Professional Documents
Culture Documents
تمهيد:
تزخر المكتبة المغربية بعدد هائل من الرحالت ،سواء منها الحجية أو غيرها ،وسواء منها المطبوعة
والمشهورة بين الناس ،أو تلك التي ال زالت مخطوطة وحبيسة جدران المكتبات العامة والخاصة ،ومن
هذه الرحالت نذكر رحلة أبي سالم العياشي المغربي ،التي تتميز بالمسار الجغرافي الهام الذي مسحته،
فقد انطلقت هذه الرحلة سنة 1072هـ1661 /م من سجلماسة بأرض المغرب لتصل إلى القاهرة ،مرورا
بكل من الجزائر وتونس طرابلس ،قبل أن تأخذ وجهتها المحددة وهدفها المقدس ،مكة المكرمة والمدينة
المنورة ،موئل الشريعة والحقيقة ،ومهوى قلوب المسلمين وأفئدتهم ،وموطن الرجال واألفكار ،ورمز
الخالص الديني والدنيوي.
المبحث األول :ترجمة صاحب الرحلة
ميالده ونشأته:
ولد عبد هللا أبو سالم العياشي المغربي ليلة الخميس أواخر شعبان عام 1037هـ1628 /م ،بقبيلة آيت
عياش التي احتضنت الزاوية العياشية ،التي أسسها والده سنة 1044هـ ،لتكون مركزا من مراكز التربية
الصوفية والعلم ،وفي وسطها العلمي والصوفي نمت مدارك أبي سالم ،وصفت طريقته على أيدي
شيوخها وعلمائها)1(.
هو عبد هللا بن محمد بن أبي بكر بن يوسف بن موسى بن عبد هللا بن عبد الرحمان الفجيجي أصال،
العياشي بلدا ،التزرفتي مسكنا ،وكنيته "أبو حمزة" جريا على عادة العرب حيث كانوا يكنون بأسماء أكبر
أوالدهم بعد اسم ":أبو" كما هو معروف)2(.
وقرأ القرآن في البداية على والده محمد بن أبي بكر( )3يقول أبو سالم العياشي ":قرأت عليه -أي والده-
القرآن العظيم غير ما مرة وسمعت عليه وظيفة الشيخ زروق من لفظه ،ولقنني الذكر ،ولقنني دعاء
التوبة للشاذلي" .ويعتبر والد أبي سالم العياشي من العلماء المصلحين ،وهو المؤسس الفعلي للزاوية
العياشية قبل أن تشتهر في عهد ولده أبي سالم ،ومن المفيد أن نقرب القارئ من هذا الرجل الفاضل الذي
هيأ الظروف المواتية ألبي سالم لكي يلتحق "بنادي المتفوقين" من ذوي الهمم العالية؛ فقد ولد محمد بن
أبي بكر بن يوسف بن موسى بن محمد بن يوسف بن عبد هللا بن عبد الرحمن سنة 981هـ ،ونشأ في
أسرة لها اهتمامات علمية واضحة رغم مواردها المتواضعة()5
ثم أقبل على شيوخ عصره بشغف كبير يأخذ عنهم مختلف العلوم بفاس ودرعة ،خاصة على يد شيخه
الكبير محمد بناصر الدرعي( ،)2وال يعلم عنه الدارسين هل درس بفاس قبل دراسته بدرعة أم العكس وما
يعلم هو أنه أنهى دراسته بفاس سنة (1063هـ) ،ولما حاز أبو سالم علوم المغرب (فاس ودرعة )...فكر
كعادة المغاربة في الرحلة إلى المشرق باعتباره " مهد الرساالت السماوية ،وأرض الحضارات القديمة،
ومنبع العلوم الدينية واألدبية والفلسفية (. )1
()1مقال منشور بجريدة :نفحات الطريق ،العدد( 14 :أبريل )2012أبو سالم العياشي :مالمح من حياته وأدبه –
خالد التوزاني
()2نفسه -خالد التوزاني
()3
هو محمد بن أبي بكر العياشي مؤسس الزاوية العياشية (التي ستسمى فيما بعد بالحمزاوية) سنة 1044ه
( )4ميثاق الرابطة -ذ .جمال بامي
( )5محمد بن محمد بن احمد الدرعي (ت 1085هـ) شخصية علمية وصوفية بارزة ،مؤسس الطريقة الشاذلية
السنية ،تتلمذ عليه أبو سالم
ميثاق الرابطة -ذ .جمال بامي ()6
ويحدثنا أبو سالم عن أسباب رحلته إلى المشرق فيقول ":أخذت عن األعالم الذين أدركتهم بالمغرب قليال
فلم يشف ما لديهم مما أجد غليال وال أبرى عليال فإنهم استغنوا عما غاب بما ظهر فاقتصروا من الكتب
على ما اشتهر دون المسلسالت واألجزاء الصغار وعوالي اإلسناد وغرائب األخبار"(. )1
والراجح أن العوامل التي حدت بالعياشي إلى ترك الديار المغربية وإلقاء عصا الترحال بالمدينة المنورة،
لم تنحصر في الفتنة التي عصفت ببالد المغرب األقصى في أعقاب وفاة السلطان السعدي أحمد
المنصور الذهبي ،وما خلفه عجز السلطة المركزية وضعفها من واقع مؤلم كما ذهب إلى ذلك بعض
الدارسين .بل يبدو أن الرغبة العلمية الجامحة التي كانت تراود العياشي هي ما جعلته يي ّمم وجهه شطر
المشرق اإلسالمي الذي كان يزخر بفطاحل العلماء )2(.وكان الواقع المتردي الذي عاش فيه بالمغرب ال
يالئم طموحاته العلمية ،في حين كان الجو العلمي السائد بالمدينة المنورة يجذبه إليه بقوة ،وهو ما يفهم من
قوله "وعلى طول إقامتي بالمدينة ،لم أدر كيفية تصرف الوالة ...ولم أبالغ في الفحص عنه ،إذ لم يتعلق لي
به غرض إال مجرد العلم واإلحاطة بأخبار المدينة دينيها ودنيويها"()3
-وكانت رحلته الثانية :سنة 1064هـ1653/م وعمره آنذاك سبعة وعشرين عاما .وخالفا لنية الرحلة
األولى قرر هذه المرة أن يتوقف بأهم المراكز العلمية طيلة الرحلة وأن يتصل بكل من يتسنى
لقاؤهم ليستفيد من علمهم وتجاربهم ،فلقي كبار العلماء واألدباء والمتصوفة والمحدثين والفقهاء ،أخذا من
علماء مصر ومكة والمدينة المنورة وفلسطين فضال عن اتصاالته الوثيقة والمباشرة مع علماء ومتصوفة
من طرابلس واإلسكندرية والقدس وغيرها .وتعد هذه المرحلة أخصب مراحل حياة أبي سالم الفكرية إذ
حقق التواصل بين المغرب والمشرق فأتاح مجاال لنقاش األفكار وتبادل اآلراء)6(.
د عبد هللا بنصر العلوي ،أبو سالم ..سبق ،ص ،856نقال عن :اقتفاء األثر ص.27 ()1
( )2مقال :العادات والتقاليد في المدينة المنورة من خالل الرحلة العياشية )القرن 11ه17 /م الدكتور إبراهيم
القادري بوتشيش بتاريخ
Dec 02 2012 11:07:14:
)نفسه -إبراهيم القادري بوتشيش (3
( )4هو العالم الصوفي الفقيه المقرئ الرحالة أبو بكر بن يوسف السكتاني المراكشي (ت 1063هـ)
( )5مقال منشور بجريدة :نفحات الطريق ،العدد( 14 :أبريل )2012أبو سالم العياشي :مالمح من حياته وأدبه
– خالد التوزاني
( )6نفسه -خالد التوزاني
أما رحلته الثالثة فكانت سنة 1072هـ1661/م وعمره إذاك خمسة وثالثين سنة .وقد دامت الرحلة سنتين،
وتعتبر من أخصب رحالته ،حيث جاور خاللها مكة والمدينة وحج مرتين واعتمر عدة مرات وقام فيها
بنشاط علمي واسع المجال ،ولقي كثيرا من المشايخ وأخذ عنهم وتباحث معهم وتناظر في عدة مسائل
فقهية وصوفية ،كما تصدر للتدريس في المدينة المنورة ،وأجاز كثيرا من العلماء الذين أجازوه بدورهم،
واستصحب معه كثيرا من الكتب والمؤلفات( ،)8وقد كانت رحلته "ماء الموائد" ثمرة رحالته الحجازية
وخالصتها (. )9
بعد رجوع أبي سالم العياشي إلى المغرب 1076هـ1663/م تفرغ للتأليف والتدريس بالزاوية
العياشية ،وكان لشيخ الزاوية عبد الجبار بن أبي بكر العياشي عمر أبي سالم اعتناء كبير بشؤون الزاوية
وطلبتها ،حتى عرفت أوجا علميا يضاهي ما عرفته أكبر المراكز العلمية والثقافية بالمغرب آنذاك مثل:
زاوية الدالء ودرعة وغيرهما من الزوايا والمعاهد)3(.
إال أن هذا اإلشعاع سرعان ما سيخبو بسبب الحمالت العسكرية التي قادها المولى الرشيد ضد القبائل
الخارجة عن سلطته ،فكانت بالد آيت عياش /آيت أعياش من القبائل التي تعرضت لمثل هذه الحمالت
بهدف القضاء على الزعامات المحلية والحد من نفوذ الزوايا()5ورغم هذه الظروف الصعبة التي كان أبو
سالم يمر بها ،فإنه لم يتخل عن مهمة التدريس وتربية المريدين)5(.
بعد هذه المحنة السياسية وعودة األسرة من فاس إلى الجبل بأمر من المولى إسماعيل ،سيتضح المسار
الفكري للزاوية التي بدا أنها انصرفت إلى الدور الديني والعلمي الخالص "خاصة مع الشيخ عبد الجبار بن
أبي بكر العياشي الذي خلف أخاه محمد على رياسة الزاوية ثم أبي سالم عبد هللا بن محمد بن أبي بكر الذي
عمل على تطوير الزاوية وأعطاها نفسا جديدا جعل المنطقة-رغم عزلتها الجغرافية-منفتحة على عالم
واسع مرتبطة بعالقات متنوعة وعلى طول مرحلة مشيخته ومشيخة ابنه سيدي حمزة غذت الزاوية قبلة
ومقصدا للزوار والطلبة وأيضا العلماء الذين جاءوا من درعة وسوس وفاس لألخذ واالنتساخ واالستفادة
من مدخرات الخزانة"()3
الشك أن أبا سالم العياشي يعتبر من أبرز أعالم المغرب والمشرق خالل القرن 11الهجري ،وليس
غريبا أن يسند إليه كرسي التدريس بالمدينة المنورة ،كما أسند له كرسي التدريس واإلفتاء بفاس ،قبل
أن يستقر نهائيا في الزاوية العياشية ،ولقد قام رحمه هللا ببعث الزاوية من جديد بناء وتجديدا ،فأصبحت
قبلة لطالب العلم ،ومقصدا ألهل الحوائج ،ومحجا للفقراء والمريدين الذين يأتون إليها من كل بقاع
( )1حول المكتبات والخزانات والكتب التي اطلع عليها أبو سالم ،انظر مقال :المكتبة في رحلة ماء
الموائد ،للباحث سي محمد أملح ،نشر بتاريخ . ،2008_07_25يمكن قراءة المقال من خالل رابط
مدونته اإللكت رونية: http://allofsoftware.blogspot.com/2008/07/1_5223.html
( )2مقال منشور بجريدة :نفحات الطريق ،العدد( 14 :أبريل )2012أبو سالم العياشي :مالمح من
حياته وأدبه – خالد التوزاني
( )3نفسه
( )4االستقصاء ،المكي الناصري ج ،2ص39
شخصية أبي سالم العلمية تبدو في االهتمام بأمور الشريعة من اعتقاد ومعامالت ،ومذهبه في ذلك الفقه
المالكي والعقيدة األشعرية .ولم يكن أخذه عن شيوخ من الحنفية والشافعية والحنبلية ليؤثر في مذهبه
ليحيد عن المالكية أو يقتدي بفروعهم .ويرى أبو سالم أن األخذ عن هؤالء محقق ما داموا على رأس
أهل السنة والجماعة)6(.
ال شك أن التربية الدينية التي نشأ عليها أبو سالم العياشي ،قد كان لها فضل كبير في تكوين شخصيته
ونفسيته .إذ الحب النبوي واإلقتداء بالنبي صلى هللا عليه وسلم في كل المواقف ،ال يتأتى إال لمن أخذ هللا
()1أبو سالم العياشي المتصوف األديب عبد هللا بنصر علوي :العدد 308شوال /1415مارس 1995
( )2نفسه
( )3من شخصيات الزاوية العياشية (أبو سالم العياشي) .عبد هللا بنصر علوي
العدد 252ذي الحجة -1405شتنبر 1985
( )4مقال منشور بجريدة :نفحات الطريق ،العدد( 14 :أبريل )2012أبو سالم العياشي :مالمح من حياته وأدبه – خالد
التوزاني
( )5نفسه
( )6من شخصيات الزاوية العياشية (أبو سالم العياشي) .عبد هللا بنصر علوي
العدد 252ذي الحجة -1405شتنبر 1985
بيده .فقد رأينا في ترجمة العياشي أنه عرف عدة طرق صوفية .ولم يمنعه ذلك من الحفاظ على
سالمة عقيدته ونقاء سريرته .وهو نموذج لعمالقة صوفية المغرب الذين في حاجة ماسة لكشف غبار
النسيان عن سيرهم ومناقبهم وسلوكهم الصوفي المتميز)1(.
بعض اإلشارات عن حياته في الرحلة
كان العياشي حريصا على تصحيح ماشاع من أفكار ومتعقدات خاطئة بين العلماء أو حتى عامة الناس.
ذكر في الرحلة "....وضن متفقهة البلد أنه أبو أمامة الباهلي فكتبت لهم في معنى ذلك وبينت أنه أبو أمامة
أسعد بن زرارة وأن أبا أمامة الباهلي إنما توفي بعد النبوة بأزمان كثيرة )2(".
ولئن عرف العياشي بتقديره وإحترامة للعلماء وخــاصة الشـــيوخ الذين جالســهم واستفاد منهم فإنه ال
يتحرج من نقد من يخطئ منهم أو يتطفل على علم فيرشدهم ويصحح خطأهم .فقد ذكر في الرحلة فبينما
كان يدرس كتاب النقاية في المدينة ووصل فيه إلى مسائل تتعلق بالطب والجراحة توفق عن اإلقراء
واعتذر عن المواصلة قائال ":وانا ال علم لي بهذين العلمين )3("...
فمنذ نعومة أظفاره حرص على اقتناء الكتاب وارتياد الخزائن التي كان يقتضي بها جل أوقاته لإلستفادة
من كنوزها .كما كان يحترم الكتاب ويحرص على صيانته من التلف أو وقوعه بأيدي غير أهله .فقد ذكر
في الرحلة "...فمن الناس من اشترى ومنه من كف وقليل منهم ،ومن جملة ما أتوا به للبيع مصحف بخط
مشرقي وكتاب أخر فيه شرح منية الصلي في فقه الحذفية )4("...
وكان حريصا على زيارة أسواق المدن التي يدخلها لعله يظفر فيها بنفائس الكتب فقد ذكر في الرحلة
"...وكنت طول النهار ذاهبا وجائيا في قضايا األوطار وتهيئة أسباب األسفار وشراء كتب)5("...
وكما كان الرحالة حريصا على زيارة المكتبات العامة والخاصة بالمدن التي يحل بها .فقد ذكر في الرحلة
"...سألت صاحبنا إمام المسجد هل في البلد شئ من خزائن الكتب فأخبرني أن عند األمير خزانة من
الكتب وأنه ال يمنع من أراد الدخول إليها )6("...
كما كان أبوسالم حريصا على تبادل الكتب مع غيره من العلماء والشيوخ الذين لقيهم في رحالته فقط أورد
في الرحلة "...وأخد مني سيدي محمد بن إبراهيم التقربي الكراسة التي جمعت فيها معاني "لو" الشرطية
والكراسة التي سميتها تنبيه ذوي الهمم العالية على الزهد)7("...
ولكن رغم هذا الحرص على الكتاب والشغف به والخوف عليه فإن أبا سالم العياشي يجد نفسه أحيانا
مظطرا إلى التفريط في بعض كتبه فيبيعها خاصة عندما تحل به ضائقة مالية أيام السفر أو المجاورة .فقد
ذكر في الرحلة "...وهممت بيع الكتب فلم أجد من يسأل عنها )8("...
وعرف الرحالة بحبه إلقتناء النسخ الصحيحة وخاصة النسخ األصلية أو التي عليها خطوط العالء أو
المقروءة على مؤلفيها .
ان كل هذه الروافد المتعددة :الرحالت ،العلماء الذين إلتقى بهم وجالسهم والمكتبات ،قد أكسبت أبا سالم
شيوخ العياشي:
العلم من أقوى
تـعلم ِ
َ عرف عن أبي سالم ولعه بالعلم والعلماء لدافع ديني باألساس ،حيث يقولِ " :إ َّن
العبادة ،فال تَتْ ُر ِك االستفادة واإلفادةْ ،
وام ُزجِ الطلب باإلرادة"( .)2ثم لدافع نفسي ،حيث يقول " :فال
تقصروا إخواني من خدمة الصالحين وزيارتهم ومالقاتهم ،فـإن لذلك أثرا عجيبا في تليين القلوب،
وتسخير النفوس")3( .لذلك ال غرابة أن يكثر عدد شيوخه ،حيث بلغ عددهم ثالثة وسبعون شيخا حسب ما
أثبته الباحث عبد هللا بنصر العلوي في دراسته( ،)4فيما عددهم باحثون آخرون بتسعين شيخا،
يقول الدكتور عبد هللا المرابط الترغي " :ويبلغ مجموع الشيوخ الذين لقيهم في وجهته ممن أخذ عنهم من
العلماء وأصحاب الطلب ،أو الذين تبادل معهم األخذ أو أفادوا منه ،ما يزيد على تسعين رجالً ،غير رجال
الصالح والبركة ،أكثرهم لقيه في مصر ثم الحجاز في مكة والمدينة المنورة"( )5مع أني أميل إلى أن
شيوخ أبي سالم أكثر من ذلك ،فالصوفية يأخذون الحكمة من مصادر قد ال تخطر على بال باحث)6( .
-ومع صعوبة ذكر كل المشايخ فضال عن اإلحاطة بهم ،البد أن نذكر أبرزهم تأثيرا في تكوين
العياشي ،إذ يكفي من القالدة ما أحاط بالعنق .فقد قرأ أبو سالم على شيوخ كثر؛ منهم والده ،وأخوه األكبر،
وأبو بكر بن يوسف الكتاني ،وعبد القادر الفاسي ،وغيرهم ،وقرأ أثناء حجه على شيوخ مصريين ،منهم
األجهوري(، )7والخفاجي وإبراهيم المأموني وعلي الشبراملسي وسلطان المزاجي ،وفي الحجاز جاور
عدة سنوات وأخذ العلم والتصوف عن جماعة منهم زين العابدين الطبري وعبد هللا باقشير ،وعلي بن
الجمال ،وعبد العزيز الزمزمي وإبراهيم الكردي ،وحسين العجمي ،ومنهم عيسى الثعالبي )8(،أحد أعيان
الجزائريين المهاجرين إلى مكة ،ونال من هؤالء جميعا ً اإلجازات وكتب عن بعضهم األسانيد .وقد سافر
إلى الحج مع وفد جزائري يرأسه عبد الكريم الفكون ،فأخذ عنه مؤلفاته وطريقته .وال شك أن اإلحاطة بكل
شيوخ أبي سالم أمر غير متاح ،ألن الرجل قد سافر كثيرا وأوقف حياته على العلم والعلماء ،الذين أخذ
عنهم وعرف بالكثير منهم في رحلته وفهرسته ،ومنهم من أشار إليه مترجموه .ولعل أكثر الشيوخ تأثيرا
في شخصيته ،وأعظمهم حبا إلى نفسه؛ والده محمد بن أبي بكر العياشي ،وعبد القادر الفاسي وعيسى
الثعالبي وإبراهيم الكوراني)9(.
اتحاف األخالء بإجازات المشايخ األجالءألبي سالم العياشي:تقديم وتحقيق محمد ()1
الزاهي
( )2الرحلة العياشية ،ج ،2ص634
( ) )3نفسها ج 1ص137
()4
()5
()6
()7
()8
()9
آثاره ومؤلفاته:
ال شك أن طول االحتكاك بالعلماء يورث لدى صاحبه علما وأدبا غزيرا ،وهو ما حصل مع أبي سالم،
حيث نبغ في عدة علوم واتسمت ثقافته بالموسوعية واإلحاطة بمعارف العصر ،وقد ظهر ذلك جليا من
خالل تنوع الكتب والمصنفات التي ألفها ،في شتى فنون المعرفة ،والعلوم والشعر والنثر واألدب والعلوم
اللغوية والعلوم الشرعية والتصوف ..وفيما يلي أهم آثاره()1
في الرحالت:
-الرحلة العياشية :ماء الموائد.
-تعداد المنازل ،وتسمى أيضا بالرحلة الصغرى .وتعرف ب (التعريف واإليجاز عن بعض ما
تدعو الضرورة إليه في طريق الحجاز) وهي موجهة لصديقه أبي العباس أحمد بن سعيد المجليدي وهو
بدء طريقه للحج عام 1068هـ1658/م يصف له فيها مراحل الطريق ومياهها ومنازلها .وقد ألفها العياشي
قبل تأليفه ماء الموائد)2(.
في التصوف:
-تنبيه أهل الهمم العالية على الزهد في الدنيا الفانية :في هذا الكتاب يخض أبو سالم على الزهد
واإلعراض عن الدنيا وملذاتها واالستعداد لآلخرة وهو في خمسة فصول ومقدمة وخاتمة ألفه عام 1070
هـ)1(.
-إظهار المنة على المبشرين بالجنة.
-مصباح الوصول إلى أصول األصول وتعرف ب :معارج الوصول إلى أصول األصول :وتقع
في 128بيتا نظم فيها :أصول الطريقة وأسس الحقيقة ألبي العباس أحمد زروق ،وموضوعها هو أسس
الطريقة الزروقية الخمسة.
-هالة البدر في التوسل بأهل بدر :وتقع في 109أبيات.
-تضمين صوفي ألبيات من ألفية ابن مالك :ويقع في 154بيتا .وهو إسهام في نحو القلوب.
في الفهارس:
-اقتفاء األثر بعد ذهاب أهل األثر .وتشتمل على أسانيد المؤلف في رواية األحاديث المسلسلة التي
يذكرها البعض باسم (المسلسالت العشرة المنتخبة) .ألفه سنة 1068ه ،ليجيز به بعض تالميذته،
وأصدقائه ،وقد اعتمد على تقديم المرويات على أساس العلم المدروس ،ثم قدم لشيوخه المعتمدين فيه
المغاربة والمشارقة وترجم لهم .ويسمى هذا الكتاب أيضا :مسالك الهداية إلى معالم الرواية)2(.
-اتحاف األخالء بإجازات المشايخ األجالء.
-اإلجازة النظمية.
-وسيلة الغريق بأئمة الطريق :هي منظومة زجرية يتوسل فيها العياشي بأشياخه الصوفية
المشارقة والمغاربة وبمشايخهم في الطريقة وتقع في " "304بيت.
في التوحيد والفقه:
-الحكم بالعدل واإلنصاف الرافع الخالف فيما وقع بين فقهاء سجلماسة من االختالف في تكفير من
أقر بوحدانية هللا وجهل ماله من األوصاف.
-معونة المكتسب وبغية التاجر المحتسب ،وهي عبارة عن منظومة زجرية في الفقه نظم فيها بيوع
بن جماعة.
-إرشاد المنتسب إلى فهم معونة المكتسب .وهو شرح للمنظومة السابقة.
-تحرير كالم القوم في أمر النبي عليه السالم في النوم :وهي جواب عن سؤال تقدم به إلى المؤلف
أحد رجال الركب في رحلة عام 1072هـ وكان السائل يسمى :إبراهيم السوسي .وقد وردت ضمن الرحلة
لطيفة من اللطائف الفقهية(.)3
-رفع الحجر عن االقتداء بإمام الحجر :ألفه في نازلة فقهية وقعت بالمسجد الحرام بمكة 1073هـ
لما اختلفت آراء المالكية حول الصالة خلف إمام الحنفية في مقام إبراهيم لتعدد األئمة في المسجد الحرام
وحول مسألة االقتداء باإلمام المخالف للمأموم في المذهب .وقد وردت ضمن الرحلة لطيفة من اللطائف
الفقهية(.)4
في النحو:
-كراسة في " لو" الشرطية.
في الشعر:
الحقيقة أن أبا سالم لم يؤثر عنه ديوان شعر كامل يجمع كل أشعاره ،وهو نفسه لم يهتم بجمع
أشعاره ولكنها جاءت متفرقة في كثير من المصادر فهناك المجموعات الشعرية الواردة في:
-الرحلة العياشية :ماء الموائد ألبي سالم العياشي.
-الثغر الباسم في جملة من كالم أبي سالم لحفيده :محمد بن حمزة ابن عبد هللا العياشي.
-إرفاد الوافد القاصد وبردغلة المسترشد الراشد بإنشاء الشارد من شعر الجد والوالد ومشيد بعض
األسانيد والمساند (لحفيده :محمد بن حمزة ابن عبد هللا العياشي).
-اإلحياء واالنتعاش في تراجم سادات زاوية آعياش ،لعبد هللا بن عمر بن عبد الكريم العياشي.
وهناك مختارات شعرية في المديح النبوي تشتمل على:
-الوتريات :وهي عبارة عن تسع وعشرين " "29قصيدة في مدح الرسول صلى هللا عليه وسلم
مرتبة على حروف المعجم في كل منها واحد وعشرون بيتا نظم بعضها بمناسبة المولد النبوي عام 1072
هـ وقد وصل إلى حرف الراء في المغرب ولكنه أتم هاته الوتريات على باقي حروف المعجم لما وصل
إلى الديار المقدسة أواخر جمادى األولى وأوائل جمادى الثانية سنة 1073هـ ويبلغ عدة أبيات هذه
الوتريات" "704بيت.
-التوجيهات :وهي اثنتا عشرة قصيدة مختلفة القوافي نظمها على أحد عشر بحرا من بحور
الخليل)2(.
في الترسل:
-له مجموعة من الرسائل اإلخوانية يتحدث فيها عن الشوق والمودة والهجر والعتاب وهي رسائل
تتميز بمزاوجة الشعر والنثر والعناية بالتعبير وااللتزام بالفواصل واألسجاع .وهذه الرسائل في مجملها
تعكس العواطف الذاتية واألحداث االجتماعية والسياسية واألدبية)2(.
-المغريات بمحاسن الوتريات :وهي رسالة يتحدث فيها أبو سالم عن مسائل نقدية في اللغة والشعر
واألدب يحث فيها على ضرورة تعلم اللغة والعروض وشعر المديح والسرقات األدبية.
-رسالة مطولة تحت عنوان "االستبصار على الطاعن المعثار".
-رسائل إخوانية تبادلها مع تالمذته وأصحابه وأهله وشيوخه ،ومنهم الشيخ محمد بن ناصر
الدرعي( .)3وقد ذكر أبو سالم هذه الرسالة في :الرحلة العياشية :ماء الموائد.
قد تعددت مراسالت الرجل وتنوعت بتنوع مخاطبيه ،حيث نجد له مراسالت مع تالمذته وشيوخه
وبعض العلماء في المشرق والمغرب ،كما نجد له مراسالت لشيوخ بعض الزوايا المغربية والمشرقية
ومراسالت لبعض األمراء بادلوه أيضا هذه المراسالت بمراسالت مماثلة .وقد جمع هذه المراسالت أحد
الباحثين في أطروحة للدكتوراه)1(.