Professional Documents
Culture Documents
المقدمة:
• مفهوم النسبية ظهر مع العالم األلماني أينشتاين ,هذا العالم الفذ الذي غير قوانين الفيزياء تغير
شامل بعد أن سادة نظريات نيوتن ل 200عام قبله فجاء أينشتاين بنظرياته الفيزيائية الحديثة
والتي كان احد اهم مفاهيمها التي أكتشفها مفهوم النسبية.
•فمفهوم النسبية أصبح األن مفهوم متداول في الفيزياء بشكل جزري وفعّال وكذلك أصبح
مفهوم النسبية مستخدم في كل العلوم األخرى ومنها العلوم اإلنسانية والفلسفية فهو مفهوم ينتمي
إلى معاني الوجود اإلنساني بشكل أساسي.
•فلقد كانت األبعاد قبل أينشتاين 3أبعاد وهي الطول والعرض واالرتفاع ,ثم جاء أينشتاين
ليقول لنا أن األبعاد ليست كذلك فهي عنده أربعة أبعاد فلقد أضاف إلى الثالثة أبعاد البعد الرابع
وهو الزمن أي البعد الزماني.
•فلنأخذ هذا المثال لنوضح ذلك ولكي نوضح معنى النسبية وهو كاالتي :اذا كنت جالس على
سكون ولكن اذا نظرنا إلى كرسيك وأمامك جهاز الحاسوب فأنت في هذا الوضع تكون في حالة ُ
هذه الصورة بشكل أشمل وهو إنك أنت و ما حولك من أشياء تكون في حالة حركة نسبة لحركة
كوكب األرض الذي أنت وما حولك من أشياء جزء منه و بالتالي أنت وما حولك تتحرك مع
حركة كوكب األرض حول نفسه ,أذن أنت هنا في حالة حركة تباعا ً للحركة الكلية للكوكب.
إذن سكونك في الوضع األول كان شيء نسبي اذا ما قورن بالوضع الثاني المتحرك واألشمل.
•ولنأخذ مثاالً أخر يرتبط فيه مفهوم النسبية بالمفاهيم اإلنسانية وهو كاالتي :أذا نظرنا إلى
المفاهيم اإلنسانية التي جاءت مع الديانات السابقة وربطناها بالبعد الزمني الذي ظهرت فيه
نجدها قد كانت مناسبة ومهمة جدا لتصحيح األوضاع اإلنسانية لتلك الفترات الزمانية من حياة
العنصر البشري ولكن اذا نظرنا إليها األن وربطناها بالبعد الزماني الشامل للزمن اإلنساني
حتى هذه اللحظة الحالية نجد أن تلك المفاهيم قد تخطتها التجربة اإلنسانية وألنه بعد تلك الفترة
الزمانية أظهرت التجارب الحضارية اإلنسانية الحالية والتي جاءت بعد عهد الديانات الكثير من
المفاهيم والتجارب اإلنسانية األكثر عمقا ً وأوسع أدراك لطبيعة الحياة اإلنسانية وكل ذلك جعل
الوعي البشري أكثر تقدما ً ونضجا ً وكذلك مشاكله وقضاياه واهتماماته أكثر تعقيدا ً وأوسع إطاراً.
فهنا أصبحت المفاهيم الدينية غير مناسبة وغير فعّالة أتجاه الحياة المعاصرة.
•إذن المفاهيم الدينية مناسبة في أطارها الزماني التاريخي وهي نفسها نسبيا ً غير مناسبة وغير
فعالة في االطار الزمني الكلي لإلنسانية وفي حالته الراهنة .فاذا كانت هذه المفاهيم نسبية
الصالحية أذن هي ليست مطلقا ً.
• أما المطلق فهو التعصب لفكرة معينة واالعتقاد التام بصحتها وعدم القبول بغيرها بديل مهما
كانت مالبساتها وظروفها .المطلق هو في نظر صاحبه يعني الكمال وهو طبعا امر ال ينسجم
مع طبيعة الحياة البشرية التي هي في حالة تطور ونمو مستمر في مفاهيمها ومبادئها و التي
تظهر مع التجارب الحياتية للبشر فال يمكن قبول المطلق مع طبيعة متجددة دوما ال يمكن قبول
فكرة الدوجما أو التعصب في الحياة البشرية التي الكمال فيها يأخذ شكل نسبيا فما هو كامل في
زمن معين قد يكون ناقص في الزمن الذي يليه لتطور المعرفة والعلم بطبيعة الحياة مما يؤدي
إلى تخطيه أو تطويره .إذن التفكير النسبي ينسجم أكثر مع طبيعة الحياة البشرية المتجددة دوما .
أما التعصب أو المطلقات أمور ال مكان لها األن بيننا.
• هناك سبب أساسي أدى إلى تحول جزري في نمط التفكير اإلنساني وهو ما حدث في عام
1542م عند اكتشاف أن اإلنسان لم يعد هو مركز األرض ومحورها فقد كان التفكير السائد
يعتمد على ال ُمطلقات والمقدسات وهو ما ينبغي أن يزاح لحل محله التفكير النسبي .إن الصراع
الفكري أو الصراع حول منهج التفكير الذي خلق صراعا ً على الراض بين وهم السطلة الدينية
"الكنسية" التي كانت تلتزم حرفية تفسير النصوص الدينية وبين آخرين يؤكدون على أن ما
تؤمن به السلطة الدينية ليس مطلقا ً ,بل نسبي و أن ال ِعلم ينبغي أن يقام على التفكير وعلى
المالحظة والمشاهدة ويبتعد عن الوهم والخرافة .إن الصراع في أوروبا في القرنين السادس
عشر والسابع عشر حيث العلمان الفلكيان كوبر نيك وجاليليو ,كان بين األصولية المسيحية التي
تلتزم حرفية النص الديني وترفض إعمال العقل وبين العلمانية التي تلتزم تأويل النصوص في
ضوء إعمال العقل ,وأن السلطة المسيحية في هذا الوقت كانت تتوهم امتالك الحقيقة المطلقة.
• ساعد االنتشار االستعماري األوروبي حول العالم على زيادة سيطرة الكنسية على مساحات
واسعة جغرافيا مما أدى ذلك إلى خلق أوضاع جديدة تجاه الديانة ذاتها نتيجة لهذا االنتشار
والتفاعل مع سكان العالم اآلخرين ومع مذاهبهم وديانات هم فلقد أصبح المواطن األوروبي ال
يرضى أن يكون محكوما من قِبل رجل الدين .فهذا التمدد الجغرافي صاحبه تحول في نمط
التفكير الديني وأصبح هناك قبول بمنطق نسبية األشياء فتغيرت وجهات نظر المسيحين في
التفسيرات والتأويالت الكتابية (اإلنجيلية) والت كانت متمسكة بحرفية الكتاب المقدس فأدى تغير
وجهات نظرهم في ذلك إلى مواكبة هذا التوسع االستعماري فتم رفض المطلقيّات والقبول
بالنسبية في التفكير.
•منذ عام 1543م هذا العام الذي كتب فيه العالم كوبرنيك كتابه" دورة األفالك السماوية"
والذي قال فيه أن األرض ليست مركز الكون بل الشمس هي مركز الكون ,ومنذ هذا الوقت
واإلنسان أصبح حالة نسبية وأصبح كل فكره وتفسيراته نسبي.
•دعوة القس مارتن لوثر إلصالح المسيحية أدت إلى األيمان بمذهب ديني جديد هو المذهب
البروتستانتي في تفسير آيات الكتاب المقدس .والثقافة البروتستانتية بعد ذلك أصبحت ثقافة
علمانية تدعو إلى التخلص من الثيوقراطية اإلنجيلية ,وتدعم بكل قوة القانون الطبيعي واألخالق
الطبيعية التي تؤدي إلى حالة التعايش بين المذاهب واألديان في البلد الواحد .لماذا؟ ألن
الثيوقراطية تؤمن بحالة (الدوجما) التعصب أي أن رجال الدين هم وحدهم من يملكون الحقيقة
المطلقة .وربما كانت الحقيقة متعارضة مع االكتشافات العلمية أو متعارضة مع المخالفين في
المذهب أو الدين ,فأن هذا يودي إلى حالة الحروب الدينية ,الن كل شخص يريد أن تكون حقيقته
هي السائدة وهي المسيطرة ,لذلك فأن العلمانية جاءت من أجل تخليص البشر من هذه
الدوجماطيقيات المتعارضة قطعا ً والتي تؤدي في النهاية إلى حروب دينية وما حدث في حرب
الثالثين عاما ً في أوروبا خير دليل.
•ظهور الطائفية كشكل تنظيمي من األشكال الكنسية الجديدة ,أدى إلى ضعف سيطرة الكنيسة
وكذلك أثر على التركيبة اإليمانية ,فهذا الوضع أدى إلى حالة التعددية الطائفية بين المسيحين في
أوروبا وأصبح لكل طائفة ما تؤمن به ولها كنائس خاصة بها على مستوى القارة األوروبية.
وهذا الوضع الطائفي الجديد أدى إلى تعدد وجهات النظر حول تفسير الكتاب المقدس ,وهذا
التعدد كان ينبغي أن يقابله إما رفض كل طائفة لألخرى والتمسك بأنها هي األصوب في التفسير
و إما أن تتبنى الفكر العماني الذي يعتمد على نسبية الحقائق مما يؤدي إلى القبول والتعايش
واالنسجام ألنه يرفض (التعصب) الدوجما بكل أشكالها.
•الدين يؤدي إلى الخضوع واالنصياع لقوة عليا وتمسك أتباع الدين بالمطلقات (الدوجماطيقية (
يؤدي إلى الصراع ,ألن قراءة النصوص الدينية تختلف من شخص إلى آخر ,واذا تمسك كل
شخص بقراءته فإن األمر سوف ينقلب إلى صراع .ولذلك فإن العلمانية كحركة فكرية تدعو إلى
التخلي عن الدوجماطيقية أو التعصب .وتبني المنهج النسبي في التفكير ,الن ذلك يؤدي إلى
السلم و األمن المجتمعي ,من خالل فصل تأثير تلك األديان عن الدولة وعن الحياة المدنية وان
يكون دورها منحصر في تنمية الوعي الروحي فقط داخل أماكنها.
•فالعلمانية تهدف إلى التفكير النسبي ونشر المنهج النسبي في التفكير وهذا ما سوف يؤدي إلى
أبعاد األفراد عن المطلقات في التفكير ,فالعلمانية تحمي اإلنسان في األساس من الخرافات
واألساطير وكل ما يجعل اإلنسان في حالة من غياب الوعي وعدم األدراك لواقع الحياة التي
يعيش فيها ,فالمهم أن يحيا سعيدا ومنتجا في هذه الحياة التي يعيشها .أما الحركة األصولية فهي
قائمة على المنهج المطلق في التفكير(نحن على صواب مطلق) واألخرون على خطأ مطلق
وعكس ذلك العلمانيون دعاة النسبية في التفكير.
الخالصة:
•العلمانية كوجهة نظر فكرية تعلي من شأن العقل والعقالنية وتطالب بالدعوة إلى نسبية التفكير
أي النسبي بدال عن المطلق ,حيث يحاول دعاة العقالنية إزالة كل أشكال التمسك بالدجماطيقية
أو التعصب في الغرب ,ألنها من أهم أسباب الصراع والعنف الديني .وهذه الجهود أدت بالفعل
إلى خفض األيمان بتلك الخرافات وذلك من خالل أضعاف الممارسة السلطوية للمؤسسات
الدينية أو نفي هذه السلطات نهائيا ً وتحويلها إلى مؤسسات تربوية روحية فقط ليس لها سلطة أو
قيود على األفراد والمواطنين.
• إن المستقبل سوف يكون للعلمانية رغم كل االعتراضات واالنتقادات ,ألنها تتبنى المنهج
النسبي في التفكير في مقابل تبني دعاة الدولة الدينية المطلقات في التفكير والعالم اليوم بما فيه
من تكنولوجيا ومخترعات يتجه نحو النسبية وليس نحو المطلق.
المراجع:
-1كتاب (العلمانية) علي رمضان فاضل -مكتبة النافذة -الطبعة األولى – .2014
-2بعض المقاالت على االنترنت.