You are on page 1of 673

‫ْف ِ‬

‫هلل َت َعالَىٰ‬ ‫َوق ٌ‬

‫تَأْ‬
‫لِي‬
‫ف‬
‫ُ‬
‫ال َف ِقير إلى َع ْف ِو َربِِّه‬
‫بد ال َْع ِزي ِز بْ ِن ُم َح َّم ٍد السّ ِ‬
‫لمان‬ ‫َع ِ‬
‫المدرس في معهد إمام الدعوة بالرياض‬
‫سابقاً‬

‫الجزء الثالث‬

‫الر ِح ِيم‬
‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫اهلل َّ‬‫بِس ِم ِ‬
‫ْ‬
‫ال ‪َ :‬س لُوا َوال تُ ْكث ُِروا ‪ ،‬فَِإ َّن‬ ‫وقَف َقوم علَى ع امِل َف َق الُوا ‪ :‬إِنَا س ائِلُ َ ِ‬
‫ت ؟ قَ َ‬ ‫وك أَفَ ُمج ُيبنَا أَنْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ٌْ َ َ‬
‫يث يِف طَلَبِ ِه ‪ .‬قَالُوا ‪ :‬فَأ َْو ِصنَا ‪ .‬قَ َال ‪َ :‬ت َز َّو ُدوا‬ ‫ب َحثِ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ود ‪َ ،‬والطَّال َ‬ ‫َّه َار لَ ْن َي ْرج َع َوالْعُ ُمَر لَ ْن َيعُ َ‬
‫الن َ‬
‫ِ‬ ‫َعلَى قَ ْد ِر َس َف ِر ُك ْم فَِإ َّن َخْيَر َّ‬
‫وها‬‫ف األ َْع َم ا ِر فَ َخلّ ُد َ‬
‫ص َحائ ُ‬ ‫الزاد َما أ َْبلَ َغ الُْب ْغيَ ةَ ‪ .‬مُثَّ قَ َال ‪ :‬األَيَّ ُام َ‬
‫الق الْ ُكس اىَل واخْلَو ِ‬ ‫ِ‬ ‫َحس ن األ َْعم ال ‪ ،‬فَ ِإ َّن الْ ُف رص مَتُُّر م َّر الس ح ِ‬
‫الِف ‪،‬‬ ‫َخ َ َ َ َ‬ ‫اب ‪ ،‬والت ََّوايِن م ْن أ ْ‬ ‫َ َ َ َ َ‬ ‫أْ ََ َ‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وم ِن اس َتوطَن م ر َكب الْعج ِز عَث ر ِ‬


‫بِه ‪َ .‬وَت َز َّو َج الت ََّوايِن بِالْ َك َس ِل َف ُو َ‬
‫لِد َبْيَن ُه َما‬ ‫ََ ْ ْ َ َ ْ َ َ ْ َ َ‬
‫ض ُه ْم ‪:‬‬
‫أ‪ .‬هـ ‪ .‬قَ َال َب ْع ُ‬ ‫اخْلُ ْسَرا ُن ‪.‬‬
‫الم ْه‬ ‫ت الَْبطَالَةُ بِالتََّوانِي‬ ‫ِش ْعرا‪َ :‬تَز َّوج ِ‬
‫غُ َ‬ ‫الما َم َع‬ ‫فَأ َْولَ َد َها غُ ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫نَ َد َام َه‬ ‫ت َس َّم ْو َها‬ ‫َوأََّما الْبِْن ُ‬ ‫فَأََّما االبْ ُن َس َّم ْوهُ بَِف ْق ٍر‬

‫َمَناالً ِم َن األُ ْخَرى يَ ُكو ُن لَهُ ذُ ْخَرا‬ ‫ال إِ َذا لَ ْم يَ ْح ِو َها ال َْم ْرء لَ ْم‬ ‫صٌ‬ ‫خَ‬
‫ِ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫ال بَِها أ ْ‬
‫َجَرا‬ ‫َوإِ ْكثَ ُار أَ ْع َمال َيَن ُ‬ ‫َيَنُك ْلو ُن لَهُ َت ْقَوى َو ُز ْه ٌد َو ِعَّفة‬
‫يل‬ ‫ِ‬ ‫َعمل ِ ِ‬ ‫ْج ِدي َديْ ِن إِال‬
‫صال ٌح َوذ ْكٌر َجم ُ‬ ‫ٌَ َ‬ ‫س َيْبَقى َعلَى ال َ‬ ‫لَْي َ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫ال‬ ‫لِ َخالِِق ِه إِ َذا ُع َّد ِّ‬
‫الر َج ُ‬ ‫َح َس ُن ِم ْن ُم ِطي ٍع‬ ‫َو َما ِفي الن ِ‬
‫َّاس أ ْ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫ب‬‫ب ال َْعلَْي ِاء َم ْع طَلَ ِ‬‫َعلَى طَلَ ِ‬ ‫الشْيَب ِة َدائًِبا‬
‫َسأُنِْف ُق َرْي َعا َن َّ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫ب ِم ْن‬ ‫اتَمألُّرْ ِِ‬
‫َجربال َن ْف ِع َوتُ ْح َس ُ‬ ‫ُ‬ ‫َن لََيالًِيا‬ ‫ان أ َّ‬‫أَلَْيس ِمن الْ ُخسر ِ‬
‫َْ‬ ‫َ ْ‬
‫حل‬
‫كم ‪ ،‬وال مَ َ‬ ‫ت بَِدِار َق َرِار ْ‬ ‫الدنَْيا ُعَليْم ِرسَي ْ‬
‫ُّ‬
‫ال بَْعضُهم ‪ :‬أَُّي َه ا الن اسُ إِنَّ‬‫َق َ‬
‫الرِحْي َل َفكَم‬ ‫ب مِْنَها عََلى َأهِْل َه ا َّ‬ ‫اء َوَأْوَج َ‬ ‫اهلل عَلى َأهِْلَها الفَنَ َ‬ ‫ب ُ‬‫ِإَقَامتُِكْم ‪َ ،‬دٌار َكتَ َ‬
‫ب عَِمارَُت ه ‪َ ،‬وَكْم مِْن ُمقِْيٍم ُمغَْتبِ ٍ‬
‫ط‬ ‫خَر ُ‬ ‫ست ْ‬‫ِمْن عَ ِامٍر ُمَؤنٍِّق َوُمحسِّْن ‪ ،‬عََّما َقِلْي ٍل َ‬
‫حضُُرُكْم‬ ‫احِمُل وا َخْي َر مَ ا يَ ْ‬
‫الرْحَل َة َو ْ‬
‫اهلل مِْن َه ا ِّ‬
‫مكم ُ‬ ‫رحُل ِإىل املقبَ رة َفَأْحسِنُوا َرِح ُ‬ ‫َسيَ َ‬
‫الزِاد التَّقوى ‪.‬‬
‫ِلُّلنْقَلِة َوَتَزَّوُدْوا َفِإَّن َخْيَر َ‬

‫‪1‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫(‪)1‬‬
‫الن فِيك فَ ِ ِ ِ ِ‬
‫صاحِلَة َت ْربَ ُح َوحُتْ َم ُد الْ َعاقِبَة احْلَ ِم َ‬
‫يدة إِ ْن َشاءَ اهللُ َت َعاىَل ‪.‬‬ ‫َّه َار َي ْع َم ِ َ ْ‬
‫اعم ْل في ِهما أ ْع َماالً َ‬ ‫الليل والن َ‬
‫ْ‬
‫اج ِ‬ ‫َعَلْي ِه ِمن ا ِإلْنَف ِ‬
‫اق ِفي َغْي ِر و ِ‬ ‫س ال َْم ِال ُع ْم ُر َك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ش ْع ًرا‪ :‬إ َذا َكا َن َرْأ ُ‬
‫احَت ِر ْز‬
‫فَ ْ‬
‫الرقَ ِاد‬
‫يب ُّ‬ ‫ٍِ ِ‬ ‫ِ‬
‫آخر‪ :‬إِ َذا َش َام الَْفَتى َب ْر َق ال َْم َعالي‬
‫فَأ َْهَو ُن فَائت ط ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ مِب‬ ‫الْمالئِ َكة يكْتُب ان ما َت ْلفِ ُ ِ‬
‫ف‬‫َش َر ُ‬ ‫يام ِة ‪ .‬أ ْ‬ ‫ص َعلَى أَ ْن ال َتْنطق إال َا يَ ُس ُّر َك َي ْوم الْق َ‬ ‫اح ِر ْ‬
‫ظ بِه فَ ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫األ ْ ِ‬
‫ك ُك ُّل الْ َف َوائِ ِد‬ ‫ك فَ َم ا َذا َيْب َقى َم َع َ‬
‫ت َو ْقتَ َ‬ ‫ض ْي َع َ‬
‫ك َو َ‬
‫ت َق ْلبَ َ‬‫ك ‪ ،‬فَ إَ َذا أَمْهَْل َ‬
‫ك ‪َ ،‬و َو ْقتُ َ‬‫َش يَاء َق ْلبُ َ‬
‫ت‪.‬‬‫ذَ َهبَ ْ‬
‫ت يت ِ‬ ‫ِ‬ ‫الدْنيا َفو ِ‬ ‫ِشعرا‪ :‬أََّما بيوتُ َ ِ‬
‫َّس ُع‬ ‫ت َقْبَر َك َب ْع َد ال َْم ْو َ‬ ‫َفَلْي َ‬ ‫اس َعةٌ‬ ‫ك في ُّ َ َ‬ ‫ُُ‬ ‫ًْ‬
‫فَِإنَّ َما اللَّْي ُل َن َه ُار األَ ِر ُ‬
‫يب‬ ‫آخر‪َ :‬وبَ ِاد ِر اللَّْي ُل يِ ْد ِر ِ‬
‫س ال ُْعلُوم‬
‫(‪)3‬‬
‫َخذ ا ِإلنْس ان َعلَى غِرة َو َغ ْفلَة َو ُه و يِف‬ ‫َن قِصر األَم ِل علَيهِ م َدار ع ِظيم و ِحصن األَم ِل ِذ ْكر الْموت و ِحصن ِح ِ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫صنه ذ ْك ُر فَ ْجأَة الْ َم ْوت وأ ْ‬‫ُ َْ َ َ ْ ُ ْ‬ ‫ْاعلَ ْم أ َّ َ َ َ َ ْ َ ٌ َ َ ْ َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وبنَا ِإََِنَّهُ َعلَى ُك ّل َش ْيء قَدي ٍر ‪ ،‬اللَّ ُه َّم َ‬
‫صلِّي َعلَى حُمَ َّمد وآله وسلم ‪.‬‬ ‫ُغ ُرو ٍر َو ُفتُو ٍر َع ْن الْ َع َمل لآلخَر ِة ‪ .‬نَ ْسأ َُل اهللَ أَ ْن يُوق َظ ُقلُ َ‬
‫الدي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجي أَ ْعيُ ٌن نُ ُج ُل‬ ‫َّ َ‬ ‫ب‬
‫َن ُش ْه َ‬ ‫َكأ َّ‬ ‫ش ْع ًرا‪ :‬يَ ْحيِي اللََّيالي إِ َذا ال َْم ْغ ُر ُ‬
‫ور أَ ْغَفلَ َها‬
‫الَّ ِذي َخ ِسَر ال ُْع ْمَرا‬ ‫لِ َخالِِق ِه َف ُهَو‬ ‫ات ِفي غَْي ِر‬ ‫اع ِ‬
‫الس َ‬‫آخر‪َ :‬و َم ْن ُيْنِف ِق َّ‬
‫لِ َما ُخِل ُقوا لَ َما غََفلُوا َونَ ُاموا‬ ‫اهلل لَْو َعِل َم األَنَ ُام‬‫اع ٍةو ِ‬
‫آخر‪ :‬أ َطََما َ َ‬

‫‪2‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ِ ِ‬
‫اهوا َو َه ُاموا‬ ‫ُعيُو ُن ُقلُوبِِه ْم تَ ُ‬ ‫صَرتْهُ‬
‫لََق ْد ُخل ُقوا ل َما لَْو أَبْ َ‬
‫ال ِعظَ ُام‬ ‫َوَت ْوبِي ٌخ َوأ َْهَو ٌ‬ ‫ال ِعظَ ُام‬
‫َوَت ْوبِي ٌخ َوأ َْهَو ٌ‬
‫س ُمونَهُ تَ ْح ِقي ًقا أل َّ‬
‫َن‬ ‫ِ‬
‫ص ُرهُ أ َْو َيَت َع َرض لَ هُ ب َما يُ َ‬
‫َي إِنْ ٍ‬
‫س ان أَ ْن يَ ْختَ َ‬ ‫الحظَة ‪ :‬ال يُ ْس َمح أل ِ َ‬ ‫ُم َ‬
‫ف ‪َ ،‬وال يُطْبَ ُع إِال َو ْق ًفا‬ ‫ام لِلْم َؤلِ ِ‬ ‫َّح ِق َ‬ ‫ب لَِت ْع ِط ِ‬ ‫ِ‬
‫يق أ ََرى أَنَّهُ ِّات َه ٌ ُ‬ ‫َص ِل ‪َ .‬والت ْ‬ ‫يل األ ْ‬ ‫ص َار َسبَ ٌ‬
‫اال ْخت َ‬
‫هلل َت َعالَى َعلَى َم ْن َي ْنَت َف َع بِ ِه ِم َن ال ُْم ْسلِ ِمين ‪.‬‬
‫ِ‬
‫َوالْ ُك ْف ُر ِف ِيه ُّ‬
‫الذ ُّل َوال َْهَوا ُن‬ ‫ِّين ِف ِيه ال ِْعُّز َوالْ َك َم ُ‬
‫ال‬ ‫ِ‬
‫ش ْعًرا‪ :‬الد ُ‬
‫الن ْفع لِ َم ْن َو َّف َقهُ اهللُ ))‬
‫يمةٌ َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫(( فَائ َدةٌ َعظ َ‬
‫ما أَْنعم اهلل علَى عب ٍد نِعم ةً أَفْ ِ‬
‫اها ‪َ ،‬و َو َّف َق هُ‬
‫ض َل م ْن أَ ْن َعَّرفَ هُ ال إله إال اهلل ‪َ ،‬و َف َّه َم هُ َم ْعنَ َ‬‫َ َ َ ُ َ َْ ْ َ َ‬
‫ِ‬
‫َّع َوةِ إِلَْي َها ‪.‬‬
‫اها ‪َ ،‬والد ْ‬
‫ضَ‬ ‫ل ْل َع َم ِل مِب ُْقتَ َ‬
‫ت أ ََمانِ ِيه َوتَ َّم بَِن ُاؤ ُه‬ ‫َوتَ َّم ْ‬ ‫ور ُه‬
‫ت أ ُُم ُ‬ ‫ين ال َْم ْر ِء تَ َّم ْ‬ ‫ِ‬
‫إِ َذا تَ َّم د ُ‬ ‫ِش ْعًرا‪:‬‬
‫ألَنَّهُ َق ْو ُل َم ْن قَ ْد أَنْ َشأَ الَْب َشَرا‬ ‫َص َد ُق َق ْو ٍل فَا ْف َه ِم الْ َخَبَرا‬ ‫ِّ‬
‫الذ ْك ُر أ ْ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫ال ال ِْعَّز‬ ‫ُّهى َك ْي َتَن َ‬ ‫يَا َذا الن َ‬ ‫فَا ْع َم ْل بِِه تُ ِر ْد ِف ْه ًما َو َم ْع ِرفَ ًة‬
‫ف‬‫اب َو َع َّم الْ َخ ْو ُ‬ ‫َوجالَْف ِ‬
‫اء ْخاَلراْح َس ُ‬ ‫ََ‬ ‫اهلل ِفي َي ْوِم ال َْم َع ِاد إِ َذا‬ ‫وتَ ْح ِم ِد ِ‬
‫َ‬
‫يمَتا َشيَراِد ُق َو َما قَ ْد َج َّل َوا ْشَت َهَرا‬ ‫َِفواَْن‬ ‫ين بِِه‬ ‫ٍ ِِ‬ ‫ِ‬
‫هلل َد ُّر ِر َجال َعامل َ‬
‫ور أ َْو َس َآم ْة‬ ‫الل أ َْو ُفتُ ُ‬ ‫ِم ٌ‬ ‫ب يُ ْد ِر ُك َم ْن َقَر َاها‬ ‫يع الْ ُكتُ ِ‬ ‫ِ‬
‫َجم ُ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫صطََفى يَا َذا َّ‬
‫الش َه َام ْة‬ ‫َو َق ْو ِل ال ُْم ْ‬ ‫اسَت ِم ْع لِي‬ ‫ِ‬
‫سَوى الْ ُق ْرآن فَا ْف َه ْم َو ْ‬
‫ِ‬
‫ت ِف َيها ال َْعْي َن َوال َْعْي َن َوالَْي َدا‬ ‫َوأَ ْفَنْي َ‬ ‫ب ُكتًُبا طَالَ َما قَ ْد َج َم ْعُت َها‬ ‫أُ َقلِّ ُ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫ت ِف َيها‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ت َذا ظَ ِّن بَِها وتَم ُّس ٍ‬
‫ص ْغ ُ‬‫لعلْمي بِ َما قَ ْد ُ‬ ‫ك‬ ‫ََ‬ ‫َصَب ْح ُ‬
‫َوأ ْ‬
‫الر َدى‬ ‫ينَدا َوأَ ْن َي ْغتَالِ َها غَائِ ُل َّ‬ ‫ُمَنِه َّ‬
‫ضٌ‬ ‫ال بِنَائِ ٍل‬ ‫َح َذ ْر ُج ْه ِدي أَ ْن َتنَ َ‬‫َوأ ْ‬
‫ت ِش ْع ِري َم ْن ُيَقلُِّب َها غَ َدا‬ ‫َفَيا لَْي َ‬ ‫ت بَ ِاقًيا‬‫َوأَ ْعلَ ْم َحًّقا أَنَّنِي لَ ْس ُ‬
‫صْيَق ُل ِذ ْهنِي َوال َْمِفّر َع ْن َه ِّمي‬ ‫ين َح َّج ٍة‬ ‫صُ ِ ِ ِ‬ ‫آخر‪ :‬لَ ِ‬
‫َو َ‬ ‫يق ُفَؤادي مْن ُذ ع ْش ِر َ‬

‫‪3‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫َوِم ْن‬ ‫يف‬‫لِما ِف ِيه ِمن ِعل ٍْم لَ ِط ٍ‬


‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِمثِْل ِه‬ ‫إِ َع َار ُة‬ ‫َع ِز ٌيز َعَلى ِمثِْلي‬
‫ِ‬ ‫الْعلُ ِ‬ ‫ع ألَصَن ِ‬
‫ُك ِّمي‬ ‫نَفأَظ ٍْخْمل ْق بِِه أَ ْن ال ُيَفا ِرقَهُ‬ ‫بِأ ْ‬
‫َس ِر َها‬ ‫وم‬ ‫ُ‬ ‫اف‬ ‫ُج ُمو ٌ ْ‬
‫صلٌ )‬
‫( فَ ْ‬
‫في نماذج من وصايا السلف وثباتهم عند الموت رحمة اهلل على تلك‬
‫األرواح‬
‫األولى ‪ :‬وصية أبي بكر رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫عن أيب املليح أن أبا بكر رضي اهلل عنه ملا حض رته الوف اة أرسل إىل‬
‫عمر بن اخلط اب رضي اهلل عنه فق ال ‪ :‬أين أوص يك بوص ية ‪ ،‬إن أنت قبلتها‬
‫عين ‪ :‬إن هلل عز وجل ح ًقا بالليل ال يقبله بالنه ار ‪ ،‬وإن هلل عز وجل ح ًقا‬
‫ؤدى الفريضة ‪،‬‬
‫بالنه ار ال يقبله بالليل ‪ ،‬وإنه عز وجل ال يقبل النافلة حىت ت َّ‬
‫أمل تر إمنا ثقلت موازينه يف اآلخرة بإتباعهم احلق يف الدنيا ‪ ،‬وثقل ذلك عليهم‬
‫‪ ،‬وحق مليزان ال يوضع فيه إال ح ًقا أن يثقل ‪ ،‬أمل تر إمنا خفت م وازين من‬
‫خفت موازينه يف اآلخرة بإتباعهم الباطل يف الدنيا ‪ ،‬وخف ذلك عليهم ‪ ،‬وحق‬
‫مليزان ال يوضع فيه إال ب اطالً ‪ ،‬أن خيف ‪ ،‬أمل ( تر ) أن اهلل عز وجل أن زل‬
‫آية الرج اء عند آية الش دة ‪ ،‬وآية الش دة عند آية الرج اء ‪ ،‬لكي يك ون العبد‬
‫راغبًا راهبًا ‪ ،‬ال يلقي بيده إىل التهلكة ‪ ،‬ال يتمىن على اهلل عز وجل غري احلق‬
‫‪ ،‬ف إن أنت حفظت وص ييت فال يك ونن غ ائب أحب إليك من املوت ‪ ،‬وال بد‬
‫لك منه ‪ ،‬وإن أنت ض يعت وص ييت ه ذه فال يك ونن غ ائب أبغض إليك من‬
‫املوت ‪ .‬واهلل أعلم ‪ .‬وصلى اهلل على حممد وآله وسلم ‪.‬‬
‫وصية عمر رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫عن الشعيب قال ‪ :‬ملا طعن عمر رضي اهلل عنه جاء ابن عباس فقال ‪ :‬يا‬
‫أمري املؤم نني ! أس لمت حني كفر الن اس ‪ ،‬وجاه دت مع رس ول اهلل ‪ ‬حني‬
‫شهيدا ومل خيتلف عليك اثنان ‪ ،‬وتوىف رسول اهلل ‪‬‬
‫ً‬ ‫خذله الناس ‪ ،‬وقتلت‬

‫‪4‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وهو عنك راض ‪ ،‬فقال له ‪ :‬أعد علي مقالتك ‪ ،‬فأعاد عليه فقال ‪ :‬املغرور من‬
‫غررمتوه ‪ ،‬واهلل لو أن يل ما طلعت عليه الش مس أو غ ربت الفت ديت به من‬
‫هول املطلع ‪ .‬واهلل أعلم وصلى اهلل على حممد وآله وسلم ‪.‬‬
‫وصية عثمان رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫وعن العالء بن الفضل عن أبيه قال ‪ :‬ملا قتل عثمان بن عفان رضي اهلل‬
‫عنه فتش وا خزائنه فوج دوا فيها ص ندوقًا مقفالً ‪ ،‬ففتح وه فوج دوا فيه حقة فيها‬
‫ورقة مكتوب فيها ‪ :‬هذه وصية عثمان بن عفان ‪:‬‬
‫بسم اهلل ال رمحن ال رحيم ‪ ،‬عثم ان بن عف ان يش هد أن ال اله إال اهلل‬
‫وح ده ال ش ريك له ‪ ،‬وأن حمم ًدا عب ده ورس وله ‪ ‬وأن اجلنة حق ‪ ،‬وأن الن ار‬
‫حق ‪ ،‬وأن اهلل يبعث من يف القب ور لي وم ال ريب فيه ‪ ،‬إن اهلل ال خيلف‬
‫امليع اد ‪ ،‬عليها حييا ‪ ،‬وعليها ميوت ‪ ،‬وعليها يبعث إن ش اء اهلل عز وجل ‪.‬‬
‫وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫وصية علي بن أبي طالب رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫وعن الشعيب ملا ضرب علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه ‪ ،‬تلك الضربة‬
‫قال‪ :‬ما فعل ضاريب ؟ قالوا ‪ :‬قد أخذناه ‪ ،‬قال ‪ :‬أطعموه من طعامي ‪ ،‬واسقوه‬
‫من ش رايب ‪ ،‬ف إن أنا عشت رأيت فيه َرأْيِي ‪ ،‬وإن أنا مت فاض ربوه ض ربة‬
‫واحدة ال تزيدوه عليها ‪.‬‬
‫مث أوصى احلسن رضي اهلل عنه أن يغسله وال يغايل يف الكفن ‪ ،‬فإين مسعت رسول اهلل ‪‬‬
‫سريعا » ‪ .‬وامشوا يب بني املشيتني ‪ ،‬ال تسرعوا‬ ‫يقول ‪ « :‬ال تغلو يف الكفن فإنه يسلب سلبًا ً‬
‫شرا ألقيتموين عن أكتافكم ‪.‬‬ ‫خريا عجلتموين إليه ‪ ،‬وإن كان ً‬ ‫يب ‪ ،‬وال تبطئوا ‪ ،‬فإن كان ً‬
‫ب‬ ‫ض ُّ‬
‫الدْنَيا َفَنل ُْهوا َوَنل َْع ُ‬ ‫َوَت ْعَت ِر ُ‬ ‫اع َة ِذ ْك ِر ِه‬
‫ت َس َ‬ ‫َْ‬ ‫ِش ْع ًرا ُنَر ُ‬
‫اع لِ ِذ ْك ِر الْمو ِ‬
‫‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ب‬ ‫ِ‬
‫َو َما َكا َن ف َيها َف ُهَو َش ْيءٌ ُم َحبَّ ُ‬ ‫الدْنَيا ُخِل ْقَنا لِغَْي ِر َها‬
‫َونَ ْح ُن َبنُو ُّ‬

‫ور‬ ‫َوإِ َّن َم ْن غَُّر بِ ُّ‬


‫الدْنَيا لَ َم ْغ ُر ُ‬ ‫آخر‪ :‬أَبَا ال ُْم ِغ َير ِة َو ُّ‬
‫الدْنَيا ُم ِغ َيرٌة‬
‫وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫وصية معاذ بن جبل رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫وملا أصيب أبو عبي دة ( بن اجلراح ) يف ط اعون عمواص اس تحلف مع اذ‬
‫بن جبل واش تد الوجع ‪ ،‬فق ال الن اس ملع اذ ‪ :‬ادع اهلل يرفع عنا ه ذا الزجر ‪،‬‬
‫ق ال ‪ :‬إنه ليس برجز ولكنه ‪ :‬دع وة ن بيكم ‪ ‬وم وت الص احلني قبلكم وش هادة‬
‫خيتص ( هبا ) اهلل من يش اء منكم أيها الن اس أربع خالل من اس تطاع أن ال‬
‫يدركه ش يء منهن فال يدركه ‪ ،‬ق الوا ‪ :‬وما هي ؟ ق ال ‪ :‬ي أيت زم ان يظهر فيه‬
‫الباطل ‪ ،‬ويص بح الرجل على دين وميسي على آخر ‪ ،‬ويق ول الرجل ‪ :‬واهلل ما‬
‫أدري على ما أنا ‪ .‬ال يعيش على بص رية ‪ ،‬وال ميوت على بص رية ويعطَى‬
‫الرجل املال من مال اهلل على أن يتكلم الذي يسخط اهلل ‪ ،‬اللهم آت آل معاذ‬
‫نص يبهم األوىف من ه ذه الرمحة فطعن ابن اه فق ال ‪ :‬كيف جتدانكما ؟ ق ال ‪ :‬يا‬
‫ين ﴾ قال ‪ :‬ستجدين إن شاء اهلل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أبانا ﴿ احْلَ ُّق ِمن َّربِّ َ‬
‫ك فَالَ تَ ُك ونَ َّن م َن الْ ُم ْمرَت َ‬
‫من الص ابرين ‪ . .‬مث طعنت امرأت اه فهلكتا ‪ ،‬وطعن هو يف إهبامه فجعل ميس ها‬
‫بفيه يقول ‪ :‬اللهم إهنا صغرية فبارك فيها فإنك تبارك يف الصغري حىت هلك رمحة‬
‫اهلل عليه ‪ .‬وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫وصية عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫وعن الشعيب قال ‪ :‬ملا حضر عبد اهلل بن مسعود املوت دعا ابنه فقال ‪:‬‬
‫يا عبد اهلل بن مسعود ! إين أوصيك خبمس خصال فاحفظهن عين ‪ :‬أظهر اليأس‬
‫غىن فاضل ‪ ،‬ودع مطلب احلاجات إىل الناس ‪ ،‬فإن ( ذلك‬ ‫للناس ‪ ،‬فإن ذلك ً‬
‫) فقر حاضر ‪ ،‬ودع ما تعذر منه من األمور ‪ ،‬وال تعمل به ‪،‬‬

‫‪6‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وإن استطعت أن ال يأيت عليك يوم إال وأنت خري منك باألمس فافعل ‪ ،‬فإذا صليت صالة‬
‫فصل مودع كأنك ال تصلى بعدها ‪ .‬قال بعضهم ‪:‬‬

‫اهلل ِفي ُك ِّل لَ ْحظَِة‬ ‫أُال ِز ْم ِذ ْكر ِ‬


‫َ‬ ‫ِش ْع ًرا أَال لَْي َ‬
‫ت أَنِّي َي ْو َم تَ ْدنُو َمنِيَّتِي‬
‫الص لَِبا ِري الَْب ِريَِّة‬
‫بِ َكِل َم ِة إِ ْخ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوآخ ُر َر ْم ِق م ْن َحَياتِي خَت ُامهُ‬ ‫‪:‬‬
‫وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫وصية أبي موسى األشعري رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫وملا حض رت أبا موسى الوف اة دعا فتيانه فق ال ‪ :‬اذهب وا ف احفروا يل‬
‫وأعمق وا فإنه ك ان يس تحب العمق ‪ ،‬ق ال ‪ :‬فج اء احلف رة فق الوا ‪ :‬قد حفرنا ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬اجلسوا يب فوالذي نفسي بيده إهنا إلحدى املنزلتني ‪ ،‬إما ليوسعن قربي‬
‫حىت تكون كل زاوية أربعني زراعا ‪ ،‬وليفتحن يل بابًا من أبواب اجلنة فألنظرن‬
‫إىل م نزيل وإىل أزواجي ‪ ،‬وما أعد اهلل عز وجل يل فيها من النعيم ‪ ،‬مث ألنا‬
‫أه دى إىل م نزيل يف اجلنة مين الي وم إىل أهلي ‪ ،‬وليص يبين من روحها ورحياهنا‬
‫حىت أبعث ‪ .‬وإن ك انت األخ رى فليض يقن علي ق ربي حىت ختتلف فيه أض العي‬
‫حىت يك ون أض يق من ك ذا وك ذا ‪ ،‬وليفتحن يل ب اب من أب واب جهنم ‪،‬‬
‫فألنظ رن إىل مقع دي وإىل ما أعد اهلل عز وجل يل فيها من السالسل واألغالل‬
‫والقرن اء ‪ ،‬مث ألنا إىل مقع دي من ( جهنم ) أله دى مين الي وم إىل م نزيل مث‬
‫ليصيبين من مسومها ومحيمها حىت أبعث ‪ .‬واهلل أعلم وصلى اهلل على حممد وعلى‬
‫آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫وصية أبي عقيل رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫وملا ك ان ي وم اليمامة واص طف الن اس للقت ال ك ان أول من خ رج أبو‬
‫عقيل رمي بس هم بني منكبه وف ؤاده ف أخرج الس هم ف وهن له ش قه األيسر وجر‬
‫إىل الرحل فلما محى القتال مسع معن ابن عدي يصيح يا آل األنصار اهللَ اهلل‬

‫‪7‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫والك رة على ع دوكم ق ال عبد اهلل بن عمر ‪ :‬فنهض أبو عقيل فقلت ‪ :‬ما تريد‬
‫‪ ،‬ق ال ‪ :‬قد ف وه املن ادى بامسي ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ما يعىن اجلرحى ‪ .‬فق ال ‪ :‬أنا من‬
‫األنص ار ‪ ،‬وأنا أجيبه ولو حب ًوا ‪ .‬فتح زم وأخذ الس يف مث جعل ين ادي ‪ :‬يا آل‬
‫األنصار كرة كيوم حنني ‪ ،‬قال ابن عمر ‪ :‬فاختلفت السيوف بينهم فقطعت يده‬
‫اجملروحة من املنكب فقلت ‪ :‬أبا عقيل ‪ ،‬فق ال ‪ :‬لبيك ‪ ،‬بلس ان ملت اث ‪ ،‬ملن‬
‫ال دبرة ؟ فقلت ‪ :‬أبشر قد قتل ع دو اهلل ‪ .‬ف أخربت عمر فق ال ‪ :‬رمحه اهلل ما‬
‫زال يسأل الشهادة ويطلبها ‪ .‬وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫وصية عبد اهلل بن رواحة رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫وملا جتهز الناس وهتيئوا للخروج إىل مؤتة مضوا حىت نزلوا أرض الشام ‪،‬‬
‫فبلغهم أن هرقل قد ن زل من أرض البلق اء يف مائة ألف من ال روم ‪ ،‬وانض مت‬
‫إليه املس تعربة ( من خلم ‪ ،‬وج زام وبلقني ‪ ،‬وهبرا ‪ ،‬وبلى ) يف مائة ألف ‪،‬‬
‫فأقاموا ليلتني ينظرون يف أمرهم ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬نكتب لرسول اهلل ‪ ‬فنخربه ( بعدد‬
‫ع دونا ) ‪ .‬ق ال ‪ ( :‬فش جع عبد اهلل بن رواحة الن اس ‪ ،‬مث ق ال ‪ :‬واهلل يا ق وم ‪،‬‬
‫إن ال ذي تكره ون لل ذي خ رجتم له تطلب ون الش هادة وما نقاتل الع دو بع دة ‪،‬‬
‫وال ك ثرة ما نق اتلهم إال هبذا ال دين ال ذي أكرمنا اهلل تع اىل به ‪ ،‬ف انطلقوا فإمنا‬
‫هي إح دى احلس نيني ‪ ،‬إما ظه ور وإما ش هادة ‪ .‬ق ال ‪ :‬فق ال الن اس ‪ :‬قد واهلل‬
‫صدق ابن رواحة فمضوا ‪.‬‬
‫وملا ق دم أبو ع ون مصر واس توىل على البلد أرسل إىل حي وة بن ش ريح‬
‫فج اء فق ال ‪ :‬إنا معشر املل وك ال نعصى فمن عص انا قتلن اه قد وليتك القض اة ‪،‬‬
‫ق ال ‪ :‬أوامر أهلي ‪ ،‬ق ال ‪ :‬اذهب فج اء إىل أهله فغسل رأسه وحليته ون ال ش يئا‬
‫من الطيب ولبس أنظف ما قدر عليه من الثياب مث جاء فدخل عليه فقال ‪ :‬من‬
‫جعل السحرة‬

‫‪8‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫أوىل مبا قالوا منا فاقض ما أنت قاض ‪ ،‬فلست أتوىل لك شيئًا ‪ ،‬قال ‪ :‬فأذن‬
‫له فرجع ‪.‬‬
‫عن عبد اهلل بن أمحد بن حنبل ق ال ‪ :‬ملا حض رت أيب الوف اة جلست‬
‫عن ده بي دي اخلرقة ألشد هبا حلييه فجعل يع رق ‪ ،‬مث يفتح عينيه ‪ ،‬ويق ول بي ده‬
‫هك ذا‪ :‬ال بعد ففعل ه ذا م رة وثانية ‪ ،‬فلما ك ان يف الثالثة ‪ ،‬قلت له ‪ :‬يا أبة‬
‫أي ش يء ه ذا قد هلجت به يف ه ذا ال وقت تع رق حىت تق ول قد قبضت ‪ ،‬مث‬
‫تعود فنقول ال ال بعد فقال يل ‪ :‬يا بين ما تدري ؟ قلت ‪ :‬ال ‪ ،‬قال ‪ :‬إبليس‬
‫لعنه اهلل ق ائم ح ذائي ع اض على أنامله يق ول يل ‪ :‬أمحد ُفتَّيِن ‪ ،‬ف أقول له ‪ :‬ال‬
‫بعد حىت أم وت ‪ . . . .‬أ ‪ .‬هـ ‪ .‬واهلل أعلم وص لى اهلل على حممد وآله وص حبه‬
‫وسلم ‪.‬‬
‫آخر‪ :‬وصية داود بن أبي هند رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫بسم اهلل ال رمحن ال رحيم ‪ :‬ه ذا ما أوصى به داود بن أيب هند ( أوصى‬
‫بتق وى اهلل عز وجل ول زوم طاعته ‪ ،‬وطاعة رس وله ‪ ،‬والرضي بقض ائه ‪،‬‬
‫والتس ليم ألم ره ‪ ،‬وأوص اهم مبا أوصى به يعق وب بنيه ) ﴿ يَا بَيِن َّ إِ َّن اللّ هَ‬
‫ُّم ْس لِ ُمو َن ﴾ ( البق رة ‪. )132:‬‬ ‫ِّين فَالَ مَتُ وتُ َّن إَالَّ َوأَنتُم‬
‫اص طََفى لَ ُك ُم ال د َ‬
‫ْ‬
‫وداود يش هد مبا ش هد اهلل عز وجل عليه ومالئكته ‪ :‬أن ال إله إال اهلل وأن‬
‫حممد عب ده ورس وله ‪ ‬وباجلنة والن ار وبالق در كله ‪ ،‬على ذلك حييا ‪ ،‬وعلى‬
‫ذلك ميوت ‪.‬‬
‫اللهم اختم باألعمال الصاحلات أعمارنا وحقق بفضلك آمالنا وسهل لبلوغ‬
‫رض اك س بلنا وحسن يف مجيع األح وال أعمالنا يا منقذ الغ رقى ويا منجي اهللكى‬
‫ويا دائم اإلحس ان أذقنا ب رد عف وك وأنلنا من كرمك وج ودك ما تقر به عيوننا‬
‫من رؤيتك يف جن ات النعيم واغفر لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني برمحتك يا‬
‫أرحم الرامحني وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وصية األوزعي رضي اهلل عنه ‪:‬‬


‫وس ئل األوزعي كيف يكتب الرجل وص يته ؟ ق ال ‪ :‬يكتب بسم اهلل‬
‫ال رمحن ال رحيم ‪ ،‬ه ذا ما ش هد به فالن بن فالن أن ال إله إال اهلل وح ده ال‬
‫شريك له ‪ ،‬وأن حممد عبده ورسوله ‪ ،‬وأن اجلنة حق ‪ ،‬وأن النار حق ‪ ،‬وأن‬
‫الس اعة ( آتية ) ال ريب فيها ‪ ،‬وأن اهلل يبعث من يف القب ور ‪ ،‬على ذلك حييا‬
‫‪ ،‬وعليه يبعث إن شاء اهلل ‪ .‬وصلى اهلل على حممد وآله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫وصية فاطمة رضي اهلل عنها بنت محمد ‪: ‬‬
‫عن عبد بن حممد بن عقيل بن ط الب اهلامشي املدين ق ال ‪ :‬ملا حض رت‬
‫فاطمة رضي اهلل عنها الوفاة دعت مباء فاغتسلت مث دعت حبنوط فتحنطت ‪ ،‬مث‬
‫دعته بثي اب أكفاهنا فلبست مث ق الت ‪ :‬إذا أنا مت فال حترك وين ‪ .‬فقلت ‪ :‬هل‬
‫أحدا فعل ذلك قبلها ؟ قال ‪ :‬نعم كثري بن عباس ‪.‬‬
‫بلغك أن ً‬
‫وكتب يف ط رف أكفانه كثري بن عب اس يش هد أن ال إله إال اهلل وأن‬
‫اهلل ‪. ‬‬ ‫حممدا رسول‬
‫ً‬
‫وعن أمساء بنت عميس أن فاطمة بنت رسول اهلل ‪ ‬أوصت أن يغسلها‬
‫زوجها علي بن أىب ط الب رضي اهلل عنه فغس لها هو وأمساء بنت عميس ‪.‬‬
‫وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫وصية سعد بن أبي وقاص رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫عن الزهري أن سعد بن أيب وقاص ملا حضرته الوفاة دعا خبلق جبة له‬
‫من ص وف فق ال ‪ :‬كفن وين فيها ف إين لقيت املش ركني فيها ي وم ب در وإمنا كنت‬
‫أخبئها هلذا اليوم ‪ .‬وصلى اهلل على حممد وآله وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وصية حميد بن عبد الرحمن الحيرى رحمه اهلل ‪:‬‬


‫احلمريى‬ ‫عن محاد بن سلمة قال ‪ :‬قرأت يف وصية محيد بن عبد الرمحن‬
‫ورسوله‬ ‫أوصى أنه يشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له وأن حممد عبده‬
‫أهله من‬ ‫‪ ،‬وأن الس اعة آتية ال ريب فيها وأن اهلل يبعث من يف القب ور وأوصى‬
‫‪.‬‬ ‫بعده أن يتقوا اهلل ويصلحوا ذات بينهم وأن ال ميوتوا إال وهم مسلمون‬
‫وصية عبادة بن الصامت رضي اهلل عنه‪:‬‬
‫عن الصناحبي قال ‪ :‬دخلت على عبادة بن الصامت وهو يف املوت فبكيت‬
‫فق ال ‪ :‬مهالً مل تبكي فواهلل لئن استش هدت ألش هدن لك ولئن ش فعت ألش فعن‬
‫لك ولئن استطعت ألنفعنك ‪.‬‬
‫مث ق ال ‪ :‬واهلل ما ح ديث مسعته من رس ول اهلل ‪ ‬لكم فيه خري إال قد‬
‫واحدا سوف أحدثكموه اليوم وقد أحيط بنفسي ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حدثتكموه إال حديثًا‬
‫مسعت رس ول اهلل ‪ ‬يق ول ‪ « :‬من ش هد أن ال اهلل إال اهلل وأن حممد‬
‫رسول اهلل حرم على النار » ‪ .‬انفرد بإخراجه مسلم ‪ .‬أ‪.‬هـ ‪.‬‬
‫أخا له يف اهلل فقال ‪ :‬أهلمك اهلل يا أخي ذكره وأوزعك‬ ‫وصية ‪ :‬أوصى بعضهم ً‬
‫شكره ورضاك بقدره وال أخالك من توفيقه ومعرفته ‪.‬‬
‫وال وكلك إىل نفسك وال إىل أحد من خلقه وكتبك عنده ممن أراد اهلل‬
‫عز وجل تقريبه وجد يف الطلب بالصدق واألدب ‪.‬‬
‫وأراد رسول اهلل ‪ ‬باملتابعة والتصديق ‪.‬‬
‫وأراد ال دار اآلخ رة باألعم ال الص احلة واحتم ال األذى وت رك األذى ‪،‬‬
‫وجعلك من املكثرين لذكر اهلل ومحده وشكره الوجلني من خشيته تعاىل ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫املخلصني هلل عز وجل املوح دين هلل عز وجل املص دقني هلل تع اىل املؤثرين على‬
‫أنفسهم املقدمني حقه على حقوقهم ‪.‬‬
‫الذين خلت بواطنهم من احلقد واحلسد والعجب والكرب وسوء الظن ‪.‬‬
‫الذين ال يستأثرون وال يزامحون وعلى غري طاعة رهبم ال حيزنون ‪.‬‬
‫ال ذين هم على مجيع أمة حممد يش فقون وهبم يرفق ون ال ذين ينص حون‬
‫املس لمني وال يف رتون ‪ ،‬ويعرف ون باهلل وش رعه وال يعنف ون وال يس خرون بالن اس‬
‫وال يستهزئون ‪.‬‬
‫وعن عيب من فيه العيب يغمضون ويسرتون ولعورات املؤمنني ال يتتبعون‬
‫‪ ،‬الذين هم هلل يف مجيع حركاهتم وسكناهتم مراقبون ‪.‬‬
‫ال ذين يك ون غض بهم هلل ال ألنفس هم وال يتمن ون الس وء وال يعت دون‬
‫ويك ون رض اهم هلل ‪ ،‬ال ذين ال ي أمرون إال مبا ت أمر به الش ريعة املطه رة وال‬
‫ينكرون إال ما أنكرته الشريعة على حسب طاقتهم ‪.‬‬
‫ال ذين ال تأخ ذهم يف اهلل لومة الئم ويبغض ون الظلم من الظ امل وميقت ون‬
‫الظ امل وال يعظمونه ‪ ،‬ويس ألون اهلل تع اىل أن مينع الظلمة من الظلم حىت ال‬
‫يظلموا ويتوب اهلل عليهم حىت يتوبوا ‪.‬‬
‫الذين مبا أنزل هلل تعاىل على رسوله حيكمون الزاهدين يف الدنيا املقبلني‬
‫بكلتهم على اهلل عز وجل ‪.‬‬
‫وجعلك اهلل يا أخي من املوح دين املخلصني ال ذين ال ش رك عن دهم‬
‫املنزهني الذين ال هتمة عندهم املصدقني الذين ال شك عندهم ‪.‬‬
‫الط البني ال ذين ال فت ور عن دهم يف األعم ال الص احلات املتبعني ال ذين ال‬
‫ابت داع عن دهم الق انعني ال ذين ال طمع عن دهم وال ميل إىل الس وء عن دهم‬
‫للمسلمني ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ال ذين ال منازعة عن دهم الراضني ال ذين ال س خط عن دهم احملافظني على‬


‫طاعة اهلل ال ذين ال يرض يهم إال م والهم وال يرتض ون نفوس هم إال إذا اس تقامت‬
‫على ما حيبه اهلل ويرضاه ‪.‬‬
‫ال ذين يقتف ون أثر الش ارع وبه يقت دون وعلى مجيع الص حابة ي رتمحون‬
‫ولقرابة نبيهم يوادون وبفضل السلف يعرتفون ‪.‬‬
‫ال ذين ال تعجبهم زينة ال دنيا ال ذين حيث ون عب اد اهلل على طاعته وحيبب ون‬
‫اهلل عز وجل إىل خلقه ويذكروهنم نعمه ‪.‬‬
‫ال ذين أي ديهم مقبوضة عن أم وال الن اس وج وارحهم مكفوفة عن أذاهم‬
‫وعن أعراضهم ‪ ،‬الناس منهم يف راحة وهم من شرور أنفسهم يف تعب ونصب‬
‫ورياضة ‪.‬‬
‫اعرضا عمالً بقول اهلل‬ ‫وصفحا وال قول السوء إال ً‬ ‫ً‬ ‫عفوا‬
‫الذين ال يقابلون عمل السوء إال ً‬
‫ك لَ ِم ْن َع ْزِم اأْل ُُم و ِر‬ ‫ِ‬
‫صَبَر َو َغ َفَر إِ َّن َذل َ‬‫َح َس ُن ﴾ ‪ ،‬وقوله ‪َ ﴿ :‬ولَ َمن َ‬
‫ِ‬
‫تعاىل ‪ْ ﴿ :‬ادفَ ْع بِالَّيِت ه َي أ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض وا َعْن هُ‬ ‫﴾ وقوله ‪َ ﴿ :‬وإِ َذا َمُّروا بِاللَّ ْغ ِو َمُّروا كَراماً ﴾ ‪ ،‬وقوله ‪َ ﴿ :‬وإِ َذا مَس عُوا اللَّ ْغ َو أ َْعَر ُ‬
‫﴾‪.‬‬
‫اب َّ ِ‬ ‫اب لَِب ِ‬ ‫ت وقَ ْد ُخ ِ‬ ‫ِ‬
‫اح‬
‫الشِّر م ْفَت ُ‬ ‫ْجَو َ‬‫إِ َّن ال َ‬ ‫ت‬‫وص ْم َ‬ ‫ش ْعًرا‪ :‬قَالُوا َس َك َّ َ‬
‫ص ْو ِن ال ِْع ْر ِ‬ ‫أَي ً ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الح‬
‫ص ُ‬ ‫ض ِإ ْ‬ ‫ضا َوفيه ل َ‬ ‫ْ‬ ‫ت ْم َع ْن َجاه ٍل أ َْو أ ْ‬
‫َح َم ٍق‬ ‫ْت ْم لَ ُه‬‫فَُقل َُّ‬
‫الص‬
‫ْب يَ ْخ َشى لََع ْم ِري َو ُهَو‬ ‫َوالْ َكل ُ‬ ‫ُس َد تُ ْخ َشى َو ِه َي‬ ‫فَرى األ ْ‬ ‫أ َََمشاَر ٌَت‬
‫الض ْغ ُن َك ِام ُن‬‫َح َشائِِه ِّ‬ ‫َنَعبَّ ُد َُّو ِ‬ ‫آخر‪ :‬وإِ ِ‬
‫اح َوفي أ ْ‬ ‫صنِّاميَتةٌ أَلَْقى ال َْم ْر َء أَ ْعلَ ُم أَنَّهُ‬‫ََ‬
‫ت لَ َديِْه َّ‬
‫الضغَائِ ُن‬ ‫ِ‬
‫يما َوقَ ْد َماتَ ْ‬ ‫َسل ً‬ ‫فَأ َْمَن ُحهُ بِ ْشًرا َفَي ْر ِج ُع َقلْبُهُ‬
‫ْم َعْنهُ لَهُ لِ َج َاما‬ ‫ِ‬
‫فَ َكا َن الْحل ُ‬ ‫ض ِل‬ ‫السِف َين ِة بَِف ْ‬
‫ت َعَلى َّ‬ ‫آخر‪َ :‬ر ِج ْع ُ‬
‫ِ‬
‫الما‬
‫ْت لَهُ َس َ‬ ‫َس ِاف ُههُ َو ُقل ُ‬
‫أَ‬ ‫السَف َاه َفَل ْم يَ ِج ْدنِي‬ ‫َوحلظَِْمَّني بِي َّ‬
‫ب ال َْم َذلََّة َوال َْم َ‬
‫الما‬ ‫َوقَ ْد َك َس َ‬ ‫َفَق َام يَ ُجُّر ِر ْجَلْي ِه َذلِيالَ‬
‫واهلل أعلم وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫( بسم اهلل الرحمن الرحيم )‬


‫وقال بعضهم موصيًا أوالده بوصية نافعة ملن عمل هبا ‪.‬‬
‫وبعد ‪ ،‬فإين ملا عالين املشيب بغمته ‪ ،‬وقادين الكرب يف رمته ‪ ،‬وادكرت‬
‫الش باب بعد أمته ؛ أس فت ملا أض عت ‪ ،‬ون دمت بعد الفط ام على ما رض عت؛‬
‫وتأك دت وج وب نص حي ملن لزمين رعيه ‪ ،‬وتعلق بس عيي س عيه ‪ ،‬وأملت أن‬
‫تتع دى إىل مثرات اس تقامته ‪ ،‬وأنا رهني ف وات ‪ ،‬وىف ب رزخ أم وات ؛ وي أمن‬
‫العث ور يف الطريق اليت اقتضت عث اري ‪ ،‬إن س لك ‪ -‬وعسى أال يك ون ذلك ‪-‬‬
‫على آث اري فقلت أخ اطب الثالثة الولد ‪ ،‬ومثرات اخللد ؛ بعد الض راعة إىل اهلل‬
‫يف ت وفيقهم ‪ ،‬وإيض اح ط ريقهم ‪ ،‬ومجع تف ريقهم ؛ وأن مين علي فيهم حبسن‬
‫اخللف ‪ ،‬والتالقي من قبل التلف ‪ ،‬وأن ي رزق خلفهم التمسك هبدي الس لف ؛‬
‫فهو ويل ذلك ‪ ،‬واهلادي إىل خري املسالك ‪.‬‬
‫اعمل وا ه داكم من ب أنواره يهت دي الض الل ‪ ،‬وبرض اه ترفع األغالل ‪،‬‬
‫وبالتماس قربه حيصل الكمال ‪ ،‬إذا ذهب املال ‪ ،‬وأخلفت اآلمال ‪ ،‬وتربأت من‬
‫ميينها الشمال ؛ إين مودعكم وإن ساملين الردى ‪ ،‬ومفارقكم وإن طال املدى ‪،‬‬
‫وما عدا مما بدا ؛ فكيف وأدوات السفر جتمع ‪ ،‬ومنادي الرحيل يسمع ؛ وال‬
‫أقل للحبيب املودع من وصية حمتضر ‪ ،‬وعجالة مقتصر ؛ ونصيحة تكون نشيدة‬
‫واع ومبصر ؛ تتكفل لكم حبسن الع واقب من بع دي ‪ ،‬وتوضح لكم يف الش فقة‬
‫واحلنو قص دي ‪ ،‬حس بما تض من وعد اهلل من قبل وع دي ؛ فهي أربكم ال ذي‬
‫ال يتغري وقفه ‪ ،‬وال ينالكم املكروه ما رف عليكم سقفه ؛ وكأين بشبابكم قد‬
‫ش اخ ‪ ،‬وب راحلكم قد أن اخ ؛ وبنش اطكم قد كسل ‪ ،‬واس تبدل الص اب من‬
‫العسل ‪ ،‬ونص ول الش يب ت روع بأسل ‪ ،‬ال بل [ الس ام ] من كل ح دب قد‬
‫نسل ‪ ،‬واملع اد اللحد وال تسل ؛ فب األمس كنتم ف راخ حجر ‪ ،‬والي وم آب اء‬

‫‪14‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫عس كر جمر ‪ ،‬وغ ًدا ش يوخ مض يعة وهجر ؛ والقب ور ف اغرة ‪ ،‬والنف وس عن‬
‫املألوفات‬

‫‪15‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ص اغرة ؛ وال دنيا بأهلها س اخرة ‪ ،‬واألوىل تعقبها آخ رة ؛ واحلازم من مل يتعظ‬


‫به أمر ‪ ،‬وق ال ‪ :‬بي دي ال بيد َعمِرو ؛ فاقتنوها من وص ية ‪ ،‬وم رام يف النصح‬
‫قص ية ؛ وخص وا هبا أوالدكم إذا عقل وا ‪ ،‬ليح دوا زادها إذا انتقل وا ؛ وحسيب‬
‫وحس بكم اهلل ال ذي مل خيلق اخللق مهالً ‪ ،‬ولكن ليبل وهم أيهم أحسن عمالً ؛‬
‫وال رضي ال دنيا م نزالً ‪ ،‬وال لطف مبن أص بح عن فئة اخلري منع زالً ؛ ولتلقن وا‬
‫علما يقينًا ؛ إنكم لن جتدوا بعد أن أنف رد ب ذنيب ‪ ،‬ويف رتش‬ ‫تلقينًا ‪ ،‬وتعلم وا ً‬
‫الرتاب جنيب ‪ ،‬ويسح انسكايب ‪ ،‬وهترول عن املصلى ركايب ‪ ،‬أحرص مين على‬
‫سعادة إليكم جتلب ‪ ،‬أو غاية كمال بسببكم ترتاد وتطلب ؛ حىت ال يكون يف‬
‫ال دين وال دنيا ْأورف منكم ظالً ‪ ،‬وال أش رف حمالً ‪ ،‬وال أغبط هنال وعال ؛‬
‫وأقل ما ي وجب ذلك عليكم أن تص يخوا إىل ق ويل اآلذان ‪ ،‬وتتلمح وا ص بح‬
‫نصحي فقد بان ‪ ،‬وسأعيد عليكم وصية لقمان ‪:‬‬
‫أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اِل ِ ِ‬ ‫﴿ َوإِ ْذ قَ َ‬
‫ال لُْق َما ُن بْنه َو ُه َو يَعظُهُ يَا بُيَنَّ اَل تُ ْش ِر ْك باللَّه إ َّن الش ِّْر َك لَظُْل ٌم َعظ ٌ‬
‫يم‬
‫اص رِب ْ َعلَى َما‬ ‫ِ‬ ‫﴾ ‪ ﴿ ،‬يَا بُيَنَّ أَقِ ِم َّ‬
‫الص اَل ةَ َوأْ ُم ْر بِالْ َم ْع ُروف َوانْ هَ َع ِن الْ ُمن َك ِر َو ْ‬
‫َّك لِلن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك إِ َّن َذ َ ِ‬
‫ش يِف‬ ‫َّاس َواَل مَتْ ِ‬ ‫ص ِّع ْر َخ د َ‬ ‫لِك م ْن َع ْزم اأْل ُُم و ِر * َواَل تُ َ‬ ‫َص ابَ َ‬‫أَ‬
‫ض‬‫ض ْ‬ ‫ك َوا ْغ ُ‬ ‫ص ْد يِف َم ْش يِ َ‬ ‫ب ُك َّل خُمْتَ ٍال فَخ و ٍر * واقْ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ض َمَرح اً إِ َّن اللَّهَ اَل حُيِ ُّ‬ ‫اأْل َْر ِ‬
‫ت احْلَ ِم ِري ﴾ ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ص ْوتِ َ‬ ‫ِ‬
‫ص ْو ُ‬
‫َص َوات لَ َ‬ ‫ك إِ َّن أَن َكَر اأْل ْ‬ ‫من َ‬
‫وأعيد وص ية خليل اهلل وإس رائيله ‪ ،‬حس بما تض منه حمكم تنزيله ‪ ﴿ :‬يَا‬
‫ِّين فَالَ مَتُوتُ َّن إَالَّ َوأَنتُم ُّم ْس لِ ُمو َن ﴾ ‪ ،‬والدين الذي‬ ‫اصطََفى لَ ُك ُم الد َ‬ ‫بَيِن َّ إِ َّن اللّهَ ْ‬
‫ارتضاه واصطفاه ‪ ،‬وأكمله ووفاه ‪ ،‬وقرره مصطفاه ‪ ،‬من قبل أن يتوفاه ‪ ،‬فاهلل‬
‫واحد أحد ‪ ،‬فرد صمد ‪ ،‬ليس له والد وال ولد ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫َو ُه َو بِ ُك ِّل‬ ‫والْب ِ‬


‫اط ُن‬ ‫سبق وجوده األكوان ؛ ﴿ هو اأْل ََّو ُل واآْل ِخ ر والظَّ ِ‬
‫اه ُر‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َُ‬
‫يفعل وهم‬ ‫أل عما‬ ‫يم ﴾ خ الق اخللق وما يعلم ون ‪ ،‬وال ذي ال يس‬ ‫ٍ ِ‬
‫َش ْيء َعل ٌ‬
‫يسألون ؛‬

‫‪17‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫احلي العليم املدبر القدير ‪ ،‬ليس كمثله شيء وهو السميع البصري ؛ أرسل الرسل‬
‫رمحة لتدعو العباد إىل النجاة من الشقاء وتوجه احلجة يف مصريهم إىل دار البقاء‬
‫‪ ،‬مؤي دة ب املعجزات اليت ال تتصف أنوارها باالختف اء ‪ ،‬وال جيوز على تواترها‬
‫دع وى االنتف اء ؛ مث ختم دي واهنم بنيب ملتنا املرعية للهمل ‪ ،‬الش اهدة على امللل‬
‫‪ ،‬فتلخصت الطاعة ‪ ،‬وت بينت له اإلم رة املطاعة ‪ ،‬ومل يبق بع ده إال ارتق اب‬
‫الس اعة ؛ مث إن اهلل قبضه إذ ك ان بش ًرا ‪ ،‬وت رك دينه يضم من األمة نش را ؛‬
‫فمن اتبعه حلق به ‪ ،‬ومن حاد عنه تورط يف منتسبه ‪ ،‬وكانت جناته على قدر‬
‫سببه ‪.‬‬
‫روي عنه ص لوات اهلل وس المه عليه أنه ق ال ‪ « :‬ت ركت فيكم ما إن‬
‫متسكتم به لن تضلوا بعدي ‪ :‬كتاب اهلل وسنيت ‪ ،‬فعضوا عليهما بالنواجذ » ‪.‬‬
‫ف اعملوا يا بين بوص ية من ناصح جاهد ‪ ،‬ومش فق ش فقة والد ؛‬
‫واستش عروا حبه ال ذي ت وفرت دواعيه ‪ ،‬وع وا مراشد هديه فيا ف وز واعيه ؛‬
‫وصلوا السبب بسببه ‪ ،‬وآمنوا بكل ما جاء به جممالً أو مفص الً على حسبه ‪،‬‬
‫وأوجب وا التجلة لص حبه ؛ ال ذين اخت ارهم اهلل لص حبته ‪ ،‬واجعل وا حمبتكم إي اهم‬
‫من توابع حمبته ؛ وامشلوهم ب التوقري ‪ ،‬وفض لوا منهم أويل الفضل الش هري ؛‬
‫وتربؤوا من العصبية اليت مل يدعكم إليها داع ‪ ،‬وال تع التشاجر بينهم أذن واع‬
‫‪ ،‬فهو عن وان الس داد وعالمة س المة االعتق اد ؛ مث اس حبوا فضل تعظيمهم على‬
‫فقهاء امللة ‪ ،‬وأئمتها اجللة ؛ فهم صقلة نصوهلم ‪ ،‬وفروع ناشئة عن أصوهلم ‪،‬‬
‫وورثتهم وورثة رسوهلم ؛ واعلموا أين قطعت يف البحث زماين ‪ ،‬وجعلت النظر‬
‫ش اين ‪ ،‬منذ ي راين اهلل وأنش اين ‪ ،‬مع نبل يع رتف به الش اين ‪ ،‬وإدراك يس لمه‬
‫العقل اإلنس اين ؛ فلم أجد خابط ورق ‪ ،‬وال مص يب ع رق ؛ وال ن ازع خط ام‬
‫‪ ،‬وال متكلف فط ام ‪ ،‬وال مقتحم حبر ط ام ؛ إال وغايته اليت يقص دها قد‬

‫‪18‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫فض لتها الش ريعة وس بقتها ‪ ،‬وف رعت ثنيتها وارتقتها ؛ فعليكم ب التزام جادهتا‬
‫السابلة ‪ ،‬ومصاحبة رفقتها‬

‫‪19‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫الكافلة ‪ ،‬واالهت داء بأقمارها غري اآلفلة ؛ واهلل يق ول وهو أص دق الق ائلني ‪﴿ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َو َمن َيْبتَ ِغ َغْي ر ا ِإل ْس الَِم ِدين اً َفلَن يُ ْقبَ ل ِمْن هُ َو ُه و يِف‬
‫ين ﴾ ‪،‬‬ ‫اآل ِخ َرة م َن اخْلَاس ِر َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وقد علت ش رائعه ‪ ،‬وراع الش كوك رائعه ‪ .‬فال تس تنزلكم ال دنيا عن ال دين ‪،‬‬
‫واب ذلوا دونه النف وس فعل املهت دين ‪ ،‬فلن ينفع مت اع بعد اخلل ود يف الن ار أبد‬
‫اآلب دين ‪ ،‬وال يضر مفق ود مع الف وز بالس عادة واهلل أص دق الواع دين ‪ ،‬ومت اع‬
‫احلياة الدنيا أخس ما ورث األوالد عن الوالدين ‪ ،‬اللهم قد بلغت ‪ ،‬فأنت خري‬
‫الشاهدين ‪.‬‬
‫فاحذروا املعاطب اليت توجب يف الشقاء اخللود ‪ ،‬وتستدعي شوه الوجوه‬
‫اجلل ود ؛ واس تعيذوا برضا اهلل من س خطه ‪ ،‬واربئ وا بنفوس كم عن‬ ‫ونضج‬
‫غمطه ؛ وارفع وا آم الكم عن القن وع بغ رور قد خ دع أس الفكم ‪ ،‬وال حتم دوا‬
‫على جيفة الع رض الزائل ائتالفكم ؛ واقنع وا منه مبا تيسر ‪ ،‬وال تأس وا على ما‬
‫فات وتعذر ‪ ،‬فإمنا هي دجنة ينسخها الصباح ‪ ،‬وصفقة يتعقبها اخلسار والرباح‬
‫؛ ودونكم عقيدة اإلميان فشدوا بالنواجذ عليها ‪ ،‬وكفكفوا الشبه أن تدنوا إليها‬
‫؛ واعلم وا أن اإلخالل بش يء من ذلك خ رق ال يرف ؤه عمل ‪ ،‬وكل ما س وى‬
‫ال راعي مهل ‪ ،‬وما بعد ال رأس يف ص الح اجلسم أمل ؛ ومتس كوا بكت اب اهلل‬
‫حفظًا وتالوة ‪ ،‬واجعل وا محله على محل التكليف عالوة ؛ وتفك روا يف آياته‬
‫ومعانيه ‪ ،‬وامتثل وا أوام ره وانته وا عن مناهيه ‪ ،‬وال تت أولوه وال تغل وا فيه ؛‬
‫وأشربوا قلوبكم حب من أنزل على قلبه ‪ ،‬وأكثروا من بواعث حبه ؛ وصونوا‬
‫ش عائر اهلل ص ون احملرتم ‪ ،‬واحفظ وا القواعد اليت ينبين عليها اإلس الم حىت ال‬
‫ينخرم ‪.‬‬
‫اهللَ اهلل يف الص الة ذريعة التجلة ‪ ،‬وخاصة امللة ‪ ،‬وحاقنة ال دم ‪ ،‬وغىن‬
‫املستأجر املستخدم ؛ وأم العبادة ‪ ،‬وحافظة اسم املراقبة لعامل الغيب والشهادة ؛‬

‫‪20‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫والناهية عن الفحش اء واملنكر مهما ع رض الش يطان عرض هما ‪ ،‬ووطأ للنفس‬
‫األمارة مساءمها وأرضهما ‪ ،‬والوسيلة إىل بل اجلوانح بربود الذكر ‪ ،‬وإيصال حتفة‬

‫‪21‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫اهلل إىل م ريض الفكر ؛ وض ابطة حسن العش رة من اجلار ‪ ،‬وداعية املس املة من‬
‫الفج ار ؛ والوامسة بس مة الس المة ‪ ،‬والش اهدة للعقد برفع املالمة ؛ فاص ربوا‬
‫النفس على وظائفها بني إب داء وإع ادة ‪ ،‬ف اخلري ع ادة ؛ وال تفض لوا عليها‬
‫األشغال البدنية [ وتؤثروا على العلية الدنية ] ؛ فإن أوقاهتا املعينة باالنفالت تنبس‬
‫والفلك هبا من أجلكم ال حيبس ؛ وإذا ق رنت بالش واغل فلها اجلاه األص يل ‪،‬‬
‫واحلكم ال ذي ال يغ ريه الغ دو وال األص يل ؛ والوظ ائف بعد أدائها ال تف وت ‪،‬‬
‫وأين حق من ميوت ‪ ،‬من حق احلي ال ذي ال ميوت ؟ وأحكم وا أوض اعها إذا‬
‫أقمتموها ؛ وأتبعوها بالنوافل ما أطقتموها ؛ فاإلتق ان تفاض لت األعم ال ‪،‬‬
‫وباملراع اة اس تحق الكم ال ‪ ،‬وال ش كر مع اإلمهال ‪ ،‬وال ربح مع إض اعة رأس‬
‫املال ‪ ،‬وث ابروا عليها يف اجلماع ات ‪ ،‬وبي وت الطاع ات ؛ فهو أرفع للمالم ‪،‬‬
‫وأظهر لشرائع اإلسالم ؛ وأبر بإقامة الفرض ‪ ،‬وأدعى إىل مساعدة البعض البَعض‬
‫‪.‬‬
‫والطهارة اليت هي يف حتصيلها سبب موصل ‪ ،‬وشرط ملشروطها حمصل ؛‬
‫فاس توفوها ‪ ،‬واألعض اء نظفوها ‪ ،‬ومياهها بغري أوص افها احلمي دة فال تص فوها ؛‬
‫واحلج ول والغ رر فأطيلوها ‪ ،‬والني ات يف كل ذلك فال هتملوها ؛ فالبن اء بأساسه‬
‫‪ ،‬والسيف برئاسه ‪ ،‬واعلموا أن هذه الوظيفة من صالة وطهور ‪ ،‬وذكر جمهور‬
‫وغري جمهور ؛ تستغرق األوقات ‪ ،‬وتنازع شىت اخلواطر املفرتقات ؛ فال يضبطها‬
‫إال من ض بط نفسه بعق ال ‪ ،‬وك ان يف درجة الرجولة ذا انتق ال ‪ ،‬واس تعاض‬
‫ص دأه بص قال ؛ وإن ت رخى تقهقر الب اع ‪ ،‬وس رقته الطب اع ‪ ،‬وك ان ملا س واها‬
‫أضيع فشمل الضياع ‪.‬‬
‫والزك اة أختها احلبيبة ‪ ،‬ول دهتا القريبة ؛ مفت اح الس ماحة ب العرض الزائل‬
‫وشكران املسئول على الضد من درجة السائل ؛ وحق اهلل يف مال من أغناه ‪،‬‬
‫ملن أجه ده يف املع اش وعن اه ؛ من غري اس تحقاق ملء ي ده وإخالء يد أخيه ‪،‬‬

‫‪22‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وال علة الق در ال ذي خيفيه ‪ ،‬وما مل ينله حظ اهلل فال خري فيه ‪ ،‬فامسحوا‬
‫بتفرقتها للحاضر‬

‫‪23‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫إلخراجها واختيار عرضها ونتاجها ؛ واستحيوا من اهلل أن تبخلوا عليه ببعض ما‬
‫بذل ‪ ،‬وخالفوا الشيطان كلما عذل ؛ واذكروا خروجكم إىل الوجود ال متلكون‬
‫‪ ،‬وال ت درون أين تس لكون ؛ ف وهب وأق در ‪ ،‬وأورد بفض له وأص در ؛ ل ريتب‬
‫بكرمه الوس ائل ‪ ،‬ويقيم احلجج وال دالئل ‪ ،‬ف ابتغوا إليه الوس يلة مباله ‪ ،‬واغتنم وا‬
‫رضاه ببعض نواله ‪.‬‬
‫صيام رمضان عبادة السر املقربة إىل اهلل زلفى ‪ ،‬املمحوضة ملن يعلم السر‬
‫وأخفى ؛ مؤك دة بص يام اجلوارح عن اآلث ام ‪ ،‬والقي ام برب القي ام ؛ واالجته اد ‪،‬‬
‫وإيث ار الس هاد على امله اد ؛ وإن وسع االعتك اف فهو من س ننه املرعية ‪،‬‬
‫ولواحقه الش رعية ؛ فب ذلك حتسن الوج وه ‪ ،‬وحتصل النف وس من الرقة على ما‬
‫ترجوه ؛ وهتذب الطباع ‪ ،‬وميتد يف ميدان الوسائل إىل اهلل الباع ‪.‬‬
‫واحلج مع االس تطاعة ال ركن ال واجب ‪ ،‬والف رض على العني ال حيجبه‬
‫احلاجب ؛ وقد بني رس ول اهلل ‪ ‬ق دره فيما ف رض عن ربه وس نه ‪ ،‬وق ال‪« :‬‬
‫ليس له جزاء عند اهلل إال اجلنة » ‪.‬‬
‫ويلحق بذلك اجلهاد يف سبيل اهلل إن كانت لكم قوة عليه ‪ ،‬وغىن لديه‬
‫؛ فكونوا ممن يسمع نفريه ويطيعه ‪ ،‬وإن عجزمت فأعينوا من يستطيعه ‪.‬‬
‫ه ذه عمد اإلس الم وفروضه ‪ ،‬ونق ود مه ره وعروضه ؛ فح افظوا عليها‬
‫تعيش وا م ربورين ‪ ،‬وعلى من ين اوئكم ظ اهرين ‪ ،‬وتلق وا اهلل ال مب دلني وال‬
‫مغريين ‪ ،‬وال تضيعوا حقوق اهلل فتهلكوا مع اخلاسرين ‪.‬‬
‫واعلموا أن بالعلم تستكمل وظائف هذه األلقاب ‪ ،‬جتلى حماسنها من بعد‬
‫االنتق اب ؛ فعليكم ب العلم الن افع ‪ ،‬دليال بني ي دي الش افع ؛ ف العلم مفت اح ه ذا‬
‫َّ ِ‬
‫الب اب ‪ ،‬واملوصل إىل اللب اب ؛ واهلل عز وجل يق ول ‪َ ﴿ :‬ه ْل يَ ْس تَ ِوي الذ َ‬
‫ين‬
‫اب ﴾ والعلم وس يلة النف وس‬ ‫ي ْعلَم و َن والَّ ِذين اَل ي ْعلَم و َن إِمَّنَا يتَ َذ َّكر أُولُ وا اأْل َلْب ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫الشريفة ‪ ،‬على املطالب املنيفة ‪ ،‬وشرطه اخلشية هلل واخليفة ‪ ،‬وخاصة املأل‬

‫‪24‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫األعلى ‪ ،‬وصفة اهلل يف كتبه اليت تتلى ؛ والسبيل يف اآلخرة إىل السعادة ‪ ،‬وىف‬
‫الدنيا إىل التجلة عادة ؛ والذخر الذي قليله يشفع وينفع ‪ ،‬وكثريه يعلي ويرفع‬
‫؛ ال يغصبه الغاصب ‪ ،‬وال يسلبه العدو املناصب ؛ وال يبتزه الدهر إذا مال ‪،‬‬
‫وال يس تأثر به البحر إذا ه ال ؛ من مل ينله فهو ذليل وإن ك ثرت آماله ‪،‬‬
‫وقليل إن جم ماله ؛ وإن ك ان وقته قد ف ات اكتس ابكم ‪ ،‬وختطى حس ابكم ‪،‬‬
‫فالتمسوه لبنيكم ‪ ،‬واستدركوا منه ما خرج عن أيديكم ؛ وامحلوهم على مجعه‬
‫رى لغرسه ؛ واستس هلوا ما ين اهلم من تعب من‬ ‫ودرسه ‪ ،‬واجعل وا طب اعهم ث ً‬
‫جراه ‪ ،‬وسهر يهجر له اجلفن كراه ؛ تعقدوا هلم والية عز ال تعزل ‪ ،‬وحتلوهم‬
‫مثابة رفعة ال حيط فارعها وال يستنزل ؛ واختاروا من العلوم اليت ينفقها الوقت‬
‫‪ ،‬ما ال يناله يف غ ريه املقت ؛ وخري العل وم عل وم الش ريعة ‪ ،‬وما جنم مبنابتها‬
‫املريعة ؛ من علوم لسان ال تستغرق األعمار فصوهلا ‪ ،‬وال يضايق مثرات املعاد‬
‫حمص وهلا ؛ فإمنا هي آالت لغري ‪ ،‬وأس باب إىل خري منها وخري ؛ فمن ك ان‬
‫بتقدميه ‪،‬‬ ‫قابالً منها الزدياد ‪ ،‬وألفى فهمه ذا انقياد ؛ فليخص جتويد القرآن‬
‫مث حفظ احلديث ومعرفة ص حيحه من س قيمه ؛ مث الش روع يف أص ول الفقه ‪،‬‬
‫فهو العلم العظيم املنة ‪ ،‬امله دي كن وز الكت اب والس نة ؛ مث املس ائل املنقولة عن‬
‫العلم اء اجللة ‪ ،‬والت درب يف ط رق النظر وتص حيح األدلة ‪ ،‬وه ذه هي الغاية‬
‫القص وى يف امللة ؛ ومن قصر إدراكه عن ه ذا املرمى ‪ ،‬وتقاعد عن اليت هي‬
‫أمسى ؛ فلريو احلديث بعد جتويد الكتاب وإحكامه ‪.‬‬
‫أمرا رفي ًقا ‪ ،‬واهنوا عن املنكر هنيًا حريًا باالعتدال حقي ًقا‬
‫وأمروا باملعروف ً‬
‫‪ ،‬واغبط وا من ك ان من س نة الغفالت مفي ًقا ‪ ،‬واجتنب وا ما تنه ون عنه حىت ال‬
‫تس لكوا من طري ًقا ؛ وأطيع وا أمر من واله اهلل من أم وركم أم ًرا ‪ ،‬وال تقرب وا‬
‫عمرا ‪.‬‬
‫زيدا وال ً‬
‫مجرا ‪ ،‬وال تداخلوا يف اخلالف ً‬ ‫من الفتنة ً‬
‫وعليكم بالصدق فهو شعار املؤمنني ‪ ،‬وأهم ما أضرى عليه اآلباء ألسنة‬

‫‪25‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫الب نني؛ وأك رم منس وب إىل مذهبه ‪ ،‬ومن أك ثر من ش يء ع رف به ‪ .‬وإي اكم‬


‫والك ذب فهو الع ورة اليت ال ت وارى ‪ ،‬والس وءة اليت ال يرت اب يف عارها وال‬
‫يتمارى ؛ وأقل عقوبات الكذاب ‪ ،‬بني يدي ما أعد اهلل له من العذاب ‪ ،‬أال‬
‫يقبل صدقه إذا صدق ‪ ،‬وال يعول عليه إن كان باحلق قد نطق ‪.‬‬
‫وعليكم باألمانة فاخليانة ل وم ‪ ،‬وىف وجه الديانة كل وم ؛ ومن الش ريعة‬
‫اليت ال يعذر جبهلها ؛ أداء األمانات إىل أهلها ؛ وحافظوا على احلشمة والصيانة‬
‫‪ ،‬ال جتزوا من أقرض كم دين اخليانة ؛ وال توج دوا للغ در قب وال ‪ ،‬وال تق روا‬
‫طبعا جمبوالً ؛ وأوفوا بالعهد عن العهد كان مسئوالً ؛ وال تستأثروا بكنز‬ ‫عليه ً‬
‫وال خ زن ‪ ،‬وال ت ذهبوا لغري مناص حة املس لمني يف س هل وال ح زن ‪ ،‬وال‬
‫تبخس وا الن اس أش يائهم يف كيل أو وزن ؛ واهلل اهلل أن تعين وا يف س فك ال دماء‬
‫ولو باإلش ارة أو ب الكالم ‪ ،‬أو ما يرجع إىل وظيفة األقالم ‪ ،‬واعلم وا أن‬
‫اإلنسان يف فسحة ممتدة ‪ ،‬وسبيل اهلل غري منسدة ؛ ما مل ينبذ إىل اهلل بأمانه ‪،‬‬
‫ويغمس يف الدم احلرام بيده أو لسانه ‪ ،‬قال اهلل تعاىل يف كتابه الذي هدى به‬
‫سننًا قوميًا ‪ ،‬وجلى من اجلهل والضالل ليالً هبيما ‪َ ﴿ :‬و َمن َي ْقتُ ْل ُم ْؤ ِمن اً ُّمَت َع ِّمداً‬
‫ب اللّهُ َعلَْي ِه َولَ َعنَهُ َوأ ََع َّد لَهُ َع َذاباً َع ِظيماً ﴾ ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َّم َخالداً ف َيها َو َغض َ‬
‫فَ َجَز ُآؤهُ َج َهن ُ‬
‫واجتن اب الزنا وما تعلق به من أخالق دليل على من ك رمت طباعه ‪،‬‬
‫وامتد يف سبيل السعادة باعه ؛ ومن غلبت عليه غرائز جهله ‪ ،‬فلينظر هل حيب‬
‫الزىَن‬
‫أن يزىن بأهله ؟! واهلل قد أعد للزاين عذابًا وبيالً ‪ ،‬وقال ‪َ ﴿ :‬والَ َت ْقَربُواْ ِّ‬
‫إِنَّه َكا َن فَ ِ‬
‫اح َشةً َو َساء َسبِيالً ﴾ ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫واخلمر أم اخلبائث ومفتاح اجلرائم واجلرائر ؛ واللهو مل جيعله اهلل يف احلياة‬
‫ش رطًا ‪ ،‬واحملرم قد أغىن عنه ب احلالل ال ذي س وغ وأعطى ؛ وقد تركها يف‬
‫اجلاهلية أق وام مل يرض وا لق وهلم بالفس اد ‪ ،‬وال لنفوس هم باملض رة يف مرض اة‬

‫‪26‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫حمرما على العب اد ‪ ،‬وقرهنا باألنص اب واألزالم‬


‫رجس ا ً‬
‫ً‬ ‫األجس اد ‪ ،‬واهلل قد جعلها‬
‫يف مباينة السداد ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وال تقربوا الربا فإنه من مناهي الدين ‪ ،‬واهلل تعاىل يق ول ‪َ ﴿ :‬و َذ ُرواْ‬
‫ني ﴾ ‪ ﴿ ،‬فَِإن مَّلْ َت ْف َعلُواْ فَأْ َذنُواْ حِب َْر ٍب ِّم َن اللّ ِه‬‫ِِ‬ ‫َما بَِق َي ِم َن ِّ‬
‫الربَا إِن ُكنتُم ُّم ْؤمن َ‬
‫َو َر ُس ولِِه ﴾ يف الكتاب املبني ‪ ،‬وال تأكلوا مال أحد بغري حق يبيحه ‪ ،‬وانزعوا‬
‫الطمع عن ذلك حىت ت ذهب رحيه ؛ والتمس وا احلالل يس عى فيه أح دكم على‬
‫قدمه ‪ ،‬وال يكل اختي اره إال للثقة من خدمة ‪ ،‬وال تلج ؤوا على املتش ابه إال‬
‫عند عدمه ؛ فهو يف السلوك إىل اهلل أصل مشروط ‪ ،‬واحملافظة عليه مغبوط ‪.‬‬
‫وإياكم والظلم ‪ .‬فالظامل ممقوت بكل لسان ‪ ،‬جماهر هلل بصريح العصيان ‪،‬‬
‫والظلم ظلم ات ي وم القيامة كما ورد يف الص حاح واحلس ان ؛ والنميمة فس اد‬
‫وش تات ‪ ،‬ال يبقى عليه مت ات ‪ ،‬وىف احلديث ‪ « :‬ال ي دخل اجلنة قت ات » ‪.‬‬
‫واطرح وا احلسد والبخل فم ارئي البخيل وهو م ودود ؛ وإي اكم وما يعت ذر منه ‪،‬‬
‫فمواقف اخلزي ال تس تقال عثراهتا ‪ ،‬ومظن ات الفض ائح ال ت ؤمن غمراهتا ؛‬
‫وتفق دوا أنفسكم مع الس اعات ‪ ،‬وافشوا السالم يف الط رق واجلماع ات ‪ ،‬ورقوا‬
‫على ذوي الزمانات والعاهات ‪ ،‬وتاجروا مع اهلل بالصدقة يرحبكم يف البضاعات‬
‫؛ وعول وا عليه وح ده يف الش دايد ‪ ،‬واذك روا املس اكني إذا نص بتم املوائد ؛‬
‫وتقرب وا إليه باليسري من ماله ‪ ،‬واعلم وا أن اخللق عي ال اهلل وأحب اخللق إليه‬
‫احملت اط لعياله ؛ وارع وا حق وق اجلار ‪ ،‬واذك روا ما ورد يف من اآلث ار ‪،‬‬
‫وتعاهدوا أويل األرحام ‪ ،‬والوشائج البادية االلتحام ؛ واحذروا شهادة الزور فإهنا‬
‫تقطع الظهر ‪ ،‬وتفسد السر واجلهر ؛ والرشا فإهنا حتط األق دار ‪ ،‬وتس تدعي‬
‫املذلة والص غار ؛ وال تس احموا يف لعبة قمر ‪ ،‬وال تش اركوا أويل البطالة يف أمر‬
‫؛ وحق وق اهلل من االزدراء واالس تخفاف ‪ ،‬وال تلهج وا باآلم ال العج اف ‪ ،‬ال‬
‫تكلف وا بالكهانة واإلرج اف ؛ واجعل وا العمر بني مع اش ومع اد ‪ ،‬وخصوص ية‬
‫وابتع اد ‪ ،‬واعلم وا أن اهلل مبرص اد ؛ وأن اخللق بني زرع وحص اد ‪ ،‬وأفل وا بغري‬
‫احلالة الباقية اهلموم ‪ ،‬واحذروا القواطع عن السعادة كما‬

‫‪28‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫حتذر الس موم ‪ ،‬واعلم وا أن اخلري أو الشر يف ال دنيا حمال أن ي دوم ؛ وق ابلوا‬
‫بالصرب أذية املؤذين ‪ ،‬وال تقارض وا مقالت الظ املني ‪ ،‬فاهلل ملن بغي عليه خري‬
‫الناصرين ؛ وال تستعظموا حوادث األيام كلما نزلت ‪ ،‬وال تضجوا لألمراض إذا‬
‫أعض لت ؛ فكل منق رض حقري ‪ ،‬وكل منقض وإن ط ال فقصري ؛ وانتظ روا‬
‫الف رج ‪ ،‬وانش قوا من جن اب اهلل األرج ؛ وأوس عوا بالرج اء اجلوانح ‪ ،‬واجنح وا‬
‫إىل اخلوف من اهلل تع اىل فط وىب لعبد إليه ج انح ‪ ،‬تض رعوا إىل اهلل بال دعاء ‪،‬‬
‫واجلؤوا إليه يف البأس اء والض راء ؛ وق ابلوا نعم اهلل بالش كر ال ذي يقيد منها‬
‫الشارد ‪ ،‬ويعذب املوارد ؛ وأسهموا منها للمساكني ‪ ،‬وأفضلوا عليهم ‪ ،‬وعينوا‬
‫احلظ وظ منها ل ديهم ؛ فمن اآلث ار ‪ « :‬يا عائشة أحسين ج وار نعم اهلل ‪ ،‬فإهنا‬
‫قلما زالت عن ق وم فع ادت إليهم » ‪ .‬وال تطغكم النعم فتقص روا يف ش كرها ‪،‬‬
‫وتلفكم اجلهالة بس كرها ؛ وتتومهوا أن س عيكم جلبها ‪ ،‬وج دكم حلبها ؛ فاهلل‬
‫خري ال رازقني ‪ ،‬والعاقبة للمتقني ‪ ،‬وال فعل إال اهلل إذا نظر بعني اليقني ‪ .‬واهلل‬
‫اهلل ال تنس وا الفضل بينكم ‪ ،‬وال ت ذهبوا بذهابه زينكم ؛ وليل تزم كل منكم‬
‫ألخيه ‪ ،‬ما يش تد به تواخيه ؛ مبا أمكنه من إخالص وبر ‪ ،‬ومراع اة يف عالنية‬
‫وسر ‪ ،‬ولإلنس ان مزية ال جتهل ‪ ،‬وحق ال يهمل ؛ وأظه روا التعاضد والتناصر‬
‫‪ ،‬وص لوا التعاهد وال تزاور ؛ ترغم وا ب ذلك األع داء ‪ ،‬وتس تكثروا األوداء ؛ وال‬
‫تنافسوا يف احلظوظ السخيفة ‪ ،‬وال هتارشوا هتارش السباع على اجليفة ؛ واعلموا‬
‫أن املعروف يكدر باالمتنان ‪ ،‬وطاعة النساء وشر ما أفسد بني اإلخوان ؛ فإذا‬
‫أس ديتم معروفًا فال ت ذكروه ‪ ،‬وإذا ب رز ق بيح فاس رتوه ‪ ،‬وإذا أعظم النس اء أم ًرا‬
‫تعظيما لل دين فس اعدوهن وانص روه ) واهلل اهلل ال تنس وا‬
‫ً‬ ‫ف احتقره ( إال أن يك ون‬
‫مقارضة س جلي ‪ ،‬وب روا أهل م وديت من أجلي ‪ ،‬ومن رزق منكم م االً هبذا‬
‫الوطن القلق املهاد ‪ ،‬الذي ال يصلح لغري اجلهاد ؛ فال يستهلكه أمجع يف العقار‬

‫‪29‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫‪ ،‬فيصبح عرضة للمذلة واالحتقار ‪ ،‬وساعيًا لنفسه إن تغلب العدو على بلده يف‬
‫االفتضاح واالفتقار ؛ ومعوقًا عن االنتقال ‪ ،‬أمام النوب الثقال ؛ وإذا كان رزق‬

‫‪30‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫العبد على املوىل فاإلمجال يف الطلب أوىل ؛ وازه دوا جه دكم يف مص احبة أهل‬
‫ال دنيا ‪ ،‬فخريها ال يق وم بش رها ‪ ،‬ونفعها ال يفي بض رها ؛ وأعق اب من تق دم‬
‫ش اهدة ‪ ،‬والت واريخ هلذه ال دعوى عاض دة ؛ ومن بلي منكم هبا فليس تظهر بس عة‬
‫االحتم ال ‪ ،‬والتقلل من املال ‪ ،‬وحيذر مع اداة الرج ال ‪ ،‬وم زالت اإلذالل ‪،‬‬
‫وفس اد اخلي ال ‪ ،‬ومداخلة العي ال ؛ وإفش اء األس رار ‪ ،‬وس كر االغ رتار ؛ وليصن‬
‫الديانة ‪ ،‬ويؤثر الصمت ويلزم األمانة ‪ ،‬ويسر من رضا اهلل على أضح الطرق ‪،‬‬
‫ومهما اش تبه عليه أم ران قصد أقرهبما إىل احلق ؛ وليقف يف التم اس أس باب‬
‫اجلالل ‪ ،‬ومسوا القدر ورفعة احلال دون الكمال ‪ ،‬فما بعد الكمال غري النقصان‬
‫‪ ،‬والزع ازع تس امل الل دن اللطيف من األغص ان ‪ .‬وإي اكم وطلب الوالي ات رغبة‬
‫واستظهارا على احلظوظ وغالبًا ؛ فذلك ضرر باملروءات واألقدار ‪،‬‬
‫ً‬ ‫واستجالبًا ‪،‬‬
‫إكراها‬
‫ً‬ ‫داع إىل الفضح والع ار ؛ ومن امتحن منكم هبا اختي ًارا ‪ ،‬أو جرب عليها‬
‫وإيث ًارا ؛ فليتق وظائفها بس عة ص دره ‪ ،‬وليب ذل من اخلري فيها ما يش هد أن‬
‫ق درها دون ق دره ؛ فالوالي ات فتنة وحمنة ‪ ،‬واسر وإحنة ؛ وهي بني إخط اء‬
‫س عادة ‪ ،‬وإخالل بع ادة ؛ وتوقع ع زل ‪ ،‬وإدالة رخ اء ب أزل ‪ ،‬وبيع جد من‬
‫ال دنيا هبزل ؛ ومزلة ق دم ‪ ،‬واس تتباع ن دم ؛ وم ال العمر كله ق وت ومع اد ‪،‬‬
‫واق رتاب من اهلل وابتع اد ؛ جعلكم اهلل ممن نفعة بالتبصري والتنبيه ‪ ،‬وممن ال‬
‫ينقطع بسببه عمل أبيه ‪.‬‬
‫ه ذه أس عدكم اهلل وص ييت اليت أص درهتا ‪ ،‬وجتاريت اليت ل رحبكم أدرهتا ؛‬
‫فتلقوها ب القبول لنص حها ‪ ،‬واالهت داء بض وء ص بحها ؛ وبق در ما أمض يتم من‬
‫فروعها ‪ ،‬واستغشيتم من دروعها ؛ اقتنيتم من املناقب الفاخرة ‪ ،‬وحصلتم على‬
‫سعادة الدنيا واآلخرة ؛ وبقدر ما أضعتم من آلليها النفسية القيم ‪ ،‬استكثرمت من‬
‫ب واعث الن دم ؛ ومهما س ئمتم إطالتها ‪ ،‬واس تغزرمت مقالتها ؛ ف اعلموا أن تق وى‬

‫‪31‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫اهلل فذلكة احلس اب ‪ ،‬وض ابط ه ذا الب اب ؛ ك ان اهلل خليفيت عليكم يف كل‬
‫حال ‪،‬‬

‫‪32‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫فالدنيا مناخ ارحتال ‪ ،‬وتأميل اإلقامة فرض حمال؛ فاملوعد لاللتقاء ‪ ،‬دار البقاء ؛‬
‫جعلها اهلل من وراء خطة النج اة ‪ ،‬ونفق بض ائعها املزج اة ‪ ،‬بلطائفه املرجتاة ؛‬
‫والس الم عليكم من ح بيبكم املودع ‪ ،‬واهلل يألمه حيث ش اء من مشل متص دع‬
‫ورمحة اهلل وبركاته ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫اللهم طيبنا للقائك ‪ ،‬وأهلنا لوالئك وأدخلنا مع املرحومني من أوليائك ‪ ،‬وتوفنا مسلمني‬
‫وأحلقنا بالصاحلني ‪.‬‬
‫ْم َعْنهُ لَهُ لِ َج َاما‬ ‫ِ‬
‫فَ َكا َن الْحل ُ‬ ‫ض ِل ِحل ِْمي‬ ‫السِف ِيه بَِف ْ‬
‫ت َعَلى َّ‬ ‫ِش ْعًرا‪َ :‬ر ِج ْع ُ‬
‫الما‬
‫ْت لَهُ َس َ‬ ‫ُس ِاف ُههُ َو ُقل ُ‬
‫أَ‬ ‫السَف َاه َفَل ْم يَ ِج ْدنِي‬ ‫َوظَ َّن بِي َّ‬
‫ِ‬
‫ب ال َْم َذلَّة َوال َْم َ‬
‫الما‬ ‫َوقَ ْد َك َس َ‬ ‫َفَق ِامن يَ ُجُّر ِر ْجَلْي ِه َذلِيالَ‬
‫ال بِِه انْتَِق َاما‬
‫َحَرى أَ ْن َيَن َ‬ ‫َوأ ْ‬ ‫ْحل ِْم أَْبَل ُغ ِفي َسِف ٍيه‬ ‫ضل ال ِ‬
‫َوفَ ْ ُ‬
‫‪:‬‬ ‫كان عمر بن اخلطاب رمحه اهلل يتمثل مبا يلي من األبيات‬
‫ال َوالَْولَ ُد‬ ‫ودي ال َْم ُ‬ ‫يبَقى ا ِإللَهُ وي ِ‬ ‫ِ‬
‫َُ‬ ‫َْ‬ ‫ال َش ْي َء م َّما َتَرى َتْبَقى بَ َشا َشتُهُ‬
‫ت َعا ٌد فَ َما‬ ‫َوالْ ُخلُ ُد قَ ْد َح َاولَ ْ‬ ‫لَ ْم ُت ْغنِي َع ْن ُه ْر ُمز َي ْو ًما َخَزائِنُهُ‬
‫يما َبْيَن ُه َما تَ ِر ُد‬ ‫ِ ِ‬ ‫خلِدوا‬ ‫َوال ُسلَْي َما ُن إِ ْذ تَ ْج ِر ِّ‬
‫س َوالْج ُّن ف َ‬ ‫َوَاَإلُنْ ُ‬ ‫اح لَهُ‬ ‫الريَ ُ‬
‫ب إِلَْي َها َو ِاف ٌد يَِف ُد‬ ‫ِم ْن ُك ِّل أ َْو ٍ‬ ‫ت لِِعَّزتَِها‬‫وك الَّتِي َكانَ ْ‬ ‫أَيْ َن ال ُْملُ ُ‬
‫ال بُ َّد ِم ْن ِو ْر ِد ِه َي ْو ًما َك َما‬ ‫ب‬ ‫ك َم ْو ُرو ٌد بِال َك ِذ ٍ‬ ‫ض ُهَنالِ َ‬ ‫َح ْو ٌ‬
‫الشْي َن َو َّ‬
‫الش َعثَا‬ ‫اف َّ‬ ‫أَوَْوَر ُدالْواغَُب َار يَ َخ َ‬ ‫الش ْمس‬ ‫يب َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين تَص ُ‬ ‫َم ْن َكا َن ح َ‬
‫ف يس ُكن يوما ر ِ‬
‫اغ ًما َج َدثَا‬ ‫فَ َس ْو َ َ ْ ُ َ ْ ً َ‬ ‫ف الظِّ َّل َك ْي َتْبَقى بَ َشا َشتُهُ‬ ‫َوَجيَأْبلَهَتهُ‬
‫يل ِف َيها َوال يَ ْخَت ُار َها اللََّبثَا‬ ‫ِ‬ ‫ِفي َقع ِر مظَْلم ٍة َغبراء م ِ‬
‫وح َش ٍة‬
‫يَط ُ‬ ‫ْ َ َ َْ َ ُ‬
‫الرى لَ ْم تُ ْخِلِقي‬ ‫س َقْب َل َّ‬ ‫يَا َن ْف ُ‬ ‫ين بِِه‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫تَ َج َّه ِزي بج َها ٍز َتْبلُغ َ‬
‫ب ال َْعِليَّ ْة‬ ‫ََوعَتبثَباَّوءُوا ُّ‬
‫الرتَ َ‬ ‫الدنِيَّ ْة‬ ‫آخر‪َ :‬ر َكنُوا إِلَى ُّ‬
‫الدْنَيا َّ‬
‫صَر َعْت ُه ُموا أَيْ ِدي ال َْمنِيَّ ْة‬ ‫َ‬ ‫َحتَّى ِإ َذا ا ْغَتُّروا بَِها‬

‫‪33‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫صلٌ )‬
‫( فَ ْ‬
‫فائ دة عظيمة النفع يف دفع فض ول الغم واهلم الغم يك ون للماضي واهلم‬
‫يك ون للمس تقبل ‪ ،‬فمن اغتنم ملا مضى من ذنوبه نفعه غمه على تفريطه ‪ ،‬ألنه‬
‫يثاب عليه ‪.‬‬
‫ومن اهتم بعمل خري نفع اه مهته ‪ ،‬ق ال اهلل جال وعال ‪َ ﴿ :‬و َمن خَي ْ ُر ْج‬
‫َج ُرهُ َعلى اللّ ِه ﴾‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫من َبْيته ُم َهاجراً إِىَل اللّه َو َر ُسوله مُثَّ يُ ْد ِر ْكهُ الْ َم ْو ُ‬
‫ت َف َق ْد َوقَ َع أ ْ‬
‫فأما إذا اغتنم ملفقود من الدنيا ‪ ،‬فاملفقود ال يرجع والغم يؤذي ‪ ،‬فكأنه أضاف‬
‫إىل األذى أذى ‪.‬‬
‫وينبغي للحازم أن حيرتز مما جيلب الغم ‪ ،‬وجالبه فقد حمبوب فمن كثرت‬
‫حمبوباته كثر غمه ومن قللها قل غمه ‪.‬‬
‫مث إن اإلنس ان كلما ط ال إلفه ملا حيبه واس تمتاعه به متكن من قلبه ‪،‬‬
‫فإذا فقده أحس من مر التأمل يف حلظة لفقده مبا يزيد على لذات دهره املتقدم‬
‫‪.‬‬
‫وهذا ألن احملبوب مالئم فإن اضطر إىل جوالب الغم فأمثرت الغم فعالجه اإلميان بالقضاء‬
‫والقدر وأنه ال بد مما قضي بقضاء اهلل قدره وأنه الفعال ملا يريد ال يكون شيء إال عن تدبريه‬
‫وال حميد ألحد عن الق در املق دور وال يتج اوز ما خط يف الل وح املس طور مث يعلم أن ال دنيا‬
‫موض وعة على الك در فالبن اء إىل النقض واجلمع إىل التف رق ومن رام بق اء ما ال يبقى كمن‬
‫رام وجود ما ال يوجد فال ينبغي أن يطلب من الدنيا ما مل توضع عليه ‪ ،‬قال الشاعر ‪:‬‬

‫صْفًوا ِم َن األَ ْق َذ ِاء َواألَ ْك َدا ِر‬‫َ‬ ‫ت تُ ِري ُد َها‬ ‫ت َعَلى َك َد ٍر َوأَنْ َ‬ ‫طُِب َع ْ‬
‫ب ِفي ال َْم ِاء َج ْذ َو َة نَا ِر‬ ‫ُمَتطَلِّ ٌ‬
‫ض َّد ِطب ِ‬
‫اع َها‬ ‫َ‬
‫ف األَيَّ ِام ِ‬‫َو ُم َكلِّ ُ‬
‫مث يتص ور ما ن زل به مض اعفا فيه ون عليه حينئذ ما هو فيه ومن ع ادة‬
‫احلم ال احلازم أن يضع ف وق محله ش يئًا ثقيالً مث ميشي به خط وات مث ينزله‬
‫فيخف احلمل عليه ‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وإذا نزلت به مصيبة تصور أعظم منها فمثالً إذا ذهبت إحدى عينيه تصور أن يعمى ‪،‬‬
‫وإذا أخذ بعض ماله تصور أخذه كله وهكذا يقدر أعظم مما حدث به فيهون عليه األمر ‪.‬‬
‫صائَِبهُ َقْب َل أَ ْن َتْن ِزال‬
‫َم َ‬ ‫ب ِفي َن ْف ِس ِه‬ ‫ِّل ذُو اللُّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ش ْعًرا‪ :‬يُ َمث ُ‬
‫لِ َما َكا َن ِفي َن ْف ِس ِه َمثَّال‬ ‫ت َب ْغَت ًة لَ ْم َت ُر ْعهُ‬ ‫فَِإ ْن َنَزلَ ْ‬
‫ِع َم ْن قَ ْد َخال‬ ‫صار َ‬ ‫َوَيْن َسى َم َ‬ ‫ْج ْه ِل يَأ َْم ُن أَيَّ َامهُ‬
‫َوذُو ال َ‬
‫صائِبِ ِه أَ ْعَوال‬
‫ض َم َ‬ ‫بَِب ْع ِ‬ ‫الزم ِ‬
‫ان‬ ‫وف َّ َ‬ ‫صُر ُ‬ ‫فَِإ َذا َد َهْتهُ ُ‬
‫الصْب ُر ُح ْس َن الَْبال‬ ‫لََعلَّ َمهُ َّ‬ ‫ْح ْزِم ِفي أ َْم ِر ِه‬ ‫َولَْو قَ َّد َم ال َ‬
‫وق ال رمحه اهلل احلازم من أعد للخ وف عدته قبل وقوعه ونفى فض ول‬
‫اخلوف مما ال بد منه ال ينفعه خوفه منه ‪.‬‬
‫وقد اشتد اخلوف من اهلل بكثري من الصاحلني حىت سألوا اهلل تقليل ذلك‬
‫والس بب يف س ؤاهلم أن اخلوف كالس وط للدابة ف إذا أحل على الناقة ( أي يض رهبا‬
‫) قلقت ‪.‬‬
‫ق ال س فيان الث وري لش اب جيالسه ‪ :‬أحتب أن ختشى اهلل حق خش يته ؟‬
‫قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ :‬أنت أمحق لو خشيته حق خشيته ما أديت الفرائض ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وال ينبغي للعاقل أن يشتد خوفه من نزول املرض فإنه نازل ال بد وخوف ما ال بد‬
‫منه زيادة أذى ‪.‬‬
‫وه‬
‫نَأَى َعْنهُ أَبُ ُ‬ ‫َك َما‬ ‫ِش ْعًرا‪ :‬يَا َم ْن َسْيَنأَى َع ْن بَنِي ْه‬
‫ين َفَو ِّج ُهو ْه‬ ‫ِ‬
‫الَْيق ُ‬ ‫اء‬
‫َج َ‬ ‫ك َق ْولَ ُه ْم‬‫ِّل لَِن ْف َس َ‬
‫َمث ْ‬
‫ات َو َحلِّلُو ْه‬ ‫الْمم ِ‬
‫ََ‬ ‫َقْب َل‬ ‫َوتَ َحلَّلُوا ِم ْن ظُل ِْم ِه‬
‫َعْنهُ َو َخلَُّف ُ‬
‫وه‬ ‫صَرفُوا‬
‫َوانْ َ‬ ‫ورا ُم َشِّي ُعوه‬ ‫وه َم ْقبُ ً‬
‫َسَل ُم ُ‬
‫آخر‪ :‬أ ْ‬
‫َيلَْتِفتُوا إِلَْي ِه‬ ‫َولَّْو َاو لَ ْم‬ ‫اع ِة َسَّو ْوا ُتَرابَهُ َعَلْي ِه‬ ‫َس َ‬

‫‪36‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫فأما اخلوف من املوت والفكر فيه فإنه ال سبيل إىل دفعه عن النفس وإمنا‬
‫خيفف األمر العلم بأنه ال بد منه فال يفيد احلزر إال زيادة على احملذور ‪.‬‬
‫وكلما تصورت شدته كانت كل تصويرة موتًا ليصرف اإلنسان فكره عن‬
‫تصور املوت ليكون ميتًا مرة ال مرات ويكون صرف الفكر رحبًا ‪.‬‬
‫وليعلم أن اهلل جل وعال ق ادر على هتوينه إذا ش اء ولي وقن أن ما بع ده‬
‫أخ وف منه ‪ ،‬ألن املوت قنط رة إىل منزلة إقامة ‪ ،‬وإمنا ينبغي لإلنس ان أن يك ثر‬
‫ذكر املوت ليحثه على اإلكثار من األعمال الصاحلة ال لنفس تصويره ومتثيله ‪.‬‬
‫فإن خطر على القلب احلزن على فراق الدنيا فالعالج أن يعلم أن الدنيا‬
‫ليست ب داره ل ذة وف رح وس رور ‪ ،‬وإمنا ل ذهتا راحة من م ؤمل ومثل ه ذا ال‬
‫ينافس فيه ‪ ،‬فأما احلزن على فراق الدنيا لفوت العمل الصاحل فقد كان السلف‬
‫حيزنون لذلك ‪.‬‬
‫قال معاذ بن جبل عند موته ‪ :‬اللهم إنك تعلم أين مل أكن أحب الدنيا‬
‫وط ول البق اء فيها ال لك ري األهنار وال لغ رس األش جار ‪ ،‬ولكن لظمأ اهلواجر‬
‫ومكابدة الساعات ومزامحة العلماء بالركب عند حلق الذكر ‪.‬‬
‫واحتضر أحد العب اد فق ال ‪ :‬مسا تأس في على دار اهلم ود واألح زان واخلطايا وال ذنوب‬
‫وإمنا تأسفي على ليلة ملتها وساعة غفلت فيها عن ذكر اهلل ‪.‬‬
‫اب َعْب ٌد لِل ُْم َهْي ِم ِن يَ ْذ ُك ُر‬ ‫فَ َما َخ َ‬ ‫اع ٍة‬
‫اهلل ِفي ُك ِّل َس َ‬ ‫ك بِ ِذ ْك ِر ِ‬ ‫سعلَْي َ‬
‫َ‬ ‫ِش ْعًرا‪:‬‬
‫صالِ ِح األَ ْع َم ِال‬ ‫ذُ ْخًرا يَ ُكو ُن َك َ‬ ‫الذ َخائِ ِر لَ ْم‬
‫ت إِلَى َّ‬ ‫َوإِ َذا ا ْفَتَق ْر َ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫ُّم َوتَ ِدبٍُر لِ َم َعانِي‬
‫بَِتَفه ٍ‬ ‫ِ‬
‫ات َم ْن َيْتلُو الْ ُق ْرآ َن َز َمانَهُ‬ ‫تََماج ْدَم َ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫الذ ُّل َوال َْهَوا ُن‬‫َوالْ ُك ْف ُر ِف ِيه ُّ‬ ‫ال‬
‫ْج َم ُ‬ ‫الد ِ ِ ِ‬
‫ِّين فيه الْعُّز َوال َ‬ ‫ُ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫هلل ِد َينا‬‫إِ َذا لَم ي ْخِلصوا ِ‬
‫ْ ُ ُ‬ ‫س َب َع ِام ٍر ُبْنَيا ُن َق ْوٍم‬ ‫َولَْي َ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫اضي ِ‬
‫اهلل‬ ‫فَابْ ِذ ْل لَ َها ِفي مر ِ‬ ‫الل تِ َج َارةٌ‬‫ْح ِ‬ ‫وإِ َذا ر ِزق َ ِ‬
‫ََ‬ ‫ْت م َن ال َ‬ ‫َ ُ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫ُم ْجَت ِه َدا‬

‫‪37‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫هكذا كانت طريقة كثري من السلف كانوا حيرصون على أن ال متر ساعة من الزمان أن‬
‫ي تزودوا فيها بعلم ن افع أو عمل ص احل من ص دقة أو ذكر أو جماه دة نفس أو إس داء نفع‬
‫ملسلم ‪ ،‬حىت ال تذهب األعمار سبهلال دون فائدة ‪.‬‬
‫لَ َدى الْ َخ ِ‬
‫الق َم ْرَتَب ًة َوقَ ْد َرا‬ ‫اد ِف َيها‬
‫فَ ُك ْن ِفي َحالٍَة َت ْز َد ُ‬
‫وك انوا يقول ون ‪ :‬من عالم ات املقت إض اعة ال وقت ‪ .‬ويقول ون ‪ :‬ال وقت‬
‫سيف إن قطعته وإال قطعك ‪.‬‬
‫دائما الرتقي من حال إىل حال أحسن منها حبيث يكون‬ ‫وكانوا حياولون ً‬
‫الي وم أحسن من أمس ‪ ،‬ويقول ون من ك ان يومه كأمسه فهو مغب ون ‪ ،‬ومن‬
‫ك ان يومه أحسن من أمسه فهو غري مغبون ‪ ،‬ومن ك ان يومه أحسن من أمسه‬
‫فهو رابح ‪ ،‬ومن كان يومه أسوأ من أمسه فهو خسران ‪.‬‬
‫يوما من عمره يف غري حق قضاه أو فرض أداه أو جمد أثلة أو‬
‫وقال حكيم ‪ :‬من أمضى ً‬
‫محد حصله أو خري أسسه أو علم اقتبسه فقد عق يومه وظلم نفسه ‪.‬‬
‫ْح ْشر‬
‫سُّر لَ َدى ال َ‬ ‫لَهُ ِف ِيه أَ ْع َم ٌ‬
‫ال تَ ُ‬ ‫َسَوأَ أَيَّ ِام الَْفَتى َي ْو ٌم ال ُيَرى‬
‫َوأ ْ‬
‫وق ال آخ ر‪ :‬أش رف األش ياء قلبك ووقتك ‪ ،‬ف إذا أمهلت قلبك وض يعت‬
‫وقتك فماذا يبقى معك كل الفوائد ذهبت ‪.‬‬
‫ق ال احلسن ‪ :‬عجبت ألق وام أم روا إن ون ودي فيهم بالرحيل جلس أوهلم‬
‫مع آخرهم وهم يلعبون ‪.‬‬
‫وق ال أبو ح ازم ‪ :‬إن بض اعة اآلخ رة كاس دة فاس تكثروا منها يف وقت‬
‫كسادها فإنه لو جاء وقت نفاقها مل تصلوا فيها إىل قليل وال كثري ‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وق ال آخ ر‪ :‬لو س قط من أح دهم درهم لظل يومه يق ول ‪ :‬إنا هلل ذهب‬


‫درمهي ‪ ،‬وعم ره ي ذهب وال يق ول ‪ :‬ذهب عم ري ‪ ،‬وك ان هلل أق وام يب ادرون‬
‫األوقات وحيفظون الساعات ويالزموهنا بالطاعات ‪.‬‬
‫ويقول آخر‪ :‬هلل در أقوام حيافظون على أوقاهتم أكثر من حمافظتكم على‬
‫درامهكم ‪.‬‬
‫ويقول ابن مسعود رضي اهلل عنه ‪ :‬ما ندمت على شيء ندمي على يوم‬
‫غربت مشسه نقص فيه أجلي ومل يزد فيه عملي ‪.‬‬
‫علما يقربين من اهلل عز وجل‬ ‫وق ال آخ ر‪ :‬كل ي وم مير يب ال أزداد فيه ً‬
‫فال بورك يل يف طلوع مشسه ‪.‬‬
‫وهكذا كان السلف ينصحون إخواهنم وحيفظون أوقاهتم فعليك باالقتداء هبم ‪.‬‬
‫ت ال ُْم َحاال‬ ‫اجتِ َهاد َر َج ْو َ‬ ‫بِغَْي ِر ْ‬ ‫ِش ْعًرا‪َ :‬ف ُق ْل لِ ُمَر ِجي َم َعالِي األ ُُمور‬
‫ْح َم ُام أ َْوفَى‬ ‫و َغالِبا وال ِ‬ ‫ضى‬ ‫آخر‪ :‬يَا نَائِ ًما َوال َْمنُو ُن َي ْق َ‬
‫َ ً َ‬
‫طَ َّم َعَلى َغْي ِر ِه َو َعَّفى‬ ‫َي أ َْم ٍر‬
‫اء َك أ َْمٌر َوأ ُّ‬
‫َج َ‬
‫ك يُ ْحثَى‬ ‫اب َعَلْي َ‬‫َغْير ُتر ٍ‬
‫َ َ‬ ‫يب َشيءٌ‬ ‫َه ْل َب ْع َد َه َذا ال َْم ِش ِ‬
‫ك يَ ْخَفى‬ ‫يء َعَلْي َ‬ ‫وال بِ َش ٍ‬ ‫س َه َذا األ َْمَر َس ْهالً‬
‫َ‬ ‫َفَلْي َ‬
‫َي ْهَتُّز تِ ًيها بِِه َوظَْرفَا‬ ‫َم ْن بِ ْع ِد َما ال َْم ْرءُ ِفي َبَر ٍ‬
‫اح‬
‫ف َث ْغَر الن َِّع ِيم َر ْشَفا‬‫َي ْر ُش ُ‬ ‫س قَ ِر ُير َعْي ٍن‬ ‫س ِ‬
‫اك ُن َن ْف ٍ‬ ‫َ‬
‫صَفا‬
‫ور قَ ْ‬ ‫ف ُك َّل الظُُّه َ‬ ‫صُ‬‫َت ْق ِ‬ ‫ت ِفي َدا ِر ِه ِر ٍ‬
‫يح‬ ‫صَف ْ‬ ‫ِإ ْذ َع َ‬
‫قَ ْد َج َعَفْتهُ ال َْمنُو ُن َج ْعَفا‬ ‫صي ًدا‬‫ات ِفي أ َْهِل ِه ح ِ‬
‫َفَب َ‬
‫َ‬
‫الس ُكو ُن َر ْجَفا‬
‫اك ُّ‬ ‫ص َار َذ َ‬ ‫اد َذ َ ِ‬
‫َو َ‬ ‫يم ُب ْؤ َسا‬
‫اك النَّع ُ‬ ‫َف َع َ‬
‫ف بِ َّ ِ ِ‬ ‫يق َس ْوقًا ِإلَى َ‬‫َو ِس َ‬
‫الر ْغ ِم فيه َر ْ‬
‫صَفا‬ ‫صُ‬ ‫ُي ْر َ‬ ‫ض ِر ٍ‬
‫يح‬

‫‪39‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫َولِل َْهَو ِّام ال ِْعطَ ِ‬ ‫لد ْو ِد ِف ِيه طَ ْع ًما‬ ‫ات لِ َّ‬


‫ج‬

‫اش َر ْشَفا‬ ‫َوبَ َ‬


‫بِ ُك ِّل َما قَ ْد َهَفا َوأ َْهَفا‬ ‫َولَْيَتهُ لَ ْم يَ ُك ُن َر ِه ًينا‬
‫اللهم إنا نسألك التوبة ودوامها ‪ ،‬ونعوذ بك من املعصية وأسباهبا ‪ ،‬اللهم‬
‫أفض علينا من حبر كرمك وعونك حىت خنرج من الدنيا على السالمة من وباهلا‬
‫وارأف بنا رأفة احلبيب حببيبه عند الش دائد ونزوهلا ‪ ،‬وارمحنا من مهوم ال دنيا‬
‫وغمومها ب الروح والرحيان إىل اجلنة ونعيمها ‪ ،‬ومتعنا ب النظر إىل وجهك الك رمي‬
‫يف جن ات النعيم مع ال ذي أنعمت عليهم من النب يني والص ديقني والش هداء‬
‫والصاحلني ‪ ،‬واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني األحياء منهم وامليتني برمحتك يا‬
‫أرحم الرامحني وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫صٌل ) ‪ :‬اعلم وفقنا اهلل وإياك ومجيع املسلمني وثبتنا وإياك وإياهم على‬
‫( فَ ْ‬
‫قوله الثابت يف احلياة الدنيا ويف اآلخرة إن علَى من نزل به املوت أن يعلم أهنا‬
‫جدا ألن صورهتا أمل حمض وفراق جلميع احملبوبات‬ ‫ساعة حتتاج إىل معاناة صعبة ً‬
‫‪.‬‬
‫مث ينضم إىل ذلك ه ول س كرات املوت وش دائده واخلوف من املآل ‪،‬‬
‫وي أيت الش يطان حياول أن يس خط العبد على ربه ‪ ،‬ويق ول له ‪ :‬انظر يف أي‬
‫شيء ألقاك ‪ ،‬وما الذي قضى عليك وكيف يؤملك ‪.‬‬
‫وها أنت تفارق ولدك ‪ ،‬وزوجتك ‪ ،‬وأهلك ‪ ،‬وتلقى بني أطباق الثرى‬
‫‪ ،‬ورمبا أس خطه على ربه ‪ ،‬فك ره قض اء اهلل تع اىل ولق اءه ‪ ،‬ورمبا حسن إليه‬
‫اجلور يف الوص ية ‪ ،‬ورمبا حابا بعض الورثة وخصه بش يء دوهنم ‪ ،‬أو يعوقه‬
‫فبله ‪ ،‬أو يؤيسه من رمحة اهلل ‪،‬‬ ‫إص الح ش أنه ‪ ،‬واخلروج من مظلمة تك ون‬
‫أو حيول بينه وبني التوبة ‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫أخ رج أبو داود من ح ديث أيب اليسر عن النيب ‪ ‬أنه ك ان يق ول ‪« :‬‬


‫أعوذ بك أن يتخبطين الشيطان عند املوت » ‪.‬‬
‫وىف تلك الساعة يقول الشيطان ألعوانه ‪ :‬إن فاتكم اآلن مل تقدروا عليه‬
‫أبدا ‪.‬‬ ‫ً‬
‫وق ال رمحه اهلل ‪ :‬وأما العالج لتلك الش دائد فينبغي أن ن ذكر قبله مقدمة‬
‫‪ ،‬وهو أن من حفظ اهلل يف ص حته حفظه اهلل يف مرضه ومن راقب اهلل يف‬
‫خطراته حرسه اهلل عند حركات جوارحه ‪.‬‬
‫ففي حديث ابن عب اس رضي اهلل عنهما عن النيب ‪‬أنه ق ال ‪ « :‬احفظ‬
‫اهلل حيفظك احفظ اهلل جتده أمامك تع رف إىل اهلل يف الرخ اء يعرفك يف الش دة‬
‫» ‪ .‬أخرجه الرتمذي وأمحد والبيهقي ‪.‬‬
‫مث إنك قد مسعت قصة ي ونس عليه الس الم ملا وفقه اهلل ألعم ال ص احلة‬
‫متقدمة أنقذه اهلل بسببها ‪ ،‬قال اهلل جل وعال وتقدس ‪َ ﴿ :‬فلَ ْواَل أَنَّهُ َك ا َن ِم ْن‬
‫ث يِف بَطْنِ ِه إِىَل َي ْوِم يُْب َعثُو َن ﴾ ‪.‬‬ ‫ني * لَلَبِ َ‬ ‫ِ‬
‫الْ ُم َسبِّح َ‬
‫وملا مل يكن لفرعون عمل خري مل جيد وقت الشدة متعل ًقا ‪ ،‬فقيل له ‪:‬‬
‫ين ﴾ وك ان عبد الص مد الزاهد‬ ‫ِ ِ‬ ‫﴿ آآل َن وقَ ْد عص يت َقب ل و ُك ِ‬
‫نت م َن الْ ُم ْفس د َ‬ ‫َ َْ َ ْ ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫يقول عند املوت ‪ :‬سيدي هلذه الساعة خبأتك ‪.‬‬
‫فأما من ض يع وأمهل يف ح ال الص حة فإنه يض يع يف مرضه ف اجلزاء من‬
‫جنس العمل ‪.‬‬
‫ص احِل اً ِّمن ذَ َك ٍر أ َْو أُنثَى َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن‬ ‫ِل َ‬ ‫قال اهلل جال وعال ‪َ ﴿ :‬م ْن َعم َ‬
‫َح َس ِن َما َكانُواْ َي ْع َملُو َن ﴾ ‪.‬‬ ‫َجَر ُهم بِأ ْ‬ ‫َفلَنُ ْحيَِينَّهُ َحيَا ًة طَيِّبَةً َولَنَ ْج ِز َين ُ‬
‫َّه ْم أ ْ‬
‫َح َس َن َع َمالً ﴾ ‪ ،‬وقال عز‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َجَر َم ْن أ ْ‬ ‫يع أ ْ‬
‫وقال جال وعال ‪ ﴿ :‬إنَّا اَل نُض ُ‬
‫اس َت َق ُاموا َتَتَن َّز ُل َعلَْي ِهم الْ َماَل ئِ َك ةُ أَاَّل‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ُ‬ ‫ين قَ الُوا َربُّنَا اللَّهُ مُثَّ ْ‬ ‫من قائ ل‪ ﴿ :‬إ َّن الذ َ‬
‫خَتَافُوا َواَل حَتَْزنُوا‬

‫‪41‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وع ُدو َن * حَنْ ُن أ َْولِيَا ُؤ ُك ْم يِف احْلَيَ ِاة ُّ‬


‫الد ْنيَا َويِف اآْل ِخ َر ِة ﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوأَبْش ُروا بِاجْلَنَّة الَّيِت ُكنتُ ْم تُ َ‬
‫‪.‬‬
‫( فائ دة ) ‪ :‬ق ال أحد العلم اء ‪ :‬إين رأيت مجه ور الن اس إذا ط رقهم املرض اش تغلوا‬
‫بالش كوى والت داوي عن االلتف ات إىل املص احل من وص ية أو فعل خري فكم له من ذن وب ال‬
‫يت وب منها أو عنه ودائع أو عليه دين أو زك اة أو مظلمة ال خيطر بباله ت داركها ‪ ،‬والس بب‬
‫واهلل أعلم ض عف اإلميان فينبغي للمتيقظ أن يت أهب يف ح ال ص حته قبل هج وم املرض أو‬
‫املوت فرمبا ضاق الوقت عن عمل واستدراك فارط أو وصية ورمبا مات فجاءة واهلل أعلم ‪.‬‬
‫صلَّى أ َْو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫س طَالَِع ًة‬ ‫ِش ْعًرا‪ :‬أَبْ ِغي َفَتى لَ ْم تَ َذ ُر َّ‬
‫َي ْو ًما م َن الَْوقْت ِإال َ‬ ‫الش ْم َ‬
‫ِ‬ ‫فذَ َكَرَا‬ ‫صوا ِفي ُحبِِّه‬ ‫آخر‪ِ :‬‬
‫ورا‬ ‫يم َة نُ َ‬ ‫وه ُه ْم الَْوس َ‬ ‫سا ُو ُج َ‬ ‫وم أَ ْخَل ُ‬‫هلل قَ ٌ‬
‫ورا‬ ‫ض ُه ْم بِ َذ َ‬ ‫يم فَطَلَُّقوا ُدْنَي ُ‬ ‫ِ‬
‫ُج َ‬‫اك أ ُ‬ ‫ُز ْه ًدا َف َعَّو َ‬ ‫اه ُموا‬ ‫ذَ َك ُروا النَّع َ‬
‫ِ‬ ‫اج ْو َن ا ِإللَ َه بِأَ ْد ُم ٍع‬
‫تَ ْج ِري َفَت ْحكي لُْؤلًُؤا َمْنثُ َ‬
‫ورا‬ ‫قَ ُاموا ُيَن َ‬
‫ضح ْ ِ‬
‫َّها ِر بُ ُد َ‬
‫ورا‬ ‫ت في الن َ‬ ‫لَْيالً فَأَ ْ َ‬ ‫الد َجى‬ ‫َسَتا ِر ُّ‬ ‫وه ُه ُموا بِأ ْ‬‫َسَتروا ُو ُج َ‬
‫ورا‬‫َصَب َح َحظَُّهم َم ْوفُ َ‬ ‫َو َج ُدوا فَأ ْ‬ ‫ادوا بِالَّ ِذي‬ ‫َع ِملُوا بِ َما َعِل ُموا َو َج ُ‬
‫ت َو ْج ًدا َمْن ُه ُموا َو َز ِف َيرا‬ ‫َو َش ِه َد ْ‬ ‫ت َحنِ َين ُه ْم‬ ‫َوِإ َذا بَ َدا لَْي ٌل َس ِم ْع َ‬
‫اح ُه ْم َي ْو َم اللَِّق ِاء َكثِ َيرا‬ ‫فَأ ََر َ‬ ‫ضا َم ْحبُوبِِه ْم‬ ‫تَِعبُوا قَِليالً ِفي ِر َ‬
‫َي ْو َم الِْقَي َام ِة َجنَّ ًة َو َح ِر َيرا‬ ‫صَب ُروا َعَلى َبلَْو ُاه ُموا فَ َجَز ُاه ُموا‬ ‫َ‬
‫ُت ْفنِي َزمانَ َ ِ‬ ‫ين ِإلَى َمَتى‬ ‫ِ‬
‫ورا‬
‫ك بَاطالً َوغُُر َ‬ ‫َ‬ ‫ْح ِز ُ‬ ‫يَا أَُّي َها الْغُّر ال َ‬
‫ورا‬
‫ُج َ‬ ‫وز أ ُ‬ ‫اح َذ ْر َتَوانَا َكى تَ ُح َ‬ ‫َو ْ‬ ‫اعاتِِه‬
‫ك َوا ْغَتنِ ْم َس َ‬ ‫بَ ِاد ْر َز َمانَ َ‬
‫ْك ِه َوقَ ِد َيرا‬ ‫اح ًدا ِفي مل ِ‬ ‫يا و ِ‬ ‫ض ِر ْع إِلَى ال َْم ْولَى الْ َك ِر ِيم َونَ ِاد ِه‬‫َوا ْ‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ورا‬ ‫ض َ ِ‬
‫يت فَن ْع َمةٌ َو ُس ُر َ‬
‫وإِ َذا ر ِ‬
‫َ َ‬ ‫ت َغايَةُ‬‫اك َوأَنْ َ‬ ‫َما لِي ِسَو َ‬
‫ص ِدي‬ ‫َم ْق َ‬

‫‪42‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫اللهم اجعلنا من املتقني األبرار وأسكنا معهم يف دار القرار ‪ ،‬اللهم وفقنا‬
‫حبسن اإلقب ال عليك واإلص غاء إليك ووفقنا للتع اون يف طاعتك واملب ادرة إىل‬
‫خدمتك وحسن اآلداب يف معاملتك والتسليم ألمرك والرضا بقضائك والصرب‬

‫‪43‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫على بالئك والشكر لنعمائك ‪ ،‬واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني األحياء منهم‬
‫والي تني برمحتك يا أرحم ال رامحني وص لى اهلل على حممد وعلى آله وص حبه‬
‫أمجعني ‪.‬‬
‫صلٌ )‬
‫( فَ ْ‬
‫اعلم وفقنا اهلل وإي اك ومجيع املس لمني ملا حيبه ويرض اه أن من أراد حلاق الق وم اجملته دين‬
‫املش مرين عن س اق لآلخ رة ممن تق دم ذك رهم ‪ ،‬أن عليه أن ينبذ الكسل والعجز والت واين‬
‫والتهالك يف طلب الدنيا وجيد وجيتهد سال ًكا طريق اجملتهدين العارفني قيمة الوقت والعمر ‪.‬‬
‫ت الَّ ِذي أَنْ َ‬
‫ت‬ ‫ِإ َذا أَنْ َ‬
‫ت أَ ْد َر ْك َ‬ ‫ك لَ ْم تُ ْسَب ُق ِم َن َّ‬
‫الد ْه ِر لَْيَل ًة‬ ‫ِش ْعًرا‪َ :‬كأَنَّ َ‬
‫ب والْم ْشي وال ِ‬ ‫َس ِر ْع أَ َخا ال ِْعل ِْم ِفي ثَ ْ‬
‫ْكَتابَ ْة‬ ‫َ‬ ‫اتَألَطْلُْك ُُل َ َ‬ ‫الث‬ ‫آخر‪ :‬أ ْ‬
‫وو ِاهب الْم ِال ِعْن َد الْمج ِد َك ِ‬
‫اسبُهُ‬ ‫ات نَائِ ُمهُ‬ ‫آخر‪ :‬وس ِاهر اللَّْيل ِفي الْحاج ِ‬
‫َْ‬ ‫ََ ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ‬
‫وذكر أحد العلم اء عالج الكسل وهو س هل ملن وفقه اهلل فق ال ‪ :‬هو‬
‫حتريك اهلمة خبوف ف وات القصد ‪ ،‬وب الوقوع يف الل وم ‪ ،‬أو التأسف ‪ ،‬ف إن‬
‫أسف املف رط إذا ع اين أجر اجملتهد أعظم من كل عق اب ‪ ،‬وليفكر العاقل يف‬
‫س وء مغبة الكسل والعجز ‪ ،‬واالش تغال بال دنيا عن اآلخ رة ف رب راحة أوجبت‬
‫وندما ‪ ،‬فمن رأى زميله اجتهد وثابر على دروسه وجنح زادت حسرته‬ ‫ً‬ ‫حسرات‬
‫وأسفه ‪ ،‬ومن رأى جاره قد سافر ورجع باألرباح والفوائد زادت حسرة أسفه‬
‫وندامته على لذة كسله وعجزه ‪.‬‬
‫ق ال ‪ :‬وقد أمجع احلكم اء على أن احلكمة ال ت درك بالراحة فمن تلمح‬
‫مثرة الكسل أجتنبه ومن مد فطنته إىل مثرات اجلد واالجته اد نسى مش اق الطريق‬
‫‪ ،‬مث إن الل بيب ال ذكي يعلم أنه مل خيلق عبثًا وإمنا هو يف ال دنيا ك األجري أو‬
‫كالتاجر ‪ ،‬مث إن زمان العمل باإلضافة إىل مدة البقاء يف القرب كلحظة ‪ ،‬مث إن‬
‫إضافة ذلك إىل البقاء السرمدي إما يف اجلنة وإما يف النار ليس يشيء ‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ومن أنفع العالج النظر يف سري اجملتهدين الذين يعرفون قيمة العلم النافع‬
‫والعمل الصاحل والوقت والعجب من مؤثر البطالة يف موسم األرباح ‪.‬‬
‫واملهم أنه باجلد واالجته اد ت درك غاية املراد ‪ ،‬وبالغزم ات الص حاح يش رق ص باح‬
‫الفالح ‪ ،‬وما حصلت األماين بالتواين وال ظفر باألمل من استوطن الكسل ‪.‬‬
‫غَْي ِر‬ ‫ييع ِفي‬ ‫َعن الت ِ‬
‫َّض ِ‬ ‫صْن َها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فَ ُ‬ ‫يصةٌ‬
‫َرخ َ‬ ‫ْحَياةُ‬
‫ش ْعًرا‪َ :‬ما َهذي ال َ‬
‫ال َْمَراتِ ِ‬ ‫وشِ‬
‫اج ْكًِر‬ ‫ا ِإللَِه َو َح ْم َد ُه‬ ‫َوأَ ْكثِ ْر بَِها ِذ ْكَر‬
‫ب‬ ‫لَهُ تُ ْحظَى بِأ ْ‬
‫َسَنى‬ ‫با‬ ‫َُ‬
‫يَ ُكو ُن‬ ‫اء ا ِإللَهُ‬ ‫ِ‬ ‫س َك َما قَ ْد ِشْئتُهُ َوا ْشَت ِهْيتُهُ‬
‫َولَك ْن َك َما َش َ‬ ‫آخر‪َ :‬ولَْي َ‬
‫َسَي ُكو ُن‬ ‫ت ِإلَ َه الْ َخل ِْق أَ ْن‬‫َر َج ْو ُ‬ ‫يسا أُ ِري ُد ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إ َذا لَ ْم أَج ْد َشْيًئا نَف ً‬
‫وقد قيل الكسل مزلقة الربح ‪ ،‬وآفة الصنائع ‪ ،‬وأرضة البضائع ‪ ،‬وإذا رقدت النفس يف‬
‫فراش الكسل استغرقها نوم الغفلة عن صاحل العمل ‪.‬‬
‫ب َع ْن قَ ِر ٍ‬
‫يب غَايَة‬ ‫صٍ ِ‬
‫ب تُص ْ‬
‫فَانْ ِ‬ ‫ْح ْر َما َن ِفي‬
‫الْج ُّد بِالْج ِّد وال ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫الراحةألََم ِلوإيثار البطالة وصعوبة املشاق ‪.‬‬
‫ا‬ ‫اعلمِل أن املوجب للكسل حب‬ ‫مث الْ َك َس‬
‫ويف الص حيحني من ح ديث أنس بن مالك أن النيب ‪ ‬ك ان يك ثر أن‬
‫يقول ‪ « :‬اللهم إين أعوذ بك من اهلم واحلزن والعجز والكسل » ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫ويف أف راد مس لم من ح ديث أيب هري رة عن النيب ‪ ‬أنه ق ال ‪ « :‬املؤمن‬
‫الق وى خري وأحب إىل اهلل من املؤمن الض عيف ويف كل خري اح رص على ما‬
‫ينفعك واس تعن باهلل وال تعجز ف إن أص ابك ش يء فال تقل لو أين فعلت ك ذا‬
‫ك ان ك ذا ولكن قل ق در اهلل وما ش اء فعل ف إن لو تفتح عمل الش يطان » ‪.‬‬
‫وق ال ابن مس عود ‪ ( :‬إين ألبغض الرجل أراه فار ًغا ليس يف س يء من عمل‬
‫الدنيا وال عمل اآلخرة » ‪ .‬أخرجه أبو نعيم يف احللية ‪ ،‬وقال ‪ ( :‬يكون يف آخر‬
‫الزم ان أق وام أفضل أعم اهلم التالوم بينهم يس مون األنت ان ) ‪ .‬وق ال ابن عب اس ‪:‬‬
‫تزوج التواين‬

‫‪45‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫بالكسل فولد بينهما الفقر ‪ .‬وق ال آخ ر‪ :‬مضى الق وم على خيل بلق عت اق وبقينا‬
‫على محر محر دبرة فقيل له ‪ :‬إن كنا على الطريق املستقيم فما أسرعنا بالوصول‬
‫‪.‬‬
‫تضرع إىل رب العزة جل جالله وتقدست أمساؤه ‪.‬‬
‫َم ْن‬ ‫ُج ْه ِدي فَ ُخ ْذ بَِي ِدي يَا َخْيَر‬ ‫ت‬
‫ب َما قَ ْد ُكْن ُ‬ ‫ت أ َْر َك ُ‬‫ِش ْعًرا‪ :‬ال ُع ْد ُ‬
‫ظَلَ َما‬ ‫فسهُ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫لَرمِح َمياظِْلم النَّاس لَ ِ‬
‫ك‬ ‫ف َو ِج ٍل‬ ‫وم َخائِ ٍ‬‫أهَرَذَكابهُ مَقام ظَلُ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َْ ُ َ ٌ‬
‫ت ِمْنهُ َوقَ ْد نَ َد َما‬‫بَِزلٍَّة َسَبَق ْ‬ ‫اء‬ ‫اصَفح بَِف ْ ِ ِ‬
‫ضلك َع َّم ْن َج َ‬ ‫فَ ْ ْ‬
‫فَ ْامنُ ْن بَِع ْف ِو َك يَا َم ْن َع ْف ُو ُه َعظُ َما‬ ‫ْم َوال َع َم ٌل‬ ‫ِ‬
‫اك َوال عل ٌ‬ ‫َُماْعَت ِذلًِراي ِسَو َ‬
‫اللهم إنك تعلم س رنا وعالنيتنا وتس مع كالمنا وت رى مكاننا ال خيفى‬
‫عليك ش يء من أمرنا حنن البؤس اء الفق راء إليك املس تغيثون املس تجريون بك‬
‫نسألك أن تقيض لدينك من ينصره ويزيل ما حدث من البدع واملنكرات ويقيم‬
‫على اجلهاد وقمع أهل الزيغ والكفر والعناد ونسألك أن تغفر لنا ولوالدينا ومجيع‬
‫املسلمني برمحتك يا أرحم الرامحني وصلى اهلل على حممد وآله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫اع َ‬
‫ظ‬ ‫صايَا ومََو ِ‬ ‫ح َوَو َ‬ ‫صِائ َ‬
‫حَّتِوي على نَ َ‬ ‫صْيدَة َت ْ‬
‫َق ِ‬
‫اب وأَ ْخ ٍ‬
‫ك َوأَل ِْق َس ْم َع َ‬
‫ك‬ ‫الق فَ َحض ِّْر َقلْبَ َ‬ ‫آد ٍ َ‬‫َو َ‬
‫ِذي الطَّْو ِل َوا ِإلْن َع ِام َوال َْم َح ِام ِد‬ ‫اج ِد‬
‫هلل الَْق ِو ِّي الْم ِ‬
‫َ‬
‫الْحم ُد ِ‬
‫َْ‬
‫ْح ِّق‬
‫ض ال َ‬ ‫يق ُش ْكر َب ْع ِ‬ ‫َو َما أُُ ِط َ‬ ‫َح ْم ًدا َيُفو ُق َح ْم َد ُك ِّل الْ َخل ِْق‬
‫ِ ِِ‬
‫َعَلى نَبِ ٍّي دينه ا ِإل ْس ُ‬
‫الم‬ ‫الم‬
‫الس ُ‬
‫الصال ُة َب ْع ُد َو َّ‬ ‫ثُ َّم َّ‬
‫اب ُخ ْذ َها َكال َْعلَ ْم‬ ‫َوُن ْز َه َة األَلَْب ِ‬ ‫اح َع ْن َه ِذي‬ ‫ص َ‬
‫ِ‬
‫َسأَلتَني ا ِإلفْ َ‬
‫اسَت ْع َملَْن َها غَ ِاديًا َو َرائِ َحا‬
‫َو ْ‬ ‫َّصائِ َحا‬
‫ْح َكيَْما ُبنَ ِّي َه َذه الن َ‬‫الُخ ِْذ‬
‫َواَتثْنِينِّي َع ْن ِمنَ ٍن َونِْع َمة‬ ‫لَِت ْقنَى َمْنَف َع ًة َو ِح ْك َمة‬
‫اد َّ‬
‫الشَقا‬ ‫َو ُحُّب َها َي ْه ِز ُم أ ْ‬
‫َجنَ َ‬ ‫فَ ِح ْفظَُها َي ْه ِدي إِلَى َدا ِر الَْبَقا‬

‫‪46‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫اح ِم ْد ُه َوا ْش ُك ْر ُه إِ َذا َتَن َاها‬ ‫َو ْ‬ ‫اهلل‬


‫ت األ َْمَر َس ِّم َ‬ ‫ِإ َذا ْابَت َدْأ َ‬
‫ات ِم ْن ُعال آيَاتِِه‬ ‫والْمْب َد َع ِ‬
‫َ ُ‬ ‫وعاتِِه‬
‫صنُ َ‬‫ت َم ْ‬ ‫َو ُكلَّ َما َرأَيْ َ‬
‫َجَرا‬ ‫لِت ْشه َد ْن يوم ال ِ‬ ‫فَا ْذ ُك ْر ُه ِسًّرا َس ْر َم َدا َو َج ْهَرا‬
‫ْجَزاء أ ْ‬ ‫َ َ َْ َ َ‬
‫الديَّ ِ‬
‫ان‬ ‫ك َّ‬ ‫فَأَبْ َدأ بِح ِّق الْمِل ِ‬ ‫ض األ َْمر ِ‬
‫ان‬ ‫َه َذا َوإِ ْن َت َع َار َ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ض َيعا‬ ‫ف تَ ُكن م ِ‬
‫َوال َت ُق ْل َس ْو َ ْ ُ‬ ‫َوا ْع َم ْل بِِه َتَنل ُْه َما َج ِم َيعا‬
‫َق ْو َل النَّبِي ال ُْم ْسَت َش ُار ُمْئَت َم ْن‬ ‫اك ُم ْسَت ِش ٌير فَا ْذ ُكَر ْن‬ ‫َوإِ ْن أَتَ َ‬
‫الر ْح َم َن ِف َيها َي ْربَ ُح‬ ‫ف َّ‬ ‫من ي َخ ِ‬
‫َْ َ‬ ‫َشا ِو ْر لَِب ًيبا ِفي األ ُُمو ِر َتْن َج ْح‬
‫النيَّ ِ‬
‫ات‬ ‫ال بِ ِّ‬ ‫فَِإنَّ َما األَ ْع َم ُ‬ ‫ات ِفي الْح ِ‬
‫االت‬ ‫َ‬
‫النيَّ ِ‬
‫ص ِّ‬ ‫َوأَ ْخِل ِ‬
‫ض َّي ِف ِيه َوا ْعَت ِم ْد‬ ‫ض بِالْم ْق ِ‬
‫ثُ َّم ْار َ َ‬ ‫اجَت ِه ْد‬
‫اهلل َت َعالَى َو ْ‬ ‫اسَتخ ِر َ‬
‫و ِ‬
‫َ ْ‬
‫اسَت َش َار َأم َن ال ِْعَقابَا‬ ‫ِ‬
‫أ َْو ْ‬ ‫الصَوابَا‬
‫ب َّ‬ ‫اسَت َخ َار َرك َ‬ ‫َم ْن ْ‬
‫ص ُم‬‫اسَت َش َار لَ ْم َي ُر ْمهُ َخ ْ‬ ‫أ َْو ْ‬ ‫َحَز ْم‬ ‫َيُفْتهُ‬ ‫اسَت َخ َار لَ ْم‬
‫َم ْن ْ‬
‫ض ِاء َوالَْق َد ْر‬ ‫أ َِف ْق َو َسلِّ ْم لِْلَق َ‬ ‫بِال ِْعَب ْر‬ ‫تَأْتِي‬ ‫ت األَيَّ ُام‬‫ما َزالَ ِ‬
‫َ‬
‫لِ َم ْن َو َعى ِكَفايَ ْة‬ ‫ِفي ب ْع ِ‬
‫ض َها‬ ‫َ‬ ‫ت بَِنا َوآيَ ْة‬ ‫َك ْم آيٍَة َمَّر ْ‬
‫َغْيَب َها َفَن ْز َد ِج ْر‬ ‫اف‬
‫َوال نَ َخ ُ‬ ‫َونَ ْح ُن ِفي َذا ُكلِِّه ال َن ْعَتبِ ْر‬
‫َنتَِّقي ُّ‬ ‫س َه َذا ُكلِِّه تَأ ِْد ًيبا ؟‬
‫الذنُوبَا‬ ‫فَ َما لََنا ال‬ ‫أَلَْي َ‬
‫اهلل إِلَْي ِه ال َْم ْر ِج ُع‬
‫إِنَّا إِلَى ِ‬ ‫ت أَ ْد ُم ُع‬ ‫ْب َو َجَّف ْ‬ ‫لَك ْن قَ َسى َقل ٌ‬
‫ِ‬
‫يما َنتَِّقي‬ ‫ْف ف َ‬
‫و َع ْفوهُ واللَّط َ ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫الر ْح َم َن ِسْتَر َما بَِقي‬ ‫َفنَ ْسأ َُل َّ‬
‫يح ِجيالً ِجيالَ‬ ‫ِ‬
‫َو َسَتَر الَْقب َ‬ ‫ْج ِميال‬ ‫فَ َك ْم َو َك ْم قَ ْد أَظ َْهَر ال َ‬
‫يظ الَْف ِّ‬ ‫ت َتْنبو َكالْغَِل ِ‬ ‫َحتَّى َمتَّى ال َت ْر َع ِوي بِالَْو ْع ِظ‬
‫ظ‬ ‫َوأَنْ َ ُ‬
‫ك بِال َْم َ‬
‫الم ْة‬ ‫َو ُع ْد َعلَى َن ْف ِس َ‬ ‫الم ْة‬
‫الس َ‬ ‫ِس ْر َسْيَر ِم ْن غَ َايتُهُ َّ‬
‫الشَّر فَا ْزجر واقَْت ِ‬
‫ص ْد‬ ‫ُْ َ‬ ‫ت َّ‬ ‫َوإِ ْن َنَويْ َ‬ ‫اجَت ِه ْد‬ ‫ت َو ْ‬ ‫بَ ِاد ْر بِ َخْي ٍر إِ ْن َنَويْ َ‬
‫فَِإَّن َها غَ َّد َارةٌ غََّر َار ْة‬ ‫ك األََّم َار ِة‬ ‫اب َن ْف ِس َ‬ ‫َو ُخ ْذ ِفي ِعَت ِ‬

‫‪47‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫الشْيطَا َن َك ْي ال تَ ْشَقى‬ ‫س َو َّ‬ ‫النْف َ‬


‫َو َّ‬ ‫اك َتْن َج ْح ِمْنهُ َحًّقا‬ ‫ف َهَو َ‬ ‫َخالِ ْ‬
‫ضَّرنِي تُ َسارِع‬ ‫َو ِه َي َعلَى َما َ‬ ‫َن ْف ِسي َع َّما َسَّرنِي تُ َد ِف ُع‬
‫ُتْن ِك ُر َشْيًئا ثُ َّم تَأْتِي ِمْثلَ ْه‬ ‫َسَرْت َها َش ْهَوةٌ َو َغ ْفلَ ْة‬ ‫قَ ْد أ َ‬
‫َو َم ْن َحَب َاها َغ ْفلَ ًة َفَق ْد َخ ِس ْر‬ ‫فَ َم ْن َحَبى ِح َساَن َها َفَق ْد ظَِف ْر‬
‫اسَت ِع ْد‬
‫لسَؤ ِال فَ ْ‬ ‫اب لِ ُّ‬ ‫ْجَو ُ‬‫ثُ َّم ال َ‬ ‫ض َز َاد ال ُْم ْجَت ِه ِد‬ ‫قَدِِّم لَِي ْوِم ال َْع ْر ِ‬
‫اد إِال َغيًّا‬ ‫ت ال َت ْز َد ُ‬ ‫َوأَنْ َ‬ ‫تَطْ ِوي اللََّيالِي ال ُْع ْمَر طَيًّا طَيَّا‬
‫فَِإَّن َها َع ِاقبةٌ مر ِ‬
‫ضيَّ ْة‬ ‫صيِّ ْة‬ ‫ت إِال َعلَى و ِ‬ ‫فَال تَبِ ْ‬
‫َ َْ‬ ‫َ‬
‫وح‬ ‫ت ُع ْمَر نُ ِ‬ ‫َحًّقا َولَْو ُع َّم ِر َ‬ ‫ات ال بُ َّد ِمن النُُّز ِ‬
‫وح‬ ‫َهْي َه َ‬
‫الدْنَيا َو ِفي الِْقَي َام ْة‬ ‫ِفي َه ِذ ِه ُّ‬ ‫الم ْة‬
‫الس َ‬‫َفْن َسأ َُل لََنا َّ‬
‫فَِإَّن َها َت ْه ِز ُم ُك َّل َح ْوبَ ْة‬ ‫ات َت ْوبَ ْة‬ ‫السيَِّئ ِ‬
‫ش َّ‬ ‫أَ ْع ِد ْد لِ َجْي ِ‬
‫َوال تَ ِح ْد طَْرفَ َة َعْي ٍن َعنَّ ْه‬ ‫اسأَلنَّهُ‬
‫ك فَ ْ‬ ‫َو ْار ِج ْع إِلَى َربِّ َ‬
‫ُسْب َحانَهُ َج َّل َع ِن التََّن ِاهي‬ ‫ضل َز ِاد الْمر ِء َت ْقوى ِ‬
‫اهلل‬ ‫َْ َ‬ ‫أَفْ َ ُ‬
‫ب‬‫َوَت ْر ُك َما يُ ْخ َشى َو ُش ْك ِر الَْو ِاه ِ‬ ‫ب‬ ‫اج ٍ‬ ‫التْقوى و ُك ِّل و ِ‬
‫َ‬ ‫ك ب َّ َ َ‬
‫َعلَْي َ ِ‬
‫اح َذ ِر الت َّْعنِي َفا‬ ‫اك َو ْ‬ ‫ص َهَو َ‬ ‫َوا ْع ِ‬ ‫التَقى أَلِي َفا‬ ‫اب ُّ‬ ‫َسَب ِ‬
‫َو ُك ْن أل ْ‬
‫ت َو َد ْع َع ِن ال َْه َذ ْر‬ ‫الص ْم َ‬ ‫فَا ْعَت ِم ِد َّ‬ ‫ف أ َْولَى َما ْامَتطَى أَ ُخو‬ ‫فَالْ َخ ْو ُ‬
‫ت فَا َكا‬ ‫ك َخَت ْم َ‬ ‫ُجَر ٍة ِمْن َ‬
‫بِأ ْ‬ ‫اله َكاتَِبا َكا‬ ‫اسَت ْم ُ‬ ‫َن َما ْ‬ ‫ْح َأذ ْرَّ‬
‫الَلْو َ‬
‫ض ُل ِم ْن نُط ٍْق َجَنى النَّ َد َام ْة‬ ‫أَفْ َ‬ ‫الم ْة‬
‫الس َ‬‫يك ِإلَى َّ‬ ‫ت ُيَؤ ِد َ‬ ‫ص ْم ٌ‬‫َ‬
‫ضْي ِر‬ ‫يت ُك َّل َ‬ ‫فَالْ ِز ْم ُه َما ُو ِق َ‬ ‫ْم قَ ِر َينا َخْي ٍر‬ ‫ِ‬
‫ْم َوالْحل ُ‬
‫ِ‬
‫الْعل ُ‬
‫فَال ِْعل ِ‬
‫اد ُي ْفَنى‬ ‫ْم ِكْنٌز ال يَ َك ُ‬ ‫ِ‬
‫َوالْحل ُ‬ ‫اد ُيْبَلى‬‫ْم عٌّز ال يَ َك ُ‬ ‫ُ‬
‫الص ِدي ِمن َّ‬
‫السَن ْة‬ ‫ْب َّ‬ ‫ِ‬
‫َوَنبِّه الَْقل َ‬
‫ال ِْعلْم ال يحصى فَ ُخ ْذ مح ِ‬
‫اسَن ْه‬ ‫ََ‬ ‫ُْ َ‬ ‫ُ‬
‫إِ ْكثَ ُار ُه ِم ْن ِعل ِْم ِه َوأ ََدبِ ْه‬ ‫َج َم ُل َش ْيٍء لِْلَفَتى ِم ْن نَ َسبِ ْه‬ ‫أْ‬
‫اج ِإلَْي ِه َزنَ َكا‬ ‫أ َْو َغْي ِر ُم ْحَت ٍ‬ ‫اجا إِلَْي ِه َما نَ َكا‬ ‫ت ُم ْحَت ً‬ ‫إِ ْن ُكْن َ‬

‫‪48‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ات بِغَْي ِر ِعل ِْم‬


‫اد ٍ‬ ‫ِ‬
‫َوال عَب َ‬ ‫ال َخْيَر ِفي ِعل ٍْم بِغَْي ِر ِف ْه ِم‬
‫فَا ْع َم ْل بِ َما َعلَّ ْمَته َقْب َل األ َ‬
‫َج ْل‬ ‫ال تَطْلَُب َّن ال ِْعل ِْم إِال لِل َْع َم ْل‬
‫َه َذا إِ َذا َكا َن بِال َس َآم ْة‬ ‫الم ْة‬ ‫فَِإ َّن ِف ِيه َغايََة َّ‬
‫الس َ‬
‫الل‬‫الرفْ ُق بِال ا ْعتِ ِ‬ ‫َوالْبُِّر َو ِّ‬ ‫ض ِل األَ ْع َم ِال‬ ‫صح الْورى ِمن أَفْ ِ‬
‫ْ‬ ‫نُ ْ ُ َ َ‬
‫ب لِْلَف ِ‬
‫الح‬ ‫َفَت ْر ُكهُ أَقَْر ُ‬ ‫اح‬‫صِ‬ ‫اء يَا َ‬ ‫الريَ َ‬
‫اك ِّ‬ ‫اك إِيَّ َ‬ ‫إِيّ َ‬
‫اع ْة‬
‫ض َس َ‬ ‫َه َذا َولَْو قُ َّد َر َب ْع ُ‬ ‫ين الطَّ َ‬
‫اع ْة‬ ‫فَال ُْع ْم ُر َما َكا َن قَ ِر َ‬
‫س‬ ‫ك َغْيَر آيِ ِ‬ ‫َبْي َن يَ ِدي َربِّ َ‬ ‫ْحَنادس‬ ‫وز َّ ِ‬
‫الد ْم ِع في ال َ‬ ‫ث ُكنُ َ‬ ‫ُح َّ‬
‫َتْتلُو ال َْمثَانِي َر ْغًبا ِفي ِّ‬
‫الربْ ِح‬ ‫َعلَى َسَو ِاد َخ ِال َخ ِّد ُّ‬
‫الصْب ِح‬
‫ض ِاء َوالَْق َد ْر‬ ‫ضا بِالَْق َ‬‫الر َ‬‫ب لِي ِّ‬ ‫َه ْ‬ ‫اء بِِه َخْي ُر الَْب َش ْر‬ ‫ِ‬
‫َوقُ ْل ب َما َج َ‬
‫ض ٍيق َم ْخَر َجا‬ ‫ضالً وِمن َغ ٍّم و ِ‬ ‫اج َع ْل لََنا ِم ْن ُك ِّل َه ٍم َفَر َجا‬
‫َ‬ ‫فَ ْ َ ْ‬ ‫َو ْ‬
‫واألَمن أ َْهَنى ِعي َش َة الْملُ ِ‬
‫وك‬ ‫الْع ْد ُل أَقْوى َعس َكر الْملُ ِ‬
‫وك‬
‫ُ‬ ‫َ ُْ‬ ‫ْ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ص َد‬‫اك َتْن َج ْح َقْب َل الَْق ْ‬ ‫َواق َْه ْر َهَو َ‬ ‫ْجْن ِد‬
‫ك َقْب َل ال ُ‬ ‫س يَا أ َِخي َن ْف َس َ‬ ‫ُس ُ‬
‫ضا َحا ِر ًسا لِنِ ْع َمتِ ْ‬ ‫ِ‬
‫ك‬ ‫َو ُّ‬
‫الش ْكَر أَيْ ً‬ ‫ك‬‫ص َن َدلْتِ ْ‬ ‫اج َع ْل ِقَو ِام ال َْع ْد ِل ح ْ‬ ‫َو ْ‬
‫َما َبْي َن َن ْو َعْي ِن ِم َن الَْب ِريَّْة‬ ‫ْح ُّق أَ ْن َت ْع ِد َل بِ َّ‬
‫الس ِويَّْة‬ ‫فَال َ‬
‫ول‬ ‫َع َّما َر َعْيَن ُاه َو َما َن ُق ُ‬ ‫فَ ُكلُّ ُك ْم َو ُكلَُّنا َم ْسئُ ُ‬
‫ول‬
‫اس ْة‬
‫الريَ َ‬ ‫أَ َخَّر ُه ال َْع ْج ُز َع ِن ِّ‬ ‫اس ِة‬
‫السَي َ‬‫َم ْن لَ ْم يَ ِج ْد طَْوالً ِإلَى ِّ‬
‫ص ُحو َكا‬ ‫َو ُع َّم ُه ْم بِال َْع ْد ِل َيْن َ‬ ‫َح ِس ْن ِإلَى ال ِْعل ِْم يَ ْح َم ُدو َكا‬ ‫أْ‬
‫أَ ْعظَ َم َما يَ ْخ َشى َوَيتَِّق ِيه‬ ‫ان الَْو َرى يَِق ِيه‬ ‫َفع ْد ُل س ْلطَ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫َعَلى َتَرقِّي أَ ْكَبَر األَ ْع َم ِال‬ ‫ال تَ ْسَت ِع ْن بِأ ْ‬
‫َصغَ ِر ال ُْع َّم ِال‬
‫َو َم ْن طَغَى ُم ِش ُير ُه َفَق ْد َج ِه ْل‬ ‫فَ َم ْن َع َدا َو ِز ُير ُه فَ َما َع َد ْل‬
‫وشر ِمنه خ ِاذ ُل الْمظْلُ ِ‬ ‫اصر الظُّلُ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وم‬ ‫َ‬ ‫َ َ ٌّ ْ ُ َ‬ ‫وم‬ ‫َشُّر األَنَام نَ ُ‬
‫ب لِ ِّلنَق ِم‬ ‫والْب ْغي أَي ً ِ‬
‫ضا َجال ٌ‬ ‫َ َ ُ ْ‬ ‫َّع ِم‬
‫ب للن َ‬
‫الظُّلْم حًّقا سالِ ِ‬
‫ُ َ َ ٌ‬

‫‪49‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ضا ُش ْؤ ُم‬ ‫ْج ِاه ِل أَيْ ً‬ ‫ص ْحَبةُ ال َ‬ ‫َو ُ‬ ‫بَنِي ْ‬


‫لؤم‬ ‫يف يَا‬ ‫ظُلْم الض َِّع ِ‬
‫ُ‬
‫وء الظَّ ِّن بِاألَ ْخَيا ِر‬ ‫ِ‬
‫ث ُس َ‬ ‫تُو ِر ُ‬ ‫األَ ْشَرا ِر‬ ‫ص ْحَب َة‬‫يل إِ َّن ُ‬‫َوق َ‬
‫ص َار ُك ُّل ِربْ ِح ِه ُخ ْسَرانَا‬ ‫َو َ‬ ‫س ال ُْع ْد َوانَا‬ ‫الر َدى َم ْن َي ْغ ِر َ‬ ‫يَ ْجنِي َّ‬
‫وم‬‫وأَنَق ُذ النَّب ِل دعا الْمظْلُ ِ‬ ‫أَقْرب شي ٍء صرعة الظَّلُ ِ‬
‫وم‬
‫ْ َُ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ ُ َ ْ َْ َُ‬
‫ِ‬ ‫ب ا ْعتِ َذ ُار ُه‬ ‫يع ال ُْم ْذنِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صَر ُار ُه‬ ‫ضهُ إِ ْ‬ ‫س َما َعَّو َ‬ ‫َوبْئ َ‬ ‫ن ْع َم َشف ُ‬
‫اك ال ُْم ْر ِدي‬ ‫فَاأل َْم ُر َج ٌّد ال َهَو َ‬ ‫ور ُكلِّ َها بِال َ‬
‫ْج ِّد‬ ‫ُخ ْذ األ ُُم َ‬
‫ْخَيانَ ْة‬ ‫بين الْورى وَتر ُكهُ ال ِ‬
‫َْ َ َ َ َ ْ‬ ‫يل ال َْم ْر ِء األََمانَ ْة‬
‫َخْي ُر َدلِ ِ‬
‫ْج ْه ُل إِلَى تَ ْذِمي ِر‬ ‫صَّيَر ُه ال َ‬‫َ‬ ‫َم ْن ْامَتطَى أ َْمًرا بِال تَ ْدبِير‬
‫َو َم ْن َوقَى ُدْنَي ُاه بِالدِّي ِن نَ ِد ْم‬ ‫صا َن أُ ْخَر ُاه بِ ُدْنَي ُاه َسِل ْم‬ ‫َم ْن َ‬
‫اب َسالِ َما َما َد َاما‬ ‫لَ َّذ َوطَ َ‬ ‫َم ْن أَخََّر الطََّع َام َوال َْمَن َاما‬
‫يمتُ ْه‬
‫ت قَ‬
‫ومن جَنى الْوقَار َعَّز ْ ِ‬
‫َ َ‬ ‫ََ ْ َ‬ ‫ت ِه َيبتُ ْه‬ ‫اح َقلَّ ْ‬ ‫ِ‬
‫َم ْن أَ ْكَثَر الْمَز َ‬
‫َحَر َز النَّ َد َام ْة‬ ‫َو َم ْن َت َع َّدى أ ْ‬ ‫الم ْة‬
‫الس َ‬ ‫َّاس َجَنى َّ‬ ‫َم ْن َسالَ َم الن َ‬
‫َنَّب َههُ ال ُْع ْد َوا ُن ِم ْن أَ ْع َدائِ ْه‬ ‫صَر ِة أ َْولَِيائِ ْه‬‫َم ْن نَ َام َع ْن نُ ْ‬
‫ب‬‫ْق طًُّرا َو َغلَ ْ‬ ‫ال إِلَْي ِه الْ َخل ُ‬ ‫َم َ‬ ‫ب‬ ‫ْح ِّق َحْيثُ َما َذ َه ْ‬ ‫َم ْن ْاهَت َدى بِال َ‬
‫ان فَ ِ‬ ‫ِفي حلٍَّة ِمن األَم ِ‬ ‫الدْنيا أََتْته ِ‬
‫اخَر ْة‬ ‫ُ َ َ‬ ‫اآلخَر ْة‬ ‫ض ُّ َ ُ‬ ‫َم ْن َرفَ َ‬
‫ت َبْي َن الَْو َرى َو َسائِلُ ْه‬ ‫ض ُعَف ْ‬
‫َفَق ْد َ‬ ‫ضائِلُ ْه‬ ‫ت لَهُ فَ َ‬ ‫يل َم ْن َقلَّ ْ‬ ‫ِ‬
‫َوق َ‬
‫فَ َاز بَِها َو َح ِم َد ال َْعَو ِاقَبا‬ ‫َّج ُاربَا‬
‫َح َك َم الت َ‬ ‫َو َم ْن َتَر ُاه أ ْ‬
‫َكافَ ُاه ُك ُّل ِمْن ُه ْم بِالْغَ ْد ِر‬ ‫َّاس بَِن ْو ِع ال َْم ْك ِر‬ ‫َم ْن َعا َشَر الن َ‬
‫ش قَ ِر َير ال َْعْي ِن َغْيَر نَ ِادِم‬ ‫تَِع ْ‬ ‫يق َح ْربَهُ فَ َسالِ ِم‬ ‫َم ْن ال تَ ِط ُ‬
‫يم الَْق ْد ِر ِسًّرا َو َعَل ْن‬ ‫ِ‬ ‫الدْنَيا لِ َم ْن‬ ‫ت ُّ‬ ‫َم ْن لَ ْم ُيَب ِال َكانَ ْ‬
‫َف ُهَو َعظ ُ‬
‫ك أَ ْن َيْن َع ُاه َحًّقا أ َْهلُهُ‬ ‫أ َْو َش َ‬ ‫َصلُهُ‬
‫بَا َن َعْنهُ َف ْر ُعهُ َوأ ْ‬ ‫َم ْن‬
‫اب َج ِاه ُل‬ ‫َج َ‬‫َو َم ْن َد َعْتهُ فَأ َ‬ ‫الش ْهَو َة َف ُهَو َع ِاق ٌل‬
‫ب َّ‬ ‫َغَل َ‬ ‫َم ْن‬

‫‪50‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫َصَب َح ِمْنهُ َح ِام ًدا أل َْم ِر ِه‬


‫أْ‬ ‫َم ْن ظَ َّل َي ْو ًما َكاتِ ًما لِ ِسَّرِه‬
‫ِم ْن َشِّرِه لُطًْفا َو َما اقَْتَر ْفَتا‬ ‫ك الَّ ِذي َسِل ْمَتا‬ ‫َخْي ُر َز َمانِ َ‬
‫ِفيما يرى إِ َغاثُه الْملْه ِ‬ ‫ضل الْمعر ِ‬
‫وف‬ ‫ُ َُ‬ ‫َ َُ‬ ‫وف‬ ‫َخْي ُر النَّ َدى َوأَفْ َ ُ َ ْ ُ‬
‫الش ْك ِر حًّقا ثَمن الْم ِز ِ‬
‫يد‬ ‫َو ُّ‬ ‫ود‬‫ت الن َّْعماء بِالْجح ِ‬ ‫ال َتثْبُ ُ‬
‫َ َُ َ‬ ‫َُ ُُ‬
‫َسَق ِام‬ ‫ِ‬ ‫َم ْن َغلََبْتهُ َش ْهَو ًة الطََّع ِام‬
‫صا ِر ُم األ ْ‬ ‫ُس َّل َعلَْيه َ‬
‫اط ٌع بِالَْق ْسَو ْة‬ ‫ه َذا َدلِيل قَ ِ‬ ‫الش ْهَو َة‬ ‫يع َّ‬ ‫ِ‬ ‫صي ِ‬ ‫َت ْع ِ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫اإللَ َه َوتُط ُ‬
‫َوتَ َاه ِفي َش ْهَوتِِه ال َت ْر ُج ْه‬ ‫ِم ْن َه ُّمهُ أ َْم َع ُاؤ ُه َو َف ْر ُج ْه‬
‫َفع َّدها ِمن أَ ْشر ِ‬ ‫ٍ‬
‫اع ْة‬
‫ضَ‬ ‫ف الْبِ َ‬ ‫ُ َ ْ َ‬ ‫َج َم ُل َش ْيء بِال ِْغَنى الَْقَن َ‬
‫اع ْة‬ ‫أْ‬
‫فَا ْع َم ْل بِ َما َعِل ْمَتهُ َوال تَ َد ْع‬ ‫اص ِد َيها لِلَْو َر ْع‬ ‫و ِهي تَسو ُق قَ ِ‬
‫َ َ ُ‬
‫مْن ِزلَةُ األَ ْخيا ِر وال ِ‬
‫ْكَر ِام‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْس ِم َّما ِفي يَ ِدي األَنَ ِام‬ ‫َوالَْيأ ُ‬
‫الل لِ َذ ِوي ال ِْعَي ِال‬ ‫ْح ِ‬ ‫ب ال َ‬ ‫َك ْس ُ‬ ‫َن َع َم َل األَبْطَ ِال‬ ‫َوا ْعلَ ْم بِأ َّ‬
‫َح ْد‬ ‫ولَيس ي ْغنِي عْن َ ِ‬ ‫اجَت ِه ْد‬ ‫فَِإنَّ َ‬
‫ك مْن ُه ْم أ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ ُ‬ ‫ول َعْن ُه ْم فَ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ك ال َْم ُ‬
‫وسنَّةُ اللَِّئ ِام ِفي الْجح ِ‬
‫ود‬ ‫ْكر ِام ب ْذ ُل الْج ِ‬
‫ود‬ ‫من َع َ ِ ِ‬
‫ُُ‬ ‫َُ‬ ‫ُ‬ ‫ادة ال َ َ‬ ‫َْ‬
‫َوال تَبِ ْن ِكْبًرا َو ُس َّد بَابَ ْه‬ ‫ال تَ ْد ُن ِم َّم ْن يَ ْد ُن بِالْ َخالبَ ْة‬
‫ص ِدي ٌق فَا ْف َه ِم‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ب تِ ًيها فَا ْعلَ ِم‬ ‫ال َرْأ َي لِل ُْم ْع َج ِ‬
‫َوال لذي كْب ٍر َ‬
‫ُّج َحْي ِن‬ ‫والْيأ ِ‬ ‫ْل بُ ْخ ٌل أَقَْب ُح ال ُْمطْلَْي ِن‬
‫َح ُد الن ْ‬ ‫ْس مْنهُ أ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ال َْمط ُ‬
‫فَا ْف َه ْم فَِف ِيه ال ِْعُّز َحًّقا َوال ُْعال‬ ‫الس َخا‬‫َوالْبُ ْخ ُل َد ٍاء َو َد ُاؤ ُه َّ‬
‫ول بِجَنى الْ ُخسر ِ‬
‫ان‬ ‫ْق لِلْحرم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َْ‬ ‫ثُ َّم َي ُؤ ُ َ‬ ‫ان‬ ‫ص َداعي الْ َخل َ ُ ْ َ‬ ‫َوالْح ْر ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬‫الرتَ ْ‬‫َسَنى ُّ‬ ‫فَِإنَّهُ َي ْهدي ِإلَى أ ْ‬ ‫ث األَْنَباءُ َخْيًرا م ْن أ ََد ْ‬
‫ب‬ ‫َما ُر ِّ‬
‫ْح َج ِر‬ ‫َكما رويَن ُاه َكَن ْق ٍ ِ‬ ‫السيَّ َما ِإ ْن َكا َن بَا َن ِفي ِّ‬ ‫ِ‬
‫ش في ال َ‬ ‫َ ََ ْ‬ ‫الصغر‬
‫الزلَ ْل‬ ‫أَ ْدر َكهُ َك ِمين آفَ ِ‬
‫ات َّ‬ ‫ْامَتطَى جو َاد رْيع ِ‬
‫ان ال َْع َج ْل‬ ‫َم ْن‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ‬
‫أَْثَقل ما َكا َن َعَلى ا ِإلنْس ِ‬
‫ان‬ ‫َكا َن َذا َع ْج ٍز َعن ا ِإل ْحس ِ‬
‫ان‬ ‫َم ْن‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬

‫‪51‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ت َح ْسَرتُ ْه‬ ‫ضا ثُ َّم َد َام ْ‬ ‫ض َّل أَيْ ً‬‫َو َ‬ ‫ب َم ِطيَّتُ ْه‬ ‫ْج ْه َل َكَت ْ‬ ‫ب ال َ‬
‫ِ‬
‫َم ْن َرك َ‬
‫ألَنَّهُ ِم ْن أَقَْب ِح َّ‬
‫الر َذائِ ِل‬ ‫ضا ِعْبَر ًة لِل َْع ِاق ِل‬ ‫ص َار أَيْ ً‬ ‫َو َ‬
‫ف َواللَّ َسانَا‬ ‫ال تُطْلََق َّن الطَّْر َ‬ ‫ت ِم َّمن يرتَ ِجي ال ِ‬
‫ْجَنانَا‬ ‫إِ ْن ُكْن َ ْ َ ْ‬
‫ْت َما تَ ْكَر ُههُ ِم ْن َغْي ِر َكا‬ ‫ال تَأ ِ‬ ‫ت تَ ْجنِي َز ْهَر َخْيَر ْي‬ ‫أ َْو ُر ْم َ‬
‫الدْنَيا َو ِفي الِْقَي َام ْة‬ ‫ِفي َه ِذ ِه ُّ‬ ‫الم ْة‬
‫الس َ‬ ‫ت ِم َّم ْن َي ْرتَ ِجي َّ‬ ‫أ َْمَوَر َكاُكْن َ‬
‫ث َبتَّا‬ ‫الش َّح َفبُ َّ‬
‫ْكْبَر َو ُّ‬ ‫وال ِ‬ ‫فَال َت ُقل ُه ْجرا وإِ ْن َغ ِ‬
‫ضْبَتا‬
‫َ‬ ‫ْ ً َ‬
‫فَا ْش ُك ْر ُمثَابًا َم ْن َكَفى أ َْمثَالَ َها‬ ‫ب نَِبالِ َها‬ ‫ت م ِ‬
‫صائ ُ‬ ‫إِ ْن َفَّوقَ ْ َ َ‬
‫ضا‬‫ود َق ْر َ‬ ‫وءا َي ُع ُ‬ ‫فَال َت ُق ْل ُس ً‬ ‫ضا‬‫صو َن ِع ْر َ‬ ‫ت أَ ْن تَ ُ‬ ‫َوإِ ْن أ ََر ْد َ‬
‫ِ‬
‫صغَ َارا‬ ‫استِ ْ‬
‫ال َتْنظَُر َّن للَْو َرى ْ‬ ‫ْجَنا َن َد ًارا‬ ‫ت تَ ْخَتار ال ِ‬
‫ُ‬ ‫إِ ْن ُكْن َ‬
‫اء أ َْو أَبَى‬ ‫الس ِّن َش َ‬‫لِ َذ ِو ِيه ِفي ِّ‬ ‫َو ُك ْن أَ َخا لِْل َك ْه ِل ِمْن ُه ْم َوأَبَا‬
‫س ال ِْع َدا‬ ‫وس َع ْن َق ْو ِ‬ ‫النُف ِ‬‫اق بِ ُّ‬ ‫َوفَ َ‬ ‫وابًنا لِ َشي ٍخ قَ ْد َتغَ َّشاه ال ِ‬
‫ْكَبَرا‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬
‫وك َن أَ ْن تَ ِحي َفا‬ ‫وارفُ ْق بِمملُ ِ‬
‫َْ‬ ‫َْ‬ ‫آ ِوي الَْيتِ َم َو ْار َح ِم الض َِّعي َفا‬
‫ات َغْيَر َوانِي‬ ‫اجَنح ِإلَى الْ َخْير ِ‬ ‫ِّاء ُه َّن َكالْغََوانِي‬ ‫والن ِ‬
‫َ‬ ‫فَ ْ ْ‬ ‫َ‬
‫صايَا الْغُِّر بِ َح ْم ِد َر ِاء‬ ‫م َن الَْو َ‬
‫ِ‬ ‫ور ِة ا ِإل ْسَر ِاء‬ ‫ِ ِ‬
‫َوا ْع َم ْل ب َما في ُس َ‬
‫وب َذ ِاهلَ ْة‬ ‫َع ْن قَط ِْع َها َي ْو َم الْ ُقلُ ِ‬ ‫الر ِح ِم َّ‬
‫السائِلَ ْة‬ ‫ات َّ‬ ‫صل َذو ِ‬
‫َو ْ َ‬
‫ِ‬
‫صطََفى َم ْوالنَا‬ ‫بِِه النَّبِ ُّي ال ُْم ْ‬ ‫صانَا‬‫ْج َار أَ ْك ِر ْمهُ َفَق ْد َو َّ‬ ‫َوال َ‬
‫ضا َم َدى األَيَّ ِام‬ ‫ضا َوَت ْع ِري ً‬ ‫لَْف ً‬ ‫اح َذ ْر ُبَن َّي َغْيَب َة األَنَ ِام‬
‫َو ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫فَِإَّن َها َذ َخائ ُر َذم َ‬
‫يم ْة‬ ‫َوال َْه ْمَز َواللَّ ْمَز َم َع النَّم َ‬
‫يم ْة‬
‫ص َّد َعْنهُ‬ ‫يت َ‬ ‫َوالْبُ ْخ َل َما َحيِ ُ‬ ‫اجَتنِْبهُ‬
‫ب فَ ْ‬ ‫َشُّر األ ُُمو ِر ال ُْع ْج ُ‬
‫ض ِع األَبْطَ ِال‬ ‫َد َو ُاؤ ُه َتَوا ُ‬ ‫ْكْب ُر َداءٌ قَاتِ ُل ِّ‬
‫الر َج ِال‬ ‫فَال ِ‬
‫َوال َد َو َاء ِمثْ َل تَ ْح ِسي ِن الْ َخلُ ْق‬ ‫ْح ُم ْق‬
‫ضا م َن ال ُ‬
‫ال داء أَ ْدوى مر ً ِ‬
‫َ َ َ ََ‬
‫ص ْد‬ ‫اجَتنِْبهُ واقَْت ِ‬
‫وب فَ ْ َ‬ ‫َرْأس ال ُْعيُ ِ‬ ‫ْح َس ْد‬‫وب َوال َ‬ ‫ْح ْق ُد َداءٌ لِْل ُقلُ ِ‬
‫وال ِ‬
‫َ‬
‫ُ‬

‫‪52‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ِ‬
‫َوُي ْقص ُر األَ ْع َم َار َو َ‬
‫اآلجاال‬ ‫الر َجاال‬ ‫ع ِّ‬ ‫صَر ُ‬ ‫اح يَ ْ‬ ‫صٍ‬ ‫َوالَْب ْغ ُي َ‬
‫اع‬ ‫َم ِطيُّةُ الطُّغَ ِام َو َّ‬
‫الر َع ِ‬ ‫ضا َي ْه ِد ُم َّ‬
‫الصنِ َيع ْة‬ ‫َوال َْم ُّن أَيْ ً‬
‫َج َجتّهُ لَْفظَ ْه‬ ‫ب َح ْر ٍ‬
‫ب أ َّ‬ ‫َو ُر َّ‬ ‫ب َغَر ِام َجلَْبتهُ لَ ْحظَ ْة‬ ‫َر َّ‬
‫سُّر ِم ْن َح َذ ْر‬ ‫ب َم ْح ُذو ٍر يَ ُ‬ ‫َو ُر َّ‬ ‫ول َتَرى ُمْنهُ الضََّر ْر‬ ‫ب َمأ ُْم ٍ‬ ‫َو ُر َّ‬
‫ْبق الَْو ْغ ِد‬ ‫ِفي أَ ْكثَ ِر األ َْمثَ ِال ُخل ُ‬ ‫ْف الَْو ْع ِد‬ ‫ضا إِ َّن ُخل َ‬ ‫يل أَيْ ً‬ ‫ِ‬
‫َوق َ‬
‫وال أَسى ِمن فَائِ ٍ‬
‫ت بَِن ِاف ِع‬ ‫ال َح َذ َر ِم ْن قَ َد ٍر بِ َد ِاف ِع‬
‫َ ًَ ْ‬
‫يظ َْهر ِفي الْو ْج ِه و ِفي اللِّس ِ‬
‫ان‬ ‫ْجَن ِ‬
‫ان‬ ‫ت بِال ِ‬ ‫يل َما أَ ْ‬
‫ض َم ْر َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َوق َ‬
‫هلل الْغَنِ ِّي َشَر ُ‬
‫ف‬ ‫الش ْكر ِ‬
‫َو ُّ ُ‬ ‫ف‬‫التلَ ُ‬‫الش ْكَوى فَِف ِيه َّ‬ ‫ال تُ ِط ِل َّ‬
‫صِل ُحهُ إِال الَْو َر ْع‬ ‫َحًّقا َوال يُ ْ‬ ‫ين الَْو َرى إِال الطَّ َم ْع‬ ‫ِ ِ‬
‫ال ُي ْفس ُد د َ‬
‫اب َس ِّيِء اآلثَ ِام‬ ‫َعلَى ْارتِ َك ِ‬ ‫ك َكْثَر ُة ا ِإلْن َع ِام‬ ‫ال تَ ْح ِملَْن َ‬
‫ث الطَّْع َن َوُتْب ِدي النَّ َد َما‬ ‫َوتُو ِر ُ‬ ‫وءا تَ ِز ُل الَْق َد َما‬ ‫َوال َت ُق ْل ُس ً‬
‫االت وال الْو ِ‬
‫صيَّ ْه‬ ‫َ َ‬
‫وال الْو َك ِ‬
‫َ َ‬ ‫ال َتَقَّربَ َن ِم ْن َو َدائِ ِع الَْب ِريَّْه‬
‫وم ْع ِد ُن اآلفَ ِ‬
‫الر َزايَا‬
‫ات َو َّ‬ ‫ََ‬ ‫ب الَْباليَا‬ ‫فَِإَّن ُه َّن َسَب ُ‬
‫س ْك ِر َها َع ْن ُش ْك ِر َها َفَتْن َد َما‬ ‫بُ‬
‫ِ‬ ‫ِّع َما‬
‫يت الن َ‬ ‫ال تَ ْشَت ِغ ْل ِإ َذا ُحبِ َ‬
‫اس َد األَبْ َد ِ‬
‫ان‬ ‫اب فَ ِ‬ ‫الذبَ ِ‬ ‫َر ْعي ُّ‬ ‫ان‬ ‫ال َتتَّبِع مسا ِو َئ ا ِإل ْخو ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ََ‬
‫الش ِري َفا‬
‫س ُد َّ‬ ‫ِ‬ ‫يم ْن يَ ْحِق ُر الض َِّعي َفا‬ ‫ِ‬
‫كْبًرا َوال َم ْن يَ ْح ُ‬ ‫ال َخْيَر ف َ‬
‫أَقَ ُّل ِمْنهُ أَُّي َها ا ِإلنْ َسا ُن‬ ‫ْح ْر َما ُن‬ ‫ال تَسَتِق َّل الْ َخير فَال ِ‬
‫َْ‬ ‫ْ‬
‫ور‬ ‫ت بِِه ُّ‬
‫الد ُه ُ‬ ‫اء ْ‬‫ب ُك ِّل َما َج َ‬
‫ِ‬
‫ال تَ ْج ِز َع ْن َفَق ْد َح َى ال َْم ْق ُد ُ‬
‫ور‬
‫ْحرم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الزم ِ‬
‫ان‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫إِ َّن التََّواني َسَب ُ‬ ‫ان‬ ‫ص َّ َ‬ ‫ال َتَت َخطَّى ُفَر َ‬
‫ِ ِ‬ ‫َو َخ ِاد ُ‬
‫يم األََم ْل‬ ‫ع األَ ْع َمال َت ْقد ُ‬ ‫َج ْل‬‫اس ُك ْم ُخطَا ُك ُم إِلَى األ َ‬ ‫أَْنَف ُ‬
‫ب‬ ‫ك ال ُْمْن َكَر ِم ْن أَقَْوى َّ‬
‫السَب ِ‬ ‫َوَن ْهيُ َ‬ ‫ب‬ ‫وف ِم ْن أَ ْعَلى ُّ‬
‫الرتَ ِ‬ ‫أَمر َك بِالْمعر ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫ُْ‬
‫السَل ِ‬
‫ين بِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫الشر ِ‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫السوءُ يَش ُ‬ ‫َوالَْولَ ُد ُّ‬ ‫ف‬ ‫الَْولَ ُد الَْبُّر يَ ِزي ُد في َّ َ‬

‫‪53‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫اح‬
‫َّج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الرفْ ُق يُ ْدنِى ال َْم ْر َء لِ َّ‬
‫اح ُس ْر َعة الن َ‬ ‫َو ُهَو لَق ُ‬ ‫الح‬
‫لص ِ‬ ‫ِّ‬
‫َوتُ ْحَفغُة ال ُْم ِسيءُ َكُّفل َّ‬
‫الشِّر‬ ‫اء ُة ال ُْم ْح ِس ِن َمْن ُع الْبِِّر‬ ‫إِ َس َ‬
‫ص ِافَيا‬ ‫ك الْ ِود ِ‬ ‫ك ال َْم َسا ِويَا‬ ‫اسى ِم ْن إِ ْخَوانِ َ‬
‫اد مْن ُه ْم َ‬ ‫يَ ُد ْم لَ َ َ ُ‬ ‫َتَن َ‬
‫َو َد ْع ُمثَابًا ِقيلَ ُه ْم َوالِْقيال‬ ‫ْج ِميال‬ ‫ك ال َ‬ ‫َوأ َْولِ ِه ْم ِم ْن ِف ْعِل َ‬
‫ص ْن َع ْن ُم َحيَّ ُاه الَّ ِذي أ ََراقَ ْه‬ ‫ُ‬ ‫ك الَْفاقَ ْه‬ ‫َو ُك ُّل َم ْن أَبْ َدى إِلَْي َ‬
‫الديْ ِن‬
‫َوأَ ْعظَ ُم ال َْه َّمْي ِن َه ُّم َّ‬ ‫َح ُد الَْب ْذلَْي ِن‬ ‫ِ‬
‫بَ ْس ُذ ال ُْو ُجوه أ َ‬
‫ت أَْنَتا‬ ‫ف أَنْ َ‬‫ت الطَّْر َ‬ ‫ضْت َ‬‫ثُ َّم غُ َ‬ ‫اسَتطَ ْعَتا‬
‫ت َما ْ‬ ‫الص ْو َ‬
‫ضت َّ‬ ‫َوإِ ْن َخَف َ‬
‫ال َيْنَب ِغي لِل َْم ْر ِء أَ ْن يَ ُذَّم ْه‬ ‫الء نِْع َم ْه‬ ‫هلل ِفي ُك ِّل ب ٍ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫َوَيَقظَةٌ ِم ْن َغ ْفلَ ٍة لِ َم ْن نَظَْر‬ ‫اب إِ ْن َ‬
‫صبَْر‬ ‫ب َوَثَو ٌ‬ ‫يص َذنْ ٍ‬ ‫ِ‬
‫تَ ْمح ُ‬
‫َو َو ْعظُهُ َه ِديَّةٌ ُمَو َّفَق ْة‬ ‫ص َدقَ ْة‬ ‫ِ‬
‫َوَت ْوبَةٌ يُ ْحدُث َها َو َ‬
‫ِم ْن َب ْع ِد َه َذا ِعْبَرةٌ لِل ُْم ْعَتبِ ِر‬ ‫اهلل ثُ َّم ِفي الَْق َد ِر‬ ‫ض ِاء ِ‬ ‫َو ِفي قَ َ‬
‫س األَ ْع َم ِال‬ ‫وها أَْنَف َ‬‫فَ َجلِّ ُد َ‬ ‫اآلج ِال‬
‫ف َ‬ ‫ص َحائِ ُ‬ ‫أَ ْع َم ُار ُك ْم َ‬
‫َوال تُ ِّعيْر َهالِ ًكا َفَت ْهِل َكا‬ ‫ضَّر َكا‬‫الص ْد ِق َولَْو أَ َ‬ ‫ك بِ ِّ‬ ‫َعلَْي َ‬
‫ص ْحبِ ِه‬ ‫أَسهل ِمن ح ِ ِ ِ‬ ‫صْب ُر الَْفَتى َعلَى أَلِ ِيم َك ْسبِ ِه‬
‫اجته ل َ‬ ‫َْ ُ ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫َوالَْقْن ُع نَ ْج ٌم ال َتَر ُاه يَ ْخبُو‬ ‫اد َيْنبُو‬ ‫ف ال يَ َك ُ‬ ‫الصْب ُر َسْي ٌ‬
‫فَ َّ‬
‫ان فَا ْف َه ْم‬ ‫أ َْهو ُن ِمن جر ِح اللِّس ِ‬ ‫ح الَْي َديْ ِن ِعْن َد أ َْه ِل الْ ِه َم ِم‬
‫َ‬ ‫ْ ُْ‬ ‫َ‬ ‫َج ْر ُ‬
‫صائِ ِ‬
‫ب‬ ‫ِ‬
‫يُ ْدني الَْفَتى م ْن ُك ِّل أ َْم ٍر َ‬
‫ِ‬ ‫َخْي ُر قَ ِري ِن ال َْم ْر ِء ُح ْس ُن الْ ُخلُ ِق‬
‫َوال َْعْب ُد ُحُّر َما َتَر ُاه قَانَِعا‬ ‫ْحُّر َعْب ٌد َما َتَر ُاه طَ ِام َعا‬ ‫ال ُ‬
‫َوالَْف ْق ُر ُك ُّل ُذ ُّل َوال َ‬
‫ْج ْه ِل‬ ‫أَ ْغَنى ال ِْغَنى لِل َْم ْر ِء ُح ْس ُن ال َْع ْق ِل‬
‫اإلنْس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك األََمانِي‬ ‫ِإيَّ َ‬
‫ان‬ ‫فَإَّن َها قَاتَلةُ ِ َ‬ ‫اك أَ ْن تَ ْخ َد َع َ‬
‫ف َع َسى َو َحتَّى‬ ‫فَِإنَّهُ َسْي ٌ‬ ‫اسَتطَ ْعَتا‬
‫ْ‬ ‫ف َما‬‫وم َس ْو َ‬ ‫اح َذ ْر لُُز َ‬
‫َو ْ‬
‫َو ُك ْن ِمن َّ‬
‫الشِّر أَ َش َّد ُب ْع َدا‬ ‫َر َش َدا‬ ‫سا ِر ْع إِلَى الْ َخْي ِر تُ ِ‬
‫الق‬ ‫َ‬

‫‪54‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫الش ْه ِد ِمْنهُ َع ْلَق َما‬‫وع َّ‬ ‫ُر ُج َ‬ ‫اح َذ ْر‬


‫فَ ْ‬ ‫ك ال ُْم َعظَّ َما‬ ‫ت ال َْمِل َ‬ ‫ص ِحْب َ‬ ‫َوإِ ْن َ‬
‫ص ْد ِق‬ ‫لَ ُهم ُدر َعى تُقى و ِ‬ ‫س‬ ‫الرفْ ِق‬ ‫ص ْحهُ َوالَْو َرى َم ًعا بِ ِّ‬
‫ً َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َوالَْب ْ‬ ‫َوانْ َ‬
‫الزلَِّة َب ْع َد َّ‬
‫الزلَ ْة‬ ‫َّ‬ ‫َويَ ْسُت ُر‬ ‫ك الْ َخلَّ ْة‬ ‫س ُّد ِمْن َ‬ ‫آخ الذي يَ ُ‬
‫ِ َّ ِ‬
‫ظ إِ َذا ا ْشَت َّد الْ ُخنُ ْق‬‫الْغَْي َ‬ ‫َو َكظَ َم‬ ‫ال َعْثَر ًة َو َم ْن َرفَ ْق‬ ‫َو َم ْن أَقَ َ‬
‫ال َمَقاالً قَ ْد َف َع ْل‬ ‫َو َم ْن إِ َذا قَ َ‬ ‫َف ُهَو الَّ ِذي قَ ْد تَ َّم َع ْقالً َو َك ُم ْل‬
‫ظ بِِعٍّز َدائٍِم َسنِي‬ ‫تُ ْح َ‬ ‫ك يَا ُبَن َّي‬ ‫فَا ْش ُد ْد يَ َديْ َ‬
‫فَِإنَّهُ يسمو لِ ُك ِّل حْت ِ‬ ‫ف الطَّر ِ‬ ‫ِ‬ ‫إِيَّ َ‬
‫ف‬ ‫َ‬ ‫َُْ‬ ‫ف‬ ‫اك أَ ْن ُت ْهم َل طََر َ ْ‬
‫اء يَا ُبَن َّي فَا ْغَتِف ْر‬ ‫َوإِ ْن أ َ‬
‫َس َ‬ ‫يك فَا ْعَت ِذ ْر‬ ‫إِ َذا تُ ِسيء إِلَى أ َِخ َ‬
‫ض ِل‬ ‫َوال َْع ْف ُو ُب ْر َها ٌن لِ ُك ِّل فَ ْ‬ ‫ضي بِ َك َم ِال ال َْع ْق ِل‬ ‫فَالْع ْذر ي ْق ِ‬
‫ُ ُ َ‬
‫اح ِد ْر َ‬
‫ع‬ ‫صِ‬ ‫س لَ ُه ْم يَا َ‬ ‫َوالَْب ْ‬ ‫ت‬‫ْق بِغَْي ِر م ْق ِ‬
‫َ‬ ‫َو َجانِب الْ َخل َ‬
‫ت َس َاها َتْن َجِلي َو َعلَّ َها‬ ‫الصْلْم َِع‬
‫َوقُ َّ‬ ‫ب َم َكا ِرٌه َفَن ْم لَ َها‬ ‫إِ َذا الت َّْو َ‬
‫ُي ْعِقبُهُ اهللُ َت َعالى بِالَْفَر ْج‬ ‫ت ِف ِيه ِم ْن‬ ‫َصَب ْح ُ‬ ‫ِ‬
‫َع َسى الَّذي أ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اد ْ ِ‬ ‫َهَحَذرا ْج الَّ ِذي َج َ‬
‫يح ْة‬
‫اح ُذ َعلَْيه َواقَْب َل النَّص َ‬ ‫فَ ْ‬ ‫يحةُ‬‫ت بِه الَْق ِر َ‬
‫ص َّد َعْنهُ‬ ‫ك َو ُ‬‫ضالً ِمْن َ‬ ‫َفَتَف ُ‬ ‫صْنهُ‬ ‫اك َعْيًبا ُ‬ ‫َت َعْيَن َ‬ ‫َوإِ ْن َرأ ْ‬
‫ُيْتبِ ُعهُ ِفي ُك ِّل ُع ْس ٍر يُ ْسَرا‬ ‫اهلل َت َعالَى َع ْفًوا‬
‫َفَت ْسأ َُل َ‬
‫ت قَ ْم ِريَّةٌ َعلَى ُّ‬
‫الذ َرا‬ ‫ص َّد َح ْ‬‫َما َ‬ ‫ب َعلَى َخْي ِر الَْو َرى‬ ‫ص ِّل يَا َر ِّ‬
‫َو َ‬
‫اب‬‫ين ِم ْن أُولِي األَلَْب ِ‬ ‫ِِ‬
‫َوالتَّابع َ‬ ‫اب‬‫َص َح ِ‬ ‫اج َواأل ْ‬ ‫اآلل َواألَ ْز َو ِ‬
‫َو ُ‬
‫( انتهى )‬
‫الم ِة َوالْ َخ ِ‬
‫الص‬ ‫الس َ‬‫إِلَى ُسَن ِن َّ‬ ‫ك ِمن األ ُُمو ِر بِ َما ُيَؤ َدى‬ ‫آخر‪َ :‬علَْي َ‬
‫و َفو ًزا يوم يؤ َخ ُذ بِالنَّو ِ‬
‫اصي‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َْ َ ُ‬ ‫َّجا َة بِِه َو ِشي ًكا‬‫َو َما َت ْر ُجو الن َ‬
‫وس ِمن الْمع ِ‬ ‫بَِتطْ ِهي ِر ُّ‬ ‫اهلل إِال‬‫ال َع ْفو ِ‬
‫اصي‬ ‫النُف ِ َ َ َ‬ ‫س َتَن ُ َ‬ ‫َفلَْي َ‬
‫ص ٍح لِأل ََدانِي واألَقَ ِ‬
‫اصي‬ ‫َونُ ْ‬ ‫ين بِ ُك ِّل ِرفْ ٍق‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َوبِّر ال ُْم ْؤمن َ‬

‫‪55‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ك ِم ْن َمَن ِ‬
‫اص‬ ‫َوإِ ْن َت ْع ِد ْل فَ َما لَ َ‬ ‫َوإِ ْن تَ ْش ُد ْد يَ ًدا بِالْ َخْي ِر ُت ْفلَ ْح‬
‫اللهم ثبت وق وي إمياننا بك ومبالئكتك وبكتبك وبرس لك وب اليوم اآلخر‬
‫وش ره ‪ ،‬اللهم عاملنا بعف وك وغفرانك وامنن علينا بفض لك‬ ‫وبالق در خ ريه‬
‫وإحس انك وجننا من الن ار وعافنا من دار اخلزي والب وار وأدخلنا بفض لك وكرمك‬
‫وجودك اجلنة دار القرار واجعلنا مع عبادك الذين أنعمت عليهم من النبيني والصديقني‬
‫والشهداء والصاحلني يف دار رضوانك وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني‬
‫‪.‬‬
‫صٌل ) ‪ :‬أخرج أبو الشيخ بن حبان يف كتاب الوصيا واحلاكم يف مستدركه‬ ‫( َف ْ‬
‫والبيهقي يف الدالئل وأبو نعيم كالمها عم عطاء اخلرساين ‪.‬‬
‫ق ال ‪ :‬ح دثتين ابنة ث ابت بن قيس بن مشاس إن ثابتً ا قتل ي وم اليمامة وعليه‬
‫درع له نفيسة فمر رجل من املس لمني فأخ ذها ‪ ،‬فبينما رجل من املس لمني ن ائم إذ‬
‫أتاه ثابت يف منامه فقال ‪ :‬أوصيك بوصية فإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه ‪.‬‬
‫إين ملا قتلت أمس مر يب رجل من املس لمني فأخذ درعي ومنزله يف أقصى الن اس وعند خبائه‬
‫فرسن يسنت يف طوله ‪ ،‬وقد كف أ على ال درع برمة وف وق الربمة رحل ف أت خالد بن الوليد فم ره‬
‫أن يبعث إلى درعي فيأخ ذها وإذا ق دمت املدينة على خليفة رس ول اهلل ‪ ‬يعين أبا بكر الص ديق‬
‫رضي اهلل عنه فقل له ‪ :‬إن علي من الدين كذا وفالن من رقيقي عتيق وفالن ‪ ،‬فأتى الرجل خالدًا‬
‫أحدا‬
‫ف أخربه فبعث إىل ال درع ف أيت هبا وح دث أبا بكر برؤي اه فأج از وص يته ‪ ،‬ق ال ‪ :‬وال نعلم ً‬
‫أجيزت وصيته بعد موته غري ثابت بن قيس ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫الل َوبِالَْبَق ِاء‬ ‫ْج ِ‬ ‫َتَفَّر َد بِال َ‬ ‫ْكْب ِريَ ِاء‬
‫ِشعرا‪َ :‬تبار َك ُذو الْعال وال ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ََ‬ ‫ًْ‬
‫َو ُكلُّ ُه ْم َر َهائِ ُن لِْلَفناَِء‬ ‫ت َبْي َن الْ َخل ِْق طًُّرا‬ ‫َو َسَّوى ال َْم ْو َ‬
‫ض ِاء‬ ‫اع ‪ -‬إِلَى انِْق َ‬ ‫ال بَِها ال َْمَت ُ‬ ‫َوطَ َ‬ ‫َو ُدْنَيانَا ‪َ -‬وإِ ْن ِملَْنا إِلَْي َها‬
‫ِإلَى َدا ِر الَْفَن ِاء ِم َن الَْفَن ِاء‬ ‫الر ُكو َن َعلَى غُُرو ٍر‬ ‫أَال ِإ َّن ُّ‬
‫يص َعلَى الثََّو ِاء‬ ‫ْح ِر َ‬ ‫َوإِ ْن َكا َن ال َ‬ ‫يع الظَّْع ِن َعْن َها‬ ‫ِ‬
‫َوقَاطُن َها َس ِر ُ‬

‫‪56‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫اللهم أهلمنا ذكرك ووفقنا للقيام المتثال أمرك واغفر لنا ولوالدينا وجلميع‬
‫املسلمني األحياء منهم يا أرحم الرامحني وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني ‪.‬‬
‫( وصية عظيمة نافعة لمن عمل بها )‬
‫وص ية اإلم ام الغ زايل لبعض إخوانه ‪ ،‬فق ال ‪ :‬وإين أوصي ه ذا األخ أن‬
‫يص رف إىل اآلخ رة مهته وأن حياسب نفسه قبل أن حياسب وي راقب س ريرته‬
‫وعالنيته وقص ده ‪ ،‬ومهته ‪ ،‬وأفعاله ‪ ،‬وأقواله ‪ ،‬وإص داره ‪ ،‬وإي راده ‪ ،‬أهي‬
‫مقصورة على ما يقربه إىل اهلل تعاىل ويوصله إىل سعادة األبد ‪ ،‬أو منصرفة إىل‬
‫ما يعمر دني اه ويص لحها له إص الحًا منغص ًا ‪ ،‬مش وبًا بالك دورات ‪ ،‬مش حونًا‬
‫بالغموم واهلموم ‪ ،‬مث خيتمها بالشقاوة والعياذ باهلل ؟‬
‫فليفتح عني بص ريته ولتنظر نفس ما ق دمت لغد ‪ ،‬وليعلم أنه ال ن اظر‬
‫لنفسه وال مشفق سواه ‪.‬‬
‫وليتدبر ما كان بصدده ؛ فإن كان مشغوالً بعمارة ضيعة فلينظر ‪ :‬كم‬
‫من قرية أهلكها اهلل تع اىل وهى ظاملة ‪ ،‬فهي خاوية على عروش ها بعد إعماهلا‬
‫؟‬
‫وإن كان مقبالً على استخراج ماء ‪ ،‬وعمارة هنر ؛ فلينظر ‪ :‬كم من بئر‬
‫معطلة وقصر مشيد بعد عمارهتا ؟‬
‫وإن كان مهتمً ا بتأسيس بناء ؛ فليتأمل ‪ :‬كم من قصور مشيدة البنيان‬
‫حمكمة القواعد واألركان ‪ ،‬أظلمت بعد سكاهنا ؟‬
‫مهتما بعم ارة احلدائق والبس اتني فليعترب ‪َ ﴿ :‬ك ْم َتَر ُك وا ِمن‬ ‫وإن ك ان ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫َّات وعي ٍ‬
‫ني ﴾ (‪44‬‬ ‫وع َو َم َق ٍام َك ِر ٍمي * َو َن ْع َم ة َك انُوا ف َيها فَ اك ِه َ‬
‫ون * َو ُز ُر ٍ‬ ‫َجن َ ُُ‬
‫ِِ‬
‫ني *‬ ‫ت إِن َّمت َّْعنَ ُ‬
‫اه ْم س ن َ‬ ‫سورة الدخان ‪ ،‬اآليات ‪ ، )27-25 :‬وليقرأ ‪ ﴿ :‬أََف َرأَيْ َ‬

‫‪57‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وع ُدو َن * َما أَ ْغىَن َعْن ُهم َّما َك انُوا مُيَتَّعُ و َن ﴾ (‪ 26‬س ورة‬
‫اءهم َّما َك انُوا يُ َ‬
‫مُثَّ َج ُ‬
‫الشعراء ‪ ،‬اآليات ‪. )207 - 205 :‬‬
‫وإن كان مشغوفًا ‪ -‬والعياذ باهلل ‪ -‬خبدمة سلطان ‪ ،‬فليتذكر ما ورد يف‬
‫اخلرب أنه ينادي مناد يوم القيامة ‪ :‬أين الظلمة وأعواهنم ؟ فال يبقى أحد مد هلم‬
‫قلم ا فما فوق ذلك إال حضر ‪ ،‬فيجمعون يف تابوت من نار‬ ‫دواة أو برى هلم ً‬
‫‪ ،‬فيلقون يف جهنم ‪.‬‬
‫وعلى اجلملة ‪ ،‬فالن اس كلهم إال من عصم اهلل نس وا اهلل فنس يهم ‪،‬‬
‫وأعرض وا عن ال تزود لآلخ رة ‪ ،‬وأقبل وا على طلب أم رين ‪ :‬اجلاه واملال ‪ ،‬ف إن‬
‫ك ان هو يف طلب ج اه ورياسة ‪ ،‬فليت ذكر ما ورد به اخلرب ‪ :‬أن األم راء‬
‫والرؤساء حيشرون يوم القيامة يف صورة الذر حتت أقدام الناس يطؤهم بأقدامهم‬
‫‪ ،‬وليقرأ ما قال تعاىل يف كل متكرب جبار ‪.‬‬
‫جبارا وما ميلك إال أهل بيته » ‪ .‬أي ‪ :‬إذا‬ ‫ً‬ ‫وقد قال ‪ « : ‬يكتب الرجل‬
‫طلب الرياسة بينهم ‪ ،‬وتكرب عليهم ‪ ،‬وقد ق ال عليه الص الة والس الم ‪ « :‬ما‬
‫ذئب ان ض اريان أرسال يف زريبة غنم ب أكثر فس ًادا من حب الش رف يف دين‬
‫الرجل املسلم » ‪.‬‬
‫وإن ك ان يف طلب املال ومجعه فليتأمل ق ول عيسى عليه الس الم ‪ :‬يا‬
‫معشر احلواريني ‪ ،‬الغىن مسرة في الدنيا ‪ ،‬مضرة يف اآلخرة ‪ ،‬حبق أقول لكم ‪:‬‬
‫ال يدخل اجلنة األغنياء ملكوت السماء ‪.‬‬
‫وقد قال نبينا ‪ « :‬حيشر األغنياء يوم القيامة أربع فرق ‪ :‬رجل مجع ً‬
‫ماال‬
‫من ح رام ‪ ،‬وأنفقه يف ح رام ‪ ،‬فيق ال ‪ :‬أذهب وا به إىل الن ار ‪ ،‬ورجل مجع م االً‬
‫من حرام ‪ ،‬وأنفقه يف حالل فيقال ‪ :‬أذهبوا به إىل النار ‪ ،‬ورجل مجع ماالً من‬
‫حالل ‪ ،‬وأنفقه يف ح رام ‪ ،‬فيق ال ‪ :‬أذهب وا به إىل الن ار ‪ ،‬ورجل مجع م االً من‬
‫حالل ‪ ،‬وأنفقه يف حالل ‪ ،‬فيق ال ‪ :‬قف وا ه ذا ‪ ،‬واس ألوه ؛ لعله ض يع بس بب‬

‫‪58‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫غناه فيما فرضنا عليه ‪ ،‬أو قصر يف الصالة أو يف وضوئها ‪ ،‬أو ركوعها ‪ ،‬أو‬
‫سجودها ‪ ،‬أو خشوعها ‪ ،‬أو ضيع شيئًا من فروض الزكاة واحلج ‪.‬‬
‫فيقول ‪ :‬لعلك باهيت ‪ ،‬واختلت يف شيء من ثيابك ؟‬
‫فيقول ‪ :‬يا رب ! ما باهيت وال اختلت يف ثيايب ‪.‬‬
‫فيق ول ‪ :‬لعلك ف رطت فيما أمرن اك به من ص لة ال رحم ‪ ،‬وحق اجلريان‬
‫واملساكني ‪ ،‬وقصرت يف التقدمي والتأخري ‪ ،‬والتفصيل والتعديل ؟‬
‫وحييط هؤالء به فيقولون ‪ :‬ربنا أغنيته بني أظهرنا ‪ ،‬وأحوجتنا إليه ‪ ،‬فقصر يف حقنا » ‪.‬‬
‫ت َذا‬ ‫ت َذا يُ ْس ٍر َوقَ ْد ُكْن َ‬ ‫َصَب ْح َ‬
‫فَأ ْ‬ ‫اك َث ْر َو ًة‬ ‫ِش ْعًرا‪ :‬فَِإ ْن يَ َك ِن َّ‬
‫الر ْح َم ُن أَ ْعطَ َ‬
‫ُخ َّي ِم َن الَْف ْق ِر‬
‫يَُعِز ْدسَِرك َوتَأ َْم ْن يَا أ َ‬ ‫َفَتابِ ْع لَهُ َح ْم ًدا َو ُش ْكًرا َم َع الثََّنا‬
‫يب َو ِذي‬ ‫لِ َم ْن َكا َن َذا َف ْق ٍر قَ ِر ٍ‬ ‫اهلل ِمْن َها ُمَب ِاد ًرا‬
‫وأَ ْخرِج لِح ِّق ِ‬
‫َ ْ َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب‬
‫ال لَهُ َذ َه ُ‬ ‫اب ال ُيَق ُ‬ ‫َذُع َهْس ِرٌ‬ ‫اب ال َْم ِال في َح ْمد َوأ ْ‬
‫َج ٍر‬ ‫آخر‪ :‬ذ َه ُ‬

‫‪59‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ف إن ظهر تقصر ذهب به إىل الن ار ‪ ،‬وإال قيل له ‪ :‬قف ! ه ات اآلن‬


‫شكر كل لقمة ‪ ،‬وكل شربة ‪ ،‬وكل أكلة ‪ ،‬وكل لذة ؛ فال يزال يسأل ‪.‬‬
‫فه ذا ح ال األغني اء الص احلني املص لحني الق ائمني حبق وق اهلل تع اىل ‪ ،‬أن‬
‫يط ول وق وفهم يف العرص ات ‪ ،‬فكيف ح ال املف رطني املنهمكني يف احلرام‬
‫والش بهات ‪ ،‬املتك اثرين به ‪ ،‬املتنعمني بش هواهتم ‪ ،‬ال ذين قيل فيهم ‪ ﴿ :‬أَهْلَ ا ُك ُم‬
‫التَّ َكاثُُر ﴾ (‪ 102‬سورة التكاثر ‪ ،‬اآلية ‪. )1 :‬‬
‫فه ذه املط الب الفاس دة هي اليت اس تولت على قل وب اخللق ‪ ،‬فس خرهتا‬
‫للش يطان ‪ ،‬وجعلتها ض حكة له ‪ ،‬فعليه وعلى كل مس تمر يف ع داوة نفسه أن‬
‫يتعلم عالج هذا املرض الذي حل بالقلوب ‪.‬‬
‫فعالج م رض القلوب أهم من عالج م رض األب دان ‪ ،‬وال ينجو إال من‬
‫أتى اهلل بقلب سليم ‪ .‬وله دواءان ‪:‬‬
‫أحدمها ‪ :‬مالزمة ذكر املوت وطول التأمل فيه ‪ ،‬مع االعتبار خبامتة امللوك‬
‫بطرا‬
‫قصورا ‪ ،‬وفرحوا بالدنيا ً‬ ‫ً‬ ‫وأرباب الدنيا ‪ ،‬كيف أهنم مجعوا كثريا ‪ ،‬وبنوا‬
‫منثورا ‪َ ﴿ :‬و َك ا َن أ َْم ُر‬
‫ً‬ ‫قبورا ‪ ،‬وأصبح مجعهم هباء‬ ‫غرورا فصارت قصورهم ً‬ ‫ً‬ ‫أو‬
‫اللَّ ِه قَ َدراً َّم ْق ُدوراً ﴾ (‪ 23‬س ورة األح زاب ‪ ،‬اآلية ‪ ﴿ ، )38 :‬أ ََومَلْ َي ْه ِد هَلُ ْم‬
‫ون مَيْ ُش و َن يِف َم َس اكِنِ ِه ْم ﴾ (‪ 32‬سورة السجدة ‪،‬‬ ‫َكم أ َْهلَكْنَا ِمن َقبلِ ِهم ِّمن الْ ُق ر ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اآلية ‪. )26 :‬‬
‫فقصورهم وأمالكهم ومساكنهم صوامت ناطقة ‪ ،‬تسهد بلسان حاهلا على غرور عماهلا‬
‫َح ٍد أ َْو تَ ْس َم ُع هَلُ ْم ِر ْك زاً ﴾ (‪ 19‬س ورة‬ ‫‪ ،‬ف انظر اآلن يف مجعيهم ‪ ﴿ :‬ه ل حُتِ ُّ ِ‬
‫س مْن ُهم ِّم ْن أ َ‬ ‫َ ْ‬
‫مرمي ‪ ،‬اآلية ‪. )98 :‬‬
‫واسَتمَتعوا بِالْم ِال واألَو ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫الد‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ ْْ ُ‬ ‫ال ُبَن ُاؤ ُه ْم‬
‫فَطَ َ‬ ‫ين َبنُو‬‫ش ْعًرا‪ :‬إِ َّن الذ َ‬
‫فَ َكأََّن ُه ْم َكانُوا َعلَى ِم َيع ِاد‬ ‫َعلَى َم َحل ِديَا ِر ِه ْم‬ ‫اح‬
‫الريَ ُ‬
‫ت ِّ‬ ‫جر ِ‬
‫ََ‬

‫‪60‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫‪:‬‬ ‫قال بعضهم‬


‫َوأَظُ ُّن َه َذا ُكلَّهُ نِ ْسَيانَا‬ ‫َنَتَوانَا‬ ‫َحتَّى َمَتى َوإِلَى َمَتى‬
‫إِ ْن لَ ْم َي ُز ْرنَا بُ ْكَر ًة َم َّسانَا‬ ‫ُم ْس ِر ًعا‬ ‫ت يَطْلُُبَنا َحثِيثًا‬ ‫َوال َْم ْو ُ‬
‫اك ِسَوانَا‬ ‫َو َكأَنَّ َما ُي ْعنِي بِ َذ َ‬ ‫ظ بُ ْكَر ًة َو َع ِشيَّ ًة‬ ‫إِنَّا لَنُ َ‬
‫وع ُ‬
‫َحتَّى َكانَا قَ ْد َنَر ُاه ِعَيانَا‬ ‫ك ِفي‬ ‫غَلَب الْيِقين َعلَى التَّ َش ُك ِ‬
‫َ َ ُ‬
‫ْخالنَا‬ ‫ويَفار ُق ا ِإل ْخوا َن وال ِ‬ ‫ص ُير غَ ًدا إِلَى َدا ِر الَْبلَى‬ ‫الر َدمىن ي ِ‬
‫َ َ‬ ‫َُ َ‬ ‫يَاَّ َ ْ َ‬
‫ك إِ ْن َعَقل َ‬
‫ْت َم َكانَا‬ ‫فَا ْخَت ْر لَِن ْف ِس َ‬ ‫اك َن ِفي ال َْم َع ِاد َع ِز َيزةٌ‬ ‫إِ َّن األَم ِ‬
‫َ‬
‫الدواء الثاين ‪ :‬تدبر كتاب اهلل ‪ ،‬ففيه شفاء ورمحة للمؤمنني ‪.‬‬
‫وقد أوصى رس ول اهلل ‪ ‬مبالزمة ه ذين ال واعظني بقوله ‪ « :‬فقد ت ركت‬
‫فيكم واعظني ‪ :‬صامتًا وناط ًقا ؛ الصامت املوت ‪ ،‬والناطق القرآن » ‪.‬‬
‫وقد أصبح أكثر الناس أمواتًا عن كتاب اهلل تعاىل ‪ ،‬وأن كانوا أحياء يف‬
‫وصما عن‬ ‫ً‬ ‫معايش هم ‪ ،‬وبكمً ا عن كت اب اهلل ‪ ،‬وإن ك انوا يتلونه بألس نتهم ؛‬
‫مساعه ‪ ،‬وإن كانوا يسمعونه بآذاهنم ؛ وعميًا عن عجائبه ‪ ،‬وإن كانوا ينظرون‬
‫إليه يف ص حائفهم ؛ وأم يني يف أس راره ‪ ،‬ومعانيه ‪ ،‬وإن ك انوا يش رحونه يف‬
‫تفاسريهم ‪.‬‬
‫فاحذر أن تكون منهم ‪ ،‬وتدبر أمرك ‪ ،‬من مل يتدبر كيف بقوم وحيشر‬
‫؟‬
‫وانظر يف أمرك وأمر من مل ينظر يف نفسه ‪ ،‬كيف خاب عند املوت وخسر ؟ واتعظ بآية‬
‫واحدة من كتاب اهلل تعاىل ‪ ،‬ففيها مقنع وبالغ لكل ذي بصرية ؛ قال اهلل تعاىل ‪ ﴿ :‬يَا أَيُّ َها‬
‫ين َآمنُ وا اَل ُت ْل ِه ُك ْم أ َْم َوالُ ُك ْم َواَل أ َْواَل ُد ُك ْم َعن ِذ ْك ِر اللَّ ِه ﴾ (‪ 63‬س ورة املن افقني ‪ ،‬اآلية ‪:‬‬ ‫َّ ِ‬
‫الذ َ‬
‫‪ )9‬إىل آخرها ‪ .‬وإي اك مث إي اك ‪ ،‬أن تش تغل جبمع املال ف إن فرحك به ينس يك عن ذكر‬
‫اآلخرة وينزع حالوة اإلميان من قلبك ‪.‬‬
‫ت ِم َن ال َْمنِيَِّة أَ ْن َتَنالَ ْ‬
‫ك‬ ‫أَِمْن َ‬ ‫طم ُع أَ ْن تُ َخلَ َد ال أَبَالَ ْ‬
‫ك‬ ‫ِ‬
‫ش ْعًرا‪ :‬أَتَ َ‬

‫‪61‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫‪62‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ِ ِ‬
‫َّت َب ْع َد َج ْم ِع ُه ْم ِعَيالَ ْ‬
‫ك‬ ‫يُ َشت ُ‬ ‫ت‬‫وم مو ٍ‬
‫ُمَتَو ِّق ًعا ل ُه ُج َ ْ‬ ‫فَ ُك ْن‬
‫ك‬‫ين َي ْقَت َس ُمو َن َمالَ ْ‬ ‫ِ ِ‬ ‫بِالتُّر ِ‬ ‫َكأَنِّي‬
‫َوبالَْباك َ‬ ‫ك يُ ْحثَى‬
‫اب َعَلْي َ‬ ‫َ‬
‫يب‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ت َّ‬
‫فَا ْخب ْر ُه ب َما َف َع َل ال َْمش ُ‬ ‫ود َي ْو ًما‬
‫اب َي ُع ُ‬
‫الشَب َ‬ ‫آخر‪ :‬أَال لَْي َ‬
‫قال عيسى عليه وعلى نبينا صلوات اهلل وسالمه ‪ :‬ال تنظروا إىل أموال أهل الدنيا فإن‬
‫بريق أم واهلم ي ذهب حبالوة إميانكم وه ذا مثرته مبج رد النظر فكيف عاقبة اجلمع والطغي ان‬
‫والبطر انتهت الوصية ‪.‬‬
‫ِ ِ ِ‬
‫َت ْغُفلي َع ْن ذ ْك ِره عْن َد ال ُْهبُ ْ‬
‫وب‬ ‫ِ‬ ‫ت لَ َدى الن َّْوِم َوال‬ ‫ِش ْعًرا‪ :‬ا ْذ ُك ِري ال َْم ْو َ‬
‫وب‬ ‫مؤنِ ِ ِ‬ ‫َوا ْذ ُك ِري الْ ِو ْح َش َة ِفي الَْقْب ِر فَال‬
‫س ف َيها سَوى َت ْقَوى الْ ُقلُ ْ‬ ‫ُ ٌ‬
‫ت ِم ْن تِل َ‬
‫ْك‬ ‫ض ما قَ َّد ْم ِ‬
‫َب ْع ُ َ‬ ‫احتِ َسابًا فَ َكَفى‬ ‫قَدِّمي الْ َخْيَر ْ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الُّ‬ ‫اعنِي َف ْق ُد َشَبابِي َوأَنَا‬
‫يب‬
‫اع الَْي ْو َم م ْن ُف ْقد ال َْمش ْ‬ ‫وبُ‬
‫الذنُأ ََر ْ‬ ‫َر َ‬
‫ص ِدي ْق‬ ‫ِ‬ ‫اي إِلَى ُب ْر ِد الثََّرى‬
‫ث أُنْ َسى م ْن َع ُدٍّو َو َ‬ ‫َحْي ُ‬ ‫َج َّن َجْنَب َ‬
‫الدَو ِاهَيا‬
‫اق َّ‬‫الها َو َذ َ‬ ‫ات َو َخ َ‬ ‫َو َم َ‬ ‫ال ِمْن ُه َّن لَ َّذ ًة‬ ‫اصي نَ َ‬ ‫آخر‪ :‬و َكم ِذي مع ِ‬
‫ََ‬ ‫َ ْ‬
‫اصي َك َما ِهَيا‬ ‫اعات الْمع ِ‬
‫ََ‬ ‫َوَتْبَقى تَِب َ‬ ‫ضي‬ ‫اصي وَتْنَق ِ‬
‫َ‬
‫ات الْمع ِ‬
‫صَّر ُم لَ َّذ ُ َ َ‬ ‫تَ َ‬
‫اهلل ي ِغشى الْمع ِ‬
‫اصَيا‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫لِعْب ٍد بِعْي ِن ِ‬
‫َ َ‬ ‫اسأتَا َواهلل َر ٍاء َو َس ِام ٌع‬ ‫َفَو َ‬
‫واهلل أعلم ‪ .‬وصلى اهلل على حممد وآله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫( فَص ٌْل ) ‪ :‬وملا ن زل املوت باحلسن بن علي رضي اهلل عنهما ق ال ‪:‬‬
‫أخرجوا فراشي إىل صحن الدار ‪ .‬فأخرج فقال ‪ :‬اللهم إين احتسب نفسي عندك‬
‫فإين مل أصب مبثلها ؛ ومن أخالقهم قلة الضحك وعدم الفرح بشيء من الدنيا‬
‫بل ك انوا ينقبض ون بكل ش يء حصل هلم من مالبس هم ومراكبها ومناكحها‬
‫خوف ا أن يكون وا‬
‫ومناص بها عكس ما عليه أبن اء ال دنيا العاش قون هلا كل ذلك ً‬
‫ممن عجل هلم الطيب ات يف احلي اة ال دنيا وكيف يف رح بش يء س وى فضل اهلل‬
‫ورحمته من هو يف السجن حمبوس عن لقاء اهلل عز وجل ‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫اكنِ َينا‬ ‫يح ُمْنَي ٍة لِ َّ‬


‫لس ِ‬ ‫فَ ِس ٍ‬ ‫ِش ْعًرا‪ :‬لََع ْم ِري َما َّ‬
‫الر ِزيَّةُ َف ْق ُد قَ ْ‬
‫ص ٍر‬
‫يَ ُكو ُن بَِف ْق ِد ِه ِم ْن َك ِاف ِر َينا‬ ‫َولَ ِك َّن َّ‬
‫الر ِزيََّة َف ْق ُد ِديِ ٍن‬
‫ويف احلديث أن رسول اهلل ‪ ‬قال ‪ « :‬ووالذي نفسي بيده لو تعلمون ما‬
‫قليال ولبكيتم كث ًريا وملا تل ذذمت بالنس اء على الف رش وخلرجتم إىل‬ ‫أعلم لض حكتم ً‬
‫الصعدات جتأرون إىل اهلل عز وجل » ‪ .‬وقد كان عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل‬
‫عنه يقول ‪ :‬عجبت من ضاحك ومن ورائه النار ومن مسرور ومن ورائه املوت‬
‫‪.‬‬
‫وروى شعبة عن سعد بن إبراهيم قال ‪ :‬أتى عبد الرمحن بن عوف بعشائه وهو صائم‬
‫ص ٍة َو َع َذاباً أَلِيم اً ﴾ فلم يزل يبكي حىت‬
‫فقرأ ‪ ﴿ :‬إِ َّن لَ َد ْينَا أَن َك االً َو َج ِحيم اً * َوطَ َعام اً َذا غُ َّ‬
‫رفع طعامه وما تعشى وإنه لص ائم خرجه اجلوزج اني ‪ .‬وق ال احلسن ‪ :‬ما ظنك ب أقوام ق اموا‬
‫هلل على أقدامهم مقدار مخسني ألف سنة مل يأكلوا فيها أكلة ومل يشربوا فيها شربة حىت إذا‬
‫جوع ا صرف هبم إىل النار فسقوا من عني آنية‬ ‫انقطعت أعناقهم عطشًا واحرتقت أجوافهم ً‬
‫قد آن جرها واشتد نضجها ‪.‬‬
‫َوال َولَ ٍد َوال َجا ٍر َشِف ِيق‬ ‫اب ِفَرا ُق أ َْه ِل‬‫ص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ش ْعًرا‪َ :‬و َما عظْم ال ُْم َ‬
‫الس ِح ِيق‬
‫ان ِفي الَْبلَ ِد َّ‬ ‫َع ِن األَوطَ ِ‬
‫ْ‬ ‫يب بَِعي ُد َدا ٍر‬‫ت الْغَ ِر ِ‬ ‫وال مو ِ‬
‫َ َْ‬
‫يَن ُ ِ ِ‬ ‫ولَ ِك َّن الْم ِ‬
‫ص َيب َة َف ْق ُد ِدي ٍن‬
‫ال بَِف ْقده ُس ْكَنى ال َ‬
‫ْح ِر ِيق‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫صائما فأيت بعشاه فعرضت له هذه اآلية ﴿ إِ َّن‬ ‫ً‬ ‫وروي أن احلسن أمسى‬
‫ص ٍة َو َع َذاباً أَلِيم اً ﴾ فقلصت يده وقال ‪:‬‬
‫لَ َد ْينَا أَن َك االً َو َج ِحيم اً * َوطَ َعام اً َذا غُ َّ‬
‫صائما ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ارفعوه فأصبح‬

‫فلما أمسى أيت بإفطاره عرضت له اآلية ‪ .‬فق ال ‪ :‬ارفعوه ‪ .‬فقلنا ‪ :‬يا أبا‬
‫ائما ف ذهب ابنه إىل حيىي البك اء‬‫س عيد هتلك وتض عف فأص بح الي وم الث الث ص ً‬
‫وثابت‬

‫‪64‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫البن اين ويزيد الضيب ‪ .‬فق ال ‪ :‬أدرك وا أيب فإنه هالك فلم يزال وا له حىت س قوه‬
‫ش ربة م اء من س ويق ‪ .‬وك ان كثري من الس لف مثل ه ؤالء ينغص عليهم ذكر‬
‫طعام أهل النار وشراهبم طعام الدنيا فيمتنعوا من تناوله أحيانًا لذلك ‪.‬‬
‫وق ال ابن أيب ذئب ‪ :‬ح دثين من شَِهَد عمر بن عبد العزيز وهو أمري‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الِك‬
‫ني َد َع ْوا ُهنَ َ‬ ‫ض يِّقاً ُم َق َّرن َ‬ ‫املدينة وق رأ عن ده رجل ‪َ ﴿ :‬وإِ َذا أُلْ ُق وا مْن َها َم َكان اً َ‬
‫ثُبُ وراً ﴾ فبكى عمر حىت غلبه البك اء وعال نش يجه فق ام من جملسه ودخل بيته‬
‫وتفرق الناس ‪.‬‬
‫وقال سرار أبو عبد اهلل ‪ :‬عاتبت عطاء السلمي يف كثرة بكائه فقال يل‬
‫‪ :‬يا س رار كيف تع اتبين يف ش يء ليس هو إيل إين إذا ذك رت أهل الن ار وما‬
‫ينزل هبم من ع ذاب اهلل عز وجل وعقابه متثلت يل نفسي هبم فكيف لنفس‬
‫تغل ي داها على عنقها وتس حب إىل الن ار أن ال تبكي وال تص يح وكيف لنفس‬
‫تعذب أن ال تبكي ‪.‬‬
‫وق ال العالء بن زي اد ك ان إخ وان مط رف عن ده فخاض وا يف ذكر اجلنة‬
‫والنار فقال مطرف ‪ :‬ال أدري ما تقولون حال ذكر النار بيين وبني اجلنة ‪.‬‬
‫وقال عبد اهلل بن أيب اهلذيل ‪ :‬لقد شغلت النار من يعقل عن ذكر اجلنة‬
‫وعوتب يزيد الرقاشي على كثرة بكائه وقيل له ‪ :‬لو كانت النار خلقت لك ما‬
‫زادت على ه ذا ‪ ،‬فق ال ‪ :‬وهل خلقته إال يل وألص حايب وإلخواننا من اجلن‬
‫واإلنس ‪.‬‬
‫الث َقاَل ِن ﴾ ‪ ،‬أما تقرأ ‪ ﴿ :‬يُْر َس ُل َعلَْي ُك َما ُش َوا ٌظ ِّمن نَّا ٍر‬ ‫أما تقرأ ‪َ ﴿ :‬س َن ْف ُرغُ لَ ُك ْم أَيُّ َها َّ‬
‫آن ﴾ وجعل جيول‬ ‫ص ر ِان ﴾ ‪ ،‬فق رأ حىت بلغ ‪ ﴿ :‬يطُوفُ و َن بيَنها وب مَحِ ي ٍم ٍ‬ ‫ِ‬
‫َْ َ َ َنْي َ‬ ‫َ‬ ‫اس فَاَل تَنتَ َ‬
‫َوحُنَ ٌ‬
‫يف الدار ويبكي حىت غشي عليه ‪.‬‬
‫ك ُتْن ِجيني ِم َن النَّا ِر‬
‫بَِر ْح َم ٍة ِمْن َ‬ ‫ب ُج ْد لِي إِ َذا َما َ‬
‫ض َّمنِي‬ ‫ِش ْعًرا‪ :‬يَا َر ِّ‬
‫َج َدثِي‬

‫‪65‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ت بِال َ‬
‫ْجا ِر‬ ‫صْي َ‬ ‫لَ ْح ٍد فَِإنَّ َ‬
‫ك قَ ْد أ َْو َ‬ ‫َح ِس ْن ِجَوا ِري إِ َذا أ َْم َسْي ُ‬
‫ت َج َار َك‬ ‫أْ‬
‫ِفياللهم ثبت وقو حمبتك يف قلوبنا واش رح ص دورنا ونورها بن ور اإلميان‬
‫واجعلنا ه داة مهت دين وأهلمنا ذك رك وش كرك واجعلنا ممن يف وز ب النظر إىل‬
‫وجهك يف جن ات النعيم يا حليم ويا ك رمي واغفر لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني‬
‫برمحتك يا أرحم الرامحني وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫( فَصْلٌ ) ‪ :‬ومن أخالقهم مقت أنفسهم وحماسنها على ال دقيق واجلليل ‪،‬‬
‫ق ال مط رف بدعائه يف عرفة ‪ :‬اللهم ال ت ردهم ألجلي ‪ .‬وق ال بكر بن عبد اهلل‬
‫املزين ‪ :‬ملا نظ رت إىل أهل عرف ات ظننت أهنم قد غفر هلم ل وال أين كنت فيهم‬
‫‪ .‬وق ال أي وب الس حيتاين ‪ :‬إذا ذكر الص احلون كنت عنهم مبع زل ‪ .‬وق الت ام رأة‬
‫ملالك بن دين ار ‪ :‬يا م رائي ‪ ،‬فق ال ‪ :‬يا ه ذه وج ديت امسي ال ذي أض له أهل‬
‫البص رة ‪ .‬وق ال ‪ :‬لو قيل ليخ رج شر من يف املس جد ما س بقين على الب اب أحد‬
‫‪.‬‬
‫فزعا مرعوبًا ينادي‬
‫وكان سفيان الثوري ما ينام إال أول الليل مث ينتفض ً‬
‫النَّار الن ار ش غلين ذكر الن ار عن الن وم والش هوات مث يتوضأ ويق ول على أثر‬
‫وض وئه ‪ :‬اللهم إنك ع امل حباجيت غري معلم وما أطلب إال فك اك رقبيت من الن ار‬
‫‪.‬‬
‫وملا احتضر سفيان الثوري دخل عليه أبو األشهب ومحاد بن سلمة فقال‬
‫له ‪ :‬يا أبا عبد اهلل أليس قد أمنت ممن كنت ختافه وتقدم على من ترجوه وهو‬
‫أرحم الرامحني ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا أبا سلمة أيطمع ملثلي أن ينجو من النار ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫أي واهلل إين ألرجو ذلك ‪.‬‬
‫كثريا ما يتمثل ‪:‬‬
‫وكان سفيان الثوري هبذه األبيات ً‬

‫‪66‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ِذ ْك ُر ال َْمنِيَِّة َوالْ ُقبُو ِر ال ُْهَّو ِل‬ ‫ش َك َّد َر َ‬


‫صْفَو ُه‬ ‫يف ِإ َّن ال َْعْي َ‬
‫أَظَ ِر ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِش َيب ْ‬ ‫دْنيا تَ َداولَها ال ِْعب ِ‬
‫ْحْنظَ ِل‬‫ت بِأَ ْكَر َه م ْن نَقي ِع ال َ‬ ‫يم ًة‬
‫اد َذم َ‬‫ًُ َ َ َُ‬
‫ْجْن َد ِل‬ ‫ِ ِ‬ ‫ال ُمِل َّم ًة‬‫ات َد ْه ِر ال َتَز ُ‬
‫َولَ َها فَ َجائ ُع مثْ ُل َوقْ ِع ال َ‬ ‫َوَبَن ُ‬
‫شديدا فمر بدار فيها عرس فدعته نفسه على أن يدخل فلم يطوعها‬
‫ً‬ ‫جوعا‬
‫وجاع مرة ً‬
‫ومضى إىل بيته وقدمت له بنته قرصًا فأكله وشرب ماء فتجشى مث قال ‪:‬‬
‫ْح بِ ُج ْر ُد ِق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َسَي ْكِف َ‬
‫َوظَ َّن بِه األَقَْو ُام مل ٌ‬ ‫اب ُدونَهُ‬ ‫م َّما أُ ْغل َق الَْب ُ‬ ‫يك‬
‫ُتعا ِرض أَصحاب الثَّ ِر ِ‬
‫يد ال َْملَبَّ ِق‬ ‫ِمن م ٍاء ُفر ٍ‬
‫ات َوَت ْغَت ِذي‬ ‫ب‬
‫َ ُ َْ َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َوتَ ْشَر ُ‬
‫اع الْ َخبِ ِ‬
‫يص ال ُْمَفت َِّق‬ ‫ْت بِأَْنَو ِ‬
‫ظَلَل َ‬ ‫تَ َجتَّنِي إِ َذا َما ُه ْم تَج َش ْوا َكأَنَّ َما‬
‫صغَا ِر َكَوانِ ِز‬ ‫ات ِ‬ ‫و َخمس تُمْير ٍ‬
‫َ ْ َ ََ‬ ‫َصْبَنا ُك َّل َي ْوٍم ُم َذْيَق ًة‬
‫آخر‪ :‬إِ َذا َما أ َ‬
‫اب ِعْن َد ال َْهَزائِ ِز‬ ‫ود الْغَ ِ‬
‫ُس ُ‬‫َونَ ْح ُن أ ُ‬ ‫صًبا َوَن ْع َم ًة‬ ‫ض َخ ْ‬ ‫وك األ َْر ِ‬
‫َفَن ْح ُن ُملُ ُ‬
‫ض َحى بِِه َح َّق فَائِ ِز‬ ‫نَالَهُ أَ ْ‬ ‫َولَْو‬ ‫َو َك ْم ُمَت َم َّن َعْي َشَنا ال َيَنالَهُ‬
‫ُشْب ِه ٍة ال َي ْع ِرفُو َن َحَر َاما‬ ‫َع ْن‬ ‫ون ِم َن الطََّوى َوأ َِعَّفةٌ‬ ‫آخر‪ُ :‬خمص الْبطُ ِ‬
‫ْ ُ ُ‬
‫وق ال ي ونس بن عبيد ‪ :‬إين ألجد مائة خص لة من خص ال اخلري ما أعلم‬
‫أن يف نفسي منها واح دة ‪ .‬وق ال حممد بن واسع ‪ :‬لو ك ان لل ذنوب ريح ما‬
‫قدر أحد أن جيلس إيل ‪.‬‬
‫وذكر داود الطائي عند بعض األمراء فاثنوا عليه فقال ‪ :‬لو يعلم الناس ما‬
‫أبدا ‪.‬‬
‫نحن عليه ما ذل لنا لسان بذكر خري ً‬
‫وق ال أبو حفص ‪ :‬من مل يتهم نفسه على دوام األوق ات ومل خيالفها يف‬
‫مجيع األح وال ومل جيرها إىل مكروهها يف س ائر أوقاته ك ان مغ رورًا ومن نظر‬
‫إليها باستحسان شيء منها فقد أهلكها ‪.‬‬
‫اب‬ ‫ِ‬
‫وملا سئلت عائشة رضي اهلل عنها عن قوله تعاىل ‪ ﴿ :‬مُثَّ أ َْو َر ْثنَا الْكتَ َ‬

‫‪67‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫اص طََفْينَا ِم ْن ِعبَ ِادنَا ﴾ اآلية ‪ ،‬ق الت ‪ :‬يا بين ه ؤالء يف اجلنة أما الس ابق ب اخلريات فمن‬ ‫َّ ِ‬
‫ين ْ‬
‫الذ َ‬
‫مضى على عهد رس ول اهلل ‪‬ش هد هلم رس ول اهلل ‪ ‬باجلنة وال رزق وأما املقتصد فمن تبع‬
‫أثره من أصحاب رسول اهلل ‪ ‬حىت حلق به وأما الظامل لنفسه فمثلي ومثلكم فجعلت نفسها‬
‫معهم رضي اهلل عنها ‪.‬‬
‫الد ْهر َكال ِْع ِ‬ ‫الدْنَيا بِِه ْم‬ ‫ِش ْعًرا‪َ :‬ق ْو ٌم َم َ‬
‫ات‬
‫ات أ َْوقَ ُ‬
‫يد َواأل َْوقَ ُ‬ ‫َو َّ ُ‬ ‫ت ُّ‬ ‫ض ْوا َكانَ ْ‬
‫ات‬
‫ِّيه َوأ َْوقَ ُ‬‫ش نُقض ِ‬ ‫ض َعْي ٍ‬ ‫ُنَعَزْدًهٌال َوأ َْم ٌن َوإِ ْح َسا ٌن َوبَ ْذ ُل نَ َدى‬
‫َو َخ ْف ُ‬
‫َحَي ِاء أ َْمَو ُ‬
‫ات‬ ‫صَو ِر األ ْ‬
‫ِ‬
‫َونَ ْح ُن في ُ‬ ‫َماتُوا َو ِع ْشَنا َف ُه ْم َعا ُشوا بِ َم ْوتِِه ْم‬
‫أ َْو َدى بَِنا َو َعَرْتَنا ِف ِيه نَ ْكَب ُ‬
‫ات‬ ‫ان نَ ْح ُن ِف ِيه َفَق ْد‬
‫هلل َد ُّر َزم ٍ‬
‫َ‬
‫ِ‬

‫َو َعْي َشةٌ ُكلُّ َها َه ٌّم َوآفَ ُ‬


‫ات‬ ‫ف َوذُ ٌّل َما لَهُ أ ََم ٌد‬ ‫ور َو َخ ْو ٌ‬ ‫ُج ٌ‬
‫ات‬
‫ور ُ‬ ‫ِ‬
‫إِلَى ُم َد َارات ِه ْم تَ ْد ُعو الضَُّر َ‬ ‫الق لَ ُه ْم‬ ‫َوقَ ْد بُِل َينا بَِق ْوٍم ال أَ ْخ َ‬
‫َكال َوال لَ ُه ْم ِذ ْكٌر إِ َذا َماتُوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َما في ِه ْم م ْن َك ِر ٍيم ُي ْرتَ َجى لَن ً‬
‫دى‬
‫ات‬ ‫وء ِة َما تَ ْس ُمو بِِه َّ‬
‫الذ ُ‬ ‫ِ‬ ‫وج ُد ِفي ِه ْم ال َوال‬
‫م َن ال ُْم ُر َ‬ ‫ِّين يُ َ‬
‫ال الد ُ‬
‫والْعمر يم ِ‬ ‫ال تُط ِْم ُعَنا‬
‫ات‬
‫ات َوتَ َار ُ‬‫ضي َفَت َار ٌ‬ ‫َ ُ ْ ُ َْ‬ ‫لصواْب ُر قَ ْد َعَّز َو َ‬
‫اآلم ُ‬ ‫لَوُهاَ ُم َّ‬
‫َّاس و ِ‬ ‫َزالَ ْ ِ‬ ‫ت أ َْهَو ُن ِم َّما نَ ْح ُن ِف ِيه َفَق ْد‬
‫وآت‬
‫اهلل ال ُْم ُر ُ‬ ‫ت م ْن الن ِ َ‬ ‫َوال َْم ْو ُ‬
‫اللهم اجعلنا من املتقني األبرار وأسكنا معهم يف دار القرار ‪ ،‬اللهم وفقنا‬
‫حبسن اإلقب ال عليك واإلص غاء إليك ووفقنا للتع اون يف طاعاتك واملب ادرة إىل‬
‫خ دمتك وحسن اآلداب يف معاملتك والتس ليم ألم رك والرضا بقض ائك والصرب‬
‫على بالئك والشكر لنعمائك ‪ ،‬واغفر لنا ولوالدينا جلميع املسلمني ‪ .‬اللهم اشف‬
‫قلوبنا من أم راض املعاصي واآلث ام وامألها من خش يتك وأقبل هبا إىل طاعتك‬
‫واغفر لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني األحي اء منهم واملي تني برمحتك يا أرحم‬
‫الرامحني وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫صلٌ )‬
‫( فَ ْ‬
‫ومن أخالقهم رضي اهلل عنهم ك ثرة احلزن واهلم كلما ت ذكروا املوت‬
‫وس كراته وخ وف س وء اخلامتة ال ذي من أس بابه اس تيالء حب ال دنيا على القلب‬
‫وضعف اإلميان واالهنماك يف املعاصي ‪.‬‬
‫ألنه مىت ضعف اإلميان ضعف حب اهلل تعاىل وقوي حب الدنيا حىت ال‬
‫يبقى يف القلب موضع حلب اهلل إال من حيث ح ديث النفس وال أثر له يف‬
‫كفها عن السيئات ‪.‬‬
‫وذلك ي ورث اإلكث ار من املعاصي واالس تمرار فيها حىت يظلم القلب‬
‫وتراكم عليه ظلمات الذنوب فال تزال تطفئ ما فيه من نور اإلميان على ضعفه‬
‫حىت تصري طبعًا ورينا ‪.‬‬
‫فإذا جاءت سكرات املوت ازداد ضعف حبه هلل لشعوره بفراق الدنيا إذ‬
‫هي المحب وب الغ الب على القلب فيت أمل باستش عار فراقها وي رى ذلك من اهلل‬
‫فيختلج ض مريه بإنك ار ما ق در عليه من املوت وكراهيته من حيث أنه من اهلل‬
‫فيخشى أن يفرط من لسانه أو يثور من قلبه شيء يسخط اهلل عليه ‪.‬‬
‫والذي يفضي إىل مثل هذه اخلامتة غلبة حب الدنيا والركون إليها والفرح‬
‫بأسباهبا مع ضعف اإلميان املوجب لضعف حب اهلل تعاىل أما من كان حب اهلل‬
‫تع اىل أغلب على قلبه من حب املال وال دنيا فهو أبعد عن ه ذا اخلطر العظيم‬
‫فحب الدنيا رأس كل خطيئة وهو الداء العضال ‪.‬‬
‫وهلذا كان الصحابة رضوان اهلل عليهم أمجعني متأثرين بأخالق النيب ‪ ‬ال‬
‫ورا‬
‫ت زن عن دهم ال دنيا ش يئًا وال يعب ؤن هبا وإذا حصل هلم ش يء منها خ رج ف ً‬
‫ومن أخالقهم القناعة وحسن االلتج اء إىل اهلل والثقة له والتوكل عليه يف ال دقيق‬
‫واجلليل قال بعضهم ‪:‬‬

‫‪69‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫َوالَْب ِ‬
‫اس‬ ‫َو ُهَو ال ُْمَؤَّم ُل ِفي الضََّر ِاء‬ ‫ضا ِفي‬ ‫ض ُل َم ْح ً‬ ‫يَا َم ْن لَهُ الَْف ْ‬
‫فَال تَ ِكلْنِي إِلَى َخل ٍْق ِم ْن‬ ‫ادٌة أَنْ َ ِ‬ ‫ِِ‬
‫الن ِ‬
‫َّاس‬ ‫يل بَِها‬ ‫ت الْ َكف ُ‬ ‫بََعِرَّيَّوتَدهتْنِي َع َ‬
‫ض لَ ُه ْم‬ ‫صو ُن َوال تَ ْخِف ْ‬ ‫َو ْج ِهي ال َْم ُ‬ ‫َوال تُ ِذ َّل لَ ُه ْم ِم ْن َب ْع ِد ِعَّزتِِه‬
‫اسي‬ ‫اسي وصْنهو َع َّمن َقلْبهُ قَ ِ‬
‫ْ ُ‬ ‫َِر ْزق َ ُ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ض ُاه ِم ْن‬ ‫ث َعَلى يَ ِد َم ْن َت ْر َ‬ ‫َو ْاب َع ْ‬
‫صْن ِع َ‬ ‫يك مت ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وعا َع ْن الن ِ‬
‫َّاس‬ ‫ك َم ْقطُ ً‬ ‫بِ ُح ْس ِن ُ‬ ‫َّصل‬ ‫بفَِإَشَّنٍر َحْب َل َر َجائي ف َ ُ‬
‫ان‬‫يت َعْي َش َها الَْف ِ‬ ‫فَا ْغَن ْم ُأََُ َخ َّي ُه ِد َ‬ ‫س بِالَْفانِي‬ ‫اع َة َكْنٌز لَْي َ‬ ‫آخر‪ :‬إِ َّن الَْقَن َ‬
‫الش ِ‬
‫ان‬ ‫يع الَْق ْد ِر َو َّ‬ ‫ِ‬ ‫تَِع ْ ِ‬
‫ش َحمي ًدا َرف َ‬ ‫ص َوال‬ ‫وعا بِال ِح ْر ٍ‬ ‫ش َقنُ ً‬
‫ِ‬
‫َوع ْ‬
‫الشانِي‬
‫ث َّ‬ ‫الد ْه ِر أَو لِلْوا ِر ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫سع الْغَنِ ُّي َكثِ َير ال َْم ِال يَ ْخ ُزنَهُ‬‫لَْيطَ َمٍَ‬
‫ل َحادث َّ ْ َ‬
‫ولَْيس يْنِف ُق ِفي بٍِّر وإِ ْحس ٍ‬
‫ان‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ال ِم ْن ِح ٍّل َوِم ْن ُشَب ٍه‬ ‫يُ َج ِّم ُع ال َْم َ‬
‫يَ ْشَقى بَِها َب ْع َده ِفي ُع ْم ِر ِه الثَّانِي‬ ‫ات َك َما‬ ‫ي ْشَقى بِأ َْموالِِه َقْبل الْمم ِ‬
‫َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وإِيم ِ‬
‫ان‬ ‫َ َ‬ ‫ظ ِم ْن ُز ْه ٍد‬ ‫ْح ِّ‬
‫ُمَو َّفُر ال َ‬ ‫س قَانُِع َها‬ ‫ِإ َّن الْغَنِ َّي َغنِ ُّي َّ‬
‫النْف ِ‬
‫بِإي َق ِ‬
‫ان‬ ‫ت بَ َد ُاه ِم َن ُّ‬
‫الدْنَيا‬ ‫َحَو ْ‬ ‫س ُيْنِف ُق َما‬ ‫يم َس ِخ ُّي َّ‬
‫النْف ِ‬ ‫َبٌّر َك ِر ٌ‬
‫ويتَِّق ِيه بِإسرا ِر وِإ ْع ِ‬
‫الن‬ ‫اهلل َي ْعبُ ُد ُه‬ ‫ُمَنَّو ُر الَْقل ِ‬
‫َْ َ‬ ‫ََ‬ ‫ْب يَ ْخ َشى َ‬
‫الص وإِ ْحس ِ‬
‫ان‬ ‫الر ُسول بإ ْخ ِ َ َ‬
‫إَِثر َّ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫اس ٌخ ِفي ال ِْعل ِْم ُمتَِّب ٌع‬ ‫موفَّ ٌق ر ِ‬
‫َُ َ‬
‫ض ُل الْ َكثِ ُير الْغَ ِز ْير‬ ‫فَِعْن َد ُه الَْف ْ‬ ‫اهلل فَاقَْتنِ ْع بِِه‬ ‫ت َت ْر ُجو َ‬ ‫آخر‪ :‬إِ ْن ُكْن َ‬
‫َوذُ ْخ ُرهُ اهللُ الْغَنِ ُّي الْ َكبِ ْير‬ ‫َم ْن َذا الَّ ِذي َتلَْز ُمهُ فَاقَةٌ‬
‫( فَصٌْل ) ‪ :‬قال ابن القيم رمحه اهلل ‪ :‬من فوائد حماسبة النفس أنه يعرف‬
‫ب ذلك حق اهلل تع اىل ‪ ،‬ومن مل يعرف حق اهلل تعاىل عليه فإن عبادته ال تك اد‬
‫جدا ‪.‬‬
‫جتدي عليه ‪ ،‬وهي قليلة املنفعة ً‬
‫وقد ق ال اإلم ام أمحد ‪ :‬ح دثنا حج اج ح دثنا جرير بن ح ازم عن وهب‬
‫قال ‪ :‬بلغين أن نيب اهلل موسى عليه السالم مر برجل يدعو ويتضرع فقال ‪:‬‬

‫‪70‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫يا رب ارمحه ‪ ،‬ف إين قد رمحته ‪ ،‬ف أوحى اهلل تع اىل إليه ‪ « :‬لو دع اين حىت‬
‫تنقطع قواه ما استجبت له حىت ينظر يف حقي عليه » ‪.‬‬
‫فمن أنفع ما للقلب النظر يف حق اهلل على العب اد ‪ ،‬ف إن ذلك يورثه‬
‫مقت نفسه ‪ ،‬واإلزراء عليها ‪ ،‬وخيلصه من العجب ورؤية العمل ويفتح له ب اب‬
‫اخلضوع والذل واالنكسار بني يدي ربه ‪ ،‬واليأس من نفسه ‪.‬‬
‫وإن النجاة ال حتصل له إال بعفو اهلل ومغفرته ورمحته ‪ ،‬فإن من حقه أن‬
‫يطاع وال يعصى ‪ ،‬وأن يذكر فال ينسى ‪ ،‬وأن يشكر فال يكفر ‪.‬‬
‫علم اليقني أنه غري م ؤد‬
‫فمن نظر يف ه ذا احلق ال ذي لربه عليه ‪ ،‬علم ْ‬
‫له كما ينبغي وأنه ال يس عه إال العفو ومغف رة ‪ ،‬وأن إن أحيل على عمله هلك‬
‫‪.‬‬
‫فه ذا حمل أهل املعرفة باهلل تع اىل وبنفوس هم ‪ ،‬وه ذا ال ذي أيأس هم من‬
‫أنفسهم وعلق رجائهم كله بعفو اهلل ورمحته ‪.‬‬
‫وإذا ت أملت ح ال أك ثر الن اس وج دهتم بضد ذلك ‪ ،‬ينظ رون يف حقهم‬
‫على اهلل وال ينظرون يف حق اهلل عليهم ‪.‬‬
‫ومن هنا انقطعوا عن اهلل وحجبت قلوهبم عن معرفته والشوق إىل لقائه ‪،‬‬
‫والتنعم بذكره ‪ ،‬وهذا غاية جهل اإلنسان بربه وبنفسه ‪.‬‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬
‫الق الَْو َرى‬ ‫يل َْهم تَسبِيحا لِ َخ ِ‬ ‫َن الَْفَتى‬‫ِش ْعًرا‪َ :‬ما أَْن َع َم ال ِْعي َشةُ لَْو أ َّ‬
‫ُ ُ ْ ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لَي ْقَت ِدي م ْن قَ ْ‬
‫ص ُد ُه ُسْب َل ال ُْه َدى‬ ‫التَقى‬ ‫الس َخ ِاء َو ُّ‬
‫َوقَ ْد تَ َحلَّى بِ َّ‬
‫أوال ‪ ،‬مث نظ ره هل ق ام به‬
‫فمحاس بة النفس هو نظر العبد يف حق اهلل ً‬
‫كما ينبغي ثانيًا ‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وأفضل الفكر الفكرُ يف ذلك ‪ ،‬فإنه يسري القلب إىل اهلل ويطرحه بني‬
‫يديه ذليالً خاض ًعا منكس ًرا كس ًرا فيه ج ربه ‪ ،‬ومفتق ًرا فق ًرا فيه غن اه ‪ ،‬وذليالً‬
‫ذالً فيه عزه ‪،‬‬

‫‪72‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ولو عمل األعم ال ما عس اه أن يعمل فإنه إذا فاته ه ذا فال ذي فاته من الرب‬
‫أفضل من الذي أتى ‪ ،‬وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫صٌل ) ‪ :‬وقال رمحة اهلل تعاىل ‪ :‬فائدة قبول احملل ملا يوضع فيه مشروط‬
‫( فَ ْ‬
‫بتفريغه من ض ده ‪ ،‬وه ذا كما أنه يف ال ذوات واألعي ان ‪ ،‬فك ذلك هو يف‬
‫االعتقادات واإلرادات ‪.‬‬
‫ف إذا ك ان القلب ممتلئً ا بالباطل باعتق اده وحمبته مل يبق فيه العتق اد احلق‬
‫وحمبته موضوع كما أن اللسان إذا اشتغل بالتكلم مبا ال ينفع مل يتمكن صاحبه‬
‫من النطق مبا ينفعه إال إذا فرغ لسانه من النطق بالباطل ‪.‬‬
‫وكذلك اجلوارح إذا اشتغلت بغري الطاعة مل ميكن شغلها بالطاعة إال إذا‬
‫فرغها من ض دها ‪ .‬فك ذلك املش غول مبحبة غري اهلل وإرادته والش وق إليه واألنس‬
‫به ال ميكن شغله مبحبة اهلل وإرادته وحبه والشوق إىل لقائه إال بتفريغه بغريه ‪.‬‬
‫وال حركة اللس ان ب ذكره واجلوارح خبدمته إال إذا فرغها من ذكر غ ريه‬
‫وخدمته ‪ .‬ف إذا امتأل القلب بالش غل ب املخلوق والعل وم اليت ال تنفع مل يبق فيها‬
‫موضوع للشغل باهلل ومعرفة أمسائه وصفاته ‪ ،‬وأحكامه ‪.‬‬
‫وسر ذلك يف إصغاء القلب كإصغاء األذن ‪ ،‬فإذا أصغى إىل غري حديث‬
‫اهلل مل يبق فيه إصغاء وفهم حلديثه ‪ ،‬كما إذا مال إىل غري حمبة اهلل لم يبق فيه‬
‫ميل إىل حمبته ‪ .‬ف إذا نطق القلب بغري ذك ره مل يبق فيه حمل للنطق ب ذكره‬
‫كاللسان ‪.‬‬
‫قيحا‬
‫وهلذا يف الصحيح عن النيب ‪ ‬أنه قال ‪ « :‬ألن ميتلئ جوف أحدكم ً‬
‫شعرا » ‪ .‬رواه مسلم وغريه ‪.‬‬
‫حىت يريه خري له من أن ميتلئ ً‬
‫فبني أن اجلوف ميتلئ بالشعر ‪ ،‬فكذلك ميتلئ بالشبه والشكوك واخلياالت‬
‫‪ ،‬والتق ديرات اليت ال وج ود هلا ‪ ،‬والعل وم اليت ال تنفع ‪ ،‬واملفاكه ات‬
‫واملضحكات واحلكايات وحنوها ‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وإذا امتأل القلب ب ذلك جاءته حق ائق الق رآن والعلم ال ذي به كماله‬
‫وسعادته فلم جتد فيه فراغًا هلا وال قبولاً وجاوزته إىل حمل سواه ‪.‬‬
‫كما إذا ب ذلت النص يحة لقلب مآلن من ض دها ال منفذ هلا فيه فإنه ال‬
‫يقبلها وتلج فيه لكن متر جمتازة ال مستوطنة ‪.‬‬
‫وق ال بعض هم ‪ :‬الليل والنه ار يعمالن فيك فاعمل فيهما ‪ ،‬ولقي حكيم‬
‫حكيم ا فق ال له ‪ :‬ال رأك اهلل عن دما هناك وال فق دك حيث أم رك ‪ .‬وق ال بش ر‬ ‫ً‬
‫بن احلارث ‪ :‬يب داء ما مل أع اجل نفسي ال أتف رغ لغ ريي ف إذا ع اجلت نفسي‬
‫تفرغت لغريي ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬أنا أكره املوت وال يكره إال مريب وسأله بعضهم موعظة فقال ‪ :‬ما تقول فيمن‬
‫القرب مس كنه والص راط ج وازه والقيامة موقفه واهلل مس ائله فال يعلم إىل جنة يصري فينهى أو‬
‫إىل نار فيعزى فوا طول حزناه وأعظم مصيبتاه زاد البكاء فال عزاء واشتد اخلوف فال أمن ‪.‬‬
‫وب‬‫الذنُ ِ‬‫ض ُّ‬ ‫ع ِفي َح ْو ِ‬ ‫َوتَ ْكَر ُ‬ ‫اف الَْق َذا ِفي ال َْم ِاء ال‬ ‫ِش ْعًرا‪َ :‬ت َع ُ‬
‫بُك ُر ال ُْم ْخَت َار ِم ْن أَيْ َن‬
‫ََفوَتالْشَرتَ ْذُ‬ ‫تََوُتْسَْتؤثِطُر ُيعهُِفي أَ ْك ِل الطََّع ِام أَلَ َّذ ُه‬
‫َّب‬ ‫بَح ْش ِو َها نَ ٌار َعلَْي َ‬‫تََوِْفكيَس ُ‬ ‫ين َف ْو َق نَ َما ِر ٍق‬ ‫ِ ِ‬
‫ك َتلَه ُ‬ ‫َوَت ْرقُ ُد يَا م ْسك َ‬
‫ب‬
‫ك َتل َْع ُ‬ ‫ابن َسْب ِعي ٍن بِ ِدينِ َ‬
‫ت ُ‬ ‫َوأَنْ َ‬ ‫يق َج َهالٍَة‬ ‫فَ َحتَّى َمَتى ال تَ ْسَتِف ُ‬
‫ولقد كان بعض الصحابة يؤدي ما عليه من العبادة ومل يكن يكثر من‬
‫االس تغفار يف حي اة النيب ‪ ‬مث ملا حلق الرس ول ‪ ‬ب الرفيق األعلى أك ثر الص حايب‬
‫من االستغفار ‪ ،‬فسأله الصحابة يف ذلك فقال ‪ :‬لقد كنت آمنً ا من العذاب يف‬
‫حياة الرسول ‪ ‬فلما تويف مل يبق إال األمان الثاين وهو االستغفار ‪.‬‬
‫َنت فِي ِه ْم َو َما َك ا َن‬ ‫ِ‬
‫يقول اهلل تبارك وتعاىل ‪َ ﴿ :‬و َما َكا َن اللّهُ لُي َع ِّذ َب ُه ْم َوأ َ‬
‫اللّهُ ُم َع ِّذ َب ُه ْم َو ُه ْم يَ ْسَت ْغ ِف ُرو َن ﴾ ‪.‬‬
‫وق ال ع امر بن عبد اهلل بن قيس ‪ :‬لو أن ال دنيا ك انت يل حبذافريها مث‬
‫أمرين‬

‫‪74‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫اهلل تع اىل بإخراجها كلها ألخرجتها بطيب نفس ‪ ،‬وكلن يق ول ‪ :‬كم من ش يء‬
‫كنت أحسنه أود اآلن إين ال أحسنه وما يغين ما أحسن من اخلري إذا مل أعمل‬
‫به ‪.‬‬
‫وك ان يقول ‪ ( :‬من جهل العبد أن خياف على الناس من ذن وهبم وي أمن‬
‫هو على ذنوب نفسه ) ‪.‬‬
‫تدبرا وكان سفيان‬
‫ذكرا ومشيه ً‬
‫ويقول بعضهم ‪ :‬طوىب ملن كان ص مته تفكرًا وكالمه ً‬
‫الثوري يقول ‪ :‬إذا فسد العلماء فمن بقي يف الدنيا يصلحهم مث ينشد ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ما ي ْ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْح فَ َس ْد‬ ‫ْح إِ َذا الْمل َ‬ ‫صل ُح الْمل َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْح الَْبَل ْد‬
‫يَا َم ْع َش ُر ال ُْعلَ َماء يَا مل َ‬
‫اب لَ َها ُر َعا ُة‬ ‫ف إِ ْذ ِّ‬
‫الذئَ ُ‬ ‫فَ َكْي َ‬ ‫ب َعْن َها‬ ‫الشا َة يَ ْح ِمي ِّ‬
‫الذئْ َ‬ ‫اع َّ‬ ‫آخر‪َ :‬و َر ِ‬
‫ت بِِه ال ِْغَي ُر‬ ‫ْح إِ ْن َحلَّ ْ‬ ‫ف بِال ِْمل ِ‬
‫فَ َكْي َ‬ ‫صلَ ُح َما يَ ْخ َشى َتغَُّيُر ُه‬ ‫ْح يَ ْ‬‫بِال ِْمل ِ‬
‫واهلل أعلم ‪ .‬وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫صٌل ) ‪ :‬وقال بعض العلماء ‪ :‬إخواين اعلموا أن صالح األمة وفسادها‬
‫( فَ ْ‬
‫بصالح العلماء وفسادهم وأن من العلماء رمحة على الناس يسعد من اقتدى هبم‬
‫وأن من العلماء فتنة على األمة يهلك من تأسى هبم ‪.‬‬
‫ؤثرا لآلخ رة على ال دنيا فأولئك‬ ‫فالع امل إذا ك ان ع امالً برض وان اهلل م ً‬
‫خلف اء الرسل عليهم الس الم والنص حاء للعب اد وال دعاة إىل اهلل فيس عد من أج اهبم‬
‫ويفوز من اقتدى هبم وهلم مثل أجر املتأسني هبم ‪.‬‬
‫َح َس ُن َق ْوالً مِّمَّن َد َعا إِىَل‬
‫وتلا بعض أهل العلم قول اهلل تعاىل ‪َ ﴿ :‬و َم ْن أ ْ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫صاحِل اً َوقَ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫ني ﴾ ‪.‬‬‫ال إِنَّيِن م َن الْ ُم ْسلم َ‬ ‫اللَّه َو َعم َل َ‬
‫فقال ‪ :‬هذا حبيب اهلل هذا ويل اهلل هذا صفوة اهلل هذا خرية اهلل هذا‬
‫أحب أهل األرض إىل اهلل أج اب اهلل يف دعوته ودعا الن اس إىل ما أج اب اهلل‬
‫صاحلا يف إجابته وقال ‪ :‬إنين من املسلمني إنه خليفة اهلل ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فيه من دعوته وعمل‬

‫‪75‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫صنفا من العلم اء‬ ‫يا قوم فبمثل هذا العامل اقت دوا به وتأسوا تسعدوا أال أن ً‬
‫رض وا بال دنيا عوضًا عن اآلخ رة فآثروها على ج وار اهلل تع اىل ورغب وا يف االس تكثار‬
‫منها وأحبوا العلو فيها ‪.‬‬
‫فتأسى هبم عالم من الناس وافتنت هبم خلق كثري أولئك أسوء فتنة على األمة‬
‫‪ ،‬تركوا النصح للناس كيال يفتضحوا عندهم ‪ ،‬لقد خسروا وبئسما اجتروا واحتملوا‬
‫أوزارهم مع أوزار املتأسني هبم فهلك وا وأهلك وا أولئك خلف اء الش يطان ودع اة إبليس‬
‫أقل اهلل يف الربية أمثاهلم ‪.‬‬
‫بعدا وقال ‪ :‬إذا كان‬ ‫علما فازداد للدنيا حبًا ازداد من اهلل ً‬ ‫وقال بعض العلماء ‪ :‬من ازداد باهلل ً‬
‫حريص ا عليها فإن يف جمالسته لفتنة تزيد اجلاهل جهالً وبفنت الع امل‬ ‫ً‬ ‫الع امل مفتونًا بال دنيا راغبًا فيها‬
‫فجورا ويفسد قلب املؤمن ‪.‬‬ ‫يزيد الفاجر ً‬
‫ان‬ ‫اع ِة َّ‬
‫الديَّ ِ‬ ‫َعلَْي ِك ْم بِطَ َ‬ ‫ان‬‫ُوصي ُكم يا م ْع َشر ا ِإل ْخو ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ َ َ‬
‫ِش ْعرا‪ :‬أ ِ‬
‫ً‬
‫َفَتْن َد ُموا َي ْو ًما َعلَى َما فَاتَ ُك ْم‬ ‫َوإِيَّا ُك ْم أَ ْن ُت ْه ِملُوا أ َْوقَاتَ ُك ْم‬
‫َشَبابُهُ َوالْ ُخ ْس ُر ِفي التََّوانِي‬ ‫وإِنَّما غَنِيمةُ ا ِإلنْس ِ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫اهلل يَا إِ ْخَوانِي‬ ‫َسعوا لَِت ْقوى ِ‬ ‫لشبَّ ِ‬‫اع َة لِ ُّ‬
‫َح َس َن الطَّ َ‬
‫َ‬ ‫فَأ ْ َ ْ‬ ‫ان‬ ‫َما أ ْ‬
‫الذ ْكر ُك َّل لَ ْحظٍَة َو َس َ‬
‫اع ْة‬ ‫َو ِّ‬ ‫َوأَ ْع ِم ُروا أ َْوقَاتَ ُك ْم بِالطَّ َ‬
‫اع َة‬
‫تَ ُك ْن َعلَْي ِه َح ْسَرةٌ ِفي َقْب ِر ِه‬ ‫اع ْة ِفي ُع ْم ِر ِه‬ ‫َو َم ْن َتُفْتهُ َس َ‬
‫ت ِم ْن َتَبابِِه‬ ‫ضى َع ِجْب ُ‬ ‫َحتَّى َم َ‬ ‫َو َم ْن يَ ُك ْن َفَّر َط ِفي َشَبابِِه‬
‫ضى بِِه َم ْو ُ‬
‫اله‬ ‫ِفي َع َم ٍل َي ْر َ‬ ‫ض ُاه‬‫اد َة ْام ِر ٍئ قَ َ‬‫َويَا َس َع َ‬
‫ضو ِ‬
‫ان‬ ‫الر ْ َ‬‫يَا َف ْو َز ُه ْم بِ َجن َِّة ِّ‬ ‫اب‬ ‫الشَب ِ‬ ‫اع ِة َّ‬ ‫ب َربِّي طَ َ‬ ‫َح َّ‬
‫أَ‬
‫ك األََوا ُن‬ ‫ِم ْن َقْب ِل أَ ْن َيُفوتَ َ‬ ‫الك يَا إِنْ َسا ُن‬ ‫ب إِلَى َم ْو َ‬ ‫َفتُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين أَ ْكُبَر‬ ‫اهلل ح َ‬ ‫يع َ‬ ‫ثُ َّم أُط ُ‬ ‫ص ِغ ٌير أ ْ‬
‫َصبِ ُر‬ ‫َو َم ْن َي ُق ْل إِنِّي َ‬
‫وس‬ ‫َّ‬ ‫ِِ‬ ‫فَِإ ْن َذ َ‬
‫َو َقلْبُهُ ُمغَل ٌق َمط ُْم ُ‬ ‫يس‬
‫اك غََّر ُه إبْل ُ‬
‫ص َيرا‬ ‫ولَم ي ُكن بِعْيبِ ِه ب ِ‬ ‫ص ِغ َيرا‬ ‫ِ‬
‫َ ْ َ ْ َ َ‬ ‫ب َ‬ ‫يم ْن لَ ْم َيتُ ْ‬‫ال َخْيَر ف َ‬

‫‪76‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫‪77‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ان‬‫الشْيطَ ِ‬‫س َو َّ‬ ‫ُم َخالًِفا لِ َّلنْف ِ‬ ‫صي ِ‬


‫ان‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُم َجانًبا ل ِإلثْ ِم َوالْع ْ َ‬
‫الذ ْك ِر ِمن نِسي ِ‬
‫ان‬ ‫ص ًما بِ ِّ‬ ‫مسَت ْع ِ‬ ‫مال ِزما تِالو َة الْ ُقر ِ‬
‫آن‬
‫ْ َْ‬ ‫ُْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ً َ‬
‫ون‬‫مح ِاذرا ِمن سائِ ِر الُْفتُ ِ‬ ‫هلل ِفي ُّ‬
‫الشُؤ ِ‬
‫ون‬ ‫مر ِاقبا ِ‬
‫َُ ً ْ َ‬ ‫َُ ً‬
‫الق‬‫مج ِافيا ُكال َع َدا الْ َخ ِ‬ ‫مجانِبا ر َذائِل األَ ْخ ِ‬
‫الق‬
‫َُ ً‬ ‫َُ ً َ َ‬
‫ْح ِال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ُم َحا ِربًا لُِن ْز َع ِة الض ِ‬
‫ص ْولَة األ َْهَواء َو ُسوء ال َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّالل‬
‫ْح ِّق َوال ُْه َد ِاة‬ ‫يل ال َ‬ ‫اسلُ ْ ِ‬
‫ك َسب َ‬ ‫فَ ْ‬ ‫َّج ِاة‬
‫ت الَْف ْو َز بِالن َ‬‫فَِإ ْن أ ََر ْد َ‬
‫ات‬ ‫بِالْم ْشَت َهى وسائِ ِر اللَّ َّذ ِ‬ ‫َّات‬
‫ْجن َ‬ ‫ِ‬
‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫وم الَْف ْو َز في ال َ‬
‫يَا َم ْن َي ُر ُ‬
‫ص َعَلى األ َْو َر ِاد َواألَ ْذ َكا ِر‬ ‫اح ِر ْ‬ ‫َو ْ‬ ‫ات ِفي‬
‫السج َد ِ‬
‫ض إِلَى َّ َ‬ ‫اْن َه ْ‬
‫َحو ِال واألَوقَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّاس ِفي الطَّ َ‬
‫اع ِ‬ ‫احْ ِ‬
‫ات‬ ‫في َسائ ِر األ ْ َ َ ْ‬ ‫ات‬ ‫اء الن ِ‬ ‫َسَذَحْرار ِريَ َ‬
‫اَوأل ْ‬
‫ين َي ْقَت ِدي‬ ‫إِ َّن الَْق ِر ِ‬ ‫اب ُك َّل ُم ْر ِش ِد‬‫َص َح ِ‬ ‫ِ‬
‫ين بالَْق ِر َ‬ ‫َ‬ ‫َوا ْخَت ْر م َن األ ْ‬
‫السَق َما‬
‫يم َّ‬ ‫ْب َّ ِ‬ ‫تَ ِزي ُد ِفي الَْقل ِ‬ ‫ص ْحَبةُ األَ ْشَرا ِر َداءٌ َو َع َمى‬
‫السق َ‬ ‫َو ُ‬
‫الدنِي‬ ‫الس ِ‬ ‫فَِإ ْن تَبِ ْعت ُسنَّ َة النَِّبي‬
‫وء َو َّ‬ ‫ين ُّ‬ ‫اح َذ ْر قَ ِر َ‬ ‫فَ ْ‬
‫اعا ِفي ِح َمى ال َْع ِري ِن‬ ‫َو ُك ْن ُش َج ً‬ ‫ات َذ ِ‬
‫ات الدِّي ِن‬ ‫الزوج ِ‬ ‫ِ‬
‫َوا ْخَت ْر م َن َّ ْ َ‬
‫ِ‬
‫اب‬‫ص ِ‬ ‫وب ُهم من األ َْو َ‬ ‫تَ ْحَف ْظ ُقلُ َ‬ ‫اب‬ ‫الد بِ َ‬
‫اآلد ِ‬ ‫َو َزِّو ْد األ َْو َ‬
‫الشْيطَ ِ‬
‫ان‬ ‫َوال تَ َد ْع َها ُن ْهَب َة َّ‬ ‫النُفوس بِالْ ُقر ِ‬
‫آن‬ ‫َو َه ِّذ ِ‬
‫ب ُّ َ ْ‬
‫ْح ُّق إِ َذا أَقُ ُ‬
‫ول‬ ‫َف ُهَو ال ُْه َدى َوال َ‬ ‫ول‬‫الر ُس ُ‬
‫ص َعلَى َما ُسنَّةُ َّ‬ ‫اح ِر ْ‬
‫َو ْ‬
‫ال‬
‫َوالَْوبَ ُ‬ ‫فَِف ِيه ُك َّل الْ ُخ ْس ِر‬ ‫ُّالل‬
‫ك َما َي ُقولُهُ الض ُ‬ ‫َد ْع َعْن َ‬
‫َع ْن نَبِِّينَا‬ ‫و َخْير َه ْد ِي ِ‬
‫اهلل‬ ‫َص َد ُق الْح ِد ِ‬
‫يث َق ْو ُل َرِّبنَا‬ ‫َوأ ْ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫َي َس ِّيٍء َت ْلَقاهُ‬ ‫انْظُْر بِأ ِّ‬ ‫يَا أَُّي َها الْغَْفال ُن َع ْن َم ْوالهُ‬
‫ان إِال َما َس َعى‬ ‫ولَْيس لِ ِإلنْس ِ‬ ‫ت يَأْتِي ُم ْس ِر ًعا‬ ‫أ ََما َعِل ْم َ‬
‫ت ال َْم ْو َ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫إِال الَّ ِذي قَ َّدَمهُ ِم َن ال َْع َم ْل‬ ‫ِ‬ ‫ولَي ِ ِ ِ‬
‫س ل ِإلنْ َسان م ْن َب ْعد األ َ‬
‫َج ْل‬ ‫َْ َ‬
‫ص َّد َع ْن إِْتَيانَِها‬ ‫ِ‬ ‫َفَب ِاد ِر الت َّْوبََة ِفي إِ ْم َكانَِها‬
‫م ْن َقْبل أَ ْن تُ َ‬

‫‪78‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫اخي َوالْ َك َس ْل‬ ‫إِلَى متى ه َذا التَّر ِ‬ ‫ور َما َه َذا ال َْع َم ْل‬
‫َ‬ ‫ََ َ‬ ‫يَا أَُّي َها ال َْم ْغ ُر ُ‬
‫الد ْه ِر طَ ْع َم قُوتِِه‬ ‫ول َّ‬ ‫اق طُ َ‬ ‫َما َذ َ‬ ‫لَْو َي ْعلَ ُم ا ِإلنْ َسا ُن قَ ْد َر َم ْوتِِه‬
‫ْسى ِم ْن‬ ‫ْب أَق َ‬ ‫ك َه َذا الَْقل ُ‬ ‫َويْ َح َ‬ ‫يك ال ِْعَب ْر‬ ‫اك لَ ْم تُِف ْد ِف َ‬ ‫َما لِي أ ََر َ‬
‫ُمَحضَجيِّْرُع ال ُْع ْم ِر َكثِي ِر الْ َخطَ ِل‬ ‫يل األََم ِل‬ ‫َّاس طَ ِو ُ‬ ‫س الن ِ‬ ‫َوأَ ْفلَ ُ‬
‫ْحالَ ْة‬‫س ال َ‬ ‫ئ‬
‫ْ‬ ‫ولَْيلَهُ ِفي الن َّْوِم بِ‬ ‫ض ِيه ِفي الَْبطَالَ ْة‬ ‫َن َهار ُه مم ِ‬
‫ُ ُْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الصْف ِح َم َع ال َْع ِطيَِّة‬ ‫بِال َْع ْف ِو َو َّ‬ ‫صيَّتِي‬ ‫ع لََنا يا س ِامعا و ِ‬ ‫ا ْد ُ‬
‫َ َ ً َ‬
‫صي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اخ ْذنَا َعلَى النِّسي ِ‬ ‫وال ُتَؤ ِ‬
‫ان‬ ‫َوال َعلَى األَ ْخطَاء َوال الْع ْ َ‬ ‫ان‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫وال تُ ِذقَْنا حرقَ َة النِّير ِ‬
‫ان‬ ‫احَفظَْنا ِمن الَْفت ِ‬
‫َّان‬
‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب َو ْ‬ ‫يَا َر ِّ‬
‫ْح َمى ِم ْن ِهي َش ِة الْغَ ْو َغائِي‬ ‫واح ِم ال ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ص ْرنَا َعلَى األَ ْع َد ِاء‬ ‫ب َوانْ ُ‬ ‫يَا َر ِّ‬
‫ان‬‫لِأل َْه ِل ِفي األَقْطَا ِر واألَوطَ ِ‬ ‫احَفظْهُ مع األَم ِ‬
‫ان‬ ‫َو ِد َين َ‬
‫َ ْ‬ ‫ََ َ‬ ‫ك ْ‬
‫اإلْن َع ِام‬
‫هلل َعلَى ِ‬ ‫الش ْكر ِ‬ ‫هلل َعلَى ال ِ‬
‫ْخَت ِام‬ ‫والْحم ُد ِ‬
‫َو ُّ ُ‬ ‫َ َْ‬
‫ال ِإ ْذ َه َدانَا‬ ‫ضُ‬ ‫َجَز َل ِ‬
‫اإلفْ َ‬ ‫َوأ ْ‬ ‫َما أَ ْعظَ ُم ا ِإلْن َع َام ِم ْن َم ْوالنَا‬
‫َواالقْتِ َد ِاء بِ َسيِّ ِد األَنَ ِام‬ ‫ان َوا ِإل ْس ِ‬
‫الم‬ ‫لِنِ ْعم ِة ا ِإليم ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ْح َم ِام‬ ‫ِ‬ ‫ثُ َّم صال ُة ِ‬
‫اح طَْي ُر األيْك َوال َ‬ ‫َما نَ َ‬ ‫الم‬
‫الس ُ‬‫اهلل َو َّ‬ ‫َ‬
‫اش ِمي الْمجَتبِي الن ِ‬ ‫الْه ِ‬ ‫صطََفى الَْب ِشي ِر‬
‫َّذي ِر‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫َعلَى النَّبِ ِّي ال ُْم ْ‬
‫اح‬
‫الريَ ُ‬ ‫ت ِّ‬ ‫وص ْحب ِه ما َهبَّ ِ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫اح‬ ‫َوآلِِه َما اْنَبلَ َج َّ‬
‫الصَب ُ‬
‫اللهم يا حي يا قي وم يا ذا اجلالل واإلك رام ثبت حمبتك يف قلوبنا وقوها‬
‫وأهلمنا يا موالنا ذكرك وشكرك وآمنا من عذابك يوم تبعث عبادك ‪ ،‬اللهم يا عامل‬
‫اخلفي ات ويا س امع األص وات ويا ب اعث األم وات ويا جميب ال دعوات ويا قاضي‬
‫احلاج ات يا خ الق األرض والسماوات أنت اهلل األحد لص مد ال ذي مل يلد ومل يولد‬
‫كفوا أحد الوهاب الذي ال يبخل واحلليم الذي ال يعجل ال راد ألمرك‬ ‫ومل يكن له ً‬
‫وال معقب حلكمك نس ألك أن تغفر لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني برمحتك يا أرحم‬
‫الرامحني وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫صلٌ )‬
‫( فَ ْ‬
‫وحسبك من آثار تربية النيب ‪ ‬ألصحابه على قوة الثقة باهلل وحسن الظن‬
‫به والتوكل عليه والزهد يف ال دنيا ما يتجلى بأكمل معانيه يف أيب بكر وعمر‬
‫وعثم ان وعلي وغ ريهم من الص حابة ‪ .‬أما أبو بكر فج اء مباله كله يك اد أن‬
‫خيفيه من نفسه حىت دفعه إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم فقال له ‪ « :‬ما خلفت‬
‫وراءك ألهلك يا أبا بكر » ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬عدة اهلل وعدة رسوله فبكى عمر رضي اهلل عنه وقال ‪ :‬بأيب أنت‬
‫وأمي يا أبا بكر واهلل ما اس تبقنا إىل ب اب خري إال كنت س ابقًا ‪ ،‬وج اء عمر‬
‫بنصف ماله حىت دفعه إىل الرس ول عليه الص الة والس الم فق ال ‪ « :‬ما خلفت‬
‫وراءك ألهلك يا عمر » ‪.‬‬
‫ق ال ‪ :‬خلفت نصف م ايل هلم ‪ .‬رواه ابن أيب ح امت من ح ديث ع امر‬
‫الشعيب وعن عبد الرمحن بن خباب قال ‪ :‬شهدت النيب ‪ ‬وهو حيث على جيش‬
‫العسرة ‪.‬‬
‫فقال عثمان بن عفان ‪ :‬يا رسول اهلل علي مائة بعري بأحالسها وأقتاهبا يف‬
‫سبيل اهلل مث حض على اجليش فقال عثمان ‪ :‬علي ثالمثائة بعري بأحالسها وأقتاهبا‬
‫يف س بيل اهلل ف نزل رس ول اهلل ‪ ‬وهو يق ول ‪ « :‬ما على عثم ان ما عمل بعد‬
‫هذا » ‪ .‬أخرجه الرتمذي ‪.‬‬
‫وعن عبد اهلل بن الصامت قال ‪ :‬كنت مع أيب ذر رضي اهلل عنه فخرج‬
‫عط اؤه ومعه جارية له ق ال ‪ :‬فجعلت تقضي حوائجه ففضل معها س بعة فأمرها‬
‫أن تش رتي هبا فلوس ًا ق ال ‪ :‬قلت لو أخرجته للحاجة تنوبك أو للض يف ي نزل‬
‫بك ق ال ‪ :‬إن خليلي عهد يل أن أميا ذهب أو فضة أوكي عليه فهو مجر على‬
‫ص احبه حىت يفرغه يف س بيل اهلل عز وجل ‪ .‬رواه أمحد ورجاله رج ال الص حيح‬
‫‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وعن مسرة بن جندب رضي اهلل عنه أن رسول اهلل ‪ ‬كان يقول ‪ « :‬إين‬
‫ألجل ه ذه الغرفة ما أجلها إال خش ية أن يك ون فيها م ال ف أتوىف ومل أنفقه » ‪.‬‬
‫رواه الطرباين يف الكبري ‪.‬‬
‫وروي أن عمر رضي اهلل عنه أرسل إىل زينب بنت جحش بعطائها‬
‫فق الت ‪ :‬ما ه ذا ؟ ق الوا ‪ :‬أرسل إليك عمر بن اخلط اب ق الت ‪ :‬غفر اهلل له مث‬
‫سرتا هلا فقطعته وجعلت العط اء ص ررًا وقس مته يف أهل بيتها ورمحها‬ ‫س لت ً‬
‫وأيتامها مث رفعت ي ديها وق الت ‪ :‬اللهم ال ي دركين عط اء عمر بعد ع امي ه ذا‬
‫فكانت أول نساء رسول اهلل ‪ ‬حلوقًا به ‪.‬‬
‫وأخرج أبو نعيم يف احللية عن سعيد بن عبد العزيز قال ‪ :‬كان للزبري بن‬
‫الع وام رضي اهلل عنه ألف ممل وك ي ؤدون إليه اخلراج فك ان يقس مه كل ليلة مث‬
‫يقوم إىل منزله وليس معه شيء ‪.‬‬
‫وأخرج احلاكم عن أم بكر بنت املسور أن عبد الرمحن بن عوف رضي‬
‫اهلل عنه باع أرضًا له بأربعني ألف دينار فقسمها يف بين زهرة وفقراء املسلمني‬
‫اجرين وأزواج النيب ‪ ‬فبعث إىل عائشة رضي اهلل عنها مبال من ذلك‬ ‫وامله‬
‫فقالت ‪ :‬من بعث هذا املال قلت ‪ :‬عبد الرمحن بن عوف ‪.‬‬
‫ق ال ‪ :‬وقص القصة ق الت ‪ :‬ق ال رس ول اهلل ‪ « : ‬ال حينو عليكن من‬
‫بع دي إال الص ابرون س قى اهلل ع وف من سلس بيل اجلنة » ‪ .‬ق ال احلاكم ‪ :‬ه ذا‬
‫حديث صحيح اإلسناد ومل خيرجاه ‪.‬‬
‫وعن ن افع أن معاوية رضي اهلل عنه بعث إىل ابن عمر مائة ألف فما‬
‫حال احلول وعنده منها شيء ‪ .‬وعن أيوب بن وائل الراسيب قال ‪ :‬قدمت املدينة‬
‫ف أخربين رجل ج ار البن عمر أنه أتى ابن عمر أربعة آالف من قبل معاوية‬
‫وأربعة آالف من قبل إنسان آخر وألفان من قبل آخر وقطيفة ‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫علفا لراحلته بدرهم نسيئة فقد عرفت الذي جاءه‬ ‫فجاء إىل السوق يريد ً‬
‫ف أتيت س ريته فقلت ‪ :‬إين أريد أن أس ألك عن ش يء أحب أن تص دقيين قلت ‪:‬‬
‫أليس قد أيت عبد ال رمحن أربعة آالف من قبل معاوية وأربعة آالف من قبل‬
‫إنسان آخر وألفان من آخر وقطيفة ‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬بلى قلت ‪ :‬رأيته يطلب علفً ا بدرهم نسيئة قالت ‪ :‬ما بات حىت‬
‫فرقها فأخذ القطيفة فألقاها على ظه ره مث ذهب فوجهها مث ج اء فقلت ‪ :‬يا‬
‫معشر التجار ما تصنعون بالدنيا وابن عمر أتته البارحة عشرة آالف درهم وضح‬
‫فأصبح اليوم يطلب لراحلته علفًا نسيئة بدرهم ‪.‬‬
‫وك انت زوج اهتم رضي اهلل عنهم زوج ات ص احلات تعينهم على تنفيذ‬
‫ِ‬
‫املش اريع اخلريية فه ذا أبو الدح داح ملا ن زل قوله تع اىل ‪َّ ﴿ :‬من َذا الَّذي يُ ْق ِر ُ‬
‫ض‬
‫اللّه َقرضاً حسناً َفيض ِ‬
‫اع َفهُ لَهُ ﴾ ‪.‬‬ ‫ََ َُ‬ ‫َ ْ‬
‫قال أبو الدحداح األنصاري ‪ :‬يا رسول اهلل وإن اهلل لرييد منا القرض ؟‬
‫ق ال ‪ « :‬نعم يا أبا الدح داح » ‪ .‬فق ال ‪ :‬أرين ي دك يا رس ول اهلل فناوله ‪ ‬ي ده‬
‫الكرمية فق ال ‪ :‬اش هد يا رس ول اهلل أين قد أقرضت ريب ح ائطي ‪ .‬أي البس تان‬
‫وك ان له بس تان فيه س تمائة خنلة ويف البس تان زوجته أم الدح داح وأوالده‬
‫يسكنونه ‪.‬‬
‫مث جاء إىل البستان فنادى زوجته يا أم الدحداح قالت ‪ :‬لبيك ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫أخ رجي أنت وأوالدك فقد أقرضت ريب عز وجل ح ائطي فش جعته ونش طته‬
‫وق الت ‪ :‬ربح بيعك مث نقلت متاعها وأوالدها رضي اهلل عنهما ‪ .‬فتأمل ق وة‬
‫اليقني فيما عند اهلل كيف تعمل وتأمل موقف زوجته من عمله هذا ‪.‬‬
‫ولو ك انت من نس اء الزم ان لق الت ‪ :‬أنت جمن ون وأقلقت راحته وألبت‬
‫عليه أوالده وأمه وأباه وقالت ‪ :‬خذوا على يديه ‪ .‬نسأل اهلل العافية ‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وه ذا عثم ان بن عف ان ت رد عليه عري له من الش ام يف وقت ن زل فيه‬


‫الربح‬

‫‪83‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وزيت ا وزبيبً ا‬
‫برا ً‬‫باملس لمني من اجلدب والقحط ف إذا هي ألف بعري مس وقة حتمل ً‬
‫‪.‬‬
‫فجاءه التجار وقالوا ‪ :‬بعنا من هذا الذي وصل إليك فإنك تعلم ضرورة‬
‫حبا وكرامة ‪ :‬كم ترحبوين على ش رائي فيجيب ون ق ائلني ال درهم‬ ‫الن اس فيق ول ًّ‬
‫درمهني فيق ول ‪ :‬أعطيت أك ثر من ه ذا فيقول ون ‪ :‬يا أبا عمر ‪ ،‬وما بقى يف‬
‫املدينة جتار غرينا وما سبقنا إليك أحد فمن الذي أعطاك ‪.‬‬
‫فيجيب إن اهلل أعطاين بكل درهم عشرة أعندكم زيادة فيقولون ‪ :‬ال ‪،‬‬
‫فيش هد اهلل على أن ه ذه وما محلت ص دقة هلل على املس اكني والفق راء من‬
‫املسلمني ‪ ،‬فيا ليت أغنياء هذا الزمن تنسخوا من الزكاة فقط ولكن هيهات أن‬
‫يتغلبوا على النفس والشيطان والدنيا واهلوى ‪.‬‬
‫اللهم اختم باألعمال الصاحلات أعمارنا وحقق بفضلك آمالنا وسهل لبلوغ‬
‫رض اك س بلنا وحسن يف مجيع األح وال أعمالنا يا منقذ الغ رقى ويا منجي اهللكى‬
‫ويا دائم اإلحس ان أذقنا ب رد عف وك وأنلنا من كرمك وج ودك ما تقر به عيوننا‬
‫من رؤيتك يف جن ات النعيم واغفر لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني األحي اء منهم‬
‫واملي تني برمحتك يا أرحم ال رامحني ‪ .‬وص لى اهلل على حممد وعلى آله وص حبه‬
‫أمجعني ‪.‬‬
‫صلٌ )‬
‫( فَ ْ‬
‫وه ذا أمري املؤم نني عمر بن اخلط اب ملا أص اب أرضًا خبيرب أيت النيب ‪‬‬
‫يستأمره فيها فقال ‪ :‬يا رسول اهلل إين أصبت أرضًا خبيرب مل أصب م اًال قط هو‬
‫أنفس عين منه فما تأمرين قال ‪ « :‬إن شئت حبست أصلها وتصدقت هبا » ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فتصدق هبا عمر غري أنه ال يباع أصلها وال يورث وال يوهب ‪.‬‬
‫ق ال ‪ :‬فتص دق هبا عمر يف الفق راء ويف الق رىب ويف الرق اب ويف س بيل اهلل وابن‬
‫السبيل‬

‫‪84‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ولض يف ال جن اح على من وليها أن يأكل منها ب املعروف أو يطعم ص ديقًا غري‬


‫متمول فيه ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫وه ذا أبو بكر رضي اهلل عنه ك ان له ي وم أس لم أربع ون ألف درهم‬
‫مدخرة من ربح جتارته وقد ربح الكثري من التجارة بعد اإلسالم فلما هاجر مع‬
‫النيب ‪ ‬مل يكن قد بقي له من كل مدخره سوى مخسة آالف درهم ‪.‬‬
‫لقد أنفق ماله املدخر يف افتداء الضعفاء من املوايل املسلمني الذين كانوا‬
‫ي ذوقون الع ذاب ألوانً ا من س اداهتم الكف ار كما أنفقه يف بر الفق راء واملع وزين ‪،‬‬
‫فليعترب بذلك معشر احلراس لألموال ‪.‬‬
‫وقد حدث أن جاء عامل عمر بالبحرين أبو هريرة مبال كثري وروايته ‪:‬‬
‫قدمت من البحرين خبمسمائة ألف درهم فأتيت عمر بن اخلطاب مساء فقلت ‪:‬‬
‫يا أمري املؤمنني اقبض هذا املال ‪ .‬قال ‪ :‬وكم هو ؟ قلت ‪ :‬مخسمائة ألف درهم‬
‫‪ .‬قال ‪ :‬وتدري كم مخسمائة ألف درهم ؟ قلت ‪ :‬نعم مائة ألف مخس مرات ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬أنت ناعس أذهب الليلة فبت حىت تصبح ‪.‬‬
‫فلما أص بحت أتيته فقلت ‪ :‬اقبض مين ه ذا املال ؟ ق ال ‪ :‬وكم هو ؟‬
‫قلت ‪ :‬مخسمائة ألف درهم ‪ .‬قال ‪ :‬أمن طيب هو ؟ قلت ‪ :‬ال أعلم إال ذاك ‪.‬‬
‫فق ال عمر رضي اهلل عنه ‪ :‬أيها الن اس إنه قد جاءنا م ال كثري ف إن ش ئتم أن‬
‫نكيل لكم كلنا وإن شئتم أن نعد لكم عددنا وإن شئتم أن نزن لكم وزنا ‪.‬‬
‫فقال رجل من القوم ‪ :‬يا أمري املؤمنني دون الدواين يعطون عليها فاشتهى‬
‫عمر ذلك ووزعها على املسلمني كلها ‪.‬‬
‫وذكر بعض املفس رين أن س ليمان عليه الس الم غ زا أهل دمشق ونص يبني‬
‫فأص اب منهم ألف ف رس فص لى الظهر وقعد على كرس يه وهي تع رض عليه‬
‫فعرض عليه منها تسعمائة فرس فتنبه لصالة العصر فإذا الشمس قد غربت‬

‫‪85‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وف ات وقت الص الة ومل خيربوه ب ذلك هيبة له ف اغتنم ل ذلك وق ال ‪ :‬ردوها علي‬
‫وطلب ا ملرض اته حيث‬ ‫فاقبل عليها فض رب س وقها وأعناقها بالس يف تقربً ا إىل اهلل ً‬
‫اشتغل هبا عن طاعة اهلل ‪.‬‬
‫خريا منها‬‫مباحا له وبقي منها مائة فرس فلما عقرها هلل تعاىل أبدله اهلل تعاىل ً‬ ‫وكان ذلك ً‬
‫وأسرع وهي الريح جتري بأمره رخاء حيث أصاب جتري بأمره كيف شاء وإليه يشري قوله‬
‫ب اخْلَرْيِ َعن ِذ ْك ِر‬ ‫ِ‬ ‫تع اىل ‪ ﴿ :‬إِ ْذ ع ِرض علَي ِه بِالْع ِش ي َّ ِ‬
‫ت ُح َّ‬ ‫ال إِيِّن أ ْ‬
‫َحبَْب ُ‬ ‫اد * َف َق َ‬
‫ات اجْل يَ ُ‬
‫الص افنَ ُ‬ ‫ُ َ َ ْ َ ِّ‬
‫اق ﴾ ‪.‬‬ ‫وق َواأْل َْعنَ ِ‬ ‫وها َعلَ َّي فَطَِف َق َم ْسحاً بِ ُّ‬
‫الس ِ‬ ‫ت بِاحْلِج ِ‬
‫اب * ُر ُّد َ‬ ‫َ‬ ‫َريِّب َحىَّت َت َو َار ْ‬
‫ال بَ ْل أَ ُكو ُن لَهُ َم ْوالً أ َ‬
‫ُصّرفُهُ‬ ‫ال لِي َربًا يُص ِرفُنِي‬ ‫َج َع ُل ال َْم َ‬
‫ال أ ْ‬ ‫ِش ْعًرا‪:‬‬
‫اك لِي َولِغَْي ِري َما أ َ‬
‫ُخلُِّفهُ‬ ‫فَ َذ َ‬ ‫َما لِي ِم َن ال َْم ِال إِال َما َتَق َّدَمنِي‬
‫صى ال َْم ْج ُموع أ َْو ُكثُ ِ‬
‫ب‬ ‫ْح َ‬
‫َوَبْي َن ال َ‬ ‫َو َما الَْف ْر ُق َبْي َن ال َْم ِال لَْوال ْامتِ َهانُهُ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫ت ُمتَّا‬ ‫النْف ُع إِ ْن أَنْ َ‬
‫الر ْمال ِل فَ َما َّ‬
‫َوإَِّ‬ ‫ك َقْبل الْمم ِ‬
‫ات‬ ‫تَمت ِ ِ‬
‫َّع ب َمال َ َ َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫ِ‬
‫س ْحًقا َو َم ْقَتا‬ ‫لغَْي ِر َك َب ْع َد َك فَ ُ‬ ‫يت بِِه ثُ َّم َخلَّْفَتهُ‬ ‫َشِق َ‬
‫ْصى ِإ َذا لَ ْم أُقَّْر ِ‬
‫ب‬ ‫ُهَو ال َْمْن ِز ُل األَق َ‬ ‫الد َو َمْن ِزلِي‬‫فَِإ َّن م ِسي ِري ِفي الْبِ ِ‬
‫َ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫ب‬‫الر َغائِ ِ‬‫القي َوال ِدينِي ابْتِغَ ِاء َّ‬ ‫َخ ِ‬ ‫يت َي ْو ًما بَِبائِ ٍع‬ ‫ت َوِإ ْن أُ ْذنِ ُ‬ ‫َولَ ْس ُ‬
‫وروي أن عمر أرسل مع غالمه بأربعمائة دينار إىل أيب عبيدة بن اجلراح‬
‫وأمر الغالم بالت أين ل ريى ما يص نع فيها ف ذهب هبا الغالم إليه وأعطاها له وت أىن‬
‫يس ًريا ففرقها أبو عبي دة كلها فرجع الغالم لعمر فخ ربه فوج ده قد أعد مثلها‬
‫ملع اذ بن جبل فأرس لها معه إليه وأم ره بالت أين ك ذلك ففعل ففرقها ف اطلعت‬
‫زوجته وق الت ‪ :‬حنن واهلل مس اكني فأعطنا فلم يبق يف اخلرقة إال دين اران‬
‫فأعطامها إياها ‪ .‬فرجع الغالم لعمر وأخربه فسر بذلك ‪ .‬وقال ‪ :‬إخوة بعضهم من‬
‫بعض ‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وروي أن زوجة طلحة بن عبيد اهلل رأت منه ثقالً فق الت له ‪ :‬مالك‬
‫لعله رابك منا ش يء فنعتبك ق ال ‪ :‬ال ولنعم احلليلة للمس لم أنت ولكن اجتمع‬
‫عن دي م ايل وال أدري كيف أص نع ق الت ‪ :‬وما يغمك منه أدع قومك فاقس مه‬
‫علي بق ومي ‪ .‬فك ان مجلة ما قسم أربعمائة ألف (‬ ‫بينهم فق ال ‪ :‬يا غالم َّ‬
‫‪. )400000‬‬
‫أرض ا من عثم ان بس بعمائة فحملها عليه فلما ج اء هبا ق ال ‪ :‬إن‬ ‫وب اع ً‬
‫رجالً ي بيت عن ده ه ذه يف بيته ال ي دري ما يطرقه من أمر اهلل فب ات ورس له‬
‫ختتلف يف السكك سكك املدينة حىت أسحروا ما عنده منها فرقوها على الفقراء‬
‫واملساكني ‪.‬‬
‫كرما وشجاعة وخصاالً محيدة اقرأ آخر سورة الفتح وما‬
‫الصحابة رضي اهلل عنهم مجعوا ً‬
‫ينطبق عليهم رضي اهلل عنهم ما يلي ‪:‬‬

‫يق ُفَواقَا‬
‫ضُ‬ ‫ودا ال ي ِ‬
‫َ‬ ‫َو ُز ْه ًدا َو ُج ً‬ ‫اء ِعل ًْما َو ِعَّف ًة‬ ‫ِ‬
‫ش ْعًرا‪َ :‬ف ُه ْم َج َم ُعوا ال َْعلَْي َ‬
‫َو َرائِ َح ًة َم ْحبُوبًَة َو َم َذاقَا‬ ‫اح ُح ْسًنا َونَظَْر ًة‬ ‫َك َما َج َم َع التَُّّف ُ‬
‫ب‬ ‫ضاءُ َو َّ‬
‫الذ َه ُ‬ ‫ضةُ الَْبْي َ‬ ‫أ َْمطَ ُار َها الِْف َّ‬ ‫ود ِفي أَنَ ِامِل ِه ْم‬ ‫آخر‪ :‬لَهم سحائِب ج ٍ‬
‫ُْ َ َ ُ ُ‬
‫ض َما ُن ْع ِطي َو َما‬ ‫صْر َن َع ْن َب ْع ِ‬ ‫قَ َّ‬ ‫ِفي ال ُْع ْس ِر قَالُوا ِإ َذا أَيْ َس ْر َن ثَانِ ِية‬
‫ب‬ ‫ت أ َْمَوالَ ُه ْم ِفي الن ِ‬
‫َّاس ُتْنَت َه ُ‬ ‫ب‬‫َنَرأَهَيْ َُ‬ ‫اد أَيَّ ُام الَْي َس َار لَ ُه ْم‬ ‫َحتَّى إِ َذا َع َ‬
‫َجابُوا َوِإ ْن أَ ْعطَْوا أَطَابُوا َوأ ْ‬
‫َجَز ُل‬ ‫أَ‬ ‫َصابُوا َوِإ ْن‬ ‫آخر‪ُ :‬ه ُم الَْق ْو ُم ِإ ْن قَالُوا أ َ‬
‫َحسنُوا ِفي النَّائِب ِ‬
‫ات‬ ‫ِ‬ ‫َُدو َمُعاوا يُ ْد ِر ُكو َن التَّابِ ُعو َن ِف َعالَ ُه ْم‬
‫َ‬ ‫َوإ ْن أ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫بَِاولْأَفْ‬ ‫س ِفي األَُّم ِة َك َّ‬
‫صابة‬‫ضلُِلوا َوال َْم ْع ُروف َوا ِإل َ‬‫َج َْم‬ ‫الص َحابَ ْة‬ ‫آخر‪َ :‬ولَْي َ‬
‫ور‬
‫وف ذُ ُك ُ‬ ‫السيُ ُ‬‫اء َو ُّ‬ ‫ِ‬
‫يض د َم ً‬‫تَح ُ‬
‫ِ‬ ‫وف لَ َديْ ِه ُم‬ ‫السيُ َ‬
‫َن ُّ‬ ‫ب أ َّ‬ ‫آخر‪َ :‬وِم ْن َع َج ٍ‬
‫ور‬
‫ف بُ ُح ُ‬ ‫َج ُج نَ ًارا َواألَ ُك ُّ‬ ‫تَأ َّ‬ ‫ب ِمْن َها أََّن َها ِفي أَ ُكِّف ِه ْم‬ ‫َوأَ ْع َج ُ‬

‫‪87‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وبعث عبد اهلل بن الزبري إىل أم املؤم نني عائشة رضي اهلل عنها مبال يف‬
‫غ رارتني مثانون ألف ومائة ألف درهم وهي ص ائمة فجعلت تقسم بني الن اس‬
‫فأمست وما‬

‫‪88‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫عندها من ذلك درهم فقالت جلارهتا ‪ :‬هلمي فطوري فجاءت خببز وزيت فقالت‬
‫حلما بدرهم‬
‫هلا اجلارية ‪ :‬فما استطعت فيما قسمت يف هذا اليوم أن تشرتي لنا ً‬
‫ق الت ‪ :‬ال تعنفيين لو كنت ذكرتين لفعلت ‪ .‬هك ذا ي ؤثر اإلميان العميق مبا أخرب‬
‫اهلل به وبرسوله ‪.‬‬
‫ك ان س هل بن عبد اهلل بن ي ونس التس رتي ينفق ماله يف طاعة اهلل‬
‫فجاءت أمه وإخواته إىل عبد اهلل بن املبارك رضي اهلل عنه يشكونه فقالوا ‪ :‬هذا‬
‫ال ميسك شيئًا وخنشى عليه الفقر فأراد عبد اهلل أن يعينهم عليه ‪.‬‬
‫فقال له سهل ‪ :‬يا عبد اهلل أرأيت أن رجالً من أهل املدينة اشرتى ضيعة‬
‫برستاق ( أرض السواد ) وهو يريد أن يتنقل إليها أكان يرتك باملدينة شيئًا وهو‬
‫يسكن الرستاق ‪.‬‬
‫فق ال عبد اهلل بن املب ارك ‪ :‬خص مكم يعين أنه أراد أن يتح ول على الرس تاق ال ي رتك‬
‫باملدينة شيئًا فالذي يريد أن يتحول على اآلخرة كيف يرتك يف الدنيا شيئًا ‪.‬‬
‫ْج ِاهِليَِّة أ ََّو ُل‬
‫ال َ‬ ‫َكأ ََّولِ ِه ْم ِفي‬ ‫ادوا َولَ ْم‬
‫الم َس ُ‬‫ِش ْعرا‪ :‬بَِها لِْيل ِفي ا ِإل ْس ِ‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫َجابُوا َوإِ ْن‬ ‫َصابُوا َوإِ ْن‬ ‫ِ‬
‫أَ ْعطُوا أَطَابُوا َو ْ‬
‫أجَزلُوا‬ ‫أَ‬ ‫يَُهُكُم ْن الَْق ْوم إِ ْن قَالُوا أ َ‬
‫ومن الشعر ُد ُعوا‬
‫الذي ال ينطبق إال على الصحابة رضي اهلل عنهم ما يلي ‪:‬‬
‫وم الَّتِي يَ ْس ِري بَِها‬ ‫ِمثل النُّج ِ‬ ‫يت‬ ‫ْق ِمْنهم َت ُقل ِ‬
‫َْ ُ‬ ‫الق ُ‬ ‫َم ْن َتل َ ُ ْ ْ‬
‫ي ُارو َن إِ ْن َم َار ْوا بِإ ْكثَا ِر‬ ‫السا ِريُ َم‬
‫َوالَّ‬ ‫َالسيِّ َدَيُهْن ْمِط ُقو َن َع ِن الَْف ْح َش ِاء إِ ْن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِفي ال ِ‬ ‫وه َوإِ ْن‬
‫يب‬‫ْج ْهد أَ ْد َر َك مْن ُه ْم ط َ‬ ‫ُ‬ ‫إنَِ ْنطَُق يُوا ْسأَلُوا الْ َخْيَر ُي ْعطُ ُ‬
‫ب غَْيَر إِ ْغ َما ِر‬ ‫ت إِ ْذ َم َار َح ْر ٍ‬ ‫أََكْخبَشاْفِر َ‬ ‫َوُخإِبِ ُْنرواَتَو َّد ْدَت ُه ْم النُوا َوإِ ْن ُش ِه ُموا‬
‫اس َم ْك ُر َم ًة أَْبَناءُ أَيْ َسا ِر‬ ‫ُسَّو ُ‬ ‫ب‬‫َهْينُو َن لَْينُو َن أَيْ َس ٌار ذُوو َح َس ٍ‬
‫ض‬ ‫الر ْز َق ِفي األ َْر ِ‬ ‫َن ِّ‬ ‫ت أ َّ‬ ‫ألَْيَقْن َ‬ ‫ض أَ ُكِّف َهم‬ ‫ِ ِ‬
‫ت َفْي َ‬ ‫يل لَْو َع َايْن َ‬
‫آخر‪ :‬ب َها ل ُ‬
‫اس ُع‬‫وِ‬
‫َ‬

‫‪89‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫فائدة سبب البخل ستة أشياء غلبة الشهوات (‪ )1‬وطول األمل (‪ )2‬ورمحة‬
‫الولد (‪ )3‬وخوف الفقر (‪ )4‬وقلة الثقة مبجيء الرزق (‪ )5‬وعشق املال لذاته (‪)6‬‬
‫فالبخل يتعب نفسه وحيرمها وينفع غريه كما قيل ‪:‬‬

‫‪90‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ع‬
‫اث َما يَ َد ُ‬ ‫ث والْو َّر ِ‬ ‫ولِل ِ ِ‬ ‫يل بِ َج ْم ِع ال َْم ِال ُم َّدتَهُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِش ْعًرا‪:‬‬
‫ْحَواد َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُي ْفني الَْبخ ُ‬
‫َو َغْي ُر َها بِالَّ ِذي َتْبنِ ِيه َيْنَتِف ُع‬ ‫ود ِة الِْقِّز َما َتْبنِ ِيه َي ْه ِد ُم َها‬
‫َك ُد َ‬
‫ِ‬ ‫فَأَنْ َ ِ‬ ‫ك ُم ْم ِس ًكا‬ ‫جماعا لِ َمالِ َ‬ ‫إِ َذا ُكْن َ‬
‫ت َعَلْيه َخا ِز ٌن َوأَم ُ‬
‫ين‬ ‫ً‬ ‫ت‬ ‫آخر‪:‬‬
‫ين‬
‫ت َدف ُ‬
‫َفيأْ ُكلُهُ َع ْفوا وأَنْ َ ِ‬
‫ً َ‬ ‫َ‬ ‫وما إِلَى َغْي ِر َح ِام ٍد‬ ‫ِ‬
‫ُتَؤدِّيه َم ْذ ُم ً‬
‫لَِوا ِرثِِه َويَ ْدفَ ُع َع ْن ِح َم ُاه‬ ‫ص َتَر ُاه يَِل ُّم َو ْفًرا‬ ‫َو ِذي ِح ْر ٍ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫يسَتهُ لَِيأْ ُكَل َها ِسَو ُاه‬ ‫فَ ِر َ‬ ‫ك َو ُهَو طَا ٍو‬ ‫الصْي ِد يُ ْم ِس ُ‬
‫ْب َّ‬ ‫َك َكل ِ‬
‫َعَلى الْمِقلِّين ِمن أ َْه ِل الْمر ِ‬
‫وآت‬ ‫ف َق ْلِبي َعَلى َم ٍال أُ َفِّرقُهُ‬ ‫يَا لَ ْه َ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫ُُ‬ ‫ُ َ ْ‬
‫س ِعْن ِدي لِ َم ْن ِإ ْح َدى‬ ‫َما لَْي َ‬ ‫اء يَطْلُبُنِي‬ ‫إِ َّن ا ْعت َذا ِري إِلَى َم ْن َج َ‬
‫ِ‬
‫ال‬ ‫ضُ‬ ‫اتَزِّيْنهُ إِ ْح َسا ٌن َوإِ ْف َ‬ ‫ص ْمَيب ُِي‬
‫اإِلْنُْم ِلَ‬ ‫ال‬
‫ك َما َذا َيْنَف ُع ال َْم ُ‬ ‫آخر‪ :‬قُ ْل لِي بَِربِّ َ‬
‫يأْسن وإِ ْن يجر يع ُذ ِ‬
‫ب مْنهُ‬ ‫س َسَو ِاقَيهُ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ َ ْ َ َ ْ َْ ْ‬ ‫ال َكال َْماء إ ْن تُ ْحَب ْ‬ ‫ال َْم ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‬‫آم ُ‬ ‫اح َو َ‬ ‫الَعَلى ال َْم ِال أ َْر َو ٌ‬ ‫ْس ُ‬ ‫تَسْحلَياَ‬ ‫الريَ ِ‬
‫اض‬ ‫اس ِّ‬ ‫تَ ْحَيا َعَلى ال َْماء أَ ْغَر ُ‬
‫ُدو َن الَْفِقير فَ َخْيٌر ِمْنهُ إِق ُ‬
‫ْالل‬ ‫ت َمَوا ِر ُد ُه‬ ‫ِإَكَّنَما الثََّر َاء ِإ َذا ِحي َل ْ‬
‫ال‬‫ال َعا ِريَةٌ َوال ُْع ْم ُر َر َّح ُ‬ ‫فَال َْم ُ‬ ‫اك فَابْ ُذ ْل ِم ْن َع ِطيَّتِ ِه‬ ‫اهللُ أَ ْعطَ َ‬
‫ِ‬ ‫و ِه َّمتُ ِ ِ‬ ‫الف ِم ْن َقْب ِل‬
‫ض ِل‬ ‫يل ال َْم َكا ِرم َوالَْف ْ‬ ‫هم ن ُ‬ ‫َ‬ ‫َس ُ‬ ‫آخر‪ :‬لََق ْد َد َر َج األ ْ‬
‫ِ‬
‫اد ُر بِالَْب ْذ ِل‬ ‫لَ َها َوالَّ ِذي يَأْتِي ُيَب َ‬ ‫ور َو َما‬ ‫ضوا ُّ‬
‫الدْنَيا الْغُُر َ‬ ‫َهو ُقَؤْدالء َرفَ ُ‬
‫صالِ ِح‬ ‫اب اهلل في َ‬
‫رجاء َثو ِ ِ ِ‬
‫ََ َ َ‬ ‫فََسِقَع ُْيرواُه ْم ُحٌّر َوذُو ال َْم ِال ُمْنِف ٌق‬
‫الر ْح َم ُن ِفي الَْق ْو ِل‬ ‫صِلُد ُه ْم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السْبْ‬
‫َوقَُّ‬ ‫ْحَيا‬‫اه ْم ال َ‬ ‫يم ُ‬
‫التْقَوى َوس َ‬ ‫اس ُه ْم َّ‬ ‫لَب ُ‬
‫ش َوال ِْغ ِّل‬ ‫وعةُ ال ِْغ ِّ‬ ‫َس َْعرِلُار ُه ْم َمْن ُز َ‬ ‫َواأل ِْْف‬ ‫ص ْد ٌق َوأَ ْف َعالُ ُه ْم ُه َد ًى‬ ‫مَقالُ ُهم ِ‬
‫َ ْ‬
‫وت لَهُ ُسْب َحانَهُ َج َّل َع ْن ِمثْ ِل‬ ‫ُقنُ ٌ‬ ‫ول لَِو ْج ِه ِه‬ ‫اله ْم ُمثُ ٌ‬‫ع ل َم ْو ُ‬
‫ضو ٌ ِ‬ ‫ُخ ُ‬
‫الدا ِر الَّتِي قَ ْد‬ ‫َو ُكِفي َع ِن َّ‬ ‫َج ِّل تَطَلَّبِي‬ ‫آخر‪ :‬أَيا َن ْف ِ‬
‫س لل َْم ْعنَى األ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت ِم ْن َت ْر َح ٍة َب ْع َد‬ ‫َتوَقَك ِ‬
‫ضمَّت َج َّد َد ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ت‬ ‫ت إِلًْفا َو َك ْم َك َّد َر ْ‬ ‫فَ َك ْم أَْب َع َد ْ‬
‫ك َف ْر ٌق َبْي َن ُدْنَيا َو َجن َِّة‬ ‫ِ‬
‫تُ‬ ‫ََفولَْرْمَح يَ‬ ‫ْت بِ ُحِّب َها‬ ‫صْفًوا ُش ِغل ُ‬ ‫ت َ‬ ‫صًْفوا ُج ِعلَ ْ‬ ‫َفلَ‬

‫‪91‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫َع ْن َدا ِر َف ْو ٍز َو َجن َِّة‬ ‫َفَيل ُْهو بَِها‬ ‫الدْنَيا بِ َدا ِر أ َِخي ِح َجا‬
‫لَ ُع ْم ُر َك َما ُّ‬
‫ش ِعْن َد‬ ‫ُك ِّل ال َْعْي ِ‬ ‫َع ِن ال َْعْي ِ‬
‫ش‬ ‫ب‬‫َسَنى َع ِن الْ ُق ْر ِ‬ ‫ِ‬
‫َع ِن ال َْم ْوط َن األ ْ‬
‫َحتَّى َتلَْت ِح ْق بِاأل َِحبَِّة‬ ‫كَِحبَّاِ‬ ‫ِ‬ ‫َفَواللَِِّ‬
‫لَا َأل َ ُ‬
‫ش‬ ‫ي‬
‫ْ‬ ‫ْع‬
‫ل‬‫ة‬ ‫اهللقا لَْوال ظُل َْمةُ لَ ْم يَط ْ‬
‫ب‬
‫اللهم اهنج بنا مناهج املفلحني وألبسنا خلع اإلميان واليقني ‪ ،‬وخصنا منك‬
‫املبني ‪ ،‬ووفقنا لق ول احلق وإتباعه وخلص نا من الباطل وابتداعه ‪،‬‬ ‫ب التوفيق‬
‫رغدا وال تش مت‬‫وكن لنا مؤي ًدا وال جتعل لف اجر علينا ي دا واجعل لنا عيشًا ً‬
‫وفهم ا ذكيً ا ص فيًا‬
‫ً‬ ‫نافع ا وعمالً متقبالً ‪،‬‬
‫حاسدا ‪ ،‬وارزقنا علمً ا ً‬
‫ً‬ ‫بنا ع دوًا وال‬
‫وشفا من كل داء ‪ ،‬واغفر لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني برمحتك يا أرحم‬ ‫ً‬
‫الرامحني وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫( فَصْلٌ ) ‪ :‬ومن أخالقهم توص ية بعض هم بعضًا مبا حيبه اهلل ويرض اه من‬
‫رجال فقال له ‪ :‬عليك بتقوى اهلل فإن املتقي‬
‫ً‬ ‫ابن عون‬ ‫األعمال الصاحلة ‪ :‬ودع‬
‫ليست عليه وحشة ‪.‬‬
‫وق ال زيد بن أس لم ‪ :‬ك ان يق ال من اتقى اهلل أحبه الن اس وإن كره وا ‪ .‬وق ال‬
‫الثوري البن أيب ذئب ‪ :‬إن اتقيت اهلل كفاك الناس وإن اتقيت الناس لن يغنوا‬
‫عنك من اهلل شيئًا ‪.‬‬
‫وها‬ ‫عمال بقوله تع اىل يف الص دقات ﴿ َوإِن خُتْ ُف َ‬
‫وها َو ُت ْؤتُ َ‬ ‫وك انت أعم اهلم بعي دة عن الري اء ً‬
‫الْ ُف َق َراء َف ُه َو َخْي ٌر لُّ ُك ْم ﴾ ‪ ،‬وقوله ‪ ( : ‬ورجل تص دق بص دقة فأخفاها حىت ال تعلم مشاله‬
‫ما تنفق ميينه ) ‪ ،‬كان الربيع بن خيثٍم ال يطلع على عمله إال أهل بيته ودخل عليه رجل وهو‬
‫يقرأ يف املصحف فغطاه بكمه ‪.‬‬
‫َعلَى َش ْي ٍء َيُف ُ‬
‫وت‬ ‫ف‬‫ْس ْ‬ ‫فَال تَأ َ‬ ‫س‬ ‫اك ِم ْن َم ْو َ‬
‫الك َخ ْم ٌ‬ ‫ِش ْعًرا‪ :‬إِ َذا َواتَ َ‬
‫وت‬
‫ول َوقُ ُ‬ ‫َم ْد ُخ ٍ‬ ‫ين َغْيَر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َود ٌ‬ ‫اس َت ْقَوى‬
‫المةٌ َولَب ُ‬
‫جى َو َس َ‬ ‫ح ً‬

‫ضا َوطُوال‬
‫س َج َمالهُ َع ْر ً‬ ‫آخر‪ :‬جم ُ ِ‬
‫َولَْي َ‬ ‫ُّهى َكَر ٌم َوَت ْقَوى‬
‫ال أَخي الن َ‬ ‫ََ‬

‫‪92‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وكان ميمون بن مهران يقول ألصحابه قولوا ما أكره يف وجهي فإن‬

‫‪93‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫الرجل ال ينصح أخ اه حىت يق ول له يف وجهه ما يك ره وك ان يق ول يا أهل‬


‫القرآن ال تتخذوا القرآن بضاعة تلتمسون به الربح يف الدنيا اطلبوا الدنيا بالدنيا‬
‫واآلخرة باآلخرة ‪.‬‬
‫وبالتايل فإن االهنماك يف الدنيا قد مشل أصناف اخللق لقلة معرفتهم باهلل تعاىل إذ‬
‫ال حيب اهلل إال من عرفه فكلما ازدادت معرفة العبد بربه ازداد حبه له ‪،‬‬
‫وكلما فكر يف نعم اهلل عليه ق وى حبه لربه ‪ ،‬ألن النف وس جمبولة على حب‬
‫من أحسن إليها ‪.‬‬
‫اج ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وهلذا ق ال اهلل تع اىل ﴿ قُ ْل إن َك ا َن آبَ ا ُؤ ُك ْم َوأ َْبنَ آ ُؤ ُك ْم َوإ ْخ َوانُ ُك ْم َوأ َْز َو ُ‬
‫ب‬‫َح َّ‬ ‫ِ‬ ‫جِت‬ ‫ِ‬
‫ض ْو َن َها أ َ‬
‫وها َو َ َارةٌ خَت ْ َش ْو َن َك َس َاد َها َو َم َس اك ُن َت ْر َ‬ ‫َو َعش َريتُ ُك ْم َوأ َْم َو ٌال ا ْقَتَر ْفتُ ُم َ‬
‫ِِ‬ ‫ِِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ص واْ َحىَّت يَأْيِت َ اللّ هُ بِأ َْم ِر ِه َواللّ هُ الَ‬ ‫إِلَْي ُكم ِّم َن اللّ ه َو َر ُس وله َوج َه اد يِف َس بِيله َفَتَربَّ ُ‬
‫ني ﴾ أي إن كانت رعاية هذه املصاحل الدنيوية عندكم أوىل‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َي ْهدي الْ َق ْو َم الْ َفاس ق َ‬
‫من طاعة اهلل ورسوله ومن اجملاهدة ألعالء كلمة اهلل فانتظروا ماذا حيل بكم من‬
‫عقابه ونكاله ‪.‬‬
‫وهتديد ش نيعٌ للمنهمكني يف‬ ‫ٌ‬ ‫وعيد ش ديدٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وهلذا ق ال حىت ي أيت اهلل ب أمره وه ذا‬
‫طلب الدنيا املؤثرين هلا وألهلهم وقرابتهم وعشريهتم على اهلل ورسوله واجلهاد يف‬
‫س بيله أفال يعترب الل بيب وينظر كم خ رمت أي دي املن ون من ق رون بعد ق رون‬
‫وكم غ ريت األرض ببالئها وكم غيبت يف تراهبا ممن عاش رت من ص نوف‬
‫املخلوقني ‪.‬‬
‫وما أك ثر من أخ ذت ال دنيا بقلبه وقالبه وص ار عبدًا هلا يف ليله وهناره ض اعت‬
‫أوقاته النفيسة يف ال ركض خلفها جيمعها ملن خيلفه عليها وص ار هو باحلقيقة‬
‫حماميا جبازته وكسوته وسكناه فقط وال شكر وال ثناء وال مروءة‬ ‫حارسا خادمًا ً‬ ‫ً‬
‫وصفا مطاب ًقا ألغني اء أهل ه ذا ال زمن تك ون ب ذلك مص دقًا متعجبًا وان‬ ‫ً‬ ‫وتأمله‬
‫موفقا قلت احلمد هلل الذي عافانا مما ابتالهم ‪ ،‬اللهم عافهم‬ ‫كنت ً‬

‫‪94‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وال تبتلينا واستعملت ما عندك فيما يقرب إىل اهلل والدار اآلخرة وسألت اهلل أن يثبتك على‬
‫اإلميان وأن يزيغ قلبك بعد إذ ه داك وأن يهب لك من لدنه رمحة وأن يه يئ لك من أم رك‬
‫رشدا ‪.‬‬
‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِشعرا‪ :‬وال َخير ِفي ُّ ِ‬
‫من اهلل في َدا ِر ال ُْمَق ِام نَص ُ‬
‫يب‬ ‫الدْنَيا ل َم ْن يَ ُك ْن لَهُ‬ ‫َْ‬ ‫ًْ َ‬
‫متا ٌ ِ‬ ‫الدْنَيا ِر َجاالً فَِإَّن َها‬ ‫ِ‬
‫الزَوال قَ ِر ُ‬
‫يب‬ ‫يل َو َّ‬‫ع قَل ٌ‬ ‫ََ‬ ‫ب ُّ‬‫فَِإ ْن ُت ْعج ُ‬
‫ضيع ِمن أَْنَف ِ‬
‫اس ِه َما أَْنَف َقا‬ ‫ِ‬ ‫صي الَْفَتى َما َكا َن ِم ْن َنَفَقاتِِه‬ ‫آخر‪ :‬ي ْح ِ‬
‫َويُ ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫يع ُتَراثِِه إِ ْذ طَلََّقا‬ ‫أَ َخ َذ ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َجم َ‬ ‫َو َكأَنَّ َما ُدْنَيا ابْ ِن َ‬
‫آد َم ع ْر ُسهُ‬
‫اللهم يا حي يا قي وم يا ذا اجلالل واإلك رام ثبت حمبتك يف قلوبنا وقوها وأهلمنا‬
‫يا موالنا ذكرك وشكرك وآمنا من عذابك يوم تبعث عبادك ‪ ،‬وصلى اهلل على‬
‫حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫« موعظة » ‪ :‬عب اد اهلل حنن يف زمن ال نس يء إذا ع ددنا أهله من ض عفاء‬
‫املت دينني ال ذي غلبت عليهم املداهنة ‪ ،‬والتملق ‪ ،‬والك ذب ‪ ،‬راجع ح ال‬
‫السلف املؤمن ح ًقا وانظر حالنا اليوم ‪ ،‬تعجب من الفرق املبني ‪.‬‬
‫ك ان ه ذا املال بأي ديهم بك ثرةٍ ‪ ،‬ومع ذلك ال ي دور عليه احلول ‪ ،‬ألهنم نصب‬
‫ِ ِ‬
‫ت‬ ‫﴿وأَنف ُق وا من َّما َر َز ْقنَ ا ُكم ِّمن َقْب ِل أَن يَأْيِت َ أ َ‬
‫َح َد ُك ُم الْ َم ْو ُ‬ ‫أعينهم قوله تعاىل ‪َ :‬‬
‫َّق وأَ ُكن ِّمن َّ حِلِ‬ ‫َج ٍل قَ ِر ٍ‬ ‫ِ‬
‫ني ﴾ ‪ ،‬وقوله‬ ‫الص ا َ‬ ‫َ‬ ‫َصد َ َ‬‫يب فَأ َّ‬ ‫َخ ْرتَيِن إىَل أ َ‬ ‫ب لَ ْواَل أ َّ‬ ‫ول َر ِّ‬
‫َفَي ُق َ‬
‫َج ُر ُه ْم ِعن َد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين يُنف ُق و َن أ َْم َواهَلُم بِاللَّْي ِل َوالن َ‬
‫َّه ا ِر س ّراً َو َعالَنيَ ةً َفلَ ُه ْم أ ْ‬ ‫تع اىل ‪﴿ :‬الذ َ‬
‫ف َعلَْي ِه ْم َوالَ ُه ْم حَيَْزنُو َن ﴾ ‪.‬‬ ‫َرهِّبِ ْم َوالَ َخ ْو ٌ‬
‫مطمئنني على قوله تعاىل ‪ ﴿ :‬وما أَن َف ْقتم ِّمن شي ٍء َفهو خُيْلِ ُفه وهو خير َّ ِ‬
‫ني ﴾ كانوا إذا‬ ‫الرا ِزق َ‬ ‫َ ْ ُ َ ُ َ ُ َ َُْ‬ ‫ََ ُ‬
‫وصل إليهم املال يصيبهم قلق حىت يتصدقوا به على حد ‪.‬‬
‫ك بِالْمعر ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ت بِِه‬ ‫ِش ْعًرا‪ :‬ألَ ْش ُكَرنَّ َ‬
‫وف َم ْع ُروف‬ ‫إ َّن ْاهت َم َام َ َ ْ ُ‬ ‫ك َم ْع ُروفًا َه َم ْم َ‬
‫وف‬ ‫الر ْز ُق بِالَْق َد ِر ال َْم ْحتُوم َم ْ‬
‫ص ُر ُ‬ ‫فَ َّ‬ ‫ض ِه قَ َد ٌر‬
‫ك إِ ْن لَم يم ِ‬
‫ْ ُْ‬ ‫َوال أَذُُّم َ‬

‫‪95‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ات َو ُّ‬
‫الدلَ ِج‬ ‫الروح ِ‬ ‫ِ‬
‫يَأْتي بِه اهللُ في َّ ْ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ت ِم ْن‬ ‫آخر‪ :‬ال َتْيأَس َّن إِ َذا ما ِ‬
‫ض ْق َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك بَابًا َغْيَر ُم ْرتَتِ ِج‬ ‫فَانْظُْر لَِن ْف ِس َ‬ ‫ك ُم ْرتَتِ ٌج‬ ‫اب َعْن َ‬
‫ضايَ َق بَ ٌ‬ ‫ََفوإَِر ْنٍج تَ َ‬
‫اهلل إِال أَتَ ُاه اهللُ بِالَْفَر ِج‬ ‫بِ ِ‬ ‫ص ٌم‬ ‫الصْب ِر م ْعَت ِ‬
‫ْس َّ ُ‬ ‫ع َكأ َ‬ ‫فَ َما تَ َجَّر َ‬
‫ف ِف َيها َوال َخَر ُق‬ ‫صلَ ٌ‬‫َو َما بَِنا َ‬ ‫ت طَُرْيَفةُ ال َتْبَقى َد َر ِاه ُمَنا‬ ‫آخر‪ :‬قَالَ ْ‬
‫وف تَ ْسَتبِ ُق‬ ‫ت إِلَى طُر ِق الْمعر ِ‬ ‫ظَلَّ ْ‬ ‫ت َي ْو ًما َد َر ِاه ُمَنا‬ ‫ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫ُ‬ ‫لَك ْن إِ َذا ْ‬
‫اجَت َم َع ْ‬
‫لَ ِك ْن يَ ُمُّر َعلَْي َها َو ُهَو ُمْنطَِل ُق‬ ‫وب‬
‫ض ُر ُ‬ ‫ِّر َه ْم ال َْم ْ‬
‫ف الد ْ‬ ‫ال يَأْلَ ُ‬
‫ت طَ ِري ُقهُ‬ ‫إِ ْذ َج َّم آتِ ِيه َو ُس َّد ْ‬ ‫ك أ َْهلَهُ‬ ‫ال ُي ْهِل ُ‬ ‫َن ال َْم َ‬‫صْمَّرَتنَتاَرى أ َّ‬
‫آخر‪ :‬أَلَُ‬
‫ِ‬
‫ت َم َجا ِري ال َْماء َف ُهَو َغ ِري ُقهُ‬ ‫َو ُس َّد ْ‬ ‫اء الْغَ ِز َير َم ِسيلُهُ‬
‫َو َم ْن َج َاو َز ال َْم َ‬
‫وج اء اإلس الم ودار الن دوة بيد حكيم بن ح زام فباعها من معاوية مبائة ألف‬
‫درهم فق ال له عبد اهلل بن الزبري بعت مكرمة ق ريش ‪ ،‬ذهبت املك ارم إال من‬
‫دارا باجلنة أش هدك أين جعلت مثنها يف‬ ‫التق وى يا ابن أخي إين اش رتيت هبا ً‬
‫سبيل اهلل ‪ ،‬تأمل سرية الرجال الذين عرفوا الدنيا حقيقة لعلك تقتدي هبم فرتبح‬
‫الدنيا واآلخرة ‪.‬‬
‫وك انوا إذا ع رض هلم أحد وأب دى هلم احتياجه ي رون غفلتهم عنه من النق ائض والعي وب‬
‫الفاحشات على حد قول الشاعر ‪:‬‬

‫ْم لَ ُه ْم َو ُع ُقو ُق‬ ‫َتَن ُ ِ‬ ‫الء بِالَّ ِذي‬‫وَتر ِكي مواساة األ َِخ ِ‬
‫ال يَدي ظُل ٌ‬ ‫َُ َ‬ ‫َْ‬
‫الص ِد ُ‬ ‫بِ َح ِال اتِّ َس ٍ‬ ‫َسَت ِحيي ِمن ِ‬
‫ضيَّ ُق‬
‫يق ُم َ‬ ‫اع َو َّ‬ ‫اهلل أَ ْن أ َُرى‬ ‫َوإِنِّي أل ْ‬
‫إِلَي ِه وما ُك ُّل األ َِخ ِ‬ ‫اجتِي‬ ‫ِ‬
‫الء َيْنَف ُع‬ ‫ْ ََ‬ ‫ْت َح َ‬ ‫يل أَتَانِي َن ْف ُعهُ َوق َ‬ ‫آخر‪َ :‬خل ٌ‬
‫ِم َن الْ َخْي ِر أَْبَوابًا فَال يَ ْسَت ِط ُيع َها‬ ‫َحَيانًا إِ َذا قَ َّل َمالُهُ‬‫آخر‪َ :‬يَرى ال َْم ْرءُ أ ْ‬
‫ض ُيع َها‬‫صر َعْن َها والْب ِخيل ي ِ‬ ‫َو َما ِإ ْن بِِه بُ ْخ ٌل َولَ ِك َّن َمالَهُ‬
‫َ َ ُ ُ‬ ‫ُيَق ِّ ُ‬
‫أين ه ذا وأين حالنا الي وم وقد خبلنا حبق املال الزك اة وهي حق الفق راء‬
‫واملساكني ‪ .....‬اخل ‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وك انوا إذا ف اتتهم تكب رية اإلح رام مع األم ام رمبا غشي عليهم من أمل ه ذا‬
‫املص اب العظيم وك انوا يع زون من فاتته تكب رية اإلح رام ومن ب اب أوىل وأح رى‬
‫من فاتته اجلماعة أو اجلمعة ‪.‬‬
‫أين ه ذا من ح الب جمتمعنا الي وم ال ذي ت رى الكثري منهم جيايف عليه الب اب‬
‫ويشرب الشاي والدخان أبا اخلبائث والناس يصلون ‪.‬‬
‫وكثري من ال ذين يص لون مع اجلماعة جتدهم حيرص ون على اإلتي ان إذا ظن وا أهنا‬
‫أقيمت الصالة ويقصدون النقارين الذين ال يرتكون يف الصالة وال يطمئنون فيها‬
‫وال يتمكن املأموم من ق راءة الفاحتة اليت ال ص الة ملن مل يق رأ هِبَا وال يتمكن‬
‫من اإلتيان بالتشهد كامالً ‪.‬‬
‫ف إن دل ه ذا على ش يء فإمنا ي دل على أهنم ال يفهم ون الص الة وال املقص ود‬
‫منها ولو فهموها متاما لص ارت ق رة أعينهم وال اس رتاحوا هبا واس تعانوا هبا على‬
‫الدين والدنيا ‪.‬‬
‫وكانوا أي السلف ممن حين إىل بيت اهلل يتمتعون به يف كل عام ‪ ،‬ولذلك تعد‬
‫ألحدهم أربعني حجة ‪ ،‬وأزيد ‪ ،‬أين هذا ممن يسافرون على بالد الكفرة بالد‬
‫احلرية حمكمة الق وانني أع داء اإلس الم وأهله ‪ ،‬ويوال وهنم بل ويدرس ون عليهم‬
‫والنيب ‪ ‬قد تربأ من املقيم بني أظهر املشركني إذا كان يقدر على اخلروج من‬
‫ص ُار َولَ ِكن َت ْع َمى‬
‫بني أظه رهم ولكن نس ال اله العافية ﴿ فَِإن ََّها اَل َت ْع َمى اأْل َبْ َ‬
‫الص ُدو ِر ﴾ ‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫وب الَّيِت يِف‬
‫الْ ُقلُ ُ‬
‫ومع ذلك يبع ثرون الفل وس العظيمة ‪ ،‬اليت سيناقش ون عنها داخلة وخارجة ضد‬
‫ما عليه آب اؤهم من هج ران من ج اء من بالد الكفر غري مه اجرٍ ق ال ‪« : ‬‬
‫أنا ب ريء من مس لم بني أظهر املش ركني » ‪ .‬وق ال ‪ « :‬من ج امع املش ركني‬
‫وس كن معهم فإنه مثلهم » ‪ .‬بلغ يا أخي من يدرس ون على الكف ار والعي اذ باهلل‬
‫‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وكان السلف يشتاقون إىل الصيام ‪ ،‬وبعضهم يصومون ستة أيام من شوال ‪،‬‬
‫وثالثة من كل ش هر ‪ ،‬وي وم االث نني واخلميس ‪ ،‬وبعض هم يص وم كص يام داود‬
‫عليه السالم ‪ ،‬يوم يصوم ويوم يفطر ‪.‬‬
‫أما حنن فيا ليته يسلم لنا رمضان من املفسدات واملنقصات وهيهات ‪ ،‬وكانت‬
‫املساكن ال هتمهم يسكنون فيما تيسر ‪.‬‬
‫عن مالك بن دين ار أنه رجالً يبين دارًا وهو يعطي العم ال األج رة فمد ي ده‬
‫فأعط اه درمهًا فط رح ال درهم يف الطني فتعجب الرجل وق ال ‪ :‬كيف تط رح‬
‫الدرهم يف الطني ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬أعجب مين أنت طرحت كل درامهك يف الطني يعين ضيعتها يف البناء ‪،‬‬
‫ومر علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه بالعال بن زياد فرأى سعة داره فقال له‬
‫ما كنت تصنع بسعة هذه الدار يف الدنيا وأنت إليها يف اآلخرة كنت أحوج ‪.‬‬
‫وكان نوح عليه السالم يف بيت من شعر ألف سنة فقيل له ‪ :‬يا رسول اهلل لو اختذت بيتًا من‬
‫طني ت أوي إليه ق ال ‪ :‬أنا ميت فلم ي زل فيه حىت ف ارق ال دنيا ‪ .‬وقيل ‪ :‬إنه ق ال ‪ :‬بيت‬
‫العنكبوت كثري من ميوت ‪.‬‬
‫اح ْة‬ ‫وب ُه ُم َع ْن ُّ‬ ‫الزه َ ِ‬ ‫ِش ْعًرا‪ :‬أ ََرى ُّ‬
‫الدْنَيا ُمَز َ‬ ‫ُقلُ ُ‬ ‫اح ْة‬
‫َّاد في َر ْو ٍح َو َر َ‬
‫وك األَر ِ ِ‬
‫اح ْة‬
‫يمُت ُه ْم َس َم َ‬
‫ض سَ‬ ‫ُملُ ُ ْ‬ ‫ت َق ْو ًما‬
‫ص ْر َ‬
‫ص ْرُت ُه ْم أَبْ َ‬‫إِ َذا أَبْ َ‬

‫وقال أبو هريرة ‪ :‬بئس بيت الرجل املسلم بيت العروس يذكر الدنيا وينسى اآلخرة ‪ ،‬وكان‬
‫لش قيق البلخي خص يك ون هو ودابته فيه ف إذا غ زا هدمه وغ زا رجع بن اه ‪ .‬بلغ يا أخي أهل‬
‫الفلل والعمائر وقل عن قريب ستسكنون يف مسكن ثالث أذرع فقط ويسد عليكم فيه ‪.‬‬
‫اعاتِي‬ ‫الزم ِ‬
‫ان بِأَْنَف ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِش ْعًرا‪َ :‬تْبنِي ال َْمنَا ِز َل أَ ْع َم ٌار ُم َه َّدَمةٌ‬
‫اس َو َس َ‬ ‫م َن َّ َ‬

‫‪98‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ت يت ِ‬‫ِ‬ ‫الدْنيا َفو ِ‬ ‫آخر‪ :‬أََّما بيوتُ َ ِ‬


‫َّس ُع‬ ‫ت َقْبَر َك َب ْع َد ال َْم ْو َ‬
‫َفلَْي َ‬ ‫اس َعةٌ‬ ‫ك في ُّ َ َ‬ ‫ُُ‬
‫حبداد يوقد ن ًارا ‪ ،‬ص عقوا ورمبا‬
‫ٍ‬ ‫الس لف ك انوا إذا مسعوا املوعظة ‪ ،‬أو م روا‬
‫أياما ‪ ،‬أو أش هرًا متتالي اتٍ ‪ ،‬وقد مسعت بأن اس قتلتهم‬ ‫مكث وا بال وعي ‪ً ،‬‬
‫املواعظ أما حنن فتتلى علينا اآلي ات من كت اب اهلل وال كأهنا م رت قلوبنا من‬
‫االهنماك بالدنيا والغفلة أصبحت ال تؤثر فيها العظات ‪.‬‬
‫ك انوا يتع اونون على األمر ب املعروف والنهي عن املنكر ويلتفت ون كتلة واح دة‬
‫ويأخذون على يد السفيه أما حنن فنثبط ونقول ملن يريد املساعدة ما أنت مبلزم‬
‫اتركهم ‪.‬‬
‫الس لف ك انوا ينص حون أهل املعاصي ‪ ،‬ويهج روهنم ‪ ،‬إذا أص روا على املعاصي واو ك انوا‬
‫ممن هلم منزلة ومكانة يف قل وب كثري من أهل ال دنيا وك انوا ال تأخ ذهم يف اهلل لومة الئم‬
‫ومهمهم عالية وأنفسهم رفيعة ال خيشون إال هلل ال يتملقون وال يداهنون وال خيضعون غال هلل‬
‫‪ ،‬قال بعضهم‬
‫الس ِ‬ ‫ب ِف ْع َل ُّ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل ِفي‬‫اصي ِ‬ ‫بِمع ِ‬ ‫ِش ْعًرا‪ :‬يَا َم ْن َخال‬
‫وء‬ ‫في اللَّْو ِح يُ ْكَت ُ‬ ‫ََ‬
‫تم بِا ِإلثْ ِم ِمْنهُ َغْيًًُُر ُم َكَتتِ ِم‬ ‫بِاولْأَنَْقلََِ‬ ‫اهلل نَ ِ‬
‫اظَر ُة‬ ‫و َعْين ِ‬ ‫بِالَهاظُّلَ ِم َخلَ ْو َ‬
‫ت‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ب‬‫الشْي ِ‬‫اهلل َب ْع َد َّ‬ ‫ِ‬ ‫َف َه ْل أَِمْن َ‬
‫صى َ‬ ‫يَا َم ْن َع َ‬ ‫وبَتهُ‬
‫م َن ال َْمَولَى ُع ُق َ‬ ‫ت‬
‫َوال َْهَرِم‬
‫َو َما لَ ُه ْم ِه َّمةٌ تَ ْس ُموا َوال َو َر ُ‬
‫ع‬ ‫َنَقرا ِعْن َد الْملُ ِ‬
‫وك‬ ‫آخر‪ :‬قَالُوا َنَرى‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫ْج ِاه قَ ْد‬ ‫ِ‬
‫ت َو ُه َم في ال َ‬ ‫َفَل ْم ظَ ِمْئ َ‬ ‫ض ِل َعالَِي ٍة‬
‫ِه َّم ٍة ِفي الَْف ْ‬ ‫ت ُذو‬ ‫َوَسأَنَْم ْوَا‬
‫ض ْع َك َما‬ ‫ت َن ْف ِسي َفَل ْم أَ ْخ َ‬ ‫صُْعنواُ‬ ‫ََوكَرُ‬ ‫وسا َوا ْشَتروا ثَ َمًنا‬ ‫اعوا ُنُف ً‬ ‫ْت بَ ُ‬ ‫َف ُقل ُ‬
‫ض ُع ُيواَها ُن لَِف ْر ِط النَّ ْخَو ِة َّ‬
‫السبُ ُع‬ ‫َوَخقَ ْدَ‬ ‫قَ ْد يُ ْكَر ُم الِْق ْر ُد إِ ْع َجابًا بِ ِخ َّستِ ِه‬
‫هذا الذي كان من سلفنا الكرام حنو أهل املعاصي واملنكرات ‪.‬‬
‫أما حنن فنرتكهم ونقول ذنوهبم على جنوهبم ‪ ،‬ورمبا جالسناهم ‪،‬‬

‫‪99‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وواكلن اهم ‪ ،‬وعظمن اهم ‪ ،‬كما يس مع الكثري يقول ون للمه اجر باملعاصي كش ارب ال دخان ‪،‬‬
‫وحالق اللحية ‪ ،‬ومستعمل آالت اللهو ‪ ،‬يا معلم يا أستاذ يا سيد والواجب هجرة لريتدع فإنا هلل‬
‫وإنا إليه راجعون ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ُام‬‫َوأ َْم ُر اهلل َما مْنهُ ا ْعت َ‬ ‫ص ُام‬ ‫وها انْف َ‬ ‫ش ْعًرا‪ُ :‬عَرى األَ ْع َما ِر َي ْعلُ َ‬
‫ص ُام‬ ‫ِ‬ ‫ثَِوى الن َّْع َما ُن َحْي ُ‬ ‫َسَواءٌ ِفي الثََّرى َمِل ٌ‬
‫ث َثَوى ع َ‬ ‫ك َو َعْب ٌد‬
‫ص ُام‬‫ك الْخ َ‬
‫ك لَيس ي ْقطَع َ ِ‬
‫لََعلَّ َ ْ َ َ ُ‬ ‫اجا‬ ‫ض ِْ‬ ‫ف ال َْع ْر ِ‬ ‫أ َِع َّد لِمو ِق ِ‬
‫احت َج ً‬ ‫َْ‬
‫ْب ال ِْعظَ ُام‬ ‫وال يعظُم ِسوى َّ ِ‬
‫ك فَِإنَّهُ الْ َخط ُ‬ ‫َعلَْي َ‬ ‫التْف ِريط َخط ٌ‬
‫ْب‬ ‫َ َْ ْ َ‬
‫ب ال ُْع َق ُام‬ ‫ْح ْر ُ‬ ‫ك ال َ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫إِ َذا َشَر ْك َ‬ ‫ابِ ْن لِي َه ْل ُتَبا ِر ْز أ َْم ُتَولِّي‬
‫وب أ َْم انْتَِق ُام‬ ‫لذنُ ِ‬‫أَ َغ ْفٌر لِ ُّ‬ ‫ف َوقَ ْد فَ ِج َئ انْتَِق ٌ‬
‫ال‬ ‫َولَ ْم َت ْعَر ْ‬
‫الدْنَيا َمَق ُام‬ ‫اكنِي ُّ‬ ‫َفلَيس لِس ِ‬
‫ْ َ َ‬ ‫السَفار َعلَى ا ْغتَِرا ِر‬ ‫َتَو َّق ِمن ِّ‬
‫َك َما أ َّ‬ ‫ِ‬ ‫وإِ َّن الْمو َ ِ‬
‫ْحَيا َة لَهُ َسَق ُام‬ ‫َن ال َ‬ ‫ت لألَْت َقى شَفاءٌ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫ت َفلَ َها التِّطَ ُام‬ ‫الدْنَيا طَ َم ْ‬ ‫ِم َن ُّ‬ ‫ك ِفي بِ َحا ٍر‬ ‫َحذا ِر َح َذا ِر ِإنَّ َ‬
‫َوِمنَّا ِفي َغَوا ِربَِها اقْتِ َح ُام‬ ‫َوَت ْعلَ ُم أََّن َها ُت ْر ِدي يَِق ًينا‬
‫الز َح ُام‬ ‫َمَوا ِر ُد َها َوإِ ْن َكُثَر ِّ‬ ‫ت‬‫ب أَ ْن أ ََمَّر ْ‬ ‫َوإِ َّن ِم َن ال َْع َجائِ ِ‬
‫ص ْفٌو بِال َك َد ِر‬ ‫يب بِِه‬ ‫ِ‬
‫ور َوال َ‬ ‫َوال ُس ُر ٌ‬ ‫ش يَط ُ‬ ‫الزَما ُن فَال َعْي ٌ‬ ‫آخر‪ُ :‬هَو َّ‬
‫َحال ِم ْن َذنْبِ ِه ظُل ًْما َعلَى الَْق َد ِر‬ ‫أَ‬ ‫ت َجَن َايتُهُ‬ ‫يم ْ‬ ‫ِ‬
‫يَ ْجني الَْفَتى فَِإ َذا ل َ‬
‫ِ‬
‫صا ٌن ِم َن ال ُْع ُم ِر‬ ‫فَِإنَّ َما ُهَو ُن ْق َ‬ ‫َو ُك ُّل َي ْوٍم ِم َن األَيَّ ِام ُي ْع ِجُبَنا‬
‫واهلل أعلم ‪ .‬وصلى اهلل على حممد وعلى آله وسلم ‪.‬‬
‫صٌل ) ‪ :‬ومن الناس من يغلب على قلبه عند املوت حب شهوة من شهوات الدنيا‬
‫( فَ ْ‬
‫فيكون استغراق قلبه صارفًا وجهه إىل الدنيا ‪.‬‬
‫ف إن اتفق قبض ال روح حالة غلبة ال دنيا ف األمر خطري ألن املرء ميوت على ما ع اش‬
‫عليه كما انه يبعث على ما عاش عليه وال ميكن اكتساب صفة أخرى للقلب تضاد‬
‫الصفة اليت غلبت عليه ألن ذلك باألعمال الصاحلات وقد انقطع‬

‫‪100‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫باملوت وال أمل بالرجوع إىل الدنيا ليتدارك ذلك وعند ذلك تعظم احلسرة ‪.‬‬
‫ويشد الن دم وكم غ رت ال دنيا من خملد إليها وص رعت من مكب عليها فلم تنعشه من عثرته ومل‬
‫تنقذه من صرعته ومل تشفه من أمله ومل تربئه من سقمه ‪.‬‬
‫ص ِاد ُر‬ ‫ٍ‬ ‫ِش ْعًرا‪َ :‬بلَى أ َْو َر َدتْهُ َب ْع َد ِعٍّز َو َمْن َع ٍة‬
‫َمَوا ِر َد ُسوء َما لَ ُه َّن َم َ‬
‫ِِ ِ‬
‫َّحا ُذ ُر‬
‫ت ال ُيْنجيه مْنهُ الت َ‬ ‫ُهَو ال َْم ْو ُ‬ ‫َفلَ َّما َرأَى أَ ْن ال نَ َجا َة َوأَنَّهُ‬
‫وب الْ َكَبائُِر‬
‫الذنُ ُ‬ ‫َعلَْي ِه َوأَبْ َكْتهُ ُّ‬ ‫َتَن َّد َم إِ ْذ لَ ْم ُت ْغ ِن َعْنهُ نَ َد َامةٌ‬
‫آخر‪ :‬يف التحذير عن الدنيا ‪:‬‬
‫وس َزَّيَنْت َها ُم ْس ِرفَ ْ‬
‫ات‬ ‫َك َع ُر ٍ‬ ‫أ َُّم َدفْ ٍر ِفي غُُرو ٍر َتْت َجلي‬
‫ات‬
‫الصَف ْ‬‫ف يَ ْس ُمو بِإ ْشَر ِاق ِّ‬ ‫َعا ِر ٌ‬ ‫تَ ْخ َد ِع ال ِْغَّر َو َعْن َها َي ْر َع ِوي‬
‫التْقَوى إِلَى َي ْوِم الَْوفَا ْة‬ ‫َوالَْزِم َّ‬ ‫ت َع ْن ِز َيناتَِها‬ ‫عد َما ِع ْش َ‬ ‫ْابَت ْ‬
‫الدْنَيا َو َما ِه َي َد ُار ُه‬ ‫َوَي ْغَتُّر بِ ُّ‬ ‫ش َو ُهَو ُمبِي ُد ُه‬ ‫يسَّر الَْفَتى بِال َْعْي ِ‬ ‫آخر‪َ :‬‬
‫و ِفي ِعب ِر األَيَّ ِام لِلْمر ِء و ِ‬
‫ره َوا ْعتَِب ُار ُه‬ ‫ص َّح ِف َيها ِف ْك ُ‬ ‫إِ َذا َ‬ ‫ظ‬
‫اع ٌ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ‬
‫ص ُح َش ْي ٍء لَْيلُه َوَن َه ُار ُه‬ ‫فَأَفْ َ‬ ‫بن يَا َغ ِاف ُل َّ‬
‫الد ْه ِر‬ ‫فَال تَ ْح َس ْ‬
‫يك َع ْن َج ْه ِر ال َْمَق ِال ِسَر ُار ُه‬ ‫الزم ِ‬ ‫خا لِمَن ِ‬ ‫أصِ ِ‬
‫َسُي ْغنِ َ‬ ‫ان فَِإنَّهُ‬ ‫اجاة َّ َ‬ ‫َصامًْت ُ َ‬ ‫َ‬
‫ت ِديَ ُار ُه‬ ‫ت َمغَانِ ِيه َوأَقَْو ْ‬ ‫أُبِ َ‬
‫يح ْ‬ ‫ْسا فَ ُكلُّ ُه ْم‬ ‫ين َكأ ً‬
‫ِ‬
‫أ ََد َار َعلَى ال َْماض َ‬
‫اف الَْقَنا َوا ْشتِ َج ُار ُه‬ ‫َتَناوش أَطْر ِ‬
‫ُ ُ َ‬ ‫َولَ ْم يَ ْح ِمهم ِم ْن أَ ْن يُ َسَّق ْوا‬
‫س لَ َّما أَ ْع َجَزتْهُ ال َْمَق ِاد ُر‬ ‫َوأََبلَ َ‬ ‫ومهُ‬
‫َحَزانُهُ َو ُه ُم ُ‬
‫ْس ِهْْ ِ‬
‫تم بِه أ ْ‬ ‫َحاأ ِطَ‬
‫آخر‪ :‬بأِ ََك‬
‫اص ُر‬‫ولَْيس لَهُ ِم َّما يح ِاذر نَ ِ‬ ‫ِج‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َُ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫س لَهُ م ْن ُك ْربَة ال َْم ْوت فَار ٌ‬ ‫َفلَْي َ‬
‫اج ُر‬‫ِّد َها ِمْنهُ اللَّ َها والْحَن ِ‬ ‫ُتَرد ُ‬ ‫سهُ‬ ‫َت َخو َ ِ ِ‬
‫َ َ‬ ‫ف ال َْمنيَّة َن ْف ُ‬ ‫َوقَ ْد َج َشأ ْ ْ‬
‫وهلذا س ببان أح دمها ك ثرة املعاصي واآلخر ض عف اإلميان وذلك أن مقارفة‬
‫املعاصي من غلبة الش هوات ورس وخها يف اللب بك ثرة اإللف والع ادة ‪ ،‬وكل ما‬
‫ألفه اإلنسان يف عمره يعود ذكره إىل قلبه غالبا عند املوت ‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫فعليك باإلكثار من ذكر اهلل ‪ ،‬وتالوة كتابه ‪ ،‬واالستغفار من الذنوب ‪ ،‬وال حول وال قوة‬
‫إال باهلل العلي العظيم القوي العزيز ‪.‬‬
‫الحَيا َة َبَت ْسبِْي ٍح َوَت ْه ْليل‬
‫ضى َ‬ ‫ِأم َ‬ ‫الذ ْك ِر ِم ْن‬ ‫ِش ْعًرا‪ :‬لَْو َي ْعلَ ُم ال َْعْب ُد َما ِفي ِّ‬
‫اد ِة‬ ‫ٍ‬
‫ضى َوقَْتهُ ِفي ال ِْعَب َ‬ ‫َوبِالن ِ‬
‫َّاس أ َْم َ‬ ‫ف األَيَّ َام َم ْع ِر ِفْتي بَِها‬
‫آخر‪َ :‬وََمشَْرنف َعَر َ‬
‫َم َع ال ُْم ْش ِغِلي أ َْوقَاتِِه ْم ِفي ال َْم َّ‬
‫ضرِة‬ ‫ْس ٍة‬ ‫ٍ‬
‫يل َوقَال َو َجل َ‬
‫ِ‬
‫ض َع ْن ق َ‬ ‫َوأَ ْعَر َ‬
‫اء ِة‬
‫ْت ال َْهَنا َوال َْم َس َ‬ ‫َو ُش ْك ٍر لَهُ َوق َ‬ ‫َوأَ ْكَثَر ِم ْن ِذ ْك ِر ا ِإللَِه َو َح ْم ِد ِه‬
‫ف إن ك ان ميله إىل الطاع ات أك ثر ك ان أك ثر ما حيض ره غالبا ذكر اهلل وطاعته‬
‫وإن كان إىل املعاصي أكثر غلب ذكرها على قلبه عند املوت فرمبا تفيض روحه‬
‫عند غلبة معص ية من املعاصي فيتقيد هبا قلبه وي ذهل عن اهلل وحسن الظن به‬
‫الشتغاله مبا تقيد به نسال اهلل العافية ‪.‬‬
‫فال ذي غلبت طاعته على معاص يه بعيد عن ه ذا اخلطر ب إذن اهلل ‪ ،‬وال ذي‬
‫غلبت عليه املعاصي وكان قلبه هبا افرح من الطاعات خيشى عليه وخطره عظيم‬
‫جدا ‪.‬‬
‫ومن أراد الس المة من ذلك فال س بيل له إال اجملاه دة والصرب ط ول العمر يف‬
‫فط ام نفسه عن الش هوات حمافظة على القلب منها ويك ون ط ول عم ره مواظبً ا‬
‫وقاعدا ومض جعًا وماشيًا وان ك ان‬
‫ً‬ ‫قائم ا‬
‫على األعم ال الص احلة مك ثرًا ل ذكر اهلل ً‬
‫وأجرا ‪.‬‬
‫ً‬ ‫وفهما‬
‫ً‬ ‫وتفهم ليستفيد حفظًا‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بتدبر‬ ‫حيفظ القرآن وشيئًا منه فليداوم عليه‬
‫وختلية الفكر عن الشر ع دة وذخ رية حلالة س كرات املوت وش دائده ف إن املرء‬
‫ميوت على ما عاش عليه وحيشر على ما مات عليه ‪.‬‬
‫ويع رف ذلك أي أن ما ألفه ط ول عم ره يع ود ذك ره عند املوت مبث الٍ ‪ ،‬وهو‬
‫أن اإلنسان ال شك انه يري يف منامه من األحوال اليت ألفها طول عمره‬

‫‪102‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫فال ذي قضي عم ره يف طلب العلم ي رى من األح وال املتعلقة ب العلم والعلم اء‬
‫ورؤيته بعض هم وبعض كتب العلم وال ذي قضى عم ره يف النج ارة ي رى من‬
‫األحوال املتعلقة هبا ‪.‬‬
‫والذي قضى عمره يف اخلياطة يرى من األحوال املتعلقة باخلياطة واخلياط والذي‬
‫قضى حياته يف الفالحة يرى األحوال املتعلقة بالفالحة والفالحني ‪.‬‬
‫وال ذي قضى عم ره يف الفس اد والفج ور ي رى يف منامه األح وال املتعلقة ب الفجور‬
‫ويرى الفسقة مثله وأعماهلم من لواط أو زنا أو سرقة أو مسكر أو دخان أو‬
‫حنو ذلك من احملرمات وقس على ذلك باقي األعمال ‪.‬‬
‫ووجه ذلك انه إمنا يظهر يف حالة الن وم ما حصل له مناسبة مع القلب بط ول‬
‫اإللف أو بس بب آخر من األس باب واهلل اعلم واملوت ش بيه ب النوم ولكنه فوقه‬
‫ولكن سكرات الم وت وما يتقدمه من الغشية قريب من النوم فرمبا اقتضى ذلك‬
‫ت ذكر مألوفة وع وده إىل القلب وأحد األس باب املرجحة ل ذلك أي ذك ره يف‬
‫القلب طول األلف لذلك ‪.‬‬
‫إذا فهمت ذلك فاح ذر كل احلذر أن تك ون ممن قتل وا أوق اهتم يف مقابلة‬
‫التلفزي ون والس ينما واملذياع والبكم ات والص ور وحنو املنك رات احملرم ات واح ذر‬
‫تعاطيها بيعا أو ش راء فتخسر وقتك ومالك ‪ ،‬ونس أل اهلل الس المة منها ومن‬
‫مجيع احملرمات ‪.‬‬
‫ول ذا نقل عن بق ال أنه ك ان يلقن عند املوت كلميت الشهادة فيق ول مخسة ستة‬
‫أربعة فك ان مش غوال باحلس اب ال ذي ط ال إلفه له فغلب على لس انه ومل يوفق‬
‫للش هادتني وخيشى على ص احب املعاصي واملنك رات ومتخ ذي آالت اللهو من‬
‫ٍ‬
‫وكرة‬ ‫شطرنج وأعواد وأوراق لعب وبكماتٍ واصطواناتٍ‬

‫‪103‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وم ذياعٍ وتلفزي ون وس ينما وص ورٍ وحنو ذلك أن يك ون مش غوالً هبا يف آخر‬
‫حلظة من حياته فيك ون خت ام ص حيفة ما نطق به لس انه مما ي أيت فيها من أغ اين‬
‫ومتثيليات وصور وفديو وحنوه من املنكرات واحملرمات نعوذ باهلل من سوء اخلامتة‬ ‫ٍ‬
‫‪.‬‬
‫اللهم وفقنا لالس تعداد ملا أمامنا ‪ ،‬اللهم وقي أمياننا بك ومبالئكتك وبكتبك وبرس لك والي وم‬
‫اآلخر وبالقدر خريه وشره ‪ ،‬اللهم نور قلوبنا واشرح صدورنا ووفقنا ملا حتبه وترضاه وأهلمنا‬
‫ذك رك وش كرك وأع ذنا من ع دوك واغفر لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني برمحتك يا أرحم‬
‫الرامحني وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫اجينِي بِإ ْسَفا ِر‬ ‫الشْيب صْبح يَن ِ‬
‫َّ ُ ُ ٌ ُ‬ ‫ْج ْه ِل‬
‫الم ال َ‬ ‫ِش ْعرا‪ :‬قَ ْد آ َن َب ْع َد ظَ ِ‬
‫ً‬
‫ص َارى ال ُْم ْدلِ َج‬ ‫الصَباح قُ َ‬ ‫إِ َّن َّ‬ ‫اس ِر ُمْبَت ِد ًرا‬ ‫ص ٌير فَ ْ‬ ‫اب قَ ِ‬
‫الشَب ِ‬‫صا ِريَّ‬‫لإَِبْي ُلَ‬
‫السيا ِر بَِنياها َعلَى جر ٍ‬ ‫الدْنَيا َو ُز ْخ ُر ِف َها‬
‫ف لَ َها َها ِري‬ ‫ُْ‬ ‫أَبْنِ َّ َ‬ ‫َك ْم ا ْغتَِرا ِري بِ ُّ‬
‫َت َعلَّ َم الْغَ ْد َر ِمْن َها ُك ُّل غَ َّدا ِر‬ ‫اء لَهُ‬ ‫ٍ‬
‫َو َو ْعد ُزو ٍر َو َع ْهد ال َوفَ َ‬
‫ِ‬
‫يك ِم ْن َدا ِر‬ ‫ت َهاتِ َ‬ ‫َت ْفَنى أَال ُقبِّ َح ْ‬ ‫َد ٌار َمآثِ ُم َها َتْبَقى َولَ َّذُت َها‬
‫لَ ْم َت ْعَتِل ْق ِم ْن َخطَايَ َاها بِأ َْو َزا ِر‬ ‫ت‬‫صِفَرت ِم َّما َك َسْب َ‬ ‫ت إِ ْذ َ‬ ‫َفلَْي َ‬
‫الس ِعي َد الَّ ِذي َيْن ُجو ِم َن النَّا ِر‬ ‫إِ َّن َّ‬ ‫الس ِعي ُد الَّ ِذي ُدْنَي ُاه تُ ْس ِع ُد ُه‬ ‫ي َّ‬ ‫س‬ ‫ليَْيِد‬
‫َ‬
‫واهلل أعلم ‪ .‬وصلى اهلل على حممد وآله وسلم ‪.‬‬
‫« موعظة » ‪ :‬عباد اهلل كلن سلفنا يزور بعضهم بعضًا للمذاكرة للعلم وتذكر‬
‫امللم ات واملهم ات يتس اءلون عن ما خفي عليهم معن اه من كالم اهلل وكالم‬
‫رس وله ‪ ، ‬وعن أورادهم ومق دارها يف الص الة والص يام واألذك ار والص دقات‬
‫وعن الكتب النافعة ليقتنوها والكتب الضارة ليجتنبوها ‪.‬‬
‫هذا مدار جمالسهم ال خيطؤنه وال يدور هلم غريه على بال أين هذا من‬

‫‪104‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫جمالس نا وهي م وارد غضب ومقت وغيبة ومنيمة وهبت ومداهنةٍ ومص انعةٍ وق ذف‬
‫وتس اؤلٍ كم م رتب فالن ‪ ،‬ويف إي مرتبة زيد ‪ ،‬وكم فلة وعم ارة لعمر ‪،‬‬
‫وكم دكان لبكرٍ وبكم باع فالن بيته ‪ ،‬وما الذي أذيع يف املالهي ‪ ،‬وانكباب‬
‫على اجملالت واجلرائد محالت الك ذب قتالت األوق ات يف اللهو وما ال فائ دة فيه‬
‫وأين قضيت العطلة يف لبنان أو يف أوربا أو يف مصر ‪.‬‬
‫ك انت أس فار الس لف للق اء أحب ار األمة أوعية العلم مهما ك انوا بعي دين يتلق ون‬
‫عنهم علم الكتاب والسنة ويتفقهون عليهم يف الدين أليس من املؤسف أن يكون‬
‫أولئك الناس سلفنا وبيننا وبينهم هذا االنفصال ‪.‬‬
‫ك ان حب بعض هم لبعضٍ وت واددهم وت رامحهم ف وق ما يتص ور ك ان مير املار يف‬
‫بيوهتم فال يسمع إال دوي أصواهتم بذكر اهلل وتالوة كتابه ‪.‬‬
‫واآلن ما تسمع من بيوتنا إال ما حيرض على الفسق والفجور والعصيان والنشوز‬
‫واملخاص مات والطالق والتف رق والقطيعة والعق وق من أغ انٍ وأحلانٍ من م ذياعٍ‬
‫وتلفزي ون وف ديو وحنوه من آالت اللهو اليت عمت وطمت وابتلى هبا اخللق‬
‫وحطمت األديان واألخالق وقضت على الغرية الدينية ‪.‬‬
‫تنبيه ‪ :‬أنتبه يا من زين له سوء عمله فأتى بكفار خدامني أو سائقني أو مربني‬
‫أو خياطني أو طباخني وأمنهم على أهله وأوالده وحمارمه أما تعلم أهنم أعداء هلل‬
‫ورس وله واملؤم نني ح ذر يا أخي عن بثهم بني املس لمني وقل له عملك ه ذا‬
‫والعي اذ باهلل ذنب عظيم نشر للفس اد بني املس لمني وجناية عظيمة على من هم‬
‫أمانة عندك ومصادمة لقول النيب ‪ « ‬من جامع املشرك وسكن معه فهو مثله‬
‫» ‪ ،‬ه ذا ما نق در عليه من النصح وانك ار املنكر ‪ ،‬نس أل اهلل العص مة وس تظهر‬
‫مثرة خمالطة األج انب واس تخدامهم بعد مثان أو عشر س نوات ‪ ،‬اهلل اعلم فيما‬
‫أظن وسيندم املستخدمون وحنوهم ندامة عظيمة عندما يتخلق أوالدهم وأهليهم‬

‫‪105‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫بأخالق الكف رة والفسقة ويشبون عليها ي ألفونهم ولغتهم ‪ .‬ولكن ال ينفع الن دم‬
‫حينما يفوت اآلوان ويتذكرون نصح الناصح وإمهاهلم له ‪.‬‬
‫اللهم أنظمنا يف سلك الفائزين برضوانك ‪ ،‬واجعلنا من املتقني الذين أعددت هلم‬
‫فس يح جنابك ‪ ،‬وأدخلنا برمحتك يف دار أمانك ‪ ،‬وعافنا يا موالنا يف ال دنيا‬
‫واآلخ رة من مجيع الباليا ‪ ،‬وأج زل لنا من م واهب فض لك وهباتك ومتعنا‬
‫ب النظر إىل وجهك الك رمي مع ال ذين أنعمت عليهم من النب يني والص ديقني‬
‫والشهداء والصاحلني ‪ ،‬واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني األحياء منهم وامليتني‬
‫برمحتك يا ارحم الرامحني وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫قال ابن القيم رمحه اهلل ‪:‬‬
‫ان واألَ ْكو ِ‬
‫ان‬ ‫ِ‬
‫الصةُ ا ِإلنْ َس َ َ‬ ‫ـث ُخ َ‬
‫ِ‬ ‫ان ِم ْن أ َْه ِل‬ ‫والِي أَولي ال ِْعرفَ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ـ َذا الدِّي ِن ِم ْن ِذي بِ ْد َع ٍة َشْيطَانِ‬ ‫ْحٌمِديـأَقَ َام ُه ُموا ا ِإللَِه لِ ِح ْف ِظ َهـ‬ ‫اَقل ْوَ‬
‫النْقص ِ‬
‫ان‬ ‫التْت ِم ِيم َو ُّ َ‬ ‫يف َو َ‬ ‫ـح ِر ِ‬
‫ْ‬ ‫َوأَقَ َام ُه ْم َحَر ًسا ِم َن التَّْب ِد ِيل َوالتَّـ‬
‫اكر الُْفرقَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‬ ‫يَأْ ِوي إِلَْيه َع َس ُ ْ‬ ‫ص ٌن لَهُ‬ ‫الم بَ ْل ح ْ‬ ‫َيَز ٌك َعلَى ا ِإل ْس ِ‬
‫يث جَن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‬ ‫لَ ُه ُموا فَ ِزنْدي ٌق َخبِ ُ َ‬ ‫صا‬ ‫ْمحك فَ َم ْن َيَرى ُمْنَتق ً‬ ‫َف ُه ْم ال ُّ‬
‫ك لِ ِإليم ِ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫ب ِمْن َ‬ ‫أ َْولَى َوأَقَْر ُ‬ ‫اهلل ثُ َّم َر ُسولِِه‬
‫َقو ٌم ُهموا بِ ِ‬
‫ْ ُ‬
‫َج ِل ُزبالَِة األَ ْذ َه ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‬ ‫َحًّقا أل ْ َ‬ ‫وصهُ‬
‫ص َ‬ ‫ين نُ ُ‬‫َشتَّا َن َبْي َن التَّا ِرك َ‬
‫ب ِمن ال َْه َذي ِ‬
‫ان‬ ‫آر َاء ِم ْن‬ ‫والتَّا ِر ِكين أل ِ‬
‫َ‬ ‫ض ْر ٌ ْ‬ ‫آر ُاؤ ُه ْم َ‬
‫َ‬ ‫َجل َها َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫ت ر ْؤس ُهموا َعن الْ ُقر ِ‬
‫آن‬ ‫ْ ْ‬ ‫َث ُقلَ ْ ُ ُ ُ‬ ‫الشْيطَا ُن ِفي آ َذانِِه ْم‬ ‫لَ َّما فَ َسا َّ‬
‫الصْبي ِ‬
‫ان‬ ‫ب ِّ َ‬ ‫الع َ‬
‫العبُو َن تَ ُ‬‫َيَت َ‬ ‫َصَب ُحوا‬ ‫اك نَ ُاموا َعْنهُ َحتَّى أ ْ‬ ‫فَِل َذ َ‬
‫ض طَْيب ِة مطْلَ ِع ا ِإليم ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫م ْن أ َْر ِ َ َ‬ ‫صلُوا ال ُْعال‬ ‫ب قَ ْد َو َ‬ ‫الر ْك ُ‬ ‫َو َّ‬
‫ض م َّك َة مطْلَ ِع الْ ُقر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضاتَِها َوَتَي َّم ُموا‬ ‫َوأَتتَيَّْوماُم إِوالَى َر ْو َ‬
‫آن‬ ‫ْ‬ ‫م ْن أ َْر ِ َ َ‬
‫طَاروا لَهُ بِالْجم ِع والْ ِو ْج َد ِ‬
‫ان‬ ‫َّص بَ َدا‬ ‫َقو ٌم إِ َذا ما نَ ِ‬
‫اج ُذ الن ِّ‬
‫َْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬

‫‪106‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫صاحوا بِِه طًُّرا بِ ُك ِّل م َك ِ‬


‫ان‬ ‫َوإِ َذا ُه ُموا َس ِم ُعوا بِ ُمْبَت ِد ٍع َه َذى‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ْحرم ِ‬ ‫النْق ِ ِ‬ ‫اهلل لَ ِك ْن َغْي ُر ُه ْم‬ ‫ول ِ‬
‫ان‬ ‫صان َوال ْ َ‬ ‫اح بِ ُّ َ‬ ‫قَ ْد َر َ‬ ‫َو ِرثُوا َر ُس َ‬
‫يرفَع بِِه رْأسا ِمن الْ ُخسر ِ‬ ‫اسَت َها َن ِسَو ُاه ُم بِالن ِّ‬
‫ان‬ ‫َْ‬ ‫َ ً ْ‬ ‫َْ ْ‬ ‫َّص لَ ْم‬ ‫َوإِ َذا ْ‬
‫ِف ِيه ولَْيس لَ َديْ ِهم بِم َه ِ‬
‫ان‬ ‫اج ِذ َر ْغَب ًة‬ ‫َعضُّوا َعَلْي ِه بِالنَّو ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ص ًدا لَِتر ِك فُ ِ‬
‫الن‬ ‫َوتِالو ًة قَ ْ‬ ‫اب َحِقي َق ًة‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫سوا َك َم ْن َنَب َذ الْكَت َ‬ ‫لَْي ُ‬
‫ان‬ ‫يع َخِلي َف ِة ُّ‬
‫الس ْلطَ ِ‬ ‫َكأَبِي َّ‬
‫الربِ ِ‬ ‫وه ِفي ال َْم ْعَنى َو َولَّْوا َغْيَر ُه‬ ‫َعَزلُ ُ‬
‫رقَموا اسمهُ ِفي ظَ ِاه ِر األَثْم ِ‬
‫ان‬ ‫وه َف ْو َق َمَنابِ ٍر َوبِ ِس َّك ٍة‬ ‫ذَ َك ُر ُ‬
‫َ‬ ‫َ ُ َْ‬
‫ت بِ َذا مثَ ِ‬
‫الن‬ ‫َ‬ ‫ضَربْ َ‬ ‫َولِ ُم ْهَت ٍد ُ‬ ‫اع لِغَْي ِر ِه‬ ‫َواأل َْم ُر َوالن َّْه ُّي ال َْمطَ ُ‬
‫آن واآلثَار والْبر َه ِ‬
‫ان‬ ‫ِ‬ ‫ال بِالْـ‬ ‫ول أَيَ ْسَت ِوي َم ْن قَ َ‬ ‫يَا لِل ُْع ُق ِ‬
‫ـ ُق ْر َ ُ َ ُ ْ‬
‫ف يسَت ِوي ِ‬
‫ان‬ ‫اهللُ أَ ْكَب ُر َكْي َ َ ْ َ‬ ‫ف َه َذا َو ِفطَْر َة َربِِّه‬ ‫َو ُم َخالِ ٌ‬
‫ضمونَِها والْع ْقل م ْقب ِ‬
‫والن‬ ‫َ َ ُ َُ‬ ‫َم ْ ُ‬ ‫اهلل الَّتِي فُ ِط ُروا َعَلى‬ ‫بل ِفطْر ُة ِ‬
‫َْ َ‬
‫َت ْلَقى الْع َداو َة ما ُهما ِسلْم ِ‬
‫ان‬ ‫ص ِّدقًا لَ ُه َما فَال‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫اء ُم َ‬ ‫َوالَْو ْح ُي َج َ‬
‫والْع ْقل حتَّى لَْيس يلَْتِقي ِ‬
‫ان‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫ص لَْف ٍظ َوا ِر ٍد‬ ‫ض نَ ُّ‬ ‫فَِإ َذا َت َع َار َ‬
‫ْأي ص ِحيحا و ُهو ُذو بط ِ‬
‫ْالن‬ ‫الر‬
‫اس ٌد َويَظُنَّهُ َّ‬ ‫فَالْع ْقل إَِّما فَ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ َ ً َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ما قَالَهُ الْم ْعصوم بِالْبر َه ِ‬
‫ان‬ ‫ت‬ ‫َّص لَْيس بِثَابِ ٍ‬ ‫أ َْو أ َّ‬
‫َ ُ ُ ُْ‬ ‫َ‬ ‫اك الن ُّ َ‬ ‫َن َذ َ‬
‫ضا فَسل َعْن َها َعِليم َزم ِ‬
‫ان‬ ‫َ َ‬ ‫َب ْع ً َ ْ‬ ‫ض َها‬
‫ض َب ْع ُ‬ ‫ت ُي َعا ِر ُ‬ ‫وصهُ لَْي َس ْ‬‫ص ُ‬ ‫َونُ ُ‬
‫ِمن آفَِة األَ ْف َه ِام واألَ ْذ َه ِ‬
‫ان‬ ‫ضا ِف َيها فَ َذا‬ ‫ت َت َع ُار ً‬ ‫َوإِ َذا ظََنْن َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫وث بِالْ ُقر ِ‬ ‫ض لَْيس بِثَابِ ٍ‬
‫آن‬ ‫َما قَالَهُ ال َْمْب ُع ُ ْ‬ ‫ت‬ ‫أ َْو أَ ْن يَ ُكو َن الَْب ْع ُ َ‬
‫اللهم أهلمنا ذك رك وش كرك وارزقنا حبك وحب من ينفعنا حبه عن دك ‪ ،‬اللهم‬
‫وما رزقتنا مما حنب فاجعله ق وة لنا فيما حتب ‪ ،‬اللهم وما زويت عنا مما حنب‬
‫فاجعله فراغًا لنا فيما حتب واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني ‪.‬‬
‫اللهم اقبل توبتنا واغسل حوبتنا واجب دعوتنا وثبت حجتنا واهد قلوبنا‬

‫‪107‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وس دد ألس نتنا واس لل س خيمة قلوبنا واجعلنا ه داة مهت دين واغفر لنا ولوال دينا‬
‫وجلميع املسلمني األحياء منهم وامليتني برمحتك يا أرحم الرامحني وصلى اهلل على‬
‫حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫الح يف األرض هلذا أمر اهلل عز وجل‬ ‫اد اهلل طاعة اهلل ص‬ ‫( موعظة ) ‪ :‬عب‬
‫بالطاعات وهذه الطاعات ترضيه سبحانه وتعاىل ألنه شكور غفور وهذه الطاعات‬
‫هي الس بب ال ذي به يك ون يسر العب اد فيكون ون يف حي اهتم ه ذه يف س عادات‬
‫وهي اليت إذا بعث وا أدخلهم هبا اهلل اجلن ات ‪ ،‬فالن اس إذا لزم وا طاعة اهلل ن الوا‬
‫اخلري والسعادة بعد املمات وخري ما تزوده املرء تقوى اهلل ‪.‬‬
‫عن أيب ذر الغف اري ومع اذ بن جبل رضي اهلل عنهما عم رس ول اهلل ‪ ‬ق ال ‪:‬‬
‫« اتق اهلل حيثما كنت واتبع الس يئة احلس نة متحها وخ الق الن اس خبلق حسن »‬
‫رواه الرتمذي ‪.‬‬
‫ه ذا ح ديث عظيم خ اطب فيه رس ول اهلل ‪ ‬الص حايب اجلليل أبا ذر أحد‬
‫الس ابقني يف اإلس الم وتلبية دع وة النيب ‪ ‬لما اس لم والنيب ‪ ‬مبكة ورأى من‬
‫حرصه على املقام معه وعلم أنه ال يقدر على ذلك قال له هذه املقالة ‪.‬‬
‫واش تملت ه ذه املقالة على أم ور ثالثة مجع فيها رس ول اهلل ‪ ‬بني حق اهلل‬
‫وحق وق العب اد فحق اهلل على عب اده أن يتق وه حق تقاته والتق وى كلمة جامعة‬
‫للفضائل والكماالت مانعة من النقائض والرذاالت وبعبارة أخرى هي امتثال األمر‬
‫واجتناب النهى والوقوف عند احلد الشرعي الذي حده اهلل ورسوله ‪.‬‬
‫وه ذه الوص ية هي وص ية اهلل لألولني واآلخ رين ووص ية كل رس ول لقومه أن‬
‫يقول وا اعب دوا اهلل واتق وه وجيب أن تعلم وأن التق وى يف ال دارين ب اب واسع‬
‫للمتقي املالزم لألدب ينفذ منه أن نزلت بالناس شدائد أو نزل شدة ال مفر‬

‫‪108‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫منها وإن شئت فاقرأ قوله تعاىل ‪َ ﴿ :‬و َمن َيت َِّق اللَّهَ جَيْ َعل لَّهُ خَمَْرج اً َو َي ْر ُزقْ هُ ِم ْن‬
‫ب ﴾ ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ث اَل حَيْتَس ُ‬
‫َحْي ُ‬
‫إن ربنا ال ذي بي ده أزمة األم ور ‪ :‬بي ده األمر كله يف ال دنيا واآلخ رة هو ال ذي يق ول ذلك ال‬
‫بكر والتقوى مجال للمرء ال مياثله مجال يف نظر األفاضل املتقني‬ ‫خالد وال ٌ‬
‫زيد وال عمرو وال ٌ‬
‫ولقد أحسن من قال ‪:‬‬
‫يب‬ ‫ِ‬ ‫إِ َّن التَِّق َّي ُهَو اْلَب ِه ُّي‬ ‫ك َت ْقوى ِ‬
‫هلل فَالْ ِز ْم َها َتُف ْز‬
‫األَه ُ‬ ‫َف َعلَْي َ َ‬
‫ب‬
‫ُمَقَّر ُ‬ ‫يع لَهُ لَ َديِْه‬ ‫ِ‬
‫إِ َّن ال ُْمط َ‬ ‫ضا‬
‫الر َ‬ ‫اعتِ ِه َتَن ْل ِمْنهُ ِّ‬‫َوا ْع َم ْل بِطَ َ‬
‫الس ِر ُر‬
‫اج َو ُّ‬
‫ِّيب ِ‬
‫ش الد َ‬ ‫َي ْه ِوي َعلَى ُف ُر ِ‬ ‫ت بِِه قَ َد ٌم‬ ‫آخر‪ :‬إِ َّن التَِّق َّي إِ َذا َزلَّ ْ‬
‫َويَأْبَى اهللُ إِال َما أ ََر َادا‬ ‫يُِري ُد ال َْم ْرءُ أَ ْن ُي ْعطَى ُمَن ُاه‬ ‫آخر‪:‬‬
‫ادا‬
‫اسَتَف َ‬
‫ْ‬ ‫وَت ْقوى ِ‬
‫اهلل أَ ْعظَ ُم َما‬ ‫َ َ‬ ‫ول ال َْم ْرءُ فَائِ َدتِي َو َمالِي‬‫َي ُق ُ‬
‫لَِقْت ِل‬ ‫يل ِ‬
‫اهلل‬ ‫اد ِفي َسبِ ِ‬ ‫ْج َه ُ‬‫وال ِ‬
‫َ‬ ‫ض‬ ‫ات ِف ْع ُل الَْفَرائِ ْ‬ ‫أَطْيب الطَّيِّب ِ‬
‫َ‬ ‫َُ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫اد‬ ‫َع ْعِاد ِف‬
‫ي َيها أُ َخ َّي ِفي ال َْم َع َ‬ ‫اَتْنَتألِفَ‬ ‫يح ًة‬ ‫ول ي ْه ِدي إِلَْي َ ِ‬
‫ك نَص َ‬ ‫َو َر ُس ٌ ُ‬
‫ت َه َدا َكا‬ ‫إِ َّن ا ِإللَه إِ َذا أ ِ‬
‫َط ْع َ‬ ‫َط ِع ا ِإللَ َه َوال تُ ِط ْع لِ َهَوا َكا‬ ‫أِ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫َ‬
‫سبل َّ ِ‬ ‫َوا ْعلَ ْم بِأَنَّ َ‬
‫ت اهلل‬‫صْي َ‬‫الر َشاد إِ َذا َع َ‬ ‫ُ‬ ‫ود َولَ ْن َتَرى‬ ‫س ُ‬‫ك ال تَ ُ‬
‫اح لِ ِّ‬
‫لذ ْك ِر‬ ‫تَ ُح ُّن إِلَى َّ‬
‫التْقَوى َوَت ْرتَ ُ‬ ‫ش إِال َم ْع ِر َج ٍال ُقلُ ُ‬
‫وب ُهم‬ ‫َوال َعْي َ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫وقوله ‪ ‬أليب ذر اتق اهلل حيثما كنت أي بأي زمان وجدت وأي مكان أقمت‬
‫ف إن التق وى ال تتقيد بزم ان وال مك ان وإمنا هي عب ادة وإخالص لل رمحن وكف‬
‫عن حمارمه ومكافحة هلوى النفس والشيطان ‪.‬‬
‫وموض عها القلب من كل إنس ان على حد قوله ‪ « : ‬التق وى هاهنا ويشري إىل‬
‫صدره » وتظهر آثارها على اجلوارح بعمل الطاعات واالنكفاف عن احملرمات ‪.‬‬
‫وقال ‪ « ‬أن اهلل ال ينظر إىل أجسادكم وال إىل صوركم ولكن ينظر‬

‫‪109‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫إىل قل وبكم » ‪ ،‬فعلى اإلنس ان أن يب ذل ج ده واجته اده يف حتسني موضع نظر‬


‫اهلل منه ليك ون نقيً ا ط اهرًا خاليً ا من الغش واحلسد واحلقد والظن ون الس يئة‬
‫باملسلمني خاليا من مجيع األمراض النفسية واخللقية فلعل اهلل ينظر له نظرة قبولٍ‬
‫وإحسان وامتنانٍ ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وعطف‬ ‫ٍ‬
‫ورمحة‬
‫يا أبا ذر أمرتك بالتقوى املشتملة على امتثال أمر اهلل واالبتعاد عن حمارمه ‪.‬‬
‫وكتب عمر رضي اهلل عنه إىل أمري جيشه س عد ابن أيب وق اص حيضه فيه على‬
‫تق وى اهلل وحيذره املعاصي فق ال وبعد ف إين آم رك ومن معك من األجن اد بتق وى‬
‫اهلل على كل ح ال ف ان تق وى اهلل أفضل الع دة على الع دو وأق وى املكي دة يف‬
‫احرتاس ا من املعاصي منكم من‬‫ً‬ ‫احلرب وآم رك ومن معك أن تكون وا أشد‬
‫عدوكم فان ذنوب اجليش أخوف عليهم من عدوهم وإمنا ينصر املسلمون مبعصية‬
‫عدوهم هلل ‪.‬‬
‫ولوال ذاك مل تكن لنا هبم قوة ألن عددنا ليس كعادهتم وال عدتنا كعدهتم فإن‬
‫اس توينا يف املعص ية ك ان هلم الفضل علينا يف الق وة وإال ننصر عليهم بفض لنا مل‬
‫نغلبهم بقوتنا ف اعلموا أن عليكم يف س ريكم حفظة من اهلل يعلم ون ما تفعل ون‬
‫فاستحيوا منهم وال تعلموا مبعاصي اهلل وأنتم يف سبيل اهلل ‪.‬‬
‫وال تقولوا أن عدونا شر من ا فلن يسلط علينا فرب قوم سلط عليهم شر منهم‬
‫كما س لط على بين إس رائيل ملا عمل وا باملعاصي كف ار اجملوس فجاس وا خالل‬
‫الديار وكان وعد اهلل مفعوالً ‪. . .‬واسألوا اهلل العون على أنفسكم كما تسألونه‬
‫النصر على عدوكم أسأل اهلل تعاىل ذلك يل ولكم ‪. . .‬أ هـ ‪.‬‬
‫فتأمل ما كتبه أمري املؤم نني إىل قائد جيشه ي أمر ب التقوى وحيذره من املعاصي‬
‫بأشد املواقف وأحرجها عند مقابلة املسلمني جليش العدو من‬

‫‪110‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫الكفرة املعاندين لعلمه أن تقوى اهلل أفضل العدة والذخرية وأقوى عاملٍ لنصرة‬
‫املسلمني على أعدائهم والغلبة عليهم والظفر هبم ‪.‬‬
‫فتمسك املس لمون بوص ية عمر وك انوا كما وصف رجل من ال روم املس لمني‬
‫دقاق يركبون خيوالً عتاقًا أما‬
‫ٍ‬ ‫رجال‬
‫ٍ‬ ‫لرجل من الروم أمري فقال جئتك من عند‬
‫الليل فرهب ان وأما النه ار ففرس ان لو ح دثت جليسك ح ديثًا ما فهمه عنك ملا‬
‫عال من أصوهلم بالقرآن والذكر فالتفت إىل أصحابة وقال أتاكم منهم ماال طاقة‬
‫لكم به ‪.‬‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬
‫جل‬ ‫ف بِ َم َعالِي َو ْ ِ ِ‬ ‫لَم يت ِ‬ ‫ال لِ َم ْن‬
‫ال َوغَْب ٌن أَ ْن ُيَق َ‬
‫صفه ْم َر ُ‬ ‫َّص ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫الر َج ُ‬
‫ُه ُم ِّ‬

‫وقوله ‪ « : ‬وأتبع الس يئة احلس نة متحها » ملا ك ان العبد البد أن حيصل منه‬
‫تقصري يف التق وى ولوازمها أم ره ‪ ‬مبا ي دفع ذلك وميح وه فكأنه عليه الص الة‬
‫والسالم قال ‪:‬‬
‫وحيث أن املرء ال ي أمن على نفسه من الزلل واخلطأ ‪ ،‬ف إذا ما وقعت منك‬
‫زلة أو خطيئة فاتبعها باحلس نة فهي ماحية هلا خملصة لك من ش رها وأمثها نظري‬
‫ات ﴾ومن أساء إليك فقابله باإلحسان‬ ‫السـيِّئ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫قوله تعاىل ‪َّ ﴿ :‬‬
‫ِن احْلَ َس نَات يُ ْذهنْب َ َّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َح َس ُن فَ ِإ َذا الَّذي َبْينَ َ‬
‫ك َو َبْينَ هُ َع َد َاوةٌ‬ ‫على حد قوله تع اىل ‪ْ ﴿ :‬ادفَ ْع بِالَّيِت ه َي أ ْ‬
‫ِ‬
‫يم ﴾ ‪.‬‬ ‫َكأَنَّهُ َويِل ٌّ مَح ٌ‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬
‫َوا ْدفَ ْع َع ُد َّو َك بِالَّتِي فَِإ َذا الَّ ِذي‬
‫ْت‬
‫ص َدق َ‬ ‫ص ِدي َق َ‬
‫ك إِ ْن َ‬ ‫َص َد ُق َ‬
‫أْ‬
‫أكَ ًة رم أخالق املرء وأجل ص فاته ف إذا أس اء إليك مس يء من اخللق‬ ‫ص َداق‬
‫وه ذا من َ‬
‫خصوص ًا من له حق عليك كاألق ارب واألص حاب وحنوهم فقابل إس اءته‬
‫باإلحس ان وس واء ك انت إس اءة قولية أو فعلية ف إن قطعك فص له وإن ظلمك‬

‫‪111‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫حاضرا فال تقابله باإلس اءة بل اعف عنه‬


‫ً‬ ‫ف اعف عنه وإن تكلم فيك غائبً ا أو‬
‫وعامله ب القول اللني وإن هج رك وت رك خطابك فطيب له الكالم واب ذل له‬
‫السالم كما قيل ‪:‬‬

‫‪112‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وض َزلَّتِ ِه َع ْفٌو غُْفَرا ُن‬


‫ُع ُر ُ‬ ‫ك ِفي‬
‫َفلَْي ُك ْن لَ َ‬ ‫َساهُ ُم ِس ٌي‬ ‫ِ‬
‫ش ْعًرا‪َ :‬وأَ ْن أ َ‬
‫ال ُْم َذ ِال‬ ‫ون َعلَى‬ ‫ضل الْمص ِ‬
‫فَ َما فَ ْ ُ َ ُ‬ ‫ُج ْرِم بِ ُج ْرٍم‬ ‫ت َذا‬ ‫آخر‪ :‬فَِإ ْن َج َاريْ َ‬
‫ص ِال‬
‫الْخ َ‬
‫ِ‬ ‫ف‬‫ك ِعْن َد ِم ْن َشَر َ‬ ‫ُس ُكوتَ َ‬ ‫اج َع ْل‬ ‫السِفيهُ َعَلْي َ‬
‫ك فَ ْ‬ ‫آخر‪ :‬إِ َذا َسَف َه َّ‬
‫ِ‬
‫فإذا قابلت اإلساءة باإلحسان حصل فائدة عظيمة ﴿ فَِإذَا الَّذي َبْينَ َ‬
‫ك َو َبْينَهُ َع َد َاوةٌ َكأَنَّهُ َويِل ٌّ‬
‫قصد وأهالً للعفو واملساحمة‬ ‫يم ﴾ ‪ ،‬كأنه قريب شقيق وهذا فيما إذا كان املتعدي من غري ٍ‬ ‫ِ‬
‫مَح ٌ‬
‫واملقابلة باليت هي أحسن واحلذر من الكرب والعجب ‪.‬‬
‫ض ُع َج ْهَل ْه‬ ‫التََّوا ُ‬ ‫َسَتَر‬ ‫مَتو ِ‬
‫اض ٍع‬ ‫َُ‬ ‫ِش ْعًرا‪َ :‬ك ْم َج ِاه ٍل‬
‫ضلَ ْه‬
‫التَّ َكُّبُر فَ ْ‬ ‫َه َد َم‬ ‫ِعل ِْم ِه‬ ‫َو ُم َميِّ ٍز ِفي‬
‫وال تُ ِ‬ ‫فَ َد ْع التَّ َكُّبَر َما َحيِـ‬
‫ب أ َْهلَهُ‬ ‫صاح ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ـيت‬
‫َ‬
‫ُيَقبِّ ُح ِف ْعلَ ْه‬ ‫أَبَ ًدا‬ ‫ب لِْلَفَتى‬ ‫ِ‬
‫فَالْكْب ُر َعْي ٌ‬
‫ومتادي ا يف ظلمهم‬
‫وأما أن كان من املتغطر سني املتكربين الذين يزيدهم العفو عتوًا وطغيانً ا ً‬
‫وش رهم وبغيهم فاس تعمال الش دة واحلزم والقس وة أوىل لريت دعوا ألن الل ئيم إذا كرمته مترد‬
‫وإذا أهنته رمبا تأدب واعتدال ‪ .‬وقدميا قيل ‪:‬‬
‫ْج َعل‬ ‫اح الَْو ْر َد بِال َ‬
‫ِ‬
‫َك َما تُضُّر ِريَ ُ‬ ‫الصنِ َيع َة لِألَنْ َذ ِال ُت ْف ِس ُد ُه ْم‬
‫إِ َّن‬
‫َّ‬
‫َعلَى ال َْهو ِ‬
‫ان َوإِ ْن أَ ْكَر ْمَت ُه ْم فَ َس ُدوا‬ ‫َ‬ ‫صلَ ُحوا‬ ‫ال َْعبِي َد إِ َذا أَ ْذلَلَْت ُه ْم َ‬
‫آخر‪ :‬إِ َّن‬
‫ت أَ ْكر ْم َ َِّ‬ ‫ِ‬ ‫آخر‪ :‬إِ َذا أَنْ َ‬
‫يم تَ َمَّر َدا‬
‫ت اللئ َ‬ ‫َوإ ْن أَنْ َ َ‬ ‫يم َملَ ْكَتهُ‬ ‫ت الْ َك ِر َ‬
‫ت أَ ْكَر ْم َ‬
‫ض ِع‬‫ف ِفي مو ِ‬ ‫السْي ِ‬
‫ض ِع َّ‬ ‫ضٌّر َكَو ْ‬ ‫مِ‬ ‫السْي ِ‬
‫ف‬ ‫ض ِع َّ‬ ‫َفوضع النَّ َدا ِفي مو ِ‬
‫َْ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ ُ‬
‫ت َعلَْي ِه الَْب ْحَر َما النَا‬ ‫بإِالَّنُْع االل ِ ِ‬
‫َالولنََِّْودا َ‬
‫صَبْب َ‬ ‫َّار قَ ْسَوتَهُ‬
‫ين الن ُ‬‫ْحدي َد تُل ُ‬‫َ‬
‫ص ُرو َن ﴾ ‪ ،‬م دهم جل‬ ‫ق ال اهلل تع اىل ‪ ﴿ :‬والَّ ِذين إِ َذا أَص ابهم الْب ْغي هم ينتَ ِ‬
‫َ َُ ُ َ ُ ُ ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫وعال النتص ارهم ألنفس هم ممن بغى عليهم وأردف جل وعال ذلك مبا ي دل على‬
‫أن االنتص ار مقيد باملثل ألن النقص ان حيف والزي ادة ظلم والتس اوي هو الع دل‬
‫الذي قامت به السموات واألرض فقال ‪َ ﴿ :‬و َجَزاء َسيِّئَ ٍة َسيِّئَةٌ ِّم ْثلُ َها ﴾ ‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ونع ود إىل الكالم على آخر مجلة يف احلديث وهي قوله ‪ « : ‬وخ الق الن اس‬
‫خبلق حسن » أي من غري تكلف ‪ ،‬واخللق ص ورة اإلنس ان الباطنة ‪ .‬واخللق‬
‫احلسن يف األف راد واجلماع ات والش عوب واألمم هو أس الفض ائل وينب وع املك ارم‬
‫وعني الكمال ‪.‬‬
‫ويف ح ديث مس لم عنه عليه الس الم ق ال ‪ « :‬الرب حسن اخللق » املعىن أن خري‬
‫خص ال الرب وأعظمها حسن اخللق نظري قوله عليه السالم « احلج عرفه » وناهيك‬
‫أن اهلل سبحانه امتدح حممدًا ‪ ‬به لبيان فضله وعلو منزلته وشرفه فقال عز من‬
‫َع ِظي ٍم ﴾ ‪.‬‬ ‫قائل ‪َ ﴿ :‬وإِن َ‬
‫َّك لَ َعلى ُخلُ ٍق‬
‫والنيب ‪ ‬ي ذكر مهمته اليت ألجلها بعث وهبا ج اء من عند اهلل تع اىل فيق ول إمنا‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫اد الرَّمْح َ ِن الذ َ‬
‫ين مَيْ ُش و َن َعلَى‬ ‫بعثت ألمتم مكارم األخالق ‪ ،‬وقال تعاىل ‪َ ﴿ :‬وعبَ ُ‬
‫ض هون اً وإِ َذا خ اطَبهم اجْل ِ‬
‫اهلُو َن قَ الُوا َس اَل ماً ﴾ إىل آخر ما ج اء يف ه ذه‬ ‫اأْل َْر ِ َ ْ َ َ َ ُ ُ َ‬
‫اآلي ات وما ش اكلها من اآلي ات ولنا األس وة احلس نة يف قوله وفعله وقد ذكرنا‬
‫مناذج من حلمه ‪. ‬‬
‫وقد ورد يف احلدث على حسن اخللق أح اديث كث رية ومن حسن اخللق لني‬
‫اجلانب والتواضع وع دم الغضب وكف األذى عنهم والعفو عن مس اويهم وأذيتهم‬
‫ومع املتهم باإلحس ان الق ويل واإلحس ان الفعلي وبشاشة الوجه ولطف الكالم‬
‫والقول اجلميل املؤنس للجليس املدخل عليه السرور املزيل عنه الوحشة ‪.‬‬
‫ره‬ ‫ومن اخللق احلسن أن تعامل كل أحد مبا يليق به ويناسب حاله ومما يثم‬
‫حسن اخللق تيسري األم ور وحب اخللق له ومع ونتهم واالبتع اد عن أذاه وقلة‬
‫مش اكله يف احلي اة مع الن اس واجملالسني له واطمئن ان نفسه وطيب عيشه ورض اؤه‬
‫به ‪.‬‬
‫ومن حماسن األخالق الصدق والوفاء والشهامة والنجدة وعزة النفس‬

‫‪114‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫والتواضع وعلو اهلمة والتثبيت والعفو والبشر والرمحة والشجاعة والوقار والورع‬
‫والصيانة والصرب واحلياء والسخاء والنزاهة والقناعة وحفظ السر والعفة واإليثار ‪.‬‬
‫اللهم يا من ال تض ره املعص ية وال تنفعه الطاعة أيقظنا من ن وم الغفلة ونبهنا الغتن ام أوق ات‬
‫املهلة ووفقنا ملص احلنا واعص منا من قبائحها وال تؤاخ ذنا مبا انط وت عليه ض مائرنا وأكنته‬
‫سرائرنا من أنواع القبائح واملعائب اليت تعلمها منا ‪ ،‬وامنن علينا يا موالنا بتوبة متحو هبا عنا‬
‫كل ذنب واغفر لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني األحي اء منهم واملي تني برمحتك يا أرحم‬
‫الرامحني وصلى اهلل علي حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫ض ُاه‬ ‫لِ ُك ِّل ِف ْع ٍل ِمْنهُ َي ْر َ‬ ‫َس َع ُدنَا َم ْن َوفَ َق اهلل‬ ‫ِ‬
‫ش ْعًرا‪ :‬أ ْ‬
‫قَ َّد َر ُه اهللُ َوأَ ْعطَ ُاه‬ ‫ضي ِم ْن ِر ْز ِق ِه بِالَّ ِذي‬‫ومن ر ِ‬
‫ََ ْ َ‬
‫ِفي َنْي ِل َما لَ ْم ُي ْع ِط ِه َم ْو ُ‬
‫اله‬ ‫اعهُ‬‫ص َوأَط َْم َ‬ ‫ِ‬
‫َواطََّر َح الْح ْر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫طُوبَى لِ َم ْن فَ َّكَر ِفي َب ْعثِ ِه‬
‫م ْن َقْب ِل أَ ْن يَ ْد ُعو بِه اهللُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ُاه‬ ‫َح َ‬ ‫َو َما نَسي فَاهللُ أ ْ‬ ‫ضى‬ ‫يما َم َ‬ ‫اسَت ْد َر َك الَْفا ِر َط ف َ‬
‫َو ْ‬
‫طُوبَى لِ َم ْن تُ ْح ِم ُد ُع ْقَب ُاه‬ ‫يع الَْو َرى‬ ‫ت َحْت ٌم ِفي َج ِم ِ‬ ‫فَال َْم ْو ُ‬
‫ص َار ُاه‬ ‫ت قُ َ‬ ‫ِفي ال ُْع ْم ِر فَال َْم ْو ُ‬ ‫اش ِإلَى َغايٍَة‬ ‫َو ُك ُّل َم ْن َع َ‬
‫اس ُاه‬ ‫َش ٍّ ِ‬ ‫َي ْعلَ ُمهُ َحًّقا يَِق ًينا بِال‬
‫ك َولَك ْن َيَتَن َ‬
‫ْب َنَتَوقَّ ُاه‬ ‫أ َْو ُهَو َخط ٌ‬ ‫ص بِِه َغْيَرنَا‬ ‫َكأَنَّ َما ُخ َّ‬
‫ُقلَْنا َج ِم ًيعا قَ ْد َعِل ْمَن ُاه‬ ‫َوإِ ْن َجَرى ِذ ْكٌر لَهُ َبْيَنَنا‬
‫صِل ُح ُدْنَي ُاه‬ ‫لغَْي ِر َما يُ ْ‬
‫ِ‬ ‫اح ٌد َع ِام ٌل‬ ‫ولَيس ِفينا و ِ‬
‫َْ َ َ َ‬
‫ِفي أَ ْعظَ ِم ال ِْعِّز َوأ َْوفَ ُاه‬ ‫آم ٍن ِفي ِس ْربِِه َغ ِاف ٍل‬ ‫َكم ِ‬
‫ْ‬
‫وه َوتَ ْخ َش ُاه‬
‫ْق َت ْر ُج ُ‬
‫َوالْ َخل ُ‬ ‫صي َكثِ َير ًة‬ ‫أ َْموالُهُ ال ُتْنح ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ُي ْر َجى َويُ ْخ َشى َولَهُ َج ُاه‬ ‫الذ ْك ِر ِفي نِْع َم ٍة‬ ‫َوِم ْن َع ِظ ِيم ِّ‬

‫‪115‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫َوأ َْهَن ُاه‬ ‫ش‬‫ب ال َْعْي ِ‬ ‫ِفي أَطَْي ِ‬ ‫ض َو ِفي ِغْبطٍَة‬ ‫ات ِفي َخ ْف ٍ‬ ‫قَ ْد بَ َ‬
‫َمْثَو ُاه‬ ‫ص َار الَْقْب ُر‬ ‫َق ْهًرا َو َ‬ ‫َصَب َح قَ ْد فَ َار َق َذا ُكلَّهُ‬
‫أْ‬
‫ت ِمْنهُ َعطَايَ ُاه‬ ‫اسُت ْر ِج َع ْ‬
‫َو ْ‬ ‫ت الن ِّْع َمةُ ِفي لَ ْحظٍَة‬‫َفَزالَ ِ‬
‫ْج ُاه‬
‫ال َوال َ‬ ‫لَ ْم ُي ْغ ِن َعْنهُ ال َْم ُ‬ ‫يق إِلَى َدا ِر الَْبَلى ُم ْك ِر ًها‬‫ِس َ‬
‫ض َو َار ُاه‬ ‫اب األ َْر ِ‬ ‫ت ُتر ِ‬
‫تَ ْح َ َ‬ ‫ودا لَهُ‬
‫َو ُك ُّل َم ْن َكا َن َو ُد ً‬
‫اله‬
‫الدْنَيا َو َخ ُ‬ ‫اد إِلَى ُّ‬ ‫َع َ‬ ‫اب َع ْن َعْينِ ِيه‬ ‫َحتَّى إِ َذا َما َغ َ‬
‫ب َيَت َجافَ ُاه‬ ‫ِم ْن َغْي ِر َذنْ ٍ‬ ‫ُمَقاطًَعا ُمطَََّر ًحا ُم ْه َمالً‬
‫يَ ُك ْن ِفي َّ‬
‫الد ْه ِر القَ ُاه‬ ‫َولَ ْم‬ ‫َكأَنَّهُ لَ ْم َيَر ُه َس َ‬
‫اع ًة‬
‫َو ِر ْز ٌق أََتَوفَّ ُاه‬ ‫نَِع ٌم‬ ‫َج ٌل قَ َّد َر ُه َخالِِقي‬
‫لي أ َ‬
‫ِ‬

‫اللهم أنظمنا يف سلك الفائزين برضوانك ‪ ،‬واجعلنا من املتقني الذين أعددت هلم‬
‫فس يح جنانك ‪ ،‬وأدخلنا برمحتك يف دار أمانك ‪ ،‬وعافنا يا موالنا يف ال دنيا‬
‫واآلخ رة من مجيع الباليا ‪ ،‬وأج زل لنا من م واهب فض لك وهباتك ومتعنا‬
‫ب النظر إىل وجهك الك رمي مع ال ذين أنعمت عليهم من النب يني والص ديقني‬
‫والشهداء والصاحلني ‪ ،‬واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني األحياء منهم وامليتني‬
‫برمحتك يا أرحم الرامحني وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫( َفصٌْل ) قال ابن القيم رمحه اهلل ‪ :‬الدين كله يرجع إىل هذه القواعد الثالث ‪:‬‬
‫فعل املأمور ‪ ،‬وترك احملظور ‪ ،‬والصرب على املقدور ‪.‬‬
‫وهذه الثالث هي اليت أوصى هبا لقمان البنه يف قوله ‪ :‬يَا بُيَنَّ أَقِ ِم الصَّاَل ةَ َوأْ ُم ْر‬
‫ِ‬
‫ك ‪.‬‬ ‫اصرِب ْ َعلَى َما أ َ‬
‫َصابَ َ‬ ‫بِالْ َم ْع ُروف َوانْهَ َع ِن الْ ُمن َك ِر َو ْ‬
‫فأمره باملعروف ‪ :‬يتناول فعله بنفسه وأمر غريه به ‪ ،‬وكذلك هنيه عن املنكر ‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫أما من حيث إطالق اللفظ ‪ ،‬فت دخل نفسه وغ ريه فيه ‪ ،‬وأما من حيث‬
‫اللزوم الشرعي ‪ ،‬فإن اآلمر ال يستقيم له أمره وهنيه ‪ ،‬حىت يكون أول مأمور‬
‫ومنهي ‪.‬‬
‫اب *‬ ‫وذكر س بحانه ه ذه األص ول الثالثة يف قوله ‪ ﴿ :‬إِمَّنَا يتَ َذ َّكر أُولُ واْ األَلْب ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ ْ‬
‫ص لُو َن َما أ ََم َر اللّ هُ ب ِِه أَن‬ ‫اق * والَّ ِذين ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين يُوفُو َن بِ َع ْهد اللّ ه َوالَ يِن ُق ُ‬
‫َّ ِ‬
‫ض و َن الْميثَ َ َ َ َ‬ ‫الذ َ‬
‫ص َب ُرواْ ابْتِغَ اء َو ْج ِه َرهِّبِ ْم‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين َ‬ ‫وص َل َوخَي ْ َش ْو َن َربَّ ُه ْم َوخَيَ افُو َن ُس وءَ احل َس اب * َوالذ َ‬ ‫يُ َ‬
‫مِم‬
‫ِك‬ ‫اه ْم ِس ّراً َو َعالَنِيَ ةً َويَ ْد َر ُؤو َن بِاحْلَ َس نَ ِة َّ‬
‫الس يِّئَةَ أ ُْولَئ َ‬ ‫َوأَقَ ُامواْ َّ‬
‫الص الَةَ َوأَن َف ُق واْ َّا َر َز ْقنَ ُ‬
‫هَلُ ْم عُ ْقىَب الدَّا ِر ﴾‬
‫فجمع هلم مقام ات اإلس الم واإلميان يف ه ذه األوص اف ‪ ،‬فوص فهم بالوف اء بعه ده ال ذي‬
‫عاه دهم عليه ‪ ،‬وذلك يعم وهنيه ال ذي عه ده إليهم ‪ ،‬بينهم وبينه ‪ ،‬وبينهم وبني خلقه ‪ .‬مث‬
‫أخرب عن استمرارهم بالوفاء به بأهنم ال يقع منهم نقضه ‪.‬‬
‫صِل ُح‬
‫َّاس يُ ْ‬ ‫َح ًدا ِم ْن َسائِ ِر الن ِ‬‫لَ َها أ َ‬ ‫ك لَ ْم تَ ِج ْد‬ ‫صِل ْح لَِن ْف ِس َ‬
‫ت تُ ْ‬‫ِش ْعًرا‪ :‬إِ َذا أَنْ َ‬
‫وأَجلُ ُه َّن فَنِ ْعمةُ ا ِإليم ِ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫اإللَِه َعلَى ال َْعْب ِد َكثِ َيرةٌ‬
‫آخر‪ :‬نَِع ُم ِ‬
‫ِ‬ ‫اهلل َعلَى ال َْعْب ِد ِم ْن نِْع َم ٍة‬
‫أ َْوفَى َعلَى ال َْعْب ِد م ْن طَ َ‬
‫اعتِ ْه‬ ‫آخر‪َ :‬ما أَْن َع ُم َ‬
‫فَِإنَّهُ ِفي َعْي َش ٍه ر ِ‬
‫اضَي ْه‬ ‫وفي ِفي ِدينِ ِه‬ ‫و ُك َّل من ُع ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫مث وص فاهم ب أهنم يعلم ون ما أمر اهلل به أن يوصل ‪ ،‬وي دخل يف ه ذا ظ اهر‬
‫ال دين وباطنه ‪ ،‬وحق اهلل ‪ ،‬وحق خلقه ‪ ،‬فيص لون ما بينهم وبني رهبم بعبوديته‬
‫وحده ال شريك له ‪ ،‬والقيام بطاعته ‪.‬‬
‫واإلنابة إليه والتوكل عليه ‪ ،‬وحبه وخوفه ورجائه ‪ ،‬والتوبة واالس تكانة له ‪،‬‬
‫واخلض وع والذلة له ‪ ،‬واالع رتاف له بنعمته ‪ ،‬وش كره عليها ‪ ،‬واإلق رار باخلطيئة‬
‫واالستغفار منها ‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫فهذه هي الصلة بني الرب والعبد ‪ ،‬وقد أمر اهلل هبذه األسباب اليت بينه وبني‬
‫عب ده أن توصل ‪ ،‬وأمر أن يوصل ما بيننا وبني رس وله ‪‬باإلميان به وتص ديقه‬
‫وحتكيمه يف كل شيء والرضا حلكمه ‪ ،‬والتسليم له ‪.‬‬
‫وتق دمي حمبته على حمبة النفس والولد والوالد والن اس أمجعني ص لوات اهلل وس المه‬
‫عليه ‪ ،‬فدخل يف ذلك القيام حبقه وحق رسوله ‪.‬‬
‫وأمر أن نصل ما بيننا وبني الوال دين واألق ربني ب الرب والص لة ‪ ،‬فإنه أمر برب‬
‫الوالدين وصلة األرحام وذلك مما أمر به أن يوصل وأمر أن نصل ما بيننا وبني‬
‫الزوجات بالقيام حبقوقهن ومعاشرهتن باملعروف ‪.‬‬
‫وأمر أن نصل ما بيننا وبني األق ارب ب أن نطعمهم مما نأكل ‪ ،‬ونكس وهم مما‬
‫نكتسي ‪ ،‬وال نكلفهم ف وق ط اقتهم ‪ ،‬وأن نصل ما بيننا وبني اجلار الق ريب‬
‫والبعيد مبراع اة حقه ‪ ،‬وحفظه يف نفسه وماله وأهله مبا حنفظ به نفوس نا وأهلينا‬
‫وأموالنا وأن نصل ما بيننا وبني الرفيق يف السفر واحلضر ‪.‬‬
‫وأن نصل ما بيننا وبني احلفظة الكرام الكاتبني بأن نكرمهم ونستحي منهم كما‬
‫يس تحي الرجل من جليسه ومن هو معه ممن جيله ويكرمه فه ذا كله مما أمر اهلل‬
‫به أن يوصل ‪.‬‬
‫مث وصفهم باحلامل هلم على هذه الصلة ‪ ،‬هو خشيته وخوف سوء احلساب يوم‬
‫املآب وال ميكن احد قط أن يصل ما أم ر اهلل بوص له إال خبش يته ‪ ،‬ومىت‬
‫ترحلت اخلشية من القلب انقطعت هذه الوصل ‪.‬‬
‫مث مجع هلم س بحانه ذلك كله يف أصل واحد وهو آخيه ذلك وقاعدته وم داره‬
‫ص َبُرواْ ابْتِغَ اء َو ْج ِه َرهِّبِ ْم ﴾ فلم‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َ‬‫ال ذي يدور عليه وهو الصرب فقال ‪َ ﴿ :‬والذ َ‬
‫يكتف منهم مبجرد الصرب حىت يكون خالصا لوجه ‪ .‬مث ذكر هلم ما يعينهم على‬
‫الصرب وهو الصالة فقال ‪َ ﴿ :‬وأَقَ ُامواْ َّ‬
‫الصالََة ﴾ ‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وهذان مها العونان على مصاحل الدنيا واآلخرة ومها الصرب والصالة فقال تعاىل ‪:‬‬
‫ِِ‬ ‫استَعِينُواْ بِ َّ‬
‫ني ﴾ ‪ ،‬وقال ‪ ﴿ :‬يَا‬ ‫ِريةٌ إِالَّ َعلَى اخْلَاش ع َ‬ ‫ِ‬
‫الصالَةِ َوإن ََّها لَ َكب َ‬‫الصرْبِ َو َّ‬ ‫﴿ َو ْ‬
‫الصالَةِ إِ َّن اللّهَ مع َّ ِ‬‫الصرْبِ َو َّ‬ ‫استَعِينُواْ بِ َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين ﴾ ‪.‬‬ ‫الصاب ِر َ‬ ‫ََ‬ ‫ين َآمنُواْ ْ‬ ‫أَيُّ َها الذ َ‬
‫سرا وعالنية فأحس نوا إىل أنفس هم‬ ‫مث ذكر س بحانه إحس اهنم إىل غ ريهم باإلنف اق ً‬
‫بالصرب والصالة ‪ ،‬وإىل غريهم باألنفاق عليهم ‪.‬‬
‫مث ذكر ح اهلم إذا جهل عليهم وأوذو أهنم ال يق ابلون ذلك مبثله بل ي درأ ون‬
‫باحلس نة الس يئة ‪ ،‬فيحس نون إىل من يس يء إليهم فق ال‪َ ﴿ :‬ويَ ْد َر ُؤو َن بِاحْلَ َس نَ ِة‬
‫الس يِّئَةَ ﴾ ‪ .‬وقد فسر ه ذا ال درء ب أهنم ي دفعون بال ذنب احلس نة بع ده كما ق ال‬ ‫َّ‬
‫السـيِّئ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ات ﴾ ‪ ،‬وقال ‪ « :‬اتبع السيئة احلسنة بعدها‬ ‫تعاىل‪ ﴿ :‬إِ َّن احْلَ َسنَات يُ ْذهنْب َ َّ َ‬
‫متحها » ‪.‬‬
‫والتحقق ‪ :‬أن اآلية تعم الن وعني واملقص ود ‪ :‬أن ه ذه اآلي ات ‪ ،‬تن اولت مقام ات‬
‫اإلس الم واإلميان كلها ‪ ،‬واش تملت على فعل املأمور ‪ ،‬وت رك احملظ ور ‪ ،‬والصرب‬
‫على املقدور ‪.‬‬
‫ص رِب ُواْ َوَتَّت ُق واْ ﴾ ‪،‬‬ ‫وقد ذكر تعاىل هذه األصول الثالثة يف قوله ‪َ ﴿ :‬بلَى إِن تَ ْ‬
‫اص رِب ُواْ‬ ‫َّ ِ‬ ‫وقوله ‪ ﴿ :‬إِنَّهُ من يت َِّق ويِ ْ رِب‬
‫ين َآمنُ واْ ْ‬ ‫ص ْ ﴾ ‪ ،‬وقوله ‪ ﴿ :‬يَا أَيُّ َها الذ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫صابُِرواْ َو َرابِطُواْ َو َّات ُقواْ اللّهَ لَ َعلَّ ُك ْم ُت ْفلِ ُحو َن ﴾ ‪.‬‬
‫َو َ‬
‫فكل موضع ق رن فيه التق وى بالصرب ‪ ،‬اش تمل على األم ور الثالثة ‪ ،‬ف إن حقيقة‬
‫التقوى ‪ :‬فعل املأمور ‪ ،‬وترك احملظور ‪.‬‬
‫ِش ْع ًرا ‪:‬‬
‫ْح ِّق ُم ْرتَابَا‬
‫في ال َ‬
‫ِ‬ ‫َوال تَ ُك ْن َج ِاهالً‬ ‫ت ِفي‬
‫ك َقْبل الْمو ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ا ْك َد ْح لَن ْفس َ َ َ ْ‬
‫َحَقابَا‬
‫رت أ ْ‬‫ُع ِّم َ‬ ‫ال بُ َّد ِمْن َها َولَْو‬ ‫ورو ٌد َمَن ِاهلُ َها‬ ‫ِ‬
‫إَِم ََّنه ٍلال َْمنيَّ َة َم ُ‬

‫‪119‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫اد ِف َيها أ ُُولو األَلَْب ِ‬


‫اب أَلَْبابَا‬ ‫َي ْز َد ُ‬ ‫َو ِفي اللََّيالِي َو ِفي األَيَّ ِام تَ ْج ِربَةٌ‬
‫الش ْع ُر َب ْع َد َسَو ٍاد َكا َن قَ ْد َشابَا‬‫َو َّ‬ ‫ْب ُمْن َحنًِيا‬ ‫الصل ُ‬ ‫صير ُّ‬ ‫اب ي ِ‬
‫الشَب ِ َ‬ ‫َب ْع َد َّ‬
‫س َكُّر َها َدابَا‬ ‫لَْي ٌل َس ِر ٌ‬
‫يع َو َش ْم ٌ‬ ‫وس َوال ُيْبِقي َعَلى‬ ‫النُف َ‬ ‫ُي ْفنِي ُّ‬
‫ات ُمَق َّد َر ٍة‬‫َح ٍدسَتَقٍّر وِمي َق ٍ‬ ‫ِ‬
‫ود الن ِ‬
‫َّاس غُيَّابَا‬ ‫ود ُش ُه ُ‬‫َحتَّى َي ُع َ‬ ‫أل ُمَ ْ َ‬
‫َص َحابَا‬ ‫اب أ ْ‬ ‫َص َح ِ‬ ‫ْجا ِر َج ًارا َوبِاأل ْ‬ ‫بِال َ‬ ‫ره األَيَّ ُام َتْب ِد لُهُ‬ ‫َو َم ْن ُت َع ِاق ُ‬
‫ِِ‬
‫َص َه ًارا َوأَنْ َسابَا‬
‫ين َوأ ْ‬‫َو ُم ْؤنس َ‬ ‫وجا َوأ َْوطَانًا ُم َش ِّد ًة‬ ‫َخلَّوا ُب ُر ً‬
‫ْي أَْثَوابَا‬ ‫ول النَّأ ِ‬ ‫يت ِمْنهُ لِطُ ِ‬‫ُك ِس َ‬ ‫َفَيا لَهُ َسَفًرا ُب ْع ًدا َو ُم ْغَتَربًا‬
‫س ِم ْن َحلَّهُ ِم ْن َغْيَب ٍة آبَا‬ ‫ٍ‬ ‫بِم ِ‬
‫َولَْي َ‬ ‫ضيِّ ٍق نَاء َم َحلَّتُهُ‬ ‫ش َ‬ ‫وح ِ‬ ‫ُ‬
‫اسا َو ُح َّجابَا‬ ‫ُدو َن ُّ ِ ِ‬
‫السَرادق ُحَّر ً‬ ‫ْك‬‫يب َع ِظيم الْمل ِ‬
‫ُ‬ ‫َك ْم ِم ْن َم ِه ٍ‬
‫َو َما ُيَرى ِعْن َد ُه ِفي الَْقْب ِر َبَّوابَا‬ ‫الشأ ِْن ُمْنَف ِر ًدا‬ ‫ص ِغ َير َّ‬ ‫أَُمت ِْ ٍ ِ‬
‫ضَّخ َحذى َذليالً َ‬
‫ْي‬‫ْحي َع ْن ِذي النَّأ ِ‬ ‫ب ال ُّ‬ ‫ضَر َ‬ ‫فَأَ ْ‬ ‫َّاس قَ ْد َعا ُشوا َوقَ ْد‬‫ك الن ُ‬ ‫َو َقْبَل َ‬
‫س َهَّرابَا‬ ‫النْف ُ‬‫ت ِم َّما َسَت ْلَقى َّ‬ ‫حَا َ‬
‫َصبَر ْاب‬
‫ض‬
‫إأ ْ‬
‫ِ‬ ‫صَر ِع ِه‬ ‫احل الن ِ ِ‬
‫َّاسي ل َم ْ‬
‫يَاهلَ ُكأَُّيواها َّ ِ‬
‫الر ُ‬ ‫َ‬
‫يك طَالبَا‬ ‫َوال تَ ُك ْن لِلَّ ِذي ُي ْؤ ِذ َ‬ ‫ك ِم ْن َدا ِر ُتَزايِلُ َها‬‫اكدح لَِن ْف ِس َ‬
‫ْ‬
‫واهلل أعلم ‪ .‬وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫ه )‬
‫صْيرِ ِ‬
‫ث َعَلى تَْق ِ‬
‫الح ِّ‬
‫صل في ذَِّم ُطْولِ األََملِ َو َ‬
‫( َف ْ‬
‫اعلم وا معشر اإلخ وان وفقنا اهلل وإي اكم وأيقظ قلوبنا من الغفلة ورزقنا وإي اكم االس تعداد‬
‫للنقلة من ال دار الفانية إىل ال دار الباقية أن من أضر األش ياء على اإلنس ان ط ول األمل ومعىن‬
‫ذلك استشعار طول البقاء يف الدنيا حىت يغلب على القلب فيأخذ يف العمل مبقتضاه ‪.‬‬
‫فَِإ َّن الْمو َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِشعرا‪ :‬تَأَه ِ‬
‫اد ال ِْعَب ِاد‬
‫ت م َيع ُ‬ ‫َْ‬ ‫َّب للَّ ِذي ال بُ َّد مْنهُ‬ ‫ْ‬ ‫ًْ‬
‫ت بِغَْي ِر َز ِاد‬ ‫لَ ُه ْم َزا ٌد َوأَنْ َ‬ ‫يق َق ْوٍم‬ ‫سَّر َك أَ ْن تَ ُكو َن َر ِف َ‬
‫يَ ُ‬
‫وط َغ َدا َة الَْبْي ِن ِفي‬ ‫ِسوى حنُ ٍ‬
‫َ َ‬ ‫آخر‪ :‬فَ َما َتَز َّو َد ِم َّما َكا َن يَ ْج َم ُعه‬
‫ِخَر ِق‬

‫‪120‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ك ِم ْن َز ٍاد لِ ُمْنطَِل ِق‬


‫َوقَ َّل َذلِ َ‬ ‫َو َغْيَر َن ْف َخ ِة أَ ْعَو ٍاد تُ َش ُّ‬
‫ب لَهُ‬
‫وينسى أنه مه دد ب املوت يف كل حلظة والبد من ذلك ‪ ،‬كل ما هو آت ق ريب ‪ ،‬فت أهب‬
‫لساعة وداعك من الدنيا وخروجك منها ‪.‬‬
‫تَ ُمُّر بِ َي ال َْم ْوتَى َت ُهُّز ُن ُعو ُش َها )‬ ‫اع ٍة‬
‫َحَيا َو ِفي ُك ِّل َس َ‬ ‫ش ْعًرا‪ ( :‬أ َُؤِّم ُل أَ ْن أ ْ‬
‫ِ‬

‫ان أ َِعي ُ‬
‫ش َها )‬ ‫الزم ِ‬ ‫ِ‬
‫َبَقايَا لََي ٍال في َّ َ‬ ‫َن لِي‬‫( َو َه ْل أَنَا إِال ِمْثلَ ُه ْم َغْيَر أ َّ‬
‫وب‬ ‫ال تَأ َْم َم َّن فَِإ َّن‬ ‫آخر‪ :‬يا أَُّيها الْبانِي الن ِ‬
‫َّاسي َمنِيََّتهُ‬
‫ت َم ْكتُ ُ‬‫ال َْم ْو َ‬ ‫َ َ َ‬
‫اآلم ِال‬ ‫ِِ‬ ‫َعلَى الْ َخالئِ ِق إِ ْن ُسُّرورا َوإِ ْن‬
‫لذي َ‬ ‫ف‬
‫ت َحْت ٌ‬ ‫فَال َْم ْو ُ‬
‫ك َكْي َما ُي ْغَفر‬
‫ُّس َ‬ ‫وب الن ْ‬
‫اج ِع ُ‬ ‫صِ‬‫َموْنَر ُ‬ ‫ت تَ ْس ُكُن َها‬ ‫َحالَزنَُتْبوانَِي َّن ِديَ ًارا لَ ْس َ‬
‫وب وذلك أن ط ول األمل حيمل‬ ‫عمله ُ‬ ‫ْح‬
‫ق ال بعض الس لف ‪ :‬من ط ال أمله س اء ال ُ‬
‫اإلنس ان على احلرص على ال دنيا والتش مري هلا لعمارهتا وطلبها حىت يقطع وقته‬
‫ليله وهناره يف التفكري يف مجعها وإص الحها والس عي هلا م رة بقلبه وم رة بالعمل‬
‫فيصري قلبه وجسمه مستغرقني يف طلبها ‪.‬‬
‫وحينئذ ينسى نفسه والس عي هلا مبا يع ود إىل ص الحها وك ان ينبغي له املب ادرة واالجته اد‬
‫والتش مري يف طلبه اآلخ رة اليت هي دار اإلقامة والبق اء وأما ال دنيا فهي دار ال زوال واالنتق ال‬
‫وعن ق ريب يرحتل منها إىل اآلخ رة وخيلف ال دنيا وراءه ‪ .‬فهل من العقل أن يعتين اإلنس ان‬
‫باملنزل الذي سينتقل منه قريبا ويهمل املنزل سريحتل إليه قريبًا وميكث فيه طويالً ‪.‬‬
‫َي ْفَنى َوَيْبَقى ِمْنهُ آثَ ُار ُه‬ ‫ُح ُدوثَةٌ‬ ‫ت أْ‬ ‫الْمرء ب ْع َد الْمو ِ‬
‫َْ‬ ‫َْ ُ َ‬ ‫ِش ْعًرا‪:‬‬
‫ت أَ ْخَب ُار ُه‬ ‫تَ ِطيب ب ْع َد الْمو ِ‬ ‫ال ْام ِر ٍئ‬ ‫االت َح ُ‬ ‫َحسن الْح ِ‬
‫َْ‬ ‫ُ َ‬ ‫فَأ ْ َ ُ َ‬
‫ضي ا ِإللَ َه َو َسائِال‬ ‫ج ِعلْن لِما ير ِ‬ ‫َو َما ال ُْع ْم ُر َواألَيَّ ُام َو َسائِطًا‬ ‫آخر‪:‬‬
‫ُ َ َ ُْ‬
‫ود‬ ‫اع ُ ِ‬ ‫تَ ُمُّر بَِنا َّ‬ ‫َوتَأَ ُك َلنا أَيَّ ُامَنا فَ َكأَنَّ َما‬
‫ُس ُ‬ ‫ات َوه َي أ ُ‬ ‫الس َ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫ك ِفيها لَو َعرفْ َ ِ‬ ‫ين َوإِنَّ َما‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يل‬
‫ت قَل ُ‬ ‫َمَق ُام َ َ ْ َ‬ ‫اء الْ َخالد َ‬ ‫أََتْبني بَن َ‬ ‫آخر‪:‬‬

‫‪121‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫يل‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫لََق ْد َكا َن ِفي ِظ ِّل األَر ِ‬


‫اك ِكَفايَةٌ‬
‫ل َم ْن َكا َن َي ْو ًما َي ْقَتفيه َرح ُ‬ ‫َ‬
‫اللهم يا من ال تض ره املعص ية وال تنفعه الطاعة أيقظنا من ن وم الغفلة ونبهنا‬
‫الغتنام أوقات املهلة ووفقنا ملصاحلنا واعصمنا من قبائحنا وال تؤاخذنا مبا انطوت‬
‫عليه ضمائرنا وأكنته سرائرنا من أنواع القبائح واملعائب اليت تعلمها منا ‪ ،‬وامنن‬
‫علينا يا موالنا بتوبة متحو هبا عنا كل ذنب واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني‬
‫األحي اء منهم واملي تني برمحتك يا أرحم ال رامحني ‪ .‬وص لى اهلل على حممد وعلى‬
‫آلله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫صٌل ) ‪:‬وقد ذكر العلماء أن طول األمل له سببان أحدهما الجهل واآلخر حب ال دنيا‬
‫( َف ْ‬
‫‪ ،‬أما حب ال دنيا فهو إنه إذا أنس بها وبش هواتها وعالئقها ثقل على قلبه ومفارقتها‬
‫فامتنع قلبه من الفكر في الموت الذي هو سبب مفارقتها وكل من كره شيئا دفعه عن‬
‫نفسه واإلنسان مشغول باألماني الباطلة التي توافق مراده ‪.‬‬
‫ِحرص طَ ِويل و ُعمر ِف ِيه َت ْق ِ‬
‫ص ُير‬ ‫ِ‬
‫الدْنَيا َويُ ْخل ُقهُ‬ ‫ِش ْعًرا‪َ :‬وال َْم ْرءُ ُيْبِل ِيه ِفي ُّ‬
‫ٌ َ ٌْ‬ ‫ْ ٌ‬
‫ت ُدو َن الطَّْوق‬ ‫ولَ ْه َذم الْمو ِ‬
‫َ ُ َْ‬ ‫اآلم ِال َك ِاذبًَة‬
‫َّحَر بِ َ‬
‫يُطَِّو ُق الن ْ‬
‫َّاب أ َْر َدتْهُ األَظَ ِاف ُير‬
‫ت الن ُ‬ ‫إَِم ْنط ُْر أَ ْفُ‬
‫ورَل َ‬ ‫اك ِم َيتتِ ِه‬ ‫ج ْذال َن يب ِسم ِفي أَ ْشر ِ‬
‫َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ‬
‫وإمنا يوافق مراده البقاء يف الدنيا فال يزال يتومهه ويقدره يف نفسه ويقدر توابعه وما حيتاج إله‬
‫وأهل ودارٍ وأصدقاء ودواب ومركوب وسائر أسباب الدنيا فيصري قلبه عاكفً ا على‬ ‫مال ٍ‬‫من ٍ‬
‫هذا الفكر فيلهوا عن ذكر هاذم اللذات املوت ‪.‬‬
‫لِ َخالِِق ِه َف ُهَو الَّ ِذي َما لَهُ َع ْق ُل‬ ‫َغْي ِر‬ ‫ال ُع ْم ُر ال َْم ْر ِء ِفي‬ ‫ِش ْعًرا‪ :‬إِ َذا طَ َ‬
‫اد ِة‬
‫ضى َوقْتَهُ ِفي ال ِْعَب َ‬ ‫وبِالْوق ِ‬
‫ْت أ َْم َ‬ ‫َ َ‬ ‫بَِها‬ ‫ف األَيَّ َام َم ْع ِرفَتِي‬ ‫اعْنٍة َعَر َ‬‫آخر‪َ :‬وطََم َ‬
‫َو ُش ْك ٍر لَهُ ِفي ُك ِّل َي ْوٍم َولَْيلَ ْة‬ ‫َوأَ ْكَثَر ِم ْن ِذ ْك ِر ا ِإللَِه َحِقي َق ًة‬
‫ال َم َهابًَة َو َج َماال‬
‫الر َج َ‬
‫سوا ِّ‬
‫تَ ْك ُ‬ ‫اد َة لِ ِإللَِه َحِقي َق ًة‬
‫آخر‪ :‬إِ َّن ال ِْعَب َ‬

‫‪122‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫اب إِ ْذ َرأَى األ َْهَوال‬ ‫ْحس ِ‬ ‫ِ‬


‫َي ْو َم ال َ‬ ‫نَ َجاتَهُ‬ ‫يل لِ َم ْن أ ََر َاد‬ ‫و ِهي َّ ِ‬
‫السب ُ‬ ‫َ َ‬
‫حبت َد ِف َينا‬ ‫ص ُ‬ ‫َوأ ََرى ُك َّل َم ْن َ‬ ‫الصا‬
‫َخ ً‬ ‫ف أ َْر ُجو ِمن ال َْمَنايَا‬ ‫آخر‪َ :‬كْي َ‬
‫ُك َّل َي ْوٍم إِلَْي ِه ْم َمَّر َد ِف َينا‬ ‫َّاس ُيْنِقلُو َن ِسَر ً‬
‫اعا‬ ‫فَأ ََرى الن َ‬
‫الس َه ُام ال بُ َّد ِف َينا‬ ‫َو َسَت ْرِمي ِّ‬ ‫َص َابْت ُه ْم ِس َه ُام ال َْمَنايَا‬
‫قَ ْد أ َ‬
‫ْق َتْبَت ِه ُل‬ ‫ِم ْن َشِّر َها ِم ْن إِلَْي ِه الْ َخل ُ‬ ‫يت بَِها َوال ُْم ْسَت َعا ُذ بِِه‬ ‫ت بُِل ُ‬ ‫آخر‪ِ :‬س ُّ‬
‫ص‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الدْنَيا الَّتِي َفَتَن ْ‬ ‫يس َو ُّ‬ ‫ِ ِِ‬
‫م ْن َقْبَلَنا َوال َْه ْوى َوالْح ْر ُ‬ ‫ت‬ ‫َن ْفسي َوإبْل ُ‬
‫ت بَِنا ال ِ‬
‫ْحَي ُل‬ ‫َِمواْنألََم َُشلِّر َها َفَلَق ْد أَ ْعَي ْ‬ ‫الي َو ِاقَيةٌ‬ ‫ك يَا َم ْو َ‬ ‫إِ ْن لَ ْم تَ ُك ْن لَ َ‬
‫فإن خطر يف بعض األحوال ذكر املوت والضرورة إىل االستعداد والتهيؤ‬
‫له س وف ووعد نفسه وق ال ما مضى إال قليل إىل أن تكرب مث تت وب وتقبل‬
‫على الطاعة فال ي زال ميين ويس وف من الش باب إىل الكهولة إىل الش يخوخة أو‬
‫رجوع من السفر أو إىل فراغه من تدبري شؤنه أو شئون أوالده أو بناته أو‬ ‫ٍ‬ ‫إىل‬
‫زواجهم أو انته اء ش غله يف عماراته أو فلله أو دكاكينه أو بس تانه أو تكميل‬
‫دراسته أو حنو ذلك من األماين الباطلة اليت يتلذذ بذكرها وال جتدي شيئا لكنه‬
‫يرتاح هلا ‪.‬‬
‫فال ي زال ميين نفسه مبا يوافق هواها وال ي زال يغالط نفسه يف احلق ائق ويت وهم البق اء يف‬
‫الدنيا إىل أن يتقرر ذلك عنده ويظن أن احلياة قد صفت له وينسى قوله تعاىل ‪َ ﴿ :‬حىَّتَ إِ َذا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َوظَ َّن أ َْهلُ َها أَن َُّه ْم قَ اد ُرو َن َعلَْي َها أَتَ َ‬
‫اها أ َْم ُرنَا لَْيالً أ َْو َن َه اراً‬ ‫ض ُز ْخ ُر َف َها َو َّازيَّنَ ْ‬
‫َخ َذت األ َْر ُ‬
‫أَ‬
‫س﴾‪.‬‬ ‫صيداً َكأَن مَّلْ َت ْغ َن بِاأل َْم ِ‬ ‫فَجع ْلنَاها ح ِ‬
‫ََ َ َ‬
‫ْح ْز ِن َم ْخلُوقَ ْه‬ ‫ِ‬
‫َكأََّن َها لل ُ‬ ‫َسَبابَِها‬ ‫ُف ِم َن ُّ‬
‫الدْنَيا َوأ ْ‬ ‫ِش ْعًرا‪ :‬أ ٍّ‬
‫ك ِف َيها َوال ُسوقَ ْه‬ ‫َعن مِل ٍ‬ ‫اع ًة‬
‫ضي َس َ‬ ‫ُهموم َها ما َتْنَق ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ُ ُ َ‬
‫آخر‪:‬‬
‫وت‬ ‫س ِفي ُّ‬
‫الدْنَيا ُثبُ ْ‬ ‫لَْي َ‬ ‫إِنَّ َما ُّ‬
‫الدْنَيا بَالءٌ‬

‫‪123‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وت‬
‫نَ َس َجْتهُ ال َْعْن َكبُ ْ‬ ‫ت‬ ‫إِنَّ َما ُّ‬
‫الدْنَيا َكَبْي ْ‬

‫‪124‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وت‬
‫يب َسَي ُم ْ‬‫َع ْن قَ ِر ٍ‬ ‫ُك َّل َم ْن ِف َيها لََع ْم ِري‬
‫وت‬
‫ب قُ ْ‬ ‫أَُّيها َّ ِ‬ ‫يك ِمْن َها‬ ‫إِنَّ َما يَ ْكِف َ‬
‫الراغ ُ‬ ‫َ‬
‫واسهر لِني ِل علُ ِ‬
‫وم الدِّي ِن َت ْغَتنِ ِم‬ ‫َ ْ َ ْ َْ ُ‬ ‫ك إِال غَ ْفَو َة ال َ‬
‫ْح َذ ِر‬ ‫آخر‪ :‬ال ُت ْع ِط َعْيَن َ‬
‫اء ِم َن ال َْع َدِم‬ ‫ِِ‬
‫إِال َعلَى ُموجد األَ ْشَي َ‬ ‫َوال تَ ُك ْن في ِط ِ‬
‫الب ال ِْعل ِْم‬
‫ضى ِمْن َها َو َما ُيَتَوقَّ ُع‬ ‫ْحَيا َة لِ َج ِاه ٍل أ َْو غَ ِاف ٍل‬ ‫آخر‪ :‬تم ْعَت ِ‬
‫َع َّما َم َ‬ ‫صُفم ًودا ال َ‬ ‫َُ ْ‬
‫ب ال ُْم َح ِال َفَتط َْم ُع‬ ‫ْحَقائِ ِق َن ْف َسهُ‬ ‫ولِمن يغَالِ ُ ِ‬
‫وم َها طَلَ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫َويَ ُ‬ ‫ط في ال َ‬ ‫َ َْ ُ‬
‫ب الْ َخَو ِاد ِع‬ ‫ت ِفي طَلَ ِ‬ ‫َوطََويْ َ‬ ‫ضى ِفي غَ ْفلَ ٍة‬ ‫ك فَاْنَق َ‬ ‫ت َوقَْت َ‬ ‫ضَّي ْع َ‬ ‫آخر‪َ :‬‬
‫ك ال ِْعظَ ِ‬ ‫أَفْدلََُقهَْردا أَبَا َن لَ َ‬ ‫الزم ِ‬ ‫أَفْ ِه ْم َ‬
‫ات َو َكَّر َرا‬ ‫ان َجَوابَهُ‬ ‫ت َع ِن َّ َ‬
‫اك َما َع َايْنَتهُ َم ْن أَ ْخَبَرا‬ ‫َو َكَف َ‬ ‫ور َم َخافَ ًة‬ ‫ت َما َمألَ ُّ‬
‫الص ُد َ‬ ‫َع َايْن َ‬
‫وأصل هذه األماين كلها حب الدنيا واألنس هبا والغفلة عن اآلخرة الثاين اجلهل حيث‬
‫يستعبد املوت مع الصحة والشباب وال يدري املسكني أن الشيوخ يف البلدان أق ل بكثري من‬
‫الش باب وليس ذلك إال ك ثرة املوت يف الش بان والص بيان أك ثر ولو س ألت أحد الش يوخ‬
‫الطاعنني يف السن عن من مات من الشبان الذين يعرفهم لعد لك مئات ‪.‬‬
‫َكم نَجا ب َاز ٌل و ُع ِ‬
‫وج َل بَ ْك ُر‬ ‫ْ َ َ َ‬ ‫الس ِّن تَ ْسَت َح ُّق ال َْمَنايَا‬‫س بِ ِّ‬ ‫لَْي َ‬ ‫ِش ْعًرا‪:‬‬
‫فَاجأَْت َها ِمن الْحو ِاد ِ‬
‫ث بِ ْك ُر‬ ‫ت ُحلِّ َّي ِك َعاب‬ ‫َو َعَوا ٌن َح َاز ْ‬
‫ََ‬ ‫َ‬
‫الشيب ُشبَّا ُن‬ ‫فَ َك ْم َتَق َّد َم َقْب َل ِّ‬ ‫اع ٍم َخ ِط ٍل‬ ‫اب نَ ِ‬ ‫ال َت ْغَتَّر بِ َشَب ٍ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫ْحبِ ِ‬
‫يب تَ َذ ُّكُر‬ ‫ِ ِ‬ ‫الشَب ِ‬
‫غَْي ِري َولَك ْن لل َ‬ ‫اب َك َما‬ ‫ت َعن َّ‬ ‫َولََق ْد َسلَ ْو َ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫اب‬ ‫وت ِم َن َّ‬
‫الشَب ِ‬ ‫َوُيْن َسى َم ْن يَ ُم ُ‬ ‫اح ٌد َفَيغُُّر أَلًْفا‬ ‫يسع َّمالر و ِ‬
‫َُ ُ َ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫وأيضًا ال يدري أن املوت وإن مل يكن يأيت فجأة غالبا لكن املرض ال‬
‫يستعبد إتيانه فجأة ألن الوهم ال يعرف إال ما يألفه فاإلنسان ألف موت غريه‬
‫أصال فلذلك يستعبد إال أن العاقل يعرف أن األجل حمدود‬
‫ً‬ ‫ومل يرى موت نفسه‬
‫قد فرغ منه واإلنسان يسري إليه يف كل حلظة كما قيل ‪:‬‬

‫‪125‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وأَيَّامنا تُطْوى وه َّن مر ِ‬ ‫اآلج ِال ِفي ُك ِّل لَ ْحظٍَة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اح ُل‬ ‫َ َُ َ َ ُ َ َ‬ ‫ش ْعًرا‪ :‬نَس ُير إِلَى َ‬
‫اع ِ‬
‫ات‬ ‫ان بِأَْنَف ٍ‬ ‫الزم ِ‬ ‫ِ‬ ‫َتْبنِي ال َْمَنا ِز َل أَ ْع َم ٌار ُم َه َّدَمة‬
‫اس َو َس َ‬ ‫م َن َّ َ‬
‫ب‬
‫وس َفَت ْق ُر ُ‬ ‫َويُ ْدنِي ال َْمَنايَا لِ ُّلنُف ِ‬ ‫اع ُد َم ْولِ ًدا‬
‫وما َن ْفس إِال يب ِ‬
‫َُ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬
‫فعالج اجلهل الفكر الص ايف من القلب احلاضر‬ ‫( َفص ٌْل ) ‪ :‬إذا ع رفت ذلك‬
‫ومساع احلكمة البالغة من الكت اب والس نة والقل وب الط اهرة و أما حب ال دنيا‬
‫ف العالج يف إخراجه من القلب ش ديد يف غاية الص عوبة واملش قة وه ذا هو ال داء‬
‫العضال الذي اعجز األولني واآلخرين ‪.‬‬
‫وهلذا من م داخل الش يطان إىل قلب ابن آدم حب ال تزين من األث اث‬
‫والثياب واملسكن واملركوب فإن الشيطان إذا رأى ذلك الذي هو باحلقيقة حب‬
‫الدنيا غاليًا على قلب اإلنسان باض فيه وفرخ فال يزال اخلبيث يزين له ويدعوه‬
‫إىل عم ارة املس كن وتزويقه وتوس يعه وتنظيمه وي دعوه إىل ال تزين بالثي اب‬
‫والمرك وب ويستس خره ويس تعمره ط ول عم ره ف إذا أوقعه وورطه يف ذلك فقد‬
‫استغىن أن يعود إليه ‪.‬‬
‫ثانيً ا ‪ :‬أن بعض ذلك جيره إىل بعض اآلخر ب القوة فال ي زال يؤي ده من ش يء إىل آخر‬
‫بالتدريج إىل أن يذهب عمره فرطا ويساق إىل أجله فيموت وهو يف سبيل الشيطان وإتباع‬
‫اهلوى والنفس األمارة بالسوء وخيشى من سوء العاقبة بالكفر نعوذ باهلل من ذلك ‪.‬‬
‫ب ُم ْجَت ِم ٌع َو َّ‬
‫الصْب ُر ُم ْفَت ِر ُق‬ ‫الد ْم ُع ُم ْسَتبِ ٌق‬
‫ْب ُم ْحَت ِر ٌق َو َّ‬ ‫ِ‬
‫َوالْ َك ْر ُ‬ ‫ش ْعًرا‪ :‬الَْقل ُ‬
‫الش ْو ُق َوالَْقلَ ُق‬‫ِم َّما َجَن ُاه ال َْهَوى َو َّ‬ ‫ف الِْفَر ُار َعلَى َم ْن ال ِفَر َار لَهُ‬ ‫َكْي َ‬
‫لي بِِه َما َد َام بِي َرَم ُق‬ ‫فَ ْامنُ ْن َع َّ‬ ‫ب إِ ْن َكا َن َش ْيءٌ لِي بِِه‬ ‫يَا َر ِّ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الدْنَيا َعلَى َن ْف ِس َها‬ ‫آخر‪ :‬يَفار ٌ ِ‬
‫إ َّن لَ َها في ُك ِّل َي ْوم َخل ُ‬
‫يل‬ ‫ب ُّ‬ ‫حَخاط َ‬ ‫ََ‬
‫يل‬ ‫ِ ِ‬ ‫َت ْقتلُ ِ‬
‫هم ق ْد ًما قَتيالً قَت ُ‬ ‫ْ‬ ‫الدْنَيا لِ ُخطَّابَِها‬
‫َما اقَْت َل ُّ‬

‫‪126‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫يل‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تَ ْسَتْن ِك ُح الَْب ْع َل َوقَ ْد َو ِطَئ ْ‬


‫في َم ْوض ٍع آ َخَر مْنهُ بَد ُ‬ ‫ت‬
‫يل‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫إِنِّي لَ ُم ْغَتُّر َوإِ َّن الَْبال َي ْع َم ُل‬
‫في ج ْسمي قَليالً قَل ُ‬
‫يل‬ ‫الر ِحيل َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َتز َّو ُدوا لِلْمو ِ‬
‫الرح ُ‬ ‫ادى ُمَناديه َّ َ‬ ‫نَ َ‬ ‫ت َز ًادا َفَق ْد‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫َج ِل َشَق َاوتِي َو َعَنائِي‬ ‫إِال أل ْ‬ ‫يت بِأ َْربَ ٍع َما ُسلِّطُوا‬ ‫آخر‪ :‬إِنِّي بُِل ُ‬
‫الص َو ُكلُّ ُه ْم أَ ْع َدائِي‬ ‫ف الْ َخ ُ‬ ‫َكْي َ‬ ‫الدْنَيا َوَن ْف ِسي َوال َْهَوى‬ ‫س َو ُّ‬ ‫ِ‬
‫إب َلْي َ‬
‫س تَأ ُْم ُرنِي بِ ُك ِّل بَالئِي‬ ‫النْف ُ‬
‫َو َّ‬ ‫ك ِفي طَ ِر ِيق َم َهالِ ِكي‬ ‫إِبِْليس يَ ْسلُ ُ‬
‫اآلرائِي‬ ‫ِفي ظُلْم َة ُّ ِ‬ ‫اط ِري‬ ‫وأَرى الْهوى تَ ْد ُعو إِلَي ِه َخو ِ‬
‫الشُب َهات َو َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ََ‬ ‫ََ‬
‫ُح ْسنِي َوفَ ْخَر َمالبِ ِسي َوَب َهائِي‬ ‫ول أ ََما َتَرى‬ ‫الدْنَيا َت ُق ُ‬ ‫ف ُّ‬ ‫َو َز َخا ِر ُ‬
‫ِ‬
‫ب‬ ‫الشْي ُ‬ ‫ب َو َّ‬ ‫الشْي ُ‬‫ك َّ‬ ‫َلما يَ ِز ْع َ‬ ‫أ َّ‬ ‫اب َرْأ ُسهُ‬ ‫آخر‪ :‬أَال أَُّي َها الَّالهي َوقَ ْد َش َ‬
‫ك يَ ِاف ُع‬ ‫ك ِغٌر أ َْو َكأَنَّ َ‬ ‫ِع‬
‫ََوكاأَنَّز َُ‬ ‫ين‬ ‫ِ‬
‫ت َخ ْمس َ‬ ‫ب َوقَ ْد نَ َاه ْز َ‬ ‫صُ‬ ‫أَتَ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك األَيَّ ُام َو ِه َي َخَو ِاد ُ‬
‫ع‬ ‫َفَت ْخ َد ُع َ‬ ‫َح َذَّجاًةِر م َن األَيَّ ِام ال تَأ َْمَنن َ‬
‫َّها‬
‫اس َوقَائِ ُع‬ ‫لَ َها ُك َّل َي ْوٍم ِفي أُنَ ٍ‬ ‫ال ُم ِغ َير ًة‬ ‫أَتَأ َْم ُن َخْيالً ال َتَز ُ‬
‫س وسم لِلْمنِيَِّة ِ‬ ‫َوبِ َّ‬ ‫ول ال ُْع ْم ِر ِعْن َد َنَف ِاذ ِه‬
‫الم ُع‬ ‫الرْأ ِ َ ْ ٌ َ‬ ‫َوتَأ َْم ُل طُ ُ‬
‫الر َدى َو ُهَو‬ ‫َويَ ْس ِري لَهُ َسا ِري َّ‬ ‫ت ُدو َن َر َجائِِه‬ ‫ُي ْرجي الَْفَتى َوال َْم ْو ُ‬
‫صانِ ُع‬ ‫ِ‬ ‫الدْنَيا بَِز ٍاد ِمن ُّ‬ ‫َتَر َّح ْل ِم ْن ُّ‬
‫ت َ‬ ‫ي بِ َما أَنْ َ‬ ‫كُع َم ْج ِز ٌّ‬ ‫فَهِإنَّاجَ‬ ‫التَقى‬
‫وال عالج حلب ال دنيا إال اإلميان باهلل والي وم اآلخر ومبا فيه من عظيم العق اب وجزيل الث واب‬
‫ومهما حصل له اليقني ب ذلك ارحتل عن قلبه حب ال دنيا ف رأى حقارهتا ونفاسة اآلخ رة ورأى أن‬
‫الدنيا ليست بأهل أن يلتفت إليها أو ترمق بعني احملبة خالفًا للسواد األعظم املنهمكني فيها ‪.‬‬
‫ص ٍال َقلَّ َما َتَتَي َّسُر‬ ‫ِ‬
‫ثَ َما َن خ َ‬ ‫وج ُد األَ ْشَي ِاء يَ َّسَر لِْلَفَتى‬ ‫ِش ْعرا‪ :‬إِ َذا م ِ‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫ض ِحي َويُ ْم ِسي َو ُهَو ُحٌّر ُمَو َّقُر‬ ‫َفيُ ْ‬ ‫ْحَّر َع ْن بَ ْذ ِل‬ ‫صو ُن ال ُ‬ ‫اف يَ ُ‬ ‫َكَف ٌ‬
‫َو َم ْس ِج ُد ِطي ٍن بِالَْق ِد ِيم يُ َذ ِّكُر‬ ‫يم ِد َينَنا‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َو َمْجْكهَتهَبةٌ تَ ْح ِوي َت ْعل َ‬
‫ش بَِها َنَتَف َّكُر‬ ‫أَ ِو َّ‬
‫الر ْم ِل َوال ُف ْر ٌ‬ ‫صَبا َك َما َكا َن أ ََّوالً‬
‫ْح ْ‬
‫َو َم ْف ُرو ُشهُ ال َ‬

‫‪127‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫اج ِد‬‫س ِفي الْمس ِ‬


‫ََ‬ ‫ُيَن ِادي لِ َخ ْم ٍ‬ ‫َو َرابِ ُع َها ِفي ُك ِّل َي ْوٍم َولَْيلَ ٍة‬
‫صج َِدهيُرٌق َعلَى األَيَّ ِام ال َيَتغََّيُر‬ ‫يَ َْ‬ ‫ود َها‬ ‫ِ‬
‫ت َوقَ َّل ُو ُج ُ‬ ‫س َها َعَّز ْ‬‫َو َخام ُ‬
‫الر ِذيلَ ِة َمظ َْه ُر‬ ‫اب َّ‬ ‫َص َح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت َخِل ٌي ِم ْن ُشُرو ٍر َتَنَّو َع ْ‬
‫لَ َها عْن َد أ ْ‬ ‫ت‬ ‫َوَبْي ٌ‬
‫ص ُروا لِلدِّي ِن َهبُّوا‬ ‫اسُتْن ِ‬
‫إِ َذا ْ‬ ‫اب ِدي ِن َو َغْيَر ٍة‬ ‫َص َح ُ‬ ‫َو ِج َيرانُهُ أ ْ‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين تُ َذ ِّكُر‬‫َو ُرَشْؤَّمَيُرت ُهواْم بالتَّابع َ‬ ‫التَقى‬
‫ث َعلَى ُّ‬ ‫يما يَ ُح ُّ‬ ‫س ُه ْم ف َ‬‫َم َجال ُ‬
‫اب َوتَ ْذ ُك ُر‬ ‫ْكَت ِ‬‫تُصلِّي وَتْتلُو لِل ِ‬
‫َ َ‬ ‫َوثَ ِامُن َها َقَّو َامةُ اللَّْي ِل َدْأُب َها‬
‫َّها ِر َوتَ ْش ُك ُر‬ ‫ول الن َ‬‫َوتَ ْخ ِد ُمهُ طُ َ‬ ‫الدْنَيا َو َم ْن ُولُِّعوا بَِها‬ ‫تُ َسلِّي َع ِن ُّ‬
‫َولَ ْم َي ْع ُد ُه ِعٌّز َو َم ْج ٌد َو َم ْف َخ ُر‬ ‫ال م ْل ًكا بِال‬ ‫َف َه َذا الَّ ِذي قَ ْد نَ َ‬
‫احلارث بن مالك األنصاري انه مر برسول اهلل ‪ ‬فقال له كيف أصبحت‬ ‫فعن أَ َذى‬
‫حق ا ‪ ،‬قال ‪ « :‬انظر ما تقول فأن لكل شيء‬ ‫يا حارث قال أصبحت مؤمنً ا ً‬
‫حقيقة فما حقيقة إميانك فق ال ع زفت نفسي عن ال دنيا فأس هرت ليلي وأظم أت‬
‫بارزا وكأين انظر إىل أهل اجلنة يتزاورون فيها‬
‫هناري وكأين انظر إىل عرش ريب ً‬
‫ك أين أنظر إىل أهل الن ار يتض اغون فيها ‪ ،‬فق ال « يا ح ارث ع رفت ف الزم » ‪.‬‬
‫ثالثا ‪.‬‬
‫نسأل اهلل أن يرينا الدنيا كما أراها الصاحلني ‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫ص ِد ِيق‬ ‫اب َ‬ ‫لَهُ َع ْن َع ُدٍّو ِفي ثَِي ِ‬ ‫يب تَ َك َّشَف ْ‬
‫ت‬ ‫لَبِ ٌ‬ ‫ِإ َذا ْامَت َح َن ُّ‬
‫الدْنَيا‬
‫َتَن َّح َع ْن ِخطَْبتِ َها تَ ْسلَ ِم‬ ‫إِلَى َن ْف ِس ِه‬ ‫ب ُّ‬
‫الدْنَيا‬ ‫ِ‬
‫آخر‪ :‬يَا َخاط َ‬
‫س ِم َن ال َْمآتِِم‬ ‫قَ ِر َيبةُ ال ِْع ْر ِ‬ ‫ب َغ َّد َارٌة‬ ‫ِ‬ ‫َِّ‬
‫إِ َّن التي تَ ْخط ُ‬
‫اهلل َم ْن نَالَ َها‬ ‫اع َ‬ ‫إِ َذا أَطَ َ‬ ‫الدْنَيا َوإِقَْبالَ َها‬‫َح َس َن ُّ‬‫آخر‪َ :‬ما أ ْ‬
‫ض لِ ِإل ْدبَا ِر إِقَْبالِ َها‬‫َعَّر َ‬ ‫ص ْر ِف َها‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َم ْن لَ ْم يُطي ِع اهلل في َ‬
‫وم ُق‬ ‫اك ما َزالَ ْ ِ‬ ‫ض َدائِ ًما‬ ‫آخر‪ :‬ي ِسيء امر ٌ ِ‬
‫ت تُسيءُ َوتُ َ‬ ‫َو ُدْنَي َ َ‬ ‫ئ منَّا َفيُْبغَ ُ‬ ‫ُ ُ ُْ‬
‫بِج ْه ٍل فَ ِمن ُك ِّل النَّو ِ‬
‫اظ ِر ُت ْر ُم ُق‬ ‫َسَّر َهَو َاها َّ‬
‫الشْي ُخ َوالْ َك ْه ُل َوالَْفَتى‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬

‫‪128‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫َح َم ُق‬ ‫لُِو ٍّد َولَ ِك َّن ابْ َن َ‬


‫آد َم أ ْ‬ ‫َّل ِمْثلُ َها‬ ‫ِ‬
‫َو َما ه َي أ َْه ٌل أَ ْن ُيَؤه َ‬

‫‪129‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫قال بعضهم العجب ممن يغرت بالدنيا و إمنا هي عقوبة ذنب ‪.‬‬

‫قال األصمعي مسعت أبا عمرو بن العالء يقول كنت أدور يف ضيعت يل فسمعت من يقول‬
‫‪:‬‬
‫ك ِمْن َها بِ َحْب ِل غُُرو ِر‬
‫لِ ُم ْسَت ْم ِس َ‬ ‫َوإِ َّن ْامرأَ ُدْنَي ُاه أَ ْكَب ُر َه ِّم ِه‬
‫فجعلته نقش خامتي ‪.‬‬
‫وق ال علي بن أىب ط الب ‪ :‬ال دنيا واآلخ رة كاملش رق واملغ رب‪ ،‬إذا ق ربت من‬
‫أحدمها بعدت عن اآلخر ‪.‬‬
‫قيل لزاهد أي خلق اهلل أص غر ق ال ال دنيا ‪ ،‬ألهنا ال تع دل عند اهلل جن اح‬
‫بعوضة ‪ ،‬فقال السائل ومن عظم هذا اجلناح كان أصغر منه ‪.‬‬
‫وق ال بعض هم ك ان الس لف حيرص ون على حفظ أوق اهتم ‪ ،‬أشد من ح رص أهل ال دنيا على‬
‫دنياهم ‪ .‬قال بعضهم ‪:‬‬

‫يع‬ ‫َس َهل ما َعَلْي َ ِ‬


‫ك يَض ُ‬ ‫َوأ ََر ُاه أ ْ ُ َ‬ ‫يت بِ ِح ْف ِظ ِه‬
‫س َما ُعنِ َ‬
‫ْت أَْنَف ُ‬
‫الَْوق َ‬
‫وقال علي بن احلسني السجاد الدنيا سبات واآلخرة يقظة ‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ما آثر الدنيا على اآلخرة حكيم وال عصي اهلل كرمي ‪.‬‬
‫ب َعالِ ُم‬‫يَا َر ِّ‬ ‫بِ َما أَ ْش ُك ُ‬
‫وه‬ ‫َوأَنْ َ‬
‫ت‬ ‫ب َذنْبِي قَ ْد َت َعاظَ َم ُج ْرِم ِه‬ ‫ِش ْعًرا‪َ :‬فَيا َر َّ‬
‫اح ُم‬‫الْع ْف ِو ر ِ‬ ‫َك ِريم و ِ‬
‫اس ُع‬ ‫يم‬ ‫ِ‬ ‫وف بِال ِْعَب ِاد ُم َهْي ِم ٌن‬ ‫َوأَنْ َ‬
‫َ َ‬ ‫ٌ َ‬ ‫َحل ٌ‬ ‫ت َر ُؤ ٌ‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫اختذوا ال دنيا مرض ًعا واآلخ رة أما أمل ت روا إىل الصيب إذا ترع رع وعقل رمى‬
‫بنفسه على أمه ‪.‬‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫أيامك ثالثة ‪ :‬يومك ال ذي ول دت فيه ‪ ،‬وي وم نزولك ق ربك ‪ ،‬وي وم خروجك‬
‫إىل ربك ‪ ،‬فيا له من يوم قصري خبئ له يومان طويالن ‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِش ْعًرا‪َ :‬حَياتُ َ‬


‫َوأَ ْخال ُق أَ ْشَراف بِِه َّن تَ َ‬
‫ص َّد ُر‬ ‫ِّين ِربْ ُحهُ‬ ‫س ال َْمال َوالد ُ‬ ‫ك َرْأ ُ‬
‫ك‬‫يط ال َش َّ‬ ‫التْف ِر ِ‬
‫َوإِال فَ ُذو َّ‬ ‫ك َحا ِز ًما‬‫ك األَيَّام َفلَْت ُ‬ ‫َو َم ْو ِس ُم َ‬
‫س ُي ْع َذ ُر‬ ‫ٍِ‬
‫اش ب َج ْهل َغارق لَْي َ‬
‫يَو ْخَع َس َُر ِ‬ ‫ت َحَياتُهُ‬ ‫اع ْ‬ ‫ضيَّ َع الت َّْو ِحي َد َ‬
‫ضَ‬ ‫َو َم ْن َ‬
‫اللهم أرحم عربتنا يف القب ور وآمنا ي وم البعث والنش ور واغفر لنا ولوال دينا‬
‫وجلميع املسلمني األحياء منهم وامليتني برمحتك يا أرحم الرامحني وصلى اهلل على‬
‫حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫صٌل ) أعلم وفقنا اهلل وإياك ومجيع املسلمني لطاعته ‪......‬‬


‫( َف ْ‬
‫أن الناس متفاوتون يف طول األمل تفاوتً ا كثريًا فمنهم من يأمل البقاء إىل زمان‬
‫حبال ومنهم من هو قصري األمل وكلما قص‬ ‫ٍ‬ ‫اهلرم ومنهم من ال ينقطع أمله‬
‫األمل ج اد العمل ألنه يق در ق رب املوت فيس تعد اس تعداد ميت ف روي عن علي‬
‫رضي اهلل عنه أنه ق ال إمنا يهلك اثنت ان اهلوى وط ول األمل فأما اهلوى فيصد‬
‫عن احلق ‪.‬‬
‫وإما طول األمل فينسي اآلخرة وروي عنه أيضًا أنه قال من ارتقب املوت سارع إىل اخلريت‬
‫وص دق رمحه اهلل فلو أن غ ائبني عنك تعتقد أن أح دمها جمليئه احتم ال ق وي يف ليلتك أو يف‬
‫يومك واآلخر يتأخر بعده بشهر أو شهرين للذي ختشى أن يفاجئك قدومه سريعًا والسيما‬
‫إن ك ان قد أوص اك بوص ية نف ذهتا قبل أن يصل فيلحقك مالمة أو عقوبة وهتيئ له مع ذلك‬
‫ما تقدر عليه من حتف وما ترى أنه يناسب ويهواه ‪.‬‬
‫الْمو َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِشعرا‪ :‬تَأَه ِ‬
‫اد ال ِْعَب ِاد‬
‫ت م َيع ُ‬ ‫َْ‬ ‫فَِإ َّن‬ ‫َّب للَّ ِذي َوال بُ َّد مْنهُ‬
‫ْ‬ ‫ًْ‬
‫ت بِغَْي ِر َز ِاد‬ ‫اد َوأَنْ َ‬
‫َز ُ‬ ‫لَ ُه ْم‬ ‫يق َق ْوٍم‬ ‫سُّر َك أَ ْن تَ ُكون َر ِف َ‬
‫يَ ُ‬
‫( َفص ٌْل ) ‪ :‬اعلم وفقنا اهلل وإي اك ومجيع املس لمني أن تقصري األمل دليل على‬
‫كم ال العقل فس بيل العاقل تقصري آماله يف ال دنيا والتق رب إىل اهلل جل وعال‬
‫بصاحل األعمال ‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫فَ َدلِيل الْع ْق ِل َت ْق ِ‬


‫ص ُير األََم ْل‬ ‫ال ِفي ُّ‬
‫الدْنَيا َتُف ْز‬ ‫اآلم َ‬
‫َ‬ ‫صْر َ‬
‫قَ ِّ‬
‫ومعىن تقصري األمل استشعار قرب املوت وهلذا قال بعضهم قصر األمل سبب للزهد ألن من‬
‫قصر أمله زهد ‪ ،‬ويتولد من ط ول األمل الكسل عن الطاعة والتس ويف بالتوبة والرغبة يف‬
‫الدنيا والنسيان لآلخرة والتساهل بتأخري قضاء الديون والقسوة يف القلب ‪.‬‬
‫َن الَّ ِذي أَ ْخ َشاهُ َعنِّي ُمَؤخَُّر‬ ‫َوأ َّ‬ ‫ال أَنِّي ُم َع َّمٌر‬‫اآلم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ش ْعًرا‪ :‬تُ َخِّبُرني َ‬
‫اط ٍع ال ُيغََّيُر‬ ‫لي بِح ْك ٍم قَ ِ‬ ‫ف ومر األَرب ِعين قَ ِ‬
‫َع َّ ُ‬ ‫ضيَّ َة‬ ‫فَ َكْي َ َ َ ُ ْ َ َ‬
‫اب ال َْمنَايَا َو َم ْعبِ ُر‬ ‫ِ‬ ‫ين فَِإنَّهُ‬ ‫ِ‬
‫َسَب ِ‬‫أَس ٌير أل ْ‬ ‫إِ َذا ال َْم ْرءُ َج َاز األ َْربَع َ‬
‫وقيل من قصر أمله قل مهه وتن ور قلبه ‪ ،‬ألنه إذا استحضر املوت اجتهد يف‬
‫الطاعة ورضي بالقليل وق ال ابن اجلوزي ‪ :‬األمل م ذمومٌ إال للعلم اء فل وال ما‬
‫جعل اهلل فيهم من األمل ملا ألفوا وال صنفوا ‪.‬‬
‫ويف األمل سر لطيف جعله اهلل ل واله ملا هتنأ أحد بعيش وال ط ابت نفسه أن‬
‫يش رع بعمل من أعمال ال دنيا ‪ .‬قال ‪ « : ‬إمنا األمل رمحة من اهلل ألميت ولوال‬
‫شجرا » ‪ .‬رواه اخلطيب ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬
‫غارس‬ ‫األمل ما أرضعت أم ولدها وال غرس‬
‫عن أنس رضي اهلل عنه واملذموم من األمل االسرتس ال فيه وع دم‬
‫االستعداد ألمر اآلخرة فمن سلم من ذلك مل يكلف بإزالته ‪.‬‬
‫وورد يف ذم االسرتس ال يف األمل ح ديث أنس رفعه « أربعة من الش قاء‬
‫مجود العني وقسوة القلب وطول األمل واحلرص على الدنيا » رواه البزار ‪.‬‬
‫وروى علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه أنه قال ‪ « :‬أخوف ما أخاف‬
‫عليكم اثن ان ط ول األمل وإتب اع اهلوى ف إن ط ول األمل ينسي اآلخ رة وإتب اع‬
‫اهلوى يصد عن احلق » ‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وروي عن النيب ‪ ‬أنه ق ال ‪ « :‬ص الح ه ذه األمة بالزهد واليقني ‪،‬‬


‫وهالك آخرها بالبخل وط ول األمل » ‪ ،‬وقيل أن ط ول األمل حج اب على‬
‫القلب مينعه من رؤية ق رب املوت ومش اهدته ووقر يف األذن مينع من مساع‬
‫وجبته ودوي وقعته وبق در ما يرفع لك من احلج اب ت رى وبق در ما ختفف عن‬
‫أذنيك من الوقر تستمع ‪.‬‬
‫فانظر رمحك اهلل نظر من رفع احلجاب وفتح له الباب واستمع مساع من‬
‫أزيل وقره وخوطب سره وبادر قبل أن يبادر بك وينزل عليك وينفذ حكم اهلل‬
‫فيك فتطوى صحيفة عملك وخيتم على ما يف يديك ‪.‬‬
‫ويقال لك أجن ما غرست وألحصد ما زرعت واقرأ كتابك الذي كتبت‬
‫كفي بنفسك الي وم عليك حس يبا وبربك تب ارك وتع اىل رقيبا ‪ ،‬وعلم أن األمل‬
‫يكسل عن العمل وي ورث ال رتاخي والت واين ‪ ،‬ويعقبه التش اغل والتق اعس ‪ ،‬وخيلد‬
‫إىل األرض ومييل إىل اهلوى ‪.‬‬
‫وذا أمر قد ش وهد بالعي ان فال حيت اج إىل بي ان ‪ ،‬وال يط الب ص احبه‬
‫بربه ان ‪ ،‬كما أن قصر األمل يبعث على اجلد واالجته اد يف العمل ‪ ،‬وحيمل‬
‫على املبادرة ‪ ،‬وحيث على املسابقة قال ‪:‬‬
‫سأضرب لك يف ذلك مثالً ‪ ،‬مثل ملك من امللوك كتب إىل رجل يقول‬
‫له ‪ :‬افعل كذا وكذا ‪ ،‬وانظر كذا وكذا ‪ ،‬وأصلح كذا وكذا ‪ ،‬وانتظر رسويل‬
‫فالنا فإين سأبعثه إليك ليأتيين بك ‪.‬‬
‫ً‬
‫وإي اك مث إي اك أن يأتيك إال وقد ف رغت من أش غالك وختلصت من‬
‫أعمالك ‪ ،‬ونظرت يف زادك ‪ ،‬وأخذت ما حتتاج إليه يف سفرك ‪.‬‬
‫وإال أحللت بك عقايب وأنزلت عليك سخطي ‪ ،‬وأمرته يأتين بك مغلولة‬
‫يداك مقيدة جبالك ‪ ،‬مشمتًا بك أعداك ‪ ،‬مسحوبًا على وجهك إىل دار خزي‬
‫وهوان وما أعددته ملن عصاين ‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وإن وجدك قد فرغت من أعمالك وقضيت مجيع أشغالك أتى بك مكرمًا‬


‫مرفها إىل دار رضواين وكراميت وما أعددته ملن امتثل أمري وعمل بطاعيت‬ ‫مرفعا ً‬
‫ً‬
‫‪.‬‬
‫واح ذر أن خيدعك فالن أو فالنة عن امتث ال أم ري واالش تغال بعملي‬
‫وكتب إىل رجل آخر مبثل ذلك الكتاب ‪.‬‬
‫فأما الرجل األول فقال هذا كتاب امللك يأمرين فيه بكذا وكذا ‪ ،‬وذكر‬
‫يل رس وله ي أتيين ليحملين إليه وأنا ال أمضي إليه حىت ي أتيين رس وله ‪ ،‬ولعل‬
‫رسوله ال يأتيين إال إىل مخسني سنة فأنا على مهلة ‪.‬‬
‫وس أنظر فيما أم رين به ‪ ،‬ومل يقع الكت اب منه ب ذلك املوقع ‪ ،‬ومل ينزله‬
‫ال ‪ :‬واهلل لقد أتى كتابه إىل خلق كثري مبثل ما‬ ‫من نفسه بتلك املنزلة ‪ ،‬وق‬
‫أت اين ‪ ،‬ومل ي أهتم رس وله إال بعد الس نني الكث رية ‪ ،‬واملدد الطويلة ‪ ،‬وأنا واحد‬
‫منهم ‪.‬‬
‫ولعل رس وله يت أخر عين كما ت أخر عنهم ‪ ،‬وجعل الغ الب على ظنه أن‬
‫الرسول ال يأتيه إال إىل مخسني سنة كما ظن ‪ ،‬أو أكثر أو إىل املدة اليت جعل‬
‫لنفسه بزعمه ‪.‬‬
‫مث أقبل على إش غال نفسه مما ال حيت اج إليه ومما ك ان غنيً ا عنه وت رك‬
‫أوامر امللك والشغل الذي كلفه النظر ‪ .‬فيها واالشتغال به ‪.‬‬
‫فكلما دخلت عليه س نة ق ال ‪ :‬أنا مش غول يف ه ذه الس نة وس أنظر يف‬
‫السنة املقبلة واملسافة أمامي طويلة واملهل بعيد ‪.‬‬
‫وهكذا كلما دخلت عليه سنة قال ‪ :‬أنا مشغول ‪ ،‬وسأنظر يف األخرى‬
‫أو س أنظر يف أم ري فبينما هو على ذلك من تس ويفه ‪ ،‬واغ رتاره ‪ ،‬إذ ج اءه‬
‫رسول امللك فكسر بابه وهتك حجابه وحصل معه يف قعر بيته ‪.‬‬
‫وقال له ‪ :‬أجب امللك ‪ .‬فقال ‪ :‬واهلل لقد جاءين كتابه يأمرين فيه بأعمال‬

‫‪134‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫أعملها وأش غال أنظر له فيها ‪ ،‬وما قض يت منها ش غالً ‪ ،‬وال عملت فيها حىت‬
‫اآلن شيئًا ‪.‬‬
‫فق ال الرس ول له ‪ :‬ويلك وما ال ذي أبط أك عنها وما ال ذي حبسك عن‬
‫االشتغال هبا والنظر فيها ‪ .‬فقال ‪ :‬مل أكن أظن أنك تأتيين يف هذا الوقت ‪.‬‬
‫فق ال له ‪ :‬ويلك ومن أين ك ان لك ه ذا الظن ومن أخ ربك به ومن‬
‫أعلمك بأين ال آتيك إال يف الوقت الذي تظن ‪ .‬قال ‪ :‬ظننت وطمعت وسولت‬
‫يل نفسي وخدعين الشيطان وغرين ‪.‬‬
‫فقال له ‪ :‬أمل حيذرك امللك يف كتابه منهما وأمرك أال تسمع هلما ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬بلى واهلل لقد فعل ولقد جاءين هذا يف كتابه ولكنين خدعت فاخندعت وفتنت‬
‫فافتتنت وارتبت يف وقت جميئك فرتبصت ‪.‬‬
‫فقال له ‪ :‬ويلك غرك الغرور وخدعك املخادع أجب امللك ال أم لك ‪،‬‬
‫ق ال ‪ :‬أنش دك إال تركتين حىت أنظر فيما أم رين به ‪ ،‬أو يف بعضه أو فيما تيسر‬
‫منه حىت ال أقدم عليه يف مجلة املفرطني وعصابة املقصرين ‪.‬‬
‫وهذا مال قد كنت مجعته لنفسي ‪ ،‬وأعددته ملؤونة زماين ‪ ،‬فاتركين حىت‬
‫زادا أت زوده ودابة أركبها ‪ ،‬ف إن الطريق ش اقة ‪ ،‬واملف ازة ص عبة ‪،‬‬ ‫آخذ منه ً‬
‫والعقبة كؤود ‪ ،‬واملنزل ليس فيه ماء ‪.‬‬
‫عاصيا مثلك مث دفعه دفع ةً ألق اه على وجهه مث مجع يديه إىل‬
‫ق ال ‪ :‬أتركك حىت أك ون ً‬
‫عنقه وانطلق به جيره من خلفه خزيان ندمان جوعان عطشان ‪ ،‬وهو ينشد بلسان احلال ‪:‬‬
‫َج َّل َخطْبِي فَ َدْيتُكم أَ ْن َي ُهونَا‬ ‫يت َح ِز َينا‬ ‫ال َك ُح ْزنِي إِ َذا لَِق ُ‬
‫اسلُ ُكوا بِي َحْي ُ‬
‫ث أَلَْقى ال َْمنُونَا‬ ‫فَ ْ‬ ‫ض ِه‬
‫اق ص ْد ِري َعن ب ْع ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ضَ َ‬ ‫َ‬
‫احتِ َمالِي‬
‫َو ْ‬

‫‪135‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ضونَا‬ ‫لَبِ َح ٍال يَ ِر ُّق لِي ال َْم ْغبِ ُ‬ ‫َما تُ ِري ُد ال ُْع َدا ُة ِمنِّي َوِإنِّي‬
‫وم قَطَ ْع َن ِمنِّي الَْوتِ َينا‬ ‫َو ُه ُم ٌ‬ ‫ب ُفَؤ ِادي‬ ‫ات َهَت ْك َن ُح ْج َ‬ ‫َز َفَر ٌ‬
‫الف َش ْر ًعا َو ِد َينا‬ ‫ْخ َ‬ ‫ت ال ِ‬
‫َواتَّ َخ ْذ ُ‬ ‫يك َق ْوالً َو ِف ْعال‬ ‫ت َع ْه َد الْمِل ِ‬ ‫ُخْن ُ‬
‫َ‬
‫اب ِمْنهُ ُفنُونَا‬ ‫ت ال ِْع َق ِ‬
‫اجَتَنْي ُ‬
‫فَ ْ‬ ‫ْحَي ِاة َكِفي َشًرا‬ ‫ِ‬
‫َغَر َست في ال َ‬
‫ظَالِ ٌم َن ْف َسهُ بِأَ ْن ال يَ ُكونَا‬ ‫لَْيَتنِي لَ ْم أَ ُك ْن َوأَيْ َن لِ ِمثِْلي‬
‫يم األَنِ َينا‬ ‫ٍ ِ‬
‫َم سَوى َح ْسَرة تُد ُ‬
‫ِ‬ ‫يل لِي الَْي ْو‬ ‫ِ‬
‫يَا َخليلي َوال َخل َ‬
‫ِِ‬
‫ُق َو َخَلى بِغَْبنِ ِه ال َْم ْغبُونَا‬ ‫السو‬‫ت ُّ‬ ‫ضِ‬ ‫الرابِ ُحو َن َواْن َق َ‬
‫َربَ َح َّ‬
‫صَب ًة َيْب ُكونَا‬ ‫أ َْو فَ َد ْعنِي َو ُع ْ‬ ‫اك ُمِفي ًدا‬ ‫فَابْ ِكينِي إِ ْن يَ ُك ْن بُ َك َ‬
‫اللهم يا من ال تض ره املعص ية وال تنفعه الطاعة أيقظنا من ن وم الغفلة‬
‫ونبهنا الغتن ام أوق ات املهلة ووفقنا ملص احلنا واعص منا من قبائحنا وال تؤاخ ذنا مبا‬
‫انط وت عليه ض مائرنا وأكنته س رائرنا من أن واع القب ائح واملع ائب اليت تعلمها منا‬
‫‪ ،‬وامنن علينا يا موالنا يف بتوبة متحو هبا عنا كل ذنب ‪ ،‬اللهم اجعلنا من‬
‫املتقني األب رار وأس كنا معهم يف دار الق رار ‪ ،‬اللهم وفقنا حبسن الإقب ال عليك‬
‫واإلص غاء إليك ووفقنا للتع اون يف طاعتك واملب ادرة إىل خ دمتك وحسن اآلداب‬
‫يف معاملتك والتس ليم ألم رك والرضا بقض ائك والصرب على بالئك والش كر‬
‫لنعمائك ‪ ،‬واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني األحياء منهم وامليتني برمحتك يا‬
‫أرحم الرامحني وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫صلٌ )‬
‫( فَ ْ‬
‫وأما اآلخر الذي كتب إليه امللك مبثل ما كتب إىل هذا فإنه أخذ كتاب‬
‫امللك وقبلهن وق رأه وتص فحه وت دبره ‪ ،‬وق ال ‪ :‬أرى امللك قد كتب إيل ب ان‬
‫أعمل له كذا وكذا ‪ ،‬وأقضي له كذا وكذا ‪ ،‬وأنظر له يف كذا وكذا ‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ومن أين سبقت يل هذه السابقة عند امللك ‪ ،‬ومن الذي عىن يب عنده‬
‫‪ ،‬ومن الذي أنزلين منه هذه املنزلة ‪ ،‬حىت جعلتين من بعض خدامه ‪ ،‬والقائمني‬
‫بأمره ‪.‬‬
‫واهلل إن هذه لسعادة واهلل إهنا لعناية احلمد هلل رب العاملني ‪ ،‬مث نظر يف‬
‫الكت اب وق ال ‪ :‬أمسع امللك وقد ق ال يل يف كتابه ‪ ،‬وانتظر رس ويل ف إين س أبعثه‬
‫إليك لي أتيين بك وأره مل حيد يل ال وقت ال ذي يبعث فيه الرس ول إيل وال مساه‬
‫يل ‪.‬‬
‫ولعلي ال أفرغ من قراءة كتابه إال ورسوله قد أتاين ونزل علي ‪ ،‬واهلل‬
‫ال قدمت شغالً على شغل امللك وال نظرت يف شيء إال بعد فراغي مما أمرين‬
‫ومركوب ا أركبه إذا ج اءين رس وله ومحلين‬
‫ً‬ ‫زادا أت زود به ‪،‬‬
‫به امللك ‪ ،‬وإع دادي ً‬
‫إليه ‪.‬‬
‫فتعرض له رجل وقال له ‪ :‬مل هذه املسارعة كلها وفيم هذه املبادرة كلها‬
‫؟ فق ال له ‪ :‬وحيك أما ت رى كت اب امللك مبا ج اءين ‪ ،‬أما تس مع ما فيه أما‬
‫تصدقه ‪ ،‬أما تؤمن به ‪ ،‬قال يل ‪ :‬مسعت وآمنت وصدقت ‪ ،‬ولكن مل يقل لك‬
‫معلوما ‪.‬‬
‫ً‬ ‫غدا وال وقتًا‬
‫فيه إن رسوله يأتيك اليوم وال ً‬
‫ولكنه سيأتيك وقد جاء كتابه إىل فالن الذي قد جاءك أنت به ‪ ،‬وقد‬
‫منتظرا لرسوله أكثر من سبعني سنة ‪ ،‬وإىل اآلن ما أتاه ‪.‬‬
‫ً‬ ‫بقي‬
‫وبعد زم ان طويل ما ج اءه ‪ ،‬وفالن أت اه بعد مثانني س نة ‪ ،‬وفالن أت اه‬
‫بعد مائة س نة ‪ ،‬وأنت واحد من املرسل إليهم ‪ ،‬فلم ه ذه العجلة ‪ ،‬وفيم ه ذا‬
‫اإلسراع ‪.‬‬
‫فالنا قد جاءه كتاب امللك هبذا الذي جاءين‬ ‫فقال ‪ :‬وحيك أما ترى أنت ً‬
‫وجاءه الرسول يف إثر جميء الكتاب ‪ ،‬وفالن قد جاءه بعد سنة ‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫فق ال ‪ :‬بلى ولكن ال تنظر إىل ه ؤلاء خاصة وانظر إىل ال ذين قلت لك‬
‫ممن ت أخر عنه اجمليء فق ال له ‪ :‬دعين يا ه ذا فقد ش غلتين واهلل وإين ألخ اف أن‬
‫يأتيين الرسول وأنا أكلمك ‪.‬‬
‫مث أقبل على ما أمره به امللك فامتثله ‪ ،‬ونظر فيما حد له ‪ ،‬واشتغل مبا‬
‫جيب عليه أن يش تغل به ‪ ،‬وأخذ ال زاد لس فره ‪ ،‬وأخذ األهبة بطريقه وجعل‬
‫ميين ا ومشاالً ينظر من أين يأتيه ومن أين‬ ‫ينتظر الرس ول أن يأتيه وأقبل يلتفت ً‬
‫يقبل عليه ‪.‬‬
‫فبينما هو كذلك وإذا برسول امللك قد أتاه فقال ‪ :‬أجب امللك ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫نعم ‪ .‬قال ‪ :‬الساعة ‪ ،‬قال ‪ :‬الساعة ‪ ،‬قال ‪ :‬وفرغت مما أمرك به ‪ ،‬وعملت ما‬
‫حد لك أن تعمله ‪ ،‬قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬فانطلق ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬بسم اهلل فخلع عليه خلعة األولياء وكساه كسوة األصفياء وأعطاه‬
‫مركبا يليق به وجيمل مبثله وانطلق به حبور وسرور ‪.‬‬
‫ً‬
‫فبان لك هبذا املثل وبغريه فضلية قصر األمل ‪ ،‬وفضيلة املبادرة إىل العمل‬
‫‪ ،‬واالستعداد للموت قبل نزوله ‪ ،‬واالنتظار قبل حلوله ‪.‬‬
‫وقد كثر احلض على هذا وكثرت األقاويل فيه ‪ ،‬ومل يزل املذكرون يذكرون واملنبهون‬
‫قابال فال حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم‬
‫حافظا وحمالً ً‬
‫وقلبا ً‬
‫مسعا ووعيًا ً‬
‫ينهبون لو جيدون ً‬
‫‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫ال َْمنِيَِّة َع ْقَبهُ َيَت َدفَّ ُق‬ ‫َوبْ ُل‬ ‫ب أَْيَق َن إِنَّ َما‬ ‫ِش ْعًرا‪َ :‬م ْن َش َام َب ْر َق َّ‬
‫الشْي َ‬
‫ض ْحَو ًة أ َْو يَط ُْر ُق‬ ‫اج ُؤ َ‬ ‫يَف ِ‬
‫ُ‬ ‫َجالً‬‫أَ‬ ‫يل ُمَب ِاد ًرا‬‫فَأ َِع َّد َز ًادا لِ َّلر ِح ِ‬
‫اللهم إن كنا مقص رين يف حفظ حقك ‪ ،‬والوف اء بعه دك ‪ ،‬ف أنت تعلم‬
‫ص دقنا يف رج اء رف دك ‪ ،‬وخ الص ودك ‪ ،‬اللهم أنت أعلم بنا منا ‪ ،‬فبكم ال‬
‫ج ودك جتاوز عنا ‪ ،‬واغفر لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني األحي اء منهم واملي تني‬
‫برمحتك‬

‫‪138‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫يا أرحم الرامحني وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫ْف َم ْو ُجو ٌد َعلَى ُك ِّل َح ْال‬ ‫َواللُّط ُ‬ ‫ال ُْم َح ْال‬ ‫ضايَا‬
‫قَ َ‬ ‫ِش ْعًرا‪َ :‬د َو ُام َح ٍال ِم ْن‬
‫والْج ُّد بِال ِ‬ ‫الظَُّبى‬ ‫ُم َحلَّى‬ ‫َّص ُر بِ َّ‬
‫ْحد َم ِر َ‬
‫يش النَِّب ْال‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫الصْب ِر‬ ‫َوالن ْ‬
‫ْم َواللََّيالِي ِس َج ْال‬
‫ب َو َسل ٌ‬‫َح ْر ٌ‬ ‫ادةُ األَيَّ ِام َم ْع ُه َ‬
‫ودةٌ‬ ‫َو َع َ‬
‫ات انْتَِق ْال‬ ‫ال َذ ُ‬ ‫َح ٍال فَِإ َّن ال َ‬
‫ْح َ‬ ‫الد ْه ِر انْتَِقا ٌد َعلَى‬ ‫َو َما َعلَى َّ‬
‫الف اللَِّي ْال‬ ‫ِمن ا ْعتِبا ٍر بِا ْخت ِ‬ ‫الف َو َك ْم‬ ‫من لِلَّيالِي بِائْتِ ٍ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َْ َ‬
‫الل َج َم ْال‬ ‫َتُفُّر ٌق َج ْم ٌع َج ٌ‬ ‫أَ ْخ ٌذ َعطَاءٌ ِم ْحَنةٌ ِمْن َحةٌ‬
‫َكأَنَّ َما َه ِذي اللََّيالِي ْ‬
‫آلل‬ ‫ال انْتِظَام َوانْتِثَا ٍر َم ًعا‬ ‫َح ُ‬
‫ض َد ِاد إِال ِمثَ ْال‬ ‫لِ َخ ْلَق ِة األَ ْ‬ ‫الد َجى‬ ‫الصْب ِح َو ُجْن ُح ُّ‬ ‫َو َه ْل َسَنا ُّ‬
‫تَ ُد ُّل َوال ُْع ْس ُر بِيُ ْس ٍر يُ َد ْال‬ ‫ْك َعلَى نُو ِر َها‬ ‫ْحل ُ‬
‫ْم ال ُ‬ ‫ُّ‬
‫َوالظل ُ‬
‫ص ْف َحَتْي ِه ِّ‬
‫الصَق ْال‬ ‫ثُ َّم يُ َجلِّي َ‬ ‫ص َدأُ ِفي ِغ ْم ِد ِه‬ ‫ف قَ ْد يَ ْ‬ ‫السْي ُ‬
‫َو َّ‬
‫ث ِمن بع ِد الْ ُقنُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫س َب ْع َد ال ِْغ ِيم تُ ْجلَى َك َما‬
‫وط انْ ِه َم ْال‬ ‫ل ْلغَْي ِ ْ َ ْ‬ ‫َو َّ‬
‫الش ْم ُ‬
‫ف لَ ْم تَ ْج ِر َي ْو ًما بَِب ْال‬ ‫لَطَائِ ٌ‬ ‫وب تَ ْج ِري بِِه‬ ‫ج ال َْم ْو ُه ُ‬ ‫َوالَْفَر ُ‬
‫ُح ْل ٍو َو ُمٍّر َوا ْعتِ َدا َوا ْعتِ َد ْال‬ ‫الد ْهَر بِ َحالَْي ِه ِمن‬
‫صابِ ِر َّ‬ ‫فَ َ‬
‫الر َج ْال‬ ‫الصْب ُر ُحِل ُّي ِّ‬ ‫َوإِنَّ َما َّ‬ ‫صْبٌر َعلَى َحالٍَة‬ ‫فَ َما لَهُ َ‬
‫ب ال َْم َج ْال‬ ‫ِ‬
‫صْن ُع اهلل َر ْح ُ‬ ‫ت فَ ُ‬ ‫ضاقَ ْ‬‫َ‬ ‫ص ْد ُر َك ِم ْن أَ ْز َم ٍة‬ ‫يق َ‬ ‫ضُ‬ ‫وال ي ِ‬
‫َ َ‬
‫ْف َك َح ِّل ال ِْع َق ْال‬ ‫َفَّر َج َها لُط ٌ‬ ‫ْف ال َْع ْق ِل َك ْم ُك ْربٍَة‬ ‫وانْظُر بِلُط ِ‬
‫َ ْ‬
‫حجى إِال َعلَْي ِه اتِّ َك ْال‬ ‫ً‬ ‫لِ ِذي‬ ‫َو ُك ُّل إِلَْي ِه ُك َّل ٍ‬
‫حاج فَ َما‬
‫يد انْ ِحاللْ‬ ‫الش ِد ِ‬
‫ْب َّ‬ ‫َوغَايَة الْ َخط ِ‬ ‫َو ُكل بَ ْد ٍء َفلَهُ غَايَة‬
‫آل‬‫َوآيَةُ ال َْع ْق ِل ا ْعتَِب ُار ال َْم ْ‬ ‫َو ُكل َع ْو ٍد َفلَهُ آيَة‬
‫ِ‬ ‫و ِفي َم ِ‬
‫َجر ُيَن ْال‬ ‫م ْن َفَرج يُ ْدنِي َوأ ْ‬ ‫ضا‬‫الر َ‬ ‫الصْب ِر ُع ْقَبى ِّ‬ ‫آل َّ‬ ‫َ‬
‫يد ال َْم َح ْال‬ ‫الش ِد ِ‬
‫ب َّ‬ ‫َيغُُّر بِ َّ‬
‫الر ِّ‬ ‫ت لِل َْعْب ِد الض َِّعيف الْ ُقَوى‬ ‫َع ِجْب ُ‬

‫‪139‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ث أ ََمالَته َم ْال‬ ‫وع ال َْهَوى َحْي ُ‬ ‫طُلُ ُ‬ ‫اآلم ِال ُم ْسَت ْر ِسالً‬ ‫َي ْه ِوي َم َع َ‬
‫س إِال َخَب ْال‬ ‫النْف ِ‬‫ال َّ‬ ‫َو َه ْل َخَي ُ‬ ‫س بَِت ْخيِ ِيل َها‬ ‫النْف َ‬
‫تَ ْخ َد ُعهُ َّ‬
‫ات ِم َّما يَ َخ ْال‬ ‫تَدبِْي ُر ُه ‪َ ..‬هْي َه َ‬ ‫األمَر َجا ٍر َعَلى‬ ‫ال أَ ْن ْ‬ ‫يَ َخ ُ‬
‫ْك ِه ال َْملْك َو َما إِ ْن َيَز ْال‬ ‫ِفي مل ِ‬
‫ُ‬ ‫األمر لِ َم ْن لَ ْم َيَزل‬ ‫ْق َو ْ‬ ‫َوالْ َخل َ‬
‫ع انِْف َع ْال‬‫ُمَر ِاد ِه َوالْ ُك ُّل طَْو ُ‬ ‫َوالِْف ْع ُل َوالتَّْر ُك لُيل َعَلى‬
‫ضي ُح ْك ُمهُ ال ُيَب ْال‬ ‫َد ْفع ويم ِ‬ ‫ضي فَال‬ ‫ي ْع ِطي فَال مْن ٌع وي ْق ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫َ ََ‬ ‫ُ‬
‫َت ْق ِد ُير َما ِفي الْ َك ْو ِن ُسْف ٍل َو َع ْال‬ ‫األمَر َف َع ْن أ َْم ِر ِه‬
‫يُ َدِّبُر ْ‬
‫دى أ َْو‬ ‫ِ‬ ‫ض ُّل َي ْه ِدي ُح ْك ُمهُ أَْنَف َذ َ‬ ‫يِ‬
‫ضالً َو َع ْدالً في ُه ً‬ ‫فَ ْ‬ ‫ت‬ ‫ُ‬
‫الل َجال ال َْع ْقل ِف َيها َم َج ْال‬ ‫ض لِ َْم‬
‫َماَ‬ ‫َو ُح ْك ُمهُ الَْبا ِرئ ِفي ُح ْك ِم ِه‬
‫السَؤ ْال ؟!‬
‫ُّ‬ ‫يم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قَ ْد قُض َي األ َْم ُر فَف َ‬ ‫ب ال يُ ْسأ َُل َع ْن ِف ْعِل ِه‬ ‫الر َ‬
‫َو َّ‬
‫ا ْشتِغَ ْال‬ ‫ِفي َغْي ِر ِه لِلِْف ْك ُر َح َّق‬ ‫َفَيا أَ َخا الِْف ْك ِر ا ْشتِغَاالً بِ َما‬
‫يم بَ ْال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َيْنَف ُذ تَ ْسليم َوَتْنع ُ‬ ‫َّسِل ِيم ِم ْن ُك ِّل َما‬ ‫ِ‬
‫َسلِّ ْم فَفي الت ْ‬
‫ك ِف ِيه َم َج ْال‬ ‫َف َع ْك ِس ِه َما لَ َ‬ ‫أ َْو نِلَْتهُ‬ ‫ك‬ ‫ض بِ َما فَاتَ َ‬ ‫َو ْار ِ‬
‫الدْنَيا لِ َحال ُم َح ْال‬ ‫َت ْر َك ْن ِم َن ُّ‬ ‫ْح ِّق ال‬ ‫ال َ‬ ‫َو َفِّوض األ َْمَر إِلَى‬
‫ال َوِم َن ال َْع ْذ ِل َخ ْال‬ ‫بِال َْع ْد ِل َح َ‬ ‫يما َّاتَقى َو ْارتَ َجى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فَ ُذو الْح َجى ف َ‬
‫ِفي ُك ِّل َح ٍال َما َع ِن ال َْع ْه ِد َح ْال‬ ‫ضا‬‫الر َ‬
‫ب ُك َّل ِّ‬ ‫ضى بِِق ْس ِم َّ‬
‫الر ِّ‬ ‫َي ْر َ‬
‫ْخ ْ‬
‫الل‬ ‫ما سَّر أَو ساء أَبَّر ال ِ‬ ‫الصْب ُر ِفي‬ ‫الش ْك ِر َو َّ‬
‫الل ُّ‬ ‫ُيَرى َخ َ‬
‫َ َ ْ ََ َ‬
‫ْصى َمنَ ْال‬ ‫ُمنَاهُ ِفي َّ‬
‫الد َاريْ ِن أَق َ‬ ‫ال ِم ْن‬ ‫ْحالَْي ِن قَ ْد نَ َ‬‫َف ُهَو َعلَى ال َ‬
‫الل!‬ ‫ْصَر َم َّد الظِّ ْ‬ ‫َكالظِّ ِّل َما أَق َ‬ ‫الدْنَيا َعلَى ُمِّر َها‬‫ْصَر ُّ‬ ‫َما أَق َ‬
‫ث قَ ْال‬ ‫ال َي ْو ًما َحا ِزم َحْي ُ‬‫َما قَ َ‬ ‫زما فَِفي ِظلِّ َها‬ ‫فَافْطَن لَ َها َح ً‬
‫ائي ال َْعْي ُن إِال َخَي ْال‬ ‫ش إِال َكَر ًى‬ ‫يَقظَ ِ‬
‫ات ال َْعْي ِ‬
‫َوال َمَر َ‬ ‫َ‬ ‫َما‬
‫الش ْع ُر َق ْو ٌل قَ ْد ُيَن ِافي الِْف َع ْال‬
‫َو ِّ‬ ‫ت ِش ْع ِري َوال ُْمَنى ِعْبَرة‬ ‫لَْي َ‬ ‫يَا‬

‫‪140‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫فَالن َّْو ُم ِفي لَْي ٍل ِم َن اللَّ ْه ِو طَ ْال‬ ‫صْب ُحهُ‬ ‫ِ ِ‬


‫ب َه ْل يُوقظُني ُ‬ ‫َو َّ‬
‫الشْي ُ‬
‫َو َعْثَرتِي ِم ْن ِعْبَرتِي َه ْل ُتَق ْال‬ ‫َو ِك ْسَرتِي ِم ْن ُع ْسَرتِي َه ْل تَِقي‬
‫ان َوال َْهَوى ِفي َتَو ْال‬ ‫َع ْزِمي َتو ٍ‬ ‫َه َذا َز َمانِي ِفي َتَو ٍّل َو ِفي‬
‫َ‬
‫ِّث َن ْف َسهُ بِ ْارتِ َح ْال‬ ‫َولَ ْم يحد ْ‬ ‫احَت َّل بِ َدا ِر الَْبال‬‫ال َم ْن ْ‬ ‫َح ُ‬
‫احتَِي ْال‬‫ال َع َم ٌل ال ُح َّجةٌ ال ْ‬ ‫ص ِم ْن َزلَّتِي‬ ‫ِ‬
‫ب َما ال ُْم ْخل ُ‬ ‫يَا َر ِّ‬
‫اع ِة لَ ْم أَلَْق َها بِ ْامتِثَ ْال‬
‫َع ْن طَ َ‬ ‫اك ِمثِْلي بِِه‬ ‫ب َما َي ْلَق َ‬ ‫يَا َر ِّ‬
‫احتِ َم ْال‬ ‫ف بِالنَّا ِر لِ َ ِ‬ ‫َح ِم ُل َحَّر َّ‬
‫ض ْعفي ْ‬ ‫فَ َكْي َ‬ ‫الصَبا‬ ‫ب ال أ ْ‬ ‫يَا َر ِّ‬
‫اعي النِّ َك ْال‬ ‫بِأَ ْخ ِذ ح ْذ ِري ِمن دو ِ‬ ‫ت لِي‬‫ف ُع ْذ ِري َوقَ ْد أَ ْع َذ ْر َ‬ ‫أ َْم َكْي َ‬
‫ْ ََ‬ ‫ُ‬
‫ين ِمثِْلي انْثَِي ْال‬ ‫ِ‬
‫لَ َها َعلَى ال َْعاص َ‬ ‫ك اللَّ ُه َّم فَ ِه َي الَّتِي‬ ‫َر ْح َمَت َ‬
‫ص ْل َو َو ْال‬ ‫لَ ِكن رجا آمالَِنا ِ‬
‫ْ ََ َ‬ ‫َوال ُت َع ِاملَْنا بِأَ ْع َمالَِنا‬
‫اللهم ن ور قلوبنا واش رح ص دورنا واسرت عيوبنا وأ َِّم ْن خوفنا واختم‬
‫بالصاحلات أعمالنا واجعلنا من عبادك الصاحلني وحزبك املفلحني الذين ال خوف‬
‫عليهم وال هم حيزنون وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫صلٌ ) ‪ :‬مث اعلم أن قصر األمل ديدن العلماء العاملون املتقون الورعون املبعدون عن‬
‫( فَ ْ‬
‫التك الب على ال دنيا الزاه دون يف حطامها الف اين وك ذلك أرب اب القل وب الواعية وإن مل‬
‫يكون وا علم اء يقص رون أملهم وحيتق رون ال دنيا ويعلمون أهنا زائلة عكس ما عليه أكثر أهل‬
‫هذا الزمان عبيد الدنيا للبطون والفروج ‪.‬‬
‫ال َم ْق ُرونًا بِِه الْ َك َد ُر‬ ‫قَ ْد يَ ْكُث ُر ال َْم ُ‬ ‫ِش ْعًرا‪ :‬ال تَ ْح ِس َد َّن َغنِيًّا ِفي َتَن ُّع ِم ِه‬
‫َوالْ َماءُ ِعْن َد ا ْز ِديَ ِاد الن ِ‬
‫ِّيل َي ْعَت ِك ُر‬ ‫ت َمَوا ِر ُد َها‬ ‫صُفو ال ُْعيُو ُن ِإ َذا َقلَّ ْ‬‫تَ ْ‬
‫َم َح ُّل َفَن ٍاء ال َم َح ُّل َبَق ِاء‬ ‫ِ‬
‫الدْنَيا فَِإ َّن فَن َ‬
‫اء َها‬ ‫آخر‪ :‬تَ َحَّر ْز ِم َن ُّ‬
‫احُت َها َم ْق ُرونَةٌ بَِعنَ ِاء‬
‫َو َر َ‬ ‫وجةٌ بِ َك ْد َو َر ٍة‬‫وفتها َم ْم ُز َ‬‫ص ْف َ‬‫فَ َ‬
‫ص ُل ُه ْجَرا ُن‬
‫ص ْف ُو َها َك َدر َوالَْو ْ‬
‫فَ َ‬ ‫الدْنَيا َو ُز ْخ ُر ِف َها‬ ‫آخر‪َ :‬د ِع الُْفَؤ َاد َع ِن ُّ‬

‫‪141‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫َعْي َشةُ الَْقانِ ِع ِف َيها أ َْو أَقَ ْل‬ ‫ص ِيل َها‬


‫ب ِفي تَ ْح ِ‬ ‫الر ِ‬
‫اغ ِ‬ ‫آخر‪َ :‬عْي َشةُ َّ‬
‫ات ِمْن َها ِفي ِعلَ ْل‬ ‫يم بَ َ‬ ‫ِ‬
‫َو َعل ٌ‬ ‫ات ِف َيها ُم ْكثًِرا‬ ‫َكم َج ُه ٍ‬
‫ول بَ َ‬ ‫ْ‬
‫ٍِ‬ ‫ِ‬
‫اء َبَقاءُ‬‫َعلَى ثَقة إِ َّن الَْبَق َ‬ ‫ول الَْبَقاء َكأَنَّهُ‬ ‫ب الَْفَتى طُ َ‬
‫آخر‪ :‬يُ َح ُّ‬
‫َويَطْ ِو ِيه إِ ْن َج َّن ال َْم َساءُ َم َساُء‬ ‫إِ َذا َما طََوى َي ْو ًما طَ ِو َي الَْي ْو ُم‬
‫ص ال ِ‬ ‫ص َحَياتِِه‬ ‫ادَ ِ ِ‬
‫ْحَياة نَ َماءُ‬ ‫َوأَنِّي َعَلى َن ْق ِ َ‬ ‫ضتُهُ في الْج ْس ِم َن ْق ُ‬
‫َبِزْيعَ َ‬
‫ق ال ‪ « : ‬ما ال دنيا يف اآلخ رة إال مثل ما جيعل أح دكم أص بعه يف اليم فلينظر‬
‫يرجع » ‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬ ‫مب‬
‫وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال ‪ :‬أخذ رسول اهلل ‪ ‬مبنكيب فقال ‪:‬‬
‫« كن يف الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل "‪ .‬وكان ابن عمر رضي اهلل عنهما‬
‫يق ول ‪ :‬إذا أمس يت فال تنتظر الص باح وإذا أص بحت فال تنتظر املس اء وخذ من‬
‫صحتك ملرضك ومن حياتك ملوتك رواه البخاري ‪.‬‬
‫ولبعضهم على هذا احلديث ‪:‬‬
‫يل‬‫َغ ِر ًيبا َكئًِبا َعابًِرا لِ َسِب ِ‬ ‫اك‬‫ِفي َشأ ِْن ُدْنَي َ‬ ‫ُك ْن‬ ‫اح‬
‫صِ‬ ‫أَيَا َ‬
‫َبَق ُاؤ َك ِف َيها ِم ْن أَقَ ِّل قَِل ِ‬
‫يل‬ ‫ك ِإنَّ َما‬ ‫الَْقْب ِر َن ْف َس َ‬ ‫أ َْه ِل‬ ‫َهو ُِعذ ِهَّد ِم ْن‬
‫قالوا يف شرح هذا احلديث معناه ال تركن إىل الدنيا وال تتخذها وطنًا‬
‫وال حتدث نفسك بط ول البق اء فيها وال تش تغل فيها إال مبا يش تغل به الغ ريب‬
‫فقط الذي يريد الذهاب إىل أهله وأحوال اإلنسان ثالث حال مل يكن فيها شيئًا‬
‫وهي قبل أن يوجد ‪.‬‬
‫وح ال أخ رى وهي من س اعة موته إىل ما ال هناية يف البق اء الس رمدي‬
‫فإن لنفسك وجود بعد خروج الروح من البدن إما يف اجلنة وإما يف النار وهو‬
‫اخللود الدائم وبني هاتني احلالتني حالة متوسطة وهي أيام حياته يف الدنيا فانظر‬
‫إىل مق دار ذلك بالنس بة إىل احلالتني يت بني لك أنه أقل من طرفة عني يف مق دار‬
‫عمر الدنيا ‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ومن رأى الدنيا هبذه الصفة وهبذا التفكري السليم مل يلتفت إليها ومل‬

‫‪143‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫يبايل كيف انقضت أيامه هبا يف ضرر وضيق أو سعة ورخاء ورفاهية وهلذا مل‬
‫يضع النيب ‪ ‬لبنة على لبنة وال قصبة على قصبة ‪.‬‬
‫وقال عيسى عليه السالم ‪ :‬الدنيا قنطرة فاعربوها وال تعمروها هذا مثل واضح فإن الدنيا‬
‫معربا إىل اآلخرة واملهد هو الركن األول على أول القنطرة واللحد هو الركن الثاين على آخر‬
‫القنطرة ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِشعرا‪ :‬وما ه ِذ ِه األَيَّام إِال مر ِ‬
‫ض‬‫َّاس إِال َراح ٌل فَ ُمَقِّو ُ‬ ‫َو َما الن ُ‬ ‫اح ٌل‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫ًْ َ َ َ‬
‫َوَي ْه ِد ُم ِفي َح ِال ال َْم ِش ِ‬
‫يب‬ ‫َكا َن الَْفَتى َيْبنِي أ ََوا َن َشَبابِِه‬
‫ضيل سُت ْلَقى بْين أ َْمو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْب َعن ِذ ْك ِر الْمنِيَّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‬ ‫ََ َ‬ ‫َعوََّيمْان ُق قَلُ َ‬ ‫ات‬ ‫َ‬ ‫آخر‪ :‬يَا غَاف َل الَْقل ِ ْ‬
‫اهلل ِمن لَ ْه ٍو ولَ َّذ ِ‬ ‫وتُب إِلَى ِ‬ ‫ْحلُ ِ‬ ‫فَا ْذ ُكر محلَّ َ ِ‬
‫ات‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ول‬ ‫ك م ْن َقْب ِل ال ُ‬ ‫ْ ََ‬
‫اع ِ‬ ‫فَا ْذ ُكر م ِ‬ ‫بإِِهَّن ال ِ‬
‫ات‬ ‫ب أَيَّ ٍام َو َس َ‬‫صائ َ‬‫ْ َ َ‬ ‫ْت إِلَى أ َ‬
‫َج ٍل‬ ‫ْح َم َام لَهُ َوق ٌ‬
‫ب أَ ْن‬ ‫ت يَا َذا اللُّ ِّ‬ ‫قَ ْد آ َن لِلْمو ِ‬ ‫ال تَط َْمئِ َّن إِلَى ُّ‬
‫الدْنَيا َو ِز َينَت َها‬
‫َْ‬
‫وصحبهأْتِيأمجعني ‪.‬‬ ‫يَ‬ ‫وصلى اهلل على حممد وعلى آله‬
‫صلٌ )‬
‫( فَ ْ‬
‫ومن الناس من قطع نصف القنطرة ومنهم من قطع ثلثها ومن الناس من‬
‫قطع الثل ثني ومنهم من قطع ثالثة أرب اع املس افة ومنهم من مل يبق له إال مثن‬
‫املس افة ومنهم من مل يبق له إال خطوة واح دة وهو غافل عنها وكيف ما ك ان‬
‫فالبد من العب ور فمن وقف يبين على القنط رة ويزينها وهو يس تحث على العب ور‬
‫عليها فهو يف غاية اجلهل واحلمق والسفه ‪.‬‬
‫وروي عن احلسن قال بلغين عن رسول اهلل ‪ ‬انه قال إمنا مثلي ومثلكم‬
‫ومثل الدنيا كمثل قوم سلكوا مفازة غرباء حىت إذا مل يدروا ما سلكوا‬

‫‪144‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫منها ‪ ،‬أو ما بقي أنف ذوا ال زاد وخس روا الظهر وبق وا بني ظه راين املف ازة ‪ ،‬ال‬
‫زاد وال محولة فأيقنوا باهللكة ‪.‬‬
‫فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم رجل يف حلة ‪ ،‬يقطر رأسه فقالوا ‪ :‬أن‬
‫بريف ‪ ،‬وما ج اء ه ذا إال من ق ريب ‪ ،‬فلما انتهى إليهم ق ال‬ ‫ٍ‬ ‫ه ذا ق ريب عهد‬
‫‪ :‬يا ه ؤالء عالم أنتم ق الوا ‪ :‬على ما ت رى ق ال ‪ :‬أرأيتكم إن ه ديتكم على م اء‬
‫رواء ورياض خضر ‪ ،‬ما تعملوا قالوا ‪ :‬ال نعصيك شيئًا ‪.‬‬
‫ق ال ‪ :‬عه ودكم وم واثيقكم باهلل ‪ ،‬ف أعطوه عه ودهم وم واثيقهم باهلل ال‬
‫ورياض ا خضراء فمكث فيهم ما شاء اهلل ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫شيئا ‪ ،‬قال ‪ :‬فأوردهم ًماء‬ ‫يعصونه ً‬
‫مث ق ال ‪ :‬يا ه ؤالء الرحيل ق الوا إىل أين ق ال ‪ :‬إىل م اء ليس كم ائكم ‪ ،‬وإىل‬
‫رياض ليست كرياضكم فقال ‪ :‬أكثر القوم واهلل ما وجدنا هذا حىت ظننا أن لن‬
‫جنده وما نصنع بعيش خري من هذا ‪.‬‬
‫وقالت طائفة ‪ :‬أمل تعطوا هذا الرجل عهودكم ومواثيقكم باهلل ال تعصوه‬
‫وقد صدقكم يف أول حديثه فواهلل ليصدقنكم يف آخره ‪ .‬قال ‪ :‬فراح فيمن اتبعه‬
‫وختلف بقيتهم فنزل هبم عدو فأصبحوا من بني أسري وقتيل ‪.‬‬
‫وعن ابن عمر أن رس ول اهلل ‪ ‬ق ال ‪ « :‬ما حق ام رئ مس لم له ش يء‬
‫يوصي فيه يبيت ليلتني أال ووصيته مكتوبة عنه » ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫خارج ا‬
‫ً‬ ‫وعن أنس رضي اهلل عنه قال ‪ :‬خط النيب ‪ ‬خطً ا مربعً ا وخط خطً ا يف الوسط‬
‫خطط ا ص غارًا إىل ه ذا ال ذي يف الوسط من جانبه فق ال ‪ « :‬ه ذا اإلنس ان وه ذا‬
‫منه وخط ً‬
‫أجله حميط به ‪ -‬أو قد أحاط به ‪ .‬وهذا الذي هو خارج أمله وهذه اخلطط الصغار األعراض‬
‫فأن أخطأه هذا هنشه هذا وان أخطأه هذا هنشه هذا » ‪ .‬رواه البخاري ‪.‬‬
‫الصْب ُر ُم ْفَت ِر ُق‬
‫َو َّ‬ ‫ب ُم ْجَت ِم ٌع‬ ‫ُم ْحَتَر ٌق َو َّ‬ ‫ِ‬
‫َوالْ َك ْر ُ‬ ‫الد ْم ُع‬ ‫ْب َن َه َشهُ‬ ‫ش ْعًرا‪ :‬الَْقل ُ‬
‫ِم َّما َجَن ُاه ال َْهَوى‬ ‫ُمَكيسَتَبِ‬
‫الش ْو ُق َوالَْقلَ ُق‬‫َو َّ‬ ‫َعلَى َم ْن ال ِفَر َار لَهُ‬ ‫فٌق الِْفَر ُار‬ ‫ْْ‬

‫‪145‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫فَامنُن َع َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫رم ُق‬‫لي بِه َما َد َام بِي ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ح‬ ‫ب إِ ْن َكا َن لي بِه َفَر ٌ‬ ‫يَا َر ُّ‬
‫ص ُير‬‫ِحرص طَ ِويل و ُعمر ِف ِيه َت ْق ِ‬ ‫ِ‬
‫الدْنَيا َويَ ْخل ُقهُ‬ ‫آخر‪َ :‬وال َْم ْرءُ ُيْبِليه ِفي ُّ‬
‫ٌ َ ُْ‬ ‫ْ ٌ‬
‫ت ُدو َن الطَّْو ِق‬‫ولِ َه ْذِم الْمو ِ‬ ‫اآلم ِال َك ِاذبًَة‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َّحَر بِ َ‬
‫يَطُو ُق الن ْ‬
‫َّاب أ َْر َدتْهُ األَظَ ِاف ُير‬ ‫إَِم ْنطُُر أَ ْفُ‬
‫ورَل َ‬ ‫اك َمْيَتتِ ِه‬ ‫ج ْذال َن يب ِسم ِفي أَ ْشر ِ‬
‫ت الن ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ‬
‫وعن سهل بن سعد الساعدي رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪: ‬‬
‫« لو ك انت ال دنيا تع دل عند اهلل جن اح بعوضة ما س قى ك افرًا منها ش ربة م اء‬
‫» ‪ .‬رواه الرتمذي وقال ‪ :‬حديث حسن صحيح ‪.‬‬
‫وق ال ‪ « : ‬ما يل ولل دنيا أمنا مثلي ومثل ال دنيا كمثل راكب ق ال يف‬
‫ظل ش جرة يف ي وم ص ائف مث راح وتركها » ‪ .‬ويف ص حيح مس لم من ح ديث‬
‫املستورد بن شداد قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ « : ‬ما الدنيا يف اآلخرة إال مثل ما‬
‫جيعل أحدكم أصبعه يف اليم فلينظر مب يرجع » ‪ .‬وأشار بالسبابة ‪.‬‬
‫ويف الرتم ذي من حديثه ق ال ‪ :‬كنت مع ال ركب ال ذين وقف وا مع رس ول اهلل ‪ ‬على‬
‫الس خلة امليتة فق ال رس ول اهلل ‪ « : ‬أت رون ه ذه ه انت على أهلها حىت ألقوها » ‪ .‬ق الوا ‪:‬‬
‫ومن هواهنا ألقوها يا رس ول اهلل ‪ .‬ق ال ‪ « :‬فال دنيا أه ون على اهلل من ه ذه على أهلها » ‪.‬‬
‫ويف الرتمذي أيضًا من حديث أيب هريرة قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ « : ‬الدنيا ملعونة ملعون ما‬
‫فيها إال ذكر اهلل وما وااله وعاملًا ومتعلمًا » ‪.‬‬
‫ت‬ ‫ت أَ َذلَّ ْ‬‫إِ َذا ُع ِشَق ْ‬ ‫ِه َي ُّ‬
‫الدْنَيا‬
‫َوتُ ْك ِر ُم َم ْن يَ ُكو ُن لَ َها ُم ِه َينا‬
‫ص ْعًبا‬ ‫ِ‬
‫َت ُر ْمهُ تَج ْد ُه َ‬ ‫َك ِظلَّ َ‬
‫ك إِ ْن‬
‫َوَتْت ِر ُكهُ َفَيْتَب ُع ُم ْسَت ِك ًينا‬
‫ول بِ ِم ْل ِء ِف َيها‬
‫َت ُق ُ‬ ‫آخر‪ِ :‬ه َي ُّ‬
‫الدْنَيا‬
‫ْشي َو َفْت ِكي‬ ‫ِح َذار ِح َذار ِمن بط ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬

‫‪146‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫فَال َي ْغ ُر ْر ُك ْم ُح ْس ُن ابْتِ َس ِامي‬


‫َوالِْف ْع ُل ُمْب ِكي‬ ‫َفَق ْولِي ُم ْ‬
‫ض ِح ٌ‬
‫ك‬
‫ب َولَ ْهٌو َوفَ ْخٌر ِفي َمطَا ِو َيها‬ ‫ِ‬
‫ل ْع ٌ‬ ‫ت َعَلى َعْيبِ َها َو َ‬
‫ص َّد َق َها‬ ‫آخر‪َ :‬دلَّ ْ‬
‫ف‬
‫صُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س ُنْن َ‬ ‫إ َذا نَ ْح ُن ف َيها َس ْوقَةٌ لَْي َ‬ ‫َّاس َواأل َْم ُر أ َْمَرنَا‬
‫وس الن َ‬
‫س ُ‬‫آخر‪َ :‬فَبْيَنا نَ ُ‬
‫ٍ‬ ‫ُف لِ ُدْنيا ال ي ُد ِ‬
‫ف‬ ‫ب تَ َارات بَِنا َوتَ َ‬
‫صَّر ُ‬ ‫َتَقلَّ ُ‬ ‫يم َها‬
‫وم نَع ُ‬‫َ ُ‬ ‫فَأ ِّ ً‬
‫الم َو ِه َي َخَو ِاد ُ‬
‫ع‬ ‫َح ُ‬
‫لَهُ األ ْ‬ ‫ت‬ ‫َتَر َاء ْ‬ ‫آخر‪ :‬وما الْمرء ِفي ُدْني ُاه إِال َك َه ِ‬
‫اج ِع‬ ‫َ‬ ‫ََ َْ ُ‬
‫ت فَ ِ‬
‫اج ُع‬ ‫َي ْو ٌم بِِه ال َْم ْو ُ‬ ‫وي ِ‬ ‫ف ِمن اللَّ ْه ِو ب ِ‬
‫وقظُهُ‬ ‫َُ‬ ‫اط ٌل‬ ‫َ‬ ‫ُيَن ِّع ُمهُ طَْي ٌ َ‬
‫وليس العجب من اهنماك الكفرة يف حب الدنيا واملال ف إن الدنيا جنتهم‬
‫وإمنا العجب أن يك ون املس لمون يصل حب املال وال دنيا يف قل وهبم إىل حد أن‬
‫ليال وهنارًا وهم يعرفون قدر‬ ‫تذهل عقوهلم وأن تكون الدنيا هي شغلهم الشاغل ً‬
‫الدنيا من كتاب رهبم وسنة نبيهم ‪‬أليس كتاب اهلل هو الذي فيه ﴿ َمن َك ا َن‬
‫ؤتِه ِمْن َها َو َما‬
‫الد ْنيا نُ ِ‬
‫ث ُّ َ‬ ‫يد َح ْر َ‬‫ث اآْل ِخَر ِة نَِز ْد لَهُ يِف َح ْرثِِه َو َمن َك ا َن يُِر ُ‬ ‫يد َح ْر َ‬‫يُِر ُ‬
‫يب ﴾ ‪.‬‬ ‫لَه يِف اآْل ِخر ِة ِمن ن ِ‬
‫َّص ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫اجلَ ةَ َع َّج ْلنَا لَهُ فِ َيها َما نَ َش اء لِ َمن نُِّر ُ‬
‫يد الْع ِ‬
‫يد مُثَّ‬ ‫ويقول ‪َّ ﴿ :‬من َك ا َن يُِر ُ َ‬
‫الها َم ْذ ُموماً َّم ْد ُحوراً * َو َم ْن أ ََر َاد اآلخِ َرةَ َو َس َعى هَلَا َس ْعَي َها‬
‫ص َ‬ ‫َّم يَ ْ‬‫َج َع ْلنَا لَ هُ َج َهن َ‬
‫ك َكا َن َس ْعُي ُهم َّم ْش ُكوراً ﴾ ‪.‬‬ ‫َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن فَأُولَئِ َ‬
‫وتقدمت األحاديث عن النيب ‪ ‬املبينة حلقارة الدنيا وليس املعىن أن نرتك‬
‫مقصدا كما جعلها‬ ‫ً‬ ‫جياع ا ع ارين حمت اجني بل معن اه أن ال جنعلها‬ ‫ً‬ ‫ال دنيا ونبقى‬
‫الكفار بل جنعل الدنيا وما فيها وسيلة إىل تلك احلياة األبدية فنكون من الفريق‬
‫الذي حيب املال ألجل اآلخرة ‪.‬‬
‫وقد ك ان على ه ذا املب دء الص حابة رض وان اهلل عليهم أمجعني وك ذلك‬
‫التابعون هلم اختذوا الدنيا مطية لآلخرة فسادوا هبا أهل الدنيا وملا ختلفنا عنهم يف‬

‫‪147‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ه ذا املب دء وجعلنا املال هو املقصد س كنا على ال دنيا وأحببنا احلي اة ولذائ ذها‬
‫والداهية العظيمة هي أنا ضربنا بالذل ‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ولذلك قال النيب ‪ « : ‬إن أكثر ما أخاف عليكم ما خيرج اهلل لكم من بركات األرض‬
‫» ‪ .‬رواه البخ اري ومس لم ‪ .‬وق ال ‪ « : ‬فواهلل ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن‬
‫تبسط ال دنيا عليكم كما بس طت على من ك ان قبلكم فتنافس وها كما تنافس وها فتهلككم‬
‫كما أهلكتكم » ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫َحَب ُاب ُه ْم ثُ َّم بُ ُكوا‬
‫َفَب َكى أ ْ‬ ‫اس َهلَ ُكوا‬ ‫َك ْم َرأَْيَنا ِم ْن أُنَ ٍ‬
‫ُّه ْم لَْو قَ َّد ُموا َما َتَر ُكوا‬ ‫ُود ُ‬ ‫الدْنَيا لِ َم ْن َب ْع َد ُه ُموا‬
‫َتَر ُكوا ُّ‬
‫ْج َس ِد‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫آخر‪ :‬إِنِّي َوإِ ْن َكا َن َج ْم ُع ال َْم ِال‬
‫س َي ْعد ُل عْندي ص َّح َة ال َ‬ ‫َفلَْي َ‬
‫ك ِذ ْكَر ال َْم ِال‬ ‫السْق ُم ُيْن َسْي َ‬
‫َو ُّ‬ ‫ُيِف ْعيِجبُنِاليْم ِال َزين و ِفي األَو ِ‬
‫الد‬ ‫ْ‬ ‫ٌْ َ‬ ‫َ‬
‫آلهِد وسلم ‪.‬‬ ‫أعلم ‪ .‬صلى اهلل على حممد وعلىَوالَْولَ‬ ‫واهللْك ُر َمةٌ‬
‫َم‬
‫موعظة ‪ :‬عن الزهري ‪ :‬مسعت علي بن احلسني حياسب نفسه ويناجى ربه يا نفس حتام‬
‫إىل ال دنيا س كونك ‪ ،‬وإىل عمارهتا ركونك ‪ ،‬أما اعت ربت مبن مضى من أس الفك ‪ ،‬ومن‬
‫وارت ه األرض من آالفك ‪ ،‬ومن فجعت به من إخوانك ‪ .‬ونقل إىل ال ثرى من أقرابك ‪ ،‬فهم‬
‫يف بطون األرض بعد ظهورها حماسنهم فيها بوال دواثر ‪.‬‬
‫َو َسا َق ُه ْم نَ ْحَو ال َْمَنايَا ال َْمَق ِاد ُر‬ ‫ت‬‫هم ِمْن ُه ْم َوأَقَْو ْ‬‫ور ْ‬
‫ت ُد ُ‬ ‫َخلَ ْ‬
‫ْحَفائُِر‬
‫اب ال َ‬ ‫ت التُّر ِ‬
‫ض َّمْت ُه ْم تَ ْح َ َ‬ ‫َو َ‬ ‫الدْنَيا َو َما َج َم ُعوا لَ َها‬ ‫ََوعَرَخلَّوُ‬
‫اص ُه ْمَع ِن ُّ‬
‫كم خربت أيدي املنون من قرون بعد قرون وكم غربت األرض وغيبت يف تراهبا ممن‬
‫عاشرت من صنوف وشيعتهم إىل املهالك مث رجعت عنهم إىل أهل اإلفالس ‪.‬‬
‫يص ُم َكاثُِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الدْنيا م ِك ٌّ ِ‬
‫ل ُخطَّابَِها ف َيها َح ِر ٌ‬ ‫س‬
‫ب ُمَناف ٌ‬ ‫ت َعَلى ُّ َ ُ‬ ‫َوأَنْ َ‬
‫ْت تُ َخ ِ‬
‫اط ُر‬ ‫أَتَ ْد ِري بِ َما َذا لَْو َعَقل َ‬ ‫َعَلى َخطَ ٍر تَم ِشي وتُصبِح ِ‬
‫الهًيا‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫ك َخ ِ‬
‫اس ُر‬ ‫َويَ ْذ َه ُل َع ْن أُ ْخَر ُاه ال َش َّ‬ ‫َوإِ َّن ْامَرأً يَ ْس َعى لِ ُدْنَي ُاه َدائًِبا‬
‫فحتام على الدنيا إقبالك وبشهواهتا اشتغالك وفد وخطك الشيب‬

‫‪149‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وأت اك وأنت عما ي راد بك س اه وبل ذة يومك وغ دك اله وقد رأيت انقالب أهل الش هوات‬
‫وعاينت ما حل هبم من املصيبات ‪.‬‬
‫َو ِشيب قَ َذ ٍال ُمْن ِذر لِألَ َكابِر‬ ‫ص‬
‫ين َتَربُّ ٌ‬
‫ِ‬ ‫أََب ْع َد اقْتِر ِ‬
‫اب األ َْربَع َ‬ ‫َ‬
‫الر ْش ِد‬
‫ك َع ْم ًدا أ َْو َع ِن ُّ‬ ‫لَِن ْف ِس َ‬ ‫ضائٌِر‬
‫ك َم ْعنَي بِ َما ُهَو َ‬ ‫َكأَنَّ َ‬
‫اختطفتهم عقب ان األي ام ووف اهم احلم ام‬ ‫انظر إىل األمم املاض ية واملل وك الفانية كيف َحائِر‬
‫رمم ا يف ال رتاب إىل ي وم احلشر‬
‫ف امنحت من ال دنيا آث ارهم ويقنت فيها أخب ارهم وأض حوا ً‬
‫واملآب واحلساب ‪.‬‬
‫مجالِس ُهم ِمْن ُهم وأَ ْخلَى الْمَق ِ‬
‫اص ُر‬ ‫يما ِفي التُّر ِ‬
‫اب‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ََ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫فَأ َْم َس ْوا َرم ً‬
‫وأَنَّى لِس َّك ِ‬
‫ان الْ ُقبُو ِر التََّز ُاو ُر‬ ‫َو ُعَحلُّطِّلَوا ْ‬
‫تبِ َدا ٍر ال تزاور َبْيَن ُه ْم‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫َع ِ‬
‫اص ُر‬ ‫ُم َسطَّ َح ًة تَ ْسِفي َعلَْي َها األ َ‬ ‫ورا َثَو ْوا بَِها‬ ‫فَ َما أَ ْن َتَرى إِال ُقبُ ً‬
‫كم من ذي منعة وسلطان وجنود وأعوان متكن من دنياه ونال فيها ما متناه ‪ ،‬وبىن فيها‬
‫القصور والدساكر ‪ ،‬ومجع فيها األموال والذخائر ‪ ،‬وملح السراري واحلرائر ‪.‬‬
‫الذ َخائُِر‬
‫اد َرة َت ْهَوى إِلَْي َها َّ‬ ‫ُمَب َ‬ ‫ت‬‫ت َعْنهُ ال َْمنِيَّ َة إِ َذا أَتَ ْ‬
‫صَرفَ ْ‬ ‫فَ َما َ‬
‫الدس ِ‬ ‫صو ُن الَّتِي‬
‫اك ُر‬ ‫ف بَِها أَْن َه ُار ُه َو َّ َ‬ ‫َو َح َّ‬ ‫ْح ُ‬ ‫ت َعْنهُ ال ُ‬ ‫َوال َد َف َع ْ‬
‫ب َعْنهُ‬ ‫ت ِفي َّ‬
‫الذ ِّ‬ ‫َوال طَ ِم َع ْ‬ ‫ت َعْنهُ ال َْمنِيَّ َة ِحيلَةٌ‬
‫َبوَنالى قَ َار َع ْ‬
‫س ِ‬
‫اك ُر‬
‫فتعاىل اهلل امللك اجلبار املتكرب العزيز‬ ‫أتاه من اهلل ما ال يرد ونزل به من قضائه ما ال ال َْع َ‬
‫يصد‬
‫القهار قاصم اجلبارين ومبيد املتكربين الذي ذل لعزه كل سلطان وأباد بقوته كل ديان ‪.‬‬
‫يم نَ ِاف ُذ األ َْم ِر قَ ِاه ُر‬‫ح ِك ِ‬
‫يم َعل ٌ‬
‫َ ٌ‬ ‫َمِل ُ‬
‫يك َع ِز ُيز ال ُيَر ُّد قَ َ‬
‫ض ُاؤ ُه‬
‫فَ َكم ِمن ع ِزي ٍز لِلْمهي ِم ِن ص ِ‬
‫اغ ُر‬ ‫َعَنى ُك ُّل ِذي ِعٍّز لِِعَّزِة َو ْج ِه ِه‬
‫َ‬ ‫ُ َْ‬ ‫ْ ْ َ‬

‫‪150‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ْجَبابُِر‬
‫الملوك ال َ‬
‫ُ‬ ‫لِِعَّزِة ِذي ال َْع ْر ِ‬
‫ش‬ ‫ت‬
‫ضأَلَ ْ‬
‫ت َوتَ َ‬
‫اسَت ْسَل َم ْ‬
‫ت َو ْ‬
‫ض َع ْ‬
‫لََق ْد َخ َ‬
‫فالب دار الب دار واحلذار احلذار من ال دنيا ومكائ دها ‪ ،‬وما نص بت لك من مص ائدها ‪ ،‬وحتلت‬
‫لك من زينتها ‪ ،‬وأبرزت لك من شهواهتا وأخفت عنك من قواتلها وهلكاهتا ‪.‬‬
‫الز ْه ِد ِ‬
‫آم ُر‬ ‫إِلَى َدفْ ِع َها َد ٍ‬
‫اع َوبِ ُّ‬ ‫ت ِم ْن‬ ‫َو ِفي ُدون َما َع َايْن َ‬
‫الد َار َع ِام ُر‬
‫رك َّ‬ ‫َف َع َّما قَِل ٍ‬
‫يل َيْت ُ‬ ‫فَ َُج َعَّداُت َهَاوال َت ْغُف ْل َو ُك ْن ُمَتَيِّقظًا‬
‫صائُِر‬ ‫ِ‬ ‫رك َزائِ ٌل‬
‫ت إِلَى َدا ِر ا ِإلقَ َامة َ‬ ‫َوأَنْ َ‬ ‫فَ َش ِّمْر َوال َت ْفُت ْر َف ُع ْم َ‬
‫ضائُِر‬‫ك َ‬ ‫ْت ِمْنهُ ِغبُّهُ لَ َ‬
‫َوإِ ْن نِل َ‬ ‫ِ‬
‫الدْنَيا فَِإ َّن نَع َ‬
‫يم َها‬ ‫ب ُّ‬ ‫َوال تَطْلُ َ‬
‫فهل حيرص على الدنيا لبيب ‪ ،‬أو يسر هبا أريب ‪ ،‬وهو على ثقة من فنائها ‪ ،‬وغري طامع‬
‫يف بقائها أم كيف تن ام عني من خيشى البي ات وكيف تس كن نفس من توقع يف مجيع أم وره‬
‫املمات ‪.‬‬
‫ذات َع َّما نُ َح ِاذ ُر‬
‫َوتَ ْشغَلَُنا الَّلَ ُ‬ ‫وسَنا‬ ‫ِ‬
‫أَال ال َولَكنَّا َنغُُّر ُنُف َ‬
‫السَرائُِر‬
‫ض َي ْو َم ُتْبلَى َّ‬ ‫بِ َم ْو ِقف َع ْر ٍ‬ ‫ف يلَ ُّذ الْعيش من هو م ِ‬
‫وق ٌن‬ ‫َْ َ َ ْ ُ َ ُ‬ ‫َو َكْي َ َ‬
‫ص ِاد ُر‬ ‫ِ‬
‫ُسدى َما لََنا َب ْع َد ال َْم َمات َم َ‬ ‫ور َوأََّنَنا‬ ‫َكأَنَّا َنَرى أَ ْن ال نُ ُ‬
‫ش َ‬
‫وما عسى أن ين ال ص احب ال دنيا ل ذهتا ويتمتع به من هبجتها مع ص نوف عجائبها‬
‫وق وارع فجائعها وك ثرة عذابه يف مص ائبها ويف طلبها وما يكابد من أس قامها وأوص اهبا‬
‫وآالمها ‪.‬‬
‫يروح َعلَيَنا صر ُفها ويب ِ‬
‫اك ُر‬ ‫َ ُ ُ ْ َ ْ َ َ َُ‬ ‫أ ََما قَ ْد َنَرى ِفي ُك ِّل َي ْوٍم َولَْيَل ٍة‬
‫َو َك ْم قَ ْد َنَرى َيْبَقى لَ َها ال ُْمَت َعا ِو ُر‬ ‫ُت َعا ِو ُرنَا آفَاُت َها َو ُه ُم ُ‬
‫وم َها‬
‫س‬ ‫َوال ُهَو َم ْن تَطْال بَِها َّ‬ ‫ط بِ ُدْنياه ِ‬
‫النْف َ‬ ‫آم ٌن‬ ‫فَال ُهَو َم ْغبُو ٌ َ ُ‬
‫وصرعتُر من مكب عليها ‪ ،‬فلم‬ ‫قَ ِ‬
‫اص‬ ‫كم غرت الدنيا من خملد إليها ‪،‬‬

‫‪151‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫تنعشه من عثرته ‪ ،‬ومل تنق ذه من ص رعته ‪ ،‬ومل تش فه من أمله ‪ ،‬ومل ت ربه من س قمه ‪ ،‬ومل‬
‫ختلصه من وصمة ‪.‬‬
‫ص ِاد ُر‬ ‫ٍ‬ ‫أ َْو َر َدتْهُ َب ْع َد ِعٍّز َوِمْن َع ٍة‬
‫َمَوا ِر َد ُسوء َما لَ ُه َّن َم َ‬ ‫َبلَى‬
‫ِِ ِ‬
‫َّحاذُ ُر‬
‫ت ال ُيْنجيه مْنهُ الت َ‬ ‫ُهَو ال َْم ْو ُ‬ ‫َرأَى أَ ْن ال نَ َجا َة َوأَنَّهُ‬ ‫َفلَ َّما‬
‫وب الْ َكَبائُِر‬
‫الذنُ ُ‬ ‫َعلَْي ِه َوأَبْ َكْتهُ ُّ‬ ‫إِ ْذ لَ ْم ُت ْغ ِن َعْنهُ نَ َد َامةٌ‬ ‫َتنَ َّد َم‬
‫إذا بكى على ما سلف من خطاياه ‪ ،‬وحتسر على ما خلف من دنياه ‪ ،‬واستغفر حىت ال‬
‫ينفعه االستغفار ‪ ،‬وال ينجيه االعتذار ‪ ،‬عند هول املنية ونزول البلية ‪.‬‬
‫س لَ َّما أَ ْع َجَزتْهُ ال َْمَق ِاد ُر‬ ‫أَحاطَ ْ ِ‬
‫َو ْأبلَ َ‬ ‫ومهُ‬ ‫ت بِه أ ْ‬
‫َحَزانُهُ َو ُه ُم ُ‬ ‫َ‬
‫ولَْيس لَهُ ِم َّما يح ِاذر نَ ِ‬
‫اص ُر‬ ‫ِج‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َُ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫س لَهُ م ْن ُك ْربَة ال َْم ْوت فَار ٌ‬ ‫َفلَْي َ‬
‫ِّد َها ِمْنهُ اللُّ َها والْحَن ِ‬
‫اج ُر‬ ‫ُتَرد ُ‬ ‫سهُ‬ ‫َت َخو َ ِ ِ‬
‫َ َ‬ ‫ف ال َْمنيَّة َن ْف ُ‬ ‫َوقَ ْد َج َشأ ْ ْ‬
‫هنالك خلف عواده وأسلمه أهله وأوالده وارتفعت الربية بالعويل وقد أيسوا من العليل‬
‫فغمضوا بأيديهم عينيه ومد عند خروج روحه رجليه وختلى عنه الصديق والصاحب الشفيق‬
‫‪.‬‬
‫صابُِر‬
‫صْبًرا َو َما ُهَو َ‬
‫ِ‬
‫َو ُم ْسَتْنج ٌد َ‬ ‫وج ٌع َيْب ِكي َعلَْي ِه ُمَف َّج ٌع‬ ‫فَ َكم م ِ‬
‫ْ ُ‬
‫يع ّد ُد ِمْنهُ ُك َّل ما هو َذ ِ‬
‫اك ُر‬ ‫صا‬ ‫ِ‬ ‫َو ُم ْسَت ْر ِج ٌع َد ٍ‬
‫َ َُ‬ ‫َُ‬ ‫اع لَهُ اهلل ُم ْخل ً‬
‫صائُِر‬ ‫ِ ِِ‬
‫َو َع َّما قَليل للَّذي َ‬
‫ص َار َ‬ ‫ت ُم ْسَتْب ِشٌر بَِوفَاتِِه‬ ‫َو َك ْم َش ِام ٌ‬
‫فشقت جيوهبا نساؤه ‪ ،‬ولطمت خدودها إماؤه ‪ ،‬وأعول لفقده جريانه ‪ ،‬وتوجع لرزيته‬
‫إخوانه ‪ ،‬مث أقبل وا على جه ازه ومشروا إلب رازه ك أن مل يكن بينهم العزيز املف دى وال احلبيب‬
‫املبدَّى ‪.‬‬
‫ث َعَلى تَ ْج ِهي ِز ِه َوُيَب ِاد ُر‬
‫يَ ُح ُّ‬ ‫بُِق ْربِِه‬ ‫ب الَْق ْوِم َكا َن‬
‫َح ُّ‬
‫َو َح َّل أ َ‬
‫اض لِْلَقْب ِر َح ِاف ُر‬ ‫ِ‬
‫َو َو ِّجه ل َما فَ َ‬ ‫لِغَ ْسِل ِه‬ ‫وه‬
‫ضُر ُ‬ ‫َح َ‬
‫َو َش َّمَر َم ْن قَ ْد أ ْ‬

‫‪152‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ُم َشِّي ُعهُ إِ ْخَوانُهُ َوال َْع َشائُِر‬ ‫ِ‬


‫َو ُكَّف َن في َث ْوَبْي ِن َو ْ‬
‫اجَت َم ُعوا لَهُ‬
‫فلو رأيت األص غر من أوالده ‪ ،‬وقد غلب احلزن على ف ؤاده ‪ ،‬وخيشى من اجلزع عليه‬
‫وقد خضبت الدموع عينيه وهو يندب أباه ويقول ‪ :‬يا وياله واحرباه ‪.‬‬
‫اع نَ ِ‬
‫اظ ُر‬ ‫ال لِ َم ْر ُ‬
‫آه َوَي ْرتَ ُ‬ ‫ُي َه ُ‬ ‫ت ِم ْن ُقْب ِح ال َْمنِيَِّة َمْنظًَرا‬
‫لََع َايْن َ‬
‫إِ َذا ما َتناساه الْبنو ُن األَص ِ‬
‫اغُر‬ ‫الد يَِهيج ا ْكتَِئابِهم‬ ‫أَ َكابِر أَو ٍ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ ُ َُ‬ ‫ُ ْ‬
‫ود غََوا ِز ُر‬ ‫م َد ِامعهم َفو َق الْ ُخ ُد ِ‬ ‫َو َربَّةُ نِ ْسَوان َعلَْي ِه َجَوازِع‬
‫َ ُُ ْ ْ‬
‫مث أخ رج من س عة قص ره ‪ ،‬إىل مض يق ق ربه ‪ ،‬فلما اس تقر يف اللحد ‪ ،‬وهيء عليه اللنب‬
‫احتوشته أعماله وأحاطت به خطاياه وأوزاره ‪ ،‬وضاق ذرعً ا مبا رآه ‪ ،‬مث حثوا بأيديهم عليه‬
‫ال رتاب ‪ ،‬وأك ثروا عليه البك اء واالنتح اب ‪ ،‬مث وقف وا س اعة عليه وأيس وا من النظر إليه ‪،‬‬
‫رهنا مبا كسب وطلب ‪.‬‬ ‫وتركوه ً‬
‫ِ ِ‬
‫لِ ِمثْل الَّ ِذي القَى أَ ُخ ُ‬
‫وه ُم َح ِاذ ُر‬ ‫ين َو ُكلُّ ُهم‬ ‫َّ‬
‫َفَولوا َعلَْيه ُمعول َ‬
‫اعي ِن ح ِ‬
‫اس ُر‬ ‫بِ ُم ْديتِ ِه بَ ِادي ِّ‬ ‫ٍ ٍ ِِ‬
‫الذ َر َْ َ‬ ‫ين بَ َدا لَ َها‬
‫َك َشاء َر َعاء آمن َ‬
‫َفلَ َّما نَأَى َعْن َها الَّ ِذي ُهَو َجا ِز ُر‬ ‫ت‬
‫َجَفلَ ْ‬ ‫ِ‬ ‫فَ ِر َيع ْ‬
‫ت َولَ ْم َت ْر َعى قَليالً َوأ ْ‬
‫عادت إىل مرعاها ‪ ،‬ونسيت ما يف أختها دهاها ‪ ،‬أفا بأفعال األنعام اقتدينا أم على عادهتا‬
‫جرينا ‪ ،‬عد إىل ذكر املنقول إىل دار البلى ‪ ،‬واعتربه مبوضعه حتت الثرى ‪ ،‬املدفوع إىل هول‬
‫ما ترى ‪.‬‬
‫َص ِاه ُر‬ ‫َمَوا ِريثَهُ أ َْو ُ‬
‫الد ُه َواأل َ‬ ‫ت‬ ‫َثَوى ُم ْفَر ًدا ِفي لَ ْح ِد ِه َوَتَوز َ‬
‫َّع ْ‬
‫فَال ح ِام ٌد ِمْنهم َعلَيها و َش ِ‬
‫اك ُر‬ ‫َحَنو َعلَى أ َْمَوالِِه َي ْق ِس ُموَن َها‬
‫ُ ْ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫َوأ ْ‬
‫الدَوائُِر‬
‫ور َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الدْنيا ويا س ِ‬ ‫ِ‬
‫َويَا آمًنا من أَ ْن تَ ُد َ‬ ‫اعًيا لَ َها‬ ‫َفَيا َعامَر ُّ َ َ َ َ‬
‫كيف أمنت هذه احلالة ‪ ،‬وأنت صائر إليها ال حمالة ‪ ،‬أم كيف ضيعت‬
‫حياتك ‪ ،‬وهى مطيتك إىل مماتك ‪ ،‬أم كيف تشبع من طعامك ‪ ،‬وأنت‬

‫‪153‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫منتظر محامك ‪ ،‬أم كيف هتنأ بالشهوات ‪ ،‬وهى مطية اآلفات ‪.‬‬
‫يك ُم َس ِاف ُر‬
‫ت َعلَى َح ٍال َو ِش ٌ‬ ‫َوأَنْ َ‬ ‫َولَ ْم َتَتَز َّو ْد لِ َّلر ِح ِ‬
‫يل َوقَ ْد َدنَا‬
‫الر َدى لِي نَ ِ‬
‫اظ ُر‬ ‫و ُعم ِري فَ ٍ‬
‫ان َو َّ‬ ‫ف َت ْوبَتِي‬ ‫ف َق ْلبِي َك ْم أ ِّ‬
‫َسو ُ‬ ‫َفَيا لَ ْه َ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫يُ َجازى َعلَْي ِه َع ِاد ُل ال ِ‬
‫ْحكم قَ ِاد ُر‬ ‫ف‬‫الصح ِ‬
‫ت في ُّ ُ‬
‫و ُك َّل الَّ ِذي أَسلَ ْف ُ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫تبآخرتك دنياك ‪ ،‬وتركب غيك وهواك ‪ ،‬أراك ضعيف اليقني ‪ ،‬يا مؤثر الدنيا‬ ‫فكم ُمثَْب‬
‫ترتعٌ‬
‫على ال دين ‪ ،‬أهبذا أم رك ال رمحن أم على ه ذا ن زل الق رآن أما ت ذكر ما أمامك من ش دة‬
‫احلساب وشر املآب ‪ ،‬أما تذكر حال من مجع ومثر ‪ ،‬ورفع البناء وزخرف وعمر ‪ ،‬أما صار‬
‫بورا ومساكنهم قبورًا ‪.‬‬
‫مجعهم ً‬
‫اك َع ِام ُر‬ ‫ور َوال َذ َ‬ ‫اك َم ْوفُ ٌ‬
‫فَال َذ َ‬ ‫ب َما َيْبَقى َوَت ْع ُم ُر فَانَِيا‬ ‫تُ َخِّر ُ‬
‫ولَم تَ ْكَت ِسب َخْيرا لَ َدى ِ‬
‫اهلل‬ ‫ك َب ْغَت ًة‬ ‫اك َحْتُف َ‬ ‫ك إِ ْن َوافَ َ‬
‫َو َه ْل لَ َ‬
‫ْ ً‬ ‫َ ْ‬
‫ك َو ِاف ُر‬ ‫ِ‬
‫وص َو َمالُ َ‬
‫ك َمْن ُق ٌ‬ ‫ََوع ِداذينُُر َ‬ ‫ضي‬ ‫ضى بِأَ ْن َت ْفَنى الْحياةُ وَتْنَق ِ‬
‫ََ َ‬ ‫أََت ْر َ‬
‫أ‪.‬هـ ‪.‬‬
‫ينبغي لن عمر ستني أن حياسب نفسه ويتخلى للعبادة قبل هجوم هادم اللذات ‪.‬‬
‫ت ِست َ‬
‫ِّينا‬ ‫فَ َما َبَق ُاؤ َك إِ ْذ َو َّفْي َ‬ ‫ْت ِع َّدَت َها‬ ‫اسَت ْك ِمل َ‬
‫ِّين َو ْ‬
‫ت َست َ‬ ‫َو َّفْي َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫اسا يَ ُموتُونَا‬
‫فَ ُك ُّل َي ْوم َتَرى نَ َ‬ ‫ين ِفي‬ ‫ك يَا م ْسك ُ‬ ‫فَا ْع َم ْل لَِن ْف ِس َ‬
‫ف‬‫ك َو ِاق ُ‬ ‫آخر‪ِ :‬س َمُيرَه ٍلالْ َخطَايَا ِعْن َد بَابِ َ‬
‫ف‬‫ت َعا ِر ُ‬ ‫بِِه َو َج ٌل ِم َّما بِِه أَنْ َ‬
‫ك غَْيُب َها‬ ‫ب َعْن َ‬ ‫ِ‬
‫اف ذُنُوبًا لَ ْم يَغ ْ‬ ‫يَ َخ ُ‬
‫ف‬‫اج َو َخائِ ُ‬ ‫وك ِف َيها َف ُهَو َر ٍ‬ ‫َوَي ْر ُج َ‬
‫اك َوُيَّتَقى‬ ‫فَ َم ْن َذا الَّ ِذي ُي ْر َجى ِسَو َ‬
‫ض ِاء ُم َخالِ ُ‬
‫ف‬ ‫ص ِل الَْق َ‬ ‫ك ِفي فَ ْ‬ ‫َو َما لَ َ‬

‫‪154‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ص ِحي َفتِي‬ ‫ِ ِ‬
‫َفَيا َسيِّدي ال تُ ْخ ِزني في َ‬
‫ِ‬

‫الص َحائِ ُ‬
‫ف‬ ‫اب َّ‬ ‫ْحس ِ‬ ‫ِ‬ ‫إِ َذا نُ ِشَر ْ‬
‫ت َي ْو َم ال َ‬
‫َو ُك ْن ُم ْؤنِ ِسي ِفي ظُل َْم ِة الَْقْب ِر ِعْن َد َما‬
‫ف‬‫ِّد ُذو الْ ُق ْربَى َويَ ْجُفوا ال ُْمَؤآلِ ُ‬ ‫صد ُ‬ ‫يُ َ‬
‫اس ُع الَّ ِذي‬ ‫اق َعنِّي َع ْفو َك الْو ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ض َ‬ ‫لَئِ ْن َ‬
‫ف‬‫أ َُر ِج ّي ِإل ْسَر ِافي فَِإنِّي لََتالِ ُ‬
‫ت ِفي َغ ْفَل ٍة َعنِّي‬ ‫س ال َْم ْو ُ‬ ‫لت َولَْي َ‬ ‫آخر‪َ :‬غ َف ُ‬
‫َجنِي‬ ‫لي َك َما أ ْ‬ ‫َح ٌد يَ ْجنِي َع َّ‬ ‫َو َما أ َ‬
‫أُ َشيِّ ُد ُبْنَيانِي َوأَ ْعَل ُم أَنَّنِي‬
‫ول لِ َم ْن َشيَّدتُهُ َولِ َم ْن أَبْنِي‬ ‫أ َُز ُ‬
‫ص وِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫اعظًا‬ ‫َكَفاني بال َْم ْوت ال ُْمَنغَّ ِ َ‬
‫ت أُ ُذنِي‬ ‫ت َعْينِي َو َما َس ِم َع ْ‬ ‫صَر ْ‬‫بِ َما أَبْ َ‬
‫ون َكثِ َيرة‬ ‫و َكم لِلْمَنايا ِمن ُفنُ ٍ‬
‫َ ْ َ َ ْ‬
‫ت َن ْف ِسي َعَلى فَ ِّن‬ ‫يت َوقَ ْد َوطَّْن ُ‬ ‫تُ ِم ُ‬
‫ت َم ْن يُ ِحبني‬ ‫اسَتأْ َذنَ ْ‬
‫ت َما ْ‬ ‫َولَْو طََرقَ ْ‬
‫ب بِال إِ ْذ ِن‬ ‫َك َما أَ ْفَق َدتْنِي َم ْن أ ُِح ُّ‬
‫ريه ِم َن الَْق َذى‬ ‫اظ ِ‬ ‫ت أَفْ ِدي نَ ِ‬ ‫قَ ْد ُكْن ُ‬
‫ت أُفْ ِد ِيه بِال َْعْي ِن‬ ‫ت َما قَ ْد ُكْن ُ‬ ‫َفغَطَّْي ُ‬
‫ب ِفي الَْقْب ِر ُب ْر َه ًة‬ ‫َسَت ْس ُجني يَا َر ِّ‬
‫ِّيرا َن ِم ْن َب ْع ِد ِه ِس ْجنِي‬
‫فَال تَ ْج َع َل الن َ‬
‫َولِي ِعْن َد َربِّي َسيِّئَ ٌ‬
‫ات َكثِ َيرةٌ‬
‫َولَ ِكنَّنِي ِعب ٌد بِِه َح َس ُن الظَّ ِّن‬

‫‪155‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫عصمنا اهلل وإياكم من الزلل ‪ ،‬ووفقنا لصاحل العمل وهدانا بفضله سبيل‬
‫الرشاد ‪ ،‬وطريق السداد إنه جل شأنه نعم املوىل ونعم النصري ‪ ،‬وصلى اهلل على‬
‫حممد وآله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫صلٌ )‬
‫( فَ ْ‬
‫وقال ابن القيم رمحه اهلل ‪ :‬ال يتم الرغبة يف اآلخرة إال بالزهد يف الدنيا‬
‫‪ ،‬وال يستقيم الزهد يف الدنيا إال بعد نظرين صحيحني ‪ :‬نظر يف الدنيا وسرعة‬
‫زواهلا وفنائها ‪ ،‬واض محالهلا ونقص ها وخس تها ‪ ،‬وأمل املزامحة عليها واحلرص‬
‫عليها وما يف ذلك من الغصص والنغص واألنكاد ‪.‬‬
‫وآخر ذلك ال زوال واالنقط اع مع ما يعقب ذلك من احلس رة واألسف ‪ ،‬فطالبها‬
‫ال ينفك من هم قبل حص وهلا ‪ ،‬وهم يف ح ال الظفر هبا وغم بعد فواهتا ‪،‬‬
‫فهذا أحد النظرين ‪.‬‬
‫( النظر الث اين ) النظر يف اآلخ رة واقباهلا وجميئها ‪ ،‬وال بد ودوامها وبقائها ‪،‬‬
‫وش رف ما فيها من اخلريات واملس رات ‪ ،‬والتف اوت ال ذي بينه وبني ما هاهنا ‪،‬‬
‫فهي كما ق ال اهلل س بحانه ‪َ ‬واآْل ِخ َرةُ َخْي ٌر َوأ َْب َقى ‪ ‬فهي خ ريات كاملة دائمة‬
‫‪ ،‬وهذه خياالت ناقصة ‪ ،‬منقطعة مضمحلة ‪.‬‬
‫فإذا مت له هذان النظران آثر ما يقتضي العقل إيثاره وزهد ‪ ،‬فيما يقتضي‬
‫احد مطبوع على أن ال يرتك النفع العاجل واللذة احلاضرة ‪ ،‬إىل‬ ‫الزهد فيه كل ٍ‬
‫النفع اآلجل واللذة الغائبة املنتظرة ‪ ،‬إال إذا تبني له فضل اآلجل على العاجل ‪،‬‬
‫وق ويت رغبته يف األعلى األفضل ‪ ،‬ف إذا آثر الف اين الن اقص ‪ ،‬ك ان ذلك إما‬
‫لعدم تبني الفضل له وإما لعدهم رغبته يف األفضل ‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وكل واحد من األمرين يدل على ضعف األميان وضعف العقل والبصرية‬
‫‪ ،‬ف أن ال راغب يف ال دنيا احلريص عليها املؤثر هلا ‪ ،‬إما أن يص دق أن ما هن اك‬
‫أشرف وأفضل وأبقى ‪ ،‬وأما أن ال يصدق فإن مل يصدق بذلك ومل يؤثره كان‬
‫فاسد العقل سيء االختيار لنفسه ‪.‬‬
‫وهذا تقسيم حاضر ضروري ال ينفك العبد من أحد القسمني منه فإيثار‬
‫ال دنيا على اآلخ رة إما من فس اد يف اإلميان ‪ ،‬وإما من فس اد يف العقل ‪ ،‬وما‬
‫أك ثر ما يك ون منهما وهلذا نب ذها رس ول اهلل ‪ ‬وراء ظه ره هو وأص حابه ‪،‬‬
‫وصرفوا عنها قلوهبم واطرحوها ومل يألفوها وهجروها ومل مييلوا إليها ‪ ،‬وعدوها‬
‫سجنًا ال جنة فزهدوا فيها حقيقة الزهد ولو أرادوها لنالوا منها كل حمبوب ولو‬
‫صلوا منها إىل كل مرغوب ‪.‬‬
‫فقد عرضت عليه مف اتيح كنوزها فردها ‪ ،‬وفاضت على أص حابه ف أثروا‬
‫هبا ومل ي بيعوا هبا حظهم من اآلخ رة هبا ‪ ،‬وعلم وا أهنا معرب وممر ال دار مق ام‬
‫ومس تقر وأهنا دار عب ور ال دار س رور ‪ ،‬وأهنا س حابة ص يف تنقشع عن قليل‬
‫وخيال طيف ما استتم الزيادة حىت آذن بالرحيل ‪.‬‬
‫ق ال النيب ‪ « ‬ما يل ولل دنيا إمنا أنا ك راكب م ال يف ظل ش جرة مث‬
‫راح وتركها » وق ال « ما ال دنيا يف اآلخ رة إال كما ي دخل أح دكم أص بعه يف‬
‫اليم فلينظر مب يرجع » ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الد ْنيا َكم اء أَنزلْن اه ِمن َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‬
‫اخَتلَ َط بِه نَبَ ُ‬ ‫الس َماء فَ ْ‬ ‫وقال خالقها سبحانه ﴿ إمَّنَا َمثَ ُل احْلَيَ اة ُّ َ َ َ َ ُ َ‬
‫ت َوظَ َّن أ َْهلُ َها أَن َُّه ْم‬ ‫ض مِم َّا يأْ ُك ل النَّاس واألَْنع ام حىَّت إِ َذا أ ِ‬ ‫األ َْر ِ‬
‫ض ُز ْخ ُر َف َها َو َّازيَّنَ ْ‬
‫َخ َذت األ َْر ُ‬
‫َ‬ ‫َ ُ َُ َ ُ ََ‬
‫ص ُل‬‫ك نُ َف ِّ‬ ‫صيداً َكأَن مَّل َت ْغن بِاألَم ِ ِ‬ ‫قَ ِادرو َن علَيها أَتَاها أَمرنَا لَيالً أَو َنهاراً فَجع ْلنَاها ح ِ‬
‫س َك َذل َ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫ُ َ ْ َ َ ُْ ْ ْ َ‬
‫الس الَِم ويه ِدي من ي َش اء إِىَل ِص ر ٍ‬
‫اط‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ َْ‬ ‫ات لَِق ْوٍم َيَت َف َّك ُرو َن * َواللّ هُ يَ ْدعُو إِىَل َدا ِر َّ‬
‫اآلي ِ‬
‫َ‬
‫ُّم ْستَ ِقي ٍم ﴾ ‪.‬‬
‫صغَا ٍر َهَو ِام ِز‬ ‫وسْبع تُمْير ٍ‬
‫ات ِ‬
‫ََ ُ ََ‬ ‫َصْبَنا ُك َّل َي ْوٍم ُم َذْيَق ًة‬ ‫ِ‬
‫ش ْعًرا‪ :‬إِ َذا َما أ َ‬

‫‪157‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ْت ال َْهَز ِاه ِز‬ ‫ود الْغَ ِ‬


‫اب َوق َ‬ ‫صًبا َونِْع َم ًة‬ ‫وك األَر ِ ِ‬
‫ُس ُ‬
‫َونَ ْح ُن أ ُ‬ ‫ض خْ‬ ‫َفَن ْح ُن ُملُ ُ ْ‬

‫ش تَ ْكِفينِي‬ ‫اف ال َْعْي ِ‬ ‫وح ْفَنةٌ ِمن َكَف ِ‬ ‫ص ٍة‬ ‫ِ‬ ‫يُ ْدنِي‬ ‫آخر‪ :‬ال َخْيَر ِفي طَ َم ٍع‬
‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫ل َمْنَق َ‬
‫ت أَِم ُير ُه‬ ‫َو َم َّد لَ َها َكًّفا فَأَنْ َ‬ ‫نِْع َم ًة‬ ‫ك‬‫ِمْن َ‬ ‫آخر‪ :‬لََع ْم ِري َم ْن أ َْولَْيَتهُ‬
‫ت أ َِس ُير ُه‬ ‫الدْنَيا َوأَنْ َ‬ ‫أَِم ُير َك ِفي ُّ‬ ‫فَِإنَّهُ‬ ‫اجا إِلَْي ِه‬
‫ت ُم ْحَت ً‬ ‫َو َم ْن ُكْن ُ‬
‫ت نَ ِظ ُير ُه‬ ‫أَ ِزَّم ًة أ َْمَو ٍال فَأَنْ َ‬ ‫ت َعْنهُ َذا ِغَنى َو ُهَو‬ ‫َو َم ْن ُكْن َ‬
‫السالم ِة ِ‬
‫آم ُن‬ ‫ْح ُّي في َدا ِر َّ َ‬
‫ِ‬
‫َوال ال َ‬ ‫الدْنَيا بِ َدا ِر إِقَ َام ٍة‬ ‫كَك َما ُّ‬ ‫آخر‪ :‬لَمَعالِْم ِرٌ‬
‫َن ال َْمَنايَا ُت َه ِاد ُن‬ ‫ك لَْو أ َّ‬ ‫بِ َذلِ َ‬ ‫ض ًى‬ ‫تُ َحا ِرُبَنا أَيَّ ُامَنا َولََنا ِر َ‬
‫ت لِ ِك ْسرى ال َْم َدائِ ُن‬ ‫الء َولَ ْم َتثْبُ ْ‬
‫َخ ً‬ ‫ت‬ ‫اد ْ‬ ‫اء َع َ‬ ‫ضَ‬
‫أَرى ال ِ‬
‫ْح َير َة الَْبْي َ‬ ‫َ‬
‫ت لِل َْم ْو ِج تِل َ‬ ‫اآلم ِال ِفي َّ‬ ‫صبناُ ِ‬
‫السَفائِ ُن‬
‫ْك َّ‬ ‫صَبَر ْ‬
‫فَ َما َ‬ ‫الد ْه ِر لُ َّج ًة‬ ‫ور َهام َن َ‬ ‫َقُر ِكُْ َ‬
‫فأخرب عن خسة الدنيا وزهد فيها وأخرب عن دار السالم ودعا إليها وقال‬
‫الس م ِاء فَاخَتلَ َط ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بِه‬ ‫ْ‬ ‫َنزلْنَ اهُ م َن َّ َ‬ ‫ب هَلُم َّمثَ َل احْلَيَ اة ال ُّد ْنيَا َك َم اء أ َ‬ ‫اض ِر ْ‬
‫تع اىل ﴿ َو ْ‬
‫اح َو َكا َن اللَّهُ َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء ُّم ْقتَ ِدراً *‬ ‫َصبَ َح َه ِشيماً تَ ْذ ُروهُ ِّ‬
‫الريَ ُ‬ ‫ض فَأ ْ‬ ‫ات اأْل َْر ِ‬
‫َنبَ ُ‬
‫الد ْنيا والْباقِي ات َّ حِل‬ ‫ِ‬
‫ك ثَ َواب اً َو َخْي ٌر‬ ‫ند َربِّ َ‬ ‫ات َخْي ٌر ِع َ‬ ‫الص ا َ ُ‬ ‫ال َوالَْبنُ و َن ِزينَ ةُ احْلَيَ اة ُّ َ َ َ َ ُ‬ ‫الْ َم ُ‬
‫أ ََمالً ﴾ ‪.‬‬
‫ِ‬
‫اخٌر َبْينَ ُك ْم َوتَ َك اثٌُر‬ ‫ب َوهَلْ ٌو َو ِزينَ ةٌ َوَت َف ُ‬ ‫وق ال تع اىل ﴿ ْاعلَ ُم وا أَمَّنَا احْلَيَ اةُ ال ُّد ْنيَا لَع ٌ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يِف‬
‫ص َفّراً مُثَّ‬
‫يج َفَت َراهُ ُم ْ‬ ‫َّار َنبَاتُ هُ مُثَّ يَه ُ‬ ‫ب الْ ُكف َ‬ ‫اأْل َْم َوال َواأْل َْواَل د َك َمثَ ِل َغْيث أ َْع َج َ‬
‫ِ‬
‫ض َوا ٌن َو َما احْلَيَ اةُ‬ ‫ِرةٌ ِّم َن اللَّ ِه َو ِر ْ‬
‫اب َش دي ٌد َو َم ْغف َ‬ ‫يَ ُك و ُن ُحطَام اً َويِف اآْل خِ َر ِة َع َذ ٌ‬
‫الد ْنيَا إِاَّل َمتَاعُ الْغُُرو ِر ﴾ ‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫اط ِري الْ ُم َقنطَ َر ِة ِم َن‬ ‫ات ِمن النِّس اء والْبنِني والْ َقنَ ِ‬
‫الش َه َو ِ َ َ َ َ َ َ‬ ‫ب َّ‬ ‫َّاس ُح ُّ‬ ‫وق ال ﴿ ُزيِّ َن لِلن ِ‬
‫ِ‬
‫لِك َمتَ اعُ احْلَيَ اة ال ُّد ْنيَا َواللّ هُ‬ ‫ض ِة َواخْلَْي ِل الْ ُم َس َّو َم ِة َواألَْن َع ِام َواحْلَ ْر ِث َذ َ‬ ‫ب َوالْ ِف َّ‬‫ال َّذ َه ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫خِب ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َّات َق ْوا عن َد َرهِّب ْم َجن ٌ‬
‫َّات‬ ‫عن َدهُ ُح ْس ُن الْ َم آب * قُ ْل أ َُؤ َنبِّئُ ُكم َرْي ِّمن َذل ُك ْم للَّذ َ‬

‫‪158‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫جَت ِري ِمن حَت تِها األَْنهار خالِ ِد ِ‬


‫اج ُّمطَ َّهَرةٌ َو ِر ْ‬
‫ض َوا ٌن ِّم َن اللّه َواللّهُ بَص ريٌ‬ ‫ين ف َيها َوأ َْز َو ٌ‬ ‫َُ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬
‫بِالْعِبَ ِاد ﴾‬
‫ِ‬
‫اآلخَر ِة إِالَّ َمتَاعٌ ﴾‬ ‫الد ْنيَا يِف‬ ‫وقال تعاىل ﴿ َوفَ ِر ُحواْ بِاحْلَيَ ِاة ُّ‬
‫الد ْنيَا َو َما احْلَيَاةُ ُّ‬
‫قد توعد سبحانه أعظم الوعيد ملن رضي باحلياة الدنيا واطمأن‬

‫‪159‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ض واْ بِاحْلَي ِاة ال ُّد ْنيَا‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬


‫ين الَ َي ْر ُج و َن ل َقاءنَا َو َر ُ‬ ‫هبا وغفل عن آياته ومل ي رج لق اءه فق ال ﴿ إَ َّن الذ َ‬
‫ك م أْواهم النُّار مِب َا َك انُواْ يك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫هِب َّ ِ‬
‫ْس بُو َن ﴾‬ ‫َ‬ ‫ين ُه ْم َع ْن آيَاتنَا َغ افلُو َن * أ ُْولَـئ َ َ َ ُ ُ ُ‬ ‫َواطْ َم أَنُّواْ َا َوالذ َ‬
‫ين َآمنُ واْ َما لَ ُك ْم إِذَا قِي َل‬ ‫َّ ِ‬
‫وعري س بحانه من رضي بال دنيا من املؤم نني فق ال ‪ ﴿ :‬يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫الد ْنيَا ِم َن اآل ِخ َر ِة فَ َما َمتَ اعُ احْلَيَ ِاة‬
‫ض أ ََر ِض يتُم بِاحْلَيَ ِاة ُّ‬ ‫لَ ُكم ِ‬
‫انف ُرواْ يِف َسبِ ِيل اللّ ِه اثَّا َق ْلتُ ْم إِىَل األ َْر ِ‬ ‫ُ‬
‫ُّ يِف ِ ِ ِ ِ‬
‫يل ﴾ ‪.‬‬ ‫الد ْنيَا اآلخَرة إالَّ قَل ٌ‬
‫ت ِست َ‬
‫ِّينا‬ ‫فَ َما َبَق ُاؤ َك إِ ْذ َو َّفْي َ‬
‫ت‬ ‫ْت ِع َّدَت َها‬
‫ِش ْعًرا‪َ :‬و َّفْي َ‬ ‫اسَت ْك ِمل َ‬
‫ِّين َو ْ‬
‫َست َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫اسا يَ ُموتُونَا‬
‫فَ ُك ُّل َي ْوم َتَرى نَ َ‬ ‫فَا ْع َم ْل‬ ‫ين ِفي‬ ‫ك يَا م ْسك ُ‬ ‫لَِن ْف ِس َ‬
‫َم َه ٍل‬
‫وعلى ق در رغبة العبد يف ال دنيا ورض اه هبا يك ون تثاقله عن طاعة اهلل‬
‫ت إِن َّمت َّْعنَ ُ‬
‫اه ْم‬ ‫وطلب اآلخ رة ويكفي يف الزهد يف ال دنيا قوله تع اىل ﴿ أََف َرأَيْ َ‬
‫وع ُدو َن * َما أَ ْغىَن َعْن ُهم َّما َكانُوا مُيَتَّعُو َن ﴾‬ ‫ِِ‬
‫اءهم َّما َكانُوا يُ َ‬ ‫ني * مُثَّ َج ُ‬ ‫سن َ‬
‫َّه ا ِر َيَت َع َارفُو َن َبْيَن ُه ْم ﴾‬ ‫وقوله ﴿ َو َي ْو َم حَيْ ُش ُر ُه ْم َك أَن مَّلْ َي ْلبَثُواْ إِالَّ َس َ‬
‫اعةً ِّم َن الن َ‬
‫‪.‬‬
‫اعةً ِّمن ن ََّه ا ٍر‬‫وع ُدو َن مَلْ َي ْلبَثُ وا إِاَّل َس َ‬ ‫وقوله ﴿ َك أَن َُّه ْم َي ْو َم َي َر ْو َن َما يُ َ‬
‫اس ُقو َن ﴾‬ ‫ك إِاَّل الْ َقوم الْ َف ِ‬ ‫بَاَل غٌ َف َه ْل يُ ْهلَ ُ‬
‫ُْ‬
‫َنت ِمن‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ‬
‫يم أ َ‬ ‫اها * ف َ‬ ‫اعة أَيَّا َن ُم ْر َس َ‬ ‫ك َع ِن َّ َ‬ ‫وقوله تع اىل ﴿ يَ ْس أَلُونَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اها * َك أَن َُّه ْم َي ْو َم َيَر ْو َن َها مَلْ‬ ‫َنت ُمنذ ُر َمن خَي ْ َش َ‬ ‫اها * إِمَّنَا أ َ‬ ‫ك ُم َنت َه َ‬ ‫ذ ْكَر َاها * إِىَل َربِّ َ‬
‫اها ﴾ ‪.‬‬ ‫ض َح َ‬ ‫ُ‬ ‫َي ْلبَثُوا إِاَّل َع ِشيَّةً أ َْو‬
‫اع ٍة ﴾‬ ‫ِ‬
‫اعةُ يُ ْقس ُم الْ ُم ْج ِر ُمو َن َما لَبِثُوا َغْيَر َس َ‬ ‫الس َ‬
‫وم َّ‬ ‫وقوله ﴿ َو َي ْو َم َت ُق ُ‬
‫ِِ‬
‫ض‬‫ني * قَالُوا لَبِْثنَا َي ْوماً أ َْو َب ْع َ‬ ‫ض َع َد َد سن َ‬ ‫ال َك ْم لَبِثْتُ ْم يِف اأْل َْر ِ‬ ‫وقوله ﴿ قَ َ‬
‫ين * قَ َال إِن لَّبِثْتُ ْم إِاَّل قَلِيالً لَّْو أَنَّ ُك ْم ُكنتُ ْم َت ْعلَ ُمو َن ﴾‬ ‫ٍ‬
‫اسأ َْل الْ َع ِّاد َ‬
‫َي ْوم فَ ْ‬
‫ِذ ُز ْرق اً * َيتَ َخ ا َفتُو َن‬ ‫الص و ِر وحَن ش ر الْمج ِر ِمني يومئ ٍ‬ ‫وقوله ﴿ َي ْو َم يُن َف ُخ يِف‬
‫ُّ َ ْ ُ ُ ُ ْ َ َ ْ َ‬
‫ول أ َْمَثلُ ُه ْم طَ ِري َق ةً إِن‬ ‫َبْيَن ُه ْم إِن لَّبِثْتُ ْم إِاَّل َع ْش راً * حَنْ ُن أ َْعلَ ُم مِب َا َي ُقولُ و َن إِ ْذ َي ُق ُ‬
‫لَّبِثْتُ ْم إِاَّل َي ْوماً ﴾ ‪ .‬واهلل أعلم ‪ .‬وصلى اهلل على حممد وآله وسلم ‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫اث اللََّيالِي َفَرائِ ًسا‬ ‫َح َد ِ‬‫ُخل ْقَنا أل ْ‬


‫ِ‬
‫اث ِمنَّا َعَرائِ َسا‬ ‫َج َد ِ‬ ‫ف ِإلَى األ ْ‬ ‫َتَز ُّ‬
‫تُ َََِِّجز ِمنَّا لِْل ُقبو ِر َعس ِ‬
‫اكًرا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫اد ال َْمَنايَا َفَوا ِر َسا‬ ‫ف أَ ْعَو ُ‬ ‫َوُت ْر ِد ُ‬
‫إِ َذ أ ََم ٌل أ َْر َخى لََنا ِم ْن َعَنانِِه‬
‫َج ٌل َع َّما نُ َحا ِو ُل َحابِ َسا‬ ‫َغ َدا أ َ‬
‫ت َو ُهَو بِ َمائِِه‬ ‫اجتُ ِّ‬
‫ص َن لَ َّما ْ‬ ‫أ ََرى الْغُ ْ‬
‫ِ‬
‫ص ُن يَا بِ َسا‬ ‫َصَب َح ال ِْغ ْ‬
‫َرط ًيبا َو َما إِ ْن أ ْ‬
‫ورا َد َوا ِر َسا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نَ ِشي ُد قُصورا لِْل ُخلُ ِ‬
‫َونَص ُبر َما شْئَنا ُفتُ ً‬ ‫ود َسَف َاه ًة‬ ‫ُ َ‬
‫ت أَ َكايِ َسا‬ ‫بِمن م َ ِ‬ ‫وقَ ْد َن َع ِ‬
‫َصابَ ْ‬
‫ات منَّا لَْو أ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫الدْنَيا إِلَْيَنا ُنُف َ‬
‫وسنا‬ ‫ت ُّ‬ ‫َ‬
‫َمياالً َفلَ ْم َنَر قَائِ َسا‬ ‫بت ِكسرى الْملُ ِ‬
‫صَر أ َ‬ ‫َو َقْي َ‬ ‫وك َوُتبَّعا‬ ‫ُ‬ ‫ضَر ْ ْ َ‬ ‫لََق ْد َ‬
‫ص َير ِة طَ ِام َسا‬ ‫َهو َاها َعلَى نُو ِر الْب ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َنَرى َما َنَرى ِمْن َها َج َهارا َوقَ ْد‬
‫اد إِال َتَق ُ‬
‫اع َسا‬ ‫ات َما َن ْز َد ُ‬ ‫َو َهْي َه َ‬ ‫ت‬‫الدْنَيا لََنا ال َْم ْو ُ‬ ‫ضح ُّ‬ ‫َوَغقَدْاد فَ َ‬
‫ض ِم ْن لَ َّذاتَِها َواطََرا‬ ‫َسلَ ْمَتهُ لِ َّلر َدى َفَق َ‬ ‫ِ ِ‬
‫َحْتًفا َولَ ْم َي ْق ِ‬ ‫ضى‬ ‫آخر‪ََ :‬وك ْماعظًاَسال ٍم أ ْ‬
‫ومْتر ٍ‬
‫اد َب ْع َد ُعلُِّّو الَْق ْد ِر ُم ْحَتَقَرا‬ ‫َف َع َ‬ ‫ت ظَ ْهَر ال ِْم َج َّن لَهُ‬ ‫ف َقلََب ْ‬ ‫َُ َ‬
‫ك َعْنهُ قَ َّل أ َْو َكُثَرا‬ ‫ض طَْرفَ َ‬ ‫َوغُ َّ‬ ‫فَأَبْ ِع َدْن َها َوال تَ ْحَف ْل بُِز ْخ ُر ِف َها‬
‫َك ُر األ َِهلَِّة ال ُيْبَقى لَهُ أَثَرا‬ ‫فَ ُك ُّل َش ْيٍء َتَر ُاه ال َْعْي ُن ِم ْن َح َس ٍن‬
‫الما طَيًِّبا َعطََرا‬ ‫َعلَى النَّبِ ِّي َس ً‬ ‫اص ْل ُك ِّل أونٍَة‬ ‫اصحب وصل وو ِ‬
‫َو ْ َ ْ َ َ ّ َ َ‬
‫ِ‬ ‫اسَت ْه َدى بَِه ْديِِه ُموا‬ ‫و ِ‬
‫صلَّى َو َم ْن ذَ َكَرا‬ ‫َف ُه ْم أَئ َّمةُ َم ْن َ‬ ‫ص ْحبِه َو َم ْن ْ‬ ‫َ َ‬
‫اللهم يا حي يا قيوم يا بديع السموات واألرض نسألك أن توفقنا ملا فيه‬
‫ص الح ديننا ودنيانا وأحسن عاقبتنا وأك رم مثوانا واغفر لنا ولوال دينا وجلميع‬

‫‪161‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫املس لمني برمحتك يا أرحم ال رامحني وص لى اهلل على حممد ‪ .‬وعلى آله وص حبه‬
‫أمجعني ‪.‬‬
‫موعظة ‪ :‬عباد اهلل إن الناس يف هذه احلياة انقسموا قسمني قسم جعلوا‬
‫غ ايتهم الكل والش رب والتمتع مبالذ ال دنيا من مس اكن ومالبس وقض اء وطر‬
‫وليس وراء هذه الغاية عندهم غاية أخرى فهم يقضون أوقاهتم يصرمون أعمارهم‬
‫ليتمتعوا ما وسعهم التمتع فما بعد نظرهم الكليل احلسري وقلوهبم امليتة إال العدم‬
‫والفناء ‪.‬‬
‫وه ؤالء هم جند الش يطان شر خلق اهلل وأش قاهم ق ال تع اىل ﴿ َو َذ ْريِن‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َك َف ُروا َيتَ َمتَّعُ و َن‬‫ني أُويِل الن َّْع َم ة َو َم ِّه ْل ُه ْم قَليالً ﴾ وق ال ﴿ َوالذ َ‬ ‫َوالْ ُم َك ِّذبِ َ‬
‫َّار َم ْث ًوى هَّلُ ْم ﴾ فهم صاروا كاألنعام ال خيتلفون‬ ‫َويَأْ ُكلُو َن َك َما تَأْ ُك ُل اأْل َْن َع ُام َوالن ُ‬
‫عنها إال يف الص ورة والش كل وإال يف دخ وهلم الن ار ول ذلك ق ال اهلل جل وعال‬
‫َض ُّل َسبِيالً ﴾ ‪.‬‬ ‫﴿ إِ ْن ُه ْم إِاَّل َكاأْل َْن َع ِام بَ ْل ُه ْم أ َ‬
‫تلك هي غاية ه ذا الص نف أما مرك زهم بني الن اس فهو مركز اإلفس اد‬
‫ين‬ ‫واإلض الل وم آهلم مجيعا دخ ول الن ار ‪ ،‬ق ال تع اىل ﴿ الَ يغَُّرنَّك َت َقلُّ َّ ِ‬
‫ب الذ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ً‬
‫اد ﴾ وق ال ﴿ قُ ْل‬ ‫ِ‬
‫س الْم َه ُ‬ ‫َك َف رواْ يِف الْبِالَ ِد َمتَ اعٌ قَلِي ل مُثَّ َم أْ َو ُاه ْم َج َهن ِ‬
‫َّم َوبْئ َ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫ص َري ُك ْم إِىَل النَّا ِر ﴾ ‪.‬‬ ‫مَتَتَّعواْ فَِإ َّن م ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫الص نف الث اين ال ذين عرف وا احلقيقة والغاية اليت خلق وا هلا عرف وا أن اهلل خلقهم‬
‫ون ﴾ أيقن وا بقوله‬ ‫لعبادته كما ق ال تع اىل ﴿ وما خلَ ْقت اجْلِ َّن واإْلِ نس إِاَّل لِيعب ُد ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ َ ُ‬
‫ك َك ْدحاً فَ ُماَل قِ ِيه ﴾ فغايتهم كما‬ ‫ِ‬
‫َّك َك اد ٌح إِىَل َربِّ َ‬
‫نسا ُن إِن َ‬ ‫ِ‬
‫تعاىل ﴿ يَا أَيُّ َها اإْل َ‬
‫تقدم عبادة اهلل ‪.‬‬
‫ومنها اجلهاد يف سبيل اهلل والدعوة إليه وعمارة األرض بفعل اخلري وهداية‬
‫احلي ارى إىل احلق وقي ادهتم يف دروب احلي اة ال دنيا ووراءها الغاية العظمى والعليا‬
‫وهي ابتغاء مرضاة اهلل وحده جل جالله ‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫َّ ِ‬
‫اس ُج ُدوا َو ْاعبُ ُدوا َربَّ ُك ْم‬ ‫اهلل تع اىل ﴿ يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫ين َآمنُ وا ْار َكعُ وا َو ْ‬ ‫ق ال‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لَ َعلَّ ُك ْم ُت ْفل ُحو َن * َو َجاه ُدوا يِف اللَّه َح َّق ج َهاده ُه َو ْ‬
‫اجتَبَا ُك ْم َو َما‬ ‫َوا ْف َعلُوا اخْلَْيَر‬

‫‪163‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫مني ِمن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َج َع ل َعلَْي ُك ْم يِف‬


‫يم ُه َو مَسَّا ُك ُم الْ ُم ْس ل َ‬ ‫ال دِّي ِن م ْن َح َر ٍج ِّملةَ أَبي ُك ْم إ ْب َراه َ‬ ‫َ‬
‫يموا‬ ‫ول ش ِهيداً علَي ُكم وتَ ُكونُ وا ش ه َداء علَى الن ِ ِ‬ ‫َقْب ُل َويِف َه َذا لِيَ ُك و َن َّ‬
‫َّاس فَ أَق ُ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َْ ْ َ‬ ‫الر ُس ُ َ‬
‫َّصريُ ﴾ ‪.‬‬ ‫صموا بِاللَّ ِه هو مواَل ُكم فَنِعم الْموىَل ونِعم الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصَّاَل ةَ َوآتُوا َّ‬
‫َُ َْ ْ ْ َ َْ َ ْ َ‬ ‫الز َكاةَ َو ْاعتَ ُ‬
‫نجي ُكم ِّم ْن‬ ‫وقال تعاىل ‪ ﴿ :‬يا أَيُّها الَّ ِذين آَمن وا ه ل أَدلُّ ُكم علَى جِت ار ٍة تُ ِ‬
‫َ َُ َ ْ ُ ْ َ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ِدو َن يِف َس بِ ِيل اللَّ ِه بِأ َْم َوالِ ُك ْم َوأَن ُف ِس ُك ْم‬ ‫ِ‬
‫اب أَلِي ٍم * ُت ْؤ ِمنُ و َن بِاللَّ ِه َو َر ُس ول ِه َوجُتَاه ُ‬ ‫َع َذ ٍ‬
‫َّات جَتْ ِري‬ ‫ذَلِ ُكم خي ر لَّ ُكم إِن ُكنتُم َتعلَم و َن * ي ْغفِر لَ ُكم ذُنُ وب ُكم وي ْد ِخ ْل ُكم جن ٍ‬
‫ْ َ‬ ‫َ ْ َُ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫ْ ُْ‬ ‫ْ َْ ٌ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِمن حَتْتِها اأْل َْنهار ومساكِن طَيِّبةً يِف جن ِ‬
‫يم ﴾ ‪.‬‬ ‫ك الْ َف ْو ُز الْ َعظ ُ‬ ‫َّات َع ْد ٍن ذَل َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ََ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ه ذه مهمة املس لم وغايته فيها عب ادة اهلل وحده وجهاده يف سبيله جياهد‬
‫نفسه حىت حيملها على طاعة اهلل ويبع دها عن املعص ية جه ده وجياهد بقلمه‬
‫ولسانه وماله ويده يف سبيل اهلل حىت تعلو كلمة اهلل ويستنري البشر بنور اإلسالم‬
‫‪.‬‬
‫وقد اخت ار اهلل املس لمني هلذه املهمة داللة الن اس وقي ادهتم وإخ راجهم من‬
‫الظلم ات إىل الن ور فال جمال عن ه ذه املهمة الش ريفة ه ذه طريقة الرسل عليهم‬
‫ِ ِ‬
‫ُس َوةٌ‬‫أفضل الصالة والسالم قال اهلل تعاىل ‪َ ﴿ :‬قَ ْد َك ا َن لَ ُك ْم يِف َر ُس ول اللَّه أ ْ‬
‫َح َسنَةٌ ﴾ ‪.‬‬
‫وق ال ص لى اهلل عليه وس لم ‪ « :‬بلغ وا عين ولو آية » ‪ .‬فكل واحد من املس لمني‬
‫ك َج َع ْلنَ ا ُك ْم أ َُّمةً‬ ‫ِ‬
‫عليه على ق در حال ه وال يع ذر وق ال اهلل تع اىل ‪َ ﴿ :‬و َك َذل َ‬
‫ول َعلَْي ُك ْم َش ِهيداً ﴾ ‪.‬‬ ‫الر ُس ُ‬‫َّاس َويَ ُكو َن َّ‬ ‫َو َسطاً لِّتَ ُكونُواْ ُش َه َداء َعلَى الن ِ‬
‫فال ذي يق ول إنه مس لم عليه أن يبلغ وي دعو وي ؤدي ه ذه الش هادة هلذا‬
‫الدين شهادة تؤيد حق هذا الدين يف البقاء ويؤيد اخلري الذي حيمله هذا الدين‬
‫للبشر ‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫متام ا حىت جيعل من نفسه ومن خلقه ومن‬ ‫وهو ال يؤيد ه ذه الش هادة ً‬
‫س لوكه ومن حياته ص ورة هلذا ال دين ص ورة يراها الن اس ف ريون فيها مثالً رفيعً ا‬
‫يشهد هلذا الدين اإلسالمي باألحقية يف الوجود باخلريية وباألفضلية على سائر ما‬
‫يف األرض ‪.‬‬
‫أوال مبجاه دهتا حىت تك ون ترمجة له ترمجه حية يف‬ ‫فالش هادة يف النفس ً‬
‫ش عورها وس لوكها حىت ص ورة األميان يف ه ذه النفس فيقول وا ما أطيب ه ذا‬
‫األميان وما أحسنه وما أزكاه ‪.‬‬
‫وهو يص وغ أص حابه على ه ذا الش كل من اخللق والكم ال فتك ون ه ذه‬
‫ش هادة هلذا ال دين يف النفس يت أثر هبا اآلخ رون والش هادة له ب دعوة الن اس إليه‬
‫وبيان فضله وحماسنه ومزيته بعد متثل هذا الفضل ‪.‬‬
‫وه ذه املزية يف نفس الداعية فما يكفي أن ي ؤدي املؤمن الش هادة لألميان‬
‫يف ذات نفسه إذا هو مل ي دع إليها الن اس وما يك ون قد أدى ال دعوة والتبليغ‬
‫ْم ِة َوالْ َم ْو ِعظَ ِة احْلَ َس نَ ِة َو َج ِادهْلُم‬ ‫والبي ان ق ال تع اىل ﴿ ْادع إِىِل س بِ ِيل ربِّ َ ِ ِ‬
‫ك باحْل ك َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ـذ ِه س بِيلِي أ َْدعو إِىَل اللّ ِه علَى ب ِ‬
‫ص َري ٍة أَنَ اْ‬ ‫بِالَّيِت ِهي أَحس ن ﴾ وق ال ‪ُْ ﴿ :‬ل ه ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُْ‬
‫َو َم ِن اتََّب َعيِن ﴾ اآلية ‪.‬‬
‫منهج ا للجماعة املؤمنة‬ ‫ً‬ ‫مث الش هادة هلذا ال دين مبحاولة إق راره يف األرض‬
‫ومنهج ا للبش رية مجيعَ ا واحملاولة بكل ما ميلك الف رد من وس يلة وبكل ما متلك‬ ‫ً‬
‫اجلماعة من وسيلة ‪.‬‬
‫ف إقرار ه ذا املنهج يف حي اة البشر هو ك ربى األمان ات بعد األميان ال ذايت‬
‫وال يعفى من هذه األمانة األخرية فرد وال مجاعة ومن مث فاجلهاد ماض إىل يوم‬
‫القيامة ‪ .‬أ ‪ .‬هـ ‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ت ِم ْن ِديَا ِر ال ِْعل ِْم آثَ ُار‬ ‫ِش ْعًرا‪ :‬لََق ْد َعَف ْ‬


‫ْم ال أ َْه ٌل َوال َد ُار‬ ‫ِ‬
‫َصَب َح الْعل ُ‬ ‫فَأ ْ‬
‫ين ِديَ َار ال ِْعل ِْم ال تَِف ُدوا‬ ‫ِ‬
‫يَا َزائ ِر َ‬
‫الدا ِر َديَّ ُار‬ ‫ْح َمى َو َّ‬ ‫اك ال ِ‬ ‫فَ َما بِ َذ َ‬
‫اسَت َمَّر بِِه ْم‬ ‫َتَر َّح َل الَْق ْو ُم َعْن َها َو ْ‬
‫ُم َش ِّمٌر ِم ْن ُح َد ِاة الَْبْي ِن َسيَّ ُار‬
‫اض َر َدى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قَ ْد أ َْو َر َد الَْق ْو َم َحاديهم حَي َ‬
‫إص َد ُار‬‫اك الْ ِو ْر ِد ْ‬ ‫فَ َما لَ ُه ْم َب ْع َد َذ َ‬
‫ت‬‫الدْنَيا الَّتِي طَِفَئ ْ‬ ‫لَ ْهِفي َعَلى ُسُر ِج ُّ‬
‫َّاس أَْنَو ُار‬ ‫ال لَ َها ِفي الن ِ‬ ‫َوال َيَز ُ‬
‫ِ‬
‫صَب ُروا‬ ‫لَ ْهفي َعَلْي ِه ْم ِر َجاالً طَالَ َما َ‬
‫صبَّ ُار‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ال َْعلَْياء َ‬ ‫َو َه َك َذا طَال ُ‬
‫لَ ْهِفي َعَلْي ِه ْم ِر َجاالً طَالَ َما َع َدلُوا‬
‫َبْي َن األَنَ ِام َو َما َح َاب ْوا َوال َج ُاروا‬
‫الدْنَيا َو َز ْهَرتَِها‬‫َمالُوا يَ ِم ًينا َع ْن ُّ‬
‫ون الَْق ْوِم أَقْ َذ ُار‬ ‫ألََّن َها ِفي ُعي ِ‬
‫ُ‬
‫وب ُه ْم‬ ‫وها بِأ ٍ‬
‫َج َساد ُقلُ ُ‬ ‫احبُ َ ْ‬ ‫صَ‬ ‫َو َ‬
‫ش أ َْو َك ُار‬ ‫الل ال َْع ْر ِ‬‫طَْير لَ َها ِفي ِظ ِ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫ُهم الَّ ِذي ِن َر َعوا لل ِْعل ِْم ُح ْر َمَتهُ‬
‫لِل ِْعل ِْم َبْيَن ُه ْم َشأْ ٌن َوِم ْق َد ُار‬

‫وه طَا َقَت ُه ْم َع ْن َما يُ َدنِّ ُ‬


‫سهُ‬ ‫صانُ ُ‬
‫َ‬
‫يس ال َْم ِال تُ َّج ُار‬ ‫ِ‬
‫صو ُن نَف َ‬‫َك َما يَ ُ‬

‫‪166‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ص ِري ًفا ألََّن ُهم‬ ‫َح َسنُوا ِف ِيه تَ ْ‬ ‫َوأ ْ‬


‫اهلل َت ْو ِفي ٌق َوإِقْ َد ُار‬‫لَ ُهم ِمن ِ‬
‫ْ‬
‫س يُ ْد ِر ُكهُ‬ ‫َرأ َْو ُه َكالن ْ ِ‬
‫َّجم ُب ْع ًدا لَْي َ‬
‫ِِ‬ ‫با ٌ ِ‬
‫ع قَص ٌير َو َف ْهم فيه إِق َ‬
‫ْص ُار‬ ‫َ‬
‫وعا ِمْنهُ َدانَِي ًة‬ ‫وها ُف ُر ً‬ ‫فَ َد َّونُ َ‬
‫ت ِمْنهُ أَثْ َم ُار‬ ‫ان تَ َدلَّ ْ‬ ‫لَ ُك ٍّل ج ٍ‬
‫َ‬
‫يق الَْق ْوِم ُمتَِّب ًعا‬ ‫اح فَالَْز ْم طَ ِر َ‬‫صِ‬ ‫يَا َ‬
‫س َب ْع َد الَْي ْوِم إِنْظَ ُار‬ ‫فَ ِري َق ُه ْم لَْي َ‬
‫ود ِم ْن أ ََم ٍل‬ ‫صُر َك ال َْم ْم ُد َ‬ ‫ب قَ ْ‬ ‫ِ‬
‫َو َواج ٌ‬
‫َم َسافَةُ ِفي ُدْنَي َ‬
‫اك أَ ْشَب ُار‬
‫ثبت حمبتك يف قلوبنا وقوها وارزقنا القي ام بطاعتك وجبنا ما‬ ‫اللهم‬
‫نياتنا وذرياتنا وأع ذنا من شر نفوس نا وس يئات أعمالنا وأع ذنا‬ ‫يس خطك وأص لح‬
‫هوانا تبعً ا ملا ج اء به رس ولك ‪ ‬واغفر لنا ولوال دينا وجلميع‬ ‫من ع دوك واجعل‬
‫يا أرحم ال رامحني وص لى اهلل على حممد وعلى آله وص حبه‬ ‫املس لمني برمحتك‬
‫أمجعني ‪.‬‬
‫صلٌ )‬
‫( فَ ْ‬
‫وقال ابن القيم رمحه اهلل يف التحذير من إبليس وجنوده وبيان شيء من‬
‫حيله ومكره وكيده لبين آدم ووصاياه جلنوده كيف يوقعون بين آدم يف املعاصي‬
‫من حيث يشعرون ومن حيث ال يشعرون وتوجيه جنوده إىل املداخل إىل قلوب‬
‫بين آدم ليدمرهم ويهلكهم ويزجهم معه يف السعري ‪ ،‬وقال رمحه اهلل ‪:‬‬

‫‪167‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وملا علم س بحانه أن آدم ‪ ،‬وبنيه قد بل وا هبذا الع دو ‪ ،‬وأنه قد س لط‬


‫عليهم أم دهم بعس اكر ‪ ،‬وجند يلقونه هبا ‪ ،‬وأمد ع دوهم أيضًا جبند وعساكر‬
‫يلقاهم هبا وأقام سوق اجلهاد يف هذه الدار يف مدة العمر اليت هي باإلضافة إىل‬
‫اآلخرة كنفس واحد من أنفاسها ‪.‬‬
‫واشرتى من املؤمنني أنفسهم وأمواهلم بأن هلم اجلنة يقاتلون يف سبيل اهلل‬
‫فيقتل ون ويقتل ون ‪ ،‬وأخرب أن ذلك وعد مؤكد يف أش رف كتبه وهي الت وراة ‪،‬‬
‫واإلجنيل ‪ ،‬والقرآن ‪ ،‬وأخرب أنه أوىف بعهده منه سبحانه ‪.‬‬
‫مث أمرهم أن يستبشروا هبذه الصفقة اليت من أراد أن يعرف قدرها فلينظر‬
‫إىل املش رتي من هو ‪ ،‬وإىل الثمن املب ذول يف ه ذه الس لعة ‪ ،‬وإىل من ج رى‬
‫على يديه هذا العقد ‪ ،‬فأي فوز أعظم من هذا ‪ ،‬وأي جتارة أربح منه ‪.‬‬
‫ين آَ َمنُوا َه ْل أ َُدلُّ ُك ْم َعلَى جِت َ َار ٍة‬ ‫َّ ِ‬
‫مث أكد سبحانه هذا بقوله ‪ ﴿ :‬يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫اب أَلِي ٍم * ُتؤ ِمنو َن بِاللَّ ِه ورسولِِه وجُت ِ‬
‫اه ُدو َن يِف َس بِ ِيل اللَّ ِه بِأ َْم َوالِ ُك ْم‬ ‫نجي ُكم ِّمن َع َذ ٍ‬‫تُ ِ‬
‫ََ ُ َ َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫ِر لَ ُك ْم ذُنُ وبَ ُك ْم َويُ ْد ِخ ْل ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوأَن ُفس ُك ْم َذل ُك ْم َخْي ٌر لَّ ُك ْم إن ُكنتُ ْم َت ْعلَ ُم و َن * َي ْغف ْ‬
‫يم‬ ‫ِ‬ ‫َّات جَتْ ِري ِمن حَتْتِها اأْل َْنه ار ومس اكِن طَيِّب ةً يِف جن ِ‬
‫َّات َع ْد ٍن َذل َ‬ ‫جن ٍ‬
‫ِك الْ َف ْو ُز الْ َعظ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ََ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫﴾ ‪.‬‬
‫ومل يسلط هذا العدو على عبده املؤمن الذي هو أحب أنواع املخلوقات‬
‫إليه ‪ ،‬إال ألن اجله اد أحب ش يء إليه وأهله أرفع اخللق عن ده درج ات وأق رهبم‬
‫إليه وسيلة ‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫فعقد سبحانه وتعاىل لواء هذا احلرب خلالصة خملوقاته ‪ ،‬وهو القلب الذي‬
‫هو حمل معرفته ‪ ،‬وحمبته ‪ ،‬وعبوديته ‪ ،‬واإلخالص له والتوكل عليه ‪ ،‬واإلنابة‬
‫إليه ‪ ،‬فواله أمر هذا احلرب ‪.‬‬
‫ات ِّمن‬
‫وأي ده جبن ده من املالئكة ال يفارقونه ‪ ،‬ق ال تع اىل ‪ ﴿ :‬لَ هُ ُم َعقِّبَ ٌ‬
‫ِه حَيْ َفظُونَهُ ِم ْن أ َْم ِر اللّ ِه ﴾ يثبتونه وحيفظونه ‪ ،‬ويأمرونه باخلري‬
‫ب ِ ي َدي ِه و ِمن خ ْلف ِ‬
‫َنْي َ ْ َ ْ َ‬
‫‪ ،‬وخيص ونه عليه ‪ ،‬ويعدونه بكرامة اهلل ‪ ،‬ويص ربونه ‪ ،‬ويقول ون ‪ :‬إمنا هو صرب‬
‫ساعة وقد اسرتحت راحة األبد ‪.‬‬
‫مث أم ده جبند آخر من وحيه ‪ ،‬وكالمه ‪ ،‬فأرسل إليه رس وله ص لى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وأنزل إليه كتابه ‪ ،‬فازداد قوة إىل قوته ‪ ،‬ومدادًا إىل مدده وعدة‬
‫إىل عدته ‪.‬‬
‫ومدبرا ‪ ،‬وباملعرفة مشرية عليه وناصحة‬ ‫ً‬ ‫وزيرا له‬
‫وأيده مع ذلك بالعقل ً‬
‫له ‪ ،‬وباإلميان مثبتً ا له ‪ ،‬ومؤي ًدا ‪ ،‬وناص ًرا ‪ ،‬وب اليقني كاش ًفا له عن حقيقة‬
‫األمر كأنه يعاين ما وعد اهلل تعاىل به أولياءه وحزبه على جهاد أعدائه ‪.‬‬
‫فالعقل ي دبر أمر جيشه ‪ ،‬واملعرفة تص نع له أم ور احلرب وأس باهبا‬
‫ومواض عها الالحقة هبا ‪ ،‬والإميان يثبته ويقويه ويص ربه ‪ ،‬واليقني يق دم به وحيمل‬
‫به احلمالت الصادقة ‪.‬‬
‫مث أمد سبحانه القائم هبذه احلرب بالقوى الظاهرة والباطنة ‪ ،‬فجعل العني‬
‫طليعته واألذن صاحب خربه ‪ ،‬واللسان ترمجان ‪ ،‬واليدين والرجلني أعوانه ‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وأق ام مالئكته ومحلة عرشه يس تغفرون له ‪ ،‬ويس ألون له أن يقيه الس يئات ‪،‬‬
‫ويدخله اجلنات ‪ ،‬وتوىل سبحانه الدفع عنه والدفاع عنه بنفسه ‪.‬‬
‫ب‬ ‫وقال ‪ :‬هؤالء حزيب وحزب اهلل املفلحون ‪ ،‬وقال تعاىل ‪ُ ﴿ :‬ولَئِ َ ِ‬
‫ك ح ْز ُ‬ ‫ْ‬
‫ب اللَّ ِه ُه ُم الْ ُم ْفلِ ُح و َن ﴾ وه ؤالء جن دي وجند اهلل هم الغ البون‬ ‫ِ‬
‫اللَّه أَاَل إِ َّن ِح ْز َ‬
‫‪.‬‬
‫وعلم سبحانه عباده كيف هذا احلرب واجلهاد فجمعها هلم يف أربع كلمات‬
‫َّ ِ‬
‫ص ابُِرواْ َو َرابِطُ واْ َو َّات ُق واْ اللّ هَ‬
‫اص رِب ُواْ َو َ‬ ‫﴿ يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫ين َآمنُ واْ ْ‬ ‫‪ ،‬فق ال ‪:‬‬
‫لَ َعلَّ ُك ْم ُت ْفلِ ُحو َن ﴾ ‪.‬‬
‫وال يتم أمر ه ذا اجله اد إال هبذه األمور األربعة ‪ ،‬فال يتم له الصرب إال‬
‫مبص ابرة الع دو ‪ ،‬وهي مقاومته ‪ ،‬ومنازلته ‪ ،‬ف إذا ص ابر ع دوه احت اج إىل أمر‬
‫آخر وهو املرابطة وهي ل زوم ثغر القلب وحراس ته لئال ي دخل معه الع دو ول زوم‬
‫ثغر العني ‪ ،‬واألذن واللسان ‪ ،‬والبطن ‪ ،‬واليد ‪ ،‬والرجل ‪.‬‬
‫فهذه الثغور منها يدخل العدو ‪ ،‬فيجوس خالل الديار ‪ ،‬ويفسد ما قدر‬
‫خالي ا‬
‫عليه ‪ ،‬فاملرابطة لزوم هذه الثغور ‪ ،‬وال خيلى مكاهنا فيصادف العدو الثغر ً‬
‫فيدخل منه ‪.‬‬
‫فهؤالء أصحاب رسول اهلل صلى اله عليه وسلم ‪ ،‬خري اخللق بعد النبيني‬
‫واملرس لني ‪ ،‬وأعظمهم محاية ‪ ،‬وحراسة من الش يطان ‪ ،‬وقد أخل وا املك ان ال ذي‬
‫أمروا بلزومه يوم أحد ‪ ،‬فدخل منه العدو فكان ما كان ‪.‬‬
‫ومجاع هذه الثالثة الذي تقوم به هو تقوى اهلل تعاىل فال ينفع الصرب وال‬
‫املصابرة ‪ ،‬وال املرابطة ‪ ،‬إال بالتقوى وال تقوم التقوى إال‬

‫‪170‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫على س اق الصرب ‪ ،‬ف انظر اآلن فيك إىل التق اء اجليشني واص طدام العس كريني ‪،‬‬
‫وكيف تدال مرة ‪ .‬ويدال عليك مرة أخرى ‪.‬‬
‫جالسا على‬
‫ً‬ ‫أقبل ملك الكفرة جبنوده وعساكره ‪ ،‬فوجد القلب يف حصنه‬
‫مملكته ‪ ،‬أم ره ناف ٌذ يف أعوانه ‪ ،‬وجن ده قد حف وا به يق اتلون عنه ‪،‬‬ ‫كرسي‬
‫وي دافعون عن حوزته ‪ ،‬فلم ميكنه اهلج وم عليه إال مبخ امرة بعض أمرائه وجن ده‬
‫عليه ‪.‬‬
‫فس ال عن أخص اجلند به ‪ ،‬وأق رهبم منه منزلة ‪ ،‬فقيل له هي النفس ‪،‬‬
‫فق ال ألعوانه ادخلوا عليها من مرادها وانظ روا مواقع حمبتها ‪ ،‬وما هو حمبوهبا ‪،‬‬
‫فعدوها به ‪ ،‬ومنوها إياه ‪ ،‬وانقشوا صورة احملبوب فيها يف يقظتها ومنامها ‪.‬‬
‫ف إذا اطم أنت إليه وس كنت عن ده ف اطرحوا عليها كالليب الش هوة‬
‫وخطاطيفها ‪ ،‬مث جروها هبا إليكم ‪.‬‬
‫فإذا خامرت على القلب وصارت معكم عليه ملكتم ثغور العني ‪ ،‬واألذن‬
‫واللسان ‪ ،‬والفم واليد ‪ ،‬والرجل ‪ ،‬فرابطوا على هذه الثغور وكل املرابطة فمىت‬
‫جريح مثخن اجلراحات ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫أسري أو‬
‫قتيل أو ٌ‬
‫دخلتم منها إىل القلب فهو ٌ‬

‫وال ختلوا هذه الثغور ‪ ،‬وال متكنوا سرية تدخل فيه إىل القلب فتخرجكم‬
‫منها ‪ ،‬وان غلبتم فاجته دوا يف أض عاف الس رية ووهنا ‪ ،‬حىت ال تصل إىل‬
‫القلب وإن وصلت ضعيفة ال تغين عنه شيئًا ‪.‬‬
‫فإذا استوليتم على هذه الثغور ‪ ،‬فامنعوا ثغر العني أن يكون نظره‬

‫‪171‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫واستحسانا ‪ ،‬وتلهيً ا ‪ ،‬فان اسرتق نظره عربة‬


‫ً‬ ‫تفرج ا ‪،‬‬
‫ً‬ ‫اعتبارا بل اجعلوا نظره‬
‫ً‬
‫‪ ،‬فأفس دوها عليه بنظ رة الغفلة ‪ ،‬واالستحس ان والش هوة ‪ ،‬فإنه أق رب غليه ‪،‬‬
‫وأعلق بنفسه ‪ ،‬وأخف عليه ‪.‬‬
‫ودونكم ثغر العني ف إن منه تن الون بغيتكم ‪ ،‬ف إين ما أفس دت بين آدم‬
‫بش يء مثل النظر ‪ ،‬ف إين أب ذر به القلب ب ذر الش هوة ‪ ،‬مث اس قيه مباء األمنية ‪،‬‬
‫مث ال أزال أع ده وأمنيه حىت أق وي عزميته وأق وده بزم ام الش هوة ‪ ،‬إىل االخنالع‬
‫من العصمة ‪.‬‬
‫فال هتملوا أمر هذا الثغر وأفسدوه حبسب استطاعتكم وهونوا عليه أمره‬
‫وقولوا له مقدار نظرة تدعوك إىل تسبيح اخلالق والتأمل لبديع صنعه وحسن هذه‬
‫الص ورة اليت إمنا خلقت ليس تدل هبا الن اظر عليه وما خلق اهلل لك العينني س دى‬
‫وما خلق هذه الصورة ليحجبها عن النظر ‪.‬‬
‫مث امنعوا ثغر األذن أن يدخل منه ما يفسد عليكم األمر فاجتهدوا أن ال‬
‫ت دخلوا منه إال الباطل فإنه خفيف على النفس تس تحليه وتستحس نه وختريوا له‬
‫أع ذب األلف اظ وأس حرها لأللب اب وامزج وه مبا هتوى النفس مزجً ا وألق وا الكلمة‬
‫ف ان رأيتم منه إص غاء إليها فزج وه بأخواهتا وكلما ص ادفتم منه استحس ان ش يء‬
‫فاهلجوا له بذكره ‪.‬‬
‫وإياكم أن يدخل هذا الثغر شيء من كالم رسوله صلى اهلل عليه وسلم‬
‫أو كالم النصحاء فإن غلبتم على ذلك ودخل من ذلك شيء فحولوا بينه وبني‬
‫فهمه وت دبره والتفكر فيه والعظة به إما بإدخ ال ض ده عليه وأما بتهويل ذلك‬
‫وتعظيمه وان ه ذا األمر قد حيل بني النف وس وبينه فال س بيل هلا أليه وهو محل‬
‫يثقل عليها ال تستقل به وحنو ذلك ‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وأما بأرخصه على النف وس وأن االش تغال ينبغي أن يك ون مبا هو أعلى‬
‫عند الناس وأعز عليهم واغرب عندهم والقابلون له أكثر وأما احلق فهو مهجور‬
‫وقائله مع رض نفسه للع داوة ‪ .‬وال رائج بني الن اس أوىل باإليث ار وحنو ذلك‬
‫في دخلون الباطل عليه يف كل ق الب يقلبه وخيف عليه وخترج ون له يف ق الب‬
‫يكرهه ويثقل عليه ‪.‬‬
‫وإذا ش ئت أن تع رف ذلك انظر إىل إخ واهنم من ش ياطني األنس كيف‬
‫خيرجون األمر ب املعروف والنهى عن املنكر يف ق الب كثرة الفض ول وتتبع عثرات‬
‫الناس والتعرض من البال ملا ال يطيق وإلقاء الفنت بني الناس وحنو ذلك ‪.‬‬
‫واملقص ود أن الش يطان ل زم ثغر األذن أن ي دخل فيها ما يضر العبد وال‬
‫ينفعه ومينع أن يدخل إليها ما ينفعه وأن دخل بغري اختيار أفسده عليه ‪.‬‬
‫مث يق ول ‪ :‬قوم وا على ثغر اللس ان ‪ ،‬فإنه الثغر األعظم ‪ ،‬وهو قبالة‬
‫امللك ‪ ،‬ف أجروا عليه من الكالم ما يض ره وال ينفعه وامنع وه أن جيري عليه‬
‫شيء مما ينفعه ‪ ،‬من ذكر اهلل تعاىل ‪ ،‬واستغفاره ‪ ،‬وتالوة كتابه ونصيحة عباده‬
‫‪ ،‬والتكلم ب العلم الن افع ‪ ،‬ويك ون يف ه ذا الثغر أم ران عظيم ان ‪ ،‬ال تب الون‬
‫بأيهما ظفرمت ‪.‬‬
‫أحدمها ‪ :‬التكلم بالباطل ‪ ،‬فإن املتكلم بالباطل أخ من إخوانكم ومن اكرب‬
‫جندكم وأعوانكم ‪.‬‬
‫والثاين ‪ :‬السكوت عن احللق ‪ ،‬فإن الساكت عن احلق أخ لكم أخرس ‪،‬‬
‫كما أن األول أخ ناطق ‪ ،‬ورمبا كان األخ الثاين أنفع أخويكم لكم ‪،‬‬

‫‪173‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫أما مسعتم ق ول الناصح « املتكلم بالباطل ش يطان ن اطق ‪ ،‬والس اكت عن احلق‬
‫شيطان أخرس » ‪.‬‬
‫فالرب اط على ه ذا الثغر أن يتكلم حبق أو ميسك عن باطل وزين وا له‬
‫التكلم بالباطل بكل طريق ‪ ،‬وخوفوه من التكلم باحلق بكل طريق ‪ .‬واعلموا يا‬
‫بين أن ثغر اللس ان هو ال ذي أهلك منه بين آدم وأكبهم منه على من اخرهم يف‬
‫النار فكم يل من قتيل وأسري وجريح أخذته من هذا الثغر ‪.‬‬
‫وأوصيكم بوصية فاحفظوها ‪ ،‬لينطق أحدكم على لسان أخيه من اإلنس‬
‫بالكلمة ‪ ،‬ويك ون اآلخر على لس ان الس امع ‪ ،‬فينطق باستحس اهنا وتعظيمها‬
‫والتعجب منها ‪ ،‬ويطلب من أخيه إعادهتا ‪ ،‬وكون وا أعوانً ا على اإلنس بكل‬
‫باب ‪ ،‬واقعدوا هلم كل مرصد ‪.‬‬ ‫طريق ‪ ،‬وادخلوا عليهم من كل ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أما مسعتم قسمي الذي أقسمت به لرهبم حيث قلت ﴿ ‪- 17 : 16‬‬
‫َّهم ِّمن َبنْي ِ أَيْ ِدي ِه ْم َو ِم ْن‬ ‫ِ‬
‫يم * مُثَّ آلتَين ُ‬
‫ِ‬
‫فَبِ َما أَ ْغ َو ْيتَيِن ألَ ْقعُ َد َّن هَلُ ْم ِص َراطَ َ‬
‫ك الْ ُم ْس تَق َ‬
‫ين ﴾ أو ما تروين قد‬ ‫ِ‬ ‫َخ ْل ِف ِه ْم َو َع ْن أَمْيَاهِنِ ْم َو َعن مَشَآئِلِ ِه ْم َوالَ جَت ُ‬
‫ِد أَ ْكَث َر ُه ْم َش اك ِر َ‬
‫قع دت البن آدم بطرقة كلها ‪ ،‬فال يفوتين من طريق إال قع دت له بطريق غ ريه‬
‫‪ ،‬حىت أصيب منه حاجيت أو بعضها ‪.‬‬
‫وقد ح ذرهم ذلك رس وهلم وق ال هلم ‪ « :‬إن الش يطان قد قعد البن آدم‬
‫بطرقه كلها ‪ ،‬وقعد له بطريق اإلس الم ‪ .‬فق ال أتس لم وت ذر دينك ودين آبائك‬
‫‪ ،‬فخالفه وأسلم ‪.‬‬
‫فقعد له بطريق اهلجرة ‪ ،‬فقال ‪ :‬أهتاجر وتذر أرضك ومساءك ‪ ،‬فخالفه‬
‫وه اجر ‪ ،‬فقعد له بطريق اجله اد ‪ ،‬فق ال ‪ :‬أجتاهد فتقتل فيقسم املال وتنكح‬
‫الزوجة ‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫فهك ذا فاقع دوا هلم بكل ط رق اخلري ‪ ،‬ف إذا أراد أح دهم أن يتص دق‬
‫فاقع دوا له على طريق الص دقة ‪ ،‬وقول وا له يف نفسه ‪ :‬أخترج املال فتبقى مثل‬
‫هذا السائل ‪ ،‬وتصري مبنزلته أنت وهو سواء ‪.‬‬
‫أو ما مسعتم ما ألقيت على لس ان رجل س أله آخر أن يتص دق عليه ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬هي أموالنا إن أعطيناكموها صرنا مثلكم ‪.‬‬
‫واقعدوا له بطريق احلج ‪ ،‬فقولوا ‪ :‬طريقة خموفة مشقة ‪ ،‬يتعرض سالكها‬
‫لتلف النفس واملال ‪ ،‬وهك ذا فاقع دوا على س ائر ط رق اخلري ب التنفري عنها وذكر‬
‫صعوبتها وآفاهتا ‪.‬‬
‫مث أقع دوا هلم على ط رق املعاصي فحسنوها يف أعني بين آدم ‪ ،‬وزينوها‬
‫يف قل وهبم ‪ ،‬واجعل وا أك ثر أع وانكم على ذلك النس اء ‪ ،‬فمن أب واهبن ف ادخلوا‬
‫عليهم فنعم العون هن لكم ‪.‬‬
‫مث الزم وا ثغر الي دين وال رجلني ‪ ،‬فامنعوها أن تبطش مبا يض ركم ومتشي‬
‫فيه ‪ .‬اللهم أحلقنا بعب ادك الص احلني األب رار ‪ ،‬وآتنا يف ال دنيا حس نة ويف اآلخ رة‬
‫حسنة ’ وقنا عذاب النار ‪ ،‬واغفر لنا ولوالدينا ‪ ،‬وجلميع املسلمني األحياء منهم‬
‫واملي تني ‪ ،‬برمحتك يا أرحم ال رامحني ‪ ،‬وص لى اهلل على س يدنا حممد وعلى آله‬
‫وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫صلٌ )‬
‫( َف ْ‬
‫وقال رمحه اهلل حيكيه يف التحذير عن إبليس وجنوده ‪:‬‬
‫واعملوا أن أعوانكم على لزوم الثغور مصاحلة النفس األمارة‬

‫‪175‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫فأعينوها واس تعينوا هبا ‪ ،‬وأم دها واس تمدوا منها ‪ ،‬وكون وا معها على ح رب‬
‫النفس املطمئنة فاجته دوا يف كس رها وابط ال قواها وال س بيل إىل ذلك أال بقطع‬
‫موادها عنها ‪.‬‬
‫فإذا انقطعت موادها وقويت مواد النفس األمارة ‪ ،‬وانطاعت لكم أعواهنا‬
‫فاس تنزلوا القلب من حص نه ‪ ،‬واعزل وه عن مملكته ‪ ،‬وول وا مكانه النفس املارة ‪،‬‬
‫فأهنا ال ت أمر إال مبا ترونه وحتبونه ‪ ،‬وال جتيئكم مبا تكرهونه البتة ‪ ،‬مع أهنا ال‬
‫ختالفكم يف ش يء تش ريون به عليها ‪ ،‬بل إذا أش رمت عليها بش يء ب ادرت إىل‬
‫فعله ‪.‬‬
‫ف ان أحس نتم من القلب منازعة إىل مملكته ‪ ،‬وأردمت األمن من ذلك‬
‫فاعقدوا بينه وبني النفس عقد النكاح ‪ ،‬فزينوها ومجلوها وأوروها إياه يف أحسن‬
‫صورة عروس توجد ‪ ،‬وقولوا له ‪ :‬ذق طعم هذا الوصال ومتتع هبذه العروس ‪،‬‬
‫كما ذقت طعم احلرب وباشرت مرارة الطعن والضرب ‪.‬‬
‫مث وازن بني ل ذة ه ذه املس ألة وم رارة تلك احملاربة ‪ ،‬ف دع احلرب تضع‬
‫أوزارها ‪ ،‬فليست بي وم وتنقضي ‪ ،‬وإمنا هو ح رب متصل ب املوت ‪ ،‬وق واك‬
‫تضعف عن حرب دائم ‪.‬‬
‫واستعينوا يا بين جبندين عظيمني لن تغلبوا معهما ‪:‬‬
‫أح دمها ‪ :‬جند الغفلة ‪ ،‬ف أغفلوا قل وب بين آدم عن اهلل تع اىل وال دار‬
‫اآلخرة بكل طريق ‪ ،‬فليس لكم شيء أبلغ يف حتصيل غرضكم من ذلك ‪ ،‬فإن‬
‫القلب إذا غفل عن اهلل تعاىل متكنتم منه ومن إغوائه ‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫والث اين ‪ :‬جند الش هوات ‪ ،‬فزينوها يف قل وهبم ‪ ،‬وحس نوها يف أعينهم‬
‫وص لوا عليهم هبذين العس كريني ‪ ،‬فليس لكم من بين آدم ابلغ منهما ‪،‬‬
‫واس تعينوا على الغفلة بالش هوات ‪ ،‬وعلى الش هوات بالغفلة وأقرن وا بني الغ افلني‬
‫‪.‬‬
‫مث استعينوا هبما على الذاكر ‪ ،‬وال يغلب واحد مخسة ‪ ،‬فإن مع كل‬
‫واحد من الغ افلني شيطانني ص اروا أربعة ‪ ،‬وش يطان ال ذكر معهم ‪ ،‬وإذا رأيتم‬
‫مجاعة جمتمعني على ما يض ركم_ من ذكر اهلل أو م ذاكرة أم ره وهنيه ودينه ‪،‬‬
‫ومل تق دروا على تف ريقهم‪ -‬فاس تعينوا عليهم ببين جنس هم من األنس البط الني ‪،‬‬
‫فقربوهم منهم ‪ ،‬وشوشوا عليهم هبم ‪.‬‬
‫وباجلملة فأعدوا لألمور أقراهنا ‪ ،‬وادخلوا على كل واحد من بين آدم من‬
‫باب إرادته وشهوته ‪ ،‬فساعدوه عليها ‪ ،‬وكونوا أعوانا له على حتصيلها ‪ ،‬وإذا‬
‫كان اهلل قد أمرهم أن يصريوا لكم ويصابروكم ويرابطوا عليكم الثغور فاصربوا‬
‫وأنتم ص ابروا ورابط وا عليهم ب الثغور ‪ ،‬وانته زوا فرص كم فيهم عند الش هوة‬
‫والغضب ‪ ،‬فال تصطادون بين آدم يف أعظم من هذين املوطنني ‪.‬‬
‫واعلم وا أن منهم من يك ون س لطان الش هوة عليه أغلب وس لطان غض به‬
‫ض عيف مقه ور ‪ ،‬فخ ذوا عليه طريق الش هوة ‪ ،‬ودع وا طريق الغضب ‪ ،‬ومنهم‬
‫من يك ون س لطان الغضب عليه أغلب ‪ ،‬فال ختل وا طريق الش هوة قلبه ‪ ،‬وال‬
‫تعطل وا ثغرها ‪ ،‬ف إن من مل ميلك نفسه عند الغضب فإنه ب احلري أن ال ميلك‬
‫نفسه عند الش هوة ‪ ،‬فزوج وا بني غض به وش هوته وامزج وا أح دمها ب اآلخر ‪،‬‬
‫وادعوه إىل الشهوة من باب الغضب ‪ ،‬واىل الغضب من طريق الشهوة ‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫واعلموا أنه ليس لكم يف بين آدم سالح أبلغ من هذين السالحني وإمنا‬
‫أخ رجت أب ويهم من اجلنة بالش هوة وإمنا ألقيت الع داوة بني أوالدهم بالغضب فبه‬
‫قطعت أرح امهم وس فكت دم ائهم وبه قتل أحد ابين آدم أخ اه واعلم وا أن‬
‫الغضب مجرة يف قلب ابن آدم والشهوة نار تثور من قلبه وإمنا تطفأ النار باملاء‬
‫والصالة والذكر والتكبري ‪.‬‬
‫فإياكم أن متكنوا ابن آدم عند غضبه وشهوته من قربان الوضوء والصالة‬
‫فان ذلك عنهم نار الغضب والشهوة وقد أمرهم نبيهم بذلك فقال إن الغضب‬
‫مجرة يف قلب ابن آدم أما رأيتم من امحرار عينيه وانتف اخ أودجه فمن أحس‬
‫ب ذلك فليتوضأ وق ال هلم إمنا تطفأ الن ار باملاء وقد أوص اهم أن يس تعينوا عليكم‬
‫بالصرب والصالة ‪.‬‬
‫فحولوا بينهم وبني ذلك وأنسوهم إياه واستعينوا عليهم بالشهوة والغضب‬
‫وأبلغ أس لحتكم فيهم وأنكاها الغفلة وأتب اع اهلوى وأعظم أس لحتهم فيكم وأمنع‬
‫حص وهنم ذكر اهلل وخمالفة اهلوى ف إذا رأيتم الرجل هلواه ف اهربوا من ظله وال‬
‫تدنوا منه ‪.‬‬
‫واملقصود أن الذنوب واملعاصي سالح ومدد ميد هبا العبد أعداءه ويعينهم هبا على نفسه‬
‫فيقاتلونه بسالحه ويكون معهم على نفسه وهذا غاية اجلهل ‪.‬‬
‫َما َيْبلُ ُغ األَ ْع َداءُ ِم ْن َج ِاه ٍل‬
‫ْج ِاه ُل ِم ْن َن ْف ِس ِه‬
‫َما َيْبلُ ُغ ال َ‬
‫انتهى كالمه رمحه اهلل بتصرف يسري ‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫‪:‬‬ ‫وقال رمحه اهلل يصف الدنيا‬


‫َن َها‬ ‫ان َي ْعلَ ُم أ َّ‬‫لَ ِك َّن َذا ا ِإليم ِ‬
‫َ‬
‫َّالل و ُك ُّل َه َذا فَ ِ‬
‫ان‬ ‫َذا َكالض ِ‬
‫َ‬
‫اسَتَت َّم ِزيَ َار ًة‬
‫ف َما ْ‬ ‫َك َخي ِال طَْي ٍ‬
‫َ‬
‫إِال وصْبح ر ِح ِيل ِه بِأَ َذ ِ‬
‫ان‬ ‫َ ُ ُ َ‬
‫ٍ‬
‫ف‬ ‫صائِ ٍ‬ ‫ت بَِي ْوم َ‬ ‫َو َس َحابٍَة طَلَ َع ْ‬
‫ب َزم ِ‬
‫ان‬ ‫خ بُِق ْر ِ َ‬ ‫سو ٌ‬ ‫فَالظ ُّل َمْن ُ‬
‫ِّ‬
‫يع بِ ُح ْسنِ َها‬ ‫الربِ ُ‬‫َو َكَز ْهَر ٍة َوافَى َّ‬
‫الهما إِ ْخو ِ‬
‫ان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أ َْو الم ًعا فَك ُ َ َ‬
‫آن ِفي‬ ‫اب يلُوح لِلظَّم ِ‬
‫السَر ِ َ ُ ْ‬ ‫أ َْو َك َّ‬
‫ط ال َْه ِجي ِر بِمسَتوى الِْقيع ِ‬
‫ان‬ ‫َو َس َ‬
‫َ‬ ‫َُْ‬
‫اب ِمْن َها ِذ ْك ُر َها‬ ‫ِ‬
‫أ َْو َكاألََماني طَ َ‬
‫ضار َها بِجَن ِ‬
‫ان‬ ‫بِالَْقو ِل و ْ ِ‬
‫است ْح َ ُ َ‬ ‫ْ َ‬
‫وس أ َْمَو ِال ال َْمَفا‬ ‫ِ‬
‫ور ُر ُؤ ُ‬ ‫َوه َي الْغُُر ُ‬
‫يس األُولَى اتَّجروا بِال أَثْم ِ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫لِ ِ‬
‫أَو َكالطَّع ِام يلَ ُّذ ِعْن َد مس ِ‬
‫اغ ِه‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫لَ ِك َّن ُع ْقب ُاه َكما تَ ِج َد ِ‬
‫ان‬ ‫َ َ‬
‫الر ُسو‬‫ب َّ‬ ‫ضَر َ‬ ‫َه َذا ُهَو ال َْمثَ ُل الَّ ِذي َ‬
‫ُل لَ َها و َذا ِفي غَاي ِة التِّْبي ِ‬
‫ان‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ت َتَرى َحِقي َقَت َها فَ ُخ ْذ‬ ‫َوإِ َذا أ ََر ْد َ‬
‫اح ًدا َذا َش ِ‬
‫ان‬ ‫ِمْنه ِمثَاالً و ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫َصُب ًعا ِفي الَْي ِّم َوانْـ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أَ ْدخ ْل بِ َج ْهد َك أ ْ‬

‫‪179‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ـظُر ما َتعلََّقهُ إِ َذا بعي ِ‬


‫ان‬ ‫ََ‬ ‫ْ َ َ‬
‫الر ُسو‬ ‫ال َّ‬ ‫الدْنَيا َك َذا قَ َ‬‫َه َذا ُهَو ُّ‬
‫ُل ممثِّالً والْح ُّق ذُو تِْبي ِ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫َُ َ َ‬
‫الد ْو ِح ِفي‬ ‫اك َمَّثلَ َها بِ ِظ ِّل َّ‬‫َو َك َذ َ‬
‫الر ْكب ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‬ ‫ْح ُرو ِر لَقائ ِل ُّ َ‬ ‫َوقْت ال َ‬
‫وض ٍة‬
‫اح َب ُع َ‬ ‫ت َجَن َ‬ ‫َه َذا َولَْو َع َدلَ ْ‬
‫ِعْن َد ا ِإللَِه الْح ِّق ِفي ال ِْميز ِ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫لَ ْم يَ ْس ِق ِمْن َها َك ِافًرا ِم ْن َش ْربٍَة‬
‫ْحرم ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‬ ‫ْح ُّق بِال ْ َ‬
‫اء َو َكا َن ال َ‬ ‫َم ً‬
‫اع َما‬ ‫اهلل َما َعَق َل ْام ُرٌؤ قَ ْد بَ َ‬ ‫تَ ِ‬
‫ضم ِح ِّل فَ ِ‬
‫ان‬ ‫ِ‬
‫َيْبَقى ب َما ُهَو ُم ْ َ‬
‫ضي ح ِ‬
‫اك ًما‬ ‫َه َذا وي ْفتِي ثُ َّم ي ْق ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬
‫ْح ْج ِر ِمن سَف ٍه لِ َذا ا ِإلنْس ِ‬
‫ان‬ ‫بِال ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫اع َشْيًئا قَ ْد ُر ُه َف ْو َق الَّ ِذي‬ ‫ِإ ْذ بَ َ‬
‫ضهُ ِمن َه ِذ ِه األَثْم ِ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫ُي ْعَتا ُ ْ‬
‫ت َذا‬ ‫السِفيهُ َحِقي َق ًة إِ ْن ُكْن َ‬
‫فَ َم ِن َّ‬
‫َع ْق ٍل وأَيْن الْع ْقل لِ َّس ْكر ِ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫وب َش ِه ْد َن ِم ْن ِمـ‬ ‫َن الْ ُقلُ َ‬
‫و ِ‬
‫اهلل لَْو أ َّ‬ ‫َ‬
‫الش ِ‬
‫ان‬ ‫نَا َكا َن َشأْ ٌن َغْيَر َه َذا َّ‬
‫اس َه َذا ال َْعْيش ِإ ْن‬ ‫س ِم ْن األَْنَف ِ‬ ‫َن ْف ٌ‬
‫ش الطَّ ِويل الثَّانِي‬ ‫ِ‬
‫ق ْسَن ُاه بِال َْعْي َ‬
‫الشَر َك ِاء َم ْع َع َدِم الَْوفَا‬
‫يَا ِخ َّس َة ُّ‬

‫‪180‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ول جْفوتَِها ِمن الْ ِه ْجر ِ‬


‫ان‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ء َوطُ َ َ َ‬
‫يك معَتبر َفيسأَلُوا َع ِ‬
‫اش ٌق‬ ‫ِ‬
‫َه ْل ف َ ُ ْ َ ٌ َ ْ‬
‫اق ُك َّل َزم ِ‬ ‫ِع ال ُْع َّش ِ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫صار ِ‬ ‫بِ َم َ‬
‫ون ِغ َش َاوةٌ‬ ‫ْك الْعي ِ‬ ‫ِ‬
‫لَك ْن َعلَى تل َ ُُ‬
‫ِ‬
‫ان‬ ‫وب أ ِ‬
‫َكنَّةُ النِّسي ِ‬ ‫َو َعلَى الْ ُقلُ ِ‬
‫َْ‬
‫ظ‬‫اضٌر ُمَتَيِّق ُ‬ ‫َخو الْبصائِ ِر ح ِ‬
‫َوأ ُ َ َ َ‬
‫مَتَفِّر ٌد َعن ُز ْمر ِة الْعمي ِ‬
‫ان‬‫ْ َ ُ َْ‬ ‫ُ‬
‫الرِف ِيق األ َْرفَ ِع اَألَ‬ ‫ك َّ‬ ‫يَ ْس ُموا إِلَى َذلِ َ‬
‫لصْبي ِ‬
‫ان‬ ‫ْعلَى و َخلَّى اللِّع ِ‬
‫ب ل ِّ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫والنَّاس ُكلُّ ُهم فَ ِ‬
‫صْبَيا ٌن َوإِ ْن‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬
‫بلَغُوا ِسوى األَ ْفر ِاد والْ ِو ْح َد ِ‬
‫ان‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ول َم ْو‬ ‫َوإِ َذا َرأَى َما يَ ْشَت ِهيهُ َي ُق ُ‬
‫ْجَنا ُن وج َّد ِفي األَثْم ِ‬
‫ان‬ ‫ِع ُد ِك ال ِ‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬
‫اض َها‬
‫َع َ‬ ‫اح أ َ‬‫ت إِال الْج َم َ‬ ‫َوإِ َذا أَبَ ْ‬
‫بِال ِْعل ِْم ب ْع َد حَقائِ ِق ا ِإليم ِ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫الدائِِم الْـ‬
‫ان َبْي َع َّ‬ ‫ويرى ِمن الْ ُخسر ِ‬
‫َْ‬ ‫َ ََ‬
‫ب ِاقي بِِه يا ِذلََّة الْ ُخسر ِ‬
‫ان‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِع أ َْهِل َها ِم ْن َح ْولِِه‬‫صار َ‬ ‫َوَيَرى َم َ‬
‫اج ِل النِّير ِ‬
‫ان‬ ‫و ُقلُوب ُهم َكمر ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ ْ ََ‬
‫ت‬‫ود فَِإ ْن َخَب ْ‬ ‫َح َسَراُت َها ُه َّن ال ُْوقُ ُ‬
‫ود الثَّانِي‬ ‫ت س ِعيرا بِالْوقُ ِ‬
‫َز َاد ْ َ ً ُ‬
‫َج ُاؤا ُفَر َادى ِمثْ َل َما ُخلُِّقوا بِال‬

‫‪181‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫م ٍال وال أ َْه ٍل وال إِ ْخو ِ‬


‫ان‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َما َم َع ُه ُموا َش ْيءٌ ِسَوى األَ ْع َم ِال فَ ِهـ‬
‫اجر لِلنَّا ِر أَو لِ ِجَن ِ‬
‫ان‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َـي َمَت ٌ‬
‫تَ ْس َعى بِِه ْم أَ ْع َمالُ ُه ْم َش ْوقًا إِلَى َّ‬
‫الد‬
‫الر ْكب ِ‬
‫ان‬ ‫ا ِري ِن َس ْو َق الْ َخْي ِل بِ ُّ َ‬
‫احوا َدائِ ًما‬ ‫ِ‬
‫اسَتَر ُ‬‫صَب ُروا قَليالً فَ ْ‬ ‫َ‬
‫يا ِعَّز َة التَّو ِف ِيق ل ِإلنْس ِ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ات َك َذا‬ ‫التَقى ِعْن َد الْمم ِ‬ ‫َح َم ُدوا ُّ‬
‫ََ‬
‫اح فَحبَّ َذا الْحم َد ِ‬
‫ان‬ ‫َْ‬ ‫الصَب ِ َ‬ ‫ِعْن َد َّ‬ ‫السَرى‬
‫ُّ‬
‫ت بِِه ْم َعَز َماُت ُه ْم نَ ْحَو ال ُْعلَى‬
‫َو َخ َد ْ‬
‫وسروا فَما َنزلُوا إِلَى ُن ْعم ِ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫َ ََ ْ َ َ‬
‫اعوا الَّ ِذي ي ْفَنى ِمن الْ َخز ِ‬
‫ف الْ َخ ِسيـ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫بَ ُ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫س بِ َدائٍِم ِم ْن َخالِ ِ‬
‫ص ال ِْع ْقي ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َعا‬
‫الم َّ‬ ‫ت لَ ُه ْم ِفي َّ‬
‫السْي ِر أَ ْع ُ‬ ‫ُر ِف َع ْ‬
‫َد ِة وال ُْه َدى يا َزلََّة الْحْير ِ‬
‫ان‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َتَت َسابَ َق األَقَْو ُام َو ْابَت َد ُروا لَ َها‬
‫ان يوم ِر َه ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‬ ‫َكَت َسابُِق الُْف ْر َس َ ْ َ‬
‫َوأَ ُخو ال َْه ِو َينا ِفي الدِّيَا ِر ُم َخلَّ ٌ‬
‫ف‬
‫الْ َكس ِ‬
‫الن‬ ‫ْ‬ ‫َم ْع َش ْكِل ِه يَا َخْيَب ِة‬

‫(موعظة )‬
‫وعن احلسن البصري رضي اهلل عنه انه قال ‪ :‬الدنيا دار عمل ‪ ،‬فمن صحبها‬
‫بالبغض هلا ‪ ،‬والزهاده فيها ‪ ،‬واهلضم هلا ‪ ،‬سعد هبا ‪ ،‬ونفعته صحبتها ‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ومن صحبها بالرغبة فيها ‪ ،‬واحملبة هلا ‪ ،‬شقي هبا ‪ ،‬وأجحفت حبظه من‬
‫اهلل تعاىل ‪ ،‬مث أسلمته إىل ما ال صرب له عليه من عذاب اهلل وسخطه ‪.‬‬
‫فأمرها صغري ‪ ،‬ومتاعها قليل ‪ ،‬والفناء عليها مكتوب ‪ ،‬واهلل ويل مرياثها‬
‫‪ ،‬وأهلها يتحول ون إىل من ازل ال تبلى ‪ ،‬وال يغريها ط ول ال زمن ‪ ،‬وال العمر‬
‫فيها يفىن فيموتون ‪ ،‬وال إن طال الثواء فيها خيرجون – وال حول وال قوة إال‬
‫باهلل – ذلك املوطن ‪ ،‬وأكثروا ذكر ذلك القلب ‪.‬‬
‫نظ را ابن مطيع إىل داره فأعجبه حس نها مث بكى ‪ ،‬مث ق ال ‪ :‬واهلل ل وال‬
‫رورا ‪ ،‬ول وال ما نصري إليه من ض يق القب ور لق رت بال دنيا‬
‫املوت لكنت بك مس ً‬
‫أعيننا ‪ ،‬مث بكى حىت ارتفع صوته ‪.‬‬
‫قال أبو زيد الرقي ‪ :‬قال أبو حممد الفضيل بن عياض رضي اهلل عنه يا‬
‫هودا ؟ قلت ‪ :‬نعم ‪.‬‬ ‫دارا ؟ قلت ‪ :‬نعم ‪ .‬ق ال ‪ :‬وأش هدت ش ً‬ ‫أبا زيد اش رتيت ً‬
‫ق ال ‪ :‬فإنه واهلل يأتيك من ال ينظر يف كتابك ‪ ،‬وال يس أل عن بيتك ‪،‬‬
‫جمردا ‪.‬‬
‫فيخرجها منها عريانًا ً‬
‫ماال من غري حلة ‪،‬‬
‫فانظر أن ال تكون اشرتيت هذه الدار من غري مالك ‪ ،‬ووزنت فيها ً‬
‫فإذا أنت قد خسرت الدنيا واآلخرة ‪.‬‬
‫ِش ْعرا‪ُ :‬خِل ْقَنا لِلْحي ِاة ولِلْمم ِ‬
‫ات‬ ‫ََ َ َ َ‬ ‫ً‬
‫ات‬‫و ِفي َه َذيْ ِن ُك ُّل الْح ِادثَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت َكأَ ْن لَ ْم‬ ‫ش َويَ ُم ْ‬‫َو َم ْن يُولَ ْد يَِع ْ‬
‫ات‬‫يمَّر َخيالُهُ بِالْ َكائَِن ِ‬
‫َُ َ‬
‫َو َم ْه ُد ال َْم ْر ِء ِفي أَيْ ِدي َّ‬
‫الرَو ِاقي‬
‫ش الْمر ِء بْين النَّائِح ِ‬
‫ات‬ ‫َ‬ ‫َكَن ْع ِ َ ْ َ َ‬
‫َو َما َسِل َم الَْولِي ُد ِم ْن ا ْشتِ َك ٍاء‬
‫َف َهل يخل الْمع َّمر ِمن أَ َذ ِ‬
‫ات‬ ‫َُ ُ ْ‬ ‫ْ َ‬

‫‪183‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫‪184‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ال نَ ْح ُن ِف َيها‬ ‫ِه َي ُّ‬


‫الدْنَيا ِقَت ٌ‬
‫ان ولِْلَقَن ِ‬
‫ات‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫َمَقاص ُد للْح َس َ‬
‫ال َسْي ُر ُه‬ ‫آخر‪ :‬لََع ْم ُر َك َما َح ُّي َوإِ ْن طَ َ‬
‫ِ‬
‫ُي َع ُّد طَلي ًقا َوال َْمنُو ُن لَهُ أ ْ‬
‫َس ُر‬
‫َوال تَ ْح َسَب َّن ال َْم ْر َء ِف َيها بِ َخالِ ٍد‬
‫َولَ ِكنَّهُ يَ ْس َعى َو َغ َايتُهُ الَْقْب ُر‬
‫ف بِالْ ُقبُور َونَ ِاد ال ُْم ْسَتِقَّر بَِها‬ ‫آخر‪ِ :‬ق ْ‬
‫َج َس ِاد‬ ‫ِمن أَ ْعظٍُم بلَي َ ِ‬
‫ت ف َيها َوأ ْ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬
‫اب َبْيَن ُهوا‬ ‫َقو ٌم َتَقطََّع ِ‬
‫َسَب ُ‬
‫ت األ ْ‬ ‫ْ‬
‫ْح ِاد‬
‫ت أَل َ‬ ‫ص ُاروا تَ ْح َ‬ ‫ص ِال فَ َ‬ ‫َب ْع َد الْ ِو َ‬
‫َواهللُ لَْو ُب ْعَث ُروا َي ْو ًما َولَْو نُ ِش ُروا‬
‫التَقى ِم ْن أَ ْع ِظ ِم َّ‬
‫الز ِاد‬ ‫َن ُّ‬ ‫قَالُوا بِأ َّ‬
‫اع َة ِذ ْك ِر ِه‬ ‫ت َس َ‬ ‫راع لِ ِذ ْك ِر الْمو ِ‬ ‫آخر‪ :‬نُ ُ‬
‫َْ‬
‫ب‬‫لهوا َوَنل َْع ُ‬ ‫ض ُّ‬
‫الدْنَيا َفَن ُ‬ ‫َوَت ْعَت ِر ُ‬
‫ب أ َْم ِر ِه‬ ‫الش َّ ِ‬ ‫َن َّ‬ ‫ين َكأ َّ‬ ‫ِ‬
‫ك َغال ُ‬ ‫يَق ٌ‬
‫ِ ِ‬
‫ْج ْه ِل ُيْن َس ُ‬
‫ب‬ ‫َعَلْيه َوع ْرفَا ُن ِإلَى ال َ‬
‫ص ُير إِلَى انْ ِج َذ ِاذ‬ ‫َز َخا ِر ُف َها تَ ِ‬ ‫ك ِمْن َها‬‫اك الَّتِي َغَّرتْ َ‬ ‫آخر‪َ :‬و ُدْنَي َ‬
‫َصغَى ِإلَْي َها ُذو َنَف ِاذ‬ ‫فَ َما أ ْ‬ ‫َتَز ْحَز ْح َع ْن َم َهالِ ِك َها بِ ُج ْه ٍد‬

‫‪185‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ْح ْذ ِر ِمْنها ِمن م ِ‬


‫الذ‬ ‫فَما َكال ِ‬ ‫س ٍّم‬ ‫ِ‬ ‫لََق ْد ُم ِز َج ْ‬
‫َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫الوُت َها ب ُ‬ ‫ت َح َ‬
‫ون بِأَيَّ ٍام لِ َذ ِاذ‬‫وم ْغب ِ‬
‫ََ ُ‬ ‫ب بَِن ِع ِيم ُدْنَيا‬ ‫ت لِ ُم ْع ِج ٍ‬‫َع ِجْب ُ‬
‫يب ِذي َر َذ ِاذ‬ ‫ص ِ‬ ‫َعَلى بَل ٍد َخ ِ‬ ‫َو ُم ْؤثِ ٍر ال َْمَق َام بِأ َْر ٍ‬
‫ض َق ْف ٍر‬
‫َ‬
‫اللهم نور قلوبنا بنور اإلميان وثبتها على قولك الثابت يف احلياة الدنيا ويف‬
‫اآلخ رة واجعلنا ه داة مهت دين وتوفنا مس لمني وأحلقنا بعب ادك الص احلني يا أك رم‬
‫األكرمني ويا أرحم الرامحني وصلى آله على حممد ‪ .‬وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫فوائد ومواعظ ونصائح‬
‫ق ال أحد العلم اء ‪ :‬اعلم أنه ال يس لم إنس ان من النقص إال من عص مه‬
‫اهلل كالرسل قال اهلل جل وعال عن اإلنسان ﴿ إِنَّهُ َكا َن ظَلُوماً َج ُهوالً ﴾ وقال‬
‫‪ « : ‬كل بين آدم خط اء وخري اخلطائني التواب ون » ‪ .‬فمن خفيت عليه عيوبه‬
‫فقط سقط ‪.‬‬
‫وص ار من الس خف والرذالة واخلسة وض عف التمي يز والعقل وقله الفهم‬
‫حبيث ال خيتلف عن متخلف من الرذائل ‪.‬‬
‫وعليه أن يت دارك نفسه ب البحث عن عيوبه والس ؤال عنها بدقه وأك ثر‬
‫دائما ينقبون عنها ‪0‬‬ ‫من يفهم عيوب اإلنسان أعداؤه ألهنم ً‬
‫وكذلك األصدقاء الناصحني الصادقني املنصفني يفهموهنا غالبًا ‪.‬‬
‫فالعاقل يش تغل ب البحث عنها والس عي يف إزالتها وال يتع رض لعي وب‬
‫الناس اليت ال تضره ال يف الدنيا وال يف اآلخرة إال من باب النصيحة ‪.‬‬
‫كما لو رأى إنسانا معجبًا بنفسه فيبدى له النصح وجها لوحه ال خلف‬
‫ظهره ‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫واح ذر أن تق ارن بينك وبني من هو أكثر منك عيوبًا فتستس هل الرذائل‬


‫وهتاون بعيوبك ‪.‬‬
‫لكن ق ارن بني نفسك ومن هو أفضل منك لتس لم من عجبك بنفسك‬
‫وتفيق من داء الكرب والعجب ال ذي يولد عليك االس تحقار واالس تخفاف بالن اس‬
‫مع العلم بأن فيهم من هو خري منك ‪.‬‬
‫ف إذا اس تخففت هبم بغري حق اس تخفوا بك حبق ألن اهلل جل وعال‬
‫﴿ َو َجَزاء َسيِّئَ ٍة َسيِّئَةٌ ِّم ْثلُ َها ﴾ ‪.‬‬ ‫وتقدس يقول‬
‫فتس بب على نفسك أن تك ون أهالً لالس تخفاف بك مع ما جتنيه من‬
‫الذنوب وطمس ما فيك من فضليه ‪.‬‬
‫ف إن كنت معجبًا بعقلك ففكر وتأمل يف كل فك رة س وء حتل خباطرك‬
‫ويف أضاليل األماين الطائفة بك فإنك تعلم نقص عقلك حينئذ ‪0‬‬
‫وإن أعجبت بآرائك فتأمل وفكر يف غلطاتك وس قطاتك واحفظها‬
‫وتذكرها والتنسها‪0‬‬
‫وىف رأي كنت تراه صوابًا فتبني لك خطؤك وصواب غريك والغالب أن‬
‫خطاك أكثر من الصواب ‪.‬‬
‫وهكذا ترى الناس غري الرسل واألنبياء عليهم الصالة والسالم ‪.‬‬
‫وإن أعجبت بعملك فتفكر يف معاص يك هل بيتك خ ال من املالهي‬
‫واملنك رات مثل الص ور والتلف از واملذياع وأغانيه واجملالت واجلرائد اليت فيها ص ور‬
‫ذوات األرواح ‪0‬‬
‫وهل هو خال من األوالد الذي ال يشهدون اجلماعة وهل أنت سامل من‬
‫الغيبة وإخالف الوعد والكذب واحلسد والكرب والرياء ‪.‬‬
‫والعقوق وقطيعه الرحم والظلم والربا والدخان وحلق اللحية‪0‬‬

‫‪187‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫والغش وقول الزور وسوء الظن باملسلمني والتجسس واالحتقار هلم وحنو ذالك ‪.‬‬
‫ف أنت إذا تفق دت نفسك وبيتك وأوالدك وج دت عن دك من الش رور‬
‫واآلث ام ما بعضه يغلب على ما أعجبت به من عملك ال ت درى هل هو مقب ول‬
‫أو مردود ‪.‬‬
‫وإن أعجبت بعلمك أو عملك فأعلم أنه موهوبة من العزيز العليم وهبك‬
‫إياها فال تقابلها مبا يس خطه عليك ‪0‬ق ال تع اىل ‪ ﴿ :‬واللّ ه أَخ رج ُكم ِّمن بطُ ِ‬
‫ون‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ َْ َ‬
‫أ َُّم َهاتِ ُك ْم الَ َت ْعلَ ُمو َن َشْيئاً ﴾ ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يم ﴾ وقال سبحانه وتعاىل‬ ‫قال اهلل جل وعال ﴿ َو َف ْو َق ُك ِّل ذي ع ْل ٍم َعل ٌ‬
‫﴿ َو َما أُوتِيتُم ِّمن الْعِْل ِم إِالَّ قَلِيالً ﴾ ‪.‬‬
‫وأس أل اهلل أن يزيد منه ‪ ،‬وأن جيعله حجة لك ال عليك ‪ ،‬ق ال تب ارك‬
‫ب ِز ْديِن ِع ْلماً ﴾ ‪.‬‬ ‫وتعاىل ﴿ َوقُل َّر ِّ‬
‫وتفكر فيما حتمله من العلم هل أنت عامل به أم ال واجعل مك ان‬
‫واستقصارا فهو أوىل بك ‪.‬‬‫ً‬ ‫عجبك بنفسك واستنقاصًا هلا‬
‫وتفكر فيمن ك ان أعلم منك جتدهم كثريًا ‪ ،‬مث اعلم أن العلم ال ذي‬
‫وباال عليك ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تفتخر فيه رمبا يكون‬
‫فيك ون اجلاهل أحسن ح االً وم االً وأع ذر منك فب ذلك التفكري ي زول‬
‫حينئذ ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫العجب والكرب عنك وهتون نفسك عندك‬
‫وإن أعجبت بش جاعتك وقوتك فتفكر فيمن هو أش جع وأق وى منك مث‬
‫أنظر يف تلك النجدة اليت منحك اهلل تعاىل فيم صرفتها ‪.‬‬
‫فإن كنت صرفتها يف معصية اهلل فأنت آمث ألنك بذلت نفسك فيما ليس‬
‫مثنا هلا‪0‬‬

‫‪188‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وإن كنت صرفتها يف طاعة فقد أفسدهتا بإعجابك بعملك ‪.‬‬


‫مث تفكر يف زواهلا عنك وقت الكرب عندما تنحل قوتك ويضعف جسمك وتدفع األرض‬
‫عند قيامك وقعودك ومردك إليها ‪0‬‬
‫ات َوَيْث ُقل َم ْس َم ُع‬
‫ص ُر ُخطَْو ٌ‬ ‫ف نَ ِ‬
‫َوَت ْق ُ‬ ‫اضٌر‬ ‫ض ُع ُ‬
‫َسَنا ٌن َويَ ْ‬
‫ط أْ‬
‫تَ َساقَ ُ‬
‫ف مُثَّ َج َع َل ِمن َب ْع ِد‬ ‫ض ْع ٍ‬ ‫ِ‬
‫ق ال اهلل جل وعال وتق دس ﴿ اللَّهُ الَّذي َخلَ َق ُكم ِّمن َ‬
‫يم الْ َق ِد ُير‬‫ِ‬
‫ض ْعفاً َو َشْيبَةً خَي ْلُ ُق َما يَ َش اءُ َو ُه َو الْ َعل ُ‬
‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ض ْع ٍ‬
‫ف ُق َّو ًة مُثَّ َج َع َل من َب ْعد ُق َّوة َ‬ ‫َ‬
‫﴾‪0‬‬
‫وقال وصاحب التعبد املطلق ليس له غرض يف تعبد بعينه يؤثره على غريه‬
‫‪0‬‬
‫بل غرضه تتبع مرضاه اهلل تعاىل أينما كانت فمدار تعبده عليها فال يزال‬
‫متنقالً يف منازل العبودية كلما رفعت له منزلة عمل على سريه إليها واشتغل هبا‬
‫‪0‬‬
‫حىت تلوح له منزله أخرى فهذا دأبه يف السري حىت ينتهي سريه ‪0‬‬
‫فإن رأيت العلماء رأيته معهم ‪0‬‬
‫وإن رأيت املتصدقني احملسنني رأيته معهم ‪0‬‬
‫وإن رأيت العباد رأيته معهم ‪0‬‬
‫وإن رأيت اجملاهدين رأيته معهم ‪0‬‬
‫وإن رأيت الذاكرين رأيته معهم ‪0‬‬
‫وإن رأيت أرباب اجلمعية وعكوف القلب على اهلل رأيته معهم ‪0‬‬
‫فهذا هو العبد املطلق الذي مل متلكه الرسوم ومل تقيده القيود ‪0‬‬
‫ومل يكن عمله على مراد نفسه وما فيه لذهتا وراحتها من العبادات ‪.‬‬
‫بل هو على مراد ربه ولو كانت لذة نفسه وراحتها يف سواه ‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ني ﴾ حقا الق ائم هبما‬‫ِ‬ ‫اك َن ْعبُ ُد وإِيَّ َ‬


‫فه ذا هو املتحقق ب ﴿ إِيَّ َ‬
‫اك نَ ْس تَع ُ‬
‫صدقا ‪.‬‬
‫ملبسة ما هتيا ‪ ،‬ومأكله ما تيسر ‪ ،‬واشتغاله مبا أمر اهلل به يف كل وقت‬
‫بوقته وجملسه حيث انتهى به املكان ووجده خاليا ‪.‬‬
‫ال متلكه إشارة وال يتعبده قيد وال يستويل عليه رسم حر جمرد دائر مع‬
‫األمر حيثما دار ‪.‬‬
‫يدين بدين اآلمر أىن توجهت ركائبه ويدور معه حيث استقلت مضاربه ‪.‬‬
‫ي أنس به كل حمق ويس توحش منه كل مبطل ك الغيث حيث وقع نفع‬
‫وكالنخلة ال يس قط ورقها وكلها منفعة حىت ش وكها وهو موضع الغلظة منه‬
‫على املخالفني ألمر اهلل والغضب إذا انتهكت حمارمه فهو هلل وباهلل ومع اهلل ‪.‬‬
‫فواها له ما أغربه بني الناس وما أشد وحشته منهم وما أعظم أنسه باهلل‬
‫وفرخه به وطمأنينته وسكونه إليه واهلل املستعان وعليه التكالن ‪.‬‬
‫واهلل أعلم وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫( فوائد ومواعظ )‬
‫من عالم ات موت القلب ع دم احلزن على ما فاتك من الطاع ات وت رك‬
‫الندم على ما فعلته من الذنوب والزالت ‪.‬‬
‫وقد جاء يف اخلرب من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن ‪.‬‬
‫فإذا مل يكن هبذا الوصف فهو ميت القلب ‪.‬‬
‫وإمنا كان ذلك من قبل أن أعمال العبد احلسنة عالمة على وجود رضي‬
‫اهلل عنه ‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وإن أعماله السيئة عالمة على وجدود سخط اهلل عليه ‪.‬‬
‫فإذا وفق اهلل عبده لألعمال الصاحلة سره ذلك ألنه عالمة على رضاه عنه‬
‫وغلب حينئذ رجاؤه ‪.‬‬
‫وإذا خذله ومل يعصمه فعمل باملعاصي ساءه ذلك وأحزنه ألنه عالمة على‬
‫سخط عليه وغلب عليه حينئذ خوفه ‪.‬‬
‫والرجاء يبعث على اجلد واالجتهاد يف الطاعات غالبا ‪.‬‬
‫واخلوف يبعث على املبالغة يف اجتناب املعاصي والسيئات ‪.‬‬
‫ويف ح ديث عبد اهلل بن مس عود رضي اهلل عنه ق ال بينما حنن عند‬
‫رسول اهلل ‪ ‬إذ أتاه آت‬
‫فلما حاذانا ورأى مجاعتنا أن اخ راحلته مث مشي إىل النيب ‪ ‬فق ال ‪ :‬يا‬
‫ستا ‪.‬‬
‫رسول أوضعت راحليت من مسرية تسع فسريهتا إليك ً‬
‫وأس هرت ليلي وأظم أت هناري وانض يت راحليت ألس ألك عن اثن تني‬
‫أسهرتاين ‪.‬‬
‫فق ال له النيب ‪ « : ‬من أنت » ‪ .‬ق ال ‪ :‬زيد اخليل ق ال ‪ « :‬بل أنت‬
‫زيد اخلري » ‪.‬‬
‫سل فرب معضلة قد سألت عنها ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬جئت أسألك عن عالمة اهلل فيمن يريد وعالمته فيمن ال يريد ‪.‬‬
‫فقال النيب ‪ « : ‬بخ بخ كيف أصبحت يا زيد ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬أصبحت أحب اخلري وأهله وأحب أن يعمل به ‪.‬‬
‫وإذا فأتين حنيت وإذا عملت عمالً أيقنت بثوابه ‪.‬‬
‫قال ‪ « :‬هي بعينها يا زيد » ‪.‬‬
‫ولو أرادك اهلل لألخرى هيأك هلا مث ال يبايل يف أي واد هلكت ‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫قال زيد ‪ :‬حسيب حسيب مث ارحتل فلم يلبث ‪.‬‬


‫قصد هلا ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫من عالمات التوفيق دخول أعمال الرب عليك من غري‬
‫وصرف املعاصي عنك مع السعي إليها ‪.‬‬
‫وفتح اللجاء واالفتقار إىل اهلل تعاىل يف كل األحوال ‪.‬‬
‫وإتباع السيئة باحلسنة ‪.‬‬
‫وعظم الذنب يف قلبك وإن كان من صغائر الذنوب ‪.‬‬
‫واإلكثار من ذكر اهلل ومحده وشكره وتنزيهه والثناء عليه ‪.‬‬
‫واالستغفار وشهود التقصري يف اإلخالص والغفلة يف األذكار والنقصان يف‬
‫الصدق والفتور يف اجملاهدة وقلة املراعات يف الفقر ‪.‬‬
‫فتكون مجيع أحواله عنده ناقصة على الدوام ويزداد فقرا والتجاء إىل اهلل‬
‫يف قصده وسريه ‪.‬‬
‫ومن عال م ات اخلذالن تعسر الطاع ات عليك مع الس عي فيها ودخ ول‬
‫املعاصي عليك مع هربك منها ‪.‬‬
‫وغلق باب االلتجاء إىل اهلل وترك التضرع له وترك الدعاء وإتباع احلسنة‬
‫السيئات واحتقارك لذنوبك وعدم االهتمام هبا وإمهال التوبة واالستغفار ونسيانك‬
‫لربك ‪.‬‬
‫وقتل ال وقت عند املالهي واملنك رات ونس يان الق رآن واالس تبدال بقراءته‬
‫ق راءة الكتب الض ارة واجلرائد واجملالت واجلل وس عند التلف از والس ينما واملذياع‬
‫وخيشى على أهل ه ذه املنك رات من س وء اخلامتة وأن يك ون آخر كالمهم من‬
‫الدنيا التحدث هبا نسأل اهلل العافية ‪.‬‬
‫فينبغي ملن من اهلل عليه وعافاه من هذه الباليا واملنكرات والشرور أن‬

‫‪192‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫دائما ويشكره ويكثر من ذكره ويسأله الثبات حىت املمات ‪ ،‬وإذا رأيت من ابتلي‬
‫حيمد اهلل ً‬
‫بشيء من هذه احملدثات اليت عمت وطمت وأفسدت األخالق فابذل له النصح جهدك فيما‬
‫بينك وبينه واحذر من نصحه علنا بني الناس قال بعضهم ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ص ٍح ِفي انِْفَر ِاد‬
‫اع ْة‬
‫ْج َم َ‬
‫يح َة في ال َ‬ ‫َو َجنِّْبني النَّص َ‬ ‫َت َع َّم َدنِي بِنُ ْ‬
‫استِ َم َ‬
‫اع ْه‬ ‫ضى ْ‬ ‫يخ ال أ َْر َ‬ ‫ِم َن الت َّْوبِ ِ‬ ‫ب‬
‫ض ْر ٌ‬
‫َّاس َ‬ ‫ُّص َح َبْي َن الن ِ‬‫فَِإ َّن الن ْ‬
‫ب ِإ َذا لَ ْم ُت ْع َ‬ ‫ِ‬
‫اع ْة‬
‫ط طَ َ‬ ‫ضْ‬ ‫فَال َت ْغ َ‬ ‫ت أ َْم ِري‬ ‫فَِإ ْن َخالَْفَتني َو َع َ‬
‫صْي َ‬
‫آخر‪:‬‬
‫َّم‬ ‫ِ ِ‬ ‫إِ َذا أَقَْبلَ ْ‬ ‫َفَيا َويْ َح أ َْه ِل الظُّل ِْم َواللَّ ْه ِو َوال ِْغَنا‬
‫ت َي ْو َم الْح َساب َج َهن ُ‬
‫اب ِفي لَظَ َاها يُ َحطِّ ُم‬ ‫ف َع َذ ٍ‬ ‫لِ َخ ْو ْ‬ ‫اع ُه ُم ِمْن َها َتغَيُّ ُ‬
‫ظ ُم ْحَن ٍق‬ ‫َو َر َ‬
‫ِ‬ ‫بِأ َّ‬
‫اب َو َمط َْع ُم‬ ‫َن لَ ُه ْم ف َيها َشَر ٌ‬ ‫ِإ َذا َما َر َ‬
‫آها ال ُْم ْج ِر ُمو َن َوأَْيَقنُوا‬
‫يين َي ْه ِذ ُم‬
‫الشِّق َ‬ ‫يم أل َْم َع ِاء َّ‬ ‫ِ‬
‫َحم ٌ‬ ‫ب‬‫وم َوَيْتلُوه َم ْشَر ٌ‬‫يع َو َزقُّ ٌ‬
‫ض ِر ٌ‬
‫َ‬
‫اب ال ُْم َخيِّ ُم‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫وِمن قَطْر ٍ‬
‫ان ِك ْسَوة قَ ْد تَ َس ْرَبلُوا‬
‫َوسي ُقوا ل َما فيه ال َْع َذ ُ‬ ‫َ ْ َ‬
‫آخر‪:‬‬
‫ِفي‬
‫ت‬‫ك ال َْم ْو ُ‬ ‫س يَ ْخَفى َعلَْي َ‬ ‫َولَْي َ‬ ‫ت ِفي أَثَ ِر ْك‬ ‫قُ ْل لِل ُْمَؤِّم ِل إِ َّن ال َْم ْو َ‬
‫ت ُك َّل َي ْوٍم َف ُهَو‬
‫ِم ْن‬ ‫نََوظََم ِرْنْك يَ ُم ْ‬ ‫ك إِ ْن فَ َّكْر َ‬
‫ت‬ ‫ضى لَ َ‬ ‫يم ْن َم َ‬ ‫فَ‬
‫ِ‬
‫ت ِم ْن‬
‫َسَف ِر ْك‬ ‫ب إِ َذا َسا َف ْر َ‬ ‫نََوُذ ُالر ْكَت ُؤ ُ‬ ‫ُمَدْعَتٌارَبٌرتُ َس ِاف ُر َعْن َها ِفي َغ ٍد َسَفًرا‬
‫س ِم ْن‬ ‫ض ْوا بِاأل َْم ِ‬ ‫ين َم َ‬ ‫َّ ِ‬
‫َكا َن الذ َ‬ ‫ين َك َما‬ ‫ض ِحي َغ ًدا سمرا لِ َّ ِ‬
‫لذك ِر َ‬ ‫َ ًَ‬ ‫تُ ْ‬
‫التق وى زادنا ويف دينك اجتهادنا‬ ‫واجعلَم ِر ْك‬
‫َس‬ ‫اللهم أمنن علينا بإص الح عيوبنا‬
‫وعليك توكلنا واعتمادنا واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني األحياء منهم وامليتني‬
‫برمحتك يا أرحم الرامحني وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫صلٌ )‬
‫( فَ ْ‬
‫مث أعلم أيها األخ أنه ما من ساعة متر على العبد ال يذكر اهلل فيها‬
‫إال تأسف وحتسر على فواهتا بغري ذكر اهلل ول ذلك ينبغي للعاقل أن جيعل معه‬
‫شيئًا يذكره لذكر اهلل كلما غفل عته ‪.‬‬
‫ويقال إن العبد تعرض عليه ساعات عمره يف اليوم والليلة فرياها خزائن‬
‫مصفوفة أرع وعشرين خزانة فريى يف كل خزائنه أمضاها يف طاعة اهلل ما يسره‬
‫‪ .‬ف إذا م رت به الس اعات اليت غفل فيها عن ذكر اهلل رآها فارغة س اءه ذلك‬
‫وتندم حني ال يفيده الندم ‪.‬‬
‫وأما الساعات اليت كان يذكر اهلل فيها فال تسأل عن سروره فيها وفرحه‬
‫هبا حىت يك اد أن يقتله الف رح والس رور ‪ .‬ق ال بعض هم أوق ات اإلنس ان أربعة ال‬
‫خامس هلا النعمة ‪ ،‬والبلية ‪ ،‬والطاعة ‪ ،‬واملعصية ‪.‬‬
‫وهلل عليك يف كل وقت منها سهم من العبودية ‪.‬‬
‫فمن كان وقته الطاعة هلل فسبيله شهود املنة من اهلل عليه أن هداه ووفقه‬
‫للقيام هبا ‪.‬‬
‫ومن كان وقته املعصية فعليه بالتوبة والندم واالستغفار ‪.‬‬
‫ومن كان وقته النعمة فسبيله الشكر واحلمد هلل والثناء عليه ‪.‬‬
‫ومن كلن وقته البلية فس بيله الرضا بالقض اء والصرب والرضا رض ى النفس‬
‫عن اهلل ‪ ،‬والصرب ثبات القلب بني يدي الرب ‪ .‬أ ‪ .‬هـ ‪.‬‬
‫العمر إذا مضى ال عوض وما حصل لك منه ال قيمة له ‪ .‬فعمر اإلنسان‬
‫هو ميدانه لألعم ال الص احلة املقربة من اهلل تع اىل واملوجبة له جزيل الث واب يف‬
‫اآلخرة ‪ .‬ولكن ما يعرف قدر العمر إال الذي نوادر العلماء ‪.‬‬
‫ق ال اهلل جال وعال وتق دس ﴿ ْاد ُخلُ واْ اجْلَنَّةَ مِب َا ُكنتُ ْم َت ْع َملُ و َن ﴾ وق ال‬
‫َس لَ ْفتُ ْم يِف اأْل َيَّ ِام‬ ‫ِ مِب‬
‫اش َربُوا َهنيئ اً َا أ ْ‬
‫﴿ ُكلُوا َو ْ‬ ‫تبارك وتعاىل‬

‫‪194‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ني‬
‫حُمْس ن َ‬ ‫اخْلَاليَ ِة ﴾ وقال ﴿ إِن َُّه ْم َك انُوا َقْب َل َذ َ‬
‫لِك‬
‫﴾ اآليات ‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وهذه هي السعادة اليت يكدح العبد ويسعى من اجلها وليس له منها إال‬
‫ما سعى كما قال جال وعال وتقدس ﴿ وأَن لَّيس لِإْلِ نس ِ‬
‫ان إِاَّل َما َس َعى ﴾ ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫خاليا من عمل صاحل ‪.‬‬ ‫فكل جزء يفوته من العمر ً‬
‫يفوته من السعادة بقدره وال عوض هلا منه ‪.‬‬
‫فالوقت ال يستدرك وليس شيء أعز منه وكل جزء حيصل له من العمر‬
‫غري خ ال من العمل الص احل يتوصل به إىل ملك كبري ال يفين وال قيمة ملا‬
‫يوصل إىل ذلك ألنه يف غاية الشرف والنفاسة ‪.‬‬
‫ولألجل هذا عظمت مراعاة السلف الصاحل رضي اهلل عنهم ألنفاسهم وحلظاهتم وبادروا‬
‫إىل اغتنام ساعاهتم وأوقاهتم ومل يضيعوا أعمارهم يف البطالة والتقصري ومل يقنعوا ألنفسهم إال‬
‫باجلد والتشمري فلله درهم ما أبصرهم بتصرف أوقاهتم ‪.‬‬
‫ور‬ ‫ك أَنَّ َ ِ‬ ‫ال َش َّ‬ ‫ول بِسْي ٍر ِف ِيه َت ْق ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َم ْغ ُر ُ‬ ‫يما ُر ْم َ‬
‫ك فَ‬ ‫ص ُير‬ ‫ص َ َ‬ ‫َتْبغي ال ُْو ُ‬
‫َه َذا َو ِفي َسْي ِر ِه ْم َج ٌّد َوتَ ْش ِم ُير‬ ‫صلُوا‬‫ال فَما و ِ‬
‫ك أَبْطَ ٌ َ َ‬ ‫قَ ْد َس َار َقْبَل َ‬
‫أقواما كانوا على ساعاهتم أشفق منكم على دنانريكم ودرامهكم‬ ‫قال بعضهم ‪ :‬أدركت ً‬
‫دينارا وال درمهًا إال فيما يعود نفعه عليه فكذالك السلف ال حيبون أن‬
‫فكما ال خيرج أحدكم ً‬
‫خترج س اعة بل دقيقة من أعم ارهم إال فيما يع ود نفعه عليهم ض د ما عليه أهل ه ذا الزم ان‬
‫من قتل الوقت عند املنكرات ‪.‬‬
‫وب ِم َن‬ ‫َوِإ ْن َغ َدا َغْير َم ْحس ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ثَ َم ٌن‬ ‫ِ‬
‫بَِقيَّةُ ال ُْع ْم ِر عْن ِدي َما لَهُ‬
‫الزم ِ‬ ‫ِ‬ ‫فَائَِت ٍة‬ ‫يَ ْسَت ْد ِر ُك ال َْم ْرءُ ِف َيها ُك َّل‬
‫وء‬
‫الس َ‬
‫ان َويَ ْم ُحو ُّ‬ ‫الزنَم ِن َّ َ‬
‫م ََّ‬
‫بِال َ‬
‫ْح َس ِن‬ ‫آخر‪:‬‬
‫يع َم َع ِاذ ُر‬ ‫ضِ‬ ‫الس ْه ِو ِف َيها لِلْو ِ‬
‫ِفي َّ‬ ‫يع َد ِقي َق ًة‬ ‫الرجل َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫الرف ُ‬ ‫ال يَ ْحقر َّ ُ ُ‬
‫الر ُج ِل الْ َكبِي ِر َكَبائُِر‬
‫صغَائُِر َّ‬ ‫َو َ‬ ‫ص ِغ َيرةٌ‬ ‫الرج ِل َّ ِ‬
‫الصغ ُير َ‬
‫ِ‬
‫فَ َكَبائ ُر َّ ُ‬
‫رأى أحد الزهاد إنسان يأكل فطوره وهو حيتاج إىل مضغ فقال هذا‬

‫‪196‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫يسريا ‪.‬‬
‫يستغرق وقتًا طويالً فلما اخرج فطوره وإذا هو ما سيستغرق إال وقتًا ً‬
‫فقال له ‪ :‬ما محلك على هذا فقال ‪ :‬إين حسبت ما بني املضغ والسف‬
‫سبعين تسبيحة ‪.‬‬
‫هلل دره على هذه املالحظة ولقد بلغنا أن أحد علماء السلف كان يأكل‬
‫باليمىن والكراس باليسرى ‪.‬‬
‫وإذا دخل اخلال أمر القارئ أن يرفع صوته كل هذا حمافظة على الوقت‬
‫‪.‬‬
‫بلغ يا أخي قتالة األوق ات عند املالهي واملنك رات من تلف از وم ذياع‬
‫وكورات وجرائد وجمالت وقيل وقال وحنو ذلك ‪.‬‬
‫ويا أخي أن كنت ممن عص مهم اهلل من ه ذه الش رور والباليا واملنك رات‬
‫فكثر من محد اهلل وشكره وذكره وأسأله الثبات حىت املمات ‪.‬‬
‫وانصح إخوانك املسلمني واجتذهبم عم ضياع األوقات فلعلك أن تكون سببًا هلدايتهم ‪.‬‬
‫اج ِه ِد‬
‫بِالن َّْع َمَتْي ِن بَ ْل ْ‬ ‫َوال ُت ْغَبَن ْن‬ ‫ك َسَب ْهلال‬ ‫َوال يَ ْذ َهَب َّن ال ُْع ُم ُر ِمْن َ‬
‫ض َعلَى‬ ‫ات َع َّ‬ ‫اللَّ َذ ِ‬ ‫ب َعلَى‬ ‫أَ َك َّ‬ ‫ال ال ُْمَنى‬
‫ات نَ َ‬‫فَ َم ْن َه َجَر اللَّ َذ َ‬
‫َما تَ ْشَت ِهي ِذ ُل َس ْر َم ِد‬ ‫اَلوَْيِف ِدي َنْيِل َها‬ ‫وس ا ْعتَِز ُاز َها‬ ‫فَوَِفَم ْين قَ ْم ِع أ َْهَو ِاء ُّ‬
‫النُف ِ‬
‫الناس فإنه أغلى‬
‫مث أعلم أيها األخ إن الوقت ليس من ذهب كما يقول‬
‫إىل س اعة الوف اة‬
‫من ال ذهب والفضة مهما بلغا ك ثرة إنه احلي اة من س اعة امليالد‬
‫الوقت ‪.‬‬
‫فتنبه لذلك وحافظ عليه واقتد بالسلف الصاحل الذين عرفوا قيمة‬
‫ن دمي على ي وم‬‫ق ال ابن مس عود رضي اهلل عنه ‪ :‬ما ن دمت على ش يء‬
‫غربت مشسه نقص فيه من عمري ومل يزد فيه عملي ‪.‬‬
‫وق ال آخر كل ي وم مير يب ال أزداد فيه علما يقربين من اهلل عز وجل‬
‫فال بورك يل يف طلوع مشسه ‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ِش ْع ًرا ‪:‬‬


‫واسهر لِني ِل علُ ِ‬
‫الدِّي ِن َت ْغَتنِ ِم‬ ‫وم‬
‫ْح َذر‬ ‫َ ْ َ ْ َْ ُ‬ ‫ال ُت ْع ِط َعْيَن َ‬
‫ك إِال غَ ْفَو َة ال َ‬
‫ِم َن ال َْع َدِم‬ ‫وج ِد األَ ْشَي ِاء‬
‫َوال تَ ُك ْن ِفي ِط ِ‬
‫الب ال ِْعل ِْم‬
‫إِال م ِ‬
‫ُ‬
‫م ْعتَ ِ‬
‫يوما يف عمره يف غري حق قضاه أو فرض أداه أو‬ ‫وقالم ًداآخر‪ :‬من أمضى ً‬ ‫ُ‬
‫له أو خري أسسه أو علم اقتبسه فقد عق يومه وظلم‬ ‫جمد أثله أو محدٍ حص‬
‫نفسه ‪ .‬وال تسأل عن ندمه يوم ينظر املرء ما قدمت يداه ‪.‬‬
‫وإذا كان هذا حرص السلف على الوقت واحملافظة عليه وتقديره عندهم‬
‫فإن مما حيزن املسلم وجيرحه ويدمي القلب وميزق الكبد أسى وأس ًفا ما نشاهده‬
‫عند كثريين من املؤمنني من إضاعة للوقت تعدت حد التبذير واإلسراف والتبديد‬
‫‪.‬‬
‫وباحلقيقة أن السفينة هو مضيع الوقت ألن املال له عوض أما الوقت فال‬
‫عوض له ‪.‬‬
‫فالعاقل من حفظ وقته وجتنب ما يضيعه عليه كاجللوس عند املالهي واملنكرات ومطالعة‬
‫أعمارا من شغلتهم شهواهتم عن أمور دينهم ومصاحل‬ ‫ً‬ ‫يف الكتب اهلدمات إن من أخسر الناس‬
‫ِع َم ْن أَ ْغ َف ْلنَا َق ْلبَ هُ َعن ِذ ْك ِرنَا َواتَّبَ َع َه َواهُ َو َك ا َن‬
‫أمورهم قال اهلل عز وجل وتقدس ﴿ َواَل تُط ْ‬
‫أ َْم ُرهُ ُفُرطاً ﴾ ‪ .‬وقال عز من قائل ﴿ أَفَ َمن ُزيِّ َن لَهُ ُسوءُ َع َملِ ِه َفَرآهُ َح َسناً ﴾ ‪.‬‬
‫ضي بَِنا‬ ‫ضي َعَلْيَنا ثُ َّم تَم ِ‬
‫ْ‬
‫تَم ِ‬
‫ْ‬ ‫ع األَيَّ ِام ِفي طَِّيَنا‬ ‫َسَر َ‬ ‫ِ‬
‫ش ْعًرا‪َ :‬ما أ ْ‬
‫َج ِل قَ ْد َدنَا‬ ‫َمَر ُامهُ َع ْن أ َ‬ ‫ِفي ُك ِّل َي ْوٍم أ ََم ٌل قَ ْد نَأَى‬
‫ت إِنْ َذ َار ُه أََّثْر بَِنا‬ ‫َفَلْي َ‬ ‫اهلل َو َما َن ْر َع ِوي‬‫أَنْ َذ ْرنَا َ‬
‫ض َح األ َْمَر َو َما أَْبَيَنا‬ ‫َما أ َْو َ‬ ‫ت ِفي جدِ‬
‫ِّه‬ ‫َتع ِ‬
‫اشًيا َوال َْم ْو ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ْح َّي ألَ ْن يَظ َْعَنا‬ ‫ِ‬ ‫َج َم ِال قَ ْد قُ ِربَ ْ‬
‫َتْنَتظ ُر ال َ‬ ‫ت‬ ‫َّاس َكاأل ْ‬ ‫َوالن ُ‬
‫ُمَق ِامٌر يَط ُْر ُد َها بِالَْقنَا‬ ‫ب َوِم ْن َخلِْف َها‬ ‫تَ ْدنُو إِلَى ال ُْع ْش ِ‬

‫‪198‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫َت َه َّد ُموا َقْب َل انْ ِه َد ِام الْبَِنا‬ ‫ادوا َمَبانِي ِه ْم‬ ‫أَيْ َن األُولَى َش ُ‬
‫س الْغَنِ َّي ال ِْغَنى‬ ‫ِ‬ ‫ال ُم ْع ِد ٌم يَ ْح ِم ِيه إِ ْع َد ُامهُ‬
‫َوال يَقي َن ْف َ‬
‫َف ْر ًدا َوأَقَْرا ُن اللََّيالِي ُثَنى‬ ‫ِ‬
‫َح َداَث َها‬ ‫اع ال َْم ْرء أ ْ‬ ‫ف ِدفَ ُ‬ ‫َكْي َ‬
‫السْي ِر لِ َم ْن َب ْع َدنَا‬
‫َو ُع ْقَبةُ َّ‬ ‫الذ َرى‬ ‫ال َور ِكْبَنا ُّ‬
‫َحط ر َج ٌ َ‬
‫َّ ِ‬
‫ُم ْسَت ْقِل ًعا ُيْن ِذ ُر ُم ْسَت ْو ِطَنا‬ ‫الرْأ َي الَّ ِذي َي ْغَت ِدي‬ ‫ْحا ِز ُم َّ‬ ‫َوال َ‬
‫اب أَ ْن ُي ْؤِمَنا‬ ‫ث الْغَ ِ‬ ‫َو َعَّز لَْي ُ‬ ‫ت َعَلى ِغَّرٍة‬ ‫ال يَأ َْم ُن ال َْم ْو َ‬
‫فَأَ ْع َج َل ال ِْم ْق َد ُار أَ ْن يَ ْجَتَنى‬ ‫س أََّم َل ِفي َغ ْر ِس ِه‬ ‫َك ْم َغا ِر ٍ‬
‫اللهم اس لك بنا س بل األب رار ‪ ،‬واجعلنا من عب ادك املص طفني األخي ار ‪،‬‬
‫ومنن علينا بالعفو والعتق من النار ‪ ،‬واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني األحياء‬
‫منهم وامليتني برمحتك يا أرحم ال رامحني وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني ‪.‬‬
‫وآداب بَْيَن السَّابقِ والالَِّحقِ‬
‫ٌ‬ ‫صائحُ‬
‫ون َ‬
‫ظ َوحِِكمٌ َ‬
‫اع ُ‬
‫مو ِ‬
‫وائدُ َو َ‬
‫َف ِ‬
‫ثالثة يثبنت ال ود يف قلب أخيك املس لم أن تب دأه بالس الم وتوسع له يف‬
‫اجمللس وتدعوه بأحب األمساء إليه ‪.‬‬
‫صحبة األشرار توجب سوء الظن باألخيار ‪.‬‬
‫الرب شيء هني وجه طلق ولسان لني ‪.‬‬
‫الصديق الكامل مفقود لذا قد جيد اإلنسان يف جمموع األصدقاء الكمال‬
‫املنشود قال ‪ ‬إن اهلل حيب السهل الطلق » ‪.‬‬
‫ال يغلنب عليك سوء الظن فإنه ال يرتك بينك وبني حبيب صلحا ‪ .‬سوء الظن برهان على‬
‫سوء أفعال صاحبه ‪.‬‬
‫اد ُه ِم ْن َتَوه ِ‬ ‫ِ‬ ‫إِ َذا س ِ‬
‫ُّم‬ ‫ص َّد َق َما َي ْعَت ُ‬
‫َو َ‬ ‫ت ظُنُونُهُ‬
‫اء ْ‬
‫اء ف ْع ُل ال َْم ْرء َس َ‬
‫ََ‬

‫‪199‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ك ُمظِْل ِم‬ ‫َصَب َح ِفي لَْي ٍل ِم َن َّ‬


‫الش ِّ‬ ‫َوأ ْ‬ ‫ادى ُم ِحبِّ ِيه بَِق ْو ِل ُع َداتِِه‬
‫َو َع َ‬
‫قال أحدهم ‪ :‬صحبت املروزي يف سفر فقال يل ‪ :‬ال بد يف السفر من‬
‫أمري أحتب أن تك ون األمري أو أنا فقلت بل أنت فأخذ خمالة عباها ومحلها على‬
‫عاتقه ‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬أنا أمحلها قال ال أنا األمري وعليك الطاعة وسرنا حىت املساء وملا‬
‫أردنا النوم غطاين بكسائه وسهر يدفع عين املطر وكانت ليلة ماطرة ‪.‬‬
‫فلما أص بحت قلت يف نفسي ليتين للم أقل له أنت األمري ألين كلما‬
‫طلبت منه أن أمحل رفض وق ال أنا األمري وهك ذا أما هو فق ال يل إذا ص حبت‬
‫أحدا يف سفر فكن هكذا ‪.‬‬ ‫ً‬
‫لما حاصر‬‫جيش ا مس ً‬
‫من أمثلة اإلخالص هلل عز وجل يف األعم ال أن ً‬
‫شهورا طويلة ‪.‬‬
‫ً‬ ‫مدينة ذات سور منيع يستدعي‬
‫ويف أح دى اللي ايل ج اء إىل القائد أحد اجلن ود يق ول له لقد نقبت يف‬
‫الس ور نقبًا ميكننا أن ن دخل منه ل داخل املدينة ونفتح ب اب الس ور فأرسل معي‬
‫من يدخل النقب فإذا فتحنا الباب أدخل اجليش ‪.‬‬
‫فأرسل معه رجاالً دخلوا مع النقب وفتحوا الباب فدخله القائد واستولوا‬
‫على املدينة ليالً ‪.‬‬
‫ويف الي وم الث اين ن ادى املن ادي ص احب النقب ليعطى جائزته على عمله‬
‫وطلبه القائد فلم يأته أحد ‪.‬‬
‫ويف الث اين والث الث ن ادى املن ادى يطلب حض ور ص احب النقب فلم يأته‬
‫أحد ‪.‬‬
‫ويف اليوم الرابع أتى اجلندي صاحب النقب إىل القائد فقال له أنا أدلك‬
‫على صاحب النقب ‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫فقال أين هو قال بثالثة شروط ‪.‬‬


‫الشرط األول أن ال تكافئه على عمله ‪.‬‬
‫أحدا عليه ‪.‬‬
‫والشرط الثاين أن ال تدل ً‬
‫والثالث أن ال تطلبه ثانية ‪.‬‬
‫فق ال وافقنا على ذلك فق ال اجلن دي ‪ :‬أنا ص احب النقب نقبته ابتغ اء‬
‫رضوان اهلل ‪.‬‬
‫مث ذهب فتعجب القائد وك ان إذا ص لى رمبا دعا اهلل أن جيعله مع‬
‫صاحب النقب ‪.‬‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬
‫َولََعلَّنِي َع ْن بَابِِه ال أُطَْر ُد‬ ‫ْجا‬
‫ك َمل ً‬‫َما لِي َغْيَر لُطِْف َ‬ ‫ب‬
‫يَا َر ِّ‬
‫ك يَ ْش َه ُد‬ ‫لي بِِه َجاللُ َ‬ ‫ِد ًينا َع َّ‬ ‫َهب لِي َتوب ًة أَق ِ‬
‫ْضي بَِها‬ ‫ب‬
‫يَا َر ِّ‬
‫َْ‬ ‫ْ‬
‫يل ُمَقيَّ ُد‬ ‫الس ِل الْ ِو ْز ِر الثَِّق ِ‬‫بِس ِ‬
‫َ‬ ‫ت الْ َخبِ ُير بِ َح ِال َعْب ِد َك إِنَّهُ‬ ‫أَنْ َ‬
‫ت َف ْو ِقي‬ ‫وب َوأَنْ َ‬ ‫الذنُ ِ‬ ‫ت ُّ‬ ‫تَ ْح َ‬ ‫ضَّي ْعتُهُ‬‫َسًفا َعَلى ُع ْم ِري الَّ ِذي َ‬ ‫أَ‬
‫بَتِإْرَز ُِاء ِ‬
‫ص ُد عينِي لَ ْم َتَز ْل َتَتَرد ُ‬
‫َّد‬ ‫َ‬ ‫لي َكَبائٌِر‬ ‫ت َع َّ‬ ‫ب قَ ْد َثَقلُ ْ‬ ‫يَا َر ِّ‬
‫ك الَّتِي ال ُتْب ِع ُد‬ ‫معا بَِر ْح َمتِ َ‬
‫طَ ً‬ ‫ك فَِإ َّن لِي‬ ‫دت َعْن َ‬ ‫ب إِ ْن أَْب َع ُ‬ ‫يَا َر ِّ‬
‫ت ال ُْم ِج ُير لِ ُك ِّل َم ْن يَ ْسَتْن ِج ُد‬ ‫أَنْ َ‬ ‫اع َيلَْت ِجي‬ ‫يب لِ ُك ِّل َد ٍ‬ ‫ِ‬
‫ت ال ُْمج ُ‬ ‫أَنْ َ‬
‫ص ُد‬
‫ك َن ْق ُ‬ ‫اب َغْيَر بَابِ َ‬ ‫َي بَ ٍ‬ ‫َوأل ِّ‬ ‫َي بَ ْح ٍر َغْيَر بَ ْح ِر َك نَ ْسَتِقي‬ ‫ِم ْن أ ِّ‬
‫مجع أحد العلماء بعض عالمات حسن اخللق فقال ‪ :‬أن يكون كثري احلياء‬
‫ورا ص دوق اللس ان ‪ ،‬قليل الكالم إال يف‬ ‫‪ ،‬قليل األذى ‪ ،‬كثري الص الح ‪ ،‬وق ً‬
‫ذكر اهلل وما واله ‪.‬‬
‫كثري العمل لآلخ رة أو ما هو وس يلة إليها ‪ ،‬قليل الفض ول ‪ ،‬ب ًرا ‪،‬‬
‫حليما ‪ ،‬رفي ًقا ‪ ،‬لينًا ‪ ،‬عفي ًفا شفي ًقا ‪.‬‬
‫ً‬ ‫شكورا ‪،‬‬
‫ً‬ ‫صبورا ‪ ،‬رضيًا‬
‫ً‬ ‫وصوالً‬

‫‪201‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ال لع ان وال س باب ‪ ،‬وال منام ‪ ،‬وال مغت اب ‪ ،‬وال جاس وس ‪ ،‬وال‬
‫عجول ‪ ،‬وال حقود ‪ ،‬وال حسود ‪ ،‬وال خبيل وال غضوب ‪.‬‬
‫بشاش ا ‪ ،‬لطي ًفا ‪ ،‬ورؤوفًا ‪ ،‬وعطوفًا على املؤم نني حيب يف اهلل‬ ‫ً‬ ‫هشاش ا‬
‫ً‬
‫ويبغض يف اهلل ‪.‬‬
‫حكي عن بعض الزه اد يف ص فة املؤمن واملن افق وفيه تنبيه على حسن اخللق‬
‫وسوء اخللق ‪.‬‬
‫فقال املؤمن مشغول بالذكر والعمل ‪ ،‬واملنافق مشغول باحلرص واألمل ‪.‬‬
‫احد إال من اهلل ‪ ،‬واملن افق خ ائف من كل أحدٍ‬ ‫واملؤمن آيس من كل ٍ‬
‫إال من اهلل ‪.‬‬
‫واملؤمن يقدم ماله دون دينه واملنافق يقدم دينه دون ماله ‪ ،‬واملؤمن حيسن‬
‫عمله ويبكي واملنافق يسيء ويضحك ‪.‬‬
‫واملؤمن حيب الوح دة إذا مل ت رجح مص لحة اخللطة عليها واملن افق حيب‬
‫اخللطة واملالء ‪.‬‬
‫واملؤمن يزرع وخيشى الفساد واملنافق يقلع ويرجو احلصاد ‪ ،‬واملؤمن يامر‬
‫باملعروف وينهى عن املنكر فيصلح واملنافق يأمر وينهى للرئاسة فيفسد ‪.‬‬
‫وأحسن ما ميتحن به حسن اخللق الصرب على األذى احتمال اجلفاء ‪.‬‬
‫ولقد ك ان النيب ‪ ‬يف غاية االحتم ال لكل أذى والصرب هلل وقد ش رح اهلل له ص دره ‪.‬‬
‫ِ‬
‫ص َبَر أ ُْولُ وا الْ َع ْزم ِم َن ُّ‬
‫الر ُس ِل ﴾‬ ‫اص رِب ْ َك َما َ‬
‫وأس اء مبن قبله من األنبي اء بقوله جل وعال ﴿ فَ ْ‬
‫َّك بِأ َْعيُنِنَا ﴾‬ ‫وقال جل وعال ﴿ و حِل‬
‫اصرِب ْ ُ ْك ِم َربِّ َ‬
‫ك فَِإن َ‬ ‫َ ْ‬
‫َكثِ ُير ال ِْمَن ْن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ور‬
‫َو َربِّي غَُف ٌ‬ ‫ش ْعًرا‪ :‬ف َعالي قَبِ ٌ‬
‫يح َوظَنِّي َح َس ٌن‬
‫َوتَ ْخ َشى ِم َن‬
‫ْجا ِر لِ َما فَ ِط ْن‬‫ال َ‬ ‫صى‬ ‫الك يَا َم ْن َع َ‬‫ُتَبا ِر ْز َم ْو َ‬
‫س َما َذا َح َس ْن‬ ‫ِ‬ ‫اصي َو َشْيبِي َم ِعي‬ ‫ت الْمع ِ‬ ‫ِ‬
‫َفَواهلل يَا َن ْف ُ‬ ‫َركْب ُ َ َ‬

‫‪202‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫يم ال ِْمَن ْن‬ ‫ِ‬


‫َعظ َ‬ ‫َوقُولِي لَهُ يَا‬ ‫الدِّي ِ‬
‫اجي لَهُ َو ْار َغِبي‬ ‫َ‬
‫َف ُق ِ‬
‫ومي‬
‫ف َعنِّي فَ َم ْن‬ ‫َت ْع ُ‬ ‫إِ َذا أَنْ َ‬
‫ت لَ ْم‬ ‫الر َجا‬
‫يم َّ‬ ‫ِ‬
‫لَهُ يَا َعظ َ‬ ‫َوقُولِي‬
‫اللهم اس لك بنا مس لك الص ادقني األب رار ‪ ،‬وأحلقنا بعب ادك املص طفني‬
‫األخيار ‪ ،‬وأتنا يف الدنيا حسنة ويف اآلخرة حسنة ‪ ،‬وقنا عذاب النار ‪.‬‬
‫صلٌ )‬
‫( فَ ْ‬
‫جاء ثالثة إىل احلسني بن علي واشتكى األول قلة املطر والغيث فقال له‬ ‫‪‬‬
‫‪ :‬أكثر من االستغفار ‪.‬‬
‫واشتكى الثاين العقم فقال له ‪ :‬أكثر االستغفار ‪.‬‬
‫واشتكى الثالث جدب األرض وقلة النبات فقال له ‪ :‬أكثر االستغفار ‪.‬‬
‫فقال له أحد جلسائه يا ابن رسول اهلل كل الثالثة خمتلف الشكاية وأنت‬
‫وحدت اجلواب بينهم ‪.‬‬
‫اس َت ْغ ِف ُروا‬
‫ت ْ‬ ‫فقال رضي اهلل عنه ‪ :‬أما قرأمت قول اهلل جل وعال ﴿ َف ُق ْل ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َربَّ ُك ْم إِنَّهُ َك ا َن َغفَّاراً * يُْر ِس ِل َّ‬
‫الس َماء َعلَْي ُكم ِّم ْد َراراً * َومُيْ د ْد ُك ْم بِأ َْم َو ٍال َوبَن َ‬
‫ني‬
‫وجَي عل لَّ ُكم جن ٍ‬
‫َّات َوجَيْ َعل لَّ ُك ْم أَْن َهاراً ﴾ ‪.‬‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َْ‬
‫يوما خطبة بليغة مث قطعها وبكى مث قال ‪ :‬يا رب إن‬ ‫خطب عبد امللك ً‬
‫ذنويب عظيمة وإن قليل عفوك أعظم منها ‪.‬‬
‫اللهم فاصفح بقليل عفوك عظيم ذنويب ‪ ،‬فبلغ ذلك احلسن البصري فبكى‬
‫‪ .‬وقال ‪ :‬لو كان كالم يكتب بالذهب لكتب هذا الكالم ‪.‬‬
‫قيل خلالد بن يزيد وك ان رجل زاهد وص الح فيما يظهر ما أق رب‬
‫األشياء قال ‪ :‬األجل ‪ ،‬قيل فما أبعد األشياء ؟ قال ‪ :‬األمل ‪ .‬قيل ‪ :‬فما أوحش‬
‫األشياء ؟ قال ‪ :‬امليت ‪.‬‬
‫حريص ا من مل‬ ‫ً‬ ‫قال أحد العلماء ‪ :‬ازهد الناس يف الدنيا وإن كان عليها‬
‫يرض منها إال بالكسب احلالل الطيب مع حفظ األمانات ‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫معرض ا من مل يبال من أين ما كسبه‬ ‫ً‬ ‫وأرغب الناس فيها وإن كان عنها‬
‫حراما ‪.‬‬
‫ً‬ ‫منها حالالً كان أو‬
‫وإن أجود الناس بالدنيا من جاد حبقوق اهلل عز وجل وحقوق خلقه وإن‬
‫رآه الناس خبيالً فيما سوى ذلك ‪.‬‬
‫وإن اخبل الناس من خبل حبقوق اهلل عز وجل وما عليه من حقوق اخللق‬
‫جوادا فيما سوى ذلك ‪.‬‬‫ً‬ ‫كرميا‬
‫وإن رآه الناس ً‬
‫وقال بعضهم إن امرئ أذهبت ساعة من عمره يف غري ما خلق له حلري‬
‫أن تطول عليها حسرته إىل يوم القيامة ‪.‬‬
‫كرمي ا حاجً ة فأمهله يفكر فإنه يف الغالب ال‬
‫رجال ً‬
‫ً‬ ‫وقال آخر إذا سألت‬
‫يفكر إال خبري ‪.‬‬
‫لئيم ا حاجة فال متهله ألنه إىل ال ردى أق رب وطبعه إىل املنع‬‫وإذا سألت ً‬
‫أحرى ‪.‬‬
‫من كثرت نعم اهلل عنده كثرت حوائج الناس إليه ‪.‬‬
‫ف إن ق ام بش كر اهلل وأدى ما جيب هلل فيها عليه عرض ها للبق اء وإن مل‬
‫يقم بذلك عرضها للزوال وعرض نفسه للذم ‪.‬‬
‫ق ال بعض هم موص يًا ابنه يا بين إذا مر بك ي وم وليلة قد س لم فيهما‬
‫دينك وجسمك ومالك فأكثر من الشكر هلل تعاىل ‪.‬‬
‫فكم من مس لوب دينه وم نزوع ملكه ومهت وك س رته ومقص وم ظه ره يف‬
‫ذلك اليوم وأنت يف عافية ‪.‬‬
‫قدرا ق ال العلم ال ذي خف حممله فثقلت‬ ‫قيل لبعضهم أي الكن وز أعظم ً‬
‫مفارقته وكثرت مفارقته وخفي مكانه وأمن عليه من السرقة ‪.‬‬
‫فهو يف املالء مجال ويف الوح دة أنيس وي رأس به اخلس يس وال يق در‬
‫حاسدك نقله عنك ‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫قيل فاملال قال ليس كذلك حممله ثقيل واهلم به طويل إن كنت يف مالء‬
‫شغلك الفكر فيه وإن كنت يف خلوة أتعبتك حراسته ‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫قيل لبعضهم من أضعف الناس قال من ضعف عن كتمان سره ‪ ،‬قيل‬


‫فمن أقواهم ‪ ،‬قال من قوي على غضبه ‪ ،‬قيل فمن أصربهم قال من سرت فاقته‬
‫‪ ،‬قيل فمن أغناهم قال من قنع مبا يسره اهلل له ‪.‬‬
‫وق ال آخر من توفيق اهلل للقاضي أن يك ون فيه مخس خص ال احللم‬
‫والنزاهة عن الطمع ‪ ،‬وج ودة العقل ‪ ،‬واالقت داء بالعلم اء املتبعني للكت اب والس نة‬
‫‪ ،‬ومشاورة أهل الرأي من ذوى العقول الراجحة ‪.‬‬
‫واهلل أعلم ‪ .‬وصلى اهلل على حممد وآله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫صلٌ )‬
‫( فَ ْ‬
‫ق ال بعض العلم اء ‪ :‬اعلم أن بين آدم طائفت ان طائفة نظ روا إىل ش اهد‬
‫خيال الدنيا ومتسكوا بتأميل العمر الطويل ومل يتفكروا يف النفس األخري ‪.‬‬
‫وطائفة عقالء جعل وا النفس األخري نصب أعينهم لينظ روا م اذا يك ون‬
‫مصريهم وكيف خيرجون من الدنيا ويفارقوهنا سامل إمياهنم ‪.‬‬
‫وما الذي ينزل معهم من الدنيا يف قبورهم وما الذي يرتكونه ألعدائهم‬
‫ويبقى عليهم وباله ونكاله ‪.‬‬
‫وهذه الفكرة واجبة على كافة اخللق وهي على امللوك وأهل الدنيا أوجب‬
‫ألهنم كثريًا ما أزعجوا قلوب اخللق وأدخلوا يف قلوهبم الرعب ‪.‬‬
‫فان هلل ملكا يعرف مبلك املوت ال مهرب ألحد من مطالبته ‪.‬‬
‫وفضة وطعامًا ‪.‬‬
‫وكل موكلي ملوك الدنيا يأخذون جعلهم ذهبًا ً‬
‫وملك املوت ال يأخذ سوى الروح ‪.‬‬
‫وسائر موكلي السالطني تنفع عندهم الشفاعة وهذا إذا جاء لقبض الروح‬
‫ال تنفع عنده الشفاعة ‪.‬‬
‫وكثري من املوكلني ميهلون من يوكلون به اليوم والساعة ‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫واحدا ق ال اهلل جل جالله وتقدست‬ ‫ً‬ ‫وه ذا املوكل ال يهمل وال نفسًا‬
‫اعةً َوالَ يَ ْسَت ْق ِد ُمو َن ﴾ ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َجلُ ُه ْم الَ يَ ْستَأْخ ُرو َن َس َ‬ ‫ِ‬
‫أمساؤه ﴿ فَإ َذا َجاء أ َ‬
‫عظيما وأحتشد من كل‬ ‫ً‬ ‫وي روي أنه ك ان ملك كثري املال قد مجع م االً‬
‫نوع خلقه اهلل تعاىل من الدنيا لريفه نفسه ويتفرغ ألكل ما مجعه ‪ ،‬فجمع نعمً ا‬
‫مرتفعا س اميًا يص لح للمل وك واألم راء واألك ابر والعظم اء‬ ‫ً‬ ‫طائلة وبني قص ًرا عاليًا‬
‫وركب عليه بابني حمكمني ‪.‬‬
‫وأقام عليه الغلمان واحلراسة واألجناد والبوابني كما أراد وأمر بعض األنام‬
‫أن يص طنع له من أطيب الطع ام ومجع أهله وحش مه وأص حابه وخدمه لي أكلوا‬
‫عنده وينالوا رفده ‪.‬‬
‫وجلس على س رير مملكته واتكأ على وس ادته وق ال ‪ :‬يا نفس قد مجعت‬
‫أنعم الدنيا بأسرها فاآلن افرغي لذلك وكلي هذه النعم مهنأةً بالعمر الطويل ‪،‬‬
‫واحلظ اجلزيل ‪.‬‬
‫فلم يفرغ مما حدث به نفسه حىت أتى رجل من ظاهر القصر عليه ثياب‬
‫خلقة وخمالته يف عنقه معلقة على هيئة س ائل يس أل الطع ام فج اء وط رق حلقة‬
‫الباب طرقة عظيمة هائلة حبيث تزلزل القصر وتزعزع السرير ‪.‬‬
‫وخ اف الغلم ان ووثب وا إىل الب اب وص احوا بالط ارق وق الوا يا ض يف ما‬
‫هذا احلرص وسوء األدب اصرب إىل أن نأكل ونعطيك مما يفضل ‪.‬‬
‫فقال هلم قولوا لصاحبكم ليخرج إيل فلي إليه شغل مهم وأمر ملم فقالوا‬
‫له ‪ :‬تنح أيها الضيف من أنت حىت نأمر صاحبنا باخلروج إليك ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬أنتم عرفوه ما ذكرت لكم فلما عرفوه قال ‪ :‬هال هنرمتوه وجردمت‬
‫عليه وزجرمتوه ‪.‬‬
‫مث طرق حلقة الباب أعظم من طرقته األوىل فنهضوا من أماكنهم بالعصى‬
‫والسالح وقصدوه ليحاربوه فصاح هبم صيحة ‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وق ال ‪ :‬الزم وا أم اكنكم فأنا ملك املوت فطاشت حل ومهم وارتع دت‬
‫فرائضهم وبطلت عن احلركة جوارحهم ‪.‬‬
‫بدال مني وعوضًا عين فقال ‪ :‬ما آخذ إال‬ ‫فقال امللك ‪ :‬قولوا له ليأخذ ً‬
‫روحك وال أتيت إال ألجلك ألف رق بينك وبني النعم اليت مجعتها واألم وال اليت‬
‫حوهتا وخزنتها ‪.‬‬
‫فتنفس الصعداء وقال لعن اهلل هذا املال الذي غرين وأبعدين ومنعين من‬
‫عب ادة ريب وكنت أظن أنه ينفعين ف اليوم ص ار حس ريت وبالئي وخ رجت ص فر‬
‫اليدين منه وبقي ألعدائي ‪.‬‬
‫ف أنطق اهلل تع اىل املال حىت ق ال ألي س بب تلعين العن نفسك ف إن اهلل‬
‫تعاىل خلقين وإياك من تراب وجعلين يف يدك لتتزود يب إىل آخرتك وتتصدق يب‬
‫على الفقراء وتزكي يب على الضعفاء ‪.‬‬
‫ولتعمر يب الربط واملس اجد واجلس ور والقن اطر ألك ون عونا لك يف الي وم‬
‫اآلخر فجمعتين وخزنتين ويف ه واك أنفقتين ومل تش كر اهلل يف حقي بل كفرتين‬
‫فاآلن تركتين ألعدائك وأنت حبسرتك وبالئك ‪.‬‬
‫ف أي ذنب يل فتس بين وتلعنين مث إن ملك املوت قبض روحه قبل أكل‬
‫الطعام فسقط عن سريره صريع احلمام ‪.‬‬
‫وق ال يزيد الرقاشي ‪ :‬ك ان يف بين إس رائيل جب ار من اجلب ابرة وك ان يف‬
‫بعض األي ام جالسًا على س رير مملكته فرأى رجالً قد دخل من ب اب ال دار ذا‬
‫ص ورة منك رة وهيئة فاش تد خوفه من هجومه وهيئته وقدومه ف وثب يف وجهه‬
‫وقال ‪ :‬من أنت أيها الرجل ومن أذن لك يف الدخول إىل داري ‪.‬‬
‫فقال أذن يل صاحب الدار وأنا الذي ال حيجبين حاجب وال أحتاج يف‬
‫دخ ويل على املل وك إىل إذن وال أرهب سياسة الس لطان وال يفزعين جب ارٌ وال‬

‫‪208‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ألحد من قبضيت ف رار فلما مسع ه ذا الكالم خر على وجهه ووقعت الرع دة يف‬
‫ٍ‬
‫جسده ‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫يوم ا‬
‫وق ال ‪ :‬أنت ملك املوت ق ال ‪ :‬نعم ق ال أقسم عليك باهلل إال أمهلتين ً‬
‫واحدا ألتوب من ذنيب وأطلب العذر من ريب وأورد األموال اليت أودعتها خزائين إىل‬ ‫ً‬
‫أرباهبا وال حتمل مشقة عذاهبا ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬كيف أمهلك وأيام عمرك حمسوبة وأوقاهتا مكتوبة فقال أمهلين ساعة ‪،‬‬
‫فق ال إن الس اعات يف احلس اب وقد ع ربت وأنت غافل وأنقصت وأنت ذاهل وقد‬
‫واحد ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫استوفيت أنفاسك ومل يبق لك نفس‬
‫فق ال من يك ون عن دي إذا نقلتين إىل حلدي فق ال ال يك ون عن دك س وى‬
‫عملك فقال ما يل عمل ؟ فقال ال جرم يكون مقيلك يف النار ومصريك إىل غضب‬
‫اجلبار ‪.‬‬
‫وقبض روحه فخر عن سريره وعال الض جيج من أهل مملكته وارتفع ولو علم وا ما يصري إليه‬
‫من سخط ربه لكان بكائهم عليه أكثر وعويلهم أوفر ‪.‬‬
‫ت‬‫يت َما َف َعلَ ْ‬ ‫أََتَر َاها نَ ِس َ‬ ‫َما لَِن ْف ِسي َع ْن َم َع ِادي غََفلَ ْ‬
‫ت‬
‫ت‬‫س َسَتَرى َما َع ِملَ ْ‬ ‫ُك ُّل َن ْف ٍ‬ ‫ور ِفي لَ ْه ِو ال َْهَوى‬ ‫أَُّي َها ال َْم ْغ ُر ُ‬
‫ت‬‫َك ْم َع ِزي ٍز ِفي َهَو َاها َخ َذلَ ْ‬ ‫لدْنَيا فَ َك ْم تَ ْخ َد ْعَنا‬‫ُف لِ ُّ‬ ‫أ ٍّ‬
‫ت‬‫ت أَ ْن َس َكَن ْ‬ ‫ثُ َّم َما إِ ْن لََبثَ ْ‬ ‫ت‬ ‫صَف ْ‬ ‫اس َع َ‬ ‫يح بِأُنَ ٍ‬ ‫ب ِر ٍ‬ ‫ُر َّ‬
‫ت‬‫ات َخلَّ ْ‬ ‫ِفي سرو ٍر ومر َاد ِ‬ ‫َصَب َح ِفي غَ ْفلَتِ ِه‬ ‫أَيْ َن َم ْن أ ْ‬
‫ُ ُ َ َُ‬
‫ت‬‫َو ِديَ ُار لَ ْه ِو ِه قَ ْد َخ ِربَ ْ‬ ‫ت‬‫آمالُه قَ ْد َخ ِسَر ْ‬ ‫ت َ‬ ‫َصَب َح ْ‬ ‫أْ‬
‫ت‬‫َو َكا َن َد َار ُه َما َس َكَن ْ‬ ‫ت‬ ‫ت أ َْمَوالُهُ قَ ْد ُفِّرقَ ْ‬ ‫َفغَ َد ْ‬
‫ْب ح ِ‬
‫ت‬
‫ثُ َّم قُ ْل يَا َد ُار َما َذا َف َعلَ ْ‬ ‫اض ٍر‬ ‫الدا ِر بَِقل ٍ َ‬ ‫ُج ْز َعلَى َّ‬
‫وسا طَالَ َما قَ ْد أَ ْشَرقَ ْ‬
‫ت‬ ‫َو ُش ُم ً‬ ‫ورا طُلِّ َعا‬
‫ت بُ ُد ً‬ ‫أ َْوجهٌ َكانَ ْ‬
‫ت‬‫َو َكذا ُك ُّل ُمِق ٍيم إِ ْن َثَب ْ‬ ‫ضوا‬ ‫الد ُار َتَفانُوا فَ َم ُ‬ ‫ت َّ‬ ‫قَالَ ْ‬
‫ت‬ ‫اث َع َّما استُ ِ‬
‫ود َع ْ‬ ‫ْ‬ ‫َج َد َ‬ ‫اسأ َِل األ ْ‬
‫فَ ْ‬ ‫َع َاينُوا أَ ْف َعالَ ُه ْم ِفي ُت ْربِِه ْم‬

‫‪210‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫اللهم أحي قلوبنا أماهتا البعد عن بابك ‪ ،‬وال تع ذبنا ب أليم عقابك يا‬
‫أكرم من مسح بالنوال وجاد باألفضال ‪ ،‬اللهم أيقظنا من غفلتنا بلطفك‬

‫‪211‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وإحس انك ‪ ،‬وجتاوز عن جرائمنا بعف وك وغفرانك ‪ ،‬واغفر لنا ولوال دينا‬
‫وجلميع املسلمني األحياء منهم وامليتني برمحتك يا أرحم الرامحني وصلى اهلل على‬
‫حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫صلٌ )‬
‫( فَ ْ‬
‫قال بعض العلماء ليس يف العامل منذ كان إىل يتناهى أحد يستحسن اهلم‬
‫وال يريد طرحه عن نفسه ‪.‬‬
‫فلما اس تقر يف نفسي ه ذا العلم الرفيع وانكشف يل ه ذا السر العجيب‬
‫وأنار اهلل تعاىل لفكري هذا الكنز العظيم ‪.‬‬
‫حبثث عن س بيل موص لة على احلقيقة إىل ط رد اهلم ال ذي هو املطل وب‬
‫النفيس الذي اتفق مجيع أنواع اإلنسان اجلاهل منهم والعامل والصاحل والطاحل على‬
‫السعي له فلم أجد إال التوجه إىل اهلل عز وجل بالعمل لآلخرة ‪.‬‬
‫وإال فإمنا طلب املال طالبه ليطردوا به هم الفقر عن أنفسهم ‪.‬‬
‫وإمنا طلب الصيت من طلبه ليطرد به عن نفسه هم االستعالء عليها ‪.‬‬
‫وإمنا طلب العلم من طلبه ليطرد به عن نفسه هم اجلهل ‪.‬‬
‫وإمنا هش إىل مساع األخبار وحمادثة الناس من يطلب ذلك ليطرد هبا عن‬
‫نفسه هم التوحد ومغيب أحوال العامل عنه ‪.‬‬
‫وإمنا أكل من أكل وش رب من ش رب ونكح من نكح ولبس من لبس‬
‫ولعب من لعب واكت نز من اكت نز وركب من ركب ومشى من مشى وت ودع‬
‫من تودع ‪.‬‬
‫ليطردوا عن أنفسهم أضداد هذه األفعال وسائر اهلموم ‪.‬‬
‫ويف كل ما ذكرنا ملن تدبره مهوم حادثة البد هلا من عوارض تعرض يف‬
‫خالهلا وتعذر ما يتعذر منها ‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وق ال رمحه اهلل وج دت العمل لآلخ رة س املًا من كل عيب خالصًا من‬


‫كدر موصالً إىل طرد اهلم على احلقيقة ‪.‬‬ ‫كل ٍ‬
‫ووج دت العامل لآلخ رة إن امتحن مبك روه يف تلك الس بيل مل يهتم بل‬
‫يسر ‪.‬‬
‫إذ رج اؤه يف عاقبة ما ين ال به ع ون على ما يطلب وزائد يف الغ رض‬
‫الذي إياه يقصد ‪.‬‬
‫ووجدته إن عاقه عما هو بس بيله ع ائق مل يهتم إذ ليس مؤآخ ًذا ب ذلك‬
‫فهو غري مؤثر يطلب ورأيته إن قصد باألذى سر ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫متصل‬ ‫وإن نكبته نكبة سر وإن تعب فيما سلك فيه سر فهو يف سرور‬
‫أبدا ‪.‬‬
‫أبدًا وغريه خبالف ذلك ً‬
‫وقال رمحه اهلل تعاىل ‪ :‬ولو تدبر العامل يف مرور ساعاته ماذا كفاه العلم‬
‫من الذل بتسليط اجلهال ‪.‬‬
‫ومن اهلم مبغيب احلقائق عنه ومن الغبطة مبا قد بان له وجهه من األمور‬
‫اخلفية عن غريه ‪.‬‬
‫وذكرا هلل عز وجل وغبطة مبا لديه من العلم ورغبة يف‬
‫ً‬ ‫وشكرا‬
‫ً‬ ‫محدا‬
‫لزاد ً‬
‫املزيد منه ‪.‬‬
‫أجل العل وم ما قربك إىل خالقك جل وعال وما أعانك على الوص ول‬
‫إىل رضاه ‪.‬‬
‫العل وم الغامضة كال دواء الق وي يص لح األجس اد القوية ويهلك األجس اد‬
‫الضعيفة ‪.‬‬
‫وك ذلك العل وم الغامضة تزيد العقل الق وي ج ودة وتص فيه من كل آفة‬
‫وهتلك ذا العقل الضعيف ‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫العاقل يف الدنيا متعب ومن جهة أخرى مسرتيح ‪.‬‬


‫ووجه ذلك أنه متعبٌ ومتك درٌ فيما ي رى من انتش ار الباطل وغلبة دولته‬
‫ومبا خيال بينه من إظهار احلق ‪.‬‬
‫وأما وجه راحته فمن كل ما يهتم به سائر الناس من فضول الدنيا ‪.‬‬
‫إذا حققت أمر مل جتدها إال اآلن الذي هو فصل بني زمانني فقط ‪.‬‬
‫وأما ما مضى وما مل يأت فمعدومان كما مل يكن ‪.‬‬
‫باقيا خالدًا مبدة هي ألقل من كر الطرف ‪.‬‬
‫فمن أضل ممن يبيت ً‬
‫من شغل نفسه بأدىن العلوم وترك أعالها وهو قادر عليه كان كغارس‬
‫األثل والسدر يف األرض اليت جيود ويزكوا فيها النخيل والتني واملوز والعنب ‪.‬‬
‫نشر العلم عند من ليس من أهله مفسد هلم كإطعامك العسل والس كر‬
‫والتمر من به مرض السكر ومن به احرتاق ومحى ‪.‬‬
‫وكتش ميمك املسك والعنرب ملن به ص داع الص فراء ‪ ،‬أو به ش قيقة وهو‬
‫وجع نصف الرأس ‪.‬‬
‫من أراد اآلخ رة وحكمة ال دنيا وع دل الس رية واالحت واء على حماسن‬
‫األعمال واألخالق واآلداب كلها واستحقاق الفضائل بأسرها فليقتدي مبحمد ‪‬‬
‫وليستعمل أخالقه وسريه ‪.‬‬
‫واهلل أعلم وصلى اهلل على حممد وآله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫صلٌ )‬
‫( فَ ْ‬
‫وق ال رمحه اهلل منفعة العلم يف اس تعمال الفض ائل عظيمة وهو أن يعلم حسن الفض ائل‬
‫فيأتيها ويعلم قبح الرذائل فيجتنبها ويستمع الثن اء احلسن فريغب يف مثله والثناء ال ردى فينفر‬
‫منه ‪.‬‬
‫ك أَ ْن َت ْرقَى َعَلى‬ ‫َعَلى ُخ ُمولِ َ‬ ‫الص ِفي‬‫َخا ا ِإل ْخ ِ‬ ‫أَ‬ ‫َس َّن‬ ‫ِ‬
‫ش ْعًرا‪ :‬ال َتْيأ َ‬
‫ص َار إِ ْكِليالً َعلَى‬
‫ض إِ ْذ َ‬ ‫اِفلَْفيلَ َا‬
‫كأل َْر ِ‬ ‫اإلبْ ِري ِز ُمطََّّر ًحا‬
‫ب ِ‬ ‫َّ‬
‫الذ َه َ‬ ‫اَبلْيْعنَاَم ِلَتَرى‬
‫ك‬‫الْمِل ِ‬
‫َ‬

‫‪214‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫الْمَقام ِ‬
‫ات‬ ‫َ َ‬ ‫صُر َع ْن أَ ْعال‬ ‫لِ َم ْن ُي ْق ِّ‬ ‫مكرم ًة‬
‫َ‬ ‫ب اآلبَ ِاء‬
‫آخر‪ :‬ال تَ ْح َسَب ْن َح َس َ‬
‫الذ ِ‬
‫ات‬ ‫َو َّ‬ ‫هلل ال بِ َج َم ِال الَْو ْج ِه‬ ‫ِ‬ ‫اعتِ ِه ْم‬
‫الر َج ِال بَِت ْقَواهم َوطَ َ‬
‫ُح ْس ُن ِّ‬
‫ْحلَ ِل‬ ‫ت بِِه‬ ‫ال تَ ْحِق ِر ال َْم ْر َء إِ ْن َرأَيْ َ‬
‫َد َم َام ًة أ َْو َرثَاثََة ال ُ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫يَ ْشَت ُار ِمْنهُ الَْفَتى َجَنى ال َْع َس ِل‬
‫ضؤولَتِ ِه‬ ‫َّح ُل ال َش ْي َء ِم ْن ُ‬ ‫فَالن ْ‬
‫َفلَْيس يسع ُد ِفي الْ َخْير ِ‬
‫ات‬ ‫ات تَطْلُُب َها‬ ‫َد ِع التَّ َكاسل ِفي الْ َخْير ِ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬
‫النَخال ِمْن ُه َما فَا ْع ُد ْد ُه ِفي‬ ‫فَكمسن ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل َحلْيتُهُ‬‫ْم َزيْ ٌن َوَت ْقَوى َ‬
‫َْ‬ ‫الْعل ُ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫َج َّد َو َش َّمَرا‬ ‫وب ِفي ُك ِّل‬
‫َّاس إِال َم ْن أ َ‬ ‫ِم َ‬
‫البَنَق ِرالن ِ‬
‫اك ال َْمطْلُ َ‬ ‫َو َما أَ ْد َر َ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫فعلىَه ٍةهذه املقدمات وجب أن يكون للعلم حصة يف كل فضيلة وللجهل‬ ‫َو ْج‬
‫حصة يف كل رذيلة ‪.‬‬
‫وقال وقد رأيت من غمار العامة من جيري من االعتدال ومحيد األخالق‬
‫جدا ‪.‬‬
‫إىل ماال يتقدمه فيه حكيم عامل رائض لنفسه ولكنه قليلٌ ً‬
‫ورأيت ممن ط الع العل وم وع رف عه ود األنبي اء عليهم الص الة والس الم‬
‫ووصايا احلكماء وهو ال يتقدمه يف خبث السرية ‪.‬‬
‫وفساد العالنية والسرية شرار اخللق وهذا كثري جدًا فعلمت أهنما مواهب‬
‫وحرمان من اهلل تعاىل ‪.‬‬
‫وقال من جالس الناس مل يعدم ًإمث ا ومها يؤمل نفسه وغيظً ا ينضج كبده‬
‫وذال ينكس مهته ‪.‬‬
‫فما الظن بعد مبن خالطهم وداخلهم واندمج معهم ‪.‬‬
‫وإمنا يندم وحيزن ويتحسر على ذلك يف معاده ‪.‬‬
‫فالعز والسرور واألنس والراحة والسالمة يف االنفراد عنهم ‪.‬‬
‫ولكن اجعلهم كالنار تدفأ هبا وال ختالطها ‪.‬‬
‫وقال آخر من مضار جمالسة الناس وخمالطتهم االهنماك يف الغيبة ‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ثانيًا ‪ :‬ضياع الوقت يف اآلثام ‪.‬‬


‫ثالث اً ‪ :‬فوات األعمال النافعة يف اآلخرة أو األعمال الدنيوية اليت يعود نفعها يف اآلخرة‬
‫وال سبيل إىل السالمة من ذلك إال باالنفراد عن جمالستهم مجلة ‪.‬‬
‫وعاش وهو قرير العين جذالن‬ ‫من جنب الناس يسلم من‬
‫غوائلهم حتق رن ش يئًا من عمل ٍ‬
‫غد ب أن ختففه وتعجله الي وم وإن قل ف ان من قليل‬ ‫وق ال ‪ :‬ال‬
‫األعمال جيتمع كثريها ‪.‬‬
‫فالقصر منه تدفق الخلجان‬ ‫ال تحقرن من األمور صغارها‬
‫ورمبا أن األعمال إذا مل ختفف يعجز أمرها فيبطل الكل ‪.‬‬
‫وال حتقر شيئًا مما تثقل به ميزانك يوم البعث أن تعجله اآلن وإن قل ‪.‬‬
‫فإنه حيط عنك كثريًا لو اجتمع لقذف بك يف النار ‪.‬‬
‫اجتهد يف أن تس تعني يف أم ورك مبن يريد منها لنفسه مثل ما تريد منها‬
‫لنفسك ‪.‬‬
‫أبلغ يف ذمك من مدحك مبا ليس فيك ألنه نبه على نقصك ‪.‬‬
‫وأبلغ يف م دحك من ذمك مبا ليس فيك ألنه نبه على فض لك ولقد انتصر لك‬
‫من نفسك بذلك وباستهدافه إىل اإلنكار والالئمة ‪.‬‬
‫كامال إذا عدله ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ولو علم الناقص نقصه لكان‬
‫من عيب حب الذكر أنه رمبا حيبط األعمال إذا أحب أن يذكر هبا ألنه‬
‫يعمل لغري اهلل عز وجل ‪.‬‬
‫حب ا للخري لكن‬
‫وهو يطمس الفض ائل ألن ص احبه ال يك اد يفعل اخلري ً‬
‫ليذكر به ‪.‬‬
‫من أفضل نعم اهلل على العبد أن جييب إليه الع دل يوفقه للعمل به‬
‫وجييب إليه احلق وإيثاره والعمل به ‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ومن قلة توفيق العبد وخذالنه أن يطبع على اجلور واستسهاله وعلى الظلم‬
‫واستخفافه ‪.‬‬
‫ومن كان كذلك فلييئس من أن يصلح نفسه أو يقوم طباعه أبد إال أن‬
‫يشأ اهلل ‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫تزيد علمً ا‬
‫إذا حض رت جملس علم فال يك ون حض ورك إال حض ور مس ٍ‬
‫زلة تشيعها أو غربيةٍ تشيعها ‪.‬‬
‫لعثرة أو ٍ‬
‫ٍ‬ ‫وأجرا ال طالبًا‬
‫ً‬
‫ف إن تتبع الع ثرات وال زالت أفع ال األراذل والس فل ال ذين ال يفلح ون يف‬
‫خريا ‪.‬‬
‫العلم فإذا حضرهتا على طلب االسرتشاد فقد حصلت ً‬
‫إن مل حتضرها على نية صاحلة فجلوسك يف منزلك أحسن وأروح لبدنك‬
‫واكرم خللقك وأسلم لدينك ‪.‬‬
‫فإذا حضرهتا فالتزم أحد ثالثة أوجه أحدها إما أن تسكت فتحصل على‬
‫أجر النية باملش اهدة وعلى الثن اء عليك بقلة فض ول الكالم وعلى ك رم اجملالسة‬
‫ومودة من جتالس ‪.‬‬
‫وإذا س ألت فاس أل س ؤال املتعلم عما ال ت دري ف إن الس ؤال عما ت دري‬
‫سخف وقلة عقل وال ختلو من العجب ‪.‬‬
‫وفيه ش غل عما هو أوىل وفيه قطع لزمانك مبا ال فائ دة ال لك وال‬
‫لغريك ورمبا ترتب عليه مفسدةٌ أو مفاسد ‪.‬‬
‫وإذا أردت أن ترجع فراجع مراجعة العامل ‪.‬‬
‫وصفة ذلك أن تعارض جوابه مبا ينقضه نقضًا بينًا فإن مل يكن عندك إال‬
‫تكرار قولك أو ملعارضة مبا ال يراه خصمك معارضة فأمسك ‪.‬‬
‫زائد وال على تعليم بل رمبا‬
‫ألنك ال حتصل بتك رار ذلك على أجرٍ ٍ‬
‫حصلت على ما يسؤك من الغيظ والعداوة ‪.‬‬
‫واح ذر س ؤال التعنت ومراجعة املك ابر ال ذي يطلب الغلبة بغري علم فهما‬
‫خلقا سوء دليالن على قلة الدين وضعف العقل وقوة السخف وكثرة الفضول ‪.‬‬ ‫ً‬
‫واهلل أعلم وصلى اهلل على حممد وآله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫صلٌ )‬
‫( فَ ْ‬

‫‪218‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ص الح القلب بتق وى اهلل وطاعته والتوكل عليه وتوحي ده وإخالص العمل‬
‫لوجهه الكرمي ‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وفساد القلب بعدم التقوى والتوكل والطاعة والتوحيد واإلخالص ‪.‬‬


‫ومما يورث فساد القلب وانتكاسه وفساد األخالق جمالسة أموات القلوب‬
‫وأهل اآلراء الفاس دة وأهل الب دع كاألش اعرة واملعتزلة والرافضة والفس قة كأهل‬
‫املالهي واملنكرات ‪.‬‬
‫عليك مبجالسة أهل الدين والصالح فإهنم هم الناس ألن أعقل خلق اهلل‬
‫من امتثل أمره واجتنب هنيه ‪.‬‬
‫وأجهل خلق اهلل من عصى اهلل ‪.‬‬
‫العلم اء الع املون املخلص ون هم الس الكون طريقة الرسل عليهم الص الة‬
‫والسالم ‪.‬‬
‫أجرا على أعماهلم بل يريدون وجهه عز و‬ ‫الذين ال يطلبون من الناس ً‬
‫جل قال اهلل جل وعال لنبيه ‪ ﴿ ‬وال تطرد الذين يدعون رهبم بالغداة والعشي‬
‫يري دون وجهه ﴾ وق ال جل وعال ﴿ إمنا نطعمكم لوجه اهلل ال نريد منكم‬
‫جزاء وال شكورا ﴾ ‪.‬‬
‫قلوب صافية طاهرة معرضة عن اخللق مقبلة على اخلالق ذاكرة له ناسية‬
‫للدنيا ذاكرة لآلخرة ‪.‬‬
‫اجلل وس مع ال ذين يطيع ون اهلل نعمة من اهلل على عب ده واجلل وس مع‬
‫املن افقني واملك ذبني نقمة على العبد نع وذ باهلل من جمالسة أهل الض الل والب دع‬
‫واألخالق املنحرفة وأهل املالهي واملنكرات ‪.‬‬
‫فالواجب هجراهنم واالبتعاد عنهم والتحذير عنهم ‪.‬‬
‫واهجر أيضًا أقران السوء واقطع املودة والصلة بينك وبينهم وواصلها بينك‬
‫وبني الصاحلني ‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ق ال بعض هم ال تغرت مبوضع ص احل فال مك ان أص لح من اجلنة فلقي فيها‬


‫آدم ما لقي وال تغرت بك ثرة العب اد ف إن إبليس لعنه اهلل بعد ط ول تعب ده لقي ما‬
‫لقي ‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وال تغرت بكثرة العلم فإن بلعام كان حيسن االسم األعظم فانظر ماذا لقي‬
‫‪.‬‬
‫وال تغرت برؤية الص احلني فال ش خص أكرب من املص طفى ‪ ‬ومل ينتفع‬
‫بلقائه أعداؤه وبعض أقاربه ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬إذا مسعت حبال الكفار وخلودهم يف النار فال تأمن على نفسك‬
‫فإن األمر على اخلطر وال تدري ماذا يكون من العاقبة وماذا سبق لك يف حكم‬
‫الغيب ‪.‬‬
‫وال تغرت بصفاء األوقات فإن حتتها غوامض اآلفات ‪.‬‬
‫صَوالِ ُح‬ ‫ِ‬
‫ال أ َْو ن َساء َ‬ ‫تَِع َيها ِر َج ٌ‬ ‫آخر‪ :‬أَال بلغن َعنِّي لِ َح ٍّي ِر َسالَ ًة‬
‫اص ُح‬ ‫اهلل ِف ِيه يَن ِ‬
‫ُ‬
‫ِإلظ َْها ِر ِدي ِن ِ‬ ‫ب ال ِْعل ِْم َرائٍِم‬ ‫لَِعالِ ِم ِه ْم أ َْو طَالِ ِ‬
‫اج ُح‬ ‫تُ ِجْب َها َعو ٌام أَو َخواص جح ِ‬
‫َ ْ َ ٌ ََ‬ ‫ع لِلدِّي ِن َد ْعَو ًة‬ ‫ول لَهُ قُ ْم َوا ْد ُ‬ ‫أَقُ ُ‬
‫صابِ ُح‬‫ْح ُّق َ‬ ‫ض َّل َوال َ‬ ‫ول َ‬ ‫و ُه ْز ِء َج ُه ٍ‬ ‫اح ٍد‬ ‫وال تَ ْخش تَ ْك ِذيبا وإِنْ َكار ج ِ‬
‫ً َ َ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اع ُد ُه من لِلْعوائِ ِد ر ِ‬ ‫يس ِ‬ ‫ض ْغ ِن م َش ِ‬ ‫ِ‬
‫اك ُح‬ ‫َ ََ َ‬ ‫َُ‬ ‫احن‬ ‫َوغ َيب ًة َه َّما ٍز َو َ ُ‬
‫ِ‬ ‫اهلل َه ِاد ٌم‬ ‫ولَْيس لِما َتْبنِي ي ُد ِ‬
‫ِح‬
‫ضار ُ‬ ‫اء َ‬ ‫س أل َْم ِر اهلل إِ ْن َج َ‬ ‫َولَْي َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ت َعلَْي َها لََوائِ ُح‬ ‫الح ْ‬
‫َو ُسنَُّتَنا َ‬ ‫ت‬‫َن ال َْعَوائِ َد َب ْهَر َج ْ‬ ‫َوَبيِّ ْن لَ ُه ْم أ َّ‬
‫الح‬
‫الص ٍ‬ ‫وق َّ‬ ‫ت َعلَى س ِ‬ ‫َوقَ َام ْ‬ ‫اب الَْي ْو َم قَ ْد بَ َار‬ ‫الشَب ِ‬
‫َولَ ْه ُو َّ‬
‫ُ‬
‫اَلو َْمُسنَدَُّتائَنِا ُح قَ ْد ظَلَلَْت َها َّ‬
‫الدَوائِ ُح‬ ‫الدنَا الَْي ْو َم اْنَز َوى ظَ َّل‬ ‫َوُسأ ْوَهقُُلهُ ُّ‬
‫اج ُح‬ ‫ومظ َْهر ُه ِميزانُهُ الْيوم ر ِ‬
‫َْ َ َ‬ ‫ََ ُ َ‬ ‫ف َو ْزنُهُ‬ ‫َوَجُمْنِاه ِهك ُر َه َذا الدِّي ِن قَ ْد َخ َّ‬
‫اص َوال َْع ِام َدانِ ُح‬ ‫َو ُمْن ِك ُر ُه لِْل َخ ِ‬ ‫َّاس َعالًِيا‬ ‫ص َار ِفي الن ِ‬ ‫اص ُر ُه قَ ْد َ‬ ‫َونَ ُ‬
‫ك َرابِ ُح‬ ‫َعلَْيَنا َو َم ْن يَ ْش ُك ْر فَ َذلِ َ‬ ‫ش قَ ْد َم َّن ِمنَّ ًة‬‫َوإِ َّن إِلَ َه ال َْع ْر ِ‬

‫‪222‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫فَِفي بِ ْدئِِه َبل َْه الِْقَي َام ِة طَائِ ُح‬ ‫األَْن َع َام َو َّاتَب َع ال َْهَوى‬ ‫َو َم ْن َكَفَر‬
‫سًبا َن ْعلُو بِِه َونُطَ ِام ُح‬ ‫لََنا نَ ُ‬ ‫قَ ْد بين الدِّين ِفي‬ ‫اك بِأَ ْن‬ ‫َو َذ َ‬
‫َنُف ْز َونَ ْح ُز َن ْع َم ُاه َوالْ ُك ُّل فََالِ ُح‬ ‫ص ُر َق ْولَهُ‬ ‫ِ‬
‫فَِْإام ْرنئنَ ْح ُن َ‬
‫آوْيَن ُاه َنْن ُ‬
‫صالِ ُح‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫اد بِغَْي ِرنَا‬
‫ب َق ْوم عْن َد َق ْوم َم َ‬ ‫صائ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ض ْعَن ُاه أَفَ َ‬
‫َوأَ ْن قَ ْد أَ َ‬
‫ب َع ُّم النَّبِي َوتَار ُ‬
‫ِح‬ ‫أَبُو طَالِ ٍ‬ ‫قربَى َفَق ْط ِف ِيه َما‬ ‫ت ُ‬ ‫َولَْو َنَف َع ْ‬
‫ضا أَ ْن أَبتهُ الَْقَو ِام ُح‬ ‫ضَّر َح ْو ً‬ ‫َو َما َ‬ ‫ضَّر َش ْم ًسا أَ ْن َنَفى ال َْعْي َن‬ ‫َرو َمداى َ‬
‫ت َد َوائِ ُح‬ ‫ضْ‬ ‫بِإ ْذ ِن ا ِإللِِه إِ ْن أَفَا َ‬ ‫ت َرئًِعا‬ ‫ِج النَّْب َ‬‫ض تُ ْخر ُ‬ ‫با أ َْر ٍ‬ ‫ضايِ َ‬
‫وءَُه‬ ‫أَطَ‬
‫اضي‬ ‫ت في األر ِ‬
‫ْ‬
‫بسابِس َنْب ٍ‬
‫ََ َ‬ ‫ت َولَْو‬ ‫لَ َما أَْنَبَت ْ‬ ‫ت ِد ًيما‬ ‫َولَْو َه َم ْع ْ‬
‫ت فَاتِ ُح‬ ‫فَم ِ‬ ‫ُع ْد ُم ُقبُولِ ِه ْم‬
‫المَْدو َالخلُحُه ْم َم ْو ُ‬
‫اله ْم أَنْ َ‬ ‫َ‬ ‫فَال يَ ْمَن ُع ا ِإل ْر َش َ‬
‫اد‬
‫ح‬ ‫فَس ِاقي ِهم الْمولَى فَِإنَّ َ ِ‬ ‫فَِإنَّ َ ِ َّ‬
‫ك َجاد ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫اع ُع ْذ ُر ُه ْم‬ ‫ض َ‬‫هم َ‬ ‫ك إ ْن َبل ْغَت ُ‬
‫ص َحائِ ُح‬ ‫بِه َبلِّغُوا َعنِّي أََتْتهُ َ‬
‫ِ‬ ‫يع لِ َما قَ ْد قَالَهُ َسيِّ ُد الَْو َرى‬ ‫ِ‬
‫ُمط ُ‬
‫ِح‬
‫ْح ِّق قَار ُ‬ ‫َّاس بِال َ‬ ‫َعَلى َش ْر ِطه لِلن ِ‬ ‫وف َوَن ْه ٌّي لِ ُمْن َك ٍر‬ ‫وأَمر بِمعر ٍ‬
‫َ ُْ َ ُْ‬
‫ِمن الدِّي ِن ِم َّما َس َّهَلْتهُ الَْقَرائِ ُح‬ ‫همه ُموا َما َي ْل ِز ُم ال َْم ْر َء َع ْق ُد ُه‬ ‫َوفَ ُ‬
‫اك ُح‬‫ف يَن ِ‬
‫ص ْو ًما َوَبْي ًعا ثُ َّم َكْي َ ُ‬ ‫َو َ‬ ‫صال ًة َز َكاُت ُه ْم‬ ‫وءا أ َْو َ‬ ‫ض ً‬ ‫َوغُ ْسالً َو ُ‬
‫ب و ِ‬ ‫ِ‬ ‫وو ِ‬
‫اض ُح‬ ‫َو َمْن ِهُّي َها فَالْ ُك ُّل في الْ ُكْت ِ َ‬ ‫اجُب َها َم ْسنُوُن َها ُم ْسَت َحّب َها‬ ‫ََ‬
‫ك الئِ ُح‬ ‫لَِي ْر َعاهُ ذُو َف ْه ٍم يُ ِط ُيع َ‬ ‫اعى نِيَّةٌ ِفي َج ِم ِيع َها‬ ‫ف ُتَر َ‬ ‫َو َكْي َ‬
‫ف التَّحلِّي بِالْح ِمي َد ِة نَ ِ‬ ‫يم ٍة‬ ‫ِ ٍ ِ‬
‫اص ُح‬ ‫َ‬ ‫َو َكْي َ َ‬ ‫ف التَّ َخلِّي َع ْن صَفات َذم َ‬ ‫َو َكْي َ‬
‫ك َكابِ ُح‬ ‫لَ َدى َس ْوِم َها َت ْر َعى َوإِنَّ َ‬ ‫ك فَابْ َدْأ َحائِ ًدا َع ْن َهَوى‬ ‫بَِن ْف ِس َ‬
‫ان َولِلدِّي ِن قَابِ ُح‬
‫م ِطيع لِ َشْيطَ ِ‬
‫ُ ٌ‬
‫ضََّورى َع ُدٍّو من بِ َدا ِر َك س ِ‬
‫اك ٌن‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫أاَل َْهَ‬
‫ِح‬ ‫ِ‬ ‫يَ ُكو ُن ِخ ُ‬
‫الل ال ُْمْن َكَرات ال َْم َسار ُ‬ ‫ت لِ َمالِ َها‬ ‫س َعَّز ُ‬ ‫النْف ِ‬
‫ب َّ‬ ‫المةُ َعْي ِ‬
‫َس َ‬
‫ح‬ ‫اك َّ ِ‬ ‫َولَ ْم تَ ْحَت ِم ْل ذُالً َك َذ َ‬ ‫يع التَّْر َك َع ْن َش َهَواتَِها‬ ‫ِ‬
‫السَباد ُ‬ ‫فَال تَ ْسَتط ُ‬

‫‪223‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وس َمطَ ْح ِط ُح‬ ‫النُف ِ‬ ‫َد َواءٌ ألَ ْد َو ِاء ُّ‬ ‫يل َمط َْع ٍم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ل َج ُاؤ َك بال َْم ْولَى َوَت ْقل َ‬
‫ِ‬
‫ك‬‫ص ْن َد ْو ًما تُ ِط ْع َ‬ ‫يس ُ‬
‫ِ‬
‫َجَواس َ‬ ‫َجَو َفْي ِن‬ ‫احَف ْظ َوبِاأل ْ‬ ‫َوبِاأل ْ‬
‫َصغََريْ ِن ْ‬
‫صالِ ُح‬
‫ِح ت ْريَا ُق َم ْن ُهَو َ‬
‫ْجبَِِعواِهرم ُ ِ‬
‫اَلوتَاَ ْ‬ ‫ص ْحِب ِه‬ ‫والٌ ِ ِ‬
‫ع ل ُق ْرآن النَِّب ِّي َو َ‬ ‫تَِبا ْ‬
‫احي ِن فَائِ ُح‬ ‫الري ِ‬ ‫َعَلْي ِه صال ُة ِ‬
‫الم بِ َّ َ‬
‫اك َس ٌ‬ ‫َك َذ َ‬ ‫اهلل ثُ َّم َعَلْي ِه ْم‬ ‫َ‬

‫اللهم يا من ال تض ره املعص ية وال تنفعه الطاعة أليقظنا من ن وم الغفلة‬


‫قبائحن ا وذنوبنً ا وال‬
‫ً‬ ‫ونبهنا الغتن ام أوق ات املهلة ووفقنً ا ملص احلنًا واعص منًا من‬
‫تؤاخ ذنًا مبا انط وت عليه ض مائرونًا واكنته س رائرونًا من أن واع القب ائح واملع ائب‬
‫اليت تعلمها منا واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني األحياء منهم وامليتني برمحتك‬
‫يا أرحم الرامحني وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫صلٌ )‬
‫( فَ ْ‬

‫كتب أبو حامد الغ زايل إىل أيب الفتح بن س المة فق ال‪ :‬ق رع مسعي بأنك‬
‫وجيزا يف معرض النصح والوعظ وإين لست أرى نفسي أهالً‬ ‫ً‬ ‫كالم ا‬
‫ً‬ ‫تلتمس مين‬
‫له ‪.‬‬
‫ف إن الوعظ زك اة نص ابه االتعاض فمن ال نص اب له كيف خيرج الزكاة‬
‫وفاقد النور كيف يستنري به غريه ومىت يستقيم الظل والعود أعوج ‪.‬‬
‫وقد أوصى اهلل جل وعال عيسى بن مرمي عليهما السالم يا ابن مرمي عظ‬
‫نفسك فإن اتعظت فعظ الناس وإال فاستحي مين ‪.‬‬
‫وقال نبينا ‪ ‬تركت فيكم ناطقًا وصامتًا فالناطق هو القرآن والصامت هو‬
‫املوت وفيهما كفاية لكل متعظ فمن مل يتعظ هبما كيف يعظ غريه ‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وعلم ا وأبت ومتت حتقيقً ا وفعال‬


‫ً‬ ‫ولقد وعظت هبما وقبلت وصدقت ً‬
‫قوال‬
‫‪.‬‬
‫فقلت لنفسي أما أنت مص دقة ب أن الق رآن هو الواعظ وأنه كالم اهلل‬
‫ِه تَن ِزي ٌل ِّم ْن َح ِكي ٍم‬ ‫املنزل ال ذي ﴿ اَل يأْتِي ِه الْباطِل ِمن ب ِ ي َدي ِه واَل ِمن خ ْلف ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َنْي َ ْ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫مَحِ ٍ‬
‫يد احْلَيَ ا َة ُّ‬
‫الد ْنيَا‬ ‫يد ﴾ فقالت بلى فقلت هلا قد قال اهلل تعاىل ﴿ َمن َك ا َن يُِر ُ‬
‫ف إِلَي ِهم أَعم اهَل م فِيها وهم فِيها الَ يبخس و َن * أُولَـئِ َّ ِ‬
‫س هَلُ ْم‬ ‫ين لَْي َ‬‫ك الذ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُْ َ ُ‬ ‫َو ِزينََت َها نُ َو ِّ ْ ْ ْ َ ُ ْ َ َ ُ ْ َ‬
‫اط ٌل َّما َكانُواْ َي ْع َملُو َن ﴾ ‪.‬‬ ‫اآلخر ِة إِالَّ النَّار وحبِ َط ما صَنعواْ فِيها وب ِ‬ ‫ِ‬ ‫يِف‬
‫َ ََ‬ ‫ُ ََ َ َُ‬ ‫َ‬
‫فقد وعد اهلل جل وعال بالنار على إرادة الدنيا وكل ما ال يصحب بعد‬
‫املوت فهو من الدنيا فهل تنزهت عن حب الدنيا وإرادهتا ‪.‬‬
‫ولو أن طبيبًا نصرانيًا وعدك باملوت أو باملرض على تناول ألذ الشهوات‬
‫لتحاميتها وأنفت منها وجنبتها أفكان النصراين عندك أصدق من اهلل جل وعال ‪.‬‬
‫ف إن ك ان ك ذلك فما أكف رك أم ك ان املرض أشد عليك من الن ار ف إن‬
‫كان كذلك فما أجهلك فصدقت مث ما انتهت بل أصرت على امليل إىل العاجلة‬
‫واستمرت ‪.‬‬
‫مث أقبلت عليها فوعظتها بالواعظ فقلت هلا قد قال اهلل جل وعال ﴿ قُ ْل‬
‫الش َه َاد ِة‬
‫ب َو َّ‬ ‫ِرو َن ِمْن هُ فَِإنَّهُ ُماَل قِي ُكم مُثَّ ُت ر ُّدو َن إِىَل َع امِلِ الْغَْي ِ‬
‫ت الَّ ِذي تَف ُّ‬
‫إِ َّن الْ َم ْو َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫َفُينَبِّئُ ُكم مِب َا ُكنتُ ْم َت ْع َملُو َن ﴾ ‪.‬‬
‫وقلت هلا هيب أنك ملت إىل العاجلة أفلست مصدقة بأن املوت ال حمالة‬
‫يأتيك قاطعًا عليك ما أنت متمسكة به وسالبًا منك كل ما أنت راغبة فيه ‪.‬‬
‫ت إِن‬ ‫وأن كل ما هو آت قريب وقد قال جل جالله ﴿ َفَرأَيْ َ‬

‫‪225‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وع ُدو َن * َما أَ ْغىَن َعْن ُهم َّما َك انُوا مُيَتَّعُ و َن‬ ‫ِِ‬
‫اءهم َّما َك انُوا يُ َ‬
‫ني * مُثَّ َج ُ‬
‫اه ْم س ن َ‬
‫َّمت َّْعنَ ُ‬
‫﴾‬
‫وق ال خمربًا عن نفسه عن دما وعظها ومل جتتهد يف ال تزود لآلخ رة كاجتهادها يف‬
‫ت دبري العاجلة ومل جتتهد يف رضا اهلل كاجتهادها يف طلب رض اها وطلب رضا‬
‫احلق ‪.‬‬
‫ومل تس تحي من اهلل تع اىل كما تس تحي من واحد من اخللق ومل تش مر‬
‫لالس تعداد لآلخ رة كتش مريها يف الص يف ألجل الش تاء ويف الش تاء ألجل الص يف‬
‫فإهنا ال تطمئن يف أوائل الشتاء ما مل تتفرغ عن مجيع ما حتتاج إليه فيه مع أن‬
‫املوت رمبا خييطفها والشتاء ال يدركها ‪.‬‬
‫فقلت هلا ألست تس تعدين للص يف بق در طوله وتص نعني له آلة الص يف‬
‫بقدر صربك على احلر قالت نعم ‪.‬‬
‫مث اس تمرت على س جيتها وملا رأيتها متمادية يف الطغي ان غري منتفعة‬
‫مبوعظة املوت والق رآن رأيت أهم األم ور التف تيش عن س بب متاديها مع اعرتافها‬
‫وتصديقها فإن ذلك من العجائب العظيمة ‪.‬‬
‫فطال تفتيشي عنه حىت وقفت على سببه وها أنا ذا موص نفسي وإياك‬
‫باحلذر منه فهو الداء العظيم وهو سبب الداعي إىل الغرور واإلمهال ‪.‬‬
‫وهو اعتق اد ت راخي املوت واس تبعاد هجومه على الق رب فإنه لو أخرب‬
‫شهر الستقام‬ ‫ٍ‬ ‫صادق يف بياض هناره أنه ميوت يف ليلته أو ميوت بعد أسبوعٍ أو‬
‫واستوى على الصراط املستقيم ‪.‬‬
‫فانكشف يل حتقيقً ا أن من أص بح وهو يؤمل أنه ميسي أو أمسى وهو‬
‫يؤمل أن يصبح مل خيل من الفتور والتسويف ‪.‬‬
‫فأوصيك ونفسي مبا أوصى به رسول اهلل ‪ ‬حيث قال ‪ « :‬صل صالة‬

‫‪226‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫مودع » ‪ .‬ولقد أويت جوامع الكلم وفصل اخلطاب وال ينتفع بوعظ إال به ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ومن غلب على ظنه يف كل صالة أهنا آخر صالة حضر معه خوفه من‬
‫اهلل تعاىل وخشيته منه ‪.‬‬
‫خبالف من مل خيطر خباطره قصر عم ره وق رب أجله وغفل قلبه عن‬
‫وتسويف متتابعٍ إىل‬
‫ٍ‬ ‫صالته وسئمت نفسه فال يزال يف غفلة دائمة وفتورٍ مستمر‬
‫أن يدركه املوت ويهلكه حسرة الفوت ‪.‬‬
‫فعلى اإلنسان العاقل أن حيذر مواقع الغرور وحيرتز من خداع النفس فإن‬
‫خداعها ال يقف عليه إال األكياس وقليل ما هم ‪.‬‬
‫والوص ايا وإن ك انت كث رية واملذكورات وإن ك انت كب رية فوص ية اهلل‬
‫ين‬ ‫َّ ِ‬
‫ص ْينَا الذ َ‬‫أكملها وأنفعها وامجعها وقد ق ال اهلل جل وعال وتق دس ﴿ َولََق ْد َو َّ‬
‫اب ِمن َقْبلِ ُك ْم َوإِيَّا ُك ْم أ َِن َّات ُق واْ اللّ هَ ﴾ فما أسعد من قبل وصية اهلل‬ ‫ِ‬
‫أُوتُواْ الْكتَ َ‬
‫وعمل هبا وادخرها ليجدها يوم مردها ومنقلبها ‪.‬‬
‫اللهم أهلمنا ذك رك وش كرك ووفقنا ملا وفقت له الص احلني من خلقك‬ ‫‪‬‬
‫واغفر لنا ولوال دينا ومجيع املس لمني برمحتك يا أرحم ال رامحني وص لى اهلل على‬
‫حممد وآله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫صلٌ )‬
‫( فَ ْ‬
‫فالن ا م ات بغتً ة ق ال ‪ :‬ما يعجبكم من‬
‫روى عن احلسن أنه قيل له إن ً‬
‫ذلك لو مل ميت بغتة مرض مث مات ‪.‬‬
‫وقال غريه عليك باجتناب طول األمل فإنه إذا طال هاج أربعة أشياء ‪.‬‬
‫األول ترك الطاعة والكسل فيها يقول سوف أفعل واأليام بني يدي ‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫والثاين ترك التوبة وتسويفها يقول سوف أتوب ويف األيام سعة وأنا شاب‬
‫ي دي وأنا ق ادرٌ عليها مىت أردهتا ورمبا اغتاله املوت‬ ‫والتوبة بني‬
‫مصر واختطفه األجل قبل التوبة وإصالح العمل ‪.‬‬ ‫وهو ٌ‬
‫والثالث احلرص على مجع املال واالشتغال بالدنيا عن اآلخرة يقول أخاف‬
‫الفقر يف الكرب ورمبا ض عفت عن االكتس اب وال بد يل من ش يءٍ فاضل أدخ ره‬
‫فقر هذا وحنوه حيرك إىل الرغبة يف الدنيا واحلرص عليها ‪.‬‬ ‫هرم أو ٍ‬
‫مرض أو ٍ‬ ‫ل ٍ‬
‫والرابع القسوة يف القلب والنسيان لآلخرة ألنك إذا أملت العيش الطويل‬
‫ال تذكر املوت والقرب يف الغالب ‪.‬‬
‫وعن علي رضي الله عنه ق ال ‪ :‬أخ وف ما أخ اف عليكم اثن ان ط ول‬
‫األمل وإتباع اهلوى ألن طول األمل ينسي اآلخرة وإتباع اهلوى يصدك عن احلق‬
‫‪.‬‬
‫فإذا يصري فكرك يف حديث الدنيا وأسباب العيش يف صحبة اخللق فيقسو‬
‫القلب ‪.‬‬
‫ويغلب عليه احلرص ‪ .‬كما قيل ‪:‬‬

‫ب الطَّ َم ُع‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َوال َْم ْرءُ يُ ْد ِر ُك أ َّ‬


‫ْحَياة َولَك ْن َي ْغل ُ‬
‫م َن ال َ‬ ‫س‬
‫َن ال َْم ْر َء ُم ْخَتَل ٌ‬
‫وبس بب ط ول األمل تقل الطاعة وتت أخر التوبة وتك ثر املعص ية ويش تد‬
‫احلرص وتعظم الغفلة فتذهب اآلخرة إن مل يرحم اهلل ‪.‬‬
‫ف أي ح ال أس وء من ه ذه وأي آفة أعظم من ه ذه وإمنا رقة القلب‬
‫وصفوته بذكر املوت ومفاجأته والقرب وظلمته والثواب والعقاب وأحوال اآلخرة ‪.‬‬
‫وق ال رمحه اهلل ‪ :‬اعلم أن تقصري األمل مع حب ال دنيا متع ذر وانتظ ار‬
‫املوت مع االكباب عليها غري متيسر ‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫حمل فيه وألن ال دنيا‬ ‫فاإلن اء إذا ك ان ممل وءًا بش يءٍ ال يك ونٌ لش يء آخر ٌ‬
‫واآلخرة كضرتني إذا أرضيت إحدامها أسخطت األخرى ‪.‬‬
‫وكاملش رق واملغ رب بق در ما تق رب من أح دامها تبعد عن اآلخر ق ال اهلل جل وعال وتق دس‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الها َم ْذ ُموماً‬ ‫ص َ‬ ‫َّم يَ ْ‬‫﴿ َّمن َك ا َن يُري ُد الْ َعاجلَ ةَ َع َّج ْلنَا لَ هُ ف َيها َما نَ َش اء ل َمن نُّري ُد مُثَّ َج َع ْلنَا لَ هُ َج َهن َ‬
‫َّم ْد ُحوراً ﴾ ‪.‬‬
‫ين ِم ْن َقَر ِن‬ ‫ِ ِ‬
‫وح َو َم ْن َب ْعد النَّبيِّ َ‬ ‫َونُ ٌ‬ ‫آد ٌم‬
‫ات َ‬ ‫ودا َب ْع َد َم َ‬
‫ت ُخلُ ً‬ ‫ِش ْعًرا‪َ :‬ر ِج ْو َ‬
‫ال َوال َولَ ٌد ُي ْغنِي‬ ‫وك فَال َم ٌ‬ ‫ُسنُ َ‬ ‫ت‬‫صَّرَم ْ‬ ‫ت بِاألَ ْع َم ِال َحتَّى تَ َ‬ ‫َو َسَّوفَ ْ‬
‫ال األ َْم َن ِفي َمْن ِز ِل األ َْم ِن‬ ‫إِلَْي َها َونَ َ‬ ‫فَ َش ِّمْر لِ َدا ِر الْ ُخل ِْد فَ َاز ُم َش ِّمٌر‬
‫اع ِة ِ‬ ‫لََق ْد َشغَلَْتنا أ ُُّم دفْ ٍر بِز ْخر ٍ‬
‫اهلل ِذي‬ ‫ُش ِغلَْنا بِِه َع ْن طَ َ‬ ‫ف‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ْك ال َْم َسَّرِة‬ ‫ِ‬ ‫َع ِجب ُ ِ‬
‫وب َعلَى تِل َ‬ ‫ْم ِّن ُ‬
‫اتَل ُ‬
‫ش‬ ‫سُّر َوإِنَّ َما‬
‫ت ل ُدْنًيا ال تَ ُ‬ ‫ْ‬
‫اس تيالء املوت على أقرابة وجريانه‬ ‫ْح ْز ِن‬ ‫ق ال ابن اجلوزي ‪ :‬عجبت من عاقل ي بِال‬
‫رى ُ‬
‫كيف يطيب عيشه خصوصًا إذا علت سنة ‪.‬‬
‫وأعجبًا ملن ي رى األف اعي ت دب إليه وهو ال ي نزعج أما ي رى الش يخ دبيب‬
‫املوت يف أعضائه مث يف كل يوم يزيد الناقص ‪.‬‬
‫ففي نظر العاقل على نفسه ما يش غله عن النظر إىل خ راب ال دنيا وف راق‬
‫مزعجا ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫اإلخوان وإن كان ذلك‬
‫ولكن شغل من احرتق بيته بنقل متاعه يلهيه عن ذكر بيوت اجلريان ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ومثله من يف بيته لص يلهيه عن اللصوص اليت يف بيوت اجلريان ‪.‬‬
‫وإنه ِلَمَّما يسلي عن الدنيا ويهون فراقها استبدال املعارف مبن تكره فقد رأينا‬
‫أغنياء كانوا يؤثرون وفقراء كانوا يصربون وحماسبني ألنفسهم يتورعون ‪.‬‬
‫فاس تبدل الس فهاء عن العقالء والبخالء عن الكرام اء فيا س هولة الرحيل لعل النفس تلقى من‬
‫فقدت فتلحق مبن أحبت ‪.‬‬
‫س ِم ْن تَ ْحتِ َها ِفي ُح ْسنِ َها‬ ‫َفلَْي َ‬ ‫ت‬‫سَن ْ‬
‫اب لَ ُه ْم َح ُ‬ ‫ِش ْعًرا ‪َ :‬وال َتغُ َ‬
‫رنك أَْثَو ٌ‬
‫َس َدا‬
‫ْب َولَْو َس َّمْيَتهُ أ َ‬
‫ْب َكل ٌ‬ ‫َوَحالَْم َكدال ُ‬ ‫فَالِْق ْر ُد ِق ْر ٌد َولَْو َحلَّْيَتهُ َذ َهًبا‬

‫‪229‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫َونَالََنا ِم ْن تَ َم ِادي بِأ ِْس ِه ْم َ‬


‫ضَر ُر‬ ‫ول بَِنا‬ ‫ت أَيْ ِدي النُّ ُذ ِ‬ ‫ِش ْعًرا‪ :‬فَِإ ْن تَ ُك ْن َعبِثَ ْ‬
‫س ُي ْر َج ُم إِال َمالَهُ ثَ َم ُر‬ ‫َولَْي َ‬ ‫ضَر ِاء‬ ‫ض ِم ْن َخ ْ‬ ‫فَ َك ْم َعلَى األ َْر ِ‬
‫ود‬
‫َفَن ْق ٌد َوأََّما َخْي ُر ُه َف ُو ُع ُ‬ ‫ور ُه‬ ‫ِ‬ ‫ورقَةٌُ‬
‫آخر‪ُ :‬مَع ِرفْ‬
‫ور الَْوقْت أََّما ُش ُر ُ‬ ‫ت أ ُُم َ‬
‫ود‬
‫ات ُس ُع ُ‬ ‫َن ُك َّل الطَّالِع ِ‬‫َولَْو أ َّ‬ ‫اك فَ َخلِّ َها‬ ‫ت ُّ‬
‫الدْنَيا َك َذ َ‬ ‫إِ َذا َكانَ ْ‬
‫َ‬
‫ص ِديق َعَر ُاه َخلَ ْل‬ ‫َو ُك ُّل َ‬
‫الزم ِ‬
‫ان‬ ‫آخر‪َ :‬تغََّيَر إِ ْخَوا ُن َه َذا َّ َ‬
‫اب الَْب َد ْل‬ ‫ت ُمْنَت ِظر لَِب ِ‬
‫ً‬
‫فَ ِ‬
‫ص ْر ُ‬ ‫ب ِم ْن بَابِِه ْم‬ ‫َّع ُّج َ‬
‫ت الت َ‬ ‫ضْي ُ‬ ‫قَ َ‬
‫َصلُهُ‬
‫ث أْ‬ ‫اجتُ َّ‬
‫اإل ْح َسا ُن َو ْ‬ ‫ود َو ِ‬ ‫ْج ُ‬‫آخر‪َ :‬مضى ال ُ‬
‫َوأُ ْخ ِم ْد َن نِ َيرا ُن الَْو َغى َوال َْم َكا ِرِم‬
‫آخ ٍر‬
‫َّاس َ‬ ‫ب ِم َن الن ِ‬ ‫إِلَى َ‬
‫ض ْر ٍ‬ ‫ت‬ ‫وِ‬
‫ص ْر ُ‬ ‫َ‬
‫الد َر ِاه ِم‬
‫َيَر ْو َن ال ُْعال َوال َْم ْج َد َج ْم َع َّ‬
‫َكانُوا َج ِم ًيعا َت َعاقَ ُدوا‬ ‫َكأََّن ُه ُموا‬
‫آدِم‬ ‫ِ ِ‬
‫ْب َ‬ ‫صل ِ‬ ‫َعَلى الْبُ ْخ ِل َوا ِإل ْم َساك في ُ‬
‫اللهم أيقظ قلوبنا ونورها بن ور اإلميان وثبت حمبتك يف قلوبنا وقوها وارزقنا‬
‫املعرفة بك عن بصرية وأهلمنا ذكرك وشكرك ووفقنا لطاعتك وامتثال أمرك واغفر لنا‬
‫ولوال دينا وجلمي ع املسلمني األحي اء منهم وامليتني برمحتك يا أرحم ال رامحني وصلى اهلل‬
‫على حممد وآله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫صٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫اد لَهُ‬
‫االسِتْعدَ ِ‬
‫ت وَ ْ‬‫في ِذكِْر المَْو ِ‬
‫اعلم وفقنا اهلل وإياك ومجيع املسلمني أن مما يتأكد االستعداد له واستشعار‬
‫قربه املوت فإنه أق رب غ ائب ينتظر وما ي دري اإلنس ان لعله مل يبق من أجله إال‬
‫اليسري وهو مقبل على دنياه ومعرض عن آخرته ‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ولو ملن يكن بني يديه ك رب وال ه ول وال ع ذاب س وى س كرات املوت‬
‫لك ان ج ديرًا ب أن يتنكد ويتنغص عليه عيشه ويتك در عليه س روره ويفارقه س هوه‬
‫وغفلته ‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ِِ‬ ‫َوال َْم َع ِاد لَ ُ‬ ‫إِ َّن ِفي الْمو ِ‬


‫َو ِّاد َك ًارا لذي الن َ‬
‫ُّهى َوبَال َغا‬ ‫ش ْغال‬ ‫ت‬ ‫َْ‬
‫ْج ْس ِم يَا أ َِخي َوالَْفَرا َغا‬
‫ص َّح َة ال ِ‬
‫ِ‬ ‫َقْب َل ال َْمَنايَا‬ ‫صَلَتْي ِن‬‫فَا ْغَتنِ ْم َخ ْ‬
‫وحقيق بأن يطول فيه فكره ويعظم له استعداده وهو حمتمل أن يقع على‬
‫اإلنسان بغتة كما قيل سهم بيد سواك ال تدري مىت يغشاك ‪.‬‬
‫قال لقمان البنه يا بين أمر ال تدرى مىت يلقاك استعد له قبل أن يفجاك ‪.‬‬
‫يش إِلَى‬ ‫ِ‬
‫إِ َذا َج َّن لَْي ٌل َه ْل تَع ُ‬ ‫الدْنَيا طَ ِويالً َوال‬ ‫ُتَؤِّمل ِفي ُّ‬
‫اش َد ْهًرا إِلَى‬
‫يض َع َ‬ ‫اَلْوَفَك ْجم ِر ِم ْن َم ِر ٍ‬ ‫ات ِم ْن غَْي ِر‬ ‫يح َم َ‬ ‫ص ِح ٍ‬ ‫ِ‬
‫تفَْدَكِرْمي م ْن َ‬
‫َد ْه ِر‬ ‫ِعلَّ‬
‫اآلخر‪ٍ:‬ة‬ ‫وقال‬
‫ص ُير األََم ِل‬ ‫فَ َدلِيل الْع ْق ِل َت ْق ِ‬ ‫ال ِفي ُّ‬
‫الدْنَيا َتُف ْز‬ ‫اآلم َ‬
‫ُ َ‬ ‫صر َ‬ ‫قَ َّ‬
‫ِغَّرٍة ِمْنهُ َج ِد ٌير بِالَْو َج ْل‬ ‫ت َعلَى‬ ‫إِ َّن َم ْن يَطْلُبُهُ ال َْم ْو ُ‬
‫والعجب أن اإلنسان لو كان يف أعظم اللذات وأطيب اجملالس اليت تلذ له‬
‫وي أنس هبا مع األوالد وأص دقائه وأقربائه وأخرب أن جن ديًا أتى ليحض ره وي دعوه‬
‫إىل أمر األمور لتنكد وتكدرت عليه لذته وفسد عليه عيشه ‪.‬‬
‫وهو يف كل حلظة بص دد أن ي دخل عليه ملك املوت بس كرات ال نزع‬
‫وهو عنه يف س هو وغفلة وما ل ذلك س بب إال اجلهل والغ رور واش تغال القلب‬
‫بالدنيا ‪.‬‬
‫وقيل يف االستعداد للموت هو أن يتوب اإلنسان توبة طاهرة عن الذنوب‬
‫واخلطايا ب أن لو قيل له إنك متوت الس اعة ما وجد عن ده ذنبا حيت اج إىل توبةٍ‬
‫منه فيسأل النظرة من أجله ‪.‬‬
‫ذنب ا حيتاج إىل توبةٍ منه فيسأل النظرة من أجله ‪ .‬كسرقةٍ‬
‫فإن كان جيد ً‬
‫وغصب مالٍ أو أرض أو غيبة أو معاملة ال جتوز أو يأكل من حرام أو مشتبه‬
‫‪.‬‬
‫مصرا على زكاة أو على بعضها أو كامتًا ألمانة أو ال يشهد اجلمعة‬‫ً‬ ‫أو‬

‫‪232‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫واجلماعة أو عن ده من آالت اللهو ش يء يف بيته أو دكانه كتلفزي ون أو س ينما‬


‫أو مذياع أو فيديو ‪.‬‬
‫تنويرا أو‬
‫ً‬ ‫أو يبيع ويشرتي هبا أو له أسهم فيما يستمد منه أهل املعاصي‬
‫مصرا على التش به ب الكفرة كحلق حلية أو‬ ‫ً‬ ‫لتص ليح آالت اللهو أو حنو ذلك أو‬
‫جعل خنافس أو مصرًّا على شرب مخر أو دخان أو يصور أو يبيع ويشرتي هبا‬
‫أو جمالس للفس قة أو الكف رة أو س اكنًا معهم أو يف بالدهم أو عن ده كف ار‬
‫كخدامني وسواقني ومربني وخياطني ‪.‬‬
‫فإنه مل يس تعد للق اء اهلل عز وجل ألنه ال يستش ار وال يؤخذ رأيه يف‬
‫إخ راج روحه واملوت يأتيه فج أ ًة ف إن ج اءه املوت وذلك ال ذنب عن ده مل ي أمن‬
‫من أن يغضب اهلل عليه ‪.‬‬
‫تعدا للق اء اهلل من هو مقيم على ما يغضب اهلل من املعاصي وال ي أمن‬ ‫وكيف يك ون مس ً‬
‫ت الَّ ِذي‬
‫أن يأتيه املوت أغفل ما ك ان واملوت آتيه ال حمالة ص دق اهلل ‪ ﴿ :‬قُ ْل إِ َّن الْ َم ْو َ‬
‫تَِفُّرو َن ِمْنهُ فَِإنَّهُ ُماَل قِي ُك ْم ﴾ ‪.‬‬
‫ات َعْينَاهُ‬ ‫وال َتنَام َع ِن اللَّ َذ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّع ِفي ُّ‬
‫الدْنَيا َولَ َّذَت َها‬ ‫ِ‬
‫ش ْعًرا‪ :‬يَا َم ْن تَ َمت َ‬
‫ِ‬ ‫َت ُق ُ ِ‬ ‫ْت َن ْفس َ ِ‬
‫ين َت ْلَقاهُ‬
‫ول هلل َما َذا ح َ‬ ‫س تَ ْد ِر ُكهُ‬ ‫يما لَْي َ‬ ‫ك فَ‬ ‫َشغَل َ َ‬
‫لَْو أََّن ُه ْم َع ِملُوا ِم ْق َد َار َما َعِل ُموا‬ ‫اء لَ ُه ْم‬ ‫َن ال َبَق َ‬ ‫َّاس قَ ْد َعِل ُموا أ َّ‬ ‫آخر‪ :‬الن ُ‬
‫س َذائَِق ةُ الْ َم ْو ِت ﴾ وقال جل وعال ‪ُ ﴿ :‬ك ُّل َم ْن َعلَْي َها‬
‫وقال جل وعال ‪ُ ﴿ :‬ك ُّل َن ْف ٍ‬
‫ان ﴾ إال أنه ليس للم وت وقت معل وم عند الن اس فيخ اف يف ذلك ال وقت وي ؤمن منه يف‬ ‫فَ ٍ‬
‫سائر األوقات ‪.‬‬
‫ك ال َْعَوائِ ُق‬‫َما لَ ْم َت ُع ْق َ‬ ‫ت بَِها‬ ‫ظَِف ْر َ‬ ‫ك الَّتِي‬
‫اعتِ َ‬ ‫ِش ْعًرا‪َ :‬تغَن َّْم ِم َن ُّ‬
‫الدْنَيا بِ َس َ‬
‫ت َواثِ ُق‬ ‫اآلتِي بِِه أَنْ َ‬ ‫ك‬‫َوال َي ْو ُم َ‬ ‫ك بِر ِ‬
‫اج ٍع‬ ‫ِ‬
‫ك ال َْماضي َعلَْي َ َ‬ ‫فَال َي ْو ُم َ‬

‫‪233‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ِش ْع ًرا‪:‬‬
‫ص ْف َح ِة الْ َخ ِّد‬ ‫ِ‬ ‫اب بَِن ْعِل ِه‬
‫اب بِ َ‬ ‫يء التَُّر ُ‬
‫َوط َ‬ ‫َم ْن َكا َن ال يَطَأ التَُّر َ‬
‫ان َف ُهَو بِغَايَِة الُْب ْع ِد‬
‫ِشْبر ِ‬
‫َ‬ ‫اب َوَبْيَنهُ‬ ‫ك ِفي التُّر ِ‬
‫َ‬ ‫َم ْن َكا َن َبْيَن َ‬
‫ف ال َْم ْولَى ِم َن ال َْعْب ِد‬ ‫لَم يعر ِ‬
‫ْ َُْ‬ ‫َّاس أَ ْغ ِطَيةُ الثََّرى‬
‫ت لِلن ِ‬ ‫لَْو ُك ِشَف ْ‬
‫فليس يأيت يف الشتاء دون الصيف فيخاف من الشتاء ويؤمن يف الصيف‬
‫وال بالعكس وال يف النهار فيؤمن بالليل وال بالعكس ‪.‬‬
‫وليس وقت من العمر معل وم عند الن اس فيأخذ أبن اء اخلمسني فيأمنه من‬
‫دون ذلك وليس له علة دون علة كاحلمى والسل فيأمنه من مل يصبه ذلك ‪.‬‬
‫فحق على العامل بأمر اهلل عز وجل وأنه الذي انفرد بعلم ذلك الوقت‬
‫أن ال يأمنه يف وقت من األوقات وأن يكون مستعدًا له أمت االستعداد ‪.‬‬
‫فمن ذكر املوت بف راغ قلب من كل ش يء مع ذك ره عظيم ما ي أيت‬
‫البشر من الع ذاب أو بالرمحة مع االعتب ار بال ذين مض وا قبله ممن فوقه ودونه‬
‫وأش كاله وأمثاله من أق ارب وأص دقاء وزمالء وأق ران وج ريان ومش ايخ ومل وك‬
‫وأساتذة وإخوان ‪.‬‬
‫ومن فوائد ذكر املوت أنه ي ورث االستش عار باالنزع اج عن ه ذه ال دار‬
‫الفانية اململوءة باألكدار واألنكاد واهلموم والغموم ‪.‬‬
‫وحيثك ذكر املوت عن حاليت ضيق وسعة ونعمة وحمنة ‪.‬‬
‫فإن كان يف حال ضيقه وحمنة فذكر املوت سهل عليه بعض ما هو فيه‬
‫إذ ال مصيبة إال املوت أعظم منها وهو ذائقة وال بد ‪.‬‬
‫س َذائَِقةُ الْ َم ْو ِت ﴾ وإن كان يف حال سعة ونعمة ‪.‬‬
‫قال اهلل تعاىل ‪ُ ﴿ :‬ك ُّل َن ْف ٍ‬
‫ضيّ ُع‬
‫َويَظَ ُّل يَ ْحَفظُُه َّن َو ُهَو ُم َ‬ ‫ِش ْعًرا‪َ :‬ع َجًبا لِ َم ْن ُيْبِقي َذ َخائَِر َمالِِه‬
‫الصَفائِ ِح ُم َ‬
‫ضيّ ُع‬ ‫ْن َّ‬ ‫ُم ْلَقى لَهُ بَط ُ‬ ‫َولِغَ ِاف ٍل َوَيَرى بِ ُك ِل ثَنِيٍَّة‬
‫ع‬
‫اف َما َيَت َجَّر ُ‬ ‫َوِم ْن َكأ ِْس ِه أَ ْ‬
‫ض َع ْ‬ ‫ب أََّن ُه ْم َما أ َ‬
‫َسأ َُروا‬ ‫أََتَر ُاه يَ ْح َس ُ‬

‫‪234‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫‪235‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫فذكر املوت مينعه من االغرتار بالدنيا والركون إليها لتحقق عدم دوامها وحتقق ذهاهبا‬
‫عنه وانصرامها ‪.‬‬
‫كم بِاللَّ ِه الْغَرور ﴾ ‪.‬‬
‫الد ْنيَا َواَل َيغَُّرنَّ ُ‬
‫قال اهلل جل وعال وتقدس ‪ ﴿ :‬فَاَل َتغَُّرنَّ ُك ُم احْلَيَاةُ ُّ‬
‫ُ ُ‬
‫َغ ِر ًيبا َكئِ ًيبا َعابًِرا لِ َسِِْْب ِ‬
‫يل‬ ‫اك َه ِذ ِه‬ ‫كن في شأ ْن ُدْنَي َ‬ ‫اح ْ‬ ‫صِ‬ ‫ِ‬
‫ش ْعًرا‪ :‬أيَا َ‬
‫َبَق ُاؤ َك ِف َيها ِم ْن أَقَ ِّل قَِلْي ِل‬ ‫ك ِإنَّ َما‬‫وع َّد ِمن ْأه ِل ال َقْب ِر َن ْف َس َ‬
‫ُ‬
‫وكتب عمر بن عبد العزيز إىل بعض أهل بيته ‪ :‬أما بعد فإنك إن استشعرت ذكر املوت‬
‫يف ليلك وهنارك بغَّض إليك كل فان ‪.‬‬
‫وق ال بعض العلم اء ‪ :‬األي ام س هام والن اس أغ راض وال دهر يرميك كل ي وم بس هامه‬
‫وخيرتمك بلياليه وأيامه حىت يس تغرق ويس تكمل مجيع أجزائك فكيف تبقى س المتك مع‬
‫وقوع األيام بك وسرعة الليايل يف بدنك لو كشف لك عما أحدثت األيام فيك من النقص‬
‫الستوحشت من كل يوم يأيت عليك واستثقلت ممر الساعات بك ولكن تدبري اهلل فوق كل‬
‫تدبري ‪.‬‬
‫أخا له ‪:‬‬
‫قال بعضهم يرثي ً‬
‫اله ِط ُل‬ ‫ِ‬ ‫الي ْو َم ُمْن َه ِم ٌل‬ ‫ِ‬ ‫يا ِ‬
‫ض َ‬ ‫العا ِر ُ‬ ‫َعلى ال ُخ ُد ْود َح َك ُاه َ‬ ‫صاحبِ ْي إِ َّن َد ْمع ْي َ‬
‫َ َ‬
‫إِ َذا أَلَ َّم بَِها الت ِّْذ َكار تَ ْشَت ِع ُل‬ ‫َسى‬ ‫ؤاد و ِفي األ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َح َشاء نَ ُار أ ً‬ ‫ْ‬ ‫َوفي الُْف َ‬
‫ْح ِاد واْنَتَقلُْوا‬ ‫واإل ْخو ِ‬ ‫ِِ‬
‫إِلَى الم َقابِ ِر واألل َ‬ ‫ان إِ ْذ َر َحلُْوا‬ ‫َعلى األَحبَّة ِ َ‬
‫آهلَةٌ َوالحْبل مت ِ‬ ‫الدار ِ‬ ‫الش ْم ُل ُم ْجَت ِم ًعا‬ ‫ُكنَّا َو َكاُن ْوا َو َكا َن َّ‬
‫َّص ُل‬ ‫َ َ ُُ‬ ‫َو َّ ُ‬
‫َحَبابِِه ْم ُش ِغلُوا‬ ‫ِ‬ ‫ات في َع َج ٍل‬ ‫ح َدا بِِهم َه ِادم اللَّ َّذ ِ‬
‫يموا َو َع ْن أ ْ‬ ‫َفلَ ْم يُْق ُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬
‫هم لَ ْم يَ ُك ْونُوا َبْيَن َه ْم َنَزلُْوا‬ ‫َكأَنَّ ْ‬ ‫َولَ ْم َي ُع ْو ُجوا َعل أ َْه ٍل َوالَ َولَ ٍد‬
‫ِ‬ ‫لدْنَيا َوطَالِ َبها‬ ‫ب لِ ُّ‬
‫ص َعلَْي َها َع ْقلُهُ َهَب ُل‬ ‫ْح ِريْ ِ‬ ‫َولل َ‬ ‫إِنِّي ألَ ْع َج ُ‬
‫ال َواألََم ُل‬ ‫اإلم َه ُ‬
‫الم َدى َغَّر ُه ْ‬ ‫ول َعْنهُ َوإِ ْن‬ ‫و َغ ِاف ِل لَْيس بالْم ْغُف ِ‬
‫ال َ‬ ‫طَ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫إِلَى ال ُقبور التي َتعيا بِها ِ‬
‫الحَي ُل‬ ‫ْ َْ َ‬ ‫ُ‬ ‫س لُِن ْقلَتِ ِه‬
‫اس لِ ِر ْحلَتِ ِه ناَ ٍ‬
‫نَ ٍ‬

‫‪236‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ين اَألُلَى َع ْن َربِِّه ْم َغَفلُوا‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِفْي َها السؤال َو َك ْم َه ْو ٍل َو َك ْم ِفَت ٍن‬


‫لل ُْم ْج ِرم َ‬
‫اب لِ َم ْن في ِدينِ ِه َد َخ ُل‬ ‫الع َذ ُ‬
‫فْي َها َ‬
‫ِ‬ ‫َّقي َك َما‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َوفي ال ُقُب ْور نَعْي ٌم للت ّ‬
‫ِ‬

‫ك لَِن ْف ِس َ‬ ‫ِ‬ ‫قُل لِلْح ِزي ِن ِ‬


‫ك إِ َّن األ َْمَر ُم ْقَتبِ ُل‬ ‫ابْ ِ‬ ‫الذ ْي َيْب ِكي أَحبََّتهُ‬ ‫ْ َ ْ‬
‫هل ِمْن َها َوِإ ْن َعَل ُل‬ ‫ِ ِ‬
‫ب َها إ ْن يَ ُك ْن نَ ٌ‬ ‫الذي َش ِربُوا‬ ‫ْس ِ‬ ‫ب بال َكأ ِ‬ ‫ف تَ ْشَر ُ‬ ‫فَ َس ْو َ‬
‫الر ُج ُل‬‫يء فَ َم ْهالً أَُّي َها َّ‬ ‫ِفي َغي ِر َش ٍ‬ ‫فَا ْغَن ْم بَِقيَّ َة ُع ْم ٍر َمَّر أَ ْكَث ُر ُه‬
‫ْ‬
‫نفس ا مطمئنة ‪ ،‬ت ؤمن بلقائك وترضى بقض ائك ‪ ،‬وتقنع بعطائك ‪ ،‬يا‬ ‫اللهم إنا نس ألك ً‬
‫أرأف الرائفني ‪ ،‬وأرحم الرامحني ‪.‬‬
‫اللهم إنا نس ألك التوفيق ملا حتبه من األعم ال ‪ ،‬ونس ألك ص دق التوكل عليك ‪ ،‬وحسن‬
‫الظن بك يا رب العاملني ‪.‬‬
‫اللهم اجعلنا من عبادك املخبتني ‪ ،‬الغر احملجلني الوفد املتقبلني ‪.‬‬
‫ومردا غري خمزي‬
‫ونفس ا تقية ‪ ،‬وعيشة نقية ‪ ،‬وميتة سوية ‪ً ،‬‬ ‫اللهم إنا نسألك حياة طيبة ‪ً ،‬‬
‫وال فاضح ‪.‬‬
‫اللهم اجعلنا من أهل الصالح والنجاح والفالح ‪ ،‬ومن املؤيدين بنصرك وتأييدك ورضاك‬
‫يا رب العاملني ‪.‬‬
‫اللهم افتح ل دعائنا ب اب القب ول واإلجابة واغفر لنا ولوال دينا ومجيع املس لمني برمحتك يا‬
‫أرحم الرامحني ‪.‬‬
‫وصلى اهلل على حممد وآله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫فصل ‪ :‬مث اعلم أهلمنا اهلل وإي اك الرضا بقض ائه وق دره ورزقنا وإي اك ومجيع املس لمني‬
‫خملوق مهما امتد أجله وطال عمره إال واملوت نازل به وخاضع‬ ‫االستعداد ملا أمامنا أنه ما من ٍ‬
‫لسلطانه ‪.‬‬
‫ولو جعل اهلل اخللود ألحد من اخللق لكان األوىل بذلك األنبياء والرسل املطهرين املقربني ‪.‬‬
‫وك ان أوالهم ب ذلك ص فوة أص فيائه وخريته من خلقه س يد ولد آدم على اإلطالق حممد‬
‫صلوات اهلل وسالمه عليه وعليهم أمجعني ‪.‬‬

‫‪237‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫لِك اخْلُْل َد أَفَ ِإن ِّم َّ‬ ‫ِ‬


‫الِدو َن ﴾ وق ال ‪:‬‬ ‫ت َف ُه ُم اخْلَ ُ‬ ‫ق ال اهلل تع اىل ‪َ ﴿ :‬و َما َج َع ْلنَا لبَ َش ٍر ِّمن َقْب َ‬
‫ت َوإِن ُ‬
‫َّهم َّميِّتُو َن ﴾ ‪.‬‬ ‫َّك َميِّ ٌ‬‫﴿ إِن َ‬
‫ف املوت حتم ال حميص وال مفر منه يصل إلينا يف أي مك ان كنا ق ال اهلل ‪ ﴿ :‬أ َْينَ َما تَ ُكونُ واْ‬
‫وج ُّم َشيَّ َد ٍة ﴾ ‪.‬‬
‫ت َولَ ْو ُكنتُ ْم يِف بُُر ٍ‬ ‫يُ ْد ِر ُّ‬
‫كك ُم الْ َم ْو ُ‬
‫سعة يف سلطانه‬ ‫ولو جنا أحد من املوت لبسطة يف جسمه أو قوة يف بدنه أو وفر ٍة يف ماله أو ٍ‬
‫وملكه لنجا من املوت كثري من الناس ‪.‬‬
‫وإال فأين عاد ومثود وفرعون ذو األوتاد أين األكاسرة وأين القياصرة والصناديد األبطال ذهبوا يف خرب كان ‪.‬‬
‫هل أَنَ ِس ْ ِ ِ ِ‬ ‫المدائِن َع َّم ْن َكا َن يَ ْمِل ُك َها‬ ‫ِ‬
‫هم َخَبرا‬‫ت مْن ُه ْم من َب ْعد ْ‬ ‫َْ‬ ‫ش ْعًرا‪َ :‬س ِل َ‬
‫وم ْن غََبَرا‬ ‫ِ‬ ‫بِ ِسيرة ِ‬
‫الذاه ِ‬
‫ب الماضي َ‬ ‫َْ‬ ‫وهي َعالمةٌ‬ ‫ت َ‬ ‫ك قَالَ ْ‬ ‫َج َابْت َ‬
‫َفلَ ْو أ َ‬
‫فصيَّرْت ُه ْم لَِق ْوٍم َب ْع َد ُه ْم ِعَبَرا‬
‫َ‬
‫أَرْتهم ِ‬
‫العَبَر ال ُدنَِْيا فما ا ْعَتَب ُروا‬ ‫َ ُْ‬
‫َج َم َعْت ُه ُم ُّ‬
‫الدْنَيا َفلَ ْم َيَتَفَّر ُق ْوا‬ ‫الدْنَيا َو َما ِم ْن َم ْع َش ٍر‬
‫آخر‪َ :‬نْب ِكي َعلى ُّ‬
‫الجَبابَِرةُ األُلَى‬ ‫ِ‬
‫فما َبَقْي َن َوال َب ُق ْوا‬
‫وز َ‬
‫َكَن ُزوا ال ُكنُ َ‬ ‫أَيْ َن األَ َكاسَرةُ َ‬
‫ضيِّ ُق‬
‫َحتَّى َثَوى فَ َحَو ُاه لَ ْح ٌد َ‬ ‫ضاءُ بِ َجْي ِش ِه‬ ‫اق ال َف َ‬‫ضَ‬ ‫َم ْن ُك ِّل َم ْن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت ِ‬
‫الم ْسَتغَُّر بِ َما لَ َديْه األ ْ‬
‫َح َم ُق‬ ‫َو ُ‬ ‫س‬‫وس َنَفائ ٌ‬ ‫النُف ُ‬‫آت َو ُّ‬ ‫الم ْو ُ‬
‫فَ َ‬
‫أحدا من اخللق وال يبقي على ٍ‬
‫أحد منهم ويهجم على الكبري والصغري‬ ‫فاملوت ال خيشى ً‬
‫والقوي والضعيف واملعاجل واملعاجَل والغين والفقري والرئيس واملرؤوس وكل عنده على السوى‬
‫كما قيل ‪:‬‬
‫ب‬ ‫آخر نَ ِ‬
‫اك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الموت ُمثْ ٍر ِعْن َد ُه ِمثْ ُل ُم ْع ِدٍم‬
‫َوقَاص ُد َن ْه ٍج مثْ ُل َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُهَو‬
‫وت العَن ِ‬
‫اك ِ‬
‫ب‬ ‫ات َكسرى ِمن بي ِ‬ ‫اد ٍة‬ ‫ع ال َفَتى في ُح ْك ِم ِه ِد ْر ُ‬ ‫َو ِد ْر ُ‬
‫َ‬ ‫ُُ‬ ‫َوأَْبَي ُ ْ َ‬ ‫ع غَ َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ْف لِْلَقطَا‬ ‫آخر‪ :‬إِ َذا َنَز َل الم ْق ُدور لم ُتل ِ‬
‫ضا وال لل ُْم ْخد َرات إِبَاءُ‬ ‫ُن ُهو ً‬ ‫َ ُْ‬

‫‪238‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ْك ِإلنْ َسان وال َخَل َدا‬ ‫ِ‬


‫بقلب حاضرٍ يف كل وقت عظمت معرفته باملوت وفجأته وأنه نازل به كما نزل مبن مضى قلبه ال حمالة فإذا عظمت معرفته قصر أمله فإذا قصر أمله حذر قلبه من املوت ارتقب فإذا كان مرتقبًا له سارع إىل االستعداد واالستباق إىل اخلريات قبل الفوات ‪.‬‬
‫فمىت لزم ذلك وداوم عليه بتدبرٍ وتفكرٍ ٍ‬

‫َما َد َام َمل ٌ‬ ‫ال َش ْي َء َيْبَقى سَوى َخْي ٍر ُتَقدَ‬


‫ِّمهُ‬
‫والتَّوب م ْقَتِبل فَ ِ‬
‫اهلل قَ ْد َو َع َدا‬ ‫َ ُ ُ ٌ‬ ‫ْالم َجاريةٌ‬‫ك َواألَق ُ‬‫فأ َْم ِه ْد لَِن ْف َس َ‬
‫وال بأس بالتداوي إذا وقع به املرض أو وجع مبا هو مباح فإن اهلل تعاىل مل ينزل داء إال‬
‫أنزل له شفاء ويف احلديث عن ابن مسعود رضي اهلل عنه « أن اهلل تعاىل مل ينزل داء إال أنزل‬
‫له ٍ‬
‫شفاء إال اهلرم فعليكم بألبان البقر فإهنا ترم من كل شجر » ‪.‬‬
‫ويف احلديث اآلخر عن أيب سعيد « إن اهلل تعاىل مل ينزل داء إال أنزل له دواء علمه من‬
‫علمه وجهله من جهله إال السام وهو املوت » ‪ .‬فإذا أراد اهلل الشفاء يسر ذلك للعبد ووفقه‬
‫الستعمال الدواء على وجهه ويف وقته فيربأ بإذن اهلل ‪.‬‬
‫ق ال القرطيب على قوله مل يضع له ش فاء ه ذه الكلمة ص ادقة ألهنا خرب عن الص ادق‬
‫املص دوق عن اخلالق الق دير أال يعلم من خلق وهو اللطيف اخلبري فال داء وال دواء خلقه‬
‫والشفاء واهلالك فعله وربط األسباب باملسببات حكمته وحكمه فكل بقد ٍر ال معدل عنه ‪.‬‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬
‫ألَيْسره وإ ْن قر ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقي َّ ِ‬
‫تَ ِ‬
‫ب الطَّب ُ‬
‫يب‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ص ٍّد‬
‫الداء َخْيٌر م ْن تَ َ‬
‫وقال ابن حج ٍر على قوله جهله من جهله ومما يدخل فيها ما يقع لبعضهم أنه يداوي من‬
‫داء ب ٍ‬
‫دواء في ربأ مث يعرتيه ذلك ال داء فال ينجح وس ببه اجلهل بص ٍ‬
‫فة من ص فات ال دواء ف رب‬ ‫ٍ‬
‫مريضني تشاهبا ويكون أحدمها مركبًا ال ينجح‬

‫‪239‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫متحدا لكن يريد اهلل أن ينجح وهنا ختضع رقاب األطباء وهلذه قال بعضهم ‪:‬‬
‫فيه ما ينجح غري املركب فيقع اخلطأ وقد يكون ً‬
‫ان تَأ ِْخ ُير‬‫ما َدام في أَج ِل ا ِإلنْس ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ب لَ ُذو َع ْق ٍل َو َم ْع ِرفٍَة‬ ‫َّ ِ‬
‫إِن الطبْي َ‬
‫الع َق ِاق ُير‬
‫يب َو َخاَنْتهُ َ‬ ‫ِ‬
‫َح َار الطَّب ُ‬ ‫ت أَيَّ ُام ُم َّدتِِه‬
‫ضْ‬ ‫تى إِ َذا َما اْنَق َ‬
‫َح َّ‬
‫ومما ورد يف احلث على االستعداد للموت ما يلي ‪:‬‬
‫َس َح َارا‬
‫قن أ ْ‬ ‫الحَو ِاد َ‬
‫ث قَ ْد يَط ُْر َ‬ ‫إِ َّن َ‬ ‫يا َراِق َد الليل َم ْس ُر ْو ًرا بأ َْولِه‬
‫ضَّر َارا‬‫اعا َو َ‬ ‫قَ ْد َكا َن في الده ِر َنَّف ً‬ ‫الد ْه ِر ِمن مِل ٍ‬
‫ك‬ ‫ف َّ‬ ‫ص ُر ْو ُ‬
‫َ‬ ‫ت ُ‬ ‫اد ْ‬
‫َك ْم قَ ْد أَبَ َ‬
‫صبِ ُح في ُدْنَي ُاه َسَّف َارا‬ ‫يُ ْم ِسي َويُ ْ‬ ‫اء لَ َها‬ ‫ِ‬
‫يَا َمن ُي َعان ُق ُدْنَيا ال َبَق َ‬
‫س أَبْ َك َارا‬ ‫حتَّى ُتعانِ َق في ِ‬
‫الف ْر َد ْو ِ‬ ‫َ َ‬ ‫ت ِمن ال ُدْنَيا ُم َعاَن َق َة‬‫َهال َتَر ْك َ‬
‫ك أَ ْن ال تَأ َْم ِن َّ‬
‫الد َارا‬ ‫َفَيْنَب ِغي لَ َ‬ ‫ت َتْب ِغي ِجَنا َن ال ُخل ِْد تَ ْس ُكُن َها‬ ‫إِ ْن ُكْن َ‬
‫قال أبو احلسني األهوازي يف كتاب الفرائد والقالئد الدنيا ال تصفو لشارب ‪ .‬وال تبقي‬
‫زادا من يومك لغدك فال يبقي يوم عليك وال غد ‪.‬‬ ‫لصاحب ‪ .‬فخذ ً‬
‫ويقال إنه كان على قرب يعقوب بن ليث مكتوبًا هذه األبيات عملها قبل موته وأمر أن تكتب على قربه وهي هذه ‪:‬‬
‫سوا ِفي ال َْم َجالِ ِ‬
‫س‬ ‫ِ‬
‫َكأََّن ُه ُم لَ ْم يَ ْجل ُ‬ ‫الدَوا ِرس‬ ‫الم على أ َِهل ال ُقبو ِر َّ‬ ‫َس ٌ‬
‫ْب َويَابِ ِ‬
‫س‬ ‫َولَ ْم يَأْ ُكلُوا َما َبْي َن َرط ٍ‬ ‫َولَ ْم يَ ْشَربُوا ِمن بَارد ال َْم ِاء شرب ًة‬
‫ْف ِ‬
‫آالف فا ِر ِ‬
‫س‬ ‫َفلَم ُت ْغ ِن َعنِّ ِي أَل ُ‬ ‫ول بِ َس ْكَر ٍة‬ ‫ت ال َْم ُه ُ‬ ‫اءنِي ال َْم ْو ُ‬ ‫َفَق ْد َج َ‬
‫س‬‫ت بآنِ ِ‬ ‫الدْنَيا ُه ِديْ َ‬
‫ك ِفي ُّ‬ ‫َوال تَ ُ‬ ‫َفَيا َزائَِر الَْقْب ِر اتَِّع ْظ َوا ْعَتبِ ْر بَِنا‬
‫س‬ ‫ْك ِ‬
‫العَر ِاق بآيِ ِ‬ ‫ت عن مل ِ‬ ‫وما ُكْن ُ‬ ‫وأطراف فا ِر ٍ‬
‫س‬ ‫َ‬ ‫خراسا ُن نَ ْح ِويها‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫قوب ِفيها بِ َجالِ ِ‬
‫س‬ ‫َكأَ ْن لم يَ ُك ْن َي ُع ُ‬
‫ب نَِع ِ‬
‫يمها‬ ‫سالم على ال ُدْنيا ِ‬
‫وطْي ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ٌ‬
‫وأقبل رجل من املقربة فقيل له من أين جئت فقال من القافلة النازلة قيل له ماذا قلت هلم‬
‫وماذا قالوا لك ‪.‬‬

‫‪240‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫آخر‪ :‬أج الس ً‬


‫قوما إن‬ ‫قال ‪ :‬قلت هلم ‪ :‬مىت ترحلون ؟ قالوا ‪ :‬حني ينتهي القادمون ‪ .‬وقال‬
‫حضرت وعظوين ومل يؤذوين وإن غبت مل يغتابوين يريد املوتى ‪.‬‬
‫َن ِفي َغ ٍد َعْنهُ ْارتِ َحال‬
‫لم أ َّ‬
‫َوأَ ْع ُ‬ ‫ف أ َِشيد ِفي َي ْوِمي بَِنائِي‬ ‫َو َكْي َ‬
‫اطنِين َعَلى ْارتِ َحال‬ ‫فَِإ َّن الَْق ِ‬ ‫ك ِفي َم َح ٍل‬ ‫ب ِخَي َام َ‬ ‫ِ‬
‫فَال َتْنص ْ‬
‫ت‬‫ولََع َّل َغْير َك صاحب لِلْبْي ِ‬ ‫ك َج ِاه ًدا َ‬
‫وع َم ْرتَهُ‬ ‫ت َبْيَت َ‬ ‫آخر‪َ :‬زَّيْن ْ‬
‫َ َ َ ٌ َ‬
‫ت‬‫و َهال ُكهُ في سو ِف ِه واللَّْي ِ‬ ‫وف ولَ َيتنِي‬ ‫َوال َْم ْرءُ ُم ْرَت َه ٌن بِ َس َ‬
‫َْ َ‬ ‫َ‬
‫للناس ِ‬
‫ناص ُح‬ ‫الد َهر ِ‬ ‫فإن َّ‬ ‫َتَيَّق ْظ َّ‬ ‫وم َغ ْفَل ٍة‬ ‫أَال أَيها المغرور في ن ِ‬
‫َُ َ ْ ُ َ‬
‫صابِ ُح‬ ‫ِِ‬ ‫أَتَ ُاه َّ‬ ‫الليل َغ ِاف ٍل‬‫ف َك ْم نائِم في َّأو ِل ِ‬
‫الر َدى في َن ْومه وهو َ‬
‫ت َعَلْي ِه لِلطُّيُو ِر َنَوائِ ُح‬‫وقَ َام ْ‬ ‫اح ِه‬‫فَ ْش َّق عَلي ِه اللَّيل جيب صب ِ‬
‫َ ْ ْ ُ َ ْ َ ََ‬
‫اللهم يا مصلح الصاحلني أصلح فساد قلوبنا واسرت يف الدنيا واآلخرة عيوبنا واغفر بعفوك‬
‫ورمحتك ذنوبنا وهب لنا موبق ات اجلرائر واسرت علينا فاض حات الس رائر وال ختلنا يف موقف‬
‫القيامة من برد عفوك وغفرانك وال ترتكنا من مجيل صفحك وإحسانك واغفر لنا ولوالدينا‬
‫وجلميع املسلمني برمحتك يا أرحم الرامحني وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫مث اعلم أن اإلكث ار من ذكر املوت مس تحب م رغب فيه وله من افع وفوائد جليلة منها‬
‫تقصري األمل ‪ -2‬الزهد يف ال دنيا ‪ -3‬القناعة منها باليسري ‪ -4‬الرغبة يف اآلخ رة ‪ -5‬ال تزود‬
‫لآلخرة باألعمال الصاحلة ‪ -6‬اإلعتناء بالوصية واملبادرة فيها ‪ -7‬االبتعاد عن املعاصي ‪.‬‬
‫وورد عنه ‪ ‬أنه قال ‪ « :‬أكثروا ذكر هاذم اللذات املوت » ‪ .‬وكان ‪ ‬إذا ذهب ثلث‬
‫الليل ق ام فق ال ‪ « :‬أيها الن اس اذك روا اهلل ج اءت الراجفة تتبعها الرادفة ج اء املوت مبا فيه‬
‫»‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ذكرا وأحسنهم‬
‫وملا سئل ‪ ‬عن األكياس من الناس من هم ؟ قال ‪ « :‬أكثرهم للموت ً‬
‫له اس تعداد أولئك األكياس ذهبوا بشرف الدنيا ونعيم اآلخ رة » ‪ .‬وعن ابن عمر رضي اهلل‬
‫عنهما قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ « : ‬أكثروا ذكر هاذم اللذات » ‪ .‬يعين املوت فإنه ما كان يف‬
‫كثري إال جزأه رواه الطرباين بإسناد حسن ‪.‬‬
‫وعن أنس رضي اهلل عنه أن رس ول اهلل‪ ‬مر مبجلس ق وم وهم يض حكون فق ال ‪« :‬‬
‫أكثروا من ذكر هاذم اللذات » ‪ .‬أحسبه قال ‪ « :‬فإنه ما ذكره أحد يف ضيق من العيش إال‬
‫سعة إال ضيقه » ‪ .‬رواه البزار بإسناد حسن والبيهقي باختصار ‪.‬‬ ‫وسعه وال يف ٍ‬
‫ويف حديث أيب ذر قلت ‪ :‬يا رسول اهلل فما كانت صحف إبراهيم عليه السالم قال ‪« :‬‬
‫ك انت ع ًربا كلها ‪ :‬عجبت ملن أيقن ب املوت مث هو يف رح عجبت مل أيقن بالق در مث هو‬
‫غدا‬
‫ينصب عجبت ملن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها مث اطمأن إليها وعجبت ملن أيقن باحلساب ً‬
‫مث ال يعمل » ‪ .‬رواه ابن حبان يف صحيحه ‪.‬‬

‫َّجاو ِر ِم ْن َب ْع ِ‬
‫ض‬ ‫ض الت ُ‬ ‫ب َب ْع ٍ‬ ‫على ُق ْر ِ‬ ‫زاو َر َبْيَن ُه ْم‬ ‫ِ ٍ‬
‫وج َيران ص ْدق ال تَ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِش ْعًرا‪:‬‬
‫ض‬‫امة ِم ْن فَ ِّ‬ ‫القي ِ‬‫ِ‬
‫س لَ َها َحتَّى َ‬ ‫َفلَْي َ‬ ‫يما ِمن الطِّي ِن فوق ِه ْم‬ ‫َك َّ ِ‬
‫أن َخَوات ً‬
‫ور ِفي ظُلُ َماتَِها‬ ‫ِ‬ ‫احاتَِها‬ ‫ِق ْ‬
‫َم ْن مْن ُك ْم ال َْم ْغ ُم ُ‬ ‫ف بِالْ ُقبُو ِر َوقُ ْل َعلَى َس َ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫اق َب ْر َد األ َْم ِن ِم ْن َر ْو َعاتَِها‬ ‫قَ ْد َذ َ‬ ‫َو َم ْن ال ُْم َكَّر ُم ِمْن ُك ْم ِفي َق ْع ِر َها‬
‫ضل ِفي َد َر َجاتَِها‬ ‫ال يَ ْسَتبِْين الَْف ْ‬ ‫اح ٌد‬‫ون َفو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫الس ُكو ُن لذي ال ُْعيُ َ‬ ‫أََّما ُّ‬
‫ْحَقائِ ُق َب ْع َد ِم ْن َحاالتَِها‬ ‫ف ال َ‬ ‫صُ‬ ‫تَ ِ‬ ‫ْس ٍن‬ ‫ِ‬
‫وك ألَ ْخَب ُر ْو َك بأَل ُ‬
‫لَْو َج َاوبُ َ‬
‫اء ِم ْن َد ْو َحاتَِها‬ ‫َي ْفضي إِلَى َما َش َ‬ ‫ض ٍة‬‫يع َفَنا ِز ٌل ِفي َر ْو َ‬ ‫ِ‬
‫َّأما ال ُْمط ُ‬
‫ِفي ُحْفَر ٍة يَأْ ِوي إِلَى َحَياتَِها‬ ‫ِ‬
‫ب‬‫َوال ُْم ْج ِر ُم الطَّاغي بَِها ُمَتَقلَّ ٌ‬
‫يب ِم ْن لَ َد َغاتَِها‬
‫ِفي ِش َّدِة الت َّْع ِذ ِ‬ ‫ِ‬
‫ب تَ ْس َعى إِلَْيه َف ُر ُ‬
‫وحهُ‬ ‫َو َعَقا ِر ٌ‬
‫ف‬‫َحَوالِ َها َوتُ َخالِ ُ‬ ‫ِ‬
‫َتَبايَ ُن في أ ْ‬ ‫ك‬ ‫الدْنيا طَ ِري ًقا لِ َهالِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫َو َما َزالَت ُّ َ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫وم َم َعا ِزفُ‬ ‫و ِفي جانِ ٍ ِ‬ ‫ب ِمْن َها َت ُقومُ َمآتِ ٌم‬‫فَِفي َجانِ ٍ‬
‫ب مْن َها َت ُق ُ‬ ‫َ َ‬

‫‪242‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ومن َكا َن ِفيها ِ‬


‫آمًنا َف ُهَو َخائِ ُ‬ ‫فَمن َكا َن ِفيها قَانِطًا َفهو طَ ِ‬
‫ج‬

‫ف‬ ‫َ‬ ‫ََ ْ‬ ‫اغ ٌن‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬


‫ووجد مكتوب على جدار حملة قدمية بغريب بغداد ‪:‬‬
‫ش َو ِعّز َمالِِه َخطَرُ‬ ‫ض َعْي ٍ‬‫فَي َخْف ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َهذي َمَنا ِز ُل أَقَْوام َع ِه ُ‬
‫دتهم‬
‫إِلَى الْ ُقبُو ِر فَال َعْي ٌن َوال أََث ُر‬ ‫الد ْه ِر فَاْنَقلَبُوا‬ ‫ت بِِهم نَائِب ِ‬
‫ات َّ‬ ‫اح ْ ْ َ‬ ‫صَ‬‫َ‬
‫آخر‪:‬‬
‫ِ‬ ‫لَ ْم يَ ْد ِري أ َّ‬ ‫َتَرى الَّ ِذي اتَّ َخ َذ ُّ‬
‫َن ال َْمَنايَا َعْنهُ ُت ْزع ُجهُ‬ ‫الدْنَيا لَهُ َوطًَنا‬
‫ث َم ْخَر ُجهُ‬ ‫َوالَْقْبَر َمْن ِزلُهُ َوالَْب ْع ُ‬ ‫ت َم ْد َر ُجهُ‬
‫َن ال َْم ْو َ‬‫َم ْن َكا َن َي ْعَل ُم أ َّ‬
‫ض ُجهُ‬ ‫يوم الِْقيام ِة أَو نَا ِر سُتْن ِ‬ ‫وأَنَّهُ بْين جن ٍ‬
‫َّات َستُْب ِه ُجهُ‬
‫َ‬ ‫َْ َ َ َ ْ‬ ‫َ ََ َ‬
‫ِ‬
‫َو َما أَقَ َام َعَلْيه َف ُهَو أ ْ‬
‫َس َم ُجهُ‬ ‫التْقَوى بِِه َس َم ٌج‬ ‫فَ ُكل َش ْيٍء ِسَوى َّ‬
‫وعن أيب هريرة قال خرجنا مع رسول اهلل ‪ ‬يف جنازة فجلس إىل قرب منها فقال ‪ « :‬ما‬
‫ذلق ٍ‬
‫طلق يا ابن آدم نسيتين أمل تعلم أين بيت‬ ‫يأيت على هذا القرب يوم إال وهو ينادي بصوت ٍ‬
‫الوحدة وبيت الغربة وبيت الوحشة وبيت الدود وبيت الضيق إال من وسعين اهلل عليه » ‪ .‬مث‬
‫ق ال رس ول اهلل ‪ « : ‬القرب إما روضة من ري اض اجلنة أو حف رة من حفر الن ار » ‪ .‬رواه‬
‫الطرباين يف األوسط ‪.‬‬
‫مث إن الناس يف هذا املقام على أقسام منهم املنهمك يف الدنيا احملب لشهواهتا فهذا يغفل‬
‫قلبه ال حمالة عن ذكر املوت وإن ذكر به كرهه ونفر وامشأز منه وتناس اه ورمبا ك ره ال ذي‬
‫أيض ا وغ ارق يف حبور ال دنيا وال ي ذكر املوت وإن‬
‫ذكر املوت وتباعد عن ه‪ ،‬وقسم منهمك ً‬
‫ذكره فذكره له تأس ًفا على دنياه ومفارقتها ‪.‬‬
‫وأق رب عالج هلذا القسم أن يطيل وا التفكر ليلهم وهنارهم يف أجل ه ذه احلي اة وهم إذا‬
‫قطعا أهنم تاركوها وال بد وليس ذلك بعد مائة س نة بل هم يف كل‬ ‫فك روا يف ذلك عرف وا ً‬
‫شيء وحينئذ يستوي من ميلك‬ ‫حلظة مهددين بفراق الدنيا مرغمني ال خمتارين ويرتكون كل ٍ‬
‫املاليني والعمارات والقناطري‬

‫‪243‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫املقنطرة من الذهب والفضة واألراضي واملاليني الباليني مما ذكر ‪.‬‬


‫عظيما يف برزخهما ويف‬
‫ومن ال ميلك منها إال ثوبه فقط يس تويان يف أن كال منهما كأنه مل ير ه ذا الوج ود ولكنهما خيتلف ان اختالفًا ً‬
‫آخرهتما ‪ ،‬ومن الدواء النافع ملن أصيب مبرض حب الدنيا أن ينظر بعينه إىل من يف املستشفيات من املرضى الذين تنوعت أمراضهم وبود‬
‫أحدهم لو ملك الدنيا وبذله ملن يشفيه من مرضه أو خيففه عنه ‪.‬‬
‫ب ِم ْن ُدْنَي ُاه َوال ِْم َح ِن‬ ‫صائِ ِ‬ ‫َبْي َن ال َْم َ‬ ‫اش لَ ْم يَ ْخل ِم ْن َه ٍّم َوِم ْن َحَز ٍن‬ ‫ِ‬
‫ش ْعًرا‪َ :‬م ْن َع َ‬
‫ف الَْب ِاقي َعلَى الظََّع ِن‬ ‫اح ٌل َخلَّ َ‬ ‫َفر ِ‬ ‫َوِإنَّ َما نَ ْح ُن ِفي ُّ‬
‫الدْنَيا َعلَى َسَف ٍر‬
‫َ‬
‫فَ َما َنَرى ِفي ِه ِما فَ ًكا لَ ُم ْرَت َه ِن‬ ‫َو ُكلَُّنا بِ َّ‬
‫الر َدى َوال َْم ْوت ُم ْرَت َه ٌن‬
‫اك ِ‬
‫الح ُد‬ ‫ِإ َذا َكا َن ِم َيراثًا َو َو َار َ‬ ‫ك َماالً َج َم ْعَتهُ‬‫غناءٌ َعْن َ‬
‫آخر‪َ :‬وقُ ْل َ‬
‫وكذلك ينظر إىل املوتى الذين ميوتون كل يوم يف املستشفيات وغريها من مثله يف السن‬
‫وأقل وأكرب وينظر إىل ال ذين ميوت ون حوله من أبنائه وإخوانه وأحبابه وجريانه ومن تقع‬
‫عليهم عينه قائالً لنفسه أي فرق بينك وبني هؤالء فإذا أذعنت واعرتفت أنه ال فرق بادرها‬
‫بقوله إذا ستكونني مثلهم ‪.‬‬
‫فمع تك رار ه ذا تتبدل حاله ب إذن اهلل وهتون عليه الدنيا ويس هل عليه إخ راج األعم ال اخلريية مهما ك ثرت إن ه ذا املنظر تنصدع له‬
‫مريض ا من ه ذا اهلول‬
‫أياما ً‬
‫داعا ال هتون هبا ال دنيا فقط ول ذلك ك ان بعض الس لف إذا ش يع جن ازة رجع ال يعي ورمبا مكث ً‬ ‫القل وب انص ً‬
‫الذي نزل به وأذهله حىت عن نفسه قال الشاعر ‪:‬‬
‫الس ُه ْم َكال َْمَقابِ ِر‬ ‫ِِ‬ ‫ولَم أَرى َكاأل َْمو ِ‬
‫ات أَفْ َج َع َمْنظًَرا‬
‫َوال َواعظي ُج َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫وكيف ال يكون وهو يرى أحد إخوانه جثة هامدة يف منتهي‬

‫‪244‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫اخلضوع ملن يودعون يف تلك احلفرة املظلمة ال ينازعهم عند إدخاهلم له يف أي تصرف يتصرفونه فيه وقد كان قبل ذلك تضيق عنه الدنيا‬
‫على سعتها ‪.‬‬
‫ت‬
‫ال َم ْز َح ٌل َعْنهُ َوال َف ْو ُ‬ ‫ص ُر َك ال َْم ْوت‬ ‫ت َفَق ْ‬ ‫ف ِشْئ َ‬ ‫ُك ْن َكْي َ‬ ‫ِش ْعًرا‪:‬‬
‫ض الَْبْيتُ‬ ‫ِ‬
‫َز َال الْغَنى َوَتَقَّو َ‬ ‫ت َوَب ْه َجتُهُ‬ ‫يْبَنا ِغَنى بْي ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يض و َم َ ِ‬ ‫ك َداوى الْم ِر َ ِ‬
‫ات الطَّب ُ‬
‫يب‬ ‫اش ال َْم ِر ُ َ‬ ‫َف َع َ‬ ‫يض الطَّب ُ‬
‫يب‬ ‫َو َقْبلُ َ َ َ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫ٍ‬
‫فَِإ َّن الذي ُهَو آت قَ ِر ُ‬
‫يب‬ ‫َّ ِ‬ ‫فَ ُك ْن ُم ْسَت ِع ًدا لِ َدار الَْفَنا‬
‫ت الَْي ْو َم ِف ِيه ِم ْن َم ِز ْيد‬ ‫َه ْل َو َج ْد َ‬ ‫اكن الَْقْب ِر ال َْم ِشيدْ‬ ‫ت ِشع ِري س ِ‬
‫لَْي َ ْ َ‬ ‫ِش ْعًرا‪:‬‬
‫ُهَو ِفي الظَّ ِاه ِر َت ْز ِوي ًقا َو ِش ْيد‬ ‫اط ُن ِف ِيه ِمثْل َما‬ ‫وه ِل الْب ِ‬
‫ََ َ‬
‫أ َْو َس ِع ٌير َما لَ َها ِف ِيه ُخ ُمو ْد‬ ‫ض َجع ِفْي ِه لِيِّ ٌن‬ ‫َو َه ِل ال َْم ْ‬
‫السو ْد‬ ‫ك ُّ‬ ‫ات أ َْو بِأَ ْع َمالِ َ‬
‫َنِّيَر ٌ‬ ‫التَقى‬ ‫َو َه ِل األ َْر َكا ُن ِف ِيه بِ ُّ‬
‫ت ِف ِيه أ َْم َس ِع ْيد‬ ‫أَ ْشِق ٌّي أَنْ َ‬ ‫اكن الَْقْب ِر ال َْم ِش ْيد‬ ‫ت ِشع ِري س ِ‬
‫لَْي َ ْ َ‬
‫َو ِس َع ال َْعالَ َم إِ ْح َسانًا َو ُجو ْد‬ ‫ت ِم ْن َر ْح َم ِة َم ْن‬ ‫أَقَ ِريب أَنْ َ‬
‫ت َد ُار َك بِالَْويْ ِل الَْب ِع ْيد‬ ‫طُ ِرقَ ْ‬ ‫ت ِمْن َها َفلََق ْد‬ ‫أ َْم بَِعي ٌد أَنْ َ‬
‫الو ُجو ْد‬ ‫ِ‬ ‫َولََق ْد َح َّل بِأ َْر َجائِ َ‬
‫اق َعْنهُ ُك َّل َما في َذا ُ‬ ‫ض َ‬‫َ‬ ‫ك َما‬
‫َك ْم َت َع َامى َوتَ ِّلوي َوتَ ِح ْيد‬ ‫أَُّي َها الْغَ ِاف ُل ِمثِْلي َوإِلَى‬
‫ْب َع ِم ْيد‬ ‫ك ِم ْن َقل ٍ‬ ‫ت َويْ َح َ‬ ‫َخَر َج ْ‬ ‫َح ُرفًا‬ ‫ِ‬
‫ُأََُ ْد ُن فَاقَْرْأ َف ْو َق َرْأسي أ ْ‬
‫ضي َت ُعو ْد‬ ‫وم ُكلَّما تَم ِ‬ ‫ص ِادقَةٌ‬ ‫ِ‬
‫َو ُه ُم ٌ َ ْ‬ ‫صَر َعْتهُ ف ْكَرٌة َ‬ ‫َ‬
‫ُهَو ِمْن َها ِفي ِقَي ٍام َو ُق ُعو ْد‬ ‫ت‬ ‫ضْ‬ ‫ات ألَيَّ ٍام َم َ‬ ‫َونَ َد َام ٌ‬
‫ض َوا ْع َم ْل َما تُ ِريدْ‬ ‫بِي َوإِال فَ ْام ِ‬ ‫َو َغ ًدا َت ْر ِج ُع ِمثِْلي فَاتَِّع ْظ‬
‫ك َح ِد ْيد‬ ‫صٌر ِمْن َ‬
‫َسَيَر ُاه بَ َ‬ ‫اك فَِإ ْن لَ ْم َتَر ُه‬
‫ص ْحَن َ‬ ‫قَ ْد نَ َ‬

‫‪245‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ُت َعالَج أَ ْن َت ْرقَى إِلَى اللَّ َهَواتِي‬ ‫الس َكَراتِي‬ ‫آخر‪َ :‬كأَنِّي بَِن ْف ِسي َو ِه َي ِفي َّ‬
‫يل َح َداتِي‬ ‫الر ِح ِ‬
‫َوقَ ْد آ َذَنْتنِي بِ َّ‬ ‫ت َر َكائِِبي‬ ‫اسَتَقلَّ ْ‬ ‫ِ‬
‫َوقَ ْد ُز َّم َر ْحلي َو ْ‬
‫َو َك ْم ِف ِيه ِم ْن َز ْج ٍر لََنا َو ِعظَاتِي‬ ‫اب َو َر ْح َمةٌ‬ ‫ِِ‬
‫إِلَى َمْن ِز ٍل فيه َع َذ ٌ‬
‫َوِم ْن أ َْو ُجه ِفي التُّر ِ‬
‫اب ُمْن َعِفَراتِي‬ ‫ت َعَلى َو َجَناتَِها‬ ‫َوِم ْن أَ ْعيُ ٍن َسالَ ْ‬
‫َ‬
‫ْح َسَراتِي‬ ‫ٍ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِِ‬ ‫ِ‬
‫َوم ْن َوا ِرد فيه َعَلى ال َ‬ ‫سُّر ُه‬‫َوم ْن َوا ِرد فيه َعَلى َما يَ ُ‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫اق بَِها َّ‬
‫الص ْدر‬ ‫ض َ‬‫ت َي ْو ًما َو َ‬‫إِ َذا َح ْشَر َج ْ‬ ‫لََع ْم ُر َك َما ُي ْغنِي الثََّراءُ َع ِن الَْفَتى‬
‫ت ِمن س ٍاه وِمن ِ‬
‫اله‬ ‫ِ‬ ‫هلل ثُ َّم الْحم ُد ِ‬ ‫آخر‪ :‬الْحم ُد ِ‬
‫َما َذا َعَلى ال َْم ْو ْ َ َ ْ‬ ‫هلل‬ ‫َْ‬ ‫َْ‬
‫الدْنيا إِلَى ِ‬ ‫ِعْن َد الْ ُخر ِ ِ‬ ‫َما َذا َيَرى ال َْم ْرءُ ُذو ال َْعْيَنْي ِن ِم ْن َع َج ٍ‬
‫اهلل‬ ‫وج م َن ُّ َ‬ ‫ُ‬ ‫ب‬
‫الر ِحيمِ‬
‫ب َّ‬ ‫ت ُم َجا ِو َر َّ‬
‫الر ّ‬ ‫َوبِ ُّ‬ ‫ص َار َف ْر ِشي ِم ْن ُتر ٍ‬
‫اب‬ ‫َ‬ ‫آخر‪ :‬إِ َذا َما َ‬
‫ت َعَلى الْ َك ِر ِيم‬ ‫ك الْبُ ْشَرى قَ ِد ْم َ‬ ‫لَ َ‬ ‫َصي َحابِي َوقُولُوا‬ ‫َف َهنُّونِي أ ْ‬
‫وقسم ت ائب يك ثر ذكر املوت لينبعث من قلبه اخلوف فيفي بتم ام التوبة ورمبا يك ره‬
‫املوت خش ية أن خيتطفه قبل متام توبته وقبل إص الح ال زاد وال ي دخل ه ذا حتت ق ول النيب ‪‬‬
‫من كره لقاء اهلل كره اهلل لقاءه ألن هذا ال يكره لقاء اهلل بل يكره فوت لقاءه ‪.‬‬
‫فعن عائشة رضي اهلل عنها ق الت ق ال رس ول اهلل ‪ « : ‬من أحب لق اء اهلل أحب اهلل‬
‫لق اءه ومن ك ره لق اء اهلل ك ره اهلل لق اءه » ‪ .‬فقلت ‪ :‬يا نيب اهلل أكراهية للم وت فكلنا يك ره‬
‫املوت ‪ .‬ق ال ‪ « :‬ليس ك ذلك ولكن املؤمن إذا بش ر برمحة اهلل ورض وانه وجنته أحب لق اء‬
‫اهلل ف أحب اهلل لق اءه وإن الك افر إذا بشر بع ذاب اهلل وس خطه ك ره لق اء اهلل وك ره اهلل‬
‫لقاءه » ‪.‬‬
‫ويف رواية شريح بن هانئ عن أيب هريرة قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ « : ‬من‬

‫‪246‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫أحب لق اء اهلل أحب اهلل لق اءه ومن ك ره لق اء اهلل ك ره اهلل لق اءه » ‪ .‬ق ال ‪ :‬ف أتيت عائشة‬
‫فقلت ‪ :‬يا أم املؤم نني مسعت أبا هري رة ي ذكر عن رس ول اهلل ‪ ‬ح ديثًا إن ك ان ك ذلك فقد‬
‫هلكنا ‪.‬‬
‫فقالت ‪ :‬إن اهلالك من هلك بقول رسول اهلل‪ ‬وما ذاك ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪« : ‬‬
‫أحدا إال وهو‬
‫من أحب لقاء اهلل أحب اهلل لقاءه ومن كره لقاء اهلل كره اهلل لقاءه وليس منا ً‬
‫يكره املوت » ‪.‬‬
‫فق الت ‪ :‬قد ق ال رس ول اهلل‪ ‬وليس بال ذي ن ذهب إليه ولكن إذا ش خص البصر‬
‫وحش رج الص در واقش عر اجللد وتش نجت األص ابع فعند ذلك من أحب لق اء اهلل أحب اهلل‬
‫لقاءه ومن كره لقاء اهلل كره اهلل لقاءه رواه مسلم ‪.‬‬
‫أخرج ابن املبارك وأمحد والطرباين يف الكبري عن معاذ بن جبل أن رسول اهلل ‪ ‬قال إن‬
‫شئتم أنبأتكم ما أول ما يقول اهلل تعاىل للمؤمنني يوم القيامة وما أول ما يقولون له ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬نعم يا رسول اهلل ‪ ،‬قال ‪ « :‬فإن اهلل يقول للمؤمنني هل أحببتم لقائي فيقولون نعم‬
‫يا ربنا فيقول ‪ :‬مل ؟ فيقولون ‪ :‬رجونا عفوك ومغفرتك فيقول قد وجبت لكم مغفريت » ‪.‬‬
‫وأخرج ابن املبارك عن عقبة بن مسلم قال ما من خصلة يف العبد أحب إىل اهلل من أن‬
‫حيب لقاءه ‪.‬‬
‫وأخرج أبو نعيم يف احللية عن جماهد قال ‪ :‬ما من مرض ميرضه العبد إال ورسول ملك‬
‫املوت عنده ‪ ،‬حىت إذا كان آخر مرض ميرضه العبد ‪ ،‬أتاه ملك املوت عليه السالم ‪.‬‬
‫فقال أتاك رسول بعد رسول ونذير بعد نذير فلم تعبأبه ‪ ،‬وقد أتاك رسول يقطع أثرك من الدنيا ‪ .‬واهلل أعلم وصلى اهلل على حممد وآله‬
‫وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫احَت َك ُموا‬ ‫وح ِّكموا ِفي لَ ِذ ِ‬
‫يذ ال َْعْي ِ‬
‫ش فَ ْ‬ ‫َُ ُ‬ ‫ين َعَلى َع ْه ِد الثََّرى َو ِطئُوا‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ش ْعًرا‪ :‬أَيْ َن الذ َ‬

‫‪247‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫َو َخَّولُوا نَِع ًما َما ِمثِْل َها نَِع ُم‬ ‫ض ِم ْن َس ْه ٍل َوِم ْن َجَب ٍل‬
‫َو َملُ ِّكوا األ َْر َ‬
‫إِال ُر ُسوم َقبُو ٍر َح ْش ُو َها ِر َمم‬ ‫لَ ْم َيْب َق ِمْن ُه ْم َعَلى ظَ ِّن الْ ُقلُوب بِِه ُم‬
‫واهلل أعلم ‪ .‬وصلى اهلل على حممد وآله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫فصل ‪ :‬وعن أنس أن النيب ‪ ‬ق ال ‪ « :‬إذا أراد اهلل بعبد خ ًريا اس تعمله » ‪ .‬قيل كيف‬
‫يستعمله قال ‪ « :‬يوفقه بعمل صاحل قبل املوت » ‪.‬‬
‫عبدا‬
‫وأخرج أمحد واحلاكم عن عمرو بن احلمق قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ « : ‬إذا أحب ً‬
‫عسله » ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬وما عسله ؟ قال ‪ « :‬يوفق له عمالً صاحلا بني يدي أجله حىت يرضى عنه جريانه‬
‫ً‬
‫»‪.‬‬
‫أَلَْقى َعَلْي ِه َم َحبَّ ًة ِفي الن ِ‬
‫َّاس )‬ ‫ب اهللُ َي ْو ًما َعْب َد ُه‬ ‫( َوإِ َذا أ َ‬
‫َح َّ‬
‫وأخرج ابن أيب الدنيا عن أم املؤمنني عائشة رضي اهلل عنها مرفوعا ‪ « :‬إذا أراد اهلل بعبد‬
‫خريا بعث إليه قبل موته بعام مل ًكا يسدده ويوفقه حىت ميوت على خري أحايينه فيقول الناس‬ ‫ً‬
‫مات فالن على خري أحايينه ‪.‬‬
‫ف إذا حضر ورأى ما أعد اهلل له جعل يته وع نفسه من احلرص على أن خترج فهن اك‬
‫أحب لقاء اهلل وأحب اهلل لقاءه » ‪.‬‬
‫بعام شيطانًا يضله ويغويه حىت ميوت على شر‬ ‫وإذا أراد اهلل بعبده شرا قيض له قبل موته ٍ‬
‫أحايينه فيقول الناس قد مات فالن على شر أحايينه ‪.‬‬
‫ف إذا حضر ورأى ما أعد اهلل جعل يتبلع نفسه كراهية أن خترج فهن اك ك ره لق اء اهلل‬
‫وكره اهلل لقاءه ‪.‬‬
‫وأخرج الطرباين يف الكبري وأبو نعيم عن ابن مسعود قال قال رسول اهلل ‪ " ‬إن نفس‬
‫رشحا وإن نفس الكافر تسيل كما تسيل نفس احلمار » ‪.‬‬ ‫املؤمن خترج ً‬
‫وإن املؤمن ليعمل اخلطيئة فيشدد هبا عليه عند املوت ليكفر هبا عنه ‪.‬‬
‫وإن الكافر ليعمل احلسنة فيسهل عليه عند املوت ليجزى هبا » ‪.‬‬

‫‪248‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وأخ رج ابن أيب ال دنيا عن زيد بن أس لم ق ال ‪ :‬إذا بقى على املؤمن من ذنوبه ش يء مل‬
‫يبلغه بعمله شدد عليه من املوت ليبلغ بسكرات املوت وشدائده درجته من اجلنة ‪.‬‬
‫وإن الكافر إذا كان قد عمل معروفًا يف الدنيا هون عليه املوت ليستكمل ثواب معروفه‬
‫يف الدنيا مث ليصري إىل النار ‪.‬‬
‫وأخ رج ابن ماجة عن عائشة رضي اهلل عنها ق الت ‪ :‬ق ال رس ول اهلل ‪ « : ‬إن املؤمن‬
‫ليؤجر يف كل شيء حتى يف الكظ عند املوت » ‪.‬‬
‫الكظ اهلم الشديد الذي ميلؤ اجلوف وأخرج الرتمذي احلكيم يف نوادر األصول واحلاكم‬
‫عن سلمان الفارسي قال مسعت رسول اهلل ‪ ‬يقول ‪ « :‬أرقبوا امليت عند موته ثالثًا » ‪.‬‬
‫إن رشحت جبينه وذرفت عيناه وانتشرت منخراه فهي رمحة من اهلل قد نزلت به ‪.‬‬
‫وإن غط غطيط البكر املخنوق ومخد لونه وأزبد شدقاه فهو عذاب من اهلل قد حل به ‪.‬‬
‫وأخ رج س عيد بن منص ور يف س ننه واملروزى يف اجلن ائز عن ابن مس عود ق ال إن املؤمن‬
‫يبقى عليه خطايا جيازي هبا عند املوت فيعرق لذلك جبينه ‪.‬‬
‫وأخرج البيهقي يف شعب اإلميان عن علقمة بن قيس أنه حضر ابن ع ٍم له وقد حضرته‬
‫الوفاة فمسح جبينه فإذا هو يرشح ‪.‬‬
‫فقال اهلل أكرب حدثين ابن مسعود عن النيب ‪ ‬قال ‪ « :‬موت املؤمن يرشح اجلبني وما من‬
‫مؤمن إال له ذنوب يكافأ هبا يف الدنيا ويبقى عليه بقية يشدد هبا عليه عند املوت » ‪.‬‬
‫وأخ رج ابن أيب ش يبة وال بيهقي عن علقمة أنه حضر ابن أخ له ملا حضر ( أي حض ره‬
‫املوت ) فجعل يعرق جبينه فضحك فقيل له ما يضحكك ‪.‬‬

‫‪249‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫رشحا وإن نفس الكافر أو الفاجر‬ ‫قال مسعت ابن مسعود يقول ‪ :‬إن نفس املؤمن خترج ً‬
‫خترج من شدقة كما خترج نفس احلمار ‪.‬‬
‫وإن املؤمن ليك ون قد عمل الس يئة فيش دد عليه عند املوت ليكفر هبا وإن الك افر أو‬
‫الفاجر ليكون قد عمل احلسنة فيهون عليه عند املوت ‪.‬‬
‫وأخ رج ابن أيب ش يبة واملروزي عن س فيان ق ال ‪ :‬ك انوا يس تحبون الع رق للميت ق ال‬
‫بعض العلماء إمنا يعرق جبينه حياءً من ربه ملا اقرتف من خمالفته ألن ما سبق منه قد مات ‪.‬‬
‫وإمنا بقيت قوى احلياة وحركاهتا فيما عال واحلياء يف العينني ‪.‬‬
‫والكافر يف عمى عن هذا كله ‪.‬‬
‫واملوحد املعذب يف شغل عن هذا بالعذاب الذي قد حل به ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫كسفود‬ ‫وأخرج ابن أيب الدنيا إسحاق قال قيل ملوسى كيف وجدت طعم املوت قال‬
‫أدخل يف جزة صوف فامتلخ ( أي جذب ) قال يا موسى قد هون عليك ‪.‬‬
‫وأخرج أمحد يف الزهد واملروزي يف اجلنائز عن أيب مليكة أن إبراهيم ملا لقي اهلل قيل له‬
‫كيف وج دت املوت ق ال ‪ :‬وج دت نفسي كأهنا ت نزع بالسالسل قيل له قد يس رنا عليك‬
‫املوت ‪.‬‬
‫وروي أن موسى ملا ص ار روحه إىل اهلل تع اىل ق ال له ربه يا موسى كيف وج دت أمل‬
‫املوت ق ال وج دت نفسي كالعص فور احلي حني يقلى على املقلي ال ميوت فيس رتيح وال‬
‫ينجو فيطري ‪.‬‬
‫وأخرج الدميلي عن أنس قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ « : ‬أفضل الزهد يف الدنيا ذكر املوت‬
‫وأفضل العبادة التفكر فمن أثقله ذكر املوت وجد قربه روضة من رياض اجلنة » ‪.‬‬
‫وقال علي رضي اهلل عنه الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ونظم هذا املعىن بعضهم فقال ‪:‬‬

‫ِمْن ُه ْم أ ََز َال ال َْم ْو َ‬


‫ت َعْنهُ َو َسَنهُ‬ ‫َّاس نَِي ٌام َم ْن يَ ُم ْ‬
‫ت‬ ‫ِ‬
‫َوإنَّ َما الن ُ‬

‫‪250‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫مَقالَ ًة ِمن مر ِش ٍد نَ ِ‬ ‫اس َم ِعي‬


‫اص ِح‬ ‫ْ ُْ‬ ‫َ‬ ‫س إِنِّي قَائِ ُل فَ ْ‬‫آخر‪ :‬يَا َن ْف ُ‬
‫الصالِ ِح‬
‫التَقى َوال َْع َم ُل َّ‬
‫َغْي ُر ُّ‬ ‫ب ا ِإلنْ َسا َن ِفي َقْب ِر ِه‬ ‫صح َ‬
‫ما ِ‬
‫َ َ‬
‫ب بِال َْم ِال َشْيًئا ِسَوى ِّ‬
‫الذ ْك ِر‬ ‫ِ‬
‫فَال تَ ْكَتس ْ‬ ‫آخر‪َ :‬ثَناءُ الَْفَتى َيْبَقى َوَي ْفَنى َثَر ُاؤ ُه‬
‫و ِذ ْكرهم َغ ُّ ِ‬ ‫الز ْه ِد َو ُّ‬
‫ض َجدي ُد إِلَى ال َ‬
‫ْح ْش ِر‬ ‫َ ُُْ‬ ‫التَقى‬ ‫ات أ َْه ُل الدِّي ِن َو ُّ‬
‫َفَق ْد َم َ‬
‫ال َم َهابًَة َو َجالال‬
‫الر َج َ‬
‫سوا ِّ‬ ‫يَ ْك ُ‬ ‫س ُكلِّ َها‬ ‫َحَلى ال َْمالبِ ِ‬ ‫آخر‪ِ :‬إ َّن ُّ‬
‫التَقى أ ْ‬
‫َي ْو َم الِْقَي َام ِة َواألَنَ ُام ُذ َهاال‬ ‫َح َس ِن َمْن ِز ٍل‬ ‫وي ِح ُّل ِ‬
‫صاحَبهُ بِأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬ ‫ط ا ِإلنْس ِ‬
‫َو َم ْن َكا َن أَْتَقى َكا َن بِال َْم ْجد أ ْ‬
‫َج َد َرا‬ ‫ان إِال أَ َخا ُّ‬
‫التَقى‬ ‫ِ‬
‫آخر‪َ :‬و َما ا ْغب ُ َ‬

‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫وأخرج ابن أيب الدنيا عن إبراهيم النخعي قال ‪ :‬كانوا يستحبون أن يلقنوا العبد حماسن‬
‫عمله عند املوت حىت حيسن ظنه بربه ‪.‬‬
‫وأخرج ابن أيب الدنيا عن رجاء بن حيوة قال ‪ :‬ما أكثر عبد ذكر املوت إال ترك الفرح‬
‫واحلسد ‪.‬‬
‫وأخ رج ابن أيب ش يبة وأمحد يف الزهد عن أيب ال درداء ق ال من أك ثر ذكر املوت قل‬
‫حسده وقل فرحه ‪.‬‬
‫مزهدا يف الدنيا ومرغبًا يف‬
‫وعن الربيع بن أنس قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ : ‬كفى باملوت ً‬
‫اآلخرة ‪.‬‬
‫وعن عمر بن عبد العزيز قال ‪ :‬من قرب املوت من قلبه استكثر ما يف يديه ‪.‬‬
‫وعن احلسن قال ‪ :‬ما ألزم عبد قلبه ذكر املوت إال صغرت الدنيا عنده وهان عليه مجيع‬
‫ما فيها وعن قت ادة ق ال ‪ :‬ك ان يق ال ط وىب ملن ذكر س اعة املوت وق ال حكيم كفى ب ذكر‬
‫املوت للقلوب حياة للعمل ‪.‬‬
‫وقال مسيط ‪ :‬من جعل املوت نصب عينيه مل يبال بضيق الدنيا وال بسعتها ‪.‬‬
‫وعن كعب قال من عرف املوت هانت عليه مصائب الدنيا ‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وأخرج ابن املبارك عن ابن عباس قال ‪ :‬إذا رأيتم بالرجل املوت فبشروه ليلقى ربه وهو‬
‫حسن الظن باهلل وإذا كان حيًا فخوفوه ‪.‬‬
‫وعن أيب ذر قال ‪ :‬قال يل رسول اهلل ‪ « : ‬زر القبور تذكر هبا اآلخرة واغسل املوتى‬
‫فإن يف معاجلة ٍ‬
‫جسد خا ٍو موعظة بليغة » ‪.‬‬
‫وصل على اجلنائز لعل ذلك حيزنك فإن احلزين يف ظل اهلل يتعرض لكل خير‬
‫ْجنِ َيبة قَائِ ُد‬ ‫اسَتْتَلى ال َ‬ ‫َجنِ ًيبا َك َما ْ‬ ‫ك لَ ْم َتَز ْل‬ ‫الش ُ‬‫ك َّ‬ ‫ِش ْعًرا‪ :‬إِ َذا اهللُ لَ ْم ُيَفِّر ْج لَ َ‬
‫ُمْن َسابَة ِم ْن َخلِْف ِه َكاأل َْرقَ ِم‬ ‫آخر‪َ :‬و ُمجرر َخ ِطيَّة َي ْوم الَْو َغى‬
‫اء ِة َ‬ ‫وتَبِ ُ ِ ِ‬ ‫اعة ِذ ْك ِر ِه‬
‫ضْيغَ ِم‬ ‫يت مْنهُ في إِبَ َ‬ ‫َ‬ ‫ال َس َ‬ ‫اء ُل األَبْطَ ُ‬ ‫ضَ‬ ‫َتتَ َ‬
‫ب يَقدمِ‬ ‫س بِنَا ِر َح ْر ٍ‬ ‫َو َمتَى يُ ِح ُّ‬ ‫ال َربِيئةً‬ ‫اد ِاة ال َيَز ُ‬‫َش ِرس ال ُْمَق َ‬
‫ْح َج َار ِة يَ ْحطُِم‬ ‫يطْرح بِها ص ُّم ال ِ‬
‫َ َُ َ ُ‬ ‫يسةُ ِمْنهُ ِفي َف ْو َه ِاء إِ ْن‬ ‫َتَق ُع الَْف ِر َ‬
‫وم ِم َن َّ‬ ‫إِال الْمروق ِفي الْجس ِ‬ ‫وم بَِريِّهِ‬
‫الدمِ‬ ‫ُُ‬ ‫ُُ‬ ‫الدِم ال َي ُق ُ‬‫ض َما َن َّ‬ ‫َ‬
‫ص ِر ًيعا لِلَْي ِديْ ِن َولِْلَف ِم‬
‫َف َهَوى َ‬ ‫ون إِ َش َارةٌ‬ ‫جاءتْهُ ِمن َقْب ِل الْمنُ ِ‬
‫َ‬ ‫ََ ْ‬
‫َو ْامَت َّد ُم ْلَق ًى َكالَْب ِعي ِر األَ ْعظَ ِم‬ ‫َو َر َمى بِ ُم ْح َك ِم ِد ْر َعهُ َوبُِر ْم ِح ِه‬
‫ْب ُم َعظَّمِ‬ ‫أَبَ ًدا َوال ُي ْر َجى لِ َخط ٍ‬ ‫ِخ إ ْن يَ ْد ُعهُ‬ ‫صار ٍ‬ ‫ِ‬
‫ال يُ ْسَت َحب ل َ‬
‫لَ َّما َرأَى َخْي َل ال َْمنِيَِّة َت ْرتَ ِمي‬ ‫َذ َهبت بَ َسالَتُهُ َو َمَّر غََر ُامهُ‬
‫وستُهُ َولَ َّما يكلمِ‬
‫ت ُف ُر َ‬ ‫َذ َهَب ْ‬ ‫س َما بَالَهُ‬ ‫يَا َويْ َحهُ ِم ْن فَا ِر ٍ‬
‫ضو غَ ًدا بِ ِمثْلمِ‬‫َما ِمْنهُ ِم ْن ُع ْ‬ ‫ض ُاؤ ُه‬ ‫َه ِذي يَ َد ُاه َو َه ِذ ِه أَ ْع َ‬
‫السَنان اللهذمِ‬ ‫رفي َوال ِّ‬ ‫لِلْم ِش ِ‬ ‫اجةٌ‬
‫ُ‬ ‫الر َدى ُم ْحَت َ‬ ‫ات َما َخْي ُل َّ‬ ‫َهْي َه َ‬
‫ض ِاء ال ُْم ْح َك ِم‬ ‫ضي بِالَْق َ‬ ‫واهلل ي ْق ِ‬
‫َ َُ‬ ‫ه َي َويْ َح ُك ْم أ َْم ُر ا ِإللَِه َو ُح ْك ُمهُ‬
‫ِ‬
‫ت َولَ َّما َت ْعظُِم‬ ‫وم ِ‬
‫ص َيبةٌ َعظُ َم ْ‬ ‫َُ‬ ‫يَا َح ْسَرة لَْو َكا َن َي ْق ِد ُر قَ ْد ُر َها‬
‫َو َكأََّنَنا ِفي َحالَِنا لَ ْم َن ْعلَ ِم‬ ‫َخَب ُر ِعل ِْمَنا ُكلَّنا بِ َم َكانِِه‬

‫‪252‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫اللهم يا حي يا قي وم يا ب ديع الس موات واألرض نس ألك أن توفقنا ملا فيه ص الح ديننا‬
‫ودنيانا وأحسن عاقبتنا وأك رم مثوانا واغفر لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني برمحتك يا أرحم‬
‫الرامحني وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫فصل ‪ :‬أخ رج ابن أيب ال دنيا عن أنس عن النيب ‪ « : ‬أك ثروا ذكر املوت فإنه ميحص‬
‫ال ذنوب ويزهد يف ال دنيا ف إن ذكرمتوه عند الغىن هدمه وإن ذكرمتوه عند الفقر أرض اكم‬
‫بعيشكم » ‪.‬‬
‫عطاء اخلرساين قال ‪ :‬مر رسول اهلل مبجلس قد استعاله الضحك فقال‬ ‫وأخرج أيضا عن ٍ‬
‫ً‬
‫‪ «:‬شوبوا جملسكم مبكدر اللذات »‪ .‬قالوا‪ :‬وما مكدر اللذات ‪ .‬قال ‪ « :‬املوت » ‪.‬‬
‫وأخ رج ابن أيب ال دنيا وال بيهقي يف ش عب اإلميان عن زيد الس لمي أن النيب ‪ ‬ك ان إذا‬
‫وت رفيع أتتكم املنية راتبه الزمة إما ش قاوة وإما‬‫آنس من أص حابه غفلة ن ادي فيهم بص ٍ‬
‫سعادة ‪.‬‬
‫ق ال بعض هم ‪ :‬من أك ثر ذكر املوت أك رم بثالثة أش ياء تعجيل التوبة وقناعة القلب‬
‫ونشاط العبادة ‪.‬‬
‫ومن نسى املوت عوقب بثالث أشياء تسويف التوبة وترك الرضا بالكفاف والتكاسل يف‬
‫العبادة ‪.‬‬
‫أخرج أبو نعيم عن أيب هريرة قال ‪ :‬جاء رجل إىل النيب ‪ ‬فقال ‪ :‬يا رسول اهلل ما يل ال‬
‫أحب املوت قال لك مال قال نعم ‪.‬‬
‫قال قدمه فإن قلب املؤمن مع ماله إن قدمه أحب أن يلحق به ‪.‬‬
‫وأخرج سعيد بن منصور عن أيب الدرداء قال موعظة بليغة وغفلة سريعة كفى باملوت‬
‫واعظًا وكفى بالدهر مفرقًا اليوم يف الدور وغدا يف القبور ‪.‬‬
‫وروى أن س عد بن أيب وق اص متىن املوت ورس ول اهلل ‪ ‬يس مع فق ال رس ول اهلل ‪ ‬ال‬
‫تتمن املوت ‪.‬‬
‫فإن كنت من أهل اجلنة فالبقاء خري لك وإن كنت من أهل النار فما يعجلك إليها ‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وعن أم الفضل أن رسول اهلل ‪ ‬دخل عليهم وعمه العباس يشتكي فتمىن املوت فقال له‬
‫يا عم ال تتمىن املوت ‪.‬‬
‫فإن كنت حمسنًا فإن تؤخر وتزداد إحسانًا إىل إحسانك خري لك ‪ ،‬وإن كنت مسيئًا‪،‬‬
‫فإن تؤخر وتستعتب من إسائتك خري لك ‪ ،‬فال تتمنني املوت ‪.‬‬
‫وأخرج أمحد عن أيب هريرة عن رسول اهلل ‪ ‬ال يتمنني أحدكم املوت من قبل أن يأتيه‬
‫وال يدع به إال أن يكون قد وثق بعمله ‪.‬‬
‫وعن عبادة بن الصامت أن النيب ‪ ‬قال « أال أنبأكم خبياركم » قالوا بلى يا رسول اهلل‬
‫أعمارا يف اإلسالم إذا سددوا » ‪.‬‬
‫قال « أطولكم ً‬
‫وأخ رج أمحد وابن زجنوية يف ترغيبه عن أيب هري رة ق ال ك ان رجالن من حي قض اعة‬
‫أسلما مع رسول اهلل ‪ ‬فاستشهد أحدمها وأخر اآلخر سنة ‪.‬‬
‫قال طلحة بن عبيد اهلل فرأيت اجلنة ورأيت املؤخر منهما أدخل قبل الشهيد فعجبت من‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫فأصبحت فذكرت ذلك للنيب ‪ ‬فقال « أليس قد صام بعده رمضان وصلى ستة آالف‬
‫ركعة وكذا وكذا ركعة صالة ٍ‬
‫سنة » ‪.‬‬
‫وأخ رج أمحد وال رباز عن طلحة أن النيب ‪ ‬ق ال « ليس أحد أفضل عند اهلل تع اىل من‬
‫مؤمن يعمر يف اإلسالم لتسبيحه وتكبريه وهتليله » ‪.‬‬
‫وأخرج أبو نعيم عن سعيد بن جبري قال إن بقاء املسلم كل يوم غنيمة ألداء الفرائض‬
‫والصلوات وما يرزقه اهلل من ذكره ‪.‬‬
‫وأخرج بن أيب الدنيا عن إبراهيم بن أيب عبدة قال بلغين أن املؤمن إذا مات متىن الرجعة‬
‫إىل الدنيا ليس ذلك إال ليكرب تكبرية أو يهلل هتليلة أو يسبح تسبيحية ‪.‬‬
‫وعن ابن مسعود رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ « ‬لقيت إبراهيم عليه السالم‬
‫ليلة أسري يب فقال يا حممد أقرئ أمتك مىن السالم ‪.‬‬
‫وأخربهم أن اجلنة طيبة الرتبة عذبة املاء وأهنا قيعان وأن غراسها‬

‫‪254‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫سبحان اهلل واحلمد هلل وال إله إال اهلل واهلل أكرب » ‪ .‬رواه الرتمذي وقال حديث حسن ‪.‬‬
‫وعن سلمان رضي اهلل عنه قال مسعت رسول اهلل ‪ ‬يقول ‪ « :‬إن يف اجلنة قيعان فأكثروا‬
‫من غراسها » ‪ .‬قالوا ‪ :‬يا رسول اهلل وما غراسها ؟ قال ‪ « :‬سبحان اهلل واحلمد هلل وال إله‬
‫إال اهلل واهلل أكرب » ‪.‬‬
‫واعلم رمحك اهلل أن مما يعينك على الفك رة يف املوت ويفرغك له ويك ثر اش تغال فك رك به ت ذكر من مضى من إخوانك وخالنك‬
‫وأصحابك وأقرنك وزمالئك وأساتذتك ومشاخيتك الذين مضوا قبلك وتقدموا أمامك ‪.‬‬

‫يُ َشيِّ ُد َوَيْبنِي َدائِ ًما َويُ َح ِّ‬


‫ص ُن‬ ‫ت ِفي ُك ِّل لَ ْحظٍَة‬ ‫ِش ْعرا‪ :‬ومْنَت ِظر لِلْمو ِ‬
‫ً َ ُ ٌ َْ‬
‫وأَ ْعمالُهُ أَ ْعمال من لَيس ي ِ‬
‫وق ُن‬ ‫ين َتْبلَ ُوه َحِقي َقة ُم ِو ِق ٌن‬ ‫ِ‬
‫َ َْ ْ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫لَهُ ح َ‬
‫لَ َم ْذ َهبِ ِه ِفي ُك ِّل َما ُيَتَيَّقن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْج ْه ِل عل ُْمهُ‬ ‫عَيان َكِإنْ َكا ِر َو َكال َ‬
‫ِ‬
‫ك ويعملون يف هذه الدنيا عملك‬ ‫ك َويَأْ َملُو َن أ ََملَ َ‬
‫ك َويَ ْس َعو َن َس ْعيَ َ‬
‫ص َ‬ ‫َك انُوا حَيْ ِر ُ‬
‫ص و َن ح ْر َ‬
‫وقصت املن ون أعن اقهم وقص مت ظه ورهم وأص الهبم ‪ ،‬وفجعت فيهم أهليهم وأحب اءهم‬
‫وأقرباءهم وجرياهنم فأصبحوا آية للمتومسني وعربة للمعتربين ‪.‬‬
‫أيضا ما كانوا عليه من االعتناء باملالبس ونضافتها ونضرة بشرهتم ‪ ،‬وما كانوا‬ ‫ويتذكر ً‬
‫يس حبونه من أردية الش باب وأهنم ك انوا يف نعيم يتقلب ون ‪ ،‬وعلى األس رة يتكئ ون ‪ ،‬ومبا‬
‫شاءوا من حماهبم يتنعمون ‪.‬‬
‫ويف أمانيهم يقومون ويقعدون ‪ ،‬ال يفكرون بالزوال ‪ ،‬وال يهمون بانتقال ‪ ،‬وال خيطر‬
‫املوت هلم على بال ‪ ،‬قد خدعتهم ال دنيا بزخرفها ‪ ،‬وخلبتنم وخدعتنم برونقها ‪ ،‬وحدثتهم‬
‫بأحاديثها الكاذبة ‪ ،‬ووعدهتم مبواعيدها املخلفة الغرارة ‪.‬‬
‫فلم تزل تقرب هلم بعيدها ‪ ،‬وترفع هلم مشيدها ‪ ،‬وتلبسهم غضها وجديدها ‪ ،‬حىت إذا‬
‫متكنت منهم عالئقها ‪ ،‬وحتكمت فيهم رواش قها ‪ ،‬وتكش فت هلم حقائقها ‪ ،‬ورمقتهم من‬
‫املنية روامقها ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وخدود‬ ‫ٍ‬
‫جارية ‪،‬‬ ‫ودموع‬
‫ٍ‬ ‫فوثبت عليهم وثبت احلنق وأغصتهم غصة الشرق ‪ ،‬وقتلتهم قتلة املختنق ‪ ،‬فكم عليهم من عيون ٍ‬
‫باكية ‪،‬‬
‫ٍ‬
‫دامية ‪ ،‬وقلوب من الفرح والسرور لفقدهم خالية ‪ .‬وانشدوا يف هذا املعىن ‪:‬‬
‫اب إِ َذا َم َشى‬ ‫َو َريَّا َن ِم ْن َم ِاء َّ‬
‫الشَب ِ‬

‫‪255‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫الصَبا َويَ ِمي ُد‬


‫يَ ِمي ُد َعلَى ُح ْك ِم ِّ‬
‫ت لَهُ‬‫ضْ‬‫َت َعلَّ َق ِم ْن ُدْنَي ُاه إِ ْذ َعَر َ‬
‫ال تصي ُد‬ ‫الر َج َ‬ ‫َخلُوبًا ألَلَْب ِ‬
‫اب ِّ‬
‫يد َوقَائٍِم‬ ‫صٍ‬ ‫َصبح ِمْن َها ِفي ح ِ‬
‫َ‬ ‫فَأ ْ َ َ‬
‫صي ُد‬ ‫ولِلْمرِء ِمْن َها قَائِم وح ِ‬
‫ٌََ‬ ‫َ َْ‬
‫اب َح ِد َيث َها‬ ‫اسَتطَ َ‬ ‫َخال بِاألََمانِي َو ْ‬
‫َفيْن ُقص ِمن أَطْم ِ‬
‫اع ِه َويَ ِزي ُد‬ ‫َ ُ ْ َ‬
‫اء َو ِه َي بَِعي َد ُة‬
‫ت لَهُ األَ ْشَي َ‬‫َوأَ ْدنَ ْ‬
‫الش ْي ِء َو ُهَو بَِعي ُد‬
‫َوَت ْف َع ُل تُ ْدنِي َّ‬
‫ب الْمو ِ‬ ‫أُتِيح ْ ِ ِ‬
‫ت َر ْمَيةٌ‬ ‫ت لَهُ م ْن َجان ِ َ ْ‬ ‫َ‬
‫صي ُد‬‫َفراح بَِها الْم ْغرور و ُهو ح ِ‬
‫َُ َُ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫يما َب ْع َد َما َكا َن يَانًِعا‬ ‫ِ‬
‫ص َار َهش ً‬ ‫َو َ‬
‫ضي َويَبِي ُد‬ ‫اد ح ِديثًا يْنَق ِ‬
‫َو َع َ َ َ‬
‫َكأَ ْن لَ ْم َيَن ْل َي ْو ًما ِمن َّ‬
‫الد ْه ِر لَ َّذ ًة‬
‫ت ِف ِيه َعلَْي ِه ُس ُع ُ‬
‫ود‬ ‫َوال طَلَ َع ْ‬
‫َتَب َار َك َم ْن يُ ْج ِري َعلَى الْ َخل ِْق ُح ْك َمهُ‬
‫س لِ َش ْي ٍء ِمْنهُ َعْنهُ َم ِحي ُد‬ ‫َفلَْي َ‬
‫اللهم وفقنا لص احل األعم ال ‪ ،‬وجننا من مجيع األه وال ‪ ،‬وأمنا من الف زع األكرب ي وم الرجف‬
‫والزلزال ‪ ،‬واغفر لنا ولوالدينا‪ ،‬وجلميع املسلمني األحياء منهم وامليتني برمحتك يا أرحم الرامحني ‪،‬‬
‫وصلى اهلل على حممد وآله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫تنبيه‬
‫ق ال القرطيب ‪ :‬لتش ديد املوت على األنبي اء فائ دتان إح دامها تكميل فض ائلهم ورفع درج اهتم‬
‫نقصا وال عذابًا بل هو كما جاء أن أشد الناس بالء األنبياء مث األمثل فاألمثل ‪.‬‬
‫وليس ذلك ً‬

‫‪256‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫والثانية أن تع رف اخللق مق دار أمل املوت وأنه ب اطن وقد يطلع اإلنس ان على بعض املوتى فال‬
‫يرى عليه حركة وال قل ًقا ويرى سهولة خروج روحه فيظن سهولة أمر املوت وال يعرف ما امليت‬
‫فيه ‪.‬‬
‫فلما ذكر األنبياء الصادقون يف خربهم شدة قال ‪ :‬أمله مع كرامتهم على اهلل تعاىل قطع اخللق‬
‫بشدة املوت الذي يقاسيه امليت مطل ًقا إلخبار الصادقني عنه ما خال الشهيد يف سبيل اهلل ‪ .‬انتهى‬
‫‪.‬‬
‫أخ رج الط رباين عن قت ادة أن رس ول اهلل ‪ ‬ق ال ‪ « :‬الش هيد ال جيد أمل القتل إال كما جيد‬
‫أحدكم أمل مس القرصة » ‪ .‬أخرج ابن أيب الدنيا يف املرض والكفارات وابن منيع يف مسنده من‬
‫مرفوعا ‪ « :‬يا أبا هري رة أال أخ ربك ب أمر حق من تكلم به يف أول مض جعه من‬ ‫ً‬ ‫ح ديث أيب هري رة‬
‫مرضه جناه اهلل من النار » ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬بلى ‪ .‬ق ال ‪ « :‬ال إله إال اهلل حييي ومييت وهو حي ال ميوت وس بحان اهلل رب العب اد‬
‫محدا كث ًريا طيبًا مبار ًكا فيه على كل ح ال واهلل أكرب كب ًريا كربي اؤه وجالله‬
‫والبالد واحلمد هلل ً‬
‫وقدرته بكل مكان ‪.‬‬
‫اللهم إن كنت أمرضتين لتقبض روحي يف مرضي ه ذا فاجعل روحي يف أرواح من س بقت هلم‬
‫منك احلسىن وأعذين من النار كما أعذت أولئك الذين سبقت هلم منك احلسىن » ‪.‬‬
‫فإن مت يف مرضك ذلك فإىل رضوان اهلل واجلنة ‪ ،‬وإن كنت قد اقرتفت ذنوبًا تاب اهلل عليك ‪.‬‬
‫ِ‬
‫وم لَهُ الَْبَقاءُ‬
‫َح ٌد يَ ٌد ُ‬
‫فَ َما أ َ‬ ‫يل الْ َخل ِْق ُكلُّ ُه َم الَْفَناءُ‬
‫َسب ُ‬

‫‪257‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ِ‬
‫َويُ ْدن َينا إِلَْي ِه َّن ال َْم َساءُ‬ ‫اح إِلَى ال َْمَنايَا‬ ‫الصَب ُ‬
‫ُيَقِّرُبَنا َّ‬
‫ك َما تَ َشاءُ‬ ‫س َم ْق َدار لِ َ‬ ‫َفلَْي َ‬ ‫اك َو ُك ْن ُم ِع ًّدا‬ ‫ب َهَو َ‬ ‫فَال َت ْر َك ْ‬
‫َعلَى األَيْ ِام طَ َ‬ ‫ص ٍن‬ ‫ِ‬
‫ال لَهُ الن ََّماءُ‬ ‫َي غُ ْ‬ ‫يش َوأ ُّ‬ ‫أَتَأ َْم ُل أَ ْن تَع َ‬
‫صبِ ُح َو ُهَو ُم ْسَو ٌد ُ‬ ‫ضر ال ِْعي َد ِ‬
‫غثاء‬ ‫َفيُ ْ‬ ‫ان غَضًّا‬ ‫َتَر ُاه أَ ْخ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َمَتى َما تَعط َي ْرتَج ُع ال َْعطَاءُ‬ ‫ورا‬
‫الدْنَيا غَ ُر ً‬ ‫َو َج ْدنَا َه ِذ ِه ُّ‬
‫س بِ َدائٍِم ِمْن َها َّ‬
‫الصَفاءُ‬ ‫َفلَْي َ‬ ‫فَال َت ْر َك ُن إِلَْي َها ُمط َْمئًِنا‬
‫َواهللُ أعلم ‪ .‬وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫ق ال ابن اجلوزي رمحه اهلل ‪ :‬إخ واين إن ال ذنوب تغطي على القل وب ف إذا أظلمت م رآة‬
‫القلب مل ينب فيها وجه اهلدى ومن علم ضرر الذنب استشعر الندم ‪.‬‬
‫يل من أعماله إذا ت ؤملت س قط ‪ ،‬كم أثبت له عمل قلما ع دم اإلخالص س قط ‪ ،‬يا‬
‫حاضر الذهن يف الدنيا فإذا جاء الدين خلط ‪ ،‬جيعل مهه يف احلساب فإذا صلى اختلط ‪.‬‬
‫يا ساكنا عن الصواب فإذا تكلم لغط ‪ ،‬يا قريب األجل وهو جيري من الزلل على منط ‪.‬‬
‫يا من ال يعظه وهن العظم وال كالم الش مط‪ ،‬يا من ال يرع وي وال ينتهي بل على‬
‫منهاج اخلطيئة فقط ‪ ،‬وحيك بادر هذا الزمان فالصحة غنيمة والعافية لقط ‪.‬‬
‫فكأنك ب املوت قد سل س يفه عليك واخ رتط ‪ ،‬أين العزيز يف ال دنيا أين الغين املغتبط ‪،‬‬
‫خيم بني القبور ‪ ،‬وضرب فسطاطه يف الوسط ‪ ،‬وبات يف اللحد كاألسري املرتبط ‪.‬‬
‫واستبلت ذخائره ففرغ الصندوق والسفط ‪ ،‬ومتزق اجللد املستحسن ومتعط الشعر فكأنه‬
‫ما رجله وكأنه ما امتشط ورضي وراثه مبا أصابوه وجعلوا نصبه السخط ‪.‬‬

‫‪258‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وفرق وا ما ك ان جيمعه بكف البخل والقنط ووقع يف قفر ال م اء فيه وال حنط وكم‬
‫معاذ يف القرب انضغط وكم حذر من املعاصي وأخرب أن آدم زل فهبط ‪.‬‬ ‫حدث أن سعد بن ٍ‬
‫اللهم وفقنا لص احل األعم ال وآتنا يف ال دنيا حس نة ويف اآلخ رة حس نة وقنا ع ذاب الن ار‬
‫واغفر لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني برمحتك يا أرحم ال رامحني وص لى اهلل على حممد وعلى‬
‫آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫آخر‪ :‬موعظة هلل در أقوام تركوا الدنيا فأصابوا ‪ ،‬ومسعوا منادي اهلل فأجابوا ‪ ،‬وحضروا‬
‫مشاهد التقي فما غابوا ‪ ،‬واعتذروا مع التحقيق مث تابوا وأنابوا ‪ ،‬وقصدوا باب موالهم فما‬
‫ردوا وال خابوا ‪.‬‬
‫ق ال عم رو بن ذر ملا رأى العاب دون الليل قد هجم عليهم ‪ ،‬ونظ روا إىل أهل الغفلة قد‬
‫سكنوا إىل فرشهم ورجعوا إىل مالذهم ‪.‬‬
‫قاموا إىل اهلل سبحانه وتعاىل فرحني مستبشرين مبا قد وهب اهلل هلم من السهر وطول‬
‫التهجد ‪.‬‬
‫فاستقبلوا الليل بأبداهنم ‪ ،‬وباشروا ظلمته بصفاح وجوههم ‪ ،‬فانقضى عنهم الليل ‪ ،‬وما‬
‫انقضت ل ذهتم من التالوة ‪ ،‬وال ملت أب داهنم من ط ول العب ادة ‪ ،‬فأص بح الفريق ان وقد وىل‬
‫الليل بربح وغنب ‪.‬‬
‫فاعملوا يف هذا الليل وسواده ‪ ،‬فإن املغبون من غنب الدنيا واآلخرة ‪ ،‬كم من قائم هلل‬
‫تعاىل يف هذا الليل قد اغتبط بقيامه يف ظلمته حفرته ‪.‬‬
‫قال بعض العارفني ما أحب أن حسايب يوم القيامة جيعل إىل أبوي ألين أعلم وأتيقن أن اهلل جل وعال أرحم يب منهم ‪.‬‬
‫صيبُ‬‫يك نَ ِ‬‫ْح ّق ِف َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِش ْعرا‪ :‬أ َِف ْق وابْ ِ‬
‫أ ََما ل ُّلتَقى َوال َ‬ ‫يب‬
‫ت َكْبَرةٌ َو َمش ُ‬ ‫ك َحانَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ت غَ ِريبُ‬ ‫س بِ ُّ‬ ‫ض َمْن ِز ٌل‬ ‫اط ِن األ َْر ِ‬‫أَيا من لَه ِفي ب ِ‬
‫الدْنَيا َوأَنْ َ‬ ‫أَتَأْنَ ُ‬ ‫َ َْ ُ َ‬
‫َو َما ال َْم ْوت إِال نَا ِزل َوقَ ِريبُ‬ ‫الد ْه ُر إِال َمَّر َي ْوم َولَْيلَ ٍة‬
‫َو َما َّ‬
‫اللهم ثبت قلوبنا على دينك وأهلمنا ذكرك وشكرك واختم لنا خبامتة‬

‫‪259‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫السعادة واغفر لنا ولوالدينا ومجيع املسلمني برمحتك يا أرحم الرامحني وصلى اهلل على حممد‬
‫وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫مرفوعا ‪ « :‬من قال عند موته ال إله‬
‫ً‬ ‫أخرج الطرباين عن أيب هريرة وأيب سعيد اخلدري‬
‫إال اهلل واهلل أكرب وال حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم ال تطعمه النار » ‪.‬‬
‫وأخ رج احلاكم عن س عد بن أيب وق اص أن النيب ‪ ‬ق ال ‪ « :‬هل أدلكم على اسم اهلل‬
‫األعظم دعاء يونس ( ال إله إال أنت سبحانك إين كنت من الظاملني ) » ‪.‬‬
‫فَأميا مس لم دعا هبا يف م رض موته أربعني م رة فم ات يف مرضه ذلك أعطي أجر ش هيد‬
‫مغفورا له ‪.‬‬
‫ً‬ ‫وإن برئ‬
‫وأخرج أمحد وأبو داود واحلاكم عن معاذ بن جبل قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ « : ‬من كان‬
‫آخر كالمه ال إله إال اهلل دخل اجلنة » ‪.‬‬
‫واخرج سعيد بن منصور يف سنته واملروزى ومسلم وابن أيب شيبة عن أم احلسن قالت ‪:‬‬
‫كنت عند أم سلمة فجاءها إنسان فقال فالن باملوت ‪.‬‬
‫فقالت انطلق فإذا رأيته احتضر فقل ‪ :‬سالم على املرسلني واحلمد هلل رب العاملني ‪.‬‬
‫وأخ رج الرتم ذي وال بيهقي من طريق ابن إس حاق عن ابن عمر رضي اهلل عنهما ق ال‬
‫دخل رس ول اهلل ‪ ‬قرب س عد بن مع اذ ف احتبس ( أي ت أخر يف اخلروج ) فلما خ رج قيل يا‬
‫رسول اهلل ما حبسك قال ضم سعد يف القرب ضمة فدعوت اهلل أن يكشف عنه ‪.‬‬
‫وأخرج احلكيم الرتمذي والبيهقي من طريق بن إسحاق حدثين أمية ابن عبد اهلل أنه سئل‬
‫بعض أهل سعد ما بلغكم من قول رسول اهلل ‪ ‬يف‬

‫‪260‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ه ذا فق الوا ذكر لنا أن رس ول اهلل ‪ ‬س ئل عن ذلك فق ال ك ان يقصر يف بعض الطه ور من‬
‫البول ‪.‬‬
‫وأخرج هناد بن السري يف الزهد عن أيب مليكه قال ما أجري من ضغطة القرب أحد وال‬
‫سعد ابن معاذ الذي منديل من مناديله خري من الدنيا وما فيها ‪.‬‬
‫وأخرج أيضا احلسن أن النيب ‪ ‬قال حني دفن سعد بن معاذ ‪ « :‬إنه ضم يف القرب ضمة‬
‫حىت صار مثل الشعرة فدعوت اهلل أن يرفعه عنه بأنه كان ال يستربئ من البول » االسترباء‬
‫( استفراغ بقية البول ) ‪.‬‬
‫وأخرج ابن سعد املقربي قال ‪ :‬ملا دفن رسول اهلل ‪ ‬سعد بن معاذ قال ‪ « :‬لو جنا أحد‬
‫من ض غطة القرب لنجا س عد ولقد ضم ض مة اختلف فيه أض العه من أثر الب ول » ‪ .‬قلت ‪:‬‬
‫ينبغي لإلنسان أن يالحظ نفسه من جهة االسترباء من البول ملا مسعت من خطره ‪.‬‬
‫قال أبو القاسم السعدي يف كتاب الروح ال ينجو من ضغطة القرب صاحل وال طاحل غري‬
‫أن الفرق بني املسلم والكافر دوام الضغطة للكافر ‪.‬‬
‫وحصول هذه احلالة للمؤمن يف أول نزوله إىل قربه مث يعود إىل األنفساح له فيه ‪.‬‬
‫قال واملراد بضغطة القرب التقاء جانبيه على جسد امليت وقال احلكيم الرتمذي سبب هذه‬
‫أحد إال وقد أمل خبطيئة وإن كان صاحلًا فجعلت هذه الضغطة جزاءً له مث‬ ‫الضغطة أنه ما من ٍ‬
‫تدركه الرمحة ولذلك ضغط سعد بن ٍ‬
‫معاذ يف التقصري من البول ‪.‬‬
‫وقال السبكي يف حبر الكالم املؤمن املطيع ال يكون له عذاب القرب ويكون ضغطة القرب ‪.‬‬
‫وأخرج ابن أيب الدنيا عن حممد التيمي قال كان يقال إن ضمة القرب‬

‫‪261‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫إمنا أصلها أهنا أمهم ومنها خلقوا فغابوا عنها الغيبة الطويلة ‪.‬‬
‫فلما رد إليها أوالدها ضمتهم ضم الوالدة غاب عنها ولدها ثن قدم عليها فمن كان هلل‬
‫برأفة ورفق ومن كان عاصيا ضمته ٍ‬
‫بعنف سخطًا عليه لرهبا ‪.‬‬ ‫مطيعا ضمته ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وأخرج البيهقي وابن مندة والديلمي وابن النجار عن سعيد بن املسيب أن عائشة رضي‬
‫اهلل عنها ق الت يا رس ول اهلل إنك منذ ي وم ح دثتين بص وت منكر ونكري وض غطة القرب ليس‬
‫ينفعين شيء ‪.‬‬
‫قال « يا عائشة إن أصوات منكر ونكري يف مساع املؤمنني كاإلمثد يف العني ‪ ،‬وإن ضغطة‬
‫غمزا رفي ًقا ‪.‬‬
‫القرب على املؤمن كاألم الشفيقة يشكو إليها ابنها الصداع فتغمز رأسه ً‬
‫ولكن يا عائشة ويل للشاكني يف اهلل كيف يضغطون يف قبورهم كضغطة الصخرة على‬
‫البيضة » ‪ .‬واهلل أعلم وصلى اهلل على حممد وآله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫فوائد ومواعظ‬
‫قال بعضهم ‪ :‬من فعل سيئة فإن عقوبتها تدفع عنه بعشرة أسباب ‪.‬‬
‫أحدها ‪ :‬أن يتوب فيتاب عليه ‪.‬‬
‫ثانيًا ‪ :‬أن يستغفر فيغفر له ‪.‬‬
‫ثالثًا ‪ :‬أن يعمل حسنات فتمحوها فإن احلسنات يذهنب السيئات ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬أن يبتلى يف الدنيا مبصائب فتكفر عنه ‪.‬‬
‫ً‬
‫خامسا ‪ :‬الضغطة والفتنة فتكفر عنه ‪.‬‬
‫ً‬
‫سادسا ‪ :‬دعاء إخوانه املسلمني واستغفارهم له ‪.‬‬
‫ً‬
‫سابعا ‪ :‬أو يهدون له من ثواب أعماهلم ما ينفعه ‪.‬‬
‫ً‬
‫ثامنًا ‪ :‬أو يبتلى يف عر صات القيامة بأهوال تكفر عنه ‪.‬‬

‫‪262‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫تاسعا ‪ :‬أو تدركه شفاعة نبيه ‪. ‬‬


‫ً‬
‫عاشرا ‪ :‬أو رمحة ربه اليت وسعت كل شيء ‪.‬‬
‫ً‬
‫موعظة ‪ :‬خيشى على أهل املالهي واملنكرات واجملالسني ألصحاهبا من سوء اخلامتة ‪.‬‬
‫أخرج ابن أيب الدنيا والبيهقي يف الشعب وأبو نعيم عن جماهد قال ما من ميت ميوت إال‬
‫ع رض عليه أهل جملسه إن ك ان من أهل ال ذكر فمن أهل ال ذكر وإن ك ان من أهل اللهو‬
‫فمن ألهل اللهو ‪.‬‬
‫وأخ رج ابن أيب ش يبة من طريق جماهد عن يزيد بن عج رة وهو ص حايب رضي اهلل عنه‬
‫ميت ميوت حىت ميثل له جلساؤه عند موته إن كانوا أهل هلو فأهل هلو وإن كانوا‬ ‫قال ما من ٍ‬
‫أهل ذكر فأهل ذكر ‪.‬‬
‫عابدا بالبصرة قال أدركت الناس‬
‫وأخرج البيهقي يف الشعب عن الربيع بن برة وكان ً‬
‫بالشام وقيل لرجل قل ‪ :‬ال إله إال اهلل قال ‪ :‬اشرب واسقين ‪.‬‬
‫وقيل لرجل باألهواز يا فالن قل ال إله إال اهلل فجعل يقول ده يا زده ‪.‬‬
‫وقيل لرجل ها هنا بالبصرة يا فالن قل ال إله إال اهلل فجعل يقول ‪:‬‬
‫اب‬ ‫أَيْ َن الطَّ ِريق إِلَى َح َّم ِام َ‬
‫منج ِ‬ ‫ب قَائَِلة َي ْو ًما َوقَ ْد تَِعَب ْ‬
‫ت‬ ‫يَا ُر َّ‬
‫انتهى ‪ .‬أ‪.‬هـ ‪.‬‬
‫والقائل رجل طلبت منه امرأة أن يدهلا على محام منجاب فدهلا إىل منزله وذهب يأيت بشيء ونسي إغالق بابه فخرجت وقد تعلق قلبه‬
‫هبا فجعل يدور يف األسواق ويردد هذا البيت فمر ببيتها فقالت من داخل بيتها وهو يسمع ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الر ْز ُق إِ َذا َنَف َد لَه ر ٌّ ِ‬
‫ض إِ َذا َنَف َد م ْن أَيْ َن َيْن َج ُ‬
‫اب‬ ‫َوالْع ْر ُ‬ ‫ب يُ ْخلُفهُ‬ ‫ُُ‬ ‫ِّ‬
‫ات وهو يردد هذا البيت نسأل اهلل حسن اخلامتة وأن يكون ختام الصحيفة شهادة إن‬
‫فَ َم َ‬
‫ال إله إال اهلل وح ده ال ش ريك له له امللك وله احلمد وهو على كل ش يء ق دير وأن حممد‬
‫عبده ورسوله ‪.‬‬

‫‪263‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫بِأَنَّهُ ال إِلَ َه إِال ُهَو‬ ‫هلل َش ِاه َدٌة‬


‫ِش ْعرا‪َ :‬كم آي ٍة ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ً‬
‫ميت ميوت إال مثل له عند موته‬ ‫أخ رج ابن أيب ال دنيا عن أيب حممد علي ق ال ما من ٍ‬
‫أعماله احلسنة وأعماله السيئة فيش خص إىل حس ناته ويط رق عن س يئاته ‪ .‬واهلل أعلم وص لى‬
‫اهلل على حممد وآله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫فصل ‪ :‬أخرج ابن أيب شيبة واملروزى عن جابر بن يزيد قال ‪ :‬يستحب إذا حضر امليت‬
‫( أي حض ره املوت ) أن يق رأ س ورة الرعد ف إن ذلك خيفف عن امليت وأنه أه ون لقبضه‬
‫وأيسر لشأنه ‪.‬‬
‫وكان يقال قبل أن ميوت امليت بساعة يف حياة رسول اهلل ‪ ‬اللهم اغفر لفالن بن فالن‬
‫‪ ،‬ويرد عليه مضجعه ‪ ،‬ووسع عليه قربه ‪ ،‬وأعطه الراحة بعد املوت ‪ ،‬وأحلقه بنبيه ‪.‬‬
‫وت ول نفسه ‪ ،‬وص عد روحه يف أرواح الص احلني ‪ ،‬وامجع بيننا وبينه يف دار تبقى فيها‬
‫الصحة ويذهب عنا فيها النصب واللغوب ‪ ،‬ويصلي على رسول اهلل ‪ ، ‬ويكرر ذلك حىت‬
‫يقبض ‪.‬‬
‫وعن ابن أيب ش يبة واملروزي عن الش عيب ق ال ك انت األنص ار يق رؤن عند امليت س ورة‬
‫البقرة ‪.‬‬
‫وأخرج أبو نعيم عن قتادة يف قوله تعاىل ﴿ َو َمن َيت َِّق اللَّهَ جَيْ َعل لَّهُ خَمَْرج اً﴾ قال خمرجا‬
‫من شبهات الدنيا ومن الكرب عند املوت ومن مواقف يوم القيامة ‪.‬‬
‫ميت ميوت حىت يرتاءى له‬ ‫أخرج ابن أيب الدنيا عن وهب بن الورد قال بلغنا أنه ما من ٍ‬
‫ملكاه اللذان كان حيفظان عليه عمله يف الدنيا ‪.‬‬
‫خريا فرب جملس صدق قد‬ ‫فإن كان صحبهما بطاعة اهلل قاال جزأك اهلل عنا من جليس ً‬
‫أجلس تناه وعم ٍل ص ا ٍحل قد ‪ ،‬أحض رتناه وكالم حس ٍن قد أمسعتناه فج زأك اهلل عنا من جليس‬
‫خريا ‪.‬‬
‫ً‬

‫‪264‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وإن كان صحبهما بغري ذلك مما ليس هلل فيه رضاه قلبا عليه الثناء فقاال ال جزأك اهلل عنا‬
‫خريا ‪.‬‬
‫من جليس ً‬
‫وء قد أجلس تناه ‪ ،‬وعمل غري ص احل قد أحض رتناه ‪ ،‬وكالم ق بيح قد‬ ‫ف رب جملس س ٍ‬
‫أمسعتناه ‪.‬‬
‫خريا قال فذلك شخوص بصر امليت إليهما وال يرجع إىل‬ ‫فال جزأك اهلل عنا من جليس ً‬
‫أبدا ‪.‬‬
‫الدنيا ً‬
‫وأخ رج عن س فيان ق ال بلغين أن العبد املؤمن إذا أحتضر ق ال ملك اه الل ذان كانا معه‬
‫حيفظانه أيام حياته عند رنة أهله دعونا فلنثن على صاحبنا مبا علمنا منه ‪.‬‬
‫لسريعا إىل طاعة اهلل بطيئًا عن‬ ‫ً‬ ‫خريا إن كنت‬
‫فيقوالن رمحك اهلل وجزأك اهلل من صاحب ً‬
‫معصية اهلل وإن كنت ملن نأمن غيبك فنعرج فال تشغلنا عن الذكر مع املالئكة ‪.‬‬
‫وإذا أحتضر العبد السوء فرن أهله وضجوا قام امللكان فقاال دعونا فلنثن مبا علمنا منه‬
‫شرا ‪.‬‬
‫فيقوالن جزأك اهلل من صاحب ً‬
‫سريعا إىل معصيته ‪ ،‬وما كنا نأمن غيبك ‪ ،‬مث يعرجان إىل‬ ‫إن كنت بطيئًا عن طاعة اهلل ‪ً ،‬‬
‫السماء ‪.‬‬
‫وأخرج ابن جرير ولنب املنذر يف تفسريمها عم ابن جريج قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ ‬لعائشة‬
‫إذا عاين املؤمن املالئكة ‪.‬‬
‫دما إىل اهلل ( أي تق دموا يب‬ ‫ق الوا نرجعك إىل ال دنيا فيق ول إىل دار اهلم وم واألح زان ق ً‬
‫تقدما إىل اهلل ) ‪.‬‬
‫يما‬ ‫ون لَعلِّي أَعم ل حِل ِ‬ ‫وأما الكافر فيقولون له نرجعك إىل الدنيا فيقول﴿ ر ِّ ِ ِ‬
‫ص ا اً ف َ‬ ‫ب ْارجعُ َ ْ َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ت﴾‪.‬‬ ‫َتَر ْك ُ‬
‫وأخ رج اإلم ام أمحد يف الزهد عن الربيع بن خيثم يف قوله تع اىل ﴿ فَأ ََّما إِن َك ا َن ِم َن‬
‫الْ ُم َقَّربِ َ‬
‫ني َفَر ْو ٌح َو َرحْيَا ٌن ﴾ ‪.‬‬

‫‪265‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫قال هذا له عند املوت وختبأ له يف اآلخرة اجلنة ‪.‬‬


‫ني َفُن ُز ٌل ِّم ْن مَحِ ي ٍم ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َوأ ََّما إِن َكا َن م َن الْ ُم َك ِّذبِ َ‬
‫ني الضَّالِّ َ‬
‫قال هذا عند املوت وختبأ له يف اآلخرة النار ‪.‬‬
‫أخرج أمحد والرباز واحلاكم وصححه عن أيب هريرة عن النيب ‪ ‬قال « كان ملك املوت‬
‫يأيت الناس عيانًا فأيت موسى فلطمه ففقأ عينيه» ‪.‬‬
‫فأتى ربه فقال يا رب عبدك موسى فقأ عيين ولوال كرامته عليك لشققت عليه ‪ .‬قال‬
‫اذهب إىل عبدي فقل له فليضع يده على جلد ثور فله بكل شعرة وارت يده سنه ‪.‬‬
‫فأتاه فقال ما بعد هذا قال املوت قال فاآلن قال فشمه فقبض روحه ورد اهلل إليه عينيه ‪،‬‬
‫فكان يأيت الناس خفية ‪.‬‬
‫أخرج ابن أيب الدنيا يف القبور عن عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه قال قال رسول اهلل ‪‬‬
‫ميت يوضع على س ريره فيخطى به ثالث خط وات إال تكلم بكالم يس معه من ش اء‬ ‫ما من ٍ‬
‫اهلل إال الثقلني اإلنس واجلن ‪.‬‬
‫يق ول يا أخوت اه ويا محلة نعش اه ال تغ رنكم ال دنيا كما غرتين ‪ ،‬وال يلعنب بكم الزم ان‬
‫كما لعب يب ‪.‬‬
‫خلفت ما ت ركت لورثيت ‪ ،‬وال ديان ي وم القيامة خياص مين وحياس بين ‪ ،‬وأنتم تش يعوين‬
‫وتدعوين ( أي ترتكوين ) ‪.‬‬
‫أخرج الرتمذي وأبو النعيم وأبو يعلى وابن أيب الدنيا وابن أيب حامت عن أنس أن النيب ‪‬‬
‫قال « ما من إنسان إال له بابان يف السماء ‪ ،‬باب يصعد عمله فيه ‪ ،‬وباب ينزل منه رزقه ‪،‬‬
‫فإذا مات العبد املؤمن بكيا عليه» ‪.‬‬
‫وأخ رج أبو النعيم عن عط اء اخلرس اين ق ال ما من عبد يس جد هلل س جدة يف بقع ٍة من‬
‫بقاع األرض إال شهدت له يوم القيامة وبكت عليه يوم ميوت ‪.‬‬
‫وأخرج سعيد بن منصور وابن أيب الدنيا عن حممد بن قيس قال بلغين أن‬

‫‪266‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫الس موات واألرض يبكي ان على املؤمن تق ول الس ماء م ازال يص عد إىل منه خري وتق ول‬
‫األرض مازال يفعل علي خريا ‪.‬‬
‫وأخرج ابن أيب الدنيا وابن أيب حامت والبيهقي يف الشعب عن علي بن أيب طالب رضي‬
‫اهلل عنه أنه قال إن املؤمن إذا مات بكى عليه مصاله من األرض ومصعد عمله من السماء مث‬
‫ض‪.‬‬ ‫ت َعلَْي ِه ُم َّ‬
‫الس َماء َواأْل َْر ُ‬ ‫تال ‪ ‬فَ َما بَ َك ْ‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬
‫ك ِمن ِسب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اق ُز ْه ٍد‬ ‫اق ِسَب َ‬ ‫أَال إِ َّن ِّ‬
‫اق‬ ‫َو َما في َغْي ِر َذل َ ْ َ‬ ‫السَب َ‬
‫ِ‬
‫اهلل ب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وي ْفَنى ما َخو ُاه الْمل ِ‬
‫اق‬ ‫َوف ْع َل الْ َخْي ِر عْن َد َ‬ ‫َصالً‬
‫ْك أ ْ‬ ‫ََ َ َ ُ‬
‫وتَ ْش َه ُق حسرة يوم الْمس ِ‬
‫اق‬ ‫ك النَّ َد َامةُ َع ْن قَ ِر ٍ‬
‫يب‬ ‫َسَتأْلَُف َ‬
‫َ ْ َ َْ َ َ‬ ‫َ‬
‫وأَْي َقن أَنَّهُ يوم الُْفر ِ‬
‫اق‬ ‫َي الَْي ْوم فَ ِّكْر‬
‫أَتَ ْد ِري أ ُّ‬
‫َ َ َْ َ‬
‫الرجاء َع ِن الت ِ‬
‫َّالفي‬ ‫ِ‬
‫قَد اْنَقطَ َع َّ َ ُ‬ ‫س يَ ْشَب ُههُ ُفَراقٌ‬
‫ُفَرا ٌق لَْي َ‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬
‫اح َحادي‬ ‫ت بِاأل َْر َو ِ‬ ‫وح ِادي الْمو ِ‬ ‫إِلَى َكم َذا التَّر ِ‬
‫اخي َوالت ََّم ِادي‬
‫َْ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ْج َم ِاد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ادا َّ‬
‫َولَكنَّا أَ َش ُّد م َن ال َ‬ ‫الت َعظَْنا‬ ‫َفلَ ْو ُكنَّا َج َم ً‬
‫ص ِغي إِلَى َق ْو ِل ال ُْمَن ِادي‬ ‫َو َما نُ ْ‬ ‫ْت‬‫ُتَن ِاد َينا الْمنِيَّةُ ُك َّل وق ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الذنُوب إِلَى ا ْز ِديَ ِاد‬ ‫َولَ ِك ِن ُّ‬ ‫وس إِلَى انْتَِقاصٍ‬ ‫النُف ِ‬
‫َوأَْنَفاس ُّ‬
‫ص ِاد‬ ‫ْح َ‬ ‫س َد َو ُاؤ ُه غَْيَر ال َ‬‫َفلَْي َ‬ ‫اصِفَر ُار‬
‫ع قَ َارنَهُ ْ‬ ‫إِ َذا َما َّ‬
‫الز ْر ُ‬
‫َواألُ ْخَرى ُمَن ِاد ِيه ُيَن ِادي‬ ‫يب َوقَ ْد َتَب َّدى‬ ‫ك بِال َْم ِش ِ‬‫َكأَنَّ َ‬
‫الم ُك ُموا إِلَى َي ْوِم التََّن ِادي‬ ‫َس ُ‬ ‫ضى فَاقْروا َعلَْي ِه‬ ‫َوقَالُوا قَ ْد َم َ‬
‫آخر‪:‬‬
‫ود ِفي َع َم ٍه َك َم ْن ال َي ْف َه ُم‬
‫َوَن ُع ُ‬ ‫ور َها‬
‫وب ُك ُر َ‬
‫ُّمَنا الْ ُخطُ ُ‬
‫أَبَ ًدا َتَفه ُ‬

‫‪267‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ِفي الظِّ ِل َي ْرقَم َو ْع ِظ ِه َم ْن َي ْرقَمُ‬ ‫ات َكأَنَّ َما‬ ‫َت ْلَقى مس ِام ْعَنا ال ِْعظَ ِ‬
‫ََ‬
‫ِ‬ ‫ص َحائِ ُ‬
‫ِّم‬
‫ج ال ُْمَتَقد ُ‬ ‫َي ْقَرأُ األَخ ُير َويُ ْد َر ُ‬ ‫ور َها‬‫ف األَيَّ ِام نَ ْح ُن ُسطُ ُ‬ ‫َو َ‬
‫َوبِأَ ْعظٍُم َر َم ٌم َعَلْي َها أَ ْعظُ ُم‬ ‫ض ِر ُ‬
‫يحهُ‬ ‫لَ ْح ٌد َعَلى لَ ْح ٍد ُي َهال َ‬
‫ْح َم ُام َو َجَّر ُه ُم‬ ‫َعا ٌد أَطَ َ‬
‫اح ُه ْم ال َ‬ ‫َم ْن َذا َتَوفَّ ُاه ال َْمنُو ُن َو َقْبَلَنا‬
‫ك َو ُمَت ِّم ُم‬‫ان َو َمالِ ٌ‬
‫والْمْن ِذر ِ‬
‫َ ُ َ‬ ‫الحَقا َو ُم َحِّر ٌق‬ ‫ِ‬
‫َوالتََُّب َعان تَ َ‬
‫ت هن َ ِ‬
‫اك حَبالَهُ‬ ‫أ َْم َسى َوقَ ْد قَطََع ْ ُ َ‬ ‫ال َم ْن َس َك َن الثََّرى َما َحالَهُ‬ ‫آخر‪َ :‬ما َح َ‬
‫يب َيَنالُهُ‬ ‫ْحِب ِ‬ ‫أ َْمسى وال روح الْحي ِاة ي ِ‬
‫َي ْو ًما َوال لُطْف ال َ‬ ‫صيبُهُ‬ ‫َ َ ُ ُ ََ ُ‬
‫ِ‬ ‫أَمسى و ِحي ًدا م ِ‬
‫ْج ِمي ِع عَيالُهُ‬ ‫ُمَت َشتًِّتا َب ْع َد ال َ‬ ‫وح ًشا ُمَتَفِّر ًدا‬ ‫ُ‬ ‫َْ َ‬
‫ِ‬ ‫وَتَفَّرقَ ْ ِ‬ ‫ت مح ِ‬
‫صالُهُ‬ ‫ت في َقْب ِره أ َْو َ‬ ‫َ‬ ‫اس ُن َو ْج ُههُ‬ ‫أ َْم َسى َوقَ ْد َد َر َس ْ َ َ‬
‫وَتَق َّسم ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫واستب َدلَ ْ ِ‬
‫ت م ْن َب ْع َد ُه أ َْمَوالُهُ‬ ‫َ َ‬ ‫س َغْيَر ُه‬ ‫ت مْنهُ ال َْم َجال ُ‬ ‫َ ْ َْ‬
‫اللهم يا من ال تضره املعصية وال تنفعه الطاعة أيقظنا من نوم الغفلة ونبهنا الغتنام أوقات‬
‫املهلة ووفقنًا ملص احلنًا واعص منًا من قبائحنًا وذنوبنًا وال تؤاخ ذنًا مبا انط وت عليه ض مائرنًا‬
‫واكنته س رائرنًا من أن واع القب ائح واملع ائب اليت تعلمها واغفر لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني‬
‫األحياء منهم وامليتني برمحتك يا أرحم الرامحني وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه ‪.‬‬

‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫أخ رج أبو نعيم وابن من ده عن أيب هري رة ق ال ‪ :‬ق ال رس ول اهلل ‪ « : ‬ادفن وا موت اكم‬
‫وسط قوم صاحلني فإن امليت يتأذى جبار السوء كما يتأذى احلي جبار السوء » ‪.‬‬
‫وعن ابن عباس عن النيب ‪ ‬قال ‪ « :‬إذ مات ألحدكم امليت فأحسنوا‬

‫‪268‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫كفنه وعجلوا باجناز وصيته وأعمقوا له يف قربه وجنبوه اجلار السوء » ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬يا رسول اهلل وهل ينفع اجلار الصاحل يف اآلخرة ؟ قال ‪ « :‬هل ينفع يف الدنيا » ‪.‬‬
‫قال نعم ‪ .‬قال ‪ « :‬كذلك ينفع يف اآلخرة » ‪.‬‬
‫أخ رج الط رباين يف األوسط عن أيب هري رة ق ال ‪ :‬خرجنا مع رس ول اهلل ‪ ‬يف جن ازة‬
‫فجلس إىل ق ٍٍٍرب ‪.‬‬
‫يوم إال وهو ينادي بصوت طلق ذلق ‪.‬‬ ‫فقال ‪ :‬ماٍ يأيت على هذا القرب من ٍ‬
‫يا ابن آدم كيف نس يتين أمل تعلم أين بيت الوح دة ‪ ،‬وبيت الغربة ‪ ،‬وبيت الوحشة ‪،‬‬
‫وبيت الدود ‪ ،‬وبيت الضيق إال من وسعين اهلل عليه ‪.‬‬
‫مث قال رسول اهلل ‪ « : ‬القرب إما روضة من رياض اجلنة ‪ ،‬أو حفرة من حفر النار » ‪.‬‬
‫وأخ رج ابن أيب ال دنيا واحلكيم والرتم ذي وأبو يعلي واحلاكم يف الكين والط رباين يف‬
‫الكبري وأبو نعيم عن أيب احلج اج الثم ايل ‪ .‬ق ال ‪ :‬ق ال رس ول اهلل ‪ « : ‬يق ول القرب للميت‬
‫دة ‪ ،‬وبيت‬ ‫حني يوضع فيه أمل تعلم وحيك أين بيت الفتنة ‪ ،‬وبيت الظلمة ‪ ،‬وبيت الوح‬
‫فدادا ‪.‬‬
‫الدود ‪ ،‬يا ابن آدم ما غرك يب إذ كنت متر علي ً‬
‫مصلحا أجاب عنه جميب القرب فيقول ‪ :‬أرأيت إن كان يأمر باملعروف وينهى‬ ‫ً‬ ‫فإن كان‬
‫ورا وتص عد روحه إىل اهلل‬ ‫عن املنكر فيق ول القرب إذا أحتول عليه خض ًرا ويع ود جس ده ن ً‬
‫تعاىل » ‪.‬‬
‫أخرج البزار عن علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه قال ‪ :‬إذا بلغت اجلنازة القرب فجلس‬
‫الناس فال جتلس ولكن قم على شفري القرب فإذا ديل يف قربه فقل ‪:‬‬
‫بسم اهلل وعلى ملة رس ول اهلل اللهم ه ذا عب دك ن زل بك وأنت خري م نزول به خلف‬
‫ال دنيا خلف ظه ره فاجعل ما ق دم عليه خ ًريا مما خلف فإنك قلت ﴿ َو َما ِعن َد اللّ ِه َخْي ٌر‬
‫لِّأل َْبَرا ِر ﴾ ‪.‬‬

‫‪269‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وأخرج ابن أيب شيبة يف املصنف عن خيثمة قال ‪ :‬كانوا يستحبون إذا دفنوا امليت أن‬
‫يقولوا بسم اهلل وعلى ملة رسول اهلل اللهم أجره من عذاب القرب ومن عذاب النار ومن شر‬
‫الشيطان الرجيم ‪.‬‬
‫وأخرج ابن ماجه والبيهقي يف سننه عن ابن املسيب قال ‪ :‬حضرت بن عمر رضي اهلل‬
‫عنهما يف جن ازة إبنة له فلما وض عها يف اللحد ق ال ‪ :‬بسم اهلل ويف س بيل اهلل فلما أخذ يف‬
‫تسوية اللحد قال اللهم أجرها من الشيطان ومن عذاب القرب فلما سوي الكثيب عليها قام‬
‫ج انب القرب مث ق ال ‪ :‬اللهم ج اف األرض عن جنبيها وص عد روحها ولقها منك رض وانا مث‬
‫قال مسعته من رسول اهلل ‪. ‬‬
‫وأخ رج ابن أيب ش يبة عن جماهد أنه ك ان يق ول بسم اهلل ويف س بيل اهلل اللهم افسح يف‬
‫قربه ونور له فيه وأحلقه بنبيه ‪.‬‬
‫وأخرج الطرباين عن عبد الرمحن بن العالء بن اجلالح قال ‪ :‬قال أيب يا بين إذا وضعتين‬
‫يف حلدي فقل بسم اهلل وعلى ملة رسول اهلل ‪. ‬‬
‫مث سن على ال رتاب س نًا مث أق رأ عند رأسي بفاحتة البق رة وخامتتها ف إين مسعت‬
‫رسول اهلل ‪ ‬يقول ذلك ‪.‬‬
‫وأخرج الطرباين والبيهقي يف الشعب عن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال مسعت رسول‬
‫اهلل ‪ ‬يقول إذا مات أحدكم فال حتسبوه وأسرعوا به إىل قربه ‪.‬‬
‫وليقرأ عند رأسه فاحتة الكتاب لفظ البيهقي فاحتة البقرة وعند رجليه خبامتة سورة البقرة‬
‫يف قربه ‪.‬‬
‫وأخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود قال كان رسول اهلل ‪ ‬يقف على القرب بعد ما‬
‫يسوى عليه فيقول ‪:‬‬

‫‪270‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫اللهم نزل بك صاحبنا وخلف الدنيا خلف ظهره اللهم ثبت عند املسألة منطقة وال تبتله‬
‫يف قربه مبا ال طاقة له به ‪.‬‬
‫أخرج ابن ماجه عن الرباء كنا مع رسول اهلل ‪ ‬يف جنازة فجلس على شفري قربه فبكى‬
‫وأبكى حىت بل الثرى مث قال « يا أخويت ملثل هذا فأعدوا ‪.‬‬
‫اللهم جننا برمجتك من الن ار وعافنًا من دار اخلزي والب وار وادخلنا بفض لك اجلنة دار‬
‫القرار وعاملنا بكرمك وجودك يا كرمي يا غفار واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني األحياء‬
‫منهم وامليتني برمحتك يا أرحم الرامحني وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫أخ رج ال ديلمي واخلطيب وأبو نعيم وابن عبد الرب يف التمهيد عن علي بن أيب ط الب‬
‫رضي اهلل عنه ق ال ‪ :‬ق ال رس ول اهلل ‪ « ‬من ق ال يف كل ي وم مائة م رة ال إله إال اهلل امللك‬
‫وأنسا يف وحشة القرب وفتحت له أبواب اجلنة » ‪.‬‬ ‫احلق املبني كان له أمانًا من الفقر ً‬
‫وعن ابن مس عود رضي اهلل عنه ق ال من ق رأ س ورة امللك كل ليلة عصم من فتنة القرب‬
‫ون ﴾ سهل اهلل عليه سؤال منكر‬ ‫ومن واظب على قول اهلل تعاىل ﴿ إِيِّن آمنت بِربِّ ُكم فَامْس ع ِ‬
‫َ ُ َ ْ َُ‬
‫ونكري ‪.‬‬
‫مرفوعا « من نور يف مساجد اهلل‬ ‫ً‬ ‫وأخرج أبو الفضل يف عيون األخبار بسنده عن عمر‬
‫رائحة طيبًة أدخل اهلل عليه يف قربه من روح اجلنة ‪.‬‬ ‫نور اهلل له يف قربه ‪ ،‬ومن أراح فيه ً‬
‫وأخرج ابن أيب الدنيا والبيهقي عن ميمونة قالت ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ « ‬يا ميمونة تعوذي باهلل من‬
‫عذاب القرب ‪ ،‬وإن من أشد عذاب القرب الغيبة والبول » ‪.‬‬
‫ض يُ ْسَل ُم‬ ‫ضْي ِق َمْثَو ُاه ِم َن األ َْر ِ‬‫إِلَى َ‬ ‫ِش ْعًرا‪ :‬أَِم ْن َب ْع ِد َمْثَوى ال َْم ْر ِء ِفي بَطْ ِن أُِّم ِه‬
‫اهلل بِال َْعْب ِد أ َْر َح ُم‬
‫اك إِ َّن َ‬
‫إِلَى َذ َ‬ ‫ِّيق َوالضِّيق ُف ْر َجةُ‬ ‫َولَ ْم َيْب َق َبْي َن الض ِ‬

‫‪271‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وأَلْبسونِي ثِيابا َغْير أَ ْخ ِ‬ ‫الش ْع ِر ِمن َش َع ٍ‬ ‫ِ‬


‫قَ ْد َر َّجلُوني َو َما بِ َّ ْ‬
‫ِشعْ رًا ‪:‬‬

‫الق‬ ‫َ َ ُ ًَ َ‬ ‫ث‬
‫َوأَ ْد َر ُجونِي َكأَنِّي طَ ُّي ِم ْخَر ِاق‬ ‫َو َر َّف ُعونِي َوقَالُوا أَيُّ َما َر ُج ٍل‬
‫يح الَْقْب ِر أَطَْب ِاقي‬ ‫لِيُ ْسنِ ُدوا ِفي َ‬
‫ض ِر ِ‬ ‫َوأ َْر َسلُوا ِفْتَي ًة ِم ْن َخْي ِر ِه ْم َح َسًبا‬
‫ات ابْ ُن َح َّذ ِاق‬‫ال قَائِلُ ُه ْم َم َ‬ ‫َوقَ َ‬ ‫َّت َعَوائِ َد ُه ْم‬ ‫ال َو ْارفَض ْ‬ ‫َوقَ َّس ُموا ال َْم َ‬
‫ث الَْب ِاقي‬‫فَِإنَّما مالُنَا لِلْوا ِر ِ‬ ‫اق‬ ‫ك وال تُولَ ْع بِإ ْشَف ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َهِّو ْن َعلَْي َ َ‬
‫َن ِفي غَ ٍد َعْنهُ ْارتِ َحالِي‬ ‫َوأَ ْعلَ ُم أ َّ‬ ‫اء‬ ‫آخر‪ :‬و َكْي َ ِ ِ ِ ِ‬
‫ف أَشي ُد في َي ْومي بنَ ً‬ ‫َ‬
‫احتِ َم ِال‬
‫ين َعلَى ْ‬ ‫ِِ‬
‫فَِإ َّن الَْقاطن َ‬ ‫ك ِفي َم َح ٍّل‬ ‫ب ِخَي َام َ‬ ‫ِ‬
‫فَال َتْنص ْ‬
‫ت َحَّقا‬ ‫ك ال تَظُ ُّن ال َْم ْو َ‬ ‫َكأَنَّ َ‬ ‫س َيْنَقى‬ ‫ك لَْي َ‬ ‫ال َقلْبُ َ‬ ‫آخر‪ :‬أ َِخي َما بَ ُ‬
‫اهلل َما َذ َهبُوا لَِتْبَقى‬
‫أَما و ِ‬
‫َ َ‬ ‫ادوا‬‫ين َفَن ْوا َوبَ ُ‬ ‫َّ ِ‬
‫أَال يَا ابْ َن الذ َ‬
‫َجالً َو ِر ْزقَا‬‫ت أَ‬ ‫إِ َذا َما ْ‬
‫اسَت ْك َملَ ْ‬ ‫َو َما لِ َّلنْفس ِعْن َد َك ِم ْن ُمَق ٍام‬
‫ك أَ ْشَقى‬ ‫ك ِمْن َ‬ ‫َح ٌد بِ َذنْبِ َ‬
‫َوال أ َ‬ ‫َحظَى‬ ‫كأْ‬ ‫َح ٌد بَِز ِاد َك ِمْن َ‬
‫َو َما أ َ‬
‫ات َت ْرقَى‬ ‫ت إِلَى اللَّ َهو ِ‬ ‫إِ َذا َج َعلَ ْ‬ ‫ك غَْير َت ْقوى ِ‬
‫اهلل َزا ٌد‬
‫َ‬ ‫َوال لَ َ َ َ‬
‫ك َع ْن قَ ِر ِ‬
‫يب‬ ‫َشَوارِع يَ ْخَتر ِمْن َ‬ ‫آخر‪ :‬أََت ْغ ُف ُل يَا ابْ َن أ ْ‬
‫َح َم َد َوال َْمَنايَا‬
‫ص ِ‬
‫يب‬ ‫ت ِمن س ْه ٍم م ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫أَغََّر َك أَ ْن تَ َخطَْت َ‬
‫فَ َك ْم لل َْم ْو ْ َ ُ‬ ‫الر َزايَا‬
‫ك َّ‬
‫يب‬‫ص ِ‬ ‫وما لِلْمر ِء ب ٌّد ِمن نَّ ِ‬ ‫ات َعلَْيَنا‬ ‫ت َدائَِر ٌ‬ ‫ُكؤوس الْمو ِ‬
‫َ َ َْ ُ‬ ‫ُ َْ‬
‫يب‬‫يك أَْنَو ُار ال َْم ِش ِ‬ ‫أ ََما يَ ْكِف َ‬ ‫يف َدْأبًا‬ ‫إِلَى َك ْم تَ ْج َعل الت ْ‬
‫َّس ِو َ‬
‫تَ ُمُّر بَِقْب ِر ِخ ٍّل أ َْو َحبِ ِ‬
‫يب‬ ‫ك ُك َّل ِحي ٍن‬ ‫أ ََما يَ ْكِف َ‬
‫يك أَنَّ َ‬
‫يب‬ ‫َّح ِ‬ ‫يك أَ ْفراح الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك قَ ْد لَ ِح ْق َ‬
‫ت بِِه ْم قَ ِر ًيبا‬ ‫َكأَنَّ َ‬
‫َوال ُي ْغن َ َ ُ‬
‫آخر‪:‬‬
‫س ْد ِس َها‬ ‫ض ِم ْن ِست ِ ِ‬
‫ِّين إال ب ُ‬
‫َ‬ ‫َفلَ ْم يُ ْح َ‬ ‫لت لِل َْم ْر ِء ِستُّو َن َح َّج ًة‬
‫إِ َذا َك َم ْ‬

‫‪272‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫يل بِ ُخ ْم ِس َها‬ ‫ات ال َْمِق ِ‬


‫ب أ َْوقَ ُ‬ ‫ف بِالنَّوِم ح ِ‬ ‫أَلَ ْم َتَر أ َّ‬
‫َوتَ ْذ َه ُ‬ ‫اص ٌل‬ ‫ِّص َ ْ َ‬ ‫َن الن ْ‬
‫يت بِ َميِّتِ َها‬ ‫وأَوقَ ِ‬ ‫ص ٍة‬ ‫وتأْخ ُذ أَوقَات الْهم ِ‬
‫وم بِ ِح َّ‬
‫اض تُ ِم ُ‬ ‫ات أ َْمَر ِ‬ ‫َْ‬ ‫ََ ُ ْ ُ ُ ُ‬
‫س َع ْن ِعل ِْم َح ْد ِس َها‬ ‫النْف ُ‬ ‫إِ َذا َ‬
‫ص َد َقْتهُ َّ‬ ‫س ُع ْم ِر ِه‬ ‫ِ‬
‫فَ َحاص ُل َما َيْبَقى لَهُ ُس ْد ُ‬
‫آخر‪:‬‬
‫صِل ٌح أ َْو ُم ْف ِس ُد‬ ‫َيْبَقى َو َر َاء َك ُم ْ‬ ‫ْحَي ِاة فَِإنَّ َما‬
‫ك في ال َ‬
‫اسع ْد بِمالِ َ ِ‬
‫َْ َ‬
‫الح قَِليلُهُ َيَتَزيَّ ُد‬
‫الص ِ‬ ‫َوأَ ُخو َّ‬ ‫ت لِ ُم ْف ِس ٍد لَ ْم ُيْبِق ِه‬‫فَِإ َذا َتَر ْك َ‬
‫ث َن ْف َسهُ لِ ُم َس َّد ُد‬‫ِإ َّن ال ُْمَو ِّر َ‬ ‫ك َوا ِرثًا‬ ‫ت فَ ُك ْن لَِن ْف ِس َ‬ ‫فَِإ ْن ْ‬
‫اسَتطَ ْع َ‬
‫ث َوالْ ِو ْز ُر َعَلى ُم ْك ِسبِ ِيه‬ ‫َف ُهو لِلْوا ِر ِ‬
‫َ َ‬ ‫آخر‪ُ :‬ك ُّل َم ٍال لِْلِبِّر ِم ْن أَيْ ِدي بَ ِاذلِيه‬
‫وأخرج البيهقي عن أيب هريرة عن النيب ‪ ‬قال ‪ « :‬إن عذاب القرب من ثالثة من الغيبة ‪،‬‬
‫والنميمة ‪ ،‬والبول ‪ ،‬فإياكم وذلك » ‪.‬‬
‫وأخرج عن قتادة قال عذاب القرب ثالثة أثالث ثلث من الغيبة وثلث من النميمة وثلث‬
‫من البول ‪.‬‬
‫أخ رج الط رباين وأبو يعلى وال بيهقي ويف الش عب واالص بهاين يف ال رتغيب عن ابن عمر‬
‫رضي اهلل عنهما قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ « : ‬ليس على أهل ال إله إال اهلل وحشة عند املوت‬
‫‪ ،‬وال يف قبورهم ‪ ،‬وال يف نشورهم » ‪.‬‬
‫وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما أن رسول اهلل ‪ ‬قال « أخربين جربيل أن ال إله إال اهلل‬
‫أنس للمسلم عند موته ‪ ،‬ويف قربه ‪ ،‬وحني خيرج من قربه » ‪.‬‬
‫وقال ابن رجب يف كتاب أهل القبور قد يكرم اهلل بعض أهل الربزخ‬

‫‪273‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫بأعمال صاحلة يف الربزخ وإن مل حيصل له بذلك ثواب النقطاع عمله باملوت ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫لكنه يبقى عمله عليه ‪ ،‬ليتنعم ب ذكر اهلل وطاعته كما تنعم ب ذلك املالئكة ‪ ،‬وأهل اجلنة‬
‫باجلنة وإن مل يكن على ذلك ثواب ‪.‬‬
‫ألن نفس الذكر والطاعة أعظم نعيم عند أهلها من مجيع نعيم أهل الدنيا ولذهتا فما تنعم‬
‫املتنعمون مبثل طاعة اهلل وذكره ‪.‬‬
‫وق ال ابن رجب وح دثين احملدث أبو احلج اج يوسف بن حممد الس ريري وك ان رجالً‬
‫ص احلًا وأراين موض ًعا من قب ور س امرا فق ال ه ذا املوضع ال ن زال نس مع منه س ورة «َتبَ َار َك‬
‫ك»‪.‬‬ ‫الْ ُم ْل ُ‬
‫وروى احلافظ أبو بكر اخلطيب بس نده عن عيسى بن حممد الظوم اري ق ال ‪ :‬رأيت أبا‬
‫بكر بن جماهد املقري يف النوم كأنه يقرأ وكأين أقول له أنت ميت وتقرأ ‪.‬‬
‫فكأنه يقول يل كنت أدعو اهلل يف دبر كل صالة وعند ختم القرآن أن جيعلين ممن يقرأ يف‬
‫قربه فأنا أقرأ يف قربي ‪.‬‬
‫وأخرج النسائي واحلاكم والبيهقي يف شعب اإلميان عن عائشة رضي اهلل عنها قالت ‪:‬‬
‫قال رسول اهلل ‪ « : ‬منت فرأيتين يف اجلنة » ‪.‬‬
‫ولفظ النس ائي دخلت اجلنة فس معت ص وت ق ارئ يق رأ فقلت من ه ذا ق ال حارثة بن‬
‫النعم ان فق ال رس ول اهلل ‪ « :‬ك ذاك الرب ‪ ،‬ك ذاك الرب ‪ ،‬ك ذاك الرب ‪ ،‬وك ان أبر الن اس بأمه‬
‫»‪.‬‬
‫واخرج البيهقي عن أيب هريرة قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ « : ‬إين أراين يف اجلنة فبينما أنا‬
‫فيها مسعت صوت رجل بالقرآن فقلت من هذا قالوا حارثة بن النعمان » ‪ .‬فقال رسول اهلل‬
‫‪ « : ‬كذاك الرب ‪ ،‬كذاك الرب ‪ ،‬كذاك الرب » ‪.‬‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬
‫مَز ْخرفٍَة إِلَى بْي ِ‬
‫ت التُّر ِ‬
‫اب‬ ‫صور‬ ‫ول عن قَ ِر ٍ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫يب م ْن قُ ُ‬ ‫يَ ُح ُ َ ْ‬

‫‪274‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وب اال ْغتِر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬


‫اب‬ ‫َ‬ ‫َحا َط بِه َش ُح ُ‬ ‫أَ‬ ‫ورا فَ ِري ًدا‬
‫َفيُ ْسَل َم فيه َم ْه ُج ً‬
‫ْحس ِ‬
‫اب‬ ‫إِ َذا ُد ِعي ابن ِ ِ‬ ‫ْح ْش ِر أَ ْفظَ ُع ُك ِّل أ َْم ٍر‬
‫آدم لل َ‬ ‫َ ُْ َ‬ ‫َو َه ْو ُل ال َ‬
‫اب‬ ‫وسيَِّئ ٍة جَناها ِفي ال ِ‬
‫ْكَت ِ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫صالِ َح ٍة أَتَ َاها‬
‫َوأَلَْفى ُك َّل َ‬
‫اب‬ ‫ظ ِم ْن بَ ِاقي َّ‬
‫الشَب ِ‬ ‫ْح ِّ‬
‫َوأَ ْخ ُذ ال َ‬ ‫لََق ْد آ َن التََّز ُّو ُد إِ ْن َعَقلَْنا‬
‫اللهم اجعلنا من املتقني األبرار وأسكنا معهم يف دار القرار ‪ ،‬اللهم وفقنا حبسن اإلقبال‬
‫عليك واإلصغاء إليك ووفقنا للتعاون يف طاعاتك واملبادرة إىل خدمتك وحسن اآلداب‬
‫يف معاملتك والتسليم ألمرك والرضا بقضائك والصرب على بالئك والشكر لنعمائك ‪ ،‬واغفر‬
‫لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني األحي اء منهم واملي تني برمحتك يا أرحم ال رامحني وص لى اهلل‬
‫على حممد وآله أمجعني ‪.‬‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫اعلم وفقنا اهلل وإياك ومجيع املسلمني ملا حيبه ويرضاه أن مداواة مرض القلب واجبة وهي‬
‫وجوه ٍ‬
‫كثرية جدا نشري إىل بعضها ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫تأيت من‬
‫أحدها وهي من أنفعها العزلة املصحوبة باالشتغال بالعلوم النافعة ‪.‬‬
‫فبالعزلة يتقيد الظاهر عن خمالطة من ال تصلح خمالطته ومن ال يأمن دخول اآلفات عليه‬
‫بصحبته ‪.‬‬
‫فيتخلص من املعاصي اليت يتع رض هلا باملخالطة مثل الغيبة واملداهنة والتملق والري اء‬
‫والتصنع ‪.‬‬
‫وحيصل له بذلك السالمة من مسارقة الطباع الرديئة واألخالق الدنيئة ‪.‬‬
‫وحيصل بذلك أيضا صيانة دينه ونفسه عن التعرض للخصومات وأنواع الشرور والفنت ‪.‬‬
‫وتسرعا إىل اخلوض يف مثل هذا ‪.‬‬
‫ً‬ ‫تولعا‬
‫فإن النفس ً‬
‫فينبغي لإلنسان أن يكف لسانه عن السؤال عن أخبار الناس وما هم‬

‫‪275‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫مشغولون فيه وما هم منهمكون فيه ومنكبون عليه من القيل والقال مما ال فائدة فيه وضرره‬
‫يزيد ورمبا أنه ضرر خالص ‪.‬‬
‫تسبيحا وهتليالً ‪.‬‬
‫ً‬ ‫وقال آخر وإذا مهمت بالباطل وما ال فائدة فيه فاجعل مكانه‬
‫وينبغي أن يص ون مسعه عن اإلص غاء إىل أراجيف البل دان وما مشلت عليه من األح وال‬
‫اليت تضر وال تنفع ‪.‬‬
‫وليح رص على أن ال يأتيه من ش أنه التطلع والبحث عن ش ؤونه وأحواله كأص حاب‬
‫املقابالت واملولعني بأكل حلوم الغوافل ‪.‬‬
‫وليجتنب صحبة من ال يتورع يف منطقه وال يضبط لسانه عن االسرتسال يف دقائق الغيبة‬
‫والتعرض بالطعن على الناس والقدح فيهم ‪.‬‬
‫فإن ذلك مما يكدر صفاء القلب ويؤدي إىل ارتكاب مساخط الرب ‪.‬‬
‫فليهجره وليفر منه من األسد وال جيتمع معه يف مكان البتة ‪.‬‬
‫ويف اخلرب « مثل اجلليس السوء كمثل الكري إن مل حيرقك بشرره علق بك من رحيه » ‪.‬‬
‫ويف األخب ار الس الفة أن اهلل تع اىل أوحى إىل موسى عليه الس الم « يا ابن عم ران كن‬
‫أخ أو صاحب ال يؤازرك على مربيت فهو لك عدو » ‪.‬‬ ‫يقظانًا وارتد لنفسك ‘خوانًا وكل ٍ‬
‫وأوحى اهلل تع اىل إىل داود عليه الس الم فق ال له « يا داود م ايل أرك منتب ًذا وح دانيًا »‬
‫فقال إهلي قليت اخللق من أجلك ‪.‬‬
‫خدن ال يوافقك على مربيت فال‬ ‫فقال « يا داود كن يقظانًا وارتد لنفسك أخدانًا وكل ٍ‬
‫تصحبه فإنه لك عدو ويقسي قلبك ويباعدك مين » ‪.‬‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫السبْنَتا‬ ‫َكما تَ ْخ َشى الضَّر ِ‬
‫اغ َم َو َّ‬ ‫ش ِمْن ُه ْم‬ ‫اء ِجْن ِس َ‬ ‫فَ ِخ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك َوا ْخ َ‬ ‫ف أَْبَن َ‬

‫‪276‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫الس ِام ِر ِّي إِ َذا لُ ِم ََْْسَتا‬


‫َو ُك ْن َك َّ‬ ‫َو َخالطُُه ْم َو َزايِل ُْه ْم ِح َذ ًارا‬
‫وروي عن عيسى عليه السالم « ال جتالسوا املوتى فتموت قلوبكم » قيل من املوتى قال‬
‫« احملبون لل دنيا الراغبون فيها وباالبتع اد عن الناس إال لضرورة أو حاجة ماسة ينكف بصر‬
‫اإلنسان عن النظر إىل زينة الدنيا وزهرهتا وزخرفها » ‪.‬‬
‫وينصرف خاطره عن االستحسان على ما ذمه اهلل منها فتمتنع بذلك النفس عن التطلع‬
‫إىل الدنيا واالستشراف هلا ومنافسة أهلها فيها ‪.‬‬
‫بِه أ َْز َواج اً ِّمْن ُه ْم َز ْه َر َة احْلَيَ ِاة‬
‫ك إِىَل ما متَّعنَا ِ‬
‫َّن َعْيَنْي َ َ َ ْ‬ ‫ق ال جل وعال وتق دس ﴿ َواَل مَتُد َّ‬
‫الدُّنيَا ﴾ اآلية ‪ .‬واهلل أعلم وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫قال بعض العلماء ‪ :‬من عالمات إتباع اهلوى املسارعة إىل نوافل اخلريات والتكاسل عن‬
‫القيام بالواجبات وهذه حال كثري من الناس ‪.‬‬
‫ف رتى الواحد منهم يهتم للنوافل ويك ثر منها والف روض ما يهتم هلا جتده يص وم مثالً‬
‫البيض واالثنني واخلميس وال جتده لسانه عن القذف والغيبة والكذب ‪.‬‬
‫بدقة فتجد عنده عقوق والدين أو قطيعة رحم أو أكل من مشتبه‬ ‫وال يفتش على نفسه ٍ‬
‫أو يعامل يف الربا أو يف ش ركات تتعامل مع البن وك يف الربا أو ي بيع ويش رتي يف احملرم ات‬
‫كآالت املالهي وتصليحها ‪.‬‬
‫خدمه أو يدفعها إىل من جتب عليه‬‫ومن ناحية الزكاة جتده خيرجها إىل من يتقاضى منه ً‬
‫نفقته أو ملن يهدي إليها أو يتسامح معه يف املعاملة أو حنو ذلك ‪.‬‬
‫ومن قبل الص الة اليت هي آكد أرك ان اإلس الم بعد الش هادتني وهي اليت إذا ص لحت‬
‫وأديت متاما صلح سائر األعمال فال جتده يعتين هبا ‪.‬‬
‫وحيرص على حتضري قلبه هلا وطرد األفكار اليت ختل بأدائها وال يعين مبعرف معين ما يتلو‬
‫‪.‬‬

‫‪277‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫املهم أنه مع ذلك ال جتده مستدركا ملا فرط فيه وال ملا أمهله وما ذاك إال أهنم مل يشتغلوا‬
‫بالتفتيش والتفقد ألنفسهم اليت خدعتهم ومل حيلفوا مبجاهدة أهوائهم اليت اسرتقتهم وملكتهم‬
‫‪.‬‬
‫واسعة لشيء من‬‫فسحة ً‬ ‫شغل ومل جيدوا ً‬ ‫ولو اشتغلوا يف تصليح ذلك لكان هلم فيه أعظم ٍ‬
‫النوافل ‪.‬‬
‫قال بعض العلماء من كانت النوافل والفضائل أهم إليه من أداء الفرائض فهو خمدوع ‪.‬‬
‫وقال آخر‪ :‬هالك الناس يف اثنني اشتغال بنافلة وتضييع فريضة ‪.‬‬
‫وعمل باجلوارح بال مواطاة القلب وإمنا حرموا الوصول بتضييع األصول ‪.‬‬
‫وق ال آخ ر‪ « :‬انقطع اخللق عن اهلل خبص لتني إح دامها أهنم طلب وا النوافل وض يعوا‬
‫الفرائض » ‪.‬‬
‫والثانية « أهنم عملوا أعماالً بالظاهرة ومل يأخذوا أنفسهم بالصدق فيها والنصح هلا وال‬
‫يقبل العمل إال بالصدق وإصابة احلق » ‪.‬‬
‫وقال آخر‪ :‬أفضل شيء للعبد معرفته بنفسه ووقوفه على حده وإحكامه حلالته اليت أقيم‬
‫فيها وابتداؤه بالعمل مبا افرتض اهلل عليه واجتنابه ملا هنى اهلل عنه بعلم يرشده يف مجيع ذلك ‪.‬‬
‫وقال آخر‪ :‬أنعم اهلل عليك فيما أمرك به من الطاعات املؤقتة باألوقات بنعمتني عظيمتني‬
‫‪.‬‬
‫إحدامها تقيدها لك بأعيان األوقات لتوقعها فيها فتفوز بثواهبا ولوال التوقيت لسوفت هبا‬
‫ومل تعمل هبا حىت تفوت فيفوتك ثواهبا ‪.‬‬
‫والنعمة الثانية توسيع أوقاهتا عليك ليبقى لك نصيب من االختيار حىت تأتى الطاعات يف‬
‫حال سكون ومتهل من غري حرج وال ضيق ‪.‬‬
‫اللهم ثبت وقو حمبتك يف قلوبنا واش رح ص دورنا ونورها بن ور اإلميان واجعلنا ه داة‬
‫معتدين وأهلمنا ذكرك وشكرك واجعلنا ممن يفوز بالنظر إىل‬

‫‪278‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وجهك يف جن ات النعيم يا حليم ويا ك رمي واغفر لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني األحي اء‬
‫منهم وامليتني برمحتك يا أرحم الرامحني وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫واعلم أن اهلل جل وعال وتقدس غين عن خلقه ال تنفعه طاعتهم وال تضره معصيتهم وأن‬
‫التكاليف كلها إمنا أوجبها عليهم ملا يرجع إليهم من مصاحلهم ال غري ‪.‬‬
‫فمن وفقه اهلل ونور بصريته وشرح صدره وكتب يف قلبه اإلميان وبغض إليه العصيان مل‬
‫يقتصر على الفرائض واجتناب النواهي ‪.‬‬
‫بل يض يف إىل ذلك املب ادرة إىل أعم ال الطاع ات واملس ارعة إىل نوافل العب ادات وفعل‬
‫اخلريات ‪.‬‬
‫وق ال ‪ :‬واعلم رمحك اهلل أنا تلمحنا الواجب ات فرأينا احلق جل وعال جعل يف كل ما‬
‫تطوعا من جنسه يف أي األنواع كان ‪.‬‬
‫أوجبه ً‬
‫جابرا ملا عسى أن يقع من خلل يف قيام العبد بالواجبات‬
‫ليكون ذلك التطوع من اجلنس ً‬
‫‪.‬‬
‫وكذلك جاء يف احلديث « أنه ينظر يف مفروض صالة العبد فإن نقص منها شيء كمل‬
‫من النوافل » ‪.‬‬
‫مقتصرا على ما فرض اهلل عليك بل لتكن عزمية‬
‫ً‬ ‫فافهم رمحك اهلل هذا واجتهد وال تكن‬
‫وناهضة قوية توجب اجتهادك وإكبابك على معاملة اهلل فيما جيب وفيما يسن ‪.‬‬
‫ففي احلديث وال يزال عبدي يتقرب إىل بالنوافل حىت أحبه ( احلديث ) ‪.‬‬
‫ولو كان العباد ال جيدون يف موازينهم إال فعل الواجبات وثواب ترك احملرمات لفاهتم من‬
‫اخلري واملنة ما ال حيصره حاصر وال حيرزه حارز ‪.‬‬
‫فسبحان من فتح لعباده باب املعاملة وهيء هلم أسباب املواصلة‬

‫‪279‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫هنجا إىل اهلل‬‫ف املوفقون أهل الفهم واملعرفة جعل وا األوق ات كلها وقتًا واح ًدا والعمر كله ً‬
‫قاصدا ‪.‬‬
‫تعاىل ً‬
‫وعلموا أن الوقت كله هلل فلم جيعلوا منه شيئًا لغريه ‪.‬‬
‫ت اجْلِ َّن َواإْلِ نس إِاَّل‬
‫جعل وا أوق اهتم يف طاعة اهلل فعالً ونية ‪ .‬وق ال تع اىل ﴿ َو َما َخلَ ْق ُ‬
‫َ‬
‫لِيعب ُد ِ‬
‫ون ﴾ ‪.‬‬ ‫َ ُْ‬
‫علموا أن األنفاس أمانات عندهم وودائع لديهم ‪.‬‬
‫وعلموا أهنم مطالبون برعايتها فوجهوا مههم حلفظها وأدائها ‪.‬‬
‫قال بعضهم إحالتك األعمال إىل وجود الفراغ محق وجهل ووجه ذلك ‪ :‬أوالً أنه إيثار‬
‫للدنيا على اآلخرة ‪ ،‬وليس هذا من شأن عقالء املؤمنني وهو خالف ما طلب منك قال اهلل‬
‫الد ْنيَا َواآْل ِخَرةُ َخْيٌر َوأ َْب َقى ﴾ ‪.‬‬
‫جال ولعال وتقدس ﴿ بَ ْل ُت ْؤثُِرو َن احْلَيَاةَ ُّ‬
‫والثاين أن تسويف العمل إىل آوان الفراغ غلط ألنه قد ال جيد مهلة بأن خيتطفه املوت‬
‫قبل ذلك ‪.‬‬
‫أو يزداد شغله ألن أشغال الدنيا يتداعى بعضها إىل بعضه كما قيل ‪:‬‬
‫أرب إِال إِلَى أ ََرب‬ ‫ضى أ ِ‬
‫َوال اْنَت َهى ٌ‬ ‫َح ٌد مْن َها لَُباَنَتهُ‬
‫فَ َما قَ َ َ‬
‫والثالث أنه رمبا يفرغ منها إىل الذي ال يرضيه من تبدل عزمه وضعف نيته ‪.‬‬
‫املهم أن الواجب عليه املبادرة إىل األعمال الصاحلة على أي ٍ‬
‫حال كان ‪.‬‬
‫ِش ْع ًرا ‪:‬‬
‫َوأَ ْن َتَب َّد َل ِمْن َها َمْن ِزالً َح َسَنا‬ ‫يل َمْن ِزلِِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َم ْن َكا َن يُوح َشهُ َتْبد ُ‬
‫ت ِم ْن َها ُهَنا َو ُهَنا‬ ‫اجَت َم َع ْ‬ ‫ِ‬
‫َعلَْيه َو ْ‬ ‫ت َجَوانِبِ َها‬ ‫ول إِ َذا َ‬
‫ض َّم ْ‬ ‫َما َذا َي ُق ُ‬
‫الس َكَنا‬
‫ين َو َّ‬ ‫ِ‬ ‫ول إِ َذا أ َْم َسى بِ ُح ْفَرته‬
‫َف ْر ًدا َوقَ ْد فَ َار َق األ َْهل َ‬ ‫َما َذا َي ُق ُ‬
‫ات بِاللَّ َذ ِ‬
‫ات ُم ْرَت َهَنا‬ ‫َي ْلَق ُاه َم ْن بَ َ‬ ‫اك َي ْعلَ ُم قَ ْد َر الَْو ْح َشَتْي ِن َو َما‬
‫ُهَن َ‬

‫‪280‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ب أَلَْقى بَِرْأ ِسي نَ ْحَو ُه َّ‬


‫الر َسَنا‬ ‫َو َّ‬
‫الشْي ُ‬
‫يا َغ ْفَل ًة و ِرماح الْمو ِ‬
‫ت َشا ِر َعةٌ‬ ‫َ َ ُ َْ‬ ‫َ‬
‫ت َز ًادا َولَ ِك ْن ِغَّر ًة َو ُمَنا‬ ‫أَ ْع َد ْد ُ‬ ‫ولَم أ َِع ُّد َم َكانًا لِلنُُّز ِ‬
‫ول َوال‬ ‫َ ْ‬
‫ف َم ْن َع ْف ُو ُه ِم ْن طَالِِب ِيه َدنَا‬ ‫َوَي ْع ُ‬ ‫ِإ ْن لَ ْم يَ ُج ْد َم ْن َتَوالَى ُج ُ‬
‫ود ُه أَبَ َدا‬
‫ال َوال ِْمَنَنا‬ ‫ضَ‬ ‫َس ًّحا َفتُ ْم ِط ُرنَا ا ِإل ْف َ‬ ‫ود و ِ‬
‫اكَفةٌ‬ ‫َفيا ِإلَ ِهي وم ْز ُن ال ِ‬
‫ْج َ‬‫ُ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬
‫اك بَِنا‬ ‫ف بَِنا َوَتَرفَّ ْق ِعْن َد َذ َ‬ ‫َوأَلْطُ ْ‬ ‫ك يَا َر ْح َم ُن ِو ْح َشَتَنا‬ ‫س ُهَنالِ َ‬ ‫آن ْ‬
‫ِ‬
‫َسَنى َو َمطَْلُبَنا‬ ‫ص ُدنَا األ ْ‬ ‫ت َم ْق َ‬ ‫َوأَنْ َ‬ ‫ْج ُؤنَا‬
‫اهلل َمل َ‬‫ت َ‬ ‫صا َة َوأَنْ َ‬ ‫نَ ْح ُن ال ُْع َ‬
‫أ َْولَى فَ ْم َن َذا الَّ ِذي ِف َيها يَ ُكو ُن لََنا‬ ‫فَ ُك ْن لََنا ِعْن َد بَأ ِْس َها َو ِش َّدتَِها‬
‫‪ :‬قال بعض العلماء أصل كل معصية وشهوة الرضا عن النفس ألنه أصل مجيع الصفات املذمومة وعدم الرضا عن النفس‬ ‫فائدة‬
‫أصل الصفات احملمودة وذلك ألن الرضا عن النفس يوجب تغطية عيوهبا ومساويها وقبائحها فيصري قبيحها حسنا كما قيل ‪:‬‬
‫الس ْخ ِط ُتْب ِدي ال َْم َسا ِويَا‬ ‫َن َعْي َن ُّ‬‫َك َما أ َّ‬ ‫ب َكِليلَةٌ‬ ‫ضا َع ْن ُك ِّل َعْي ٍ‬ ‫الر َ‬
‫َو َعْي ُن ِّ‬
‫س َب ْع َد َما تَ ْس ِع ُير َها‬
‫ك َن ْف ُ‬
‫فَ َما لَ َ‬ ‫ك أَ ْك ِر ْم َع ْن أ ُُمو ٍر َكثِ َير ٍة‬ ‫سَ‬ ‫آخر‪َ :‬وَن ْف ُ‬
‫الوتُهُ َت ْفَنى َوَيْبَقى َم ِر ُير َها‬
‫َح َ‬ ‫ْحَر ِام فَِإنَّهُ‬
‫رب األ َْمَر ال َ‬‫َوال َت ْق ِ‬
‫النْفس أَ ْخب ْ ِ ِ‬
‫ين َشْيطَانًا‬ ‫ث م ْن َسْبع َ‬ ‫َ‬ ‫فَ َّ‬ ‫لها‬ ‫ك ال تَأ َْم ْن غََوائِ َ‬ ‫آخر‪َ :‬تَّو ْق َن ْف َس َ‬
‫وعدم الرضا عن النفس على العكس من هذا ألن العبد إذ ذاك يتهم نفسه ويتطلب عيوهبا وال يغرت مبا يظهر من الطاعة واالنقياد‬
‫وأَلِْقي إِلَ َّي َّ ِ‬ ‫ِش ْعًرا‪ :‬أَال أًَّي َها َّ‬
‫السم َع إِلَْق َ‬
‫اء َجا ِز َم ْه‬ ‫َ‬ ‫وم َتَنبَّ ِهي‬
‫السُؤ ُ‬
‫الد ْهَر َسالِ َم ْه‬ ‫َر َج ُاؤ َك أَ ْن َتْبَقى َعَلى َّ‬ ‫ضالل ألَ ْذ َهان َوظَ ّن ُم َكذبٌ‬ ‫َ‬
‫ْح ُق ِإال َم َعالِ َم ْه‬‫ات ال َ‬ ‫ات فَ َم َ‬
‫َو َم َ‬ ‫ْس الْ َك ِريهة أ ْ‬
‫َح َم ٌد‬ ‫ص بِالْ َكأ ِ‬
‫َوقَ ْد َغ َّ‬
‫يح ال ُْم َحَّرِم‬ ‫ك إِلَى األ َْم ِر الَْقبِ ِ‬
‫َد َعتّ َ‬ ‫س ِفي ُك ِّل َد ْعَو ٍة‬ ‫النْف َ‬‫ت َّ‬ ‫آخر‪ :‬إِ َذا َما أ َ‬
‫َجْب َ‬

‫‪281‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫اللهم اجعلنا من حزبك املفلحني وعب ادك الص احلني ال ذين أهلتهم خلدمتك وجعلتهم ممن‬
‫قبلت أعماله يا رب العاملني وصلى اهلل على حممد وآله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫اعلم وفقنا اهلل وإياك ومجيع املسلمني ملا حيبه ويرضاه أن من رضي عن نفسه استحسن‬
‫حاهلا وسكن إليها ومن استحسن حال نفسه وسكن إليها استولت عليه الغفلة ‪.‬‬
‫وبالغفلة ينصرف قلبه عن التفقد واملراعاة خلواطره فتثور ٍ‬
‫حينئذ دواعي الشهوة على العبد‬
‫‪.‬‬
‫وليس عنده من املراقبة واملالحظة والتذكري ما يدفعها به ويقهرها ‪.‬‬
‫فتصري الشهوة غالبة له بسبب ذلك ومن غلبته شهوته وقع يف املعاصي ‪.‬‬
‫وأصل ذلك كله رضاه عن نفسه ومن مل يرض عن نفسه مل يستحسن حاهلا ومل يسكن‬
‫إليها ‪.‬‬
‫منتبها للط وارئ وبالتيقظ والنبيه يتمكن من تفقد‬
‫ومن ك ان هبذا الوصف ك ان متيقظًا ً‬
‫خواطره ومراعاهتا ‪.‬‬
‫وعند ذلك ختمد ن ريان الشهوة فال يكون هلا غلبة وال قوة فيضعف العبد حينئذ بصفة‬
‫العفة ‪.‬‬
‫ف إذا ص ار عفي ًفا ك ان جمتنبًا لكل ما هناه اهلل عنه حمافظًا على مجيع ما أم ره به ه ذا هو‬
‫معىن الطاعة هلل عز وجل وأصل هذا كله عدم الرضا عن نفسه ‪.‬‬
‫ف إذا جيب على اإلنس ان أن يع رف نفسه ويل زم من ذلك ع دم الرضا عنها وبق در حتقق‬
‫العبد يف معرفة نفسه يصلح له حاله ويعلوا مقامه ‪.‬‬

‫‪282‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وكان العلماء املخلصون يذمون نفوسهم ويتهموهنا وال يرضون عنها ‪.‬‬
‫قال بعضهم من مل يهتم نفسه على دوام األوقات ومل خيالفها ومل جيرها إىل مكروها فهو‬
‫مغرور ومن نظر إليها باستحسان شيء منها فقد أهلكها ‪.‬‬
‫وكيف يرضى عنها عاقل وهي األمارة بالسوء وقال بعض العلماء ال تسكن إىل نفسك‬
‫وإن دامت طاعتها لك يف طاعة اهلل ‪.‬‬
‫وقال آخر‪ :‬ما رضيت عن نفسي طرفة عني ‪.‬‬
‫وق ال آخ ر‪ :‬إن من الن اس ن اس لو م ات نصف أح دهم ما أنزجر النصف اآلخر وال‬
‫أحسبين إال منهم ‪.‬‬
‫وقال آخر‪ :‬فائدة الصحبة إمنا هي للزيادة يف احلال وعدم النقصان فيها فإياك وصحبة من‬
‫ال ينهضك حاله وال يدلك على اهلل مقاله ‪.‬‬
‫فص حبة من يرضى عن نفسه وإن ك ان عاملا شر حمض وال فائ دة فيها ألن علمه يف‬
‫ً‬
‫الغالب غري نافع له ‪.‬‬
‫وجهله ال ذي أوجب رض اه عن نفسه ص ار غاية الض رر ألنه فاته العلم ال ذي يريه عيبه‬
‫حىت ال يرضى عن نفسه األمارة بالسوء ‪.‬‬
‫وق ال ابن القيم رمحه اهلل ملا ذكر النفس االم ارة بالس وء ق ال منها أن يع رف أهنا جاهلة‬
‫قول ٍ‬
‫وعمل قبيح ‪.‬‬ ‫ظاملة وأن اجلهل والظلم يصدر عنهما كل ٍ‬
‫ومن وص فه اجلهل والظلم ال مطمع يف اس تقامته واعتداله البتة في وجب له ذلك ب ذل‬
‫اجلهد يف العلم النافع الذي خيرجها به عن وصف اجلهل والعمل الصاحل الذي خيرجها به عن‬
‫وصف الظلم ومع هذا فجهلها أكثر من علمها وظلمها أعظم من عدهلا ‪.‬‬
‫فحقيق مبن ه ذا ش أنه أن ي رغب إىل خالقها وفاطرها أن يقيه ش رها وأن يؤتيها تقواها‬
‫ويزكيها فهو خري من زكاها وأن ال يكله إليها طرفة عني فإنه إن‬

‫‪283‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وكله إليها هلك فما هلك من هلك إال حيث وكل إىل نفسه ‪.‬‬
‫وقال النيب ‪ ‬حلصني بن املنذر « قل اللهم أهلمين رشدي وقين شر نفسي » ويف خطبة‬
‫ِك ُه ُم‬ ‫وق ُش َّح َن ْف ِس ِه فَأ ُْولَئ َ‬ ‫احلاجة « ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا » وقد قال تعاىل ﴿ َو َمن يُ َ‬
‫وء ﴾ ‪.‬‬ ‫الس ِ‬
‫س أل ََّم َارةٌ بِ ُّ‬ ‫الْ ُم ْفلِ ُحو َن ﴾ وقال﴿ إِ َّن َّ‬
‫الن ْف َ‬
‫فمن ع رف حقيقة نفسه وما طبعت عليه علم أهنا منبع كل شر وم أوى كل س وء وأن‬
‫ض ُل اللَّ ِه‬ ‫كل خري فيها ففضل من اهلل من به عليها مل يكن منها كما ق ال تع اىل ﴿ َولَ ْواَل فَ ْ‬
‫َح ٍد أَبَداً ﴾ ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َعلَْي ُك ْم َو َرمْح َتُهُ َما َز َكا من ُكم ِّم ْن أ َ‬
‫ب إِلَْي ُك ُم اإْلِ ميَ ا َن َو َزيَّنَ هُ يِف ُقلُ وبِ ُك ْم َو َك َّر َه إِلَْي ُك ُم الْ ُك ْف َر‬ ‫ِ‬
‫وق ال تع اىل ﴿ َولَك َّن اللَّهَ َحبَّ َ‬
‫صيَا َن ﴾ فهذا احلب وهذه الكراهة مل يكونا يف النفس وال هبا ‪.‬‬ ‫والْ ُفس َ ِ‬
‫وق َوالْع ْ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ض الً ِّم َن اللَّه َون ْع َم ةً َواللَّهُ َعل ٌ‬
‫يم‬ ‫ولكن هو ال ذي من هبما بس ببهما من الراش دين ﴿ فَ ْ‬
‫يم ﴾ عليم مبن يص لح هلذا الفضل ويزك وا عليه وبه ويثمر عن ده حكيم فال يض عه عند‬ ‫ِ‬
‫َحك ٌ‬
‫غري أهله انتهى بتصرف يسري ‪.‬‬
‫دائما واحملاس بة هي مطالعة القلب وأعم ال اللس ان‬ ‫فعلى العاقل الل بيب حماس بة نفسه ً‬
‫وأعمال اجلوارح ‪.‬‬
‫بسرعة وكثرت ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫فأجعل ذنوبك نصب عينيك فإن غفلت عنها اجتمعت‬
‫حجرا يف دارك المتأل بيتك يف مدة‬ ‫ٍ‬
‫وتأمل وفكر فلو أنك وضعت يف كل معصية حتدثها ً‬
‫ٍ‬
‫يسرية ‪.‬‬
‫فمثالً عندك غيبة أو عندك كذب أو عندك رياء أو عندك عقوق أو قطيعة رحم أو ظلم‬
‫ملسلم أو لنفسك أو ألهلك أو ألوالدك أو اجلريان أو تعامل معاملة ال جتوز ‪.‬‬

‫‪284‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫أو عندك كفار خدام أو سواقني أو عندك مالهي كالتلفاز والفيديو أو عنك صور أو‬
‫تشرب الدخان أو حلق حلية أو إسبال أو تشبه بكفار أو سفر لبالدهم ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ركات‬ ‫أو لك أوالد يدرس ون عن دهم برضا منك أو أكلك وش ربك ولبسك من ش‬
‫تتعامل بالربا أو أن عملك ال تؤديه كامالً مكمالً وتأخذ ما عليه كامالً ‪.‬‬
‫أو ال تتنسخ من الزكاة أو حنو ذلك مما ال حيصره العد ‪.‬‬
‫فتيقظ وحاسب نفسك وفتش عليها ٍ‬
‫بدقة وأسأل اهلل احلي القيوم أن يتجاوز عنك ‪.‬‬
‫ك نَ ِ‬
‫َوإِال فَِإنِّي ال إِ َخالُ َ‬ ‫يم ٍة‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اجيا‬ ‫فَِإ ْن َتْن َج مْن َها َتْن ُج م ْن ذي َعظ َ‬
‫اسْب ُكم بِِه اللّهُ ﴾ قيل إن هذه‬
‫قال تبارك وتعاىل ﴿ وإِن ُتب ُدواْ ما يِف أَن ُف ِس ُكم أَو خُتْ ُفوه حُي ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ ْ َ‬
‫اآلية أعظم آية يف املؤاخذة ‪.‬‬
‫وملا نزلت بكى عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما فقال ابن عباس يرحم أبا عبد الرمحن‬
‫ف اللّهُ نَ ْفساً إِالَّ ُو ْس َع َها ﴾ ‪.‬‬
‫وإن اهلل تبارك وتعاىل يقول ﴿ الَ يُ َكلِّ ُ‬
‫وقال ابن القيم رمحه اهلل ‪ :‬فمن له بصرية بنفسه وبصرية حبقوق اهلل وهو صادق يف طلبه‬
‫مل يبق له نظره يف سيئاته حسنًة البتة فال يلقى اهلل إال باإلفالس احملض والفقر الصرف ‪.‬‬
‫ألنه إذا فتش عن عيوب نفسه وعيوب عمله علم أهنا ال تصلح هلل وأن تلك البضاعة ال‬
‫تشرتى هبا النجاة من عذاب اهلل فضالً عن الفوز بعظيم ثوابه ‪.‬‬
‫ف إن خلص له عمل وح ال مع اهلل وص ًفا له معه وقت ش اهد منة اهلل عليه وجمرد فض له‬
‫وأنه ليس من نفسه وال هي أهل لذاك ‪.‬‬

‫‪285‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫دائم ا مش اهد ملنة اهلل عليه ولعي وب نفسه وعمله ألنه مىت تطلبها‬ ‫فهو ً‬
‫رآها وهذا من أجل أنواع املعارف وأنفعها للعبد ‪.‬‬
‫ول ذلك ك ان س يد االس تغفار ‪ « :‬اللهم أنت ريب ال إله إال أنت خلقتين‬
‫وأنا عب دك وأنا على عه دك ووع دك ما اس تطعت أع وذ بك من شر ما ص نعت‬
‫أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنيب فاغفر يل إنه ال يغفر الذنوب إال أنت » ‪.‬‬
‫فتض من ه ذا االس تغفار االع رتاف من العبد بربوبية اهلل وإهليته وتوحي ده‬
‫واالع رتاف بأنه خالقه الع امل به إذ أنش أه نش أةً تس تلزم عج زه عن أداء حقه‬
‫وتقص ريه فيه واالع رتاف بأنه عب ده ال ذي ناص يته بي ده ويف قبض ته ال مه رب له‬
‫منه وال ويل له سواه ‪.‬‬
‫مث التزم الدخول حتت عهده وهو أمره وهنيه الذي عهده إليه على لسان‬
‫رس وله ‪ r‬وإن ذلك حبسب اس تطاعيت ال حبسب أداء حقك فإنه غري مق دور‬
‫للبشر إمنا جهد املقل وقدر الطاقة ‪.‬‬
‫ومع هذا فأنا مصدق بوعدك مث انزع إىل االستعاذة واالعتصام بك من‬
‫شر ما ف رطت فيه من أم رك وهنيك فإنك إن مل تع ذين من ش ره وإال أح اطت‬
‫يب اهللكة فإن إضاعة حقك سبب اهلالك وأنا أقر لك والتزم وأخبع بذنيب ‪.‬‬
‫فمنك املنة واإلحسان والفضل ومين الذنب واإلساءة فأسألك أن تغفر يل‬
‫مبحو ذنيب وأن تعفيين من ش ره إنه ال يغفر ال ذنوب إال أنت فله ذا ك ان ه ذا‬
‫الدعاء سيد االستغفار ‪.‬‬
‫وهو متضمن حملض العبودية فأي حسنة تبقى للبصري الصادق مع مشاهدته‬
‫عي وب نفسه وعمله ومنة اهلل عليه فه ذا هو ال ذي يعطيه نظ ره إىل نفسه ونقصه‬
‫‪ .‬أ ‪ .‬هـ ‪.‬‬
‫قال بعض الزهاد ‪ :‬ال يكون العبد من املتقني حىت حياسب نفسه أشد من حماسبة الشريك لشريكه والشريكان يتحاسبان بعد العمل ‪.‬‬

‫الص َم ِد‬ ‫ت أَنَا بِالْو ِ‬


‫اح ِد َّ‬ ‫َوقَ ْد فَ ِر ْح ُ‬ ‫ِشعرا‪ :‬النَّاس ُكلُّهم لِل ِْع ِ‬
‫يد قَ ْد فَ ِر ُحوا‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ًْ‬

‫‪286‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫الذ ِّل َوالْ َك َم ِد‬ ‫وقَ ْد صب ْغ ُ ِ‬ ‫ِِ ِ‬


‫اب ُّ‬ ‫ت ثَي َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ُكلُّ ُه ْم للْعيد قَ ْد َ‬
‫صَبغُوا‬ ‫َّاس‬
‫الن ُ‬
‫الد ْم ِع لِْل َكَب ِد‬
‫ْت أَنَا َّ‬
‫َوقَ ْد َغ َسل ُ‬ ‫ُكلُّهم لِل ِْع ِ‬
‫يد قَ ْد غَ َسلُوا‬ ‫ُُ‬ ‫َّاس‬
‫الن ُ‬
‫وق ال احلسن ‪ :‬املؤمن ق وام على نفسه حياس بها هلل تع اىل وإمنا خف‬
‫احلساب على قوم حاسبوا أنفسهم يف الدنيا وإمنا شق احلساب على قوم أخذوا‬
‫هذا األمر من غري حماسبة ‪.‬‬
‫ويف احلديث أيب طلحة أنه ملا ش غله الطني يف ص الته فت دبر ش غله فجعل‬
‫ندما ورجاءً لعوض مما فاته وتأديبًا لنفسه ‪.‬‬
‫حائطه صدقة هلل تعاىل ً‬
‫املهم أن يعلم العبد أن أعدى عدو له نفسه اليت بني جنبيه وقد خلقت‬
‫أمارة بالسوء أمارة بالشر فرارة من اخلري ‪.‬‬
‫واإلنسان مأمور بتزكيتها وتقوميها وقودها بسالسل العرب إىل عبادة رهبا‬
‫وخالقها ومنعها عن لذهتا وشهواهتا املهلكة ‪.‬‬
‫فإن أمهلها شردت ومجحت ومل يظفر هبا ذلك وإن الزمها بالتوبيخ والتقريع واملعاتبة والعذل واملالمة ومل عن تذكريها وعتاهبا اعتدلت‬
‫بإذن اهلل تعاىل ‪.‬‬

‫اع َوإِ ْن َت ْف ِط ْمهُ َيْنَف ِط ِم‬‫ضِ‬‫الر َ‬


‫ب ِّ‬ ‫ُح ِّ‬ ‫ب‬ ‫س َكالطِّْف ِل إِ ْن ُت ْه ِملْهُ َش َّ‬ ‫النْف ُ‬
‫َو َّ‬
‫ت ال َْم ْر َعى فَال تُ ِس ِم‬ ‫اسَت ْحلَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اع َها َو ِه َي ِفي األَ ْع َم ِال َسائِ َم ًة‬ ‫َوعلَرىِ‬
‫َوإِ ْن ه َي ْ‬ ‫ََ‬
‫الس ِم ِفي‬ ‫َن ُّ‬ ‫ث لَ ْم يَ ْد ِري أ َّ‬ ‫ِم ْن َحْي ُ‬ ‫ت لَ َّذ ًة لِل َْم ْر ِء قَاتِلَ ًة‬
‫َك ْم َح َّسَن ْ‬
‫ويعاتبها ويوضح هلا عيوهبا كلها ويق رر‬ ‫الد َس ِم‬
‫فالعاقل الل بيب من ي وبخ نفسه َّ‬
‫عندها جهلها ومحاقتها فإهنا إذا أراد اهلل تعذر وترعوي وترجع ‪.‬‬
‫فيق ول هلا ‪ :‬ما أعظم جهلك ت دعني احلكمة والفطنة وأنت من أجهل‬
‫الناس وأمحقهم ‪.‬‬
‫وأكرب برهان على ذلك إمهالك واستهانتك أما تعرفني ما بني يديك من‬
‫األهوال والعظائم واملزعجات واملخاوف ‪.‬‬

‫‪287‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫أما تقرئني وتسمعني قول القائلني وأوىف الواعدين وأقدر القادرين ‪ ﴿ :‬إِ َّن لَ َد ْينَا أَن َك االً‬
‫ال َكثِيباً‬‫ت اجْلِبَ ُ‬ ‫ال و َكانَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وج ِحيماً * وطَعاماً َذا غُ َّ ٍ‬
‫ض َواجْل بَ ُ َ‬
‫ف اأْل َْر ُ‬
‫صة َو َع َذاباً أَليماً * َي ْو َم َت ْر ُج ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬
‫َّم ِهيالً ﴾ ‪.‬‬
‫ت ِمن أ َْه ٍل وِمن أَوطَ ٍ‬
‫ان‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫لََفَر ْر َ ْ‬ ‫ت بَِه ْولِِه‬ ‫َي ْوم الِْقَي َام ِة لَْو َعِل ْم َ‬
‫وتَ ِشيب ِمْنهُ مَفا ِرق الْ ِولْ َد ِ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫الس َماءُ لِ َه ْولِِه‬
‫ت َّ‬ ‫يوم تَ َشَّقَق ِ‬
‫َْ َ‬
‫ِذ َيتَ َذ َّكر اإْلِ نس ا ُن وأَىَّن لَ هُ ِّ‬
‫الذ ْكَرى‬ ‫ِذ جِب هنَّم يومئ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ ﴿ :‬وجيءَ َي ْو َمئ َ َ َ َ ْ َ‬
‫ت حِلَيَايِت ﴾ ‪ .‬اآلية ‪.‬‬ ‫ول يَا لَْيتَيِن قَد ْ‬
‫َّم ُ‬ ‫* َي ُق ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الِك‬
‫ني َد َع ْوا ُهنَ َ‬ ‫وقوله عز من قائل ‪َ ﴿ :‬وإِذَا أُلْ ُق وا مْن َها َم َكان اً َ‬
‫ض يِّقاً ُم َق َّرن َ‬
‫يد *‬ ‫آئِه جهنَّم ويس َقى ِمن َّماء ص ِد ٍ‬ ‫ثُب وراً ﴾ ‪ .‬اآلية وقوله جل وعال ‪ِّ ﴿ :‬من ور ِ‬
‫َ‬ ‫ََ ُ َُ ْ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬
‫ت وِمن ورآئِهِ‬ ‫ان وما ه و مِب َيِّ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ََ‬ ‫ت من ُك ِّل َم َك َ َ ُ َ‬ ‫اد يُس يغُهُ َويَأْتي ِه الْ َم ْو ُ‬ ‫َيتَ َجَّرعُ هُ َوالَ يَ َك ُ‬
‫ظ ﴾‪.‬‬ ‫اب َغلِي ٌ‬
‫َع َذ ٌ‬
‫وقوله تبارك وتعاىل ‪ ﴿ :‬فَأَن َذ ْرتُ ُك ْم نَاراً َتلَظَّى ﴾ ‪.‬‬
‫مِج‬ ‫ِ‬
‫ص ْفٌر ﴾ ‪.‬‬ ‫ت ُ‬ ‫وقوله جل وعال ‪ ﴿ :‬إِن ََّها َت ْرمي بِ َشَر ٍر َكالْ َق ْ‬
‫ص ِر * َكأَنَّهُ َالَ ٌ‬
‫وحنو ه ذه اآلي ات املخوفة مث يق ول لنفسه ‪ :‬فمالك تف رحني وتض حكني وتش تغلني ب اللهو وأنت مطلوبة هلذا األمر العظيم واخلطب‬
‫اجلسيم وبني يديك إحدى منزلتني اجلنة أو النار فكيف يهنؤك نوم أو يلذ لك مأكول أو مشروب وأنت ال تدرين يف أي الفرقني تكونني‬
‫السعِ ِري ﴾‬
‫يق يِف َّ‬ ‫ِ‬
‫يق يِف اجْلَنَّة َوفَ ِر ٌ‬
‫﴿ فَ ِر ٌ‬
‫َولَ ْم تَ ْد ِر ِفي أ ِّ‬
‫َي ال َْم َكاَنْي ِن َتْن ِز ُل‬ ‫ف َتَن ُام ال َْعْي ُن َو ِه َي قَ ِر َيرةٌ‬
‫َو َكْي َ‬
‫وقل هلا ‪ :‬أما تعلمن أن كل ما هو آت قريب وأن العيد ما ليس آت ‪.‬‬
‫أما تعلمني أن املوت يأيت بغتة من غري تقدمي رسول ومن غري مواعدة وأنه ال‬
‫ي أيت يف الش تاء دون ص يف وال يف ص يف دون ش تاء وال يف هنار دون ليل وال يف‬
‫ليل دون هنار وال يأيت يف الصبا دون الكرب وال يف الكرب دون الصبا ‪.‬‬
‫بل كل نفس ميكن أن يأتيها املوت بغتة فإن مل يأت املوت بغتة جاءه املرض‬
‫ال حمالة مث املرض يفضي إىل املوت ‪.‬‬
‫فمالك يا نفس ال تستعدين واملوت أقرب إليك من حبل الوريد ‪.‬‬

‫‪288‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫فهكذا معاملة الزهاد والعباد يف توبيخ أنفسهم وعتاهبا فإن مطلبهم من املناجاة‬
‫االسرتضاء ومقصودهم من املعاتبة التنبيه واالسرتعاء ‪.‬‬

‫‪289‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫فمن أمهل معاتبة نفسه وتوبيخها وأمهل مناجاهتا مل يكن لنفسه مراعيًا فنس أل اهلل‬
‫العظيم احلي القيوم معرفة حقيقة بأحوال أنفسنا وغرورها ‪.‬‬
‫وختاما فالعاقل من ب ذل وس عه يف التفكري الت ام وعلم أن دار ال دنيا رحلة فجمع‬
‫ً‬
‫للسفر رحلة ‪.‬‬
‫فمبدأ السفر من ظهور اآلباء إىل بطون األمهات مث إىل الدنيا مث إىل القرب مث احلشر مث إىل دار اإلقامة األبدية ‪.‬‬

‫ور‬ ‫الن ِ‬
‫َّاس َم ْغ ُر ُ‬ ‫ت ِمثْ َل‬ ‫َوإِنَّ َما أَنْ َ‬ ‫الدْنَيا بِ َدائِ َم ٍة‬
‫ُّ‬ ‫ك فَ َما‬ ‫َهِّو ْن َعلَْي َ‬
‫ور‬
‫لَبيب َو ُهَو َم ْس ُر ُ‬
‫ِ‬ ‫س ِمْن ُه ْم‬‫لَ ْم يُ ْم ِ‬ ‫ورتَهُ‬‫ص َ‬ ‫الد ْه ِر ُ‬ ‫َّ‬ ‫صَّو َر أ َْه ُل‬
‫َولَْو تَ َ‬
‫ف دار اإلقامة للم ؤمن هي دار الس الم من مجيع اآلف ات وهي دار اخلل ود‬
‫والعدو سبانا منها إىل دار الدنيا ‪.‬‬
‫فالواجب علينا االجتهاد يف فكاك أسرنا مث يف حث السري إىل الوصول إىل دارنا األوىل ويف مثل هذا قيل‪:‬‬

‫ك األُولَى َو ِف َيها ال ُْم َخيَّ ُم‬ ‫َمَنا ِزلُ َ‬ ‫فَ َح َّي َعلَى َع ْد ٍن فَِإَّن َها‬
‫ُنَر ُّد إِلَى أ َْوطَانَِنا َونُ َسلَّ ُم‬ ‫َولَ ِكنََّنا َسْب ُي ال َْع ُدِّو َف َه ْل َتَرى‬
‫يح أ َْو َل َمْن ِز ِل‬ ‫ص ِح ِ‬
‫ت إِلَى تَ ْ‬ ‫َو ُع ْد ُ‬ ‫ت َهَوى لَْيلَى َو ُس ْع َدى بِ َم ْع ِزل‬ ‫آخر‪َ :‬تَر ْك ُ‬
‫َمَنا ِز ُل َم ْن َت ْهَوى ُر َويْ َد ِك فَانْ ِز ِل‬ ‫ت بِي األَ ْشَوا ُق َم ْهالً َف َه ِذ ِه‬ ‫اد ْ‬
‫َونَ َ‬
‫مث اعلم أن مقدار السري يف الدنيا ويقطع باألنفاس كما قيل ‪:‬‬

‫ب‬ ‫َويُ ْدنِي ال َْمَنايَا لِ ُّلنُف ِ‬


‫وس َفَت ْقَر ُ‬ ‫س إِال ُيَباعد َم ْولِ ًدا‬
‫َو َما َن ْف ُ‬
‫ويسري اإلنسان يف هذه الدنيا سري السفينة ال حيس بسريها وهو جالس فيها كما قيل ‪:‬‬

‫الزَما ُن بَِها يَ ْج ِري‬


‫تَظُ ُّن َوقُوفًا َو َّ‬ ‫ب َسِف َين ٍة‬ ‫َوإِنَّا لِِفي ُّ‬
‫الدْنَيا َكر ْك ِ‬
‫َ‬
‫ويقول آخر‪:‬‬
‫وأَيَّامنا تُطْوى وه َّن مر ِ‬ ‫ِفي ُك ِّل لَ ْحظٍَة‬ ‫اآلج ِال‬ ‫ِ‬
‫اح ُل‬ ‫َ َُ َ َ ُ َ َ‬ ‫نَس ُير إِلَى َ‬
‫ش أَ ْعَن َ ِ‬ ‫آخر‪َ :‬و ُك ُّل ْام ِر ٍئ َي ْو ًما‬
‫اق الْع َدا َواألَقَا ِر َ‬
‫ب‬ ‫َعلَى الن َّْع ِ‬ ‫ب َكا ِر ًها‬ ‫َسَي ْر َك ُ‬

‫‪290‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫واهلل أعلم ‪ .‬وصلى اهلل على حممد وآله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫َفص ْلٌ ‪ :‬اعلم أيها األخ أن مجيع مص يبات ال دنيا وش رورها وأحزاهنا‬
‫كأحالم نوم أو كظل زائل ‪.‬‬
‫هرا‬
‫أياما س اءت أش ً‬
‫يوما أو ً‬‫إن أض حكت قليالً أبكت كث ًريا وإن س رت ً‬
‫أعواما وإن متعت قليالً منعت طويالً ‪.‬‬
‫ً‬ ‫أو‬
‫وما حصل للعبد فيها من س رور إال أعقبه أح زان وش رور كما قيل ‪:‬‬
‫( من سره زمن ساءته أزمان ) ‪.‬‬
‫وقال بعض العلماء لبعض امللوك ‪ :‬إن أحق الناس بذم الدنيا وقالها من‬
‫بسط به فيها وأعطي حاجته منها ‪.‬‬
‫ألنه يتوقع أفة تعدو على ماله فتجتاحه ‪ ،‬أو على مجعه فتفرقه ‪ ،‬أو تأيت‬
‫سلطانه فتهدمه من قواعده ‪.‬‬
‫أو تدب إىل جسمه فتسقمه ‪ ،‬أو تفجعه بشيء هو ضنني به من أحبابه‬
‫‪.‬‬
‫فالدنيا أحق بالذم هي اآلخذة ملا أعطت ‪ ،‬والراجعة ملا وهبت ‪.‬‬
‫بينما هي تضحك صاحبها إذا هي تضحك منه غريه ‪.‬‬
‫وبينما هي تبكي له إذ بكت عليه ‪.‬‬
‫وبينما هي تبسط كفه باإلعطاء إذ بسطتها باالسرتداد ‪.‬‬
‫غدا ‪.‬‬
‫تعقد التاج على رأس صاحبها اليوم وتعفره بالرتاب ً‬
‫سواء عليها ذهاب ما ذهب وبقاء ما بقي جتد يف الباقي من الذاهب خل ًفا وترضى بكل بدالً ‪.‬‬

‫ُّهى ِعبرا‬ ‫اب الن َ‬ ‫ت أل َْربَ ِ‬


‫َفَق ْد أَبَانَ ْ‬ ‫اك ال َت ْغَف ْل َو ُك ْن َح ِذ ًرا‬ ‫ُدْنَي َ‬ ‫ِش ْعًرا‪ :‬بِأ َْم ِر‬
‫َي ص ْف ٍو َتَن َاهى لَم ي ِ‬
‫ص ْر َك َدرا‬ ‫ش بَِها َما َشابََه غَْيٌر‬ ‫َعْي ٍ‬
‫ْ َ‬ ‫َوأ ُّ َ‬ ‫َي‬
‫فَأ ُّ‬
‫ض ِم ْن لَ َّذتَِها َوطَرا‬ ‫َحْتًفا َولَ ْم َي ْق ِ‬ ‫ضى‬ ‫َسلَ ْمَتهُ لِ َّلر َدى َفَق َ‬
‫َسالَ ٍم أ ْ‬ ‫َك ْم‬

‫‪291‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫اد َب ْع َد ُعلُو الَْق ْد ِر ًم ْحَتَقرا‬


‫َف َع َ‬ ‫َو ُمْتَرف َقلَْبت ظَ ْهرا ال َْم َج ِّن لَهُ‬
‫ك َعْنهُ قَ َّل أ َْو َكثُرا‬ ‫ض طَْرفَ َ‬ ‫َوغُ ْ‬ ‫فَأََب ْع َدْن َها َوال تَ ْحَف ْل بُِز ْخ ُر ْف َها‬
‫َك ُر األ َِهلَِّة ال ُيْبِقي لَهُ أََثَرا‬ ‫فَ ُك ُّل َش ْي ٍء َتَر ُاه ال َْعْي ُن ِم ْن َح َس ٍن‬
‫الما طَيًِّبا َع ِطرا‬ ‫َعلَى النَّبِ ِّي َس ً‬ ‫اص ْل ُك َّل أَونٍَة‬ ‫صل وو ِ‬
‫ب َو ّ َ َ‬
‫ِ‬
‫اص َح ْ‬ ‫َو ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫اسَت ْه ِدي بَِه ْديِ ُه ُموا‬ ‫و ِ‬
‫صلَى َو َم ْن ذَ َكرا‬ ‫َف ُه ْم أَئ ْمة م ْن َ‬ ‫ص ْحبِه َو َم ِن ْ‬ ‫َ َ‬
‫مث علم أيها األخ أن من ب ورك له يف عم ره أدرك يف يسري ال زمن من‬
‫منن اهلل ما ال يدخل حتت دوائر العبارة ‪.‬‬
‫فربكة العمر أن ي رزق اهلل العبد من الفطنة واليقظة ما حيمله على اجلد‬
‫واالجتهاد على اغتنام أوقات عمره وانتهاز فرصة إمكانه ‪.‬‬
‫فيب ادر إىل األعم ال القلبية واألعم ال البدنية ويس تفرغ يف ذلك جمه وده‬
‫بالكلية وكل ذلك يف عمره قصري وزمن يسري ‪.‬‬
‫واخلذالن كل اخلذالن أن تتف رغ من الش واغل مث ال تتوجه إىل اهلل جل‬
‫وعال ‪.‬‬
‫أيض ا أن تصدق العوائق والشواغل عن التوجه إىل اهلل تعاىل‬
‫ومن اخلذالن ً‬
‫‪.‬‬
‫والواجب عليك أن تبادر إىل التوجه إىل اهلل باألعمال الصاحلة وأن ترمي‬
‫بالعوائق والشواغل خلف ظهرك ‪.‬‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬

‫ك َج ِدي ُد‬ ‫ٍ‬ ‫ت ِفي‬ ‫ك الْم ِ‬


‫َي ْوم َعلَْي َ‬ ‫َصَب ْح َ‬
‫َوأ ْ‬ ‫ك ُم َعدِّال‬ ‫اضي َعلَْي َ‬ ‫سَ َ‬ ‫ضى أ َْم ُ‬‫َم َ‬
‫ت َح ِمي ُد‬ ‫َوأَنْ َ‬ ‫َفَثنِّي بِإ ْحس ٍ‬
‫ان‬ ‫ت ِجَنايًَة‬ ‫س اقَْتَرفْ َ‬‫ت بِاأل َْم ِ‬‫فَِإ ْن ُكْن َ‬
‫َ‬
‫ت فَِقي ُد‬ ‫َوأَنْ َ‬ ‫لََع َّل غَ ًدا يَأْتِي‬ ‫ات إِلَى غَ ٍد‬ ‫الصالِح ِ‬
‫ج َف ْع َل َّ َ‬ ‫َوال َت ْر ُ‬

‫‪292‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫عرجا ومكاسري وال تنتظ روا الص حة ف إن انتظ ار‬


‫وقد قيل س ريوا إىل اهلل ً‬
‫الصحة بطالة والعاقل من بادر إىل األعمال الصاحلة قال الشاعر حاثًا على اغتنام‬
‫الوقت ‪:‬‬

‫‪293‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ض ِة‬
‫ادا بَِن ْه َ‬ ‫اجتِ َه ً‬
‫اق ْ‬ ‫الس ِ‬
‫َو َش ِّمْر َع ْن َّ‬ ‫ب‬ ‫اسَت ِجب و ْ ِ‬
‫اجَتن ْ‬ ‫يب َو ْ ْ َ‬ ‫َو ُخ ْذ ِم ْن قَ ِر ٍ‬
‫اك َم ْهالً فَ ِه َي أَ ْخطَُر ِعلَِّة‬ ‫َوإِيَّ َ‬ ‫ت ِفي‬ ‫ْت فَال َْم ْق ُ‬ ‫وَغ ًُدكان صا ِرما َكالْوق ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ ً‬
‫ص َّح ِة‬ ‫ت َع ْزما لِ ِ‬ ‫ض َك ِس ًيرا فَ َحظُّ َ‬ ‫عسى‬
‫ك ْال بَطَالَةُ َما أَخَّْر َ ً‬ ‫ََو ِسَْر َز َمًنا َواْن َه ْ‬
‫ت‬‫س إِ ْن ُج ْد َ‬ ‫ف فَِإ ْن تَ ُج ْد تَ ِج ْد َن ْف ًسا فَ َّ‬
‫النْف ُ‬ ‫ف ال َْع ْزِم َس ْو َ‬ ‫وج َّذ بِسْي ِ‬
‫َُ َ‬
‫ت عن الضياع أنه إن قلت أشغالك‬ ‫ِ‬ ‫مث أعلم أيها األخ احلريص على حفظ َج َّد‬
‫وقته‬
‫وقلت عوائقك مث قعدت عن اجلد واالجتهاد فيما يقربك إىل اهلل من أنواع الطاعات‬
‫أن هذا هو اخلذالن أعاذنا اهلل منه ‪.‬‬
‫فف راغ القلب من األش غال نعمة عظيمة ملن وفقه اهلل اغتنامها فص رفها يف‬
‫الباقيات الصاحلات والويل ملن كفر هذه النعمة بان فتح على نفسه باب اهلوى واجنر‬
‫يف قياد الشهوات ‪.‬‬
‫سبعا هل تنتظرون إال فقرا منسيَا أو غين مضغيَا‬
‫قال ‪ « : r‬بادروا باألعمال ً‬
‫هرما مفن َدا أو موتًا جمه َزا أو ال دجال فشر غ ائب ينتظر أو‬
‫مرض ا مفس دا أو ً‬ ‫أو ً‬
‫الساعة فالساعة أدهى وأمر » ‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬الفكرة سراج القلب فإذا ذهبت فال إضاءة له فالقلب اخلايل‬
‫من الفكرة خايل من النور مظلم بوجود اجلهل والغرور ‪.‬‬
‫ففكر الزاهدين يف فناء الدنيا واضمحالهلا وقلة وفائها لطالهبا فيزدادون بالفكر‬
‫زهدا فيها ‪.‬‬
‫ً‬
‫وفكر العابدين يف مجيل الثواب فيزدادون نشاطًا عليه ورغبة فيه ‪.‬‬
‫ومحدا على نعمه اليت ال تعد وال‬
‫وشكرا له ً‬
‫ً‬ ‫وفكر العارفني يف اآلالء والنعماء فيزدادون نشاطًا يف مجيع أنواع العبادة ويذدادون حمبة هلل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وها ﴾‬
‫ص َ‬‫حتصى قال جل وعال وتقدس ‪َ ﴿ :‬وإِن َت ُعدُّواْ ن ْع َمةَ اللّه الَ حُتْ ُ‬
‫ْحس ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َخ ْذ َ ِ‬ ‫وب مو ِ‬ ‫ِش ْعًرا‪َ :‬ما لِي أ ََر َ‬
‫اب أ ََمانَا‬ ‫ت م ْن ُسوء ال َ‬ ‫أَأ َ‬ ‫اظَبا‬ ‫الذنُ ِ ُ َ‬ ‫اك َعلَى ُّ‬
‫َولََع َّل ُع ْم ُر َك قَ ْد َدنَا أ َْو َحانَا‬ ‫ك قَ ْد أَتَى‬ ‫ال َت ْغَفلَ َّن َكأ َّ‬
‫َن َي ْو َم َ‬
‫يق فَأَنْ َذر ال ِ‬
‫ْج َيرانَا‬ ‫َ‬ ‫يب لِ َح ْف ِر َقْب ِر َك ُم ْس ِر ًعا َوأَتَى َّ‬
‫الص ِد ُ‬ ‫ْحب ُ‬
‫ضى ال َ ِ‬ ‫َو َم َ‬

‫‪294‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫َميًِّتا ُع ْريَانَا‬ ‫ك‬‫َوبَ َدا بِغَ ْسِل َ‬ ‫َوأَتوا بِغَ َّسال َو َجاءُوا نَ ْحَوهُ‬
‫اإل ْخَوانَا‬ ‫َس ِر َير ِك ِ‬ ‫َو َد ُعوا لِ َح ْم ِل‬ ‫ت َث ْوبًا لِلَْبلَى‬ ‫ْت ثُ َّم ُك ِسْت َ‬ ‫َفغُسل َ‬
‫وع ُه ْم غُ ْد َرانَا‬ ‫ت َعلَْي ِه َم‬
‫ُد ُم َ‬ ‫َو َج ْ‬ ‫اع َفَو ّد ُعوا‬ ‫ك لِلَْو َد ِ‬
‫اك أ َْهلَ َ‬ ‫َوأَتَ َ‬
‫ْجَنا ُن ُم َجا ِو ًرا ِر ْ‬
‫ضَوانَا‬ ‫س َكن ال ِ‬ ‫ف ا ِإللَ َه فَِإنَّهُ َم ْن َخافَهُ‬‫فَ َخ ِ‬
‫َ َ‬
‫وحهُ َريْ َحانَا‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ط ُر َ‬ ‫أَبَ ًدا يُ َخالَ ُ‬ ‫يم َها‬
‫َجنَّات َع ْدن ال يَبي ُد نَع ُ‬
‫وه َوتُ ْح ِر ُق األَبْ َدانَا‬ ‫ِ‬
‫تَ ْش ِوي ال ُْو ُج َ‬ ‫ال لَ َها لَظَى‬ ‫صى نَ ًارا ُيَق ُ‬ ‫َول َم ْن َع َ‬
‫َكي ال يَؤ ِ‬
‫اخ ُذنَا بِ َما قَ ْد َكانَا‬ ‫َنْب ِكي َو َح ّق لََنا الْبُ َكى يَا َق ْو َمَنا‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫صلٌ )‬
‫( فَ ْ‬
‫مث اعلم أنه ليس ذكر املوت الن افع هو أن يق ول املوت فقط ف إن ه ذا‬
‫قليل الفائدة بل ال بد مع ذلك من تفكر بقلب فارغ عن الشهوات واستحضار‬
‫حلاله عند املوت وأهواله وش دائده وس كراته ويتفكر يف ش دة ال نزع واألمل ال ذي‬
‫يعانيه عند خروج الروح من البدن أعاننا اهلل على ذلك ومجيع املسلمني ‪.‬‬
‫حىت قالوا ‪ :‬إنه أشد من الضرب بالسيف ونشر باملناشري وقرض باملقاريض‬
‫ألنه يهجم على اإلنس ان ويس تغرق مجيع أجزائه من كل ع رق من الع روق‬
‫وعصب من األعص اب وج زء من األج زاء ومفصل من املفاصل ومن أصل كل‬
‫شعرة وبشرة من املفرق إىل القدم ليستل الروح منها ‪.‬‬
‫فال تس أل عن كربه وأمله ول ذلك ال يق در على الص ياح مع ش دة األمل‬
‫لزيادة الكرب حيث قهر كل قوة وضعف كل جارحة فلم يبق له قوة االستغاثة‬
‫أما العقل فقد غشيه وشوشه ‪.‬‬
‫وأما اللس ان فقد حجزه وأبكمه واألط راف فقد ض عفها ووهنها وخدرها‬
‫خوارا وغرغرة من حلقه‬‫ً‬ ‫فإن بقيت فيه قوة مسعت له عند نزع الروح وجذهبا‬
‫وص دره وقد تغري لونه واربد وجهه حىت كأنه ظهر من ال رتاب ال ذي هو أص له‬
‫‪.‬‬

‫‪295‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وقد ج ذب منه كل ع رق على حدته ف األمل منتشر يف داخله وخارجه‬


‫حىت‬

‫‪296‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ترتفع احلدقتان إىل أعايل أجفانه ‪ .‬وتتقلص الشفتان ويتقلص اللسان وختضر أنامله‬
‫فال تسأل عن بدن جيذب منه كل عرق من عروقه ‪.‬‬
‫مث ميوت كل عضو من أعضائه تدرجيًا فتربد أوالً قدماه مث ساقاه مث فخذاه ولكل عضو سكرة بعد سكرة وكربة بعد كربة حىت يبلغ هبا‬
‫إىل احللقوم فعند ذلك ينقطع عن الدنيا وأهلها وتعظم حسرة املفرط ويندم حيث ال ينفعه الندم ‪.‬‬

‫َوأَفْظَ ُع‬ ‫ت أَ ْد َهى‬ ‫نُح ِاذر ب ْع َد الْمو ِ‬ ‫ت‬ ‫ت ال مْنجى ِمن الْمو ِ‬ ‫َه ُو ال َْم ْو ُ‬
‫َْ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ َ َ َْ‬
‫ي‬ ‫والَّ ِ‬
‫ذ‬
‫ب‬ ‫ِ‬
‫ُم ْذن ٌ‬ ‫ك َوابْ ِك َها يَا‬ ‫َوا ْذ ُك ْر ذُنُوبَ َ‬ ‫ك َما قَ ْد َكا َن ِفي َز َم ِن‬ ‫آخر‪َ َْ ْ َ :‬‬
‫ن‬‫ع‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫َ‬
‫ال ب َّد ي ْح ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الصبا‬
‫ِّ‬
‫ب‬
‫ت َويُ ْكَت ُ‬ ‫صي َما َجَنْي َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫اب فَِإنَّهُ‬ ‫ْحس ِ‬
‫َوا ْذ َُك ْر ُمَناقَ َشة ال َ‬
‫بل أَْثبْت َاه وأَنْ َ ٍ‬ ‫لَم يْنسه الْملَ َك ِ ِ‬
‫ب‬‫ت اله َتل َْع ُ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫ان حْي َن نَ ِس َيتهُ‬ ‫ْ َ َُ َ‬
‫ِ‬
‫ب‬‫ك َوتُ ْسلَ ُ‬ ‫َسُت ْر ِد َها بِالْغُْرم ِمْن َ‬ ‫يك َو ِد َيعةٌ أ َْو َد ْعَت َها‬ ‫وح ِف َ‬ ‫الر ُ‬ ‫َو ُّ‬
‫ب‬
‫ع يَ ْذ َه ُ‬ ‫َد ٌار َحِقي َقُت َها َمَتا ٌ‬ ‫اك الَّتِي تَ ْس َعى لَ َها‬ ‫ور ُدْنَي َ‬ ‫َوغَ ُر ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬‫اسَنا ف َيها ُت َع ُّد َوتُ ْح َس ُ‬ ‫أَْنَف ُ‬ ‫اله َما‬‫َّه ُار ك ُ‬ ‫اللي ُل فَا ْعلَ ْم َوالن َ‬ ‫َو ْ‬
‫ب‬‫ك ُيْن َه ُ‬ ‫َحَّقا يَِق ًينا َب ْع َد َم ْوتِ َ‬ ‫يع َما َخلَّْفتُهُ َو َج َم ْعتُهُ‬ ‫ِ‬
‫َو َجم ُ‬
‫ب‬
‫يل يَ ْخ ُر ُ‬ ‫َو ُم َشيِّ ُد َها َع َّما قَِل ٍ‬ ‫يم َها‬ ‫َتبا لِ َدا ٍر ال ي ُد ِ‬
‫وم نَع ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ً‬
‫ض ُّ‬ ‫صاتَِها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬‫َعُّز األَنْ َج ُ‬ ‫يذل لَ َها األ َ‬ ‫ض ٌ‬ ‫َم َ‬ ‫ب األَيَّام في غُ َ‬ ‫َو َعَواق ُ‬
‫ِ‬ ‫ك َت ْقوى ِ‬
‫ب‬‫إِ َّن التَّق َّي ُهَو الَْب ِه ُّي األ َْهَي ُ‬ ‫اهلل فَالَْز ْم َها َتُف ْز‬ ‫َف َعلَْي َ َ‬
‫ب‬‫يع لَهُ لَ َديْهُ ُمَقَّر ُ‬
‫ِ‬
‫إِ َّن ال ُْمط َ‬ ‫ضا‬ ‫الر َ‬ ‫اعتِ ِه َتَن ْل ِمْنهُ ِّ‬ ‫َوا ْع َم ْل بِطَ َ‬
‫ب‬
‫ات َف ُهَو ال َْمطْلَ ُ‬ ‫ْس ِم َّما فَ َ‬‫َوالَْيأ ُ‬ ‫احةٌ‬‫اعة َر َ‬
‫ض الَْقَن َ ِ‬ ‫َواقَْن ْع ِفِفي َب ْع ِ‬

‫ين إِلَى ال ُْمَقا ِر ُن ُيْن َس ُ‬


‫ب‬ ‫إِ َّن الَْق ِر َ‬ ‫اخًرا‬ ‫اصطَفيه َتَف ُ‬ ‫ك َو ْ‬ ‫َوا ْخَت ْر قَ ِر َين َ‬
‫ب‬ ‫إِ َّن الْ َك ُذ َ ِ‬
‫ص َح ُ‬‫س َخال يَ ْ‬ ‫وب لَبْئ َ‬ ‫ك‬‫وب فَال يَ ُك ْن لَ َ‬ ‫َد ْع الْ َك ُذ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ب‬ ‫ِ‬
‫فَال َْم ْرءُ يَ ْسلَ ُم باللِّ َسا ُن َوُي ْعطَ ُ‬ ‫احَت ِر ْز ِم ْن لَْف ِظ ِه‬ ‫ك َو ْ‬ ‫احفًباْظ لِ َسانَ َ‬ ‫احَ‬ ‫ص‬
‫َوَ ْ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الم إِ َذا نَطَْق َ‬ ‫ِ‬
‫ب‬‫ث ْرثَ َار ًة في ُك ِّل نَاد تَ ْخطُ ُ‬ ‫ت َوال تَ ُك ْن‬ ‫َو ِزن الْ َك َ‬

‫‪297‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ب‬ ‫ِ‬ ‫َوا ْع ِد ْل َوال تَظِْل ْم‬ ‫ْخيانَ َة فَ ْ ِ‬ ‫ِ‬


‫يب ال َْم ْك َس ُ‬
‫يَط ُ‬ ‫ب‬‫اجَتن ْ‬ ‫ع األََمانََة َوال َ‬ ‫َو ْار َ‬
‫يح‬ ‫َّ ِ‬ ‫ُي ْع ِدي َك َما ُي ْع ِدي‬ ‫احَب ِة اللَّئِيم فَِإنَّهُ‬
‫الصح َ‬ ‫صَ‬ ‫اح َذ ْر ُم َ‬
‫َو ْ‬
‫ب‬ ‫ببِأ َّ‬
‫َجلََرْم ُ‬
‫اَواأل ْعْ‬ ‫صائًِبا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اء ُه ال يُ ْح َج ُ‬‫َن ُد َع َ‬ ‫اح َذ ْر م ْن ال َْمظْلُوم َس ْه ًما َ‬ ‫َو ْ‬
‫بٌّر نَص ِ‬ ‫احَف ْظ ُه ِد َ ِ‬
‫ب‬‫وح لألَنَ ِام ُم َجَّر ٌ‬
‫َ ُ ٌ‬ ‫يح ًة أ َْوال َك َها‬
‫يت نَص َ‬ ‫فَ ْ‬
‫ب‬ ‫الزمان وأ َْهلهُ مسَتْب ِ‬ ‫ِ‬
‫وب َوَت ْعَق ُ‬
‫ور َو َما َت ُؤ ُ‬
‫َو َرأَى األ ُُم َ‬ ‫صًرا‬ ‫ُْ‬ ‫ب َّ َ َ‬ ‫صح َ‬ ‫َ‬
‫اللهم اختم لنا خبامتة السعادة واجعلنا ممن كتبت هلم احلسىن وزيادة واغفر‬
‫لنا ولوال دينا ومجيع املس لمني برمحتك يا أرحم ال رامحني وص لى اهلل على حممد‬
‫وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫صلٌ )‬
‫( فَ ْ‬
‫ومما يعني على االس تعداد للم وت ذكر مرارته كما فهمته مما س بق ومما‬
‫ي أيت وقد مساه ‪ r‬ه اذم الل ذات وتفكر يف املوتى ال ذين حبس وا على أعم اهلم‬
‫ليجازوا هبا فليس فيهم من يقدر على حمو خطيئة وال على زيادة حسنة ‪.‬‬
‫ولو قلت هلم ‪ :‬متنوا وأنطقهم اهلل لقالوا ‪ :‬نرد إىل الدنيا لنعمل بطاعة اهلل‬
‫ال يري دون ذهبًا وال فض ةً وال بس تانًا وال فل ةً وال عم ارة ‪ .‬ولتعجب منا ومن‬
‫حالنا وتفريطنا واهنماكنا يف الدنيا ‪.‬‬
‫أيض ا ذكر املوت من فتنة القرب وعذابه‬
‫ومما يعني على االس تعداد للم وت ً‬
‫أو نعيمه والبعث واحلشر واحلس اب والص راط وامليزان واحلوض والش فاعة واجلنة‬
‫والنار وما أعد اهلل ألهلهما أمجاالً وتفصيالً ‪.‬‬
‫جالسا يف املقابر فقال ما أجلسك هنا فقال ‪:‬‬
‫مر رجل على رجل ً‬
‫الس َكَنا‬
‫ْج َيرا َن َو َّ‬ ‫وي ْذ ُكر األ َْهل وال ِ‬
‫َ َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫يب َعْن َد غُْربَتِ ِه‬ ‫يَ ْشَتا ُق ُك ُّل غَ ِر ٍ‬
‫ت لَ ُه ْم َوطًَنا‬ ‫إِال ال َْمَقابَِر إِ ْذ َكانَ ْ‬ ‫ت أَ ْذ ُك ُر ُه‬ ‫س لِي َوطَ ٌن أ َْم َسْي ُ‬ ‫َولَْي َ‬
‫ْحِقي َق ِة أَفْ َج ُع‬ ‫ِ ِ‬
‫َو َفَناءُ َن ْفسي في ال َ‬ ‫ْت أَفْ َج ُع بِاأل َِحبَِّة ُكلُّ ُه ْم‬
‫ِش ْعًرا‪َ :‬ما ِزل ُ‬
‫ِ‬ ‫س َقْب َل ُفَر ِاق ِه‬ ‫ِ‬
‫َّاس إِال ظَاعن َو ُمَود ُ‬
‫َّع‬ ‫فَ َما الن ُ‬ ‫النْف ِ‬
‫يل َّ‬ ‫َفَو ِّد ْع َخل َ‬

‫‪298‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ك ال َْمال‬ ‫ت ِش ْع ِري َما أُبِْقي لَ َ‬ ‫َفَلْي َ‬ ‫ك ِم َيراثًا لَِوا ِرثِِه‬‫ت َمالَ َ‬ ‫آخر‪ :‬أَْبَقْي ُ‬
‫ْحالُ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ك ال َ‬ ‫ف َب ْع َد ُه ْم َحالَ ْ‬ ‫فَ َكْي َ‬ ‫سُّر ُه ْم‬‫وم َب ْع َد َك في َحال تَ ُ‬ ‫الَْق ُ‬
‫اث‬ ‫واسَت ْح َكم الِْقيل ِفي ال ِْمير ِ‬ ‫َح ٍد‬ ‫مالُوا لِب َك ٍاء فَما يب ِك َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫يك م ْن أ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الر َدى أ َْهِلي‬ ‫َُدوالْونَِقيال َوأَ ْفَنى َّ‬ ‫آخر‪ :‬ا َشْتا ُق أ َْهِلي َوأ َْوطَانِي َوقَ ْد َمَل ْك ُ‬
‫ت‬
‫َحَِبَهاابِي َح َّل إِ ْخَوانِي َوأَْتَرابِي‬‫أَوَْمأثَ ْال‬ ‫يح إِلَى ُر ْؤيَا الْ ُقبو ِر فَِفي‬ ‫اسَت ِر ُ‬
‫فَ ْ‬
‫ِم ْن َب ْع ِد ِه ْم َولِ َحا ُق الَْق ْوِم أ َْولَى بِي‬ ‫َسَتَل ُّذ بَِها‬ ‫َحَيا َحَيا ًة أ ْ‬
‫ت أْ‬ ‫َولَ ْس ُ‬
‫َو َسا َق ُه ْم نَ ْحَو ال َْمَنايَا ال َْمَق ِادر‬ ‫ور ُه ْم َمْن ُه ْم َوأَقْوت‬
‫ت ُد ُ‬ ‫آخر‪َ :‬خَل ْ‬
‫ْحَفائِر‬ ‫ت التَُّراب ال َ‬ ‫ض َّم ُه ْم تَ ْح َ‬
‫َو َ‬ ‫الدْنَيا َو َما َج َم ُعوا لَ َها‬ ‫عراصهمَع ِن ُّ‬
‫َو َخلُوا‬
‫اج ُر‬‫ات لِلْم ِر ِء َز ِ‬ ‫َع ِن اللَّ ْه ِو واللَّ َذ ِ‬ ‫آخر‪َ :‬و ِفي ذَ ْك ِر َه ْو ِل ال َْم ْوت َوالَْقْب ِر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب قَ َذ ٍال ُمْن ِذ ٌر لِألَ َكابُِر‬ ‫ِ‬ ‫والْبلَى ِ‬
‫َو َشْي ُ‬ ‫ص‬‫ين َتَربُّ ُ‬‫اب األ َْربَع َ‬‫أَََب ْعَد اقْتَر ُ‬
‫الر ْش ِد َحائُِر‬ ‫ك َع ْم ًدا أ َْو َع ِن ُّ‬ ‫لَِن ْف ِس َ‬ ‫ضائُِر‬
‫ك َم ْعنِ ٌّي بِ َما ُهَو َ‬ ‫َكأَنَّ َ‬
‫ك ِمْن َها َمْنظَُر نَظَر‬ ‫َوِإ ْن بَ َدا لَ َ‬ ‫آخر‪ِ :‬إ َّن اللَّيالِي ِمن أَ ْخ ِ‬
‫الق َها الْ َك َد ُر‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فَ ُك ْن َعَلى َح َذ ٍر َم َّما َتغُر بِِه‬
‫ْح َذ ُر‬‫إِ ْن َكا َن َيْنَف ُع م ْن َغَّرات َها ال َ‬
‫ت َت ْعتَبِ ُر‬ ‫َما ِف ِيه ُر ْش ُد َك لَ ِك ْن لَ ْس َ‬ ‫ك اللََّيالِي ِم ْن َحَو ِادثَِها‬ ‫َس َم ْعتُ َ‬
‫قَ ْد أ ْ‬
‫ك الْغََر ُر‬ ‫ودي بِ َ‬ ‫ك أَ ْن ي ِ‬ ‫وش ُ‬ ‫تاهلل ي ِ‬ ‫يَا َم ْن َيغُُّر بِ ُدْنَياهُ َو ُز ْخُر ِف َها‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ال َوالَْف َخ ُر‬ ‫ك َه َذا َّ‬
‫الد ُ‬ ‫لِْلَقْب ِر َويْ َح َ‬ ‫َويَا ُمدال بِ ُح ْس ِن َراق َمْنظَُرهُ‬
‫ص َد ُر‬‫وردا َما لَهُ َ‬ ‫َك َم ْن يُ َحا ِو ُل ً‬ ‫ضى ُتَفا ِر ُق َها‬
‫ْحَيا َة َوال َت ْر َ‬
‫َت ْهَوى ال َ‬
‫آماله ال ُْع ُم ُر‬ ‫َوإِ ْن أَطَ َ‬ ‫ُك ُّل ْام ِر ٍئ صائِر حْتما إِلَى ج َد ٍ‬
‫ال َم َدى َ‬ ‫ث‬ ‫َ‬ ‫َ ٌ ًَ‬
‫آخر‪:‬‬

‫يَ ْسِقي ِديَ َار ُه ْم ُد ُم ً‬


‫وعا تَ ْس ُج ُم‬ ‫قُ ْل لِلَّ ِذي َفَق َد األ َِحبَّ َة َواْنَثَنى‬
‫يب األَبْ َك ُم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك ِفي الدِّيَا ِر ُم َسائِالً‬
‫َع ْن أ َْهل َها َو َمَتى يُج ُ‬ ‫َما َذا ُوقُوفُ َ‬

‫‪299‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫الدا ِر ال ُْم ِحيلَة أَ ْعَل ُم‬‫بِِه ْم ِم َن َّ‬ ‫الزَمان فَِإنَّهُ‬ ‫ف َّ‬ ‫ص ْر َ‬‫َس ْل َعْن ُه ْم َ‬
‫آثَ َار ُه ْم ِعظَةٌ لَ َم ْن َيَتَو َّس ُم‬ ‫الزَمان َو َه ِذ ِه‬ ‫ب َّ‬ ‫أَ ْفَن ُ‬
‫اه ْم َريْ َ‬
‫اث َحتَّى َي ْر َح ُموا‬ ‫َح َد ُ‬‫َت ْر ِج ُيه ْم األ ْ‬ ‫ت ُم َح َّس َديْ َن َفَقلَّ َما‬ ‫َوإِ َذا َرأَيْ َ‬
‫َو َكأََّنَنا ِف َيها ُس َك َارى َنَّو ُم‬ ‫الدْنَيا بَِنا‬
‫ًّ‬ ‫ب َه ِذ ِه‬ ‫َوَتَرى َتَقلُّ ُ‬
‫يس َنو ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫الَّتِي َخلَ ْ‬ ‫آخر‪َ :‬ولَ َّما َمَر ْرنَا بِالدِّيَا ِر‬
‫اح ُل‬ ‫َف ُه َّن لُف ْق َدان األَن ِ َ‬ ‫ت‬
‫َصائِ ُل‬ ‫َّ ِ‬
‫َّها ِر أ َ‬ ‫ات الن َ‬‫ض ْحَو ُ‬ ‫الم َو َ‬ ‫ظَ َ‬ ‫تَ َح َّملُوا‬ ‫فَِإ ْشَرا ُق َها َب ْعد الذ َ‬
‫ين‬
‫الد ُموع ال َْهَو ِام ُل‬ ‫َعلَى أ َْهِل َها ِمنَّا ُّ‬ ‫ت‬
‫اد َر ْ‬
‫َوَتَب َ‬ ‫ْجَوى ِع ْرفَاَن َها‬ ‫أَثَ َار ال َ‬
‫أخ رج الطيالسي وابن أيب ش يبة يف املص نف وأمحد بن حنبل وهن اد بن‬
‫الس ري يف الزهد وعبد بن محيد وأبو داود وابن جرير وابن أيب ح امت وص ححه‬
‫واحلاكم وصححه والبيهقي يف كتاب عذاب القرب عن الرباء بن عازب رضي اهلل‬
‫عنه قال ‪ :‬خرجنا مع رسول اهلل ‪ r‬يف جنازة رجل من األنصار فانتهينا إىل القرب‬
‫وملا يلحد فجلس رسول اهلل ‪ r‬وجلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطري ويف يده‬
‫عود ينكت به يف األرض فرفع رأسه فقال ‪ « :‬استعيذوا باهلل من عذاب القرب »‬
‫‪ .‬مرتني أو ثالثًا ‪.‬‬
‫مث ق ال ‪ « :‬إن العبد املؤمن إذا ك ان يف انقط اع من ال دنيا وإقب ال من‬
‫اآلخ رة ن زل إليه مالئكة بيض الوج وه ك أن وج وههم الش مس معهم كفن من‬
‫أكفان اجلنة وحنوط من حنوط اجلنة حىت جيلسوا منه مد البصر ‪.‬‬
‫وجييء ملك املوت حىت جيلس عند رأسه فيق ول ‪ :‬أيتها النفس املطمئنة‬
‫اخرجي إىل مغفرة من اهلل ورضوان قال ‪ :‬فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من‬
‫يف الس قاء فيأخ ذها ف إذا أخ ذها مل ي دعها يف ي ده طرفة عني حىت يأخ ذوها‬
‫وط وخيرج منها‬ ‫فيجعلوها يف ذلك الكفن ويف ذلك الكفن ويف ذلك احلن‬
‫كأطيب نفحة مسك وجدت على األرض ‪.‬‬

‫‪300‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫فيصعدون هبا فال ميرون على مأل من املالئكة إال قالوا ‪ :‬ما هذه الروح‬
‫الطيبة ؟ فيقولون ‪ :‬فالن بن فالن بأحسن أمسائه اليت كانوا يسمونه هبا يف الدنيا‬
‫حىت ينته وا هبا إىل الس ماء اليت تليها حىت ينته وا إىل الس ماء الس ابعة فيق ول اهلل‬
‫عز وجل ‪ :‬اكتبوا كتاب عبدي يف عليني وأعيدوه إىل األرض فإين منها خلقتهم‬
‫وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فتعاد روحه فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقوالن له ‪ :‬من ربك ؟ فيقول‬
‫‪ :‬ريب اهلل ؟ فيق والن له ‪ :‬ما دينك ؟ فيق ول ‪ :‬ديين اإلس الم ‪ .‬فيق والن له ‪ :‬ما‬
‫ه ذا الرجل ال ذي بعث فيكم ؟ فيق ول ‪ :‬هو رس ول اهلل ‪ . r‬فيق والن له ‪ :‬وما‬
‫عملك ؟ فيقول ‪ :‬قرأت كتاب اهلل فآمنت به وصدقت ‪ .‬فينادي مناد أن صدق‬
‫عب دي فأفرش وه من اجلنة وألبس وه من اجلنة وافتح وا له بابًا إىل اجلنة فيأتيه من‬
‫روحها وطيبها ويفسح له يف قربه مد البصر ‪.‬‬
‫ق ال ‪ :‬ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثي اب طيب ال ريح فيق ول ‪ :‬أبشر‬
‫بال ذي يس رك ه ذا يومك ال ذي كنت توعد ‪ .‬فيق ول ‪ :‬من أنت فوجهك الوجه‬
‫الذي جييء باخلري ؟ فيقول ‪ :‬أنا عملك الصاحل ‪ .‬فيقول ‪ :‬رب أقم الساعة حىت‬
‫ألرجع إىل أهلي ومايل ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وإن العبد الكافر إذا كان يف انقطاع من الدنيا وإقبال من اآلخرة‬
‫نزل إليه من السماء مالئكة سود الوجوه معهم املسوح فيجلسون منه مد البصر‬
‫مث جييء ملك املوت حىت جيلس عند رأسه فيق ول ‪ :‬أيتها النفس اخلبيثة أخ رجي‬
‫إىل س خط من اهلل وغضب ‪ .‬ق ال ‪ :‬فتف رق يف جس ده فينتزعها كما ين تزع‬
‫الس فود من الص وف املبل ول فيأخ ذها ف إذا أخ ذها مل ي دعوها يف ي ده طرفة عني‬
‫حىت جيعلوها يف تلك املسوح ‪.‬‬

‫‪301‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وخيرج منها كأننت ريح جيفة وجدت على وجه األرض فيصعدون هبا فال‬
‫ميرون هبا على مأل من املالئكة إال ق الوا ‪ :‬ما ه ذه ال روح اخلبيثة ؟ فيقول ون ‪:‬‬
‫فالن‬

‫‪302‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ابن فالن بأقبح أمسائه اليت مكان يسمي هبا يف الدنيا حىت ينتهي هبا إىل السماء‬
‫الس َماء‬‫اب َّ‬ ‫َّح هَلُ ْم أ َْب َو ُ‬
‫الدنيا فيستفتح فال يفتح له مث قرأ رسول اهلل ‪ ﴿ : r‬الَ ُت َفت ُ‬
‫اط ﴾ ‪.‬‬‫والَ ي ْدخلُو َن اجْل نَّةَ حىَّت يلِج اجْل مل يِف س ِّم اخْلِي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ ََ ُ‬ ‫َ َ ُ‬
‫فيقول اهلل عز وجل ‪ :‬اكتبوا كتابه يف سجني يف األرض السفلى فتطرح‬
‫الس َماء َفتَ ْخطَُف هُ الطَّْي ُر‬ ‫طرحا مث قرأ ‪َ ﴿ :‬و َمن يُ ْش ِر ْك بِاللَّ ِه فَ َكأَمَّنَا َخ َّر ِم َن َّ‬ ‫روحه ً‬
‫ان َس ِح ٍيق ﴾فتع اد روحه يف جس ده ويأتيه ملك ان‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫أَو َته ِوي ِ‬
‫بِه ال ِّريح يِف م َك ٍ‬
‫ْ ْ‬
‫فيجلس انه فيق والن له ‪ :‬من ربك ؟ فيق ول ه اه ه اه ال أدري ‪ .‬فيق والن له ‪ :‬ما‬
‫دينك ؟ فيقول ‪ :‬هاه هاه ال أدري ‪.‬‬
‫فيقوالن له ‪ :‬ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول ‪ :‬هاه هاه ال أدري ‪ .‬فينادي مناد‬
‫من الس ماء أن ك ذب عب دي فأفرش وه من الن ار وافتح وا له بابًا إىل الن ار فيأتيه من حرها‬
‫ومسومها ويض يق عليه ق ربه حىت ختتلف فيه أض العه ويأتيه رجل ق بيح الثي اب مننت ال ريح‬
‫فيقول ‪ :‬أبشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول ‪ :‬من أنت فوجهك الوجه‬
‫الذي جييء بالشر ؟ فيقول ‪ :‬أنا عملك اخلبيث ‪ .‬فيقول ‪ :‬رب ال تقم الساعة » ‪.‬‬

‫ت ُهَو الْ ُك ْف ُر بِ ْ‬
‫اهلل‬ ‫لَ ِكن ََّما ال َْم ْو ُ‬ ‫ت الْبَِلى‬ ‫ت َم ْو َ‬ ‫ِش ْعًرا‪ :‬ال تَ ْح َسَب َّن ال َْم ْو َ‬
‫اهلل‬ ‫أَ ْعظَم ِمن َذ َ ِ ِ ِ‬ ‫ت َولَ ِك َّن َذا‬ ‫ِ‬
‫اك ل َج ْحده ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫اله َما َم ْو ٌ‬
‫ك ُ‬
‫ص ْحَبهُ ثُ َّم قَائِ ِل‬ ‫َك َد ٍ ِ‬
‫اع إِلَْيه َ‬ ‫ت يَ ِدي‬ ‫آخر‪َ :‬وإِنِّي َوأ َْهِلي َوالَّ ِذي قَ َّدَم ْ‬
‫أ َِعينُوا َعلَى أ َْم ٍر بِ َي الَْي ْو َم نَا ِز ِل‬ ‫َص َحابِِه إِ ْذ ُه ْم ثَالثَةُ إِ ْخَو ٍة‬ ‫أل ْ‬
‫فَ َما َذا لَ َديْ ُك ْم بِالَّ ِذي ُهَو غَائِ ِل‬ ‫يل غَْيَر ِذي َمْثَن ِويٍَّة‬ ‫فَرا ٌق طَ ِو ٌ‬
‫ِ‬

‫يما ِشْئ َ‬ ‫أَطَعتُ َ ِ‬ ‫ئ ِمْنهم أَنَا َّ ِ‬


‫ت َقْب َل التََّزايُ ِل‬ ‫ك فَ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬‫الصاح ُ‬ ‫ال ْام ِر ٌ ُ ْ‬ ‫َفَق َ‬
‫ِ‬
‫اص ِل‬‫لِما بْيَنَنا ِمن ُخلٍَّة غَْير و ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫افَلَّأََّمذاي إِ َذا َج َّد الِْفَرا ُق فَِإنَّنِي‬
‫وف التَّ َد ُاو ِل‬ ‫صُر ُ‬ ‫َحَيانَا ُ‬‫ك أْ‬ ‫َك َذلِ َ‬ ‫َحَيانًا فَال تَ ْسَت ِط ُيعنِي‬ ‫أ َُم ُّد َك أ ْ‬
‫يل ِم ْن َم َهايِ ِل‬ ‫ك بِي ِم ْن َم ِه ٍ‬ ‫َسيُ ْسِل ُ‬ ‫ت اآل َن ِمنِّي فَِإنَّنِي‬ ‫فَ ُخ ْذ َما أ ََر ْد َ‬
‫اج ِل‬‫ف مع ِ‬
‫الحا َقْب َل َحْت ِ ُ َ‬ ‫ص ً‬ ‫َو َع ِّج ْل َ‬ ‫َوإِ ْن ُتْبِقنِي ال َتْب َق فَا ْف َه ْم َمَقالَتِي‬

‫‪303‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ض ِل‬ ‫فَأُوثُِرهُ ِم ْن َبْينِ ِه ْم بِ َّ‬


‫التَفا ُ‬ ‫ِ‬
‫ت ِج ًّدا أُحبُّهُ‬ ‫ال ْام ِرٌؤ قَ ْد ُكْن ُ‬ ‫َوقَ َ‬
‫ب غَْيَر ُمَقاتِ ِل‬ ‫إِ َذا َج َّد ِج ُّد الْ َك ْر ِ‬ ‫اص ٌح‬ ‫ك نَ ِ‬ ‫ِغَنائِ َي أَنِّي َج ِاه ٌد لَ َ‬
‫َو ُمثْ ٍن بِ َخْي ٍر ِعْن َد َم ْن ُهَو َسائِ ِل‬ ‫ك َو َم ُع ٌ‬
‫ول‬ ‫اك َعلَْي َ‬ ‫ولَ ِكنَّنِي ب ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ين بِ ِرفْ ٍق ُع ْقَب ًة ُك َّل َح ِام ِل‬‫أَع ُ‬
‫ِ‬ ‫ين أ َْم ِشي ُم َشِّي ًعا‬ ‫ِ‬
‫َو ُمتََّب ُع ال َْماش َ‬
‫اغ ِل‬‫و ِحينئِ ٍذ أَر ِجع بِما هو َش ِ‬ ‫ت‬ ‫اك الَّ ِذي أَنْ َ‬ ‫ت َمْثَو َ‬ ‫إِلَى بْي ِ‬
‫َ َ ْ ْ َ َُ‬ ‫َ‬
‫َوال ُح ْس ُن ُو ٍّد َمَّر ًة ِفي التََّب ُ‬
‫اد ِل‬ ‫ك ُخلَّةٌ‬ ‫ُمَكْأَد ْنَخ ٌللَ ْم يَ ُك ْن َبْينِي َوَبْيَن َ‬
‫اصا بِطَائِ ِل‬ ‫ِ‬
‫سوا َوإِ ْن َكانُوا حَر ً‬ ‫َولَْي ُ‬ ‫اك ِغَن ُاؤ ُه ْم‬ ‫ك أ َْه ُل ال َْم ْر ِء َذ َ‬ ‫َو َذلِ َ‬
‫الزال ِز ِل‬‫ك ِمثِْلي ِعْن َد َج ْه ِد َّ‬ ‫َخا لَ َ‬ ‫أً‬ ‫َخ ال‬ ‫ال ْام ِرٌؤ ِمْن ُه ْم أَنَا األ ُّ‬ ‫َوقَ َ‬
‫اد ِل‬
‫َّج ُ‬‫اع الت َ‬ ‫ك ِفي ِر َج ِ‬ ‫ُج ِاد ُل َعْن َ‬
‫أَ‬ ‫اع ًدا‬‫ك قَ ِ‬ ‫ى الَْقْب ِر َت ْلَقانِي ُهَنالِ َ‬ ‫لَت َدرى‬
‫تَ ُكو ُن َعلَْي َها َج ِاه ًدا ِفي التَّثَاقُ ِل‬ ‫َوأَق ُْع ُد َي ْو َم الَْو ْز ِن ِفي الْ َكَّف ِة الَّتِي‬
‫اص ٌح غَْيَر َخ ِاذ ِل‬ ‫ك َشِفي ٌق نَ ِ‬ ‫َعلَْي َ‬ ‫فَال َتْن َسنِي َوا ْعلَ ْم َم َكانِي فَِإنَّنِي‬
‫ِِ‬ ‫صالِ ٍح غَ ًدا‬ ‫ك ما قَ َّدم َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ِل‬‫التَفا ُ‬ ‫ت َي ْو َم َّ‬ ‫َح َسْن َ‬ ‫تُالقيه إِ ْن أ ْ‬ ‫ت م ْن َ‬ ‫َو َذل َ َ ْ‬
‫اللهم اجعلنا بت ذكريك منتفعني ولكتابك ورس ولك متبعني وعلى طاعتك‬
‫جمتمعني وتوفنا ربنا مس لمني وأحلقنا بعب ادك الص احلني واغفر لنا ولوال دينا وجلميع‬
‫املس لمني برمحتك يا أرحم ال رامحني وص لى اهلل على حممد وعلى وآله وص حبه‬
‫أمجعني ‪.‬‬
‫صلٌ )‬
‫( فَ ْ‬
‫يف صحيح أيب حامت عن أيب هريرة قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ « : r‬إذا قرب‬
‫أحدكم أو اإلنسان أتاه ملكان أسودان أزرقان ‪ ،‬يقال ألحدمها املنكر ‪ ،‬ولآلخر‬
‫النكري ‪ ،‬فيق والن له ‪ :‬ما كنت تق ول يف ه ذا الرجل حمم ًدا ‪ ، r‬فهو قائل ما‬
‫كان يقول ‪.‬‬

‫‪304‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ف إن ك ان مؤمنًا ق ال ‪ :‬هو عبد اهلل ورس وله أش هد أن ال إله إال اهلل ‪،‬‬
‫وأش هد أن حمم ًدا عب ده ورس وله فيق والن له ‪ :‬كنا نعلم أنك تق ول ذلك ‪ ،‬مث‬
‫ذراعا ‪ ،‬وينور له فيه ‪.‬‬
‫يفسح له يف قربه سبعون ً‬
‫ويقال له ‪ :‬من فيقول ‪ :‬أرجع إىل أهلي ومايل فأخربهم ‪ .‬فيقوالن له ‪ :‬من‬
‫كنومة الع روس ال ذي ال يوقظه إال أحب أهله إليه حىت يبعثه اهلل من مض جعه‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫وإن ك ان مناف ًقا ق ال ‪ :‬ال أدري كنت أمسع الن اس يقول ون ش يئًا فكنت‬
‫أقوله ‪ .‬فيقوالن له ‪ :‬كنا نعلم أنك تقول ذلك ‪ .‬مث يقال لألرض التئمي عليه ‪،‬‬
‫فتل تئم عليه حىت ختتلف أض العه ‪ ،‬فال ي زال مع ذبًا حىت يبعثه اهلل من مض جعه‬
‫ذلك » ‪.‬‬
‫وعن أيب هريرة رضي اهلل عنه أن النيب ‪ r‬قال ‪ « :‬إذا احتضر املؤمن أتته‬
‫املالئكة حبريرة بيضاء ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬أخرجي أيتها الروح الطيبة راضية مرضيًا عنك‬
‫إىل روح ورحيان ورب غري غضبان ‪.‬‬
‫بعض ا حىت‬
‫فتخ رج ك أطيب من ريح املسك ‪ ،‬حىت إنه ليناوله بعض هم ً‬
‫يأتون به السماء ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬ما أطيب هذه الريح اليت جاءتكم من األرض ‪.‬‬
‫فرحا به من أح دكم بغائبه يق دم‬‫في أتون به أرواح املؤم نني ‪ ،‬فهم أشد ً‬
‫عليه ‪ ،‬فيس ألونه م اذا فعل فالن ق ال ‪ :‬فيقول ون دع وة يس رتيح فإنه ك ان يف غم‬
‫ال دنيا ف إذا ق ال ‪ :‬أما أت اكم ق الوا ذهب به إىل أمه اهلاوية ‪ .‬وإن الك افر إذا‬
‫احتضر أتته مالئكة العذاب مبسح فيقولون ‪ :‬أخرجي ساخطة مسخوطًا عليك إىل‬
‫ع ذاب اهلل عز وجل فتخ رج ك أننت ريح جيفة حىت ي أتون هبا ب اب األرض‬
‫فيقولون ‪ :‬فما أننت هذه الريح حىت يأتون هبا أرواح الكفار ‪.‬‬
‫وأخرجه أبو حامت يف صحيحه وقال ‪ :‬إن املؤمن إذا حضره املوت حظرته‬

‫‪305‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫مالئكة الرمحة ‪ ،‬ف إذا قبض جعلت روحه يف حري رة بيض اء ‪ ،‬فينطلق هبا إىل‬
‫باب السماء ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬ما وجدنا رحيًا أطيب من هذه ‪ .‬فيقال ‪ :‬ما فعل فالن‬
‫ما فعلت فالنة ‪ ،‬فيقال ‪ :‬دعوه يسرتيح فإنه كان يف غم الدنيا ‪.‬‬
‫وأما الك افر إذا قبضت نفسه ‪ ،‬ذهب هبا إىل األرض ‪ ،‬فتق ول خزنة‬
‫األرض ‪ :‬ما وجدنا رحيًا أننت من هذه ‪ .‬فيبلغ به إىل األرض السفلى ‪.‬‬
‫وروى النس ائي يف س ننه من ح ديث عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما‬
‫عن النيب ‪ r‬ق ال ‪ « :‬ه ذا ال ذي حترك له الع رش ‪ ،‬وفتحت له أب واب الس ماء‬
‫وش هد له س بعون أل ًفا من املالئكة لقد ضم ض مة مث ف رج عنه » ‪ .‬ق ال النس ائي‬
‫‪ :‬يعين سعد بن معاذ ‪.‬‬
‫وق ال هن اد بن الس ري ‪ :‬ح دثنا حممد بن فض يل عن أبيه عن ابن أيب‬
‫مليكة ‪ ،‬قال ‪ :‬ما أجري أحد من ضغطة القرب ‪ ،‬وال سعد ابن معاذ الذي منديل‬
‫من مناديله خري من الدنيا وما فيها ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وحدثنا عبده بن عبيد اهلل بن عمر عن نافع قال ‪ :‬لقد بلغين أنه شهد جنازة سعد‬
‫بن معاذ سبعون ألف ملك ‪ ،‬مل ينزلوا إىل األرض قط ‪ ،‬ولقد بلغين أن رسول اهلل ‪ r‬قال ‪« :‬‬
‫لقد ضم صاحبكم يف القرب ضمة » ‪ .‬وقيل فيه رضي اهلل عنه ِش ْعًرا ‪:‬‬
‫وما ْاهتَّز عرش ِ ِ‬
‫َس ِم ْعَنا بِِه إِال لِ َس ْعد أَبِي َع ْم ِرو‬
‫َج ِل‬
‫اهلل م ْن أ ْ‬ ‫َ َ َ َْ ُ‬
‫هالِ‬
‫ووردك عن النيب ‪ r‬ملا دفن ابنته جلس عند القرب فرتبد وجهه ‪.‬‬ ‫َ‬
‫مث سري عنه فقال له أصحابه ‪ :‬رأينا وجهك آن ًفا مث سري فقال النيب ‪r‬‬
‫‪ « :‬ذك رت ابنيت وض عفها وع ذاب القرب ف دعوت اهلل فف رج عنها ومي اهلل لقد‬
‫ضمت ضمة مسعها من بني اخلافقني » ‪.‬‬
‫وروي عن إبراهيم الغين عن رجل قال ‪ :‬كنت عند عائشة رضي اهلل‬

‫‪306‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫عنها فمرت جنازة صيب فبكت فقلت هلا ‪ :‬ما يبكيك يا أم املؤمنني ؟ فقالت ‪ :‬هذا الصيب بكيت له شفقة عليه من ضمة القرب ‪.‬‬

‫ص ال ُْمَر َّكب ِفي‬ ‫َدلِيل َعلَى ال ِ‬ ‫الد ٍة‬ ‫ِ‬ ‫ِش ْعًرا‪:‬‬
‫ْح ْر ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ف الطِّْفل عْن َد ِو َ‬ ‫ض َك َّ‬ ‫َوَت ْقبِ ُ‬
‫ت بِال َش ْي ِء‬ ‫يلِّي َعلَى أَنِّي َخَر ْج ُ‬ ‫الِْح‬
‫َدل َ ٌ‬ ‫ط يَ َدا ا ِإلنْ َسا ُن ِعْن َد َم َماتِِه‬ ‫َوبَ ْس ُ‬
‫يت َعلَْي َكا‬ ‫اء َك إِ ْن بَ ِك َ‬
‫اج َع ْل بُ َك َ‬
‫فَ ْ‬ ‫ت‬‫ك َميِّ ٌ‬ ‫اك َي األ َْمَوات إِنَّ َ‬ ‫يا ب ِ‬
‫َ َ‬
‫اك ِم ْن َعْيَنْي َكا‬
‫وس بِ َذ َ‬‫النُف ِ‬ ‫أ َْولَى ُّ‬ ‫ك إَِّن َها‬ ‫ك َن ْف َس َ‬ ‫ك غَْير َك وابْ ِ‬
‫َ َ‬
‫ال َتْب ِ‬
‫َوأَ ْعلَ ُم أَنِّي َب ْع ُد ُه ْم غَْيَر َخالِ ِد‬ ‫اح ٍد‬‫اح ًدا بع َد و ِ‬ ‫تَمُّر لَ َداتِي و ِ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫َْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َكأَنِّي بَِعي ٌد ِمْن ُه ْم غَْيَر َش ِاه ِد‬ ‫اه ْم َوأَ ْش َه ُد َد ْفَن ُه ْم‬ ‫َح ِم ُل َم ْوتَ ُ‬‫َوأ ْ‬
‫ظ َي ْرنُو بِقلة َر ِاق ِد !‬ ‫َك ُم ْسَتْيِق ُ‬ ‫َف َها أَنَا ِفي ِعل ِْمي بِِه ْم َو َج َهالَتِي‬
‫اش ُر‬‫ولَيس لَما تَطْ ِوي الْمنِيَِّة نَ ِ‬ ‫ت َما َبْينِي َوَبْي َن ُم َح َّم ٍد‬ ‫طََوى ال َْم ْو ُ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫َ‬ ‫َْ َ َ‬
‫لََق ْد أنست ممن أحب ال َْمَقابُِر‬ ‫ب َمَنا ِز ُل‬ ‫ت ِم َّم ْن أ ُِح ُّ‬ ‫لَئِ ْن أ َْو َح ْش َ‬
‫ُح ِاذ ُر‬ ‫ِ‬
‫َفلَ ْم َيْب َق لي َش ْيءٌ َعلَْيهُ أ َ‬ ‫ت َو ْح َد ُه‬ ‫َح َذ ُر ال َْم ْو َ‬
‫ت أْ‬ ‫َو ُكْن ُ‬
‫وا ْعلَ ْم بِأ َّ ِِ‬
‫ين َحثاث‬ ‫َن الطَّالب َ‬ ‫َ‬ ‫آمن األَقْ َد ُار َ‬
‫ص ْر َف َها‬ ‫آخر‪ :‬أَيَا َ‬
‫ُشَر َك ُاؤ َك األَيْام َوالَْوا ِر ُ‬
‫ث‬ ‫ت فَِإنَّ َما‬ ‫اسَتطَ ْع َ‬‫ك َما ْ‬ ‫ُخ ْذ ِم ْن ُتَراثِ َ‬
‫اث‬‫النَف ُ‬‫اح ُر َكْي ِد َها َّ‬ ‫َفلْيخز س ِ‬ ‫اجة‬ ‫َمالِي إِلَى ُّ‬
‫َ‬ ‫ورة َح َ‬ ‫الدْنَيا الْغَُر َ‬
‫الث‬
‫الق ثَ ُ‬ ‫َوطَالق ِم ْن َعَز َم الطَّ َ‬ ‫َح ِس َم َد َاء َها‬
‫طَلَّْقُت َها أَلًْفا أل ْ‬
‫ضة َو ِحَبالَُها أَنْ َك ُ‬
‫اث‬ ‫َمْن ُقو َ‬ ‫ود َها‬
‫ورة َو ُع ُه َ‬‫َس َكَناُت َها َم ْح ُذ َ‬
‫الدْنَيا َو ُه َّن ِرثَ ُ‬
‫اث‬ ‫بِ َحَبائِل ُّ‬ ‫ب ِم ْن ِر َج ٍال ْام َس ُكوا‬ ‫إِنِّي ألَ ْع َج ُ‬
‫ض تَ ْشَب ُع َوالْبُطُو ُن ِغَر ُ‬
‫اث‬ ‫فَاأل َْر ُ‬ ‫وز َوأَ ْغَفلُوا َش َهَواَت ُه ْم‬ ‫َكَن ُزوا الْ ُكنُ َ‬
‫اث ؟‬ ‫َج َد ُ‬ ‫أَ ْزو ُ ِ‬ ‫أََتَر ُاه ْم لَ ْم َي ْعلَ ُموا أ َّ‬
‫ادنَا َوديَ ُارنَا األ ْ‬ ‫َ‬ ‫التَقى‬‫َن ُّ‬
‫اللهم سلمنا شرور أنفسنا اليت هي أقرب أعدائنا وأعذنا من عدوك‬

‫‪307‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫واعص منا من اهلوى ومن فتنة الدنيا ومكن حمبتك يف قلوبنا وقوها وأهلمنا ذكرك‬
‫وش كرك وف رح قلوبنا ب النظر إىل وجهك الك رمي يف جن ات النعيم واغفر لنا‬
‫ولوال دينا ومجيع املس لمني برمحتك يا أرحم ال رامحني وص لى اهلل على حممد وعلى‬
‫آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫( موعظة )‬
‫عباد اهلل اغتنموا الطاعات فأيام املواسم معدودة وانتهزوا فرض األوقات‬
‫فس اعات اإلس عاد حمدودة وج دوا يف طلب اخلريات فمناهل الرض وان م ورودة‬
‫وقوموا على قدم السداد واتقوا اهلل الذي إليه حتشرون ‪.‬‬
‫وطمعا ومما رزقهم ينفقون قال تعاىل‬ ‫ً‬ ‫وكونوا من الذين يدعون رهبم خوفًا‬
‫ُخ ِف َي هَلُم ِّمن ُقَّر ِة أ َْعنُي ٍ َج َزاء مِب َا َك انُوا َي ْع َملُ و َن * أَفَ َمن‬
‫س َّما أ ْ‬
‫‪ ﴿ :‬فَاَل َت ْعلَ ُم َن ْف ٌ‬
‫الص احِل ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‬ ‫ين َآمنُ وا َو َعملُ وا َّ َ‬ ‫َك ا َن ُم ْؤمن اً َك َمن َك ا َن فَاس قاً اَّل يَ ْس َت ُوو َن * ََّما الذ َ‬
‫َّات الْ َمأْ َوى نُُزالً مِب َا َكانُوا َي ْع َملُو َن ﴾ ‪.‬‬‫َفلَ ُه ْم َجن ُ‬
‫فيا سعادة أوىل الطاعات الذين اجتباهم موالهم لدار السالم واصطفاهم‬
‫حلظ رية قدسه وأوردهم مناهل اإلنع ام وأوالهم حالوة األنس وواالهم مبواهب‬
‫اإلكرام وسقاهم من رحيق خمتوم ختامه مسك ويف ذلك فليتنافس املتنافسون ‪.‬‬
‫ويا مسرة من ش اهد مع امل الرشد فسلك مسالكه وكان من املستبش رين‬
‫ال ذين ي وم القيامة وج وهم مس فرة ض احكة ال حيزهنم الف زع األكرب وتتلق اهم‬
‫املالئكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ‪.‬‬
‫فت دبروا عب اد اهلل األمر وانظ روا بعني الناقد البصري وت ذكروا الع رض ي وم‬
‫الفزع األكرب بني يدي رب العاملني العليم اخلبري واعلموا أن الظاملني ما هلم‬

‫‪308‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫نطق علَي ُكم بِاحْل ِّق إِنَّا ُكنَّا نَستَ ِ‬


‫نس ُخ َما ُكنتُ ْم َت ْع َملُو َن ﴾‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َه َذا كتَابُنَا يَ ُ َ ْ‬ ‫من ويل وال نصري ( يوم يقال ) ‪﴿ :‬‬
‫ك َت ْهَت ِد َينا‬ ‫الدْنَيا لََعلَّ َ‬
‫َع ِن ُّ‬ ‫صَي ٍام‬‫ك ِفي ِ‬ ‫س َه ْل لَ َ‬ ‫أَال يَا َن ْف ُ‬
‫ك ِعْن َد ُه تَ ْسَتْب ِش ِر َينا‬ ‫لَ(علَّ ِ‬ ‫ت ِمْن َها‬ ‫ْت الْمو ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫يَ ُكو ُن الْفطْ ِر َوق ُ َ ْ‬
‫ان تُ َخلَّ ِد َينا‬ ‫ك ِفي الْجَن ِ‬ ‫لَ(علَّ ِ‬ ‫َس ِعِفينِي‬ ‫أ َِجبِينِي ُه ِد َ‬
‫يت َوأ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫(‬ ‫ِش ْعًرا ‪( :‬‬
‫ْح ِافَر ْة‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫لدْنَيا َوال أ َْهِل َها‬‫ك لِ ُّ‬ ‫ال َتْب ِ‬
‫َوابْك لَي ْوم تَ ْس ُك ِن ال َ‬
‫الس ِاهَر ْة‬ ‫اع ِة َّ‬ ‫(‬ ‫( ِ‬
‫اجَت ِم ُعوا ِفي َس َ‬ ‫فَ ْ‬ ‫يح بِأ َْه ِل الثََّرى‬ ‫ِ‬
‫َوابْك إِ َذا ص َ‬
‫ك ِ‬
‫اآلخَر ْة‬ ‫ال من يس ُكنُ ِ‬ ‫وْيلَ ِ‬
‫آم ُ َ ْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫صَر ْ‬ ‫ك يَا ُدْنَيا لََق ْد قَ َّ‬ ‫َ‬
‫(‬ ‫ِ ِ‬ ‫(‬
‫ب‬‫ت َويُ ْكَت ُ‬ ‫صى َما َجَنْي َ‬ ‫ال بُ َّد يُ ْح َ‬ ‫اب فَِإنَّهُ‬ ‫ْحس ِ‬
‫آخر‪َ :‬وا ْذ ُك ْر ُمَناقَ َشة ال َ‬
‫بل أَْثبت ُاه وأَنْ َ ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫ب‬‫ت اله َتل َْع ُ‬ ‫َ ْ ََ َ‬ ‫ين نَ ِس َيتهُ‬ ‫لَ ْم َيْن َسهُ ال َْملَ َكان ح َ‬
‫اللهم ثبت حمبتك يف قلوبنا ثبوت (اجلبال الراسيات واشرح صدرنا ويسر‬
‫أمورنا وأهلمنا ذك رك وش كرك واغفر لنا ولوال دينا ومجيع املس لمني برمحتك يا‬
‫أرحم الرامحني وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫صلٌ )‬
‫( فَ ْ‬
‫إذا فهمت ذلك ف اعلم أنه ينبغي ملن آيس من حياته بل يس تحب له‬
‫بتأكد أن يكثر من قراءة القرآن واألذكار ويكره له اجلزع وسوء اخللق والشتم‬
‫واملخاص مة واملنازعة يف غري األم ور الدينية يف ال دفاع عنها ويس تحب أن يك ون‬
‫شاكرا هلل تعاىل بقلبه ولسانه ويستحضر يف ذهنه أن هذا آخر أو فاته من الدنيا‬
‫ً‬
‫فيجتهد على ختمها خبري ويكثر من قول ال إله إال اهلل ‪.‬‬

‫‪309‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ويب ادر إىل أداء احلق وق إىل أهلها من رد املظ امل والع واري والودائع‬
‫والغص وب ويس تحل أهله وزوجته ووالديه وأوالده وغلمانه وجريانه وأص دقائه‬
‫وزمالءه وكل من ك انت بينه وبينه معاملة أو مص احبة يف س فر أو غ ريه أو له‬
‫تعلق بشيء ‪.‬‬
‫وأخرج البيهقي وابن عساكر عن عبادة بن حممد بن عبادة ابن الصامت‬
‫قال ‪ :‬ملا حضرت عبادة رضي اهلل عنه الوفاة قال ‪ :‬أخرجوا إيل موايل وخدمي‬
‫وج رياين ومن ك ان ي دخل علي فجمع وا له فق ال ‪ :‬إن ي ومي ه ذا ال أراه إال‬
‫آخر يوم يأيت علي من الدنيا وأول ليلة من اآلخرة ‪.‬‬
‫وإين ال أدري لعله قد ف رط مين إليكم بي دي أو بلس اين ش يء وهو‬
‫وال ذي نفسي بي ده القص اص ي وم القيامة وأح رج إىل أحد منكم يف نفسه ش يء‬
‫والدا وكنت‬ ‫من ذلك إال اقتص مين من قبل أن خترج نفسي فقالوا ‪ :‬بل كنت ً‬
‫مؤدبًا ‪ .‬قال ‪ :‬وما قال خلادم سواء قط فقال ‪ :‬أعفومت ما كان من ذلك ‪ .‬قالوا‬
‫‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ :‬اللهم أشهد ‪ ...‬اخل ‪.‬‬
‫وورد أن عبد اهلل بن عم رو ملا حض رته الوف اة ق ال ‪ :‬انظ روا فالنًا ف إين‬
‫كنت قلت له يف ابنيت ق والً كش به الع دة فما أحب أن ألقى اهلل بثلث النف اق‬
‫فأشهدكم أين قد زوجته ‪.‬‬
‫وينبغي أن يوصي بأمور أوالده إن مل يكن جد يصلح للوالية ويوصي مبا‬
‫ال يتمكن من فعله يف احلال من قض اء ال ديون وحنو ذلك وأن يك ون حسن‬
‫الظن باهلل تعاىل راجيًا عفوه ومغفرته ورمحته وإحسانه ‪.‬‬
‫ويستحضر يف ذهنه أنه حقري يف خملوق ات اهلل تع اىل وأن اهلل تع اىل غين عن عذابه وعن طاعته وأنه عب ده وال يطلب العفو واإلحس ان‬
‫والصفح واالمتنان إال منه جل وعال وتقدس وحيث أوالده على الدعاء له والصدقة عنه ‪.‬‬

‫اآلجال‬
‫ك َم َسافَة َ‬ ‫قَطَ ُعوا إِلَْي َ‬ ‫أََّن ُه ْم‬ ‫فَا ْعَل ْم‬ ‫ت بِنِ َ‬
‫يك‬ ‫ِش ْعًرا‪َ :‬وإِ َذا َرأَيْ َ‬
‫لتر َحال‬‫ِ‬ ‫أَبِي ِه ْم‬ ‫ص َل الَْبنُو َن إِلَى‬
‫َوتَ َجهََّز اآلبَاءُ ل ْ‬ ‫َم َح ِّل‬ ‫َو َ‬

‫‪310‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫آخر‪:‬‬
‫فَِإ َذا قُ ْد َوُت َها َكانَ ْ‬
‫ت َسَن ْة‬ ‫س َوثَ َمانُو َن َسَن ْة‬
‫َخ ْم ٌ‬ ‫لِي‬
‫ول األَ ْزِمَن ْة‬‫الز ْه ِد طُ َ‬
‫التَقى َو ُّ‬ ‫ِفي ُّ‬ ‫ُع ْمَر ال َْم ْر ِء َما قَ ْد َع َّمَر ْه‬ ‫إِ َّن‬
‫ِدا نفسه بق راءة آي ات من الق رآن العزيز يف‬‫ويس تحب أن يك ون ُمَت َعاه ً‬
‫الرج اء وك ذلك أح اديث الرج اء يقرؤها أو جيعل من يقرؤها عليه وأن يك ون‬
‫متزايدا وحيافظ على الصلوات اخلمس يف أوقاهتا ‪.‬‬‫ً‬ ‫خريه‬
‫وجيتنب النجاس ات وحيرص على التطهر ويصرب على مش قة ذلك وك ذا‬
‫ب اقي وظ ائف ال دين حيرص على أدائها كاملة مكملة وليح ذر من التس اهل يف‬
‫ذلك فإنه أقبح القب ائح أن يك ون آخر عه ده من ال دنيا اليت هي مزرعة اآلخ رة‬
‫التفريط فيما وجب عليه أو ندب إليه ‪.‬‬
‫وليجتهد يف ختم عم ره بأكمل األح وال ويس تحب أن يوصي أهله‬
‫أيض ا بالصرب‬
‫وأص حابه بالصرب عليه يف مرضه واحتم ال عما يص در منه ويوص يهم ً‬
‫على مص يبتهم به ويوص يهم ب الرفق مبن خيفه من طفل وغالم وجارية ويوص يهم‬
‫باإلحس ان إىل أص دقائه ويعلمهم أن النيب ‪ r‬ق ال ‪ « :‬إن من أبر الرب أن يصل‬
‫الرجل أهله ود أبيه » ‪.‬‬
‫وقد صح أن رسول اهلل ‪ r‬كان يكرم صواحبات خدجية رضي اهلل عنها‬
‫بعد وفاهتا ‪.‬‬
‫ويوصيهم بتعاهده بالدعاء وفعل ما يقرب إىل اهلل وينوي الثواب له وذلك‬
‫كاحلج والصدقة واألضحية وطبع املصاحف والكتب الدينية املقوية للشريعة احملمدية‬
‫واإلعانة على بناء املساجد ‪.‬‬
‫وكالعني اجلارية وحنو ذلك ويوصيهم بأن ال ينسوه بل تعاهدوه بالدعاء له ولوالديه ‪.‬‬

‫نَأَى َعْنهُ أَبُو ْه‬ ‫َك َما‬ ‫ِش ْع ًرا‪ :‬يَا َم ْن َسَيْنأَى َع ْن بَنِي ْه‬
‫ين َفَو ِج ُهو ْه‬ ‫ِ‬
‫الَْيق ُ‬ ‫اء‬
‫َج َ‬ ‫ك َق ْو ُله ْم‬ ‫ِّل لَِن ْف ِس َ‬
‫َمث ْ‬
‫ات َو َحلِّلُو ْه‬ ‫الْمم ِ‬
‫ََ‬ ‫َقْب َل‬ ‫َوتَ َحلَّلُوا ِم ْن ظُل ِْم ِه‬

‫‪311‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫َوِم ْن َع ْذلِي‬ ‫َّاس ِم ْن‬


‫ُع ْذ ِري‬‫لَيْبَرأُ الن ُ‬
‫ِ‬ ‫آخر‪ :‬إِنِّي ألَ ْش ُكو َخطْوبًا ال أ ُِعِّيُن َها‬
‫ُف ْرقَِة‬ ‫أ َْم ِم ْن‬
‫ص ْحَب ِة النَّا ِر‬
‫م ْن ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الش ْم ِع َيْب ِكي فَ َما يَ ْد ِر ِي أَعْبَرتُهُ‬
‫َك َّ‬
‫اهنوين عنه برفق ولطف ألن النفس تضعف يف ذلك الوقت‬ ‫شيء َس ِل‬
‫تقصريا يف ال َْع‬
‫ً‬ ‫ويستحب أن يقول هلم يف وقت بعد وقت ‪ :‬مىت رأيتم مين‬
‫وأدوا إِيَلَّ النصيحة يف ذلك فإين معرض للغفلة والسهو والكسل واإلمهال فإذا قصرت فنشطوين وعاونوين على التأهب هلذا السفر البعيد‬
‫والتغرب املخيف ‪.‬‬

‫يك ُم َس ِاف ُر‬ ‫ت َعلَى ح ٍال و ِش ٍ‬


‫َ َ‬ ‫َوأَنْ َ‬ ‫يل َوقَ ْد َدنَا‬ ‫ِش ْع ًرا‪َ :‬ولَ ْم َتَتَز َّو ْد لِلَّ ِر ِح ِ‬
‫الر َدى لِي نَ ِ‬
‫اظ ُر‬ ‫ان َو َّ‬ ‫و ُعم ِري فَ ٍ‬ ‫ف َت ْوبَتِي‬ ‫ُسِّو ُ‬ ‫َفيا لَ ْه َ ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ف َن ْفسي َك ْم أ َ‬ ‫َ‬
‫ْح ْك ِم قَ ِاد ُر‬ ‫ِ ِ‬ ‫الصح ِ‬ ‫و ُك ُّل الَّ ِذي أَسلَ ْف ُ ِ‬
‫يُ َجا ِزي َعلَْيه َعاد ُل ال ُ‬ ‫ف‬ ‫ت في ُّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ط َمالِ ِكي‬ ‫ضى َويُ ْس ِخ ُ‬ ‫ِفي ُك ِّل َما أ َْر َ‬ ‫ضَّي ْعتُهُ‬‫ت َعلَى ُع ْم ِري الَّ ِذي َ‬ ‫آخر‪ :‬لَُمْثْهَبِف ٌي‬
‫ك‬ ‫يت َم ْغلُوالً بَِو ْج ٍه َحالِ َ‬ ‫َو ُد ِع ُ‬ ‫وه لَِرِّب َها‬ ‫ت ال ُْو ُج ُ‬ ‫ويِْلي إِ َذا َعَن ِ‬
‫َ‬
‫ت أ ََو َل َهالِ َ‬ ‫ٍ‬ ‫يب أَ ْع َمالِي ُيَن ِادي قَائِالً‬ ‫ِ‬
‫ك‬ ‫يَا َعْب َد ُسوء أَنْ َ‬ ‫َو َرق ُ‬
‫ك‬ ‫إِال الْج ِحيم وسوء ص ْحب ِة مالِ ِ‬
‫ُ َ َ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫لَ ْم َيْب َق ِم ْن َب ْع ِد ال ِْغَوايَ َة َمْن ِز ٌل‬
‫اك َع ِام ُر‬ ‫ور َوال َذ َ‬ ‫اك َم ْوفُ ٌ‬‫فَال َذ َ‬ ‫ورا َوُت َع ِّمُر فَانًِيا‬ ‫ب َم ْع ُم ً‬ ‫آخر‪ :‬تُ َخِّر ُ‬
‫اهلل َع ِاذ ُر‬ ‫ولَم تَ ْكَت ِسب َخْيرا لِ َدى ِ‬ ‫ك َب ْغَت ًة‬ ‫اك َحْتُف َ‬ ‫ك إِ ْن َوافَ َ‬ ‫َو َه ْل لَ َ‬
‫ْ ً‬ ‫َ ْ‬
‫ك َو ِاف ُر‬ ‫وص َو َمالُ َ‬ ‫ك َمْن ُق ٌ‬ ‫َو ِدينُ َ‬ ‫ضي‬ ‫ضى بِأَ ْن َت ْفَنى الْحيا َة وَتْنَق ِ‬
‫ََ َ‬ ‫أََت ْر َ‬
‫ات ِم ْن َك َم ِد‬ ‫لَْو َكا َن َي ْعلَ ُم َغْيًبا َم َ‬ ‫احك َوال َْمَنايَا َف ْو َق َه َامتِ ِه‬ ‫ضِ‬ ‫آخر‪َ :‬ك ْم َ‬
‫َما َذا تفكره ِفي ِر ْز ٍق َب َع َد َغ ِد‬ ‫َم ْن َكا َن لَ ْم ُي ْؤت ِعل ًْما ِفي َبَق ِاء‬
‫ٍ‬
‫صالِ ٌح‬ ‫ضى بِه اهللُ َ‬
‫وال َعمل ير َ ِ‬
‫َ ٌ َْ‬ ‫َ‬ ‫آخر‪َ :‬غَكَفدى َحَزنًا أَ ْن ال َحَيا َة َهنِيٍَّة‬
‫َوالتوب ُم ْقَتَب ٌل فَاهللُ قَ ْد َو َع َدا‬ ‫ْالم َجا ِريَةٌ‬ ‫ك َواألَق ُ‬ ‫فَ ْام َه ْد لَِن ْف ِس َ‬

‫‪312‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ور الَْقْبَر واللَّ ْح َدا‬ ‫ِ‬ ‫ال َت ْف َخَر َّن بِ ُدْنَيا أَنْ َ‬
‫ت تَا ِر ُك َها‬
‫َع َما قَليل َت ُز ُ‬
‫وإذا حضره النزعة فليكثر من قول ال إله إال اهلل لتكون آخر كالمه فياله‬
‫من خت ام ويا له من ط ابع ‪ ،‬فعن مع اذ بن جبل رضي اهلل عنه ق ال ‪ :‬ق ال‬
‫رسول اهلل ‪ « : r‬لقنوا موتاكم ال إله إال اهلل » ‪.‬‬
‫ويستحضر أح اديث الرج ال مثل ح ديث أيب ذر ق ال أتيت النيب ‪ r‬وعليه‬
‫ثوب أبيض وهو نائم مث أتيته وقد استيقظ فقال ‪ « :‬ما من عبد قال ال إله إال‬
‫اهلل مث مات على ذلك إال دخل اجلنة » ‪ .‬قلت ‪ :‬وإن زىن وإن سرق ؟ قال ‪:‬‬
‫« وإن زىن وإن سرق » ‪ .‬احلديث متفق عليه ‪.‬‬
‫ناس ا من أهل الش رك ك انوا قد قتل وا وأك ثروا‬ ‫وح ديث ابن عب اس أن ً‬
‫وزنوا وأكثروا فأتوا حممد ‪ r‬فقالوا ‪ :‬إن الذي تدعوا إليه حلسن لو ختربنا أن ملا‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫س‬‫الن ْف َ‬ ‫ين اَل يَ ْدعُو َن َم َع اللَّه إِهَل اً َ‬
‫آخ َر َواَل َي ْقُتلُ و َن َّ‬ ‫عملنا كف ارة ف نزل ‪َ ﴿ :‬والذ َ‬
‫ين‬ ‫الَّيِت حَّرم اللَّه إِاَّل بِاحْل ِّق واَل يزنُو َن ﴾ ‪ .‬اآليتني _ ونزل ﴿ قُل يا ِعب ِاد َّ ِ‬
‫ي الذ َ‬ ‫ْ َ َ َ‬ ‫َ َ َْ‬ ‫َ َ ُ‬
‫َس َرفُوا َعلَى أَن ُف ِس ِه ْم اَل َت ْقنَطُ وا ِمن رَّمْح َ ِة اللَّ ِه ﴾ ‪ .‬اآلية وحنو ه ذه اآلية‬ ‫أْ‬
‫واألحاديث اليت سبقت ‪.‬‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬

‫الر ُس ِل‬
‫ين َو ُّ‬ ‫ِ‬ ‫و ِج ِ‬
‫يء باألَُم ِم ال َْماض َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْح ْش ِر ِفي ظَُل ٍل‬ ‫إِ َذا أَتَى اهللُ َي ْو َم ال َ‬
‫اه ْم إِلَى أ َ‬
‫َج ِل‬ ‫اس ُه ْم َوَتَوفَّ ُ‬
‫أَْنَف ُ‬ ‫صى بُِق ْد َرتِِه‬ ‫َح َ‬ ‫ب الْ َخلْق َم ْن أ ْ‬ ‫اس َ‬
‫َو َح َ‬
‫سوءُنِي َو َع َسى ا ِإل ْسالم يَ ْسلَ ُم لِي‬ ‫تَ ُ‬ ‫َولَ ْم أ َِج ْد ِفي ِكتَابِي غَْيَر َسيِّئَ ٍة‬
‫اهلل أ َْر َجى لِي ِم َن ال َْع َم ِل‬ ‫ور ْحمةُ ِ‬
‫ََ َ‬ ‫اس َعة‬‫ت رحم َة ربِّي و ِهي و ِ‬
‫َر َج ْو ُ َ ْ َ َ َ َ َ‬
‫ورا هنت دي به إليك وتولنا حبسن رعايتك حىت‬
‫اللهم اجعل يف قلوبنا ن ً‬
‫نتوكل عليك وارزقنا حالوة التذلل بني يديك فالعزيز من الذ بعزك والسعيد من‬
‫التجأ إىل محاك وجودك والذليل من مل تؤيده بعنايتك والشقي من رضي‬

‫‪313‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ب اإلعراض عن طاعتك اللهم ن زه قلوبنا عن التعلق مبن دونك واجعلنا من ق وم‬


‫حتبهم وحيبونك واغفر لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني برمحتك يا أرحم ال رامحني‬
‫وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫فصل ‪ :‬اعلم وفقنا اهلل وإي اك ومجيع املس لمني ملا حيبه ويرض اه أن يف‬
‫اجلن ائز عرب للبصري ‪ ،‬وفيها تنبيه ‪ ،‬وت ذكري ألهل الغفلة ‪ ،‬وأك ثرهم ال تزي ده‬
‫مش اهدهتا إال قس وة ‪ ،‬ألهنم يظن ون أهنم أب ًدا إىل جن ائزهم ينظ رون وال حيس بون‬
‫أهنم ال حمالة على اجلن ائز حيمل ون أو حيس بون ولكنهم على الق رب ال يق درون‬
‫وال يتفكرون أن احملمولني على اجلنائز هكذا كانوا مثلهم حيسبون فبطل حسباهنم‬
‫وانقرض على القرب زماهنم ‪.‬‬
‫والبصري ال ينظر إىل اجلن ائز وإال ويق در نفسه حمم والً عليها فإنه حمم ول‬
‫عليها على القرب ‪.‬‬
‫الغز بعضهم يف النعش الذي حيمل عليه امليت إىل املقربة ‪:‬‬

‫ث يَ ِس ُير‬ ‫َّاس َحْي ُ‬ ‫اج الن ُ‬ ‫إِ َذا طَ َار َه َ‬ ‫الس َم ِاء يَ ِط ُير‬
‫َشْيًئا ِفي َّ‬ ‫أََت ْع ِر ُ‬
‫ف‬
‫َو ُك ُّل أَِمي ٍر َي ْعَت ِر ِيه أ َِس ُير‬ ‫مر ُكوبا وَتلََّق ُاه ر ِ‬
‫اكًبا‬ ‫َ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫َفَتلََّق ُاه‬
‫س َو َهَو نَ ِذ ُير‬ ‫النْف ُ‬ ‫َوَتْنِف ُر ِمْنهُ َّ‬ ‫ُق ْربُهُ‬ ‫التْقَوى َويَ ْكَر ُه‬
‫َّ‬ ‫ث َعلَى‬ ‫يَ ُح ُّ‬

‫َولَك ْن َعلَى َر ْغ ِم ال َْم ُزو ِر َي ُز ُ‬


‫ور‬ ‫ِ‬ ‫ِزيَ َار ٍة‬ ‫َع ْن َر ْغَب ٍة ِفي‬ ‫َولَ ْم يَ ْسَت ْز ِر‬

‫ول )‬‫َي ْو ًما َعلَى آلٍَة َح ْدبَ ِاء َم ْح ُم ُ‬ ‫المتُهُ‬


‫ت َس َ‬ ‫ِش ْع ًرا‪ُ ( :‬ك ُّل ابْ ِن أُْنثَى َوإِ ْن طَالَ ْ‬
‫الد ْه ِر َتبنِي الْمس ِ‬ ‫َك َما لِ َخر ِ‬ ‫ت َت ْغ ُدو والْولِ َد ُ ِ‬ ‫آخر‪ :‬فَِللْمو ِ‬
‫اك ُن‬ ‫ََ‬ ‫اب َّ ْ‬ ‫َ‬ ‫الها‬
‫ات س َخ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ‬
‫ت َك َما َشَّي ْعَت ُه ْم َستُ َشيَّ ُع‬‫فَأَنْ َ‬ ‫ت َي ْو ًما َجَن َاز ًة‬
‫آخر‪ ( :‬أَال َو َك َما َشَّي ْع َ‬
‫وك ان بعض هم إذا رأى جن ازة ق ال ‪ :‬اغ دوا فإنا رائح ون موعظة بليغة‬
‫وغفلة سريعة يذهب األول ‪ .‬واآلخر ال عقل له ‪ .‬وقال آخر ‪ :‬ما شهدت جنازة‬
‫فحدثتين نفسي بشيء سوى ما هو مفعول به وما هو صائر إليه ‪.‬‬

‫‪314‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وقال األعمش ‪ :‬كنا نشهد اجلنائز فال ندري من نعزي حلزن اجلميع ‪.‬‬
‫مقنعا باكيًا ‪.‬‬
‫وقال ثابت البناين ‪ :‬كنا نشهد اجلنائز فال نرى إال ً‬
‫هذا حال السلف واآلن انظر إىل مشيعي اجلنائز بعضهم يبحث بالعقار وبعضهم يتكلم ويضحك وبعضهم يعدد خمالفاته وينذر أن ترى‬
‫املتفكر يف جنازته إذا وصله الدور ومحل لقب املظلم بيت الوحدة بيت الدود والصديد واهلوام ‪.‬‬
‫الصو ِ‬
‫ت‬ ‫ِ‬ ‫ِمن ِخي َف ِة الْمو ِ‬ ‫يا ب ِ‬
‫ت فَ ْارفَ ْع م ْن َم َدى َّ ْ‬ ‫َصْب َ‬
‫أَ‬ ‫ت‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫اكًيا‬‫َ َ‬
‫ت أَيما َفو ِ‬ ‫ِ‬ ‫لَ ْهِفي َعلَى فُ ْس َح ٍة‬ ‫َونَ ِاد يَا‬
‫ت‬ ‫في ال ُْع ْم ِر فَاتَ ْ ّ َ ْ‬
‫ت‬‫ت وال ميِّ ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُص ِغ إِلَى َم ْو َ َ‬ ‫أْ‬ ‫ظَالِ ٌم َن ْف ِسي َولَ ْم‬ ‫ضَّي ْعَت َها‬
‫َ‬
‫ت‬‫ات يا لَْي ِ‬ ‫ات أَ ْن‬
‫ود َما قَ ْد فَ َ َ‬ ‫َي ُع ُ‬ ‫ت َو َهْي َه َ‬ ‫اد ْ‬‫يَا لَْيَت َها َع َ‬
‫ات و ِفي ِه ِ‬
‫يت‬ ‫ٍ‬ ‫ضَ ِ‬ ‫فَ َخ ِّل َع ْن َه ِذي األََمانِي َو َد ْع‬
‫ك في َه َ‬ ‫َخ ْو ُ‬
‫ت‬ ‫ع إِْتيانًا ِمن الْمو ِ‬ ‫َوبَ ِاد ْر األ َْمَر فَ َما غَائِ ٍ‬
‫َ َْ‬ ‫َسَر ُ َ‬ ‫أْ‬ ‫ب‬
‫ات ولَم ي ْفر ْغ ِمن الْبْي ِ‬
‫ت‬ ‫َك ْم َشائِ ٍد َبْيًتا لَْيغََنى بِِه‬
‫َ َ‬ ‫َم َ َ ْ َ ُ‬
‫اللهم اس لك بنا س بيل األب رار‪ ،‬واجعلنا من عب ادك املص طفني األخي ار ‪،‬‬
‫وامنن علينا بالعفو والعتق من النار ‪ ،‬واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني األحياء‬
‫منهم واملي تني برمحتك يا أرحم ال رامحني ‪ .‬وص لى اهلل على حممد وعلى آله‬
‫وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫صلٌ )‬
‫( فَ ْ‬
‫قال عمر بن عبد العزيز لبعض جلسائه ‪ :‬يا فالن لقد أرقت الليلة أتفكر‬
‫يف القرب وس اكنه إنك لو رأيت امليت بعد ثالثة يف ق ربه الستوحشت من قربه‬
‫بعد ط ول األنس منك به لو رأيت بيتًا جتول فيه اهلوام وجيري فيه الص ديد‬
‫وخترتقه الديدان مع تغري الريح وبلى األكفان بعد حسن اهليئة وطيب الريح ونقاء‬
‫الثياب مث شهق شهقة خر مغشيًا عليه ‪.‬‬

‫‪315‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وك ان يزيد الرقاشي يق ول ‪ :‬أيها املقب ور يف حفرته واملتخلي يف القرب‬


‫بوحدته املس تأنس يف بطن األرض بأعماله ليت ش عري ب أي أعمالك استبش رت‪،‬‬
‫وبأي إخوانك اغتبطت ‪ ،‬مث بكي حىت يبل عمامته ‪.‬‬
‫مث يقول ‪ :‬استبشر واهلل بأعماله الصاحلة ‪ ،‬واغتبط بإخوانه املتعاونني على‬
‫طاعة اهلل تعاىل وكان احلسن بن صاحل إذا أشرف على املقابر يقول ‪ :‬ما أحسن‬
‫ظواهرك إمنا الدواهي يف بواطنك ‪.‬‬
‫غدا عطاء يف القبور فال يزال عطاء ذلك دأبه حىت يصبح ويروى أن‬
‫وكان عطاء السلمي إذا جن عليه الليل خرج إىل املقربة مث يقول ‪ً :‬‬
‫فاطمة بنت احلسني نظرت إىل جنازة زوجها احلسن بن احلسني فغطت وجهها وقالت ‪:‬‬
‫الر َزايا وجلَّ ٍ‬
‫ت‬ ‫ْك َّ َ َ َ‬ ‫ت تِل َ‬
‫لََق ْد َعظُ َم ْ‬ ‫سوا َر ِزيًَّة‬
‫اء ثَ َّم أ َْم ُ‬
‫َو َكانُوا َر َج ً‬
‫علي فقال ‪ :‬يا ميمون هذه قبور‬‫َوقَ َال َميمون بن مهران ‪ :‬خرجت مع عمر بن عبد العزيز إىل املقربة فلما نظر إىل القبور بكى مث أقبل َّ‬
‫أبائي بين أمية كأهنم مل يشاركوا أهل الدنيا يف لذهتم وعيشم أما تراهم صرعى قد حلت هبم املثالث واستحكم فيهم البلى وأصابتهم اهلوام‬
‫أحدا أنعم ممن صار إىل هذه القبور وقد أمن من عذاب اهلل ‪ ،‬ووجد مكتوب على قرب ‪:‬‬ ‫مقيالً يف أبداهنم مث بكى وقال ‪ :‬واهلل ما أعلم ً‬
‫الر َه ِ‬
‫ان‬ ‫اس ِّ‬ ‫ور ُه ْم َكأَ ْفَر ِ‬ ‫صَّف ْ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫َو ِق ْف ُ‬
‫ُقبُ ُ‬ ‫ت‬ ‫ين َ‬ ‫ت َعلَى األَحبَّة ح َ‬
‫اي َبْيَن ُه ْم َم َكانِي‬
‫َت َعْيَن َ‬ ‫َرأ ْ‬ ‫اض َد ْم ِعي‬
‫يت َوفَ َ‬‫َفلَ َّما أَ ْن بَ ِك ُ‬

‫َص َح ِ‬
‫اب الْ ُقبُو ِر ُم َجا ِو ُر‬ ‫ِ‬
‫َوحيد أل ْ‬ ‫الدْنَيا َو َع ْن أَ ْعيُ ِن الَْو َرى‬
‫ُّ‬ ‫آخر‪َ :‬ونَ ٍاء َع ِن‬
‫ب ُم ْح َك ُم‬ ‫و َقْبر َك م ْعمور ال ِ‬ ‫أَما ذراك َفو ِ‬ ‫آخر‪ :‬أَبَا َغانٍِم‬
‫ْجَوان ُ‬ ‫َ ُ َ ُ ُ َ‬ ‫اس ٌع‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫‪316‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫إِ َذا َكا َن ِف ِيه ِج ْس ُمهُ َيَت َه َّد ُم‬ ‫ور ُع ْمَرا ُن َقْب ِر ِه‬
‫َو َما َيْنَف ُع ال َْم ْقبُ ُ‬
‫ِش ْعًرا ‪ :‬قصيدة زهدية وعظية سقط بعضها وعوضناها عنه ما بني األقواس ‪:‬‬

‫ك َي ْفنِ َينا َوَي ْفنِ َيها‬ ‫ت ال َش َّ‬ ‫فَال َْم ْو ُ‬ ‫َو َما ِف َيها‬ ‫ْسَف َّن َعلَى ُّ‬
‫الدْنَيا‬ ‫ال تَأ َ‬
‫ف َي ْو ًما َعلَى َر ْغ ٍم يُ َخلِّ َيها‬ ‫فَ َس ْو َ‬ ‫لَِي ْج َم ُع َها‬ ‫َو َم ْن يَ ُك ْن َه َّمهُ ُّ‬
‫الدْنَيا‬
‫ش تَ ْكِف َيها‬ ‫َوُب ْلغَهٌ ِم ْن َقَو ِام ال َْعْي ِ‬ ‫النْفس ِم ْن ُدْنَيا تُ َج ِّم ُع َها‬ ‫ال تَ ْشَب ُع َّ‬
‫الر ْح َم ُن بَانِ َيها‬ ‫َح َم ُد َو َّ‬
‫ْج ُار أ ْ‬‫ال َ‬ ‫ضَوا ٌن َخا ِزُن َها‬ ‫ا ْع َم ْل لِ َدا ِر الَْبَقا ِر ْ‬
‫ت ِف َيها‬ ‫يش نَابِ ٌ‬ ‫ِ‬
‫الز ْعَفَران َحش ٌ‬ ‫َو َّ‬ ‫ك ِط َينُت َها‬ ‫ب َوال ِْم ْس ُ‬ ‫ض لَ َها َذ َه ٌ‬ ‫أ َْر ٌ‬
‫َوالْ َخ ْم ُر يَ ْج ِري َر ِحي ًقا ِفي َم َجا ِر َيها‬ ‫ض َوِم ْن َع َس ٍل‬ ‫أَْن َه ُار َها لََب ٍن َم ْح ٍ‬
‫اهلل َج ْهًرا ِفي َمغَانِ َيها‬ ‫تُ َسبِّ ُح َ‬
‫ان َع ِ‬
‫اكَف ًة‬ ‫والطَّْير تُ ْج ِري َعلَى األَ ْغص ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ات َمَبانِ َيها‬ ‫ِفي ِظ ِّل طُوبَى َر ِف َيع ٌ‬ ‫َم ْن يَ ْشَت ِري ُقبَّ ًة ِفي ال َْع ْد ِن َعالَِي ًة‬
‫اح َيها‬ ‫و ِجبرئِيل ين ِادي ِفي َنو ِ‬ ‫صطََفى َواهللُ بَائُِع َها‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ ُ َُ‬ ‫َداللَُها ال ُْم ْ‬
‫الم اللَّْي ِل يُ ْخِف َيها‬ ‫بِر ْك َع ٍة ِفي ظَ ِ‬
‫َ‬ ‫س‬ ‫ِ‬
‫الد َار فَي الْف ْر َد ْو َ‬ ‫َم ْن يَ ْشَت ِري َّ‬
‫ِفي َي ْوِم َم ْسَبغَه َع ّم الغَال ِف َيها‬ ‫َو ُم ُرََسهاَّد َج ْو َع ِة ِم ْس ِكي ٍن بِ َشْب َعتِ ِه‬
‫أَي ْع‬
‫ْ‬
‫الم َة ِمْن َها َت ْر ُك َما ِف َيها‬ ‫الس َ‬
‫َن َّ‬ ‫أ َّ‬ ‫ت‬‫الدْنَيا َوقَ ْد َعِل َم ْ‬ ‫س تَط َْم ُع ِفي ُّ‬ ‫النْف ُ‬
‫َّ‬
‫ِم َن ال َْم ِعي َش ِة إِال َكا َن يَ ْكِف َيها‬ ‫ت‬‫ت َن ْف ِسي بِما ُر ِزقَ ْ‬ ‫اهلل لَْو َقَن َع ْ‬‫و ِ‬
‫َ‬
‫ثَالثَةٌ َع ْن يَ ِمي ٍن َب ْع َد ثَانِ َيها‬ ‫واهلل و ِ‬
‫اهلل أَيْ َما ٌن ُم َكَّر َرٌة‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اسي ًة ملْس َنو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ص َّما ُملَ ْملَ َم ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫لَو أ َّ ِ‬
‫اح َيها‬ ‫في الَْب ْح ِر َر َ َ ٌ َ‬ ‫ص ْخَرة َ‬ ‫َن في َ‬ ‫ْ‬
‫َحتَّى ُتَؤدَّى إِلَْي ِه َك ّل َما ِف َيها‬ ‫ت‬ ‫ِر ْزقًا لَِعْب ٍد َبَر َاها اهللُ الْنَفلََق ْ‬
‫َّل اهللُ ِفي ال َْم ْرقَى َمَر ِاق َيها‬ ‫أَو َكا َن َفو ُق ِطب ِ‬
‫لَ َسه َ‬ ‫السْب ِع َم ْسلَ ُك َها‬ ‫اق َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ف يَأْتِ َيها‬ ‫فَِإ َّن أََتْتهُ َوِإال َس ْو َ‬ ‫ط لَهُ‬ ‫ال الَّ ِذي في اللَّْو ِح َخ ّ‬ ‫َحتَّى َيَن ُ‬
‫وم َنْبنِ َيها‬ ‫اب الْب ِ‬ ‫ِ‬ ‫أ َْموالَُنا لِ َذ ِوي ال ِْمير ِ‬
‫َو َد َارنَا ل َخَر ِ ُ‬ ‫اث نَ ْج َم ُع َها‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫إِال الَّتِي َكا َن َقْب َل ال َْم ْوت َيْبنِ َيها‬ ‫ت يَ ْس ُكُن َها‬ ‫ال َدار لِلْمر ِء ب ْع َد الْمو ِ‬
‫َْ‬ ‫َ َْ َ‬

‫‪317‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫اب بَانِ َيها‬ ‫َو َم ْن َبنَ َاها بِ َشٍّر َخ َ‬ ‫اب َم ْس َكنُهُ‬ ‫فَ َم ْن َبنَ َاها بِ َخْي ٍر طَ َ‬
‫ت ُي ْل ِه َيها‬ ‫ف الْمو ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ب َو ُّ‬
‫ين َو َك ّ َ ْ‬ ‫لل َْعالَم َ‬ ‫الدْنَيا َر َحى‬ ‫ْح ِّ‬
‫َّاس َكال َ‬ ‫َوالن ُ‬
‫اث ُيْن ِج َيها‬ ‫َح َد ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫النْفس ِمن َتلَ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫نصبت‬
‫َوال الْفَر ُار م ْن األ ْ‬ ‫ف‬ ‫َفَ َالَ اْ ِإلقَ َام َة ُتْنجي َّ َ ْ‬
‫آم ٌ‬
‫ال ُتَقِّو َيها‬ ‫ِِ‬
‫م َن ال َْمنيَّة َ‬
‫ِ‬ ‫ت َعلَى َو َج ٍل‬ ‫وس َوإِ ْن َكانَ ْ‬ ‫َولِ ُّلنُف ِ‬
‫ت يَطْ ِو َيها‬ ‫ش ُر َها َوال َْم ْو ُ‬ ‫َوالْبِ ْش ُر َيْن ُ‬ ‫ض َها‬ ‫الد ْه ُر َي ْقبِ ُ‬ ‫سطَُها َو َّ‬ ‫فَال َْم ْرءُ َيْب ُ‬
‫ِم ْن ال َْمنِيَِّة َي ْو ًما أ َْو يُ َم ِّس َيها‬ ‫صبِّ ُح َها‬‫س لَ َها َز ْو ٌر يُ َ‬ ‫َو ُك ُّل َن ْف ٍ‬
‫ت بَانِ َيها‬ ‫اق ال َْم ْو ُ‬ ‫ت َخَرابًا َو َذ َ‬ ‫ض َح ْ‬ ‫أَ ْ‬ ‫اق َخا ِويَةٌ‬ ‫ْك الْمَنا ِز ُل ِفي اآلفَ ِ‬ ‫ِ‬
‫تل َ َ‬
‫اح َكةٌ َي ْو ًما َسَيْب ِك َيها‬ ‫ضِ‬ ‫ذُالً َو َ‬ ‫َك ْم ِم ْن َع ِزي ٍز َسَي ْلَقى َب ْع َد ِعَّزتِِه‬
‫اح بَا ِر َيها‬ ‫ْحس ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ولِلْمَنايا ُتربِّي ُك ُّل مر ِ‬
‫ض َع ٍة‬
‫اب َبَرى األ َْر َو َ‬ ‫َولل َ‬ ‫ُْ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫حتَّى ي ُقوم بِن ِاد الَْقوِم نَ ِ‬
‫اع َيها‬ ‫س َتْن ِعي َو ِه َي َسالِ َمةٌ‬
‫ْ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫النْف ُ‬
‫ح َّ‬ ‫ال َتْبَر ُ‬
‫يم بَِو ٍاد غَْيَر َو ِاد َيها‬ ‫ِ‬ ‫الد ْه ِر ظَ ِ‬ ‫ال ِطَو َال َّ‬
‫َحتَّى تُق ُ‬ ‫اعَنةٌ‬ ‫َولَ ْن َتَز ُ‬
‫ت َس ِاق َيها‬ ‫ْس الْمو ِ‬ ‫وك الَّتِي َع ْن َحظَِّها غََفلَ ْ‬ ‫أَين الْملُ ِ‬
‫َحتَّى َسَق َاها بِ َكأ ِ َ ْ‬ ‫ت‬ ‫َْ ُ‬
‫ت ُي ْفنِي َك َّل َما ِف َيها‬ ‫ك ال َْم ْو ُ‬ ‫َك َذلِ َ‬ ‫أَ ْفَنى الْ ُق ُرون َوأَ ْفَنى ُك ّل ِذي ُع ْم ٍر‬
‫َّاس ِفي غَ ْفلَ ٍة َع ْن ُك ِّل َما ِف َيها‬ ‫َوالن ُ‬ ‫الدْنَيا َو ُز ْخ ُر ُف َها‬ ‫َح َد ُق بِ ُّ‬‫ت أْ‬ ‫فَال َْم ْو ُ‬
‫ش لَ َها َي ْو ًما َوُي ْل ِه َيها‬ ‫اب َعْي ٌ‬ ‫َما طَ َ‬ ‫اد بَِها‬ ‫ت َما َذا ُيَر ُ‬ ‫لَْو أََّن َها َعِقلَ ْ‬
‫ت تَطْ ِو َينا َوتَطْ ِو َيها‬ ‫َش ِريعةُ الْمو ِ‬ ‫سُّر بَِها‬
‫َ َْ‬ ‫آماالً نَ ُ‬ ‫َنل ُْهوا َونَأ َْم ُل َ‬
‫ك بع َد الْموت ِ‬
‫الق َيها‬ ‫َوا ْعلَ ْم بِأَنَّ َ َ ْ َ ْ‬ ‫ت‬ ‫التَقى َما ُد ْم َ‬ ‫ول ُّ‬ ‫ُص َ‬‫س أُ‬ ‫فَا ْغ ِر ْ‬
‫ِ‬
‫ال َم ْن ِف َيها َوال التَّ ْك ِد ُير يَأْتِ َيها )‬ ‫ُ(م ْقتَتَ ْدجنًِراي الث َِّم َار غَ ًدا ِفي َدا ٍر ُم َكَّرَم ٍة‬
‫اع َوال َم ْن يُ َدانِ َيها )‬ ‫بِال انِْقطَ ٍ‬ ‫يم َدائِ ًما أَبَ ًدا‬ ‫( ِفيها نَِع ِ‬
‫يم ُمق ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫وب الْ َخل ِْق َما‬ ‫َولَ ْم يَ ْد ِر ِفي ُقلُ ِ‬ ‫( األُذُ ُن َوال َْعْي ُن لَ ْم تَ ْس َم ْع َولَ ْم َتَر ُه‬
‫ف تَ ْح ِو َيها‬ ‫وس َس ْو َ‬ ‫َِفويََايها لَ َه)ا ِم ْن ُنُف ٍ‬ ‫ت‬‫صلَ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫( َفَيا لَ َها م ْن َكَر َامات إِ َذا َح َ‬
‫ك َذا ِو َيها )‬ ‫يب َتَرى ُم ْع ِجبُ َ‬ ‫)َف َع ْن قَ ِر ٍ‬ ‫( َو َه ْذ ِه َّ‬
‫الد ُار ال َت ْغ ُر ْر َك َز ْهَرُت َها‬

‫‪318‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫اح َذ ْر ِم ْن َد َو ِاه َيها‬ ‫ِمن َّ ِ‬


‫الز َخا ِرف َو ْ‬ ‫ْ‬
‫ك ِ‬
‫الم ُع َها‬ ‫ك ال يَ ْخ َد َع َ‬ ‫( فَ ْاربَأْ بَِن ْف ِس َ‬
‫ت َعَلى َح ٍال لََيالِ َيها )‬ ‫)‬ ‫َح ٍد‬
‫اسَتَقَّر ْ‬
‫َوال ْ‬ ‫اعةٌ لَ ْم تَ ُد ْم َي ْو ًما َعَلى أ َ‬ ‫( َخ َّد َ‬
‫وت أ َْهِل َيها‬ ‫ت بِس ْه ِم الْم ِ‬
‫َ‬ ‫َصابَ ْ َ‬ ‫َو َك ْم أ َ‬ ‫ت َذ ِوي‬ ‫( فَانْظُْر َوفَ َّكْر فَ َك ْم َغَّر ْ‬
‫َ)و َكا َن ِم ْن َخ ْم ِر َها يَا َق ْو َم َذاتِ َيها‬ ‫طيش قَ ُارو ُن ِفي ُدْنَي ُاه ِم ْن َسَف ٍه‬ ‫اعتَّزٍ‬
‫َْ‬
‫ِفي أ َْم ِر أ َْمَوالِِه ِفي ال َْه ِّم َي ْف ِد َيها‬ ‫يت لَْيَلَتهُ َس ْهَرا ٌن ٌمْن َش ِغالً‬ ‫يَبِ ُ‬
‫تَ ُحُّز ِفي َق ْلِب ِه َحًّزا َفيُ ْخِف َيها‬ ‫ت مِ‬
‫ص َيبتُهُ‬ ‫َّها ِر لََق ْد َكانَ ْ ُ‬ ‫َوفي الن َ‬
‫ِ‬
‫ِمْنهُ الْ ِو َد َاد َولَ ْم َت ْر َح ْم ُم ِحبِّ َيها‬ ‫ت‬‫الدْنَيا َوال قَبَِل ْ‬ ‫ت لَهُ ُّ‬ ‫اسَتَق َام ْ‬
‫فَ َما ْ‬
‫اص َيها )‬ ‫أَ َز َكى الْبريََّة َدانِ َيها وقَ ِ‬ ‫وم َسيِّ ِدنَا‬ ‫الصال ُة عَلى الْمعص ِ‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َْ ُ‬ ‫( ثُ َّم َّ َ‬
‫( موعظة )‬
‫ص ا ِر ﴾ االعتبار ‪ :‬النظر يف‬ ‫اعتَرِب ُوا يَا أُويِل اأْل َبْ َ‬
‫قال اهلل جل وعال ‪ ﴿ :‬فَ ْ‬
‫األمور ليعرف هبا شيء من غري جنسها ‪ ،‬واألبصار ‪ :‬العقول واملعىن تدبروا ‪.‬‬
‫إخواين ‪ :‬الدنيا دار عربة ما وقعت فيها حربة إال وردفتها عربة أين من‬
‫عاش رناه كث ًريا وألفنا ‪ ،‬أين من ملنا إليه ب الوداد وانعطفنا ‪ ،‬أين من ذكرن اه‬
‫باحملاسن ووصفنا ما نعرفهم لو عنهم كشفنا ‪ ،‬ما ينطقون لو سألناهم وأحلفنا ‪.‬‬
‫وسنصري كما صاروا فليتنا أنصفنا ‪ ،‬كم أغمضنا من أحبابنا على كرههم‬
‫جفنا ‪ ،‬كم ذكرتنا مص ارع من فيِن َ من يفىن ‪ ،‬كم عزيز أحببنا دفنَّاه وانص رفنا‬
‫‪ ،‬كم م ؤنس أض جعناه يف اللحد وما وقفنا ‪ ،‬كم ك رمي علينا إذا مررنا عليه‬
‫احنرفنا ‪.‬‬
‫ما لنا نتحقق احلق فإذا أيقنا صدفنا ‪ ،‬أما ضر أهله التسويف ‪ ،‬وها حنن‬
‫قد سوفنا ‪ ،‬أما الرتاب فلماذا منه أنفنا ‪ ،‬أالم ترغنا السالمة وكأن قد تلفنا ‪.‬‬
‫أين حبيبنا الذي كان وانتقل ‪ ،‬أما غمسه التلف يف حبره وارحتل أما‬

‫‪319‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫خال يف حلده بالعمل أين من جر ذيل اخليالء غ افالً ورفل أما س افر عنا وإىل‬
‫اآلن ما قفل ‪.‬‬
‫أين من تنعم يف قص ره ويف ق ربه قد ن زل ‪ ،‬فكأنه بال دار ما ك ان ويف‬
‫اللحد مل ي زل ‪ ،‬أين اجلب ابرة األكاس رة األول ال ذين ك نزوا العت اة األول ‪ ،‬ملك‬
‫األموال سواهم والدنيا دول ‪.‬‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬

‫اد‬
‫س َز ُ‬ ‫يل َولَْي َ‬‫الر ِح ِ‬
‫وق ُن بِ َّ‬‫وتُ ِ‬
‫َ‬ ‫اد‬
‫الس َه ُ‬‫ك ّ‬ ‫َع َّد لَ َ‬
‫َتَن ُام َوقَ ْد أ َ‬
‫ت تَ ْد ِري َما ال ُْمَر ُ‬
‫اد‬ ‫ك لَ ْس َ‬ ‫َكأَنَّ َ‬ ‫صبِ ُح ِمثْ ِل ِما تُ ْم ِسي ُم َ‬
‫ضِّي ًعا‬ ‫َوتُ ْ‬
‫اجتِ َه ُ‬
‫اد‬ ‫الدْنَيا ْ‬‫ك ِفي ُّ‬ ‫ك ِمْن َ‬ ‫َولَ ْم يَ ُ‬ ‫وز َغ ًدا َهنًِيا‬ ‫أَتَط َْم ُع أَ ْن َتُف َ‬
‫ِ‬ ‫ْت ِفي َت ْق ِد ِيم َز ْر ٍع‬ ‫إِ َذا َفَّرط َ‬
‫اد‬
‫صُ‬ ‫ف يَ ُكو ُن م ْن َع َدٍم َح َ‬ ‫فَ َكْي َ‬
‫ورا هنت دي به إليك وتولنا حبسن رعايتك حىت‬‫اللهم اجعل يف قلوبنا ن ً‬
‫نتوكل عليك وارزقنا حالوة التذلل بني يديك فالعزيز من الذ بعزك والسعيد من‬
‫التجأ إىل محاك وج ودك وال ذليل من مل تؤي ده بعنايتك والش قي من رضي‬
‫ب األعراض عن طاعتك اللهم ن زه قلوبنا عن التعلق مبن دونك واجعلنا من ق وم‬
‫حتبهم وحيبونك واغفر لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني برمحتك يا أرحم ال رامحني‬
‫وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫صلٌ )‬
‫( فَ ْ‬
‫ويسن توجيه امليت ومن يف النزع إىل القبلة على جنبه األمين ألن حذيفة‬
‫قال ‪ ( :‬وجهوين إىل القبلة ) ‪ .‬واستحبه مالك وأهل املدينة واألوزعي وأهل الشام‬
‫وقال ‪ r‬عن البيت احلرام قبلتكم أحياء وأمواتًا ‪ .‬روه أبو داود ‪.‬‬

‫‪320‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وقول باسم اهلل وعلى وفاة رسول اهلل ملا روى البيهقي عن بكر بن عبد‬
‫اهلل املزين ولفظه وعلى ملة رس ول اهلل وال ب أس بتقبيل امليت والنظر إليه حلديث‬
‫عائشة وابن عباس أن أبا بكر قبَّل النيب ‪ r‬بعد موته ‪ .‬رواه البخاري والنسائي ‪.‬‬
‫وق الت عائشة قبَّل النيب ‪ r‬عثم ان بن مظع ون وهو ميت حىت رأيت‬
‫الدموع تسيل على وجهه ‪ .‬رواه أمحد والرتمذي وصححه ‪.‬‬
‫وغسل امليت فرض كفاية لقوله ‪ r‬يف الذي وقصته راحلته ‪ « :‬اغسلوه مباء‬
‫وس در وكفن وه يف ثوبه » ‪ .‬متفق عليه وش رط يف املاء ال ذي يغسل فيه امليت‬
‫الطهورية واإلباحة كباقي االغسال ‪.‬‬
‫وشرط يف املغسل للميت اإلسالم والعقل والتمييز ألن هذه شروط لكل‬
‫عب ادة ش رعية إال التمي يز يف احلج واألكمل أن يك ون الغاسل للميت ثقة يع رف‬
‫أحكام الغسل ليحتاط فيه ولقول ابن عمر ‪ :‬ال يغسل موتاكم إال املأمونون ‪.‬‬
‫واألوىل بغسل امليت وصية العدل ألن أبا بكر الصديق أوصى أن تغسله‬
‫امرأته أمساء بنت عميس فق دمت ب ذلك وأوصى أنس أن يغس له حممد بن س ريين‬
‫ففعل ‪.‬‬
‫وإذا ش رع يف غس له سرت عورته وجوبًا حلديث ‪ « :‬ال ت ربز فخ ذك وال‬
‫تنظر إىل فخذ حي وال ميت » ‪ .‬رواه أبو داود ‪.‬‬
‫وحيرم مس ع ورة من بلغ س بع س نني ويس تحب أن ال ميس س ائره إال‬
‫حبائل ‪ ،‬أدس وس ي دين أو حنوها ملا روى أن عليًا غسل النيب ‪ r‬وبي ده خرقة‬
‫ميسح هبا حتت القميص ‪ .‬ذكره املروزي عن أمحد ‪.‬‬

‫‪321‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وللرجل أن يغسل زوجته وأمته لقوله ‪ r‬لعائشة ‪ « :‬لو مت قبلي لغسلتك‬


‫علي فاطمة رضي اهلل عنهما ومل ينك ره‬ ‫وكفنتك » ‪ .‬رواه ابن ماجة ‪ .‬وغسل ٌّ‬
‫إمجاعا ‪.‬‬
‫ً‬ ‫منكر فكان‬
‫إمجاعا حلديث‬ ‫ً‬ ‫وللمرأة تغسيل زوجها وابن دون سبع سنني قاله ابن املنذر‬
‫أيب بكر الس ابق وق الت عائشة رضي اهلل عنها ‪ :‬لو اس تقبلنا من أمرنا ما‬
‫استدبرنا ما غسل رسول اهلل ‪ r‬إال نساؤه ‪ .‬رواه أمحد وأبو داود ‪.‬‬
‫وملا م ات إب راهيم بن النيب ‪ r‬غس له النس اء ‪ .‬وحكم غسل امليت كغسل‬
‫اجلنابة لقوله ‪ r‬للنساء الاليت غسلن ابنته ‪ « :‬ابدأن مبيامينها ومواضع الوضوء منها‬
‫» ‪ .‬وال ي دخل يف فم امليت املاء وال يف أنفه بل يأخذ خرقة مبلولة فيمسح هبا‬
‫أسنانه ومنخريه ليقوم مقام املضمضة واالستنشاق قال اهلل تعاىل ‪ ﴿ :‬فَ َّات ُقوا اللَّهَ‬
‫استَطَ ْعتُ ْم ﴾ ‪.‬‬
‫َما ْ‬
‫وق ال ‪ « : r‬إذا أم رتكم ب أمر ف أتوا منه ما اس تطعتم » ‪ .‬ويك ره االقتص ار‬
‫مخس ا أو أكثر‬ ‫على غسله واحدة لقوله ‪ r‬حني توفيت ابنته ‪ « :‬اغسلنها ثالثًا أو ً‬
‫من ذلك إن رأينت مباء وسدر » ‪.‬‬
‫فإن خرج من امليت املغسل شيء زيد يف الغسالت وجوبًا إىل السبع فإن‬
‫خ رج بعد الس بع حشي احملل بقطن ف إن مل يستمسك فبطن حر مث يغسل احملل‬
‫ويوضأ وجوبًا ‪.‬‬
‫وإن خ رج بعد التكفني مل يعد الغسل وال الوض وء ملا فيه من احلرج‬
‫واملش قة وال يغسل ش هيد املعركة وال يكفن وال يص لى عليه حلديث ج ابر أن‬
‫النيب ‪ r‬أمر ب دفن ش هداء أحد يف دم ائهم ومل يغس لوا ومل يص لوا عليهم رواه‬
‫البخاري ‪.‬‬

‫‪322‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ِش ْعًرا ‪:‬‬

‫َوُيْبَنى لِ ُجثْ َمانِي بِ َدا ِر الْبِلَى َبْي ُ‬


‫ت‬ ‫أَال ذَ َّكَرانِي َقْب َل أَ ْن يَأْتِ َي ال َْم ْو ُ‬
‫ت‬
‫ت‬ ‫صَرنِي لَ ِكنَّنِي قَ ْد َت َع َامْي ُ‬
‫َوبَ َّ‬ ‫المتِي‬
‫يق َس َ‬ ‫َو َعلَّ َمنِي َربِّي طَ ِر َ‬
‫ت فَأُ ْدنِ ُ‬
‫يت‬ ‫ْت أ ََرانِي قَ ْد َق ُربْ ُ‬‫َف ُقل ُ‬ ‫س يَ ْح ُدوا إِلَى‬ ‫الرْأ ِ‬
‫يب َّ‬ ‫ِ‬
‫َوقَالُوا َمش ُ‬
‫ظلما حلديث سعيد بن‬ ‫الَْبلَى‬
‫وكذا ال يغسل وال يكفن وال يصلى على املقتول ً‬
‫مرفوعا من قتل دون دينه فهو ش هيد ومن قتل دون دمه فهو ش هيد ومن‬ ‫ً‬ ‫زيد‬
‫قتل دون ماله فهو ش هيد ومن قتل دون أهله فهو ش هيد رواه أبو داود‬
‫والرتمذي وصحح ‪.‬‬
‫وقيل يغسل ويص لى عليه ألن ابن الزبري غسل وص لى عليه وه ذا الق ول‬
‫يرتجح عندي ألنه أحوط واهلل سبحانه أعلم ‪.‬‬
‫ف أن قتل وعليه ما ي وجب الغسل من حنو جنابة فهو كغ ريه جيب أن‬
‫يغسل ألن النيب ‪ r‬ق ال ي وم أح ٍد ما ب ال حنظلة بن ال راهب إين رأيت املالئكة‬
‫تغسله قالوا ‪ :‬إنه مسع اهلائعة وهو جنب ومل يغتسل ‪ .‬رواه الطيالسي ‪.‬‬
‫وإن سقط من دابته أو وجد ميتًا وال أثر به أو تردى من حمل رفيع أو‬
‫محل فأكل أو ش رب أو ط ال بق اؤه عرفًا غسل وص لى عليه وك ذا – لو تكلم‬
‫هيدا‬
‫أو ب ال أو عطس ألن النيب ‪ r‬غسل س عد بن مع اذ وص لى عليه وك ان ش ً‬
‫وص لى املس لمون على عمر وعلي ومها ش هيدان والس قط ألربعة أش هر ك املولود‬
‫مرفوعا ‪ ،‬والس قط يص لى عليه رواه أبو‬ ‫ً‬ ‫حيًا يغسل ويص لى عليه حلديث املغ رية‬
‫داود والرتمذي وصححه ‪.‬‬
‫افرا ولو ذميًا وال يكفنه وال يص لي عليه وال يتبع‬ ‫وال يغسل مس لم ك ً‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ب اللَّهُ‬
‫تعظيما له وقد ق ال تع اىل ﴿ اَل َتَت َول ْوا َق ْوم اً َغض َ‬
‫ً‬ ‫جنازته ألن يف ذلك‬
‫َعلَْي ِه ْم ﴾ بل ي دفن إن مل يدفنه الكف ار كما فعل بأهل القليب ي وم ب در ‪ .‬وعن‬
‫علي رضي اهلل‬

‫‪323‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫عنه ق ال ‪ :‬قلت للنيب ‪ : r‬إن عمك الش يخ الض ال قد م ات ‪ .‬ق ال ‪ « :‬اذهب‬


‫فواره » ‪ .‬رواه أبو داود ‪.‬‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬

‫ت بِأَْث َقالِي َوأ َْو َزا ِري‬ ‫َوقَ ْد ُح ِش ْر ُ‬ ‫اب‬‫اء الْح َس ُ‬


‫ف احتِيالِي إِ َذا ج ِ‬
‫ََ‬ ‫َكْي َ ْ َ‬
‫ب قَ ِد ٍيم ال َْع ْه ِد أ َْو‬ ‫ِم ْن ُش ْؤِم َذنْ ٍ‬ ‫ص ْحِفي ُم َسَّو َد ٍة‬ ‫ت إِلَى ُ‬ ‫َوغَقًَدْاد نَظَْر ُ‬
‫َيطَْاو َِمريال َْم َع ِاد َوَي ْو َم ُّ‬
‫الذ ِّل َوال َْعا ِر‬ ‫َوقَ ْد تَ َجلَّى لَِب ْس ِط ال َْع ْد ِل َخالُِقَنا‬
‫بِ َدا ِر َع ْد ٍن َوأَ ْش َجا ٍر َوأَْن َها ِر‬ ‫وز ُك ُّل ُم ِطي ٍع لِل َْع ِزي ِز َغ ًدا‬
‫َيُف ُ‬
‫اح ِد الَْبا ِري‬ ‫ي َخلَّ ُدو َن بِ َدا ِر الْو ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫اد لَهُ‬
‫يم ُخلُو ٌد ال َنَف َ‬ ‫لَ ُه ْم نَع ٌ‬
‫يب ِفي النَّا ِر‬ ‫يح ِم َن الت َّْع ِذ ِ‬ ‫ال يَ ْسَت ِر ُ‬ ‫صى ِفي َقَرا ِر النَّا ِر َم ْس َكنُهُ‬ ‫َو َم ْن َع َ‬
‫اك ٍ‬‫اب بِ َدمع و ِ‬ ‫فَابْ ُكوا َكثِ ًيرا َفَق ْد َح َّق الْبُ َكاءُ لَ ُك ْم‬
‫ف َجا ِري‬ ‫ف ال َْع َذ ِ ْ َ‬ ‫َخ ْو َ‬
‫آخر‪:‬‬
‫ِفي غَ ْفلَ ٍة َع َّما َو َر َاء ال َْم َم ْ‬
‫ات‬ ‫ف ا ْغَت َد ْوا‬ ‫يَا َع َجًبا لِلن ِ‬
‫َّاس َكْي َ‬
‫اصي ثَِب ْ‬
‫ات‬ ‫لَ ُهم َعلَى إِ ْح َدى الْمع ِ‬
‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫اسبُوا أَْنُف َس ُه ْم لَ ْم يَ ُك ْن‬
‫لَْو َح َ‬
‫ات‬
‫الشَت ْ‬ ‫يب ِفي تَ ْميِي ِز ِه بِ َّ‬ ‫ِ‬
‫أُص َ‬ ‫اك الَّ ِذي‬ ‫ك ِفي ِ‬
‫اهلل فَ َذ َ‬ ‫َم ْن َش َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يُ ْحيِي ِه ُم َب ْع َد الَْبلَى ِمثْ َل َما‬
‫أَ ْخَر َج ُه ْم م ْن َع َدٍم لل َ‬
‫ْحَيا ْة‬
‫اللهم أهلمنا ذك رك وش كرك وارزقنا االس تقامة ط وع أم رك وتفضل علينا‬
‫بعافيتك وجزيل عفوك واغفر لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني األحي اء منهم واملي تني‬
‫برمحتك يا أرحم الرامحني وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫صلٌ )‬
‫( فَ ْ‬
‫وتكفني امليت ف رض كفاية لقوله ‪ r‬يف احملرم ال ذي م ات اغس لوه مباء‬
‫وس در وكفن وه يف ثوبيه وال واجب ث وب يسرت مجيع امليت لق ول أم عطية فلما‬
‫فرغنا‬

‫‪324‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ألقى إلينا حقوه فقال ‪ « :‬أشعرهنا » ‪ .‬ومل يزد على ذلك رواه البخاري ‪.‬‬
‫وال يسرت رأس احملرم وال وجه احملرمة لقوله ‪ r‬يف احملرم ال ذي م ات ‪« :‬‬
‫وال ختم روا رأسه فإنه يبعث ي وم القيامة ملبيًا » ‪ .‬متفق عليه ‪ .‬والس نة تكفني‬
‫الرجل يف ثالث لف ائف بيض من قطن حلديث عائشة كفن رس ول اهلل ‪ r‬يف‬
‫إدراجا‬
‫ً‬ ‫ثالثة أث واب بيض س حولية ميانية ليس هبا قميص وال عمامة أدرج فيها‬
‫متفق عليه ‪.‬‬
‫وقميص ولفافتني حلديث‬
‫ٌ‬ ‫ومخار‬
‫ٌ‬ ‫واملسنون يف حق األنثى مخسة أثواب إزار‬
‫ليلى بنت قائف الثقفية قالت كنت فيمن غسل أم كلثوم ابنة النيب ‪ r‬عند وفاهتا‬
‫فك ان أول ما أعطانا رس ول اهلل ‪ r‬احلقا مث ال درع مث اخلم ار مث امللحفة مث‬
‫أدرجت بعد ذلك يف الثوب اآلخر ‪ .‬رواه أبو داود ‪.‬‬
‫ثوب واحد ألنه دون رجل ويباح يف ٍ‬
‫ثالثة ‪ ،‬ما مل يرثه غري مكلف ‪ ،‬ولصغري قميص ولفافتان ‪ ،‬وخلنثى كاألنثى يف مخسة‬ ‫والصيب يف ٍ‬
‫أثواب ‪ ،‬وأما صفة هتيئة اللفائف ووضع امليت عليها فإنا تبسط بعضها فوق بعض وجتعل اللفافة الظاهرة وهي السفلى من الثالث أحسنها‬
‫وذلك بعد تبخريها ٍ‬
‫بعود وحنوه بعد رشها مبا ورد لتعلق رائحة البخور هبا ما مل يكن حمرما ‪.‬‬

‫الْبِين ِفي ِخَر ِق‬ ‫وط غَ َداة‬ ‫ِسوى حنُ ٍ‬


‫َ َ‬
‫ِ‬
‫فَ َما َتَز َّو َد م َّما َكا َن يَ ْج َم ُعهُ‬
‫لِ ُمْنطَِل ِق‬ ‫ك ِم ْن َز ٍاد‬‫َوقَ َّل َذلَ َ‬ ‫ب لَهُ‬ ‫ش ُّ‬‫َوغَْي ُر َن ْف َحةُ أَ ْعَو ٍاد تَ ُ‬
‫َوجَيْعل احلن وط وهو أخالط من طيب فيما بني اللف ائف وذلك ب أن ي ذر‬
‫بني اللف ائف مث يوضع امليت على اللف ائف مس تلقيًا وجيعل منه يف قطن بني إليتيه‬
‫ومثانته ‪.‬‬
‫وجيعل الب اقي من القطن احملنط على منافذ وجهه ومواضع س جوده جبهته‬
‫ويديه وركبته وحتت إبطه وس رته ألن ابن عمر ك ان يتتبع مغ ابن امليت ومرافقته‬
‫أنس ا وطُلِ َي باملسك وطَلَى ابن عمر ميتًا‬
‫باملسك وإن طيب كله فحسن ألن ً‬
‫باملسك ‪.‬‬

‫‪325‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫مث ي رد ط رف اللفافة العليا من اجلانب األيسر على ش قه األمين مث ي رد‬


‫طرفها األمين على األيسر مث الثانية ك ذلك مث الثالثة ك ذلك وجيعل أك ثر الفاضل‬
‫عند رأسه مث يعق دها وحتل يف القرب ‪ ،‬لق ول ابن مس عود إذا أدخلتم امليت القرب‬
‫فحلوا العقد ‪ .‬رواه األثرم ‪.‬‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬
‫ي ْح ِو ِيه ِمْتر ِ‬ ‫ض يَ ْمِل ُكهُ أ َْم َسى ِم ْن األ َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ض قَ ْد‬ ‫ض األ َْر ِ‬ ‫إِ َّن الَّذي َكا َن َب ْع ُ‬
‫بِي ْقظَ ِ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫أ َْمَوالَهُ فَا ْعَتبِ ُروا َواقَْت ِد‬ ‫ين‬ ‫ِِ ِ ِ‬
‫اب َع ْن ُملْكه الْم ْسك ُ‬ ‫َوغَ َ‬
‫َواقَْت َس ُموا‬ ‫آخر‪:‬‬
‫اب انْتَِق ِال‬ ‫س َب ْع َد أَْثَو َ‬ ‫ِ‬
‫َوأُلْب َ‬ ‫اب َكا َن ِف َيها‬ ‫َو ُعري َع ْن ثَِي ٍ‬
‫الر َج ِال‬ ‫ادى بْين أَ ْعَن ِ‬ ‫اس تِ ًيها‬ ‫ِِ‬
‫اق ِّ‬ ‫ُي َه َ َ َ‬ ‫َوَب ْع َد ُر ُكوبه األَ ْفَر َ‬
‫ب َوال َْمَوالِي‬ ‫ِ‬ ‫اد ُر ِف ِيه َف ْر ًدا‬
‫نَأَى مْنهُ األَقَا ِر ُ‬ ‫ِإلَى َقْب ٍر ُيغَ َ‬
‫َولَ ْم تَ ْح ُجبه َمأَْثَر ُة ال َْم َعالِي‬ ‫تَ َخلَّى َع ْن ُمَو ِّرثِِه َو َولَّى‬
‫موعظة ‪ :‬عباد اهلل ما هذا التكاسل عن الطاعات وزرع األعمار قد دنا للحصاد وما هذا التباعد ومدد األيام قد قاربت للنفاد ‪ ،‬وما‬
‫هذا التغافل والتكاسل عن إعداد الزاد ليوم امليعاد ‪.‬‬

‫اع‬‫ص َواألَط َْم ِ‬ ‫وتَ َشا َغلُوا بِال ِ‬


‫ْح ْر ِ‬ ‫َ‬ ‫وب ِم َن ال َْم َع ِاد َو ِذ ْك ِر ِه‬
‫ت الْ ُقلُ ِ‬ ‫َخلَ ِ‬
‫الت ْلَفا ِز َوال ِْم ْذيَ ِ‬
‫اع‬ ‫ف َو ِّ‬ ‫الصح ِ‬ ‫ِ‬ ‫س َم ْن َتَرى َو َح ِد َيث ُه ْم‬ ‫ِ‬
‫في ُّ ُ‬ ‫ت َم َجال ُ‬ ‫ص َار ْ‬
‫َ‬
‫ت ِمي َق ُ‬
‫ات ال ِْعَب ِاد‬ ‫فَِإ َّن ال َْم ْو َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آخر‪َ :‬تَز َّو ْد للَّ ِذي ال بُ َّد مْنهُ‬
‫ت بِغَْي ِر َز ِاد‬ ‫لَ ُه ْم َزا ٌد َوأَنْ َ‬ ‫يق َق ْوٍم‬‫سُّر َك أَ ْن تَ ُكو َن َر ِف َ‬‫يَ ُ‬
‫على مقاسات الرمس‬ ‫عباد اهلل أين احلسرات على فوت أمس أين العربات‬
‫ي وم احْل س ر ِة إِ ْذ قُ ِ‬
‫ض َي‬ ‫أين االستعداد ليوم تدنو فيه منكم الشمس ‪ ﴿ ،‬وأ ِ‬
‫َنذ ْر ُه ْم‬
‫َْ َ َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫اأْل َْم ُر َو ُه ْم يِف َغ ْفلَ ٍة َو ُه ْم اَل يُ ْؤ ِمنُو َن ﴾ ‪.‬‬

‫‪326‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫يا من مشيبه أتى وشبابه أضمحل وخيب ‪ ،‬مىت تتضرع إىل موالك وتقف‬
‫بالب اب ‪ ،‬أما اعت ربت ب الراحلني من األق ارب واجلريان وال زمالء واألحب اب ؛ أما‬
‫ِ‬
‫ب َوهَلْ ٌو َو ِزينَ ةٌ َوَت َف ُ‬
‫اخٌر َبْينَ ُك ْم َوتَ َك اثٌُر‬ ‫ق رع مسعك ﴿ ْاعلَ ُم وا أَمَّنَا احْلَيَ اةُ ال ُّد ْنيَا لَع ٌ‬
‫يِف اأْل َْم َو ِال َواأْل َْواَل ِد ﴾ اآلية ‪.‬‬
‫كيف حالك إذا بلغت ال روح ال رتاق وقطعت احلس رات والن دم عالئق‬
‫األكب اد ووض عت يف بيت الظلمة وال دود والوح دة وال ويل لك من اهلل وال‬
‫ناصر وضوعف العذاب وقيل للظاملني ذوقوا ما كنتم تكسبون ‪.‬‬
‫كيف أنت إذا بع ثر ما يف القب ور وحصل ما يف الص دور وكل إنس ان‬
‫أل زم ط ائره يف عنقه ي وم النش ور وح رر احلس اب بني ي دي س ريع احلس اب ع امل‬
‫ئِك ُه ُم‬ ‫ت َم َوا ِزينُ هُ فَأ ُْولَ َ‬‫السر واخلفي ات واجلالي ات ونصب امليزان ﴿ فَ َمن ثَ ُقلَ ْ‬
‫ين َخ ِس ُرواْ أَن ُف َس ُهم مِب َا َك انُواْ‬ ‫الْم ْفلِح و َن ﴾ ﴿ ومن خفَّت موا ِزين ه فَأُولَـئِ َّ ِ‬
‫ك الذ َ‬ ‫َ َ ْ َ ْ ََ ُ ُ ْ َ‬ ‫ُ ُ‬
‫يش ٍة‬ ‫ِ ِ‬
‫ت َم َوا ِزينُ هُ * َف ُه َو يِف ِع َ‬ ‫بِآيَاتنَا يِظْل ُم و َن ﴾ ‪ .‬وق ال تع اىل ﴿ فَأ ََّما َمن َث ُقلَ ْ‬
‫َّت َم َوا ِزينُ هُ * فَأ ُُّمهُ َها ِويَةٌ * َو َما أ َْد َر َاك َما ِهيَ ْه * نَ ٌار َح ِاميَ ةٌ‬ ‫َّر ِ ٍ‬
‫اض يَة * َوأ ََّما َم ْن َخف ْ‬
‫﴾‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬

‫ك ُم ْسِل ٌم‬ ‫ْس َش ْر ًعا أَ ْن يَطَّبِ َ‬ ‫َوال بَأ َ‬


‫ْح ْم ِد فَ ْابَت ِد‬ ‫ِ‬
‫َو َش ْكَوى الَّذي َت ْلَقى َوبِال َ‬
‫ك َجائٌِز‬ ‫الدَوا أ َْولَى َو ِف ْعلُ َ‬ ‫َوَت ْر ُك َّ‬
‫بِ َما لَ ْم َتَيَّق ْن ِف ِيه ُح ْر َم َة ُم ْفَر ِد‬
‫الر َجا ِعْن َد يَأ ِْس ِه‬ ‫ف َّ‬ ‫ور ِّجح َعلَى الْ َخو ِ‬
‫ْ‬ ‫ََ ْ‬
‫ك تَ ْس َع ِد‬ ‫الق بِ ُح ْس ِن الظَّ ِّن َربَّ َ‬ ‫و ِ‬
‫َ‬
‫ادةُ فَأْتِِه ْم‬ ‫ضى ال ِْعَي َ‬ ‫ع لِل َْم ْر َ‬‫َويُ ْشَر ُ‬
‫س ُعَّو ِد‬ ‫ِ‬
‫ض َر ْح َم ًة َت ْغ ُم ْر َم َجال َ‬ ‫تَ ُخ ْ‬

‫‪327‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫‪328‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ضا‬ ‫الر َ‬ ‫فَ َسْب ُعو َن أَلًْفا ِم ْن َمالئِ َك ِة ِّ‬


‫اد ُم ْم ًسى إِلَى الْغَ ِد‬ ‫صلِّي َعلَى َم ْن َع َ‬ ‫تُ َ‬
‫ت‬ ‫ِ‬ ‫وإِ ْن َع َ ِ‬
‫اصلَ ْ‬ ‫اد ُه في أ ََّو َل الَْي ْوم َو َ‬ ‫َ‬
‫اسنِ ِد‬
‫الصال َة فَ ْ‬ ‫َعلَْي ِه إِلَى اللَّْي ِل َّ‬
‫ف َوِمْن ُه ْم الَّ ِذي‬ ‫فَ ِمْن ُه ْم ُم ِغبًّا ُع ْد َو َخِّف ْ‬
‫يل ِم ْن ُمَتَود ِِّد‬ ‫لَذي ُيَؤِّثُر التَّطْ ِو َ‬
‫ِ‬
‫ال َم ْن‬ ‫اد ِة َح َ‬ ‫اع ِفي ال ِْعَي َ‬ ‫َفَف ِّكْر َو َر ِ‬
‫ود َوال تُ ْكثِ ْر ُسَؤاالً ُتَن ِّك ِد‬ ‫َت ُع ُ‬
‫َوذَ ِّكُر لِ َم ْن تَأْتِي َو َقِّو ُفَؤ ِاد ُه‬
‫ت َو ْار ُش ِد‬ ‫وصي إِ َذا ِخ ْف َ‬ ‫ومر ُه بِأَ ْن ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ُْ‬
‫ونَ ِّد بِم ٍاء أَو َشر ٍ ِ‬
‫اب ل َسانَهُ‬ ‫َ َ ْ َ‬
‫ت َق ْو َل ال ُْمَو َّح ِد‬ ‫ولَِّقْنهُ ِعْن َد الْمو ِ‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫ض ِجَر ْن بَ ْل إِ ْن تَ َكلَّ َم َب ْع َد ُه‬ ‫َوال تُ ْ‬
‫اج َه ِد‬ ‫ٍ‬
‫ْف َو ْ‬ ‫اسأ َْل اللُّط َ‬‫َف َعا ِو ْد بِلَ ْفظ َو ْ‬
‫ف َم ْوتُهُ‬ ‫َويَس إِ ْن ُتْتلَى يُ َخَّف ُ‬
‫صَر ِعْن َد َّ‬
‫التلَ َّح ِد‬ ‫َوُي ْرفَ ُع َعْنهُ ا ِإل ْ‬
‫اء ِقْبلَ ٍة‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َو ِّج ْههُ عْن َد ال َْم ْوت ت ْلَق َ‬
‫ضهُ َولَ ْحَيْي ِه فَا ْش ُد ِد‬
‫ات غَ ِّم ْ‬ ‫فَِإ ْن َم َ‬
‫وملْبوسهُ فَا ْخلَ ْع ولَيِّن مَف ِ‬
‫اصالً‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ََ ُ َ‬
‫ص ِع ِد‬
‫ت َمانِ َع ُم ْ‬
‫ض ْع َفو َق بطْ ِن الْميِّ ِ‬
‫َ‬ ‫َو َ ْ َ‬
‫ف ُديو َن الْميِّ ِ‬
‫ت َش ْر ًعا َو َفِّرقَ ْن‬ ‫َ‬ ‫َو َو ِّ ُ‬
‫ْص ِد‬ ‫ِ‬
‫َوصيَّ َة َع ْد ٍل ثُ َّم تَ ْج ِه َيز ُه أُق ُ‬

‫‪329‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫إِ َذا بِانْ ِخس ِ‬


‫ج‬

‫ت َم ْوتَهُ‬ ‫الص ْد ِغ أَْيَقْن َ‬ ‫اف ُّ‬ ‫َ‬


‫ص ِل ِر ْجلَْي ِه َوالَْي ِد‬ ‫َو َمْي َل أَنِْف ِه َم ْع فَ ْ‬
‫ب‬‫اح ٍ‬ ‫الم ِخ ٍّل وص ِ‬ ‫َوال بَأْس ِفي إِ ْع ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫وأَنْسابِِه وا ْكر ْه نِ َداء و َشد ِ‬
‫ِّد‬ ‫ً َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫ض ِكَفايٍَة‬ ‫َّج ِهي ِز َف ْر َ‬ ‫َو َسا ِر ْع إِلَى الت ْ‬
‫َب فَا ْع ُد ِد‬ ‫صيًّا َب ْع َد ُه األ ِ‬ ‫ِّم و ِ‬
‫َفَقد ْ َ‬
‫ب‬ ‫اس ٍ‬ ‫فَج ٌّد فَأَ ْدنَى ثُ َّم أَ ْدنَى مَن ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫فَ َم ْولَى فَأَ ْدنَى أَقْ ِرَبْي ِه َك َما ْابَت ِدي‬
‫ض ْعهُ ُمَو ِّج ًها‬ ‫َو ُم ْسَتتًِرا لِْلغُ ْس ِل َ‬
‫اء ِر ْجلَْي ِه فَا ْع ِم ِد‬ ‫ِ ِ‬ ‫(‬
‫َو ُمْن َحد ًرا ت ْلَق َ‬
‫يص ِه‬‫ب َعلَْي ِه الْماء َفو َق قَ ِم ِ‬
‫ََ ْ‬ ‫ص َّ‬‫َو ُ‬
‫س َو َحْي ٍز بِأَْب َع ِد‬ ‫بِاألُ ْخَرى بِال َم ِّ‬ ‫(‬
‫اس ٍل‬ ‫وي ْخَتار مج ُد الدِّين لََّف َة غَ ِ‬
‫َ‬ ‫ََ ُ َ ْ‬
‫َعلَى يَ ِد ِه َث ْوبًا لِغُ ْس ِل ُم َعُّو ِد‬
‫ت ( َع ْن أَ ْعيُ ِن الَْو َرى‬ ‫ع سْتر الْميِّ ِ‬
‫َويُ ْشَر ُ َ ُ َ‬
‫ف أ َْو ِسْتًرا ا ْش َه ِد‬ ‫السْق ِ‬
‫ت َّ‬ ‫ك تَ ْح َ‬ ‫َوغَ ْسلُ َ‬
‫وس بَِرفْ ِع ِه‬ ‫ِ‬
‫ْجلُ ِ‬ ‫َو َقِّربْهُ م ْن َح ِال ال ُ‬
‫ولِلْبطْ ِن فَأَ ْعصر وأر ِفَقن ال تُ َشد ِ‬
‫ِّد‬ ‫ُْ َ ْ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ب بِاألَ َذى‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ال َْماء لَي ْذ َه َ‬ ‫ص ِّ‬‫َو َكثَّْر ل َ‬
‫اس ِع الْ ُك َّمْي ِن غَ ِّس ْل بِأَْب َع ِد‬ ‫و ِفي و ِ‬
‫َ َ‬
‫اس ِة ِخ ْرقٍَة‬ ‫َّج َ‬
‫ولُ َّ ِ ِ ِ‬
‫ف لَتْنضيف الن َ‬ ‫َ‬
‫ف َونَ ِّج ِيه َو َع ْن َع ْو َر ٍة ُح ِد‬ ‫بِ َك ٍّ‬

‫‪330‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫يمهُ بِال َْما ا ْشَت ِر ْط َوبِ َخَرقٍَة‬ ‫ِ‬


‫َوَت ْعم ُ‬
‫َجَو ِد‬ ‫(‬
‫بِيُ ْم َن َو َس ِّم َوانْ ِو َش ْرطًا بِأ ْ‬
‫ِ‬
‫اء فَ ُاه َوأَْنَفهُ‬
‫َوال تُ ْدخلَ َّن ال َْم َ‬
‫َّعبُّ ِد‬ ‫(‬
‫وء الت َ‬‫ض َ‬ ‫َونَظِّْف ُه َما َواتْ ِم ْم ُو ُ‬
‫(‬ ‫َوِم ْن ُر ْغَو ِة ِّ‬
‫الس ْد ِر ا ْغ ِسلَْنهُ َج ِم َيعهُ‬
‫وبِاألَيم ِن اب َدْأ ثُ َّم لِألَيس ِر أُق ِ‬
‫ْصد‬ ‫َْ‬ ‫َ َْ ْ‬
‫ثَالثًا فَِإ َّن لَ ْم ُيْن ِق أ َْو بَا َن َج ِم ِيعهُ‬
‫َفغَ ِّسل إِلَى األَْنَقى وبِالْ ِوتْ ِر جد ِ‬
‫ِّد‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫إِلَى ُمْنَت َهى َسْب ٍع َو ِفي ُك ِّل غَ ْسلَ ٍة‬
‫ْن بِالَْي ِد‬ ‫ِ‬
‫َفَقلِّْبهُ َو ْأرف ْق َو ْام َس ْح الَْبط َ‬
‫ض ْعهُ فَِإ ْن بَ َدا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ور َ‬ ‫َوفي اآلخ ِر الْ َكافُ َ‬
‫أس ُد ِد‬
‫ت فَ ْ‬ ‫إِ َذا ب ْع َد سْب ٍع م ْخرج الْميِّ ِ‬
‫َ َ َ ََ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يل ال‬ ‫ب ُقطْ ٍن فَإ ْن يَ ْخ ُر ِج فَطي ٍن َوق َ‬
‫ض َب ْع َد غُ ْس ِل األَ َذى قَ ِد‬ ‫ُتغَ ِّس ْل َو َو ِّ‬
‫الش ُعو ِر بَأ َْوطَ ٍد‬
‫يح ُّ‬ ‫َويُ ْكَر ُه تَ ْس ِر ُ‬
‫أج ُد ِد‬ ‫ط فَ ْ‬ ‫َو َشا ِربَهُ َوالظِّْف ُر َو ِ‬
‫اإلبْ َ‬
‫ت ُمغَيَّ ٍ‬ ‫ض ميِّ ٍ‬
‫ب‬ ‫َوغَ ِّس ْل َو َكِّف ْن َب ْع َ َ‬
‫ص ِّل َعلَْي ِه ِمثْ َل ِر ْج ٍل بِأ َْو َك ِد‬ ‫َو َ‬
‫ين َو َعالِ ٌم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َويُ ْخَت ُار ل ْلغُ ْس ِل األَم ُ‬
‫يل َولَْو بَِتَقلُّ ِد‬
‫َح َك ِام َت ْغ ِس ٍ‬ ‫بِأ ْ‬
‫ت َكْت َمهُ‬ ‫ش ِسًّرا ُيَؤِّثُر ال َْمْي ُ‬ ‫َوال ُت ْف ِ‬
‫اع ُم َعَّو ِد‬‫ِسَوى ِذي فُ ُجو ٍر َو ْابَت َد ٍ‬

‫‪331‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫س َمالِِه‬ ‫ت ُخ ْذهُ ِم ْن َرْأ ِ‬ ‫وتَ ْج ِه ُيز ميِّ ٍ‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫َك ِد‬‫وق َوأ ِّ‬ ‫ِّم َعلَى ُك ِّل الْح ُق ِ‬
‫ُ‬ ‫َوقَد ْ‬
‫ف َج ِم َيعهُ‬ ‫ب َيلُ ُّ‬ ‫وو ِ‬
‫اجبُهُ َث ْو ٌ‬ ‫ََ‬
‫الث بَ ْل َم َع الدِّي ِن أَفْ ِر ِد‬ ‫يل ثَ ٌ‬ ‫ِ‬
‫َوق َ‬
‫الث بَ َسطََّت َها‬ ‫ض ثَ ٍ‬ ‫ع ِفي َبْي ٍ‬ ‫َويُ ْشَر َ‬
‫الدثَ َار فَ َجِّو ِد‬
‫ب َو ِّ‬ ‫ِطَباقًا بِطَْي ٍ‬
‫اج َعلَ ْن َعلَى‬ ‫ِ‬
‫يما َبْيَن َها َو ْ‬ ‫َو َحنِّطْهُ ف َ‬
‫ف قُطْ ٍن َبْي َن أَلَْيْي ِه َوا ْش ُد ِد‬ ‫ملََّف ِ‬
‫ُ‬
‫َو َكِّفْنهُ َوابْ َدْأ بِالَْي َسا ِر َو َف ْو َق َها الْـ‬
‫اف ِمْن َها َف َعِّق ِد‬ ‫ين َك َذا األَطَْر ُ‬ ‫يَم ُ‬
‫ِ‬
‫ت َوفِّرو ُحلَّ َها‬ ‫س الْميِّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َما عْن َد َرْأ ِ َ‬
‫ع أَ ْكَفانَهُ ال ُتَقد ِ‬
‫ِّد‬ ‫بِلَ ْح ٍد َو َد َ‬
‫يص َوِمْئَز ٍر‬ ‫اف َم َع قَ ِم ٍ‬ ‫َويَ ْكِفي لَِف ٌ‬
‫َواألُْنثَى ِخ َم ٌار َم َع لَِفافٍَة ا ْز َد ِد‬
‫اللهم ثبت حمبتك يف قلوبنا وقوها وأهلمنا ذك رك وش كرك ووفقنا للقي ام‬
‫ب أمرك وأع ذنا من ع دونا وع دوك واغفر لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني األحي اء‬
‫منهم وامليتني برمحتك يا أرحم ال رامحني وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني ‪.‬‬
‫صلٌ )‬
‫( فَ ْ‬
‫والصالة على امليت فرض كفاية لقوله ‪ ‬يف الغال صلوا على صاحبكم‬
‫وقوله ‪ « : ‬صلوا على‬

‫‪332‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫أطف الكم ف إهنم أف راطكم » ‪ .‬وقوله ‪ « :‬إن ص احبكم النجاشي قد م ات فقوم وا‬
‫فصلوا عليه » ‪ .‬وقوله صلوا على من قال ال إله إال اهلل ‪.‬‬
‫وتس قط الص الة عليه مبكلف ‪ ،‬ألهنا ص الة ليس من ش روطها اجلماعة ‪،‬‬
‫فلم يش رتط هلا الع دد ‪ ،‬وش روط الص الة على امليت مثانية النية والتكليف‬
‫واس تقبال القبلة وسرت الع ورة واجتن اب النجاسة وإس الم املص لي واملص لي عليه‬
‫وطهارهتما ولو بالرتاب وحضور امليت إن كان يف البلد ‪.‬‬
‫وأرك ان الص الة على امليت س بعة ‪ ،‬القي ام يف فرض ها والتكب ريات األربع‬
‫أربعا ‪ .‬متفق عليه ‪ ،‬وق راءة الفاحتة ‪ ،‬لعم وم‬ ‫ألن النيب ‪ ‬كرب على النجاشي ً‬
‫حديث ال صالة ملن مل يقرأ بفاحتة الكتاب ‪ ،‬وصلى ابن عباس على جنازة فقرأ‬
‫بأم القرآن وقال ‪ :‬لتعلموا أهنا سنة ‪ ،‬أو قال ‪ :‬من متام السنة ‪ .‬رواه البخاري ‪.‬‬
‫والص الة على النيب ‪ ، ‬وال دعاء للميت لقوله ‪ « : ‬إذا ص ليتم على‬
‫امليت فأخلص وا له ال دعاء » ‪ .‬رواه أبو داود وال رتتيب ‪ ،‬والس الم لعم وم ح ديث‬
‫حتليلها التسليم ‪ ،‬وصفة الصالة على امليت أن ينوي ‪.‬‬
‫مث يكرب أربعا يرفع يديه مع كل تكب ٍ‬
‫رية حيرم ب التكبرية األوىل ويتع وذ‬ ‫ً‬
‫ويس مي ويق رأ الفاحتة وال يس تفتح ألن مبناها على التخفيف ‪ ،‬ويكرب التكب رية‬
‫الثانية ‪ ،‬ويص لي على النيب ‪ ‬كما يص لي عليه يف التش هد ‪ ،‬ويكرب يف الثالثة‬
‫ويدعو للميت بأحسن ما حيضر ‪.‬‬

‫‪333‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وسن مبا ورد ‪ ،‬ومنه ‪ :‬اللهم اغفر حلينًا وميتنًا وص غرينًا وكبرينًا وذكرنًا‬
‫وأُنْاثنًا إنك تعلم منقلبنًا ومثوانًا وأنت على كل ش يء ق دير اللهم من أحييته منا‬
‫فأحيه على اإلسالم والسنة ومن توفيته منا فتوفه عليهما ‪.‬‬
‫اللهم اغفر له وارمحه ‪ ،‬وعافه واعف عنه ‪ ،‬وأكرم نزله ‪ ،‬ووسع مدخله‬
‫‪ ،‬واغس له باملاء والثلج وال ربد ‪ ،‬ونقه من ال ذنوب واخلطايا كما ينقى الث وب‬
‫وزوجا خ ًريا من زوجه وأدخله‬ ‫ً‬ ‫دارا خ ًريا من داره‬‫األبيض من ال دنس ‪ ،‬وأبدله ً‬
‫اجلنة وأعذه من عذاب النار وعذاب القرب وأفسح له يف قربه ونور له فيه ‪.‬‬
‫صغريا أو جمنونًا واستمر قال ‪ :‬اللهم اجعله‬ ‫ً‬ ‫وإن كان امليت املصلى عليه‬
‫فيعا جمابًا اللهم ثقل به موازينهما وأعظم بع أجورمها‬ ‫ذخ ًرا لوالديه وفرطًا وش ً‬
‫وأحلقه بصاحل سلف املؤمنني واجعله يف كفاية إبراهيم وقه برمحتك عذاب اجلحيم‬
‫وإن مل يعلم إسالم والديه دعا ملواليه ‪.‬‬
‫ويؤنث الضمري على أنثى فيقول ‪ :‬اللهم اغفر هلا إىل آخر الدعاة ويشري‬
‫مبا يص لح هلما على خنثى ‪ ،‬وما جهل هل هو ذكر أم أن ثى فيق ول يف دعائه‬
‫اللهم اغفر هلذا امليت وحنوه كهذه اجلنازة ألنه يصلح هلما ‪.‬‬
‫واحدة‬
‫ً‬ ‫ويكرب التكبرية الرابعة ويقف بعدها قليالً وال يدعو ويسلم تسليمة‬
‫عن ميينه وجيوز أن يسلمها تلقاء وجهه وجيوز أن يسلم ثانية ‪.‬‬
‫وتسن الص الة على امليت مجاعة كفعله عليه الص الة والس الم وأص حابه‬
‫واستمر عليه الناس وسن أن ال تنقص الصفوف عن ثالثة صفوف مث قال ‪ :‬قال‬
‫رس ول اهلل ‪ « : ‬من ص لى عليه ثالثة ص فوف من الن اس فقد أوجب » ‪ .‬رواه‬
‫الرتمذي وحسنه واحلاكم وقال صحيح على شرط مسلم ‪.‬‬

‫‪334‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وجيوز أن يصلى على امليت من دفنه إىل شهر وشيء قليل كيوم ويومني‬
‫ي روى عن النيب ‪ ‬من س تة وج وه كلها حس ان قاله أمحد ‪ .‬وق ال ‪ :‬ومن يشك‬
‫يف الص الة على القرب وق ال أك ثر ما مسعت أن النيب ‪ ‬على أم س عد بن عب ادة‬
‫بعد شهر ‪.‬‬
‫ويص لى على الغ ائب بالنية لص الته عليه الص الة والس الم على النجاشي‬
‫واألوىل بالص الة على امليت وص ية الع دل فس يد برقيقه فالس لطان فنائبه األمري‬
‫فاحلاكم فاألوىل بغسل رجل فزوج بعد ذوي األرحام ‪.‬‬
‫ومع تس او يق رع بينهم ومن قدمه ويل ال وصي مبنزلته والس نة أن يقف‬
‫اإلم ام واملنف رد عند رأس الرجل امليت املص لى عليه وعند وسط األن ثى ملا ورد‬
‫عن أنس أنه صلى على رجل فقام عند رأسه مث صلى على امرأة فقام وسطها‬
‫فقال العالء بن زياد هكذا رأيت رسول اهلل ‪ ‬يقوم قال ‪ :‬نعم وعن مسرة بن‬
‫جن دب رضي اهلل عنه ق ال ‪ :‬ص ليت مع النيب ‪ ‬على ام رأة فق ام وس طها متفق‬
‫عليه ‪.‬‬
‫ويسن أن يلي اإلم ام من كل ن وع أفض لهم فأسن فأس بق مث يق رع ف إن‬
‫ك ان رجالً وص بيًا وام رأة وخن ثي ق دم إىل اإلم ام الرجل مث الصيب مث اخلن ثي مث‬
‫املرأة ملا روي عن ابن عمر رضي اهلل عنه أنه ص لى على تسع جن ائز رج ال‬
‫ونساء فجعل الرجال مما يلي اإلمام والنساء مما يلي القبلة ‪.‬‬
‫ويقضي املس بوق ما فاته من التكب ريات إذا س لم إم ام على ص فتها ف إن‬
‫خشي رفع اجلنازة تابع التكبري رفعت أو مل ترفع وإذا سلم ومل‬

‫‪335‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫يقض شيئًا صحت وجيوز دخوله بعد التكبرية الرابعة ويقضي الثالث التكب ريات‬
‫استحبابًا لينال األجر ‪.‬‬
‫وإن وجد بعض ميت كرجل أو ي ٍد فحكمه ككله فيغسل ويص لى عليه‬
‫بعد ما يكفن وجوبًا ألن أبا أي وب ص لى على رجل إنس ان قاله امحد وص لى‬
‫عمر على عظ ام بالش ام وص لى أبو عبي دة على رؤوس روامها عبد اهلل بن أمحد‬
‫بإسناده ‪.‬‬
‫ق ال الش افعي ألقى ط ائر ي ًدا من وقعة اجلمل ع رفت باخلامت وك انت يد‬
‫عت اب بن أس يد وص لى عليها أهل مكة ف إن ك انت امليت قد ص لى عليه غسل‬
‫ذلك البعض وكفن وجوبًا وصلى عليه استحبابًا ألن الفرض سقط بالصالة على‬
‫أكثر امليت ‪.‬‬
‫وكذا إن وجد الباقي من امليت فيغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن جبنبه‬
‫وال يص لى على ما ب ان وانفصل من حي كيد وس ارق وق اط ٍع طري ٍق ما دام‬
‫اإلنسان حيًا ‪.‬‬
‫كبريا ولو ملشقة‬
‫وال يصلى على من يف أحد جانيب البلد وان كان البلد ً‬
‫مرض ألنه ميكن حضور امليت للصالة عليه يف البلد ويعترب انفصاله عن‬ ‫ٍ‬ ‫مط ٍر أو‬
‫البلد مبا يعد الذهاب إليه نوع سفر ‪.‬‬
‫قال الشيخ تقي الدين وأقرب احلدود ما جتب فيه اجلمعة وال يصلي على‬
‫ميت ك ره له‬‫كل غ ائب ق ال الش يخ تقي ال دين ألنه مل ينقل ومن ص لى على ٍ‬
‫إعادة الصالة كالعيد إال من صلى عليه بالنية إذا حضر ‪.‬‬
‫ميت ص لى على مجلته فتسن الص الة على ذلك‬ ‫وك ذا إذا وجد بعض ٍ‬
‫البعض ‪.‬‬

‫‪336‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ِش ْعًرا ‪:‬‬

‫ين أ َِفي ُقوا َقْب َل َم ْوتِ ِك ْم‬ ‫ِِ‬


‫يَا غَافل َ‬
‫َو َقْب َل ُي ْؤ َخ ُذ بِاألَقْ َد ِام باألقدام َواللَّ َم ِم‬
‫صو َن غَ ًدا‬ ‫ِ‬
‫َج َم ُع طًَّرا َشاخ ُ‬ ‫َّاس أ ْ‬
‫َوالن ُ‬
‫ِ‬
‫ص َم ِم‬‫ال َيْنط ُقو َن بِال بُ ْك ٍم َوال َ‬
‫ْح ْش ُر َج ِام ُع ُه ْم‬ ‫ِ‬
‫ْق قَ ْد ُشغلُوا َوال َ‬ ‫َوالْ َخل ُ‬
‫ْحَرِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َواهللُ طَالُب ُه ِم بِالْح ِّل َوال َ‬
‫ْج ْم ِع ُكلِّ ِه ْم‬‫َوقَ ْد َتَب َّدى أل َْه ِل ال َ‬
‫النَق ِم‬
‫يب َو ِّ‬ ‫َو ْع َد ا ِإللَِه ِم َن الت َّْع ِذ ِ‬
‫صة‬ ‫ِ‬ ‫َو ُك ُّل َن ْف ٍ‬
‫ْجبَّار َشاخ َ‬ ‫س لَ َدى ال َ‬
‫وح ِم َن َّ‬
‫الز َح ِم‬ ‫ال َيْن ِط ُقو َن بِال ُر ٍ‬
‫اللهم إنا نس ألك أن ترفع ذكرنا وأن تضع وزرنا وتص لح أمرنا وتطهر‬
‫قلوبنا وتنور قبورنا وتغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني برمحتك يا أرحم الرامحني‬
‫‪ .‬وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫صلٌ )‬
‫( فَ ْ‬
‫لغال وال على قاتل نفسه أما ألغال وهو من كتم‬ ‫وال يصلي اإلمام على ا ٍ‬
‫ش يئًا مما غنمه املس لمون من الكف ار ليختص به فألنه عليه الص الة والس الم امتنع‬
‫عن الص الة على رجل من جهينة غل ي وم خيرب وق ال ‪ « :‬ص لوا على ص احبكم‬
‫» ‪ .‬رواه اخلمسة إال الرتم ذي احتج به أمحد وأما قاتل نفسه فلح ديث ج ابر بن‬
‫مسرة أن النيب ‪ ‬ج اؤه برجل قد قتل نفسه مبش اقص فلم يص لى عليه ‪ .‬رواه‬
‫مسلم وغريه ‪.‬‬

‫‪337‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وللمصلي على اجلنازة قرياط من األجر وهو أمر معلوم عند اهلل تعاىل وله‬
‫بتمام دفنها قرياط آخر ملا ورد عن أيب هريرة قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ « : ‬من‬
‫شهد جنازة حىت يصلى عليها فله قرياط ومن شهد حىت تدفن فله قرياطان » ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬وما القرياطان ؟ قال ‪ « :‬مثل اجلبلني العظيمني » ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫وملس لم حىت توضع يف اللحد وللبخ اري من ح ديث أيب هري رة من تبع‬
‫جنازة مسلم إميانًا واحتسابًا وكان معها حىت يصلى عليها ويفرغ من دفنها فإنه‬
‫أحد ومحل امليت حملل دفنه فرض كفاية ‪.‬‬ ‫يرجع بقراطني كل قرياط مثل قرياط ٍ‬
‫ويسن ال رتبيع يف محل اجلن ازة ملا ورد عن ابن مس عود ق ال ‪ :‬من اتبع‬
‫جن ازة فليحمل جبوانب الس رير كلها فإنه من الس نة مث إن ش اء فليتط وع وإن‬
‫شاء فليدع ‪ .‬رواه ماجه وصفته أن يضع قائمة السرير اليسرى املقدمة على كتفه‬
‫اليمىن ‪.‬‬
‫مث ينتقل إىل املؤخرة مث اليمىن املقدمة على كتفه اليس ري مث ينتقل إىل‬
‫املؤخرة وال يك ره احلمل بني العم وديني وهو ما بني الق ائمتني املق دمتني أو‬
‫عمود على ٍ‬
‫عاتق ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫املؤخرتني أو جيعل كل‬
‫ملا روي أنه عليه الص الة والس الم محل جن ازة س عد بن مع اذ بني العم وديني ويسن‬
‫اإلسراع باجلنازة ملا ورد عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ « : ‬أسرعوا‬
‫باجلنازة فإن كانت صاحلة قربتموها إىل خري وإن كانت غري ذلك فشر تضعونه عن رقابكم »‬
‫‪ .‬رواه اجلماعة ‪.‬‬

‫ْح ِد ُ‬
‫يث لَهُ ُش ُجو ْن‬ ‫َوال َ‬ ‫َح ِديثِي‬ ‫ُّك ِم ْن‬ ‫ِش ْعًرا‪ :‬إِنِّي أَُبث َ‬
‫لَْيالً َفَنا َفَرنِي ُّ‬
‫الس ُكو ْن‬ ‫َم ْرقَ ِدي‬ ‫ض َع‬‫ت مو ِ‬
‫َغَّيْر ُ َ ْ‬
‫ف َتَرى تَ ُكو ْن‬ ‫ِفي الَْقْب ِر َكْي َ‬ ‫لَْيلَ ٍة‬ ‫قُ ْل لِي فَأ ََّو ُل‬

‫‪338‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ين تَ ْخَفى َذ ِاهَبات‬ ‫ِ‬ ‫ْجَنائُِز قَ َابَلْتَنا‬ ‫ِش ْعًرا‪ُ :‬نَر ِ‬


‫َونَ ْس ُك ُن ح َ‬ ‫اع إِ َذا ال َ‬
‫ت راتِع ِ‬
‫ات‬ ‫اد ْ َ َ‬ ‫اب َع َ‬
‫َفَل َّما َغ َ‬ ‫َكَر ْو َع ِة ُثلَّة لِظُُهو ِر ِذئْ ٍ‬
‫ب‬
‫وال يكره احلمل على دابة لغرض صحيح كبعد املقربة ومثل البعري السيارة‬
‫وحنوها ويس تحب ك ون املاشي ق دام اجلن ازة ق ال ابن املن ذر ‪ :‬ثبت أن النيب ‪‬‬
‫وأبا بكر وعمر ك انوا ميش ون أم ام اجلن ازة ‪ .‬رواه أمحد ‪ .‬عن ابن عمر وألهنم‬
‫شفعاء والشفيع يتقدم املشفوع له ‪.‬‬
‫مرفوعا الراكب‬
‫ً‬ ‫وسن كون راكب خلف اجلنازة حلديث املغرية بن شعبة‬
‫خلف اجلن ازة واملاشي حيث ش اء منها ‪ .‬رواه الرتم ذي ‪ .‬وق ال ‪ :‬حسن ص حيح‬
‫ألنه إذا س ار أمامها ال راكب أذى املش اة والق رب من اجلن ازة أفضل كاإلم ام يف‬
‫الصالة ‪.‬‬
‫ويكره جلوس تابعها حىت توضع باألرض حلديث أيب هريرة قال فيه حىت‬
‫توضع ب األرض ورفع الص وت مع اجلن ازة مك روه حلديث ال تتبع اجلن ازة بص ٍ‬
‫وت‬
‫وال ن ا ٍر رواه أبو داود وق ول القائل مع اجلن ازة اس تغفروا بدعة وروى س عيد أن‬
‫ابن عمر وسعيد بن جبري قاال لقائل ذلك ال غفر اهلل لك ‪.‬‬
‫وكره أن تتبع اجلنازة امرأة حلديث أم عطية ‪ :‬هنينا عن إتباع اجلنائز ومل‬
‫يع زم علينا وح رم أن يتبعها مع منكر يعجز عن إزالته ويل زم الق ادر على إزالته‬
‫أن يزيله وال يرتك إتباعها ‪.‬‬
‫ويس تحب القي ام للجن ازة ملا ورد عن ابن عمر عن ع امر بن ربيعة عن‬
‫النيب ‪ ‬ق ال ‪ « :‬إذا رأيتم اجلن ازة فقوم وا هلا حىت ختلفكم أو توضع » ‪ .‬رواه‬
‫اجلماعة وألمحد ‪.‬‬
‫أيضا عنه أنه رمبا‬
‫وكان ابن عمر إذا رأى جنازة قام حىت جتاوزه وله ً‬

‫‪339‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫تقدم اجلنازة فقعد حىت إذا رآها قد أشرفت قام حىت توضع واختار هذا القول‬
‫الش يخ تقي ال دين وعن ج ابر ق ال م رت بنا جن ازة فق ام هلا النيب ‪ ‬وقمنا معه‬
‫فقلنا ‪ :‬يا رسول اهلل إهنا جنازة يهودي قال ‪ « :‬إذا رأيتم اجلنازة فقوموا هلا » ‪.‬‬
‫وعن سهل بن حنيف وقيس بن سعد أهنما كانا قاعدين بالقادسية فمروا‬
‫عليهما جبن ازة فقاما فقيل هلما إهنا من أهل األرض أي من أهل الذمة فق ال إن‬
‫رسول اهلل ‪ ‬مرت به جنازة فقام فقيل له إهنا جنازة يهودي فقال ‪ « :‬أليست‬
‫نفسا » ‪ .‬متفق عليهما ‪.‬‬
‫ً‬
‫اللهم وفقنا توفي ًقا يقينًا عن معاص يك ووفقنا للعمل مبا يرض يك وارزقنا‬
‫حمبتك وحمبة من حيبك وبغض من يعاديك واغفر لنا ولوال دينا ومجيع املس لمني‬
‫برمحتك يا أرحم الرامحني وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬

‫س تُ ْمَن ُع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫س َه ُام ال َْمَنايَا في الَْو َرى لَْي َ‬
‫صَر ٍع‬
‫اش َم ْ‬ ‫فَ ُك ٌّل لَهُ َي ْوم َوإِ ْن َع َ‬
‫ف َيْنَت ِهي‬ ‫َو ُك ٌّل َوإِ ْن طَ َ‬
‫ال ال َْم َدى َس ْو َ‬
‫إِلَى َق ْع ِر لَ ْح ٍد ِفي َثَرى ِمْنهُ ُيَو ّدع‬
‫ِِ‬
‫َف ُق ْل للَّذي قَ ْد َع َ‬
‫اش َب ْع َد قَ ِرينُهُ‬
‫إِلَى ِمثِْل َها َع َّما قَِل ٍ‬
‫يل َسَت ْدفَ ُع‬
‫ضي إِلَى‬ ‫ف ي ْف ِ‬
‫فَ ُك ُّل ابْن أُْنثَى َس ْو َ ُ‬
‫شرجع‬ ‫وير َفعهُ ب ْع ُد األَرائِ ِ‬
‫ك‬ ‫الر َدى‬‫َّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ ُ َ‬

‫‪340‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ج‬

‫اش ُب ْر َه ًة‬ ‫َويُ ْد ِر ُكهُ َي ْو ًما َوإِ ْن َع َ‬


‫ض ُع‬ ‫ضاء تُساوى ِف ِيه َعود ومر ِ‬
‫ْ َ ُْ‬ ‫قَ َ ً َ َ‬
‫ول َحَياتِِه‬ ‫فَال َي ْفر َح َّن َي ْو ًما بِطُ ِ‬
‫َ‬
‫يب فَ َما ِفي َعْي ِش ِه ال َْم ْرءُ َمط َْم ُع‬ ‫لَبِ ٍ‬
‫ش إِال ِمثْ ُل لَ ْم َح ِة بَا ِر ٍق‬ ‫فَ َما ال َْعْي ُ‬
‫وت إِال ِمثْل َما ال َْعْي ُن ُت ْه َج ُع‬ ‫َو َما ال َْم ُ‬
‫س‬ ‫ِ ِ‬ ‫َو َما الن ِ‬
‫َّاس إال َكالنََّبات َفَياب ٌ‬ ‫ُ‬
‫اد يَطْلَ ُع‬ ‫ض إِثْر َما بَ َ‬ ‫يم َوغَ َّ‬ ‫ِ‬
‫َهش ٌ‬
‫َفَتبَّا لِ َدا ٍر َما َتَز ُ‬
‫ال ُت ُعلَُّنا‬
‫س َت ْقَن ُع‬ ‫ْس َمَّر ًة لَْي َ‬‫يق َكأ ٍ‬ ‫أَفَا ِو َ‬
‫اب أ ََمانِ َيها ِج َه ٌام َوَب ْر ُق َها‬ ‫ِ‬
‫س َح ُ‬
‫س َي ْه َم ُع‬ ‫ِ ِ‬
‫ْب لَْي َ‬‫يم َب ْر ٌق َخل ٌ‬ ‫إ َذا ش َ‬
‫َتغُُّر بَنِ َيها بِال ُْمَنى َفَت ُق ُ‬
‫ود ُه ْم‬
‫إِلَى َق ْع ٍر َم ْهَو ٍاة بَِها بِال ُْمَنى َفيُ ْمَت ُع‬
‫ت ِفي ُحِّب َها ِم ْن ُمَتيِّ ٌم‬ ‫فَ َك ْم أ َْهلَ ْك ُ‬
‫ظ ِمْن َها بِال ُْمَنى َفيُ ْمتِ ُع‬ ‫َولَ ْم يَ ْح َ‬
‫صِل َها‬ ‫ِ‬
‫اآلم ِال في َنْي ِل َو ْ‬ ‫تُ َمنِّيه بِ َ‬
‫ع‬
‫س َيْن ِز ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫َو َع ْن َغيَّه في ُحِّب َها لَْي َ‬
‫اج ًعا‬ ‫اع بَِها ُعمرا لَهُ لَْيس ر ِ‬ ‫ض َ‬‫أَ َ‬
‫َ َ‬ ‫ًْ‬
‫َولَ ْم َيَن ْل األ َْم ُر الَّ ِذي ُيَتَوقَّ ُع‬
‫ص َار لَ َها َعْب ًدا لِ َج ْم ِع ُحطَ ِام َها‬ ‫فَ َ‬
‫َولَ ْم يَِه ْن ِف َيها بِالَّ ِذي َكا َن يَ ْج َم ُع‬

‫‪341‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫َولَْو َكان َذا َع ْق ٍل ألَ ْغنَْتهُ ُب ْلغَةٌ‬


‫ك يَ ْج َش ُع‬ ‫الدْنَيا َولَ ْم يَ ُ‬ ‫ش ِفي ُّ‬ ‫ِم َن ال َْعْي ِ‬
‫إِلَى أَ ْن ُتَو ِافيهُ ال َْمنِيَّة َو ُهَو بَ ْال‬
‫ِ‬
‫اع ِة ِف َيها آمًنا ال ُيَر َّو ُ‬
‫ع‬ ‫َقَن َ‬
‫ت‬ ‫ت َفلَْيس بِم ْفِل ٍ‬ ‫صائُِب َها َع َّم ْ‬
‫َ ُ‬ ‫َم َ‬
‫س يَ ْدفَ ُع‬ ‫ِ َّ‬
‫اع َوال َذ ُو ذلةٌ لَْي َ‬ ‫ُش َج ُ‬
‫َوال َسابِ ٍح ِفي َق ْع ِر بَ ْح ٍر َوطَائٌِر‬
‫ع‬ ‫وح الَْف َ ِ‬‫وم ِفي بَُ ِ‬
‫ضاء َوَيْن ِز ُ‬ ‫يَ ُد ُ‬
‫وج ُم َشيَّ َد ٍة‬ ‫اع ِفي ُب ُر ٍ‬ ‫َوال ذُو ْامتَِن ٍ‬
‫الس َم ِاء َت ْرفَ ُع‬ ‫لَ َها ِفي َذ َرى َجِّو َّ‬
‫ْحَي ِاة بَِو ْه َد ٍة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أَصارته م ْن َب ْعد ال َ‬
‫ض َج ٍع‬ ‫الد ْه ِر َم ْ‬ ‫آخُر َّ‬ ‫لَه ِمن َثراها ِ‬
‫ُ ْ ََ‬
‫ت ص ِع ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يد َها‬ ‫تَ َس َاوى بَِها م ْن ح ٍّل تَ ْح َ َ‬
‫ات َوُتبَّ ُع‬ ‫ب َع ْه ٍد بِالْم ِم ِ‬ ‫َعلَى ُق ْر ِ‬
‫َ‬
‫ان ذُو َف ْق ٍر بَِها َوذُووا ال ِْغَنى‬ ‫فَ ِسيَّ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صَق ُع‬‫َوذُو لَ ِك ْن عْن َد ال َْمَق ِال َوم ْ‬
‫ب َحْتَفهُ‬ ‫ف ِعْن َد النََّوائِ ِ‬‫َو َم ْن لَ ْم يَ ْخ َ‬
‫ع‬
‫ت يَ ْسَر ُ‬ ‫و َذو جْب ٍن َخوفًا ِمن الْمو ِ‬
‫َ َْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫اب َو َخلَ ٍ‬ ‫َوذُو َج َش ٍع يَ ْسطُو بَِن ٍ‬
‫س يَ ْمَن ُع‬ ‫ٍ َّ‬
‫َو ُك ّل ُبغَاث َذل ًة لَْي َ‬
‫ْسا َو ِش َّد ًة‬ ‫ِ‬
‫ك اآلفَاق بَأ ً‬ ‫َو َم ْن َملَ َ‬
‫ور ِة َي ْقَن ُع‬ ‫ِ‬
‫َو َم ْن َكا َن مْن َها بالضَُّر َ‬

‫‪342‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫اث ُم ْعَتبًِرا لَ ُه ْم‬ ‫َج َد ِ‬


‫ت األ ْ‬ ‫َولَْو َك َشَف ْ‬
‫صَن ُع‬ ‫ف يَ ْ‬ ‫لَِيْنظَُر آثَار الَْبلَى َكْي َ‬
‫يل َوأ َْو ُج ًها‬ ‫ِ‬
‫َح َداقًا تَس ُ‬ ‫لَ َش َاه َد أ ْ‬
‫ع‬
‫ب ُش ْو ًها َت ْفِّز ُ‬ ‫ُم َعَّفرة ِفي التُّْر ِ‬
‫َ‬
‫اق الثََّرى ُم ْكَف ِهَّر ًة‬ ‫ت أَطْب ِ‬
‫ت تَ ْح َ َ‬ ‫غَ َد ْ‬
‫ت ِم ْن الْبِ ْش ِر َتل َْم ُع‬ ‫وسا َوقَ ْد َكانَ ْ‬ ‫َعبُ ً‬
‫َفلَ ْم َي ْعَرف ال َْم ْولَى ِم َن ال َْعْب ِد ِفي ِه ْم‬
‫َوال َخ ِامالً َم ْن نَابِِه َيَتَرفَّ ُع‬
‫ْم بِ َذلِ َ‬ ‫ِ‬
‫ك َب ْع َد َما‬ ‫َوأَنَّى لَهُ عل ٌ‬
‫َتَبيَّ َن ِمْن ُه ْم َما لَهُ ال َْعْين تَ ْد َم ُع‬
‫سوءُ الطَّْرف ِمْن ُه ْم َوطَالَ َما‬ ‫َرأَى َما يَ ُ‬
‫ين َويَ ْمتِ ُع‬ ‫ِ‬
‫سُّر النَّاظ ِر َ‬ ‫َرأَى َما يَ ُ‬
‫ِ‬
‫اس َكا‬‫يع تَ َم ُ‬ ‫َرأَى أَ ْعظُ ًما ال تَ ْسَتط َ‬
‫صالِ َها َوَتَقطَّ ُع‬ ‫َتهافَ ْ ِ‬
‫ت م ْن أ َْو َ‬ ‫َ‬
‫ُم َجَّر َد ًة ِم ْن لَ ْح ِم َها فَ ِه َي ِعْبَرةٌ‬
‫يما لَهُ َيَتَوقَ ُع‬ ‫ِِ ِ ٍ ِ‬
‫لذي ف ْكَرة ف َ‬
‫ِ‬
‫ت‬‫َصَب َح ْ‬ ‫تَ ُخوُن َها َمَّر اللََّيالي فَأ ْ‬
‫يح تُ ْس َم ُع‬ ‫َجَو ِاف َها ِّ‬ ‫أَنَابِ ِ‬
‫الر ُ‬ ‫يب م ْن أ ْ‬ ‫َ‬
‫إِلَى حالٍَة مسَّو َدةٌ وجم ِ‬
‫اج ٍم‬ ‫َ ََ‬ ‫َ َُ‬
‫ٍ ِ ِ ٍَّ‬
‫س َت ْرفَ ُع‬ ‫ُمطَأْطَأَة م ْن ذلة لَْي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س‬‫ت َع ِن األَ ْعَناق فَ ِه َي َنَواك ٌ‬ ‫أُ ِزيلَ ْ‬
‫اب ِم ْن َب ْع ِد الَْو َسائِ ِد تُو َ‬
‫ض ُع‬ ‫َعلَى التُّر ِ‬
‫َ‬ ‫جج‬

‫‪343‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫الم لِلَْبَلى َولَطَالَ َما‬


‫الها ظَ ٌ‬‫َع َ‬
‫دس الظُّل ِْم َيل َْم ُع‬ ‫ور َها ِفي ِحْن ِ‬ ‫َغ ًدا نُ ُ‬
‫َن لَ ْم يَ ُك ْن َي ْو ًما َعال ِم ْفرقًا لَ َها‬ ‫َكأ َّ‬
‫ص ُع‬
‫ان َو ُد ٍّر ُمَر َّ‬‫َنَفائِس تِيج ٍ‬
‫ُ َ‬
‫اع َد َعْن ُه ْم َو ْح َش ًة ُك ُّل َو ِام ٍق‬
‫َتَب َ‬
‫َج َم ُع‬
‫َّاس أ ْ‬
‫َو َعا َف ُه ْم األ َْهلُو َن َوالن ُ‬
‫ال َحَياتِِه‬ ‫َوقَاطََع ُه ْم َم ْن َكا َن َح َ‬
‫ِِ‬ ‫بَِو ْ ِ ِ‬
‫س يَط َْم ُع‬ ‫صله ْم ِو ْج ًدا به ْم لَْي َ‬
‫وء َحالِ ِه ْم‬ ‫يب ِكي ِهم األَ ْع َداء ِمن س ِ‬
‫ُ ْ ُ‬ ‫َْ ْ‬
‫ض ًّدا َويَ ْجَز ُ‬
‫ع‬ ‫ويرحم ُهم من َكا َن ِ‬
‫َ َْ َ ُ ْ َ ْ‬
‫ول ُع ْم ِر ِه‬ ‫َف ُق ْل لِلَّ ِذي قَ ْد َغَّر ُه طُ ُ‬
‫ع‬ ‫وما قَ ْد حو ُاه ِمن َز َخا ِر ٍ‬
‫ف تَ ْخ َد ُ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫ََ‬
‫ص َير ٍة‬
‫الدْنيا بِعْي ٍن ب ِ‬
‫أَف ْق َوانْظُُر ُّ َ َ َ‬
‫ِ‬
‫تَ ِج ُد َك َّل َما ِف َيها َو َدائِ ُع َت ْر ِج ُع‬
‫الصْيد قَ ْد ًما َو َم ْن َحَوى‬
‫وك َّ‬ ‫فَأَيْ َن ال ُْملُ َ‬
‫ت بِِه َّ‬ ‫ض ما َكانَ ِ‬ ‫ِ‬
‫س تَطْلَ ُع‬
‫الش ْم ُ‬ ‫م َن األ َْر ِ َ‬
‫ض ِاء ب ِس ِ‬
‫يط َها‬ ‫ض ِر ِ‬
‫يح م ْن فَ َ َ‬ ‫َحَواه َ ٌ‬
‫ع‬ ‫ِِ ِ‬
‫ين يَ ْذ َر ُ‬
‫ص ُر َع ْن ُجثْ َمانه ح َ‬ ‫َي ْق ُ‬
‫ض َحى بَِها َذا َم َذلٍَّة‬‫ك أَ ْ‬ ‫فَ َك ْم َمِل ْ‬
‫َكا َن َحيًّا لِل َْم َهابَِة ُيْتَب ُع‬ ‫َوقَ ْد‬
‫َفَوا ِر ًسا‬ ‫اق‬‫ود َعلَى الْ َخْي ِل ال ِْعَت ِ‬
‫َي ُق ُ‬
‫ب الَْفَي ِافي َوُيْتَر ُ‬
‫ع‬ ‫ب َها َر ْح َ‬
‫ِ‬ ‫س ُّد‬
‫يَ ُ‬

‫‪344‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫َصَب َح ِم ْن َب ْع ِد التََّن ْع ِم ِفي َثَرى‬ ‫فَأ ْ‬


‫ُتَوا ِري ِعظَ ًاما ِمْنهُ َب ْه َماءُ َب ْلَق ُع‬
‫ب ال َْمَزا ِر إِيَابُهُ‬ ‫بَِعي ًدا َعلَى ُق ْر ِ‬
‫س لَهُ َحتَّى الِْقَي َام ِة َم ْر ِج ُع‬ ‫َفلَْي َ‬
‫اب َواأل َْه ِل ثَا ِويًا‬ ‫َحَب ِ‬
‫غَ ِر ًيبا َع ِن األ ْ‬
‫ٍ ِ ٍ‬
‫س ُي ْرقَ ُع‬ ‫ْصى فَالة خ ْرقَة لَْي َ‬ ‫بِأَق َ‬
‫الس ِافي ِ‬
‫ات بِ َمْن ِز ٍل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تَل ُّح َعلَْيه َّ َ‬
‫يب وقَ ْد َكانَ ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ع‬
‫ض تُ ْم ِر ُ‬ ‫ت بِه األ َْر ُ‬ ‫َجد ٍ َ‬
‫الد ْهَر َر ْج َع ًة‬ ‫ك َّ‬ ‫َر ِه ًينا بِِه ال يَ ْمِل ُ‬
‫الم َفَي ْس َم ُع‬ ‫ِ‬
‫َوال يَ ْسَتط َيع َّن الْ َك َ‬
‫ب ِم ْن َب ْع ِد َما ا ْغَت َدى‬ ‫ِِ‬
‫َتَو َّس ْد فيه التُّْر َ‬
‫ش ِمن ال ِ‬
‫ْخِّز َي ْرفَ ُع‬ ‫َزَمانًا َعلَى ُف ْر ٍ ْ‬
‫اهلل ِفي الْ َخل ِْق لَ ْن َتَرى‬ ‫ك ح ْكم ِ‬ ‫ِ‬
‫َك َذل َ ُ ُ‬
‫ع‬
‫ص َد ُ‬ ‫س يُ ْ‬ ‫َّاس َحيًّا َش ْملَهُ لَْي َ‬ ‫ِم َن الن ِ‬
‫اللهم اهنج بنا من اهج املفلحني وألبس نا خلع اإلميان واليقني وخص نا منك‬
‫ب التوفيق املبني ووفقنا لق ول احلق وإتباعه وخلص نا من الباطل وابتداعه وكن لنا‬
‫دوا‬
‫عيش ا رغ ًدا وال تش مت بنا ع ً‬‫مؤي ًدا وال جتعل لف اجر علينا ي ًدا واجعل لنا ً‬
‫وطبعا ص فيًا وش ًفا من‬
‫ً‬ ‫وفهما ذكيًا‬
‫ً‬ ‫نافعا وعمالً متقبالً‬
‫علما ً‬
‫وال حاس ًدا وارزقنا ً‬
‫كل داء واغفر لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني برمحتك يا أرحم ال رامحني ‪ .‬وص لى‬
‫اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫‪345‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫صلٌ )‬
‫( فَ ْ‬
‫مث اعلم األخ وفقنا اهلل وإي اك ومجيع املس لمني حلسن اخلامتة أنه إذا حل‬
‫باإلنس ان األجل احملت وم ووافته املنية وفاضت روحه وخ رجت من اجلسد ال ذي‬
‫تعمره يف الدنيا ‪.‬‬
‫ف إن رأيت الن اس عامة ومن يل وذون به خاصة كأقربائه وجريانه وأنس ابه‬
‫ٍ‬
‫وسائل له‬ ‫وداع له‬
‫ٍ‬ ‫شاك ٍ‬
‫وباك ومث ٍن عليه خب ٍري‬ ‫وإخوانه وزمالئه ومعامليه ما بني ٍ‬
‫ٍ‬
‫وسائل اهلل له أن يدخله اجلنة ‪.‬‬ ‫النجاة من املخاوف‬
‫وقد أمجع وا يطلب ون له املس احمة واملغف رة من اهلل ملا ك ان يتجلى هلم من‬
‫حسنة وكان املثنون عليه من أهل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وسرية‬ ‫ٍ‬
‫ومعروف‬ ‫ٍ‬
‫وإحسان‬ ‫ٍ‬
‫ومعاملة‬ ‫خلق ودي ٍن‬
‫الصالح والعدالة والورع والتقى والصدق والفضل ‪.‬‬
‫فاعلم أن ثناءهم دليل قوي وبرهان جلي على حسن حال امليت الراحل‬
‫عن ال دنيا إىل اآلخ رة وإن رأيتهم ب العكس خالف ما ذكرنا فب دل الثن اء واملدح‬
‫قدح ومكان الرتحم والدعاء له الطعن والسب والشتم واالستياء فتجد جريانه من‬
‫أهل الص الح ف رحني النقط اع ش ره وك ذلك من أس اء إليهم مبعامل ٍة أو منيم ٍة أو‬
‫ذب أو أكل حق وقهم أو ملا يعلم ون عنه من الفسق والفج ور واالعت داء‬ ‫ك ٍ‬
‫واالستطالة على عباد اهلل بغري حق ‪.‬‬
‫أيض ا برهان ساطع ودليل واضح على سوء حاله خبث أعماله ويف‬ ‫فهذا ً‬
‫احلديث ال ذي أخرجه البخ اري يف ص حيحه عن أنس رضي اهلل عنه ق ال ‪ :‬م روا‬
‫خريا فقال النيب ‪: ‬‬ ‫ٍ‬
‫جبنازة فأثنوا عليها ً‬

‫‪346‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫شرا ‪ .‬فقال ‪ « :‬وجبت » ‪.‬‬ ‫« وجبت » ‪ .‬مث مر بأخرى فأثنوا عليها ً‬


‫فق ال عمر رضي اهلل عنه ‪ :‬ما وجبت ؟ ق ال ‪ « :‬ه ذه أثنيتم عليه خ ًريا‬
‫ف وجبت له اجلنة وه ذه أث نيتم عليه ش ًرا ف وجبت له الن ار أنتم ش هداء اهلل يف‬
‫األرض » ‪ .‬ويف احلديث اآلخر عند احلاكم ‪ « :‬أن هلل مالئكة تنطق على ألس نة‬
‫بين آدم مبا يف املؤمن من اخلري والشر ‪ ،‬قلت ‪ :‬وال يبعد أن الش ياطني تنطق‬
‫على ألسنة الذين يكتبون للفسقة واجملرمني حسن سري وسلوك ‪.‬‬
‫ويف احلديث ال ذي يف املس ند ‪ « :‬يوشك أن تعلم وا أهل اجلنة من أهل‬
‫النار » ‪ .‬قالوا ‪ :‬مباذا يا رسول اهلل ؟ قال ‪ « :‬بالثناء احلسن والثناء السيئ » ‪.‬‬
‫وق ال الن ووي على ح ديث أنس أنه مر على النيب ‪ ‬جبن ازة ف أثنوا عليه‬
‫خ ًريا فق ال النيب ‪ ‬وجبت مث مر ب أخرى ف أثنوا عليه ش ًرا فق ال وجبت احلديث‬
‫ق ال الص حيح أنه على عمومه وأن من م ات ف أهلم اهلل الن اس الثن اء عليه خبري‬
‫كان دليالً على أنه من أهل اجلنة ‪.‬‬
‫ومما يؤيد ما قاله الن ووي رمحه اهلل ح ديث أنس عند أمحد وابن حب ان‬
‫مرفوعا ‪ « :‬ما من مس لم ميوت فيش هد له أربعة من جريانه األدنني أهنم‬ ‫ً‬ ‫واحلاكم‬
‫ال يعلم وا منه إال خ ًريا إال ق ال اهلل تع اىل قد قبلت ق ولكم وغف رت له ما ال‬
‫تعلمون » ‪.‬‬
‫ويف حديث البخاري عن عمر رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪: ‬‬
‫« أميا مس لم ش هد له أربعة خبري أدخله اهلل اجلنة » ‪ .‬فقلنا ‪ :‬وثالثة ؟ ق ال ‪:‬‬
‫وثالثة ؟ فقلنا ‪ :‬واثنان ‪ .‬قال ‪ « :‬واثنان » ‪ .‬مث مل نسأله عن الواحد ‪.‬‬

‫‪347‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ٍ‬
‫ألحد باجلنة إال من‬ ‫وقال شيخ اإلسالم بن تيمية رمحه اهلل ‪ :‬وال يشهد‬
‫شهد له الرسول ‪ r‬أو اتفقت األمة على الثناء عليه ‪.‬‬
‫وقيل يش هد به ملن اس تفاض عند األمة أنه رجل ص احل كعمر بن عبد‬
‫العزيز واحلسن البصري وغريهم ‪.‬‬
‫وك ان أبو ث و ٍر يش هد ألمخد بن حنبل باجلنة وبالت ايل ف إذا ش هد عامة‬
‫املؤم نني ممن تقبل ش هادهتم ويوثق ب دينهم وأم انتهم وكالمهم من أهل الص دق‬
‫والفضل وال ورع لرجل ب اخلري فهو بره ان ودليل على حسن حاله واهلل أعلم وال‬
‫ع ربة بثن اء الفس قة والفج رة ألهنم قد يثن ون على من ك ان مثلهم وال من ك ان‬
‫بينه وبني امليت عداوة ‪ .‬ألن شهادة العدو ال تقبل على عدوه ‪.‬‬
‫قال ابن القيم رمحه اهلل ‪:‬‬
‫ملا رأى املتيقظون س طوة ال دنيا بأهلها ‪ ،‬وخ داع األمل ألربابه ‪ ،‬ومتلك‬
‫الش يطان ‪ ،‬وقي ادة النف وس ‪ ،‬رأوا الدولة للنفس األم ارة ‪ ،‬جلئ وا إىل حصن‬
‫التضرع واإلجلاء ‪ ،‬كما يأوي العبد املذعور إىل حرم سيده ‪.‬‬
‫شهوات الدنيا كلعب اخليال ‪ ،‬ونظر اجلاهل مقصور على الظاهر ‪ ،‬فأما‬
‫العقل ف ريى ما وراء السرت ‪ .‬الح هلم املش تهى ‪ ،‬فلما م دوا أي دي التن اول ب ان‬
‫ألبصار البصائر خبط الفخ ‪ ،‬فطاروا بأجنحة احلذر‪ ،‬وصوبوا إىل الرحيل الثاين (‬
‫يا ليت قومي يعلمون ) ‪.‬‬
‫تلمح الق وم الوج ود ففهم وا املقص ود ‪ ،‬ف أمجعوا الرحيل قبل الرحيل ‪،‬‬
‫ومشروا للسري يف س واء الس بيل ‪ ،‬فالن اس مش تغلون بالفض الت ‪ ،‬وهم يف قطع‬
‫الفلوات ‪ ،‬وعصافري اهلوى يف وثاق الشبكة ينتظرون الذبح ‪.‬‬
‫« وقع ثعلب ان يف ش بكة ‪ .‬فق ال أح دمها لآلخر ‪ :‬أين امللتقى بعد ه ذا ؟‬
‫مناما فاستيقظوا ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬بعد يومني يف الدباغة » ‪ .‬تاهلل ما كانت األيام إال ً‬

‫‪348‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وقد حص لوا على الظفر ‪ .‬ما مضى من ال دنيا أحالم ‪ ،‬وما بقي منها أم اين ‪،‬‬
‫والوقت ضائع بينهما ‪.‬‬
‫كيف يس لم من له زوجة ال ترمحه ‪ ،‬وولد ال يع ذره ‪ ،‬وج ار ال يأمنه‬
‫‪ ،‬وص احب ال ينص حه ‪ ،‬وش ريك ال ينص فه ‪ ،‬وع دو ال ين ام عم معاداته ‪،‬‬
‫ونفس أمارة بالسوء ‪ ،‬ودنيا متزينة ‪ ،‬وهوى مرد ‪ ،‬وشهوة غالبة له ‪ ،‬وغضب‬
‫قاهر ‪ ،‬وشيطان مزين ‪ ،‬وضعف مستول عليه ‪.‬‬
‫ف إن ت واله اهلل وجذبه إليه ‪ ،‬انقه رت له ه ذه كلها ‪ ،‬وإن ختلى عنه‬
‫ووكله إىل نفسه ‪ ،‬اجتمعت عليه فكانت اهللكة ‪.‬‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬
‫شور ال ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِج النَّو ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اح‬
‫ْجَن ِ‬ ‫أَطَ ُير إِلَْيه َمْن ُ َ‬ ‫احي‬ ‫أَال أَ ْخب ْر ب ُمْنَتز ِ َ‬
‫ْسو َما بِ ِدينِي ِم ْن ِجَر ِ‬
‫اح‬ ‫َسَيأ ُ‬ ‫َسأَلُهُ َوأَلْطفه َع َس ُاه‬ ‫فَأ ْ‬
‫اح‬ ‫بِنُو ِر ُه ًدى َك ُمْنَبِل َج َّ‬
‫الصَب ِ‬ ‫َويَ ْجلُو َما َد َجا ِم ْن لَْي ِل َج ْهِلي‬
‫احي‬ ‫و ْأهجرها وأَ ْد َفعها بِر ِ‬ ‫ص َق ِفي ُم َحيَّا أ ُّم َدفْ ٍر‬
‫َ ُ ُ َ َ َُ َ‬ ‫فَأَبْ َ‬
‫ِ‬
‫رها ال ِْم ِ‬
‫الح‬ ‫َعَفافًا َع ْن َج ِاذ َ‬ ‫َسلُوا‬ ‫َص ُحو م ْن ُح َميَّ َاها َوأ ْ‬ ‫َوأ ْ‬
‫اح‬
‫َّج ِ‬ ‫السع َ ِ‬
‫ادة َوالن َ‬ ‫إِلَى َدا ِر َّ َ‬ ‫ْك ِل َعَن َها‬ ‫ف ِه َّمتِي بِال ُّ‬ ‫اص ِر ْ‬
‫َو ْ‬
‫ظ لِ َّلرَو ِ‬
‫اح‬ ‫ت ي ِ‬
‫وق ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َحادي ال َْم ْو ُ‬ ‫الستِين ْاه ِج ْع ِفي َمِق ِيلي‬ ‫أ َِفي ِّ‬
‫احي‬ ‫لَيطْ ِوينِي ويسلُبنِي ِو َش ِ‬ ‫الزَما ُن لَِو َاء َشْيبِي‬ ‫َوقَ ْد نَ َشَر َّ‬
‫ََ ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ت ِس ِ‬
‫الحي‬ ‫َسَي ْقُتلُنِي َوإِ ْن َشا َك ْ‬ ‫صالً‬‫ْح َم ُام َعلَ َّي نَ ْ‬
‫َوقَ ْد َس ّل ال َ‬
‫اك أَو انِْف َس ٍ‬
‫اح‬ ‫إِلَى ِ‬
‫ض ٍيق ُهَن َ‬ ‫ص ْحبِي‬ ‫وي ْح ِملُنِي إِلَى األ ْ ِ‬
‫َج َداث َ‬ ‫ََ‬
‫يت علَى اجتِر ِ‬
‫احي‬ ‫َْ‬ ‫َو َشًّرا إِ ْن ُج ِز َ َ‬ ‫ُجَزى الْ َخْيَر إِ ْن قَ َّد ْمت َخْيًرا‬ ‫فَأ ْ‬
‫الح‬ ‫بِ ِطيءُ َّ‬
‫الشأْ ِو ِفي ُسَن ِن َّ‬
‫الص ِ‬ ‫َو َها أَنَا َذا َعلَى ِعل ِْمي بَِه َذا‬
‫ت َد ْهَري بِالنَِّي ِ‬
‫اح‬ ‫إِ َذ ْن لََقطَ ْع ُ‬ ‫ت بَِعْي ِن َع ْقِلي‬‫َفلَ ْو أَنِّي نَظَْر ُ‬
‫ب بِغَانَِي ٍة َر َد ٍ‬ ‫َّصابِي‬ ‫ِ ِ‬
‫اح‬ ‫َولَ ْم أُطَْر ُ‬ ‫ب ذُيُولي في الت َ‬
‫َس َح ْ‬
‫َولَ ْم أ ْ‬

‫‪349‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫احي‬‫وز غَ ًدا قُ َد ِ‬ ‫لََعلِّي أَ ْن َتُف ُ‬ ‫وم أ ََّوابًا ُمنِ ًيبا‬


‫ت الَْي َ‬ ‫َو ُكْن ُ‬
‫َ(و َعانِ َيها فَ َم ْن لِي بِالَْبَر ِ‬
‫اح‬ ‫ت َم ْكبُول الْ َخطَايَا‬ ‫إِ َذا َما ُكْن ُ‬
‫(‬
‫احي‬‫تُ(طَِّيرنِي وتَأْ ُخ ْذ لِي سر ِ‬ ‫وح‬‫ص ٍ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫ََ‬ ‫ُ َ‬ ‫َف َه ْل م ْن َت ْوبَة مْن َها نَ ُ‬
‫ضِ‬
‫احي‬ ‫(َعلَى َح ْربِي لَ َدْي ُه ْم َوافْتِ َ‬ ‫(َفَيا لَ ْهِفي إِ َذا َج َم َع الَْبَرايَا‬
‫ت ِم َن الَْف ِ‬
‫الح‬ ‫َو َر ْح َمتُهُ يَئِ ْس ُ‬ ‫َ(ولَْوال أَنِّي أ َْر ُجو إِلَ ِهي‬
‫اللهم اختم لنا خبامتة السعادة واجعلنا ( ممن كتبت هلم احلسىن وزيادة واغفر‬ ‫(‬
‫لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني برمحتك يا أرحم ال رامحني ‪ .‬وص لى اهلل على حممد‬
‫وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫صلٌ )‬
‫( فَ ْ‬
‫وسن أن يعمق القرب بأن ينزل لألرض لقوله ‪ r‬يف قتلى أحد ‪ « :‬احفروا‬
‫وأوسعوا وأعمقوا » ‪ .‬رواه أبو داود والرتمذي وصححه ‪ .‬وقوله للحافر ‪ « :‬أوسع‬
‫من قبل الرأس وأوسع من قبل الرجلني » ‪ .‬رواه امحد وأبو داود ‪.‬‬
‫قال أمحد ‪ :‬يعمق إىل الصدر ألن احلسن وابن سريين كانا يستحبان ذلك‬
‫ويكفي ما مينع الس باع والرائحة ألنه حيصل به املقص ود وسن أن يس جى قرب‬
‫ٍ‬
‫لرجل إال لعذر ‪.‬‬ ‫ألنثى وخنثي وكره‬
‫وسن أن يدخله ق ربه من عند رجليه إن س هل عليهم ألنه ‪ r‬سل من‬
‫قبل رأسه وعبد اهلل بن زيد أدخل احلارث من قبل رجلي القرب وقال ‪ :‬هذا من‬
‫السنة ‪ .‬رواه أمحد ‪ .‬ويسن قول مدخله القرب بسم اهلل وعلى ملة رسول اهلل ‪.‬‬
‫وجيب أن يستقبل به القبلة إذا وضع يف القرب لقوله ‪ r‬يف الكعبة‬

‫‪350‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫قبلتكم أحيًاء وأمواتًا وألنه طريق املسلمني بنقل اخللف عن السلف ‪.‬‬
‫وحيرم دفن غ ريه معه إال لض رورة ألن النيب ‪ r‬ك ان ي دفن كل ميت يف‬
‫واحد ‪ .‬وأما عند الضرورة فيجوز ألن النيب ‪ r‬ملا كثر القتلى يوم أحد كان‬ ‫ٍ‬ ‫ق ٍرب‬
‫جيمع بني ال رجلني يف القرب الواحد مث يس أل أيهم أك ثر للق رآن فيقدمه يف اللحد‬
‫حديث صحيح ‪.‬‬
‫وسن حثو الرتاب عليه ثالثًا مث يهال عليه الرتاب حلديث أيب هريرة قال‬
‫فيه ‪ :‬فح ثي عليه من قبل رأسه ثالثًا ‪ .‬رواه ابن ماجه ويس تحب ال دعاء للميت‬
‫بعد ال دفن ملا ورد عن عثم ان رضي اهلل عنه ق ال ك ان رس ول اهلل ‪ r‬إذا ف رغ‬
‫من دفن امليت وقف عليه وق ال ‪ « :‬اس تغفروا ألخيكم واس ألوا له التث بيت فإنه‬
‫اآلن يسأل » ‪ .‬رواه أبو داود ‪.‬‬
‫مسنما لقول جابر أن النيب إذا فرغ‬
‫ً‬ ‫وسن رفع القرب عن األرض قدر شرب‬
‫رفع ق ربه عن األرض ق در شرب ‪ .‬رواه الش افعي ويك ره رفعه أك ثر لقوله لعلي ‪:‬‬
‫قربا مشرفًا أال سويته » ‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫« ال تدع متثاالً أال طمسته وال ً‬
‫وسن رش القرب مباء ملا ورد عن جعفر بن حممد عن أبيه أن النيب ‪ r‬رش‬
‫على قرب ابنه إبراهيم ماء ووضع احلصباء ‪ .‬رواه الشافعي ‪.‬‬
‫ق ال بعض العلم اء ‪ :‬ويس تحب ال دفن فيما ك ثر فيه أهل اخلري والص الح‬
‫فيدفنه معهم وينزله ب إزائهم ويس كنه جبوارهم وأن جينبه قب ور من خياف الت أذي‬
‫هبم كما ج اء يف أثر أن ام رأة دفنت يف قرب ف اتت أهلها ليالً أي يف الن وم‬
‫فجعلت تعتبهم وتقول ما وجدمت أن تدفنوا إال إىل فرن اخلبز ‪.‬‬
‫فلما أص بحوا مل جيدوا بق رب القرب ف رن خ بز لكن وج دوا رجالً س افًا‬
‫البن ع امر دفن بقرهبا ورأى بعض هم ول ده بعد موته فق ال ‪ :‬ما فعل اهلل بك ؟‬
‫فالن وك ان فاس ًقا فروعين ما يع ذب به ‪.‬‬‫ق ال ‪ :‬ما ض رين إال أين دفنت ب إزاء ٍ‬
‫أ‪.‬هـ ‪.‬‬

‫‪351‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫قصيدة حتتوي على الثناء والشكر واحلمد والتضرع على اهلل عز وجل ‪.‬‬

‫ودا بِِه َو ُمَقِّوِمي‬


‫َو َم ْك َمِلي ُج ً‬ ‫ب َكَر َام ٍة‬
‫َث ْو َ‬ ‫يَا ُملَبِّ ِسي بِالنُّط ِْق‬
‫ك ُمَقِّوِمي‬ ‫ُع ْم ِري َعلَى َخ ٍط إِلَْي َ‬ ‫ضى‬
‫َتَن َاهى َواْنَق َ‬ ‫َجِلي‬ ‫ُخ ْذني إِ َذا أ َ‬
‫ِ‬
‫س َعْب ِد َك‬ ‫الص َدأَ َع ْن َن ْف ِ‬
‫اجل َّ‬ ‫َو ْ‬ ‫يَا إِلَ ِهي غُ َّمتِي‬ ‫ك‬ ‫ف بِلُطِْف َ‬ ‫َوا ْك ِش ْ‬
‫َوُحلَْارِلَح ْمال َْم(َهابََة ِفي ال َْم َح ِّل األَ ْكَرِم‬ ‫اي ِم ْن َب ْع ِد ال َْم َهانَِة ا ْكَت َسى‬ ‫َف َع َس َ‬
‫اح َة ُمظِْل ٌم‬ ‫ِفي َمْن ِز ٍل بَ ِاد َّ‬
‫الس َم َ‬ ‫س َب ْع َد إِقَ َامتِي‬ ‫َوأَبُوءُ بِالِْف ْر َد ْو ِ‬
‫َد ُار الْغُُرو ِر لَهُ َم َحالً يَ ْسأ َُم‬ ‫ت ثَواي ِف ِيه َو َم ْن تَ ُك ْن‬ ‫اجَتَويْ َ‬ ‫َفَق ْد ْ‬
‫ِم ْن ِحلِّ َها َو َكأَنَّهُ لَ ْم َيْن َع ْم‬ ‫اء َها‬ ‫ِ‬
‫َد ٌار ُيغَاد ُر ُب ْؤ َس َها َو َشَق َ‬
‫َك ْد ًرا فَال تَ ْجَن ْح إِلَْي َها تَ ْسلَ ُم‬ ‫ص ِافي َعْي َشهُ َو َحَياتُهُ‬ ‫ود َ‬ ‫َوَي ُع ُ‬
‫ص ِم‬‫ك الْمالذُ ِمن ال ِْغواي ِة فَا ْع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك ال ُْم َعاذُ إِلَ َهَنا ِم ْن َشِّر َها‬ ‫فَبِ َ‬
‫َ ََ‬ ‫َوب َ َ‬
‫اخ ْسَر ُاه َع ْن لَ ْم َت ْر َح ِم‬ ‫ص ِدي َفَو ُ‬ ‫قَ ْ‬ ‫َّكِلي َو َع ْف ُو َك لَ ْم َيَز ْل‬ ‫ك مت ِ‬
‫َو َعلَْي َ ُ‬
‫بِ ُعَرى ال ُْه َدى َو ُعَرى ال َْمَوانِ ِع‬ ‫س ِجدِّي َوا ْدأَبِي َوتَ َم َّس ِكي‬ ‫يَا َن ْف ُ‬
‫ك فَا ْعلَ ِمي‬ ‫صَهما نِسيا ُن ربِّ ِ‬ ‫ِفَافْ ِ‬ ‫ك إِ َّن ِفي‬ ‫ال ُت ْه ِمِلي يا َن ْفس َذاتِ ِ‬
‫ن ْسَيانُ ْ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫لَِتبُوئِي َجنَّاتِِه َوَتَن َّع ِمي‬ ‫التْف ِكي ِر ِفي آالئِِه‬ ‫ك بِ َّ‬ ‫و َعلَْي ِ‬
‫َ‬
‫أح ُج ِمي‬ ‫ِ‬ ‫َوَتيّ َّم ِمي َن ْهج الْ ِه َدايَِة إِنَّهُ‬
‫ُمْن ٍّج َو َع ْن طُُر ِق الضَّاللَة ْ‬
‫السَوا ِري األَنْ ُج ِم‬ ‫ب َّ‬ ‫ُت ْعلَى َعلَى ُرتَ ِ‬ ‫الدنِيَّة َم ْو ِطًنا‬ ‫الدْنَيا َّ‬ ‫ضي ُّ‬ ‫ال َترتَ ِ‬
‫ْ‬
‫ت فَ ُجدِّي َت ْغَن ِمي‬ ‫أُذُن إِلَْي ِه َو َع ْ‬ ‫َت َعْي ٌن َوال‬ ‫َوَت َعايَنِي َما ال َرأ ْ‬
‫بِالِْف ْك ِر أ َْو بَِتَوهُّم ال ًْمَتَو ِه ِم‬ ‫س يُ ْد ِر ُك ُكْن ُههُ‬ ‫َوتُ َشاهدي َما لَْي َ‬
‫ِِ‬
‫س إِال ُك ُّل َش ْه ٍم أَْي َه ِم‬ ‫يَا َن ْف ُ‬ ‫س يَ ُج ُّل بِأَ ْن يَ ُح َّل َجَنابَهُ‬ ‫قُ ْد ٌ‬
‫ال َداثِ ٍر أَبَ ًدا َوال ُمَت َهدِِّم‬ ‫َوتَ َج ُاو ِري األَْبَرار ِفي ُم ْسَت ْو ِطن‬
‫ت بِِه َولَ ْم َتَتَن َّدِم‬ ‫َع َّما لَ ِه ْج َ‬ ‫ت َولَ ْم َت ُع ْد‬ ‫ور َشبّ ْ‬ ‫يَا أَُّي َها ال َْم ْغ ُر ُ‬
‫ود ِمْنهُ َو َعظِّم‬ ‫ود الْج ِ‬
‫ُ‬
‫َعمر الْوج ِ‬
‫ََ ُ ُ‬ ‫وج ُد َك الَّ ِذي‬ ‫يد م ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ف َعلَى تَ ْمج ُ‬ ‫َوا ْع ُك ْ‬

‫‪352‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ص ِّم ِم‬ ‫َف َعلَْي ِه إِ ْن آَث ْر َ‬ ‫ِ‬ ‫فَبِ ِذ ْك ِر ِه تُ ْشَفى ُّ‬


‫ت ُب ْر ُؤ َك َ‬ ‫ْجَوى‬ ‫وس م ْن ال َ‬ ‫النُف ُ‬
‫اط األَقَْوِم‬ ‫الصر ِ‬
‫ال إلَى ِّ َ‬
‫َت ْه ِوي فَ َم َ ِ‬ ‫س َفَت ًى َرأَى ُسبُ َل ال ُْه َدى‬ ‫أَ ْك ِر ْم بَِن ْف ِ‬
‫ِ‬
‫صَّرم‬ ‫الد ْه ِر لَ ْم َيَت َ‬
‫يس َّ‬ ‫ِ‬
‫ملكا َسج َ‬ ‫اك الَّ ِذي يَ ْحظَى بَِي ْوم َم َع ُ‬
‫اد ُه‬ ‫َذ َ‬
‫ُج ْر َم الْ َكبِي ِر لِ ُك ِّل َعْب ٍد ُم ْج ِرِم‬ ‫يَا َجابَِر ال َْعظ ِْم الْ َك ِسي ِر َو َغ ِافر الْـ‬
‫اد ال ُْم ْسِل ِم‬
‫ا ْعتَِق َ‬ ‫أَنْ ُجو بَِها إِال‬ ‫ك َو ِسيلَةٌ َو َذ ِر َيعةٌ‬‫َما لِي إِلَْي َ‬
‫ُجَرِم‬
‫أ َْوبَتِي لَ ْم أ ْ‬ ‫ادةُ‬
‫َف َع َسى َس َع َ‬ ‫ِّك َت ْوبَتِي ِم ْن َح ْوبَتِي‬ ‫فَاقَْب ْل بِ َمن َ‬
‫َس َح ِم‬
‫اح َسَو َاد لَْي ٍل أ ْ‬ ‫الصَب ُ‬
‫ض ُح َّ‬ ‫َو ْ‬ ‫ك اللَّ ُه َّم ُيْن َمى َما َجال‬ ‫َح ْم ًدا لَ َ‬
‫ص َّل َو َسلِّ ِم‬ ‫ِ‬ ‫الس َ ِ‬ ‫ك ِذي الثََّن ِاء َوآلِِه‬ ‫َو َعلَى نَبِيِّ َ‬
‫ادة األَُمَناء َ‬ ‫َّ‬
‫ضَّرِم‬
‫قَ ُاموا َونَ َار الْ ُك ْف ِر لَ ْم َتَت َ‬ ‫ص ِر ِه‬‫ين بَِن ْ‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬
‫ص َحابَته الذ َ‬ ‫َو َعلَى َ‬
‫اللهم إنا نسألك رمحة من عندك هتدي هبا قلوبنا ‪ ،‬وجتمع هبا مشلنا وتلم‬
‫هبا ش عثنا ‪ ،‬وترفع هبا ش اهدنا ‪ ،‬وحتفظ هبا غائبنا ‪ ،‬وت زكي هبا أعمالنا ‪،‬‬
‫وتلهمنا هبا رشدنا ‪ ،‬وتعصمنا هبا من كل سوء يا أرحم الرامحني ‪.‬‬
‫اللهم ارزقنا من فض لك ‪ ،‬وأكفنا شر خلقك ‪ ،‬وأحفظ علينا ديننا‬
‫وصحة أبداننا ‪.‬‬
‫اللهم يا ه ادي املض لني ويا راحم املذنبني ‪ ،‬ومقيل ع ثرات الع اثرين ‪،‬‬
‫نس ألك أن تلحقنا بعب ادك الص احلني ال ذين أنعمت عليهم من النب يني والص ديقني‬
‫والش هداء والص احلني آمني يا رب الع املني ‪ .‬وص لى اهلل على حممد وآله وص حبه‬
‫أمجعني ‪.‬‬
‫صلٌ )‬
‫( َف ْ‬
‫وحيرم إس راج القرب واختاذ مس جد عليه وجتصيصه وتزويقه والبن اء عليه‬
‫واالستشفاء برتابه وختليقه وتبخريه وتقبيله واجللوس عليه والوطء عليه والكتابة‬

‫‪353‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫عليه والتخلي عليه والط واف به والتمسح به والتخلي بني القب ور والص الة عن ده‬
‫ألجل الدعاء واالتكاء إليه ‪.‬‬
‫ويك ره املشي بالنعل إال خلوف ش وك وحنوه وإليك أدلة ما س بق منها‬
‫ح ديث ابن عب اس ق ال ‪ :‬لعن رس ول اهلل ‪ r‬زائ رات القب ور واملتخ ذين عليها‬
‫املس اجد والس رج ‪ .‬رواه اخلمسة إال ابن ماجة وعن أيب هري رة أن رس ول اهلل ‪r‬‬
‫قال ‪ « :‬قاتل اهلل اليهود اختذوا قبور أنبيائهم مساجد » ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫وعن ج ابر ق ال ‪ :‬هنى رس ول اهلل ‪ r‬أن جيصص القرب وأن يقعد عليه ‪،‬‬
‫وأن يبىن عليه ‪ .‬رواه أمحد ومس لم والنس ائي وأبو داود والرتم ذي ولفظه هنى أن‬
‫جتصص القبور أو يزاد عليه أو جيصص أو يكتب عليه ‪.‬‬
‫وعن أيب هريرة قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ « : r‬ألن جيلس أحدكم على مجرة‬
‫فتح رق ثيابه فتخلص إىل جل ده خري له من أن جيلس على قرب » ‪ .‬رواه اجلماعة‬
‫إال البخاري والرتمذي وعن عمرو بن حزم قال ‪ :‬رآين رسول اهلل ‪ r‬متكئًا على‬
‫قرب فقال ‪ « :‬ال تؤذ صاحب القرب أو ال تؤذه » ‪ .‬رواه أمحد ‪.‬‬
‫وعن بشري بن اخلصاصية أن رسول اهلل ‪ r‬قال ‪ « :‬ال جتلسوا على القبور‬
‫وال تص لوا إليها » ‪ .‬رواه مس لم وعن عقبة بن ع امر ق ال ق ال النيب ‪ « : r‬ألن‬
‫إيل من أن أطأ على قرب مس لم » ‪ .‬رواه اخلالل‬ ‫يف أحب َّ‬ ‫أطأ على مجر ٍة أو س ٍ‬
‫وابن ماجة ‪.‬‬
‫وحيرم دفن يف ملك الغري وينبش ما مل يأذن له املالك لألرض ‪.‬‬
‫وحيرم نبش ميت باق مليت آخر ملا يف النبش من هتك حرمة امليت ومىت‬
‫رميما جاز نبشه ودفن غريه فيه ‪.‬‬
‫علم أن امليت بلي وصار ً‬
‫رميما رجع إىل ق ول أهل اخلربة واملعرفة‬
‫وإن شك يف أنه بلي وص ار ً‬
‫عظاما دفنها موضعها وأبقاها يف مكاهنا وأعاد‬
‫ً‬ ‫بذلك فإن حفر فوجد يف األرض‬

‫‪354‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫الرتاب عليها كما كان أوالً ومل جيز دفن ميت آخر عليه وحفر يف مكان آخر‬
‫‪.‬‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬

‫ين َعلَى الَْقْب ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت لِْلَقْب ِر َوالَْبلَى‬


‫َولل َْملَ َكْي ِن الَْواقَف َ‬ ‫محم ُد َما أَ ْع َد ْد َ‬
‫َوال َت ْر َع ِوي َع َّما يُ َذ ُّم ِم َن األ َْم ِر‬ ‫اج ُع َت ْوبًَة‬ ‫صٌّر ال ُتر ِ‬
‫َ‬
‫ت مِ‬
‫َوأَنْ َ ُ‬
‫ث َوالنَّ ْش ِر‬ ‫ِّم لَهُ َز ًادا إِلَى الْب ْع ِ‬
‫َ‬ ‫َفَقد ْ‬ ‫يك َي ْو ٌم ال تُ َحا ِو ُل َد ْف َعهُ‬ ‫(َسَيأْتِ َ‬
‫ال‬
‫ك ال َْم ُ‬ ‫ت ِش ْع ِري َما أَْبَقى لَ َ‬ ‫َفَلْي َ‬ ‫ك ِم َيراثًا لَِوا ِرثِِه‬ ‫ت َمالَ َ‬‫آخر‪َ :‬أ ْبَقْي َ‬
‫ال‬‫ْح ُ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫(‬
‫ك ال َ‬ ‫ف َب ْع َد ُه ْم َد َار ْ‬‫فَ َكْي َ‬ ‫سُّر ُه ْم‬ ‫الَْق ْو ُم َب ْع َد َك في َحال تَ ُ‬
‫واسَت ْح َكم الِْقيل ِفي ال ِْمير ِ‬
‫اث‬ ‫َح ٍد‬ ‫ملَّوا الْب َكاء فَما يب ِك َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫يك م ْن أ َ‬ ‫َ ُ ُ َ َ َْ‬
‫ال‬
‫َحَو ُ‬ ‫ك َواألَيَّ ُام أ ْ‬ ‫ت َعْن َ‬ ‫ال ْ‬
‫َوواأَلْْدَقبرُ‬
‫َ ََ‬ ‫ت لَ ُه ْم‬ ‫ك ُدْنَيا أَقَْبَل ْ‬ ‫ت بِِه ْم َعْن َ‬ ‫َمالَ ْ‬
‫وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫صلٌ)‬
‫( َف ْ‬
‫تسن زيارة قرب مسلم لرجل وأن يقف الزائر أمامه قريبًا منه ملا ورد عن‬
‫بري دة بن اخلص يب األس لمي رضي اهلل عنه ق ال ‪ :‬ق ال رس ول اهلل ‪ « : r‬كنت‬
‫هنيتكم عن زي ارة القب ور فزورها » ‪ .‬رواه مس لم زاد الرتم ذي ‪ « :‬فإهنا ت ذكر‬
‫اآلخرة » ‪ .‬زاد ابن ماجه من حديث ابن مسعود وتزهد يف الدنيا ‪.‬‬
‫ويق ول الزائر للقب ور واملار هبا ‪ :‬الس الم عليكم دار ق وم مؤم نني وإنا إن‬
‫ش اء اهلل بكم لالحق ون ي رحم اهلل املس تقدمني منكم واملس تأخرين نس أل اهلل لنا‬
‫ولكم العافية اللهم ال حترمنا أجرهم وال تفتنا بعدهم واغفر لنا وهلم ‪.‬‬
‫ملا ورد عن س ليمان بن بري دة عن أبيه رضي اهلل عنهما ق ال ‪ :‬ك ان‬
‫رسول اهلل ‪ r‬يعلمهم إذا خرجوا إىل املقابر أن يقولوا ‪ :‬السالم عليكم أهل الديار‬
‫من املؤمنني واملسلمني وإنا إن شاء اهلل بكم الحقون نسأل اهلل لنا ولكم العافية‬
‫‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬

‫‪355‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ِش ْعًرا ‪:‬‬

‫وط َوِم ْن ِخَر ْق‬‫ع ِمن حنُ ٍ‬


‫إِلَْيه َمَتا ٌ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫آخ ُر َز َاد ُه ْم‬ ‫محلَّةُ سَف ٍر َكا َن ِ‬
‫ََ َ‬
‫وك َوال‬‫ين ِف ِيه ال ُْملُ َ‬ ‫ِ‬
‫َفلَ ْم تَ ْسَتب َ‬ ‫إِلَى َمْن ِز ٍل ُسَوى الَْبلَى َبْي َن أ َْهِل ِه‬
‫ق ِفي الثََّرى يُو َ‬
‫ض ُع‬ ‫السَدو ْ‬
‫ِّي‬ ‫َو َخُّ‬ ‫اض ًعا‬‫ت إِلَى َخالِِقي َخ ِ‬ ‫آخر‪ :‬أََتْي َ‬
‫فَِإنِّي ِفي َع ْف ِو ِه أَط َْم ُع‬ ‫ت َو ِاف َيتهُ ُم ْج ِر ًما‬
‫َوإِ ْن ُكْن َ‬
‫َج َم ُع‬
‫َو َع ْف ُوه َع َّم الَْو َرى أ ْ‬ ‫ت‬
‫ضْ‬ ‫ف أَ َخ ُ‬
‫اف ذُنُوبًا َم َ‬ ‫َو َكْي َ‬
‫وعن بن عب اس رضي اهلل عنهما ق ال ‪ :‬مر النيب ‪ r‬بقب ور املدينة فاقبل‬
‫عليهم بوجهه فقال ‪ :‬السالم عليكم يا أهل القبور يغفر اهلل لنا ولكم أنت سلفنا‬
‫وحنن باألثر ‪ .‬رواه الرتمذي ‪.‬‬
‫ِ‬
‫ش ْعرا‪:‬‬
‫ً‬
‫ث‬ ‫َو َد ْم َعة ِم ْن ُسَويْدا الَْقل ِ‬
‫ْب َتْنَب ِع ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِق ْ‬
‫ف بِالْ ُقبُو ِر بِأَ ْكَباد ُم َ‬
‫ص َّد َعة‬
‫َث ْغَر الن َِّع ِيم َو َما ِفي ِظلِِّه َم َكثُوا‬ ‫ال َما‬ ‫َو َس ْل بَِها َع ْن ِر َج ٍال طَ َ‬
‫َجِل ِه ْارَتَبثُوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َعلَْيه ف َيها َو َما م ْن أ ْ‬ ‫ََمرا َشَذاُفوالَُقوا ِفي َخَبايَ َاها َما قَ ِد ُموا‬
‫ض َواللَّْب ُ‬
‫ث‬ ‫ول ال ُْمَق ُام بَِبطْ ِن األ َْر ِ‬‫طُ ُ‬ ‫اسنِ ِه ْم إِ ْن َكا َن غَْي ِر َها‬ ‫و َعن مح ِ‬
‫َ ْ ََ‬
‫ث‬‫ْجثَ ُ‬‫ضاء َوال ُ‬ ‫ول بِِه األَ ْع َ‬
‫َن ْه ًشا َت ُز ُ‬ ‫ش ُه ْم‬‫ض َتْن ِه ُ‬ ‫ات األ َْر ِ‬‫وما لَ ُهم ح َشر ِ‬
‫ََ ْ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك بِ َما القَا ُم ِج ُيب ُه ْم‬ ‫َوإِ ْن يُ ِجْب َ‬
‫ث‬‫ْج َد ُ‬ ‫يب َوأَنَّي َيْنط ُق ال َ‬ ‫َولَ ْن يُج َ‬
‫احتِ ِه ْم‬ ‫ِ‬ ‫فَانْظُر م َكانَ َ ِ‬
‫ث‬‫ْج ُّد ال َه ِزل َوال َعَب ْ‬ ‫فَِإنَّهُ ال َ‬ ‫ك في أَ ْفَناء َس َ‬ ‫ْ َ‬
‫وحترم زي ارة القب ور للنس اء ملا ورد عن أيب هري رة رضي اهلل عنه أن‬
‫رس ول اهلل ‪ r‬لعن زوارات القب ور ‪ .‬رواه أمحد وابن ماجه والرتم ذي وص ححه‬
‫واحتج ش يخ اإلس الم رمحه اهلل على حترميه بلعن رس ول اهلل ‪ r‬زورات القب ور‬
‫وصحح احلديث ‪.‬‬
‫وسئل الشيخ عبد اهلل أبا بطني إذا كان طريق على حد املقربة هل يكره‬

‫‪356‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫للنس اء املرور معه فأج اب إذا ك ان للن اس طريق على املق ربة وم رت معه ام رأة‬
‫وسلمت فال بأس ألهنا ال تسمى زائرة ‪ .‬واهلل أعلم ‪ .‬وصلى اهلل على حممد وآله‬
‫وسلم ‪.‬‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬

‫سوم َوتُ ْكَر ُم‬ ‫ْج ُ‬


‫ْك ال ُ‬ ‫صا ُن بِِه تِل َ‬‫تُ َ‬ ‫َولَ َّما َحلَلَْنا ِم ْن بِ َجايَ َة َجانًِبا‬
‫الصَبا أََتَن َّس ُم‬
‫اس ِّ‬ ‫َكأَنِّي ألَْنَف ِ‬ ‫اح ًة‬ ‫ِ‬
‫وحا َو َر َ‬ ‫ت لَ َها ط ًيبا َو ُر ً‬ ‫َو َج ْد ُ‬
‫َّم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ص ِحبِي َما الَّ ِذي أ َْمَر ْج ُ‬
‫ت لَهُ َمَقاب ُر مْن َها ال طىءٌ َو ُم َسن ُ‬ ‫ْت لَ ْ‬‫َف ُقل ُ‬
‫اك األ َْمر ِمْن ُهم َوأَ ْف َه ُم‬ ‫ألَ ْد ِري بِ َذ َ‬ ‫ْت َوأَنَّنِي‬ ‫فَأ َْو َه ْمُت ُه ْم أَنّي َج ِهل ُ‬
‫ب َوُت ْع ِظ ُم‬ ‫ِسَوى ِر َم ٍم ِم َّم ْن تُ ِح ُّ‬ ‫اك َفلَ ْم نَ ِج ْد‬ ‫ْم َذ َ‬ ‫ِ‬
‫َفَقالُوا طَلَْبَنا عل َ‬
‫َّم‬
‫ك ُم َخت ُ‬ ‫َّق ِم ْن َد َاريْ ِن ِم ْس ٌ‬‫َتَفت َ‬ ‫ض ِمْن َها َكأَنَّ َما‬ ‫ْن األ َْر ِ‬ ‫ع بَط ُ‬ ‫ضَّو َ‬
‫تَ َ‬
‫السَرا ِر ال ُْم ْكَت ُُِِم‬ ‫الد ْم ِع ّ‬‫اك َو ُربَّ َما تَ ْشهر بِ َّ‬ ‫وعي ِعْن َدك َذ َ‬ ‫ت دم ِ‬
‫ض ْ ُُ‬ ‫َفَفا َ‬
‫فؤادي َويَ ْكلَ ُم‬ ‫يراع لذاكر َاها ِ‬ ‫ب‬ ‫ال م ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َ‬ ‫صائ ُ‬ ‫َخليلي َما بَالي َوبَ َ َ َ‬
‫ْط ُم‬ ‫ف َتل ِ‬ ‫ت بِها مسو َّد َة الْجو ِ‬
‫َْ‬ ‫قَ َذفْ ُ َ ُ ْ َ‬ ‫َوِم َّما َش َجانِي َو ُهَو أَ ْعظَ ُم أَنَّنِي‬
‫ص ُم‬ ‫لَهُ َهل بِب ْشرى أ َْم بِ َش ْعَن ِاء َت ْق ِ‬ ‫ص ِم ِه‬ ‫ِ‬
‫ت تَ ِحيَّ َة خ ْ‬ ‫َولَ ْم أَ ْد ِر َما َكانَ ْ‬
‫ْ ُ َ‬
‫صنِي أَ ْد َهى َعلَ َّي َوأَ ْعظَ ُم‬ ‫َو َما َخ َّ‬ ‫َوأَ ْعظَ ُم ِمْنهُ َم ْو ِق ًعا َوأَ َش ُّد ُه‬
‫ُسا ُق إِلَْي َها إِ ْن أََبْيت َوأ ُْر َغ ُم‬ ‫أَ‬ ‫ك‬‫ك َسالِ ٌ‬ ‫ْك الْمسالِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫بأَنِّي في تل َ َ َ‬
‫ك أَقْ َد ُم‬ ‫ُالقي َو َما الَّ ِذي َعلَْي ِه إِ َذا َما َكا َن َذلِ َ‬ ‫وما أَنَا أَ ْد ِري ما أ ِ‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫َيْب ِكي َعلَى َه َذا ِم ْن ال ُْم ْقلَ ِة َّ‬
‫الد ُم‬ ‫َف َه ْل ِم ْن َدٍم ابْ ِك ِيه صرفنا فَِإنَّ َما‬
‫اللهم أعطنا من اخلري ف وق ما نرجو واص رف عنا من الس وء ف وق ما‬
‫حنذر ‪ .‬اللهم علق قلوبنا برجائك واقطع رجاءنا عمن س واك ‪ .‬اللهم إنك تعلم‬
‫عيوبنا فاس رتها وتعلم حاجتنا فاقض ها كفى بك وليا وكفى بك نص ًريا يا رب‬
‫الع املني اللهم وفقنا لس لوك س بيل عب ادك األخي ار واغفر لنا ولوال دينا وجلميع‬

‫‪357‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫املس لمني األحي اء منهم واملي تني برمحتك يا أحم ال رامحني ‪ .‬وص لى اهلل على حممد‬
‫وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫‪358‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫صلٌ )‬
‫( َف ْ‬
‫تسن تعزية املس لم املص اب ب امليت ملا ورد عن األس ود عن عبد اهلل عن‬
‫النيب ‪ r‬ق ال ‪ « :‬من ع زى مص ابًا فله مثل أج ره » ‪ .‬رواه ابن ماجة والرتم ذي‬
‫أخا مبص يبة إال كس اه‬
‫مرفوعا ‪ « :‬ما من م ؤمن يع زى ً‬ ‫ً‬ ‫وح ديث عم رو بن ح زم‬
‫اهلل عز وجل من حلل اجلنة » ‪ .‬رواه ابن ماجه‬
‫واعلم أن التعزية هي التص بري وذكر ما يس لي ص احب املص يبة وخيفف‬
‫حزنه ويهون مصيبته ‪.‬‬
‫وهي مس تحبه ألهنا مش تملة على األمر ب املعروف والنهي عن املنكر وهي‬
‫الت ْق َوى ﴾ ‪.‬‬
‫داخلة قوله تعاىل ﴿ َوَت َع َاونُواْ َعلَى الْ ِّرب َو َّ‬
‫وهذا من أحسن ما يستدل به يف التعزية مث التعزية اليت هي األمر بالصرب‬
‫والرضا مبا ق در اهلل مس تحبة قبل دفن امليت وبع ده وهو أفضل ألن أهل امليت‬
‫مش غولون قبل دفنه بتجه يزه وألن وحش تهم بعد دفنه لفراقه أك ثر ه ذا إذا مل‬
‫يظهر منهم جزع فإن تبني له منهم جزع قدم التعزية ليسكنهم ‪.‬‬
‫قال العلماء ويكره اجللوس للتعزية وذلك بان جيتمع أهل امليت يف بيت‬
‫ليقص دهم من أراد التعزية ملا يف ذلك من اس تدامة احلزن وقد ح دث يف زمننا‬
‫هذا أناس يقبلون املصاب بامليت مع تعزيتهم له وال أدري ما مسندهم وال اعلم‬
‫أحدا من الصحابة أو التابعني فعل ذلك وال الذين بعدهم على منتصف هذا‬ ‫أن ً‬
‫القرن الرابع عشر ‪.‬‬
‫اللهم اعصمنا عن البدع وأحسن ما يعزى به ما روي يف الصحيحني عن‬
‫أس امة بن زيد رضي اهلل عنه ‪ ،‬قال أرسلت إحدى بنات رسول اهلل ‪ r‬لرسول‬
‫اهلل ت دعوه وختربه أن ابنًا هلا يف املوت فق ال عليه الص الة والس الم للرس ول ‪« :‬‬
‫ارجع إليها فأخربها أن هلل ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى‬
‫فمرها فلتصرب ولتحتسب » ‪ .‬وذكر احلديث ‪.‬‬

‫‪359‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ومعىن قوله ‪ r‬أن هلل ما أخذ أن الع امل كله ملك هلل ومل يأخذ ما هو‬
‫لكم بل هو آخذ ما هو له عندكم يف معىن العارية وقوله وله ما أعطى أي ما‬
‫وهبه لكم ليس خارجا عن ملكه بل س بحانه يفعل فيه ما يش اء وكل ش ٍ‬
‫يء‬ ‫ً‬
‫بأجل مسمى ‪.‬‬‫ٍ‬
‫فال جتزع وا ف إن من قبضه فقد انقضى أجله املس مى فمح ال ت أخريه أو‬
‫اعةً َوالَ يَ ْس َت ْق ِد ُمو َن ﴾‬ ‫ِ‬
‫َجلُ ُه ْم الَ يَ ْس تَأْخ ُرو َن َس َ‬ ‫ِ‬
‫تقدميه ق ال تع اىل ﴿ فَ إذَا َج اء أ َ‬
‫ف إذا علمتم ذلك فاص ربوا واحتس بوا ما ن زل بكم واهلل أعلم ‪ .‬وص لى اهلل على‬
‫حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫صلٌ )‬
‫(َف ْ‬
‫ويقال للمصاب مبسلم أعظم اهلل أجرك وأحسن عزاؤك أو يقول غري ذلك‬
‫حمدودا إال أنه يروى إن النيب ‪ r‬عزى رجالً‬ ‫ً‬ ‫قال املوفق ال أعلم يف التعزية شيئًا‬
‫فقال ‪ « :‬رمحك اهلل وأجرك » ‪ .‬رواه أمحد ‪ .‬ويقول املعزى ‪ :‬استجاب اهلل دعاك‬
‫لما أو ك افر ألن فيها‬ ‫ورمحنا وإي اك وحيرم تعزية الك افر س واء ك ان امليت مس ً‬
‫تعظيما للكافر ‪.‬‬ ‫ً‬
‫أخا له يف ابنه فق ال ‪ :‬أحسن ع زاهم فيه وأعظم هلم‬ ‫وع زى بعض هم ً‬
‫مجيعا كما قال الصابرون ﴿ إِنَّا لِلّ ِه َوإِنَّـا‬ ‫األجور واهلمهم التسليم للمقدور نقول ً‬
‫الرضا وتسلم للقضاء فاملصاب‬ ‫إِلَْي ِه َر ِاجعو َن ﴾ فاهلل اهلل أوصيك أخي إن تتدرع بِ ِّ‬
‫من حرم الثواب ‪.‬‬
‫واذكر آية يف كت اب اهلل تش رح للم ؤمن ص دره وجتلب له ص ربة وهتون‬
‫ص ِّم َن‬ ‫وع َو َن ْق ٍ‬ ‫وف َواجْلُ ِ‬ ‫﴿ولَنَْبلُ َونَّ ُك ْم بِ َش ْي ٍء ِّم َن اخْلَ ْ‬
‫خطبة وتذكره ربه قال تعاىل َ‬
‫ك ُه ُم الْ ُم ْهتَ ُدو َن‬ ‫ين ﴾ إىل قوله ﴿ َوأُولَـئِ َ‬ ‫ات وب ِّش ِر َّ ِ‬
‫الص اب ِر َ‬
‫ِ‬
‫س َوالث ََّمَر َ َ‬‫األ ََم َو ِال َواألن ُف ِ‬
‫﴾ ‪.‬‬

‫‪360‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫َجر ُهم بِغَرْيِ ِحس ٍ‬


‫اب ﴾ ويف الصحيح عن‬ ‫وقال ﴿ إِمَّنَا يوىَّف َّ ِ‬
‫َ‬ ‫الصاب ُرو َن أ ْ َ‬ ‫َُ‬

‫‪361‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫مرفوعا ‪ " :‬عجبًا ألمر املؤمن إن أمره خري إن أصابته سراء شكر فكان‬ ‫ً‬ ‫صهيب‬
‫خريا له " ‪.‬‬ ‫خريا له وإن أصابته ضراء صرب فكان ً‬ ‫ً‬
‫وقال آخر يعزى بعض إخوانه ‪ :‬املأمول فيكم الصرب واالحتساب والتعزي‬
‫بع زاء اهلل فقد ق ال بعض العلم اء إنك لن جتد أهل العلم واإلميان إال وهم أقل‬
‫انزعاجا عند املص ائب وأحسنهم طمأنينة واقلهم قل ًقا عند الن وازل وما ذاك‬ ‫ً‬ ‫الن اس‬
‫إال ملا أتوا مما حرمه اجلاهلون ‪.‬‬
‫صيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ‬
‫الصابِ ِرين * الَّ ِذين إِذَا أَصابْتهم ُّم ِ‬
‫ََُ‬ ‫َ‬ ‫قال اهلل تعاىل ﴿ َوبَ ِّش ِر َّ َ‬
‫ِ‬
‫ك ُه ُم الْ ُم ْهتَ ُدو َن‬ ‫ات ِّمن َّرهِّبِ ْم َو َرمْح َةٌ َوأُولَـئِ َ‬ ‫َوإِنَّـا إِلَْي ِه َراجعو َن * أُولَـئِ َ‬
‫ك َعلَْي ِه ْم َ‬
‫صلَ َو ٌ‬
‫﴾ ‪.‬‬
‫فه ذه الكلمة من أبلغ عالج املص اب وأنفعه له يف العاجلة واآلجلة فإهنا‬
‫تتضمن أصلني عظيمني إذا حتقق العبد مبعرفتها تسلى عن مصيبة ألن العبد وأهله‬
‫وماله ملك هلل يتصرف فيه حيث جعله عند عبده عارية ‪.‬‬
‫واملعري مالك ق اهر ق ادر والعبد حمف وف بع دمني ع دم قبله وع دم بع ده‬
‫وملك العبد متعة مع ارة الث اين أن مصري العبد ومرجعه وم رده إىل م واله احلق‬
‫ال ذي له احلكم واألمر وال بد أن خيلف ما خوله يف ه ذه ال دار وراء ظه ره‬
‫عشرية ولكن باحلسنات والسيئات ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مال وال‬ ‫أهل وال ٍ‬ ‫فردا بال ٍ‬‫ويأيت ً‬
‫ومن ه ذا حاله ال يف رح مبوج ود وال يأسف على مفق ٍ‬
‫ود وإذا علم املؤمن علم اليقني أن ما أص ابه مل يكن ليخطئه وما أخط أه مل يكن‬
‫ليصيبه هانت عليه املصيبة وأطمأن بأذن اهلل وقد قيل ‪:‬‬

‫ك األََمان ِم َن الَّ ِذي لَ ْم ُي ْق َد ِر‬‫اصطَبِ ِري لَهُ َولَ َ‬


‫س فَ ْ‬ ‫َما قَ ْد قضي يَا َن ْف ُ‬
‫ت أ َْم لَ ْم ُت ْع َذ ِر‬‫ك َع ِذ ْر َ‬ ‫يَ ْج ِري َعلَْي َ‬ ‫َن ال ُْمَق َّد َر َكائِ ٌن‬
‫َوَت َعلَّ ِمي أ َّ‬
‫ومن صفات املؤمن أنه عند الزالزل وقور ويف الرخاء شكور ومما خيفف‬
‫املصائب برد التأسي فانظروا ميينًا ومشاالً وأمام َو َوراء فإنكم ال جتدون إال من‬

‫‪362‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫قد وقع به ما هو أعظم من مص يبتكم أو مثلها أو ق ريب منها ومل يبق إال‬
‫التفاوت يف عوض الفائت أعوذ باهلل من اخلسران ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حمبوب‬ ‫ولو أمعن البصري يف هذا العامل مجيعه مل يرى إال مبتلي إما لفوت‬
‫روه وإن س رور ال دنيا أحالم لي ٍل أو كظ ٍل زائ ٍل إن أض حكت‬ ‫أو حص ول مك ٍ‬
‫يوما أس اءت ده ًرا مجعها على انص داع ووص لها‬ ‫قليالً أبكت كث ًريا وإن س رت ً‬
‫على انقطاع ‪.‬‬
‫إقباهلا خديعة وإدبارها فجيعة ال تدوم أحواهلا وال يسلم نزاهلا حاهلا انتقال‬
‫وس كوهنا زوال غ رارة خ دوع معطية من وع ن زوع ويكفي يف هواهنا على اهلل أن‬
‫ال يعصى إال فيها وال ينال ما عنده إال برتكها ‪.‬‬
‫مع أن املصائب من حيث هي رمحة للمؤمن وزيادة يف درجاته كما قال‬
‫بعض الس لف لو مص ائب ال دنيا لوردنا اآلخ رة مف اليس وال رب س بحانه مل يرسل‬
‫البالء إىل العبد ليهلكه وال ليعذبه ولكن امتحانًا لص ربه ورض اه عنه واختب ًارا‬
‫إلميانه ول رياه طرحيًا ببابه الئ ًذا جبنابة منكسر القلب بني يديه فه ذا من حيث‬
‫املصائب الدنيوية وأما ما جرى عليكم فأنتم به بالتهنئة أجدر من التعزية ‪.‬‬
‫ولعمر اهلل إن من سلم له دينه فاحملن يف حقه منح والباليا عطايا واملكرهات له حمبوبات وأما املصيبة العظمى واخلطب األكرب والكسر‬
‫الذي ال جيرب والعثار اليت ال تقال فهي املصيبة يف الدين كما قيل ‪:‬‬

‫َو َما لِ َك ْس ِر َقَن ِاة الدِّين ُجْبَرا ُن )‬ ‫اهلل يَ ْجبَِر ُه‬ ‫ِ‬
‫( َو ُك ُّل َك ْس ٍر فِإ َّن َ‬
‫آخر‪:‬‬
‫اعهُ ُهو أَ ْعظَم الْ ُخسر ِ‬
‫ان‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬ ‫فَضَي ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ك بِِه‬
‫اسَت ْم ِس ْ‬
‫س ال َْم ِال فَ ْ‬
‫ِّين َرْأ ُ‬
‫الد ُ‬
‫آخر‪:‬‬
‫اكينَِنا‬ ‫ُمْنَي ٍة لِ َّ‬
‫لس ِ‬ ‫فَ ِس ٍ‬
‫يح‬ ‫الر ِزيَّة َف ْق ُد قَ ُ‬
‫ص ٍر‬ ‫لََع ْم ِر َي َما َّ‬
‫بَِف ْق ِد ِه ِم ْن َك ِاف ِر َينا‬ ‫يَ ُكو ُن‬ ‫َولَ ِك َّن َّ‬
‫الر ِزيََّة َف ْق ُد ِدين‬

‫‪363‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫آخر‪:‬‬
‫إِ َذا َكا َن بِالت َّْهِل ِ‬
‫يل َو ِّ‬
‫الذ ْك ِر ُي ْع َم ُر‬ ‫ضائِ ِع‬
‫لََع َم ْر َي َما ُع ْمٌر ُي َع ُّد بِ َ‬
‫(‬ ‫آخر‪:‬‬
‫ول بِِه ال ُْع ْم ُر‬ ‫فَ َما َحظُّهُ ِفي أ َّ‬
‫َن يَطُ َ‬ ‫ِ‬
‫ضى َخال ُق‬ ‫إِ َذا ال َْم ْرء لَ ْم يُ ْد ِر ْك ِر َ‬
‫الَْو َرى‬ ‫آخر‪:‬‬
‫ب الَْب ِريِّة‬ ‫ضى الْمِل ِ‬ ‫الدْنَيا إِ َذا لَ ْم تَ ِر ْد بَِها‬ ‫ِ‬
‫ك الْ ُق ُدوس َر ِّ‬ ‫ِر َ َ‬ ‫ب ُّ‬ ‫ل َم ْن تَطْلُ ُ‬
‫آخر‪:‬‬
‫ض )‬ ‫وما ِمن اهلل عن َ ِ ِ‬
‫ضْي َعتِه عَو ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ ْ‬ ‫ض‬ ‫ِ‬ ‫( ِم ْن ُك ِّل َش ْيٍء َ‬
‫ضَّي ْعتُهُ عَو ٌ‬
‫وقد مضت سنة احكم احلاكمني ملن أراد به خ ريا أن يق دم االبتالء بني‬
‫يديه ومن أسباب السلو عن املصائب وأقوى األدوية بإذن اهلل تعاىل لفاقد احلبيب‬
‫العلم ب أن ال دنيا فانية وزائلة وأهنا خملوقة لل ذهاب واألف ول وأن ما فيها يتغري‬
‫ويتحول ويضمحل ويفىن ألهنا إىل اآلخرة طريق وهي مزرعة لآلخرة ‪.‬‬
‫روي عن أيب الدرداء رضي اهلل عنه قال كان لسليمان بن داود عليهما‬
‫ديدا وروي‬‫ديدا فم ات الغالم فح زن عليه حزنًا ش ً‬ ‫الس الم ابن جيد به وج ًدا ش ً‬
‫ذلك يف قض ائه وجملسه فبعث اهلل إليه ملكني يف هيئة البشر فق ال ‪ :‬ما أنتما ؟‬
‫زرعا فأتى‬
‫فقاال خصمان قال ‪ :‬اجلسا مبجلس اخلصوم فقال أحدمها ‪ :‬إين زرعت ً‬
‫هذا فأفسده ‪.‬‬
‫قال سليمان عليه السالم ‪ :‬ما يقول هذا ؟ قال ‪ :‬أصلحك اهلل إنه زرع‬
‫يف الطريق وإين م ررت به فنظ رت ميينًا ف إذا ال زرع ونظ رت مشاالً ف إذا ال زرع‬
‫ونظ رت قارعة الطريق ف إذا ال زرع ف ركبت قارعة الطريق فك ان يف ذلك فس اد‬
‫زرعه ‪.‬‬
‫فقال سليمان عليه السالم ‪ :‬ما محلك على أن تزرع بالطريق أما علمت‬
‫أن الطريق سبيل الناس والبد للناس أن يسلكوا سبيلهم فقال له أحد امللكني أو‬
‫ما علمت يا سليمان أن املوت سبيل الناس والبد للناس من أن يسلكوا سبيلهم‬
‫‪.‬‬

‫‪364‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫قال ‪ :‬فكأمنا كشف عن سليمان الغطاء وهذا من لطيف التعزية ملن حلت‬
‫به رزية ‪.‬‬

‫‪365‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫بَِو ْع ٍظ َشَفى الَْب َابنَا بِلَُبابِِه‬ ‫الد ْهَر أَ ْغنَى ُخطَْبة َع ْن ُخطَّابُهُ‬ ‫أ ََرى َّ‬
‫يك انِْقالبِِه‬ ‫إِلَْي َها وَت ْعمى َعن و ِش ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫صَو ِاديًا‬ ‫ْب َت ْهدي الْ ُقلُوب َ‬
‫ِ‬
‫لَهُ َقل ٌ‬
‫س غَابِِه‬ ‫ث َع ْن أَنْ ِ‬ ‫اب اللَّْي َ‬‫َسطَا فَأَغَ َ‬ ‫ث إِال أَنَّهُ َو ُهَو َخ ِاد ٌر‬ ‫ُهَو اللَّْي ُ‬
‫صابِِه‬ ‫ِ‬ ‫لِص ٍ ِ ِ‬ ‫الو َة َش ْه ِد ِه‬
‫اب إِلَْيه م ْن َمَر َارة َ‬ ‫َ‬ ‫ات لَ ْم تَ ْسلَ ْم َح َ‬ ‫َو َهْي َه َ‬
‫ومةٌ بِِعَقابِِه‬ ‫ِ‬
‫َعَواقَبهُ َم ْختُ َ‬ ‫ُمبِي ٌد َمَب ِاد ِيه َتغُُّر َوإِنَّ َما‬
‫ت ِر َكابِِه‬ ‫ض تَ ْح َ‬ ‫وك األ َْر ِ‬ ‫ت ُملُ ُ‬ ‫َو َس َار ْ‬ ‫ك قَ ِاد ًرا‬ ‫أَلَم َتر من ساس الْممالِ ِ‬
‫ْ َ َ ْ َ َ ََ‬
‫ود ِش َهابِِه‬ ‫َعلَى ُش ْهبِ َها لَْوال ُخ ُم ُ‬ ‫ت تُ ِحلُّهُ‬ ‫اد ْ‬‫الدْنَيا َو َك َ‬ ‫ت لَهُ ُّ‬ ‫َو َدانَ ْ‬
‫غَ َداة غَدا َع ْن َك ْسبِ ِه بِا ْكتِ َسابِِه‬ ‫صونُهُ‬‫صَنهُ َو ُح ُ‬ ‫َسلَ ْمتُهُ َح ْ‬
‫لََق ْد أ ْ‬
‫ب أَ ْغَن ُاه ِعْن َد َذ َهابِِه‬ ‫َوال َذ َه ٌ‬ ‫اض ِه‬
‫ض ِ‬ ‫ضةٌ أَنْ َجْتهُ ِعْن َد انِْف َ‬‫فَال ِف َّ‬
‫َوأَ ْفَر َد ُه أَْتَرابَهُ بُِتَرابِِه‬ ‫صه َو َّراثُهُ بُِتَراثِِه‬‫سال َش ْخ ِ‬
‫َ‬
‫واهلل أعلم ‪ .‬وصلى اهلل على حممد وآله وسلم ‪.‬‬
‫صلٌ )‬
‫( َف ْ‬
‫قيل لرجل ‪ :‬إنك متوت ؟ قال ‪ :‬وإىل أين يذهب يب ؟ قالوا ‪ :‬إىل اهلل ‪.‬‬
‫ق ال ‪ :‬ما أك ره أن ي ذهب يب إىل من مل أرى اخلري إال منه ولو ق ال أنا اف رح‬
‫وأسر وأستبشر بذهاب إىل اهلل ‪.‬‬
‫وع زى رجل آخر ب اب ٍن له فق ال ‪ :‬ك ان لك من زينة احلي اة ال دنيا وهو‬
‫اليوم من الباقيات الصاحلات ‪.‬‬
‫وملا احتضر املنص ور ق ال ‪ :‬اللهم إن كنت تعلم أين قد ارتكبت األم ور‬
‫العظام جرأة مين عليك فإنك تعلم أين قد أطعتك يف أحب األشياء إليك شهادة‬
‫أن ال إله إال اهلل َمنًّا منك ال منًّا عليك ‪.‬‬
‫ومات عبد اهلل بن مطرف فخرج مطرف يف ثياب حسنة فأنكر عليه‬

‫‪366‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫فق ال ‪ :‬أفأس تكني هلا وقد وع دين عليها ريب ثالثًا إح داها أحب إيل من ال دنيا‬
‫ات ِّمن َّرهِّبِ ْم َو َرمْح َ ةٌ‬ ‫﴿ أُولَـئِ َ‬
‫ك َعلَْي ِه ْم َ‬
‫ص لَ َو ٌ‬ ‫وما فيها‬
‫ك ُه ُم الْ ُم ْهتَ ُدو َن ﴾ ‪.‬‬‫َوأُولَـئِ َ‬
‫قيل إنه دخل ملك املوت على داود عليه وعلى نبينا السالم ‪ ،‬قال ‪ :‬من‬
‫أنت ؟ قال ‪ :‬الذي ال يهاب امللوك وال متنع منه القصور وال يقبل الرشى ‪.‬‬
‫ق ال ‪ :‬ف إذا أنت ملك املوت ومل اس تعد بعد ق ال ‪ :‬يا داود أين ج ارك‬
‫فالن أين قريبك فالن ‪ ،‬ق ال ‪ :‬م ات ‪ .‬ق ال ‪ :‬أما ك ان لك يف ه ؤالء ع ربة‬
‫لتستعد للموت ‪.‬‬
‫عن عائشة رضي اهلل عنها ملا م ات عثم ان بن مظع ون كشف النيب ‪r‬‬
‫الث وب عن وجهه فقبل ما بني عينيه وبكى ط ويالً ‪ :‬فلما رفع على الس رير ق ال‬
‫‪ « :‬طوباك يا عثمان مل تلبسك الدنيا ومل تلبسها » ‪.‬‬
‫ودخل على املأمون يف مرضه وهو جيود بنفسه فإذا هو قد فرش له جل‬
‫الدابة وبسط عليه الرماد وهو يتمرغ عليه ويقول ‪ :‬يا من ال يزول ملكه ارحم‬
‫من زال ملكه ‪.‬‬
‫وق ال عم رو بن الع اص البنه حض ره املوت من يأخذ ه ذا املال مبا فيه‬
‫قال ‪ :‬من جدع اهلل أنفه فقال ‪ :‬امحلوه إىل بيت مال املسلمني ‪.‬‬
‫مث قال مسعت رسول اهلل ‪ r‬يقول ‪ « :‬إن التوبة مبسوطة ما مل يغرغر ابن‬
‫آدم بنفسه » ‪ .‬مث اس تقبل القبلة فق ال ‪ :‬اللهم إنك أمرتنا فعص ينا وهنيتنا فارتكبنا‬
‫هذا مقام العائذ بك فأهل العفو أنت ‪.‬‬
‫وإن تعاقب فبما قدمت يداي « سبحانك ال إله إال أنت إين كنت من‬
‫الظ املني » فم ات وهو مغل ول مقيد فبلغ احلسن بن علي فق ال ‪ :‬استس لم الش يخ‬
‫حني أيقن باملوت ولعلها تنفعه ‪.‬‬

‫‪367‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ق الت عائشة رضي اهلل عنها ‪ :‬ال أغبط أح ًدا هبوان املوت بعد ال ذي‬
‫رأيت من رس ول اهلل ‪ . r‬ومسع أو ال درداء رجالً يق ول يف جن ازة ‪ :‬من ه ذا ؟‬
‫قال ‪ :‬أنت وإن كرهت فأنا ‪.‬‬
‫ومسع احلسن امرأة تبكي خلف جنازة وتقول ‪ :‬يا أبتاه مثل يومك مل أره‬
‫‪ .‬فقال هلا ‪ :‬بل أبوك مثل يومه مل يره ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬إنه ملا احتضر إبراهيم عليه السالم قال ‪ :‬هل رأيت خليالً يقبض‬
‫روح خليله ف أوحى اهلل إليه ‪ :‬هل رأيت خليالً يك ره لق اء خليله ‪ .‬ق ال ‪ :‬اقبض‬
‫روحي الساعة ‪.‬‬
‫ونعيت إىل ابن عب اس بنت له يف طريق مكة ‪ ،‬ف نزل عن دابته فص لى‬
‫وق ال ‪ :‬ع ورة س رتها اهلل ‪ ،‬ومؤنة كفاها اهلل ‪،‬‬ ‫ركع تني مث رفع يديه‬
‫وأجر ساقه اهلل ‪ .‬مث ركب ومضى ‪.‬‬
‫وق ال رجل ألويس الق رين أوص يين ‪ .‬ق ال ‪ :‬توسد املوت إذا منت واجعله‬
‫نصب عينيك إذا قمت ‪ .‬وق ال الث وري ‪ :‬ينبغي ملن ك ان له عقل إذا عقل إذا‬
‫أيت عليه عمر النيب ‪ r‬أن يهيئ كفنه ‪.‬‬
‫وكتب عمر بن عبد العزيز إىل عم رو بن عبيد يعزيه أما بعد فإنا أن اس‬
‫من أهل اآلخرة أسكنا يف الدنيا أموات أباء أموات أبناء أموات فالعجب مليت‬
‫يكتب إىل ميت يعزيه عن ٍ‬
‫ميت ‪.‬‬
‫وقيل للحسن فالن يف النزع ‪ .‬قال ‪ :‬وما معىن النزع ؟ قالوا ‪ :‬القرب ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬هو يف ذلك منذ خلق ‪.‬‬
‫وتوفيت أم قاضي بلخ فقال له حامت األصم ‪ :‬إن كانت وفاهتا عظة لك‬
‫فعظم اهلل أج رك على م وت أمك وإن مل تتعظ هبا فعظم اهلل أج رك على م وت‬
‫قلبك ‪.‬‬

‫‪368‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وق ال له ‪ :‬أيها القاضي منذ كم حتكم بني عب اد اهلل ؟ ق ال منذ ثالثني س نة ق ال ‪ :‬هل رد اهلل‬
‫حكما واح ًدا‬
‫حكما ؟ ق ال ‪ :‬ال ق ال ف إن اهلل مل ي رد عليك أحكامك يف ثالثني وت رد ً‬ ‫عليك ً‬
‫حكم عليك ‪.‬‬
‫وعزى آخر بأخيه فقال له ‪ :‬انظر مصيبتك يف نفسك تنسك فقد غريك واذكر قول اهلل تعاىل‬
‫ت َوإِن َُّهم َّميِّتُو َ‬
‫ن ﴾ وخذ بقول الشاعر ‪:‬‬ ‫لنبيه ‪ ﴿ r‬إِن َ‬
‫َّك َميِّ ٌ‬
‫ع‬
‫ت َجا ِز ٌ‬ ‫و ُك ُّل ْام ِر ٍئ ِمن َخ ْشي ِة الْمو ِ‬ ‫ك لِ َسبِ ِيل ِه‬ ‫تَعز فَ ُك ُّل سالِ ٍ‬
‫ْ َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الدار فَاأل َْر َح ُام ِمنَّا َجَو ِام ُع‬
‫بَِنا َّ‬ ‫اب َوإِ ْن نَأ ْ‬
‫َت‬ ‫ص ُ‬
‫ِ‬
‫َونَ ْح ُن َسَواءٌ في ال ُْم َ‬
‫الشَرائِ ُع‬
‫ت بِ َذاك َّ‬ ‫وال َش َّ ِ‬
‫اء ْ‬ ‫يك إِ َذا َج َ‬‫ُن َعِّز َ‬ ‫َّع ِزي َوإِنَّ َما‬ ‫ك منَّا بِالت َ‬ ‫َ‬
‫اج َه ْد بُ َكاء َعلَى َع ْمرو‬ ‫َحد فَ ْ‬
‫َعلَى أ ٍ‬
‫َ‬ ‫آخر‪َ :‬تَف َّكْر فَِإ ْن َكا َن الْبُ َكا َرد َهالِ ًكا‬
‫َعلي َو َعبّاس َوآل أَبِي بَ ْكرٍ‬ ‫ت أ َِجنَّه‬ ‫ك ميًِّتا ب ْع َد ميِّ ٍ‬
‫َوال َتْب َ َ َ‬
‫ِ‬
‫َوَي ْز ُع ُم أَ ْن قَ ْد قَ َّل َعْن ُه ْم َعَز ُاؤ ُه‬ ‫آخر‪َ :‬وَيْب ِكي َعلَى ال َْم ْوتَى َوَيْت ُر ُك َن ْف َسهُ‬
‫لَ َكان َعلَْي ِه ال َعلَْي ُه ْم بُ َك ُاؤ ُه‬ ‫َولَْو َكا َن َذا َع ْقالً َو َرْأ ٍي َو ِفطَْنة‬
‫يق لَ َها ِح ْمالً‬ ‫َعلَى ظَ ْه ِر َعْب ٍد ال يُ ِط ُ‬ ‫ت‬‫وب َتثَا َقلَ ْ‬ ‫ِش ْعرا‪ :‬إِلَ ِهي َع ْفًوا ِم ْن ذُنُ ٍ‬
‫ً‬
‫السَرائُِر أَ ْن ُيْبلَى‬ ‫َويَ ْخ َشى إِ َذا ُتْبلَى َّ‬ ‫ون َر َقَب ٍة‬ ‫اله ِمن ُد ِ‬
‫اك َفَيا َم ْو ُ ْ‬ ‫صَ‬ ‫َع َ‬
‫َو ُك ُّل ْام ِر ٍئ يُ ْجَزى بِِف ْعلَتِ ِه ُقبُال‬ ‫فَِإَّما إِلى نَا ٍر َوإَِّما لِ َجن ٍَّة‬
‫ك َكا َن الْبُ َكاءُ بِِه أ َْوالً‬ ‫ضِ‬
‫اح ٍ‬ ‫َو َك ْم َ‬ ‫وير َكن لِلراحات َقبل بلُ ِ‬
‫وغ َها‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ َْ ُ َ‬
‫َوال لَِنَرى َغْيَر ا ْعتَِبا ٍر بَِها ُش ْغالً‬ ‫صَر َو ْج َهَنا‬ ‫الدْنيا لَِن ْع ِ‬ ‫ِ‬
‫فَ َما نَ ْح ُن في ُّ َ‬
‫َويَ ِّسْر لِ َما َت ْهَو ُاه لِي ِم ْن ُه َدى ِف ْعالً‬ ‫للر َش ِاد َمطَالِبِي‬
‫ب َوفِّ ْق َّ‬
‫َفَيا َر ّ‬
‫واهلل أعلم ‪ .‬وصلى اهلل على حممد وآله وصحبه وسلم ‪.‬‬

‫‪369‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫صٌل )‬
‫( َف ْ‬
‫وكتب ابن الس ماك إىل ه ارون الرش يد يعزيه بول ده فق ال أما بعد ف إن اس تطعت أن يك ون‬
‫ش كرك هلل عز وجل حيث قبضه كش كرك له حيث وهبه لك فافعل فإنه حيث قبضه أح رز‬
‫لك هبته ‪.‬‬
‫ولو بقي مل تس لم من فتنة أرأيت جزعك على ذهابه وتلهفك على فراقه أرض يت ال دار‬
‫لنفسك فرتضاها ألبيك أما هو فقد خلص من الكدر وبقيت متعل ًقا باخلطر والسالم ‪.‬‬
‫صغريا عظم اهلل أجرك وجرب مصيبتك وأذهب عنك احلزن وجعله لك‬ ‫وان شاء قال إذا كان ً‬
‫فرطًا وذخ ًرا ووس يلة الكتس اب األجر يف األخ رى وأنت خبري ب أن املوت مصري كل العب اد‬
‫ِك اخْلُْل َد أَفَ ِإن ِّم َّ‬ ‫ِ‬
‫ت َف ُه ُم‬ ‫قال اهلل جل وعال وتقدس لرسول اهلل ‪َ ﴿ r‬و َما َج َع ْلنَا لبَ َش ٍر ِّمن َقْبل َ‬
‫اخْلَالِ ُدو َن * ُك ُّل َن ْف ٍ‬
‫س َذائَِقةُ الْ َم ْو ِت ﴾ ‪.‬‬
‫ومثلك وهلل احلمد ال حيت اج إىل التس لية والنص يحة ألنه ليس خباف عليك أن الصرب قد حث‬
‫اهلل عليه ووعد بك ثرة األجر وأنه أوىل ما متسك به م ؤمن واعتصم به حمتسب فالتس ليم ألمر‬
‫اهلل مبا قدره وقضاه يف سابق علمه يستوجب الثواب اجلزيل وحسبنا اهلل ونعم الوكيل ‪.‬‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬

‫ص َيب ِة ِفي الدِّي ِن‬


‫وَت ُهو ُن َغْير م ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫صائِ ِ‬
‫ب قَ ْد تَ ُمّر َعَلى الَْفَتى‬ ‫ُك ُّل ال َْم َ‬
‫آخر‪:‬‬
‫ط ِفي إِثْ ِر ِه َو ْف ٌد‬
‫َتر َّحل َوفْد َح َّ‬
‫َ ُ‬ ‫ت بَنِي ُّ‬
‫الدْنَيا َكَوفْ َديْ ِن ُكلَّ َما‬ ‫َرأَيْ ُ‬
‫ضي بِ َذا َن ْعش َويَأْتِي بِ َذا َم ْه ُد‬ ‫َفيم ِ‬
‫َْ‬ ‫السْيَر َعْن َها َونَ ْحَو َها‬
‫ث َّ‬ ‫َو ُك ٌّل يَ ُح ُّ‬
‫آخر‪:‬‬
‫ود‬ ‫اع ُ ِ‬ ‫تَ ُمُّر بَِنا َّ‬ ‫َوتَأْ ُكلَُنا أَيَّ ُامَنا فَ َكأَنَّ َما‬
‫ُس ُ‬
‫ات َوه َي أ ُ‬‫الس َ‬
‫آخر‪:‬‬
‫اص ٌد‬ ‫ث بَِها َحاد ِم َن ال َْم ْو ُ‬
‫ت قَ ِ‬ ‫يَ ُح ُّ‬ ‫وما ه ِذ ِه األَيَّام إِال مر ِ‬
‫اح ُل‬ ‫ُ ََ‬ ‫ََ َ‬

‫‪370‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫منا ِز ُل تُطْوى وابن آدم قَ ِ‬ ‫ْت أََّن َها‬ ‫ٍ‬


‫اع ُد‬ ‫َ َْ َ‬ ‫ََ‬ ‫َوأَ ْع َج ُ‬
‫ب َش ْيء لَْو تَأََّمل َ‬
‫أو تقول ‪ :‬بلغين وفاة األخ العزيز تغمده اهلل يف رمحته اليت وسعت كل شيء ووفقنا وإياكم‬
‫للصرب واالحتساب ‪.‬‬
‫وعلى كل ح ال ف األخ أوىل من يتلقى أمر اهلل ب القبول والتس ليم ويلقى اخلط وب الص ادعة‬
‫بقلب س ليم وهو أدرى ب أن ه ذه ال دار ليست ب دار ق رار وأن املفق ود ن زل يف ج وار الك رمي‬
‫وشتان بني ذاك اجلوار وهذا اجلوار ‪.‬‬
‫وليس إال الصرب واحتس اب األجر من املوىل األجل ه ذا وكل منا يعلم أن املوت منهل ال بد‬
‫من وروده وحمضر ال بد من شهوده ورسول ال بد منه وأمر ال حميص وال مفر عنه وما مات‬
‫َجلُ ُه ْم الَ‬ ‫ِ‬
‫أحد قبل أجله ال ذي ق در له وال تق دم عنه وال ت أخر ق ال تع اىل ﴿ فَ إذَا َج اء أ َ‬
‫اعةً َوالَ يَ ْس َت ْق ِد ُمو َن ﴾ وق ال ‪ « : r‬إن روح الق دس نفث يف روعي أنه لن‬ ‫ِ‬
‫يَ ْس تَأْخ ُرو َن َس َ‬
‫متوت نفس حىت تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا اهلل وأمجلوا يف الطلب » ‪.‬‬
‫وعن معاوية بن أي اس عن أبيه رضي اهلل عنه عن النيب ‪ r‬أنه فقد رجالً من أص حابه فس أل‬
‫عنه فقالوا يا رسول اهلل ابنه الذي رأيته هلك ‪.‬‬
‫فلقيه النيب ‪ r‬فس أله عن ابنه ف أخربه أنه هلك فع زاه عليه مث ق ال ‪ « :‬يا فالن أميا أحب إليك‬
‫أن تتمتع به عمرك أو ال تأيت غ ًدا بابًا من أبواب اجلنة إال وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك‬
‫» ‪ .‬فقال ‪ :‬يا نيب اهلل يسبقين إىل اجلنة يفتحها يل هو أحب إيل ‪ .‬قال ‪ « :‬فذلك لك » ‪.‬‬
‫فقيل ‪ :‬يا نيب اهلل هذا له خاصة أم للمسلمني عامة قال ‪ :‬بل للمسلمني عامة ‪ .‬وبلغ الشافعي‬
‫شديدا فبعث إليه الشافعي‬
‫جزعا ً‬ ‫أن عبد الرمحن بن مهدي مات له ابن فجزع عليه ً‬
‫يقول يا أخي عز نفسك مبا تعز به غريها واستقبح من فعلك ما تستقبحه من فعل غريك ‪.‬‬
‫واعلم أن أمضى املصائب فقد سرور وحرمان أجر فكيف إذا اجتمعا‬

‫‪371‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫أجرا‬
‫صربا وأحرز لنا ولك بالصرب ً‬
‫مع اكتساب وزر فتناول حظك يا أخي إذا قرب منك أن تطلبه وقد نأى عنك أهلمك اهلل عند املصائب ً‬
‫وكتب إليه يقول ‪:‬‬

‫ْحَي ِاة َولَكن ُسنَّةُ الدِّي ِن‬ ‫ِ‬ ‫ك ال أَنِّي َعَلى ثَِق ٍة‬ ‫إِنِّي ُم َعِّزيَ َ‬
‫م َن ال َ‬
‫َوال ال ُْم َع ِزي َوإِ ْن َعا َشا ِإلَى ِحي ٍن‬ ‫اق َب ْع َد َمْيتِ ِه‬
‫لَْيس الْم َع ِزي بِب ٍ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫َو َعَّزى َر ُج ٌل ُعمر بن عبد العزيز فقال ‪:‬‬

‫الص ِغير َويُولَ ُد‬


‫لَ َّما قَ ْد َتَرى ُي ْفدى َّ‬ ‫ين فَِإنَّهُ‬‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َت َعَّز أَم ُير ال ُْم ْؤمن َ‬
‫ض ال َْمنِيَِّة ُمو ِر ُد‬ ‫هل ابن َ ِ‬
‫لَ ُك ّل َعلَى َح ْو ِ‬ ‫ك م ْن ُساللَِة َ‬
‫آدم‬ ‫َ ْ َْ‬
‫فقال ‪ :‬ما عزاين أحد مبثل تعزيتك ‪.‬‬
‫وكتب رجل إىل بعض إخوانه يعزيه بابنه ‪ :‬أما بعد فإن الولد على والده ما عاش حزن وفتنة‬
‫ف إذا قدمه فص الة ورمحة فال حتزن على ما فاتك من حزنه وفتنته وال تض يع ما عوضك اهلل‬
‫تعاىل من صالته ورمحته ‪.‬‬
‫وقال حممد بن املهدي إلبراهيم بن سلمة وعزاه بابنه ‪ :‬أسرك وهو بلية وفتنة وأحزنك وهو صالة ورمحة واعلم يا أخ إن كل املصائب اليت‬
‫متر على اإلنسان هتون إال مصيبة الدين ال ينجرب كسرها كما قيل ‪:‬‬
‫وما لِ َكس ِر َقَن ِاة الدِّي ِن جْبر ٍ‬
‫ان‬ ‫َُ‬ ‫ََ ْ‬ ‫َو ُك ُّل َك ْس ٍر فَِإ َّن َ‬
‫اهلل يَ ْجُب ُر ُه‬
‫الرضا بقضائه وقدره وحيرم الندب وهو تعداد‬ ‫وفقنا اهلل (وإياك ملا حيبه ويرضاه وأهلمنا وإياك (‬
‫حماسن امليت بلفظ الن داء مع زي ادة ألف وها يف آخ ره واس يداه واجباله وانقط اع ظه راه‬
‫أيضا قالت أم عطية ‪ :‬أخذ علينا النيب ‪ r‬يف‬
‫والنياحة هي رفع الصوت بذلك برنة وهي حمرمة ً‬
‫البيعة أن ال ننوح ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬

‫‪372‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ِش ْعًرا ‪:‬‬

‫اخ‬ ‫َو َما َذا تَ ْسَتِفي ُد ِم َن ُّ‬


‫الصَر ِ‬ ‫ت َعلَْي َه‬
‫صَر َخ ْ‬ ‫إِ َذا َم َ‬
‫ات ْابَن َها َ‬
‫بِمهل أَو َكثْم علَى التَّر ِ‬
‫اخي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ ْ‬ ‫ت‬ ‫ْف الَْف ِاء لَْي َس ْ‬
‫سَتْتب ُعهُ َك َعط ِ‬
‫َ َ‬
‫ويف صحيح مسلم أن النيب ‪ r‬لعن النائحة واملستمعة وحيرم شق الثوب وحنوه وحيرم لطم‬
‫اخلد والصراخ ونتف الشعر ونشره ملا ورد عن ابن مسعود أن النيب ‪ r‬قال ‪ « :‬ليس منا من‬
‫ضرب اخلدود وشق اجليوب ودعا بدعوى اجلاهلية » ‪.‬‬
‫وجعا فغشي عليه ورأسه يف حجر امرأة من أهله ‪،‬‬ ‫وعن أيب بردة قال ‪ :‬وجع أبو موسى ً‬
‫فصاحت امرأة من أهله فلم يستطيع أن يرد عليها شيئًا فلما أفاق قال ‪ :‬أنا بريء ممن برئ‬
‫منه رسول اهلل ‪ r‬فإن رسول اهلل ‪ r‬برئ من الصالقة واحلالقة والشاقة ‪.‬‬
‫وعن املغ رية بن ش عبة ق ال ‪ :‬مسعت رس ول اهلل ‪ r‬يق ول إنه ‪ « :‬من ينح عليه يع ذب مبا‬
‫نيح عليه » ‪ .‬ويف ص حيح البخ اري عن النعم ان بن بشري ق ال ‪ :‬أغمى على عبد اهلل بن‬
‫رواحة فجعلت أخته عم رة تبكي واجباله واك ذا واك ذا تع دد عليه ‪ .‬فق ال حني أف اق ‪ :‬ما‬
‫قلت شيئًا إال قيل أنت كذلك فلما مات مل تبك عليه ‪.‬‬
‫وعن أيب موسى أن النيب ‪ r‬ق ال ‪ « :‬امليت يع ذب ببك اء احلي إذا ق الت النائحة ‪ :‬وا‬
‫عضداه وا ناصراه وا اكسياه جبذ امليت وقيل له ‪ :‬أنت عضدها أنت ناصرها أنت كاسيها‬
‫» ‪ .‬رواه أمحد ‪.‬‬
‫طعاما يبعث به إليهم ويكره هلم فعله للناس ملا ورد عن عبد‬ ‫وسن أن يصلح ألهل امليت ً‬
‫طعاما فقد‬
‫اهلل بن جعفر قال ‪ :‬ملا جاء نعي أيب حني قتل قال النيب ‪ « : r‬اصنعوا آلل جعفر ً‬
‫أتاهم ما يشغلهم » ‪ .‬رواه اخلمسة إال النسائي قال الزبري ‪ :‬فعمدت سلمى موالة النيب ‪ r‬إىل‬
‫شعري وأدمته بزيت جعل عليه وبعثت به إليهم ‪.‬‬
‫ويروى عن عبد اهلل بن أيب بكر أنه قال ‪ :‬فما زالت السنة فينا حىت تركها‬

‫‪373‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫حاضرا أو غائبًا وأتاهم نعيه وينوى فعل ذلك ألهل امليت ال ملن جيتمع عندهم فيكره ألنه إعانة على مكروه‬
‫ً‬ ‫من تركها وسواء كان امليت‬
‫وهو اجتماع الناس عند أهل امليت نقل املروزي عن أمحد هو من أفعال اجلاهلية ‪.‬‬

‫الدْنَيا َو َما ِه َي َد َار ُه‬ ‫َوَي ْغَتُّر بِ ُّ‬ ‫ش َو ُهَو ُمبِي ُد ُه‬ ‫سُّر الَْفَتى بِال َْعْي ِ‬
‫يَ ُ‬
‫و ِفي ِعب ِر األَيَّ ِام لِلْمرِء و ِ‬
‫ره َوا ْعتَِب ُار ُه‬ ‫ص َّح ِف َيها ِف ْك ُ‬ ‫إِ َذا َ‬ ‫ظ‬
‫اع ٌ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ َ‬
‫ص ُح َش ْي ٍء لَْيَلهُ َوَن َه ُار ُه‬ ‫فَأَ ْف ِ‬ ‫ص ِامًتا‬‫الد ْه ِر َ‬ ‫فَال تَ ْح َسَب َّن يَا َغ ِاف َل َّ‬
‫يك َع ْن َج ْه ِر ال َْمَق ِال ِسَر ُار ُه‬ ‫اج ِاة َّ‬ ‫ِ‬
‫َسُي ْغنِ َ‬ ‫الزماَ ِن فَِإنَّهُ‬ ‫اص ِخ ل ُمَن َ‬
‫ْ‬
‫ت ِديَا ِر ِه‬ ‫أبيحت َمغَانِيهُ َوأَقَْو ُ‬
‫ْ‬ ‫ْسا فَ ُكلُّ ُه ُم‬ ‫ين َكأ ً‬
‫ِ‬
‫أ ََد َار َعَلى ال َْماض َ‬
‫اف الَْقَنا َوا ْشتِ َجا ِر ِه‬ ‫َتَناوش أَطْر ِ‬ ‫أس ِه ْم‬ ‫ولْم يح ِم ِهم ِمن أَ ْن يس ُقوا بِ َك ِ‬
‫ُ ْ َ‬ ‫َ ْ َْ ْ ْ َْ‬
‫اللهم ن ور قلوبنا بن ور اإلميان ووفقنا حملبتك وحمبة من حيبك وأهلمنا ذك رك وش كرك‬
‫واجعلنا من عبادك الصاحلني واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني برمحتك يا أرحم الرامحني‬
‫‪ .‬وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫صٌل)‬
‫( َف ْ‬
‫وجيوز البكاء على امليت ملا ورد عن أنس رضي اهلل عنه قال ‪ :‬شهدت بنتًا للنيب ‪ r‬تدفن‬
‫ورسول اهلل ‪ r‬جالس عند القرب فرأيت عينيه تدمعان ‪ .‬رواه البخاري ‪.‬‬
‫وعن ابن عمر قال ‪ :‬اشتكى سعد بن عبادة شكوى له فأتاه رسول اهلل ‪ r‬يعوده مع عبد‬
‫الرمحن بن عوف وسعد بن أيب وقاص وعبد اهلل بن مسعود ‪.‬‬
‫فلما دخل عليه وج ده يف غش ية فق ال ‪ « :‬قد قضي » ‪ .‬فق الوا ‪ :‬ال يا رس ول اهلل ‪r‬‬
‫فبكى رسول اهلل ‪ ، r‬فلما رأى القوم بكاءه بكوا فقال ‪ « :‬أال تستمعون إن اهلل ال يعذب‬
‫بدمع العني وال حبزن القلب ولكن يعذب هبذا أو يرحم » ‪ .‬وأشار إىل لسانه ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬

‫‪374‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وأخبار النهي حممولة على بكاء معه ندب أو نياحة ‪ .‬وعن أسامة بن زيد قال ‪ :‬كنا عند‬
‫النيب ‪ r‬فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وختربه أن صبيًا هلا يف املوت ‪.‬‬
‫فقال رسول اهلل ‪ « : r‬ارجع إليها فأخربها أن هلل ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده‬
‫بأجل مسمى فمرها فلتصرب وحتتسب » ‪ .‬فعاد الرسول فقال ‪ :‬إهنا أقسمت لتأتينها ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فقام النيب ‪ r‬وقام سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل قال ‪ :‬فانطلقت معهم فرفع إليه‬
‫الصيب ونفسه تقعقع كأهنا يف شنة ففاضت عيناه فقال سعد ‪ :‬ما هذا يا رسول اهلل ؟ قال ‪:‬‬
‫« هذه رمحة جعلها اهلل يف قلوب عباده وإمنا يرحم اهلل من عباده الرمحاء » ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬

‫اح ُم ْحَت ِر ًما‬


‫صِ‬ ‫اف الَْو َرى يَا َ‬
‫فَارحم ِ‬
‫ض َع َ‬ ‫َْْ‬ ‫ت َت ْر ُجو ِم َن َّ‬
‫الر ْح َم ِن َر ْح َمتُهُ‬ ‫إِ ْن ُكْن َ‬
‫ِ ٍِ‬ ‫اهلل َخالُِقَنا‬
‫ك و ْجه ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َّس َما‬
‫ُسْب َحانَهُ م ْن إلَه قَ ْد َبَرى الن َ‬ ‫َوأَقْص ْد بْ َذل َ َ‬
‫الر ْح َم ُن ِم ْن َر ِح َما‬
‫فَِإنَّ َما َي ْر َح ُم َّ‬ ‫الك َر ْحمته‬ ‫ك ِم ْن َم ْو َ‬
‫ب بِ َذلِ َ‬
‫َواطْلُ ْ‬
‫آخر‪:‬‬
‫َفلَْت ْح ِم َد َّن َمغَبَّ َة َّ‬
‫الصْب ِر‬ ‫ث تَ ْج ِري‬ ‫اصبِر لِمر حو ِاد ٍ‬
‫ْ ْ ُّ ََ‬
‫ِ ِ‬
‫ضل ُّ‬
‫الذ ْخ ِر‬ ‫َوا ْذ َخ ْر لَي ْوم َتَفا ُ َ‬ ‫ك َقْب َل َمْيَتتِ َها‬ ‫واج َه ْد لَِن ْف ِس َ‬
‫ْ‬
‫الص ْد َر‬
‫ِج َّ‬ ‫ت ُم َح ْشر َ‬ ‫تَ ْس َم ْع َوأَنْ َ‬ ‫ك قَ ْد َد َع ْو َك َفَل ْم‬ ‫َن أ َْهَل َ‬‫فَ َكأ َّ‬
‫ت ال تَ ْد ِري‬ ‫الس ِري ِر َوأَنْ َ‬
‫ظَ ْه ِر َّ‬ ‫وك َعَلى‬ ‫َو َكأََّن ُه ُم قَ ْد َقلَّبُ َ‬
‫َيَتَز َّو ُد ال َْه ْل َكى ِم َن ال ِْعطْ ِر‬ ‫َو َكأََّن ُه ْم قَ ْد َز َو ُد َو َك بِ َما‬
‫ْت بِالْ َكافُو ِر َو ِّ‬
‫الس ْد ِر‬ ‫غُ ِسل َ‬ ‫ت ِإ َذا‬ ‫ف أَنْ َ‬ ‫ت ِش ْع ِري َكْي َ‬ ‫يَا لَْي َ‬
‫يح َوظُل َْم ِة الَْقْب ِر‬ ‫الض ِر ِ‬
‫ش َّ‬ ‫َنْب ِ‬ ‫ت َعَلى‬ ‫ف أَنْ َ‬ ‫ت ِش ْع ِري َكْي َ‬ ‫أ َْو لَْي َ‬
‫ْح ْش ِر‬ ‫ْكَتاب صبِ ِ‬ ‫ضع ال ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول إِ َذا‬ ‫ت ِش ْع ِري َما أَقُ ُ‬
‫يحة ال َ‬ ‫َ َ‬ ‫َو َ‬ ‫يَا لَْي َ‬
‫ِعل ٍْم َو َم ْع ِرفٍَة َو َما ُع ْذ ِري‬ ‫ت َعَلى‬ ‫يما أََتْي ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫َما ُح َّجتي ف َ‬

‫‪375‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ات ِم ْن ُع ْم ِري‬‫َسِفي َعلَى َما فَ َ‬ ‫يَا َس ْوأَتَا ِم َّما ا ْكَت َسْب ُ‬


‫ج‬

‫أَ‬ ‫ت َويَا‬
‫ت ِم ْن أ َْم ِري‬
‫اسَت ْدَب ْر ُ‬
‫َما ْ‬ ‫ْت‬ ‫ْت َشأْنِي فَ ْ‬
‫اسَت ْقَبل ُ‬ ‫أَال أَ ُكو ُن َعِقل ُ‬

‫اللهم ثبت قلوبنا على دينك وأهلمنا ذكرك وشكرك واختم لنا خبامتة السعادة واغفر لنا‬
‫ولوال دينا ومجيع املس لمني برمحتك يا أرحم ال رامحني ‪ .‬وص لى اهلل على حممد وعلى آله‬
‫وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫صٌل )‬
‫( َف ْ‬
‫وملا ثقل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم جعل يتغشاه الكرب فقالت ‪ :‬فاطمة رضي اهلل‬
‫عنها ‪ :‬واك رب أبت اه ‪ .‬فق ال ‪ « :‬ليس على أبيك ك رب بعد الي وم » ‪ .‬فلما م ات ص لى اهلل‬
‫عليه وسلم قالت ‪ :‬يا أبتاه أجاب رب دعاه يا أبتاه جنة الفردوس مأواه يا أبتاه إىل جربيل‬
‫ننعاه ‪.‬‬
‫فلما دفن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ق الت ‪ :‬فاطمة رضي اهلل عنها ‪ :‬يا أنس‬
‫أطابت أنفسكم أن حتثوا على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم الرتاب ‪.‬‬
‫نائما عند ابنه خارجة بالس نخ ج اء حىت‬ ‫وملا بلغت أبا بكر وف اة رس ول اهلل ‪ r‬وك ان ً‬
‫دخل على رس ول اهلل ‪ r‬فكشف عن وجهه ووضع فمه بني عينيه ووضع يديه على ص دغيه‬
‫وقال ‪ :‬وانبياه واخلياله واصفياه وخنقه البكاء مث خرج للناس وعمر يكلمهم فقال ‪ :‬اجلس‬
‫يا عمر ‪ .‬قال أبو بكر أما بعد ‪:‬‬
‫حممدا قد مات ‪ ،‬ومن كان يعبد اهلل فإن اهلل حي ال ميوت ‪.‬‬ ‫حممدا فإن ً‬ ‫من كان يعبد ً‬
‫ول قَ ْد خلَت ِمن َقب ِ‬
‫تِل ان َقلَْبتُ ْم‬ ‫الر ُس ُل أَفَ ِإن َّم َ‬
‫ات أ َْو قُ َ‬ ‫لِه ُّ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ق ال اهلل تع اىل ﴿ َو َما حُمَ َّم ٌد إِالَّ َر ُس ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ﴾ ‪.‬‬‫ضَّر اللّهَ َشْيئاً َو َسيَ ْج ِزي اللّهُ الشَّاك ِر َ‬
‫ب َعلَ َى َعقَبْيه َفلَن يَ ُ‬ ‫َعلَى أ َْع َقاب ُك ْم َو َمن يَن َقل ْ‬
‫بشرا من الناس إال يتلوها‬ ‫قال ‪ :‬فواهلل لكأن الناس مل يعلموا أن اهلل أنزل هذه اآلية حىت تالها أبو بكر فتالها منه الناس كلهم فما أمسع ً‬
‫ث‬ ‫ِ‬
‫‪ .‬ويق ول حافظ إب راهيم يف عمر ح ول ه ذه اآلية وبيعة أيب بكر وإس راع عمر رضي اهلل عنه يف مبايعة أيب بكر ي وم الس قيفة َولَ ِّمه َش َع َ‬
‫املسلمني عند االختالف ‪.‬‬

‫ت‬
‫صطََفى ا ْفَتَرقَ ْ‬
‫ك َب ْعد ال ُْم ْ‬ ‫ومو ِق ٍ‬
‫ف لَ َ‬ ‫َ َْ‬

‫‪376‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫اب َه ِاد َيها‬ ‫ِف ِيه َّ‬


‫الص َحابَةُ لَ َّما َغ َ‬
‫ت ِف ِيه أَبَا بَ ْك ٍر َفَب َاي ُعهُ‬
‫بَ َاي ْع ُ‬
‫اص َيها َو َدانِ َيها‬ ‫ْخالفَِة قَ ِ‬ ‫َعَلى ال ِ‬
‫ت)‬ ‫ت ِفْتَنة لَْوال إِلَهُ َغ ّش ْ‬ ‫( َوأَطَْفْئ ُ‬
‫اع َيها‬‫ت أَفَ ِ‬ ‫َبْين الَْقَبائِل َوانْ َسابَ ْ‬ ‫(‬
‫ات النَّبِ ُي ُم َس َّجى ِفي َح ِظَي ِرتِِه‬ ‫بَ َ‬
‫َح َش ِاء َد ِام َيها‬ ‫ت ُم ْسَتعر األ ْ‬ ‫َوأَنْ َ‬
‫ش‬‫َّاس ِفي َد َه ٍ‬ ‫يج الن ِ‬ ‫يم َبْي َن َع ِج ِ‬‫تَِه ُ‬
‫ض َسا ِرَي َها‬‫ِم ْن َنَبأة قَ ْد َسَرى ِفي األ َْر ِ‬
‫ت‬‫ضْ‬ ‫صطََفى قُبِ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ِ‬
‫يح م ْن قَال َن ْفس ال ُْم ْ‬ ‫تَ ُ‬
‫ف أَبْ ِر َيها‬‫السْي ِ‬
‫ت َه َامَتهُ بِ َّ‬ ‫َعَل ْو َ‬
‫ك طَ َه أَنَّهُ بَ َشٌر‬ ‫اك ُحبُّ َ‬ ‫أَنْ َس َ‬
‫يَ ْج ِري َعَلْي ِه ُش ُؤو َن الْ َك ْو ِن ُم ْج ِر َيها‬
‫َوأَنَّهُ َوا ِر ٌد ال بُ َّد َم ْو ِر َدهُ‬
‫ِم َن ال َْمنِيَِّة ال َي ْعِف ِيه َس ِاق َيها‬
‫ت‬‫يت ِفي َح ِّق طَ َه آيًَة َنَزلَ ْ‬ ‫نَ ِس َ‬
‫اس َيها‬ ‫ات نَ ِ‬
‫وقَ ْد ي َّذ َكر بِاآلي ِ‬
‫َ ُ ُ َ‬

‫‪377‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ت ِفْتَن ًة َع َم ٌم‬
‫ْت َي ْو ًما فَ َكانَ ْ‬
‫َذ َهل ُ‬
‫ت َدي ِ‬
‫اج َيها‬ ‫اب ُر ْش ُد َك فَانْ َجابَ ْ َ‬ ‫َوثَ َ‬
‫ت ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫صاحبُهُ‬ ‫فَل َسقي َفة َي ْو ًما أَنْ َ َ‬
‫ت أَو ِ‬
‫اس َيها‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫فيه الْخالفَة قَ ْد شي َد ْ َ‬
‫س َكًفا َكي َتَن َاولَ َها‬ ‫ت لَ َها األ َْو ُ‬ ‫َم َّد ْ‬
‫ج األَيْ ِدي ُتَبا ِر َيها‬ ‫ِ‬
‫فَ َم َّدت الْ َخ ْز َر ُ‬
‫َن ص ِ‬
‫احَب ُه ْم‬ ‫َوظَ َّن ُك ُّل فَ ِر ٍيق أ َّ َ‬
‫الش ْحَناء آتِ َيها‬ ‫أ َْولَى بَِها َوأَتَى َّ‬
‫ت لَ ُه ْم فَ ْارتَ َّد طَ ِام ُع ُه ْم‬
‫َحَتى اْنَبَر ْ‬
‫اخ َيها‬‫عنها وآ َخى أَبو ب ْك ٍر أَو ِ‬
‫ُ َ َ‬ ‫ََ َ َ‬
‫َو َق ْولُهُ لَِعِل ٍّي قَالَ َها ُع َم ُر‬
‫أَ ْك ِر ْم بِ َس ِام ِع َها أَ ْع ِظ ْم بِ ُملِْق َيها‬
‫ك بَِها‬ ‫ْت َد َار َك ال أُبِْقي َعلَْي َ‬ ‫َحَّرق َ‬
‫صطََفى ِف َيها‬ ‫إِ ْن لَ ْم ُتَبايِ ْع َوبِْنت ال ُْم ْ‬
‫وه بَِها‬ ‫ص َيُف ُ‬ ‫َما َكا َن غَْيُر أَبِي َحْف ٍ‬
‫ان َو َح ِام َيها‬ ‫س َع ْدنَ ٍ‬ ‫أ ََم َام فَا ِر ِ‬
‫ْح ِّق َع ْز َمتُهُ‬
‫يل ال َ‬ ‫اله َما ِفي َسبِ ِ‬ ‫ك ُ‬
‫ِ‬
‫ْح ُّق ثَانِ َيها‬‫ال َتْنثَني أ َْو يَ ُكو ُن ال َ‬
‫ِ‬
‫اللهم أعطنا من اخلري فوق ما نرجو واصرف عنا من السوء فوق ما حنذر ‪ .‬اللهم علق قلوبنا‬
‫برجائك واقطع رجاءنا عمن سواك ‪ .‬اللهم إنك تعلم عيوبنا فاس رتها وتعلم حاجتنا فاقضها‬
‫كفى بك وليًا وكفى بك نص ًريا يا رب الع املني ‪ .‬اللهم وفقنا لس لوك س بيل عب ادك األخي ار‬
‫واغفر لنا‬

‫‪378‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ولوال دينا وجلميع املس لمني األحي اء منهم واملي تني برمحتك يا أرحم ال رامحني وص لى اهلل على‬ ‫جج‬

‫حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬


‫موعظة‬
‫عباد اهلل إن القلوب إذا قست واستوىل عليها حب الدنيا دواؤها النافع بإذن اهلل ذكر اهلل‬
‫جل وعال وتالوة كتابه العزيز وزيارة املقابر لرتى فيها بعينك ما صار أليه األكابر واألصاغر‬
‫ترى فيها امللوك والوزراء والوجهاء واجلبابرة والظلمة واملتكربين والفسقة صرعى يف ضيق‬
‫تلك احلفائر وقد كانت الدنيا على سعتها تضيق عما هلم من آمال وأماين ‪.‬‬
‫وت رى هن اك أحب اء اهلل وأولي اءه وعب اده الص احلني الكل حكم عليه العزيز احلكيم القه ار‬
‫ردا ال أنس له إال ما قدمه من األعم ال‬ ‫ب املوت فلب وا ط ائعني أو مك رهني وأص بح الكل منف ً‬
‫ف املطيع هلل ال ذي امتثل ما أمر اهلل به وانتهى عما هنى اهلل عنه يف روضة من ري اض اجلنة‬
‫وعنده عمله الصاحل ‪.‬‬
‫كالما تقطع له القلوب حسرات يقول ‪ :‬إن احلكم العدل‬ ‫وأما اآلخر فلو أنطقه اهلل لقال لك ً‬
‫جازاين مبا استحق وإين بعذاب ال حتتمله اجلبال الراسيات وإين مستحق لذلك ألين اغرترت‬
‫بال دنيا وزخارفها فلم اعبأ ب أوامر ريب وال نواهيه واقتحمت املوبق ات ل ذا ص رت إىل ما لو‬
‫رأيته لصعقت وذهلت وغشي عليك ‪ ،‬وملئت رعبًا واشتعل شعرك شيبًا ومل تنتفع بعد قوله‬
‫أعظما غري متماس كة وأوص االً‬ ‫بأكل وش رب ورأيت أح داقًا على اخلدود س ائلة ‪ ،‬ورأيت ً‬
‫متقطعة ورأيت مجامجًا قد عالها الدود‬

‫‪379‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫رميما ورأيت الص ديد والقيح‬


‫جمتمعا متفرقًا ً‬
‫واخلش اش كأهنا األن ابيب ‪ ،‬ورأيت ما ك ان ً‬
‫جيري فيا له من منظر ما أفزعه ويا له من سفر ما أطوله ‪.‬‬
‫والعجب ممن ي زور القب ور ويس مع ذلك ويص دق به ويأكل ويش رب وين ام مطمئنًا ما كأنه‬
‫سيساكنهم عن قريب ‪ ،‬ماتت القلوب فأصبحت ال تنتفع بالوعظ والتذكري وال بزاجر املوت‬
‫وهو أبلغ زاجر لألحي اء ‪ ،‬ف زر يا أخي القب ور معت ًربا وانتبه من ه ذه الغفلة ‪ ،‬املوت مهما مد‬
‫يف عمرك البد أن يأتيك فكن منه على حذر فإنه ال يؤمن أن يفجأك وأنت سارح يف أودية‬
‫الدنيا ‪ .‬وما أكثر موت الفجأة يف زمننا بواسطة السيارات والقز والكهرباء والطائرات وحنو‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫وم َعلَْيَنا لِل َْمَنايَا َحَوائِ ُم‬ ‫ِ‬
‫ش ْع ًرا ‪ :‬تَ ُح ُ‬
‫ْح َم ُام َح َمائِ َم‬ ‫وب َوال َ‬ ‫َكأَنَّا ُحبُ ُ‬
‫صائِ ٍد‬ ‫ولَم أَر َك ًّ ِ‬
‫الدْنَيا حَبالَة َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫اكها والضَّر ِ‬
‫اغ ُم‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫(‬
‫َتَرى الن َّْم َل في إ ْشَر َ َ َ‬
‫ت ِمْنهُ الَْب َهائِ ُم ِعل َْمَنا‬ ‫َولَْو َعِل َم ْ‬
‫ون الَْب َهائِ ُم‬ ‫ت َخوف الْمنُ ِ‬
‫َ‬ ‫إِ َذا َهَزلَ ْ ْ‬
‫اك ُمَبايِ ٌن‬‫ت َذا لِ َذ َ‬ ‫َحَياةٌ َو َم ْو ٌ‬
‫الز ُم‬
‫ات تَ ُ‬ ‫وبْيَن ُهما لِلنَّائِب ِ‬
‫ََ َ َ‬
‫احبِي َر ِاف ْق َر ِفي ًقا يَ َمانِيًّا‬ ‫َفيا ص ِ‬
‫َ َ‬
‫الش ِامي َشائِ ُم‬ ‫ك لِلَْب ْر ِق َّ‬ ‫فَِإنَّ َ‬
‫ص َحابَهُ‬ ‫التَقا و ِ‬
‫اك ُّ َ‬ ‫َونَ ِاد ْم نَ َد َام َ‬
‫ك َي ْو ًما لِل َْمَنايِا ُمَن ِاد ُم‬ ‫فَِإنَّ َ‬

‫‪380‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫آخر‪:‬‬
‫ك بِ ْغَت ًة‬‫اح َذ ْر أَ ْن يَ ِج َيئ َ‬
‫ت فَ ْ‬
‫ُهَو ال َْم ْو ُ‬
‫ٍ‬
‫وء ِمن الِْفع ِل َع ِ‬
‫ف‬‫اك ُ‬ ‫ت َعلَى ُس َ ْ‬ ‫َوأَنْ َ‬
‫اك أَ ْن َتْتَر َك ِم َن َّ‬
‫الد ْه ِر َس َ‬
‫اع ًة‬ ‫َوإِيَّ َ‬
‫كوِ‬
‫ف‬‫اج ُ‬ ‫َوال لَ ْحظَ ًة إِال َو َقلْبُ َ َ‬
‫سُّر َك أَ ْن َتَر َى‬ ‫ِ ِ ٍ‬
‫َوبَاد ْر بأَ ْع َمال يَ ُ‬
‫الص َحائِ ُ‬
‫ف‬ ‫اب َّ‬ ‫ِ‬ ‫إِ َذا نُ ِشَر ْ‬
‫ت َي ْو َم الْح َس ْ‬
‫آخر ‪:‬‬

‫اء إِال ُمَؤدِّبًا‬ ‫ِ‬


‫اح َج َ‬ ‫صَب ٍ‬
‫فَ َما م ْن َ‬
‫صائُِر‬ ‫أل َْه ِل الْع ُق ِ ِ ِ‬
‫ول النَّاف َذات الَْب َ‬ ‫ُ‬
‫ت َب ْع َد َها‬ ‫أُبِي َد ْ‬
‫ت ُق ُرو ُن َقْب ُل قَ ْد ُكْن َ‬
‫ون األَص ِ‬
‫اغ ُر‬ ‫ت َعَلى لَ ْه ِو الْ ُقر ِ‬ ‫َوأَنْ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫يما َولَ ْم تَ ُك ْن‬ ‫ِ ِ‬ ‫َكأَنَّ َ‬
‫ك لَ ْم تَ ْدف ْن َحم ً‬
‫ت يوما بِح ِ‬
‫اضرِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫لَهُ في حَياظ ال َْم ْو َ ْ ً َ‬
‫ِ‬
‫ك لِل َْهَوى‬ ‫يت لَظَى ِعْن َد ْارت َكابِ َ‬
‫نَ ِس َ‬
‫س ال َْهو ِ‬
‫اج ِر‬ ‫ت ُتَوقَّى َحَّر َش ْم ِ َ‬ ‫َوأَنْ َ‬
‫آخر‪:‬‬
‫ْجَن ِاد ُل َو َّ‬
‫الص ِعي ُد‬ ‫ك ال َ‬ ‫َو َو َارتْ َ‬ ‫ْت َع ِن ال َْمَبانِي‬ ‫ك قَ ْد َر ِحل َ‬ ‫َكأَنَّ َ‬
‫ك ِمْنهُ ِفي ُّ‬
‫الدْنَيا بَِعي ُد‬ ‫َ(و ُق ْربُ َ‬ ‫يب َفلَ ْم تُ ِجْبهُ‬
‫ْحب ُ‬
‫اداك ال َ ِ‬ ‫َونَ َ‬
‫َ(و َعطَّ َل بعداك القصر المشيد‬ ‫وع َن ْهًبا‬‫ك ال َْم ْج ُم ُ‬ ‫َصَب َح َمالُ ُ‬ ‫َوأ ْ‬
‫(‬
‫ْج ِدي ُد‬
‫ك الَْب َع ُل ال َ‬‫َ(و َعانَ َق ِع ْر َس َ‬ ‫وك أَْيَتاما ِ‬
‫صغَ ًارا‬ ‫ص َار َبنُ َ ً‬ ‫َو َ‬
‫(‬
‫ك أ َْم َس ِعي ُد‬ ‫ت ويْح ِ‬ ‫(ِ‬ ‫ت تَ ْد ِري‬ ‫َ(وأَ ْكَبَر ِمْنهُ أَنَّ َ‬
‫َشق ٌي أَنْ َ َ َ‬ ‫ك لَ ْس َ‬
‫(‬ ‫(‬

‫‪381‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫اللهم اجعلنا من املتقني األبرار واسكنا معهم يف دار القرار ‪ .‬اللهم وفقنا حبسن اإلقبال عليك‬
‫واإلصغاء إليك ووفقنا للتعاون يف طاعتك واملبادرة إىل خدمتك وحسن اآلداب يف معاملتك‬
‫والتسليم ألمرك والرضا بقضائك والصرب على بالئك والشكر لنعمائك ‪ ،‬واغفر لنا ولوالدينا‬
‫وجلميع املس لمني األحي اء منهم واملي تني برمحتك يا أرحم ال رامحني ‪ .‬وص لى اهلل على حممد‬
‫وآله أمجعني ‪.‬‬

‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫وروي أنه ملا قبض أبو بكر رضي اهلل عنه وس جي عليه ارجتت املدينة بالبك اء فج اء علي بن‬
‫مسرتجعا حىت وقف على البيت الذي فيه أبو بكر ‪.‬‬‫ً‬ ‫أيب طالب رضي اهلل عنه مستعجالً‬
‫فقال ‪ :‬رمحك اهلل يا أبا بكر فلقد كنت ألف رسول صلى اهلل عليه وسلم وأنيسه ومسرتاحه‬
‫إسالما وأخلصهم إميانًا وأشدهم هلل يقينًا وأخوفهم‬
‫ً‬ ‫وثقته وموضع سره ‪ ،‬وكنت أول القوم‬
‫هلل وأعظمهم غناء يف دين اهلل عز وجل وأحوطهم على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫وأحس نهم ص حبة وأك ثرهم من اقب وأفض لهم س واب ًقا وأرفعهم درجة وأش بههم برس ول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وس لم ُخلًُقا وفض الً وه ديًا ومستًا وأك رمهم عليه فجزاك اهلل عن رسوله وعن‬
‫خريا ‪.‬‬
‫اإلسالم واملسلمني ً‬
‫ت رسول اهلل حني كذبه الناس وواسيته حني خبلوا وقمت معه حني قعدوا وكنت‬ ‫ص َّدقْ َ‬
‫َ‬
‫َّق‬
‫صد َ‬ ‫عنده مبنزله السمع والبصر ومساك اهلل يف كتابه صدي ًقا فقال ﴿ والَّ ِذي ج اء بِ ِّ ِ‬
‫الص ْدق َو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫بِِه ﴾ ‪.‬‬
‫وصحبته يف الشدة أكرم صحبة ثاين اثنني وصاحبه يف الغار واملنزل عليه السكينة ورفيقه‬
‫يف اهلجرة ‪.‬‬

‫‪382‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وخلفته يف دين اهلل وأمته أحسن اخلالفة حني ارت دوا فقمت ب األمر ما مل يقم به خليفة نيب‬
‫هنضت حني وهن أصحابه وبرزت حني استكانوا وقويت حني ضعفوا ‪.‬‬
‫ول زمت منه اج رسول اهلل صلى اهلل عليه وس لم كنت خليفة رس ول اهلل ح ًقا لن تنازع ولن‬
‫تض ارع ب رغم املن افقني وكبت احلاس دين قمت ب األمر حني فش لوا واتبع وك فه دوا كنت‬
‫نفس ا وأش رفهم‬
‫كالما وأص دقهم منط ًقا وأبلغهم ق والً وأش جعهم ً‬
‫أخفض هم ص وتًا وأقلهم ً‬
‫عمالً ‪.‬‬
‫رحيما حني ص اروا عليك عي االً ‪ ،‬محلت أثق ال ما عنه ض عفوا ‪ ،‬ورعيت ما‬ ‫كنت للمؤم نني ً‬
‫أمهل وا ‪ ،‬وعلمت ما جهل وا ‪ ،‬وص ربت إذا جزع وا ورجع وا برأيك رش دهم فظف روا ون الوا‬
‫برأيك ما مل حيتسبوا ‪.‬‬
‫كنت كما ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم أمن الن اس عليه يف ص حبتك وذات ي دك‬
‫عظيما عند‬
‫وكنت كما ق ال ض عي ًفا يف ب دنك قويًا يف أمر اهلل عز وجل متواض ًعا يف نفسك ً‬
‫اهلل عز وجل جليالً يف أعني الن اس كب ًريا يف أنفس هم ‪ ،‬مل يكن ألحد فيك مغمز وال لقائل‬
‫فيك مهمز ‪ ،‬الض عيف ال ذليل عن دك ق وي عزيز حىت تأخذ حبقه ‪ ،‬الق ريب والبعيد عن دك‬
‫سواء ‪.‬‬
‫وأقرب الناس عندك أطوعهم هلل وأتقاهم ‪ ،‬شأنك احلق وبالصدق والرفق اعتدل بك الدين‬
‫ديدا رض ينا عن اهلل‬
‫وق وي بك اإلميان فس بقت واهلل س ب ًقا بعيد واتعبت من بع دك إتعابًا ش ً‬
‫قضاءه وقدره وسلمنا له أمره ‪.‬‬
‫واهلل لن يصاب املسلمون بعد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬

‫‪383‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫رزا وكه ًفا فأحلقك اهلل بنبيك ص لى اهلل عليه وس لم وال‬


‫مبثلك أب ًدا ‪ ،‬كنت لل دين ع ًزا وح ً‬
‫حرمنا أجرك وال أضلنا بعدك ‪ .‬فسكت الناس حىت قضى كالمه مث بكوا حىت علت أصواهتم‬
‫‪ .‬وقالوا ‪ :‬صدقت يا خنت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وملا مرض أبو بكر رضي اهلل عنه‬
‫لما ألمر اهلل تع اىل فع اده الص حابة رضي اهلل عنهم فق الوا ‪ :‬أال ن دعوا لك‬
‫ت رك التطبب تس ً‬
‫طبيبًا ينظر إليك فقال ‪ :‬نظر إيل ‪ .‬قالوا ‪ :‬وما قال ؟ قال ‪ :‬إين فعال ملا أريد ‪ .‬واستخلف يف‬
‫مرضه عمر بن اخلطاب مبشاورة مجاعه من الصحابة ‪.‬‬
‫ِش ْعرًا‪:‬‬
‫ت فَا ْع َم ْل بِ ِج ٍّد أَُّي َها َّ‬
‫الر ُج ُل‬ ‫لِلْمو ِ‬
‫َْ‬
‫ك ِم ْن ُدْنَي َ‬
‫اك ُم ْرتَ ِح ِل‬ ‫َوا ْعلَ ْم بِأَنَّ َ‬
‫ب‬ ‫ت ِفي لَ ْه ٍو َو ِفي لَِع ٍ‬ ‫إِلِى َمَتى أَنْ َ‬
‫ات ُم ْشَت ِغ ُل‬ ‫صبِح ِفي الل َذ ِ‬ ‫ِ‬
‫تُ ْمسي َوتُ ْ ُ‬
‫ب‬‫ب ِفي ُكر ٍ‬ ‫الشْي ِ‬
‫ك يَا َذا َّ‬ ‫َكأَنَّنِي بِ َ‬
‫َ‬
‫َج ُل‬‫ك األ َ‬ ‫َبْي َن األ َِحبَِّة قَ ْد أ َْو َدى بِ َ‬
‫ص ِر ًيعا َبْيَن ُه ْم َجَز ُعوا‬‫لَ َّما َرأ َْو َك َ‬
‫الر ُج ُل‬
‫ضى َّ‬
‫وك َوقَالُوا قَ ْد َم َ‬ ‫َّع َ‬
‫َو َود ُ‬
‫ين ِفي َم َه ٍل‬ ‫فَا ْعمل لَِن ْف ِس َ ِ ِ‬
‫ك يَا م ْسك ُ‬ ‫َْ‬
‫ك الت ِّْذ َك ُار َوال َْع َم ُل‬
‫َما َد َام َيْنَف ُع َ‬
‫إِ َّن التَِّق َّي ِجَنا ُن الْ ُخل ِْد َم ْس َكنُهُ‬
‫ْحَل ُل‬
‫َّاج َوال ُ‬
‫ورا َعلَْي َها الت ُ‬
‫ال ُح ً‬
‫َيَن ُ‬

‫‪384‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ِ‬
‫ين بَِنا ٍر ال ُخ ُم َ‬
‫ج‬

‫ود لَ َها‬ ‫َوال ُْم ْج ِرم َ‬


‫ْت ِمن األَوقَ ِ‬
‫ات تَ ْشَت ِع ُل‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫في ُك ِّل َوق َ ْ‬
‫دارا مبأتيني ألف درهم فقيل‬‫روي أن عبيد اهلل بن عبد اهلل بن عتبة بن مس عود رمحه اهلل ب اع ً‬
‫له لو اختذت من ه ذا املال ذخ ًرا فق ال أنا أجعل ه ذا املال ذخ ًرا يل عند اهلل واجعل اهلل‬
‫سبحانه ذخرا لولدي مث تصدق باملال كله ‪.‬‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬

‫اء ِغطَاؤء‬
‫الس َخ َ‬
‫ب َو َّ‬ ‫أ ََرى ُك َّل َعْي ٍ‬ ‫الس َخا ِفِإنَّنِي‬
‫اب َّ‬ ‫ط بِأَْثَو ِ‬ ‫َتغَ َّ‬
‫ُيَزيِّ ُن َوَي ْز ِري بِالَْفَتى قناؤه‬ ‫ت ُحًّرا ِفِإنَّ َما‬ ‫َوقَا ِر ْن إِ َذا قَ َارنْ َ‬
‫َويَ ْسُت ُر ُه َعْن ُه ْم َج ِم ًيعا َس َخاؤه‬ ‫ب ال َْم ُر ِء ِفي الن ِ‬
‫َّاس بُ ْخَلهُ‬ ‫َويُظْ ِه ُر َعْي َ‬
‫آخر‪:‬‬
‫ين تَ ِزيد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َوقَائِلَةٌ َما بَ َ‬
‫َوأ َْمَوال ُك ّل ال َْعالَم َ‬ ‫صا‬
‫ال مالك نَاق ً‬
‫ِ‬ ‫ود بِ َما َحَو ْ‬
‫ود‬
‫س يَ ُج ُ‬ ‫ض الن ِ‬
‫َّاس لَْي َ‬ ‫يَدي َوَب ْع ُ‬ ‫ت‬ ‫ْت لَ َها إِنِّي أ ُ‬
‫َج ُ‬ ‫َف ُقل ُ‬
‫آخر‪:‬‬
‫الد ْم َدِم الَْبالِي‬
‫ول َّ‬‫ُص َ‬ ‫السْي ِل َي ْغ َشى أ ُ‬
‫َك َّ‬ ‫اح لَ ُه ْم‬‫ال َي ْغ َشى ِر َجاالً ال َس َم َ‬ ‫ال َْم ُ‬
‫ض ِفي ال ِ‬ ‫ال بَ َار َك اهلل َب ْع َد ال ِْع ْر ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ْمال‬ ‫َصو ُن ع ْرضي ب َمالي ال أ َُدنِّ ُ‬
‫سهُ‬ ‫أُ‬
‫ض إِ ْن أ َْو َدى بِ ُم ْحَت ٍال‬ ‫ت لِل ِْع ْر ِ‬
‫َولَ ْس ُ‬ ‫أَحت ُ ِ‬
‫ال لل َْم ِال ِإ ْن أ َْو َدى فَأَ ْك َسبُهُ‬ ‫َْ‬
‫ج اءت ام رأة إىل الليث بن س عد بإن اء ص غري تطلب منه عس الً وق الت ‪ :‬إن زوجي م ريض‬
‫صغريا فقال إمنا طلبت على قدرها وحنن‬
‫قدحا ً‬
‫فأمر هلا بقربة مآلنة عسالً فقيل له إهنا طلبت ً‬
‫أعطيناها على قدرنا ‪ .‬وجاء رجل إىل سعيد بن العاص يسأله شيئًا فأمر له خبمسمائة وأطلقه‬
‫مستفهما من سعيد هذه دنانري أو درهم فقال سعيد ما أردت إال الدراهم ولكن‬
‫ً‬ ‫فقال الرجل‬
‫حيثما ت رددت أنت يف ذلك فغريها دن انري فجلس الرجل يبكي فق ال س عيد ‪ :‬ما يبكيك ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬أبكي على رجل مثلك ينزل حتت الرتاب ‪.‬‬

‫‪385‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫اللهم ثبت حمبتك يف قلوبنا وقوها وأهلمنا ذك رك وش كرك ويس رنا لليس رى وجنبنا العس رى‬
‫واغفر لنا لوال دينا وجلميع املس لمني برمحتك يا أرحم ال رامحني ‪ .‬وص لى اهلل على حممد وعلى‬
‫آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫وقال أبو بكر رضي اهلل عنه نعم الويل عمر أما أنه ال يقوى عليهم غريه ‪ ،‬وما هو خبري له أن‬
‫يلي أمر أمة حممد ص لى اهلل عليه وس لم إن عمر رآى لينًا فاش تد ولو ك ان واليًا لالن ألهل‬
‫اللني مث دعا بعثمان بن عفان رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫فق ال له ‪ :‬اكتب ه ذا ما عهد به أبو بكر بن أيب قحافة إىل املس لمني أما بعد ف إين قد‬
‫استخلفت عليكم مث أغمي عليه فكتب عثمان عمر بن اخلطاب ملا مسع منه قبل ذلك مث أفاق‬
‫أبو بكر فقال ‪ :‬اقرأ علي ما كتبت فقرأ عليه ذكر عمر فقال ‪ :‬جزاك اهلل عن اإلسالم وأهله‬
‫خريا ‪.‬‬
‫ً‬
‫مث رفع أبو بكر يديه فق ال ‪ :‬اللهم إين وليت خ ريهم ومل أرد ب ذلك إال ص الحهم وخفت‬
‫عليهم الفتنة وفعلت فيهم ما أنت أعلم وقد حض رين يف أم ري ما قد حضر فاجته دت هلم‬
‫وال رأي ووليت عليهم خ ريهم ‪ ،‬هو أق واهم عليهم وأحرص هم على رش دهم ومل أرد حماب اة‬
‫عمر وأنا خارج من الدنيا وداخل يف اآلخرة فاخلفين فيهم فهم عبادك ونواصيهم بيدك ‪.‬‬
‫أص لح هلم واليهم عمر ‪ ،‬واجعله من خلفائك الراش دين يتبع ه دي نبيه نيب الرمحة وه دى‬
‫الص احلني بع ده وأص لح له أمر رعيته ‪ ،‬وكتب هبذا العهد إىل أم راء األجن اد إين قد وليت‬
‫خريا‬
‫عليكم خريكم ومل آل نفسي وال املسلمني ً‬

‫‪386‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫مث دعا عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه فقال ‪ :‬إين مستخلفك على أصحاب رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم يا عمر إن هلل ح ًقا يف الليل ال يقبله يف النهار وح ًقا يف النهار ال يقبله يف الليل‬
‫وإهنا ال تقبل نافلة حىت ت ؤدى الفريضة وإمنا ثقلت م وازين من ثقلت موازينه ي وم القيامة‬
‫غدا أن يكون ثقيالً ‪.‬‬ ‫بأتباعهم احلق وثقله عليهم وحق مليزان ال يوضع فيه إال احلق ً‬
‫وإمنا خفت م وازين من خفت موازينه ي وم القيامة بإتب اعهم الباطل يف ال دنيا وخفته عليهم‬
‫وحق مليزان ال يوضع فيه إال الباطل أن يك ون خفي ًفا ‪ ،‬يا عمر إمنا ن زلت آية الرخ اء مع آية‬
‫الشدة وآية الشدة مع آية الرخاء ليكون املؤمن راغبًا راهبًا فال ترغب فتتمىن على اهلل فيها ما‬
‫ليس لك وال ترهب رهبة تلقى فيها ما بيدك ‪.‬‬
‫يا عمر إمنا ذكر اهلل أهل الن ار بأس وء أعم اهلم ورد عليهم ما ك ان من حسن ف إذا ذك رهتم‬
‫قلت إين ألرجو أن ال أكون من هؤالء ‪.‬‬
‫وإمنا ذكر اهلل أهل اجلنة بأحسن أعم اهلم ألنه جتاوز هلم ما ك ان من سيء ف إذا ذكرهتم قلت‬
‫أي عمل من أعم اهلم أعمل ف إن حفظت وص ييت فال يكن غ ائب أحب إليك من املوت ‪،‬‬
‫وهو نازل بك وإن ضيعت وصييت فال يكن غائب أكره إليك من املوت ولست تعجزه ‪.‬‬
‫وكان رضي اهلل عنه يقول ‪ :‬اعلموا عباد اهلل إن اهلل قد ارهتن حبقه أنفسكم وأخذ على ذلك‬
‫م واثيقكم واش رتى منكم القليل الف اين ب الكثري الب اقي وه ذا كت اب اهلل فيكم ال تفىن عجائبه‬
‫وال يطفئ نوره فصدقوا قوله واستنصحوا كتابه واستضيئوا منه ليوم الظلمة ‪.‬‬
‫وقالت أم املؤمنني عائشة رضي اهلل عنها ملا مرض أبو بكر مرضه‬

‫‪387‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ال ذي م ات فيه ق ال ‪ :‬انظ روا ما زاد يف م ايل منذ دخلت اإلم ارة ف ابعثوا به إىل اخلليفة من‬
‫بع دي فنظرنا ف إذا عبد ن ويب حيمل ص بيانه وإذا ناضج ك ان يس قي بس تانًا فبعثنامها إىل عمر‬
‫فبكى عمر ‪.‬‬
‫وق ال ‪ :‬رمحة اهلل على أيب بكر الص ديق رضي اهلل عنه وخطب الن اس فحمد اهلل وأثىن‬
‫عليه مث قال ‪ :‬إن أكيس الكيس التقوى فذكر احلديث وفيه فلما أصبح غدا إىل السوق فقال‬
‫له عمر رضي اهلل عنه ‪ :‬أين تريد ؟ قال ‪ :‬السوق قد جاءك ما يشغلك عن السوق ‪.‬‬
‫ق ال ‪ :‬س بحان اهلل يش غلين عن عي ايل ‪ .‬ق ال ‪ :‬نف رض ب املعروف ‪ .‬ق ال ‪ :‬ويح عمر إين‬
‫أخاف أن ال يسعين أن آكل من هذا املال شيئًا ‪ .‬قال ‪ :‬فانفق يف سنتني أخرى مثانية آالف‬
‫درهم ‪.‬‬
‫فلما حضره املوت قال ‪ :‬قد كنت قلت لعمر إين أخاف أن ال يسعين أن آكل من هذا‬
‫املال ش يئًا فغلبين ف إذا أنا مت فخ ذوا من م ايل مثانية آالف درهم وردوها يف بيت املال ق ال‬
‫شديدا ‪.‬‬
‫فلما أتى عمر قال ‪ :‬رحم اهلل أبا بكر لقد أتعب من بعده تعبًا ً‬
‫وأخ رج بن س عد عن أيب بكر بن حفص بن عمر ق ال ‪ :‬ج اءت عائشة رضي اهلل عنها إىل أيب بكر رضي اهلل عنه وهو يع اجل ما يع اجل‬
‫امليت ونفسه يف صدره فتمثلت هبذا البيت ‪:‬‬

‫لََع ْم ُر َك َما ُي ْغنِي الثََّر َاء َع ِن الَْفَتى‬


‫اق بَِها َّ‬
‫الص ْد ُر‬ ‫ض َ‬ ‫إِ َذا َح ْشَر َج ْ‬
‫ت َي ْو ًما َو َ‬
‫آخر‪:‬‬
‫ال‬
‫َّمةٌ َوال أ َْمَو ُ‬
‫َخْي ٌل ُمطَه َ‬ ‫ت لَ ْم ُتثْنِ َها‬
‫َوإِ َذا ال َْمنِيَّةُ أَقَْبَل ْ‬
‫فنظر إليها مث قال ‪ :‬ليس كذلك يا أم املؤمنني ولكن ‪:‬‬
‫ِ‬
‫نت ِمْنهُ حَتِ ُ‬
‫يد ﴾ إين كنت‬ ‫اءت َسكَْرةُ الْ َم ْو ِت بِاحْلَ ِّق َذل َ‬
‫ك َما ُك َ‬ ‫﴿ َو َج ْ‬

‫‪388‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫حنلتك حائطًا يف نفسي منه ش يئًا فرديه إىل املرياث ‪ .‬ق الت ‪ :‬نعم ‪ .‬فرددته ‪ .‬فق ال ‪ :‬إنا منذ‬
‫ولينا أمر املس لمني مل نأكل هلم دين ًارا وال درمهًا ولكننا قد أكلنا من ج ريش طع امهم يف‬
‫بطوننا ولبسنا من خشن ثياهبم على ظهورنا وليس عندي من يفء املسلمني قليل وال كثري إال‬
‫ه ذا العبد احلبشي وه ذا البعري الناضج وج رد ه ذه القطيفة ف إذا مت ف ابعثي هبن على عمر‬
‫وابرئي منهن ‪ .‬ففعلت ‪.‬‬
‫فلما جاء الرسول عمر بكى حىت جعلت دموعه تسيل يف األرض ويقول ‪ :‬رحم اهلل أبا‬
‫بكر لقد أتعب من بع ده رحم اهلل أبا بكر لقد أتعب من بع ده يا غالم ارفعهن ‪ .‬فق ال عبد‬
‫ال رمحن بن ع وف رضي اهلل عنه ‪ :‬س بحان اهلل تس لب عي ال أيب بكر حبش يًا وبع ًريا ناض ًحا‬
‫وجرد قطيفة مثن مخسة دراهم ‪.‬‬
‫حممدا صلى اهلل عليه‬
‫قال ‪ :‬فما تأمر ؟ قال ‪ :‬تردهن على عياله ‪ .‬فقال ‪ :‬ال والذي بعث ً‬
‫أبدا وال خرج أبو بكر منهن عند‬ ‫وسلم باحلق ‪ -:‬أو كما حلف ‪ -‬ال يكون هذا يف والييت ً‬
‫املوت وأردهن أنا على عياله ‪ ،‬املوت أقرب من ذلك‬
‫آخر‪:‬‬
‫َّص ْ ِ‬ ‫لَم يت ِ‬ ‫ال لِ َم ْن‬ ‫تِل َ‬
‫ف بِ َم َعالي َو ْ‬
‫صُف ُه ْم َر ُج ٌل‬ ‫َْ‬ ‫ال َو َغَب ٌن أَ ْن ُيَق ُ‬
‫الر َج ُ‬
‫ْك ِّ‬
‫واهلل أعلم ‪ .‬وصلى اهلل على نبينا حممد وعلى آله وصحبه سلم ‪.‬‬
‫موعظة‬
‫ابن آدم كأنك ب املوت وقد فج أك وأحلقت مبن قد س بقك من األمم ونقلك من الفلل‬
‫والعمائر إىل بيت الوحدة والوحشة والظلم ومن ذلك‬

‫‪389‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫إىل عس كر املوتى خميمة بني اخليم مفرقًا من مالك ما اجتمع ومن مشلك ما انتظم وليس لك‬
‫قدرة فتدفعه بكثرة األموال وال بقوة اخلدم وندمت على التفريط والت ساعة ندم ‪.‬‬
‫فيا عجبًا لعني تن ام وطالبها جمد يف طلبها مل ينم ‪ ،‬مىت حتذر مما توعد وهتدد ‪ ،‬ومىت‬
‫تضرم نار اخلوف يف قلبك وتتوقد ‪ ،‬إىل مىت حسناتك تضمحل وسيئاتك تتجدد ‪ ،‬وإىل مىت‬
‫يوما‬
‫ال يهو لك زج ًرا الواعظ وإن ش دد وإىل مىت وأنت بني الفت ور والت واين ت ردد مىت حتذر ً‬
‫تنطق فيه اجللود وتشهد ومىت تقبل على ما يبقى وترتك ما يفىن وينفد ‪.‬‬
‫قائما إذا سجى أين‬ ‫مىت هتب بك يف حبر الوجد ريح اخلوف والرجا مىت تكون يف الليل ً‬
‫ال ذين ع املوا موالهم ب اإلخالص وانف ردوا وق اموا يف ال دجى فركع وا وس جدوا وق دموا إىل‬
‫بابه يف األس حار ووف دوا وص اموا ه واجر النه ار فص ربوا واجته دوا ‪ ،‬لقد س اروا وختلفت‬
‫وفاتك ما وجدوا وبقيت يف أعقاهبم وإن مل تسرع وجتتهد بعدوا ‪.‬‬
‫فتنبه وتيقظ يا مسكني قبل أن يفاجئك هادم اللذات فال تقدر على استدراك ملا فات ‪،‬‬
‫ِ ِ‬
‫ب‬‫ول َر ِّ‬
‫ت َفَي ُق َ‬‫َح َد ُك ُم الْ َم ْو ُ‬ ‫قال اهلل جال وعال ﴿ َوأَنف ُق وا من َّما َر َز ْقنَ ا ُكم ِّمن َقْب ِل أَن يَأْيِت َ أ َ‬
‫ني * َولَن يُ َؤ ِّخَر اللَّهُ َن ْفس اً إِ َذا َج اء‬ ‫َّق وأَ ُكن ِّمن َّ حِلِ‬ ‫َج ٍل قَ ِر ٍ‬ ‫لَ واَل أ َّ ِ‬
‫الص ا َ‬ ‫َ‬ ‫َص د َ َ‬ ‫يب فَأ َّ‬ ‫َخ ْرتَيِن إىَل أ َ‬ ‫ْ‬
‫ن﴾‪.‬‬ ‫َجلُ َها َواللَّهُ َخبِريٌ مِب َا َت ْع َملُو َ‬
‫أَ‬
‫َسَر ُعوا‬‫ْح َم ُام فَأ ْ‬ ‫َو َد َعا بِ ُ‬
‫ش ْربِِه ْم ال َ‬ ‫الر َدى‬
‫ْس َّ‬ ‫َو ُم ْسَن ُدو َن َت َعا َق ُروا َكأ َ‬
‫ع‬
‫الز ْعَز ُ‬
‫وب َّ‬ ‫يح الْ ُخطُ ِ‬ ‫و َهَف ْ ِ‬
‫ت ب ِه ْم ِر ُ‬ ‫َ‬ ‫الزَما ُن َعلَْي ِه ُموا بِ ُجَّرانِه‬ ‫َبَر َك َّ‬
‫ْس َم ُعوا‬
‫يب فَأ َ‬ ‫زع اللَّبِ ِ‬‫َو َعظُموا بِ َما يَ ُ‬ ‫ت إِال أََّن ُه ْم‬ ‫س إِ َذا نَ َ‬
‫اديْ َ‬ ‫ُخ ْر ٌ‬
‫فَِل َم ْن ُت َع ُّد َك ِريمةٌ أ َْو تُ ْج َم ُع‬ ‫وس َح َم ُامهُ‬ ‫النُف ِ‬ ‫الد ْهر َي ْفتِ ُ‬
‫ك بِ ُّ‬ ‫َو َّ‬
‫ضيِّ ُع‬
‫َويَظَ ُّل يَ ْحَفظُُه َّن َو ُهَو ُم َ‬ ‫َع َجًبا لَ َم ْن ُيْبِقي َذ َخائَِر َمالَهُ‬
‫ض َج ُع‬‫ف َم ْ‬ ‫الصحائِ ِ‬
‫ْن َّ َ‬ ‫ُم ْلًقى لَهُ بَط ُ‬ ‫َولِغَ ِاف ٍل َوَيَرى بِ ُك ِّل ثَنِيّ ِة‬
‫ع‬
‫اف َما َيَت َجَّر ُ‬‫ض َع َ‬ ‫ِم ْن َكأ ِْس ِه أَ ْ‬ ‫ب أََّن ُه ْم َما أ ْ‬
‫َسأ َُروا‬ ‫سُ‬‫أََتَر ُاه يَ ْح ُ‬
‫اللهم إنا نس ألك الثب ات يف األمر والعزمية يف الرشد ونس ألك ش كر نعمتك وحسن عبادتك‬
‫ليما ولس انًا ص ادقًا ونس ألك من خري ما تعلم ونع وذ بك من شر ما تعلم ‪،‬‬
‫ونس ألك قلبًا س ً‬

‫‪390‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ونس تغفرك ملا تعلم إنك أنت عالم الغي وب واهلل أعلم وص لى اهلل على حممد وعلى آله‬
‫وصحبه وسلم ‪.‬‬

‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫وق ال ابن القيم ‪ :‬أعظم أس باب ش رح الص در التوحيد ‪ ،‬وعلى حسب كماله وقوته وزيادته‬
‫يك ون انش راح ص در ص احبه ‪ ،‬وق ال اهلل تع اىل ( ‪ ﴿ )22 : 39‬أَفَ َمن َش َر َح اللَّهُ َ‬
‫ص ْد َرهُ‬
‫لِإْلِ ْساَل ِم َف ُه َو َعلَى نُو ٍر ِّمن َّربِِّه ﴾ ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض يِّقاً‬ ‫ص ْد َرهُ ل ِإل ْسالَم َو َمن يُِر ْد أَن يُضلَّهُ جَيْ َع ْل َ‬
‫ص ْد َرهُ َ‬ ‫وقال ﴿ فَ َمن يُِرد اللّهُ أَن َي ْهديَهُ يَ ْشَر ْح َ‬
‫الس َماء ﴾ ‪.‬‬ ‫ص َّع ُد يِف َّ‬
‫َحَرجاً َكأَمَّنَا يَ َّ‬
‫فاهلدى والتوحيد من أعظم أسباب شرح الصدر والشرك والضالل من أعظم أسباب ضيق‬
‫الصدر ‪.‬‬
‫ومنها النور الذي يقذفه اهلل يف قلب العبد ‪ ،‬وهو نور اإلميان ‪ ،‬فإنه يشرح الصدر ويوسعه ‪،‬‬
‫ويفرح القلب ‪ ،‬فإذا فقد هذا النور من القلب ضاق وحرج وصار يف أضيق سجن وأصبعه ‪.‬‬
‫وقد روى الرتم ذي يف جامعه عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم أنه ق ال ‪ « :‬إذا دخل الن ور‬
‫القلب انفسح وانش رح » ‪ .‬ق الوا ‪ :‬وما عالمة ذلك يا رس ول اهلل ؟ ق ال ‪ « :‬اإلنابة إىل دار‬
‫اخللود ‪ ،‬والتجايف عن دار الغرور ‪ ،‬واالستعداد للموت قبل نزوله » ‪.‬‬

‫‪391‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫فنصيب العبد من انشراح صدره حبسب نصيبه من هذا النور‪ ،‬وكذلك النور احلسي والظلمة‬
‫احلسية ‪ ،‬هذه تشرح الصدر وهذه تضيقه ‪.‬‬
‫ومنها العلم فإنه يشرح الصدر ويوسعه ‪ ،‬حىت يكون أوسع من الدنيا ‪ ،‬واجلهل يورثه الضيق‬
‫واحلصر واحلبس ‪ ،‬فكلما اتسع علم العبد انشرح صدره واتسع ‪.‬‬
‫وليس هذا لكل علم بل للعلم املوروث عن الرسول صلى اهلل عليه وسلم وهو العلم النافع ‪،‬‬
‫عيشا ‪.‬‬
‫صدرا‪ ،‬وأوسعهم قلوبًا ‪ ،‬وأحسنهم وأطيبهم ً‬
‫فأهله أشرح الناس ً‬
‫قلت وهلل در القائل ‪:‬‬

‫ك َد ْفَتًرا ِفي نَ ْش ِر ِه‬‫يس َ‬ ‫ِ‬


‫اج َع ْل َجل َ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ور‬
‫ش ُ‬ ‫ت ِم ْن ُح ْك ِم ال ُْعلُوم نُ ُ‬ ‫لِلْميِّ ِ‬
‫َ‬
‫س‬ ‫فَ ِكَتاب ِعل ِْم لِأل َِد ِ ِ‬
‫يب ُمَؤآن ٌ‬ ‫ُ‬
‫َّب َو ُمَب ِّشُر َونَ ِذ ُير‬‫َو ُمَؤد ٌ‬
‫اب َو ُم ْؤنِس َو ْح َشة‬ ‫َو ُمِفي َد َ‬
‫آد َ‬
‫ب َو َس ِم ٌير‬ ‫ت فَ ِ‬
‫صاح ٌ‬ ‫َوإِ َذا اْنَفَر ْد َ َ‬
‫َو ِمْن َها ا ِإلنَابَة إىل اهلل تع اىل ‪ ،‬وحمبته بكل القلب واإلقب ال عليه ‪ ،‬والتنعم بعبادته فال ش يء‬
‫أشرح لصدر العبد من ذلك حىت ليقول أحيانًا إن كنت يف اجلنة يف مثل هذه احلال فإين إذا‬
‫يف عيش طيب ‪.‬‬
‫وللمحبة تأثري عجيب يف انشراح الصدر ‪ ،‬وطيب النفس ‪ ،‬ونعيم ال يعرفه إال من له حس به‬
‫‪.‬‬
‫وكلما كانت احملبة أقوى وأشد ‪ ،‬كان الصدر أفسح وأشرح ‪ ،‬وال‬

‫‪392‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫يض يق إال عند رؤية البط الني الف ارغني من ه ذا الش أن ف رؤيتهم ق ذى عينه ‪ ،‬وخمالتطهم محى‬
‫روحه ‪.‬‬
‫ومن أعظم أسباب ضيق الص در ‪ ،‬اإلع راض عن اهلل تع اىل وتعلق القلب بغريه ‪ ،‬والغفلة عن‬
‫ذكره ‪ ،‬وحمبة سواه ‪ ،‬فإن من أحب شيئًا غري اهلل عذب به ‪ ،‬وسجن قلبه يف حمبة ذلك الغري‬
‫‪.‬‬
‫عيشا وال أتعب قلبًا ‪.‬‬
‫فما يف األرض أشقى منه ‪ ،‬وال أكسف باالً ‪ ،‬وال أنكد ً‬
‫فهما حمبت ان حمبة هي جنة ال دنيا ‪ ،‬وس رور النفس ‪ ،‬ونعيم ال روح وغ ذاؤها ‪ ،‬ودواؤها ‪ ،‬بل‬
‫هي حياهتا ‪ ،‬وق رة عينها ‪ ،‬وهي حمبة اهلل وح ده ‪ ،‬بكل القلب ‪ ،‬واجنذاب ق وى امليل ‪،‬‬
‫واإلرادة ‪ ،‬واحملبة كلها إليه ‪.‬‬
‫وحمبة هي ع ذاب ال روح وغم النفس وس جن القلب وض يق الص در وهي س بب األمل والنكد‬
‫والعناء ‪ ،‬وهي حمبة ما سوى اهلل سبحانه ‪.‬‬
‫ومن أسباب شرح الصدر دوام ذكره على كل حال ‪ ،‬ويف كل موطن فللذكر تأثري عجيب‬
‫يف انشراح الصدر ‪ ،‬ونعيم القلب ‪ ،‬وللغفلة تأثري عجيب يف ضيقه ‪ ،‬وحبسه وعذابه ‪.‬‬
‫ومنها اإلحس ان على اخللق ونفعهم ‪ ،‬مبا ميكنه من املال واجلاه ‪ ،‬والنفع بالب دن وأن واع‬
‫نفسا ‪ ،‬وأنعمهم قلبًا ‪ ،‬والبخيل‬
‫صدرا ‪ ،‬وأطيبهم ً‬
‫اإلحسان ‪ ،‬فإن الكرمي احملسن أشرح الناس ً‬
‫وغما ‪.‬‬
‫عيشا وأعظمهم مهًا ً‬ ‫صدرا وأنكدهم ً‬‫الذي ليس فيه إحسان أضيق الناس ً‬
‫وقد ض رب رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم يف الص حيح مثالً للبخيل واملتص دق كمثل‬
‫رجلني عليهما جنتان من حديد ‪ ،‬كلما هم املتصدق بصدقة اتسعت عليه وانبسطت ‪ ،‬حىت‬
‫جير ثيابه ويعفي أثره‬

‫‪393‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وكلما هم البخيل بالصدقة لزقت كل حلقة مكاهنا ومل تتسع عليه ‪.‬‬
‫فه ذا مثل انش راح ص در املؤمن املتص دق ‪ ،‬وانفس اح قلبه ‪ ،‬ومثل ض يق ص در البخيل ‪،‬‬
‫واحنصار قلبه ‪.‬‬
‫ومنها الش جاعة ‪ ،‬ف إن الش جاع منش رح الص در ‪ ،‬واسع البط ان ‪ ،‬متسع القلب ‪ ،‬واجلب ان ‪،‬‬
‫درا واحص رهم قلبًا ‪ ،‬ال فرحة وال س رور ‪ ،‬وال ل ذة ‪ ،‬وال نعيم ‪ ،‬إال جنس‬ ‫أض يق الن اس ص ً‬
‫احليوان البهيم ‪.‬‬
‫ومنها اخ راج دغل القلب من الص فات املذمومة ‪ ،‬اليت ت وجب ض يقه ‪ ،‬وعذابه ‪ ،‬وحتول بينه‬
‫وبني الربء ‪.‬‬
‫ومنها ت رك فض ول النظر ‪ ،‬والكالم ‪ ،‬واالس تماع واملخالطة واألكل والن وم ‪ ،‬ف إن ه ذه‬
‫ومهوما يف القلب حتص ره ‪ ،‬وحتبسه ‪ ،‬وتض يقه ‪ ،‬ويتع ذب‬ ‫وغموما ً‬
‫ً‬ ‫آالما‬
‫الفض ول تس تحيل ً‬
‫هبا ‪ ،‬بل غالب عذاب الدنيا واآلخرة منها ‪.‬‬
‫فال إله إال اهلل ‪ ،‬ما أض يق ص در من ض رب يف كل آفة من ه ذه اآلف ات بس هم ‪ ،‬وما أنكد‬
‫عيشه ‪ ،‬وما أس وء حاله ‪ ،‬وما أشد حصر قلبه ‪ ،‬وال إله إال اهلل ما أنعم عيش من ض رب يف‬
‫كل خصلة من تلك احملمودة بسهم ‪ ،‬وكانت مهته دائرة عليها حائمة حوهلا ‪.‬‬
‫فلهذا نصيب وافر من قوله تعاىل (‪ ﴿ : )13 : 83‬إِ َّن اأْل َْب َر َار لَِفي نَعِي ٍم ﴾ ولذلك نصيب‬
‫وافر من قوله تع اىل ﴿ َوإِ َّن الْ ُف َّج َار لَِفي َج ِحي ٍم ﴾ وبينهما م راتب متفاوتة ‪ ،‬وال حيص يها إال‬
‫اهلل تبارك وتعاىل ‪.‬‬
‫واملقصود أن النيب صلى اهلل عليه وسلم أكمل اخللق يف كل صفة حيصل هبا انشراح الصدر ‪،‬‬
‫واتس اع القلب وق رة العني ‪ ،‬وحي اة ال روح فهو أكمل اخللق يف ه ذا الش رح وق رة العني ‪،‬‬
‫وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫‪394‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫فائدة عظيمة النفع‬

‫وق ال رمحه اهلل ‪ :‬ليس يف الوج ود شر إال ال ذنوب وموجباهتا وكوهنا ذنوبًا ت أيت من نفس‬
‫العبد ف إن س بب ال ذنب الظلم واجلهل ومها من نفس العبد كما أن س بب اخلري احلمد والعلم‬
‫واحلكمة والغىن ‪.‬‬
‫وهي أمور ذاتية للرب وذات الرب سبحانه ‪ ،‬مستلزمة للحكمة واخلري واجلود ‪.‬‬
‫وذات العبد مس تلزمة للجهل والظلم وما فيه من العلم والع دل فإمنا حصل له بفضل اهلل عليه‬
‫وهو أمر خارج عن نفسه ‪.‬‬
‫خريا أعطاه هذا الفضل فصدر منه اإلحسان والرب والطاعة ‪.‬‬ ‫فمن أراد اهلل به ً‬
‫ومن أراد به ش ًرا أمس كه عنه وخاله ‪ ،‬ودواعي نفسه وطبعه وموجبها فص در منه م وجب‬
‫اجلهل والظلم من كل شر وقبيح ‪.‬‬
‫ظلما منه سبحانه فإنه فضله وليس من منع فضله ظاملا السيما إذا منعه عن‬ ‫وليس منعه لذلك ً‬
‫ً‬
‫حمل ال يستحقه وال يليق به ‪.‬‬
‫وأيض ا فإن هذا الفضل هو توفيقه وإرادته من نفسه أن يلطف بعبده ويوفقه ويعينه وال خيلي‬ ‫ً‬
‫بينه وبني نفسه وهذا حمض فعله وفضله ‪.‬‬
‫وهو س بحانه أعلم باحملل ال ذي يص لح هلذا الفضل ويليق به ويثمر به ويزكو ‪ .‬وقد أش ار اهلل‬
‫ض ُهم بَِب ْع ٍ‬
‫ض لَِّي ُقولواْ أ ََه ُـؤالء َم َّن اللّ هُ َعلَْي ِهم ِّمن‬ ‫ِ‬
‫ك َفَتنَّا َب ْع َ‬‫تعاىل إىل هذا املعىن بقوله ﴿ َو َك َذل َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ﴾ األنعام (‪. )35‬‬ ‫س اللّهُ بأ َْعلَ َم بالشَّاك ِر َ‬
‫َبْيننَا أَلَْي َ‬
‫فأخرب سبحانه أنه أعلم مبن يعرف قدر النعمة ويشكره عليها فإن أصل الشكر هو االعرتاف‬
‫بإنعام املنعم على وجه اخلضوع والذل‬

‫‪395‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫واحملبة ‪ .‬فمن مل يعرف النعمة ‪ .‬بل كان جاهالً هبا مل يشكرها ‪.‬‬
‫أيضا ومن عرف النعمة واملنعم لكن جحدها كما‬ ‫ومن عرفها مل يعرف املنعم هبا مل يشكرها ً‬
‫جيحد املنكر لنعمة املنعم عليه هبا فقد كفرها ‪.‬‬
‫ومن ع رف النعمة واملنعم وأقر هبا ومل جيح دها ولكن مل خيضع له وحيبه ويرضي به وعنه مل‬
‫أيضا ‪.‬‬
‫يشكرها ً‬
‫ومن عرفها وع رف املنعم هبا وخضع للمنعم هبا وأحبه ورضي به وعنه واس تعملها يف حمابه‬
‫وطاعته هو الشكر هلا ‪.‬‬
‫فال بد يف شكر من علم القلب وعمل يتبع العلم وهو امليل على املنعم وحمبته واخلضوع له ‪.‬‬
‫كما يف صحيح البخاري عن شداد بن أوس قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ « : r‬سيد االستغفار أن‬
‫يق ول العبد اللهم أنت ريب ال إله إال أنت خلقتين وأنا عب دك وأنا على عه دك ووع دك ما‬
‫علي وأبوء بذنيب فاغفر يل فإنه ال‬ ‫استطعت ‪ ،‬أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك َّ‬
‫يغفر الذنوب إال أنت ‪.‬‬
‫من قاهلا إذا أص بح موقنًا هبا فم ات من يومه دخل اجلنة ومن قاهلا إذا أمسى موقنًا هبا فم ات‬
‫من ليلته دخل اجلنة » ‪.‬‬
‫فقوله ‪ « :‬أب وء لك بنعمتك علي » ‪ .‬يتض من اإلق رار واإلنابة إىل اهلل بعبوديته ‪ .‬فالعبد يب وء‬
‫إىل اهلل بنعمته عليه ويب وء بذنبه ويرجع إليه ب االعرتاف هبذا وهبذا رج وع مطمئن إىل ربه‬
‫منيب إليه ليس رجوع من أقبل عليه مث أعرض عنه ‪.‬‬
‫فهو معبوده وهو مستعانه ال صالح له إال بعبادته وال ميكن أن يعبده إال بإعانته ‪.‬‬
‫ومن العل وم أن أجل نعمه على عب ده نعمة اإلميان به ومعرفته وحمبته وطاعته والرضا به‬
‫واإلنابة إليه والتوكل عليه والتزام عبوديته ‪.‬‬

‫‪396‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫أيض ا أن األرواح منها اخلبيث ال ذي ال أخبث منه ومنها الطيب ‪ .‬وبني ذلك‬ ‫ومن املعل وم ً‬
‫وكذلك القلوب منها القلب الشريف الزكي والقلب اخلسيس اخلبيث ‪.‬‬
‫وهو أعلم بالقلوب الزاكية واألرواح الطيبة اليت تصلح الستقرار هذه النعم وإبداعها عندها‬
‫ويزكو ب ذرها فيها فيك ون ختصيصه هلا هبذه النعمة كتخص يص األرض الطيبة القابلة للب ذر‬
‫بالبذر ‪.‬‬
‫فليس من احلكمة أن يب ذر الب ذر يف الص خور والرم ال والس باخ وفاعل ذلك غري حكيم فما‬
‫الظن بب ذر اإلميان والق رآن واحلكمة ون ور املعرفة والبص رية يف احملال اليت هي أخبث احملال ‪.‬‬
‫فاهلل أعلم حيث جيعل رسالته أصالً ومرياثًا ‪.‬‬
‫فهو أعلم مبن يص لح لتحمل رس الته فيؤديها إىل عب اده باألمانة والنص يحة وتعظيم املرسل‬
‫والقيام حبقه والصرب على أوامره والشكر لنعمه والتقرب إليه ‪ .‬ومن ال يصلح لذلك ‪.‬‬
‫وكذلك هو سبحانه أعلم مبن يصلح من األمم لوارثة رسله والقيام خبالفتهم ومحل ما بلغوه‬
‫عن رهبم ‪.‬‬
‫ف الرب س بحانه إذا علم من حمل أهلية لفض له وحمبته وتوحي ده حبب إليه ذلك ووض عه فيه‬
‫وكتبه يف قلبه ووفقه له وأعانه عليه ويسر له طرقه وأغلق دونه األب واب اليت حتول بينه وبني‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫مث تواله بلطفه وتدبريه وتيسريه وتربيته أحسن من تربية الوالد الشفيق ال رحيم احملسن لولده‬
‫الذي هو أحب شيء إليه ‪.‬‬
‫فال يزال يعامله بلطفه وخيتصه بفضله ويؤثره برمحته وميده مبعونته ويؤيده بتوفيقه ويريه مواقع‬
‫إحس انه إليه وب ره به ف يزداد العبد به معرفة وله حمبة وإليه إنابة وعليه ت وكالً ‪ .‬وال يت وىل معه‬
‫غريه وال يعبد معه سواه ‪.‬‬

‫‪397‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وهذا هو الذي عرف قدر النعمة وعرف املنعم وأقر بنعمته وصرفها يف مرضاته ‪.‬‬
‫اقتضت حكمة ال رب وج وده وكرمه وإحس انه أن ب ذر يف ه ذا القلب ن ور اإلميان واملعرفة‬
‫وس قاه ب العلم الن افع والعمل الص احل وأطلع عليه من ن وره مشس اهلداية وص رف عنه اآلف ات‬
‫املانعة من حصول الثمرة ‪.‬‬
‫ف أنبتت أرضه الزاكية من كل زوج ك رمي فمن مل ينبت قلبه ش يئًا من اخلري البتة فه ذا من‬
‫أشقى األشقياء ‪.‬‬
‫فصلوات اهلل وسالمه على من اهلدى والبيان والشفاء والعصمة يف كالمه ويف أمثاله ‪.‬‬
‫واملقص ود أن اهلل س بحانه أعلم مبواقع فض له ورمحته وتوفيقه ومن يص لح هلا ومن ال يص لح‬
‫وأن حكمته تأىب أن يضع ذلك عند غري أهله كما تأىب أن مينعه من يصلح له ‪.‬‬
‫وهو سبحانه الذي جعل احملل صاحلًا وجعله أهالً وقابالً فمنه اإلعداد واإلمداد ومنه السبب‬
‫واملسبب ‪.‬‬
‫وق ال رمحه اهلل كم ال العبد وص الحه يتخلف عنه من إح دى جه تني إما أن تك ون طبيعته‬
‫يابسة غري لينة وال منقادة وال قابلة ملا به كماهلا وفالحها ‪.‬‬
‫وإما أن تك ون لينة منق ادة سلس لة القي ادة لكنها غري ثابتة على ذلك بل س ريعة االنتق ال عنه‬
‫كثرية التقلب ‪.‬‬
‫فمىت رزق العبد انقي ًادا للحق وثباتًا عليه فليبشر فقد بشر بكل خري وذلك فضل اهلل يؤتيه‬
‫من يشاء ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬صدق التأهب للقاء اهلل من أنفع ما للعبد وأبلغه يف حصول استقامته فإن من استعد‬
‫للقاء اهلل انقطع قلبه عن الدنيا وما فيها ومطالبها‬

‫‪398‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ومخدت من نفسه ن ريان الش هوات وأخبت قلبه إىل اهلل وعكفت مهته على اهلل وعلى حمبته‬
‫وإيثار مرضاته ‪.‬‬
‫وعلوما أخر وولد أخ رى نس بة قلبه فيها إىل ال دار اآلخ رة كنس بة‬ ‫ً‬ ‫واس تحدثت مهة أخ رى‬
‫جس مه إىل ه ذه ال دار بعد أن ك ان يف بطن أمه فيولد قلبه والدة حقيقة وكما أن بطن أمه‬
‫حجابًا جلسمه عن هذه الدار فهكذا نفسه وهواه حجاب لقلبه عن الدار اآلخرة ‪.‬‬
‫بارزا إىل هذه‬
‫بارزا إىل الدار اآلخرة كخروج جسمه عن بطن أمه ً‬ ‫فخروج قلبه عن نفسه ً‬
‫الدار ‪ ،‬وهذا معىن ما يذكر عن املسيح أن قال ‪ :‬يا بين إسرائيل إنكم لن تلجوا من ملكوت‬
‫السماء حىت تولدوا مرتني ‪.‬‬
‫وملا ك ان أكثر الن اس مل يول دوا ه ذه الوالدة الثانية وال تص وروها فض الً عن أن يص دقوا هبا‬
‫فيق ول القائل كيف يولد الرجل الكبري أو كيف يولد القلب مل يكن هلم إليها مهة وال عزمية‬
‫إذا كيف يع زم على الش يء من ال يعرفه وال يص دقه ولكن إذا كشف حج اب الغفلة عن‬
‫القلب صدق بذلك وعلم أنه مل يولد قلبه بعد ‪.‬‬
‫واملقص ود أن ص دق الت أهب لق اء اهلل هو مفت اح مجيع األعم ال الص احلة واألح وال اإلميانية‬
‫مقام ات الس الكني إىل اهلل ومن ازل الس ائرين إليه من اليقظة والتوبة واإلنابة واحملبة والرج اء‬
‫واخلشية والتفويض والتسليم وسائر أعماله القلوب واجلوارح ‪.‬‬
‫فمفت اح ذلك كله ص دق التأهب واالس تعداد للق اء اهلل املفت اح بيد الفت اح العليم ال إله غريه‬
‫وال رب سواه‬
‫ِش ْعرًا‪:‬‬
‫اع ِة‬ ‫ِ‬ ‫َوأ َْهَوى ِم َن ُّ‬
‫الشبَّ ِ‬
‫َع ِن اللَّ ْه ِو م ْق َد ًما َعلَى ُك ِّل طَ َ‬ ‫ان ُك َّل ُم َجن ٍ‬
‫َّب‬
‫ود لِ َجنَّةِ‬
‫يما َي ُق ُ‬‫ٍِ‬
‫َو َذ ُو َر ْغَبة ف َ‬ ‫لَهُ ِعَّفةٌ َع ْن ُك ِّل َش ْي ٍء ُم َحَّرٌم‬

‫‪399‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ك ِذي بُ ْخ ٍل بِتِْب ٍر وفض َِّة‬


‫تَ ْم ُّس َ‬ ‫ك بِِه أَ ْن َت ْلَقهُ يَا أَ َخا لَِت ْلَقى‬
‫تَ َم َّس َ‬
‫وصل اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني‬

‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫وقال رمحه اهلل ‪ :‬طوىب ملن أنصف فأقر له باجلهل يف علمه ‪ ،‬واآلفات يف عمله ‪ ،‬والعيوب يف‬
‫نفسه ‪ ،‬والتفريط يف حقه ‪ ،‬والظلم يف معاملته ‪.‬‬
‫فإن أخذه بذنوبه رأى عدله ‪ ،‬وإن مل يؤخذه رأى فضله ‪.‬‬
‫وإن عمل حسنة رآها من منته عليه ‪ ،‬فإن قبلها فمنه وصدقة ثانية ‪ ،‬وإن ردها فلكون مثلها‬
‫ال يصلح أن يواجه به ‪.‬‬
‫وإن عمل سيئة رآها من ختليه عنه ‪ ،‬وخذالن له ‪ ،‬وإمساك عصمته ‪ ،‬وذلك من عدله فيه ‪.‬‬
‫فريى يف ذلك فقره إىل ربه وظلمه يف نفسه ‪ ،‬فإن غفر له فبمحض إحسانه وجوده وكرمه ‪.‬‬
‫مقصًرا ‪.‬‬
‫ونكتة املسألة وسرها أنه ال يرى ربه إال حمسنًا وال يرى نفسه إال مسيئًا ومفرطًا أو ّ‬
‫فريى كل ما يسره من فضل ربه عليه وإحسانه إليه ‪ ،‬وكل ما يسوءه من ذنوبه ‪.‬‬
‫وقال من مل يعرف نفسه كيف يعرف خالقه ؟ فاعلم أن اهلل خلق يف صدرك بيتًا وهو القلب‬
‫عرش ا ملعرفته يستوي عليه املثل األعلى ‪ ،‬فهو مستو على سرير القلب ‪،‬‬ ‫‪ .‬ووضع يف صدره ً‬
‫وعلى س رير بس اط من الرضا ‪ .‬ووضع عن ميينه ومشاله مرافق ش رائعه وأوام ره ‪ ،‬وفتح إليه‬
‫بابًا من جنة رمحته ‪ ،‬واألنس به ‪ ،‬والشوق إىل لقائه ‪.‬‬
‫وأمطره من وابل كالمه ما أنبت فيه من أصناف الرياحني واألشجار‬

‫‪400‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫املثمرة ‪ ،‬من أنواع الطاعات والتهليل وللتسبيح والتحميد والتقديس ‪.‬‬


‫وجعل يف وسط البس تان ش جرة معرفته ‪ ،‬فهي ت ؤيت أكلها كل حني ب إذن رهبا من احملبة‬
‫واإلنابة ‪ ،‬واخلشية والفرح به ‪ ،‬واالبتهاج بقربه ‪ ،‬وأجرى إىل تلك الشجرة ‪ ،‬ما يسقيها من‬
‫تدبر كالمه وفهمه ‪ ،‬والعمل بوصاياه ‪.‬‬
‫وعلق يف ذلك ال بيت قن ديالً أس رجه بض ياء معرفته ‪ ،‬وإميان به وتوحي ده ‪ ،‬فهو يس تمد من‬
‫شجرة مباركة زيتونة ال شرقية وال غربية يكاد زيتها يضيء ولو مل متسسه نار ‪.‬‬
‫مث أح اط عليه حائطًا مينعه من دخ ول اآلف ات واملفس دين ومن ي ؤذي البس تان ‪ ،‬فال يلحقه‬
‫حرسا من املالئكة حيفظونه يف يقظته ومنامه ‪.‬‬
‫أذاهم ‪ ،‬وأقام عليه ً‬
‫دائما مهه إص الح الس كن ومَلَّ ش عثه‬
‫مث أعلم ص احب ال بيت والبس تان بالس اكن فيه فهو ً‬
‫لريضاه الساكن منزالً ‪.‬‬
‫وإذا أحس بأدىن شعث يف السكن بادر إىل إصالحه ومله ‪ ،‬خشية انتقال الساكن منه ‪ ،‬فنعم‬
‫الساكن ‪ ،‬ونعم املسكن فسبحان اهلل رب العاملني ‪.‬‬
‫كم بني هذا البيت وبيت قد استوىل عليه اخلراب ‪ ،‬وصار مأوى للحشرات واهلوام ‪ ،‬وحمالً‬
‫إللقاء األنتان ‪ ،‬والقاذورات فيه ‪.‬‬
‫فمن أراد التخلي وقض اء احلاجة وجد خربة ال س اكن وال حافظ هلا ‪ .‬وهي مع دة لقض اء‬
‫احلاجة ‪ ،‬مظلمة األرج اء ‪ ،‬منتة الرائحة ‪ ،‬وقد عمها اخلراب ‪ ،‬ومألهتا الق اذورات ‪ .‬فال‬
‫يأنس هبا وال ينزل فيها إال من يناسبه سكناها من احلشرات والديدان واهلوام ‪.‬‬

‫‪401‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫الش يطان ج الس على س ريرها وعلى الس رير بس اط اجلهل وختفق فيه األه واء ‪ ،‬وعن ميينه‬
‫ومشاله مرافق الشهوات ‪.‬‬
‫وقد فتح إليه ب اب من حقل اخلذالن والوحشة ‪ ،‬والرك ون إىل ال دنيا ‪ ،‬والطمأنينة هبا ‪،‬‬
‫والزهد يف اآلخرة ‪.‬‬
‫وأمطر من وابل اجلهل واهلوى والش رك والب دع ‪ ،‬ما أنبت فيه أص ناف الش وك واحلنظل ‪،‬‬
‫واألشجار املثمرة بأنواع املعاصي واملخالفات ‪ ،‬من الزوائد واالنتدابات ‪ ،‬والنوادر واهلزليات‬
‫واملض حكات ‪ ،‬واألشعار الغزلي ات ‪ ،‬واخلمريات اليت هتيج على ارتكاب احملرم ات ‪ ،‬وتزهد‬
‫يف الطاعات ‪.‬‬
‫وجعل يف وسط احلقل ش جرة اجلهل به واإلع راض عنه ‪ ،‬فهي ت ؤيت أكلها كل حني من‬
‫الفسوق واملعاصي واللهو واللعب واجملون ‪ ،‬والذهاب مع كل ريح ‪ ،‬وإتباع كل شهوة ‪.‬‬
‫ومن مثرها اهلم وم والغم وم ‪ ،‬واألح زان واآلالم ‪ ،‬ولكنها متوارية باش تغال النفس بلهوها‬
‫ولعبها ‪ .‬فإذا أفاقت من سكرها أحضرت كل هم وغم وحزن وقلق ‪ ،‬ومعيشة ضنك ‪.‬‬
‫وأجري إىل هذه الشجرة ما يسقيها من إتباع اهلوى ‪ ،‬وطول األمل والغرور ‪.‬‬
‫مث ترك ذلك البيت وظلماته وخراب حيطانه حبيث ال مينع منه مفسد وال حيوان ‪ ،‬وال مؤذ‬
‫وال قذر ‪.‬‬
‫فسبحان خالق هذا البيت وذلك البيت ‪ ،‬فمن عرف بيته وقدر الساكن فيه ‪ ،‬وقدر ما فيه‬
‫من الكنوز والذخائر واآلالت انتفع حبياته ونفسه‬

‫‪402‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ومن جهل ذلك ‪ ،‬جهل نفسه وأضاع سعادته ‪ .‬واهلل املوفق ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬أقام اهلل سبحانه هذا اخللق بني األمر والنهي والعطاء واملنع فاقرتفوا فرقة قابلت أمره‬
‫بالرتك ‪ ،‬وهنيه باالرتكاب ‪ ،‬وعطاءه بالغفلة عن الشكر ‪ ،‬ومنعه بالسخط ‪ ،‬وهؤالء أعداؤه‬
‫‪ ،‬وفيهم من العداوة حبسب ما فيهم من ذلك ‪.‬‬
‫وقسم ق الوا ‪ :‬إمنا حنن عبي دك ف إن أمرتنا س ارعنا إىل اإلجابة ‪ ،‬وإن هنيتنا أمس كنا نفوس نا‬
‫وكففناها عما هنيتنا عنه ‪ ،‬وإن أعطيتنا محدناك وش كرناك ‪ ،‬وإن منعتنا تض رعنا إليك‬
‫وذكرناك ‪.‬‬
‫فليس بني ه ؤالء وبني اجلنة إال سرت احلي اة ال دنيا ‪ ،‬ف إذا مزقه عليهم املوت ‪ ،‬ص اروا على‬
‫النعيم املقيم ‪ ،‬وقرة األعني كما أن أولئك ليس بينهم وبني النار إال سرت احلياة الدنيا ‪.‬‬
‫ف إذا مزقه املوت ص اروا إىل احلس رة واألمل ‪ .‬ف إذا تص ادمت جي وش ال دنيا واآلخ رة يف قلبك‬
‫وأردت أن تعلم من أي الف ريقني أنت ف انظر مع من متيل منهما ‪ ،‬ومن تقابل ؛ إذ ال ميكنك‬
‫الوقوف بني اجليشني ‪ ،‬فأنت مع أحدمها ال حمالة ‪.‬‬
‫فقسم استغش وا اهلوى فخ الفوه ‪ ،‬واستنص حوا العقل فش اوروه وفرغ وا قل وهبم للفكر فيما‬
‫خلقوا وجوارحهم للعمل مبا أمروا به ‪ ،‬وأوقاهتم لعمارهتا مبا يعمر منازهلم يف اآلخرة ‪.‬‬
‫واستظهروا على سرعة األجل باملبادرة إىل األعمال وسكنوا الدينا وقلوهبم مسافرة عنها ‪.‬‬
‫واس توطنوا اآلخ رة قبل انتق اهلم إليها ‪ ،‬واهتم وا باهلل وطاعته على ق در ح اجتهم إليه ‪،‬‬
‫وتزودوا لآلخرة على قدر مقامهم فيها ‪.‬‬

‫‪403‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫فجعل هلم سبحانه من نعيم اجلنة وروحها ‪ ،‬أن آنسهم بنفسه ‪ ،‬وأقبل بقلوهبم إليه ‪ ،‬ومجعها‬
‫على حمبته ‪ ،‬وشوقهم على لقائه ‪ ،‬ونعمهم بقربه ‪.‬‬
‫وف رغ قل وهبم مما مأل به قل وب غ ريهم من حمبة ال دنيا واهلم واحلزن على فوهتا ‪ ،‬والغم من‬
‫خوف ذهاهبا ‪.‬‬
‫فاستالنوا ما استوعره املرتفون ‪ ،‬وأنسوا مبا استوحش منه اجلاهلون ‪ ،‬صحبوا الدنيا بأبداهنم‬
‫‪ ،‬واملأل األعلى بأرواحهم ‪.‬‬
‫فائ دة ‪ :‬ق ال رمحه اهلل ‪ :‬إذا أص بح العبد وأمسى وليس مهه إال اهلل وح ده حتمل اهلل س بحانه‬
‫حوائجه كلها ومحل عنه كل ما أمهه وفرغ قلبه حملبته ولسانه لذكره وجوارحه لطاعته ‪.‬‬
‫وإن أصبح وأمسى والدنيا مهه محله اهلل مهومها وغمومها وأنكادها ووكله على نفسه ‪.‬‬
‫فش غل قلبه عن حمبته مبحبة اخللق ولس انه عن ذك ره ب ذكرهم وجوارحه عن طاعته خبدمتهم‬
‫وأشغاهلم ‪.‬‬
‫فهو يكدح كدح الوحش يف خدمة غريه كالكري ينفخ بطنه ويعصر أضالعه يف نفع غريه ‪.‬‬
‫فكل من أعرض عن عبوديته اهلل وطاعته وحمبته بُلِ َي بعبودية املخلوق وحمبته وخدمته ‪.‬‬
‫ِ‬
‫ض لَهُ َشْيطَاناً َف ُه َو لَهُ قَ ِر ٌ‬
‫ين ﴾ ‪.‬‬ ‫ش َعن ذ ْك ِر الرَّمْح َ ِن نُ َقيِّ ْ‬
‫قال تعاىل ﴿ َو َمن َي ْع ُ‬
‫قال سفيان بن عيينة ‪ :‬ال تأتون مبثل مشهور للعرب إال جئتكم به من القرآن ‪.‬‬

‫‪404‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫فقال له قائل فأين يف القرآن أعط أخاك مترة فإن أىب فجمرة ‪.‬‬
‫ِ‬
‫ض لَهُ َشْيطَاناً َف ُه َو لَهُ قَ ِر ٌ‬
‫ين ﴾ اآلية ‪.‬‬ ‫ش َعن ذ ْك ِر الرَّمْح َ ِن نُ َقيِّ ْ‬
‫فقال يف قوله تعاىل ﴿ َو َمن َي ْع ُ‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬

‫ات أَ ْعظَ ُم ِح ْك َم ٍة‬ ‫السَق ِم واآلفَ ِ‬


‫َوفي ِّ َ‬
‫ِ‬
‫ب ِعْن َد َّ‬
‫التَفُّق ِد‬ ‫ُمَيَّقظٍَة َذا اللُّ ِّ‬
‫ْح ِال ِج ُّدوا لَِت ْر َحلُوا‬ ‫ِ ِ‬
‫ُيَنادي ل َسا ُن ال َ‬
‫ث الْ َكثِي ِر التََّن ُّك ِد‬ ‫َع ِن ال َْمْن ِز ِل الْغَ ِّ‬
‫السَق ِم ُم ْخبًِرا‬ ‫ب بِ ِّ‬ ‫اك نَ ِذ ُير َّ‬
‫الشْي ِ‬ ‫أَتَ َ‬
‫ك َتْتلُو الَْق ْوم ِفي الَْي ْوِم أَو غَ ِد‬ ‫بِأَنَّ َ‬
‫ت َكائِ ٌن‬ ‫الز ِاد فَال َْم ْو ُ‬ ‫فَ ُخ ْذ أ ُْهَب ًة ِفي َّ‬
‫فَ َما ِمْنهُ ِم ْن َمْن َجا َوال َعْنهُ ُعْن َد ِد‬
‫فَ َما َد ُار ُك ْم َه ِذ ِه بِ َدا ِر إِقَ َام ِة‬
‫َّها َد ُار ابْتِال َوَتَز ُّو ِد‬ ‫ِ‬
‫َولَكن َ‬
‫اء ُك ِم ِم ْن َربِّ ُك ْم َوَتَز َّو ُدوا‬ ‫أ ََما َج َ‬
‫فَ َما ُع ْذ ُر َم ْن َوافَاه غَْيَر ُمَز َّو ِد‬
‫اح ٌل‬ ‫وما ه ِذ ِه األَيَّام إِال مر ِ‬
‫ُ ََ‬ ‫ََ َ‬
‫ب ِم ْن َدا ِر اللَِّقا ُك ّل ُمْب َع ِد‬ ‫ُتَقِّر ُ‬
‫ِّين ِح َّج ًة‬ ‫ومن سار نَحو َّ ِ‬
‫الدا ِر ست َ‬ ‫ََ ْ َ َ َْ‬
‫َفَق ْد َحا َن ِمْنهُ ال ُْملَْتَقى َو َكأَ َن قَ ْد‬
‫َّاس إِال ِمثْ َل َس ْف ٍر َتَت َاب ُعوا‬ ‫َو َما الن ُ‬
‫يم لَِت ْه ِو ٍيم َعلَى إثْ ِر ُم ْغَت ِدي‬ ‫ُمق ٌ‬
‫ِ‬

‫‪405‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ك ِعزرائِيل َك ِافل ر ِ‬
‫وح ِه‬ ‫َو َم ْن يَ ُ ْ َ ُ َ ُ‬
‫فَِإ ْن فَاتَهُ ِفي الَْي ْوِم لَ ْم َيْن ُج ِم ْن غَ ِد‬
‫ْج ْس ِم ِمْنهُ َو ِد َيعةٌ‬ ‫ومن روحهُ ِفي ال ِ‬
‫ََ ْ ُ ُ‬
‫هات أ َْم ٌن ُي ْرتَ َجى ِمن ُمَرد ِِّد‬ ‫َف َهْي َ‬
‫يت بِلَْيلَ ٍة‬
‫ب يَبِ ُ‬‫فَ َما َح ُّق ِذي لُ ٍّ‬
‫ب إِيص ِاء وإِ ْشه ِاد ُشه ِ‬
‫َّد‬ ‫بِال َكْت ِ َ َ َ‬
‫يصا َعلَى ال َْم ْر ِء إِ ْن يَ ُك ْن‬ ‫ب ا ِإل َ‬
‫ِ‬
‫َو َواج ُ‬
‫ات التََّرد ُِّد‬ ‫َعلَْي ِه ح ُقو ٌق و ِ‬
‫اجَب ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ْس أَ ْن يَ ْخَبا الَْفَتى َكَفًنا لَهُ‬ ‫َوال بَأ َ‬
‫َّعبُّ ِد‬
‫ضى َوالت َ‬ ‫الر َ‬‫لِ ِح ٍّل َوآثَا ِر ِّ‬
‫ب َما بِِه‬ ‫ت ِفي َك ْس ِ‬ ‫َفب ِادر ُهجوم الْمو ِ‬
‫َ ْ ُ َ َْ‬
‫اج َه ِد‬ ‫ِ ِ‬ ‫َتُف ُ ِ‬
‫وز بِه َي ْو َم الْقَي َامة َو ْ‬
‫ص َّح ِة‬ ‫ون بَِن ْعم ِة ِ‬
‫َ‬
‫فَ َكم غَْبن م ْغب ٍ‬
‫ْ ُ َُ‬
‫َّعبُّ ِد‬
‫اب الت َ‬
‫ِ ِ‬
‫َون ْع َمة إِ ْمكان ا ْكت َس ُ‬
‫ِ ِ‬
‫ك ُم ْكثًِرا‬ ‫اجعل َْها و ِ‬
‫صيَّ َ‬ ‫ك فَ ْ َ َ‬ ‫سَ‬ ‫َفَن ْف ُ‬
‫يب التََّز ُّو ِد‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ْح ْش ِر ط َ‬ ‫ل َس ْفَرة َي ْوم ال َ‬
‫وِمثْل ور ِ‬
‫ود الَْقْب ِر َم ْه َما َرأَْيتُهُ‬ ‫َ ُ ُُ‬
‫اعا َفَقد ِّْمهُ تَ ْس َع ِد‬ ‫ك َنَّف ً‬ ‫لَِن ْف ِس َ‬
‫فَ َما َنَف َع ا ِإلنْ َسا ُن ِمثْ ُل ا ْكتِ َسابِِه‬
‫بَِي ْوٍم يَِفُّر ال َْم ْرءُ ِم ْن ُك ِّل ُم ْحَت ِد‬
‫َّم‬
‫ت ُم َحت ٌ‬ ‫اجًرا لِل َْم ْرِء َم ْو ٌ‬
‫َكَفى َز ِ‬
‫ال تُ َش َاه ُد ِفي غَ ِد‬ ‫َو َقْبٌر َوأ َْهَو ٌ‬

‫‪406‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫صى‬ ‫َونَ ٌار َتلَظَّى أ َْو َع َد اهللُ َم ْن َع َ‬


‫الشَقا َو ُم َخلَّ ِد‬‫ِج َب ْع َد َّ‬ ‫فَ ِم ْن َخار ٍ‬
‫َويُ ْسأ َُل ِفي الَْقْب ِر الَْفَتى َع ْن نَبِيِِّه‬
‫و َعن ربِِّه والدِّي ِن ِف ْعل مهد ِ‬
‫ِّد‬ ‫َ َُ‬ ‫َ ْ َ َ‬
‫اب ُمَو ِّح ًدا‬ ‫اسَت َج َ‬
‫ت اهللُ ْ‬ ‫فَ َم ْن َثبَّ َ‬
‫ت َف ُهَو غَْيَر ُمَو ِّح ِد‬ ‫َو َم ْن لَ ْم ُيثَبَّ ْ‬
‫ْك لَعم ِري ِ‬
‫آخُر الِْفَت ِن الَّتِي‬ ‫ِ‬
‫َوتل َ َ ْ‬
‫ت َف ْو َز ُم َخلَّ ِد‬ ‫َمَتى َتْن ُجو ِمْن َها ُف ْز َ‬
‫آخًرا‬‫يت دْنيا و ِ‬ ‫ِ‬
‫َفَن ْسأَلُهُ التَّثْب َ ُ َ َ‬
‫ضي بَِف ْو ٍز ُمَؤبَّ ِد‬‫و َخاتِم َة َت ْق ِ‬
‫َ َ‬
‫اللهم أهلمنا ذك رك وش كرك ووفقنا لطاعتك وامتث ال أم رك واغفر لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني‬
‫برمحتك يا أرحم الرامحني ‪ .‬وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫في الحياء‬
‫احلياء هو انقباض النفس عن القبائح وهو صفة من صفات النفس املمدوحة لن امشئزاز النفس عن‬
‫قدرا ‪.‬‬
‫القبائح يستلزم تركها واالنصراف عنها وهو من أفضل صفات النفس وأجلها ً‬
‫وسئل بعضهم عن احلياء فقال ‪ :‬شيء يتولد بني رؤية النعماء ورؤية التقصري ‪.‬‬
‫وقال الفضيل ‪ :‬عالمة الشقاوة مخسة ‪ ،‬قلة احلياء ‪ ،‬وقسوة‬

‫‪407‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫القلب ‪ ،‬ومجود العني ‪ ،‬والرغبة يف الدنيا ‪ ،‬وطول األمل ‪ .‬أ‪.‬هـ ‪.‬‬


‫فاحلي اء خلق الك رام ومسة أهل املروءة والش رف ‪ ،‬وعن وان الفضل والنبل ‪ ،‬ولقد ص دق أهل اللغة‬
‫حيث ق الوا االس تحياء من احلي اة ‪ ،‬واس تحياء الرجل من ق وة احلي اة فيه لش دة علمه مبواقع العيب‬
‫والذم ‪.‬‬
‫واحلي اء باعثه إحس اس رقيق ‪ ،‬وش عور دقيق يف العني مظه ره وعلى الوجه أث ره ‪ ،‬ومن حرمه ح رم اخلري كله ‪ ،‬ومن حتلى به ظفر ب العزة‬
‫والكرامة ‪ ،‬ون ال اخلري أمجع وهو زينة النف وس يص دها عن فعل ما يش ينها وحيملها على التحلي جبميل اخلص ال فهو أب ًدا ال ي أيت إال خبري ‪،‬‬
‫خريا أن يكون على اخلري دليالً وكفى بضده البذاء أن يكون على الشر دليالً وإليه سبيالً ومن احلكم قوهلم ‪ :‬من كساه احلياء ثوبه‬ ‫وكفى ً‬
‫مل يرى الناس عيبه ‪:‬‬

‫يح ٍة َما َح َ‬
‫ال َبْينِي‬ ‫ب قَبِ َ‬
‫َو ُر َّ‬
‫َوَبْي َن ُر ُكوبَِها إِال ال َ‬
‫ْحَياءُ‬
‫ويقول اآلخر‪:‬‬

‫َح َس ُن ِحلَْيَتْي ِه‬ ‫ِ‬


‫َو َع ْق ُل ال َْم ْرء أ ْ‬
‫ْحَياءُ‬ ‫ين ال َْم ْر ِء ِفي ُّ‬
‫الدْنَيا ال َ‬ ‫َو ِز ُ‬
‫آخر‪:‬‬
‫يف أَغَانِي‬ ‫ان أ َْو أَلِ َ‬
‫يف غَو ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َسَت ِحي ِمن ِ‬
‫اهلل أَ ْن أ َُرى‬
‫َحل َ َ‬ ‫َ‬ ‫َوإِنِّي أل ْ‬
‫ْح َم ُار‬‫اك هو ال ِ‬
‫ب فَ َذ َ ُ َ‬ ‫إِ َذا َما لَ ْم يَ ُك ْن لِل َْم ْر ِء َع ْق ٌل‬
‫َوال أ ََد ُ‬
‫ب ال ِ‬
‫ْج َدا ِر‬ ‫َو ُملَْت ِجًئا إِلَى َجْن ِ‬
‫ض ْجًرا‬ ‫اب َ‬ ‫َتر ُاه ِفي َذ ِوي األَلَْب ِ‬
‫َ‬
‫(‬
‫أما انقباض النفس عن الفضائل فال يسمى حياء بل هو خور وجنب فإذا كان اإلنسان عند أحد‬
‫العظم اء من الن اس ال ذين ي رتكون الص الة وي أتون املنك رات ‪ ،‬أو عند من ي رتكون ص الة اجلماعة‬
‫وانقبضت نفسه عن‬

‫‪408‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ورا ومداهنة ونفاقًا ال‬


‫فعل اخلري وانبسط معهم لفعل الشر جمازاة ومطايبة هلم ك ان فعله جنبًا وخ ً‬
‫بعض ا يف مساع املنكرات ورؤيتها ومساع‬‫حياء ومثل ذلك ما يفعله بعض الناس من جماملة بعضهم ً‬
‫الغيبة وحنوها فهذا جنب مذموم كل الذم وصاحبه شريك يف اإلمث عن مل ينكر أو يفارقهم ‪.‬‬
‫واحلي اء أم ارة ص ادقة على طبيعة اإلنس ان فهو يكشف عن قيمة إميانه ومق دار أدبه فعن دما ت رى‬
‫اإلنسان يشمئز ويتحرج من فعل ما ال ينبغي أو ترى محرة اخلجل يف وجهه صابغة إذا بدر منه ما‬
‫ال يليق ف اعلم أنه حي الض مري نقي املع دن زكي العنصر وإذا رأيت الرجل ال يك رتث وال يب ايل‬
‫فيما يبدر منه فهو امرؤ ال خري فيه وليس وازع مينعه من ارتكاب اجلرائم ‪ ،‬واقرتف اآلثام الدنايا‬
‫‪.‬‬
‫وينقسم احلي اء على قس مني حي اء من اهلل عز وجل ملا روى ابن مس عود رضي اهلل عنه أن رس ول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ألصحابه ‪ « :‬استحيوا من اهلل حق احلياء » ‪ .‬قالوا ‪ :‬إنَّا نستحي يا‬
‫نيب اهلل واحلمد هلل ‪.‬‬
‫ق ال ‪ « :‬ليس ك ذلك ولكن من اس تحيا من اهلل حق احلي اء فليحفظ ال رأس وما ح وى وليحفظ‬
‫البطن وما وعى ولي ذكر املوت والبلى ومن أراد اآلخ رة ت رك زينة ال دنيا فمن فعل ذلك فقد‬
‫استحيا من اهلل حق احلياء » ‪ .‬رواه أمحد والرتمذي وقال ‪ :‬هذا حديث غريب ‪.‬‬
‫والقسم الثاين ‪ :‬احلياء من الناس وهو بقسيمه رأس الفضائل وأساس مكارم األخالق ألنه يرتتب‬
‫عليه ما يرتتب على العدل والعفة ولذا ورد عن عمران بن حصني رضي اهلل عنهما أن النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم قال ‪ « :‬احلياء ال يأيت إال خبري » ‪ .‬متفق عليه ‪ .‬ويف رواية ملسلم ‪ « :‬احلياء خري‬

‫‪409‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫كله » ‪ .‬أو قال ‪ « :‬احلياء كله خري » ‪.‬‬


‫وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم مر على رجل من األنص ار‬
‫وهو يعظ أخاه يف احلياء فقال صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬دعه فإن احلياء من اإلميان » ‪ .‬متفق عليه‬
‫‪.‬‬
‫ويف ح ديث أيب هري رة أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ق ال ‪ « :‬اإلميان بضع وس بعون ش عبة‬
‫فأفض لها ق ول ال إله إال اهلل وأدناها إماطة األذى عن الطريق واحلي اء ش عبة من اإلميان » ‪ .‬متفق‬
‫عورا ب الواجب‬
‫طبعا وأنبلهم س رية وأعمقهم ش ً‬ ‫عليه ‪ .‬وك ان ص لى اهلل عليه وس لم أرق الن اس ً‬
‫ونفورا عن احملارم ‪.‬‬
‫ً‬
‫فعن أيب س عيد اخلدري رضي اهلل عنه ق ال ‪ :‬ك ان رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم أشد حي اء من‬
‫الع ذراء يف خ درها ف إذا رأى ش يئًا يكرهه عرفن اه يف وجهه ‪ .‬متفق عليه ‪ .‬وعن زيد بن طلحة‬
‫رضي اهلل عنه ق ال ‪ :‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ‪ « :‬إن لكل دين خل ًقا وخلق اإلس الم‬
‫احلياء » ‪ .‬رواه مالك مرسالً ورواه ابن ماجة والبيهقي يف شعب اإلميان عن أنس وابن عباس ‪.‬‬
‫مجيعا فإذا رفع أحدمها‬
‫وعن ابن عمر أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ « :‬احلياء واإلميان قرناء ً‬
‫رفع اآلخر » ‪ .‬ويف رواية ابن عب اس ‪ « :‬ف إذا س لب أح دمها تبعه اآلخر » ‪ .‬رواه ال بيهقي يف‬
‫ش عب اإلميان ‪ .‬وعن ابن مس عود ق ال ‪ :‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ‪ « :‬إنا مما أدرك‬
‫الناس من كالم النبوة األوىل إذا مل تستحي فاصنع ما شئت رواه البخاري ‪.‬‬

‫‪410‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وعن أيب هري رة رضي اهلل عنه أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ق ال ‪ « :‬احلي اء من اإلميان‬
‫واإلميان يف اجلنة والبذاء من اجلفاء واجلفاء يف النار » ‪ .‬رواه أمحد والرتمذي ‪ .‬وقال صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ « :‬احلياء والعي من اإلميان ‪ ،‬والبذاء والبيان شعبتان من النفاق » ‪ .‬رواه أمحد والرتمذي‬
‫وقال صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬احلياء نظام اإلميان » ‪.‬‬
‫ه ذا بعض ما قاله ص لى اهلل عليه وس لم يف احلي اء وهو كما ت رى يتض من وعد من اتصف باحلي اء‬
‫باجلنة ووعيد من اتصف بض ده من الب ذاء واجلف اء بالن ار ‪ .‬وال شك يف أن ذلك من أجل احلكم‬
‫وأفضل املواعظ فما من أحد يستمسك باحلياء وال حييد عنه إال عاش يف دنياه عيشة سعيدة محيدة‬
‫راضية مرضية وظفر يف آخرته بالسعادة الدائمة إذا وفقه اهلل لذلك ‪.‬‬
‫وقد علمت أن احلي اء ينقسم إىل قس مني حي اء من الن اس فأما احلي اء من اهلل فإنه ي رتتب عليه كل‬
‫الفضائل ‪ ،‬اليت يسعد هبا الناس يف دنياهم وآخرهتم فإن الذي يستحي من اهلل ال يفعل املعاصي بل‬
‫حيفظ جوارحه كلها عنها وال يرتك واجبًا ما دام يؤمن بأن اهلل مطلع عليه ال ختفى عليه خافية من‬
‫أمره ‪.‬‬
‫َس ُاؤوا مِب َا‬ ‫وأنه ال بد أن جيزي احملسن بإحسانه واملسيء بإساءته كما قال تعاىل ﴿ لِيج ِز َّ ِ‬
‫ين أ َ‬
‫ي الذ َ‬‫َْ َ‬
‫َح َس نُوا بِاحْلُ ْس ىَن ﴾ وأنه س بحانه هو ال ذي خلق اإلنس ان وس واه كما ق ال‬ ‫ع ِملُ وا وجَي ِز َّ ِ‬
‫ين أ ْ‬
‫ي الذ َ‬‫َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫اهَرةً‬ ‫تعاىل ﴿ الَّ ِذي خلَق فَس َّوى ﴾ وأنه الذي أمده بنعمه كما قال تعاىل ﴿ وأَسبغ علَي ُكم نِعمه ظَ ِ‬
‫َ َْ َ َ ْ ْ َ َ ُ‬ ‫َ َ َ‬
‫وب ِ‬
‫اطنَةً ﴾‬ ‫ََ‬

‫‪411‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ ِ‬
‫وها ﴾ ‪.‬‬ ‫ص َ‬ ‫وقال ﴿ َو َما بِ ُكم ِّمن ن ِّْع َمة فَم َن اللّه ﴾ وقال ﴿ َوإِن َتعُدُّواْ ن ْع َمةَ اللّه الَ حُتْ ُ‬
‫اه ْم يِف الَْب ِّر‬ ‫وأنه ال ذي فض له على كثري من خلقه كما ق ال تع اىل ﴿ َولََق ْد َكَّر ْمنَا بَيِن َ‬
‫آد َم َومَحَْلنَ ُ‬
‫ض يالً ﴾ وأنه م دين هلل يف‬ ‫ض ْلنَاهم علَى َكثِ ٍري مِّمَّن خلَ ْقنَا َت ْف ِ‬ ‫اهم ِّم َن الطَّيِّبَ ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ات َوفَ َّ ُ ْ َ‬ ‫َوالْبَ ْح ِر َو َر َز ْقنَ ُ‬
‫وج وده وبقائه وفنائه وبعثه وأنه حمت اج إىل اهلل يف مجيع حركاته وس كناته بل مض طر إليه ض رورة‬
‫مستمرة ‪.‬‬
‫وأنه إذا فكر يف نفسه وأدرك ما انطوت عليه من دقيق الصنع وبديع الرتكيب كما أشار إليه قوله‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نفعا وال ض ًرا فال بد أن يس تحي من‬ ‫‪َ ﴿ :‬ويِف أَن ُفس ُك ْم أَفَاَل ُتْبص ُرو َن ﴾ وعلم أنه ال ميلك لنفسه ً‬
‫عص يان ذلك اخلالق العظيم احلكيم وال بد أن يفعل ما أم ره اهلل به وينتهي عما هناه عنه وذلك هو‬
‫اخلري كله كما قال صلى اهلل عليه وسلم يف احلديث السابق ‪.‬‬
‫وه ذا واضح ألن ال ذي يطيع اهلل فيما أمر يق وم بالواجب ات ‪ ،‬وميتنع عن احملرم ات فال يظلم وال‬
‫يتكرب وال ين افق وال يك ذب وال ي رايب وال ي رائي وال خيون ويتجنب مجيع سفس اف األم ور ‪،‬‬
‫ويعمل مبعايل األخالق من العدل والتواضع واحللم والصدق والصرب والعفة وحنو ذلك ‪.‬‬
‫ومن يفعل ذلك فهو ذو فضل عظيم وخري كثري على نفسه وعلى غريه يعيش يف هذه الدنيا عيشة‬
‫ض ُل اللَّ ِه يُ ْؤتِي ِه َمن يَ َش اءُ َواللَّهُ ذُو‬ ‫لِك فَ ْ‬
‫راض ية وحييا حي اة هنية طيبة يف ال دنيا واآلخ رة ‪ ﴿ ،‬ذَ َ‬
‫ض ِل الْ َع ِظي ِم ﴾ ‪.‬‬ ‫الْ َف ْ‬
‫وقال صاحل بن عبدوس ‪:‬‬

‫‪412‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫إِ َذا قَ َّل َماءُ الَْو ْج ِه قَ َّل َحَي ُاؤ ُه‬


‫َوال َخْيَر ِفي َو ْج ٍه إِ َذا قَ ّل َم ُاؤ ُه‬
‫ك فَِإنَّ َما‬
‫احَف ْظ َعلَْي َ‬‫َحَي ُاؤ َك فَ ْ‬
‫يَ ُد ّل َعلَى ِف ْع َل الْ َك ِر ِيم َحَي ُاؤ ُه‬
‫اللهم يا جامع الناس ليوم ال ريب فيه امجع بيننا وبني الصدق والنية الصاحلة واإلخالص واخلشوع‬
‫واملراقبة واغفر لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني برمحتك يا أرحم ال رامحني وص لى اهلل على حممد‬
‫وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫وأما احلياء من الناس فهو قسمان ‪ :‬األول أن يستحي املرء من الناس وهو جازم بأنه ال يأيت هذا‬
‫أيض ا ولو مل يطلع عليه أحد من خلق‬
‫املنكر وال يفعل ه ذه الرذيلة خوفًا من اهلل تع اىل وحي اء منه ً‬
‫اهلل وهذا هو احلازم الذي عرف كيف يستفيد من صفة احلياء ‪ ،‬ويأخذ أجرها كامالً ألن احلياء‬
‫إمنا ميدح من مجيع جهاته إذا ت رتب عليه الكف عن القب ائح اليت ال يرض اها ال دين اإلس المي يف‬
‫مجيع األحوال ‪.‬‬
‫وروي أن حذيفة بن اليماين أتى اجلمعة فوجد الناس قد انصرفوا فتنكب الطريق عن الناس وقال ال خري فيمن ال يستحي من الناس ‪.‬‬

‫ش َخالًِقا‬ ‫ص ْن ِع ْر ً‬
‫ضا َولَ ْم تَ ْخ َ‬ ‫إِ َذا لَ ْم تَ ُ‬
‫اصَن ْع‬ ‫َوتَ ْسَت ِحي َم ْخلُوقًا فَ َما ِشْئ َ‬
‫ت فَ ْ‬
‫ويق ال مخسة أش ياء تقبح يف مخسة أص ناف قلة احلي اء يف ذوي األحس اب واحلدة يف الس لطان ‪،‬‬
‫والبخل يف ذوي األموال ‪ ،‬والفتوة يف‬

‫‪413‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫الشيوخ ‪ ،‬واحلرص يف العلماء والقراء ‪.‬‬


‫الثاين‪ :‬أن يرتك القبيح حياء من الناس حبيث لو مل يطلع عليه أحد لفعله ‪ ،‬وهذا حيتاج إىل عالج‬
‫ألنه ما دام عن ده ش يء من احلي اء وهو حي اؤه من الن اس فقط فما دام ال يفعل القب ائح بينهم فإنه‬
‫يسهل تذكريه بعظمة ربه وجالله وأنه أحق أن يستحيا منه ألنه القادر املطلع الذي بيده ملكوت‬
‫كل شيء ويبني له لنه ال يليق باملؤمن أن يستحي من الناس وال يستحي من اهلل وليس من العقل‬
‫وال من املروءة أن يضيع ثواب ترك القبيح بانصرافه عن مالحظة خالقه ومراقبة ربه ‪.‬‬
‫أما الذي جياهر باملعاصي وال يستحي من اهلل وال من الناس ‪ ،‬فهو من شر ما منيت به الفضيلة ألن املعاصي داء االنتقال ال تلبث أن تسري‬
‫إىل النف وس الض عيفة فيعم شر معص ية اجملاهر ويتف اقم خطبها ويص عب عالجها فض الً عما يف اجملاهرة من انته اك حرمة الفض يلة والقض اء‬
‫عليها فشره على نفسه وعلى الناس عظيم وخطره على الفضائل كبري ‪.‬‬

‫ك تُ ْذ َك ُر‬ ‫ب إِال ُدو َن َما ِمْن َ‬


‫فَال َعْي َ‬ ‫وب َه ْم‬
‫َّاس فَاْت ُر ْك ُعيُ َ‬‫ت الن َ‬‫ِش ْع ًرا ‪:‬إِ َذا َما ذَ َك ْر َ‬
‫ُعيُوبًا َولَكن ُربَّ َما ِف َ‬
‫يك أَ ْكَث ُر‬ ‫س لِلن ِ‬
‫َّاس َعْيًبا تَ ِج ْد بِِه ْم‬ ‫ِ‬
‫َمَتى َتلَْتم ْ‬

‫يح ِمْنهُ َكا َن َج ِدير‬


‫بِ ُك ِّل قَبِ ٍ‬ ‫اء فَِإنَّهُ‬ ‫ِ‬
‫ش ْع ًرا ‪:‬إِ َذا َحَّر َم ال َْم ْرءُ ال َ‬
‫ْحَي َ‬
‫ور‬ ‫ِ‬ ‫لَهُ ِق ْحة ِفي ُك ِّل أ َْم ٍر َو ِسُّر ُه‬
‫وغر ُ‬‫خنا ُ‬ ‫ُمَباح َوخدنَ ُاه ً‬
‫ور‬ ‫ِ‬ ‫ولِ َّ ِ ِ‬ ‫اء َة ِر ْف َع ًة‬ ‫َيَرى َّ‬
‫الشْت َم َم ْد ًحا َو َّ‬
‫لس ْم ِع مْنهُ في ال َْعطَاء ُنُف ُ‬ ‫َ‬ ‫الدنَ َ‬
‫يت ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ُير‬ ‫إِلَى َخْي ِر َحاالت ال َْمبِ َ‬ ‫َفَر ِج الَْفَتى َما َد َام َحيًّا فَِإنَّهُ‬
‫اصَن ْع َما تَ َشاءُ‬
‫ِ‬
‫َولَ ْم تَ ْسَتحيي فَ ْ‬ ‫ش َع ِاقَب َة اللََّيالِي‬‫آخر‪ :‬إِ َذا لَ ْم تَ ْخ َ‬
‫ْحَياءُ‬
‫ب ال َ‬‫الدْنَيا إِ َذا َذ َه َ‬
‫َوال ُّ‬ ‫ش َخْيٌر‬ ‫اهلل َما ِفي ال َْعْي ِ‬
‫فَال و ِ‬
‫َ‬
‫ُ‬ ‫اسَت ْحَيا بَ َخْي ٍر‬ ‫ِ‬
‫ْحَياءُ‬
‫َوَيْبَقى ال َْع ْود َما بَقي ال َ‬ ‫يش ال َْم ْرءُ َما ْ‬
‫يَع ُ‬

‫‪414‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫آخر‪ :‬إِ َذا ال َْم ْرءُ َوافَى األ َْربَِعين َولَ ْم يَ ُك ْن‬
‫لَهُ ُدو َن َما َي ْهَوى َحَياء َوال ِسْت ُر‬
‫فَ َد ْعهُ َوال تنفس َعلَْي ِه الَّ ِذي أَتَى‬
‫ْحَي ِاة لَهُ َّ‬
‫الد ْه ِر‬ ‫اب ال َ‬ ‫َوإِ ْن َجَّر أ ْ‬
‫َسَب َ‬
‫ومن الن اس من يتل ذذون ب ذكر فس وقهم ومعاص يهم ويتبجح ون بتع داد ج رائمهم وجناي اهتم‬
‫في ذيعون جللس ائهم ما س رته اهلل عليهم فيعرض ون أنفس هم لعقوبة ال دنيا وللحرم ان من عفو اهلل‬
‫ورمحته ‪ ،‬ويف ه ؤالء وأمث اهلم يق ول ص لى اهلل عليه وس لم كل أميت مع ايف إال اجملاهرون فيجب أن‬
‫ال ي رتكوا أولئك ال ذين جياهرون بارتك اب املوبق ات يعيش ون بينهم بل جيب على كل واحد أن‬
‫جمهودا يف ردهم عن غيهم بكل ما يستطيع من النصيحة واإلرشاد وغريها ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يبذل‬
‫وخري عالج للقض اء على ه ؤالء مق اطعتهم وع دم خمالتطهم وع دم إجابة دع وهتم واالبتع اد عنهم‬
‫واحتقارهم يف جمالسهم واالنصراف عن حديثهم عن ابتلى هبم حىت يرجعوا عن غيهم ويكفوا عن‬
‫اجملاهرة جبرائمهم ‪.‬‬
‫ومن األسف أن اجملاهرة باملعاصي قد فشت يف زماننا بدون حياء من اهلل وال من الناس فال شاب ينزجر وال شيخ يرعوي وال رجل تدركه‬
‫الغ رية وال ام رأة يغلب عليها احلي اء فتتحفظ وتتسرت ‪ ،‬وه ذا م ؤذن بعقوبة ‪ ،‬واهلل أعلم ألن األمم حتيا حي اة طيبة بالتمسك بالفض ائل ‪،‬‬
‫وتعيش عيشة س عيدة باجتن اب الرذائل ف إذا انتهكت احملارم ‪ ،‬وغلبت الش هوات ‪ ،‬وض اع احلي اء فم اذا ي رجتى بعد ذلك من عيش وراءه‬
‫سخط اهلل وعقابه ومقته وعذابه فال حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم ‪.‬‬

‫ب ال َْعالَ ِم َينا‬‫اك بَِر ِّ‬


‫َوإِ ْشَر ٌ‬ ‫اق‬ ‫ِش ْعرا ‪:‬فَ َشُّر ال َْعالَ ِمين َذوو نَِف ٍ‬
‫َ ُ‬ ‫ً‬
‫ب ال َْعالَ ِم َينا‬‫َوَت ْع ِظ ٍيم لَِر ِّ‬ ‫َّاس َذ ُو ِدي ٍن َمتِي ٍن‬
‫َو َخْي ُر الن ِ‬

‫‪415‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫موعظة‬
‫عب اد اهلل إن احلي اء كما علمتم من اإلميان وإنه ال ي أيت إال خبري وأنه خلق اإلس الم وذلك أنه‬
‫جير إىل الكماالت وإىل الفضائل فمن مل يكن من أهل احلياء حقيقة فليقتدي هبم وليتشبه هبم‬
‫ألهنم خاصة الفضالء ‪.‬‬
‫ف ذو احلي اء اخللقي مينعه حي اؤه من الع دوان على املخلوق ات ذو احلي اء ال تب در ب ادرة بينها‬
‫وبني الفض ائل تن ايف ذو احلي اء ال يق دم على الزنا بل وال على مغازلة النس اء اليت هي مفت اح‬
‫الفس وق وال يق دم على معاملة يف الربا لعلمه أن متع اطي ال رىب الع امل بتحرميه حمارب هلل‬
‫ورسوله ‪.‬‬
‫ذو احلي اء ال يغش أخ اه املؤمن لعلمه بتح رمي الغش وأن من غش نا فليس منا ‪ ،‬ذو احلي اء ال‬
‫يعثو يف حلوم الغوافل ‪ ،‬ذو احلي اء ال ينقل كالم م ؤمن على أخيه لقصد اإلفس اد بينهم ‪ ،‬ذو‬
‫احلياء ال يعق والديه وال يقطع ما أمر اهلل به أن يوصل وال يشهد بالزور وال يؤذ جريانه ‪.‬‬
‫ص احب احلي اء يبتعد عن أكل احلرام وعن اجملاهرة باملعاصي فال حيلق حليته ألنه يعلم أنه‬
‫ب ذلك ع اص هلل ولرس وله وال خينفس وال جيعل ت واليت لعلمه أن ذلك تش به ب اإلفرنج وال‬
‫يستعمل املالهي بأنواعها من تلفزيون أو سينما أو مذياع أو كرة أو بكم أو عود أو فيديو‬
‫أو حنو ذلك من البدع احملرمات اليت حدثت يف زماننا كاملذكورات ‪.‬‬
‫صاحب احلياء ال يشرب الدخان أو إن بلي به فال يشربه يف‬

‫‪416‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫األس واق وجمامع الن اس لعلمه أنه إذا ج اهر به يف ذلك ازداد إمثه وعظم جرمه ‪ ،‬ذو احلي اء ال‬
‫خيلو ب أمره ال حمرم معها ال يف بيت وال يف س يارة وال يف أي حمل لعلمه أن خل وة باألجنبية‬
‫حمرم لألحاديث الواردة يف ذلك ‪.‬‬
‫صاحب احلياء ال يبيع ويشرتي يف صور ذوات األرواح جمسدة أو غري جمسدة وال يبيع آالت‬
‫اللهو ك التلفزيون والس ينما واملذياع لعلمه أن ذلك حمرم وأنه بتعاطيه ذلك يك ون معينًا على‬
‫نشر املعاصي يف أرض اهلل بل وال يصلحها ألن ذلك مساعدة على املعاصي ‪.‬‬
‫واألجرة حرام اليت تأيت مقابل تصليح آالت اللهو والفسوق وقس على ذلك باقي احملرمات‬
‫فص احب احلي اء اخللقي يس تحي من اهلل ‪ ،‬ومن اس تحيا من اهلل مل يغض به ‪ .‬ص احب ال دين‬
‫واحلي اء ال يعمر قص ور لألع راس وال يش ارك يف عمارهتا لعلمه أن ذلك يص ادم ختفيف‬
‫الص داق ال ذي هو س بب لتكثري أمة حممد ‪ ، r‬نس أل اهلل أن يعص منا وإخواننا املس لمني عن‬
‫عمارهتا واملشاركة فيها اللهم صلى على حممد وعلى آله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫وق ال ص لى اهلل عليه وس لم ‪ « :‬إذا أراد اهلل أن يهلك عب ًدا ن زع منه احلي اء ؛ ف إذا ن زع منه‬
‫احلي اء مل تلفه إال مقيتًا ممقتًا ‪ ،‬ف إذا مل تلفه إال مقيتًا ممقتًا ن زعت منه األمانة ‪ ،‬ف إذا ن زعت منه‬
‫األمانة مل تلفه إال خائنًا خمونًا ‪ ،‬ف إذا مل تلفه إال خائنًا خمونًا ن زعت منه الرمحة ‪ ،‬ف إذا ن زعت‬
‫رجيما ملعنًا نزعت منه ِر ْب َق ِة اإلسالم ‪ .‬رواه ابن ماجه ‪.‬‬
‫منه الرمحة مل تلفه إال ً‬
‫ق ال العلم اء على ه ذا احلديث ‪ :‬وه ذا ت رتيب دقيق يف وص فه ألم راض النف وس وتتبعه‬
‫كرا فإن الرجل إذا مزق جلباب‬ ‫ألطوارها وكيف تسلم كل مرحلة خبيثة على أخرى أشد نُ ً‬
‫احلي اء عن وجهه ومل يتهيب على علمه حس ابًا ومل خيش يف س لوكه لومة الئم مد يد األذى‬
‫للناس‬

‫‪417‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وطغى على كل من يقع يف سلطانه ‪.‬‬


‫ومثل ه ذا الش خص الش رس لن جتد له قلبًا يعطف عليه بل يغ رس الض غائن يف القل وب‬
‫وينميها وأي ش خص ج ريء على اهلل وعلى الن اس وال ي رده عن اآلث ام حي اء ف إذا ص ار‬
‫الش خص هبذه املثابة مل ي ؤمتن على ش يء قط إذ كيف ي ؤمتن على أم وال ال خيجل من أكلها‬
‫أو على أع راض ال يس تحي من فض حها أو على موعد ال يهمه أن خيلفه أو على واجب ال‬
‫يبايل أن يفرط فيه أو على بضاعة ال يتنزه عن الغش فيها ‪.‬‬
‫ف إذا فقد الش خص حي اءه وفقد أمانته أص بح وحش يًا كاس ًرا ينطلق معرب ًدا وراء ش هواته‬
‫ويدوس يف سبيلها أزكى العواطف فهو يغتال أموال الفقراء غري شاعر حنوهم برقة وينظر إىل‬
‫املنكوبني واملستضعفني فال يهتز فؤاده بشفقة فهو ال يعرف إال ما يغويه ويغريه باملزيد ‪.‬‬
‫ويوم يبلغ امرؤ هذا احلضيض فقد أفلت من قيود الدين واخنلع من ربقة اإلسالم ‪ ،‬وللحياء‬
‫مواضع يس تحب فيها ‪ ،‬فاحلي اء يف الكالم يتطلب من املس لم أن يطهر فمه من الفحش وأن‬
‫ي نزه لس انه عن العيب وأن خيجل من ذكر الع ورات ف إن من س وء األدب أن تفلت األلف اظ‬
‫البذيئة من املرء غري ع ابئ مبواقعها وآثارها ومن احلي اء أن يقتصد املس لم يف الكالم يف حتدثه‬
‫يف اجملالس ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫حكما رائعة ال يستغين عنها اللبيب ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ش ْعًرا ‪ :‬هذه قصيدة مملوءة ً‬
‫ْح ْمد َت ْغَن ُم لَ َّذ َة ال ُْع ْم ِر‬ ‫أ ِ‬
‫َحس ْن َجَنى ال َ‬
‫ْ‬
‫السَي ِر‬ ‫اك ِفي ب ِاه ِر األَ ْخ ِ‬
‫الق َو ِّ‬ ‫َو َذ َ‬
‫َ‬

‫‪418‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫اج ُد الْغَطْ ِر ِ‬ ‫هم الَْفَتى الْم ِ‬


‫ج‬

‫يف َم ْكرمةٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬


‫ضوع نَ ِادي ال َْمال ِم ْن نَ ْش ِر َها ال ِْعطْر‬ ‫يَ ُ‬
‫ب ال َْم َح ِامد ال‬ ‫َو ِحلَْية ال َْم ْر ِء فَي َك ْس ِ‬
‫الد َر ِر‬
‫ان َو ُّ‬ ‫فَي نَظ ِْم َع ْق ٍد ِمن ال ِْع ْقي ِ‬
‫َ َ‬
‫سو ال َْم َح ِام ُد َو ْجه ال َْم ْر ِء َب ْه َج َتها‬ ‫تَ ْك ُ‬
‫ض بِال َْمطَ ِر‬ ‫الر ْو ِ‬ ‫الز ْه ُر َز ْهَر َّ‬
‫َك َما ا ْكَت َسى َّ‬
‫اب َمْنشؤه‬ ‫الذ ْكر َح ْم ًدا طَ َ‬ ‫يَ ْخلُ ُد ِّ‬
‫ص ِر‬
‫ف ال َْع ْ‬ ‫س يَ ْم ُحو ال َْمَزايا َسالِ َ‬ ‫َولَْي َ‬
‫ض ِل ال ُْمبِي ِن َك َما‬ ‫تَميز النَّاس بِالَْف ْ‬
‫تَ َمَّيُزوا َبْيَن ُه ْم ِفي َخلِْق ِه ُّ‬
‫الصو ِر‬
‫يمتُهُ‬ ‫ِ‬ ‫بَِق ْد ِر َم ْع ِرفَِة ِ‬
‫اإلنْ َسان ق َ‬
‫ض ِل َكا َن الَْف ْر ُق ِفي الَْب َش ِر‬ ‫َوبِالَْف ْ‬
‫ض ُل ِفي َبّز ِة َت ْز ُهو بَِر ْونَِق َها‬ ‫َما الَْف ْ‬
‫ض ٍل ال ب ِري ٍز َعلَى َم َد ِر‬ ‫َي فَ ْ‬‫َوأ ُّ‬
‫ضل ِفي ِعل ٍْم َو ِفي أ ََد ٍ‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫َوإنَّ َما الَْف ْ ُ‬
‫ص ْدق ُم ْفَت َخ ِر‬ ‫و ِفي م َكا ِرٍم تَ ْجلُو ِ‬
‫َ َ‬
‫فَال تَساو بِأَ ْخ ٍ‬
‫الق ُم َه َّذبَة‬ ‫َ‬
‫ِح الَْبَق ِر‬ ‫ت ِم ْن َسار ِ‬ ‫أَ ْخالق س ٍ‬
‫وء أَتَ ْ‬ ‫ُ‬
‫صي َهَو ُاه َوقَ ْد‬ ‫و ُخ ْذ بِمْن َه ِج من ي ْع ِ‬
‫َْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْح َجا ِفي ُك ِّل ُم ْؤتَ َم ِر‬ ‫اع أ َْهل ال ِ‬
‫أَطَ َ َ‬
‫السِل ِيم َو َم ْن‬
‫إِ َّن ال َْهَوى ُي ْف ِس ُد ال َْع ْق َل َّ‬
‫اش ِفي أ َْم ٍن ِم َن الضََّر ِر‬ ‫َي ْعصي ال َْهَوى َع َ‬
‫ِ‬

‫‪419‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫س ِفي غَ ٍي ُيلَ ُّم بَِها‬ ‫َو َج ِاه ِد َّ‬


‫النْف َ‬
‫َكْيال تُ َماثِل نَ ْذالً غَْير ُم ْعَتَب ٍر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوفي ُم َعا َشَرة األَنْ َذ ِال َمْنَق َ‬
‫صةٌ‬
‫الص َدا ِم ْرآة ِذي ِف ْك ٍر‬ ‫بَِها َي ُع ُّم َّ‬
‫س َيْبلُ ُغ ُكْن َه ال َْم ْجد غَْيَر َفَتى‬‫َولَْي َ‬
‫َّج ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب ال َْم َعالي َخْيَر ُمت َ‬ ‫َيَرى ا ْكت َس َ‬
‫يم َيَرى َح ْم َل ال َْم َشَّقة ِفي‬ ‫ِ‬
‫إ َّن الْ َك ِر َ‬
‫اصطَبِ ِر‬ ‫َني ِل الْعلَى ِمن لَ ِذ ِ‬
‫يذ ال َْعْي ِ‬
‫ش فَ ْ‬ ‫ْ ُ ْ‬
‫يما تَ َج َّش َمهُ‬ ‫ِ‬
‫الصْب ُر َع ْو ُن الَْفَتى ف َ‬
‫فَ َّ‬
‫اض ُح الَْو ِع ِر‬ ‫اد َة َن ْهج و ِ‬
‫السَي َ ٌ َ‬ ‫إِ َّن ِّ‬
‫صْبَر َع ْن ُم ْهَيأ ٍَة‬ ‫الصْب ِر َ‬
‫ض ُل َّ‬ ‫َوأَفْ َ‬
‫اهلل فَا ْز َد ِج ِر‬ ‫ف ِ‬ ‫اصي لِ َخو ِ‬ ‫ِمن الْمع ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ََ‬
‫ظ بِ َما‬‫ات تُ ْح َ‬ ‫اع ِ‬ ‫ب الطَّ َ‬ ‫صِ‬‫اصبِ ْر َعلَى نَ ْ‬
‫َو ْ‬
‫أََّملَْتهُ ِم ْن َع ِظ ِيم َّ‬
‫الصْف ِح ُم ْغَتَف ٍر‬ ‫(‬
‫ت‬‫ْكَتاب أَتَ ْ‬ ‫آي ال ِ‬ ‫ف َو َسْب ُعو َن ِم ْن ِ‬‫َنْي ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِفي َّ‬
‫صطََب ِر‬‫الصْب ِر فَا ْع َم ْل بَِها طُوبَى ل ُم ْ‬
‫الق مح ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اسُن َها‬ ‫ش َم َحالً بِأَ ْخ َ َ‬ ‫َوع ْ‬
‫تُ ْجِلي َعلَى أ َْو ُج ِه األَيَّ َام َكالْغَُر ِر‬
‫اح َشة‬ ‫ِدين بِِه ِعصمةٌ ِمن ُك ِّل فَ ِ‬
‫َْ ْ‬ ‫ٌ‬
‫ت ِم ْن بٍِّر فَال تَ َذ ِر‬ ‫اسَتطَ ْع َ‬ ‫َو ُك ّل َما ْ‬
‫صْنهُ بِِه‬ ‫إِ َّن الْعَف َ ِ ِ‬
‫َّس ِل ُ‬ ‫اف ح َمى للن ْ‬ ‫َ‬
‫إِ َذا أَضعت ال ِ‬
‫ْح َمى َي ْر َع ُاه ُك َّل َج ِري‬

‫‪420‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ِّساء َو ِفي‬ ‫فن الن َ‬ ‫يل ُعُّفوا َت ُع َّ‬ ‫ِ‬


‫قَ ْد ق َ‬
‫ض ُح النّذ ِر‬ ‫ِمْثَق ِال َخْي ٍر فَ َشّر أ َْو َ‬
‫اف فَ ُك ْن‬‫ص ْد ُق الْعَف ِ‬ ‫وِمن جم ِال الَْفَتى ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ ََ‬
‫بِِه ُم َحلًّى َخِلي ًقا ُمْنَتهى ال ُْع ْم ِر‬
‫اهلل َت ْع ُل بَِها‬‫والْز ْم َفوائِد َت ْقوى ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫الزبر‬‫إِنِّي َسأُو ِر ُد َها َع ْن ُم ْح َك ِم ّ‬
‫ج ِم ْن ُك ِّل َح ِادثٍَة‬ ‫التَقى َم ْخَر ُ‬ ‫فَبِ ُّ‬
‫ص ْولَِة األَ ْع َدا َم َع الظََّفر‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َوالْح ْفظ م ْن َ‬
‫ْح ّل ُم ْقَت ِرن‬ ‫الر ْزق ِفي ِد َع ِة بِال ِ‬ ‫َو ِّ‬
‫َو ُح ْس ُن َع ِاقَبة ِفي َخْير ُم َّد َخر‬
‫ور بِِه تَ ْم ِشي َو َم ْغِفَرةٌ‬ ‫اء نُ ٌ‬‫َو َج َ‬
‫ْح َذر‬ ‫ِ‬ ‫الذنُ ِ‬ ‫ِم َن ُّ‬
‫وب َو َمْن َجاةٌ م َن ال َ‬
‫ضَرُت َها‬‫الدْنَيا َو ُ‬ ‫بِِه الْبُ َش َارة ِفي ُّ‬
‫َّجاة ِم َن األ َْهَو ِال َو َّ‬
‫الشَر ِر‬ ‫بِه الن َ‬
‫ِ‬

‫اهلل َت ْغ َشى ال ُْمَتِقي َولَهُ‬ ‫ور ْحمةُ ِ‬


‫ََ َ‬
‫ُقبُولُهُ َولَهُ ا ِإل ْكَر ُام فَا ْعَتبِر‬
‫الح ِفي َع َم ٍل‬ ‫ص ُ‬ ‫التَقى َت ْغَن ْم ا ِإل ْ‬‫َوبِ ُّ‬
‫َوتَ ْسَتِفي ُد بِِه ِعل ًْما بِال َس َه ْر‬
‫صى لَهُ َع َد ٌد‬ ‫ك ال يُ ْح َ‬ ‫َوَن ْف ُع َذلِ َ‬
‫اب قُري‬ ‫ْكَت ِ‬ ‫آي ال ِ‬‫ك ِفي ِ‬ ‫ص َذلِ َ‬ ‫َونَ ُّ‬
‫ت‬‫َو َخْي ُر َما َي ْقَتنِي ا ِإلنْ َسا ُن إِ ْن َك ُر َم ْ‬
‫ت ِرقَةُ ّ‬
‫السح ِر‬ ‫اد ْ‬ ‫أَ ْخالقُهُ َو ْ‬
‫اسَتَف َ‬

‫‪421‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ك بَِها‬ ‫َوِم ْن َم َكا ِرِم َها َع ْشٌر َعلَْي َ‬


‫فَِإَّن َها ِح َك ٌم ُت ْر َوى َع ِن األَثَ ِر‬
‫يث فَال َت ْع ِد ْل بِِه ُخلًُقا‬ ‫ص ْد ُق الْح ِد ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫السَر ِر‬
‫خ ُّ‬ ‫َتْبلُ ُغ ِم َن ال َْم ْج ِد أَْب َهى بَ ِاذ ُ‬
‫ْس َي ْوم َوغَى‬ ‫و ُكن َخِلي ًقا بِ ِ‬
‫ص ْد ِق الَْبأ ِ‬ ‫َ ْ‬
‫ْجب ِن َوالْ ُخو ِر‬ ‫ب الَْفَتى بِال ْ‬ ‫فَ َشُّر َعْي ِ‬
‫ض غَ ْمَرتَِها‬ ‫ب ُمَن ِادي ال ُْعلَى ِفي َخ ْو ِ‬ ‫ِ‬
‫أَج ْ‬
‫السم ِر‬ ‫الل الْبِ ِ‬ ‫ت ِظ ِ‬ ‫فَال ِْعّز تَ ْح َ‬
‫يض َو ّ‬
‫ِ‬
‫صَرتُهُ‬‫ب ال ِْم ْق َد ُام نُ ْ‬ ‫بِ َّ‬
‫الصْب ِر يَ ْكَتس ُ‬
‫ِّد ِمْنهُ ثَوب ُمْن َذ ِع ِر‬ ‫س الض َّ‬ ‫ِ‬
‫َوَي ْلب ُ‬
‫ِ‬
‫َج ٍل‬‫َوال يُ ْدنِّي لَهُ ا ِإلقْ َد ُام م ْن أ َ‬
‫استُهُ ُم ْسَتأ ِْخ ُر الَْق َد ِر‬ ‫ِ ِ‬
‫يَ ْكفي حَر َ‬
‫وف ُم ْجَت ِه ًدا‬ ‫واح ِرص َعلَى َعم ِل الْمعر ِ‬
‫َ َ ُْ‬ ‫َ ْ ْ‬
‫ك أ َْر َجى ُك ّل ُمْنَت ِظر‬ ‫فَِإ َّن َذلِ َ‬
‫س ِم ْن َحالَ ْة َتْبَقى َك َهْيَئتِ َها‬ ‫َولَْي َ‬
‫الصَفاء َخ ْوفًا ِم َن الْ َك َد ِر‬ ‫فَا ْغَن ْم َزَمان َّ‬
‫الزَما ُن بِِه‬ ‫ال َّ‬ ‫يع َوإِ ْن طَ َ‬ ‫ِ‬
‫َوال يَض ُ‬
‫ص ٍر أُْنثَى أ َْو َّ‬
‫الذ َكرِ‬ ‫م ْعروف مسَتْب ِ‬
‫ُْ‬ ‫َُ‬
‫ت إِ ًذا‬ ‫ف لَهُ أ َْهالً فَأَنْ َ‬ ‫ص ِاد ْ‬‫إِ ْن لَ ْم تُ َ‬
‫صر‬ ‫ُكن أ َْهلُهُ و ْ ِ‬
‫اصطَن ْعهُ غَْير ُم ْقَت َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ث أَتَى‬‫وف َحْي ُ‬ ‫ك الْملْه ِ‬ ‫أ َِغ ْ‬
‫ث بِإ ْم َكانِ َ َ ُ‬
‫ال ُمْن َك ِسر‬‫بِالْ َك ْس ِر فَاهللُ َي ْر َعى َح َ‬

‫‪422‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صَن ُعوا‬ ‫َو َكافْئ َن َذ ِوي ال َْم ْع ُروف َما َ‬
‫َحَرا ِر َكال َْمطَر‬ ‫الصَنائِ َع بِاأل ْ‬
‫إِ َّن َّ‬
‫وال تَ ُكن سب ًخا لَم يِ ِج ْد م ِ‬
‫اطَر ُه‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫الز ْه ِر َوالث ََّم ِر‬ ‫ض أَتَى بِ َّ‬ ‫َو ُك ْن َكَر ْو ٍ‬
‫ك ِغَنى‬ ‫صنِيع َة ُحٍّر َح َاز َعْن َ‬ ‫َوا ْذ ُك ْر َ‬
‫وقَ ْد َتَقا َ ِ‬
‫ي ُم ْفَتَق ِر‬ ‫ضْيَتهُ في ِز ّ‬ ‫َ‬
‫ت تَأْلَُفهُ‬ ‫ص ِد ٍيق ُكْن َ‬ ‫ِ‬
‫احَف ْظ ذ َمام َ‬ ‫َو ْ‬
‫صْن َها َع ْن يَ ِد الْغَْي ِر‬ ‫ْجا ِر ُ‬ ‫َوذَّم َة ال َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ب َمَو َّدتُهُ‬ ‫ص ْل أَخا َرح ٍم تَ ْك َس ْ‬ ‫َو ْ‬
‫صر‬ ‫وب َتر ُاه َخْير مْنَت ِ‬ ‫َوفَي الْ ُخطُ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫ص َل ِفي َعِق ٍ‬ ‫صلُهُ قَ ْد يَ ُجُّر الَْو ْ‬
‫َو َو ْ‬
‫اد بِِه ِفي ُم َّدِة ال ُْع ُم ِر‬ ‫َوقَ ْد َي ْز ُ‬
‫َو ُج ْد َعلَى َسائِ ٍل َوافَى بِ ِذلَّتِ ِه‬
‫النْفع ُم ْحَتَقر‬ ‫يل َّ‬ ‫َولَْو بِ َش ْيٍء قَِل ِ‬
‫احَف ْظ أ ََمانَة َم ْن أَبْ َدى َس ِر َيرتُهُ‬ ‫َو ْ‬
‫َماالً َو َحاالً لِ ُح ْس ِن الظَّ ِن َوالنَّظَ ِر‬
‫وف َو ُك ْن َعْب ًدا لِ ِخ ْد َمتِ ِه ْم‬‫َواق ِر الضُّيُ َ‬
‫السَف ِر‬
‫ش َوال تَ ْسأ َْل َع ِن َّ‬ ‫ش بِ َّ‬ ‫َو ُه ُّ‬
‫َوبَ ِاد ْر َن إِلَْي ِه ْم بِالَّ ِذي اقَْتَر ُحوا‬
‫س بِال َم ٍّن َوال َك َد ِر‬ ‫يب َن ْف ٍ‬ ‫َع ْن ِط ِ‬
‫سو َن بَِها‬ ‫ٍ‬ ‫و ُخ ْ ِ ِ‬
‫ض ب ِه ْم في ُفنُون يَأْنَ ُ‬ ‫َ‬
‫اع ِفي َّ‬
‫الس َمر‬ ‫َس َم ِ‬ ‫ِمن ُك ِّل ما طَ ِ‬
‫اب لأل ْ‬‫َ َ‬ ‫ْ‬

‫‪423‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫لِ ُك ِّل َقوٍم مَق ٍام ِفي ال ِ‬


‫ْخطَ ِ‬
‫اب فَال‬ ‫ْ َ‬
‫ض ِر‬‫ْح َ‬ ‫اب َكال َ‬ ‫ادثََة األَ ْعر ِ‬ ‫تَ ْج َع ْل ُم َح َ‬
‫َ‬
‫ات إِ َذ َو َر ُدوا‬ ‫وق َذ ِوي ال َْهْيَئ ِ‬ ‫ف ُحُق َ‬ ‫َوا ْع ِر ْ‬
‫َّج ِر‬
‫اح َذ ْر َحالَ َة الض َ‬ ‫يك فَ ْ‬ ‫لص َعالِ َ‬ ‫َولِ َّ‬
‫آدابًا َسأُو ِر ُد َها‬ ‫َوالَْز ْم لِ َدى األَ ْك ِل َ‬
‫اعي ِعْن َد ُك َّل َس ِري‬ ‫تَِعش ح ِمي َد الْمس ِ‬
‫ََ‬ ‫ْ َ‬
‫ت أ ََّو ُل بَ ٍاد بِ ْامتِ َد ِاد يَ ٍد‬‫ُك ْن أَنْ َ‬
‫اهلل َو ْابَت ِد َرا‬
‫إِلَى الطََّع ِام َو َس ِّم َ‬
‫اسَب ٍة‬ ‫ِ ٍ ِ‬
‫َصَفى َحديث في ُمَن َ‬ ‫َوا ْشَر ْع بِأ ْ‬
‫الز ِاد أُنْ ًسا َوَت ْر ِغ ًيبا بِال َه َذ ِر‬ ‫بِ َّ‬
‫ٍ‬
‫ال ُت ْؤثَِر َّن بِ َش ْيء لَ َّذ َمط َْع ُمهُ‬
‫ف ِف ِيه َح ِري‬ ‫َن ْف ًسا َوال َولَ ًدا فَالضَّْي ُ‬
‫آخُر ُه ْم‬ ‫و ُكن إِ َذا قَام ُك ُّل الَْقوِم ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫ِ ِ‬
‫ص ِر‬‫وم بِالبَّ َ‬ ‫ض َع ْن َمد أَيْدي الَْق َ‬ ‫َوغُ َّ‬
‫ك أ َْهالً لِلضَِّيافَ َة قُ ْم‬ ‫َو َم ْن أَقَ َام َ‬
‫اسَت ِز ْد إِْن َع َام ُم ْقَت ِد ِر‬ ‫بِ ُ ِ‬
‫ش ْك ِره َو ْ‬
‫ْحَي ِاء فَ ُك ْن‬ ‫س َما قَ ْد ذَ َك ْرنَ ُاه ال َ‬ ‫َو َرْأ ُ‬
‫ْحَب ِر‬‫ِمن الْحي ِاء بِأَوفَى ب ِاه ِر ال ِ‬
‫َ ََ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْحَياءُ لَهُ‬ ‫ين إِال ل َم ْن َكا َن ال َ‬ ‫ال د َ‬
‫إِلًْفا قَ ِر ًينا َفَي ْس ُمو ُك ّل ُم ْسَتتِرِ‬
‫اك ِفي َم ٍأل‬ ‫اسَت ِحي ِم ْن َخالِ ٍق َي ْر َع َ‬ ‫فَ ْ‬
‫الء َو ُك ْن ِمْنهُ َعلَى َح َذ ِر‬ ‫و ِفي َخ ٍ‬
‫َ‬

‫‪424‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫الر َذائِ ُل بَ ْل‬ ‫َوال َْع ِاق ُل َّ‬


‫الش ْه ُم َم ْن يَأَبَى َّ‬
‫ب الْ َخَب ِر‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫يَ ْخَت ُار م ْن ُك ِّل َش ْيء أَطَْي َ‬
‫بِالْع ْق ِل تُ ْد ِر ُك غَاي ِ‬
‫ات الْ َك َم ِال َك َما‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫بِِه تُ َمِّيُز َبْي َن َّ‬
‫النْف ِع َوالضََّر ِر‬

‫اهلل الْ َك ِر َ‬
‫يم َوال‬ ‫ف َ‬ ‫اله لَ ْم َن ْع ِر ُ‬
‫لَْو ُ‬
‫نَ ْمَت ُاز َي ْو ًما َع ِن األَْن َع ِام ِفي الِْفطْ ِر‬
‫اسَت ْع ِم ِل ال َْع ْق َل ِفي ُك ِّل األ ُُمو ِر َوال‬ ‫فَ ْ‬
‫ص ِر‬ ‫اط ِ‬‫تَ ُكن َكح ِ‬
‫ش الَْب َ‬‫ب لَْي ٍل أَ ْع َم َ‬ ‫ْ َ‬
‫يل َع ْق ِل الَْفَتى بَ ِادي ُم ُر َو َءتِِه‬ ‫ِ‬
‫َدل ُ‬
‫فَ َم ْن تَ َجنََّب َها فَال َْع ْق ُل ِمْنهُ بَ ِري‬
‫َعا ِري الْمر ِ‬
‫الق لَهُ‬‫س ال َخ َ‬ ‫وءة نَ ْك ٌ‬
‫ُُ َ‬
‫وب لَ َدى الَْب َش ِر‬ ‫وذُو الْمر ِ‬
‫وءة َم ْحبُ ٌ‬ ‫ُُ َ‬ ‫َ‬
‫وء ِة يَأْبَى أَ ْن َي ُر َّد َذ ِوي ال‬ ‫أَ ُخو ال ُْم ُر َ‬
‫ضِل ِه ِفي َح ِال ُمْن َك ِسرِ‬ ‫آم ِال ِم ْن ِف ْ‬ ‫َ‬
‫ال بِِه‬
‫الر َج ُ‬
‫ف َما تَ ْس ُمو ِّ‬ ‫ود أَ ْشَر ُ‬ ‫ْج ُ‬ ‫وال ُ‬
‫ال بِِه ُم ْسَت ْج َم ُع الَْف ْخ ِر‬
‫َوقَ ْد َيَن ُ‬
‫الس َخ ِاء لِ ِح ْف ِظ الن ِّْع َم ِة ا ْعَت َم ُدوا‬
‫َوبِ َّ‬
‫ِ ِ‬
‫ص َار َح ِري‬ ‫يَا َحبَّ َذا َع َم ٍل بِالْح ْفظ َ‬
‫الس َخ ِاء أَتَى‬
‫ِّين إِال بِ َّ‬ ‫صلُ ُح الد ُ‬ ‫ال يَ ْ‬
‫اإليم ِ‬
‫ان فَا ْعَتبِ ِر‬ ‫الس َخ ِ‬
‫اء م َن ِ َ‬ ‫إِ َّن َّ َ‬
‫ظ بِِه‬
‫اح َ‬ ‫ود ِمن َشج ِر الْجن ِ‬
‫َّات فَ ْ‬ ‫ْج ُ ْ َ َ‬ ‫َوال ُ‬
‫ك َّ‬
‫الش َج ُر‬ ‫ص ٍن أَتَى ِم ْن َذلِ َ‬
‫َو ُخ ْذ بَِغ ْ‬

‫‪425‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫الك ُح ْس ُن الْ ُخلُ ِق ُم ْقَت ِرنًا‬ ‫يُ ِح ُّ‬


‫ب َم ْو َ‬
‫ب ِم ْن أَثَ ِر‬ ‫ود لَ ْم َيْبِقَيا لِ َّ‬
‫لذنْ ِ‬ ‫بِالْج ِ‬
‫ُ‬
‫الس ِخ َّي حبِ ِ‬
‫يب ل ِإللَِه لَهُ‬
‫إِ َّن َّ َ ٌ‬
‫اء ِفي الْ َخَب ِر‬ ‫ُقر ٌ ِ ِ‬
‫ب م َن اهلل َه َذا َج َ‬ ‫ْ‬
‫ضةٍ‬ ‫َوال َت ُر ْح بِلَئِ ٍيم َس ْر َح َعا ِر َ‬
‫تَ ِر ْد بِِه ِفي ظَ َما ِم ْن َحافَِة الن َّْه ِر‬
‫ول ِم ْكَنتِ ِه‬‫ك ِمْنهُ طُ َ‬ ‫َوال َتغَُّرنْ َ‬
‫اء َعا ٍر بِال ِظ ٍّل َوال ثَ َم ِر‬ ‫َح ْلَف َ‬
‫يس َعًنا‬ ‫س الْ َخ ِس ِ‬ ‫يس َعلَى َن ْف ِ‬ ‫بَ ْذ ُل النَِّف ِ‬
‫ب الضََّر ِر‬ ‫ِ‬ ‫ْج ِم ِ‬ ‫ِ‬
‫يل لَ َديْهُ ُموج ُ‬ ‫ف ْع ُل ال َ‬
‫اجتِ ِه‬ ‫ومن ي ُؤ ُّم لَئِ ِ‬
‫يما عْن َد َح َ‬ ‫ً‬ ‫ََ ْ َ‬
‫ط ق ِري‬ ‫ض َكَّفْي ِه َكالْ ُك ْس ِعي َو ْس َ‬ ‫َي ُع ُّ‬
‫ض ْوا‬‫َصِفَي ٍاء َم َ‬ ‫ك سبِ ِ‬
‫يل كَر ٍام أ ْ‬ ‫اسلُ ْ َ َ‬ ‫َو ْ‬
‫اق ُمْنَت ِش ِر‬ ‫بِ ُك ِّل حم ٍد َعلَى اآلفَ ِ‬
‫َْ‬
‫اح َذر طََبائِ َع أ َْه ِل اللَّْوِم إِ َّن لَ ُه ْم‬ ‫َو ْ‬
‫اآلص ِال َوالْبُ ْك ِر‬‫وم َعلَى َ‬ ‫َذ ًما يُ ُد ُ‬
‫َوا ْغَن ْم َم َكا ِر َم ُتْبِق َيها ُم َخلَّ َدةٌ‬
‫َّاس ِم ْن بَ ْد ٍو َوِم ْن َح َ‬
‫ض ِر‬ ‫ْس ِن الن ِ‬ ‫في أَل ُ‬
‫ِ‬

‫فَ َخْي ُر ِف ْع ِل الَْفَتى ِف ْع ٌل ُيَبلِّغُهُ‬


‫ِم َن ال َْم َح ِام ِد َما ُيْبَقى َعلَى األَثَ ِر‬
‫الذ ْك ُر ِم ْن َح َس ٍن‬ ‫فَال َْم ْرءُ َي ْفَنى َوَيْبَقى ِّ‬
‫يح فَ ُخ ْذ َما ِشْئَتهُ َو َذ ِر‬ ‫َوِم ْن قَبِ ٍ‬

‫‪426‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ُّص ِح َك ِافلَةٌ‬ ‫ِ ِ‬
‫َو َه ِذه ح َك ٌم بِالن ْ‬
‫ص ُقولَِة الِْف َك ِر‬
‫ت َو َع ْن َم ْ‬ ‫بِ َّ‬
‫النْق ِل َج َ‬
‫اء ْ‬
‫اللهم أنظمنا يف س لك عب ادك املخلصني ووفقنا للقي ام بأرك ان دينك الق ومي وجننا من لفح ات‬
‫اجلحيم وأس كنا يف جن ات النعيم واغفر لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني األحي اء منهم واملي تني‬
‫برمحتك يا أرحم الرامحني ‪ .‬وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫ق ال يف خمتصر منه اج القاص دين ‪ :‬واعلم أنا قد ذكرنا مجلة من نعم اهلل على خلقه ونعمة‬
‫الب دن واح دة من النعم الواقعة يف الرتبة الثانية فلو أردنا أن نستقصي األس باب اليت هبا متت‬
‫هذه النعمة مل نقدر عليها ولكن األكل أحد أسباب الصحة ‪ ،‬فلنذكر شيئًا من األسباب اليت‬
‫يتم هبا األكل على سبيل التدريج ال على سبيل االستقصاء ‪.‬‬
‫فنق ول ‪ :‬من مجلة نعم اهلل عليك أن خلق لك آلة اإلحس اس وآلة احلركة يف طلب الغ ذاء‬
‫فانظر إىل ترتيب حكمة اهلل تعاىل يف احلواس اخلمس اليت هي آلة لإلدراك ‪.‬‬
‫فأوهلا حاسة اللمس وهو أول حس خيلق للحي وان وأنقص دراج ات احلس أن حيس مبا‬
‫يالص قه ف إن اإلحس اس مبا يبعد منه أمت ال حمالة ف افتقرت إىل حس ت درك به ما بعد عنك‬
‫فخلق لك الشم ت درك به الرائحة من بعد ولكن ال ت دري من أي ناحية ج اءت الرائحة‬
‫كثريا ‪ ،‬حىت تعثر على الذي مشمت رائحته ورمبا مل تعثر عليه ‪.‬‬‫فتحتاج أن تطوف أي تدور ً‬
‫فخلق لك البصر لتدرك به ما بعد عنك وتدرك جهته فتقصدها‬

‫‪427‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ناقص ا إذ ال ت درك ب ذلك ما وراء اجلدار‬ ‫بعينها إال أنه لو مل خيلق لك إال ه ذا لكنت ً‬
‫واحلج اب فرمبا قص دك ع دو بينك وبينه حج اب وق رب منك قبل أن ينكشف احلج اب‬
‫فتعجز عن اهلرب فخلق لك الس مع حىت ت درك به األص وات من احلج رات عند جري ات‬
‫احلرك ات وال يكفي ذلك لو مل يكن لك حسن ذوق إذ به تعلم ما يوافقك وما يض رك‬
‫خبالف الشجرة فإنه يصب يف أصلها كل مائع وال ذوق هلا فتجذبه ورمبا يكون ذلك سبب‬
‫جفافها وتالفها ‪.‬‬
‫مث أكرمك تعاىل بصفة أخرى هي أشرف من الكل وهو العقل فبه تدرك األطعمة ومنفعتها‬
‫وما يضر يف املال وبه ت درك طبخ األطعمة وتأليفها وإع داد أس باهبا فتنتفع به يف األكل ال ذي‬
‫هو سبب صحتك وهي أدىن فوائد العقل واحلكمة الكربى فيه معرفة اهلل تعاىل ‪.‬‬
‫وما ذكرنا من احلواس اخلمس الظاهرة فهي بعض اإلدراكات وال تظن أننا استوفينا شيئًا من‬
‫ذلك ف إن البصر واحد من احلواس والعني آلة له وقد ركبت العني من عشر طبق ات خمتلفة‬
‫بعضها رطوبات وبعضها أغشية خمتلفة ‪.‬‬
‫ولكل واح دة من الطبق ات العشر ص فة وص ورة وش كل وهيئة وت دبري وت ركيب لو اختلفت‬
‫طبقة واح دة منها أو ص فة واح دة الختل البصر ‪ ،‬وعجز عنه األطب اء كلهم فه ذا يف حس‬
‫واحد وقس حاسة الس مع وس ائر احلواس وال ميكن أن يس توىف ذلك يف جمل دات فكيف يف‬
‫مجيع البدن ‪.‬‬
‫مث انظر بعد ذلك يف خلق اإلرادة والق درة وآالت احلركة من أص ناف النعم وذلك أنه لو‬
‫خلق لك البصر حىت تدرك به‬

‫‪428‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫الطعام ومل خيلق لك يف الطبع شوقًا إليه وشهوة له تستحثك على احلركة لكان البصر معطالً‬
‫فكم من م ريض ي رى الطع ام وهو أنفع األش ياء له وال يق در على تناوله لع دم الش هوة له‬
‫فخلق اهلل لك شهوة الطعام وسلطها عليك كاملتقاضي الذي يضطر إىل تناول الغذاء ‪.‬‬
‫مث ه ذه الش هوة لو مل تكن عند أخذ مق دار احلاجة من الطع ام ألس رفت وأهلكت نفسك‬
‫فخلق لك الكراهة عند الش بع لت رتك األكل هبا ‪ ،‬وك ذلك الق وة يف الش هوة للوق اع حلكمة‬
‫بقاء النسل ‪.‬‬
‫مث خلق لك األعض اء اليت هي آالت احلركة يف تن اول الغ ذاء وغ ريه ‪ ،‬منها الي دان ومها‬
‫مشتملتان على مفاصل كثرية لتتحرك يف اجلهات ومتتد وتنثين وال تكون كخشبة منصوبة ‪.‬‬
‫عريض ا وهو الكف وقس مة مخسة أقس ام وهي األص ابع ومتد األص ابع‬ ‫مث جعل رأس اليد ً‬
‫وجعلها خمتلفة يف الط ول والقصر ووض عها يف ص فني حبيث يك ون اإلهبام يف ج انب وي دور‬
‫على األصابع البواقي ولو كانت جمتمعة مرتاكمة مل حيصل متام الغرض ‪.‬‬
‫أظفارا وأسند إليها رؤوس األصابع لتقوى هبا ولتلتقط هبا األشياء الدقيقة اليت ال‬
‫مث خلق هلا ً‬
‫حتويها إال األصابع مث هب أنك أخذت الطعام باليد فال يكفيك حىت يصل إىل باطنك فجعل‬
‫لك الفم واللحيني خلقهما من عظمني وركب فيهما األسنان وقسمها حبسب ما حيتاج إليه‬
‫الطع ام فبعض هما قواطع كالرباعي ات وبعض ها يص لح للكسر كأني اب وبعض ها ط واحن‬
‫كاألضراس ‪.‬‬
‫وجعل اللحي األس فل متحر ًكا حركة دورية واللحي األعلى ثابتًا ال يتح رك ف انظر على‬
‫عجيب ص نع اهلل تع اىل ال ذي أتقن كل ش يء وأن كل رحى ص نعها اخللق يثبت منها احلجر‬
‫األس فل وي دور األعلى إال ه ذه ال رحى اليت هي ص نع اهلل س بحانه وتع اىل فإنه ي دور منها‬
‫األسفل على األعلى إذ لو دار األعلى خوطر باألعضاء الشريفة اليت حيتوي عليها ‪.‬‬
‫مث انظر كيف أنعم عليك خبلق اللس ان فإنه يط وف يف ج وانب الفم وي رد الطع ام من الوسط‬
‫إىل األسنان حبسب احلاجة كاجملرفة اليت ترد الطعام إىل الرحى هذا مع ما فيه من عجائب‬

‫‪429‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ق وة النطق مث هب أنك قطعت الطع ام وعجنته فما تق در على االبتالع إال ب أن ي تزلق على‬
‫احللق بنوع رطوبة فانظر كيف خلق اهلل تعاىل حتت اللسان عينًا يفيض منها اللعاب وينصب‬
‫بقدر احلاجة حىت ينعجن به الطعام ‪.‬‬
‫مث هذا الطعام املطحون املعجون من يوصله إىل املعدة وهو يف الفم فإنه ال ميكن إيصاله باليد‬
‫فهيأ لك املريء واحلنجرة وجعل رأسها طبقات ينفتح ألخذ الطعام مث ينطبق وينضغط حىت‬
‫يقلب الطع ام فيه وي يف دهل يز املريء على املع دة ف إذا ورد الطع ام على املع دة وهو خ بز‬
‫متاما‬
‫طبخا ً‬‫ودما على ه ذه اهليئة حىت يطبخ ً‬ ‫وعظما ً‬
‫ً‬ ‫حلما‬
‫وفاكهة مقطعة فال يص لح أن يصري ً‬
‫فجعل اهلل املع دة على هيئة ق در يقع فيه الطع ام فتحت وي عليه وتغلق عليه األب واب وينضج‬
‫باحلرارة اليت تتعدى إليها من األعضاء األربعة ‪.‬‬
‫وهي الكبد من جانبها األمين والطح ال من جانبها األيسر وال ثرب من أمامها وحلم الص لب‬
‫متشبها يصلح للنفوذ يف جتاويف العروق مث‬
‫ً‬ ‫مائعا‬
‫من خلفها فينضح الطعام بإذن اهلل ويصري ً‬
‫ينصب الطعام من العروق‬

‫‪430‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫إىل الكبد فيس تقر فيها ريثما يص لح له نضج آخر مث يتف رق يف األعض اء ويبقى منه ثفل مث‬
‫يندفع ‪.‬‬
‫ف انظر إىل نعم اهلل عليك لتق وى على الش كر فإنك ال تع رف من نعمة اهلل تع اىل إال نعمة‬
‫أيض ا تع رف أهنا جتوع‬ ‫األكل وهي أبس طها مث ال تعرفه منها إال أنك جتوع فتأكل والبهيمة ً‬
‫وتأكل وتتعب فتن ام وتش تهي فتج امع وإذا مل تع رف أنت من نفسك إال ما يع رف احلم ار‬
‫فكيف تقوم بشكر اهلل تعاىل ‪.‬‬
‫ق ال ‪ :‬واعلم أن األطعمة كث رية خمتلفة وهلل تع اىل يف خلقها عج ائب ال حتصى وهي تنقسم‬
‫إىل أغذية وأدوية وفواكه وغريها فنتكلم على بعض األغذية فنقول إذا كان عندك شيء من‬
‫جائعا فما أحوجك إىل عمل ينمو به حب احلنطة‬ ‫نيت وبقيت ً‬ ‫احلنطة فلو أكلتها لف‬
‫ويتض اعف حىت يفيء بتم ام حاجتك وهو زرعها وهو أن جتعل يف أرض فيها م اء ميتزج‬
‫ماؤها فيصري طينًا ‪.‬‬
‫مث ال يكفي املاء وال رتاب إذ لو ت ركت يف أرض ندية ص لبة مل تنبت لفقد اهلواء فيحت اج إىل‬
‫تركها يف أرض متخلخلة يتغلغل اهلواء فيها ‪ ،‬مث اهلواء ال يتح رك إليها بنفسه فيحت اج إىل‬
‫ريح حيرك اهلواء ويص رفه بقهر على األرض حىت ينفذ فيها مث كل ذلك وح ده ال يغين‬
‫فيحتاج على حرارة الربيع والصيف فإنه لو كان يف الربد املفرط مل ينبت ‪.‬‬
‫مث انظر إىل املاء الذي حتتاج إليه هذه الزارعة كيف خلقه اهلل تعاىل فجر العيون وأجرى منها‬
‫مرتفعا ال يناله‬
‫األهنار وملا كان بعض األرض ً‬

‫‪431‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫املاء أرسل إليه الغيوم وسلط عليها الرياح لتسوقها بإذنه إىل أقطار العامل وهي سحب ثقال‬
‫مدرارا يف وقت احلاجة ‪.‬‬
‫مث يرسله على األرض ً‬
‫وانظر كيف خلق اهلل اجلب ال حافظة للم اء تتفجر منها العي ون ت درجيًا ‪ ،‬فلو خ رجت دفعة‬
‫واح دة لغ رقت البالد وهلك ال زرع وغ ريه ‪ ،‬وانظر كيف س خر الش مس وخلقها مع بع دها‬
‫عن األرض مس خنة هلا يف وقت دون وقت ليحصل ال ربد عند احلاجة إليه واحلر عند احلاجة‬
‫إليه ‪ ،‬وخلق القمر وجعل من خاص يته ال رتطيب ‪ ،‬فهو ينضج الفواكه بتق دير احلكيم اخلبري ‪،‬‬
‫وكل كوكب خلق يف السماء فهو لنوع فائدة ‪.‬‬
‫وملا ك انت كل األطعمة ال توجد يف كل مك ان ‪ ،‬س خر اهلل تع اىل التج ار وس لط عليهم‬
‫احلرص على مجع املال مع أنه ال يغ نيهم يف غ الب األمر ش يء بل جيمع ون األم وال فإما أن‬
‫تغ رق هبا الس فن أو تنتهبها قط اع الطريق أو ميوت ون يف بعض البالد فتأخ ذها الس الطني‬
‫وأحسن أحواهلم أن يأخذها ورثتهم وهم أشد أعدائهم لو عرفوا ‪.‬‬
‫ف انظر كيف س لط اهلل عليهم األمل والغفلة حىت يقاس وا الش دائد يف طلب ال ربح يف رك وب البح ار ورك وب األخط ار فيحمل ون األطعمة‬
‫وأنواع احلوائج من أقصى الشرق والغرب إليك فأكثر من محد اهلل وشكره ‪.‬‬

‫ب‬
‫صُ‬ ‫اقها نَ َ‬‫فَ َما تَ ْبي ُن وال َي ْعَت َ‬ ‫ب‬‫َسْي ُر ال َْمَنايَا إِلَى أَ ْع َما ِرنَا َخَب ٌ‬
‫ب‬‫صُ‬ ‫ت لَ َها نُ ُ‬ ‫بِ َذبْ ِحَنا بِ ُم ًّدى لَْي َس ْ‬ ‫ت‬‫ص َّم َم ٌ‬ ‫ِ‬
‫َّجاءُ َوأَيْد َيها ُم َ‬ ‫ف الن َ‬ ‫َكْي َ‬
‫ٍ‬ ‫الش ْم ِل ُملَْتئِ ًما‬
‫َسَفٌر لَ ُه ْم ُك َّل َي ْوم ِر ْحَلةٌ َع َج ُ‬
‫ب‬ ‫َو َه ْل ُي ْؤ َم ُل َنْي َل َّ‬
‫ِِ‬ ‫َو َما إِقَ َامُتَنا ِفي َمْن ِز ٍل َهَتَف ْ‬
‫فيه بَِنا ُم ْذ َس َكنا ِربْعةُ ُنَو ُ‬
‫ب‬ ‫ت‬
‫يب َداثٌِر َخ ِربُ‬ ‫بِأَنَّهُ َع ْن قَ ِر ٍ‬ ‫وآ َذَنْتنا وقَ ْد تَ َّم ْ ِ‬
‫ت ع َم َارتُهُ‬ ‫َ َ َ‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫إال لَِريْ ِ‬ ‫ت بَِنا َه ِذ ِه ُّ‬
‫ب ال َْمَنايَا عْن َد ُه أ ََر ُ‬ ‫الدْنَيا فَ َما أ ََم ٌل‬ ‫أ ََز ْر َ‬
‫وهل تَ ِط ِ‬ ‫ت طَائِ َشةٌ‬ ‫ت ِس َهام الْمو ِ‬
‫ب‬‫صُ‬ ‫يش س َه ٌام ُكلُّهُ نُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ََ ْ‬ ‫ُ َْ‬ ‫َه َذا َولَْي َس ْ‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الء بَِها‬‫ونَحن أَ ْغراض أَْنواع الْب ِ‬
‫َقْب َل ال َْم َمات فَ َم ْرم ٌّي َو ُم ْرتَق ُ‬ ‫َ ُْ َ ُ َ َ َ‬
‫الد ْه ِر فَاْنَقَلبُوا‬
‫ات َّ‬ ‫ت بِِه ْم نَائَِب ُ‬‫اح ْ‬‫صَ‬ ‫َ‬ ‫ين َتَن َاه ْوا ِفي ابْتَِنائِِه ْم‬ ‫َّ ِ‬
‫أَيْ َن الذ َ‬

‫‪432‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫اللهم ن ور قلوبنا بن ور اإلميان وثبتها على قولك الث ابت يف احلي اة ال دنيا ويف اآلخ رة واجعلنا‬
‫ه داة مهت دين وتوفنا مس لمني ‪ .‬وأحلقنا بعب ادك الص احلني يا أك رم األك رمني ويا أرحم‬
‫الرامحني ‪ .‬وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫واعلم أن اخللق مل يقصروا عن شكر نعمة اهلل إال للجهل والغفلة فإهنم منعوا بذلك عن معرفة النعم وال يتصور شكر النعمة بدون معرفتها‬
‫مث إن عرفوا نعمة ظنوا أن الشكر عليها أن يقول أحدهم بلسانه احلمد هلل والشكر هلل ومل يعرفوا أن معىن الشكر أن تستعمل النعمة يف إمتام‬
‫احلكم اليت أريدت هبا وهي طاعة اهلل وطاعة رسوله صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬

‫اهلل أَ ْعنِي ُم َح َّم ًدا‬


‫ول ِ‬ ‫و َق ْو ِل ر ُس ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت ِف ْع َل الْ َخْي ِر ِم ْن َق ْو ِل َرِّبَنا‬ ‫ِش ْع ًرا ‪َ :‬ت َعلَّ ْم ُ‬
‫صَرا )‬ ‫الش ْكر ِ‬
‫هلل قَ َّ‬ ‫لِ َسانًا ُيَؤدِّي ُّ‬ ‫ض ٍو َو َش ْعَر ٍة‬ ‫َن لِي ِفي ُك ِّل ُع ْ‬ ‫آخر‪َ ( :‬ولَْو أ َّ‬
‫(َعلَ َّي بِأَصنَ ِ‬ ‫ِِ‬
‫اف الن َِّعيم َتَفضُّال‬ ‫ْ‬ ‫الس ْع َي ِفي ُش ْك ِر َم ْن لَهُ‬ ‫َج ُد َّ‬ ‫آخر‪َ :‬دعيني أ ُ‬
‫(‬
‫أما الغفلة عن النعم فلها أس باب ‪ :‬أح دها أن الن اس جلهلهم ال يع دون ما يعم اخللق يف مجيع‬
‫أح واهلم نعمة فل ذلك ال يش كرون على مجلة ما ذكر من نعم اهلل اليت تفضل هبا على خلقه‬
‫اختصاصا به فال يعده نعمة ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ألهنا عامة للخلق مبذولة هلم يف مجيع أحواهلم فال يرى منهم‬
‫ول ذلك ال جتدهم يش كرون اهلل على روح اهلوا ولو أخذ مبخنقهم حلظة حىت انقطع اهلواء‬
‫غما‬
‫عنهم ماتوا ولو حبسوا يف بئر أو محام ماتوا ً‬

‫‪433‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫فإن ابتلى أحدهم بشيء من ذلك مث جنا قدر ذلك نعمة يشكر اهلل عليها ‪.‬‬
‫وهذا غاية اجلهل إذ صار شكرهم موقوفًا على أن تسلب عنهم النعمة مث ترد إليهم يف بعض‬
‫األح وال ف النعم يف مجيع األح وال أوىل بالش كر فال ت رى البصري يش كر نعمة البصر وص حته‬
‫إال أن يعمى ف إذا أعيد بص ره أحس بالنعمة وش كرها وع دها نعمة وهو مثل عبد الس وء‬
‫دائما فإذا ترك ضربه ساعة شكر وتقلد ذلك منه وإن ترك ضربه أص الً غلبه البطر‬ ‫يضرب ً‬
‫وت رك الش كر فص ار الن اس ال يش كرون إال املال ال ذي يتط رق االختص اص إليه من حيث‬
‫الكثرة والقلة وينسون مجيع نعم اهلل عليهم ‪.‬‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬

‫ك فَأَ ْكثِ ْر َح ْم َد ُه َم َع ُش ْك ِر ِه‬ ‫َعلَْي َ‬ ‫ت أَ ْن َتْبَقى من اهلل نِْع َمة‬ ‫إِ َذا ِشْئ َ‬
‫ك اهلل و ِ‬
‫اس َع ِر ْزقَهُ‬ ‫صي َّن ِ‬ ‫ِ‬
‫َفَيْن ِز ْع َعْن َ ُ َ‬ ‫يما َر َزقْتُهُ‬ ‫اهلل ف َ‬
‫َوال َت ْع َ َ‬
‫(‬ ‫(‬ ‫آخر‪:‬‬
‫اهلل َم ْن نَالَ َها‬‫اع َ‬ ‫إِ َذا أَطَ َ‬ ‫الدْنَيا َوإِقَْبالَُها‬
‫َح َس َن ُّ‬ ‫َما أ ْ‬
‫ض لِ ِإل ْدبَا ِر إِقَْبالَ َها‬ ‫(‬ ‫ِ‬
‫َعَّر َ‬ ‫َم ْن لَ ْم ُيَؤالي ُش ْكَر إِلَ َههُ‬
‫َ(ز َكا َة أ َْمَو ٍال لَهُ نَالَ َها‬ ‫ض ِل يَا َمانًِعا‬ ‫اح َذ ْر َز َو َال الَْف ْ‬ ‫(‬
‫فَ ْ‬
‫البصرية وأظهر شدة اغتمامه بذلك فقال له ‪:‬‬ ‫كما روي(أن بعضهم شكا فقره إىل بعض أرباب (‬
‫أيس رك أنك أعمى ولك عش رة آالف درهم ق ال ال ق ال أيس رك أنك أخ رس ولك عش رة آالف‬
‫قال ال قال أيسرك أنك أقطع اليدين والرجلني ولك عشرون أل ًفا قال ال قال أيسرك أنك وجمنون‬
‫ولك عشرة آالف درهم قال ‪ :‬ال قال أما تستحي أن تشكو موالك وله عندك عروض خبمسني‬
‫أل ًفا ‪.‬‬
‫ودخل ابن السماك على الرشيد يف عظة فبكى ودعا مباء يف قدح فقال ‪ :‬يا أمري املؤمنني لو منعت‬
‫هذه الشربة إال بالدنيا وما فيها أكنت‬

‫‪434‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫تفديها قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ :‬فاشرب ريًا بارك اهلل فيك فلما شرب قال له يا أمري املؤمنني ‪ .‬أرأيت‬
‫لو منعت أخراج هذه الشربة منك إال بالدنيا وما فيها أكنت تفتدي ذلك قال نعم قال فما تصنع‬
‫بش يء ش ربة م اء خري منه ‪ .‬وه ذا ي بني أن نعمة اهلل تع اىل على العبد يف ش ربة عند العطش أعظم‬
‫من ملك األرض مث تسهيل خروج احلدث من أعظم النعم ‪ ،‬وهذه إشارة وجيزة إىل النعم اخلاصة‬
‫‪.‬‬
‫نعما كث رية ال يش اركه فيها عم وم‬
‫مث اعلم أنه ما من عبد إال إذا أمعن النظر رأى عليه من نعم اهلل ً‬
‫الن اس بل قد يش اركه يف ذلك يسري منهم من ذلك العقل فما من عبد إال وهو راض عن اهلل‬
‫سبحانه يف عقله يعتقد أنه أعقل الناس وقلما يسأل اهلل العقل وإذا كان ذلك اعتقاده فيجب عليه‬
‫أن يشكر اهلل تعاىل على ذلك ‪.‬‬
‫ومن ذلك اخللق فإنه ما من عبد إال وي رى من غ ريه عيوبًا يكرهها وأخالقا ي ذمها وي رى نفسه‬
‫بريئًا منها فينبغي أن يشكر اهلل على ذلك حيث أحسن خلقه وابتلى غريه ‪.‬‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬

‫ك َع ْن ِديَِم‬ ‫ود ال َتْنَف ُّ‬ ‫وم ْزنَهُ الْج ِ‬


‫ُ‬ ‫َُ‬ ‫آد َم َواآلالء َسابِغَةٌ‬ ‫أَيَا ابْ ُن َ‬
‫ْت ِم ْن نَِعمِ‬‫اكٌر ُك َّل ُخِّول َ‬ ‫و َش ِ‬
‫َ‬ ‫يت ِم ْن َح َس ٍن‬ ‫اكٌر َما أُولِ َ‬ ‫ت َذ ِ‬ ‫(َه ْل أَنْ َ‬
‫اله لَ ْم تَ ْخ ُر ْج ِم َن ال َْع َدِم‬
‫ت َولَْو ُ‬ ‫ب( ْح ٍ‬ ‫ئ َه َذا الْ َخلْق ِم ْن َع َدٍم‬ ‫اك بَا ِر ُ‬
‫َبَر َ‬
‫َ‬
‫صًبا تُ ْم ِسي َعلَى قَ َدِم‬ ‫ت مْنَت ِ‬
‫فَجْئ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫اك بِِه‬‫أَ(نْ َشأ ََك ِم ْن َح َمأ َوال ِحَر َ‬
‫ظ َوِم ْن َف ْه ِم‬ ‫ُ(مَو َّفَر ال َْع ْق ِل ِم ْن َح ٍّ‬ ‫ات آيًَة َع َجًبا‬ ‫(م َك َّمل األ ََدو ِ‬
‫ُ ُ َ‬
‫ضالً َوَتْن ِط ُق بِالتَّْبيِي ِن َوالْ َكلم‬ ‫ف(َ ْ‬ ‫يت بِِه‬ ‫َت(َرى َوتَ ْس َم ْع ُكال قَ ْد ُحبِ َ‬
‫ْج ْه ِل ِفي ِ‬
‫ظلم‬ ‫ِ‬ ‫(و ُكْن ُ ِ‬ ‫اك بِال ِْعل ِْم سبل َّ ِ ِ‬
‫ت م ْن غَ َمَرات ال َ‬ ‫َ‬ ‫ين لَهُ‬ ‫الصالح َ‬ ‫ُُ َ‬ ‫َه َد َ‬
‫ات َولَ ْم َتْبَر ْح َولَ ْم تَ ِرِم‬ ‫ْج َه ِ‬ ‫ُك َّل ال ِ‬ ‫ت‬‫ك ِم ْن نِْع َم ٍة غَ َمَر ْ‬ ‫َما َذا َعلَْي َ‬
‫ك ُك ُّل َع ِم ْي‬ ‫رها َعلَْي َ‬‫ص َ‬ ‫حَتى لَيْب ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ت أ َِش َّع َتها‬ ‫س قَ ْد أَلَْق ْ‬‫الش ْم ِ‬
‫غََّراءُ َك َّ‬
‫(‬

‫‪435‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ك َوالَْت ِزِم‬ ‫ت فَ ِّ‬


‫سد ْد َويْ َ‬ ‫َولَْو َج ِه ْد َ‬ ‫رها أَبَ ًدا‬ ‫ت ُمطي ًقا ُش ْك َ‬
‫فَا ْش ُكر ولَس َ ِ‬
‫ْ َ ْ‬
‫ِّع ِم‬ ‫ِِ‬ ‫وم بِ ُ‬ ‫ِر ْز ٌق َوأ َْمن َوإِ َيما ٌن َو َع ِافَيةٌ‬
‫ش ْك ِر َهذه الن َ‬ ‫َمَتى َت ُق ُ‬
‫(‬
‫ت أ َْهلُهُ‬ ‫ْح ْم ُد الَّ ِذي أَنْ َ‬ ‫ك ال َ‬ ‫آخر‪ :‬إِلَ ِهي لَ َ‬
‫ْح ْم ِد‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َعلَى ن َع ٍم مْن َها الْ ِه َدايَةُ لل َ‬
‫ْج ْس َم ِمنِّي ُم َسلَّ ًما‬ ‫ت ال ِ‬ ‫يحا َخلَ ْق َ‬‫صح ً‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ت ِفي ال َْم ْه ِد‬ ‫ك بِي َما َز َال ُم ْذ ُكْن ُ‬ ‫َولُطُْف َ‬
‫الر َدى‬ ‫َحا َط بِي َّ‬ ‫و ُكْن ُ ِ‬
‫يما قَ ْد أ َ‬ ‫ت يَت ً‬ ‫َ‬
‫ت ِم ْن ُك ِّل َما ُي ْر ِدي‬ ‫اسَتْنَق ْذ َ‬‫ت َو ْ‬ ‫فَأ ََويْ َ‬
‫ضَيائِِه‬‫ت لِي الْع ْقل الَّ ِذي بِ ِ‬ ‫َو َهْب َ‬
‫َ َ‬
‫الر ْش ِد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ُّ‬ ‫إِلَى ُك ِّل َخْي ٍر َي ْهَتدي طَال ُ‬
‫الم َق ْلبِي َو َمْن ِطِقي‬ ‫ت لِ ِإل ْس ِ‬ ‫َو َو َّفْق َ‬
‫َفَيا نِْع َم ًة قَ ْد َج َّل َم ْو ِق ُع َها ِعْن ِدي‬
‫ضيلَ ًة‬ ‫ت ج ْه ِدي أَ ْن أُجا ِزي فَ ِ‬
‫َ‬ ‫َولَْو ُر ْم ُ ُ‬
‫ْت بَِها لَ ْم يَ ُج ْز أَطَْرا ُف َها َج ْه ِدي (‬ ‫ضل َ‬ ‫فَ َ‬
‫ك ِعْن َد َما‬ ‫ت الَّ ِذي أ َْر ُجو َحَنان(َ َ‬ ‫أَلَ ْس َ‬
‫يُ َخلُِّفو َن األ َْهلُو َن َو ْح ِدي ِفي لَ ْح ِدي‬
‫ك َي ْه ِدي َس ِر َيرتِي‬ ‫ك ِمْن َ‬ ‫فَ ُج ْد لِي بِلُطِْف َ‬
‫ك بِال ُب ْع ِد‬ ‫َو َق ْلبِي َويُ ْدنِينِي إِلَْي َ‬
‫(‬
‫ومن ذلك أنه ما من أحد إال وهو يع رف من ب واطن أم ور نفسه وخفايا أركاهنا ما هو منف رد به‬
‫ولو كشف الغطاء عنه حىت اطلع عليه أحد‬

‫‪436‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫من اخللق ال افتضح فكيف لو اطلع عليه الن اس كافة فَلِ َم ال يش كر اهلل على سرت مس اويه أظهر‬
‫اجلميل وسرت القبيح ‪.‬‬
‫وأيض ا ما من عبد إال وقد رزقه اهلل يف ص ورته وأخالقه أو ص فاته أو جاهه أو أهله أو ول ده أو‬ ‫ً‬
‫أمورا لو سلب ذلك منه وأعطى ما خصص به من ذلك غريه لكان‬ ‫مسكنه أو بلده أو سائر حمابه ً‬
‫افرا وحيًا ال ميتًا وإنس انًا ال هبيمة وذك ًرا ال أن ثى‬
‫ال يرضى وذلك مثل أن اهلل جعله مؤمنًا ال ك ً‬
‫وسليما ال معيبًا فإن هذه خصائص فعليه أن يشكر اهلل جل‬ ‫ً‬ ‫مريض ا وعاقالً ال جمنونًا‬
‫وصحيحا ال ً‬
‫ً‬
‫وعال يف كل ساعة وال يغفل ‪.‬‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬
‫ولَم أُص ِ ِ‬ ‫إَ َذا أَنَا لَ ْم أَ ْش ُك ْر لَِربِي َدائِ ًما‬
‫ف م ْن َق ْلبِي لَهُ ال ُْو َّد أ ْ‬
‫َج َم َعا‬ ‫َ ْ ْ‬
‫س َمطْلَ َعا‬‫الش ْم ِ‬ ‫ت َعْينِي ِم َن َّ‬ ‫َوال نَظََر ْ‬ ‫اعة‬ ‫ت َن ْف ِسي ِمن ُّ ِ‬
‫السوء َس َ‬ ‫َ‬ ‫فَال َسلَ َم ْ‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬

‫ب غَْيُر ُه‬ ‫َتَب َار َك َم ْن ال َي ْعلَ ُم الْغَْي َ‬


‫َو َم ْن لَ ْم َيَز ْل ُيثْنِي َعلَْي ِه َويُ ْذ َك ُر‬
‫وات ال ُْعلَى َف ْو َق َع ْر ِش ِه‬ ‫السم ِ‬ ‫ِ‬
‫َعال في َّ َ‬
‫إِلَى َخلِْق ِه ِفي الْبِِّر َوالَْب ْح ِر َيْنظُُر‬
‫ص ٌير قَ ِاد ٌر َو ُم َدِّبٌر‬
‫يع ب ِ‬ ‫ِ‬
‫َسم ٌ َ‬
‫يل ُم َدَّبُر‬ ‫ِ‬ ‫(‬
‫َو َم ْن ُدونُهُ َعْب ٌد َذل ٌ‬
‫اله َما‬ ‫ي َد ُاه لََنا مبسوطَتِ ِ ِ‬
‫ان ك ُ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ‬
‫ان َواألَيْ ِدي ِم َن الْ َخل ِْق َت ْقُت ُر‬ ‫ي ِس َّح ِ‬ ‫(‬
‫َ‬
‫ِِ‬
‫ت ُع ُقولَُنا‬ ‫اسَت َحالَ ْ‬ ‫َوإِ ْن فيه فَ َّكْرنَا ْ‬
‫التْف ُّكُر‬
‫ض َم َح َّل َّ‬
‫َوأُْبَنا َحَي َارى َوا ْ‬

‫‪437‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وق َع ْن ِعل ِْم َذاتِِه‬


‫َوإِ ْن نُِق ُر ال َْم ْخلُ َ‬
‫ف َكا َن األ َْم ُر تَاه ال ُْمَنِّقُر‬ ‫َو َع ْن َكْي َ‬
‫وض َة َو ْح َد َها‬‫َّاس الَْب ُع َ‬‫ف الن ُ‬ ‫صَ‬ ‫َولَْو َو َ‬
‫ِ‬
‫صُروا‬ ‫بِِعل ِْم ُه ُموا لَ ْم يُ ْحك ُم َ‬
‫وها َوقَ َّ‬
‫ف بِ َم ْن ال َي ْق ِد ُر الْ َخل ُ‬
‫ْق قَ ْد ُر ُه‬ ‫فَ َكْي َ‬
‫َو َم ْن ُهَو ال َي ْفَنى َوال َيَتغََّيُر‬
‫اللهم اسلك بنا سبيل عبادك األبرار ووفقنا للتوبة واالستغفار واحطط عنا ثقل األوزار‬
‫وآتنا يف الدنيا حسنة ويف اآلخرة حسنة وقنا عذاب النار يا عزيز يا غفار واغفر لنا ولوالدينا‬
‫ومجيع املسلمني برمحتك يا أرحم الرامحني ‪ .‬وصلى اهلل على حممد وآله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫وقال يف كتاب التوحيد املسمى األدلة على احلكمة والتدبري ‪:‬‬
‫تأمل ه ذه الق وى اليت يف النفس وموقعها يف اإلنس ان أعين الفكر وال وهم والعقل واحلفظ‬
‫وغري ذلك أفرأيت لو نقص اإلنسان من هذه احلفظ وحده كيف تكون حاله وكم من خلل‬
‫ي دخل عليه يف أم وره ومعاشه وجتارته إذا مل حيفظ ماله وما عليه وما أخ ذه وما أعطى وما‬
‫رأى وما مسع وما قال وما قيل له ومل يذكر من أحسن إليه ممن أساء به وما نفعه مما ضره مث‬
‫علما ولو درسه عمره وال يعتقد دينًا‬‫كان ال يهتدي لطريق لو سلكه ما ال حيصى وال حيفظ ً‬
‫وال ينتفع بتجربة وال يس تطيع أن يعترب ش يئًا على ما مضى بل ك ان حقي ًقا خلي ًقا أن ينس لخ‬
‫من اإلنسانية فانظر إىل اإلنسان يف هذه اخلالل وكيف موقع الواحدة منها دون اجلميع ‪.‬‬
‫وأعظم من النعمة على اإلنس ان يف احلفظ النعمة يف النس يان فل واله ملا سال أحد عن مص يبة‬
‫َّت له حسرة وال مات له حقد وال‬‫وال َت َقض ْ‬

‫‪438‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫اس تمتع بش يء من مت اع ال دنيا مع ت ذكر اآلف ات وال رجا غفلة من س لطان وال ف رتة من‬
‫حاسد أفال ت رى كيف جعل يف اإلنس ان احلفظ والنس يان ومها خمتلف ان متض ادان وجعل يف‬
‫قسما من املصلحة ‪.‬‬‫كل واحد منها ً‬
‫مث انظر إىل ما خص به اإلنس ان دون مجيع احلي وان من ه ذا اخللق اجلليل ق دره العظيم غن اؤه‬
‫أعىن احلي اء فل وال ه ذا احلي اء ال ذي خص اهلل به اإلنس ان مل يقر ض ي ًفا ومل ي وف بالع دة ومل‬
‫تقض احلوائج ومل ينجز اجلميل ومل ينكب الق بيح يف ش يء من األش ياء حىت إن كث ًريا من‬
‫أيض ا إمنا تفعل للحياء فإن من الناس من لوال احلياء مل يرع حق والديه ومل‬ ‫األمور املفروضة ً‬
‫يصل ذا رحم ومل ي ؤد أمانة ومل يعف عن فاحشة أفال ت رى كيف ويف اإلنس ان مجيع اخلالل‬
‫اليت فيها صالحه ومتام أمره ‪.‬‬
‫وتأمل ما أنعم اهلل جل وعال وتقدست أمساؤه على اإلنس ان به من ه ذا املنطلق ال ذي يعرب به‬
‫عما يف ض مريه وما خيطر بباله ويف قلبه وينتجه فك ره به يفهم عن غ ريه ما يف نفسه ول وال‬ ‫َّ‬
‫ذلك كان مبنزلة البهائم املهملة اليت ال خترب عن نفسها بشيء وال تفهم عن خمرب شيئًا ‪.‬‬
‫وكذلك الكتابة اليت هبا تعيد أخبار املاضني للباقني وأخبار الباقني لآلتني وهبا ختلد الكتب يف‬
‫العل وم واآلداب وهبا حيفظ اإلنس ان ذكر ما جيري بينه وبني غ ريه من املع امالت ولوالها‬
‫النقطع بعض األزمنة عن بعض وأخب ار الغ ائبني عن أوط اهنم ودرست العل وم وض اعت‬
‫اآلداب وعظم ما يدخل على الناس من اخللل يف أمورهم ومعامالهتم وما حيتاجون إىل النظر‬
‫فيه من أمر دينهم وما روي هلم مما ال يسعهم جهله ‪.‬‬
‫وانظر لو مل يكن لإلنسان لسان مهيأ للكالم وذهن يهتدي به لألمور‬

‫‪439‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫مل يكن ليتكلم أب ًدا ولو مل يكن له كف مهي أة وأص ابع للكتابة مل يكن ليكتب أب ًدا واعترب‬
‫ذلك من البهائم اليت ال كالم هلا وال كتابة فأصل ذلك فطرة الباري جل وعال وما تفضل به‬
‫على خلقه فمن شكر أثيب ومن كفر إن اهلل غين عن العاملني ‪.‬‬

‫وفكر فيما أعطي اإلنس ان علمه وما منع منه فإنه أعطى علم ما فيه ص الح دينه ودني اه فأما‬
‫صالح دينه فهو معرفة اخلالق تبارك وتعاىل بالدالئل والشواهد القائمة وزكاة وصيام وحج‬
‫ومن الع دل بني الن اس كافة وبر الوال دين وص لة األرح ام وأداء األمانة ومواس اة أهل اخللة‬
‫وأشباه ذلك ‪.‬‬
‫وك ذلك أعطي ما فيه ص الح دني اه كالزراعة والغراسة واس تخراج ما يف األرض يني واقتن اء‬
‫األغنام واألنعام واستنباط املاء ومعرفة العقاقري اليت يستشفي هبا بإذن اهلل من ضروب األسقام‬
‫واملع ادن اليت يس تخرج منها أن واع اجلواهر ورك وب الس فن والغ وص يف البحر وض روب‬
‫احليل يف ص يد ال وحش والطري واحليت ان والتص رف يف الص ناعات ووج وه املت اجر واملكاسب‬
‫وغري ذلك مما يطول شرحه ويكثر تعداده مما فيه صالح أمره يف هذه الدار ‪.‬‬
‫فأعطي علم ما يصلح به دينه ودنياه ومنع ما سوى ذلك مما ليس يف شأنه وال طاقته أن يعلم‬
‫كعلم الغيب وعلم ما يف السماء وما حتت البحار وأقطار العامل وما يف قلوب الناس وما يف‬
‫األرحام وأشباه هذا مما حجب على الناس علمه فانظر كيف أعطى علم مجيع ما حيتاج إليه‬
‫لدينه ودنياه وحجب عنه ما سوى ذلك ليعرف قدره ونقصه وكال األمرين فيه صالحه ‪.‬‬
‫مث تأمل ما سرت عنه علمه من م دة حياته فأنه لو ع رف مق دار عم ره وك ان قصري العمر مل‬
‫يتهنأ بالعيش مع رقب املوت وتوقعه لوقت قد عرفه‬

‫‪440‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وأيقن به وإن ك ان طويل العمر وع رف ذلك وثق بالبق اء واهنمك يف الل ذات واملعاصي‬
‫وعمد أن يبلغ من شهوته مث يتوب يف آخر عمره وهذا مذهب ال يرضاه اهلل من عباده وال‬
‫يقبله ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ومما يس تعان به على معرفة ق در نعم اهلل على العبد التفكر فيها وب التفكر يف ح ال‬
‫حس ا أو معىًن وينظر إذا ك ان‬ ‫نفسه قبل وجودها فينظر إذا ك ان غنيًا إىل ح ال فق ره املتق دم ً‬
‫مطيعا هلل وقت عص يانه هلل حيث من‬ ‫مريض ا وينظر إذا ك ان ً‬ ‫حيحا إىل حاله حينما ك ان ً‬ ‫ص ً‬
‫اهلل عليه بضد تلك احلالة ‪.‬‬
‫ذاكرا هلل على الدوام أيام كان غافالً الهيًا وينظر إذا كان قارئًا أيام أن‬ ‫وينظر إذا كان ً‬
‫كان ال يقرأ ولينظر إذا كان عاملا إىل وقت جهله وينظر إذا كان له أوالد صاحلني أيام إن مل‬
‫ً‬
‫يكن له أوالد وينظر إذا كان يف مسكن واسع مناسب أيام أن كان يستأجر أو يف بيت ضيق‬
‫ال يرتضيه ‪.‬‬
‫موجودا قبل ذلك فال شك أن من عمل‬ ‫ً‬ ‫وهكذا كل نعمة ينظر إىل وجود ضدها الذي كان‬
‫هبذا يعرف قدرها فيشكرها فتدوم عليه بإذن اهلل تعاىل ألن اهلل جل وعال يقول وهو أصدق‬
‫قائل ﴿ لَئِن َش َك ْرمُتْ ألَ ِز َ‬
‫يدنَّ ُ ْ‬
‫كم ﴾ فمن شكر نعمة اهلل زاده اهلل منها وقيل الشكر قيد املوجود وصيد املفقود ‪.‬‬

‫يع‬ ‫ال ِفي الِْقي ِ ِ‬ ‫َه َذا ُم َح ٌ‬ ‫ت تُظْ ِه ُر ُحبَّهُ‬ ‫صي اإللَ َه َوأَنْ َ‬ ‫ِش ْعرا‪َ :‬ت ْع ِ‬
‫اس بَد ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ب لِمن ي ِح ُّ ِ‬ ‫ِ‬
‫يع‬
‫ب ُمط ُ‬ ‫إِ َّن ال ُْمح َّ َ ْ ُ‬ ‫ص ِادقًا ألَطَ ْعتَهُ‬‫ك َ‬ ‫لَْو َكا َن ُحبُّ َ‬
‫ٍ‬
‫ضيِّ ُع‬ ‫ت لِ ُ‬
‫ش ْك ِر َذ َ‬
‫اك ُم َ‬ ‫ِمْنهُ َوأَنْ َ‬ ‫يك بَِن ْع َم ٍة‬
‫ِفي ُك ِّل َي ْوم َيْبتَ ِد َ‬
‫ويف أثر إهلي ‪ :‬يقول اهلل عز وجل أهل ذكري أهل جمالسي وأهل شكري أهل زياديت وأهل‬
‫طاعيت أهل كراميت وأهل معصييت ال أقنطهم‬

‫‪441‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫من رمحيت إن ت أبوا فأنا ح بيبهم وإن مل يتوب وا فأنا ط بيبهم ابتليهم باملص ائب ألطه رهم من‬
‫املعائب وقيل من كتم نعمة فقد كفرها ومن أظهرها ونشرها فقد شكرها وهذا مأخوذ من‬
‫قوله ص لى اهلل عليه وس لم ‪ « :‬إن اهلل إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن ي رى أثر نعمته على‬
‫عبده » ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وقد ورد عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم أنه ق ال ‪ « :‬إن اهلل حيب الناسك النظيف » ‪ .‬فاهلل س بحانه‬
‫وتعاىل حيب أن يرى على عبده اجلمال الظاهر كما حيب أن يرى عليه اجلمال الباطن بالتقوى ونظافة الظاهر مع نظافة الباطن نور على‬
‫نور قال بعضهم ملن انتقده يف حتسني ثيابه ‪:‬‬

‫ت فَِإَّن َها‬
‫اسَتطَ ْع َ‬ ‫َح ِّس ْن ثَِيابَ َ‬
‫ك َما ْ‬
‫الر َج ٍال بَِها َت ُعُّز َوتُ ْكَر ُم‬‫ين ِّ‬ ‫ِز ُ‬
‫اث َث ْوبِ َ‬
‫ك ال يَ ِزي َد َك ِر ْف َع ًة‬ ‫َفَرثَ ُ‬
‫ت َعْب ٌد ُم ْج ِر ُم‬ ‫ِعْن َد ا ِإللَِه َوأَنْ َ‬
‫ضُّر َك َب ْع َد أَ ْن‬ ‫ك ال يَ ُ‬ ‫َو َج ِدي ُد َث ْوبِ َ‬
‫تَ ْخ َشى ا ِإللَ َه َوَتتَِّقي َما يَ ْح ُر ُم‬
‫آخر‪:‬‬
‫ش َح ِمي ًدا‬ ‫اب تَِع ْ‬ ‫تَ َج َّمل بِالثَِّي ِ‬
‫ْ‬
‫فَِإ َّن ال َْعْي َن َقْب َل اال ْختَِبا ِر‬
‫اب َخٍّز‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫س الْح َم ُار ثَي َ‬ ‫َفَل ْو لَب َ‬
‫ك ِم ْن ِح َما ِر‬ ‫َّاس يَا لَ َ‬
‫ال الن ُ‬ ‫لََق َ‬
‫وتأمل حكمة ع دم تش ابه الن اس خبالف س ائر احلي وان فإنك ت رى الس رب من الظب اء والقطا‬
‫يتش ابه حىت ال يف رق بني واحد منها وبني اآلخر وت رى الن اس خمتلفة ص ورهم وخلقهم حىت‬
‫ال يك اد اثن ان منهم جيتمع ان يف ص ورة واح دة والعلة يف ذلك أن الن اس حمت اجون إىل أن‬
‫يتعارفوا‬

‫‪442‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وحالهم ملا جيري بينهم من املع امالت وليس جيري بني البه ائم مثل ذلك فيحت اج‬ ‫بأعي اهنم ُ‬
‫إىل معرفة كل واحد منها بعينه ‪.‬‬
‫أال ترى أن التشابه يف الطري والوحش ال يضرها شيئًا وليس كذلك اإلنسان فإنه رمبا تشابه‬
‫شديدا فتعظم املؤنة على الناس يف معاملتها حىت يؤخذ أحدمها بذنب اآلخر‬ ‫ً‬ ‫التوأمان تشاهبًا‬
‫فتبارك اهلل أحسن اخلالقني ‪.‬‬
‫وتأمل لو ك ان اإلنس ان ال يص يبه أمل وال وجع مب ك ان يرت دع عن الف واحش ويتواضع هلل‬
‫ويتعطف على الناس أما ترى اإلنسان إذا عرض له وجع خضع واستكان ورغب إىل ربه يف‬
‫العافية وبسط يده يف الصدقة ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫اللهم طهر قلوبنا من احلسد واحلقد والبغض لعب ادك املؤم نني واغفر لنا ولوال دينا وجلميع‬
‫املس لمني األحي اء منهم واملي تني برمحتك يا أرحم ال رامحني ‪ .‬وص لى اهلل على حممد وعلى آله‬
‫وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫موعظة ‪ :‬عب اد اهلل لقد أنعم اهلل علينا بنعم كث رية ‪ ،‬وج اد علينا خبريات وف رية غفلنا عنها ‪،‬‬
‫وعن ض دها ‪ ،‬وجهلنا حكمتها ‪ ،‬أعطانا جل وعال العقل ‪ ،‬وميزنا به عن احليوان ات ‪،‬‬
‫وأرسل إلينا الرسل ‪ ،‬يرشدوننا للحق وخالص اإلميان ‪ ،‬منحنا القوة والعافية ‪ ،‬وصحة البدن‬
‫‪ ،‬وسالمة األعضاء ‪.‬‬
‫وجعل لنا السمع ‪ ،‬والبصر ‪ ،‬واللسان ‪ ،‬والشفتني ‪ ،‬وعلمنا البيان واإلفصاح ‪ ،‬عن ما نقصد‬
‫فراش ا ‪ ،‬والس ماء بن اء ‪ ،‬وأنبت لنا يف‬
‫ب الكالم ‪ ،‬خلقنا يف أحسن تق ومي ‪ ،‬وجعل لنا األرض ً‬
‫األرض النخيل ‪ ،‬واألعناب والزرع وسائر ما حنتاج إليه من الثمار ‪ ،‬ونستخرج منها املعادن‬
‫‪ ،‬واخلامات ‪.‬‬
‫وأج رى لنا فيها األهنار ‪ ،‬وأنبع لنا املاء ال زالل ‪ ،‬وخلق الش مس والقمر ‪ ،‬والنج وم ‪،‬‬
‫مسخرات بأمره متدنا باألنوار ‪ ،‬واملنافع ‪ ،‬لألبدان‬

‫‪443‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫والثم ار ‪ ،‬والنبات ات ‪ ،‬وفيها من اإلتق ان ‪ ،‬واجلم ال ‪ ،‬واالت زان يِف س ريها م دى اللي ايل‬
‫واألي ام ‪َ ،‬ما تش هد هلل بالوحدانية ‪ ،‬واحلكمة ‪ ،‬والق درة الب اهرة ‪ ،‬والعلم ‪ ،‬وس ائر ص فات‬
‫الكمال ‪.‬‬
‫ت اللّ ِه الَ‬ ‫ِ‬
‫وهلل نعم أخ رى ال تعد ‪ ،‬وال حتصى ‪ ،‬كما ق ال تع اىل ‪َ ﴿ :‬وإِن َتعُ دُّواْ ن ْع َم َ‬
‫ص َ ِ ِ‬
‫َّار ﴾ إ ًذا جيب علينا ش كره تع اىل َعلَى نعمه ‪ ،‬وهو الغين‬ ‫وم َكف ٌ‬ ‫نس ا َن لَظَلُ ٌ‬ ‫وها إ َّن اإل َ‬ ‫حُتْ ُ‬
‫احلميد ‪ ،‬غين عن الع املني ‪ ،‬واخللق هم الفق راء إليه ‪ ،‬كما ق ال جل وعال ﴿ يَا أَيُّ َها الن ُ‬
‫َّاس‬
‫يد ﴾ ‪ ،‬وليس هلل يِف شكرنا منفعة تعود إليه ‪ ،‬وليس‬ ‫أَنتُ ُم الْ ُف َق َراء إِىَل اللَّ ِه َواللَّهُ ُه َو الْغَيِن ُّ احْلَ ِم ُ‬
‫يِف كفر نعمه ضرر عليه ‪ ،‬إمنا تعود منفعة الشكر إِىَل الشاكر كما قال تعاىل ‪َ ﴿ :‬و َمن َش َكَر‬
‫فَِإمَّنَا يَ ْش ُك ُر لَِن ْف ِس ِه َو َمن َك َفَر فَِإ َّن َريِّب َغيِن ٌّ َك ِرميٌ ﴾ ‪.‬‬
‫إمنا الذي ينتظر الشكر خملوق مثلنا وأنت إذا شكرت اهلل إمنا تربهن َعلَى فهمك لنعمة‬
‫اهلل ‪ ،‬وتق ديرك له إن ش كرت فقد وجهت النعمة وجهة اخلري ‪ ،‬والنفع ‪ ،‬واس تعملتها فيما‬
‫يس عدك يِف ال دنيا واآلخ رة ‪ ،‬وإن كف رت فقد ب رهنت على س وء فهمك ‪ ،‬وع دم تق ديرك‬
‫وعلَى تعمقك يِف اللؤم والرداءة ‪.‬‬ ‫لربك ‪َ ،‬‬
‫وإذا تأملت الكثري من الناس وجدته مهمالً للشكر الذي هو صرف النعم فيما خلقت‬
‫له ‪ ،‬واس تعماهلا فيما ش رعت ألجله ‪ ،‬لتظهر فائ دهتا وتتم حكمتها ‪ ،‬وجيين العب اد منافعها ‪،‬‬
‫فالش اكر بلس انه وقلبه ‪ ،‬وعمله من الف ائزين ‪ ،‬ولكنه قليل ‪ ،‬كما ق ال تع اىل ‪َ ﴿:‬وقَلِي ٌل ِّم ْن‬
‫وعلَى أوالدهم ‪ ،‬وأهلهم ‪،‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ور ﴾ األكثر كما تقدم صروفها فيما يعود عليهم ‪َ ،‬‬ ‫الش ُك ُ‬
‫ي َّ‬ ‫عبَاد َ‬
‫وأمتهم بالضرر ‪.‬‬
‫أنعم عليهم باملال فقسم خزنوه ومنعوا حقوقه فلم خيرجوا زكاته ‪،‬‬

‫‪444‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ومل يس امهوا يِف مش اريع دينية ‪ ،‬كبن اء مس اجد ‪ ،‬وقض اء دين عن م دين ومس اعدة فقري ‪،‬‬
‫وإج راء مي اه للمس لمني ‪ ،‬واملس اعدة على نشر اإلس الم وطباعة مص احف طباعة جي دة‬
‫وتوزيعها َعلَى الت الني لكت اب اهلل ‪ ،‬وطباعة الكتب الدينية املقوية للش ريعة احملمدية ‪ ،‬وبن اء‬
‫بيوت ملن ال مساكن هلم ‪ ،‬وحنو ذلك ‪.‬‬
‫وقسم أنفقوا املال يِف املالذ واملالهي ‪ ،‬واملنكرات ‪ ،‬وسائر احملرمات ‪ ،‬أذهبوها يِف احلياة‬
‫ال دنيا ‪ ،‬واس تمتعوا هبا ‪ ،‬ومل يراقب وا اهلل فيها ‪ ،‬أنعم عليهم يِف الص حة والف راغ املف روض أن‬
‫تغتنم يِف طاعة اهلل ‪.‬‬
‫ولكن يا لألسف ص رفت يِف الس هر ‪ ،‬ويف الفس اد ‪ ،‬ويف اجملون والكسل والتكسع ‪،‬‬
‫واخلم ول أو التط اول ب القوة َعلَى الض عفاء ‪ ،‬واملس اكني ‪ ،‬وإعانة الظلمة والفاس قني ‪ ،‬وحنو‬
‫ذلك ‪ ،‬من املفاسد والشرور ‪.‬‬
‫وقس َعلَى ذلك ب اقي النعم من الس مع والبصر واللس ان والرجل فلم يبق نعمة إال‬
‫وقلبوها ‪ ،‬وال هبة من اهلل إال وجح دوها ف نزلوا بعد الرفعة وذل وا بعد الع زة فإنا هلل وإنا إليه‬
‫راجعون ‪.‬‬
‫وقال بعضهم يِف مدح اللطيف اخلبري جل وعال وذكر بعض ألطافه ‪:‬‬
‫يل َّ ِ‬
‫الدقَائِ ِق عل ُْمهُ‬ ‫صِ‬‫أَحا َط بَِت ْف ِ‬
‫َ‬
‫َح َك َم َها ِف ْعال‬
‫صْن ًعا َوأ ْ‬ ‫فَأَْتَقَن َها ُ‬
‫ظ ال ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫ْجني ِن َو َ‬
‫ص ْونُهُ‬ ‫فَم ْن لُطْفه ح ْف َ َ‬
‫بِ ُم ْسَت ْو َد ٍع قَ ْد َمَّر ِف ِيه َوقَ ْد َحال‬
‫ْف ِفي ظُلُ َماتِِه‬
‫تَ َكَّنَفهُ بِاللُّط ِ‬
‫اك َوال أ َْهال‬ ‫ال ُي ْغنِ ِيه ُهَن َ‬‫َوال َم َ‬

‫‪445‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫َويَأْتِ ِيه ِر ْز ٌق َسابِ ٌغ ِمْنهُ َسائِ ٌغ‬


‫ضال‬ ‫وح لَهُ طَْوالً َوَي ْغ ُدو لَهُ فَ ْ‬ ‫َي ُر ُ‬
‫يم ٍة‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫َو َما ُهَو يَ ْسَت ْدعي غ َذ ًاء بق َ‬
‫ب َواألَ ْكال‬ ‫َوال ُهَو ِم َّم ْن يُ ْح ِس ُن ُّ‬
‫الشْر َ‬
‫ف‬‫جرى ِفي مجا ِري ِعر ِق ِه بَِتَلطُّ ٍ‬
‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫ََ‬
‫ب َج ْريًا َعَلى قَ ْد ِر ِه َس ْهال‬ ‫بِال طََل ٍ‬
‫ْف ِغ َذائِِه‬ ‫َجَرى لَهُ ِفي الث َّْد ِي لُط َ‬ ‫َوأ ْ‬
‫َشَرابًا َهنِ ًيئا َما أَلَ َّذ َو َما أ ْ‬
‫َحال‬
‫صا بِ ِح ْكم ِة فَ ِ‬
‫اط ِر‬ ‫َوأَل َْه َمهُ َم ًّ‬
‫َ‬
‫يل بِ َما أ َْوال‬
‫ْج ِز ُ‬ ‫ْح ْم ُد َو ُّ‬
‫الش ْك ُر ال َ‬ ‫لَهُ ال َ‬
‫الس َّن َعْنهُ لَِوقْتِ َها‬
‫ْق ِّ‬‫َوأَخََّر َخل َ‬
‫اء بَِها طَْوال‬ ‫فَأَْبَر َز َها َع ْونًا َو َج َ‬
‫َوقَ َّس َم َها لِْلَقطْ ِع َوالْ َك ْس ِر ِق ْس َم ًة‬
‫َولِلطَّ ْح ِن أَ ْعطَى ُك َّل ِق ْس ِم لَ َها َش ْكال‬
‫ِ‬
‫ف ِفي لَْو ِك الطََّع ِام ل َسانَهُ‬ ‫صَّر َ‬ ‫َو َ‬
‫اء أ َْو ُسفال‬ ‫صِّرفُهُ ُعلًْوا إِ َذا َش َ‬ ‫يُ َ‬
‫صًرا ِفي َتَي ُّس ِر لُْق َم ٍة‬ ‫َولَْو َر َام َح ْ‬
‫ِِ ِ‬
‫َوأَلْطَافه ف َ‬
‫يما تَ َكَّنَف َها َكال‬
‫صانِع لَ َها‬ ‫ِ ِ‬
‫فَ َك ْم َخادٍم ف َيها َو َك ْم َ‬
‫سهُ كال‬ ‫وب َو َملَْب ُ‬
‫ك َم ْش ُر ٌ‬ ‫َك َذلِ َ‬
‫ت‬‫َكر َم ْ‬
‫ث تَ ْح َذ ُر أ َ‬ ‫ْف ِم ْن َحْي ُ‬
‫و َكم لُط ٍ‬
‫َ ْ‬
‫َصال‬ ‫ت تَ ْد ِري الَْفر ِ‬
‫ع مْن َها َوال األ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َو َما ُكْن َ‬

‫‪446‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫َوِم ْن لُطِْف ِه تَ ْكِلي ُفهُ لَِعَب ِاد ِه‬


‫ي ِسيرا وأَ ْعطَ ُ ِ ِ‬
‫اه ْم من النِّع ِم ال َ‬
‫ْج ْزال‬ ‫َ ً َ‬
‫َوِم ْن لُطِْف ِه َت ْو ِفي ُق ُه ْم ِإلنَابٍَة‬
‫ات ِم ْن َحْبِل ِه ْم َحْبال‬ ‫صل لِْل َخْير ٍ‬
‫ُتَو َّ ُ َ‬
‫ث النَّبِي ُم َح َّم ًدا‬ ‫َوِم ْن لُطِْف ِه َب ْع ُ‬
‫سوا لَ َها أ َْهال‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫لَي ْشف َع في َق ْوم َولَْي ُ‬
‫ظ ال َْعَقائِ ِد ِمْن ُه ُموا‬ ‫َوِم ْن لُطِْف ِه ِحْف ُ‬
‫اصي ال ُْم ِسيءُ َوِإ ْن َزال‬ ‫ف الْع ِ‬
‫َولَْو َخالَ َ َ‬
‫ِ ِِ‬
‫اجهُ َع َسالً َك َما‬ ‫َوم ْن لُطْفه ِإ ْخَر ُ‬
‫َّحال‬ ‫ِ ِ‬
‫تُ َشاه ُد م َّما َكا َن أ َْو َد َعهُ الن ْ‬
‫ث ُم َجا ِو ٍر‬ ‫وإِ ْخراجهُ ِمن بْي ِن َفر ٍ‬
‫َ َ ُ َْ ْ‬
‫ب ِر ْسال‬ ‫ص ْرفًا بِال َشائِ ٍ‬ ‫َدما لَبنًا ِ‬
‫ً َ‬
‫وإِ ْخراجه ِمن ُد َ ٍ‬
‫ودة َملَْب ًسا لَهُ‬ ‫َ َ ُُ ْ‬
‫ُر َواقًا َع ِج ًيبا أ ْ‬
‫َح َك َمْتهُ لَنَا غَ ْزال‬
‫ْب َعا ِرفًا‬ ‫وأَ ْعج ِ‬
‫ب م ْن َذا َخ ْل ُقهُ الَْقل َ‬
‫َ َ ُ‬
‫بِِه َش ِاه ًدا أَ ْن ال َشبِ ِيه َوال ِمثْال‬
‫يط فَ ُخ ْذ بِ َما‬ ‫اف ِفي الْبح ِر الْم ِح ِ‬ ‫َوأَلْطَ ُ‬
‫َْ ُ‬
‫ْج ْهال‬
‫اك َوال َ‬ ‫ك َوأَ ْش َه ْد َها َوإِيَّ َ‬ ‫بَ َدا لَ َ‬
‫ص ِّل َعلَى ال ُْم ْخَتا ِر أَفْ َ‬
‫ض َل ُم ْر َس ٍل‬ ‫َو َ‬
‫ص ال ِْعرفَ ِ‬
‫ان بِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل قَ ْد َدال‬ ‫على َخال ِ ْ‬

‫‪447‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫اللهم اختم لنا خبامتة الس عادة واجعلنا ممن كتبت هلم احلسىن وزي ادة واغفر لنا ولوال دينا‬
‫وجلميع املسلمني برمحتك يا أرحم الرامحني وصلى اهلل َعلَى حممد وآله وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫في المروءة‬
‫املروءة مبعىن اإلنس انية ألهنا م أخوذة من املرء وهي تع اطي َما يستحسن وجتنب َما‬
‫يسرتذل قال بعضهم ‪ :‬حد املروءة رعي مساعي الرب ‪ ،‬ورفع دواعي الضر والطهارة من مجيع‬
‫األدناس ‪ ،‬والتخلص من عوارض االلتباس ‪ ،‬حىت ال يتعلق حباملها لوم ‪ ،‬وال يلحق به ذم ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬هي آداب نفس ية حتمل مراعاهتا اإلنس ان َعلَى الوق وف عند حماسن األخالق‬
‫ومجيل العادات ‪ .‬وقيل ‪ :‬هي قوة للنفس مبدأ لصدور األفعال اجلميلة عنها املستتبعة للمدح‬
‫وفرعا وكلها قريبة املعىن ‪ .‬وقيل ‪ :‬هي الصدق والشرق واالستقامة والشجاعة‬‫شرعا وعقالً ً‬ ‫ً‬
‫واحلمية ‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬املروءة كلمة لفظها كمعناها حلو مجيل إن قرعت السمع فعظمة وجالل‬
‫وإن نفذت َعلَى القلب فنبل ومسو وشعور بالكرامة والكمال ولست أعدل عن احلق إن قلت‬
‫إن املروءة هي مجاع الفض ائل ورأس املك ارم وعن وان الش رف هبا يس مو املرء ويرتفع ذك ره‬
‫وبفقدها يفقد كل كرامة وفضل ‪.‬‬
‫فهي م يزان الرج ال وأصل اجلم ال وحد املروءة جتمل النفس مبا يزينها وحتص ينها مما‬
‫يش ينها حبيث تك ون للمحامد أهالً وعن املذام‪ #‬مبن أى وال يك ون إال ملن راض نفسه َعلَى‬
‫التخلف باخللق احلسن من الصفات والتجمل جبميل العادات حىت يصبح التطبع جبلة والتعود‬
‫غري زة وليس يس تطيع ذلك إال من جاهد نفسه ون ازع ه واه رغبة يِف حسن األحدوثة‬
‫والذكرى اجلميلة ‪ .‬كما قيل ‪:‬‬
‫ص َّد ُ‬
‫ع‬ ‫س َق ْلبِ ْي يُ َ‬ ‫تُ َذ ِّكُرنِْي ِه َّ‬
‫النْف ُ‬ ‫اد ُكلَّ َما‬ ‫الذي َك َ‬ ‫َس َم ُع الَْق ْو َل ِّ‬ ‫لََق ْد أ ْ‬
‫ِ‬ ‫فَأُبْ ِدي لِ َم ْن أَبْ َد ُاه ِمنِّي بَ َشا َش ٍة‬
‫ور بِ َما مْنه أ ْ‬
‫َس َم ُع‬ ‫َكأَنِّي َم ْس ُر ٌ‬
‫(‬

‫‪448‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫الش ِر لِل َّ‬ ‫ب بِِه غَْيَر أَنَّنِي‬ ‫اك ِم ْن ُع ْج ٍ‬


‫ج‬

‫ْش ِر أَقْطَع‬ ‫أ ََرى أَ ْن َتَر َك َّ‬ ‫َو َما َذ َ‬


‫ث َب ْع َد ُه‬ ‫آخر‪َ :‬وإِنَّ َما ال َْم ْرءُ َح ِديْ ٌ‬
‫فَ ُك ْن َح َدْيثًا َح َسًنا لِ َم ْن َو َعى‬
‫ِم ْن ُك ِّل َما نَ َ‬
‫ال الَْفَتى قَ ْد نِلْتُهُ‬
‫َوال َْم ْرءُ َيْبَقى َب ْع َد ُه ُح ْس ُن الثََّنا‬
‫َوقَ ْد ورد عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم أنه ق ال ‪ « :‬من عامل الن اس فلم يظلمهم ‪،‬‬
‫وحدثهم فلم يكذهبم ‪ ،‬ووعدهم فلم خيلفهم ‪ ،‬فهو ممن كلمت مروءته ‪ ،‬وظهرت عدالته ‪،‬‬
‫ووجبت أخوته » ‪ .‬وق ال ابن القيم رمحه اهلل ‪ :‬وحقيقة املروءة جتنب ال دنايا والرذائل من‬
‫األقوال واألخالق واألعمال ‪.‬‬
‫فمروءة اللسان حالوته وطيبه ولينه ‪ ،‬واجتباه الثمار ِمْنه بسهولة ويسر ‪ ،‬ومروءة اخللق‬
‫سعته وبسطه للحبيب والبغيض ‪.‬‬
‫وشرعا ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ومروءة املال اإلصابة ببذله مواقعه احملمودة عقالً وعرفًا‬
‫ومروءة اجلاه بذله للمحتاج إليه ‪ ،‬ومروءة اإلحسان تعجيله وتيسريه وتوفريه وعدم رؤيته‬
‫حال وقوعه ونسيانه بعد وقوعه ‪ ،‬فهذه مروءة البذل ‪.‬‬
‫وأما مروءة الرتك ‪ ،‬فرتك اخلصام واملعاتبة واملمارات ‪ ،‬واإلغضاء عن عيب َما يأخذه من‬
‫حقك وترك االستقصاء يِف طلبه والتغافل عن عثرات الناس ‪ ،‬وإشعارهم أنك ال تعلم ألحد‬
‫ِمْن ُه ْم ع ثرة ‪ ،‬والتوقري للكبري ‪ ،‬وحفظ حرمة النظري ‪ ،‬ورعاية أدب الص غري ق ال ‪ :‬وهي َعلَى‬
‫قسرا َعلَى َما جيمل‬
‫ثالث درجات الدرجة األوىل مروءة اإلنسان مع نفسه ‪ ،‬وهي أن حيملها ً‬
‫ويزين وترك َما يدنس ويشني ‪ ،‬ليصري هلا ملكة يِف جهره وعالنيته ‪.‬‬

‫اض َغْير ِحس ِ‬


‫ان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِش ْع ًرا ‪َ :‬و َه ْل َيْنَف ُع الِْفْتَيا َن ُح ْس ُن ُو ُج ْو ِه ِه ْم‬
‫إ َذا َكانَت األ ْعَر ُ ُ َ‬
‫ْح ِديْ ِد يَ َمانِي‬
‫ص ُق ْو ِل ال َ‬
‫فَ َما ُك ُّل َم ْ‬ ‫الدلِْي َل على الَْفَتى‬ ‫ْح ْس َن َّ‬ ‫فَال تَ ْج َع ِل ال ُ‬

‫‪449‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ْح ِّق َوالَْفَن ِد‬ ‫س َم ْع ِرفَ ًة‬ ‫آخر‪َ :‬كالث ُّْو ِر َع ْقالً َوِمثْ ُل التَّْي ِ‬
‫فَال ُي ْفِّر َق َبْي َن ال َ‬
‫أح ِد‬ ‫الربع ما ِفي َّ ِ‬ ‫ص ُيَن ِادي َف ْو َق َه َامتِ ِه‬
‫(ال تَ ْس َ‬
‫الربْ ِع م ْن َ‬ ‫أل َّ ْ َ َ‬ ‫ْج ْه ُل َش ْخ ُ‬ ‫ال َ‬
‫ْم َوال َع ْق ُل‬ ‫ٍ ِِ ِ‬ ‫اء ٍة‬ ‫ِ‬ ‫آخر‪َ :‬خِلْيلَ َّي َك ْم َث ْو ٍ‬
‫َعلَى َج َسد َما فيه عل ٌ‬
‫ب َو َك ْم م ْن َعَب َ‬
‫ْج ْه ُل‬
‫ت ال َ‬ ‫فَأ ََز َرى بَِها ِم ْن َب ْع َد َما طَالَ َ‬
‫ت َعلَى َخ ِّد َج ِاه ٍل‬ ‫َو َك ْم لِ ْحَي ٍة طَالَ ْ‬
‫تَأ ََم ْل َتَرى َب ْغالً َعلَى ظَ ْه ِر ِه َب ْغ ُل‬
‫ب َب ْغالً لَهُ َع ْق ُل َب ْغلَ ِه‬ ‫و َكم ر ِ‬
‫اك ِ‬ ‫َ َْ‬
‫ف ِقْيمةُ اإلنْس ِ‬ ‫َب لَ ِكن ََّما‬
‫بِالَْف ْ‬ ‫آخر‪ُ :‬ك ُّل األنَ ِام َبُن ْوأ ٍ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫ض ِل َت ْع ِر ُ َ‬
‫يكشف عروته يِف اخللوة ‪ ،‬وال يتجشأ بصوت مزعج َما وجد إِىَل خالفه سبيال ‪ ،‬وال‬ ‫فال (‬
‫خيرج الريح بصوت وال جيشع وينهم عند أكله وحده وباجلملة فال يفعل خاليًا مات يستحي‬
‫من فعله يِف املإل إال َما حيظ ره الش رع والعقل إن وافق الش رع وال يك ون إال يِف اخلل وة‬
‫كاجلماع والتخلي وحنو ذلك ‪.‬‬
‫الدرجة الثانية املروءة مع اخللق بأن يستعمل معهم شروط األدب واحلياء واخللق اجلميل‬
‫وال يظهر هلم َما يكرهه هو من غ ريه لنفسه وليتخذ الن اس املتمشني مع الش ريعة املطه رة يِف‬
‫أق واهلم وأفع اهلم م رآة لنفسه فكل َما كرهه ونفر عْنه من ق ول أو فعل أو خلق فليجتنبه وما‬
‫أحبه من ذلك واستحسنه فليفعله ‪.‬‬
‫وصاحب هذه البصرية ينتفع بكل من خالطه وصاحبه من كامل وناقص وسيء اخللق‬
‫وحس نه ‪ ،‬وع دمي املروءة وغزيره ا‪ ،‬وكثري من الن اس يتعلم املروءة ومك ارم األخالق من‬
‫املوصوفني بأضدادها كما روي عن بعض األكابر أنه كان له مملوك سيء اخللق فظ غليظ ال‬
‫يناسبه فسئل عن ذلك فقال ‪ :‬أدرس عليه مكارم األخالق ‪.‬‬
‫وكان آلخر زوجة محقاء بذيئة اللسان تشتمه بل وتلعنه باستمرار وتدعو عليه من دون‬
‫داع فقيل له ‪ :‬كيف تصرب عليها وهذه سريهتا معك غفر اهلل لك ‪.‬‬
‫فق ال ‪ :‬أدرس عليها مك ارم األخالق وب األخص احللم والصرب وأريد أن ت ربز زاليت‬
‫كثريا َما يتمثل هباذين البيتني ‪:‬‬
‫فأجتنبها وكان ً‬

‫‪450‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫األع ِاديَا‬
‫ِّي َ‬ ‫الر ْح َم ُن َعن َ‬
‫ب َّ‬‫فَال أَ ْذ َه َ‬ ‫ض ٌل َعَل َّي َوِمَنةٌ‬‫ُع َداتِ َي لَ ُه ْم فَ ْ‬
‫ت ال َْم َعالَِيا‬ ‫س ْونِي فَ َ‬
‫اكت َسْب ُ‬ ‫ِ‬
‫َو َه ْم نَاف ُ‬ ‫َه ُّم ْوا بَ َحُث ْوا َع ْن ُزلَتِ ْي فَأ ْ‬
‫َجَتَنْبُت َها‬
‫وهذا يكون مبعرفة مكارم األخالق يِف ضد أخالقه ويكون بتمرين النفس َعلَى مصاحبته‬
‫ومعاشرته والصرب عليه ولكن َما يفعل ذلك إال القليل الذين قَ ْد وطنوا أنفسهم ‪.‬‬
‫كما قيل ‪:‬‬
‫ت بِ ِديو ِ‬
‫ْف و َكم بْي ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫النَّاس ِمثْل بي ِ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫مْن ُه ْم بِأَل َ ْ َ‬ ‫الش ْع ِر َك ْم َر ُج ٍل‬
‫وت َّ‬ ‫ُ ُ ُُ‬
‫آخر‪:‬‬
‫َكثِْيَر اللَ ْح ُم َم ْه ُز ْو ِل ال َْم َعالِي‬ ‫هلل ِم ْن َعْب ٍد َس ِمْي ٍن‬
‫و َكم ِ‬
‫َ ْ‬
‫ات َخالِي‬ ‫اطنُهُ ِمن الْ َخير ِ‬ ‫وب ِ‬ ‫(َك ِشْب ِه الطَّْب ِل يُ ْس َم ُع ِم ْن بَِعْي ٍد‬
‫ْ َْ‬ ‫ََ‬
‫الدرجة الثانية املروءة مع احلق باالس تحياء من (نظ ره إليك وإطالعه عليك يِف كل حلظة‬
‫ونفس وإص الح عي وب نفسك جهد اإلمك ان إنه قَ ْد اش رتاها منك وأنت س اع يِف تس ليم‬
‫املبيع وتقاضي الثمن وليس من املروءة تس ليمه َعلَى َما فيه من عي وب وتقاضي الثمن ك امالً‬
‫أو رؤية منته يِف هذا اإلصالح وأنه املتويل له ال أنت ‪.‬‬
‫واالشتغال بإصالح عيوبك نفسك عن التفاتك إِىَل عيب غريك وشهود احلقيقة عن رؤية فعلك وصالحه ‪ .‬أ ‪ .‬هـ ‪.‬‬
‫َّاس لِلن ِ‬
‫َّاس‬ ‫و َخلِّي ِمن َعَثر ِ‬
‫ات الن ِ‬ ‫ِّش َع ْن َم َعايِبِ َها‬
‫ك َفت ْ‬
‫ك َن ْف َس َ‬
‫َعلَْي َ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ومما تقدم يتبني لنا أن مراعاة النفس َعلَى أكمل األحوال وأفضلها هي املروءة وإذا كانت فليس ينقاد هلا مع ثقل كلفها إال من وفقه‬
‫اهلل وسهل عليه املشاق ويود كل أحد لو حصلت له املروءة ولكن كما قيل ‪:‬‬
‫س لِ َّلنْف ِ‬
‫س قَائِ ُد‬ ‫َولَ ِك ْن طَْب ُع َّ‬
‫النْف ِ‬ ‫اع ِة َوالنَّ َدى‬ ‫َو ُك َّل َيَرى طُُر َق َّ‬
‫الش َج َ‬

‫‪451‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫َن إِ ْد َر َ‬
‫َوال أ َّ‬ ‫َن الْمعالِي ر ِخْي ِ‬
‫اك ال ُْعَلى َهيِّ ٌن َس ْه ُل‬ ‫ص ًة‬ ‫آخر‪ :‬فَال تَ ْح َسُب ْوا أ َّ َ َ َ‬
‫ِ‬
‫سهُ َت ْعلُو‬‫َوال ُك ُّل م ْن َي ْهَوى ال َْعال َن ْف ُ‬ ‫فَ َما ُك ُّل َم ْن يِ ْس َعى ِإلَى ال َْم ْج ِد نَالَهُ‬
‫قال العلماء ‪ :‬والداعي إِىَل استسهال املشاق شيئان علو اهلمة وشرف اهلل فأما علو اهلمة‬
‫في دعو إِىَل التق دم َوقَ ْد ورد عن النيب ‪ ‬أنه ق ال ‪ « :‬إن اهلل حيب مع ايل األم ور ويك ره دنيها‬
‫وسفسافها » ‪ .‬قال املناوي ‪ :‬معايل األمور وأشرافها هي األخالق الشرعية واخلصال الدينية‬
‫‪ .‬أ ‪ .‬هـ ‪.‬‬
‫وأما سفساف األمور فهو حقريها ورديؤها ‪ ،‬وروي عن عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه‬
‫أنه قال ‪ :‬ال تصغرن مهمكم فإين مَلْ أر‬
‫اقعد عن املكرمات من صغر اهلمم ‪.‬‬
‫إن ال َْم َح ِام َد َوال ُْعلَى أ َْر َزا ُق‬
‫َّ‬ ‫األم ْو ِر َوال َت ُق ْل‬ ‫ِ ِ‬
‫َحا ِو ْل َجسْي َمات ُ‬
‫الش ْو ُق لَ ْم يَ ْسَتْب ِع َد َّ‬
‫الد َارا‬ ‫َ(م ْن َعالَ َج َّ‬ ‫الد َار َش ْوقًا َو ْه َي نَا ِز َحةٌ‬ ‫ب َّ‬ ‫آخر‪ :‬يَ ْسَت ْقَر ُ‬
‫األس ُاو ِد‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫بِ ُم ْسَت ْو َد َعات في بُطُْون َ‬ ‫آخر‪ :‬فَِإ َّن َعليَّات ُ‬
‫األم ْو ِر َم ُ‬
‫ش ْوبَةٌ‬
‫ِ‬ ‫ْحالِِة ال ُْعلَْيا َفلَ ْم َت ْر َها‬
‫ب‬‫َّع ِ‬
‫ال إال َعلَى َج ْس ٍر م َن الت َ‬ ‫ُنَتَن ُ‬ ‫ت بِال َ‬‫ص ْر َ‬ ‫آخر‪ :‬بَ( ُ‬
‫ص الَْق ِاد ِريْ َن على الت ََّم ِام‬ ‫َكَن ْق ِ‬ ‫َّاس َشْيًئا‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫آخر‪َ :‬ولَ ْم أ ََرى في ُعُي ْوب الن َ‬
‫ويقول ‪:‬‬
‫وال ب َّد دو َن َّ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الش ْهد م ْن إبَ ِر الن ْ‬
‫َّح ِل‬ ‫َ ُ ُْ‬ ‫تُ ِريْديْ َن لُْقَيا َن ال َْم َعالي َرخْي َ‬
‫ص ًة‬
‫وق ال بعض العلم اء ‪ :‬إذا طلب رجالن أم ًرا ظفر به أعظمهما م روءة لك ثرة وجاهته‬
‫ووس ائطه عند ذوي األمر ‪ ،‬وأما ش رف النفس في دعو إِىَل الش هامة وهي احلرص َعلَى َما ي وجب ال ذكر اجلميل ‪ ،‬واالحتم ال وهو‬
‫إتعاب النفس يِف احلسنات كما قيل ‪:‬‬
‫س إِلَى ُح ْس ِن الثََّن ِاء َسبِْي ُل‬
‫َفلَْي َ‬ ‫ضْي َم َها‬
‫س َ‬ ‫َوإِ ْن ُهَو لَ ْم يَ ْح ِم ْل َعلَى َّ‬
‫النْف ِ‬
‫فباتعا هبا يكون التأديب واستقرار التقومي والتهذيب ألهنا رمبا تركت األفضل وهي به‬
‫عارفة ‪ ،‬ونفرت عن التأنيب وهي له مستحسنة ‪،‬‬

‫‪452‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ألهنا عليه غري مطبوعة غري مالئمة ‪َ ،‬وقَ ْد قيل ‪َ :‬ما أك ثر من يع رف احلق وال بطبعه ‪ ،‬وإذا ش رفت النفس ك انت لآلداب طالبة ‪ ،‬ويف‬
‫مالئما فنما واستقر بإذن اهلل تعاىل ‪.‬‬
‫طبعا ً‬‫الفضائل راغبة فإذا خالط شرف النفس اآلداب صادف ً‬
‫األج َس ُام‬ ‫ِ‬ ‫تَِعب ْ ِ‬ ‫س ِكَب ًارا‬ ‫وإِ َذا َكانَ ِ‬
‫ت في ُمَراد َها ْ‬ ‫َ‬ ‫النُف ْو ُ‬
‫ت ُّ‬ ‫َ‬
‫وارزقنا بغض هم وس أعواهنم واملؤي دين هلم‬ ‫اللهم امحنا عن امليل والرك ون إِىَل أع دائك (‬ ‫(‬
‫اللهم شتت مشلهم ودم رهم أمجعني وانصر من نصر اإلسالم واملسلمني وأحب فيك وأبغض‬
‫فيك يا رب الع املني واغفر لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني برمحتك يا أرحم ال رامحني وص لى‬
‫وعلَى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬ ‫اهلل َعلَى حممد َ‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫قال العلماء ‪ :‬وللمروءة شروط يِف نفس املرء وشروط يِف حق غريه فأما شروطها يِف حق‬
‫نفسه بعد ال تزام َما أوجبه الش رع من أحكامه فيك ون بثالثة أم ور وهي العفة والنزاهة‬
‫والصيانة ‪.‬‬
‫فأما العفة فنوعان أحدمها العفة عن احملارم ‪ ،‬والثاين العفة عن املآمث ‪.‬‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬
‫ف َع ْن لَ َّذاتِِه َو ُهَو قَ ِاد ُر‬
‫إِ َذا َع َّ‬ ‫صْبًرا إِنَّ َما ِعَّفةُ الَْفتَى‬
‫س َ‬
‫َفَيا َن ْف ُ‬
‫فأما العفة عن احملارم فنوعان ‪ ،‬أحدمها ‪ :‬ضبط الفرج عن احلرام كالزنا واللواط ‪.‬‬
‫والثاين ‪ :‬كف اللسان عن األعراض كالقذف والسعاية والنميمة والغيبة والكذب واالستهزاء وحنو ذلك ‪ .‬مما قَ ْد كثر يِف زماننا بسبب‬
‫التلفزيون والفيديو والتلفون املذياع فلهذا ينبغي االبتعاد عن الناس إال ألخذ العلم أو إصالح قال بعضهم ‪:‬‬
‫ان ِم ْن ِقْي َل َوقَ َ‬
‫ال‬ ‫ِسوى ال َْه َذي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫س يُِفْي ُد َشْيًئا‬ ‫لَِقاءُ الن ِ‬
‫َّاس لَْي َ‬
‫الح َح ِال‬
‫ص ِ‬ ‫ِ‬
‫أل ْخذ ال ِْعل ِْم أ َْو إِ ْ‬ ‫ف(َأَقِْل ْل ِم ْن لَِق ِاء الن ِ‬
‫َّاس إِال‬
‫(‬

‫‪453‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ال َْع ْق َل قَ ْد َح َار ِمْن ُه ْم َف ُهَو ُمْن َذ ِه ُل‬ ‫َّاس َداءٌ َد ِفْي ٌن ال َد ِو َاء لَهُ‬
‫آخر‪ :‬الن ِ‬
‫ت ُمْنَقبِطًا قَالُْوا بِِه ثَِق ُل‬ ‫أ َْو ُكْن َ‬ ‫يت َم ْس َخَر ًة‬ ‫ت ُمْنَب ِسطًا ُس ِّم َ‬ ‫إِ ْن ُكْن َ‬
‫(وِإ ْن ُتَق ِ‬
‫اط َع ُه ْم قَالُْوا بِِه َملَ ُل‬ ‫اصِل ُه ْم قَالُوا بِِه طَ َم ٌع‬
‫َ‬ ‫َوِإ ْن ُتَو ُ‬
‫َ(وإِ ْن َت ْز َه ْد قَالُْوا ُز ْه ُد ُه ِحَي ُل‬ ‫ص ٍة‬‫َوإِ ْن َت َهَّو َر َيَل ُق ْو ُه بِ َمْنَق َ‬
‫ك أ َْو َز ُار ْوا‬‫َص ُّدوا َعْن َ‬ ‫ف(َال ُتَب ِال أ َ‬ ‫آخر‪ :‬لِ(َقاءُ أَ ْكَث ُر َم ْن َت ْلَق ُاه أ َْو َز ُار‬
‫ك أ َْو طَ ُاروا‬ ‫فَِإ ْن قَ َ‬
‫ض ْو َها َتَن ُّح ْوا َعْن َ‬ ‫ك إِ َذا َج ُاؤ َك أ َْو طَ ُار‬ ‫لَ(ُه ْم لَ َديْ َ‬
‫فأما ضبط الفرج عن احلارم فألن عدمه مع وعيد الشرع وزاجر العقل معرة فاضحة وإمث‬
‫واضح ‪ ،‬ول ذلك ق ال النيب ‪ « : ‬من وقي شر ذبذبة ولقلقة وقبقبة فقد وقي » ‪ .‬ويف رواية‬
‫‪ « :‬فقد وجبت له اجلنة » ‪ .‬واملراد بالذبذب الفرج وبلقلقه لسانه ‪ ،‬وبقبقبة بطنه ‪.‬‬
‫والداعي إِىَل الوقوع يِف احلرام شيئان إرسال الطرف والثاين إتباع الشهوة َوقَ ْد تقدم‬
‫الكالم َعلَى النظر احملرم يِف ( ص ‪:)209‬‬
‫ْحَر ِام َعِفي َفا‬‫َحَتى يَ ُكو َن َع ْن ال َ‬ ‫س الظَّ ِريْف بِ َك ِام ٍل ِفي ظُْر ِف ِه‬ ‫ِ‬
‫ش ْعًرا‪ :‬لَْي َ‬
‫اك يُ ْد َعى ِفي األنَ ِام ظَ ِرْيَفا‬ ‫َف ُهَن َ‬ ‫ع َع ْن َم َحا ِر َم َربِِّه‬
‫فَِإ َذا َتَو َّر َ‬
‫ومن ذلك ترغيب النفس يِف احلالل ً‬
‫عوض ا عن احلرام وإقناعها باملباح بدالً من احملرم فإن اهلل َما حرم شيئًا إال وأغىن عنه مبباح ليكون‬
‫اجزا عن املخالفة ‪ ،‬ق ال عمر رضي اهلل عنه ‪َ :‬ما أمر بش يء إال وأع ان عليه ‪ ،‬وال هنى عن ش يء إال‬ ‫ذلك اإلغن اء عونًا َعلَى الطاعة ‪ ،‬وح ً‬
‫وأغىن عنه ‪.‬‬
‫ح أ َْو يَ ْج ِري بَِها الَْقَل ُم‬ ‫يَ ُخطَُّها اللَّْو ُ‬ ‫اح َش ٍة‬ ‫وسا بَِف َ‬‫ض َم ْدنُ ً‬
‫ِ‬
‫َما أَقَْب َح الْع ْر ُ‬
‫إِ ْن لَ ْم تَ ُك ْن ِمْثَلهُ األ ْخال ُق َو ِّ‬
‫الشَي ُم‬ ‫ْح ْس ُن ال ُح ْس َن ِفي َو ْج ٍه تَأََّملُهُ‬ ‫َوال ُ‬
‫ك الثَّالُث ْو َن َع ًاما ثُ َّم َيْن َه ِد ُم‬
‫لَ َ‬ ‫َولِل َّ‬
‫ْشبِْيَب ِة ُبْنَيا ُن تُ َك ِّملُهُ‬
‫(‬

‫‪454‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ومن ذلك إشعار النفس تقوى اهلل يِف أوامره ‪ ،‬واتقاؤه يِف زواجره وإلزامها َما ألزم من‬
‫طاعته ‪ ،‬وحتذيرها َما ح ذر من معص يته وإعالمها أنه ال حيفى عليه يِف األرض وال يِف الس ماء‬
‫الس ماو ِ‬
‫ات َواَل يِف‬ ‫ب َعْن هُ ِم ْث َق ُ ٍ‬ ‫وال بينهما كما ق ال تع اىل ‪َ ﴿ :‬ع امِلِ الْغَْي ِ‬
‫ال َذ َّرة يِف َّ َ َ‬ ‫ب اَل َي ْع ُز ُ‬
‫اب ُّمبِ ٍ‬‫ك واَل أَ ْكبر إِاَّل يِف كِتَ ٍ‬ ‫ض واَل أ ِ ِ‬
‫ني ﴾ ‪.‬‬ ‫َصغَُر من َذل َ َ َ ُ‬ ‫اأْل َْر ِ َ ْ‬
‫َح َس َن َع َمالً ﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َج َر َم ْن أ ْ‬ ‫يع أ ْ‬
‫وأنه جيازي احملسنني بإحسانه كما قال تعاىل ‪ ﴿ :‬إنَّا اَل نُض ُ‬
‫ين َع ِملُ وا‬ ‫َّ ِ‬ ‫وأنه جيزي املس يء مبا عمل كما ق ال تع اىل ‪ ﴿ :‬ومن ج اء بِ َّ ِ‬
‫الس يِّئَة فَاَل جُيْ َزى الذ َ‬ ‫ََ َ‬
‫ات إِاَّل َما َكانُوا َي ْع َملُو َن ﴾ وبذلك نزلت الكتب وبلغت الرسل ‪.‬‬ ‫السيِّئ ِ‬
‫َّ َ‬
‫َوقَ ْد ورد أن آخر َما نزل قوله تعاىل ‪َ ﴿ :‬و َّات ُقواْ َي ْوماً ُت ْر َجعُ و َن فِ ِيه إِىَل اللّ ِه مُثَّ ُت َوىَّف ُك ُّل‬
‫ت َو ُه ْم الَ يُظْلَ ُم و َن ﴾ ق ال يِف ِمْنه اج اليقني ش رح أدب ال دنيا وال دين ‪ :‬ف إذا‬ ‫س َّما َك َس بَ ْ‬‫َن ْف ٍ‬
‫أشعر صاحب الشهوة َما وصفت من األمور انقادت أي النفس إِىَل الكف وأذعنت باالتقاء‬
‫فسلم دينه من دنس الريبة وظهرت مروءته ‪.‬‬
‫وأما كف اللسان عن الوقوع يِف األعراض ‪ ،‬فالوقوع فيها مالذ السفهاء ‪ ،‬وانتقام أهل الغوغاء والسفلة ‪ .‬قلت ‪ :‬وإىل هذا أشار أبو‬
‫الطيب يِف قوله ‪ :‬مع أنه مَلْ يعمل بقوله فقد اغتاب وقذف األبرياء ‪.‬‬
‫و ُك ُّل ا ْغتَِي ٍ‬
‫اب ُج ْه ُد َم ْن ال لَهُ ُج ْه ُد‬ ‫َ‬ ‫َوأَ ْكبَِر َن ْف ِسي َع ْن َجَز ٍاء بِِغ َيب ٍة‬
‫وهو مستسهل الكلف إذا مَلْ يقهر نفسه عنه برادع كاف وزاجر ساد تلبط مبعارة وختبط‬
‫مبض اره فهلك وأهلك ول ذلك يق ول النيب ص لى اهلل عليه وس لم ‪ « :‬إن دم اءكم وأم والكم‬
‫وأعراض كم عليكم ح رام » ‪ .‬فجمع النيب ص لى اهلل عليه وس لم يِف احلرمة بني س فك ال دم ‪،‬‬
‫وهتك العرض ‪ ،‬ملا فيه من إيغار الصدور باحلقد وإبداء الشرور وإظهار البذاء ‪.‬‬
‫قال بعض احلكماء ‪ :‬إمنا هلك الناس بفضول الكالم وفضول املال ‪.‬‬

‫‪455‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وأما العفة عن املأمث فنوع ان ‪ :‬أح دمها الكف عن اجملاهرة ب الظلم والث اين ‪ :‬زجر النفس‬
‫عن األسرار باخليانة فأما اجملاهرة بالظلم فعتو مهلك ‪ ،‬وطغيان متلف للمجاهر ‪.‬‬
‫لِه ﴾ روي عن النيب ص لى اهلل عليه‬ ‫الس يِّئ إِاَّل بِأَه ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ق ال اهلل تع اىل ‪َ ﴿ :‬واَل حَي ي ُق الْ َم ْك ُر َّ ُ‬
‫الس يِّ ُئ‬
‫يق الْ َم ْك ُر َّ‬ ‫ِ‬
‫ماكرا فإن اهلل تعاىل يقول ‪َ ﴿ :‬واَل حَي ُ‬ ‫وسلم أنه قال ‪ «:‬ال متكروا وال تعينوا ً‬
‫إِاَّل بِأ َْهلِ ِه ﴾ وال تبغوا وال تعينوا باغيًا فإن اهلل يقول ‪ ﴿ :‬إِمَّنَا َب ْغيُ ُك ْم َعلَى أَن ُف ِس ُكم ﴾ » ‪.‬‬
‫والباعث َعلَى اجملاهرة بالظلم اجلرأة والقسوة ‪ ،‬والص اد عن ذلك رؤية آث ار غضب اهلل‬
‫تعاىل يِف الظاملني ‪ ،‬وأن يتصور عواقب ظلمهم وأما االستسرار باخليانة فدناءة وآلمة ‪.‬‬
‫وأما النزاهة فنوع ان أح دمها ‪ :‬النزاهة عن املط امع الدنية ‪ .‬والث اين ‪ :‬زجر النفس عن‬
‫اإلسرار باخليانة فأما اجملاهرة بالظلم فعتو وطغيان ‪.‬‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬
‫ك بِبِِّر الَْوالِ َديْ ِن ِكلَْي ِه َما‬ ‫َعلَْي َ‬
‫اع ِد‬‫وبِِّر َذ ِوي الْ ُقربى وبِِّر األب ِ‬
‫َْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ص َحَب ْن إِال تَِقيًّا ُم َه َّذبًا‬ ‫َوال تَ ْ‬
‫عِفي ًفا َز ِكيًّا مْن ِجزا لِلْمو ِ‬
‫اع ِد‬ ‫ُ ً ََ‬ ‫َ‬
‫ت ُحًّرا ُم ْؤدَّبًا‬ ‫َوقَا ِر ْن إِ َذا قَ َارنْ َ‬
‫األحَرا ِر َزيْ ِن ال َْم َش ِاه ِد‬ ‫ِ‬
‫َفَتى م ْن بَنِي ْ‬
‫ك َواتَِقي‬ ‫احَف ْظ لِ َسانَ َ‬ ‫ف األ َذى َو ْ‬ ‫َو ُك َّ‬
‫ك ِفي و ِد الْ َخِلي ِل الْمس ِ‬
‫اع ِد‬ ‫ِ‬
‫ْ َُ‬ ‫فَدَّيتُ َ ُ‬
‫ب‬ ‫كو ِْ‬
‫اجَتن ْ‬ ‫ض َع ْن ال َْم ْك ُر ْو ُه طَْرفَ َ َ‬ ‫َوغُ َّ‬
‫ك بِ َحْب ِل ال َْم َح ِام ِد‬ ‫اسَت ْم ِس ْ‬
‫ْجا ِر َو ْ‬
‫أَ َذى ال َ‬

‫‪456‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫اهلل ِفي ُك ِّل ح ِاد ٍ‬ ‫و ُكن واثًِقا بِ ِ‬


‫ج‬

‫ث‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ك م َدى األي ِام ِمن َشِّر ح ِ‬
‫اس ِد‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫صْن َ َ‬ ‫يَ ُ‬
‫ج َغْيَر ُه‬ ‫اهلل فَ ْ ِ‬ ‫وبِ ِ‬
‫اسَت ْعص ْم َوال َت ْر ُ‬ ‫َ‬
‫ك لِلنَّعم ِاء عْنه بِج ِ‬
‫اح ِد‬ ‫َوال تَ ُ ْ َ َ ُ َ‬
‫ب ال ُْعلَى‬ ‫س بَِب ْذ ِل ال َْم ِال ِفي طَلَ ِ‬ ‫ِ‬
‫َونَاف ْ‬
‫اج ِد‬
‫ود الْ َخالئِ ِق م ِ‬
‫َ‬
‫بِِه َّم ِة محم ِ‬
‫َ ُْ‬
‫اء ُمَؤِّم ٍل‬ ‫وال َتْب ِن ِفي َّ ِ‬
‫الدْنَيا بنَ َ‬ ‫َ‬
‫ودا فَ َما َح ٌّي َعلََي َها ب َخالِ ِد‬ ‫ُخلُ ً‬
‫س ِ‬
‫هلل ُودُّهُ‬ ‫ص ِد ٍيق لَْي ِ‬
‫َو ُك ُّل َ‬
‫َفَن ِاد َه ْل بِِه ِم ْن ُمَزايِ ِد‬
‫اللهم اسرت َما ب دا منا من العي وب وأمنا ي وم الش دائد والك روب ‪ ،‬واغفر لنا ولوال دينا‬
‫وعلَى‬
‫وجلميع املسلمني األحياء منهم وامليتني برمحتك يا أرحم الرامحني وصلى اهلل َعلَى حممد َ‬
‫آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫فِي بر الوالدين وتحريم عقوقهما‬
‫الرب ‪ :‬الصلة واحلسنة واخلري ‪ ،‬ويف املطالع يِف قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬وإن الصدق‬
‫يهدي إِىَل الرب » ‪ .‬الرب اسم جامع للخري ‪ ،‬وعق الولد أباه إذا آذاه وعصاه وخرج عليه ‪ :‬بر‬
‫الوال دين فريضة الزمة وعقوقهما ح رام ‪ ،‬وال ينكر فضل الوال دين إال املتوغل يِف النذالة‬
‫واآلمة ‪.‬‬
‫ولن يستطيع األبناء والبنات جمازاة اآلباء واألمهات َعلَى َما قاموا به حنوهم من الطفولة‬
‫إِىَل الرجولة من عطف ورعاية وتربية وعناية إال أن جيد الولد الوالد مملو ًكا فيش رتيه فيعتقه‬
‫كما يِف حديث أيب هريرة قال‬

‫‪457‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ‪ « :‬ال جيزي ولد وال ده إال أن جيده مملوكا فيش رتيه‬
‫فيعتقه » ‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫فشكر املنعم واجب ‪ ،‬وهلل سبحانه َعلَى العباد نعم ‪ ،‬ال حتص ى كما قال تعاىل ‪َ ﴿ :‬وإِن‬
‫وها ﴾ من ذلك نعمة اخللق واإلجياد ‪ ،‬وجعل س بحانه وتع اىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َ‬ ‫َتعُ دُّواْ ن ْع َم ةَ اللّ ه الَ حُتْ ُ‬
‫للوال دين نعمة االيالد والرتبية الص احلة ‪ ،‬والعناية التامة ب األوالد ‪ ،‬وأكرب اخللق وأعظمهم‬
‫نعمة َعلَى اإلنسان بعد رسل اهلل والده اللذان جعلهما اهلل سببًا لوجوده واعتنيا به منذ كان‬
‫محالً إِىَل أن كرب ‪.‬‬
‫تسعا قي الغالب تعاين به يِف تلك األشهر َما تعاين من آالم من مرض‬ ‫شهورا ً‬ ‫فأمه محلته ً‬
‫ووحم وثقل ف إذا آن وقت الوضع وأجاءها املخ اض ‪ ،‬ش اهدت املوت ‪ ،‬وقاست من اآلالم‬
‫َما اهلل به عليم فت ارة متوت ‪ ،‬وت ارة تنجو ويا ليت األمل والتعب ينتهي بالوضع ك ان األمر‬
‫ض َعْتهُ ُك ْرهاً ﴾‬
‫سهالً ولكن يكثر النصب ويشتد بعده قال اهلل تعاىل ‪ ﴿ :‬مَحَلَْتهُ أ ُُّمهُ ُك ْرهاً َو َو َ‬
‫مث ترض عه ح ولني ك املني غالبًا فتقوم به مثقلة وتقعد به مثقلة ‪ ،‬تضيق أحش اؤها وقت محله‬
‫بالطعام والشراب ‪ .‬وتضعف عند الوضع أعضاؤها ‪.‬‬
‫مث بعد ذلك ص ياح بالليل حيرم الوال دين الن وم ‪ ،‬وك ذلك بالنه ار يقلق به راحتهما ‪،‬‬
‫ويتعب قلبيهما ‪ ،‬وي ذرف دموعهما ‪ ،‬وم رض يع رتي الولد من وقت آلخر ‪ ،‬تنخلع له‬
‫اخنالعا وتنهد به أبداهنما هدًّا ‪.‬‬
‫ً‬ ‫قلوهبما‬
‫يوما وال‬
‫وتعهد من األم جلس مه بالغسل ‪ ،‬ولثيابه ب التنظيف ‪ ،‬وإلفرازاته باإلزالة ‪ ،‬ال ً‬
‫شهرا وال شهرين وال سنةً وال سنتني هي به ليلها وهنارها يِف متاعب ومشاق ‪،‬‬ ‫يومني ‪ ،‬وال ً‬
‫تصغر جبانبها متاعب املؤبدين يِف األعمال الشاقة ‪.‬‬

‫‪458‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫يض اف إِىَل ذلك امتصاصه دمها ال ذي هو اللنب م دة الرض اع ‪ ،‬ولو لك يكن ِمْنه هلدم‬
‫بدهنا وإضعافه وإذهاب قوهتا إال هذا االمتصاص لكفى ‪.‬‬
‫فإذا شب وبرزت أسنانه ‪ ،‬وقويت معدته َعلَى قبول الطعام وهضمه وانفتحت شهواته‬
‫له ‪ ،‬انفتح لوالديه باب الفكر والكد جللب طعامه وشرابه وسائر شؤونه ‪ ،‬وبرما احتمال أمل‬
‫الغربة والسفر إِىَل بلد بعيد لطلب املعيشة لألوالد ‪.‬‬
‫وكثريا َما يضحي الوالدان براحتهما يِف سبيل راحة األبناء والبنات ‪ ،‬والطفل يعرف أمه‬‫ً‬
‫وحيبها قبل كل أحد ف إذا غ ابت ص اح حىت تأتيه وإذا أعرضت عنه دعاها وناحها مبا يق در‬
‫عليه من كالم أو غ ريه وإذا أص ابه ش يء يؤمله اس تغاث وناداها ‪ ،‬يظن أن اخلري كله عن دها‬
‫وأن الشر ال خيلص إليه َما دامت تضمه َعلَى صدرها وترعاه بعينها وتذب دونه بيديها ‪.‬‬
‫ول ذلك هي مقدمة يِف احلض انة إذا فراقها زوجها ومل ت تزوج حىت مييز وخيت ار من ش اء‬
‫هما كما يِف ح ديث عبد اهلل بن عم رو بن الع اص أن ام رأة ق الت ‪ :‬يا رس ول اهلل أن ابين‬ ‫ِ‬
‫مْن َ‬
‫هذا كان بطين له وعاء ‪ ،‬وحجري له جواء ‪ ،‬وثديي له سقاء ‪ ،‬وزعم أبوه أنه ينتزعه مين‬
‫فقال ‪ « :‬أنت أحق به َما مَلْ تنكحي » ‪ .‬رواه أمحد وأبو داود ‪.‬‬
‫مث الولد ال حيب بعد أمه إال أب اه ال ذي إذا دخل هش وبش به أن خ رج تعلق به وإذا‬
‫تندا َعلَى ص دره ‪ ،‬وإذا غ اب س أل عنه وانتظ ره ‪ ،‬ي رى أنه إذا‬
‫حضر قعد َعلَى حج ره ‪ ،‬مس ً‬
‫رضي أعط اه َما يريد وإذا غضب ض ربه وأدبه ‪ ،‬خيوف من يؤذيه بأبيه ‪ ،‬وأي حب واح رتام‬
‫بعد هذا ‪،‬‬

‫‪459‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ولكن يا لألسف سرعان َما ينسى اجلميل وينكر املعروف ويلتفت إِىَل زوجته وأوالده ‪.‬‬
‫ولذلك ال حيتاج اآلباء إِىَل توصية باألبناء إمنا حيتاج األوالد إِىَل استجاشة وجداهنم بقوة‬
‫ليذكروا واجب والديهم حنوهم ‪.‬‬
‫ِش ْع ًرا ‪:‬‬
‫ضى اهللُ أَ ْن ال َت ْعبُ ُدوا َغْيَر ُه َحْت ًما‬
‫قَ َ‬
‫ص َغْيَر َخالِِق ِه أََّما‬ ‫َفَيا َويْ َح َش ْخ ٍ‬
‫صا ُك ُموا بِالَْوالِ َديْ ِن َفَبالِغُوا‬ ‫َوأ َْو َ‬
‫األجَر ِفي َذ َ‬ ‫ِ‬
‫الر ْح َما‬‫اك َو َّ‬ ‫بِبِِّره َما فَ ْ‬
‫فَ َك ْم بَ َذال ِم ْن َرْأفٍَة َولَطَافٍَة‬
‫ك ِم ْن ُن ْع َما‬ ‫اج َ‬ ‫احتِي ِ‬
‫ت َْ‬ ‫َو َك ْم َمَن َحا َوقَ ْ‬
‫ك تَ ْشَت ِكي‬ ‫ت بِثِ ْقِل َ‬‫ك َك ْم بَاتَ ْ‬ ‫َوأُُّم َ‬
‫ِ ِ‬
‫س َوالْغَ َّما‬ ‫ُتَواص ُل م َّما َشَّق َها الُْب ْؤ َ‬
‫ت و ِعْن َد ِو ِ‬
‫الد َها‬ ‫َو ِفي الَْو ْ‬
‫اس ْ َ‬ ‫ض ِع َك ْم قَ َ‬
‫ْج ْل َد َواللَّ ْح َم َوال ِْعظ َْما‬ ‫م َشًّقا ي ِذيْب ال ِ‬
‫ُ ُ ُ‬
‫ك ُجُفونَِها‬ ‫ت ِو ْج ًدا َعلَْي َ‬ ‫َو َك ْم َس ِهَر ْ‬
‫األسا تَ ْح َمى‬ ‫اد َها لَ ْهًفا بِ َج ْم ِر َ‬ ‫َوأَ ْكَب ُ‬
‫ك األ َذى بَِي ِمْينِ َها‬ ‫ت َعْن َ‬ ‫َو َك ْم َغ َّسَل ْ‬
‫َّما‬
‫ت الض َّ‬ ‫حُنًّوا وإ ْشَفاقًا وأَ ْكَثر ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ َ‬
‫َّت َج َهالَ ًة‬
‫َسن ْ‬ ‫ضَّي ْعَت َها لَ ََّما أ َ‬
‫فَ َ‬
‫ت بَِها َز ْر ًعا َو َذ َّوقُْت َها ُس َّما‬ ‫ض ْق َ‬ ‫وِ‬
‫َ‬
‫ت قَ ِرير الْعي ِن ريَّا َن نَ ِ‬ ‫ِ‬
‫اع ًما‬ ‫َوب َّ ْ َ َْ َ‬
‫ات ال تَ ْس َم ُع اللَّْو َما‬ ‫م ِكبًّا َعَلى اللَّ َذ ِ‬
‫ُ‬

‫‪460‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ك ِفي ُج ْو ٍع َش ِديْ ٍد َوغُْربٍَة‬ ‫َوأُُّم َ‬


‫الص َما‬ ‫تَِلْي ُن لَ َها ِم َما بَِها َّ‬
‫الص ْخَر ُة َّ‬
‫أ ََه َذا َجَز َاها َب ْع َد طُْو ِل ِعَنائَِها‬
‫ت إِ ًذا أَ ْع َمى‬ ‫ت لَ ُذ ْو َج ْه ِل َوأَنْ َ‬ ‫ألَنْ َ‬
‫آخر‪ :‬فَال تُ ِط ْع َز ْو َج ًة ِفي قَط ِْع َوالِ َد ٍة‬
‫ك يا ابْن أ َِخي قَ ْد أَ ْفَن ِ‬
‫ت ال ُْع ُمَرا‬ ‫َعَلْي َ َ َ ْ‬
‫ت‬‫احَت َمَل ْ‬ ‫ك ْ‬ ‫ف ُتْن ِك ُر أًُّما ُث ْقلُ َ‬‫فَ َكْي َ‬
‫َح َشائَِها ُش ُهَرا‬ ‫وقَ ْد تَمَّر ْغ َ ِ‬
‫ت في أ ْ‬ ‫َ َ‬
‫اس َو َك ْم‬ ‫النَف ِ‬ ‫اع ِّ‬‫ك أ َْو َج َ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫َو َعالَ َج ْ‬
‫ت َم ْولُ ِد َها ذَ َكَرا‬ ‫ت لَ َّما َولَ َد ْ‬ ‫ُسَّر ْ‬
‫ك إِلَى َح ْولَْي ِن ُم ْك ِملَ ًة‬ ‫ض َعْت َ‬
‫َوأ َْر َ‬
‫ِفي َح ْج ِر َها تَ ْستَِق ْي ِم ْن ثَ ْديَِها ُّ‬
‫الد َر َرا‬
‫تر ِ‬ ‫وِمْن َ ِ‬
‫اض ُعهُ‬ ‫س َها َما أَنْ َ َ‬ ‫ك ُيْنج ُ‬ ‫َ‬
‫ِمْن َها َوال تَ ْشَت ِكي َنْتنًا َوال قَ َذ َرا‬
‫وقُل هو اهلل بِ ِ‬
‫اآلالف َت ْقَر ُؤ َها‬ ‫َ ْ َُ ُ‬
‫السُتَرا‬
‫ك ُّ‬ ‫ك َوُت ْر ِخي ُد ْونَ َ‬
‫َخ ْوفًا َعلَْي َ‬
‫ان َوَت ْربَِي ٍة‬
‫ك بِإ ْحس ٍ‬
‫َ‬ ‫َو َع َاملَْت َ‬
‫ف َتَرى‬ ‫ت َكْي َ‬ ‫ص ْر َ‬‫ت وحَتى ِ‬
‫اسَتَويْ َ َ َ‬ ‫َحَتى ْ‬
‫ِّل َعلَْي َها َز ْو َج ًة أَبَ ًدا‬
‫فَال ُتَفض ْ‬
‫َوال تَ َد ْع َقلُْب َها بِالَْق ْه ِر ُمْن َك ِسَرا‬
‫األص ُل ال ُتْن ِك ْر لَِت ْربَِي ٍة‬ ‫ِ‬
‫َوالَْوال ُد ْ‬
‫السيَّما إِ ْن أَ ْدر َك ال ِ‬
‫ْكَبَرا‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫احَفظْهُ َ‬ ‫َو ْ‬

‫‪461‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ِّي لَهُ َحًّقا َعَلْي َ‬


‫ك َولَْو‬ ‫فَ َما ُتَؤد ْ‬
‫ك حج الْبْي ِ‬
‫ت َوا ْعَت َمَرا‬ ‫ِ‬
‫على ُعُي ْون َ َ ُ َ‬
‫اللهم وفقنا حلبك وحب من حيبك وحب العمل ال ذي يقربنا إِىَل حبك وأهلمنا ذك رك‬
‫وش كرك وأعمر أوقاتنا بطاعتك وحل بيننا وبني معاص يك واغفر لنا ولوال دينا وجلميع‬
‫وعلَى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬‫املسلمني برمحتك يا أرحم الرامحني وصلى اهلل َعلَى حممد َ‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫َوقَ ْد أمر اهلل جل شانه باإلحسان َعلَى الوالدين يِف آيات من القرآن الكرمي قال تعاىل ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك أَالَّ َت ْعبُ ُدواْ إِالَّ إِيَّاهُ وبِالْو َ ِ‬
‫الِديْ ِن إ ْح َس اناً إ َّما َيْبلُغَ َّن عن َد َك الْكَب َر أ َ‬
‫َح ُدمُهَا أ َْو‬ ‫َ َ‬ ‫ض ى َربُّ َ‬ ‫﴿ َوقَ َ‬
‫اح ال ُّذ ِّل ِم َن‬ ‫ُف والَ َتْنهرمُه ا وقُل هَّل ما َق والً َك ِرمياً * و ِ‬ ‫ِ‬
‫ض هَلَُما َجنَ َ‬ ‫اخف ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫كالَمُهَا فَالَ َت ُقل هَّلَُما أ ٍّ َ َ ْ َ َ َُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ص غِرياً ﴾ وقال تعاىل ‪ ﴿ :‬أ َِن ْ‬ ‫الرَّمْح َ ِة َوقُل َّر ِّ‬
‫ك إِيَلَّ‬ ‫اش ُك ْر يِل َول َو َ‬
‫الِديْ َ‬ ‫ب ْارمَح ْ ُه َما َك َما َربَّيَ ايِن َ‬
‫صريُ ﴾ ‪.‬‬ ‫الْم ِ‬
‫َ‬
‫ند َك‬ ‫َوقَ ْد فضل سبحانه وتعاىل َما جيب من اإلحسان إِىَل الوالدين بقوله ‪ ﴿ :‬إِ َّما َيْبلُغَ َّن ِع َ‬
‫الْ ِكَب َر ﴾ اآلي تني املعىن إذا وصل الوال دان أو أح دمها إِىَل الكرب ح ال الض عف والعجز وص ارا‬
‫عندك يِف آخر العمر كما كنت عندمها يِف أوله وجب عليك أن حتنو عليهما وتشفق عليهما‬
‫وتلطف هلما وتعاملهما معاملة الشاكر ملن أنعم عليه على أن الفضل للمتقدم ‪.‬‬
‫أمورا مخسة أوالً تتأفف من شيء تراه وتشمه من أحدمها أو‬ ‫ويتجلى ذلك بأن تتبع معها ً‬
‫هما مما يت أذى به الن اس ‪ ،‬ولكن اصرب على ذلك منهما واحتسب األجر عليه من اهلل جل‬ ‫ِ‬
‫مْن َ‬
‫وعال كما صربا عليك يِف‬

‫‪462‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫صغرك واحذر الضجر وامللل القليل والكثري وعليك بالرفق واللني معهما واهلل ال يضيع أجر‬
‫من أحسن عمال ‪.‬‬
‫ثانيًا ‪ :‬أن ال تنغض وال تكدر عليهما بكالم تزجرمها به ويف هذا منع من إظهار املخالفة‬
‫هلما بالقول َعلَى سبيل الرد عليهما والتكذيب هلما ‪.‬‬
‫ثالثًا ‪ :‬أن تق ول هلما ق والً كرميًا أي حس نًا طيبًا مقرونًا ب االحرتام والتعظيم مما يقتض يه‬
‫حسن األدب وترشد إليه املروءة كأن تقول ‪ :‬يا أبتاه أو يا والدي ويا أماه أو يا والديت وال‬
‫بأمسائهما وال ترفع صوتك أمامهما وال حتدق فيهما بنظ رك بل يكون نظرك إليهما‬ ‫َ‬ ‫ت دعهما‬
‫نظر لطف وعطف وتواضع ‪.‬‬
‫فعن أيب هري رة رضي اهلل عنه ق ال ‪ :‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ‪ « :‬مَلْ يتل‬
‫الق رآن من مَلْ يعمل به ‪ ،‬ومل يرب والديه من أحد النظر إليهما يِف ح ال العق وق أولئك ب رآء‬
‫مين وأنا ِمْن ُه ْم بريء » ‪ .‬رواه الدارقطين ‪.‬‬
‫الذ ِّل ِم َن الرَّمْح َ ِة‬
‫اح ُّ‬ ‫وأخرج ابن أيب حامت عن عروة يِف قوله تعاىل ‪ ﴿ :‬و ِ‬
‫ض هَلَُما َجنَ َ‬
‫اخف ْ‬
‫َ ْ‬
‫شزرا ‪ ،‬فإنه أول َما يعرف به غضب املرء ش دة نظره‬ ‫﴾ ق ال ‪ :‬إن أغضباك فال تنظر إليهما ً‬
‫إِىَل من غضب عليه ‪.‬‬
‫وأخرج ابن أيب شيبة عن احلسن أنه قيل له ‪ :‬إِىَل َما ينتهي العقوق ؟ قال ‪ :‬أن حيرمهما‬
‫ويهجرمها وحيد النظر إليهما ‪ .‬واعلم أن النظر إليهما بعني احلنو والعطف والش فقة والتفقد‬
‫ملا يكرهان فهذا ال بأس به كما أن غض الطرف عنهما كراهة عقوق قال الشاعر يِف ابنه ‪:‬‬

‫‪463‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫الر َدى لِي ِم ْن َسَف َاه ِة َرْأيِِه‬


‫َيَو ُّد َّ‬
‫ت لِل َْع ُدِّو َمَقاتِلُ ْه‬ ‫َولَْو ُم ُّ‬
‫ت بَانَ ْ‬
‫إِ َذا َما َرآنِ ْي ُم ْقبِالً َغ َّ‬
‫ض طَْرفَهُ‬
‫س ُد ْونِ ْي ُيَقابِلُهُ‬
‫الش ْم ِ‬
‫اع َّ‬
‫َكأْ َن ُش َع َ‬
‫رابعا ‪ :‬أن تدعو اهلل أن يرمحهما برمحته الواسعة كفاء رمحتها لك ومجيل شفقتهما عليك ‪.‬‬ ‫ً‬
‫خامس ا ‪ :‬أن تتواضع هلما وت ذلل وتطيعهما فيما أم راك به َما مَلْ يكن معص ية هلل وتش تاق‬
‫ً‬
‫وترت اح إِىَل ب ذل َما يطلب ان منك من حط ام ال دنيا الفانية رمحة منك هبما وش فقة عليهما إذ‬
‫مها قَ ْد احتاجا إِىَل من كان أحوج الناس إليهما أيام كان يِف غاية العجز عن أي مصلحة من‬
‫مصاحله حبيث لو غفل عنه والده قليالً من الزمن هللك ‪.‬‬
‫وعلَى اجلملة فقد أكد جل وعال التوص ية هبما من وج وه كث رية ‪ ،‬وكفاها أن ش فع‬ ‫َ‬
‫معا ‪َ ،‬وقَ ْد ورد يِف بر الوال دين‬
‫اإلحس ان إليهما بتوحي ده ‪ ،‬ونظمهما يِف س لك القض اء هبما ً‬
‫أح اديث كث رية ‪ ،‬من ذلك أن رجالً ج اء إِىَل النيب ص لى اهلل عليه وس لم يس تأذنه يِف اجله اد‬
‫أحي والداك » ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ « :‬ففيهما فجاهد » ‪.‬‬ ‫معه فقال ‪ٌّ « :‬‬
‫ومن ذلك َما رواه مس لم وغ ريه ال جيزي ولد وال ده إال أن جيده مملو ًكا فيش رتيه فيعتقه‬
‫ومن ذلك َما روي عن ابن مسعود قال ‪ :‬سألت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أي العمل‬
‫أحب إِىَل اهلل ورس وله ق ال ‪ « :‬الص الة َعلَى وقتها » ‪ .‬قلت ‪ :‬مث أي ؟ق ال ‪ « :‬بر‬
‫الوالدين » ‪ .‬قلت ‪ :‬مث أي ؟ قال ‪ « :‬اجلهاد يِف سبيل اهلل » ‪.‬‬

‫‪464‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وعن أيب هريرة رضي اهلل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ « :‬رغم أنف مث رغم‬
‫أنف مث رغم أنف من أدرك أبويه عند الكرب أح دمها أو كالمها فلم ي دخل اجلنة » ‪ .‬رواه‬
‫مسلم ‪.‬‬
‫وعن عبد اهلل بن عمرو بن العاص رضي اهلل عنهما قال ‪ :‬أقبل رجل إِىَل النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم فقال ‪ :‬أبايعك َعلَى اهلجرة واجلهاد ابتغي األجر من اهلل تعاىل فقال ‪ « :‬فهل من‬
‫والديك أحد حي » ؟ قال ‪ :‬نعم بل كالمها ‪ .‬قال ‪ « :‬فتبتغي األجر من اهلل تعاىل » ؟ قال‬
‫‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ « :‬فارجع إِىَل والديك فأحسن صحبتهما » ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫وأخ رج ابن ماجة عن أيب أمامة رضي اهلل عنه أن رجالً ق ال ‪ :‬يا رس ول اهلل َما حق‬
‫الوالدين َعلَى ولدمها ؟ قال ‪ « :‬مها جنتك ونارك » ‪.‬‬
‫وعن أنس رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬من سره أن ميد‬
‫له يِف عم ره وي زاد يِف رزقه فليرب والديه وليصل رمحه » ‪ .‬رواه أمحد وال بيهقي بس ند رجاله‬
‫رجال الصحيح ‪ ،‬وأصله يِف الصحيحني باختصار ‪.‬‬
‫وعن عبد اهلل بن عمرو رضي اهلل عنهما قال ‪ :‬جاء رجل إِىَل رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وس لم فق ال ‪ :‬جئت أبايعك َعلَى اهلج رة وت ركت أب وي يبكي ان فق ال ‪ « :‬ارجع إليهما‬
‫فأضحكهما كما أبكيتهما » ‪ .‬رواه أبو داود ‪.‬‬
‫قال الناظم ‪:‬‬
‫ص ْحَب ٍة‬ ‫ِ ِ‬
‫س ُن تَ ْحسْي ٌن ل ُخل ٍْق َو ُ‬
‫َويَ ْح ُ‬
‫السيَّ َما لِلَْوالِ ِد ال ُْمَتأَ ْك ِد‬
‫و ِ‬
‫َ‬

‫‪465‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ب طَْو َعهُ‬ ‫َولَْو َكا َن َذا ُك ْف ٍر َوأ َْو َج َ‬


‫ألم ٍر ُمَؤ َّك ِد‬
‫سَوى في َحَر ٍام أ َْو ْ‬
‫ِ ِ‬

‫َكتِطْالب ِعل ٍْم ال يَ ُ‬


‫ضُّر ُه َما بِِه‬
‫ات بَِرْأ ٍي ُم َجَّر ِد‬ ‫وتَطِْل ِيق َزوج ٍ‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫َص َحابِِه َب ْع َد َم ْوتِِه‬ ‫وأ ِ‬
‫َحس ْن إِلَى أ ْ‬‫َ ْ‬
‫َف َه َذا َبَقايَا بِِّرِه ال ُْمَت َعَّو ِد‬
‫وقال صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬ثالث دعوات مستجابات ال شك فيهن دعوة املظلوم ‪،‬‬
‫ودعوة املسافر ‪ ،‬ودعوة الوالد على ولده » ‪ .‬وعن وهب ابن منبه قال ‪ :‬إن اهلل تعاىل أوحى‬
‫إِىَل موسى صلوات اهلل وسالمه عليه يا موسى وقر والديك ‪ ،‬فإن من وقر والديه مددت يِف‬
‫ولدا يعقه ‪.‬‬ ‫ولدا يوقره ومن عق والديه قصرت يِف عمره ووهبت له ً‬ ‫عمره ‪ ،‬ووهبت له ً‬
‫وذكر يِف اآلداب الك ربى عن ابن عب اس رضي اهلل عنهما ق ال ‪ :‬إمنا رد اهلل عقوبة‬
‫س ليمان عن اهلدد ل ربه ك ان بأمه ‪ .‬وق ال عكرمة ‪ :‬إمنا ص رف س ليمان عن ذبح اهلدهد إنه‬
‫بارا بوالديه ينقل إليهما الطعام فريزقهما ‪ .‬انتهى ‪.‬‬ ‫كان ً‬
‫ُع ِّذ َبنَّهُ َع َذاباً‬
‫وقصة اهلدهد على َما قيل عنها هي أنه ملا توع ده س ليمان بقوله ‪ ﴿ :‬أَل َ‬
‫ني ﴾ وذلك أنه ملا فق ده ألجل املاء ‪ ،‬ف دعا س ليمان‬ ‫َش ِديداً أَو أَل َ ْذحَب نَّه أَو لَي أْتِييِّن بِس ْلطَ ٍ‬
‫ان ُّمبِ ٍ‬
‫ْ َُ ْ َ َ ُ‬
‫عريف الطري وهو النسر فلم جيد عنده علمه ‪.‬‬

‫‪466‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫علي به فارتفعت فنظرت فإذا هو مقبل فقصدته فناشدها‬ ‫مث قال لسيد الطري وهو العقاب َّ‬
‫علي إال رمحتيين ‪ ،‬فرتكته وقالت ‪ :‬ثكلتك أمك ‪ ،‬إن‬ ‫اهلل ‪ ،‬وقال ‪ :‬حبق الذي قواك وأقدرك ّ‬
‫نيب اهلل حلف ليعذبنك قال ‪ :‬وما استثىن ؟ قالت ‪ :‬بلى ‪ .‬قال ‪ ﴿ :‬لَيأْتِييِّن بِس ْلطَ ٍ‬
‫ان ُّمبِ ٍ‬
‫ني ﴾ ‪.‬‬ ‫ََ ُ‬
‫تواضعا فلما دنا ِمْنه أخذ‬
‫ً‬ ‫فلما قرب من سليمان أرخى ذنبه وجناحيه جيرمها على األرض‬
‫رأسه فمده إليه ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا نيب اهلل اذكر وقوفك بني يدي اهلل ‪ ،‬فارتعد سليمان عليه السالم‬
‫وعفا عنه ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وعلَى آله وسلم ‪.‬‬
‫واهلل أعلم وصلى اهلل على حممد َ‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫وبر األم مقدم على بر األب ملا سيأيت من األحاديث ‪ ،‬وذلك أهنا تنفرد عن األب بأشياء‬
‫ِمْن َها مشقة احلمل وصعوبة الوضع ‪ ،‬وصعوبة الرضاع وكثرة الشفقة واخلدمة واحلنو ‪.‬‬
‫فعن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال ‪ :‬جاء رجل إِىَل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال‬
‫‪ :‬يا رسول اهلل من أحق الناس حبسن صحابيت ؟ قال ‪ « :‬أمك » ‪ .‬قال ‪ :‬مث من ؟ قال ‪« :‬‬
‫أمك » ‪ .‬قال ‪ :‬مث من ؟ قال ‪ « :‬أمك » ‪ .‬قال ‪ :‬مث من ؟ قال ‪ « :‬أبوك » ‪.‬‬
‫وعن أنس رضي اهلل عنه ق ال ‪ :‬أتى رجل رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم فق ال ‪ :‬إين‬
‫اش تهي اجله اد وال أق در عليه ‪ .‬ق ال ‪ « :‬هل بقي من وال ديك أحد » ؟ ق ال ‪ :‬أمي ‪ .‬ق ال ‪:‬‬
‫« قابل اهلل يِف برها ‪ ،‬ف إذا فعلت ذلك ف أنت ح اج ومعتمر وجماهد » ‪ .‬رواه‬
‫أبو يعلى والطرباين يِف الصغري واألوسط وإسناد مها جيد ‪.‬‬

‫‪467‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وعن طلحة بن معاوية الس لمي رضي اهلل عنه ق ال ‪ :‬أتيت النيب ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫فقلت ‪ :‬يا رس ول اهلل أريد اجله اد يِف س بيل اهلل ق ال ‪ « :‬أمك حية » ؟ قلت ‪ :‬نعم ‪ .‬ق ال‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬ألزم رجلها فثم اجلنة » ‪ .‬رواه الطرباين ‪.‬‬
‫وعن معاوية بن جامهة أن جامهة جاء إِىَل النيب صلى اهلل عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول اهلل‬
‫أردت أن أغزو ‪َ ،‬وقَ ْد جئت أستشريك ‪ ،‬فقال ‪ « :‬هل لك من أم » ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪« :‬‬
‫فألزمها ف إن اجلنة عند رجلها » ‪ .‬رواه ابن ماجة والنس ائي واللفظ له واحلاكم وق ال ‪:‬‬
‫صحيح اإلسناد ‪.‬‬
‫ورواه الط رباين بإس ناد جيد ولفظه ق ال ‪ :‬أتيت النيب ص لى اهلل عليه وس لم أستش ريه يِف‬
‫اجله اد فق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم ‪ « :‬ألك وال دان » ؟ قلت ‪ :‬نعم ‪ .‬ق ال « ألزمهما‬
‫فإن اجلنة حتت أرجلهما » ‪.‬‬
‫وعن أيب ال درداء أن رجالً أت اه فق ال ‪ :‬إن يل ام رأة وإن أمي ت أمرين بطالقها ‪ ،‬فق ال ‪:‬‬
‫مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول ‪ « :‬الوالد أوسط أبواب اجلنة فإن شئت فأضع‬
‫هذا الباب أو احفظه » ‪ .‬رواه ابن ماجة والرتمذي واللفظ له ‪.‬‬
‫وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال ‪ :‬كان حتيت امرأة أحبها وكان عمر يكرهها ‪ ،‬فقال يل ‪ :‬طلقها فأبيت فأتى عمر رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فذكر ذلك له ‪ ،‬فقال يل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬طلقها » ‪ .‬رواه أبو داود والرتمذي والنسائي وابن ماجة ‪،‬‬
‫وابن حبان يِف صحيحه وقال الرتمذي ‪ :‬حديث حسن صحيح ‪.‬‬
‫ْت إِلَْي ِه َما‬‫ك قَ ْد نُِقل َ‬‫فَ َكأَنَّنِ ْي بِ َ‬ ‫ف لي َقْبَريْ ِه َما‬ ‫ك َو ِق ْ‬ ‫ِش ْع ًرا ‪ُ :‬ز ْر َوالَ َديْ َ‬
‫ض الْ ِو ِّد ِم ْن َن ْف َسْي ِه َما‬‫اك َم ْح َ‬ ‫َ(مَن َح َ‬ ‫ك فَطَالَ َّما‬‫َما َكا َن َذْنَب ُه َما إِلَْي َ‬
‫َجَز ًعا لِ َما تَ ْش ُك ْو ُه َش َّق َعلَْي ِه َما‬ ‫ك ِعلَّ ًة‬
‫صَرا بِ َ‬ ‫(َكانَا إِ َذا َما أَبْ َ‬
‫َسًفا على َخ َّديْ ِه َما‬ ‫َد ْم َعْي ِه َما أ َ‬ ‫َسَبالَ‬ ‫كأْ‬‫(َكانَا إِ َذا َس ِم َعا أَنِْيَن َ‬
‫(‬ ‫(‬

‫‪468‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫بِ َج ِمْي ِع َما يَ ْح ِويِِه ُمل ُ‬


‫ْك يَ َديْ ِه َما‬
‫ج‬

‫اح ًة‬
‫ك َر َ‬ ‫ادفَا لَ َ‬‫صَ‬ ‫َوتَ َمنََّيا لَْو َ‬
‫ت ِفي َد َاريْ ِه َما‬ ‫ُس ِكَنا‬
‫(َد َار الَْبال ِو َس َكْن َ‬‫ِ‬
‫ت َحَّق ُه َما َعشيَّ َة أ ْ‬ ‫أَ(نَ ِسْي َ‬
‫َحْت ًما َك َما لَ ِحَقا ُه َما أََبَويْ ِه َما‬
‫ْحَّق ُه َما َغ ًدا أ َْو َب ْع َد ُه‬
‫(َفَلَتل َ‬
‫وعن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قال( ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪« :‬‬ ‫(‬
‫رضا اهلل يِف رضا الوالد وس خط اهلل يِف س خط الوالد » ‪ .‬رواه الرتم ذي ورجح وقفه وابن‬
‫حبان يِف صحيحه واحلاكم وقاال ‪ :‬صحيح على شرط الشيخني ‪.‬‬
‫علي أمي وهي مشركة يِف عهد‬
‫عن أمساء بنت أيب بكر رضي اهلل عنهما قالت ‪ :‬قدمت َّ‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فاستفتيت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬قلت ‪ :‬قدمت‬
‫علي أمي وهي راغبة ‪ ،‬أفأصل أمي ؟ قال ‪ « :‬نعم صلي أمك » ‪ .‬رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬ ‫َّ‬
‫قال بعضهم ‪:‬‬
‫لَئِ ْن َكا َن بُِّر الَْوالِ َديْ ِن ُمَق َد ًما‬
‫ِ ِ‬
‫األم‬
‫األب َو ُ‬ ‫فَ َما يَ ْسَت ِو ْي في بِِّره ُ‬
‫ض ُع َم َشَق ٍة‬ ‫ان َو ْ‬ ‫ضع ِ‬
‫َو َه ْل يَ ْسَت ِوي الَْو ْ َ‬
‫اك ُب ْرءٌ َو َذا ُس ْق ُم‬ ‫ض ُع التِّ َذ ٍاذ َذ َ‬ ‫َو َو ْ‬
‫الس َم ِاء بِطَْر ِف َها‬
‫ت نَ ْحَو َّ‬ ‫إِ َذا َّ‬
‫التَفَت ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الس ْه ُم‬
‫ك َّ‬ ‫ب َقلَْب َ‬ ‫فَ ُك ْن َحذ ًرا م ْن أَ ْن يُص ْ‬
‫ْحِّر ُم ْقنِ ٌع‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫َوفي آيَة التَّأْفيف لل ُ‬
‫َولَ ِكنَّهُ َما ُك ُّل َعْب ٍد لَهُ َف ْه ُم‬
‫وروى وهب بن منبه يِف حديث طويل أن فىت كان ًبرا بوالديه وكان حيتطب على ظهره‬
‫فإذا باعه تصدق بثلثه وأعطى أمه ثلثه ‪ ،‬وأبقى لنفسه‬

‫‪469‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ثلثه ‪ ،‬فق الت له أمه ‪ :‬إين ورثت من أبيك بق رة فرتكتها يِف البقر على اسم اهلل ‪ ،‬ف إذا أتيت‬
‫البقر فادعها باسم إله إبراهيم ‪.‬‬
‫فذهب فصاح هبا ‪ ،‬فأقبلت فانطقها اهلل ‪ ،‬فقالت ‪ :‬اركبين يا فىت ‪ .‬فقال الفىت ‪ :‬إن أمي‬
‫علي ف انطلق فلو أم رت اجلبل أن‬ ‫مَلْ ت أمرين هبذا فق الت ‪ :‬أيها الرب بأمه لو ركبتين مَلْ تق در ّ‬
‫ينقلع من أصله معك النقلع لربك بأمك ‪.‬‬
‫رضى مين فبعث اهلل مل ًكا فقال ‪ :‬بكم‬‫فلما جاء هبا قالت أمه ‪ :‬بعها بثالثة دنانير على ً‬
‫رضى من أمي ‪ ،‬قال ‪ :‬لك ستة وال تستأمرها ‪ ،‬فأىب وعاد إِىَل‬ ‫هذه ؟ قال بثالثة دنانري على ً‬
‫أمه فأخربها فق ال ‪ :‬بعها بس تة على رض ًى مين ‪ ،‬فج اء امللك فق ال ‪ :‬خذ اثين عشر وال‬
‫تس تأمرها ف أىب وع اد إِىَل أمه فأخربها فق الت ‪ :‬يا بين ذاك ملك فقل له ‪ :‬بكم ت أمرين أن‬
‫أبيعها ؟ فج اء إليه فق ال ‪ :‬يا فىت يش رتي بقرتك ه ذه موسى بن عم ران لقتيل يقتل يِف بين‬
‫إسرائيل ‪.‬‬
‫ويف رواية فق ال له امللك ‪ :‬اذهب إِىَل أمك وقل هلا امسكي ه ذه البق رة ف إن موسى بن‬
‫عمران عليه السالم يشرتيها منك لقتيل يقتل يِف بين إسرائيل فال تبعها إال مبلء مسكها دنانري‬
‫فأمس كها وق در اهلل على بين إس رائيل ذبح تلك البق رة بعينها فما زال وا يستوص فوهنا حىت‬
‫وصفت هلم تلك البقرة مكافأة على بره بوالدته فضالً من اهلل ورمحة ‪.‬‬
‫وعن أسري بن جابر رضي اهلل عنهما قال ‪ :‬كان عمر رضي اهلل عنه إذ أتى أمراء اليمن‬
‫سأهلم أفيكم أويس بن عامر ؟ حىت أتى عليه‬

‫‪470‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫فقال ‪ :‬أنت أويس بن عامر ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ :‬من مراد مث من قرن ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فكان بك برص فربأت ِمْنه إال موضع درهم ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ :‬لك والدة ؟ قال ‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول ‪ « :‬يأيت عليكم أويس بن عامر مع‬
‫أمداد اليمن من مراد مث من قرن ‪ ،‬كان به برص فربئ ِمْنه إال موضع درهم ‪ ،‬له والدة هو‬
‫هبا بر لو أقسم على اهلل ألبره ‪ ،‬فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل » ‪ .‬فاستغفر يل ‪ ،‬فقال‬
‫له عمر ‪ :‬أين تريد ؟ قال ‪ :‬الكوفة ‪ .‬قال أال أكتب لك إِىَل عاملها ؟‬
‫قال ‪ :‬أكون يِف غرباء الناس أحب إيل ‪ .‬فانظر املنزلة اليت بلغها هذا البار بأمه حىت كان‬
‫من ش أنه أن خيرب عنه املص طفى ص لى اهلل عليه وس لم وأن يق ول لعمر ‪ :‬إن اس تطعت أن‬
‫يس تغفر لك فافعل إذا أتى » ‪ .‬مث ح رص عمر رضي اهلل عنه على الس ؤال عن أويس ليطلب‬
‫ِمْنه االستغفار له ‪.‬‬
‫رأى ابن عمر رضي اهلل عنهما رجالً قَ ْد محل أمه على رقبته وهو يط وف هبا ح ول‬
‫الكعبة فق ال ‪ :‬يا ابن عمر أت راين جازيتها ؟ ق ال ‪ :‬وال بطلقة واح دة من طلقاهتا ولكن‬
‫كثريا ‪.‬‬
‫أحسنت واهلل يثيبك على القليل ً‬
‫وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي اهلل عنهما مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وس لم يق ول ‪ « :‬انطلق ثالثة نفر ممن ك ان قبلكم حىت آواهم املبيت إِىَل غ ار ف دخلوه‬
‫فاحندرت صخرة من اجلبل فسدت عليهم الغار فقالوا ‪ :‬إنه ال ينجيكم من هذه الصخرة إال‬
‫أن تدعوا اهلل بصاحل أعمالكم قال رجل ِمْنهم ‪:‬‬

‫‪471‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫اللهم كان يل أبوان شيخان كبريان وكنت ال أغبق قبلهما أهالً وال ماالً فنأى يب طلب‬
‫يوما فلم أرح عليهما حىت ناما فحلبت هلما غبوقهما فوج دهتما ن ائمني فك رهت أن‬ ‫الش جر ً‬
‫أوقظهما فلبثت والق دح على ي دي أنتظر اس تيقاظهما حىت ب رق الفجر فاس تيقظا فش ربا‬
‫غبوقهما ‪.‬‬
‫اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغ اء وجهك فف رج عنا َما حنن فيه من ه ذه الص خرة ‪.‬‬
‫فانفرجت شيئًا ال يستطيعون اخلروج معه قال اآلخر ‪ :‬اللهم كانت يل ابنة عم كانت أحب‬
‫إيل فأردهتا على نفسها فامتنعت مين حىت أملت هبا سنة من السنني ‪ ،‬فجاءتين فأعطيتها‬ ‫الناس ّ‬
‫عش رين ومائة دين ار على أن ختلي بيين وبني نفس ها ‪ ،‬ففعلت حىت إذا ق درت عليها ق الت ‪:‬‬
‫ال أحل أن تفض اخلامت إال حبقه فتح رجت من الوق وع عليها ‪ .‬فانص رفت عنها وهي أحب‬
‫إيل ‪ ،‬وتركت الذهب الذي أعطيتها ‪.‬‬‫الناس ّ‬
‫اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا َما حنن فيه فانفرجت الصخرة غري‬
‫أهنم ال يس تطيعون اخلروج ِمْنها ‪ ،‬ق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم ‪ :‬وق ال الث الث ‪ :‬اللهم‬
‫اس تأجرت أج راء وأعطيتهم أج رهم غري رجل واحد ت رك ال ذي له وذهب ‪ ،‬فثم رت أج ره‬
‫حىت ك ثرت ِمْنه األم وال فج اءين بعد حني فق ال ‪ :‬يا عبد اهلل أد إيّل أج ري فقلت ‪ :‬كل َما‬
‫ترى من أجرك من اإلبل والبقر والغنم والرقيق فقال ‪ :‬يا عبد اهلل ال تستهزئ يب فقلت ‪ :‬إين‬
‫ال استهزئ بك ‪ ،‬فأخذه كله فاستاقه فلم يرتك ِمْنه شيئًا ‪.‬‬
‫اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغ اء وجهك ف أفرج عنا َما حنن فيه ف انفرجت الص خرة‬
‫فخرجوا ميشون » ‪ .‬والشاهد من احلديث ملا حنن فيه قصة األول الذي هو البار بوالديه ‪.‬‬

‫‪472‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫قال بعضهم ‪:‬‬


‫ت َكبِْي ُر‬‫ك َح ٌّق لَْو َعِل ْم َ‬ ‫ألم َ‬
‫ِّ‬
‫َكثِْي ُر َك يَا َه َذا لَ َديِْه يَ ِسْي ُر‬
‫ك تَ ْشَت ِكي‬ ‫ت بُِث ْقِل َ‬
‫فَ َك ْم لَْيلَ ٍة بَاتَ ْ‬
‫لَ َها ِم ْن َجَو َاها أَنَّهُ َو َز ِف ُير‬
‫ك َم َشَّقةٌ‬ ‫ض ِع لَْو تَ ْد ِري َعلَْي َ‬ ‫َو ِفي الَْو ْ‬
‫ص ِمْن َها الُْفَؤاُد يَ ِط ُير‬ ‫ص ٍ‬ ‫فَ َك ْم غُ َ‬
‫ك األ َذى بَِي ِمينِ َها‬ ‫ت َعْن َ‬‫َو َك ْم غَ َّسلَ ْ‬
‫ك نَ ِم ُير‬ ‫ِ‬
‫ب لَ َديْ َ‬ ‫َوم ْن ثَ ْديَِها ُش ْر ٌ‬
‫ك ُق ْوتَِها‬ ‫ت َوأَ ْعطَْت َ‬ ‫َو َك ْم َمَّرٍة َج َ‬
‫اع ْ‬
‫ص ِغ ُير‬‫ت َ‬ ‫ُحُنًّوا َوإِ ْشَفاقًا َوأَنْ َ‬
‫َّت َج َهالَ ًة‬
‫َسن ْ‬
‫ضَّي ْعَت َها لَ َّما أ َ‬
‫فَ َ‬
‫ك األ َْمر و ُهو قَ ِ‬
‫ص ُير‬ ‫ال َعلَْي َ ُ َ َ‬ ‫َوطَ َ‬
‫آها لِ ِذ ْي َع ْق ٍل َوَيتَّبِ ُع ال َْهَوى‬
‫فَ ً‬
‫ْب و ُهو ب ِ‬
‫ص ُير‬ ‫َو َو ًاها ألَ ْع َمى الَْقل ِ َ َ َ‬
‫ب ِفي َع ِمْي ِم َد َعائَِها‬ ‫ك فَ ْارغَ ْ‬ ‫فَ ُد ْونَ َ‬
‫ت لِ َما تَ ْد ُع ْو إِلَْي ِه ِفِق ُير‬ ‫فَأَنْ َ‬
‫اللهم علمنا َما ينفعنا وانفعنا مبا علمتنا وال جتعل علمنا وب االً علينا اللهم ق وي معرفتنا‬
‫بك وبأمسائك وصفاتك ونور بصائرنا ومتعنا بأمساعنا وأبصارنا وقواتنا يا رب العاملني واغفر‬
‫وعلَى آله‬
‫لنا لوال دينا وجلميع املس لمني برمحتك يا أرحم ال رامحني وص لى اهلل على حممد َ‬
‫وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫‪473‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫ورا على احلي اة فقط فقد ورد عن أيب أس يد مالك بن ربيعة‬ ‫وليس بر الوال دين مقص ً‬
‫الساعدي رضي اهلل عنه قال ‪ :‬بينما حنن جلوس عند رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إذ جاء‬
‫رجل من بين سلمة فقال ‪ :‬يا رسول اهلل هل بقي من بر أبوي شيء أبرمها به بعد موهتما ‪.‬‬
‫ق ال ‪ « :‬نعم الص الة عليهما ‪ ،‬واالس تغفار هلما ‪ ،‬وإنف اذ عه دمها من بع دمها ‪ ،‬وص لة‬
‫الرحم اليت ال توصل إال هبما وإكرام صديقهما » ‪ .‬رواه أبو داود وابن حبان يِف صحيحه ‪،‬‬
‫وزاد يِف آخره ‪ ،‬قال الرجل‪ :‬ما أكثر هذا يا رسول اهلل وأطيبه ‪ .‬قال ‪ « :‬فاعمل به » ‪.‬‬
‫وعن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما أن رجالً من األع راب لقيه بطريق مكة فس لم‬
‫عليه عبد اهلل بن عمر ومحله على محار ك ان يركبه وأعط اه عمامة ك انت على رأسه ‪ ،‬ق ال‬
‫ابن دينار ‪ :‬فقلنا له ‪ :‬أصلحك اهلل إهنم األعراب وهو يرضون باليسري فقال عبد اهلل بن عمر‬
‫‪ :‬إن أبا هذا كان ُو ًّدا لعمر بن اخلطاب وإين مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫« إن أبر الرب صلة الولد أهل ود أبيه » ‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫وعن أيب بردة قال ‪ :‬قدمت املدينة فأتاين عبد اهلل بن عمر فقال ‪ :‬أتدري مَلْ أتيتك ؟ قال‬
‫‪ :‬قلت ال ‪ .‬قال ‪ :‬مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول ‪ « :‬من أحب أن يصل أباه‬
‫يِف ق ربه فليصل إخ وان أبيه بع ده » ‪ .‬وإنه ك ان بني عمر وبني أبيك إخ اء وود ف أحببت أن‬
‫أصل ذاك ‪ .‬رواه ابن حبان يِف صحيحه ‪.‬‬
‫وعن عائشة قالت ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬دخلت‬

‫‪474‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫اجلنة فس معت فيها ق راءة فقلت ‪ :‬من ه ذا ؟ ق الوا ‪ :‬حارثة بن النعم ان ك ذلكم الرب ك ذلكم‬
‫الرب » ‪ .‬وكان أبر الناس بأمه ‪ .‬رواه يِف شرح السنة والبيهقي يِف الشعب شعب اإلميان ‪.‬‬
‫مطيعا هلل يِف‬
‫وعن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬من أصبح ً‬
‫والديه أصبح له باب ان مفتوح ان من اجلنة وإن ك ان واح ًدا فواح ًدا ومن أمسى عاصيًا هلل يِف‬
‫واحدا فواح ٌد » ‪ .‬قال رجل ‪ :‬وإن ظلماه‬ ‫والديه أصبح له بابان مفتوحان من النار وإن كان ً‬
‫؟ قال ‪ « :‬وإن ظلماه وإن ظلماه وإن ظلماه » ‪.‬‬
‫وعنه أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ق ال ‪َ « :‬ما من ولد ب ار ينظر إِىَل والديه نظر‬
‫رمحة إال كتب له بكل نظرة حجة مربورة » ‪ .‬قالوا ‪ :‬وإن نظر كل يوم مائة مرة ؟ قال ‪« :‬‬
‫نعم اهلل أكرب وأطيب » ‪ .‬روامها البيهقي يِف شعب اإلميان ( فوائد ) ‪.‬‬
‫وملا ماتت أم إياس الذكي القاضي املشهور بكى عليها فقيل له يِف ذلك فقال ‪ :‬كان يل‬
‫بابان مفتوحان إِىَل اجلنة فغلق أحدمها وكان رجل من املتعبدين يقبل كل يوم قدم أمه فأبطأ‬
‫يوما على أص حابه فس ألوه فق ال ‪ :‬كنت أمترغ يِف ري اض اجلنة ‪ ،‬فقد بلغنا أن اجلنة حتت‬ ‫ً‬
‫أقدام األمهات ‪.‬‬
‫وقيل لعلي بن احلسني ‪ :‬إنك من أبر الناس وال تأكل مع أمك يِف صحفة فقال ‪ :‬أخاف‬
‫أن تس بق ي دي ي دها إِىَل َما تس بق إليه عيناها ف أكون قَ ْد عققتها ‪ .‬ويا لألسف حنن يِف جيل‬
‫أكثر أهله ال يرى للوالدين حقًّا بل يستهني هبما وينتقصهما ورمبا شتمها أو َما هو أعظم من‬
‫ذلك من فلذلك‬

‫‪475‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫إذا رأيت الوال دين يِف ه ذا ال وقت املظلم ورأيت خ دمتها لول دمها رمحتها ورمبا ذرفت عين اك‬
‫وتأمل قلبك ‪.‬‬
‫وجتد ه ذا املخ دوم رمبا أنه ال يص لي أص الً أو ال يش هد اجلماعة أو من أهل الفس اد‬
‫واألس كار وش رب ال دخان أو ممن يش تبه ب اليهود والنص ارى واجملوس حبلق حليته أو جيعل‬
‫خنافس أو تواليت أو ممن يعكف عند احملرمات واملالهي وسائر املنكرات طوال ليله عبد فم‬
‫وفرج ‪.‬‬
‫ِش ْع ًرا ‪:‬‬
‫الذ ْي ُكنَّا نُ َح ِاذ ُر ُه‬ ‫الزَماُن ِّ‬‫َه َذا َّ‬
‫ب َو ِفي َق ْو ِل ابْ ِن َم ْس ُع ْو ِد‬ ‫ِفي َق ْو ِل َك ْع ٍ‬
‫َج َم ِع ِه‬
‫ْح ُّق َم ْر ُد ْو ٌد بِأ ْ‬
‫ِ‬
‫َد ْهٌر بِه ال َ‬
‫ْم َوالَْب ْغ ُي ِف ِيه َغْي ُر َم ْر ُد ْو ِد‬ ‫ُّ‬
‫ِوالظل ُ‬
‫ث لَهُ َغْيٌر‬ ‫ِإ ْن َد َام َه َذا َولَ ْم يَ ْح ُد ْ‬
‫ت َولِ ْم َي ْفَر ْح بِ َم ْولُْو ِد‬ ‫لَم يْب ِ‬
‫ك َمْي ٌ‬ ‫ُْ‬
‫صائِِبي‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫آخر‪ :‬إِلَى اهلل أَ ْش ُك ْو ِو ْح َدتي في َم َ‬
‫ت َحا ِز َما‬ ‫الصْب ِر لَْو ُكْن َ‬
‫َو َه َذا َزَما ُن َّ‬
‫ك فَ ِاق ٌد‬ ‫االستِ ْر َج ِ‬
‫اع إِنَّ َ‬ ‫ك بِ ْ‬
‫َعَلْي َ‬
‫السلَُّو ُمَن ِاد َما‬
‫َحَيا َة ال ُْعَلى َوابْ ِغ ُّ‬
‫ق ال أمحد رضي اهلل عنه ‪ :‬بر الوال دين كف ارة الكب ائر وك ذا ذكر ابن عبد الرب عن‬
‫مكح ول ‪ ،‬ويش هد هلذا َما رواه الرتم ذي واللفظ له وابن حب ان يِف ص حيحه واحلاكم‬
‫وص ححه عن ابن عمر رضي اهلل عنهما ق ال ‪ :‬أتى النيب ص لى اهلل عليه وس لم رجل فق ال ‪:‬‬
‫عظيما فهل يل‬
‫إين أذنبت ذنبًا ً‬

‫‪476‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫من توبة ؟ فق ال ‪ « :‬هل لك من أم » ‪ .‬ويف رواية ابن حب ان واحلاكم « هل لك وال دان‬


‫» ؟ قال ‪ :‬ال ‪ .‬قال ‪ « :‬فهل لك من خالة » ‪ .‬قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ « :‬فربها » ‪ .‬ومن الفوائد‬
‫أن أبا هريرة رأى رجالً ميشي خلف رجل فقال ‪ :‬من هذا ؟ قال ‪ :‬أيب قال ‪ :‬ال تدعه بامسه‬
‫‪ ،‬وال جتلس قبله ‪ ،‬وال متشي أمامه ‪.‬‬
‫وذكر يِف احلديث يِف تفسري قوله تعاىل ‪ ﴿ :‬وص ِ‬
‫احْب ُه َما يِف ُّ‬
‫الد ْنيَا َم ْع ُروف اً ﴾ عنه صلى‬ ‫َ َ‬
‫اهلل عليه وسلم قال ‪ « :‬املصاحبة باملعروف أن يطعمهما إذا جاعا ويكسومها إذا عريا » ‪.‬‬
‫ومن حقوقهما خ دمتهما إذا احتاجا أو أح دمها على خدمة وإجابة دعوهتما ‪ ،‬وامتث ال‬
‫أمرمها َما مَلْ يكن معص ية هلل فال طاعة ملخل وق يِف معص ية اخلالق ‪ .‬ومن حقوقهما التكلم‬
‫معهما باللني واللطف ‪ ،‬ومن ذلك أن ال يدعومها بامسهما ‪ ،‬وأن ميشي خلفهما ‪ ،‬وأن يدعو‬
‫اهلل هلما باملغفرة والرمحة ‪ .‬واهلل أعلم وصلى اهلل على حممد وآله وسلم ‪.‬‬
‫( موعظة )‬
‫عباد اهلل أحسنوا إِىَل الوالدين َما أمكن لكم اإلحسان ‪ ،‬وإن حسبتم أنكم كافأمتوهم يِف‬
‫ذلك اإلحسان ‪ ،‬وكنوا معهما يِف غاية األدب واالحرتام ‪ ،‬واحذروا سوء األدب عندمها وإال‬
‫ه ويتم يِف ه وة ش قاء َما هلا من ق رار وكون وا معهما يِف إجالل واح رتام ‪ ،‬وتق دير ت ام وإن‬
‫حصل منهما لك ظلم ‪.‬‬
‫ألهنما اللذان لوال اهلل مث لوالمها مَلْ خترج على هذا الوجود وألهنما اللذان سخرمها اهلل‬
‫لك فص ًربا على َما رأيا من األه وال ‪ ،‬وس خرمها لرتبيتك والعناية بك يِف ه ذه احلي اة‪ .‬ت ذكر‬
‫زمن محل أمك‬

‫‪477‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫بك وأنت يِف بطنها علة من أكرب العلل ‪ ،‬وت ذكر وقت أن ك انت تل دك وهي مما هبا من‬
‫األحياء وال من األموات وتذكر َما خرج عقب والدتك من النزيف الدم الذي هو نفسها ‪.‬‬
‫وت ذكر أنك متص دمها م دة الرض اع ‪ ،‬وس رورها بك تقصر عن ش رحه العب ارات ‪.‬‬
‫وتذكر تنظيفها لبدنك ومالبسك من األقذار ‪ ،‬وتذكر فزعها عندما يعرتيك خوف أو مرض‬
‫أو حنو ذلك ‪ ،‬وتذكر دفاعها عنك إذا اعتدى عليك معتدي ‪.‬‬
‫وت ذكر حرص ها الش ديد على أن تعيش هلا ولو ح رمت ل ذة الطع ام والش راب وت ذكر‬
‫س هرها عليك عن دما يؤملك ش يء من جس دك ‪ ،‬وت ذكر كد وال دك عليك يِف حتص يل َما به‬
‫خش َي أن جتوع تقحم‬ ‫حتيا بإذن اهلل ‪ ،‬ال يهدؤ عن ذلك والدك مدى الليايل واأليام ‪ ،‬وكلما ِ‬
‫الشدائد وهام على وجهه يف الدنيا ال يرده إال يرده إال أن يراك يِف يسا ٍر ‪.‬‬
‫وتذكر عنايته بك يِف تعليمك وتوجيهك إِىَل َما فيه صالح دينك ودنياك وتذكر حياطته‬
‫ونص حه لك ومقاس ات الش دائد لراحتك ‪ ،‬وت ذكر فرحه واستبش اره مبحبتك وجناحك ‪،‬‬
‫وت ذكر دفاعه عنك بي ده ولس انه ‪ ،‬وت ذكر دع اءه لك يِف مظنة أوق ات اإلجابة أن يص لحك‬
‫اهلل ويوفقك ‪.‬‬
‫وت ذكر قلقهما واألدالج يِف البحث عنك إذا ت أخرت عن وقت اجمليء ‪ ،‬وتأمل وت ذكر‬
‫بشاشتها فيمن يعز عليك لسرورمها مبا يسرك‪ ،‬من أجل ذلك أكد اهلل وشدد عليك بالوصية‬
‫هبما ‪.‬‬
‫وأخرب نبينا صلى اهلل عليه وسلم أهنما جنتك ونارك ‪ ،‬وقدم برمها‬

‫‪478‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫على اجلهاد ‪ ،‬ودعا أن يرغم أنف من أدرك والديه أو أحدمها فلم يدخل اجلنة ‪ ،‬وأخرب بأكرب‬
‫الكبائر فذكر عقوقهما بعد اإلشراك باهلل ‪.‬‬
‫ِش ْع ًرا‪:‬‬
‫فَ َك ْم َولَ ٍد لِلَْوالِ َديْ ِن ُم َ‬
‫ضيَّ ٌع‬
‫يُ َجا ِزيْ ِه َما بُ ْخالً بِ َما نَ ْح ُ‬
‫اله‬
‫اس ًة‬ ‫وت َّ ِ‬
‫الزهي َد َنَف َ‬ ‫طََوى َعْن ُه َما الْ ُق َ‬
‫اله‬
‫ْح ْز َن َو ْارتَ َح ُ‬
‫َو َجَّر ُاه َس َارا ال ُ‬
‫ِ‬
‫الم ُه َما َع ْن َف ْرط ُحبِّ ِه َما لَهُ‬ ‫َو َ‬
‫و ِفي ب ْغ ِ ِ‬
‫ضه إِيَ ُ‬
‫اه َما َع ْذالهُ‬ ‫َ ُ‬
‫اك ِه‬
‫أَساء َفلَم يع ِدلْهما بِ ِشر ِ‬
‫َ َ ْ َْ ُ َ َ‬
‫الد َجى َع َدالهُ‬‫َو َكانَا بِأَْنَوا ِر ُّ‬
‫يُِعْي ُر ُه َما طََرفًا ِم ْن الْغَْي ِظ َش ِافنًا‬
‫ضى تَبِالهُ‬ ‫َكأََّن ُه َما ِفي َما َم َ‬
‫َينَ ُام إِ َذا َما ا ْدَنَفا َوإِ َذا َسَرى‬
‫اله‬
‫ض َما ا ْكَت َح ُ‬
‫ات الْغُ ْم َ‬ ‫الش ُك ْوبَ َ‬ ‫لَهُ َّ‬
‫ص ِّدقَا‬ ‫إِن اد َ ِ ِ‬
‫ْج ْه َد ُ‬‫َّعَيا في ُودِّه ال ُ‬
‫َو َما اتُِّه َما ِفْي ِه َفَيْنَت ِح ُ‬
‫اله‬
‫َيغُ ُّش ُه َما ِفي األ َْم ِر َها َن َوطَالَ َما‬
‫اله‬
‫ُّص َح َواْنَت َح ُ‬‫اءا َعلَْي ِه الن ْ‬ ‫أَفَ َ‬
‫سُّر ُه َما أَ ْن َي ْه ُجَر الَْقْبَر َد ْهَر ُه‬
‫يَ ُ‬
‫ِ‬
‫َوأََّن ُه َما م ْن َقْبِل ِه َنَز ُ‬
‫اله‬

‫‪479‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫َولَْو بِ ُم َشا ِر ال َْعْي ِن ُي ْو ِح ْي إِلَْي ِه َما‬


‫اله‬
‫ش ال ْعَتَز ُ‬‫ك ا ْعتَِز ِال ال َْعْي ِ‬
‫لَْو َش ْ‬
‫يود ِ‬
‫َّان إِ ْكَر ًاما لَْو اْنَت َع َل ُّ‬
‫الس َها‬ ‫ََ‬
‫اله‬
‫الء َواْنَت َع ُ‬
‫الس َ‬‫َوِإ ْن َح ِذيَا َّ‬
‫يَ ُذ ُّم لَِف ْر ِط الْغَ ِّي َما َف َعال بِِه‬
‫اله‬ ‫َج ِم ْل بِ ِّ‬
‫الذي َف َع ُ‬ ‫وأ ِ‬
‫َحس ْن َوأ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ب ِفي ال ِْع َدا‬ ‫ضِ‬ ‫يع َّدانِِه َك َّ ِ‬
‫الصا ِرم ال َْع ْ‬ ‫َُ‬
‫الذابِ َل ا ْعَتَق ُ‬
‫اله‬ ‫بِظَنِّ ِه َما َو َّ‬
‫َوُي ْؤثُِر ِفي ِّ‬
‫السِّر الْ َكنِي ِن َسَو َاء ُه‬
‫اله‬
‫َفَيْن ُقلُهُ َعْنهُ َو َما َنَق ُ‬
‫اللهم اعص منا عن املعاصي وال زالت ووفقنا للعمل بالباقي ات الص احلات واغفر لنا‬
‫ولوال دينا وجلميع املس لمني األحي اء ِمْن ُه ْم واملي تني برمحتك يا أرحم ال رامحني وص لى اهلل على‬
‫وعلَى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬‫حممد َ‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫في تحريم العقوق‬
‫اعلم وفقنا اهلل وإي اك ملا حيبه ويرض اه ‪ ،‬وجنبنا وإي اك متا يس خطه وال يرض اه ‪ ،‬أن‬
‫العقوق من كبائر الذنوب وحده بعضهم بأنه صدور َما يتأذى به الوالد من قول أو فعل ‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬ضابط العقوق هو أن حيصل للوالدين أو ألحدمها إيذاء ليس باهلني عرفًا‬
‫فسبهما وعصياهنما والتلكؤ يِف قضاء شؤوهنما ‪،‬‬

‫‪480‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ومد اليد بالسوء إليهما ‪ ،‬ولعنهما وغيبتهما ‪ ،‬والكذب عليهما ‪.‬‬


‫كل ذلك عقوق ونكران للجميل ‪ ،‬وكذلك هنرمها وقهرمها وتوبيخهما والتأفف منهما‬
‫وال دعاء عليهما ‪ ،‬كقوله ‪ :‬أراحنا اهلل ِمْنه ‪ ،‬أو أخ ذه اهلل أو عجل اهلل ب زوالكم والتكرب‬
‫عليهما ‪.‬‬
‫فعن ابن عب اس رضي اهلل عنهما ق ال رس ول اهلل صلى اهلل عليه وس لم ‪ « :‬شر الن اس ‪،‬‬
‫ثالثة متكرب على والديه حيقرمها ‪ ،‬ورجل س عى بني الن اس بالك ذب حىت يتباغض وا ‪ ،‬ورجل‬
‫س عى بني رجل وامرأته بالك ذب حىت يغ ريه عليها بغري حق حىت ف رق بينهما مث خيلفه عليها‬
‫من بعد » ‪ .‬رواه أبو نعيم ‪.‬‬
‫وأخرج البخاري يِف األدب املفرد قال ‪ :‬حدثنا زياد بن خمراق قال ‪ :‬حدثين طيسلة بن‬
‫مياس قال ‪ :‬كنت مع النجدات فأصبت ذنوبًا ال أراها إال من الكبائر فذكر ذلك البن عمر‬
‫قال ‪َ :‬ما هي ؟ قلت ‪ :‬كذا وكذا ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ليس هذه الكبائر هن تسع ‪ :‬اإلشراك باهلل ‪ ،‬وقتل نسمة ‪ ،‬والفرار من الزحف ‪،‬‬
‫وق ذف احملص نة ‪ ،‬وأكل الربا ‪ ،‬وأكل م ال الي تيم وإحلاد يِف املس جد ‪ ،‬وال ذي يستس خر ‪،‬‬
‫وبكاء الوالدين من العقوق ‪ ،‬قال يل ابن عمر‪ :‬أتفر من النار وحتب أن تدخل اجلنة ؟ قلت ‪:‬‬
‫أي واهلل ‪ .‬ق ال ‪ :‬أحي وال داك ؟ قلت ‪ :‬عن دي أمي ‪ ،‬ق ال ‪ :‬فواهلل لو ألنت هلا الكالم ‪،‬‬
‫أيض ا قال ‪ :‬حدثنا موسى‬‫وأطعمتها الطعام ‪ ،‬لتدخلن اجلنة َما اجتنبت الكبائر ‪ .‬وأخرج فيه ً‬
‫ح دثنا محاد بن س لمة عن زي اد بن خمراق عن طيس لة ‪ :‬أنه مسع ابن عمر يق ول ‪ :‬بك اء‬
‫الوالدين من العقوق والكبائر ‪.‬‬

‫‪481‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وبعض الن اس ال يكتفي بالتقصري يِف ال واجب يِف حق أبويه بل يس مع والديه َما يس وؤمها ‪،‬‬
‫وتض يق به ص دورمها ‪ ،‬وينكد عليهما معيش تهما ‪ ،‬فتجد الوالد يك ره معه احلي اة ‪ ،‬ويتمىن‬
‫عقيما ‪.‬‬
‫ألجله أنه مَلْ يكن له ولد ورمبا متىن أنه كان َ‬
‫فكالم االبن الع اق تئن له الفض يلة ‪ ،‬ويبكي له املروءة ‪ ،‬وتأب اه الديانة ‪ ،‬وال يرضى به‬
‫العاقل فض الً عن املتدين ‪ ،‬ألن فعله منكر عظيم ‪َ ،‬وقَ ْد ال يسب العاق أباه مباشرة ‪ ،‬ولكن‬
‫يسب أبا ه ذا وأم ه ذا ‪ ،‬فيس بون أمه وأب اه ‪ ،‬ويص بون على والديه من اللعن ات أض عاف َما‬
‫ص در ِمْنه ‪ ،‬والب ادي هو الظ امل وما أك ثر السب والش تم واللعن يِف وقتنا ه ذا ‪ ،‬وما أس هله‬
‫عندهم ‪.‬‬
‫وما أك ثر االحتق ار لآلب اء واألمه ات يِف ال بيوت واألس واق ويف كل حمل ‪ ،‬ونس أل اهلل‬
‫العافية ‪.‬‬
‫ومما ج اء يِف العق وق وجرمه وقبحه وإمثه َما رواه البخ اري وغ ريه عن املغ رية بن ش عبة‬
‫رضي اهلل عنه عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم أنه ق ال ‪ « :‬إن اهلل ح رم عليكم عق وق‬
‫األمه ات ‪ ،‬ووأد البن ات ‪ ،‬ومنع وه ات ‪ ،‬وك ره لكم قيل وق ال‪ ،‬وك ثرة الس ؤال وإض اعة‬
‫املال » ‪.‬‬
‫وأخرج البخاري ومسلم وغريمها عن أيب بكر رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وس لم « أال أن بئكم ب أكرب الكب ائر » ؟ ثالثًا قلنا ‪ :‬بلى يا رس ول اهلل ‪ .‬ق ال ‪:‬‬
‫« اإلش راك باهلل وعق وق الوال دين » ‪ .‬وك ان متكئًا فجلس فق ال ‪ « :‬أال وق ول ال زور أال‬
‫وشهادة الزور » ‪ .‬فما زال يكررها حىت قلنا ليته سكت ‪.‬‬

‫‪482‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وللبخ اري عن عبد اهلل بن عم رو بن الع اص رضي اهلل عنهما عن النيب ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم ق ال ‪ « :‬الكب ائر اإلش راك باهلل وعق وق الوال دين وقتل النفس ‪ ،‬واليمني الغم وس » ‪.‬‬
‫وللبخ اري ومس لم والرتم ذي عن أنس رضي اهلل عنه ق ال ‪ :‬ذكر رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫وسلم الكبائر فقال ‪ :‬الشرك باهلل وعقوق الوالدين » ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫ِش ْع ًرا ‪:‬‬
‫اهلل أ ُْه ِدي ِم ْد َحتِ ْي َوَثَنائَِيا‬
‫إلى ِ‬
‫الد ْهَر بَ ِاقَيا‬
‫ص َينا ال َيَن ْي َّ‬ ‫و َقوالً ر ِ‬
‫َ ْ َ‬
‫س َف ْوقَهُ‬ ‫إلى اِلمِل ِ‬
‫َعلَى الذي لَْي َ‬ ‫ك األ َ‬ ‫َ‬
‫ب يَ ُك ْو ُن ُم َدانِيا‬ ‫إِلهٌ وال َر ٌ‬
‫والر َدى‬‫اك َّ‬ ‫أال أَُّي َها اإلنْ َسا ُن إِيَّ َ‬
‫ك الَ تَ ْخَفى ِمن ِ‬
‫اهلل َخ ِافيا‬ ‫فَِإنَّ َ‬
‫ْ‬
‫اك ال تَ ْجعل مع ِ‬
‫اهلل غَْيَر ُه‬ ‫َوإِيَّ َ‬
‫َ ْ ََ‬
‫َصَب َح بَ ِاديَا‬ ‫فَِإ َّن سبِيل ُّ ِ‬
‫الر ْشد أ ْ‬ ‫َ َ‬
‫إىل أن قال ‪:‬‬

‫الذي ِم ْن فَ ْ‬
‫ض ِل َم ٍّن َو َر ْح َم ٍة‬ ‫ت ِ‬ ‫َوأَنْ َ‬
‫وسى َر ُسوالً ُمَن ِاديَا‬
‫ت ِإلَى ُم َ‬ ‫َب َعثْ َ‬
‫ب َو َه ُارو َن فَا ْد ُعوا‬ ‫ْت لَهُ فَا ْذ َه ْ‬
‫َفَقل َ‬
‫اهلل َفرعو ُن الَّ ِذي َكا َن طَ ِ‬
‫اغَيا‬ ‫إلى ِ‬
‫ْ َْ‬
‫ت َه ِذ ِه‬ ‫َوقُوالَ لَهُ أَأَنْ َ‬
‫ت َسَّويْ َ‬
‫ت َك َما ِهَيا‬
‫بِ ِال َوتَ ٍد َحتَّى اطَ َمأنَّ ْ‬

‫‪483‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ت َهذه‬ ‫ت َر َف ْع َ‬ ‫َوقُوالَ لَهُ أَأَنْ َ‬


‫بِالَ َع َم ٍد ْأرفُ ْق إِ َذا تَ ُ‬
‫ك بَانَِيا‬
‫ت َو ْسطََها‬ ‫ت َسَّويْ َ‬ ‫َوقُوالَ لَهُ أَأَنْ َ‬
‫ُمنِ ًيرا ِإ َذا َما َجنَّهُ اللَّْي َل َه ِاديَا‬
‫س َغ ْد َو ًة‬ ‫َوقُوالَ لَهُ َم ْن ُي ْر ِس ُل َّ‬
‫الش ْم َ‬
‫ضِ‬
‫احَيا‬ ‫ض َ‬ ‫َفيصِبح ما م َّس ْ ِ‬
‫ت م ْن األ َْر َ‬ ‫ُْ َُ َ‬
‫ب ِفي الثََّرى‬ ‫الح َّ‬‫ت َ‬ ‫َوقُوالَ لَهُ َم ْن َيْنبِ ُ‬
‫الب ْق ُل َي ْهَتُّز َرابَِيا‬ ‫ِ‬
‫صِب َح مْنه َ‬ ‫َفيُ ْ‬
‫ِج ِمْنه َحبَّهُ ِفي ُر ُؤ ِسه‬ ‫َويُ ْخر ُ‬
‫اعيا‬‫ات لِمن َكا َن و ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫فَفي َذ ْاك آيَ ُ ْ‬
‫ت يُونُ َسا‬ ‫ك نَ َّجْي َ‬ ‫ض ِل ِمْن َ‬ ‫ت بَِف َ‬ ‫َوأَنْ َ‬
‫وت لََيالَِيا‬ ‫ات ِفي بطْ ِن لِح ِ‬
‫َوقَ ْد بَ َ َ ُ‬
‫اللهم إنا نس ألك الثب ات يِف األمر والعزمية على الرشد ونس ألك ش كر نعمتك وحسن‬
‫عبادتك ونسألك أن تغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني برمحتك يا أرحم الرامحني وصلى اهلل‬
‫وعلَى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬‫على حممد َ‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫ويف كتاب النيب صلى اهلل عليه وسلم الذي كتبه إِىَل أهل اليمن وبعث به مع عمرو بن‬
‫ح زم « وأن أكرب الكب ائر عند اهلل ي وم القيامة اإلش راك باهلل وقتل النفس املؤمنة بغري حق‬
‫والف رار يِف س بيل اهلل ي وم الزحف وعق وق الوال دين ‪ ،‬ورمي احملص نة وتعلم الس حر ‪ ،‬وأكل‬
‫الربا ‪،‬‬

‫‪484‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وأكل مال اليتيم » ‪ .‬احلديث رواه ابن حبان يِف صحيحه ‪.‬‬
‫وأخرج النسائي والبزار واللفظ له بإسناد جيدين واحلاكم وقال ‪ :‬صحيح اإلسناد عن‬
‫ابن عمر رضي اهلل عنهما عن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ق ال ‪ « :‬ثالثة ال ينظر اهلل‬
‫إليهم يوم القيامة العاق لوالديه ومدمن اخلمر ‪ ،‬واملنان عطاؤه وثالثة ال يدخلون اجلنة العاق‬
‫لوالديه والديوث والرجلة من النساء » ‪.‬‬
‫وأخرج أمحد واللفظ له والنسائي والبزار واحلاكم وقال ‪ :‬صحيح اإلسناد عن عبد اهلل‬
‫ابن عمرو بن العاص رضي اهلل عنهما أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ « :‬ثالثة حرم‬
‫اهلل تبارك وتعاىل عليهم اجلنة مدمن اخلمر والعاق ‪ ،‬والديوث الذي يقر اخلبث يِف أهله » ‪.‬‬
‫وعن أيب أمامة رضي اهلل عنه ق ال ‪ :‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ‪ « :‬ثالثة ال‬
‫يقبل اهلل عز وجل ِمْن ُه ْم ص رفًا وال ع دال ‪ ،‬ع اق ومن ان ومك ذب بق در » ‪ .‬رواه ابن أيب‬
‫عاصم يِف كتب السنة بإسناد حسن ‪ .‬وعن ثوبان رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وس لم ‪ « :‬ثالثة ال ينفع معهن عمل الش رك باهلل وعق وق الوال دين والف رار من‬
‫الزحف » ‪ .‬رواه الطرباين يِف الكبري ‪.‬‬
‫وعن عمرو بن مرة اجلهين قال ‪ :‬جاء رجل إِىَل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال ‪:‬‬
‫يا رس ول اهلل أرأيت إذا ص ليت الص لوات اخلمس وص مت رمض ان ‪ ،‬وأديت الزك اة ‪،‬‬
‫وحججت البيت ‪ ،‬فماذا يل ؟ فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬من فعل ذلك كان‬
‫مع‬

‫‪485‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫النبيني والصديقني والشهداء والصاحلني إال أن يعق والديه » ‪ .‬رواه أمحد والطرباين بإسنادين‬
‫أحدمها صحيح ورواه ابن خزمية وابن حبان يِف صحيحهما ‪.‬‬
‫وعن علي عليه رض وان اهلل ق ال ‪ :‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ‪ « :‬لعن اهلل‬
‫من ذبح لغري اهلل مث ت وىل غري م واله ‪ ،‬ولعن اهلل الع اق لوالديه ‪ ،‬ولعن اهلل من نقص من ار‬
‫األرض » ‪ .‬رواه احلاكم ‪.‬‬
‫وعن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬لعن اهلل‬
‫س بعة من ف وق س بع مسواته وردد اللعنة على واحد ِمْن ُه ْم ثالثًا ولعن كل واحد ِمْن ُه ْم لعنة‬
‫عمل ق وم ل وط ‪ ،‬ملع ون‬ ‫عمل ق وم ل وط ‪ ،‬ملع ون من عمل َ‬ ‫تكفيه ‪ ،‬ق ال ‪ :‬ملع ون من عمل َ‬
‫عمل ق وم ل وط ‪ ،‬ملع ون من ذبح لغري اهلل ملع ون من عق والديه ‪ ،‬ملع ون من أتى ش يئًا‬ ‫من َ‬
‫من البه ائم ‪ ،‬ملع ون من مجع بني ام رأة وابنتها ‪ ،‬ملع ون من غري ح دود األرض ملع ون من‬
‫ادعى إِىَل غري مواليه » ‪ .‬رواه الط رباين يِف األوسط ورجاله رج ال الص حيح إال حمرز ويق ال‬
‫حمرر باإلمهال ابن هارون أخي حمرر ‪ ،‬وقال ‪ :‬صحيح اإلسناد ‪.‬‬
‫وعن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬ال تقبل‬
‫صالة الس اخط عليه أبواه غري ظاملني له » ‪ .‬رواه أبو احلسن ابن مع روف يِف كت اب فض ائل‬
‫بين هاشم ‪.‬‬
‫وعن أيب بكر رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه‬

‫‪486‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وسلم ‪ « :‬كل الذنوب يؤخر اهلل ِمْن َها َما شاء إِىَل يوم القيامة إال عقوق الوالدين ‪ ،‬فإن اهلل‬
‫يعجله لصاحبه يِف احلياة قبل املمات » ‪ .‬رواه البخاري يِف األدب املفرد والطرباين يِف الكبري‬
‫واحلاكم يِف املستدرك واألصبهاين يِف الرتغيب ‪.‬‬
‫كثريا َما يعظ هذا االبن ويقول له ‪ :‬يا بين‬
‫وذكر أن ش ابًا ك ان مكبًا على اللهو واللعب ‪ ،‬ال يفيق عنه ‪ ،‬وك ان له والد ص احب دين ً‬
‫احذر هفوات الشباب وعثراته فإن هلل سطوات ونقمات َما هي من الظاملني ببعيد ‪ ،‬وكان إذا أحل عليه زاد يِف العقوق ‪ ،‬وجار على أبيه ‪،‬‬
‫جمتهدا ليأتني بيت اهلل احلرام‪ ،‬فيتعلق‬
‫وملا كان يوم من األيام أحل على ابنه بالنصح على عادته ‪ ،‬فمد الولد يده على أبيه ‪ ،‬فحلف األب باهلل ً‬
‫بأستار الكعبة ‪ ،‬ويدعو على ولده فخرج حىت انتهى إِىَل البيت احلرام فتعلق بأستار الكعبة وانشأ يقول ‪:‬‬
‫ِ‬
‫اج قَ ْد قَطَ ُعوا‬ ‫يَا َم ْن إِلَْيه أَتَى ُ‬
‫الح َّج ُ‬
‫ب َوِم ْن ُب ُع ِد‬
‫الم َه ِام ِه ِم ْن ُق ْر ٍ‬
‫ض َ‬ ‫َع ْر َ‬
‫ب َم ْن‬ ‫ك يَا َم ْن ال يُ َخيِّ ُ‬ ‫إنِّي أََتْيتُ َ‬
‫الص ِ‬
‫مد‬ ‫اح ِد َّ‬ ‫ي ْدعوه مبت ِهالً بالو ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ ُ ُ َْ‬
‫َه َذا ُمَنا ِز ُل الَ َي ْرتَ ُّد ِم ْن َعَقِقي‬
‫فَ ُخ ْذ بِ َحِقي يَا َر ْح َم ُن ِم ْن َولَ ِدي‬
‫ك َجانِبُهُ‬ ‫َو ُش َّل ِمْنه بِ َح ْو ٍل ِمْن َ‬
‫س لَ ْم يُولَ ْد َولَ ْم يَِل ِد‬
‫يَا َم ْن َتَق َّد َ‬

‫وقيل ‪ :‬إنه استتم كالمه حىت يبس شق ولده األمين ‪ .‬نعوذ باهلل‬

‫‪487‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫من العقوق ‪ ،‬ومن قساوة القلوب ‪ ،‬ومن مجيع املعاصي والذنوب وكان يقال ‪ :‬كدر العيش‬
‫يِف ثالث الولد العاق واجلار السوء واملرأة السيئة اخللق ألنك ال تنفك يِف عناء وشغب وتعب‬
‫ف إن س كن الع اق برهة من ال زمن َما س كن اجلار الس وء وأهله وأوالده وإن سكنا مَلْ تس كن‬
‫العلة الداخلية املرأة السوء سيئة اخللق فأنت يِف هذه احلال غرض لثالثة سهام موجهة إليك‬
‫يِف أربع وعشرين ساعة نسال اهلل العافية ِمْنها ‪.‬‬
‫وعن معاذ بن جبل رضي اهلل عنه قال ‪ :‬أوصاين رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بعشر‬
‫كلمات « ال تشرك باهلل شيئًا وإن قتلت وحرقت ‪ ،‬وال تعقن والديك وإن أمراك أن خترج‬
‫من أهلك ومالك وال ت رتكن ص الة متكوبة متعم ًدا ف إن من ت رك ص الة متكوبة متعم ًدا فقد‬
‫ب رئت ِمْنه ذمة اهلل ‪ ،‬وال تش ربن اخلمر فإنه رأس كل فاحشة ‪ ،‬وإي اك واملعص ية ف إن املعص ية‬
‫حيل س خط اهلل ‪ ،‬وإي اك والف رار من الزحف وإن هلك الن اس وإذا أص اب الن اس م وت ‪،‬‬
‫وأنت فيهم فاثبت ‪.‬‬

‫وأنفق على عيالك من طولك ‪ ،‬وال ترفع عنهم عص اك أدبًا وأخفهم يِف اهلل » ‪ .‬رواه‬
‫انقطاعا ألنه من رواية عبد ال رمحن‬
‫ً‬ ‫أمحد والط رباين يِف الكبري وإس ناد أمحد ص حيح إال أن فيه‬
‫ابن جبري عن معاذ وهو مَلْ يسمع ِمْنه ‪.‬‬
‫وعن عم رو بن ميم ون ق ال ‪ :‬رأى موسى عليه الس الم رجالً عند الع رش فغبطه مبكانه‬
‫فسأل عنه ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬خنربك بعمله ‪ ،‬ال حيسد الناس على َما آتاهم اهلل من فضله ‪ ،‬وال ميشي‬
‫بالنميمة ‪ ،‬وال يعق والديه ‪ ،‬قال ‪ :‬أي رب ومن يعق والديه ؟ قال ‪ :‬يتسبب هلما حىت يسبا‬
‫‪ .‬رواه أمحد يِف الزهد ‪.‬‬
‫ِش ْع ًرا ‪:‬‬
‫َم ْن كان ذا َداي ٍن وكان َعِفي َفا‬ ‫ِ‬
‫صافي ال َك ْريَِم فَ َخْي ُر َم ْن َ‬
‫صا َفْيَتهُ‬ ‫َ‬

‫‪488‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫الم ْع ُروفَا‬ ‫يْبدي الَقبِ ِ‬ ‫اح َذ ْر ُمؤا َخا َة اللَّْئ ِيم فإنَّهُ‬
‫يح َويُن ّك ُر َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َو ْ‬
‫يب ِ‬
‫وشاس ِع‬ ‫ال ِسَو ُاه ِم ْن قَ ِر ٍ‬‫وص َ‬
‫َ‬ ‫ك الدِّي ِن‬ ‫ص ِل الْمم ِس ِ‬
‫ك َبَو ْ ُ ْ‬ ‫مس ْ‬ ‫آخر‪ :‬تَ( َّ‬
‫فَ ُذ ْو ِ‬
‫ائع‬
‫ض ِ‬ ‫يد بِ َ‬ ‫صلْهُ فَما وصل الب ِع ِ‬
‫َ َ ُْ َ‬
‫فَ ِ‬ ‫ك قَراب ًة‬ ‫اس ِمْن َ‬‫الن ِ‬‫بِّي ِن أَ ْدنَى َ‬ ‫واجَتن ْ‬
‫الد‬
‫فَ ُكل ِحب ُ ِ ِ‬ ‫الف ْسِق ال َي ْغ ُر ْر َك ِمْنه َتَو ُد ٌد‬ ‫َخو ِ‬
‫ين َم ِه ُ‬
‫ين‬ ‫ال الفاسق َ‬ ‫ُ َ‬ ‫آخر‪ :‬أ ُ‬
‫ين‬ ‫ب ِمْن َ ِ‬ ‫الدي ِن ِمن ِ‬
‫بالغْي ِ‬ ‫أَ( َخا ِ‬ ‫ب ِإ َذا َما ُكْن َ‬ ‫و ِ‬
‫ك أَم ُ‬ ‫احبا‬
‫ص ً‬ ‫ت َي ْو ًما ُم َ‬ ‫صاح ْ‬ ‫َ َ‬
‫باعنِي بِ َخِل ِ‬
‫يل‬ ‫ت َعْنهُ َ‬ ‫إِ َذا ِغْب ُ‬ ‫ول وال الَّ ِذي‬ ‫آخر‪ :‬ولَْيس َخِل ِيلي بالملُ ِ‬
‫َ َ‬
‫عند ُك ِّل َخِل ِ‬
‫يل‬ ‫ظ ِسِّري ْ‬ ‫َ(ويَ ْحَف ُ‬ ‫وم ِو َ‬
‫صالُهُ‬
‫ِِ‬
‫ولكن َخليلي َم ْن يِ ُد ُ‬ ‫ْ‬

‫ب‬ ‫والمال َب ْع َد َذ َه ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫آخر‪ :‬يم ِ‬


‫اب المال يُ ْكَت َس ُ‬ ‫ُ‬ ‫ض‬
‫وك فال َت ْلَقى لَهُ عَو ٌ‬
‫َخ َ‬
‫ضي أ ُ‬ ‫َْ‬

‫اللهم جننا برمحتك من الن ار وعافنا من دار اخلزي والب وار وأدخلنا بفض لك اجلنة دار‬
‫القرار وعاملنا بكرمك وجودك يا كرمي يا غفار واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني األحياء‬
‫وعلَى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫مْن ُه ْم وامليتني برمحتك يا أرحم الرامحني وصلى اهلل على حممد َ‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫وفيما ذكرنا من األدلة على حترمي العق وق كفاية ولو مَلْ يكن للع اق من العق وق إال َما‬
‫يرى من سوء حاله لكفى فإنك تراه غالبًا يِف أبأس احلاالت وآالمها وأشدها وتراهم بعيدين‬
‫عن عطف القلوب عند من علموا حاهلم‬

‫‪489‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ال حينو عليهم صديق وال ش فيق وال قريب ‪ ،‬وال يأخذ بي دهم كرمي يِف كربة ‪ ،‬وال يرغبون‬
‫يِف مصاهرته خشية أن جيذبوا أوالدهم فيكونوا مثلهم عاقني ‪.‬‬
‫خبالف البارين فإنك تراهم ونراهم حمببني إِىَل القلوب يتمىن كل من يعرفهم ويفهم برهم‬
‫وصلتهم أن يتقدم إليهم مبا حيبون وجتدهم إذا وقعوا يِف شدة يرتحم الناس عليهم ‪ ،‬ويدعون‬
‫هلم ب اخلروج ِمْن َها على أيسر األح وال وأقرهبا ‪ ،‬ه ذا ح اهلم يِف ال دنيا اليت ليست هي دار‬
‫اجلزاء فكيف يِف اآلخرة دار اجلزاء ؟‬
‫ومن أقبح مظاهر العقوق أن يتربأ الولد من والديه حني يرتفع مستواه االجتماعي عنهما‬
‫ك أن يكونا فالحني أو جنارين أو ص ناعيين وهو يعيش يِف ت رف ويتس نم بعض الوظ ائف‬
‫الكبار فيخجل من وجودمها يِف بيته عند زمالئه برثاثتها وزيهما القدمي ‪.‬‬
‫ورمبا سئل بعضهم عن أبيه من هذا الذي يباشر فقال ‪ :‬هذا خادم عندنا مستأجر لشئون‬
‫البيت ألنه يتوهم أن هذه اهليئة واللباس تتناىف مع وظيفته أو مقامه االجتماعي الكبري وهذا‬
‫بال شك بره ان على س خافة عقله وقلة دينه والنفس العظيمة الش ريفة تفتخر وتع تز مبنيتها‬
‫وأصلها أبيها وأمها مهما كانت حياهتما ونشأهتما وبيئتهما وهيئتهما ‪.‬‬
‫وال يبعد أن يوجد من النساء الاليت يقال هلن متعلمات إذا سئلت عن أمها من هذه أن‬
‫تق ول ه ذه فراشة عن دنا أو طباخة أو خدامة نع وذ باهلل من االنتك اس وعمى البص رية ربنا ال‬
‫تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة إنك أنت الوهاب ‪.‬‬
‫ولدا ‪،‬‬
‫وذكر بعضهم أن رجالً كان من املياسري بالبصرة يتمىن أن يرزق ً‬

‫‪490‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وينذر عليه حىت ولد له فسر به غاية السرور وأحسن تربيته حىت ارتفع عن مبلغ األطفال إِىَل‬
‫حد الرج ال ‪ ،‬ومل يهمه ش يء من أمر ال دنيا س وى ه ذا الولد ومل ي ؤخر ممكنا من اإلحس ان‬
‫عنه ‪ ،‬فلم يشعر األب ذات يوم إال خبنجر خالط جوفه من وراء ظهره ‪.‬‬
‫فاس تغاث بابنه م رتني فلم جيبه ‪ ،‬ف التفت ف إذا هو ص احب الض ربة فق ال الش يخ وهو‬
‫يض رب من األمل ‪ :‬ال إله إال اهلل حممد رس ول اهلل ‪ ،‬أس تغفر اهلل ‪ ،‬ص دق اهلل أراد بالتهليل أن‬
‫يلقى اهلل باإلميان‪.‬‬
‫وأراد باالستغفار أن اهلل تعاىل حذره فلم حيذر من ابنه وبقوله ‪ :‬صدق اهلل قوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وه ْم ﴾ فجمع يِف ه ذه الكلم ات كل َما‬ ‫﴿ إِ َّن م ْن أ َْز َواج ُك ْم َوأ َْواَل د ُك ْم َع ُد ّواً لَّ ُك ْم فَ ْ‬
‫اح َذ ُر ُ‬
‫حيتاج إليه يِف هذه احلال ‪.‬‬
‫قال بعضهم ممن تضرر بأقربائه ومعارفه ‪:‬‬
‫ف‬‫عر ُ‬ ‫وال َبْيَنهُ َو ٌد بِِه َنَت َّ‬ ‫س َبْيَنَنا‬ ‫ِ‬
‫َجَزى اهللُ َعنَّا َخْيَر من لَْي َ‬
‫ف‬‫ِ(من الناس إالَّ َمن َنَو ُّد َونأْلَ ُ‬ ‫ضْي ًما وال َشَّفًنا أ َذى‬ ‫فما َس َامَنا َ‬
‫الش َدائِ َد ِف َيها َخْيٌر‬
‫َن َّ‬ ‫أ ََرى أ َّ‬ ‫الش َدائِ َد ِف َيها َخْيٌر‬‫َن َّ‬ ‫آخر‪ :‬أ ََرى أ َّ‬
‫ص ِد ِيقي‬ ‫ِ‬ ‫َو َما َم ْد ِحي لَ َها ُحبًّا َولَ ِك ْن‬
‫ت بَِها َع ْدِّوي من َ‬ ‫(َعَرفْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اسب‬
‫المَن ُ‬
‫َصُّول َ‬ ‫وإ ْن َج َم َعْتَنا في األ ُ‬ ‫أ(ََراني و َق ْومي َفَّر َقْتَنا َم َذاه ُ‬
‫ب‬
‫ب‬‫ت األَقَا ِر ُ‬ ‫َوأَقَْرُب ُه ْم ِم َّما َك ِر ْه َ‬ ‫اءتِي‬ ‫اهم َع ْن َم َس َ‬ ‫َقص ُ‬
‫اه ُم أ َ‬ ‫فأقص ُ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫وجار َك من صا َفيَتهُ الَ الم ِ‬ ‫نَ ِسيبُ َ‬
‫صاق ُ‬‫ُ َ‬ ‫َُ َ َ ْ‬ ‫ت بالود َقلَْبهُ‬ ‫اسْب َ‬ ‫ك َمن نَ َ‬
‫ارب‬ ‫وأ َْهو ُن من ع ِ‬ ‫الر َج ِال ثَِقاُت َها‬‫وأعظَ ُم أَ ْع َداء ِّ‬
‫ادْيَتهُ م ْن تُ َح ُ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫ْت م ْذ نَ َّم ِ‬
‫الع َذ ُار بَِو ْجَنتي‬
‫ف‬‫الو َرى وأُ َك ِّش ُ‬
‫ِّش عن َه َذا َ‬ ‫أُ َفت ُ‬ ‫وما ِزل ُ ُ‬
‫َّ ِ‬ ‫فَما س ِ‬
‫س َن ْع ِر ُ‬
‫ف‬ ‫َجَزا اهلل َخ َيرا ُك َّل َمن لَْي َ‬ ‫اءني إِالَّ الذ َ‬
‫ين َعَر ْفُت ُه ْم‬ ‫َ ََ‬

‫وقال بعض اآلباء الذين ذاقوا عقوق األوالد البن له ‪:‬‬

‫‪491‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ك َوُتْن َه ُل‬ ‫ُت َع ُّل بِ َما أُ ْدنِي إِلَْي َ‬ ‫ودا َو ِعلْيُ َ‬


‫ك يَ ِاف ًعا‬ ‫ك َم ْولُ ً‬ ‫غَ َذ ْوتُ َ‬
‫لِ(ِذ ْك ِر َك إِالَّ َس ِاهًرا أَتَ َمل َْم ُل‬ ‫بالسْقم لَ ْم أَبِ ْ‬
‫ت‬ ‫ك ُّ‬ ‫إِ َذا لَْيلَةٌ نَ َابْت َ‬
‫ْت بِِه ُدونِي َو َعْينِي ُت ْه ِم ُل‬ ‫(طُ ِرق َ‬ ‫ك بِالَّ ِذي‬ ‫َكأَنِّي أنَا َ‬
‫المط ُْرو ُق ُدونْ َ‬
‫ت َحْت ٌم ُمًَؤ َّج ُل‬ ‫الم ْو َ‬
‫َن َ‬ ‫لََت ْعلَ ُم أ َّ‬ ‫الر َدى َن ْف ِسي َعلَْي َ‬
‫ك َوإَِّن َها‬ ‫خاف َّ‬
‫تَ ُ‬
‫يك أ ُُؤِّم ُل‬ ‫نت ِف َ‬ ‫إليها َم َدى َما ُك ُ‬ ‫َ‬ ‫الس َّن َوالغَايََة الَّتِي‬ ‫ت ِّ‬ ‫َفلَ َّما َبلَ ْغ َ‬
‫ِّل‬
‫المَتَفض ُ‬
‫ت ِ‬
‫المْنع ُم ُ‬‫ك أَنْ َ ُ‬ ‫َكأَنَ َ‬ ‫ك َجْب ًها َو ِغ ْلظَ ًة‬ ‫ْت َجَزائِي ِمْن َ‬ ‫َج َعل َ‬
‫ت َت ْعِق ُل‬ ‫التْفنِي ُد لَْو ُكْن ُ‬
‫ك َّ‬ ‫َو ِفي َرْأيِ َ‬ ‫َّد َرأَيُه‬ ‫وسميََّتنِي بِاس ِم المَفن ِ‬
‫ْ ُ‬ ‫َ َْ‬
‫اب ُمَو َّك ُل‬ ‫الصَو ِ‬ ‫برد على أ َْه ِل َّ‬ ‫عدا لِْل َخ ِ‬
‫الف َكأَنَّه‬ ‫راه ُم ًّ‬
‫ٍّ‬ ‫تَ ُ‬
‫الم َجا ِو ُر َي ْف َع ُل‬
‫الج ُار ُ‬‫ْت َك َما َ‬ ‫َف َعل َ‬ ‫حق أُُبَّوتِي‬ ‫ع َّ‬ ‫ك إ ْذ لَ ْم َت ْر َ‬ ‫(َفلَْيَت َ‬
‫ك َتْب َخ ُل‬ ‫لي بِ َمالِي ُدو َن َمالَ َ‬
‫َع َّ‬ ‫الجَوا ِر َولَ ْم تَ ُك ْن‬ ‫فَأَولَْيَتنِي ح َّق ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وقال آخر ممن ذاق وجترع أمل العقوق ‪:‬‬
‫انت لِ ْلع ُدِّو َمَقاتِلُه‬ ‫َولو ُم ُّ‬
‫ت بَ ْ‬ ‫الر َدى لِي ِمن سَفاه ِة ر ِ‬
‫أيه‬ ‫َيَو ُد َّ‬
‫ْ َ َ َ‬
‫س ُد ْونِي ُيَقابِلُه‬ ‫الش ْم ِ‬‫اع َّ‬ ‫(َك َّ‬
‫ان ُش َع َ‬ ‫إ َذا َما َرآنِي ُم ْقبِالً غَ َّ‬
‫ض طَْرفَهُ‬

‫( مواعظ وفوائد )‬
‫رب مسرور مغبون يأكل ويشرب ويضحك َوقَ ْد حق له يِف كتاب اهلل عز وجل أنه من‬
‫وقود النار ‪ .‬من الغرور ذكر احلسنات ونسيان السيئات ‪.‬‬
‫وق ال بالل بن س عد ‪ :‬يا أويل األلباب ليتفكر متفكر فيما يبقى له وينفعه ‪ .‬أما َما‬
‫وكلكم اهلل عز وجل به فتض عونه ‪ .‬وأما َما تكفل لكم به فتطلبونه َما هك ذا نعت اهلل عب اده‬
‫املؤمنني ‪.‬‬
‫أذووا عق ول يِف طلب ال دنيا ويله عما خلقتم له فكما ترج ون اهلل مبا ت ؤذون من طاعته‬
‫فكذلك أشفقوا من عذاب اهلل مبا تنتهكون من معاصيه ‪.‬‬

‫‪492‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وقال ‪ :‬عباد اهلل اعلموا أنكم تعملون يِف أيام قصار أليام طوال ‪ ،‬ويف دار زوال لدار‬
‫مقام ‪ ،‬ويف دار نصب وحزن لدار نعيم وخلد ‪.‬‬
‫ومن مَلْ يعمل على اليقني فال يتعن ‪.‬‬
‫عباد اهلل هل جاءكم خمرب خيربكم أن شيئًا من أعمالكم تقبل منكم أو شيئًا من أعمالكم‬
‫غفر لكم ‪.‬‬
‫قال أبو عمرو األوزعي ‪ :‬ليس ساعة من ساعات الدنيا إال وهي معروضة على العبد يوم‬
‫فيوما وساعةً فساعة ‪.‬‬‫يوما َ‬‫القيامة ً‬
‫وال متر به ساعة مَلْ يذكر اهلل فيها إال وتقطعت نفسه عليها حسرات فكيف إذا مرت به‬
‫ساعة مع ساعة ويوم إِىَل يوم مَلْ يذكر اهلل فيها فيا هلا من حسرة ويا هلا من ندامة ويا له من‬
‫أسف وحزن طويل ‪.‬‬
‫ابن آدم اعمل عمل رجل ال ينجيه إال اهلل مث عمله ‪ ،‬وتوكل رجل ال يصيبه إال َما كتبه‬
‫اهلل له ‪.‬‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬
‫لِ َخالِِق ِه َف ْهَو َّ‬
‫السفيه الْم ِ‬
‫ضيِّ ُع‬ ‫ُ‬ ‫اع ٍة‬
‫ات ِفي غَي ِر طَ َ‬
‫اع ِ‬ ‫ومن ُيْنِف ِق َّ‬
‫الس َ‬
‫اللهم يا منور قلوب العارفني ‪ ،‬يا قاضي حوائج( السائلني يا قابل توبة التائبني ويا مفرجا‬
‫ً‬
‫عن املك روبني واملغمومني ‪ ،‬تب علينا واغفر لنا ولوال دينا وجلميع املسلمني برمحتك يا أرحم‬
‫وعلَى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬ ‫الرامحني وصلى اهلل على حممد َ‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫فِي صلة الرحم‬
‫الرحم القرابة ‪ ،‬مسيت بذلك ألهنا داعية الرتاحم بني األقرباء وصلة الرحم موجبة لرضا‬
‫ال رب عن العبد وموجبة لث واب اهلل للعبد يِف اآلخ رة ‪َ ،‬وقَ ْد ورد أهنا س بب لبسط ال رزق‬
‫وتوسيعه وسبب لطول العمر ‪ ،‬وهذه األشياء من األمور احملبوبة على العبد ‪.‬‬

‫‪493‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وذلك حق فإن اهلل تعاىل هو اخلالق لألسباب واملسببات ‪َ ،‬وقَ ْد جعل لكل مطلوب سببًا‬
‫وطري ًقا ين ال به ‪ ،‬وه ذا ج ار على األصل الكب ري‪ ،‬وأنه من حكمته ورمحته جعل اجلزاء من‬
‫جنس العمل فكما أن اإلنس ان وصل رمحه ب الرب واإلحس ان ‪ ،‬وأدخل على قل وهبم الس رور ‪،‬‬
‫وصل اهلل عم ره وبسط يِف رزقه ووس عه وفتح له من أب واب ال رزق َما مَلْ يكن له على ب ال‬
‫وبارك له ‪.‬‬
‫فكم من إنسان وهبه اهلل قوة يِف جسمه ورزانة يِف عقله ومضاء يِف عزميته وبركة يِف علمه وعمله كانت حياته حافلة باألعمال الطيبة ‪،‬‬
‫فه ذا حياته حي اة طويلة وإن ك انت يِف احلس اب قص رية ‪ ،‬ألن املقي اس احلقيقي للحي اة املباركة هي جالئل األعم ال ‪ ،‬وك ثرة اآلث ار ليس‬
‫الشهور واألعوام كما قال بعضهم ‪:‬‬
‫الر َج ِال بِأَ ْع َم ِال‬
‫ُتَق َّد ُر أَ ْع َم ُار ِّ‬ ‫اش أَ ْع َماالً ِج َس ًاما َوإِنَ َما‬
‫َفًتى َع َ‬
‫(‬ ‫وقال آخر ‪:‬‬
‫من ي ْدرس ال ِْعلْم لَم تَ ْدرس مَف ِ‬ ‫ت َذ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اخ ُر ُه‬ ‫َْ َ ُ ُ َ ْ ُ ْ َ‬ ‫اخُر ُه‬ ‫س َش ْيء أَنْ َ‬ ‫ْم أَْنَف ُ‬
‫الْعل ُ‬
‫ال و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آخ ُر ُه‬ ‫فَأ ََّو ُل الْعل ِْم إِقَْب ُ َ‬ ‫اسَت ْقبِ ْل َمَباحثَهُ‬ ‫ِ‬
‫أَقْب ْل على الْعل ُ‬
‫ْم َو ْ‬
‫وانظر إِىَل من مضى من العلماء واملصلحني الذين عاشوا زمنًا قليال كأهنم (لبثوا قرونًا كثرية لكثرة َما عملوا وعظم َما خلفوا بينما ترى‬
‫آخرين يعيشون زمنًا طويالً ويذهبون وال يبقى هلم أثر وال ذكر كما قيل ‪:‬‬
‫ط َما َكانُوا َو َما ُخِل ُقوا‬
‫َكأََّن ُه ْم قَ ُّ‬
‫سوا‬ ‫وم َ ِ‬
‫ات ذ ْك ُر ُه ُموا َبْي َن الَْو َرى َونُ ُ‬ ‫ََ‬
‫ومن أس باب الربكة يِف العمر واهلل أعلم التف رغ من الش واغل والش واغب فمن ك ثرت‬
‫ش واغله ‪ ،‬وش واغبه قليل الربكة يِف العمر أو مع دومها ألنه منع من تص ريفه يِف طاعة اهلل‬
‫مبتابعة شعواته وملذاته وحتصيل مناه‬

‫‪494‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫أيض ا خمذول ومص روف عن‬ ‫من دني اه ومن تف رغ من الش واغل ومل يقبل على طاعة اهلل فهو ً‬
‫طريقة االستقامة واهلدى وال بركة يِف عمره ‪.‬‬
‫وإذا تأملت أك ثر الن اس وج دت ال ذي حبس هم عن طاعة اهلل واإلقب ال عليه وتص ريف‬
‫أعمارهم يِف التوجه إليه بأنواع الطاعات هو كثرة أشغاهلم فاشتغلت جوارحهم خبدمة الدنيا‬
‫وأعواما حىت انقرض العمر كله يِف اللهو والبطالة والتقصري ‪.‬‬
‫ً‬ ‫شهورا‬
‫وهنارا ً‬
‫ليالً ً‬
‫ومن الناس من قلت شواغلهم يِف الظاهر لوجود من قام هبا عنهم لكن كثرة عالئقهم‬
‫دائما يِف التفكري‬
‫وتفك راهتم يِف الب اطن لك ثرة َما تعلق هبم من الش واغب فهم مس تغرقون ً‬
‫والتدبري واالختيار والتقديرات واالهتمام بأمور من تعلق هبم من األنام ‪.‬‬
‫الس يما من ك ان له ج اه ورياسة وخطة أو سياسة فه ذا بعيد عن تص ريف العمر‬
‫واس تغراقه يِف أن واع طاعة اهلل واإلقب ال عليه بقلبه وقالبه واحلاصل أن اخلري يك ون غالبًا ب إذن‬
‫اهلل يِف التخفيف من الش واغل والعوائق اليت جتذبه وحتفظه عن الطاعة إذا هم هبا ويك ون ال‬
‫بركة يِف عمره أو قليل الربكة فيه ‪.‬‬
‫وإمنا رتبت الربكة يِف العمر على صلة الرحم ألن املرء إذا وصل رمحه أرضى ربه فأجله‬
‫رورا وش عر مبكانة عالية من أجل َما وفقه اهلل له من‬ ‫أقرب اؤه واح رتموه ‪ ،‬ف امتألت نفسه س ً‬
‫صنيعه الذي صنع ‪ ،‬والسرور منشط ‪ ،‬كما أن احلزن مثبط ‪ ،‬والشعور بالتعظيم عن أعمال‬
‫جميدة داع لإلكثار ِمْن َها ‪ ،‬وبذل اجلهد يِف سبيلها ‪.‬‬
‫وإن مَلْ يفعل مَلْ حيصل له ذلك كما قيل ‪:‬‬
‫ِ‬
‫ود ال َْم ْرءُ َم ْن ُهو مْثلُهُ‬
‫س ُ‬‫ف يَ ُ‬
‫َو َكْي َ‬
‫بِال ِمْن ٍة ِمْنه َعَلْي ِه َوال يَ ِد‬

‫‪495‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫َوإِ ْن لَ ْم تُ ْدنِِه ِمنِّي َقَرابَ ْة‬ ‫آخر‪ :‬أَ ُخو ثَِق ٍة يُ َسُّر بِ ُح ْس ِن َحالِي‬
‫ور ُه ْم لِي ُم ْسَتَرايَ ْه‬ ‫ص ُد ُ‬ ‫ت ُ‬ ‫تَ(بِْي ُ‬ ‫ب ِإلَى ِم ْن أَلَْفى قَ ِر ٍ‬
‫يب‬ ‫أ( َ‬
‫َح ُّ‬
‫(‬ ‫وقال (‬
‫بعض من تضرر باألقارب ‪:‬‬
‫َو َما ال ِْعُّز إِال ِفي ُفر ِاق األقَا ِر ِ‬
‫ب‬ ‫ب إِ ْن َدنَ ْ‬
‫ت‬ ‫َي ُقولُو َن ِعُّز ِفي األقَا ِر ِ‬
‫َ‬
‫ب‬‫ض َوآ َخَر َعائِ ِ‬ ‫َوَبْي َن أ َِخي ُب ْغ ٍ‬ ‫اس ِد نِْع َم ٍة‬
‫َتراهم ج ِميعا بين ح ِ‬
‫َ ُ ْ َ ْ ً َْ َ َ‬
‫وكما أن الصحة وطيب اهلواء وطيب الغذاء واستعمال األمور املقوية لألبدان والقلوب‬
‫من أسباب طول العمر ‪ ،‬فكذلك صلة الرحم جعلها اهلل سببًا ربانيًا من أسباب طول العمر‬
‫‪.‬‬
‫ق ال البلب اين ‪ :‬واملراد بص لة ال رحم م واالهتم وحمبتهم أك ثر من غ ريهم ألجل ق رابتهم‬
‫وتأكيد املب ادرة إِىَل ص لحهم عند ع داوهتم واالجته اد يِف إيص ال كف ايتهم بطيب نفس عند‬
‫فقرهم واإلسراع إِىَل مساعدهتم ومعاونته عند حاجتهم ‪.‬‬
‫ومراع اة جرب قل وهبم مع التعطف والتلطف هبم وتق دميهم يِف إجابة دع وهتم والتواضع‬
‫معهم يِف غن اه وفق رهم وقوته وض عفهم ومداومة م ودهتم ونص حهم يِف كل ش ؤهنم والب داءة‬
‫هبم يِف الدعوة والضيافة قبل غريهم وإيثارهم يِف اإلحسان والصدقة واهلدية على من سواهم‬
‫ألن الصدقة عليهم صدقة وصلة ‪.‬‬
‫ويف معناها اهلدية وحنوها ويتأكد فعل ذلك مع ال رحم الكاشح املبغض عس اه أن يع ود‬
‫ويرجع عن بغض إِىَل مودة قريبة وحمبته انتهى ‪.‬‬
‫ويف النهاية ‪ :‬قَ ْد تكرر يِف احلديث صلة الرحم وهي كناية عن اإلحسان إِىَل األقربني من‬
‫ذوي النسب واألص هار ‪ ،‬والتعطف عليهم ‪ ،‬والرفق هبم والرعاية ألح واهلم وك ذلك إن‬
‫بعدوا وأساءوا ‪ ،‬وقطع الرحم ضد ذلك كله ‪.‬‬
‫ويف الفتح ق ال القرطبي ‪ :‬ال رحم اليت توصل عامة وخاصة فالعامة رحم ال دين ‪ ،‬وجتب‬
‫مواصلتها بالتودد والتناصح والعدل واإلنصاف‬

‫‪496‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫والقيام باحلقوق الواجبة واملستحبة ‪ ،‬وأما الرحم اخلاصة فتزيد النفقة على القريب ‪ ،‬وتفقد أحواهلم ‪ ،‬والتغافل عن زالهتم وتتفاوت مراتب‬
‫استحقاقهم يِف ذلك كما يِف احلديث األقرب فاألقرب ‪.‬‬
‫أحبُّ ُك ُموا إ ْن لَ ْم تُ ِحبُونِي‬
‫أَ ْن ال ُ‬ ‫حمي‬ ‫آخر‪ :‬ما َذا َعلَ َّي وإِ ْن ُكْنتُم َذ ِوي ر ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اك يَ ْكِفينِي‬ ‫ض ِمي ِري لَ ُه ْم ِم ْن َذ َ‬‫َما ِفي َ‬ ‫َّاس َع َّما ِفي ظَ َمائِ ِر ُه ْم‬ ‫َسأ َُل الن َ‬‫ال أ ْ‬
‫وي ْشَقى بِِه حَتى الْمم ِ‬ ‫ِ‬ ‫آخر‪ِ :‬م ْن الن ِ‬
‫ات أَقَا ِربُهُ‬ ‫َ ََ‬ ‫ََ‬ ‫َّاس َم ْن َي ْغ َشى األبَاع َد َنَف ُّعهُ‬
‫احبُهُ‬
‫صَ‬ ‫ك َ‬ ‫ِوإِ ْن َكا َن َشًرا فَابْ ُن َع ِّم َ‬ ‫ِفِإ ْن َكا َن َخْيًرا فَالَْب ِعي ُد َيَنالُهُ‬
‫ب‬
‫س يُ ْد َعى ُجْن ُد ُ‬
‫ْحْي ُ‬ ‫َوإِ َذا يُ َح ِ‬
‫اخس ال َ‬ ‫آخر‪(َ :‬وإِ َذا تَ ُكو ُن َك ِر َيهةٌ أُ ْد َعى لَ َها‬
‫َب‬
‫اك َوال أ ُ‬‫ال أ َُّم لِي إِ ْن َكا َن َذ َ‬ ‫الصغَ ُار بَِعْينِ ِه‬
‫(َه َذا لََع ْم ُر ُك ُموا ِّ‬
‫وق ال ابن أيب مجرة ‪ :‬تك ون ص لة ال رحم باملال وب العون على احلاجة ‪ ،‬وب دفع الض رر‬
‫وبطالقة الوجه ‪ ،‬وبال دعاء ‪ ،‬واملعىن اجلامع إيص ال ما أمكن من اخلري ودفع ما أمكن من‬
‫الشر حبسب الطاقة ‪.‬‬
‫فجارا فمقاطعتهم يِف اهلل هي صلتهم ‪ ،‬بشرط بذل اجلهد يِف‬
‫كفارا أو ً‬
‫وهذا إمنا يستمر إذا كان أهل الرحم أهل استقامة فإن كانوا ً‬
‫وعظهم مث إعالمهم إذا أص روا ب أن ذلك بس بب ختلفهم عن احلق ‪ ،‬وال يس قط مع ذلك ص لتهم بال دعاء هلم بظهر الغيب أن يع ودوا على‬
‫الطريق املثلى ‪.‬‬
‫األسَب ِ‬
‫اب‬ ‫وعِلم ُ ِ ِ‬ ‫ِش ْعًرا‪َ :‬ولََق ْد َبلَ ْو ُ‬
‫ت َما مْن ُه ْم م ْن ْ‬ ‫ََ ْ‬ ‫َّاس ثَ َّم َخَب ْرُت ُه ْم‬
‫ت الن َ‬
‫فَِإ َذا الَْقرابةُ ال ُتَقِّرب قَ ِ‬
‫األسَب ِ‬
‫اب‬ ‫ب ْ‬ ‫َوإِ َذا الدِّيَانَةُ أَقَْر ُ‬ ‫اط ًعا‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬
‫(‬ ‫ومن (‬
‫اللطائف أن ابن املقري كتب لوالده حني امتنع عن النفقة عليه ‪:‬‬
‫اد َة بِ ٍر َوال‬
‫ال َت ْقطََع َّن َع َ‬
‫اب ال َْم ْر ِء ِفي ِر ْز ِق ِه‬ ‫ِ‬
‫تَ ْج َع ْل عَت َ‬

‫‪497‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ك ِم ْن ِم ْسطَ ٍح‬
‫َِِفَإ ْن أ َْمر ا ِإل ْف ِ‬
‫َ‬
‫َّج ِم ِم ْن أُ ْفِق ِه‬ ‫يَ ُح ُّ‬
‫ط قَ ْد َر الن ْ‬
‫َوقَ ْد َجَرى ِمْنهُ ِّ‬
‫الذي قَ ْد َجَرى‬
‫يق ِفي َحِّق ِه‬
‫الص ِد ُ‬
‫ب َّ‬ ‫ِ‬
‫َو ُعوت َ‬
‫فأجابه والده مبينًا له السبب لذلك املنع ‪:‬‬
‫ضطَُّر ِم ْن َمْيَت ٍة‬‫قَ ْد يُ ْمَن ُع ال ُْم ْ‬
‫السْي ِر ِفي طُْر ِق ِه‬ ‫صى ِفي ِّ‬ ‫إِ َذا َع َ‬
‫ألَنَهُ َي ْقَوى على َت ْوبٍَة‬
‫صاالً إِلَى ِر ْز ِق ِه‬
‫ب إِيْ َ‬
‫ِ‬
‫ُت ْوج ُ‬
‫ب ِم ْن َذنْبِ ِه ِم ْسطَ ٌح‬ ‫لَْو لَ ْم َيتُ ْ‬
‫يق ِفي َحَّق ِه‬ ‫الص ِد ُ‬
‫ب َّ‬ ‫ِ‬
‫َما ُعوت َ‬
‫ومما ي دخل يِف ص لتهم تعه دهم بالرتبية والتوجيه حني يكون ون ص ً‬
‫غارا حمت اجني على‬
‫ت وجيههم إِىَل ال دين احلنيف واألخالق الفاض لة ومما ي دخل املب ادرة يِف عالجهم عن دما‬
‫دائما ‪.‬‬
‫ميرضون وزيارهتم إذا غابوا عنه ‪ ،‬وعيادهتم عندما ميرضون ‪ ،‬وإشعارهم أنه معهم ً‬
‫اللهم هب لنا َما وهبته ألوليائك وتوفنا وأنت راض عنا َوقَ ْد قبلت اليسري منا واجعلنا يا‬
‫موالنا من عبادك الذين ال خوف عليهم وال هم حيزنون واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني‬
‫وعلَى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬ ‫برمحتك يا أرحم الرامحني وصلى اهلل على حممد َ‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫َوقَ ْد ورد يِف احلث على ص لة ال رحم والتح ذير عن قطيعتها آي ات وأح اديث كث رية ‪،‬‬
‫ن ذكر طرفًا ِمْنها ‪ ،‬ق ال اهلل تع اىل ‪ ﴿ :‬و ِ‬
‫آت َذا الْ ُق ْرىَب َحقَّهُ ﴾ أي قرابتك من أبيك وأمك‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫واملراد حبقهم برهم وصلتهم ‪.‬‬

‫‪498‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وق ال تع اىل ‪ ﴿ :‬و َّات ُق واْ اللّ ه الَّ ِذي تَس اءلُو َن ِ‬
‫بِه َواأل َْر َح َام ﴾ أي اتق وا األرح ام أن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫تقطعوها ﴿ والَّ ِذ ِ‬
‫ين يَصلُو َن َما أ ََمَر اللّهُ بِه أَن يُ َ‬
‫وص َل ﴾ املراد الرحم والقرابة ‪.‬‬ ‫َ َ‬
‫وأخرج البخاري ومسلم وغريمها عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ « :‬من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فليصل رمحه ‪ ،‬ومن كان يؤمن باهلل واليوم‬
‫خريا أو ليصمت » ‪.‬‬ ‫اآلخر فليقل ً‬
‫وأخرج أبو يعلى بإسناد جيد عن رجل من خثعم قال ‪ :‬أتيت النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫وهو يِف نفر من أصحابه فقلت ‪ :‬أنت الذي تزعم أنك رسول اهلل ؟ قال ‪ « :‬نعم » ‪ .‬قلت‬
‫‪ :‬يا رسول اهلل أي األعمال أحب إِىَل اهلل ؟ قال ‪ « :‬اإلميان باهلل » ‪ .‬قلت ‪ :‬يا رسول اهلل مث‬
‫مه ‪.‬‬
‫قال ‪ « :‬مث صلة الرحم » ‪ .‬قال ‪ :‬قلت يا رسول اهلل أي األعمال أبغض إِىَل اهلل ؟ قال ‪:‬‬
‫« اإلشراك باهلل » ‪ .‬قال ‪ :‬يا رسول اهلل مث مه ؟ قال ‪ « :‬مث قطيعة الرحم » ‪ .‬قال ‪ :‬قلت مث‬
‫مه قال ‪ « :‬األمر باملنكر والنهي عن املعروف » ‪.‬‬
‫وأخرج البخاري ومسلم وغريمها عن أيب أيوب رضي اهلل عنه أن أعرابًا عرض لرسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم وهو يِف سفر فأخذ خبطام ناقته أو بزمامها مث قال ‪ :‬يا رسول اهلل أو‬
‫يا حممد أخ ربين مبا يقربين من اجلنة ويباع دين من الن ار ‪ ،‬ق ال ‪ :‬فكف النيب ص لى اهلل عليه‬
‫وسلم مث نظر يِف أصحابه مث قال‪ « :‬لقد وفق أو لقد هدي » ‪ .‬قال ‪ :‬كيف قلت ؟ قال ‪:‬‬
‫فأعادها فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬تعبد اهلل ال تشرك به شيئًا وتقيم الصالة وتؤيت‬
‫الزكاة وتصل الرحم » ‪.‬‬
‫ويف رواية ‪ « :‬وتصل ذا رمحك » ‪ .‬فلما أدبر قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪« :‬‬
‫أيضا عن عائشة‬ ‫إن متسك مبا أمرته دخل اجلنة » ‪ .‬وأخرجا ً‬

‫‪499‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال ‪ « :‬ال رحم معلقة ب العرش تق ول من وص لين وص له اهلل ‪،‬‬
‫ومن قطعين قطعه اهلل » ‪.‬‬
‫أيضا عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬ ‫وأخرج ً‬
‫« إن اهلل تع اىل خلق خل ًقا حىت إذا ف رغ ِمْن ُه ْم ق امت ال رحم » ‪ .‬زاد رواية ال بيهقي «‬
‫حبقوى الرمحن فقال ‪ :‬مه ؟ فقالت ‪ :‬هذا مقام العائد بك من القطيعة قال ‪ :‬نعم أما‬ ‫فأخذت َ‬
‫ترضني أن أصل من وص لك وأقطع من قطعك ؟ ق الت ‪ :‬بلى ق ال ف ذاك لك » ‪ .‬مث ق ال‬
‫رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم اق رؤوا إن ش ئتم ﴿ َف َه ل َعس ْيتُ ْم إِن َت ولَّْيتُ ْم أَن تُ ْف ِس ُدوا يِف‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫ض و ُت َقطِّعوا أَرحام ُكم * أُولَئِ َّ ِ‬
‫ص َار ُه ْم ﴾ ‪.‬‬ ‫ين لَ َعَن ُه ُم اللَّهُ فَأ َ‬
‫َص َّم ُه ْم َوأ َْع َمى أَبْ َ‬ ‫ك الذ َ‬ ‫اأْل َْر ِ َ ُ ْ َ َ ْ ْ َ‬
‫وعن أيب هري رة أن رجالً ق ال ‪ :‬يا رس ول اهلل إن يل قرابة أص لهم ويقطع وين وأحسن‬
‫إليهم ويس يئون إيل ‪ ،‬وأحلم عنهم وجيهل ون علي فق ال ‪ « :‬لئن كنت كما قلت فكأمنا‬
‫ظهريا عليهم مل دمت على ذلك » ‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬ ‫تسفهم املل وال يزال معك من اهلل ً‬
‫وعن أنس قال ‪ :‬كان أبو طلحة أكثر األنصار باملدينة ماالً من خنل وكان أحب أمواله‬
‫إليه بريح اء ‪ ،‬وك انت مس تقبلة املس جد وك ان رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ي دخلها‬
‫ويشرب من ماء فيها طيب ‪.‬‬
‫فلما نزلت هذه اآلية ﴿ لَن َتنَالُواْ الْرِب َّ َحىَّت تُ ِنف ُق واْ مِم َّا حُتِ بُّو َن ﴾ قام أبو طلحة إِىَل رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول اهلل إن اهلل تبارك وتعاىل يقول ‪ ﴿ :‬لَن َتنَ الُواْ الْرِب َّ‬
‫َحىَّت تُ ِنف ُقواْ مِم َّا حُتِ بُّو َن ﴾ وإن أحب أموايل إيل بريحاء ‪ ،‬وإهنا صدقة هلل فقال رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وس لم ‪ « :‬بخ ذلك م ال رابح ‪ ،‬وقَ ْد مسعت َما قلت ‪ ،‬وإين أرى أن جتعلها يِف‬
‫َ‬
‫األق ربني » ‪ .‬فق ال أبو طلحة ‪ :‬أفعل يا رس ول اهلل ‪ ،‬فقس مها أبو طلحة يِف أقاربه وبين عمه‬
‫متفق عليه ‪.‬‬

‫‪500‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وعن أم املؤمنني ميمونة بنت احلارث رضي اهلل عنه أهنا أعتقت وليده ومل تستأذن النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت ‪ :‬أشعرت يا رسول اهلل أين‬
‫أعتقت ولي ديت ق ال ‪ « :‬أو فعلت » ؟ قلت ‪ :‬نعم ‪ .‬ق ال ‪ « :‬أما إنك لو أعطيتها أخوالك‬
‫كان أعظم ألجرك » ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫ويف حديث أيب سفيان يِف قصة هرقل أنه قال أليب سفيان َما يأمركم به يعين النيب صلى‬
‫اهلل عليه وس لم قلت يق ول ‪ « :‬اعب دوا اهلل وح ده وال تش ركوا به ش يئًا ‪ ،‬واترك وا آب اؤكم‬
‫ويأمرنا بالصالة والصدقة والعفاف والصلة » ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫وأخرج اإلمام أمحد بإسناد جيد قوي وابن حبان يِف صحيحه عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال ‪ :‬مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫إيل يا رب إين ظلمت يا رب يا رب فيجيبها أال ترضني أن أصل‬‫يق ول ‪ « :‬ال رحم ش جنة من ال رمحن تق ول يا رب إين قطعت إين أس يء َّ‬
‫من وصلك واقطع من قطعك » ‪.‬‬
‫ض ْغنِ ِه‬‫ضَفار ِ‬
‫ت أَ ْ َ‬ ‫َو ِذي َر ِح ٍم َقلَّ ْم ُ‬
‫ْم‬ ‫ِِ ِ‬
‫س لَهُ ُحل ُ‬ ‫بحلْمي َعْنهُ َو ْهَو لَْي َ‬
‫يُ َحا ِو ُل َر ْغ ِمي ال يُ َحا ِو ُل غَْيَر ُه‬
‫ت ِعْن ِدي أ ْن يَ ِح َّل بِِه َّ‬
‫الر ْغ ُم‬ ‫و َكالْمو ِ‬
‫َ َْ‬
‫ض ِعْيًنا على قَ َذى‬ ‫ف َعْنهُ أَ ْغ ِ‬ ‫فَِإ ْن أَ ْع ُ‬
‫ْم‬ ‫ِِ ِ‬ ‫س لَهُ بِ َّ‬
‫الصْف َح َع ْن َذنْبه عل ُ‬ ‫َولَْي َ‬
‫ش‬‫ص ْر ِمْنه أَ ُك ْن ِمثْ َل َرائِ ٍ‬
‫وإِ ْن اْنَت ِ‬
‫َ‬
‫ْم‬ ‫ِس َه َام َع ُدٍّو يُسَت َه ُ ِ‬
‫اض ب َها ال َْعظ ُ‬ ‫ْ‬
‫ت على َما َكا َن َبْينِي ِوَبْيَنهُ‬ ‫صَب ْر ُ‬‫َ‬
‫ْم‬
‫السل ُ‬
‫ب َو ِّ‬ ‫ب األَقَا ِر ُ‬
‫َو َما تَ ْسَت ِوي َح ْر ُ‬

‫‪501‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫َي َوال َْم ْرءُ قَ ِاد ٌر‬ ‫وبادر ُ ِ‬


‫ت مْنه النَّأ َ‬ ‫ََ َْ‬
‫َعَلى َس ْه ِم ْه َما َد َام ِفي َكِّف ِه َّ‬
‫الس ْه ُم‬
‫ب َج ِاه ًدا‬ ‫ضي ِفي ال َْمغَيَّ ِ‬ ‫وي ْشتِم ِعر ِ‬
‫ََ ُ ْ‬
‫س لَهُ ِعْن ِدي َهَوا ٌن َوال َشْت ُم‬ ‫َولَْي َ‬
‫ص َل الَْقَرابَِة َس َامنِي‬ ‫إِ َذا ُس ْمتُهُ َو ْ‬
‫السَف َاهةُ َوا ِإلثْ ُم‬
‫ْك َّ‬ ‫قَ ِط َيعَت َها تِل َ‬
‫صنِي‬ ‫ف يأْبى وي ْع ِ‬ ‫وإِ ْن أَ ْد ُعهُ لِلن ْ ِ‬
‫ِّص َ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْح ْك ُم‬ ‫َويَ ْد ُعو ل ُح ْك ِم َجائر َغْيُر ْه ال ُ‬
‫الر ِح ِم اللَّتِي‬ ‫َفَل ْوال ِّاتَقاءُ اهلل َو َّ‬
‫ِ‬
‫ِر َع َايُت َها َح ٌّق َوَت ْعطيلُ َها ظُل ُ‬
‫ْم‬
‫ِ‬
‫إِ َذا ل ُعالهُ بَا ِر ِقي َو َخط َْمتُهُ‬
‫بَِو ْس ِم ِشنَا ٍر ال يُ َشابِ ُههُ َو ْس ُم‬
‫صالِ ِحي‬ ‫َّدِم َم َ‬ ‫َويَ ْس َعى إِ َذا أَبْنِي لِه ْ‬
‫الذي َيْبنِي َك َم ْن َشأْنُهُ ال َْه ْد ُم‬ ‫َولَْيس ِّ‬
‫َ‬
‫َيَو ُّد لَْو‬
‫َوأَ ْكَرهُ ُج ْه ِدي إِ ْن يُ َخالِطَهُ ال ُْع ْد ُم‬ ‫َأنّ‬
‫ث نَ ْكَبتِي‬ ‫وي ْعَت ُد غَْنما ِفي الْحو ِاد ِ‬
‫ََ‬ ‫ً‬ ‫ََ‬
‫َو َما إِ ْن لَهُ ِفْي َها َسَناءٌ َوال غُْن ُم‬
‫ْت ِفي لَْينِي لَهُ َوَت َعطُِف ْي‬ ‫َو َما ِزل ُ‬
‫َعلَْي ِه َك َما تَ ْحنُو على الَْولَ ُد األ ُُّم‬
‫اح تَأَلًُفا‬ ‫و َخ ْف ٍ ِ‬
‫ْجَن َ‬ ‫ض لَهُ منِّي ال َ‬ ‫َ‬
‫لِتُ ْدنَِيهُ ِمنّي الَْقَرابَةُ َو َّ‬
‫الر ْح ُم‬

‫‪502‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫َوقُولِي إِ َذا أَ ْخ َشى َعلَْي ِه ُمِل َّم ًة‬


‫ال ذُ ْو ال َْع ْق ِد َوال َْع ُم‬‫اك الْ َخ ُ‬ ‫اسلَ ْم ِف َد َ‬ ‫أَال ْ‬
‫صْب ِري على أَ ْشَي َار ِمْنه تُ ِرْيبُنِي‬ ‫َو َ‬
‫ِ‬
‫َو َكظ ِْم على َغْيظي َوقَ ْد َيْنَف ُع الْ َكظ ُ‬
‫ْم‬
‫أل ِ‬
‫اسَتلَلْتُهُ‬‫َسَت َّل م ْن الظَّْع َن َحتَّى ْ‬ ‫ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َوقَ ْد َكا َن َذا ض ْغ ٍن يَضْي ُق بِه ال َ‬
‫ْج ْر ُم‬
‫ت إِْنثَ ً‬
‫الما َبْيَنَنا َفَر َق ْعتُهُ‬ ‫َرأَيْ ُ‬
‫ْم‬ ‫بِ ِرفِْقي َوإِ ْحَيائِي َوقَ ْد ُي ْرقَ ُع َّ‬
‫الثل ُ‬
‫الص ْد ِر ِمْنهُ َتَو ُّس ًعا‬ ‫ت ِغ َّل َّ‬ ‫َوأَْبَرْأ ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫بحلْمي َك َما يُ ْشَفى باألَ ْد ِويَة الْ َكل ُ‬
‫ْم‬
‫َن نَِف ُار ُه‬
‫فَ َد َو ْايتُهُ َحَتى ْارفَأ َّ‬
‫َف ُع ْدنَا َكأَنَّا لَ ْم يَ ُك ْن َبْيَنَنا ُج ْر ُم‬
‫ب َبْينِي َوَبْيَنهُ‬ ‫ْح ْر ِ‬
‫َوأطَْفأَ نَ َار ال َ‬
‫ْم‬ ‫ِ‬ ‫َصَب َح َب ْع َد ال َ ِ‬
‫ْح ْرب َو ُهَو لََنا سل ُ‬ ‫فَأ ْ‬
‫واهلل أعلم ‪ .‬وصلى اهلل على حممد وآله وسلم ‪.‬‬
‫أيضا بإسناد رواته ثقات والبزار عن سعيد بن زيد رضي‬ ‫ص ٌل ) ‪ :‬وأخرج األمام أمحد ً‬‫( فَ ْ‬
‫اهلل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال ‪ « :‬إن من أرىب الربا االستطالة يِف عرض‬
‫املسلم بغري حق ‪ ،‬وإن هذه الرحم شجنة من الرمحن عز وجل فمن قطعها حرم اهلل عليه‬
‫اجلنة » ‪.‬‬
‫وأخرج البزار بإسناد حسن عن أنس رضي اهلل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال ‪ « :‬الرحم شجنة متمسكة بالعرش تكلم‬
‫بلس ان ذلق اللهم صل من وص لين واقطع من قطعين فيق ول اهلل تب ارك وتع اىل أنا ال رمحن ال رحيم وإين ش ققت ال رحم من امسي فمن وص لها‬
‫وصلته ومن بكتها بكته ) ‪.‬‬
‫اء ِفي‬ ‫اء ِفي ِّ‬
‫الذ ْك ِر َم ْع َما َج َ‬ ‫َما َج َ‬ ‫ِش ْعًرا‪ :‬إِنِي لََي ْمَن ُعنِي ِم ْن قَطْ ِع ِذي َر ِح ٍم‬
‫السَن ِن‬
‫ُّ‬

‫‪503‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫إِلَ َّي َج َازْيتُهُ بِ َّ‬


‫الصْف ِح ال الظَّ ْغ ِن‬ ‫ت َعَقا ِربُهُ‬ ‫ت َوإِ ْن َدبَّ ُ‬‫إِ ْن ال َن لِْن ُ‬
‫ِ‬
‫(‬ ‫إِ َذا َه َج ُروا عًزا َو َ‬
‫صلَْنا تَ َذلُالً‬
‫َوإِ ْن َب ُع ُدوا يَأ ً‬
‫ْسا َقَرْبَنا َت َعلُال‬
‫صِل ِه ْم‬
‫اب َو ْ‬ ‫َوإِ ْن أَ ْغلَ ُقوا بِال َْه ْج ِر أَْبَو َ‬
‫صال‬ ‫َوقَالُوا أُْب ُع ُدوا َعنَّا طَلَْبَنا التََّو َ‬
‫ض ِهم‬‫وز بأَر ِ‬
‫نج َ ْ‬ ‫َوإ ْن َمَن ُعونا أ ْن ُ‬
‫َولم يَ ْس َم ُعوا الشكوى َو َردُّوا التََّو ُّسالَ‬
‫ِ ِ‬
‫أَ َش ْرنا بَت ْسل ٍيم َوإ ْن َب ُع َد َ‬
‫الم َدى‬
‫صل أ ْك َمالَ‬ ‫إلَْي ِه ْم َو َهذا ُمْنَت َهى َ‬
‫الو ْ‬
‫وأخرج الطرباين وابن خزمية يِف صحيحه واحلاكم وقال ‪ :‬على شرط مسلم عن أم كلثوم‬
‫بنت عقبة رضي اهلل عنهما أن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال ‪ « :‬أفضل الص دقة على ذي‬
‫ال رحم الكاشح » ‪ .‬يعين أفضل الص دقة على ذي ال رحم املض مر الع داوة وهو يِف معىن قوله‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬وتصل من قطعك » ‪.‬‬
‫قال الناظم ‪:‬‬
‫اصل األَرح ِام حتَّى لِ َك ِ‬
‫اش ِح‬ ‫ِ‬
‫َو ُك ْن َو َ ْ َ َ‬
‫ُتَو َّفُر ِفي ُع ٍٍْْمر َو ِر ْز ٍق َوتَ ْس َع ُد‬
‫أن َِق ِط َيع ًة‬
‫َوالَ َت ْق ِط ِع األ َْر َح َام َّ‬
‫لِ ِذي ر ِح ٍم ُكْبرى ِمن ِ‬
‫اهلل ُتْب ِع ُد‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫اهلل فَي ِه ُم‬‫فَالَ َت ْغ َشى َقوما ر ْحمةُ ِ‬
‫ًْ َ َ‬
‫اط ِع قَ ْد جاء َذا بَِتوع ِ‬
‫ُّد‬ ‫َثوى قَ ِ‬
‫ََ َ‬ ‫َ‬
‫وأخ رج اإلم ام أمحد بس ند رجاله ثق ات عن عقبة بن ع امر رضي اهلل عنه ق ال ‪ :‬لقيت‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فأخذت بيده فقلت ‪ :‬يا رسول اهلل أخربين بفواصل األعمال‬

‫‪504‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫فق ال ‪ « :‬يا عقبة صل من قطعك وأعط من حرمك وأع رض عمن ظلمك » ‪ .‬ويف لفظ ‪:‬‬
‫« واعف عمن ظلمك » ‪.‬‬
‫وأخرج الطرباين عن علي رضوان اهلل عليه قال ‪ :‬قال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬أال‬
‫أدلك على أك رم أخالق ال دنيا واآلخ رة ؟ أن تصل من قطعك ‪ ،‬وتعطي من حرمك وأن‬
‫مرفوعا بلفظ ‪ « :‬أال أدلكم على‬
‫ً‬ ‫تعفو عمن ظلمك » ‪ .‬ورواه البزار عن عبادة بن الصامت‬
‫َما يرفع اهلل به ال درجات » ؟ ق الوا ‪ :‬نعم يا رس ول اهلل ‪ .‬ق ال ‪ « :‬حتلم على من جهل‬
‫عليك ‪ ،‬وتعفو عمن ظلمك ‪ ،‬وتعطي من حرمك ‪ ،‬وتصل من قطعك » ‪.‬‬
‫وأخرج البخاري ومسلم وغريمها عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وس لم ق ال ‪ « :‬من أحب أن يبسط له رزقه وينسأ له يِف أث ره ‪ ،‬فليصل رمحه » ‪.‬‬
‫وللبخ اري عن أيب هري رة ‪ « :‬من س ره أن يبسط له يِف رزقه ‪ ،‬وينسأ له يِف أث ره ‪ ،‬فليصل‬
‫رمحه » ‪.‬‬
‫ورواه الرتمذي بلفظ ‪ « :‬تعلموا من أنسابكم َما تصلون به أرحامكم ‪ ،‬فإن صلة الرحم حمبة يِف األهل ‪ ،‬مثراة يِف املال منساة يِف األثر‬
‫» ‪ .‬ومعىن ( مثراة يِف املال ) أي زيادة فيه ومعىن ( منسأة يِف األثر ) النسأ أي زيادة يِف عمره أي يؤخر له يِف أثره وهو الذكر احلسن فيه‬
‫يكتسب صاحبه حسنات وهو يِف القرب بالدعاء الصاحل له أو اإلقتداء به يِف صاحل عمله ‪.‬‬
‫ش أَ ْشغَ ُ‬
‫ال‬ ‫العْي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ما قَاتَهُ وفُ ُ‬ ‫اجتُهُ‬
‫وح َ‬‫ذ ْك ُر ال َفَتى ُع ْمرهُ الثاني َ‬
‫الحَيا َة َدقَائِ ٌق َوَثَوانِي‬ ‫ْب ِ‬
‫إن َ‬ ‫َّ‬ ‫الم ْرء قَائِلَةٌ لَهُ‬
‫ات َقل ِ َ‬ ‫آخر‪َ :‬دقَّ ُ‬
‫الذ ْكر لِ ِإلنْس ِ‬
‫ان ُع ْمٌر ثَانِي‬ ‫ِّ‬ ‫ك ِذ ْكَر َها‬ ‫عد َم ْوتِ َ‬ ‫ف(َ ْارفَ ْع لَِن ْف ِس َ‬
‫ف(َ ُ َ‬ ‫ك بَ ْ‬
‫(‬
‫وأخرج عبد اهلل بن اإلمام أمحد يِف زوائده والبزار بإسناد جيد واحلاكم عن علي بن أيب‬
‫ط الب رضي اهلل عنه عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال ‪ « :‬من س ره أن ميد له يِف عم ره ‪،‬‬
‫ويوسع له يِف رزقه ‪ ،‬ويدفع عنه ميتة السوء فليتق اهلل وليصل رمحه » ‪.‬‬
‫وأخرج البزار بإسناد ال بأس به واحلاكم وصححه عن ابن عباس رضي اهلل عنهما عن‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال ‪ « :‬مكتوب يِف التوراة من أحب أن يزاد يِف عمره ‪ ،‬ويزاد‬
‫يِف رزقه فليصل رمحه » ‪.‬‬

‫‪505‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وأخرج الطرباين بإسناد حسن واحلاكم عن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال ‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬إن اهلل ليعمر بالقوم الديار ويثمر هلم األموال ‪ ،‬وما نظر إليهم منذ‬
‫بغضا هلم » ‪ .‬قيل ‪ :‬وكيف ذلك يا رسول اهلل ؟ قال ‪ « :‬بصلتهم ألرحامهم » ‪.‬‬ ‫خلقهم ً‬
‫اللهم ثبت قلوبنا على دينك وأهلمنا ذكرك وشكرك واختم لنا خبامتة السعادة واغفر لنا‬
‫وعلَى آله وصحبه‬‫ولوالدينا ومجيع املسلمني برمحتك يا أرحم الرامحني وصلى اهلل على حممد َ‬
‫أمجعني ‪.‬‬
‫ص ٌل‪ :‬مث اعلم أن لصلة الرحم فوائد مجة ومثرات حمققة ونتائج حسنة يِف حياة املسلم ويعد‬ ‫فَ ْ‬
‫وفاته َوقَ ْد رتب النيب ‪ ‬على صلة الرحم أمرين حمققني مها بسط الرزق وسعته واإلنساء يِف‬
‫األثر ومساعدة ذوي القرىب وصلتهم واجب ديين ندب اهلل إليه وجاءت األحاديث مبينة أنه‬
‫من آكد واجب ات املرء يِف حياته ي دعوك له الش فقة واحلن ان والعطف والرمحة على ذوي‬
‫قرباك ‪.‬‬
‫وليس من الرب مساعدة اخلامل الكسالن وتشجيعه على البطالة والكسل وإمنا الرب والصلة يِف مساعدة من فقد أسباب العمل ومل تتهيأ له‬
‫ط رق املكاسب وعليك أن تع املهم معاملة الرفق واللني فتح رتم كب ريهم وجتله وحتسن إِىَل ص غريهم وتتج اوز عن هف واهتم وتغض الط رف‬
‫عن زالهتم وتقابل املسيء ِمْن ُه ْم باإلحسان ال باالستكبار واالستنقاص ألهنم أقاربك وأوىل الناس مبودتك وعطفك ورمحتك ومما يولد احملبة‬
‫واحلنان اهلدايا قال بعضهم ‪:‬‬

‫صاالَ‬ ‫ض‬‫ض ُه ُم لَِب ْع ٍ‬


‫ِ‬
‫ُت ُولِّ ُد في ُقلُوبِِه ُم ال ِو َ‬ ‫َه َدايَا ِ‬
‫الناس َب ْع ُ‬
‫ع ِفي الض ِ‬
‫والجالَالَ‬‫الم َهابَ َة َ‬ ‫وك َ‬ ‫س َ‬‫َ(وتَ ْك ُ‬
‫َّمي ِر َهَوي َو ُو ًدا‬ ‫(وَت ْز َر ُ‬
‫وف بِاْ َّلم ِن ص ِ‬ ‫ِ‬ ‫آخر‪ :‬فَالتَ ُ ِ‬
‫احبُ ْه‬ ‫َ‬ ‫الم ْع ُر َ‬ ‫ك منَّانًا بِ َخْي ٍر َف َعلَْتهُ‬
‫(َفَق ْد ُي ْفس ُد َ‬
‫وهم ألقرب الناس بعد أصولك وفروعك وحواشيك يتمنون سعادتك هناءك ويرجون‬ ‫(‬
‫لك اخلريات فجدير بك أن تسارع إِىَل مواساهتم وعيادهتم إذا مرضوا والسالم على من قدم‬
‫ِمْن ُه ْم وتوديعه إذا س افر ومش اركتهم يِف أف راحهم وإظه ار الس رور هلم ومش اطرهتم يِف‬
‫أت راحهم وختفيف آالم احلزن عنهم واإلس راع يِف قض اء ح وائجهم وحنو ذلك من األعم ال‬
‫الطيبة واملظاهر الشريفة تضيف قوتك على قوهتم فيسرعون على إجابتك ودفع األذى عنك‬
‫يِف ملماتك ‪ .‬أ ‪ .‬هـ ‪.‬‬

‫‪506‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وأخرج ابن ماجة وابن حب ان يِف صحيحه واحلاكم وق ال ‪ :‬صحيح اإلسناد عن ثوبان‬
‫رضي اهلل عنه ق ال ‪ :‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ‪ « :‬إن الرجل ليح رم ال رزق‬
‫بالذنب يصيبه وال يرد القدر إال الدعاء ‪ ،‬وال يزيد يِف العمر إال الرب » ‪.‬‬
‫مرفوعا ‪ « :‬ص لة ال رحم ‪ ،‬وحسن اجلوار ‪ ،‬أو حسن‬ ‫ً‬ ‫وروى اإلم ام أمحد عن عائشة‬
‫اخللق ‪ ،‬يعمران الديار ‪ ،‬ويزيدان يِف األعمار » ‪.‬‬
‫وأخرج الطرباين وابن حبان يِف صحيحه عن أيب ذر رضي اهلل عنه قال ‪ :‬أوصاين خليلي‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم خبص ال من اخلري أوص اين أن ال انظر إِىَل من هو ف وقي ‪ ،‬وأن انظر إِىَل‬
‫من هو دوين ‪ ،‬وأوصاين حبب املساكني والدنو ِمْنهم ‪ ،‬وأوصاين أن أصل رمحي وإن أدبرت‬
‫مرا ‪ ،‬وأوصاين‬ ‫يِف‬
‫‪ ،‬وأوصاين أن ال أخاف اهلل لومة الئم ‪ ،‬وأوصاين أن أقول احلق وإن َكا َن ً‬
‫أن أكثر من قول ال حول وال قوة إال باهلل فإهنا كنز من كنوز اجلنة ‪.‬‬
‫ِش ْع ًرا ‪:‬‬
‫الذ ْكر أَص َد ُق ِمن سيف ِ‬
‫الرتَ ِ‬
‫ب‬ ‫األعلَى من ُّ‬ ‫فا ْع َم ْل بِِه تُ ْح ِر ْز َ‬ ‫وم ْن ُكتُ ِ‬
‫ب‬ ‫ْ َْ‬ ‫ِّ ُ ْ‬
‫ب‬‫صِ‬ ‫صطََفى من ب ْع ِده تُ ِ‬ ‫الم ْ‬ ‫فيه ج ِم ِ‬
‫َ‬ ‫َو ُسنّةُ ُ‬ ‫الب َش ُر‬
‫اجه َ‬
‫يع الذي يَ ْحَت ُ‬
‫َ ُ‬

‫‪507‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫اء ِفي ال ُكتُ ِ‬


‫ب‬ ‫صطََفى قَ ْد َج َ‬
‫الم ْ‬
‫َو َما عن ُ‬
‫العلْم فيما أَتَى بِ ِ‬
‫الذك ِر َمطْلَبُهُ‬ ‫آخر‪ِ :‬‬
‫وأخرج البخاري وأبو داود والرتمذي عن عبد اهلل بن عمرو بن العاص رضي اهلل عنهما‬
‫عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال ‪ « :‬ليس الواصل باملك افئ ‪ ،‬ولكن الواصل ال ذي إذا‬
‫قطعت رمحه وصلها » ‪.‬‬
‫وعن أيب بكر رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪َ « :‬ما من ذنب‬
‫أج در أن يعجل اهلل لص احبه العقوبة يِف ال دنيا مع َما ي دخر له يِف اآلخ رة من البغي وقطيعة‬
‫الرحم » ‪ .‬رواه ابن ماجة والرتمذي وقال ‪ :‬حديث حسن صحيح واحلاكم وقال ‪ :‬صحيح‬
‫اإلسناد ‪.‬‬
‫وعن أيب موسى رضي اهلل عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ « :‬ثالثة ال يدخلون‬
‫اجلنة مدمن مخر ‪ ،‬وقاطع رحم ‪ ،‬ومصدق بالسحر » ‪ .‬رواه ابن حبان وغريه ‪.‬‬
‫وروي عن عائشة رضي اهلل عنها ق الت ‪ :‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ‪« :‬‬
‫أس رع اخلري ثوابًا الرب وص لة احلم ‪ ،‬وأس رع الشر عقوبة البغي وقطيعة ال رحم » ‪ .‬رواه ابن‬
‫ماجة ‪.‬‬
‫وعن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال ‪ :‬مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ « :‬إن‬
‫أعم ال بين آدم تع رض كل مخيس ليلة اجلمعة فال يقبل عمل ق اطع رحم » ‪ .‬رواه أمحد‬
‫ورواته ثقات ‪.‬‬
‫وروي عن جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما قال ‪ :‬خرج علينا رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم وحنن جمتمعون فقال ‪ « :‬يا معشر املسلمني اتقوا اهلل وصلوا أرمحاكم فإنه ليس ثواب‬
‫أس رع من ص لة ال رحم وإي اكم والبغي فإنه ليس من عقوبة أس رع من عقوبة بغي وإي اكم‬
‫وعقوق‬

‫‪508‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫الوال دين ‪ ،‬ف إن ريح اجلنة يوجد من مس رية ألف ع ام ‪ ،‬واهلل ال جيدها ع اق وال ق اطع رحم‬
‫وال شيخ زان وال جار أزاره خيالء ‪ ،‬إمنا الكربياء هلل رب العاملني » ‪.‬‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬
‫ور‬
‫الحَياةُ غَ ُر ُ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫وم َ‬‫ض ُه ُم َ‬ ‫َخِّف ْ‬
‫ِ‬
‫المنُون على األنَ ِام تَ ُد ُ‬
‫ور‬ ‫َو َر َحى َ‬
‫ف‬‫َوال َْم ْر ِء ِفي َدا ِر ال َفَناِء ُم َكلَّ ٌ‬
‫ور ))‬ ‫ِ‬
‫(( الَ ُم ْه َم ٌل فْي َها َوالَ َم ْع ُذ ُ‬
‫الدْنَيا َك ِظ ٍّل َزائِ ِل‬
‫َّاس ِفي ُّ‬ ‫َوالن ُ‬
‫ُك ُّل إِلَى ح ْك ِم الَْفَن ِاء ي ِ‬
‫ص ُير‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ك المتَّوج و ِ‬
‫اح ٌد‬ ‫فَالنَّ ْكس و ِ‬
‫المل ُ ُ َ ُ َ‬ ‫ُ َ َ‬
‫ور‬ ‫ِ‬
‫ال آمٌر َيْبَقى َوالَ َمأ ُْم ُ‬
‫َع َجًبا لِ َم ْن َتَر َك التَّ َذ ُّكَر َواْنَثَنى‬
‫ِ ِِ‬
‫األم ِر َو ُهَو ب َعْيشه َم ْغ ُر ُ‬
‫ور‬ ‫في ْ‬
‫ضاءُ َجَرى بَأ َْم ٍر نَ ِاف ِذ‬ ‫َوإِ َذا الَْق َ‬
‫يب َوأَ ْخطَأَ الت َّْدبِ ُير‬ ‫َغِل َ ِ‬
‫ط الطَّب ُ‬
‫أجابَنِي‬
‫الد ْه ِر فيه َ‬ ‫ف َّ‬‫ص ْر َ‬‫ت َ‬ ‫إِ ْن لُ ْم ُ‬
‫ور‬ ‫أب ِ‬
‫ب ال َْم ْق ُد ُ‬ ‫ُّهى أ ْن ُي ْعَت َ‬
‫ت الن َ‬ ‫َ‬
‫ال لِي‬ ‫الم ْؤيَّ ُد قَ َ‬ ‫ْت لَ ْه أيَ ْن ُ‬
‫أ َْو ُقل َ‬
‫ور‬
‫ص ُ‬ ‫المْن ُ‬‫ظفُر َقْب َل َو َ‬‫أَيْ َن ال ُْم َّ‬

‫‪509‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أ َْم أَيْ َن ك ْسَرى أَ ْز َد ش ُير َو َقْي َ‬
‫صٌر‬
‫ور‬
‫اله ْر ُمَزانُ َو َقْبَل ُه ْم َسابُ ُ‬ ‫َو ُ‬
‫أَين ابن َداو َد سَليما ُن ِ‬
‫الذي‬ ‫ْ َ ْ ُ ُ ُ َْ‬
‫ور‬ ‫ت بِج ْحَفِل ِه ال ِ‬
‫ال تَ ُم ُ‬ ‫ْجَب ُ‬ ‫َكانَ ْ َ‬
‫ث َشاء بأَم ِ‬
‫ره‬ ‫يح تَ ْج ِري َحْي ُ َ ْ‬ ‫الر ُ‬
‫َو ِّ‬
‫ط يَ ِس ُير‬‫قاد ًة َوبِِه البِ َسا ُ‬ ‫ُْمَن َ‬
‫ت بِِهم أَيْ ِدي الْمنُ ِ‬
‫ون َولَ ْم َتَز ْل‬ ‫َ‬ ‫َفَت َك ْ ْ‬
‫ون على األَنَ ِام تُِغ ُير‬ ‫َخْيل الْمنُ ِ‬
‫ُ َ‬
‫اج ٌد‬‫ضائِل م ِ‬
‫لَْو َكا َن يَ ْخلُ ُد بال َف َ َ‬
‫ور‬ ‫ِ‬ ‫ض َّم ِ‬
‫الر ُس َل الكَر َام ُقبُ ُ‬ ‫ت ُّ‬ ‫َما َ‬
‫يب َخبِ ُير‬ ‫ِ‬
‫إِنَي ألَ ْعلَ ُم َواللَّب ُ‬
‫ور‬
‫ت غَ ُر ُ‬
‫صَ‬ ‫الحيَاة َوإ ْن َح ِر ْ‬
‫َن َ‬ ‫أ َّ‬
‫ت ُكالًماً ُي َعلِّ ُل َن ْف َسهُ‬
‫َو َرأَيْ ُ‬
‫بَِت ِعلَِّة وإلى ال َفنَ ِاء ي ِ‬
‫ص ُير‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫وعلَى آله وصحبه وسلم ‪.‬‬


‫واهلل أعلم ‪ .‬وصلى اهلل على حممد َ‬
‫موعظة‬
‫عباد اهلل إن النصيحة غالية ذات أمهية عظيمة عند ذوي األلباب والفهوم ألهنا إرشاد إىل‬
‫الص واب وتوجيه حنو العمل الص احل واألخالق الفاض لة والس رية احلس نة وهداية إِىَل َما يع ود‬
‫نفعه وفائدته على املنص وح ‪ .‬بالس عادة والعز والنص يحة تبصري باملض ار حىت ال يقع فيها من‬
‫ال يعرفها ‪.‬‬

‫‪510‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ول ذلك ينبغي أن الناصح ذا رأي ث اقب وعقل راجح قَ ْد ج رب األم ور وعركته األي ام‬
‫واللي ايل وذاق حلوها ومرها وانتفع مبا رآه فيها من عسر ويسر وف رح وس رور وخلص قلبه‬
‫من هم قاطع وغم شاغل ليسلم رأيه وختلص نصيحته من الشوائب املكدرة ‪.‬‬
‫فيا عب اد اهلل إن ال دين هو النص يحة يس دها املؤمن إلخوانه بل يبغي عليها ج زاء وال‬
‫كورا إال من ربه وخالقه يب ذهلا خالصة لوجه اهلل قاص ًدا هبا نفع عب اد اهلل واألخذ بأي ديهم‬ ‫ش َ‬
‫إِىَل طرق السداد سار على ذلك األنبياء واملؤمنون واالتقاء ‪.‬‬
‫َنص ُح لَ ُك ْم ﴾ وعن هود ‪َ ﴿ :‬وأَنَاْ لَ ُك ْم‬ ‫إخبارا عن نوح عليه السالم ‪َ ﴿ :‬وأ َ‬ ‫قال تعاىل ً‬
‫ت لَ ُك ْم ﴾وعن‬ ‫نَ ِ ِ‬
‫ص ْح ُ‬‫ت لَ ُك ْم ﴾ وعن شعيب ‪َ ﴿ :‬ونَ َ‬ ‫ص ْح ُ‬ ‫ني ﴾ وعن ص احل ‪َ ﴿ :‬ونَ َ‬ ‫اص ٌح أَم ٌ‬
‫الر َش ِاد ﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫م ؤمن آل فرعون ينصح قومه ‪ ﴿ :‬وقَ َ َّ ِ‬
‫ال الذي َآم َن يَا َق ْوم اتَّبعُ و ِن أ َْه د ُك ْم َس ب َ‬
‫يل َّ‬ ‫َ‬
‫اآليات فالنصيحة عالمة احلب واإلخالص والوقار ‪.‬‬
‫شرا سينزل مبؤمن غافل عنه فواجب عليك أن تنبهه وحتذره ليأخذ حذره‬ ‫فإذا علمت أن ً‬
‫من الكائ دين وأس رع بأخب اره كما ح ذر رجل موسى عليه الس الم ق ال تع اىل ‪َ ﴿ :‬و َج اء‬
‫ك‬‫اخ ُر ْج إِيِّن لَ َ‬ ‫ِك لَِي ْقُتلُ َ‬
‫وك فَ ْ‬ ‫وس ى إِ َّن الْ َمأَل َ يَأْمَتُِرو َن ب َ‬
‫ال يَا ُم َ‬ ‫صى الْ َم ِدينَ ِة يَ ْس َعى قَ َ‬
‫َر ُج ٌل ِّم ْن أَقْ َ‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ني ﴾ ‪.‬‬‫ب جَنِّيِن م َن الْ َق ْوم الظَّالم َ‬ ‫ب قَ َال َر ِّ‬ ‫ني * فَ َخَر َج مْن َها َخائفاً َيَتَرقَّ ُ‬ ‫م َن النَّاصح َ‬
‫وإن رأيت إنسانًا تردى يِف املعاصي وانغمس يِف املوبقات وأتبع شيطانه وهواه وركب‬
‫رأسه وخالف مواله فخذ بيده على طريق الرشاد‬

‫‪511‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وادعه ب اليت هي أحسن إِىَل املت اب وطاعة رب العب اد وذك ره ب املوت وس كراته والقرب‬
‫واحلساب ومناقشاته والصراط وعثراته والنار وعذاهبا وما أعد اهلل ألهلها من ألوان العذاب‬
‫وذكره بالضريع والزقوم وويل وغساق وغسلني ‪.‬‬
‫وذكره باجلنة ونعيمها وما أعد اهلل ألهلها مما ال عني رأت وال أذن مسعت وال خطر على‬
‫قلب بشر فلعل اهلل أن يهديه بسببك ‪.‬‬
‫وان استنصحك أخوك املسلم يِف زواج من كنت تعرف فوضح له وبني َما تعرف من‬
‫العيوب فإن كتمت العيوب وأظهرت احملاسن فأنت من اخلائنني وان استنصحك يِف مسامهة‬
‫أو شراء عقار أو بيت أو شراء سلعة فأحب له َما حتب لنفسك وشر عليه مبا حتب أن يشار‬
‫عليك به لو كنت يِف مكانه ‪.‬‬
‫فان غررت به فأنت من املنافقني ‪ .‬وإن طلب منك مشورة يِف دين أو دنيًا فرجح له َما‬
‫ت رى فيه الص الح وال تنتظر حىت يطلب منك النصح ف إذا رأيت يِف خطأ فوجهه واب ذل‬
‫النصيحة لكل مسلم ‪.‬‬
‫ابذله لألب كما فعل اخلليل ابذله ألبنائك وكن كما َك ا َن لقم ان احلكيم البنه وقل له‬
‫اص رِب ْ َعلَى َما‬ ‫ِ‬ ‫مثل َما قاله له ‪ ﴿ :‬يَا بُيَنَّ أَقِ ِم َّ‬
‫الص اَل ةَ َوأْ ُم ْر بِالْ َم ْع ُروف َوانْ هَ َع ِن الْ ُمن َك ِر َو ْ‬
‫َّك لِلن ِ‬ ‫أَصابك إِ َّن ذلِ ِ ِ‬
‫ض َمَرح اً إِ َّن اللَّهَ‬
‫ش يِف اأْل َْر ِ‬‫َّاس َواَل مَتْ ِ‬ ‫ك م ْن َع ْزم اأْل ُُم و ِر * َواَل تُ َ‬
‫ص ِّع ْر َخ د َ‬ ‫َََ َ َ‬
‫اَل حُيِ ُّ‬
‫ب ُك َّل خُمْتَ ٍال فَ ُخو ٍر ﴾‬
‫انصحهم عن قرناء السوء وعن جمالس اللهو والفسوق والعصيان كمجالس التلفزيون‬
‫والسينما والكورة وجمالس الغيبة والكذب والسخرية‬

‫‪512‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫الغن اء من املذياع والبكم ات واملط ربني واملطرب ات وانص حهم عن تعاطيها‬ ‫واالس تماع إِىَل‬
‫رة وإع ارة وح ذرهم من خمالطة متعاطيها ومقاربته وجماورته ومش اركته‬ ‫وش راء وأج‬
‫ومصاهرته ‪.‬‬
‫ِش ْعًرا ‪:‬‬

‫ص ُحهُ‬ ‫ك نُ ْ‬‫يح َة َم ْن بَ َدا لَ َ‬ ‫ِ‬


‫احَف ْظ نَص َ‬
‫ْ‬
‫ِو َلرْأي أ َْه ِل ال َخْي ِر َج ْه َد َك فاقَْب ِل‬
‫واهلل أعلم ‪ .‬وصلى اهلل على حممد و َعلَى آله وسلم‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫فِي اإلحسان إِلَى اليتيم واألرملة والمسكين‬
‫اعلم وفقنا اهلل وإي اك ومجيع املس لمني أن يِف كفالة الي تيم واإلحس ان إليه والس عي على‬
‫ت‬‫س َّما َع ِملَ ْ‬‫ِد ُك ُّل َن ْف ٍ‬‫األرملة واملس كني فضل عظيم جيده من وفقه اهلل للقي ام به ﴿ َي ْو َم جَت ُ‬
‫ِ‬
‫ت‬ ‫َّم ْ‬
‫ت ﴾ ﴿ َي ْو َم يَنظُ ُر الْ َم ْرءُ َما قَ د َ‬ ‫َس لَ َف ْ‬ ‫الِك َتْبلُو ُك ُّل َن ْف ٍ‬
‫س َّما أ ْ‬ ‫م ْن خَرْيٍ حُّمْ َ‬
‫ض راً ﴾ ﴿ ُهنَ َ‬
‫يَ َداهُ ﴾ ‪.‬‬
‫واليتيم هو من م ات أبوه ومل يبلغ ‪ ،‬واجلمع أيت ام وهم ال ذين فق دوا أب اهم ال ذي َك ا َن‬
‫يرعاهم بنفسه وماله وحيبهم من أعماق قلبه ويؤثر مصلحتهم على مصلحته ‪.‬‬
‫صغارا وذرية ضعفاء خيلفهم‬ ‫وإن مما يذرف الدمع من العني ساخنًا ساعة املوت صبية ً‬
‫امليت وراءه خيشى عليهم من مص ائب ال دنيا وص روفها ويتمىن وص يًّا مرش ًدا يق وم مقامه‬
‫يرعاهم كرعايته ويسوسهم كسياسة يعزيهم بره ولطفه عن أبيهم الراحل وجيدون عنده من‬
‫العناية والقيام مبصاحلهم َما يكون بإذن اهلل سببًا إلخراجهم رجاالً يِف احلياة‬

‫‪513‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ميلئون العيون ويشرحون الصدور ‪.‬‬


‫فال ذي يكفل الي تيم ويتعه ده ويالحظه ويؤدبه ويه ذب نفسه وتطمئن قل وب أقاربه إذا‬
‫رأوه وك أن وال ده حي ال يفقد من وال ده إال جس مه ‪ ،‬فال غ رو أن َك ا َن مكانه عند اهلل‬
‫عظيما ‪ ،‬وك ان حريًّا أن يك ون لرس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ص احبًا يِف اجلنة يتمتع مبا‬ ‫َ‬
‫فيها من النعيم املقيم ‪ ،‬كما قام مبا وفقه اهلل له من رعاية اليتيم ‪.‬‬
‫ففي هذا ترغيب يِف كفالة األيتام والعناية بأمورهم فلهم حق على املسلمني سواء َك انَوا‬
‫أق ارب أو غ ريهم ‪ ،‬يك ون ذلك بكف التهم وب رهم وجرب قل وهبم وت أديبهم أحسن تربية يِف‬
‫مصاحل دينهم ودنياهم ‪.‬‬
‫ولذلك أوصى جل وعال باإلحسان إليهم ليصريوا كمن مَلْ يفقد والديه ‪ ،‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫صالَ ٌح هَّلُ ْم َخْيٌر ﴾ وعن أيب أمامة رضي اهلل عنه عن النيب صلى‬ ‫ك َع ِن الْيَتَ َامى قُ ْل إِ ْ‬‫﴿ يَ ْسأَلُونَ َ‬
‫اهلل عليه وسلم قال ‪ « :‬من مسح رأس يتيم مَلْ ميسحه إال هلل َك ا َن بكل شعرة متر عليها يده‬
‫حسنات » ‪.‬‬
‫وأما األرملة فهي اليت مات زوجها ‪ ،‬فهي يِف حاجة إِىَل املالحظة ألهنا ضعيفة وحاجات‬
‫النس اء كث رية دقيقة وجليلة يرفعها املس كن واملأكل وامللبس وهن اك أش ياء كث رية من ذلك‬
‫ال دهن والطيب واملشط واملكحلة وأواين لش ؤوهنا يِف ح ال طبخها ويف ح ال احللي وأم ور‬
‫أخرى يطول ذكرها وتعدادها ‪.‬‬
‫واملهم أن ال ذي يكدح وينصب ليكفي تلك األرملة حاجاهتا أو بعضها بعد أن فقدت‬
‫زوجها الذي َكا َن يرعاها ويؤنسها وينفق عليها‬

‫‪514‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ويس كنها معه ‪ ،‬فهو ب ذلك اإلحس ان خيفف عنها من أمل املص يبة ‪ ،‬ويس لبها عن الفجيعة ‪،‬‬
‫ويكف ي دها عن الس ؤال والنظر ملا يِف أي دي الن اس ‪ ،‬ويص ون وجهها ‪ ،‬فه ذا كاجملاهد يِف‬
‫سبيل اهلل ‪ ،‬له أجر عظيم عند اهلل عز وجل ‪.‬‬
‫وكذلك الساعي على املساكني ‪ ،‬وهم الذين أسكنتهم احلاجة فال جيدون َما يكفيهم يِف‬
‫ق وهتم وكس وهتم وس كناهم ‪ ،‬إما لفقد املال ‪ ،‬وإما لعجز عن الكسب ملرض أو لص غر أو‬
‫لزمانة أو لعمى ‪ ،‬أو ال ذي تقطعت به األس باب ‪ ،‬وأظلمت على عينه ال دنيا وانغلقت يِف‬
‫وجهه األبواب ‪ ،‬يستحف السعي عليه ممن وفقه اهلل لذلك ‪ ،‬واألخذ بيد ‪.‬‬
‫ويع ان على العمل ب القرض واإلجيار أو َما يس تعني به على نفقة نفسه وأهله ب أي عمل‬
‫حيس نه من تعليم أو ص نعة أو زراعة أو جتارة أو وظيفة يكف هبا وجهه ‪َ ،‬وقَ ْد يك ون‬
‫برا وصلة‬ ‫املسكني من األقارب أو ذا رحم جيب وصلها فيعظم حقه ‪ ،‬ويكون السعي عليه ً‬
‫يكتب أجره عند اهلل أضعافًا مضاعفة ‪ ،‬وهذه فرصة مثينة ملن وفقه اهلل للقيام هبا !‬
‫واخلالصة ‪:‬‬
‫أن الذي جيمع املال بع رق جبينه ال لينفقه يِف السرف والب ذخ واللذة والسمعة ‪ ،‬ولكن‬
‫وعلَى نفسه‬ ‫ليسد به جوعة املس كني والي تيم ويغنيه عن الس ؤال فيحفظ على وجهه م اء احليا َ‬
‫خلق العف اف يك ون حريًّا مبرتبة اجملاه دين ومنزلة املق ربني ‪ ،‬فاخ دم مبالك ووقتك وقوتك‬
‫وسعيك وجاهك ذوي احلاجات وأرباب العاهات تنل بإذن اهلل املنزلة العالية اخلالدة ‪ .‬تنبه ‪:‬‬
‫بشرط أن يكونوا من املؤمنني باهلل ‪.‬‬
‫ض َج ُع‬‫الم ْ‬‫الرقاَ َد َفَبان َعْنهُ ُ‬
‫وجَفا ُ‬
‫َ‬ ‫الو ِعي َد فَطرفُهُ ال َي ْه َج ُع‬
‫ذَ َكَر َ‬
‫الح َشا يَ ْسَت ْو ِج ُع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مَتَفر ًدا بَِقِل ِ‬
‫يله يَ ْش ُكو الَ ِذي‬
‫الجَوان ِح َو َ‬
‫م ْل َء َ‬ ‫ُ ّ‬
‫اإلنَابِة يُ ْس ِر ُ‬
‫ع‬ ‫ص َار ِإلَى ِ‬
‫آيات َ‬
‫ُ‬ ‫ت بِِه َال‬‫اء ْ‬ ‫دق َما َج َ‬
‫ص َ‬ ‫لَ(َّما َئْيَّقن ِ‬
‫َ‬
‫(‬

‫‪515‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ليه بِِه َّم ٍة َما ُي ْقِل ُع‬


‫وسما إِ ِ‬ ‫فَ َجَفا األ َِحبَّةُ ِفي َم َحَب ِة َربِِّه‬
‫ج‬

‫ََ‬
‫ص َها ِمْنهُ بِ ِو ِد يَن َف ُع‬
‫إِ(َذ َخ َّ‬ ‫ود ِاد ِه أَ ْع َ‬
‫ض ُاؤ ُه‬ ‫ت بِ َ‬ ‫َ(وتَ َمت َ‬
‫َّع ْ‬
‫ِ(م ْن َز ْف ُر ٍة ِفي ِإثْ ِر َها َيَتَو َّج ُع‬ ‫الم لَهُ إِ َذا نَ َام َ‬
‫الو َرى‬ ‫(َك ْم ِفي الظَّ ِ‬
‫ع ُر َّج ُع‬ ‫العْي ُن يُ ْس ِع ُد َها َد ُمو ٌ‬
‫(ُ‬ ‫ول ِفي َد َعَواتِِه يَا َسيّ ِدي‬ ‫َوي ُق ُ‬
‫ع‬ ‫(وإِ َ ِ‬
‫ليك من ذُ ِّلُّّّ الْ َخ ِطيئَ ِة أَ ْفَز ُ‬ ‫َ‬ ‫فار َح ْم َعْبَرتِي‬ ‫إليك ْ‬ ‫ت َ‬ ‫إِ(نّي فَ ِز ْع ُ‬
‫ِ ِ ّّ‬
‫ض ُع‬‫عزت ِه أ َِذ ّل َوأَ ْخ َ‬ ‫يَ(ا َم ْن ل َّ‬ ‫اك يُ ِجْي ُرنِي ِمن َزلّتِي‬ ‫َم ْن َذا ِسَو َ‬
‫ِ‬
‫َت يَ َداي َ ُمَرد ُ‬
‫َّع‬ ‫اجَتَرأ ْ‬ ‫إِ(نّي بِ َما ْ‬ ‫َحَيا بَِها‬ ‫فَ ْامنُ ْن َعل َّي َبت ْوبًَة أ ْ‬
‫واآلالم ‪ ،‬واألحزان واألس قام غناها فقر وعزها‬ ‫موعظة(‪ :‬عب اد اهلل ‪ -‬الدنيا مألى باملصائب (‬
‫َجلُ ُه ْم الَ‬ ‫ِ‬
‫ذل ‪ .‬واآلج ال فيها مع دودة واألعم ار حمدودة ‪ ،‬ق ال تع اىل ‪ ﴿ :‬فَ إذَا َج اء أ َ‬
‫اعةً َوالَ يَ ْسَت ْق ِد ُمو َن ﴾ ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يَ ْستَأْخ ُرو َن َس َ‬
‫نعيمها إِىَل فن اء وعيش ها إىل انقض اء متاعها قليل ‪ ،‬وحس اهبا طويل ‪ -‬اخلل ود فيها ال‬
‫ان *‬‫يك ون إلنس ان والبق اء ال دائم ال يك ون إال لل ديان ال ذي يق ول ‪ُ ﴿ :‬ك ُّل من علَيها فَ ٍ‬
‫َ ْ َ َْ‬
‫ك ذُو اجْلَاَل ِل َواإْلِ ْكَر ِام ﴾ ‪.‬‬
‫َو َيْب َقى َو ْجهُ َربِّ َ‬
‫فالس عيد من اس تعد لي وم الرحيل ‪ ،‬وجهز نفسه بالعمل الص احل لس فر طويل ‪ ،‬وتفكر‬
‫فيمن سبقوه إِىَل دار القرار ‪ ،‬وعلم أنه ال حق هبم مهما حاول الفرار ‪ ،‬واألمر بعد ذلك إما‬
‫نعيم مقيم أو شقاوة وعذاب أليم ‪.‬‬
‫فيا من بنيت اآلمال وقصرت يِف الصاحل من األعمال ‪ ،‬تنبه للموت ‪ ،‬فإن نسيانه ضالل‬
‫مبني ‪ ،‬كم من صديق لك مات يِف ريعان شبابه ‪ ،‬وكم شيعت إِىَل الدار اآلخرة من أحبابه‬
‫‪ ،‬تذكر يا مغرور ساعة االحتضار وخروج الروح ‪.‬‬
‫واألوالد حولك يبك ون والنس اء تن وح ‪ ،‬يناديك ول دك ‪ ،‬أبيت إين بع دك مس كني ‪،‬‬
‫وتصرخ الزوجة يا زوجي إِىَل أين الرحيل وهل من رجعة أو غيابك طويل ‪.‬‬
‫فتغرغر عيناك بالدموع ويلجم منك اللسان ‪ ،‬وحتاول النطق فيعتذر‬

‫‪516‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫لِك ما ُك ِ‬ ‫ِ‬
‫نت مْن هُ‬ ‫َ‬ ‫اءت َس كَْرةُ الْ َم ْوت بِاحْلَ ِّق َذ َ َ‬ ‫علي ك الكالم ‪ ،‬وتطلب النج اة ولكن ﴿ َو َج ْ‬
‫يد ﴾ ‪.‬‬ ‫حَتِ ُ‬
‫إذا علمت ه ذا يا أخا اإلس الم‪ ،‬فكيف يك ون ح ال أبنائك من بع دك ‪ .‬ذل بعد عز ‪،‬‬
‫وحرم ان بعد حن ان ينظ رون إِىَل األبن اء مع آب ائهم فيحزن ون ‪ ،‬وي ذكرون عطف أبيهم‬
‫فيبكون ‪ ،‬ليلهم هنار ‪ ،‬وهنارهم ليل ‪.‬‬
‫أعي ادهم أت راح وأح زان ‪ ،‬وأف راحهم مهوم وأش جان ‪ ،‬يتلفت ون على أحب اب أبيهم‬
‫وأص دقائه ‪ ،‬علهم جيدون عن دهم احلن ان ويش تهون ض مة أو قبلة كما يفعل اآلب اء بالغلم ان‬
‫والوالدان ‪.‬‬
‫بارا مبن فقدوا آبائهم ‪ ،‬عطوفًا على اليتامى متسح دموعهم‬ ‫فإن كنتم يا مسلم يِف حياتك ً‬
‫خبريك ‪ ،‬وتع املهم كول دك ت دخل الس رور على قل وهبم احلزينة مبا تقدمه هلم من اهلدايا‬
‫واإلحس ان ‪ ،‬وما تظه ره هلم من حب وعطف ورعاية وحن ان ‪ ،‬إن فعلت ه ذا يِف حياتك‬
‫فأبشر ‪.‬‬
‫فإن أوالدك بعدك يِف أمان ‪ ،‬حتنوا عليهم القلوب ‪ ،‬ويرعاهم عالم الغيوب ‪ .‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫ين لَ ْو َتَر ُك واْ ِم ْن َخ ْل ِف ِه ْم ذُِّريَّةً ِض َعافاً َخ افُواْ َعلَْي ِه ْم َف ْليََّت ُق وا اللّهَ َولَْي ُقولُواْ َق ْوالً‬ ‫﴿ ولْيخ َّ ِ‬
‫ش الذ َ‬ ‫ََْ َ‬
‫َس ِديداً ﴾ ‪.‬‬
‫أيها املسلمون ‪ :‬إن رعاية اليتيم من واجبات الدين ‪ ،‬وإن إمهال شأنه وإذالله وقهره َما‬
‫يم‬ ‫ِ‬
‫ينبغي لإلنسان وأكل ماله يغضب الديان ‪ ،‬ويوجب احلرمان ‪ .‬قال اهلل تعاىل ‪ ﴿ :‬فَأ ََّما الْيَت َ‬
‫فَاَل َت ْق َه ْر ﴾ وقال سبحانه وتعاىل ‪ ﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذين يَأْ ُكلُو َن أ َْم و َال الْيَتَ َامى ظُْلم اً إِمَّنَا يَأْ ُكلُو َن يِف‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صلَ ْو َن َسعِرياً ﴾ ‪.‬‬ ‫هِنِ‬
‫بُطُو ْم نَاراً َو َسيَ ْ‬
‫إن من رعاية اليتيم تنمية ماله ‪ ،‬وإصالح حاله بالرتبية والتعليم والتهذيب والتقومي قال‬
‫صالَ ٌح هَّلُ ْم َخْيٌر ﴾ ‪.‬‬ ‫ك َع ِن الْيَتَ َامى قُ ْل إِ ْ‬ ‫تعاىل ‪َ ﴿ :‬ويَ ْسأَلُونَ َ‬

‫‪517‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وإن احت اج الي تيم أو األرملة إِىَل مس اعدة تع ود على مص لحته فينبغي لوليه أن يس تعني‬
‫بأهل الفضل والك رم ممن هلم ق دم ث ابت يِف ذلك وع رق أص يل ألالهنم أح رى من غ ريهم يِف‬
‫النفع ‪ .‬واحذر اللئام والبخالء ‪.‬‬

‫اج ٍة ِعْن َد اللَّئِ ِيم يُطَالِبُ ْه‬


‫َعلَى َح َ‬ ‫َوإِنِّي أل َْرثِي لِْل َك ِر ِيم إِ َذا َغ َدا‬ ‫ِش ْعًرا‪:‬‬
‫(َكمِّر سنِّي وال ِْعلْج ر ِ‬
‫اكبُ ْه‬ ‫َ َ َ َُ‬ ‫َ(وأ َْرثِي لَهُ ِم ْن َو ْقَف ٍة ِعْن َد بَابِِه‬
‫الفضل ِق ْد ًما وال تَ َس ْل (‬ ‫ِ‬ ‫ض َل أ َْه َل‬‫(َس ِل ال َف ْ‬ ‫ِش ْعًرا‪:‬‬
‫َعَلى َم ْن نَ َشأَ ِفي الفق ِر َّ‬
‫ُثم تَ َمَّوالَ‬
‫بأس ِرها‬ ‫الدْنَيا َج ِم ًيعا ْ‬ ‫ك ُّ‬ ‫َفَلو َمَل َ‬
‫تُ َذ ِّكُر ُه األَيَ ُام َما َكا َن أ ََّوال‬
‫يك َت ْع ِوي َ‬
‫ضا‬ ‫أعَّز َش َيٍء َوال ُي ْع ِط َ‬ ‫َ‬ ‫ت تَ َمَن ُحهُ‬ ‫الرجال َكَقْب ِر المْي ِ‬
‫َ‬ ‫ض ِّ َ‬ ‫َب ْع ُ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫(‬ ‫ت بعد ج ِ‬
‫وع َها‬ ‫َّب ُبيُوتَا ُشِّب َع ْ َ ُ‬ ‫تَ َجن ْ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫وع فيها ُم َخ َّمُر‬ ‫الج ِ‬
‫اء ُ‬ ‫فإن َبَق َ‬ ‫َّ‬
‫ت َب ْع َد ِشْب ِع َها‬ ‫َوآ ِوي ُبيُوتًا ُجِّو َع ْ‬
‫َص ِل الَ َيَتغََّيُر‬
‫يم األ ْ‬ ‫فإن َك ِر َ‬ ‫َّ‬
‫اس ُاه‬
‫ضِّر َكا َن قَ َ‬ ‫َحَوالُهُ َب ْع َد ُ‬
‫أْ‬ ‫ت‬‫سَن ْ‬ ‫اك أَ َن تَ ُ‬
‫رجو ْامًرأ َح ُ‬ ‫اك إيَّ َ‬
‫آخر‪ :‬إيَّ َ‬
‫ِِ‬ ‫سهُ تِْب َ‬
‫اس ُاه‬ ‫(وذلك ُ‬
‫الفقر َف ْقٌر َما َتَن َ‬ ‫ت‬
‫صْ‬‫وما َنَق َ‬
‫ت َ‬ ‫ك َما َز َاد ْ‬ ‫َفَن ْف ُ‬
‫(‬
‫قال يِف الفتح ‪ :‬قال شيخنا يِف شرح الرتمذي ‪ :‬لعل احلكمة يِف كون كافل اليتيم يشبه يِف‬
‫دخوله اجلنة أو ش بهت منزلته يِف دخ ول اجلنة ب القرب من منزلة النيب لك ون النيب ش أنه أن‬
‫ومرشدا ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ومعلما‬
‫ً‬ ‫يبعث إِىَل قوم ال يعقلون أمر دينهم ‪ ،‬فيكون كافالً هلم‬
‫وكذلك كافل اليتيم يقوم بكفالة من ال يعقل أمر دينه بل وال دنياه‬

‫‪518‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ويرش ده ويعلمه وحيسن أدبه ‪ .‬انتهى ‪ .‬قلت ‪ :‬وكث ًريا َما يفعل بعض الن اس ذلك اإلحس ان‬
‫زمنًا ويرتكه وال يتمم إحس انه وبعض هم ي رحب ب ذلك أول األمر وال يثبت على ذلك وقليل‬
‫من يتمم كالمه ويثبت على مجيله وإحسانه والتوفيق بيد اهلل وقدميًا قيل ‪:‬‬
‫َو َما ُك ُّل َف َّع ٍال لَهُ بِ ُمَت ِّم ِم‬ ‫يل بَِف ِ‬
‫اع ٍل‬ ‫وما ُك ُّل َها ٍو لِل ِ‬
‫ْج ْم ِ‬ ‫ََ‬
‫(‬ ‫آخر‪( :‬‬
‫رك ِف ْعلُهُ‬
‫س َ‬ ‫قليل َم ْن يُ ُ‬
‫َولَك ْن ٌ‬
‫ِ‬ ‫س ُر َك قوله‬
‫فأ ْكَث ُر َم ْن َت ْلَقى يَ ُ‬
‫(‬ ‫آخر‪( :‬‬
‫َوظَ َّن بِِف ْع ِل ال َخْي ِر لَ َّما َتَف َّكَرا‬ ‫يل بَ ِد َيه ًة‬ ‫َّاس من أَ ْعطَى ِ‬
‫الجم َ‬
‫َ‬ ‫َوفي الن ٍ َ ْ‬
‫عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال ‪( :‬النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬الساعي على‬
‫األرملة واملس كني كاجملاهد يِف س بيل اهلل » ‪ .‬رواه البخ اري ومالك وغريمها وعن أيب هري رة‬
‫رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ « :‬ليس املسكني هبذا الطواف الذي‬
‫ت رده اللقمة واللقمت ان ‪ ،‬والتم رة والتمرت ان ‪ ،‬ولكن املس كني ال ذي ال جيد غىن يغنيه ‪ ،‬وال‬
‫يفطن له فيتصدق عليه » ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫وروي عن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪« :‬‬
‫شاهرا سيفه يِف سبيل اهلل ‪،‬‬
‫من عال ثالثة من األيتام َك ا َن قام ليلة وصام هناره وغدا وراح ً‬
‫وكنت أنا وهو يِف اجلنة أخوين كما أن هاتني أختان » ‪ .‬وألصق أصبعيه السبابة والوسطى‬
‫رواه ابن ماجة ‪.‬‬
‫وعن أيب هريرة رضي اهلل عنه أن رجال شكا إِىَل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قسوة‬
‫قلبه فقال‪ « :‬امسح رأس اليتيم وأطعم املسكني » ‪ .‬رواه أمحد ورجاله رجال الصحيح ‪.‬‬

‫‪519‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وعن أيب هري رة رضي اهلل عنه ق ال ‪ :‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ‪ « :‬كافل‬
‫الي تيم له أو لغ ريه ‪ ،‬أنا وهو كه اتني يِف اجلنة » ‪ .‬وأش ار مالك بالس بابة والوس طى ‪ .‬رواه‬
‫مسلم ورواه مالك عن صفوان بن مسلم مرسالً ‪.‬‬
‫يتيما له ذا قرابة أو ال قرابة له فأنا وهو يِف‬
‫ورواه البزار متصالً ولفظه قال ‪ « :‬من كفل ً‬
‫اجلنة كهاتني » ‪ .‬وضم إصبعه « ومن سعى على ثالث بنات فهو يِف اجلنة وكان له كأجر‬
‫قائما » ‪.‬‬ ‫اجملاهد يِف سبيل اهلل ً‬
‫صائما ً‬
‫وعلَى آله وصحبه وسلم ‪.‬‬ ‫واهلل أعلم ‪ .‬وصلى اهلل على حممد َ‬
‫موعظة‬
‫عباد اهلل لقد تفضل اهلل علينا ورزقنا من الطيبات ‪ ،‬وجعلنا آمنني مطمئنني ‪ ،‬وأغنانا عن‬
‫احلاجة ‪ ،‬وصان وجوهنا عن املسألة اليت وقع فيها الكثري من الناس ‪ ،‬فالواجب علينا إذا إزاء‬
‫هذه النعم العظام أن نكثر شكره ومحده والثناء عليه ‪.‬‬
‫وبذلك حيفظ عليكم نعمته ويزيدكم ِمْن َها ويبارك لكم فيها قال تعاىل وهو أصدق قائل‬
‫يدنَّ ُك ْم ﴾ وليس الشكر قول اللسان فقط ‪ ،‬وإمنا الشكر مع‬ ‫وأوىف واعد ‪ ﴿ .‬لَئِن َش َك ْرمُتْ ألَ ِز َ‬
‫ذلك امتث ال أوامر اهلل بالطاعة واإلحس ان يِف عب ادة اهلل وإىل عب اد اهلل البؤس اء من ي تيم‬
‫ومس كني وأرملة ممن أص ابتهم الش دة والفق راء من أرب اب العي ال املتعففني ال ذين ال يس ألون‬
‫وال يفطن هلم فيتصدق عليهم ‪.‬‬
‫ويف الدرجة األوىل من ليس هلم م وارد أص الً ال أوالد يدرس ون وال أوالد م وظفني‬
‫ي درون عليهم وال عق ار وال غ ريه ‪ ،‬وأن من القس وة أن مينع اإلنس ان رف ده ومعونته عن‬
‫إخوانه احملتاجني ‪.‬‬
‫ِش ْع ًرا ‪:‬‬
‫َفلَن ي ُدوم َعلَى ا ِإل ْحس ِ‬
‫ان ْإم َكا ُن‬ ‫َ‬ ‫َْ َ‬ ‫أح ِس ْن إذا َكا َن إِ ْم َكا ٌن َو َم ْق ِد َرةٌ‬
‫ْ‬

‫‪520‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫أمن الرمحة والشفقة أن يكون اإلنسان يِف رغد من العيش ورفاهية تامة وسعة من الرزق‬
‫وإخوانه من املسلمني يِف ضنك وبؤس ال يعلم به إال اهلل أو من أعلمه اهلل حباله ‪ ،‬أمن املروءة‬
‫أن يتمتع اإلنس ان بأص ناف املآكل واملش ارب واملالبس وأخ وه املس لم املدقع فق ًرا يت أمل من‬
‫اجلوع ويتأمل من الربد ‪.‬‬
‫فالذي يرى من هذه صفتهم وال يتأمل ويتوجع هلم ويعمل َما يِف وسعه هلم قاسي القلب‬
‫خ ال من الش فقة والرمحة والرأفة نس أل اهلل أن مين علينا بإتب اع طريقة النيب ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم والس ابقني األولني من امله اجرين واألنص ار ال ذين ق ال اهلل عنهم ‪َ ﴿ :‬ويُ ْؤثُِرو َن َعلَى‬
‫هِبِ‬ ‫ِ‬
‫اص ةٌ ﴾ ونس أله أن يغفر لنا ولوال دينا ومجيع املس لمني برمحته إنه‬ ‫ص َ‬‫أَن ُفس ِه ْم َولَ ْو َك ا َن ْم َخ َ‬
‫وعلَى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬‫أرحم الرامحني وصلى اهلل على حممد َ‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫وعن سهل بن سعد رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬أنا‬
‫وكافل الي تيم يِف اجلنة هك ذا » ‪ .‬وأش ار بالس بابة والوس طى وف رج بينهما ‪ .‬رواه البخ اري‬
‫وأبو داود والرتمذي ‪.‬‬
‫وعن ابن عب اس رضي اهلل عنهما ق ال ‪ :‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ‪ « :‬من‬
‫يتيما من بني املس لمني إِىَل طعامه وش رابه أدخله اهلل اجلنة إال أن يعمل ذنبًا ال يغفر » ‪.‬‬
‫قبض ً‬
‫رواه الرتمذي وقال حديث حسن صحيح ‪.‬‬
‫وروي عن أيب هريرة رضي اهلل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ « :‬خري بيت يِف‬
‫املس لمني بيت فيه ي تيم حيسن إليه وشر بيت يِف املس لمني بيت فيه ي تيم يس اء إليه » ‪ .‬رواه‬
‫ابن ماجة ‪.‬‬

‫‪521‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وروي عن عوف بن مالك األشجعي رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫قال ‪ « :‬أنا وامرأة سفعاء اخلدين كهاتني يوم القيامة » ‪ .‬وأومأ بيده يزيد بن زريع الوسطى‬
‫والسبابة « امرأة آمت زوجها ذات منصب ومجال حبست نفسها على يتاماها ‪#‬حىت بانوا‬
‫أو ماتوا » ‪ .‬رواه أبو داود ‪.‬‬
‫وعن أنس رضي اهلل عنه رفعه إِىَل النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬أن رجالً قال ليعقوب‬
‫عليه السالم ‪َ :‬ما الذي أذهب بصرك وحىن ظهرك ؟ قال ‪ :‬أما الذي أذهب بصري فالبكاء‬
‫على يوسف ‪ ،‬وأما ال ذي حىن ظه ري ف احلزن على أخيه بني امني فآت اه جربيل عليه الس الم‬
‫َش ُكو َبثِّي َو ُح ْزيِن إِىَل اللّ ِه ﴾ ق ال جربيل عليه‬
‫فق ال ‪ :‬أتش كو اهلل عز وجل ؟ ق ال ‪ ﴿ :‬إِمَّنَا أ ْ‬
‫السالم ‪ :‬اهلل أعلم مبا قلت منك ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬مث انطلق جربيل عليه السالم ودخل يعقوب عليه السالم بيته فقال ‪ :‬أي رب أما‬
‫علي رحيانيت فأمشهما مشة واحدة‬ ‫ترحم الشيخ الكبري أذهبت بصري وحنيت ظهري ‪ ،‬فاردد ّ‬
‫مث اص نع يب بعد َما ش ئت ‪ ،‬فأت اه جربيل فق ال ‪ :‬يا يعقوب إن اهلل عز وجل يقرئك الس الم‬
‫ويقول ‪ :‬أبشر فإهنما لو َكا َن ميتني لنشرهتما لك ألقر هبما عينك ‪.‬‬
‫ويق ول لك ‪ :‬يا يعق وب أت دري مَلْ أذهبت بص رك وح نيت ظه رك ؟ ومل فعل إخ وة‬
‫يوسف بيوسف َما فعل وه ؟ ق ال ‪ :‬ال ‪ .‬ق ال ‪ :‬إنه أت اك ي تيم ‪ ،‬مس كني وهو ص ائم ج ائع‬
‫وذحبت أنت وأهلك شاة فأكلتموها ومل تطعموه ‪.‬‬
‫طعاما وادع‬
‫ويق ول ‪ :‬إين مَلْ أحب ش يئًا من خلقي حيب اليت امى واملس اكني فاص نع ً‬
‫املس اكني » ‪ .‬ق ال أنس ‪ :‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ‪ « :‬فك ان يعق وب كلما‬
‫صائما فليحضر طعام‬ ‫أمسى نادى مناديه من َكا َن ً‬

‫‪522‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫مفطرا فليفطر على طعام يعقوب » ‪ .‬رواه احلاكم والبيهقي واألصبهاين واللفظ له ‪.‬‬
‫يعقوب وإذا أصبح نادى مناديه من َكا َن ً‬
‫تسِ‬ ‫س ُي ْر ِد َ‬ ‫ِش ْعًرا‪ :‬أَلَ ْم َتَر َّ‬
‫اعَيا‬ ‫ْخوذُ بِ َما ُكَن َ َ‬ ‫َوأَنَّ َ‬
‫ك َمأ ُ‬ ‫يك َشُّر َها‬ ‫النْف َ‬
‫أن َّ‬
‫لصد ِر َش ِافيا‬ ‫العقل لِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫س ِح ْك َم ًة‬ ‫اليوم لِ َّلنْف ِ‬
‫وعل ًْما يَ ِزي ُد َ‬ ‫فَ َم ْن ذا يُِريُد َ‬
‫ْحق ِ‬ ‫ت لِل ِ‬ ‫ت طَالًِبا‬
‫باغيا‬ ‫َسبِْي َل ُ‬
‫اله َدى ْأو ُكْن َ‬ ‫لي اآل َن إ ْن ُكْن َ‬ ‫َهلُ َم إِ َّ‬
‫ومنه سم ِ‬
‫اعيا‬ ‫فَ ِمنه ٍ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫بإلهام ُ َ َ‬ ‫ب‬ ‫مجر ٌ‬‫لم َّ‬ ‫فعندي من األنباء ع ٌ‬
‫يف بدأ اإلسالم إ ْذ كا َن ِ‬ ‫ِ‬
‫باديًا‬ ‫(و َك َ َ‬ ‫اد َم َع ْه ُدها‬
‫بارا َتَق َ‬
‫أ َخب ُر أ ْخ ً‬
‫َّوب بَالَِيا‬
‫يف َذ َوى إ ْذ كالث ِ‬ ‫و َك َ‬ ‫اسَتَت َّم َكمالُه‬
‫مى حتَّى ْ‬ ‫(و َك َ‬
‫يف نَ َ‬
‫ت َك ِ‬
‫المَيا‬ ‫يُفيِ ُدك ِعل ًْما إ ْن َو َعْي َ‬ ‫هر‬ ‫بعد ذا عندي ِم َن الِ ِ‬‫ومن ِ‬ ‫ِ‬
‫علم َج ْو ٌ‬
‫ول َز َمانَِيا‬ ‫الع ُق ِ‬ ‫ِ‬
‫صف َدالالت ُ‬ ‫َو َو ْ‬ ‫ف ِديِ َننا‬
‫صْ‬ ‫فأحوج ما ُكنَّا إلى و ِ‬
‫َ‬ ‫َْ ُ َ‬
‫الش ْج ِو‬‫األموات ذُو َّ‬ ‫َ‬ ‫ب‬‫َك َما نَ َد َ‬ ‫أحم َد نَ ْدبًَه‬ ‫اإلسالم ْ‬
‫ُ‬ ‫ب‬
‫َفَق ْد نَ َد َ‬
‫ِ‬ ‫انىا‬
‫اجي‬ ‫ِ‬ ‫بالح ْم ِد لِلَّ ِذي‬ ‫ِ‬
‫لإلسالم إ ْذ َكا َن بَا ِريَا‬ ‫َبَشر َ‬ ‫فأول َما أبْدأُ ف َ‬ ‫ُ‬
‫الج َّن َعاتَِيا‬‫أك َشيطانًا ِمن ِ‬ ‫وصيَّ ِرني إ ْذ َش ِ‬
‫ولَ ْم ُ‬ ‫اء من نَ ْس ِل َ‬
‫آدم‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الحق طَ ِ‬
‫اغَيا‬ ‫اح َد َّ‬ ‫ضالً ج ِ‬ ‫نت م ِ‬ ‫صيَّر َم ْخَر ِجي‬ ‫ولو ِ‬
‫َ‬ ‫فَ ُك ُ ُ‬ ‫إبليس َ‬
‫شاء من َ‬ ‫َ‬
‫اشَيا‬‫األرض م ِ‬
‫ِ َ‬ ‫وإذا لَ ْم أ ُك ْن َحًيا على‬ ‫ولَ ِكنَّهُ قَ ْد َكا َن بَاللُّ ِطف َسابًِقا‬
‫اب عْنهُ ُسَؤالَِيا‬ ‫َ ِ‬
‫وعلَّ َمني َما غَ َ‬ ‫وصيَّرني ِم ْن َب ْع ُد ِفي ِدي ِن أحم َد‬ ‫َ‬
‫ين ُمَوا ِزيَا‬ ‫ش ْك ِري لَهُ ِفي َّ ِ‬
‫الشاك ِر َ‬ ‫فَ ُ‬ ‫ورا َو ِعل ًْما َو ِح ْك َم ًة‬
‫َّمني نُ ً‬
‫و َفه ِ‬
‫َ َ‬
‫ض ْعِفي َو َج ْهِلي ِفي ال َْم ِالئِم َحالَِيا‬ ‫لِ َ‬ ‫اظًرا‬ ‫وه إِ ْذ َكا َن نَ ِ‬ ‫َج ِل َذا أ َْر ُج ُ‬‫فَ ِم ْن أ ْ‬
‫ص َّح ِمنِّي َر َجائَِيا‬ ‫َج ِل َذا قَ ْد َ‬
‫ِ‬
‫َوم ْن أ ْ‬ ‫وه إِ َذا َكا َن غَ ِافًرا‬ ‫َج ِل إِ َذا أ َْر ُج ُ‬
‫ِ‬
‫َوم ْن أ ْ‬
‫ف َو ُش ْك ِري ُم َح ِاذيَا‬ ‫ت َذا َخو ٍ‬
‫ْ‬ ‫لََق ْد ُكْن ُ‬ ‫ت َذا َع ْق ٍل لَ َما قَ ْد َر َج ْوتُهُ‬ ‫َولَْو ُكْن ُ‬
‫ص َّح اآل َن ِمنِّي َحَيائَِيا‬ ‫ت فَ َ‬ ‫َش َك ْر ُ‬ ‫صنِ ِيع ِه‬
‫وه ل ُح ْس ِن َ‬
‫ت أَرج ُ ِ‬
‫َولَْو ُكْن ُ ْ ُ‬
‫صافًا ولِْل َخْي ِر و ِ‬ ‫َولِ َّ‬ ‫ْح ِّق َعالِ ًما‬
‫اصَيا‬ ‫َ‬ ‫لشِّر َو َّ َ‬ ‫ت بِال َ‬ ‫صبِ ْر ُ‬‫ش ْك ِري لَهُ إ ْذ َ‬ ‫فَ ُ‬
‫ت ابْتِ َدائَِيا‬ ‫صِفي غَْي ِري إِ ْذ َعَرفْ ُ‬ ‫صفي لَِن ْف ِسي َوطَْب ِع َها‬ ‫وِمن بع ِد َذا و ِ‬
‫َو َو ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َْ‬

‫‪523‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫يجالَِيا‬ ‫ف غََرائِ ٍ‬ ‫ِ‬


‫صف لَ َكا َن َ‬ ‫فَ َم ْن َكا َن َو ْ‬ ‫ب‬ ‫صُ‬‫َف َه َذا م َن األَْنَباء َو ْ‬
‫ْح ِّق ِسًّرا ثُ َّم َج ْهًرا َعالنَِيا‬ ‫َعلَى ال َ‬ ‫َّاس قَ ْد آَث ُروا ال َْهَوى‬ ‫اك أل َّ‬
‫َن الن َ‬ ‫َو َذ َ‬
‫الشِّر ُي ْر ِدي ال َْم َها ِويَا‬ ‫يل َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫فَإ َّن َسب َ‬ ‫اح َذ ْر َسبِيلَهُ‬ ‫َف َه َذا َز َما ُن َّ‬
‫الشِّر فَ ْ‬
‫ف َقَو ِافَيا‬ ‫ِ‬ ‫سيأْتِ َ ِ‬
‫صُ‬ ‫الم بَِت ْحبِي ٍر َو َو ْ‬
‫ف َخابِ ٍر‬ ‫َك ٌ‬
‫صُ‬ ‫يك م ْن أَْنَبائِه َو ْ‬ ‫ََ‬
‫يم َهَوائَِيا‬ ‫ِ‬ ‫اك َوإِنَّ َما‬
‫َس َعى أَ ْن أُق َ‬ ‫َي ُقولُو َن لِي ْاه ُج ْر َهَو َ‬
‫أ ُّ‬
‫َكد َوأ ْ‬
‫ك َج ِاه ْد َها َوإِنِّي لَ َمائِ ٌل‬
‫إِ(لَْي َها فَ َما أَ ْن َد َار أَال َتَنائَِيا‬ ‫َوَن ْف َس َ‬
‫س ِمنِّي ِز َم ِامَيا‬ ‫َ(وقَ ْد َملَّ َكْتهُ َّ‬
‫يق ال َْهَوى أَ ْن أ َْه ُجَر ال َْهَوى‬
‫النْف ُ‬
‫ف أِ‬
‫َط ُ‬ ‫َو َكْي َ‬
‫يج َذاتَِيا‬ ‫ودنِي األَيَّ ُام ِفي ُك ِّل ُم ْحَن ٍة‬
‫لَ َدى طَْب ٍع َيْب ُدو يَِه ُ‬ ‫َت ُق ُ‬
‫اعا َوثَ ِاقَيا‬ ‫ي( ُ ِ ِ‬
‫النْف ِسي‬
‫اسَتطَ َ‬‫ش َّدان منِّي َما ْ‬
‫ورا لَ َدى َّ‬
‫َ‬ ‫ْس ً‬ ‫ت َمأ ُ‬ ‫ف(َأ ْ‬
‫َصَب ْح ُ‬
‫اللهموىاعص منا عن املعاصي وال زالت ووفقنا للعمل بالباقي ات الص احلات واغفر لنا‬ ‫َوال َْهَ‬
‫ولوال دينا وجلميع املس لمني األحي اء ِمْن ُه ْم واملي تني برمحتك يا أرحم ال رامحني وص لى اهلل على‬
‫وعلَى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬‫حممد َ‬
‫( فائدة جليلة )‬
‫إذا أصبح العبد وأمسى وليس مهه إال اهلل وحده حيمل اهلل سبحانه حوائجه كلها ومحل‬
‫عنه كل َما أمهه ‪ ،‬وف رغ قلبه حملبته ولس انه ل ذكره وجوارحه لطاعته وإن أص بح وأمسى‬
‫وال دنيا مهه محله اهلل مهومها وغمومها وأنكادها ووكله إِىَل نفسه فش غل حمبته مبحبة اخللق‬
‫ولسانه عن ذكره بذكرهم وجوارحه عن طاعته خبدمتهم وأشغاهلم ‪.‬‬
‫فهو يكدح كدح الوحش يِف خدمة غريه كالكري ينفخ بطنه ويعصر أضالعه يِف نفع غريه‬
‫فكل من أع رض عن عبودية اهلل وطاعته وحمبته بلي بعبودية املخل وق وحمبته وخدمته ق ال‬
‫شْيطَاناً َف ُهو لَهُ قَ ِرين ﴾ ‪ .‬أ ‪ .‬هـ ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫ض‬
‫ْ‬ ‫ي‬
‫ِّ‬‫ق‬‫َ‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫الر‬
‫َّمْح‬ ‫ش َعن ِذ ْك ِ‬
‫ر‬ ‫تعاىل ‪َ ﴿ :‬و َمن َي ْع ُ‬
‫َ‬
‫َوال تَثِ ْق بِال ُْع ْم ِر الَْفانِي‬ ‫َدارك فَ َما ُع ْم ُر َك بِالَْوانِي‬
‫ِف( ِيه َوال يَأْتِي لَ َ‬
‫ك الثَّانِي‬ ‫يَ(أْتِي لَ َ‬
‫ك الَْي ْو ُم بِ َما تَ ْشَت ِهي‬
‫(‬ ‫(‬

‫‪524‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫س الَْبانِي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اء الَّ ِذي‬ ‫ِ‬


‫َيْبني َوقَ ْد يُ ْخَتل ُ‬ ‫َويَأ َْم ُل الَْباني َبَق َ‬
‫ال واألَيَّام ِفي َش ِ‬ ‫صَب ُح ِفي َشأ ِْن بِ َما َت ْقَتنِي اآل‬
‫ان‬ ‫َ(م ُ َ ُ‬ ‫تَ( ْ‬
‫ت َذا َع ْق ٍل و ُعرفَ ِ‬
‫ان‬ ‫إِ( ْن ُكْن َ‬ ‫صًرا‬ ‫فَانْظُر بِعْي ِن الْح ِّق مسَتْب ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ْ َ َ ُْ‬
‫ي(وما ِسوى َقْب ٍر وأَ ْكَف ِ‬
‫ان‬ ‫(َه ْل نَ َ‬
‫ال َم ْن َج َّم َع أ َْمَوالَهُ‬
‫َ‬ ‫َْ ً َ‬
‫ص ٍر وإِيو ِ‬
‫ان‬ ‫ِح َع ْن قَ ْ َ َ‬ ‫(ُز ْحز َ‬ ‫س ِك ْسَرى َب ْع َد َما نَالَهُ‬ ‫(‬
‫أَلَْي َ‬
‫بِ(ُترب ٍة يْبلَى و ِدي َد ِ‬
‫ان‬ ‫َْ ُ َ‬ ‫اد ِفي ُحْفَرتِِه َخالًِيا‬ ‫َ(و َع َ‬
‫العب الْ َخمر بَِن ْشو ِ‬ ‫الدْنَيا بِأَْبَنائَِها‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫تَ( ُ َ ْ‬ ‫ب ُّ‬ ‫(َك ْم َتل َْع ُ‬
‫أعلم ‪ .‬وصلى اهلل على حممد وآله وسلم ‪( .‬‬
‫واهلل (‬
‫( موعظة )‬
‫وخصوص ا الي تيم واملس كني واألرملة أثر من‬
‫ً‬ ‫عب اد اهلل إن الش فقة والرأفة على خلق اهلل‬
‫آثار الرمحة اليت جيعلها اهلل يِف قلوب بعض عباده ‪ ،‬فقل يل أيها األخ َما الذي عندك ِمْن َها فإن‬
‫رحيما بعب اد اهلل فلك البش رى واهلن اء هبذا اخللق الك رمي ال ذي هو س بب لس عادتك يِف‬ ‫كنت ً‬
‫ي وم احلس رة والندامة ‪ ،‬ذلك أن ال رحيم يعامله املوىل جل وعال برمحته ق ال تع اىل ‪َ ﴿ :‬ه ْل‬
‫جزاء اإْلِ حس ِ‬
‫ان إِاَّل اإْلِ ْح َسا ُن ﴾ فالرامحون يرمحهم اهلل ‪.‬‬ ‫َْ‬ ‫ََ‬
‫وقال صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬من ال يرحم الناس ال يرمحه اهلل » ‪ .‬وقال صلى اهلل عليه‬
‫وس لم ‪ « :‬من ال ي رحم ال ي رحم » ‪ .‬وإن كنت قاسيًا ع وملت بالقسوة ﴿ َج َزاء ِوفَاق اً ﴾‬
‫يد ﴾ واهلل سبحانه وتعاىل ال يغفل عن أعمال عباده ‪ ،‬وتظهر دالئل‬ ‫﴿ وما ربُّك بِظَاَّل ٍم لِّْلعبِ ِ‬
‫َ‬ ‫ََ َ َ‬
‫رمحتك يِف معاملتك للي تيم واملس كني واألرملة ‪ ،‬ويف معاملتك مع أهلك ‪ ،‬ف إهنم يعيش ون‬
‫رحيما أو قاسيًا ‪.‬‬
‫طول حياهتم عندك أن كنت ً‬
‫رحيما لني اجلانب‬ ‫أيض ا يِف معاملتك إخوانك ف إهنم جيدونك إن كنت ً‬ ‫وتظهر رمحتك ً‬
‫بشوشا حلوائجهم وتظهر يِف معاملتك لبهائمك‬ ‫ً‬ ‫سهالً‬

‫‪525‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫دائما يِف طعامها وش راهبا ومكاهنا يِف الش تاء‬


‫يِف ع دم تكليفها ف وق الطاقة ويف مالحظته ا ً‬
‫والصيف ‪.‬‬
‫وتظهر رمحتك يِف معاملتك مع اخللق كلهم يِف حسن اخللق والص دق واحلنو عليهم‬
‫وزيارهتم وعيادهتم وقضاء َما سهل عليك من حوائجهم ‪ ،‬أما من قسا على اخللق وعاملهم‬
‫معاملة ليس فيها شيء من احلنان والشفقة فهذا هو اجلبار القاسي الذي ال يعامله مواله إال‬
‫مبا يناسب معاملته من اجلربوت ‪.‬‬
‫وكم يِف الدنيا من جبابرة نزعت الرمحة من صدورهم ال يعرفون معاملة اخللق بالرمحة بل‬
‫بالقسوة والشدة والغلظة ‪ ،‬ال فرق عندهم بني اآلدمي والكلب العقور وغريه ‪.‬‬
‫ومثل أولئك لو مسعوا كلمة ال تعجبهم رمبا أعدموا القائل وأيتموا أوالده وأميوا نساءه ‪،‬‬
‫ولو رأوا من يِف أشد املصائب َما بالوا وال اهتموا وكأنه شيء عادي ‪ ،‬وترى أحدهم خيرج‬
‫مع اجلنائز لتعزية رفيقه يِف مصائبه وهو يضحك ويتفكه ‪.‬‬
‫دوما أو س اقطًا يِف حمل يريد إنق اذه تركه وال مهة له إال فيما يتعلق‬
‫ولو رأى إنس انًا مص ً‬
‫بنفسه فقط ومثل أولئك تنشب بينهم وبني البه ائم كل ي وم ح روب ألهنا عملت عمالً يف‬
‫نظرهم أنه إجرام ورمبا قتلوا البهائم أو قريبًا من اهلالك ‪.‬‬
‫فأين هؤالء من الرمحة ‪ ،‬بينهم وبينها بون ‪ ،‬كما بني احلركة والسكون ‪ ،‬ومن هؤالء من‬
‫ليس له إال ام رأة واح دة وهو جب ار عليها كل َما بني حني وحني جيل دها جلد ال زاين ‪،‬‬
‫وبعضهم جتد أخته أو ابنته أو ربيبته كل يوم تشتكي من سوء معاملته هلا ‪ .‬ورمبا حصل ِمْنه‬
‫على أبيه أو أمه أو كالمها أذية ‪.‬‬

‫‪526‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ويف األرض كثري من هذه البليات ‪ ،‬فعود نفسك الرمحة أيها املؤمن ‪ ،‬فإنك يِف حاجة شديدة إِىَل رمحة اهلل ‪ ،‬وعاجل نفسك يِف هتذيبها‬
‫ومترينها على الرمحة وإذهاب القسوة ‪ ،‬واحرص على مقارنة الرمحاء لتكسب ِمْن ُه ْم هذه الصفة وتسلم من ضدها قال صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ « :‬ال تنزع الرمحة إال من شقي » ‪.‬‬
‫هم‬ ‫اح ُمو َن لِ َم ْن ِفي األ َْر ِ‬ ‫الر ِ‬
‫ض َي ْر َح ُم ْ‬ ‫َّ‬
‫الس َم ِاء َك َذا َع ْن َسيِّ ِد ُّ‬
‫الر ُس ِل‬ ‫َم ْن ِفي َّ‬
‫ك َخلْق ِ‬
‫اهلل َو ْار َع ُه ُم‬ ‫فَ ْار َح ْم بَِق ْلبِ َ‬
‫ضا َوال َْع ْف ُو َع ْن َزلَ ِل‬
‫الر َ‬
‫ال ِّ‬ ‫بِِه َتَن ُ‬
‫اللهم وفقنا لس لوك س بيل أهل الطاعة وارزقنا الثب ات عليه واالس تقامة وعافنا من‬
‫موجب ات احلس رة والندامة وأمنا من ف زع ي وم القيامة واغفر لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني‬
‫وعلَى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬ ‫برمحتك يا أرحم الرامحني وصلى اهلل حممد َ‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫اعلم وفقنا اهلل وإي اك ومجيع املس لمني ملا حيبه ويرض اه من األعم ال الص احلة واألخالق‬
‫الفاض لة أن الرمحة بالن اس بل وب احليوان عاطفة نبيلة وخلق ش ريف من أفضل األعم ال‬
‫وأزكاها وأرفعها وأعالها وناهيك هبا أهنا خلق األنبياء واملرسلني وعباد اهلل الصاحلني ‪.‬‬
‫﴿‬ ‫ولقد مدح اهلل هبا رسوله صلى اهلل عليه وسلم فقال سبحانه يِف وصف رسوله ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫بِالْم ْؤ ِمنِني ر ُؤ ٌ ِ‬
‫ني ﴾ وض دها القس وة‬ ‫اك إِاَّل َرمْح َ ةً لِّْل َع الَم َ‬
‫يم ﴾ وق ال ‪َ ﴿ :‬و َما أ َْر َس ْلنَ َ‬‫وف َّرح ٌ‬ ‫ُ ََ‬
‫اليت ع اقب اهلل هبا اليه ود ملا نقض وا العه ود إذ يق ول جل وعال ‪ ﴿ :‬فَبِما َن ْق ِ‬
‫ض ِهم ِّميثَ ا َق ُه ْم‬ ‫َ‬
‫لَعنَّاهم وجع ْلنَا ُقلُوبهم قَ ِ‬
‫اسيَةً ﴾ ‪.‬‬ ‫َُ ْ‬ ‫ُ ْ َ ََ‬

‫‪527‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫فالرمحة فضيلة والقسوة رذيلة ‪ ،‬فكان جميء النيب صلى اهلل عليه وسلم برسالته من عند‬
‫اهلل رمحة لن اس يتخبط ون يِف حبر األوه ام واجله االت ومس اوئ األخالق وس يء الع ادات‬
‫وق بيح األعم ال يعب دون األص نام واألش جار واألحج ار واألوث ان والش مس والقمر ‪ ،‬آهلتهم‬
‫شىت وأرباهبم متفرقة ‪.‬‬
‫َوقَ ْد فشي وعم الفساد وأظلم اجلو ومشل الظلم العباد فالقوي يأكل الضعيف وال مراقب‬
‫له وال خميف ‪ ،‬يئدون البنات ويقتلون األوالد ‪ ،‬جاءهم النيب صلى اهلل عليه وسلم فأنقذهم‬
‫اهلل به وأخ رجهم به من الظلم ات إِىَل الن ور من عب ادة األص نام وتعظيمها إِىَل معرفة اهلل‬
‫وتوحيده ‪ ،‬والتفكري يِف اإلله ومتجيده وتقديسه ‪.‬‬
‫وانتش لتم من أوه امهم وجه االهتم وض الالهتم ومس اوئهم إِىَل االهت داء بن ور الق رآن‬
‫وتعاليمه عليه الص الة والس الم فبعد أن َك انَوا ق ابعني يِف عقر دارهم ق انعني يِف جزي رهتم إذا‬
‫هبم حيملون إِىَل العامل أمجع رسالة النور واألمان واحلق والسالم فيفتحون البالد ويسوسون‬
‫العباد بفضل َما وهبهم اهلل من َما متكن يِف نفوسهم وقوي يِف أفئدهتم من حب الرمحة وابتغاء‬
‫للرأفة خبلق اهلل ورغبته يِف العدل ‪.‬‬
‫فك ان مول ده ص لى اهلل عليه وس لم نعمة وبعثته رمحة ال ت دانيها رمحة والرمحة ص فة من‬
‫ص فات اهلل الذاتية الفعلية فهو رمحن ال دنيا واآلخ رة وح دث جل وعال عن رمحته يِف كتابه‬
‫ين ُهم بِآيَاتِنَا‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الز َكـا َة َوالذ َ‬ ‫ت ُك َّل َش ْيء فَ َسأَ ْكتُُب َها للَّذ َ‬
‫ين َيَّت ُق و َن َويُ ْؤتُو َن َّ‬ ‫فقال ﴿ َو َرمْح َيِت َوس َع ْ‬
‫يُ ْؤ ِمنُو َن ﴾ اآلية ‪.‬‬
‫والنيب ص لى اهلل عليه وس لم يرغبنا يِف الرمحة واللني والرفق واملس احمة بقوله وفعله فهو‬
‫يقول ‪ « :‬من ال يرحم ال يرحم » ‪ .‬وهو القائل ‪ « :‬ال‬

‫‪528‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ت نزع الرمحة إال من ش قي » ‪ .‬أي وال تس كن إال يِف قلب تقي فالرمحة فض يلة والقس وة‬
‫والغلظة رذيلة وعمل منكر والرمحة ال ختتص باإلنس ان بل تعم احلي وان وكل ذي روح‬
‫وإحساس ‪.‬‬
‫فمن آثارها َما جيده الوالد لول ده وآثرها تقبيله ومعانقته ومشه وض مه وحن وه عليه كما‬
‫ص نع اهلل عليه وس لم باحلسني واحلسن رضي اهلل عنهما ومن أثرها تأديبه وتربيته وإجابة‬
‫رغائبه َما دامت يِف سبيل املصلحة وإبعاده من الشر ‪.‬‬
‫وتكون الرمحة باآلباء واألمهات وأثرها اللطف هبما والعطف عليهما والقول الكرمي هلما‬
‫وصنع اجلميل فيهما والذب عنهما واحلنو عليهما والشفقة عليهما وإظهار البشر هلما قال اهلل‬
‫صغِرياً ﴾ ‪.‬‬ ‫الذ ِّل ِم َن الرَّمْح َِة َوقُل َّر ِّ‬ ‫تعاىل ‪ ﴿ :‬و ِ‬
‫ب ْارمَح ْ ُه َما َك َما َربَّيَايِن َ‬ ‫اح ُّ‬
‫ض هَلَُما َجنَ َ‬
‫اخف ْ‬
‫َ ْ‬
‫ومن آثارها جريان الدمع مع العني وذرفها عند املصيبة كما َك ا َن صلى اهلل عليه وسلم‬
‫حال وفاة ولده جعلت عيناه تذرفان الدمع فقال له عبد الرمحن بن عوف ‪ :‬وأنت يا رسول‬
‫اهلل ؟ فقال ‪ « :‬يا ابن عوف إهنا رمحة وإمنا يرحم اهلل من عباده الرمحاء » ‪.‬‬
‫ولذا أجاب األعرايب الذي قال ‪ :‬أتقبلون صبيانكم فما نقبلهم قال له ‪ « :‬أو أملك لك‬
‫أن ن زع اهلل الرمحة من قلبك » ومن آث ار الرمحة ب القريب والص ديق أن ختصه مبزيد من الرب‬
‫واإلحس ان فتنفس كربه وختفف أمله وتف رج مهه وتس عى إلزالة الش حناء ورفع البغض اء‬
‫ويواسي فق ره ويرش ده عند احلرية وينبهه عند الغفلة وينص حه إذا استنص حه ويعني الع اجز‬
‫ويعود‬

‫‪529‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫املريض وينفس له يِف أجله ويش يع جنازته وحنو ذلك من األعم ال الص احلة النافعة والطريقة‬
‫اجملدية ‪.‬‬
‫وتكون الرمحة باألقرباء وأثرها وصلتهم وزيارهتم ومودهتم والسعي يِف مصاحلهم ودفع‬
‫َما يضرهم وتكون الرمحة بني الزوجني وأثرها املعاشرة باملعروف واإلخالص والوفاة املتبادل‬
‫وأن ال ترهقه بالطلب ات وال يكلفها باملرهق ات بل يع اون على ش ؤون املنزل وتربية األوالد‬
‫بنفسه أو ماله أن َكا َن ذا سعة ‪.‬‬
‫وتك ون الرمحة بأهل دينك ترش دهم إِىَل اخلري وتعلمهم َما تق در عليه مما ينفعهم وتأخذ‬
‫مجيعا‬
‫رحيما باملؤمنني ً‬ ‫ِ‬
‫هبم عن اللمم إىَل سبيل األمم وتعمل لعزهم ودفع املذلة عنهم وتكون ً‬
‫فتحب هلم َما حتب لنفسك وتكره هلم َما تكره هلا ‪.‬‬
‫ومن أثرها باحليوان َما جاء يِف حديث مسلم عن أيب يعلى شداد بن أوس رضي اهلل عنه‬
‫عن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ق ال ‪ « :‬إن اهلل كتب اإلحس ان على كل ش يء ف إذا‬
‫قتلتم فأحسنوا القتلة وإذ ذحبتم فأحسنوا الذحبة وليحد أحدكم شفرته ولريح ذبيحته » ‪.‬‬
‫وذلك بأن يرفق هبا وال يصرعها ويزعجها بغتة وال جيرها من موضع إِىَل موضع بسرعة‬
‫ترهقها وترهبها بل بلطف وال يس رع بقطع ال رأس ويس رع بقطع احللق وم واملري وال ودجني‬
‫ويرتكها إِىَل أن تربد لتخفيف أملها بقدر االستطاعة ‪.‬‬
‫ومن الرمحة َما حيدثنا به صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ « :‬بينما رجل‬

‫‪530‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫بئرا فشرب ِمْن َها مث خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى‬ ‫ميشي فاشتد عليه العطش فنزل ً‬
‫من العطش فق ال ‪ :‬لقد بلغ ه ذا مثل ال ذي بلغ يب فمأل خفه مث أمس كه بفيه مث رقى فس قى‬
‫الكلب فشكر اهلل له فغفر له » ‪ .‬قالوا ‪ :‬يا رسول اهلل وإن لنا يِف البهائم أجر ؟ قال ‪ « :‬يِف‬
‫كل كبد رطبة أجر » ‪ .‬واهلل أعلم ‪ .‬وصلى اهلل على حممد ‪.‬‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫اعلم وفقنا اهلل وإي اك ملا حيبه ويرض اه أن للج ار على ج اره حق عظيم يِف األدي ان كلها‬
‫والش رائع واألوض اع كافة ‪ ،‬والع رب َك انَوا يعظم ون حق اجلار وحيرتمون اجلوار يِف اجلاهلية‬
‫قبل اإلس الم ‪ ،‬ويع تزون بثن اء اجلار عليهم ويفخ رون ب ذلك ‪ ،‬والض عيف إذا ج اور الق وي‬
‫ص ار قويًّا ب إذن اهلل ‪ ،‬له َما هلم وعليه َما عليهم ‪ ،‬وحني ج اء اإلس الم أع زه اهلل وأكد حق‬
‫اجلوار وحث عليه وجعله بعد القرابة وكاد يورثه ‪.‬‬
‫وعلَى الساكن مع‬ ‫واجلار يطلق ويراد به الداخل يِف اجلوار ويطلق على اجملاور يِف الدار ‪َ ،‬‬
‫دارا من كل ج انب وورد عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ‪:‬‬ ‫وعلَى أربعني ً‬ ‫اإلنس ان يِف البلد ‪َ ،‬‬
‫« اجلريان ثالثة ج ار له حق واحد وهو املش رك له حق اجلوار ‪ ،‬وج ار له حق ان وهو املس لم‬
‫له حق اجلوار واإلس الم ‪ ،‬وج ار له ثالثة حق وق وهو املس لم الق ريب ‪ ،‬له حق اجلوار وحق‬
‫اإلسالم وحق الرحم » ‪.‬‬
‫إذا عرفت ذلك فتعلم أن من توفيق اإلنسان وسعادته أن يكون يِف بيته يشعر بالعطف‬
‫واللطف عليه والتقدير له واحملبة له ‪ ،‬ومن قلة توفيقه‬

‫‪531‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫أن يك ون بني ج ريان يض مرون الشر له والع داوة ‪ ،‬وي دبرون له املكائد وي ذمرون عليه‬
‫خصومه ‪.‬‬
‫فالش خص ال ذي جبانبه ج ريان س وء يعمل ون لإلض رار به يِف نفسه أو ماله أو عرضه ‪،‬‬
‫وحيوك ون له العظ ائم وال دواهي ‪ ،‬منغص عيشه ‪ ،‬ال يهنأ له ب ال ‪ ،‬غري مرت اح ‪ ،‬جتده قل ًقا‬
‫ِمْن ُه ْم إن دخل أو خ رج ‪ ،‬وال ينعم مبال ‪ ،‬ت راه مقطب الوجه ‪ ،‬حمزون النفس مكل وم الف ؤاد‬
‫‪.‬‬
‫وجتد أهله معهم يِف جلاج ‪ ،‬كل ذلك من جار السوء ‪ ،‬إما من قبل التسلط على أهله أو‬
‫على أوالده ‪ ،‬وإما بوضع أذية يِف طريقه أو يِف بيته ‪ ،‬وأبتعد على ملكه أو بتجسس عليه‬
‫ب دون م ربر وإما بنظر وتطلع عليهم من ناف ذة أو ب اب أو س طح أو رمي حصا وحنوه عليهم‬
‫أو حنو ذلك من أنواع األذايا ‪.‬‬
‫ورمبا اضطر إِىَل بيع منزله من أجل جار السوء ‪ ،‬كما ذكر بعض من ابتلى جبار سوء اضطره إِىَل بيع ملكه قال يِف ذلك ‪:‬‬

‫اك ُيَنغَّ ُ‬
‫ص‬ ‫َولَ ْم َي ْعلَ ُموا َج ًارا ُهَن َ‬ ‫ص َمْن ِزلِي‬ ‫الر ْخ ِ‬‫ت بِ ُّ‬‫ومونَنِي إِ ْن بِ ْع ُ‬
‫َيلُ ُ‬
‫ِ ِ‬
‫بِج َيران َها َت ْغلُوا الدِّيَ ُار َوَت ْر ُخ ُ‬
‫ص‬ ‫الم فَِإنَّ َما‬
‫ْت لَ ُه ْم ُكُّفوا ال َْم َ‬
‫َف ُقل ُ‬
‫آخر‪:‬‬
‫لي َحَر ًاما َب ْع َد ُه إِ ْن َد َخلُْت َها‬
‫َع َّ‬ ‫أ ََرى َد َار َجا ِري َع ْن َتغَيَّب ُح ْقَب ًة‬
‫ت َعْن َها َه َج ْرُت َها‬ ‫ب الْبْي ِ‬
‫اب َر ُّ َ‬ ‫ِإ(َذا َغ َ‬ ‫يل َسَؤالِي َج َارتِي َع ْن ُشؤونَِها‬ ‫ِ‬
‫قَل ٌ‬
‫إِ َذا َغاب عْنها َش ِ‬ ‫يحا أَ ْن يُ َخَّبَر أَنَّنِي‬
‫الدا ِر ْ‬
‫زرُت َها‬ ‫ط َّ‬ ‫اح َ‬ ‫َ ََ‬ ‫س قَِب ً‬ ‫أَلَْي َ‬
‫آخر‪( :‬‬
‫ْج ُار‬
‫صلُ َح ال َ‬ ‫صلُ ُح َّ‬
‫الد ُار َحتَّى يَ ْ‬ ‫ال تَ ْ‬ ‫ك ِج َيرانًا تُ َسُّر بِِه ْم‬ ‫ب لَِن ْف ِس َ‬
‫اطْلُ ْ‬
‫آخر‪:‬‬
‫يت لَ َها ِسْتَرا‬ ‫ِ‬
‫ْت ُجُفونِي َما َحيِ ُ‬
‫َج َعل ُ‬ ‫ِشَرى َج َارتي ِسْتًرا فُ ُ‬
‫ضول ألَنَّنِي‬

‫‪532‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫احَفظَُها َج ْهَرا‬ ‫ِ‬


‫َحَفظَُها سًّرا َو ْ‬
‫أل ْ‬ ‫َو َما َج َارتِي إِال َكأُِّمي َوإِنَّنِي‬
‫ت م ِحالً ِمْن ِ‬ ‫ت إِلَْي َها اْن َع ِمي َوَتَن َّع ِمي‬
‫ك َو ْج ًها َوال َش ْعَرا‬ ‫(َفَل ْس ُ ُ‬ ‫َب(َعثْ ُ‬
‫ويقول (‬
‫اآلخر‪:‬‬

‫وء بِ َّ‬
‫الصْب ِر َوإِ ْن‬ ‫الس ِ‬
‫َدا ِر َج َار ُّ‬
‫النَقْل‬
‫َحلَى ُّ‬
‫صْبًرا فَ َما أ ْ‬ ‫ِ‬
‫لَ ْم تَج ْد َ‬
‫فَال َخْيَر ِف ِيه َو ْابَت ِع ْد َع ْن ِجَوا ِر ِه‬ ‫اد َة َربِِّه‬ ‫آخر‪ :‬إِ َذا الْمرء لَم ي ْخلُ ِ‬
‫ص عَب َ‬ ‫َْ ُ ْ َ ْ‬
‫وبعض اجلريان يك ون فيه خري وشر فه ذا رمبا تقابل منافعه مض اره وتتحمل ِمْنه ذلك النقص ملا فيه من الكم ال وأما اآلخر فهو شر‬
‫مضرة بال منفعة ونقصان بال فائدة فكيف يعذر وهو هبذه احلالة ‪.‬‬
‫يَ ِر ْد بِِه األَنَ ِام َل َع ْن َجَن ُاه‬ ‫َع َذ ْرنَا النَّ ْخ َل ِفي إِبْ َد ِاء َش ْو ٍك‬
‫لَ(َنا َش ْو ًكا بِال ثَ َم ٍر َنَر ُاه‬ ‫موم ُيْب ِدي‬ ‫فَما لِلْعوس ِج الْم ْذ ِ‬
‫َ َْ َ َ‬
‫ص ْحَبتِي َحائِ ُد‬ ‫(َع ِن ُّ ِ ِ‬
‫الر ْشد في ُ‬ ‫ت َولِي ِج َيرة ُكلُّ ُه ْم‬ ‫ضُ‬ ‫َم ِر ْ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫صلَ َة لِي َوال َعائِ ُد‬ ‫وال ِ‬
‫َ‬ ‫ص ِمثْ َل الَّ ِذي‬ ‫ت ِفي َّ‬
‫النْق ِ‬ ‫ف(َأ ْ‬
‫َصَب ْح ُ‬
‫ب الْ َخل ِْق ُ‬
‫ص ْحَبة الن ِ‬
‫َّاس‬ ‫فت َو َر ِّ‬ ‫(َ‬
‫ص َد ُ‬ ‫َّاس ال َع ْه َد ِعْن َد ُه ْم‬ ‫ت الن َ‬ ‫َولَ َّما َرأَيْ ُ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫الصْب ِر َعْن ُه ْم َم َع الَْيأ ِ‬
‫ْس‬ ‫ْت ُح ْس َن َّ‬ ‫َوأَ ْع َمل ُ‬ ‫ت‬‫ب َما ِع ْش ُ‬ ‫ت َجِليس الْ ُكتُ ِ‬
‫ُ‬ ‫ص ْر ُ‬ ‫وِ‬
‫َ‬
‫ب‬‫اح ِ‬ ‫احبا بع َد ص ِ‬
‫ص ً َْ َ‬
‫ول ا ْختِبا ِري ِ‬
‫َ‬ ‫َوطُ ُ َ‬ ‫َّاس َم ْعَرفَتِي بِِه ْم‬ ‫َِفويَزِهَّهُمَدنِي ِفي الن ِ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫ب‬‫اءنِي ِفي ال َْعَو ِاق ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫بَواديه إِال َس َ‬ ‫سُّرنِي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َفلَ ْم أ ََرى في األَيَّام َخال تَ ُ‬
‫ب‬ ‫صائِ ِ‬‫أََتْتني إِال َكا َن إِ ْح َدى ال َْم َ‬
‫ِ‬ ‫وه لِ َدفْ ِع ُمِل َّم ٍة‬
‫ْت أ َْر ُج ُ‬‫َوال ُقل ُ‬
‫ك ِش َينا‬ ‫َج َعلُوا ُك َّل َما يَ ِزينُ َ‬ ‫ت َعْن ُه ْم‬ ‫ت ِفي َم ْع َش ٍر إِ َذا ِغْب َ‬ ‫أَنْ َ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫ت ِم ْن أَ ْكَرِم الن ِ‬
‫َّاس َعلَْيَنا‬ ‫أَ(نْ َ‬ ‫َوإِ َذا أ ََما َرأ َْوَك قَالُوا َج ِم ًعيا‬
‫(‬

‫‪533‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وعن أيب شريح قال ‪ :‬قال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬واهلل ال يؤمن ‪ ،‬واهلل ال يؤمن ‪،‬‬
‫واهلل ال ي ؤمن » ‪ .‬قيل من يا رس ول اهلل ؟ ق ال ‪ « :‬ال ذي ال ي أمن ج اره بوائقه » ‪ .‬رواه‬
‫البخاري ومسلم فبني صلى اهلل عليه وسلم أن من هذا خلقه ‪ ،‬وتلك دخيلته مع جاره غري‬
‫مؤمن ‪ ،‬وأكد ذلك باحللف والتكرار ثالث مرات ‪.‬‬
‫وهل املؤمن إال من أمنه الن اس على دم ائهم وأم واهلم وأعراض هم وهل اإلميان إال من‬
‫األمن ؟ ف إذا َك ا َن اجلار جلاره حربًا وعليه ض دا فكيف يك ون من املؤم نني ال ذين أخلص وا‬
‫دينهم هلل لقد َكا َن الواجب عليه أن يتفقد أمور جاره ‪ ،‬ويساعده بكل َما استطاع ‪ ،‬ويعمل‬
‫على جلب اخلري له ودفع َما يض ره ‪ ،‬حىت يك ون يِف عيشة راض ية وحي اة طيبة ‪ ،‬كما يعمل‬
‫بعض اجلريان احملسنني الذين يألفون ويؤلفون ‪.‬‬
‫فقد يأنس اإلنسان جباره القريب أكثر مما يأنس بالنسيب فيحسن التعاون بينهما ‪ ،‬وتكون الرمحة واإلحسان بينهما ‪ ،‬فإذا مَلْ حيسن‬
‫أحدمها لصاحبه فال خري فيهما لسائر الناس ‪.‬‬
‫الزَما ُن َوأَق ُْع ُد‬ ‫وم إِ َذا َع َّ‬ ‫أ َِعين أ َِخي أَو ص ِ‬
‫احبِي ِفي بَالئِِه‬
‫ض َّ‬ ‫أَقُ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬
‫َتْنبِهُ اللََّيالِي َمَّر ًة َو ُهَو ُم ْفَر ُد‬ ‫وب ُه ْم‬ ‫ِ‬
‫َو َم ْن ُي ْف ِر ُد ا ِإل ْخَوا َن ف َ‬
‫يما َيْن ُ‬
‫(‬
‫فينبغي للج ار أن يتعاهد ج اره بإه داء َما تيسر والص دقة وال دعوة واللطافة به وإعانته‬
‫والتوس يع عليه يِف معاملته وإقراضه ‪ ،‬وعيادته وتعزيته عند املص يبة وهتنئته مبا يفرحه ‪ ،‬ويسرت‬
‫َما انكشف له من ع ورة ‪ ،‬ويغض بص ره عن حمارمه ومينع أوالده وأهله من أذية أوالد ج اره‬
‫وأهلهم ‪.‬‬
‫وإن ب دا هلم حاجة ق ام هبا ‪ ،‬وال يرفع على املذياع أو التلفزي ون إن َك ا َن يض رهم‬
‫ويسهرهم وهو ممن ابتلى هبذا املنكر احملرم ‪ ،‬ويعمل‬

‫‪534‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫كل َما فيه هلم ويقدر عليه ويدفع عنهم َما يضرهم َما استطاع فبه ذه األشياء تقع ب إذن اهلل‬
‫األلفة واحملبة ‪.‬‬
‫موقرا يتفقدونه إذا غاب ويسألون عنه‬ ‫وهبا حتصل املودة ‪ ،‬ويصبح املرء بني جريانه حمبوبًا ً‬
‫ويعدونه إذا حضر مرغوبًا مرموقًا بالعناية ِمْن ُه ْم آمنًا ِمْن ُه ْم مطمئنًا إليهم يتبادلون املنافع ‪.‬‬
‫روي أن إب راهيم بن حذيفة ب اع داره فلما أراد املش رتي أن يش هد عليه ق ال ‪ :‬لست‬
‫علي وال أس لمها حىت يش رتوا مين ج وار س عيد بن الع اص وتزاي دوا يِف الثمن ق الوا ‪:‬‬ ‫أش هد َّ‬
‫وهل رأيت أح ًدا يش رتي ج وار أو يبيعه ق ال ‪ :‬أال تش رتي ج وار من إن أس أت إليه أحسن‬
‫علي داري ‪.‬‬‫وإن جهلت عليه حلم وإن أعسرت وهب ال حاجة يل يِف بيعكم ردوا َّ‬
‫فبلغ ذلك س عيد بن الع اص فبعث غليه مبائة ألف درهم وروى املدائين أنه ب اع ج ار‬
‫لفريوز داره بأربعة آالف درهم فجيء هبا فقال البائع ‪ :‬هذا مثن داري فأين مثن جاري قال‬
‫‪ :‬وجلارك مثن قال ‪ :‬ال أنقصه واهلل عن أربعة آالف درهم ‪.‬‬
‫فبلغ ذلك الفريوز فأرسل إليه بثمانية آالف درهم وقال ‪ :‬هذا مثن دارك وجارك وألزم‬
‫دارك ال تبعها ‪ .‬أين ه ؤالء من أك ثر ج ريان زمننا ال تك اد هتدأ أذيتهم وش تائمهم وس بهم‬
‫وأوالدا َكأهَن م يِف معزل‬
‫ً‬ ‫وهجراهنم ومشاجرهتم وتقاطعهم وكيد بعضهم لبعض رجاالً ونساءً‬
‫عن اآليات واألحاديث الواردة يِف اجلوار وحقوقه ولبعضهم ممن بلي جباره السوء ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َجا ٍر ال َيَن ُام َوال يُن ُ‬
‫يم‬ ‫أَال َم ْن يَ ْشَت ِري َج ًارا َن ُؤ ً‬
‫وما‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّها ِر ثِياب نُس ٍ‬ ‫وَي ْلبِ ِ‬
‫َ(و َشط ُْر اللْي ِل َشْيطَا ٌن َرج ُ‬
‫يم‬ ‫ك‬ ‫س بالن َ َ َ ْ‬ ‫َ ُ‬
‫(‬
‫وقيل ابن املقفع َكا َن جبوار داره دار صغرية وكان يرغب يِف شرائها‬

‫‪535‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ليض يفها إِىَل داره وك ان ج اره ميتنع من بيعها مث ركبه دين فاض طر إِىَل بيعها وعرض ها على‬
‫ج اره بن املقفع فق ال ‪َ :‬ما يل هبا حاجة ‪ .‬فقيل له ‪ :‬ألست طلبت ِمْنه ش رائها ‪ .‬فق ال ‪ :‬لو‬
‫اشرتيتها اآلن َما قمت حبرمة اجلوار ألنه اآلن يريد بيعها من الفقر مث دفع إِىَل جاره مثن الدار‬
‫وقال ‪ :‬ابق بدارك وأوف دينك هلل دره ‪.‬‬
‫قال علي بن أيب طالب للعباس ‪َ :‬ما بقي من كرم إخوانك قال ‪ :‬األفضال على اإلخوان وترك أذى اجلريان قال الشاعر ‪:‬‬
‫َن َد َار ا ْغتَِرابِي ِعْن َد ُه ْم َوطَنِي‬ ‫َكأ َّ‬ ‫ْت بِِه ْم‬ ‫ِش ْعرا‪ :‬س ْقيا ور ْعيا لِ ِجير ٍ‬
‫ان َنَزل ُ‬ ‫َ ً ََ ً َ‬ ‫ً‬
‫الزَم ِن‬ ‫ت أََّن ُه ُموا ِم ْن ِحلَْي ِة َّ‬ ‫َعِل ْم ُ‬ ‫ْت ِمن أَ ْخ ِ‬
‫الق ِه ْم ُخلًُقا‬ ‫إِ َذا تَأََّمل ُ ْ‬
‫ع َوإِ َّن َب ْع َد اللَِّقاءُ‬
‫فَال تَ ْجَز َ‬ ‫ت‬‫اسَتَق َام ْ‬
‫ت ال َْمَّو َد َة َو ْ‬‫آخر‪ :‬إِ َذا ِخْف َ‬
‫ِ‬ ‫اب َو ْج ِهي‬ ‫َوإِ ْن لَ ْم يَ ُك ْن الْبِ َع ُ‬
‫ب ال َْمَو َّدةُ َو َّ‬
‫الصَفاءُ‬ ‫(َفلَ ْم تَغ ْ‬ ‫اد أَغَ َ‬
‫الد َعاءُ‬ ‫ات َيْتَب ُعهُ ُّ‬ ‫اع ِ‬ ‫َ(م َع َّ‬
‫الس َ‬ ‫ك ِمنِّي‬ ‫َولَ ْم َيَز ْل الثَّنَاءُ َعلَْي َ‬
‫َسأ َُل َعْن ُك ْم‬ ‫ِ‬
‫ف(َأَُبثُّ ُك ْم َش ْوقي َوأ ْ‬ ‫َحَب ُابنَا َما ِغْبتُ ْم ُم ْذ بِْنتُ ُموا‬ ‫آخر‪ :‬أ ْ‬
‫ْحِقي َق ِة أَنَّ ُك ْم قَ ْد بِْنتُ ُموا‬‫ُح ْك ِم ال َ‬ ‫س ِفي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بْنتُ ْم على ُح ْكم ال َْم َجاز َولَْي َ‬
‫ِ(‬
‫اس فَِإنَّنِي أَنَا أَْنتُ ُموا‬ ‫ُع ِك ِ‬ ‫اس أَنَا َوإِ ْن‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫س الْقَي ُ‬ ‫َ‬ ‫أَْنَت ْم إ َذا اطَر َد الْقَي ُ‬
‫ول‬‫ص ِيم يَطُ ُ‬ ‫ات الَْق ِ‬ ‫َعلَى بحار ِ‬
‫ََ‬ ‫اض َولَ ْم يَ ُك ْن‬ ‫الريَ ِ‬‫آخر‪ :‬تَطَ َاو َل لَْيِلي بِ ِّ‬
‫يل‬ ‫ِ ِ‬ ‫أ ُِق ِ‬ ‫ص ِيم بَِر ْج َع ٍة‬ ‫ض الَْق ِ‬ ‫َف َه ْل لِي إِلَى أ َْر ِ‬
‫يم ب َها َقْب َل ال َْم َمات قَل ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫السيَّ َما ِفي َح َار ٍة قَ ْد َس َكْنُت َها‬ ‫و ِ‬
‫ين َع ًاما أ َْو تَ ِزي ُد قَل ُ‬
‫يل‬ ‫ثَ(الث َ‬ ‫َ‬
‫ض ِفي ذُ َر ُاه َولِي ِن‬ ‫يت بِ َخ ْف ٍ‬ ‫(غُ ِذ ُ‬ ‫آخر‪ :‬إِ َذا أَنَا ال أَ ْشَتا ُق أ ََّو َل َمْن ِز ٍل‬
‫ض ِفي ذُ َر ُاه َولِي ِن‬ ‫يت بِ َخ ْف ٍ‬ ‫غُ ِذ ُ‬ ‫ِم َن ال َْع ْق ِل أَ ْن ا ْشَتا ُق أ ََّول َمْن ِز ٍل‬
‫الر ِامَيا‬
‫َوَت ْرِمي النََّوى بِال ُْم ْفَت ِرين َّ‬ ‫ض ِه ْم‬ ‫وسرو َن بِأَر ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ال ال ُْم ُ‬ ‫الر َّج ُ‬‫يم ِّ‬ ‫ِ‬
‫آخر‪ :‬يَق ُ‬
‫ات األ ِ‬
‫َعاديَا‬ ‫ولَكن ِح َذارا ِمن َشم ِ‬ ‫َو َما َتَر ُكوا أ َْوطَاَن ُه ْم َع ْن َماللٍَة‬
‫َ ْ ً ْ َ‬
‫ت َعنَّا أََب ْع َد اآل َن َت ْلَقاَنَا‬ ‫َب ُع ْد َ‬ ‫يَا َم ْن تَ َحَّو َل َعنَّا َو ُهَو يَأْلَُفَنا‬
‫ْت ِج َيرانَا‬ ‫ْت َج ًارا َو َما بُ ِّدل َ‬ ‫بُ(ِدل َ‬ ‫ْت ِج َيرَنَنا‬ ‫ك ُم ْذ فَ َارق َ‬ ‫فَا ْعلَ ْم بِأَنَّ َ‬
‫فكتب إليه جاره ‪:‬‬

‫‪536‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ض ُودِّي َو َع ْه ِدي َكالَّ ِذي َكانَا‬ ‫صتِي‬ ‫ِ‬


‫َو َم ْح ُ‬ ‫ت َعْن ُك ْم بِ َدا ِري ُدو َن َخال َ‬
‫َب ُع ْد ُ‬
‫ُعانِ َيها َوأ ْ‬
‫َحَزانَا‬ ‫إِال ُه ُم ً‬
‫وما أ َ‬ ‫ْت ُق ْربُ ُك ْم‬ ‫ت ُم ْذ فَ َارق ُ‬ ‫َو َما َتَب َّدلَ ُ‬
‫َحَبابُهُ لِ َّ‬
‫لدا ِر ِج َيرانَا‬ ‫سأْ‬ ‫َولَْي َ‬
‫(‬ ‫َح ٌد‬ ‫ِ‬
‫س ْكَنى َدا ِره أ َ‬ ‫ِ‬
‫َو َه ْل يُ َسُّر ب ُ‬
‫َحَبابُهُ لِ َّ‬
‫لد َار َج َيرانَا‬ ‫سأْ‬ ‫َولَْي َ‬
‫(‬ ‫َح ٌد‬ ‫ِ‬
‫ول ل َجا ِري إِ ْذ أَتَاني أ َ‬
‫آخر‪ :‬أَقُ ُ ِ‬
‫ي(ُد ُّل بِح ّق أَو يدل بِب ِ‬ ‫ت م َخ ِ‬
‫اط ِل‬ ‫َ َ ْ َ َ‬ ‫اص ًما‬ ‫ص ْل َخْي ِري َوأَنْ َ ُ‬ ‫إِ َذا لَ ْم يَ َ‬
‫ك بِو ِ‬
‫اص ِل‬ ‫ك فَ َما َشِّري إِلَْي َ َ‬ ‫إِ(لَْي َ‬ ‫ت ُم َجا ِو ِري‬ ‫ص ْل َخْي ِري َوأَنْ َ‬ ‫إِ َذا لَ ْم يَ َ‬
‫طُوبَى لِ َم ْن أ َْم َسى لِ َدا ِر َك َج َارا‬ ‫َح ِس ُد َج َار ُك ْم لِ ِجَوا ِر ُك ْم‬ ‫آخر‪ :‬إِنِّي أل ْ‬
‫ِشْبًرا فَأُ ْع ِط ِيه بِ ِشْب ٍر َد َارا‬ ‫اعنِي ِم ْن َدا ِر ِه‬ ‫ت َج َار َك بَ َ‬ ‫يَا لَْي َ‬
‫ور على يُ ْس ٍر َوإِ ْع َسا ِر‬ ‫السُر ُ‬ ‫ِف( ِيه ُّ‬ ‫آخر‪ :‬يَا َحبَّ َذا َوطَ ُن ُكتَّابِِه َزَمًنا‬
‫ب أ َْمطَا ِر‬ ‫اح ِغ َّ‬ ‫هبَّ ْ ِ‬
‫ت َعلَْيه ِريَ ُ‬ ‫َ‬ ‫اعم ِم ْن ُت ْربِه َعبِ ٌق‬ ‫(وحبَّ َذا نَ ِ‬
‫ََ‬
‫يل ِغَن ُاه َب ْع َد إِقَْتا ِر‬‫ب الَْب ِخ ِ‬ ‫(ُح َّ‬ ‫اهلل و ِ‬
‫اس َعةٌ‬ ‫أ(َِحبُّهُ وبِ ُ ِ‬
‫الد َ‬ ‫َ‬
‫َص َح ِ‬ ‫اق إِلَى َوطَ ٍن‬ ‫ت أ ََّو َل م ْشَت ٍ‬
‫ْجا ِر‬‫اب َوال َ‬ ‫ب َواأل ْ‬ ‫َ(م َع األَقَا ِر َ‬ ‫ُ‬ ‫َ(ولَ ْس ُ‬
‫ات ِم َن َّ‬
‫الر ْع ِد‬ ‫سحاب َغو ٍاد َخالِي ٍ‬
‫َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫صهُ‬‫يم أَ ُخ ُّ‬ ‫ِ‬
‫آخر‪َ :‬سَقى اهللُ نَ ْج ًدا َوالَْقص َ‬
‫الها‬
‫َح َ‬ ‫ْصَر َوقَْت َها ُع ْمًرا َوأ ْ‬ ‫َما أَق َ‬ ‫ت‬‫آخر‪ :‬يَا َحبَّ َذا أ ََز ُم ٌن ِفي َمْن ِزل َسلَ ْف َ‬
‫ْب ال َْم ْر ِء ِذ ْكَر َاها‬ ‫ِإال َوقَطَّ َع َقل َ‬ ‫ت‬‫ضْيَن َاها فَ َما ذُ ِكَر ْ‬ ‫ات أُنْس قَ َ‬ ‫أ َْوقَ ُ‬
‫ض َها‬ ‫ب الْمتَِّقين بِأَر ِ‬
‫دت َو ُح ُّ ُ َ ْ‬ ‫ُولِ ُ‬ ‫ب الدِّيَا الَّتِي بَِها‬ ‫آخر‪َ :‬وِم ْن َم ْذ َهبِي ُح ُّ‬
‫ت بَِراع َع ْه َد أ َْه ِل ال َْمَنا ِز ِل‬ ‫َفلَ ْس َ‬ ‫ت‬
‫ضْ‬ ‫ود الَّتِي َم َ‬ ‫ع ال ُْع ُه َ‬ ‫ت لَ ْم َت ْر َ‬‫آخر‪ :‬إِ َذا أَنْ َ‬
‫آه ِل يُِري ُد‬ ‫ت بِها ج ْدال ِفي َخي ِر ِ‬
‫ْ‬ ‫َو ُكْن ُ َ َ‬ ‫ت بَِربْ ِع َها‬ ‫السيَّ َما َد ًارا ُولِ َد َ‬ ‫و ِ‬
‫َ‬
‫الد َك َما ِهَيا‬ ‫ص ُِ‬‫اَفلَْقدِ‬
‫ص ِد ِيقي َوالْبِ ُ‬ ‫تيم َ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫ول َتغَُّر ٍ‬ ‫ضي َب ْع َد طُ ِ‬ ‫ت أَر ِ‬
‫آخر‪ :‬إِ َذا ُز ْر َ ْ‬
‫َكَفى بِالْمم ِ‬
‫ات ُف ْرقَ ًة َوَتَنائَِيا‬ ‫ص الْ ِو َّد إِنَّ َما‬ ‫ِ‬ ‫فَأَ ْك ِر ْم أَ َخ َ‬
‫ََ‬ ‫اك ال ُْم ْخل َ‬
‫اك ِم ْن ُز ْه ِد‬ ‫ك ال َْمْن ِز ْل َو َذيَّ َ‬‫بِ(َذيَّالِ َ‬ ‫يم َولَ ْم أَقُ ْل‬ ‫ِ‬
‫ك ال َْمْن ِز ْل أَه ُ‬ ‫آخر‪ :‬بِ َذيَّالِ َ‬
‫َّص ِغي ِر ِم ْن ِش َّدِة الَْو ْج ِد‬ ‫ف الت ْ‬ ‫بِه أ ْ‬
‫َح ُر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬‫ب َش ْيء َتَولََّع ْ‬ ‫َولَ ِك ْن إِ َذا َما َح َّ‬

‫‪537‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫الر ْع ِد‬ ‫ٍ ِ ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يم أَ ُخ ُّ‬ ‫ِ‬


‫اب غََواد َخالَيات م َن َ‬ ‫س َح ُ‬ ‫صهُ‬ ‫َسَقى اهللُ نَ ْج ًدا َوالَْقص َ‬
‫الد بِ ُ‬
‫الد‬ ‫اس َوالْبِ ُ‬ ‫َّاس نَ ٌ‬
‫إ َذا الن ُ‬
‫ِ‬ ‫آخر‪ :‬بِال ٌد بَِها ُكنَّا َونَ ْح ُن نُ ِحُّب َها‬
‫(‬ ‫آخر من (‬
‫يهوى التنقل تبع املصاحل الدنيوية ‪:‬‬
‫ور‬ ‫ِ ِ‬ ‫ك ِفي الَْفال‬
‫َن ْق ِل ِر َكابَ َ‬
‫ص ْ‬‫َو َد ِع الْغََواني في الْ ُق ُ‬
‫ور‬ ‫در ُر الْبُ ُحو ِر إِلَى الن ُ‬
‫ُّح ْ‬ ‫(َ‬ ‫ب َما ْارَتَقى‬ ‫لَ(ْوال َّ‬
‫التغَُّر ُ‬
‫ِ‬
‫ال ُس َّكان الْ ُقبُ ْ‬
‫ور‬ ‫أ(َْمثَ ُ‬ ‫ف(َ ُم َحا لُِفوا أ َْوطَانِِه ْم‬
‫الدي‬‫اطنِي وبِ ِ‬ ‫(ِعْن ِدي وال َكمو ِ‬ ‫(ُك ُّل الْمَنا ِز ِل والْبِ ِ‬
‫الد َع ِز َيز ًة‬ ‫آخر‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫تَ َجلَّ َد ُه إِال تَ َذ َّكر ِعْن َد الْغُْربَِة الَْوطََنا‬ ‫يب َولَ ْن أَبْ َدى‬ ‫َما ِم ْن َغ ِر ٍ‬
‫آخر‪:‬‬
‫ين إِ َذا َما يَ َّم ُموا َبلَ َدا‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫للظَّاعن َ‬ ‫اب نَافلة‬ ‫َحَب ُ‬ ‫إِ( َّن الَْو َداع م َن األ ْ‬
‫آخر‪:‬‬
‫الد ُار أ َْم ال َنلَْتِقي أَبَ َدا‬ ‫(َه ْل تَ ْج َم ُع َّ‬ ‫ط ال َْمَز ُار بِِه ْم‬ ‫ت أَ ْد ِري إِ َذا َش َّ‬ ‫َولَ ْس ُ‬
‫ِ‬ ‫َد ُار َس َكَنا بَِها ُم ْذ َكا َن نَ َشأَُتَنا‬
‫اب لََنا َسَن َدا‬ ‫َص َح ُ‬ ‫يب َوأ ْ‬ ‫ف َيها الَْق ِر ُ‬
‫َو َحنِينُهُ أَبَ ًدا ألََّو ِل َمْن ِز ِل‬ ‫ض يَأْلَُفه ال ْفَتى‬ ‫َك ْم َمْن ِز ٍل ِفي األ َْر ِ‬
‫آخر‪:‬‬
‫ص ِافَيا‬ ‫ِ‬
‫َح َس ِن َما ُكنَّا َعلَْيه تَ َ‬ ‫(َكأ ْ‬ ‫اهلل َبْيَنَنا‬‫َسا أَ ْن يَ ْج َمع َ‬ ‫آخر‪:‬‬ ‫َوال َتْيأ َ‬
‫َّان ُك ُّل الظَّ ِّن أَ ْن ال تَ ِ‬
‫القَيا‬ ‫يظُن ِ‬ ‫اهلل َّ‬
‫الشْتيتي ِن َب ْع َد َما‬
‫َ‬ ‫َفَق ْد يَ ْج َم ُع َ‬
‫ق ال ابن عبد الرب ‪ :‬ثالث إذا كن يِف الرجل مَل(ْ يشك يِف عقله وفض له إذا محده ج اره‬
‫وقرابته ورفيقه وإليك طرف يِف احلث على اإلحسان إِىَل اجلار والبعد عن أذيته ‪.‬‬
‫َوقَ ْد جاء يِف احلديث النبوية التحذير من إيذاء اجلار ‪ ،‬والرتغيب يِف اإلحسان إليه ‪ ،‬فعن‬
‫ابن عم رو رضي اهلل عنهما ق ال ‪ :‬ق ال رس ول اهلل ‪َ « : ‬ما زال جربيل يوص يين باجلار حىت‬
‫ظننت انه سيورثه » ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫وعن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ « : ‬يا نساء املسلمات ال حتقرن‬
‫جارة جلارهتا ولو فرسن شاة » ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬

‫‪538‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وعن أيب ذر رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ « : ‬يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر‬
‫ماءها وتعاهد جريانك » ‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫ويف رواية له عن أيب ذر قال إن خليلي ‪ ‬أوصاين ‪ « :‬إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها مث‬
‫انظر أهل بيت من جريانك فأصبهم ِمْن َها مبعروف » ‪.‬‬
‫وعن املقداد بن األسود رضي اهلل عنه قال رسول اهلل ‪ ‬ألصحابه ‪َ « :‬ما تقولون يِف الزنا‬
‫» ؟ قالوا ‪ :‬حرام ‪ ،‬حرمه اهلل ورسوله ‪ ،‬فهو حرام إِىَل يوم القيامة ‪ .‬قال فقال رسول اهلل ‪‬‬
‫‪ « :‬ألن يزين الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزين بامرأة جاره » ‪.‬‬
‫قال « َما تقولون يِف السرقة » ؟ قالوا ‪ :‬حرمها اهلل ورسوله فهي حرام ‪ .‬قال ‪ « :‬ألن‬
‫يس رق الرجل من عش رة أبي ات ‪ ،‬أيسر عليه من أن يس رق من ج اره » ‪ .‬رواه أمحد واللفظ‬
‫له ‪ ،‬ورواته ثقات والطرباين يِف الكبري واألوسط ‪.‬‬
‫وعن أنس رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ « : ‬املؤمن من أمنه الناس ‪ ،‬واملسلم من سلم املسلمون‬
‫من لسانه ويده ‪ ،‬واملهاجر من هجر السوء ‪ ،‬والذي نفسي بيده ال يدخل اجلنة عبد ال يأمن جاره بوائقه » ‪ .‬رواه أمحد وأبو يعلى والبزار‬
‫وإسناد أمحد جيد ‪.‬‬
‫ان إِ ْح َسانَا‬ ‫اإل ْحس ِ‬ ‫اك ربُّ َ ِ‬ ‫توِ‬ ‫ِ‬
‫كب ِ َ‬ ‫َج َاز َ َ‬ ‫اجَبهُ‬ ‫ْجا ِر َح ُّق إِ َذا أَدَّيْ َ َ‬‫لل َ‬
‫ت غُْفَرانَا‬ ‫َوإِ ْن أَتَى َسبَّهُ َج َازيْ َ‬ ‫ين بِِه‬
‫فَأ ََّو ْل بِالْ َخْي ِر َخْيًرا َواثْنِ َّ‬
‫ك لُطًْفا َحْيثُ َما َكانَا‬ ‫َوأ َْولِِه ِمْن َ‬ ‫ات َمْن ِزلِِه‬ ‫ك َعن َعور ِ‬
‫ض ُجُفونَ َ ْ ْ َ‬ ‫ض ْ‬ ‫آخر‪َ :‬وا ْغ ُ‬
‫ُسِل ُم َجا ِري َعَّز أ َْو َهانَا‬ ‫(َفلَ ْس ُ‬ ‫ِ‬
‫تأْ‬ ‫َجا ِري أ ََرى ح ْفظَهُ َحًّقا َونُ ْ‬
‫صَرتَهُ‬
‫ْب ُس َّكا ُن‬ ‫فَأَْنتُ ُموا ِفي ُسَويْ َدا الَْقل ِ‬ ‫ت‬ ‫يما َبْيَنَنا َنَز َح ْ‬ ‫ت َّ ِ‬
‫الد ُار ف َ‬ ‫إِ ْن َكانَ ْ‬
‫ْهجَران ُجثْ َما ُن‬ ‫ِ‬ ‫اهلل َما َغَّيَرتْنِي َسلْو ًة َعَر َ‬‫و ِ‬
‫َوال انْطََوى لي على ال ْ‬ ‫ت‬ ‫ضْ‬ ‫َ‬
‫ْح َشا ِمْن ُك ْم َو ْج َد َوأَ ْش َجا ُن‬ ‫َوفي ال َ‬
‫ِ‬ ‫ْب ِعْن َد ُك ْم‬‫ف أَنْ َسا ُك ْم َوالَْقل ُ‬‫َو َكْي َ‬
‫اد ال َكانَوا‬ ‫ْح َّس ُ‬
‫رض ال ُ‬ ‫َفَيْبلُ ُغ الْغَ َ‬ ‫ال َت ْه ُجروا َو ِافًيا َي ْر َعى ِذ َم َام ُك ْم‬
‫قال بعضهم على لسان من فارقه من يألفه وحيبه ‪:‬‬
‫اب قَ ْد َس ُاروا‬
‫َحَب ُ‬
‫َص ُبر َواأل ْ‬
‫فأ ْ‬
‫أ َْم َكْي َ‬ ‫ت بَِنا َّ‬
‫الد ُار‬ ‫يل َوقَ ْد َشطَّ ْ‬‫ف َّ ِ‬
‫السب ُ‬ ‫َكَْي َ‬

‫‪539‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ِ ِ‬ ‫اكنِ ِه‬
‫ضحى بع َد س ِ‬
‫ت َعْنهُ أَق َْم ُار‬ ‫ين غَابَ ْ‬ ‫ُم ْسَت ْوح ًشا ح َ‬ ‫َو َمْن ِز ُل األُنْ ُ‬
‫س أَ ْ َ َ ْ َ‬
‫ص ُل ِم ْد َر ُار‬ ‫والْعْيش مت ِ‬
‫َّص ٌّل َوالَْو ْ‬ ‫َ َ ُ ُ‬ ‫َح َسَنَنا َو َّ‬
‫الد ُار تَ ْج َم ُعَنا‬ ‫َما َكا َن أ ْ‬
‫ين بَِق ْلبِي أَْيَن َما َس ُاروا‬ ‫ِِ‬ ‫ين بَِق ْلبِي أَْيَن َما َر َحلُوا‬ ‫ِِ‬
‫َو َراحل َ‬ ‫يَا َساكن َ‬
‫ب َوأَقْطَ ُار‬ ‫ض َِ ِ‬ ‫َ(و َ‬ ‫الدْنَيا لِغَْيَبتِ ُك ْم‬
‫ت ُّ‬ ‫ِغْبتُم فَأَظْلَم ِ‬
‫اق م ْن َب ْعد ُك ْم َر ْح ٌ‬ ‫ْ َ‬
‫يش ال تَ ْح ِو ِيه أ َْو َك ُار‬ ‫الر ِ‬‫َعا ٍر ِمن ِّ‬ ‫ادى بِْف ِرقَتِ ُك ْم‬ ‫اب الَّ ِذي نَ َ‬ ‫ت الْغََر ُ‬ ‫لَْي َ‬
‫ت بَِنا َّ‬
‫الد ُار‬ ‫َحَبابَِنا َشطَّ ْ‬
‫َوَب ْع َد أ ْ‬ ‫َب ْع َد الن َِّع ِيم َب ُع ْدنَا َع ْن َمَنا ِزلَِنا‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫فَِفي الَْقل ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّب‬ ‫ِ‬
‫ْب م ْن نَا ِر الُْفَراق َتلَه ُ‬ ‫اب أَبْكي َوأَنْ ُد ُ‬
‫ب‬ ‫َحَب َ‬ ‫َد ُعونِي على األ ْ‬
‫ب‬
‫ْف َم ْعَت ُ‬ ‫ْب فَ َار َق ا ِإلل َ‬ ‫َفلَْيس لَِقل ٍ‬ ‫ت أَ ْد ُم ِعي َد ًما‬ ‫َوال َت ْعتِبُونِي إِ ْن َجَر ْ‬
‫َ‬
‫فَِفي الَْقل ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّب‬ ‫ِ‬
‫ْب م ْن نَا ِر الُْفَراق َتلَه ُ‬ ‫اب أَبْكي َوأَنْ ُد ُ‬
‫ب‬ ‫َحَب َ‬ ‫َد ُعونِي على األ ْ‬
‫ب‬
‫ْف َم ْعَت ُ‬ ‫ْب فَ َار َق ا ِإلل َ‬ ‫َفلَْيس لَِقل ٍ‬ ‫ت أَ ْد ُم ِعي َد ًما‬ ‫َوال َت ْعتِبُونِي إِ ْن َجَر ْ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫فَم ْن َدِّمه َد ْمعي على الْ َخ ِّد يَ ْس ُك ُ‬ ‫يق َق ْلبِي بَِنْبِل ِه‬ ‫التْف ِر ُ‬
‫لََق ْد َجَر َح َّ‬
‫ض ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َحَب ُابَنا َما بِا ْختَِيا ِري ُفَراقُ ُك ْم‬
‫ب‬‫اء اهلل َما مْنه َم ْهَر ُ‬ ‫َولَك ْن قَ َ َ‬ ‫أَأ ْ‬
‫تأ ِ‬
‫ب‬
‫َحس ُ‬ ‫َو ُس ْر َع َة َه َذا الَْبْي ِن َما ُكْن ُ ْ‬ ‫َو َما َكا َن ظَنِّي أَ ْن ُيَفَّر َق َبْيَنَنا‬
‫ب‬
‫ْب َتل َْه ُ‬ ‫ان ِفي الَْقل ِ‬ ‫فَارجع والنِّير ِ‬
‫َْْ َ َ‬ ‫ول بِطَْر ِفي َب ْع َد ُك ْم ِفي ِديَا ِر ُك ْم‬ ‫َج ِ‬ ‫أُ‬
‫يل فَال َقَر ُار‬ ‫وأَ ْزعجنِي َّ ِ‬ ‫ِِِ‬
‫الرح ُ‬ ‫َ ََ‬ ‫ين َس ُاروا‬ ‫ت َعلَى األَحبَّة ح َ‬ ‫آخر‪ :‬بَ َكْي ُ‬
‫َ(و ِفي َق ْلبِي ِم َن األَ ْشَو ِاق نَ ُار‬ ‫ص ْوتِي أَيْ َن َحلُّوا‬ ‫ِ‬
‫أُنَادي ِه ْم بِ َ‬
‫َو ِفي َحالِي لِ َم ْن َع َش َق ا ْعتَِب ُار‬ ‫ول َوقَ ْد َرآنِي‬ ‫ول لِي ال َْع ُذ ُ‬ ‫َي(ُق ُ‬
‫َوتَطْلُبُهُ َوقَ ْد َش َّ‬
‫ط ال َْمَز ُار‬ ‫ت َج ُار‬ ‫ب َوأَنْ َ‬ ‫أَتَ ْج َه ُر َم ْن تُ ِح ُّ‬
‫َ(وتَ ْسأ َُل ِفي ال َْمَنا ِز ِل أَيْ َن َس ُاروا‬ ‫َوَتْب ِكي ِعْن َد ُف ْرقَتِ ِه ا ْشتَِياقا‬
‫ك ا ْعتِ َذ ُار‬
‫س لَ َ‬
‫ت َك َم ًدا َفلَْي َ‬
‫َو ُم ْ‬ ‫ك لَ ْم َوال تَلم ال َْمطَايَا‬ ‫لِ(َن ْف ِس َ‬

‫‪540‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫تباعدا ينبغي أن يبكي له أشد البكاء‬ ‫موعظة ‪ :‬عباد اهلل لقد تباعدت القلوب يِف هذا الزمان ً‬
‫‪ ،‬وأصبحنا هبذا التباعد ال أخاء بيننا ‪ ،‬والسبب الوحيد يِف ذلك أن عشقنا الدنيا قضى هنائيًا‬
‫على كل حمبوب ‪ ،‬وأصبح اهلدف الوحيد هو احلصول عليها من أي طريق َك ا َن ‪ ،‬فالقلب‬
‫واللسان واجلوارح مشغولة ليالً ً‬
‫وهنارا يِف طلب الدنيا ‪ ،‬فهي املنتهى واملشتهى على حد قول الشاعر فيها وهي تلقب أم دفر‬
‫والدفر الننت ‪:‬‬
‫ْب َهائِ ُم‬ ‫وج ُع الَْقل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْب إِال أ َُّم َد ْف ٍر َك َما أَبَى‬
‫سَوى أ َُّم َع ْمر ٍو ُم َ‬ ‫أَبَى الَْقل ُ‬
‫أ ََمانِي ِمْن َها ُدوُن ُه َّن ال َْعظَائِ ُم‬ ‫ِه َي ال ُْمْنَت َهى َوال َْم ْشَت َهى َو َم َع ُّ‬
‫الس َهى‬
‫الص ُدو ِر َس َخائِ ُم‬ ‫(َعلَْي َها َوإِال ِفي ُّ‬ ‫ِ‬
‫َولَ ْم َت ْلَقنَا إِال َوفينَا تَ َح ُ‬
‫اس ٌد‬
‫اب إِلَْي َها َعالِ ٌم َو َج ُه ُ‬
‫ول‬ ‫َج َ‬
‫أَ‬ ‫الدْنَيا إِلَى الْغَ ْد ِر َد ْعَو ًة‬
‫َن َع ْم إَِّن َها ُّ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫يل‬ ‫(و َخلَى أَِمير الْم ْؤِمنِ ِ‬ ‫الزَبْي ِر َشِقي َقهُ‬
‫ين َعق ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َفَف َار َق َع ْم ُرو بن ُّ‬
‫ْب ب ِ‬
‫اط ُن‬ ‫ض َم ِر الَْقل ِ َ‬ ‫َ(و ُحبِّي لَ َها ِفي ُم ْ‬ ‫يم َها‬ ‫ِ‬ ‫ت ِم َن ُّ‬
‫الدْنَيا َو َذِّمي نَع َ‬ ‫َع ِجْب ُ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫ف ِمْن َها بِالَّ ِذي ُهَو فَاتِ ُن‬‫َوأُ ْكلَ ُ‬ ‫ب ِم ْن ُك ِّل ِفْتنَ ٍة‬ ‫َو َق ْولِي أ َِع ْذنِي َر ِّ‬
‫َعلَى أََّن ُه ْم ِف َيها ُعَراةٌ َو ُجَّو ُ‬
‫ع‬ ‫اء الن ِ‬
‫َّاس ال يَ ْسأ َُموَن َها‬ ‫ِ‬
‫أ ََرى أَ ْشقَي َ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫صْي ٍ‬
‫ف َع ْن قَ ِريب َتَق َّش ُع‬ ‫َس َحابَةُ َ‬ ‫ب َكأََّن َها‬ ‫أ ََر َاها َوإِ ْن َكانَت تُ َح ّ‬
‫ك ِف َيها لِلس ِ‬
‫ان ُمَبايِ ُن‬ ‫لدْنيا ع ُدو م َش ِ‬ ‫لِسانُ َ ِ‬
‫َ‬ ‫َو َقلْبُ َ‬ ‫اح ٌن‬ ‫ك ل ُّ َ َ ٌ ُ‬ ‫َ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫ك َو ٌد ِفي َف ُؤ ِاد َك َك ِام ُن‬ ‫لَ(َها ِمْن َ‬ ‫صَفا‬
‫ك َوقَ ْد َ‬ ‫ضَّر َها َما َكا َن ِمْن َ‬
‫َو َما َ‬
‫متاما أنه شقيقه وللدنيا املشاغبات بني‬
‫فللدنيا يعق الولد أباه ويقاطع أخاه ‪ ،‬وهو يعرف ً‬
‫اجلريان واملتع املني فلل دنيا مكانة الي وم أنست اخللق خ القهم ورازقهم ف إن حض روا للص الة‬
‫فاألب دان حاض رة والقل وب مع ال دنيا ‪ ،‬فعلت ال دنيا بالن اس الي وم أفاعيل كنت ختطر على‬
‫البال ‪ ،‬ومن أجل الدنيا ترى اخللق يِف قالقل وأهوال ‪.‬‬
‫زر احملاكم وانظر ترى العجب العجاب ‪ ،‬كل ذلك وأعظم ِمْنه‬

‫‪541‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫س ببه حب ال دنيا واالهنم اك فيها ف أين حنن من س لفنا الص احل ال ذين ق ال اهلل تع اىل يِف‬
‫وصفهم ‪ ﴿ :‬أ َِشدَّاء على الْ ُكفَّا ِر ُرمَحَاء َبْيَن ُه ْم ﴾ فانظر شهادة اهلل هلم أهنم رمحاء بينهم وهل‬
‫تقتضي الرمحة إال عط ًفا ِمْن ُه ْم على إخ واهنم وإحس انًا ‪ ،‬وانظر إِىَل قوله تع اىل ‪ ﴿ :‬حُيِ بُّو َن َم ْن‬
‫اج ةً مِّمَّا أُوتُ وا َويُ ْؤثُِرو َن َعلَى أَن ُف ِس ِه ْم َولَ ْو َك ا َن هِبِ ْم‬ ‫ِ‬
‫ص ُدو ِره ْم َح َ‬ ‫اجَر إِلَْي ِه ْم َواَل جَي ُ‬
‫ِدو َن يِف ُ‬ ‫َه َ‬
‫اصةٌ ﴾‬ ‫ص َ‬ ‫َخ َ‬
‫هك ذا يك ون املؤم نني ‪ ،‬ل ذلك َك انَت هيبتهم يِف نف وس أع دائهم ترتعد ِمْن َها ف رائض‬
‫الشجعان وكانوا سادة الدنيا يشهد بذلك العدو قبل الصديق ‪ ،‬فإن كنت يِف شك مما ذكرنا‬
‫لك فانظر إىل َما ذكره احملققون من املؤرخني ‪.‬‬
‫اللهم امجع قلوب املؤمنني على حمبتك وطاعتك ‪ ،‬وأزل عنهم َما حدث من املنكرات ‪،‬‬
‫وعلَى‬ ‫واغفر لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني برمحتك يا أرحم ال رامحني وص لى اهلل على حممد َ‬
‫آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫وعن عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪« :‬‬
‫إن اهلل عز وجل قسم بينكم أخالقكم ‪ ،‬كما قسم بينكم أرزاقكم ‪ ،‬وإن اهلل عز وجل يعطي‬
‫ال دنيا من حيب ومن ال حيب ‪ ،‬وال يعطي ال دين إال من أحب ‪ ،‬فمن أعط اه اهلل ال دين فقد‬
‫أحبه ‪ ،‬والذي نفسي بيده ال يسلم عبد حىت يسلم قلبه ولسانه ‪ ،‬وال يؤمن حىت يأمن جاره‬
‫بوائقه » ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬يا رس ول اهلل وما بوائقه ؟ ق ال ‪ « :‬غش مه وظلمه وال يكسب م اال ًمن ح رام‬
‫فينفق ِمْنه فيب ارك فيه ‪ ،‬وال يتص دق به فيقبل ِمْنه ‪ ،‬وال يرتكه خلف ظه ره إال َك ا َن زاده إىل‬
‫النار ‪ ،‬إن اهلل ال ميحو السيئ بالسيئ‬

‫‪542‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ولكن ميحو السيئ باحلسن ‪ ،‬إن اخلبث ال ميحو اخلبيث » ‪ .‬رواه أمحد ‪.‬‬
‫وعن أيب جحيفة رضي اهلل عنه ق ال ‪ :‬ج اء رجل إِىَل رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫يش كو ج اره ق ال ‪ « :‬أط رح متاعك على الطريق » ‪ .‬فطرحه فجعل الن اس ميرون عليه‬
‫ويلعنونه ‪ ،‬فجاء إِىَل النيب صلى اهلل عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول اهلل لقيت من الناس ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫« وما لقيت ِمْن ُه ْم » ؟ قال ‪ :‬يلعنوين ‪.‬‬
‫قال ‪ « :‬قَ ْد لعنك اهلل قبل الناس » ‪ .‬فقال ‪ :‬إين ال أعود ‪ ،‬فجاء الذي شكاه إِىَل النيب‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم فق ال ‪ « :‬ارفع متاعك فقد كفيت » ‪ .‬رواه الط رباين ‪ ،‬وال بزار بإسناد‬
‫حسن بنحوه إال أنه قال ‪ « :‬ضع متاعك على الطريق » ‪ .‬فوضعه فكان كل من مر به قال‬
‫‪َ :‬ما شأنك قال ‪ :‬جاري يؤذيين ‪ ،‬قال ‪ :‬فيدعون عليه ‪ ،‬فجاء جاره فقال ‪ :‬رد متاعك فإين‬
‫أبدا ‪.‬‬
‫ال أؤذيك َ‬
‫وعن أيب هري رة رضي اهلل عنه ق ال ‪ :‬ج اء رجل إِىَل رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫يش كو ج اره فق ال ‪ « :‬اذهب فاصرب » ‪ .‬فأت اه م رتني أو ثالثًا ‪ ،‬فق ال ‪ « :‬اذهب ف اطرح‬
‫متاعك يِف الطريق » ‪ .‬ففعل فجعل الن اس ميرونه ويس ألونه فيخ ربهم خرب ج اره ‪ ،‬فجعل وا‬
‫يلعنونه ‪ ،‬فعل اهلل به وفعل ‪ ،‬وبعضهم يدعو عليه ‪ ،‬فجاء إليه جاره ‪ ،‬فقال ‪ :‬ارجع فإنك لن‬
‫ت رى مين ش يئًا تكرهه ‪ .‬رواه أبو داود واللفظ له وابن حب ان يِف ص حيحه واحلاكم وق ال ‪:‬‬
‫ص حيح على ش رط مس لم وعن مطرف بن عبد اهلل ق ال ‪َ :‬ك ا َن يبلغين عنك حديث وكنت‬
‫أشتهي لقائك قال ‪ :‬هلل أبوك قَ ْد لقيتين فهات ‪ .‬قلت ‪ :‬حديث بلغين أن رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم حدثك ‪ ،‬قال ‪ « :‬إن اهلل عز وجل حيب ثالثة ويبغض ثالثة » ‪ .‬قال فال أخالين‬
‫أكذب على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪543‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫غزا يِف سبيل اهلل‬ ‫قال ‪ :‬فقلت فمن هؤالء الثالثة الذين حيبهم اهلل عز وجل قال ‪ :‬رجل َ‬
‫ب‬‫صابرا حمتسبًا فقاتل حىت قتل وأنتم جتدونه عندكم يِف كتاب اهلل عز وجل ‪ ﴿ :‬إِ َّن اللَّهَ حُيِ ُّ‬ ‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫وص ﴾ ‪.‬‬‫ص ٌ‬ ‫ين يُ َقاتلُو َن يِف َسبِيله َ‬
‫ص ّفاً َكأَن َُّهم بُنيَا ٌن َّم ْر ُ‬ ‫الذ َ‬
‫قلت ‪ :‬ومن ؟ قال ‪ ( :‬ورجل َك ا َن له جار سوء يؤذيه فيصرب على أذاه حىت يكفيه اهلل‬
‫إياه حبياة أو موت ) ‪ .‬فذكر احلديث رواه أمحد والطرباين واللفظ له وإسناده واحد إسنادي‬
‫أمحد رجاهلما حمتج هبم يِف الص حيح ورواه احلاكم وغ ريه بنح وه وق ال ‪ :‬ص حيح على ش رط‬
‫مسلم ‪.‬‬
‫وعن نافع بن احلارث رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬من‬
‫س عادة املرء اجلار الص احل واملركب اهلين واملس كن الواسع » ‪ .‬رواه أمحد ورواته رواة‬
‫الصحيح ‪.‬‬
‫وعن س عد بن أيب وق اص رضي اهلل عنه ق ال ‪ :‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ‪:‬‬
‫« أربع من الس عادة ‪ :‬املرأة الص احلة ‪ ،‬واملس كن الواسع ‪ ،‬واجلار الص احل ‪ ،‬واملركب اهلين ‪.‬‬
‫وأربع من الش قاء ‪ :‬اجلار الس وء ‪ ،‬واملرأة الس وء ‪ ،‬واملركب الس وء ‪ ،‬واملس كن الض يق » ‪.‬‬
‫رواه ابن حبان يِف صحيحه ‪.‬‬
‫وعن أيب هري رة رضي اهلل عنه ق ال ‪ :‬ق ال رجل ‪ :‬يا رس ول اهلل أن فالنة تك ثر من‬
‫وصالهتا وصدقتها وصيامها غري إهنا تؤذي جرياهنا بلساهنا ‪.‬‬
‫قال ‪ « :‬هي يِف النار » ‪ .‬قال ‪ :‬يا رسول اهلل فإن فالنة يذكر من قلة صيامها وصالهتا‬
‫وإهنا تتص دق ب األثوار من األقط وال ت ؤذي جرياهنا ‪ ،‬ق ال ‪ « :‬هي يِف اجلنة » ‪ .‬رواه أمحد‬
‫والبزار وابن حبان يِف صحيحه ‪ ،‬واحلاكم وقال ‪ :‬صحيح اإلسناد ‪.‬‬
‫أيضا ولفظه وهو لفظ‬ ‫ورواه أبو بكر بن أيب شيبة بإسناد صحيح ً‬

‫‪544‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫بعضهم قالوا ‪ :‬يا رسول اهلل فالنة تصوم النهار ‪ ،‬وتقوم الليل وتؤذي جرياهنا ‪ ،‬قال ‪ « :‬هي‬
‫يِف الن ار » ‪ .‬ق الوا ‪ :‬يا رس ول اهلل فالنة تص لي املكتوب ات وتص دق ب األثوار من األقط وال‬
‫تؤذي جرياهنا ‪ ،‬قال ‪ « :‬هي يِف اجلنة » ‪.‬‬
‫وعن فض الة بن عبيد رضي اهلل عنه ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ‪ « :‬ثالثة من‬
‫خريا دفنه ‪،‬‬
‫الفواقر ‪ ،‬إمام إن أحسنت مَلْ يشكر وإن أسأت مَلْ يغفر ‪ ،‬وجار سوء إن رأى ً‬
‫وإن رأى ش ًّرا أذاعه ‪ ،‬وام رأة إن حض رت آذتك وإن غبت عنها خانتك » ‪ .‬رواه الط رباين‬
‫بإسناد ال بأس به ‪.‬‬
‫ويف حديث أنس ‪ « :‬اثن ان ال ينظر اهلل إليهما يوم القيامة ق اطع رحم وج ار سوء » ‪.‬‬
‫وعلَى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬‫وصلى اهلل على حممد َ‬
‫( موعظة )‬
‫بعضا آية من اآلبيات وكان الرتاحم بينهم بالغًا‬ ‫عباد اهلل لقد َكا َن سلفنا يِف حمبة بعضهم ً‬
‫مبلغًا يع ده أهل اإلنص اف غاية الغاي ات ل ذلك َك انَوا يِف حمبة اخلري لبعض هم على أرقى َما‬
‫يتصور يِف الدرجات ‪.‬‬
‫وهل يتصور أن يكون يِف أشد اجلوع ويؤثر أخاه مباله من طعام عاملني بقوله تعاىل ‪﴿ :‬‬
‫اص ةٌ ﴾ وقوله ‪َ ﴿ :‬ويُطْعِ ُم و َن الطَّ َع َام على ُحبِّ ِه‬
‫ص َ‬
‫هِبِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َويُ ْؤث ُرو َن َعلَى أَن ُفس ِه ْم َولَ ْو َك ا َن ْم َخ َ‬
‫ِم ْس ِكيناً َويَتِيم اً َوأ َِس رياً ﴾ وبقوله ص لى اهلل عليه وس لم ‪ « :‬ال ي ؤمن أح دكم حىت حيب‬
‫ألخيه َما حيب لنفسه » ‪.‬‬
‫وإن اخلجل وحنن إذا فتشنا مث فتشنا ال جند قلبني مع بعضهما معية اإلخاء التام يكون‬
‫اجلار يِف هناية الفقر وال يلتفت إليه جاره املثري وينزل‬

‫‪545‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ب األخ الش قيق أو العم الش قيق أو حنومها َما ي نزل من الك وارث وال أثر لنزوهلا عند أخيه وال‬
‫َكأنَه ي رى تلك املص ائب الفادحة ولعلك منتظر اجلواب َما هو الس بب يِف ذلك ف ألق مسعك‬
‫وأحضر قلبك ‪.‬‬
‫فأقول ‪ :‬لكل الناس اليوم شغل واحد هو املال شغلهم عما عداه وأنساهم كل َما سواه‬
‫مأل القلوب حب هذا املال حىت مَلْ يبق يِف القلوب متسع لسواه فمن أجله تستباح األعراض‬
‫ومن أجله تراق الدماء ومن أجله يكون الصفا واملعاداة هو القطب الذي تدور حوله أفعال‬
‫العباد يِف هذا الزمان ‪.‬‬
‫فالقلوب يِف سرور َما دام املال ساملا وإن اهنار بناء الشرف والدين والنفوس يِف هدوء‬
‫ً‬
‫وطمأنينة َما ابتعد عن املال ف إذا ق رب حوله ه اجوا هيج ان اجلم ال وهم يِف تواصل َما ْمَل‬
‫يتع رض للم ال ف إذا تع رض له انقطعت الص الت حىت بني األق ربني من آب اء وأمه ات وأوالد‬
‫وإخوان ‪.‬‬
‫وهذا من مثرات البخل قال بعضهم ‪ :‬البخيل يستعجل الفقر الذي هرب ِمْنه ويفوته الغىن الذي يطلبه فيعيش يِف الدنيا عيش الفقراء‬
‫وحياسب حس اب األغني اء فالبخيل هو الوحيد ال ذي يستبشر ورثته مبرضه وموته وجتده ليله وهناره مس تغرق يِف مجع املال ال يفرت خوفًا من‬
‫الفقر وهذا هو الفقر كما قيل ‪:‬‬
‫َم َخافَ َة َف ْق ٍر فَالَّ ِذي َف َع َل الَْف ْق ُر‬ ‫ات ِفي َج ْم ِع َمالِِه‬ ‫اع ِ‬ ‫َو َم ْن ُيْنِف ِق َّ‬
‫الس َ‬
‫ع‬
‫اث َما يَ َد ُ‬ ‫ث والْو َّر ِ‬ ‫ولِل ِ ِ‬ ‫يل بِ َج ْم ِع ال َْم ِال ُم َّدتَهُ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْحَواد َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫آخر‪ُ :‬ي ْفني الَْبخ ُ‬
‫َوغَْي ِر َها بِالَّ ِذي َتْبنِ ِيه َيْنَتِف ُع‬ ‫ود ِة الِْقِّز ما َتبنِ ِ‬
‫ييه َي ْه ِد ُم َها‬ ‫َك ُد َ‬
‫َ ْ‬
‫(‬ ‫آخر‪:‬‬
‫لَِوا ِرثِِه َويَ ْدفَ ُع َع ْن ِح َم ُاه‬ ‫ص َتَر ُاه يُِل ُّم َو ْفًرا‬‫َو ِذي ِح ْر ٍ‬
‫يسَتهُ لَِيأْ ُكَل َها ِسَو ُاه‬
‫ف(َ ِر َ‬ ‫ك َو ُهَو طَا ٍو‬ ‫الصْي ِد يَ ْم ِس َ‬
‫ْب َّ‬ ‫َك َكل ِ‬
‫(‬

‫‪546‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫أما علم ه ؤالء أن املال ال ذي َك ا َن بأي دينا َك ا َن قبلنا بيد إخواننا يِف اإلنس انية ال ذين‬
‫س بقونا إِىَل ال دنيا مث انتقل على من بع دهم من جيل إِىَل جيل إِىَل أن وصل س عد به ص رفه‬
‫مراضي اهلل وشقي به من صرفه يِف َما يغضب اهلل ‪.‬‬
‫ولعلك يا أخي تتكدر إذا علمت أنه سينتقل عنك يِف أسرع وقت فال تفزع وال تتكدر‬
‫ووطن نفسك وأعلم أنك واهلل ميت وم وروث عنك َما مجعت ومنعت رغم أنفك يتمتع به‬
‫قرشا ‪.‬‬‫وقرشا ً‬ ‫ذلك الوارث العاق أو البار وأنت تسأل عنه هللة ً‬
‫منوعا شقاءً تستغيث فال تغاث وتتمىن لو َك انَت الدنيا‬ ‫مجوعا ً‬ ‫وتكون النتيجة إن كنت ً‬
‫بيدك وافتديت نفسك هبا تكون النتيجة ذلك إن كنت من املغرورين الغافلني الذين ظنوا أن‬
‫الس عادة كلها تيسري مجع املال وتكديسه عن دك آالفًا وماليني وعم ائر وفلل وأراضي وبيوت‬
‫كدأب أهل هذا العصر الغافل املظلم باملعاصي والبدع واملنكرات ‪.‬‬
‫ال ذي اعت اض أهله عن كت اب اهلل وس نة رس وله العك وف على اجلرائد محالة الك ذب‬
‫واجملالت اخلليع ات والكتب اهلدامات واجلل وس ح ول املالهي واملنك رات فس وف تن دم‬
‫وتتحسر حينما ينكشف عنك الغطا ويت بني لك ذلك اخلطأ وتتمىن أنك أمض يت أوقاتك يِف‬
‫طاعة موالك وهيهات أن حيصل لك مناك ذهب األوان وبقي الندم واحلرمان ‪.‬‬
‫يب * َوقَالُوا َآمنَّا ب ِِه‬
‫ان قَ ِر ٍ‬‫قال تعاىل ‪ ﴿ :‬ولَو َت رى إِ ْذ فَ ِزع وا فَاَل َف وت وأُ ِخ ُذوا ِمن َّم َك ٍ‬
‫ْ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ َ‬
‫ان بعِ ٍ‬
‫يد‬ ‫ٍ‬ ‫يد * وقَ ْد َك َف روا ب ِِه ِمن َقب ل وي ْق ِذفُو َن بِالْغَي ِ ِ‬
‫ٍ ٍِ‬ ‫وأَىَّن هَل م التَّنَاو ِ‬
‫ب من َّم َك َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ ََ‬ ‫ُ‬ ‫ش من َم َك ان بَع َ‬ ‫َ ُُ ُ ُ‬
‫يب ﴾‬ ‫َش ي ِ‬
‫اع ِهم ِّمن َقْب ُل إِن َُّه ْم َك انُوا يِف َش ٍّ‬
‫ك ُّم ِر ٍ‬ ‫* و ِحيل بْيَن ُهم وبنْي َ ما ي ْش َت ُهو َن َكما فُع ِ‬
‫ِل بأ ْ َ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ َ ْ ََ َ َ‬
‫‪.‬‬
‫لقد أنسى حب هذا املال َما هلم من شرف ومروءة ودين‬

‫‪547‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وجعلهم حول حطام الدنيا كما وصفهم الشافعي رمحه اهلل ‪:‬‬
‫اجتِ َذ ُاب َها‬
‫الب َه ُّم ُه َّن ْ‬
‫ِ‬
‫َعلَْي َها ك ٌ‬ ‫َو َما ِه َي إِال ِجي َفةٌ ُم ْسَت ِحيلَةٌ‬
‫الب َها‬
‫كك ُ‬
‫وإِ ْن تَجَت ِذبها نَ َاز َعْت َ ِ‬
‫َ ْ َْ‬ ‫ت ِسل ًْما أل َْهِل َها‬ ‫فَِإ ْن تَ ْجَتنِْب َها ُكْن ُ‬

‫أما علم وا أن املال من خ دم ال دين ف إذا جتاوز ذلك َك ا َن نكبة على أص حابه وك ذاك‬
‫وعلَى أنفسهم وك ذلك الزوجة ول ذلك‬ ‫األوالد إن َك انَوا غري ص احلني فهم ضرر على أبيهم َ‬
‫ورد عن داود عليه السالم أنه َك ا َن يقول ‪ ( :‬اللهم إين أعوذ بك من جار السوء ومن مال‬
‫علي ع ذابًا ومن ولد يك ون وب االً ومن زوجة تش يبين قبل املش يب ومن خليل م اكر‬ ‫يك ون َّ‬
‫شرا أفشاه ) ‪.‬‬ ‫خريا أخفاه وان رأى ً‬ ‫عينه ترعاين وقلبه يشناين إن رأى ً‬
‫وقيل إنه س ئل عيسى عليه الس الم عن املال فق ال ‪ :‬ال خري فيه ‪ .‬قيل ‪ :‬ومل يا نيب اهلل ؟‬
‫ق ال ‪ :‬ألنه جيمع من غري حل ‪ .‬قيل ‪ :‬ف إن مجع من حل ؟ ق ال ‪ :‬ال ي ؤدى حقه ‪ .‬قيل ‪ :‬ف إن‬
‫أدى حقه ؟ قال ‪ :‬ال يسلم صاحبه من الكرب واخليالء ‪ .‬قيل ‪ :‬فإن سلم ؟ قال ‪ :‬يشغله عن‬
‫ذكر اهلل ‪ .‬قيل ‪ :‬فإن مَلْ يشغله ‪ .‬قال ‪ :‬يطيل عليه حسابه يوم القيامة ‪.‬‬
‫فتأمل هذه العقبات اخلمس وقليل من يتجاوزها ساملا وورد عن عطاء بن السائب عن‬
‫ً‬
‫أيب البخرتي قال ‪َ :‬ك ا َن بني عمار بن ياسر وبني رجل كالم يِف املسجد فقال عمار ‪ :‬أسأل‬
‫اهلل تع اىل إن كنت كاذبًا أن ال مييتك حىت يك ثر مالك وول دك وي وطئ عقبك ‪ .‬وورد عن‬
‫حذيفة ق ال رس ول اهلل ‪ « : ‬خي اركم يِف املائتني كل خفيف احلاذ » ‪ .‬ق الوا ‪ :‬يا رس ول اهلل وما اخلفيف احلاذ ؟ ق ال ‪« :‬‬
‫الذي ال أهل له وال ولد » ‪.‬‬
‫ول الَّ ِذي يرجو ِمن ِ‬
‫اهلل َع ْفَُوه‬ ‫ِش ْعًرا‪َ :‬ي ُق ُ‬
‫َْ ُ َ‬
‫اجالً غَْير ِ‬
‫آج ِل‬ ‫صرا َع ِ‬
‫َ‬ ‫وه نَ ْ ً‬
‫َوَي ْر ُج ُ‬
‫اء ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ل َم ْن َيتَّقي ال َْم ْولَى َوَي ْر ُجو لَق َ‬
‫س بِ َسائِ ِل‬
‫َّاس لَْي َ‬
‫ول الن ُ‬‫َو َع َّما َي ُق ُ‬

‫‪548‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ول بِحم ِد ِ‬
‫اهلل َق ْوالً ُمَنَّق ًحا‬ ‫أَقُ ُ َ ْ‬
‫اصر ِفي ال َْم َسائِ ِل‬ ‫َن َف ْه ِمي قَ ِ‬ ‫َولَْو أ َّ‬
‫يح َشَو ِاه ٌد‬ ‫الص ِر ِ‬
‫َّص َّ‬ ‫َعَلْي ِه ِم ْن الن ِّ‬
‫إِ َذا ُقلْتُهُ َي ْه ِوي لَهُ ُك َّل َع ِاق ِل‬
‫أ َِسُّر بِ َما بِي َوال ُْعيُو ُن َعَوابٌِر‬
‫بِ َد ْم ٍع على الْ َخ َّديْ ِن ثَ ًّجا بَِوابِ ِل‬
‫الم َق ْلِبي َكأَنَّهُ‬ ‫َو ِفي ُم َّد ِعي ا ِإل ْس ِ‬
‫س َعْن ُه ْم بِ َذ ِاه ِل‬ ‫ِ‬
‫َعَلى ال ُْم ْه ِل مْن ُه ْم لَْي َ‬
‫فَ َما َبْي َن َد ْه ِري َو َما َبْي َن ُم ْش ِر ٍك‬
‫الم َغْي ُر الَْقالئِ ِل‬ ‫ِ‬
‫َولَ ْم َي ْع ِرف ا ِإل ْس َ‬
‫َولَْو بَ َذلُوا األ َْمَو َال َن ْفالً لَِرِّبنَا‬
‫اع ال ِغنَى بِالنََّو ِاف ِل‬ ‫ض َ‬ ‫ض َ‬ ‫إِ َذا الَْف ْر ُ‬
‫يث َو َر َاءنَا‬ ‫ْح ِد َ‬ ‫اب َوال َ‬
‫ِ‬
‫َتَر ْكنَا الْكَت َ‬
‫َّه ُاز ِل‬ ‫َج ِل مج ٍ‬
‫ت بِالت َ‬ ‫الت أَتَ ْ‬ ‫أل ْ َ َ‬
‫ود ِمنَّا َع ُد َّونَا‬ ‫ص َ‬ ‫ص َل ال َْم ْق ُ‬‫لََق ْد َح َّ‬
‫اص ِل‬‫ودنَا ِمْن ُهم َفلَْيس بِح ِ‬ ‫ص ُ‬
‫ْ َ َ‬ ‫َو َم ْق ُ‬
‫م َشينا ج ِميعا ِفي فَس ِاد ص ِ‬
‫الحَنا‬ ‫َ َ‬ ‫َ َْ َ ً‬
‫اسًرا غَْيَر طَائِ ِل‬ ‫ورمَنا مراما َخ ِ‬
‫َ ُ ْ ََ ً‬
‫ب األَ ْع َداءُ ِمنَّا ألََّنَنا‬ ‫ِ‬
‫َوتَ ْسَت ْعج ُ‬
‫ْحَبائِ ِل‬‫ادنَا بِال َ‬
‫صطَ ُ‬ ‫َك ِمثْ ِل الَْقطَا تَ ْ‬
‫ب‬‫ت بَِنا األَ ْع َداءُ ِم ْن ُك ِّل َجانِ ٍ‬ ‫َحاطَ ْ‬‫أَ‬
‫وه ِ‬
‫آلك ِل‬ ‫َكأَنَّا طََع ٌام قَ َّد ُم ُ‬ ‫ج‬

‫‪549‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ص ُاروا بِ َح ًارا ُي ْغ ِر ُق الُْفل َ‬


‫ْك َم ْو ُج َها‬ ‫َو َ‬
‫ْج َدا ِو ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َونَ ْح ُن لَ ُه ْم ص ْرنَا َكمثْ ِل ال َ‬
‫ْح ْر ِ‬ ‫ِِ‬
‫ب ُقَّو ًة‬ ‫ع األَ ْع َداء لل َ‬
‫َونَ ْخَت ِر ُ‬
‫ت َم ْن لَ ْم يُ ِط ُع بِالَْقَنابِ ِل‬ ‫َوقَ ْد َه َّد َد ْ‬
‫ص ِاد ٌم‬ ‫ِ ِ‬
‫يم ُم َ‬ ‫س لََنا منَّا َزع ٌ‬ ‫َولَْي َ‬
‫ت َتَت َمطَّى َما لَ َها ِم ْن ُمَقابِ ِل‬ ‫أَتَ ْ‬
‫ض ًعا‬‫اب َتَوا ُ‬ ‫َونَ ْح َن َهَبطَْنا لِلتُّر ِ‬
‫َ‬
‫يف الَْقس ِ‬
‫اط ِل‬ ‫نُِري ُد نَجاحا ِمن َخِف ِ‬
‫َ‬ ‫َ ً ْ‬
‫( َفَتبًّا لَِعْب ٍد َّ‬
‫الدنَانِي ِر ُكلُّ ُه ْم‬
‫ب َج ِاه ٍل ُمَت َع ِاق ِل )‬ ‫َوَتبًّا لِ َخ ٍّ‬
‫َوَتبًّا لَِق ْوٍم َعَّز ِفي ِه ْم َسِف (ُيه ُه ْم‬
‫اض ِل‬‫وصار َذلِيالً ِعْن َد ُهم ُكل فَ ِ‬
‫ْ ُ‬ ‫َ ََ‬
‫ان ِعُّز َع ُدِّو ِه ْم‬ ‫وِمن أَ ْعظَ ِم الْ ُخسر ِ‬
‫َْ‬ ‫َ ْ‬
‫َوذُلِّ ُه ْم ِم ْن َب ْع َد ِعِّز األََوائِ ِل‬
‫ْح ِال َش ْو َك ًة‬ ‫ت لِ ِإلس ِ ِ‬
‫الم في ال َ‬ ‫َفَيا لَْي َ ْ‬
‫اه ُم ُك َّل َج ِاه ِل‬ ‫ٍ‬
‫ذُووا نَ ْج َدة يَ ْخ َش ُ‬
‫ت َم ْج ًدا َو َجنَّ ًة‬ ‫ِر َج ٌ‬
‫ال َيَر ْو َن ال َْم ْو َ‬
‫ْح ِ‬
‫الح ِل‬ ‫الذ ِّل ِم ْن ِف ْع ِل ُّ‬
‫الصُقو ِر ال ِ‬ ‫َع ِن ُّ‬
‫ود َع ِن الدِّي ِن الَْق ِو ِيم بِ َسْيِف َها‬
‫تَ ُذ ُ‬
‫يع األ ََر ِاذ ِل‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َوم ْن أ َْرض َها َتْنفي َجم َ‬
‫اللهم اختم بالسعادة آجالنا وحقق بالزيادة أعمالنا واقرن بالعافية غدونا‬

‫‪550‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وآصالنا واجعل إِىَل رمحتك مصرينا ومآلنا واصبب سجال عفوك على ذنوبنا ومن بإصالح‬
‫عيوبنا واجعل التق وى زادنا ويف دينك اجتهادنا وعليك توكلنا واعتمادنا إهلنا ثبتنا على هنج‬
‫االس تقامة وأع ذنا من موجب ات الندامة ي وم القيامة واغفر لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني‬
‫وعلَى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬‫برمحتك يا أرحم الرامحني ‪ .‬وصلى اهلل على حممد َ‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫ومما حث الشارع عليه وهو من سنن املرسلني إكرام الضيف قال اهلل تعاىل عن اخلليل‬
‫ني * إِ ْذ َد َخلُ وا َعلَْي ِه َف َق الُوا َس اَل ماً‬ ‫ِ‬ ‫ف إِب ر ِ‬
‫ض ْي ِ‬ ‫اك ح ِ‬
‫يم الْ ُم ْك َرم َ‬‫اه‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫يث‬
‫ُ‬ ‫د‬ ‫عليه السالم ‪َ ﴿ :‬ه ْل أَتَ َ َ‬
‫لِه فَ َج اء بِعِ ْج ٍل مَسِ ٍ‬
‫ني * َف َقَّربَ هُ إِلَْي ِه ْم قَ َال أَاَل‬ ‫غ إِىَل أَه ِ‬
‫ْ‬ ‫قَ َال َس اَل ٌم َق ْو ٌم ُّمن َك ُرو َن * َف َرا َ‬
‫تَأْ ُكلُو َن ﴾ ‪.‬‬
‫ويذكر أنه َكا َن ال يأكل طعامه إال مع ضيف وإن مَلْ يأته أحد خرج يلتمس ضي َفا وقال‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم ‪ « :‬من َك ا َن ي ؤمن باهلل والي وم اآلخر فليك رم ض يفه » ‪ .‬ورغب فيها‬
‫صلى اهلل عليه وسلم وقال ‪ « :‬من أقام الصالة وآتى الزكاة وصام رمضان وقرى الضيف‬
‫دخل اجلنة» ‪.‬‬
‫وقال صلى اهلل عليه وسلم لعبد بن عمرو رضي اهلل عنهما ‪ « :‬فإن جلسدك عليك حقَّا‬
‫وإن لعينك عليك حقَّا وإن لزورك عليك حقَّا » ‪ .‬واحلديث رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫وعن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال ‪ :‬جاء رجل إِىَل النيب صلى اهلل عليه وسلم فقال ‪ :‬إين‬
‫جمهود فأرسل إِىَل بعض نسائه فقالت ‪ :‬ال والذي بعثك باحلق َما عندي إال ماء مث أرسل إِىَل‬
‫األخرى فقالت ‪ :‬مثل ذلك حىت قلن كلهن مثل ذلك ‪ :‬ال والذي بعثك باحلق َما عندي إال‬
‫ماء ‪.‬‬

‫‪551‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫فقال ‪ « :‬من يضيف هذا الليلة رمحه اهلل » ‪ .‬فقام رجل من األنصار فقال ‪ :‬أنا يا رسول‬
‫اهلل فانطلق به إِىَل رحله فقال المرأته ‪ :‬هل عندك شيء ؟ قالت ‪ :‬ال إال قوت صبياين قال ‪:‬‬
‫فعلليهم بشيء فإذا أرادوا العشاء فنوميهم فإذا دخل ضيفا فأطفئي السراج ورأيه أنا نأكل ‪.‬‬
‫ويف رواية فإذا أهوى ليأكل فقومي إِىَل السراج حىت تطفئيه قال ‪ :‬فقعدوا وأكل الضيف‬
‫وباتا طاويني فلما أصبح غدا على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال ‪ « :‬قَ ْد عجب اهلل‬
‫من ص نيعكما بض يفكما » ‪ .‬زاد يِف رواية ف نزلت ه ذه اآلية ﴿ َويُ ْؤثُِرو َن َعلَى أَن ُف ِس ِه ْم َولَ ْو‬
‫اصةٌ ﴾ ‪.‬‬ ‫هِبِ‬
‫ص َ‬‫َكا َن ْم َخ َ‬
‫وعن أيب شريح خويلد بن عمرو رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‬
‫‪ « :‬من َكا َن يؤمن باهلل واليوم اآلخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة والضيافة ثالثة أيام فما‬
‫َك ا َن بعد ذلك فهو صدقة وال حيل له أن يثوي عنده حىت حيرجه » ‪ .‬رواه مالك والبخاري‬
‫ومسلم ‪.‬‬
‫وعن أيب هريرة رضي اهلل عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ « :‬أميا ضيف نزل بقوم‬
‫حمروما فله أن يأخذ بق در ق راه وال ح رج عليه » ‪ .‬رواه أمحد ورواته ثق ات‬ ‫فأص بح الض يف ً‬
‫واحلاكم ‪.‬‬
‫وعن شهاب بن عباد أنه مسع بعض وفد عبد القيس وهم يقولون ‪ :‬قدمنا على رسول‬
‫اهلل ص لى اهلل عليه وس لم فاش تد ف رحهم فلما انتهينا إِىَل الق وم أوس عوا لنا ف رحب بنا رس ول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم ودعا لنا ‪.‬‬
‫مث نظر إلينا فقال ‪ « :‬من سيدكم وزعيمكم » ‪ .‬فأشرنا مجيع إِىَل املنذر بن عائد فقال‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬أهذا األشج فكان أول يوم وضع عليه االسم لضربة َكانَت يِف‬
‫وجهه حبافر محار » ‪ .‬قلنا ‪ :‬نعم يا رس ول اهلل فتخلف بعد الق وم فعقل رواحلهم وضم‬
‫متاعهم ‪.‬‬

‫‪552‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫مث أخرج عيبته فألقى عنه ثياب السفر ولبس من صاحل ثيابه مث أقبل إِىَل النيب صلى اهلل‬
‫عليه وس لم َوقَ ْد بسط النيب ص لى اهلل عليه وس لم رجله واتكأ فلما دنا ِمْنه األشج أوسع‬
‫الق وم له وق الوا ‪ :‬ها هنا يا أشج فق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم واس توى قاع ًدا وقبض‬
‫رجله ‪ « :‬ها هنا يا أشج » ‪ .‬فقعد عن ميني رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ف رحب به‬
‫وألطفه وسأله عن بالدهم ومسى هلم قرية الصفا واملشقر وغري ذلك من قرى هجر ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬بأيب وأمي يا رسول اهلل ألنت أعلم بأمساء قرانا منا فقال ‪ « :‬إين وطئت بالدكم‬
‫وفسح يل فيها » مث أقبل على األنص ار فق ال ‪ « :‬يا معشر األنص ار أكروما إخ وانكم‬
‫وأبشارا أسلموا طائعني غري مكرهني وال موتورين إذ‬
‫ً‬ ‫أشباهكم يِف اإلسالم شيء بكم ً‬
‫أشعارا‬
‫أىب قوم أن يسلموا حىت قتلوا » ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فلما أصبحوا قال ‪ « :‬كيف رأيتم كرامة إخوانكم وضيافتهم إياكم » ‪ .‬قالوا ‪:‬‬
‫خري إخوان أالنوا فرشنا وأطابوا مطعمنا وباتوا وأصبحوا يعلمونا كتاب ربنا تبارك وتعاىل‬
‫وسنة نبينا حممد ‪ ‬فأعجب النيب ‪ ‬وفرح ‪ .‬رواه أمحد بإسناد صحيح ‪.‬‬
‫وإك رام الض يف يك ون حبسن اس تقباله ويقابله بوجه ويهش به ويبش وي رحب به ويؤهل ويظهر له من الس رور َما تطيب به نفسه‬
‫ويطمئن به قلبه من حسن حديث مما يناسب حاله ومقامه وابتسام ومداعبة يِف حشمه واحرتام وقدميًا قيل ‪:‬‬
‫ك‬ ‫ك ال َْم َسالِ ُ‬ ‫اك َوأ َْر َمْتهُ لَ َديْ َ‬
‫َقَر َ‬ ‫ك قَ ِ‬
‫اص ًدا‬ ‫إِ َذا ال َْم ْرءُ َوافَى َمْنزالً لَ َ‬
‫َوقُ ْل َم ْر َحًبا أ َْهالً َوَي ْو ٌم ُمَب َار ُك‬ ‫اس ًما ِفي َو ْج ِه ِه ُمَت َهلِّالً‬
‫فَ ُكن ب ِ‬
‫َْ‬
‫ك‬‫َع ُجوالً َوال َتْب َخ ْل بِ َما ُهَو َهالِ ُ‬ ‫يع ِم َن الِْقَرا‬ ‫ِ‬
‫ِّم لَهُ َما تَ ْسَتط ُ‬
‫َوقَد ْ‬
‫ك‬ ‫تَ َد َاولَهُ َزيْ ٌد َو َع ْم ُرو َو َمالِ ُ‬ ‫ِّم‬
‫ف ُمَتَقدٌ‬ ‫ت َسالِ ٌ‬ ‫يل َبْي ٌ‬ ‫ِ‬
‫َفَق ْد ق َ‬
‫ك)‬ ‫ضِ‬
‫اح ُ‬ ‫ف بِ َم ْن يَأْتِي بِِه َو ُهَو َ‬ ‫ف(َ َكْي َ‬ ‫( بَ َشا َشةُ َو ْج ِه ال َْم ْر ِء َخْيَر ِم ْن الِْقَرا‬

‫‪553‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫فَِإ ْحَي ُاؤ ُه َحًّقا أ ََمانَةُ ِذ ْك ِر ِه‬ ‫ٍ‬


‫ت ِذ ْكَر َم ْع ُروف تُ ِري ُد َحَياتُهُ‬ ‫آخر‪ :‬أَِم ْ‬
‫ج‬

‫يم قَ ْد ِر ِه‬ ‫(َفتص ِغير ُه ِفي الن ِ ِ‬ ‫صغِّْر ُه َي ْعظُ ْم ِفي ُّ‬
‫َّاس َت ْعظ ٌ‬ ‫َْ ُ‬ ‫وس َم َحلُّهُ‬ ‫النُف ِ‬ ‫َو َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫آخر‪َ :‬و َما لِي َو ْجهٌ ِفي اللَِّئ ِام َوال يَ ٌد‬
‫َولَك َّن َو ْج ِهي ل ْل َك ِر ِيم َع ِر ُ‬
‫يض‬
‫يم َم ِر ُ‬
‫يض‬ ‫إِ َذا أَنَا ال َقْي َ َِّ‬
‫ت اللئ َ‬ ‫أ َِح ُّن إِ َذا ال َقْيُت ُه ْم َو َكأَنَّنِي‬
‫بِ(ِمثْ ِل الْبِ ْش ِر َوالَْو ْج ِه الطَِّل ِيق‬ ‫ِ ِ‬
‫وها‬‫ب ال َْم َحام َد طَالبُ َ‬ ‫آخر‪(َ :‬و َما ا ْكتَ َس َ‬
‫يل‬ ‫بِ(ِمثْ ِل أ ََد ِاء ما ا ْفترض ال ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْجل ُ‬ ‫َ ََ َ َ‬ ‫وها‬
‫ب ال َْم َعالي طَالبُ َ‬ ‫آخر‪َ :‬و َما ا ْكَت َس َ‬
‫اء َم ْن َكا َن َعابِ َسا‬ ‫ضَ‬ ‫َولَ ْن َي ْع ِدِم الَْب ْغ َ‬ ‫َخو الْبِ ْش ِر َم ْح ُمو ٌد على ُح ْس ِن بِ ْش ِر ِه‬ ‫آخر‪ :‬أ ُ‬
‫ت َد َو ُام َها‬ ‫َقَو ٌام فَِف ِيه لَْو َعِل َم َ‬ ‫آخر‪َ :‬ي ُقولُو َن لِي َه ْل لِل َْم َكا ِرِم َوال ُْعلَى‬
‫الر ْح َم ِن فَ ِهي َقَو ُام َها‬ ‫اعةُ َّ‬ ‫َن َع ْم طَ َ‬ ‫يحا ُم َحَّقًقا‬ ‫ْت لَهم َقوالً ِ‬
‫صح ً‬ ‫َف ُقل ُ ُ ْ ْ َ‬
‫ضل الَّ ِذي َش َمال‬ ‫لِ َخالِ ِق ِذي الَْف ْ‬ ‫ص ال َْع َمال‬ ‫آخر‪ :‬ال يُ ْد ِر ُك ال َْم ْج ُد َم ْن لَ ْم يُ ْخِل ِ‬
‫اهلل ُم ْمَتثِال‬
‫أَ ْخالقُهُ وأل َْم ِر ِ‬
‫َ‬ ‫ت‬ ‫ال ال ُْعال إِال الَّ ِذي َش ُرفَ ْ‬ ‫َوال َيَن ُ‬
‫يب‬
‫صع ُ‬
‫ات تَ ْ ِ‬ ‫وس لَ َدى الْحاج ِ‬
‫َ َ‬ ‫ف(َِفي ال ُْعبُ ِ‬ ‫ت ِفي‬ ‫اح إِ َذا َما ِجْئ َ‬ ‫الس َم ِ‬ ‫آخر‪ِ :‬جيء بِ َّ‬
‫ك م ْهما استطَع َ ِ‬ ‫ضيلَتِ ِه‬‫ضةُ الْمر ِء ُتْنبِي َعن فَ ِ‬
‫يب‬
‫ت َت ْقط ُ‬ ‫فَال يَ ُك ْن لَ َ َ َ ْ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫اح َ ْ‬ ‫َغَسَرَم َ‬
‫يب‬ ‫ِ‬ ‫ص ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ضْيِفي َقْب َل إِْنَز ِال َر ْحِل ِه‬ ‫ُض ِ‬
‫ب عْندي َوال َْم َح ُّل َجد ُ‬ ‫َويُ ْخ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫اح ُ‬ ‫آخر‪ :‬أ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضي ِ‬ ‫وما الْ َخص ِ ِ‬
‫َولَكن ََّما َو ْجهُ الْ َك ِر ِيم َخص ُ‬
‫يب‬ ‫اف أَ ْن يَ ْكُثَر‬ ‫ب لألَ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬
‫الْ ُقَرى‬
‫ذرعا ويتنكد عليه‬
‫وال يريه من فق ره وس وء حاله وقلة ذات اليد فإنه رمبا ض اق ب ذلك ً‬
‫املقام ويتكدر لتلك الشكوى مث إن َكا َن عاقالً صاحب دين َر َّق‬

‫‪554‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫له ورمحة وقدم َما عنده له وانعكست املسألة فأصبح ضي ًفا عليه صاحب املنزل بعد أن َك ا َن‬
‫ضي ًفا له ‪.‬‬
‫وإن َكا َن جاهالً غري دين شتمك وذمك وخرج من عندك ساخطًا يقول ‪َ :‬ما ال ينبغي‬
‫وينسب إليك أش ياء رمبا أنك ب ريء ِمْن َها وال حتتقر َما عن دك بل ق دم له َما تيسر من الطع ام‬
‫والشراب كما هي طريقة السلف الصاحل رضي اهلل عنهم فإهنم َك انَوا يقدمون للضيف ولو‬
‫يسريا ويقولون ‪ :‬هو أحسن من العدم ‪.‬‬ ‫َكا َن شيئا ً‬
‫َوقَ ْد دخل ضيف على عمر بن عبد العزيز رضي اهلل عنه فقدم له نصف رغيف ونصف‬
‫خي ارة وق ال له ‪ :‬كل ف إن احلالل يِف ه ذا الزم ان ال حيتمل الس رف ‪ .‬وأخرج س لمان رضي‬
‫وملحا وقال ‪ :‬لوال أن رسول اهلل ‪ ‬هنانا عن التكلف لتكلفت لك ‪.‬‬ ‫خبزا ً‬‫اهلل عنه إِىَل ضيف ً‬
‫وق ال إب راهيم النخعي رضي اهلل عنه ‪ :‬إن اإلنس ان ال يبخل مبا تيسر ظانًا أنه ال يليق بض يفه‬
‫وأهنا ال تتم الضيافة به وأنه ال يذكر معه خبري فخري له أن يقال ‪ :‬جاد مبا لديه ‪ .‬من أن يقال‬
‫فيه ‪ :‬أغلق بابه وغيب وجهه عن ضيف نزل به ‪.‬‬
‫ويف احلديث عن ج ابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنه دخل عليه نفر من أص حاب النيب ‪‬‬
‫خبزا وخالً فقال ‪ :‬كلوا فإين مسعت رسول اهلل ‪ ‬يقول ‪ « :‬نعم اإلدام اخلل » ‪.‬‬ ‫فقدم إليهم ً‬
‫إنه هالك بالرجل أن ي دخل إليه النفر من إخوانه فيحتقر َما يِف بيته أن يقدمه إليهم وهالك‬
‫ب القوم أن حيتق روا َما ق دم إليهم ويف رواية ‪ :‬كفى ب املرء ش ًرا أن حيتقر َما ق دم إليهم ‪ .‬ويف‬
‫شرا أن حيتقر َما قدم إليه ‪.‬‬
‫رواية ‪ :‬كفى باملرء ً‬
‫وال ينبغي أن يستأثر خبري َما عنده من الرب واللحم والسمن والعسل والفاكهة وحنو ذلك‬
‫ويقدم لضيفه الرديء واجلاف والناشف أو َما يكرهه هو وأهله من رديء الطعام والشراب‬
‫وال جيب عليه إنزال الضيف يِف بيته ملا فيه‬

‫‪555‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ضررا‬ ‫ِ‬
‫مسجدا وال رباطًا وال حمال فيه وال خياف مْنه ً‬
‫ً‬ ‫من احلرج واملشقة إال أن ال جيد الضيف‬
‫على نفسه أو ماله أو أهله فليلزم إنزاله يِف بيته للضرورة فإن خاف فال يلزمه ‪.‬‬
‫وجيوز للضيف الشرب من كوز صاحب البيت واالتكاء على وسادة موضوعة وقضاء‬
‫حاجته يِف الص هروج أو الك نيف من غري اس تئذان بالفظ ألنه م أذون فيه عرفَا كق رع الب اب‬
‫عليه هذا إذ َكا َن قريبًا من حمل الضيف وإال فال بد من تنبيه ‪.‬‬
‫ِش ْع ًرا ‪:‬‬
‫القي َك َما القَى ُم ِج ُير أ ُُّم َع ِام ِر‬ ‫ي ِ‬
‫ُ‬ ‫وف ِفي غَْي ِر أ َْهِل ِه‬ ‫َو َم ْن يَ ْج َع ِل ال َْم ْع ُر َ‬
‫اب لَ َها َوأَظَ ِاف ِر‬
‫َفرتْهُ بِأَْنَي ٍ‬
‫َ‬ ‫ت‬‫ضلََّع ْ‬
‫َسَق َاها َو َر َّو َاها َفلَ َّما تَ َ‬
‫صل معروفًا إِلَى غَي ِر َش ِ‬ ‫َف ُقل لِ َذ ِوي الْمعر ِ‬
‫اك ِر‬ ‫ْ‬ ‫ُي(َو ِّ ُ َ ْ ُ‬ ‫وف َه َذا َجَزاءُ َم ْن‬ ‫َ ُْ‬ ‫ْ‬
‫وعلَى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫واهلل أعلم وصلى اهلل على حممد َ‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫وينبغي أن خيرج مع الض يف إذا خ رج وي دخل معه إذ دخل وحيفظ له دابته ومتاعه‬
‫ويقضي له حاجته وحيمل معه َما يش ريه لنفسه ويس عى يِف تس هيل الطريق له َما أمكن من‬
‫مساعدته على رخصة أمتعته وجواز سفر وحنوه ‪.‬‬
‫وينبغي للضيف أن يكون خفيف النفس لطي ًفا يفهم باإلشارة ‪ ،‬يباشر أعماله بنفسه وال‬
‫يكلف مضيفه ويشغله عن شئونه وال يكلفه فوق طاقته وال يتأفف ويتكره من طعام قدم إليه‬
‫وال يرتفع عن مكان أعد له وأنزل فيه وال يعيب شيئًا مما يراه ويغض بصره ويكف مسعه وال‬
‫يتجسس أخبار أهل البيت وال يتحكم باحلاشية وألطفال واخلدم ‪.‬‬
‫وال يطيل اإلقامة حىت حيرج صاحب املنزل كما يفعله الثقالء وال يقول‬

‫‪556‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وعلَى‬
‫إال خ ًريا وال يفعل إال فعل الك رام ال ذين يش كرون الص نيع ويك افئون على اإلحس ان َ‬
‫املض يف أن حيتسب األجر من اهلل على فعله املع روف ويغتنم مثل ه ذه األعم ال وال ي أل‬
‫جهدا يِف اصطناع املعروف مهما أمكنه ذلك فقد قال ‪ « : ‬صناع املعروف تقي مصارع السوء » ‪ .‬وقال‬
‫ً‬
‫علي رضي اهلل عنه ‪ :‬ال يزهدك يِف املعروف كفر من كفره فقد يشكر الشاكر بأضعاف جحود الكافر وقال الشاعر ‪:‬‬
‫َّاس‬ ‫ِ‬ ‫َم ْن َي ْف َع َل الْ َخْيَر ال َي ْع َد ُم َجَوا ِزيَهُ‬
‫ف َبْي َن اهلل َوالن ُ‬ ‫ب ال ُْع ْر ُ‬
‫ال يَ ْذ َه ُ‬
‫ْج َاه إِ ْح َسا ُن‬
‫ك إِ َّن ال َ‬‫فَ ُج ْد بِ َج ِاه َ‬ ‫ود بِِه‬‫ك إِ ْح َسا ٌن تَ ُج ُ‬ ‫آخر‪ :‬إِ ْن لَ ْم يَ ُك ْن ِمْن َ‬
‫إِلَى غَْي ِر ِذي ُش ْك ٍر بِ َماَن َعتِي أُ ْخَرى‬ ‫صَن ْعُت َها‬
‫ورةٌ قَ ْد َ‬
‫ِ‬
‫آخر‪َ :‬و َما ن ْع َمةٌ َم ْش ُك َ‬
‫إِ َذا لَم أ ُِف ْد ُش ْكرا أَفَ ْد ُ ِ‬ ‫ت فَِإنَّنِي‬
‫َسآتِي َج ِميالً َما َحَيْي ُ‬
‫ت بِه أ ْ‬
‫َجَرا‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫حذرا من فواته ويبادر به خيفة عجزه ويتحرى األخيار الكرام كما يتحرى لزراعته‬ ‫قالوا ‪ :‬وينبغي ملن قدر إسدائه للمعروف أن يعجله ً‬
‫الري اض الطيبة وليح ذر من ب ذر املع روف باللئ ام األن ذال ف إهنم ك األرض الس بخة مترر املاء الع ذب وتفسد الب ذر وال ت أمن ِمْن ُه ْم أن ينالك‬
‫جزاء إحسانك إليهم سوء وقدميًا قيل ‪:‬‬
‫يُ َج ُازو َن بِالن َّْع َم ِاء َم ْن َكا َن مْن ِع َما‬ ‫صطَنِع إِال ال ِ‬
‫ْكَر َام فَِإَّن ُه ْم‬ ‫َوال تَ ْ ْ‬
‫صنِ َيع ًة‬ ‫ِ ِ‬
‫يَظَ ُّل على آثَا ِر َها ُمَتَندَ‬
‫ِّما‬ ‫َو َم ْن َيتَّخ ْذ عْن َد اللَِّئ ِام َ‬
‫َْح َسن َم ْو ِق ِع ِه‬ ‫ِ‬ ‫ت أَ ْن ُتع ِطي األُمور ح ُق ِ‬ ‫آخر‪ِ :‬إ َذا ِشْئ َ‬
‫َ(وتُوق َع ح ْك َم ال َْع ْد ِل أ ََْ‬ ‫وق َها‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫ْ‬
‫الش ْي َء ِفي َغْي ِر‬ ‫ض ُع َّ‬ ‫ك َو ْ‬‫فَظُل ُْم َ‬ ‫وف ِفي َغْي ِر أ َْهِل ِه‬ ‫صَن ِع ال َْم ْع ُر َ‬
‫فَال تَ ْ‬
‫ض ِعالثِهََّن ِاء َوِإ ْن أَ ْغَلى بِِه الث ََّمَنا‬
‫معوِن ِ‬
‫ََْ‬ ‫ِ ِ‬
‫يم الَّ ِذي ُي ْعطي َعطيََّتهُ‬ ‫س الْ َك ِر ُ‬‫آخر‪ :‬لَْي َ‬
‫ضى َربِِّه ال َيْبَت ِغي ثَ َمَنا‬ ‫ِ‬
‫ص ْد ِر َ‬ ‫َي ْق ُ‬ ‫يم الَّ ِذي ُي ْعطَى َعطيََّتهُ‬ ‫ِ‬
‫إ َّن الْ َك ِر ُ‬
‫َوال يَ ُم ُّن إِ َذا َما َقلَّ َد ال ِْمَنَنا‬ ‫ف ُم ْح َم َد ًة‬ ‫وال ي ِري ُد بِب ْذ ِل الْعر ِ‬
‫َ ُ َ ُْ‬
‫(‬

‫‪557‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وم ْشَت ٍه حم َد ُه لَ ِكن بِم َّج ِ‬


‫ان‬ ‫ْ َ‬ ‫َُ َْ‬ ‫آخر‪َ :‬ك ْم طَ ِام َع بِالثََّنا َم ْن َغْير بَ ْذ ِل يَ ٍد‬
‫(حتَّى يروا ِعْن َد ُه آثَار ِإ ْحس ِ‬ ‫س ِم ْن أَ ْن يَ ْح َم ُدوا َر ُجالً‬
‫ان‬ ‫َ َ‬ ‫َ ََ ْ‬ ‫َّاس أَ ْكَي ُ‬
‫َوالن ُ‬
‫َّاس بِالْحلم َوال َْع ْد ِل‬ ‫وسوا َكَر َام الن ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ف(َ ُ‬ ‫اد ًة‬
‫ض قَ َ‬ ‫َّاس ِفي األ َْر ِ‬ ‫آخر‪ِ :‬إ َذا ُكْنتُ ُمو لِلن ِ‬
‫َصَل ُح لِلن َّْذ ِل‬ ‫الذ َّل أ ْ‬ ‫يحا فَِإ َّن ُّ‬ ‫ص ِر ً‬
‫َ‬ ‫الذ ِّل َو ْح َد ُه‬ ‫وسوا لَِئ ُام الن ِ‬
‫َّاس بِ ُّ‬ ‫َو ُس ُ‬
‫الصَوا ِرِم‬ ‫آخر‪ :‬أَمر وأَمضى ِمن سم ِ‬
‫وف َّ‬ ‫السي ِ‬
‫ب ُّ ُ‬ ‫ض ْر ِ‬ ‫َوأ َْو َج ُع ِم ْن َ‬ ‫وم األ ََراقَ َم‬ ‫َ ُّ َ ْ َ ْ ُ ُ‬
‫اب نَ ْذ ٍل الرتِي ِاد الْمطَ ِ‬
‫اع ِم‬ ‫َعَلى بَ ِ‬ ‫ب‬ ‫وف َفَتى ُحِّر تَِق ٍّي ُم َه َّذ ٍ‬
‫َْ َ‬ ‫ُوقُ ُ ً‬
‫َع ِ‬
‫اج ِم‬ ‫ْك األ َ‬ ‫َعَلْي ِه َولَْو أَ ْعطَ ُاه ُمل َ‬ ‫ْحِّر لِلن َّْذل ُه ْجَنةٌ‬ ‫ص َد ال ُ‬ ‫أ(َال ِإ َّن قَ ْ‬
‫ك َب ْع َد َُم ْح َم َد ٍة تَ ُذُّم ْه‬ ‫الس ِ‬
‫بِأَنَّ َ‬ ‫وء فَا ْعَل ْم‬ ‫يق ُّ‬ ‫ص ِد َ‬ ‫آخر‪َ :‬مَتى تَ ْح َم ْد َ‬
‫(َفَل َّما َم َّسهُ أ ََر َاد ُه ُس َّم ْه‬ ‫ص ّل‬ ‫َك ِط ْف ٍل راقَةُ َتر ِقيش ِ‬
‫َ ْ ُ‬
‫ِ‬
‫ت َولَ ْم تَظُْف ْر بِ َح ْمد َوال أ ْ‬
‫َج ِر‬ ‫(ُرزئْ َ‬ ‫آخر‪(َ :‬مَتى تُ ْس ِد َم ْع ُروفًا ِإلَى َغْي ِر أ َْهِل ِه‬
‫َّع ِ‬ ‫ظ ِ‬ ‫َفلَ ْم أَنَل غَْير َح َّ‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫اإلثْ ِم َوالت َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َؤملُهُ‬
‫يما أ ِّ‬ ‫آخر‪َ :‬م َد ْحتُ ُك ْم طََع ًما ف َ‬
‫ب‬‫ط أ َْو َكَّف َارةُ الْ َك ِذ ِ‬ ‫ُجَرةُ الْ َخ ِّ‬ ‫فَأ ْ‬ ‫ب‬‫صلَةٌ ِمْن ُك ْم لِ ِذي أ ََد ٍ‬ ‫إِ( ْن لَم تَ ُكن ِ‬
‫ْ ْ‬
‫ْحَّر َذا الن ِ‬
‫ُّبل‬ ‫ت ال ُ‬ ‫تَ ْخ َشى األَ َذى إِ ْن أ ََهْن َ‬ ‫ش األَ َذى ِعْن َد إِ ْكَر ِام اللَّئِ ِيم َك َما‬‫آخر‪َ :‬وا ْخ َ‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫صيَّ َدا‬
‫يما تَ َ‬
‫ِ‬
‫صيَّ ُده الضِّْر َغ ُام ف َ‬‫تَ َ‬ ‫الض ِر َغ ِام لِ َّ‬
‫لصْي ِد بَ َاز ُه‬ ‫َو َم ْن يَ ْج َع ِل ِّ‬
‫ظ الَْي َدا‬ ‫ْحِّر الَّ ِذي يَ ْحَف ُ‬‫ك بِال ُ‬ ‫َ(و َم ْن لَ َ‬ ‫َحَر َار َكال َْع ْف ُو َعْن ُه ْم‬ ‫َو َما َقَت َل األ ْ‬
‫ت أَ ْكر ْم َ َِّ‬ ‫ِ‬ ‫يم َملَّ ْكَتهُ‬ ‫ِإ َذا أَنْ َ‬
‫يم تَ َمَّر َدا‬
‫ت اللئ َ‬ ‫َوإ َذا أَنْ َ َ‬ ‫ت الْ َك ِر َ‬ ‫ت أَ ْكَر ْم َ‬
‫ض ِع النَّ َدا‬ ‫ف ِفي مو ِ‬
‫َْ‬
‫السْي ِ‬
‫ض ِع َّ‬ ‫ضر َكَو ْ‬ ‫مِ‬
‫ُ‬ ‫ف ِبال ُْعال‬ ‫السْي ِ‬
‫ض ِع َّ‬ ‫ضع النِّ َدا ِفي مو ِ‬
‫َْ‬ ‫َفَو ْ ُ‬
‫اد ْه‬
‫ْف َع َ‬ ‫فَ َش ُّم الْو ْر ِد ب ْع َد الَْقط ِ‬
‫َ َ‬ ‫يم فَ ِم ْل ِإلَْي ِه‬ ‫ِ‬
‫آخر‪ :‬إ َذا ا ْفَتَقَر الْ َك ِر َ‬
‫اد ْه‬ ‫ت ال َْم ِاء ُت ْف ِس ُد ُه ِّ‬
‫الزيَ َ‬ ‫(َفَبْي ُ‬ ‫ص َّد َعْنهُ‬ ‫يم فَ ُ‬
‫َِّ‬
‫َ(وإ ْن أَْثَرى اللئ ُ‬
‫ِ‬
‫ب‬
‫صْ‬‫اع لَهُ بالَْق َ‬ ‫َ(ر َف ْعَنا ِّ‬
‫الرقَ َ‬ ‫اج ٍة‬ ‫ِ‬
‫آخر‪ِ :‬إ(َذا َما أََتْيَن ُاه في َح َ‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َحاجبِه يَ ْحَتج ْ‬
‫ب‬ ‫َ(و َحاج ُ‬ ‫ب‬‫ب ُدونَهُ َحاج ُ‬ ‫لَ(هُ َحاج ٌ‬
‫(‬ ‫(‬

‫‪558‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ات‬
‫ات َوتَ َار ٌ‬
‫ك تَ َار ٌ‬ ‫الس ْع ُد ال َش َّ‬‫َو َّ‬ ‫ْحَيا ُة بِِه ْم‬ ‫النَّاس بِالن ِ‬
‫َّاس َما َد َام ال َ‬
‫ات‬
‫اج ُ‬ ‫ضى على يَ ِد ِه لِلن ِ‬
‫َّاس َح َ‬ ‫ُت ْق َ‬ ‫َّاس َما َبْي َن الَْو َرى َر ُج ٌل‬ ‫ض ُل الن ِ‬ ‫َوأَفْ َ‬
‫ات‬ ‫ت ُم ْقَت ِد ًرا فَ َّ‬
‫الس ْع ُد تَ َار ُ‬ ‫َما ُد ْم َ‬ ‫َح ٍد‬ ‫ِ‬
‫ال تَ ْمَن َع َّن يَ َد ال َْم ْع ُروف َع ْن أ َ‬
‫ات‬
‫اج ُ‬ ‫ك ِعْن َد الن ِ‬
‫َّاس َح َ‬ ‫ك ال لَ َ‬ ‫إِلَْي َ‬ ‫ت‬‫اهلل إِ ْذ ُج ِعلَ ْ‬‫ضائِل صْن ِع ِ‬
‫َوا ْش ُك ْر فَ َ َ ُ‬
‫ات‬ ‫اش َق ْو ٌم َو ُه ْم ِفي الن ِ‬
‫َّاس أ َْمَو ُ‬ ‫َو َع َ‬ ‫ت َم َكا ِر ُم ُه ْم‬‫ات َق ْو ٌم َو َما َماتَ ْ‬
‫قَ ْد َم َ‬
‫ندما وكم من معول على مكنة فأورثت خجالً كما قيل ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫وال يهمله ثقة مْنه بظن القدرة عليه فكم من واثق بالقدرة فاتت فأعقبت ً‬
‫ت الَْواثِ َق الْ َخ ِجال‬ ‫َحتَّى ْابتُِل ُ‬
‫يت فَ ُكْن ُ‬ ‫َس َم ُع َك ْم ِم ْن َواثِ ٍق َخ َج ٍل‬ ‫َما ِزل َ‬
‫ْت أ ْ‬
‫ولو فطن لنوائب دهره وحتفظ من عواقب أمره لكانت مغامنه مدخورة ومغارمه حمبورة‬
‫فقد روي عن النيب ‪ ‬أنه ق ال ‪ « :‬من فتح عليه ب اب من اخلري فلينته زه فإنه ال ي دري مىت‬
‫يغلق عنه » ‪ .‬وروي عنه ‪ ‬أنه ق ال ‪ « :‬لكل ش يء مثرة ومثرة املع روف الس راح » ‪ .‬أي التعجيل وق ال بعض هم ‪ :‬من أخر‬
‫الفرصة عن وقتها فليكن على ثقة من فوهتا ‪.‬‬
‫َوقَ ْد تَأَخََّر لَ ْم يَ ْسَل ْم ِم َن الْ َك َد ِر‬ ‫ود الكريم إذا َما َكا َن َعن ِع َد ٍة‬ ‫ِش ْعًرا‪ُ :‬ج ُ‬
‫َن ْف ًعا إِ َذا ِه َي لَ ْم تُ ْم ِطحر على األَثَ ِر‬ ‫ب ال تُ ْج ِدي بَِوا ِر ُق َها‬ ‫ِإ َّن َّ ِ‬
‫الس َحائ َ‬
‫اج إِلَى الث ََّم ِر‬ ‫ب على َر ُج ٍل‬ ‫يا َدوح َة ال ِ‬
‫َي ُهُّز َها َو ُهَو ُم ْحَت ٌ‬ ‫ْجود ال َعْت ٌ‬ ‫َ َْ ُ‬
‫ضى لَهُ تَطْ ِو َ‬
‫يلها‬ ‫ِعْن َد الَّ ِذي ُت ْق َ‬ ‫ِش ْعًرا‪ِ :‬إ َّن ال َْع ِطيَّ َة ُربَّ َما أَزى بَِها‬
‫َن تَ َم َام َها َت ْع ِجيلُ َها‬ ‫ت لِص ِ‬
‫فَا ْعَل ْم بِأ َّ‬ ‫اج ًة‬
‫ك َح َ‬
‫ب لَ َ‬ ‫اح ٍ‬ ‫ض ِمْن َ َ‬ ‫ف(َِإ َذا َ‬
‫فَ(ِإ َّن لِ ُك ِّل َخ ِافَق ٍة ُس ُكو ُن‬ ‫ك فَا ْغَتنِ ْم َها‬ ‫ت ِريَ ُ‬
‫اح َ‬ ‫آخر‪ :‬إِ َذا َهبَّ ْ‬
‫ف(َ َما تَ ْد ِري ُّ‬
‫الس ُكو ُن َمَتى يَ ُكو ُن‬ ‫ان ِف َيها‬‫وال َت ْغَفل َع ِن ا ِإل ْحس ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اإل ْحس ِ‬
‫ان إِ ْم َكا ُن‬ ‫وم على ِ َ‬ ‫َفلَ ْن يَ ُد َ‬ ‫َح ِس ْن إِ َذا َكا َن إِ ْم َكا ٌن َو َم ْق ِد َرةٌ‬
‫آخر‪ :‬أ ْ‬
‫فعلَى اإلنسان العاقل أن يساعد أخاه املسلم على فعل معروف أو دفع ملمة مباله وجاهه‬
‫َ‬
‫وال يقتدي مبن ال خري فيه ال يِف جاه وال مال يهمه إال نفسه‬

‫‪559‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫فقط قال الشاعر‪:‬‬


‫وف ِعْن َد َك مو ِ‬
‫ض ُع‬ ‫ك لِلْمعر ِ‬ ‫ت ال ُت ْر َجى لِ َدفْ ِع ُمِل َّم ِة‬
‫إِ َذا ُكْن َ‬
‫َْ‬ ‫َولَ ْم يَ ُ َ ْ ُ‬
‫ت ِفي َي ْوِم الِْقَي َام ِة تَ ْشَف ُع‬‫َوال أَنْ َ‬ ‫ت ذُو َج ٍاه ُي َع ِ‬
‫اش بَِرئْيِ ِه‬ ‫َوال أَنْ َ‬
‫ك أَْنَف ُع‬‫الل ِم ْن َحَياتِ َ‬ ‫ود ِخ ٍ‬
‫َو ُع ُ‬
‫كوِ‬
‫اح ُد‬ ‫الدْنَيا َو َم ْوتُ َ َ‬‫ك ِفي ُّ‬ ‫شَ‬ ‫َف َعْي ُ‬
‫وليحرص فاعل املعروف على ضيف أو غريه على جمانبة االمتنان وترك اإلعجاب بفعله‬
‫ملا يِف من إس قاط الش كر وإحب اط األجر فإنه قَ ْد روي عن املص طفى ‪ ‬أنه ق ال ‪ « :‬إي اكم‬
‫َّ ِ‬
‫واالمتن ان ب املعروف فإنه يبطل الش كر وميحق األجر » ‪ .‬مث تال ‪ ‬آية البق رة ﴿ يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫ين‬
‫ص َدقَاتِ ُكم بِالْ َم ِّن َواأل َذى ﴾ فاملان باملعروف واإلحسان غري حممود ويف ذلك‬ ‫ِ‬
‫َآمنُواْ الَ ُتْبطلُواْ َ‬
‫يقول الشاعر ‪:‬‬
‫سوبًا َوال ال َْمال بَ ِاقَيا‬
‫ْح ْم ُد َم ْك ُ‬
‫فَال ال َ‬ ‫الصا ِمن‬
‫ود لَ ْم ُي ْر َز ْق َخ ً‬ ‫إِ َذا ال ُ‬
‫ْج ُ‬
‫الألَ َذالعبىاس ‪ :‬ال يتم املع روف إال بثالث خص ال تعجيله وتص غريه وس رته ف إذا عجلته‬
‫وق ا‬
‫هنأته وإذا ص غرته عظمته وإذا س رتته متمته على أن سرت املع روف من أق وى أس باب ظه وره‬
‫وأبلغ دواعي نشره ملا جلبت عليه النفوس من إظهار َما خفي وإعالن َما كتم قال الشاعر ‪:‬‬
‫ِ‬
‫ت َكَّف ُاه َوا ْعَت َذ َرا‬‫اك َما َمَل َك ْ‬ ‫أَ ْعطَ َ‬ ‫َخ ٌّل إِ َذا ِجْئَتهُ َي ْو ًما لَت ْسأَلُهُ‬
‫يل ِإ َذا أَ ْخَفْيتُهُ ظََهَرا‬ ‫ِإ َّن ال ِ‬ ‫صَنائُِعهُ َواهللُ َي ْعَل ُم َها‬ ‫ِ‬
‫ْجم َ‬ ‫َ‬ ‫يُ( ْخفي َ‬
‫ك األَ ْخَب ُار تَطِْفيال‬ ‫َه َما َيبُثَّانِ َ‬ ‫َّاس َواألَيَّ ُام َع ْن َخَب ٍر‬ ‫ِ‬
‫آخر‪ :‬ال تَ ْسأَل الن َ‬
‫الس َما لَ ْم َي ْع ِط تَ ْك ِميال‬‫ف(َِإ َّن بَ ْد َر َّ‬ ‫اع أَ َخا‬ ‫ص الطَِّب ِ‬ ‫ب على َن ْق ِ‬ ‫ِ‬
‫َوال ُت َعات ْ‬
‫فَال بُ َّد أ َّ‬
‫َن الْ َخْيَر َي ْو ًما َسَيظ َْه ُر‬ ‫ِش ْعًرا‪ :‬إِ َذا ال َْم ْرءُ أَبْ َدى الْ َخْيَر ُم ْكَتتِ ًما لَهُ‬
‫ب التَِّق ُّي ال ُْم َشهَُّر‬‫س الث َّْو َ‬ ‫ِ‬
‫َك َما َي ْلب ُ‬ ‫َوي ْك َسى ِر َد ًاء بِالَّ ِذي ُهَو َع ِام ٌل‬
‫َوإِ ْن َخالَ َها تَ ْخَفى على الن ِ‬
‫َّاس ُت ْعلَ ِم‬ ‫آخر‪َ :‬و َم ْه َما تَ ُك ْن ِعْن َد ْام ِر ٍئ ِم ْن َخِلي َق ٍة‬

‫‪560‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫اللهم هب لنا ما وهبته ألوليائك وتوفنا وأنت راض عنا َوقَ ْد قبلت اليسري منا واجعلنا يا‬
‫موالنا من عبادك الذين ال خوف عليهم وال هم حيزنون واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني‬
‫وعلَى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬ ‫برمحتك يا أرحم الرامحني وصلى اهلل على حممد َ‬
‫( موعظة )‬
‫عباد اهلل إن الصالة من أعظم األمانات عندكم ‪ ،‬مطلوب ‪ ،‬منكم أن تؤدوها وتقيموها‬
‫ني ﴾ وق ال ‪:‬‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫ات َّ ِ‬ ‫الص لَو ِ‬ ‫ِ‬
‫وم واْ للّ ه قَ انت َ‬ ‫والص الَة الْ ُو ْس طَى َوقُ ُ‬ ‫ق ال تع اىل ‪َ ﴿ :‬ح افظُواْ َعلَى َّ َ‬
‫ص لَ َواهِتِ ْم حُيَ افِظُو َن ﴾ فاهلل س بحانه أمرنا باحملافظة على الص الة يِف أوقاهتا‬ ‫ين ُه ْم َعلَى َ‬
‫َّ ِ‬
‫﴿ َوالذ َ‬
‫والقي ام فيها خاش عني خاض عني جلاللته وعظمته ‪ ،‬وجعلها طريق الف وز والس عادة يِف العاجل‬
‫اشعُو َن ﴾ ‪.‬‬ ‫واآلجل قال تعاىل ‪ ﴿ :‬قَ ْد أَْفلَح الْم ْؤ ِمنُو َن * الَّ ِذين هم يِف صاَل هِتِم خ ِ‬
‫َ ُْ َ ْ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ذلك أن الص الة الكاملة تنري القلب وهتذب النفس وتعلم العبد آداب العبودية هلل‬
‫وواجب ات الربوبية ‪ ،‬مبا تغرسه يِف قلب العبد املؤمن من إجالل اهلل وتعظيمه وتق ديره ‪،‬‬
‫والتجلي مبك ارم األخالق كالص ديق واألمانة والقناعة والوف اء واحللم واحلي اء والتواضع‬
‫والعدل والصرب واإلحسان ‪.‬‬
‫وتوجهه إِىَل م واله ‪ ،‬فتك ثر له مراقبته وخدمته حىت تعلو ب ذلك مهته ‪ ،‬وتق وى عزميته‬
‫وتزكو نفسه ‪ ،‬فيبتعد عن الك ذب واخليانة ‪ ،‬واألميان الكاذبة ‪ ،‬والشر والغ در والغضب‬
‫والكرب والري اء ‪ ،‬وي رتفع عن البغي والع دوان ‪ ،‬ودن اءة الفس وق والعص يان والفس اد ق ال اهلل‬
‫الص اَل َة َتْن َهى َع ِن الْ َف ْح َش اء َوالْ ُمن َك ِر َولَ ِذ ْكُر اللَّ ِه أَ ْكَب ُر َواللَّهُ َي ْعلَ ُم َما‬
‫تع اىل ‪ ﴿ :‬إِ َّن َّ‬
‫صَنعُو َن ﴾ ‪.‬‬
‫تَ ْ‬
‫فباحملافظة على الص الة تق وى النفس على احتم ال الش دائد ‪ ،‬وتثبت عند ن زول الباليا‬
‫واحملن ‪ ،‬ويسهل عليه البذل حالة الغىن واليسار ‪ ،‬قال اهلل‬

‫‪561‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫الش ُّر َجُزوع اً * َوإِ َذا َم َّس هُ اخْلَْي ر َمنُوع اً * إِاَّل‬


‫لِق َهلُوع اً * إِ َذا َم َّس هُ َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫تعاىل ‪ ﴿ :‬إ َّن اإْل َ‬
‫نس ا َن ُخ َ‬
‫ن﴾‬ ‫صاَل هِتِ ْم َدائِ ُمو َ‬
‫ين ُه ْم َعلَى َ‬
‫َّ ِ‬
‫ني * الذ َ‬ ‫صلِّ َ‬
‫الْ ُم َ‬
‫َو َكا َن بِ َما يَأ ُْم ْر بِِه اهللُ آتَِيا‬ ‫ِش ْعًرا‪ :‬إِ َذا أُلْ ِه َم ا ِإلنْ َسا ُن ِذ ْكًرا لَِربِِّه‬
‫ات َعالَِيا‬
‫السماو ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫(أل َْم ِر الذي َف ْو َق َّ َ َ‬ ‫ضِّي ًعا‬
‫َف َه َذا الَْفَتى ال َم ْن يَ ُكو ُن ُم َ‬

‫مث انظروا عباد اهلل ماذا َك ا َن من آثار ترك الصالة ‪َ ،‬ك ا َن من آثاره كثرة الشر ووسائل‬
‫الشر ‪ ،‬وانتشار الفواحش واملنكرات ‪ ،‬من سفور وآالت هلو وحلق حلية علنًا وشرب دخان‬
‫علنًا وصور جمسدة وغري جمسدة ‪ ،‬وغش وتدليس وربا وعقوق والدين وقطيعة رحم وشهادة‬
‫زور وق ذف ولعن وغية ومنيمة وأغ اين من م ذياع وف ديو وتلفزي ون وحنو ذلك من الب دع‬
‫احملرمة وتشبه بأعداء اإلسالم جبعل خنافس وإسبال ثوب وجعل شنبات مع حلق حلية وتشبه‬
‫بالنساء ومغازلة هلن وتسمية ألعداء اإلسالم بسيد ومعلم وأستاذ وحنو ذلك مما يقشعر ِمْنه‬
‫جلد املس لم وتفتت له كب ده فإنا هلل وإنا إليه راجع ون وال ح ول وال ق وة إال باهلل العلي‬
‫وعلَى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫العظيم وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى اهلل على حممد َ‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫اعلم وفقنا اهلل وإي اك ومجيع املس لمني ملا حيبه ويرض اه أن األمانة من األخالق الفاض لة‬
‫وأصل من أص ول ال ديانات ‪ ،‬وهي ض رورية للمجتمع اإلنس اين ‪ ،‬ال ف رق بني ح اكم‬
‫وموظف وص انع وت اجر وزارع وال بني غين وكبري وص غري ‪ ،‬فهي ش رف الغين وفخر الفقري‬
‫وواجب املوظف ورأس م ال الت اجر وس بب ش هرة الص انع ‪ ،‬وسر جناح العامل وال زارع ‪،‬‬
‫ومفتاح كل تقدم بإذن اهلل ‪ ،‬ومصدر كل سعادة وجناح بإذن اهلل ‪.‬‬
‫وليست األمانة مقصورة على الودائع اليت تؤمن عند الناس من غال‬

‫‪562‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ومثني كالنق دين وما ن اب عنهما من أوراق ‪ ،‬وك اجلواهر واحللي واألم وال بل األمانة أوسع‬
‫من ه ذا كله ‪ ،‬فهي عمل لكل ما هلل فيه طاعة ‪ ،‬وامتث ال واجتن اب كل ما هلل فيه خمالف‬
‫وعصيان ‪ ،‬سواء َكا َن ذلك يِف عبادة اهلل أو يِف معاملة عباده ‪.‬‬
‫فالص الة أمانة عن دك مطل وب منك أن تؤديها يِف وقتها إن مَلْ يكن ع ذر ش رعي كاملة‬
‫غري منقوصة مس توفية لفرائض ها وش روطها وأدائها بقلب ممل وءة من اخلش وع واخلض وع ‪،‬‬
‫وجسم مملوء من الطمأنينة واالتزان ‪.‬‬
‫والزكاة أمانة عندك مطلوب أن تصوم وأن تصون صيامك عن َما يفسده ‪ ،‬وأن تتحرى‬
‫احلالل للس حور والفط ور ‪ ،‬وأن ال يفكر عقلك إال يِف خري وال ينطق لس انك إال حس نًا ‪،‬‬
‫مباحا وال متد يدك إال إِىَل إصالح وال يسعى‬
‫وال تسمع أذنيك إال طيبًا وال تنظر عينك إال ً‬
‫قدمك إال طاعة ومعروف ‪.‬‬
‫واحلج أمانة هلل يِف عنقك إن كنت ممن ت وفرت لديه الش روط وهي اإلس الم واحلرية‬
‫سادس ا وهو وج ود حمرم هلا ‪ ،‬وت ؤدي َما‬
‫والبل وغ والعقل واالس تطاعة وتزيد املرأة ش رطًا ً‬
‫عليك من حقوق هلل ولعباده ‪.‬‬
‫وتنتظر ذلك املال الذي ستحج به أهو حالل أم حرام ‪ ،‬وهل مجعته مع عرق جبينك أو‬
‫إرثًا أو من دماء الناس وسرقة َما هلم بغش وحنوه ‪ ،‬وهل تريد حج رياء ومسعة أو ابتغاء وجه‬
‫اهلل ‪ ،‬واملهم أن تفتش على نفسك قبل العمل لئال ختسر الدنيا واآلخرة ‪.‬‬
‫مقصرا يِف عبادة من هذه العبادات يكون غري موف ألمانته‬ ‫ً‬ ‫وبقدر َما يكون اإلنسان‬
‫متاما ‪ ،‬فينبغي لإلنسان أن يستحضر يِف كل ساعة ويف كل نظرة‬ ‫ً‬

‫‪563‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ولفتة ويف كل إش ارة ويف كل حركة وس كون أنه مط الب باألمانة فلس انك أمانة عن دك إن‬
‫حفظته من الك ذب والغيبة والنميمة والس خرية بعب اد اهلل والق ذف والفحش وحنو ذل ك مما‬
‫هنى عنه الش رع واس تعملته يِف تالوة كالم اهلل والباقي ات الص احلات ‪ ،‬فقد حفظت ه ذه‬
‫األمانة ‪.‬‬
‫واألذن أمانة ‪ ،‬إن جنبتها اس تماع احملرم ات من الغيبة واملالهي والغن اء وكالم من ال‬
‫يرض ون باس تماعك ويكره ون ذلك واس تعملتها يف اس تماع ما يع ود نفعه إليك يِف ال دنيا‬
‫واآلخرة فقد حفظت هذه األمانة ‪.‬‬
‫ورجلك أمانة عندك إن استعملتها باملشي إِىَل َما أمر اهلل به ‪ ،‬وحجزهتا عن السري إِىَل َما‬
‫هنى اهلل عنه فقد حفظتها ‪.‬‬
‫وك ذلك الف رج إن جنبته الزنا والل واط واالس تمناء باليد وكل َما هنى اهلل عنه ‪،‬‬
‫وج ِه ْم َح افِظُو َن‬ ‫واستعملته فيما أباحه لك الشرع فقد حفظته قال تعاىل ‪ ﴿ :‬والَّ ِذين هم لُِف ر ِ‬
‫َ َ ُْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك‬ ‫ك فَأ ُْولَئِ َ‬
‫ني * فَ َم ِن ْابَتغَى َو َراء َذل َ‬ ‫ِ‬
‫ت أَمْيَانُ ُه ْم فَِإن َُّه ْم َغْي ُر َملُوم َ‬
‫* إِاَّل َعلَى أ َْز َواج ِه ْم أ َْو َما َملَ َك ْ‬
‫ادو َن ﴾ ‪.‬‬ ‫ُه ُم الْ َع ُ‬
‫وكذلك العقل إن استعملته فيما يعود عليك بالسعادة دنيا وأخرى ومل تستعمله يف املكر‬
‫والدهاء وخداع املسلمني والكيد هلم وحنو ذلك فقد حفظته ‪.‬‬
‫ومن مع اين األمانة وضع كل ش يء يف مكانه الالئق به واجلدير له فال يس ند منصب إال‬
‫ملن ترفعه كفايته له ‪ ،‬أما من يعجز عن القي ام به فال جيوز له فال إس ناده إليه ‪ ،‬فعن أيب ذر‬
‫رضي اهلل عنه ق ال ‪ :‬قلت يا رس ول اهلل أال تس تعملين ‪ ،‬ق ال ‪ :‬فض رب بي ده على منكيب مث‬
‫ق ال ‪ « :‬يا أبا ذر إنك ض عيف وإهنا أمانة وإهنا ي وم القيامة خ زي وندامة ‪ ،‬إال من أخ ذها‬
‫وعلَى آله وصحبه أمجعني‬ ‫حبقها ‪ ،‬وأدى الذي عليه فيها » ‪ .‬واهلل أعلم وصلى اهلل على حممد َ‬
‫‪.‬‬
‫( موعظة )‬
‫عباد اهلل متر احلياة بأحدنا وهو منهمك يِف ملذاته وشهواته‬

‫‪564‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ومطاعمه ‪ ،‬ال يفكر يِف مآله وال يِف ي وم حس ابه وكأنه خالد يِف ال دنيا ال ميوت أب دا ‪ ،‬أو‬
‫َكا َن عنده يقني أنه ال حياسب على َما جناه ‪.‬‬
‫ومن العجيب أنه ال مير يوم بل وال ساعة إال ويف ذلك نذير البن آدم بالرحيل عن هذه‬
‫ال دار ‪ ،‬يش اهد املوت يتخطف الن اس من حوله فال يزدجر ‪ ،‬وتق وم احلوادث اجلس ام من‬
‫حروب تفين آالفًا من البشر وهتدد األحياء بااللتحاق مبن مات ‪ ،‬وباجملاعات واخلراب ‪ ،‬فال‬
‫يتعظ وال يعترب ‪.‬‬
‫ويرى احلرائق َما بني آونة وآونة تتلف النفوس واألموال واملساكني ‪ ،‬وكيف تكون حالة‬
‫الن اس ومط افيهم ‪ ،‬فال ي ذكر جهنم وأهواهلا وأنكاهلا وما فيها من أن واع الع ذاب ال ذي ال‬
‫اد يِف الَْب ّر‬
‫تصمد له اجلبال الصم الصالب ‪ ،‬قست القلوب ‪ ،‬وحتجرت الضمائر ﴿ ظَ َهَر الْ َف َس ُ‬
‫ِن اللّهَ الَ يُغَِّي ُر َما بَِق ْوٍم َحىَّت يُغَِّي ُرواْ َما بِأَْن ُف ِس ِه ْم ﴾ ‪.‬‬ ‫َّاس ﴾ ﴿ َّ‬ ‫ت أَيْ ِدي الن ِ‬ ‫َوالْبَ ْح ِر مِب َا َك َسبَ ْ‬
‫أيها الغافلون ‪ ،‬دنياكم دار غرور ومهوم وأحزان ‪ ،‬وهي بال شك فانية ‪ ،‬وأخراكم دار‬
‫ق رار باقية ‪ ،‬وأجهل الن اس من ب اع آخرته ب دنياه والتق وى مفت اح الس عادتني الدنيوية‬
‫ص احِل اً‬
‫ِل َ‬ ‫واألخروية ‪ ،‬ضمان ضمنه اهلل لعباده ‪ ،‬ووعد ال يتخلف ‪ ،‬قال تعاىل ‪َ ﴿ :‬م ْن َعم َ‬
‫ِ‬
‫َح َس ِن َما َك انُواْ‬ ‫َج َر ُهم بِأ ْ‬ ‫ِّمن ذَ َك ٍر أ َْو أُنثَى َو ُه َو ُم ْؤم ٌن َفلَنُ ْحيَِينَّهُ َحيَ اةً طَيِّبَ ةً َولَنَ ْج ِز َين ُ‬
‫َّه ْم أ ْ‬
‫َي ْع َملُو َن ﴾ ‪.‬‬
‫أما املعاصي والغفلة والنس يان والطغي ان ‪ ،‬فليس من ورائها إال ض نك املعيشة يِف ال دنيا‬
‫ب اهلموم املربحة واألح زان اجملرحة مع الع ذاب األليم يِف اآلخ رة ‪ ،‬ق ال اهلل تع اىل ‪َ ﴿ :‬و َم ْن‬
‫ضنكاً َوحَنْ ُش ُرهُ َي ْو َم الْ ِقيَ َام ِة أ َْع َمى ﴾ اآليات ‪.‬‬ ‫يشةً َ‬
‫ِ‬
‫ض َعن ذ ْك ِري فَِإ َّن لَهُ َمعِ َ‬ ‫أ َْعَر َ‬
‫أيها العاقلون كلكم تعلمون أن الغفلة تنسي العبد ربه وآخرته ‪ ،‬ومن نسي ربه أنساه اهلل‬
‫اه ْم أَن ُف َس ُه ْم ﴾ ‪ ،‬فال تتعرض وا‬ ‫َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫َنس ُ‬‫ين نَ ُس وا اللهَ فَأ َ‬ ‫نفسه ‪ ،‬ق ال تع اىل ‪َ ﴿ :‬واَل تَ ُكونُ وا َكالذ َ‬
‫دائما ذاكرين لآلخرة ‪ ،‬فإن‬ ‫بذلك لسخطه وكونوا ً‬

‫‪565‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ذلك يبعث على اخلوف من اهلل ‪ ،‬ومن خ اف ربه اس تقام ب إذن اهلل ‪ ،‬ق ال اهلل تع اىل ﴿ َوأ ََّما‬
‫ن اجْل نَّةَ ِهي الْم أْوى ﴾ واهلل أعلم وصلى اهلل على حممد‬ ‫ِ‬ ‫اف َم َق َام َربِِّه َو َن َهى َّ‬
‫س َع ِن اهْلََوى * فَإ َّ َ َ َ َ‬
‫الن ْف َ‬ ‫َم ْن َخ َ‬
‫وآله ‪.‬‬
‫ب‬‫ض ِل َواأل ََد ِ‬ ‫ك يَا َذا الَْف ْ‬ ‫ِش ْعرا‪ :‬و ِ‬
‫صيَّتِي لَ َ‬ ‫ً َ‬
‫ت أَ ْن تَ ْس ُك َن ال َْعالِي ِم َن ُّ‬
‫الرتَ ِ‬
‫ب‬ ‫إِ ْن ِشْئ َ‬
‫ات َتْبلُغَُها‬ ‫السْب َق والْغَاي ِ‬
‫َوتُ ْد ِر َك َّ‬
‫َ‬
‫ب‬‫ص ِد َواأل ََد ِ‬‫ُم َهنََّأًًَ بِ َمَن ِال الَْق ْ‬
‫ِ‬
‫َت ْقَوى ا ِإللَه الَّ ِذي ُت ْر َجى َمَراح ُمهُ‬
‫اف لِْل ُكر ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫َح ُد الْ َك َّش ُ َ‬ ‫الَْواح ُد األ َ‬
‫ضهُ َواْت ُر ْك َم َحا ِر َمهُ‬ ‫أَلَْز ْم َفَرائِ َ‬
‫َواقْطَ ْع لََيالِ َ‬
‫يك َواألَيَّ ِام ِفي الَْق ْر ِ‬
‫ب‬
‫ْب َخ ْوفًا ال ُيَفا ِرقُهُ‬ ‫ِ‬
‫َوأَ ْشع ِر الَْقل َ‬
‫ب‬ ‫الر َغ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫م ْن َربِّه َم َعهُ مثْ ٌل م ْن َ‬
‫ْب بِا ِإل ْخ ِ‬
‫الص ُم ْجَت ِه ًدا‬ ‫َو َزيِّ ِن الَْقل َ‬
‫ب‬‫يك ِفي ال ِْعطَ ِ‬ ‫الريَا ُيلِْق َ‬
‫َن َّ‬ ‫َوا ْعلَ ْم بِأ َّ‬
‫وب َوال‬ ‫َونَ ِّق َجْيَبك ِم ْن ُك ِّل ال ُْعيُ ِ‬
‫الر ِ‬
‫يب‬ ‫تَ ْد ُخل م َد ِ‬
‫اخ َل أ َْه ِل الِْف ْس ِق َو ِّ‬ ‫َْ‬
‫َح ٍد‬ ‫واحَف ْظ لِسانَ َ ِ‬
‫ك م ْن طَ ْع ٍن على أ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫ِمن ال ِْعَب ِاد َوِم ْن َن ْق ٍل َوِم ْن َك ِذ ِ‬
‫ب‬
‫ك‬ ‫وعا َغْير مْن َه ِم ٍ‬
‫ش ً َ ُ‬ ‫ورا َخ ُ‬
‫َو ُك ْن َوقُ ً‬
‫اح َواللََّع ِ‬ ‫ِّح ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫ك َواألَ ْفَر ِ‬ ‫في اللَّ ْه ِو َوالض ْ‬
‫ش َوِم ْن َح َس ٍد‬ ‫الص ْد َر ِم ْن ِغ ٍّ‬
‫َوَنِّزِه َّ‬

‫‪566‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ين َوال ُْع ُج ِ‬


‫ب‬ ‫وجانِ ِ ِ ِ‬
‫ب الْكْبَر يَا م ْسك ُ‬ ‫ََ ْ‬
‫ض َع ُخلًَقا إِنَّهُ ُخلُ ُق الـ‬
‫ض التََّوا ُ‬
‫َو ْار َ‬
‫ِ‬
‫صِ‬
‫ب‬ ‫أَ ْخَيا ِر فَاقَْت ْد بِِه ْم َتْن ُجو م ْن الَْو َ‬
‫اسَت ْش ِع ْر َع َد َاوَت َها‬ ‫س َو ْ‬ ‫و َخالِ ِ‬
‫النْف َ‬‫ف َّ‬ ‫َ‬
‫صِ‬
‫ب‬ ‫ض َهو َاها وما تَ ْخَتار ُه تُ ِ‬
‫ُ‬ ‫َو ْارفُ ْ َ َ َ‬
‫ظ بِ َش ْهَوتَِها‬ ‫ك إِلَى َح ٍّ‬ ‫َوإِ ْن َد َعْت َ‬
‫ب‬‫َّع ِ‬ ‫فَا ْشرح لَها ِغ َّ ِ ِ ِ‬
‫ب َما فيه م َن الت َ‬ ‫َْ َ‬
‫ت‬‫الدا ِر الَّتِي َفَتَن ْ‬ ‫ك ِفي َّ‬ ‫َوا ْز َه ْد بَِق ْلبِ َ‬
‫ب‬ ‫طََوائًِفا َفَرأ َْو َها َغايََة الطَّلَ ِ‬
‫وها َوأَ ْعطَْو َها َقَوالَِب ُه ْم‬ ‫س َ‬ ‫َتَنافَ ُ‬
‫ب‬‫هلل ِم ْن َع َج ِ‬‫وب َفيا ِ‬
‫َم َع الْ ُقلُ ِ َ‬
‫ِ ِ‬
‫ت‬‫ت قَ ْد ًرا َو َما َو َزنَ ْ‬ ‫َوه َي الَّتي َ‬
‫صغَُر ْ‬
‫يص َغبِي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْح ِر ُ‬ ‫احا فَال َ‬‫عْن َد ا ِإللَه َجَن ً‬
‫اس َع بِِه‬‫اك َو ْ‬ ‫ك ِم ْن ُدْنَي َ‬ ‫َو ُخ ْذ بَال َغ َ‬
‫ب‬‫احَت ِس ِ‬
‫الك َو ْ‬ ‫َس ْع َي ال َْم ْج ِد إِلَى َم ْو َ‬
‫اجلَهُ‬‫اع َع ِ‬ ‫َن الَّ ِذي َيْبَت َ‬ ‫َوا ْعلَ ْم بِأ َّ‬
‫ب‬ ‫آج ٍل ِم ْن نَِع ٍيم َدائٍِم يَ ِخ ِ‬ ‫بِ ِ‬
‫ض‬‫ين تَِف ْ‬ ‫اس ال َْم ْع ِو ِز َ‬ ‫ت َفَو ِ‬ ‫َوِإ ْن َو َج ْد َ‬
‫احَت ِس ِ‬
‫ب‬ ‫ك األ َْر َزا ُق فَ ْ‬ ‫ك ِم ْن َربِّ َ‬ ‫َعَلْي َ‬
‫ض ُم ْكَتِفًيا‬ ‫َوإِ ْن بُِل َ‬
‫يت بَِف ْق ٍر فَ ْار َ‬
‫ب‬ ‫ض َل َو ْارَتَق ِ‬‫ك الَْف ْ‬ ‫باهلل ِم ْن َربِّ َ‬
‫ِ‬
‫ْب ح ِ‬
‫اض ٍر َو َج ٍل‬ ‫َواتْ ُل الْ ُق ْرآ َن بَِقل ٍ َ‬

‫‪567‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫الدَو ِام َوال تَ ْذ َه ْل َوال تَِغ ِ‬


‫ب‬ ‫َعلَى َّ‬
‫ك ِذ ْكًرا ال ُتَفا ِرقُهُ‬
‫َوا ْذ ُك ْر إِلَ َه َ‬
‫ِج الْ ُكر ِ‬
‫ب‬ ‫ع ا ِإللَ َه َوقُ ْل يَا فَار ِ َ‬‫َوا ْد ُ‬
‫ودي َو ُم ْعَت َم ِدي‬ ‫ك م ْقص ِ‬
‫ب إِنَّ َ َ ُ‬ ‫يَا َر ِّ‬
‫اي َو ُمْنَقَلبِي‬ ‫و ُم ْرتَ َج ِ‬
‫اي ب ُدْنَي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فَا ْغِف ْر َو َس ِام ْح ُعَبْي ًدا َما لَهُ َع َم ٌل‬
‫ْح ِ‬
‫وب‬ ‫ِ‬ ‫بِ َّ ِ ِ‬
‫الصال َحات َوقَ ْد أ َْو َعى م َن ال ُ‬
‫اللهم قو إمياننا بك ومبالئكتك وبكتبك وبرس لك وب اليوم اآلخر وبالق در خ ريه وش ره‬
‫وثبتنا على قولك الث ابت يِف احلي اة ال دنيا ويف اآلخ رة واغفر لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني‬
‫برمحتك يا أرحم الرامحني وصلى اهلل على حممد وآله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫فالوالية شروطها احلفظ والعلم والقوة واألمانة ‪ ،‬فالواجب أن خيتار للعمل أحن الناس‬
‫قياما به ‪ ،‬فإن عدل عنه إِىَل غريه هلوى أو رشوة أو قرابة فهذه خيانة ممن واله أو تسبب يِف‬ ‫ً‬
‫ً‬
‫الوالية ‪ ،‬قال صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬من استعمل رجالً على عصابة وفيهم من هو أرضى‬
‫هلل ِمْنه فقد خان اهلل ورسوله واملؤمنني » ‪ .‬رواه احلاكم ‪.‬‬
‫وعن أيب يعلي معقل بن يس ار رضي اهلل عنه ق ال ‪ :‬مسعت رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم يق ول ‪َ « :‬ما من عبد يس رتعيه اهلل رعية ميوت ي وم ميوت وهو غ اش لرعيته إال ح رم‬
‫اهلل عليه اجلنة » ‪ .‬ويف رواية ملس لم ‪َ « :‬ما من أمري يلي أم ور املس لمني مث ال جيهد هلم‬
‫وينصح هلم إال مل يدخل معهم اجلنة » ‪.‬‬
‫وعن أيب أمامة عن النيب صلى اهلل عليه وس لم ق ال ‪َ « :‬ما من رجل يلي أمر عش رة فما‬
‫ف وق ذلك إال أتى اهلل عز وجل يوم القيامة مغلولة ي ده إِىَل عنقه ففكه ب ره أو أوبقة إمثه أوهلا‬
‫مالمة وأوسطها ندامة وآخرها خزي يوم القيامة » ‪.‬‬
‫مرفوعا « ويل لألمناء ويل للعرفاء ليتمنني أقوام يوم‬
‫ً‬ ‫وعن أيب هريرة‬

‫‪568‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫القيامة أن ذوائبهم َك انَت معلقة بالثريا يتذب ذبون بني الس ماء واألرض ومل يكون وا عمل وا‬
‫على شيء » ‪.‬‬
‫ويف أف راد مس لم من ح ديث أيب ذر ق ال ‪ :‬قلت يا رس ول اهلل أال تس تعملين ؟ ق ال ‪:‬‬
‫فضرب بيده على منكيب مث قال ‪ « :‬يا أبا ذر إنك ضعيف وإهنا أمانة وإهنا يوم القيامة خزي‬
‫وندامة إال من أخ ذها حبقها وأدى ال ذي عليه فيها » ‪ .‬ويف لفظ آخر ‪ « :‬يا أبا ذر إين‬
‫أحب لك َما أحب لنفسي ال تأمرن على اثنني وال تولني مال يتيم » ‪.‬‬
‫ويف احلديث اآلخر ‪ « :‬أميا رجل اس تعمل رجالً على عش رة أنفس علم أن يِف العش رة‬
‫أفضل ممن استعمل فقد غش اهلل ورسوله وغش مجاعة املسلمني » ‪ .‬قلت ‪ :‬ويف زماننا املظلم‬
‫ب املنكرات واملعاصي كثري من األعم ال يتوالها أن اس ال يص لون كف رة فإنا هلل وإنا إليه‬
‫راجعون وال حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم وهو حسبنا ونعم الوكيل ‪.‬‬
‫وعن يزيد بن أيب س فيان ق ال ‪ :‬ق ال يل أبو بكر الص ديق رضي اهلل عنه حني بعثين إِىَل‬
‫الشام ‪ :‬يا يزيد إن لك قرابة عسيت أن تؤثرهم باإلمارة وذلك َما أخاف عليك بعد َما قال‬
‫أحدا حماباة‬‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬من ويل من أمر املسلمني شيئًا فأمر عليهم ً‬
‫فعليه لعنة اهلل ال يقبل اهلل ِمْنه صرفًا وال عدالً حىت يدخله جهنم » ‪ .‬رواه احلاكم ‪.‬‬
‫واألمة اليت ال أمانة هلا هي اليت تنتشر فيها الرشوة وتعمل على إمهال األكفاء وإبعادهم‬
‫وتقدمي الذين ليسول أهالً للمناصب ‪ ،‬وهذا من عالمات الساعة الذي وقع ‪ .‬فقد جاء عن‬
‫النيب ص لى اهلل عليه وس لم أن رجالً س أله مىت تق وم الس اعة فق ال ‪ « :‬إذا ض يعت األمانة‬
‫ف انتظر الس اعة » ‪ .‬فق ال ‪ :‬وكيف إض اعتها ؟ ق ال ‪ « :‬إذا وسد األمر لغري أهله ف انتظر‬
‫الساعة » ‪ .‬رواه البخاري ‪.‬‬
‫ومن معاين األمانة أن حيرص اإلنسان على أداء واجبه كامالً يِف العمل الذي يناط به وأن‬
‫يس تنفد جه ده يِف تكميله وحتس ينه وأن يفي جبميع َما اتفقا عليه عمالً ووقتًا ‪ ،‬واخليانة‬
‫تتفاوت ‪ ،‬فما أصاب الدين ومجهور‬

‫‪569‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫املس لمني وتعرضت البالد ألذاه أشد إمثًا ونك ًرا وش ناعة ‪ ،‬وورد عن النيب ص لى اهلل عليه‬
‫وسلم أنه قال ‪ « :‬إذا مجع اهلل األولني واآلخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء يعرف به‬
‫فقال ‪ :‬هذه غدرة فالن » ‪ .‬رواه البخاري ‪.‬‬
‫ويف رواية ‪ « :‬لكل غادر لواء عنه إسته يرفع له بقدر غدرته أال وال غادر أعظم من أمري‬
‫عامة » ‪.‬‬
‫ومن األمانة أن ال يستغل اإلنسان منصبه الذي عني فيه جلر منفعة له أو إِىَل قريبه فأخذ‬
‫زيادة على َما رتب له من بيت املال بطرق ملتوية ‪.‬‬
‫إما بتن اول رش وة وإما بتن اول رش وة باسم هدية أو حتفة يتناوهلا ه ذا اخلائن بت أويالت‬
‫باطلة أو مبحاب اة أو جماملة ص ديق أو رفيق أو ج ا ٍر مبا فيه ض رر على عم وم املس لمني أو بأية‬
‫ذريعة ووس يلة من وس ائل االس تغالل النف وذي ‪ ،‬فكل ذلك غش وخيانة ‪ ،‬وما أخذ فهو‬
‫س حت ألنه مثرة خيانة وغ در وخ داع ومكر ‪ ،‬ق ال تع اىل ‪َ ﴿ :‬و َمن َي ْغلُ ْل يَ أْ ِت مِب َا َغ َّل َي ْو َم‬
‫الْ ِقيَ َام ِة ﴾ ‪.‬‬
‫وعن عدي بن عمرية رضي اهلل عنه قال ‪ :‬مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول ‪ « :‬من استعملناه منكم على عمل فكتما خميطًا‬
‫فما فوقه َك ا َن غلوالً يأيت به يوم القيامة » ‪ .‬فقام إليه رجل أسود من األنصار َك أيَن انظر إليه فقال ‪ :‬يا رسول اهلل أقبل عين عملك قال ‪:‬‬
‫« ومالك » ‪ .‬ق ال ‪ :‬مسعتك تق ول ك ذا وك ذا ق ال ‪ « :‬وأنا أق ول اآلن من اس تعملناه على عمل فليجيء بقليله وكث ريه فما أويت ِمْنه أخذ‬
‫وما هني عنه » ‪ .‬انتهى رواه مسلم ‪.‬‬
‫وز ُن ا ِإلثْ ُم ِف ِيه َكا َن ِقْنطَ َارا‬
‫لَْو يُ َ‬ ‫ب ِق َيراط أ ُ‬
‫َخو َع َمل‬ ‫ِش ْعًرا‪َ :‬ي ْغ ُد إِلَى َك ْس ِ‬
‫وعن أيب محيد الساعدي قال ‪ :‬استعمل النيب صلى اهلل عليه وسلم رجالً من األزد يقال‬
‫له ابن اللتيبة على الص دقة فلما ق دم ق ال ‪ :‬ه ذا لكم وه ذا أه دي يل فخطب النيب ص لى اهلل‬
‫عليه وسلم فحمد اهلل وأثىن عليه ‪.‬‬
‫مث قال ‪ « :‬أما بعد فإين استعمل رجاالً منكم على أمور والين اهلل فيأيت‬

‫‪570‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫أحدكم فيقول ‪ :‬هذا لكم وهذا هدية أهديت يل فهال جلس يِف بيت أبيه أو بيت أمه فينظر‬
‫أيهدي له أم ال والذي نفسي بيده ال يأخذ ِمْنه شيئًا إال جاء به يوم القيامة حيمله على رقبته‬
‫خوار أو شاة تيعر » ‪.‬‬
‫بقرا له ٌ‬ ‫بعريا له رغا أو ً‬
‫إن َكا َن ً‬
‫مث رفع يديه حىت رأينا َع ْف َريَتْ إبطيه مث ق ال ‪ « :‬اللهم هل بلغت » ‪ .‬متفق عليه ‪ ،‬ق ال‬
‫اخلطايب ‪ :‬ويف قوله ‪ « :‬هال جلس يِف بيت أبيه أو أمه فينظر أيهدي إليه أم ال » ‪ .‬دليل على‬
‫أن كل أمر يتذرع به إِىَل حمظور فهو حمظور ‪.‬‬
‫وكل داخل يِف العقود ينظر هل يكون حكمه عند االنفراد كحكمه عند االقرتان أم ال ‪.‬‬
‫أما الذي يلتزم حدود اهلل يِف وظيفته وال خيون الواجب الذي طوقه فهو من اجملاهدين قال صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬العامل إذا استعمل‬
‫فأخذه احلق وأعطى احلق مَلْ يزل كاجملاهد يِف سبيل اهلل حىت يرجع إِىَل بيته » ‪.‬‬
‫ِشعرا‪ :‬فَِللَّه َد ُّر الْعا ِر ِ‬
‫ب إِنَّهُ‬
‫ف الن َّْد ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ًْ‬
‫َجَفانُهُ َد َما‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫تَس ُّح لَف ْرط الَْو ْجد أ ْ‬
‫ِ‬
‫يم إِ َذا َما اللَّْي ُل َم َّد ظَ َ‬
‫المهُ‬ ‫يَق ُ‬
‫ف َمأْتَ َما‬ ‫َعلَى َن ْف ِس ِه ِمن ِش َّدِة الْ َخو ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫يحا بِ َما قَ ْد َكا َن ِم ْن ِذ ْك ِر َربِِّه‬ ‫فَص ً‬
‫ِ‬
‫يما ِسَو ُاه ِفي الَْو َرى َكا َن أَ ْع َج َما‬ ‫ِ‬
‫َوف َ‬
‫ت ِم ْن َشَبابِِه‬ ‫ضْ‬ ‫َويَ ْذ ُك ُر أَيَّ ًاما َم َ‬
‫َجَر َما‬ ‫وما َكا َن ِفيها بِال ِ‬
‫ْج َهالَة أ ْ‬‫َ َ‬ ‫ََ‬
‫ول َن َها ِر ِه‬‫ين ال َْه ِّم طُ َ‬‫ص َار قَ ِر َ‬ ‫فَ َ‬
‫َويَ ْخ ِد ُم َم ْو ُ‬
‫اله ِإ َذا اللَّْي ُل أَظْلَ َما‬
‫ت ُسؤلِي َوُب ْغَيتِي‬ ‫ول إِلَ ِهي أَنْ َ‬ ‫َي ُق ُ‬
‫ين ُس ْؤالً َو َم ْغَن َما‬ ‫َكَفى بِ َ ِ ِ‬
‫ك ل َّلراج َ‬

‫‪571‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫َع َسى َم ْن لَهُ ا ِإل ْح َسا ُن َي ْغِف ُر ِزلَّتِي‬


‫َويَ ْسُت ُر أ َْو َزا ِري َو َما قَ ْد َتَق َّدَما‬
‫اللهم أذقنا عفوك وأسلك بنا طريق مرضاتك ‪ .‬وعاملنا بلطفك وإحسانك واقطع عنا َما‬
‫يبعد عن طاعتك اهلل وثبت حمبتك يِف قلوبنا وقوها ويسر لنا َما يس رته ألوليائك واغفر لنا‬
‫وعلَى آله وصحبه‬
‫ولوالدينا وجلميع املسلمني برمحتك يا أرحم الرامحني وصلى اهلل على حممد َ‬
‫أمجعني ‪.‬‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫ومن مع اين األمانة حفظ األس رار اليت ال يرضى أهلها أن ت ذاع فكم من أض رار على األب دان واألم وال واألع راض حص لت بإفش اء‬
‫جملس ا ميكر فيه اجملرمون بغريهم‬
‫وعلَى كل مسلم شهد ً‬ ‫األسرار إال إذا َك انَت األسرار فيها على املسلمني فليس هلا حرمة وال جيوز كتمها َ‬
‫ليلحقوا به األذى أن يسارع إِىَل احليلولة دون الفساد جهد طاقته فإن ذلك خطر عظيم وفساد كبري ‪َ ،‬وقَ ْد قال صلى اهلل عليه وسلم ‪« :‬‬
‫اجمللس باألمانة إال جملس س فك دم ح رام أو ف رج ح رام أو اقتط اع م ال بغري حق ‪ ،‬ومما يتعني كتمه وس رته َما جيري بني الرجل وامرأته مما‬
‫يفضي به أحدمها إِىَل اآلخر فإن التحدث به خيانة هلذه األمانة » ‪.‬‬
‫َح َم ُق‬ ‫ِ‬
‫الم َعلَْيه غَْيَره َف ُهَو أ ْ‬ ‫َو َ‬ ‫إِ َذا ال َْم ْرءُ أَفْ َشى ِسَّر ُه بِِل َسانِِه‬
‫السِّر أَ ْ‬
‫ضَي ُق‬ ‫ع ِّ‬ ‫ص ْد ُر الَّ ِذي يُ ْسَت ْو َد ُ‬
‫ف(َ َ‬ ‫ص ْد ُر ال َْم ْر ِء َع ْن ِسِّر َن ْف ِس ِه‬
‫اق َ‬ ‫ض َ‬ ‫إِ َذا َ‬

‫فقد قال صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬إن من أشر الناس منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إِىَل‬
‫امرأته وتفضي إليه مث ينشر س رها » ‪ .‬والثرث ارون من أحلى وألذ َما يتس امرون به يِف‬
‫جمالسهم منكر من أقبح املنكرات ‪ ،‬أال وهو َما يقع بينهم وبني أزواجهم يِف اخللوات اخلاصة‬
‫من كالم وأفعال ‪ ،‬وما يكون من الرجال قليل من َما يكون من النساء فإن الكالم يِف هذا‬
‫املوضوع عادهتن‬

‫‪572‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫الوحيدة وهذه معصية من أفحش املعاصي ووقاحة حمرمة ‪.‬‬


‫وعن أمساء بنت يزيد أهنا َكانَت عند رسول اهلل ‪ ‬والرجال والنساء قعود عنده ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫« لعل رجالً يقول َما فعل بأهله ولعل امرأة خترب مبا فعلت مع زوجها » ‪ .‬فأزم القوم ‪ -‬أي‬
‫س كتوا وجلني ‪ -‬فقلت ‪ :‬أي واهلل يا رس ول اهلل إهنم ليفعل ون وإهنن ليفعلن ق ال ‪ « :‬فال‬
‫تفعلوا فإمنا مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانة فغشيها والناس ينظرون » ‪ .‬رواه أمحد ‪.‬‬
‫ِش ْع ًرا ‪:‬‬
‫صافَا َوإِ ْن َ‬
‫صَر َما‬ ‫السَر إِ ْن َ‬
‫ظ ِّ‬‫َويَ ْحَف ُ‬ ‫يم الَّ ِذي َتْبَقى َمَودتُه‬ ‫ِ‬
‫إ َّن الْ َك ِر َ‬
‫َسَرا ِر ِه َعل َْما‬ ‫ِ‬ ‫بَ َّ‬ ‫لَيس الْ َك ِريم الَّ ِذي إِ ْن َز َّل ص ِ‬
‫ث الذي َكا َن من أ ْ‬ ‫احبُه‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬

‫روى عن بعض ال ورعني أنه أراد طالق امرأته فقيل له ‪َ :‬ما ال ذي يريبك ِمْن َها ‪ .‬فق ال ‪ :‬العاقل ال يهتك س َرتا ‪ .‬فلما طلقها قيل له ‪:‬‬
‫علي وعليها سرت اهلل ) ‪ .‬وهكذا الرجال الذي يعرفون قدر األمانة والغالب أن إخبار‬ ‫اآلن طلقتها ‪ .‬فقال ‪َ :‬ما يل وال مرأة غريي ( املعىن َّ‬
‫الناس باألسرار يرتتب عليه أضرار فلذلك قيل حول هذا الكالم ‪:‬‬
‫وم ْذ َهب‬
‫ْت َ‬ ‫ِس ٍّن ٍ‬
‫ومال إِ ْن ُسئِل َ‬ ‫ك ال َتبح ٍ‬
‫بثالثة‬ ‫ُْ‬ ‫احَف ْظ لِ َسانَ َ‬
‫ْ‬
‫ٍِ‬ ‫َفعلَي الثالثَِة ُتبَتلَى بِثَ ٍ‬
‫ب‬ ‫بِ ََُُم َكِّف ٍر وبِ َحاسد ُ‬
‫وم َك ِّذ ِ‬ ‫الثة‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫(‬ ‫(‬
‫ومن األمانة الوضوء فإن أداه كامالً بدون جماوزة للحد فقد حفظ هذه األمانة وإن أداها‬
‫وإن ف رط فيها وأمهل بعض األعض اء أو بعض اجلسم يِف الغسل أو تع دى إِىَل الوس واس‬
‫وفاتت ملواله فقد خان أمانته ‪.‬‬
‫وكذلك الكيل والوزن أمانة إن أداه على الوجه املطلوب بال خبس وال غش فقد حفظها‬
‫وأداها ‪ ،‬وإن خبس أو غش أو دلس فقد خان أمانته ‪.‬‬
‫وكذلك أوالدك أمانة عندك إن أحسنت فيهم وربيتهم تربية صاحلة‬

‫‪573‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫توجيها حسنًا فقد أديت أمانتك وإن أمهلهم ومَلْ يبال هبم فقد خان أمانته ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ووجهتهم‬
‫وكذلك الودائع اليت تدفع إِىَل اإلنسان ليحفظها حينًا مث يردها إِىَل أصحاهبا حني يطلبوهنا‬
‫أو إِىَل احلاكم إن فق دوا ومن خيلفهم وتع ذر عليه إيص اهلا إليهم وأيس من جميء ص احبها ‪،‬‬
‫فه ذه من األمان ات اليت يس أل عنها ‪َ ،‬وقَ ْد اس تخلف ‪ ‬عند هجرته ابن عمه علي بن أيب‬
‫طالب رضي اهلل عنه ليسلم املشركني الودائع اليت استحفظها مع أن هؤالء املشركني كانوا‬
‫بعض األمة اليت اس تفزته من األرض واض طرته إِىَل ت رك وطنه يِف س بيل عقيدته ‪ ،‬ق ال ميم ون‬
‫بن مهران ‪ :‬ثالثة مؤدبني إِىَل الرب والفاجر األمانة والعهد وصلة الرحم ‪.‬‬
‫وك ذلك التلميذ أمانة جيب على األس تاذ أن يوجهه إِىَل العل وم النافعة والعقائد الس ليمة‬
‫وحيذره من البدع وما يضره يِف دينه وحيذره من أهل البدع ويبني َما يعرفه من الكتب املظل‬
‫دراس تها والعلم اء املنح رفني عن الص راط املس تقيم ليجتنبهم وكتبهم ‪ ،‬وي ذكر له العلم اء‬
‫احملققني املستقيمني وكتبهم ليقتنيها فيتأثر هبا بإذن اهلل وحتل العقيدة السليمة يِف قلبه ويسعد‬
‫يِف حياته وبعد مماته بإذن اهلل تعاىل ‪.‬‬
‫وحيذره من كتب األشاعرة والشيعة واملعتزلة ومن علمائهم ومن أضر َما على املسلمني‬
‫الي وم األش اعرة وكتبهم والرافضة وكتبهم عص منا اهلل ومجيع املس لمني ِمْن ُه ْم ومن كتبهم‬
‫كثريا من الناس عن طريقة السلف اخلالصة من شوائب‬ ‫وبدعهم اليت عمت وطمت وصرفت ً‬
‫البدع ‪.‬‬
‫ويكون هذا املعلم املخلص هو السبب الوحيد الستقامة هذا التلميذ وهدايته فيا هلا من‬
‫كورا ي دعوا‬
‫جتارة ويا له من ربح ‪ ،‬ويا هلا من نص يحة فنجد التلميذ إن َك ا َن وافيًا ش ً‬
‫دائما وإن مَلْ يكن كذلك فأجر املعلم واملوجه‬
‫ملواجهة ً‬

‫‪574‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫َح َس َن َع َمالً ﴾ والن اس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َج َر َم ْن أ ْ‬
‫يع أ ْ‬
‫املخلص ال يض يع عند اهلل ‪ ،‬ق ال تع اىل ‪ ﴿ :‬إنَّا اَل نُض ُ‬
‫خيتلفون فيهم روض وسبح ‪.‬‬
‫قال بعضهم ‪:‬‬
‫الو َدائِ ِع‬
‫ض َ‬ ‫وفي أ َْهِل ِه إِالَّ َكَب ْع ِ‬ ‫وف ِفي غَْي ِر أ َْهِل ِه‬‫الم ْع ُر ُ‬
‫لََع ْم ُر َك َما َ‬
‫ضائِ ِع‬‫ع َما ِعْن َد ُه غَْي ُر َ‬
‫َو ُم ْسَت ْو َد ٌ‬ ‫الذي َكا َن ِعْن َد ُه‬ ‫اع ِ‬ ‫ض َ‬‫فَ َُم ْسَتو ٌدع َ‬
‫ِ‬ ‫َّاس ِفي ُك ْف ِر األَيَ ِادي َو ُش ْك ِر َها‬
‫ِع‬
‫المزار ِ‬ ‫إلى أ َْهل َها إِالَّ َكَب ْعض َ‬ ‫َو َما الن ُ‬
‫ِع‬ ‫َو َم ْز َر َعةٌ أَ ْك َد ْ‬
‫ت على ُك ِّل َزار ِ‬ ‫ف َز ْر ُع َها‬‫ض َع ْ‬
‫ت فَأَ ْ‬
‫َج َد ْ‬
‫فَ َم ْز َر َعةُ أ ْ‬

‫وكذلك العمل أمانة يِف عنق العامل يسأل عنه يوم القيامة إذا مَلْ سنشره بني الناس وينور‬
‫ِ َّ ِ‬
‫َنزلْنَا‬
‫ين يَكْتُ ُم و َن َما أ َ‬ ‫وغاش ا إلخوانه قال اهلل تعاىل ‪ ﴿ :‬إ َّن الذ َ‬ ‫به قلوهبم يكون خائنًا ألمانته ًّ‬
‫ك يَ َلعُن ُه ُم اللّهُ َو َي ْل َعُن ُه ُم الاَّل ِعنُو َن‬
‫اب أُولَـئِ َ‬ ‫ات َواهْلَُدى ِمن َب ْع ِد َما َبَّينَّاهُ لِلن ِ‬
‫َّاس يِف الْ ِكتَ ِ‬ ‫ِمن الْبِّينَ ِ‬
‫َ َ‬
‫﴾‪.‬‬
‫قال بعض املفسرين على هذه اآلية ‪ :‬والتنديد بكتمان َما أنزل اهلل من الكتاب املقصود‬
‫به أوالً أهل الكت اب ولكن م دلول النص العام ينطبق على أهل كل ملة يكتمون احلق الذي‬
‫يعلمونه ويش رتون به مثنًا قليالً إما هو النفع اخلاص ال ذي حيرص ون عليه بكتم اهنم للحق‬
‫واملص احل اخلاصة اليت يتحروهنا هبذا الكتم ان وخيش ون عليها من البي ان وإما هو ال دنيا كلها‬
‫وهي مثن قليل حني تقاس على َما خيسرونه من رضى اهلل ومن ثواب اآلخرة ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وقال آخر ‪ :‬وهذه اآلية توجب إظهار علوم الدين منصوصة َك انَت أو مستنبطة وتدل‬
‫على امتن اع ج واز أخذ األج رة على ذلك إذ غري ج ائز اس تحقاق األجر على َما جيب فعله‬
‫بلغ يا أخي الذين يأكلون بالكتب الدينية وحيتكروهنا باسم حتقيق أو نشر نسأل اهلل العافية ‪.‬‬

‫‪575‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫َوقَ ْد روى األعرج عن أيب هريرة أنه قال ‪ :‬إنكم تقولون أكثر أبو هريرة عن النيب ‪ ‬واهلل‬
‫ِ َّ ِ‬ ‫املوعد ‪ ،‬وأمي لوال آية يِف كتاب اهلل َما حدثت بشيء ً‬
‫أبدا ‪ ،‬مث تال ﴿ إ َّن الذ َ‬
‫ين يَكْتُ ُم و َن َما‬
‫أَنزلْنَا ِمن الْبِّينَ ِ‬
‫ات َواهْلَُدى ﴾ اآلية ‪.‬‬ ‫َ َ َ‬
‫وعن أيب هريرة رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ « :‬من سئل عن‬
‫علم فكتمه أجلم ي وم القيامة بلج ام من ن ار » ‪ .‬رواه أبو داود والرتم ذي وحس نه وابن ماجة‬
‫وابن حبان يِف صحيحه والبيهقي ورواه احلاكم بنحوه وقال ‪ :‬صحيح على شرط الشيخني‬
‫ومل خيرجاه ‪.‬‬
‫وعن أيب سعيد اخلدري رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪« :‬‬
‫علما مما ينفع اهلل به الن اس يِف أمر ال دين أجلمه اهلل ي وم القيامة بلج ام من ن ار » ‪.‬‬ ‫من كتم ً‬
‫رواه ابن ماجة ومن األمانة يِف العلم إنك إذا أبديت رأيًا مث أراك الدليل القاطع أو الراجح أن‬
‫احلق يِف غري َما أبديت أن تصدع مبا استبان لك أنه احلق ‪.‬‬
‫كثريا‬ ‫ِ‬
‫وال مينعك من اجلهر به أن تنسب إىَل سوء النظر فيما رأيته أوالً ‪ ،‬واألمانة محلت ً‬
‫من العلم اء على أن يظه روا رج وعهم عن كثري من آراء علمية أو اجتهادية دينية ت بني هلم‬
‫أهنم غري مصيبني فيها ‪.‬‬
‫وال يكرتثون مبا قال فيهم من االعرتاضات اليت يِف غري حملها لعلمهم أن الناس َما ِمْن ُه ْم‬
‫س المة أب َدا مهما اس تقاموا وهلذا الرسل مَلْ يس لموا ِمْن ُه ْم ق والً وفعالً ‪ ،‬بل اهلل جل وعال‬
‫ال ذي أوج دهم ورب اهم ورزقهم وفض لهم على كثري ممن خلق جعل وا له ول دا وق الوا ‪ :‬ال‬
‫يعيدنا ‪ ،‬فال مطمع يِف السالمة ِمْن ُه ْم ‪ ،‬وهم كما قال الشاعر معربًا عن صفاهتم ‪:‬‬
‫المر ٍئ‬ ‫َّص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يحة ْ‬ ‫َوإِ ْن ُتْبدي َي ْو ًما بالن َ‬
‫بُِت ْه َمتِ ِه ِإيَّ َ‬
‫اك َكا َن ُم َجا ِزيَا‬

‫‪576‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫اح ِة َو َّ‬ ‫َوإِ ْن َتَت َحلَّى بِ َّ‬


‫ج‬

‫الس َخاء‬ ‫الس َم َ‬


‫س َواِ ِعَيا‬ ‫ال َسفيهٌ أَ ْخَر ٌق لَْي َ‬
‫يَق ُ ِ‬
‫ُ‬
‫ور ٍة‬
‫ضُر َ‬‫ال َ‬ ‫اك َح َ‬ ‫َوِإ ْن أ َْم َس ْكت َّ‬
‫كف َ‬
‫ك ال ُم َسا ِويَا‬ ‫يح ُم ْم ِس ٌ‬ ‫ال َشح ٌ‬
‫يَق ُ ِ‬
‫ُ‬
‫وع ِح ْك َم ٍة‬ ‫ت ِم ْن ِف َ‬
‫يك َيْنبُ ُ‬ ‫َوإِ ْن ظََهَر ْ‬
‫َي ُقولُو َن ِم ْه َذ ًارا بَ ِذيًّا ُمَب ِاهَيا‬
‫ت تَا ِر ًكا‬
‫َو َع ْن ُك ِّل َما الَ َي ْع ِن أَ ْن ُكْن َ‬
‫الع ْج ِز صاَ ِغَيا‬ ‫ِ ِ‬
‫َي ُقولُو َن َع ْن ع ٍي من َ‬
‫ت ِم ْق َد ًاما لِ ُك ِّل ُمِل َّم ٍة‬
‫َوإِ ْن ُكْن َ‬
‫الع ْق َل َو ِاهَيا‬ ‫ش ً‬
‫ال َعج ٌ ِ‬
‫ول طَائ ُ‬ ‫ُيَق ُ ُ‬
‫ص‬‫ضى َع ْن َج َهالَِة نَ ِاق ٍ‬ ‫َوإِ ْن َتَتغَا َ‬
‫وك َخوارا جبانًا و ِ‬
‫الهيا‬ ‫َي ُع ُّد َ َ ً َ َ َ‬
‫ك َعْن ُه ُمو‬ ‫اصى بِا ْعتِزالِ َ‬ ‫َوإِ ْن َتَتَق َ‬
‫وك ِم ْن ِكْب ٍر َوتِ ٍيه ُم َج ِافَيا‬‫يَ َخالُ َ‬
‫ف‬‫وإِ ْن َتَت َدانَى ِمْن ُهم الَِتأَلُّ ٍ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫اعا َك ُذوبًا ُمَرائَِيا‬ ‫ُّوك َخ َّد ً‬
‫يَظُن َ‬
‫وسهم‬ ‫تَرى الظُّلْم ِمْنهم َك ِامًنا ِفي ُنُف ِ‬
‫َ ُْ‬
‫ك َذا غَ ْد ُر ُهم ِفي طَْب ِع ِه ْم ُمَتَو ْاريَا‬
‫ان يَظ َْه ُر ظُل ُْمهُ‬ ‫فَِفي ُقَّوِة ا ِإلنْس ِ‬
‫َ‬
‫َو ِفي َع ْج ِز ِه َيْبَقى َك َما َكا َن َخ ِافَيا‬
‫ات َتْن ُجو ِم ْن غََوائِ ِل ِف ْعِلهم‬ ‫َو َهْي َه َ‬
‫اشَيا‬‫وأَقْوالِ ِهم م ْهما تَ ُكن مَتح ِ‬
‫َ َ َْ َ ْ ُ َ‬

‫‪577‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫َنام بَِق ْولِِه‬


‫اء األ ِ‬ ‫ضَ‬ ‫فَ َم ْن َر َام إِ ْر َ‬
‫َو ِف ْع ٍل َغ َدا لِل ُْم ْسَت ِح ِ‬
‫يل ُم َعانَِيا‬
‫ضى ال َخالَئِ ِق ُكلَّ ُهم‬ ‫الذي أ َْر َ‬‫ومن َذا ِ‬
‫ََ ْ‬
‫رسوالً نَِبيَّا أ َْم ولِيًّا وقَ ِ‬
‫اضَيا‬ ‫َ َ‬ ‫َُ‬
‫ْق َه ْل َتَرى‬ ‫َوأَ ْعظَ ُم ِم ْن َذا َخالِ ُق ال َخل ُ‬
‫ج ِميع الورى ِفي ِقسم ٍة ِمْنه ر ِ‬
‫اضَيا‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ ََ‬
‫ض َخ ْلَقهُ‬ ‫لم ُي ْر ِ‬ ‫ب ال َخل ِْق ْ‬ ‫إِ َذا َكا َن َر ُّ‬
‫اجيا‬‫اهم مر ِ‬ ‫وق ِر َ‬ ‫ف بِم ْخلُ ٍ‬
‫ض ُ ْ َُ‬ ‫كي َ َ‬ ‫فَ ْ‬
‫العَب ِاد إِذاً َوالَ‬ ‫ب ِ‬ ‫ضى َر ِّ‬ ‫فَال ِز ْم ِر َ‬
‫ت َز ِ‬
‫اكَيا‬ ‫وق إ َذا ُكْن َ‬ ‫ُتب ِال بِم ْخلُ ِ‬
‫َ َ‬
‫ت فَِإنَّ َما‬ ‫استَطَ ْع َ‬
‫ب َما ْ‬ ‫َو َس ِّد ْد َوقَا ِر ْ‬
‫ف َعْب ٌد ِف ْع َل َما َكا َن قَا ِويَا‬ ‫يُ َكلَّ ُ‬

‫اللهم إنا نعوذ بك من شر أنفسنا وشر الدنيا ونعوذ بك من الشيطان الرجيم ونسألك‬
‫وعلَى‬
‫أن تغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني برمحتك يا أرحم الرامحين وصلى اهلل على حممد َ‬
‫آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫ومن األمانة يِف العلم أنك إذا سئلت عن مسألة خافيًا عليك حكمها أن تقول ‪ :‬ال أدري‬
‫غري مستنكف وال مبال مبا يكون هلا من أثر عند السائلني واملستمعني وألن يقال سئل فقال‬
‫واقعا ‪.‬‬
‫‪ :‬ال أدري خري من أن يقال سئل فأجاب خطأ أو روى َما مَلْ يكن ً‬

‫‪578‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وسأل رجل بن عمر عن مسألة فقال ‪ :‬ال علم يل هبا ‪ .‬مث قال السائل بعد أن وىل ‪ :‬نِ ْع َم‬
‫َما قال بن عمر قال ‪ :‬ملا ال يعلم ال أعلم ‪.‬‬
‫وقال سفيان بن عيينة ‪ :‬كنت يِف حلقة رجل من ولد عبد اهلل بن عمر فسئل عن شيء‬
‫فقال ‪ :‬ال أدري ‪ .‬فقال له حيي بن سعد ‪ :‬العجب منك كل العجب تقول ‪ :‬ال أدري وأنت‬
‫ابن إمام ُه َدى ؟ فقال ‪ :‬أوال أخربك مىن عند اهلل وعند من عقل عن اهلل من قال بغري علم أو‬
‫حدث عن غري ثقة ‪.‬‬
‫وقال اهليثم بن مجيل ‪ :‬شهدت مالك بن أنس عن مثان وأربعني مسألة ‪ ،‬فقال يِف اثنني‬
‫وثالثني ِمْنه ‪ :‬ال أردي ‪.‬‬
‫وعن أيب سليمان بن بالل ‪ :‬قال شهدت بن حممد بن أيب بكر الصديق والناس يسألونه ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬يا هؤالء بعض مسائلكم فإنا ال نعلم كل شيء ‪.‬‬
‫وكان عبد اهلل بن يزيد بن هرمز يقول ‪ :‬ينبغي للعامل أن يورث جلساءه من بعده ال أدري حىت يكون أص الً ِمْنه يِف أيديهم إذا سئل‬
‫أحدهم عما ال يعلم قال ‪ :‬ال أدري ‪.‬‬
‫لَِت ْسَل َم ِمن َشِّر ال َخطَا ِفي ا ِإل َجابَِة‬ ‫ت َج ِاهالً‬ ‫ري إِ َذَا ُكْن َ‬‫ك بِالَ أَ ْد ْ‬ ‫َعَلْي َ‬
‫ت َمَقالِتُ ْه‬ ‫وي ْكر ُه ال أَ ْد ِري أ ِ‬
‫َصْيَب ْ‬ ‫ََ َ‬ ‫ِّرا‬
‫صد ً‬ ‫َو َم ْن َكا َن َي ْهَوى أَ ْن ُيَرى ُمَت َ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫اب يُ َك ْذلِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك‬ ‫ْجَو ِ‬ ‫َوأَ ْكَث ُر ُه ْم عْن َد ال َ‬
‫اعا قَ ِ‬
‫ص َير ًة‬ ‫يَ ُم ُد ْو َن ِفي ا ِإل ْفَتاء بَ ً‬ ‫آخر‪:‬‬
‫َّاس َج ْهالً‬ ‫ك ِعْن َد الن ِ‬ ‫الش ِ‬
‫َكَفى بِ َّ‬ ‫ول بِغَْي ِر ِعل ٍْم‬
‫ِح َذ َار َك أَ ْن َت ُق َ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫َص ُّح َوأَ ْدنَى لِ َّ‬
‫لس َد ِاد َوأ َْمثَ ُل‬ ‫أَ‬ ‫ك إِنَّهُ‬‫اسَت ْقبِ ْل َح ِدْيثَ َ‬
‫الص ْد ِق فَ ْ‬
‫َوبِ ِّ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫(‬

‫‪579‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫س أَ ُخ ْو ِعل ٍْم ُهَو َج ِاه ُل‬


‫َولَْي َ‬ ‫س ال َْم ْرءُ ُي ْولَ ُد َعالِ ًما‬ ‫َّ‬
‫آخر‪َ :‬ت َعل ْم َفلَْي َ‬
‫ت َعلَْي ِه ال َْم َح ِاف ُل‬ ‫ص ِغ ٌير إِ َذا َّ‬ ‫ْم ِعْن َد ُه‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫التَق ْ‬ ‫(َ‬ ‫َوإ ْن َكب َير الَْق ْوم ال عل َ‬

‫ومن األمانة يِف العلم أن ال يفيت مبا يراه باطالً ‪ .‬إال إن سأله عن َما يراه فالن بأن قال ‪:‬‬
‫َما رأي الشافعي أو أمحد فيها ‪ ،‬أو َما هو اختيار شيخ اإلسالم فيها ‪ ،‬إن كنت عاملا باحلكم‬
‫ً‬
‫تقول له ‪ :‬يرى كذا وكذا وال بأس ‪.‬‬
‫وبالت ايل فما من إنس ان منا إال وعلمه أمانة هلل يِف عنقه ‪ ،‬فالش عب أمانة يِف يد ال والة‬
‫لألم ور ‪ ،‬وال دين أمانة يِف يد العلم اء وطلبة العلم والع دل أمانة يِف يد القض اة واحلق أمانة يِف‬
‫يد اجملاهدين ‪ ،‬والصدق أمانة يِف يد الشهود ‪ ،‬واملرضى أمانة يِف يد األطباء ‪ ،‬واملصاحل أمانة‬
‫يِف يد املستخدمني ‪ ،‬والتلميذ أمانة يِف يد األستاذ ‪ ،‬والولد أمانة يِف يد أبيه ‪ ،‬والوطن أمانة يِف‬
‫يد اجلميع ‪ ،‬وهكذا باقي األمانات ‪.‬‬
‫َوقَ ْد ورددت آيات وأحاديث يِف عظم شأن األمانة واألمر حبفظها وأدائها والتحذير من‬
‫ات إِىَل أ َْهلِ َها ﴾ وقال ‪﴿ :‬‬ ‫ؤدواْ األَمانَ ِ‬ ‫ِ‬
‫اخليانة فيها ‪ ،‬قال اهلل تعاىل ‪ ﴿ :‬إ َّن اللّ هَ يَأْ ُم ُر ُك ْم أَن تُ ُّ َ‬
‫َش َف ْق َن ِمْن َها َومَحَلَ َها‬
‫ض َواجْلِبَ ِال فَ أ ََبنْي َ أَن حَيْ ِم ْلَن َها َوأ ْ‬ ‫الس ماو ِ‬
‫ات َواأْل َْر ِ‬ ‫ض نَا اأْل ََمانَ ةَ َعلَى َّ َ َ‬‫إِنَّا َعَر ْ‬
‫نسا ُن إِنَّهُ َكا َن ظَلُوماً َج ُهوالً ﴾ ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اإْل َ‬
‫وعن عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه قال ‪ :‬القتل يِف سبيل اهلل يكفر الذنوب كلها إال‬
‫األمانة ‪ .‬قال ‪ :‬يؤتى بالعبد يوم القيامة وإن قتل يِف سبيل اهلل فيقال ‪ :‬أد أمانتك فيقول ‪ :‬أي‬
‫رب كيف َوقَ ْد ذهبت الدنيا ‪ ،‬فيقال ‪ :‬انطلقوا به إِىَل اهلاوية ‪ ،‬ومتثل له أمانته كهيئتها يوم‬
‫دفعت إليه فرياها فيعرفها فيه وي يِف أثرها حىت ي دركها فيحملها على منكبه حىت إذا ظن أنه‬
‫خارج زلت عن منكبيه فهو يهوي يِف أثرها أبد اآلبدين ‪.‬‬
‫مث قال ‪ :‬الصالة أمانة ‪ ،‬والوضوء أمانة ‪ ،‬والكيل أمانة وأشياء عددها وأشد‬

‫‪580‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ذلك الودائع ‪ ،‬قال ‪ :‬راوي احلديث فأتيت الرباء بن عازب فقلت ‪ :‬أال ترى إِىَل َما قال ابن‬
‫مس عود ق ال ‪ :‬ك ذا وك ذا ق ال ‪ :‬ال رباء ص دق أما مسعت اهلل يق ول ‪ ﴿ :‬إِ َّن اللّ هَ يَ أْ ُم ُر ُك ْم أَن‬
‫ات إِىَل أ َْهلِ َها ﴾ ‪.‬‬
‫ؤدواْ األَمانَ ِ‬
‫تُ ُّ َ‬
‫ويف حديث حذيفة يِف وصفه لتسرب األمانة من القلوب اليت ختلخل فيها اليقني ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ح دثنا رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ح ديثني رأيت أح دمها وأنا أنتظر اآلخر ح دثنا ‪« :‬‬
‫أن األمانة نزلت يِف جذر قلوب الرجال مث علموا من القرآن مث علموا من السنة » ‪.‬‬
‫وح دثنا عن رفعها ق ال ‪ « :‬ين ام الرجل النومة فتقبض األمانة من قلبه فيظل أثرها مثل‬
‫ال وكت ‪ ،‬مث ين ام النومة فتقبض فيبقى أثرها مثل أثر اجملل كجمر دحرجته على رجلك فنفط‬
‫منتربا ‪ ،‬وليس فيه شيء فيصبح الناس يتبايعون فال يكاد أحدهم يؤدي األمانة فيقال ‪:‬‬ ‫فرتاه ً‬
‫إن يِف بين فالن رجالً أمينًا ويقال للرجل ‪َ :‬ما أعقله وما أظرفه وما أجلده وما يِف قلبه مثقال‬
‫حبة خردل من إميان » ‪ .‬احلديث رواه البخاري ‪.‬‬
‫ولألمري الصنعاين يِف احلث على تدبر كتاب اهلل والتفكر يِف آياته والثناء على اهلل قصيدة‬
‫بليغة ‪.‬‬
‫ات َعلَْينَا ُكلََّها ِمَن ٌن‬
‫الَْوا ِر َد ُ‬
‫ْح َس ُن‬ ‫ِم ْن َرِّبنَا َفلَهُ ِ‬
‫اإل ْح َسا ُن َوال َ‬
‫إِنَا لَنَا ُك َّل َش ْيٍء ِم ْن َمَو ِاهبِ ِه‬
‫ط بِِه َعْي ٌن َوال أُذُ ُن‬
‫َما ال تُ ِحْي ُ‬

‫‪581‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ض أَيَ ِاد ِيه الَّتِي َش َمَل ْ‬


‫ت‬ ‫ش ْك ُر َب ْع ِ‬
‫فَ ُ‬
‫المةُ اللَّ ِس ُن‬
‫َع ْن ُش ْك ِر َها َي ْع َج ُز ال َْع َ‬
‫ب ال يَ ْخَف ُاه َخ ِافَيةٌ‬ ‫يَا َعالِ َم الْغَْي ِ‬
‫َو ِعل ُْمهُ َيَت َس َاوى ِّ‬
‫السُّر َوال َْعَل ُن‬
‫ضتِ ِه‬
‫ت َقْب َ‬ ‫أ َْه ُل الَْب ِسْيطَِة طًُّرا تَ ْح َ‬
‫الذي يِأْتِ ِيه ُم ْرَت َه ُن‬
‫َو ُكلُّ ُه ْم بِ ِّ‬
‫بِ ِح ْك َم ٍة َوبِِعل ٍْم َكا َن ُمْبَت ِدئًا‬
‫ت لَهُ الِْفطَ ُن‬ ‫الذي َح َار ْ‬ ‫ود ِّ‬
‫َه َذا ال ُْو ُج َ‬
‫َد َحى الَْب ِسيطَ َة َف ْر ًشا لِألنَ ِام َوقَ ْد‬
‫ال ُّ‬
‫الش ُّم َوالْ ُقَن ُن‬ ‫ت َعَلْي َها ال ِ‬
‫ْجَب ُ‬ ‫َعَل ْ‬
‫َكْيال تَ ِمْي َد بِأ َْهِل َها َوأ َْو َد َع َها‬
‫لَ ُه ْم َمنَ ِاف َع إِ ْن َس ُاروا َوإِ ْن قَطَنُوا‬
‫ت‬ ‫اء بَأَيْ ٍد َف ْو َق َها َو َحَو ْ‬ ‫الس َم َ‬
‫َبنَى َّ‬
‫ضوا َعْن َها َو َما فَطَنُوا‬ ‫َع َجائًِبا أَ ْعَر ُ‬
‫فَِفي التَّأَُّم ِل ِفي آيَاتَِها ِعَبٌر‬
‫لَْو َكا َن يُطْلَ ُق َع ْن أَفْ َكا ِرنَا َّ‬
‫الر َس ُن‬
‫اض ال ِْعَب ِاد َف َه ْل‬ ‫َوقَ ْد َح َكى اهللُ إِ ْعَر َ‬
‫غَطَّى على ال َْعْي ِن ِم ْن أَفْ َكا ِرنَا الَْو َس ُن‬
‫ات َخالِِقَنا‬ ‫التَف ُّكر ِفي آي ِ‬
‫َ‬ ‫إ َّن َّ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ْق قَ ْد غُبِنُوا‬ ‫ادةُ الِْف ْك ِر ِفْي َها الْ َخل ُ‬‫عَب َ‬
‫اد بِالِْف ْك ِر إِيْ َمانًا َو َم ْع ِرفَ ًة‬
‫َت ْز َد ُ‬
‫ك َش ْيءٌ َما لَهُ ثَ َم ُن‬ ‫فَال َيُفوتُ َ‬

‫‪582‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫اب َف ُق ْل‬ ‫ْكَت ِ‬ ‫م َّن ا ِإللَهُ َعلَيَنا بِال ِ‬


‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت ِم ْن ُدونَِها ال ِْمَن ُن‬ ‫صَر ْ‬ ‫ِ‬
‫يَا منَّ ًة قَ ُ‬
‫ْح ِك ِيم تَ ِج ْد‬ ‫ف الِْف ْكَر ِفي ِّ‬ ‫فَصِّر ِ‬
‫الذ ْك ِر ال َ‬ ‫َ‬
‫وم الَّتِي لَ ْم يَ ْح ِو َها الَْف ِط ُن‬ ‫فْيه ال ُْعلُ َ‬
‫ِِ‬
‫ت ُكالٌّ بَال َغُت َها‬ ‫آيَاتُهُ أَ ْع َجَز ْ‬
‫َوأَْبلَ ُغ الْ َخل ِْق قَ ْد أ َْو َدى بِِه اللَّ َك ُن‬
‫يص َوأ َْمثِلَةٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أَدلَّةٌ َوأَقَاص ٌ‬
‫ظ بَِلي ٌغ َو َم ْعَنى فَائِ ٌق َح َس ُن‬ ‫لَْف ٌ‬
‫ْق ِفْي ِه ُّ‬
‫الد َّر ُمْبَت َذالً‬ ‫ص بَ ْحَر ُه َتل َ‬ ‫غُ ْ‬
‫اج ِه ُّ‬
‫السُف ُن‬ ‫ْك ِف ْك ِر َك ِفي أ َْمو ِ‬
‫َ‬ ‫َو ُفل ُ‬
‫ت أَ ْخَب َار َم ْن َد َر ُجوا‬ ‫صَف ْ‬ ‫َكم ِق َّ ٍ‬
‫صة َو َ‬ ‫ْ‬
‫صالِ ٍح َو َشِق ٍّي َربُّهُ الَْوثَ ُن‬ ‫ِ‬
‫م ْن َ‬
‫ف بِال َْمثَانِي َتَرى آيَاتَِها َع َجًبا‬ ‫ِق ْ‬
‫أ َْو بِال َْمئِي ِن فَِف َيها ُكلِّ َها ال ِْمَن ُن‬
‫َج َم ُعهُ‬ ‫َّ ِ ِ ِ‬
‫ْم أ ْ‬ ‫أ َْو الطَوال فَفْي َها الْعل ُ‬
‫َح َك ِام تَ ْخَت ِز ُن‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َخَزائٌن ه َي لأل ْ‬
‫صلَةٌ‬
‫ات ُمَف َّ‬ ‫ص ِل آيَ ٌ‬ ‫َو ِفي ال ُْمَف َّ‬
‫وب َما بَِها َد َر ُن‬ ‫ع لُِقلُ ٍ‬ ‫َقَوا ِر ٌ‬
‫وب فَالَ‬ ‫خ الْ ُقلُ ِ‬ ‫وب أل َْو َسا ُ‬ ‫الذنُ َ‬ ‫إِ َّن ُّ‬
‫ِّم ُن‬
‫اد َك َبْيًتا َح ْش ُو ُه الدَ‬ ‫يَ ُك ْن ُفَؤ ُ‬
‫ك ِمن َقْب ِل الْمم ِ‬
‫ات فَ َما‬ ‫ََ‬ ‫َو َدا ِو َقلَْب َ ْ‬
‫الدواء بِمْي ٍ‬ ‫ِ‬
‫ت َب ْع َد َما َد َفنُوا‬ ‫يُ ْجدي َّ َ ُ َ‬

‫‪583‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫َّص ْو ِح فَ َذا‬ ‫الص ْد ِق الن ُ‬‫بِ َم ْر َه ِم الت َّْوبَِة ِّ‬


‫الد ِاء لَْو فَ ِطنُوا‬
‫اك َّ‬‫الدَواءُ لِ َذ َ‬
‫ُهَو َّ‬
‫وع إِ َذا‬ ‫ك تُطِْف َيها ُّ‬
‫الد ُم ِ‬ ‫َونَ ُار َذنْبِ َ‬
‫ْحَز ُن‬
‫الك َوال َ‬‫ف ِم ْن َم ْو َ‬ ‫أَثَ َار َها الْ َخ ْو ُ‬
‫الدَوا ِم ْن َقْب ِل ِمْيَتتِ ِه‬
‫بَ ِاد ْر بَِه َذا َّ‬
‫ضا ِم ْن ُد ْونِِه ُجَن ُن‬
‫فَ َما لِ َس ْه ٍم الَْق َ‬
‫ص َتَوفَى َقْبَلهُ َوَثَوى‬ ‫ب َش ْخ ٍ‬ ‫َو ُر َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْح َشا َكَف ُن‬ ‫ص ْد ِره َف ُهَو َقْبٌر َوال َ‬ ‫في َ‬
‫َّاس يَ ْم ِشي َح ِامالً َج َدثًا‬ ‫َتَر ُاه ِفي الن ِ‬
‫ب ِم ْن َه َذا أَتَى َّ‬
‫الزَم ُن‬ ‫ِ‬
‫َف َه ْل بأَ ْع َج َ‬
‫اهلل َت ْو ِفْيًقا يَ ُكو ُن بِِه‬
‫َسأ َُل َ‬
‫فَأ ْ‬
‫ْختَ ِام فَِفْي ِه الَْف ْو ُز ُم ْرَت َه ُن‬‫حسن ال ِ‬
‫ُ ُْ‬
‫الص ِ‬
‫الة على َخْي ِر الَْو َرى َو َعلَى ال‬ ‫فَِفي َّ‬
‫َّسِلْي ِم َي ْقَت ِر ُن‬ ‫ِ ِ‬
‫آل الْكَر ِام َم َع الت ْ‬
‫اللهم ثبت حمبتك يِف قلوبنا وقوها ونور قلوبنا بنور اإلميان واجعلنا هداة مهتدين وآتنا يِف‬
‫ال دنيا حس نة ويف اآلخ رة حس نة وقنا ع ذاب الن ار واغفر لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني‬
‫وعلَى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬‫برمحتك يا أرحم الرامحين وصلى اهلل على حممد َ‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫اعلم وفقنا اهلل وإياك ومجيع املسلمني ملا حيبه ويرضاه أن توثيق عرى املودة بني املسلمني‬
‫وتص فية القل وب من الغل واحلقد واحلسد ‪ ،‬واحلرص على َما جيلب املودة والت آلف ‪:‬‬
‫والتناصر والتعاضد ‪ ،‬وجتنب َما يوغر الصدور‬

‫‪584‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫تاما إال بذلك ‪.‬‬ ‫ويورث العداوة واجب تقتضيه األخوة اإلميانية ‪ ،‬واإلميان ال يكون ً‬
‫ص ُمواْ حِب َْب ِل اللّ ِه مَجِ يع اً َوالَ َت َفَّرقُواْ ﴾‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل هنى عن التفرق فقال ‪ ﴿ :‬و ْاعتَ ِ‬
‫َ‬
‫ف أمرهم باجلماعة وهناهم عن التف رق ‪َ ،‬وقَ ْد وردت أح اديث متع ددة ب النهي عن التف رق‬
‫واألمر باالجتماع واالئتالف ‪.‬‬
‫رادا أو مجاع ات يثمر إحالل األلفة مك ان الفرقة‬ ‫وملا َك ا َن الص احل بني املس لمني أف ً‬
‫واستئصال داء النزاع قبل أن يستفحل وحقن الدماء اليت تراق بني الطوائف املتنازعة ‪.‬‬
‫وتوفري األم وال اليت تنفق للمح امني ب احلق وبالباطل وتوفري الرس وم والنفق ات األخ رى‬
‫وجتنب إنك ار احلق ائق اليت جتر إليها اخلص ومات وت رك ش هادة ال زور وجتنب املش اجرات‬
‫واالعتداءات على احلقوق والنفوس وتفرغ النفوس للمصاحل بدل جداهلا واهنماكها يِف الكيد‬
‫للخصوم إِىَل غري ذلك مما يثمره الصلح أمر اهلل به وحث عليه ‪.‬‬
‫ان ِم َن‬ ‫قال اهلل تعاىل ‪ ﴿ :‬فَ َّات ُقواْ اللّه وأَصلِحواْ َذات بِينِ ُكم ﴾ وقال تعاىل ‪ ﴿ :‬وإِن طَائَِفتَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫ََ ْ ُ‬
‫ُخ َرى َف َق اتِلُوا الَّيِت َتْبغِي َحىَّت‬ ‫الْم ؤ ِمنِني ا ْقتتلُ وا فَأ ِ‬
‫ت إِ ْح َدامُهَا َعلَى اأْل ْ‬ ‫َص ل ُحوا َبْيَن ُه َما فَ ِإن َبغَ ْ‬
‫ْ‬ ‫ُ ْ َ ََ‬
‫ني ﴾‬ ‫ِ ِ‬
‫ب الْ ُم ْقس ط َ‬ ‫َص لِ ُحوا َبْيَن ُه َما بِالْ َع ْد ِل َوأَقْ ِس طُوا إِ َّن اللَّهَ حُيِ ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تَفيءَ إِىَل أ َْم ِر اللَّه فَ ِإن فَ ْ‬
‫اءت فَأ ْ‬
‫الص ْل ُح َخْيٌر ﴾ ‪.‬‬ ‫َخ َويْ ُك ْم ﴾ وقال ‪َ ﴿ :‬و ُّ‬ ‫وقال تعاىل ‪ ﴿ :‬إِمَّنَا الْمؤ ِمنو َن إِخوةٌ فَأ ِ‬
‫َصل ُحوا َبنْي َ أ َ‬ ‫ُْ ُ َْ ْ‬
‫ٍ‬ ‫وقال تعاىل ‪ ﴿ :‬الَّ خير يِف َكثِ ٍري ِّمن جَّنْ واهم إِالَّ من أَم ر بِ ٍ‬
‫ص الَ ٍح‬ ‫ص َدقَة أ َْو َم ْع ُروف أ َْو إِ ْ‬ ‫َ ُ ْ َ ْ ََ َ‬ ‫ََْ‬
‫ت ِمن َب ْعلِ َها نُ ُش وزاً أ َْو إِ ْعَراض اً فَالَ ُجنَ اْ َح‬ ‫َّاس ﴾ وق ال تع اىل ‪َ ﴿ :‬وإِ ِن ْام َرأَةٌ َخ افَ ْ‬ ‫َبنْي َ الن ِ‬
‫الص ْل ُح َخْيٌر ﴾ ‪.‬‬ ‫ص ْلحاً َو ُّ‬ ‫علَي ِهما أَن ي ِ‬
‫صل َحا َبْيَن ُه َما ُ‬
‫َْ َ ُ ْ‬

‫‪585‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وحث صلى اهلل عليه وسلم على الصلح وأصلح بني كثري من أصحابه وعن أيب العباس‬
‫سهل بن سعد الساعدي رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بلغه أن بين عمرو‬
‫بن عوف َكا َن بينهم شر فخرج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يصلح بينهم يِف أناس معه ‪.‬‬
‫احلديث متفق عليه ‪.‬‬
‫ولقد بلغت العناية بالصلح بني املسلمني إِىَل انه رخص فيه بالكذب رغم قباحته وشناعته‬
‫وشدة حترميه ‪ ،‬وعن أم كلثوم بنت عقبة بن أيب معيط رضي اهلل عنها أن النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم قال ‪ « :‬مَلْ يكذب من منى بني اثنني ليصلح بينهم » ‪.‬‬
‫خريا » ‪ .‬رواه أبو‬ ‫خريا أو منى ً‬
‫ويف رواية ‪ « :‬ليس بالكاذب من أصلح بني الناس فقال ً‬
‫داود ‪ ،‬ويف رواية ملسلم قالت ‪ :‬ومل أمسعه يرخص يِف شيء مما يقوله الناس إال يِف ثالث يعين‬
‫احلرب واإلص الح بني الن اس وح ديث الرجل امرأته وح ديث املرأة زوجها ‪ ،‬أي ق ال خ ًريا‬
‫على وجه اإلص الح وليس املراد نفي ذات الك ذب بل نفي أمثه فالك ذب ك ذب وإن قيل‬
‫لإلصالح أو غريه وإمنا نفي عن املصلح كونه كذابًا باعتبار قصده ‪.‬‬
‫وهذه أمور قد يضطر اإلنسان فيها إِىَل الزيادة يِف القول وجماوزة الصدق طلبًا للسالمة‬
‫ودفعا للض رر ورخص يِف اليسري يِف مثل ه ذا ملا يؤمل فيه من الص الح ‪ ،‬والك ذب بني اث نني‬ ‫ً‬
‫يِف اإلص الح أن ينمي من أح دمها إِىَل ص احبه خ ًريا ويبلغه مجيالً وإن مَلْ يكن مسعه بقصد‬
‫اإلصالح ‪ ،‬والكذب يِف احلرب أن يظهر يِف نفسه قوة ويتحدث مبا يقوي به أصحابه ويكيد‬
‫به ع دوه ويوهنه ويش تت فك ره ‪ .‬والك ذب للزوجة أن يع دها ومينيها ويظهر هلا أك ثر مما يِف‬
‫نفسه ليستدمي صحبتها ويصلح به خلقها ‪.‬‬

‫‪586‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وبلغت العناية بالصلح بني الناس إِىَل أن املصلح بني الناس يعطى من الزكاة أو من بيت‬
‫املال ألداء َما حتمله من الديون يِف سبيل اإلصالح وإن َكا َن ً‬
‫قادرا على أدائها من ماله ‪.‬‬
‫وأخرب صلى اهلل عليه وسلم أن اإلصالح بني الناس جتارة وأنه مما يرضاه اهلل ورسوله ‪،‬‬
‫فعن أنس رضي اهلل عنه أن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال أليب أي وب ‪ « :‬أال أدلك على‬
‫جتارة » ؟ ق ال ‪ :‬بلى ‪ .‬ق ال ‪ِ « :‬ص ْل بني الن اس إذا تفاس دوا وق رب بينهم إذا تباع دوا » ‪.‬‬
‫رواه ال بزار والط رباين ‪ ،‬وعن ده « أال أدلك على عمل يرض اه اهلل ورس وله » ؟ ق ال ‪ :‬بلى ‪.‬‬
‫قال ‪ « :‬صل بني الناس إذا تفاسدوا وقرب بينهم إذا تباعدوا » ‪.‬‬
‫وروي عن أنس رضي اهلل عنه عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال ‪ « :‬من أص لح بني‬
‫ورا له َما تق دم من‬
‫الن اس أص لح اهلل أم ره وأعط اه بكل كلمة تكلم هبا عتق رقبة ورجع مغف ً‬
‫جدا ‪.‬‬
‫ذنبه » رواه األصبهاين وهو حديث غريب ً‬
‫اللهم يا من فتح بابه للط البني وأظهر غن اه للراغ بني أهلمنا َما أهلمت عب ادك الص احلني‬
‫وأيقظنا من رق دة الغ افلني إنك أك رم منعم وأعز معني واغفر لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني‬
‫وعلَى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬‫برمحتك يا أرحم الرامحين وصلى اهلل على حممد َ‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫عب اد اهلل ملن َك ا َن اإلنس ان مكل ًفا بالس عي والعمل لطلب ال رزق من وجوهه املش روعة‬
‫َكا َن حقًّا عليه أن يصون نفسه عن مسألة الناس ‪.‬‬
‫وأن ال ميد يده لسؤاهلم وال يتقدم إليهم لطلب حطام الدنيا إال عند‬

‫‪587‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫الض رورة أو احلاجة الشديدة ألنه إذا قعد عن العمل ول زم البطالة والكسل ونظر ملا يِف أي دي‬
‫الن اس من أوس اخهم س اءت حاله ‪ ،‬وض اعت آماله ‪ ،‬وض عف توكله ‪ ،‬وض اق عيشه ‪،‬‬
‫واحنطت نفسه ‪ ،‬واعتاد السؤال الذي ال ينفك عن ثالثة أمور حمرمة ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬إظهار الشكوى من اهلل تعاىل ‪ ،‬إذ السؤال إظهار للفقر وذكر لقصور نعمة اهلل‬
‫عنه ‪ ،‬وهو عني الش كوى ‪ ،‬وكما أن العبد اململ وك لو جعل يس أل وأنه َما جيد ش يئًا لك ان‬
‫األعلَى ‪.‬‬
‫تشنيعا على سيده وال يرضى بذلك وهلل املثل َ‬ ‫سؤاله ً‬
‫والسيما إذا أتى إِىَل بيت اهلل يسأله من فضله ‪ ،‬مث قام من حني َما يسلم اإلمام وجعل‬
‫يش رح حاله وفق ره وأوقف الن اس عن هتليلهم ‪ ،‬وتس بيحهم ‪ ،‬وتكب ريهم ‪ ،‬واملس اجد مَلْ تنب‬
‫إال لذكر اهلل ‪ ،‬والصالة فيها وقراءة القرآن ‪ .‬وهذا املنكر قل من ينتبه له ‪.‬‬
‫األمر الث اين ‪ :‬أن يِف س ؤال الن اس إذالل لنفس الس ائل ‪ ،‬وليس لإلنس ان أن ي ذل نفسه‬
‫وخيض عها إال هلل ‪ ،‬ال ذي يِف إذالهلا ع زه ‪ ،‬فأما س ائر اخللق ف إهنم عب اد أمثاله فال ي ذل هلم‬
‫نفسه ‪.‬‬
‫أيض ا إيذاء للمسئول‬
‫ثالثًا ‪ :‬أن فيه ظلم لنفسه إال عند الضرورة أو احلاجة الشديدة وفيه ً‬
‫خصوص ا إذ َك ا َن مع إحلاح ‪ ،‬واإلي ذاء ح رام ‪ ،‬فأي عاقل يرضى لنفسه هبذه احلالة التعسة ‪،‬‬‫ً‬
‫بل كيف يرضى أن يك ون عض ًوا أش الً يِف اهليئة االجتماعية ال يق ام له وزن وال تق ام له‬
‫قيمة ‪.‬‬
‫َوقَ ْد أثىن اهلل على ال ذين ال يسألون الن اس إحلافًا وق ال ص لى اهلل عليه وس لم ‪ « :‬ليس‬
‫املسكني الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان والتمرة‬

‫‪588‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ىن يغنيه وال يفطن له فيتص دق عليه وال يق وم‬‫والتمرت ان ‪ ،‬ولكن املس كني ال ذي ال جيد غ ً‬
‫فيسأل الناس ‪.‬‬
‫ففي زماننا الذي اختلط فيه احلابل بالنابل وصار عندهم احلالل َما وصل إِىَل اليد وذهب‬
‫عنهم الورع واالبتعاد عن الشبهات ‪ ،‬على اإلنسان أن يبذل جهده ويثبت وال يبذل زكاته‬
‫إِىَل كل من مد ي ده ‪ ،‬بل يس أله بدقة ‪ ،‬ويتحقق من األوراق اليت تع رض عليه ‪ ،‬اليت ص ارت‬
‫تص ور وتب اع وتش رتي ورمبا حصل املتس ول على أض عاف َما فيها ولو أن ه ؤالء املتس ولني‬
‫الش حاذين اس تعملوا يِف طريق منتج من جتارة أو غريها َما يصل إىل أي ديهم من الص دقات ملا‬
‫بقي يِف األمة ِمْن ُه ْم متسول ‪ ،‬ولكن هؤالء قوم ألفوا هذا العيش وركنوا إليه ال يدفعهم إليه‬
‫فقر وال ي ردهم عنه غىن ‪ ،‬وكم ممن اكتشف فص ار عن ده ث روة ‪ ،‬وه ذا س ببه ع دم الت بيت‬
‫وإجراء العادات بدون سؤال هل اغتىن أم ال ‪.‬‬
‫َوقَ ْد بني صلى اهلل عليه وسلم من حيل له السؤال وذلك فيما ورد عن قبيصة بن خمارق‬
‫اهلاليل قال ‪ :‬حتملت محالة فأتيت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أسأله فيها ‪ ،‬فقال ‪ « :‬أقم‬
‫حىت تأتينا الصدقة فآمر لك هبا » ‪ .‬مث قال ‪ « :‬يا قبيصة إن املسألة ال حتل إال ألحد ثالثة ‪:‬‬
‫رجل حتمل محالة فحلت له املسألة حىت يصيبها مث ميسك ‪ ،‬أو رجل أصابته جائحة اجتاحت‬
‫قواما من عيش ‪ -‬أو قال ‪ : -‬سداد من عيش ‪.‬‬ ‫ماله فحلت له املسألة حىت يصيب ً‬
‫ورجل أصابته فاقة حىت يقوم ثالثة من ذوي احلجى من قومه يقولون ‪ :‬لقد أصابت فالنًا‬
‫قواما من عيش ‪ -‬أو قال ‪ : -‬سداد من عيش فما سواهن‬ ‫فاقة فحلت له املسألة حىت يصيب ً‬
‫من املسألة يا قبيصة سحت يأكلها صاحبها سحتَا » ‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬

‫‪589‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫َوقَ ْد ذكرنا األحاديث اليت تتضمن التغليظ الشديد يِف السؤال من غري ضرورة وذلك يِف‬
‫موضوع ( من حتل له الصدقة ) ‪.‬‬
‫ِش ْع ًرا ‪:‬‬
‫ت ِفي أَثَ ِري يَ ْح ُد ْو‬ ‫ْت وح ِادي الْمو ِ‬
‫َْ‬ ‫َغَفل ُ َ َ‬
‫فَِإ ْن لَ ْم أ َُر ْح َي ْوِمي فَال بُ ْد أَ ْن أَ ْغ ُد‬
‫اس َولِْينِ ِه‬
‫أَُن ِّع ُم ِج ْس ِمي بِالَِلَب ِ‬
‫اس الْبَِلى بُ ُّد‬ ‫س لِ ِج ْس ِمي ِم ْن لَِب ِ‬ ‫َولَْي َ‬
‫َكأَنِّي بِِه قَ ْد َمَّر ِفي َب ْر َز ِخ الِْبَلى‬
‫َوِم ْن َف ْو ِق ِه َر ْد ٌم َوِم ْن تَ ْحتِ ِه لَ ْح ُد‬
‫ت‬ ‫اس ُن َوانْ َم َح ْ‬ ‫ت ِمنِّي الْمح ِ‬
‫َوقَ ْد َذ َهَب ْ‬
‫ََ‬
‫َولَ ْم َيْب َق َف ْو َق ال َْعظ ِْم لَ ْح ٌم َوال ِج ْل ُد‬
‫أ ََرى ال ُْع ْمَر قَ ْد َولَى َولَ ْم أُ ْد ِر ْك ال ُْمنَى‬
‫س َم ِعي َزا ٌد َو ِفي َسَف ِري َب ْع ُد‬ ‫َولَْي َ‬
‫ت الْم َهْي ِمن َع ِ‬
‫اصًيا‬ ‫َج َاه ْر ُ ُ َ‬ ‫ت َ‬ ‫َوقَ ْد ُكْن ُ‬
‫س لَ َها َر ُّد‬
‫َح َداثًا َولَْي َ‬‫تأْ‬ ‫َح َدثْ ُ‬ ‫َوأ ْ‬
‫ْحَيا‬ ‫ف الن ِ ِ ِ‬
‫َّاس سْتًرا م ْن ال َ‬ ‫ت َخ ْو َ‬ ‫َوأ َْر َخْي ُ‬
‫ت ِم ْن ِسِّري غَ ًدا ِعْن َد ُه َيْب ُدو‬ ‫َو َما ِخْف ُ‬
‫ت بِ ِحل ِْم ِه‬‫َبلَى ِخ ْفتُهُ لَ ِك ْن َوثِْق ُ‬
‫ْح ْم ُد‬‫س َي ْعُفو غَْي ُر ُه َفلَهُ ال َ‬ ‫َوأَ ْن لَْي َ‬
‫ت َوالْبِلَى‬ ‫َفلَو لَم ي ُكن َشي ٍء ِسوى الْمو ِ‬
‫ْ ْ َ ْ ْ َ َْ‬
‫َع ْن اللَّ ْه ِو لَ ِك ْن َز َال َع ْن َرْأيِنِا ُّ‬
‫الر ْش ُد‬

‫‪590‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ت َي ْغِف ُر َزلَّتِي‬ ‫َع َسى َغ ِاف ُر َّ‬


‫الزالَّ ِ‬
‫ِ‬
‫َفَق ْد َي ْغف ُر ال َْم ْولَى إِ َذا أَ ْذنَ َ‬
‫ب ال َْعْب ُد‬
‫ٍ‬
‫الي َع ْه َد ُه‬
‫ت َم ْو َ‬ ‫أَنَا َعْب ُد ُس ْوء ُخْن ُ‬
‫س لَهُ َع ْه ُد‬ ‫وء لَْي ِ‬ ‫الس ِ‬
‫ك َعْب ُد ُّ‬ ‫َك َذلِ َ‬
‫ت بِالنَّا ِر ُجثَّتِي‬ ‫ف إِ َذا أ ْ‬
‫َحَرقَ َ‬ ‫فَ َكْي َ‬
‫الص ْل ُد‬
‫ْح َج ُر َّ‬ ‫َونَ ُار َك الَ َي ْقَوى لَ َها ال َ‬
‫أَنَا الَْفر ُد ِعْن َد الْمو ِ‬
‫ت َوالَْف ْر ُد ِفي الِْبَلى‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬
‫ث َف ْر ًدا فَ ْار َح ْم الَْف ْر َد يَا َف ْر ُد‬
‫َوأَْب َع ُ‬
‫اللهم افتح لدعائنا باب القبول واإلجابة وارزقنا اإلقبال على طاعتك واإلنابة وبارك يِف‬
‫أعمالنا وأج زل لنا األجر واملثاب ة وآتنا يِف ال دنيا حس نة ويف اآلخ رة حس نة وقنا ع ذاب الن ار‬
‫وعلَى‬
‫واغفر لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني برمحتك يا أرحم ال رامحين وص لى اهلل على حممد َ‬
‫آله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫وأخرب ص لى اهلل عليه وس لم ب أن درجة املص لح بني الن اس أفضل من درجة الص ائمني‬
‫واملصلني واملتصدقني فعن أيب الدرداء رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ « : ‬أال أخربكم‬
‫بأفضل من درجة الص يام والص الة والص دقة » ؟ ق الوا ‪ :‬بلى ‪ .‬ق ال ‪ « :‬إص الح ذات ال بني‬
‫فإن فساد ذات البني هي احلالقة » ‪ .‬رواه أبو داود والرتمذي وابن حبان يف صحيحه وقال‬
‫الرتم ذي ‪ :‬ح ديث ص حيح ق ال ‪ :‬وي روى عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم أنه ق ال ‪ « :‬هي‬
‫احلالقة ال أقول حتلق الشعر ولكن حتلق الدين » ‪.‬‬

‫‪591‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وال غ رو إذا ارتفعت درجة املص لح الب اذل جه ده املض حي براحته وأمواله يِف رأب‬
‫الص دع ومجع الش تات وإص الح فس اد القل وب ‪ ،‬وإزالة َما يِف النف وس من ض غينة وحقد‬
‫والعمل على إحكام الروابط لأللفة واإلخاء وإطفاء نار العداوة والفنت ‪.‬‬
‫كما هي وظيفة املرس لني ال يق وم هبا إال أولئك ال ذين أط اعوا رهبم وش رفت نفوس هم‬
‫وصفت أرواحهم يقومون به ألهنم حيبون اخلري واهلدوء ويكرهون الشر حىت عند غريهم من‬
‫الناس وميقتون اخلالف حىت عند غريهم من الطوائف وجيدون يِف إحباط كيد اخلائنني ‪.‬‬
‫ولو أننا تبعتنا احلوادث وراجعنا الوق ائع لوج دنا أن َما باحملاكم من قض ايا وما ب املراكز‬
‫والنياب ات من خص ومات وما باملستش فيات من مرضى ‪ ،‬وما بالس جون من بؤس اء يرجع‬
‫أك ثره إِىَل إمهال الص لح بني الن اس حىت عم الشر الق ريب والبعيد وأهلك النف وس واألم وال‬
‫وقضى على األواصر وقطع َما أمر اهلل به أن يوصل من وش ائج ال رحم والقرابة وذهب ب ريح‬
‫اجلماعات وبعث على الفساد يِف األرض ‪.‬‬
‫ومن تأمل َما عليه الن اس الي وم وجد أن كث ًريا ِمْن ُه ْم قَ ْد فس دت قل وهبم وخبثت ني اهتم‬
‫ألهنم حيب ون الشر ي رتكون ومييل ون إليه ويعمل ون على نش ره بني الن اس ‪ ،‬ومن أجل ذلك‬
‫يرتكون املتخاصمني يِف غضبهم وشتائمهم وكيد بعضهم لبعض حىت يستفحل األمر ‪.‬‬
‫ويشتد الشر ويستحكم اخلصام بينهم فينقلبوا من الكالم إِىَل القذف والطعن ومن ذلك‬
‫إِىَل اللطم ومن اللطم إِىَل العصي ومن العصي على الس الح مث بعد ذلك إِىَل املراكز مث إِىَل‬
‫السجون والناس يِف أثناء ذلك كله‬

‫‪592‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫يتفرج ون ويتغ امزون ويتتبع ون احلوادث ويلتقط ون األخب ار ‪ ،‬بل قَ ْد يلهب ون ن ار الفتنة‬
‫والعداوة وال يزالون كذلك حىت يقهر القوي ولو َك ا َن ذلك بالباطل والزور والبهتان بدون‬
‫خوف من اهلل وال حياء من الناس ‪.‬‬
‫وتكون النتيجة بعد ذلك ضياع َما ميلكون من مال أو عقار َوقَ ْد َك ا َن يكفي إلزالة َما‬
‫يِف النف وس من األض غان واألحق اد والكراهة ‪ ،‬كلمة واح دة من عاقل ل بيب ناصح خملص‬
‫تقضي على اخلص ومات يِف مه دها فيتغلب ج انب اخلري ويرتفع الشر وتس لم اجلماعة من‬
‫التصدع واالنشقاق والتفرق ‪.‬‬
‫فعن عائشة رضي اهلل عنها قالت ‪ :‬مسع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم صوت خصوم‬
‫بالباب عالية أصواهتما ‪ ،‬إذا أحدمها يستوضع اآلخر ويسرتفقه يِف شيء وهو يقول ‪ :‬واهلل ال‬
‫أفعل فخ رج عليهما رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم فق ال ‪ « :‬أين املت أيل على اهلل ال يفعل‬
‫املع روف » ؟ فق ال ‪ :‬أنا يا رس ول اهلل فله أي ذلك أحب ‪ .‬متفق عليه ‪ .‬فعن دما رأى النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم يستنكر عمله عدل عن رأيه واستجاب لفعل اخلري َوقَ ْد قامت يِف نفسه‬
‫دوافعه إرضاء هلل ولرسوله ‪.‬‬
‫والشاهد من ذلك خروجه صلى اهلل عليه وسلم لإلصالح بينهم فالدين اإلسالمي احلنيف‬
‫أوجب على العقالء من الن اس أن يتوس طوا بني املتخاص مني ويقوم وا بإص الح ذات بينهم‬
‫ومنعا للفوضى‬
‫ويلزموا املعتدي أن يقف عند حده درأ للمفاسد املرتتبة على اخلالف والنزاع ً‬
‫واخلص ام ‪ ،‬وأق وم الوس ائل اليت تص فو هبا القل وب من أحقادها أن جيعل كل ام ر ٍئ نفسه‬
‫ميزانًا بينه وبني إخوانه املسلمني فما حيبه لنفسه حيبه هلم وما يكرهه لنفسه يكرهه هلم ‪.‬‬
‫ِش ْع ًرا ‪:‬‬
‫وك قَ ْد يَ ْجُفو َكا‬
‫وه أَبُ َ‬ ‫َوأَ ٌ‬
‫خ أَبُ ُ‬ ‫ك لَ ْم يَِل ْد ُه أَبُو َكا‬ ‫َك ْم ِم ْن أ ِ‬
‫َخ لَ َ‬
‫َ(و َكأَنَّ َما آبَ ُاؤ ُه ْم َولَ ُدو َكا‬ ‫وه َما‬ ‫َكم إِ ْخو ٍة لَ َ ِ‬
‫ك لَ ْم يَل ْد َك أَبُ ُ‬ ‫ْ َ‬
‫(‬

‫‪593‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وبذلك تستقم األمور بإذن اهلل ‪ ،‬قال ‪ « : ‬ال يؤمن أحدكم حىت حيب ألخي ه َما حيب‬
‫لنفسه » ‪ .‬وه ذه الطريقة هي اليت َك ا َن عليها الس لف الص احل من املس لمني وك انوا بس بب‬
‫ذلك مفلحني ‪.‬‬
‫ِش ْع ًرا ‪:‬‬
‫ت ُج ْملَتِ َها إِلَى َشْيَئْي ِن‬
‫َر َّج ْع ُ‬ ‫ت‬
‫صَل ْ‬‫إِ َّن ال َْم َكا ِر َم ُكلَّ َها لَْو ُح ِّ‬
‫صالَ ِح َذ ِ‬
‫ات الَْبْي ِن‬ ‫(و َّ ِ‬
‫الس ِعي في إِ ْ‬ ‫َتع ِظْيم أ َْم ِر ِ‬
‫اهلل َج َّل َجاللَهُ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫آخر‪( :‬‬
‫ف َع ْن قَِلْي ٍل َت ْق َّش ُع )‬ ‫صْي ٍ‬
‫َس َحابَةُ َ‬ ‫ت َج ًاها فَِإنَّهُ‬‫َح ِس ْن إِ َذا أ ُْوتِْي َ‬
‫( فَأ ْ‬
‫ان ال َْم ْر ِء َما ِفْي ِه يَ ْشَف ُع )‬
‫و َخْير َزم ِ‬
‫َ ُ َ‬ ‫ت ِفي َّ‬
‫الد ْه ِر قَ ِاد ًرا‬ ‫( َو ُك ْن َش ِاف ًعا َما ُكْن َ‬

‫واهلل أعلم ‪ .‬وصلى اهلل على حممد وآله وسلم ‪.‬‬


‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫وشرعا ‪ :‬هو االستقامة‬
‫ً‬ ‫العدل ‪ :‬ضد اجلور وهو االعتدال واالستقامة وامليل إِىَل احلق ‪.‬‬
‫على طريق احلق باالجتناب عما هو حمظور دينًا ويف اصطالح الفقهاء العدالة استواء أحواله‬
‫يِف دينه واعتدال أقواله وأفعاله ‪.‬‬
‫ويعترب هلا شيئان الصالح يِف الدين واجتناب احملرم ‪ ،‬والعدالة تارة يقال هلا هي الفضائل‬
‫كلها من حيث ال خيرج ش يء من الفض ائل عنها ‪ ،‬وت ارة يق ال هلا هي أمجل الفض ائل من‬
‫حيث أن صاحبها يقدر أن يستعملها يِف نفسه ويف غريه ‪.‬‬
‫اب بِاحْلَ ِّق َوالْ ِم َيزا َن ﴾ أي العدل واإلنصاف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َنز َل الْكتَ َ‬ ‫وقيل يِف قوله تعاىل ‪ ﴿ :‬اللَّهُ الَّذي أ َ‬
‫َنزلْنَا َم َع ُه ُم‬
‫ِيزا َن ﴾ وقوله ‪َ ﴿ :‬وأ َ‬
‫ض َع الْم َ‬ ‫‪ ،‬كما يِف قوله تع اىل ‪َ ﴿ :‬و َّ‬
‫الس َماء َر َف َع َها َو َو َ‬
‫ِيزا َن ﴾ قال قتادة وجماهد ومقاتل ‪ :‬العدل ‪ .‬ومسي العدل ميزانًا ألن امليزان آلة‬ ‫ِ‬
‫اب َوالْم َ‬
‫الْكتَ َ‬
‫اإلنصاف والتسوية ‪ ،‬وعرب عن العدالة بامليزان إذ َك ا َن من أثرها ‪ ،‬ومن أظهر أفعاهلا للحاسة‬
‫‪.‬‬

‫‪594‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫لصوص ا أو‬
‫ً‬ ‫ومن مزية الع دل أن اجلور ال ذي هو ضد الع دل ال يتس بب إال به فلو أن‬
‫حنوهم تش ارطوا فيما بينهم ش رطًا فلم يراع وا العدالة فيه مَلْ ينتظم أم رهم ‪ .‬ومن فض لها أن‬
‫كل نفس تتل ذذ بس ماعها وتت أمل من ض دها ول ذلك حىت اجلائر يستحسن ع دل غ ريه إذ رآه‬
‫أو مسعه ‪.‬‬
‫والع دل ي دعو إِىَل األلفة واحملبة ويبعث على الطاعة وتعمر به البالد وتنمي به األم وال ويك ثر معه النسل وي أمن به الس لطان حلص ول‬
‫األمن العادل وانبساط اآلمال ‪.‬‬
‫ْح َذ ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك بِال َْع ْد ِل إِ ْن ُولِّ َ‬
‫اح َذ ْر م ْن الْجو ِر فْي َها غَايََة ال َ‬
‫َو ْ‬ ‫يت َم ْملَ َك ًة‬ ‫َعلَْي َ‬
‫ض ِر‬‫ْج ْو ِر ِفي بَ ْد ِو َوالَ َح َ‬
‫َيْبَقى َم ْع ال َ‬ ‫ك َيْبَقى على َع ْد ٍل الْ َكُفو ِر َوالَ‬ ‫فَال َْمالُ ْ‬

‫َوقَ ْد قال املرزبان رئيس اجملوس لعمر رضي اهلل عنه ملا رآه مبتذالً ال حارس له ‪ :‬عدلت‬
‫فأمنت فنمت ‪.‬‬
‫ويف ذلك يقول الشاعر ‪:‬‬
‫ب ِك ْسَرى أَ ْن َرأَى ُع َمًرا‬ ‫وراع ِ‬
‫صاح َ‬ ‫ََ َ َ‬
‫الر ِعيَِّة عطْالً وهو ر ِ‬
‫اعْي َها‬ ‫َبْي َن َّ ُ َ ُ َ َ‬
‫َن لَ َها‬ ‫َو َع ْه ُد ُه بِ ُملُْو ِك الُْف ْر ِ‬
‫س أ َّ‬
‫اس يَ ْح ِم َيها‬ ‫َحَر ِ‬ ‫سورا ِمن ال ِ‬
‫ْجْند َواأل ْ‬ ‫ُْ ً ْ ُ‬
‫آه ُم ْسَت ِرقًا ِفي َن ْوِم ِه َفَرأَى‬ ‫َر ُ‬
‫َس َمى َم َعانِ َيها‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ْجاللَ َة في أ ْ‬ ‫فْيه ال َ‬
‫ت ِظ ِّل َّ‬
‫الد ْو ِح ُم ْشَت ِمالً‬ ‫َف ْو َق الثََّرى تَ ْح َ‬
‫ول ال َْع ْه ِد ُيْبِل َيها‬
‫اد طُ ُ‬ ‫بُِب ْر َد ٍة َك َ‬

‫‪595‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫َف َها َن ِفي َعْينِ ِه َما َكا َن يُ ْكبِ ُر ُه‬


‫الدْنَيا بِأَيْ ِد َيها‬ ‫ِمن األَ َك ِ‬
‫اس ِر َو َّ‬ ‫ْ‬
‫ت َمثَالً‬ ‫َصَب َح ْ‬‫ال َق ْولَ َة َح ٍّق أ ْ‬
‫َوقَ َ‬
‫يل يَ ْح ِك َيها‬ ‫ْجيل ب ْع َد ال ِ‬
‫ْج ِ‬ ‫ِ‬
‫َصَب َح ال ُ َ‬ ‫َوأ ْ‬
‫أَِمْن َ‬
‫ت لَ َّما أَقَ ْم َ‬
‫ت ال َْع ْد َل َبْيَن ُه ُموا‬
‫ت َن ْو َم قَ ِري ِر ال َْعْي ِن َهانِ َيها‬ ‫فَنِ ْم َ‬
‫وق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم ‪ « :‬ثالث منجي ات وثالث مهلك ات فأما املنجي ات‬
‫فالع دل يِف حالة الغضب والرضا وخش ية اهلل تع اىل يِف السر والعالنية والقصد يِف الغىن والفقر‬
‫‪.‬‬
‫وأما املهلك ات فشح مط اع وه وى متبع وإعج اب املرء بنفسه ‪ . » ،‬وال ذي جيب أن‬
‫يس تعمل اإلنس ان الع دل معه أوالً بينه وبني رب الع زة جل ولعال مبعرفة أحكامه وتطبيقها‬
‫بالعمل هبا ‪.‬‬
‫فأعظم احلقوق على اإلطالق حق اهلل تعاىل على عباده وذلك بأن يعبدوه وال يشركوا به‬
‫ون ﴾ وق ال عز من قائل ‪َ ﴿ :‬و َما‬ ‫ش يئًا ‪ ،‬ق ال تع اىل ‪ ﴿ :‬وما خلَ ْقت اجْلِ َّن واإْلِ نس إِاَّل لِيعب ُد ِ‬
‫َ َ َ ُْ‬ ‫ََ َ ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني لَهُ الدِّين ﴾ ويف حديث معاذ املتفق عليه « حق اهلل على العباد أن يعبدوه وال يشركوا به‬
‫َ‬ ‫أُم ُروا إِاَّل لَي ْعبُ ُدوا اللَّهَ خُمْلص َ‬
‫خملص ا هلل ‪ ،‬فقد ق ام ب أعظم الع دل ‪ ،‬ومن ص رفه لغري اهلل فقد‬
‫ش يئًا » ‪ .‬فمن ق ام هبذا احلق فعبد اهلل وح ده ‪ .‬وأدى ه ذا احلق وق ام حبقوقه ً‬
‫جار وظلم ‪ ،‬وعدل عن العدل واستحق العقوبة ‪.‬‬
‫ص ِغْيَرتِِه‬ ‫ِ‬
‫ْم نَ ٌار فَال تَ ْحق ْر َ‬ ‫ُّ‬
‫الظل ُ‬
‫ت َبلَ َدا‬ ‫لََع َّل َج ْذ َو َة نَا ٍر أ ْ‬
‫َحَرقَ ْ‬

‫‪596‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫الث اين ‪ :‬أن يع دل مع نفسه وذلك حبملها على َما فيه ص الحها وكفها عن القب ائح مث‬
‫بالوقوف يِف أحواهلا جور على أعدل األمرين من جتاوز أو تقصري ‪ ،‬فإن التجاوز يِف األحوال‬
‫ج ور على النفس والتقصري فيها ظلم هلا ملنعها عن كماهلا ومن ظلم نفسه فهو لغ ريه أظلم‬
‫ومن ج ار على نفسه فهو على غ ريه أج ور ‪ ،‬ألن من مَلْ ي راع حق وق نفسه فع دم مراعاته‬
‫حقوق غريه أوىل وأحرى ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬عدل اإلنس ان فيمن دونه كالس لطان يِف رعيته وال رئيس مع صحابته ‪ ،‬وذلك‬
‫ب أمور ‪ :‬األول إتب اع امليس ور هلم وت رك املعس ور وحذفه عنهم وت رك التس ليط والقهر ب القوة‬
‫وابتغاء احلق يِف امليسور ويقيم العدل فيهم قريبهم وبعيدهم غنيهم وفقريهم وأن يكونوا عنده‬
‫يِف هذا سواء ‪.‬‬
‫وال يقصر ش يئًا من واجبه مع رعيته وال يهمل ش يئًا ي رقي أداهنم وعق وهلم وأخالقهم‬
‫وحيفظ عليهم أم واهلم ودم ائهم وأعراض هم ويك ون هلم مثالً أعلى يِف معاملة بعض هم ً‬
‫بعض ا‬
‫ص لح صلح اجلسد ‪ ،‬فإذا صلح الراعي‬ ‫بالعدل واإلنصاف ‪ ،‬فاحلاكم كالقلب من اجلسد إذا َ‬
‫ص لحت الرعية وإذا فسد فس دت ‪ ،‬فله ذا مس ؤولية والة األم ور عظيمة يِف نظر الش ريعة‬
‫اإلسالمية ‪.‬‬
‫شديدا روي عن أيب ذر رضي اهلل عنه‬‫حتذيرا ً‬ ‫ِ‬
‫َوقَ ْد حذر مْن َها النيب صلى اهلل عليه وسلم ً‬
‫قال ‪ :‬قلت يا رسول اهلل أال تستعملين ؟ قال ‪ :‬فضرب بيده على منكيب ‪ ،‬مث قال ‪ « :‬يا أبا‬
‫ذر إنك ض عيف وإهنا أمانة وإهنا ي وم القيامة خ زي وندامة إال من أخ ذها حبقها وأدى ال ذي‬
‫عليه فيها » ‪ .‬رواه مس لم ‪ ،‬وحقها يِف نظر ال دين أن يق وم بكل ش يء فيه مص لحة‬
‫للمحكومني ‪.‬‬

‫‪597‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫قال عمر رضي اهلل عنه ‪ :‬واهلل لو عثرت بغلة يِف العراق لوجدتين مسئوالً عنها ‪ ،‬فقيل ‪:‬‬
‫ملاذا يا أمري املؤمنني ‪ ،‬فقال ‪ :‬ألنين مكلف بإصالح الطريق ‪ .‬هذا مثال احلاكم العدل ‪ ،‬وهلذا‬
‫عظيما وميزة كما سيأيت يِف األحاديث ‪.‬‬
‫جعل اهلل له فضالً ً‬
‫وروي أن يهوديًا ش كا عليًا إِىَل عمر يِف خالفته رضي اهلل عنهما ‪ ،‬فق ال عمر لعلي بن‬
‫أيب ط الب ‪ :‬قف جبوار خص مك يا أبا احلسن ‪ ،‬فوقف َوقَ ْد عال وجهه الغضب فبعد أن‬
‫قضى اخلليفة بينهما بالعدل قال ‪ :‬أغضبت يا علي أن قلت لك قف جبوار خصمك ؟ قال ‪:‬‬
‫ال واهلل يا أمري املؤم نني ‪ ،‬لكن من كونك كنيتين ب أيب احلسن فخش يت من تعظيمك إي اي‬
‫أمام اليهودي أن يقول ضاع العدل بني املسلمني ‪.‬‬
‫وج اء رجل إِىَل عمر بن اخلط اب رضي اهلل عنه يأخذ رزقه وك ان جن ديًا من جن ود‬
‫أخا لعمر بن اخلط اب فلما رآه عمر اربد وجهه ‪،‬‬ ‫املس لمني ولكنه َك ا َن يِف اجلاهلية قَ ْد قتل ً‬
‫وقال له ‪ :‬يا هذا إين ال أحبك حىت حتب األرض الدم ‪ ،‬فقال الرجل لعمر ‪ :‬أو مانعي ذلك‬
‫عندك حقًّا من حقوق اهلل فقال عمر ‪ :‬اللهم ال ‪.‬‬
‫فقال الرجل َما يضريين بغضك إياي إمنا يأسى على احلب النساء ‪ .‬فقد عرف الرجل من‬
‫ورع عمر ودينه أن ش دة غض به وغيضه وحنقه عليه وكراهية له ال خترج به عن الع دل إِىَل‬
‫الظلم فهو ملا علم من عدله وثقته بدينه أمن من بطشه ‪.‬‬
‫ومما جيب عليه أن يستنيب لكل عمل األكفأ األمني وليحذر أن يويل عليهم رجالً ويف‬
‫رعيته خري ِمْنه ‪.‬‬
‫فعن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه‬

‫‪598‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وسلم ‪ « :‬من استعمل رجالً من عصابة وفيهم من هو أرضى هلل ِمْنه فقد خان اهلل ورسوله‬
‫واملؤمنني » ‪ .‬رواه احلاكم ‪.‬‬
‫وعن يزيد بن أيب س فيان ق ال ‪ :‬ق ال يل أبو بكر الص ديق رضي اهلل عنه حني بعثين إِىَل‬
‫الشام ‪ :‬يا يزيد أن لك قرابة عسيت أن تؤثرهم باإلمارة وذلك أكثر َما أخاف عليك بعد َما‬
‫ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ‪ « :‬من ويل من أمر املس لمني ش يئًا ف َّأمر عليهم أح ًدا‬
‫حماب اة فعليه لعنة اهلل ال يقبل اهلل ِمْنه ص رفًا وال ع دالً حىت يدخله جهنم » ‪ .‬رواه احلاكم‬
‫وقال ‪ :‬صحيح اإلسناد ‪.‬‬
‫وعلَى اإلم ام أن يوصي من اس تنابه بإقامة الع دل وحيذرهم من اجلور وظلم العب اد يِف‬‫َ‬
‫الدماء واألموال واألعراض ‪ ،‬ويذكرهم حديث أيب هريرة عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه‬
‫قال ‪ « :‬ثالث دعوات مستجابات ال شك فيهن ‪ :‬دعوة املظلوم ‪ ،‬ودعوة املسافر ‪ ،‬ودعوة‬
‫الوالد لولده » ‪.‬‬
‫ويتفقدهم يِف ذلك األمر الذي هو أساس الصالح الديين والدنيوي فال يصلح الدين إال‬
‫بالعدل وال تصلح الدنيا وتستقيم األمور إال على العدل ‪.‬‬
‫وقال الشيخ تقي الدين أمور الناس تستقم يِف الدنيا مع العدل الذي فيه اشرتاك يِف أنواع‬
‫اإلمث أك ثر مما تس تقيم مع الظلم يِف احلق وق وإن مَلْ تش رتك يِف إمث ‪ ،‬وهلذا قيل ‪ :‬إن اهلل يقيم‬
‫الدولة العادلة وإن َك انَت كافرة وال يقيم الظاملة وإن َك انَت مسلمة ويقال ‪ :‬الدنيا تدوم مع‬
‫العدل والكفر وال تدوم مع الظلم واإلسالم ‪ ،‬وذلك أن العدل نظام كل شيء فإذا أقيم أمر‬
‫الدنيا بعدل قامت وإن مَلْ يكن لصاحبها يِف اآلخرة من خالق ‪ .‬أ ‪ .‬هـ ‪.‬‬
‫وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه‬

‫‪599‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وسلم ‪ « :‬يوم من إمام عادل أفضل منن عبادة ستني سنة وحد يقام يِف األرض حبقه أزكى‬
‫صباحا » ‪ .‬رواه الطرباين يِف الكبري واألوسط وإسناد الكبري حسن ‪.‬‬
‫فيها من مطر أربعني ً‬
‫وروي عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬يا أبا‬
‫هريرة عدل ساعة أفضل من عبادة ستني سنة قيام ليلها وصيام هنارها ‪ ،‬ويا أبا هريرة جور‬
‫س اعة يِف حكم أشد وأعظم عند اهلل عز وجل من معاصي س تني س نة » ‪ .‬ويف رواية ‪« :‬‬
‫عدل يوم واحد أفضل من عبادة ستني سنة » ‪ .‬رواه األصبهاين ‪.‬‬
‫وعن أيب سعيد اخلدري رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪« :‬‬
‫جملس ا إمام عادل ‪ ،‬وأبغض الناس إِىَل اهلل تعاىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أحب الناس إىَل اهلل يوم القيامة وأدناهم مْنه ً‬
‫خمتصرا ‪ ،‬وعد صلى اهلل‬‫ً‬ ‫جملس ا إمام جائر » ‪ .‬رواه الرتمذي والطرباين يِف األوسط‬
‫وأبعدهم ً‬
‫عليه وسلم من السبعة الذين يظلهم اهلل يِف ظله يوم ال ظل إال ظله « إمام عادل » ‪.‬‬
‫نافعا وعمالً متقبالً ورزقًا واس ًعا نس تعني به على طاعتك ‪ ،‬وقلبًا‬
‫علما ً‬
‫اللهم ارزقنا ً‬
‫خالص ا ‪ ،‬وهب لنا إلنابة املخلصني ‪ ،‬وخش وع املخب تني ‪،‬‬
‫خاش ًعا ‪ ،‬ولس انًا ذاك ًرا ‪ ،‬وإميانًا ً‬
‫وأعم ال الص احلني ‪ ،‬ويقني الص ادقني ‪ ،‬وس عادة املتقني ‪ ،‬ودرج ات الف ائزين ‪ ،‬يا أفضل من‬
‫رجي وقصد ‪ ،‬وأك رم من س ئل ‪ ،‬واغفر لنا ولوال دينا ومجيع املس لمني برمحتك يا أرحم‬
‫وعلَى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫الرامحين وصلى اهلل على حممد َ‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫وجيب على القضاء واحلاكم بني الناس أن يتحروا العدل وحيكموا به بني الناس ‪.‬‬

‫‪600‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وهم أهم ركن تق وم عليه س عادة اجملتمع وينبين عليه أمن الن اس على دم ائهم وأم واهلم‬
‫وأعراض هم ‪ ،‬ف إذا ج ار القاضي ومل يقسط اختل الظلم وس ادت الفوضى ‪ ،‬وهلذا إذا عم‬
‫الع دل اس تغنت األمة عن احملاكم وقض اهتا وحماميها وال وكالء والسماس رة ‪ ،‬وانقطع دابر‬
‫شهداء الزور أعدمهم اهلل عن الوجود أو أصلحهم ‪ ،‬فأكثر احلكام وظيفتهم إقامة العدل ‪،‬‬
‫ف إذا وجد الع دل فال حاجة إليهم ‪ ،‬وب ذلك يت وفر على األمة ع دد كبري يش تغل يِف مص احل‬
‫أخرى ‪ ،‬ويتوفر مقدار كثري من املال ‪.‬‬
‫وهلذا السلف متر املدة الكثرية على القاضي ال يأتيه خصوم ‪ ،‬وإليك حكاية حال تارخيية‬
‫متاما على املتص فني بالصفات احلمي دة واألخالق الكرمية ‪ .‬عنَّي أبو بكر رضي اهلل عنه‬‫تنطبق ً‬
‫عمر بن اخلط اب قاض يًا على املدينة ‪ ،‬فمكث عمر س نة مَلْ خيتصم إليه اثن ان فطلب من أبو‬
‫بكر إعفاءه من القضاء فقال أبو بكر ‪ :‬أمن مشقة القضاء تطلب اإلعفاء يا عمر ؟‬
‫فق ال له عمر ‪ :‬ال يا خليفة رس ول اهلل ولكن ال حجة يل عند ق وم مؤم نني ع رف كل‬
‫ِمْن ُه ْم َما له من حق فلم يطلب أك ثر ِمْنه وما عليه من واجب فلم يقصر يِف أدائه ‪ ،‬أحب‬
‫كل ِمْن ُه ْم ألخيه ما حيب لنفسه وإذا غ اب أح دهم تفق دوه وإذا م رض ع ادوه إذا افتقر‬
‫أع انوه ‪ ،‬وإذا احت اج س اعدوه ‪ ،‬وإذا أص يب واس وه ‪ ،‬دينهم النص يحة ‪ ،‬وخلقهم األمر‬
‫باملعروف والنهي عن املنكر ‪ ،‬ففيهم خيتصمون إ ًذا ‪.‬‬
‫وبالتايل فقد عنيت الشريعة بالعدل يِف القضاء عنايتها بكل َما هو دعامة لسعادة احلياة‬
‫ف أتت بالعظ ات البالغ ات تبشر من أقامه بعلو املنزلة وحسن العاقبة ‪ ،‬وحتذر من احنراف عنه‬
‫بالعذاب األليم ‪.‬‬

‫‪601‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫اح ُكم‬ ‫ت فَ ْ‬ ‫فمن اآليات املنبهة ملا يِف العدل من فضل وكرامة قوله تعاىل ‪َ ﴿ :‬وإِ ْن َح َك ْم َ‬
‫ني ﴾ ف أمر بالع دل ونبه على أن احلاكم املقسط ين ال‬ ‫ِ ِ‬
‫ب الْ ُم ْقس ط َ‬ ‫َبْيَن ُه ْم بِالْ ِق ْس ِط إِ َّن اللّ هَ حُيِ ُّ‬
‫عظيما ‪ ،‬هو حمبة اهلل للعبد ‪ ،‬وما بعد حمبة اهلل إال احلياة الطيبة يِف الدنيا والعيشة الراضية‬ ‫خريا ً‬ ‫ً‬
‫يِف اآلخرة ‪.‬‬
‫ني ﴾ ومن األح اديث الدالة على َما‬ ‫ِ ِ‬ ‫وق ال تع اىل ‪َ ﴿ :‬وأَقْ ِس طُوا إِ َّن اللَّهَ حُيِ ُّ‬
‫ب الْ ُم ْقس ط َ‬
‫يورثه الع دل من ش رف املنزلة عند اهلل تع اىل َما ورد عن عبد اهلل بن عم رو بن الع اص رضي‬
‫اهلل عنهما ق ال ‪ :‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ‪ « :‬إن املقس طني عند اهلل على من ابر‬
‫من نور عن ميني الرمحن وكلتا يديه ميني الذين يعدلون يِف حكمهم وأهليهم وما ولوا » رواه‬
‫مسلم والنسائي ‪.‬‬
‫ففيه دليل على العناية هبم لك وهنم عن ميينه جل وعال ودليل على ش دة ق رهبم ِمْنه جل‬
‫وعال وفوزهم برضوانه ويف ذكر الرمحن تربية لقوة الرجاء والثقة بأن احلاكم العادل جيد من‬
‫ب هِبَا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اج هُ من تَ ْس ني ٍم * َعْين اً يَ ْش َر ُ‬
‫ِ‬
‫النعيم َما تش تهيه نفسه وتلذ عينه ق ال تع اىل ‪َ ﴿ :‬ومَز ُ‬
‫الْ ُم َقَّربُو َن ﴾ فاملقربون حيصل هلم من النعيم ما ال حيصل لغريهم ‪.‬‬
‫َوقَ ْد وردت آي ات وأح اديث حتذر من اجلور يِف القض اء من ذلك قوله تع اىل ‪ ﴿ :‬يَا‬
‫ك َعن‬ ‫َّاس بِاحْل ِّق واَل َتتَّبِ ِع اهْل وى َفي ِ‬
‫ض لَّ َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫اح ُكم َبنْي َ الن ِ َ َ‬ ‫ض فَ ْ‬ ‫اك َخلِي َف ةً يِف اأْل َْر ِ‬‫ود إِنَّا َج َع ْلنَ َ‬
‫َد ُاو ُ‬
‫اب ﴾ ‪.‬‬ ‫اب َش ِدي ٌد مِب َا نَسوا يوم احْلِس ِ‬ ‫ِ‬ ‫سبِ ِيل اللَّ ِه إِ َّن الَّ ِذ ِ‬
‫ين يَضلُّو َن َعن َسبِ ِيل اللَّه هَلُ ْم َع َذ ٌ‬
‫ُ َْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وعن أيب هريرة رضي اهلل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪َ « :‬ما من أمري عشرة‬
‫إال يؤتى به مغلوالً يوم القيامة حىت يفكه العدل أو يوبقه اجلور » ‪ .‬رواه البزار والطرباين يِف‬
‫األوسط ورجال البزار رجال الصحيح ‪.‬‬

‫‪602‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وعن بريدة رضي اهلل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ « :‬القضاة ثالثة واحد يِف‬
‫اجلنة واثن ان يِف الن ار فأما ال ذي يِف اجلنة فرجل ع رف احلق فقضى به ‪ ،‬ورجل ع رف احلق‬
‫فج ار يِف احلكم فهو يِف الن ار ورجل قضى للن اس على جهل فهو يِف الن ار » ‪ .‬رواه أبو داود‬
‫والرتمذي وابن ماجة ‪.‬‬
‫فالقاضي املمدوح يِف نظر الدين هو الذي يعرف احلق ويقضي به فإما معرفة احلق فإهنا‬
‫حتتاج إىل جمهود عظيم وحبث يِف كل الظروف واألحوال احمليطة باخلصوم وأما احلكم باحلق‬
‫فإنه حيت اج إِىَل جماه دة عظيمة حىت يبعد القاضي عن امليل ويت نزه عن التح يز إِىَل أقربائه‬
‫وأص دقائه وأص هاره وجريانه أو من بينهم وبينه رابطة ‪ ،‬أو جتمعهم معه جامعة أو يك ون له‬
‫يِف امليل غرض يناله من مال أو منصب أو شهوة ‪.‬‬
‫فالقاضي ال ينجو إال إذا َكا َن كامليزان املنضبط فال مييل مثقال ذرة إِىَل أحد اخلصمني إال‬
‫باحلق ومن مَلْ يفعل ذلك فإنه يتحقق فيه قول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬من ويل القضاء‬
‫فقد ذبح بغري س كني » ‪ .‬على َما فس ره بعض العلم اء من أن معن اه أنه ع رض نفسه للهالك‬
‫والعذاب األليم وهذا أن مَلْ يقض باحلق ‪.‬‬
‫وعن عائشة رضي اهلل عنها ق الت ‪ :‬مسعت رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم يق ول ‪« :‬‬
‫ليأتني على القاضي العدل يوم القيامة ساعة يتمىن أنه مَلْ يقض بني اثنني يِف مترة قط » ‪ .‬رواه‬
‫أمحد وابن حبان يِف صحيحه ولفظه قالت ‪ :‬مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫« ي دعى القاضي الع دل ي وم القيامة فيلقى من ش دة احلس اب َما يتمىن أنه مَلْ يقض بني اث نني‬
‫يِف عمره قط » ‪ .‬واهلل أعلم وصلى اهلل على حممد وآله وسلم ‪.‬‬

‫‪603‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫وكذلك العدل بني األوالد واألقارب بالقيام حبقوقهم على اختالف مراتبهم والقيام بصلتهم‬
‫الواجبة واملستحبة به تتم الصلة وتقوى روابط احملبة والتعاطف ‪ ،‬وبذلك يكسبون الشرف‬
‫عند اهلل وعند خلقه وبه تنظر هذه البيوت اليت قامت على ذلك بعني التقدير والتعظيم‬
‫واإلجالل ‪.‬‬
‫وبذلك حتصل بإذن اهلل التكاتف والتساعد على مصاحل الدنيا والدين وذلك راجع إِىَل‬
‫العدل وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال ‪ :‬مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫« كلكم راع وكلكم مس ئول عن رعيته واملرأة راعية يِف بيت زوجها مس ئولة عن رعيتها‬
‫واخلادم راع يِف م ال س يده ومس ئول عن رعيته وكلكم راع ومس ئول عن رعيته » ‪ .‬رواه‬
‫البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫وأما املرأة فإهنا مس ئولة عن ت دبري منزهلا مبا يوافق ح ال زوجها فال ترهقه باإلنف اق وال‬
‫تطلب بطلب ال يق در عليه وال ختونه يِف عرضه وال تفعل َما يؤذيه وك ذلك جيب عليها أن‬
‫واحدا على اآلخر من غري حق‬ ‫تعدل بني أبنائها فيما بني يديها من طعام وشراب فال تفضل ً‬
‫بل تعطي كل واحد َما يناسبه فال حترم من تبغض وجتزل العطاء ملن حتب فإن خانت زوجها‬
‫يِف عرضها أو ماله أو آذته بعصياهنا أو فضلت بعض أوالدها على بعض َكانَت ظاملة تستحق‬
‫العقاب ‪.‬‬
‫وك ذا اخلادم والعامل مس ئول عن العمل ال ذي وكل إليه وائتمن عليه ف إذا أمهل العامل‬
‫ناقص ا فقد ظلم سيده واستحق العقاب وكذلك اخلادم إذا خان سيده يِف ماله‬ ‫عمالً أو أداه ً‬
‫َك ا َن كلفه بشرائه فزاد يِف مثنه وأخذه لنفسه أو أمهل مساومة التاجر فغبه يِف السلعة أو رأى‬
‫أح ًدا يعت دي على م ال س يده فلم ي رده أو كلفه باإلنف اق على عمل فأس رف فيه ب دون حق‬
‫فانه يكون ظاملا وآمثًا ‪.‬‬
‫ً‬

‫‪604‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ومن هؤالء الصناع الذين يتعاقبون على عمل مث ال جييدون صنعه ويغشون الناس فإهنم‬
‫ظ املون آمثون وك ذلك النج ارون واحلدادون وس ائر أهل الص نائع ألهنم مكلف ون بالع دل يِف‬
‫صنائعهم بان جييدوها وال يرتكوا خلالً إال أصلحوه ‪.‬‬
‫وعن أنس بن مالك رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬إن اهلل‬
‫سائل كل راع اسرتعاه حفظ أم ضيع » ‪ .‬رواه ابن حبان يِف صحيحه وجاء يِف ترك العدل‬
‫بني الزوجات أحاديث تدل على خطورة ذلك ِمْن َها َما ورد عن أيب هريرة رضي اهلل عنه أن‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ « :‬من َك انَت عنده امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم‬
‫القيامة وشقه ساقط » ‪ .‬رواه الرتمذي ‪.‬‬
‫ورواه أبو داود ولفظه ‪ « :‬من َكانَت له امرأتان فمال إِىَل إحدامها جاء يوم القيامة وشقه‬
‫مائل » ‪ .‬ورواه النس ائي ولفظه ‪ « :‬من َك انَت له امرأت ان مييل إح دامها على األخ رى ج اء‬
‫يوم القيامة أحد شقيه مائل » ‪ .‬ورواه ابن ماجة وابن حبان يِف صحيحه بنحو رواية النسائي‬
‫هذه إال أهنما قاال ‪ « :‬جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط » ‪ .‬اللهم قو إمياننا بك وبكتبك‬
‫ومبالئكتك وبرس لك وب اليوم اآلخر وبالق در خ ريه وش ره ‪ .‬اللهم ثبتنا على قولك الث ابت يِف‬
‫احلياة الدنيا ويف اآلخرة واغفر لنا ولوالدينا ومجيع املسلمني األحياء منهم وامليتني برمحتك يا‬
‫وعلَى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫أرحم الرامحين وصلى اهلل على حممد َ‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫وإذا تتبعت سرية اخللفاء الراشدين ومن اقتدى هبم وجدهتم يعدلون‬

‫‪605‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وي أمرون بالع دل بل ِمْن ُه ْم من يطلب بنفسه من األمة أن حتاس به على كل عمل وتص رف‬
‫وتقومه يِف كل خطأ قَ ْد يص در ِمْنه ما دام وا خملصني يبتغ ون وجه اهلل يِف حكمهم‬
‫وسلطاهنم ‪.‬‬
‫فهذا أبو بكر رضي اهلل عنه خليفة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يأمر بالعدل يقول‬
‫عن دما اس تلم احلكم ‪ :‬ف إن أحس نت ف أعينوين وإن أس أت فقوم وين ‪ ،‬أطيع وين َما أطعت اهلل‬
‫ورس وله فيكم ‪ .‬ويق ول أمري املؤم نني عمر ابن اخلط اب رضي اهلل عنه ‪ :‬من رأى منكم يِف َّ‬
‫اعوجاجا فليقومه ‪.‬‬
‫ً‬
‫وق ال رجل لعمر ‪ :‬اتق اهلل يا عمر فأجابه أحد احلاض رين بقوله ‪ :‬أتقول ون ه ذا ألمري‬
‫املؤمنني ولكن عمر هنره بتلك الكلمة وقال ‪ :‬ال خري فيكم إن مَلْ تقولوها وال خري فينا إن مَلْ‬
‫نسمعها ‪.‬‬
‫ويف مرة َك انَت مجلة من غنائم املسلمني أبراد ميانية فقام عمر رضي اهلل عنه يقسم هذه‬
‫الغن ائم بالع دل َوقَ ْد أص ابه ِمْن َها ب رد كما أص اب ابنه عبد اهلل مثل ذلك ك أي رجل من‬
‫املس لمني وملا َك ا َن عمر حباجة إِىَل ث وب طويل ألنه طويل اجلسم ت ربع له ابنه عبد اهلل ب ربده‬
‫ليص نع منهما ثوبًا يكفيه مث وقف وعليه ه ذا الث وب الطويل خيطب يِف الن اس فق ال بعد أن‬
‫محد اهلل وأثىن على رس وله ص لى اهلل عليه وس لم ‪ :‬أيها الن اس امسعوا وأطيع وا ‪ .‬فوقف له‬
‫سلمان الفارسي الصحايب املشهور اجلليل فقال لعمر ‪ :‬ال مسع لك علينا وال طاعة ‪.‬‬
‫فقال عمر رضي اهلل عنه ‪ :‬ومل ؟ قال سلمان ‪ :‬من أين لك هذا الثوب ‪َ ،‬وقَ ْد نالك برد‬
‫واحد وأنت رجل طويل فقال ‪ :‬ال تعجل ونادى ابنه عبد اهلل فقال ‪ :‬لبيك يا أمري املؤمنني ‪.‬‬
‫ق ال ‪ :‬ناش دتك اهلل ال ربد ال ذي ات زرت له اهو رداؤك ؟ فق ال ‪ :‬اللهم نعم ‪ .‬ق ال س لمان ‪:‬‬
‫اآلن مر نسمع ونطيع ‪.‬‬

‫‪606‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وخ رج عمر بن اخلط اب رضي اهلل عنه من املس جد ومعه اجلارود ف إذا ام رأة ب رزة على‬
‫ظهر الطريق فس لم عليها ف ردت عليه أو س لمت عليه ف رد عليها فق الت ‪ :‬هيه يا عمر‬
‫عمريا يِف سوق عكاض تصارع الصبيان فلم تذهب األيام حىت مسيت‬ ‫عهدتك وأنت تسمى ً‬
‫أمري املؤمنني فاتق اهلل يِف الرعية واعلم أنه من خاف املوت خشي الفوت ‪ ،‬فبكى عمر رضي‬
‫اهلل عنه ‪.‬‬
‫فق ال اجلارود ‪ :‬هيه قَ ْد اج رتأت على أمري املؤم نني وأبكيتيه ‪ .‬فق ال عمر ‪ :‬دعها أما‬
‫تع رف ه ذه هي خولة بنت حكيم اليت مسع اهلل قوهلا من ف وق س بع مسواته فعمر واهلل أح رى‬
‫أن يسمع كالمها ‪.‬‬
‫اعوجاجا فقوم وين ‪ .‬فق ام رجل من احلاض رين‬
‫ً‬ ‫وق ام م رة خطيبًا فق ال ‪ :‬إن رأيتم يِف َّ‬
‫اعوجاجا لقومناه بسيوفنا فقال عمر ‪ :‬احلمد هلل الذي جعل يِف‬ ‫ً‬ ‫وقال ‪ :‬واهلل لو وجدنا فيك‬
‫الرعية من يقوم اعوجاج عمر ‪.‬‬
‫وكان رضي اهلل عنه إذا التبست عليه بعض األمور يشاور الصحابة وقال رضي اهلل عنه‬
‫‪َ :‬ما تشاور قوم قط إال هدوا لرشدهم ‪.‬‬
‫وقال لقمان البنه يا بين شاور من جرب فإنه يعطيك من رأيه َما أقام عليه بالغالء وأنت‬
‫تأخذه باجملان ‪.‬‬
‫وقال احلسن ‪ :‬الناس ثالثة فرجل ورجل نصف رجل ورجل ال رجل ‪ ،‬فأما الرجل فذو‬
‫الرأي واملشورة وأما نصف الرجل فالذي له رأي وال يشاور ‪ ،‬وأما الرجل الذي ليس برجل‬
‫فالذي ال رأي له وال يشاور ‪.‬‬
‫وق ال ابن ع يني َك ا َن رس ول اهلل ‪ ‬إذا أراد أم ًرا ش اور فيه الرج ال وكيف حيت اج إِىَل‬
‫مشاورة املخلوقين من اخلالق مدبر أمره ولكنه تعليم ِمْنه ليشاور الرجل الناس ‪.‬‬
‫مرشدا ‪.‬‬
‫أمرا فال تقطعه حىت تستشري ً‬ ‫وقال لقمان البنه يا بين إذا أردت أن تقطع ً‬
‫ِش ْع ًرا ‪:‬‬
‫ْح َام َت ْغ ِر ُير‬ ‫ك ِفي ِ‬
‫اإلق َ‬ ‫َج ْه ٌل َو َرْأيُ َ‬ ‫صلَ َحةٌ‬
‫ك األ َْمَر َما لَ ْم َتْب ُد َم ْ‬
‫ُر ُكوبُ َ‬

‫‪607‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ْح ْزِم تَ ْدبِ ُير‬


‫َفلَ ْن يُ َذ َّم أل َْه ِل ال َ‬ ‫ْح ْزِم َمأَْثَر ًة‬
‫صَوبًا َو ُخ ْذ بِال َ‬
‫فَا ْع َم ِل َ‬
‫أمرك الذين(خيشون اهلل ‪.‬‬ ‫وقال عمر رضي اهلل عنه ‪ :‬ال أمني إال من خيشى اهلل فشاور يِف‬

‫اسَت ِع ْن‬
‫ور َة فَ ْ‬
‫ش َ‬ ‫ِش ْعًرا‪ :‬إِ َذا َبلَ َغ َّ‬
‫الرأُي ال َْم ُ‬
‫يح ٍة َحا ِزِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بِ ِرْأ ِي نَصيح أ َْو نَص َ‬
‫ض ًة‬
‫ضا َ‬‫ك غَ َ‬ ‫ورى َعلَْي َ‬‫الش َ‬ ‫َوال تَ ْج َع ِل ُّ‬
‫فَِإ ْن الْ َخَو ِافي قَوةٌ لِْل ُقَو ِادِم‬
‫شور ِ‬ ‫يوما وإِ ْن ُكْن َ ِ‬ ‫اك إِ َذا نَالِْت َ‬
‫ك نَائَِبةٌ‬ ‫آخر‪َ :‬شا ِو ْر ِسَو َ‬
‫ات‬ ‫ت م ْن أ َْه ِل ال َْم ُ َ‬ ‫َْ ً َ‬
‫وال َترى َن ْفس َها إِال بِ ِمر ِ‬
‫آت‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ص ُر ِفْي َها َما َدنَا َونَأَى‬ ‫فَالْعْين ُتْب ِ‬
‫َُ‬
‫(‬ ‫آخر‪ :‬إِ َذا ع َّن أَمر فَاست ِشر ِف ِيه ص ِ‬
‫احًبا‬ ‫َ‬ ‫َ ٌْ َْ ْ‬
‫ت َذا َرْأ ٍي تُ ِش ُير على ُّ‬
‫الص َح ِ‬
‫ب‬ ‫َوإِ ْن ُكْن َ‬
‫ت ال َْعْي َن تَ ْج َه ُل َن ْف َس َها‬‫فَِإنِي َرأَيْ ُ‬
‫ب‬‫الش ْه ِ‬ ‫و ْتد ِرك ما قَ ْد ح َّل ِفي مو ِ‬
‫ض ِع ُّ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مرشدا فإذا فعلت فال حتزن ‪.‬‬
‫أمرا حىت تأمر ً‬ ‫وقال سليمان بن داود ‪ :‬يا بين ال تقطع ً‬
‫ويف كتاب اإلمام علي رضي اهلل عنه لألشرت النخعي ملا واله على مصر ‪ :‬وال تدخل يِف‬
‫مش ورتك خبيالً يع دل بك عن الفضل ويع دك الفقر وال جبانًا يض عفك عن األم ور وال‬
‫حريص ا ي زين لك الشر ب اجلور ف إن البخل واحلرص واجلنب غرائز وشىت جيمعن س وء الظن‬ ‫ً‬
‫باهلل ‪.‬‬
‫وعنه من استبد برأيه هلك ومن شاور الرجال شاركها يِف عقوهلا ‪.‬‬

‫ت َذا َرْأ ٍي فَ ُك ْن َذا َع ِز ٍٍَيَمة‬ ‫ِش ْعًرا‪ :‬إِ َذا ُكْن َ‬


‫الرْأ ِي أَ ْن َتَتَر َددًّا‬‫اد َّ‬ ‫فَِإ َن فَ َس َ‬
‫اجالً‬ ‫ت َذا َع ْزٍم فَأَْنَف ْذ ُه َع ِ‬
‫َوإِ ْن ُكْن َ‬
‫اد ال َْع ْزِم أَ ْن َتَتَقيَّ َدا‬
‫فَِإ ْن فَ َس َ‬

‫‪608‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وملا بويع باخلالفة يِف الي وم ال ذي م ات فيه أبو بكر بوص ية من أيب بكر إليه هابه الن اس‬
‫هيبة ش ديدة حىت إهنم ترك وا اجلل وس يِف األفنية فلما بلغه ذلك مجع الن اس مث ق ام على املنرب‬
‫حيث َك ا َن يق وم أبو بكر يضع قدميه فحمد اهلل وأثىن عليه مبا هو أهله مث ص لى على النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫مث قال ‪ :‬بلغين أن الناس هابوا شديت وخافوا غلظيت وقالوا ‪ :‬قَ ْد َك ا َن عمر يشتد علينا‬
‫ورس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم حي بني أظهرنا مث اش تد علينا وأبو بكر والينا فكيف اآلن‬
‫َوقَ ْد صارت األمور إليه ‪.‬‬
‫ولعمري من قال ذلك فقد صدق كنت مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فكنت عنده‬
‫وخادمه حىت قبضه اهلل تعاىل وهو راض واحلمد هلل وأنا أسعد الناس بذلك مث ويل أمر الناس‬
‫أبو بكر رضي اهلل عنه فكنت خادمه وعونه أخلط ش ديت بلينه ف أكون س ي ًفا مس لوالً حىت‬
‫علي راض واحلمد هلل وأنا‬‫يغم دين أو ي دعين فما زلت معه ك ذلك حىت قبضه اهلل تع اىل وهو َّ‬
‫أسعد الناس بذلك ‪.‬‬
‫مث إين وليت ه ذا األمر ف اعلموا أن تلك الش دة قَ ْد تض اعفت ولكنها تك ون على أهل‬
‫الظلم والتعدي على املسلمني ‪.‬‬
‫وأما أهل الس المة وال دين والقصد فأنا ألني لبعض هم من بعض ولست أدع أح ًدا يظلم‬
‫أحدا ويتعدى عليه حىت يضع خده على األرض وأضع قدمي على اآلخر حىت يذعن للحق ‪.‬‬ ‫ً‬
‫وإىل هذا أشار الشاعر يِف قوله ‪:‬‬
‫َسَر ُار َر ْح َمتِ ِه‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫في ط ِّي ش َّدتِه أ ْ‬
‫س ُي ْف ِش َيها‬ ‫لِلْعالَ ِم ِ‬
‫ين َول ْكن لَْي َ‬
‫َ َ‬

‫‪609‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫صَر َامتِ ِه‬ ‫ِِ‬


‫َوَبْي َن َجْنَبيِه في أ َْوفَى َ‬
‫اد َوالِ ٍٍََدة َت ْر َعى َذ َرا ِر َيها‬
‫ُفَؤ ُ‬
‫أَ ْغنت ِعن َّ ِ‬
‫ص ُق ِو ِل ُد َّرتُهُ‬
‫الصا ِرم ال َْم ْ‬ ‫َْ ْ‬
‫س َعاتِ َيها‬‫النْف ِ‬‫ت َغَوي َّ‬ ‫َخافَ ْ‬ ‫فَ َك ْم أ َ‬
‫علي أيها الناس أن ال اخبأ عنكم شيئًا من خراجكم وإذا وقع عندي أن ال‬ ‫وقال ‪ :‬ولكم َّ‬
‫علي أن ال ألقيكم يِف املهالك وإذا غبتم يِف البع وث فأنا أبو العي ال حىت‬
‫خيرج إال حبقه ولكم َّ‬
‫ترجعوا أقول قويل هذا واستغفر اهلل يل ولكم ‪.‬‬
‫وأخرج بن سعد عن احلسن قال ‪ :‬كتب عمر إِىَل حذيفة رضي اهلل عنهما أن أعط الناس‬
‫أعطيتهم وأرزاقهم فكتب إليه قَ ْد فعلنا ويبقى شيء كثري ‪.‬‬
‫فكتب إليه عمر ‪ :‬إنه ف يئهم ال ذي أف اء اهلل عليهم ليس هو لعمر وال آلل عمر أقس مه‬
‫بينهم ‪.‬‬
‫وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن احلسن قال ‪ :‬كتب عمر بن اخلطاب إِىَل أيب موسى‬
‫يوما من الس نة ال يبقى يِف بيت املال درهم حىت يكتسح‬ ‫رضي اهلل عنهما ‪ :‬أما بعد ف اعلم ً‬
‫حىت يعلم اهلل إين قَ ْد أديت إِىَل كل ذي حق حقه ‪.‬‬
‫وعند ابن عساكر عن سلمة بن سعيد قال ‪ :‬أتى عمر بن اخلطاب مبال فقام عبد الرمحن‬
‫بن ع وف فق ال ‪ :‬يا أمري املؤم نني لو حبست من ه ذا املال يِف بيت املال لنائبه تك ون أو أمر‬
‫حيدث ‪.‬‬
‫فقال كلمة َما عرض هبا إال شيطان لقاين اهلل حجتها ووقاين فتنتها‬

‫‪610‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫أعصي العام خمافة قابل أعد هلم تقوى اهلل قال اهلل تعاىل ‪َ ﴿ :‬و َمن َيت َِّق اللَّهَ جَيْ َعل لَّهُ خَمَْرج اً *‬
‫ب ﴾ ولتكون فتنة من بعدي ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َو َي ْر ُزقْهُ ِم ْن َحْي ُ‬
‫ث اَل حَيْتَس ُ‬
‫وقال سعيد بن املسيب ‪ :‬تويف واهلل عمر رضي اهلل عنه وزاد يِف الشدة يِف موضعها واللني‬
‫يِف مواضعه وكان أبا العيال حىت إنه ميشي على املغيبات الاليت غاب عنهن أزواجهن ويقول‬
‫‪ :‬ألكن حاجة حىت اشرتي لكن فإين أكره أن ختدعن يِف البيع والشراء فريسلن معه جواريهن‬
‫‪.‬‬
‫فيدخل ومعه جواري النساء وغلماهنم ما ال حيصي فيشرتي هلن حوائجهن فمن َك انَت‬
‫ليس عندها شيء اشرتى هلا من عنده وكان حيمل حراب الدقيق على ظهره لألرامل واأليتام‬
‫فقال بعضهم له ‪ :‬دعين امحل عنك ‪ .‬فقال عمر ‪ :‬ومن حيمل عين ذنويب يوم القيامة ‪.‬‬
‫ويروى أنه مر بنوق قَ ْد بدت عليها آثار النعمة هتف ذراها فسأل عن صاحبها فقالوا ‪:‬‬
‫عبد اهلل بن عمر فس اقها إِىَل بيت م ال املس لمني ظنًّا ِمْنه أن ث روة ابنه ال تفي هلا وأنه ل وال‬
‫جاهه بني الناس َما قدر على إطعامها ‪.‬‬
‫ويف ذلك يقول الشاعر ‪:‬‬
‫ك َعْب ُد ِ‬
‫اهلل أَْيُن ُقهُ‬ ‫َو َما َوفَى ْابنُ َ‬
‫ت علَيها ِفي مر ِ‬
‫اع َيها‬ ‫ََ‬ ‫لَ َّما اطَّلَ ْع َ َ ْ َ‬
‫َرأَْيَت َها ِفي ِح َماهُ َو ِهي َسا ِر َحةٌ‬
‫َعالِ َيها‬ ‫ِ‬
‫ت أَ‬ ‫ور قَ ْد ْاهَتَّز ْ‬
‫ص َ‬‫مثْ َل الْ ُق ُ‬
‫َف ُقلَت ما َكا َن َعْب ُد ِ‬
‫اهلل يُ ْشبِ َع َها‬ ‫َ‬
‫لَْو لَ ْم يَ ُك ْن َولَ ِدي أ َْو َكا َن َي ْر ِو َيها‬

‫‪611‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫اسَت َعا َن بَ َج ِاهي ِفي تِ َج َارتِِه‬


‫قَ ْد ْ‬
‫اس ِم أَبِي ِحْف ٍ‬
‫ص ُيَن ِّمْي َها‬ ‫ات بِ ْ‬ ‫َوبَ َ‬
‫ت ال َْم ِال ِإ َّن لَهُ‬‫اق لِبْي ِ‬
‫ُردُّوا النَِّي َ َ‬
‫اد ِة ِف َيها َقْب َل َشا ِر َيها‬ ‫َح َّق ِّ‬
‫الزيَ َ‬
‫هلل و ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اض ُع َها‬ ‫َو َه َذه ُخطَّةٌ َ‬
‫ت مسَت ِ‬
‫ميح َيها‬ ‫ت ُحُقوقًا فَأْ ْغَن َ ُ ْ‬
‫َر َد َ‬
‫وروي أن طلحة رضي اهلل عنه خرج يِف ليلة مظلمة فرأى عمر رضي اهلل عنه قَ ْد دخل‬
‫بيتًا مث خرج فلما أصبح طلحة ذهب إِىَل ذلك البيت فإذا فيه عجوز عمياء مقعدة ال تقدر‬
‫على املشي فقال هلا طلحة ‪َ :‬ما بال هذا الرجل يأتيك ‪ .‬فقالت ‪ :‬إنه يتعاهدين من مدة كذا‬
‫وكذا مبا يصلحين وخيرج عين األذى يعين القذر والنجاسة فرضي اهلل عنه أرضاه ‪.‬‬
‫اللهم اجعل خري أعمالنا خوامتها وخري أيامنا يوم لقائك ‪ ،‬اللهم ثبتنا على قولك الثابت‬
‫وأي دنا بنص رك وارزقنا من فض لك وجننا من ع ذابك ي وم تبعث عب ادك واغفر لنا ولوال دينا‬
‫ومجيع املسلمني برمحتك يا أرحم الرامحين وصلى اهلل على حممد وآله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫وملا رجع رضي اهلل عنه من الش ام إِىَل املدينة انف رد عن الن اس ليتع رف ويتفقد أح وال‬
‫رعيته فمر بعج وز يِف خب اء هلا فقص دها فق الت ‪ :‬يا ه ذا َما فعل عمر ؟ ق ال ‪ :‬قَ ْد أقبل من‬
‫خريا ‪.‬‬
‫الشام ساملًا ‪ .‬فقالت ‪ :‬ال جزاه اهلل ً‬
‫قال ‪ :‬ومل قالت ألنه واهلل َما نالين من عطائه منذ توىل أمر املسلمني دينار‬

‫‪612‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وال درهم قال ‪ :‬وما يدري حبالك وأنت يِف هذا املوضع فقالت ‪ :‬سبحان اهلل واهلل َما ظننت‬
‫أحدا يلي على الناس وال يدري َما بني مشرقها ومغرهبا فبكى عمر رضي اهلل عنه وقال ‪:‬‬ ‫أن ً‬
‫واعمراه كل أحد أفقه منك يا عمر حىت العجائز ‪.‬‬
‫مث ق ال هلا ‪ :‬يا أمة اهلل بكم تبيعيين ظالمتك من عمر ف إين أرمحه من الن ار فق الت ‪ :‬ال‬
‫تس تهزئ بنا يرمحك اهلل فق ال ‪ :‬لست هبزاء فلم ي زل هبا حىت اش رتى ظالمتها خبمسة‬
‫دينارا ‪.‬‬
‫وعشرين ً‬
‫فبينما هو كذلك إذ أقبل علي بن طالب وعبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنهما فقاال ‪:‬‬
‫السالم عليك يا أمري املؤمنني فوضعت العجوز يدها على رأسها وقالت ‪ :‬واسوأتاه شتمت‬
‫أمري املؤمنني يِف وجهه ‪.‬‬
‫فقال هلا عمر ‪ :‬يرمحك اهلل مث طلب رقعة جلد يكتب هبا فلم جيد فقطع قطعة من مرقعته‬
‫وكتب فيها بسم اهلل ال رمحن ال رحيم ه ذا َما اش رتى به عمر من فالنة ظالمتها منذ ويل إِىَل‬
‫ي وم ك ذا وك ذا خبمسة وعش رين دين ًارا فما ت دعي عند وقوفه يِف احلشر بني ي دي اهلل تع اىل‬
‫إيل وق ال ‪ :‬إذا أنا مت‬ ‫فعمر ِمْنه ب ريء ش هد على ذلك علي وابن مس عود دفع الكت اب َّ‬
‫فاجعله يِف كفين ألقى به ريب عز وجل ‪.‬‬
‫هكذا يكون العلماء العاملون قال اهلل تعاىل ‪ ﴿ :‬إِمَّنَا خَي ْشى اللَّه ِمن ِعب ِ‬
‫اد ِه الْعُلَماء ﴾ ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َعلَى قَ ْد ِر عل ِْم ال َْم ْرء َي ْعظُ ُم َخ ْوفُهُ‬
‫فَال َعالِم إِال ِمن ِ‬
‫اهلل َخائِ ُ‬
‫ف‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬

‫‪613‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫اهلل َج ِاه ٌل‬ ‫فَ ِآمن م ْك ِر ِ‬


‫اهلل بِ ِ‬
‫َْ‬
‫اهلل بِ ِ‬
‫اهلل َعا ِر ُ‬
‫ف‬ ‫ف م ْك ِر ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َخائ ُ َ‬
‫وأخرج ابن عساكر وسعيد بن منصور والبيهقي عن الشعيب قال ‪َ :‬ك ا َن بني عمر وبني‬
‫أيب كعب رضي اهلل عنهما خص ومة فق ال عمر ‪ :‬اجعل بيين وبينك رجالً فجعال بينهما زيد‬
‫بن ثابت رضي اهلل عنه فأتياه فقال له عمر ‪ :‬أتيناك لتحكم بيننا ويف بيته يؤتى احلكم ‪.‬‬
‫فلما دخل عليه وسع له زيد عن صدر فراشه فقال ‪ :‬ها هنا أمري املؤمنني فقال له عمر ‪:‬‬
‫ه ذا أول ج ور ج رت يِف حكمك ‪ ،‬ولكن أجلس مع خص مي فجلسا بني يديه ف ادعى‬
‫أيب وأنكر عمر فق ال زيد أليب ‪ :‬اعف أمري املؤمنني من اليمني وما كنت ألسأهلا ألحد غريه‬ ‫ّ‬
‫فحلف عمر مث أقسم ال يدرك زيد القضاء حىت يكون عمر ورجل من عرض املسلمني عنده‬
‫سواء ‪.‬‬
‫وأخ رج عبد ال رزاق عن زيد بن أس لم ق ال ‪َ :‬ك ا َن للعب اس بن عبد املطلب رضي اهلل‬
‫عنهما دار إِىَل جنب مسجد املدينة فقال له عمر رضي اهلل عنه ‪ :‬بعينها فأراد عمر أن يزيدها‬
‫يِف املس جد ف أىب العب اس أن يبيعها إي اه فق ال عمر ‪ :‬فهبها يل ف أيب فق ال ‪ :‬فوس عها أنت يِف‬
‫املسجد فأىب ‪.‬‬
‫فق ال عمر ‪ :‬ال بد لك من إح داهن ف أىب عليه فق ال ‪ :‬خذ بيين وبينك رجالً فأخذ أبيا‬
‫رضي اهلل عنه فاختصما إليه فقال أيب لعمر ‪َ :‬ما أرى أن خترجه من داره حىت ترضيه فقال له‬
‫عمر ‪ :‬أرأيت قض اءك ه ذا يِف كت اب اهلل وجدته أم س نة من رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪.‬‬

‫‪614‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫فقال عمر ‪ :‬وما ذاك ؟ فقال ‪ :‬إين مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول ‪ « :‬إن‬
‫س ليمان بن داود عليهما الص الة والس الم ملا بىن بيت املق دس جعل كلما بىن حائطًا أص بح‬
‫دما ف أوحى اهلل إليه أن ال تبين يِف حق رجل حىت ترض يه فرتكه عمر فوس عها العب اس‬ ‫منه ً‬
‫رضي اهلل عنهما بعد ذلك يِف املسجد ‪.‬‬
‫بلغ يا أخي ه ذه القصة للس اكنني يِف بي وت املس لمني بغري رض اهم وقل مَلْ تص لون‬
‫وتص ومون وتنكح ون يِف بيت مغص وب ي دعو عليكم مالكه ليالً ً‬
‫وهنارا س ًّرا وجه ًارا ‪ .‬أما‬
‫حمرما ‪.‬‬
‫علمتم أن اهلل حرم الظلم على نفسه وجعله بني عباده ً‬
‫أيض ا عن سعيد بن املسيب قال ‪ :‬أراد عمر رضي اهلل عنه أن يأخذ‬ ‫وأخرج عبد الرزاق ً‬
‫دار العب اس بن عبد املطلب رضي اهلل عنه فيزي دها يِف املس جد ف أىب العب اس أن يعطيها إي اه‬
‫فقال عمر ‪ :‬آلخذهنا فقال ‪ :‬فاجعل بيين وبينك أيب بن كعب رضي اهلل عنه قال ‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫أيب أوحى اهلل إِىَل سليمان بن داود عليهما الصالة والسالم أن‬ ‫فأتيا أبيًّا فذكرا له فقال ‪ّ :‬‬
‫أرض ا لرجل فاش رتى ِمْنه األرض فلما أعط اه الثمن ق ال ‪ :‬ال ذي‬‫يبين بيت املق دس وك انت ً‬
‫أعطيتين خري أم أخذت مين قال ‪ :‬بل الذي أخذت منك قال ‪ :‬فإين ال أجيز مث اشرتاها ِمْنه‬
‫بشيء أكثر من ذلك فصنع الرجل مثل ذلك مرتني أو ثالثًا ‪.‬‬
‫فاشرتط سليمان عليه الصالة والسالم أين أبتاعها منك على حكمك فال تسألين أيهما‬
‫خري ق ال ‪ :‬فاش رتاها ِمْنه حبكمه ف احتكم اثين عشر ألف قنط ار ذهبًا فتع اظم ذلك س ليمان‬
‫عليه الصالة والسالم أن يعطيه فأوحى اهلل إليه أن كنت تعطيه من شيء هو لك فأنت أعلم‬
‫عباس ا رضي اهلل عنه أحق‬ ‫وإن كنت تعطيه من رزقنا فأعطيه حىت يرضى ففعل وأنا أرى أن ً‬
‫بداره حىت يرضى ‪ ،‬بلغ يا‬

‫‪615‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫أيضا هذه القصة الساكنني يِف بيوت املسلمني بغري حكم شرعي وقل هلم أما تتقون اهلل‬ ‫أخي ً‬
‫وختشون عقوبته ‪.‬‬
‫قال العباس ‪ :‬فإذا قضيت يل فإين أجعلها صدقة للمسلمني رضي اهلل عنهم وأرضاهم‬
‫وجعل جنة الفردوس مثوانا ومثواهم ‪.‬‬
‫وروي أن عمر رضي اهلل عنه أمر بقلع م يزاب َك ا َن يِف دار العب اس بن عبد املطلب إِىَل‬
‫الطرق بني الصفا واملروة فقال له العباس ‪ :‬قلعت َما َك ا َن رسول اهلل ‪ ‬وضعه بيده فقال ‪:‬‬
‫إذا ال ي رده إِىَل مكانه غ ريك وال يك ون س لم غري ع اتق عمر فأقامه وأع اده على ع اتق عمر‬
‫ورده إِىَل موضعه ‪.‬‬
‫وس اوم عمر رضي اهلل عنه رجالً من رعيته يِف ش راء ف رس مث ركبه عمر ليجربه فعطب‬
‫ف رده إِىَل ص احبه فأىب ص احب الف رس أن يأخ ذه فق ال له ‪ :‬وهو خليفة املس لمني اجعل بيين‬
‫حكما فرضي الرجل بقضاء شريح العراقي فتحاكما إليه ‪.‬‬ ‫وبينك ً‬
‫فق ال ش ريح ‪ :‬بعد أن مسع حجة كل ِمْنهما ‪ :‬يا أمري املؤم نني خذ َما اش رتيت أو رده‬
‫كما أخذته فأكرب عمر هذه العدالة والنزاهة من شريح وقال ‪ :‬وهل القضاء إال هكذا مث أقام‬
‫ديرا لنزاهة وعدله رضي اهلل عنهما وأرض امها اهلل يسر لنا‬ ‫يِف‬
‫ش رحيًا على القض اء الكوفة تق ً‬
‫أمثاهلا وأبعد عنا أضدادمها ‪.‬‬
‫اهلل يا حي يا قي وم يا من ال تأخ ذه س نة وال ن وم مكن حمبتك يِف قلوبنا وقوها وأهلمنا‬
‫ذك رك وش كرك وأعنا على القي ام بطاعتك واالنته اء عن معص يتك اللهم افتح ل دعائنا ب اب‬
‫القب ول واإلجابة فإنا ن دعوك دع اء من كثرت ذنوبه وتص رمت آماله وبقيت آثامه وانس لبت‬
‫افرا غ ريك وال ملا يؤمله من اخلريات معطيًا‬ ‫دمعته وانقطعت مدته دع اء من ال يرجو لذنبه غ ً‬
‫سواك وال‬

‫‪616‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وعلَى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬


‫جابرا إال أنت يا ارحم الرامحني وصلى اهلل على حممد َ‬
‫لكسره ً‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫وك ان عمر رضي اهلل عنه يِف خالفة أيب بكر يتعه ده ام رأة عمي اء باملدينة ليق وم بأمرها‬
‫يوما ف إذا أبو بكر هو ال ذي يكفيها‬‫فك ان إذا جاءها ألفاها قَ ْد قض يت حاجتها فرتصد عمر ً‬
‫مؤنتها ال تش غله عن ذلك اخلالفة وتبعاهتا ‪ ،‬عندئذ ص اح عمر حني رآه أنت هو لعم ري ‪.‬‬
‫وهلل در القائل يصف الصحابة رضي اهلل عنهم ‪:‬‬
‫اسةُ ِعل ِْم ِه ْم‬ ‫ِ‬
‫َق ْو ٌم طََع ُام ُه ُمو د َر َ‬
‫الس ْؤ ِد ِد‬
‫َيَت َس َاب ُقو َن إِلَى ال ُْعال َو ُّ‬

‫ومن كالمه إنا كنا أذل قوم فأعزنا اهلل باإلسالم فمهما نطلب العز بغري َما أعزنا اهلل به‬
‫أذلنا اهلل ‪.‬‬
‫وعن أيب عثمان النهدي أنه قال ‪ :‬رأيت عمر يطوف بالبيت وعليه جبة صوف فيها اثنا‬
‫عشر رقعة بعضها من جلد ‪ ،‬ورآه رجل وهو يطلي بع ًريا من إبل الص دقة ب القطران فق ال له‬
‫عبدا من عبيد الصدقة فكفاله فضرب عمر صدر الرجل وقال ‪:‬‬ ‫‪ :‬يا أمري املؤمنني لو أمرت ً‬
‫عبد أعبد مين ‪.‬‬
‫وروي أنه أيت مبال كثري فأتته ابنته حفصة فق الت ‪ :‬يا أمري املؤم نني حق أقربائك فقد‬
‫أوصى اهلل باألقربني فقال ‪ :‬ال يا حفصة إمنا حق األقربني يِف مايل‬

‫‪617‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫فأما مال املسلمني فال يا حفصة نصحت وغشيت أباك فقامت جتر ذيلها ‪.‬‬
‫وروي أنه جيء مبال كثري من الع راق ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬أدخله بيت املال فق ال ‪ :‬ال ورب‬
‫الكعبة ال يرى حتت سقفه حىت أقسمه بني املسلمني ‪ ،‬فجعل باملسجد ‪ ،‬وغطى باألنطاع ‪،‬‬
‫وحرسه رجال من املهاجرين واألنصار ‪.‬‬
‫فلما أصبح نظر إِىَل الذهب والفضة والياقوت والزبرجد والدر يتألأل ‪ ،‬فبكى ‪ ،‬فقال له‬
‫العباس ‪ :‬يا أمري املؤمنني َما هذا بيوم بكاء ولكنه يِف قوم قط إال وقع بأسهم بينهم ‪.‬‬
‫مستدرجا فإين أمسعك تقول ‪:‬‬
‫ً‬ ‫قم أقبل إِىَل القبلة وقال ‪ :‬اللهم إين أعوذ بك أن أكون‬
‫﴿ َسنَ ْستَ ْد ِر ُج ُهم ِّم ْن َحْي ُ‬
‫ث الَ َي ْعلَ ُمو َن ﴾ ‪.‬‬
‫وعن س نان ال دويل أنه دخل على عمر وعن ده نفر من امله اجرين األولني فأرسل عمر‬
‫رضي اهلل عنه لس فط أيت به من قلعة ب العراق ‪ ،‬وك ان فيه خ امت فأخ ذه بعض بنيه فأدخله يِف‬
‫فيه فانتزعه ِمْنه مث بكى ‪ ،‬فق ال له من عن ده ‪ :‬مَلْ تبكي يا أمري املؤم نني َوقَ ْد فتح اهلل عليك ‪،‬‬
‫وأظهرك على عدوك ‪ ،‬وأقر عينك ‪ ،‬قال ‪ :‬مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول ‪« :‬‬
‫ال تفتح الدنيا على أحد حىت تلقى بينهم العداوة ‪ ،‬والبغضاء ‪ ،‬إِىَل يوم القيامة وأنا أشفق من‬
‫ذلك » ‪ .‬رواه أمحد والبزار ‪.‬‬
‫وروي أنه َكا َن يقسم شيئًا من بيت املال ‪ ،‬فدخلت ابنة له صغرية فأخذت درمهًا فنهض‬
‫يِف طلبها حىت سقطت ملحفته عن منكبيه ‪ ،‬ودخلت‬

‫‪618‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫الص بية إِىَل بيت أهلها وهي تبكي ‪ ،‬و جعلت ال درهم يِف فمها ‪ ،‬فأدخل عمر إص بعه يِف‬
‫فمها ف أخرج ال درهم وطرحه على خ راج املس لمني ‪ ،‬وق ال ‪ :‬أيها الن اس إنه ليس لعمر وال‬
‫آلل عمر إال َما للمسلمني قريبهم وبعيدهم ‪.‬‬
‫وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال ‪ :‬خرجت مع عمر ذات ليلة حىت أشرفنا َعلَى حرة واقم‬
‫‪ ،‬فإذا نار توارى بضرام ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا ابن أسلم إين أحسب هؤالء ركبًا يضرهبم الليل والربد‬
‫‪ ،‬انطلق بنا إليهم ‪ ،‬ق ال ‪ :‬فخرجنا هنرول حىت انتهينا إِىَل الن ار ف إذا ام رأة َتوقَ ْد حتت ق در ‪،‬‬
‫ومعها ص بيان يتض اغون ‪ ،‬فق ال ‪ :‬الس الم عليكم أص حاب الض وء أأدنو فق الت املرأة ‪ :‬أدن‬
‫خبري أو دع ‪ .‬فقال ‪َ :‬ما بالكم ؟ قالت ‪ :‬يضربنا الليل والربد ‪ .‬قال ‪ :‬فما بال هؤالء الصبية‬
‫يتضاغون ؟ قالت ‪ :‬اجلوع ‪ .‬قال ‪ :‬فما هذا القدر ؟ قالت ‪ :‬ماء أسكتهم به واهلل بيننا وبني‬
‫عمر ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬وما يدري عمر قالت ‪ :‬يتوىل أمرنا مث يغفل عنا ‪ ،‬فأقبل علي وقال ‪ :‬انطلق بنا‬
‫فخرجنا هنرول حىت أتينا دار ال دقيق ‪ ،‬ف أخرج ع دالً من دقيق فيه عكنة من ش حم ‪ ،‬فق ال ‪:‬‬
‫علي ‪ ،‬قلت ‪ :‬أنا أمحله عنك ‪ ،‬فق ال ‪ :‬أنت حتمل عين وزري ي وم القيامة ال أم لك ‪،‬‬ ‫أمحله َّ‬
‫علي فحملته عليه فخرجنا هنرول حىت ألقينا ذلك العدل عندها ‪.‬‬ ‫امحله َّ‬
‫علي وأنا أسوطه ‪ ،‬وجعل ينفخ حتت القدر وكانت‬ ‫مث أخرج الدقيق فجعل يقول ذري َّ‬
‫حليته عظيمة ‪ ،‬فجعلت أنظر إِىَل الدخان خيرج من حتت خلل حليته حىت أنضج ‪.‬‬
‫مث أخذ من الشحم فأدمها به مث قال ‪ :‬ائت بشيء فجاءته بصحفة ‪ ،‬فأفرغ القدر فيها ‪،‬‬
‫مث جعل يقول هلا أطعميهم ‪ ،‬وأنا أسطح لك ‪ ،‬يعين‬

‫‪619‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫أبرده ‪ ،‬فأكلوا حىت شبعوا ‪.‬‬


‫مث ت رك عن دها فضل ذلك ‪ ،‬فق الت ‪ :‬له ج زاك اهلل خ ًريا أنت أوىل هبذا األمر من أمري‬
‫خريا إنك إذا جئت أمري املؤمنني وجدتين هناك ‪.‬‬ ‫املؤمنني ‪ ،‬فقال ‪ :‬قويل ً‬
‫مث تنحى قريبًا فربض مربض السبع ‪ ،‬فقلت له ‪ :‬إن لك شأنًا غري هذا ‪ ،‬فلم يكلمين حىت‬
‫رأيت الصبية يصطرخون ويضحكون ‪ ،‬مث ناموا فقام وهو حيمد اهلل تعاىل ‪.‬‬
‫علي وقال ‪ :‬يا ابن أسلم إين رأيت اجلوع أبكاهم ‪ ،‬فأحببت أن ال أنصرف حىت‬ ‫مث أقبل َّ‬
‫أرى ِمْن ُه ْم َما رأيت ‪ .‬أ ‪ .‬هـ ‪.‬‬
‫ويف ذلك يقول حافظ إبراهيم ‪:‬‬
‫ص ِهًرا‬ ‫ِ‬
‫آه أ ََم َام الْق َد ِر ُمْن َ‬
‫َو َم ْن َر ُ‬
‫والنَّار تَأْ ُخ ُذ ِمْنهُ و ْهو يذ ِ‬
‫ْك َيها‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ ُ‬
‫َوقَ ْد تَ َخلَّ َل ِفي أََثَن ِاء لِ ْحَيتِ ِه‬
‫اب ِفي ِف َيها‬ ‫الد َخا َن َو ُف ْو ُه غَ َ‬ ‫ِمْن َها ُّ‬
‫ين َعلَى‬ ‫ِِ‬ ‫رأَى هن َ ِ‬
‫اك أَم َير ال ُْم ْؤمن َ‬ ‫َ ََ‬
‫ع لََع ْم ُر اهلل َرائِْي َها‬
‫ال َت ُر ْو ُ‬
‫َح َ‬
‫ف النَّا ِر ِفي غَ ِد ِه‬ ‫َّار َخ ْو َ‬ ‫ِ‬
‫يَ ْسَت ْقب ُل الن َ‬
‫تمِ‬
‫آق َيها‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َوال َْعْي ُن م ْن َخ َْشََْية َسالَ ْ َ‬
‫وعن احلسن البص ري ق ال ‪ :‬بينما يعس باملدينة ليالً لقيته ام رأة حتمل قربة ‪ ،‬فس أهلا‬
‫فذكرت له أن هلا عياالً وليس هلا خادم ‪ ،‬وأهنا خترج‬

‫‪620‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫هنارا ‪ ،‬فحمل عمر عنها القربة حىت بلغ منزهلا ‪.‬‬


‫ليالً فتسقي هلم املاء ‪ ،‬وتكره أن خترج ً‬
‫خادما ‪ ،‬ق الت ‪ :‬ال أصل إليه ‪ ،‬ق ال ‪ :‬إنك‬ ‫ِ‬
‫مث ق ال هلا ‪ :‬أغ دي إىَل عمر غ دوة خيدمك ً‬
‫س تجدينه إن ش اء اهلل فغ دت عليه ‪ ،‬ف إذا هي به فع رفت أنه ال ذي محل عنها القربة ‪،‬‬
‫فاستحيت وذهبت فأرسل هلا عمر خبادم ونفقة ‪.‬‬
‫وك ان إذا ق دم الرس ول من الثغ ور بكتب إِىَل أهليهم هو ال ذي ي دور هبا ويوص لها إِىَل‬
‫بيوهتم بنفسه‪ ،‬ويقول ‪ :‬إذا َك ا َن عندكن من يقرأ وإال فاقربن من األبواب حىت أقرأ لكن إذا‬
‫خ رج الرس ول دار عليهن بالقرط اس وال دواة بنفسه فيق ربن من األب واب فيكتب هلن إِىَل‬
‫رجاهلن ‪.‬‬
‫مث يأخذ الكتب في أمر به مع الرس ول ‪ ،‬وعن أيب ف راس ق ال ‪ :‬خطبنا عمر فق ال يِف‬
‫خطبته ‪ :‬إين مَلْ ابعث عمايل ليضربوا أبشاركم ‪ -‬أي جلودكم ‪ -‬وال ليأخذوا أموالكم ‪.‬‬
‫فمن فعل به ذلك فلريفعه إِىَل أقصه ِمْنه ‪ ،‬فق ال عم رو بن الع اص ‪ :‬لو أن رجالً أدب‬
‫بعض رعيته ‪ ،‬أتقصه ِمْنه ‪ ،‬قال ‪ :‬أي والذي نفسي بيده ألقصه ِمْنه ‪َ ،‬وقَ ْد رأيت رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم أقص من نفسه ‪ -‬أي مكن من القصاص ِمْنه ‪ -‬أخرجه أبو داود ‪.‬‬
‫ويف حديث أخرجه البخاري عن عمر أنه قال ‪ :‬اللهم إين أشهدك على أمراء األمصار ‪،‬‬
‫وإين إمنا بعثتهم ليع دلوا ‪ ،‬وليعلم وا الن اس دينهم ‪ ،‬وس نة ن بيهم ‪ ،‬ويقس موا فيهم في أهم ‪،‬‬
‫ويرفعوا إيل َما أشكل من أمرهم ‪.‬‬

‫‪621‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ويف حديث أخرجه البخاري ومسلم أن عمر ملا طعن قيل له ‪ :‬لو استخلفت ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫أحتمل أم ركم حيًّا وميتًا ‪ ،‬عن اس تخلف فقد اس تخلف من هو خري مين أبو بكر وإن أت رك‬
‫فقد ترك من هو خري مين رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وددت أن حظي ِمْن َها الكفاف ‪،‬‬
‫خريا ‪ ،‬فقال ‪ :‬راغب وراهب ‪.‬‬ ‫ال علي وال يل ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬جزاك اهلل ً‬
‫وعلَى ال دين بالس مع‬‫اللهم رض نا بقض ائك وأعنا على ال دنيا بالعفة والزهد والقناعة َ‬
‫والطاعة وطهر ألسنتنا من الكذب وقلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء واحفظ أبصارنا من‬
‫اخليانة فإنك تعلم خائنة األعني وما ختفي الص دور واغفر لنا ولوال دينا ومجيع املس لمني‬
‫وعلَى آله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫برمحتك يا أرحم الرامحين وصلى اهلل على حممد َ‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫وعن ابن عمر ق ال ‪ :‬تض رعت إِىَل اهلل أن يريين أيب يِف الن وم ‪ ،‬حىت رأيته وهو ميسح‬
‫العرق عن جبينه ‪ ،‬فسألته عن حاله ‪ ،‬فقال ‪ :‬لوال رمحة اهلل هللك أبوك إنه سألين عن عقال‬
‫بعري الص دقة ‪ ،‬وعن حي اض اإلبل ‪ ،‬فكيف الن اس فس مع ب ذلك عمر بن عبد العزيز فص اح‬
‫وض رب بي ده على رأسه ‪ ،‬وق ال ‪ :‬فعل ه ذا ب التقي الط اهر ‪ ،‬فكيف ب املرتف عمر بن عبد‬
‫العزيز ‪.‬‬
‫وملا أصاب الناس هول اجملاعة والقحط يِف عهد عمر رضي اهلل عنه َك ا َن ال ينام الليل إال‬
‫قليالً ‪ ،‬وال جيد الراحة إال قليالً َك ا َن كل مهه أن ي دفع خطر اجملاعة عن ش عبه ‪ ،‬وما زال به‬
‫اهلم حىت تغري لونه وهزل‬

‫‪622‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫شهورا أخرى ملات عمر من اهلم واألسى ‪.‬‬‫وقال من رآه ‪ :‬لو استمرت اجملاعة ً‬
‫يوما قافلة من مصر حتمل اللحم والسمن والطعام والكساء فوزعها على الناس‬ ‫وجاءته ً‬
‫بنفسه وأىب أن يأكل ش يئًا وق ال ل رئيس القافلة ‪ :‬س تأكل معي يِف ال بيت ومىن الرجل نفسه‬
‫خريا من طعام الناس ‪.‬‬
‫ممتازا حيث ظن أن أمري املؤمنني يكون طعامه ً‬ ‫ً‬
‫وج اء عمر والرجل على ال بيت ج ائعني بعد التعب ون ادى عمر بالطع ام ف إذا هو خ بز‬
‫مكسر يابس مع صحن من الزيت واندهش الرجل وتعجب من أن يكون هذا الطعام طعام‬
‫أمري املؤمنني ‪.‬‬
‫حلما ومسنًا وقدمت هذا الطعام قال عمر ‪َ :‬ما‬
‫وقال ‪ :‬ملاذا منعتين من أن آكل مع الناس ً‬
‫أطعمك إال َما أطعم نفسي ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وما مينعك أن تأكل كما يأكل الناس َوقَ ْد وزعت بيدك اللحم والطعام عليهم قال‬
‫مجيعا ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫عمر ‪ :‬لقد آليت على نفسي أن ال أذوق الس من واللحم حىت يش بع مْن َها املس لمون ً‬
‫أمسعت مثل هذا اإليثار لغري األنبياء واخللفاء الراشدين ‪.‬‬
‫ومن ورعه وتقشفه َما روي من أن امرأته اشتهت احللوى فادخرت لذلك من نفقة بيتها‬
‫حىت مجعت َما يكفي لص نعها فلما بلغ عمر ذلك رد َما ادخرته إِىَل بيت املال ونقص من‬
‫النفقة بقدر َما ادخرت وإىل هذا أشار الشاعر ‪:‬‬

‫‪623‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫اع ِفي َش َّدِة َق ْو ٌم َشَر ْكَت ُه ُم‬ ‫إ ْن َج َ‬


‫وع أَو َتْنجِلي َعْنهم َغو ِ‬
‫اش َيها‬ ‫ُ َ‬ ‫ْج ِ ْ َ‬ ‫في ال ُ‬
‫ضتِ ِه‬ ‫وع ال َخِلي َف ِة َو ُّ‬
‫الدْنَيا بَِقْب َ‬ ‫ُج ُ‬
‫الز ْه ِد َمْن ِزلَةٌ ُسْب َحا َن ُمولِ َيها‬
‫في ُّ‬
‫ص َو ِسْيَرتَهُ‬ ‫فَ َم ْن ُيَبا ِري أَبَا َحْف ٍ‬
‫أَو من يحا ِو ُل لِْلَفار ِ‬
‫وق تَ ْشبِ َيها‬ ‫ُ‬ ‫ْ َْ َُ‬
‫ال لَ َها‬‫الحلَْوى َفَق َ‬ ‫ت َز ْو ُجهُ َ‬ ‫َي ْو َم ا ْشَت َه ْ‬
‫الحلَْوى فَِأَ ْش ِر َيها‬ ‫ِ‬
‫م ْن أَيْ َن لي ثَ َم ُن َ‬
‫ِ‬
‫س َج ِام َح ًة‬ ‫النْف ِ‬‫ات َّ‬ ‫الَ تَمَت ِطي َش َهو ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫اك تُ ْج ِز َيها‬ ‫فَ ِكسر ُة الْ ُخب ِز َعن حلْو ِ‬
‫َْ ْ ْ َ َ‬
‫ت أ َْر َزؤهُ‬ ‫ك اهللُ إَنِّي لَ ْس َ‬ ‫ت لَ َ‬ ‫قَالَ ْ‬
‫ت أَبْ ِغ َيها‬ ‫اج ِة َن ْف ٍ‬
‫س ُكْن ُ‬ ‫ِ‬
‫َماالً ل َح َ‬
‫ضي َفتِنَا‬‫لَ ِكن أُجنِّب َشْيئًا ِمن و ِ‬
‫َْ‬ ‫ْ َ ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫في ُك ِّل َي ْوم َعلَى َح ٍال أ َ‬
‫ُسِّو َيها‬
‫َحتَّى إ َذا َما َملَ ْكنَا َما يُ َك ِافُئ َها‬
‫َشَرْيُت َها ثُ َّم إنِّي الَ أُثنِّْيها‬
‫ت َج ِاهلَ ًة‬ ‫ال ا ْذ َهبِي وا ْعلَ ِمي إِ ْن ُكْن ِ‬
‫َ‬ ‫قَ َ‬
‫اع َة ُت ْغنِي َن ْفس ِ‬
‫كاس َيها‬ ‫أن ال َقَن َ‬‫َّ‬
‫َ‬
‫س َو ْه َي َح ِاملَةٌ‬ ‫ت َب ْع َد َخ ْم ٍ‬ ‫َوأَقَْبلَ َ‬
‫ٍ ِ ِ ِ‬
‫ُد َريْ ِه َمات لَت ْقضي م ْن تَ َشت َ‬
‫ِّهيها‬
‫ت ِمنِّي غَ ِافالً فَ َد ِعي‬ ‫ال َنَّب ْه ِ‬
‫َفَق َ‬
‫الد َر ِاه َم إ ْذ الَ َح َّق لِي ِف َيها‬
‫َه ِذي َّ‬

‫‪624‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫فالم ْسِل ُمو َن بِِه‬ ‫ِ‬


‫َزاد َع ْن قُوتَنا ُ‬
‫َما َ‬
‫الم ِال ُرد َ‬
‫ِّيها‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫أ َْولَى َف ُقومي لَبْيت َ‬
‫وك ان عمر بن اخلط اب رضي اهلل عنه إذا أنفد عم االً ق ال هلم ‪ :‬اش رتوا دوابكم‬
‫وأس لحتكم من أرزاقكم وال متدوا أي ديكم إِىَل بيت م ال املس لمني وال تغلق وا أب وابكم دون‬
‫أرباب احلوائج ‪.‬‬
‫ق ال عبد ال رمحن بن ع وف ‪ :‬دع اين عمر بن اخلط اب ذات ليلة وق ال ‪ :‬قَ ْد ن زل بب اب‬
‫املدينة قافلة وأخاف إذا ناموا أن يسرق شيء من متاعهم فمضيت معه فلما وصلنا قال يل ‪:‬‬
‫من أنت مث جعل حيرس القافلة طول ليلته ‪.‬‬
‫علي أن أسافر ألقضي حوائج الناس يِف أقطار األرض‬ ‫وقال عمر رضي اهلل عنه ‪ :‬جيب َّ‬
‫ألن هبا ض عفاء ال يق درون َعلَى قص دي يِف ح وائجهم لبعد املك ان فينبغي أن أط وف البالد‬
‫ألش اهد أح وال العم ال واسرب س ريهتم وأقضي ح وائج املس لمني ‪ ،‬فال يك ون يِف ِس يِن عُ َم َر‬
‫أبرك من هذه السنة ‪.‬‬
‫وكتب عمر بن اخلط اب رضي اهلل عنه إِىَل عامله أيب موسى األش عري ( أما بعد ف ان‬
‫أسعد الوالة من سعدت به رعيته وإن أشقى الوالة من شقيت به رعيته فإياك والتبسط فان‬
‫كثريا حىت مسنت ألهنا‬ ‫خمضرا فأكلت ً‬ ‫عمالك يقتدون بك وإمنا مثلك كمثل دابة رأت مرعى ً‬
‫بذلك السمن تذبح وتؤكل ويف التوراة كل ظلم علمه السلطان من عماله فسكت عنه َك ا َن‬
‫ذلك الظلم منسوبًا إليه وأخذ به وعوقب عليه ‪.‬‬
‫وينبغي للوايل أن يعلم أنه ليس أحد غبنًا ممن باع دينه وآخرته بدينا غريه وأكثر الناس يِف‬
‫خدمته ش هوهتم ف إهنم يس تنبطون احليل ليص لوا إِىَل م رادهم من الش هوات وك ذلك العم ال‬
‫ألجل نص يبهم من ال دنيا يغ رون ال وايل وحيس نون الظلم عن ده فيلقونه يِف الن ار ليص لوا إِىَل‬
‫إغراض هم وأي ع دو أشد ع داوة ممن يس عى يِف هالكك وهالك نفسه ألجل درهم يكتس به‬
‫وحيصله ‪ .‬ويف اجلملة ينبغي ملن أراد حفظ العدل َعلَى الرعية أن يرتب غلمانه وعماله‬

‫‪625‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫للعدل وحيفظ أحوال العمال وينظر فيها كما ينظر يِف أحوال أهله وأوالده ومنزله وال يتم له‬
‫ذلك إال حبفظ العدل أوال من باطنه وذلك أن ال يسلط شهوته وغضبه َعلَى عقله ودينه وال‬
‫جيعل عقله ودينه أسرى شهوته وغضبه بل جيعل شهوته وغضبه أسرى عقله ودينه ‪.‬‬
‫وكان يقول ‪ :‬إين أنزلت مال اهلل مين مبنزلة مال اليتيم ‪ ،‬فإن استغنيت عنه عففت عنه‬
‫وإن افتقرت أكلت باملعروف ‪.‬‬
‫يوما عما حيل له من م ال اهلل فق ال ‪ :‬أنا أخ ربكم مبا أس تحل ِمْنه حيل يل حلت ان‬
‫وس ئل ً‬
‫حلة يِف الشتاء وحلة يِف الصيف وما أحج عليه واعتمر من الظهر وقويت وقوت أهلي كقوت‬
‫رجل من ق ريش ليس بأغن اهم وال ب أفقرهم مث أنا رجل من املس لمني يص يبين َما أص اهبم ‪.‬‬
‫رضي اهلل وأرضاه وجعل جنة الفردوس مثواه ‪.‬‬
‫وروي أن معاوية ‪ -‬وهو َعلَى الش ام بعث م رة إِىَل عمر بن اخلط اب مبال وأدهم ‪ -‬أي‬
‫قيد ‪ -‬وكتب إِىَل أبيه أبا سفيان أن يدفع ذلك إِىَل عمر فخرج رسول معاوية باملال واألدهم‬
‫حىت ق دم َعلَى أيب س فيان باملال واألدهم ‪ ،‬ف ذهب أبو س فيان ب األدهم والكت اب إِىَل عمر‬
‫واحتبس املال لنفسه فلما قرأ عمر الكتاب قال ‪ :‬فأين املال يا أبا سفيان ؟ قال ‪َ :‬ك ا َن علينا‬
‫دين ومعونة ولنا يِف بيت املال حق ف إذا أخ رجت لنا ش يئًا قاض يتنا به ‪ .‬فق ال ‪ :‬اطرح وه يِف‬
‫األدهم أي يِف القيد حىت يأيت املال ‪.‬‬
‫فأرسل أبو س فيان من أت اه باملال ف أمر عمر بإطالقه من القيد فلما ق دم رس ول معاوية‬
‫َعلَى معاوية قال له ‪ :‬أرأيت أمري املؤمنني أعجب باألدهم قال ‪ :‬نعم وطرح فيه أباك قال ‪:‬‬
‫ومل ؟ قال ‪ :‬إنه جاء باألدهم وحبس املال ‪ .‬قال معاوية ‪ :‬أي واهلل واخلطاب لو َك ا َن لطرحه‬
‫فيه يريد أن اخلطاب أبا عمر مكان أيب‬

‫‪626‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫سفيان يِف القصة حىت يأيت املال فرضي اهلل عن عمر وأرضاه َما أنصفه وأعدله وأروعه ‪.‬‬
‫ويف ذلك يقول الشاعر ‪:‬‬
‫ين طََوى‬ ‫ِ ِ‬ ‫َو َما أَ َقل َ‬
‫ْت أَبَا ُس ْفَيان ح َ‬
‫ك ال َْه ِديََّة ُم ْعَتًّزا بِ ُم ْه ِد َيها‬
‫َعْن َ‬
‫ب‬‫اسْبَتهُ َح َس ٌ‬ ‫لَ ْم ُي ْغ ِن َعْنهُ َوقَ ْد َح َ‬
‫َوالَ ُم َعا ِويَةٌ بِ َّ‬
‫الش ِام يَ ْجيِ َبها‬
‫ِ ِ ِ‬
‫اب َم ْف ِرقُهُ‬
‫َقيَّ ْدت مْنهُ َجليالً َش َ‬
‫س ِم ْن ِعٍّز يُ َدانِ َيها‬ ‫ِ ِ ٍ‬
‫في عَّزة لَْي َ‬
‫اس ِم ِه ِفي َج ِاهِليَّتِ ِه‬ ‫ِ‬
‫قَ ْد َنَّو ُهوا في ْ‬
‫َو َز َاد ُه َسيَّ ُد ال َك ْوَنْي ِن َتْن ِو َيها‬
‫ت َد ُار ُه ُع َم ٍر‬‫في َفْت ِح َم َّك َة َكانَ ْ‬
‫ت غَ ِ‬
‫اش َيها‬ ‫البْي َ‬
‫قَ ْد أََّم َن اهللُ َب ْع َد َ‬
‫َو ُك ُّل َذلِ َ‬
‫ك لَ ْم يَ ْشَف ْع لَ َدى ُع َم ٍر‬
‫في َه ْفَو ٍة ألَبِي ُس ْفَيا َن يَأْتِ َيها‬
‫اب ِف ْعلََتهُ‬ ‫ِ‬
‫تَاهلل لَْو َف َع َل ال َخطَّ ُ‬
‫َّص ِف َيها أ َْو يُ َجا ِر َيها‬
‫لَ َما َتَرخ َ‬
‫الح َسابَةُ ِفي َح ٍّق يُ َج ِاملُ َها‬
‫فَالَ َ‬
‫َوالَ ال َقَرابَةُ ِفي بُط ٍْل يُ َحابِ َيها‬
‫ويروى أن جبلة بن األيهم أحد أبناء الغساسنة ملوك الشام قَ ْد اعتنق‬

‫‪627‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫اإلس الم وبينما هو ذات ي وم يط وف إذ وطئ أع رايب ثوبه فلطمه جبلة لطمة هش مت أنفه‬
‫فش كاه األع رايب إِىَل عمر ف أمر أن يقتص من جبلة ف أىب جبلة أن ميكنه من القص اص وه رب‬
‫والتجأ إِىَل القسطنطينية وتنصر ‪.‬‬
‫ويف ذلك يقول الشاعر ‪:‬‬
‫اك بِِه‬
‫ض ُعوفًا َد َع َ‬ ‫َك ْم ِخْف َ‬
‫ت ِفي ِ‬
‫اهلل َم ْ‬
‫ت قَ ِويًّا َيْنثَنِي تِ َيها‬
‫َو َك ْم أَ َخ ْف َ‬
‫يث َفَتى غَ َّسا َن َم ْو ِعظَةٌ‬ ‫و ِفي ح ِد ِ‬
‫َ َ‬
‫اس َيها‬‫لِ ُك ِّل ِذي َنعر ٍة يأْبى َتَن ِ‬
‫َْ َ َ‬
‫ي قَ ِويًّا َر ْغ َم ِعَّزتِِه‬
‫فَ َما الَْق ِو ُّ‬
‫ِعْن َد الْ ُخصوم ِة والَْفارو ُق قَ ِ‬
‫اض َيها‬ ‫ُ َ َ ُ‬
‫ض ِعي ًفا َب ْع َد ُح َّجتِ ِه‬
‫يف َ‬ ‫َو َما الض َِّع ُ‬
‫وإ ْن تَ َخاصم والِيها ور ِ‬
‫اع َيها‬ ‫ََ َ َ ََ‬ ‫َ‬
‫وي روى أن عمر رضي اهلل عنه كتب إِىَل عم رو بن الع اص إنه قَ ْد فشت لك فاش ية من‬
‫مت اع ورقيق وآنية وحي وان مَلْ تكن حني وليت مصر فكتب إليه عم رو إن أرض نا أرض‬
‫م زدرع ومتجر فنحن نص يب فض الً عما حنت اج إليه لنفقتنا فكتب إليه إين خ ربت من عم ال‬
‫الس وء َما كفى وكتابك إِىَل كت اب من أقلقه األخذ ب احلق َوقَ ْد سؤت بك ظنًا َوقَ ْد وجهت‬
‫إليك حممد بن مسلمة ليقامسك مالك فأطلعه وأخرج إليه َما يطالبك وأعفه من الغلظة عليك‬
‫‪ ،‬فلم يسع عمرو بن العاص َعلَى دهائه وعلو مكانه وبعده عن أمري املؤمنني إال اخلضوع ملا‬
‫أمر به ومقامسه حممد بن سلمة ماله وإىل هذه القصة يشري الشاعر ‪:‬‬

‫‪628‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫السَّو ِ‬
‫اس َث ْر َوتَهُ‬ ‫ت َد ِاهَي َة ُّ‬
‫َشاطَْر َ‬
‫صَر َو ْهَو َوالِ َيها‬
‫َولَ ْم تَ َخ ْفهُ بِ ِم ْ‬
‫ف َعمرا ِفي حو ِ‬
‫اض ِر َها‬ ‫ََ‬ ‫ت َت ْع ِر ُ ْ ً‬ ‫َوأَنْ َ‬
‫ت تَ ْج َه ُل َع ْمًرا ِفي َبَو ِاد َيها‬ ‫َولَ ْس َ‬
‫ت بِِه‬ ‫يما أ ََم ْر َ‬ ‫ِ ِ‬
‫َفَل ْم َي ُرغ حي َل ًة ف َ‬
‫َج َم ِال ُي ْز ِح َيها‬
‫رو إِلَى األ ْ‬
‫َوقَ َام َع ْم ٌ‬
‫ت‬ ‫َولَ ْم تُِق ْل َع ِامالً ِمْن َها َوِإ ْن َكُثَر ْ‬
‫األرض فاَ ِش َيها‬ ‫ِ‬
‫أ َْمَوالهُ َوفَشا في ْ‬
‫اللهم ن ور قلوبنا واش رح ص دورنا واسرت عيوبنا وأمن خوفنا واختم بالص احلات أعمالنا‬
‫واجعلنا من عب ادك الص احلني وحزبك املفلحني ال ذين ال خ وف عليهم وال هم حيزن ون ‪.‬‬
‫وعلَى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫وصلى اهلل َعلَى حممد َ‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫ومن ورعه رضي اهلل عنه َما يتجلى فيما يلي مما روي عنه ‪َ :‬ك ا َن رضي اهلل عنه ممن‬
‫يأخذون بالشورى يِف أمرهم عمالً بقول اهلل تعاىل لنبيه صلى اهلل عليه وسلم ‪َ ﴿ :‬و َش ا ِو ْر ُه ْم‬
‫يِف األ َْم ِر ﴾ وكان يقول ‪ :‬ال خري يِف أمر أبرم من غري شورى ‪.‬‬
‫وهو أول من قرر قاعدة الشورى يِف انتخاب اخلليفة فقد سئل عندما طعن عمن يوصي‬
‫بع ده فق ال للمق داد بن األس ود ‪ :‬إذا وض عتموين يِف حف ريت فأدخل عليًّا وعثم ان والزبري‬
‫وسعدا وعبد الرمحن بن عوف وطلحة إن قدم‬
‫ً‬

‫‪629‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وأحضر عبد اهلل بن عمر وال شيء له من األمر وقم َعلَى رؤوسهم فإن اجتمع مخسة ورضوا‬
‫رجالً وأىب واح ًدا فاض رب رأسه بالس يف وإن اتفق أربعة ورض وا رجالً ِمْن ُه ْم وأىب اثن ان‬
‫فحكموا عبد اهلل بن عمر فأي الفريقني حكم‬ ‫فاضرب رأسيهما فإن رضي ثالثةٌ رجالً ِمْن ُه ْم ِّ‬
‫له فليختاروا رجالً ِمْنهم ‪.‬‬
‫فإن مَلْ يرضوا حبكم عبد اهلل فكونوا مع الذين فيهم عبد الرمحن بن عوف واقتلوا الباقني‬
‫إن رغبوا عما اجتمع عليه الناس ومل يذكر يِف الشورى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ألنه‬
‫ابن عمه فخشي أن يراعى فيوىل لكونه ابن عمه فلذلك تركه وهو أحد العشرة املبشرين يِف‬
‫اجلنة بل قيل إنه استثناه من بينهم وإىل هذه القصة يشري الشاعر يِف قوله ‪:‬‬
‫ورى َو َحا ِر َس َها‬ ‫يَا َر ِاف ًعا َرايََة ُّ‬
‫الش َ‬
‫ك َخْيًرا َع ْن ُم ِحبِّ َيها‬ ‫اك َربُ َ‬ ‫َجَز َ‬
‫يد َد ْولَتِها‬ ‫ع َعن تَأْيِ ِ‬ ‫لَ ْم ُي ْل ِه َ‬
‫ك النَّْز ُ ْ‬
‫آالم ُت َعانِ َيها‬ ‫ولِ ِ‬
‫لمنِيَّة ٌ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬
‫س أ َْمَر َك لل ِْم ْق َد ِاد يَ ْح ِملُُهُ‬ ‫لَ ْم أَنْ َ‬
‫اع ِة إنْ َذ ًارا َوَتْنبِ َيها‬
‫ْج َم َ‬ ‫إِلَى ال َ‬
‫ث َرْأُي َها َش َعًبا‬ ‫إ ْن ظَ َّل ب ْع َد ثَالَ ٍ‬
‫َ‬
‫ب ِفي َهَو ِاد َيها‬ ‫ض ِر ْ‬‫ف َوا ْ‬ ‫فَ َجِّر ِد َّ‬
‫السْي َ‬
‫ص ِر ُف َها‬‫س يَ ْ‬ ‫س لَْي َ‬ ‫ب لُِقَّوِة َن ْف ٍ‬ ‫فَأَ ْع َج ْ‬
‫المنِيَِّة ُمًّرا َع ْن َمَر ِام َيها‬ ‫طَ ْع ِم َ‬
‫ض ِع َها‬
‫الشورى بِمو ِ‬
‫َد َرى َعمي ُد بَني ُّ َ َ ْ‬
‫ِ ِ‬
‫اش َيْبنِ َيها َوُي َعِل َيها‬ ‫اش َما َع َ‬ ‫َف َع َ‬

‫‪630‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ومتِ ِه‬ ‫ِ‬


‫اسَتَب َّد بَِرْأي في ُح ُك َ‬
‫َو َماَ ْ‬
‫وم َة ت ْغ ِري ُم ْسَتبِد َ‬
‫ِّيها‬ ‫ْح ُك َ‬ ‫إن ال ُ‬ ‫َّ‬
‫الج َماَ َع ِة الَ تَ ْشَقى الِبالَ ُد بِِه‬
‫ي َ‬ ‫َرْأ ُ‬
‫ي ال َف ْر ِد يُ ْشِق َيها‬ ‫ِ ِ‬
‫َر ْغ َم الْخالَف َو َرْأ ُ‬
‫ومن لطفه ورأفته برعيته وحرصه َعلَى الع دل فيهم َما يتجلى يِف وص يته أليب موسى‬
‫األشعري َوقَ ْد كتب له كتابًا قال فيه ‪ :‬فإذا جاء كتايب هذا فأذن ألهل الشرف وأهل القرآن‬
‫والتقوى والدين فإذا أخذوا جمالسهم فأذن للعامة وال تؤخر عمل اليوم لغد فتزدحم عليك‬
‫األعمال فتضيع ‪.‬‬
‫وإياك وإتباع اهلوى فإن للناس أهواء متبعة ودنيا مؤثرة وضغائن حممولة وحاسب نفسك‬
‫يف الرخ اء قبل حس اب الش دة ف إن من حاسب نفسه يف الرخ اء قبل حس اب الش دة ك ان‬
‫مرجعه إِىَل الرضا والغبطة ‪.‬‬
‫ومن أهلته حياته وش غلته أه واؤه ع اد أم ره إِىَل الندامة واحلس رة ‪ ،‬آس بني الن اس يِف‬
‫وجهك وعدلك وجملسك حىت ال يطمع شريف يِف حيفك وال ييأس ضعيف من عدلك ‪.‬‬
‫وال مينعك قضاء قضية اليوم فراجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن ترجع إِىَل احلق‬
‫ف إن احلق ق دمي ومراجعة احلق خري من التم ادي يِف الباطل والفهم الفهم فيما تلجلج يِف‬
‫صدرك مما ليس يِف كتاب اهلل وال سنة النيب صلى اهلل عليه وسلم مث اعرف األشباه واألمثال‬
‫فقس األمور عند ذلك بنظائرها ‪.‬‬
‫واعمد إِىَل أقرهبا إِىَل اهلل وأشبهها باحلق واجعل ملن ادعى حقًّا غائبًا‬

‫‪631‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫أم ًدا ينتهي إليه ف إن أحضر بينته أخ ذت له حبقه وإال اس تحلت عليه القض ية ف إن ذلك أنفى‬
‫ودا يِف حد أو‬
‫للشك وأجلى وأبلغ يِف الع ذر ‪ ،‬واملس لمون ع دول بعض هم َعلَى بعض إال جمل ً‬
‫جمربا عليه ش هادة زور أو متهما يِف ٍ‬
‫والء أو نس ٍ‬
‫ب ف إن اهلل قَ ْد ت وىل منكم الس رائر ‪ .‬وادرأ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫بالبينات واألميان وإياك والغلق والضجر والتأذي باخلصوم والتنكر عند اخلصومات ‪.‬‬
‫ف إن احلق يِف م واطن احلق يعظم اهلل به األجر وحيسن به ال ذخر فمن ص حت نيته وأقبل‬
‫َعلَى نفسه كفاه اهلل َما بينه وبني الناس ‪.‬‬
‫ومن ختلق للن اس مبا يعلم اهلل أنه ليس من نفسه ش انه اهلل فما ظنك بث واب عند اهلل عز‬
‫وجل وخزائن رمحته والسالم ‪.‬‬
‫وعلَى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫وصلى اهلل َعلَى حممد َ‬
‫مقتل عمر رضي اهلل عنه‬
‫مل يصب املسلمون يِف العصر األول مبصيبة بعد وفاة رسول اهلل ‪ ‬ووفاة الصديق أعظم‬
‫من قتل أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫جىن عليه غالم جموسي امسه أبو لؤلؤة َك ا َن للمغرية بن شعبة وها حنن نستوقف لك َما‬
‫رواه البخاري يِف صحيحه عن عمرو بن ميمون يِف هذا املصاب اجللل ‪.‬‬
‫قال عمرو ‪ :‬إين لواقف َما بيين وبينه ( عمر ) إال عبد اهلل بن عباس غداة أصيب ‪.‬‬
‫وكان إذا مر بني الصفني قال ‪ :‬استووا حىت إذا مَلْ ير فيهن خلالً تقدم فكرب ‪.‬‬

‫‪632‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ورمبا قرأ سورة يوسف أو النحل أو حنو ذلك يِف الركعة األوىل حىت جيتمع الناس ‪.‬‬
‫فما هو إال أن كرب فس معته يق ول ‪ :‬قتلين أو أكلين الكلب حني طعنه أبو لؤل ؤة فس ار‬
‫العلج بس كني ذا ط رفني ال مير َعلَى أحد ميينًا ومشاالً إال طعنه طعن ثالثة عشر رجالً فم ات‬
‫ِمْن ُه ْم سبعة ‪.‬‬
‫برنس ا فلما ظن العلج أنه م أخوذ حنر‬
‫فلما رأى ذلك رجل من املس لمني ط رح عليه ً‬
‫نفسه ‪.‬‬
‫وتن اول ( عمر ) يد عبد ال رمحن بن ع وف فقدمه فمن يلي عمر فقد رأى ال ذي أرى‬
‫وأما نواحي املسجد فإهنم ال يدرون غري أهنم فقدوا صوت عمر وهم يقولون ‪ :‬سبحان اهلل‬
‫سبحان اهلل فصلى هبم عبد الرمحن بن عوف صالة خفيفة ‪.‬‬
‫فلما انص رفوا ق ال ‪ :‬يا ابن عب اس انظر من قتلين ؟ فج ال س اعة مث ج اء فق ال ‪ :‬غالم‬
‫املغرية ‪ .‬قال ‪ :‬الصنع ‪ .‬قال ‪ :‬نعم ‪ .‬فقال ‪ :‬قاتله اهلل لقد أمرت به معروفًا احلمد اهلل الذي مَلْ‬
‫جيعل ميتيت بيد رجل يدعي اإلسالم فاحتمل إِىَل بيته ‪.‬‬
‫فانطلقنا معه وك أن الن اس مَلْ تص بهم مص يبة قبل يومئذ فقائل يق ول ‪ :‬ال ب أس عليه ‪.‬‬
‫وقائل يق ول ‪ :‬أخ اف عليه ف أيت بنبيذ فش ربه فخ رج من جوفه مث أتى بلنب فخ رج من جوفه‬
‫فعلموا أنه ميت فدخلنا عليه وجاء الناس يثنون عليه ‪.‬‬
‫وجاء رجل شاب فقال ‪ :‬أبشر يا أمري املؤمنني ببشرى اهلل لك من صحبة رسول اهلل ‪‬‬
‫وقدم يِف اإلسالم َما قَ ْد علمت مث وليت فعدلت مث شهادة ‪.‬‬
‫علي وال يل فلما أدبر إذا إزاره ميس األرض قال ‪ :‬ردوا‬ ‫قال ‪ :‬وددت أن ذلك كفاف ال ّ‬
‫الغالم قال ‪ :‬يا ابن أخي ارفع ثوبك فإنه أبقى لثوبك وأتقى لربك ‪.‬‬

‫‪633‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫يا عبد اهلل بن عمر أنظر َما علي من ال دين فحس بوه فوج دوه س تة ومثانني أل ًفا أو حنوه‬
‫قال ‪ :‬إِ ْن َوىَف بذلك مال آل عمر فأده من أمواهلم وإال فسل يِف بين عدى ابن كعب فإن مَلْ‬
‫تف أمواهلم فسل يِف قريش وال تعدهم إِىَل غريهم فادعين هذا املال ‪.‬‬
‫انطلق إِىَل عائشة أم املؤمنني فقال ‪ :‬يقرأ عليك عمر السالم وال تقل أمري املؤمنني فإين‬
‫أمريا وقل يستأذن عمر ابن اخلطاب أن يدفن مع صاحبيه ‪.‬‬ ‫لست اليوم للمؤمنني ً‬
‫فسلم واستأذن مث دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي فقال ‪ :‬يقرأ عمر بن اخلطاب عليك‬
‫السالم ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه ‪.‬‬
‫فقالت ‪ :‬كنت أريده لنفسي وال أوثرنه به اليوم َعلَى نفسي فلما أقبل قيل هذا عبد اهلل‬
‫بن عمر قَ ْد جاء فقال ‪ :‬ارفعوين فأسنده رجل إليه فقال ‪َ :‬ما لديك ‪.‬‬
‫قال الذي حيب يا أمري املؤمنني ‪ :‬أذنت ‪ .‬قال ‪ :‬احلمد هلل َما َكا َن شيء أهم إيل من ذلك‬
‫فإذا قضيت فامحلوين مث سلم فقل يستأذن عمر بن اخلطاب فإن أذنت فأدخلوين وإن ردتين‬
‫ردوين إِىَل مقابر املسلمني ‪.‬‬
‫وج اءت أم املؤمنني حفصة ( بنت عمر ) والنس اء تسري معها فلما رأيناها قمنا فوجلت‬
‫عليه داخالً هلم فسمعنا بكاءها من الداخل ‪.‬‬
‫فقالوا ‪ :‬أوص يا أمري املؤمنني استخلف ‪ .‬فقال كما يِف رواية مسلم ‪ :‬أحتمل أمركم حيًّا‬
‫علي وال يل ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وميتًا لوددت أين أحظى مْن َها الكفاف ال َّ‬
‫وإن استخلفت فقد استخلفت من هو خري مىن يعين أبا بكر ‪.‬‬
‫وإن أترككم فقد ترككم من هو خري مين يعين رسول اهلل ‪. ‬‬

‫‪634‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫قال عبد اهلل بن عمر ‪ :‬فعرفت أنه حني ذكر رسول اهلل‪ ‬غري مستخلف مث قال عمر ‪:‬‬
‫َما أجد أحق هبذا األمر من هؤالء النفر أو الرهط الذين تويف رسول اهلل ‪ ‬وهم عنهم راض‬
‫‪.‬‬
‫وسعدا وطلحة وعبد الرمحن بن عوف وقال ‪ :‬يشهدكم عبد اهلل بن عمر وليس له من األمر شيء كهيئته‬
‫ً‬ ‫فسمى عليًّا وعثمان والزبري‬
‫التعزية له ‪.‬‬
‫الزم ِ‬ ‫ْجَن ِاة َج ِر َيرٌة‬ ‫ِشعرا‪ :‬في ُك ِل َع ِ‬
‫ول‬‫ان َت ُز ُ‬ ‫ت َعلَى َمِّر َّ َ‬ ‫لَْي َس ْ‬ ‫ص ٍر لل ُ‬
‫ْ‬ ‫ًْ‬
‫التْن ِز ُ‬
‫يل‬ ‫َب ْع َد النَّبِي و َز َّكى َرْأيَهُ َّ‬ ‫َج ُاورا َعلَى الَْف ُاروق أَ ْع َد ُل َم ْن قَ َ‬
‫ضى‬
‫ول‬‫ف نَبِِّيَنا ال َْم ْسلُ ُ‬‫َويَ ًدا َو َسْي ُ‬ ‫َو َعلَى َعلي َو ْهَو أط َْه ُرنا فَ َما‬
‫وأَتَى َعلَْي َها اللَّْي ُل َو ِه َي َفلُ ُ‬
‫ول‬ ‫اح َجالَ َلها‬ ‫الصَب ُ‬ ‫َك ْم َد ْولٍَة َش ِه َد َّ‬
‫س َو ِه َي طُلُ ُ‬
‫ول‬ ‫ليها َّ‬ ‫ات ِفي ُّ‬ ‫وقُصور َقوٍم َز ِاهر ٍ‬
‫الش ْم ُ‬ ‫ت َع َ‬ ‫طَلَ َع ْ‬ ‫الد َجى‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ ْ‬
‫الر ُس ِ‬ ‫ولكنََّنا والْحم ُد ِ‬ ‫ِشعرا‪ِ :‬‬
‫ول ُن َعِّو ُل‬ ‫اب َّ‬ ‫َص َح ِ‬ ‫َعَلى َق ْو ِل أ ْ‬ ‫هلل لَ ْم َنَز ْل‬ ‫َ َْ‬ ‫ًْ‬
‫ف يُ ْج َه ُل‬ ‫َعَلى َع ْر ِش ِه لَ ِكن ََّما ال َكْي ُ‬ ‫اهلل َف ْو َق ِعَب ِاد ِه‬
‫بأن َ‬ ‫قر َّ‬ ‫نُ ُّ‬
‫س َي ْغُف ُل‬ ‫َشهي ٌد َعَلى ُك ُّل الَْو َرى لَْي َ‬
‫ِ‬ ‫ان َف ْهَو ِف ِيه بِِعل ِْم ِه‬ ‫و ُكل م َك ٍ‬
‫َُ‬
‫ف ْأو أَبْ َد ُاه َمن ُهَو ُم ْر َس ُل‬ ‫صِ‬ ‫ِ‬ ‫البا ِري َت َعالى لَِن ْف ِس ِه‬
‫الو ْ‬ ‫من َ‬ ‫أثبت َ‬‫َو َما َ‬
‫اء ال َنْنِفي وال َنَت َّأو ُل‬ ‫َك َما َج َ‬
‫َفنُثْبِتُهُ ِ‬
‫هلل َج َّل َجالَلُهُ‬
‫َمِل ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يك ُيَولِّي َمن يَ َشاءُ َ‬
‫وي ْع ِز ُل‬ ‫البَقا‬
‫ْح ُّي ال َقد ُير لَهُ َ‬ ‫ُهَو الَْواح ُد ال َ‬
‫آخٌر هو أ َّو ُل‬ ‫عِليم م ِري ٌد ِ‬ ‫ّم‬ ‫ِ ِ‬
‫َ ٌُ‬ ‫ميع بَص ٌير قَاد ٌر ُمَت َكل ٌ‬ ‫َس ٌ‬
‫احَب ٍة فَاهللُ أَ ْعَلى َوأَ ْك َم ُل‬ ‫وص ِ‬ ‫َتَنَّز َه َع ْن نِ ٍّد َو َول ٍْد َو َوالِ ٍد‬
‫َ َ‬
‫ك َي ْع ِد ُل‬‫ند بَِربِّ َ‬
‫َشبِيهٌ وال ٌّ‬ ‫اهلل َش ْيءٌ َو َما لَهُ‬ ‫ولَْيس َك ِمثل ِ‬
‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ومن و ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل ِمن َكِل َماتِِه‬ ‫وإن ِكَتاب ِ‬
‫يم ُمَنَّز ُل‬ ‫صفه األَ ْعَلى َحك ٌ‬ ‫َ ْ‬ ‫ِّ َ‬
‫ف‬‫الص ْح ِ‬‫ظ وفي ُّ‬ ‫الص ْد ِر َم ْحُفو ٌ‬
‫وفي َّ‬ ‫الو َرى‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫هو الذ ْك ُر َمْت ٌلو بأَلْسَنة َ‬
‫َُم َعْسانِ َجِيه ُلفاْت ُر ْك َق ْو َل َمن ُهَو ُمْب ِط ُل‬ ‫ت َبم ْحلوقٍَة وال‬ ‫فأل َفاظُهُ لَْي َس ْ‬
‫ِ‬
‫َعَلى طُو ِر س َينا وا ِإللهُ ُيَفض ُ‬
‫ِّل‬ ‫وسى َكالََمهُ‬ ‫الر ْح َم ُن ُم َ‬ ‫َس َم ُع َّ‬‫َوقَ ْد أ ْ‬

‫‪635‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫اهلل َد ًكا ُيَزلَْز ُل‬ ‫وف ِ‬ ‫فَصار لِ َخ ِ‬ ‫لى ُبُن ْو ِر ِه‬ ‫ِِ‬
‫ََ‬ ‫وللطُور َم ْوالنَا تَ َج َ‬
‫ان الب ِس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين َمالَئِ ًكا‬ ‫ِِ‬
‫وكلُوا‬ ‫يطة ِّ‬ ‫بس َّك َ‬ ‫كَر ًاما ُ‬ ‫وإن َعلَْيَنا َحافظ َ‬ ‫َّ‬
‫يء ُي ْه َم ُل‬‫ال طًُرا فال َش َ‬ ‫وأَ ْف َع َُ‬ ‫آد َم ُكلَّ َها‬ ‫ْوال ابن َ‬ ‫صو َن أَق َ‬ ‫فََيُ ْح ُ‬
‫واه لَهُ حوض ِ‬
‫المنية َمْن َه ُل‬ ‫ِ‬ ‫وال ح َّي َغْير ِ‬
‫س ُ َ ُ‬ ‫اهلل َيْبَقى و ُك ُل َم ْن‬ ‫َ ُ‬
‫العظيم ُمَو َّك ُل‬
‫ِ‬ ‫سول ِمن ِ‬
‫اهلل‬ ‫َر ٌ‬ ‫ض َها‬ ‫وإن ُنُفوس العالمْين ب َقْب ِ‬ ‫َّ‬
‫َ َ َ َ‬
‫المَؤ َّج ُل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫س َت ْفَنى َقْي َل إ ْك َم ِال ِر ْز ِق َها‬
‫اب ُ‬ ‫ولَك ْن إ َذا تَ َّم الكَت ُ‬ ‫وال َن ْف َ‬
‫الس ْم َهرِيََِِّّة ُي ْقَت ُل‬
‫َو َم ْن بِالظَُّبا َو َّ‬ ‫ف أَنِْفه‬ ‫ان ِمْن ُه ْم َمن َودي َحْت َ‬ ‫وسيَّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َوإِ َّن ُسَؤ َال ال َفاتَِنْي َن ُم َحَّق ٌق‬
‫ين يُ ْج َع ُل‬ ‫ص ِري ٍع في الثََّرى ح َ‬ ‫ل ُك ِّل َ‬
‫الذي ُهَو ُم ْر َس ُل‬ ‫تَ ِديْ ُن َو َم ْن َه َذا ِّ‬ ‫الذي‬ ‫ت َت ْعبُ ُد َما ِّ‬ ‫والن َما َذا ُكْن َ‬‫ي ُق ِ‬
‫َ‬
‫اب َسَت ْج َع ُل‬ ‫َو َدى ِفي نَِعْي ٍم أ َْو َع َذ ٍ‬ ‫وح َم ْن‬‫ْح ِّق َو ُر ُ‬ ‫ب َثبِّْتَنا َعلَى ال ّ‬‫َفَيا َر َّ‬
‫بِرو ٍح وريْح ٍ‬ ‫اب الس ِ‬
‫ض ُل‬ ‫ان َو َما ُهَو أَفْ َ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫ت‬‫عادة ُن ِّع َم ْ‬ ‫َص َح ٍ ّ‬ ‫اح أ ْ‬ ‫فَأ َْر َو ُ‬
‫المَي ِاه َوتَأْ ُك ُل‬ ‫ْك ِ‬ ‫ب ِم ْن تِل َ‬‫َوتَ ْشَر ُ‬ ‫َّات تَ ْجنِي ثِ َما ِر َها‬‫وتَسرح ِفي الْجن ِ‬
‫َ‬ ‫َ َْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الح ْر ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ُل‬ ‫َفَتْنعْي ُمهُ ل ُّلر ْو ِح َوالج ْس ِم يَ ْح ُ‬ ‫ب َحي ُمَن ِّع ٌم‬ ‫َولَك َن َش ِهْي َد َ‬
‫ْح ْش ِر واهللُ َي ْع ِد ُل‬ ‫ِ‬
‫ُم َع َّذبَةٌ لل َ‬ ‫الشَق ِاء ُم َهانَةٌ‬
‫اب َّ‬ ‫أص َح ِ‬
‫واح ْ‬ ‫وأر ُ‬ ‫ْ‬
‫ول‬
‫ات َحًيا ُي َهُّر ُ‬ ‫ض َمن قَ ْد َم َ‬ ‫َفَيْن َه ُ‬ ‫الج ْس ِم َو ِاق ٌع‬ ‫الروح و ِ‬
‫اد ُّ ُ َ‬ ‫َوِإ َّن َم َع َ‬
‫اب لِيُ ْسأَلُوا‬ ‫ْحس ِ‬ ‫وقيل ِقُف ِ ِ‬
‫وه ْم لل َ‬ ‫َْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ضُروا‬ ‫ُح ِ‬ ‫الع ِ‬
‫المْي َن فَأ ْ‬ ‫يح بِ ُك ِّل َ‬ ‫وص َ‬
‫ِ‬
‫ف فَِإ َن األ َْمَر أَ ْد َهى َوأ َْهَو ُل‬ ‫صٍ‬ ‫بَِو ْ‬ ‫ك َي ْو ٌم ال تُ َح ُّد ُك ُر ْوبَهُ‬ ‫فَ َذلِ َ‬
‫الذي َكا َن َي ْع َم ُل‬ ‫َو ُكل يُ َج َازى بِ ِّ‬ ‫الم ْرءُ َع ْن ُك ِّل َس ْعيِ ِه‬ ‫يحاس ِ ِ‬
‫ب فْيه َ‬ ‫َُ َ ُ‬
‫َوقَ ْد فَ َاز ِم ْن ِم َيزا ُن َت ْقَو ُاه َيْث ُق ُل‬ ‫العَب ِاد َج ِم ُيع َها‬‫ال ِ‬ ‫َوُت ْو َز ُن أَ ْع َم ُ‬
‫ات َوُت ْع َد ُل‬ ‫السِيَئ ُ‬
‫المثْ ِل تُ ْجَزى َّ‬ ‫وبِ ِ‬ ‫اعًفا‬
‫ضَ‬ ‫َجُر ُي ْلَقى ُم َ‬ ‫و ِفي الحسَن ِ‬
‫َ‬ ‫ات األ ْ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫س ُت ْقَب ُل‬‫َوأَ ْع َمالُهُ َم ْر ُد ْو َدٌة لَْي َ‬ ‫ات ُم ْش ِر ًكا‬ ‫َوال يُ ْد ِر ُك الغُْفَرا َن َم ْن َم َ‬
‫َج َم ُل‬ ‫الرجا والظَّ ِن بِ ِ‬
‫اهلل أ ْ‬ ‫َو ُح ْس ُن َّ َ َ‬ ‫الشْر ِك َربِي لِ َم ْن يَ َشا‬ ‫َوَي ْغِف ُر َغْيَر ِّ‬

‫‪636‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫س َي ْر َح ُل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َوإِ َّن َجَنا َن الْ ُخل ِْد َتْبَقى َو َم ْن بَِها‬
‫الم َدى لَْي َ‬ ‫ُمقْي ًما َعلَى طَْول َ‬
‫يد َف ُهَو ُم َهلِّ ُل‬ ‫ات َعلَى التَّو ِح ِ‬ ‫َو َم َ‬ ‫أ ُِع َّدتْ لِ َم ْن يَ ْخ َشى ا ِإللَ َه َوَيتَِّقي‬
‫ْ‬
‫المنز ُل‬
‫المبين ُّ‬ ‫بِ َذا نَطَ َق ِ‬
‫الوح ُي‬ ‫َوَيْنظُر َم ْن ِف َيها إِلَى َو ْج ِه َربِِّه‬
‫ُ‬
‫ت ِأل َْه ِل ال ُك ْف ِر َمْثَوى َو َمْن ِزُل‬ ‫أ ُِع َّد ْ‬ ‫حق َّ‬
‫وإن َها‬ ‫اب النَّار ٌّ‬ ‫وإن َع َذ َ‬
‫ود ُتَب َّد ُل‬
‫الجلُ ُ‬ ‫ت تِل َ‬ ‫إِ َذا نَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْك ُ‬ ‫ض َج ْ‬ ‫الم َدى‬ ‫يم ْو َن فْي َها َخالديْ َن َعلَى َ‬ ‫يُق ُ‬
‫ول َوَي ْقتُ ُل‬ ‫ص ُ‬ ‫ولَْو َكا َن َذا ظُل ٍْم يَ ُ‬ ‫اع ِف َيها ُمَو ِح ٌد‬ ‫َولَ ْم َيْب َق بِإ ْج َم ِ‬
‫ِ‬
‫ص ُل‬ ‫ضاء َفي ْف ِ‬
‫صل ال َق َ َ‬ ‫اهلل ِفي فَ ْ‬ ‫لَ َدى ِ‬ ‫وإن لِ َخْي ِر األَنْبَِياء َشَف َ‬
‫اع ًة‬ ‫َّ‬
‫هم َو ِهي تُ ْش ِع ُل‬ ‫ِ‬ ‫ين ِم ْن أ َْه ِل ِدينِ ِه‬ ‫ِ ِ‬
‫َفيُ ْخ ِر َج ُه ْم م ْن نَا ِر ْ‬ ‫َويَ ْشَف ُع لل َْعاص َ‬
‫ت ُسْنبُ ُل‬ ‫َك َما ِفي َح ِميل َّ‬
‫السْي ِل َيْنبُ ُ‬ ‫ْحَي ِاة َفُيْنبُتُوا‬ ‫ِ‬
‫َفُي ْلَق ْو َن في َن ْه ِر ال َ‬
‫ْس َل‬ ‫ِمن َّ ِ‬ ‫ضا َهنِْيًئا َشَرابُهُ‬ ‫َوإِ ْن لَهُ َح ْو ً‬
‫ض َسل ُ‬ ‫َحلَى َف ُهَو أَْبَي ُ‬ ‫الش ْهد أ ْ‬ ‫ْ‬
‫صْن َعا َو ِفي الطَّْو ِل أَطَْو ُل‬ ‫ِ‬ ‫الم َسافَِة َع ْر ُ‬ ‫ِ‬
‫َكأْيِلَ َة م ْن َ‬ ‫ضهُ‬ ‫ِّر َش ْهًرا في َ‬ ‫ُيَقد ُ‬
‫اد ُه َحًّقا أَ َغُّر ُم َح َّج ُل‬
‫َو ُو َّر ُ‬ ‫ُّج ْوِم َكثِْيَرٌة‬ ‫ِ ِ‬
‫َوكْيَزانُهُ مثْ ُل الن ُ‬
‫ِّل‬
‫ث َو ُمَبد ُ‬ ‫َو َعْنهُ ُيَن ِّحى ُم ْح ِد ُ‬ ‫ين بِ ِدينِ ِه‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الم ْسَت ْمسك َ‬ ‫م ْن األَُّمة ُ‬
‫ك يَا َم ْن لَ ْم َيَز ْل َيَتَفض ُ‬
‫َّل‬ ‫ضِل َ‬ ‫بَِف ْ‬ ‫ب لِي َش ْرب ًة ِمن ُزالَلِِه‬ ‫رب َه ْ‬ ‫فَيا ِّ‬
‫اللهم يا عظيم العفو ‪ ،‬يا واسع املغفرة ‪ ،‬يا قريب الرمحة ‪ ،‬يا ذا اجلالل واإلكرام ‪ ،‬هب‬
‫لنا العافية يف الدنيا واآلخرة ‪.‬‬
‫اللهم يا حي ويا قي وم فرغنا ملا خلقتنا له ‪ ،‬وال تش غلنا مبا تكفلت لنا به ‪ ،‬واجعلنا ممن‬
‫يؤمن بلقائك ‪ ،‬ويرضي بقضائك ‪ ،‬ويقنع بعطائك ‪ ،‬وخيشاك حق خشيتك ‪.‬‬
‫أحدا ‪.‬‬
‫رغدا ‪ ،‬وال تشمتت بنا َ‬ ‫اللهم اجعل رزقنا َ‬
‫اللهم رغبنا فيما يبقى ‪ ،‬وزهدنا فيما يفىن ‪ ،‬وهب لنا اليقني الذي ال تسكن النفوس إال‬
‫إليه ‪ ،‬وال يعول يِف الدين إال عليه ‪.‬‬

‫‪637‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫اللهم إنا نسألك بعزك الذي ال يرام وملكك الذي ال يضام وبنورك الذي مأل أركان‬
‫عرشك أن تكفينا شر َما أمهنا وما ال هنتم به وأن تعي ذنا من ش رور أنفس نا ومن س يئات‬
‫أعمالنا ‪.‬‬
‫اللهم يا عليم يا حليم يا قوي يا عزيز يا ذا املن والعطل والعز والكربياء يا من تعنوا له‬
‫الوجوه وختشع له األصوات ‪.‬‬
‫وفقنا لصاحل األعمال وأكفنا حباللك عن حرامك وبفضلك عمن سواك إنك َعلَى كل‬
‫شيء قدير ‪ .‬وصلى اهلل َعلَى حممد وآله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫ص ٌل )‬
‫( فَ ْ‬
‫ق ال النيب ‪ « :‬من ق ال حني يص بح وميسي ‪ :‬اللهم إين أص بحت أش هدك وأش هد محلة‬
‫عرشك ومالئكتك ومجيع خلقك أنك أنت اهلل ال إله إال أنت وأن حممد عب دك ورس ولك ‪.‬‬
‫أعتق اهلل ربعه من الن ار ‪ .‬فمن قاهلا م رتني أعتق اهلل نص فه ‪ .‬فمن قاهلا ثالثًا أعتق اهلل ثالثة‬
‫أربعا أعتقه اهلل من النار » ‪ .‬رواه أبو داود عن أنس رضي اهلل عنه ‪.‬‬‫أرباعه ‪ .‬فمن قاهلا ً‬
‫وق ال النيب ‪ « : ‬من ق ال حني يص بح ثالث ‪ :‬أع وذ باهلل الس ميع العليم من الش يطان‬
‫ال رجيم ‪ ،‬وق رأ ثالث آي ات من آخر س ورة احلشر ‪ ،‬وكل اهلل به س بعني ألف ملك يص لون‬
‫هيدا ‪ .‬ومن قاهلا حني ميسي َك ا َن بتلك‬ ‫عليه حىت ميسي ‪ ،‬وإن م ات من ذلك الي وم م ات ش ً‬
‫املنزلة » ‪ .‬رواه أمحد والرتمذي عن معقل بن يسار رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫وق ال النيب ‪ « : ‬من ق ال حني يص بح أو حني ميسي ‪ :‬اللهم أنت ريب ال إله إال أنت‬
‫خلقتين وأنا عب دك وأنا َعلَى عه دك ووع دك َما اس تطعت أعوذ بك من شر َما صنعت أبوء‬
‫لك بنعمتك علي وأب وء ب ذنيب ف اغفر يل فإنه ال يغفر ال ذنوب إال أنت ‪ .‬فم ات من يومه أو‬
‫ليلته دخل اجلنة » ‪ .‬رواه أمحد وأبو داود وابن ماجة وابن حب ان واحلاكم عن بري دة رضي‬
‫اهلل عنه ‪.‬‬

‫‪638‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وقال النيب ‪ « : ‬من قال حني يصبح ‪ :‬اللهم َما أصبح يب من نعمة أو بأحد من خلقك‬
‫فمنك وح دك ال ش ريك لك ‪ ،‬فلك احلمد ولك الش كر َعلَى ذلك ‪ .‬فقد أدى ش كر يومه ‪.‬‬
‫ومن ق ال ذلك حني ميسي فقد أدى ش كر ليلته » ‪ .‬رواه أبو داود وابن حب ان وابن السين‬
‫والبيهقي عن عبد اهلل بن غنام رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫ص بِ ُحو َن *‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ني تُ ْ‬
‫ني مُتْ ُس و َن َوح َ‬ ‫وقال النيب ‪ « : ‬من قال حني يصبح ‪ ﴿ :‬فَ ُس ْب َحا َن اللَّه ح َ‬
‫ِج‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات واأْل َر ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َولَ هُ احْلَ ْم ُد يِف َّ‬
‫ِج احْلَ َّي م َن الْ َميِّت َوخُيْ ر ُ‬
‫ِرو َن * خُيْ ر ُ‬
‫ني تُظْه ُ‬ ‫ض َو َعش يّاً َوح َ‬ ‫الس َم َاو َ ْ‬
‫ِ‬ ‫هِت‬ ‫الْميِّ ِ‬
‫ك خُتَْر ُج و َن ﴾ أدرك َما فاته يِف يومه ذلك ‪،‬‬ ‫ض َب ْع َد َم ْو َا َو َك َذل َ‬‫ت م َن احْلَ ِّي َوحُيْيِي اأْل َْر َ‬
‫َ َ‬
‫اس رضي اهلل‬ ‫ومن قاهلا حني ميسي أدرك َما فاته يِف ليلته » ‪ .‬رواه أبو داود عن ابن عب‬
‫عنهما ‪.‬‬
‫وق ال النيب ‪ « : ‬من ق ال حني يص بح وحني ميسي ثالث م رات ‪ :‬رض يت باهلل ربا‬
‫وباإلس الم دينًا ومبحمد نبيًا ‪َ .‬ك ا َن حقًّا َعلَى اهلل أن يرض يه ي وم القيامة » ‪ .‬رواه أمحد وأبو‬
‫داود والنسائي وابن ماجة واحلاكم ورواه الرتمذي عن ثوبان رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫وق ال النيب ‪َ « : ‬ما َعلَى األرض أحد يق ول ‪ :‬ال إله إال اهلل واهلل أكرب وال ح ول وال‬
‫ق وة إال باهلل ‪ .‬إال كف رت عنه خطاي اه ولو َك انَت مثل زبد البحر » ‪ .‬رواه أمحد والرتم ذي‬
‫عن ابن عمر رضي اهلل عنهما ‪.‬‬
‫وق ال النيب ‪ « : ‬من ق ال حني يس مع املؤذن ‪ :‬وأنا أش هد أن ال إله إال اهلل وح ده ال‬
‫شريك له وأشهد أن حممد عبده ورسوله ‪ .‬رضيت باهلل ربًّا ومبحمد رسوالً وباإلسالم دينًا ‪.‬‬
‫غفر اهلل له َما تق دم من ذنبه » ‪ .‬رواه أمحد ومس لم وأبو داود والرتمذي والنسائي عن سعد‬
‫بن أيب وقاص رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫وقال النيب ‪ « : ‬من قال حني يسمع النداء ‪ :‬اللهم رب هذه الدعوة‬

‫‪639‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫حممودا الذي وعدته ‪ .‬حلت‬


‫ً‬ ‫مقاما‬
‫حممدا الوسيلة والفضيلة وابعثه ً‬
‫التامة والصالة القائمة آت ً‬
‫له ش فاعيت ي وم القيامة » ‪ .‬رواه أمحد والبخ اري وأبو داود والرتم ذي والنس ائي وابن ماجه‬
‫عن جابر رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫وقال النيب ‪ : ‬ألم سامة « قويل عند أذان املغرب ‪ :‬اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار هنارك‬
‫وأصوات دعاتك وحضور صلواتك أسألك أن تغفر يل » ‪ .‬رواه الرتمذي والطرباين واحلاكم‬
‫عن أم سلمة رضي اهلل عنها ‪.‬‬
‫أحدا من الناس ‪ « :‬اللهم أجرين‬
‫وقال النيب ‪ « : ‬إذا صليت الصبح فقل قبل أن تكلم ً‬
‫جوارا من النار ‪.‬‬
‫من النار ‪ .‬سبع مرات ‪ .‬فإنك إن مت من يومك ‪ .‬هذا كتب اهلل لك ً‬
‫وإذا ص ليت املغ رب فقل قبل أن تكلم أح ًدا من الن اس ‪ :‬اللهم ج رين من الن ار س بع‬
‫وارا من الن ار » ‪ .‬رواه أمحد وأبو داود‬
‫م رات ‪ .‬فإنك إن مت من ليلتك كتب اهلل لك ج ً‬
‫والرتمذي عن احلارث التيمي رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫كان أكثر دعاء النيب ‪ « : ‬يا مقلب القلوب ثبت قليب َعلَى دينك » ‪ .‬فقيل له قال ‪« :‬‬
‫ليس من آدمي إال وقلبه بني إص بعني من أص ابع اهلل فمن ش اء أق ام ومن ش اء أزاغ » ‪ .‬رواه‬
‫الرتمذي عن أم سلمة رضي اهلل عنها ‪.‬‬
‫وقال النيب ‪ « : ‬لو دعي هبذا الدعاء َعلَى شيء بني املشرق واملغرب يِف ساعة من يوم‬
‫اجلمعة ال تستجيب لصاحبه ‪ :‬ال إله إال أنت يا حنان يا منان يا بديع السماوات واألرض يا‬
‫ذا اجلالل واإلكرام » ‪.‬‬
‫رواه اخلطيب عن جابر رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫وقال النيب ‪ « : ‬يا سعد ‪ ،‬لو دعوت على من بني السماوات واألرض ال ستجيب لك‬
‫‪ ،‬فأبشر يا س عد » ‪ .‬يعين « س بحانك ال إله إال أنت يا ذا اجلالل واإلك رام » ‪ .‬رواه‬
‫الطرباين عن ابن عمر رضي اهلل عنهما ‪.‬‬

‫‪640‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫خمرجا ومن كل هم‬ ‫وق ال النيب ‪ « : ‬من ل زم االس تغفار جعل اهلل له من كل ض يق ً‬
‫ورزقه من حيث ال حيتسب » ‪ .‬رواه أبو داود وابن ماجة عن ابن عباس رضي اهلل عنهما ‪.‬‬
‫ورا لك ؟‬ ‫وق ال النيب ‪ « : ‬أال أعلمك كلم ات إذا قلتهن غفر اهلل لك وإن كنت مغف ً‬
‫قل ‪ :‬ال إله إال اهلل س بحان اهلل رب الس ماوات الس بع ورب الع رش العظيم ‪ .‬احلمد هلل رب‬
‫العاملني » ‪.‬‬
‫رواه الرتمذي عن علي رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫وجاء رجل إِىَل أيب الدرداء رضي اهلل عنه فقال ‪ :‬يا أبا الدرداء ‪ ،‬قَ ْد احرتق بيتك ‪ .‬فقال‬
‫‪َ :‬ما اح رتق ‪ .‬مَلْ يكن اهلل عز وجل ليفعل ذلك بكلم ات مسعتهن من رس ول اهلل ‪َ ‬وقَ ْد‬
‫قلتهن اليوم ‪ .‬مث قال ‪ :‬اهنضوا بنا ‪ .‬فانتهوا إِىَل داره َوقَ ْد احرتق َما حوهلا ومل يصبها شيء‬
‫‪.‬‬
‫وه ذه هي الكلم ات ‪ :‬ق ال النيب ‪ « : ‬من ق ال حني يصبح وحني ميسي ‪َ :‬ما ش اء اهلل‬
‫َك ا َن وما مَلْ يشأ مَلْ يكن ‪ .‬ال ح ول وال ق وة إال باهلل العلي العظيم ‪ .‬أعلم أن اهلل َعلَى كل‬
‫علما ‪ .‬اللهم إين أع وذ بك من شر نفسي ومن‬ ‫ش يء ق دير ‪ .‬وأن اهلل قَ ْد أح اط بكل ش يء ً‬
‫شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها ‪ .‬إن ريب َعلَى صراط مستقيم ‪ .‬مَلْ يصبه يِف نفسه وال أهله‬
‫وال ماله شيء يكرهه » ‪ .‬رواه ابن السين عن أيب الدرداء رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫وقال النيب ‪ « : ‬أما لدنياك فإذا صليت الصبح فقل بعد صالة الصبح ‪ :‬سبحان اهلل‬
‫العظيم وحبم ده وال ح ول وال ق وة إال باهلل ‪ .‬ثالث م رات يوقيك اهلل من باليا أربع ‪ :‬من‬
‫علي‬
‫اجلن ون واجلذام والعمى والف اجل ‪ .‬وأما آلخرتك فقل ‪ :‬اللهم أه دين من عن دك ‪ ،‬وأفض َّ‬
‫علي من رمحتك وأن زل من بركاتك ‪ .‬وال ذي نفسي بي ده من واىف هبن‬ ‫من فض لك ‪ ،‬وانشر َّ‬
‫يوم‬

‫‪641‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫القيامة مَلْ ي دعهن ليفتحن له أربعة أب واب من اجلنة ي دخل من أيها ش اء » ‪ .‬رواه السين عن‬
‫ابن عباس رضي اهلل عنهما ‪.‬‬
‫وقال النيب ‪َ « : ‬ما من رجل يدعو هبذا الدعاء يِف أول ليله وأول هناره إال عصمه اهلل‬
‫من إبليس وجن وده ‪ :‬بسم اهلل ذي الش ان ‪ ،‬عظيم الربه ان ش ديد الس لطان ‪َ .‬ما ش اء اهلل‬
‫َك ا َن ‪ .‬أعوذ باهلل من الشيطان » ‪ .‬رواه احلاكم وابن عساكر عن الزبري بن العوام رضي اهلل‬
‫عنه ‪.‬‬
‫وق ال النيب ‪ « : ‬من ق ال حني يص بح وحني ميسي ‪ :‬حسيب اهلل ال إله إال هو عليك‬
‫ت وكلت وهو رب الع رش العظيم ‪ .‬س بع م رات كف اه اهلل تع اىل َما أمهه من أمر ال دنيا‬
‫واآلخرة » ‪ .‬رواه ابن السين عن أيب الدرداء رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫وقال النيب ‪ « : ‬من قال حني ميسي ‪ :‬بسم اهلل الذي ال يضر مع امسه شيء يِف األرض‬
‫وال يِف الس ماء وهو الس ميع العليم ‪ .‬ثالث م رات مَلْ يص به فج أة بالء حىت يص بح ‪ ،‬ومن‬
‫قاهلا حني يص بح ثالث م رات مَلْ يص به فج أة بالء حىت ميسي » ‪ .‬رواه أبو داود وابن حب ان‬
‫واحلاكم عن عثمان رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫معارضة بدء األمالي‬
‫وقال الشيخ سليمان بن سحمان رمحه اهلل ‪:‬‬
‫الجالل‬
‫ذي َ‬ ‫يح لِ ِ‬ ‫وَنثْنِي ِ‬
‫بالمد َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫المَقال‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ب َح ْمد اهلل َنْب َدُأ في َ‬
‫ود ِة والَ َك َم ِال‬ ‫إله ِ‬ ‫ِ‬
‫بالعبُ َ‬
‫َتَفَّرد ُ‬ ‫حي‬
‫العال َمْي َن و ُك ِّل ٍّ‬ ‫َ‬
‫ثال‬ ‫ب ِ‬
‫الم ِ‬ ‫ض ْر ِ‬‫عن التَّشبيه أو َ‬ ‫ت‬ ‫اف َت َعالَ ْ‬ ‫وف بأوص ٍ‬ ‫وموص ٍ‬
‫ْ َ‬ ‫َْ ُ‬
‫الج َم ِال‬ ‫الة َعلَى نَبِ ٍّي‬ ‫الص ِ‬ ‫وم ْن َب ْع ِد َّ‬ ‫ِ‬
‫أح َم ُد ُذو َ‬
‫صوم ْ‬ ‫الم ْع ُ‬
‫ُهَو َ‬
‫ِ‬ ‫س َمْنبِ ُع ُك ِّل َخْي ٍر‬ ‫َز ِك ُّي َّ‬
‫المعالي‬
‫حت َدى َسامي َ‬ ‫الم َ‬
‫يم ُ‬‫َك ِر ُ‬ ‫النْف ِ‬
‫المَقالَِة ال يُبالِي‬ ‫تَ َّ ِ‬
‫هور في َ‬ ‫ص‬ ‫ت نِظَ َام َش ْخ ٍ‬ ‫فإنِّي قَ ْد َرأَيْ ُ‬

‫‪642‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ومهُ ِمثْ ُل اللََّئالِي‬


‫وال َمْنظُ ُ‬ ‫الع ِقي َد ِة ال َس ِدي ًدا‬ ‫ِ ِ‬
‫نظَ ًاما في َ‬
‫وحِالي‬ ‫ال نظَ َامه َع ٍال َ‬
‫و َخ َ ِ‬
‫َ‬ ‫َك َما قَ ْد قَالَه فيما قَ ْد نَ َماه‬
‫عض األََمالَي‬ ‫ال ِفي بَ ِ‬ ‫لَهُ قَ ْد قَ َ‬ ‫َوقَ ْد أَ ْخطَا بِ َما أَبْ َد ُاه ِم َّما‬
‫الم َح ِال‬
‫بالزو ِر ُ‬ ‫ض َجاَ َء ُّ‬ ‫وب ْع ٌ‬ ‫َ‬ ‫ول ِف ِيه‬ ‫اب ال َق َ‬ ‫َص َ‬ ‫ض قَ ْد أ َ‬ ‫َفَب ْع ٌ‬
‫الزو ِر المَلَّف ِق والض ِ‬
‫َّالل‬ ‫ِ‬ ‫ال ِف َيها‬
‫من ُّ ُ‬ ‫بعض َما قَ ْد قَ َ‬ ‫فهذا ُ‬
‫الز ِ‬
‫وال‬ ‫ات َّ‬ ‫صونَ ُ‬ ‫قَ ِد َيم ٌ‬
‫ات َم ُ‬ ‫الذات واألَ ْف َع ِال طًُّرا‬ ‫ات َّ‬ ‫صَف ُ‬ ‫ِ‬
‫الم َعطِّلة ال َخوالِي‬ ‫ِ‬
‫فم ْن َق ْول ُ‬
‫ِ‬ ‫ض‬‫وب ْع ٌ‬ ‫بعض َح ُّق َ‬ ‫فهذا ُ‬
‫المثَال‬‫ات ِ‬ ‫ات َع ِد َيم ٌ‬
‫قَ ِد َيم ٌ‬ ‫ات الَ ِز َمةٌ ُّ‬
‫وحق‬ ‫الذ ِ‬
‫ات َّ‬ ‫صَف ُ‬ ‫ِ‬
‫ص ِال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُج ِز َ‬ ‫فَ ُخ ْذ ِمْن ُه َّن أ َْمثَِل ًة وقُ ْل لِي‬
‫يت ال َخ َير م ْن ُك ِّل الخ َ‬
‫امع لِ َذ ِوى الس ِ‬
‫ؤال‬ ‫ص ٌير َس ٌ‬ ‫بِ‬ ‫ليم قَ ِاد ٌر ٌّ‬
‫حي ُم ِري ٌد‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َع ٌ‬
‫ْح ِّق ِمن ْأه ِل ال َك َم ِال‬ ‫أل ْه ِل ال َ‬
‫ِ‬ ‫فإن ِف َيها‬ ‫ال ِ‬
‫اإلله َّ‬ ‫وأ ْف َع ُ‬
‫و َحًّقا َع ْن أ ََماثِل ِذي َم ِ‬
‫عال‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب ِف ِيه‬ ‫ِ‬
‫الما فَاصالً ال َريْ َ‬ ‫َك ً‬
‫ث بالِْف َع ِال‬ ‫اد الْحو ِاد ِ‬
‫وآح ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫مت َحًّقا‬ ‫ديم َن ْو ُعها إِ ْن ُر َ‬ ‫قَ ٌ‬
‫الج َم ِال‬ ‫الج ِ‬ ‫ربنَا ِمن غَْي ِر َكْي ٍ‬
‫الل َوذُو َ‬ ‫ح ذُو َ‬ ‫َوَي ْفَر ُ‬ ‫ف‬ ‫ك ُّ ْ‬ ‫ض َح ُ‬ ‫َفَي ْ‬
‫ِ‬
‫ط إِ ْن جنَى سوء ِ‬
‫الف َع ِال‬ ‫َويَ ْس َخ ُ َ ُ َ‬ ‫بَِت ْوبَِة َعْب ِد ِه م َّما َجنَاهُ‬
‫َت َع َدى َوا ْعَت َدى ِم ْن ُك ِّل غَ ِال‬ ‫اء ِم َّم ْن‬ ‫ِ ِ‬
‫َو ُمْنَتق ٌم ب َما قَ ْد َش َ‬
‫ين َذ ِوي النََّو ِال‬ ‫ِِ‬ ‫يُ ِح ُّ‬ ‫ويرحم من ي َشاء بِغَْي ِر َكْي ٍ‬
‫ب ال ُْم ْحسن َ‬ ‫ف‬ ‫َ َْ َ ُ َ ْ َ ُ‬
‫ال ا ِإللَِه ِم َن الْ َك َم ِال‬
‫َوأَ ْف َع ُ‬ ‫ضى‬
‫اك َي ْر َ‬
‫ب َرُّبَنا َو َك َذ َ‬
‫ضُ‬ ‫َوَي ْغ َ‬
‫َّعالِي‬
‫ف َوَي ْر ُز ُق ذُو الت َ‬ ‫بِال َكْي ٍ‬ ‫َويَ ْخلُ ُق َرُّبَنا َويَ ِجي َويَأَتِي‬
‫الل‬‫ْج ِ‬ ‫َوَي ْهبِ ُ‬ ‫ويْن ِز ُل رُّبَنا ِمن غَْي ِر َكْي ٍ‬
‫ِج َوال َ‬ ‫ط ذُو ال َْم َعار ِ‬ ‫ف‬ ‫ََ َ ْ‬
‫و ِذي األَوص ِ‬
‫اف أ َْمثِلةُ الِْف َع ِال‬ ‫ويَرى َت َعالَى‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َوَي ْق َه ُر َرُّبَنا ُ‬
‫اع ِم ْن ال َق ْو ِل ال ُْم َح ِال‬‫بِأَْنَو ٍ‬ ‫وها‬
‫ين تَأ ََّولُ َ‬ ‫َولَ ْسَنا َك ِّ‬
‫الذ َ‬

‫‪643‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫العَوالِي‬‫السَو ِر َ‬ ‫أَتَى ِفي الن ِّ‬


‫َّص َو ُّ‬ ‫َولَ ِكنَّا َسنُ ْج ِر َيها َك َما قَ ْد‬
‫ات لِ ِذي الْ َك َم ِال‬
‫الصَف ِ‬‫يُ َس ُّمو َن ِّ‬ ‫الب ْغ ِي ِم ْن بَطْ ٍر َو َغ ٍّي‬
‫َوأ َْه ُل َ‬
‫لَِتْنِفي ِر الورى َع ِن ِذي ِ‬
‫الف َع ِال‬ ‫ص ًدا‬ ‫ول حو ِاد ٍ‬
‫ََ‬ ‫ث َب ْغًيا َوقَ ْ‬ ‫ُحلُ َ َ َ‬
‫ت َخالِي‬ ‫الس ِ‬
‫ات ِّ‬ ‫و َذاتًا َعن ِج َه ِ‬ ‫يما َكا َن أ َْملَى‬ ‫وِم َّما قَ َ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ال ف َ‬ ‫َ‬
‫اب الض ِ‬
‫َّالل‬ ‫فَ َذا َق ْو ٌل ِأل َْربَ ِ‬ ‫ال َه َذا‬ ‫َت َعالَى اهللُ َع َّما قَ َ‬
‫ش َع ِال‬ ‫السبِ ِع ال ُْعلَى َوال َْع ْر ِ‬ ‫َعلَى َّ‬ ‫اهلل ِم ْن َغْي ِر ْامتَِر ٍاء‬
‫فَِإ َّن َ‬
‫اهلل َج َّل َع ِن ال ِْمثَ ِال‬ ‫اسَتوى ِمن َغْي ِر َكْي ٍ‬
‫فَِإ َّن َ‬ ‫ف‬ ‫ش َْ ْ‬ ‫َعلَى ال َْع ْر ِ‬
‫ات ِم ْن َف ْو ِق ال َْعَوالِي‬ ‫الذ ِ‬ ‫ُعلُُّو َّ‬ ‫َو َعْن َها بَايِ ٌن َولَهُ َت َعالَى‬
‫ْج َم ِال‬ ‫وقَ ْدر وال َكم ُ ِ ِ‬ ‫َو َق ْهٌر لِْل َخالئِ ِق َوالَْبَرايَا‬
‫ال لذي ال َ‬ ‫َ ٌَ َ‬
‫اب الض ِ‬
‫َّالل‬ ‫ِِ‬ ‫ك ِف ِيه‬ ‫اط ٍل ال َش َّ‬ ‫ومعَنى ب ِ‬
‫َومْنه ا ْغَتَّر أَربَ ُ‬ ‫َ َْ َ‬
‫احتَِف ِال‬ ‫بِإْتَق ٍ ِ ٍ‬ ‫الثَق ِة ال ُْمَز َّكى‬
‫َوالبْ ِن ال َقيِّ ِم ِّ‬
‫ان َوح ْفظ َو ْ‬
‫ك َج ِال‬ ‫ص ِل لِلَْي ِل َّ‬
‫الش ِّ‬ ‫بَِت ْف ِ‬ ‫ِ‬
‫الم في الَْب َدائ ِع ُم ْسَتبِ ٌ‬
‫ين‬ ‫َك ِ‬
‫ٌ‬
‫يل ِفي َه َذا ال َْم َج ِال‬ ‫صِ‬ ‫ِم ْن َّ‬
‫التْف ِ‬ ‫ال ِف َيها‬ ‫ْم َما قَ ْد قَ َ‬‫س ُر نَظ ُ‬ ‫َوَي ْع ُ‬
‫َوأ َْو َهى َق ْو َل أ َْه ِل اال ْعتَِز ِال‬ ‫ْح ِّق ِف ِيه‬‫َفَقَّوى َق ْو َل أ َْه ِل ال َ‬
‫ُمِفي ًدا َش ِافًيا َس ْه ِل ال َْمَن ِال‬ ‫اج ْعهُ تَ ِج ُد َق ْوالً َس ِدي ًدا‬ ‫َفر ِ‬
‫َ‬
‫ت َع ْن ِمثَ ِال‬ ‫َس َماءٌ َت َعالَ ْ‬
‫َوأ ْ‬ ‫ات‬
‫صَف ٌ‬ ‫َن اهلل ج َّل لَهُ ِ‬
‫َوأ َّ َ َ‬
‫الج ِ‬
‫الل‬ ‫ِج َو َ‬ ‫لَِربِّي ِذي ال َْم َعار ِ‬ ‫َوتَ ْكفي ُس ْو َر ُة ا ِإل ْخالص َو ْ‬
‫صًفا‬ ‫ِ‬
‫الل‬‫ص َّح بِال ا ْختِ ِ‬ ‫عن الْمع ِ‬ ‫وما قَ ْد جاء ِفي اآلي ِ‬
‫صوم َ‬ ‫َ ْ َْ ُ‬ ‫ات َي ْو ًما‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ََ‬
‫ول ِم ْن ال َْمَق ِال‬ ‫الر ُس ُ‬
‫َو َما أَبْ َدى َّ‬ ‫َو ِفْي َما قَالَهُ َّ‬
‫الر ْح َم ُن َربِّي‬
‫اب ال َك َم ِال‬ ‫َو ُم ْقنِ ُع ُك ِّل أ َْربَ ِ‬ ‫ِشَفاء لِ ِّ ِ ِ‬
‫لسَق ِام َوفْيه ُب ْرءٌ‬ ‫ٌ‬
‫بو ٍ‬
‫آل‬ ‫ص ْح ٍ َ‬ ‫َّص َع ّن َ‬ ‫ت بِالن ِّ‬ ‫أَتَ ْ‬ ‫َو ُر ْؤيا ال ُْم ْؤِمنِْي َن لَهُ َت َعالَى‬
‫عن الْمع ِ‬
‫احا َكاللََّئالِي‬ ‫أ ِ ِ‬
‫َحاديثًا ص َح ً‬ ‫َ‬ ‫صوم ِع ْش ِر ًينا َوبِ ْ‬
‫ض ًعا‬ ‫َ ْ َْ ُ‬

‫‪644‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫َفَيا ُب ْع ًدا أل َْه ِل اال ْعتَِز ِال‬ ‫ك ُم ْسَتبِ ٌ‬


‫ين‬ ‫رآن َذلِ َ‬
‫و ِفي ال ُق ِ‬
‫َ‬
‫الجَب ِال‬‫ات ِمن ِ‬ ‫اسي ِ‬ ‫يه ُّد َّ ِ‬ ‫لََق ْد جاءوا ِمن ال ُك ْفر ِ‬
‫َ‬ ‫الر َ‬ ‫َُ‬ ‫ان أ َْمًرا‬ ‫َُ ْ َ‬
‫ص ُير إِلَى َز َو ِال‬ ‫نَِع ٍيم ال ي ِ‬ ‫ين لَِفي نَِع ٍيم‬ ‫ِِ‬
‫َ‬ ‫َوإِ َّن ال ُْم ْؤمن َ‬
‫ْج َم ِال‬ ‫ِ‬ ‫ِمن َّ ِ‬ ‫َوإِ َّن أَلَ َّذ َما َي ْلَق ْو َن ِف َيها‬
‫الذات ُر ْؤيَةُ ذي ال َ‬ ‫ْ‬
‫يما قَ ْد َتَفَّر َد بِالْ َك َم ِال‬ ‫ِ‬ ‫وُت ْؤِمن بِ ِ ِ‬
‫َعظ ً‬ ‫الح ِّق َربًّا‬
‫اإللَه َ‬ ‫َ ُ‬
‫ْج ِ‬ ‫ص ًيرا ِذي ال َْم َعار ِ‬ ‫بِ‬ ‫ص َم ًدا َس ِم ًيعا‬ ‫ِ‬
‫الل‬ ‫ِج َوال َ‬ ‫َ‬ ‫إِلَ ًها َواح ًدا َ‬
‫اس ًعا َح َك َم الِْف َع ِال‬ ‫َعِليما و ِ‬ ‫اج ًدا َف ْر ًدا َك ِر ًيما‬ ‫قَ ِديرا م ِ‬
‫ً َ‬ ‫ً َ‬
‫ب ال ِْمثَ ِال‬ ‫ض ْر ِ‬‫َع ْن التَّ ْشبِ ِيه أ َْو َ‬ ‫اف َجلَّ ْ‬
‫ت‬ ‫ص ُ‬ ‫َس َماءُ َواأل َْو َ‬ ‫لَهُ األ ْ‬
‫فَ َح ٌّق َكائِ ٌن ِفي ُك ِّل َح ِال‬ ‫ِ‬
‫اء َربِّي‬ ‫َوُن ْؤم ُن أَنَّ َما قَ ْد َش َ‬
‫يَ َشأ ُْه اهللُ َكا َن ِم ْن ال ُْم َح ِال‬ ‫َح ٌد َو َما لَ ْم‬ ‫َوإِ َّن َما َش َ‬
‫اء ُه أ َ‬
‫َّحةٌ لَِت ِال‬
‫فَأ َْرَب َعةٌ ُمَوض َ‬ ‫َوأَقَ َس ُام ا ِإل َر َاد ِة إِ ْن تُ ِر ْد َها‬
‫العْب ِد ال ُْمَوفَّ ِق لِْل َك َم ِال‬ ‫ِ‬ ‫اء ُه َش ْر ًعا َو ِد ًينا‬
‫م ْن َ‬ ‫فَ َما قَ ْد َش َ‬
‫ود بِال ا ْختِ ِ‬
‫الل‬ ‫ك ِفي الوج ِ‬
‫ُُ‬ ‫بِ َذلِ َ‬ ‫ض ٍاء‬ ‫ِّر ِم ْن قَ َ‬ ‫ب َما َوقَ َع ال ُْمَقد ُ‬
‫ِ‬
‫باالمتِثَ ِال‬ ‫ِإلَ ِهي ر ِ‬ ‫ات َف ُهَو لَ َها ُم ِح ُّ‬ ‫اع ِ‬ ‫ِ‬
‫اضًيا ْ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫م َن الطَّ َ‬
‫َو َش ْر ًعا َك ْونَه ِفي ُك ِّل َح ِال‬ ‫َف َه َذا قَ ْد أ ََر َاد اهللُ ِد ًينا‬
‫ت بِ َح ِال‬ ‫اك َما َكانَ ْ‬ ‫َولَْوال َذ َ‬ ‫ت‬‫ش َكَّوَن َها فَ َكانَ ْ‬ ‫الع ْر ِ‬
‫ب َ‬ ‫َو َر ُّ‬
‫الوبَ ِال‬ ‫َص َح ِ‬ ‫ِ‬ ‫اء ِد ًينا‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫اب َ‬ ‫م ْن ال ُكَّفار أ ْ‬ ‫َوثَان َيها الذي قَ ْد َش َ‬
‫َعَلى وفْ ِق الْمحبَِّة بِ ِ‬
‫الف َع ِال‬ ‫اع ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ََ‬ ‫ت‬
‫ص َار ْ‬
‫ت َو َ‬ ‫ات لَْو َو َق َع ْ‬ ‫م َن الطَّ َ‬
‫الن َك ِال‬
‫لََع ْم ِري بِالْ َخ َسا ِر َوبِ َ‬ ‫َولَ ِك ْن لَ ْم َتَق ْع ِمْن ُه ْم َفَباءُوا‬
‫ث لَلَْوبَ ِال‬ ‫بَِت ْق ِدي ِر الحو ِاد ِ‬ ‫اء َك ْونًا‬ ‫َوثَالُ َثها ِّ‬
‫ََ‬ ‫الذي قَ ْد َش َ‬
‫العَوالِي‬‫ب َ‬ ‫َفَل ْم يَأ ُْم ْر بَِها َر ُّ‬ ‫اح‬ ‫اصي أ َْو ُمَب ٍ‬ ‫َكِف ْع ٍل لِلْمع ِ‬
‫ََ‬
‫َعَلى َغْي ِر ال َْم َحبَِّة لِلِْف َع َ‬
‫ال‬ ‫ت‬‫ض بَِها ِمْن ُه ْم َو َكانَ ْ‬ ‫َولَ ْم َي ْر َ‬

‫‪645‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫الج ِ‬
‫الل‬ ‫ِ‬ ‫ضى بِ ُك ْف ٍر‬ ‫َّ‬
‫ش ذُو َ‬ ‫ضى ال َفَواح َ‬ ‫وال َي ْر َ‬ ‫فإن اهلل ال َي ْر َ‬
‫وقَ َّد َر خ ْلَقهُ ِفي ُك َّل َح ِال‬ ‫َفلَوالَ أَنَهُ قَ ْد َش َ‬
‫اء َهذا‬
‫فَما قَ ْد َشاء َكا َن بال ا ْختِ ِ‬
‫الل‬ ‫وج ْد َعيانًا‬ ‫ت ولَ ْم تُ َ‬ ‫لَ َما َكانَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫لَهُ َك ْونًا وال ِد َينا بِ َح ِال‬ ‫اء َربِّي‬ ‫َّ ِ‬
‫ابع َها الذي َما َش َ‬ ‫ور ُ‬ ‫َ‬
‫وه َذا ِفي ِ‬
‫المثَ ِال‬ ‫وال َه َذا َ‬ ‫وع َهذا‬ ‫فَذا َما لَ ْم يَ ُكن ِمن نَ ِ‬
‫عن ْأه ِل ال َك َم ِال‬ ‫واع المع ِ‬
‫الح ُّق ْ‬ ‫فهذا َ‬ ‫باح‬
‫اصي ْأو ُم ٍ‬ ‫كأَنْ ِ َ َ‬
‫المخبِّ ِط َذا ال َخَي ِال‬ ‫ودع َق ْو َل ُ‬ ‫َ‬ ‫اس ُم إِلَى ال َْم َعالِي‬ ‫ْح ِّق َو ْ‬ ‫فَ ُخ ْذ بِال َ‬
‫أي لَِت ِال‬
‫َّص ِفي ِّ‬ ‫ت بالن ِّ‬ ‫أَتَ ْ‬ ‫ولِل َْعْب َد َم ِش َيئ ِة َو ِه َي َح ُّق‬
‫ْخ ِ‬
‫الل‬ ‫الر ْش َد ِفي ُك ِّل ال ِ‬ ‫يت ُّ‬ ‫ُه ِد َ‬ ‫الر ْح َم ِن فَا ْعلَ ْم‬‫َوَب ْع َد َم ِش َيئةُ َّ‬
‫عم ِري قُ ْد َرةٌ باالفْ َتع ِال‬ ‫لَ ْ‬ ‫ال ال ِْعَب ِاد لَ ُه ْم َعلَْي َها‬
‫َوأَ ْع َم ُ‬
‫ْج ِ‬
‫الل‬ ‫ِج َوال َ‬ ‫وربِّي ُذو ال َْم َعار ِ‬ ‫َ‬ ‫وما األَ ْف َع ِال إالَّ با ْختَِيا ٍر‬ ‫َ‬
‫فاس َم ْع لِل َْمَق َ‬
‫ال‬ ‫َّص ْ‬ ‫أَتَى ِفي الن ِّ‬ ‫هم َك َما قَ ْد‬ ‫لِ َذلِ َ ِ‬
‫ك َخال ٌق ولَ ْ‬
‫الكَر ِام َذ ِوي ال َك َم ِال‬ ‫الرس ِل ِ‬ ‫وُن ْؤِمن ِ‬
‫وبِ ُّ ْ‬ ‫اب َك َما أَتَانَا‬ ‫بالكَت ِ‬ ‫ُ‬
‫المَق َد ِر ال ُنَبالي‬‫وبال َق َد ِر ُ‬ ‫ضا َخْيًرا و َشًرا‬ ‫وُن ْؤِم ُن بال َق َ‬
‫الج ِ‬
‫الل‬ ‫ِِ‬
‫صطََفْي َن لذي َ‬ ‫لََع ْم ِري ُم ْ‬ ‫وإن ِمْنهم‬ ‫اإلله َّ‬‫وأَمالَ ِك ِ‬
‫ْ‬
‫أل َْه ِل ال َخي ِر ِم ْن َغي ِر انْتَِق ِال‬ ‫اب‬
‫وإن الجنَّ َة العلُياَ َمَئ ٌ‬‫َّ‬
‫الوبَ ِال‬
‫اب َ‬ ‫أص َح ِ‬ ‫أل َْه ِل ال ُك ْف ِر ْ‬ ‫ت‬ ‫َّار َح َق قَ ْد أ ُِع َّد ْ‬ ‫َّ‬
‫وإن الن َ‬
‫اب ال َكَبائِ ِر َع ْن نَ َك ِال‬
‫َص َح ِ‬ ‫وإن شَفاعة المعص ِ‬
‫أل ْ‬ ‫وم َح ُّق‬ ‫َّ َ َ َ َ ْ ُ‬
‫ف يُ ْجَزى بانْتِ َح ِال‬ ‫َو ُك ُّل َس ْو َ‬ ‫اك َح ُق‬ ‫اب َو َذ َ‬ ‫بالحس ِ‬ ‫وُن ْؤمن ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ِكَتابًا بِالَْي ِمي ِن أ ِو ِّ‬
‫الش َم ِال‬ ‫ف يُؤتَى َي ْو َم َح ْش ٍر‬ ‫َو ُك ُّل َس ْو َ‬
‫اب الض ِ‬
‫َّالل‬ ‫أص َح ِ‬ ‫وز ُن َغْيَر ْ‬ ‫َستُ َ‬ ‫البرايَا‬
‫مال َ‬ ‫أن أ ْع َ‬‫وُن ْؤِم ُن َّ‬
‫َكأ َْه ِل ال َخْي ِر ِم ْن ْأه ِل ال َك َم ِال‬ ‫ال ِمْن ُهم‬‫ست تُوز ُن األَ ْع َم ُ‬‫َفَلْي ْ‬

‫‪646‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫إلى َق ْع ِر النُّهى بِ َذ ِوي النّ َك ِال‬ ‫صى ثُ َّم ُي ْلَقى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ولَك ْن َك ْي لتُ ْح َ‬
‫اط ب ُك ُّل َح ِال‬ ‫الصر ِ‬
‫َعلَى َمْت ِن ِّ َ‬ ‫ك نَ ْج ِري‬ ‫وُن ْؤِم ُن أََّنَنا ال َش َّ‬
‫ص ِال‬ ‫وها ٍو هالِ ٌ ِ‬
‫ك للنَّا ِر َ‬ ‫َ َ‬ ‫اج َسالٌم ِم ْن ُك ِّل َشٍّر‬ ‫َفَن ٍ‬
‫الج ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫الل‬ ‫الح ْش ِر َم ْوع ُد ذي َ‬ ‫لَيوم َ‬ ‫الموت َح ُّق‬ ‫ث َب ْع َد‬ ‫الب ْع َ‬
‫وأن َ‬
‫العَو ِال‬ ‫ِ ِ‬ ‫الر ُسول إِلَْي ِه َح ُّق‬ ‫ِ‬
‫صطََفى نَ ْحَو َ‬ ‫الم ْ‬
‫ب َذات ُ‬ ‫اج َّ‬ ‫َوم ْعَر ُ‬
‫المغَ ِل الغََوالِي‬ ‫َعلَى ال ِ ِ‬
‫ْج ْهميَّة ُ‬ ‫َ‬ ‫اج َر ٌّد ُم ْسَتبِ ٌ‬
‫ين‬ ‫َو ِفي ال ِْم ْعَر ِ‬
‫ان َو َق ْو ٍل ِذي َوبَ ِال‬ ‫و ُع ْدو ٍ‬
‫َ َ‬ ‫َو َم ْن َيْن ُحو طَ ِرْيَقَتُ ْهم بَِب ْغ ِي‬
‫يل ِعْن َد َذ ِوي ال َك َم ِال‬ ‫هو ِ‬
‫الت ْعط ُ‬ ‫ُْ َ‬ ‫يف َو َه َذا‬ ‫بَِتأْ ِو ٍيل وتَ ْح ِر ٍ‬
‫َ‬
‫أل َْه ِل الْ َخْي ِر ال أ َْه ِل الض ِ‬ ‫َن الْحوض لِلْمعص ِ‬
‫َّالل‬ ‫وم َح ُّق‬ ‫َوأ َّ َ ْ َ َ ْ ُ‬
‫ان بِ ُك َّل َح ِال‬‫سيأْتِي الَْفاتَِن ِ‬
‫ََ‬ ‫ك‬‫َوُن ْؤِم ُن أَنَّهُ ِم ْن َغْي ِر َش ٍّ‬
‫ات بِال ا ْختِ ِ‬
‫الل‬ ‫اج بِالثَّب ِ‬
‫َفَن ٍ َ‬ ‫إِلَى ال َْم ْقبُو ِر ثِ َّم َة يَ ْسأالنِِه‬
‫َسَي ْلَقى ِغَّب َها َب ْع َد ُّ‬
‫السَؤ ِال‬ ‫ِسَوى َم ْن َكا َن َي ْو ًما َذا َم َع ٍ‬
‫اص‬
‫ص ٍة بِ َح ِال‬
‫بِأَ ْشَياء ُم َم َّح َ‬ ‫ْك َعْنهُ‬ ‫إِ َذا َما لَ ْم تُ َكَّفْر تِل َ‬
‫وء ِ‬
‫الف َع ِال‬ ‫ع َذاب ال َقب ِر ِمن س ٍ‬ ‫ف َي ْلَقى‬ ‫بالشَق َاو ِة َس ِو َ‬ ‫آخ ُر َّ‬
‫َ َ ْ ْ ُ‬ ‫َو َ‬
‫ب ِ‬
‫وآل‬ ‫ص ْح ِ‬ ‫ِخيار الن ِ ِ‬ ‫ؤم ُن بالَّ ِذي َكانُوا َعلَْي ِه‬ ‫ونُ ِ‬
‫َّاس م ْن َ‬ ‫ُ‬
‫َعلَى ِدي ِن ال ُْه َدى واالنْتِ َح ِال‬ ‫وه ْم‬‫اك التَّابُعو َن وتَابِ ُع ُ‬ ‫َك َذ َ‬
‫ْخالفَِة بالتََّوالِي‬ ‫وَت ْق ِديم ال ِ‬
‫َ‬ ‫ض َل لِْل ُخلََف ِاء َح ُّق‬ ‫وِإ َّن ال َف ْ‬
‫لي َع ِال‬ ‫ُّوري ِن ثُ َّم َع ُّ‬
‫فَ ُذو الن َ‬ ‫أَبُو بَ ْك ٍر َفَف ُارو ُق َ‬
‫البرايَا‬
‫الد َر ِر الغَوالِي‬‫ض َك ُّ‬ ‫وم األ َْر ِ‬
‫نُ ُج ُ‬ ‫وه ُموا َف ُه ْم ُه ْم‬ ‫َعلى َم ْن َب ْع َده ُ‬
‫الج ِ‬
‫بال‬ ‫ان ِمن ِ‬ ‫ات َك َّ ِ‬ ‫الم لِلْحْير ِ‬ ‫و َكاألَ ْع ِ‬
‫الر َع ْ‬ ‫ُه َد ٌ‬ ‫ان بَ ْل ُه ْم‬ ‫ََ‬
‫فَ َح ُّق لِلْولِّي بال ا ْخ ِ‬
‫تالل‬ ‫ت بِ َح ٍّق‬‫و ُك ِّل َكَر َام ِة َثَبَت ْ‬
‫اع ِة َربِّهم أ َْه َل انِْف َع ِال‬
‫بِطَ َ‬ ‫ث َكانُوا‬ ‫وال ِمن َكَريِ ٍم َحْي ُ‬ ‫نَ ٌ‬

‫‪647‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وهموا ِمن ُك ِّل َع ِال‬ ‫لِ َم ْن يَ ُ‬


‫دع ُ‬
‫ولَيس لَهم نَ ٌ ِ‬
‫وال ْأو حَباءٌ‬ ‫ْ َ ُْ‬
‫واضح ِة ِ‬
‫المثَ ِال‬ ‫َ‬
‫وعْي ِن ِ‬
‫َعلَى نَ َ‬ ‫ات فا ْعلَ ْم‬ ‫اد ِ‬‫وإن ال َخ ْر َق لِل َْع َ‬
‫االه ُمو ِم ْن ِذي ال َخَي ِال‬ ‫ل َم ْن َو ُ‬
‫ِ‬ ‫ع ِمن َشي ِ‬
‫اطي ٍن غُ ِو ٍاة‬ ‫َ‬ ‫َفَنو ٌ‬
‫أل َْه ِل ال َخي ِر ِمن ْأه ِل ال َك َم ِال‬ ‫وهَو َما قَ ْد َكا َن يَ ْج ِري‬ ‫ع ُ‬ ‫ونَو ٌ‬
‫الم َعالي‬ ‫ِ‬ ‫لِ َش ْخ ٍ ِ‬ ‫الرحم ِن تَ ْك ِر َم ًة وفَ ْ‬ ‫ِمن َّ‬
‫ص ذي ُتَقى َسامي َ‬ ‫ضالً‬
‫اف بِ ُك ِّل َح ِال‬‫َوُي ْر َجى أ َْو يُ َخ ُ‬ ‫ب أَ ْن َسيُ ْد َعى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س يُوج ْ‬ ‫َولَك ْن لَْي َ‬
‫الوبَ ِال‬
‫الشْر ِع يَا أ َْه َل َ‬ ‫َوال ِفي َّ‬ ‫ضي بَِه َذا‬ ‫فَما ِفي الع ْق ِل ما ي ْق ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫الص ِ‬
‫الف َع ِال‬ ‫َوَت ْو ِحي ٌد بِإ ْخ ِ‬ ‫ص ْوِم َحًّقا‬ ‫ك ال َْم ْع ُ‬ ‫َوفَار ُق َذلِ َ‬
‫فَ ِم ْن أ َْه ِل ال ِوال ال ِذي الض ِ‬
‫َّالل‬ ‫ص ْد ٍق‬ ‫ك طَ ِرْيَقَتهُ بِ ِ‬ ‫فَ َم ْن يَ ْسلُ َ‬
‫ك يُ َخالِج َذا انْ ِس ِ‬
‫الل‬ ‫بِال َش ٍّ‬ ‫ك ِسَو َاها َكا َن َحْت ًما‬ ‫َو َم ْن يَ ْسلُ َ‬
‫ُ‬
‫اغي ال ُْم َح ِال‬ ‫لَِقْت ِل األَ ْعو ِر الب ِ‬ ‫ف يِأَتِي‬ ‫َن ِعْي َسى َس ْو َ‬ ‫َوُن ْؤِم ُن أ َّ‬
‫َ َ‬
‫الش ِر َيع ِة ال ُيَبالِي‬
‫َويَ ْح ُك َم بِ َّ‬ ‫اغ‬
‫ود َو ُك ٌّل بَ ٍ‬ ‫وي ْقتُل لِلْيه ِ‬
‫ََ ُ َُ‬
‫َّعالِي‬
‫قدر ُذو الت َ‬ ‫ْح ُّق ال َْم ُ‬ ‫ُهَو ال َ‬ ‫َو َربِّي َخالِ ٌق ُم ْح ٍي ُم ِم ٌ‬
‫يت‬
‫لَِق ْوٍم ِعْن َد َها َق ْو ُل الض ِ‬
‫َّالل‬ ‫اب يَ ْخلُ ُق ال َكَق ْو ٍل‬ ‫َسَب ِ‬ ‫َوبِاأل ْ‬
‫ْح ُّق َج ِال‬ ‫ِ‬
‫فَأَْنَبأَنَا بِه َوال َ‬ ‫ك ُم ْسَتبِ ٌ‬
‫ين‬ ‫آن َذلِ َ‬ ‫و ِفي الْ ُقر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ص َحْي ٍح َع ْن أ ََماثِ َل ِذي َمَق ِال‬ ‫َ‬ ‫ك َع ْن ُك ِّل ا ْعتَِق ٍاد‬ ‫ب َّ‬
‫الش ِّ‬ ‫لَِريْ ِ‬
‫ْح ِّق ِم ْن أ َْه ِل ال َك َم ِال‬
‫أل َْه ِل ال َ‬ ‫َعلَى َه َذا ابْ ُن َحْنَب َل َو ْهَو َق ْو ٌل‬
‫اء َذا َوبَ ِال‬‫َفَق ْد أَ ْخطَا َخطَ ً‬ ‫ب ِإلَْي ِه َغْيَر َه َذا‬ ‫ِ‬
‫َو َم ْن َيْنس ُ‬
‫صْي َد ِة َذا األََمالِي‬ ‫وأَ ْعنِي ِفي ال َق ِ‬
‫َ‬ ‫غ ِف ِيه‬‫ال ِفْي َما َزا َ‬ ‫َوِم َّما قَ َ‬
‫احَف ْظ لِي َمَقالِي‬ ‫اإليْم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال َخْي ٍر ِفي ِحس ٍ‬
‫ان فَ ْ‬ ‫م ْن ِ َ‬ ‫اب‬ ‫َ‬ ‫َو َما أَ ْف َع ُ‬
‫الوبَ ِال‬ ‫ويْن ُق ِ ِ ِ‬ ‫اع ِة ا ِإلنْس ِ‬‫يَ ِزي ُد بِطَ َ‬
‫ص بال َْم َعاصي ذي َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫ان َي ْو ًما‬ ‫َ‬
‫الم ِم ْن أ َْه ِل ال َك َم ِال‬
‫ُه ْم األَ ْع ُ‬ ‫ْح ِّق ِم َم ْن‬ ‫َو َه َذا َق ْو ُل أ َْه ِل ال َ‬

‫‪648‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ْج َهالَِة والض ِ‬


‫َّالل‬ ‫أل َْربَ ِ‬ ‫و َد ْعنِي ِمن ِخرافَ ٍ‬
‫ات َو َه ْم ٍط‬
‫اب ال َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ت ِر ْز ٌق ال َح ٌ‬ ‫َوإِ َّن ُّ‬
‫َولَك ْن َم ْن أَتَى َك ْفًرا َبَو ً‬
‫احا‬ ‫الل‬ ‫الس ْح َ‬
‫القْبلَ ِة ال ُْمْثلَى بِ َح ِال‬ ‫أل َْه ِل ِ‬ ‫ب ال َنَر ُاه‬ ‫َوتَ ْكِف ٌير بِ َذنْ ٍ‬
‫اد ِة ال ُنَبالِي‬ ‫وأَ ْشر َك ِفي ِ‬
‫العَب َ‬ ‫َ َ‬ ‫َولَك ْن َم ْن أَتَى َك ْفًرا َبَو ً‬
‫احا‬ ‫ِ‬
‫َعلَى ِذي قُ ْد َر ٍة بِاالنْتَِق ِال‬ ‫ض‬‫َوإِ َّن الْ ِه ْجَر َة ال ُْمْثلَى لَِف ْر ٌ‬
‫الم َع ِال‬ ‫ِ‬ ‫بِ َذ َ‬ ‫َولَ ْم ُتْن َس ْخ بِ ُح ْك ِم ال َفْت ِح بَ ْل َذا‬
‫الوقْت وا ِإل ْس ُ‬ ‫اك َ‬
‫طفف بِا ْعتَِز ِال‬ ‫اج ْر ال تَ ِّ‬ ‫َف َه ِ‬ ‫ت َد َار ُك ْف ٍر‬ ‫ص َار ْ‬
‫ت َو َ‬ ‫اد ْ‬‫فَِإ ْن َع َ‬
‫ات ِم ْن أ َْه ِل ال َك َم ِال‬ ‫َر َوى ا ِإلْثَب ُ‬ ‫ال َما قَ ْد‬ ‫صطََفى قَ ْد قَ َ‬ ‫ألَ َن ال ُْم ْ‬
‫بِ َدا ِر الْ ُك ْف ِر َبْين َذ ِوي الض ِ‬
‫َّالل‬ ‫َ‬ ‫بِذ ْك ٍر بِالَْبَر َاء ِة ِم ْن ُمِق ٍيم‬
‫اإلقَ َام ِة ال ُيَبالِي‬ ‫َكبِ ٌير بِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬‫اء َذنْ ٌ‬ ‫َو َذا م ْن ُم ْسل ٍم إِ ْذ َج َ‬
‫اض َحةُ لَِت ِال‬‫ات و ِ‬
‫به اآليَ ُ َ‬
‫ِِ‬ ‫ت‬
‫اء ْ‬
‫اك َج َ‬ ‫ي َك َذ َ‬ ‫َر َوى َذا التِّْرِم ِذ ُّ‬
‫بو ِ‬ ‫وجملَةُ ُك ِّل معَتَق ٍد ِ‬
‫آل‬ ‫ص ْح ٍ َ‬ ‫َّاس َع ْن َ‬ ‫َر َو ُاه الن ِ‬ ‫يح‬
‫صح ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫َ ُْ‬
‫احتَِف ِال‬ ‫النْق ِل َعْن ُه ْم بِ ْ‬‫لََنا بِ َّ‬ ‫ف ثَِق ٌ‬
‫ات‬ ‫ف َر َوى َخلَ ٌ‬ ‫و َعن سلَ ٍ‬
‫َ ْ َ‬
‫لَهُ بِاألَ ْخ ِذ ِفي ُك ِّل الْ َخ ِ‬
‫الل‬ ‫احتَِف ٍال‬ ‫ٍ‬
‫فَِإنَّا بَا ْعتَِقاد َو ْ‬
‫ص ُير ِإلَى َز َو ِال‬ ‫نَِعيما ال ي ِ‬ ‫َّجا َة َغ ًدا َوَت ْر ُجو‬ ‫فَِإ ْن ُر ْم َ‬
‫ً َ‬ ‫ت الن َ‬
‫ف َعَو ِال‬ ‫بِ َدا ِر الْ ُخل ِْد ِفي غُر ٍ‬ ‫س َي ْفَنى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫يما ال يَبي ُد َولَْي َ‬ ‫نَع ً‬
‫الد ِ‬
‫الل‬ ‫ات التََّب ُّع ِل َو َّ‬‫مِلْيح ِ‬ ‫ات‬‫ان مَن َّعم ٍ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َو ُح ْو ًرا في الْجَن ُ َ‬
‫ط َشْيًئا‬ ‫ك قَ ُّ‬ ‫فَال تُ ْش ِر ْك بَِربِّ َ‬ ‫ط َشْيًئا‬ ‫ك قَ ُّ‬‫فَال تُ ْش ِر ْك بَِربِّ َ‬
‫ضٍّر أ َْو َنَو ِال‬ ‫لَِن ْف ٍع أ َْو لِ َ‬ ‫ات َج ْهال‬ ‫وال تَ ْذ ِهب إِلَى األ َْمو ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ك ُذو ال َك َم ِال‬ ‫فَِإ َّن َ‬
‫اهلل َربِّ َ‬ ‫ط َت ْرتَ ِجي ِه ْم‬‫َوال تَ ْج َع ُل َو َسائِ َ‬
‫ص ٌير َس ِام ٌع لِ َذ ِوي ُّ‬
‫السَؤ ِال‬ ‫بِ‬
‫َ‬
‫ِ ِ‬
‫َعل ٌم قَاد ٌر َبُّر َك ِر ٌ‬
‫يم‬
‫ب أ َْو ِذي ا ْشتِغَ ِال‬
‫َولَْيس بِغَائِ ٍ‬
‫َ‬ ‫اج ٍز َفُي َعا ُن َحا َشا‬ ‫ولَْيس بِع ِ‬
‫َ َ َ‬

‫‪649‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫السَؤ ِال‬ ‫ِ ِ‬
‫َفَت ْد ُعو َم ْن يُ َخبَّر ب ُ‬ ‫َحَو ِال َ‬
‫البَرايَا‬ ‫فَال يَ ْد ِري بِأ ْ‬
‫الت الض ِ‬
‫َّالل‬ ‫لَعم ِري ِمن مز ِ‬ ‫الو َساطَةُ إِ َّن َه َذا‬
‫ْ ََ‬ ‫َْ‬ ‫َفَت ْج َعلُهُ َ‬
‫النْف ِع أ َْو بَ ْذ َل النََّو ِال‬
‫ُم ِري َد َّ‬ ‫ِ‬
‫س َربِّي‬ ‫َو َه َذا َي ْقَتضي أَ ْن لَْي َ‬
‫ْج ِ‬
‫الل‬ ‫ف ُذو ال َ‬ ‫يُ َحِّر ُكهُ َفَي ْع ِط ُ‬ ‫َوال ا ِإل ْح َسا ُن إِال ِم ْن َشِفي ٍع‬
‫َو َه َذا ال يَ ُكو ُن لِ ِذي ال َك َم ِال‬ ‫اجتِ ِه َو َر ْغَبتِ ِه إِلَْي ِه‬
‫ل َح َ‬
‫ِ‬
‫َّعالِي‬‫ك ُذو الت َ‬ ‫َو َمالِ ُكهُ َو َربُّ َ‬ ‫س اهللُ َخالِ َق ُك ِّل َش ْي ٍء‬ ‫أَلَْي َ‬
‫َعالِي‬ ‫َس ِاف ُل َواأل َ‬ ‫بِأ ِ‬
‫َج َمع َها األ َ‬ ‫ْ‬ ‫َو َم ْن َذا َشأْنُهُ َولَهُ َ‬
‫البَرايَا‬
‫ضو ِ‬
‫الف َع ِال‬ ‫ِ ِ‬ ‫أَ َكا َن يَ ُكو ُن َع ْونًا أ َْو َشِف ًيعا‬
‫يُ َخِّبُر بالْغََوام ِ َ‬
‫ِج َوال َْم َعالِي‬ ‫َت َعالَى ُذو ال َْم َعار ِ‬ ‫ضى‬
‫س َي ْر َ‬ ‫رههُ َعلَى َما لَْي َ‬ ‫َويُ ْك ُ‬
‫وه لَِتْبِلي ِغ ال َْمَق ِال‬
‫َوَي ْر ُج ُ‬ ‫أَ َكا َن يَ ُكو ُن َم ْن يَ ْخ َشا ُن َربِّي‬
‫وك ِم ْن ال َْمَوالِي‬ ‫َكما ِعْن َد ال ِْملُ ِ‬
‫َ‬ ‫كرها َعلَْي ِه‬‫َويَ ْشَف ُع َعْن َد ُه ً‬
‫ف أ َْو َر َج ٍاء أ َْو َنَو ِال‬ ‫لِ َخو ٍ‬
‫ْ‬ ‫اجتِ ِه ْم َو َر ْغَبَت ُه ْم إِلِْي ِه ْم‬ ‫ِ‬
‫ل َح َ‬
‫ْج ِ‬
‫الل‬ ‫س بَ ْل َت َعاظَ َم ُذو ال َ‬ ‫َتَق َّد َ‬ ‫َت َعالَى اهللُ َخالَِقَنا َت َعالَى‬
‫السَؤ ِال‬
‫ت بِ ُّ‬ ‫َكمن ي َد ُعو بِصو ٍ‬ ‫اجي‬ ‫أَلَْيس اهلل يسمع من يَن ِ‬
‫َْ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ ُ َ َْ ُ َْ ُ‬
‫ت َف ْر ٍد‬ ‫ات الْج ِمْي ِع َكصو ِ‬
‫َْ‬ ‫َصَو ُ َ‬ ‫َوأ ْ‬ ‫ت َف ْر ٍد‬ ‫ات الْج ِمْي ِع َكصو ِ‬
‫َْ‬ ‫َصَو ُ َ‬ ‫َوأ ْ‬
‫ف بِابْتِ َه ِال‬‫لِ َم ْن يَ ْد ُعو َوَي ْهتِ ُ‬ ‫اع‬
‫فَال يَ ْشغَلْهُ َس ْم ٌع َع ْن َس َم ٍ‬
‫ين ال َْمَوالِي‬ ‫بِإلْح ِ ِ‬
‫اح ال ُْمل ِّح َ‬ ‫َ‬ ‫الر ْح َم ِن َربِّي‬
‫رم َّ‬‫َوال َيَتبَّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السَؤ ِال‬‫ضُّر ِع َو ُّ‬ ‫َج ِم ًيعا بِالتَّ َ‬ ‫َوال ُي ْغلطْه ِكْثَر ُة َسائِليهُ‬
‫ات بِال ا ْختِ ِ‬
‫الل‬ ‫اف اللُّغَ ِ‬ ‫َصَن َ‬‫َوأ ْ‬ ‫ات ِمْن ُهم‬ ‫بِ ُك ِّل َتَفنُّ ِن الْحاج ِ‬
‫َ َ‬
‫َويَ ْمَن ُع َما يَ َشاءُ ِم ْن النََّو ِال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َفُي ْعطي َم ْن يَ َشاء َما قَ ْد يَ َشاءُ‬
‫ْج ِ‬
‫الل‬ ‫بِال َش ٍّ ِ‬
‫ك َوُيْبص ُر ُذو ال َ‬ ‫ص ُر ُك َّل َش ْي ٍء‬ ‫أَلَْيس اهلل يْب ِ‬
‫َ ُُ‬

‫‪650‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫ْك ِفي ظُل ِْم اللََّيالِي‬ ‫َوأَ ْعطَى تِل َ‬ ‫يب الن َّْملَ ِة َّ‬
‫الس ْو َدا َت َعالَى‬ ‫ِ‬
‫َدب َ‬
‫ك ِمثْ ُل ال ُك َح ِال‬‫يد حالِ ٍ‬
‫َشد َ‬
‫ٍِ‬ ‫َص َّم َذ ِوي َسَو ٍاد‬ ‫ص ْخ ٍر أ َ‬ ‫َعلَى َ‬
‫وض بِ ُك ِّل َح ِال‬ ‫الب ُع ِ‬ ‫وأَ ْع َ ِ‬ ‫ض ِاء ِمْنها‬
‫ت ِفي األَ ْع َ‬ ‫َو ُم ْج ِري ال ُق ْو َ‬
‫ضاء َ‬ ‫َ‬
‫اط بِال ا ْختِ ِ‬ ‫وأَ ْعرا ُق النِّي ِ‬ ‫اح ِه ِفي ُجْن ِح لَْي ٍل‬
‫الل‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َو َم َّد َجَن َ‬
‫اس َم ْع لِل َْمَق ِال‬ ‫ِ‬ ‫العْب ُد َحًّقا‬
‫َوأَ ْخَفى مْنه فَ ْ‬ ‫َسَّر َ‬
‫َوَي ْعلَ ُم َما أ َ‬
‫َو َع ْقالً أَ ْن يُ َشا ِر َكهُ ال َْمَوالِي‬ ‫ص ُّح َش ْر ًعا‬ ‫فَ َم ْن َذا َشأْنُهُ أَيَ َ‬
‫الع ْق ِل ِعْن َد َذ ِوي ال َك َم ِال‬‫َوال في َ‬
‫ِ‬ ‫اهلل َما َه َذا بِ َح ٍّق‬‫معا َذ ِ‬
‫ََ‬
‫ت َرِم ٍيم ِذي ا ْغتَِف ِال‬ ‫إِلَى مْي ٍ‬
‫َ‬ ‫ول ِذي ُح ْج ٍر ُع ُد ٍ‬
‫ول‬ ‫أ َِفي َم ْع ُق ِ‬
‫س بِ ِذي َنَو ِال‬ ‫َع ِد َ ِ ِ‬
‫يم العلْم لَْي َ‬ ‫س َيَر ُاه َي ْو ًما‬ ‫َع ِد ِيم َّ‬
‫الس ْم ِع لَْي َ‬
‫ص ًيرا َس ِام ًعا ِفي ُك ِّل َح ِال‬ ‫بِ‬
‫َ‬ ‫َوَيْت ُر ُك َعالِ ًما َحيًّا قَ ِد ًيرا‬
‫اض ِل َوالنََّو ِال‬ ‫ر ِحيما ُذو ال َفو ِ‬ ‫َك ِر ًيما ُم ْح ِسًنا َبًّرا َجَو ًادا‬
‫َ‬ ‫َ ً‬
‫اإل ْسالم ِ َخ ِال‬ ‫لَ ُذو َخَب ٍل ِم ْن ِ‬ ‫لََع ْم ِري ِإ َّن َم ْن يَأْتِي بَِه َذا‬
‫المَق ِال‬ ‫سِق ِ ِ‬ ‫ضي َه َذا لََع ْم ِري‬ ‫وعقل يرتَ ِ‬
‫يم َزائ ٌغ َواه َ‬ ‫َ ٌ‬ ‫َ ٌ َْ‬
‫وأسفه ُهم وأولى بالنَّ َك ِال‬ ‫ُ‬ ‫أضل النَّاس طًُّرا‬ ‫وأَهلَُوه ُّ‬
‫َقر الْم ْش ِر ُكو َن َذووا الض ِ‬
‫َّالل‬ ‫إقرار بِ َما قَ ْد‬
‫ُ‬ ‫أ َّ ُ‬ ‫وك ٌ‬ ‫فال َيغُُر َ‬
‫ومالِ ُكه وذا باالقْتِ ِ‬
‫الل‬ ‫َ‬ ‫لق ُك ِّل شيء‬ ‫َن اهلل َخِا ُ‬ ‫بأ َّ‬
‫العَوالِي‬
‫ب َ‬ ‫حي قَ ِاد ٌر َر ُّ‬
‫َو ٌ‬ ‫ورزَّا ٌق ُم َدِّبُر ُك ِّل أ َْم ٍر‬
‫َ‬
‫فاس َم ْع َمقالِي‬ ‫َفَل ْم يَن َف ْع ُه ُموا ْ‬ ‫ش‬ ‫ِ‬
‫َف َها قَ ْد أَ َقَّر بِه ُقَريْ ٌ‬
‫ْج ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وهم ي ْد ُعو َن َغير ِ‬
‫الل‬ ‫َو َج ْهالً بِال ُْم َهْيم ِن ذي ال َ‬ ‫اهلل َج ْهًرا‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ‬
‫ادُت ُه ْم بِ َذبْ ٍح َم ْع ُسَؤ ِال‬ ‫ِ‬ ‫َح َجا ِر َكانَ ْ‬ ‫ِ‬
‫عَب َ‬ ‫ت‬ ‫َولألَ ْش َجا ِر َواأل ْ‬
‫ف َم ْع ر َج ٍاء وانْ ْذ ِ‬
‫الل‬ ‫بِ َخو ٍ‬
‫ْ‬ ‫ات َه َذا َكا َن ِمْن ُه ْم‬ ‫ولِأل َْمو ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫َفَباءُوا بِالَْوبَ ِال َوبِالنِّ َك ِال‬ ‫استِغَاثَ َة ُم ْسَت َ‬
‫ض ٍام‬ ‫َونَ ْذ ٍر َو ْ‬

‫‪651‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫الد ِاء ال ُْع َ‬


‫ض ِال‬ ‫اك ِذي َّ‬ ‫ِمن ا ِإل ْشر ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ْح َّق إِ ْن تَ ْسلُ ْكهُ َتْن ُجو‬ ‫َوإِ َّن ال َ‬
‫يد ال ُْم َهْي ِم ِن ِذي ال َك َم ِال‬ ‫بَِتو ِح ِ‬ ‫طَ ِريق الْمصطََفى الْمعص ِ‬
‫وم َحًّقا‬
‫ْ‬ ‫َْ ُ‬ ‫ُْ ُ ْ‬
‫ك بِال ا ْختِ ِ‬
‫الل‬ ‫َوبِاألَ ْف َع ِال ِمْن َ‬ ‫بِأَ ْف َع ٍال لَهُ َو ْح ِد ُه ِفْي َها‬
‫السَؤ ِال‬
‫ف َوالتََّو ُّك ُل َو ُّ‬ ‫و َخو ٍ‬
‫َ ْ‬ ‫اد َة ِم ْن َر َج ٍاء‬ ‫اع ال ِْعَب َ‬‫بِأَْنَو ِ‬
‫ْج ِ‬
‫الل‬ ‫ونَ ْذ ٍر و ِ ِ ِ‬ ‫استِغَاثَِة مسَت ِغْي ٍ‬
‫است َعانَة ذي ال َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ث‬ ‫َو َذبْ ٍح َو ْ ُ ْ‬
‫َوال تَ ْخ َش ُاه ِفي ُك ِّل الِْف َع ِال‬ ‫ض ْع لِغَْي ِر ِ‬
‫اهلل طًُّرا‬ ‫َوال تَ ْخ َ‬
‫ب وانْ ِذ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الر ْغب ِاء و َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الل‬ ‫بَت ْعظْي ٍم َو ُح ٍّ َ‬ ‫الر ْهَباء مْنهُ‬ ‫َوب َّ َ َ‬
‫اج ٍز ِفي ُك ِّل َح ِال‬ ‫ف َع ِ‬ ‫ض َعْي ٍ‬ ‫ت‬‫وق وميِّ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لِربِّ َ ِ‬
‫َ‬ ‫ك ال ل َم ْخلُ َ َ‬ ‫َ‬
‫الت الض ِ‬
‫َّالل‬ ‫و َد ْعَنا ِمن مز ِ‬ ‫َفَو ِّح ْد ُه َوأَفْ ِر ْد ُه بَِه َذا‬
‫ََ‬ ‫َ‬
‫ِح َكاي ٍ‬
‫ات ُملََّفَق ٍة لِغَالِي‬ ‫ول‬‫اع ألَفَّاك َج ُه ٍ‬ ‫ضٍ‬ ‫َوأ َْو َ‬
‫َ‬
‫وع بِالَْق ْو ِل ال ُْم َح ِال‬‫َع ْن ال َْم ْش ُر ِ‬ ‫ت‬‫ت َو َزا َغ ْ‬ ‫َو ُك ُّّل طَ ِري َق ٍة َخَر َج ْ‬
‫ْج ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫الل‬ ‫ِإلَى اهلل ال ُْم َهْيم ِن ذي ال َ‬ ‫فَِإنَّا م ْن طََرائق ِه ْم َبَراءٌ‬
‫َوِم ْن َج ْه ِميٍَّة ُم ْغ ٍل َغَو ِال‬ ‫اك طًُّرا‬ ‫اإل ْشر ِ‬
‫َفَتْبَرأُ م ْن َذ ِوي ِ َ‬
‫ِ‬
‫اك ِر والض ِ‬
‫َّالل‬ ‫ِ‬
‫َف ُه ْم أ َْه ُل ال َْمَن َ‬ ‫ث َزاغُوا‬ ‫ض َحْي ُ‬ ‫َوِم ْن ُك ِّل َّ‬
‫الرَو ِاف ِ‬
‫ُحلُْو ُم ُه ُموا بَِق ْو ٍل ِذي َوبَ ِال‬ ‫ضلَّ ْ‬
‫ت‬ ‫ث َ‬ ‫ب َحْي ُ‬ ‫اص ِ‬ ‫وِمن َقو َل النَّو ِ‬
‫َ ْ ْ َ‬
‫َويَا ُب ْع ًدا أل َْه ِل اال ْعتَِز ِال‬ ‫ِج قَ ْد بَ ِرْئَنا‬ ‫َوِم ْن َق ْو َل الْ َخَوار ِ‬
‫اب الْ َك َم ِال‬ ‫ف ِديْ َن أ َْربَ ِ‬ ‫يُ َخالِ ُ‬ ‫بِ َما قَالُْو ُه َواْنَت َحلُو ْه ِم َما‬
‫اجتَِر ًاء بِال ُْم َح ِال‬ ‫َفَق ْد جاءوا ِمن الْ ُك ْفر ِ‬
‫َعظَْي ًما َو ْ‬ ‫ان أ َْمًرا‬ ‫َُ ْ َ‬
‫َقَف ْوا َج ْه ًما بَِرْأ ٍي َوانْتِ َح ِال‬ ‫اعَر ٍة غَُو ٍاة‬‫وَنبرأُ ِمن أَ َش ِ‬
‫َ َْ ْ‬
‫َوَنْبَرأُ َج ْهَر ًة ِم ْن ُك ِّل َغ ِال‬ ‫ت‬‫ضَل ْ‬ ‫ت َو َ‬ ‫َوِم ْن ُجْب ِريٍَّة َكَفَر ْ‬
‫ْج ِ‬
‫الل‬ ‫ِ ِ‬
‫َوَت ْقدي ِر ال ُْم َهْيم ِن ذي ال َ‬
‫ِ‬ ‫الر ْح َم ِن َربِّي‬ ‫ُكَنا ِفي قُ ْد َر ِة َّ‬
‫َفَل ْسَنا ِمْن ُه ُموا أَبَ ًدا بِ َح ِال‬ ‫ب بَ ِرْئَنا‬ ‫َوِم ْن َق ْو ِل ابْ ِن ُكالَّ ِ‬

‫‪652‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫نُ ِمي بِاالقْتِراِن َذ ِوي الض ِ‬


‫َّالل‬ ‫َ‬ ‫َوِم ْن َق ْو ِل ابْ ِن َكَّر ٍام َوِم َم ْن‬
‫َّاس ِفي ُك ِّل الْ َخ ِ‬
‫الل‬ ‫ض ُّل الن ِ‬
‫أَ َ‬ ‫َوأ َْه ُل الَْو ْح َد ِة الْ ُكَّفا ِر إِ ْذ ُه ْم‬
‫َفَق ْد َجاءُوا بَِق ْو ٍل ِذي َوبَ ِال‬ ‫ول َذ ِوي ال َْم َخا ِزي‬ ‫ْحلُ ِ‬ ‫ِ‬
‫َوم ْن أ َْه ِل ال ُ‬
‫اب ِكر ٍام ثُ َّم ِ‬
‫آل‬ ‫َص َح ٍ‬ ‫َح َم َد ِذي ال َْم َعالِي‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َوأ ْ‬ ‫عأْ‬ ‫َوم َّم ْن قاَ َل َش ْر َ‬
‫ب ِذي الض ِ‬
‫َّالل‬ ‫اله ِمن م ِ‬
‫الع ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وَنْبرأُ ِمن طَرائِ َق م ْح َدثَ ٍ‬
‫َم ْ َ‬ ‫ات‬ ‫َ َ ْ َ ُ‬
‫ف ِذي ا ْغتَِي ِال‬ ‫َوِم ْز َما ٍر َو ُد ٍّ‬ ‫ْص‬‫ص ِديٍَة َو َرق ٍ‬ ‫ان َوتَ ْ‬ ‫بِأَلْح ِ‬
‫َ‬
‫ات َت ُرو ُق لِ ِذي الْ َخَب ِال‬ ‫َصو ٍ‬
‫بأ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫َوأَ ْذ َكا ٍر ُملََفَّق ٍة َو ِش ْع ٍر‬
‫ْح ِمي ِر أ َْو الْبِغَ ِال‬ ‫ِ‬ ‫الب لَ َدى انْتِ َح ِال‬ ‫ْك ِ‬ ‫فَ ِح ًينا َكال ِ‬
‫َوح ًينا َكال َ‬
‫ص ِفي ال َْم َج ِال‬ ‫ِ‬ ‫الشْي َخ ِفْي ِه ْم ِمثْ َل ِق ْر ٍد‬‫َوَت ْلَقى َّ‬
‫يُالعُب ُه ْم َوَي ْرقُ ُ‬
‫ص ِر الْ َخَوالِي‬ ‫ِ‬
‫َفلَ ْم نَ ْس َم ْعهُ في ال ُْع ُ‬ ‫ت بَِه َذا‬ ‫اء ْ‬ ‫ٍ‬
‫َي َش ِر َيعة َج َ‬ ‫بِأ ِّ‬
‫التَقى َواالبْتِ َه ِال‬ ‫َف ُه ْم أ َْه ُل ُّ‬ ‫التْقَوى فَ َحا ًشا‬ ‫فَأ ََما َع ْن َذ ِوي َّ‬
‫اع ِفي انْتِ َح ِال‬ ‫لََع ْم ِري ُذو ابْتِ َد ٍ‬ ‫س ِمْن ُه ْم‬ ‫اع َولَْي َ‬ ‫َوأ َْه ُل ا ِإلْتَب ِ‬
‫ع َد َّل ِم َن الْ َك َم ِال‬ ‫الشْر ُ‬ ‫َعلَْي ِه َّ‬ ‫َو َكا َن ُسلُو ُك ُه ْم َحًّقا َعلَى َما‬
‫بو ِ‬
‫آل‬ ‫ص ْح ٍ َ‬
‫ِ‬
‫َع ْن ا ِإلْثَبات َع ْن َ‬ ‫بِأَذ َكا ٍر َوأ َْو َر ٍاد َر َو ْو َها‬
‫ضا ِفي ُك ِّل َح ِال‬ ‫لَهُ ِباالقْتِ َ‬ ‫ْمز َّكي‬
‫ع ال َ‬ ‫َو َح ٍال يَ ْش َه ُد َّ‬
‫الشْر ُ‬
‫بِأ َْم ٍر َوا ِر ٍد لِ َذ ِوي الْ َك َم ِال‬ ‫اء َح ٌ‬
‫ال‬ ‫َو َم ْع َه َذا ِإ َذا َما َج َ‬
‫ض ِفي الَْفَنا ِفي َذا ال َْم َج ِال‬ ‫َوُت ْعَر ُ‬ ‫ت الَّتِي لِْلَق ْوِم ُت ْر َوى‬ ‫ِمن النُّ َك ِ‬
‫َ‬
‫الش ِاه َديْ ِن بِال ا ْختِ ِ‬
‫الل‬ ‫بِ ُح ْك ِم َّ‬ ‫اك إِال‬ ‫وها َذ َ‬ ‫أََب ْوا أَ ْن َي ْقَبلُ َ‬
‫اض ٌح لِ َذ ِوي ال َْم َعالِي‬ ‫ص ِريح و ِ‬
‫َ ٌَ‬ ‫يح‬
‫صح ٌ‬
‫ص ِ‬ ‫ِ‬
‫اب اهلل أ َْو نَ ُّ َ‬ ‫كَت ُ‬
‫ِ‬
‫اق طَ َار َوال ُيَبالِي‬ ‫ِإلَى اآلفَ ِ‬ ‫ص‬‫َوقَ ْد قَالُوا َوال َي ْغ ُر ْر َك َش ْخ ٌ‬
‫َويَأْتِي بِالْ َخَوا ِر ِق بِالِْف َع ِال‬ ‫َويَ ْم ِشي َف ْو َق ظَ ْه ِر ال َْم ِاء َر ْهًوا‬
‫ص ِال‬ ‫ِ‬ ‫أَتَى بِ َّ ِ‬
‫الشْر ِع في ُك ِّل الْخ َ‬ ‫ك َسالِ ًكا ِفي َن ْه ِج َم ْن قَ ْد‬ ‫َولَ ْم يَ ُ‬

‫‪653‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫االه ُموا ِم ْن ُك ِّل غَ ِال‬ ‫ل َم ْن َو ُ‬


‫ِ‬ ‫ك ِم ْن َشَياطيِ ِن غَُو ٍاة‬ ‫فَ َذلِ َ‬
‫اب الْ َك َم ِال‬ ‫ِ‬ ‫اعا َوا ْختَِر ً‬ ‫ك ابْتِ َد ً‬
‫َص َح ِ‬ ‫َو ُس ْر في إِثْ ِر أ ْ‬ ‫اعا‬ ‫فَ َد ْع َعْن َ‬
‫ذَ َك ْرنَا ُج ْملَ ًة ِفي َذا ال َْم َج ِال‬ ‫وض لَ ِك ْن‬ ‫ِ‬
‫ب ال َْم ْف ُر َ‬ ‫َولَ ْم نَ ْسَت ْوع ْ‬
‫ض َج ِاه ًدا ِف ِيه َو َو ِال‬ ‫َوأَبْ ِغ ْ‬ ‫ب ِفي ا ِإللَِه َو َع ِاد ِف ِيه‬ ‫َحبِ ْ‬‫فَأ ْ‬
‫وال َتر َك ْن إِلَى أ َْه ِل الض ِ‬
‫َّالل‬ ‫َ ْ‬ ‫َوأ َْه َل ال ِْعل ِْم َجالِ ْس ُه ْم َو َسائِ ْل‬
‫يل َوقَ ِال‬ ‫ث َو ِفي ِق ٍ‬ ‫بِال ب ْح ٍ‬
‫َ‬ ‫ك ِفي ا ْغتَِف ِال‬ ‫ب َز َمانُ َ‬ ‫َوال يَ ْذ َه ْ‬
‫اب الْ َك َم ِال‬ ‫فَ َذا ِم ْن َشأ ِْن أ َْربَ ِ‬ ‫ف َوأَنْ َه َع ِن ال َْمَن ِاهي‬ ‫ومر بِالْعر ِ‬
‫َ ُ ْ ُْ‬
‫ت لِ ِذي األََمالِي‬ ‫يض قَ ْد َرأَيْ ُ‬‫قَ ِر ٌ‬ ‫ضى نَظ ِْمي لِ َه َذا‬ ‫َد َعانِي َواقَْت َ‬
‫االمتِثَ ِال‬
‫اع ْفتُهُ بِ ْ‬ ‫َوقَ ْد َس َ‬ ‫سَؤ ِال ِخ ٍّل‬ ‫ِ ٍِ‬
‫َو َح ُّق إ َجابَة ل ُ‬
‫ك َج ِال‬ ‫ت الَّ ِذي لِ َّ‬
‫لش ِّ‬ ‫َوأَْب َقْي ُ‬ ‫ض ِيه‬‫ت الَّ ِذي ال َنرتَ ِ‬
‫ْ‬ ‫ضُ‬ ‫َف َع َار ْ‬
‫ص ِر الْ َخَوالِي‬ ‫َّاس ِفي ال َْع ْ‬ ‫َعلَْي ِه الن ِ‬ ‫َو ِز ْدنَا ِف ِيه أَبْ َحاثًا ِح َسانًا‬
‫ص ًيرا َح ِافظًا َولِ َم ْن َد َعالِي‬ ‫نَ ِ‬ ‫ش َثبِّْتنِي َو ُك ْن لِي‬ ‫َفَيا َذا ال َْع ْر ِ‬
‫ْج ِ‬
‫الل‬ ‫ِ ِ‬
‫بِعل ٍْم نَاف ٍع يَا َذا ال َ‬ ‫آمالِي َو ُج ْد لِي‬ ‫يك َ‬ ‫َو َحِّق ْق ِف َ‬
‫وء ِم ْن ُك ِّل الِْف َع ِال‬ ‫الس ِ‬‫يع ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ص ْل َحْبِلي بِ َحْبِل َ‬ ‫وِ‬
‫َجم َ‬ ‫ف َعنِّي‬ ‫ك َوا ْع ُ‬ ‫َ‬
‫الح الَْب ْر ُق ِفي ظُلَ ِم اللََّيالِي‬ ‫َو َ‬ ‫اب َو ْد ٌق‬ ‫ص َ‬ ‫ص ِّل اهللُ َما قَ ْد َ‬ ‫َو َ‬
‫اب و ِ‬ ‫َح َم َد ِذي ال َْم َعالِي‬ ‫علَى الْمع ِ‬
‫آل‬ ‫َص َح ٍ َ‬
‫أتباع َوأ ْ‬
‫َو ِ‬ ‫صوم أ ْ‬ ‫َ َْ ُ‬
‫مت ه ذا اجلزء الث الث بع ون اهلل وتوفيقه ونس أل اهلل احلي القي وم العلي العظيم ذا اجلالل‬
‫واإلك رام الواحد األحد الف رد الص مد ال ذي مَلْ يلد ومل يولد ومل يكن له كف ًوا أحد أن يعز‬
‫اإلسالم واملسلمني وان خيذل الكفرة واملشركني وأعواهنم وأن يصلح من يِف صالحه صالح‬
‫لإلس الم واملس لمني ويهلك من يِف هالكه عز وص الح لإلس الم واملس لمني وأن يلم ش عث‬
‫املسلمني وجيمع مشلهم ويوحد كلمتهم وأن حيفظ بالدهم ويصلح أوالدهم ويشف مرضاهم‬
‫ويع ايف مبتالهم وي رحم موت اهم ويأخذ بأي دينا َعلَى كل خري ويعص منا وإي اهم من كل شر‬

‫‪654‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫وحيفظنا وإياهم من كل ضر وأن يغفر لنا ولوالدينا ومجيع املسلمني برمحته إنه أرحم الرامحني‬
‫وعلَى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬‫وصلى اهلل َعلَى حممد َ‬
‫عاما إنه مسيع‬
‫نفعا ً‬
‫خالص ا لوجهه الكرمي وأن ينفع به ً‬
‫واهلل املسئول أن جيعل عملنا ه ذا ً‬
‫قريب جميب َعلَى كل شيء قدير ‪.‬‬
‫( خاتمة ‪ ،‬وصية ‪ ،‬نصيحة )‬
‫اعلم وفقنا اهلل وإي اك ومجيع املسلمني ملا حيبه اهلل ويرضاه أن مما جيب االعتن اء به حفظًا‬
‫وعمالً كالم اهلل جل وعال وكالم رسوله ‪. ‬‬
‫وأنه ينبغي ملن وفقه اهلل تعاىل أن حيث أوالده َعلَى حفظ القرآن وما تيسر من أحاديث‬
‫النيب ‪ ‬املتفق َعلَى صحتها عنه كالبخاري ومسلم ‪.‬‬
‫ومن الفقه خمتصر املقنع ليتيسر له استخراج املسائل وجيعل ألوالده َما حيثهم َعلَى ذلك ‪.‬‬
‫حيحا عش رة آالف أو أزيد أو أقل‬‫فمثالً جيعل ملن حيفظ الق رآن َعلَى ص دره حفظًا ص ً‬
‫حسب حاله يِف الغىن ‪.‬‬
‫ومن األحاديث عقود اللؤلؤ واملرجان فيما اتفق عليه اإلمامان البخاري ومسلم ‪ ،‬وجيعل‬
‫ملن حيفظ ذلك ستة آالف (‪ )6000‬لاير ‪.‬‬
‫فإن عجزوا عن حفظها فالعمدة يِف احلديث جيعل ملن حفظها ثالثة آالف (‪ )3000‬لاير‬
‫أو األربعني النووية وجيعل ملن حيفظها أل ًفا (‪ )1000‬لاير ‪.‬‬
‫وجيعل ملن حيفظ خمتصر املقنع يِف الفقه ألفني (‪ )2000‬من الرياالت فالغيب سبب حلفظ‬
‫املسائل وسبب لسرعة استخراج َما أريد من ذلك وما أشكل معناه أو يدخلهم يِف مدارس‬
‫حتفيظ القرآن يِف بيوت اهلل أو البيوت املعدة لذلك فمدارس تعليم القرآن والسنة هي مدارس‬
‫التعليم الع ايل املمت از الب اقي الن افع يِف ال دنيا واآلخ رة أو ي دخلهم يِف حلق ات حتفيظ الق رآن‬
‫الكرمي املوجودة يِف املساجد ‪.‬‬
‫فمن وفقه اهلل لذلك وعمل أوالده بذلك َك ا َن سببًا حلصول األجر من اهلل وسببًا لربهم به ودعائهم له إذا ذكروا ذلك ِمْنه ولعله أن‬
‫يكون سببًا مبار ًكا يعمل به أوالده مع أوالدهم فيزيد األجر له وهلم نسأل اهلل أن يوفق اجلميع حلسن النية إنه القادر َعلَى ذلك وصلى اهلل‬
‫َعلَى حممد وآله وصحبه وسلم ‪.‬‬

‫‪655‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫الشر ِع يؤ َخ ُذ َعن ثَِق ِ‬


‫ات‬ ‫ْ‬ ‫َك ْعل ِْم َّ ْ ُ‬ ‫خالئِقِ ِم ْن ُمَر ٍّ‬
‫ب‬ ‫َولَْم أََرى لِْل َ‬
‫الر ِاقَي َ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل َم ْد َر َس ِة األََوالَي‬ ‫ِ‬
‫ات‬ ‫وم َّ‬‫العلُ ُ‬
‫ل َم ْن َي ْهَوى ُ‬ ‫بَِبْيت َ‬

‫( فصل يحتوي َعلَى الدعاء )‬


‫اللهم يا عظيم العفو ‪ ،‬يا واسع املغفرة ‪ ،‬يا قريب الرمحة يا ذا اجلالل واإلكرام ‪ ،‬هب لنا‬
‫العافية يِف الدنيا واآلخرة ‪.‬‬
‫اللهم يا حي ويا قي وم فرغنا ملا خلقتنا له ‪ ،‬وال تش غلنا مبا تكفلت لنا به ‪ ،‬واجعلنا ممن‬
‫يؤمن بلقائك ‪ ،‬ويرضى بقضائك ‪ ،‬ويقنع بعطائك ‪ ،‬وخيشاك حق اخلشية ‪.‬‬
‫أحدا ‪.‬‬
‫رغدا ‪ ،‬وال تشمت بنا َ‬ ‫اللهم اجعل رزقنا َ‬
‫اللهم رغبنا فيما يبقى ‪ ،‬وزهدنا فيما يفىن ‪ ،‬وهب لنا اليقني الذي ال تسكن النفوس إال‬
‫إليه ‪ ،‬وال يعول يِف الدين إال عليه ‪.‬‬
‫اللهم إنا نسألك بعزك الذي ال يرام وملكك الذي ال يضام وبنورك الذي مأل أركان‬
‫عرشك أن تكفينا شر َما أمهنا وما ال هنتم به وأن تعي ذنا من ش رور أنفس نا ومن س يئات‬
‫أعمالنا ‪.‬‬
‫اللهم يا عليم يا حليم يا ق وي يا عزيز يا ذا املن والعطا والعز والكربي اء يا من تعن وا له‬
‫الوجوه وختشع له األصوات ‪.‬‬
‫وفقنا لصاحل األعمال وأكفنا حباللك عن حرامك وبفضلك عمن سواك إنك َعلَى كل‬
‫شيء قدير ‪.‬‬
‫اللهم إنا نس ألك رمحة من عن دك هتدي هبا قلوبنا ‪ ،‬وجتمع هبا مشلنا ‪ ،‬وتلم هبا ش عثنا ‪،‬‬
‫وترفع هبا ش اهدنا ‪ ،‬وحتفظ هبا غائبنا ‪ ،‬وت زكى هبا أعمالنا ‪ ،‬وتلهمنا هبا رش دنا ‪ ،‬وتعص منا‬
‫هبا من كل سوء يا أرحم الرامحني ‪.‬‬
‫اللهم ارزقنا من فضلك ‪ ،‬وأكفنا شر خلقك ‪ ،‬وأحفظ علينا ديننا وصحة أبداننا ‪.‬‬

‫‪656‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫اللهم يا هادي املضلني ويا راحم املذنبني ‪ ،‬ومقيل عثرات العاثرين ‪ ،‬نسألك أن تلحقنا‬
‫بعب ادك الص احلني ال ذين أنعمت عليهم من النب يين والص ديقني والش هداء والص احلني آمني يا‬
‫رب العاملني ‪.‬‬
‫اللهم يا عامل اخلفيات ‪ ،‬ويا رفيع الدرجات ‪ ،‬يا غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب‬
‫ذي الطول ال إله إال أنت إليك املصري ‪.‬‬
‫نس ألك أن ت ذيقنا ب رد عف وك ‪ ،‬وحالوة رمحتك ‪ ،‬يا أرحم ال رامحني وأرأف ال رائفني وأك رم‬
‫األكرمني ‪.‬‬
‫اللهم اعتقنا من رق الذنوب ‪ ،‬وخلصنا من أشر النفوس ‪ ،‬وأذهب عنا وحشة اإلساءة ‪،‬‬
‫وطهرنا من دنس الذنوب ‪ ،‬وباعد بيننا وبني اخلطايا وأجرنا من الشيطان الرجيم ‪.‬‬
‫اللهم طيبنا للقائك ‪ ،‬وأهلنا لوالئك وأدخلنا مع املرحومني من أوليائك ‪ ،‬وتوفنا مسلمني‬
‫وأحلقنا بالصاحلني ‪.‬‬
‫اللهم أعنا َعلَى ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ‪ ،‬وتالوة كتابك ‪ ،‬واجعلنا من حزبك‬
‫املفلحني ‪ ،‬وأي دنا جبن دك املنص ورين ‪ ،‬وارزقنا مرافقة ال ذين أنعمت عليهم من النب يني‬
‫والصديقني والشهداء والصاحلني ‪.‬‬
‫اللهم أعنا َعلَى ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ‪ ،‬وتالوة كتابك ‪ ،‬واجعلنا من حزبك‬
‫املفلحني ‪ ،‬وأي دنا جبن دك املنص ورين ‪ ،‬وارزقنا مرافقة ال ذين أنعمت عليهم من النب يني‬
‫والصديقني والشهداء والصاحلني ‪.‬‬
‫اللهم يا ف الق احلب والن وى ‪ ،‬يا منشئ األجس اد بعد البلى يا م ؤي املنقطعني إليه ‪ ،‬يا‬
‫كايف املتوكلني عليه ‪ ،‬انقطع الرجاء إال منك ‪ ،‬وخابت الظنون إال فيك ‪ ،‬وضعف االعتماد‬
‫إال عليك نس ألك أن متطر حمل قلوبنا من س حائب ب رك وإحس انك وأن توفقنا ملوجب ات‬
‫رمحتك وعزائم مغفرتك إنك جواد كرمي رؤوف غفور رحيم ‪.‬‬
‫سليما ‪ ،‬ولسانًا صادقًا ‪ ،‬وعمالً متقبالً ‪،‬‬
‫اللهم إنا نسألك قلبًا ً‬

‫‪657‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫ونسألك بركة احلياة وخري احلياة ‪ ،‬ونعوذ بك من شر احلياة ‪ ،‬وشر الوفاة ‪.‬‬
‫اللهم إنا نس ألك بامسك األعظم األغر األجل األك رم ال ذي إذا دعيت به أجبت وإذا‬
‫سئلت به أعطيت ‪.‬‬
‫ونسألك بوجهك الكرمي أكرم الوجوه ‪ ،‬يا من عنت له الوجوه ‪ ،‬وخضعت له الرقاب ‪،‬‬
‫وخشعت له األصوات ‪ ،‬يا ذا اجلالل واإلكرام ‪.‬‬
‫يا حي يا قيوم ‪ ،‬يا مالك امللك ‪ ،‬يا من هو َعلَى كل شيء قدير ‪ ،‬وبكل شيء عليم ‪،‬‬
‫ال إله إال أنت ‪ ،‬برمحتك نستغيث ‪ ،‬ومن عذابك نستجري ‪.‬‬
‫اللهم اجعلنا خنشاك حىت َكأنَنا نراك ‪ ،‬وأسعدنا بتقواك وال تشقنا مبعصيتك ‪.‬‬
‫اللهم إنك تس مع كالمنا ‪ ،‬وت رى مكاننا ‪ ،‬وتعلم س رنا وعالنيتنا ال خيفى عليك ش يء‬
‫من أمرنا حنن البؤس اء الفق راء إليك ‪ ،‬املس تغيثون املس تجريون الوجل ون املش فقون املع رتفون‬
‫بذنوبنا ‪.‬‬
‫نس ألك مسألة املس كني ‪ ،‬ونبتهل إليك ابته ال املذنب ال ذليل ‪ ،‬ون دعوك دع اء اخلائف‬
‫الضرير ‪.‬‬
‫اللهم يا من خض عت له رقابنا ‪ ،‬وفاضت له عباراتنا ‪ ،‬وزلت له أجس امنا ورغمت له‬
‫أنوفنا ال جتعلنا بدعائك أشقياء وكن بنا رؤوفًا يا خري املسؤلني ‪.‬‬
‫نفسا مطمئنة تؤمن بلقائك وترضى بقضائك وتقنع بعطائك ‪ ،‬يا أرأف‬ ‫اللهم إنا نسألك ً‬
‫الرأفني ‪ ،‬أرحم الرامحني ‪.‬‬
‫اللهم إنا نس ألك التوفيق ملا حتبه من األعم ال ونس ألك ص دق التوكل عليك ‪ ،‬وحسن‬
‫الظن بك يا رب العاملني ‪.‬‬

‫‪658‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫اللهم اجعلنا من عبادك املخبتني الغر احملجلني الوفد املتقبلني ‪.‬‬


‫ومردا غري خمزي‬ ‫ونفس ا تقية ‪ ،‬وعيشة نقية وميتة سوية ‪ً ،‬‬ ‫اللهم إنا نسألك حياة طيبة ‪ً ،‬‬
‫وال فاضح ‪.‬‬
‫اللهم اجعلنا من أهل الصالح والنجاح والفالح ومن املؤيدين بنصرك وتأييدك ورضاك‬
‫يا رب العاملني ‪.‬‬
‫ك مِم َّن تَ َشاء َوتُعُِّز َمن تَ َش اء َوتُ ِذ ُّل َمن‬
‫ك َمن تَ َشاء َوتَنزِعُ الْ ُم ْل َ‬ ‫ك ُت ْؤيِت الْ ُم ْل َ‬‫ك الْم ْل ِ‬ ‫ِ‬
‫( اللَّ ُه َّم َمال َ ُ‬
‫َّك َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير ) ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫تَ َشاء بِيَد َك اخْلَْي ُر إِن َ‬
‫يا ودود يا ذا العرش اجمليد يا مبدئ يا معيد يا فعال ملا تريد نسألك بنور وجهك الذي‬
‫مأل أرك ان عرشك وبق درتك اليت ق درت هلا َعلَى مجي ع خلقك وبرمحتك اليت وس عت كل‬
‫شيء ال إله إال أنت أن تغفر ذنوبنا وسيئاتنا وأن تبدهلا لنا حبسنات إنك جواد كرمي رؤوف‬
‫رحيم ‪.‬‬
‫اللهم افتح لدعائنا باب القبول واإلجابة واغفر لنا ولوالدينا ومجي ع املسلمني برمحتك يا‬
‫أرحم الرامحني ‪.‬‬
‫وصلى اهلل َعلَى حممد وآله وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫عبد العزيز بن محمد بن سلمان‬


‫ِش ْع ًرا ‪:‬‬
‫شر َها في ُك ِل ب ٍاد وح ِ‬
‫اض ِر‬ ‫َ َ‬ ‫وأنْ ُ ُ‬ ‫أبث َها‬
‫وم ُ‬ ‫اي ِمن ُّ‬
‫الدْنَيا ُعلُ ٌ‬ ‫ُمَن َ‬
‫ال ِذ ْكر َها في الم ِ‬
‫حاض ِر‬ ‫َ‬ ‫اسى ِر َج ٌ َ‬ ‫َتَن َ‬ ‫والسن َِّة الَّتِي‬ ‫ِ‬
‫اء إلَى ال ُق ْرآن ُ‬
‫ُد َع ً ِ‬
‫المن ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الجَرائِد تَار ًة‬ ‫ِ‬
‫اك ِر‬ ‫شرور َ‬ ‫َس ال ُ‬‫وت ْلَفا ِزه ْم رأ ُ‬ ‫وها َ‬ ‫َوقَ ْد أبْدلُ َ‬
‫اع ِمن وق ٍ‬
‫ْت بَِها بال َخ َسائِ ِر‬ ‫ِ‬
‫وم ْذيَاع ِه ْم أيْ ًًِ‬
‫ض َ َ‬ ‫ف َك ْم َ‬ ‫ِضا فال َتْنس َشَّر ُه‬

‫‪659‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫آخر ‪:‬‬
‫ِ‬
‫والعْي َن َوالَْي َدا‬
‫العْي َن َ‬ ‫ت فيها َ‬ ‫َوأَ ْفَنْي ُ‬ ‫ب ُكتًُبا طَالَما قَ ْد َج َم ْعُت َها‬ ‫أُقلِّ ُ‬
‫ت ِف َيها ُمَن َّ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ت َذا ظَ ٍن بَِها وتَم ُّس ٍ‬
‫ض َدا‬ ‫ص ْغ ُ‬‫لعلْمي بِ َما قَ ْد ُ‬ ‫ك‬ ‫ََ‬ ‫َصَب ْح ُ‬
‫َوأ ْ‬
‫ين َوأَ ْن َي ْغَتالَ َها غَائِ ُل َّ‬
‫الر َدى‬ ‫َم ِه ٌ‬ ‫ال بَِنائِ ٍل‬ ‫أح َذ ُر ُج ْه ِدي أَ ْن ُتَن َ‬
‫َو ْ‬
‫ت ِش ْع ِري َم ْن ُيَقلُِّب َها غَ َدا‬ ‫َفَيا لَْي َ‬ ‫ت بَ ِاقًيا‬‫َوا ْعلَ ْم َحًّقا أَنَّنِي لَ ْس ُ‬
‫فوائد عظيمة النفع‬
‫واعجبًا منك يض يع منك الش يء القليل وتتك در وتتأسف َوقَ ْد ض اع أش رف األش ياء‬
‫عندك وهو عمرك الذي ال عوض له وأنت عند قتاالت األوقات ‪ ،‬الكورة والتلفاز واملذياع‬
‫وحنوها من قطاع الطريق عن األعمال الصاحلة ‪ ،‬ولكن ستندم ﴿ ي وم ينَ ِاد الْمنَ ِاد ِمن َّم َك ٍ‬
‫ان‬ ‫َْ َ ُ ُ‬
‫ِ‬
‫وج ﴾ ‪.‬‬ ‫الصْي َحةَ بِاحْلَ ِّق َذل َ‬
‫ك َي ْو ُم اخْلُُر ِ‬ ‫قَ ِر ٍ‬
‫يب * َي ْو َم يَ ْس َمعُو َن َّ‬
‫اللهم علمنا َما ينفعنا وأنفعنا مبا علمتنا وال جتعل علمنا وب االً علينا اللهم ق وي معرفتنا‬
‫بك وبأمسائك وصفاتك ونور بصائرنا ومتعنا بأمساعنا وأبصارنا وقواتنا يا رب العاملني واغفر‬
‫وعلَى آله‬‫لنا ولوال دينا وجلميع املس لمني برمحتك يا أرحم ال رامحني وص لى اهلل َعلَى حممد َ‬
‫وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫‪660‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫فهرس الجزء الثالث‬


‫رقم الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪5‬‬ ‫مناذج من وصايا السلف ‪............................................‬‬
‫‪14‬‬ ‫قال بعضهم موصيًا أوالده بوصية نافعة ‪...............................‬‬
‫‪26‬‬ ‫فائدة عظيمة النفع ملن عمل هبا ‪......................................‬‬
‫‪30‬‬ ‫قصيدة ينبغي تأملها ‪................................................‬‬
‫‪31‬‬ ‫ماذا ينبغي ملن نزل به املوت ‪........................................‬‬
‫‪34‬‬ ‫ما ينبغي ملن أراد حلاق القوم اجملتهدين ‪...............................‬‬
‫‪36‬‬ ‫قصيدة حتتوي على نصائح ووصايا ومواعظ ‪.........................‬‬
‫‪36‬‬ ‫وآداب وأخالق ‪...................................................‬‬
‫‪45‬‬ ‫وصية مقتول يف سبيل اهلل ‪.........................................‬‬
‫‪47‬‬ ‫وصية اإلمام الغزايل لبعض إخوانه ‪...................................‬‬
‫‪51‬‬ ‫من أحوال السلف عند االحتضار ملا نزل املوت باحلسن رمحه اهلل ‪....‬‬
‫‪54‬‬ ‫ومن أخالق السلف مقت أنفسهم ‪..................................‬‬
‫‪56‬‬ ‫قصيدة يف الثناء على السلف وتواضعهم وورعهم ‪....................‬‬
‫‪57‬‬ ‫من أخالق السلف كثرة احلزن واهلم كلما تذكروا املوت خوف سوء‬
‫اخلامتة ‪.............................................................‬‬
‫‪58‬‬ ‫أبيات تضرع إىل اهلل وحث على القناع ‪..............................‬‬
‫‪60‬‬ ‫من فوائد حماسبة النفس ‪.............................................‬‬
‫‪61‬‬ ‫إشغال اجلوارح بطاعة اهلل ‪...........................................‬‬
‫‪62‬‬ ‫قال بعضهم صالح األمة وفسادها بصالح العلماء وفسادهم وبعده‬
‫قصيدة ‪...........................................................‬‬
‫‪66‬‬ ‫آثار تربية الرسول ‪ ‬ألصحابه ‪......................................‬‬

‫‪661‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫‪69 ، 68‬‬ ‫ومناذج من كرمهم وجودهم ‪......................................‬‬


‫‪70‬‬ ‫من أخالق السلف إخراج الطيب هلل ‪................................‬‬
‫الصحابة ينفقون ما حصل بأيديهم من املال حال وصوله لثقتهم باهلل‬
‫‪71‬‬ ‫الرزاق ذو القوة املتني ‪..............................................‬‬
‫‪72‬‬ ‫أبيات يف احلث على الكرم والزهد ‪..................................‬‬
‫‪75‬‬ ‫بعضا مبا حيبه اهلل‬
‫من أخالق السلف توصية بعضهم ً‬
‫‪....................‬‬
‫‪77‬‬ ‫مواعظ بليغة يف املقارنة بني حالنا وحال السلف ‪......................‬‬
‫‪82‬‬ ‫ما يغلب على القلب واللسان عند مفارقة الدنيا ‪.......................‬‬
‫مواعظ بليغة حتتوي على املقارنة بني أحوالنا وأحوال السلف وبعدها‬
‫‪86‬‬ ‫قصيدة يف احلث على التمسك بطريقة السلف والثناء عليهم مبا هم أهله ‪.‬‬
‫مواعظ بليغة يف احلث على طاعة اهلل ووصية نافعة من عمر ألمري جيشه‬
‫‪90‬‬ ‫سعد بن أيب وقاص ‪.................................................‬‬
‫‪97‬‬ ‫الذي يرجع إىل فعل املأمور وترك احملظور والصرب على املقدور قاله ابن‬
‫القيم ‪.............................................................‬‬
‫‪100‬‬ ‫ويلي ذلك قصيدة ‪..........................................‬‬
‫‪101‬‬ ‫فصل يف ذم طول األمل واحلث على تقصريه ‪.........................‬‬
‫‪103‬‬ ‫لطول األمل سببان اجلهل وحب الدنيا ‪...............................‬‬
‫‪105‬‬ ‫أصل األماين كلها حب الدنيا ‪.......................................‬‬
‫اجلهل الذي هو سبب لطول األمل له عالج بإذن اهلل ‪..................‬‬
‫وكذلك السبب الثاين طول األمل وهو حب الدنيا له عالج وهو اإلميان‬
‫‪107‬‬ ‫باهلل واليوم اآلخر ‪ ....‬اخل ‪..........................................‬‬
‫‪110‬‬ ‫كثريا وتقصري األمل دليل على‬‫الناس متفاوتون يف طول األمل تفاوتًا ً‬

‫‪662‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫كمال العقل ‪.....................................................‬‬


‫‪120‬‬ ‫احلياة الدنيا مغرب إىل اآلخرة ‪ ،‬أمثلة الدنيا ‪ ،‬حتقري الدنيا ‪................‬‬
‫‪122‬‬ ‫نبذة من زهد النيب ‪.............................................. ‬‬
‫‪126‬‬ ‫علي بن احلسني حياسب نفسه ‪......................................‬‬
‫‪133‬‬ ‫ال تتم الرغبة يف اآلخرة إال بالزهد بالدنيا ‪............................‬‬
‫‪138‬‬ ‫موعظة يف بيان أن الناس يف هذه الدنيا انقسموا قسمني لكل قسم غاية ‪.‬‬
‫‪141‬‬ ‫قصيدة وعظية زهدية مرئية للسلف رضي اهلل عنهم ‪..................‬‬
‫‪142‬‬ ‫كالم ابن القيم يف التحذير من إبليس وجنوده‬
‫‪.........................‬‬
‫‪154‬‬ ‫وله رمحه اهلل من النونية يف ذم الدنيا ويليها موعظة ‪....................‬‬
‫‪157‬‬ ‫موعظة ‪............................................................‬‬
‫‪160‬‬ ‫فوائد ومواعظ ونصائح ‪............................................‬‬
‫‪164‬‬ ‫فوائد ومواعظ ‪.....................................................‬‬
‫‪168‬‬ ‫فصل يف ذكر اهلل ‪..................................................‬‬
‫‪172‬‬ ‫فوائد ومواعظ وحكم ونصائح وآداب ‪..............................‬‬
‫‪176‬‬ ‫فصل يف االستغفار ‪.................................................‬‬
‫‪178‬‬ ‫بعض عالمات حسن اخللق ‪.........................................‬‬
‫‪179‬‬ ‫جاء ثالثة نفر إىل احلسني بن علي ‪...................................‬‬
‫‪182‬‬ ‫ليس يف العامل من يستحسن اهلم ‪.....................................‬‬
‫‪187‬‬ ‫صالح القلب بتقوى اهلل ‪............................................‬‬
‫‪192‬‬ ‫كتب أبو حامد الغزايل إىل أيب الفتح بن سالمة ‪.......................‬‬
‫‪197‬‬ ‫فصل يف ذكر املوت واالستعداد له ‪...................................‬‬
‫‪198‬‬ ‫معىن االستعداد للموت واحلث على تذكره واالستعداد له‬

‫‪663‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫‪..............‬‬
‫‪204‬‬ ‫ال بأس بالتداويل إذا وقع باإلنسان مرض ‪.............................‬‬
‫‪205‬‬ ‫أبيات يف التزهيد يف الدنيا والرتغيب يف اآلخرة ‪.......................‬‬
‫‪206‬‬ ‫اإلكثار من ذكر املوت مستحب لفوائده الكثرية ‪......................‬‬
‫‪207‬‬ ‫أبيات حول املوضوع ‪...............................................‬‬
‫‪208‬‬ ‫الناس أقسام يف تذكر املوت والتأثر بذكره‬
‫‪............................‬‬
‫‪211‬‬ ‫معىن من أحب اهلل أحب اهلل لقائه ‪....‬اخل ‪............................‬‬
‫‪213‬‬ ‫ذكر أمور تتعلق حبالة االحتضار ‪.....................................‬‬
‫‪213‬‬ ‫أمور وأحوال تتعلق حبالة االحتضار ويف القرب ‪.........................‬‬
‫‪227‬‬ ‫فوائد ومواعظ حول ذلك ويليهما موعظة ‪...........................‬‬
‫‪228‬‬ ‫مسائل حول احملتضرين وما يقولون وما يقال هلم ‪......................‬‬
‫‪240‬‬ ‫فصل يف مداوة مرض القلب ‪........................................‬‬
‫‪242‬‬ ‫حماسبة النفس وما يرتتب على ذلك من ‪..............................‬‬
‫‪255‬‬ ‫مصيبات الدنيا وشرورها ‪...........................................‬‬
‫‪256‬‬ ‫حث على اغتنام أوقات العمر ‪.......................................‬‬
‫‪258‬‬ ‫ليس ذكر املوت النافع أن يقول اإلنسان املوت فقط‬
‫‪...................‬‬
‫‪260‬‬ ‫مما يعني على االستعداد للموت ‪ ،‬وما حول ذلك ‪.....................‬‬
‫‪269‬‬ ‫موعظة على احلث يف اغتنام الطاعات ‪................................‬‬
‫‪270‬‬ ‫ما ينبغي ملن أيس من حياته ‪.........................................‬‬
‫‪271‬‬ ‫ما ينبغي إذا حضره املوت وبدأت تسحب الروح من اجلسد ‪...........‬‬
‫‪275‬‬ ‫يف اجلنائز عرب ملن اعترب ‪.............................................‬‬

‫‪664‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫‪276‬‬ ‫الناس حول تشيع اجلنائز ‪............................................‬‬


‫قصيدة زهدية وعظية بليغة تبعث اجلد واالجتهاد على التشمري إىل اآلخرة‬
‫‪278‬‬ ‫والتزهيد يف الدنيا ويليها موعظة ‪.....................................‬‬
‫‪281‬‬ ‫وتوجيه امليت عند النزع إىل القبلة ‪...................................‬‬
‫حكم غسل امليت واألوىل بغسله وحكم مس عورته وما حول ذلك مـن‬
‫‪282‬‬ ‫التكـفني وحنوه ‪.............................................‬‬
‫حكم ما إذا خرج بعد التكفني خارج من امليت أو إذا قتل وعليه ما‬
‫‪283‬‬ ‫يوجب الغسل أو سقط من دابته ‪....................................‬‬
‫ال يغسل الكافر وال يكفن وال يصلى عليه وال يتبع جنازته ويدفن إن مل‬
‫‪284‬‬ ‫يدفنه الكفار لئال تؤذي رائحته املسلمني‬
‫‪..............................‬‬
‫الكفن وما يتعلق به وصفه وضع امليت فيه والطيب واملسنون والواجب‬
‫‪285‬‬ ‫يف الكفن للكبري والصغري واألنثى‬
‫‪.......................................‬‬
‫‪287‬‬ ‫موعظة بليغة يف احلث على االستعداد للموت ‪.........................‬‬
‫‪288‬‬ ‫من نظم عبد القوي فيما يتعلق باجلنائز ‪..............................‬‬
‫‪292‬‬ ‫الصالة على امليت وشروطها وأركاهنا ‪ ...‬اخل‬
‫‪.........................‬‬
‫‪293‬‬ ‫الدعاء يف الصالة على امليت وكوهنا مجاعة أفضل ‪....................‬‬
‫‪294‬‬ ‫تكون الصفوف يف ثالثة وأزيد ومدة الصالة عليه بعد دفنه ‪............‬‬
‫‪295‬‬ ‫الصالة على الغائب األوىل بالصالة على امليت وصفة الصفوف ‪.........‬‬
‫‪295‬‬ ‫إذا كانوا رجاالً وصبيانًا ونساء وموقف اإلمام من اجلنازة وإذا‬
‫وجد بعض ميت وما يفعله املسبوق يف الصالة على امليت ‪.............‬‬

‫‪665‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫إذا وجد بعض ميت بعد ما صلى عليه وأنه ال يصلى على من يف البلد يف‬
‫‪296‬‬ ‫النية ألنه ميكن حضوره للصالة عليه وال يصلى على كل غائب وال‬
‫يصلي اإلمام على الغال من ‪.........................................‬‬
‫‪297‬‬ ‫الغنيمة وال على قاتل نفسه ‪.........................................‬‬
‫‪298‬‬ ‫صفة محل امليت وحكم إتباع جنازته للراجل والراكب ‪................‬‬
‫‪299‬‬ ‫حكم إتباع النساء للجنائز وحكم القيام للجنازة ‪......................‬‬
‫‪300‬‬ ‫جدا جرسها يهز القلوب ‪..................‬‬‫قصيدة زهدية وعظية بليغة ً‬
‫‪306‬‬ ‫الثناء على امليت خبري أو شر دليل على حال اإلنسان‬
‫‪...................‬‬
‫‪310‬‬ ‫القرب واملوضع فيه وما يتعلق بذلك ‪...................................‬‬
‫‪312‬‬ ‫قصيدة تضرع إىل اهلل ‪...............................................‬‬
‫‪313‬‬ ‫حكم إسراج القرب والتجصيص والبناء وما إىل ذلك ‪...................‬‬
‫‪315‬‬ ‫زيارة القبور وما يقوله الزائر النساء هلا ‪...............................‬‬
‫‪318‬‬ ‫التعزية وما يتعلق هبا وما يقال فيها وما جياب به املعزي ‪................‬‬
‫‪319‬‬ ‫من صور التعزية اليت وردت عن بعض السلف ‪........................‬‬
‫‪331‬‬ ‫النياحة على امليت والبكاء والندب ‪...................................‬‬
‫‪333‬‬ ‫وفاة النيب ‪ ‬وما جرى بعدها وحالة الصحابة ‪........................‬‬
‫‪336‬‬ ‫موعظة لعالج قسوة القلوب وبعدها ذكر ما حصل ‪...................‬‬
‫‪339‬‬ ‫ملا قبض أبو بكر رضي اهلل عنه وما قاله علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه‬
‫‪343‬‬ ‫استخالف أيب بكر لعمر رضي اهلل عنها ‪.............................‬‬
‫‪346‬‬ ‫موعظة بليغة تزهد يف الدنيا ‪.......................................‬‬
‫‪348‬‬ ‫شرح الصد له أسباب بإذن اهلل ذكرها ابن القيم ‪......................‬‬
‫‪352‬‬ ‫فائدة عظيمة النفع ومواعظ تليها ‪....................................‬‬

‫‪666‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫‪364‬‬ ‫فصل يف احلياء ‪ ،‬تعريفه ِ‬


‫وباعتُهُ واحلث عليه واألدلة على ذلك ‪..........‬‬
‫‪373‬‬ ‫موعظة بليغة يف صفة الذي يستحي من اهلل ومن الناس ‪................‬‬
‫‪375‬‬ ‫حكما ووعظًا وحثًا على مكارم األخالق ‪...............‬‬ ‫قصيدة مملوءة ً‬
‫‪384‬‬ ‫بعض احلكام واألسرار املودعة يف بعض نعم اهلل على عباده‬
‫‪.............‬‬
‫‪384‬‬ ‫احلواس اخلمس أوهلا حاسة اللمس مث البصر مث الشم مث السمع مث الذوق‬
‫‪385‬‬ ‫العقل واإلرادة والقدرة والشهوة واحلركة ‪............................‬‬
‫‪386‬‬ ‫الفوائد واحلكم اليت يف اليدين واألصابع واللسان واحللق …‪ .‬اخل‬
‫‪387‬‬ ‫املعدة والكبد وما فيها من املنافع ‪....................................‬‬
‫‪388‬‬ ‫األطعمة تنقسم إىل أغذية وفواكه وغريها‬
‫‪.............................‬‬
‫‪390‬‬ ‫أسباب تقصري اخللق عن شكر نعم اهلل ‪...............................‬‬
‫‪391‬‬ ‫التفكري يف نعم اهلل وأهنا كما ذكر اهلل جل وعال وتقدس كثرية وال‬
‫حتصى‬
‫‪392‬‬ ‫من نعم اهلل على عبده سرت مساوية عن الناس ‪.........................‬‬
‫‪394‬‬ ‫قصيدة تتضمن الثناء على رب العزة جل وعال ‪........................‬‬
‫‪395‬‬ ‫احلث على تدبر القوى اليت وهبها اهلل لإلنسان ‪ ،‬الفكر والوهم والعقل‬
‫واحلفظ واحلياء واملنطق وما أعطى علمه وما منع منه علمه ‪.............‬‬
‫‪396‬‬ ‫مما يستعان به على معرفة قدر نعم اهلل على العبد ‪.....................‬‬
‫‪: 379‬‬ ‫احلكمة على عدم تشابه الناس خبالف احليوان ويليه موعظة تتضمن ذكر‬
‫‪402‬‬ ‫بغض نعم اهلل وبعدها قصيدة يف مدح اللطيف اخلبري وذكر بعض ألطافه‬
‫‪405‬‬ ‫املروءة تعريفها وأهنا أنواع متعددة ودرجات متفاوتة ‪..................‬‬
‫‪406‬‬ ‫بعض الطرق اليت تدرك هبا مكارم األخالق ‪...........................‬‬

‫‪667‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫‪407‬‬ ‫احلث على مكارم األخالق والنهي عن سفسافها ‪......................‬‬


‫‪410‬‬ ‫شروط املروءة ويتفرع عنها أنواع كثرية ‪.............................‬‬
‫‪414‬‬ ‫فصل يف بر الوالدين وما جيازيه به إن وفق ‪............................‬‬
‫‪415‬‬ ‫ذكر بعض فضل الوالدين على الولد وما يعاين بسببه من أمل‬
‫‪............‬‬
‫‪416‬‬ ‫احلضانة ومن األحق هبا األب أم األم وبعد ذلك ‪......................‬‬
‫‪417‬‬ ‫قصيدة يف احلث على بر الوالدين مث قصيدة أخرى كذلك ‪.............‬‬
‫‪419‬‬ ‫األدلة على بر الوالدين من الكتاب والسنة ‪............................‬‬
‫‪420‬‬ ‫النظر إىل الوالدين واألدلة على برمها والتحذير من العقوق ‪.............‬‬
‫‪424‬‬ ‫من آثار الرب ‪ ،‬بر األم مقدم على بر األب‬
‫‪.............................‬‬
‫‪425‬‬ ‫اجلنة حتت رجلي األم ‪ ،‬من آثار الرب ‪.................................‬‬
‫‪431‬‬ ‫بر الوالدين حىت بعد موهتما ‪ ،‬من آثار الرب‬
‫‪............................‬‬
‫‪432‬‬ ‫من حقوق الوالدين ويليه موعظة بليغة يف الرب ‪.........................‬‬
‫‪433‬‬ ‫قصيدة يف بعض ما أسديا إىل الوالدين من املعروف‬
‫‪....................‬‬
‫‪437‬‬ ‫فصل يف حترمي العقوق ‪ ،‬مناذج من العقوق ‪............................‬‬
‫‪440‬‬ ‫قصيدة يف مدح رب العزة والثناء عليه ‪...............................‬‬
‫‪442‬‬ ‫أحاديث يف التحذير عن العقوق ‪....................................‬‬
‫‪446‬‬ ‫احتقار الوالدين عند كثري من أهل هذا الزمان والسيما الشباب ‪........‬‬
‫‪448‬‬ ‫وبعد ذلك قصيدة حول ذلك ‪...................................‬‬
‫‪450‬‬ ‫فصل يف صلة الرحم واحلث عليها وبأي شيء تكون ‪..................‬‬

‫‪668‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫‪452‬‬ ‫املراد بصلة الرحم ما هو وبأي شيء حتصل واألدلة تليها حث عليها‬
‫‪455‬‬ ‫التحذير من قطيعة الرحم ‪........................................‬‬
‫‪456‬‬ ‫صلة الرحم زيادة يف العمر بإذن اهلل ومثراة املال ‪.......................‬‬
‫‪463‬‬ ‫من فوائد صلة الرحم وبيان من حيسن مساعدته ‪....................‬‬
‫‪466‬‬ ‫قصيدة زهدية يف احلث على االستعداد للموت ‪.......................‬‬
‫‪467‬‬ ‫موعظة بليغة يف احلث على النصيحة وماذا يعمله الناصح واألمثلة‬
‫‪470‬‬ ‫يف اإلحسان إىل اليتيم واألرملة واملسكني ‪.............................‬‬
‫تعريف اليتيم واألرملة واملسكني وكيف مساعدته واألحاديث الواردة‬
‫‪470‬‬ ‫على نفعهم ويليها موعظة ‪..........................................‬‬
‫‪473‬‬ ‫موعظة يف الشفقة على خلق اهلل واحلث على رمحتهم وباألخص اليتيم‬
‫واألرملة ‪.........................................................‬‬
‫‪476‬‬ ‫وأحاديث وردة بذلك ‪.............................................‬‬
‫‪477‬‬ ‫أيضا يف الشفة والرأفة بعباد اهلل ‪..............................‬‬
‫موعظة ً‬
‫‪478‬‬ ‫من آثار الرمحة واألدلة على ذلك وبأي شيء تكون ‪...................‬‬
‫‪479‬‬ ‫الرمحة وبيان الرسول ‪ ‬رمحة أرسله اهلل ‪.............................‬‬
‫‪488‬‬ ‫اجلار وحقوقه واحلث على احرتامه وعلى أي شيء يطلق اجلار ‪.........‬‬
‫‪491‬‬ ‫ما ينبغي للجار أن يعامل فيه جاره ‪..................................‬‬
‫‪492‬‬ ‫معاملة بعض اجلريان الكرام جلارهم عند ثنائه عليهم ‪..................‬‬
‫‪495‬‬ ‫والتحذير من أذية اجلار ‪.............................................‬‬
‫‪497‬‬ ‫موعظة يف التحذير من استغراق األوقات يف طلب الدنيا ‪...............‬‬
‫‪499‬‬ ‫احليلة لتسكني أذية اجلار إذا كان املؤذي حمرتم ومل يكن عاصيًا ‪.........‬‬
‫‪500‬‬ ‫ثالثة من سعادة املرء وأربع من السعادة ‪.............................‬‬
‫‪502‬‬ ‫اللسان قد يقضي على الصالة والصيام ‪ ،‬ويليه موعظة يف الفرق بيننا‬

‫‪669‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫وبينهم السلف الصاحل يف طلب املال وصيانة الوقت ‪..................‬‬


‫‪505‬‬ ‫قصيدة يف غربة الدين وإمهال كثري من املسلمني لتعاليم دينهم ‪..........‬‬
‫‪508‬‬ ‫إكرام الضيف والرتغيب فيه وتوجيهات النيب ‪ ‬أصحابه لذلك‬
‫‪510‬‬ ‫وأبيات يف احلث عليه واألدب مع الضيف ‪.........................‬‬
‫‪511‬‬ ‫آداب تتعلق بالضيف واملضيف ‪......................................‬‬
‫‪513‬‬ ‫اصطناع املعروف وفعل الرب واآلداب لذلك ‪..........................‬‬
‫‪518‬‬ ‫جدا تصلح خطبة للجمعة وتتعلق بالصالة ‪................‬‬ ‫موعظة بليغة ً‬
‫‪518‬‬ ‫جدا منها الصالة والزكاة والصيام ‪.............‬‬‫األمانة موضوعها واسع ً‬
‫‪520‬‬ ‫من أنواع األمانة احلج واحلواس والسمع والبصر واليد والرجل والعقل‬
‫‪521‬‬ ‫موعظة بليغة صاحلة خطبة وكل املواعظ تصلح خطب‬
‫‪.................‬‬
‫‪523‬‬ ‫قصيدة مضمنة نصيحة يف احلث على تقوى اهلل وطاعته ومكارم األخالق‬
‫والتحذير من أضرارها ويليها الوالية وشروط ‪.......................‬‬
‫‪525‬‬ ‫من معاين األمانة احلرص على أداء الواجب ‪........................‬‬
‫‪526‬‬ ‫من معاين األمانة ويليها أبيات زهدية ‪.............................‬‬
‫‪529‬‬ ‫من معاين األمانة حفظ األسرار والودائع ‪ ....‬اخل ‪..................‬‬
‫‪531‬‬ ‫من معاين األمانة العلم ويليها التحذير من كتم العلم ‪.................‬‬
‫‪532‬‬ ‫قصيدة يف أن الناس ما منهم سالمة ‪.............................‬‬
‫‪535‬‬ ‫من معاين األمانة يف العلم ويليها قصيدة يف ذكر بعض نعيم اهلل واحلث‬
‫على شكرها ‪...................................................‬‬
‫‪541‬‬ ‫فصل يف احلث على توثيق عرى املودة بني ملسلمني واحلث على الصلح‬
‫‪544‬‬ ‫بينهم وبعدها موعظة بليغة تتعلق بالصداقة ‪......................‬‬
‫‪547‬‬ ‫قصيدة زهدية ‪..................................................‬‬

‫‪670‬‬
‫موارد الظمآن لدروس الزمان‬

‫‪548‬‬ ‫درجة الصلح بني املسلمني عالية وبيان املفاسد اليت تكون عند عدم‬
‫الصلح واألضرار اليت تنشأ عن ذلك‪.............................‬‬
‫‪551‬‬ ‫العدل وما يعترب للعدالة وذكر بعض فوائد العدل ‪...................‬‬
‫‪552‬‬ ‫العدل أنواع كثرية نذكر بعضها ومنوذج من عدل عمر بن اخلطاب رضي‬
‫اهلل عنه ‪............................. ...................‬‬
‫‪554‬‬ ‫احلث على العدل وما ورد فيه والتحذير من الظلم واجلور جيب على‬
‫‪557‬‬ ‫احلاكم حتري العدل واالقتداء بالنيب ‪ ‬فيه ‪........................‬‬
‫‪559‬‬ ‫أيضا ‪......................‬‬
‫آيات يف احلث على العدل وأحاديث فيه ً‬
‫‪560‬‬ ‫التحذير من القضاء ملن ال حيسنه ومل جتتمع فيه شروطه ‪..............‬‬
‫‪561‬‬ ‫العدل بني األوالد واملرأة مسئولة عند واخلادم ‪ ...‬اخل ‪................‬‬
‫‪562‬‬ ‫سرية اخللفاء على من يريد العدل أن ينظر فيها ‪......................‬‬
‫‪563‬‬ ‫من سرية عمر رضي اهلل عنه كالمه حني بويع للخالفة ‪...............‬‬
‫‪564‬‬ ‫من ورع عمر وزهده وعدله ومالحظته للرعية تفقده للفقراء والعجزة‬
‫واأليتام وعسه بالليل ‪ ،‬من إيثاره على نفسه وعدله رضي اهلل عنه ‪.....‬‬
‫‪569‬‬ ‫من رأفته ولطفه وحرصه على العدل وتواضعه وتفقده ألحوال الرعية‬
‫وخدمتهم ‪........................................................‬‬
‫‪586‬‬ ‫ذكر طرف من تقشفه وورعه ‪.....................................‬‬
‫‪589‬‬ ‫من عدله وإنصافه وعدم مباالته بالقوي وذكر مقتله رضي اهلل عنه ‪....‬‬
‫‪592‬‬ ‫قصيدة يف الثناء على رب العزة واجلالل ‪............................‬‬
‫‪595‬‬ ‫أحاديث حول أوراد املساء والصباح‪...............................‬‬
‫‪599‬‬ ‫قصيدة معارضة بدئ األمايل ‪.....................................‬‬
‫‪612‬‬ ‫خامتة ‪ ،‬وصية ‪ ،‬نصيحة ‪..........................................‬‬
‫‪613‬‬ ‫فصل حيتوي على الدعاء ‪.........................................‬‬

‫‪671‬‬
‫الجزء‬
‫الثالث‬

‫‪617‬‬ ‫فوائد عظيمة النفع ‪................................................‬‬

‫‪672‬‬

You might also like