You are on page 1of 205

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫السادس‪ :‬قول من يقول تفني حياتهم وحركاتهم ويصيرون جمادا ً ل يتحركون‬


‫ول يحسون بألم‪ .‬وهذا قول أبي الهذيل العلف إمام المعتزلة طردا ً لمتناع‬
‫حوادث ل نهاية لها‪ .‬والجنة والنار عنده سواء في هذا الحكم‪.‬‬
‫السابع‪ :‬قول من يقول‪ :‬بل يفنيها ربها وخالقها تبارك وتعالى‪ ،‬فإنه جعل لها‬
‫أمدا ً تنتهي إليه تفنى ويزول عذابها‪.‬‬
‫قال شيخ السلم‪ :‬وقد نقل هذا القول عن عمر وابن مسعود وأبي هريرة‬
‫وأبي سعيد وغيرهم‪ .‬وقد روى عبد بن حميد وهو من أجل أئمة الحديث في‬
‫تفسيره المشهور حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن‬
‫الحسن قال‪ :‬قال عمر‪" :‬لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج‪ ،‬لكان‬
‫لهم على ذلك يوم يخرجون فيه"‪.‬‬
‫وقال‪ :‬حدثنا حجاج بن منهال عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن أن‬
‫عمر بن الخطاب قال‪" :‬لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج لكان لهم‬
‫يوم يخرجون فيه" ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى‪} :‬لبثين فيها أحقابًا{‬
‫)النبأ‪ ،(23:‬فقد رواه عبد وهو من الئمة الحفاظ وعلماء السنة عن هذين‬
‫الجليلين سليمان بن حرب وحجاج بن منهال كلهما عن حماد بن سلمة‬
‫وحسبك به وحماد يرويه عن ثابت وحميد وكلهما يرويه عن الحسن‪ ،‬وحسبك‬
‫بهذا السناد جللة‪.‬‬
‫والحسن وإن لم يسمع من عمر‪ ،‬فإنما رواه عن بعض التابعين ولو لم يصح‬
‫عنده ذلك عن عمر لما جزم به‪ .‬وقال‪ :‬عمر بن الخطاب‪ ،‬ولو قدر أنه لم‬
‫يحفظ عن عمر فتداول هؤلء الئمة له غير مقابلين له بالنكار والرد مع أنهم‬
‫ينكرون على من خالف السنة بدون هذا فلو كان هذا القول عند هؤلء الئمة‬
‫من البدع المخالفة لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع الئمة‪ ،‬لكانوا أو منكر‬
‫له‪.‬‬
‫قال‪ :‬ول ريب أن من قال هذا القول عن عمر ونقله عنه إنما أراد بذلك جنس‬
‫أهل النار الذين هم أهلها‪ ،‬فأما قوم أصيبوا بذنوبهم فقد علم هؤلء وغيرهم‬
‫أنهم يخرجون منها‪ ،‬وأنهم ل يلبثون قدر رمل عالج ول قريبا ً منه‪.‬‬
‫ولفظ أهل النار ل يختص بالموحدين بل يختص بمن عداهم‪ ،‬كما قال النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم ل يموتون فيها ول‬
‫يحيون‪ ،‬ول يناقض هذا قوله تعالى‪} :‬خالدين فيها{ وقوله‪} :‬وما هم‬
‫بمخرجين{ )الحجر‪.(48:‬‬
‫بل ما أخبر الله به هو الحق والصدق الذي ل يقع خلفه‪ ،‬لكن إذا انقضى أجلها‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وفنيت تفنى الدنيا لم تبق نارا ً ولم يبق فيها عذاب قال أرباب هذا القول‪:‬‬
‫وفي تفسير علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس في قوله تعالى‪} :‬قال‬
‫النار مثواكم خالدين فيها إل ما شاء الله إن ربك حكيم عليم{ قال‪ :‬ل ينبغي‬
‫لحد أن يحكم على الله في خلقه ول ينزلهم جنة ول نارًا‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وهذا الوعيد في هذه الية مختصا ً بأهل القبلة فإنه سبحانه قال‪} :‬ويوم‬
‫يحشرهم جميعا ً يا معشر الجن قد استكثرتم من النس وقال أولياؤهم من‬
‫النس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم‬
‫خالدين فيها إل ما شاء الله إن ربك حكيم عليم‪.‬وكذلك نولي بعض الظالمين‬
‫بعضا ً بما كانوا يكسبون{ )النعام‪.(128،129:‬‬
‫وأولياء الجن من النس يدخل فيها الكفار قطعا ً فإنهم أحق بموالتهم من‬
‫عصاة المسلمين‪ ،‬كما قال تعالى‪} :‬إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين ل‬
‫يؤمنون{‪.‬‬
‫وقال تعالى‪} :‬إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما‬
‫سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون{ )النحل‪.(99،100:‬‬
‫وقال تعالى‪} :‬إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم‬
‫مبصرون‪ ،‬وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم ل يقصرون{ )العراف‪.(201:‬‬
‫وقال تعالى‪} :‬أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو{ )الكهف‪:‬‬
‫‪.(50‬‬
‫وقال تعالى‪} :‬فقاتلوا أولياء الشيطان{‪.‬‬
‫وقال تعالى‪} :‬أولئك حزب الشيطان أل إن حزب الشيطان هم الخاسرون{‬
‫)المجادلة‪.(19:‬‬
‫وقال تعالى‪} :‬وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم‬
‫إنكم لمشركون{ والستثناء وقع في الية التي أخبرت عن دخول أولياء‬
‫الشياطين النار‪.‬‬
‫فمن ههنا قال ابن عباس‪ :‬ل ينبغي لحد أن يحكم على الله قالوا‪ :‬وقول من‬
‫قال إن )أل( بمعنى سوى أي ما شاء الله أن يزدهم من أنواع العذاب وزمنه‬
‫ل تخفى منافرته للمستثنى والمستثنى منه‪ ،‬وإن الذي يفهمه المخاطب‬
‫مخالفة ما بعد )إل( لما قبلها‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وقول من قال إنه لخراج ما قبل دخولهم إليها من الزمان كزمان‬
‫البرزخ والموقف ومدة الدنيا أيضًا‪ ،‬ل يساعد على وجه الكلم‪ ،‬فإنه استثناء‬
‫من جملة خبرية مضمونها أنهم إذا دخلوا النار لبثوا فيها مدة دوام السماوات‬
‫والرض إل ما شاء الله‪.‬‬
‫وليس المراد الستثناء قبل الدخول هذا مال يفهمه المخاطب أل ترى سبحانه‬
‫يخاطبهم بهذا في النار حين يقولون‪} :‬ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا‬
‫الذي أجلت لنا{ فيقول لهم حينئذ‪} :‬النار مثواكم خالدين فيها إل ما شاء‬
‫الله{‪.‬‬

‫)‪(41 /‬‬

‫وفي قوله‪} :‬ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا{ نوع‬
‫اعتراف واستسلم وتحسر أي استمتع الجن بنا واستمتعنا بهم‪ ،‬فاشتركنا في‬
‫الشرك ودواعيه وأسبابه‪ ،‬وآثرنا الستمتاع على طاعتك وطاعة رسلك‪،‬‬
‫وانقضت آجالنا وذهبت أعمارنا في ذلك ولم نكتسب فيها رضاك‪ .‬وإنما كان‬
‫غاية أمرنا في مدة آجالنا استمتاع بعضنا ببعض‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فتأمل ما في هذا من العتراف بحقيقة ما هم عليه وكيف بدت لهم تلك‬


‫الحقيقة ذلك اليوم‪ ،‬وعلموا أن الذي كانوا فيه في مدة آجالهم هو حظهم من‬
‫استمتاع بعضهم ببعض ولم يستمتعوا بعبادة ربهم ومعرفته وتوحيده ومحبته‬
‫وإيثار مرضاته‪.‬‬
‫وهذا من نمط قولهم‪} :‬لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير{‬
‫وقوله‪} :‬فاعترفوا بذنبهم{ وقوله‪} :‬فعلموا أن الحق لله{ ونظائره‬
‫ً‬
‫والمقصود أن قوله‪} :‬إل ما شاء الله{ عائد إلى هؤلء المذكورين مختصا بهم‬
‫أو شامل ً لهم ولعصاة الموحدين‪ ،‬وأما اختصاصه بعصاة المسلمين دون هؤلء‬
‫فل وجه له‪.‬‬
‫ولما رأت طائفة ضعف هذا القول قالوا‪ :‬الستثناء يرجع إلى مدة البرزخ‬
‫والموقف‪ .‬وقد تبين ضعف هذا القول‪ ،‬ورأت طائفة أخرى أن الستثناء يرجع‬
‫إلى نوع آخر من العذاب غير النار‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬والمعنى أنكم في النار أبدا ً إل ما شاء الله أن يعذبكم بغيرها وهو‬
‫الزمهرير وقد قال تعالى‪} :‬إن جهنم كانت مرصادًا‪ .‬للطاغين مآبًا‪ .‬لبثين فيها‬
‫أحقابًا{ )النبأ‪.(23-21:‬‬
‫وقالوا‪ :‬والبد ل يقدر بالحقاب‪.‬‬
‫وقد قال ابن مسعود في هذه الية‪ :‬ليأتين على جهنم زمان وليس فيها أحد‬
‫وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابًا‪ ،‬وعن أبي هريرة مثله حكاه البغوي عنهما‪ .‬ثم‬
‫قال‪ :‬ومعناه عند أهل السنة إن ثبت أنه ل يبقى فيها أحد من أهل اليمان‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬قد ثبت ذلك عن أبي هريرة وابن مسعود وعبدالله بن عمر وقد سأل‬
‫حرب اسحق بن راهويه عن هذه الية فقال‪ :‬سألت إسحق قلت قول الله‬
‫تعالى‪} :‬خالدين فيها ما دامت السموات والرض إل ما شاء ربك{ فقال‪ :‬أتت‬
‫هذه الية على كل وعيد في القرآن‪.‬‬
‫حدثنا عبيدالله بن معاذ حدثنا معتمر بن سليمان قال‪ :‬قال أبي حدثنا أبو‬
‫نضرة عن جابر أو أبي سعيد أو بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال هذه الية تأتي على القرآن كله‪} :‬إل ما شاء ربك إن ربك فعال لما‬
‫يريد{ )هود‪.(106:‬‬
‫قال المعتمر‪ :‬قال أتى على كل وعيد في القرآن‪ ،‬حدثنا عبيدالله بن معاذ‬
‫حدثنا أبي عن شعبة عن أبي بلخ سمع عمرو بن ميمون يحدث عن عبدالله‬
‫بن عمرو قال ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد‪ ،‬وذلك‬
‫بعدما يلبثون فيها أحقابًا‪.‬‬
‫حدثنا عبيدالله حدثنا أبي حدثنا شعبة عن يحيى بن أيوب عن ابن زرعة عن‬
‫أبي هريرة قال‪ :‬ما أنا بالذي ل أقول إنه سيأتي على جهنم يوم ل يبقى فيها‬
‫أحد‪ ،‬وقرأ قوله‪} :‬فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق{ الية‬
‫)هود‪.(107:‬‬
‫قال عبيدالله‪ :‬كان أصحابنا يقولون يعني به الموحدين حدثنا أبو معن حدثنا‬
‫وهب بن جرير حدثنا شعبة عن سليمان التميمي عن أبي نضرة عن جابر بن‬
‫عبدالله أو بعض أصحابه في قوله‪} :‬خالدين فيها ما دامت السموات والرض‬
‫إل ما شاء ربك{ )هود‪ (107:‬قال هذه الية تأتي على القرآن كله‪ .‬وقد حكى‬
‫ابن جرير هذا القول في تفسيره عن جماعة من السلف فقال‪ :‬وقال آخرون‬
‫عني بذلك أهل النار وكل من دخلها‪ .‬ذكر من قال ذلك ثم ذكر الثار التي‬
‫نذكرها‪.‬‬
‫وقال عبدالرزاق أنبأنا ابن التيمي عن أبيه نضرة عن جابر أو أبي سعيد أو عن‬
‫رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله‪} :‬إل ما شاء‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ربك إن ربك فعال لما يريد{ قال هذه الية تأتي على القرآن كله يقول حيث‬
‫كان في القرآن خالدين فيها تأتي عليه قال‪ :‬وسمعت أبا مجلز يقول‪ :‬جزاؤه‬
‫فإن شاء الله تجاوز عن عذابه‪.‬‬
‫وقال ابن جرير حدثنا الحسن بن يحيى أنبأنا عبدالرزاق فذكره قال وحدثت‬
‫عن المسيب عمن ذكره عن ابن عباس‪} :‬خالدين فيها ما دامت السموات‬
‫والرض إل ما شاء ربك{ قال استثنى الله قال أمر الله النار أن تأكلهم‪ .‬قال‪:‬‬
‫وقال ابن مسعود‪ :‬ليأتين على جهنم زمان تصفق أبوابها ليس فيها أحد بعد ما‬
‫يلبثون فيها أحقابًا‪ ،‬حدثنا ابن حميد حدثنا جرير بيان عن الشعبي قال‪ :‬جهنم‬
‫أسرع الدارين عمرانا‪ ،‬وأسرعهما خرابًا‪.‬‬
‫وحكى ابن جرير في ذلك قول ً آخر فقال‪ :‬وقال آخرون أخبرنا الله عز وجل‬
‫بمشيئته لهل الجنة فعرفنا معنى ثناياه بقوله }عطاء غير مجذوذ{ وأنها لفي‬
‫الزيادة على مقدار مدة السموات والرض قالوا‪ :‬ولم يخبرنا بمشيئته في‬
‫أهل النار‪ ،‬وجائز أن تكون مشيئته في الزيادة وجائز أن تكون في النقصان‪.‬‬
‫حدثنا يونس أنبأنا ابن وهب قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله تعالى‪} :‬خالدين فيها‬
‫ما دامت السموات والرض إل ما شاء ربك{ فقرأ حتى بلغ }عطاء غير‬
‫مجذوذ{ فقال أخبرنا بالذي يشاء لهل الجنة فقال‪} :‬عطاء غير مجذوذ{ ولم‬
‫يخبرنا بالذي يشاء لهل النار‪.‬‬

‫)‪(42 /‬‬

‫وقال ابن مردويه في تفسيره‪ :‬حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا جبير بن عرفة‬
‫حدثنا يزيد بن مروان الخلل حدثنا أبو خليد حدثنا سفيان يعني الثوري عن‬
‫عمرو بن دينار عن جابر قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم‪} :‬فأما‬
‫الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق‪ .‬خالدين فيها ما دامت‬
‫السموات والرض إل ما شاء ربك{ )هود‪106:‬و ‪ (107‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ]إن شاء الله أن يخرج أناسا ً من الذين شقوا من النار‬
‫فيدخلهم الجنة فعل[‪ .‬وهذا الحديث يدل على أن الستثناء إنما هو للخروج‬
‫من النار بعد دخولها خلفا ً لمن زعم أنه لما قبل الدخول‪ ،‬ولكن إنما يدل على‬
‫إخراج بعضهم من النار‪ ،‬وهذا حق بل ريب وهو ل ينفي انقطاعها وفناء عذابها‬
‫وأكلها لمن فيها وأنهم يعذبون فيها دائما ً ما دامت كذلك وما هم منها‬
‫بمخرجين‪ ،‬فالحديث دل على أمرين‪ :‬أحدهما‪ :‬أن بعض الشقياء إن شاء الله‬
‫أن يخرجهم من النار وهي نار فعل‪ ،‬وأن الستثناء إنما هو فيما بعد دخولها ل‬
‫فيما قبله وعلى هذا فيكون معنى الستثناء إل ما شاء ربك من الشقياء‬
‫فإنهم ل يخلدون فيها ويكون الشقياء نوعين نوعا يخرجون منها ونوعا ً‬
‫يخلدون فيها فيكونون من الذين شقوا أول ً ثم يصيرون من الذين سعدوا‬
‫فتجتمع لهم الشقاوة والسعادة في وقتين قالوا وقد قال تعالى‪} :‬إن جهنم‬
‫كانت مرصادًا‪ ،‬للطاغين مآبًا‪ ،‬لبثين فيها أحقابًا‪ ،‬ل يذوقون فيها بردا ً ول‬
‫شرابًا‪ ،‬إل حميما ً وغساقًا‪ ،‬جزاء وفاقًا‪ ،‬إنهم كانوا ل يرجون حسابًا‪ ،‬وكذبوا‬
‫بآياتنا كذابًا{ )النبأ‪ ،(28-21:‬فهذا صريح في وعيد الكفار المكذبين بآياته ول‬
‫يقدر البد بهذه الحقاب ول غيرها كما ل يقدر به القديم‪ .‬ولهذا قال عبدالله‬
‫بن عمرو فيما رواه شعبة عن أبي بلخ سمع عمرو بن ميمون يحدث عنه‬
‫"ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعد ما يلبثون‬
‫فيها أحقابًا"‪.‬‬
‫فصل‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والذين قطعوا بدوام النار لهم ست طرق‪:‬‬


‫أحدها‪ :‬اعتقاد الجماع فكثير من الناس يعتقدون أن هذا مجمع عليه بين‬
‫الصحابة والتابعين ل يختلفون فيه‪ ،‬وأن الختلف فيه حادث وهو من أقوال‬
‫أهل البدع‪.‬‬
‫الطريق الثاني‪ :‬أن القرآن دل على ذلك دللة قطعية فإنه سبحانه أخبر أنه‬
‫عذاب مقيم‪ ،‬وأنه ل يفتر عنهم وأنه لن يزيدهم إل عذابا ً وأنهم خالدين فيها‬
‫أبدا ً وما هم بخارجين من النار‪ ،‬وما هم منها بمخرجين‪ ،‬وأن الله حرم الجنة‬
‫على الكافرين وأنهم ل يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط‪ ،‬وأنهم‬
‫ل يقضى عليهم فيموتوا ول يخفف عنهم من عذابها وأن عذابها كان غرامًا‪،‬‬
‫أي مقيما ً لزمًا‪ .‬قال وهذا يفيد القطع بدوامه واستمراره‪.‬‬
‫الطريق الثالث‪ :‬أن السنة المستفيضة أخبرت بخروج من كان في قلبه مثقال‬
‫ذرة من إيمان دون الكفار‪ ،‬وأحاديث الشفاعة من أولها إلى آخرها صريحة‬
‫بخروج عصاة الموحدين من النار وأن هذا حكم مختص بهم فلو خرج الكفار‬
‫منها لكانوا بمنزلتهم ولم يختص الخروج بأهل اليمان‪.‬‬
‫الطريق الرابع‪ :‬أن الرسول وقفنا على ذلك وعلمناه من دينه بالضرورة من‬
‫غير حاجة بنا إلى نقل معين‪ ،‬كما علمنا من دينه دوام الجنة وعدم فنائها‪.‬‬
‫الطريق الخامس‪ :‬أن عقائد السلف وأهل السنة مصرحة بأن الجنة والنار‬
‫مخلوقتان وأنهما ل يفنيان بل هما دائمتان‪ ،‬وإنما يذكرون فناءهما عن أهل‬
‫البدع‪.‬‬
‫الطريق السادس‪ :‬أن العقل يقضي بخلود الكفار في النار‪ ،‬وهذا مبني على‬
‫قاعدة وهي أن المعاد وثواب النفوس المطيعة وعقوبة النفوس الفاجرة هل‬
‫هو مما يعلم بالعقل أو ل يعلم إل بالسمع؟ فيه طريقتان لنظار المسلمين‪،‬‬
‫وكثير منهم يذهب إلى أن ذلك يعلم بالعقل مع السمع‪ ،‬كما دل عليه القرآن‬
‫في غير موضع‪ ،‬كإنكاره سبحانه على من زعم أنه يسوي بين البرار والفجار‪،‬‬
‫في المحيا والممات وعلى من زعم أنه خلق خلقه عبثًا‪ ،‬وأنهم إليه ل‬
‫يرجعون‪ ،‬وأنه يتركهم سدى أي ل يثيبهم ول يعاقبهم‪ ،‬وذلك يقدح في حكمته‬
‫وكماله‪ ،‬وأنه نسبه إلى مال يليق به وربما قرروه بأن النفوس البشرية باقية‬
‫واعتقاداتها وصفاتها لزمة لها ل تفارقها وإن ندمت عليها‪ ،‬لما رأت العذاب‬
‫فلم تندم عليها لقبحها أو كراهة ربها لها‪ ،‬بل لو فارقها العذاب رجعت كما‬
‫كانت أول قال تعالى‪} :‬ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ول‬
‫نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين‪ ،‬بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل‬
‫ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون{ )النعام‪.(27،28:‬‬
‫فهؤلء قد ذاقوا العذاب وباشروه ولم يزل سببه ومقتضيه من نفوسهم بل‬
‫خبثها وكفرها قائم بها لم يفارقها بحيث لو ردوا لعادوا كفارا ً كما كانوا وهذا‬
‫يدل على أن دوام تعذيبهم يقضي به العقل كما جاء السمع‪ ،‬قال أصحاب‬
‫الفناء الكلم على هذه الطرق يبين الصواب في هذه المسألة‪.‬‬
‫رد دعوى الجماع في المسألة‪:‬‬

‫)‪(43 /‬‬

‫فأما الطريق الول فالجماع الذي ادعيتموه غير معلوم‪ ،‬وإنما يظن الجماع‬
‫في هذه المسألة من لم يعرف النزاع‪ ،‬وقد عرف النزاع فيها قديما ً وحديثا ً بل‬
‫دعي الجماع أن ينقل عن عشرة من الصحابة فما دونهم إلى‬ ‫لو كلف م ّ‬
‫الواحد أنه قال‪ :‬إن النار ل تفني أبدًا‪ ،‬لم يجد إلى ذلك سبيل‪ً.‬‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ونحن قد نقلنا عنهم التصريح بخلف ذلك فما وجدنا عن واحد منهم خلف‬
‫ذلك بل التابعون حكوا عنهم هذا وهذا‪ ،‬قالوا‪ :‬والجماع المعتد به نوعان‪،‬‬
‫متفق عليهما‪ ،‬ونوع ثالث مختلف فيه‪ ،‬ولم يوجد واحد منها في هذه المسألة‬
‫النوع الول ما يكون معلوما ً من ضرورة الدين كوجوب أركان السلم وتحريم‬
‫المحرمات الظاهرة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ما ينقل عن أهل الجتهاد التصريح بحكمه‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يقول بعضهم القول وينشر في المة ول ينكره أحد‪ ،‬فأين معكم‬
‫واحد من هذه النواع‪ ،‬ولو أن قائل ادعى الجماع من هذه الطرق واحتج أن‬
‫الصحابة صح عنهم ولم ينكر أحد منهم عليه لكان أسعد بالجماع منكم‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وأما الطريق الثاني وهو دللة القرآن على بقاء النار وعدم فنائها‪ ،‬فأين‬
‫في القرآن دليل واحد يدل على ذلك؟ نعم‪ ،‬الذي دل عليه القرآن إن الكفار‬
‫خالدين في النار أبدًا‪ ،‬وأنهم غير خارجين منها وأنه ل يفتر عنهم عذابها وأنهم‬
‫ل يموتون فيها وأن عذابهم فيها مقيم‪ ،‬وأنه غرام لزم لهم هذا كله مما ل‬
‫نزاع فيه بين الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين وليس هذا مورد النزاع وإنما‬
‫النزاع في أمر آخر وهو أنه هل النار أبدية أو مما كتب عليه الفناء؟ وأما كون‬
‫الكفار ل يخرجون منها ول يفتر عنهم من عذابها ول يقضى عليهم فيموتوا ول‬
‫يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط فلم يختلف في ذلك الصحابة‬
‫ول التابعون ول أهل السنة وإنما خالف في ذلك من قد حكينا أقوالهم من‬
‫اليهود والتحادية وبعض أهل البدع‪ .‬وهذه النصوص وأمثالها تقتضي خلودهم‬
‫في دار العذاب ما دامت باقية ول يخرجون منها مع بقائها البتة كما يخرج أهل‬
‫التوحيد منها مع بقائها فالفرق بين من يخرج من الحبس وهو حبس على‬
‫حاله وبين من يبطل حبسه بخراب الحبس وانتقاضه‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وأما الطريق الثالث‪ :‬وهي مجيء السنة المستفيضة بخروج أهل‬
‫الكبائر من النار دون أهل الشرك فهي حق ل شك فيه وهي إنما تدل على ما‬
‫قلناه من خروج الموحدين منها وهي دار العذاب لم تفن ويبقى المشركون‬
‫فيها ما دامت باقية والنصوص دلت على هذا وعلى هذا‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وأما الطريق الرابع‪ :‬وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقفنا‬
‫على ذلك ضرورة فل ريب أنه من المعلوم من دينه بالضرورة أن الكفر‬
‫باقون فيها ما دامت باقية هذا معلوم من دينه بالضرورة‪ ،‬وأما كونها أبدية ل‬
‫انتهاء لها ول تفنى كالجنة‪ ،‬فأين في القرآن والسنة دليل واحد يدل على ذلك‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وأما الطريق الخامس وهو أن عقائد أهل السنة أن الجنة والنار‬
‫مخلوقتان ل يفنيان أبدًا‪ .‬فل ريب أن القول بفنائهما قول أهل البدع من‬
‫الجهمية والمعتزلة‪ .‬وهذا القول لم يقله أحد من الصحابة ول التابعين ول أحد‬
‫من أئمة المسلمين وأما فناء النار وحدها فقد أوجدنا لكم من قال به من‬
‫الصحابة وتفريقهم بين الجنة والنار فكيف يكون القول به أقوال أهل البدع‬
‫مع أنه ل يعرف عن أحد من أهل البدع التفريق بين الدارين‪ ،‬فقولكم إنه من‬
‫أقوال أهل البدع كلم من ل خبرة له بمقالت بني آدم وآرائهم واختلفهم‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬والقول الذي بعد من أقوال أهل البدع ما خالف كتاب الله وسنة‬
‫رسوله وإجماع المة‪ ،‬أما الصحابة أو من بعدهم‪ ،‬وأما قول يوافق الكتاب‬
‫والسنة وأقوال الصحابة فل يعد من أقوال أهل البدع وإن دانوا به واعتقدوا‬
‫فالحق يجب قبوله ممن قاله‪ .‬والباطل يجب رده على من قاله وكان معاذ بن‬
‫جبل يقول‪" :‬الله حكم قسط هلك المرتابون إن من ورائكم فتنا ً يكثر فيها‬
‫المال ويفتح فيها القرآن حتى يقرؤه المؤمن والمنافق والمرأة والصبي‬
‫والسود والحمر فيوشك أحدهم أن يقول‪ :‬قد قرأت القرآن فما أظن أن‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يتبعوني حتى أبتدع فإن كل بدعة ضللة وإياكم وزيغة الحكيم؟ فإن الشيطان‬
‫قد يتكلم على لسان الحكيم بكلمة الضللة‪ ،‬وإن المنافق قد يقول كلمة‬
‫الحق فتلقوا الحق عمن جاء به فإن على الحق نورًا‪ ،‬قالوا‪ :‬وكيف زيغة‬
‫الحكيم‪ ،‬قال‪ :‬هي الكلمة تروعكم وتنكرونها وتقولون ما هذه؟ فاحذروا زيغته‬
‫ول تصدنكم عنه فإنه يوشك أن يفيءوأن يراجع الحق‪ ،‬وإن العلم واليمان‬
‫مكانهما إلى يوم القيامة"‪.‬‬
‫والذي أخبر به أهل السنة في عقائدهم هو الذي دل عليه الكتاب والسنة‬
‫وأجمع عليه السلف أن الجنة والنار مخلوقتان‪ ،‬وأن أهل النار ل يخرجون منها‬
‫ول يخفف عنهم من عذابها ول يفتر عنهم وانهم خالدون فيها‪ ،‬ومن ذكر منهم‬
‫أن النار ل تفنى أبدا ً فإنما قاله لظنه أن بعض أهل البدع قال بفنائها‪ ،‬ولم‬
‫يبلغه تلك الثار التي تقدم ذكرها قالوا‪ :‬وأما حكم العقل بتخليد أهل النار‬
‫فيها‪ ،‬فإخبار عن العقل بما ليس عنده‪ ،‬فإن المسألة من المسائل التي ل‬
‫تعلم إل بخبر الصادق‪.‬‬

‫)‪(44 /‬‬

‫وأما أصل الثواب والعقاب‪ :‬فهل يعلم بالعقل مع السمع أو ل يعلم إل بالسمع‬
‫وحده؟ ففيه قولن لنظار المسلمين من أتبع الئمة الربعة وغيرهم‪ ،‬والصحيح‬
‫أن العقل دل على المعاد والثواب والعقاب إجمال ً وأما تفصيله فل يعلم إل‬
‫بالسمع ودوام الثواب والعقاب ما ل يدل عليه العقل بمجرده‪ ،‬وإنما علم‬
‫بالسمع وقد دل السمع دللة قاطعة على دوام ثواب المطيعين‪ ،‬وأما عقاب‬
‫العصاة فقد دل السمع أيضا ً دللة قاطعة على انقطاعه في حق الموحدين‪،‬‬
‫وأما دوامه وانقطاعه في حق الكفار فهذا معترك النزال فمن كان السمع‬
‫من جانبه فهو أسعد بالصواب‪ .‬وبالله التوفيق‪.‬‬
‫الفرق بين دوام الجنة والنار شرعا ً وعق ً‬
‫ل‪:‬‬
‫ونحن نذكر الفرق بين دوام الجنة والنار شرعا ً وعقل ً وذلك يظهر من وجوه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن الله سبحانه وتعالى أخبر ببقاء نعيم أهل الجنة ودوامه وأنه ل نفاد‬
‫له ول انقطاع وأنه غير مجذوذ‪ ،‬وأما النار فلم يخبر عنها بأكثر من خلود أهلها‬
‫فيها وعدم خروجهم منها وأنهم ل يموتون فيها ول يحيون وأنها مؤصدة عليهم‬
‫وأنهم كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وأن عذابها لزم لهم وأنه مقيم‬
‫عليهم ل يفتر عنهم والفرق بين الخبرين ظاهر‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن النار قد أخبر سبحانه وتعالى في ثلث آيات عنها بما يدل‬
‫على عدم أبديتها‪ .‬الولى‪ :‬قوله سبحانه وتعالى‪} :‬قال النار مثواكم خالدين‬
‫فيها إل ما شاء الله إن ربك حكيم عليم{ )النعام‪ ،(128:‬الثانية‪ :‬قوله‪:‬‬
‫}خالدين فيها ما دامت السموات والرض إل ما شاء ربك إن ربك فعال لما‬
‫يريد{ )هود‪.(107:‬‬
‫ً‬
‫الثالثة‪ :‬قوله‪} :‬لبثين فيها أحقابا{ )النبأ‪ ،(23:‬ولول الدلة القطعية الدالة‬
‫على أبدية الجنة ودوامها لكان حكم الستثناءين في الموضعين واحدا ً كيف‬
‫وفي اليتين من السياق ما يفرق بين الستثناءين فإنه قال في أهل النار‪:‬‬
‫}إن ربك فعال لما يريد{ )هود‪ ،(107:‬فعلمنا أنه سبحانه وتعالى يريد أن‬
‫يفعل فعل ً لم يخبرنا به‪ ،‬وقال في أهل الجنة‪} :‬عطاء غير مجذوذ{ )هود‪:‬‬
‫‪ ،(108‬فعلمنا أن هذا العطاء والنعيم غير مقطوع عنهم أبدًا‪ .‬فالعذاب مؤقت‬
‫معلق والنعيم ليس بمؤقت ول معلق‪.‬‬
‫ً‬
‫الوجه الثالث‪ :‬أنه قد ثبت أن الجنة لم يدخلها من لم يعمل خيرا قط من‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المعذبين الذين يخرجهم الله من النار‪ ،‬وأما النار فلم يدخلها من لم يعمل‬
‫سوءا ً قط ول يعذب إل من عصاه‪.‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬أنه قد ثبت أن الله سبحانه وتعالى ينشيء للجنة خلقا ً آخر يوم‬
‫القيامة يسكنهم إياها ول يفعل ذلك بالنار‪ ،‬وأما الحديث الذي قد ورد في‬
‫صحيح البخاري من قوله‪] :‬وأما النار فينشيء الله لها خلقا ً آخرين[ فغلط وقع‬
‫من بعض الرواة انقلب عليه الحديث وإنما هو ما ساقه البخاري في الباب‬
‫بنفسه‪] :‬وأما الجنة فينشيء الله لها خلقا ً آخرين[ ذكره البخاري رحمه الله‬
‫مبينا ً أن الحديث انقلب لفظه على من رواه بخلف هذا وهذا‪ ،‬والمقصود أنه‬
‫ل تقاس النار بالجنة في التأبيد مع هذه الفروق‪.‬‬
‫الوجه الخامس‪ :‬أن الجنة من موجب رحمته ورضاه‪ ،‬والنار من غضبه‬
‫وسخطه‪ ،‬ورحمته سبحانه تغلب غضبه وتسبقه‪ ،‬كما جاء في الصحيح من‬
‫حديث أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‪] :‬لما قضى الله الخلق‬
‫كتب في كتاب فهو عنده موضوع على العرش أن رحمتي تغلب غضبي[‪ .‬وإذا‬
‫كان رضاه قد سبق غضبه وهو يغلبه كان التسوية بين ما هو من موجب رضاه‬
‫وما هو من موجب غضبه ممتنعًا‪.‬‬
‫الوجه السادس‪ :‬أن ما كان بالرحمة وللرحمة فهو مقصود لذاته قصد الغايات‬
‫وما كان من موجب الغضب والسخط فهو مقصود لغيره قصد الوسائل فهو‬
‫مسبوق مغلوب مراد لغيره وما كان للرحمة فغالب سابق مراد لنفسه‪.‬‬
‫الوجه السابع‪ :‬وهو أنه سبحانه قال للجنة‪ :‬أنت رحمتي أرحم بك من أشاء‬
‫وقال للنار‪ :‬أنت عذابي أعذب بك من أشاء‪ ،‬وعذابه مفعول منفصل‪ ،‬وهو‬
‫ناشيء عن غضبه‪ ،‬ورحمته ههنا هي الجنة وهي رحمة مخلوقة ناشئة عن‬
‫الرحمة التي هي صفة الرحمن فههنا أربعة أمور رحمة هي صفته سبحانه‪،‬‬
‫وثواب منفصل هو ناشيء عن رحمته‪ ،‬وغضب يقوم به سبحانه‪ ،‬وعقاب‬
‫منفصل ينشأ عنه إذا غلبت صفة الرحمة صفة الغضب فلن يغلب ما كان‬
‫بالرحمة لما كان بالغضب أولى وأحرى‪ ،‬فل تقاوم النار التي نشأت عن‬
‫الغضب الجنة التي نشأت عن الرحمة‪.‬‬

‫)‪(45 /‬‬

‫الوجه الثامن‪ :‬أن النار خلقت تخويفا ً للمؤمنين وتطهيرا ً للخاطئين‬


‫والمجرمين‪ ،‬فهي طهرة من الخبث الذي اكتسبته النفس في هذا العالم فإن‬
‫تطهرت ههنا بالتوبة النصوح والحسنات الماحية والمصائب المكفرة لم يحتج‬
‫إلى تطهير هناك وقيل لها مع جملة الطيبين سلم عليكم طبتم فادخلوها‬
‫خالدين‪ .‬وإن لم تتطهر في هذه الدار ووافت الدار الخرى بدونها ونجاستها‬
‫وخبثها أدخلت النار طهرة لها ويكون مكثها في النار بحسب زوال ذلك الدرن‬
‫والخبث والنجاسة التي ل يغسلها الماء‪ ،‬فإذا تطهرت الطهر التام أخرجت من‬
‫النار والله سبحانه خلق عباده حنفاء وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها‪،‬‬
‫فلو خلوا وفطرهم لما نشؤوا إل على التوحيد ولكن عرض لكثر الفطر ما‬
‫غيرها‪ ،‬ولهذا كان نصيب النار أكثر من نصيب الجنة وكان هذا التغيير مراتب‬
‫ل يحصيها إل الله فأرسل الله رسوله‪ ،‬وأنزل كتبه يذكر عباده بفطرته التي‬
‫فطرهم عليها‪ ،‬فعرف الموفقون الذين سبقت لهم من الله الحسنى صحة ما‬
‫جاءت به الرسل ونزلت به الكتب بالفطرة الولى فتوافق عندهم شرع الله‬
‫ودينه الذي أرسل به رسله وفطرته التي فطرهم عليها فمنعتهم الشرعة‬
‫المنزلة والفطرة المكملة‪ ،‬أن تكتسب نفوسهم خبثا ً ونجاسة ودرنا ً يعلق بها‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ول يفارقها‪ ،‬بل كلما ألم بهم شيء من ذلك ومسهم طائف من الشيطان‬
‫أغاروا عليه بالشرعة والفطرة فأزالوا موجبه وأثره‪ ،‬وكمل لهم الرب تعالى‬
‫ذلك بأقضية يقضيها لهم مم يحبون أو يكرهون‪ ،‬تمحص عنهم تلك الثار التي‬
‫شوشت الفطرة فجاء مقتضى الرحمة فصادف مكانا ً قابل ً مستعدا ً لها ليس‬
‫فيه شيء يدافعه فقال هنا أمرت وليس لله سبحانه غرض‪ .‬في تعذيب عباده‬
‫بغير موجب كما قال تعالى‪} :‬ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان‬
‫الله شاكرا ً عليمًا{ )النساء‪ ،(147:‬واستمر الشقياء مع تغيير الفطرة ونقلها‬
‫مما خلقت عليه إلى ضده حتى استحكم الفساد وتم التغيير‪ ،‬فاحتاجوا إلى‬
‫إزالة ذلك إلى تغيير أخر وتطهير ينقلهم إلى الصحة حيث لم تنقلهم آيات الله‬
‫المتلوة والمخلوقة وأقداره المحبوبة والمكروهة في هذه الدار‪ ،‬فأتاح لهم‬
‫آيات أخر وأقضية‪ ،‬وعقوبات فوق التي كانت في الدنيا تستخرج ذلك الخبث‬
‫والنجاسة التي ل تزول بغير النار‪ ،‬فإذا زال موجب العذاب وسببه زال العذاب‬
‫وبقي مقتضى الرحمة ل معارض له‪ ،‬فإن قيل هذا حق ولكن سبب التعذيب ل‬
‫يزول إل إذا كان السبب عارضا ً كمعاصي الموحدين‪ ،‬أما إذا كان لزما ً كالكفر‬
‫والشرك فإن أثره ل يزول كما يزول السبب‪ ،‬وقد أشار سبحانه إلى هذا‬
‫المعنى بعينه في مواضع من كتابه منها‪ :‬قوله تعالى‪} :‬ولو ردوا لعادوا لما‬
‫نهوا عنه{ فهذا إخبار بأن نفوسهم وطبائعهم ل تقتضي غير الكفر والشرك‪،‬‬
‫ل‪ .‬ومنها قوله تعالى‪} :‬ومن كان في هذه أعمى‬ ‫وأنها غير قابلة لليمان أص ً‬
‫ل{ )السراء‪ ،(72:‬فأخبر سبحانه أن ضللهم‬ ‫فهو في الخرة أعمى وأضل سبي ً‬
‫وعماهم عن الهدى دائم ل يزول حتى مع معاينة الحقائق التي أخبرت بها‬
‫الرسل‪ ،‬وإذا كان العمى والضلل ل يفارقهم فإن موجبه وأثره ومقتضاه ل‬
‫يفارقهم‪ .‬ومنها‪ :‬قوله تعالى‪} :‬ولو علم الله فيهم خيرا ً لسمعهم‪ ،‬ولو‬
‫أسمعهم لتولوا وهم معرضون{ )النفال‪ ،(23:‬وهذا يدل على أنه ليس فيهم‬
‫خير يقتضي الرحمة ولو كان فيهم خير ما ضيع عليهم أثره‪ ،‬ويدل على أنهم ل‬
‫خير فيهم هناك أيضا ً قوله‪] :‬أخرجوا من النار من كان في قلبه أدنى مثقال‬
‫ذرة من خير[ ولو كان عند هؤلء أدنى أدنى مثقال ذرة من خير لخرجوا منها‬
‫مع الخارجين‪.‬‬
‫قيل‪ :‬لعمر الله إن هذا لمن أقوى ما يتمسك به من المسألة‪ ،‬وإن المر لكما‬
‫قلتم‪ ،‬وإن العذاب يدوم بدوام موجبه وسببه‪ ،‬ول ريب أنهم في الخرة في‬
‫عمى وضلل كما كانوا في الدنيا بواطنهم خبيثة كما كانت في الدنيا‪ ،‬والعذاب‬
‫مستمر عليهم دائم ما داموا كذلك‪ :‬ولكن هل هذا الكفر والتكذيب والخبث‬
‫أمر ذاتي لهم زواله مستحيل أم هو أمر عارض طارئ على الفطرة قابل‬
‫للزوال؟ هذا حرف المسألة وليس بأيديكم ما يدل على استحالة زواله وأنه‬
‫أمر ذاتي وقد أخبر سبحانه أنه فطر عباده على الحنيفية‪ ،‬وأن الشياطين‬
‫اجتالتهم عنها فلم يفطرهم سبحانه على الكفر والتكذيب‪ ،‬كما فطر الحيوان‬
‫البهيم على طبيعته وإنما فطرهم على القرار بخالقهم ومحبته وتوحيده‪.‬‬

‫)‪(46 /‬‬

‫فإن كان هذا الحق الذي قد فطروا عليه وخلقوا عليه قد أمكن زواله بالكفر‬
‫والشرك الباطل فإمكان زوال الكفر والشرك والباطل بضده من الحق أولى‬
‫وأحرى‪ ،‬ول ريب أنهم لو ردوا على تلك الحال التي هم عليها لعادوا لما نهوا‬
‫عنه ولكن من أين لكم أن تلك الحال ل تزول ول تتبدل بنشأة أخرى ينشئهم‬
‫فيها تبارك وتعالى إذا أخذت النار مأخذها منهم‪ ،‬وحصلت الحكمة المطلوبة‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من عذابهم‪ ،‬فإن العذاب لم يكن سدى وإنما كان لحكمة مطلوبة‪ .‬فإذا‬
‫حصلت تلك الحكمة لم يبق في التعذيب أمر يطلب ول غرض يقصد والله‬
‫سبحانه ليس يشتفي بعذاب عباده كما يشتفي المظلوم من ظالمه وهو ل‬
‫يعذب عبده لهذا الغرض‪ ،‬وإنما يعذبه طهرة له ورحمة به فعذابه مصلحة له‪،‬‬
‫وإن تألم به غاية اللم كما أن عذابه بالحدود الدنيا مصلحة لربابها‪.‬‬
‫وقد سمى الله سبحانه الحد عذابا ً وقد اقتضت حكمته سبحانه أن جعل لكل‬
‫داء دواء يناسبه‪ ،‬ودواء الداء العضال يكون من أشق الدوية‪ ،‬والطبيب‬
‫الشفيق يكوي المريض بالنار كيا ً بعد كي ليخرج منه المادة الرديئة الطارئة‬
‫على الطبيعة المستقيمة وإن رأى قطع العضو أصلح للعليل قطعه وأذاقه‬
‫أشد اللم فهذا قضاء الرب وقدره في إزالة مادة غريبة طرأت على الطبيعة‬
‫المستقيمة بغير اختيار العبد‪ ،‬فكيف إذا طرأ على الفطرة السليمة مواد‬
‫فاسدة باختيار العبد وإرادته؟‬
‫وإذا تأمل اللبيب شرع الرب تعالى وقدره في الدنيا وثوابه وعقابه في الخرة‬
‫وجد ذلك في غاية التناسب والتوافق وارتباط ذلك بعضه ببعض فإن مصدر‬
‫الجميع عن علم تام وحكمة بالغة ورحمة وهو سبحانه الملك الحق المبين‬
‫وملكه ملك رحمة وإحسان وعدل‪.‬‬
‫الوجه التاسع‪ :‬إن عقوبته بعد ليست لحاجته إلى عقوبته ل لمنفعة تعود إليه‬
‫ول لدفع مضرة وألم يزول عنه بالعقوبة‪ .‬بل يتعالى عن ذلك ويتنزه كما‬
‫يتعالى عن سائر العيوب والنقائص‪ ،‬ول هي عبث محض خال عن الحكمة‬
‫والغاية الحميدة فإنه أيضا ً يتنزه عن ذلك ويتعالى عنه‪ ،‬فإما أن يكون من تمام‬
‫أوليائه وأحبابه‪ ،‬وإما أن يكون من مصلحة الشقياء ومداواتهم‪ ،‬أو لهذا ولهذا‪.‬‬
‫وعلى التقادير الثالث‪ ،‬فالتعذيب أمر مقصود لغيره قصد الوسائل ل قصد‬
‫الغايات والمراد من الوسيلة إذا حصل على الوجه المطلوب زال حكمها‪،‬‬
‫ونعيم أوليائه‪ ،‬ليس متوقفا ً في أصله ول في كماله على استمرار عذاب‬
‫أعدائه‪ ،‬وهوامه ومصلحة الشقياء ليست في الدوام والستمرار‪ ،‬وإن كان‬
‫في أصل التعذيب مصلحة لهم‪.‬‬
‫الوجه العاشر‪ :‬إن رضا الرب تبارك وتعالى ورحمته صفتان ذاتيتان له‪ ،‬فل‬
‫منتهى لرضاه بل كما قال أعلم الخلق به‪ :‬سبحان الله وبحمده عدد خلقه‬
‫ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته‪ .‬فإن كانت رحمته غلبت فإن رضا‬
‫نفسه أعلى وأعظم‪ ،‬فإن رضوانه أكثر من الجنات ونعيمها وكل ما فيها وقد‬
‫أخبر أهل الجنة أنه يحل عليهم رضوانه فل يسخط عليهم أبدًا‪ ،‬وأما غضبه‬
‫تبارك وتعالى وسخطه فليس من صفاته الذاتية التي يستحيل انفكاكه عنها‬
‫بحيث لم يزل ول يزال غضبان والناس لهم في صفة الغضب قولن‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أنه من صفاته الفعلية القائمة به كسائر أفعاله‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أنه صفة فعل منفصل عنه غير قائم به‪ .‬وعلى القولين فليس كالحياة‬
‫والعلم والقدرة التي يستحيل مفارقتها له والعذاب إنما ينشأ من صفة غضبه‬
‫وما سعرت النار إل بغضبه‪ ،‬وقد جاء في أثر مرفوع‪] :‬إن الله خلق خلقا ً من‬
‫غضبه وأسكنهم بالمشرق وينتقم بهم ممن عصاه[ فمخلوقاته سبحانه نوعان‬
‫من نوع مخلوق من الرحمة وبالرحمة‪ .‬ونوع مخلوق من الغضب وبالغضب‪.‬‬
‫فإنه سبحانه له الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي يتنزه عن تقدير خلفه‬
‫ومنه أنه يرضى ويغضب ويثيب ويعاقب ويعطي ويمنع ويعز ويذل وينتقم‬
‫ويعفو‪ .‬بل هذا موجب ملكه الحق وهو حقيقة الملك المقرون بالحكمة‬
‫والرحمة والحمد‪ .‬فإذا زال غضبه سبحانه وتبدل برضاه زالت عقوبته وتبدلت‬
‫برحمته فانقلبت العقوبة رحمة بل لم تزل رحمة وإن تنوعت صفتها وصورتها‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كما كان عقوبة العصاة رحمة وإخراجه من النار رحمة‪ ،‬فتقلبوا في رحمته‬
‫في الدنيا وتقلبوا فيها في الخرة‪ ،‬لكن تلك رحمة يحبونها وتوافق طبائعهم‬
‫وهذه رحمة يكرهونها وتشق عليهم كرحمة الطبيب الذي يبضع لحم المريض‬
‫ويلقي عليه المكاوي ليستخرج منه المواد الرديئة الفاسدة‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬هذا اعتبار غير صحيح فإن الطبيب يفعل ذلك بالعليل وهو يحبه وهو‬
‫راض عنه ولم ينشأ فعله به عن غضبه عليه ولهذا ل يسمى عقوبة‪ ،‬وأما‬
‫عذاب هؤلء فإنه إنما حصل بغضبه سبحانه عليهم وهو عقوبة محضة‪.‬‬

‫)‪(47 /‬‬

‫قيل‪ :‬هذا حق ولكن ل ينافي كونه رحمة بهم‪ ،‬وإن كان عقوبة لهم وهذا‬
‫كإقامة الحدود عليهم في الدنيا فإنها عقوبة ورحمة وتخفيف وطهرة‪ ،‬فالحدود‬
‫طهرة لهلها وعقوبة‪ ،‬وهم ما أغضبوا الرب تعالى وقابلوه لما ل يطيق أن‬
‫يقابل به وعاملوه أقبح المعاملة وكذبوه وكذبوا رسله وجعلوا أقل خلقه‬
‫وأخبثهم وأمقتهم له ندا ً له‪ ،‬وآلهة معه وآثروا رضاهم على رضاه وطاعتهم‬
‫على طاعته‪ ،‬وهو ولي النعام عليهم وهو خالقهم ورازقهم ومولهم‪ ،‬الحق‬
‫الذي اشتد مقته لهم وغضبه عليهم وذلك يوجب كمال أسمائه وصفاته التي‬
‫يستحيل عليه تقدير خلفاتها ويستحيل عليه تخلف آثارها ومقتضاها عنها بل‬
‫ذلك تعطل لحكامها‪ ،‬كما أن نفيها عنه تعطيل لحقائقها وكل التعطيلين محال‬
‫عليه سبحانه‪.‬‬
‫فالمعطلون نوعان أحدهما‪ :‬عطل صفاته والثاني عطل أحكامها وموجباتها‪.‬‬
‫وكان هذا العذاب عقوبة لهم من هذا الوجه ودواء لهم من جهة الرحمة‬
‫السابقة للغضب فاجتمع فيه المران‪ ،‬فإذا زال الغضب بزوال سببه وزالت‬
‫المادة الفاسدة بتغير الطبيعة المقتضية لها في الجحيم بمرور الحقاب عليها‪،‬‬
‫وحصلت الحكمة التي أوجبت العقوبة عملت الرحمة عملها وطلبت أثرها من‬
‫غير معارض‪.‬‬
‫الوجه الحادي عشر‪ :‬وهو أن العفو أحب إليه سبحانه من النتقام‪ ،‬والرحمة‬
‫أحب إليه من العقوبة والرضا أحب إليه من الغضب‪ .‬والفضل أحب إليه من‬
‫العدل‪ .‬ولهذا ظهرت آثار المحبة في شرعه وقدره ويظهر كل الظهور لعباده‬
‫في ثوابه وعقابه‪ ،‬وإذا كان ذلك أحب المرين إليه وله خلق الخلق وأنزل‬
‫الكتب وشرع الشرائع وقدرته سبحانه صالحة لكل شيء ل قصور فيها بوجه‬
‫ما‪ ،‬وتلك المواد الرديئة الفاسدة مرض من المراض وبيده سبحانه الشفاء‬
‫التام والدوية الموافقة لكل داء‪ ،‬وله القدرة التامة والرحمة البالغة والغنى‬
‫المطلق‪ ،‬وبالعبد أعظم حاجة إلى من يداوي علته التي بلغت غاية الضرر‬
‫والمشقة‪ ،‬وقد عرف العبد أنه عليل وأن دواءه بيد الغني الحميد‪ ،‬فتضرع إليه‬
‫ودخل به عليه واستكان له وانكسر قلبه بين يديه وذل لعزته وعرف أن‬
‫الحمد كله له‪ ،‬وأن الخلق كله وأنه هو الظلوم الجهول وأن ربه تبارك وتعالى‬
‫عامله بكل عدله ل يبغض عدله‪ ،‬وأن له غاية الحمد فيما فعل به‪ ،‬وأن حمده‬
‫هو الذي أمامه‪ ،‬في هذا المقام وأوصله إليه وأنه ل خير عنده من نفسه بوجه‬
‫من الوجوه‪ ،‬بل ذلك محض فضل الله وصدقه عليه وأنه ل نجاة له مما هو‬
‫فيه بمجرد العفو والتجاوز عن حقه فنفسه أولى بكل ذم وعيب ونقص‪ ،‬وربه‬
‫تعالى أولى بكل حمد وكمال ومدح‪.‬‬
‫فلو أن أهل الجحيم شهدوا نعمته سبحانه ورحمته وكماله وحمده الذي أوجب‬
‫لهم ذلك فطلبوا مرضاته ولو بدوامهم في تلك الحال‪ .‬وقالوا إن كان ما نحن‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيه رضاك فرضاك الذي نرى وما أوصلنا إلى هذه الحال إل طلب ما ل‬
‫يرضيك فأما إذا أرضاك‪ ،‬هذا منا فرضاك غاية ما نقصده )وما لجرح إذا‬
‫أرضاك من ألم( وأنت أرحم بنا من أنفسنا وأعلم بمصالحنا لك الحمد كله‪،‬‬
‫عاقبت أو عفوت‪ ،‬لنقلبت النار عليهم بردا ً وسلمًا‪.‬‬
‫وقد روى المام أحمد في مسنده من حديث السود بن سريع أن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم قال‪] :‬يأتي أربعة يوم القيامة رجل أصم ل يسمع شيئًا‪ ،‬ورجل‬
‫أحمق‪ ،‬ورجل هرم‪ ،‬ورجل مات في فترة‪ ،‬فأما الصم فيقول‪ :‬رب لقد جاء‬
‫السلم وما أسمع شيئًا‪ .‬وأما الحمق فيقول‪ :‬رب لقد جاء السلم والصبيان‬
‫يحذفوني بالبعر‪ .‬وأما الهرم فيقول‪ :‬ربي لقد جاء السلم وما أعقل شيئًا‪،‬‬
‫وأما الذي مات في الفترة فيقول‪ :‬رب ما أتاني لك من رسول‪ ،‬فيأخذ‬
‫مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم أن ادخلوا النار‪ ،‬قال فو الذي نفس محمد‬
‫بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا ً وسلمًا[‪.‬‬
‫وفي المسند أيضًا‪ :‬من حديث قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة‬
‫مثله وقال‪] :‬فمن دخلها كانت عليه بردا ً وسلما ً ومن لم يدخلها يسحب إليها[‬
‫فهؤلء لما رضوا بتعذيبهم وبادروا إليه لما علموا أن فيه رضي ربهم وموافقة‬
‫أمره ومحبته انقلب في حقهم نعيمًا‪.‬‬
‫ومثل هذا‪ ،‬وما رواه عبدالله بن المبارك حدثني رشدين قال حدثني ابن أنعم‬
‫عن أبي عثمان أنه حدثه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم قال‪] :‬إن رجلين ممن دخل النار يشتد صياحهما‪ .‬فقال الرب‬
‫جل جلله‪ :‬أخرجوهما فإذا أخرجا فقال لهما‪ :‬لي شيء اشتد صياحكما؟ قال‪:‬‬
‫فعلنا ذلك لترحمنا‪ ،‬قال‪ :‬رحمتي لكما أن تنطلقا فتلقيا أنفسكما حيث كنتما‬
‫من النار‪ .‬قال فينطلقان فيلقي أحدهما نفسه فيجعلهما الله سبحانه عليه‬
‫بردا ً وسلمًا‪ ،‬ويقوم الخر فل يلقي فيقول له الرب‪ :‬ما منعك أن تلقي نفسك‬
‫كما ألقى صاحبك؟ فيقول‪ :‬رب إني أرجوك أن ل تعيدني فيها بعد ما أخرجتني‬
‫منها‪ ،‬فيقول الرب تعالى لك رجاؤك‪ ،‬فيدخلن الجنة جميعا ً برحمة الله[‪.‬‬

‫)‪(48 /‬‬

‫وذكر الوزاعي عن بلد بن سعيد قال‪" :‬يؤمر بإخراج رجلين من النار فإذا‬
‫أخرجا ووقفا قال الله لهما كيف وجدتما مقيلكما وسوء مصيركما؟ فيقولن‪:‬‬
‫شر مقيل‪ ،‬وأسوء مصير‪ ،‬ثار إليه العباد‪ ،‬فيقول لهما‪ :‬بما قدمت أيديكما وما‬
‫أنا بظلم للعبيد‪ ،‬قال‪ :‬فيؤمر بصرفهما إلى النار فأما أحدهما فيغدو في أغلله‬
‫وسلسله حتى يقتحمها‪ :‬وأما الخر فيتلكأ فيؤمر بردهما فيقول للذي غدا في‬
‫أغلله وسلسله حتى اقتحمها‪ :‬ما حملك على ما صنعت وقد خرجت منها؟‬
‫فيقول إني خبرت من وبال معصيتك ما لم أكن أتعرض لسخطك ثانيًا‪ .‬ويقول‬
‫الذي تلكأ‪ :‬ما حملك على ما صنعت؟؟ فيقول‪ :‬حسن ظني بك حين أخرجتني‬
‫منها أن ل تردني إليها فيرحمهما جميعا ً ويأمر بهما إلى الجنة"‪.‬‬
‫الوجه الثاني عشر‪ :‬أن النعيم والثواب من مقتضى رحمته ومغفرته وبره‬
‫وكرمه ولذلك يضيف ذلك إلى نفسه‪ .‬وأما العذاب والعقوبة فإنما هو من‬
‫مخلوقاته‪ ،‬لذلك ل يسمى بالمعاقب والمعذب بل يفرق بينهما فيجعل ذلك‬
‫من أوصافه وهذا من مفعولته حتى في الية الواحدة كقوله تعالى‪} :‬نبيء‬
‫عبادي أني أنا الغفور الرحيم‪ .‬وأن عذابي هو العذاب الليم{ )الحجر‪-49:‬‬
‫‪ ،(50‬وقال تعالى‪} :‬اعلموا أن الله شديد العقاب‪ ،‬وأن الله غفور رحيم{‬
‫)المائدة‪ ،(98:‬وقال تعالى‪} :‬إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم{‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)العراف‪ ،(67:‬ومثلها في آخر النعام‪ ،‬فما كان من مقتضى أسمائه وصفاته‬


‫فإنه يدوم بدوامها ول سيما إذا كان محبوبا ً له وهو غاية مطلوبة في نفسها‬
‫وأما الشر الذي هو العذاب في أسمائه وصفاته‪ ،‬وإن دخل في مفعولته‬
‫لحكمه إذا حصلت زال وفني بخلف الخير‪ ،‬فإنه سبحانه دائم المعروف ل‬
‫ينقطع معروفه أبدا ً وهو قديم الحسان أبدي الحسان‪ ،‬فلم يزل ول يزال‬
‫محسنا ً على الدوام‪ .‬وليس من موجب أسمائه وصفاته أنه ل يزال معاقبا ً‬
‫على الدوام غضبان على الدوام منتقما ً على الدوام‪ ،‬فتأمل هذا الوجه تأمل‬
‫فقيه في باب أسماء الله وصفاته‪ ،‬يفتح لك بابا ً من أبواب معرفته ومحبته‪.‬‬
‫الوجه الثالث عشر‪ :‬وهو قول أعلم خلقه به‪ ،‬وأعرفهم بأسمائه وصفاته‬
‫]والشر ليس إليك[ ولم يقف على المعنى المقصود من قال الشر ل يتقرب‬
‫به إليك‪ ،‬بل الشر ل يضاف إليه سبحانه بوجه ل في ذاته ول في صفاته ول‬
‫في أفعاله ول أسمائه‪ ،‬فإن ذاته لها الكمال المطلق من جميع الوجوه‪،‬‬
‫وصفاته كلها صفات كمال يحمد عليها ويثنى عليه بها‪ ،‬وأفعاله كلها خير‬
‫ورحمة وعدل‪ ،‬وحكمة ل شر فيها بوجه ما‪ ،‬وأسماؤه كلها حسنى‪ ،‬فكيف‬
‫يضاف الشر إليه بل الشر في مفعولته ومخلوقاته وهو منفصل عنه‪ ،‬إذ فعله‬
‫غير مفعوله ففعله خير كله‪ ،‬وأما المخلوق المفعول ففيه الخير والشر‪.‬‬
‫وإذا كان الشر مخلوقا ً منفصل ً غير قائم بالرب سبحانه فهو ل يضاف إليه وهو‬
‫صلى الله عليه وسلم لم يقل‪ :‬أنت ل تخلق الشر حتى يطلب تأويل قوله‪،‬‬
‫وإنما نفي إضافته إليه وصفة وفعل ً وأسماء‪ ،‬وإذا عرف هذا فالشر ليس إل‬
‫الذنوب وموجباتها‪.‬‬
‫وأما الخير فهو اليمان والطاعات وموجباتها‪ ،‬واليمان والطاعات متعلقة به‬
‫سبحانه‪ ،‬ولجلها خلق خلقه وأرسل رسله وأنزل كتبه‪ ،‬وهي ثناء على الرب‬
‫وإجلله وتعظيمه وعبوديته‪ ،‬وهذه لها آثار تطلبها وتقتضيها فتدوم آثارها بدوام‬
‫متعلقها‪.‬‬
‫وأما الشرور فليست مقصودة لذاتها‪ .‬ول هي الغاية التي خلق لها الخلق فهي‬
‫مفعولت قدرت لمر محبوب وجعلت وسيلة إليه فإذا حصل ما قدرت له‬
‫اضمحلت وتلشت وعاد المر إلى الخير المحض‪.‬‬
‫الوجه الرابع عشر‪ :‬أنه سبحانه قد أخبر أن رحمته وسعت كل شيء‪ .‬فليس‬
‫شيء من الشياء إل وفيه رحمته ول ينافي هذا أن يرحم العبد بما يشق عليه‬
‫ويؤلمه وتشتد كراهته له فإن ذلك من رحمته أيضا ً كما تقدم‪.‬‬
‫وقد ذكرنا حديث أبي هريرة آنفا ً وقوله تعالى لذينك الرجلين‪ :‬رحمتي لكما‬
‫أن تنطلقا فتلقيا أنفسكما حيث كنتما من النار‪ .‬وقد جاء في بعض الثار أن‬
‫العبد إذا دعا لمبتلى قد اشتد بلؤه وقال‪ :‬اللهم ارحمه‪ :‬يقول الرب تبارك‬
‫وتعالى‪ :‬كيف أرحمه من شيء به أرحمه‪ .‬فالبتلء رحمة منه لعباده )وفي أثر‬
‫إلهي( يقول الله تعالى‪" :‬أهل ذكري أهل مجالستي‪ .‬وأهل طاعتي أهل‬
‫كرامتي‪ ،‬وأهل شكري أهل زيادتي‪ ،‬وأهل معصيتي ل أقنطهم من رحمتي إن‬
‫تابوا فأنا حبيبهم وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصايب لطهرهم من‬
‫المعايب"‪ :‬فالبلء والعقوبة أدوية قدرت لزالة أدواء ل تزول إل بها والنار هي‬
‫الدواء الكبر فمن تداوى في الدنيا أغناه ذلك عن الدواء في الخرة‪ ،‬وإل فل‬
‫بد له من الدواء بحسب دائه ومن عرف الرب تبارك وتعالى بصفات جلله‬
‫ونعوت كماله من حكمته ورحمته وبره وإحسانه وغناه وجوده وتحببه إلى‬
‫عباده وإرادة النعام عليهم وسبق رحمته لهم لم يبادر إلى إنكار ذلك إن لم‬
‫يبادر إلى قبوله‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(49 /‬‬

‫الوجه الخامس عشر‪ :‬أن أفعاله سبحانه ل تخرج عن الحكمة والرحمة‬


‫والمصلحة والعدل‪ ،‬فل يفعل عبثا ً ول جورا ً ول باطل ً بل هو المنزه عن ذلك‬
‫كما ينزه عن سائر العيوب والنقائص‪ .‬وإذا ثبت ذلك فتعذيبهم إن كان رحمة‬
‫بهم حتى يزول ذلك الخبث وتكمل الطهارة فظاهر‪ ،‬وإن كان لحكمة فإذا‬
‫حصلت تلك الحكمة المطلوبة زال العذاب وليس في الحكمة دوام العذاب‬
‫أبد الباد بحيث يكون دائما ً بدوام الرب تبارك وتعالى وإن كان لمصلحة فإن‬
‫كان يرجع إليهم‪ ،‬فليست مصلحتهم في بقائهم في العذاب كذلك‪ ،‬وإن كانت‬
‫المصلحة تعود إلى أوليائه فإن ذلك أكمل في نعيمهم فهذا ل يقتضي تأبيد‬
‫العذاب وليس نعيم أوليائه وكماله موقوفًا‪ ،‬على بقاء آبائهم وأبنائهم‬
‫وأزواجهم في العذاب السرمد‪.‬‬
‫فإن قلتم‪ :‬إن ذلك هو موجب الرحمة والحكمة والمصلحة قلتم ما ل يعقل‪،‬‬
‫وإن قلتم إن ذلك عائد إلى محض المشيئة ول تطلب له حكمة ول غاية‬
‫فجوابه من وجهين‪.‬‬
‫أحدهما‪ :‬إن ذلك محال على أحكم الحاكمين وأعلم العالمين أن تكون أفعاله‬
‫معطلة عن الحكم والمصالح والغايات المحمودة والقرآن والسنة وأدلة‬
‫العقول والفطر واليات المشهودة شاهدة ببطلن ذلك‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أنه لو كان المر كذلك لكان إبقاؤهم في العذاب وانقطاعه عنهم‬
‫بالنسبة إلى مشيئته سواء ولم يكن في انقضائه ما ينافي كماله وهو سبحانه‬
‫لم يخبر بأبدية العذاب وأنه ل نهاية له‪ .‬وغاية المر على هذا التقدير‪ :‬أن يكون‬
‫من الجائزات الممكنات الموقوف حكمها على خبر الصادق‪ .‬فإن سلكت‬
‫طريق التعليل بالحكمة والرحمة والمصلحة لم يقتض الدوام‪ ،‬وإن سلكت‬
‫طريق المشيئة المحضة التي ل تعلل لم تقتضه أيضًا‪ .‬وإن وقف المر على‬
‫مجرد السمع فليس فيه ما يقتضيه‪.‬‬
‫السادس عشر‪ :‬أن رحمته سبحانه سبقت غضبه في المعذبين فإنه أنشأهم‬
‫في رحمته‪ ،‬ورباهم برحمته ورزقهم وعافاهم برحمته وأرسل إليهم الرسل‬
‫برحمته وأسباب النقمة والعذاب متأخرة عن أسباب الرحمة طارئة عليهم‬
‫فرحمته سبقت غضبه فيها وخلقهم على خلقه‪ ،‬تكون رحمته إليهم أقرب من‬
‫غضبه وعقوبته‪ .‬ولهذا ترى أطفال الكفار قد ألقى عليهم رحمته فمن رآهم‬
‫رحمهم‪ ،‬ولهذا نهى عن قتلهم فرحمته سبقت غضبه فيهم‪ ،‬فكانت هي‬
‫السابقة إليهم ففي كل حال هم في رحمته في حال معافاتهم وابتلئهم‪.‬‬
‫وإذا كانت الرحمة هي السابقة فيهم لم يبطل أثرها بالكلية وإن عارضهم أثر‬
‫الغضب والسخط فذلك لسبب منهم‪ ،‬وما أثر الرحمة فسببه منه سبحانه فما‬
‫منه يقتضي رحمته‪ .‬وما منهم يقتضي عقوبتهم والذي منه سابق غالب‪ ،‬وإذا‬
‫كانت رحمته تغلب غضبه فلن يغلب أثر الرحمة أثر الغضب أولى وأحرى‪.‬‬
‫الوجه السابع عشر‪ :‬أنه سبحانه يخبر عن العذاب أنه عذاب يوم عقيم وعذاب‬
‫يوم عظيم‪ ،‬وعذاب يوم أليم‪ ،‬ول يخبر عن النعيم أنه نعيم يوم ول في موضع‬
‫واحد‪.‬‬
‫وقد ثبت في الصحيح‪ :‬تقدير يوم القيامة بخمسين ألف سنة والمعذبون‬
‫متفاوتون في مدة لبثهم في العذاب بحسب جرائمهم‪ ،‬والله سبحانه جعل‬
‫العذاب على ما كان من الدنيا وأسبابها‪ ،‬وما أريد به الدنيا ولم يرد به وجه‬
‫الله فالعذاب على ذلك‪.‬‬
‫وأما ما كان للخرة وأريد به وجه الله فل عذاب عليه‪ ،‬والدنيا قد جعل لها‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أجل تنتهي إليه فما انتقل منها إلى تلك الدار مما ليس لله فهو المعذب به‪.‬‬
‫وأما ما أريد به وجه الله والدار الخرة فقد أريد به مال يفني ول يزول‪ ،‬فيدوم‬
‫بدوام المراد به‪ ،‬فإن الغاية المطلوبة إذا كانت دائمة ل تزول لم يزل ما تعلق‬
‫به بخلف الغاية المضمحلة الفانية‪ ،‬فما أريد به غير الله يضمحل ويزول‬
‫بزوال مراده ومطلوبه وما أريد به وجه الله يبقى ببقاء المطلوب المراد فإذا‬
‫اضمحلت الدنيا وانقطعت أسبابها وانتقل ما كان فيها لغير الله من العمال‬
‫والذوات وانقلب عذابا وآلما ً لم يكن له متعلق يدوم بدوامه بخلف النعيم‪.‬‬
‫الوجه الثامن عشر‪ :‬أنه ليس في حكمة أحكم الحاكمين أن يخلق خلقا ً‬
‫يعذبهم أبد الباد عذابا ً سرمدا ً ل نهاية له ول انقطاع أبدًا‪ ،‬وقد دلت الدلة‬
‫السمعية والعقلية والفطرية على أنه سبحانه حكيم وأنه أحكم الحاكمين فإذا‬
‫عذب خلقه عذبهم بحكمه كما يوجب التعذيب والعقوبة في الدنيا وقدره‪ ،‬فإن‬
‫فيه من الحكم والمصالح وتطهير العبد ومداواته وإخراج المواد الرديئة بتلك‬
‫اللم ما تشهده العقول الصحيحة وفي ذلك من تزكية النفوس وصلحها‬
‫وزجرها وردع نظائرها وتوقيفها على فقرها وضرورتها إلى ربها وغير ذلك من‬
‫الحكم والغايات الحميدة مال يعلمه إل الله‪.‬‬
‫ول ريب أن الجنة طيبة ل يدخلها إل طيب ولهذا يحاسبون إذا قطعوا الصراط‬
‫على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم‬
‫في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة‪.‬‬

‫)‪(50 /‬‬

‫ومعلوم أن النفوس الشريرة الخبيثة المظلمة التي لو ردت إلى الدنيا قبل‬
‫العذاب لعادت لما نهيت عنه‪ ،‬ل يصلح أن تسكن دار السلم في جوار رب‬
‫العالمين‪ ،‬فإذا عذبوا بالنار عذابا ً تخلص نفوسهم من ذلك الخبث والوسخ‬
‫والدرن‪ ،‬كان ذلك من حكمة أحكم الحاكمين ورحمته ول ينافي الحكمة خلق‬
‫نفوس فيها شر يزول بالبلء الطويل والنار‪ ،‬كما يزول بها خبث الذهب‬
‫والفضة والحديد فهذا معقول في الحكمة وهو من لوازم العالم المخلوق‬
‫على هذه الصفة‪.‬‬
‫ً‬
‫أما خلق نفوس ل يزول شرها أبدا وعذابها ل انتهاء له‪ ،‬فل يظهر في الحكمة‬
‫والرحمة‪ ،‬وفي وجود مثل هذا النوع نزاع بين العقلء أعني ذواتًا‪ ،‬هي شر من‬
‫كل وجه ليس فيها شيء من خير أص ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وعلى تقدير دخوله في الوجود‪ ،‬فالرب تبارك وتعالى قادر على قلب العيان‬
‫وإحالتها وإحالة صفاتها‪.‬‬
‫فإذا وجدت الحكمة المطلوبة من خلق هذه النفوس والحكمة المطلوبة من‬
‫تعذيبها‪ ،‬فالله سبحانه قادر أن ينشئها نشأة أخرى غير تلك النشأة‪ ،‬ويرحمها‬
‫في النشأة الثانية نوعا ً آخر من الرحمة‪.‬‬
‫الوجه التاسع عشر‪ :‬وهو أنه قد ثبت أن الله سبحانه ينشيء للجنة خلقا ً آخر‪،‬‬
‫يسكنهم إياها‪ ،‬ولم يعملوا خيرا ً تكون الجنة جزاء لهم عليه‪ ،‬فإذا أخذ العذاب‬
‫من هذه النفوس مأخذه وبلغت العقوبة مبلغها فانكسرت تلك النفوس‬
‫وخضعت وذلت واعترفت لربها وفاطرها بالحمد‪ ،‬وأنه عدل فيها كل العدل‪،‬‬
‫وأنها في هذه الحال كانت في تخفيف منه ولو شاء أن يكون عذابهم أشد من‬
‫ذلك لفعل‪.‬‬
‫ً‬
‫وشاء كتب العقوبة طلبا لموافقة رضاه ومحبته وعلم أن العذاب أولى بها‬
‫وأنه ل يليق بها سواه ول تصلح إل له فذابت منها تلك الخبائث كلها وتلشت‪،‬‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتبدلت بذل وانكسار وحمد وثناء على الرب تبارك وتعالى‪ ،‬ولم يكن في‬
‫حكمته أن يستمر بها في العذاب بعد ذلك‪ ،‬إذ قد تبدل شرها بخيرها‪ ،‬وشركها‬
‫بتوحيدها وكبرها بخضوعها وذلها‪.‬‬
‫ول ينتقص هذا بقوله عز وجل }ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه{ فإن هذا قبل‬
‫مباشرة العذاب الذي يزيل تلك الخبائث‪ ،‬وإنما هو عند المعاينة قبل الدخول‬
‫فإنه سبحانه قال }ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ول نكذب‬
‫بآيات ربنا ونكون من المؤمنين‪ ،‬بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا‬
‫لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون{ )النعام‪.(28-27:‬‬
‫فهذا إنما قالوه قبل أن يستخرج العذاب منهم تلك الخبائث‪ ،‬فأما إذا لبثوا في‬
‫العذاب أحقابًا‪ ،‬والحقب كما رواه الطبراني في معجمه من حديث أبي أمامة‬
‫رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪] :‬الحقب خمسون‬
‫ألف سنة[ فإنه من الممتنع أن يبقى ذلك الكبر والشرك والخبث بعد هذه‬
‫المدد المتطاولة في العذاب‪.‬‬
‫الوجه العشرون‪ :‬أنه قد ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري‬
‫في حديث الشفاعة ]فيقول الله عز وجل شفعت الملئكة وشفع النبيون‬
‫وشفع المؤمنون ولم يبق إل أرحم الراحمين‪ ،‬فيقبض قبضة من النار فيخرج‬
‫منها قومًالم يعملوا خيرا ً قط قد عادوا حما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة‪،‬‬
‫يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميللسيل‪.‬‬
‫فيقول أهل الجنة‪ :‬هؤلء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه‬
‫ول خير قدموه[‪.‬‬
‫فهؤلء أحرقتهم النار جميعهم فلم يبق في بدن أحدهم موضع لم تمسه النار‪،‬‬
‫بحيث صاروا حما‪ ،‬وهو الفحم المحترق بالنار‪ .‬وظاهر السياق أنه لم يكن في‬
‫قلوبهم مثقال ذرة من خير فأخرجوه‪ ،‬فيخرجون خلقا ً كثيرا ً ثم يقولون ربنا لم‬
‫نذر فيها خيرًا‪ ،‬فيقول الله عز وجل‪ :‬شفعت الملئكة وشفع النبيون وشفع‬
‫المؤمنون ولم يبق إل أرحم الراحمين فيقبض الله قبضة من النار فيخرج منها‬
‫قوما ً لم يعملوا خيرا ً قط‪.‬‬
‫فهذا السياق يدل على أن هؤلء لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير‪ ،‬ومع‬
‫هذا أخرجتهم الرحمة ومن هذا رحمته سبحانه للذي أوصى أهله أن يحرقوه‬
‫بالنار ويذروه في البر والبحر زعما ً منه بأنه يفوت الله سبحانه‪ ،‬بهذا قد شك‬
‫في المعاد والقدرة ولم يعمل خيرا ً قط‪.‬‬
‫ومع هذا فقال له‪ :‬ما حملك على ما صنعت؟ قال‪ :‬خشيتك وأنت أعلم‪ ،‬فما‬
‫تلفاه أن رحمه الله فلله سبحانه في خلقه حكم ل تبلغه عقول البشر‪.‬‬
‫وقد ثبت في حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪] :‬يقول الله عز وجل‪ :‬أخرجوا من النار من ذكرني يوما ً أو خافني في‬
‫مقام[ قالوا‪ :‬ومن ذا الذي في مدة عمره كلها من أولها إلى آخرها لم يذكر‬
‫ربه يوما ً واحدا ً ول خافه ساعة واحدة‪ ،‬ول ريب أن رحمته سبحانه إذا أخرجت‬
‫من النار من ذكره وقتا ً أو خافه في مقام ما‪ ،‬فغير بدع أن تفنى النار ولكن‬
‫هؤلء خرجوا منها وهي نار‪.‬‬
‫الوجه الحادي والعشرون‪ :‬إن اعتراف العبد بذنبه حقيقة العتراف المتضمن‬
‫لنسبة السوء والظلم واللوم إليه من كل وجه ونسبة العدل والحمد والرحمة‬
‫والكمال المطلق إلى ربه من كل وجه‪ ،‬ويستعطف ربه تبارك وتعالى عليه‪،‬‬
‫ويستدعي رحمته له‪.‬‬

‫)‪(51 /‬‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وإذا أراد أن يرحم عبده ألقى ذلك في قلبه والرحمة معه‪ ،‬ول سيما إذا اقترن‬
‫بذلك جزم العبد على ترك المعاودة لما يسخط ربه عليه‪ ،‬وعلم الله أن ذلك‬
‫داخل قلبه وسويدائه‪ ،‬فإنه ل تتخلف عنه الرحمة مع ذلك‪.‬‬
‫وفي معجم الطبراني من حديث يزيد بن سنان الرهاوي عن سليمان بن‬
‫عامر عن أبي أمامة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪] :‬إن آخر رجل يدخل الجنة رجل يتقلب على الصراط ظهرا ً لبطن‪،‬‬
‫كالغلم يضربه أبوه وهو يفر منه‪ ،‬يعجز عنه عمله أن يسعى فيقول‪ :‬يا رب‬
‫بلغ بي الجنة ونجني من النار‪ ،‬فيوحي الله تبارك وتعالى إليه‪ :‬عبدي إن أنا‬
‫نجيتك من النار وأدخلتك الجنة أتعترف لي بذنوبك وخطاياك؟ فيقول العبد‪:‬‬
‫نعم يا رب‪ ،‬وعزتك وجللك إن نجيتني من النار لعترفن لك بذنوبي وخطاياي‬
‫فيجوز الجسر‪ ،‬ويقول العبد فيما بينه وبين نفسه‪ :‬لئن اعترفت له بذنوبي‬
‫وخطاياي ليردني إلى النار‪ ،‬فيوحي الله إليه‪ :‬عبدي اعترف لي بذنوبك‬
‫وخطاياك أغفرها لك وأدخلك الجنة فيقول العبد‪ :‬ل وعزتك وجللك‪ ،‬ما أذنبت‬
‫ذنبا ً قط ول أخطأت خطيئة قط فيوحي الله إليه‪ :‬عبدي إن لي عليك بينة‪،‬‬
‫فيلتفت العبد يمينا ً وشمال ً فل يرى أحدًا‪ ،‬فيقول‪ :‬يا رب أرني بينتك فيستنطق‬
‫الله تعالى جلده بالمحقرات‪ ،‬فإذا رأى ذلك العبد فيقول‪ :‬يا رب عندي وعزتك‬
‫العظائم فيوحي الله إليه عبدي أنا أعرف بها منك اعترف لي بها أغفرها لك‬
‫وأدخلك الجنة فيعترف العبد بذنوبه فيدخل الجنة[‪ ،‬ثم ضحك رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه يقول‪] :‬هذا أدنى أهل الجنة منزلة‬
‫فكيف بالذي فوقه؟[‪.‬‬
‫فالرب تعالى يريد من عبده العتراف والنكسار بين يديه والخضوع والذلة له‬
‫والعزم على مرضاته‪ ،‬فما دام أهل النار فاقدين لهذه الروح فهم فاقدون‬
‫لروح الرحمة فإذا أراد عز وجل أن يرحمهم أو من يشاء منهم جعل في قلبه‬
‫ذلك فتدركه الرحمة‪ ،‬وقدرة الرب تبارك وتعالى غير قاصرة على ذلك‪ ،‬وليس‬
‫فيه ما يناقض موجب أسمائه وصفاته‪ ،‬وقد أخبر أنه فعال لما يريد‪.‬‬
‫الوجه الثاني والعشرون‪ :‬أنه سبحانه قد أوجب الخلود على معاصي من‬
‫الكبائر وقيده بالتأييد ولم يناف ذلك انقطاعه وانتهاءه‪ :‬فمنها‪ :‬قوله تعالى‪:‬‬
‫}ومن يقتل مؤمنا ً متعمدا ً فجزاؤه جهنم خالدا ً فيها وغضب الله عليه ولعنه‬
‫وأعد له عذابا ً عظيمًا{ )النساء‪.(93:‬‬
‫ومنها‪ :‬قول النبي صلى الله عليه وسلم‪] :‬من قتل نفسه بحديدة فحديدته في‬
‫يده يتوجأ بها في نار جهنم خالدا ً فيها أبدًا[ وهو حديث صحيح‪.‬‬
‫وكذلك قوله في الحديث الخر في قاتل نفسه‪] :‬فيقول الله تبارك وتعالى‬
‫بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة[ وأبلغ من هذا قوله تعالى‪} :‬ومن‬
‫يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدًا{ )الجن‪ ،(23:‬فهذا وعيد‬
‫مقيد بالخلود والتأييد‪ ،‬مع انقطاعه قطعا ً بسبب من العبد وهو التوحيد‪،‬‬
‫فكذلك الوعيد العام لهل النار ل يمتنع انقطاعه‪ ،‬بسبب ممن كتب على‬
‫نفسه الرحمة وغلبت رحمته غضبه‪ ،‬فلو يعلم الكافر بكل ما عنده من الرحمة‬
‫لما يئس من رحمته كما في صحيح البخاري عنه صلى الله عليه وسلم‪] :‬خلق‬
‫الله الرحمة يوم خلقها مائة رحمة‪ ،‬وقال في آخره فلو يعلم الكافر بكل الذي‬
‫عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة‪ ،‬ولو يعلم المسلم بكل الذي عند الله‬
‫من العذاب لم يأمن من النار[‪.‬‬
‫ً‬
‫الوجه الثالث والعشرون‪ :‬أنه لو جاء الخبر منه سبحانه صريحا بأن عذاب النار‬
‫ل انتهاء له‪ ،‬وأنه أبدي ل انقطاع له‪ ،‬لكان ذلك وعيدا ً منه سبحانه والله تعالى‬
‫ل يخلف وعده‪ ،‬وأما الوعيد فمذهب أهل السنة كلهم أن أخلقه كرم وعفو‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتجاوز يمدح الرب تبارك وتعالى به ويثني عليه به فإنه حق له إن شاء تركه‪،‬‬
‫وإن شاء استوفاه‪ ،‬والكريم ل يستوفي حقه فكيف بأكرم الكرمين؟!‬
‫وقد صرح سبحانه في كتابه في غير موضع بأنه ل يخلف وعده‪ ،‬ولم يقل في‬
‫موضع واحد ل يخلف وعيده‪.‬‬
‫وقد روى أبو يعلى الموصلي ثنا هديه بن خالد ثنا سهيل بن أبي حزم ثنا ثابت‬
‫البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪] :‬من وعده الله على عمل ثوابا ً فهو منجزه‪ ،‬ومن أوعده على‬
‫عمل عقابا ً فهو فيه بالخيار[‪.‬‬
‫وقال أبو الشيخ الصبهاني حدثنا محمد بن حمزة حدثنا أحمد بن الخليل حدثنا‬
‫الصمعي قال‪" :‬جاء عمرو بن عبيد إلى أبي عمرو بن العلء فقال‪ :‬يا أبا‬
‫عمرو يخلف الله ما وعده؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬أفرأيت من أوعده الله على عمله‬
‫عقابا ً أيخلف الله وعده عليه؟ فقال أبو عمرو بن العلء من العجمة أتيت يا‬
‫أبا عثمان إن الوعد غير الوعيد إن العرب ل تعد عارا ً ول خلقا ً أن تعد شرًا‪ ،‬ثم‬
‫ل‪ ،‬وإنما الخلف أن تعد خيرا ً ثم ل تفعله‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ل تفعله ترى ذلك كرما ً وفض ً‬
‫فأوجدني هذا في كلم العرب‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬أما سمعت إلى قول الول‪-:‬‬
‫ول يرهب ابن العم ما عشت سطوتي ول أختشي من صولة المتهدد‬
‫وإني وإن أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي‬

‫)‪(52 /‬‬

‫قال أبو الشيخ وقال يحيى بن معاذ‪ :‬الوعد والوعيد حق‪ ،‬فالوعد حق العباد‬
‫على الله ضمن لهم إذا فعلوه كذا أن يعطيهم وكذا‪ ،‬ومن أولى بالوفاء من‬
‫الله‪ ،‬والوعيد حقه على العباد قال‪ :‬ل تفعلوا كذا فأعذبكم‪ ،‬ففعلوا فإن شاء‬
‫عفا‪ ،‬وإن شاء أخذ لنه حقه وأولهما بربنا تبارك وتعالى‪ ،‬العفو والكرم إنه‬
‫غفور رحيم‪ ،‬ومما يدل على ذلك ويؤيده خبر كعب بن زهير حين أوعده‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪:‬‬
‫نبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول‬
‫فإذا كان هذا في وعيد مطلق‪ ،‬فكيف بوعيد مقرون‪ ،‬استثناء معقب بقوله‬
‫}إن ربك فعال لما يريد{ وهذا إخبار منه أن يفعل ما يريد عقيب قوله إل ما‬
‫شاء ربك فهو عائد إليه ول بد‪ ،‬ول يجوز أن يرجع إلى المستثنى منه وحده‪،‬‬
‫إما أن يختص بالمستثنى أو يعود إليهما وغير خاف أن تعلقه بقوله }إل ما‬
‫شاء ربك{ أو من تعلقه بقوله }خالدين فيها{ وذلك ظاهر للمتأمل وهو الذي‬
‫فهمه الصحابة‪ ،‬فقالوا‪ :‬أتت هذه الية على كل وعيد في القرآن‪ ،‬ولم يريدوا‬
‫بذلك الستثناء وحده‪ ،‬فإن الستثناء مذكور في النعام أيضًا‪ ،‬وإنما أرادوا‬
‫عقب الستثناء بقوله }إن ربك فعال لما يريد{ وهذا التعقيب نظير قوله في‬
‫النعام }خالدين فيها إل ما شاء الله إن ربك حكيم عليم{ )النعام‪(128:‬‬
‫فأخبر أن عذابهم في جميع الوقات ورفعه عنهم في وقت يشاؤه صادر عن‬
‫كمال علمه وحكمته ل عن مشيئة مجردة عن الحكمة والمصلحة والرحمة‬
‫والعدل‪ ،‬وإذا يستحيل تجرد مشيئته عن ذلك‪.‬‬
‫الوجه الرابع والعشرون‪ :‬أن جانب الرحمة أغلب في هذه الدار الباطلة‬
‫الفانية الزائلة عن قرب من جانب العقوبة والغضب ولول ذلك لما عمرت ول‬
‫قام لها وجود‪ ،‬كما قال تعالى‪} :‬ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليهم‬
‫من دابة{ وقال }ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من‬
‫دابة{ )النحل‪ ،(61:‬فلول سعة رحمته ومغفرته وعفوه لما قام العالم‪ ،‬ومع‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا فالذي أظهره من الرحمة في هذه الدار‪ ،‬وأنزله بين الخلئق جزء من‬
‫مائة جزء من الرحمة‪ ،‬فإذا كان جانب الرحمة قد غلب في هذه الدار ونالت‬
‫البر والفاجر والمؤمن والكافر‪ ،‬مع قيام مقتضى العقوبة به ومباشرته له‬
‫وتمكنه من إغضاب ربه والسعي في مساخطته‪ ،‬فكيف ل يغلب جانب الرحمة‬
‫في دار تكون الرحمة فيها مضاعفة‪ ،‬على ما في هذه الدار تسعا ً وتسعين‬
‫ضعفًا‪ ،‬وقد أخذا العذاب من الكفار مأخذه‪ ،‬وانكسرت تلك النفوس وأنهكها‬
‫العذاب‪ ،‬وأذاب منها خبثا ً وشرا ً لم يكن يحول بينها وبين رحمته لها في الدنيا‪،‬‬
‫بل كان يرحمها مع قيام مقتضى العقوبة والغضب بها فيكيف إذا زال مقتضى‬
‫الغضب والعقوبة‪ ،‬وقوى جانب الرحمة أضعاف أضعاف الرحمة في هذه الدار‬
‫واضمحل الشر والخبث الذي فيها فأذابته النار وأكلته‪.‬‬
‫وسر المر أن أسماء الرحمة والحسان أغلب وأظهر‪ ،‬وأكثر من أسماء‬
‫النتقام‪ ،‬وفعل الرحمة أكثر من فعل النتقام وظهور آثار الرحمة أعظم من‬
‫ظهور آثار النتقام‪ ،‬والرحمة أحب إليه من النتقام‪ ،‬وبالرحمة خلق خلقه ولها‬
‫خلقهم‪ ،‬وهي التي سبقت غضبه وغلبته وكتبها على نفسه‪ ،‬ووسعت كل‬
‫شيء‪ ،‬وما خلق بها فمطلوب لذاته‪ ،‬وما خلق بالغضب فمراد لغيره‪ ،‬كما‬
‫تقدم تقرير ذلك والعقوبة تأديب وتطهير‪ .‬والرحمة إحسان وكرم وجود‬
‫والعقوبة مداواة‪ ،‬والرحمة عطاء وبذل‪.‬‬
‫الوجه الخامس والعشرون‪ :‬أنه سبحانه ل بد أن يظهر لخلقه جميعهم يوم‬
‫القيامة صدقه وصدق رسله‪ ،‬وأن أعداءهكانواهم الكاذبين المفترين‪ ،‬ويظهر‬
‫لهم حكمه الذي هو أعدل حكم في أعدائه وأنه حكم فيها حكما ً يحمدونه هم‬
‫عليه فضل ً عن أوليائه وملئكته ورسله بحيث ينطق الكون كله بالحمد لله رب‬
‫العالمين ولذلك قال تعالى‪} :‬وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب‬
‫العالمين{ )الزمر‪ ،(75:‬فحذف فاعل القول لرادة الطلق وأن ذلك جار‬
‫على لسان كل ناطق وقلبه‪ .‬قال الحسن لقد دخلوا النار‪ ،‬وأن قلوبهم‬
‫ل‪ .‬وهذا هو الذي حسن حذف الفاعل‬ ‫لممتلئة من حمده ما وجدوا عليه سبي ً‬
‫من قوله }قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها{ )الزمر‪ (72:‬حتى كان‬
‫الكون جميعه قائل ذلك لهم إذ هو حكمه العدل فيهم ومقتضى حكمته‬
‫وحمده‪.‬‬
‫وأما أهل الجنة فقال تعالى‪} :‬وقال لهم خزنتها سلم عليكم طبتم فادخلوها‬
‫خالدين{ )الزمر‪ (73:‬فهم لم يستحقوها بأعمالهم وإنما استحقوها بعفوه‬
‫ورحمته وفضله‪ ،‬فإذا أشهد سبحانه ملئكته وخلقه كلهم حكمه العدل وحكمته‬
‫الباهرة‪ .‬ووضعه العقوبة حيث تشهد العقول والفطر والخليقة أنه أولى‬
‫المواضع وأحقها بها‪ ،‬وأن ذلك من كمال حمده الذي هو مقتضى أسمائه‬
‫وصفاته وأن هذه النفوس الخبيثة الظالمة الفاجرة‪ ،‬ل يليق بها غير ذلك ول‬
‫يحسن بها سواه بحيث تعترف هي من ذواتها بأنها أهل ذلك وأنها أولى به‬
‫حصلت الحكمة التي لجلها‪ ،‬وجد الشر وموجباته في هذه الدار وتلك الدار‪.‬‬

‫)‪(53 /‬‬

‫وليس في الحكمة اللهية أن الشرور تبقى دائما ً ل نهاية لها ول انقطاع أبدًا‪،‬‬
‫فتكون هي والخيرات في ذلك على حد سواء‪ ،‬فهذا نهاية أقدام الفريقين في‬
‫هذه المسألة‪ ،‬ولعلك ل تظفر به في غير هذا الكتاب‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فإلى أين أنتهى قدمكم في هذه المسألة العظيمة الشأن‪ ،‬التي هي‬
‫أكبر من الدنيا بأضعاف مضاعفة؟‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قيل‪ :‬إلى قوله تبارك وتعالى‪} :‬إن ربك فعال لما يريد{ )هود‪ ،(107:‬إلى هذا‬
‫انتهى قدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيها حيث ذكر‬
‫دخول أهل الجنة الجنة‪ ،‬وأهل النار النار‪ ،‬وما يلقاه هؤلء وهؤلء‪ ،‬وقال‪ :‬ثم‬
‫يفعل الله بعد ذلك ما يشاء‪.‬‬
‫بل وإلى ههنا انتهت أقدام الخلئق وما ذكرنا في هذه المسألة بل في الكتاب‬
‫كله من صواب فمن الله سبحانه‪ ،‬وهو المعان به وما كان من خطأ فمني‪،‬‬
‫ومن الشيطان والله ورسوله برئ منه‪ ،‬وهو عند لسان كل قائل وقلبه‬
‫وقصده والله أعلم‪.‬‬
‫خاتمة‬
‫هذا ما استطعت جمعه من فضائل شيخنا وإمامنا وقدوتنا شيخ السلم‪ ،‬أحمد‬
‫بن الحليم ابن تيمية رحمه الله ‪-‬جمعناها ردا ً على الذي زعم بجهله أو بحقده‪-‬‬
‫إن هذا المام قد كفره العلماء قبل موته‪ ،‬بل تطاول وقال وإنه لو قدر له أن‬
‫يقوم من قبره لنفذ فيه حكم الردة ليعلم كل من تعصب لهذا الرجل ونصره‬
‫رغم باطله أنه قد عمل في هدم الدين‪ ،‬وأساء أعظم إساءة إلى إمام عظيم‬
‫من أئمة المسلمين ل زال فضله بعد الله على أهل السلم منذ عصره وإلى‬
‫يومنا هذا‪ ،‬ول زال علمه وكتبه مرجع الباحثين‪ ،‬وقبله طلب العلم الشرعي‬
‫الحقيقي أجمعين‪.‬‬
‫ول شك أن كثرة التعرض لعرض شيخ السلم ابن تيمية إنما هو دليل فضله‬
‫كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها عندما سمعت أن أناسا ً يسبون أبا‬
‫بكر ويتهمونه قالت‪ :‬أبا الله أن ينقطع عمله‪ ..‬فمن سب مؤمنا ً كان له بهذا‬
‫الجر عند الله‪ ،‬وأما الظالم الشاتم فله الخزي والعار في الدنيا والخرة‬
‫}والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا ً وإثما ً‬
‫مبينًا{ )الحزاب‪ (58:‬والحمد لله رب العالمين‪ ،‬وصلى الله وسلم على‬
‫رسوله محمد وآله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم‪ ،‬ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا‬
‫وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين‪ ،‬ربنا اغفر لنا ولخواننا الذين‬
‫سبقونا باليمان ول تجعل في قلوبنا غل ً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم‬

‫)‪(54 /‬‬

‫لمحة تاريخية عن الدولة العبيدية‬


‫إعداد‪ :‬عبد الرحمن كيلني‬
‫________________________________________‬
‫مقدمة‬
‫كثيرة هي الدعوات التي ظهرت في تاريخ المسلمين والتي تدعي النتساب‬
‫لل بيت النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأن الخلفة من حقهم منصوص عليها‬
‫بأحاديث مكذوبة نسبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬وقد اخترنا‬
‫أن نتكلم عن أحد هذه الدعوات والتي نتجت عنها دولة العبيديين والتي تدعى‬
‫تضليل ً للناس دولة الفاطميين‪ ،‬نسبة إلى فاطمة رضي الله عنها‪ .‬سندرس‬
‫كيف بدأت هذه الحركة وعقيدتها وتاريخها‪ ،‬وعلقتها بالتشيع والحركات‬
‫الخرى‪ ،‬وما هي الفرق التي تفرعت عنها‪ .‬وقد اخترنا أن ننقل ما أورده‬
‫باختصار الستاذ محمود شاكر في كتابه »التاريخ السلمي« عن بدء هذه‬
‫الحركة‪ ،‬ثم ننتقل إلى الدولة العبيدية وتاريخها‪..‬‬
‫يقول الستاذ محمود شاكر‪:‬‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫»نشطت الحركات القرمطية‪ ،‬وتعددت جماعاتها‪ ،‬وإذا كانت قد ُنسَبت في‬


‫أول أمرها إلى قرمط وهو حمدان بن الشعث‪ ،‬إل أنه قد أصبحت كل جماعة‬
‫تحمل فكرة قرمط ُتنسب إليه‪ ،‬وهي تعتمد على إطلق العنان للشهوات‬
‫البهيمية لستغلل الشباب واستغلل المحرومين من الحياة الزوجية لبعدهم‬
‫عن مواطنهم وعدم إمكاناتهم من الزواج‪ ،‬والحاقدين في الوقت نفسه على‬
‫المتزوجين المنّعمين‪ ،‬كما تعتمد على شيوعية الموال واستغلل الفقراء‬
‫والناقمين على الثرياء‪ ،‬أو استغلل الرقاء على ساداتهم‪ ،‬ثم الفساد بالرض‬
‫بكل وجوهه وأساليبه‪.‬‬
‫ففي جنوبي العراق وجد زكرويه بن مهرويه‪ ،‬وهو من أصل فارسي‪ ،‬شد ّةً‬
‫عليه‪ ،‬فمن ناحية ينقم عليه أتباع قرمط وابن عمه عبدان‪ ،‬ومن ناحية ثانية‬
‫فقد اشتد الخليفة المعتضد في ملحقة أتباع هذه الفكار الكافرة من جهة‬
‫والدنيئة من جهة أخرى‪ ،‬فأما الناحية الولى فقد انتهى منها بالتخلص من‬
‫»عبدان« بقتله‪ ،‬ويبدو أن يحيى بن زكرويه هو الذي تولى عملية القتل‪ ،‬ثم‬
‫تله التخلص من حمدان‪ .‬أما الناحية الثانية وهو ضغط الخليفة فلم يستطع أن‬
‫يتخلص منه بل اشتدت وطأته عليه‪ ،‬لذا فقد بقي في مخبئه وظن أنه يمكنه‬
‫أن يضم إليه أتباع قرمط في المستقبل بزوال رئيسهم حمدان‪ ،‬ومفكرهم‬
‫مها الفوضى‪ ،‬والحكم‬ ‫عبدان ما دامت الفكرة واحدة‪ ،‬ورأى أن بلد الشام تع ّ‬
‫الطولوني فيها قد أصبح ضعيفا ً لذا يمكن أن تكون مجال ً لنشاطه فأرسل‬
‫أولده‪ .‬بعث يحيى بعد أن بايعه أتباع أبيه زكرويه في سواد الكوفة عام ‪289‬‬
‫قبوه بالشيخ‪ ،‬كما كان ُيعرف بأبي القاسم‪ .‬اّدعى يحيى نسبا ً إسماعيليا ً‬ ‫هـ‪ ،‬ول ّ‬
‫فزعم أنه محمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق‪،‬‬
‫واّدعى لجماعته أن ناقته مأمورة‪ ،‬فإن تبعوها ظفروا‪ ،‬وأظهر لهم عضدا ً‬
‫موا بالفاطميين‪ ،‬وأرسل لهم هارون بن‬ ‫ناقصة وزعم أنها آية‪ ،‬وقد تس ّ‬
‫خمارويه جيشا ً بقيادة »طغج بن جف« فهزمته القرامطة‪ ،‬وسارت نحو‬
‫دمشق بعد أن انتهبت وانتهكت البلد التي مرت عليها كلها‪ ،‬وحاصرت دمشق‬
‫عام ‪ 290‬هـ ولكنها عجزت عن فتحها‪ ،‬وأرسل الطولونيون لها جيشا ً بقيادة‬
‫»بدر الكبير« غلم أحمد بن طولون‪ ،‬فانتصر على القرامطة وقتل زعيمهم‬
‫يحيى بن زكرويه‪.‬‬
‫أرسل زكرويه بن مهرويه من مخبئه ابنه الثاني »الحسين« واّدعى الخر نسبا ً‬
‫إسماعيليا ً فزعم أنه أحمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر‬
‫رف باسم »صاحب الخال« أو »أبو‬ ‫الصادق‪ ،‬ووضع شامة على وجهه‪ ،‬لذا عُ ِ‬
‫شامة« وذكر لصحابه أنها آية له )!(‪ ،‬وسار في إثر أخيه قبل أن ُيقَتل‪.‬‬
‫لما شعر يحيى بن زكرويه أنه عاجز عن فتح دمشق إذ جاءت أهلها نجدات‬
‫س أنه مقتول ل محالة اّدعى أنه سيطلع إلى‬ ‫من بغداد ومن مصر‪ ،‬وأح ّ‬
‫السماء غدًا‪ ،‬وأنه سيبقى فيها أربعين يوما‪ ،‬ثم يعود‪ ،‬وأن أخاه »الحسين«‬
‫ً‬
‫سيأتي غدا ً في نجدة ‪-‬وكان قد بلغه ذلك‪ -‬فعليهم بيعته والقتال معه والسير‬
‫وراءه‪ ،‬وفي اليوم الثاني جرت المعركة قرب دمشق قُِتل فيها يحيى بن‬
‫زكرويه وكان قد عرف يومذاك بصاحب الجمل حيث كان يمتطي جمل ً خاصا‪ً.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وكما اشتدت وطأة المعتضد على القرامطة في جنوبي العراق اشتدت في‬
‫كل مكان‪ ،‬ففي السلمية في بلد الشام زاد الطلب على أسرة ميمون القداح‬
‫التي تزعم أنها تعمل لبناء محمد ابن إسماعيل‪ ،‬وتريد في الواقع أن تعمل‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لنفسها وتخفي في الباطن ما تدعو إليه‪ ،‬ولها هدف سياسي واضح من أصلها‬
‫اليهودي‪ .‬وبسبب هذا الطلب فقد فّر عبيد الله بن الحسين بن أحمد بن عبد‬
‫الله بن ميمون القداح من السلمية وهو رأس هذه السرة واتجه نحو الجنوب‬
‫حيث اختفى في الرملة‪ .‬وفي هذا الوقت كان الحسين بن زكرويه في طريقه‬
‫من الكوفة إلى أخيه يحيى بدمشق‪ ،‬فعرج الحسين إلى الرملة وعرف مكان‬
‫عبيد الله‪ ،‬والتقى به‪ ،‬وحاول استرضاءه وإظهار الطاعة له عسى أن يستفيد‬
‫منه‪ .‬وأظهر عبيد الله رضاه عنه وموافقته على عمله خوفا ً من أن يقتله أو‬
‫يرشد عليه عامل العباسيين‪ ،‬حيث كان آل زكرويه يريدون التفّرد بالسلطة‪،‬‬
‫ويرجعون بأصولهم إلى المجوسية‪ ،‬وإن عبيد الله أقوى من أن يقف في‬
‫وجههم‪ .‬وما أن غادر الحسين بن زكرويه الرملة حتى انصرف منها أيضا ً عبيد‬
‫الله متجها ً نحو مصر‪.‬‬
‫سار الحسين من الرملة إلى دمشق فوجد أخاه يحيى قد ُقتل‪ ،‬فالت ّ‬
‫ف‬
‫القرامطة حوله‪ ،‬وحاصر بهم دمشق‪ ،‬لكنه عجز عن فتحها‪ ،‬فطلبه أهل حمص‬
‫فسار إليهم فأطاعوه‪ ،‬ثم انتقل إلى السلمية فامتنعت عنه‪ ،‬ثم فتحت أبوابها‬
‫كل بقانطيها‪ ،‬فأحرق‬ ‫له بعد أن أعطى أهلها المان‪ ،‬وما أن دخلها حتى ن ّ‬
‫ة على الحقد‬ ‫دورها‪ ،‬وهدم القلع فيها‪ ،‬وقتل الهاشميين فيها ]‪ ،[1][1‬دلل ً‬
‫الذي يغلي في صدور هذه الفئة على آل البيت رغم اّدعاء زعمائها بالنتساب‬
‫إلى آل البيت‪ ،‬ودللة أيضا ً على كراهية السلم الذي قضى على المجوسية‬
‫في فارس؛ ثم قتل عبيد الله بن الحسين القداحي حيث كل منهم يعمل‬
‫لنفسه وكان عبيد الله قد رفض إعطاء آل زكرويه مراكز مهمة في الدعوة‬
‫التي يعمل لها‪ .‬ثم سار الحسين بن زكرويه من السلمية على رأس قرامطته‬
‫إلى حماة والمعرة وبعلبك وعمل القتل في أهل كل بلد وصل إليها‪ ،‬وأغارت‬
‫زموا في جهات حلب لذا عادوا‬ ‫جماعته على حلب‪ ،‬غير أن القرامطة قد هُ ِ‬
‫فاتجهوا إلى جهات الكوفة وهناك قاتلهم الخليفة المكتفي‪ ،‬فوقع الحسين بن‬
‫زكرويه أسير فحمل إلى بغداد حيث قُِتل وصلب فيها عام ‪ .291‬وعندما ُقتل‬
‫ولدا زكروبه يحيى والحسين خرج أبوهما من مخبئه الذي اختفى فيه مدة‬
‫تقرب من ثلث سنوات‪ ،‬وعندما خرج سجد له أنصاره المقربون الذين‬
‫يعرفون أهداف الحركة‪ ،‬وسار بأتباعه نحو بلد الشام فأمعنوا في القتل‪،‬‬
‫واعترضوا طريق القوافل والحجاج‪ ،‬وارتكبوا من الفواحش ما يصعب وصفه‪،‬‬
‫هزم وقتل‬ ‫واتجه نحو مدينة دمشق فحاصرها‪ ،‬ولكنه عجز عن فتحها‪ ،‬وأخيرا ً ُ‬
‫عام ‪ 294‬بعد أن عاث في الرض الفساد‪ ،‬وتشتت أتباعه‪ ،‬فمنهم من انتقل‬
‫إلى البحرين‪ ،‬ومنهم من سار إلى بلد الكلبية وبهراء في بلد الشام فاختلط‬
‫مع أهلها الذين يعيشون في قلعهم ومعاقلهم في الجبال الشمالية الغربية‬
‫من بلد الشام والذين يلتقون معهم ببعض الفكار وإن كانوا أقرب إلى‬
‫داحية حيث الصل اليهودي‪ ،‬ومنهم من احتفى في البوادي ثم‬ ‫السرة الق ّ‬
‫تحالف مع القبائل الضاربة فيها أو سار إلى أماكن نائية حيث ضاع فعله بين‬
‫السكان الخرين‪ .‬وهكذا انتهى القرامطة من جنوبي العراق‪ ،‬واتجهوا نحو بلد‬
‫الشام فهزموا وذابوا‪.‬‬
‫ل بأهله بالسلمية وما نزل‬ ‫أما عبيد الله بن الحسين القداحي فقد علم ما ح ّ‬
‫بآل محمد بن إسماعيل فيها أيضًا‪ ،‬فنسب نفسه إلى آل محمد بن إسماعيل‪،‬‬
‫وعلم كذلك أن الدعوة الشيعية قد قويت في بلد المغرب على يد أبي عبد‬
‫الله الشيعي الذي سار من اليمن عن طريق رستم بن الحسين بن حوشب‬
‫م عبيد الله‬‫م َ‬‫الذي يدعو إلى آل البيت عن طريق آل محمد بن إسماعيل‪ ،‬في ّ‬
‫القداحي وجهه نحو المغرب على أنه عبيد الله بن الحسين بن أحمد بن عبد‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق!‬


‫ً‬
‫أما في اليمن فقد كان نجاح رستم بن الحسين بن حوشب واضحا إذ أسس‬
‫دولته السماعيلية وبدأ يرسل الدعاة إلى عدة جهات ومنها المغرب‪ ،‬وكان‬
‫من أكبر أعوانه وقادته علي بن الفضل الذي اختلف معه وافتتن بالتفاف‬
‫الناس حوله‪ ،‬فسار شوطا ً بعيدا ً في الفساد فحكم البلد‪ ،‬ودخل زبيد وصنعاء‪،‬‬
‫واّدعى النبوة‪ ،‬وأباح المحرمات‪ ،‬وكان المؤذن في مجلسه يوذن »أشهد أن‬
‫ماله‪:‬‬
‫وه‪ ،‬فجعل يكتب إلى ع ّ‬
‫علي ابن الفضل رسول الله«‪ .‬ثم امتد به عت ّ‬
‫»من باسط الرض وداحيها‪ ،‬ومزلزل الجبال ومرسيها علي بن الفضل إلى‬
‫عبده فلن«‪ .‬ثم مات مسموما ً عام ‪ ،303‬ولم تلبث دولة القرامطة في‬
‫اليمن أن دالت‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أما في البحرين فقد قدم إليها عام ‪ 281‬رجل يقال له يحيى بن المهدي‪ ،‬نزل‬
‫القطيف ودعا أهلها إلى بيعة المهدي فاستجاب له رجل يقال له علي بن‬
‫العلء بن حمدان الزيادي وساعده في الدعوة إلى المهدي‪ ،‬وجمع الشيعة‬
‫الذين كانوا بالقطيف فاستجابوا له‪ ،‬وكان من جملة من استجاب له أبو سعيد‬
‫الجنابي واسمه الحسين بن بهرام‪ ،‬ويعود أصلة إلى بلدة )جّناب( قرب‬
‫سيراف ]‪ ،[2][2‬وقد نزل إلى البحرين منفيا ً فعمل سمسارا ً في الطعام‬
‫يبيعه‪ ،‬ويحسب للناس الثمان‪ ،‬ثم بدأ يعمل بالفراء وينتقل بين البحرين‬
‫وسواد الكوفة‪ ،‬وصحب عبدان أو حمدان وتأثر به‪ ،‬وعندما رجع إلى القطيف‬
‫برز بين جماعته بدعوته‪ .‬أما يحيى بن المهدي فقد اّدعى النبوة وانفرد‬
‫بمجموعة‪ ،‬وتزعم أبو سعيد الجنابي بقية المجموعة وأجابه عدد من السوقة‬
‫ومن ساءت حالتهم المعاشية‪ ،‬وعدد ٌ من الشباب الذين أغراهم بالنساء التي‬
‫ة بينهم‪ ،‬كما مّناهم بالمال وامتلك الرض‪ ،‬وهيأ لهم طريق‬ ‫جعلها جعلها مباح ً‬
‫الشهرة بالقوة التي أظهرها إذ زاد عددهم وبدا لهم أنهم أصبحوا جماعة‬
‫ُيخشى جانبها فظهروا عام ‪ 286‬فعاثوا في الرض الفساد إذ قتلوا وسبوا في‬
‫بلد هجر كثيرا ً ثم ساروا إلى القطيف فقتلوا الكثير من أهلها‪ ،‬وأظهر أبو‬
‫سعيد الجنابي أنه يريد البصرة فجهز له الخليفة جيشا ً قوامه عشرة آلف‬
‫بإمرة العباس بن عمرو الغنوي‪ ،‬فانتصر القرامطة وأسروا الجيش العباسي‬
‫كله‪ ،‬وقتل أبو سعيد الجنابي السرى جميعهم باستثناء أمير الجيش الغنوي‬
‫الذي أطلق سراحه‪ .‬واستمر نشاط القرامطة حتى عام ‪ 301‬حيث قُِتل‬
‫مام‪ ،‬ثم قََتل خمسة آخرين من كبارهم وحتى‬ ‫الجنابي على يد خادمه بالح ّ‬
‫فطن له الباقون إلى أمرهم فاجتمعوا على الخادم وقتلوه‪ .‬ويبدو أن قرامطة‬
‫البحرين كانوا من أنصار حمدان القرمطي وابن عمه عبدان‪ ،‬لذا لم يدعموا‬
‫أبناء زكرويه عندما قاموا بحركاتهم‪ ،‬وإنما عملوا منفردين في منطقة‬
‫البحرين]‪[4]»[3‬‬
‫أسس العبيدّيون »الفاطميون« دولتهم على أساس المذهب السماعيلي‬
‫ص أتباع هذه الفرقة الضالة بإمامة إسماعيل ابن جعفر بعد‬ ‫الباطني؛ وقد ن ّ‬
‫أبيه جعفر بن أبي عبد الله‪ ،‬بينما قالت فرقة النثي عشرية )الشيعة( بإمامة‬
‫أخيه موسى بن جعفر بدل ً منه‪ .‬وقالت السماعيلية بإمامة محمد بن‬
‫إسماعيل السابع التام بعد أبيه‪ ،‬وإنما تم دور السبعة به‪ ،‬ثم ابتدئ منه بالئمة‬
‫المستورين الذين كانوا يسيرون في البلد ويظهرون الدعوة جهرًا‪ .‬وقالوا‪:‬‬
‫إنما تدور أحكامهم على سبعة كأيام السبوع والسماوات السبع والكواكب‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السبع‪ ،‬والنقباء تدور أحكامهم على اثني عشر‪ ،‬قالوا‪ :‬وعن هذا وقعت الشبهة‬
‫للمامية حيث قرروا عدد النقباء للئمة‪ ،‬ثم بعد الئمة المستورين كان ظهور‬
‫المهدي والقائم بأمر الله وأولدهم نصا ً بعد نص على إمام بعد إمام‪ .‬ومذهبهم‬
‫أنه من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية‪ ،‬وكذلك من مات ولم‬
‫يكن في عنقه بيعة إمام زمانه مات ميتة جاهلية‪ ..‬وأشهر ألقابهم الباطنية‪،‬‬
‫وإنما لزمهم هذا اللقب لحكمهم بأن لكل ظاهر باطنًا‪ ،‬ولكل تنزيل تأوي ً‬
‫ل‪،‬‬
‫ولهم ألقاب غير هذا من القرامطة والمزدكية والملحدة‪ ،‬وهم يقولون نحن‬
‫إسماعيلية لننا تميزنا عن فرق الشيعة بهذا السم]‪.[5‬‬
‫أئمة الشيعة الجعفرية والسماعيلية‬
‫‪ -1‬علي بن أبي طالب‬
‫‪ -2‬الحسن بن علي‬
‫‪ -3‬الحسين بن علي‬
‫‪ -4‬علي زين العابدين بن الحسين‬
‫‪ -5‬محمد الباقر‬
‫‪ -6‬جعفر بن محمد الصادق‬
‫السماعيلية ‪ ...‬الشيعة الجعفرية‬
‫‪-7‬إسماعيل بن جعفر الصادق ‪ -7 ...‬موسى الكاظم بن جعفر‬
‫‪ -8‬محمد بن إسماعيل )المام السابع التام( ‪ -8 ...‬علي الرضا بن موسى‬
‫دور الئمة المستورين ‪-9 ...‬محمد القانع بن علي‬
‫حكام العبيديين ‪ -10 ...‬علي بن محمد القانع‬
‫‪-11 ...‬حسن بن علي العسكري‬
‫‪ -12 ...‬محمد المهدي‪) ،‬لم يولد( ]‪[6‬‬
‫تأسيس الحركة السماعيلية‬
‫ينسب الدور الكبر في تنظيم الحركة السماعيلية ووضع مبادئها إلى ميمون‬
‫القداح‪،‬والذي يدعى ابن الديصان‪ ،‬وابنه عبد الله‪ .‬وقد اتبع أتباعه وأولده أثره‬
‫في توسيع نطاق الحركة‪ .‬وقد ظهر ميمون القداح سنة ‪176‬هـ بالكوفة‪،‬‬
‫وكان باطنيا ً خبيثًا‪ ،‬قال بأن لكل ظاهر باطنًا‪ ،‬وأمر بالعتصام بالغائب‬
‫المفقود‪ ،‬وكان يعتقد اليهودية ويظهر السلم‪ .‬وقد سكن السلمية وتقرب من‬
‫إسماعيل بن جعفر‪ .‬وينسب إليه القول بفكرة المنتظر قبل ولدة أبو الحسن‬
‫العسكري المام الحد عشر عند الشيعة )!(‪.‬‬
‫ويقول الستاذ أنور الجندي‪» :‬يؤكد مؤرخو الغرب‪ ،‬مثل دي ساسي وديموج‬
‫بوجه خاص‪ ،‬بوجود دافع سياسي لدى عبد الله بن ميمون القداح في القضاء‬
‫على سلطان العرب والسلم الذي جلب إليهم تلك السلطة‪ ،‬وإرجاع مجد‬
‫فارس القديم مرة أخرى‪ .‬ويؤكد الدكتور عبد الله الدوري في كتابه )العصور‬
‫العباسية المتأخرة( القول بأن القداح أراد أن يقوض السلم فأشعل الشعور‬
‫الشيعي عند الجماهير وكون المذهب القرمطي المؤدي إلى اللحاد واستغل‬
‫اسم اسماعيل بن جعفر الصادق في إثارة حركة شيعية]‪[7‬قوية تنقل الملك‬
‫إلى أحد أحفاده باسم المهدي« أهـ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫من المناسب هنا أن نشير إلى خطورة مرحلة »دور السْتر« التي مّرت به‬
‫الدعوة السماعيلية بعد المام التام محمد بن إسماعيل‪ ،‬لنه لول هذا الدور‬
‫ما استطاع دعاتها أن يختفوا عن أنظار الدولة العباسية التي كانت تلحقهم‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فقوا مسألة النسب‪.‬‬ ‫ل‪ ،‬ثم إنهم ثانيا ً استطاعوا من خلل هذا الدور أن يل ّ‬ ‫أو ً‬
‫فميمون القداح وابنه عبد الله استقروا في منطقة السلمية من أعمال حماة‬
‫مع محمد بن إسماعيل وأهل بيته والذي كان من بينهم عبد الله بن محمد‪.‬‬
‫وهنا يورد بايارد دودج ‪ Bayard Dodge‬في سلسلة مقالته عن السماعيلية‬
‫عبارة تثير النتباه‪ ،‬قال‪» :‬وفي الحقيقة‪ ،‬إن كان بعض الناس يعتقدون أن‬
‫ن ]عبد‬ ‫المام محمد وميمون يمثلن شخصا ً واحدًا‪ ،‬فإنه من السهل أن ُيعت َ‬
‫قد أ ّ‬
‫الله[ ابن محمد ]ابن إسماعيل[ هو نفسه عبد الله بن ميمون!«]‪ [8‬ومن‬
‫النظر إلى سلسلة نسب ميمون وأولده وإسماعيل وأولد نعلم مدى دقة‬
‫الخطة التي كان ينفذها ميمون وأولده لسرقة نسب إسماعيل‪ ،‬وبالتالي‬
‫ظهورهم على الناس بأنهم هم من أهل البيت وأنهم أحق بالحكم من بني‬
‫العباس‪ ،‬ومن ثم تنفيذ خطتهم في تحطيم الدولة العباسية‪ ،‬والسلم‪ .‬وتاريخ‬
‫العبيديين يشهد بهذا‪.‬‬
‫فَرق( أن الذين‬ ‫فرق بين ال ِ‬ ‫وقد أكد عبد القاهر البغدادي‪ ،‬صاحب كتاب )ال َ‬
‫وضعوا أساس الباطنية كانوا من أولد المجوس‪ ،‬وكانوا مائلين إلى دين‬
‫ل لهم "أي‬ ‫أسلفهم‪ ،‬وقال‪» :‬ل تجد على ظهر الرض مجوسيا ً إل ّ وهو موا ٍ‬
‫الباطنية" منتظر لظهورهم على الديار«‪.‬‬
‫مسألة نسب العبيديين لل البيت‬
‫لقد أطلق جلل الدين السيوطي في كتابه )تاريخ الخلفاء( اسم »الدولة‬
‫الخبيثة« على الفاطميين‪ ،‬فقال‪» :‬ولم أورد أحدا ً من الخلفاء العبيديين لن‬
‫إمامتهم غير صحيحة لمور‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أنهم غير قرشيين‪ ،‬وإنما سمتهم بالفاطميين جهلة العوام‪ ،‬وإل ّ فجدهم‬
‫ي‪ .‬قال القاضي عبد الجبار البصري‪» :‬اسم جد الخلفاء المصريين‬ ‫مجوس ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫سعيد[أول حكامهم[ وكان أبوه )عبد الله بن ميمون( يهوديا حدادا نشابة«‪.‬‬
‫جد ّ عبيد الله الذي يسمى بالمهدي‬ ‫وقال القاضي أبوبكر الباقلني‪» :‬القداح َ‬
‫كان مجوسيًا‪ .‬ودخل عبيد الله المهدي المغرب وادعى أنه ينسب إلى علي بن‬
‫أبي طالب ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬ولم يعرفه أحد من علماء النسب‪ ،‬وسماهم جهلة‬
‫الناس الفاطميين«‪ [9].‬وقال ابن خلكان‪» :‬أكثر أهل العلم ل يصححون نسب‬
‫المهدي عبيد الله جد خلفاء مصر‪ ،‬حتى أن العزيز بالله ابن المعز في وليته‬
‫صعد المنبر يوم الجمعة‪ ،‬فوجد فيها هذه البيات‪:‬‬
‫ي ُْتلى على المنبر الجامع ‪ ...‬إّنا سمعنا نسبا منكرا ً‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ساب ِِع ]‪[10‬‬ ‫ب ال ّ‬ ‫فاذ ْك ُْر لنا أبا ب َْعد ال ِ‬
‫دعي صادقا ً‬ ‫ت فيما ت ّ‬‫إن كن َ‬
‫ت ت ُرِد ْ تحقيقَ ما ُقلُته‬ ‫ن كن َ‬
‫طائِع ‪ ...‬وإ ْ‬ ‫سك كال ّ‬ ‫سب لنا نف َ‬ ‫فان ْ ِ‬
‫ب مستورةً‬ ‫َ‬ ‫خ ْ‬
‫سِع ‪ ...‬أوْ ل‪ ،‬د َِع النسا َ‬ ‫ب الوا ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ل ِبنا في الن ّ َ‬ ‫واد ُ‬
‫َ‬
‫ب بني هاشم ٍ‬ ‫ن أنسا َ‬ ‫مِع ‪ ...‬فإ ّ‬ ‫معُ الطا ِ‬ ‫صر عنها ط َ‬ ‫ق ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫وما أحسن ما قال المعز الفاطمي صاحب القاهرة؛ وقد سأله ابن طباطبا‬
‫عن نسبهم‪ ،‬فجذب نصف سيفه من الغمد وقال‪» :‬هذا نسبي‪ ،‬ونثر على‬
‫المراء والحاضرين الذهب‪ ،‬وقال‪ :‬هذا حسبي«‪.‬‬
‫• ومنها‪ :‬أن أكثرهم زنادقة خارجون عن السلم‪ ،‬ومنهم من أظهر سب‬
‫النبياء‪ ،‬ومنهم من أباح الخمر‪ ،‬ومنهم من أمر بالسجود له؛ والخير منهم‬
‫رافضي خبيث لئيم يأمر بسب الصحابة رضي الله عنهم‪ ،‬ومثل هؤلء ل تنعقد‬
‫ول تصلح لهم إمامة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قال القاضي أبو بكر الباقلني‪» :‬كان المهدي عبيد الله باطنيا خبيثا حريصا‬
‫على إزالة ملة السلم‪ ،‬أعدم العلماء والفقهاء ليتمكن من إغواء الخلق‪ ،‬وجاء‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أولده على أسلوبه‪ :‬أباحوا الخمور والفجور وأشاعوا الرفض«‪.‬‬


‫وقال الذهبي‪» :‬كان القائم ابن المهدي شرا ً من أبيه زنديقا ً ملعونا أظهر س ّ‬
‫ب‬ ‫ً‬
‫النبياء«‪ .‬وقال‪» :‬وكان العبيديون شرا ً من التتار على ملة السلم«‪.‬‬
‫وقال أبو الحسن القابسي‪» :‬إن الذين قتلهم عبيد ُ الله وبنوه من العلماء‬
‫والعباد أربعة آلف رجل ليردوهم عن الترضي عن الصحابة‪ ،‬فاختاروا‬
‫الموت«‪.‬‬
‫قال القاضي عياض‪» :‬سئل أبو محمد القيرواني الكيزاني من علماء المالكية‬
‫عمن أكرهه بنو عبيد على الدخول في دعوتهم أو يقتل؟ قال‪ :‬يختار القت َ‬
‫ل‪،‬‬
‫ول يعذر أحد في هذا المر‪ ..،‬لن المقام في موضع يطلب من أهله تعطيل‬
‫الشرائع وهو ل يجوز«‪.‬‬
‫وقال ابن خلكان‪» :‬وقد كانوا يدعون المغيبات‪ ،‬وأخبارهم في ذلك مشهورة‪،‬‬
‫حتى أن العزيز صعد يوما ً المنبر فرأى ورقة فيها مكتوب‪:‬‬
‫ُ‬
‫ب‬‫م الغي ِ‬ ‫ت عل َ‬
‫ت أعطي َ‬
‫ه ‪ ...‬إن كن َ‬‫ب البطاقَ ْ‬
‫بّين لنا كات َ‬
‫ه ‪ ...‬بالظلم ِ والجور قد رضينا‬ ‫َ‬
‫وليس بالكفرِ والحماق ْ‬
‫وكتبت إليه إمرأة قصة فيها‪ :‬بالذي أعز اليهود بميشا والنصارى بابن نسطور‪،‬‬
‫وأذل المسلمين بك ال نظرت في أمري‪ .‬وكان ميشا اليهودي عامل )له(‬
‫بالشام وابن نسطور النصراني في دمشق« اهـ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ومما يستدل به على زور نسب الفاطميين لل البيت هي الرسائل التي‬


‫تبودلت بين العزيز بالله الفاطمي والحكم المستنصر الموي في الندلس‪،‬‬
‫فقد ذكر ابن خلكان في وفيات العيان )ج ‪ 2‬ص ‪ (152‬أن العزيز كتب إلى‬
‫الحكم المستنصر يسّبه ويهجوه‪ ،‬فرد ّ هذا عليه بقوله‪» :‬أما بعد‪ ،‬فقد عرفتنا‬
‫فهجوتنا ولو عرفناك لجبناك«‪ .‬وكان الحكم يطعن على العزيز بنسبه وأن‬
‫ده ميمون القداح الباطني‪.‬‬
‫ج ّ‬
‫وأما بالنسبة لنشرهم مذهبهم فقد بنوا الجامع الزهر لينشروا من خلل هذا‬
‫المركز مذهب الرفض‪ ،‬وكانوا يجبرون المسلمين على اعتناقه‪ .‬ثم لما رجعت‬
‫مصر إلى سلطة المسلمين من أهل السنة أبطل السلطان صلح الدين‬
‫مذهب الرفض وأعاد السنة إلى أرض مصر‪ .‬وقد تركت الدولة العبيدية آثارا ً‬
‫سيئة من البدع والمنكرات ما زالت تمارس إلى زماننا هذا في مصر وغيرها‪.‬‬
‫موقف الشيعة الثني عشرية من العبيديين‬
‫فر العبيديين مع أنهم يتبعهم شيعة اليوم ويقولون‬ ‫ن الشيعة الثني عشرية تك ّ‬ ‫إ ّ‬
‫عن دولتهم‪ :‬أنها كانت دولة شيعية‪ ،‬وأنهم بناة مجدنا ودعاة مذهبنا ومؤسسو‬
‫العلم والحضارة في مصر‪ ،‬ومنشئو المساجد ودور الكتب والجامعات‪ .‬فمع‬
‫تكفيرهم إياهم واتفاقهم على خروجهم من السلم والملة السلمية‬
‫الحنيفية‪ ،‬فقد كتب محضر في عصر الخليفة القادر العباسي في شهر ربيع‬
‫الخر سنة ‪402‬هـ وعليه توقيعات من أشراف القوم ونقبائهم وخصوصا ً من‬
‫يلقب بنقيب الشراف وجامع نهج البلغة‪ ،‬السيد رضى وأخيه السيد‬
‫المرتضى‪ ،‬واحتفاظا على التاريخ والوثيقة التاريخية ننقلها بتمامها ههنا‪:‬‬
‫»إن الناجم بمصر وهو منصور بن نزار الملقب بالحاكم ‪-‬حكم الله عليه‬
‫بالبوار والخزي والنكال‪ -‬ابن معد بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن سعيد ‪-‬ل‬
‫أسعده الله‪ -‬فإنه ]أي سعيد[ لما سار إلى المغرب تسمى بعبيد الله وتلقب‬
‫بالمهدي وهو ومن تقدمه من سلفه الرجاس النجاس ‪-‬عليه وعليهم اللعنة‪-‬‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أدعياء الخوارج‪ ،‬ل نسب لهم في ولد علي بن أبي طالب‪ ،‬وإن ذلك باطل‬
‫وزور‪ ،‬وإنهم ل يعلمون أن أحدا ً من الطالبيين توقف عن إطلق القول في‬
‫هؤلء الخوارج إنهم أدعياء‪ ،‬وقد كان شائعا َ بالحرمين في أول أمرهم‬
‫بالمغرب‪ ،‬منتشرا ً انتشارا ً يمنع من أن يدلس على أحد كذبهم‪ ،‬أو يذهب وهم‬
‫إلى تصديقهم‪ ،‬وإن هذا الناجم بمصر هم وسلفه كفار وفساق فجار زنادقة‪،‬‬
‫ولمذهب الثنوية والمجوسية معتقدون‪ ،‬قد عطلوا الحدود‪ ،‬وأباحوا الفروج‪،‬‬
‫وسفكوا الدماء‪ ،‬وسّبوا النبياء‪ ،‬ولعنوا السلف واّدعوا الربوبية‪.‬‬
‫التوقيعات‪ :‬الشريف الرضي‪ ،‬السيد المرتضى أخوه‪ ،‬وابن الزرق الموسوي‪،‬‬
‫ومحمد بن محمد بن عمر بن أبي يعلى العلويون‪ ،‬والقاضي أبو محمد عبد‬
‫الله ابن الكفاني‪ ،‬والقاضي أبو القاسم الجزري‪ ،‬والمام أبو حامد‬
‫السفرائيني‪ ،‬وغيرهم الكثيرون الكثيرون«]‪.[11‬‬
‫وبهذه الشهادات والبراهين التاريخية نرد ّ على الذين يحاولون أن يصححوا‬
‫نسب الفاطميين لل البيت وعلى المخدوعين والمبعدين عن الحقائق‬
‫قنت لطلب المسلمين في مدارسهم ومعاهدهم على‬ ‫التاريخية والتي طالما ل ُ ّ‬
‫غير حقيقتها‪.‬‬
‫رجال السماعيلية قبل تأسيس الدولة‬
‫داح‪ ،‬ابن الديصان ‪ :‬وهو واضع دعامة المذهب السماعيلي‬ ‫‪ -1‬ميمون الق ّ‬
‫ب إلى أحد أجداده »الديصان« الذي كان ثنوي‬ ‫س َ‬
‫الباطني‪ ،‬وهو فارسي‪ .‬ن ُ ِ‬
‫المعتقد‪[12] .‬‬
‫‪ -2‬عبد الله بن ميمون القداح‪ :‬كان مركزه السلمية من أعمال حماة في بلد‬
‫الشام‪ .‬وهو الذي ابتدع دعوة منظمة قسمها إلى سبع درجات زيدت بعده‬
‫حتى أصبحت تسعا ً في زمن الفاطميين‪ ،‬ولم يمت حتى راجت الدعوة‬
‫السماعيلية في كثير من المناطق السلمية‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شلعْلع )أو أبا‬ ‫‪ -3‬أحمد بن عبد الله بن ميمون القداح‪ :‬وكان يلقب أبا ال ّ‬
‫الشلغلغ(‪ ،‬وكان يرأس الدعوة في بعض مدن العراق كالكوفة وبغداد‪ ،‬وآلت‬
‫إليه الرئاسة التامة من عام ‪270-260‬هـ‪ .‬ثم جاء بعده ابن أخيه عبيد الله‬
‫المهدي )سعيد ابن محمد(‪ ،‬والذي سنتكلم عنه فيما بعد‪ .‬وأحمد هذا بعث ابن‬
‫حوشب لنشر المذهب السماعيلي في اليمن‪ ،‬وبعث إليه بعد ذلك أبا عبد‬
‫ل المذهب‪ ،‬ثم أرسله إلى المغرب‬ ‫الله الشيعي حيث علمه ابن حوشب أصو َ‬
‫لنشر الدعوة هناك‪ .‬ونلحظ هنا أن دعاة السماعيلية كانوا يدعون لمذهبهم‬
‫بعيدا ً عن بغداد‪ ،‬حاضرة الدولة العباسية‪ ،‬سرا ً حتى ل تصطدم بها في بادئ‬
‫أمرها‪ .‬ومن منطقة تونس ‪-‬حاليًا‪ -‬ابتدأت الدولة االعبيدية‪.‬‬
‫ح ّ‬
‫كام العبيديين‬
‫عبيد الله المهدي‪ ،‬سعيد بن محمد بن عبد الله بن ميمون القداح )ت ‪322‬هـ(‬
‫وهو أول من تسلم قيادة دولة العبيديين‪ ،‬واسمه الصلي سعيد‪ ،‬وقد دعي‬
‫إلى إفريقية بعد أن لقيت الدعوة السماعيلية نجاحا ً في اليمن بفضل ابن‬
‫حوشب ‪-‬كما مر قريبًا‪ ،-‬والذي تغلب على معظم أرجائها‪ ،‬والذي بعث دعاته‬
‫إلى اليمامة والبحرين والسند والهند ومصر والمغرب‪ ،‬وابن حوشب هذا‬
‫أرسله أبو سعيد محمد أخو أحمد بن عبد الله بن ميمون القداح سنة ‪270‬هـ‬
‫إلى اليمن من السلمية‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لقى سعيد )عبيد الله( بن محمد صعوبات شتى حتى استطاع الوصول إلى‬
‫رقادة عام ‪296‬هـ في رجب‪ .‬فلقد سجنه اليسع بن مدارا أمير سلجلماسة‪.‬‬
‫فالرشوة التي قدمها عبيد الله المهدي له لم تجد نفعًا‪ .‬وظل في سجنه حتى‬
‫أطلق سراحه على يد أبي عبد الله الشيعي الذي بعثه ابن حوشب من اليمن‬
‫إلى المغرب‪ .‬وعندما وصل عبيد الله إلى القيروان تلقاه أهلها بسلم الخلفة‬
‫اعتقادا ً منهم بأنه علوي فاطمي‪ ،‬ولم يلبث أن قسم رؤساء كتامة‪ ،‬الذين‬
‫ساعدوه على إقامة دولته‪ ،‬أعمال هذه الدولة‪ .‬ثم دون الدواوين وجبى‬
‫الموال واستقرت قدمه في تلك البلد‪.‬‬
‫ولم يكتف سعيد بما فعل‪ ،‬بل طمع بالسيطرة على مصر بعد انتصار جيوشه‬
‫بالسيطرة على برقة تحت قيادة ولي عهده أبي القاسم‪ ،‬وحباسة بن يوسف‪،‬‬
‫أحد زعماء كتامة‪ .‬وقد واصلت جيوش المغرب سيرها إلى السكندرية‪،‬‬
‫فاستولت عليها وسارت على الوجه البحري‪ ،‬ولكن الخليفة المقتدر العباسي‬
‫بعث جيشا كبيرا مقداره أربعون ألف جندي أحل الهزيمة بالعبيديين‬
‫وأرغموهم على العودة إلى المغرب ‪.‬‬
‫وفي سنة ‪307‬هـ عاود أبو القاسم ابن المهدي المحاولة مرة أخرى واستولى‬
‫على السكندرية فأرسل الخليفة العباسي خادمه مؤنس على رأس جيش‬
‫فألحق بهم الهزيمة وأحرق كثيرا ً من مراكبهم في البحر وأرغمهم على‬
‫العودة إلى بلدهم عام ‪309‬هـ‪.‬‬
‫أما الحملة العبيدية الثالثة على مصر فظّلت ‪-‬كما قيل‪ -‬ثلث سنوات )‪-321‬‬
‫مت خللها معاهدة صلح بين الفريقين سنة ‪323‬هـ ولكن لم يطل‬ ‫ُ‬
‫‪324‬هـ(‪ ،‬أبرِ َ‬
‫أمده‪ ،‬فقد انضم بعض زعماء المصريين إلى جيش المغاربة الذي دخل‬
‫السكندرية عام ‪324‬هـ‪ ،‬فبعث إليهم الخشيد جيشا ً هزمهم فعادوا إلى‬
‫بلدهم منهزمين‪.‬‬
‫أقام سعيد )عبيد الله( بن محمد بالقيروان ‪-‬كحاضرة لدولته‪ -‬لغاية سنة‬
‫‪304‬هـ حيث اختط مدينة المهدية جنوب القيروان‪ ،‬وقد ظّلت هذه المدينة‬
‫آهلة بالسكان إلى سنة ‪543‬هـ حيث أرسل روجر النورماندي صاحب صقلية‬
‫أحد َ قواده فاستولى عليها‪ ،‬وبقيت في يده إلى أن حررها عبد المؤمن سنة‬
‫‪555‬هـ‪ .‬مات سعيد )عبيد الله( سنة ‪322‬هـ وخلفه ابنه القاسم وتلقب‬
‫بالقائم‪.‬‬
‫القائم والمنصور )‪341-322‬هـ(‬
‫سّنيين حتى أنه أمر‬‫كان القائم‪ ،‬كغيره من الملوك العبيديين‪ ،‬ينقم على ال ّ‬
‫بلعن الصحابة ‪-‬رضوان الله عليهم‪ ،-‬وقد أثار غضب المغاربة‪ ،‬وخاصة الخوارج‬
‫منهم الذين ثاروا على العبيديين‪ ،‬وكانت أشد هذه الثورات خطرا ً وأشدها بلء‬
‫تلك الثورة التي أشعل نارها أبو يزيد مخلد بن كيداد‪ ،‬والتي استمرت طوال‬
‫عهد القائم ولم تخمد إل في عهد ابنه المنصور‪ .‬توفي القائم في رمضان سنة‬
‫‪334‬هـ‪ ،‬وخلفه ابنه أبو الظاهر إسماعيل الذي تلقب بالمنصور‪ ،‬وكان في‬
‫العشرين من عمره‪ .‬وقد اشتهر المنصور بالشجاعة ورباطة الجأش‬
‫وباستطاعته على التأثير على نفوس سامعيه بفصاحته وبلغته وقدرته على‬
‫ارتجال الخطب‪ .‬وعندما مات أبوه القائم أخفى نبأ موته عن جيشه حتى ل‬
‫يؤثر على حماسته في إخماد ثورة أبي يزيد مخلد بن كيداد‪ .‬وقد انقطعت‬
‫العلقات بين مصر وبلد المغرب طوال عهده‪ ،‬لن همه كان هو القضاء على‬
‫ثورة أبي يزيد‪ ،‬ثم قدر له أن يهزم جيش أبي يزيد وطارده إلى الصحراء‬
‫وقبض عليه‪ ،‬ثم لما ساقه إلى المهدية مات أبو يزيد متأثرا ً بجراحه في محرم‬
‫سنة ‪336‬هـ‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قضى المنصور البقية الباقية من خلفته في إعادة تنظيم بلده‪ ،‬فأنشأ‬


‫أسطول ً كبيرًا‪ ،‬وأسس مدينة المنصورية سنة ‪337‬هـ واتخذها حاضرة لدولته‪.‬‬
‫ومنذ ذلك الحين أصبحت حاضرة العبيديين‪ .‬حكم المنصور سبع سنين وستة‬
‫أيام ومات في يوم الجمعة في سوال سنة ‪341‬هـ وقبر بالمهدية‪.‬‬
‫المعز لدين الله )‪365-341‬هـ(‬
‫هو معد بن إسماعيل‪ ،‬أبو تميم‪ ،‬بنى القاهرة‪ ،‬وهو أول من ملك الديار‬
‫المصرية من الملوك العبيديين‪ .‬في عهده دانت له قبائل البربر كافة‬
‫كر بفتح مصر‪ ،‬فبعث بين يديه جوهرا ً‬ ‫والمغرب كّله‪ .‬فلما رأى المر كذلك ف ّ‬
‫الصقلي حتى أخذها من كافور الخشيدي بعد حروب جرت بينهما‪ ،‬وذلك في‬
‫سنة ‪362‬هـ‪ .‬وكان المعّز ومن سبقه من خلفائهم متلبسون بالرفض ظاهرا ً‬
‫وباطنًا‪ ،‬كما قال القاضي الباقلني من أن مذهبهم الكفر المحض‪ .‬وقد أورد‬
‫ضر بين‬ ‫ُ‬
‫ابن كثير ‪-‬رحمه الله‪ -‬في ]البداية والنهاية ‪» :[11/284‬أن المعز أح ِ‬
‫يديه الزاهد العابد الورع الناسك التقي أبو بكر النابلسي‪ ،‬فقال به المعز‪:‬‬
‫ت لو أن معي عشرة أسهم لرميت الروم بتسعة ورميت‬ ‫بلغني أنك قل َ‬
‫ت هذا‪ .‬فظن أنه رجع عن قوله‪،‬‬ ‫المصريين ]أي العبيديين[ بسهم‪ .‬فقال‪ :‬ما قل ُ‬
‫ت ينبغي أن نرميكم بتسعة ثم نرميهم بالعاشر‪.‬‬ ‫ت؟ قال‪ :‬قل ُ‬
‫فقال‪ :‬كيف قل َ‬
‫قال‪ :‬ولم ؟ قال‪ :‬لنكم غيرتم دين المة وقتلتم الصالحين وأطفأتم نور اللهية‬
‫وادعيتم ما ليس لكم‪ .‬فأمر بإشهاره في أول يوم ثم ضرب في اليوم الثاني‬
‫بالسياط ضربا ً شديدا ً مبرحًا‪ ،‬ثم أمر بسلخه في اليوم الثالث‪ ،‬فجيء بيهودي‬
‫فجعل يسلخه وهو يقرأ القرآن‪ ،‬قال اليهودي‪ :‬فأخذتني رقة عليه‪ ،‬فلما بلغت‬
‫تلقاء قلبه طعنته بالسكين فمات‪ ،‬رحمه الله‪ .‬فكان يقال له الشهيد« أهـ‬

‫)‪(6 /‬‬

‫والمعز بجانب ظلمه وبطشه ورفضه كان مثقفا يجيد عدة لغات منها‬
‫الطليانية والصقلية‪ ،‬كما عرف اللغة السودانية‪ .‬وكان ذا ولع بالعلوم ودراية‬
‫بالدب‪ ،‬فضل عما عرف به من حسن التدبير وإحكام المور )!(‪.‬‬
‫قضى المعز الشطر الكبر من خلفته في بلد المغرب‪ ،‬ولم يبق في مصر‬
‫ل‪ .‬وقد مات المعز في شهر ربيع الخر سنة ‪365‬هـ بعد‬ ‫أكثر من سنتين إل قلي ً‬
‫أن حكم أربعا ً وعشرين سنة‪.‬‬
‫العزيز بالله )‪386-365‬هـ(‬
‫هو نزار بن المعز‪ ،‬ويكنى أبا منصور‪ ،‬ويلقب بالعزيز‪ ،‬وكانت وليته إحدى‬
‫وعشرين سنة وخمسة أشهر وعشرة أيام‪ .‬توفي عن اثنين وأربعين سنة‪،‬‬
‫وقام بالمر بعده ابنه الحاكم‪ .‬اشُتهر عن العزيز أنه كان يستوزر اليهود‬
‫والنصارى )!(‪ .‬فقد استوزر ابن نسطورس وأخر يهوديا ً اسمه ميشا‪ .‬ويقول‬
‫ل هاتين الملتين في‬ ‫ابن كثير‪ :‬فَعَّز بسببهما ‪-‬أي ابن نسطورس وميشا‪ -‬أه ُ‬
‫ذلك الزمان على المسلمين‪ .‬أهـ‬
‫ويذكر د‪ .‬حسن إبراهيم حسن في كتابه )تاريخ السلم السياسي( )‪:(3/167‬‬
‫»أن عهد الخليفة العزيز بالله الفاطمي عهد يسر ورخاء وتسامح ديني وثقافة‬
‫)!(‪ «..‬اهـ‪ .‬وذكر أيضا ً أن العزيز تزوج بنصرانية‪ ،‬وتوإلى عطفه )!( على‬
‫الكنيسة القبطية‪.‬‬
‫وفي أيام العزيز تفاقم خطر القرامطة وأفتكين ببلد الشام‪ ،‬وكان قد‬
‫استعصى أمرهما على أبيه المعز من قبل‪ ،‬ولم يكد العزيز يوطد سلطته في‬
‫جه عنايته لسترداد بلد الشام وفلسطين بعد سيطرة القرامطة‬ ‫مصر حتى و ّ‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫زم ولم‬ ‫جه العزيز جوهرا ً الصقلي إلى القرامطة وأفتكين‪ ،‬لكّنه ه ُ ِ‬ ‫عليهما‪ ،‬فو ّ‬
‫يستطع استرداد الشام وفلسطين‪ ،‬ثم أشار جوهر على العزيز بحرب‬
‫القرامطة وأفتكين بنفسه‪ ،‬فالتقى بجيوشهما في الرملة فهزمهم وذلك في‬
‫محرم سنة ‪368‬هـ‪ .‬وقبض على أفتكين لكنه عفا عنه وأغدق عليه‪.‬‬
‫ول يخفى علينا أن العلقة بين السماعيلية والقرامطة كانت وثيقة جدا ً في‬
‫بداية نشأتهما‪ ،‬لكن حصلت اختلفات بينهما أدت إلى النزاع‪.‬‬
‫مر‬
‫كان سبب انتزاع القرامطة وأفتكين الشام وفلسطين من العبيديين هو تذ ّ‬
‫أهلهما على مذهب العبيديين‪ ،‬فاضطروا إلى طلب معونة القرامطة وأفتكين‬
‫ونجحوا في إسقاط حكم العبيديين على بلدهما‪ ،‬وحوادث دمشق مشهورة‬
‫في هذا‪.‬‬
‫ث عقائد المذهب السماعيلي‬ ‫في عهد العزيز وجه العبيديون اهتمامهم إلى ب ّ‬
‫الشيعي الباطني‪ ،‬وأصبحت كل أمور الدولة في أيديهم‪.‬‬
‫مات العزيز ببلبيس سنة ‪386‬هـ‪ ،‬وهو في الرابع والربعين من عمره‪ .‬كان‬
‫العزيز كريما ً محبا ً للعفو ‪-‬مع أمثاله‪ -‬و كان رجل ً ممتعا ً يميل إلى البهة‪ ،‬كما‬
‫ب الصيد ‪-‬وخاصة السباع‪ -‬وكان ذكيا ً أريبا ً مستنيرًا‪،‬‬ ‫كان خبيرا ً بالجواهر‪ ،‬يح ّ‬
‫يجيد عدة لغات كأبيه المعز‪.‬‬
‫الحاكم بأمر الله )‪411-386‬هـ(‬
‫وهو أبو علي المنصور‪ ،‬ولد في شهر ربيع الول سنة ‪375‬هـ‪ ،‬وعهد إليه أبوه‬
‫بالخلفة من بعده في سنة ‪383‬هـ‪ ،‬ثم بويع بالخلفة في اليوم الذي توفي‬
‫فيه أبوه العزيز‪ ،‬وذلك في رمضان سنة ‪386‬هـ و له إحدى عشرة سنة‬
‫ونصف السنة‪ ،‬وتولى تربيته والوصاية عليه أستاذه برجوان الخادم‪.‬‬
‫ونترك المجال للمؤرخ ابن عماد الحنبلي يحدثنا عن الحاكم في ترجمته له‬
‫في وفيات سنة ‪411‬هـ‪ .‬قال‪» :‬وفيها الحاكم بأمر الله‪ .....‬العبيدي صاحب‬
‫قد َ في شوال وله ست وثلثون سنة‪ ،‬قتلته‬ ‫مصر والشام والحجاز والمغرب‪ ،‬فُ ِ‬
‫ست‬ ‫أخته ست الملك بعد أن كتب إليها ما أوحشها وخوفها واتهمها بالزنا‪ ،‬فد ّ‬
‫من قتله وهو طليب بن دواس المتهم بها‪ ،‬ولم يوجد من جسده شيء‪،‬‬
‫ل من اطلع على أمر أخيها‪.‬‬ ‫وأقامت بعده ولده‪ ،‬ثم قتلت طليبا ً وك ّ‬

‫)‪(7 /‬‬
‫وكان الحاكم شيطانا ً مريدا ً خبيث النفس متلون العتقاد سمحا ً جوادا ً سفاكا ً‬
‫للدماء‪ ،‬قتل عددا ً من كبراء دولته صبرًا‪ ،‬وأمر بشتم الصحابة وكتبه على‬
‫أبواب المساجد‪ ،‬وأمر بقتل الكلب حتى لم يبق في مملكته منها إل القليل‪،‬‬
‫وأبطل الفقاع والملوخية والسمك الذي ل فلوس له‪ ،‬وأتى بمن باع ذلك سرا ً‬
‫فقتلهم ونهى عن بيع الرطب‪ ،‬ثم جمع منه شيئا ً عظيما ً وحرقه‪ ،‬وأباد أكثر‬
‫دد في الخمر‪ ،‬وألزم أهل الذمة بحمل الصلبان والقرامى في‬ ‫الكروم وش ّ‬
‫أعناقهم‪ ،‬وأمرهم بلبس العمائم السود‪ ،‬وهدم الكنائس‪ ،‬ونهى عن تقبيل‬
‫ث ذلك‪ ،‬واتخذ له مالكيْين‬ ‫الرض له ديانة وأمر بالسلم فقط وأمر الفقهاء بب ّ‬
‫يفقهانه ثم ذبحهما صبرًا‪ ،‬ثم نفى المنجمين من بلده وحرم على النساء‬
‫هد وتأّله‬ ‫الخروج‪ ،‬وما زلن ممنوعات سبع سنين وسبعة أشهر حتى قِتل‪ .‬ثم تز ّ‬
‫ولبس الصوف‪ ،‬وبقي يركب حمارا ً ويمر وحده في السواق ويقيم الحسبة‬
‫وفه‬‫بنفسه‪ ،‬ويقال أنه أراد أن يدعي اللهية كفرعون وشرع في ذلك فخ ّ‬
‫صه من زوال دولته فانتهى‪ .‬وكان المسلمون وأهل الذمة في ويل وبلء‬ ‫خوا ّ‬
‫شديد معه‪ ،‬قال ابن خلكان‪ :‬والحاكم المذكور هو الذي بنى الجامع الكبير‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالقاهرة بعد أن شرع فيه والده فأكمله هو‪ ،‬وبنى جامع راشدة بظاهر مصر‬
‫حح لقبلته ابن يونس‬ ‫وكان المتولي بناءه الحافظ عبد الغني بن سعيد‪ ،‬والمص ّ‬
‫المنجم‪ ،‬وأنشأ عدة مساجد بالقرافة‪ ،‬وحمل إلى الجامع من المصاحف‬
‫واللت الفضية والستور والحصر ما له قيمة طائلة‪ ،‬وكان يفعل الشيء‬
‫وينقضه‪.‬‬
‫وكان الحاكم المذكور سيئ العتقاد كثير التنقل من حال إلى حال ابتدأ أمره‬
‫بالتزيي بزي آبائه وهو الثياب المذهبة والفاخرة والعمائم المنظومة بالجواهر‬
‫النفيسة وركوب السروج الثقيلة المصوغة‪ ،‬ثم بدا له بعد ذلك وتركه على‬
‫تدرج بأن انتقل منه إلى المعلم غير المذهب ثم زاد المر به حتى لبس‬
‫الصوف وركب الحمر وأكثر من طلب أخبار الناس والوقوف على أحوالهم‪،‬‬
‫وبعث المتجسسين من الرجال والنساء‪ ،‬فلم يكن يخفى عليه رجل ول امرأة‬
‫خذا ً بيسير الذنب ل يملك نفسه عند الغضب‬ ‫من حواشيه ورعيته‪ ،‬وكان مؤا ِ‬
‫ً‬
‫ل‪ ،‬وأقام هيبة عظيمة وناموسا‪ ،‬وكان يقتل خاصته‬ ‫فأفنى رجال ً وأباد أجيا ً‬
‫وأقرب الناس إليه‪ ،‬وربما أمر بإحراق بعضهم‪ ،‬وربما أمر بحمل بعضهم‬
‫وتكفينه ودفنه وبناء تربة عليه‪ ،‬وألزم كافة الخواص بملزمة قبره والمبيت‬
‫وه بها على أصحاب العقول السخيفة‬ ‫عنده‪ ،‬وأشياء من هذا الجنس يم ّ‬
‫ن له في ذلك أغراضا ً صحيحة‪ .‬ومع هذا القتل العظيم والطغيان‬ ‫فيعتقدون أ ّ‬
‫المستمر يركب وحده منفردا ً تارة وفي الموكب أخرى وفي المدينة طورا ً‬
‫وفي البرية آونة‪ ،‬والناس كافة على غاية الهيبة والخوف منه والوجل لرؤيته‪،‬‬
‫وهو بينهم كالسد الضاري‪ .‬فاستمر أمره كذلك مدة ملكه‪ ،‬وهو نحو إحدى‬
‫ي اللهية ويصّرح بالحلول والتناسخ‬
‫دع َ‬‫ن له أن ي ّ‬
‫وعشرين سنة‪ ،‬حتى عَ ّ‬
‫ويحمل الناس عليه‪ ،‬وألزم الناس بالسجود مرة إذا ذكر‪ ،‬فلم يكن يذكر في‬
‫محفل ول مسجد ول على طريق إل سجد من يسمع ذكره وقّبل الرض‬
‫ل‪ .‬ثم لم يرضه ذلك حتى كان في شهر رجب سنة تسع وأربعمائة ظهر‬ ‫إجل ً‬
‫رجل يقال له حسن بن حيدرة الفرغاني الخرم يرى حلول الله في الحاكم‬
‫ويدعو إلى ذلك ويتكلم في إبطال الثواب وتأّول جميع ما ورد في الشريعة‪،‬‬
‫فاستدعاه الحاكم وقد كثر أتباعه‪ ،‬وخلع عليه خلعا ً سنية وحمله على فرس‬
‫مسرج في موكبه‪ ....‬فينما هو يسير في بعض اليام تقدم إليه رجل من‬
‫الكرخ‪ ..‬وهو في الموكب فألقاه عن فرسه ووالى العرب عليه حتى قتله‬
‫ج الموكب‪ «..‬اهـ‬ ‫فارت ّ‬
‫بعد أن هلك الحاكم العبيدي الباطني ورثه ابنه أبو الحسن الذي تلقب‬
‫بالظاهر‪ ،‬وتولى الحكم بعد قتل أبيه بأيام‪ .‬والجدير بالذكر هنا أن فرقة الدروز‬
‫المارقة ظهرت بدعوة حسن بن حيدرة الفرغاني وهم يؤلهون الحاكم‪،‬‬
‫والدرزية نسبة إلى أحد موالي الحاكم وهو هشتكين الدرزي‪[13].‬‬
‫الظاهر لدين الله علي بن الحاكم العبيدي ) ‪427-411‬هـ(‬
‫ولد يوم الربعاء في العاشر من رمضان سنة ‪395‬هـ بالقاهرة‪ .‬ويذكر ابن‬
‫العماد في شذرات الذهب أن أمر الدولة العبيدية بدأ بالنحطاط منذ وليته‬
‫عليها‪ ،‬حيث أخذ حسان بن مفرج الطائي أكثر الشام وأخذ صالح بن مرداس‬
‫حلب‪ ،‬وقوي نائبهم على القيروان‪.‬‬
‫لم يتمتع الظاهر بالخلفة مدة طويلة ‪-‬فقط سبعة عشر عاما‪ ،-‬فقد مرض‬
‫بالستسقاء ومات في منتصف شعبان سنة ‪427‬هـ‪ .‬وكان الظاهر قد استوزر‬
‫أبا القاسم علي بن أحمد الجرجرائي ‪-‬وكان مقطوع اليدين من المرفقين‪،‬‬
‫قطعهما الحاكم سنة ‪ 404‬هـ‪ -‬فعندما علم الجرجرائي بموته أخذ البيعة لبنه‬
‫أبي تميم الذي تلقب بالمسنتصر‪» .‬وكان الظاهر ‪-‬كما يقول د‪ .‬حسن إبراهيم‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل‪ ،‬لين العريكة‪ ،‬استطاع بحسن سياسته )!( أن يكسب‬ ‫حسن‪ :-‬سمحًا‪ ،‬عاق ً‬
‫عطف أهل الذمة ومحبتهم له )!(‪ ،‬فتمتعوا في عهده بالحرية الدينية‪ .‬كما‬
‫وجه عنايته إلى ترقية شؤون البلد وتحسين حالة الزراعة‪[14]«.‬‬
‫المستنصر أبو تميم معد بن الظاهر )‪487-427‬هـ(‬

‫)‪(8 /‬‬

‫بويع له بالخلفة في يوم وفاة أبيه وكان في السابعة من عمره‪ ،‬وبقي في‬
‫الخلفة ستين سنة وأربعة أشهر‪ ،‬وهذا شيء لم يبلغه أحد من أهل بيته ول‬
‫من بني العباس‪.‬‬
‫في أيام المستنصر حدث الغلء العظيم الذي ما عهد مثله منذ زمان يوسف‬
‫عليه السلم‪ ،‬وأقام سبع سنين وأكل الناس بعضهم بعضًا‪ ،‬حيث انتشر الوباء‬
‫والقحط في مصر‪ ،‬وانقطع النيل‪ ،‬ونكبت المم السلمية فيه من مصر إلى‬
‫سمرقند‪.‬‬
‫في القسم الول من عهد المستنصر امتد سلطان دولته على بلد الشام‬
‫وفلسطين والحجاز وصقلية وشمال أفريقيا‪ ،‬وكان اسمه يذاع على جميع‬
‫منابر البلد الممتدة من الطلسي إلى البحر الحمر‪ .‬بل في بغداد نفسها‬
‫حاضرة العباسيين‪ ،‬كان يخطب للمستنصر سنة على منابرها ]‪ .[15][15‬لكن‬
‫هذه البلدان ما لبثت أن خرجت من سلطان العبيديين ‪ .‬فقد أعلنت الدولة‬
‫الزيرية في سنة ‪ 36‬هـ‪ ،‬وكذا الدولة الحمدانية سنة ‪39‬هـ ولم تأت سنة‬
‫‪443‬هـ حتى تقلص الحكم العبيدي من المغرب‪ .‬وفي سنة ‪475‬هـ زالت‬
‫سلطتهم من المغرب القصى‪ ،‬واستولى روجر النورماندي على جزيرة‬
‫صقلية‪ ،‬وخلع أمير مكة والمدينة الطاعة سنة ‪462‬هـ‪.‬‬
‫في هذه الفترات انتشرت الفوضى وسادت مصر‪ ،‬حتى أن أربعين وزيرا ً‬
‫تقلدوا الوزارة في تسع سنوات بعد قتل الوزير اليازوري سنة ‪451‬هـ‪ .‬ثم عاد‬
‫القحط وأعقبه من الوباء والموت في سنة ‪459‬هـ‪ .‬وكان القحط الول قد‬
‫امتد من سنة ‪446‬هـ إلى ‪454‬هـ‪ ،‬وظّلت الحالة كذلك حتى سنة ‪464‬هـ‪.‬‬
‫وظهرت الفتن والحروب الهلية في مصر حتى تدارك مصر بدُر الجمالي‬
‫كا الذي استدعاه المستنصر في سنة ‪466‬هـ فأعاد النظام ووجه همه‬ ‫والي ع ّ‬
‫إلى الصلح والقضاء على المفسدين‪ .‬مات المستنصر سنة ‪487‬هـ‪ ،‬وبويع‬
‫ابنه المستعلي دون أخيه الكبر نزار‪.‬‬
‫المستعلي أبو القاسم أحمد )‪495-487‬هـ(‬
‫عندما مات المستنصر سنة ‪487‬هـ كان قد عهد إلى ابنه الكبر نزار‪ ،‬إل أن‬
‫الفضل ابن بدر الجمالي قائد الجيوش خلع نزارا ً هذا ووّلى مكانه أخاه‬
‫الصغر المستعلي أبا القاسم‪ ،‬فثار نزار وهرب إلى السكندرية ودعا لنفسه‬
‫وأخذ البيعة‪ ،‬فلحقه الفضل وهزمه وسجنه حتى مات‪ ،‬واستقر المر‬
‫للمستعلي‪.‬‬
‫لما خلع نزار لم تعترف السماعيلية بخلفة المستعلي وبقيت بجانب أخيه‪.‬‬
‫ولما مات نزار هذا بقيت السماعيلية على رأيهم وأن الخلفاء من نسب نزار‬
‫وليس المستعلي‪ ،‬وتعرف هذه المجموعة بالسماعيلية الشرقية‪ ،‬ومنهم‬
‫الحشاشون ‪ Assassins‬جماعة الحسن ابن الصباح‪ ،‬والذين عرفوا أيضا ً‬
‫ل‪ ،‬وقاموا باغتيالت لشخصيات إسلمية عسكرية كانت‬ ‫بالباطنية كجزء من ك ّ‬
‫ترابط في الجهاد ضد الصليبيين الذين استولوا على بعض أرض المسلمين‪.‬‬
‫لذلك لبد هنا من الكلم عن هذه الفرقة ولو بشيء من الختصار‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فرقة الحشاشين ‪Assassins‬‬


‫كان لتأسيس جماعة الحشاشين على يد الحسن بن الصباح خطر كبير على‬
‫المة السلمية في ذلك الوقت‪ ،‬وفي كل وقت‪ .‬فقد درس الحسن ابن صباح‬
‫كتب السماعيلية‪ ،‬واشترى قلعة "ألموت" الواقعة على الشاطئ الجنوبي‬
‫لبحر قزوين )الخزر( وجعلها مقّره‪ ،‬فمنها انطلق وبها اعتصم‪ .‬وقد دخل قلعته‬
‫مرة ولم يخرج إل بعد خمس وعشرين عامًا‪ ،‬كان يدرس خللها ويخطط‪.‬‬
‫سن ّّية‪،‬‬
‫لقد قامت حركة الحشاشين في اغتيال ثمانين شخصية إسلمية قيادية ُ‬
‫ما بين عالم وقائد عسكري مجاهد‪ .‬وقد كان نظام الملك وزير ملكشاه‬
‫السلجوقي أول ضحاياهم‪ .‬وفي عام ‪523‬هـ ازداد خطر السماعيلية في‬
‫مدينة دمشق ‪-‬وكانت تشكل خط الدفاع ضد الصليبيين في ذلك الوقت وهم‬
‫في فلسطين‪ -‬ودعوا الفرنجة للحضور اليها حتى يتسلموها‪ ،‬وكان زعيمهم‬
‫ج الملوك ‪-‬حاكم دمشق‪ -‬فاستدعاه‬ ‫يدعى "المزدقاني"‪ ،‬فاكتشف أمره تا ُ‬
‫فقتله وعّلق رأسه على باب القلعة‪ ،‬ونودي في دمشق بقتل الباطنية‪ ،‬فقتل‬
‫منهم ستة آلف نفس‪ .‬وعندما علم صاحب بانياس ]‪ [16‬بهذا ‪-‬وكان‬
‫إسماعيليا ً باطنيًا‪ -‬راسل الفرنجة فسلم إليهم القلعة ورحل إلى بلدهم‪.‬‬
‫وقُِتل عماد الدين الزنكي ‪-‬رحمه الله‪ -‬على أيديهم أثناء حصاره لقلعة جعبر‬
‫على شاطئ الفرات‪ .‬وقتلوا من قبله المير مودود‪ ،‬قتلوه في دمشق يوم‬
‫الجمعة بعد الصلة في مسجدها‪ .‬وقتلوا من العلماء قاضي أصفهان عبيد الله‬
‫الخطيب‪ ،‬والقاضي أحمد قاضي نيسابور‪ ،‬قتلوه في شهر رمضان‪ .‬ولشك أن‬
‫أيديهم امتدت في زماننا الحاضر إلى قتل بعض علماء المسلمين وقوادهم‬
‫ن محالفة‬
‫كأمثال فاضح الباطنية في وقتنا الكاتب إحسان إلهي ظهير‪ .‬وإ ّ‬
‫الباطنيين مع أعداء المسلمين ضد المسلمين خلل التاريخ لهو أكبر دليل‬
‫على عداوتهم للسلم ووليتهم لعداء المسلمين من يهود ونصارى وغيرهم‬
‫من ملل الكفر‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫يقول لويس برنارد في كتابه )الحشاشون ‪» :(The Assassins‬كانت هناك‬


‫علقة بين شيخ الجبل )رئيس الباطنية في الشام( وبين ملك القدس من‬
‫الصليبيين وهو الكونت هنري"‪ ،‬و "عندما غزا سانت لويس بيت المقدس سنة‬
‫‪1250‬م تبادل الهدايا مع شيخ الجبل‪ ،‬وكان الصليبيون يسمونهم الملحدين‪،‬‬
‫وأتت في كتاباتهم بـ ‪" . "Mulihet‬وعندما مّر ماركو بولو ‪ Marco Polo‬من‬
‫فارس سنة ‪1273‬م رأى قلعة وقرية "ألموت" وقال عنها أنها المقر الرئيسي‬
‫للسماعيلية« اهـ‪ .‬وكان للسماعيلية عمليات اغتيال في أوربا‪ ،‬فكان بعض‬
‫الملوك فيها يستخدمونهم في التخلص من أعدائهم‪ ،‬وكانوا يطلقون كلمة‬
‫رفيق على أعضائهم‪.‬‬
‫ومازال للسماعيلية رجال يكتبون عنها ويشيدون بما فعل أجدادهم )!(‪،‬‬
‫فمنهم د‪ .‬مصطفى غالب‪ ،‬له كتاب )تاريخ الدعوة السماعيلية( و كتاب عن‬
‫)الحركات السرية في السلم(‪ ،‬وكتاب عن الحسن بن الصباح أسماه‬
‫)الطائر الحميري‪ ،‬الحسن بن الصباح(‪ ،‬وله موسوعة فلسفية حشاها بآراء‬
‫الباطنيين كابن سينا والفارابي وإخوان الصفا وغيرهم ممن ينسبون إلى‬
‫السلم‪ .‬وهناك الكاتب عارف تامر له كتاب )على أبواب أ ََلموت( وكتاب‬
‫)الحاكم بأمر الله( وبعض التحقيقات على كتب السماعيليين‪.‬‬
‫قلعة ألموت‪ ،‬مركز الحشاشين ‪ -‬اضغط للتكبير‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كام العبيديين‬‫بقية ح ّ‬
‫جاء المر بعد المستعلي عام ‪ 495‬هـ‪ ،‬وهو الذي قتل الفضل بن بدر‬
‫الجمالي قائد الجيوش عام ‪515‬هـ وقد خلفه ابنه الكمل‪ .‬ويبدو أن المر كان‬
‫مختلفا ً عن غيره من ملوك العبيدية‪ ،‬إذ أنه ألغى الحتفالت التي كانت تقام‬
‫بمناسبة المولد النبوي ومولد فاطمة وعلي ومولد الخليفة القائم بالمر‪.‬‬
‫ن أولد نزار أحق‬ ‫في عام ‪ 524‬هـ قُِتل المر بيد الباطنية الذين كانوا يَرْون أ ّ‬
‫بالملك من أولد المستعلي‪ .‬وخالف الكمل العبيديين ‪-‬وكان من الشيعة‬
‫الثني عشرية‪ -‬فقتلوه‪.‬‬
‫وفي عام ‪529‬هـ ‪-‬أي في عهد الحافظ الذي خلف المر المقتول‪ -‬اسُتوِزر‬
‫بهرام الرمني على القاهرة وكثرت الرمن فيها‪.‬‬
‫دة الخلفات بعد الحافظ بين جنود ووزراء العبيديين‪ .‬وقد جاء بعد‬ ‫ازدادت ح ّ‬
‫الحافظ الظاهر ثم الفائز تله العاضد‪ ،‬والذي بعهده انتهت وعضدت دولة بني‬
‫عبيد الباطنية‪ ،‬وذلك بعد أن حكمت لمدة ‪ 260‬عاما ً مساحات شاسعة من‬
‫بلد المسلمين شرقا ً وغربًا‪.‬‬
‫انتهت دولة العبيديين على يد صلح الدين يوسف بن أيوب ‪-‬رحمه الله‪،-‬‬
‫فانتهى عهد الباطنية وعادت مصر وما بقي من دولة بني عبيد إلى حظيرة‬
‫أهل السنة والجماعة‪ .‬ثم تابع صلح الدين والمسلمون خلفه المسيرة‬
‫الجهادية حتى فتحوا القدس وأعادوا المسجد القصى إلى رحاب السلم‬
‫وذلك عام ‪ 583‬هـ‪[17].‬‬
‫________________________________________‬
‫]‪ [1‬انظر ما نقله الطبري في تاريخه عن سبي القرامطة لنساء أهل البيت‬
‫وفعلهم بهن في حوادث سنة ‪ 290‬هـ‬
‫]‪ [2‬سيراف ميناء قديم على الخليج العربي من جهة فارس‪.‬‬
‫]‪ [3‬انتهى ما نقلناه من كتاب »التاريخ السلمي« ج ‪ 6‬ص ‪100-59‬‬
‫]‪ [4‬للستزادة والتفصيل انظر تاريخ الطبري حوادث سنة ‪ 298‬إلى ‪ 301‬هـ‬
‫]‪ [5‬الشيعة والتشيع‪ ،‬إحسان إلهي ظهير‪.‬‬
‫]‪ [6‬انظر »الشيعة وأهل البيت« إحسان إلهي ظهير‪ ،‬ص ‪294‬‬
‫]‪ [7‬من المعروف أن السماعيلية هي حركة مختلفة عن التشيع تماما‪ً،‬‬
‫بالرغم من أنها حملت راية التشيع لل البيت ابتداًء واستغلت شعور العاطفة‬
‫لهل البيت عند العامة‪ ،‬لكنها ما لبثت أن كشفت عن وجهها الحقيقي بعد أن‬
‫سيطرت على مصر‪.‬‬
‫]‪Al-Isma’iliyah and the Origin of the Fatimids. The Muslim World, vol. [8‬‬
‫‪49, p299‬‬
‫ود ابنه عبد الله بن ميمون‪،‬‬ ‫ً‬
‫]‪ [9‬أي أن الجد ميمون القداح كان مجوسيا‪ ،‬وته ّ‬
‫ثم أظهر التشيع‪.‬‬
‫]‪ [10‬يعني إسماعيل بن جعفر الصادق؛ ثم يأتي الئمة المستورون‪.‬‬
‫]‪ [11‬الشيعة وأهل البيت لحسان إلهي ظهير )ص ‪.(284-283‬‬
‫]‪ [12‬الديصان ثنوي فارسي مشهور في القرن الثاني الميلدي؛ تحول إلى‬
‫النصرانية بعد أن عمل منجما ً في مدينة أديسا )الرها‪ُ/‬أرفا(‪ .‬ومع كونه أصبح‬
‫نصرانيا ً فقد كان يحمل بعض المعتقدات اللحادية والزردتشية‪ .‬ويبدو أن‬
‫حفيده ميمون أظهر السلم ولكنه تبع خطا جده ديصان في الخلط بين أكثر‬
‫من دين‪.‬‬
‫]‪ [13‬الشيعة والتشيع‪ :‬فرق وتاريخ‪ ،‬للكاتب إحسان إلهي ظهير )ص ‪.(236‬‬
‫]‪ [14‬تاريخ السلم السياسي )‪.(3/173‬‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [15‬أنظر فتنة البساسيري في كتب التاريخ‪.‬‬


‫]‪ [16‬مدينة قرب أرض فلسطين‪ ،‬وهي غير بانياس التي على ساحل الشام‪.‬‬
‫]‪ [17‬ل بد لي أن أذكر هنا أني استفدت كثيرا ً من تعليقات الستاذ محمود‬
‫شاكر على هذه العجالة عندما اطلع عليها‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫لمحة عن التربية السلمية‬


‫رئيسي ‪:‬تربية ‪:‬الحد ‪16‬شوال ‪1425‬هـ ‪ 28 -‬نوفمبر ‪ 2004‬م‬
‫الحمد لله‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬أما‬
‫بعد‪،،،‬‬
‫أهمية التربية السلمية‪:‬‬
‫فالتربية السلمية هي الوسيلة للسعادة في الدارين الولى والخرة‪ ،‬بها‬
‫تتكون شخصية المسلم المؤمن بربه‪ ،‬والمطيع لوامره والمتجنب لنواهيه‪،‬‬
‫المتمسك بدينه‪ ،‬الذي يؤدي رسالته في الحياة بأمانة‪ ،‬ويعمل للخرة متبًعا‬
‫سو ُ‬
‫ل‬ ‫م الّر ُ‬ ‫ما آَتاك ُ ُ‬ ‫الكتاب والسنة‪ ،‬محارًبا كل بدعة‪ ،‬مطيًعا لربه العليم؛ }‪...‬وَ َ‬
‫ه َفان ْت َُهوا‪]{[7]...‬سورة الحشر[‪ .‬ومقتدًيا بسنة نبيه صلى‬ ‫م عَن ْ ُ‬ ‫ما ن ََهاك ُ ْ‬ ‫ذوه ُ وَ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫فَ ُ‬
‫ُ‬
‫ة‪]{[21]...‬سورة‬ ‫سن َ ٌ‬‫ح َ‬ ‫سوَة ٌ َ‬ ‫ل الل ّهِ أ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫م ِفي َر ُ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫الله عليه وسلم؛ } َ‬
‫الحزاب[‪.‬‬
‫معنى التربية‪:‬‬
‫والتربية معناها‪ :‬التنمية للقوى العقلية والخلقية والجسدية‪ ،‬والله سبحانه قد‬
‫ك‬‫رّبى نبيه ليكون خير قدوة للبشرية‪ ،‬وقد منحه سبحانه هذه الشهادة‪ }:‬وَإ ِن ّ َ‬
‫ظيم ٍ ]‪]{[4‬سورة القلم[‪.‬‬ ‫ق عَ ِ‬ ‫ل ََعلى ُ ُ‬
‫خل ٍ‬
‫التربية البوية‪:‬‬
‫هذا الواجب يتقاسمه الوالدان بصفتيهما البوية‪ ،‬ويشاركهما في هذا الواجب‬
‫ي وهو المدرس‪ ،‬فإذا شعر بمسئوليته تجاه الله والمجتمع‪ ،‬عرف أن‬ ‫أب روح ّ‬
‫هّ‬
‫ض الل َ‬ ‫قرِ ُ‬ ‫ذي ي ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن َذا ال ِ‬ ‫م ْ‬ ‫التربية أمانة في عنقه‪ ،‬وأن جزاءها تضعيف الجر؛ } َ‬
‫ضَعاًفا ك َِثيَر ً‬ ‫فه ل َ َ‬
‫ة‪]{[245]...‬سورة البقرة[‪ .‬والباء هم‬ ‫هأ ْ‬ ‫ع َ ُ ُ‬ ‫ضا ِ‬ ‫سًنا فَي ُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ضا َ‬ ‫قَْر ً‬
‫القدوة للبناء؛ إذ يقلدونهم في سلوكهم الحسن منه أو الرديء‪ ،‬فليكن الب‬
‫لبنه مصباح هداية‪ ،‬وليحذر أن يكون مفتاح غواية‪ ،‬وللموعظة الحسنة أثرها‪،‬‬
‫وخير ما نلقنه للبناء وصايا الرحمن على لسان لقمان لبنه؛ فهي تجمع بين‬
‫و‬
‫ن ِلب ْن ِهِ وَهُ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫ق َ‬‫ل لُ ْ‬ ‫اليمان والتوحيد‪ ،‬والدعوة إلى الخلق القويم‪ }:‬وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫م]‪]{[13‬سورة لقمان[‪َ} .‬يا‬ ‫ظي ٌ‬
‫م عَ ِ‬ ‫ك ل َظ ُل ْ ٌ‬ ‫شْر َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ك ِبالل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫شرِ ْ‬ ‫ي َل ت ُ ْ‬ ‫ه َيا ب ُن َ ّ‬ ‫ي َعِظ ُ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ك إِ ّ‬ ‫صاب َ َ‬ ‫ما أ َ‬ ‫صب ِْر عََلى َ‬ ‫من ْك َرِ َوا ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ف َوان ْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مْر ِبال ْ َ‬ ‫صَلة َ وَأ ُ‬ ‫ي أقِم ِ ال ّ‬ ‫ب ُن َ ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫حا إ ِ ّ‬ ‫مَر ً‬ ‫ض َ‬ ‫ش ِفي الْر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫س وََل ت َ ْ‬ ‫ك ِللّنا ِ‬ ‫خد ّ َ‬ ‫صعّْر َ‬ ‫موِر]‪[17‬وََل ت ُ َ‬ ‫ن عَْزم ِ اْل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫خوٍر]‪]{[18‬سورة لقمان[‪.‬‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫خَتا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬‫َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫من وصاياه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ولرسول الله صلى الله عليه وسلم وصايا عديدة‪ ،‬من اقتدى بها حصل على‬
‫مزايا جليلة‪ ،‬يقول رسول الله صلوات الله وسلمه عليه في وصية له‪:‬‬
‫م وَأ َوُْفوا إ َِذا‬ ‫حد ّث ْت ُ ْ‬ ‫صد ُُقوا إ َِذا َ‬ ‫ةا ْ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ض َ‬‫مأ ْ‬
‫فسك ُ َ‬
‫ن أن ْ ُ ِ ْ‬
‫]اضمنوا ِلي ستا م َ‬
‫ِ ّ ِ ْ‬ ‫ْ َ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م[‬ ‫فوا أي ْدِي َك ْ‬ ‫م وَك ّ‬ ‫صاَرك ْ‬ ‫ضوا أب ْ َ‬ ‫م وَغُ ّ‬ ‫جك ْ‬ ‫فظوا فُُرو َ‬ ‫ح َ‬‫م َوا ْ‬ ‫من ْت ُ ْ‬‫م وَأّدوا إ َِذا اؤْت ُ ِ‬ ‫وَعَد ْت ُ ْ‬
‫رواه أحمد‪.‬‬
‫إن هذه الوصية الجليلة من جوامع الكلم‪ ،‬تجمع آداب السلوك الجتماعية‬
‫اللزمة لسعادة البشرية‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فالله خلق النسان وأنشأ له الرادة‪ ،‬فعليه الختيار‪ ،‬إما‪ :‬أن يفعل الخير‪،‬‬
‫فيصير من البرار‪ ،‬وإما أن يفعل الشر‪ ،‬فيصبح من الشرار‪ ،‬والجزاء معروف؛‬
‫فلهذا الجنة ولذلك النار‪.‬‬
‫ولذا ينبغي أن يحرص الباء على تعليم أبنائهم تعاليم الدين‪ ،‬ويبدءوا بحفظ‬
‫القرآن الكريم؛ لتتحد البواعث الدينية في نفوسهم مع البواعث الشخصية منذ‬
‫نعومة أظافرهم‪..‬وهذه هي الوسيلة السليمة لتنشئتهم النشأة القويمة التي‬
‫تؤتي ثمارها الطيبة بإذن ربها‪.‬‬
‫التربية المدرسية‪:‬‬
‫صا في المرحلة‬ ‫والمدرسة من أكبر العوامل في تكوين الشخصية‪ ،‬خصو ً‬
‫الولى حيث يتصل الطفل بغيره من الصبيان ممن هم في مثل سنه‪ ،‬أو ممن‬
‫ضا بالمدرس الذي يعده التلميذ‬ ‫يكبرونه‪ ،‬أو يقلون عنه قليًل‪ ،‬ويتصل أي ً‬
‫قدوتهم‪ ،‬ويقلدونهم في سكناته وحركاته‪ ،‬فمحاكاة الحركات والعمال أسبق‬
‫من محاكاة المعاني والراء‪.‬‬
‫ففي المرحلة الولى من حياة الصبي يقع سلوكه في دائرة تأثير المعلم‪،‬‬
‫وتأثير الصبيان الذين يختلط بهم‪ ،‬وتأثير آبائه في المنزل‪ ،‬فإن صلحت هذه‬
‫الدائرة؛ نما الطفل وترعرع بين الفضيلة‪ ،‬وإن فسدت انغمس الصبي في‬
‫متاهات الرذيلة‪ ،‬ولهذا يجب الحرص على أن يتنفس أبناؤنا ‪ -‬فلذات أكبادنا ‪-‬‬
‫في جو إسلمي صحي‪ ،‬فمن الخير للنسان المبادرة بتكوين العادات الفاضلة‬
‫في البناء حتى تتأصل فيهم‪ ،‬وتنزل منزلة الطبع؛ لن القلع عن العادات‬
‫المرذولة إذا تمكنت يكون شاًقا عسيًرا‪.‬‬
‫صفات الخلقية مهمة‪:‬‬
‫ومن هذه الصفات الخلقية التي يجب أن يتحلى بها الصبيان‪:‬‬
‫‪ -1‬الطاعة لله ورسوله أوًل وقبل كل شيء‪ :‬وفي القرآن آيات كثيرة تحث‬
‫على الطاعة بل تأمر بها‪ ،‬فقد أمر الله المرأة أن تطيع زوجها‪ ،‬والبن أن‬
‫يطيع أباه‪ ،‬والمعلم يحل محل الوالد‪ ،‬ومنزلته هي نفس منزلته‪ ،‬ولذلك تجب‬
‫طاعة الصبيان له‪.‬‬
‫‪ -2‬النظام‪ :‬لن الفوضى مفسدة للمجتمع‪ ،‬ومضيعة للتعاون الضروري للحياة‬
‫النسانية‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -3‬أن يكون للشراف الجتماعي والرياضي دوره الفعال في الستعلء‬


‫ذر القابسي الفقيه السني من خطورة‬ ‫بالغريزة الجنسية عندهم‪ :‬وقد ح ّ‬
‫الختلط بين الطلبة بقوله‪' :‬وإنه لينبغي للمعلم أن يحرس بعضهم من بعض‪،‬‬
‫إذا كان فيهم من يخشى فساده‪ ،‬يناهز الحتلم‪ ،‬أو يكون له جرأة'‪ .‬وهو‬
‫أسلوب وجيز العبارة‪ ،‬لطيف الشارة‪ ،‬يدل على عفة في نفس المؤلف‪،‬‬
‫تحمله على البتعاد عن الطالة في مواطن الفحشاء والمنكر‪.‬‬
‫والعلء بالغريزة الجنسية والتسامي بها يأتي من استغراق الجهد واستنفاذ‬
‫الطاقة‪ ،‬وتحويلها إلى عمل نافع للفرد والمجتمع‪ ،‬وليكن قول الله رائدنا‪:‬‬
‫ب]‪]{[8‬سورة الشرح[‪.‬‬ ‫ك َفاْرغَ ْ‬ ‫ب]‪[7‬وَإ َِلى َرب ّ َ‬ ‫ص ْ‬‫ت َفان ْ َ‬ ‫}فَإ َِذا فََرغْ َ‬
‫فالعبادة ‪ -‬وبخاصة الصوم ‪ -‬وقاية للمؤمن؛ فهي تمل قلبه بالطمأنينة‪ ،‬وتذهب‬
‫عنه وساوس الشيطان؛ إذ يتيقن أن ما يفعله هو استجابة لمر الرحمن حين‬
‫ه‪]...‬‬ ‫ن فَ ْ‬
‫ضل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫حّتى ي ُغْن ِي َهُ ُ‬
‫حا َ‬ ‫ن نِ َ‬
‫كا ً‬ ‫دو َ‬‫ج ُ‬‫ن َل ي َ ِ‬
‫ذي َ‬‫ف ال ّ ِ‬‫ف ِ‬ ‫يقول‪ } :‬وَل ْي َ ْ‬
‫ست َعْ ِ‬
‫‪]{[33‬سورة النور[‪ .‬وبهذا السلوب تنتصر الرادة على الهوى‪ ،‬والنسانية‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على الحيوانية‪ ،‬وإن لنا في قصة يوسف لعبرة‪.‬‬


‫تربية الدعاة‪:‬‬
‫ولتخريج الدعاة إلى الله يستلزم المر‪:‬‬
‫ب‬‫ّ‬ ‫بح‬ ‫مفعمة‬ ‫ونفوسهم‬ ‫فيها‪،‬‬ ‫العاملون‬ ‫‪ -1‬تهيئة بيئة إسلمية سليمة‪ :‬يعيش‬
‫الرحمن‪ ،‬الذي خلق النسان علمه البيان‪ ،‬وقلوبهم مؤمنة بخلود رسالة‬
‫السلم وصلحيتها لكل زمان ومكان‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تكون عقيدة المعلم والمتعلم مبنية على التوحيد لله رب العالمين‪،‬‬
‫قا‪ :‬فعلى النسان أن يعيش مع آياته الكريمة حتى‬ ‫وفهم القرآن فهما دقي ً‬
‫يكون خلقه القرآن‪ ،‬فهو الكتاب الوحيد الذي يرافقه في رحلته طيلة حياته‪،‬‬
‫يحل به كل مشكلة‪ ،‬وينتصر به على كل معارضة‪ ،‬ويفوز به في الدنيا‬
‫والخرة‪ ،‬إنه مفتاح السعادة وباب الرحمة‪.‬‬
‫‪ -3‬أن تدّرس السنة المحمدية‪ :‬فبها ينتظم المجتمع على أسس قويمة‪ ،‬فهي‬
‫تزكية للنفوس النسانية‪ ،‬وهي هادية لفهم اليات السماوية‪ ،‬إنها الوحي الثاني‬
‫من رب البرية‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يهتم الدارسون بالكشف عن جوانب العظمة في حياة الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ :‬وصلحية هذه الشخصية الكريمة لتكون قدوة لجميع‬
‫الجيال‪ ،‬وأسوة حسنة لجميع طبقاتها وأفرادها؛ إنها الشخصية التي ل تسعد‬
‫البشرية‪ ،‬ول تتزن الحياة‪ ،‬ول يقوم المجتمع الصالح إل بالقتداء بها واتخاذها‬
‫إماما ورائدا‪ ،‬ويتفرع من هذين الصلين الثابتين كتاب الله وسنة رسوله علوم‬
‫الدنيا والدين‪.‬‬
‫فالله يرشد عباده في كثير من آياته إلى الحياة الجتماعية الفاضلة؛ فيحثهم‬
‫على الزواج وينفرهم من الزنا‪ ،‬وينظم الحياة السرية على المحبة والمودة‬
‫المتبادلة‪ ،‬والواصر المتينة المبنية على أسس سليمة‪.‬‬
‫ث على النفاق‬ ‫ولما كان المال عصب الحياة فقد ورد في القرآن الكريم الح ّ‬
‫في صور شتى‪ ،‬كالصدقة والزكاة وعتق العبد وإطعام المسكين والعناية‬
‫باليتيم‪.‬‬
‫دوا‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضى َرب ّك أل ت َعْب ُ ُ‬ ‫وقرن سبحانه الحسان بالوالدين بعبادته الحقة‪ ،‬فقال‪}:‬وَق َ‬
‫ساًنا‪]{[23]...‬سورة السراء[‪.‬‬ ‫ح َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫إ ِّل إ ِّياه ُ وَِبال ْ َ‬
‫وال ِد َي ْ ِ‬
‫ل ذ َّرةٍ ِفي‬ ‫قا ِ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ب عَ ْ‬ ‫ما ي َعُْز ُ‬ ‫والله يعلم أعمالنا كبرت أم صغرت؛ }وَ َ‬
‫ّ‬ ‫ك وَل أ َ‬ ‫َ‬ ‫اْل َْر‬
‫ن]‪{[61‬‬ ‫بي‬ ‫م‬
‫َِ ٍ ُ ِ ٍ‬ ‫ب‬ ‫تا‬ ‫ك‬ ‫في‬ ‫ََ ِ ِ‬‫ل‬ ‫إ‬ ‫ر‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ن ذ َل ِ َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫صغََر ِ‬ ‫ماِء وََل أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ض وََل ِفي ال ّ‬ ‫ِ‬
‫َْ‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ما ي َن ْزِ ُ‬ ‫من َْها وَ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ج ِفي َ الْر ِ‬ ‫ما ي َل ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫]سورة يونس[‪} ،.‬ي َعْل َ ُ‬
‫صيٌر]‪{[4‬‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م أي ْ َ‬ ‫معَك ُ ْ‬‫ج ِفيَها وَهُوَ َ‬ ‫ما ي َعُْر ُ‬ ‫ماِء وَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ه‬
‫س بِ ِ‬ ‫سو ِ ُ‬ ‫ما ت ُوَ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن وَن َعْل َ ُ‬ ‫سا َ‬ ‫قَنا اْل ِن ْ َ‬ ‫خل َ ْ‬‫قد ْ َ‬ ‫]سورة الحديد[‪ .‬بل أكثر من ذلك } وَل َ َ‬
‫ه‪]{[16]...‬سورة ق[‪.‬‬ ‫س ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫والهدف من وراء ذلك هو‪:‬‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ي َعْل ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫أل يعمل النسان إل الخير‪ ،‬ول يفكر إل في الخير؛ }‪َ...‬واعْل ُ‬
‫ه‪] {[235]...‬سورة البقرة[‪.‬‬ ‫حذ َُرو ُ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ما ِفي أ َن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫أن يعلم كل فرد أن الله رقيب عليه‪ ،‬وأنه أقرب إليه من حبل الوريد‪ ،‬وأنه‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫يحاسبه بالعدل الذي هو أساس ملكه‪ ،‬سبحانه وتعالى ل يظلم أحدا؛ } فَ َ‬
‫ه]‪]{[8‬سورة‬ ‫شّرا ي ََر ُ‬ ‫ل ذ َّرةٍ َ‬ ‫قا َ‬ ‫مث ْ َ‬‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َعْ َ‬‫م ْ‬ ‫ه]‪[7‬وَ َ‬ ‫خي ًْرا ي ََر ُ‬ ‫ل ذ َّرةٍ َ‬ ‫قا َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ي َعْ َ‬
‫الزلزلة[‪.‬‬
‫أن يعبد الله كأنه تراه‪ ،‬فإن لم يكن يراه فإنه يراه‪ ،‬فاليمان بالله وحده‬
‫والتزام عبادته‪ ،‬والعتصام به سبحانه‪ ،‬هي الوسائل الفعالة في التربية‬
‫المؤدية إلى حياة الضمير ويقظته‪ ،‬والعبادة العملية هي الطريق الصحيحة‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلى تثبيت ذلك وتدعيمه‪.‬‬


‫فالصلة عبادة الغرض منها معرفة الله‪ ،‬وذكره في كل وقت‪ ،‬ودوام الذكر هو‬
‫السبيل إلى يقظة الضمير‪ ،‬وتؤدى في خمسة أوقات متفرقة من كل يوم‬
‫لدوام الذكر‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ول تصح الصلة بغير وضوء‪ ،‬والوضوء غسل وطهارة ونظافة‪ ،‬والنظافة من‬
‫الفضائل الشخصية العظيمة الثر في الصحة‪ ،‬كما تنتقل فائدتها إلى النفس‬
‫فتطهرها‪ ،‬فالشعور بالنظافة الظاهرة يهيئ النسان إلى النظر في المعاني‬
‫بنفس السلوب؛ فيعف اللسان ويطهر الفكر‪ ،‬فالنسان مطالب بطهارة‬
‫الجسم كما هو مطالب بطهارة القلب والنفس‪ ،‬لذلك ينبغي أن يكون صادًقا‬
‫ظا للعهد‪.‬‬ ‫فا‪ ،‬أميًنا‪ ،‬حاف ً‬ ‫عفي ً‬
‫وأسلوب القرآن حكيم في الترغيب في الدين والترهيب من الخروج على‬
‫مبادئ السلم والمسلمين؛ لعلمه سبحانه بالطبيعة النسانية التي فيها‬
‫التفكير والتدبير‪ ،‬وفيها المحبة والكراهية‪ ،‬وسلوك الفرد يتحرك بدافع من‬
‫الرأي والنظر‪ ،‬ويتحرك بقوة الخوف والغضب‪ ،‬وقد وصف الله الجنة في‬
‫محكم آياته ليكون الناس على بصر بما يلقون من ثواب هو النعيم الذي إليه‬
‫يشتاقون‪ ،‬وفي نفس الوقت صور الجحيم وما فيها من عذاب أليم؛ ليكون‬
‫المجرمون على علم بما ينتظرهم يوم الدين‪.‬‬
‫وهكذا يرسم الدين السلمي للناس قواعد التربية السليمة التي ينبغي أن‬
‫يسيروا عليها‪ ،‬ولن يضل الناس طالما تمسكوا بالقرآن والسنة على الرغم‬
‫مما يسود العالم من فساد رأي يدعى‪ :‬بالحرية‪ ،‬ووقاحة فكر‪ :‬تنعت بالجرأة‪،‬‬
‫وفلسفة مادية ملحدة‪ :‬تحاول تفسير كل شيء على هواها‪ ،‬إنها مضللة‬
‫مفسدة‪.‬‬
‫إن السلم ينظم أفعال المرء مع نفسه‪ ،‬وأفعال المرء مع غيره‪ ،‬فالله‬
‫سبحانه ينصح النسان بالقتصاد في المال‪ ،‬كما يقتصد في تناول الطعام‬
‫َ‬
‫ة إ ِلى‬‫مغُْلول َ ً‬ ‫ل ي َد َ َ‬
‫ك َ‬ ‫جعَ ْ‬
‫والشراب؛ لصلح حاله‪ ،‬وصلح جسده‪ ،‬فيقول‪} :‬ول ت َ ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ط‪]{[29]...‬سورة السراء[‪ .‬ويقول‪ } :‬وَكلوا‬ ‫ل ال ْب َ ْ‬
‫س ِ‬ ‫سط َْها ك ُ ّ‬ ‫ك وََل ت َب ْ ُ‬ ‫ق َ‬ ‫عُن ُ ِ‬
‫سرِفوا‪]{[31]...‬سورة العراف[‪ .‬هذه فضيلة الوسط بين‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫شَرُبوا وَل ت ُ ْ‬ ‫َوا ْ‬
‫الفراط والتفريط التي ل تتلءم مع الحياة الواقعية‪.‬‬
‫فالسلم شريعة سمحة تدعو النسان إلى الخير والرحمة‪ ،‬وتحثه على‬
‫الخلص والمحبة‪ ،‬وتقضي على النانية التي هي آفة البشرية‪.‬‬
‫وإذا كان أصحاب الكهف مثل للشباب المستبصر الذي لم تطمس ظلمات‬
‫الكفر في بيئته شعاع فطرته‪ ،‬ولم تشب أوضاع الضلل صفاء استقامته‪ ،‬فإن‬
‫المجتمع السلمي ل يترك شبابه لهذه المعاناة‪ ،‬ول يعرضهم لهول هذه‬
‫المحن‪ ،‬فهو مجتمع يقوم على اليمان بالله وتحقيق شريعته‪ ،‬ومن هنا فهو‬
‫حريص على أن يحمي ناشئته من الفتنة‪ ،‬ويقيهم سبل الضلل والغواية‪ ،‬فل‬
‫يكل توجيههم إلى قلوب مريضة‪ ،‬ول يترك زمامهم بأيد ملوثة‪ ،‬بل يوفر لكل‬
‫حا تزكو فيه الفطرة‪ ،‬وتتفتح أزهارها‪.‬‬ ‫وا صال ً‬ ‫ناشئ فيه ج ً‬
‫فأئمة الضلل حين يتولون التوجيه والتنشئة يصبغون الجيال بصبغتهم‪،‬‬
‫ّ‬
‫صلى‬ ‫ويشقى‪ ،‬وهذا مصداق لقوله َ‬ ‫ويوجهون بها إلى طريقهم؛ فيضل المجتمع‬
‫ل موُلود يول َد عََلى ال ْفط ْرة فَأ َبواه يهودان ِه أ َو ينصران ِه أوَ‬
‫ِ َ ِ َ َ ُ َُ ّ َ ِ ْ َُ ّ َ ِ ْ‬ ‫م‪] :‬ك ُ ّ َ ْ ٍ ُ ُ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ه[ رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫سان ِ ِ‬
‫ج َ‬ ‫م ّ‬ ‫يُ َ‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب الفتيان على العقيدة السليمة‪ ،‬ورسخت في نفوسهم العادات‬ ‫فإذا ش ّ‬


‫م‬‫الحميدة استحقوا أن يوصفوا بما وصف به أهل الكهف من قبلهم }‪...‬إ ِن ّهُ ْ‬
‫دى]‪]{[13‬سورة الكهف[‪.‬‬ ‫م هُ ً‬
‫م وَزِد َْناهُ ْ‬
‫مُنوا ب َِرب ّهِ ْ‬
‫ةآ َ‬
‫فِت ْي َ ٌ‬
‫إن أهل الكهف قد راعهم ما تردى فيه قومهم من الشرك بالله‪ ،‬فاعتزلوا‬
‫بهتانهم‪ ،‬ونجوا بأنفسهم حتى ل يصيبهم ذلك البلء‪ ،‬ول تتسرب إليهم تلك‬
‫الدواء‪ ،‬إنهم لجأوا إلى الكهف ينشدون من الله الرحمة‪ ،‬وأن يثبت قلوبهم‬
‫على اليمان به‪ ،‬ويهديهم بنور الحقيقة‪ ،‬ويفتح لهم أبواب المعرفة؛ ليبنوا‬
‫صا من أدران الوثنية‬ ‫دا خال ً‬
‫بسواعدهم الفتّية‪ ،‬وعزائمهم القوية مجتمًعا جدي ً‬
‫والشرك برب البرية‪.‬‬
‫والدعاة من الشباب المسلم يصنعون بإذن الله الخير للناس كلهم‪ ،‬فينقذون‬
‫العالم من الظلم الذي يعمهم‪ ،‬ومن المفاسد التي سرت بينهم إلى حد بعيد؛‬
‫حتى أصبح الناس منها في كرب عظيم‪.‬‬
‫والشباب المؤمن يملك القوة ويتحمل المسئولية مستجيًبا لمر ربه‪ ،‬ناشًرا‬
‫رحمته وعدله‪.‬‬
‫وأملنا أن يحقق هذا الشباب رسالة السماء‪ ،‬ويكسب العالم المن والصفاء‪،‬‬
‫ويعيش الناس في سعادة وهناء في ظل شريعة السلم السمحاء‪.‬‬
‫وأخيرا فهذه كلمة كتبتها موجزة‪ ،‬ولكن التربية السلمية تحتاج إلى دراسة‬
‫مستفيضة‪ ،‬أرجو الله تعالى أن يوفقني إلى القيام بها‪ ،‬فالعالم في حاجة‬
‫حة إليها‪ ،‬وستكون إن شاء الله الهادية له من الضلل والظلم‪ ،‬والمنقذة له‬ ‫مل ّ‬
‫من الغرق واللم‪.‬‬
‫من ‪':‬لمحة عن التربية السلمية' للدكتور‪ /‬محمد نغش ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫لمحة عن المرأة في السياق القرآني‬


‫بقلم ‪/‬عثمان الخميس‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫ط كان ََتا‬ ‫ت لو ٍ‬ ‫مَرأ َ‬ ‫ت ُنوٍح َوا ْ‬ ‫مَرأ َ‬ ‫فُروا ا ْ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫مث َل ل ِل ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ب الل ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫قال تعالى ‪َ } :‬‬
‫شْيئا وَِقي َ‬
‫ل‬ ‫ً‬ ‫ن اللهِ َ‬‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ي ُغْن َِيا عَن ْهُ َ‬ ‫َ‬
‫ما فَل ْ‬ ‫خان ََتاهُ َ‬ ‫ن فَ َ‬
‫َ‬ ‫حي ْ ِ‬‫صال ِ َ‬ ‫عَبادَِنا َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ت عَب ْد َي ْ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن إ ِذ ْ‬‫ت فِْرعَوْ َ‬ ‫مَرأ َ‬ ‫مُنوا ا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫مث َل ل ِل ِ‬ ‫ً‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ب الل ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫ن )‪ (10‬وَ َ‬ ‫خِلي َ‬ ‫دا ِ‬‫معَ ال ّ‬ ‫خل الّناَر َ‬ ‫اد ْ ُ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫جِني ِ‬ ‫مل ِهِ وَن َ ّ‬ ‫ن وَعَ َ‬ ‫ن فِْرعَوْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جِني ِ‬ ‫جن ّةِ وَن َ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫عن ْد َك ب َْيتا ِفي ال َ‬ ‫َ‬ ‫ن ِلي ِ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫َ‬ ‫ب اب ْ ِ‬ ‫ت َر ّ‬
‫ه‬
‫خَنا ِفي ِ‬ ‫ف ْ‬‫جَها فَن َ َ‬ ‫ت فَْر َ‬ ‫صن َ ْ‬ ‫ح َ‬‫ن ال ِّتي أ ْ‬ ‫مَرا َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫م اب ْن َ َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن )‪ (11‬وَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫قوْم ال ّ‬
‫ال َ ِ‬
‫ْ‬
‫ن )‪. [1]{(12‬‬ ‫قان ِِتي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ت َرب َّها وَك ُت ُب ِهِ وَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ت ب ِك َل ِ َ‬ ‫صد ّقَ ْ‬ ‫حَنا وَ َ‬ ‫ن ُرو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ة{]‪[2‬‬ ‫ن‬ ‫هي‬
‫َ َ ْ َ ِ َ ٌ‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ما‬‫ٍ ِ َ‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫الكريم‬ ‫القرآن‬ ‫في‬ ‫الساري‬ ‫المبدأ‬
‫والنفس تعم الرجل والمرأة ‪ ،‬تلك اليات الختامية من سورة التحريم تضع‬
‫جعلتا مثال للذين‬ ‫المرأة حيث يضعها عملها الذي كسبته ‪ ،‬فهناك امرأتان ُ‬
‫كفروا ‪ ،‬هما امرأة نوح وامرأة لوط ‪ ،‬لم يغن عنهما شيئا أنهما كانتا زوجين‬
‫لرجلين من عباد الله صالحين ‪ ،‬لنهما خانتا الزوجين ‪ ،‬فلم تستحقا إل أن‬
‫يقال لهما ‪ :‬ادخل النار مع الداخلين ‪.‬‬
‫جعلتا مثال للذين آمنوا ‪ ،‬هما امرأة فرعون ومريم‬ ‫ثم هناك امرأتان أخريان ُ‬
‫ابنة عمران‪ ،‬حيث سألت الولي ربها أن يجعل لها بيتا في الجنة ‪ ،‬وينجيها من‬
‫زوجها فرعون وعمله ‪ ،‬ومن القوم الظالمين ‪ ،‬وحيث أحصنت الثانية فرجها‪،‬‬
‫حتى استحقت أن ينفخ الله فيها من روحه ‪ ،‬وكانت من القانتين ‪.‬‬
‫فالمرأة في القرآن إن فسدت كانت مثل للذين كفروا ‪ ،‬وان صلحت كانت‬
‫مثال للذين آمنوا‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫منتهى العدل والنصاف والمساواة في إحلل المرأة محلها ‪ ،‬ووضعها موضعها‬


‫‪ .‬ويغيب العدل والنصاف والمساواة إذا نظرنا إلى واحد فقط من المرين‬
‫السابقين ‪.‬‬
‫نضل إذا نظرنا إلى الشق الول وحده ‪ ،‬فجعلنا منها مثال للشر ‪ ،‬ونضل إذا‬
‫نظرنا إلى الشق الثاني وحده‪ ،‬فجعلنا منها مثال للخير‪.‬‬
‫ضربت مثال للذين كفروا فكفي المرأة شرفا‬ ‫وإذا كانت المرأة الفاسدة قد ُ‬
‫وتكريما أنها ضربت مثال للذين آمنوا إذا صلحت ‪ ،‬والعكس صحيح ‪.‬‬
‫فهذه مكانة لم يذكرها القرآن الكريم للرجل واختص بذكرها المرأة المؤمنة‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫الصالحة‪ ،‬وإن كانت بمقتضى وحدة المبدأ يعم المرأة والرجل } ب َعْ ُ‬
‫ض {]‪. [3‬‬ ‫ب َعْ ٍ‬
‫شأ في الحلية وهو في‬ ‫من ين ّ‬ ‫كان ذلك في بالي وأنا أقرأ الية الكريمة " أو َ‬
‫شأ في الزينة‬ ‫الخصام غير مبين " إذ شاع وذاع أن المرأة في هذه الية تن ُ ّ‬
‫ونعومة العيش‪ ،‬فيورثها ذلك هشاشة وضعفا ‪ ،‬إذا خوصمت ل تقوى على‬
‫إقامة دعوى ‪ ،‬ول تقرير حجة ‪ ،‬وإذا احتاج المر إلى امتشاق الحسام لم تغن‬
‫غناء الرجل ولم تسد مسده‪ ،‬تجد ذلك في القرآن الجليل للمام النسفي وما‬
‫ل أحصي من كتب التفسير‪ .‬لكن في أوضح التفاسير لمؤلفه ابن الخطيب‬
‫إشارة واضحة إلى الرأي الذي تبنيناه ‪ ،‬وفي ظلل القرآن لمؤلفه السيد‬
‫قطب إشارة لمحة إليه ‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬ترى هل تعبر هذه الية عن رأي القرآن في المرأة ؟ لنقرأ هذه الية‬
‫في سياقها القرآني ‪ ،‬ووجدت السياق يقدم هذه الية على النحو التالي ‪:‬‬
‫ق‬
‫خل ُ‬‫ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫ن )‪ (15‬أ َم ِ ات ّ َ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫فوٌر ُ‬ ‫ن ل َك َ ُ‬ ‫سا َ‬ ‫ن اْل ِن ْ َ‬ ‫جْزءا ً إ ِ ّ‬ ‫عَبادِهِ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫جعَُلوا ل َ ُ‬ ‫}وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مث َل ً ظ ّ‬
‫ل‬ ‫ن َ‬ ‫م ِ‬‫ح َ‬ ‫ب ِللّر ْ‬ ‫ضَر َ‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫حد ُهُ ْ‬ ‫شَر أ َ‬ ‫ن )‪ (16‬وَإ َِذا ب ُ ّ‬ ‫م ِبالب َِني َ‬ ‫فاك ُ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ت وَأ ْ‬ ‫ب ََنا ٍ‬
‫صام ِ غَي ُْر‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن ي ُن َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫خ َ‬ ‫حلي َةِ وَهُوَ ِفي ال ِ‬ ‫شأ ِفي ال ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م )‪ (17‬أوَ َ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫سوَد ّا وَهُوَ ك ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫جهُ ُ‬ ‫وَ ْ‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ن إ َِناثا أ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫قهُ ْ‬ ‫خل َ‬ ‫دوا َ‬ ‫شهِ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫عَباد ُ الّر ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ال ِ‬ ‫ملئ ِك َ‬ ‫جعَلوا ال َ‬ ‫ن )‪ (18‬وَ َ‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ما لهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ما عَب َد َْناهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ُ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ء‬
‫َ‬ ‫شا‬ ‫ْ‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫لوا‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪19‬‬ ‫)‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ألو‬ ‫س‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫و‬
‫َ ُ َ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫د‬ ‫ها‬ ‫ش‬ ‫ب‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫س‬
‫َ‬
‫ً‬ ‫خرصون )‪ (20‬أ َ‬ ‫ّ‬
‫ه‬
‫م بِ ِ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ فَهُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫تاب‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫آ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫عل ْم ٍ إ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ب ِذ َل ِ َ‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫دو َ‬ ‫مهْت َ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫مةٍ وَإ ِّنا عََلى آَثارِهِ ْ‬ ‫جد َْنا آَباَءَنا عََلى أ ّ‬ ‫ل َقاُلوا إ ِّنا وَ َ‬ ‫ن )‪ (21‬ب َ ْ‬ ‫كو َ‬ ‫س ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جد َْنا‬ ‫ها إ ِّنا وَ َ‬ ‫مت َْرفو َ‬ ‫ذيرٍ إ ِل قال ُ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن قب ْل ِك ِفي قْري َةٍ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سلَنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫)‪ (22‬وَكذ َل ِك َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪. [4]{(23‬‬ ‫دو َ‬ ‫قت َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫مةٍ وَإ ِّنا عَلى آثارِهِ ْ‬ ‫آَباَءَنا عََلى أ ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين‬ ‫لقد وردت الية الكريمة " أوَ َ‬
‫" في سياق الحديث عمن يتحدثون عن الملئكة ويجعلونهم إناثا ‪ ،‬وهي قضية‬
‫مثارة في القرآن الكريم في عدة سور ‪ ،‬للكفار فيها موقفان متناقضان ‪،‬‬
‫م ِباْل ُن َْثى ظ َ ّ‬ ‫فهم من ناحية }وإَذا ب ّ َ‬
‫م )‪(58‬‬ ‫ظي ٌ‬‫سوَد ّا ً وَهُوَ ك َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ه ُ‬
‫جهُ ُ‬ ‫ل وَ ْ‬ ‫حد ُهُ ْ‬ ‫شَر أ َ‬ ‫َِ ُ‬
‫ه ِفي‬ ‫س‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫م‬‫هون أ َ‬ ‫لى‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ي‬‫شر به أ َ‬ ‫ّ‬ ‫ب‬ ‫ما‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫سو‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٍ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫قوْم ِ ِ‬ ‫م َ‬
‫واَرى ِ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫ن )‪.{(59‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مو َ‬‫حك ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬
‫ساَء َ‬ ‫ب أل َ‬ ‫الت َّرا ِ‬
‫أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ؟ كما عبر السياق القرآني في سورة‬
‫ة اْل ُن َْثى{]‬‫مي َ َ‬
‫س ِ‬‫النحل ]‪ ، [5‬وهم مع ذلك من ناحية أخرى يسمون الملئكة }ت َ ْ‬
‫‪ ، [6‬ويعتقدون أن لهم الذكر ولله النثى ]‪ ، [7‬وأن الله ـ سبحانه ـ اتخذ‬
‫الملئكة إناثا وأصفاهم بالبنين ؟ ]‪ [8‬خلق الملئكة إناثا وهم شاهدون ؟‍ ]‪[9‬‬
‫وهذا التناقض في معتقداتهم معيب من نواح مختلفة ‪ ،‬معيب لنه إذا كانت‬
‫النثى في زعمهم مما يسوء ويسود ّ له وجه المرء إذا بشر به حتى ليتوارى‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من القوم من سوء ما بشر به ‪ ،‬ويكون موقف المرء حياله إما إن يمسكه‬
‫على هون ‪ ،‬أو يدسه في التراب ‪ .‬إذا كانت النثى كذلك في زعمهم فلماذا‬
‫يجعلون الملئكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ويسمونهم تسمية النثى ؟ فإذا‬
‫كانوا يوقرون إلههم فلم يجعلون ملئكته من الجنس الذي يرون فيه هذا‬
‫الرأي ؟‬
‫وموقفهم معيب إذن لنه يدل على أنهم اختاروا لنفسهم ما تبيض له وجوههم‬
‫واختاروا لربهم ما تسود له وجوههم ‪.‬‬
‫وموقفهم معيب كذلك لنهم لم يشهدوا خلق الملئكة ومع ذلك قالوا ما قالوا‬
‫حتى ليسجل القرآن عليهم ذلك ‪ " :‬وجعلوا الملئكة الذين هم عباد الرحمن‬
‫إناثا‪ ،‬أشهدوا خلقهم‪ ،‬ستكتب شهادتهم ويسألون " ‪.‬‬
‫وموقفهم معيب كذلك لن هذا الموضوع من السمعيات التي ل يجوز الحديث‬
‫فيها بالرأي ‪ ،‬إذ ل مرجع للمتحدثين فيها إل أن يكون قد نزل فيها كتاب‬
‫سماوي يستمسكون به ‪ ،‬وما داموا ليس معهم هذا الكتاب ‪ ،‬فهم يتحدثون‬
‫في أمر ليس لهم به من علم ‪ ،‬إن هم إل يخرصون ويظنون‪ ،‬وهم في حقيقة‬
‫المر يرددون ما قاله آباؤهم من ضللت ل مرجع لهم فيها إل أوهام وظنون‬
‫رددها أسلفهم ‪ ،‬شأن الكافرين يكفرون ويقولون ‪ :‬بل نتبع ما ألفينا عليه‬
‫آباءنا وإنا على آثارهم مقتدون مهتدون ‪ ،‬أو لو كان آباؤهم ل يعقلون شيئا ول‬
‫يهتدون ؟‬
‫من ينشأ في الحلية وهو في‬ ‫في سياق هذه القضية وردت الية الكريمة " أوَ َ‬
‫الخصام غير مبين " وواضح من السياقات العامة لهذه القضية ومن السياق‬
‫الخاص في سورة الزخرف أن الية تعبر عن رأي الكافرين في المرأة ل عن‬
‫رأي القرآن الكريم فيها ‪ ،‬فهي امتداد يبين الفكرة عن المرأة في البطانة‬
‫الفكرية والنفسية لهؤلء الذين إذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثل ظل‬
‫وجهه مسودا وهو كظيم ‪ ،‬فمن بطانته الثقافية أن المرأة مخلوق ل يصلح‬
‫للنصرة ول يغني في مواقف الجد والخصام ‪ ،‬لنه منشأ في الحلية ‪ ،‬وهي‬
‫أسباب فاسدة لوأد البنات ‪ ،‬يحكي القرآن موقفهم ويسوق ما يتردد في‬
‫أذهانهم وأفئدتهم من الفكار والمشاعر التي تمثل خلفية فكرية لهذا الموقف‬
‫‪ ،‬وهو موقف عرفنا أنه ل يستند إلى كتاب يرجع إليه ‪ ،‬ول إلى منطق سديد‬
‫يعتمد عليه ‪.‬‬
‫تتبارى العقول في فهم النص الكريم‪ ،‬ويظل القرآن أسمى‪.‬‬
‫) ‪ ( 1‬التحريم ‪ :‬اليات ‪ 10‬ـ ‪. 12‬‬
‫) ‪ ( 2‬المدثر ‪ :‬الية ‪. 38‬‬
‫) ‪ ( 3‬آل عمران ‪ :‬الية ‪. 195‬‬
‫) ‪ ( 4‬الزخرف ‪ :‬اليات ‪. 23-15‬‬
‫) ‪ ( 5‬النحل ‪ :‬اليتان ‪. 59-58‬‬
‫) ‪ ( 6‬النجم ‪ :‬الية ‪. 27‬‬
‫) ‪ ( 7‬النجم ‪ :‬الية ‪. 21‬‬
‫) ‪ ( 8‬السراء ‪ :‬الية ‪. 40‬‬
‫) ‪ ( 9‬الصافات ‪. 50 :‬‬
‫موقع الشيخ حامد العلي‬
‫‪http://www.almanhaj.com/article.php?sid=140&mode=thread&order=0‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لمحة موجزة ووقفات مع قضّية فلسطين‬


‫بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي‬
‫ل العجب حين أرى الّناس يفاجؤون بمواقف أمريكا‪ ،‬في المدة‬ ‫بك ّ‬ ‫أعج ُ‬
‫دم‬
‫ّ‬ ‫المق‬ ‫المشروع‬ ‫على‬ ‫التصويت‬ ‫ضد‬ ‫ووقوفها‬ ‫فلسطين‪،‬‬ ‫قضية‬ ‫من‬ ‫الخيرة‬
‫من قبل الدول العربية إلى مجلس المن الدولي لدانة إسرائيل في المجازر‬
‫الخيرة‪ ،‬ومنحها لشارون كتاب الضمانات التي يرغبها‪ ،‬وإعلن ذلك على‬
‫العالم ! أعجب وأتساءل ‪ :‬ما هو الجديد في مواقفها وما الذي يثير‬
‫الدهشة ؟!‬
‫موقف أمريكا موقف واضح صريح منذ عشرات السنين‪ ،‬يتبناه جميع رؤساء‬
‫الوليات المتحدة منذ أن بدأ زحف اليهود على فلسطين‪.‬‬
‫لقد أعلن جميع وزراء خارجية الدول الغربّية بعد إعلن قيام دولة اليهود في‬
‫ن إسرائيل وجدت لتبقى " ! وتوالت‬ ‫فلسطين تصريحا ً أجمعوا عليه ‪ " :‬إ ّ‬
‫التصريحات منذ سنة ‪1948‬م على القل تردد وتؤكد هذه المعاني‪.‬‬
‫ولماذا أقّر العالم انتداب بريطانيا على فلسطين ؟! لقد كان النتداب وإقراره‬
‫إقرارا ً وتنفيذا ً دوليا ً لوعد بلفور‪ ،‬إقرارا ً برعاية كيان اليهود في فلسطين‬
‫وتوفير الحماية المتواصلة له‪ ،‬ولقد كان سلوك النتداب البريطاني في‬
‫فلسطين مدة النتداب واضحا ً جليا ً في دعمه القوي لليهود وخنقه لمحاولت‬
‫الفلسطينيين في مقاومة ذلك‪ .‬واستمّر النتداب بسياسته الظالمة دون أن‬
‫يجد أي يقظة حقيقية من العالم العربي أو السلمي كله‪ ،‬والنذر في الفاق‬
‫مدوّية‪.‬‬
‫ً‬
‫ألم يكن ذلك كله كافيا لينذر بما هو مقبل على العالم العربي والسلمي ؟!‬
‫ولقد حاول أهل فلسطين منذ أوائل الغزو الصهيوني نقل القضّية لتأخذ‬
‫صورتها الحقيقة كقضّية إسلمية في أيدي العالم السلمي كله والمة‬
‫المسلمة كلها‪ .‬ولكن جميع الجهود فشلت لهوان الستجابة من ناحية وشدة‬
‫ضغط القوى المعادية داخليا ً وخارجي ًّا‪.‬‬
‫ولما انتهى النتداب وقامت دولة اليهود‪ ،‬وأعلن أهل فلسطين " حكومة‬
‫ذلت تلك الحكومة ونشطت دولة اليهود في رعاية‬ ‫خ ِ‬‫عموم فلسطين "‪ ،‬و ُ‬
‫ً‬
‫دولية حانية لم يجد أهل فلسطين مثيل لها من أهلهم وإخوانهم‪.‬‬
‫كان رأي أهل فلسطين آنذاك أن يتوّلوا هم القتال في فلسطين‪ ،‬وأن ل‬
‫تدخل جيوش الدول العربّية‪ ،‬وأن تقام معسكرات للتدريب على جميع‬
‫ن جامعة الدول‬ ‫من لهل فلسطين التدريب والسلح والمال‪ ،‬ولك ّ‬ ‫الحدود‪ ،‬ويؤ ّ‬
‫العربّية آنذاك رفضت هذا الحل وأصّرت على دخول الجيوش العربّية‪ ،‬فكان‬
‫ما حدث!‬
‫وامتدت الحداث وتطورت حتى صدر تصريح جمال عبد الناصر سنة ‪1964‬م‪،‬‬
‫يعلن فيه قيام منظمة التحرير وبناء جيش لها لتنفيذ مقررات هيئة المم‬
‫المتحدة‪ .‬فكان ذلك إعلنا ً صريحا ً بقبول الكيان الصهيوني وبالتنازل عن قسم‬
‫من فلسطين له‪ ،‬والمطالبة بقيام دولة للفلسطينيين حسب قرارات‬
‫التقسيم‪.‬‬
‫ن " مناحم بيجن " رفض في مؤتمر كامب ديفيد التنازل عن أي شبر من‬ ‫ولك ّ‬
‫فلسطين‪ ،‬وقال إنهم صبروا آلف السنين حتى يعودوا إلى " أرضهم "‪ ،‬فلن‬
‫يتنازلوا عنها‪ .‬ولكن يمكن منح الفلسطينيين سلطة داخلية في بقعة من‬
‫الرض يتولون فيها شؤون الصحة والمعارف وأمثال ذلك تحت إشراف‬
‫إسرائيل‪ ،‬دون أن يكون لهم جيش أو وزارة خارجّية‪ .‬وكان ذلك بحضور "‬
‫كارتر " و " أنور السادات " و " مناحم بيجن " و " موشى دايان " و " حسن‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التهامي "‪.‬‬
‫وانحصرت مطالبة العرب والمسلمين بعد ذلك بدولة فلسطين على جزء من‬
‫فلسطين‪ .‬واخذ الصراع يدور حول ذلك‪ .‬ولم يكن ذلك موقف الدول العربّية‬
‫وحدها‪ ،‬وإنما أصبح مطلب بعض الدعاة المسلمين‪ ،‬ومطلب الحركات‬
‫طي هذا التنازل وهذا المطلب بمعارك واصطدامات مع‬ ‫الفلسطينية‪ .‬وكان ُيغ ّ‬
‫اليهود تجلب تأييد الرأي العام وعطفه على الذين يتبّنون القضية آنذاك‪ ،‬دون‬
‫أن يسأل أحد ما هي الخطة وما هو الهدف وما هي المكانات والوسائل!‬
‫وكثرت الشعارات ودّوت في العالم العربي تعلن تحرير فلسطين من الشمال‬
‫إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب‪ .‬وفي هذه اللحظات تكّرس مبدأ‬
‫المناداة بالدولة الفلسطينية‪ ،‬وحق الفلسطينيين بالقتال من أجل ذلك‪ ،‬ثم‬
‫تأكد ذلك بالمناداة بحق تقرير المصير للفلسطينيين‪ ،‬مناداة واسعة شملت‬
‫العالم العربي كله والسلمي‪ ،‬والمستويات المختلفة‪.‬‬
‫وأصبحت القضّية قضّية الفلسطينيين عملي ًّا‪ ،‬وقَِبل الفلسطينيون ذلك‪ ،‬وهبت‬
‫المنظمات الفلسطينية المختلفة لتتوّلى مجابهة إسرائيل‪.‬‬
‫عندما كانت إسرائيل ضعيفة سنة ‪1948‬م‪ ،‬والفلسطينيون في أرضهم‬
‫ح لهم بأن يتوّلوا قضيتهم‪ .‬ولما قويت إسرائيل وأصبحت لها‬ ‫سم ْ‬‫وديارهم‪ ،‬لم ي ُ ْ‬
‫ترسانة أسلحة جبارة ترهب من حولها‪ ،‬وتقف معها دول العالم وقفة المدد‬
‫والدعم الكامل‪ ،‬في هذه المرحلة والفلسطينيون كثير منهم في شتات‪،‬‬
‫ُأحيلت القضية إليهم ليتوّلوا هم وحدهم حقيقة القتال مع إسرائيل مع مدد‬
‫من الدول العربّية مال ً وسلحا ً وشجبا ً وشكوى‪ ،‬واستغاثة واستنجادا‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫خروا عن ميدان القتال‪ ،‬فكيف‬ ‫وكأنما غسل الكثيرون أيديهم من القضية‪ ،‬وتأ ّ‬
‫قبل الفلسطينيون ذلك ؟! هل كان لهم خطة ونهج يكفل تحقيق الشعارات‬
‫دوي ؟! هل توافرت لديهم المكانيات الحقيقة للوصول إلى جوهر‬ ‫التي ت ّ‬
‫الشعارات والهداف المعلنة ؟! ما هي القوى الخفية التي كانت تدفع إلى‬
‫ذلك ؟!‬
‫عندما قبل الفلسطينيون أن يتناولوا القضّية بأنفسهم وحدهم ماذا كان لديهم‬
‫من المكانات البشرية والعسكرية‪ ،‬والخطة التي تقود إلى الهدف‪ ،‬أمام دولة‬
‫اليهود التي تمثل ترسانة أسلحة أرهبت كثيرًا‪ ،‬وأمام دعم دولي كامل لها‪،‬‬
‫وأمام صف واحد متراص معها‪ ،‬والمسلمون ممّزقون في هوان وضعف‪،‬‬
‫والفلسطينيون أنفسهم فئات وشعارات تتصارع‪ .‬فمن الفلسطينيين من أعلن‬
‫أن منظمة التحرير اقرب المقّربين لهم بالرغم من علمانيتها‪ ،‬فإذا تخّلت‬
‫المنظمة عن علمانيتها كانوا جنودها التي تحترق من أجلها‪.‬‬
‫ومضت السنون وفصائل الفلسطينيين باتجاهاتها الفكرية المتناقضة بين‬
‫ق آني‪ ،‬وشعارات تنذر بالويل والثبور لليهود‪ ،‬ولم ينهض أحد‬ ‫صراع داخلي وتل ٍ‬
‫ت‬ ‫ُ‬
‫من المة كلها ليسأل ‪ :‬ما هو الهدف الني وما هو الدرب والخطة التي أعد ّ ْ‬
‫ل إلى الهدف ؟! ولم ينهض أحد من المة لينصح ويعين على تحديد‬ ‫لتوص َ‬
‫الهدف والدرب الذي يوصل إلى الهدف من خلل ما ُيعلن من عقائد وفكر‪.‬‬
‫ولم ينهض أحد لينصح المسيرة لتتجّنب الخلل والنحراف والزلل‪.‬‬
‫ل ضجة‬ ‫دم اليهود شيئا ً فشيئا ً مع ك ّ‬‫جت الشعارات ! ومن خلل الضجيج تق ّ‬ ‫ض ّ‬
‫و َ‬
‫وصيحة ؟!‬
‫وأتساءل ما هي الدولة التي يريدون قيامها ويقاتلون من اجلها إذا كان اليهود‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قادرين على حجز رئيس الدولة في غرفة‪ ،‬وإذا كان اليهود قادرين على دخول‬
‫أي قطعة من الرض ليقتلوا ويدمروا ويحرقوا الرض ويهلكوا الحرث والنسل‬
‫في أيّ وقت شاؤوا‪ ،‬ول تجد في العالم كله أحدا ً يردعها ؟؟؟!! ما هي هذه‬
‫حَلم بقيامها‪ ،‬وما وجدواها وما قُ ّ‬
‫وتها ؟؟؟‬ ‫الدولة وكيف ي ُ ْ‬
‫هذه هي العراق أصبحت بحرا ً من الدماء والشلء‪ ،‬وانقطاع الماء والكهرباء‬
‫والتدمير الممتد الشامل‪ .‬وما يجري الن في العراق خطوة خطوة وما تفعله‬
‫أمريكا ‪ ،‬هو نفسه ما َيفعله اليهود في فلسطين‪.‬‬
‫جر‪ ،‬وصمت المسلمين‬ ‫وهذه هي أفغانستان ! والزحف ممتد والدماء تتف ّ‬
‫مذهل مرعب مخيف !‬
‫إذا تتبعنا تاريخ قضية فلسطين تبرز أمامنا حقائق هامة‪ .‬أولها أن الغرب الذي‬
‫تبّنى دعم اليهود وبناء دولة لهم في فلسطين كان ينطلق من نهج وخطة‬
‫ل خطوة بسابقتها وتمهد للخطوة اللحقة‪،‬‬ ‫يمضون بها على مراحل‪ ،‬تربط ك ّ‬
‫من خلل تصورات مادية استفادت من سنن الله في الحياة دون أن يؤمنوا‬
‫بأنها سنن لله‪ ،‬فارتبطت هذه القضّية بما سبقها من أحداث‪ ،‬كانهيار الخلفة‬
‫وتمزق العمل السلمي والعالم السلمي‪ ،‬وساهمت من ناحية أخرى في‬
‫فذت في العالم العربي والسلمي‪.‬‬ ‫المكائد التي تلت ون ُ ّ‬
‫إذن نستطيع أن نقول إن هناك جبهتين ‪ :‬جبهة الغرب المتضامن والمّتحد‬
‫خ ّ‬
‫طتها‬ ‫حول ما أقّروه من هدف كبير لهم ل يختلفون عليه‪ ،‬وهي جبهة وضَعت ُ‬
‫ومراحلها للهدف الكبير الذي تسعى إليه منذ زمن بعيد‪ ،‬ومضت في تنفيذه‪.‬‬
‫ة متضاربة المصالح‪ .‬وهي تمضي من خلل تفككها‬ ‫ككة ممّزقَ ٌ‬ ‫وجبهة أخرى مف ّ‬
‫دون نهج جامع ول خطة توصل إلى الهداف المعلنة‪ .‬والجبهة الولى وّفرت‬
‫المكانات المادية لها وجمعت أسباب القوة‪ ،‬ووضعت ثروتها في بناء هذه‬
‫ككها بزخرف‬ ‫سطت على ثروات غيرها‪ .‬والجبهة الثانية غرقت في تف ّ‬ ‫القوة وَ َ‬
‫الحياة الدنيا ولهوها ولعبها وبعثرت قواها وثرواتها‪ ،‬فإذا تلقت الفئتان فما هي‬
‫النتيجة ؟!‬
‫لذلك نرى أنه إذا التقت فئتان ‪ :‬فئة لها نهجها وخطتها التي تجتمع عليها‬
‫وتعمل بها‪ ،‬وفئة ل خطة لها توصلها إلى ما تعلن من أهداف‪ ،‬فإن الفئة‬
‫الولى تكون قادرة على تحويل جهود الفئة الثانية لصالحها‪.‬‬
‫والسؤال الذي يثور هنا ‪ :‬ما هو الهدف الكبير الذي جمع الجبهة الولى فالتقوا‬
‫عليه‪ ،‬مع ما يثور بينهم من تنافس ونزاع على اقتسام الغنائم ؟!‬
‫خلل القرنين الخيرين بذل العالم السلمي كثيرا ً من الدم والمال‪ ،‬فلماذا ل ْ‬
‫م‬
‫يجنوا إل الهزائم والخسران ؟!‬
‫لقد تبّنت فرنسا أول ً النشاط الصهيوني في أول ظهوره‪ ،‬ثم تبّنته إنكلترا ثم‬
‫عمه في هذا المر وفي سواه أمريكا‪ .‬إذن هناك‬ ‫أمريكا‪ ،‬ثم الغرب كله‪ ،‬يتز ّ‬
‫أمر كبير يسعون إليه‪.‬‬
‫يقول " نيكسون " رئيس أمريكا السابق في كتابه " نصر بل حرب "‪ ،‬يقول‬
‫دى سكانها اليابان باعتبارهم‬ ‫عن إسرائيل " هي المة الوحيدة التي يتح ّ‬
‫الفضل تعليمًا‪ .‬لقد بهرت إسرائيل العالم كله بما أنجزته خلل أربعين سنة‬
‫من السلم‪(1).‬‬
‫ويقول كذلك في الكتاب نفسه " إن علقتنا مع إسرائيل أكبر بكثير من قضية‬
‫معاهدة‪ ،‬إنه التزام ثابت من الوليات المتحدة‪ ،‬وعلى كل رئيس جمهورية‬
‫قادم أن يدرك أن من أهم مسؤولياته حماية إسرائيل ودعمها "‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويقول " دان كويل " نائب الرئيس المريكي سابقا ً رد ّا ً على بعض السئلة ‪:‬‬
‫"إن دولة إسرائيل مهمة وأنا أعتبر نفسي صهيونيًا‪ ،‬واعتقد أن عددا ً كبيرا ً من‬
‫الموجودين هنا يعتبرون أنفسهم كذلك "‪ .‬وقال ‪ :‬يجب النظر إلى الرئيس‬
‫بوش على أنه صديق قوي وداعم لسرائيل‪ ،‬ولننظر إلى السجل "‪ .‬وأخذ‬
‫دد خدمات بوش لسرائيل‪ ،‬وكل واحدة طعنة كبيرة في قلب العالم‬ ‫يع ّ‬
‫السلمي‪ .‬وقال ‪ " :‬إن إسرائيل هي أكثر حليف يمكننا العتماد عليه في‬
‫المنطقة‪(2)" ...‬‬
‫وفي الكتاب الخير لنكسون ‪ " :‬اغتنام الفرصة "‪ ،‬يقول ‪ " :‬إن مصالح أمريكا‬
‫القتصادية محور علقتنا مع ألمانيا وأوروبا وآسيا والعالم كله‪ ،‬وعلى العالم‬
‫كله أن يخدم مصلحة أمريكا ليكون جزءا ً من النظام العالمي الجديد ")‪(3‬‬
‫ل هي المنطقة‬ ‫ويقول نيكسون كذلك ‪ ..." :‬ولكن منطقة الشرق الوسط تظ ّ‬
‫الكثر احتمال ً للنفجار في العالم كله‪ ،‬مهد الحضارة الذي يمكن أن يغدو‬
‫مقبرتها ")‪(4‬‬
‫في قضية فلسطين ثارت الشعارات المختلفة من وطنية وقومية وإقليمية‬
‫وإسلمية وحزبية‪ .‬تلتقي بعض الفئات فيما بينها على تناقض مبادئها حينا‬
‫وحينا ً تنفصل ‪ ,‬تجري المجازر الرهيبة على أرضها سنين طويلة والعالم كله‬
‫يتطلع ل يبدي حراكًا‪ .‬تلقي إسرائيل بكل قرارات مجلس المن وهيئة المم‬
‫ه هذا الصف الدولي المتحد‬ ‫المتحدة وراء ظهرها‪ ،‬غير مبالية ! أُيعقل أن يجاب َ َ‬
‫بشعارات متضاربة في الشعب الفلسطيني وحده ؟! كيف رضي المسلمون‬
‫بذلك ! وأصبح القول بأن فلسطين إسلمّية شعارا ً ل يجد له رصيدا ً في الواقع‬
‫! ُيعَلن في قلب هيئة المم المتحدة المطالبة بدولة عثمانية ! حتى هذا‬
‫يرفض ! وكلما أمعن المسلمون في التنازلت‪ ،‬أمعن المجرمون بزيادة‬
‫المطامع والجرائم والذلل !‬
‫جة تبتلع‬ ‫لض ّ‬ ‫في سنة ‪1948‬م كانت المساحة لسرائيل محدودة‪ ،‬ومع ك ّ‬
‫مساحة جديدة‪ ،‬حتى أصبحت تتحكم فيمن يدخل المسجد القصى ليصلي‬
‫ن‬
‫مر في أي جزء من فلسطين‪ ،‬كأ ّ‬ ‫فيه‪ ،‬وحتى أصبحت تدخل وتقتل وتد ّ‬
‫فلسطين كلها أصبحت عمليا ً تحت نفوذهم وسلطانهم !‬
‫لم يحدث أن نادى المسلمون في المحافل الدولية بأن فلسطين هي حق‬
‫السلم والمسلمين في جميع العصور‪ .‬ولكن دّوى اليهود في كل محفل‬
‫قهم الديني الكاذب في فلسطين ! كذبوا وكذبوا حتى صدقهم الناس‪،‬‬ ‫بح ّ‬
‫ور الوطني أو القليمي أو القومي عملي ّا ً في‬ ‫ولجأنا نحن يوما ً إلى التص ّ‬
‫ي يصنع الشعارات‪ .‬ولم تنزل المة المسلمة إلى‬ ‫الساحة مع طلء ِإسلم ّ‬
‫معركة فلسطين‪ ،‬لم ينزل السلم بأمته التي بناها محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ولكن نزلت القومّية والوطنية ‪:‬‬
‫ل الذي يجري على الساح ضائع‬ ‫فك ّ‬
‫مة أحمد ‪... ...‬‬ ‫إذا لم تقم في الرض أ ّ‬
‫وكذلك ‪:‬‬
‫ودمائي تموج فيها النجود‬
‫ل تقل لي سياسة وسلم‬
‫ل إلى الوراء ن َُعود ُ‬ ‫ألف مي ٍ‬
‫ل بضٍع من السنين ترانا‬ ‫ك ّ‬
‫لمزيد ٍ وما كفاه المزيد ُ‬
‫وعدّوي أراه يقفز قفزا ً‬
‫وعدّوي له شعار وحيد ُ‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كل يوم ُنعلي ونرمي شعارا ً‬


‫ٍ‬
‫ل حزب بما لديه سعيد ُ ‪...‬‬ ‫ك ّ‬
‫وخطانا على الطريق شتات‬
‫وكذلك ‪:‬‬
‫ل!‬ ‫ليس الذي ! يا ويل من لم ي َْعد ِ‬
‫ل يقول أنا الذي‪ ،‬فإذا الذي‬ ‫ك ّ‬
‫‪... ...‬‬
‫‪... ...‬‬
‫وكذلك ‪:‬‬
‫دل ‪...‬‬ ‫مج ّ‬ ‫ت ومن صريٍع في الدّيار ُ‬ ‫ـ ِ‬
‫متي ! كم من دماء قَد ْ صب َْبـ‬ ‫يا أ ّ‬
‫خلي ‪...‬‬ ‫م ت َب ْ َ‬‫مِعها ؟! ل ْ‬‫ن الّنزال وج ْ‬ ‫دي ِ‬
‫ي على ميا‬ ‫ف السخ ّ‬ ‫ت بالك ّ‬ ‫جد ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ك ْ‬
‫ل‬
‫جزِ ِ‬‫جنى العطاِء الم ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ل! أي ْ َ‬‫ن تطو ُ‬ ‫ـ َ‬
‫ت مع السنيـ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫يا أمتي ! مهل ! بذل ِ‬
‫ت لتسألي‬ ‫إل الهزائم ؟! هل وقف ِ‬
‫‪...‬‬
‫م بعد ذلك لم نجد‬ ‫يا أمتي ! ل َ‬
‫ئم والقوارع ؟! فانظري وتأملي‬
‫‪...‬‬
‫هل ّ وقفت لتسالي سبب الهزا‬
‫ب أنفسنا‬
‫س ُ‬
‫ف وقفة إيمانّية نحا ِ‬
‫ق َ‬‫اليوم‪ ،‬مع الهزائم والهوان‪ ،‬يجب أن ن َ ِ‬
‫ونكشف أخطاَءنا ونعالجها‪ .‬لقد امتدت المعركة واّتسع الميدان ليكشف لنا‬
‫فذ في مراحلها ‪ :‬بين تخدير وإغراء‪ ،‬وفتنة ومجازر‬ ‫المعالم خطة مرسومة تن ّ‬
‫تتسع وتمتد‪ .‬لم تعد قضّية فلسطين هو وحدها الميدان ! أصبحت أرض‬
‫السلم كلها يزحف عليها الخطر الداهم والقوارع الصاعقة ن فهل من وقفة‬
‫إيمانّية ؟! هل من محاسبة للنفس ؟! وإل ّ فانتظروا ما هو أدهى وأمر‪ ،‬عقابا ً‬
‫من عند الله على ما كسبته أيدينا‪.‬‬
‫ن الن الهدف الكبر الذي يجتمع عليه أعداء الله ؟!‬ ‫فهل َبا َ‬
‫)‪ (1‬كتاب " نصر بل حرب " ص ‪.292 :‬‬
‫)‪ (2‬صحيفة الحياة اللندنية العدد ‪ 10673‬ـ ‪ 27‬شوال ‪1412‬هـ الموافق ‪29‬‬
‫نيسان ‪1992‬م‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيفة الشرق الوسط في حلقات ابتدأت في ‪19‬كانون ‪1991‬م‪.‬‬
‫)‪ (4‬كتاب " نصر بل حرب " ص ‪.284 :‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫لمن نتبرع في العراق ؟!‬


‫الحمد لله على نعمائه ‪ ،‬و الصلة و السلم على نبيه محمد و صحبه و آله ‪ ،‬و‬
‫بعد ‪...‬‬
‫فينبغي للمسلم أن يجود بنفسه و ماله في نصرة إخوانه ‪ ،‬و أن يكون في‬
‫ً‬
‫حاجة أخيه المسلم حيثما كان ‪ ،‬و كلما احتاج إليه ‪ ،‬أو استصرخه مستنصرا ‪،‬‬
‫ل فرق في ذلك بين العراق و غيره ‪.‬‬
‫سولَ‬‫ن َر ُ‬
‫مَر رضي الله عنهما أ ّ‬
‫ن عُ َ‬ ‫ّ‬
‫ففي الصحيحين و غيرهما عن عَب ْد َ اللهِ ب ْ َ‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ه وَ ل َ‬ ‫م ُ‬‫سل ِم ِ ل َ ي َظ ْل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫خو ال ْ ُ‬‫م أَ ُ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ‪ » :‬ال ْ ُ‬ ‫الل ّهِ صلى الله عليه و سلم َقا َ‬
‫سل ِم ٍ‬‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ج عَ ْ‬ ‫ن فَّر َ‬ ‫م ْ‬ ‫جت ِهِ وَ َ‬ ‫حا َ‬
‫ه ِفي َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬‫خيهِ َ‬ ‫جةِ أ َ ِ‬ ‫حا َ‬‫ن ِفي َ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫م ْ‬
‫ه وَ َ‬ ‫م ُ‬
‫سل ِ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫هّ‬
‫ست ََرهُ الل ُ‬ ‫ما َ‬ ‫سل ِ ً‬‫م ْ‬‫ست ََر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مةِ وَ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ْ‬
‫ت ي َوْم ِ ال ِ‬ ‫ُ‬
‫ن كُرَبا ِ‬ ‫م ْ‬
‫ة ِ‬ ‫ُ‬
‫ه كْرب َ ً‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ّ‬
‫ج الل ُ‬ ‫َ‬
‫ة فّر َ‬ ‫ك ُْرب َ ً‬
‫مةِ « ‪.‬‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫و ل شك في أن من أفضل ما يقوم به المسلم تجاه أخيه المسلم نصرَته‬
‫مظلوما ً ‪ ،‬و إغاثته ملهوفا ً ‪ ،‬و هذين الوصفين ل ينفكان عن كثير من أبناء‬
‫المجتمعات السلمية في عصرنا الحاضر ‪.‬‬
‫و من الغريب المؤسف أن نصرف اهتمامنا إلى ما جد من الجراح النازفة و‬
‫ننسى أو نتناسى جراحا ً أخرى غائرة في جسد المة منذ عقود ‪ ،‬فنسير‬
‫طع ‪.‬‬‫منبتين كأتباع كل ناعق ل ظهرا ً نبقي ‪ ،‬و ل أرضا ً نق َ‬
‫و كأن العلم الذي أفلح في تسيس كل ما يعرضه لصالح فئة أو طائفة من‬
‫الواقفين وراءه ‪ ،‬لم يعجز في تشتيت اهتمام المسلمين ببعضهم ‪ ،‬و‬
‫إسقاطهم في بنّيات الطريق ) أحيانا ً على القل ( حتى ل تؤثر وقفتهم في‬
‫نصرة إخوانهم و ل تغير من الواقع شيئا ً ‪.‬‬
‫فالبارحة أكب المسلمون على جمع التبرعات لنصرة الجهاد و المجاهدين في‬
‫أفغانستان ‪ ،‬ثم انكفأت قدورهم فأصبحت البوسنة في صدارة الولويات ‪ ،‬و‬
‫لكن إلى حين ‪ ،‬قبل أن يتحولوا إلى الشيشان ‪ ،‬ثم كوسوفا ‪ ،‬و اليوم إلى‬
‫العراق ‪ ،‬و هكذا دواليك ‪.‬‬
‫تحولت يسيرها العلم و أهواء الساسة في كثير من الحيان ‪ ،‬و إغاثة‬
‫رسمية تخطو ببطٍء على آثار سياسة مضطربة ‪ ،‬ل أبعاد لها و ل حدود ‪ ،‬سوى‬
‫ما يمليه الحاكم ‪ ،‬و يسنه القانون ) و أي قانون ؟ ( ‪.‬‬
‫و كأننا ل نذكر إخواننا إل إذا أهوى الجزار بساطوره على رقابهم ‪ ،‬و أعمل‬
‫فيهم القتل و التشريد و التعذيب ‪ ،‬فتهب الشعوب المضللة حينما يستصرخها‬
‫الحكام ‪ ،‬و تجود بالغالي و النفيس ) ماديا ً و حسب ( في دعم مؤسسات‬
‫مَعة ‪،‬‬ ‫يطغى على نشاطها العلم و العلن ‪ ،‬و يكثر في أعمالها الرياء و الس َ‬
‫و تمجيد الحاكم الذي سمح بإيصال أقل القليل من أكثر الكثير إلى‬
‫مستحقيه ‪ ،‬و ربما إلى من ل حق له فيه ‪.‬‬
‫فهل استغنت بلد الفغان عن مساعدات المحسنين و تبرعات المتبرعين في‬
‫عهد طالبان حتى أغلقت في وجهها البواب ؟‬
‫أم أن التبرعات أوقفت تبعا ً لهواء الساسة المحليين و إملءات السياد‬
‫الغربيين ؟‬
‫و ما ذنب مئات اللف من اليتام الذين كانوا يتلقون تحت اسم كفالة اليتيم‬
‫ما يسد الرمق أو بعضه في بلد الفغان حتى توقف كفالتهم بعد فتح‬
‫الطالبان لكابول ؟‬
‫ة التي ل تطلق إل في الحملت التي‬ ‫س ُ‬ ‫سي ّ َ‬‫م َ‬‫إنها – و أيم الله – الصدقات ال ُ‬
‫يباركها الطغاة و يروجون لها لتثبيت عروشهم ‪ ،‬و تلميع وجوههم ‪ ،‬و لو لم‬
‫ي بين المسلمين و إخوانهم يساعدون و ينصرون و‬ ‫خل ّ َ‬‫تكن الحال كذلك ل ُ‬
‫جّهزون و ي َغُْزون ‪.‬‬ ‫يُ َ‬
‫و إنني أعتب على مدراء الهيئات الغاثية السلمية و منسوبيها و العاملين‬
‫فيها والمتبرعين من خللها تخليهم عن الشعب الفغاني المسلم طيلة‬
‫م عودتهم لفتح أبواب مكاتبهم و إيصال فتات‬ ‫السنوات العشر الماضية ‪ ،‬ث ُ ّ‬
‫مساعداتهم من جديد مع الحتلل المريكي للبلد و إذللهم لمن صدق ما‬
‫عاهد الله عليه من خيرة العباد ‪.‬‬
‫ول أرى لعودة هؤلء الغاثيين المغرر بهم في ظل الحتلل إلى أفغانستان و‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العراق و غيرهما مبررا ً سوى خدمة المحتل و تلميع صورته ‪ ،‬و المساهمة في‬
‫زيادة التغرير و الستخفاف بالمسلمين أمة و كيانا ً و أفرادا ً مقهورين ‪.‬‬
‫فأمريكا تدمر و نحن نرمم ‪.‬‬
‫و هي تجرح و نحن نداوي ‪.‬‬
‫و قواتها تشرد و نحن نؤوي ‪.‬‬
‫و هكذا دواليك ‪ ،‬نتحول إلى وسائل لخفاء معالم الجرائم النكراء التي ترتكبها‬
‫اللة العسكرية المتغطرسة في حق أبنائنا و إخواننا ‪ ،‬إذ تدنس الرض ‪ ،‬و‬
‫تنتهك الحرمات ‪ ،‬و تذيع الذعر ‪ ،‬و تروج للرذيلة و الفواحش و العهر ‪ ،‬و نحن‬
‫نعمل تحت إمرتها ‪ -‬و إن لم تكن مباشرة ‪ -‬في هامش ضيق من الحرية‬
‫المستجداة التي ل تتجاوز سد جوعة ‪ ،‬أو إطعاما ً في يوم ذي مسغبة ‪.‬‬
‫فهل يعي المسلمون ما أرمي إليه ؟ أم سيتهمونني بالتثبيط و النهي إغاثة‬
‫اللهفان في العراق ؟‬
‫و أيا ً كان المر ‪ ،‬فإلى أن أقف على أصداء دعوتي هذه ل يفوتني التأكيد على‬
‫أمر من أوجب الواجبات و هو إعداد الغزاة و تجهيزهم و خلفتهم بخير في‬
‫أهليهم ‪ ،‬و كفالة أيتامهم و ذراريهم ‪ ،‬و هذا باب فسيح يستوعب الكثير من‬
‫الطاقات المالية و البشرية التي تشد على سواعد إخواننا المجاهدين ‪ ،‬و‬
‫تثخن في الصليبيين العتاة المحتلين ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫جه من أجل‬ ‫و هو الباب الوحيد من أبواب البر الذي أهيب بالمسلمين وُُلو َ‬
‫العراق العظيم ‪ ،‬عراق السلم و الحضارة ‪ ،‬و السيادة و الريادة ‪.‬‬
‫و لنرجىء ‪ -‬و لو ‪ -‬إلى حين ترميم المساجد و المدارس و الطرق ‪ ،‬دون أن‬
‫نغفل أن منظر واجهة المسجد المهشمة أبلغ أثرا ً في النفوس من ترميمها‬
‫بالذهب و الفضة و نفائس الدرر و الحجار الكريمة ‪ ،‬لن آثار الدمار ستظل‬
‫شاهدا ً على فظاعة الجريمة ‪ ،‬و عظم الجريرة ‪ ،‬و ستحفز النفوس على الثأر‬
‫لدماء المسلمين و النفرة في سبيل رب العالمين ‪.‬‬
‫من حبسه العذر عن النفير بالنفس فجاد بالنفيس ‪،‬‬ ‫و يا حبذا الجهاد بالمال م ّ‬
‫و عاد بفضل ماله على إخوانه المرابطين ؛ فأعد و جهز ‪ ،‬غير واقف عند‬
‫حدود النفقة الواجبة من زكاة و كفارات و نذور ‪ ،‬و غير شحيح بما استأمنه‬
‫الله عليه من مال و عتاد ‪ ،‬ليكون و أهل الثغور شركاء في الجر ‪.‬‬
‫ل‪:‬‬ ‫مرٍ الجهني رصي الله عنه َقا َ‬ ‫عا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ة بْ ِ‬‫قب َ َ‬ ‫ن عُ ْ‬ ‫روى أصحاب السنن و أحمد عَ ْ‬
‫خ ُ‬
‫ل‬ ‫ل ي ُد ْ ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫ه عَّز وَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ل ‪ » :‬إِ ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه و سلم ي َ ُ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫مي‬ ‫را‬
‫َْ َ ّ ِ‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫ر‪،‬‬‫ي‬ ‫خ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ع‬
‫َ َْ ِ ِ‬ ‫ن‬ ‫ص‬ ‫فى‬ ‫ب‬ ‫س‬
‫َ َِ ُ َ ْ َ ِ ُ ِ‬ ‫ت‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫صا‬ ‫‪:‬‬ ‫ة‬
‫َ ّ َ‬‫ن‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ف‬
‫َ َ ٍ‬ ‫ن‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ث‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫وا‬
‫ِ ّ ْ ِ َ ِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫بال‬
‫ه«‪.‬‬ ‫من ْب ِّل َ ُ‬‫ب ِهِ ‪ ،‬وَ ُ‬
‫ما‬ ‫خد ْرِيّ رضي الله عنه ‪َ ،‬قا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل ‪ :‬ب َي ْن َ َ‬ ‫سِعيدٍ ال ُ‬ ‫ن أِبي َ‬ ‫م في صحيحه عَ ْ‬ ‫و روى مسل ٌ‬
‫هَ‬
‫حلةٍ ل ُ‬ ‫َ‬ ‫ل عَلى َرا ِ‬‫َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫جاَء َر ُ‬ ‫ي صلى الله عليه و سلم إ ِذ ْ َ‬ ‫معَ الّنب ّ‬ ‫فرٍ َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫ح ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫ل اللهِ صلى الله عليه و‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫مال ً فَ َ‬ ‫ش َ‬ ‫ميًنا وَ ِ‬ ‫صَره ُ ي َ ِ‬ ‫ف بَ َ‬ ‫صرِ ُ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ل فَ َ‬‫َقا َ‬
‫ن‬‫ن كا َ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ‪ ،‬وَ َ‬ ‫َ‬
‫ن ل ظهَْر ل ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ل ظهْرٍ فَلي َعُد ْ ب ِهِ عَلى َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ه فَ ْ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ن كا َ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫سلم ‪َ » :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ف‬‫صَنا ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ل ‪ :‬فَذ َكَر ِ‬ ‫ه « ‪َ .‬قا َ‬ ‫ن ل َزاد َ ل ُ‬ ‫َ‬ ‫ن َزاد ٍ فَلي َعُد ْ ب ِهِ عَلى َ‬
‫م ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ض ٌ‬ ‫ه فَ ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‪.‬‬
‫ض ٍ‬ ‫مّنا ِفي فَ ْ‬ ‫حد ٍ ِ‬ ‫حق ّ ل َ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫حّتى َرأي َْنا أن ّ ُ‬ ‫ما ذ َك ََر َ‬ ‫ل َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫و الفضل هو الزيادة ‪ ،‬و فهم الصحابة لمراد نبيهم في غاية السداد و‬
‫التوفيق ‪ ،‬فهل في زماننا هذا من يسير على خطاهم ‪ ،‬و يهتدي بهديهم فل‬
‫يرى لنفسه حقا ً فيما فضل عن حاجته حتى يعود به على أهل الثغور ؟‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫و من عجز عن هذا و ذاك فل أقل من يخلف غازيا ً في أهله و ولده بخير ‪،‬‬
‫فيغيث لهفتهم ‪ ،‬و يكفل يتيمهم ‪.‬‬
‫ّ‬
‫سول اللهِ صلى‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َر ُ‬‫خال ِد ٍ رضى الله عنه أ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫روى الشيخان و غيرهما عن َزي ْد ُ ب ْ ُ‬
‫ف‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ن‬
‫َ َ ْ َ َ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫زا‬‫َ‬
‫ْ َ‬‫غ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫بي‬
‫َ ِ ِ‬‫س‬ ‫فى‬ ‫يا‬
‫ًِ ِ‬ ‫ز‬ ‫َ‬
‫غا‬ ‫جهَّز‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ل‪َ »:‬‬ ‫الله عليه و سلم َقا َ‬
‫قد ْ غََزا « ‪.‬‬ ‫ل الل ّهِ ب ِ َ‬
‫خي ْرٍ فَ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫غازًِيا ِفى َ‬
‫أل هل بلغت‬
‫اللهم فاشهد‬
‫و كتب‬
‫د‪.‬أحمد بن عبد الكريم نجيب‬

‫)‪(2 /‬‬

‫) لن نؤمن لكم قد نّبأنا الله من أخباركم ( ! ولكن ! )‪(2‬‬


‫‪19-7-2005‬‬
‫بقلم د‪ .‬سعد بن مطر العتيبي‬
‫"‪ ...‬في الحلقة السابقة كان الحديث عن السوفييت العرب وفلولهم ‪،‬‬
‫وتحولها إلى موضة النتساب إلى اللبرالية ‪ ،‬ل إلى اللبرالية ؛ وليتهم‬
‫ليبراليون حقا ‪ ،‬لهان المر !‪"...‬‬
‫مة بعض‬ ‫ّ‬ ‫لل‬ ‫فيه‬ ‫ين‬
‫ّ‬ ‫أب‬ ‫‪،‬‬ ‫مختصر‬ ‫عرض‬ ‫سوى‬ ‫الحلقات‬ ‫بداية أنّبه ‪ :‬ليست هذه‬
‫سبيل القوم للتفطن والحذر واستلهام العبر ؛ فليس هو حوارا مفتوحا ً مع أحد‬
‫‪ ،‬لسباب سأشير إليها — إن شاء الله تعالى ‪ -‬اللهم إل لمن شاء ممن قد‬
‫يفتح الله على قلبه ‪ ..‬فيعود إلى أمته قلبا ً كما هو قالبا ً ‪.‬‬
‫في الحلقة السابقة كان الحديث عن السوفييت العرب وفلولهم ‪ ،‬وتحولها‬
‫إلى موضة النتساب إلى اللبرالية ‪ ،‬ل إلى اللبرالية ؛ وليتهم ليبراليون حقا ‪،‬‬
‫لهان المر ‪.‬‬
‫دون على الصابع تجد لديهم ما يشعرك أنهم أصحاب‬ ‫نعم منهم قلة ربما يع ّ‬
‫مبدأ مهما كان خاطئا ً ‪ ..‬ولكن غالبية من نرى مخرجاتهم ‪ -‬منهم ‪ -‬ليسوا‬
‫كذلك ‪ ،‬فما هم إل متمسحون باللبرالية ! ولذلك لن ينتهي عجبك منهم فهم‬
‫يريدون أن يفسروا اللبرالية ‪ ،‬وكأنهم أهل المصطلح يفسرونه كما يشاءون !‪.‬‬
‫ولك أن تزداد عجبا ممزوجا بحيرة ‪ ،‬حين تسمع أو تقرأ ‪ -‬لبعض من خدع‬
‫بقولهم ‪ -‬عبارة ‪ ) :‬اللبرالية السلمية ( إنها تذكرني بطرح سابق عليه مسحة‬
‫القوم ‪ ،‬لقد كانوا يحاولون إقناع المة ‪ -‬في الزمن الذي خسروه من قبل ‪-‬‬
‫باشتراكية أبي ذر رضي الله عنه ! )كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن‬
‫يقولون إل كذبا ( ‪.‬‬
‫ولن تلم حين تقهقه بسخرية خاطفة مختومة بابتسامة صفراء ‪ ،‬عندما يردد‬
‫المتبوع منهم قول التابع عند التحاور معه ‪ ،‬ويحاول إثبات انتمائه فكريا لمتنا‬
‫بهذه الجملة ! ‪ ..‬ينتسبون لمصطلحات لها خلفيتها الفكرية ‪ ،‬ومنبعها الجنبي ‪،‬‬
‫ومشاكلها التي أفرزتها حل عند من يؤمن بها ‪ ،‬ثم يجادلك بعضهم بقوله ‪ :‬إنها‬
‫ليست سوى آلية !‪.‬‬
‫ل أدري أهم جادون ! أم هم هازلون مخادعون يحاولون العبور بمثل هذه‬
‫ن صاحب المبدأ يهون عليه قبول الحق إذا ما ظهر له ‪..‬‬ ‫المغالطات ! تعلمنا أ ّ‬
‫بخلف صاحب المصلحة الشخصية فهو صاحب مقعد سياحي دائم على متن‬
‫رح كل شعاراته في‬ ‫البراجماتية ! يبتغي المصلحة مظاّنها ! ول عجب أن يط ّ ِ‬
‫لحظة ! ‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولله ثم للتاريخ أقول ‪ :‬هؤلء القوم الذين أتحدث عنهم ‪ ،‬منهم من عاد إلى‬
‫أمته ‪ ،‬وهم كثر بحمد الله ‪ ،‬حتى من المفكرين والكتاب ‪ ،‬وإن بقي لدى كثير‬
‫منهم لوثات من الماضي الخاسر ‪ ،‬لكنهم حقا ً قد انضموا إلى المة ‪ ،‬ومنهم‬
‫ب عنها وعن ثوابتها بعد أن كان على النقيض من ذلك‬ ‫خر جهده في الذ ّ‬ ‫من س ّ‬
‫‪.‬‬
‫بل قد رأيت منهم من لن أنسى دمعاته وهو يحدثني بفرحةٍ اغرورقت منها‬
‫عيناه ‪ ،‬مع أّنه قد قارب السبعين من عمره ‪ ..‬لم أعلم أنه كان ناصريا ً‬
‫صليبة ! حتى أثار هو ذلك ‪ ..‬نعم قارب السبعين ‪ ،‬رأيته في حديقة عامة في‬
‫بلد غربي ‪ ،‬في إجازة السبوع ‪ ..‬فاصل ‪ ) :‬للسف ‪ :‬سمعت برنامجا حواريا‬
‫في إحدى إذاعاتنا يرّدد فيه المذيع سؤاله للمتصلين ‪ :‬ما ذا تصنع في‬
‫الويكند ؟ ويرد ّ كثير منهم ‪ :‬والله أنا في الخميس والجمعة أعمل كذا ‪، ..‬‬
‫فيحاول هذا المنهزم أن يستنطق المواطن العربي الصليبة المسلم بلفظة ‪) :‬‬
‫ويكند ( ! ‪ ..‬أين وزارة العلم ! أليس لدينا إذاعة ناطقة بالنجليزية تقدم‬
‫دروسا في العربية ! ‪.( ..‬‬
‫ً‬
‫أعود بعد هذا الفاصل الستطرادي الذي لم أطق تجاوزه نصحا للمة ‪..‬‬
‫لصف لكم هذا الرجل الذي قارب السبعين ‪ :‬رجل قد اشتعل رأسه شيبا ‪،‬‬
‫مفتول الشاربين ‪ ،‬حليق اللحية ‪ ..‬أحببته ! وإن ظهرت عليه المخالفة ‪ -‬عفى‬
‫سر على ماضيه المظلم ‪ ،‬وهو بمظهره‬ ‫الله عنا وعنه ‪ -‬أحبته لنه مسلم يتح ّ‬
‫ل ل يعرف الله — على حد‬ ‫— المخالف ‪-‬لم يخرج من السلم ‪ ،‬بل كان قب ُ‬
‫قوله — ول يطيق سماع كلمة ) دين ( ‪ ،‬وإن كانت نشأته في بلد عربي ‪.‬‬
‫كنا نتحدث عن انتشار السلم في الرض ‪ ،‬وانتشاره في ديار الغرب ‪.‬‬
‫قاطع حواري مع بعض الحبة في جلسة جانبية ‪ ،‬ليلتقط كلمة من حديثنا ‪،‬‬
‫ويشير إلى شابين يقومان بتهيئة الشواء وما إليه تحت أشجار هذه الحديقة‬
‫العريقة ‪ ،‬دون أي إثارات إعلمية مناهضة ! أشار إلى هذين الشابين‬
‫الملتحيين بين جمع من الشباب الملتحي وغيره يؤدون نفس المهمة على‬
‫ت من تحديد الشابين بناظري ‪ ،‬وتأكدت‬ ‫توزيٍع للمهام بينهم ! وبعد أن تمكن ُ‬
‫ت برهة ‪ ،‬ونظرت إليه وإذا عيناه تفيض دمعا !‬ ‫من ذلك بوصفه وإشارته ‪ ،‬صم َ‬
‫سم الحرف في النطق‬ ‫فأرخيت رأسي ‪ ..‬ثم رفعته على صوته المتهدج ‪َ ،‬يق ِ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫ت له عبارَته بقولي له مستفهما ‪ :‬هو الذي علمك‬ ‫دة الَعبرة ! جمع ُ‬‫من ش ّ‬
‫الصلة ؟! قال ‪ :‬نعم ! نعم ! وعلمني الوضوء أيضا ً ! إّنه ابني الذي ولد في‬
‫هذا البلد الجنبي ‪ ،‬وترعرع فيه ! وقد تسبب أيضا ً في صلح أخيه !‪.‬‬
‫حمدت الله كثيرا ‪ ،‬وامتد ّ المجلس فأخذ يسرد لنا حكاياته مع الحزب الناصري‬
‫‪ ،‬وما لقاه في سبيله من العناء ‪ ..‬وأنه كان وفيا ً له ‪ ،‬حتى علم أنه كان في‬
‫أمر مريج !‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وهكذا شأن من ُيرد الله به خيرا ً ‪ ..‬وإن عاش في كنف فرعون !‪.‬‬
‫واقرأ إن شئت سورة القصص ‪ :‬أوَّلها وآخَرها ‪ ..‬أعود لقول ‪ :‬على كل حال‬
‫ن صاحب المبدأ يمكنك أن تحاوره مهما اختلفت معه ‪ ،‬لّنه يمتاز‬ ‫لدي قناعة بأ ّ‬
‫‪ -‬في الغالب ‪ -‬شخصية جادة مستقلة ‪ ،‬ل يحركها الخرون بسهولة ؛ أما‬
‫اللهث وراء المصلحة فمسكين ‪ُ ،‬يهين نفسه من حيث يفتخر ‪ ) :‬ومن يهن‬
‫الله فما له من مكرم ( ‪ ..‬وإن كان منهم من ل يشعر بمأساته ‪ ،‬تماما ً كما‬
‫قال الله عز وجل ‪ ) :‬أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يشاء ويهدي من يشاء (‪.‬‬


‫قون حتى التحسر على مآلهم بنص القرآن ‪ ) :‬فل تذهب نفسك‬ ‫إنهم ل يستح ّ‬
‫عليهم حسرات ( ‪ ،‬وهم مساكين كما أسلفت ‪ ،‬لنهم يجهلون أو يتجاهلون‬
‫ن الله عليم بما يصنعون ( ‪ ..‬آية واحدة تكفي‬ ‫الحقيقة التي تنتظرهم ‪ ) :‬إ ّ‬
‫دهر ‪ ..‬إنهم كالريش في مهب الريح ‪ ،‬ل ينظرون إلى‬ ‫لبيان حالهم على مر ال ّ‬
‫أين يتجهون ‪ ،‬ول يستطيعون مجرد اللتفات للريح لسؤالها ولو بكل مجاملة و‬
‫دلع ! أين نسير ‪ ،‬ومتى نصل !‪.‬‬
‫ن‬
‫إنهم ‪ -‬فقط ‪ -‬يلوكون ) اللبرالية ( على نحو يذكرني بالنكتة التي خلصتها أ ّ‬
‫مدرسا ً دخل الفصل ‪ ،‬فقال للتلميذ ‪ :‬يعيش السمك في الماء ‪ ،‬فرد ّ التلميذ ‪:‬‬
‫يعيش ‪ ،‬يعيش ‪ ،‬يعيش !‪.‬‬
‫إنهم — ومخرجاتهم العلمية تشهد ‪ -‬فوضويون ديماغوجيون يعتمدون الهوى‬
‫والتجمع الغوغائي ‪ ،‬ولذلك يثورون بتخبط ‪ ،‬حينما تقف في وجوههم الحجة ‪،‬‬
‫ويكادون يخرجون من جلودهم تغيظا ً حينما يوقفون عند ظاهرتهم الصوتية‬
‫المخادعة ‪ ) :‬نريد مقارعة الحجة بالحجة ( !! فهم من أكثر الناس مطالبة بها‬
‫أمام العامة وأكثرهم حنقا ً منها حين يحين الجد ّ ! ‪.‬‬
‫كدا ً إنهم فوضويون ديماغوجيون يعتمدون الهوى والتنادي‬ ‫أعود لقول مؤ ّ‬
‫الغوغائي ‪ ،‬وإل بربكم كيف تتفق عدد من المقالت في نقد موضوعات واحدة‬
‫عميقة الجذور في المة ‪ ،‬منصوصة التنظيم في الدولة ‪ ،‬أو شديدة‬
‫الحساسية — لتعليقهم لها بمدينة أو بلدة أو عرق ‪ -‬في زمن واحد ! دفعة‬
‫واحدة ! ‪.‬‬
‫ن الميكافليين يأنفون من هذا الصنيع ‪ ،‬ويستهجنونه ! ‪.‬‬ ‫يا هؤلء ‪ :‬إ ّ‬
‫حين أتذكرهم أجدني أتذكر بتلقائية قول الله عز وجل ‪ ) :‬ومن يرغب عن ملة‬
‫إبراهيم إل من سفه نفسه ( ! ‪ ..‬بربكم أي وطنية يمكننا أن نصدق ادعاءهم‬
‫لها ‍! يجب أن نقول لهم دون تردد ‪ :‬نحن المة ‪ ،‬ونحن الوطنيون ! فلن‬
‫تفلحوا — بإذن الله في تشتيتنا أمة وقيادة ‪ ،‬أقاليم ومناطق وأهالي ‪ ..‬ولعل‬
‫فيما ذكرت ما ينبه إلى ما لم أذكر ‪ ،‬فالحديث ذو شجون !‬
‫مة ‪ -‬فشاء الله أن يكشفهم‬ ‫ب ( ومنهم قوم كنا ل نظنهم إل مّنا ‪ -‬نحن ال ّ‬
‫بالحداث ‪ ،‬حدثا ً تلو آخر ؛ فما تقع في المة أزمة ُ‬
‫م ْ‬
‫شِغلة ‪ ،‬أو تنزل نازلة‬
‫مْرِبكة ‪ ،‬إل وتطفوا على السطح منهم زمرة ما بين ذكور وإناث ‪ ،‬فينكشف‬ ‫ُ‬
‫أمرهم وقد أتونا من مأمن ‪ ،‬و قلبوا لنا ظهر المجن على حين ِغّرة ‪.‬‬
‫ففيما المة ‪ -‬ولة ورعية ‪ -‬تتخارج من أزمة هنا أو نكبة هناك ‪ ،‬إذا هم‬
‫يسلقونها بألسنة حداد ‪ ،‬في تصريحات لذاعة أجنبية ‪ ،‬أو مقابلة مصطنعة في‬
‫قناة أو صحيفة ‪ ،‬كأنهم على موعد مع أطقمها العلمية طال انتظاره !‬
‫وكأّنما هم خليا نائمة أو متناومة ‪ ،‬ولكن من الجفاة ‪ ،‬لتتناغم في الضرار‬
‫بالمة مع خليا الغلة ‪.‬‬
‫يجمعهم مع الطائفة الولى ‪ -‬في الفقرة )أ ( ‪ -‬احتقار حضارتنا ‪ ،‬واستهجان‬
‫ثوابتنا ‪ ،‬والتعبير عّنا بحقد وكراهية ‪ ،‬واللتجاء في تحقيق مآربهم للجنبي ؛‬
‫ي فقهي منقرض أو رأي فقيه أخطأ في‬ ‫وإن رّوج بعضهم باطله ببقايا رأ ٍ‬
‫اجتهاده ‪ ،‬هذا إن سلمنا لهم بصحة فهمهم لمراده !‪.‬‬
‫ً‬
‫بل وإن رفع بعضهم شعار الصلح السلمي ! فالسلم ليس شعارا أجوف‬
‫ول سجاد ممّر ؛ وما هكذا تورد البل ! فليتهم يعوا نصيبهم من تعريض‬
‫كك الموالي ونيل المعارض ‪ ،‬إذ أظهروه كما لو كان‬ ‫السلم لطمع العدو وتش ّ‬
‫ل فيما يوافق مصالحه وهواه ! سواء منهم من‬ ‫ماعة أخطاء ‪ ،‬يفيد منها ك ّ‬ ‫ش ّ‬
‫ظهر انتماؤه للكفة الولى ‪ ،‬ومن ليس كذلك ! فل تنقشع الزمة — والله قد‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعد بقشعها ولكنهم ل يفقهون ‪ -‬إل وقد نالوا المة بأذى ‪ ،‬وأحدثوا فيها من‬
‫الفرقة ما ل يعلم آثاره إل الله ‪ ،‬ول حول ول قوة إل بالله !‪.‬‬
‫ق بالزمرة الولى أو متضامن معها بالفكار حينا وبالتطبيل‬ ‫فهم ما بين لح ٍ‬
‫حينا ! وآل الحال ببعضهم حتى صار في يد العدو كالريشة في مهب الريح !‬
‫وإن اّدعى الحرّية في تلك الديار ‪ ،‬فما عادت تجدي الشعارات ‪ ،‬فل يهنأ‬
‫أحدهم بادعاء الحرية حتى يفضحه صوت القيود التي ارتضاها بين قدميه !‪.‬‬
‫أهذا هو الوفاء للمة قادة وشعوبا ؟!‪.‬‬
‫أم هو الولء للوطن أرضا وتنمية ؟!‪.‬‬
‫أم ماذا أيها القوم ؟!‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ومن هؤلء من لم يجرؤ على الظهور ‪ ،‬لعلمه بسوء حاله ‪ ،‬إذ بلغ ببعضهم‬
‫الحال إلى السير في طريق الزندقة تحت مسميات مستعارة جبانة ‪ ،‬في‬
‫منتديات ومواقع تطفح بالسيء من المعتقد بْله القول ‪ ،‬والنيل من الثوابت‬
‫السلمية عقيدة وشريعة ‪..‬لم تبال بإثبات موضوعات قذرة تفصح عن قذارة‬
‫من وراءها وسقوطه في نتن اللحاد شعر أو لم يشعر ‪.‬‬
‫ولم يتوقف أمرهم عند النيل من الذات اللهية فيؤذون الله وقد قال الله جلّ‬
‫الله ‪ ) :‬إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والخرة ولهم‬
‫عذاب مهين ( ‪ ،‬و ربما جّرأهم جهلهم بقول الله عز وجل ) وأملي لهم إن‬
‫كيدي متين ( ‪ ،‬وجهلهم بأن من أسماء الله التي نتعبده بها ) الحليم ( ومن‬
‫صفاته التي نقدسه بها ) الحلم ( ‪.‬‬
‫جدون الشيطان ‪.‬‬ ‫إنهم يم ّ‬
‫نعم الشيطان !‪.‬‬
‫فلم تخجل عقلياتهم الشيطانية من تمجيد الشيطان بصريح العبارة ‪ ،‬كما لو‬
‫أنها دعوة لبذرة تنظيم لعباده في بلد السلم وعرين المسلمين ! مما‬
‫يكشف النفاق في وضع شروط تلك المنتديات خارجية الفكر ! وإلى حين‬
‫كتابتي هذه السطر ل زال أحد هذه الموضوعات النتنة يحظى باحتضان أحد‬
‫تلك المنتديات! مع وجود مشرفين معلنين وسريين على حد زعم أحد‬
‫مشرفيه !‪.‬‬
‫ً‬
‫ول غرو فقد رأس الشيطان يوما شبيها له في السم ! في هيئة عربي قح ‪.‬‬
‫حمى الله المة شّرهم ‪ ،‬ورد ّ كيدهم في نحورهم ‪.‬‬
‫وثم أقسام أخرى منها من اكتشف الحقيقة ‪ ،‬ففّر من القوم فرار الصحيح‬
‫من المجذوم ‪ ،‬وعاد إلى أمته للبناء بعد أن استقطب للهدم أو كاد ‪.‬‬
‫ومنها من لم يصدق الخديعة ‪ ،‬و بدأت تتكشف له الحقيقة ‪ ،‬شيئا ً فشيئا ً ‪،‬‬
‫فينفر منها ويزحف عنها للوراء مرتابا ً ومهتال ً ومرّوعا ‪.‬‬
‫فاصل ‪ :‬ذات يوم كنت أنتظر أحد الزملء في مكان عام أمام أحد الجوامع —‬
‫وكنت سبقت الموعد بما يقارب العشرين دقيقة احتياطا ‪ -‬لننطلق معا ً في‬
‫زيارة أحد كبار علمائنا — حفظهم الله — وقد مضى على أداء صلة الظهر ‪-‬‬
‫جماعة ‪ -‬قرابة الساعة ؛ وإذا بسيارة رياضية شبابية تأتي مسرعة لتقف‬
‫ت حتى نزل منها شابان في العشرينات من‬ ‫ف ْ‬‫بالقرب من موقفي ‪ ،‬وما إن وق َ‬
‫ل منهما ‪ :‬قميص تنحسر يداه عن العضد ولكنه‬ ‫عمرهما تقريبا ‪ ،‬وكان لباس ك ٍ‬
‫مستور المنكب ‪ ،‬وتوحي صبغته بأحدث ما يتلقفه الشباب من الموضة ‪،‬‬
‫ل منهما بنطلون جنز منحسر عن الساقين ‪ ،‬لكنه يستر عورة‬ ‫وعلى ك ٍ‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرجل ‪ ..‬نزل مسرعين واتجها نحو مصلى النساء ! توقفت عن قراءة كتيب‬
‫كان بين يدي ‪ ،‬ورابني هذا التصرف ! ولكن سرعان ما خرجا واتجها نحو‬
‫أماكن الوضوء ! ثم لم يلبثا أن خرجا واتجها لباب المسجد ‪ ،‬ورأيت بعد أن‬
‫أكمل انتظاري داخل المسجد ‪ ،‬فدخلته وإذا كل منهما قد انفرد يصلي‬
‫الراتبة ! ثم رفع أحدهما يديه داعيا ‪ ،‬وانطلقا متماسكين بيديهما ولوح أحدهما‬
‫بيده اليمنى مسّلمين مبتسمين ! فبادلتهما التحية والبتسامة بأحسن منها‬
‫وأزيد ‪.‬‬
‫كم سرني هذا المنظر ! وكم أثلج صدري ‪.‬‬
‫وأصدقكم أنني لم أستغربه ‪ ..‬فقد رأيت أمثاله في بلدان إسلمية وغير‬
‫إسلمية ‪ ..‬ولكن بعض أحبتنا يتشاءمون ‪ ..‬وليس ثم داٍع ‪ ،‬فليبشروا بالخير ‪،‬‬
‫فشبابنا مهما ساروا خلف الموضة ووقعوا فيما ل يزينهم شرعا من مخالفة ‪،‬‬
‫فهم منا وقلوبهم منعقدة على حب الله ورسوله ‪ ،‬وإن نال منها العلم وو ّ‬
‫طأ‬
‫لها سن المراهقة ‪.‬‬
‫ورسالة للمتربصين بشابنا ‪ :‬على رسلكم فمهما كانت مظاهرهم ومهما‬
‫سركم من مناظرهم ‪ ،‬فهم ليسوا منكم في شيء ولستم منهم في شيء ‪،‬‬
‫وإن أصررتم ‪ ،‬فمصير جهدكم ) ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله‬
‫ل‬‫فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون ( ‪ ..‬حماهم الله شّره وشّر ك ّ‬
‫من فيه شّر من أهل الباطل من غلة وجفاة ‪.‬‬
‫و يتبع إن شاء الله تعالى ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬
‫لنجعله عاما ً هجريا ً مميزا ً‬
‫عبد الحميد الكبتي‬
‫أل حمدا لك اللهم طابا ** فمن يحمدك لم يعدم ثوابا‬
‫ونضرع أن تجنبنا هوانا ** فمن هزم الهوى رشدا أنابا‬
‫==‬
‫لولي اللباب ‪ ...‬والبصائر‬
‫ما الهجرة إل حدث تاريخي في حركة الحياة ‪ ،‬ناتج من حركة هذا الكون ‪،‬‬
‫وتعاقب الليل والنهار ‪ ،‬وأمسى هذا الحدث معلما وتأريخا لمة السلم إلى‬
‫يوم الدين ؛ به تدون الحداث ‪ ،‬وتؤرخ ‪ ،‬وتسرد في كل مرة أحداث الهجرة‬
‫في ساعاتها الولى ‪.‬‬
‫أمست الهجرة كحادثة تاريخية مجرد سرد لتفاصيل حركة النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وصاحبه ‪ ،‬وسردا لقيام دولة السلم في المدينة المنورة ‪ ،‬هذا‬
‫عند غالب الناس اليوم ‪ ،‬في ذهول أنها نتاج حركة اليام ‪ ،‬وتداول الحياة ‪،‬‬
‫وقصة بناء أمة ‪.‬‬
‫وما القصص القرآني النوراني ‪ ،‬أو النبوي المبارك ؛ إل وسيلة من وسائل‬
‫التربية لكل المة ‪ ،‬ليس المقصود منها سرد القصص ومدى صحته ودقته ‪-‬‬
‫وهذا أمر لزم ‪ -‬بقدر ما تكون " العبرة " هي الخطوة الولى التي يجب أن‬
‫تكون في نفسية المتلقي لهذا القصص ‪ ،‬حتى تكون نافعة له ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب { ] يوسف‪ :‬من الية ‪[ 111‬‬ ‫عب َْرةٌ ِلوِلي اْلل َْبا ِ‬ ‫م ِ‬ ‫صهِ ْ‬ ‫ص ِ‬ ‫ن ِفي قَ َ‬ ‫كا َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫‪ } -1‬ل َ َ‬
‫ُ‬
‫ل الل ّهِ وَأ ْ‬ ‫ن ال ْت َ َ‬
‫كافَِرةٌ‬‫خَرى َ‬ ‫سِبي ِ‬
‫ل ِفي َ‬ ‫قات ِ ُ‬ ‫قَتا فِئ َ ٌ‬
‫ة تُ َ‬ ‫ة ِفي فِئ َت َي ْ ِ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬
‫م آي َ ٌ‬ ‫كا َ‬ ‫‪ } -2‬قَد ْ َ‬
‫ُ‬
‫ك ل َعِب َْرةً ِلوِلي‬ ‫ْ‬
‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ن يَ َ‬
‫شاُء إ ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫صرِهِ َ‬ ‫ه ي ُؤَي ّد ُ ب ِن َ ْ‬‫ن َوالل ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫م َرأيَ العَي ْ ِ‬ ‫مث ْل َي ْهِ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ي ََروْن َهُ ْ‬
‫َ‬
‫صارِ { ] آل عمران‪[13:‬‬ ‫اْلب ْ َ‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫صارِ { ] النور‪[44:‬‬ ‫ك ل َعِب َْرةً ِلوِلي اْلب ْ َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ل َوالن َّهاَر إ ِ ّ‬ ‫ه الل ّي ْ َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫قل ّ ُ‬ ‫‪ } -3‬ي ُ َ‬
‫ما‬ ‫ح ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫شرِ َ‬ ‫ل ال َ‬ ‫م ِلوّ ِ‬ ‫ن دَِيارِهِ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ب ِ‬ ‫ل الك َِتا ِ‬‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ج ال ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫ذي أ ْ‬ ‫‪ } -4‬هُوَ ال ِ‬
‫ث‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ظ َننت َ‬
‫حي ْ ُ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫م الل ُ‬ ‫ن اللهِ فأَتاهُ ُ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫م ِ‬‫صون ُهُ ْ‬
‫ُ‬ ‫ح‬
‫م ُ‬ ‫مان ِعَت ُهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫جوا وَظّنوا أن ّهُ ْ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َُْ ْ‬
‫خربون بيوتهم بأ َيديهم وأ َ‬ ‫ُ‬
‫دي‬ ‫ي‬
‫ِِ ُ ّ ْ َ ُ ْ ُِ َ ُُ َُ ْ ِ ْ ِ ِ ْ َ ْ ِ‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫في‬ ‫َ ِ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫ح َ ِ ُ َ‬
‫و‬ ‫بوا‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫م يَ ْ‬‫لَ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫صارِ { ] الحشر‪[2:‬‬ ‫ن َفاعْت َب ُِروا َيا أوِلي اْلب ْ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫شى { ] النازعات‪[26:‬‬ ‫خ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬‫ك ل َعِب َْرةً ل ِ َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫‪ } -5‬إ ِ ّ‬
‫هذه خمس آيات وردت فيها " عبرة " من مجمل قليل غيرها ‪.‬‬
‫حال‬ ‫من َ‬ ‫ل العَب ْرِ ‪ :‬تجاوٌُز ِ‬ ‫قال العلمة الصفهاني ‪ ،‬في مادة " عبر " ‪ " :‬أص ُ‬
‫م إذا ماتوا ‪ ،‬كأنهم‬ ‫إلى حال ‪ ،‬أما العُُبور فيختص بتجاوز الماء ‪ ...‬وعَب ََر القوْ ُ‬
‫عبروا قنطرة الدنيا ‪ ،‬والعتبار والعِْبرةُ ‪ :‬بالحالة التي يتوصل بها من معرفة‬
‫المشاهد إلى ما ليس بمشاهد ‪ . " ..‬مفردات ألفاظ القرآن ‪.‬‬
‫ففي الية الولى في سورة يوسف عليه السلم جاءت العبرة بعد قصة‬
‫يوسف الشيقة الجميلة ‪ ،‬مع ربط العبرة بأصحاب اللباب " أصحاب العقول "‬
‫‪.‬‬
‫وفي آية آل عمران جاءت العبرة بعد ما حدث في غزوة بدر ـ على أحد قولي‬
‫المفسرين ـ وما تمثله من صراع بين الحق والباطل ‪ ،‬مع ربط العبرة‬
‫بأصحاب البصيرة ؛ قال ابن كثير رحمه الله ‪ " :‬أي إن في ذلك لعبرة لمن له‬
‫بصيرة وفهم ليهتدي به إلى حكم الله وأفعاله وقدره الجاري بنصر عباده‬
‫المؤمنين في هذه الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد " ‪.‬‬
‫أما آية النور فوردت العبرة بعد آيات من قدرة الله تعالى سبحانه والتدبر في‬
‫ملكوته ‪ ،‬ومن هذا الملكوت ظاهرة الليل والنهار ‪ ،‬قال صاحب الظلل رحمه‬
‫الله ‪ " :‬والقرآن يجدد حسنا الخامد ‪ ,‬ويوقظ حواسنا الملول ‪ .‬ويلمس قلبنا‬
‫البارد ‪ .‬ويثير وجداننا الكليل ; لنرتاد هذا الكون دائما كما ارتدناه أول مرة ‪.‬‬
‫نقف أمام كل ظاهرة نتأملها ‪ ,‬ونسألها عما وراءها من سر دفين ‪ ,‬ومن سحر‬
‫مكنون ‪ .‬ونرقب يد الله تفعل فعلها في كل شيء من حولنا ‪ ,‬ونتدبر حكمته‬
‫في صنعته ‪ ,‬ونعتبر بآياته المبثوثة في تضاعيف الوجود " ‪.‬‬
‫والعبرة في إخراج اليهود من حصونهم وما تحويه نفوسهم من أخلقيات‬
‫مريضة ‪ ،‬والله تعالى تولى هذا الخراج لمن أنكر النبوة وحاربها ‪ ،‬قال‬
‫الطبري رحمه الله ‪ " :‬فاتعظوا يا معشر ذوي الفهام بما أحل الله بهؤلء‬
‫اليهود الذين قذف الله في قلوبهم الرعب ‪ ,‬وهم في حصونهم من نقمته ‪,‬‬
‫واعلموا أن الله ولي من واله ‪ ,‬وناصر رسوله على كل من ناوأه ‪ ,‬ومحل من‬
‫نقمته به نظير الذي أحل ببني النضير ‪ .‬وإنما عنى بالبصار في هذا الموضع‬
‫أبصار القلوب ‪ ,‬وذلك أن العتبار بها يكون دون البصار بالعيون " ‪.‬‬
‫وفي الية الخيرة ربط واضح بين خشية المرء وبين اعتباره ‪ ،‬بمقدار الخشية‬
‫يكون العتبار ‪ ،‬مع أن السياق كان لقصة فرعون ‪ ،‬لكنه معنى عام للعبرة‬
‫والخشية ‪ ،‬من خشي على نفسه ومستقبله وأمته وحياته حري به أن يعتبر ‪،‬‬
‫ومن أحب أن تكون عبرته عميقة راقية لها أفعال عملية بعدها عليه بخشية‬
‫الله تزيد من عبرته ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫هذا التطواف في ظلل القرآن كي نعي أن الهجرة للعتبار لمن كان صاحب‬
‫بصيرة ‪ ،‬صاحب قلب وعقل ‪ ،‬صاحب خشية ونظر ‪ ،‬بذا تكون الهجرة دائما‬
‫منبع تزود لكل معتبر ‪ ،‬وانتقال به من حال إلى حال ‪ .‬فهل ستكون في حياتنا‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫محطة تغيير ! ‪ ،‬هل ستكون مكانا للنتقال من حال إلى حال !‬


‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫ن عَلي َْها‬ ‫مّرو َ‬
‫ض يَ ُ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬
‫س َ‬‫ن آي َةٍ ِفي ال ّ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬‫صدق الله العظيم ‪ } :‬وَك َأي ّ ْ‬
‫ن { ] يوسف‪[105:‬‬ ‫ضو َ‬‫معْرِ ُ‬
‫م عَن َْها ُ‬
‫وَهُ ْ‬
‫و بين رحمتين ‪ ...‬نبدأ‬
‫ومن أمسى تضرعه المعاصي ** تجرع حسرة وأسى وخابا‬
‫وبات مضيعا من صد عطفا ** ومن يطرق لغير الله بابا‬
‫لن تكون البصيرة فاعلة ‪ ،‬ول العقل متفاعل ‪ ،‬لروح مرتكسة في سفول‬
‫الخطايا والثام ‪ ،‬ومن ثم لن يكون العتبار موجودا و عامل ‪ ،‬أو أن يكون‬
‫خامل في حده الدنى ؛ إذ الخشية التي تزيد العبرة لمعانا ونورا محاطة بهذه‬
‫الظلومات النفسية من أثر المعاصي والثام ‪.‬‬
‫ن الله علينا‬ ‫ومن رحمة الله بنا ؛ أننا في بدء كل عام هجري جديد نبدأ وقد م ّ‬
‫بمنة المغفرة لذنوبنا ؛ رحمة مقسمة على قسمين ؛ قسم في آخر العام‬
‫الهجري الماضي ‪ ،‬وقسم في بدء العام الهجري الجديد ‪ ،‬كي نبدأ في طهارة‬
‫وطهر من أي عائق يمنع من النطلق في معارج القرب من الله ؛ بنفوس‬
‫طاهرة ‪ ،‬وعقول زكية ‪ ،‬وأرواح ندية ‪.‬‬
‫ففي يوم عرفة وهو التاسع من الشهر الخير في العام الهجري ؛ يغفر الله‬
‫لكل حاج صادق في حجه ‪ ،‬ملتزم بالهدي والهدى فيه ‪ ،‬قال عليه الصلة‬
‫والسلم ‪ ) :‬العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ‪ ،‬والحج المبرور ليس له‬
‫جزاء إل الجنة ( متفق عليه ‪ .‬ولقوله عليه الصلة والسلم ‪ ) :‬من حج فلم‬
‫يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ( ‪ ،‬رواه البخاري ‪.‬‬
‫ومن لم يكتب الله له الحج فله مغفرة ؛ جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أنه قال ‪ ) :‬صيام يوم عرفه أحتسب على الله أنه يكفر السنة التي قبله‬
‫والسنة التي بعده ( ‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫فما بين حاج ملتزم صادق ‪ ،‬وبين صائم لعرفة بصدق ‪ ،‬يكون ختام العام‬
‫الهجري الماضي ‪ ،‬بمغفرة وجنة ‪ ،‬وتكفير عامين ‪.‬‬
‫ومع أيام العام الهجري الجديد تأتي الجائزة الخرى ؛ فعن أبى قتادة رضي‬
‫الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن صوم‬
‫عاشوراء ) يكفر السنة الماضية ( رواه مسلم ‪ .‬فيدخل المسلم للعام الهجري‬
‫الجديد بروح طاهرة خالية من الذنوب إن هو صدق وهجر الكبائر ‪ ،‬كما قال‬
‫أهل العلم ‪.‬‬
‫ولبد أن نقف هنا هنيئة في ختام العام بصيام ‪ ،‬والبدء فيه بصيام ؛ يقول‬
‫المام ابن القيم رحمه الله تعالى ‪ " :‬وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح‬
‫الظاهرة ‪ ،‬والقوى الباطنة ‪ ،‬وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة‬
‫التي إذا استولت عليها ‪ ،‬أفسدتها ‪ ،‬واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من‬
‫صحتها ‪ ،‬فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها ‪ ،‬ويعيد إليها ما استلبته‬
‫منها أيدي الشهوات ‪ ،‬فهو من أكبر العون على التقوى كما قال تعالى ‪ } :‬يا‬
‫أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم‬
‫تتقون { " ] زاد المعاد ‪. [ 29/2‬‬
‫مختصون‬ ‫والصيام وإن كان فيه حفظ لصحة البدن ‪ -‬كما شهد بذلك الطباء ال ُ‬
‫ضا ‪ :‬إعلء للجانب الروحي على الجانب المادي في النسان ‪،‬‬ ‫‪ -‬ففيه أي ً‬
‫فالنسان ‪ -‬كما يصوره خلق آدم ‪ -‬ذو طبيعة مزدوجة ‪ ،‬فيه عنصر الطين‬
‫والحمأ المسنون ‪ ،‬وفيه عنصر الروح اللهي الذي نفخه الله فيه ‪ ،‬عنصر‬
‫يشده إلى أسفل ‪ ،‬وآخر يجذبه إلى أعلى ‪ ،‬فإذا َتغّلب عنصر الطين هبط إلى‬
‫حضيض النعام ‪ ،‬أو كان أضل سبيل ‪ ،‬وإذا تغلب عنصر الروح ارتقى إلى أفق‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الملئكة ‪ ،‬وفي الصوم انتصار للروح على المادة ‪ ،‬وللعقل على الشهوة ‪.‬‬
‫يؤكد هذا أن الصوم تربية للرادة وجهاد للنفس ‪ ،‬وتعويد على الصبر ‪ ،‬والثورة‬
‫على المألوف ‪ ،‬وهل النسان إل إرادة ؟ وهل الخير إل إرادة ؟ وهل الدين إل‬
‫صبر على الطاعة ‪ ،‬أو صبر عن المعصية ؟ والصيام يتمثل فيه الصبران ‪.‬‬
‫حر‬‫وجاء في الحديث ‪ ) :‬صوم شهر الصبر‪ ،‬وثلثة أيام من كل شهر‪ ،‬يذهبن و َ‬
‫حر‬ ‫الصدر ( ] رواه البزار ‪ ،‬كما في صحيح الجامع الصغير ‪ .3804‬ومعنى "وَ َ‬
‫شه و وساوسه ‪ ،‬وقيل ‪ :‬الحقد والغيظ وقيل غيره [‪ .‬أ‪ .‬هـ من‬ ‫الصدر"‪ :‬أي ِغ ّ‬
‫كتاب فقه الصيام للقرضاوي ‪.‬‬
‫إنها حكمة الله في تربية المة بختم هذا العام والبدء في التالي بهذه الروح‬
‫الرادية ‪ ،‬وهذا العلو على جذبات الرض النفسية ‪ ،‬كي ندخل باب العام‬
‫الجديد بروح جديد غير مرتكسة ‪ ،‬ول هي بضعيفة الرادة ‪ ،‬إنما بصبر وتربية‬
‫على طاعة الله ‪ ،‬وعلى تقلبات المور بثبات وعزيمة ومضاء ‪ ،‬بل وعلى‬
‫أمراض القلوب كما في حديث البزار ‪.‬‬
‫غير أن الرادة هي نقطة البدء للتحول ‪ ،‬إن وجدت بدأت الرغبة في التغيير‬
‫والتحول ‪ ،‬وتبدأ تتنامى وتزيد ‪ ،‬وإن همدت وبردت ‪ ،‬أّنا للتغيير أن يطل على‬
‫نفس ل إرادة فيها ‪.‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬أفضل الصلة بعد المكتوبة الصلة‬
‫في جوف الليل ‪ ،‬وأفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم ( رواه‬
‫مسلم ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫قال ابن المبارك ‪ " :‬من ختم نهاره بذكر كتب نهاره كله ذكرا ً ‪ ،‬يشير إلى أن‬
‫العمال بالخواتيم ‪ ،‬فإذا كان البداءة والختام ذكرا ً ‪ ،‬فهو أولى أن يكون حكم‬
‫الذكر شامل ً للجميع " ] فيض القدير ‪.[ 1/41‬‬
‫وفي مسند المام أحمد ‪ .. ) :‬و الصوم نصف الصبر (‪ .‬وفي شعب اليمان‬
‫للبيهقي قال عليه الصلة والسلم ‪ ) :‬الصبر نصف اليمان و اليقين اليمان‬
‫كله (‪.‬‬
‫فالبدء بهذه المعاني في أول العام ‪ ،‬والنتهاء بها في العام السابق لتحقيق‬
‫هذه المعاني اليمانية التربوية في واقع المة وفي كل نفس تطمح للتحول ‪.‬‬
‫نحن أولى ‪ ..‬نحن أولى‬
‫لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء‬
‫فسئلوا عن ذلك فقالوا هذا اليوم الذي أظفر الله فيه موسى وبني إسرائيل‬
‫على فرعون ونحن نصومه تعظيما له ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ) :‬نحن أولى بموسى منكم ثم أمر بصومه ( البخاري ‪..‬‬
‫إن حالة الطغيان السياسي التي تمثلها قصة نبي الله موسى عليه السلم‬
‫في مواجهة " فرعون " ‪ ،‬قصة تتكرر اليوم بشكل كبير في واقع المة ‪ ،‬ربما‬
‫كل المعاني التي جاء كل رسول يعالجها في قومه تتوفر اليوم بنسب مختلفة‬
‫‪ ،‬لكن التغول السياسي هو الوضح للعيان ‪ ،‬وهو الذي يخيم على المة اليوم ‪،‬‬
‫وما يتبعه من حالة الضعف لدى الغالبية ‪ ،‬وبالتعبير القرآني حالة ‪" :‬‬
‫الستخفاف " أو حالة الستضعاف ‪ ،‬طغيان يولد استضعافا ‪ ،‬تلك هي المعادلة‬
‫‪ ،‬وهل كانت بنو إسرائيل قبل موسى إل في هذه الحالة ! وتفطن لهذا‬
‫المعنى الستاذ سيد قطب رحمه الله عندما أشار إلى الحكمة من تكرار قصة‬
‫موسى على النحو في القرآن بصورة لم تتكرر بها قصة أي نبي مثلها ‪ ،‬وقال‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رحمه الله بأن الله يعلم بأن هذه المة ستمر بمراحل كتلك التي مرت بها بنو‬
‫إسرائيل ‪ ،‬وصدق يرحمه ربنا ‪.‬‬
‫وإذا كانت الهجرة لها أهداف واضحة جلية ‪ ،‬تتمثل في ثلثة محاور هامة هي ‪:‬‬
‫وز وقلة المن ‪ ..‬العوز الفكري واليماني‬ ‫* تخليص المؤمنين من حالة الع َ‬
‫والعلمي والحركي ‪ ،‬والمن النفسي والمالي والجتماعي وغيرها ‪.‬‬
‫* والهجرة بمعناها الشامل حركة تجديد مستمر ؛ لنها ترتبط برسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم وهو القدوة ‪ ،‬ومنه نقيس قربنا وبعدنا ‪.‬‬
‫* والهجرة مطلب قوي لتماسك الجبهة الداخلية في المة ؛ لما فيها من حالة‬
‫المراجعات والمحاسبة والتدقيق ‪.‬‬
‫إذا فهمنا هذا ‪ ،‬وعلمنا قصة الطغيان والستضعاف ‪ ،‬أدركنا حاجتنا أهمية أن‬
‫ل لوحده ‪ ،‬وكل مؤسسة بذاتها ‪ ،‬حتى‬ ‫يكون لنا مع الهجرة وقفات طويلة ‪ ،‬ك ٌ‬
‫نصل إلى كل المة ‪.‬‬
‫وإذا فقهنا حكمة الهجرة ومراميها ‪ ،‬علينا أن نرتقي إلى عميق فهمها ‪،‬‬
‫ونتأمل ـ كمهاجرين ! ـ في تحقيق هذه الهداف فينا أول ً ‪ ،‬هل ثمة تخلص مع‬
‫حالت العوز الفكري والنفسي وغيرها ‪ ،‬أم ربما حدث التراجع !! ‪ ،‬هل ثمة‬
‫تغير حدث عندما ندرك البعد التجديدي في الهجرة ؟ أم أن ثمة تخلف لف‬
‫بعضنا ‪ ،‬هل حدث التماسك القوي الداخلي ‪ ،‬من خلل صدق النفوس‬
‫ومحاسبتها ‪ ،‬أم زادت الشقة ‪ ،‬وظهرت النعرات ‪ ،‬ولمست ثوابت وطننا‬
‫المسلم ! الغيور ‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم أن المستورد القرشي قال عند عمرو بن العاص ‪ :‬سمعت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪ :‬تقوم الساعة والّروم أكثر الناس ‪.‬‬
‫فقال له عمرو ‪ :‬أبصر ما تقول ؟ قال ‪ :‬أقول ما سمعت من رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ .‬قال ‪ :‬لئن قلت ذلك إن فيهم لخصال ً أربعا ‪:‬‬
‫* إنهم لحلم الناس عند فتنة‬
‫* وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة‬
‫* وأوشكهم كرة بعد فرة‬
‫* وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف‬
‫* وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك ‪.‬‬
‫هذا الحديث الصحيح حجة على كل من يعيش في المهجر ‪ " ،‬الحلم ‪ ،‬سرعة‬
‫النهوض ‪ ،‬اليجابية ‪ ،‬الحسان للضعيف ‪ ،‬ومنع الظلم " هذه صفات قد‬
‫يلمسها المهاجر بنسب ‪ ،‬فهل تأمل واعتبر وفقه واستفاد ‪ ،‬أم برزت‬
‫السلبيات في القوم ‪ ،‬وغطت على ما ذكره داهية العرب عمرو بن العاص ‪،‬‬
‫لتزيد هذه التغطية على حالة الستخفاف والطغيان عندنا !‬
‫النبي عليه الصلة والسلم صام عاشوراء لن الله أنقذ فيه أمة من‬
‫الطغيان ‪ ،‬وأنقذ فيه أمة من الستضعاف ‪ ،‬وقال قول واضحا لليهود في‬
‫وقته ‪ ) :‬أولى بموسى منكم ( ‪ ،‬لتمسي هذه العبارة جزء من منهجية المسلم‬
‫في جمع كل خير متناثر في أمة من المم ‪ ،‬مرددا خلف النبي المصطفى‬
‫عليه الصلة والسلم ) أولى بذلك منكم ( ‪ ،‬ويزيد المسلم وعيه بفقه داهية‬
‫العرب عمرو بن العاص ‪ ،‬الذي تفطن للعناصر التي جعلت من الروم شأنا ؛‬
‫الحلم ‪ ،‬اليجابية ‪ ،‬المسارعة ‪ ،‬الرحمة الجتماعية ‪ ،‬والحسنة الجميلة‬
‫) أمنعهم من ظلم الملوك ( ‪ .‬ألسنا أولى بذلك منهم ؟ ونحن أمة‬
‫المصطفى ‪ ،‬وأمة الرسالة الخاتمة !!‬
‫يقف المسلم ‪ -‬الذي يريد العتبار بالهجرة ‪ -‬أمام هذه المعاني مع نفسه ‪،‬‬
‫سلما ً للوصول إلى ما يريد ‪ ،‬بصدق ويقين وإرادة صادقة قوية ‪.‬‬ ‫ويرتب لها ُ‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وفي الهجرة النبوية ورد ‪ ) :‬فدخل أبو بكر رضي الله عنه قبل رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فتلمس الغار لينظر أفيه سبع أو حية يقي رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم بنفسه ( الروض النف ‪.‬‬
‫فتش فيما وقيت به هذه الدعوة ! ‪ ،‬وبما وقيت به بلدك وحالة العوز التي يمر‬
‫بها الجميع ‪ ،‬وبما وقيت به حالة الطغيان أو الستخفاف ! ‪ ،‬هل كنت عمليا‬
‫ولك أهداف وخطط وبذل وعطاء ‪ ،‬أم هي أعمال الحناجر واتهام الطغيان‬
‫ونسيان طرفي المعادلة وهل كنت خلل العام الماضي ممن يفدون الدعوة‬
‫ووطنهم بسلوكهم وعملهم وتضحيتهم ‪ ،‬أم أن كتف الدعوة والوطن تألم منك‬
‫ديق يدخل قبل النبي عليه الصلة والسلم ليفديه من سبع أو حية أو‬ ‫‪ ،‬الص ّ‬
‫عقرب ‪ ،‬فبم فديت أنت هذا الدين ! وبما فديت هذا الوطن الحبيب ؟ ‪ ،‬فتش‬
‫مر ؛ فإنك في عام هجري جديد ‪.‬‬ ‫وراجع وش ّ‬
‫لنقرأ المقال من جديد !‬
‫أخي أختي ‪ ،‬أيها الحبة ‪:‬‬
‫* لبد أن نكون عمليين في الحداث التاريخية التي تمر بنا ‪ ،‬نعتبر منها‬
‫ونستخلص الدروس ‪ ،‬لنعمل وننطق ‪ ،‬فتكون الهجرة مصدر دفع وعلو‬
‫لنفوسنا وأرواحنا ‪ ،‬إن أردنا أن نكون من أصحاب البصائر والعقول !‬
‫* ليكون المحور الولي في اعتبارنا هذا هو ) التغيير ( النتقال من حال إلى‬
‫حسن إلى حال الحسن ‪ ،‬وانتقل‬ ‫حال ‪ ،‬مهما كنت عاليا ‪ ،‬انتقل من حال ال ُ‬
‫من حالة الركود التي تفسد النفس ‪ ،‬إلى حالة الجريان التي تنعش الحياة ‪،‬‬
‫وانتقل من دار الكسل والتواني ‪ ،‬إلى موطن الهمة والتفاني ‪.‬‬
‫* رحمة الله نشرها لك بين العامين ‪ ،‬بتذكير بنصف اليمان ‪ ،‬بالتربية على‬
‫صناعة الرادة ‪ ،‬فكن واعيا لهذا الدرس ‪ ،‬وخذ في قلبك تكفير ثلث سنوات ‪،‬‬
‫وانطلق في تربية إرادتك ‪ ،‬فلن ينفع المة أصحاب الرادات الهزيلة ‪ ،‬فضل‬
‫عن سفول فيها ‪ ،‬ولن يكون لك المقام في عليين إل بمقام من الرادة‬
‫عالي ‪.‬‬
‫* حال المة لن يتغير ! ؛ إل إذا تغيرت أنت أول ‪ ،‬فكل مسلم مؤمن مكلف‬
‫في ذاته ‪ ،‬وما المة إل أفرادها ‪ ،‬ل تزال طائفة منها على الحق ‪ ،‬فكن أنت‬
‫منها ‪ ،‬وكن عامل فيها ‪ ،‬وكن ساعيا لمجدها وعزتها ‪ ،‬ول تنتظر عصا موسى ‪،‬‬
‫فلديك كتاب أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫* إن أردت أن تتخلص المة من الطغيان والتغول ؛ فتخلص منه في ذاتك أول‬
‫‪ ،‬وضم يدك في يد أخيك ‪ ،‬وتمسك بها بقوة ‪ ،‬وكن إيجابيا ‪ ،‬محبا للخير ‪،‬‬
‫ديق‬‫عامل له ‪ ،‬قامعا للجهل والقهر ‪ ،‬بمنهجية وتروي ‪ ،‬وصدق ‪ ،‬عّلمه لك الص ّ‬
‫رضوان الله عليه ‪.‬‬
‫* أنت أولى بكل تميز وبكل خير ‪ ،‬وبكل علم لدى الخرين ‪ ،‬فكن متفائل‬
‫طموحا ‪ ،‬تجمع كل الخيرات في المم في قلبك وعقلك يا صاحب البصيرة‬
‫والعقل المستنير ‪ ،‬بحسن القتداء بخير خلق الله كلهم ‪.‬‬
‫* الطريق أمامك ؛ حدد مسارك في هجرتك اليوم ‪ ،‬ارسم ‪ ،‬خطط ‪ ،‬تابع و‬
‫أتقن ‪ ،‬وكن عبد الله العالي ‪.‬‬
‫م وغابا‬
‫س ** وشاع بنوره نج ٌ‬
‫فصلوا كلما ذرت شمو ٌ‬
‫م ** فمن صلى عليه جنى الثوابا‬ ‫على الهادي وعترته سل ٌ‬
‫مع خالص التحية ‪*....‬‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫لنحترم أوقات الخرين‬


‫ندرك جميعا ً أنه من واجبات المرء أن يحافظ على وقته ويرعاه‪ ،‬وأن يحاسب‬
‫نفسه على الوقات التي أضاعها ل الوقات التي اغتنمها‪.‬‬
‫لكننا أحيانا ً في تعاملنا مع غيرنا ‪-‬خاصة من أهل العلم والدعوة الذين‬
‫يقصدهم الناس ويزدحمون حول أبوابهم‪ -‬ربما أسأنا لوقاتهم من حيث‬
‫لنشعر‪ ،‬وأحيانا ً يغيب عن أذهاننا أن من مسؤوليتنا المحافظة على أوقات‬
‫الخرين أو على القل احترامها‪.‬‬
‫ومن صور تلك المحافظة‪ :‬افتراض الخلف حول تحديد الولويات‪ ،‬فما نراه‬
‫مهما ً لدينا قد ليكون كذلك لديهم‪ ،‬وحتى حين يبقى الخلف قائما ً فالقضية‬
‫تتعلق بصاحب الوقت فرأيه أولى أن يعتبر‪.‬‬
‫وقد نرى أننا بحاجة إلى مساعدة شخصية من أمثال هؤلء‪ ،‬كقراءة مسودة‬
‫كتاب‪ ،‬أو مشروع عمل‪ ،‬أو تقديم استشارة في أمر ما‪ ،‬وهو مطلب مشروع‬
‫لكنه حين يتجاوز دائرة الطلب إلى اللحاح والصرار فهو ينم عن صورة من‬
‫صور الوصاية على أوقات الخرين‪.‬‬
‫وحين يعتذر لنا بالنشغال فتقديرنا لنشغاله وقبولنا لعذره يمثل صورة من‬
‫صور احترام وقته‪ ،‬وكيف نلوم من اعتذر عن استقبالنا وهو حق شرعي له‬
‫وقد أدبنا القرآن بهذا الدب )وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم(‬
‫والرجوع الزكى ينبغي أن يصحب بالتقدير للعتذار ل النصراف بالسخط‬
‫واللوم‪.‬‬
‫روى ابن جرير بإسناده إلى قتادة قال‪ :‬قال بعض المهاجرين لقد طلبت‬
‫عمري كله هذه الية‪ ،‬فما أدركتها أن أستأذن على بعض إخواني فيقول لي‬
‫ارجع‪ ،‬فأرجع وأنا مغتبط )وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله‬
‫بما تعملون عليم(‪.‬‬
‫وقد جاء تحديد ذلك بالثلث في السنة النبوية‪ ،‬فعن أبي موسى الشعري‬
‫‪-‬رضي الله عنه‪ -‬قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ‪ ":‬إذا استأذن‬
‫أحدكم ثلثا فلم يؤذن له فليرجع")]‪.([1‬‬
‫وتقدير النشغال بأعمال خاصة به نفسه كالذكر والقراءة ونحو ذلك‪ ،‬مظهر‬
‫من مظاهر رعاية أوقاتهم؛ خلفا ً لما يسلكه بعض الناس حين يقدم على من‬
‫هو منشغل بذكر أو تلوة فيقطع عليه ذلك لمر ليستحق‪.‬‬
‫وقد نبه ابن القيم رحمه الله إلى أن إيثار المرء الناس بوقته أمر يفسد عليه‬
‫حاله فقال‪":‬مثل أن تؤثر جليسك على ذكرك‪ ،‬وتوجهك وجمعيتك على الله‪،‬‬
‫فتكون قد آثرته بنصيبك من الله ماليستحق اليثار‪ ،‬فيكون مثلك كمثل‬
‫مسافر سائر في الطريق لقيه رجل فاستوقفه‪ ،‬وأخذ يحدثه ويلهيه حتى فاته‬
‫الرفاق‪ ،‬وهذا حال أكثر الخلق مع الصادق السائر إلى الله تعالى؛ فإيثارهم‬
‫عليه عين الغبن‪ ،‬وما أكثر المؤثرين على الله تعالى غيره ‪ ،‬وما أقل المؤثرين‬
‫الله على غيره‪ .‬وكذلك اليثار بما يفسد على المؤثر وقته قبيح أيضًا‪ ،‬مثل أن‬
‫يؤثر بوقته‪ ،‬ويفرق قلبه في طلب خلقه‪ ،‬أو يؤثر بأمر قد جمع قلبه وهمه‬
‫على الله؛ فيفرق قلبه عليه بعد جمعيته‪ ،‬ويشتت خاطره‪ ،‬فهذا أيضا ً إيثار غير‬
‫محمود‪ .‬وكذلك اليثار باشتغال القلب والفكر في مهماتهم ومصالحهم التي‬
‫لتتعين عليك‪ ،‬على الفكر النافع ‪ ،‬واشتغال القلب بالله‪ ،‬ونظائر ذلك لتخفى‪،‬‬
‫بل ذلك حال الخلق‪ ،‬والغالب عليهم‪ .‬وكل سبب يعود عليك بصلح قلبك‬
‫ووقتك وحالك مع الله فل تؤثر به أحدًا؛ فإن آثرت فإنما تؤثر الشيطان وأنت‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لتعلم" )]‪.([2‬‬
‫ومن مظاهر احترام أوقات الخرين احترام مواعيدهم من حيث النضباط‬
‫فيها‪ ،‬والعتذار عند حصول مانع مفاجيء‪.‬‬
‫ومن الدب مع أوقاتهم‪ ،‬أن يبادر المرء بالستئذان متى ما انتهى من شغله‬
‫وحاجته‪ ،‬أو شعر أنه قد أطال بما فيه الكفاية؛ إذ قد يجد الرجل حرجا ً من أن‬
‫يطلب من زائره النصراف وهو ربما كان ينتظر انصرافه على أحر من‬
‫الجمر‪.‬‬
‫وقد يظن بعض الناس أن اللحاح في الدعوة والمشاركة في المناسبات‬
‫الخاصة أمر يعكس عظم قدر الشخص عنده‪ ،‬وقد ليكون المر كذلك‪ ،‬بل‬
‫يمثل إهدارا ً لوقت كان يمكن أن يستفيد منه فيما هو أولى‪.‬‬
‫ويبقى المر بعد ذلك يحتاج إلى اتزان فعلى الدعاة وأهل العلم أن يسعوا‬
‫للعطاء من أوقاتهم والحتساب في ذلك‪ ،‬وعلى من يعاملهم أن يوازن بين‬
‫استفادته من أوقاتهم‪ ،‬وبين إسهامه في المحافظة عليها‪.‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫)]‪ ([1‬رواه البخاري )‪ (6245‬ومسلم )‪(2154‬‬
‫)]‪ ([2‬مدارج السالكين )‪(2/310‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لنكن صرحاء ‪ ..‬السلفية خط الدفاع الخير‬


‫الكاتب ‪ /‬أحمد فهمي‬
‫الجنرال المريكي )جون أبي زيد( قائد القوات المريكية في الشرق‬
‫الوسط‪ ،‬يعتبر أن الستراتيجية الفائزة في العراق وفي أنحاء العالم‬
‫السلمي هي عزل الطليعة السلفية عن المسلمين العاديين الذين يرغبون‬
‫في حياة أفضل وأكثر حرية‪ ،‬وهو يقول إن »وعاظ السلفيين يرون أنفسهم‬
‫جزءا ً من طليعة حركة مهمتها دفع المسلمين الخرين نحو تبني )الفكار‬
‫الراديكالية(« ويشبه أبي زيد ـ قبحه الله ـ هؤلء بلينين وتروتسكي وزعماء‬
‫مع لخبراء في السياسة الخارجية بواشنطن‪،‬‬ ‫الشيوعية الخرين‪ .‬وخلل تج ّ‬
‫طرح أبي زيد سؤال ً وجيهًا‪ :‬ماذا كنتم فاعلين عام ‪ 1890‬لو كنتم تعلمون‬
‫مدى الدمار الذي ستجلبه تلك الطليعة البلشفية؟ والجواب معروف طبعًا‪.‬‬
‫الجنرال المريكي )جون أبي زيد( قائد القوات المريكية في الشرق‬
‫الوسط‪ ،‬يعتبر أن الستراتيجية الفائزة في العراق وفي أنحاء العالم‬
‫السلمي هي عزل الطليعة السلفية عن المسلمين العاديين الذين يرغبون‬
‫في حياة أفضل وأكثر حرية‪ ،‬وهو يقول إن »وعاظ السلفيين يرون أنفسهم‬
‫جزءا ً من طليعة حركة مهمتها دفع المسلمين الخرين نحو تبني )الفكار‬
‫الراديكالية(« ويشبه أبي زيد ـ قبحه الله ـ هؤلء بلينين وتروتسكي وزعماء‬
‫مع لخبراء في السياسة الخارجية بواشنطن‪،‬‬ ‫الشيوعية الخرين‪ .‬وخلل تج ّ‬
‫طرح أبي زيد سؤال ً وجيهًا‪ :‬ماذا كنتم فاعلين عام ‪ 1890‬لو كنتم تعلمون‬
‫مدى الدمار الذي ستجلبه تلك الطليعة البلشفية؟«]‪ [1‬والجواب معروف‬
‫طبعًا‪.‬‬
‫التيارات السلفية إذن هي هدف الهجوم الول بالنسبة للصف المعادي‪،‬‬
‫وتكمن المفارقة هنا في أن السلفية بالنسبة للصف السلمي هي خط الدفاع‬
‫الخير‪ ،‬أو بلفظ آخر هي آخر من يظل متمسكا ً بالثوابت السلمية التي‬
‫ن‬
‫كو َ‬‫س ُ‬
‫م ّ‬
‫ن يُ َ‬ ‫تحولت عند الغالبية إلى متغيرات‪ .‬يقول الله ـ تعالى ـ‪َ)) :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن(( )العراف‪ (170 :‬وتفيد‬ ‫حي َ‬
‫صل ِ ِ‬
‫م ْ‬‫جَر ال ْ ُ‬
‫ضيعُ أ ْ‬
‫صلةَ إّنا ل ن ُ ِ‬
‫موا ال ّ‬ ‫ب وَأَقا ُ‬ ‫ِبال ْك َِتا ِ‬
‫سكون« »أن التمسك أمر تنبغي ملزمته في جميع الزمنة«‪.‬‬ ‫م ّ‬ ‫كلمة »ي ُ َ‬
‫وفي الحرب السرائيلية الخيرة على لبنان‪ ،‬يشاء الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن‬
‫تبقى التيارات السلفية رافعة لراية النقاء العقدي والديني للمة في مواجهة‬
‫اختلط الرايات والشعارات‪ ،‬وفي كل أزمة ونازلة في الونة الخيرة؛ فقد‬
‫باتت السلفية تمثل خط المواجهة الخير الذي يحمل عبء رفع راية العلم‬
‫وبذل الجهد لمنع اندثار ثوابت السلم‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد دخلت فتنة »حزب الله اللبناني« كل بيت تقريبا‪ ،‬وأصبحت رايات الحزب‬
‫وصور زعيمه تخفق في مختلف أنحاء العالم العربي‪ ،‬وهتفت الجماهير في‬
‫شّبهه‬‫رحاب الزهر السني‪» :‬نصر الله نصر الله‪ ..‬كل مصر حزب الله«‪ ،‬و َ‬
‫المرشد العام لجماعة الخوان المسلمين بـ »صلح الدين اليوبي« ووصفه‬
‫آخرون بأنه زعيم المة السلمية‪ ،‬وحتى اليساريون التبس عليهم المر‬
‫وخلطوا بين »الناصرية« و »النصرية« واعتبروا أن »اللف« ل تصنع فارقا ً‬
‫كبيرًا‪ ،‬فرفعوا لفتات »ناصر ‪1956‬م‪ ،‬نصر الله ‪2006‬م«‪.‬‬
‫ولكن اليساريين ل تثريب عليهم اليوم؛ فقد تسرب دينهم من ثقوب كثيرة‬
‫في عقولهم وقلوبهم من قبل‪ ،‬والجماهير تسوقهم قناة الجزيرة أكثر مما‬
‫يفعله ألف منبر وخطيب‪ ،‬وإنما تكمن الزمة في السلميين المنبهرين بحزب‬
‫الله‪ ،‬وتحديدا ً في المنهج الذي اتبعوه في اتخاذ موقف التأييد والدعم‪ ،‬وقد‬
‫مس معالم واضحة لهذا المنهج فأعياني البحث‪ ،‬ولم أجد إل‬ ‫ت جاهدا ً تل ّ‬ ‫حاول ُ‬
‫عبارات عاطفية حماسية تتحدث عن الوحدة مع حزب الله )الثني عشري(‪،‬‬
‫ولكني لم أجد أي حديث عن الوحدة مع تيارات وجماعات سلفية‪ ،‬إنها وحدة‬
‫من نوع خاص إذن‪ ،‬تتجاوز حقائق الدين والتاريخ والسياسة‪ ،‬وحدة تقفز‬
‫برشاقة فوق أحاديث الفرق الضالة؛ بينما تتعثر في أحاديث الطائفة‬
‫المنصورة‪.‬‬
‫والملحظ أن العتراضات على تبّني أغلبية التيارات السلفية لموقف مضاد‬
‫كز على أهمية الوحدة في الظرف‬ ‫لحزب الله متباينة إلى حد كبير؛ فبعضها ير ّ‬
‫الحالي‪ ،‬وبعضها يرفض اتهام الشيعة أصل ً بأنهم روافض‪ ،‬والبعض الخر يعتبر‬
‫أن المامية بمثابة مذهب فقهي خامس‪ ،‬وبعض هؤلء يختزل القضية في أن‬
‫عدو عدوي صديق لي‪ ،‬وكل من يضرب الكيان الصهيوني ل بد من موالته أيا ً‬
‫كان‪.‬‬
‫والحق الذي نراه أن المنهج الواجب اتباعه لتحديد الموقف الصائب من هذه‬
‫القضية الشائكة ل بد أن يتضمن ثلثة محاور‪ :‬الول‪ :‬عقدي‪ ،‬والثاني‪ :‬تاريخي‪،‬‬
‫والثالث‪ :‬سياسي‪.‬‬
‫ل‪ :‬المحور العقدي‪:‬‬ ‫* أو ً‬

‫)‪(1 /‬‬

‫اختلط الرايات وتداخلها أصبح فتنة العصر‪ ،‬فالقضايا كلها من المتشابهات‬


‫قياسا ً إلى تراجع العلم في أوساط الناس من ناحية‪ ،‬وتراجع العلماء عن‬
‫اتخاذ مواقف عقدية حازمة من ناحية أخرى‪ ،‬وأصبحت المنطلقات العقدية‬
‫هي آخر ما ينظر إليها في تحديد الولءات واللءات‪ .‬وفي فتنة حزب الله‪،‬‬
‫ة المنهج العقدي في تفسير الحداث‬ ‫انتقد بعض السلميين صراح ً‬
‫والمتغيرات‪ ،‬ونقدم مثال ً على ذلك مقالة نشرت على موقع مجلة العصر‬
‫تحت عنوان »خدعة التحليل العقدي« اعترض فيها الكاتب بشدة على اتباع‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رؤية عقدية في تفسير الحداث في لبنان‪ ،‬وقال‪» :‬فالمشايخ الذين يفسرون‬


‫الحرب في لبنان على أنها )مشكلة طائفية(‪ ،‬وانحراف وتوريط نجد تفسيرهم‬
‫عقديا ً جزئيا ً وخاطئًا« وقال بعبارة واضحة‪» :‬المحلل العقدي ضيق الفق‪،‬‬
‫قريب المدى‪ ،‬محدود البعاد في التفسير‪ ،‬ويأنس لرؤيته وموقفه أولئك‬
‫المحدودون الذين ل يتحملون تعدد مجالت الرؤية‪ ،‬وصحيح أن التفسير‬
‫الحادي المغلق‪ ،‬الذي ل يدع مجال ً للتفكير ول تعدد الفهام‪ ،‬يصلح للقادة‬
‫الغوغائيين‪ ،‬وقادة الجنود في الميدان‪ ،‬ولكنه ل يصلح لمستوى أعلى من‬
‫الناس‪ ،‬ول يصلح أن يسيطر على دولة؛ لنها ستصبح بهذا التفسير فاشلة«‪.‬‬
‫وقدم الكاتب عدة مسوغات لهذا النقد الحاد‪ ،‬فقال‪» :‬لماذا يعاني التفسير‬
‫العقدي من القصور‪ ،‬والتعصب وقصر النظر؟‪ :‬لن المحلل العقدي يؤمن بأنه‬
‫على الحق دائمًا‪ ،‬وأن النصوص معه تؤيده وتحفزه وتحدد أطراف المعركة«‪،‬‬
‫وقال أيضًا‪» :‬المحلل العقدي المتزمت لطائفته سواء أكان شيوعيا ً أم شيعيا ً‬
‫أم سنيًا‪ ،‬فإنه ل يرى العالم إل من خلل عقيدته‪ ،‬وهي تعطيه مرة جزءا ً تافها ً‬
‫من المعرفة‪ ،‬ومرة تساعده كثيرا ً على المعرفة في التحليل‪ ،‬ولكن تغيب عنه‬
‫آفاق قضيته«‪.‬‬
‫ويقدم الكاتب بعض البدائل التي يراها أنسب من التحليل العقدي للوصول‬
‫إلى موقف صائب من مختلف القضايا‪ ،‬فيقول‪» :‬إننا نجد في التحليل‬
‫القتصادي والعنصري الستعماري تفسيرا ً كثيرا ً للحداث الدائرة اليوم‪،‬‬
‫للصراع بين القوياء والضعفاء‪ ،‬بين الشعوب المغلوبة المقهورة على أرضها‬
‫وثروتها وبين الغالبين تفسيرا ً واضح التعليل‪ .‬أما التفسير العقدي فيسقط عند‬
‫رجلي قائله‪ ،‬وبخاصة لو نقله إلى الحدود المجاورة لبلد التحليل؛ فلو نقلت‬
‫صراع سنة وشيعة بضعة كيلو مترات من لبنان إلى فلسطين لسقط‪ ،‬ولو‬
‫حملته إلى إيران أو العراق أو أفغانستان‪ ،‬فل شك أنه ل يساوي حبرا ً كتب‬
‫به«‪.‬‬
‫والحق أن الفكار الواردة في هذه المقال تحتاج إلى إسهاب في تناولها‬
‫والتعليق عليها باعتبارها مثال ً على النقد الموجه ضد التيارات السلفية التي‬
‫تعتمد رؤية عقدية في تحديد موقفها من حزب الله في لبنان‪ ،‬ولكن نكتفي‬
‫في هذا السياق بالشارة إلى نقاط رئيسة‪:‬‬
‫‪ -1‬يتضمن هذا الطرح ـ مع تقديري الشديد للكاتب ـ بواكير انهزامية تستدعي‬
‫تجديدا ً مزعوما ً كالذي جاء به )الشيخ محمد عبده( من قبل‪ ،‬وهو نمط من‬
‫التجديد ل يحسن انتقاء القديم والبالي المفتقر إلى تحديث‪ ،‬بل القاعدة‬
‫عنده‪ :‬ذ َُروه كله أو اتركوه كله‪ ،‬وأي فكر يتعرض للتقادم بمرور الزمن‪ ،‬وليس‬
‫العيب في تقادم بعض مفردات المنهج السلفي‪ ،‬بل الخلل في سوء تشخيص‬
‫موضع التقادم والتحديد الخاطئ لموطن التغيير والتجديد؛ فما قدمه المقال‬
‫هو بمثابة تعليق الثوب الصحيح على المشجب الخطأ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -2‬من معالم النهزامية الواردة في المقال‪ :‬النسحاب فكريا إلى موقف‬
‫حيادي مزعوم يستدعي خطاب »رأيي صواب يحتمل الخطأ‪ ،‬ورأي غيري‬
‫خطأ يحتمل الصواب« في غير موطنه‪ ،‬وهذا الموقف قد يكون سائغا ً في‬
‫ل‪ ،‬ولكن أن نعتبره في التعامل مع فرق وطوائف‬ ‫مجال الختلف الفقهي مث ً‬
‫أجمع جل العلماء على ضللتها‪ ،‬فهذا ليس طلبا ً للحق‪ ،‬ولكنه تنازل عن أصل‬
‫الحق الذي أعتنقه من أجل فسح مجال أوسع لللتقاء مع مخالف هو نفسه‬
‫لن يتنازل عما يراه حقًا‪ ،‬وبذلك ل يكون المطلوب هو تطوير أو ترقية التحليل‬
‫العقدي‪ ،‬ولكن التخلي عنه وتعطيله لفترة من الزمن ريثما تتحقق مصالح‬
‫سياسية يراها البعض معتبرة‪ ،‬وبذلك ل يصبح الوضع المثالي عند أصحاب هذا‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الطرح أن يتم اعتماد منهجية متكاملة في التحليل ترتكن على التفسير‬


‫ل‪ ،‬وتعتبر بمعطيات السياسة والجغرافيا وغيرها ثانيًا‪ ،‬ولكن يصبح‬‫العقدي أو ً‬
‫الوضع مثاليا ً في بعض الحيان ـ لديهم ـ باستبعاد التفسير العقدي مؤقتا ً أو‬
‫دائما ً حتى ل يشوش على معطيات السياسة‪ ،‬أو بمعنى آخر تعطيل طائفة ل‬
‫بأس بها من النصوص القرآنية والنبوية من أجل الرتقاء العقلي والفكري‬
‫الذي يرومه أصحاب هذا الطرح‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -3‬مشكلة هذا الطرح أنه يتخلى عما يسميه جمودًا‪ ،‬فيقع في حالة هلمية‬
‫فكرية ل تستقر في قالب معين‪ ،‬وهي حالة تجعل أصحابها في أحسن حالتهم‬
‫يصطفون ضمن ركب البراجماتية العالمية‪ ،‬فرفاق اليوم قد يكونون أعداء‬
‫الغد‪ ،‬وخصوم المس ل مانع من موالتهم اليوم‪ ،‬وهو ما وقعت فيه كثير من‬
‫الفصائل السلمية بالفعل‪ ،‬فأصبحنا نرى تناقضات يضطر الرأي العام‬
‫والخاص إلى تجاهلها والقفز عليها اعتبارا ً للظروف الصعبة‪ ،‬ولكن ينبغي‬
‫الشارة إليها لهميتها‪ :‬تباين المواقف من الحتلل داخل جماعات تنتمي إلى‬
‫الفكر نفسه‪ ،‬فبعض السلميين في العراق يهادن الحتلل المريكي الذي‬
‫قتل عشرات اللوف من العراقيين السنة‪ ،‬ويشارك في مشروعه السياسي‬
‫الذي تعتبر المشاركة السنية أهم عوامل نجاحه‪ ،‬بينما حركة حماس التي‬
‫تتمي إلى الفكر نفسه تتخذ موقفا ً مقاوما ً للحتلل الصهيوني‪ ،‬وبينما يبذل‬
‫بعض السلميين في سورية جهودا ً جبارة لسقاط النظام السوري‪ ،‬تدافع‬
‫حماس والجهاد الفلسطيني بشدة عن بقاء النظام الذي قتل اللف من‬
‫جماعة الخوان المسلمين في سورية‪ ،‬ودعم حركة أمل الشيعية في لبنان‬
‫والتي كانت تضم عناصر حزب الله قبل تأسيسه‪ ،‬دعمها في إقامة المذابح‬
‫للفلسطينيين في لبنان‪ ،‬وفي قضية حزب الله يصبح علينا وفقا ً لنهج التخلي‬
‫عن التحليل العقدي أن نؤيد حسن نصر الله بقوة‪ ،‬رغم أنه تلميذ ووكيل علي‬
‫خامنئي مرشد الثورة اليرانية الذي يدرب ويمول حرسه الثوري ميليشيات‬
‫الصدر وبدر في العراق لذبح أهل السنة‪.‬‬
‫‪ -4‬في مقابل حزب الله اللبناني الذي يحظى بهذه المكانة الرفيعة‪ ،‬فإن‬
‫تجاوز الولءات العقدية أدى إلى الحجام عن دعم حركة طالبان ولو سياسيا ً‬
‫أثناء الغزو المريكي لفغانستان‪ ،‬وقد تداعى بعض العلماء فقط لزيارة‬
‫الحركة في محاولة منهم لنقاذ تمثال بوذا‪ ،‬وفي الصومال يحقق اتحاد‬
‫المحاكم السلمية إنجازات هائلة ل يحفل بها السلميون المنشغلون بحسن‬
‫نصر الله‪ ،‬رغم أن مسؤول المم المتحدة سافيريو بيرتولينو اعترف أنه‪:‬‬
‫»على مدى ‪ 15‬سنة لم يستطع أحد أن يقوم بما قاموا به ـ اتحاد المحاكم‬
‫السلمية ـ في ‪ 15‬يوما«]‪ .[2‬أليس من اللفت أن كل الحركات السياسية‬
‫ذات التوجه السلفي تتعرض للهمال التام من قَِبل غالبية السلميين؟‬
‫‪ -5‬الخطأ الول في هذا الطرح أنه يعتبر التفسير العقدي مجرد مكون من‬
‫مكونات التفسير الصائب‪ ،‬يتقلص أحيانا ً إلى حد التلشي‪ ،‬ويتعاظم أحيانا ً‬
‫نادرة‪ ،‬والصحيح أن التفسير العقدي هو المرحلة الولى والقاعدة الساس‬
‫التي ينبني عليها مراحل أخرى من المعرفة والفهم والتحليل‪ ،‬ومن ثم ل‬
‫يمكن تصور منظومة تحليلية متكاملة ل تنطلق من مرحلتها الولى العقدية‪،‬‬
‫وبذلك يكون النقد الذي يمكن توجيهه للسلفيين في هذا المجال هو اكتفاء‬
‫بعضهم بالمرحلة الولى من مراحل الفهم والتحليل دون بقيتها‪ ،‬وليس‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تعاطيهم معها‪.‬‬
‫‪ -6‬ل توجد منهجية أخرى للتحليل أو التفسير تجعل متبعها يحقق قدرا ً كبيرا ً‬
‫من التوازن الداخلي والخارجي ـ بقدر ما يلتزم منها ـ سوى التفسير العقدي‪،‬‬
‫وحتى ل نقع في الخلل نقول‪) :‬التفسير العقدي السلمي( لن أصحاب هذا‬
‫الطرح ترتكز بعض أفكارهم كما قلنا سابقا ً على »التأرجح الحيادي« الذي‬
‫يجعلهم يناظرون المحلل العقدي السلمي بالمحلل العقدي الشيوعي‪،‬‬
‫وحسب قولهم‪ :‬إذا كان الخير قد جانبه الصواب بحكم التجربة التاريخية ـ‬
‫التي ينعون علينا الستفادة منها ـ فإذن ل بد أن يكون حكم الخفاق مطردا ً‬
‫على كل محلل عقدي حتى ولو كان مسلمًا‪.‬‬
‫* ثانيًا‪ :‬المحور التاريخي‪:‬‬
‫العتماد على التاريخ منهجا ً للتقويم وبلورة مواقف صائبة أمر بالغ الهمية‪،‬‬
‫فمقولة )التاريخ يعيد نفسه( صحيحة إلى مدى كبير‪ ،‬والتيارات السلمية‬
‫تحديدا ً تعيد إفراز أخطائها بصورة مستمرة ولكن في قوالب متجددة؛ بحيث‬
‫إن التقويم التاريخي يفيد في تلفي تلك الخطاء‪ ،‬فقط لو استطاعت تلك‬
‫التيارات القفز قليل ً فوق ضغوط الواقع وتداعياته‪..‬‬
‫ونذكر بعض المثلة التاريخية التي تكشف تعرض بعض التيارات السلمية‬
‫للخطأ في تحديد موقفها من فصائل شيعية‪:‬‬
‫‪ -1‬عندما وقعت الثورة الخمينية عام ‪1979‬م تداعى كثير من السلميين‬
‫للترحيب بها والتهليل لها‪ ،‬واعتبارها نصرا ً للسلم وأهله‪ ،‬ونشطت دعاوى‬
‫التقريب والتسامح واّتهم السلفيون كالعادة بأنهم محترفو تعكير الجواء‬
‫الخوية‪ ،‬وأنهم يتخيلون أوهاما ً وترهات ل أساس لها من الصحة‪ ،‬ولكن بعد‬
‫‪ 26‬عامًا‪ ،‬اضطر هؤلء جميعا ً للعتراف بالدور اليراني الطائفي الدموي في‬
‫العراق ضد السنة‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪ -2‬عندما تأسس )حزب الدعوة( الشيعي في العراق على يد محمد باقر‬


‫الصدر‪ ،‬كانت علقاته إيجابية مع حركة الخوان المسلمين في العراق‪ ،‬حتى‬
‫إن عددا ً من عناصره انضموا لجماعة الخوان‪ ،‬واستفاد الحزب الشيعي كثيرا ً‬
‫من خبرات الخوان التنظيمية والتربوية‪ ،‬ولكن لم يلبث الحزب أن أشتد‬
‫ساعده ووضع خطة لتصفية الرموز السلمية السنية ومن بينها قيادات‬
‫الخوان في العراق‪ ،‬ولكن مواجهة )صدام حسين( للحزب أجهضت تلك‬
‫الخطة الغاشمة‪ ،‬والن حقق )إبراهيم الجعفري( إنجازا ً كبيرا ً بإشرافه على‬
‫قتل أكثر من ‪ 40‬ألف عراقي سني خلل تسلمه رئاسة الحكومة لقل من‬
‫عام‪ ،‬كما صرح بذلك )الشيخ حارث الضاري( رئيس جبهة علماء المسلمين‪،‬‬
‫وذكر أحد الناشطين العراقيين نقل ً عن أحد القيادات السلمية المقيمة في‬
‫لندن‪ ،‬أنهم قد انخدعوا بحزب الدعوة أثناء حكم صدام حسين‪ ،‬وقدموا له‬
‫خدمات كثيرة وفتحوا له منابرهم ومراكزهم في أوروبا قبل أن يكتشفوا‬
‫حقيقته الدموية بعد احتلل العراق]‪.[3‬‬
‫‪ -3‬عندما دخل الحتلل الصهيوني جنوب لبنان نثر الشيعة عليه الورود ورحبوا‬
‫به لنه سيخلصهم من الفصائل الفلسطينية‪ ،‬وعندما وضعت الحرب الهلية‬
‫أوزارها في لبنان قام الجيش السوري بجمع السلح من جميع الفصائل‬
‫المقاومة دون تفرقة‪ ،‬وكان الهدف الرئيس هو تقليم أظفار الجماعة‬
‫السلمية اللبنانية السنية‪ ،‬واكتملت اللعبة بأن سلم حزب الله أيضا ً ما لديه‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من سلح‪ ،‬ولكن لم يلبث الجيش السوري أن أعاد لحزب الله أسلحته بعد‬
‫أيام قليلة‪ ،‬ومنذ عام ‪1982‬م سيطر حزب الله على الجبهة الجنوبية بإشراف‬
‫الحرس الثوري اليراني‪ ،‬ومنع أي مقاتل سني من مجرد القتراب من الحدود‬
‫مع فلسطين ]‪[4‬ومع ذلك عقد عضو اللجنة المركزية لحزب التحرير اللبناني‬
‫عثمان بخاش مؤتمرا ً صحفيا ً في بيروت‪ ،‬دافع فيه عن حزب نصر الله وقال‪:‬‬
‫»إن القاويل التي ترّوج بالقول إن الشيعة روافض هي أقاويل بائسة تنم عن‬
‫جهل قائليها« ]موقع أخبار الشرق ‪27/7/2006‬م[‪.‬‬
‫‪ -4‬حزب الله ل يتبرأ من تاريخه ول يخفي عقائده‪ ،‬ويمكن التأكد من ذلك من‬
‫خلل ُدور النشر الشيعية في بيروت والتي تطبع جميع الكتب الشيعية الدينية‬
‫والطائفية‪ ،‬كما أن قناة المنار رغم أسلوبها الدعائي وخطابها المداهن‪ ،‬إل أن‬
‫المتابع لها تتراكم لديه رؤية واضحة عن طائفية الحزب‪ ،‬وقد بثت القناة‬
‫مؤخرا ً برنامجين وثائقيين أنتجهما على عدة حلقات عن كل من محمد باقر‬
‫الصدر‪ ،‬والخميني‪ ،‬ويتضمنان عرضا ً لفكارهما وتوجهاتهما‪ ،‬ومعلوم أن باقر‬
‫الصدر من شيوخ حسن نصر الله زعيم حزب الله الحالي‪.‬‬
‫* ثالثًا‪ :‬البعد السياسي‪:‬‬
‫وبما أن الرؤية العقدية والتجربة التاريخية تدفعان في اتجاه بلورة موقف‬
‫معارض لحزب الله اللبناني‪ ،‬فإنه ل يتبقى أمام مؤيديه من السلميين السنة‬
‫إل التمسح بأعتاب المصالح السياسية‪ ،‬وخاصة أنهم يتهمون التيارات السلفية‬
‫بضعف الطلع السياسي وسطحية الستيعاب لمتغيرات الواقع؛ فهل تدعم‬
‫الرؤية السياسية اتخاذ موقف إيجابي من حزب نصر الله؟‬
‫كتب الصحفي المريكي )جون باري( في النيوزويك يتهم المسؤولين‬
‫المريكيين والصهاينة بأنهم عاجزون عن الموازنة بين المكاسب قصيرة‬
‫الجل والثمان طويلة المد في حرب لبنان؛ فهل يمكن القول إن السلميين‬
‫يعانون من المشكلة نفسها؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -1‬يطرح أحد الكتاب تساؤل منطقيا بخصوص مشروع حزب الله السياسي‪:‬‬
‫قوى المتحالفة معه فضل ً عن أن يعلنه‬‫»هل أعلن حزب الله عن مشروعه لل ُ‬
‫للمل من وراء هذا التصعيد المفاجئ وغير المسبوق‪ ،‬وكيف لي أو للقوى‬
‫المتحالفة معه أن أثق وأمشي في مشروع ل أعرف بداياته فضل ً عن نهاياته‪،‬‬
‫وهل هو مشروع إسلمي‪ ،‬أو عربي‪ ،‬أم أنه مشروع إيراني‪ ،‬وربما مشروع‬
‫نظام إقليمي ُيهيأ للمنطقة؟« ]‪.[5‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪ -2‬حزب الله يرتهن الوضع الفلسطيني لصالحه‪ ،‬هذه حقيقة واقعة‪ ،‬ول يمكن‬
‫القول إن حرب حزب الله قد أدت إلى تخفيف الضغوط على الفلسطينيين‪،‬‬
‫بل على العكس من ذلك يستمر الضغط عليهم ولكن دون تغطية إعلمية أو‬
‫اهتمام شعبي‪ ،‬فالجيش الصهيوني قتل خلل حربه على لبنان ‪ 163‬فلسطينيا ً‬
‫في غزة‪ ،‬منهم ‪ 78‬مدنيًا‪ ،‬ومن بينهم أيضا ً ‪ 36‬من الطفال الصغار‪ ،‬إضافة‬
‫م تنفيذ أكثر من‬
‫إلى ‪ 20‬امرأة‪ ،‬والمدافع أطلقت أكثر من ‪ 12‬ألف قذيفة‪ ،‬وت ّ‬
‫‪ 14‬عملية غزو ]‪[6‬واعتقل رئيس المجلس التشريعي )د‪ .‬عزيز الدويك(‬
‫وتعرض )إسماعيل هنية( رئيس الوزراء لمحاولة اغتيال بالسم‪ ،‬ولم تصل‬
‫حتى الن كذلك المساعدات المالية التي وعدت بها إيران قبل خمسة أشهر‪،‬‬
‫وكل ما حدث أن القضية الفلسطينية أصبحت مرتهنة لحساب حسن نصر الله‬
‫صاحب القرار الذي سحب التأييد الشعبي والسياسي من حماس‪ ،‬وحظي‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بمكانة لم ينعم بها حتى )الشيخ أحمد ياسين( ـ رحمه الله ـ وتحاول إيران‬
‫استيعاب حماس في هذه المنظومة وعندما التقى )علي لريجاني( المين‬
‫العام لمجلس المن القومي اليراني )خالد مشعل( في دمشق أكد له أن‬
‫»هذه معركة الجميع‪ ،‬وأن حماس ليست فقط مؤيدة بل شريكة فيما يجري‬
‫في هذه المعركة؛ لن هذه المعركة ُتخاض من أجل فلسطين«!]‪ ،[7‬ومن ثم‬
‫صرح )محمود مصلح( عضو البرلمان عن حركة حماس‪» :‬ل أحد يريد‬
‫التفاوض من دون حزب الله‪ ،‬القيام بذلك بشكل منعزل هو خيانة«! ]‪.[8‬‬
‫‪ -3‬ل يمكن القول إن انتصار حزب الله أو الكيان الصهيوني يحققان مصلحة‬
‫واضحة للمسلمين السنة؛ فانتصار الصهاينة ل يحمل إل مساوئ ل حصر لها‬
‫سوف تتحملها المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني قبل غيرهم‪ ،‬كما‬
‫سيزداد مستوى الخنوع العربي والتسلط المريكي‪ ،‬وستنتقل واشنطن إلى‬
‫المرحلة التالية في أجندتها الشرق أوسطية‪ ،‬أما انتصار حزب الله فمعناه أن‬
‫طهران سوف تنتقل إلى البند التالي في أجندتها التوسعية‪ ،‬وأن أسلوب‬
‫تحريك القليات سيكتسب زخما ً جديدًا‪ ،‬وسيبرز المشروع اليراني بقوة على‬
‫المستوى القليمي‪ ،‬وستزداد وطأة الستحواذ اليراني السوري على حركات‬
‫المقاومة الفلسطينية‪ ،‬وسيتراجع النفوذ العربي على الفصائل الفلسطينية‪،‬‬
‫ورغم حرص حركة حماس على تحرير قرارها السياسي من أي محاولت‬
‫للستيعاب‪ ،‬فإن حجم الضغوط والحصار المفروض عليها ليست هينة‪ ،‬أما في‬
‫حالة‪ :‬ل نصر ول هزيمة‪ ،‬فسوف تبقى الوضاع كما هي على الصعيد‬
‫الفلسطيني‪ ،‬لكن مع تهوين الدم العربي أكثر‪ ،‬ولن يلتفت أحد إلى سياسة‬
‫التدمير والقتل التي يمارسها العدو في الضفة أو غزة‪ ،‬وستكون إيران هي‬
‫الرابح الول‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -4‬انتصار حزب الله ولو سياسيا في هذه الحرب سوف يزيد من قوة‬
‫الختراق الشيعي للدول العربية‪ ،‬ومعلوم أن أغلب الدول العربية يوجد بها‬
‫حركات شيعية تنشط لنشر مذهبها بين المسلمين السنة‪ ،‬وسيسعى دعاة‬
‫التشّيع إلى استخدام الزخم الهائل )لكاريزما حسن نصر الله( وانتصار‬
‫الحزب‪ ،‬ويخطئ من يعتقد أن حزب الله اللبناني ل يهتم بهذه القضايا‪ ،‬فهي‬
‫بند رئيس في أجندته‪ ،‬وهو يستغل علقاته بحركات المقاومة السلمية‬
‫لختراق المجتمع الفلسطيني‪ ،‬ويعتبر الشيعة أن )فتحي الشقاقي( مؤسس‬
‫حركة الجهاد تشيع من قديم‪ ،‬ويذكرونه بهذه الصفة في الكتب التي تتحدث‬
‫عن المتحولين من السنة إلى الشيعة‪ ،‬كما ُيذكر »محمد شحادة« على أنه‬
‫من عناصر الجهاد وهو داعية نشط للتشيع في فلسطين]‪.[9‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وقد ذكر الدكتور عبد الله النفيسي في الندوة التي نظمتها قناة الجزيرة‬
‫وبثتها قبل ثلثة أشهر عن إيران ومنطقة الخليج العربي‪ ،‬ذكر أن أحد قادة‬
‫الجهاد أخبره بأن المساعدات اليرانية للحركة تكون عادة مصحوبة‬
‫بمطبوعات ترّوج للمذهب الشيعي‪ ،‬وقد كان حزب الله نشطا ً في هذا‬
‫المجال في الفترة التي اعتقل فيها مئات الفلسطينيين في مرج الزهور‬
‫جنوب لبنان‪ ،‬حيث كانت لقاءات مطولة تعقد بين دعاة الحزب وناشطيه مع‬
‫قيادات فلسطينية‪ ،‬وهو ما أدى لتشيع بعض العناصر من حركة الجهاد بالفعل‪،‬‬
‫وكان هذا الختراق من أسباب المشاحنات التي وقعت بين حركتي حماس‬
‫والجهاد‪ ،‬حيث كانت حماس تبدي في أول المر قلقها من هذا الختراق‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وخاصة أن قيادات الحركة في الخارج تأثروا في مراحل سابقة بالدعوة‬


‫السلفية في الكويت أي أن رؤيتهم العقدية في هذه القضية على قدر من‬
‫الوضوح‪ ،‬ولكن موقف حماس تراجع بسبب الحتضان اليراني السوري‬
‫للحركة في مقابل الهمال والقصاء العربي ]‪[10‬ومكمن الخطر في تنامي‬
‫القصاء العربي لحركة حماس للدرجة التي تصل بالحركة مع إدراكنا لفطنة‬
‫قيادات حماس في هذه المرحلة‪ .‬إلى أن تتشيع سياسيًا‪ ،‬أي يصبح قرارها‬
‫السياسي مرتهنا ً بالمصالح اليرانية على القل فيما يتعلق بالشؤون الخارجية‬
‫للحركة‪ ،‬مع إدراكنا لفطنة قيادات حماس في هذه المرحلة‪ ،‬والغريب أن‬
‫الدول العربية تبدي قلقها وتخوفها من السياسة اليرانية التوسعية في الوقت‬
‫الذي ل تبذل فيه أي جهد لتأمين حركات المقاومة السنية من النزلق إلى‬
‫التشيع السياسي‪ ،‬والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه القضية دائمًا‪ ،‬هو‪ :‬هل‬
‫توجد دولة عربية يمكن أن تستضيف وجودا ً نشطا ً لمكتب حماس السياسي‬
‫بخلف سورية وإيران ولبنان‪ ،‬أي قوس الهلل الشيعي؟‬
‫‪ -5‬العلقة بين حزب الله وتيار الصدر في العراق راسخة‪ ،‬وقد ذكرت تقارير‬
‫أمريكية أن إيران تستغل تيار الصدر لتسريب مساعدات إلى حزب الله‬
‫اللبناني‪ ،‬ويعتبر التيار أن مقتدى الصدر وحسن نصر الله ينسجان على‬
‫المنوال نفسه‪ ،‬وقبل أيام ألقى حازم العرجي من حركة الصدر خطبة أدان‬
‫فيها الدولة الصهيونية‪ ،‬وأعلن تضامنه مع حزب الله الذي شبهه بجيش‬
‫المهدي الميليشيا الموالية للصدر‪ ،‬وقاد مقتدى الصدر مظاهرة حاشدة لدعم‬
‫حزب الله‪ ،‬كما يحظى الحزب أيضا ً بدعم حزب الفضيلة الشيعي المتركز في‬
‫البصرة‪ ،‬وكل التيارين‪ :‬الفضيلة والصدر‪ ،‬يمارسان أعمال ً وحشية ضد السنة؛‬
‫فما الذي يجمع بينهما وبين حزب الله‪ ،‬وهل هناك حلقة مفقودة؟‬
‫‪ -6‬يقول )إبراهيم السيد( المين العام الول لحزب الله‪ ،‬إن‪» :‬لبنان بناه‬
‫الستعمار بالشكل الذي يحقق من خلله البوابة والمدخل الفكري والثقافي‬
‫إلى منطقة الشرق الوسط‪ ،‬وهو يحمل كل السلحة السياسية والعسكرية‬
‫والفكرية والثقافية والحضارية من أجل تحويل شعب من شخصية معينة إلى‬
‫شخصية أخرى منسجمة مع شخصية الغرب«]‪ .[11‬ونحن نقول‪ :‬إن إيران‬
‫تسعى اليوم‪ ،‬بل منذ عقود‪ ،‬لكي تحول لبنان إلى بوابة خاصة تحمل طابعها‬
‫ومذهبها الديني تخترق من خلله بقية الدول العربية؛ إذ الملحظ أن الفصائل‬
‫الشيعية في العراق ل تحظى بأي شعبية لدى الرأي العام العربي‪ ،‬ول تبذل‬
‫هي مجهودا ً في كسب ود العرب‪ ،‬بخلف حزب الله اللبناني وقيادته الحريصة‬
‫در مكانة بارزة لدى الشارع العربي المسلم‪.‬‬ ‫على تص ّ‬
‫ظ )الشيخ حارث الضاري( بالدعم ول بالتأييد الذي حصل عليه‬ ‫‪ -7‬لم يح َ‬
‫ً‬
‫)حسن نصر الله( زعيم حزب الله الشيعي‪ ،‬ولم يحصل عليه أيضا أي زعيم‬
‫عراقي سني‪ ،‬ولم ترفع أي مظاهرات في دولة عربية شعار هيئة علماء‬
‫المسلمين في العراق أو صور قادتها‪ ،‬فليهنأ إذن مللي إيران؛ فقد نجحوا في‬
‫خداع الرأي العام العربي‪ ،‬وقدموا غطاًء شيعيا ً شيعيا ً لعمالهم في العراق‪،‬‬
‫ونقلت قناة الجزيرة عن وكالت النباء أن القتلى الواردة جثثهم إلى مشرحة‬
‫بغداد في الشهر الماضي فقط كانت أكثر من ‪ 1800‬جثة‪ ،‬أغلبهم بطبيعة‬
‫الحال من السنة‪ ،‬هدية من طهران للشعوب السنية بمناسبة حرب لبنان‪.‬‬
‫* أيها السلفيون في العالم‪ ...‬اتحدوا!‬
‫قد تكون التيارات السلفية بالفعل هي خط الدفاع الخير في مواجهة‬
‫الختراق الشيعي‪ ،‬ولكنه خط مذبذب من الداخل‪ ،‬يعاني من الخلفات‬
‫»المجهرية« بين تياراته‪ ،‬وهي خلفات ل يمكن رؤيتها بالعقل المجرد‪ ،‬بل‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تحتاج إلى قدرات ذهنية خاصة لستيعابها‪ ،‬وتبقى هذه التيارات مع ذلك‬
‫محضنا ً للسلم وحصنا ً لعقيدته الصافية‪ ،‬ويحتاج اضطلعها بهذا الدور الخطير‬
‫إلى استحضار عدد من الفكار والمفاهيم‪:‬‬
‫‪ -1‬ينبغي على التيارات السلفية أن تعيد النظر في آلية تكوين الولءات‬
‫والعداءات فيما بينها‪ ،‬فالمر ل يتحمل هدرا ً للجهود والطاقات‪ ،‬ول يليق‬
‫التشاحن على قضايا اجتهادية بينما يفسح بعضهم مجال ً لحزب الله كي‬
‫يصطف بجوارنا‪ ،‬والمطلوب العمل على ترسيخ ثقافة التعاون على البر‬
‫والتقوى‪ ،‬والتناصح في قضايا الخلف‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪ -2‬إعادة النظر في الخطاب الدعوي السلفي على ضوء التطورات‬


‫والتغيرات‪ ،‬فلم نعد وحدنا في هذا العالم‪ ،‬وكل كلمة محسوبة ولها تبعاتها‪،‬‬
‫كما أن النطلق من فرضية توجيه الخطاب إلى أنصار وأتباع لم تعد كافية‬
‫في إقرار الحق‪ ،‬فهناك شبهات واختلط وتدليس وتداخل‪ ،‬ومن ثم يجب‬
‫الحرص على تكوين الرؤية القوية‪ ،‬وتوثيق المعلومة‪ ،‬وتعميق التحليل‪،‬‬
‫والبتعاد عن الخطاب الدعائي المحض الذي ينبني على العاطفة ويعتمد على‬
‫موالين مصدقين أكثر مما يعتمد على قوة التحليل ووضوح المعلومات؛ فالمة‬
‫في الوقت الحالي تحتاج بقوة أن يرفع التيار السلفي مستوى خطابه ويقوي‬
‫أساليب القناع والمناظرة والجدال لديه لكي يدافع وينافح عن الثوابت التي‬
‫يتولى حفظها وصيانتها‪.‬‬
‫‪ -3‬السلفيون مطالبون بحسن التفقه في الواقع وتناول القضايا السياسية‬
‫بعمق وتبصر‪ ،‬فقد أعرضت كثير من التيارات السلفية عن الهتمام بالقضايا‬
‫السياسية في الماضي حتى قال بعض رموزها‪» :‬السياسة نجاسة والبعد عنها‬
‫كياسة« فخلطوا بين ممارسة العمل السياسي وبين فهم الواقع والحداث‪،‬‬
‫ولذلك فإن كثيرا ً من الدعاة والمحاضرين والباحثين السلفيين عندما يتناولون‬
‫مثل هذه القضايا السياسية في الونة الخيرة يعتمدون منهجية متماثلة مع‬
‫منهجية إعداد الدروس والمحاضرات والبحوث الدعوية والدينية المحددة‪،‬‬
‫غافلين عن أن السياسة علم له مناهجه وأصوله التي يجب اعتمادها في‬
‫تناول مفرداته وقضاياه‪ ،‬مع أهمية استحضار الثوابت والمنطلقات الشرعية‬
‫في ذلك‪.‬‬
‫‪ -4‬تحتاج التيارات السلفية في ظل الظروف المعقدة إلى تكوين رؤية‬
‫استشرافية للمخاطر التي تتهدد المة ومن ثم تبني آلية مبكرة لمواجهتها‬
‫قبل أن تتحول إلى قضايا رأي عام‪ ،‬كما حدث مع أزمة حزب الله حيث‬
‫أصبحت مخاطبة الجماهير وإقناعها بحقيقته عسيرة في كثير من الدول‪،‬‬
‫وكثير من الدعاة السلفيين تعرضوا لنتقادات شديدة جراء ذلك‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ الوهابية ـ ومن ثم السلفية ـ في الفكر الشيعي هي الوريث الشرعي‬
‫للمسؤولية عن اضطهاداتهم المزعومة بل عن مزاعمهم الكاذبة حول تجني‬
‫الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ على آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ولذلك فإن مواجهة السلفية تأتي ضمن القضايا المشتركة بين جميع الفصائل‬
‫والحزاب الشيعية من مقتدى الصدر إلى حزب الله مرورا ً بغيرهم‪ ،‬ولذلك‬
‫فإنه حتى لو تبنت التيارات السلفية موقفا ً إيجابيا ً من حزب الله‪ ،‬فلن يغير‬
‫ذلك من ثوابت الحزاب الشيعية ضد السلفية الوهابية‪.‬‬
‫‪ -6‬من أهم الركائز التي يعتمد عليها الشيعة في نشر دعوتهم في أوساط‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السنة‪ ،‬كثرة رجال الدين عندهم إلى درجة كبيرة‪ ،‬وذلك بسبب الدعم المالي‬
‫مس(‪ ،‬وفي المقابل تتراجع أعداد الدعاة السنة في‬ ‫خ ْ‬
‫المتراكم من )جمع ال ُ‬
‫كثير من الدول العربية والسلمية‪ ،‬وهذا يدع قطاعات كثيرة من المجتمعات‬
‫تعاني من أثر الجهل وتقع فريسة لدعاوى الضلل‪ ،‬وقد ساهمت الثورة‬
‫الخمينية في دعم التعليم الديني لدى شيعة لبنان منذ مطلع الثمانينيات من‬
‫القرن الماضي‪ ،‬وقدمت مساهمات مالية ضخمة لقامة الحوزات العلمية‬
‫والنفاق على طلبة متفرغين للعلوم الدينية الشيعية‪ ،‬وفي إيران كان تقدير‬
‫عدد رجال الدين غداة الثورة الخمينية يتراوح بين ‪ 85‬و ‪ 185‬ألف رجل دين‬
‫وناشط شيعي‪ ،‬وتذكر بعض الصحف الفرنسية تقديرا ً لعدد »المللي« في‬
‫إيران في مرحلة ما بعد الخميني يبلغ نحو ‪ 380‬ألف شخص ]‪.[12‬‬
‫‪ -7‬تحتاج التيارات السلفية إلى تشكيل هيئات علمية تجمع شتات مجتهديها‬
‫وعلمائها‪ ،‬ويناط بهذه الهيئات إصدار الفتاوى وتقديم الرؤى الشرعية في‬
‫َ‬
‫عب ْأها‬
‫النوازل‪ ،‬وحتى ل تكون مواقف هذه التيارات متناثرة في فتاوى يتحمل ِ‬
‫عالم واحد أو جهة واحدة‪ ،‬وخاصة أن تعدد الراء والجتهادات في هذه‬
‫المرحلة يضفي قيمة متزايدة للجتهادات الجماعية‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫وحتى تستطيع التيارات السلفية أن تمارس دورها الهم في حفظ ثوابت‬


‫الدين من التحلل ـ بعد توفيق الله تعالى ـ ل بد أن تمتلك زمام المبادرة‪ ،‬فلم‬
‫يعد ملئما ً ول لئقا ً أن يسيطر خطاب الستعلء والنتقاء والنكفاء الذي يميز‬
‫قطاعا ً من التيارات السلفية؛ لذا ينبغي النعتاق من البراج العاجية ومخالطة‬
‫الجماهير؛ فلدى هذه التيارات فضول علم‪ ،‬والناس ذوو فاقة‪ ،‬ومن كان معه‬
‫فضل زاد فليعد به على من ل زاد له‪ ،‬وقد أصبحت أنفاس السلفيين‬
‫ورؤوسهم معدودة ومحسوبة عليهم‪ ،‬وفي فرنسا مثل ً أحصت الستخبارات‬
‫عدد السلفيين فوجدتهم خمسة آلف‪ ،‬ينشطون في أربعين مسجدا ً ]‪[13‬ولم‬
‫نسمع عن إحصاءات قدمت عن تيارات إسلمية أخرى‪ ،‬ونشرت مجلة‬
‫نيوزويك المريكية في نسختها العربية استطلعا ً للقراء عن احتمال ظهور‬
‫طالبان عربية‪ ،‬مع طرح تساؤل عن كيفية التعامل معها]‪[14‬؛ مع العلم أن‬
‫حزب الله اللبناني قدم طيلة ‪ 24‬عاما ً نموذجا ً مثاليا ً لـ )طالبان شيعية(!‬
‫وأنشأ مجتمعا ً دينيا ً مغلقا ً ومكتفيا ً ذاتيا ً دون أن يتعرض لي انتقادات طالما‬
‫أنه لم يقترب من الحدود الفلسطينية‪ .‬إنها السلفية السنية إذن التي تقض‬
‫مضاجع الجميع وتثير القلق في النفوس؛ فهل آن للسلفيين أن أن يعوا ما‬
‫يدور حولهم‪ ،‬وأن يتلفوا ما قد يؤخذ عليهم وبخاصة أنهم أصبحوا في دائرة‬
‫الضوء والمتابعة لهم من شتى الجهات المهتمة التي تعمل على إجهاض‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أك ْث ََر‬ ‫مرِهِ وَل َك ِ ّ‬
‫ب عََلى أ ْ‬ ‫منهجهم لمكانتهم الكبرى في نفوس المة ))َوالل ّ ُ‬
‫ه َ‬
‫غال ِ ٌ‬
‫ن(( )يوسف‪. (21 :‬‬ ‫س ل ي َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫الّنا ِ‬
‫‪----------------‬‬
‫]‪ [1‬ديفيد داونر‪ ،‬موقع المركز الدولي لدراسات أمريكا والغرب‪.‬‬
‫]‪ [2‬مجلة نيوزويك ‪1/8/2006‬م‬
‫]‪ [3‬المعلومات مؤكدة حسب إفادات شخصيات إسلمية من العراق‪.‬‬
‫]‪ [4‬انظر مقالة أحمد موفق زيدان مدير مكتب الجزيرة في باكستان على‬
‫موقعه ‪.www.maktoobblog.com/ahmedzaidan‬‬
‫]‪ [5‬السابق‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [6‬المركز الفلسطيني للعلم ‪7/8/2006‬م ‪.‬‬


‫]‪ [7‬الحياة ‪28/7/2006‬م‪.‬‬
‫]‪ [8‬مجلة نيوزويك ‪8/8/2006‬م‪.‬‬
‫]‪ [9‬المتحولون‪ ،‬دار المحجة البيضاء بيروت‪ ،‬وهو كتاب مليء بالمغالطات‬
‫والتحريفات والسباب لهل السنة‪.‬‬
‫]‪ [10‬انظر بحث‪ :‬الغزو الشيعي لفلسطين‪ ،‬موقع فيصل نور‬
‫‪http://www.fnoor.com/fn1704.htm‬‬
‫]‪ [11‬دولة حزب الله‪ ،‬تأليف وضاح شرارة‪ ،‬دار النهاية اللبنانية‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫]‪ [12‬السابق ص ‪.20‬‬
‫]‪ [13‬كريستوف دولوار‪ ،‬لوبوان الفرنسية‪ ،‬موقع المركز الدولي لدراسات‬
‫أمريكا والغرب‪.‬‬
‫]‪ [14‬مجلة نيوزويك ‪1/8/2006‬م‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫لنكن واقعيين‬
‫ما أجمل أن نكون واقعيين في حياتنا وتفكيرنا‪ ،‬وما أشد مانجنيه حين نفرط‬
‫في المثالية ونغرق فيها‪.‬‬
‫حين يفكر النسان ويخطط لعمل أو مشروع‪ ،‬فإنه يتطلع نحو تحقيق أهدافه‪،‬‬
‫ويبحث عما يعينه على تحقيقها‪ ،‬فيغفل عن افتراض العقبات والصعوبات‪،‬‬
‫ويتخيل العلقة بين كثير من المتغيرات علقة محكومة بقانون مطرد‬
‫ليتخلف‪ ،‬وأن كل العوامل التي تحكمها تسير في التجاه الذي يظن‪ ،‬أو ربما‬
‫يريد‪.‬‬
‫لكنه يفاجأ حين ينزل إلى أرض الواقع فتكون المور على خلف مايظن‪.‬‬
‫وحين يرسم المربي أهدافا ً يريد أن يوصل أبناءه إليها‪ ،‬فربما اختلطت‬
‫طموحاته وأمنياته بأهدافه الواقعية‪ ،‬فخرج بتصور مثالي ليعايش الواقع‪.‬‬
‫فيكتشف حينها ضعف الناس أو ضعف قدرته‪ ،‬وهو اكتشاف ربما كان خاطئا‪ً.‬‬
‫وحين يتحدث واعظ‪ ،‬أو يخطب خطيب فإنه قد يخاطب الناس على أنهم‬
‫ملئكة أطهار‪ ،‬فمن عرف الله فكيف يعصيه‪ ،‬ومن راقبه ل يمكن أن يواقع‬
‫خطيئة‪ ،‬وينسى المتحدث أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يخاطب الناس‬
‫بغير ذلك‪ ،‬فعن أبي هريرة –رضي الله عنه‪ -‬قال قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه و سلم «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم‬
‫يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم»)]‪ .([1‬وعن أبي صرمة عن أبي أيوب أنه‬
‫قال حين حضرته الوفاة كنت كتمت عنكم شيئا سمعته من رسول الله صلى‬
‫الله عليه و سلم سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول‪«:‬لول أنكم‬
‫تذنبون لخلق الله خلقا يذنبون يغفر لهم»)]‪ .([2‬وأنه كان يقول ‪«:‬والذي‬
‫نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم‬
‫الملئكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلث‬
‫مرات»)]‪.([3‬‬
‫وربما اكتشف فيما بعد أنه أول من يخالف الناس فيما يدعوهم إليه‪.‬‬
‫وحين يتصدى شخص لتقويم عمل أو مسلك فربما خرج عن العتدال‪ ،‬وطرح‬
‫انتقادا ً ليبقي على الخضر واليابس ‪ -‬وكثيرا ً مايكون ذلك عند الذكياء‬
‫والمفكرين –‪.‬‬
‫لكنه حين يطالب ببرنامج عملي‪ ،‬أو حين يحال المر إليه للتنفيذ فقد ليجيد‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تحقيق ما يصبو إليه‪ ،‬وأسوأ من ذلك أن يتمنى أن تعود المور إلى الحال التي‬
‫كان ينتقدها‪.‬‬
‫إنها مواقف تحصل في أحوال ليست بالقليلة في حياتنا‪ ،‬ويجمعها قاسم‬
‫مشترك أل وهو المثالية‪ ،‬وتجاهل الواقع وعدم التعامل معه بصورة صحيحة‪.‬‬
‫ومن أهم مايعين على تجاوز هذه المشكلة الفهم الدقيق للواقع الذي يعيشه‬
‫المرء‪ ،‬وتقييمه بشكل أدق‪.‬‬
‫والواقعية في تصور المتغيرات التي تؤثر في ظاهرة من الظواهر‪ ،‬وأين اتجاه‬
‫التغيير؟ ومانسبته؟ ومانسبة احتمال سيرها في التجاه الذي نتوقع؟‬
‫كما يمثل العتدال في التفكير‪ ،‬والتزان في الطرح ونقاش المور جانبا ً مهما ً‬
‫من جوانب العلج‪ ،‬ومالم نعتد التزان والعتدال في تفكيرنا وتناولنا‬
‫لمشكلتنا فلن يجدي حديثنا النظري في نقلنا خطوة لتجاوز مشكلتنا‪.‬‬
‫لكن رفض المثالية يجب أن يحاط هو الخر بسياج من العتدال يجنب‬
‫المتحدث من تجاوز الحد الشرعي؛ فالفراط في الرجاء أمن من مكر الله‪،‬‬
‫وليجوز أن يعالج به القنوط من رحمته‪.‬‬
‫والفراط في الواقعية ربما يولد نفسا ً دنية الهمة‪ ،‬ضعيفة العزيمة‪ ،‬تستلم‬
‫للمر الواقع‪ ،‬وترفع شعار ‪) :‬أن الواقع شيء والمفترض شيء آخر( في وجه‬
‫كل من يدعوها لترتفع عن واقعها غير المرضي‪.‬‬
‫إنها سنة الله في الحياة الوسطية والعتدال‪ ،‬فسبحان من جعل لكل شيء‬
‫قدرًا‪ ،‬وسبحان من أحسن خلقه ))الشمس والقمر بحسبان(( ))وإن من‬
‫شيء إل عندنا خزائنه وماننزله إل بقدر معلوم((‪.‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫)]‪ ([1‬رواه مسلم )‪(2749‬‬
‫)]‪ ([2‬رواه مسلم )‪(2748‬‬
‫)]‪ ([3‬رواه مسلم )‪(2750‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫له دين على نصراني مفلس‬


‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪ ...‬الفهرسة‪ /‬المعاملت‪/‬الحجر والفلس‬
‫التاريخ ‪26/1/1425 ...‬هـ‬
‫السؤال‬
‫سألني أخ مسلم حديث عهد بإسلم في بلد غربي‪-‬حيث أمارس الدعوة‪ -‬عن‬
‫ما‪ ،‬عرض عليه النصراني أن يدفع له من‬ ‫سا تا ّ‬
‫د َْين له عند نصراني أفلس إفل ً‬
‫بضاعة عنده‪ ،‬وهذه البضاعة تتألف من شموع ل تستخدم إل لغراض دينية‬
‫مسيحية وأشياء أخرى من هذا القبيل‪ ،‬فأجبته بأن هذا غير جائز‪ ،‬ولكنني‬
‫وعدته بأن أرسل لكم هذا السؤال لنني أثق بعلمكم وأمانتكم وحسن دينكم‪،‬‬
‫فجزاكم الله خير الجزاء وأجزل مثوبتكم‪.‬‬
‫الجواب‬
‫ل تصح المعاوضة على محرم بعينه كالخمر ولحم الخنزير والميتة والدم ونحو‬
‫ذلك‪ ،‬ول يصح ما كان وسيلة لذلك كآنية ل تستخدم إل في الخمر ومثله‬
‫الشموع التي ل تستخدم إل لغراض كنسية‪ .‬وما فعلَته أو قلَته في فتواك عن‬
‫غريمه النصراني فصحيح؛ فجزاك الله خيرا ً وفقهنا وإياك في الدين؛ فمن‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شروط المبايعات والمعاوضات عند المسلم أن تكون على حلل لعموم قوله‬
‫تعالى‪" :‬وأحل الله البيع" ]البقرة‪ [275:‬وقوله‪" :‬وتعاونوا على البر والتقوى‬
‫ول تعاونوا على الثم والعدوان‪] "..‬المائدة‪ [2:‬هذا كله من حيث الصل جملة‪،‬‬
‫أما من حيث التحديد في سؤالك فيمكن أن تقبلها إذا لم يمكنك الوصول إلى‬
‫مالك أو شيء منه إل بها على أن يقوم النصراني ببيعها بنفسه‪ ،‬ثم تأخذ أنت‬
‫ثمنها‪ ،‬وهذا قياس على قبول الجزية من الكتابي اليهودي أو النصراني أو‬
‫المجوسي مما يعتقدون حله بينهم وهو محرم عندنا‪ ،‬وهذا مذهب المام أحمد‬
‫بن حنبل وعامة السلف؛ بدليل ما ثبت عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب‬
‫– رضي الله عنه‪ -‬فيما ذكره أبو عبيد في كتابه الموال)‪ (1/62‬وابن القيم‬
‫الجوزية في كتابه أحكام أهل الذمة )‪ (1/357‬أن عمر بن الخطاب – رضي‬
‫الله عنه‪ -‬بلغه أن ناسا ً يأخذون الجزية من الخنازير‪ ،‬فقال عمر – رضي الله‬
‫عنه‪" :-‬ل تأخذوها منهم ولكن ولوهم بيعها وخذوا أنتم من الثمن"‪ .‬وفقنا الله‬
‫ما في الشرع ويثبتنا عليه‬
‫وإياك إلى ما يحبه ويرضاه ونسأله أن يزيدنا عل ً‬
‫آمين‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لهذا انفصلنا!!‬
‫هو يقول‪:‬‬
‫* زوجتي تعصيني وقد يئست من إصلحها فطلقتها‪.‬‬
‫* زوجتي كانت كثيرة الجحود لما أقدمه لها‪.‬‬
‫* زوجتي كانت عنيدة ومتكبرة وعصبية‪.‬‬
‫* زوجتي كانت ل تحترم أهلي وترفض زيارتي لوالدي يومًيا‪.‬‬
‫* أم زوجتي كانت متسلطة ‪ ...‬وبسبب تدخلها الحمق في حياتي تم الطلق‬
‫بمباركة منها وفرحة‪ ،‬مع أنني كنت أعاملها أحسن مما كان أولدها يعاملونها‪.‬‬
‫* اخترتها على أساس جمالها ومالها فخر علي السقف وهدمت البيت على‬
‫رأسي ورأسها‪.‬‬
‫ما متمارضة ومهملة لبيتها فهي بمعنى أصح ]نكدية[‪.‬‬ ‫* طلقتها لنها كانت دائ ً‬
‫فا‬
‫* كنت هادئ الطباع وهي عنيفة وتريدني أن أقول لها‪ :‬ل ‪ ،‬وأن أكون عني ً‬
‫مثل والدها الذي انفصل عنهم وهم صغار ‪ ،‬وكان ل يأتي إلى البيت إل‬
‫لضربهم حسب كلمها هي‪ ،‬فكان هذا سبًبا في عدم إحساسها برجولتي‬
‫حسب مفهومها للرجولة‪ ،‬وكذلك عدم إحساسي باحترامها لي‪.‬‬
‫* قالت لهلي وأخواتي إنها صاحبة فضل علي‪ ،‬واتصلت من ورائي بإخوتي‬
‫خا كبيًرا‬
‫وهم أغنياء تشكو من فقري وحالتي المادية وهو ما اعتبرته شر ً‬
‫للعلقة بيننا لم يندمل‪ ،‬وكان النفصال‪.‬‬
‫* كانت تمتنع عن فراشي وتهمل التزين لي ‪ ...‬فطلقتها‪.‬‬
‫* أهملت تربية أولدي لتحادث الصديقات والقريبات بالساعات فطلقتها‪.‬‬
‫وهي تقول‪:‬‬
‫* كان يمنعني من زيارة أهلي ويحبسني في البيت ويغلق الباب بالمفتاح لنه‬
‫ضا نفسًيا فطلبت الطلق‪.‬‬ ‫كان مري ً‬
‫* امتلكت سيارة ولي مالي الخاص‪ ،‬وبعد شهر من زواجي قال لي‪ :‬ادفعي‬
‫بنزين سيارتك ليس لي دخل بهذا ‪ ،‬وبعد غداء في المطعم قال‪ :‬ادفعي‬
‫الحساب‪ ،‬فهو من البداية ل ينفق علي فطلبت الطلق‪.‬‬
‫* كنت أسكن بعد زواجي مع والدة زوجي‪ ،‬ومللت من التدخل المستمر في‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حياتي وسيطرتها على زوجي‪ ،‬فطلبت منه سكًنا منفصل ً فرفض وكانت‬
‫النهاية‪.‬‬
‫* اكتشفت بعد زواجي عيًبا خطيًرا في زوجي وهو البخل الشديد‪ ،‬وصبرت‬
‫ضا‬‫وحاولت معالجة المر حيث إنني أعمل دكتورة في الجامعة ومع دخلي وأي ً‬
‫ما كان لي منه أربعة من‬ ‫مساعدة أهلي المالية استمر زواجي ستة عشر عا ً‬
‫الولد‪ ،‬ولكنني مللت من تحمله وسلبيته وعدم إنفاقه على أولده فقررت‬
‫النفصال‪.‬‬
‫* الفتور والملل الشديدان في حياتنا الزوجية جعلنا في جلسة مصارعة نتفق‬
‫على الطلق‪.‬‬
‫* زوجي يتعاطى المخدرات ويسكر ويطلقني مائة مرة‪.‬‬
‫* زوجي سرق من ذهبي فطلبت الطلق‪.‬‬
‫* زوجي كان يكره أمي وأهلي‪ ،‬وأخوات زوجي كن يخلقن لي المشاكل وكن‬
‫كثرن التدخل في حياتنا فتدمر البيت‪.‬‬
‫ّ‬
‫دا فلم أتحمل شكه في ليل نهار‪.‬‬ ‫* كان زوجي غيوًرا ج ً‬
‫* زوجي كان يضربني ويسيء إلي ول يراعي مشاعري وغير متعاون‪ ،‬ومما‬
‫ما في احتياج وطلب‬ ‫زاد المشكلة أنه كان يريد أن يأخذ راتبي كله لكون دائ ً‬
‫وسؤال منه فمن يتحمل ذلك فكان الطلق‪.‬‬
‫* الطلق كلمة تهتز لها حزًنا القلوب وترتجف لها النفوس ‪ ،‬يفرح بوقعها‬
‫الشيطان ويهتز لها عرش الرحمن‪ ،‬أسرة ‪ ...‬زوج‪ ...‬أبناء‪ ...‬كانوا يعيشون‬
‫جميًعا تحت سقف واحد‪ ..‬يركبون ظهر الحياة بكل ما فيها من أفراح وأحزان‪،‬‬
‫ب يعود من عمله فيجد شريكة حياته في استقباله‬ ‫آلم وآمال سعة وضيق‪ ،‬أ ٌ‬
‫وأبناؤه يلتفون حوله‪ ...‬ضحك ولعب وحوار‪ ،‬تأديب وعقاب‪ ،‬وثواب‪ ...‬حياة‬
‫ن‪ ...‬ثم ‪ ...‬ثم‬
‫تدب في أوصالها الحياة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معا ٍ‬
‫ماذا؟‬
‫* يحدث الخلف ويقع الشقاق وتتنافر الرواح‪ ،‬تتباعد القلوب‪ ،‬تمتلئ بالغضب‬
‫ل‪ ..‬زوج غاضب‪ ,‬وزوجة تبادله غضًبا‬ ‫ينفخ الشيطان في تلك النار فتزداد اشتعا ً‬
‫بغضب‪ ،‬العناد‪ ،‬الكرامة‪ ،‬الرجولة‪ ،‬الكلمات الجارحة‪ ،‬التعيير‪ ،‬اللسان‬
‫المتفلت‪ ،‬لن أتنازل عن حقي ]الزوج[ وأنا كذلك ]الزوجة[‪ ...‬الطريق‬
‫مسدود‪ ...‬ويقع الطلق‪.‬‬
‫* يقول الشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق‪:‬‬
‫'مما لشك فيه أن الطلق عملية هدم لبناء أسرة‪ ،‬وقد يأتي هذا الهدف عند‬
‫بداية الطريق وعند أول اللبنات في الساس وقد يأتي متأخًرا بعد أن يكون‬
‫البناء قد تفرع وتعددت الحجرات ووضع السقف أعني بعد النسل وكثرة‬
‫قا بل ضوابط وفتح للناس‬ ‫الولد والذين ظنوا أن السلم أباح الطلق مطل ً‬
‫البواب على مصراعيها في أن يتزوجوا كما يشاءون ويطلقوا وقتما يشاءون‪،‬‬
‫أخطئوا وتجنوا على هذا الدين‪ ,‬وكذلك الذين يريدون حجر الطلق ومنعه‬
‫وتقييده بغير الطرق الشرعية ظًنا منهم أن ذلك عمل إنساني وأنه في صالح‬
‫ضا جاهلون‪ ،‬فالعدل في هذه المسألة هو ما جاء في الدين‬ ‫المرأة فهم أي ً‬
‫الصحيح بل إفراط ول تفريط'‪.‬‬
‫* وهنا نعجب من حالتين‪:‬‬
‫* الولي‪ :‬طلق من هن في عمر الزهور من الشباب والفتيات‪.‬‬
‫* والثانية‪ :‬طلق بعد سن الربعين وأحياًنا بعد سن الخمسي ‪ ،‬بعد أن يعيش‬
‫الزوجان حياة صعبة تعيسة وينعدم التراحم والتعاطف ويكون الرابط الوحيد‬
‫بينهما هو الولد‪ ،‬وبعد أن ينفد الصبر وتتعب النفس يحدث الفراق ]الطلق[‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫* وكثيًرا ما نجد أن بعض الزواج يصدم ويصاب بخيبة أمل عند أول مشكلة‬
‫تواجههم في حياتهم الزوجية‪ ،‬فيفكر الرجل في الفراق‪ ،‬وتتردد في نفسه‬
‫كلمة الطلق‪ ،‬وقل مثل ذلك عن المرأة فإنها تفكر في العودة إلى أهلها‬
‫ومطالبة زوجها بطلقها عند أول أزمة خلف تقع بينها وبين زوجها‪.‬‬
‫* وهنا يجدر بنا أن نتساءل أين تكمن المشكلة؟‬
‫* وما أسباب تلك المشكلت بين الزوج وزوجته؟‬
‫* هل هي في تعنت كل من الزوجين لتكون الغلبة لرأيه فقط؟‬
‫* هل هي في الخروج عن حدود الدب أو الرحمة في التعامل؟‬
‫* هل هي في تعدي أحد الطراف على الخر في مهامه ومسئولياته وعدم‬
‫تقدير ما يبذله كل منهما؟‬
‫* هل هي في تدخل أطراف خارجية بين الزوجين وإشعال فتيل الخلفات‬
‫اليسيرة فيما بينهما؟‬
‫* هل هي في تخلي الطرفين أو أحدهما عن بعض واجباته أو التقصير فيها؟‬
‫هل هي في… أم في… أم في… ؟‬
‫وهل المشكلة مالية أم تربوية‪ ...‬أم عاطفية‪ ...‬أم طبيعية‪ ...‬أم عائلية‪ ...‬أو‬
‫أنها تتعلق بفراش الزوجين وحياتهما الخاصة؟‬
‫* لو فكرنا عزيزي القارئ في أسباب الطلق من خلل ما طرحناه من حالت‬
‫في أول المقال‪ ،‬فإننا بعد البحث يمكن أن نرجع الطلق للسباب التالية‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ سوء الختيار‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫من بحث عند زواجه عن المال أو الجمال جاهل أو متجاهل الدين والخلق فل‬
‫يلومن إل نفسه‪ ,‬وقد وضع لنا الشرع أسس اختيار شريك الحياة‪.‬‬
‫* فمن ناحية اختيار الزوجة‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪' :‬تنكح‬
‫المرأة لربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها‪ ،‬فاظفر بذات الدين تربت يداك'‬
‫]رواه البخاري[‬
‫* ومن ناحية اختيار الزوجة قال صلى الله عليه وسلم‪' :‬إذا جاءكم من‬
‫ترضون دينه فزوجوه إل تفعلوا تكن فتنة في الرض وفساد عريض' ]رواه‬
‫الترمذي[‬
‫‪ 2‬ـ عدم التكافؤ‪:‬‬
‫سواء في الدراسة أو الثقافة أو من الناحية الجتماعية‪ ،‬وهذا ليس سبًبا‬
‫وجيًها‪ ،‬إذ رغم أن التكافؤ أدعى للمحبة والتقارب إل أن عدم وجوده ليس‬
‫ما لشريكه‬ ‫مانًعا للحب‪ ،‬وعدم التكافؤ ل يمنع أن يكون الطرف الخر أكثر فه ً‬
‫من أي شخص آخر في مثل مكانته‪ .‬والكفاءة بين الزوجين وإن لم تكن‬
‫ما من عناصر النسجام‬ ‫طا من شروط الزواج إل أنها تمثل عنصًرا ها ً‬ ‫شر ً‬
‫السري والتوافق النفسي بين الزوجين‪ ،‬إن الختلف البين بين الزوج وزوجته‬
‫في العلم والمال والمستوى الجتماعي نذير من النذر الولى للمشكلت‬
‫الزوجية ثم وقوع الطلق‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ عدم وجود الحب بين الزوجين‪:‬‬
‫وفي هذه الحالة يمكن أن تستمر الحياة بينهما كما يمكن أن يتولد الحب‬
‫بينهما مع اليام‪ ،‬فل يجب التعجل في الطلق لهذا السبب‪ ،‬أما إن شعرا‬
‫باستحالة ذلك مع النفور الشديد وانعدام إمكانية العيش مًعا رغم مرور‬
‫الوقت فل بأس حينها من التفكير في النفصال‪.‬‬
‫‪4‬ـ عدم تجانس الفكر‪ ،‬وعدم ائتلف الطباع‪:‬‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وذلك يعني بالضرورة عدم التفاهم ‪ ،‬وكم من زيجات فشلت رغم أن كل‬
‫الطرفين عنده دين وخلق ولكن ل يوجد تفاهم بينهما‪.‬‬
‫‪5‬ـ النظرة المثالية للحياة الزوجية‪:‬‬
‫ضا تتشبث المرأة بصورة مثالية‬ ‫ً‬ ‫وأي‬ ‫للزوجة‪،‬‬ ‫قد يتشبث البعض بصورة مثالية‬
‫دا فكل زوجة فيها‬ ‫للزوج‪ ،‬ثم ل يحيدا عن هذه الصورة‪ ،‬وهذا لن يحدث أب ً‬
‫صفات يحبها الزوج وفيها غير ذلك‪ .‬لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫قا رضي منها آخر '‬ ‫]'ل يفرك يعني ل يبغض مؤمن مؤمنة إن كره منها خل ً‬
‫]رواه مسلم[‪.‬‬
‫وقد يكره الزوج في زوجته أشياء معينة لكن هذا ل يعني أنها سيئة فقد يكون‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫شْيئا ً وَي َ ْ‬
‫جعَ َ‬ ‫هوا َ‬‫ن ت َك َْر ُ‬‫سى أ ْ‬‫ن فَعَ َ‬ ‫ن ك َرِهْت ُ ُ‬
‫موهُ ّ‬ ‫فيها خير كثير قال تعالى‪} :‬فَإ ِ ْ‬
‫خْيرا ً ك َِثيرًا{ ]النساء‪ , [19:‬ول بد أن يضع كل من الزوجين في‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ه ِفيهِ َ‬
‫اعتباره أن الكمال لله وحده‪ ،‬وأي إنسان به نقص به وبه عيوب كثيرة وصدق‬
‫الشاعر حين قال‪:‬‬
‫ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها‬
‫‪ ... ...‬كفى المرء نبل ً أن ُتعد معايبه‬
‫‪6‬ـ الجهل بالحقوق والواجبات‪:‬‬
‫جهل أو تجاهل أحد الطرفين بالحقوق الواجبة عليه والتهاون في أدائها‪ ،‬وما‬
‫ينبغي عمله هو فهم الزوجين لحقوقهما وواجباتهما كما شرعها الله‪ ,‬وهنا‬
‫نذكر إشكالية هامة وهي الفرق بين الفتاة في منزل أهلها ‪ ،‬وفي منزل‬
‫زوجها‪.‬‬
‫فالفتاة في بيت أهلها تتدلل‪ ،‬والهل يحبون ابنتهم ويتمنون راحتها وتحقيق‬
‫رغباتها وأن يروا البتسامة على وجهها‪ ،‬أما بعد الزواج فإن الرجل ل تعنيه‬
‫هذه المور وهي مطالبة بأداء الواجبات التي عليها‪ ،‬في حين أنها كانت غير‬
‫مطالبة بشيء منها في بيت أهلها فتحدث المفارقة العجيبة‪.‬‬
‫‪7‬ـ عدم اتفاق الزوجين على طريقة الحياة قبل الزواج‪.‬‬
‫‪8‬ـ الملل والفتور في العلقة الزوجية‪:‬‬
‫ويحدث هذا خاصة بعد الخمسين من العمر‪ ،‬ويرجع ذلك إلى اكتفاء المرأة‬
‫بأولدها والهتمام بهم وبعملها إن كانت تعمل‪ ،‬وإغفال حق الزوج‪ ،‬مع العلم‬
‫أنه في هذه المرحلة يكون في أشد الحتياج للرعاية والعناية من قبل‬
‫الزوجة‪.‬‬
‫‪9‬ـ تدخل الهل‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫صا‬
‫قد يكون لتدخل أهل الزوج أو الزوجة أثر في إيذاء أحد الطرفين وخصو ً‬
‫إن كان سكن الزوجين مع الهل‪ ،‬وهنا على الزوجة أن تكون عاقلة ومقدرة‬
‫للموقف فل تأمر زوجها بقطع أهله‪ ،‬وتصبر هي عليهم وتتغاضى عما تواجهه‬
‫منهم من أجل زوجها ومن أجل نجاح حياتها الزوجية‪ ،‬كما أن عليها أن تحد‬
‫ضا في أمور زواجها وتحافظ على سرية مشاكلها‪.‬‬ ‫من تدخل أهلها أي ً‬
‫‪10‬ـ وجود صفات سيئة عند أحد الزوجين‪:‬‬
‫فالنسبة للزوج‪ :‬هي على نوعين‪:‬‬
‫الول‪ :‬يمكن الصبر عليه ومحاولة تغييره مثل البخل أو الفقر أو قسوة الطباع‬
‫والعصبية أو كثرة الخروج من المنزل وعدم الهتمام بالزوجة‪ ،‬وضرب الزوجة‬
‫وإهانتها‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والنوع الثاني‪ :‬ل يمكن الصبر عليه وهي مصائب كبيرة مثل شرب الخمر ‪،‬‬
‫والعياذ بالله‪ ،‬وترك الصلة وارتكاب المعاصي‪ ،‬وخيانة الزوجة‪ ،‬ووجود مرض‬
‫نفسي أو مرض عضوي فيه إيذاء من حوله‪.‬‬
‫أما عند الزوجة‪:‬‬
‫فنجد العناد والتحدي والكبرياء‪ ،‬واختلف البيئات بين الزوجين‪ ،‬واختلف‬
‫ضا عصيان المرأة لزوجها‬‫المفاهيم الموروثة عن الزواج‪ ،‬ويدخل في ذلك أي ً‬
‫وعدم طاعته‪ ،‬وسوء تربية الفتاة‪ ،‬ومن العجيب أن أسباب الطلق في الزمن‬
‫الحالي تثير العجب‪ ،‬فمن زوجة تطلب الطلق بسبب اسم المولود إلى أخرى‬
‫تغار من جلوسه على الكمبيوتر‪ ،‬إلى ثالثة تصر على الطلق بسبب رفضه أن‬
‫تعمل خارج المدينة وأخرى لنها تريد خادمة‪.‬‬
‫إن مثل هذه السباب الواهية تجعلنا نستغرب من طريقة تربية بعض البنات‬
‫اللتي ل يعرفن الصبر‪ ،‬ول تحمل المسئولية مع شدة تأثرهن بالعلم‪ ،‬إذ على‬
‫أتفه السباب تصرخ بكلمة ]طلقني[ وكأن الحياة الزوجية ل قيمة لها‪ ،‬وكأن‬
‫الطلق أمر سهل‪ ،‬وإنه سبحانه وتعالى وهو العليم الخبير قد وصف لنا العلقة‬
‫ميَثاقا ً غَِليظًا{ ]النساء‪.[21:‬‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫الزوجية فقال‪} :‬وَأ َ َ‬
‫خذ ْ َ‬
‫‪11‬ـ النكد الزوجي‪:‬‬
‫إذا كان أحد الزوجين يتقن فنون النكد الزوجي‪ ،‬فهذا قد يتسبب في تدمير‬
‫حياتهما الزوجية ‪ ،‬ومن مظاهر النكد الزوجي الشجار المستمر وغلظة القول‬
‫وعبوس طرف في وجه الخر‪ ،‬وأخذ المور بانفعال وتوتر مما يجعل الحياة‬
‫ما‪.‬‬
‫مشحونة ومشدودة دائ ً‬
‫وأقول للزوجة خاصة إن مجرد البسمة في وجه زوجها يمكن أن تحل هذا‬
‫النكد‪ ،‬وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪' :‬تبسمك في وجه أخيك‬
‫صدقة' فكيف بالزوج ]رواه البخاري[‪.‬‬
‫‪12‬ـ سوء العلقة الخاصة بين الزوجين‪:‬‬
‫وذلك لسباب وهمية أو أسباب حقيقية‪ ،‬وهذا يرجع إلى عدم الستعداد للزواج‬
‫بالنضج والثقافة الزوجية‪ ،‬ويتطلب ذلك من الزوجين فهم الفروق النفسية‬
‫والبدنية بين الرجل والمرأة والختلف في أسلوب تعبير كل واحد منهما عن‬
‫الحب‪.‬‬
‫‪13‬ـ الختلف على تربية الولد‪:‬‬
‫صا إذا كان الزوجان من بيئتين‬
‫ً‬ ‫خصو‬ ‫الطفال‬ ‫ل وجهة نظر في تربية‬ ‫فلك ٍ‬
‫مختلفتين‪.‬‬
‫‪14‬ـ نشوز الزوجة أو الزوج‪:‬‬
‫كلمة نشوز تعني خروج الزوجين أو أحدهما عن طبيعة وظيفته وعدم قيامه‬
‫عا بالكراهية وعدم الطاعة‪ ،‬وهذا قد يؤدي إلى الطاحة بأركان البيت‬ ‫بها مدفو ً‬
‫والوصول به إلى طريق مسدود‪.‬‬
‫ونحن نقول للزوجين وخاصة الزوجة عليك التفكير فيما إذا كان هناك مجال‬
‫للصبر والتعايش مع الوضع‪ ،‬وفيما إذا كان السبب يستحق أن تترك زوجها من‬
‫أجله‪.‬‬
‫عزيزي القارئ اقرأ معنا في هذه السلسلة‪:‬‬
‫خطورة الطلق‪.‬‬
‫آخر العلج الكي‪.‬‬
‫الثار المترتبة على الطلق على المرأة والطفال‪.‬‬
‫ماذا بعد الطلق‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫لهذا كان اهتمامنا بفكر الشيخ‪.....‬جعفر ادريس ‪...‬‬


‫‪...‬‬
‫‪28-02-2004‬‬
‫لهذا كان اهتمامنا بفكر الشيخ‬
‫منار السبيل – السنة الثانية‪ ،‬العدد السابع‪ -‬شعبان ‪1414‬هـ الموافق يناير‬
‫‪1993‬م‬
‫د‪ .‬جعفر شيخ إدريس‬
‫ميزة الشيخ أنه سلط ما حباه الله به من أنوار الرسالة المحمدية‪ ،‬وما منحه‬
‫خلقية على مشكلت عصره‬ ‫من مواهب فطرية‪ ،‬وما حله به من فضائل ُ‬
‫الواقعية والعلمية‪ ،‬فكان قوله في معظمها هو القول الفصل الذي يشهد له‬
‫صحيح الدلة النقلية‪ ،‬وصريح الحجج العقلية‪ ،‬وضوح الصياغة البيانية وجمال‬
‫القيم الخلقية العلمية‪.‬‬
‫من المفكرين السلميين الذين سبقوا شيخ السلم ابن تيمية أو عاصروه من‬
‫كان ذا معرفة واسعة بالفكر الفلسفي وما اتصل به آنذاك من علوم رياضية‬
‫وطبيعية وكيماوية وفلكية ومنطقية وغير ذلك‪ ،‬لكن بضاعتهم في العلوم‬
‫الشرعية كانت مزجاة‪ ،‬لذلك تأثروا بكثير من نواحي الفكر اليوناني المخالفة‬
‫للسلم‪ ،‬بل إن منهم من جعل هذا الفكر أساسا ً له‪ ،‬وحاول أن يفسر السلم‬
‫في نطاقه‪ ،‬فجره هذا إلى إنكار بعض أصول الدين أو تأويلها تأويل ً تعطيليًا‪.‬‬
‫ومنهم من كان ذا معرفة جيدة بالعلوم الشرعية من لغة وتفسير وحديث‬
‫وفقه وأصول فقه‪ ،‬لكنه يجهل العلوم الفلسفية والكلمية وما اتصل بها جهل ً‬
‫ل‪ ،‬لذلك لم يستطع أن ينقدها‪ ،‬أو يبين زيفها ويقى الناس شرها‪.‬‬ ‫كام ً‬
‫بل إن من هؤلء العلماء الفاضل من كان سبب فتنة لبعض الناس لنه لم‬
‫يميز بين ما في الفكر اليوناني من حقائق يؤيدها الدليل العقلي أو الحسي‪،‬‬
‫وما فيه من عقائد فاسدة‪ ،‬وآراء باطلة ول سيما في مسائل اللهيات‪،‬‬
‫فحكموا على الجميع بالبطلن ومخالفة السلم‪ ،‬وفي أمثال هؤلء العلماء‬
‫يقول أبو حامد الغزالي‪" :‬ومن ظن أن المناظرة في إبطال هذا من الدين‬
‫فقد جنى على الدين وضعف أمره‪ ،‬فإن هذه المور تقوم عليها براهين‬
‫هندسية حسابية‪ ،‬ل يبقى معها ريبة‪ ،‬فمن يطلع عليها ويتحقق أدلتها‪ ...‬إذا قيل‬
‫له إن هذا على خلف الشرع‪ ،‬لم يسترب فيها وإنما يسترب في الشرع‪.‬‬
‫وضرر الشرع ممن ينصره ل بطريقه أكثر من ضرره ممن يطعن فيه‬
‫بطريقه‪ ،‬وهو كما قيل ’عدو عاقل خير من صديق جاهل" ]تهافت الفلسفة‪،‬‬
‫دار المعارف‪ ،‬ص ‪[80‬‬
‫ومنهم من جمع بين الطلع الواسع على هذه العلوم وكان مع ذلك من علماء‬
‫الشريعة المرموقين‪ ،‬لكن علمه بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وبأقوال‬
‫ل‪ .‬بل لم يميز بين صحيح بين صحيح الحاديث والثار‬ ‫السلف كان قلي ً‬
‫وضعيفها‪ .‬ولم يكن فهمه لمسائل العقيدة هو الفهم السلفي الصحيح الذي‬
‫تدل عليه النصوص والثار‪.‬‬
‫ومنهم من تفرغ للعبادة والذكر والهتمام بأحوال القلوب ومقومات السلوك‪،‬‬
‫ولم ُيرد أن يشغل نفسه بالمور العامة‪ ،‬ول سيما مجادلة أهل الباطل‪.‬‬
‫أما شيخ السلم ابن تيمية فقد أعطاه الله تعالى نصيبا ً وافرا ً من كل خير‬
‫أعطاه لهؤلء المفكرين والعلماء‪ ،‬فقد كان رحمه الله رجل ً حاد الذكاء‪ ،‬سريع‬
‫القراءة والكتابة والفهم‪ .‬وكان بحرا ً في علوم القرآن والسنة‪ ،‬ذا اطلع واسع‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على آثار الصحابة وما جاء بعدهم من الئمة‪ ،‬متضلعا ً في العلوم العربية حتى‬
‫قيل إنه استدرك عدة مسائل على سيبويه‪ ،‬مطلعا ً على أصول الفقه وفروعه‬
‫وأقوال المذاهب اطلع العالم المختص‪ ،‬وكان ذا معرفة دقيقة بالمذاهب‬
‫الكلمية وأقوال الفرق‪ ،‬حتى لقد قال هو عن نفسه إنه جادل الفلسفة‬
‫وعمره أربعة عشر عامًا! وكان عالما ً بعقائد اليهود والنصارى ومذاهبهم‪،‬‬
‫غواصا ً في علوم عصره الرياضية والطبيعية والفلكية والتاريخية‪.‬‬
‫وكان إلى جانب هذا العلم الواسع وذاك الذكاء الخارق‪ ،‬رجل عبادة وزهد‪،‬‬
‫وكان مع عبادته وزهده ذا اهتمام كبير بقضايا عصره العملية والعلمية‪،‬‬
‫السياسية والستراتيجية والقتصادية والجتماعية والعتقادية والتربوية وما‬
‫شئت من قضايا‪ .‬وكان مع جهاده بالقلم واللسان مجاهدا ً بالسيف والسنان‪.‬‬
‫ميزة ابن تيمية أنه سلط ما حباه الله به من أنوار الرسالة المحمدية‪ ،‬وما‬
‫منحه من مواهب فطرية‪ ،‬وما حله به من فضائل خلقية‪ ،‬سلط كل هذا على‬
‫مشكلت عصره الواقعية والعلمية‪ ،‬فكان قوله في معظمها هو القول الفصل‬
‫الذي يشهد له صحيح الدلة النقلية‪ ،‬وصريح الحجج العقلية‪ ،‬ووضوح الصياغة‬
‫البيانية‪ ،‬وجمال القيم الخلقية العلمية‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم ؟!‬


‫د‪.‬عدنان علي رضا النحوي‬
‫لقد كثر في الونة الخيرة على لسان عدد من الدعاة المسلمين ترديد‬
‫م إذا هي تنتشر بسرعة عجيبة‬ ‫مصطلحات وأفكار ينسبونها إلى السلم ‪ ،‬ث ُ ّ‬
‫م‬
‫في بعض وسائل العلم من صحافة أو فضائيات أو مجلت أو كتب ‪ .‬ث ّ‬
‫يصدر على ضوء ذلك فتاوى وآراء ظاهرة النحراف عن السلم ‪ ،‬متناقضة‬
‫مع آراء سابقة وفتاوى ماضية ‪.‬‬
‫كثرت في هذه الونة مصطلحات ‪ :‬الوطن ‪ ،‬المواطنة ‪ ،‬حقوق المواطن ‪،‬‬
‫الخر ‪ ،‬العتراف بالخر ‪ ،‬النسانية ‪ ،‬وأمثال ذلك مما يصعب حصره ‪ .‬نعم!‬
‫يجب على المسلم أن يحرص على مصلحة وطنه المسلم ومصلحة كل أرض‬
‫إسلمية ‪ .‬ولكن هذا الحرص يجب أن ينطلق من دين الله ‪ ،‬من السلم ‪ ،‬من‬
‫ل على رسول الله محمد‬ ‫دين جميع الرسل والنبياء ‪ ،‬من منهاج الله كما أ ُن ْزِ َ‬
‫خاتم النبياء والمرسلين ‪.‬‬
‫جته‬ ‫ّ‬ ‫ح‬ ‫‪،‬‬ ‫تلك‬ ‫أو‬ ‫ية‬
‫ّ‬ ‫القض‬ ‫هذه‬ ‫في‬ ‫رأيه‬ ‫يعطي‬ ‫حين‬ ‫دم المسلم ‪،‬‬ ‫ول بد ّ أن يق ّ‬
‫ودليله من منهاج الله ـ قرآنا ً وسّنة ولغة عربّية ـ ‪ ،‬ومن الواقع الذي ي َُرد ّ إلى‬
‫ف وعلم ٍ سليم بمنهاج الله وبالواقع ‪.‬‬ ‫منهاج الله رد ّا ً أمينا ً عن إيمان صا ٍ‬
‫ً‬
‫صا َ ليوائم‬‫ول بد ّ كذلك حين يستشهد بآية أو بحديث أن ل يؤّوله تأويل ً خا ّ‬
‫دعواه ورأيه وهواه ‪ ،‬بل يلتزم المعنى الذي تقّره اللغة العربية وقواعد‬
‫اليمان والتوحيد ‪ ،‬وسائر آيات الكتاب ‪ ،‬وسائر أحاديث الرسول ‪ ،‬ذلك لن‬
‫معاني اليات والحاديث ل تتعارض ‪ ،‬وإذا بدا تعارض فذلك منا نحن البشر‬
‫وليس من منهاج الله ‪ .‬فالمعاني في منهاج الله كلها مترابطة متناسقة في‬
‫قلوب المؤمنين الخاشعين المتقين العالمين ‪.‬‬
‫وإن جميع القضايا التي أخذ بعض الدعاة وغير الدعاة يحرصون على نشرها‬
‫والهتمام بها ‪ ،‬حرص السلم على دراستها وصياغتها صياغة رّبانّية تنفي عنها‬
‫العصبيات الجاهلية ‪ ،‬وتنفي عنها عوامل التمزيق والصراع والفساد في‬
‫الرض ‪ .‬فالعائلية هي في السلم صلة رحم لها قواعدها وأصولها ‪ ،‬وكذلك‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الوطنّية والوطن ومصالح ذلك ‪ ،‬جعل السلم منها أخوة إيمان تلتزم شرع‬
‫الله كله‪ ،‬وعدالة واضحة تعطي كل فئة حقوقها كما شرعها الله ل كما ُتريد‬
‫بعض القوى في الرض أن تشّرع لها ‪.‬‬
‫أخذ الكثيرون يتغّنون " بالخر " ويطالبون بالعتراف به وبحقوقه ‪ ،‬ولقد‬
‫ت وأنا أبحث عن هذا الخر الذي ل ينال حقوقه ‪ ،‬أو أنه مظلوم ‪ ،‬أو أنه‬ ‫حر ُ‬
‫غير معترف به ‪ ،‬فلم أجد أحدا ً ينطبق عليه هذا الوصف إل المسلم الذي‬
‫أصبح يطارد في شرق الرض وغربها ‪ .‬إذا أرخى لحيته أصبح متطّرفا ً متعّنتا ‪،‬‬
‫ً‬
‫كر بآية‬ ‫وإذا حافظ على الصلوات في المسجد أصبح مغاليا ً أو إرهابي ّا ً ‪ ،‬وإذا ذ ّ‬
‫أو حديث أصبح شاذا ً مثيرا ً للفتن ‪ ،‬وإذا لبست المرأة المسلمة الحجاب‬
‫ة تغلق أمامها البواب ‪.‬‬ ‫أصبحت شاذة محارب ً‬
‫لماذا التغّني " بالخر " وبحقوقه ‪ ،‬ليت هذا "الخر" يحترم أبسط حقوق‬
‫المسلم ‪ُ .‬يراد ُ من المسلم أن يتخّلى عن دينه حتى يصبح في عرف‬
‫المنحرفين إنسانا ً سوي ّا ً !‬
‫ويتغّنون " بالنسانّية " ! يتغّنون بها بصورة توحي بأنها ليست في السلم‪ ،‬ول‬
‫في مبادئه ‪ ،‬يوحون بأنها في الديمقراطية ‪ ،‬في العلمانية ‪ ،‬في الماسونية!‬
‫وينادون بأن النسانية هي وحدها التي تجمع الناس ‪ ،‬ولكن على أيّ مبادئ‬
‫دد حقوقا ً ول ترسم نهجا ً ول‬ ‫وعلى أيّ مناهج ؟! كلمات عامة عائمة ل تح ّ‬
‫تشقّ طريقا ً ول تعالج أمراضا ً أو خلل ً ‪.‬‬
‫" النسانّية " بأصدق معانيها هي في السلم وحده ‪ ،‬في شرع الله ‪ ،‬في‬
‫ت من دين الفطرة التي‬ ‫ت من السلم خرج َ‬ ‫اليمان والتوحيد ‪ .‬فإذا خرج َ‬
‫ً‬
‫فطر الله الناس عليها ‪ ،‬وأصبحت نهبا للشهوات والمصالح وعواصفها ‪ ،‬ل‬
‫ضابط لها أبدا ً إل جنون القوة والسيطرة ‪ ،‬ثم الصراع الذي ُيلغي كل معاني‬
‫النسانية! وهذا هو الواقع أمامنا ‪ ،‬وهذا هو التاريخ معروضا ً بين أيدينا ‪.‬‬
‫حسبنا السلم ‪ ،‬دين الله ‪ ،‬دين جميع الرسل والنبياء ‪ ،‬فهو وحده الذي يوّفر‬
‫للبشرّية كلها أكمل معاني النسانية ‪ ،‬وأعلى معاني العدالة ‪ ،‬وأصدق آفاق‬
‫ل حقوَقه حسب شرع الله ‪ ،‬ل حسب شرع الديمقراطية‬ ‫الحرّية‪ ،‬ولينال ك ّ‬
‫والعلمانية والشتراكية ‪ ،‬حيث تموت هناك العدالة والحرّية والنسانّية إل في‬
‫أجواء التخدير‪ ،‬والمساواة بالظلم والفقر ‪ ،‬والفاحشة ‪ ،‬والفجور ‪ ،‬ل ضابط إل‬
‫سلطان القوة والبطش والتخدير وما ينتج عنها من قوانين وضعّية ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لقد وقع بعض الدعاة ‪ ،‬بعد أن سحرتهم حضارة الغرب وزخارفها الكاذبة‬
‫درتهم ‪ ،‬وقعوا في شركها وبين أنيابها ومخالبها ‪ .‬فلم يكتفوا بأن يتوّلوا‬‫وخ ّ‬
‫الدعوة إلى العلمانية حينا ً ‪ ،‬وإلى الديمقراطية حينا ً آخر ‪ ،‬وإلى الشتراكية‬
‫ره ‪،‬‬ ‫سك َ ِ‬‫حينا ً آخر ‪ ،‬وإلى كل " فتنة " جديدة تأتي من الغرب الساحر بخدره و َ‬
‫بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك ‪ ،‬فأخذوا يؤولون بعض اليات والحاديث تأويل ً‬
‫واضح الفساد ‪ ،‬تأويل ً تدفعه الهواء الهائجة والرغبات بين الناس ‪ ،‬وكثير من‬
‫الناس ل يعلمون دينهم وهم مسلمون ‪ ،‬يأخذون الدين مما قال هذا ومما قال‬
‫ذاك ‪ ،‬يأخذونه من البشر الذين ل ُيتبعونه بالدليل من الكتاب والسّنة بصورة‬
‫أمينة صادقة ‪.‬‬
‫فتنتشر آراء كثيرة بين الناس ‪ ،‬تفتنهم عن صفاء دينهم وسلمة تصورهم‬
‫وفطرتهم ‪ .‬ولقد جمعت نماذج من ذلك قدر استطاعتي ورددت عليها في‬
‫ً‬
‫طيت مساحة كبيرة نسبيا ‪،‬‬ ‫ن أني غ ّ‬‫كتابي بعنوان ‪ " :‬النحراف " ! وكنت أظ ّ‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حتى فوجئت بآراء جديدة تموج بها بعض القلم وبعض الفواه واللسنة ‪.‬‬
‫تموج بها وتزخرفها بألفاظ من الزينة المغرية ‪ ،‬كألفاظ النسانّية ‪ ،‬الخوة‬
‫النسانّية ‪ ،‬والمصلحة ‪ ،‬العدالة ‪ ،‬حرّية النسان ‪ ،‬والوطنّية ‪ ،‬والقومّية ‪،‬‬
‫شعارات متفلتة من أيّ ضوابط ‪ُ ،‬تغري النفوس فتقبل عليها فل تجد نهجا ً ول‬
‫شرعا ً ول ضوابط ‪.‬‬
‫لقد اختلطت مصطلحات الوطنية والقومية والعروبة بالسلم ‪ ،‬حتى كادت‬
‫ل محلها على ألسنة بعض الدعاة ‪ .‬ولذلك‬ ‫تطغى على كلمة السلم ‪ ،‬أو تح ّ‬
‫فقد حصر بعض الدعاة نظرتهم في الصلح إلى إصلح وطنهم ‪ ،‬وأخذوا‬
‫ددون حقوق المواطن على أساس المواطنة بغض النظر‬ ‫يعلنون ذلك‪ ،‬ويح ّ‬
‫عن شريعة الله ‪ ،‬حتى جعل بعضهم رابط المواطنة أخوة في المواطنة‬
‫وطويت أخوة اليمان ‪ ،‬وأخذوا بشرع الغرب والعلمانية في ذلك دون شرع‬
‫ن لهم أي لغير المسلمين ما لنا ) أي‬ ‫ي مبين‪" :‬إ ّ‬‫الله ‪ .‬وقالوا بلسان عرب ّ‬
‫للمسلمين ( وعليهم ما علينا " ‪ .‬وظننت بادئ المر أنها هفوة عالم يمكن أن‬
‫َ‬
‫تزول ‪ .‬ولكن رأيت أن هذا القول ‪ " :‬لهم ما لنا وعليهم ما علينا " أخذ يمتد ّ‬
‫وُيرّدده دعاة مسلمون هنا وهناك ‪ ،‬وينسبونه إلى الله ورسوله ظلما ً وبهتانا ً ‪.‬‬
‫م فوجئت بكتاب يقول فيه مؤلفه ‪ " :‬أما بالنسبة لغير المسلمين فأساس‬ ‫ث ّ‬
‫المواطنة هو " الولء " للدولة السلمية عن طريق العهد ‪ ،‬لن حق المواطنة‬
‫ل يستلزم وحدة العقيدة ول وحدة العنصر ‪ ،‬قال رسول الله ‪ " :‬لهم ما‬
‫ص عليه دستور‬ ‫للمسلمين وعليهم ما عليهم " ! وهذا الدليل يتوافق مع ما ن ّ‬
‫المدينة الذي قّرر المواطنة المتساوية لليهود وغيرهم مع المسلمين تحت‬
‫م يقول ‪ " :‬الثاني ‪ :‬مبدأ التسامح مع‬ ‫لواء الدولة السلمّية ‪ ،‬يعيشون ‪." ......‬ث ّ‬
‫أهل الديان السماوية الخرى ‪ ،‬وذلك بأن جعل لهم السلم من الحقوق‬
‫وأوجب عليهم من الواجبات عين ما للمسلمين وما عليهم ‪ ،‬وليس أعدل‬
‫ممن يساويك بنفسه في المنفعة والعدل والحكم " !‬
‫ص الحديث الذي نسبه إلى الرسول إلى "صحيح ابن حبان ‪،‬‬ ‫ويحيل الكتاب ن ّ‬
‫تحقيق شعيب الرناؤوط ‪ ،‬ط ‪ ، 2‬ثم ذكر الصفحة والمجلد ورقم الحديث ‪.‬‬
‫ومن هنا ‪ ،‬ومن مثل هذه الكتابات انتشر هذا التعبير عن غير المسلمين في‬
‫ل من درس القرآن‬ ‫ظل الدولة المسلمة ‪ " :‬لهم ما لنا وعليهم ما علينا " ! وك ّ‬
‫الكريم والسنة والتاريخ يدرك أنه يستحيل أن يقول الرسول هذا الحديث أو‬
‫مثله ‪ .‬ولكن هذه الجملة ‪ " :‬لهم ما لنا وعليهم ما علينا " انتشرت في وسائل‬
‫العلم وعلى ألسنة الدعاة وكثير من المسلمين ليبّينوا أن السلم عادل‬
‫ومنصف حسب ما يريد الغرب وحسب موازين الديمقراطية والعلمانّية ‪،‬‬
‫دلوا في شرع الله الذي به‬ ‫ولكنهم بادعائهم هذا نفوا العدالة عن السلم ‪ ،‬وب ّ‬
‫تقوم العدالة بأعلى درجاتها ‪ ،‬وبه وحده تقوم النسانية ‪ ،‬وبه تقوم الحرّية ‪.‬‬
‫ولقد ورد هذا النص ‪ " :‬لهم ما لنا وعليهم ما علينا " في بيان أصدره داعية‬
‫ُ‬
‫وة بين المسلمين وغير المسلمين في بلده فامتد ّ‬ ‫مسلم بصدد حديثه عن أخ ّ‬
‫تطبيق هذا النص إلى أبعد مما ذهب إليه مؤلف الكتاب الذي أشرنا إليه سابقا ً‬
‫‪ ،‬إذ ُبنيت هنا أخوة بين المسلم وغير المسلم مما لم يحدث في التاريخ‬
‫السلمي كله ‪ ،‬ول في فقهه ول في عدالته وحرّيته ! فكيف تكون أخوة‬
‫وة ومجالت‬ ‫ددا معنى الخ ّ‬ ‫المسلم مع غير المسلم ‪ ،‬والله ورسوله ح ّ‬
‫استخدامها ‪ ،‬فالله سبحانه وتعالى يقول ‪ " :‬إّنما المؤمنون إخوة " ! والرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم يقرر في أحاديث كثيرة ‪ " :‬المسلم أخو المسلم ‪! ....‬‬
‫فكيف نشأت هذه المصطلحات والفكار ؟!‬
‫إنني أشعر أن هذه المصطلحات وهذه التصورات تكاد توحي بدين جديد غير‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما أنزله الله على رسوله محمد ‪ ،‬دينا ً ينطلق من أفكار بشرّية ومصادر‬
‫بشرّية وإعلم بشري سقط فيه بعض المسلمين ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وليضاح ذلك نبّين أول ً بطلن الحديث ‪ " :‬لهم ما لنا وعليهم ما علينا " ‪،‬‬
‫ى ‪ .‬ولكنه جزء‬ ‫ً‬
‫فبهذه الصورة هو حديث غير ُصحيح ‪ ،‬باطل رواية وسندا ومعن ً‬
‫ل معظمه ‪ ،‬واقتطعت منه هذه الجملة‬ ‫ف َ‬ ‫من حديث صحيح للرسول ‪ ،‬أغْ ِ‬
‫ص الحديث‬ ‫وعزلت عن بقّية الحديث ‪ ،‬فتغّير المعنى كلّية ‪ .‬فلنستمع إلى ن ّ‬
‫بكامله من المرجع الذي أشار إليه مؤلف الكتاب السابق ذكره ‪ :‬صحيح ابن‬
‫حبان تحقيق الستاذ شعيب الرناؤوط ص ‪ ، 215‬ج ‪ ، 13‬رقم ‪: 5895‬‬
‫ت أن ُأقاتل‬ ‫ُ‬
‫عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله قال ‪ ) :‬أمر ُ‬
‫ن محمدا ً رسول لله ‪ ،‬فإذا شهدوا أل‬ ‫الناس حتى يشهدوا أن ل إله إل الله وأ ّ‬
‫إله إل الله وأن محمدا ً رسول الله ‪ ،‬واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا وصلوا‬
‫ّ‬
‫ت علينا دماؤهم وأمواُلهم ‪ ،‬لهم ما للمسلمين وعليهم ما‬ ‫م ْ‬ ‫حُر َ‬ ‫صلتنا‪ ،‬فقد َ‬
‫عليهم(‪ .‬وجاء في الشرح أنه صحيح على شرط الشيخين وأخرجه أبو نعيم‬
‫في الحلية ‪ ، 8/173‬وأخرجه النسائي وأحمد وأبوداود والترمذي والخطيب‬
‫في تاريخه‪ ،‬والبيهقي ‪ !...‬وذلك يعني أن من دخل في السلم مهما كان‬
‫جنسه فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم ‪ .‬وهذا هو معنى الية الكريمة في‬
‫سورة التوبة ‪:‬‬
‫َ‬
‫ت‬‫ل اْليا ِ‬‫ص ُ‬ ‫ف ّ‬‫ن وَن ُ َ‬‫دي ِ‬ ‫وان ُك ُ ْ‬
‫م ِفي ال ّ‬ ‫خ َ‬ ‫وا الّز َ‬
‫كاةَ فَإ ِ ْ‬ ‫صلة َ َوآت َ ُ‬
‫موا ال ّ‬ ‫ن َتاُبوا وَأَقا ُ‬ ‫) فَإ ِ ْ‬
‫ن ( ] التوبة ‪[ 11 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َعْل َ ُ‬ ‫لِ َ‬
‫صه ‪ ،‬فكيف أغفل‬ ‫فالحديث إذن معروف في كتب السنة ‪ ،‬معروف بكامل ن ّ‬
‫الكاتب معظم الحديث والشروط الواردة الحاسمة فيه وأخذ بالجملة‬
‫الخيرة ‪ ،‬وبنى عليها قضايا وقضايا كمبدأ التسامح والوطنية والنسانية وسائر‬
‫ما استخلصه الكاتب من الحديث الشريف الذي أخذ بآخر جملة فقط منه ‪،‬‬
‫صها !‬ ‫وغّير ن ّ‬
‫ويزيد المر عجبا حين نرى كثيرا من الدعاة ينادون بهذا الشعار غير الصحيح ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ص المجزوء‬ ‫" لهم ما لنا وعليهم ما علينا " ‪ ،‬أو ينادون بما ي ُْبنى على هذا الن ّ‬
‫من أفكار باطلة ‪ ،‬وافتراء على الله ورسوله ‪ ،‬وتحريف في دينه تدفع إليه‬
‫ضغوط الواقع كما دفعت اليهود والنصارى إلى أن ُيحّرفوا في التوراة‬
‫والنجيل !‬
‫م السلم مذهب اليهود والنصارى دينا ً جديدا ً أو دينا سماويا ً كما ذهب‬ ‫ولم يس ّ‬
‫إليه الكاتب ‪ ،‬فالدين عند الله واحد هو السلم فقط ‪ ،‬دين جميع النبياء‬
‫والرسل ‪ ،‬ودين موسى وعيسى عليهم السلم جميعا ً ‪ .‬إنما سماهم السلم"‬
‫أهل الكتاب "‪ ،‬وبّين حقوقهم وواجباتهم بالتفصيل على أعلى درجة من‬
‫العدالة والحق ‪ ،‬لنه تشريع من عند الله ‪ ،‬وليس من عند البشر ‪ .‬فليس‬
‫هنالك أديان سماوية أبدا ً إل دين واحد هو السلم ‪ .‬وهل يعقل أن يبعث الله‬
‫لخلقه أديانا ً مختلفة يتصارع الناس عليها صراعا ً قد يذهب باليمان ‪ ،‬والله‬
‫يريد من جميع خلقه أن يدينوا بدين واحد ‪ ،‬وأن يؤمنوا برب واحد وإله واحد‬
‫إيمانا ً واحدا ً !‬
‫لقد عرض نيكسون في كتابه " الفرصة السانحة " موقف أمريكا من السلم‬
‫سم المسلمين إلى ثلث فئات ‪ :‬الصوليون‬ ‫والحركات السلمية ‪ .‬وق ّ‬
‫والرجعيون والتقدميون ‪ .‬وقال ‪ " :‬يجب علينا أن نعاون التقدميين في العالم‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العربي ‪ .‬ففي ذلك مصلحتهم ومصلحتنا ‪ ،‬فهم محتاجون لن يعطوا أنصارهم‬


‫أيديولوجّية بديل ً ليديولوجية الصوليين المتطرفين وانغلق الرجعيين " ‪ .‬إن‬
‫مفتاح السياسة المريكية يكمن في التعاون الستراتيجي مع المسلمين‬
‫التقدمّيين فقط " ‪.‬‬
‫نود ّ أن نقول لنكسون إن هذا التقسيم ل يعرفه السلم ‪ ،‬إن السلم يقسم‬
‫ص كتاب الله إلى ‪ :‬مؤمنين ‪ ،‬منافقين ‪ ،‬أهل كتاب ‪ ،‬كافرين ‪ .‬ولكل‬ ‫الناس بن ّ‬
‫صل ‪ .‬وإذا كان من يسميهم بالتقدميين يحتاجون‬ ‫قسم من هؤلء تعريفهم المف ّ‬
‫إلى أيديولوجية بديل ً عن أيديولوجية الصوليين والرجعيين ‪ ،‬فل بد ّ أن نوضح‬
‫ي المنّزل على‬ ‫له أن للمسلمين المؤمنين جميعا ً أيديولوجّية واحدة هي الوح ُ‬
‫رسول الله محمد بلسان عربي مبين ‪ ،‬فكرا ً وتشريعا ً ونهجا ً متكامل ً للحياة‬
‫كلها ‪ ،‬لكل عصر ومكان ‪.‬‬
‫ولكننا هنا نتساءل هل ما نجده في واقع المسلمين اليوم من اضطراب‬
‫وتناقض وانحراف في الفكر والفتوى والمواقف هو بعض آثار تلك‬
‫اليديولوجية التي توّفرها أمريكا للمعتدلين من المسلمين ؟!‬
‫لسنا بحاجة إلى ديمقراطية أمريكا ول إلى علمانيتها المتناقضة ‪ ،‬فحسبنا ما‬
‫أنعم الله علينا من دين كامل ونعمة تامة ‪ .‬ولكننا ل نستطيع أن ننكر أن واقع‬
‫المسلمين اليوم ل يمّثل السلم الذي جاء به محمد وحيا ً من عند الله ‪.‬‬
‫فواجبنا إذن أن ننهض للتزام ما يأتي وحيا ً من عند الله ‪ ،‬بدل مما يأتي "‬
‫وحيًا" من عند أمريكا ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ول ننكر أن المسلمين اليوم متخلفون في واقعهم عن متطلبات السلم ‪.‬‬


‫ي نابع من منهاج الله والواقع الذي ُيرد ّ إلى‬ ‫فلم ينهضوا لبناء نظام إداريّ رّبان ّ‬
‫منهاج الله ‪ ،‬ولم ينهضوا لبناء نظام اقتصادي إسلمي يطبقون فيه شرع‬
‫الله ‪ ،‬بل اتبعوا النظام الرأسمالي بقضه وقضيضه ‪ ،‬ولم يلتزموا النهج‬
‫الرّباني في التربية والبناء للنسان ‪ ،‬بل غّرتهم مناهج الغرب وأصبح لها دعاة‬
‫من المسلمين ‪ .‬لقد عالجنا تخلفنا وضعفنا باستجداء الغرب ومناهجه‬
‫وأيديولوجيته في شتى ميادين الحياة ‪ ،‬حتى في الكلمة والدب والشعر !‬
‫إن الباب مفتوح دائما ً لمن يريد أن يبدع في مناهج إيمانية في شتى ميادين‬
‫دكر ؟!‬‫الحياة ! فهل من م ّ‬
‫ولن يجد اليهود ول النصارى ول غيرهم عدالة ورحمة أصدق مما وجدوه في‬
‫ل السلم وحكمه ‪ ،‬وإن كانوا قابلوا ذلك بغير ما لقوه ! فهل قابلوا‬ ‫ظ ّ‬
‫الحسان بالحسان ؟!‬
‫ونود ّ من المسلمين أن يبحثوا عن العدالة والمساواة والنسانية مع إخوانهم‬
‫وة اليمان عاطفة‬ ‫المسلمين الذين أمر الله أن يرتبطوا جميعا ً بأخ ّ‬
‫سب‬ ‫ومسؤوليات وحقوقا ً ‪ ،‬مثلما ينادون بالعدالة مع الخر ! وسوف ُيحا َ‬
‫المسلمون بين يدي الله عن مدى وفائهم بأخوة اليمان فيما بينهم ‪ ،‬وسوف‬
‫يحاسبون أيضا ً عن مدى وفائهم بالقسط والعدالة مع غير المسلمين على‬
‫أساس من شرع الله ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لو أقسم على الله لبره‬


‫إن لله عبادا ً اختصهم تبارك وتعالى بمنزلة وفضيلة ليست لغيرهم من الناس‪،‬‬
‫ومن هؤلء من أخبر عنه صلى الله عليه و سلم بقوله‪« :‬رب أشعث مدفوع‬
‫بالبواب لو أقسم على الله لبره» )]‪.([1‬وقال أيضا ً صلى الله عليه و‬
‫سلم ‪ «:‬أل أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله‬
‫لبره‪ .‬أل أخبركم بأهل النار؟ كل جواظ زنيم متكبر»‪.([2]).‬‬
‫وأعلى النبي صلى الله عليه و سلم منزلة الضعفاء وشأنهم فقال لسعد بن‬
‫أبي وقاص –رضي الله عنه‪ -‬حين رأى أن له فضل ً على من دونه‪« :‬هل‬
‫تنصرون وترزقون إل بضعفائكم؟»)]‪ ،([3‬وقال صلى الله عليه و سلم في‬
‫حديث آخر‪«:‬أبغوني ضعفاءكم؛ فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم» )]‪.([4‬‬
‫وقال صلى الله عليه و سلم ‪«:‬طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله‪،‬‬
‫أشعث رأسه مغبرة قدماه‪ ،‬إن كان في الحراسة كان في الحراسة‪ ،‬وإن كان‬
‫في الساقة كان في الساقة‪ ،‬إن استأذن لم يؤذن له‪ ،‬وإن شفع لم يشفع »‬
‫)]‪.([5‬‬
‫وتفاضل الناس إنما هو بمعيار واحد وميزان واحد هو التقوى‪ ،‬فأكرمهم عند‬
‫الله أتقاهم‪.‬‬
‫هذه الحقائق البدهية والمسلمات التي يعيها كل مسلم مهما كانت ثقافته‬
‫وعلمه قد تغيب عن بعضنا بفعل مؤثرات أخرى‪.‬‬
‫ومن ذلك أن أرباب العمال‪ ،‬بل والدعاة إلى الله يعتنون بفئات معينة من‬
‫الناس‪ ،‬فصاحب الذكاء‪ ،‬والرجل القيادي‪ ،‬وصاحب الشخصية الجذابة…‪.‬‬
‫يجدون من التقدير والعتبار لدى هؤلء ماليجده غيرهم‪ ،‬ويبحثون عنهم‬
‫ويعتنون بهم‪ ،‬لنهم هم المؤهلون لتولي العمال والمسؤوليات‪ ،‬ويرى هؤلء‬
‫أن الرجل الصالح مهما بلغ من التقى والزهد والعبادة مالم يكن يحمل‬
‫مواصفات القيادية فليس هو المؤهل لتولي المسؤولية‪.‬‬
‫وهذا أمر لنزاع فيه فقد قال تعالى على لسان ابنة شعيب ))إن خير من‬
‫استأجرت القوي المين((‪.‬‬
‫وقال صلى الله عليه و سلم لبي ذر –رضي الله عنه‪ :-‬ياأباذر ‪ ،‬إني أراك‬
‫ضعيفا ً ‪ ،‬وإني أحب لك ما أحب لنفسي ‪ ،‬لتأمرن على اثنين ‪ ،‬ولتولين على‬
‫مال يتيم " ومع ذلك قال عنه صلى الله عليه و سلم ما أظلت الخضراء ول‬
‫أقلت الغبراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر» )]‪.([6‬‬
‫وحين نفرق بين تأهيل شخص لتولي مسؤولية‪ ،‬أو العتناء بتربيته ورعايته‬
‫وإعداده‪ ،‬وبين المحبة والولء واعتقاد الفضيلة‪ ،‬نقف موقف العتدال في‬
‫التعامل مع هذه القضية‪ ،‬ونضع النصوص الشرعية في موضعها‪.‬‬
‫كما ليسوغ أن يدعونا شعورنا بكون فلن أولى بهذه المسؤولية إلى التقليل‬
‫من شأن الخر‪ ،‬فضل ً عن أن ننظر بازدراء أو استخفاف لمن نعتقد أنا قد‬
‫فضلنا عليه بالعقل والدراك‪ ،‬فهذا مزلق خطير‪ ،‬وهو من باب غمط الناس‬
‫وازدرائهم‪ ،‬ولن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر‪.‬‬
‫بل والصحوة اليوم تحتاج لطائفة من الصالحين الصادقين الذين ليأبه لهم‬
‫الناس‪ ،‬ولو لو لم يتولوا مسؤوليات وأعباء‪ ،‬فعلها أن تنصر وتوفق بدعائهم‬
‫وصدقهم مع الله تعالى‪.‬‬
‫نسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا البصيرة والفقه في الدين‪ ،‬وأن يجعلنا من‬
‫عباده المتقين‪ ،‬إنه سميع مجيب‪،،،‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫)]‪ ([1‬رواه مسلم )‪(2622‬‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)]‪ ([2‬رواه البخاري )‪ (4918‬ومسلم )‪(2853‬‬


‫)]‪ ([3‬رواه البخاري )‪(2896‬‬
‫)]‪ ([4‬رواه أحمد )‪ (21224‬وأبو داود )‪ (2594‬والترمذي )‪ (1702‬والنسائي‬
‫)‪(3179‬‬
‫)]‪ ([5‬رواه البخاري )‪(2887‬‬
‫)]‪ ([6‬رواه أحمد )‪ (6593‬والترمذي )‪ (3802‬وابن ماجه )‪(156‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لو كان لنا خليفة حسن عبد الحميد*‬


‫لم يكن الغرب الفاجر ليتجرأ على عقائد المسلمين بهذه الصفاقة التي‬
‫تعاملت بها الصحيفة الدنماركية في إساءتها لفضل الخلق أجمعين لو كان‬
‫للمسلمين خليفة واحد‪ ،‬مبايع من جماهير المة‪ ،‬يقيم الدين‪ ،‬ويسوس الدنيا‪،‬‬
‫فيردع المارقين‪ ،‬ويؤدب المتطاولين على السلم‪ ،‬وأهله‪.‬‬
‫ولم يكن ليستطيع ساسة الغرب الكفرة أن يتشدقون بما ل يعون من معاني‬
‫ختمت به الرسالت السماوية‪،‬‬ ‫الحرية حينما يتعلق المر بالنيل من مقام من ُ‬
‫وصلى خلفه النبياء عليهم السلم؛ إذ سيحسبون حسابا لخليفة واحد‪ ،‬يأتمر‬
‫بأمره أكثر من مليار مسلم على وجه البسيطة؛ كلهم يتسابق لطاعة أوامره‪،‬‬
‫وتنفيذ توجيهاته؛ لنها من طاعة الله تعالى؛ مهما كلفهم ذلك من جهد‪ ،‬أو‬
‫مال‪.‬‬
‫والحقيقة التي تتأكد يوما بعد يوم أن الغرب الفاجر‪ ،‬الكافر يحمل حقدا دفينا‬
‫لهذا الدين الخاتم‪ ،‬ولنبيه عليه أفضل الصلة وأتم التسليم‪ ،‬وللمسلمين كافة‪،‬‬
‫في كل زمان ومكان )قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم‬
‫أكبر(‪ ،‬وأنه ل يفهم إل لغة القوياء‪ ،‬وأن القوة لن تتيسر للمسلمين إل بالعودة‬
‫إلى دينهم عودة حقيقية؛ وليست وليدة انفعالت عاطفية طارئة‪ ..‬ولن يتيسر‬
‫ذلك في المجال السياسي إل بمبايعة خليفة واحد للمسلمين‪ ،‬يشرف على‬
‫استئناف الحياة السلمية في كافة المجالت‪ :‬يقيم الحدود‪ ،‬ويسير الجيوش‪،‬‬
‫ويسد الثغور‪ ،‬ويؤدب الكفرة‪ ،‬وينتصر لقيم الحق‪ ،‬ويحفظ الدين‪.‬‬
‫واستجابة شعوب المة المسلمة‪ ،‬وغضبها الشديد لعرض رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم كانت أكبر‪ ،‬وأبلغ‪ ،‬وأشد من تعامل حكومات العالم السلمي‬
‫تجاه هذا المر الخطير؛ إذ خرجت الجماهير المسلمة في كافة بلد العالم‬
‫السلمي منتصرة لنبيها عليه أفضل الصلة‪ ،‬وأتم التسليم‪ ،‬وكان ينبغي‬
‫لحكومات العالم السلمي أن تقف موقفا مشرفا إزاء هذا الحدث الجلل‪..‬‬
‫وهي لن تستطيع تسيير الجيوش‪ ،‬وغزو الدنمارك التي تضم هذا الشقي‬
‫وأمثاله؛ لكنها كانت تستطيع وقف كافة أنواع التعامل مع هذه البلدة الشقية‬
‫بأمثال هذا الوغد‪ ..‬والغرب تؤثر فيه القرارات القتصادية؛ لنهم حريصون‬
‫على الحياة الدنيا )ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود‬
‫أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر(‪ ،‬والمقاطعة‬
‫القتصادية من كافة البلدان السلمية تجعل حياتهم التي يحيونها كالنعام‬
‫شاقة‪ ،‬وضنكى؛ فل يعودون يتطاولون مرة أخرى بعد أن يذوقوا آلم الكساد‪،‬‬
‫والفلس‪ ،‬والمسغبة‪ ،‬وتوجيه رسالة من هذا النوع ل يكلف الحكومات‬
‫السلمية حربا‪ ،‬ول يفقدها أرضا؛ فما أسهل الثمن!‪ ،‬وما أبخل الحكومات!‪.‬‬
‫غير أن التعويل أكثر ‪ -‬في هذه الظروف التي تعيشها المة السلمية من بعد‬
‫الله تعالى ‪ -‬على الشعوب المسلمة؛ التي انتفضت لنبيها عليه أفضل الصلة‪،‬‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأتم التسليم‪ ..‬والمأمول أن تتواصل هذه النتفاضات؛ لتكون مناسبة لعودة‬


‫المة إلى دينها في مختلف المجالت عودا حميدا؛ ول ترتبط بالظرف الراهن‬
‫الذي سرعان ما ُينسى بعد تقادم اليام‪ ..‬وأن تسعى هذه الجماهير لستكمال‬
‫عناصر قوتها؛ بتنصيب الخليفة إماما واحدا لكل المسلمين‪ ،‬والطريق إلى ذلك‬
‫ميسور إن شاء الله تعالى لو عزمت المة على ذلك؛ فالمة المسلمة الصل‬
‫فيها أن يحكمها خليفة مسلم واحد‪ ،‬يطيع الله تعالى؛ فتطيعه المة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لواء الحمد‬
‫أديب إبراهيم الدباغ‬
‫ص نبينا عليه أفضل الصلة والسلم من بين النبياء عليهم السلم‬ ‫لقد أ ُ ْ‬
‫خت ُ ّ‬
‫برفع لواء الحمد فوق هامة النسانية وبتفتيق ألسنة المؤمنين بشّتى أنواع‬
‫المحامد‪ ،‬وبتفجير أفئدتهم بينابيع الشكر والمتنان لله الجواد المّنان‪ ،‬وكان‬
‫ّ‬
‫ه صلى‬ ‫نجاحه في ذلك نجاحا ً ل مثيل له في تاريخ النبياء‪ ،‬ويكفي أن نعلم بأن ّ ُ‬
‫عليه الله وسلم "عّلم المؤمنين كيف يحمدون الله على المكاره التي تنزل‬
‫بهم‪ ،‬لن المكاره حين تنزل بالمؤمن بقدر مقدور لحكمة مستترة تحت ستار‬
‫السباب‪ ،‬فما هي إل ّ‬
‫جر أو يجأر بالشكوى منها بل‬ ‫تنبيه أو تذكير أو تعليم أو تأديب ل ينبغي أن يتض ّ‬
‫ه‬
‫مد ُ على مكرو ٍ‬ ‫عليه أن يسارع إلى الحمد قائل ً ‪" :‬الحمد لله الذي ل ُيح ْ‬
‫سواه"‪.‬‬
‫ن المحامد التي يلهمها له الله يوم‬ ‫فالحمد الصادق هو مفتاح الرحمة‪ ،‬حتى أ ّ‬
‫ح به‬ ‫فت ُ‬‫القيامة وهو ساجد تحت العرش بخشوع ورهبة ستكون المفتاح الذي ت ُ ْ‬
‫أبواب رحمة الله‪ ،‬والشافعة عند الله لقبول شفاعته في أمته في ذلك‬
‫ن نبيا ً يرقى إلى هذا المدى الذي ل يطاله مدى‬ ‫الموقف الرهيب والعصيب‪ ،‬إ ّ‬
‫موَ في محامده‪ ،‬فيرى في المحن والمكاره‬ ‫في عبوديته لله‪ ،‬ويسمو هذا الس ُ‬
‫ب الحمد جدير بأن يحمل لواء الحمد في هذا العالم‪،‬‬ ‫ة توج ُ‬ ‫من ّ ً‬
‫التي تنزل به ِ‬
‫ن يمضي ملتقطا محامد الرض من أفواه نباتها وحيوانها‪ ،‬وإنسها وجّنها‬‫ً‬ ‫وأ ْ‬
‫ليرفع إلى رب العالمين محامدها بلسانه الشريف"]‪.[1‬‬
‫وحول هذه الذات المحمدية الحمدية صلوات الله وسلمه عليه‪ .‬يدير‬
‫"النورسي" مناجاته وكما يأتي‪:‬‬
‫ل على محمد بحر أنوارك‪ ،‬ومعدن أسرارك‪ ،‬وشمس هدايتك‪ ،‬وعين‬ ‫مص ّ‬ ‫"الله ّ‬
‫ك‪ ،‬ومليك صنع قدرتك‪ ،‬ومثال محبتك‪ ،‬وتمثال رحمتك‪،‬‬ ‫جت َ‬ ‫عنايتك‪ ،‬ولسان ح ّ‬
‫ب‬‫ل وصح ِ‬ ‫ب الخلق إليك‪ ،‬وعلى سائر النبياء و المرسلين‪ ،‬وعلى آل ك ٍ‬ ‫واح ّ‬
‫ل أجمعين‪ ،‬وعلى ملئكتك المقربين‪ ،‬وعلى عبادك الصالحين من أهل‬ ‫ك ٍ‬
‫السموات والرضين‪ ،‬برحمتك يا ارحم الراحمين‪.‬‬
‫من ُيسبح بحمدك هذا العالم بلسان محمد عليه افضل صلواتك‬ ‫سبحانك يا َ‬
‫وأتم تسليماتك‪.‬‬
‫سبحانك يا من تسبح لك الدنيا بآثار محمد عليه أنمى بركاتك‪.‬‬
‫سبحانك يا من تسبح بحمدك الرض ساجدةً تحت عرش عظمتك بلسان‬
‫محمدها عليه أزكى تحياتك‪.‬‬
‫سبحانك يا من ُيسبح لك المؤمنون والمؤمنات بلسان محمدهم عليه صلواتك‬
‫أبدا ً سرمدا‪.‬‬
‫سبحانك أسّبحك بلسان حبيبك محمد عليه اكمل صلتك واجمل سلمك‪،‬‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فتقبل مني برحمتك كما تقبلته منه" ]‪.[2‬‬


‫وعلى لسان رسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم يجري "النورسي"‬
‫المناجاة التية نيابة عن المسلمين جميعا ً فيقول مخاطبا ً رفيقه في إحدى‬
‫سياحاته اليمانية‪:‬‬
‫"هيا بنا يا صاحبي لنذهب معا ً إلى تلك الجزيرة‪ ،‬حيث تضم جمعا ً غفيرا ً من‬
‫الناس‪ .‬فجميع أشراف المملكة مجتمعون فيها‪ ..‬انظر فها هو ذا مبعوث كريم‬
‫للسلطان متقّلد اعظم الوسمة وأعلها يرتجل خطبة يطلب فيها من مليكه‬
‫دقونه ويطلبون ما يطلبه‪.‬‬ ‫الرؤوف أمورًا‪ ،‬وجميع الذين معه يوافقونه ويص ّ‬
‫ب جم وتضّرع ويقول‪:‬‬ ‫أنصت لما يقول حبيب الملك العظيم‪ ،‬انه يدعو بأد ٍ‬
‫"يا من اسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة‪ ،‬يا سلطاننا‪ ،‬أرنا منابع وأصو َ‬
‫ل ما‬
‫أريَته لنا من نماذج وظلل‪ ..‬خذ بنا إلى مقر سلطنتك ول تهلكنا بالضياع في‬
‫هذه الفلة‪ ..‬أقبلنا وارفعنا إلى ديوان حضورك‪ ..‬ارحمنا‪ ..‬أطعمنا هناك لذائذ‬
‫ما أذقتنا إياه هنا‪ ،‬ول تعذبنا بألم التنائي والطرد عنك‪ ..‬فهاهم أولء رعيتك‬
‫المشتاقون الشاكرون المطيعون لك‪ ،‬ل تتركهم تائهين ضائعين‪ ،‬ول تفِنهم‬
‫بموت ل رجعة بعده" ]‪..[3‬‬
‫‪---------------‬‬
‫]‪ [1‬أنظر البعد الحسي في السراء والمعراج" لكاتب هذه السطور ص ‪36‬‬
‫]‪ [2‬المثنوي العربي النوري ص ‪387‬‬
‫]‪ [3‬الكلمات ص ‪52‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لوحة من صفد‬
‫بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي‬
‫ن إ َِيادِ‬ ‫هوايَ بي ْ َ‬ ‫ل َرقّ َ‬ ‫خا ِ‬ ‫َيا َ‬
‫شادِ‬ ‫ن و ال ِن ْ َ‬ ‫َ‬
‫وََرَوائ ِِع اللحا ِ‬
‫واِنحي‬ ‫ج َ‬ ‫شَهباِء هَّز َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن َغَ ٌ‬
‫ؤاِدي‬ ‫قلتي وَفُ َ‬ ‫ْ‬ ‫م ْ‬ ‫حّرك ُ‬ ‫َ‬ ‫هَّزا وَ َ‬ ‫ً‬
‫ري‬ ‫َ‬ ‫ذِك َْرى ِ‬
‫ض ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫ريب وَ َ‬ ‫ق ِ‬ ‫س ال َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬
‫ى وَِنجادِ‬ ‫فقَ في ُرب َ ً‬ ‫ص ّ‬ ‫كالط ّي ْرِ َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫شرِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫صب ْ ٌ‬ ‫ل ُ‬ ‫دى وَي ُط ِ ّ‬ ‫أوْ كالن ّ َ‬
‫قةِ الك َْباِد‬ ‫َ‬ ‫ف َ‬ ‫خ ْ‬ ‫أوْ كالن ّ ِ ِ َ َ‬
‫و‬ ‫م‬ ‫سي‬
‫ب‬‫ع ٌ‬ ‫مل ِ‬ ‫س إ ِل ّ َرب ْوَة ٌ وَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫َ‬
‫موِّج الب َْراِد‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫في‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫تا‬ ‫تَ َ‬ ‫خ‬
‫ْ‬
‫ُ َ َ‬
‫صَباَبتي‬ ‫م َ‬ ‫حل ْ ُ‬‫ن ")‪ُ (1‬‬ ‫فو على " ك َن َْعا َ‬ ‫ي َغْ ُ‬
‫حةٍ وََتهاِدي‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫جو َ‬ ‫ل في أْر ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫كالط ْ‬
‫ه‬
‫جن ََبات ِ ِ‬
‫ق )‪ (2‬في َ‬ ‫حو على الب َْرُقو ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ض الّزادِ‬ ‫م ب َعْ َ‬ ‫ُ‬
‫ه وَي َل ّ‬ ‫م ُ‬ ‫فَي َل ّ‬ ‫ُ‬
‫ضراَء ت ُلقي ُدوَنه‬ ‫ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫شب َةٍ َ‬ ‫ن عُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫سادِ‬ ‫بو َ‬ ‫طي َ‬ ‫ة وَ ِ‬ ‫ق ً‬ ‫م َ‬ ‫من َ ّ‬ ‫سطا ُ‬ ‫ً‬ ‫بُ ُ‬
‫خوِِره‬
‫ص ُ‬‫ن ُ‬ ‫ب " ب َي ْ َ‬ ‫ّ‬
‫ت " )‪َ " (3‬والعَكو ُ‬ ‫" العِل ُ‬‫ْ‬
‫هادِ‬ ‫عهِ َوو َ‬ ‫ن ِتل ِ‬ ‫َوالّزهُْر ب َي ْ َ‬
‫َ‬
‫حت ظ ِلِله‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ن َوالّزي ُْتو ُ‬ ‫َوالّتي ُ‬
‫ح في هََناٍء َباِدي‬ ‫مَر ُ‬ ‫دو وَن َ ْ‬ ‫ن َغْ ُ‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شنا‬ ‫ت ن َْبني عُ ّ‬ ‫صون الّتو ِ‬ ‫َوعلى غُ ُ‬


‫شاِدي‬ ‫ة الهََزارِ ال ّ‬ ‫وَن ُِعيد ُ َزقَْزقَ َ‬
‫ة الْنـ‬ ‫ي وَط َل ْعَ َ‬ ‫شهِ ّ‬ ‫َيا َزهَْرة الل ّوْزِ ال ّ‬
‫َ‬
‫دادِ‬ ‫ج َ‬ ‫ة ال ْ‬ ‫س َ‬ ‫ي وَغَْر َ‬ ‫ـَنورِ الب َهِ ّ‬
‫فَها الـ‬ ‫ت كَ ّ‬ ‫مد ّ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ة العِّنا ِ‬ ‫س َ‬ ‫َيا غَْر َ‬
‫مّيادِ‬ ‫ن فَْرٍع َلها َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ضو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ـ َ‬
‫خَبائ َِها‬ ‫ف ِ‬ ‫خل َ‬ ‫ْ‬ ‫سَناِء َ‬ ‫ح ْ‬ ‫كالَغاد َةِ ال َ‬
‫صاِدي‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ت ب ََنان َا ً ل ِل ُ‬
‫ْ‬ ‫د َفَعَ ْ‬
‫َ‬
‫جوم ِ )‪ (4‬ك َأّنها‬ ‫ُ‬
‫ت في " الّر ُ‬ ‫سَيا ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫َيا أ ْ‬
‫لعَيادِ‬ ‫ةا َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ب وَب َهْ َ‬ ‫عط ُْر ال ّ‬
‫شبا ِ‬ ‫ِ‬
‫شَعاب ِهِ‬ ‫ن ِ‬ ‫حرةُ الّزْرَقاُء )‪ُ (5‬دو َ‬ ‫وَ " الب َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ؤادِ‬ ‫واد َ فُ َ‬ ‫س َ‬ ‫ت فَأن َْزلها َ‬ ‫ن ََزل َ ْ‬
‫ت‬ ‫جن ْب َي َْها الّرَبى وََتوث ّب َ ْ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫ن َهَد َ ْ‬
‫مَهادِ‬ ‫ن فوْقَ ِ‬ ‫َ‬ ‫ضطرِب َي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ََنهد َي ْ ِ‬
‫ةَ‬
‫ي ِغلل ً‬ ‫َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ش ِ‬ ‫دى لها اللي ْل ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫أهْ َ‬
‫وادِ‬ ‫س َ‬ ‫ل َ‬ ‫فقُ في ظ ِل ِ‬ ‫َ‬ ‫خ ِ‬ ‫مَراء ت َ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫َ‬
‫م لل ِئ َا ً‬ ‫ّ ُ ُ‬ ‫جو‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ها‬ ‫ْ َ َ ِ ََ‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫وا‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ّ‬ ‫وَ‬
‫هاِدي‬ ‫ق َ‬ ‫ن َبري ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫شُر ِ‬ ‫وي وَ ت َن ْ ُ‬
‫َ‬ ‫ت َط ْ ِ‬
‫ب َوان ْث ََنى‬ ‫ص ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ح الل ّي ْ َ‬ ‫حّتى أَزا َ‬ ‫َ‬
‫مت ََهاِدي‬ ‫ُ ُ ُ‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫نو‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ساب‬ ‫يَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬
‫ها‬ ‫صد ْرِ َ‬ ‫قّر ب َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ة َوا ْ‬ ‫ن ََزعَ الِغلل َ‬‫َ‬
‫جد َه ُ ِبوَدادِ‬ ‫ل وَ ْ‬ ‫ج ي ُب َد ّ ُ‬ ‫وَهْ ٌ‬
‫ة‬
‫س ٍ‬ ‫ما َ‬ ‫نك َ‬ ‫َ‬ ‫ن الّناهِد َي ْ ِ‬ ‫َوالب َد ُْر ب َي ْ َ‬
‫قلدَِ‬ ‫ها ب ِ ِ‬ ‫جيدِ َ‬ ‫صول َةٍ في ِ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫َ‬
‫****‬
‫ن َواْلـ‬ ‫ما ُ‬ ‫ل الّرقَْراقُ َوالّر َ‬ ‫جد ْوَ ُ‬ ‫َوال َ‬
‫واِدي‬ ‫ف ال َ‬ ‫فا ِ‬ ‫ض َ‬ ‫م الّنديّ على ِ‬ ‫ـك َْر ُ‬
‫ت َواْلـ‬ ‫ل في أعْ َ‬ ‫َ‬ ‫خَتا ُ‬
‫طافِهِ الَغاَدا ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫واِدي‬ ‫َ‬
‫ن َرَوائ ٍِح وَغ َ‬ ‫م ب َي ْ َ‬ ‫سا ُ‬ ‫أن َ‬
‫ة‬ ‫د‬ ‫شو‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫صو‬ ‫ُ‬ ‫غ‬ ‫ن‬ ‫ّ‬
‫َ ٌ‬ ‫ُ ِ ِ ْ‬ ‫َوال ْ ُ َ ْ َ‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ط‬
‫وادِ‬ ‫َ‬
‫ة العْ َ‬ ‫ق َ‬ ‫ف َ‬ ‫خ ْ‬ ‫جع َ َ‬ ‫َوالماُء َر ّ‬
‫ت في‬ ‫َ‬
‫ن " اّلتي أل ْ َ‬ ‫َ‬
‫قي ْ ُ‬ ‫واِوي ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ن " ال ّ‬ ‫أي ْ َ‬
‫عتاِدي‬ ‫سِتي وَ َ‬ ‫كرا َ‬ ‫حاِتها ُ‬ ‫سا َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫عَنان َُ‬ ‫ن ِ‬ ‫ّ َ ُ‬ ‫ما‬ ‫ز‬ ‫ال‬ ‫خى‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َْ ْ‬ ‫أ‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ص‬
‫ِ‬ ‫م ْ‬
‫ع‬ ‫َ‬
‫حاِدي‬ ‫ب َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫في‬ ‫جوا‬ ‫ّ‬ ‫ض‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫مو‬ ‫لَ ُ ُ‬ ‫ه‬
‫ة‬‫صب ْي َ ً‬ ‫سَنا ِ‬ ‫جل ْ ْ‬ ‫جَها َ‬ ‫دارِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫وَعََلى َ‬
‫دادِ‬ ‫م َ‬ ‫شةٍ وَ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ف بِ ِ‬ ‫ي الحُرو َ‬ ‫مل ِ‬ ‫نُ ْ‬
‫ة‬
‫ش ٍ‬ ‫شا َ‬ ‫حرِ ب َ َ‬ ‫وى َوس ْ‬ ‫ش َ‬ ‫وَب ِلث ْغَةٍ ن َ ْ‬ ‫َ‬
‫جادِ‬ ‫ق الن ْ َ‬ ‫َ‬ ‫كالن ّوْرِ ب َْين َ‬
‫قائ ِ ِ‬ ‫ش َ‬
‫قت‬ ‫ف َ‬ ‫ص ّ‬ ‫س وَ َ‬ ‫جُر الد ُّرو ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ت ب َِنا ُ‬ ‫ضاقَ ْ‬ ‫َ‬
‫واِدي‬ ‫ب وَن َ َ‬ ‫ع ٌ‬ ‫مل ِ‬‫َ‬ ‫سَراِح َ‬ ‫عن ْد َ ال ّ‬ ‫ِ‬
‫ما ً‬ ‫حك ََ‬ ‫م ْ‬ ‫ف آي َا ُ‬ ‫ً‬ ‫حْر َ‬ ‫ت ِفيَها ال َ‬ ‫م ُ‬ ‫عُل ْ‬ ‫ّ‬
‫م قَِياِدي‬ ‫ما َ‬ ‫حلي زِ َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫مل َك ُ‬ ‫ْ‬ ‫فَ َ‬
‫****‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حَها‬ ‫سا ِ‬ ‫مَنازِ ُ‬ ‫َ‬


‫ت في َ‬ ‫ل َرّدد ْ‬ ‫ن ال َ‬ ‫أي ْ َ‬
‫لدي‬ ‫ت بِ َ‬ ‫غنَيا ِ‬ ‫مائ ِم ِ أ ُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ض ال َ‬ ‫ِبي ُ‬
‫ت بَها‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫صافُِير التي ن ََزل ْ‬ ‫ن العَ َ‬ ‫أي ْ َ‬
‫صّيادِ‬ ‫ة ال ّ‬ ‫ق َ‬ ‫ن ط َل ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫شا ً ل َِتأ َ‬ ‫عُ ّ‬
‫طافَِها‬ ‫على أعْ َ‬ ‫َ‬ ‫من ُْثوٌر َ‬ ‫ب َ‬ ‫ح ّ‬ ‫َوال ْ‬
‫مَتهاِدي‬ ‫ذا ُ‬ ‫ش َ‬ ‫ح ال ّ‬ ‫وا ُ‬ ‫َوالّزهُْر فَ ّ‬
‫****‬
‫هَ‬
‫حوْل ُ‬ ‫حلقَ َ‬ ‫ّ‬ ‫قل ً ل ِلّنارِ َ‬ ‫ْ‬ ‫من ْ َ‬ ‫َيا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ب ِأَياِدي‬ ‫دوا فوْقَ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫أهِْلي وَ َ‬
‫طاَءهُ‬ ‫مادِ عَ َ‬ ‫ل الّر َ‬ ‫خل َ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫طي َ‬ ‫ي ُعْ ِ‬
‫غاِدي‬ ‫ب َ‬ ‫حا ٌ‬ ‫س َ‬ ‫جُبها َ‬ ‫ح ُ‬ ‫س يَ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫كال ّ‬
‫سَها‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫فا ِ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫فَراُء ِ‬ ‫ص ْ‬ ‫َوالّركوَةُ ال ّ‬
‫سّهادِ‬ ‫شوَةُ ال ّ‬ ‫ي وَن َ ْ‬ ‫خل ّ‬ ‫مُر ال َ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫ن في‬ ‫جا ُ‬ ‫فن ْ َ‬ ‫فات ِهِ ال ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ن َر َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫سا ُ‬ ‫ي َن ْ َ‬
‫ُ‬
‫وادِ‬ ‫مارِ َوالعُ ّ‬ ‫س ّ‬ ‫صةِ ال ّ‬ ‫صو َ‬ ‫أقْ ُ‬
‫****‬
‫ك َفان ْ ُ‬
‫ظري‬ ‫ُ َ ِ‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫!‬ ‫ر‬ ‫ّ ْ ْ‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫عرو‬ ‫فد ٌ ! َ‬ ‫ص َ‬ ‫َ‬
‫واِدي‬ ‫ب‬
‫ُ ُ َ َ ِ ٍ ََ َ‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ض‬ ‫وا‬ ‫ح‬ ‫د‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫و‬ ‫ذي‬ ‫هَ ِ‬
‫م ٌ‬
‫خ‬ ‫وا ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ن الشآم َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫سَعى إل َي ْ ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫مي َْعادِ‬ ‫على ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ل ل ُب َْنا ٍ‬ ‫جَبا ُ‬ ‫وَ ِ‬
‫ضَرةٌ‬ ‫خ ْ‬ ‫ل َوالن ّهُْر الَبدُيع وَ ُ‬ ‫سهْ ُ‬ ‫َوال ّ‬
‫سوَِرةٍ لها ب ِزَِنادِ‬ ‫َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ق ْ‬ ‫أ َل ِ َ‬
‫فاقُ ل ُؤَُلؤة ٌ على‬ ‫خ ّ‬ ‫مقُ ال َ‬ ‫جْر َ‬ ‫َوال َ‬
‫مّيادِ‬ ‫ك ال َ‬ ‫َتاٍج ود ُّرةِ قَد ّ ِ‬
‫حَيا‬ ‫ة ال َب َْناِء ! َيا د َفْعَ ال َ‬ ‫ق َ‬ ‫ف َ‬ ‫خ ْ‬ ‫َيا َ‬
‫فادِ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ة الَباِء وَ ال ْ‬ ‫ج َ‬ ‫مهْ َ‬ ‫َيا ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عد ٍ‬ ‫ت معَ العُل في موْ ِ‬ ‫فد ٌ ! وأن ْ ِ‬ ‫ص َ‬ ‫َ‬
‫مجادِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جادِ بال ْ‬ ‫م َ‬ ‫ة ال ْ‬ ‫صول ُ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫َ‬
‫****‬
‫ك الَهوى‬ ‫ن ََْ َ ََْْ ِ‬‫ي‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫فِتي َ‬ ‫ت َت َل َ ّ‬
‫هادِ‬ ‫دود َةٍ وَوِ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مراب ٍِع َ‬ ‫لِ َ‬
‫ها‬‫جي ِدِ َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ف َ‬ ‫عط َ‬ ‫شام ِ ْ‬ ‫َفاْلقي دَِياَر ال ّ‬
‫فتة الَبادِ‬ ‫ماِء وَل َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫مى ال ّ‬ ‫ن ُعْ َ‬
‫جن ََبات َِها‬ ‫ل في َ‬ ‫ل ي ُط ِ ّ‬ ‫خِلي ِ‬ ‫فَُرَبى ال َ‬
‫هاِدي‬ ‫ح َ‬ ‫شيَها وَُرو ٌ‬ ‫ي ي ُوَ ّ‬ ‫ح ٌ‬ ‫وَ ْ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خل ِِيل ِ‬ ‫ب َ‬ ‫طي َ‬ ‫ن ِ‬ ‫حم ُ‬ ‫دى لها الّر ْ‬ ‫أهْ َ‬
‫دادِ‬ ‫م َ‬ ‫عاط َِر ال ِ ْ‬ ‫فة َ‬ ‫ح الحِني َ‬ ‫ف َ‬ ‫نَ ْ‬
‫ه‬
‫حات ِ ِ‬ ‫سا َ‬ ‫جد ُ الْقصى َ‬ ‫َ‬
‫على َ‬ ‫س ِ‬ ‫َوالم ْ‬
‫ميلدَِ‬ ‫ْ‬
‫ن فَعَّز ب ِال ِ‬ ‫ما ُ‬ ‫وُل ِد َ الّز َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ت‬
‫ق ْ‬
‫حت ِهِ الن ّب ُوّةُ والت َ َ‬‫سا َ‬
‫ت بِ َ‬
‫معَ ْ‬ ‫ج ِ‬‫ُ‬
‫َ‬
‫م ال ْ‬
‫شهادِ‬ ‫ْ‬
‫مَعال ُ‬ ‫ب فِِيه َ‬ ‫ِبالغَي ْ ِ‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قى‬ ‫مةِ َفاْرت َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫مد َ بال َ‬ ‫ح َ‬ ‫ت لَ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫َأل َ‬


‫صّعادِ‬ ‫ق َ‬ ‫ضةِ َبارِ ٍ‬ ‫م َ‬ ‫سْبعا ً ب ِوَ ْ‬ ‫َ‬
‫جلوّةٌ‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬ ‫جميعَُها َ‬ ‫ك َ‬ ‫َفإذا ُرَبا ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫س َوفي أعَْيادِ‬ ‫ُِبالّنورِ في عُْر ٍ‬
‫صا ً‬ ‫خال ِ َ‬ ‫مْلكا ً َ‬ ‫سلم ِ ُ‬ ‫ت لل ِ ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫أهْ ِ‬
‫سَعادِ‬ ‫شرٍ َوفي إ ْ‬ ‫ك في ب ِ ْ‬ ‫قا ِ‬ ‫ي َل ْ َ‬
‫ك في الوََرى‬ ‫مهُْر ِ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ن َذا ي َُنازِعُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫سادِ‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫ة‬
‫ُ‬ ‫م‬
‫ْ َ‬ ‫و‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫ُ‬ ‫و‬
‫ٍ َ‬ ‫ل‬ ‫غا‬ ‫َ‬
‫ن ك ََتائ ِ ُ‬
‫ب‬ ‫َ ِ‬ ‫ما‬ ‫ز‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫على‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫عى‬ ‫س َ‬ ‫تَ ْ‬
‫جَهادِ‬ ‫عطَر ِ‬ ‫ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫في ْ ِ‬ ‫عط َ‬ ‫ْ‬ ‫ت على ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ف َ‬ ‫نَ َ‬
‫ميِنها‬ ‫قَنا ب ِي َ ِ‬ ‫معَ ال َ‬ ‫سل َ‬ ‫َ‬ ‫وارِ ٌ‬ ‫وَفَ َ‬
‫ل َبادي‬ ‫ما ٍ‬ ‫ج َ‬ ‫ن َ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫شقّ لي ْل ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َفان ْ َ‬
‫ت عَطافَ ً‬
‫ة‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مد َ أْرعَد َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫جُنود ُ أ ْ‬ ‫وَ ُ‬
‫ف وَت ِلدَِ‬ ‫وارِ ٍ‬ ‫نط َ‬ ‫َ‬ ‫ل ب َي ْ َ‬ ‫خَتا ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫خاَتما‬ ‫ك َ‬ ‫جات َِها ل ِ‬ ‫َ‬ ‫مهَ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫صوغ ِ‬ ‫ُ‬ ‫وَت َ ُ‬
‫جَيادِ‬ ‫َ‬
‫وى وَقلئد َ ال ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مهَْر الهَ َ‬ ‫َ‬
‫ر‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ج‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫على‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫َ ْ َ ٍ‬ ‫ْ ِ‬ ‫دَ َ ْ‬ ‫ع‬ ‫ف‬
‫َ‬
‫فَن َث َْرت ِهِ في َزاهِرِ الب َْرادِ‬
‫مل ََءةٌ‬ ‫على جبينك م َ‬
‫ك ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ ِِ ِ ِ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫عادِ‬ ‫س الّر َ‬ ‫فارِ ِ‬ ‫فََرفَعْت َِها ل ِل ْ َ‬
‫ت التي‬ ‫ّ‬ ‫مُروءا ِ‬ ‫ت د ُن َْيا ال َ‬ ‫وت َعَط َّر ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أغْن َي ْت َِها بمكارِم ٍ وَأَيادِ‬
‫َ‬
‫جَتلي‬ ‫داةِ وَت َ ْ‬ ‫ك أَذى العُ َ‬ ‫ل ِت َُرد ّ عَن ْ ِ‬
‫صد ْقَ وَِدادِ‬ ‫ىو ِ‬ ‫ض ً‬ ‫ك رِ َ‬ ‫ن َناظ َِري ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫س الي َُهود ِ وَت َعَْتلي‬ ‫ن د َن َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وَت َُرد ّ ِ‬
‫َ‬
‫جادِ‬ ‫ن أيّ ن ِ َ‬ ‫ِبال َط ّهْرِ َوالَيما ِ‬
‫ها‬‫ب وَُنوُر َ‬ ‫ت الك َِتا ِ‬ ‫وَت َُعود ُ آَيا ُ‬
‫ضاَرةَ العُّبادِ‬ ‫ى وَن َ َ‬ ‫ََ‬
‫ألقَ الّرب َ َ‬
‫****‬
‫‪1392‬هـ‬
‫‪10/2/1972‬م ‪... ... ...‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫· ديوان الرض المباركة‬
‫)‪ (1‬كنعان ‪ :‬جبل يطل على جبال سوريا ولبنان والردن ‪ ،‬ويشرف على سهل‬
‫الحولة وبحيرة الحولة وبحيرة طبريا ‪.‬‬
‫وق ‪ :‬زهر أحمر ‪.‬‬ ‫)‪ (2‬البرق ُ‬
‫)‪ (3‬العلت والعكوب ‪ :‬نباتان يستخدمان للطبخ والطعام مشهوران في صفد ‪.‬‬
‫)‪ (4‬الرجوم ‪ :‬مكان تقوم فيه نزهة الشباب وقريبا ً منه احتفالت العياد ‪.‬‬
‫ويطل على بحيرة طبريا ‪.‬‬
‫)‪ (5‬البحرة الزرقاء ‪ :‬بحيرة طبريا ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لولء والبراء‬
‫من خصائص المجتمع المسلم أنه مجتمع يقوم على عقيدة الولء والبراء ‪،‬‬
‫الولء لله ولرسوله وللمؤمنين ‪ ،‬والبراء من كل من حاد ّ الله ورسوله واتبع‬
‫غير سبيل المؤمنين ‪.‬‬
‫وهاتان الخاصّيتان للمجتمع المسلم هما من أهم الروابط التي تجعل من ذلك‬
‫المجتمع مجتمعا مترابطا ً متماسكا ً ‪ ،‬تسوده روابط المحبة والنصرة ‪ ،‬التي‬
‫تعمل مجتمعة على تحقيق رسالة السلم في الرض ‪ ،‬تلك الرسالة التي‬
‫تقوم على المر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬ودعوة الناس إلى الحق وإلى‬
‫طريق مستقيم ‪.‬‬
‫والمتأمل في القرآن الكريم يقف على آيات كثيرة تؤيد هذا المعنى وتؤكده ‪،‬‬
‫م أ َوْل َِياُء‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ت ب َعْ ُ‬ ‫مَنا ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫فنحن نقرأ في الولء ‪ ،‬قوله تعالى ‪َ } :‬وال ْ ُ‬
‫ْ‬
‫كاةَ‬ ‫ن الّز َ‬ ‫صلة َ وَي ُؤُْتو َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مو َ‬ ‫قي ُ‬ ‫من ْك َرِ وَي ُ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ف وَي َن ْهَوْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫ض ي َأ ُ‬ ‫ب َعْ ٍ‬
‫م { )التوبة‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫كي ٌ‬‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫م الل ُ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫سي َْر َ‬ ‫ه أولئ ِك َ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫وَي ُ ِ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫مُنوا ال ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه َوال ِ‬‫ّ‬ ‫سول ُ‬ ‫ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫ُ‬
‫ما وَل ِي ّك ُ‬ ‫‪ ( 71‬ونقرأ أيضا قوله تعالى‪ } :‬إ ِن ّ َ‬ ‫ً‬
‫ن { )المائدة‪، (55:‬ونقرأ في البراء‬ ‫م َراك ُِعو َ‬ ‫كاةَ وَهُ ْ‬ ‫ن الّز َ‬ ‫صلة َ وَي ُؤُْتو َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مو َ‬ ‫قي ُ‬ ‫يُ ِ‬
‫ل ذ َل ِكَ‬ ‫فعَ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫م ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن أوْل َِياَء ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ن ال َكافِ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ِ‬ ‫خذ ِ ال ُ‬ ‫قوله ‪ } :‬ل ي َت ّ ِ‬
‫ه وَإ َِلى‬ ‫س‬
‫ُ َ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬‫ن‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬
‫ِ ُْ ْ ُ ً َُ َ ُ ُ‬‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫ت‬
‫ْ َّ‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫إ‬
‫ْ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫في‬ ‫ن الل ّهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫س ِ‬ ‫فَل َي ْ َ‬
‫ن‬‫مُنو َ‬ ‫وما ً ي ُؤْ ِ‬ ‫جد ُ ق َ ْ‬ ‫صيُر { )آل عمران‪ ، (28:‬ونقرأ كذلك قوله ‪ } :‬ل ت َ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫الل ّهِ ال ْ َ‬
‫كانوا آباَءهُم أ َو أ َبناَءهُم أوَ‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ ْ َْ‬ ‫َ‬ ‫ه وَل َوْ َ ُ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫حاد ّ الل ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫واّدو َ‬ ‫ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ الخر ي ُ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫خوانه َ‬
‫ه‬‫من ْ ُ‬ ‫م ب ُِروٍح ِ‬ ‫م اليمان وَأي ّد َهُ ْ‬ ‫ب ِفي قُُلوب ِهِ ُ‬ ‫ك ك َت َ َ‬ ‫م أول َئ ِ َ‬ ‫شيَرت َهُ ْ‬ ‫م أوْ عَ ِ‬ ‫إِ ْ َ َ ُ ْ‬
‫ضوا‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه عَن ْهُ ْ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ض َ‬ ‫ن ِفيَها َر ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫حت َِها النهاُر َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬
‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خل ُهُ ْ‬ ‫وَي ُد ْ ِ‬
‫{ )المجادلة‪ . (22:‬إلى‬ ‫حون َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ه أولئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ب اللهِ هُ ُ‬ ‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ب اللهِ أل إ ِ ّ‬ ‫حْز ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫عَن ْ ُ‬
‫غير ذلك من اليات المرة بالولء للمؤمنين والبراء من الكافرين ‪.‬‬
‫ويمكن تلخيص صور ولء المسلم لخيه المسلم في صورتين‪:‬‬
‫الولى‪ :‬ولء الود والمحبة ‪ ،‬وهذا يعني أن يحمل المسلم لخيه المسلم كل‬
‫حب وتقدير‪ ،‬فل يكيد له ول يعتدي عليه ‪ .‬بل يمنعه من كل ما يمنع منه‬
‫نفسه‪ ،‬ويدفع عنه كل سوء يراد له ‪ ،‬ويحب له من الخير ما يحب لنفسه ‪،‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬مثل المؤمنين في توادهم ‪ ،‬وتراحمهم ‪،‬‬
‫وتعاطفهم ‪،‬مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر‬
‫والحمى ( رواه مسلم ‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬ولء النصرة والتأييد ‪ ،‬وذلك في حال ما إذا وقع على المسلم ظلم أو‬
‫حيف ‪ ،‬فإن فريضة الولء تقتضي من المسلم أن يقف إلى جانب أخيه‬
‫المسلم ‪ ،‬يدفع عنه الظلم ‪ ،‬ويزيل عنه الطغيان‪ ،‬فعن أنس رضي الله عنه‬
‫قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬انصر أخاك ظالما أو مظلوما‬
‫‪ .‬قالوا يا رسول الله ‪ :‬هذا ننصره مظلوما ‪ ،‬فكيف ننصره ظالما ؟ قال ‪ :‬تأخذ‬
‫فوق يديه ( أي تمنعه من الظلم ‪ .‬رواه البخاري ‪ ،‬فبهذا الولء يورث الله عز‬
‫وجل المجتمع المسلم حماية ذاتية ‪ ،‬تحول دون نشوب العدوات بين أفراده ‪،‬‬
‫وتدفعهم جميعا للدفاع عن حرماتهم ‪ ،‬وعوراتهم ‪.‬‬
‫هذا من جهة علقة المة بعضها ببعض ‪ .‬أما من جهة علقة المة أو المجتمع‬
‫المسلم بغيره من المجتمعات الكافرة ‪ ،‬فقد أوجب الله عز وجل على المة‬
‫واجب البراء من الكفر وأهله ‪ ،‬وذلك صيانة لوحدة المة الثقافية والسياسية‬
‫والجتماعية ‪ ،‬وجعل سبحانه موالة الكفار خروجا عن الملة وإعراضا ً عن‬
‫كافري َ‬
‫ن‬‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن أوْل َِياَء ِ‬ ‫ن ال ْ َ ِ ِ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫خذِ ال ْ ُ‬ ‫سبيل المؤمنين ‪ ،‬قال تعالى ‪ } :‬ل ي َت ّ ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ة‬ ‫قا‬ ‫َ‬
‫ِ ُْ ْ ُ ً‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ْ َّ‬‫ت‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫إل‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫في‬ ‫ِ ِ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م َ‬ ‫س ِ‬ ‫ك فَل َي ْ َ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫فعَ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صيُر { ) آل عمران‪ (28:‬فكأنه بموالته‬ ‫ه وَإ َِلى الل ّهِ ال ْ َ‬


‫م ِ‬ ‫س ُ‬
‫ف َ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه نَ ْ‬ ‫حذ ُّرك ُ ُ‬
‫وَي ُ َ‬
‫للكافرين يكون قد قطع كل الواصر والعلئق بينه وبين الله ‪ ،‬فليس من الله‬
‫في شيء ‪.‬‬
‫وتحريم السلم لكل أشكال التبعية للكافرين ‪ ,‬ل يعني حرمة الستفادة من‬
‫خبراتهم وتجاربهم ‪ ،‬كل ‪ ،‬فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى الناس‬
‫بها ‪ ،‬ولكن المقصود والمطلوب أن تبقى للمسلم استقلليته التامة ‪ ،‬فل‬
‫يخضع لحد ‪ ،‬ول يكون ولؤه إل لله ولرسوله وللمؤمنين ‪.‬‬
‫ومن أخطر صور الموالة التي يحرمها السلم ويقضي على صاحبها بالردة‬
‫والكفر ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬ولء الود والمحبة للكافرين‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فقد نفى الله عز وجل وجود اليمان عن كل من واد ّ الكافرين على كفرهم‬
‫ه‬‫حاد ّ الل ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫واّدو َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ الخر ي ُ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫وما ً ي ُؤْ ِ‬ ‫جد ُ ق َ ْ‬ ‫قال تعالى‪ } :‬ل ت َ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه وَل َوْ َ‬
‫ب ِفي‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م أولئ ِك كت َ َ‬ ‫شيَرت َهُ ْ‬ ‫م أوْ عَ ِ‬ ‫وان َهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م أوْ إ ِ ْ‬ ‫م أوْ أب َْناَءهُ ْ‬ ‫كاُنوا آَباَءهُ ْ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫حت َِها النهار‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خلهُ ْ‬ ‫ه وَي ُد ْ ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫م ب ُِروٍح ِ‬ ‫ن وَأي ّد َهُ ْ‬ ‫م اليما َ‬ ‫قُُلوب ِهِ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ب الل ّهِ أل إ ِ ّ‬ ‫حْز ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫ه أول َئ ِ َ‬ ‫ضوا عَن ْ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه عَن ْهُ ْ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن ِفيَها َر ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬
‫َ‬
‫ن { )المجادلة‪ ، (22:‬إل أن هذه المفاصلة والمفارقة ل تمنع من‬ ‫حو‬
‫ُ ِ ُ َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫هُ ُ‬
‫البر بالكافرين والحسان إليهم ‪-‬ما لم يكونوا محاربين ‪ -‬قال تعالى‪ } :‬ل‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مأ ْ‬ ‫ن دَِيارِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جوك ُ ْ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ن وَل َ ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫م ِفي ال ّ‬ ‫قات ُِلوك ُ ْ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ي َن َْهاك ُ ُ‬
‫ن { )الممتحنة‪. ( 8:‬‬ ‫طي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫طوا إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫م وَت ُ ْ‬ ‫ت َب َّروهُ ْ‬
‫‪ -2‬ولء النصرة والتأييد للكافرين على المسلمين‪:‬‬
‫ذلك أن السلم ل يقبل أن يقف المسلم في خندق واحد مع الكافر ضد‬
‫إخوانه المسلمين يقتلهم ‪ ،‬ويشردهم ‪ ،‬إرضاء للكافر وانصياعا لرغباته ‪ ،‬قال‬
‫كافري َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬‫ن أوْل َِياَء ِ‬ ‫ذوا ال ْ َ ِ ِ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫تعالى ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫مِبينا ً { )النساء‪ (144:‬وقال أيضا ً ‪:‬‬ ‫أ َتريدو َ‬
‫طانا ً ُ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫جعَُلوا ل ِل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ُ ِ ُ َ‬
‫ن ك َِثيرا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫م أوْل َِياَء وَلك ِ ّ‬ ‫ذوهُ ْ‬ ‫خ ُ‬‫ما ات ّ َ‬ ‫ل إ ِلي ْهِ َ‬ ‫ما أن ْزِ َ‬ ‫ي وَ َ‬ ‫ن ِباللهِ َوالن ّب ِ ّ‬ ‫مُنو َ‬ ‫} وَل َوْ كاُنوا ي ُؤْ ِ‬ ‫َ‬
‫ن { )المائدة‪. ( 81:‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫فهاتان الفريضتان ‪ -‬الولء والبراء ‪ -‬تجعلن من المجتمع المسلم مجتمعا‬
‫مترابطا متعاضدا يؤدي رسالة الله ويسعى في تحقيقها ‪ ،‬وهو في الوقت‬
‫نفسه مجتمع مستقل عن الكفار كاره لهم ‪ ،‬ل يخضع لهم بتبعية ‪ ،‬ول يدين‬
‫لهم بسلطان ‪ ،‬من غير أن يمنعه ذلك من الحسان إليهم والبر بهم ‪ -‬ما داموا‬
‫غير محاربين لنا ‪. -‬‬
‫فبهاتين الفريضتين تتعاضد الروابط اليمانية بين المسلمين ‪ ،‬وتتحدد الروابط‬
‫بين المؤمنين والكافرين ‪ ،‬فما أحوج المة اليوم إلى تفعيل هاتين‬
‫الفريضتين ‪ ،‬والعمل بهما حتى تتحقق لنا سيادتنا واخوتنا ‪ ،‬فل ندين بالولء إل‬
‫لله ولرسوله وللمؤمنين ‪ ،‬ول نعادي إل من حاد ّ الله ورسوله وتنكب سبيل‬
‫المؤمنين ‪ ،‬نسأل الله العظيم أن يعز دينه وأن يعلي كلمته ‪ ،‬والله على كل‬
‫شيء قدير ‪ .‬والحمد لله رب العالمين ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ليس اليمان بالتمني‬


‫ن ي َهْدِ الل ُّ‬ ‫َ‬
‫ه فَل َ‬ ‫م ْ‬ ‫سنا‪َ ،‬‬ ‫ف ِ‬ ‫شُرورِ أن ْ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫فُرهُ وَن َُعوذ ُ ب ِهِ ِ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ه وَن َ ْ‬ ‫ست َِعين ُ ُ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ن َ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ال َ‬
‫مدا ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ه‪ ،‬وأشهَد ُ أ ّ‬ ‫ه إ ِل الل ُ‬ ‫ن ل ِإل َ‬ ‫ه‪ ،‬وأشهَد ُ أ ْ‬ ‫ضل ِل فل هادِيَ ل ُ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه‪ ،‬وَ َ‬ ‫ضل ل ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫ٍ َ ِ َ ٍ َ َ َ‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫وا‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ن‬
‫ْ ِ ْ َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫لذي‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫َ ّ ُ‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ا‬
‫ّ ُ ّ‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ها‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫?يا‬ ‫ه‬ ‫ُ‬
‫َْ ُ ُ ََ ُ ُ‬‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ع‬
‫ه‬ ‫ب‬
‫َ ِ ِ‬ ‫ن‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫تسا‬ ‫َ‬ ‫الذي‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫ء‪،‬‬‫ً‬ ‫نسا‬ ‫َِ‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ثير‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫جا‬ ‫ِ َ‬ ‫ر‬ ‫هما‬ ‫جها‪ ،‬وَ َ ّ ِ ْ ُ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫ث‬ ‫ب‬ ‫مْنها َزوْ َ‬ ‫ِ‬
‫قوا الل َّ‬
‫ه‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫لذي‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ها‬‫َّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫?يا‬ ‫[‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫النساء‪:‬‬ ‫ا?]‬ ‫ً‬ ‫قيب‬ ‫ْ ْ َ ِ‬‫ر‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫كا‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫َ ّ‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫رحا‬ ‫ْ‬ ‫وال‬
‫مون? ]آل عمران‪ ? .[102:‬يا أي َّها اّلذين‬ ‫سل ُِ‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫حق تقات ِه ول تموتن إل ّ وأ َ‬
‫ْ ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ ّ‬
‫م‪،‬‬ ‫م ذ ُُنوب َك ُْ‬ ‫فْر ل َك ُْ‬ ‫م‪ ،‬وي َغْ ِ‬ ‫عمال َك ُْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ح ل َك ُْ‬ ‫صل ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ديد‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫له‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫منوا‬ ‫آ َ‬
‫ظيما? ]الحزاب‪.[71:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫قد ْ َفاَز فَوَْزا عَ ِ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫سول ُ‬ ‫َ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ّ‬
‫ن ي ُط ِِع الل َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫من الكلمات الخالدة التي تنسب إلى الحسن البصري رحمه الله وهو من‬
‫سادات التابعين قوله‪) :‬ليس اليمان بالتمني ول بالتحلي ولكنه ما وقر في‬
‫القلب وصدقه العمل(‪ ،‬نعم ليس النتساب إلى اليمان والسلم مجرد ادعاء‪،‬‬
‫وإنما يتفاوت الناس ويختلفون في العمل والتطبيق والنقياد في الباطن‬
‫والظاهر لله ورسوله وتنفيذ حكم الله ورسوله في كل شيء في الكبير‬
‫والصغير والحقير والعظيم‪ ،‬ل يثبت اليمان ول يستقر في قلب عبد حتى ينفذ‬
‫حكم الله ورسوله في الدماء والعراض والموال وفي كل شيء‪ ..‬أما إذا‬
‫أعرض النسان عن حكم الله ورسوله وتنصل منه وتهرب أو تلكأ‪ ،‬فهو دعي‬
‫في إيمانه كاذب في انتسابه إلى السلم وإلى الرسول ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬وإلى أمته‪ ..‬ولقد بين الله هذا المر وأظهره غاية البيان والظهار‪،‬‬
‫ن‬‫مُنو َ‬ ‫ك ل َ ي ُؤْ ِ‬ ‫فقال جل وعل مقسما ً قسما ً عظيما ً في قوله الكريم‪ ? :‬فَل َ وََرب ّ َ‬
‫ت‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫حَرجا ً ّ‬ ‫م َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫دوا ْ ِفي َأن ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ل َ يَ ِ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫جَر ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫مو َ‬ ‫حك ّ ُ‬ ‫ى يُ َ‬ ‫حت ّ َ‬ ‫َ‬
‫سِليما ?] النساء‪ .[65:‬إن التسليم لحكم الله وحكم رسوله‬ ‫ً‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫سل ُ‬ ‫ّ‬ ‫وَي ُ َ‬
‫والمتمثل في كتاب الله وسنة رسول الله والقبول به مع الرتياح وعدم‬
‫الحرج هو الترجمة الحية لصدق اليمان وحقيقة السلم‪ ..‬غير أن طائفة من‬
‫الناس تحسب اليمان مجرد دعوى وانتساب ثم ل يتحاكمون إلى شرع الله‬
‫إل إذا كانت لهم مصلحة في ذلك‪ .‬تأكدوا بأن الحق في جانبهم‪ ،‬أما إذا شعروا‬
‫بأن الحق عليهم وأنهم سيلزمون به ‪ ،‬فإنهم يتهربون ويلفون ويدورون وفي‬
‫ن‬‫قوُلو َ‬ ‫هؤلء وأمثالهم يقول الله تعالى مبينا ً حقيقتهم وكاشفا ً نفاقهم‪ ? :‬وَي َ ُ‬
‫ك‬‫ما أ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫من ب َعْد ِ ذ َل ِ َ‬ ‫من ُْهم ّ‬ ‫ريقٌ ّ‬ ‫م ي َت َوَّلى فَ ِ‬ ‫ل وَأط َعَْنا ث ُ ّ‬
‫َ‬
‫سو ِ‬ ‫مّنا ِبالل ّهِ وَِبالّر ُ‬ ‫آ َ‬
‫ن‬ ‫ضو‬
‫ِ ٌ ّ ُْ ّ ْ ِ ُ َ‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫هم‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ق‬ ‫ري‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬
‫ِ َ َ ُ ِ ِ َِ َ ْ َ َ ْ َ ُ ْ ِ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ِبا ُ ِ ِ َ َ ِ ُ ُ ِْ‬
‫إ‬ ‫عوا‬ ‫د‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ني‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫خاُفو َ‬ ‫م يَ َ‬ ‫ض أم ِ اْرَتاُبوا أ ْ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫ن أِفي قُُلوب ِِهم ّ‬ ‫عِني َ‬ ‫مذ ْ ِ‬ ‫حقّ ي َأُتوا إ ِل َي ْهِ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫كن ل ّهُ ُ‬ ‫وَِإن ي َ ُ‬
‫م ال ّ‬ ‫ل أوْل َئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َأن ي َ ِ‬
‫ن?]النور‪.[50-47:‬‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه بَ ْ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫حي َ‬
‫هذا الفريق الذي يدعي اليمان ‪ ،‬ثم يسلك هذا المسلك الملتوي‪ ،‬إنما هو‬
‫نموذج للمنافقين في كل زمان ومكان‪.‬‬
‫ً‬
‫المنافقون الذين ل يجرؤون على الجهر بإعلن كفرهم خوفا من الحكومات‬
‫السلمية ـ إن وجدت ـ أو خوفا ً من الشعوب المسلمة التي تغضب لربها‬
‫وتتأثر لحرمات الله إذا انتهكت‪ ،‬فيضطر المنافقون حينئذ إلى التظاهر‬
‫بالسلم‪ .‬ولكن أمرهم ينكشف حين يدعون إلى تحكيم شريعة الله ‪ ،‬الحتكام‬
‫إليها ‪ ،‬بإبائهم وإعراضهم وانتحالهم المعاذير‪ ..‬واختلقهم الكاذيب‪ ،‬فرارا ً‬
‫وهربا ً من تنفيذ حكم الله ورسوله وقد وضح الله أمرهم في سورة النساء‬
‫ل‬ ‫سو ِ‬ ‫ه وَإ َِلى الّر ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما َأنَز َ‬ ‫م ت ََعال َوْا ْ إ َِلى َ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫حيث قال سبحانه‪ ? :‬وَإ َِذا ِقي َ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫دودا ?]النساء‪ .[61:‬يا سبحان الله أين دعوى‬ ‫ص ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫عن َ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫َرأي ْ َ‬
‫اليمان وأين النتساب إلى السلم‪ .‬إن النفاق يأبى إل أن يكشف نفسه‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بموقف المنافقين وسلوكياتهم من العراض والصدود وعدم التحاكم إلى الله‬


‫والرسول‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إن الرضى بحكم الله ورسوله هو دليل اليمان الصادق‪ ،‬وهو الترجمة العملية‬
‫لستقرار اليمان في القلب‪ ،‬وإن الرضى بحكم الله ورسوله هو الدب‬
‫الواجب مع الله ورسوله‪ ،‬وما يصح ول يستقيم أن يدعي شخص أنه يؤمن‬
‫بالله ورسوله ثم يرفض حكم الله وحكم رسوله ‪ .‬ل يفعل ذلك إل المنافق‬
‫معلوم النفاق الذي لم ُيشرق قلبه بنور اليمان‪ ،‬ولم تزك نفسه وتتطهر من‬
‫الكفر والعصيان‪ ،‬ولهذا نجد أسئلة التعجب والستنكار لدعياء اليمان الذين‬
‫يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ويرفضون حكم الله ورسوله ول ينقادون‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ض أم ِ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫إل إذا كان لهم الحق أو لهم مصلحة‪ ،‬فيقول سبحانه‪ ? :‬أِفي قُُلوب ِِهم ّ‬
‫ه ‪]? ...‬النور‪ ،[50:‬فالسؤال‬ ‫سول ُ ُ‬
‫م وََر ُ‬‫ه عَل َي ْهِ ْ‬
‫ف الل ّ ُ‬
‫حي َ‬ ‫ن َأن ي َ ِ‬‫خاُفو َ‬ ‫م يَ َ‬ ‫َ‬
‫اْرَتاُبوا أ ْ‬
‫الول يثبت لهم علة المرض الذي ينحرف بالنسان فل يرى الشياء على‬
‫حقيقتها والمنافقون يرون الحق باطل ً والمعروف منكرًا‪ ،‬والستقامة جمودا ً‬
‫وتخلفًا‪ ..‬والتمسك بالدين إرهابا ً وتطرفًا‪.‬‬
‫والسؤال الثاني للتعجب )أم ارتابوا؟( هل يشكون في حكم الله وهم يزعمون‬
‫أنهم مؤمنون‪ ،‬هل يشكون في صلحيته لقامة العدل‪ ،‬أم يشكون في مجيئه‬
‫من عند الله ‪ ،‬على أية حال فهذا ليس طريق اليمان ول هو من صفات‬
‫المؤمنين ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أن‬ ‫خاُفو َ‬ ‫م يَ َ‬‫والسؤال الثالث‪ :‬للستنكار والتعجب من أمرهم الغريب ? ‪ ...‬أ ْ‬
‫ه ‪]? ...‬النور‪ [50:‬وإنه لعجيب أن يقوم مثل هذا‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫م وََر ُ‬‫ه عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ف الل ّ ُ‬
‫حي َ‬ ‫يَ ِ‬
‫الخوف في نفس إنسان‪ ،‬فالله خالق الجميع وهو رب العالمين‪ ،‬فكيف يحيف‬
‫على أحد من خلقه لحساب آخر من خلقه‪ ،‬تعالى الله عن ذلك وتقدس‪.‬‬
‫إن حكم الله هو الحكم الوحيد البراء من الظلم والحيف والميل لن الله عز‬
‫وجل أقام السماوات والرض بالحق والعدل وأمر بإقامة العدل‪ ،‬وكل خلقه‬
‫في شرعه وحكمه سواسية كأسنان المشط ل فضل لحد على أحد إل‬
‫َّ‬ ‫باليمان والتقوى‪ .‬ول يظلم سبحانه أحدا ً لمصلحة أحد ? وَ َ‬
‫ما َرب ّ َ‬
‫ك ب ِظلم ٍ‬
‫ل ّل ْعَِبيدِ ?]فصلت‪ ،[46 :‬وفي الحديث القدسي‪) :‬يا عبادي إني حرمت الظلم‬
‫على نفسي وجعلته بينكم محرما ً فل تظالموا(‪.‬‬
‫إن الجور والظلم والهوى إنما يكون في أحكام البشر وأنظمتهم ودساتيرهم‬
‫وقوانينهم حين يشرعون لنفسهم أفرادا ً كانوا أم طبقات أم أحزابا ً وتنظيمات‬
‫أم دولة‪.‬‬
‫حين يسود فرد ويحكم فإنه يفصل القوانين والنظمة على ميوله ورغباته‪،‬‬
‫ويلحظ في التشريع حماية نفسه وحماية مصالحه وذويه‪ ،‬وكذلك حين تحكم‬
‫طبقة أو حزب‪ ،‬أو دولة فإنها تعمل الفعل ذاته‪ ،‬فإذا قننت وشرعت فإنها‬
‫تحتكر كل شيء الموال والوظائف والمكانات لصالحها وتجور على الخرين‪،‬‬
‫فيكون حزب أقوى من حزب ‪ ،‬وتكون أمة هي أربى من أمة أكثر مال ً وأتباعا ً‬
‫وسلحا ً وإعلما ً ووظائف ومنافع ومصالح‪ ،‬وُيحرم منها الخرون‪ ،‬هكذا هم‬
‫البشر حين يعيشون بعيدا ً عن دين الله وهديه‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فأما دين الله وشرعه فهو مبرأ من كل حيف وميل وشطط‪ ،‬إنما هي العدالة‬
‫المطلقة‪ ،‬التي ل توجد في أي تشريع وضعي ول توجد في أي حكم إل في‬
‫حكم الله‪ .‬من أجل ذلك كان الذين ل يرتضون حكم الله ورسوله هم‬
‫الظالمون‪ ،‬الذين ل يريدون للعدالة أن تستقر‪ ،‬ول يحبون للحق أن يسود‪،‬‬
‫فهم موقنون بأن حكم الله هو العدل المطلق‪ ،‬وهو الحق الذي ل ريب فيه‬
‫أصل ً ولكن الظلم والطغيان يحملهم على مجانبة الحق والهروب منه وعدم‬
‫الذعان لحكم الله ورسوله وهذا آية النفاق وعلمة الشقاق والخذلن‪ ،‬وقد‬
‫ذكر المفسرون أن رجل ً من اليهود كان له عند رجل من المسلمين حق ـ‬
‫وكان هذا المسلم متظاهرا ً بالسلم وهو من المنافقين فجحد اليهودي حقه‬
‫وأكل ماله فقال اليهودي لذلك المنافق الذي يزعم أنه مسلم تعال نتحاكم‬
‫إلى محمد ‪ ،‬فقال المنافق بل نتحاكم إلى كعب بن الشرف وكان من رؤساء‬
‫أهل الكفر وهو تاجر يهودي‪ ،‬فرفض اليهودي أن يحاكمه إل إلى رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،-‬وقال له‪ :‬أدعوك إلى نبيك محمد فتأبى الذهاب‬
‫فخشي المنافق أن ينكشف أمره ويظهر نفاقه فذهب مع اليهودي مكرها‪ً،‬‬
‫وبعد سماع رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لليهودي وإقرار خصمه له‬
‫قضى رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لليهودي وحكم له على ذلك‬
‫المنافق الذي يتظاهر بالسلم‪ ،‬فلما خرجا من عند رسول الله لم يرض‬
‫المنافق بحكم رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وقال له‪ :‬تعال نتحاكم‬
‫إلى عمر بن الخطاب‪ ،‬فأتيا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال اليهودي‪:‬‬
‫كان بيني وبين هذا الرجل خصومة ‪ ،‬فتحاكمنا إلى محمد فقضى لي عليه‪،‬‬
‫فلم يرض بقضائه وزعم أن يخاصمني إليك‪ ،‬فقال عمر للمنافق‪ ،‬أكذلك هو‬
‫المر؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬وظن المنافق أن عمر سيحترمه ويجله لنه رضي قضاءه ـ‬
‫ل‪ ،‬فدخل بيته وأخذ سيفه ثم خرج‬ ‫فقال لهما عمر‪ :‬مكانكما انتظراني قلي ً‬
‫فضرب رأس ذلك المنافق الذي يدعي السلم حتى قتله‪ ،‬ثم قال‪ :‬هذا حكمي‬
‫فيمن لم يرض بحكم الله ورسوله ‪ ،‬وفي هذه الحادثة نزلت آيات بينات تتلى‬
‫إلى يوم القيامة ‪ ،‬والعبرة بعموم اللفظ ل بخصوص السبب كما يقول‬
‫من‬ ‫ل ِ‬ ‫ما ُأنزِ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ما ُأنزِ َ‬ ‫مُنوا ْ ب ِ َ‬‫مآ َ‬
‫العلماء‪ ? ،‬أ َل َم تر إَلى ال ّذين يزعُمو َ‬
‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫ِ َ َْ ُ َ‬ ‫ْ َََ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫قَب ْل ِ َ‬
‫ريد ُ‬‫روا ب ِهِ وَي ُ ِ‬ ‫ف ُ‬
‫مُروا أن ي َك ُ‬ ‫ت وَقد ْ أ ِ‬ ‫موا إ ِلى الطاغو ِ‬ ‫حاك ُ‬ ‫ن أن ي َت َ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ك يُ ِ‬
‫ه وَإ َِلى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أنَز َ‬ ‫م ت ََعال َوْا ْ إ َِلى َ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫ضل َل ً ب َِعيدا ً وَإ َِذا ِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ضل ّهُ ْ‬ ‫ن أن ي ُ ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫دودا ً ?]النساء‪.[61-60:‬‬ ‫ص‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫عن‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫قي‬ ‫ف‬ ‫نا‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ َ ِ ِ َ َ ُ ّ َ َ‬ ‫الّر ُ ِ َ ْ َ‬
‫ي‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫ل‬ ‫سو‬
‫إن الله فرض على المؤمنين عند وقوع الختلف أو النزاع أن يحكموا كتابه‬
‫وسنة رسوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كما قال الله عز وجل‪ ... ? :‬فَِإن‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫م ت ُؤْ ِ‬ ‫ل ِإن ُ‬ ‫يٍء فَُرّدوهُ إ َِلى الل ّهِ َوالّر ُ‬ ‫م ِفي َ‬
‫ن ِباللهِ َوالي َوْم ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ش ْ‬ ‫ت ََناَزعْت ُ ْ‬
‫ن ت َأِويل ً ?]النساء‪.[59 :‬‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬ ‫خي ٌْر وَأ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫خرِ ذ َل ِ َ‬ ‫ال ِ‬
‫أما أدعياء اليمان من المنافقين فإنهم ل يرضون بحكم الله ورسوله حكما ً‬
‫فيما يعرض لهم من خلف‪ ،‬وإنما يتحاكمون إلى غير دين الله وشرعه‪ ،‬إنهم‬
‫يتحاكمون إلى طواغيتهم وأوليائهم ويحلونهم محل المعصوم ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬وينزلونهم منزلته‪.‬‬
‫إن الذي ل ينفذ حكم الله عز وجل ويعمل على إلغائه يكون بذلك منافقا ً‬
‫معلوم النفاق‪ ،‬والذي يطالب بأن يستبدل بحكم الله حكم اليهود والنصارى‬
‫وتنفيذ قوانينهم وأنظمتهم المخالفة للقرآن وللرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ -‬ممن يفعل ذلك يكون قد مرق من الدين وخلع ربقة السلم‪.‬‬
‫والذين يعطلون أحكام الله وحدوده بحجة أنها ل تصلح لهذا الزمن أو أن‬
‫اليهود والنصارى يلوموننا إن نحن نفذنا ‪ ،‬هؤلء منافقون معلوموا النفاق‪،‬‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يخادعون الله والذين آمنوا ‪ ،‬حين ينتسبون إلى السلم‪ ،‬وهم ينخرون في‬
‫المة من الداخل‪.‬‬
‫وفي بلدنا اليوم وفي كثير من بلد السلم ثلث طوائف تمثل وجهات ثلث‪:‬‬
‫طائفة تريد أن تتمسك بدينها تحيا وتموت عليه‪ ،‬وطائفة تريد أن تسوق البلد‬
‫والعباد إلى علمانية كافرة ُتقصي السلم من واقع الحياة‪ ،‬وفق برنامج خبيث‬
‫مدروس يلغي السلم كالعلم فكل ما في العلم إل القليل يحارب السلم‬
‫ويقضي على قيمه وأخلقه ومثله وكلكم يلحظ ذلك‪ .‬هذا البرنامج العلماني‬
‫يلغي السلم من التعليم والتربية ويطارد كل ما هو إسلمي بشكل أو بآخر‪،‬‬
‫إما في المنهج وإما في المدارس أو بهما معًا‪ .‬وهذا البرنامج العلماني يلغي‬
‫السلم من السياسة والقتصاد فيقطعون ما أمر الله به أن يوصل ‪ ،‬ويصلون‬
‫أعداء الله من اليهود ويتوددون إليهم سرا ً وعلنية‪ ،‬ويبيحون الربا ويفرضون‬
‫على المة الجرعات والضرائب والرسوم لتحطيمها وإفقارها‪.‬‬
‫هذا البرنامج العلماني يستخف بالدين ويهزأ ويسخر بعقيدة المسلمين تحت‬
‫مسميات حرية الفكر والبداع‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫هذا البرنامج العلماني يشيع الفوضى والنحلل ويقضي على العفة والشرف‬
‫ويقتل الغيرة والنخوة وينشر الرذائل في أوساط المسلمين‪ .‬وغير ذلك كثير‪.‬‬
‫وإن واجب المة أن تكون يقظة ترقب هؤلء الذين ينفذون هذه المخططات‬
‫الجرامية‪ ،‬وأن نتعاون على مقاومتهم وجهادهم‪.‬‬
‫وحذار حذار من أن تكونوا من الصنف الثالث وهم الذين اتخذوا دينهم هزوا ً‬
‫ولعبًا‪ ،‬يأخذون من السلم ما يتناسب مع أهوائهم وأذواقهم وما يحقق لهم‬
‫مصالحهم ويحافظ على مكانتهم في أمة السلم‪ .‬أما إذا كان السلم يتطلب‬
‫من أهله الصدق والجهاد والتضحية والفداء‪ ،‬فإنهم يتوارون ويقفون موقف‬
‫المتفرج وكأن المر ل يعنيهم ول يخصهم بل هم في كثير من الحيان يتزلفون‬
‫لخوانهم الذين كفروا من سدنة العلمانية والصهيونية واليهودية ويقفون معهم‬
‫في خندق واحد في حرب السلم والمسلمين وكأن هذا النوع من الناس هم‬
‫ف فَإ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫حْر ٍ‬ ‫ه عََلى َ‬
‫من ي َعْب ُد ُ الل ّ َ‬ ‫س َ‬‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫المعنيون بقول الله عز وجل‪ ? :‬وَ ِ‬
‫خَرةَ‬ ‫ْ‬
‫سَر الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫خير اط ْمأ َن به وإ َ‬ ‫َ‬
‫خ ِ‬
‫جهِهِ َ‬ ‫ب عَلى وَ ْ‬ ‫قل َ‬ ‫ة ان َ‬
‫ه فِت ْن َ ٌ‬‫صاب َت ْ ُ‬
‫نأ َ‬‫َ ّ ِ ِ َِ ْ‬ ‫ه َ ٌْ‬ ‫صاب َ ُ‬‫أ َ‬
‫ن ?]الحج‪.[11:‬‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مِبي ُ‬ ‫سَرا ُ‬ ‫ك هُوَ ال ْ ُ‬
‫خ ْ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫اللهم حبب إلينا اليمان واشرح صدورنا بالقرآن وارزقنا الهداية والخلص‪..‬‬
‫وباعد بيننا وبين الكفر والنفاق كما باعدت بين المشرق والمغرب‪ ،‬وتوفنا‬
‫وأنت راض عنا ول تفتّنا في ديننا‪ ،‬وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير‬
‫مفتونين‪.‬‬
‫راجعه‪ :‬عبد الحميد أحمد مرشد‬
‫صحيح مسلم‪ :‬باب تحريم الظلم ‪:‬الحديث رقم‪ (2577) :‬عن أبي ذر ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ليس من النصرة‬
‫سامي بن عبدالعزيز الماجد ‪1/1/1427‬‬
‫‪31/01/2006‬‬
‫الحمد لله ‪ ،‬والصلة والسلم على رسول الله‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإن مما يبعث السرور في النفس ما نراه في حملة نصرة النبي –صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬من تفاعل كبير‪ ،‬وزخم عاطفي ضخم‪ ،‬وحراك في مجتمعات‬
‫المسلمين‪ ،‬وكل ذلك وأكثر منه قليل في جانب نصرة نبينا صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ولكن ليس من النصرة في شيء بعض المظاهر المصاحبة لذلك‬
‫شر‬ ‫ل‪ :‬أن يتسابق الناس في نشر رؤى منسوبة إلى مجاهيل تب ّ‬ ‫والتي منها‪ :‬أو ً‬
‫ة‬
‫ض عنها فيما عملت من نصر ٍ‬ ‫المة أن نبيها ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬را ٍ‬
‫ب عن عرضه‪ .‬ولئن كانت الرؤى الصالحة من مبشرات النبوة التي بقيت‬ ‫وذ ٍ‬
‫للمة‪ ،‬فإن ذلك ل يعفينا من ضرورة التثبت فيما يرويه الناس من ذلك‪ ،‬والتي‬
‫غالبا ً ما يكون منسوبا ً إلى مجهول‪ ،‬أو مما يتزّيد فيه الرواة‪،‬فما آفة الخبار إل‬
‫ُرواتها‪ ،‬وقد يكون ما رآه صاحب الرؤيا من حديث النفس‪ ،‬فيخيل إليه أنه رأى‬
‫النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬في منامه ‪ ،‬وأما حديث "من رآني في المنام‬
‫فقد رآني؛ فإن الشيطان ل يتمثل بي" فالمراد‪ :‬من رآني على صفتي التي أنا‬
‫عليها‪ ،‬وليس المراد أن كل ما ُيخيل للنائم في منامه أنه يرى رسول الله –‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬فهو كذلك‪.‬‬
‫شرة بخير موعود ٍ لمن ذب عن‬ ‫ثم إن لدينا من نصوص الكتاب والسنة المب ّ‬
‫عرضه –صلى الله عليه وسلم‪ -‬ونصَر سنَته ما يغنينا ويشفي نفوسنا ويحدو‬
‫أرواحنا للستباق لهذا الشرف العظيم‪ ،‬فحسبنا أن نحث الناس على نصرة‬
‫نبيهم وسنته بتلك النصوص المبثوثة في الكتاب والسنة الصحيحة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن يتسابق الغيورون على عرض المصطفى –صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫على نشر أخبار غير موثقة‪ ،‬مثل المجازفة بذكر أرقام مبالغ فيها لخسائر‬
‫المقاطعة‪ ،‬ومنها ما ُأشيع بين الناس هذه اليام من أن أحد الرسامين الذين‬
‫ة محترقة‬ ‫وروا النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬في رسوم ساخرة قد ُوجد جث ً‬ ‫ص ّ‬
‫بجوار الصحيفة الناشرة لتلك الرسوم‪ ،‬وأن وسائل العلم في الدانمارك قد‬
‫تكّتمت على الخبر خوف الفضيحة! وليت المسارعين في نشر هذه الشائعة‬
‫تساءلوا قبل نشرها‪ :‬إذا كانت وسائل العلم هنالك قد تكّتمت على نشر‬
‫مه فأذاعه في الناس حتى‬ ‫الخبر فأنى لهم العلم به؟!! ومن هذا الذي عَل ِ َ‬
‫بلغنا؟!‬
‫حهم بما يأملونه من ثمار حملتهم‬ ‫إن حث المسلمين على نصرة نبيهم وإفرا َ‬
‫على الساخرين بحبيبهم –صلى الله عليه وسلم‪ -‬عمل مشروع ول شك‪ ،‬بيد‬
‫أنه ل يجوز أن يكون بالكذب‪ ،‬ول بترك التثبت والتبين في رواية الغرائب من‬
‫الخبار‪ ،‬وإن ما يعتمل في صدورنا من لواعج الغيرة على النبي الكريم –صلى‬
‫ط في رواية الخبار دون تثبت‬ ‫الله عليه وسلم‪ -‬ل ينبغي أن يدفعنا إلى أن َنفُر َ‬
‫واستيثاق‪ ،‬ول إلى أن نتخلى عن المنهج الشرعي في تلقي الخبار وبّثها‪،‬‬
‫فحسن المقصد ل يشفع لشيء من هذا مطلقًا‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬ليس من النصرة في شيء مبادأة أحدٍ بالعتداء وتحريضه على معركة‬
‫الطرفان فيها خاسران؛ فاختراق مواقع صحف ومجلت لم تصدر منها بنبينا‬
‫ض‪ ،‬وإنما ُيحرضها‬ ‫ب عن عر ٍ‬ ‫ل ل يكشف شبهة ول يذ ّ‬ ‫ة وتدميُرها عم ٌ‬
‫سخري ٌ‬
‫حيادها إلى مصاّفة‬ ‫هي الخرى على سب الرسول والنيل منه‪ ،‬وينقلها من ِ‬
‫المعتدي في موقفه‪ ،‬ويحرض سفهاءهم على تدمير مواقعنا اللكترونية‬
‫النافعة‪ ،‬والتي خسارتنا بتدميرها أعظم من خسارتهم هم بتدمير مواقع‬
‫صحفهم ومنتدياتهم‪.‬‬
‫لقد نهانا القرآن أن نعتدي في القتصاص من المعتدي‪ ،‬فكيف بابتداء‬
‫كر بهذا الحكم المتقرر في عقل‬ ‫العتداء؟! ل شك أنه أقبح وأولى بالنهي‪...‬نذ ّ‬
‫كل مسلم ونحن نرى معركة إلكترونية على شبكة النترنت ابتدأها بعض‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الغيورين هداهم الله باستهداف بعض الصحف الدانمركية بالختراق والتدمير‪،‬‬


‫وفي هذا العمل المشين عدة ملحوظات‪:‬‬
‫من لم يقع منه اعتداٌء‪ ،‬وفي هذا مخالفة لداب القرآن‪ ،‬ل‬ ‫‪1‬ـ أنه اعتداء على َ‬
‫يشفع لها قد ُْر ما بلغه حب الحبيب –صلى الله عليه وسلم‪ -‬في قلوبنا‪.‬‬
‫‪2‬ـ أن هذا الفعل بمثابة الشاهد الذي ُيثبت التهمة في اْتباع النبي –صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬من أنهم همج إرهابيون مفسدون ل يعرفون إل الفساد‬
‫والتدمير‪.‬‬
‫‪3‬ـ أن اللجوء إلى هذه المواجهة البعيدة عن التعقل وأسلوب المحاجة بالحجة‬
‫والبرهان قد يوهم العدو وغيَره ممن هو على ملته ولم يرتكب خطيئته أننا ل‬
‫ة ول برهانا ً‬ ‫نملك في الدفاع عن شخصية نبينا –صلى الله عليه وسلم‪ -‬حج ً‬
‫تبّرئه مما هو مّتهم به في أنظارهم‪.‬‬
‫‪4‬ـ كان من الممكن تحييد ُ هذه الصحف التي ُقصدت بالختراق والتدمير‪،‬‬
‫وجعُلها وسيلة ضغط على الصحيفة الناشرة للرسوم الساخرة للجائها إلى‬
‫سعنا دائرة‬‫ة لقتصادهم من آثار حملة المقاطعة‪ ،‬فإذا نحن و ّ‬ ‫العتذار حماي ً‬
‫المواجهة لوسائل العلم الدانمركي كلها ـ من غير تفريق بين الفاعل‬
‫والغافل ـ فإن ما نبغيه منهم يصبح أمل ً بعيدًا‪ ،‬كان ليدينا إسهام في ذلك ولو‬
‫بطريق غير مباشر‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫حل أن‬ ‫‪5‬ـ كون العدو يسفل ويتواقح في عداوته وكراهيته لنا ل يجعلنا في ِ‬
‫نسفل سفوله‪ ،‬ول أن نتخلى عما يليق بنا وما عرف عنا من التزام لمنهج‬
‫ل بالخلق الفاضلة في كل شعاب‪ .‬إن اللجوء إلى هذه الساليب‬ ‫ح ّ‬
‫العدل وت َ‬
‫من هو‬ ‫ل أحد‪ ،‬وقد يكون أقدر الناس عليه َ‬ ‫في المواجه أمر يستطيعه ك ّ‬
‫أضعفهم في الحجة والبرهان‪.‬‬
‫‪6‬ـ ل يصح أن يقاس اختراق مواقع صحفهم اللكترونية التي لم تقع منها‬
‫سخرية ول استهزاء بنبينا –صلى الله عليه وسلم‪ -‬على حملة المقاطعة‬
‫لسلعهم كّلها مع أننا نقاطع شركات لم يقع منها من ذلك شيٌء‪ ،‬وهو قياس‬
‫فاسد؛ لن المقاطعة القتصادية ليس فيها اعتداء‪ ،‬وغاية ما فيها أنها تمن ّعٌ عن‬
‫ق المواقع وتدميرها‪،‬‬ ‫الشراء‪ ،‬وهذا ليس من العتداء في شيء‪ ،‬بخلف اخترا ِ‬
‫فهو اعتداء صريح لمن لم يقع منه اعتداء ‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬ليس من النصرة في شيء أن نجود بأموالنا لكل من يدعونا إلى‬
‫مشروع دعوي في تعريف الكفار بالسلم وبنبيه الكريم وفي كشف ما يثار‬
‫حوله من شبهات من غير أن نتوثق من صاحب المشروع والجهة المشرفة‬
‫ن المراد نشره‪ ،‬ومن يزكى ذلك من أهل‬ ‫عليه‪ ،‬ومن غير أن نتبّين المضمو َ‬
‫ول صدقاتنا إلى جهات مجهولة‬ ‫العلم‪ ،‬وإن من التفريط والسذاجة أن نح ّ‬
‫َ‬
‫ملَتها‪.‬‬ ‫تزعم النصرة وهي في الحقيقة تستأكل بها وتستغل ح ْ‬
‫ولكي نقطع الطريق على كل طامع يستغل عاطفة الناس في هذا الباب‬
‫ويستدُر أموالهم باستغلل عاطفتهم فإن علينا أل نضع صدقاتنا إل في‬
‫ت معروفةٍ مزكاة‪.‬‬ ‫حسابات مؤسسات خيرية رسمية أو في أيدي شخصيا ٍ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ليست إحدى ثلث‬


‫محمد جلل القصاص‬
‫>‪TD/‬‬
‫في بداية الطلب ـ طلب العلم الشرعي ـ حذرني بعض الذكياء من الحصر‬
‫الوهمي الذي يمارسه بعض الكتاب على القراء‪ ،‬حين يقول لك ــ مثل ــ ‪ :‬هي‬
‫إحدى ثلث إما كذا وإما كذا أو كذا‪ ،‬وتكون هناك رابعة يمكنك الخذ بها‪.‬‬
‫وكثير من المحللين السياسيين والمفكرين والكتاب ـ من السلميين أعني ـــ‬
‫يسير تحت هذا الحصر الوهمي وهو يعالج قضايا المة المطروحة على‬
‫الساحة السلمية!!‬
‫وحتى يتضح المقال أضرب المثال‪.‬‬
‫المقاومة في العراق‪ :‬مقاومة وطنية شريفة ؟ أم خروج على السلطة‬
‫)الشرعية( للبلد ؟ أم جهاد لتحرير العراق ؟‬
‫الواقع أن جل التحليلت تدور في هذه الطر‪ ،‬وليست إحدى الثلث‪ ،‬أو‬
‫بالحرى ينبغي أل تكون إحدى الثلث‪.‬‬
‫ذلك؛ لن مفهوم الوطنية المفروض علينا مرفوض في تصورنا السلمي‪،‬‬
‫طيني‪ ،‬والسلطة التي فرضها الحتلل ــــ وكذا كل‬ ‫عقدي وليس ِ‬ ‫فرباطنا َ‬
‫كم شرع الله‪،‬‬ ‫سلطة ل تحكم شرع الله ــــ ل بد من الخذ على يديها حتى ُتح ّ‬
‫مستحدثة ـ فقط‬ ‫وراية الجهاد ل ُترفع لتحرير الوطان ـ بحدودها الجغرافية ال ُ‬
‫وإنما لتكون كلمة الله هي العليا في العراق وخارج العراق‪ ،‬وما دام المر‬
‫والنهي للبشر وليس لله فل بد أن ترفع راية الجهاد‪.‬‬
‫ب آخر خارج دائرة الحصر هذه ل بد أن يوجهه إلى المجاهدين في‬ ‫إذا خطا ٌ‬
‫العراق ومن يهمه أمرهم خارج العراق‪ ،‬خطاب يحدد ماهية القضية التي يجب‬
‫ل‬‫سِبي ِ‬ ‫ي ال ْعُل َْيا فَهُوَ ِفي َ‬ ‫ة الل ّهِ هِ َ‬ ‫م ُ‬‫ن ك َل ِ َ‬ ‫كو َ‬‫ل ل ِت َ ُ‬‫ن َقات َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫أن يحمل لها السلح " َ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫صب ِي ّ ً‬‫صُر عَ َ‬ ‫ة أوْ ي َن ْ ُ‬ ‫صب ِي ّ ً‬
‫عو عَ َ‬ ‫مي ّةٍ ي َد ْ ُ‬‫ع ّ‬ ‫ت َراي َةٍ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ل تَ ْ‬‫ن قُت ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل_ " و " َ‬ ‫ج ّ‬ ‫الل ّهِ _عَّز وَ َ‬
‫فَر ِبالل ّهِ " و "‬ ‫ن كَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل الل ّهِ َقات ُِلوا َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫سم ِ الل ّهِ ِفي َ‬ ‫ة " و " اغُْزوا ِبا ْ‬ ‫جاهِل ِي ّ ٌ‬ ‫ة َ‬ ‫قت ْل َ ٌ‬ ‫فَ ِ‬
‫فَر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن ي َغْ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫حّبو َ‬ ‫خال ًِيا أل ت ُ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫عا ً‬ ‫ن َ‬ ‫سّتي َ‬ ‫صلةِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫خي ٌْر ِ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫حدِك ْ‬ ‫مأ َ‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫وا َ‬ ‫ّ‬
‫ل اللهِ فُ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ل ِفي َ‬ ‫ن َقات َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل اللهِ َ‬‫ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ة اغُزوا ِفي َ‬ ‫ْ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫ُ‬
‫خل ك ْ‬ ‫َ‬ ‫م وَي ُد ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ه لك ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫الل ُ‬
‫ة"‬ ‫جن ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫ه ال َ‬ ‫َ‬
‫تل ُ‬ ‫جب َ ْ‬ ‫َناقَةٍ وَ َ‬
‫خطاب يركل بقدميه شبهات المنهزمين ووسواس الضالين المبتدعين‬
‫ل العدو بالرض وهتك العرض وأخذ المال ـــ‬ ‫المنادين بكف اليد ـــ وقد ح ّ‬
‫دة‪ ،‬خطاب يقول لهم للنصر أسباب أخرى عندنا " ولينصرن الله‬ ‫حتى ُتعد ّ الع ّ‬
‫من ينصره إن الله لقوي عزيز" " إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم "‬
‫كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله "‪.‬‬
‫وفي فلسطين مثال آخر‪.‬‬
‫تتكلم التحليلت السياسية عن )القضية الفلسطينية(‪ ،‬وتتكلم عن‬
‫الستراتيجيات التي ينبغي أن تنتهجها النتفاضة من أجل تحرير فلسطين‪،‬‬
‫وتتكلم عن حماس وكأن الجهاد من أجل تحرير المقدسات قرار بيدها تفعل‬
‫به ما تشاء‪.‬‬
‫وهذه الجعجعة ُتخفي وجها آخر للحقيقة وهو أن القضية ليست فلسطينية‬
‫وإنما إسلمية‪ ،‬بل من أخص قضايا المسلمين لرتباطها بالمسجد القصى‬
‫أولى القبلتين وثاني المسجدين ومسرى الحبيب صلى الله عليه وسلم وأن‬
‫طرفها الثاني اليهود الذين هم أشد الناس عداوة للذين آمنوا‪ ...‬كل الذين‬
‫آمنوا في فلسطين وخارج فلسطين‪ ،‬والذين يسعون في الرض فسادا‪...‬‬
‫أرض فلسطين وباقي أراضي العالمين‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فينبغي أل تكون القضية فلسطينية من طرفنا كما أن الطرف الخر ــ اليهود‬


‫ومن ورائهم ــــ القضية عندهم ليست فلسطينية فقط بل فلسطينية‬
‫وعراقية وأردنية ومصرية سعيا ً لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى من النيل‬
‫للفرات‪.‬‬
‫وتمارس القنوات الفضائية )الجريئة( نوع من الحصر والخداع حين تعرض‬
‫خسائر المقاومة السلمية في العراق وفلسطين وما يحدث للشعب جراء‬
‫هذه العمليات من اعتقال وهدم للبيوت ومصادرة للموال‪ ،‬وتجُبن كمراتهم‬
‫)الجريئة( عن عرض ما ُتحدثه المقاومة من نكاية في صفوف العدو‪.‬‬
‫فهي تقول ـــ بلسان الحال ــــ ‪ :‬هذه ثمار المقاومة‪ ...‬العدو معافى‬
‫والمتضرر هم عامة الناس‪ ...‬مفاسد المقاومة أكثر من مصالحها فلم؟!‬
‫ونحتاج إلى من يخرج من هذا الحصر‪ ،‬ويبين للناس تأويل قول الله _تعالى_‪:‬‬
‫" إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما ل يرجون "‬
‫‪.‬‬
‫لم أقصد تتبع حالت الحصر والخداع الموجود في العلم واغترار بعض‬
‫الطيبين بها‪ ،‬أبدا ً لم أقصد هذا‪ ،‬وإنما أردت لفت النظر إلى هذه الظاهرة‬
‫وتنبيه إخواني على هذا المر‪.‬‬
‫والله أسأل أن يتقبل منا وأن يبارك في أقوالنا وأفعالنا‪.‬‬
‫ليست إحدى ثلث‬
‫محمد جلل القصاص‬
‫>‪TD/‬‬
‫في بداية الطلب ـ طلب العلم الشرعي ـ حذرني بعض الذكياء من الحصر‬
‫الوهمي الذي يمارسه بعض الكتاب على القراء‪ ،‬حين يقول لك ــ مثل ــ ‪ :‬هي‬
‫إحدى ثلث إما كذا وإما كذا أو كذا‪ ،‬وتكون هناك رابعة يمكنك الخذ بها‪.‬‬
‫وكثير من المحللين السياسيين والمفكرين والكتاب ـ من السلميين أعني ـــ‬
‫يسير تحت هذا الحصر الوهمي وهو يعالج قضايا المة المطروحة على‬
‫الساحة السلمية!!‬
‫وحتى يتضح المقال أضرب المثال‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫المقاومة في العراق‪ :‬مقاومة وطنية شريفة ؟ أم خروج على السلطة‬


‫)الشرعية( للبلد ؟ أم جهاد لتحرير العراق ؟‬
‫الواقع أن جل التحليلت تدور في هذه الطر‪ ،‬وليست إحدى الثلث‪ ،‬أو‬
‫بالحرى ينبغي أل تكون إحدى الثلث‪.‬‬
‫ذلك؛ لن مفهوم الوطنية المفروض علينا مرفوض في تصورنا السلمي‪،‬‬
‫طيني‪ ،‬والسلطة التي فرضها الحتلل ــــ وكذا كل‬ ‫عقدي وليس ِ‬ ‫فرباطنا َ‬
‫كم شرع الله‪،‬‬ ‫سلطة ل تحكم شرع الله ــــ ل بد من الخذ على يديها حتى ُتح ّ‬
‫مستحدثة ـ فقط‬ ‫وراية الجهاد ل ُترفع لتحرير الوطان ـ بحدودها الجغرافية ال ُ‬
‫وإنما لتكون كلمة الله هي العليا في العراق وخارج العراق‪ ،‬وما دام المر‬
‫والنهي للبشر وليس لله فل بد أن ترفع راية الجهاد‪.‬‬
‫ب آخر خارج دائرة الحصر هذه ل بد أن يوجهه إلى المجاهدين في‬ ‫إذا خطا ٌ‬
‫العراق ومن يهمه أمرهم خارج العراق‪ ،‬خطاب يحدد ماهية القضية التي يجب‬
‫ل‬ ‫ي ال ْعُل َْيا فَهُوَ ِفي َ‬
‫سِبي ِ‬ ‫ة الل ّهِ هِ َ‬ ‫ن ك َل ِ َ‬
‫م ُ‬ ‫ل ل ِت َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ن َقات َ َ‬‫م ْ‬ ‫أن يحمل لها السلح " َ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫صب ِي ّ ً‬
‫صُر عَ َ‬
‫ة أوْ ي َن ْ ُ‬ ‫صب ِي ّ ً‬
‫عو عَ َ‬‫مي ّةٍ ي َد ْ ُ‬
‫ع ّ‬ ‫ت َراي َةٍ ِ‬‫ح َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن قت ِل ت َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل_ " و " َ‬ ‫الل ّهِ _عَّز وَ َ‬
‫ج ّ‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فَر ِبالل ّهِ " و "‬ ‫ن كَ َ‬ ‫م ْ‬‫ل الل ّهِ َقات ُِلوا َ‬ ‫سم ِ الل ّهِ ِفي َ‬
‫سِبي ِ‬ ‫ة " و " اغُْزوا ِبا ْ‬ ‫جاهِل ِي ّ ٌ‬ ‫ة َ‬ ‫قت ْل َ ٌ‬ ‫فَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خال ًِيا أَل ت ُ ِ‬ ‫َ‬
‫فَر‬‫ن ي َغْ ِ‬‫نأ ْ‬ ‫حّبو َ‬ ‫ما َ‬ ‫عا ً‬‫ن َ‬ ‫صَلةِ ِ‬
‫سّتي َ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬
‫خي ٌْر ِ‬‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫حدِك ُ ْ‬ ‫مأ َ‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫وا َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ل اللهِ ف َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫ن قات َل ِفي َ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫ل اللهِ َ‬‫سِبي ِ‬
‫ة اغُزوا ِفي َ‬ ‫ْ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫ُ‬
‫خل ك ْ‬ ‫َ‬ ‫م وَي ُد ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ه لك ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫الل ُ‬
‫ة"‬ ‫ن‬
‫َ ّ ُ‬‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫َناقَ ٍ َ َ َ ْ ُ‬
‫ل‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ة‬
‫خطاب يركل بقدميه شبهات المنهزمين ووسواس الضالين المبتدعين‬
‫ل العدو بالرض وهتك العرض وأخذ المال ـــ‬ ‫المنادين بكف اليد ـــ وقد ح ّ‬
‫دة‪ ،‬خطاب يقول لهم للنصر أسباب أخرى عندنا " ولينصرن الله‬ ‫حتى ُتعد ّ الع ّ‬
‫من ينصره إن الله لقوي عزيز" " إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم "‬
‫كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله "‪.‬‬
‫وفي فلسطين مثال آخر‪.‬‬
‫تتكلم التحليلت السياسية عن )القضية الفلسطينية(‪ ،‬وتتكلم عن‬
‫الستراتيجيات التي ينبغي أن تنتهجها النتفاضة من أجل تحرير فلسطين‪،‬‬
‫وتتكلم عن حماس وكأن الجهاد من أجل تحرير المقدسات قرار بيدها تفعل‬
‫به ما تشاء‪.‬‬
‫وهذه الجعجعة ُتخفي وجها آخر للحقيقة وهو أن القضية ليست فلسطينية‬
‫وإنما إسلمية‪ ،‬بل من أخص قضايا المسلمين لرتباطها بالمسجد القصى‬
‫أولى القبلتين وثاني المسجدين ومسرى الحبيب صلى الله عليه وسلم وأن‬
‫طرفها الثاني اليهود الذين هم أشد الناس عداوة للذين آمنوا‪ ...‬كل الذين‬
‫آمنوا في فلسطين وخارج فلسطين‪ ،‬والذين يسعون في الرض فسادا‪...‬‬
‫أرض فلسطين وباقي أراضي العالمين‪.‬‬
‫فينبغي أل تكون القضية فلسطينية من طرفنا كما أن الطرف الخر ــ اليهود‬
‫ومن ورائهم ــــ القضية عندهم ليست فلسطينية فقط بل فلسطينية‬
‫وعراقية وأردنية ومصرية سعيا ً لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى من النيل‬
‫للفرات‪.‬‬
‫وتمارس القنوات الفضائية )الجريئة( نوع من الحصر والخداع حين تعرض‬
‫خسائر المقاومة السلمية في العراق وفلسطين وما يحدث للشعب جراء‬
‫هذه العمليات من اعتقال وهدم للبيوت ومصادرة للموال‪ ،‬وتجُبن كمراتهم‬
‫)الجريئة( عن عرض ما ُتحدثه المقاومة من نكاية في صفوف العدو‪.‬‬
‫فهي تقول ـــ بلسان الحال ــــ ‪ :‬هذه ثمار المقاومة‪ ...‬العدو معافى‬
‫والمتضرر هم عامة الناس‪ ...‬مفاسد المقاومة أكثر من مصالحها فلم؟!‬
‫ونحتاج إلى من يخرج من هذا الحصر‪ ،‬ويبين للناس تأويل قول الله _تعالى_‪:‬‬
‫" إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما ل يرجون "‬
‫‪.‬‬
‫لم أقصد تتبع حالت الحصر والخداع الموجود في العلم واغترار بعض‬
‫الطيبين بها‪ ،‬أبدا ً لم أقصد هذا‪ ،‬وإنما أردت لفت النظر إلى هذه الظاهرة‬
‫وتنبيه إخواني على هذا المر‪.‬‬
‫والله أسأل أن يتقبل منا وأن يبارك في أقوالنا وأفعالنا‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ليست بالعدد ول بالعتاد‬


‫محمد جلل القصاص‬
‫>‪TD/‬‬
‫يوم بدٍر‪ ..‬يوم الفرقان يوم التقى الجمعان‪ ،‬حزب الرحمن وحزب الشيطان‪،‬‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقف عدو الله أبو جهل يقسم بالله أل يرجع حتى يقرن محمدا ً ‪ -‬صلى الله‬
‫ن أحدا ً منكم‬ ‫حبال‪ ،‬وينادي في قومه‪" :‬ل ألفي ّ‬ ‫عليه وسلم ‪ -‬وأصحابه في ال ِ‬
‫قتل منهم أحدًا‪ :‬ولكن خذوهم أخذا‪ ،‬نعرفهم بالذي صنعوا لمفارقتهم دينكم‬ ‫ً‬
‫ورغبتهم عما كان يعبد آباؤهم"‪.‬‬
‫وما هي إل ساعة أو ساعتان من القتال وقد فروا من المسلمين كالنساء‪.‬‬
‫مّر عام وقريش تتجهز لخذ ثأرها‪ ،‬ومحو عارها‪ ،‬وجاءت يوم أحد بقضها‬ ‫و َ‬
‫وقضيضها‪ُ ،‬يجعجع فرسانهم‪ ،‬وتضرب بالدف نسائهم‪ ،‬وينادي بالثارات‬
‫جميعهم‪ ،‬وما هي إل ساعة أو ساعتان حتى فروا وتركوا النساء‪ ،‬وهؤلء فروا‬
‫عن النساء وقد كانوا ل يعدلون بالشرف شيئًا‪ ،‬وقد كانوا فرسانا ً شجعانًًا‪.‬‬
‫ت أذكر جيش الفرس يوم القادسية‪ ،‬وكان أشد جيش على وجه الرض‬ ‫ل زل ُ‬
‫يومها‪ ،‬كثير العدد‪ ،‬حسن التسليح‪ ،‬جنده نخبة أبطال يقاتلون في أرضهم‪.‬‬
‫صبيحة أول أيام القتال ركب رستم فرسه‪ ،‬وهو يقول‪ :‬اليوم ندكهم دكًا‪،‬‬
‫فناداه أحد خدمه ‪ -‬يريد منه الستثناء قل‪ :‬إن شاء الله‪ ،‬فقال‪ :‬وإن لم يشأ‪.‬‬
‫ولما تراءى الجمعان ضحك أصحاب رستم من صحابة محمد الله _صلى الله‬
‫عليه وسلم_ لما يرون من قلة عددهم وضعف سلحهم‪ ،‬ويوم ويومان اشتد‬
‫فيهما القتال وفروا ل يلوون على شيء‪ ،‬وأمكن الله من رستم فذبح‬
‫كالخراف‪.‬‬
‫عبًا"‬‫م ُر ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ت ِ‬ ‫مل ِئ ْ َ‬‫م فَِرارا ً وَل َ ُ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ت ِ‬‫م ل َوَل ّي ْ َ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬‫يقول الله _تعالى_‪" :‬ل َوِ اط ّل َعْ َ‬
‫)الكهف‪ :‬من الية ‪.(18‬‬
‫الطبيعي أنني أخاف ثم أفر‪ ،‬ل أنني أفر ثم أخاف‪ .‬أليس كذلك؟‬
‫هذا ما يقوله العقل‪.‬‬
‫ولكن الية القرآنية تقرر شيئا غير ذلك‪ ،‬هو أنه حين يشتد الخوف‪ ..‬حين‬ ‫ً‬
‫ل‪ ..‬حين يرى النسان الموت فإنه يفر دون أن يدري‪ ،‬ول‬ ‫يكون المر مهو ً‬
‫يفيق إل بعد أن يغادر مكان الخطر‪.‬‬
‫وتكلم أهل العجاز العلمي في ذلك‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنه في حالة الخوف والذعر‬
‫الشديد فإن الشارات الصادرة من العين ل تتجه نحو مركز الدراك‪ ،‬وإنما‬
‫تذهب أول ً إلى البؤرة المتحكمة في العضلت الهيكلية‪ ،‬وتعطيها إشارة‬
‫للنقباض والتحرك سريعا ً بعيدا ً عن مصدر الخوف‪ ،‬ثم بعد حين تتجه على‬
‫مركز التفكير فيفهم النسان ما حدث‪.‬‬
‫وهو ما يفسر ما فعلته فرسان العرب ذوو النخوة والشجاعة حين فروا‬
‫وتركوا نساءهم لعدوهم‪.‬‬
‫رأوا الموت فذهب عنهم هاجس العدد والعتاد والغيرة على العراض‬
‫والحرص على الموال‪ ،‬فأطلقوا سيقانهم للريح‪ ،‬وما دروا إل هناك وقد بعدوا‬
‫عن موطن القتل والقتال‪.‬‬
‫أردت من هذا السرد القول‪ :‬إن الغلبة ليست بالعدد ول بالعتاد‪.‬‬
‫ومن يتدبر كلمي يعلم كيف كانت المة السلمية تنتصر على عدوها رغم قلة‬
‫عددها وعتادها‪ .‬إنه سلح الخوف الذي يذهب بالعدد والعتاد‪ .‬ونحن أمة‬
‫َ‬
‫مُنوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫م فَث َب ُّتوا ال ّ ِ‬ ‫معَك ُ ْ‬
‫ملئ ِك َةِ أّني َ‬ ‫ك إ َِلى ال ْ َ‬ ‫حي َرب ّ َ‬ ‫منصورة بالرعب "إ ِذ ْ ُيو ِ‬
‫ُ‬
‫ب" )النفال‪ :‬من الية ‪.(12‬‬ ‫فُروا الّرعْ َ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قي ِفي قُُلو ِ‬ ‫سأل ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ولكن أنى الطريق إلى هذا السلح؟‬
‫ليس إل طاعة الله ورسوله _صلى الله عليه وسلم_‪ ،‬وتوحيد الكلمة على‬
‫ن‬‫م ْ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫صَر ّ‬ ‫التوحيد‪ ،‬وبذل النفس والنفيس من أجل نشر هذا الدين‪" .‬وَل َي َن ْ ُ‬
‫زيٌز" )الحج‪ :‬من الية ‪.(40‬‬ ‫قوِيّ عَ ِ‬ ‫ه لَ َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫صُره ُ إ ِ ّ‬ ‫ي َن ْ ُ‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإن كنا حقا ً جنود لله‪ ،‬فسيرسل الله لنا جنوده‪ ،‬ومن جنوده الخوف‪ ،‬ولكن‬
‫عدونا لم يزل بعد جريئا ً علينا‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ليست قضية سامي‬


‫عبد السلم الحصين‬
‫أرادت الحكومة المريكية أن تبرز قضية سامي على أعلى المستويات‪ ،‬وكان‬
‫ما لها في ذلك‪،‬‬ ‫إعلمها المطيع المذلل‪ ،‬الرافع لشعار الحرية في الظاهر‪ ،‬خاد ً‬
‫ما بهذه المهمة خير قيام‪ ،‬وليس إعلم العرب‪ ،‬وأهل الجزيرة إل رجع‬ ‫وقائ ً‬
‫صدى لولئك‪ ،‬إل من رحم الله‪.‬‬
‫وأظن أنهم يتمنون الن أن لو كانت هذه القضية عن الناس والعلم بمعزل؛‬
‫فقد أظهرت من تهافت حججهم‪ ،‬وضعف أدلتهم‪ ،‬ما يقيم الحجة عليهم‪ ،‬في‬
‫تسلطهم على الخلق‪ ،‬واتهام المظلومين‪ ،‬إل أن تكون قلوبهم قد انسلخت‬
‫من الفهم‪ ،‬وتعرت من الدراك‪ ،‬وجودة النظر‪ ،‬وركنت إلى ما هم فيه من‬
‫القوة والمنعة‪ ،‬وغفلة الناس‪.‬‬
‫كنت أعيش بين شعورين متناقضين؛ الضحك والبكاء‪ ،‬حين علمت أن مئة من‬
‫أفراد المن‪ ،‬تصاحبهم طائرات تحرسهم من الجو‪ ،‬قد حاصرت منزل ً صغيًرا‪،‬‬
‫ُيكن عائلة صغيرة‪ ،‬في مدينة هادئة‪ ،‬ل تعرف الخوف والهلع‪.‬‬
‫وليس هذا فحسب؛ بل إن وزير العدل بنفسه يتولى العلن عن هذا الحدث‪،‬‬
‫وأن درجة الخطر قد بدأت تخف‪ ،‬وأن بإمكان سكان هذه المدينة أن يزاولوا‬
‫حياتهم بأمان؟!!!‬
‫بدا لي أن سامي غدا أخطر من أسامة‪ ،‬وأن الثاني هو في قمة إرهاب‬
‫كرين المبدعين‪.‬‬‫المقاتلين‪ ،‬والول في قمة إرهاب المف ّ‬
‫ل‪ ،‬وأرادت أن تبرز لشعبها أن‬ ‫قد تكون الحكومة المريكية أرادت هذا فع ً‬
‫الحملة على المقاتلين إنما تتم بالحملة نفسها على أصحاب الفكر السليم‪،‬‬
‫م الدعوة إلى الدين الصحيح‪ ،‬وإنقاذ الناس من عبادة غير‬ ‫الذين يحملون ه ّ‬
‫الله‪ ،‬وتعريفهم بالصراط المستقيم‪.‬‬
‫وقد بقيت تهم الحكومة المريكية‪ ،‬تجول في عقول كثير من الناس‪ ،‬وتحملهم‬
‫على الظنون السيئة للنهاية التي تنتظر هذا الرهابي الخطير‪ ،‬الذي ل يعرف‬
‫مشرُِفه عنه إل قمة جبل الجليد‪ ،‬وأن المباحث الفدرالية ستكف الجبل كله‪.‬‬
‫حتى جاءت المحاكمة‪ ،‬ولم تصنع شيًئا غير أنها وضعت ضغًثا على إبالة‪،‬‬
‫وأظهرت أن جبل الجليد ليس إل ماًء حاًرا يشوي وجوههم‪.‬‬
‫من الدلة ضد هذا الرهابي؛ أنه يعمل مع إحدى الجمعيات الدعوية محتسًبا‪،‬‬
‫وأنه بذلك يمنع المواطنين من وظائف ُتوّفر لهم الدخل الجيد؟!‬
‫من الدلة؛ أنه نشر قصيدة غازي القصيبي في المرأة التي فجرت نفسها في‬
‫إسرائيل؟!‬
‫من الدلة أنه يستقبل أخبار المستضعفين في الشيشان‪ ،‬ويرسلها إلى‬
‫أصدقائه؟!!‬
‫من الدلة؛ أنه من المسلمين الذين يعتقدون أن السلم فيه جهاد؟!!‬
‫من الدلة؛ أنه يدعم القضية الفلسطينية؟!!‬
‫من الدلة؛ أنه يستقبل ويرسل تبرعات للجمعيات الدعوية والخيرية‪،‬‬
‫والمرخص لها من قبل الحكومة المريكية؟!!‬
‫من الدلة؛ أنه يمارس الدعوة بجد‪ ،‬مع أنه جاء للدراسة فقط؟!!‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأما الشهود؛ فليسوا بأحسن حال ً من هذه الدلة؛ فمن مصري مطرود من‬
‫بلده بسبب آراءه الشاذة في الدين السلمي‪ ،‬يشهد بأن سامي من جنس‬
‫الذين طردوه‪.‬‬
‫إلى عراقية عاشت في إسرائيل فترة من الزمن‪ ،‬ثم جاءت للتعاون مع‬
‫المباحث الفدرالية‪ ،‬وتشهد ضده بمبلغ يتجاوز المئة ألف دولر‪.‬‬
‫إلى خبير في أجهزة الحاسب‪ ،‬يقف أمام القاضي‪ ،‬ليقول إن المعلومات التي‬
‫كانت في جهاز سامي قد اختفت‪ ،‬دون معرفة السبب؟!!‬
‫وشاهد يشهد ضد سامي بأمور يفعلها هو‪ ،‬والفرق هو أن نيته سليمة‪ ،‬ونية‬
‫سامي سيئة!!‬
‫ل‪ ،‬ل تتحمله العقول السليمة‪ ،‬ولهذا ل لوم على مشرف‬ ‫شيء مقزز فع ً‬
‫سامي حين قال‪© :‬أتعجب من الطريقة التي أّثرت بها هذه القضية على‬
‫حياتي‪ ،‬لقد جعلتني أسعى لكون جزًءا من الحكومة؛ لجعلها حكومة أفضل‪،‬‬
‫ما®‪.‬‬‫وأكثر احترا ً‬
‫ليست هذه القضية قضية سامي‪ ،‬إنها قضية كل مسلم صادق‪ ،‬مستقيم‪ ،‬ولقد‬
‫صدق الخ ضاري بن عبد العزيز الوهّيب حين كتب في عزيزتي الجزيرة‬
‫)العدد ‪ (11607‬مقال ً بعنوان‪© :‬كلنا مثل سامي®‪ ،‬بين فيه تفاهة التهم‪،‬‬
‫جه لكل طالب مسلم‪.‬‬ ‫وأنها تو ّ‬
‫والعجيب أن هذه القضية لم تستغل لظهار الخلل الموجود في تصور‬
‫الحكومة المريكية‪ ،‬وسوء تصرفاتها‪ ،‬وتخبطها في التعامل مع هذه الحداث‪.‬‬
‫ة؛ منها‪:‬‬
‫وقد أظهرت بوضوح أموًرا مهم ً‬
‫ً‬
‫‪ -1‬أن الحكومة المريكية ل تعادي المقاتلين‪ ،‬الذين تصفهم دائما بالرهابين‪،‬‬
‫والذين يستخدمون القوة للوصول إلى أهدافهم‪ ،‬والدفاع عن كرامتهم‪ ،‬ولكنها‬
‫تعادي كل صاحب فكر يخالفهم‪ ،‬ويقذف بالحجج الصحيحة‪ ،‬ويذعن الناس‬
‫لمنطقه السليم‪.‬‬
‫‪ -2‬أنها ل تستند إلى أدلة صحيحة‪ ،‬في دعاوها ضد الدعاة المسلمين‪،‬‬
‫والمنظمات الخيرية الدعوية‪.‬‬
‫‪ -3‬إلقاء الضوء على أمثال سامي؛ من الدعاة المستضعفين‪ ،‬والمصلحين‬
‫الناشطين‪ ،‬والذين واجهوا نفس التهم‪ ،‬وحصل لهم نفس الموقف‪ ،‬وليس في‬
‫در لهم أن تنال قضيتهم ما نالته قضية سامي‪.‬‬ ‫غوانتناموا إل بعضهم‪ ،‬ولم ُيق ّ‬
‫ل ألقي باللوم على حكومة الدولة التي ينتمي إليها سامي؛ لنها قد دعمت‬
‫القضية من جوانب أخرى‪ ،‬منها الجانب المادي‪ ،‬الذي قد يعجز عنه أسرة‬
‫سامي‪ ،‬ولني قد تربيت على قاعدة )الشيوخ أبخص(‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ولكن ما بال إعلمنا النائم‪ ،‬الذي ُيطعن قومه‪ ،‬وبنوا جلدته كل يوم‪ ،‬في‬
‫فكرهم‪ ،‬وعقيدتهم‪ ،‬ومبادئهم‪ ،‬ثم ل يتحرك للنتصار لهم‪ ،‬حتى في هذه‬
‫القضية‪ ،‬التي ظهرت فيها براءة سامي؛ كالشمس‪ ،‬وظهر زيف دعاوى‬
‫الحكومة المريكية‪ ،‬وأنها ل تقوم على مبدأ صحيح في حربها؟!!‬
‫ما بالهم بالمس قتلونا‪ ،‬وحطموا معنوياتنا بإظهار صورة سامي‪ ،‬في أول‬
‫الصفحات‪ ،‬مشفوعة بالتهم‪ ،‬بل ومعها الحكم الذي قد يتجاوز مئات السنين‪،‬‬
‫ثم ل تراهم اليوم يتحدثون عن براءة سامي‪ ،‬وإن تحدث بعضهم فعلى‬
‫استحياء‪ ،‬في زاوية محصورة‪ ،‬ل يكاد يفطن لها‪ ،‬إل من يستعرض الصحيفة‬
‫كلها؟!!‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القضية ملف كامل يفضح الحكومة المريكية‪ ،‬ولكن من يهن يسهل الهوان‬
‫عليه‪ ،‬ما لجرح بميت إيلم‪.‬‬
‫وكتبه عبد السلم بن إبراهيم بن محمد الحصين في ‪.11/6/1425‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ليشهدوا منافع لهم"‬


‫‪ ..‬وفي الحج فوائد روحية أخلقية‪ ..‬اجتماعية واقتصادية‬
‫آراس محمد صالح )@(‬
‫الحج ركن من أركان السلم‪ ،‬هدفه تزكية النفس وتهذيب الوجدان وتدعيم‬
‫أواصر المسلمين وإظهار العبودية الكاملة لله‪ ،‬بمختلف العمال والشعائر‪.‬‬
‫والحج عبادة جامعة‪ ،‬فيه إنفاق المال‪ ،‬وجهاد الجسد‪ ،‬وذكر الله‪ ،‬والتضحية‬
‫في سبيله‪ ..‬فالحج عبادة تشمله روح كل العبادات الخرى بصورة أو أخرى‪).‬‬
‫‪(1‬‬
‫قال تعالى‪ :‬الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فل رفث ول فسوق‬
‫ول جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد‬
‫التقوى" واتقون يا أولي اللباب )‪) (197‬البقرة(‪ ،‬جاء في تفسير أبي‬
‫السعود‪ :‬الحج‪ ،‬أي وقته أشهر معلومات‪ ،‬معروفات بين الناس هي شوال وذو‬
‫القعدة‪ ،‬وعشر من ذي الحجة فمن فرض فيهن‪ ،‬أي أوجبه على نفسه‬
‫بالحرام فيهن أو بالتلبية‪ ،‬أو بسوق الهدي فل رفث ول فسوق‪ ،‬أي ل جماع أو‬
‫فل فحش من الكلم‪ ،‬ول خروج من حدود الشرع بارتكاب المحظورات‪ ،‬وقيل‬
‫بالسباب والتنابذ باللقاب ول جدال‪ ،‬أي مراء مع الخدم والرفقة في الحج‪ ،‬أي‬
‫في أيامه‪.‬‬
‫وقال الرازي‪" :‬الحكمة في أن الله تعالى ذكر هذه اللفاظ الثلثة ل أزيد ول‬
‫أنقص‪ ،‬وهو قوله‪ :‬فل رفث ول فسوق ول جدال في الحج‪ ،‬هي أنه قد ثبت‬
‫في العلوم العقلية أن النسان فيه قوى أربعة‪ :‬قوة شهوانية بهيمية‪ ،‬وقوة‬
‫غضبية سبعية‪ ،‬وقوة وهمية شيطانية‪ ،‬وقوة عقلية ملكية‪ ،‬والمقصود من‬
‫جميع العبادات قهر القوى الثلثة‪ ،‬أعني الشهوانية‪ ،‬والغضبية‪ ،‬والوهمية‪،‬‬
‫فقوله‪ :‬فل رفث‪ ،‬إشارة إلى قهر القوة الشهوانية‪ ،‬وقوله‪ :‬ول فسوق‪ ،‬إشارة‬
‫إلى القوة الغضبية التي توجب التمرد والغضب‪ ،‬وقوله‪ :‬ول جدال‪ ،‬إشارة إلى‬
‫قهر القوة الوهمية التي تحمل النسان على جدال في ذات الله‪ ،‬وصفاته‬
‫وأفعاله‪ ،‬وأحكامه وأسمائه‪ ،‬وهي باعثة للنسان على منازعة الناس‬
‫ومماراتهم‪ ،‬والمخاصمة في كل شيء‪ ،‬فلما كان منشأ الشر محصورا ً في‬
‫هذه المور الثلثة‪ ،‬ل جرم‪ ،‬قال تعالى‪ :‬فل رفث ول فسوق ول جدال في‬
‫الحج‪ ،‬أي فمن قصد معرفة الله ومحبته والطلع على نور جلله‪ ،‬والنخراط‬
‫في سلك الخواص من عباده‪ ،‬فل يكون في هذه المور‪ ،‬وهذه أسرار نفيسة‬
‫هي المقصد القصى من هذه اليات‪ ،‬فل ينبغي أن يكون العاقل غافل ً عنها‪،‬‬
‫ومن الله التوفيق في كل المور")‪.(3‬‬
‫الحج‪ ..‬تجرد وتزود‬
‫وقوله تعالى‪ :‬فل رفث ول فسوق ول جدال في الحج‪ ،‬أي ل يفعل الحاج شيئا ً‬
‫من هذه الفعال لنه مقبل على الله قاصد لرضاه‪ ،‬فينبغي أن يتجرد من‬
‫عاداته وعن التمتع بنعيم الدنيا‪ ،‬وينسلخ عن مفاخره ومميزاته عن غيره‬
‫بحيث يتساوى الغني والفقير‪ ،‬والصعلوك والمير‪ ،‬وفي هذا تهذيب للنفس‬
‫وشعار لها بالعبودية لله تعالى‪ ،‬وقد جاء في حديث الرسول ص‪ ،‬عن أبي‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هريرة أنه قال‪" :‬من حج ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته‬
‫أمه")‪ ،(4‬وما تفعلوا من خير يعلمه الله‪ .‬وقال الشيخ مصطفى المراغي‪ :‬أي‬
‫ل ترفثوا ول تفسقوا ول تجادلوا‪ ،‬لتصفو نفوسكم وتتخلى من الرذائل‪،‬‬
‫وتتحلى بالفضائل‪ ،‬وتكون أكثر استعدادا ً لعمل الخير‪ ،‬وأطوع لمتثال أوامر‬
‫الشرع‪ ،‬إن الله يعلم ما تفعلون ‪) 91‬النحل(‪ ،‬فيجازيكم بأعمالكم ويثيبكم‬
‫على أفعالكم")‪.(5‬‬
‫وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"‪ ،‬أي اتخذوا التقوى زادكم لمعادكم‪ ،‬فإنها خير‬
‫الزاد واتقون يا أولي اللباب‪ ،‬أي وأخلصوا لي يا أهل العقول والفهام‪ ،‬بأداء‬
‫ما أوجبته عليكم من الفرائض‪ ،‬واجتناب ما حرمته عليكم‪.‬‬
‫"ثم يدعوهم إلى التزود في رحلة الحج‪ ...‬زاد الجسد وزاد الروح وتزودوا فإن‬
‫خير الزاد التقوى‪ ،‬والتقوى زاد القلوب والرواح‪ ،‬منه تقتات وبه تقوى وترف‬
‫وتشرق‪ ،‬وعليه تستند في الوصول والنجاة‪ ،‬زاد أولي اللباب")‪.(6‬‬
‫مساواة‬
‫كانت قريش في الجاهلية تسمى نفسها "الحمس" بمعنى أحمس‪ ،‬ويتخذون‬
‫لنفسهم امتيازات تفرقهم عن سائر العرب‪ ،‬ومن هذه المتيازات أنهم ل‬
‫يقفون مع سائر الناس في عرفات‪ ،‬ول يفيضون أي يرجعون من حيث يفيض‬
‫الناس‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فجاءهم هذا المر ليدلهم إلى المساواة التي أرادها السلم وإلى الندماج‬
‫الذي يلغي هذه الفوارق المصطنعة بين الناس‪ :‬ثم أفيضوا من حيث أفاض‬
‫الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ‪) 199‬البقرة(‪ ،‬عن عائشة قالت‪:‬‬
‫"كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة‪ ،‬وكانوا يسمون الحمس‪،‬‬
‫وسائر العرب يقفون بعرفات‪ .‬فلما جاء السلم أمر الله نبيه ص أن يأتي‬
‫عرفات‪ ،‬ثم يقف بها‪ ،‬ثم يفيض منها‪ :‬فذلك قوله‪ :‬من حيث أفاض الناس)‪،(7‬‬
‫"قفوا معهم حيث وقفوا‪ ،‬وانصرفوا معهم حيث انصرفوا‪ ..‬إن السلم ل‬
‫يعرف نسبًا‪ ،‬ول يعرف طبقة‪ .‬إن الناس كلهم أمة واحدة‪ ،‬سواسية كأسنان‬
‫المشط‪ ،‬ل فضل لحد على أحد إل بالتقوى‪ ،‬ولقد كلفهم السلم أن يتجردوا‬
‫في الحج من كل ما يميزهم من الثياب‪ ،‬ليلتقوا في بيت الله إخوانا ً‬
‫متساووين‪ ،‬فل يتجردوا من الثياب ليتخايلوا بالنسان‪ ...‬ودعوا عنكم عصبية‬
‫الجاهلية‪ ،‬وادخلوا في صبغة السلم‪ ..‬واستغفروا الله‪ ..‬استغفروه من تلك‬
‫النعرة الجاهلية‪ ،‬استغفروه من كل ما مس الحج من مخالفات ولو يسيرة‬
‫هجست في النفس‪ ،‬أو نطق بها اللسان‪ ،‬مما نهى عنه من الرفث والفسوق‬
‫والجدال‪ ،‬وهكذا يقيم السلم سلوك المسلمين في الحج‪ ،‬على أساس من‬
‫التصور الذي هدى البشرية إليه‪ ،‬أساس المساواة‪ ،‬وأساس المة الواحدة‬
‫التي ل تفرقها طبقة ول يفرقها جنس‪ ،‬ول تفرقها لغة‪ ،‬ول تفرقها سمة من‬
‫سمات الرض جميعًا‪ ...‬هكذا يردهم إلى استغفار الله من كل ما يخالف عن‬
‫هذا التصور النظيف الرفيع‪ ،‬فشعائر الحج تؤثر في مشاعر الحاج وسلوكه‬
‫أيما تأثير‪ ،‬فترق نفسه‪ ،‬وتسمو أحاسيسه‪ ،‬وتعمل دواعي اليمان في قلبه‬
‫وتسوقه نحو الفضائل‪ ،‬وينشط سائق الهدى في أعماقه فيبعده عن الرذائل‬
‫ويكون موصول السبب برقابة الله عليه في غالب أحواله")‪.(8‬‬
‫وحدة المشاعر‬
‫ثم إن هذا التعارف في الماكن المقدسة يدعو إلى اللفة والتحابب وانجذاب‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القلوب بعضها إلى بعض وشعور المسلم بلزوم التكاتف مع أخيه المسلم‪.‬‬
‫وهذا الشعور يكون بمثابة صلة معنوية تربط قلوب جميع المسلمين أينما‬
‫صرين يكتب عن مدى‬ ‫كانوا على وجه هذه البسيطة‪ ،‬لذلك نرى أن أحد المن ّ‬
‫تأثير التنصير في البلد السلمية ل سيما في مصر ويقول‪" :‬سيظل السلم‬
‫صخرة عاتية تتحطم عليها سفن التبشير المسيحي‪ ،‬مادام للسلم هذه‬
‫الدعائم الربع‪ :‬القرآن والزهر واجتماع الجمعة السبوعي‪ ،‬ومؤتمر الحج‬
‫السنوي")‪.(9‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فإن سائر أفعال الحج وأقواله تعتبر تربية روحية عملية‪ ،‬وتعريفا ً‬
‫للنسان بقدر نفسه‪ ،‬وحقيقة مركزه في الحياة‪ ،‬والغاية التي من أجلها خلق‪،‬‬
‫وبالتالي تموت فيه دوافع الغرور والكبرياء‪ ،‬وأخيرا ً إن في الحج تعويدا ً‬
‫قل معناه أم‪.‬‬‫للمسلم على امتثال أمر الله تعالى‪ ،‬سواء ع ِ‬
‫"ومن حكمة الحج أن يصير للمسلمين فرصة طيبة معلومة المكان والزمان‬
‫للجتماع والتشاور فيما بينهم وفيما يهمهم‪ ،‬والوصول إلى الصواب فيما‬
‫يتشاورون فيه ومن أجله‪ ،‬لنهم يفعلون ذلك وهم في عبادة وفي مكان‬
‫طاهر‪ ،‬نفوسهم متفتحة بمعاني اليمان‪ ،‬وقد غسلت من أدرانها بأفعال الحج‬
‫والعمرة")‪.(10‬‬
‫‪ ..‬وفوائد اقتصادية‬
‫والحج له فوائد اقتصادية وتجارية‪ ،‬وهو أن مكة المكرمة والمدينة المنورة من‬
‫الماكن التي يقصدها الحجاج أو يمرون بها‪ ،‬فتصبح أسواقا ً في موسم الحج‪،‬‬
‫وأماكن للبيع والشراء بين الحجاج‪ ،‬وبين سكان هذه البلدان‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ليشهدوا منافع لهم ويذكروا \سم الله في أيام معلومات على" ما رزقهم من‬
‫بهيمة النعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ‪) 28‬الحج(‪ ،‬قال ابن عاشور‪:‬‬
‫صل كل واحد ما فيه‬ ‫صلوا منافع لهم أو يح ّ‬‫"ليحضروا منافع لهم‪ ،‬أي يح ّ‬
‫منفعة‪ ،‬وأهم المنافع ما وعدهم الله على لسان إبراهيم عليه السلم من‬
‫الثواب‪ ،‬فكنى بشهود المنافع عن نيلها‪ ،‬ول يعرف ما وعدهم الله على ذلك‬
‫بالتعيين‪ ،‬وأعظم ذلك اجتماع أهل التوحيد في صعيد واحد ليتلقى بعضهم عن‬
‫بعض‪ ،‬ما به كمال إيمانه‪ ،‬وتنكير "منافع" للتعظيم المراد منه الكثرة‪ ،‬وهي‬
‫المصالح الدينية والدنيوية‪ ،‬لن في مجمع الحج فوائد جمة للناس‪.(11).‬‬
‫وجاء في التيسير‪" :‬قوله تعالى‪ :‬ليشهدوا منافع لهم وردت كلمة منافع نكرة‬
‫بدون تعريف‪ ،‬إشارة إلى مختلف المنافع الدينية والدنيوية المختصة بهذه‬
‫العبادة‪ ،‬مما ل يوجد نظيره في بقية العبادات‪(12).‬‬
‫وقال ابن العربي القاضي المالكي المام الحافظ في تفسير قوله تعالى‪:‬‬
‫ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضل من ربكم )البقرة‪ ،(198:‬قال علماؤنا‪ :‬في‬
‫هذا دليل على جواز التجارة في الحج للحاج مع أداء العبادة‪ ،‬وأن القصد إلى‬
‫ذلك ل يكون شركًا‪ ،‬ول يخرج به المكلف عن رسم الخلص المفترض عليه")‬
‫‪.(14‬‬
‫وكذلك فإن في الحج السير في الرض ورؤية عظمة الله في خلقه وملكوته‪،‬‬
‫وفيه التعارف والتعاون مع الناس والطلع على أوضاعهم الجتماعية وتبادل‬
‫الثقافات وغيرها من المنافع‪.‬‬
‫الهوامش‬
‫)‪ (1‬وحيد الدين خان حقيقة الحج‪ ،‬تعريب ظفر السلم خان‪ ،‬الطبعة الولى‪،‬‬
‫دار الصحوة للنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪.15‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (2‬تفسير أبي السعود‪ ،‬الطبعة الولى‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫لبنان م ‪ ،1‬ص ‪.207‬‬
‫)‪ (3‬الرازي‪ ،‬التفسير الكبير‪ ،‬مجلد ‪ ،3‬ص ‪.142‬‬
‫)‪ (4‬البخاري‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب‪ :‬فضل الحج المبرور‪ ،‬رقم )‪.(1521‬‬
‫)‪ (5‬أحمد مصطفى المراغي‪ ،‬تفسير المراغي‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬المجلد الول‪،‬‬
‫ص ‪.101 ،100‬‬
‫)‪ (6‬سيد قطب‪ ،‬في ظلل القرآن‪ ،‬المجلد الول‪ ،‬ص ‪.197‬‬
‫)‪ (7‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب التفسير باب‪ :‬ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس‪،‬‬
‫رقم )‪.(4520‬‬
‫)‪ (8‬سيد قطب‪ ،‬في ظلل القرآن‪ ،‬المجلد الول‪ ،‬ص ‪.200‬‬
‫)‪ (9‬الدكتور يوسف القرضاوي‪ ،‬العبادة في السلم‪ ،‬ص ‪.294‬‬
‫)‪ (10‬الدكتور عبدالكريم زيدان‪ ،‬المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم‬
‫في الشريعة السلمية‪ ،‬الطبعة الولى‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬المجلد‬
‫الثالث‪ ،‬ص ‪.153 ،152‬‬
‫‪ ،11‬ابن عاشور‪ ،‬تفسير التحرير والتنوير‪ ،‬مجلد ‪ ،8‬ج ‪ ،16‬ص ‪.246 ،245‬‬
‫)‪ (12‬الشيخ محمد المكي الناصري‪ ،‬التيسير في أحاديث التفسير‪ ،‬المجلد‬
‫الرابع‪ ،‬ص ‪.173‬‬
‫)‪ (13‬وقد جاء في سبب نزول هذه الية عن ابن عباس قال‪ :‬كانت عكاظ‬
‫ومجنة وذو المجاز أسواقا ً في الجاهلية فتأثموا أن يتجروا في الموسم‪.‬‬
‫فنزلت‪" :‬ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضل ً من ربكم"‪ .‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب‬
‫التفسير‪.1770 ،‬‬
‫)‪ (14‬ابن العربي‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬تحقيق علي محمد البجاوي‪ ،‬دار الفكر‬
‫العربي‪ ،‬المجلد الول‪ ،‬ص ‪.136‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ل َْهفي على بغداد ‪1‬‬


‫بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي‬
‫قَد كنت يا بغداد جن َ ُ‬
‫مةٍ‬ ‫ةأ ّ‬ ‫ُ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫عّز مكا ِ‬ ‫ح أفئدةٍ و ِ‬ ‫وَروا َ‬
‫ة الـ‬ ‫ُ‬
‫ت دارا للسلم وقب ّ َ‬ ‫ً‬ ‫رف ِ‬ ‫فُعُ ِ‬
‫ن‬
‫إسلم ِ داَر خلفةٍ وأما ِ‬
‫ت الرافد َْيـ‬ ‫جمعْ ِ‬ ‫يا غُّرة َ الدنيا ! َ‬
‫ف البداِع والتقان‬ ‫ن لطائ ِ َ‬ ‫ـ ِ‬
‫ة‬
‫دي ً‬‫ف الحياةِ ن ّ‬ ‫ن ط َُر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬‫وجمع ِ‬
‫ن‬‫ة الظمآ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫َتغَنى وت َْروي لهْ َ‬
‫س الهوى‬ ‫يا زهرةَ الدنيا وأنفا َ‬
‫ن‬
‫حنا ِ‬ ‫ق وخفقَ َ‬ ‫ف أشوا ٍ‬ ‫ورفي َ‬
‫ت‬
‫ح ْ‬
‫مك في الحياةِ وفوّ َ‬ ‫ت علو ُ‬ ‫َزهر ْ‬
‫ن‬ ‫ة الرْيحا ِ‬ ‫عط َْر الورودِ ونفح َ‬ ‫ِ‬
‫ة‬‫م ً‬
‫ت ِإلى البرّية أ ّ‬ ‫فلكم د َفَعْ ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫من عبقريّ العِلم والفنا ِ‬‫ْ‬
‫ت مناِئرا ً‬ ‫ن رفَعْ ِ‬ ‫ميدا ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫في ك ّ‬
‫ن‬‫ت من ُبنيا ِ‬ ‫َ‬
‫ومنابرا ورفعْ ِ‬ ‫ً‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت من‬
‫خض ِ‬ ‫لو ُ‬ ‫ت من الضل ِ‬ ‫ولكم َقصم ِ‬
‫ن‬
‫حدثا ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫جٍج وأهوا ٍ‬ ‫لُ َ‬
‫ل فوقَ أرضك من هوى‬ ‫مهما ت َب َد ّ َ‬
‫ن‬ ‫دك عروةَ اليما ِ‬ ‫ل عه ُ‬ ‫سيظ ّ‬
‫ة‬ ‫ُ‬ ‫داٌر مجّلل ٌ‬
‫م ٍ‬
‫ة ِبعّزةِ أ ّ‬
‫ن‬‫كم زانها التاريخ من تيجا ِ‬
‫ة‬ ‫ُ‬ ‫تاري ُ‬
‫م ٍ‬ ‫خ إسلم ٍ وثروَةُ أ ّ‬
‫ن‬
‫أو زهوُ آمال وعّز كيا ِ‬
‫***‬
‫***‬
‫ك على بوارج كالقل‬ ‫ويحي ! أتو ِ‬
‫ن‬‫حمة اللت والّركبا ِ‬ ‫ع وَز ْ‬
‫م ! بالطائرا‬ ‫َزحفوا ِبدّباباِته ْ‬
‫ن‬‫جّباَرة الطْغيا ِ‬ ‫ّ‬ ‫ت ! بآل َةٍ َ‬ ‫ِ‬
‫ج من الـ‬ ‫زحفوا عليك كأنهم مو ٌ‬
‫ن‬
‫إعصارِ والظلم والطوفا ِ‬
‫بالنار ! بالصاروخ ُيلقي فوقها‬
‫ن‬
‫ل الجحيم ودفقة الضغا ٍ‬ ‫هو َ‬
‫م‬‫حهِ ْ‬ ‫ورموك بالّلهب المد َّوي ! وي َ‬
‫ن‬ ‫ق مجنونةٍ وُدخا ِ‬ ‫ع ٍ‬ ‫صوا ِ‬ ‫وَ َ‬
‫سماُء لهيَبها‬ ‫فكأَنما ترمي ال ّ‬
‫ن‬ ‫والرض تطلق غضبة الُبركا ِ‬
‫شديد قواصفا ً‬ ‫قد ال ّ‬ ‫وتدّفق الح ْ‬
‫َ‬
‫ن أعوان‬ ‫م ْ‬ ‫مو ِ‬ ‫منه ْ‬ ‫وعواصفا ً ِ‬
‫ح بين لهيبها‬ ‫ي را َ‬ ‫كم من صب ّ‬
‫ن‬‫ت على أحزا ِ‬ ‫وصبّية ط ُوِي ِ ْ‬
‫تتناثر الشلء من أطفالها‬
‫ن‬ ‫ومن الشيوخ وطلعةِ الفتيا ِ‬
‫ة‬
‫هواد َ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ت دو َ‬ ‫ل الغارا ُ‬ ‫تتواص ُ‬
‫ن‬‫ت و الُبنيا ِ‬ ‫قصفا ً على الساحا ِ‬
‫ول دوّيها‬ ‫تهوي الَعمائر بين هَ ْ‬
‫ن‬‫خا ِ‬ ‫جحيمها ود ُ َ‬ ‫ولهيبها و َ‬
‫ب أهوال الصواريخ التي‬ ‫تنص ّ‬
‫ن‬‫كثبا ِ‬ ‫ت على الساحات وال ُ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ُ‬
‫سود ّ بسود ِ ِفعالهم‬ ‫ُ ُ ْ‬ ‫م‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫فال‬
‫ن‬
‫ِ‬ ‫دها‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫بلو‬ ‫ل‬
‫ٍ‬ ‫خج‬ ‫َ‬ ‫والفْقُ من‬
‫ُ‬
‫مهم وبان ضللهم‬ ‫مزاع ُ‬ ‫شفت َ‬ ‫كُ ِ‬
‫ن‬‫ساد الّزور والب ُْهتا ِ‬ ‫وبدا فَ َ‬
‫***‬
‫***‬
‫ق‬
‫لْهفي على ب َْغداد َ وهي حرائ ٌ‬
‫ن‬ ‫ل في ُرَبا بغدا ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫شتى َتوا َ‬
‫سوى‬ ‫ً‬
‫ت فل َترى أبدا ِ‬ ‫فإذا ن َظ َْر َ‬
‫ن‬ ‫ظى واقتحام ِ ُدخا ِ‬ ‫ب ت َل َ ّ‬ ‫ل َهَ ً‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حاِتها‬ ‫سا َ‬ ‫ق في َ‬ ‫فكأّنه لم ي َ ُب ْ ِ‬


‫ن‬ ‫َبشرا ً ول أَثرا إلى ب ُْنيا ِ‬ ‫ً‬
‫مون بأّنهم‬ ‫م الطغاةُ المجْر ُ‬ ‫زع َ‬
‫ن‬‫ِ‬ ‫الحسا‬ ‫زع‬ ‫ِ‬ ‫نوا‬ ‫ك‬
‫ْ ِ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ملوا‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫م!‬ ‫ْ َ ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫يا‬ ‫!‬ ‫ً‬ ‫ة‬ ‫ونداو‬ ‫ية‬ ‫ُ ّ ّ‬ ‫ر‬ ‫ح‬
‫ن‬
‫ِ‬ ‫النيرا‬ ‫ع‬
‫ِ َ‬ ‫ج‬ ‫فوا‬ ‫َ‬ ‫ك‬‫ِ ِ‬ ‫إلي‬ ‫ملوا‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫لفناَء ! ت ِلـْ‬ ‫ِ‬ ‫وا‬ ‫ر‬‫ْ َ‬ ‫دمي‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫وال‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫والمو‬
‫ن‬ ‫ِ‬ ‫بهتا‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫الطغيا‬ ‫ة‬
‫ُ‬ ‫ريع‬ ‫ش ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ـ َ‬
‫ة‬
‫م ٍ‬ ‫ورة َ ن َهْ َ‬ ‫م وف ْ‬ ‫مَعه ْ‬ ‫مطا ِ‬ ‫ملوا َ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ف وب ََيا ِ‬ ‫خُر ٍ‬ ‫فوَنها في ُز ْ‬ ‫ُيخ ُ‬
‫ك والذين أَتوك في‬ ‫َ‬
‫حد َ ِ‬ ‫تو ْ‬ ‫وبقي ِ‬
‫ي الحاني‬ ‫دق الوف ّ‬ ‫ص ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫مد َدٍ ِ‬ ‫َ‬
‫مر النفاق وأدبروا‬ ‫تز ُ‬ ‫ثم انطو ْ‬
‫زمرا ً من الذؤبان والجرذا ِ‬
‫ن‬
‫***‬
‫***‬
‫ل سنيه من‬ ‫ك!ك ّ‬ ‫علي َ‬ ‫ِ َ ُ َ‬ ‫ر‬ ‫صا‬ ‫ح‬ ‫ال‬ ‫طال‬
‫ن‬
‫شد ّةِ الطغيا ِ‬ ‫طغاةِ و ِ‬ ‫ظلم ال ّ‬ ‫ُ‬
‫حصارهم‬ ‫ك ب َْعد طول ِ‬ ‫صبر َ‬ ‫عجبا ً ل ِ َ‬
‫ن‬
‫عراقُ " وقسوةِ الحرما ِ‬ ‫ك يا " ِ‬ ‫ل َ‬
‫عـ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫ة في الْر ِ‬ ‫صاب َ ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫ن ِ‬ ‫المجرمو َ‬
‫ن‬
‫حيوا ِ‬ ‫ـتى من وحوش الغاب وال َ‬
‫ت في‬ ‫ك وضّيقوا ! فصبر َ‬ ‫دوا !علي َ‬ ‫ش ّ‬
‫ن‬‫ن ً شا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل وعّزةٍ ِ‬ ‫ل ُيط ّ‬ ‫أم ٍ‬
‫ن من أطفاِلهـ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مهات ي ََري ْ َ‬ ‫فال ّ‬
‫ن‬ ‫حشاِء والبدا ِ‬ ‫ن تأّوه ال ْ‬ ‫ـ ّ‬
‫ديد !فل َدوا‬ ‫ش ِ‬ ‫ض ال ّ‬ ‫ن المر ِ‬ ‫م َ‬ ‫صْرعى ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫دوا ِ‬ ‫ة العُ ْ‬ ‫َء ول ِغذاَء ! ضحي ّ ُ‬
‫هذي المليين التي سقطت ضحا‬
‫ن‬ ‫لحصار والُبهتا ِ‬ ‫َيا الظلم ِ وا ِ‬
‫***‬
‫***‬
‫شديـ‬ ‫ق" على َ‬ ‫عرا ُ‬ ‫ك يا " ِ‬ ‫عجبا ً ِلصب ْرِ َ‬
‫ن‬
‫جع الخذل ِ‬ ‫م وفوا ِ‬ ‫صارِهِ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ـد ِ ِ‬
‫جرا‬ ‫من ال ِ‬ ‫حصارِ ‪ِ ،‬‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫أّنى نهض َ‬
‫ن ؟!‬ ‫مارِ ‪ ،‬وهجمة الكفرا ِ‬ ‫ن الد ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ح‪ِ ،‬‬
‫ظّنوا بأنك بالحصار لسوف تر‬
‫ن‬‫ل للذعا ِ‬ ‫م وتمي ُ‬ ‫كع دون َهُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ت لم ت َْرك َعْ ! فظّنوا أنه‬ ‫وصبر َ‬
‫ن‬
‫عوا ِ‬ ‫ب عليك َ‬ ‫ل ب ُد ّ من حر ٍ‬
‫ل رجائهم !‬ ‫بك ّ‬ ‫صاُر ! وخا َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫فش َ‬
‫ن‬‫ب ! على غليا ِ‬ ‫ض ٍ‬ ‫هّبوا على غ َ‬
‫ف مرابٍع‬ ‫كبرى ! وقص ِ‬ ‫لجريمة ُ‬
‫بالنار ‪ ،‬بالصاروخ ‪ ،‬بالطيران‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل حقـ‬ ‫دمار ‪ ،‬وك ّ‬ ‫وبكل آلت ال ّ‬


‫ن‬‫صدور ونزوة المعا ِ‬ ‫ـقد ٍ في ال ّ‬
‫مد َّويا ً‬ ‫ت من بين الحصار ُ‬ ‫فنهض َ‬
‫ن‬‫ِ‬ ‫الميدا‬ ‫في‬ ‫تجول‬ ‫ّ‬ ‫د‬ ‫أش‬ ‫عزما ً‬
‫***‬
‫***‬
‫حالنا‬‫ُ‬ ‫" بغداد ُ " ! و أسفاه ! هذا َ‬
‫ن ُتراهُ الجاني ؟!‬ ‫ت ! َفم ْ‬ ‫ما ابُتلي ِ‬ ‫ل ّ‬
‫دعي‬ ‫لي ّ‬ ‫م ! وك ّ‬ ‫ضاعت معاِلمهُ ْ‬
‫ن‬
‫ف البطولةِ أو ي َد َ الحسا ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫ن الَعدالةِ واختف ْ‬ ‫ت موازي ُ‬ ‫ضاعَ ْ‬
‫ن‬
‫َويحي ! فأين عدالة الميزا ِ‬
‫ن ِدياِرها‬ ‫داد " ب َي ْ َ‬ ‫على " ب َغْ َ‬ ‫ل َْهفي َ‬
‫ن‬‫ى ودخا ِ‬ ‫جُر في لظ ً‬ ‫م تف ّ‬ ‫م ٌ‬‫ح َ‬
‫***‬
‫***‬
‫ستسلمي وت َوَّقدي‬ ‫َ ْ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫بغداد‬
‫ن‬ ‫فرسا ِ‬ ‫ة ال ُ‬ ‫ل الَعزيمةِ ! وثب َ‬ ‫شعَ َ‬ ‫ُ‬
‫ب على الِعدى‬ ‫ص ّ‬ ‫وتوّقدي ل ََهبا ً ي َ ُ‬
‫ن‬ ‫ة البركا ِ‬ ‫م الجحيم وغضب َ‬ ‫م َ‬‫ح َ‬ ‫ُ‬
‫ل تيأسي بغداد ُ ِإن طال المدى‬
‫ن‬
‫فالنصر عزمة صابرٍ طّعا ِ‬
‫دها‬ ‫عن ْ َ‬ ‫جلى ِ‬ ‫ت لي ُ ْ‬ ‫جول ٌ‬ ‫ب َ‬ ‫والحر ُ‬
‫ن‬‫ف العَُهود وعروة اليما ِ‬ ‫شر ُ‬ ‫َ‬
‫جُنودهم‬ ‫ت ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َفثبي وَ َ‬
‫ح ْ‬ ‫ض تَ ْ‬ ‫خلي الْر َ‬
‫َوعتاِدهم وْقدا من النيرا ُ‬
‫ن‬ ‫ً‬
‫جبا‬ ‫َ‬
‫ف ال ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ومن الزحوف كأّنها َز ْ‬
‫ف الكثبان‬ ‫م وعواص ُ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ُ‬ ‫ِ‬
‫دهم‬ ‫حق ِ‬ ‫ف ترمي بوارج ِ‬ ‫وقواص ٌ‬
‫ن‬‫ِ‬ ‫أركا‬ ‫ومن‬ ‫وتهّز من ُ ُ ٍ‬
‫د‬ ‫م‬ ‫ع‬
‫ل َوفاءها‬ ‫ج ّ‬ ‫َ‬ ‫تلك البطول َ ُ‬
‫ة ! ما أ َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن‬‫من كل وثاب على الميدا ِ‬


‫***‬
‫***‬
‫ة‬
‫بغداد ! حبل الله أوثق عزم ٍ‬
‫ن‬
‫سكي ! لهفي على بغدا ِ‬ ‫فتم ّ‬
‫صُرك آية‬ ‫عرا اليمان ! ن َ ْ‬ ‫دي ُ‬ ‫ش ّ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫ت بالحسا ِ‬ ‫لله ِإن أوفَي ْ ِ‬
‫ن آفاِقنا‬‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫شرى ت َظ َ ّ‬
‫ل ت ُط ِ ّ‬ ‫بُ ْ‬
‫ن‬‫ة الزما ِ‬ ‫ب وفْرح َ‬ ‫قلو ِ‬ ‫م َ‬
‫ل ال ُ‬ ‫أ َ‬
‫***‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫***‬
‫الرياض‬
‫‪28/1/1424‬هـ‬
‫‪31/3/2003‬م ‪... ... ...‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ل َْهفي على بغداد‬


‫بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي‬
‫ُ‬
‫متي !‬ ‫سرةٌ يا أ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫كو َ‬ ‫ل َْهفي علي ِ‬
‫ن )‪(1‬‬ ‫ت ب َْين الّتيه والّنسيا ِ‬ ‫قَد ْ ِغب ْ ِ‬
‫سوى‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ت! ل ألقى ِ‬ ‫سرا ُ‬ ‫دني الح َ‬ ‫وتش ّ‬
‫ن‬‫خنوِع هوا ِ‬ ‫ص المذلةِ أو ُ‬ ‫ّ‬ ‫غُ َ‬
‫ص ِ‬
‫ق ! إلى‬ ‫دني الذكرى إلى عب ٍ‬ ‫وتش ّ‬
‫ن!‬ ‫ق يموج وعّزةِ السلطا ِ‬ ‫ْ‬
‫أل ٍ‬
‫ه‬
‫ف وحب ْل ِ ِ‬ ‫عرا ً من الدين الحني ِ‬ ‫و ُ‬
‫ن‬ ‫وحيدِ و اليما ِ‬ ‫وعََزائ ِم ِ الت ّ ْ‬
‫ى‬ ‫هد‬
‫َ َ ْ ُ ً‬ ‫ت‬ ‫ه‬ ‫ز‬ ‫و‬ ‫بها‬ ‫عزائمنا‬ ‫ت‬ ‫َفنم ْ‬
‫ن‬‫ق بيا ِ‬ ‫صد ْ ِ‬ ‫قو ِ‬ ‫ل في ح ٍ‬ ‫ل َِتصو َ‬
‫ة‬
‫سال ً‬ ‫ن رِ َ‬ ‫مبي َ‬ ‫ولتنشَر الهَد ْيَ ال ُ‬
‫ن‬‫مَعا ِ‬ ‫ةل ُ‬ ‫للعالمين ورحم ً‬
‫ت‬
‫ض الجزيرة فالتق ْ‬ ‫هجت أَر ُ‬ ‫وت َوَ ّ‬
‫ن‬‫ل الشعوب على هدى القرآ ِ‬ ‫ك ّ‬
‫ص وموِثقا شد ّ الُعرا‬ ‫ً‬ ‫فا ي َُر ّ‬ ‫ً‬ ‫ص ّ‬
‫ن‬
‫ص قواعد َ البنيا ِ‬ ‫شد ّا ور ّ‬ ‫ً‬
‫ت‬‫ي وأقبل ْ‬ ‫صين القص ّ‬ ‫ت ِإلى ال ّ‬ ‫فمض ْ‬
‫ُنورا ً تدّفق في ُربا الَبلقا ِ‬
‫ن‬
‫ة‬
‫م ً‬ ‫ك الجحاف ُ ُ‬ ‫وتدافعت تل َ‬
‫لأ ّ‬ ‫ِ‬
‫ن‬‫ششا ِ‬ ‫س ودارِ ِ‬ ‫دل ٍ‬ ‫تمضي ل َن ْ َ‬
‫ت‬‫ض حتى أشرق ْ‬ ‫ت ِبقاعُ الر ِ‬ ‫ُزوِي َ ْ‬
‫ن‬
‫ِ‬ ‫الركا‬ ‫د‬
‫ّ َ‬ ‫ي‬ ‫مش‬ ‫ر‬‫مْلكا ً ّ‬
‫أب‬ ‫ُ‬
‫***‬
‫***‬
‫ة‬‫ت بعد ذلك عَْزم ٌ‬ ‫خ ْ‬ ‫حتى ترا َ‬
‫ن‬ ‫ق فا ِ‬ ‫ت إلى ُدنيا وشو ٍ‬ ‫ف ْ‬ ‫وَهَ َ‬
‫ة‬
‫تشقى بُزخرفِهِ وزينةِ ِفتن َ ٍ‬
‫ن‬
‫ب وأما ِ‬ ‫ت ُْغوي ولهوٍ كاذ ٍ‬
‫ت‬‫ب وقُطعَ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ت تلك القلو ُ‬ ‫فتفّرقَ ْ‬
‫ن‬‫ل هوىً وذلة شأ ِ‬ ‫ّ‬ ‫حبا ُ‬ ‫ِتلك ال ِ‬
‫قق سورها‬ ‫ش ّ‬ ‫ت ث ُغٌَر و ُ‬ ‫وتفّتح ْ‬
‫ن‬‫جا ِ‬ ‫ل مراوٍغ أو َ‬ ‫ث َُلما ً لك ّ‬
‫ت حولنا‬ ‫مبي ّ ُ‬ ‫وَتفّتح المكُر ال ُ‬
‫ن‬‫نهجا ً يمد ّ حبائل الشيطا ِ‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خرفة ل ِت َْغـ‬ ‫فتسّللوا ِفتنا مز َ‬


‫ن‬
‫ة النسا ِ‬ ‫ضلل َ‬ ‫ب َ‬ ‫س في القلو ِ‬ ‫ـُر َ‬
‫َ‬
‫ة َتدوُر بها فت َْنـ‬ ‫مَروّعَ ً‬ ‫فَِتنا ً ُ‬
‫ن‬‫ـخُر في نفوس الشيب والشّبا ِ‬
‫ت‬‫فل ّ ٍ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ما بين فك ْرٍ تائ ِهٍ ُ‬
‫ن‬ ‫س صارٍخ ظمآ ِ‬ ‫ب جن ٍ‬ ‫وَلهي ِ‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫خلعْ َ‬ ‫َ‬ ‫وا نساء المسلمين ‪ :‬ا ْ‬ ‫ود َعَ ْ‬
‫ن‬
‫ثوب الطهارةِ عن كريم البا ِ‬
‫ت‬ ‫ت حتى أحرق ْ‬ ‫شهوا ُ‬ ‫ت بنا ال ّ‬ ‫هاج ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫س ن َدِّية الغصا ِ‬ ‫طيب الِغرا ِ‬
‫ت‬‫دم ْ‬ ‫ت أبواُبنا ‪ ،‬وته ّ‬ ‫وَتفّتح ْ‬
‫ن‬‫أسواُرنا ‪ ،‬ومنافذ ُ الُبلدا ِ‬
‫ت بيَننا‬ ‫ة جهلُء عاد ْ‬ ‫عصبي ّ ٌ‬
‫ن‬ ‫ل وفي طغيا ِ‬ ‫ُ‬
‫هوجاَء في ظل ٍ‬
‫ت حدودا ً بيَننا وكأّنها‬ ‫ق ْ‬ ‫ش ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ن أبدا ِ‬ ‫حد ّ الشفار ي َشقّ م ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫***‬
‫***‬
‫منى‬ ‫ل ال ُ‬ ‫ود َُويل َةٍ قامت على ذ ّ‬
‫ن‬ ‫ت إلى قاٍع من القيعا ِ‬ ‫فََهو ْ‬
‫حياةِ ول ُقوى‬ ‫م فيها لل َ‬ ‫ل عْز َ‬
‫ن‬ ‫م با ِ‬ ‫تْبني وتدفعُ ! ل عزائ َ‬
‫ف فِْتنة‬ ‫ك ِْبر الُغرورِ على َزخار ِ‬
‫ن‬ ‫ت من الرياش والُبنيا ِ‬ ‫كذب ْ‬ ‫َ‬
‫م ت َعُد ْ‬ ‫م القضاء فل ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫حتى إذا ُ‬
‫دي القصور ول المتاعُ الفاني‬ ‫ج ِ‬ ‫تُ ْ‬
‫م‬‫ح ؟ ! فما َبنْته عزائ ِ ٌ‬ ‫أين السل ُ‬
‫ن‬‫ن أوطا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫صو ُ‬ ‫مى وت ُ‬ ‫ح َ‬ ‫تحمي ال ِ‬
‫ة‬
‫م ٍ‬ ‫مة ِ أ ّ‬ ‫حْر َ‬ ‫نو ُ‬ ‫ن دي ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫وتصو ُ‬
‫ن‬ ‫ََ ِ‬ ‫يا‬ ‫ب‬ ‫بخير‬ ‫الدنيا‬ ‫على‬ ‫ت‬‫ط َل َعَ ْ‬
‫ر‬
‫حرائ ٍ‬ ‫ض َ‬ ‫عر ِ‬ ‫فو ِ‬ ‫شَر ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫صو ُ‬ ‫وت َ ُ‬
‫ُ‬
‫ن‬ ‫جنا ِ‬ ‫مةٍ و ِ‬ ‫ت ! وث َْروَةِ أ ّ‬ ‫خ ْ‬ ‫صَر َ‬ ‫َ‬
‫أين الصواريخ التي ت ُْبنى وأْيـ‬
‫ن‬‫ت على إيما ِ‬ ‫ض ْ‬ ‫ة َنه َ‬ ‫ن صناع ٌ‬ ‫ـ َ‬
‫ة الـْ‬ ‫ي أم َ‬ ‫صد ّ من باٍغ ‪ ،‬وَتحم َ‬ ‫لت َ ُ‬
‫ن‬‫لنسا ِ‬ ‫عّزةَ ا ِ‬ ‫مستضعفين و ِ‬ ‫ـ ُ‬
‫م‬
‫مْعت ُ‬ ‫ج ّ‬ ‫مضت السنون ! فأين ما َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ِ‬ ‫حا‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ور‬ ‫ب‬‫ٍ‬ ‫ها‬
‫ّ‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫رز‬ ‫من‬
‫ن وفاؤه‬ ‫أي‬‫عَهد مع ِالرحمن ! َ‬
‫َ‬ ‫ْ ٌ‬
‫ن‬‫هدى الّرحم ِ‬ ‫ب على ُ‬ ‫َبذل ً يطي ُ‬
‫***‬
‫***‬
‫متي‬ ‫ُ‬
‫ك وحسرةٌ يا أ ّ‬ ‫علي ِ‬ ‫لهفي َ‬
‫ن‬‫ْ ِ‬ ‫حزا‬ ‫ال‬ ‫مجامع‬ ‫ر‬
‫ُ‬ ‫يثي‬ ‫ى‬‫وأس ً‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫معَ الُعروق وسكرةٌ‬ ‫ب َ‬ ‫خد ٌَر يص ّ‬ ‫َ‬


‫ن‬ ‫ة تائ ِهٍ حيرا ِ‬ ‫َ‬
‫ت وغفل ُ‬ ‫َ‬ ‫غلب َ ْ‬ ‫َ‬
‫ب كأّنها فرق من المـ‬ ‫فإذا الشعو ُ‬
‫ن‬
‫ِ‬ ‫والقطعا‬ ‫والنعام‬ ‫ت‬ ‫ــوا ِ‬
‫وإذا " فريقٌ " ذ ُّللوا فتذ َّللوا‬
‫ن‬ ‫ت و السلطا ِ‬ ‫لهوى من الرغبا ِ‬
‫وإذا " فريق " ! ويا لسوَءة حاِلهم‬
‫ن‬ ‫ن النفاق وبين ذّلة شأ ِ‬ ‫بي َ‬
‫عةِ رّبهم‬ ‫َ‬
‫وا ب ِطا ِ‬ ‫ض ْ‬ ‫م َ‬ ‫إل الذين َ‬
‫ن‬
‫ل ووثبة الحسا ِ‬ ‫عََرفوا السبي َ‬
‫م‬ ‫ض قبوره ْ‬ ‫م إل ريا ُ‬ ‫مه ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫ما َ‬
‫ن‬ ‫جا ِ‬ ‫ة الجلدِ والس ّ‬ ‫َ‬ ‫ض ُ‬ ‫أو قب َ‬
‫ت فما‬ ‫شل ْ‬ ‫َ‬ ‫أما " الجيوش " كأنها ُ‬
‫ن‬ ‫كتائ ِب ُُهم ِإلى الميدا ِ‬ ‫ت َ‬ ‫فر ْ‬ ‫نَ َ‬
‫شفارها‬ ‫ف فمن َيهّز ِ‬ ‫ما السيو ُ‬ ‫أ ّ‬
‫ن‬‫والناس في لهوٍ وفي أمعا ِ‬
‫ت‬‫ص ْ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫جهادِ وقُ ّ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ت ميادي ُ‬ ‫طوي َ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪(2‬‬ ‫حنا َوعل نداٌء ثا ِ‬ ‫أرما ُ‬
‫ن ولم ي َعُد ْ‬ ‫صو ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ت تلك ال ُ‬ ‫وتهدم ْ‬
‫ن‬ ‫خوارِ جبا ِ‬ ‫ي َْعلو هناك سوى ُ‬
‫ق‬ ‫قت على ا َ‬
‫ف ٍ‬ ‫ة مش ِ‬ ‫لحناِء صَيح ُ‬ ‫خن ِ َ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫ل وأغا ٍ‬ ‫وعل َدويّ محافِ ٍ‬
‫عل ِنداء " المجرمين " ! وكيدهم‬ ‫و َ‬
‫ن‬ ‫ل الليالي ‪ ،‬فتنة الطغيا ِ‬ ‫هو ُ‬
‫سا‬ ‫ض يُ َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫وإذا الذين بقلبهم َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫وهم فيهم رجاَء أما ِ‬ ‫خط ْ ُ‬ ‫رِع ُ َ‬
‫ن ! وما د ََرْوا‬ ‫ون دائرةَ الزما ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫يخ َ‬
‫ن‬ ‫ة الرحم ِ‬ ‫حماي َ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن الما َ‬ ‫أ ّ‬
‫وا في لهوهم‬ ‫ف ْ‬ ‫َ‬
‫و "المترفون"! وقد غ َ‬
‫ل العذاب الداني )‪(3‬‬ ‫سهم هَوْ ُ‬ ‫سيم ّ‬ ‫َ‬
‫ل أشـ‬ ‫ذاك العذاب وبعده هو ٌ‬
‫دالة الميزان‬ ‫سهم بع َ‬ ‫ـد ّ َيم ّ‬
‫ة‬
‫ن أمان ٌ‬ ‫َ‬
‫م ؟! وأي ْ َ‬ ‫ن هُ ُ‬ ‫غاُبوا فأي ْ َ‬
‫ن‬‫ف ولهوِ قيا ِ‬ ‫ت على تر ٍ‬ ‫ط ُوِي َ ْ‬
‫لرائك لم ي ََز ْ‬
‫ل‬ ‫المت ْرُفون على ا َ‬
‫ُ َ‬
‫ن‬ ‫ِ‬ ‫هوا‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫لمصار‬ ‫لهم‬ ‫لى‬ ‫م َ‬ ‫يُ ْ‬
‫ٍ‬
‫ل تمـ‬ ‫ي تظ ّ‬ ‫ن من الله العل ّ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫ضي في الخلئق آية الزما ِ‬
‫***‬
‫***‬
‫شواقنا‬ ‫ُ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ب الَهوى وَتناَثر ْ‬ ‫غل َ‬
‫ن‬ ‫كيا ِ‬ ‫ة وذل ِ‬ ‫ّ‬ ‫مشّتت ً‬ ‫سب ُل ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫من نحن ؟!ل ندرى !وما نرجو؟!وأ َ‬
‫َْ‬
‫ن ؟!‬ ‫ضي ٍّع مَتوا ِ‬ ‫مةٍ لم َ‬ ‫يّ مهِ ّ‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خهِ‬‫ف من الّرمادِ ونف ِ‬ ‫صْرنا أخ ّ‬ ‫ِ‬


‫ن‬
‫حمةِ القرا ِ‬ ‫شعوب وَز ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫َ‬
‫قينا بأيدينا ل ِت َْهـ‬ ‫َ‬
‫هُّنا وأل َ‬
‫ن‬ ‫طعا‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ء‬‫ندا‬ ‫ِ‬ ‫عن‬ ‫بنا‬‫ــلكة و ِ ْ‬
‫غ‬
‫***‬
‫***‬
‫ل ِدياِرنا‬ ‫ت عيني ! وك ُ ّ‬ ‫فت ْ‬ ‫وتل ّ‬
‫ن‬
‫دفقُ المجاِزر أو لظى النيرا ِ‬
‫صبا ً‬‫قتل ً وتدميرا ً ون َْهبا ً غا ِ‬
‫ن‬‫دوا ِ‬ ‫ن بالعُ ْ‬ ‫دوا ِ‬‫وتتاب ُعَ العُ ْ‬
‫ة‬
‫صع ٍ‬ ‫حمون على بقايا ق ْ‬ ‫يتزا َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن‬‫كتزاحم اللم و الحزا ِ‬


‫ي مجرم ٍ‬ ‫ت الدنيا تداع َ‬ ‫وتداعَ ِ‬
‫ن‬‫شٍع ووثب َةِ جا ِ‬ ‫ج َ‬ ‫نهِم ٍ على َ‬
‫أ َِلقل ّةٍ مّنا ؟! ونحن كما ترى‬
‫ن‬
‫غثاٌء فا ِ‬ ‫المليار في عدد ٍ ! ُ‬
‫ن بنا‬ ‫ت مهابتنا على وهَ ٍ‬ ‫ن ُزِعَ ْ‬
‫ن )‪(4‬‬ ‫ب الحياةِ وخشيةِ الميدا ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ُ‬
‫***‬
‫***‬
‫عنا ورجالنا‬ ‫عجبا ً ! ُتباعُ ربو ُ‬
‫ن‬‫وضمائ ٌِر ! وبأبخس الثما ِ‬
‫دل‬ ‫سطوا ال ّ‬ ‫م بَ َ‬ ‫فالمجرمون تراه ُ‬
‫ن‬ ‫وا ِ‬ ‫خ ّ‬ ‫ل مفتون الهوى َ‬ ‫َر لك ّ‬
‫ب‬ ‫دلر عصائ ٌ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫فتزاحمت حو َ‬
‫ن‬‫س وأما ِ‬ ‫م أنف ٌ‬ ‫ت لديه ْ‬ ‫هان ْ‬
‫ت لها‬ ‫َ‬ ‫عجبا ! وكل عصاب َةٍ َرفعَ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫ن‬
‫سرا ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫وءةَ ال ُ‬ ‫س ْ‬
‫ي َ‬ ‫ف َ‬ ‫سْترا ً لت ُ ْ‬
‫خ ِ‬ ‫ِ‬
‫ة‬
‫ٍ‬ ‫دعاو‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫وضجيجها‬ ‫بشعارها‬
‫ن‬
‫ِ‬ ‫لسا‬ ‫وطول‬ ‫ت على الدنيا‬ ‫كذب َ ْ‬
‫فانظر إلى " الموساد" كم من ساقط‬
‫ن‬ ‫جبا ِ‬ ‫نو َ‬ ‫سعى لها ! أو خائ ٍ‬ ‫يَ ْ‬
‫وانظر لمريكا ! وكم حشدت من الـْ‬
‫ن‬
‫جراِء والعوا ِ‬ ‫ملِء وال ُ ُ‬ ‫ـعُ َ‬
‫لنكليز ! كيف سمومهم‬ ‫وانظر إلى ا ِ‬
‫ن‬ ‫قة الشريا ِ‬ ‫سري مع الد ّم ِ دف َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ل ِدياِرنا‬ ‫وانظر لَغيرهم ِ ! َفك ّ‬
‫ن‬ ‫شطآ ِ‬ ‫ت وال ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫سا َ‬ ‫ة ال ّ‬ ‫مفتوح ُ‬
‫م‬‫مهِ ْ‬ ‫جبناء في أوها ِ‬ ‫ت ال ُ‬ ‫وتهاف َ‬
‫ن‬‫ت في النيرا ِ‬ ‫شَرا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫كتهاُفت ال َ‬
‫***‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫***‬
‫ت عيني ! وأهلي في الفلّبـ‬ ‫فت ْ‬ ‫وتل ّ‬
‫ن‬
‫م ِبهوا ِ‬ ‫ـين استبيح حماهُ ُ‬
‫ر‬
‫ٍ‬ ‫صاب‬ ‫صيحة‬ ‫وعلى ربا كشمير‬
‫ن‬
‫معا ِ‬ ‫ل وصب ْرِ ُ‬ ‫م ٍ‬ ‫ض على أ َ‬ ‫ما ٍ‬
‫وعلى ربا البوسنا وكوسوفا ترى‬
‫ن‬‫عوا ِ‬ ‫ة ال َ ْ‬ ‫كيد َ الجناة وضيع َ‬
‫ل كيف مصاُبهم‬ ‫وانظر ِإلى الصوما ِ‬
‫ن‬
‫ورؤى البلِء تدور في السودا ِ‬
‫ر‬
‫ب القصى ‪ ،‬وداُر جزائ ٍ‬ ‫والمغر ُ‬
‫ن‬‫ق قا ِ‬ ‫ت مجازُرها بدف ٍ‬ ‫جن ّ ْ‬ ‫ُ‬
‫والشام ! يا للشام ِ في أحزانها‬
‫ن‬ ‫ومرابع السلم ِ في ُلبنا ِ‬
‫ل ِإساره‬ ‫لهفي على القصى وطو ِ‬
‫ن‬‫داوةِ الّتحنا ِ‬ ‫وأنيِنه ون َ‬
‫ف‬
‫وضجيج أوهام ٍ وخفق زخار ٍ‬
‫وغياب نهج صادق العنوان‬
‫ة‬
‫حشي ّةٍ وإباد ٍ‬ ‫وجرائم ٍ و ْ‬
‫ن‬‫ل و الفتيا ِ‬ ‫ت من الطفا ِ‬ ‫حق ْ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫ومن النساء‪ ،‬من الشيوخ ‪،‬من الحقو‬
‫ن‬‫سةِ البستا ِ‬ ‫ل ‪ ،‬من الثمار ‪ ،‬وغر َ‬ ‫ِ‬
‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ف‬ ‫!‬ ‫ٍ‬ ‫ه‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫في‬ ‫الناس‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ك‬ ‫‪،‬‬ ‫ناس‬ ‫ّ‬ ‫وال‬
‫ن‬ ‫ميا ِ‬ ‫ن عُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ومن ُبكم ٍ و ِ‬ ‫ص ّ‬ ‫ُ‬
‫ة‬
‫ل جريم ٍ‬ ‫لهفي على الفغان ! ك ّ‬
‫ً‬
‫ن‬ ‫معَ الزما ِ‬ ‫فيها تشد ّ مسا ِ‬
‫م‬ ‫م ووفائه ْ‬ ‫ي َْرقى الّتقاةُ بصدقه ْ‬
‫ن‬ ‫جبا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫لك ّ‬ ‫ومع الخيانة ذ َ ّ‬
‫ة ومعاركٌ‬ ‫وبكل دارٍ فتن ٌ‬
‫ن‬ ‫خ البنيا ِ‬ ‫مُر شام َ‬ ‫تهوي ت ُد َ ّ‬
‫قصيـ‬ ‫ن د َُررِ ال َ‬ ‫غّنيُتها ون َ ُ ِ ْ‬
‫م‬ ‫ت‬ ‫ثر‬‫َ‬
‫ن‬
‫ت وفي ِوديا ِ‬ ‫مخ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ــد ِ على ُذرىً َ‬
‫***‬
‫***‬
‫حسا‬ ‫المسلمون جميُعهم رهن ال ِ‬
‫ن‬
‫شّر توا ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ب على تخاذِل ِهِ ْ‬ ‫ِ‬
‫واِنه يلقى الحسا‬ ‫ك ِ ِ َ‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ب‬ ‫ّ‬
‫ل‬
‫ن‬
‫ط ! قسط عدالة الميزا ِ‬ ‫َ‬ ‫ب القس َ‬ ‫َ‬
‫حقّ على " العلماء " أن يمضوا إلى‬
‫ن‬ ‫طعا ِ‬ ‫ساِح الجهاد وجولةٍ و ِ‬
‫دعاة لينفروا‬ ‫ل ال ّ‬ ‫حقّ على ك ّ‬
‫ن‬‫فا ً لملحمةٍ وخفق سنا ِ‬ ‫ص ّ‬
‫جميُعها‬ ‫ب َ‬ ‫لُتقاد َ هاتيك الشعو ُ‬
‫ن‬ ‫ق وبيا ِ‬ ‫لوفاء عهد ٍ صاد ٍ‬
‫ص!‬ ‫ُ ّ‬ ‫ر‬ ‫البينان‬ ‫فا ً أبّر كأّنه‬ ‫ص ّ‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬‫جَلى على الميدا ِ‬ ‫ة تُ ْ‬ ‫و خط ّ ً‬


‫هذا الكتاب وتلك سّنة أحمد‬
‫ن‬ ‫نطقا بحقّ صادق التبيا ِ‬
‫ن سوى الذي عذر اللـ‬ ‫ل ي ُعْذ ََر ّ‬
‫ن‬‫ه ! وليس بعد ُ هناك عُذ ٌْر ثا ِ‬ ‫ـ ُ‬
‫ره‬ ‫ل نجاِتنا وب ِغَي ْ ِ‬ ‫سبي ُ‬ ‫هذا َ‬
‫ن‬‫ل ُيطيح ِبنا وقَهٌْر دا ِ‬ ‫ذُ ّ‬
‫***‬
‫***‬
‫ُ‬
‫حالنا‬ ‫" بغداد ُ " ! َواأسفاه ! هذا َ‬
‫ن ُتراهُ الجاني ؟!‬ ‫ت ! َفم ْ‬ ‫ما ابُتلي ِ‬ ‫ل ّ‬
‫دعي‬ ‫لي ّ‬ ‫م ! وك ّ‬ ‫ضاعت معاِلمهُ ْ‬
‫ن‬
‫ف البطولةِ أو ي َد َ الحسا ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫ن الَعدالةِ واختف ْ‬ ‫ت موازي ُ‬ ‫ضاعَ ْ‬
‫ن‬ ‫َويحي ! فأين عدالة الميزا ِ‬
‫ن ِدياِرها‬ ‫داد " ب َي ْ َ‬ ‫على " ب َغْ َ‬ ‫ل َْهفي َ‬
‫ن‬ ‫ى ودخا ِ‬ ‫جُر في لظ ً‬ ‫م تف ّ‬ ‫م ٌ‬ ‫ح َ‬
‫لهفي على بغداد وهي أسيرةٌ‬
‫ن‬
‫وا ِ‬ ‫خ ّ‬ ‫من ظالم عادٍ ومن َ‬
‫مكره‬ ‫دة َ‬ ‫ش ّ‬ ‫ت ِ‬ ‫عرفْ ُ‬ ‫هذا العَد ُوّ َ‬
‫ن‬‫ت هوا ِ‬ ‫شتا ِ‬ ‫ما بال أهلك في َ‬
‫ك تألبوا وتناثروا‬ ‫كم من َبني ِ‬
‫ن‬
‫ج أما ِ‬ ‫ة وهو َ‬ ‫فَِرقا ً مشت ّت َ ً‬
‫ومذاهبا ً وعصائبا ً وطوائفا ً‬
‫ن‬ ‫ة بغير أما ِ‬ ‫شّتى ممّزقَ ً‬
‫ن يلـُ‬ ‫ن يجمعها ول وط ٌ‬ ‫ل الدي ُ‬
‫ن‬ ‫م شتاتها ! َنفروا إلى طغيا ِ‬ ‫ـ ّ‬
‫م عَلى أحقادهم‬ ‫َ‬ ‫صدوَرهُ ُ‬ ‫موا ُ‬ ‫ض ّ‬
‫ن‬ ‫مَراوغةٍ ‪ ،‬على كتما ِ‬ ‫َ‬ ‫وعلى ُ‬
‫ق‬ ‫ٍ‬ ‫مناف‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫لك‬ ‫ح‬
‫ٌ‬ ‫سا‬ ‫م‬‫فإذا هُ ُ‬
‫ن‬ ‫ي الشا ِ‬ ‫ل عاد ٍ خف ّ‬ ‫مَتسل ّ ٍ‬ ‫ُ‬
‫م من‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫في‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫خديع‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫شبا‬ ‫ِ‬ ‫رمي‬ ‫يَ ْ‬
‫ن‬‫ف اللوا ِ‬ ‫خارِ ِ‬ ‫ت الهوى بز َ‬ ‫شت َ ِ‬ ‫َ‬
‫كه‬
‫ساد َ " وكم رمى ِبشَبا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل " ال ُ‬ ‫س ِ‬ ‫فَ َ‬
‫ن‬ ‫وكم الذين هوَْوا ِإلى قيعا ِ‬
‫كبرى! فكم من جاهل‬ ‫قوى ال ُ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫س ِ‬ ‫و َ‬
‫ن‬‫ة الرسا ِ‬ ‫م َ‬ ‫حز َ‬ ‫م ُ‬ ‫ألقى إليهِ ْ‬
‫ةّ‬
‫خط ً‬ ‫فتسّللوا ِفتنا تثوُر و ُ‬ ‫ً‬
‫ن‬‫تسري على مك ْرٍ لها فَّتا ِ‬
‫م ثعل َ ٍ‬
‫ب‬ ‫ة!ك ْ‬ ‫في ً‬ ‫خ ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫ض ِ‬ ‫سَروا بأْر ِ‬ ‫و َ‬
‫ن‬ ‫ن ُثعبا ِ‬ ‫مداهِ ٍ‬ ‫صو ُ‬ ‫مَترب ّ ٍ‬ ‫ُ‬
‫***‬
‫***‬
‫ة‬
‫ّ ٌ‬ ‫ي‬ ‫غن‬ ‫ز‬‫ُ‬ ‫والكنو‬ ‫!‬ ‫ك‬‫بغداد ُ َ ْ ِ‬
‫هل‬ ‫م‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬‫طعا ِ‬ ‫فزوا ل ِ‬ ‫والمجرمون تح ّ‬


‫فعلى رباك من الكنوز ذخائ ٌِر‬
‫ن‬‫مَعا ِ‬ ‫لو ُ‬ ‫ب الوفاَء لسائ ٍ‬ ‫ته ُ‬
‫ك جوُده‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫التاريخ‬ ‫مدى‬ ‫وعلى‬
‫ن‬
‫ِ‬ ‫الحسا‬ ‫ب ِّر اليقين وصفوةُ‬
‫ة‬‫ك نعم ً‬ ‫ض ِ‬ ‫ن أر ِ‬ ‫جَر بط ُ‬ ‫حّتى تف ّ‬
‫ً‬
‫ن‬ ‫ك ُْبرى َوفيضا من يد ِ الرحم ِ‬
‫ت لهيَبها َنورا ً بفضـ‬ ‫حل ْ ِ‬‫ُنعمى أ َ‬
‫ن‬
‫ـل الله ! ُنعمى الواحدِ الدّيا ِ‬
‫ك المجرمون ليجعلوا‬ ‫علي ِ‬ ‫فأبى َ‬
‫ى متوقّد َ النيرا ِ‬
‫ن‬ ‫منها لظ ً‬
‫ن المجرمون فأقبلوا‬ ‫ج ّ‬ ‫بغداد ُ ُ‬
‫ن‬ ‫در جبا ِ‬ ‫َ‬
‫شٍع وغ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫زحفا ً على َ‬
‫م‬‫واحسرتاه عليك يا بغداد ك َ ْ‬
‫ن‬ ‫عدوا ِ‬ ‫ك أو ُ‬ ‫علي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ب ُتش ّ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫َ‬
‫جُر التاريخ ب َْين ملحم ٍ‬ ‫ُ‬ ‫يتف ّ‬
‫ن‬‫ِ‬ ‫قا‬ ‫ئك‬ ‫ِ‬ ‫دما‬ ‫من‬ ‫ق‬
‫ٍ‬ ‫ودف‬ ‫ت‬‫دار ْ‬
‫***‬
‫***‬
‫ُ‬
‫ة‬
‫م ٍ‬ ‫ةأ ّ‬ ‫ت يا بغداد ُ جن ّ َ‬ ‫قَد ْ كن ِ‬
‫ن‬
‫عّز مكا ِ‬ ‫ح أفئدةٍ و ِ‬ ‫وَروا َ‬
‫ة الـ‬ ‫ت دارا للسلم وقُب ّ َ‬ ‫ً‬ ‫رف ِ‬ ‫فُعُ ِ‬
‫ن‬
‫إسلم ِ داَر خلفةٍ وأما ِ‬
‫)‪(2 /‬‬

‫ت الرافد َْيـ‬ ‫جمعْ ِ‬ ‫يا غُّرة َ الدنيا ! َ‬


‫ف البداِع والتقان‬ ‫ن لطائ ِ َ‬ ‫ـ ِ‬
‫ة‬
‫دي ً‬‫ف الحياةِ ن ّ‬ ‫ن طَر ِ‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫وجمع ِ‬
‫ن‬ ‫ّ‬
‫ة الظمآ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫َتغَنى وت َْروي لهْ َ‬
‫س الهوى‬ ‫يا زهرةَ الدنيا وأنفا َ‬
‫ن‬
‫ق وخفقَ َ ِ‬
‫حنا‬ ‫ف أشوا ٍ‬ ‫ورفي َ‬
‫ت‬
‫ح ْ‬‫مك في الحياةِ وفوّ َ‬ ‫ت علو ُ‬ ‫َزهر ْ‬
‫ن‬ ‫ة الرْيحا ِ‬ ‫عط َْر الورودِ ونفح َ‬ ‫ِ‬
‫ة‬‫م ً‬‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ية‬ ‫ّ‬ ‫البر‬ ‫إلى‬ ‫ت‬
‫َ ْ ِ ِ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫د‬ ‫َ‬
‫كم‬ ‫فل‬
‫ن‬ ‫ِ‬ ‫والفنا‬ ‫لم‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫من عبقريّ ال‬
‫ت مناِئرا ً‬ ‫ن رفَعْ ِ‬ ‫ميدا ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫في ك ّ‬
‫ن‬
‫ت من ُبنيا ِ‬ ‫ومنابرا ورفَعْ ِ‬ ‫ً‬
‫ت من‬‫خض ِ‬ ‫لو ُ‬ ‫ت من الضل ِ‬ ‫ولكم َقصم ِ‬
‫ن‬‫حدثا ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫جٍج وأهوا ٍ‬ ‫لُ َ‬
‫ل فوقَ أرضك من هوى‬ ‫مهما ت َب َد ّ َ‬
‫ن‬ ‫دك عروةَ اليما ِ‬ ‫ل عه ُ‬ ‫سيظ ّ‬
‫ة‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫م ٍ‬‫ة ِبعّزةِ أ ّ‬ ‫داٌر مجلل ٌ‬
‫ن‬
‫كم زانها التاريخ من تيجا ِ‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫ُ‬ ‫تاري ُ‬
‫مةٍ‬ ‫خ إسلم ٍ وثروَةُ أ ّ‬
‫ن‬‫أو زهوُ آمال وعّز كيا ِ‬
‫***‬
‫***‬
‫كم مجرم ٍ يسعى ِإليك وظالم ٍ‬
‫ن‬‫باٍغ عليك وحاقدٍ فّتا ِ‬
‫غَْزوُ " التتار " ! وقد تد َّفق من دما‬
‫صبغة اللوان‬ ‫ل ِ‬ ‫ك ما ي ُب َد ّ ِ‬ ‫ئِ ِ‬
‫فالرافدان دم َيسيل وكل سا‬
‫ن‬ ‫ك قا ِ‬ ‫جرى ل ِ‬ ‫ٍح صبغة بدم َ‬
‫م ! فغزوتهم‬ ‫فت ْك ِهِ ْ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫ولقد غزوْ ِ‬
‫ن‬ ‫ي الحقّ والقرآ ِ‬ ‫صبرا ً بهد ِ‬
‫ق‬‫ورفيف أنداٍء ودعوة صاد ٍ‬
‫ن‬
‫جَنا ِ‬ ‫تو َ‬ ‫ووفاء عزم ٍ ثاب ٍ‬
‫ظلموا ! فعادوا بعد ذلك يحملو‬
‫ن رسالة السلم واليمان‬
‫***‬
‫***‬
‫ك اليوم أط ْب َقَ فوقك الـ‬ ‫َ‬
‫مالي أرا ِ‬
‫ن‬
‫كبر ِرها ِ‬ ‫جاُر في شَرهٍ و ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫ـ ُ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫مداه ٍ‬ ‫ف ُ‬ ‫وتمال العداُء ‪ :‬ص ّ‬
‫ن‬‫شَنآ ِ‬ ‫ف ال ّ‬ ‫ص ُ‬ ‫ف عا ِ‬ ‫حينا ً وص ّ‬
‫ت إلى‬ ‫فر ْ‬ ‫ة نَ َ‬ ‫عصب َ ٌ‬ ‫ض ُ‬ ‫ل أر ٍ‬ ‫من ك ّ‬
‫ن‬ ‫مَرةِ الشيطا ِ‬ ‫ل وز ْ‬ ‫ضل ِ‬ ‫ف ال ِ‬ ‫حل ِ‬ ‫ِ‬
‫م ‍! تكاد ُ َتسد ّ من‬ ‫شود َهُ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫مُعوا ُ‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن"‬ ‫ة " الوطا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫سا َ‬ ‫ق وتمل َ‬ ‫أفْ ٍ‬
‫صحاري بالجُنودِ وبالَعتا‬ ‫ملؤوا ال ّ‬
‫ن‬
‫شطآ ِ‬ ‫ن وال ُ‬ ‫جا ِ‬ ‫خل َ‬ ‫ضوا ِإلى ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫دِ ! َ‬
‫على كل العتاد ِ ِإشارة‬ ‫ّ‬ ‫ضُعوا َ‬ ‫وَ َ‬
‫ب ون َْزوة الكفران‬ ‫ِ‬ ‫الصلي‬ ‫قد‬ ‫ح ْ‬ ‫ِ‬
‫***‬
‫***‬
‫ت‬ ‫َ‬
‫دياَر َتماي ََز ْ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫حوالي ْ ِ‬ ‫وأرى َ‬
‫ن‬ ‫ما بين ناٍء منه َ‬
‫م أو دا ِ‬ ‫ِ ُْ ُ‬ ‫ْ َ‬
‫ب من الـ‬ ‫غض ٌ‬ ‫صدورهم َ‬ ‫ُ‬ ‫بين‬ ‫زال‬ ‫ما‬
‫ماضي ومن فَِتن الغريب الجاني‬
‫َ‬
‫ما كان للعداء أن يتسّللوا‬
‫ن‬
‫ة الب ُهَْتا ِ‬ ‫بين الصفوف دسيس َ‬
‫ة‬
‫ريس ٍ‬ ‫ل فَ ِ‬ ‫مك ْرِ ك ُ ّ‬ ‫جوا بال َ‬ ‫ست َد َْر ُ‬ ‫فا ْ‬
‫ن‬ ‫مَتوا ِ‬ ‫ضي ٍّع ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ت وك ّ‬ ‫ُ‬ ‫هان َ ْ‬
‫هاج الخلف ! أثاره العداء فيـ‬
‫ف ودخان‬ ‫ح عوِاص ٍ‬ ‫جِتيا ُ‬ ‫ــنا وا ْ‬
‫حكماُء مّنـ‬ ‫َ‬ ‫صب َْرَنا والتقى ال ُ‬ ‫لول َ‬
‫ب على إحسان‬ ‫ُ ُ ٌ‬ ‫ح‬ ‫س‬ ‫تنجلي‬ ‫ـا‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مَنافِذ ٌ‬ ‫جهِ العَد ُوّ َ‬ ‫سد ّ في و ْ‬ ‫فت ُ َ‬


‫فران‬ ‫ُ‬
‫ن والك ْ‬ ‫كائ ِدِ الطْغيا ِ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل َ‬
‫سك كل دارٍ بالُهدى !‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫م ّ‬ ‫لول ت َ َ‬
‫صبر ! بالحسان ! بالقرآن‬ ‫بال ّ‬
‫مك ُْر الماكرين ! وإّنه‬ ‫ل ِي َُرد ّ َ‬
‫َ‬
‫شّر دان‬ ‫حاط ب َِنا و َ‬ ‫مك ٌْر أ َ‬ ‫َ‬
‫جْهلُء أقسى من مكا‬ ‫َ‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫بي‬
‫ّ‬ ‫عص‬
‫ن‬ ‫دوا‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫من‬ ‫د‬ ‫أش‬ ‫ـئ ِدهم بنا و َ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬
‫مَراوَد َةِ الهوى‬ ‫من ُ‬ ‫هل انتهينا ِ‬
‫دد الحقاد والشنآن‬ ‫و تج ّ‬
‫***‬
‫***‬
‫شَرهٍ وفي‬ ‫عاد َ المكُر في َ‬ ‫ْ‬ ‫واليوم َ‬
‫ن‬
‫شدٍ وفي ِإمعا ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫قدٍ وفي َ‬ ‫ح ْ‬
‫ة‬
‫هل وقفُتم بعد ذلك وقف ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن‬ ‫ق أما ِ‬ ‫صد ِ‬ ‫لو ِ‬ ‫لَلحقّ في بذ ٍ‬
‫ديا‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫لي َُرد ّ ك َي ْد ُ الم ْ‬
‫ن‬‫حْرمة السلم واليما ِ‬ ‫رو ُ‬
‫ن حق الدين ؟! أْيـ‬ ‫أين العروبة؟ أي َ‬
‫ن‬
‫صل الرحام والخوا ِ‬ ‫ن َتوا ُ‬ ‫ـ َ‬
‫جرمون ِبكْيدهم‬ ‫عاد َ الم ْ‬ ‫فاليوم َ‬
‫ن‬ ‫ل موصولةِ الضغا ِ‬ ‫وجحاف ٍ‬
‫ت تراحما ً‬ ‫ل وجد ِ‬ ‫لهفي عليك فه ْ‬
‫ت الحاني ؟!‬ ‫ت وهل وجد ِ‬ ‫لما ابتلي ِ‬
‫***‬
‫***‬
‫ك على بوارج كالقل‬ ‫ويحي ! أتو ِ‬
‫ن‬
‫حمة اللت والّركبا ِ‬ ‫ع وَز ْ‬
‫م ! بالطائرا‬ ‫َزحفوا ِبدّباباِته ْ‬
‫ن‬ ‫ْ ِ‬ ‫غيا‬ ‫ّ‬ ‫ط‬ ‫ال‬ ‫جّباَرة‬ ‫ت ! بآل َةٍ َ‬ ‫ِ‬
‫ل الجهات ‪ :‬من الجنو‬ ‫ك من ك ّ‬ ‫ِ‬ ‫وأتو‬
‫ن"‬ ‫ِ‬ ‫أما‬ ‫دار‬ ‫"‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫وك‬ ‫الشمال‬ ‫من‬ ‫ب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ج من الـ‬ ‫ٌ‬ ‫مو‬ ‫كأنهم‬ ‫عليك‬ ‫زحفوا‬
‫ن‬ ‫ِ‬ ‫والطوفا‬ ‫إعصارِ والظلم‬
‫بالنار ! بالصاروخ ُيلقي فوقها‬
‫ن‬
‫ل الجحيم ودفقة الضغا ٍ‬ ‫هو َ‬
‫م‬
‫حهِ ْ‬ ‫ورموك باللهب المد َّوي ! وي َ‬ ‫ّ‬
‫ن‬
‫ق مجنونةٍ وُدخا ِ‬ ‫ع ٍ‬ ‫صوا ِ‬ ‫وَ َ‬
‫سماُء لهيَبها‬ ‫فكأَنما ترمي ال ّ‬
‫ن‬
‫والرض تطلق غضبة الُبركا ِ‬
‫شديد قواصفا ً‬ ‫قد ال ّ‬ ‫وتدّفق الح ْ‬
‫َ‬
‫ن أعوان‬ ‫م ْ‬ ‫مو ِ‬ ‫منه ْ‬ ‫وعواصفا ً ِ‬
‫ح بين لهيبها‬ ‫ي را َ‬ ‫كم من صب ّ‬
‫ن‬‫ِ‬ ‫أحزا‬ ‫على‬ ‫ت‬ ‫وصبّية ط ُوِي ِ ْ‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تتناثر الشلء من أطفالها‬


‫ن‬ ‫ومن الشيوخ وطلعةِ الفتيا ِ‬
‫ة‬
‫هواد َ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ت دو َ‬ ‫ل الغارا ُ‬ ‫تتواص ُ‬
‫ن‬
‫ت و الُبنيا ِ‬ ‫قصفا ً على الساحا ِ‬
‫ول دوّيها‬ ‫تهوي الَعمائر بين هَ ْ‬
‫ن‬ ‫خا ِ‬ ‫جحيمها ود ُ َ‬ ‫ولهيبها و َ‬
‫ب أهوال الصواريخ التي‬ ‫تنص ّ‬
‫ن‬
‫كثبا ِ‬ ‫ت على الساحات وال ُ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ُ‬
‫سود ّ بسود ِ ِفعالهم‬ ‫م ْ‬ ‫فالفْقُ ُ‬
‫ن‬‫ن ِدها ِ‬ ‫ل بلو ِ‬ ‫خج ٍ‬ ‫والفْقُ من َ‬
‫ُ‬
‫مهم وبان ضللهم‬ ‫مزاع ُ‬ ‫شفت َ‬ ‫كُ ِ‬
‫ن‬ ‫ساد الّزور والب ُْهتا ِ‬ ‫وبدا فَ َ‬
‫***‬
‫***‬
‫جنوِدها‬ ‫ل َْهفي على َبغداد َ ! كل ُ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫هَّبوا لملحمة ويوم ِ رها ِ‬
‫وَثبوا ِإلى ساحاتها كالبرق يخـ‬
‫ن‬‫ف نوره ! لمحا ً من اللمعا ِ‬ ‫ـط َ ُ‬
‫ف‬ ‫ج زئيُرها ‪ ،‬وعواص ٌ‬ ‫ُ‬
‫سد ٌ يهي ُ‬ ‫أ ْ‬
‫ن‬ ‫ة من جا ِ‬ ‫ت تصد ّ ‪ ،‬ووثب ٌ‬ ‫ج ْ‬ ‫ها َ‬ ‫ِ‬
‫ة‬
‫م ٍ‬ ‫ة عز َ‬ ‫ت َرْوع َ‬ ‫ت رأي َ‬ ‫أّنى التف ّ‬
‫ن‬‫مْيدا ِ‬ ‫جلو روائ َِعها على ال َ‬ ‫تَ ْ‬
‫صرٍ " كيف كان بلؤهم‬ ‫م قَ ْ‬ ‫ل"أ ّ‬ ‫س ْ‬
‫ن‬ ‫بين العدوّ إ ِذِ التقى الجمعا ِ‬
‫و" البصرة َ " الشماَء كيف صمودها‬
‫ن‬
‫ل ساح طعا ِ‬ ‫و" الناصرية " ! ك ّ‬
‫دوا العدوّ وأوقعوا فيه الهزا‬ ‫ص ّ‬
‫ن‬
‫جَريا ِ‬ ‫م ! فانثنى يلوي إلى َ‬ ‫ئ َ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫المجرمون أَتوا ! فكل ظُنونه ْ‬
‫ن‬
‫خابت وعاد رجاؤهم ب َِهوا ِ‬
‫م‬ ‫جمُعه ْ‬ ‫فتناثروا قتلى ! وأدبر َ‬
‫ن‬‫سرا ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫في ذل ّةٍ ومهانة ال ُ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫والموصل الغّراء سل ساحاتها‬


‫ن‬
‫ف هائل النيرا ِ‬ ‫صمدت لقص ٍ‬
‫خها‬ ‫ب من الّربا تاري ُ‬ ‫ت ! وه ّ‬ ‫صد ّ ْ‬
‫ن‬
‫سبا ِ‬‫ح ْ‬ ‫ن في البال من ُ‬ ‫ُ‬
‫م ي َك ْ‬‫ما ل ْ‬
‫ة‬
‫م تحاِول وثب ً‬ ‫ظ َّلت زحوفُهُ َ‬
‫تمضي بها أمل ً ِإلى بغدا ِ‬
‫ن‬
‫***‬
‫***‬
‫ق‬
‫لْهفي على ب َْغداد َ وهي حرائ ٌ‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬‫ل في ُرَبا بغدا ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫شتى َتوا َ‬


‫سوى‬ ‫ت فل َترى أبدا ِ‬‫ً‬ ‫فإذا ن َظ َْر َ‬
‫ن‬ ‫ظى واقتحام ِ ُدخا ِ‬ ‫ب ت َل َ ّ‬ ‫ل َهَ ً‬
‫حاِتها‬ ‫سا َ‬ ‫ق في َ‬ ‫فكأّنه لم ي َ ُب ْ ِ‬
‫ن‬ ‫َبشرا ً ول أَثرا ً إلى ب ُْنيا ِ‬
‫مون بأّنهم‬ ‫م الطغاةُ المجْر ُ‬ ‫زع َ‬
‫ن‬ ‫ك نواِزع الحسا ِ‬ ‫ملوا إلي ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫م!‬ ‫ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫يا‬ ‫!‬ ‫ً‬ ‫ة‬ ‫ونداو‬ ‫ية‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫ُ ّ‬ ‫ح‬
‫ن‬‫جعَ النيرا ِ‬ ‫ك َفوا ِ‬ ‫ملوا ِإلي ِ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫لفناَء ! ت ِلـْ‬ ‫دميَر وا ِ‬ ‫ت والت َ ْ‬ ‫والمو َ‬
‫ن‬‫ن و الُبهتا ِ‬ ‫ة الطغيا ِ‬ ‫ريع ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ـ َ‬
‫ة‬
‫م ٍ‬ ‫ورة َ ن َهْ َ‬ ‫م وف ْ‬ ‫مَعه ْ‬ ‫مطا ِ‬ ‫ملوا َ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ف وب ََيا ِ‬ ‫خُر ٍ‬ ‫فوَنها في ُز ْ‬ ‫ُيخ ُ‬
‫ك والذين أَتوك في‬ ‫َ‬
‫حد َ ِ‬ ‫تو ْ‬ ‫وبقي ِ‬
‫ي الحاني‬ ‫دق الوف ّ‬ ‫ص ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫مد َدٍ ِ‬ ‫َ‬
‫مر النفاق وأدبروا‬ ‫تز ُ‬ ‫ثم انطو ْ‬
‫ن‬ ‫ِ‬ ‫والجرذا‬ ‫الذؤبان‬ ‫زمرا ً من‬
‫***‬
‫***‬
‫ف يثو‬ ‫فإذا " العراقُ " جميعه ص ّ‬
‫ن‬
‫مْيدا ِ‬ ‫ت على ال َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ة ها َ‬ ‫ر وغضب ٌ‬
‫فتعطلت تلك الزحوف وقد أفا‬
‫ن‬‫ت من ُرؤى الحلم و الضغا ِ‬ ‫قَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت عن البصار سو‬ ‫ت !وقد ُرفِعَ ْ‬ ‫ذ ُهِل ْ‬
‫ن‬ ‫ُء ِغشاَوة التضليل والكفرا ِ‬ ‫ُ‬
‫ضللهم‬ ‫عاد َ‬ ‫سوا وَ َ‬ ‫لكّنهم ن ُك ِ ُ‬
‫ن‬
‫قدٍ وفي غليا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ليهيج في ِ‬
‫ل‬ ‫م د َوِيّ قناب ٍ‬ ‫َ‬ ‫قد ُهُ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ص ّ‬ ‫لي ُ َ‬
‫ن‬ ‫ن على ِنيرا ِ‬ ‫ب ِنيرا ٍ‬ ‫وَلهي َ‬
‫دت‬
‫ف" ب َ َ‬‫ج ٌ‬ ‫ت" أم "ن َ َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ك" أم "ِتك ِ‬ ‫"كركو ُ‬
‫ل الّلهيب و وقْد َةَ الطيران‬ ‫شعَ َ‬ ‫ُ‬
‫ه‬
‫كان ِ ِ‬ ‫س ّ‬ ‫ل أهوى على ُ‬ ‫كم منز ٍ‬
‫ن ؟!‬ ‫س ّ‬ ‫َ‬
‫ل في ال ْ‬ ‫ل ظَ ّ‬ ‫هَ ْ‬
‫كا ِ‬ ‫طلل من ُ‬
‫ة كلها‬‫ّ‬ ‫َ‬
‫ة والطفول َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫مو َ‬ ‫فترى ال ُ‬
‫ن‬ ‫ة النسا ِ‬ ‫ّ‬
‫ب ذِل َ‬ ‫شلَء تند ُ ُ‬ ‫أ ْ‬
‫ل ما‬ ‫ن ْقب ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ّ‬
‫م من عجوزٍ قُطعَ ْ‬ ‫كَ ْ‬
‫ن‬ ‫ة وا ٍ‬ ‫شْرب َ‬ ‫تو ُ‬ ‫قيما ٍ‬ ‫ت ُْنهي ل ُ َ‬
‫ن صدى الّر َ‬
‫كا‬ ‫وفتى يرى أهليه َبي َ‬
‫ن‬ ‫حَنا ِ‬ ‫م طواهم ولواعج الت ّ ْ‬
‫جر في الديار وإّنه‬ ‫قد ٌ تف ّ‬ ‫ح ْ‬
‫ن‬ ‫ة الوثا ِ‬ ‫ب " وغضب َ ُ‬ ‫قد ُ " الصلي َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ِ‬
‫***‬
‫***‬
‫جنوُده‬ ‫ّ ُ‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫الح‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫بي‬ ‫ن‬‫شّتا َ‬ ‫َ‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬ ‫جحافل الُبطل ِ‬ ‫عَْزما ً وبين َ‬


‫ة‬
‫بغداد ! حبل الله أوثق عزم ٍ‬
‫ن‬
‫سكي ! لهفي على بغدا ِ‬ ‫فتم ّ‬
‫صُرك آية‬ ‫َ ْ‬ ‫ن‬ ‫!‬ ‫اليمان‬ ‫عرا‬ ‫دي ُ‬ ‫ش ّ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫ت بالحسا ِ‬ ‫لله ِإن أوفَي ْ ِ‬
‫ن آفاِقنا‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ل ت ُط ِ ّ‬ ‫شرى ت َظ َ ّ‬ ‫بُ ْ‬
‫ن‬‫ة الزما ِ‬ ‫ب وفْرح َ‬ ‫قلو ِ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫أ َ‬
‫***‬
‫***‬
‫ل سنيه من‬ ‫ك!ك ّ‬ ‫علي َ‬ ‫صاُر َ‬ ‫ح َ‬ ‫طال ال ِ‬
‫ن‬
‫شد ّةِ الطغيا ِ‬ ‫ظلم الطغاةِ و ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫حصارهم‬ ‫ك ب َْعد طول ِ‬ ‫صبر َ‬ ‫عجبا ً ل ِ َ‬
‫ن‬
‫عراقُ " وقسوةِ الحرما ِ‬ ‫ك يا " ِ‬ ‫ل َ‬
‫عـ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫ة في الْر ِ‬ ‫صاب َ ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫ن ِ‬ ‫المجرمو َ‬
‫ن‬
‫حيوا ِ‬ ‫ـتى من وحوش الغاب وال َ‬
‫ت في‬ ‫ك وضّيقوا ! فصبر َ‬ ‫دوا !علي َ‬ ‫ش ّ‬
‫ن‬
‫ِ‬ ‫شا‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ّ ٍ ِ‬ ‫ة‬ ‫ز‬ ‫وع‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫يط‬ ‫أم ٍ ُ‬‫ل‬
‫ْ ًَ‬ ‫ُ‬
‫ن من أطفاِلهـ‬ ‫مهات ي ََري ْ َ‬ ‫فال ّ‬
‫ن‬‫حشاِء والبدا ِ‬ ‫ن تأّوه ال ْ‬ ‫ـ ّ‬
‫ديد !فل َدوا‬ ‫ش ِ‬ ‫ض ال ّ‬ ‫ن المر ِ‬ ‫م َ‬ ‫صْرعى ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ِ‬ ‫دوا‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫ال‬ ‫ة‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ضح‬ ‫!‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫غذا‬ ‫ِ‬ ‫ول‬ ‫َء‬
‫هذي المليين التي سقطت ضحا‬
‫ن‬ ‫لحصار والُبهتا ِ‬ ‫َيا الظلم ِ وا ِ‬
‫***‬
‫***‬
‫شديـ‬ ‫ق" على َ‬ ‫عرا ُ‬ ‫عجبا ً ِلصب ْرِك يا " ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫جع الخذل ِ‬ ‫م وفوا ِ‬ ‫صارِهِ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ـد ِ ِ‬
‫جرا‬ ‫من ال ِ‬ ‫حصارِ ‪ِ ،‬‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫أّنى نهض َ‬
‫ن ؟!‬ ‫مارِ ‪ ،‬وهجمة الكفرا ِ‬ ‫ن الد ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ح‪ِ ،‬‬
‫ظّنوا بأنك بالحصار لسوف تر‬
‫ن‬‫ل للذعا ِ‬ ‫م وتمي ُ‬ ‫كع دون َهُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ت لم ت َْرك َعْ ! فظّنوا أنه‬ ‫وصبر َ‬
‫ن‬‫عوا ِ‬ ‫ب عليك َ‬ ‫ل ب ُد ّ من حر ٍ‬
‫ل رجائهم !‬ ‫بك ّ‬ ‫صاُر ! وخا َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫فش َ‬
‫ن‬‫ب ! على غليا ِ‬ ‫ض ٍ‬ ‫هّبوا على غ َ‬
‫ف مرابٍع‬ ‫كبرى ! وقص ِ‬ ‫لجريمة ُ‬
‫بالنار ‪ ،‬بالصاروخ ‪ ،‬بالطيران‬
‫ل حقـ‬ ‫دمار ‪ ،‬وك ّ‬ ‫وبكل آلت ال ّ‬
‫ن‬‫صدور ونزوة المعا ِ‬ ‫ـقد ٍ في ال ّ‬
‫مد َّويا ً‬ ‫ت من بين الحصار ُ‬ ‫فنهض َ‬
‫ن‬‫عزما ً أشد ّ تجول في الميدا ِ‬
‫***‬
‫***‬
‫ت‬ ‫َ ْ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫فتوا‬ ‫ة‬
‫ُ َ ً‬ ‫ضلل‬ ‫ب‬ ‫شعو‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫أ ََبت‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬‫دوا ِ‬ ‫شَرهٍ ! على عُ ْ‬ ‫ضبا ً على َ‬ ‫غَ َ‬


‫م‬‫قايا ِفطرةٍ د َفَعَت ْهُ ُ‬ ‫ن بَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ه َ‬
‫ن‬‫ة فطرةِ النسا ِ‬ ‫دفعا ! بقي ّ ُ‬ ‫ً‬
‫ت تظا‬ ‫َ َ َ ْ‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫التي‬ ‫المليين‬ ‫هذي‬
‫ن‬ ‫دا ِ‬ ‫هَُر في نواحي الرض والبل َ‬
‫ة‬
‫سفاَر ٍ‬ ‫ل َدارِ َ‬ ‫صر ك ُ ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫ت تُ َ‬ ‫هب ّ ْ‬
‫ن‬ ‫ل وِك ْرِ جبا ِ‬ ‫جرمين ! وك ُ ّ‬ ‫للم ْ‬
‫َ‬
‫حمي سفارات العَد ُ‬ ‫ت من ي َ ْ‬ ‫أرأي ْ َ‬
‫ن ؟!‬ ‫وّ من الشعوب وفورة الهيجا ِ‬
‫صوُنها ! َيا ل َي َْتنا‬ ‫ن الذين ن َ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫ن!‬ ‫َ‬
‫ة الوطا ِ‬ ‫حْرم َ‬ ‫صّنا العَِراق و ُ‬ ‫ُ‬
‫***‬
‫***‬
‫ستسلمي وت َوَقدي‬‫ّ‬ ‫بغداد ل ت َ ْ‬
‫ن‬ ‫فرسا ِ‬ ‫ة ال ُ‬ ‫ل الَعزيمةِ ! وثب َ‬ ‫شعَ َ‬ ‫ُ‬
‫ب على الِعدى‬ ‫ص ّ‬ ‫وتوقدي لَهبا ي َ ُ‬‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن‬‫ِ‬ ‫البركا‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫وغضب‬ ‫م الجحيم‬ ‫م َ‬ ‫ح َ‬ ‫ُ‬
‫ل تيأسي بغداد ُ ِإن طال المدى‬
‫ن‬‫فالنصر عزمة صابرٍ طّعا ِ‬
‫دها‬ ‫عن ْ َ‬ ‫جلى ِ‬ ‫ت لي ُ ْ‬ ‫جول ٌ‬ ‫ب َ‬ ‫والحر ُ‬
‫ن‬ ‫ف العَُهود وعروة اليما ِ‬ ‫شر ُ‬ ‫َ‬
‫جُنودهم‬ ‫ت ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َفثبي وَ َ‬
‫ح ْ‬ ‫ض تَ ْ‬ ‫خلي الْر َ‬
‫َوعتاِدهم وْقدا من النيرا ُ‬
‫ن‬ ‫ً‬
‫جبا‬ ‫َ‬
‫ف ال ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ومن الزحوف كأّنها َز ْ‬
‫ف الكثبان‬ ‫م وعواص ُ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ُ‬ ‫ِ‬
‫دهم‬ ‫حق ِ‬ ‫وقواصفا ً ترمي بوارج ِ‬
‫ن‬ ‫مدٍ ومن أركا ِ‬ ‫وتهّز من عُ ُ‬
‫جل َوفاءها‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫تلك البطول َ ُ‬
‫ة ! ما أ َ‬
‫دى " للباتشي " الداني‬ ‫شيخ تص ّ‬
‫ة‬
‫ٍ‬ ‫عزيم‬ ‫صميم‬ ‫من‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ط‬ ‫أ‬ ‫"‬ ‫ش‬ ‫مْنقا ُ‬ ‫" ِ‬
‫ن‬
‫جنا ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫سلحةٍ وصد ِ‬ ‫وقديم ِ أ َ‬
‫ن ِبها‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ح َ‬ ‫ة ِلتط َ‬ ‫مّزق ً‬ ‫م َ‬ ‫ت ُ‬ ‫فََهو ْ‬
‫ن‬‫وا ِ‬ ‫خ ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ب ََغوا و ِ‬ ‫ن مجرمي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ت وِإنما‬ ‫َ‬ ‫رمي‬ ‫فما‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫رمي‬ ‫لما‬
‫جاني‬ ‫ك الله العدوّّ ال َ‬ ‫ي َْرمي ب ِ َ‬
‫ة‬ ‫َ‬
‫ن " أيّ عزيم ٍ‬ ‫مْيسو ُ‬ ‫ت يا " َ‬ ‫بوِرك ِ‬
‫ن‬ ‫ف إلى الميدا ِ‬ ‫شر ٍ‬ ‫ك في َ‬ ‫د َفَعَت ْ ِ‬
‫ت بالعداء ضربة همة‬ ‫أنزل ِ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ن‬ ‫َ‬ ‫خ ْ‬
‫ل على الوطا ِ‬ ‫ماَء لم ت َب ْ َ‬ ‫ش ّ‬
‫قـ‬
‫ن الله ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫م غي َْر أ ّ‬ ‫قُتلوهُ ْ‬ ‫لم ت ْ‬
‫ن‬
‫سرا ِ‬ ‫خ ْ‬
‫م إلى ُ‬ ‫رميه ْ‬ ‫م وَي ْ ِ‬‫ـت ُل ُهُ ْ‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫***‬
‫***‬
‫الرياض‬
‫‪28/1/1424‬هـ‬
‫‪31/3/2003‬م ‪... ... ...‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬أي أنها تاهت فنست مسؤولياتها التي ستحاسب عليها بين يدي الله ‪.‬‬
‫ي ‪ :‬نداء غير نداء الجهاد ‪ ،‬نداء السلم ‪.‬‬ ‫)‪ (2‬نداٌء ثان ِ‬
‫)‪ (3‬إشارة إلى قوله سبحانه وتعالى ‪ ) :‬ولنذيقنهم من العذاب الدنى دون‬
‫العذاب الكبر لعلهم يرجعون ( ] السجدة ‪. [ 21 :‬‬
‫)‪ (4‬إشارة إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ :‬عن ثوبان رضي الله‬
‫عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪ " :‬يوشك أن تداعى عليكم‬
‫لمم من كل أفق ‪ ،‬كما تداعى الكلة ِإلى قصعتها " ‪ ،‬قيل يا رسول الله !‬ ‫ا ُ‬
‫ن الله من‬ ‫فمن قلةٍ يومئذ ؟ قال ‪ " :‬ل ! ولكنكم غثاء كغثاء السيل ‪ .‬ولينزع ّ‬
‫صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن " ‪ .‬فقال قائل ‪:‬‬
‫وهن " ؟ قال ‪ " :‬حب الدنيا وكراهية الموت ‪ ] " .‬رواه أحمد وأبو داود‬ ‫" وما ال َ‬
‫وصحيح الجامع الصغير [‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ة‬
‫م ٌ‬‫مسمو َ‬ ‫م العَُلماِء َ‬ ‫ُلحو ُ‬
‫د‪ .‬حسام الدين عفانه‬
‫الستاذ المشارك في الفقه والصول‬
‫كلية الدعوة وأصول الدين‪ -‬جامعة القدس‬
‫ً‬
‫ل ريب أن احترام العلماء وتقديرهم من المور الواجبة شرعا وإن خالفناهم‬
‫الرأي فالعلماء ورثة النبياء ‪ ،‬والنبياء قد ورثوا العلم وأهل العلم لهم حرمة ‪.‬‬
‫وقد وردت نصوص كثيرة في تقدير العلماء واحترامهم ‪ ،‬قال المام النووي ‪:‬‬
‫] باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل وتقديمهم على غيرهم ورفع‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫وي ال ِ‬ ‫ست َ ِ‬
‫ل يَ ْ‬ ‫مجالسهم وإظهار مرتبتهم [‪ .‬ثم ذكر قول الله تعالى ‪ ):‬قُ ْ‬
‫ل هَ ْ‬
‫ن( سورة الزمر الية ‪ ، 9‬ثم ساق المام النووي‬ ‫مو َ‬‫ن َل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مو َ‬‫ي َعْل َ ُ‬
‫طائفة من الحاديث في إكرام العلماء والكبار وأحيل القارئ إلى كتاب رياض‬
‫الصالحين للمام النووي ص ‪. 192-187‬‬
‫ومع كل هذه النصوص التي تحث على ما سبق وغيرها من النصوص‬
‫الشرعية التي تحرم السب والشتم واللعن والوقوع في أعراض المسلمين إل‬
‫أن بعض الناس من أشباه طلبة العلم ليس لهم شغل إل شتم العلماء وسبهم‬
‫على رؤوس الشهاد في المساجد وفي الصحف والمجلت ويحاول هؤلء‬
‫الصبية تشويه صورة العلماء وتنفير عامة الناس منهم لن هؤلء العلماء‬
‫علماء السلطين‬
‫‪ -‬كما يزعم هؤلء النكرات ‪ -‬ومن العلماء الفضلء الذين تعرضوا وما زالوا‬
‫يتعرضون لهذه الهجمة الشرسة العلمة الفقيه الشيخ الدكتور يوسف‬
‫القرضاوي حفظه الله ورعاه ‪ ،‬فالشيخ القرضاوي ل ينكر علمه وفضله إل‬
‫حاقد أو جاهل ‪ .‬والشيخ القرضاوي ل يحبه ويقدره إل من تأدب بأدب السلم‬
‫ول يبغضه ول يشتمه إل سفيه أو جاهل أو حاقد ليس له نصيب من أدب‬
‫السلم ‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن أدعياء الوعي وأدعياء الفكر والثقافة يشتمون الشيخ القرضاوي بغير وعي‬
‫ول يعرفون ماذا يصدر منهم من فظائع ل يجوز أن تقال في حق واحد من‬
‫عامة الناس فضل ً أن تقال في حق عالم من علماء المة كالشيخ القرضاوي‪.‬‬
‫إن هجمتهم الشرسة على العلمة القرضاوي تثير التساؤل ‪ ،‬فهذه الهجمة‬
‫تخدم أعداء المة الذين طالبوا بإغلق السبل أمام الشيخ القرضاوي كيل‬
‫يخاطب المة السلمية ‪.‬‬
‫وأتسائل لمصلحة من يهاجم علماء المة ؟ولمصلحة من يشتم العلماء ؟‬
‫هل هذه هي الطريق لقامة الخلفة ؟ هل علماء المة حالوا دون إقامة دولة‬
‫الخلفة ؟ أم أن بعض الناس يعلق فشله وعجزه على الخرين ؟ لماذا يوصف‬
‫العلماء بالخيانة أو السذاجة والبلهة ؟ هل يصح أن يقال في علماء المة ‪:‬‬
‫معين المنافقين " ؟ كيف عرفتم أنهم منافقون ؟ هل شققتم على‬ ‫" ومن المل ّ‬
‫قلوبهم ؟‬
‫ألم تسمعوا قول النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لسامة بن زيد ‪ -‬رضي الله‬
‫عنه ‪ -‬لما قتل رجل ً بعد أن قال ل إله إل الله ‪ ):‬أفل شققت على قلبه ؟ (‬
‫رواه مسلم ‪.‬‬
‫ألم تسمعوا قول النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ): -‬إني لم أؤمر أن أنقب عن‬
‫قلوب الناس ول أشق بطونهم ( رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫هل علمتم دخيلة الشيخ القرضاوي ونيته وأنه ل يريد من برامجه إل‬
‫المحافظة على مكاسب الشهرة ؟! هل كلم الشيخ القرضاوي ينضح بالجهل‬
‫أو التجاهل ؟ أم أن كل إناء بما فيه ينضح ؟‬
‫إن الشيخ القرضاوي محل ثقة أهل العلم وجماهير الناس شرقا ً وغربا ً‬
‫والشيخ القرضاوي ليس بحاجة لينال ثقة أشباه طلبة العلم وصغارهم ‪.‬‬
‫فالناس يأخذون علمهم عن الشيخ القرضاوي وأمثاله من العلماء الكبار ول‬
‫يأخذون عن الصاغر فإن الخذ عن الصاغر هَل َك َ ٌ‬
‫ة في الدين ‪.‬‬
‫قال عبد الله بن مسعود ‪ -‬رضي الله عنه ‪ ): -‬ل يزال الناس مشتملين بخير‬
‫ما أتاهم العلم من أصحاب محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ومن أكابرهم فإذا‬
‫أتاهم العلم من قبل أصاغرهم وتفرقت أهواؤهم هلكوا ( رواه أبو عبيد‬
‫والطبراني في الكبير والوسط ‪ ،‬وقال الهيثمي رجاله موثقون ‪.‬‬
‫ورواه أبو نعيم في الحلية ولفظه قال عبدالله بن مسعود ‪ -‬رضي الله عنه ‪) -‬‬
‫ل يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من علمائهم وكبرائهم وذوي أسنانهم فإذا‬
‫أتاهم العلم عن صغارهم وسفهائهم فقد هلكوا ( ‪.‬‬
‫وورد في رواية أخرى عند الخطيب في تاريخه بلفظ ) فإذا أتاهم العلم عن‬
‫صغارهم وسفلتهم فقد هلكوا ( ‪ .‬إتحاف الجماعة ‪. 105 /2‬‬
‫إن المة بحاجة ماسة لعلم الشيخ القرضاوي وفهمه النير لحكام السلم ‪،‬‬
‫وليست بحاجة إلى العلم بطلب النصرة من الكفرة وأعداء الدين حتى يقدموا‬
‫الخلفة على طبق من ذهب لبعض الناس ! وهم فقط ينتظرون حدوث ذلك‬
‫المر البعيد إن لم يكن المستحيل ‪.‬‬
‫إن مبدأ طلب النصرة من غير المقتنعين بالفكرة مبدأ خاطئ ليس عليه دليل‬
‫صحيح من سيرة النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ومنهجه وإن حاولوا إثباته ‪.‬‬
‫إن المة لن تنظر إن شاء الله بارتياب إلى فتاوى وآراء العلمة القرضاوي ‪،‬‬
‫بل تتقبلها قبول ً حسنا ً ‪ ،‬ولكن المة لتنظر بارتياب لمن يهاجم القرضاوي‬
‫ويسبه ويشتمه لن هؤلء السابين الشاتمين هم الذين خرجوا عن أدب الحوار‬
‫والخلف ووصل بهم المر إلى اتهام نيات العلماء وطعنهم في إيمانهم !!‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أهكذا يكون النقد العلمي ؟ قال المام الذهبي يرحمه الله ‪ ]:‬ما زال الئمة‬
‫يخالف بعضهم بعضا ً ويرد هذا على هذا ولسنا ممن يذم العالم بالهوى‬
‫والجهل [ سير أعلم النبلء ‪. 19/342‬‬
‫أيها الناس تأدبوا مع العلماء ‪ ،‬واعرفوا لهم مكانتهم ‪ ،‬فما فاز من فاز إل‬
‫بالدب وما سقط من سقط إل بسوء الدب ‪.‬‬
‫واعلموا أن المة ل تحترم ول تقدر إل من يحترم العلماء والئمة ‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن عساكر يرحمه الله مخاطبا ً رجل ً تجرأ على العلماء ‪ ]:‬إنما‬
‫نحترمك ما احترمت الئمة [‬
‫وأخيرا ً أختم بكلمة نيرة مضيئة قالها الحافظ ابن عساكر يرحمه الله ‪ ]:‬اعلم‬
‫يا أخي وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أن‬
‫لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك منتقصيهم معلومة وأن من أطلق‬
‫لسانه في العلماء بالثلب بله الله قبل موته بموت القلب ) فليحذر الذين‬
‫يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم (‬
‫والله يدافع عن الذين آمنوا وهو الهادي إلى سواء السبيل‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ُلورنس العرب‬
‫حقائق غّيبها التاريخ‬
‫ُلورنس العرب‬
‫منال المغربي‬
‫‪Yafa-48@hotmail.com‬‬
‫يعتبر لورنس العرب من أشهر شخصيات الربع الول من القرن العشرين؛‬
‫فاسمه اقترن في كتب التاريخ بثورة الشريف حسين – أمير الحجاز – ضد‬
‫الحكم التركي عام ‪1916‬م وهناك العديد من الكتب في أكثر من لغة تناولت‬
‫سيرة حياته وأظهرته بطل ً من أبطال المبرطورية البريطانية نتيجة للدور‬
‫م الذي لعبه إّبان الحرب العالمية الولى كونه ضابط ارتباط بين القيادة‬ ‫الها ّ‬
‫ولت قصته‬ ‫العسكرية البريطانية والثورة العربية الكبرى ضد التراك‪ ،‬وقد تح ّ‬
‫لفيلم سينمائي معروف ظهر فيه باللباس العربي على الخيل والجمال زعيما ً‬
‫لقبائل البدو وملكا ً غير متوج للعرب‪.‬‬
‫من هو لورنس العرب؟‬
‫ولد توماس إدوارد عام ‪1888‬م في )ويلز( بإنكلترا‪ ،‬تزوج والده من إيرلندية‬
‫أنجبت له ‪ 4‬بنات ولكنه هجرها ليعيش مع مربية بناته دون زواج وأنجب منها‬
‫‪ 5‬ذكور كان لورنس الثاني من بينهم‪.‬‬
‫منح المدرسية والجامعية‪ ،‬وكان منذ‬ ‫عاش لورنس متفوقا ً في دراسته ينال ال ِ‬
‫ب المغامرة والصبر‬ ‫وة الذاكرة وح ّ‬ ‫صغره قوي البنية نشيطا ً ذكيا ً يتمّيز بق ّ‬ ‫ِ‬
‫صص في علم الثار في جامعة أكسفورد المر الذي دفعه‬ ‫ّ‬ ‫تخ‬ ‫المتاعب‪.‬‬ ‫على‬
‫للهتمام باللغات فتخّرج وهو يجيد الفرنسية واللتينية واليونانية‪ ،‬وأثناء‬
‫تحضيره لرسالته الجامعية التي كان موضوعها )الفن المعماري الحربي عند‬
‫قى شيئا ً من‬ ‫قلع التي بناها الصليبيون‪ ،‬وتل ّ‬ ‫الصليبين في الشرق( قام بزيارة ال ِ‬
‫اللغة العربية قبل سفره‪ ،‬وزار سوريا وبيروت وغيرها‪ ،‬قطع خللها مسافات‬
‫شاسعة وحده مشيا ً على القدام على طرق أكثرها غير معّبد وبراري غير‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مأمونة يبيت عند الفلحين والبدو في خيامهم ُيشاركهم المأكل والمشرب‬


‫ما ساعده على إجادة اللغة العربية )‪.(1‬‬ ‫وشظف العيش م ّ‬
‫وعند اندلع الحرب العالمية الولى راحت كل من الدول الكبرى‪ :‬فرنسا‪،‬‬
‫وبريطانيا وروسيا وألمانيا تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة‪ ،‬منها‪ :‬توسيع رقعة‬
‫نفوذها والسيطرة على الماكن الستراتيجية وعلى منابع النفط‪ ...‬لذلك‬
‫أخذت بريطانيا ترسل عملءها إلى المنطقة؛ فاستدعت القيادة النكليزية‬
‫أصحاب الخبرة في البلد العربية ومنهم لورنس الذي التحق بسلك‬
‫المخابرات العسكرية‪ ،‬وعندما دخلت تركيا الحرب في أواخر عام ‪ 1913‬عُّين‬
‫لورنس في القاهرة مشرفا ً على شبكة للتجسس كان هو يختار أعضاءها‬
‫مهماته تهيئة الخرائط العسكرية وضبط وتنظيم المعلومات‬ ‫بنفسه‪ ،‬ومن ُ‬
‫الواردة التي ُتؤخذ من السرى والفارين من الجيش العثماني وتنسيقها مع‬
‫المعلومات الواردة من الجواسيس‪ .‬ولكي يقوم بوظيفته تلك على أكمل وجه‬
‫ظمت مطالعاته لسيما فيما يتعّلق بالتاريخ الحربي حتى يقال‬ ‫م إعداده‪ ،‬فن ُ ّ‬
‫ت ّ‬
‫إّنه قرأ كل ما له علقة بالفروسية وبالقرون الوسطى‪ ،‬وقرأ حوالي ‪25‬‬
‫مجّلدا ً خاصا ً بنابليون‪ ،‬وبعد ذلك قرأ معظم كتب الحرب العائدة إلى القرن‬
‫الثامن عشر‪ .‬ولم يقم لورنس بشحذ ذهنه فحسب بل قام بتدريب جسده‬
‫مل‬ ‫مل المشاق؛ ويروي أحد أصدقائه أّنه كان يختبر طاقاته على التح ّ‬ ‫على تح ّ‬
‫دة يومين أو ثلثة أيام وبالسير مسافات طويلة في‬ ‫بالنقطاع عن الطعام لم ّ‬
‫الصحراء إّبان فصل الشتاء وبالتغلب سباحة أو تسلقا ً على أي حاجز مائي أو‬
‫جبلي يعترض سبيله‪ ،‬وبقضاء أمسيات طويلة وحيدا ً في حقل الرماية يتدّرب‬
‫على إطلق النار حتى أضحت يساره ُتضاهي يمينه في استعمال السلحة‬
‫النارية‪ ،‬وبقطع المسافات الطويلة راكبا ً دراجته دون توقف إلى أن يقع تحت‬
‫وطأة العياء على حافة الطريق )‪.(2‬‬
‫ً‬
‫وليس هذا كل ما في المر‪ ،‬ذلك أن لورنس الشاذ جنسي ّا بشهادة المقربين‬
‫منه)‪ُ (3‬يعتبر من أشهر أدباء عصره؛ فكتابه )أعمدة الحكمة السبعة( التي‬
‫يصف فيها ثورة العرب هو من أوسع المؤلفات النكليزية انتشارًا‪ ،‬وما‬
‫استطاع الوصول إلى ما وصل إليه إل "بالدأب والصبر وقطع الصحراوات‬
‫على ظهور البل وهو ابن الثلج")‪ (4‬لذلك صدق فيه قول الشاعر‪:‬‬
‫ن المجد تمرا ً أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق ال َّ‬
‫صِبرا‬ ‫ل تحسب ّ‬
‫" فلورنس هذه قاد العراب حتى حاز على دمشق وظل ينهك الجيش‬
‫العثماني‪ ،‬وقد أدى لوحده – وفي سبيل قضيه باطلة – ما يؤديه جيش كبير‪،‬‬
‫حتى أّنه خدع نفرا ً من الضباط العرب في الجيش العثماني فكانوا معه في‬
‫مسيرته تلك من الحجاز إلى حلب" )‪.(5‬‬
‫ن من يزرع ل بد ّ أن يحصد‪ ،‬فإذا نظرنا إلى واقعنا اليوم نجد‬ ‫والقاعدة تقول‪ :‬إ ّ‬
‫أن العالم السلمي يتخبط في دوامة يبدو أّنها لن تنتهي من المسرحيات‬
‫المذّلة والمنهكة للعقل العربي والمستنزفة للطاقات العربية كافة‪ ،‬وهذا‬
‫نتيجة تقاعس أبنائه وابتعادهم عن النهج القرآني‪...‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن لورنس لم يكن يهمه من أمر العرب‬ ‫ن أّول وأهم ما يسترعي النتباه أ ّ‬


‫إ ّ‬
‫دم‬ ‫ً‬
‫شيئا فهو لم يكّرس نفسه لنشاء دولة عربية موحدة كما ُيشاع لّنه كان ُيق ّ‬
‫مصلحة بلده على أي شيء آخر‪ ،‬ومصلحة بريطانيا تقضي بإبقاء الشرق‬
‫الوسط منقسما ً على ذاته‪ ،‬يقول لورنس في أحد تقاريره‪ " :‬لو تمكنا من‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تحريض العرب على انتزاع حقوقهم من تركيا ُفجاءة وبالعنف لقضينا على‬
‫خطر السلم إلى البد ودفعنا المسلمين إلى إعلن الحرب على أنفسهم‬
‫فنمزقهم من داخلهم وفي عقر دارهم‪ ،‬وسيقوم نتيجة لذلك خليفة للمسلمين‬
‫في تركيا وآخر في العالم العربي ليخوضا حربا ً دينية داخلية فيما بينهما‪ ،‬ولن‬
‫يخيفنا السلم بعد هذا أبدًا")‪.(6‬‬
‫أما تعهده للعرب بمنحهم الحرية فكانت الطريقة المثلى لجعلهم يشتركون‬
‫في الحرب‪ ،‬يقول في أحد كتبه‪" :‬كان علي أن أشترك في المؤامرة‪ ...‬وقد‬
‫جازفت بالحتيال اعتقادا ً مني بأن العون العربي ضروري للوصول إلى نصر‬
‫سريع وقليل التكاليف في الشرق‪ ...‬الربح مع الخلل بالعهد أفضل من‬
‫الخسارة")‪.(7‬‬
‫لذلك كانت العقبة الساسية التي كانت تواجه بريطانيا وحلفاءها هي السلم؛‬
‫خلفة السلمية‪ ،‬والدليل تقرير‬ ‫لذلك سعوا للقضاء عليه عن طريق هدم ال ِ‬
‫سريّ كتبه لورنس عام ‪ 1916‬بعنوان "سياسة مكة" أوضح فيه رأيه في ثورة‬
‫ن نشاط الحسين مفيد لنا إذ أّنه ينسجم مع أهدافنا الكبيرة‪ ،‬وهي‬ ‫العرب‪ " :‬إ ّ‬
‫ن الدول‬ ‫تفكيك الرابطة السلمية وهزيمة المبراطورية العثمانية وانحللها‪ ،‬ل ّ‬
‫التي ستنشأ لتخلف التراك لن تشكل أي خطر على مصالحنا‪ ...‬فإذا تمكنا‬
‫من التحكم بهم بصورة صحيحة فإنهم سيبقون منقسمين سياسيا ً إلى دويلت‬
‫تحسد بعضها البعض ول يمكن أن تتحد")‪.(8‬‬
‫لذلك كان هم لورنس في ذلك الوقت التأثير على زعماء العرب وكسب ود‬
‫العشائر والقبائل لدفعهم للقيام بالثورة ولو من خلل لبس لباسهم وسلك‬
‫كن من أن يتحكم بهم تحكم الستعماريين بالشعوب‪ .‬يقول‬ ‫سلوكهم كي يتم ّ‬
‫ده لتعليم الضباط على طرق التحكم بالعرب‪:‬‬ ‫في كتيب "البنود ‪ "27‬الذي أع ّ‬
‫" إذا أمكنك لبس ِلباس العرب عندما تكون بين رجال القبائل فإّنك تكسب‬
‫بذلك ثقتهم")‪.(9‬‬
‫ُ‬
‫وللورنس تصريحات عديدة حول فلسطين‪ ،‬ففي إحدى المرات طلب إليه‬
‫إنكار ما جاء في رسالة فيها شتم وتحقير إلى )د‪ .‬ماك أنيس( كاهن البرشية‬
‫النكليكانية في القدس‪ ،‬لعتراض الخير على فكرة إقامة وطن قومي لليهود‬
‫في فلسطين‪ ،‬فرفض لورنس ذلك وعاود الكتابة إلى الكاهن يلومه على‬
‫احتجاجه‪ " :‬كان من الفضل لك أن تفعل شيئا ً آخر غير الحتجاج لكنك غير‬
‫صالح حتى لتنظيف حذاء وايزمان")‪.(10‬‬
‫ف لورنس تأييده لوعد بلفور‪ ،‬فبعد زيارته لفلسطين رأى أنه "‬ ‫لذلك لم ُيخ ِ‬
‫كلما سارع اليهود في الستيلء على فلسطين وزراعة أراضيها كان ذلك‬
‫أفضل"‪ .‬وهذا الرأي عمل لورنس فيما بعد على وضعه موضع التنفيذ‪.‬‬
‫والسؤال الذي ُيطرح هنا‪ :‬أليس التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى؟‬
‫فشعار التحرير والتحديث والتمدين الذي ترفعه أمريكا وبريطانيا اليوم هو‬
‫نفسه الشعار الذي ُرِفع في الحرب العالمية الولى والذي يخفي وراءه‬
‫أطماع ورغبات الغزاة التي تهدف إلى فرض قوانينها وأنظمتها وسلطتها على‬
‫الشعوب الضعيفة وخصوصا ً السلمية وتجزئتها لتفتيت وحدتها ومن ث ّ‬
‫م‬
‫افتراسها كما يفترس الذئب فريسته‪ .‬فإذا اختلفت اليوم السماء والتواريخ‬
‫وتبدلت الوجوه‪ ،‬فالهداف والوسائل هي ذاتها لم تتغير‪.‬‬
‫ومشكلة العرب اليوم أنهم يقرأون التاريخ وكأّنه سرد للوقائع والحوادث دون‬
‫أن ينتبهوا إلى كونه دروسا ً توضح مسار السنن الربانية؛ فكلما انحرف‬
‫ل والهوان‬ ‫المسلمون عن الطريق التي رسمها الله لهم كان نصيبهم الذ ّ‬
‫كم المستبدين والطغاة بهم؛ لذلك قال الشاعر قديمًا‪:‬‬ ‫وتح ّ‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م ليس يدرون الخبر‬ ‫ض ّ‬


‫ل قو ٌ‬ ‫اقرأ التاريخ إذ فيه الِعبر َ‬
‫هوامش‬
‫‪" -1‬لورنس الحقيقة والكذوبة"‪ :‬صبحي العمري‪.‬‬
‫‪" -2‬المخفي من حياة لورنس العرب"‪ :‬لفيليب نايتلي وكولن سمبسون‪.‬‬
‫وج" لمايكل آش‪.‬‬
‫‪" -3‬لورنس ملك العرب غير المت ّ‬
‫‪4‬و ‪" -5‬صناعة الحياة" لمحمد أحمد الراشد‪ :‬ص ‪ .89‬و)ابن الثلج( تعني أّنه‬
‫من البلد ذات الطقس شديد البرودة وتساقط الثلوج‪.‬‬
‫‪" -6‬الوقائع السرّية في حياة لورنس العرب"‪" ،‬المخفي من حياة لورنس‬
‫خطى هرتزل"‬ ‫العرب" لفيليب نايتلي وكولن سمبسون‪ ،‬وكتاب "لورنس على ُ‬
‫لزهدي الفاتح‪.‬‬
‫‪ --10 9- 7-8‬المرجع السابق‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ح‬
‫جا ٌ‬
‫س َ‬
‫مةٍ َ‬
‫سي ْل ِ َ‬
‫م َ‬
‫ل ُ‬ ‫ل ِك ُ ّ‬
‫كلمة عن أحمد صبحى منصور‬
‫د‪.‬إبراهيم عوض‬
‫‪ibrahim_awad9@yahoo.com‬‬
‫د‪ .‬أحمد صبحى منصور مدرس سابق فى جامعة الزهر بدأ حياته التدريسية‬
‫بمهاجمة ما يسمى بكرامات الولياء‪ ،‬وانتهى المطاف به إلى اللحاق برشاد‬
‫خليفة ومرافقته زمنا فى أمريكا ثم انفصل عنه وعاد إلى مصر معلنا رفضه‬
‫لدعائه الرسالة‪ ،‬إل أنه عاد بعد زمن إلى أمريكا كرة أخرى بعد أن كان‬
‫يتعاون معها فى مصر على نطاق واسع‪ ،‬وأخذ يكتب من هناك منطلقا من‬
‫أفكار رشاد خليفة الرسول الفاق ويتبنى كل ما كان يزعمه ذلك الكذاب عن‬
‫نفسه وعن القرآن‪ ،‬وعن الحاديث النبوية التى ينكرها أشد النكار ويرى‬
‫الخذ بها وبالشهادة لسيدنا محمد بالرسالة كفرا وشركا‪ ،‬وكذلك عن‬
‫المسلمين وأنهم جميعا كفار مشركون بدءا من الصحابة حتى يومنا هذا وإلى‬
‫ما شاء الله‪ ،‬اللهم إل من تابعه هو ورشاد خليفة فى ضللهما وفسقهما عن‬
‫مبادئ السلم وعقائده وتشريعاته‪ .‬وفى هذه الدراسة نتناول ما كتب الدكتور‬
‫منصور متمثل فى مقالته التى يجدها القارئ على موقعه فى المشباك‪.‬‬
‫وستكون نقطة البدء المقال الذى كتبه بعنوان "إلى شيخ الزهر لمجرد‬
‫ما‬
‫ً‬ ‫مهاج‬ ‫العظة والنصح والرشاد‪ :‬تعليقا على هجومه على مركز ابن خلدون"‬
‫فيه د‪.‬محمد سيد طنطاوى لهتكه بعض أستار ذلك المركز الذى كان منصور‬
‫يتكسب المكاسب الهائلة من ورائه بوصفه "المدير السابق لرواق ابن‬
‫خلدون والمستشار السلمي السابق للمركز" كما كتب هو نفسه تحت اسمه‬
‫فى عنوان المقال الذى نحن بصدده‪ ،‬إذ كانت أمريكا وما زالت تمده بالمليين‬
‫حسبما قرأنا فى الصحف مرارا‪ .‬وقد قام هجوم الشيخ الصغير ضد أستاذه‬
‫الشيخ الكبير على عدة محاور‪ :‬الول تلقيب الناس له بـ"شيخ الزهر والمام‬
‫فر‬‫الكبر"‪ ،‬والثانى احتكاره تفسير الدين كما يقول‪ ،‬والثالث الدعاء بأنه يك ّ‬
‫الخرين‪.‬‬
‫ة ل أحب أن يتوهم القارئ ولو للحظة واحدة أنى هنا بصدد الدفاع عن‬ ‫وبداي ً‬
‫ُ‬
‫الشيخ طنطاوى‪ ،‬فليس هذا من أربى فى قليل أو كثير‪ ،‬وبخاصة أنى ل أعَد ّ‬
‫من المعجبين بالشيخ بأى حال‪ ،‬لكن هذا ل يمنعنى أن أتكلم بما أرى أنه الحق‬
‫حتى لو جاء كلمى بمحض المصادفة فى صف الشيخ الكبر‪ ،‬إذ إن عدم حبنا‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أو إعجابنا بشخص ما ل يعنى بالضرورة أننا ضد كل ما يصدر عنه‪ ،‬فإذا كان‬
‫ذلك الشخص يتكلم فى قضايا تتفق رؤيتنا مع رؤيته فيها فمن الطبيعى أن‬
‫ندافع عما يدافع هو عنه‪ ،‬بغض النظر عن الحب والعجاب أو الكراهية‬
‫والنفور‪ .‬إنها مسألة مبدإ أول ً وآخًرا‪.‬‬
‫وأول شىء أقف عنده هو سخرية الشيخ الصغير المتأمرك من لقب "شيخ‬
‫الزهر والمام الكبر"‪ .‬ومعروف أن اللقاب هى مجرد مواضعات‬
‫واصطلحات‪ ،‬وعلى هذا فليس من الحكمة أن نمل الدنيا عويل ونقيم مأتما‬
‫على لقب أو اصطلح ل يقدم كثيرا أو يؤخر! وإذا كان منصور يضيق صدرا‬
‫بلقب "شيخ الزهر" مثل‪ ،‬فأى لقب يا ترى ينبغى أن نخصصه للشيخ‬
‫طنطاوى؟ ذلك أنه ل بد من لقب‪ ،‬فما من وظيفة فى الدنيا أو مركز‬
‫اجتماعى أو سياسى أو دينى‪...‬إل ول بد من الصطلح له على لقب‪ .‬والمهم‬
‫أل يصادم اللقب عقيدة من العقائد أو يسىء إلى شخص أو طائفة من الناس‬
‫مثل أو يستفز الذوق الجتماعى‪...‬إلخ‪ .‬فماذا يا ترى فى لقب "شيخ الزهر"‬
‫مما يحرج صدر د‪ .‬منصور وضميره؟ لنقرأ ما كتبه منصور فى هذا الصدد‪" :‬‬
‫تقول جريدة الوفد‪ " :‬طالب فضيلة المام الكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي‬
‫شيخ الزهر الشريف"‪ .‬وأقول ليس فى السلم بعد لقب النبي والرسول‬
‫ألقاب دينية تطلق على أي مسلم‪ ،‬وليس بعد خاتم النبيين عليه السلم‬
‫"إمام"‪ ،‬إذ أنه عليه السلم هو إمام المسلمين بعده‪ ،‬إذ أن شيخ الزهر يجعل‬
‫نفسه "المام الكبر للمسلمين"‪ .‬فإذا كان هو المام الكبر‪ ،‬فماذا أبقى لخاتم‬
‫النبيين عليه وعليهم السلم ؟"‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ة؟" لنك‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫سن ّ ٍ‬
‫م ب ِأي ّةِ ُ‬
‫وسؤالنا إلى سجاح المريكية‪ :‬بأىّ كتاب )ولن أقول‪" :‬أ ْ‬
‫فر‬‫كا يا أيتها الكاهنة التى تك ّ‬ ‫شْر ً‬‫ترفضين اليمان بالسنة بوصفها كفًرا و ِ‬
‫ن أن لقب "شيخ الزهر أو المام الكبر"‬ ‫َ‬
‫ب ت ََري ْ َ‬ ‫المسلمين أجمعين!(‪ ،‬بأىّ كتا ٍ‬
‫ل يجوز إطلقه على الشيخ طنطاوى وأمثاله؟ هاتى لنا آية من القرآن‪ ،‬يا من‬
‫تكررين أنك ل تؤمنين إل بما ورد فى القرآن‪ ،‬تدل على صدق ما تقولين!‬
‫ت إليه‬
‫ت روحك من بدنك ورجع ْ‬ ‫وأتحداك أن تجدى مثل هذه الية ولو طلع ْ‬
‫قب بـ"شيخ الزهر" أو‬ ‫مليون مرة! هل كان النبى صلى الله عليه وسلم يل ّ‬
‫قب بذلك أى شخص غيره؟‬ ‫بـ"المام الكبر" ونهى القرآن الكريم أن يل ّ‬
‫أتحداك يا سجاح أن تأتينا على ذلك ولو بآية واحدة أو بنصف أو بربع أو حتى‬
‫شر آية! إن الذى نعرفه أن النبى والرسول محمدا هو آخر النبياء‬ ‫بعُ ْ‬
‫والمرسلين‪ ،‬ومع ذلك فقد صدرت الوامر المريكية لمسيلمتك يا سجاح بأن‬
‫دث ثغرة فى جدار السلم تهز إيمان‬ ‫ح ِ‬‫ب "الرسول" حتى ي ُ ْ‬ ‫يسرق لق َ‬
‫المسلمين وتربك عقيدتهم وتشوش عليهم المر كله‪ ،‬ثم تابعِته أنت على ذلك‬
‫العهر العقيدى يا من تتظاهرين بالشرف )على طريقة توفيق الدقن‪" :‬أحسن‬
‫من الشرف ما فيش"!(‪ ،‬فخالفتما بذلك ما جاء فى القرآن الكريم بتفرقتكما‬
‫الحلمنتيشية بين النبى والرسول‪ ،‬والزعم بأن رشاد "ساعة لقلبك" إنما هو‬
‫"رسول" وليس "نبيا"‪ ،‬وذلك حتى ت َهُْرَبا من النص القرآنى الذى يقول‪" :‬ما‬
‫ل الله وخاتم النبيين"‪ ،‬مع أن‬ ‫كان محمد أبا أحد من رجالكم‪ ،‬ولكن رسو َ‬
‫المقصود هو أن عصر الوحى السماوى قد انتهى بعد مجىء سيدنا محمد‬
‫برسالته العالمية الخاتمة وإرسائه مبادئ التفكير العقلى المستقيم‪ ،‬وبلورته‬
‫قواعد السياسة العالمية والخلق النسانية الرفيعة التى تجمع فى نسيج‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واحد متلحم بين المثالية والواقعية‪ ،‬وهى ما يحتاجه البشر على اختلف‬
‫أوطانهم وعصورهم وأممهم وثقافاتهم‪ ،‬ول يقبل تغييرا أو تبديل إل إلى السوإ‬
‫كما حدث على يديك أنت ورسولك الكذاب الشر‪.‬‬
‫كاشين اللذين أسلما نفسيهما إلى‬ ‫فلينظر القراء الكرام إلى هذين الب ّ‬
‫الكاوبوى ظان ّْين أنهما سيجدان عنده المال والسمعة والحماية‪ ،‬فلم ينفع‬
‫ل فى مطبخه رغم أنف الكاوبوى ومخابراته‬ ‫ة شىٌء من ذلك وقُت ِ َ‬ ‫مسيلم َ‬
‫وأجهزته المنية‪ ،‬ويوم القيامة يشويه الله فى نار جهنم جزاء وفاقا لكفره‬
‫ومروقه وموالسته مع أعداء الملة والمة‪ ،‬لعنه الله ولعنهم معهم لعنا كبيرا‬
‫جل بإلحاق الهزيمة بهم على يد أشاوسة المسلمين‬ ‫وفضحهم دنيا وأخرى‪ ،‬وع ّ‬
‫فى العراق وأفغانستان وفلسطين‪ ،‬تلك الهزيمة التى نرجو أل تقوم لهم‬
‫بعدها قائمة‪ ،‬ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء‪ ،‬ويخزى وجوه‬
‫ميين ويقتلهم من الرعب والغم والنكد قبل أن تصل إليهم يد‬ ‫سي ْل ِ ّ‬
‫م َ‬
‫الكافرين ال ُ‬
‫دهم يد العون لهم‬ ‫القصاص جزاء خيانتهم وانحيازهم لعداء الدين والوطن وم ّ‬
‫جاحنا بعد ذلك كله‬
‫س َ‬
‫ضد القرآن والسلم والمؤمنين به‪ .‬والعجيب من َ‬
‫صها على إضافة اللقاب لنفسها‪ ،‬فهى تكتب تحت اسمها فى عنوان‬ ‫حر ُ‬
‫المقال الذى ننظر فيه أنها "المدير السابق لرواق ابن خلدون والمستشار‬
‫السلمي السابق للمركز"‪ .‬فكيف تحللين لنفسك أيتها الكاهنة سجاح ما‬
‫َ‬
‫ن أن من حقك كسر‬ ‫مَرك ْ ِ‬
‫ت ت ََري ْ َ‬ ‫تحّرمينه على الشيخ طنطاوى؟ ألنك ت َأ ْ‬
‫القوانين التى تسّنينها أنت نفسك دون أن يكون لحد أية صلحية لمساءلتك؟‬
‫ح!‬
‫ل يا سجاح‪ ،‬هذا ل يص ّ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫عى لنفسها القدرة على‬ ‫ليس ذلك فحسب‪ ،‬بل إن الست سجاح الكاهنة تد ّ ِ‬
‫التنبؤ‪ ،‬فى الوقت الذى تنفى فيه نفيا قاطعا جامعا مانعا أن يستطيع الرسول‬
‫الكرم معرفة أى شىء من أنباء الغيب‪ ،‬مع أن القرآن الكريم يذكر أن الله‬
‫سبحانه قد يطلعه على بعض هذا الغيب إكراما له أو تثبيتا لنبوته أو تدعيما‬
‫ليمان المؤمنين أو تحديا لشرك المشركين‪ !...‬يقول متنبئنا المحروس فى‬
‫ت سنة ‪1991‬‬ ‫نفس المقال الذى يهاجم فيه الشيخ طنطاوى‪" :‬لقد تنبأ ُ‬
‫بالتدمير الذى سيحدث للعراق‪ ،‬وهو ما يحدث الن‪ .‬وقبلها سنة ‪ 1982‬فى‬
‫خاتمة كتابي "السيد البدوي بين الحقيقة والخرافة" تنبأت بأن الصدام‬
‫سيحدث بين الشباب المتدين والسلطة المصرية إذا لم يتم تنقية التراث من‬
‫تلك الحاديث الكاذبة )ل تقصد سجاح تنقية التراث من بعض الحاديث‪ ،‬بل‬
‫من السنة النبوية كلها على بكرة أبيها لنها عندها‪ ،‬وعند رسولها الكذاب الذى‬
‫يصلى الن بمشيئته تعالى جحيم النار فى قعر جهنم‪ ،‬كفر وشرك وإثم(‪،‬‬
‫وحدث ما توقعت بعد عشر سنين من صدام بين السلطة والشباب المتدين‬
‫خلل النصف الول من عقد التسعينيات‪ .‬وأنا الن فى غربتي عن بلدي‬
‫الحبيب أخشى من نبوءة ثالثة‪ :‬إننا إن لم نصلح أمرنا بأيدينا فسيأتي الدمار‪.‬‬
‫فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمرى الى الله‪ .‬إن الله بصير بالعباد"‪ .‬هذا‬
‫العريان الطـ‪..‬ـز‪ ،‬الذى يحب التجميز‪ ،‬يرى أنه قادر على التنبؤ‪ ،‬ل نبوءة‬
‫واحدة بل ثلث نبوءات فى عينه وعين كل عدو للسلم والمسلمين‪ ،‬كل‬
‫نبوءة تنطح النبوءة التى قبلها‪ ،‬أما رسول الله فقد أصدر "جناُبه الواطى" هو‬
‫ومسيلمته بشأنه فرمانا كاوبووّيا بأنه ل ولن يعرف شيئا من أمور الغيب )من‬
‫خلل وحى السماء طبعا‪ ،‬فنحن ل نؤمن بأنه يعرف الغيب من تلقاء نفسه(!‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبالمناسبة فإن سجاح كانت قد أعلنت فى بداية المسرحية الهزلية أنها ل‬


‫توافق مسيلمة على دعواه الرسالة‪ ،‬لكن بعد اجتماع الخيمة التى طّيبها لها‬
‫مسيلمة بالطيوب الحادة النفاذة التى تعمل عمل السحر فى النساء‪،‬‬
‫وبعد‪...‬وبعد‪...‬عادت فسلمت قلعها له! مبارك عليك يا سجاح تسليم القلع!‬
‫أما الخطوة الثالثة فقد تكون ادعاءها النبوة ذاتها‪ ،‬ويومها لن يعّز عليها أن‬
‫تتنصل مما قالته هى ومسيلمتها من قبل‪ ،‬إذ من الممكن جدا أن تقول إن‬
‫دعيها تختلف عن النبوة التى كانت تقول إن محمدا قد وضع‬ ‫النبوة التى ت ّ‬
‫بمجيئه بدعوته حدا لها! ألم تقل هى ومسيلمتها إن النبى هو من يأتى بكتاب‬
‫نبوءات؟ فها هى ذى تتنبأ‪ ،‬وتأتى تنبؤاتها كفلق الصبح! ل أطلع الله عليها‬
‫حّبه‬ ‫ُ‬
‫صبحا‪ ،‬ول جعلها تبصر مساء! وعلى أية حال فالشيخ طنطاوى‪ ،‬الذى ل أ ِ‬
‫جب به حتى مذ كان مفتيا‪ ،‬لم يطلق على نفسه أى لقب‪ ،‬بل الخرون‬ ‫ُ‬
‫ول أعْ َ‬
‫هم الذين يطلقون هذه اللقاب عليه‪ .‬وفى سياقنا هذا نجد أن صحيفة‬
‫"الوفد" هى التى سمته‪" :‬شيخ الزهر" و"المام الكبر"‪ ،‬أما مسيلمة وسجاح‬
‫فهما اللذان يحرصان على إطلق اللقاب على نفسيهما‪ ،‬حتى لو كانت ألقابا‬
‫كفرية كلقب "الرسول"‪ ،‬الذى يمكن أن يتلقب بعده الشيخ أحمد بلقب‬
‫"النبوة" إذا ما اقتضت ظروف الخيانة والعداء لدين محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم أن يعلن النبوة بدوره! ألم يكن يعترض فى البداية على ادعاء رشاد‬
‫س هذا العتراض وأصبح الكاهن الكبر فى‬ ‫"ساعة لقلبك" بأنه رسول‪ ،‬ثم ل َ َ‬
‫ح َ‬
‫معبد المغدور الكافر عليه لعنة الله؟ فما الذى يمنعه من أن ينتقل من هذا‬
‫إلى ادعاء النبوة لنفسه؟‬

‫)‪(3 /‬‬

‫خ الزهر بسببها فهى قوله إن الشيخ‬ ‫أما النقطة الثانية التى يهاجم شي َ‬
‫طنطاوى يحتكر الكلم فى الدين لنفسه‪ .‬ولست أظن أن هناك مسلما‬
‫جاحنا‪ ،‬ومن قبلها‬ ‫س َ‬ ‫يستطيع أن يدعى احتكار الكلم فى الدين الذى تريد َ‬
‫مسيلمتها‪ ،‬أن يحتكراه لنفسيهما دون البشر أجمعين على ما فى موقفهما‬
‫من اتباع للهوى الشارد الساقط الذى ل تضبطه أصول علمية أو تحّرجات‬
‫أخلقية‪ ،‬بل يخضع لنفلت مهووس يأبى إل ادعاء الرسالة ذاتها تقف وراءه‬
‫وتشجعه وكالة المخابرات المركزية المريكية‪ ،‬وكذلك ادعاء المقدرة على‬
‫التنبؤ على ما رأينا فى كلم منصور منذ قليل‪ .‬على أن ليس معنى هذا أن‬
‫ح لكل من هب ودب‪ ،‬بل ل بد من‬ ‫ح مدا َ‬
‫الكلم فى الدين ينبغى أن ي ُت َْرك سدا َ‬
‫اقتصاره على من تؤهله طبيعة دراسته للخوض فى مثل هذه الدراسات التى‬
‫تحتاج إلى التخصص فيها شأنها شأن أى حقل آخر من حقول العلم‪ ،‬سواء‬
‫كان التخصص رسميا أو أخذه الكاتب على عاتقه فتخصص فى هذا الموضوع‬
‫من تلقاء نفسه وحرص بكل ما يستطيع من جهدٍ على التعمق فيه‪ .‬ومع ذلك‬
‫كله فالواقع الذى ل يستطيع أكذب كذوب أن يمارى فيه هو أن أحدا ل‬
‫يستطيع أن يمنع أحدا من الكلم فى الدين‪ ،‬وسجاحنا نفسها أكبر برهان على‬
‫ما نقول‪ ،‬فرغم أن الجميع يعرف ارتباطها بأمريكا وأهداف أمريكا فى‬
‫فى به أعظم الحتفاء‬ ‫حت َ َ‬‫المنطقة وضرب السلم فها هى ذى تكتب ما تريد وي ُ ْ‬
‫ض المواقع‬‫صص لها بع ُ‬ ‫شر لها فى المواقع اللكترونية المختلفة‪ ،‬بل تخ ّ‬ ‫وي ُن ْ َ‬
‫تخصيصا‪ ،‬دون أن يمنعها من الكلم والكتابة مانعٌ أّيا كان‪ .‬ولقد جمعتنى‬
‫مناظرة علمية على الهواء فى التلفاز المصرى منذ بضع سنوات بأحد الزملء‬
‫من الساتذة الجامعيين‪ ،‬وكان مما قلته ردا على مناظرى العلمانى )أو فلنقل‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بصريح العبارة‪" :‬الشيوعى" دون لف أو دوران(‪ :‬إن أحدا ل يستطيع أن يجبر‬


‫أحدا فى السلم على اعتناق رأى ليس مقتنعا به حتى لو كان صاحب الرأى‬
‫هو شيخ الزهر نفسه‪ .‬وأذكر أنه قد عّلق من فوره قائل‪" :‬ما أنبل هذا‬
‫كر القراء بالخلفات التى تقوم بين شيخ‬ ‫الكلم!"‪ .‬وهل أنا بحاجة إلى أن أذ ّ‬
‫الزهر وغيره من أساتذة الزهر وغير الزهر حول بعض آرائه ومواقفه التى‬
‫يهاجمونها هى وصاحبها أشد هجوم وأعنفه؟ إن أشد ما أنفر منه هو هذه‬
‫ما‬
‫ص ّ‬‫السطوانات المشروخة التى يشّغلها لنا دائما كل من يريد أن نخّر ُ‬
‫ما على ما يقول من آراء مارقة تصادم الدين وتحاد ّ الله ورسوله‪،‬‬ ‫مًيا وب ُك ْ ً‬
‫وع ُ ْ‬
‫فكلما رد عليه أحد العلماء المحترمين بأنه قد خرج عن الدين فى كذا وكذا‬
‫هاج وماج‪ ،‬وثار وفار‪ ،‬وبدأ تشغيل السطوانة إياها إرهاًبا لمن ل يشاطره رأيه‬
‫كر السادة القراء بأن‬ ‫الفطير المارق! وهل أنا بحاجة هنا أيضا إلى أن أذ ّ‬
‫الشيخ طنطاوى هو آخر من يمكن اتهامه بأنه يعادى أمريكا "لله فى لله"!‬
‫الحق أنه لم يقل ما قال عن مركز ابن خلدون إل بعد أن كانت روائح‬
‫نشاطاته قد ملت الفاق وزكمت الناف وخاضت فيها الصحف والمجلت!‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وبالمناسبة فالدكتور أحمد صبحى منصور‪ ،‬الذى ل يريد أية قيود على الكتابة‬
‫فى السلم‪ ،‬هو هو نفسه الذى يقول فى رده على عبد الرحيم على )أحد‬
‫الذين كانوا يتعاونون مع مركز ابن خلدون ثم انقلب عليهم وهاجمهم( إن‬
‫الكتابة فى القضايا السلمية تحتاج إلى متخصص متخرج من الزهر ل إلى‬
‫واحد مثله ل يستطيع معالجة مثل هذه المسائل بما ينبغى‪ .‬وبالمناسبة أيضا‬
‫عى دائما الفقر ومعاناة شظف العيش فى بلد العم سام‬ ‫فهذا الذى يد ّ ِ‬
‫م عليه هو وعمه سام‪ ،‬آمين يا رب العالمين!( هو هو نفسه الذى كان‬ ‫سا ُ‬‫)ال ّ‬
‫يكتب جميع الدراسات والبحاث تقريبا لمركز ابن خلدون بما يعنى ذلك من‬
‫دخول الموال التى ل حصر لها فى كرشه بصفته مستشار المركز )أ َىْ فَْرخته‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وا عبد الرحيم‬‫شك!(‪ .‬ودليلنا على ذلك أنهم فى المركز كانوا قد أعْط َ ْ‬ ‫م كِ ْ‬
‫أ ّ‬
‫على هذا )رغم ما قالوه فيه من أنه ل يصلح للكتابة فى الشؤون السلمية(‬
‫ث ل راح ول جاء من‬ ‫مبلغ خمسة آلف جنيه تحت الحساب مقابل إعداد بح ٍ‬
‫وجهة نظرهم‪ ،‬فماذا كانوا سيعطونه على البحث حين يكتمل ويقبلونه؟ وماذا‬
‫كان هو )المستشار الكبير( يأخذ لقاء ما كانوا يكلفونه به من دراسات تهاجم‬
‫فر المسلمين على‬ ‫السلم وتطعن فى القرآن والحديث وكبار الصحابة وتك ّ‬
‫ب َك َْرة أبيهم منذ الصحابة فنازل ً حتى عصرنا هذا وإلى ما شاء الله‪ ،‬اللهم إل‬
‫خة؟ ومما له مغزاه فى‬ ‫من كفر بمحمد ودينه وآمن برسول الميثاق أبى ش ّ‬
‫هذا السياق أن ابنه الصغير جدا )حسبما كتب هو فى مقال له يخاطب فيه‬
‫كر فى القضاء على مشكلت مصر القتصادية‪ ،‬لم يخطر‬ ‫هذا الولد(‪ ،‬حين ف ّ‬
‫له إل رقم البليون دولر قائل إنه يمكنه أن يحل كل تلك المشاكل بذلك‬
‫المبلغ‪ ،‬فما معنى هذا؟ إن أبناءنا حتى الكبار منهم الذى تخرجوا وأصبحت‬
‫لهم مرتبات ل يفكرون فى امتلك مثل هذا المبلغ ول ربعه ول عشره ول‬
‫واحدا على اللف ول على اللفين منه‪ ،‬وأقصى ما يبلغه خيالهم هو بضعة‬
‫عشرات من اللف‪ ،‬ومثلهم أنا فى ذلك‪ ،‬إذ كل إنسان إنما يتكلم عما يعرف‪،‬‬
‫فما الذى عّرف الولد الصغير ابن صاحبتنا سجاح بمبلغ البليون دولر‪ ،‬إل إذا‬
‫كان هذا المبلغ هو من أحاديث الحياة اليومية فى بيتهم على القل تبعا لواقع‬
‫المركز الخلدونى الذى تغدق عليه أمريكا بالمليين حسبما ذكرت الصحف‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكبار الكتاب والمفكرين الذين كانوا يتعاونون معه ثم انفضوا عنه؟ ويستطيع‬
‫القارئ أن يراجع المسألة فى مقال منشور بموقع المركز المذكور كتبه‬
‫صاحبنا أبو ‪ 3‬نبوءات )التى أدعو الله أن يقّيض لها من يلحنها ويغنيها كما‬
‫فعلوا فى أواسط الخمسينات من القرن الماضى مع أغنية‪ 3" :‬سلمات‪ ،‬يا‬
‫واحشنى‪ 3 ،‬سلمات"!(‪ .‬ومع هذا فصاحبنا يشكو مما يقاسيه الن فى بلد‬
‫مى الد ّب ََبة!(‪ ،‬ولو لم أكن أعرف‬
‫مم بدنه هو وعمه سام‪ ،‬عَ َ‬ ‫العم سام )ربنا يس ّ‬
‫خبيئة أمره لتقطع قلبى حزنا عليه‪ ،‬فأنا سريع التأثر كالمنفلوطى للمساكين‬
‫وأطير لمساعدتهم طيرانا لنى كنت واحدا منهم يوما‪ ،‬ولظننت أنه )يا كبدى‬
‫عليه!( قد اتخذ من أحد الحواش فى جّبانة نيويورك أو شيكاغو أو فرجينيا‬
‫مهجعا له ولولده ليل‪ ،‬أما بالنهار فيقفون على باب إحدى الكنائس )الكنائس‬
‫ل المساجد‪ ،‬لن مثله ل علقة له بمساجد المسلمين( يمدون أيديهم إلى‬
‫الداخلين والخارجين وهم يصيحون فى صوت واحد منّغم‪ ،‬وقد عصب كل‬
‫منهم عينيه وربط ذراعه إلى كتفه فى صورة من الصور التى كانت تفتن‬
‫شا الَغلَبى عليك يا رب"! يا لبجاسة‬ ‫مك ْ ِ‬
‫دين‪ ،‬قائلين‪" :‬عَ َ‬ ‫حَيل ال ُ‬
‫الجاحظ فاضح ِ‬
‫الباجسين!‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وتبقى مسألة التكفير‪ ،‬وأترك لسجاح عرض القضية‪ .‬تقول سجاح‪" :‬ومن‬
‫ملمح الكهنوت فى هجومه )أى الشيخ طنطاوى‪ ،‬شيخ الزهر( تكفير مخالفيه‬
‫فى الرأى‪ ،‬إذ أنه بعد ادعاء الحتكار للدين‪ ،‬يتهم مخالفيه فى الرأى بالخروج‬
‫على هذا الدين الذى احتكره لنفسه‪ ،‬وهو يتهمهم مرتين بأنهم "أعداء‬
‫خارجون"‪) ،‬ان هؤلء جماعة خارجون وسبق أن اتهم أحدهم بخيانة البلد(‬
‫ن ما فعلوه )وصمة عار ونكبة يجب أن يتداركها‬ ‫ويدعو الى مواجهتهم بقوة ل ّ‬
‫المجتمع والمسلمون( ويطالب بقوة )بمنع هذه المهاترات( و )ضرورة ايقاف‬
‫مركز ابن خلدون لدورها التخريبي فى المجتمع المصري( وأنه )يجب ايقافها‬
‫ومحاكمتها(‪ .‬وأقول جاءت هذه الفتاوى التكفيرية مصحوبة بالمطالبة بالتدخل‬
‫بالقوة والمنع وانشاء محاكم التفتيش‪ ،‬وهنا يضع شيخ الزهر الدولة المصرية‬
‫فى مأزق‪ :‬فإما أن تتدخل طبقا لفتاويه كما فعلت فى الماضي وبذلك يكسب‬
‫مركز ابن خلدون عالميا‪ ،‬وتخسر الدولة المصرية أضعاف أضعاف ما خسرته‬
‫فى غارتها السابقة على المركز‪ ،‬وإما أن تتجاهل الدولة فتاوى شيخها‬
‫الزهرى وتترك الفرصة للمتطرفين كي يقوموا عنها بذلك الدور‪ ،‬وبذلك‬
‫يتكرر ما حدث فى اغتيال فرج فودة حين أصدر الشيوخ ضده– وضدي‪-‬‬
‫فتاوى الردة‪ ،‬ثم بعد اغتيال فرج فودة أعلن أحدهم فى محاكمة القتلة أن‬
‫فرج فودة مرتد ومستحق للقتل وأن القاتل افتأت على السلطة حين قتل‬
‫من يجب أن تقتله الدولة‪ .‬ان خطورة هذا التكفير محققة وتستهدف اغتيال د‪.‬‬
‫سعد الدين ابراهيم ورفاقه‪ ،‬خصوصا القرآنيين‪ .‬والسوابق تؤكد ذلك من‬
‫حادثة فرج فودة الى نجيب محفوظ وغيرهم‪ .‬وهنا فإن شيخ الزهر د‪ .‬محمد‬
‫سيد طنطاوي‪ ،‬بشخصه‪ ،‬يعتبر مسئول مسئولية مباشرة عن أى أذى يلحقه‬
‫المتطرفون الرهابيون بشخص د‪ .‬سعد الدين ابراهيم ورفاقه‪ ،‬ويعتبر هذا‬
‫بلغا مقدما‪ ،‬ليس فقط للنائب العام فى مصر‪ ،‬ولكن لكل المؤسسات‬
‫الدولية الداعية للصلح فى مصر والشرق الوسط والمعنية بحقوق النسان‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ان شيخ الزهر فى اندفاعه للهجوم غفل عن حقائق علمية قرآنية‬
‫وتاريخية وقانونية‪ .‬انه يقول "ان توصية المركز بتنقية التراث الديني‪ ،‬ل سيما‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما يتعلق بالحديث النبوي والسنة واعتماد النص القرآني مرجعية حاكمة‬
‫وحيدة‪ ،‬هى دعوة صريحة لغفال مصدر رئيسي فى السلم وهو السنة‬
‫النبوية"‬
‫وأقول أنه‪:‬‬
‫‪ -1‬ينكر أن يكون القرآن مرجعية حاكمة وحيدة ‪.‬‬
‫‪ -2‬يهاجم تنقية التراث والحاديث والسنن ‪.‬‬
‫‪ -3‬يعتبر السنة النبوية من مصادر التشريع فى السلم‪.‬‬
‫ونرد عليه بإيجاز قدر المستطاع ‪:‬‬
‫ينكر أن يكون القرآن مرجعية حاكمة وحيدة ‪:‬‬
‫‪ -1‬وهو بذلك يتجاهل قوله تعالى "أفغير الله ابتغي حكما‪ ،‬وهو الذى أنزل‬
‫اليكم الكتاب مفصل‪ :‬النعام ‪ ،"114‬والقرآن هو وحده الذى نحتكم اليه حين‬
‫نختلف‪ ،‬وعادة ما يحدث الختلف بسبب الحاديث الضالة المنسوبة كذبا‬
‫للنبي عليه السلم أو لله تعالى‪ ،‬ولذلك فإن الله تعالى يقول قبل الية‬
‫م‬
‫ضهُ ْ‬‫حي ب َعْ ُ‬ ‫ن ُيو ِ‬‫ج ّ‬‫س َوال ْ ِ‬‫لن ِ‬ ‫نا ِ‬ ‫طي َ‬‫شَيا ِ‬ ‫ي عَد ُّوا َ‬ ‫جعَل َْنا ل ِك ُ ّ‬
‫ل ن ِب ِ ّ‬ ‫ك َ‬ ‫السابقة "وَك َذ َل ِ َ‬
‫ن‪:‬‬‫فت َُرو َ‬‫ما ي َ ْ‬ ‫م وَ َ‬‫ما فَعَُلوه ُ فَذ َْرهُ ْ‬‫ك َ‬ ‫شاء َرب ّ َ‬‫ل غُُروًرا وَل َوْ َ‬ ‫قو ْ ِ‬‫ف ال ْ َ‬ ‫خُر َ‬ ‫ض ُز ْ‬ ‫َ‬
‫إ ِلى ب َعْ ٍ‬
‫النعام ‪ ،"112‬فهنا يشير الله تعالى الى الوحي الشيطاني بأحاديثه الضالة‬
‫المزخرفة‪ ،‬ثم يقول عمن يتبع هذا الحديث الضال "ولتصغى اليه أفئدة الذين‬
‫ل يؤمنون بالخرة وليرضوه وليقترفوا ماهم مقترفون‪ :‬النعام ‪ ،"113‬أى‬
‫يهواها الذين ل يؤمنون بالخرة ويفسدون فى الرض‪ .‬ثم تأتى الية التالية‬
‫لتجعل الحتكام الى القرآن وحده فى تلك الحاديث الضالة‪" ،‬أفغير الله‬
‫أبتغى حكما‪ ،‬وهو الذى أنزل اليكم الكتاب مفصل‪ :‬النعام ‪ ."114‬ثم تأتى‬
‫الية التالية تؤكد تمام القرآن وصدقه وعدله "وتمت كلمة ربك صدقا وعدل‪،‬‬
‫ل مبدل لكلماته‪ ،‬وهو السميع العليم‪ :‬النعام ‪ ."115‬ويدور سؤال‪ :‬ماذا اذا‬
‫خالف البشر جميعا آية قرآنية واحدة‪ ،‬وتأتى الجابة من رب العزة سبحانه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِل ّ‬‫ل الل ّهِ ِإن ي َت ّب ُِعو َ‬ ‫سِبي ِ‬‫عن َ‬ ‫ك َ‬ ‫ضّلو َ‬ ‫ض يُ ِ‬
‫من ِفي الْر ِ‬ ‫وتعالى "وَِإن ت ُط ِعْ أك ْث ََر َ‬
‫ن‪ :‬النعام ‪ "116‬اذن هم يتبعون الظن بدل من‬ ‫صو َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫م إ ِل ّ ي َ ْ‬‫ن هُ ْ‬ ‫الظ ّ ّ‬
‫ن وَإ ِ ْ‬
‫كتاب الله الذى ل ريب فيه‪ .‬وعلماء الحديث يقررون أن الحاديث تقوم على‬
‫الظن‪ ،‬وليس على اليقين‪ ،‬وهم بهذا يؤكدون اعجاز القرآن فيما نبأ بما‬
‫سيفعله بعض المسلمين بعد نزول القرآن‪ ،‬حين ينسبون للنبي أحاديث بعد‬
‫موته بقرون‪ ،‬ويسندون تلك الحاديث الى الصحابة الذين ماتوا بعد انهماكهم‬
‫فى السياسة والفتوحات والفتنة الكبرى‪ .‬ماتوا دون أن يعرفوا ماذا أسند‬
‫اليهم الرواة بعد موتهم بقرون فى العصر العباسي‪ .‬والحقيقة المؤسفة أن‬
‫شيخ الزهر برفضه الحتكام للقرآن فى تلك الحاديث أنه يعترف ضمنا‬
‫بتعارضها مع القرآن ويخاف عليها من الحتكام الى القرآن بشأنها وينحاز اليها‬
‫دفاعا عنها‪ ،‬فيهاجم مركز ابن خلدون فى دعوته الى الحتكام الى القرآن‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪ -2‬تنقية التراث من الحاديث والسنن‪ :‬ان شيخ الزهر حين يهاجم تنقية‬
‫التراث بأحاديثه وسننه‪ ،‬انما يغفل حقائق تاريخية عليه أن يعرفها ويعترف بها‪.‬‬
‫فأئمة الجتهاد فى الفقه والحديث انصب اجتهادهم على تنقية التراث‬
‫الشفهى‪ ،‬أو الحاديث الشفهية‪ .‬فمالك انتقى كتابه "الموطأ" بأحاديثه التى‬
‫تزيد قليل على اللف حديث من عشرات اللوف من الحاديث الرائجة فى‬
‫عصره‪ .‬والبخاري انتقى صحيحه "حوالى ‪ 3‬آلف حديث" من بين ستمائة ألف‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حديث‪ .‬ومسلم لم يقتنع باجتهاد البخاري‪ ،‬فكتب "صحيح مسلم" بمقدمة‬


‫رائعة عن الوضع فى الحديث‪ ،‬أو الكذب فى الحديث‪ ،‬و"الحاكم" استدرك‬
‫على البخاري ومسلم معا‪ .‬وجاء ابن حنبل فألغى أبوابا كاملة من الحديث‬
‫حين قال "ثلثة ل أصل لها‪ ،‬التفسير والملحم والمغازي"‪ .‬بل إن ابن حنبل‬
‫ألغى "الجماع" من مصادر التشريع لدى المسلمين حين قال "من ادعى‬
‫الجماع فى شيئ فقد كذب‪ ،‬ومن أدراه أن الناس قد اختلفوا‪ ،‬وهو ل يعلم؟"‪،‬‬
‫ثم جاء الحنابلة أتباع ابن حنبل‪ ،‬فأكثروا من وضع الحديث‪ ،‬ومنها حديثهم‬
‫المشهور "من رأى منكم منكرا‪ ،‬فليغيره"‪ .‬وقد تصدى لهم أئمة الحنابلة‬
‫أنفسهم‪ ،‬ومنهم ابن الجوزي فى القرن السادس‪ ،‬فى كتابه "الللئ‬
‫المصنوعة فى الحاديث الموضوعة"‪ ،‬وابن تيمية فى القرن الثامن فى كتابه‬
‫"أحاديث القصاص"‪ ،‬وابن القيم صاحب ابن تيمية فى كتابه "المنار المنيف‬
‫فى الصحيح والضعيف"‪ ،‬ثم السيوطي فى القرن العاشر فى كتابه المشهور‬
‫عن الموضوعات فى الحديث‪ .‬وحتى عصرنا الراهن كتب اللباني )وهو فى‬
‫الصل ساعاتي من البلقان( كتب موسوعته فى الحاديث الضعيفة‪ ،‬وكل ذلك‬
‫فى نفس الطار "تنقية الحاديث‪ ،‬أو تنقية التراث"‪ ،‬وقد قام بها علماء من‬
‫خارج الزهر قبل وبعد انشائه‪.‬‬
‫على أن علماء أجلء من الزهر قاموا أيضا بنفس الدور ‪ ،‬فالشيخ محمد عبده‬
‫فى تفسيره أنكر الشفاعة وأنكر علم النبي بالغيب‪ ،‬محتكما فى ذلك الى‬
‫القرآن العظيم‪ .‬وصار على نهجه الشيخ شلتوت‪ ،‬شيخ الزهر‪ ،‬فى كتابيه‬
‫"الفتاوي‪ ،‬والسلم عقيدة وشريعة" وان لم يقترب من عبقرية المام محمد‬
‫عبده‪ .‬ول ننسى جهد أستاذ المحققين أحمد أمين فى كتبه "فجر السلم‪،‬‬
‫ضحى السلم‪ ،‬ظهر السلم"‪ .‬والى عهد قريب كان يقال أن هناك لجان فى‬
‫الزهر لتنقية التراث‪ ،‬وكان أولى لشيخ الزهر د‪ .‬طنطاوي أن يقوم بهذا‬
‫العمل‪ ،‬ليس فقط خدمة للسلم‪ ،‬واصلحا للمسلمين بالسلم‪ ،‬ولكن أيضا‬
‫لن ذلك ما يمليه عليه واجبه الوظيفي‪ .‬ان قانون الزهر يفرض على أساتذة‬
‫الزهر "تجلية حقائق السلم" وهذا يعني أن هناك حقائق اسلمية خفية يجب‬
‫اظهارها‪ ،‬وأن هناك أباطيل منسوبة للسلم يجب كشفها وفضحها وازالتها‪،‬‬
‫والمعيار فى ذلك هو الميزان الكتاب الفرقان القرآن العظيم‪ .‬ولكن شيخ‬
‫الزهر لم يتقاعس فقط عن هذه المهمة‪ ،‬وانما تطاول على المجتهدين الذين‬
‫تطوعوا للقيام بهذا العمل حبا فى السلم‪ ،‬واصلحا للمسلمين‪.‬‬
‫‪ -3‬ان شيخ الزهر يعتبر السنة "سنة البخاري وغيره" من مصادر التشريع فى‬
‫السلم وهذا خطأ فى التعبير‪ ،‬فهل يعقل أن تظل مصادر التشريع فى‬
‫السلم ناقصة الى أن يأتي البخاري وغيره بعض موت النبي بقرون‬
‫ليكملوها؟ وماذا نفعل بقوله تعالى "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم‬
‫نعمتى ورضيت لكم السلم دينا‪ :‬المائدة ‪ "3‬ان العبارة الصحيحة هي‪ :‬ان‬
‫القرآن الكريم هو المصدر الوحيد للتشريع فى السلم‪ ،‬أما المسلمون فقد‬
‫أضافوا له مصادر اخرى توسعت بها الفجوة بينهم وبين السلم‪ ،‬وكان من‬
‫بين تلك المصادر الحاديث والسنن‪ ،‬وكلهم مختلفون فيها جزئيا وكليا‪ .‬ان تلك‬
‫الحاديث ليست جزءا من دين السلم وأولئك الذين يعتبرونها جزءا من‬
‫السلم‪ ،‬انما يتهمون النبي عليه السلم بأنه لم يبلغ الدين كامل وبأنه فرط‬
‫فى تبليغ هذا الجزء وهذا اتهام نرفضه‪ ،‬لنه عليه السلم بّلغ الدين كامل‪ ،‬وهو‬
‫القرآن العظيم المحفوظ الى يوم القيامة‪ .‬ولتأكيد هذا فإنني أورد تلك‬
‫الحقائق السلمية لتذكير شيخ الزهر وغيره‪:‬‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬‫‪ -1‬أن القرآن الكريم وحده هو الحديث الذى يجب اليمان به وحده "أ َ‬
‫َ ْ‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سى َأن‬ ‫ن عَ َ‬
‫َ‬
‫يٍء وَأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬‫من َ‬ ‫ه ِ‬ ‫خل َقَ الل ّ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ت َوال َْر‬ ‫ماَوا ِ‬‫س َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫كو ِ‬ ‫مل َ ُ‬ ‫َينظ ُُروا ْ ِفي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‪ :‬العراف ‪" ،"185‬فَب ِأ ّ‬
‫ي‬ ‫مُنو َ‬ ‫ث ب َعْد َه ُ ي ُؤْ ِ‬ ‫دي ٍ‬ ‫م فَب ِأيّ َ‬
‫ح ِ‬ ‫جل ُهُ ْ‬
‫بأ َ‬ ‫ن قَدِ اقْت ََر َ‬ ‫كو َ‬‫يَ ُ‬
‫ن‪ :‬المرسلت ‪ ،"50‬وكما ينبغي اليمان بالله وحده الها‬ ‫مُنو َ‬ ‫ث ب َعْد َه ُ ي ُؤْ ِ‬
‫دي ٍ‬‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫أ‬‫ب‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫با‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ها‬ ‫ُ‬
‫لو‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫يا‬ ‫آ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫"‬ ‫حديثا‬ ‫وحده‬ ‫بالقرآن‬ ‫اليمان‬ ‫ينبغي‬
‫ِ َْ َ َ ْ ِ َ ّ ِ ّ‬ ‫َ ُ‬ ‫ِ‬
‫ن‪ :‬الجاثية ‪ "6‬ويتكرر فى القرآن الكريم التأكيد‬ ‫مُنو َ‬ ‫ث ب َعْد َ الل ّهِ َوآَيات ِهِ ي ُؤْ ِ‬ ‫دي ٍ‬‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ذب بآياته‪.‬‬ ‫على أن أفظع الظالمين ظلما هو من افترى على الله كذبا أو ك ّ‬
‫وبعضهم يكذب آيات الله اذا تعارضت مع البخاري‪ ،‬ويرفض الحتكام الى‬
‫القرآن فى أحاديث البخاري وغيره‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫م‬‫معَن ّك ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ه إ ِل ّ هُوَ ل َي َ ْ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫‪ -2‬القرآن وحده أصدق الحديث وأصدق القول "الل ّ ُ‬


‫إَلى يوم ال ْقيامة ل َ ريب فيه وم َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ديًثا‪ :‬النساء ‪َ" ،"87‬وال ّ ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫صد َقُ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ ْ َ ِ ِ َ َ ْ‬ ‫َ ْ ِ ِ َ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ن ِفيَها‬ ‫دي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫خا‬‫َ‬ ‫ر‬ ‫ها‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ها‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫ري‬ ‫ج‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫ٍ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫د‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫حا‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫صا‬ ‫ال‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫ا‬‫نو‬ ‫ُ‬ ‫م‬ ‫آ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن اللهِ ِقيل‪ :‬النساء ‪ ."12‬والقرآن وحده هو‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫صد َقُ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫قا وَ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫دا وَعْد َ اللهِ َ‬ ‫أب َ ً‬
‫أحسن الحديث‪ ،‬وما عداه من كلم فى الدين هو طاغوت‪ ،‬حتى ولو كان‬
‫م‬
‫داهُ ُ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ه أ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫سن َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬
‫ل فَيتبعو َ‬
‫قو ْ َ َ ّ ِ ُ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫حسنا مزخرفا "ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه وَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ي‬ ‫مَثان ِ َ‬ ‫شاب ًِها ّ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ث ك َِتاًبا ّ‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ه ن َّز َ‬ ‫ب* الل ّ ُ‬ ‫م أوُْلوا اْلل َْبا ِ‬ ‫ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫م إ َِلى ذِك ْرِ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م وَقُُلوب ُهُ ْ‬ ‫جُلود ُهُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ت َِلي ُ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫شو ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫جُلود ُ ال ّ ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫شعِّر ِ‬ ‫ق َ‬ ‫تَ ْ‬
‫هادٍ‪ :‬الزمر ‪-17‬‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ضل ِ ْ‬ ‫من ي ُ ْ‬ ‫شاء وَ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫دي ب ِهِ َ‬ ‫دى الل ّهِ ي َهْ ِ‬ ‫ك هُ َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫‪."23‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ك ِبال ّ ِ‬ ‫خوُّفون َ َ‬ ‫ف عَب ْد َه ُ وَي ُ َ‬ ‫كا ٍ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫س الل ّ ُ‬ ‫‪ -1‬يكتفى المؤمن بالله تعالى ربا "أل َي ْ َ‬
‫هاٍد‪ :‬الزمر ‪ "36‬ويكتفى أيضا بالقرآن‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ضل ِ ِ‬ ‫من ي ُ ْ‬ ‫من ُدون ِهِ وَ َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ب ي ُت ْلى عَلي ْهِ ْ‬ ‫ك الك َِتا َ‬ ‫م أّنا أنَزلَنا عَلي ْ َ‬ ‫فهِ ْ‬ ‫م ي َك ْ ِ‬ ‫كتابا وحيدا "أوَل ْ‬
‫ن‪ :‬العنكبوت ‪ ،"51‬وكما أنه ليس لله تعالى مثيل‬ ‫مُنو َ‬ ‫قوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬ ‫ة وَذِك َْرى ل ِ َ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫ل ََر ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جا‬ ‫ن اْل َن َْعام ِ أْزَوا ً‬ ‫م َ‬ ‫جا وَ ِ‬ ‫م أْزَوا ً‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن أن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ض َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬
‫َْ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫"َفاط ُِر ال ّ‬
‫صيُر‪ :‬الشورى ‪ "11‬فإنه ليس‬ ‫ميعُ الب َ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫يٌء وَهُوَ ال ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫مث ْل ِهِ َ‬ ‫سك ِ‬ ‫َ‬ ‫م ِفيهِ لي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ي َذ َْرؤُك ُ ْ‬
‫ذا ال ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫قْرآ ِ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫ن عََلى أن ي َأُتوا ْ ب ِ ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫س َوال ْ ِ‬ ‫لن ُ‬ ‫تا ِ‬ ‫معَ ِ‬ ‫جت َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ّ‬
‫للقرآن مثيل "ُقل لئ ِ ِ‬
‫ض ظ َِهيًرا‪ :‬السراء ‪."88‬‬ ‫مث ْل ِهِ وَل َوْ َ‬ ‫ْ‬
‫ٍ‬ ‫م ل ِب َعْ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ن ب َعْ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫ل َ ي َأُتو َ‬
‫ل إ ِل َي ْ َ‬
‫ك‬ ‫ب ُأنزِ َ‬ ‫‪ -2‬النبي محمد والمؤمنون مأمورون بإتباع القرآن وحده " ك َِتا ٌ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫ما أنزِل إ ِلي ْكم‬ ‫َ‬ ‫ن‪ ،‬ات ّب ُِعوا ْ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ه ل ُِتنذَِر ب ِهِ وَذِك َْرى ل ِل ْ ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ج ّ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫ك َ‬ ‫صد ْرِ َ‬ ‫كن ِفي َ‬ ‫فَل َ ي َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ن‪ :‬العراف ‪ " ، "3 -2‬وَأ ّ‬ ‫ما ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫من ُدون ِهِ أوْل َِياء قَِليل ً ّ‬ ‫م وَل َ ت َت ّب ُِعوا ْ ِ‬ ‫من ّرب ّك ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫سِبيل ِهِ ذ َل ِك ُْ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫عن‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬
‫َ ّ َ ِ ْ‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ب‬
‫ّ ُ‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫عو‬ ‫ب‬
‫ُِّ ُ َ َُِّ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫عو‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ما‬ ‫ُ ْ َِ ً‬ ‫قي‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫طي‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫را‬ ‫ص‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫ن‪ :‬النعام ‪."153‬‬ ‫َ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫ِ ِ َ ْ َّ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫كم‬ ‫ُ‬ ‫صا‬ ‫وَ ّ‬

‫)‪(8 /‬‬

‫‪ -3‬هناك فرق فى مفاهيم القرآن فيما يخص النبي محمد بين لفظى النبي‬
‫والرسول‪ .‬محمد النبي هو شخصه وعلقاته بمن حوله‪ ،‬لذا يأتى له المر‬
‫ما‬ ‫ن بِ َ‬
‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ك إِ ّ‬ ‫من ّرب ّ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫حى إ ِل َي ْ َ‬ ‫ما ُيو َ‬
‫باتباع الوحي بصفة النبي"َوات ّب ِعْ َ‬
‫َ‬
‫م‬
‫ي لِ َ‬ ‫خِبيًرا الحزاب ‪ "2‬ويأتيه العتاب واللوم بصفة النبي "َيا أي َّها الن ّب ِ ّ‬ ‫ن َ‬‫مُلو َ‬
‫ت َعْ َ‬
‫م‪ :‬التحريم ‪"1‬‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫جك َوالل ُ‬ ‫ت أْزَوا ِ‬ ‫ضا َ‬‫مْر َ‬‫ه لك ت َب ْت َِغي َ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ما أ َ‬‫م َ‬‫حّر ُ‬‫تُ َ‬
‫جكَ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ي ُقل لْزَوا ِ‬ ‫ويأتى الحديث عن علقاته بمن حوله بصفة النبي‪َ" ،‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫كنتن تردن ال ْحياةَ الدنيا وزينتها فَتعال َي ُ‬
‫ميل‪:‬‬ ‫ج ِ‬‫حا َ‬ ‫سَرا ً‬ ‫ن َ‬ ‫حك ُ ّ‬ ‫سّر ْ‬ ‫ن وَأ َ‬ ‫مت ّعْك ُ ّ‬‫نأ َ‬ ‫ََ ْ َ‬ ‫َّْ َ ِ َََ‬ ‫َ َ‬ ‫ِإن ُ ُ ّ ُ ِ ْ َ‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ف ل ََها‬ ‫ْ‬
‫ضاعَ ْ‬ ‫مب َي ّن َةٍ ي ُ َ‬ ‫شة ٍ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫فا ِ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫منك ُ ّ‬ ‫ت ِ‬ ‫من ي َأ ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ساء الن ّب ِ ّ‬ ‫الحزاب ‪َ" ،"28‬يا ن ِ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫مُنوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سيًرا‪ :‬الحزاب ‪َ" ،"30‬يا أي َّها ال ِ‬ ‫ن ذ َل ِك عَلى اللهِ ي َ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫في ْ ِ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ذا ُ‬
‫َ‬
‫م‪ :‬الحزاب ‪ "53‬أما محمد الرسول‪ ،‬فهو‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫ي إ ِّل أن ي ُؤْذ َ َ‬ ‫ت الن ّب ِ ّ‬ ‫خُلوا ب ُُيو َ‬ ‫َل ت َد ْ ُ‬
‫عندما يبلغ الرسالة‪ .‬وبعد موت النبي وتبليغ الرسالة كاملة‪ ،‬فإن الرسول هو‬
‫جد ْ ِفي‬ ‫ل الل ّهِ ي َ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫جْر ِفي َ‬ ‫من ي َُها ِ‬ ‫القرآن وحده‪ ،‬نفهم هذا من قوله تعالى "وَ َ‬
‫م‬‫سول ِهِ ث ُ ّ‬ ‫جًرا إ َِلى الل ّهِ وََر ُ‬ ‫مَها ِ‬ ‫من ب َي ْت ِهِ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ْ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫سعَ ً‬ ‫ما ك َِثيًرا وَ َ‬ ‫مَراغَ ً‬ ‫ض ُ‬ ‫ِ‬ ‫ال َْر‬
‫َ‬
‫ما‪ :‬النساء ‪،"100‬‬ ‫حي ً‬ ‫فوًرا ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫على الل ّهِ وَ َ‬ ‫جُرهُ َ‬ ‫قد ْ وَقَعَ أ ْ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ي ُد ْرِك ْ ُ‬
‫هّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صم ِبالل ِ‬ ‫من ي َعْت َ ِ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫سول ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ت اللهِ وَِفيك ُ ْ‬ ‫م آَيا ُ‬ ‫م ت ُت ْلى عَلي ْك ُ ْ‬ ‫ن وَأنت ُ ْ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ف ت َك ْ ُ‬ ‫"وَك َي ْ َ‬
‫دا‬ ‫ذاًبا َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فَ َ‬
‫دي ً‬ ‫ش ِ‬ ‫ه لهُ ْ‬ ‫م‪ :‬آل عمران ‪" ، "101‬أعَد ّ الل ُ‬ ‫قي ٍ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ّ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫قد ْ هُدِيَ إ ِلى ِ‬
‫سوًل ي َت ْلوُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫مُنوا قَد ْ أنَز َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َفات ّ ُ‬
‫م ذِكًرا* ّر ُ‬ ‫ه إ ِلي ْك ْ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫ه َيا أوِْلي اللَبا ِ‬ ‫قوا الل َ‬
‫ت‬ ‫ما ِ‬ ‫ُ‬
‫ن الظل َ‬‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ملوا ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ج ال ِ‬ ‫خرِ َ‬ ‫ت لي ُ ْ‬‫ّ‬ ‫مب َي َّنا ٍ‬ ‫ت اللهِ ُ‬ ‫ّ‬ ‫م آَيا ِ‬ ‫عَل َي ْك ْ‬
‫ُ‬
‫حت َِها اْل َن َْهاُر‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ه َ‬ ‫خل ْ ُ‬
‫حا ي ُد ْ ِ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫من ِبالل ّهِ وَي َعْ َ‬ ‫من ي ُؤْ ِ‬ ‫إ َِلى الّنورِ وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه رِْزًقا‪ :‬الطلق ‪ ،"11-10‬بل أن كلمة‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫دا قَد ْ أ ْ‬ ‫ن ِفيَها أب َ ً‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫َ‬
‫الرسول قد تأتى بمعنى كلم الله أى صفة من صفاته‪ ،‬ويستحيل أن يكون‬
‫ه‬
‫سول ِ ِ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫مقصودا منها النبي محمد‪ ،‬نفهم هذا من قوله تعالى " ل ِت ُؤْ ِ‬
‫َ‬
‫ل‪ :‬الفتح ‪ ،"9‬إن المطاع فى قوله‬ ‫صي ً‬ ‫حوه ُ ب ُك َْرة ً وَأ ِ‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫وَت ُعَّزُروهُ وَت ُوَقُّروه ُ وَت ُ َ‬
‫تعالى "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول"‪ ،‬هو واحد‪ ،‬وهو الله تعالى فى كتابه‬
‫الذى بلغه الرسول فى حياته‪ ،‬وذلك فإن الضمير يعود بصيغة المفرد فى قوله‬
‫عوا الى الله ورسوله ليحكم بينهم‪ :‬النور ‪ "48‬لم يقل عن الله‬ ‫تعالى "وإذا د ُ ُ‬
‫ورسوله "ليحكما بينهما" لن التحاكم هو للرسالة‪ ،‬للقرآن‪.‬‬
‫‪ -4‬لقد كانت وظيفته عليه السلم التبليغ فقط‪ ،‬ويشمل التبليغ أنه كان شاهدا‬
‫ومبشرا ومنذرا وداعيا الى الله ومعلما للقرآن ومزكيا للمسلمين بالقرأن‪،‬‬
‫كن ِفي‬ ‫ك فَل َ ي َ ُ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ب ُأنزِ َ‬ ‫ولكنه كان فى كل ذلك يتكلم بالقرآن فقط "ك َِتا ٌ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ن‪ :‬العراف ‪" ،"2‬وَأنذِْر ب ِهِ ال ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ه ل ُِتنذَِر ب ِهِ وَذِك َْرى ل ِل ْ ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ج ّ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫ك َ‬ ‫صد ْرِ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن‪:‬‬‫قو َ‬ ‫م ي َت ّ ُ‬ ‫فيعٌ ل ّعَل ّهُ ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫ي وَل َ َ‬ ‫َ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫دو‬‫ُ‬ ‫من‬ ‫ّ‬ ‫هم‬ ‫َ ُ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ه‬
‫َ ِ‬‫ّ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َِ‬ ‫إ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫رو‬ ‫ُ‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫أن‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫خا‬ ‫َ‬ ‫يَ‬
‫من‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫جّبارٍ فَذ َكْر ِبال ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن َ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ت عَلي ِْهم ب ِ َ‬ ‫ما أن َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫قولو َ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ن أعْل ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫النعام ‪" ، "51‬ن َ ْ‬
‫د‪ :‬ق ‪ "45‬ومن الطريف أن النبي عليه السلم خطب الجمعة أكثر‬ ‫عي ِ‬ ‫ف وَ ِ‬ ‫خا ُ‬ ‫يَ َ‬
‫من خمسائة مرة ومع ذلك فلم يحفظ له العصر العباسي خطبة جمعة واحدة‬
‫لنه كان يخطب الجمعة بالقرآن‪ ،‬ولنه كان مبّلغا فقط فلم يكن من حقه‬
‫التشريع‪ ،‬لن التشريع حق الله وحده‪ ،‬لذلك كان يسألونه عن أشياء تكرر‬
‫ذكرها فى القرأن من قبل وكان فى وسعه أن يجيب بمجرد قراءة القرآن‬
‫والستشهاد به‪ ،‬ولكنه كان ينتظر أن تأتى الجابة من الله "يسألونك عن"‪،‬‬
‫"قل"‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫‪ -5‬مفهوم السنة فى القرآن هو "الشرع والمنهاج" ولذلك تأتى السنة‬


‫حَرٍج‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬‫ي ِ‬ ‫ن عََلى الن ّب ِ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬‫منسوبة لله فى شرعه‪ ،‬كقوله تعالى للنبي " ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫مُر اللهِ قَد ًَرا‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ‬
‫ل وَكا َ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫خل َ ْ‬
‫وا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ة الل ّهِ ِفي ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سن ّ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ه لَ ُ‬‫ض الل ّ ُ‬
‫ما فََر َ‬ ‫ِفي َ‬
‫دوًرا‪ :‬الحزاب ‪ ،"38‬فالسنة هنا هي سنة الله أو فرض الله أو أمر الله‪،‬‬ ‫ق ُ‬‫م ْ‬
‫ّ‬
‫ت‬ ‫َ‬
‫خل ْ‬ ‫ّ‬
‫ة اللهِ الِتي قَد ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫سن ّ َ‬
‫ويقول تعالى فى منهاجه فى التعامل مع المشركين " ُ‬
‫ديًل‪ :‬الفتح ‪ "23‬والنبي محمد هو أول الناس‬ ‫سن ّةِ الل ّهِ ت َب ْ ِ‬ ‫ل وََلن ت َ ِ‬
‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫طاعة لسنة الله تعالى وشرعه‪ ،‬ونحن نتخذه قدوة حسنة لنا فى هذا‪ ،‬يقول‬
‫تعالى "لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة‪ :‬الحزاب ‪ ،"21‬لم يقل‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سنة حسنة وانما قال أسوة حسنة‪.‬‬


‫‪ -6‬إل أنهم يعتبرون ما كتبه البخاري وغيره هو السنة النبوية اللهية ويدعون‬
‫أنها وحي من السماء‪ ،‬وان ذلك الوحي قد امتنع عن كتابته الرسول فى عهده‬
‫والخلفاء الراشدون وغير الراشدين الى أن جاء بعض الناس كالبخاري وغيره‬
‫فتطوعوا بدافع شخصي لتدوين تلك السنة‪ ،‬فظل السلم ناقصا الى أن‬
‫تطوع البخاري وغيره لكماله فى عصور الفتن والستبداد والنحلل‪ .‬ولستر‬
‫عورة هذا الفتراء يحرفون معاني القرآن‪ ،‬ليجعلوا طاعة أحاديث البخاري‬
‫س‬‫ن ِللّنا ِ‬ ‫ك الذ ّك َْر ل ِت ُب َي ّ َ‬ ‫طاعة للرسول‪ ،‬أو يؤولون معني قوله تعالى "وََأنَزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫م" فيقولون أن الذكر الول هو السنة التى تبين للناس ما أنزل‬ ‫ل إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫ما ن ُّز َ‬ ‫َ‬
‫اليهم وهو القرآن عندهم‪ .‬وهم بذلك يخرجون الية عن سياقها اذ تتحدث عن‬
‫أصحاب الكتب السماوية السابقة ودور القرآن فى توضيحها‪ ،‬يقول تعالى‬
‫م لَ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ل الذ ّك ْرِ ِإن ُ‬ ‫سأ َُلوا ْ أ َهْ َ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫حي إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫جال ً ّنو ِ‬ ‫ك إ ِل ّ رِ َ‬ ‫من قَب ْل ِ َ‬ ‫سل َْنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬
‫َ‬
‫"وَ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬
‫م وَلعَلهُ ْ‬ ‫ل إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫ما ن ُّز َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِللّنا ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت َوالّزب ُرِ وَأنَزلَنا إ ِلي ْك الذ ّكَر ل ِت ُب َي ّ َ‬ ‫ن‪ِ ،‬بالب َي َّنا ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ت َعْل َ ُ‬
‫قد ْ‬‫ن‪ :‬النحل ‪ "44-43‬ويتكرر نفس المعنى فى نفس السورة "َتالل ّهِ ل َ َ‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م وَلهُ ْ‬ ‫م الي َوْ َ‬ ‫م فهُوَ وَل ِي ّهُ ُ‬ ‫مالهُ ْ‬ ‫ن أعْ َ‬ ‫شي ْطا ُ‬ ‫ن لهُ ُ‬ ‫من قب ْل ِك فَزي ّ َ‬ ‫مم ٍ ّ‬ ‫سلَنا إ ِلى أ َ‬ ‫أْر َ‬
‫دى‬ ‫فوا ْ ِفيهِ وَهُ ً‬ ‫خت َل َ ُ‬‫ذي ا ْ‬ ‫م ال ّ ِ‬‫ن ل َهُ ُ‬ ‫ب إ ِل ّ ل ِت ُب َي ّ َ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫ما َأنَزل َْنا عَل َي ْ َ‬ ‫م‪ ،‬وَ َ‬ ‫ب أِلي ٌ‬
‫َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫عَ َ‬
‫ن هَ َ‬
‫ذا‬ ‫ن‪ :‬النحل ‪ ،"64-63‬ويتأكد هذا فى صورة أخرى "إ ِ ّ‬ ‫مُنو َ‬ ‫قوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬ ‫ة لّ َ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫وََر ْ‬
‫َ‬
‫ن‪ :‬النمل ‪."76‬‬ ‫فو َ‬ ‫خت َل ِ ُ‬
‫م ِفيهِ ي َ ْ‬ ‫ذي هُ ْ‬ ‫ل أك ْث ََر ال ّ ِ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ص عََلى ب َِني إ ِ ْ‬ ‫ق ّ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫دعون أن الحكمة هي السنة حين تأتى مرادفة للكتاب "أى القرآن" فى‬ ‫وهم ي ّ‬
‫نحو قوله تعالى "وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة"‪ :‬النساء ‪ "113‬ويعتبرون‬
‫واو العطف تفيد المغايرة‪ ،‬اى أن الكتاب غير الحكمة‪ ،‬وهذا خطأ‪ ،‬فواو‬
‫العطف فى القرآن تفيد التوضيح والتبيين ول تفيد المغايرة‪ ،‬يقول تعالى‬
‫"ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا ً للمتقين‪ :‬النبياء ‪،"48‬‬
‫فالفرقان والضياء والذكر كلها صفات للتوراة وتوضيح لها‪ ،‬ويقول تعالى‬
‫لعيسى عن النجيل والتوراة "واذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والنجيل"‬
‫المائدة ‪ ،110‬فالكتاب والحكمة هنا وصف للنجيل‪ ،‬بدليل قوله تعالى عن‬
‫عيسى‪" ،‬فلما جاء عيسى بالبينات ‪ ،‬قال قد جئتكم بالحكمة‪ :‬الزخرف ‪"63‬‬
‫وعليه فإن الكتاب والحكمة هما من صفات القرآن الكريم الذى أحكمت آياته‬
‫وهي من صفات التشريعات فى القرآن‪ ،‬والله تعالى جاء بأوامره فى العقيدة‬
‫والشريعة فى سورة السراء‪ ،‬بدءا من قوله تعالى "وقضى ربك أل تعبدوا إل‬
‫إياه وبالوالدين احسانا" وختم الوامر بقوله تعالى "ذلك مما أوحي اليك ربك‬
‫من الحكمة‪ :‬السراء ‪ "39-‬وقال تعالى لنساء النبي "واذكرن ما ي ُت َْلى فى‬
‫بيوتكن من آيات الله والحكمة‪ :‬الحزاب ‪ ،"34‬فآيات الله القرآنية هى‬
‫الحكمة المأمور بتلوته‪ .‬ولذلك فإن الضمير يعود على الثنين معا‪ ،‬الكتاب‬
‫والحكمة بصيغة المفرد‪ ،‬لنهما شيئ واحد‪ ،‬يقول تعالى "وما أنزل عليكم من‬
‫الكتاب والحكمة يعظكم به‪ :‬البقرة ‪ "231‬ولم يقل يعظكم بهما‪ ،‬لن الحكمة‬
‫هى الكتاب‪ ،‬هى القرآن‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫‪ -7‬وهم يحتجون بالصلة وتفصيلتها التى لم تأت فى القرآن‪ ،‬ويتخذون من‬


‫ذلك حجة لتهام القرآن بأنه ناقص وأنه محتاج لتفصيلت البخاري وغيره‪،‬‬
‫ونقول أن ما ورد من أحاديث البخاري عن الصلة يفسد الصلة ويشكك فيها‪،‬‬
‫وقد تعلم أجدادنا المسلمون الصلة والقرآن من الفاتحين العرب قبل مولد‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البخاري وغيره‪ .‬والصلة والزكاة والحج متوارثة من ملة ابراهيم‪ ،‬والقرآن‬


‫الكريم ما فرط فى شيئ‪ ،‬حيث يورد التبيين لكل ما يحتاج للتبيين‪ .‬والصلة‪،‬‬
‫وهى السنة العملية المتوارثة‪ ،‬ل خلف فى عدد ركعاتها وكيفيتها‪ ،‬لذلك لم‬
‫يوضح رب العزة فى القرآن من ملة ابراهيم المتوارثة ال ما أحدثه العرب‬
‫فيها من تغيير أو ما أنزله الله فيها من تشريع جديد‪ ،‬مثل التشريع الجديد فى‬
‫الصوم "البقرة ‪ "187-183‬أو فى صلة الخوف "البقرة ‪ ،238‬والنساء ‪-101‬‬
‫‪."104‬‬
‫‪ -8‬ان البخاري الذى يخاف شيخ الزهر من مناقشته والحتكام فيه الى‬
‫القرآن‪ ،‬انما يحوي فى داخله أفظع التهامات للنبي عليه السلم‪ ،‬ولدين‬
‫السلم العظيم وتشريعاته‪ ،‬وكل ذلك كنا قد أوضحناه فى كتاب لنا بعنوان‬
‫"القرآن وكفى مصدرا للتشريع" أثبتنا فى الفصل الول أن القرآن وحده هو‬
‫المصدر التشريعي للسلم وفى الفصل الثاني عرضنا أحاديث البخاري التي‬
‫تطعن فى النبي وفى السلم وتشريعاته‪ ،‬وقد أبى الناشر إل أن يغير عنوان‬
‫الكتاب فجعله "القرآن لماذا" وإل أن يغير اسم المؤلف‪ ،‬فجعل اسمه د‪ .‬عبد‬
‫الله الخليفة‪ ،‬ومع ذلك فقد صودر الكتاب من المطابع سنة ‪ ،1991‬وفهم‬
‫الشيوخ‪ ،‬وهم أحيانا يفهمون‪ ،‬أن المؤلف هو كاتب هذه السطور"‪.‬‬
‫هذا ما قاله الدكتور منصور‪ ،‬وقد تعمدت أن أنقل نص كلمه كامل لخطورته‬
‫ولكيل يقال إننا اقتطفنا منه ما نريد وتركنا ما ل نريد‪ ،‬وأبقيت على أسلوبه‬
‫كما هو بركاكاته وأخطائه الملئية والنحوية حتى يعرف القراء مستوى هذا‬
‫ت بعض‬ ‫ت أصلح ُ‬ ‫العبقرى الذى يوشك أن يتنبأ ويلحق برسوله الكذاب‪ ،‬وإن كن ُ‬
‫م‬
‫ما ظننته أخطاًء مطبعية‪ .‬والناظر فى هذا الكلم يلحظ على الفور ك ّ‬
‫المغالطات والبهلوانيات الرهيب الذى لجأ إليه المتنبئ صاحب النبوءات‬
‫الثلث‪ :‬إنه مثل يتهم شيخ الزهر )المام الكبر الذى ل أحبه‪ ،‬لكنى أقدر‬
‫منصبه ولقبه‪ ،‬وأرى أنه ل بد من احترام المنصب واللقب( يتهمه بأنه ل يريد‬
‫تنقية السلم من السنة النبوية‪ ،‬مع أن هذا ليس اتهاما‪ ،‬بل هو شرف‪ ،‬وأى‬
‫شرف! إن الرجل بهذا إنما يعمل على صيانة السلم وحياطته من عبث‬
‫الفاجرين المدلسين الذين يريدون هدمه خطوة خطوة على طريقة زعيمهم‬
‫سّنة اليوم‪ ،‬والقرآن غدا‪ .‬كل‪ ،‬بل القرآن الن أيضا‪ ،‬فها هو ذا‬ ‫كيسنجر‪ :‬فال ّ‬
‫رشاد "ساعة لقلبك" قد كسر نصوص القرآن وادعى الرسالة‪ ،‬ثم ها هو ذا‬
‫صاحبنا قد ادعى المقدرة على التنبؤ‪ ،‬ل مرة واحدة‪ ،‬بل ثلثا فى عين كل‬
‫عدو يكره دين الله وقرآنه وسنة رسوله‪ ،‬فى الوقت الذى يشدد فيه على أن‬
‫سّنته ويحارب دينه من‬ ‫النبى محمدا‪ ،‬عليه الصلة والسلم )وعلى من ينكر ُ‬
‫ة والعار(‪ ،‬ل يمكنه معرفة أى‬ ‫شياطين النس المجرمين الخبثاء الخزىُ واللعن ُ‬
‫شىء من الغيب )من خلل الوحى اللهى طبعا لنه ل يوجد بين المسلمين‬
‫من يظن أن الرسول يستطيع علم الغيب من تلقاء نفسه أبدا(!‬

‫)‪(11 /‬‬

‫وهو يقيم اتهامه الضال الشارد لشيخ الزهر على أساس قوله تعالى‪" :‬أفغير‬
‫صل‪ :‬النعام ‪ ،"114‬وأن‬ ‫ما‪ ،‬وهو الذى أنزل اليكم الكتاب مف ّ‬ ‫حك َ ً‬
‫الله أبتغي َ‬
‫القرآن هو وحده الذى نحتكم اليه حين نختلف‪ ،‬وأن الختلف عادة ما يحدث‬
‫بسبب الحاديث الضالة المنسوبة كذبا للنبي عليه السلم أو لله تعالى بدليل‬
‫س‬
‫لن ِ‬‫نا ِ‬ ‫طي َ‬ ‫ي عَد ُّوا َ‬
‫شَيا ِ‬ ‫ل ن ِب ِ ّ‬‫جعَل َْنا ل ِك ُ ّ‬‫ك َ‬ ‫قوله سبحانه قبل الية السابقة‪" :‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫ما فَعَُلوهُ‬ ‫ل غُُروًرا وَل َوْ َ‬
‫شاء َرب ّ َ‬
‫ك َ‬ ‫ف ال ْ َ‬
‫قو ْ ِ‬ ‫خُر َ‬ ‫ض ُز ْ‬ ‫ضهُ ْ َ‬
‫م إ ِلى ب َعْ ٍ‬ ‫حي ب َعْ ُ‬‫ن ُيو ِ‬ ‫َوال ْ ِ‬
‫ج ّ‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‪ :‬النعام ‪ ،"112‬إذ يزعم أن الله تعالى إنما يشير هنا الى‬ ‫فت َُرو َ‬‫ما ي َ ْ‬‫م وَ َ‬ ‫فَذ َْرهُ ْ‬
‫الوحي الشيطاني بأحاديثه الضالة المزخرفة‪ ،‬كما يشير إلى من يتبع هذا‬
‫الحديث الضال بقوله‪" :‬ولتصغى اليه أفئدة الذين ل يؤمنون بالخرة وليرضوه‬
‫وليقترفوا ماهم مقترفون‪ :‬النعام ‪ ،"113‬أى يهواها الذين ل يؤمنون بالخرة‬
‫ويفسدون فى الرض‪ ،‬وأن الية التالية تجعل الحتكام الى القرآن وحده فى‬
‫تلك الحاديث الضالة‪" :‬أفغير الله أبتغى حكما‪ ،‬وهو الذى أنزل اليكم الكتاب‬
‫مفصل‪ :‬النعام ‪ ،"114‬وأن الية التى بعدها تؤكد تمام القرآن وصدقه وعدله‬
‫"وتمت كلمة ربك صدقا وعدل‪ ،‬ل مبدل لكلماته‪ ،‬وهو السميع العليم‪ :‬النعام‬
‫‪ ."115‬ثم يطرح جنابه الواطى هذا السؤال‪" :‬ماذا اذا خالف البشر جميعا آية‬
‫قرآنية واحدة؟"‪ ،‬ليجعل الجابة هى قول رب العزة سبحانه وتعالى‪" :‬وَِإن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ن هُ ْ‬
‫ن وَإ ِ ْ‬‫ن إ ِل ّ الظ ّ ّ‬ ‫ل الل ّهِ ِإن ي َت ّب ُِعو َ‬
‫سِبي ِ‬ ‫عن َ‬ ‫ك َ‬‫ضّلو َ‬
‫ض يُ ِ‬
‫من ِفي الْر ِ‬ ‫ت ُط ِعْ أك ْث ََر َ‬
‫ن‪ :‬النعام ‪ ."116‬وعلماء الحديث‪ ،‬كما يقول‪ ،‬يقررون أن الحاديث‬ ‫صو َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫إ ِل ّ ي َ ْ‬
‫تقوم على الظن‪ ،‬وليس على اليقين‪ ،‬وهم بهذا يؤكدون إعجاز القرآن‪ ،‬فيما‬
‫نّبأ بما سيفعله بعض المسلمين بعد نزول القرآن حين ينسبون للنبي أحاديث‬
‫بعد موته بقرون‪ ،‬ويسندون تلك الحاديث الى الصحابة الذين ماتوا بعد‬
‫انهماكهم فى السياسة والفتوحات والفتنة الكبرى‪ ،‬ماتوا دون أن يعرفوا ماذا‬
‫أسند اليهم الرواة بعد موتهم بقرون فى العصر العباسي‪.‬‬
‫وإن نظرة سريعة إلى اليات التى أوردها تلميذ رسول ُتوسان لتدلنا فى‬
‫الحال على أنها موجهة إلى الكفار الذين كانوا يريدون من النبى أن ينزل‬
‫على عقائدهم وشرائعهم وعاداتهم وتقاليدهم ويترك ما جاءه به الوحى‬
‫الكريم‪ ،‬ول علقة لها من قريب أو من بعيد بالحاديث النبوية‪ .‬إنها تحمل على‬
‫مروا عن ساعد اليمان‬ ‫الكفار ل على المسلمين الذين جاؤوا بعد هذا فش ّ‬
‫جد ّ والخلص والنصح لله ورسوله وبذلوا كل جهدهم فى سبيل الحفاظ‬ ‫وال ِ‬
‫ن من الدين المحمدى العظيم‪ .‬إن الشيطان هنا يقلب‬ ‫ل وثمي ٍ‬‫على شطرٍ غا ٍ‬
‫سا على عقب بأسلوب عجيب يعرف هو قبل غيره أنه كذب فى‬ ‫المر رأ ً‬
‫ى رمية‬ ‫ملى عليه‪ ،‬وإل قُِتل أو ُر ِ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫كذب‪ ،‬لكنه ل يستطيع إل أن ينفذ ما ي ُ ْ‬
‫الكلب النجسة! وهذا السلوب فى تفسير القرآن هو تطبيق لما ينادى به‬
‫التفكيكيون من وجوب الدخول على النص دون الرجوع إلى أى شىء يتعلق‬
‫به أو بصاحبه‪ ،‬كى يتسنى لهم العبث به وإنطاقه بما تريده شياطينهم دون‬
‫ت أتباع هذه‬ ‫مي ْ ُ‬
‫حسيب أو رقيب‪ ،‬وهو عمل الباطنية القدماء‪ .‬ومن هنا س ّ‬
‫ون نقادا‬ ‫م ْ‬‫س ّ‬‫الطريقة فى عالمنا العربى بـ"الباطنية الجدد"‪ ،‬إذ رأيت أحد من ي ُ َ‬
‫فى بعض الدول الخليجية يستعمل هذا المنهج النقدى فى ترويج الفكار‬
‫الكنسية الصليبية فى مهد الوحى المحمدى من خلل قراءته لشعر أحد‬
‫الشعراء السعوديين المسلمين الذى لو قُّيض له أن يهب من قبره لبصق فى‬
‫وجه هذا الكلم الشيطانى الثيم الذى يعمل على محاربة السلم تحت ستار‬
‫كك الله عظام أصحابه وتركهم مصروعين فى الوحل والطين!‬ ‫التفكيكية‪ ،‬ف ّ‬
‫ث على نصوص‬ ‫ل وخب ٍ‬ ‫ت سجاح هنا شيئا آخر غير هذا؟ ألم تهجم بجه ٍ‬ ‫وهل فعل ْ‬
‫القرآن الكريم دون أن تقيم اعتبارا لترتيبها تاريخيا أو لساب نزولها أو لما‬
‫قاله المفسرون بشأنها؟ الله أكبر! أهذا هو العلم الذى يريدنا متنبئ آخر‬
‫الزمان )صاحب الثلث نبوءات( أن نأخذ به؟ أل إن ذلك لشىٌء يستطيعه أى‬
‫جهول‪ ،‬إذ هو ل يكلف صاحبه بحثا ول تنقيرا ول تعبا‪ ،‬بل يتيح له الكلم فى‬
‫أعقد المور بمجرد تحريكه لطرف لسانه بعيدا عن تعب المخ ومؤنة التفكير!‬

‫)‪(12 /‬‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ج شيخ الزهر )المام الكبر( بأن علماء الحديث لم يجمعوا الحاديث‬ ‫وهو يحا ّ‬
‫وا منها ما اقتنعوا بصحته وضربوا عن‬ ‫ق ْ‬
‫كلها التى وصلتهم‪ ،‬بل غربلوها وانت َ‬
‫الباقى صفحا‪ ،‬إذ قال‪" :‬ان شيخ الزهر حين يهاجم تنقية التراث بأحاديثه‬
‫وسننه‪ ،‬انما يغفل حقائق تاريخية عليه أن يعرفها ويعترف بها‪ .‬فأئمة الجتهاد‬
‫فى الفقه والحديث انصب اجتهادهم على تنقية التراث الشفهى‪ ،‬أو الحاديث‬
‫الشفهية‪ .‬فمالك انتقى كتابه "الموطأ" بأحاديثه التى تزيد قليل على اللف‬
‫حديث من عشرات اللوف من الحاديث الرائجة فى عصره‪ .‬والبخاري انتقى‬
‫صحيحه "حوالى ‪ 3‬آلف حديث" من بين ستمائة ألف حديث‪ .‬ومسلم لم‬
‫يقتنع باجتهاد البخاري‪ ،‬فكتب "صحيح مسلم" بمقدمة رائعة عن الوضع فى‬
‫الحديث‪ ،‬أو الكذب فى الحديث‪ ،‬و"الحاكم" استدرك على البخاري ومسلم‬
‫معا‪ .‬وجاء ابن حنبل‪ ،‬فألغى أبوابا كاملة من الحديث‪ ،‬حين قال "ثلثة ل أصل‬
‫لها‪ ،‬التفسير والملحم والمغازي"‪ .‬بل إن ابن حنبل ألغى "الجماع" من‬
‫مصادر التشريع لدى المسلمين حين قال "من ادعى الجماع فى شيئ فقد‬
‫كذب‪ ،‬ومن أدراه أن الناس قد اختلفوا‪ ،‬وهو ل يعلم؟"‪ ،‬ثم جاء الحنابلة أتباع‬
‫ابن حنبل‪ ،‬فأكثروا من وضع الحديث‪ ،‬ومنها حديثهم المشهور "من رأى منكم‬
‫منكرا‪ ،‬فليغيره"‪ .‬وقد تصدى لهم أئمة الحنابلة أنفسهم‪ ،‬ومنهم ابن الجوزي‬
‫فى القرن السادس‪ ،‬فى كتابه "الللئ المصنوعة فى الحاديث الموضوعة"‪،‬‬
‫وابن تيمية فى القرن الثامن فى كتابه "أحاديث القصاص"‪ ،‬وابن القيم‬
‫صاحب ابن تيمية فى كتابه "المنار المنيف فى الصحيح والضعيف"‪ ،‬ثم‬
‫السيوطي فى القرن العاشر فى كتابه المشهورعن الموضوعات فى‬
‫الحديث‪ .‬وحتى عصرنا الراهن كتب اللباني )وهو فى الصل ساعاتي من‬
‫البلقان( كتب موسوعته فى الحاديث الضعيفة‪ ،‬وكل ذلك فى نفس الطار‬
‫"تنقية الحاديث‪ ،‬أو تنقية التراث"‪ ،‬وقد قام بها علماء من خارج الزهر قبل‬
‫وبعد انشائه"‪.‬‬
‫وهذا فى الواقع دليل ضد المبطل الفاك ل له‪ ،‬إذ هو برهان على أن علماء‬
‫الحديث‪ ،‬رضوان الله عليهم‪ ،‬كانوا يطبقون منهجا علميا محكما دقيقا ول‬
‫يقبلون الشياء على علتها‪ ،‬وإل فلو كانوا قد اخترعوا الحاديث النبوية‬
‫للساءة إلى السلم فلم يا ترى كانوا يتعبون أنفسهم ويعيدون النظر فيما‬
‫اخترعوه وزّيفوه لينتقوا منه أشياء ويحذفوا منه أشياء؟ كما أنه برهان على‬
‫أن أولئك العلماء الذين يتخذهم ت ُك َأ َة ً للتشكيك فى الحاديث المحمدية هم‬
‫أنفسهم الذين اهتموا بهذه الحاديث وجمعوها ولم يهملوها كما يريد هو حتى‬
‫يخلو الجوّ له ولمثاله من المتعاونين مع الكاوبوى البلطجى ضد دين محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم فيعيثوا فيه فسادا وتدميرا‪ .‬إن الفرق بينه وبين أولئك‬
‫مى‪ ،‬أو بين الوحل والماس‪ ،‬أو بين الماء‬ ‫ما والعَ َ‬‫س َ‬
‫الئمة العلم كالفرق بين ال ّ‬
‫العذب الفرات وماء المجارى المنتن! لقد بذل هؤلء الئمة أعمارهم فى‬
‫مَرد َ عليه‪ ،‬أن‬
‫الحفاظ على سنة رسول الله‪ ،‬أما هو فيريد‪ ،‬بخبث إجرامى َ‬
‫يهدم السنة النبوية توصل بهدمها إلى هدم القرآن والسلم كله‪ ،‬فلماذا يريد‬
‫أن يحشر نفسه بينهم إذن؟ أما قوله إن السلم لم ينتظر البخارى ومسلم‬
‫وبقية علماء الحديث حتى يؤلفوا كتبهم تلك‪ ،‬بل كان المسلمون يمارسون‬
‫دينهم قبل هؤلء بقرون‪ ،‬فالرد عليه من أسهل الشياء‪ ،‬فقد كان المسلمون‬
‫يستعينون طوال تلك القرون بالحاديث النبوية‪ ،‬وكل ما فعله علماء الحديث‬
‫أنهم أرادوا غربلة هذه الحاديث بحيث يجد القضاة والمفتون وأصحاب‬
‫شرة ً ل تحوجهم‬ ‫المذاهب الفقهية مجموعات الحاديث بين أيديهم جاهزة ً مق ّ‬
‫كل مرة إلى تقويمها والتثبت من صحتها‪ .‬وهذا يشبه العمل بقواعد اللغة قبل‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تأليف كتب النحو وبعد تأليفها‪ ،‬فالعرب قبل تأليف تلك الكتب كانوا واعين‬
‫بوجود هذه القواعد‪ ،‬لكن كل منهم كان يعتمد على جهده الفردى فى التحرز‬
‫سهُ َ‬
‫ل اللتزام بتلك القواعد إلى‬ ‫ت كتب النحو والصرف َ‬‫ف ْ‬‫من الخطإ‪ ،‬ثم لما أ ُل ّ َ‬
‫ف عن المتكلم كثير من الجهد الذى كان عليه أن يبذله‪ .‬وليس‬ ‫ف َ‬
‫خ ّ‬
‫حد كبير و ُ‬
‫معنى هذا أن الحاديث التى جمعها أهل الحديث هى فوق النقد‪ ،‬فما هم فى‬
‫نهاية المطاف إل بشر يصيبون ويخطئون‪ ،‬شأنهم شأن أى عالم آخر فى أى‬
‫ميدان من ميادين العلم‪ ،‬لكنهم قد بذلوا مع ذلك جهودا عبقرية فى الفحص‬
‫والتقويم لم يعرفها علماء أى تخصص آخر فى ميدان "العلوم النسانية"!‬

‫)‪(13 /‬‬

‫كذلك فهو يتهم الشيخ طنطاوى بأنه يخشى المقارنة بين القرآن والحديث‬
‫لنه‪ ،‬كما يقول‪ ،‬يعرف مسبقا أن الحاديث النبوية تناقض القرآن وتحاربه‪.‬‬
‫وهذا كلم تافه‪ ،‬وتفاهته بينة للعيان‪ ،‬إذ متى كانت أحاديث الرسول مناقضة‬
‫للقرآن؟ إن ذلك لو حدث فمعناه أن تلك الروايات ليست من كلم النبى عليه‬
‫ل فى كتب الحديث كما يعرفه كل من له‬ ‫جد ّ قلي ٍ‬ ‫الصلة والسلم‪ ،‬وهذا قلي ٌ‬
‫ل ِ‬
‫خبرة فى هذا المجال‪ ،‬اللهم إل إذا ثبت أن التناقض المزعوم ليس تناقضا بل‬
‫هو تخصيص لحكم عام مثل‪ ،‬أو استثناء لحالة من الحالت التى لها ظروف‬
‫مختلفة تخرجها عن القاعدة العامة‪ ،‬أو حكم وقتى انتهى العمل به وبقى‬
‫الحديث الذى يتعلق به لم يندثر‪...‬وما إلى ذلك‪.‬‬
‫ويقول الكاهن الكبر فى المحراب الرشادى إن وظيفة النبى محمد فى‬
‫القرآن ل تزيد عن التبليغ البتة‪ ،‬وكأنه عليه السلم لم يكن أكثر من جهاز‬
‫تسجيل‪ ،‬أو فى أحسن الحوال‪ :‬إذاعة قرآن كريم تمشى على رجلين‪ .‬وفات‬
‫هذا اللجوج أن إذاعة القرآن نفسها ل تكتفى بقراءة القرآن‪ ،‬بل تضيف إليه‬
‫التفسير والحديث والفتيا والشرح والتحليل ورد الشبهات والوعظ والرشاد‬
‫ومناقشة الكتب والدراسات التى تتعلق بالقرآن الكريم‪ .‬ثم إنه هو نفسه ل‬
‫يكتفى بالتبليغ‪ ،‬بل يمل الكتب والمواقع اللكترونية والندوات والمؤتمرات‬
‫كلما سخيفا كافرا‪ ،‬ومعنى هذا أنه يرى نفسه فوق رسول الله‪ :‬فالرسول‬
‫عليه السلم ل يحق له بمقتضى فرماناته الصعلوكية أن يفتح فمه برأى أو‬
‫اجتهاد أو تفسير أو فتوى أو تنزيل للحكم القرآنى على هذه الحالة أو تلك من‬
‫دع أدمغتنا بهذه الكفريات التى‬‫الحالت الفردية‪...‬إلخ‪ ،‬أما هو فمن حقه أن يص ّ‬
‫سيصلى بسببها عذاب الدرك السفل من نار الجحيم بمشيئة الله! إن ما‬
‫يقوله هذا الفاق‪ ،‬وكان يقوله الفاق الكبر قتيل توسان من قبل‪ ،‬إنما يجعل‬
‫من الرسول الكرم شيئا يشبه تلك المرأة التى تقول بعض الروايات التى‬
‫تحظى برضا العامة إنها لم تكن تتكلم أو ترد ّ على أحد إل باليات القرآنية‪،‬‬
‫وهو فى الواقع أمر يبعث على السخرية ويجعل كفى تأكلنى لصفع تلك‬
‫الوجوه الكالحة ذات الخدود الغليظة‪.‬‬
‫ترى ألم يحدث قط أن سأل أحد الصحابة النبى عليه السلم عن معنى آية‬
‫قرآنية استعصى فهمها عليه‪ ،‬أو جاءه أحد المسلمين يستفتيه فى حالة خاصة‬
‫ل يعرف كيف يطبق عليها الحكم القرآنى العام‪ ،‬أو تحركت نفسه الشريفة‬
‫لوعظ أصحابه بكلم من عنده يستوحى فيه القرآن؟ إن البكاش يريد منا أن‬
‫نلغى عقولنا ونتجاهل الواقع الذى يفقأ عين كل شيطان خبيث مارد‪ ،‬وهو أن‬
‫الرسول الكريم كان حاكما وقائدا عسكريا وقاضيا‪ ،‬إلى جانب كونه نبيا مبلغا‬
‫للوحى‪ ،‬وهو ما يعنى أنه عليه السلم قد ترك لنا تراثا من الحاديث غاليا‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ينبغى أن نتمسك به حتى نفهم السلم فهما سليما ل مروق فيه ول كفر كما‬
‫يقع من بعض الناس! أل شاهت الوجوه! ثم إنه‪ ،‬بسلمته‪ ،‬يتصور أنه قادر‬
‫على إيهامنا بأن القرآن والسنة يتناقضان ول يلتقيان أبدا‪ ،‬أو أن القرآن كاف‬
‫بنفسه ل يحتاج إلى شىء بجانبه‪ .‬إن القرآن بوجه عام إنما يمثل دستور‬
‫المسلمين‪ ،‬فإذا قلنا إننا محتاجون إلى صوغ قوانين تنظم حياتنا‪ ،‬أيمكن أن‬
‫يقول لنا قائل إن محاولة صياغة هذه القوانين تتناقض مع وجود الدستور؟ إن‬
‫القرآن يكتفى فى معظم الحيان بالنص على الخطوط التشريعية العريضة‬
‫والمبادئ الخلقية العامة‪ ،‬ثم يأتى الحديث النبوى فيقدم لنا الفتاوى والحكام‬
‫التفصيلية التى تستوحى تلك المبادئ العامة وتحولها إلى تطبيقات عملية‬
‫يومية‪ .‬ثم إنهما رغم ذلك كله ل يقدمان لنا أحكاما مباشرة جاهزة للوقائع‬
‫التى تستجد ّ مع اليام‪ ،‬بل ل بد للفقهاء أن يعملوا عقولهم ويستوحوا نصوص‬
‫القرآن والسنة كى يصلوا إلى الحكم الصحيح لهذه الوقائع والنوازل‬
‫دة‪...‬وهكذا‪.‬‬‫المستج ّ‬

‫)‪(14 /‬‬

‫وقد حدث بعد نشر هذه الدراسة فى جريدة "الشعب" لول مرة أن قرأت‬
‫المقال الذى ترجمه الصديق المشباكى الستاذ ميسرة عفيفى )المصرى‬
‫المقيم فى اليابان والمتزوج منها( للكاتب اليابانى الدكتور ناوكي كومورو عن‬
‫شره فى ذات الصحيفة‪ ،‬فوجدت فيه عن الصلة ما يلى‪" :‬يجب‬ ‫السلم ون َ َ‬
‫الذهاب فيه إلى المسجد والصلة جماعة‪ .‬بالمناسبة يطلق البعض على‬
‫المسجد السلمي لفظ المعبد السلمي وهذا خطأ فادح‪ .‬ل يوجد كهانة في‬
‫السلم وبالتالي ل يوجد معابد‪ .‬الصحيح أن يطلق عليها مصلى أو جامع‪ .‬لنه‬
‫ل يوجد رهبان في السلم‪ .‬إسمحوا لي بتعليق صغير هنا‪ ،‬فرضت الصلة في‬
‫السلم عن طريق القرآن‪ ،‬ولكن ل يذكر القرآن الطريقة التفصيلية للصلة‪.‬‬
‫القرآن هو الوحي الوحد في السلم‪ ،‬ولكنه ل يغطي كل شئ إلى تفاصيل‬
‫التفاصيل‪ ،‬لذلك هناك مصادر عدة للتشريع السلمي أولها هو القرآن‪ ،‬إذا لم‬
‫نجد فيه حكما‪ ،‬نذهب إلى ثاني المصادر ثم إلى الثالث‪ ،‬وهكذا إلى المصدر‬
‫العاشر للتشريع‪ .‬وسأحكي بالتفصيل عن هذه المصادر فيما بعد‪ ،‬ولكن أكتفي‬
‫هنا بذكر أن الطريقة المفصلة لكيفية الصلة نجدها في المصدر الثاني من‬
‫مصادر التشريع وهو السنة"‪ .‬أى أنه حتى اليابانيون يفهمون السلم على‬
‫خنا الزهرى يظن أنه مستطيع بما علمه إياه‬ ‫وجهه الصحيح‪ ،‬على حين أن ُ‬
‫شي َي ْ َ‬
‫سوق الب ََله على الشيطنة‪ ،‬ناسًيا أننا نستطيع أن نعهد به‬‫الكاوبوى اللعين أن ي َ ُ‬
‫إلى أحد المتصلين بعالم الجن والعفاريت ممن كان يعمل معهم فى صباه‬
‫وشبابه فى قريته فيطرد الشياطين التى تركبه بعصا غليظة يظل يضربه بها‬
‫ة لم‬‫فوق ظهره وعلى أجنابه حتى يظهر له صاحب‪ ،‬آكل ً بهذه الطريقة علق ً‬
‫يذقها حمار فى مطلع ول حرامى فى جامع‪ ،‬علقة يظل يحلم ويحلف بها‬
‫طول العمر! لقد كنا‪ ،‬ونحن صغار‪ ،‬نردد أن الفلح إذا أراد أن يتمدن يجىء‬
‫لهله بمصيبة‪ ،‬وها هو ذا شيخنا الزهرى يريد أن يتأمرك‪ ،‬فجلب المصائب‬
‫على أم رأسه وأورد نفسه موارد الجحيم‪ ،‬لعن الله كل أفاق كذوب!‬
‫ولمزيد من التفصيل نعيد القول بأن الفاق‪ ،‬تشكيكا منه فى أحاديث سيد‬
‫النبياء والمرسلين‪ ،‬يزعم أنه عليه السلم "كانت وظيفته التبليغ فقط‪،‬‬
‫ويشمل التبليغ أنه كان شاهدا ومبشرا ومنذرا وداعيا الى الله ومعلما للقرآن‬
‫ومزكيا للمسلمين بالقرأن‪ ،‬ولكنه كان فى كل ذلك يتكلم بالقرآن فقط "‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‪:‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ه ل ُِتنذَِر ب ِهِ وَذِك َْرى ل ِل ْ ُ‬ ‫من ْ ُ‬‫ج ّ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫ك َ‬ ‫صد ْرِ َ‬ ‫كن ِفي َ‬ ‫ك فَل َ ي َ ُ‬ ‫ب ُأنزِ َ‬
‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ك َِتا ٌ‬
‫من‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫س لُهم ّ‬ ‫م لي ْ َ‬ ‫شُروا إ ِلى َرب ّهِ ْ‬ ‫ن أن ي ُ ْ‬ ‫خافو َ‬ ‫ن يَ َ‬‫ذي َ‬ ‫العراف ‪" ،"2‬وَأنذِْر ب ِهِ ال ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫ن وَ َ‬‫قولو َ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫م بِ َ‬‫ن أعْل ُ‬ ‫ح ُ‬‫ن‪ :‬النعام ‪" ،"51‬ن َ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫م ي َت ّ ُ‬ ‫فيعٌ ل ّعَل ّهُ ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫ي وَل َ َ‬ ‫ُدون ِهِ وَل ِ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫د‪ :‬ق ‪ "45‬ومن الطريف أن‬ ‫عي‬ ‫و‬ ‫ف‬ ‫خا‬
‫ْ ِ ْ ِ َ َ َ ُ َ ِ ِ‬ ‫ي‬ ‫من‬ ‫ن‬ ‫رآ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫ر‬‫ّ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ذ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ت عَل َي ْ ِ ِ َ ّ ٍ‬
‫ر‬ ‫با‬ ‫ج‬ ‫ب‬ ‫هم‬ ‫أن َ‬
‫النبي عليه السلم خطب الجمعة أكثر من خمسائة مرة ومع ذلك فلم يحفظ‬
‫له العصر العباسي خطبة جمعة واحدة لنه كان يخطب الجمعة بالقرآن‪ ،‬ولنه‬
‫كان مبلغا فقط فلم يكن من حقه التشريع‪ ،‬لن التشريع حق الله وحده‪،‬‬
‫لذلك كان يسألونه عن أشياء تكرر ذكرها فى القرأن من قبل وكان فى‬
‫وسعه أن يجيب بمجرد قراءة القرآن والستشهاد به‪ ،‬ولكنه كان ينتظر أن‬
‫تأتى الجابة من الله "يسألونك عن" ‪" ،‬قل""‪.‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫كاش النّتاش‪ ،‬فهل فى اليات التى ساقها هنا كلمة واحدة‬ ‫هذا ما قاله الب ّ‬
‫ت َن َْهى النبى عن أن يتكلم بشىء يوضح به القرآن أو يجادل به الكفار ويرد‬
‫على عنادهم وشبهاتهم؟ أبدا‪ ،‬وكل كلم غير هذا إنما هو كذب فى كذب! إن‬
‫ش‪ :‬القرآن فيه‬ ‫القرآن والسنة النبوية إنما يشبهان مًعا كتابا ذا هوامش وحوا ٍ‬
‫يمثل النص الصلى‪ ،‬والحديث يقوم بدور الشارح‪ ،‬ول تعارض البتة بين‬
‫الثنين‪ .‬وكلم الرسول وأفعاله هى جزء من الوحى‪ ،‬إل إذا اجتهد الرسول‬
‫عليه السلم من عند نفسه‪ ،‬ولم توافقه السماء على ما اجتهد‪ ،‬فعندئذ ينزل‬
‫القرآن منبها إياه بوجوب العدول عن هذا أو باستحسان ذلك العدول على‬
‫كر‬‫كى* أو ي َذ ّ ّ‬ ‫ن جاءه العمى* وما يدريك؟ لعله يّز ّ‬ ‫س وتوّلى* أ ْ‬ ‫القل‪" :‬عَب َ َ‬
‫كى* وأما‬ ‫دى* وما عليك أل ّ ي َّز ّ‬ ‫ص ّ‬‫فتنفعه الذكرى* أما من استغنى* فأنت له ت َ َ‬
‫كرة" )عبس‪-1 /‬‬ ‫من جاءك يسعى* وهو يخشى* فأنت عنه ت َل َّهى* كل‪ ،‬إنها تذ ِ‬
‫م تحّرم ما أحل الله لك؟ تبتغى مرضاة أزواجك‪ ،‬والله‬ ‫‪" ،(11‬يا أيها النبى‪ ،‬ل ِ َ‬
‫ل الله‬ ‫وا يستغفر لكم رسو ُ‬ ‫َ‬
‫غفور رحيم" )التحريم‪" ،(1 /‬وإذا قيل لهم‪ :‬تعال ْ‬
‫َ‬
‫ت لهم‬ ‫فْر َ‬ ‫ستغْ َ‬ ‫دون وهم مستكبرون* سواء عليهم أ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫ل َوّْوا رؤوسهم ورأيَتهم ي َ ُ‬
‫أم لم تستغفر لهم‪ .‬لن يغفر الله لهم‪ ،‬والله ل يهدى القوم الفاسقين"‬
‫)المنافقون‪" ،(6 -5 /‬يا أيها النبى‪ ،‬إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أل‬
‫يشركن بالله شيئا ول يسرقن ول يزنين ول يقتلن أولدهن ول يأتين ببهتان‬
‫يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ول يعصينك فى معروف فبايعهن واستغفر لهن‬
‫الله" )الممتحنة‪" ،(12 /‬قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها وتشتكى‬
‫إلى الله‪ ،‬والله يسمع تحاوركما‪ .‬إن الله سميع بصير" )المجادلة‪" ،(1 /‬يا أيها‬
‫دقة" )المجادلة‪/‬‬ ‫دموا بين ي َد َىْ نجواكم ص َ‬ ‫ق ّ‬ ‫الذين آمنوا‪ ،‬إذا ناجيتم الرسول ف َ‬
‫ماُرونه على ما يرى؟" )النجم‪،(12 -11 /‬‬ ‫ذب الفؤاد ُ ما رأى* أفت ُ َ‬ ‫‪" ،(11‬ما ك َ‬
‫"يا أيها الذين آمنوا‪ ،‬ل ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى‪ ،‬ول تجهروا له‬
‫حَبط أعمالكم وأنتم ل تشعرون" )الحجرات‪/‬‬ ‫بالقول كجهر بعضكم لبعض أن ت َ ْ‬
‫ى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما فى‬ ‫ض َ‬‫‪" ،(1‬لقد ر ِ‬
‫دق‬ ‫ص َ‬ ‫قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا" )الفتح‪" ،(18 /‬لقد َ‬
‫ن المسجد الحرام إن شاء الله" )الفتح‪،(27 /‬‬ ‫خل ُ ّ‬‫ه رسوَله الرؤيا بالحق ل َت َد ْ ُ‬ ‫الل ُ‬
‫خي ََرة‬
‫"وما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم ال ِ‬
‫ل ضلل مبينا* وإذ تقول للذى‬ ‫ه ورسوَله فقد ض ّ‬ ‫ص الل َ‬ ‫من أمرهم‪ .‬ومن يع ِ‬
‫سك عليك زوجك‪ ،‬واتق الله" )الحزاب‪-36 /‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫ت عليه‪ :‬أ ْ‬ ‫أنعم الله عليه وأنعم َ‬
‫دنا عليه آباَءنا"‬ ‫ج ْ‬ ‫ه قالوا‪ :‬بل نت ِّبع ما وَ َ‬ ‫‪" ،(37‬وإذا قيل لهم‪ :‬ات ِّبعوا ما أنزل الل ُ‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)لقمان‪" ،(21 /‬وإذا قيل لهم‪ :‬اسجدوا للرحمن‪ ،‬قالوا‪ :‬وما الرحمن؟ أنسجد‬
‫ل ذلك‬ ‫ن لشىٍء‪ :‬إنى فاع ٌ‬ ‫قول َ ّ‬
‫لما تأمرنا؟ وزادهم نفورا" )الفرقان‪" ،(60 /‬ول ت َ ُ‬
‫غدا* إل أن يشاء الله" )الكهف‪" ،(24 -23 /‬وإذ قلنا لك‪ :‬إن ربك أحاط‬
‫ة للناس‪) "...‬السراء‪" ،(60 /‬وإن‬ ‫بالناس‪ ،‬وما جعلنا الرؤيا التى أريناك إل فتن ً‬
‫ن صبرتم لهو خيٌر للصابرين" )النحل‪/‬‬ ‫عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به‪ ،‬ول َئ ِ ْ‬
‫‪" ،(126‬يجادلونك فى الحق بعدما تبّين كأنما ُيساقون إلى الموت وهم‬
‫ف‬ ‫ْ‬
‫دكم بأل ٍ‬ ‫م ّ‬
‫م ِ‬‫ينظرون" )النفال‪" ،(6 /‬إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ُ‬
‫مْرِدفين" )‪" ،(9‬إل ّ تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين‬ ‫من الملئكة ُ‬
‫ى اثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه‪ :‬ل تحزن‪ ،‬إن الله معنا"‬ ‫كفروا ثان ِ َ‬
‫)التوبة‪" ،(40 /‬وسيحلفون بالله‪ :‬لو استطعنا لخرجنا معكم‪ .‬يهلكون أنفسهم‪،‬‬
‫ت لهم حتى يتبّين لك الذين‬ ‫والله يعلم إنهم لكاذبون* عفا الله عنك‪ ،‬لم أذن َ‬
‫ج ما‬‫خرِ ٌ‬ ‫م ْ‬
‫صدقوا وتعلم الكاذبين؟" )التوبة‪" ،(43 -42 /‬قل‪ :‬استهزئوا‪ .‬إن الله ُ‬
‫ن‪ :‬إنما كنا نخوض ونلعب" )التوبة‪،(64 -63 /‬‬ ‫ذرون* ولئن سألَتهم ليقول ُ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬
‫"ما على المحسنين من سبيل‪ ،‬والله غفور رحيم* ول على الذين إذا ما أت َوْكَ‬
‫ملكم عليه‪) "...‬التوبة‪" ،(92 -91 /‬فل وربك ل‬ ‫َ‬
‫ح ِ‬
‫ت‪ :‬ل أجد ما أ ْ‬ ‫ملهم قل َ‬ ‫ح ِ‬ ‫لت َ ْ‬
‫جا مما‬ ‫حَر ً‬‫جَر بينهم ثم ل يجدوا فى أنفسهم َ‬ ‫َ‬
‫حكموك فيما ش َ‬ ‫ّ‬ ‫يؤمنون حتى ي ُ َ‬
‫ت ويسّلموا تسليما" )النساء‪ ،(65 /‬إذ تقول للمؤمنين‪ :‬ألن يكفيكم أن‬ ‫قضي َ‬
‫من َْزلين؟" )آل عمران‪.(124 /‬‬ ‫دكم ربكم بثلثة آلف من الملئكة ُ‬ ‫م ّ‬ ‫يُ ِ‬

‫)‪(16 /‬‬

‫فهذه نصوص قاطعة الدللة على أن النبى لم يكن )كما يريد البكاش النتاش‬
‫هو ورسوله الكذاب أن يصوراه لنا( مجرد آلة تسجيل ل تنطق إل بما يتضمنه‬
‫الشريط الموجود فيها ل تخرج عنه ول تقول من عندها شيئا‪ .‬فاليات تتحدث‬
‫دث بها من حوله‪،‬‬‫ؤى رآها صلى الله عليه وسلم فى المنام وح ّ‬ ‫عن ُر ً‬
‫وحوارات ومعاهدات سبق أن دارت بينه وبين المؤمنين أو مجادلت قامت‬
‫كر اليات هذه الحوارات والمجادلت كما وقعت أو‬ ‫بينه وبين الكافرين‪ ،‬وقد ت َذ ْ ُ‬
‫توردها موجزة‪ ،‬وقد تكتفى بالشارة إليها وحسب‪ ،‬وفى كل الحالت نعرف‬
‫أن هناك كلما قاله النبى لم ينزل به القرآن قبل‪ ،‬بل كان القرآن حاكيا له‬
‫كم النبى وقضائه بين المتخاصمين‪،‬‬ ‫ح ْ‬
‫فقط فيما بعد‪ .‬وهناك أيضا كلم عن ُ‬
‫وهذا طبعا غير القرآن‪ ،‬وهناك تصرفات أقدم النبى عليها ووافقه القرآن فيها‬
‫أو عاتبه عليها‪ ،‬وهناك رأى ارتآه النبى من عند نفسه ذكره القرآن‪...‬إلخ‪ .‬وهذا‬
‫صد ّ على أن ما يصور به الكذاب الفاق رسول الله عليه‬ ‫كله برهان ل ي َُرد ّ ول ي ُ َ‬
‫الصلة والسلم من أنه لم يكن أكثر من آلة تسجيل ليس فيها إل أشرطة‬
‫للقرآن الكريم هو ضلل فى ضلل! فإذا أضفنا إلى ما مّر أن فى القرآن‬
‫أحكاما كثيرة أتت مجملة عامة وتحتاج عند التطبيق إلى النظر فيها لستخراج‬
‫الحكم فى هذه الواقعة الخاصة أو تلك لتنزيلها عليها تبّين لنا على نحو يقينى‬
‫أنه صلى الله عليه وسلم كان يجتهد برأيه وتصرفه ولم يكن مجرد جهاز‬
‫تسجيل كما يصوره المفترى الكذوب‪ .‬مثال ذلك آية السرقة فى سورة‬
‫"المائدة"‪ ،‬التى ل بد أن تثير عند قراءتها السئلة التالية‪ :‬ما قيمة المبلغ الذى‬
‫طع فى كل الحوال أم هل هناك ظروف‬ ‫ق َ‬
‫طع عنده يد السارق؟ وهل ت ُ ْ‬ ‫ق َ‬
‫تُ ْ‬
‫فذ هذا القطع؟ بل‬ ‫وشروط معينة ل بد من توفرها حتى يتم القطع؟ وكيف ين ّ‬
‫ما معنى القطع؟ كذلك عندنا آيات الزكاة‪ ،‬ولكن كيف يخرج المسلم زكاته؟‬
‫وات كلها شىء واحد أم هل‬ ‫وما نصابها؟ وما نسبتها إلى ماله؟ وهل الّزك َ َ‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كى عنه؟ وهل ل بد من إخراجها عَي ًْنا أم هل من‬ ‫تختلف حسب نوع المال المز ّ‬
‫دا؟ وهكذا يرى القارئ أن هناك‪ ،‬إلى جانب القرآن‬ ‫ق ً‬
‫الجائز أن نخرجها ن َ ْ‬
‫ة للمساهمات النبوية من خلل القول والسلوك‬ ‫ة واسع ً‬ ‫الكريم‪ ،‬مندوح ً‬
‫كم‪...‬إلخ‪ .‬أما ما قاله صويحبنا عن الصلة وأنها إنما وردت لنا‬ ‫ح ْ‬‫والتطبيق وال ُ‬
‫من أيام إبراهيم عليه السلم ولم ت َرِد ْ عن طريق السنة النبوية‪ ،‬فإنى سائله‪:‬‬
‫وكيف وصلت إلى العرب على أيام النبى؟ أترى العرب فى الجاهلية كانوا‬
‫يصّلون على النحو الذى كان يصّلى عليه إبراهيم طوال كل هاتيك القرون منذ‬
‫عصر أبى النبياء حتى عصر محمد؟ أم تراك ستقول إنها قد وصلتنا فى كتاب‬
‫من كتب إبراهيم؟ فأين يا ترى ذلك الكتاب؟ وهل كانت صلة إبراهيم تتضمن‬
‫مثل الفاتحة التى لم تكن قد نزلت بعد‪ ،‬أم ماذا؟ الواقع أنه ليس أمام هذا‬
‫الّفاق النّهاق إل القرار بأنها إنما وصلت إلينا من خلل سنة نبينا محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ .‬أل لعنة الله على من يظن أنه يمكنه النزول بالرسول‬
‫الكرم إلى مستوى الجمادات التى ل تعقل ول تحس ول تريد ول تفكر ول‬
‫تعبر عن نفسها أبدا‪ ،‬على حين يعطى لنفسه الحق فى أن يفعل كل ذلك‬
‫فور يضع نفسه فى مرتبة أسمى من سيده‬ ‫وأكثر من ذلك بما يعنى أن الك َ ُ‬
‫َ‬
‫وتاج رأسه ورأس الذين نفضوه‪ ،‬وكذلك الذين أّزوه على محاربة الله‬
‫طبه صلى الله عليه وسلم فى الجمعة وغيرها فها‬ ‫خ َ‬‫ورسوله! أما بالنسبة ل ُ‬
‫طب العرب" لحمد زكى‬ ‫خ َ‬
‫هى ذى بعض نصوصها ننقلها عن كتاب "جمهرة ُ‬
‫صفوت من فصل بعنوان "الخطب والوصايا عصر صدر السلم‪ :‬خطب‬
‫النبي"‪:‬‬
‫"أول خطبة خطبها بمكة حين دعا قومه‪ :‬حمد الله وأثنى عليه ثم قال إن‬
‫الرائد ل يكذب أهله والله لو كذبت الناس جميعا ما كذبتكم ولو غررت الناس‬
‫جميعا ما غررتكم والله الذي ل إله إل هو إني لرسول الله إليكم خاصة وإلى‬
‫الناس كافة والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون ولتحاسبن بما‬
‫تعملون ولتجزون بالحسان إحسانا وبالسوء سوءا وإنها لجنة أبدا أو لنار أبدا‬
‫أول خطبة خطبها بالمدينة‪ :‬حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد‬
‫أيها الناس فقدموا لنفسكم تعلمن والله ليصعقن أحدكم ثم ليدعن غنمه‬
‫ليس لها راع ثم ليقولن له ربه وليس له ترجمان ول حاجب يحجبه دونه ألم‬
‫يأتك رسولي فبلغك وأتيتك مال وأفضلت عليك فما قدمت لنفسك فلينظرن‬
‫يمينا وشمال فل يرى شيئا ثم لينظرن قدامه فل يرى غير جهنم فمن استطاع‬
‫أن يقي وجهه من النار ولو بشق من تمرة فليفعل ومن لم يجد فبكلمة طيبة‬
‫فإن بها تجزى الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف والسلم عليكم‬
‫وعلى رسول الله ورحمة الله وبركاته‬

‫)‪(17 /‬‬

‫خطبته في أول جمعة جمعها بالمدينة‪ :‬الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره‬
‫وأستهديه وأومن به ول أكفره وأعادى من يكفره وأشهد أن ل إله إل الله‬
‫وحده ل شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى والنور والموعظة‬
‫على فترة من الرسل وقلة من العلم وضللة من الناس وانقطاع من الزمان‬
‫ودنو من الساعة وقرب من الجل من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن‬
‫يعصهما فقد غوي وفرط وضل ضلل بعيدا وأوصيكم بتقوى الله فإنه خير ما‬
‫أوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الخرة وأن يأمره بتقوى الله‬
‫فاحذروا ما حذركم الله من نفسه ول أفضل من ذلك نصيحة ول أفضل من‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذلك ذكرا وإن تقوى الله لمن عمل به على وجل ومخافة من ربه عون صدق‬
‫على ما تبغون من أمر الخرة ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمره في‬
‫السر والعلنية ل ينوي بذلك إل وجه الله يكن له ذكرا في عاجل أمره وذخرا‬
‫فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى ما قدم وما كان من سوى ذلك يود لو‬
‫أن بينه وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد والذي صدق‬
‫قوله وأنجز وعده ل خلف لذلك فإنه يقول عز وجل ما يبدل القول لدى وما‬
‫أنا بظلم للعبيد فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله في السر والعلنية فإنه‬
‫من يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا ومن يتق الله فقد فاز فوزا‬
‫عظيما وإن تقوى الله يوقى مقته ويوقى عقوبته ويوقى سخطه وإن تقوى‬
‫الله يبيض الوجوه ويرضى الرب ويرفع الدرجة خذوا بحظكم ول تفرطوا في‬
‫جنب الله قد علمكم الله كتابه ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا ويعلم‬
‫الكاذبين فأحسنوا كما أحسن الله إليكم وعادوا أعداءه وجاهدوا في الله حق‬
‫جهاده هو اجتباكم وسماكم المسلمين ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي‬
‫عن بينة ول قوة إل بالله فأكثروا ذكر الله واعملوا لما بعد اليوم فإنه من‬
‫يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس ذلك بأن الله يقضى‬
‫على الناس ول يقضون عليه يملك من الناس ول يملكون منه الله أكبر ول‬
‫قوة إل بالله العظيم‬
‫حد‪ :‬أيها الناس أوصيكم بما أوصاني الله في كتابه من العمل‬ ‫ُ‬
‫خطبة له يوم أ ُ‬
‫بطاعته والتناهي عن محارمه ثم إنكم بمنزل أجر وذخر لمن ذكر الذي عليه‬
‫ثم وطن نفسه على الصبر واليقين والجد والنشاط فإن جهاد العدو شديد‬
‫كربه قليل من يصبر عليه إل من عزم له على رشده إن الله مع من أطاعه‬
‫وإن الشيطان مع من عصاه فاستفتحوا أعمالكم بالصبر على الجهاد‬
‫والتمسوا بذلك ما وعدكم الله وعليكم بالذي أمركم به فإني حريص على‬
‫رشدكم إن الختلف والتنازع والتثبيط من أمر العجز والضعف وهو مما ل‬
‫يحبه الله ول يعطى عليه النصر أيها الناس إنه قذف في قلبي أن من كان‬
‫على حرام فرغب عنه ابتغاء ما عند الله غفر له ذنبه ومن صلى على محمد‬
‫وملئكته عشرا ومن أحسن وقع أجره على الله في عاجل دنياه أو في آجل‬
‫آخرته ومن كان يؤمن بالله واليوم الخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إل صبيا أو‬
‫امرأة أو مريضا أو عبدا مملوكا ومن استغنى عنها استغنى الله عنه والله‬
‫غني حميد ما أعلم من عمل يقربكم إلى الله إل وقد أمرتكم به ول أعلم من‬
‫عمل يقربكم إلى النار إل وقد نهيتكم عنه وإنه قد نفث الروح المين في‬
‫روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي أقصى رزقها ل ينقص منه شئ وإن‬
‫أبطأ عنها فاتقوا الله ربكم وأجملوا في طلب الرزق ول يحملنكم استبطاؤه‬
‫على أن تطلبوه بمعصية ربكم فإنه ل يقدر على ما عنده إل بطاعته قد بين‬
‫لكم الحلل والحرام غير أن بينهما شبها من المر لم يعلمها كثير من الناس‬
‫إل من عصم فمن تركها حفظ عرضه ودينه ومن وقع فيها كان كالراعي إلى‬
‫جنب الحمى أوشك أن يقع فيه وليس ملك إل وله حمى أل وإن حمى الله‬
‫محارمه والمؤمن من المؤمنين كالرأس من الجسد إذا اشتكى تداعى إليه‬
‫سائر جسده والسلم عليكم‬
‫خطبته بالخيف‪ :‬نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها ثم اداها إلى من لم‬
‫يسمعها فرب حامل فقه ل فقه له ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه‬
‫ثلث ل يغل عليهن قلب المؤمن إخلص العمل لله والنصيحة لولى المر‬
‫ولزوم الجماعة إن دعوتهم تكون من ورائه ومن كان همه الخرة جمع الله‬
‫شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة ومن كان همه الدنيا فرق‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إل ما كتب له خطبة له‬
‫عليه الصلة والسلم ومن خطبه أيضا أنه خطب بعد العصر فقال أل إن الدنيا‬
‫خضرة حلوة أل وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا‬
‫واتقوا النساء أل ل يمنعن رجل مخافة الناس أن يقول الحق إذا علمه ولم‬
‫يزل يخطب حتى لم تبق من الشمس إل حمرة على أطراف السعف فقال‬
‫إنه لم يبق من الدنيا فيما مضى إل كما بقي من يومكم هذا فيما مضى‬

‫)‪(18 /‬‬

‫خطبة له‪ :‬إن الحمد لله أحمده وأستعينه نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات‬
‫أعمالنا من يهد الله فل مضل له ومن يضلل فل هادي له وأشهد أن ل إله إل‬
‫الله وحده ل شريك له إن أحسن الحديث كتاب الله قد أفلح من زينه الله في‬
‫قلبه وأدخله في السلم بعد الكفر واختاره على ما سواه من أحاديث الناس‬
‫إنه أصدق الحديث وأبلغه أحبوا من أحب الله وأحبوا الله من كل قلوبكم ول‬
‫تملوا كلم الله وذكره ول تقسو عليه قلوبكم اعبدوا الله ول تشركوا به شيئا‬
‫اتقوا الله حق تقاته وصدقوا صالح ما تعملون بأفواهكم وتحابوا بروح الله‬
‫بينكم والسلم عليكم ورحمة الله خطبة له أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا‬
‫إلى معالمكم وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم فإن العبد بين مخافتين أجل‬
‫قد مضى ل يدري ما الله فاعل فيه وأجل باق ل يدري ما الله قاض فيه‬
‫فليأخذ العبد من نفسه لنفسه ومن دنياه لخرته ومن الشبيبة قبل الكبر ومن‬
‫الحياة قبل الممات فوالذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب ول‬
‫بعد الدنيا من دار إل الجنة أو النار‬
‫خطبة له‪ :‬أيها الناس كأن الموت فيها على غيرنا قد كتب وكان الحق فيها‬
‫على غيرنا قد وجب وكأن الذي نشيع من الموات سفر عما قليل إلينا‬
‫راجعون نبوئهم أجداثهم ونأكل من تراثهم كأنا مخلدون بعدهم ونسينا كل‬
‫واعظة وأمنا كل جائحة طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس طوبى لمن‬
‫أنفق مال اكتسبه من غير معصية وجالس أهل الفقه والحكمة وخالط أهل‬
‫الذل والمسكنة طوبى لمن زكت وحسنت خليقته وطابت سريرته وعزل عن‬
‫الناس شره طوبى لمن أنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله‬
‫ووسعته السنة ولم تستهوه البدعة خطبة له أل أيها الناس توبوا إلى ربكم‬
‫قبل أن تموتوا وبادروا العمال الصالحة قبل أن تشغلوا وصلوا الذي بينكم‬
‫وبين ربكم بكثرة ذكركم له وكثرة الصدقة في السر والعلنية ترزقوا وتؤجروا‬
‫وتنصروا واعلموا أن الله عز وجل قد افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا‬
‫في عامي هذا في شهري هذا إلى يوم القيامة حياتي ومن بعد موتى فمن‬
‫تركها وله إمام فل جمع الله له شمله ول بارك له في أمره أل ول حج له أل‬
‫ول صوم له أل ول صدقة له أل ول بر له أل ول يؤم أعرابي مهاجرا أل ول يؤم‬
‫فاجر مؤمنا إل أن يقهره سلطان يخاف سيفه أو سوطه‬
‫خطبته يوم فتح مكة‪ :‬وقف على باب الكعبة ثم قال ل إله إل الله وحده ل‬
‫شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الحزاب وحده أل كل مأثرة أو دم أو‬
‫مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين إل سدانة البيت وسقاية الحاج أل وقتل‬
‫الخطأ مثل العمد بالسوط والعصا فيهما الدية مغلظة منها أربعون خلفة في‬
‫بطونها أولدها يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية‬
‫وتعظمها بالباء الناس من آدم وآدم خلق من تراب ثم تل يا أيها الناس إنا‬
‫خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أتقاكم الية يا معشر قريش أو يأهل مكة ما ترون إني فاعل بكم قالو خيرا‬
‫أخ كريم وابن أخ كريم قال اذهبوا فأنتم الطلقاء‬
‫خطبته في الستسقاء‪ :‬روى أن أعرابيا جاء إلى رسول الله وآله في عام‬
‫جدب فقال أتيناك يا رسول الله ولم يبق لنا صبي يرتضع ول شارف تجتر ثم‬
‫أنشده أتيناك والعذراء يدمي لبابها وقد شغلت أم الرضيع عن الطفل وألقى‬
‫بكفيه الفتى لستكانة من الجوع حتى ما يمر ول يحلى ول شيء مما يأكل‬
‫الناس عندنا سوى الحنظل العامي والعلهز الفسل وليس لنا إل إليك فرارنا‬
‫وأين فرار الناس إل إلى الرسل فقام النبي يجر رداءه حتى صعد المنبر‬
‫فحمد الله وأثنى عليه وقال اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا هنيئا مريعا سحا‬
‫سجال غدقا طبقا ديما دررا تحيي به الرض وتنبت به الزرع وتدر به الضرع‬
‫واجعله سقيا نافعة عاجل غير رائث فوالله ما رد رسول الله وآله يده إلى‬
‫نحره حتى ألقت السماء أرواقها وجاء الناس يضجون الغرق الغرق يا رسول‬
‫الله فقال اللهم حوالينا ول علينا فانجاب السحاب عن المدينة حتى استدار‬
‫حولها كالكليل فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه‬

‫)‪(19 /‬‬

‫خطبته في حجة الوداع‪ :‬الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه‬
‫ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فل مضل له‬
‫ومن يضلل فل هادي له وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له وأشهد أن‬
‫محمدا عبده ورسوله أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعته‬
‫وأستفتح بالذي هو خير أما بعد أيها الناس اسمعوا مني أبين لكم فإني ل‬
‫أدري لعلي ل ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا إيها الناس إن دماءكم‬
‫وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا‬
‫في بلدكم هذا أل هل بلغت اللهم اشهد فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى‬
‫من ائتمنه عليها وإن ربا الجاهلية موضوع وإن أول ربا أبدأ به ربا عمى‬
‫العباس بن عبد المطلب وإن دماء الجاهلية موضوعة وإن أول دم نبدأ به دم‬
‫عامر بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير‬
‫السدانة والسقاية والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة‬
‫بعير فمن زاد فهو من أهل الجاهلية أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد‬
‫في أرضكم هذه ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من‬
‫أعمالكم أيها الناس إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه‬
‫عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله وإن الزمان قد استدار كهيئته‬
‫يوم خلق الله السموات والرض وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا‬
‫في كتاب الله يوم خلق السموات والرض منها أربعة حرم ثلثة متواليات‬
‫وواحد فرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب الذي بين جمادى وشعبان‬
‫أل هل بلغت اللهم اشهد أيها الناس أن لنسائكم عليكم حقا ولكم عليهن حق‬
‫لكم عليهن أل يوطئن فرشكم غيركم ول يدخلن أحدا تكرهونه بيوتكم إل‬
‫بإذنكم ول يأتين بفاحشة فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن‬
‫وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح فإن انتهين وأطعنكم‬
‫فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وإنما النساء عندكم عوان ل يملكن‬
‫لنفسهن شيئا أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله فاتقوا‬
‫الله في النساء واستوصوا بهن خيرا أل هل بلغت اللهم اشهد أيها الناس إنما‬
‫المؤمنون إخوة ول يحل لمرئ مال أخيه ال عن طيب نفس منه أل هل بلغت‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اللهم اشهد فل ترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض فإني قد تركت‬
‫فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا بعده كتاب الله أل هل بلغت اللهم اشهد ايها‬
‫الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لدم وآدم من تراب أكرمكم عند‬
‫الله أتقاكم وليس لعربي على عجمي فضل إل بالتقوى ال هل بلغت اللهم‬
‫اشهد قالوا نعم قال فليبلغ الشاهد الغائب أيها الناس إن الله قد قسم لكل‬
‫وارث نصيبه من الميراث ول يجوز لوارث وصية ول يجوز وصية في أكثر من‬
‫الثلث والولد للفراش وللعاهر الحجر من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير‬
‫مواليه فعليه لعنة الله والملئكة والناس أجمعين ل يقبل منه صرف ول عدل‬
‫والسلم عليكم ورحمة الله خطبته في مرض موته عن الفضل بن عباس قال‬
‫جاءني رسول الله فخرجت إليه فوجدته موعوكا قد عصب رأسه فقال خذ‬
‫بيدي يا فضل فأخذت بيده حتى جلس على المنبر ثم قال ناد في الناس‬
‫فاجتمعوا إليه فقال اما بعد أيها الناس فإني أحمد إليكم الله الذي ل إله إل‬
‫هو وإنه قد دنا مني خفوق من بين أظهركم فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا‬
‫ظهري فليستقد منه ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه‬
‫ومن أخذت له مال فهذا مالي فليأخذ منه ول يخش الشحناء من قبلي فإنها‬
‫ليست من شأني أل وإن أحبكم إلي من أخذ مني حقا إن كان له أو حللني‬
‫فلقيت ربي وأنا طيب النفس وقد أرى أن هذا غير مغن عنى أقوم فيكم‬
‫مرارا ثم نزل فصلى الظهر ثم رجع فجلس على المنبر فعاد لمقالته الولى‬
‫فادعى عليه رجل بثلثة دراهم فأعطاه عوضها ثم قال أيها الناس من كان‬
‫عنده شيء فليؤده ول يقل فضوح الدنيا أل وإن فضوح الدنيا أهون من فضوح‬
‫الخرة ثم صلى على أصحاب أحد واستغفر لهم ثم قال إن عبدا خيره الله‬
‫بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده فبكى أبو بكر وقال فديناك بأنفسنا‬
‫وآبائنا"‪.‬‬

‫)‪(20 /‬‬

‫صحاح ليزداد‬ ‫معة النبوية من كتب ال ّ‬ ‫ج ْ‬ ‫طب ال ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ثم ن ُث َّنى بعدها فننقل بعض ُ‬
‫ما بمدى الجرأة على الكذب عند أفاقنا حوارىّ رشاد‬ ‫القاصى والدانى عل ً‬
‫ة‪ ،‬قا َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫م َ‬ ‫سا َ‬ ‫حد ّث ََنا أُبو أ َ‬ ‫مود ٌ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫"ساعة لقلبك"‪ ،‬ففى البخارى‪ -930" :‬قا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل أَ ْ‬
‫ت أِبي‬ ‫ماَء ب ِن ْ ِ‬ ‫س َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫من ْذِِر‪ ،‬عَ ْ‬ ‫ت ال ُ‬ ‫ة ب ِن ْ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫خب ََرت ِْني َفاط ِ َ‬ ‫ة‪َ ،‬قا َ‬ ‫ن عُْروَ َ‬ ‫م بْ ُ‬ ‫شا ُ‬ ‫حد ّث ََنا هِ َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ت َ‬ ‫ن قل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫صلو َ‬ ‫ّ‬ ‫س يُ َ‬ ‫ة ـ رضى الله عنها ـ َوالّنا َ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ت عَلى َ‬ ‫َ‬ ‫خل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ت دَ َ‬ ‫َ‬
‫ب َكر‪ ،‬قال ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫شارت برأ ْسها أ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫شأ ْ ٍن الناس فَأ َ‬
‫م‬
‫ْ ََ ْ‬‫ع‬ ‫ن‬ ‫ى‬ ‫َ ْ َِ ِ َ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫ُ َ ٌ‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫ما‬‫ّ َ‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫إ‬ ‫ها‬
‫َ ْ َِ ِ َ ِ‬ ‫س‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫شا‬ ‫َ ُ ّ َ ِ‬
‫ى‬
‫ش ُ‬ ‫جل ِّني ال ْغَ ْ‬ ‫حّتى ت َ َ‬ ‫دا َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫طا َ‬ ‫ت فَأ َ‬ ‫‪َ .‬قال َ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫صَر َ‬ ‫سي‪َ ،‬فان ْ َ‬ ‫من َْها عََلى َرأ ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫ص ّ‬ ‫تأ ُ‬ ‫جعَل ْ ُ‬ ‫حت َُها فَ َ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫ماٌء فَ َ‬ ‫ة ِفيَها َ‬ ‫جن ِْبي قِْرب َ ٌ‬ ‫وَإ َِلى َ‬
‫مد َ‬ ‫ح ِ‬ ‫س‪ ،‬وَ َ‬ ‫ب الّنا َ‬ ‫خط َ َ‬ ‫س‪ ،‬فَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫جل ّ ِ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَد ْ ت َ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫صاِر‪،‬‬ ‫ن الن ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫سوَة ٌ ِ‬ ‫ت وَلغِط ن ِ ْ‬ ‫ما ب َعْد ُ " ‪َ .‬قال ْ‬ ‫ل"أ ّ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ما هُوَ أهْل ُ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ىٍء ل َ ْ‬
‫م‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل" َ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫ل َقال َ ْ‬ ‫ما َقا َ‬ ‫ة َ‬ ‫ش َ‬ ‫ت ل َِعائ ِ َ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫ن فَ ُ‬ ‫سك ّت َهُ ّ‬ ‫نل َ‬ ‫ت إ ِل َي ْهِ ّ‬ ‫فأ ُ‬ ‫َفان ْك َ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ى‬
‫ي إ ِل ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ه قَد ْ أو ِ‬ ‫ة َوالّناَر‪ ،‬وَإ ِن ّ ُ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫حّتى ال َ‬ ‫ذا َ‬ ‫مي هَ َ‬ ‫قا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِفي َ‬ ‫ه إ ِل ّ قَد ْ َرأي ْت ُ ُ‬ ‫ن أِريت ُ ُ‬ ‫أك ُ ْ‬
‫قبور مث ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ل‪ ،‬ي ُؤَْتى‬ ‫جا ِ‬ ‫سيِح الد ّ ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ـ فِت ْن َةِ ال ْ َ‬ ‫مَ ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ل ـ أوْ قَ ِ‬ ‫ن ِفي ال ْ ُ ُ ِ ِ‬ ‫فت َُنو َ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫أن ّك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫ش ّ‬ ‫ن َ‬ ‫موقِ ُ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ن ـ أوْ َقا َ‬ ‫م ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫ل فَأ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ذا الّر ُ‬ ‫ك ب ِهَ َ‬ ‫م َ‬ ‫عل ْ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫م‪ ،‬فَي ُ َ‬ ‫حد ُك ُ ْ‬ ‫أ َ‬
‫ت‬‫جاَءَنا ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫مد ٌ صلى الله عليه وسلم َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه‪ ،‬هُوَ ُ‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل هُوَ َر ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫م ـ فَي َ ُ‬ ‫شا ٌ‬ ‫هِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫ن كن ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫حا‪ ،‬قَد ْ كّنا ن َعْل ُ‬ ‫ُ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫م َ‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫لل ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫صد ّقَْنا ‪ .‬فَي ُ َ‬ ‫جب َْنا َوات ّب َعَْنا وَ َ‬ ‫مّنا وَأ َ‬ ‫دى َفآ َ‬ ‫َوال ْهُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫م َ‬ ‫عل ْ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫م ـ فَي ُ َ‬ ‫شا ٌ‬ ‫ك هِ َ‬ ‫ش ّ‬ ‫ب َ‬ ‫مْرَتا ُ‬ ‫ل ال ْ ُ‬
‫مَنافِقُ ـ أوْ َقا َ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫ن ب ِهِ ‪ .‬وَأ ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ل َت ُؤْ ِ‬
‫َ‬
‫م‬
‫شا ٌ‬ ‫ل هِ َ‬ ‫ه " ‪َ .‬قا َ‬ ‫قل ْت ُ ُ‬ ‫شي ًْئا فَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫س يَ ُ‬ ‫ت الّنا َ‬ ‫معْ ُ‬
‫س ِ‬ ‫ل ل َ أد ِْري‪َ ،‬‬ ‫قو ُ‬ ‫ل فَي َ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ذا الّر ُ‬ ‫ب ِهَ َ‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ظ عَل َي ْهِ ‪.‬‬ ‫ما ي ُغَل ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ت َ‬ ‫ه‪ ،‬غَي َْر أن َّها ذ َك ََر ْ‬ ‫ة فَأوْعَي ْت ُ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ت ِلي َفاط ِ َ‬ ‫قد ْ َقال َ ْ‬ ‫فَل َ َ‬
‫َ‬
‫ل‬‫رو‪َ ،‬قا َ‬ ‫مٍَ‬ ‫حد ّث ََنا أُبو عَ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫د‪َ ،‬قا َ‬ ‫حد ّث ََنا ال ْوَِلي ُ‬ ‫ل َ‬ ‫من ْذِِر‪َ ،‬قا َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م بْ ُ‬ ‫هي ُ‬ ‫حد ّث ََنا إ ِب َْرا ِ‬ ‫‪َ - 941‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ت‬ ‫صاب َ ِ‬ ‫ك‪ ،‬قال أ َ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫س بْ ِ‬ ‫ن أن َ ِ‬ ‫ة‪ ،‬عَ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ن أِبي طل َ‬ ‫ن عَب ْدِ اللهِ ب ْ ِ‬ ‫حاقُ ب ْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫حد ّث َِني إ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ِّ ّ‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫نا‬
‫ََْ‬‫ي‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫صلى‬ ‫ي‬ ‫ب‬
‫َ ْ ِ ِّ ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫ّ َ َ َ ٌ َ‬‫ة‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬
‫ل‬ ‫ما ُ‬ ‫ك ال َْ‬ ‫ل الل ّهِ هَل َ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ر‬ ‫يا‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫را‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫خط ُب في يوم جمعة َقام أ َ‬ ‫وسلم ي َ ْ‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ِ ُ ُ َ ٍ‬ ‫ُ ِ‬
‫ذي‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫ة‪ ،‬فَ َ‬ ‫ماِء قََزعَ ً‬ ‫س َ‬ ‫ما ن ََرى ِفي ال ّ‬ ‫ه‪ ،‬وَ َ‬ ‫ه ل ََنا ‪ .‬فََرفَعَ ي َد َي ْ ِ‬ ‫ل‪َ ،‬فاد ْعُ الل ّ َ‬ ‫جاعَ ال ْعَِيا ُ‬ ‫وَ َ‬
‫م ي َن ْزِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫من ْب َرِهِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫مل ْ‬ ‫ل‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫جَبا ِ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫مَثا َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫س َ‬ ‫حّتى َثاَر ال ّ‬ ‫ضعََها َ‬ ‫ما وَ َ‬ ‫سي ب ِي َدِهِ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مَنا‬ ‫مط ِْرَنا ي َوْ َ‬ ‫حي َت ِهِ صلى الله عليه وسلم فَ ُ‬ ‫حاد َُر عَلى ل ِ ْ‬ ‫مطَر ي َت َ َ‬ ‫ت ال َ‬ ‫حّتى َرأي ْ ُ‬ ‫َ‬
‫م ذ َل ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫خَرى‪ ،‬وََقا َ‬ ‫معَةِ ال ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫حّتى ال ُ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫ذي ي َِلي ِ‬ ‫د‪ ،‬وَب َعْد َ الغَد ِ َوال ِ‬ ‫ن الغَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك‪ ،‬وَ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‪َ ،‬فاد ْعُ‬ ‫ما ُ‬ ‫م الب َِناُء وَغَرِقَ ال َ‬ ‫ه‪ ،‬ت َهَد ّ َ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ل َيا َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ل غَي ُْرهُ ـ فَ َ‬ ‫ي ـ أوْ َقا َ‬ ‫العَْراب ِ ّ‬
‫شيُر ب ِي َدِهِ إ َِلى‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫وال َي َْنا‪ ،‬وَل َ عَل َي َْنا " ‪ .‬فَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫ل " الل ّهُ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ه‪ ،‬فَ َ‬ ‫ه ل ََنا ‪ .‬فََرفَعَ ي َد َي ْ ِ‬ ‫الل ّ َ‬
‫واِدي‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫سا َ‬ ‫ة‪ ،‬وَ َ‬ ‫جوْب َ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ة ِ‬ ‫دين َ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫صاَر ِ‬ ‫ت‪ ،‬وَ َ‬ ‫ج ْ‬ ‫فَر َ‬ ‫ب إ ِل ّ ان ْ َ‬ ‫حا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫حي َةٍ ِ‬ ‫َنا ِ‬
‫ودِ" ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قََناة ُ َ‬
‫ج ْ‬ ‫ث ِبال َ‬ ‫حد ّ َ‬ ‫حي َةٍ إ ِل َ‬ ‫ن َنا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حد ٌ ِ‬ ‫ئأ َ‬ ‫ج ْ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫شهًْرا‪ ،‬وَل ْ‬
‫حد ّث ََنا‬ ‫حد ّث ََنا أُبو ت َوْب َ َ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ة‪َ ،‬‬ ‫ي‪َ ،‬‬ ‫وان ِ ّ‬ ‫حل َ‬ ‫ي ال ُ‬ ‫ن عَل ِ ّ‬ ‫ن بْ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫حد ّث َِني ال َ‬ ‫ومن صحيح مسلم‪َ " :‬‬
‫حد ّثِني‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫س ّ‬
‫م‪ ،‬قال َ‬ ‫سل ٍ‬ ‫معَ أَبا َ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫خاه‪ ،‬أن ّ ُ‬ ‫د‪ ،‬ي َعِْني أ َ‬ ‫ن َزي ْ ٍ‬ ‫لم‪ ،‬عَ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ة‪ ،‬وَهُوَ اب ْ ُ‬ ‫مَعاوِي َ ُ‬ ‫ُ‬
‫قولُ‬ ‫سول اللهِ صلى الله عليه وسلم ي َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مَعا َر ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ما‪َ ،‬‬ ‫حد ّثاه ُ أن ّهُ َ‬ ‫ميَناَء‪ ،‬أن ّ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م بْ ُ‬ ‫حك ُ‬ ‫ال َ‬
‫ه عََلى‬ ‫ن الل ُّ‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫خ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫عا‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫وا‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫"‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫وا‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫لى‬ ‫عَ َ‬
‫ُ ُ َ ِ ْ َ ْ ِ َ ّ‬ ‫َ ٌ َ ْ َ ْ ِ ِ ُ‬ ‫ََِْ َ ّ‬ ‫ْ َ ِ ِ َْ ِ ِ‬
‫ن"‪.‬‬ ‫ن ال َْغافِِلي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كون ُ ّ‬ ‫م ل َي َ ُ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫قُُلوب ِهِ ْ‬

‫)‪(21 /‬‬

‫ن‬ ‫د‪ ،‬عَ ْ‬ ‫جي ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن عَب ْدِ ال ْ َ‬ ‫ب بْ ُ‬ ‫ها ِ‬ ‫حد ّث ََنا عَب ْد ُ ال ْوَ ّ‬ ‫مث َّنى‪َ ،‬‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مد ُ ب ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫حد ّث َِني ُ‬ ‫‪ -2042‬وَ َ‬
‫ل اللهِ صلى‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ه‪َ ،‬قا َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن َر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن عَب ْدِ الل ِ‬ ‫جاب ِرِ ب ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ه‪ ،‬عَ ْ‬ ‫ن أِبي ِ‬ ‫د‪ ،‬عَ ْ‬ ‫م ٍ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫فرِ ب ْ ِ‬ ‫جعْ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫حّتى ك َأن ّ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ضب ُ ُ‬ ‫شت َد ّ غَ َ‬ ‫ه َوا ْ‬ ‫صوْت ُ ُ‬ ‫ت عَي َْناه ُ وَعَل َ َ‬ ‫مّر ْ‬ ‫ح َ‬ ‫با ْ‬ ‫خط َ‬ ‫الله عليه وسلم إ َِذا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫ة كَهات َي ْ ِ‬ ‫ساعَ َ‬ ‫ت أَنا َوال ّ‬ ‫ل‪ " :‬ب ُعِث ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫م " ‪ .‬وَي َ ُ‬ ‫ساك ْ‬ ‫م ّ‬ ‫م وَ َ‬ ‫حك ْ‬ ‫صب ّ َ‬ ‫ل" َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ش يَ ُ‬ ‫جي ْ ٍ‬ ‫من ْذُِر َ‬ ‫ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ث‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫خي َْر ال َ‬ ‫ن َ‬ ‫ما ب َعْد ُ فَإ ِ ّ‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫"‬ ‫ل‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫طى‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫و‬
‫َ ُ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫با‬‫ّ‬ ‫س‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ص‬ ‫َ ِ ْ‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ر‬ ‫" َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫‪.‬‬
‫ة"‪.‬‬ ‫ضلل ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل ب ِد ْعَةٍ َ‬ ‫ُ‬
‫حد ََثات َُها وَك ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬ ‫مد ٍ و َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫مورِ ُ‬ ‫شّر ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫دى ُ‬ ‫دى هُ َ‬ ‫خي ُْر الهُ َ‬ ‫ب اللهِ وَ َ‬ ‫ك َِتا ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ت ََرك د َي ًْنا‬ ‫م ْ‬ ‫مال فَلهْل ِهِ وَ َ‬ ‫ن ت ََرك َ‬ ‫م ْ‬ ‫سهِ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫ل ‪ " :‬أَنا أوْلى ب ِك ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ى‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ى وَعَل ّ‬ ‫عا فإ ِل ّ‬ ‫ضَيا ً‬ ‫أوْ َ‬
‫ل‪،‬‬ ‫ن ب ِل َ ٍ‬ ‫ن بْ ُ‬ ‫ما ُ‬ ‫سل َي ْ َ‬ ‫حد ّث َِني ُ‬ ‫د‪َ ،‬‬ ‫خل َ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫خال ِد ُ ب ْ ُ‬ ‫حد ّث ََنا َ‬ ‫د‪َ ،‬‬ ‫مي ْ ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ُ‬ ‫حد ّث ََنا عَب ْد ُ ب ْ ُ‬ ‫‪ -2043‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫قول كان َ ْ‬ ‫ه‪ ،‬ي َ ُ‬ ‫ن عَب ْدِ الل ِ‬ ‫جاب َِر ب ْ َ‬ ‫ت َ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ه‪ ،‬قال َ‬ ‫ن أِبي ِ‬ ‫مد ٍ ع َ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫فُر‪ ،‬ب ْ ُ‬ ‫جعْ َ‬ ‫حد ّث َِني َ‬ ‫َ‬
‫قو ُ‬
‫ل‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ه وَي ُث ِْني عَل َي ْهِ ث ُّ‬ ‫مد ُ الل َّ‬ ‫ح‬
‫ُ ُ َ ِ َ ْ َ‬ ‫ي‬ ‫ة‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫َ ْ َ‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫صلى‬ ‫ي‬
‫ُ َ ُ ِّ ّ‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ة‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ط‬ ‫خ‬
‫مث ِْلهِ"‪.‬‬ ‫ب‬
‫ّ َ َ َ ِ َ ِ ِ‬ ‫ث‬ ‫دي‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ق‬ ‫سا‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫‪.‬‬ ‫ته‬ ‫َ ُْ‬ ‫و‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫د‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫عََلى إ ِث ْرِ ذ َل ِ‬
‫ن‬ ‫ب بْ ُ‬ ‫شَها ُ‬ ‫حد ّث ََنا ِ‬ ‫صوٍر‪َ ،‬‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫سِعيد ُ ب ْ ُ‬ ‫حد ّث ََنا َ‬ ‫ومن سنن أبى داود‪َ -1098" :‬‬
‫ة‬
‫حب َ ٌ‬ ‫ص ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ت إ َِلى َر ُ‬ ‫س ُ‬ ‫جل َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ي‪َ ،‬قا َ‬ ‫ف ّ‬ ‫طائ ِ ِ‬ ‫ن ُرَزي ْق ال ّ‬
‫ٍ‬ ‫ب بْ ُ‬ ‫شعَي ْ ُ‬ ‫حد ّث َِني ُ‬ ‫ش‪َ ،‬‬ ‫خَرا ٍ‬ ‫ِ‬
‫شأ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ي فَأن ْ َ‬ ‫ف ّ‬ ‫ن الك ُل ِ‬ ‫حْز ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م بْ ُ‬ ‫حك َ ُ‬ ‫ه ال َ‬ ‫لل ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم ي ُ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫س َ‬ ‫سب ْعَةٍ أوْ َتا ِ‬ ‫ساب ِعَ َ‬ ‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ت إ ِلى َر ُ‬ ‫ل وَفَد ْ ُ‬ ‫حد ّث َُنا َقا َ‬ ‫يُ َ‬
‫خير فَأ َمر بنا أوَ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ ُزْرَنا َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ َ َِ ْ‬ ‫ه ل ََنا ب ِ َ ْ ٍ‬ ‫ك َفاد ْعُ الل َ‬ ‫سو َ‬ ‫قلَنا َيا َر ُ‬ ‫خلَنا عَلي ْهِ فَ ُ‬ ‫سعَةٍ فَد َ َ‬ ‫تِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شهِد َْنا ِفيَها‬ ‫ما َ‬ ‫مَنا ب َِها أّيا ً‬ ‫ن فَأقَ ْ‬ ‫ن إ ِذ ْ َذاك ُدو ٌ‬ ‫شأ ُ‬ ‫مرِ َوال ّ‬ ‫ن الت ّ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ىٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫مَر لَنا ب ِ َ‬ ‫أ َ‬
‫َ‬
‫س‬‫صا أوْ قَوْ ٍ‬ ‫مت َوَك ًّئا عََلى عَ ً‬ ‫م ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم فَ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫معَ َر ُ‬ ‫ة َ‬ ‫معَ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫س‬‫ل " أي َّها الّنا ُ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫كا ٍ‬ ‫مَباَر َ‬ ‫ت ُ‬ ‫ت ط َي َّبا ٍ‬ ‫فا ٍ‬ ‫في َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ما ٍ‬ ‫ه وَأث َْنى عَل َي ْهِ ك َل ِ َ‬ ‫مد َ الل ّ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫فَ َ‬
‫ل‬‫شُروا " ‪َ .‬قا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫فعَلوا ك ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫سد ُّدوا وَأب ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ب ِهِ وَلك ِ ْ‬ ‫مْرت ُ ْ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫قوا أوْ ل ْ‬ ‫طي ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫مل ْ‬ ‫إ ِن ّك ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل ث َب ّت َِني ِفي َ‬ ‫َ‬
‫ت أَبا َداوُد َ قا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حاب َِنا وَقد ْ كا َ‬ ‫ص َ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫ه ب َعْ ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ىٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ي َ‬ ‫أُبو عَل ِ ّ‬
‫س‪.‬‬ ‫ن ال ْ ِ َ‬ ‫قط َعَ ِ‬
‫قْرطا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ان ْ َ‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬
‫ة‪ ،‬عَ ْ‬ ‫ن قََتاد َ َ‬ ‫ن‪ ،‬عَ ْ‬ ‫مَرا ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫حد ّث ََنا ِ‬ ‫م‪َ ،‬‬ ‫ص ٍ‬ ‫عا ِ‬ ‫حد ّث ََنا أ َُبو َ‬ ‫شاٍر‪َ ،‬‬ ‫ن بَ ّ‬ ‫مد ُ ب ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫حد ّث ََنا ُ‬ ‫‪َ -1099‬‬
‫سول اللهِ صلى الله عليه‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َر ُ‬ ‫سُعوٍد‪ ،‬أ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫ض‪ ،‬عَ ِ‬ ‫عَيا ٍ‬ ‫ن أِبي ِ‬ ‫ه‪ ،‬عَ ْ‬ ‫عَب ْد ِ َرب ّ ِ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫فُرهُ وَن َُعوذ ِباللهِ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ه وَن َ ْ‬ ‫ست َِعين ُ ُ‬ ‫مد ُ ل ِلهِ ن َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ْ‬
‫ن إ ِذا ت َشهّد َ قال " ال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وسلم كا َ‬ ‫َ‬
‫ن لَ‬ ‫شهد أ َ‬ ‫ْ‬ ‫هادي ل َه وأ َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ض‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ض‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫شُرورِ أ َن ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫َ ُ ْ‬ ‫َ ِ َ ُ َ‬ ‫ُ َ َ ْ ُ ْ ِ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ف ِ َ َ ْ َْ ِ ِ‬
‫ه‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ذيًرا ب َي ْ َ‬ ‫شيًرا وَن َ ِ‬ ‫حق ّ ب َ ِ‬ ‫ه ِبال ْ َ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫ه أْر َ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫دا عَب ْد ُه ُ وََر ُ‬ ‫م ً‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫شهَد ُ أ ّ‬ ‫ه وَأ ْ‬ ‫ه إ ِل ّ الل ّ ُ‬ ‫إ ِل َ َ‬
‫ضّر إ ِل ّ‬ ‫ه ل َ يَ ُ‬ ‫ما فَإ ِن ّ ُ‬ ‫صهِ َ‬ ‫ن ي َعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شد َ و َ َ‬ ‫قد ْ َر َ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن ي ُط ِِع الل ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ساعَةِ َ‬ ‫ى ال ّ‬ ‫ي َد َ ِ‬
‫شي ًْئا " ‪.‬‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ضّر الل َ‬ ‫ه وَل َ ي َ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫نَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫س‪ ،‬أن ّ ُ‬ ‫ن ُيون ُ َ‬ ‫ب‪ ،‬عَ ْ‬ ‫ن وَهْ ٍ‬ ‫خب ََرَنا اب ْ ُ‬ ‫ي‪ ،‬أ ْ‬ ‫مَرادِ ّ‬ ‫ة ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ‬ ‫ن َ‬ ‫مد ُ ب ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫حد ّث ََنا ُ‬ ‫‪َ -1100‬‬
‫ة‬
‫معَ ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم ي َوْ َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫سو‬ ‫د‪َ ،‬ر ُ‬ ‫شهّ ِ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ب عَ‬ ‫ٍ‬ ‫شَها‬ ‫ن ِ‬ ‫َ‬ ‫ل اب ْ‬ ‫سأ َ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ل الل ّه ربنا أ َ‬ ‫قد غَوى " ‪ .‬ونسأ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ّ ْ‬ ‫م‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ج‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ما‬ ‫ِ َ‬ ‫ه‬ ‫ص‬‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬‫َ َ ْ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫"‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫ه‬
‫َ ُ‬ ‫و‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ر‬‫فَ َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ذ‬
‫ه"‪.‬‬ ‫َ‬
‫ن ب ِهِ وَل ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫ه فَإ ِن ّ َ‬ ‫خط ُ‬ ‫َ‬ ‫س َ‬ ‫ب َ‬ ‫جت َن ِ ُ‬ ‫ه وَي َ ْ‬ ‫وان َ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ه وَي َت ّب ِعُ رِ ْ‬ ‫َ‬
‫سول ُ‬ ‫طيعُ َر ُ‬ ‫ه وَي ُ ِ‬ ‫طيعُ ُ‬ ‫يُ ِ‬
‫ب‪،‬‬ ‫ّ‬
‫حد ّث ََنا اللي ْ ُ‬ ‫ة‪َ ،‬قا َ‬ ‫خب ََرَنا قُت َي ْب َ ُ‬ ‫َ‬
‫شَها ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫ث‪ ،‬عَ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ومن سنن النسائى‪ -1418" :‬أ ْ‬
‫ل اللهِ صلى الله‬ ‫ّ‬ ‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫مَر‪ ،‬عَ ْ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫ّ‬ ‫ن عَب ْدِ الل ّ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن عَب ْدِ اللهِ ب ْ ِ‬ ‫ه‪ ،‬عَ ْ‬ ‫ن عَب ْدِ اللهِ َ ب ْ ِ‬ ‫عَ ْ‬
‫ل"‬ ‫س ْ‬ ‫ة فلي َغْت َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫معَ َ‬ ‫ج ُ‬‫م ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫من ْك ُ‬ ‫جاَء ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫من ْب َرِ " َ‬ ‫ْ‬
‫م عَلى ال ِ‬ ‫َ‬ ‫ل وَهُوَ قائ ِ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ه قا َ‬ ‫َ‬ ‫عليه وسلم أن ّ ُ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ث عَلى هَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪َ .‬قا َ َ‬
‫سَناد ِ غي َْر اب ْ ِ‬ ‫ذا ال ِ ْ‬ ‫دا َتاب َعَ اللي ْ َ‬ ‫ح ً‬ ‫مأ َ‬ ‫ما أعْل ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ح َ‬ ‫ل أُبو عَب ْدِ الّر ْ‬
‫ل عَب ْدِ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن أ َِبيهِ ب َد َ َ‬ ‫ن عَب ْدِ الل ّهِ عَ ْ‬ ‫سال ِم ِ ب ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ب الّزهْرِيّ ي َ ُ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬
‫َ‬
‫جَري ٍْج وَأ ْ‬ ‫ُ‬
‫مَر ‪.‬‬ ‫ِ ْ ِ ُ َ‬‫ع‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫بْ ِ َ ْ ِ‬
‫د‬ ‫ب‬‫ع‬ ‫ن‬

‫)‪(22 /‬‬

‫ن‬‫ن اب ْ ِ‬ ‫ن‪ ،‬عَ ِ‬ ‫فَيا ُ‬ ‫س ْ‬ ‫حد ّث ََنا ُ‬ ‫ل َ‬ ‫د‪َ ،‬قا َ‬ ‫زي َ‬ ‫ِ‬ ‫ن يَ‬ ‫ِ‬ ‫ن عَب ْدِ الل ّهِ ب ْ‬ ‫مد ُ ب ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫خب ََرَنا ُ‬ ‫‪ - 1419‬أ َ ْ‬
‫سِعيدٍ ال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫جاَء‬ ‫ل َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ي‪ ،‬ي َ ُ‬ ‫خد ْرِ ّ‬ ‫ت أَبا َ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ه‪َ ،‬قا َ‬ ‫ن عَب ْدِ الل ّ ِ‬ ‫ض بْ ِ‬ ‫عَيا ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن‪ ،‬عَ ْ‬ ‫جل َ َ‬ ‫عَ ْ‬
‫هَ‬
‫لل ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ب ب ِهَي ْئ َةٍ ب َذ ّةٍ فَ َ‬ ‫خط ُ‬ ‫ُ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم ي َ ْ‬ ‫معَةِ َوالن ّب ِ ّ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل ي َوْ َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫َر ُ‬
‫ل َرك ْعَت َْين‬ ‫ص ّ‬ ‫ل ل َ ‪َ .‬قا َ‬ ‫ت " ‪َ .‬قا َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬
‫ل" َ‬ ‫َ‬
‫صلي ْ َ‬ ‫وسلم " أ َ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ صلى الله عليه‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن فَل ّ‬ ‫َ‬
‫قوا ث َِياًبا فَأعْطاه ُ ِ‬ ‫ْ‬
‫صد َقَةِ فَأل ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ما كان َ ِ‬ ‫من َْها ث َوْب َي ْ ِ‬ ‫س عَلى ال ّ‬ ‫ث الّنا َ‬ ‫ح ّ‬ ‫" ‪ .‬وَ َ‬
‫س‬‫ث الّنا َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ب فَ َ‬ ‫خط ُ‬ ‫ُ‬ ‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم ي َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫جاَء وََر ُ‬ ‫ة َ‬ ‫ة الّثان ِي َ ُ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ل الل ّهِ صلى الله عليه‬ ‫َ‬ ‫ل ‪ -‬فَأل ْ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬
‫َ‬
‫حد َ ث َوْب َي ْهِ فَ َ‬ ‫قى أ َ‬ ‫صد َقَةِ ‪َ -‬قا َ‬ ‫عََلى ال ّ‬
‫قوا ث َِياًبا‬ ‫صد َقَةِ فَأل ْ ُ‬ ‫س ِبال ّ‬ ‫ت الّنا َ‬ ‫مْر ُ‬ ‫معَةِ ب ِهَي ْئ َةٍ ب َذ ّةٍ فَأ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ذا ي َوْ َ‬ ‫جاَء هَ َ‬ ‫وسلم " َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما " ‪.‬‬ ‫حد َهُ َ‬ ‫قى أ َ‬ ‫صد َقةِ فأل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫س ِبال ّ‬ ‫ت الّنا َ‬ ‫مْر ُ‬ ‫ن فأ َ‬ ‫َ‬ ‫جاَء ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫من َْها ب ِث َوْب َي ْ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫مْر ُ‬ ‫فَأ َ‬
‫ك"‪.‬‬ ‫خذ ْ ث َوْب َ َ‬ ‫ل" ُ‬ ‫َفان َت ْهََرهُ وََقا َ‬
‫ر‬
‫جاب ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ِديَناٍر‪ ،‬عَ ْ‬ ‫رو ب ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫د‪ ،‬عَ ْ‬ ‫ن َزي ْ ٍ‬ ‫ماد ُ ب ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫حد ّث ََنا َ‬ ‫ل َ‬ ‫ة‪َ ،‬قا َ‬ ‫خب ََرَنا قُت َي ْب َ ُ‬ ‫‪ -1420‬أ َ ْ‬
‫جاءَ‬ ‫معَةِ إ ِذ ْ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ب ي َوْ َ‬ ‫خط ُ ُ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم ي َ ْ‬ ‫ل ب َي َْنا الن ّب ِ ّ‬ ‫ه‪َ ،‬قا َ‬ ‫ن عَب ْدِ الل ّ ِ‬ ‫بْ ِ‬
‫م‬‫ل " قُ ْ‬ ‫ل ل َ ‪َ .‬قا َ‬ ‫ت " ‪َ .‬قا َ‬ ‫صل ّي ْ َ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم " َ‬ ‫ه الن ّب ِ ّ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫َر ُ‬
‫َفاْرك َعْ " ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ن‪َ ،‬قا َ‬ ‫صوٍر‪َ ،‬قا َ‬ ‫‪ -1421‬أ َ ْ‬
‫سى‪،‬‬ ‫مو َ‬ ‫حد ّث ََنا أُبو ُ‬ ‫ل َ‬ ‫فَيا ُ‬ ‫س ْ‬ ‫حد ّث ََنا ُ‬ ‫ل َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫مد ُ ب ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫خب ََرَنا ُ‬
‫قد ْ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ة‪ ،‬ي َ ُ‬ ‫ت أ ََبا ب َك َْر َ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ل َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن‪ ،‬ي َ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ل َ‬ ‫سى َقا َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ل بْ ُ‬ ‫سَراِئي ُ‬ ‫إِ ْ‬
‫قب ِ ُ‬
‫ل‬ ‫ه وَهُوَ ي ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬
‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫من ْب َرِ َوال َ‬ ‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلى ال ِ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫َرأي ْ ُ‬
‫ل الل ّ َ‬ ‫سي ّد ٌ وَل َعَ ّ‬
‫ح ب ِهِ‬ ‫صل ِ َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن اب ِْني هَ َ‬ ‫ل " إِ ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫مّرةً وَي َ ُ‬ ‫مّرةً وَعَل َي ْهِ َ‬ ‫س َ‬ ‫عَلى الّنا ِ‬
‫َ‬
‫ن ""‪.‬‬ ‫مت َي ْ ِ‬ ‫ظي َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن فِئ َت َي ْ ِ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫ث‪،‬‬ ‫ن ِغَيا ٍ‬ ‫ص بْ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫حد ّث ََنا َ‬ ‫د‪َ ،‬‬ ‫شي ْ ٍ‬ ‫ن ُر َ‬ ‫حد ّث ََنا َداوُد ُ ب ْ ُ‬ ‫ومن سنن ابن ماجة‪َ -1168" :‬‬
‫ر‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عَن ال َعْمش‪ ،‬عَ َ‬
‫جاب ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ن‪ ،‬عَ ْ‬ ‫فَيا َ‬ ‫س ْ‬ ‫ن أِبي ُ‬ ‫ة‪ ،‬وَعَ ْ‬ ‫ن أِبي هَُري َْر َ‬ ‫صال ٍِح‪ ،‬عَ ْ‬ ‫ن أِبي َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬
‫قا َ‬
‫ل‬ ‫ب فَ َ‬ ‫خط ُ‬ ‫ُ‬ ‫ل اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ي َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ي وََر ُ‬ ‫فان ِ ّ‬ ‫سل َي ْك الغَط َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫جاَء ُ‬ ‫َقال َ َ‬
‫ل لَ‪.‬‬ ‫جيَء " َقا َ‬ ‫ل َه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ " أ َصل ّيت رك ْعتين قَب َ َ‬
‫ن تَ ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫َ ْ َ َ َ َْ ِ ْ‬ ‫ُ ِّ ّ‬
‫ما " ‪.‬‬ ‫جوّْز ِفيهِ َ‬ ‫ن وَت َ َ‬ ‫صل َركعَت َي ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ل " فَ َ‬ ‫َقا َ‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ل بْ ِ‬‫عي َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ي‪ ،‬عَ ْ‬ ‫حارِب ِ ّ‬ ‫م َ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫م‬‫ح َ‬ ‫حد ّث ََنا عَب ْد ُ الّر ْ‬‫ب‪َ ،‬‬‫حد ّث ََنا أُبو ك َُري ْ ٍ‬ ‫‪َ -1169‬‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫جد َ ي َوْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫خل ال َ‬ ‫جل‪ ،‬د َ َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ه‪ ،‬أ ّ‬ ‫ن عَب ْدِ الل ِ‬ ‫جاب ِرِ ب ْ ِ‬
‫ن َ‬‫ن‪ ،‬عَ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م‪ ،‬عَ ِ‬‫سل ِ ٍ‬‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫س‬‫خطى الّنا َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫جعَل ي َت َ َ‬ ‫َ‬
‫بف َ‬ ‫خط ُ‬ ‫ُ‬ ‫سول اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ي َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫معَةِ وََر ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫ْ‬
‫ال ُ‬
‫ت""‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ن‬‫وآ‬
‫ْ ْ َ َ َْ َ‬ ‫ت‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ذ‬‫آ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫س‬
‫ْ ِ ْ‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫ا‬ ‫"‬ ‫ـ‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫صلى‬ ‫ـ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫سو‬ ‫ر‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫فَ َ‬
‫قا‬
‫ومن صحيح ابن خزيمة‪ -1799 " :‬أنا أبو طاهر حدثنا أبو بكر حدثنا سعيد بن‬
‫عبد الرحمن المخزومي حدثنا سفيان عن بن عجلن عن عياض بن عبد الله‬
‫بن سعد بن أبي سرح أن أبا سعيد الخدري دخل يوم الجمعة ومروان بن‬
‫الحكم يخطب فقام يصلي فجاء الحراس ليجلسوه فأبى حتى صلى فلما‬
‫انصرف مروان أتيناه فقلنا له يرحمك الله إن كادوا ليفعلون بك قال ما كنت‬
‫لتركهما بعد شيء رأيته من رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ثم ذكر أن‬
‫رجل جاء يوم الجمعة ورسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يخطب في هيئة‬
‫بذة فأمر رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أن يتصدقوا فما لقوا ثيابا فأمر‬
‫له بثوبين وأمره فصلى ركعتين ورسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬يخطب‬
‫ثم جاء يوم الجمعة الخرى ورسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يخطب فأمر‬
‫رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أن يتصدقوا فألقى رجل أحد ثوبيه فصاح‬
‫له رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أو زجره وقال خذ ثوبك ثم قال رسول‬
‫الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬إن هذا دخل في هيئة بذة فأمرت الناس أن‬
‫يتصدقوا فما لقوا ثيابا فأمرت له بثوبين ثم دخل اليوم فأمرت أن يتصدقوا‬
‫فألقى هذا أحد ثوبيه ثم أمره رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أن يصلي‬
‫ركعتين‬
‫‪ - 1800‬أنا أبو طاهر حدثنا أبو بكر حدثنا أبو زهير عبد المجيد بن إبراهيم‬
‫حدثنا المقري ثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلل عن أبي رفاعة‬
‫العدوي قال انتهيت الى النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وهو يخطب فقلت يا‬
‫رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه ل يدري ما دينه فأقبل الي وترك‬
‫خطبته فأتي بكرسي خلت قوائمه حديدا قال حميد أراه رأى خشبا أسود‬
‫حسبه حديدا فجعل يعلمني مما علمه الله ثم أتى خطبته وأتم آخرها‬

‫)‪(23 /‬‬

‫‪ -1801‬أنا أبو طاهر حدثنا أبو بكر حدثنا عبدة بن عبد الله الخزاعي حدثنا زيد‬
‫‪ ،‬يعني ابن الحباب عن حسين وهو بن واقد حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه‬
‫قال كان رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يخطب فاقبل الحسن والحسين‬
‫عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان فنزل فأخذهما فوضعهما بين يديه‬
‫ثم قال صدق الله ورسوله إنما أموالكم وأولدكم فتنة رأيت هذين فلم أصبر‬
‫جّرا‪ ،‬وهو ما يثبت إثباتا جازما حاسما أن الوغاد‬
‫م َ‬‫ثم أخذ في خطبته"‪...‬وهل ّ‬
‫يتنفسون الكذب تنفسا بدل الهواء الذى يتنفسه سائر عباد الله‪ ،‬وأنهم جمعوا‬
‫إلى الكذب الوقاحة وجمود الوجه وانعدام الحساسة والكرامة‪.‬‬
‫فرون المسلمين جميعا لكونهم يشهدون بنبوة‬ ‫فإذا أضفنا إلى هذا أنهم يك ّ‬
‫محمد ورسالته عرفنا إلى أى مدى يكره هؤلء المجرمون سيدنا رسول الله‬
‫لحساب الماسونية العالمية بحجة أنهم حريصون على الوحدانية النقية التى ل‬
‫تشوبها شائبة‪ .‬أى أن الشهادة لسيدنا محمد بأنه رسول من رب العالمين‬
‫تناقض عند هؤلء الملحيس عقيدة التوحيد‪ ،‬فهل رأى القراء عهرا وفجرا‬
‫كذلك العهر والفجور؟ وهذا كله فى الوقت الذى يكررون فيه الشهادة كتابة‬
‫وشفاها أن رشاد "ساعة لقلبك" رسول من عند رب العالمين‪ .‬ومن هنا‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فرون المسلمين جميعا من لدن الصحابة حتى يومنا هذا وإلى ما‬ ‫فإنهم يك ّ‬
‫شاء الله‪ ،‬فضل عن تكفيرهم إياهم لسبب آخر هو أنهم باعتمادهم فى‬
‫عقائدهم وتشريعاتهم على السنة النبوية إلى جانب القرآن الكريم إنما‬
‫وا‬
‫يشركون بالله إلها آخر هو الرسول الكريم‪ ،‬الرسول الذى يريدون أن ُ ِ ّ‬
‫ل‬ ‫ح‬‫ي‬
‫ى الذى يثنى على إيمان المريكان‬ ‫محله رسولهم الزنيم مسيلمة الكاوُْبوي ِ ّ‬
‫فر المسلمين أجمعين أبصعين أكتعين‪ ،‬لعنة الله عليه وعلى من يشايعه‬ ‫ويك ّ‬
‫على هذا الضلل والكفر من هنا إلى يوم الدين وإلى ما بعد يوم الدين! آمين‬
‫يا رب العالمين!‬
‫فرهم فهو على‬ ‫وعلى هذا فإذا كان الشيخ طنطاوى شيخ الجامع الزهر قد ك ّ‬
‫حق فى هذا التكفير بل أى جدال‪ ،‬إذ يرفض هؤلء المهاويس المتاعيس‬
‫دونها كفرا وشركا‪ ،‬كما أنهم يرفضون‬ ‫الشهادة بأن محمدا رسول الله ويع ّ‬
‫فرون من يأخذ بها أيضا‪ ،‬فضل عن أنهم يتهمون الصحابة‬ ‫الحاديث النبوية ويك ّ‬
‫الكرام )عليهم رضوان الله‪ ،‬وعلى من يعاديهم ويتهمهم بما ليس فيهم الخزى‬
‫والرجس أبد البدين( بأنهم قد عبثوا بالقرآن وأضافوا إليه آيتين عمدا كما‬
‫وضحنا فى مقال سابق عن رشاد خليفة "رسول الميثاق" الفاق‪ ،‬وهذا من‬
‫أشد ضروب الفحش والفسق والكفر والضلل‪ .‬ثم هم فوق ذلك كله يمالئون‬
‫أعداء الدين والمة والوطن والله والرسول ويشهدون لهم بالطهارة‬
‫ويتعاونون معهم على تنفيذ مخططات الكفر والعدوان! فما الذى ينتظره‬
‫المسلم أكثر من ذلك ليكفر هؤلء النجاس المناكيد؟ إن سجاح الفاجرة‬
‫تستنكر أن يكفرها الشيخ طنطاوى )وإن كنت لم أقرأ هذا التكفير ولم أسمع‬
‫به‪ ،‬لكنى فى ذات الوقت أؤيده تمام التأييد إذا كان قد وقع(‪ ،‬أقول إنها‬
‫تستنكر تكفير الشيخ لها مع أنها تكفر المة كلها إل الكفار الحقيقيين الذين‬
‫خة هو رسول من عند رب العالمين!‬ ‫يؤمنون بأن رشاد "ساعة لقلبك" أبا ش ّ‬
‫فر بدل من‬ ‫فعل يا أخى‪ :‬شيخ الزهر ليس عنده حق! لقد كان ينبغى أن يك ّ‬
‫ذلك جميع المسلمين‪ ،‬ويشهد بالهدى واليمان والصلح والتقوى لشيخ‬
‫المنافقين الضللية وحده ل شريك له!‬
‫سّنة" الواردة فى القرآن متصورا أنه يستطيع‬ ‫ويتلعب أبو حميد أيضا بكلمة " ُ‬
‫أن يخدع المسلمين بالقول بأن هناك تعارضا بين القرآن والسنة النبوية‪ ،‬مع‬
‫سّنة فى القرآن أقرب ما تكون فى المعنى‬ ‫أن المر أبسط من هذا تماما‪ :‬فال ّ‬
‫بوجه عام إلى ما نسميه الن بـ"القوانين الكونية"‪ ،‬أما بالنسبة إلى الرسول‬
‫سر عليه السلم بها آيات القرآن وطّبق أحكامه ووضع‬ ‫فهى الطريقة التى ف ّ‬
‫سّنة بمعنى‬ ‫سّنة‪ :‬ال ّ‬
‫المبادئ التى جاء بها موضع التنفيذ‪ .‬وإذن فعندنا معنيان لل ّ‬
‫سّنة بمعنى‬ ‫القوانين الكونية الدائمة التى ل تحيد عنها حوادث الكون‪ ،‬وال ّ‬
‫السلوب الذى انتهجه النبى فى تحويل أوامر القرآن ونواهيه إلى واقٍع‬
‫مِعيش‪ .‬ول تعارض بين المعنيين‪ ،‬فكل منهما يكمل الخر‪ ،‬وإن سار فى مدار‬ ‫َ‬
‫خاص به‪ .‬وليس فى شىء من ذلك غرابة‪ ،‬فكثيرا ما يكون للكلمة الواحدة‬
‫معان شتى‪ ،‬وهذا مما يعرفه كل أحد عنده أدنى إلمام بطبيعة اللغات‪ ،‬وهو‬
‫مة"‪،‬‬ ‫ُ‬
‫معروف فى القرآن على نطاق واسع‪ ،‬ومنه على سبيل المثال كلمة "ال ّ‬
‫سّنة‬‫التى تعنى فيه الجماعة والوقت والجنس من الناس والطريقة وال ّ‬
‫ُ‬
‫ة بذلك الجانب منه اسمها "كُتب‬ ‫ص ٌ‬ ‫ة خا ّ‬ ‫م قرآني ٌ‬
‫والمام‪...‬إلخ‪ .‬وهناك معاج ُ‬
‫الشباه والنظائر"‪ ،‬ومن أشهر من ألفوا فيها مقاتل بن سليمان )ق ‪ 2‬هـ(‬
‫وابن الجوزى )ق ‪ 6‬هـ( وابن الدامغانى )ق ‪ 6‬هـ( وابن عبد الصمد المصرى‬
‫قة المنافقون الذين يتلعبون‬ ‫س َ‬
‫ف َ‬
‫وابن فارس وابن العماد )ق ‪ 9‬هـ(‪ .‬أما ال َ‬
‫ن قلوبهم العفنة الدنسة‬ ‫ّ‬ ‫تك‬ ‫بما‬ ‫النطق‬ ‫بالنصوص ويريدون أن يقسروها على‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حت ََرم لهم‬


‫مع منهم قول‪ ،‬أو ي ُ ْ‬
‫س َ‬
‫من رجس فهؤلء ل يؤخذ عنهم علم‪ ،‬ول ي ُ ْ‬
‫رأى!‬

‫)‪(24 /‬‬

‫ل المارق فهى‪ ،‬كما سبق القول‬ ‫أما اليات القرآنية التى يستشهد بها الضا ّ‬
‫وكما نعيده الن‪ ،‬قد نزلت فى حق الكافرين من أهل مكة الوثنيين‪ ،‬ل فى‬
‫حده حق العبادة والتوحيد أمة فى‬ ‫حق المسلمين‪ ،‬الذين لم يعبد الله ويو ّ‬
‫الرض وعلى مدار التاريخ كله مثلهم‪ ،‬والذين حفظوا قرآنه وسنة نبيه التى‬
‫فسر بها عليه السلم هذا القرآن وطّبق من خللها مبادئه واستخرج بها منه‬
‫أحكام الوقائع الفردية…إلخ‪ ،‬بخلف ما يريد هذا المداور أن ُيوِقعه فى ُروعنا‬
‫من أن هذه اليات الطيبات الطاهرات قد نزلت لتكفير المسلمين والزراية‬
‫عدهم بنار اللظى‪ ،‬التى سوف تحرق جلده ولحمه يوم الدين هو‬ ‫عليهم وتو ّ‬
‫وله! وهذه هى‬ ‫َ‬
‫وله وط ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ت متمرد ٍ من أتباع الكاوبوى بمشيئته تعالى و َ‬ ‫وكل عا ٍ‬
‫فر أمة‬ ‫اليات التى استشهد بها كوَي ِْهننا على أن الله سبحانه وتعالى قد ك ّ‬ ‫ُ‬
‫محمد منذ أول جيل آمن به عليه الصلة والسلم‪ ،‬وهو جيل الصحابة الكرام‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫يٍء وَأ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫من َ‬ ‫ه ِ‬ ‫خل َقَ الل ّ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫كو ِ‬ ‫مل َ ُ‬ ‫م َينظ ُُروا ْ ِفي َ‬ ‫" أوَل َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫سى َأن ي َ ُ‬
‫ن‪ :‬العراف ‪،"185‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ث ب َعْد َه ُ ي ُؤْ ِ‬ ‫دي ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫م فَب ِأيّ َ‬ ‫جل ُهُ ْ‬ ‫بأ َ‬ ‫ن قَدِ اقْت ََر َ‬ ‫كو َ‬ ‫عَ َ‬
‫ك‬ ‫ها عَل َي ْ َ‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫يا‬ ‫آ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫"‬ ‫"‪،‬‬ ‫‪50‬‬ ‫المرسلت‬ ‫ن‪:‬‬ ‫نو‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ث‬ ‫دي‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫"فَبأ َ‬
‫ِ َْ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ّ َ ِ ٍ َْ َ ُ ُ ِ ُ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫و‬ ‫ه‬
‫ِ َ ِ ُ َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ل‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫"ال‬ ‫"‪،‬‬ ‫‪6‬‬ ‫الجاثية‬ ‫ن‪:‬‬ ‫ث ب َعْد َ الل ّ ِ َ َ ِ ِ ُ ِ ُ َ‬
‫نو‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫يا‬ ‫وآ‬ ‫ه‬ ‫دي ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫حقّ فَب ِأيّ َ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫َ‬
‫ديًثا‪ :‬النساء‬ ‫ح ِ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫صد َقُ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِفيهِ وَ َ‬ ‫مةِ ل َ َري ْ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م إ َِلى ي َوْم ِ ال ْ ِ‬ ‫معَن ّك ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ل َي َ ْ‬
‫حت َِها‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خل ُهُ ْ‬ ‫سن ُد ْ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ْ ال ّ‬ ‫مُنوا ْ وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪َ" ،"87‬وال ّ ِ‬
‫ل‪ :‬النساء ‪،"12‬‬ ‫ن اللهِ ِقي ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ال َن َْهاُر َ‬
‫م َ‬ ‫صد َقُ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫قا وَ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫دا وَعْد َ اللهِ َ‬ ‫ن ِفيَها أب َ ً‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬
‫م‬‫ك هُ ْ‬ ‫ه وَأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫داهُ ُ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ه أ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫سن َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬
‫ل فَيتبعو َ‬
‫قو ْ َ َ ّ ِ ُ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫"ال ّ ِ‬
‫أ ُوُلوا اْل َل ْباب* الل ّه نز َ َ‬
‫جُلود ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫شعِّر ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ي تَ ْ‬ ‫مَثان ِ َ‬ ‫شاب ًِها ّ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ث ك َِتاًبا ّ‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ ِ‬ ‫ْ‬
‫هّ‬
‫دى الل ِ‬ ‫َ‬
‫م إ ِلى ذِكرِ اللهِ ذ َل ِك هُ َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫و‬
‫ْ َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ج‬
‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫لي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫ْ َ ُ ْ ّ‬‫ث‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫و‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ال ّ َ‬
‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫س‬‫هادٍ‪ :‬الزمر ‪" ،"23-17‬أل َي ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ضل ِ ْ‬ ‫من ي ُ ْ‬ ‫شاء وَ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫دي ب ِهِ َ‬ ‫ي َهْ ِ‬
‫هاٍد‪:‬‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫َ‬
‫ما ل ُ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ضل ِ ِ‬ ‫من ي ُ ْ‬ ‫من ُدون ِهِ وَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫خوُّفون َك ِبال ِ‬ ‫َ‬ ‫ف عَب ْد َه ُ وَي ُ َ‬ ‫ه ب ِكا ٍ‬ ‫َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ب ي ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫م أّنا أنَزل َْنا عَل َي ْ َ‬ ‫فهِ ْ‬ ‫م ي َك ْ ِ‬ ‫الزمر ‪" ،"36‬أوَل َ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ة وَذِك َْرى ل ِ َ‬ ‫ل ََر ْ‬
‫جعَ َ‬
‫ل‬ ‫ض َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن‪ :‬العنكبوت ‪َ" ،"51‬فاط ُِر ال ّ‬ ‫مُنو َ‬ ‫قوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يٌء‬ ‫ش ْ‬ ‫مث ْل ِهِ َ‬ ‫س كَ ِ‬ ‫م ِفيهِ ل َي ْ َ‬ ‫جا ي َذ َْرؤُك ُ ْ‬ ‫ن اْلن َْعام ِ أْزَوا ً‬ ‫م َ‬ ‫جا وَ ِ‬ ‫م أْزَوا ً‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن أن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫لَ ُ‬
‫َ‬
‫ن عََلى أن‬ ‫ج ّ‬ ‫س َوال ْ ِ‬ ‫لن ُ‬ ‫تا ِ‬ ‫معَ ِ‬ ‫جت َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ّ‬
‫الشورى ‪ُ" ،"11‬قل لئ ِ ِ‬ ‫صيُر‪:‬‬ ‫ميعُ الب َ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫وَهُوَ ال ّ‬
‫ض ظ َِهيًرا‪ :‬السراء‬ ‫مث ْل ِهِ وَل َوْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ن ب َعْ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫ن ل َ ي َأُتو َ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫ي َأُتوا ْ ب ِ ِ‬
‫ه ل ُِتنذَِر ب ِهِ وَذِك َْرى‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ج ّ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫ك َ‬ ‫صد ْرِ َ‬ ‫كن ِفي َ‬ ‫ك فَل َ ي َ ُ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ب ُأنزِ َ‬ ‫‪ " ،"88‬ك َِتا ٌ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما‬‫من ُدون ِهِ أوْل َِياء قَِليل ً ّ‬ ‫م وَل َ ت َت ّب ُِعوا ْ ِ‬ ‫من ّرب ّك ُ ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ل إ ِل َي ْ ُ‬ ‫ما أنزِ َ‬ ‫ن‪ ،‬ات ّب ُِعوا ْ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ِل ْ ُ‬
‫ما َفات ّب ُِعوه ُ وَل َ ت َت ّب ُِعوا ْ‬ ‫َ‬
‫قي ً‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫طي ُ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ن‪ :‬العراف ‪" ،"3-2‬وَأ ّ‬ ‫ت َذ َك ُّرو َ‬
‫ن‪ :‬النعام ‪."153‬‬ ‫قو َ‬ ‫م ت َت ّ ُ‬ ‫ّ‬
‫كم ب ِهِ لعَلك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫صا ُ‬ ‫م وَ ّ‬ ‫سِبيل ِهِ ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫عن َ‬ ‫م َ‬ ‫فّرقَ ب ِك ُ ْ‬ ‫ل فَت َ َ‬ ‫سب ُ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ومن الواضح أن الكلم فى كل النصوص تقريبا هو عن المشركين وعنادهم‬
‫وكفرهم بالله وكتابه ونبيه وما كان هذا النبى يغاديهم ويراوحهم به كل يوم‬
‫صْين المدني ّْين المأخوذين من سورة‬ ‫من دعوتهم إلى اليمان‪ .‬وحتى فى الن ّ ّ‬
‫"النساء" نرى أن الكلم هو عن اليوم الخر وأن ما يقوله الله بشأنه ل يمكن‬
‫إل أن يكون هو الحق الذى ل ريب فيه‪ .‬فالمقابلة‪ ،‬كما يرى القارئ‪ ،‬ليست‬
‫بين القرآن والحديث‪ ،‬بل بين اليمان بالله واليوم الخر وبين التكذيب بهما‪.‬‬
‫أما أحاديث النبى عليه السلم فليس فيها أدنى مخالفة للقرآن‪ ،‬إذ هى‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تشرحه أو تطبقه على الوقائع اليومية الجزئية أو تستخلص منه الحكم‬


‫الفردى…إلخ‪ ،‬فكيف يتصور عاقل أن الرسول أو أصحابه أو تابعيهم يمكن أن‬
‫يخترعوا شيئا يسخط الله ويؤدى إلى زعزعة دينه وكتابه؟ إن مثل هذا الزعم‬
‫ل يمكن أن يصدر إل عن خبث شيطانى عريق!‬

‫)‪(25 /‬‬

‫هذا‪ ،‬ول أريد أن أغادر السخف الذى أفرزته لنا است المارق الغبية مثله‬
‫والذى يقول فيه‪" :‬هناك فرق فى مفاهيم القرآن فيما يخص النبي محمد بين‬
‫لفظى النبي والرسول‪ .‬محمد النبي هو شخصه وعلقاته بمن حوله‪ ،‬لذا يأتى‬
‫ن‬
‫كا َ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ك إِ ّ‬ ‫من ّرب ّ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫حى إ ِل َي ْ َ‬ ‫ما ُيو َ‬ ‫له المر باتباع الوحي بصفة النبي "َوات ّب ِعْ َ‬
‫َ‬
‫ي‬‫خِبيًرا الحزاب ‪ "2‬ويأتيه العتاب واللوم بصفة النبي "َيا أي َّها الن ّب ِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫بِ َ‬
‫م‪ :‬التحريم‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫جك َوالل ُ‬ ‫ت أْزَوا ِ‬ ‫ضا َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ه لك ت َب ْت َِغي َ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ما أ َ‬ ‫م َ‬ ‫حّر ُ‬ ‫م تُ َ‬ ‫لِ َ‬
‫ي ُقل‬ ‫َ‬
‫‪ "1‬ويأتى الحديث عن علقاته بمن حوله بصفة النبي"‪َ" ،‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫ُ‬ ‫كنتن تردن ال ْحياةَ الدنيا وزينتها فَتعال َي ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫حك ّ‬ ‫ُ‬ ‫سّر ْ‬ ‫ن وَأ َ‬ ‫مت ّعْك ُ ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ َ ْْ َ‬ ‫َّْ َ ِ َََ‬ ‫َ َ‬ ‫ك ِإن ُ ُ ّ ُ ِ ْ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ّلْزَوا ِ‬
‫ة‬
‫مب َي ّن َ ٍ‬ ‫شة ٍ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫فا ِ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫منك ُ ّ‬ ‫ت ِ‬ ‫من ي َأ ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ساء الن ّب ِ ّ‬ ‫ميًل‪ :‬الحزاب ‪َ" ،"28‬يا ن ِ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫حا َ‬ ‫سَرا ً‬ ‫َ‬
‫سيًرا‪ :‬الحزاب ‪َ" ،"30‬يا‬ ‫ن ذ َل ِك عَلى اللهِ ي َ ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن وَكا َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ف لَها العَ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫في ْ ِ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ضاعَ ْ‬ ‫يُ َ‬
‫َ‬
‫م‪ :‬الحزاب ‪ "53‬أما‬ ‫ن لك ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ي إ ِل أن ي ُؤذ َ‬ ‫ّ‬ ‫ت الن ّب ِ ّ‬ ‫خلوا ب ُُيو َ‬ ‫ُ‬ ‫مُنوا ل ت َد ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫أي َّها ال ِ‬
‫محمد الرسول‪ ،‬فهو عندما يبلغ الرسالة‪ .‬وبعد موت النبي وتبليغ الرسالة‬
‫جْر‬ ‫من ي َُها ِ‬ ‫كاملة‪ ،‬فإن الرسول هو القرآن وحده‪ ،‬نفهم هذا من قوله تعالى "وَ َ‬
‫ه‬
‫من ب َي ْت ِ ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ْ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫سعَ ً‬ ‫ما ك َِثيًرا وَ َ‬ ‫مَراغَ ً‬ ‫ض ُ‬ ‫ِ‬ ‫جد ْ ِفي ال َْر‬ ‫ل الل ّهِ ي َ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ِفي َ‬
‫َ‬
‫ن الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫كا َ‬ ‫على الل ّهِ وَ َ‬ ‫جُرهُ َ‬ ‫قد ْ وَقَعَ أ ْ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫م ي ُد ْرِك ْ ُ‬ ‫سول ِهِ ث ُ ّ‬ ‫جًرا إ َِلى الل ّهِ وََر ُ‬ ‫مَها ِ‬ ‫ُ‬
‫هّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت الل ِ‬ ‫ُ‬ ‫يا‬‫َ‬ ‫آ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫لى‬ ‫ْ‬ ‫ت‬‫ُ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫أن‬ ‫و‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫رو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫"‬ ‫"‪،‬‬ ‫‪100‬‬ ‫النساء‬ ‫ما‪:‬‬ ‫ً‬ ‫حي‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ً ّ‬ ‫را‬ ‫فو‬‫ُ‬ ‫غ‬
‫م‪ :‬آل عمران‬ ‫قي‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬
‫ّ ْ‬ ‫م‬ ‫ط‬
‫ٍ‬ ‫را‬ ‫َ‬ ‫ص‬
‫ِ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬
‫َ ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫بال‬
‫ِ‬ ‫صم‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫من‬ ‫م َ ُ ُ َ َ‬
‫و‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫وَِفيك ُ ْ‬
‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مُنوا قَد ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫ه َيا أوِْلي اللَبا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫قوا الل َ‬ ‫دا َفات ّ ُ‬ ‫دي ً‬ ‫ش ِ‬ ‫ذاًبا َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ه لهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫‪" ،"101‬أعَد ّ الل ُ‬
‫مُنوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ج ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫خرِ َ‬ ‫ت لي ُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫مب َي َّنا ٍ‬ ‫ت اللهِ ُ‬ ‫ّ‬ ‫م آَيا ِ‬ ‫ُ‬
‫سول ي َت ْلو عَلي ْك ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫م ذِكًرا* ّر ُ‬ ‫ْ‬ ‫ه إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫َأنَز َ‬
‫حا‬‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫من ِبالل ّهِ وَي َعْ َ‬ ‫من ي ُؤْ ِ‬ ‫ت إ َِلى الّنورِ وَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن الظ ّل ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫وَعَ ِ‬
‫ه رِْزًقا‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫هل ُ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫دا قَد ْ أ ْ‬ ‫ن ِفيَها أب َ ً‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫حت َِها الن َْهاُر َ‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ه َ‬ ‫خل ُ‬ ‫ي ُد ْ ِ‬
‫الطلق ‪ ،"11-10‬بل أن كلمة الرسول قد تأتى بمعنى كلم الله أى صفة من‬
‫صفاته‪ ،‬ويستحيل أن يكون مقصودا منها النبي محمد‪ ،‬نفهم هذا من قوله‬
‫َ‬
‫ل‪ :‬الفتح‬ ‫صي ً‬ ‫حوه ُ ب ُك َْرة ً وَأ ِ‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫سول ِهِ وَت ُعَّزُروهُ وَت ُوَقُّروه ُ وَت ُ َ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫تعالى " ل ِت ُؤْ ِ‬
‫‪ ،"9‬إن المطاع فى قوله تعالى "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول"‪ ،‬هو واحد‪،‬‬
‫وهو الله تعالى فى كتابه الذى بلغه الرسول فى حياته‪ ،‬وذلك فإن الضمير‬
‫كم بينهم‪:‬‬ ‫ح ُ‬ ‫عوا الى الله ورسوله لي َ ْ‬ ‫يعود بصيغة المفرد فى قوله تعالى "وإذا د ُ ُ‬
‫النور ‪ "48‬لم يقل عن الله ورسوله "ليحكما بينهما" لن التحاكم هو للرسالة‪،‬‬
‫فا دون‬ ‫للقرآن"‪ ،‬أقول إننى ل أريد أن أغادر ذلك السخف المقزز الذى مر آن ً‬
‫أن أكّر عليه وأنسفه نسفا حتى يتبين تمام التبّين خيط الحقيقة البيض الناصع‬
‫من خيط الباطل السود القطران‪.‬‬

‫)‪(26 /‬‬

‫وإذن فباسم الله نبدأ‪ ،‬وعليه نتوكل‪ ،‬وبه نستعين فنقول‪ :‬هل وردت كلمة‬
‫"الرسول" فى اليات التالية فى سياق الكلم عن تبليغه صلى الله عليه‬
‫زل إليه من ربه والمؤمنون" )البقرة‪/‬‬ ‫ُ‬
‫وسلم رسالته‪" :‬آمن الرسول بما أن ْ ِ‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪" ،(285‬أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى المر منكم" )النساء‪،(59 /‬‬
‫"فإن تنازعتم فى شىء فُرّدوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله‬
‫حُزْنك الذين يسارعون فى‬ ‫واليوم الخر" )النساء‪" ،(59 /‬يا أيها الرسول‪ ،‬ل ي َ ْ‬
‫الكفر من الذين قالوا‪" :‬آمّنا" بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم" )المائدة‪،(41 /‬‬
‫"يسألونك عن النفال‪ .‬قل‪ :‬النفال لله والرسول" )النفال‪ ،(1 /‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا‪ ،‬ل تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون" )النفال‪،(27 /‬‬
‫ن الرسو ُ‬
‫ل‬ ‫"والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم" )التوبة‪" ،(61 /‬لك ِ‬
‫هدوا بأموالهم وأنفسهم" )التوبة‪" ،(88 /‬إن الذين‬ ‫والذين آمنوا معه جا َ‬
‫ضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى"‬ ‫ي َغُ ّ‬
‫دموا بين ي َد َىْ نجواكم صدقة"‬ ‫)الحجرات‪" ،(3 /‬إذا ناجيتم الرسول فق ّ‬
‫)المجادلة‪...(12 /‬إلخ؟ إن سياقها‪ ،‬على العكس من ذلك‪ ،‬يدور حول العلقة‬
‫بينه عليه والسلم وبين المؤمنين من حوله‪ ،‬وهو السياق الذى يقول التابع‬
‫لمريكا يا ويكا إنه ل يأتى إل مع كلمة "النبى"! كما ورد عتابه صلى الله عليه‬
‫وسلم فى قوله تعالى بشأن تحّرجه من الزواج من بنت عمته زينب بنت‬
‫حقّ أن تخشاه" )الحزاب‪/‬‬ ‫َ‬
‫س‪ ،‬والله أ َ‬ ‫جحش بعد تطليق زيد لها‪" :‬وتخشى النا َ‬
‫ق سبق أن تكررت فيه كلمة "الرسول" سبع مرات‪ .‬وبالمثل‬ ‫‪ (36‬فى سيا ٍ‬
‫زلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه‪ :‬متى‬ ‫فإن قوله عّز شأنه‪" :‬وُزل ِْ‬
‫نصر الله؟" )البقرة‪ (214 /‬ل يخلو من رائحة عتاب! أما التبليغ الذى يزعم‬
‫البكاش أنه ل يأتى إل مع كلمة "الرسول" فها هى ذى بعض اليات القرآنية‬
‫التى تثبت أنه يأتى مع كلمة "النبى" أكثر مما يأتى مع كلمة "الرسول"‪" :‬يا‬
‫ه فى قلوبكم خيرا‬ ‫أيها النبى‪ ،‬قل لمن فى أيديكم من السرى‪ :‬إن يعلم الل ُ‬
‫خذ منكم ويغفر لكم‪ ،‬والله غفور رحيم" )النفال‪" ،(70 /‬يا‬ ‫ي ُؤِْتكم خيرا مما أ ُ ِ‬
‫ن‬‫ن أمت ّعْك ُ ّ‬ ‫ن ت ُرِْدن الحياة الدنيا وزينتها فتعال َي ْ َ‬ ‫أيها النبى‪ ،‬قل لزواجك‪ :‬إن كنت ّ‬
‫ُ‬
‫حا جميل* وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الخرة فإن الله‬ ‫سرا ً‬ ‫ن َ‬ ‫حك ُ ّ‬ ‫وأسّر ْ‬
‫ما" )الحزاب‪" ،(30 /‬يا أيها النبى‪ ،‬قل‬ ‫أعد ّ للمحسنات منكن أجًرا عظي ً‬
‫َ‬
‫لزواجك وبناتك ونساء المؤمنين ي ُد ِْنين عليهن من جلبيبهن‪ .‬ذلك أد َْنى أن‬
‫ن‪ ،‬وكان الله غفورا رحيما" )الحزاب‪ .(59 /‬فهذا كله أمر من‬ ‫ي ُعَْرْفن فل ي ُؤْذ َي ْ َ‬
‫الله لرسوله بتبليغ ما أنزله إليه من وحى‪ ،‬وليس كما ظن الجاهل من أن‬
‫الية ‪ 30‬من سورة "الحزاب" إنما تتناول علقته بمن حوله‪.‬‬
‫أما ادعاؤه الجاهل بأن كلمة "الرسول" قد تطلق على كتاب الله كما فى‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مُنوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫ه َيا أوِْلي اْلل َْبا ِ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫دا َفات ّ ُ‬ ‫دي ً‬ ‫ش ِ‬‫ذاًبا َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ه ل َهُ ْ‬ ‫قوله تعالى‪" :‬أعَد ّ الل ّ ُ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ج ال ّ ِ‬ ‫خرِ َ‬ ‫ت ل ّي ُ ْ‬ ‫ت الل ّهِ ُ‬
‫مب َي َّنا ٍ‬ ‫م آَيا ِ‬ ‫سوًل ي َت ُْلو عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ذِك ًْرا* ّر ُ‬ ‫ه إ ِل َي ْك ُ ْ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫قَد ْ َأنَز َ‬
‫م ْ‬
‫ل‬ ‫من ِبالل ّهِ وَي َعْ َ‬ ‫من ي ُؤْ ِ‬ ‫ت إ َِلى الّنورِ وَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن الظ ّل ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫آ َ‬
‫هَ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫هل ُ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫دا قَد ْ أ ْ‬ ‫ن ِفيَها أب َ ً‬ ‫دي َ‬
‫خال ِ ِ‬
‫حت َِها الن َْهاُر َ‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ه َ‬ ‫خل ُ‬ ‫حا ي ُد ْ ِ‬‫صال ِ ً‬ ‫َ‬
‫رِْزًقا‪ :‬الطلق ‪ "11-10‬فهو كلم ل يستحق عنت الرد عليه‪ ،‬اللهم إل لتنبيه‬
‫من ل يدرى أن هذا الكائن جاهل جهل مغلظا وأنه ل يعرف فى العلم إل‬
‫التشادقات المغثية للمعدة‪ ،‬وإل فكيف يقول الله عن القرآن إنه "يتلو عليكم‬
‫آيات الله مبّينات"؟ هل يعقل أن يتلو القرآن ما فيه من اليات؟ أفتونى يا‬
‫سادة يا كرام بشأن هذا القىء الذى يسلحه هذا الجاهل من فمه! ومثل ذلك‬
‫زعمه أن كلمة "الرسول" قد تأتى بمعنى كلم الله‪ ،‬أى صفة من صفاته‪،‬‬
‫مُنوا‬ ‫ويستحيل أن يكون مقصودا منها النبي محمد‪ ،‬كما فى قوله تعالى‪ " :‬ل ِت ُؤْ ِ‬
‫َ‬
‫ل‪ :‬الفتح ‪ ."9‬ترى هل‬ ‫صي ً‬ ‫حوه ُ ب ُك َْرةً وَأ ِ‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫سول ِهِ وَت ُعَّزُروه ُ وَت ُوَقُّروهُ وَت ُ َ‬ ‫ِبالل ّهِ وََر ُ‬
‫يمكننا مثل أن نسّبح كلم الله؟ إن المقصود هو اليمان بالله ورسوله‪ ،‬وكذلك‬
‫تعزير الله وتوقيره وتسبيحه‪ .‬وقد تكررت اليات التى يتقدم فيها ذكر‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شخصين أو شيئين ثم ل يعود الضمير بعد ذلك إل على واحد فقط‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫ب‬
‫شْرهم بعذا ٍ‬‫"والذين يكنزون الذهب والفضة ول ينفقونها فى سبيل الله فب ّ‬
‫َ‬
‫ضوا إليها وتركوك قائما"‬
‫وا انف ّ‬‫أليم" )التوبة‪" ،(34 /‬وإذا َرأْوا تجارةً أو ل َهْ ً‬
‫قى" )طه‪ ،(117 /‬وعلى ذلك‬ ‫جّنكما من الجنة فت َ ْ‬
‫ش َ‬ ‫خرِ َ‬
‫)الجمعة‪" ،(11 /‬فل ي ُ ْ‬
‫فل مشكلة هنا‪ ،‬ول موضع أيضا لحذلقات الغباء الماسخة التى يظن صاحبها‬
‫أنه أتى بالذئب من ذيله!‬

‫)‪(27 /‬‬

‫وبعد‪ ،‬فأود أن أختم دراستى هذه ببعض الخطوط البارزة فى شخصية‬


‫الدكتور أحمد صبحى منصور مأخوذة من كتاباته هو‪ :‬إنه يدعو إلى الستعانة‬
‫بالتدخل الجنبى‪ ،‬رافضا فى ذات الوقت أى حل تقدمه المعارضة الوطنية‬
‫)وبالذات السلمية‪ ،‬التى يتهمها دون سائر طيوف المعارضة بأنها تسعى إلى‬
‫الحكم بالساليب الدموية التى ستدمر الوطن كله فل تبقى منه شيئا(‪ ،‬اللهم‬
‫إل ما نادى به خالد محيى الدين )"فارس الوطنية المصرية والشيخ الكبر‬
‫لليسار المصرى والعربى" كما يلقبه بهذا اللقب الطنطان‪ ،‬الذى لم ينزل الله‬
‫به من سلطان( من الستعانة بهذا التدخل حسبما ذكر‪ .‬والتدخل الجنبى‪ ،‬كما‬
‫جاء فى كلمه‪ ،‬هو التدخل الوربى والمريكى‪ .‬وإلى القارئ بعض ما كتبه‬
‫كويتبنا فى هذا الصدد‪ ،‬وهو مأخوذ من مقال بعنوان‪" :‬إلى المعارضة‬
‫المصرية‪ :‬ل بد من الستعانة بالجنبى لمنع الحرب الهلية القادمة"‪" :‬ان‬
‫شعارات الناصرية فى رفض التدخل الجنبى لم تعد تلئم العصر الحالى‪.‬‬
‫الستعمار القديم انتهى‪ ،‬بل وقد ثبت لدينا بالدليل العملى ان ذلك الستعمار‬
‫أفضل وأكثر تحضرا وشفقة من الستبداد المحلى الحالى الذى أضاع البلد‬
‫والعباد‪ .‬لم يعد مستساغا ان يتخفى حاكم فرد خلف شعار الوطنية ليستأثر‬
‫وحده بالوطن ويكون الشعب كله أسيرا فى قبضته ويقوم فيهم بدور الله‬
‫يعز من يشاء ويعذب من يشاء‪ ،‬فاذا تدخل المجتمع الدولى للدفاع عن حقوق‬
‫النسان او لطلب الصلح السياسى والديمقراطية هب ذلك الفرد يرفض‬
‫ذلك معتبرا دعوة العدل والصلح تدخل فى الشئون الداخلية ل ترتضيه العزة‬
‫الوطنية والقومية‪ .‬لقد آن لهذا الغباء أن ينتهى من عقولنا‪ .‬ان عصرنا الجديد‬
‫هو عصر القرية العالمية الواحدة التى تم الغاء المكان والزمان فيها‪ ،‬والتى‬
‫أصبح فيها الفرد العادى مستحقا للتمتع بكل حقوق النسان ومتمتعا بحماية‬
‫المجتمع الدولى الذى جعلته ثورة التصالت شاهدا على كل ما يحدث فى‬
‫العالم من انتهاكات‪ .‬شعارات الناصرية والقومية والسلفية الوهابية لم تعد‬
‫تتفق وعصر حقوق النسان الفرد الذى يجب على الحكومات ان تعمل‬
‫لخدمته ورفاهيته ل لتسلبه كرامته وحقوقه‪ .‬ل بد للمعارضة المصرية ان‬
‫تعايش العصر و ل بد لها أن تتخلص من ذلك التراث الماضوى وتخاطب‬
‫المجتمع الدولى تطالبه بالتدخل الفورى السريع لنقاذ مصر وحضارتها‬
‫وسكانها من حرب أهلية قادمة لن تبقى ولن تذر‪ .‬اذا أصر شيوخ الناصرية‬
‫واليسار والسلفية السياسية والدينية على رفض التدخل الجنبى حرصا منهم‬
‫على ثقافة بالية فليتذكروا ان فارس الوطنية المصرية والشيخ الكبر لليسار‬
‫المصرى والعربى الستاذ خالد محيى الدين ل يرى بأسا فى التدخل الجنبى‬
‫اليجابى لقرار الحق والعدل"‪.‬‬
‫وهو يؤكد أن جميع الدول السلمية التى تعاقبت على حكم مصر قد‬
‫اضطهدت القباط اضطهادا شنيعا‪ ،‬ومن ثم نراه يستفز القباط إلى أن يهّبوا‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فا إياهم بـ"المسلمين‬


‫ويدفعوا عن أنفسهم هذا الظلم المستمر‪ ،‬واص ً‬
‫صمنا نحن‬‫ح هو وكل أتباع رشاد خليفة على وَ ْ‬
‫والمؤمنين" فى الوقت الذى يل ّ‬
‫المسلمين جميعا بالشرك والكفر بدءا من الصحابة حتى يومنا هذا وما بعده‬
‫إلى ما شاء الله‪" :‬القباط بالذات‪ -‬نراهم من خلل تاريخهم الطويل أكثر‬
‫الناس تعرضا ً للضطهاد والصبر عليه‪ ،‬منذ اضطهاد الرومان فى حكم‬
‫دقلديانوس وكراكل‪ ،‬إلى الضطهاد فى فترات مختلفة فى العصور الموية‬
‫والعباسية والمملوكية‪ ،‬ول نقول العصور السلمية لن السلم يرفض الظلم‪.‬‬
‫كان القباط‪ -‬ول يزالون‪ -‬يتحملون الضطهاد ما استطاعوا‪ ،‬وورثوا حتى الن‬
‫صبرا ً على المكاره يدفعهم إلى المزيد من السلبية والسكون والمغالة فى‬
‫الحذر وتوقع الخطر وطلب المن والمان بأى وسيلة‪ .‬وذلك يجعلهم أكثر من‬
‫غيرهم من المسلمين المصريين استحقاقا ً لمعنى اليمان الظاهرى‪ ،‬أى المن‬
‫والمان‪ ،‬وبالتالى فإن المعتدى عليهم يكون بنفس القدر أبعد الناس عن‬
‫اليمان بمعناه الظاهرى ومعناه العتقادى أيضا ً حيث يخالف تعاليم القرآن‬
‫الكريم التى سنتعرض لها فى حينها‪ ...‬والقباط المصريون بالذات أكثر‬
‫المصريين إيثارا ً للسلم والمسالمة والمن والمان وهم بذلك أحق البشر‬
‫جميعا ً بوصف السلم بمعنى السلم والمسالمة وبوصف اليمان بمعنى المن‬
‫والمان"‪.‬‬

‫)‪(28 /‬‬

‫وهو يقف دائما وأبدا فى خندق أمريكا‪ ،‬ول يحب إل سعد الدين إبراهيم وفرج‬
‫شح‬ ‫فودة والعفيف الخضر وعلى سالم )الذى لم يجد من يدعوه إلى التر ّ‬
‫لمنصب رئاسة الجمهورية سواه! ول حول ول قوة إل بالله!( وأحمد البغدادى‬
‫ت منذ وقت قريب بعض من يدعى السلم‬ ‫م ْ‬
‫وأمينة ودود )السحاقية التى أ ّ‬
‫من الرجال والنساء فى صلة الجمعة بتخطيط من أمريكا داخل إحدى‬
‫الكنائس( وكذلك مجدى خليل )وما أدراك ما مجدى خليل؟(‪ ،‬ول يثنى على‬
‫أحد إل عليهم‪ ،‬ول يخطئ مرة واحدة فيكف لسانه عن المسلمين بما فيهم‬
‫الصحابة والتابعون والفقهاء والمفسرون وعلماء الحديث أجمعين‪ ،‬بله أن‬
‫يقول كلمة طيبة فى أى مسلم يحب دينه! ومقاله فى أبى بكر وعمر رضى‬
‫الله عنهما اللذين رسم لهما فيهما صورة كريهة بشعة‪ ،‬فلم يترك فى‬
‫دل حسنه سوءا واصما إياه بكل عار‬ ‫الفاروق شيئا طيبا على الطلق إل ب ّ‬
‫ديق أنه كانت له‬ ‫ص‬
‫ّ ّ‬ ‫ال‬ ‫على‬ ‫ادعى‬ ‫كما‬ ‫ذهن‪،‬‬ ‫ومنقصة وتعصب واستبداد وانغلق‬
‫حدبة فى ظهره‪ ،‬هذان المقالن متاحان لمن يريد على موقعه فى المشباك!‬
‫وأجتزئ بالفقرة التالية التى يمدح فيها مجدى خليل )وهو من غلة المتعصبة‬
‫من أقباط المهجر الذين ي ََرْون فى الحقبة السلمية من تاريخ أرض الكنانة‬
‫جملة اعتراضية خاطئة ينبغى حذفها من الكلم حتى تستقيم المور‪ ،‬ومن ثم‬
‫فإنهم يدعون المسلمين إلى العودة إلى دين أجدادهم كما يقولون ليصبحوا‬
‫وا عن دين التوحيد‬ ‫خل ّ ْ‬
‫مثّلثين مصّلبين عابدين بشرا مخلوقا ضعيفا مثلهم ويت َ‬
‫الكريم ويهدموا مساجدهم ويبنوا مكانها كنائس(‪ ،‬قائل إنه هو وسعد الدين‬
‫إبراهيم الوحيدان اللذان يعاونانه على بناء مسجد له ولمثاله من حوارّيى‬
‫شر فيها‬ ‫الرسول الّفاق رشاد خليفة‪" :‬قضيت عشرين عاما فى مصر أب ّ‬
‫بالسلم الحقيقى القرآنى الذى كان عليه خاتم النبيين‪ ،‬وعانيت فيها من‬
‫مطاردة الجاهلين‪ ،‬تركت لهم جامعة الزهر فظلوا ورائى من مسجد الى‬
‫مسجد يطاردوننى فانقطعت فى بيتى اصلى مع أهلى فعوقب بعض اهلى‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالعتقال والتعذيب لنهم يصلون معى داخل بيتى‪ ،‬فانقطعت عن الذهاب الى‬
‫بلدى وبيتى‪ .‬أى أخرجونى من بيتى الذى بنيته فى قريتى ليكون بيتا ومسجدا‪.‬‬
‫جئت الى أمريكا بلد الحرية الدينية فوجدت المتطرفين قد سبقونى فى‬
‫التحكم فى المساجد ووجدت نفسى فى نفس العزلة التى تعودت عليها‪.‬‬
‫ولكن ل يزال السؤال المؤلم يلح على عقلى‪ :‬أل يوجد لله تعالى مسجد‬
‫حقيقى يمكن أن نذكر فيه اسم الله تعالى وحده ونبشر فيه بالقيم السلمية‬
‫المنسية من العدل والسلم والتسامح والحرية وحقوق النسان‬
‫والديمقراطية‪ ،‬تلك الحقوق التى سبق بها القرآن العالم الحديث منذ ‪14‬‬
‫قرنا؟ أل يمكن أن يوجد مثل هذا المسجد السلمى الحقيقى فى أمريكا بلد‬
‫الحرية والديمفراطية والتسامح وحقوق النسان؟ ظل هذا السؤال يلح فى‬
‫عقلى الى أن شجعنى على البوح به لقرائى صديقى الدكتور سعد الدين‬
‫ابراهيم– رفيق النضال والكفاح ضد الطغيان فى جلسة فى بيتى فى مدينة‬
‫السكندرية مقاطعة فرجينيا المريكية – كان معنا الكاتب الصحفى الصديق‬
‫مجدى خليل أخذنا نستعيد فيها ذكريات الماضى وآمال المستقبل‪ .‬تحدثت‬
‫عن اضطرارى للصلة فى بيتى وشكاوى القراء المسلمين المتنورين فى‬
‫أمريكا من تخلف خطباء المساجد وجهلهم والصورة السيئة التى يقدمونها‬
‫ذنا الحديث الى ضرورة وجود مسجد يتعلم فيه المسلمون‬ ‫عن السلم‪ .‬أخ َ‬
‫السلم الحقيقى البعيد عن التطرف وثقافة الرهاب والذى يمكن أن تنبت‬
‫فيه نواة لمدرسة يتعلم فيها أئمة يبشرون بالسلم الحقيقى بين المسلمين‬
‫ليثبتوا للغرب التناقض بين السلم والتطرف‪ .‬اقترح الدكتور سعد الدين‬
‫ابراهيم أن أتوجه بهذه الفكرة الى القراء المسلمين فى كل مكان طالبا‬
‫الرأى والمشورة‪ ،‬وهأنذا أفعل‪ .‬ما رأيك عزيزى القارىء فى أن نقيم مسجدا‬
‫فى مقاطعة السكندرية فى ولية فرجينيا يكون قلعة للدفاع عن التعاليم‬
‫الحقيقية المنسية للقرآن الحكيم وليكون فيه مدرسة يتعلم فيها ويتخرج أئمة‬
‫مسلمون يواكبون العصر– عصر الديمقراطية وحقوق النسان؟ تعضيدكم‬
‫لهذه الفكرة يمكن ان ينقلها الى حيز المكان‪ ،‬وانا فى انتظار رسائلكم"‪.‬‬

‫)‪(29 /‬‬

‫وهو يرى أن من حق أمريكا‪ ،‬حفاظا منها على مصالحها‪ ،‬أن تفعل بنا وبالدنيا‬
‫ما تشاء‪ ،‬وفى ذات الوقت ينتقد المسلمين الوائل لفتحهم البلد ونشرهم‬
‫التوحيد بدل التثليث والثنوية والوثنية‪ ،‬كما يدعى على المسلمين الحاليين‬
‫المزاعم القاتلة متهما إياهم بالرهاب واضطهاد القليات‪" :‬القليات الدينية‬
‫والمذهبية والعرقية عندنا تتعرض لدرجات مختلفة من الضطهاد ويسرى‬
‫التعتيم عليها حتى لو وصل المر الى ارتكاب المذابح العرقية كما حدث من‬
‫قبل فى العراق ثم فى دارفور‪ .‬اذا فشل التعتيم وتدخل الغرب لقرار العدل‬
‫وللدفاع عن المظلوم اتهمناه بالتدخل فى شئوننا الداخلية وبالتآمر على‬
‫العرب والمسلمين‪ .‬حدث هذا حين تدخلت أمريكا والغرب لغاثة ضحايا‬
‫دارفور الفارقة المسلمين من مذابح أرتكبها فى حقهم )أشقاؤهم العرب‬
‫المسلمون(‪ .‬بل ان التعتيم قد يصل الى تجاهل دور أمريكا والغرب فى‬
‫حماية مسلمى كوسوفا من البادة الجماعية على يدى الصرب المسيحيين‬
‫لنه ل يصح ان نذكر أى ايجابية لمريكا والغرب‪ .‬مقابل هذا التعتيم والتجاهل‬
‫تنطلق حناجرنا بالصراخ حين ترسل احدى المنظمات الوهابية المريكية‬
‫شكوى كاذبة الى الصحف العربية تشكو من التمييز الذى تزعم وقوعه فى‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مجتمع المسلمين المريكيين‪ .‬وكم عانى مركز ابن خلدون وصاحبه دكتور‬
‫سعد الدين ابراهيم حين فتح بصراحة ملف القليات فى الوطن العربى‬
‫مطالبا باعطائهم حقوقهم بالمساواة والعدل‪ ،‬فتعرض لضطهاد وأغتيال‬
‫معنوى للشخصية شارك فيه مثقفو الستبداد والستعباد من دعاة القومية‬
‫العربية وفكر الستينيات العظيم الى دعاة السلفية الوهابية السياسية مع‬
‫ذيول الحاكم المستبد القائم‪ .‬أولئك جميعا هم الذين تزدهر بهم ثقافة العبيد‪.‬‬
‫ان ثقافة العبيد هى عملة رديئة لها وجهان‪ :‬الول الخنوع للقريب الظالم‬
‫واستعذاب ظلمه سواء كان أخا أو أبا أو حاكما‪ ،‬والوجه الثانى هو كراهية‬
‫الخر اى الجنبى لمجرد انه أجنبى مختلف عنا‪ .‬الجنبى يبدأ بالمختلف معنا‬
‫فى الداخل– المختلف دينيا ومذهبيا وعرقيا ولغويا‪ ،‬ثم يمتد ويتضخم ليشمل‬
‫الجنبى الغريب فى الخارج‪ .‬كلما زادت الفوارق بيننا وبين الجنبى وزادت‬
‫قوته وازداد احتكاكه بنا ازددنا عداء له مهما فعل من خير لنا‪ .‬ينطبق هذا‬
‫على الغرب وأمريكا بالذات‪ ،‬فاذا قدمت أمريكا خيرا فهى مؤامرة‪ ،‬واذا‬
‫تصرفت أمريكا وفقا لمصلحة شعبها– وهذا هو واجب أى حكومة فى العالم‬
‫باستثناء حكوماتنا المقدسة‪ -‬اشتعل الهجوم علي الرئيس المريكى لنه ل‬
‫يعمل لمصلحة الشعوب العربية كما لو كان رئيسا للوليات المتحدة العربية‬
‫وليس المريكية‪ .‬فى نفس الوقت فان الحاكم المستبد المحلى يرتكب ما‬
‫يشاء من جرائم ويجد من يدافع عنه ويمجده ويفسر كل خيباته الثقيلة فى‬
‫ضوء التآمر المريكى والسرائيلى‪ .‬ولو راجعت المثلة الشعبية السابقة‬
‫لوجدتها تنطبق على هذه الحالة المرضية‪ .‬فضرب الحاكم لنا شرف ومثل‬
‫أكل الزبيب ونحن نبلع له الزلط بينما نتمنى لمريكا الغلط‪ ،‬فاذا خيبت امريكا‬
‫أملنا ولم تغلط بادرنا نحن بالغلط فيها لكى نفرغ فيها احباطنا وعجزنا‬
‫وفشلنا وقهرنا‪ .‬ل نستطيع ان نقدر على الحمار‪ -‬هل عرفت المقصود به الن‬
‫ياصاحبى– اذن علينا بالبردعة لنها لن ترد ولن تنهق ولن ترفس مثل‬
‫الحمار"‪.‬‬
‫وهو يردد هذه الفكرة المجرمة الخطيرة فى مقال له آخر يهاجم فيه الستاذ‬
‫فهمى هويدى‪ ،‬الذى فضح علقته بأمريكا فرد عليه قائل‪ " :‬يستشهد هويدي‬
‫باختطاف أمريكا بعض الذين لهم صلة بمنظمة القاعدة واستجوابهم حول‬
‫معلومات عن القاعدة‪ ،‬ويتخذ من ذلك ذريعة لتهام امريكا بانتهاك حقوق‬
‫النسان‪ .‬انه ينقل هذه المعلومات عمن يدافع عن حقوق اولئك المختطفين‬
‫وهي المنظمة المريكية ‪ ،Rights Watch Human‬كما ينسى ان أمريكا فى‬
‫حالة حرب معلنة جديدة فى نوعها يستخدم فيها الرهابيون الفكر الدينى‬
‫لتحويل الشباب البرىء الى قنابل متحركة تنفجر فى أى زمان وفى أى‬
‫مكان‪ .‬وهى أمام هذا الخطر المجهول غير المرئى ملزمة بالدفاع عن أمنها‬
‫فى الداخل‪ ،‬خصوصا وأن المتطرفين يسيطرون على أكثر من ألف مسجد‬
‫على التراب المريكي يقومون فيها بغسيل مخ الشباب المسلم بتحويلهم الى‬
‫"استشهاديين "‪ .‬والذين يحتجون على امريكا هم المريكيون انفسهم مع أن‬
‫ما تقوم به أمريكا هو أمر مشروع فى حالة الحرب‪ ،‬أما غير المشروع فهو ما‬
‫يقوم به الستبداد العربي والتيار المتطرف من اضطهاد وقتل واخفاء قسري‬
‫للمفكرين المسالمين الداعين للصلح‪ .‬ويقف فهمي هويدي بقلمه ضد أولئك‬
‫المصلحين بل ويمهد بقلمه بالتحريض ضد مفكرين مسالمين ل يملكون حول‬
‫ول قوة‪.‬‬

‫)‪(30 /‬‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويتحدث بعدها عما يسميه بالستقواء المريكي الذى يسعى للهيمنة على‬
‫العالم‪ .‬على أنه ليس عيبا على أى دولة أن تسعى للستقواء والتمكين بل‬
‫العيب أن تكون أى دولة فى خيبتنا القوية!! أمريكا الن هى أكبر قوة فى‬
‫العالم وليس عيبا أن تحافظ على مكانتها‪ .‬وقد سبقها فى احتلل مركز القوة‬
‫الولى فى العالم امبراطوريات من الفراعنة والفرس والرومان والعرب‬
‫والنجليز ولم يقل أحد ان هذا الستقواء عيب فى حد ذاته‪ ،‬ول زلنا نفخر‬
‫بالستقواء العربى الذى كان فى عهد المويين والعباسيين والعثمانيين‪ .‬انما‬
‫يأتي العيب حين يستخدم الستقواء لستعباد الخرين كما حدث من كل‬
‫المبراطوريات السابقة على أمريكا ومنهم العرب المسلمون‪ .‬أمريكا بعد ان‬
‫صارت القوة الولى فى العالم لم تمارس نفس ما ارتكبته المبراطوريات‬
‫السابقة من احتلل واستعباد‪ .‬قبلها عاشت أمريكا منعزلة وفق مبدأ مونروا‬
‫بعيدة عن تقاتل أوروبا حول المستعمرات‪ ،‬ثم دخلت الحربين العالميتين‬
‫للدفاع عن الديمقراطية‪ ،‬ثم دخلت فى حرب باردة مع التحاد السوفيتي أيضا‬
‫للدفاع عن الديمقراطية والحرية‪ ،‬وسقط التحاد السوفيتي ليظهر التيار‬
‫السلفى عدوا للحرية مخترعا نوعية جديدة من الحرب الفكرية التدميرية‪،‬‬
‫وبدأ هذا التيار بالعتداء على أمريكا فى عقر دارها فاضطرها الى الدخول‬
‫فى حرب ضد عدو خفى متحرك متنقل من المتعذر تحديده أو حصاره‪.‬أثناء‬
‫دفاعها عن الديمقراطية ساندت أمريكا الشعوب الواقعة تحت الطغيان‬
‫النازى )فى أوربا( والطغيان الياباني )الفلبين( والطغيان السوفيتى الشيوعي‬
‫)أوربا الشرقية وكوريا الجنوبية وفيتنام الجنوبية وأفغانستان(‪ ،‬وحررت‬
‫الكويت المحتلة من صدام‪ ،‬ثم قامت بتحربر الشعب العراقي منه أيضا‪ ،‬وهى‬
‫الن تدعو المستبدين العرب الى الصلح السياسي والتحول الديمقراطي‬
‫سلما لتفادى الحروب الهلية والتدخل الجنبى وتعلن رسميا أنها لن تفرض‬
‫ديمقراطية من الخارج على العرب‪ ،‬ال أن الستبداد العربى يرفض الصلح‬
‫السلمى الداخلى‪ .‬ونجد فهمى هويدي ينقم على أمريكا هذا التدخل الصلحي‬
‫ويعتبره من لوازم التمكين"‪.‬‬
‫وهو يدافع عن إسرائيل ويتهم البطال الستشهاديين بأنهم انتحاريون يجلبون‬
‫على أنفسهم سخط الله جراء تفجيرهم لجسادهم فى الصهاينة المجرمين‪،‬‬
‫ويرى أن لسرائيل الحق كل الحق فى البقاء‪ ،‬وأن العيب فينا نحن‪ ،‬وأننا‬
‫نعلق فشلنا وخيبتنا وتخلفنا على شماعة إسرائيل البريئة المسكينة التى‬
‫يهددها الفلسطينيون الرهابيون المتوحشون أعداء الحياة والتقدم والحضارة‪.‬‬
‫ويجد القارئ هذا الكلم الرهيب فى مقال بعنوان‪" :‬العملية النتحارية الخيرة‬
‫فى اسرائيل ودللتها" كتبه فى ‪2005 /2 /27‬م‪ ،‬وهذا نصه كامل‪:‬‬
‫كان هناك تقدم ايجابى فى العملية السلمية على المستوى الرسمى حدث‬
‫فى قمة شرم الشيخ الخيرة‪ ،‬ومن الممكن أن تفرز التفاقات الرسمية‬
‫تقدما أكثر فى المستقبل القريب‪ ،‬ولكن قد تظل الجماهير العربية– المعنية‬
‫أساسا بالتعايش السلمى– بعيدة عما يجرى منساقة الى تيار الرفض للسلم‪،‬‬
‫المر الذى لن يخدم عملية السلم والتعايش السلمى‪ .‬السبب يرجع الى‬
‫عاملين اساسيين‪ :‬النظمة العربية المكروهة شعبيا‪ ،‬والمعارضة الصولية‬
‫الرهابية‪ .‬والجماهير العربية ضحية لهاتين القوتين المتنازعتين‪ .‬هاتان القوتان‬
‫المتنازعتان اتفقتا على تكريس الصورة النمطية لسرائيل فى ذهنية‬
‫الجماهير العربية والسلمية بحيث تصبح اسرائيل هى العدو الوحيد لكل‬
‫العرب والمسلمين والذى ل سبيل للتعامل معه ال بالعنف والرهاب على‬
‫اساس ان الصراع هو صراع وجود وليس صراع حدود‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(31 /‬‬

‫النظم الستبدادية التى ترعى عملية السلم– وقتيا الن– هى التى تلحق ابلغ‬
‫الضرر باسرائيل على المدى المستقبلى‪ .‬انها تشترى بقاءها فى السلطة عن‬
‫طريق لعبتين متناقضتين‪ ،‬الولى موجهة لمريكا والغرب واسرائيل‪ ،‬عن‬
‫طريق السهام فى اتفاقات السلم المرحلى بين اسرائيل والفلسطينيين‬
‫لتكون لصالح المن السرائيلى فى المدى القريب المنظور‪ .‬وبذلك تسترضى‬
‫تللك النظم أمريكا والغرب واسرائيل‪ ،‬وتفلت من مطالب الصلح‬
‫الديمقراطى وتداول السلطة‪ .‬الثانية‪ :‬وهى الخطر والسياسة المستمرة‬
‫والمستقرة لتلك النظمة منذ ‪ .1952‬هى توجيه غضب الجماهير ونقمتها‬
‫واحباطها نحو اسرائيل باعتبارها العدو الذى يجب ان نوحد صفوفنا تجاهه‪،‬‬
‫والعدو الذى يهدد مستقبلنا والذى ل يكف عن التآمر علينا‪ ،‬والذى هو سبب‬
‫كل النكبات التى تحيق بنا‪ .‬وعلى تلك الشماعة يتم تعليق كل الصلحات‬
‫وتأجيل كل الستحقاقات‪ ،‬ويتم تفسير كل الفشل فى ضوء التآمر السرائيلى‬
‫والغربى والمريكى‪ .‬وهكذا بدل من ان يتوجه الغضب الشعبى والحباط نحو‬
‫العدو الحقيقى الذى اضاع الحقوق وخرب البلد وقتل البرياء– وهو نظام‬
‫الحكم المستبد– فان ذلك الغضب يتوجه نحو اسرائيل‪ .‬وحتى اذا اضطر‬
‫المستبد الى المشاركة فى عملية سلم تتناقض مع العداء الذى يؤججه ضد‬
‫اسرائيل فانه ل يهتم بتبرير ذلك للجماهير كى تظل الكراهية لسرائيل هى‬
‫العقيدة الحاكمة‪.‬‬
‫المعارضة الصولية المتطرفة الرهابية تشارك نظم الحكم فى استغلل‬
‫اسرائيل عدوا يجب ان تتوحد المة على حربه‪ ،‬ال أن للمتطرفين اسبابهم‬
‫الخرى الدينية‪ ،‬فالعالم عندهم ينقسم الى معسكرين‪ :‬معسكر اليمان‪ ،‬وهو‬
‫معسكرهم وحدهم‪ ،‬ثم معسكر الكفرالذى تقبع اسرائيل واليهود فى أحط‬
‫درجاته‪ .‬واذا كان الجهاد واجبا ضد المسيحيين فى الغرب وامريكا فهو أثر‬
‫قدسية والحاحا ضد الدولة السرائيلية‪ ،‬وهى المعركة المقدسة التى ستحدث‬
‫فى نهاية العالم للقضاءعلى كل اليهود حسب ما يؤكدونه فى أدبياتهم‪.‬‬
‫ويعتقدون انه ل مفر منها ويستعدون لها بتجذير الكراهية لسرائيل وكل ما‬
‫هو يهودى‪.‬‬
‫هذه هى الثقافة التى تربينا عليها فى الصغر‪ ،‬ثم صارت أشد قوة مع تعاظم‬
‫المد السلفى الوهابى ومع تكاثر المساجد والمدارس والجامعات والجمعيات‬
‫والصحافة العادية والليكترونية والقنوات الفضائية‪ .‬هذه الثقافة وجدت أنصارا‬
‫لها بين القوى السياسية الخرى من اليساريين والقوميين والفاشيين‬
‫الوطنيين‪ .‬كلهم تحالفوا بغير عهد مكتوب على حشد كل البغضاء ناحية‬
‫اسرائيل وأمريكا لنحيازها لسرائيل‪ .‬وفى ظل هذا العداء المترسخ لن‬
‫تساوى تلك النفاقات الرسمية شيئا‪ ،‬وهذا ما يعرفه المستبدون الذين‬
‫ساهموا فى انجاحها ليخدعوا اسرائيل بمكسب وقتى بينما هم قد حفروا لها‬
‫فى المستقبل الغاما تنسف امكانية التعايش السلمى بين العرب واليهود‬
‫وتجهز لحروب قادمة‪ .‬هذه اللغام سيكون ضحيتها عشرات اللوف من‬
‫البرياء على الجانبين‪ .‬هناك العشرات من الضحايا الذين يفجرون انفسهم‬
‫امل فى مستقبل افضل فى الجنة حسبما أقنعهم شيوخهم– وتلك الجنةهى‬
‫المل الباقى لديهم بعد ان أفقدهم الستبداد والفساد كل حلم أوأمل فى‬
‫الحصول على حقوقهم النسانية فى هذه الدنيا‪ .‬الضحايا تجدهم فى عشرات‬
‫الشباب البله من طلبة الجامعات الذى يدفعه التحريض العلمى المتواصل‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ضد اسرائيل فيتسلل الى اسرائيل لكى يجاهد أو يموت وهو ل يدرى شيئا‬
‫عن القتال والدفاع‪ .‬انهم مجرد شباب غض شاء سوء حظه أن يكون مصريا‬
‫فى هذا العصر الكئيب‪ .‬وهى ظاهرة مدمرة ومرشحة للتكرار طالما بقى‬
‫الحال على ما هو عليه‪ .‬ولكن فى المرات القادمة قد يكونون أكثر مهارة‬
‫وخبرة وكفاءة واستعدادا بحيث يفلتون ويقتلون ابرياء اسرائيليين‪ .‬الضحايا‬
‫ايضا من اليهود السرائيليين المدنيين صرعى العمليات النتحارية التى‬
‫جعلوها استشهادية‪ .‬ان تلك العمليات النتحارية هى سلح اولئك الضعاف‬
‫الضحايا العرب والمسلمين‪ ،‬وبدل من أن يتوجه الكفاح ضد المستبد وهو‬
‫العدو الحقيقى الذى افقرهم وعذبهم وأذلهم وصادر حقوقهم فانه بغسيل‬
‫المخ يتوجه نحو اسرائيل فى ظل أكبر حملة دعائية استمرت لكثر من‬
‫خمسين عاما تحاصر العقل العربى المسلم من طفولته الى كهولته تدفعه‬
‫دفعا الى كراهية كل ما هو اسرائيلى ويهودى‪ .‬والشباب العربى المسلم هم‬
‫الضحية‪.‬‬

‫)‪(32 /‬‬

‫فى أى بلد فى العالم تجد الشباب عنوان القبال على الحياة والتفتح‬
‫والنفتاح على المستقبل لنه المستقبل‪ .‬أما فى مصر والشرق الوسط تجد‬
‫الشباب منغلقا مشدودا للماضى يفكر فى الموت اكثر من الحياة‪ ،‬يريد أن‬
‫يرحل الى الجنة مفجرا نفسه ومعه "بعض الكفرة" ليدخلهم النارليتمتع هو‬
‫بالحور العين فى الجنة بعد أن فقد أمله فى الزواج والعمل والسكن‪.‬‬
‫المشكلة أن عدد الشباب هو الضخم فى نسبة السكان واذا كانوا سيظلون‬
‫بهذه العقلية المريضة النتحارية فسينجح التخطيط الجهنمى للمستبدين‬
‫العرب الذين قرروا تأجيل المعركة النهائية مع اسرائيل للجيال القادمة‬
‫مقابل أن يتمتعوا هم وحدهم باحتكار السلطة والثروة فى هذا الجيل‪ .‬أذن‬
‫فالمستقبل يحمل مخاطرجدية لعمليات انتحارية مقبلة طالما ظلت الثقافة‬
‫التراثية السلفية سائدة يعززها الستبداد والفساد‪ .‬والعمليات النتحارية سلح‬
‫فتاك ل تعرف متى وأين وكيف يضرب‪ .‬ول سبيل لمواجهة هذا السلح ال‬
‫بسلح فكرى عقلى اسلمى من داخل الثقافة السلمية ذاتها ليعرف كيف‬
‫يخاطبها ويقنعها‪.‬‬
‫المحصلة النهائية أن تلك النفاقات الرسمية على مستوى القمة لن تجدى‬
‫شيئا فى اقناع الشباب المطحون والناقم والمأزوم‪ .‬بل ستتزيدها تفاقما لن‬
‫اولئك الحكام المستبدين المكروهين انما يعبرون عن أنفسهم وليس عن‬
‫شعوبهم وبالتالى فان الكراهية لهم ل بد أن تنعكس على ما أسهموا فى‬
‫انجازه خصوصا اذا كان الشباب المأزوم يعتبرها "استسلما مخزيا للعدو‬
‫الصهيونى" حسب تعبيرهم‪.‬‬
‫ل بد من الصلح الديمقراطى والصلح الدينى لتجذير السلم فى الشرق‬
‫الوسط وال ستظلون تكتبون اتفاقات رسمية على الماء لن تمنع القادم من‬
‫أنهار الدماء"‪.‬‬

‫)‪(33 /‬‬

‫ِلماذا اختفى إحسان؟‬


‫سمر عبدالله ‪6/8/1426‬‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪10/09/2005‬‬
‫ن بالله‬ ‫ن الظ ّ‬ ‫إحسا ُ‬
‫ن بالناس‬ ‫ن الظ ّ‬ ‫إحسا ُ‬
‫ن النّية‬ ‫إحسا ُ‬
‫معاملةِ الوالدين‬ ‫ن ُ‬ ‫إحسا ُ‬
‫ن الجيرة‬ ‫إحسا ُ‬
‫ن العمل و إتقانه؟!!‬ ‫إحسا ُ‬
‫مو‬ ‫يحصر كثير من الناس الحسان في العبادات‪ ،‬و الحقيقة أن الحسان أع ّ‬
‫أوسع من الحدود التي يحصرونه فيها‪ ،‬فكل ميادين الحياة للحسان فيها‬
‫آفاق!‬
‫ب لله في سكناته و‬ ‫مراقِ ٌ‬ ‫سن يخوض هذه الميادين و هو حذٌِر ُ‬ ‫مح ِ‬ ‫و النسان ال ُ‬
‫مطلعٌ على‬ ‫ّ‬ ‫ه يعلم علم اليقين أن الله ‪-‬عّز وجل‪ -‬ناظ ٌِر إليه و ُ‬ ‫حركاته؛ لن ُ‬
‫مقدم عليه ِبأمانةٍ و‬ ‫جز أي أمر هو ُ‬ ‫ريصا على أن ُين ِ‬ ‫ً‬ ‫فؤاده و نواياه‪ ،‬فتجده ح ِ‬
‫قدسي أن الله تعالى قال‪" :‬ول‬ ‫إتقان يرضى الله عنه‪ .‬جاء في الحديث ال ُ‬
‫ي بالنوافل حتى أحبه‪ ،‬فإذا أحببته كنت سمعه الذي‬ ‫يزال عبدي يتقرب إل ّ‬
‫يسمع به‪ ،‬وبصره الذي يبصر به‪ ،‬ويده التي يبطش بها‪ ،‬ورجله التي يمشي‬
‫بها‪ ،‬ولئن سألني لعطيّنه‪ ،‬ولئن استعاذني لعيذّنه‪"...‬‬
‫والحسان أعلى مراتب السلم منبُعه من أعماق النفس المؤمنة الموِقنة بأن‬
‫الله يراها و إن لم تكن تراه‪ .‬و ينعكس هذا اليقين على سريرتها و تصرفاتها‬
‫قت سريرتها من الشوائب و أحسنت‬ ‫كرت ن ّ‬ ‫جدها إن تف ّ‬ ‫ن معًا‪ ،‬فت ِ‬ ‫في ال ِ‬
‫ذبت في القول‪ ،‬و إن عملت أتقنت في السر والعلن!‬ ‫ّ‬
‫الظن‪ ،‬و إن تكلمت ته ّ‬
‫يقول ابن الجوزي "الحقّ عز وجل أقرب إلى عبده من حبل الوريد‪ ،‬لكنه‬
‫عامل العبد معاملة الغائب عنه البعيد منه‪ ،‬فأمر بقصد نيته ورفع اليدين إليه‬
‫والسؤال له‪ ،‬فقلوب الجهال تستشعر البعد ولذلك تقع منهم المعاصي؛ إذ لو‬
‫قظون‬ ‫فوا الكف عن الخطايا‪ ،‬والمتي ّ‬ ‫تحققت مراقبتهم للحاضر الناظر لك ّ‬
‫فتهم عن النبساط"‪.‬‬ ‫علموا قرَبه فحضرتهم المراقبة وك ّ‬
‫و ُيصِبح الحسان منهج حياة و أسلوب معيشة ينعكس في سلوكيات و تعامل‬
‫دوا ْ‬‫النسان مع الخرين ‪ -‬الوالدين والقارب وأفراد المجتمع عامة – )َواعْب ُ ُ‬
‫ن‬
‫كي ِ‬
‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫مى َوال ْ َ‬ ‫قْرَبى َوال ْي ََتا َ‬ ‫ذى ال ْ ُ‬ ‫سانا ً وَب ِ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ْ‬
‫شْيئا وَِبالوال ِد َي ْ ِ‬
‫كوا ْ ب ِهِ َ ً‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ه وَل َ ت ُ ْ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ت‬‫مل َك َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ب َواب ْ ِ‬ ‫جن ْ ِ‬ ‫ب ِبال َ‬ ‫ح ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫جن ُ ِ‬ ‫جارِ ال ْ ُ‬ ‫قْرَبى َوال ْ َ‬ ‫جارِ ِذى ال ْ ُ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫خورًا( ]سورة النساء‪ ،‬آية ‪.[36‬‬ ‫َ‬
‫خَتال ً فَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫من َ‬ ‫ب َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫مان ُك ُ ْ‬ ‫أي ْ َ‬
‫ضبت‪ ،‬كتمت غيظها‪ ،‬و إن ُأوذيت و ظ ُِلمت صبرت‬ ‫سن إن غ ِ‬ ‫مح ِ‬ ‫فترى نفس ال ُ‬
‫سن إليها تجاوزت العدل في رد‬ ‫ُ‬
‫فت‪ ،‬و إن أح ِ‬ ‫درت عَ َ‬ ‫و احتسبت و إن ق َ‬
‫المعروف لتزيد الحسان إحسانا‪ ،‬ذلك أن الحسان يفوق العدل‪ ،‬فالعدل‬ ‫ً‬
‫زمك بأن تؤّدي الحقوق إلى أهِلها أو أن تأخذ مالك دون زيادة او نقصان‪ ،‬أما‬ ‫ُيل ِ‬
‫قها و إعطائها أكثر مما‬ ‫الحسان فهو في جود نفسك‪ ،‬في أخذها لما دون ح ِ‬
‫عليها! ورد في السلف أن جارية عثرت بمرقة فصّبتها على سّيدها فغضب و‬
‫ظ( فقال‪ :‬قد فعلت‪ .‬قالت‪:‬‬ ‫ن ال ْغَي ْ َ‬ ‫مي َ‬ ‫كاظ ِ ِ‬ ‫أراد َ أن يضربها‪ ،‬فقالت له‪َ) :‬وال ْ َ‬
‫ن( فقال‪:‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬‫ه يُ ِ‬ ‫س( قال‪ :‬قد عفوت‪ .‬قالت‪َ) :‬والل ّ ُ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫)َوال َْعاِفي َ‬
‫أحسنت إليك‪ .‬فأعتقها!‬
‫م يتسع مفهوم الحسان ليشمل تعامل النسان مع كل شيء في هذه الحياة‬ ‫ث ّ‬
‫ض ب َعْد َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫دوا ِفى الْر ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫‪ -‬سّرا و علنا ‪ -‬من نبات أو حيوان أو جماد )وَل ت ُ ْ‬
‫ن( ]سورة‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب ّ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ت الل ّهِ قَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫مًعا إ ِ ّ‬ ‫خوًْفا وَط َ َ‬ ‫عوه ُ َ‬ ‫حَها َواد ْ ُ‬ ‫صَل ِ‬ ‫إِ ْ‬
‫العراف‪ :‬آية ‪ .[56‬يقول القرطبي‪" :‬إن الحسان إلى الحيوان مما يغفر‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذنوب‪ ،‬وتعظم به الجور"‪.‬‬


‫و للحسان أثٌر في سنن الكون و ارتقاء المجتمع‪ ،‬فهو ُيعّزز من فهم النسان‬
‫دنيا‪ ،‬فل‬
‫لشريعة الله‪ ،‬و ُيعّزز من تفاعله مع الدور المنوط ِبه في هذه ال ُ‬
‫در طاقاته في غير النافع من المور‪ ،‬و يحّثه على التقان في إتمام‬ ‫يجعله ُيه ِ‬
‫مهامه‪ِ ،‬فيما ُيقّربه من خالقه‪ .‬و ِبهذا التقان تصلح الرض و تتقدم المجتمعات‬
‫مة!‬‫و تنهض ال ّ‬
‫ظم الله ثواب الحسان على الفروض‪ ،‬فأداء الفروض قد يقي النسان‬ ‫و قد ع ّ‬
‫من النار أو يدخله الجنة‪ ،‬بينما الحسان قد يوصله إلى أعلى درجاِتها‪ ،‬يقول‬
‫ن( ]سورة الرحمن‪ :‬آية ‪[60‬‬ ‫سا ُ‬ ‫ن إ ِل ّ ال ِ ْ‬
‫ح َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬‫جَزاء ال ِ ْ‬
‫ل َ‬ ‫سبحانه و تعالى‪) :‬هَ ْ‬
‫ن(]سورة البقرة‪ :‬آية‬ ‫سِني َ‬
‫ح ِ‬‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ً‬
‫سبحانه و تعالى أيضا‪) :‬إ ِ ّ‬ ‫و يقول ُ‬
‫‪.[195‬‬
‫خرة‪ ،‬أو مايعني‬ ‫صر أن ُيدِرك حدود إحسان الله إليك في ال ِ‬ ‫فهل ِلخيالك القا ِ‬
‫ل‪ -‬لك؟!‬ ‫حب المولى ‪-‬عّز و ج ّ‬
‫محسنون؟!‬ ‫ل فيه ال ُ‬‫نق ّ‬ ‫ً‬ ‫ما يمنُعك إذا ً من أن تكون ُ‬
‫سنا و قدوة في زم ٍ‬ ‫مح ِ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫مآذن إستانبول‬
‫شعر‪ :‬علي أحمد باكثير‬
‫"هذه قصيدة نادرة لم تنشر من قبل وهي من آخر ما نظم الشاعر السلمي‬
‫علي أحمد باكثير أثناء زيارته لتركيا في ‪26/5/1969‬م‪ .‬حصل عليها الشيخ‬
‫عبد الله عقيل سليمان العقيل المين العام المساعد لرابطة العالم السلمي‬
‫من الستاذ أمين مصطفى سراج الذي كان مرافقا ً لباكثير أثناء رحلته"‪:‬‬
‫وكم بالستانة من ‪ii‬معان‬
‫معان ليس تعدلها ‪ii‬معان‬
‫مآثر من بني عثمان ‪ii‬شادت‬
‫تزيد الكافرين أسى وغيظا ً‬
‫ً‬
‫جوامع مشمخرات ‪ii‬حسان‬
‫تراها من بعيد ‪ii‬كالرواسي‬
‫بفن عبقريّ ‪ii‬مستمد‬
‫كأن قبابها خوذات ‪ii‬صلب‬
‫ومن ينظر مآذنها ‪ii‬يجدها ‪ ...‬أثارت في حناياي ‪ii‬الشجونا‬
‫تفجر في الفؤاد هدىً ‪ii‬مبينا‬
‫من الدين الحنيف بها حصونا‬
‫إذا نظروا وُترضي ‪ii‬المؤمنينا‬
‫خوالد من بناء ‪ii‬الخالدينا‬
‫ن دّوين أقررن ‪ii‬العيونا‬‫فإ ْ‬
‫من السلم يهدي ‪ii‬الحائرينا‬
‫لمعن على رؤوس ‪ii‬مجاهدينا‬
‫رماحا ً في صدور الكافرينا‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مؤاكلة أهل الكتاب والرافضة‬


‫الشيخ المين الحاج محمد أحمد السؤال‬
‫أنا أعمل في شركة بترولية كبيرة في أحد البلد‪ ،‬ومعظم العاملين معنا من‬
‫غير المسلمين‪ ،‬والمسلمون منهم شيعة‪ .‬المشكلة التي أواجهها هي‪ :‬كيف‬
‫يمكنني الكل معهم؟ أرجو إفادتي حول الموضوع‪.‬‬
‫الجابة‬
‫ً‬
‫الحمد لله‪ ،‬جزاك الله خيرا على حرصك على معرفة أحكام دينك‪.‬‬
‫ل‪ :‬يحل للمسلم أكل طعام أهل الكتاب بما في ذلك ذبائحهم واستعمال‬ ‫أو ً‬
‫ً‬
‫آنيتهم ما لم تكن ذهبا ول فضة‪ ،‬وإن كان بها نجاسة من أطعمتهم المحرمة‬
‫ل لكم( ]سورة المائدة‪:‬‬ ‫ح ّ‬‫ت‪ ،‬قال تعالى‪) :‬وطعام الذين أوتوا الكتاب ِ‬ ‫سل ْ‬ ‫غُ ِ‬
‫‪.[5‬‬
‫عزْير‪ ،‬والنصراني‪ :‬باسم المسيح؛ فعلى المسلم أن‬ ‫ولو قال اليهودي‪ :‬باسم ُ‬
‫مي الله ويأكل‪ ،‬وهو قول بعض أهل العلم‪ ،‬لكنه مرجوح لقوله تعالى‪) :‬ول‬ ‫يس ّ‬
‫ي وعائشة وابن‬ ‫تأكلوا مما لم ُيذكر اسم الله عليه( وقال بعض الصحابة ـ عل ّ‬
‫عمر رضي الله عنهم ـ وبعض العلماء منهم طاووس والحسن‪ :‬إذا سمعت‬
‫الكتابي يسمي غير اسم الله فل تأكل‪ ،‬وذلك للية النفة‪ .‬وكره ذلك مالك ولم‬
‫يحّرمه‪.‬‬
‫ق‬
‫ح ّ‬‫ضأ من بيت نصراني في ُ‬ ‫روى الدارقطني بإسناد صحيح عن عمر أنه تو ّ‬
‫حقّ وعاء من خشب[‪.‬‬ ‫نصرانية ]ال ُ‬
‫وكذلك تجوز مؤاكلة أهل الكتاب والفضل عدم مؤاكلتهم‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الشيعة إذا كانوا يسّبون أبا بكر وعمر وعائشة رضي الله عنهم خاصة‬
‫فل تجوز ذبائحهم ول مؤاكلتهم ول زيارتهم ول الصلة خلفهم ول عليهم‪ .‬وإن‬
‫خاف من شّرهم داراهم‪ .‬والله أعلم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫مؤامرة تحديد النسل وأسطورة النفجار السكاني‬


‫تكشف البحاث والحصائيات العالمية أن العالم الن يضم ‪ 3.5‬مليار من‬
‫السكان‪ ،‬ترتفع إلى ‪ 7‬مليارات نسمة في نهاية القرن الحالي‪ ،‬وقد زاد‬
‫الجنس البشري سبعمائة مليون نسمة في السنوات العشر الخيرة‪ ،‬وفي كل‬
‫عام يولد بالعالم ‪ 127‬مليون طفل ويصل إلى سن التعليم منهم ‪ 95‬مليون‬
‫طفل وإن الدول النامية‪ :‬في آسيا وأمريكا اللتينية هي أكثر الدول تأثرا ً بهذه‬
‫الزيادة إذ أن ثلثي سكان العالم يعيش في هذه المناطق وأن خمسة أسداس‬
‫الزيادة المنتظرة في عدد السكان تكون أيضا ً في هذه المناطق‪ ،‬وقد أصبح‬
‫الوافدون يزيدون عن الراحلين في الشهر الواحد‪ ،‬بما ل يقل عن سبعة‬
‫مليين نفس فالعالم الن يستقبل كل يوم ‪ 30‬ألف نسمة زيادة صافية بعد‬
‫الخسائر‪.‬‬
‫العبرة لم يؤمن‪:‬‬
‫وقد استغرق العالم ثلثة آلف عام بأكملها قبل أن يتضاعف تعداده ولكنه‬
‫الن يتضاعف تلقائيا ً كل خمسة وأربعين عامًا‪ .‬ول ريب أن لنا نحن المسلمين‬
‫عبرة في دراسة هذه الرقام‪ .‬فنحن نؤمن بأن الكون كله لله تبارك وتعالى‬
‫وأنه هو الخالق‪ ،‬وأن ظاهرة التفوق البشري هذه ظاهرة طبيعية‪ ،‬في طريق‬
‫اكتمال صورة الكون والرض على النحو الذي أشار إليه القرآن الكريم‪ ،‬لتأخذ‬
‫الرض زخرفها وزينتها‪ ،‬ولتخرج الرض مذخورها من معطيات الحياة من قلب‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البحار ومن قلب صخور الجبال ومن جوف الرض‪ .‬وأن للمسلمين في هذه‬
‫الثلثمائة ألف طفل يوميا ً أكثر من ‪ 219‬ألف طفل يوميًا‪ ،‬وهذا يدل على أن‬
‫ظاهرة "التفوق البشري" تمثل جيشانا ً ضخما ً في عالم السلم بما يدل على‬
‫تفوق ظاهرة لهذه القوة المؤمنة بالله‪ ،‬بينما نجد أن النحسار السكاني واضح‬
‫الدللة في عالم الغرب‪.‬‬
‫ظاهرة غريبة‪:‬‬
‫وفي إحصائيات أخرى نجد أن عدد سكان العالم الن هو ‪ 3700‬مليون نسمة‬
‫وأنه إذا سار معدل المواليد على حالته الن فإن العدد سيتضاعف خلل ‪26‬‬
‫سنة – أي في نهاية القرن الميلدي – ويكون الرقم قد ارتفع إلى ‪7400‬‬
‫مليون نسمة‪ ،‬وأن هذه الزيادة ستكون من نصيب الدول النامية في آسيا‬
‫وأفريقيا أي أنه من بين ‪ 224‬طفل يولدون في الدقيقة الواحدة ‪ 202‬طفل‬
‫في الدول النامية "العالم السلمي" و ‪ 22‬طفل ً في الدول المتحضرة‬
‫"الغرب"‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وهذه الحصائيات تعطينا مؤشرا واضحا للحداث‪.‬‬
‫ذلك أن ظاهرة تقلص حجم المواليد في عالم الغرب‪ ،‬وزيادة هذا الحجم في‬
‫عالم السلم‪ ،‬من الظواهر التي تزعج الرأسمالية الغربية والنفوذ الغرب‬
‫المسيطر اليوم في بلد المسلمين والعرب إزعاجا ً شديدًا‪ ،‬ذلك لنهم يحسون‬
‫بمدى الخطر الذي ينتظرهم في السنوات القادمة‪ ،‬ويترصد بهم نتيجة نضوب‬
‫المواليد نسبتها في البلد الغربية بينما تزداد هذه النسبة وتتضاعف في بلد‬
‫أفريقيا وآسيا‪.‬‬
‫محاولة خداعة تحت اسم مثير‪:‬‬
‫ولما كانت هذه الظاهرة ستصبح بعيدة المدى في متغيرات موازين السيطرة‬
‫والنفوذ وتملك الموارد الطبيعية والطاقة وغيرها في السنوات القادمة فإن‬
‫الغرب يشن حملة شديدة وعاصفة عنيفة على هذه الزيادة المضطرة‬
‫بوصفها بعيدة الثر في عالم السلم تحت اسم مثير هو ما يطلق عليه اسم‬
‫"النفجار السكاني" ويجند له عشرات من القلم والمفكرين والساسة دون‬
‫أن يشير إلى حقيقة الموقف وطبيعة التحول الجتماعي والحضاري الذي‬
‫يوحي بأن فساد المجتمعات الغربية‪ ،‬قد أدى إلى نضوب منابع "الوالدية" بها‪،‬‬
‫نتيجة لشيوع الخمر والماريجوانا والترف‪ ،‬وانصراف المرأة الغربية عن‬
‫رسالتها كلية وكراهيتها الشديدة للولدة وتربية الولد‪ ،‬والسراف في عمليات‬
‫الزواج غير الشرعي وظاهرة اللقطاء واستعمال حبوب منع الحمل‪.‬‬
‫انهيار الحضارة الغربية‪:‬‬
‫هذا الضطراب الجتماعي في عالم الغرب المرتبط بمرحلة النهيار في‬
‫الحضارة الغربية‪ ،‬هو مصدر انخفاض نسبة المواليد بما أدى إلى انزعاج‬
‫الغرب لهذا السبب‪ ،‬وما يحاوله الن من إغراء وتشجيع الزواج والولدة‬
‫بإغراءات خطيرة دون جدوى‪ ،‬بينما يشن في الناحية الخرى حملة شديدة‬
‫على الولدة المتزايدة في البلد النامية والمتخلفة وينفق مليين كثيرة في‬
‫بلد العرب والسلم من أجل "تحديد النسل" وتعقيم الرجال‪ ،‬والغراء‬
‫بإعطاء الحبوب واللوالب وغيرها من أجل تقليل نسبة المواليد‪.‬‬
‫ول شك أن الغرب يرى في ظاهرة التقلص في مواليده وزيادة نسبة مواليد‬
‫المناطق التي تسمى "البلد النامية" خطرا ً شديدا ً على نفوذه وعلى‬
‫المقدرات التي يحصل عليها من الخامات والثروات والمواد الولية وعلى كل‬
‫ما يعنيه على التفوق المتصل على عوالم أفريقيا وآسيا المتخلفة‪.‬‬
‫أبعاد المؤامرة‪:‬‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫من أجل هذا نجد المجتمع الغربي ل يتبنى فكرة تحديد النسل فحسب‪ ،‬بل‬
‫يفرضه فرضا ً على عالم السلم‪ ،‬بينما يعلن البابا بيوس الثاني عشر رأيه‬
‫صراحة في تأييد المسيحية لكثرة النسل‪ ،‬ويواجه المسلمون – مع حملة‬
‫تحديد النسل – ذلك التحدي الخطير‪ :‬تحدي الهجرة والنمو المتزاد لليهود في‬
‫فلسطين ونمو المسيحية في أوربا وفي أجزاء كثيرة من العالم السلمي‪،‬‬
‫بينما يجبر المسلمون بوسائل شتى فيها الغراء أو التعقيم الجباري "كما‬
‫حدث لمسلمي الهند على يد أنديرا غاندي" على خفض تعدادهم‪ ،‬وهنا‬
‫تنكشف المؤامرة‪ ،‬ويتبين أن هناك خطة مدبرة ضد المسلمين بالذات ذلك‬
‫أن غير المسلمين يخشون تكاثر المسلمين‪ ،‬ويحاولون إيقاف هذا النمو‬
‫والتزايد بكل وسيلة ومن هنا جاءت الدعوة إلى تحديد النسل والحد من تعدد‬
‫الزوجات‪.‬‬
‫وبينما يطلب إلى المسلمين تحديد نسلهم‪ ،‬تترك الصين ليتزايد سكانها‬
‫بمعدل ‪ 14‬مليونا ً كل سنة‪.‬‬
‫الكذوبة‪:‬‬
‫ول ريب أن تهديد العالم الثالث بنضوب الثروات هو أكذوبة كبرى‪ ،‬فإن الخطر‬
‫الحقيقي كله كامن في سوء استخدام الثروات والكنوز التي تفيض بها‬
‫الراضي البكر‪ .‬وسوء التخطيط لتطوير إنتاجي أفضل‪ .‬وبينما تنقل هذه‬
‫الخامات إلى بلد الغرب وتنهب‪ ،‬ثم تعيد تصديرهما للمم المترفة‬
‫الستعمارية ل يحصل أصحاب هذه الثروات إل على الفتات‪.‬‬
‫النحسار السكاني في الغرب‪:‬‬
‫وتتحدث البحاث عن ظاهرة النحسار السكاني في الغرب‪ ،‬وتصفها بأنها‬
‫ظاهرة مخيفة وخطيرة تقلق الخبراء الجتماعيين والسياسيين ورجال‬
‫العمال‪ ،‬فأمريكا تتجه نحو حالة الصفر في النمو السكاني‪ .‬فهي تقف الن‬
‫في النقطة التي يكون فيها عدد المواليد مساويا ً لعدد الوفيات‪ .‬وتتحدث‬
‫البحاث عن هذا الخطر الهائل الذي يتهدد الوليات المتحدة والدول الغربية‬
‫على بعد بضعة أجيال‪ ،‬مما يؤدي إلى انخفاض القوة العاملة وما يؤدي إلى‬
‫ركود النتاج‪ ،‬في حين أن الدول الفقيرة تنموا نموا ً متزايدًا‪.‬‬
‫وتقول البحاث أن عدد سكان أمريكا )‪ 212‬مليون نسمة( وأن النمو‬
‫السكاني في أمريكا يصل إلى درجة الصفر )‪ (2 / 2‬عندما يبلغ السكان ‪260‬‬
‫مليون نسمة‪ .‬ويشارك الوليات المتحدة في هذه الظاهرة "السويد وألمانيا‬
‫الغربية‪ ،‬اليابان‪ ،‬هنغاريا‪ ،‬رومانيا" وأن نسبة المواليد في هذه الدول في‬
‫هبوط مستمر منذ الحرب العالمية الخيرة‪ ،‬وأن الهبوط كان هائل ً في‬
‫السنوات الربع الماضية‪ ،‬في السويد وفنلندا والنمسا وبلجيكا وألمانيا‪ .‬أما‬
‫هنغاريا وبريطانيا فقد بلغت درجة الصفر‪ .‬والقلق ناجم من أن القوة العاملة‬
‫سوف تتضاءل في المستقبل بما يؤدي إلى ركود النتاج‪ ،‬ومن أجل ذلك‬
‫شددت بعض دول أوروبا في قضايا الجهاض وفرضت عقوبات على من‬
‫يفعله‪ ،‬ومنع السوقيات تداول الحبوب المانعة للحمل‪ .‬وأعطوا إجازات أطول‬
‫للزوجة الحامل‪.‬‬
‫ويتوقع الخبراء أن تصل أكثر دول أوروبا إلى درجة الصفر في النمو السكاني‬
‫في بداية القرن الواحد والعشرين‪ ،‬كما يرى بعض الخبراء أن النحسار‬
‫السكاني إلى درجة الصفر سيؤدي إلى ركود اقتصادي واجتماعي خطير‪.‬‬
‫التعقير أو التحديث‪:‬‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويرجع الخبراء هبوط الخصب في المدى البعيد في الدول المتطورة إلى‬


‫مجموعة عوامل يطلقون عليها "التعقير أو التحديث" ويقول الخبراء أن موانع‬
‫الحمل والجهاض قد خفضت المعارضة الخلقية لضبط النسل‪ ،‬وأن ثلث‬
‫السكان من النساء الكاثوليكيات يمارسن موانع الحمل‪ .‬بالرغم من تعاليم‬
‫الكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬التي تقول أن موانع الحمل أمر خاطئ غير مستحب‪،‬‬
‫كذلك فإن الموجة الجديدة للنوثة قد ساعدت على جعل نسبة المواليد‬
‫منخفضة حيث شجعت المرأة على تحدي دورها كربة بيت وأم‪.‬‬
‫وقال الدكتور جو يلدز‪ :‬أن المرأة لم تشعر بأن عليها إنجاب الطفال لتصبح‬
‫إنسانا ً بشريًا‪ ،‬ويرى كثير من النساء أن مساهمتهن في المجتمع أو تحقيق‬
‫اكتفاء ذاتي أكبر‪ ،‬يكون ببقائهن في أعمالهن‪ ،‬بدل ً من البقاء في البيوت مع‬
‫الطفال وأن المرأة شيئا ً مهمل ً إذا كانت أما ً أو ربة بيت )‪ 6.5‬مليون امرأة‬
‫عاملة تؤلف ‪ %46‬من القوة العاملة في الوليات المتحدة(‪.‬‬
‫صيحات الخبراء‪:‬‬
‫ويشير التقرير إلى خطورة امتناع الشباب المتزوج عن إنجاب الطفال يقول‬
‫"بول ايرليس" في كتابه "القنبلة البشرية" عام ‪ 1968‬وكتاب آخر "حدود‬
‫النمو" أن العالم يواجه كارثة إذا تقلص النمو السكاني‪ .‬وقال ولفريد‬
‫نيكرمان‪ :‬أن النسان قد استخف بحجم الموارد الطبيعية الهائلة في العالم‪.‬‬
‫وهناك إشارة إلى أن التضخم القتصادي يعد عائقا ً في إنجاب الطفال وأنه‬
‫بوجود دخلين في السرة‪ ،‬غدا ً في مقدور الكثير من الزواج التمتع بالمور‬
‫الترفيهية‪.‬‬
‫هنا يكمن السبب‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وهكذا نجد الخلفية الواضحة لموقف الغرب إزاء التفوق البشري في عالم‬
‫السلم‪ ،‬وتجنيده اتباع المحافل الماسونية وأندية الروتاري والليونز للكتابة‬
‫عن النفجار السكاني والخطر المتوهمة للكوارث التي ستصيب البلد من‬
‫زيادة السكان‪ .‬وهذه الحشود من العلماء الذين تجمعهم مؤتمرات الوالدية‬
‫في تحديد النسل ومؤتمر الغذاء العالمي وقد أكدت عشرات المصادر‬
‫والدراسات أن الخوف من نمو السكان في البلد النامية والمتخلفة‪ ،‬هو الذي‬
‫يقلق سادة الغرب فإن هؤلء سيصبحون قوة عددية متزايدة على غير هوى‬
‫المتصدرين للنفوذ القتصادي العالمي‪.‬‬
‫وسوء النية‪:‬‬
‫ويشير البرفسور خورشيد أحمد الستاذ بجامعة كراتشي في بحثه الضافي‬
‫عن سوء نية الوروبيين‪ ،‬والتخطيط القتصادي لدامة سيطرة الدول‬
‫المتقدمة على الشعوب النامية‪ ،‬ويقول‪" :‬أن آسيا والعالم السلمي هي أكبر‬
‫كمناطق الرض اليوم ازدحاما ً بالسكان"‪ .‬وما عدد السكان في البلد الغربية‬
‫بالقياس إليها إل قليل‪ ،‬وأن هذا التفوق السكاني سوف يقضي على السس‬
‫التي أقامها الغرب لسيادته السياسية العالم منذ القرون الخمسة الماضية‪،‬‬
‫وعلى ذلك التفوق الفني والعلمي الذي كان له على الشرق‪ ،‬والذي به‬
‫استطاع أن يقيم احتكاره السياسي على العالم‪ .‬لقد آمن الستعمار إلى أبعد‬
‫البعاد‪ ،‬على الرغم من قلة سكانه‪ ،‬ولكن الوضاع الحالية والحقائق الجديدة‬
‫في العالم‪ ،‬قد فندت هذا الخيال الخاطئ وماطت اللثام عن وجه الحقيقة‪،‬‬
‫وأنه لجل التناقض المضطرد في عدد سكان البلد الغربية‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حصاد النتائج‪:‬‬
‫فقد ظهرت بوادر النحطاط والفول في السياسة‪ ،‬رغم الشعور بعد الحرب‬
‫العالمية الولى خاصة‪ ،‬بأن خطة تحديد النسل ضررها أكر من نفعها من‬
‫الوجهتين السياسية والجتماعية‪ ،‬كان من نتائج ذلك أن فقدت فرنسا مكانتها‬
‫العلمية شيئا ً فشيئا ً وأعلن المارشال بيتان عقب الحرب العالمية الثانية‬
‫اعترافه بأنه من السباب الرئيسية التي عملت على توهين قوة فرنسا‬
‫وزاحتها عن مكانتها العالمية‪ :‬قلة عدد الطفال والسكان‪ .‬وقد بدأت آثارها‬
‫السيئة في حياة إنجلترا وغيرها وأوجست خيفة من آثارها السويد وألمانيا‬
‫وفرنسا وإنجلترا وإيطاليا‪ ،‬وشعرت بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في خطتها‬
‫بشأن عدد السكان‪ ،‬ولذا فهي تبذل الن جهودا ً متتابعة لزيادة عدد سكانها‬
‫بدل ً من تقليله‪.‬‬
‫إل أن الغرب لن يستطيع مع كل هذه الجهود أن يزيد عدد سكانه إلى حد‬
‫يستطيع معه أن يحتفظ بمكانته السياسية ويبقى متربعا ً على كرسي السيادة‬
‫العالمية‪ ،‬بل الذي لشك فيه أن سيعود عاجزا ً في المستقبل عن مقاومة‬
‫الشرق والعالم السلمي مهما بذل من جهوده لزيادة عدد السكان في‬
‫أقطاره‪ ،‬وأشار الدكتور خورشيد إلى أن عدد السكان في بلد الشرق أكبر‬
‫بدرجات من عدد السكان في الغرب‪ ،‬وأن هذا معناه أنه ليس في المكان‬
‫بقاء شعوب الشرق محكومة مغلوبة على أمرها بعد تدربها على اللت‬
‫الميكانيكية وتصنيعها في العلوم الفنية‪ ،‬بل سيكون من النتيجة اللزمة لهذه‬
‫النهضة كسابق الفطرة‪ ،‬أن يفقد سادة الغرب على العرب أزهى أيام حياتها‪،‬‬
‫وأن تبرز القيادة العالمية في أماكن فيها زيادة السكان ولها في نفس الوقت‬
‫خبرة فنية وتكتيكية حربية‪ ،‬فكل ما يصنعه الغرب اليوم للحتفاظ بسيادته‬
‫العالمية في مثل هذه الوضاع خطير للغاية‪ ،‬وأن أي محاولة للحد من زيادة‬
‫السكان في الشرق عن طريق تحديد النسل ومنع الحمل مسألة فاشلة‬
‫تمامًا"‪.‬‬
‫الخوف الرأسمالي‪:‬‬
‫وهكذا يتبين لنا ارتباط أبعاد هذه المحاولة الخطيرة التي يقوم بها الغرب‬
‫ليقاف النمو السكاني والتفوق البشري في عالم السلم‪ ،‬وكذلك ليقاف‬
‫القدرة على استعمال التكنولوجيا والسيطرة عليها‪ ،‬وتحويل إرادة المسلمين‬
‫والعرب لتوجيه مقدراتهم وثرواتهم مقدارتهم القتصادية المالية إلى طريق‬
‫الستهلك والترف‪ ،‬يقول الدكتور خورشيد‪" :‬إن هذيان أمريكا ما تبذل من‬
‫النصائح والمواعظ عم مشكلة السكان إنما هو نتيجة إلى حد كبير لشعورها‬
‫بخطر تلك النتائج والمؤثرات السياسية المتوقعة على أساس تغير الحوال‬
‫في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللتينية‪.‬‬
‫يقول آرثر كرومول‪ :‬إنه لما يعجب الناس في البلد المتقدمة إعجابا ً فطريا ً‬
‫أن يزداد عدد سكان الناس في البلد غير المتقدمة‪ ،‬وذلك أنهم يرون في‬
‫زيادتهم المضطرة خطرا ً داهما ً على مستواهم الرفيع في المعيشة وعلى‬
‫سلمتهم السياسية‪.‬‬
‫كيف أعلنوا نواياهم؟‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وقد أشار "ميك كارل" إلى هذه المؤامرة الخطيرة لنقاص سكان العالم‬
‫السلمي فقال "إن أهل الشرق سوف ل يلبثون إل قليل ً حتى يطلعوا على‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حقيقة هذا الدجل ثم ل يغتفرونه لهل الغرب‪ ،‬لنه استعمار من نوع جديد‪،‬‬
‫يهدف إلى دفع المم غير المتقدمة ول سيما المم السوداء إلى مزيد من‬
‫الذل والخسف‪ ،‬حتى تتمكن المم البيضاء من الحتفاظ بسيادتها وأن القوة‬
‫الغالبة ل تكون في المستقبل إل للبلد التي تتمتع بزيادة السكان وتحلى في‬
‫نفس الوقت بالعلوم الفنية‪ .‬وأن محاولة أمم الغرب للحتفاظ بسيادتها‬
‫وقيادتها للعمل‪ ،‬هي التي تدعوها إلى العمل على نشر حركة تحديد النسل‬
‫ومنع الحمل في بلد آسيا وأفريقيا‪ ،‬في نفس الوقت التي تعمل البلد‬
‫الوروبية الن ما في وسعها لزيادة سكانها‪ ،‬وفي نفس الوقت تستعين‬
‫بأحسين ما عندها من أساليب الدعاية لتقيم حركة تحديد النسل في البلد‬
‫السيوية والفريقية‪ .‬وللسف أن كثيرا ً من المسلمين يتقدمون ليقعوا في‬
‫شرك دجلها‪.‬‬
‫محمد إقبال‪:‬‬
‫وقد تنبه لهذا المعنى الفيلسوف السلمي محمد إقبال فقال‪:‬‬
‫كل ما هو واقع اليوم أو على وشك الوقوع في الغد القريب في بلدنا أن هو‬
‫إل من آثار دعاية أوروبا‪ ،‬هنالك سيل عرم من الكتب والرسائل الخرى قد‬
‫انحرف في بلدنا لدعوة الناس إلى اتباع خطة منع الحمل وتشويقهم إلى‬
‫قبول حركتها‪ ،‬على حين أن أهل الغرب في بلدهم يتابعون الجهود الفنية‬
‫لرفع نسبة المواليد وزيادة عدد السكان‪.‬‬
‫ومن أهم أسباب هذه الحركة تدهور عدد السكان في أوروبا وتناقصه‬
‫مضطردًا‪ ،‬بناء على الظروف التي ما خلفتها أوروبا إل بنفسها وقد استعصى‬
‫عليها اليوم أن توجد لها حل ً مرضيًا‪ ،‬وأن عدد السكان في الشرق على‬
‫العكس من ذلك في زيادة مضطردة ما ترى فيه أوروبا خطرا ً مخيفا ً على‬
‫كيانها السياسي‪.‬‬
‫ويقول العلمة علل الفاسي‪ :‬أن أكبر الخطر أن تدرس حركة تحديد النسل‬
‫منفصلة عن سياقها السياسي والتاريخي فنحن ل نستطيع أن نفهمها على‬
‫حقيقتها‪ .‬ول أن نرسم لنفسنا خطة عملية راشدة إل داخل نطاق التحدي‪،‬‬
‫فإذا أضفنا إلى هذا‪ :‬الخطط الصهيونية لجلء العرب عن الشرق الوسط‪،‬‬
‫وتهجير أكبر عدد مكن من اليهود إليه‪ ،‬وخلق حركات داخل كل بلد إسلمي‬
‫وعربي من القليات‪ ،‬التي يصل بها التعصب أحيانا ً إلى النفصال عن الوطن‬
‫الوالد‪ ،‬عرفنا أن التنقيص في عدد المواليد ل يخدم إل مصلحة الستعمار‬
‫والصهيونية‪ ،‬كذلك فإن عددا ً من علماء الطب والجتماع والدين من جهة‬
‫وعلماء القتصاد من جهة أخرى‪ ،‬يرون أن تحديد النسل خطر على قوة‬
‫الدولة العددية وعلى زيادة إنتاجها ويقاومون الدعوات التي سبقت في بلدهم‬
‫والحركة التي نشأت عنها فكيف يمكننا نحن الذين ما زلنا في طور التخلف‬
‫وما زلنا نأمل أن يكون من شعبنا قوة مادية وإنسانية‪ ،‬أن نتجه إلى معالجة‬
‫ضعف النتاج القتصادي بأضعاف الخصاب النساني‪.‬‬
‫موقف السلم‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يقول علماء السلم‪ :‬أنه ل يجوز للنسان أن ينظم تخطيطا جماعيا على‬
‫الشكل الذي تدعو إليه هذه المنظمات‪ ،‬لن ذلك يتنافى مع مقاصد الشريعة‬
‫السلمية التي جعلت من غايات السرة "تكثير النسل" وقد قال الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم المم يوم القيامة"‪.‬‬
‫وقد نص المام الشاطبي في الموافقات على أن مما أجمعت عليه الملل‬
‫والنحل وجوب حفظ المال والنفس والعرض والنسل فمحاولة المساس‬
‫بواحدة من هذه الربعة بغير حق مناف للشرائع كلها ول يقع إل من الظالمين‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذي قال الله تعالى فيهم‪:‬‬


‫"وإذا تولى سعى في الرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله ل يحب‬
‫الفساد" سورة البقرة‪ :‬الية ‪ ،205‬وقد التبس على بعض المتملقين ما قاله‬
‫بعض الفقهاء في مسألة إباحة العزل‪ ،‬مع أن قضية العزل هي قضية‬
‫التخطيط العائلي لنها مسألة تتعلق بحالت فردية اختيارية‪ ،‬ل تتدخل فيها‬
‫الدولة ول تنظمها ول تدعو إليها وتجعلها جزءا ً من برنامجها يقول العلمة‬
‫علل الفاسي‪ :‬إما إدعاء أن التنقيص من عدد السكان ضروري لتنفيذ‬
‫التخطيطات القتصادية وتحقيق النمو فهو خطأ من الناحية القتصادية ومن‬
‫الناحية الجتماعية‪ ،‬لن المواليد ل يولدون بأفواههم فقط بل يولدون بعقولهم‬
‫وسواعدهم‪ ،‬فهم مادة وعامل قوي في النمو القتصادي وتقوية النتاج‪،‬‬
‫وليسوا مجرد طفيليين في المجتمع وإنما عجز التدبير من الحاكمين وسوء‬
‫توزيع الثروة على المواطنين‪ ،‬والتخلي عن القاليم الوطنية للمستعمرين هو‬
‫الذي يدفع إلى هذا التفكير الكسول‪ ،‬الذي يرضي بهذه التدابير غير النسانية‪،‬‬
‫ول يعلم أن مقتضيات التطور الحديث يقضي بتحمل الدولة لتكاليف العائلة‪.‬‬
‫حكم التعقيم‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬
‫ومن جهة أخرى فقد نص الفقهاء على أن خصى المواطن ممنوع شرعا ً‬
‫بالجماع لكونه يعوق عن الغاية المقصودة من الشارع كما نصوا على أن أخذ‬
‫الدوية لمنع الحمل ممنوع‪ ،‬كما في النوازل الموجودة في كتاب الجامع من‬
‫المعيار "للونشريشي"‪ .‬وأحسن من هذه الكتاب كله قول الله تبارك وتعالى‪:‬‬
‫"ول تقتلوا أولدكم خشية إملق نحن نرزقهم وإياكم" سورة السراء‪ ،‬الية‬
‫رقم ‪ .30‬وفي الية الخرى‪" :‬ول تقتلوا أولدكم من إملق نحن نرزقهم‬
‫وإياهم" سورة النعام‪ ،‬الية رقم ‪.150‬‬
‫وقد أوضحت الشريعة السلمية سفه الذين يقتلون أولدهم مخافة الفقر "قد‬
‫خسر الذين قتلوا أولدهم سفها ً بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على‬
‫الله" سورة النعام‪ ،‬الية رقم ‪.139‬‬
‫من فعل الناس بأنفسهم‪:‬‬
‫ً‬
‫أما الرزق فإن الله تبارك وتعالى قد يسر طريقه وجعله مستطاعا وأعطى‬
‫النسان أدواته من صيد ونار وغيره ولكن صعوبة الرزق بدأت بعد أن تدخلت‬
‫أهواء الناس ومطامعهم وظهرت عمليات الحتكار والحتجاز‪ ،‬وظهرت عوامل‬
‫التفرقة والستغلل‪ ،‬والقوى الذي يسيطر على الكثير فل يترك للضعفاء‬
‫والفقراء ما يطعمهم أو يقوتهم‪ ،‬هذه هي الزمة وهي ليست أزمة الرزق‬
‫نفسه وإنما هي أزمة الجشع والتسلط‪.‬‬
‫وتقدير الله بالخير‪:‬‬
‫وهناك قانون الوفرة الذي يؤكد وجود ثمرات طيبات لكل من يعيش على‬
‫ظهر الرض مهما بلغ عدد هؤلء السكان وذلك بتقدير الله تبارك وتعالى وما‬
‫تزال هناك مذخورات كثيرة في البحار والجبال‪ ،‬وقد أعطى الحق تبارك‬
‫وتعالى عهده وميثاقه إلى البشر بضمان الطعام وضمان الرزق لكل مخلوق‬
‫ودابة وحشرة‪ ،‬بحيث تطمئن النفس النسانية إلى عهد الله تبارك وتعالى‬
‫الصادق الكيد‪ ،‬فل تكون مثل هذه الصيحات الضالة مصدرا ً لزعزعة اليمان‪،‬‬
‫فلقد حفظ الله تبارك وتعالى للنسان هذه الموارد التي ل تنضب في نفس‬
‫الوقت الذي دعاه إلى السعي في الرض والكل من رزق الله‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولو وضعت الموازين الحقيقية لقضية الطعام ولو روعي في توزيعه ما أمر‬
‫الله تبارك وتعالى به‪ ،‬لمكن للنسانية أن تتجنب الكثير من عمليات البخل‬
‫والشح‪ ،‬حيث ينفق بعض الفراد في بعض البلد ما يوازي عشرات أضعاف ما‬
‫ينفقه الخرون‪ .‬وهناك في بعض البلد المنتجة تغرق المحاصيل في البحر أو‬
‫تحرق للمحافظة على مستوى أسعار التصدير بينما يقتل الجوع المليين‬
‫وذلك من أساليب الستعمار الرأسمالي والماركسي للسيطرة على القوى‬
‫البشرية بإجاعتها‪.‬‬
‫كذلك فإن حاجة المسلمين في الدرجة الولى إلى التوالد والتناسل لن‬
‫السلم مهدد في معاقله الولى ويواجه حربا ً صهيونية استعمارية ل قبل له‬
‫بها وأن هذه الحرب ستطول‪ ،‬ويسقط فيها كثير من المسلمين وأن تعبئة‬
‫المم في ميادين النمو القتصادي بوسائل العمل المنظم تغني عن كل تدبير‬
‫مناف لطبائع الشياء وأن هذه المبالغ الضخمة التي تصرف في مجال تحديد‬
‫النسل وإنشاء مستشفيات التعقيم وإنتاج حبوب منع الحمل وهي تزيد على‬
‫‪ 100‬مليار من الدولرات لو أنفقت في مجال النمو القتصادي لجاءت بنتائج‬
‫إيجابية وعلينا أن نذكر أن من مقاصد الشريعة الرغبة في تكثير سواد المة‬
‫السلمية وقد أمتن بالتكثير في القرآن إذ قال‪" :‬واذكروا إذ كنتم قليل ً‬
‫فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين" سورة العراف‪ :‬الية رقم ‪.85‬‬
‫الطار الصحيح‪:‬‬
‫ول ريب أن كل مشاكل المم يمكن التغلب عليها بالتفوق البشري شريطة‬
‫أن يتحرك هؤلء البشر من خلل عقيدة صحيحة كتلك التي حركت المسلمين‬
‫الوائل‪ ،‬والسلم وحده هو العقيدة القادرة على إطلق الطاقات المفطورة‬
‫في أعماق هذه المة‪ ،‬وما استطاع مجتمع متخلف أو نام أن يحقق التقدم‬
‫ويصل إلى القوة من خلل اعتناقه عقيدة المجتمعات الخرى‪.‬‬
‫ومن هنا يتبين أن قصة النفجار السكاني ليست أسطورة يراد بها تقليل عدد‬
‫المسلمين ونسلهم في سبيل التمكين للنفوذ الجنبي والوافد وعمليات‬
‫التهجير بما يزيد غيرهم بالستيطان وامتلك الثروة‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫مؤامرة تحديد النسل وأسطورة النفجار السكاني‬


‫تكشف البحاث والحصائيات العالمية أن العالم الن يضم ‪ 3.5‬مليار من‬
‫السكان‪ ،‬ترتفع إلى ‪ 7‬مليارات نسمة في نهاية القرن الحالي‪ ،‬وقد زاد‬
‫الجنس البشري سبعمائة مليون نسمة في السنوات العشر الخيرة‪ ،‬وفي كل‬
‫عام يولد بالعالم ‪ 127‬مليون طفل ويصل إلى سن التعليم منهم ‪ 95‬مليون‬
‫طفل وإن الدول النامية‪ :‬في آسيا وأمريكا اللتينية هي أكثر الدول تأثرا ً بهذه‬
‫الزيادة إذ أن ثلثي سكان العالم يعيش في هذه المناطق وأن خمسة أسداس‬
‫الزيادة المنتظرة في عدد السكان تكون أيضا ً في هذه المناطق‪ ،‬وقد أصبح‬
‫الوافدون يزيدون عن الراحلين في الشهر الواحد‪ ،‬بما ل يقل عن سبعة‬
‫مليين نفس فالعالم الن يستقبل كل يوم ‪ 30‬ألف نسمة زيادة صافية بعد‬
‫الخسائر‪.‬‬
‫العبرة لم يؤمن‪:‬‬
‫وقد استغرق العالم ثلثة آلف عام بأكملها قبل أن يتضاعف تعداده ولكنه‬
‫الن يتضاعف تلقائيا ً كل خمسة وأربعين عامًا‪ .‬ول ريب أن لنا نحن المسلمين‬
‫عبرة في دراسة هذه الرقام‪ .‬فنحن نؤمن بأن الكون كله لله تبارك وتعالى‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأنه هو الخالق‪ ،‬وأن ظاهرة التفوق البشري هذه ظاهرة طبيعية‪ ،‬في طريق‬
‫اكتمال صورة الكون والرض على النحو الذي أشار إليه القرآن الكريم‪ ،‬لتأخذ‬
‫الرض زخرفها وزينتها‪ ،‬ولتخرج الرض مذخورها من معطيات الحياة من قلب‬
‫البحار ومن قلب صخور الجبال ومن جوف الرض‪ .‬وأن للمسلمين في هذه‬
‫الثلثمائة ألف طفل يوميا ً أكثر من ‪ 219‬ألف طفل يوميًا‪ ،‬وهذا يدل على أن‬
‫ظاهرة "التفوق البشري" تمثل جيشانا ً ضخما ً في عالم السلم بما يدل على‬
‫تفوق ظاهرة لهذه القوة المؤمنة بالله‪ ،‬بينما نجد أن النحسار السكاني واضح‬
‫الدللة في عالم الغرب‪.‬‬
‫ظاهرة غريبة‪:‬‬
‫وفي إحصائيات أخرى نجد أن عدد سكان العالم الن هو ‪ 3700‬مليون نسمة‬
‫وأنه إذا سار معدل المواليد على حالته الن فإن العدد سيتضاعف خلل ‪26‬‬
‫سنة – أي في نهاية القرن الميلدي – ويكون الرقم قد ارتفع إلى ‪7400‬‬
‫مليون نسمة‪ ،‬وأن هذه الزيادة ستكون من نصيب الدول النامية في آسيا‬
‫وأفريقيا أي أنه من بين ‪ 224‬طفل يولدون في الدقيقة الواحدة ‪ 202‬طفل‬
‫في الدول النامية "العالم السلمي" و ‪ 22‬طفل ً في الدول المتحضرة‬
‫"الغرب"‪.‬‬
‫وهذه الحصائيات تعطينا مؤشرا ً واضحا ً للحداث‪.‬‬
‫ذلك أن ظاهرة تقلص حجم المواليد في عالم الغرب‪ ،‬وزيادة هذا الحجم في‬
‫عالم السلم‪ ،‬من الظواهر التي تزعج الرأسمالية الغربية والنفوذ الغرب‬
‫المسيطر اليوم في بلد المسلمين والعرب إزعاجا ً شديدًا‪ ،‬ذلك لنهم يحسون‬
‫بمدى الخطر الذي ينتظرهم في السنوات القادمة‪ ،‬ويترصد بهم نتيجة نضوب‬
‫المواليد نسبتها في البلد الغربية بينما تزداد هذه النسبة وتتضاعف في بلد‬
‫أفريقيا وآسيا‪.‬‬
‫محاولة خداعة تحت اسم مثير‪:‬‬
‫ولما كانت هذه الظاهرة ستصبح بعيدة المدى في متغيرات موازين السيطرة‬
‫والنفوذ وتملك الموارد الطبيعية والطاقة وغيرها في السنوات القادمة فإن‬
‫الغرب يشن حملة شديدة وعاصفة عنيفة على هذه الزيادة المضطرة‬
‫بوصفها بعيدة الثر في عالم السلم تحت اسم مثير هو ما يطلق عليه اسم‬
‫"النفجار السكاني" ويجند له عشرات من القلم والمفكرين والساسة دون‬
‫أن يشير إلى حقيقة الموقف وطبيعة التحول الجتماعي والحضاري الذي‬
‫يوحي بأن فساد المجتمعات الغربية‪ ،‬قد أدى إلى نضوب منابع "الوالدية" بها‪،‬‬
‫نتيجة لشيوع الخمر والماريجوانا والترف‪ ،‬وانصراف المرأة الغربية عن‬
‫رسالتها كلية وكراهيتها الشديدة للولدة وتربية الولد‪ ،‬والسراف في عمليات‬
‫الزواج غير الشرعي وظاهرة اللقطاء واستعمال حبوب منع الحمل‪.‬‬
‫انهيار الحضارة الغربية‪:‬‬
‫هذا الضطراب الجتماعي في عالم الغرب المرتبط بمرحلة النهيار في‬
‫الحضارة الغربية‪ ،‬هو مصدر انخفاض نسبة المواليد بما أدى إلى انزعاج‬
‫الغرب لهذا السبب‪ ،‬وما يحاوله الن من إغراء وتشجيع الزواج والولدة‬
‫بإغراءات خطيرة دون جدوى‪ ،‬بينما يشن في الناحية الخرى حملة شديدة‬
‫على الولدة المتزايدة في البلد النامية والمتخلفة وينفق مليين كثيرة في‬
‫بلد العرب والسلم من أجل "تحديد النسل" وتعقيم الرجال‪ ،‬والغراء‬
‫بإعطاء الحبوب واللوالب وغيرها من أجل تقليل نسبة المواليد‪.‬‬
‫ول شك أن الغرب يرى في ظاهرة التقلص في مواليده وزيادة نسبة مواليد‬
‫المناطق التي تسمى "البلد النامية" خطرا ً شديدا ً على نفوذه وعلى‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المقدرات التي يحصل عليها من الخامات والثروات والمواد الولية وعلى كل‬
‫ما يعنيه على التفوق المتصل على عوالم أفريقيا وآسيا المتخلفة‪.‬‬
‫أبعاد المؤامرة‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫من أجل هذا نجد المجتمع الغربي ل يتبنى فكرة تحديد النسل فحسب‪ ،‬بل‬
‫يفرضه فرضا ً على عالم السلم‪ ،‬بينما يعلن البابا بيوس الثاني عشر رأيه‬
‫صراحة في تأييد المسيحية لكثرة النسل‪ ،‬ويواجه المسلمون – مع حملة‬
‫تحديد النسل – ذلك التحدي الخطير‪ :‬تحدي الهجرة والنمو المتزاد لليهود في‬
‫فلسطين ونمو المسيحية في أوربا وفي أجزاء كثيرة من العالم السلمي‪،‬‬
‫بينما يجبر المسلمون بوسائل شتى فيها الغراء أو التعقيم الجباري "كما‬
‫حدث لمسلمي الهند على يد أنديرا غاندي" على خفض تعدادهم‪ ،‬وهنا‬
‫تنكشف المؤامرة‪ ،‬ويتبين أن هناك خطة مدبرة ضد المسلمين بالذات ذلك‬
‫أن غير المسلمين يخشون تكاثر المسلمين‪ ،‬ويحاولون إيقاف هذا النمو‬
‫والتزايد بكل وسيلة ومن هنا جاءت الدعوة إلى تحديد النسل والحد من تعدد‬
‫الزوجات‪.‬‬
‫وبينما يطلب إلى المسلمين تحديد نسلهم‪ ،‬تترك الصين ليتزايد سكانها‬
‫بمعدل ‪ 14‬مليونا ً كل سنة‪.‬‬
‫الكذوبة‪:‬‬
‫ول ريب أن تهديد العالم الثالث بنضوب الثروات هو أكذوبة كبرى‪ ،‬فإن الخطر‬
‫الحقيقي كله كامن في سوء استخدام الثروات والكنوز التي تفيض بها‬
‫الراضي البكر‪ .‬وسوء التخطيط لتطوير إنتاجي أفضل‪ .‬وبينما تنقل هذه‬
‫الخامات إلى بلد الغرب وتنهب‪ ،‬ثم تعيد تصديرهما للمم المترفة‬
‫الستعمارية ل يحصل أصحاب هذه الثروات إل على الفتات‪.‬‬
‫النحسار السكاني في الغرب‪:‬‬
‫وتتحدث البحاث عن ظاهرة النحسار السكاني في الغرب‪ ،‬وتصفها بأنها‬
‫ظاهرة مخيفة وخطيرة تقلق الخبراء الجتماعيين والسياسيين ورجال‬
‫العمال‪ ،‬فأمريكا تتجه نحو حالة الصفر في النمو السكاني‪ .‬فهي تقف الن‬
‫في النقطة التي يكون فيها عدد المواليد مساويا ً لعدد الوفيات‪ .‬وتتحدث‬
‫البحاث عن هذا الخطر الهائل الذي يتهدد الوليات المتحدة والدول الغربية‬
‫على بعد بضعة أجيال‪ ،‬مما يؤدي إلى انخفاض القوة العاملة وما يؤدي إلى‬
‫ركود النتاج‪ ،‬في حين أن الدول الفقيرة تنموا نموا ً متزايدًا‪.‬‬
‫وتقول البحاث أن عدد سكان أمريكا )‪ 212‬مليون نسمة( وأن النمو‬
‫السكاني في أمريكا يصل إلى درجة الصفر )‪ (2 / 2‬عندما يبلغ السكان ‪260‬‬
‫مليون نسمة‪ .‬ويشارك الوليات المتحدة في هذه الظاهرة "السويد وألمانيا‬
‫الغربية‪ ،‬اليابان‪ ،‬هنغاريا‪ ،‬رومانيا" وأن نسبة المواليد في هذه الدول في‬
‫هبوط مستمر منذ الحرب العالمية الخيرة‪ ،‬وأن الهبوط كان هائل ً في‬
‫السنوات الربع الماضية‪ ،‬في السويد وفنلندا والنمسا وبلجيكا وألمانيا‪ .‬أما‬
‫هنغاريا وبريطانيا فقد بلغت درجة الصفر‪ .‬والقلق ناجم من أن القوة العاملة‬
‫سوف تتضاءل في المستقبل بما يؤدي إلى ركود النتاج‪ ،‬ومن أجل ذلك‬
‫شددت بعض دول أوروبا في قضايا الجهاض وفرضت عقوبات على من‬
‫يفعله‪ ،‬ومنع السوقيات تداول الحبوب المانعة للحمل‪ .‬وأعطوا إجازات أطول‬
‫للزوجة الحامل‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويتوقع الخبراء أن تصل أكثر دول أوروبا إلى درجة الصفر في النمو السكاني‬
‫في بداية القرن الواحد والعشرين‪ ،‬كما يرى بعض الخبراء أن النحسار‬
‫السكاني إلى درجة الصفر سيؤدي إلى ركود اقتصادي واجتماعي خطير‪.‬‬
‫التعقير أو التحديث‪:‬‬
‫ويرجع الخبراء هبوط الخصب في المدى البعيد في الدول المتطورة إلى‬
‫مجموعة عوامل يطلقون عليها "التعقير أو التحديث" ويقول الخبراء أن موانع‬
‫الحمل والجهاض قد خفضت المعارضة الخلقية لضبط النسل‪ ،‬وأن ثلث‬
‫السكان من النساء الكاثوليكيات يمارسن موانع الحمل‪ .‬بالرغم من تعاليم‬
‫الكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬التي تقول أن موانع الحمل أمر خاطئ غير مستحب‪،‬‬
‫كذلك فإن الموجة الجديدة للنوثة قد ساعدت على جعل نسبة المواليد‬
‫منخفضة حيث شجعت المرأة على تحدي دورها كربة بيت وأم‪.‬‬
‫وقال الدكتور جو يلدز‪ :‬أن المرأة لم تشعر بأن عليها إنجاب الطفال لتصبح‬
‫إنسانا ً بشريًا‪ ،‬ويرى كثير من النساء أن مساهمتهن في المجتمع أو تحقيق‬
‫اكتفاء ذاتي أكبر‪ ،‬يكون ببقائهن في أعمالهن‪ ،‬بدل ً من البقاء في البيوت مع‬
‫الطفال وأن المرأة شيئا ً مهمل ً إذا كانت أما ً أو ربة بيت )‪ 6.5‬مليون امرأة‬
‫عاملة تؤلف ‪ %46‬من القوة العاملة في الوليات المتحدة(‪.‬‬
‫صيحات الخبراء‪:‬‬
‫ويشير التقرير إلى خطورة امتناع الشباب المتزوج عن إنجاب الطفال يقول‬
‫"بول ايرليس" في كتابه "القنبلة البشرية" عام ‪ 1968‬وكتاب آخر "حدود‬
‫النمو" أن العالم يواجه كارثة إذا تقلص النمو السكاني‪ .‬وقال ولفريد‬
‫نيكرمان‪ :‬أن النسان قد استخف بحجم الموارد الطبيعية الهائلة في العالم‪.‬‬
‫وهناك إشارة إلى أن التضخم القتصادي يعد عائقا ً في إنجاب الطفال وأنه‬
‫بوجود دخلين في السرة‪ ،‬غدا ً في مقدور الكثير من الزواج التمتع بالمور‬
‫الترفيهية‪.‬‬
‫هنا يكمن السبب‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وهكذا نجد الخلفية الواضحة لموقف الغرب إزاء التفوق البشري في عالم‬
‫السلم‪ ،‬وتجنيده اتباع المحافل الماسونية وأندية الروتاري والليونز للكتابة‬
‫عن النفجار السكاني والخطر المتوهمة للكوارث التي ستصيب البلد من‬
‫زيادة السكان‪ .‬وهذه الحشود من العلماء الذين تجمعهم مؤتمرات الوالدية‬
‫في تحديد النسل ومؤتمر الغذاء العالمي وقد أكدت عشرات المصادر‬
‫والدراسات أن الخوف من نمو السكان في البلد النامية والمتخلفة‪ ،‬هو الذي‬
‫يقلق سادة الغرب فإن هؤلء سيصبحون قوة عددية متزايدة على غير هوى‬
‫المتصدرين للنفوذ القتصادي العالمي‪.‬‬
‫وسوء النية‪:‬‬
‫ويشير البرفسور خورشيد أحمد الستاذ بجامعة كراتشي في بحثه الضافي‬
‫عن سوء نية الوروبيين‪ ،‬والتخطيط القتصادي لدامة سيطرة الدول‬
‫المتقدمة على الشعوب النامية‪ ،‬ويقول‪" :‬أن آسيا والعالم السلمي هي أكبر‬
‫كمناطق الرض اليوم ازدحاما ً بالسكان"‪ .‬وما عدد السكان في البلد الغربية‬
‫بالقياس إليها إل قليل‪ ،‬وأن هذا التفوق السكاني سوف يقضي على السس‬
‫التي أقامها الغرب لسيادته السياسية العالم منذ القرون الخمسة الماضية‪،‬‬
‫وعلى ذلك التفوق الفني والعلمي الذي كان له على الشرق‪ ،‬والذي به‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫استطاع أن يقيم احتكاره السياسي على العالم‪ .‬لقد آمن الستعمار إلى أبعد‬
‫البعاد‪ ،‬على الرغم من قلة سكانه‪ ،‬ولكن الوضاع الحالية والحقائق الجديدة‬
‫في العالم‪ ،‬قد فندت هذا الخيال الخاطئ وماطت اللثام عن وجه الحقيقة‪،‬‬
‫وأنه لجل التناقض المضطرد في عدد سكان البلد الغربية‪.‬‬
‫حصاد النتائج‪:‬‬
‫فقد ظهرت بوادر النحطاط والفول في السياسة‪ ،‬رغم الشعور بعد الحرب‬
‫العالمية الولى خاصة‪ ،‬بأن خطة تحديد النسل ضررها أكر من نفعها من‬
‫الوجهتين السياسية والجتماعية‪ ،‬كان من نتائج ذلك أن فقدت فرنسا مكانتها‬
‫العلمية شيئا ً فشيئا ً وأعلن المارشال بيتان عقب الحرب العالمية الثانية‬
‫اعترافه بأنه من السباب الرئيسية التي عملت على توهين قوة فرنسا‬
‫وزاحتها عن مكانتها العالمية‪ :‬قلة عدد الطفال والسكان‪ .‬وقد بدأت آثارها‬
‫السيئة في حياة إنجلترا وغيرها وأوجست خيفة من آثارها السويد وألمانيا‬
‫وفرنسا وإنجلترا وإيطاليا‪ ،‬وشعرت بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في خطتها‬
‫بشأن عدد السكان‪ ،‬ولذا فهي تبذل الن جهودا ً متتابعة لزيادة عدد سكانها‬
‫بدل ً من تقليله‪.‬‬
‫إل أن الغرب لن يستطيع مع كل هذه الجهود أن يزيد عدد سكانه إلى حد‬
‫يستطيع معه أن يحتفظ بمكانته السياسية ويبقى متربعا ً على كرسي السيادة‬
‫العالمية‪ ،‬بل الذي لشك فيه أن سيعود عاجزا ً في المستقبل عن مقاومة‬
‫الشرق والعالم السلمي مهما بذل من جهوده لزيادة عدد السكان في‬
‫أقطاره‪ ،‬وأشار الدكتور خورشيد إلى أن عدد السكان في بلد الشرق أكبر‬
‫بدرجات من عدد السكان في الغرب‪ ،‬وأن هذا معناه أنه ليس في المكان‬
‫بقاء شعوب الشرق محكومة مغلوبة على أمرها بعد تدربها على اللت‬
‫الميكانيكية وتصنيعها في العلوم الفنية‪ ،‬بل سيكون من النتيجة اللزمة لهذه‬
‫النهضة كسابق الفطرة‪ ،‬أن يفقد سادة الغرب على العرب أزهى أيام حياتها‪،‬‬
‫وأن تبرز القيادة العالمية في أماكن فيها زيادة السكان ولها في نفس الوقت‬
‫خبرة فنية وتكتيكية حربية‪ ،‬فكل ما يصنعه الغرب اليوم للحتفاظ بسيادته‬
‫العالمية في مثل هذه الوضاع خطير للغاية‪ ،‬وأن أي محاولة للحد من زيادة‬
‫السكان في الشرق عن طريق تحديد النسل ومنع الحمل مسألة فاشلة‬
‫تمامًا"‪.‬‬
‫الخوف الرأسمالي‪:‬‬
‫وهكذا يتبين لنا ارتباط أبعاد هذه المحاولة الخطيرة التي يقوم بها الغرب‬
‫ليقاف النمو السكاني والتفوق البشري في عالم السلم‪ ،‬وكذلك ليقاف‬
‫القدرة على استعمال التكنولوجيا والسيطرة عليها‪ ،‬وتحويل إرادة المسلمين‬
‫والعرب لتوجيه مقدراتهم وثرواتهم مقدارتهم القتصادية المالية إلى طريق‬
‫الستهلك والترف‪ ،‬يقول الدكتور خورشيد‪" :‬إن هذيان أمريكا ما تبذل من‬
‫النصائح والمواعظ عم مشكلة السكان إنما هو نتيجة إلى حد كبير لشعورها‬
‫بخطر تلك النتائج والمؤثرات السياسية المتوقعة على أساس تغير الحوال‬
‫في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللتينية‪.‬‬
‫يقول آرثر كرومول‪ :‬إنه لما يعجب الناس في البلد المتقدمة إعجابا ً فطريا ً‬
‫أن يزداد عدد سكان الناس في البلد غير المتقدمة‪ ،‬وذلك أنهم يرون في‬
‫زيادتهم المضطرة خطرا ً داهما ً على مستواهم الرفيع في المعيشة وعلى‬
‫سلمتهم السياسية‪.‬‬
‫كيف أعلنوا نواياهم؟‪:‬‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وقد أشار "ميك كارل" إلى هذه المؤامرة الخطيرة لنقاص سكان العالم‬
‫السلمي فقال "إن أهل الشرق سوف ل يلبثون إل قليل ً حتى يطلعوا على‬
‫حقيقة هذا الدجل ثم ل يغتفرونه لهل الغرب‪ ،‬لنه استعمار من نوع جديد‪،‬‬
‫يهدف إلى دفع المم غير المتقدمة ول سيما المم السوداء إلى مزيد من‬
‫الذل والخسف‪ ،‬حتى تتمكن المم البيضاء من الحتفاظ بسيادتها وأن القوة‬
‫الغالبة ل تكون في المستقبل إل للبلد التي تتمتع بزيادة السكان وتحلى في‬
‫نفس الوقت بالعلوم الفنية‪ .‬وأن محاولة أمم الغرب للحتفاظ بسيادتها‬
‫وقيادتها للعمل‪ ،‬هي التي تدعوها إلى العمل على نشر حركة تحديد النسل‬
‫ومنع الحمل في بلد آسيا وأفريقيا‪ ،‬في نفس الوقت التي تعمل البلد‬
‫الوروبية الن ما في وسعها لزيادة سكانها‪ ،‬وفي نفس الوقت تستعين‬
‫بأحسين ما عندها من أساليب الدعاية لتقيم حركة تحديد النسل في البلد‬
‫السيوية والفريقية‪ .‬وللسف أن كثيرا ً من المسلمين يتقدمون ليقعوا في‬
‫شرك دجلها‪.‬‬
‫محمد إقبال‪:‬‬
‫وقد تنبه لهذا المعنى الفيلسوف السلمي محمد إقبال فقال‪:‬‬
‫كل ما هو واقع اليوم أو على وشك الوقوع في الغد القريب في بلدنا أن هو‬
‫إل من آثار دعاية أوروبا‪ ،‬هنالك سيل عرم من الكتب والرسائل الخرى قد‬
‫انحرف في بلدنا لدعوة الناس إلى اتباع خطة منع الحمل وتشويقهم إلى‬
‫قبول حركتها‪ ،‬على حين أن أهل الغرب في بلدهم يتابعون الجهود الفنية‬
‫لرفع نسبة المواليد وزيادة عدد السكان‪.‬‬
‫ومن أهم أسباب هذه الحركة تدهور عدد السكان في أوروبا وتناقصه‬
‫مضطردًا‪ ،‬بناء على الظروف التي ما خلفتها أوروبا إل بنفسها وقد استعصى‬
‫عليها اليوم أن توجد لها حل ً مرضيًا‪ ،‬وأن عدد السكان في الشرق على‬
‫العكس من ذلك في زيادة مضطردة ما ترى فيه أوروبا خطرا ً مخيفا ً على‬
‫كيانها السياسي‪.‬‬
‫ويقول العلمة علل الفاسي‪ :‬أن أكبر الخطر أن تدرس حركة تحديد النسل‬
‫منفصلة عن سياقها السياسي والتاريخي فنحن ل نستطيع أن نفهمها على‬
‫حقيقتها‪ .‬ول أن نرسم لنفسنا خطة عملية راشدة إل داخل نطاق التحدي‪،‬‬
‫فإذا أضفنا إلى هذا‪ :‬الخطط الصهيونية لجلء العرب عن الشرق الوسط‪،‬‬
‫وتهجير أكبر عدد مكن من اليهود إليه‪ ،‬وخلق حركات داخل كل بلد إسلمي‬
‫وعربي من القليات‪ ،‬التي يصل بها التعصب أحيانا ً إلى النفصال عن الوطن‬
‫الوالد‪ ،‬عرفنا أن التنقيص في عدد المواليد ل يخدم إل مصلحة الستعمار‬
‫والصهيونية‪ ،‬كذلك فإن عددا ً من علماء الطب والجتماع والدين من جهة‬
‫وعلماء القتصاد من جهة أخرى‪ ،‬يرون أن تحديد النسل خطر على قوة‬
‫الدولة العددية وعلى زيادة إنتاجها ويقاومون الدعوات التي سبقت في بلدهم‬
‫والحركة التي نشأت عنها فكيف يمكننا نحن الذين ما زلنا في طور التخلف‬
‫وما زلنا نأمل أن يكون من شعبنا قوة مادية وإنسانية‪ ،‬أن نتجه إلى معالجة‬
‫ضعف النتاج القتصادي بأضعاف الخصاب النساني‪.‬‬
‫موقف السلم‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يقول علماء السلم‪ :‬أنه ل يجوز للنسان أن ينظم تخطيطا جماعيا على‬
‫الشكل الذي تدعو إليه هذه المنظمات‪ ،‬لن ذلك يتنافى مع مقاصد الشريعة‬
‫السلمية التي جعلت من غايات السرة "تكثير النسل" وقد قال الرسول‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم المم يوم القيامة"‪.‬‬
‫وقد نص المام الشاطبي في الموافقات على أن مما أجمعت عليه الملل‬
‫والنحل وجوب حفظ المال والنفس والعرض والنسل فمحاولة المساس‬
‫بواحدة من هذه الربعة بغير حق مناف للشرائع كلها ول يقع إل من الظالمين‬
‫الذي قال الله تعالى فيهم‪:‬‬
‫"وإذا تولى سعى في الرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله ل يحب‬
‫الفساد" سورة البقرة‪ :‬الية ‪ ،205‬وقد التبس على بعض المتملقين ما قاله‬
‫بعض الفقهاء في مسألة إباحة العزل‪ ،‬مع أن قضية العزل هي قضية‬
‫التخطيط العائلي لنها مسألة تتعلق بحالت فردية اختيارية‪ ،‬ل تتدخل فيها‬
‫الدولة ول تنظمها ول تدعو إليها وتجعلها جزءا ً من برنامجها يقول العلمة‬
‫علل الفاسي‪ :‬إما إدعاء أن التنقيص من عدد السكان ضروري لتنفيذ‬
‫التخطيطات القتصادية وتحقيق النمو فهو خطأ من الناحية القتصادية ومن‬
‫الناحية الجتماعية‪ ،‬لن المواليد ل يولدون بأفواههم فقط بل يولدون بعقولهم‬
‫وسواعدهم‪ ،‬فهم مادة وعامل قوي في النمو القتصادي وتقوية النتاج‪،‬‬
‫وليسوا مجرد طفيليين في المجتمع وإنما عجز التدبير من الحاكمين وسوء‬
‫توزيع الثروة على المواطنين‪ ،‬والتخلي عن القاليم الوطنية للمستعمرين هو‬
‫الذي يدفع إلى هذا التفكير الكسول‪ ،‬الذي يرضي بهذه التدابير غير النسانية‪،‬‬
‫ول يعلم أن مقتضيات التطور الحديث يقضي بتحمل الدولة لتكاليف العائلة‪.‬‬
‫حكم التعقيم‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬
‫ومن جهة أخرى فقد نص الفقهاء على أن خصى المواطن ممنوع شرعا ً‬
‫بالجماع لكونه يعوق عن الغاية المقصودة من الشارع كما نصوا على أن أخذ‬
‫الدوية لمنع الحمل ممنوع‪ ،‬كما في النوازل الموجودة في كتاب الجامع من‬
‫المعيار "للونشريشي"‪ .‬وأحسن من هذه الكتاب كله قول الله تبارك وتعالى‪:‬‬
‫"ول تقتلوا أولدكم خشية إملق نحن نرزقهم وإياكم" سورة السراء‪ ،‬الية‬
‫رقم ‪ .30‬وفي الية الخرى‪" :‬ول تقتلوا أولدكم من إملق نحن نرزقهم‬
‫وإياهم" سورة النعام‪ ،‬الية رقم ‪.150‬‬
‫وقد أوضحت الشريعة السلمية سفه الذين يقتلون أولدهم مخافة الفقر "قد‬
‫خسر الذين قتلوا أولدهم سفها ً بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على‬
‫الله" سورة النعام‪ ،‬الية رقم ‪.139‬‬
‫من فعل الناس بأنفسهم‪:‬‬
‫أما الرزق فإن الله تبارك وتعالى قد يسر طريقه وجعله مستطاعا ً وأعطى‬
‫النسان أدواته من صيد ونار وغيره ولكن صعوبة الرزق بدأت بعد أن تدخلت‬
‫أهواء الناس ومطامعهم وظهرت عمليات الحتكار والحتجاز‪ ،‬وظهرت عوامل‬
‫التفرقة والستغلل‪ ،‬والقوى الذي يسيطر على الكثير فل يترك للضعفاء‬
‫والفقراء ما يطعمهم أو يقوتهم‪ ،‬هذه هي الزمة وهي ليست أزمة الرزق‬
‫نفسه وإنما هي أزمة الجشع والتسلط‪.‬‬
‫وتقدير الله بالخير‪:‬‬
‫وهناك قانون الوفرة الذي يؤكد وجود ثمرات طيبات لكل من يعيش على‬
‫ظهر الرض مهما بلغ عدد هؤلء السكان وذلك بتقدير الله تبارك وتعالى وما‬
‫تزال هناك مذخورات كثيرة في البحار والجبال‪ ،‬وقد أعطى الحق تبارك‬
‫وتعالى عهده وميثاقه إلى البشر بضمان الطعام وضمان الرزق لكل مخلوق‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ودابة وحشرة‪ ،‬بحيث تطمئن النفس النسانية إلى عهد الله تبارك وتعالى‬
‫الصادق الكيد‪ ،‬فل تكون مثل هذه الصيحات الضالة مصدرا ً لزعزعة اليمان‪،‬‬
‫فلقد حفظ الله تبارك وتعالى للنسان هذه الموارد التي ل تنضب في نفس‬
‫الوقت الذي دعاه إلى السعي في الرض والكل من رزق الله‪.‬‬
‫ولو وضعت الموازين الحقيقية لقضية الطعام ولو روعي في توزيعه ما أمر‬
‫الله تبارك وتعالى به‪ ،‬لمكن للنسانية أن تتجنب الكثير من عمليات البخل‬
‫والشح‪ ،‬حيث ينفق بعض الفراد في بعض البلد ما يوازي عشرات أضعاف ما‬
‫ينفقه الخرون‪ .‬وهناك في بعض البلد المنتجة تغرق المحاصيل في البحر أو‬
‫تحرق للمحافظة على مستوى أسعار التصدير بينما يقتل الجوع المليين‬
‫وذلك من أساليب الستعمار الرأسمالي والماركسي للسيطرة على القوى‬
‫البشرية بإجاعتها‪.‬‬
‫كذلك فإن حاجة المسلمين في الدرجة الولى إلى التوالد والتناسل لن‬
‫السلم مهدد في معاقله الولى ويواجه حربا ً صهيونية استعمارية ل قبل له‬
‫بها وأن هذه الحرب ستطول‪ ،‬ويسقط فيها كثير من المسلمين وأن تعبئة‬
‫المم في ميادين النمو القتصادي بوسائل العمل المنظم تغني عن كل تدبير‬
‫مناف لطبائع الشياء وأن هذه المبالغ الضخمة التي تصرف في مجال تحديد‬
‫النسل وإنشاء مستشفيات التعقيم وإنتاج حبوب منع الحمل وهي تزيد على‬
‫‪ 100‬مليار من الدولرات لو أنفقت في مجال النمو القتصادي لجاءت بنتائج‬
‫إيجابية وعلينا أن نذكر أن من مقاصد الشريعة الرغبة في تكثير سواد المة‬
‫السلمية وقد أمتن بالتكثير في القرآن إذ قال‪" :‬واذكروا إذ كنتم قليل ً‬
‫فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين" سورة العراف‪ :‬الية رقم ‪.85‬‬
‫الطار الصحيح‪:‬‬
‫ول ريب أن كل مشاكل المم يمكن التغلب عليها بالتفوق البشري شريطة‬
‫أن يتحرك هؤلء البشر من خلل عقيدة صحيحة كتلك التي حركت المسلمين‬
‫الوائل‪ ،‬والسلم وحده هو العقيدة القادرة على إطلق الطاقات المفطورة‬
‫في أعماق هذه المة‪ ،‬وما استطاع مجتمع متخلف أو نام أن يحقق التقدم‬
‫ويصل إلى القوة من خلل اعتناقه عقيدة المجتمعات الخرى‪.‬‬
‫ومن هنا يتبين أن قصة النفجار السكاني ليست أسطورة يراد بها تقليل عدد‬
‫المسلمين ونسلهم في سبيل التمكين للنفوذ الجنبي والوافد وعمليات‬
‫التهجير بما يزيد غيرهم بالستيطان وامتلك الثر‬

‫)‪(5 /‬‬

‫مؤامرة تحديد النسل وأسطورة النفجار السكاني‬


‫تكشف البحاث والحصائيات العالمية أن العالم الن يضم ‪ 3.5‬مليار من‬
‫السكان‪ ،‬ترتفع إلى ‪ 7‬مليارات نسمة في نهاية القرن الحالي‪ ،‬وقد زاد‬
‫الجنس البشري سبعمائة مليون نسمة في السنوات العشر الخيرة‪ ،‬وفي كل‬
‫عام يولد بالعالم ‪ 127‬مليون طفل ويصل إلى سن التعليم منهم ‪ 95‬مليون‬
‫طفل وإن الدول النامية‪ :‬في آسيا وأمريكا اللتينية هي أكثر الدول تأثرا ً بهذه‬
‫الزيادة إذ أن ثلثي سكان العالم يعيش في هذه المناطق وأن خمسة أسداس‬
‫الزيادة المنتظرة في عدد السكان تكون أيضا ً في هذه المناطق‪ ،‬وقد أصبح‬
‫الوافدون يزيدون عن الراحلين في الشهر الواحد‪ ،‬بما ل يقل عن سبعة‬
‫مليين نفس فالعالم الن يستقبل كل يوم ‪ 30‬ألف نسمة زيادة صافية بعد‬
‫الخسائر‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العبرة لم يؤمن‪:‬‬
‫وقد استغرق العالم ثلثة آلف عام بأكملها قبل أن يتضاعف تعداده ولكنه‬
‫الن يتضاعف تلقائيا ً كل خمسة وأربعين عامًا‪ .‬ول ريب أن لنا نحن المسلمين‬
‫عبرة في دراسة هذه الرقام‪ .‬فنحن نؤمن بأن الكون كله لله تبارك وتعالى‬
‫وأنه هو الخالق‪ ،‬وأن ظاهرة التفوق البشري هذه ظاهرة طبيعية‪ ،‬في طريق‬
‫اكتمال صورة الكون والرض على النحو الذي أشار إليه القرآن الكريم‪ ،‬لتأخذ‬
‫الرض زخرفها وزينتها‪ ،‬ولتخرج الرض مذخورها من معطيات الحياة من قلب‬
‫البحار ومن قلب صخور الجبال ومن جوف الرض‪ .‬وأن للمسلمين في هذه‬
‫الثلثمائة ألف طفل يوميا ً أكثر من ‪ 219‬ألف طفل يوميًا‪ ،‬وهذا يدل على أن‬
‫ظاهرة "التفوق البشري" تمثل جيشانا ً ضخما ً في عالم السلم بما يدل على‬
‫تفوق ظاهرة لهذه القوة المؤمنة بالله‪ ،‬بينما نجد أن النحسار السكاني واضح‬
‫الدللة في عالم الغرب‪.‬‬
‫ظاهرة غريبة‪:‬‬
‫وفي إحصائيات أخرى نجد أن عدد سكان العالم الن هو ‪ 3700‬مليون نسمة‬
‫وأنه إذا سار معدل المواليد على حالته الن فإن العدد سيتضاعف خلل ‪26‬‬
‫سنة – أي في نهاية القرن الميلدي – ويكون الرقم قد ارتفع إلى ‪7400‬‬
‫مليون نسمة‪ ،‬وأن هذه الزيادة ستكون من نصيب الدول النامية في آسيا‬
‫وأفريقيا أي أنه من بين ‪ 224‬طفل يولدون في الدقيقة الواحدة ‪ 202‬طفل‬
‫في الدول النامية "العالم السلمي" و ‪ 22‬طفل ً في الدول المتحضرة‬
‫"الغرب"‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وهذه الحصائيات تعطينا مؤشرا واضحا للحداث‪.‬‬
‫ذلك أن ظاهرة تقلص حجم المواليد في عالم الغرب‪ ،‬وزيادة هذا الحجم في‬
‫عالم السلم‪ ،‬من الظواهر التي تزعج الرأسمالية الغربية والنفوذ الغرب‬
‫المسيطر اليوم في بلد المسلمين والعرب إزعاجا ً شديدًا‪ ،‬ذلك لنهم يحسون‬
‫بمدى الخطر الذي ينتظرهم في السنوات القادمة‪ ،‬ويترصد بهم نتيجة نضوب‬
‫المواليد نسبتها في البلد الغربية بينما تزداد هذه النسبة وتتضاعف في بلد‬
‫أفريقيا وآسيا‪.‬‬
‫محاولة خداعة تحت اسم مثير‪:‬‬
‫ولما كانت هذه الظاهرة ستصبح بعيدة المدى في متغيرات موازين السيطرة‬
‫والنفوذ وتملك الموارد الطبيعية والطاقة وغيرها في السنوات القادمة فإن‬
‫الغرب يشن حملة شديدة وعاصفة عنيفة على هذه الزيادة المضطرة‬
‫بوصفها بعيدة الثر في عالم السلم تحت اسم مثير هو ما يطلق عليه اسم‬
‫"النفجار السكاني" ويجند له عشرات من القلم والمفكرين والساسة دون‬
‫أن يشير إلى حقيقة الموقف وطبيعة التحول الجتماعي والحضاري الذي‬
‫يوحي بأن فساد المجتمعات الغربية‪ ،‬قد أدى إلى نضوب منابع "الوالدية" بها‪،‬‬
‫نتيجة لشيوع الخمر والماريجوانا والترف‪ ،‬وانصراف المرأة الغربية عن‬
‫رسالتها كلية وكراهيتها الشديدة للولدة وتربية الولد‪ ،‬والسراف في عمليات‬
‫الزواج غير الشرعي وظاهرة اللقطاء واستعمال حبوب منع الحمل‪.‬‬
‫انهيار الحضارة الغربية‪:‬‬
‫هذا الضطراب الجتماعي في عالم الغرب المرتبط بمرحلة النهيار في‬
‫الحضارة الغربية‪ ،‬هو مصدر انخفاض نسبة المواليد بما أدى إلى انزعاج‬
‫الغرب لهذا السبب‪ ،‬وما يحاوله الن من إغراء وتشجيع الزواج والولدة‬
‫بإغراءات خطيرة دون جدوى‪ ،‬بينما يشن في الناحية الخرى حملة شديدة‬
‫على الولدة المتزايدة في البلد النامية والمتخلفة وينفق مليين كثيرة في‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بلد العرب والسلم من أجل "تحديد النسل" وتعقيم الرجال‪ ،‬والغراء‬


‫بإعطاء الحبوب واللوالب وغيرها من أجل تقليل نسبة المواليد‪.‬‬
‫ول شك أن الغرب يرى في ظاهرة التقلص في مواليده وزيادة نسبة مواليد‬
‫المناطق التي تسمى "البلد النامية" خطرا ً شديدا ً على نفوذه وعلى‬
‫المقدرات التي يحصل عليها من الخامات والثروات والمواد الولية وعلى كل‬
‫ما يعنيه على التفوق المتصل على عوالم أفريقيا وآسيا المتخلفة‪.‬‬
‫أبعاد المؤامرة‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫من أجل هذا نجد المجتمع الغربي ل يتبنى فكرة تحديد النسل فحسب‪ ،‬بل‬
‫يفرضه فرضا ً على عالم السلم‪ ،‬بينما يعلن البابا بيوس الثاني عشر رأيه‬
‫صراحة في تأييد المسيحية لكثرة النسل‪ ،‬ويواجه المسلمون – مع حملة‬
‫تحديد النسل – ذلك التحدي الخطير‪ :‬تحدي الهجرة والنمو المتزاد لليهود في‬
‫فلسطين ونمو المسيحية في أوربا وفي أجزاء كثيرة من العالم السلمي‪،‬‬
‫بينما يجبر المسلمون بوسائل شتى فيها الغراء أو التعقيم الجباري "كما‬
‫حدث لمسلمي الهند على يد أنديرا غاندي" على خفض تعدادهم‪ ،‬وهنا‬
‫تنكشف المؤامرة‪ ،‬ويتبين أن هناك خطة مدبرة ضد المسلمين بالذات ذلك‬
‫أن غير المسلمين يخشون تكاثر المسلمين‪ ،‬ويحاولون إيقاف هذا النمو‬
‫والتزايد بكل وسيلة ومن هنا جاءت الدعوة إلى تحديد النسل والحد من تعدد‬
‫الزوجات‪.‬‬
‫وبينما يطلب إلى المسلمين تحديد نسلهم‪ ،‬تترك الصين ليتزايد سكانها‬
‫بمعدل ‪ 14‬مليونا ً كل سنة‪.‬‬
‫الكذوبة‪:‬‬
‫ول ريب أن تهديد العالم الثالث بنضوب الثروات هو أكذوبة كبرى‪ ،‬فإن الخطر‬
‫الحقيقي كله كامن في سوء استخدام الثروات والكنوز التي تفيض بها‬
‫الراضي البكر‪ .‬وسوء التخطيط لتطوير إنتاجي أفضل‪ .‬وبينما تنقل هذه‬
‫الخامات إلى بلد الغرب وتنهب‪ ،‬ثم تعيد تصديرهما للمم المترفة‬
‫الستعمارية ل يحصل أصحاب هذه الثروات إل على الفتات‪.‬‬
‫النحسار السكاني في الغرب‪:‬‬
‫وتتحدث البحاث عن ظاهرة النحسار السكاني في الغرب‪ ،‬وتصفها بأنها‬
‫ظاهرة مخيفة وخطيرة تقلق الخبراء الجتماعيين والسياسيين ورجال‬
‫العمال‪ ،‬فأمريكا تتجه نحو حالة الصفر في النمو السكاني‪ .‬فهي تقف الن‬
‫في النقطة التي يكون فيها عدد المواليد مساويا ً لعدد الوفيات‪ .‬وتتحدث‬
‫البحاث عن هذا الخطر الهائل الذي يتهدد الوليات المتحدة والدول الغربية‬
‫على بعد بضعة أجيال‪ ،‬مما يؤدي إلى انخفاض القوة العاملة وما يؤدي إلى‬
‫ركود النتاج‪ ،‬في حين أن الدول الفقيرة تنموا نموا ً متزايدًا‪.‬‬
‫وتقول البحاث أن عدد سكان أمريكا )‪ 212‬مليون نسمة( وأن النمو‬
‫السكاني في أمريكا يصل إلى درجة الصفر )‪ (2 / 2‬عندما يبلغ السكان ‪260‬‬
‫مليون نسمة‪ .‬ويشارك الوليات المتحدة في هذه الظاهرة "السويد وألمانيا‬
‫الغربية‪ ،‬اليابان‪ ،‬هنغاريا‪ ،‬رومانيا" وأن نسبة المواليد في هذه الدول في‬
‫هبوط مستمر منذ الحرب العالمية الخيرة‪ ،‬وأن الهبوط كان هائل ً في‬
‫السنوات الربع الماضية‪ ،‬في السويد وفنلندا والنمسا وبلجيكا وألمانيا‪ .‬أما‬
‫هنغاريا وبريطانيا فقد بلغت درجة الصفر‪ .‬والقلق ناجم من أن القوة العاملة‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سوف تتضاءل في المستقبل بما يؤدي إلى ركود النتاج‪ ،‬ومن أجل ذلك‬
‫شددت بعض دول أوروبا في قضايا الجهاض وفرضت عقوبات على من‬
‫يفعله‪ ،‬ومنع السوقيات تداول الحبوب المانعة للحمل‪ .‬وأعطوا إجازات أطول‬
‫للزوجة الحامل‪.‬‬
‫ويتوقع الخبراء أن تصل أكثر دول أوروبا إلى درجة الصفر في النمو السكاني‬
‫في بداية القرن الواحد والعشرين‪ ،‬كما يرى بعض الخبراء أن النحسار‬
‫السكاني إلى درجة الصفر سيؤدي إلى ركود اقتصادي واجتماعي خطير‪.‬‬
‫التعقير أو التحديث‪:‬‬
‫ويرجع الخبراء هبوط الخصب في المدى البعيد في الدول المتطورة إلى‬
‫مجموعة عوامل يطلقون عليها "التعقير أو التحديث" ويقول الخبراء أن موانع‬
‫الحمل والجهاض قد خفضت المعارضة الخلقية لضبط النسل‪ ،‬وأن ثلث‬
‫السكان من النساء الكاثوليكيات يمارسن موانع الحمل‪ .‬بالرغم من تعاليم‬
‫الكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬التي تقول أن موانع الحمل أمر خاطئ غير مستحب‪،‬‬
‫كذلك فإن الموجة الجديدة للنوثة قد ساعدت على جعل نسبة المواليد‬
‫منخفضة حيث شجعت المرأة على تحدي دورها كربة بيت وأم‪.‬‬
‫وقال الدكتور جو يلدز‪ :‬أن المرأة لم تشعر بأن عليها إنجاب الطفال لتصبح‬
‫إنسانا ً بشريًا‪ ،‬ويرى كثير من النساء أن مساهمتهن في المجتمع أو تحقيق‬
‫اكتفاء ذاتي أكبر‪ ،‬يكون ببقائهن في أعمالهن‪ ،‬بدل ً من البقاء في البيوت مع‬
‫الطفال وأن المرأة شيئا ً مهمل ً إذا كانت أما ً أو ربة بيت )‪ 6.5‬مليون امرأة‬
‫عاملة تؤلف ‪ %46‬من القوة العاملة في الوليات المتحدة(‪.‬‬
‫صيحات الخبراء‪:‬‬
‫ويشير التقرير إلى خطورة امتناع الشباب المتزوج عن إنجاب الطفال يقول‬
‫"بول ايرليس" في كتابه "القنبلة البشرية" عام ‪ 1968‬وكتاب آخر "حدود‬
‫النمو" أن العالم يواجه كارثة إذا تقلص النمو السكاني‪ .‬وقال ولفريد‬
‫نيكرمان‪ :‬أن النسان قد استخف بحجم الموارد الطبيعية الهائلة في العالم‪.‬‬
‫وهناك إشارة إلى أن التضخم القتصادي يعد عائقا ً في إنجاب الطفال وأنه‬
‫بوجود دخلين في السرة‪ ،‬غدا ً في مقدور الكثير من الزواج التمتع بالمور‬
‫الترفيهية‪.‬‬
‫هنا يكمن السبب‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وهكذا نجد الخلفية الواضحة لموقف الغرب إزاء التفوق البشري في عالم‬
‫السلم‪ ،‬وتجنيده اتباع المحافل الماسونية وأندية الروتاري والليونز للكتابة‬
‫عن النفجار السكاني والخطر المتوهمة للكوارث التي ستصيب البلد من‬
‫زيادة السكان‪ .‬وهذه الحشود من العلماء الذين تجمعهم مؤتمرات الوالدية‬
‫في تحديد النسل ومؤتمر الغذاء العالمي وقد أكدت عشرات المصادر‬
‫والدراسات أن الخوف من نمو السكان في البلد النامية والمتخلفة‪ ،‬هو الذي‬
‫يقلق سادة الغرب فإن هؤلء سيصبحون قوة عددية متزايدة على غير هوى‬
‫المتصدرين للنفوذ القتصادي العالمي‪.‬‬
‫وسوء النية‪:‬‬
‫ويشير البرفسور خورشيد أحمد الستاذ بجامعة كراتشي في بحثه الضافي‬
‫عن سوء نية الوروبيين‪ ،‬والتخطيط القتصادي لدامة سيطرة الدول‬
‫المتقدمة على الشعوب النامية‪ ،‬ويقول‪" :‬أن آسيا والعالم السلمي هي أكبر‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كمناطق الرض اليوم ازدحاما ً بالسكان"‪ .‬وما عدد السكان في البلد الغربية‬
‫بالقياس إليها إل قليل‪ ،‬وأن هذا التفوق السكاني سوف يقضي على السس‬
‫التي أقامها الغرب لسيادته السياسية العالم منذ القرون الخمسة الماضية‪،‬‬
‫وعلى ذلك التفوق الفني والعلمي الذي كان له على الشرق‪ ،‬والذي به‬
‫استطاع أن يقيم احتكاره السياسي على العالم‪ .‬لقد آمن الستعمار إلى أبعد‬
‫البعاد‪ ،‬على الرغم من قلة سكانه‪ ،‬ولكن الوضاع الحالية والحقائق الجديدة‬
‫في العالم‪ ،‬قد فندت هذا الخيال الخاطئ وماطت اللثام عن وجه الحقيقة‪،‬‬
‫وأنه لجل التناقض المضطرد في عدد سكان البلد الغربية‪.‬‬
‫حصاد النتائج‪:‬‬
‫فقد ظهرت بوادر النحطاط والفول في السياسة‪ ،‬رغم الشعور بعد الحرب‬
‫العالمية الولى خاصة‪ ،‬بأن خطة تحديد النسل ضررها أكر من نفعها من‬
‫الوجهتين السياسية والجتماعية‪ ،‬كان من نتائج ذلك أن فقدت فرنسا مكانتها‬
‫العلمية شيئا ً فشيئا ً وأعلن المارشال بيتان عقب الحرب العالمية الثانية‬
‫اعترافه بأنه من السباب الرئيسية التي عملت على توهين قوة فرنسا‬
‫وزاحتها عن مكانتها العالمية‪ :‬قلة عدد الطفال والسكان‪ .‬وقد بدأت آثارها‬
‫السيئة في حياة إنجلترا وغيرها وأوجست خيفة من آثارها السويد وألمانيا‬
‫وفرنسا وإنجلترا وإيطاليا‪ ،‬وشعرت بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في خطتها‬
‫بشأن عدد السكان‪ ،‬ولذا فهي تبذل الن جهودا ً متتابعة لزيادة عدد سكانها‬
‫بدل ً من تقليله‪.‬‬
‫إل أن الغرب لن يستطيع مع كل هذه الجهود أن يزيد عدد سكانه إلى حد‬
‫يستطيع معه أن يحتفظ بمكانته السياسية ويبقى متربعا ً على كرسي السيادة‬
‫العالمية‪ ،‬بل الذي لشك فيه أن سيعود عاجزا ً في المستقبل عن مقاومة‬
‫الشرق والعالم السلمي مهما بذل من جهوده لزيادة عدد السكان في‬
‫أقطاره‪ ،‬وأشار الدكتور خورشيد إلى أن عدد السكان في بلد الشرق أكبر‬
‫بدرجات من عدد السكان في الغرب‪ ،‬وأن هذا معناه أنه ليس في المكان‬
‫بقاء شعوب الشرق محكومة مغلوبة على أمرها بعد تدربها على اللت‬
‫الميكانيكية وتصنيعها في العلوم الفنية‪ ،‬بل سيكون من النتيجة اللزمة لهذه‬
‫النهضة كسابق الفطرة‪ ،‬أن يفقد سادة الغرب على العرب أزهى أيام حياتها‪،‬‬
‫وأن تبرز القيادة العالمية في أماكن فيها زيادة السكان ولها في نفس الوقت‬
‫خبرة فنية وتكتيكية حربية‪ ،‬فكل ما يصنعه الغرب اليوم للحتفاظ بسيادته‬
‫العالمية في مثل هذه الوضاع خطير للغاية‪ ،‬وأن أي محاولة للحد من زيادة‬
‫السكان في الشرق عن طريق تحديد النسل ومنع الحمل مسألة فاشلة‬
‫تمامًا"‪.‬‬
‫الخوف الرأسمالي‪:‬‬
‫وهكذا يتبين لنا ارتباط أبعاد هذه المحاولة الخطيرة التي يقوم بها الغرب‬
‫ليقاف النمو السكاني والتفوق البشري في عالم السلم‪ ،‬وكذلك ليقاف‬
‫القدرة على استعمال التكنولوجيا والسيطرة عليها‪ ،‬وتحويل إرادة المسلمين‬
‫والعرب لتوجيه مقدراتهم وثرواتهم مقدارتهم القتصادية المالية إلى طريق‬
‫الستهلك والترف‪ ،‬يقول الدكتور خورشيد‪" :‬إن هذيان أمريكا ما تبذل من‬
‫النصائح والمواعظ عم مشكلة السكان إنما هو نتيجة إلى حد كبير لشعورها‬
‫بخطر تلك النتائج والمؤثرات السياسية المتوقعة على أساس تغير الحوال‬
‫في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللتينية‪.‬‬
‫يقول آرثر كرومول‪ :‬إنه لما يعجب الناس في البلد المتقدمة إعجابا ً فطريا ً‬
‫أن يزداد عدد سكان الناس في البلد غير المتقدمة‪ ،‬وذلك أنهم يرون في‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫زيادتهم المضطرة خطرا ً داهما ً على مستواهم الرفيع في المعيشة وعلى‬


‫سلمتهم السياسية‪.‬‬
‫كيف أعلنوا نواياهم؟‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وقد أشار "ميك كارل" إلى هذه المؤامرة الخطيرة لنقاص سكان العالم‬
‫السلمي فقال "إن أهل الشرق سوف ل يلبثون إل قليل ً حتى يطلعوا على‬
‫حقيقة هذا الدجل ثم ل يغتفرونه لهل الغرب‪ ،‬لنه استعمار من نوع جديد‪،‬‬
‫يهدف إلى دفع المم غير المتقدمة ول سيما المم السوداء إلى مزيد من‬
‫الذل والخسف‪ ،‬حتى تتمكن المم البيضاء من الحتفاظ بسيادتها وأن القوة‬
‫الغالبة ل تكون في المستقبل إل للبلد التي تتمتع بزيادة السكان وتحلى في‬
‫نفس الوقت بالعلوم الفنية‪ .‬وأن محاولة أمم الغرب للحتفاظ بسيادتها‬
‫وقيادتها للعمل‪ ،‬هي التي تدعوها إلى العمل على نشر حركة تحديد النسل‬
‫ومنع الحمل في بلد آسيا وأفريقيا‪ ،‬في نفس الوقت التي تعمل البلد‬
‫الوروبية الن ما في وسعها لزيادة سكانها‪ ،‬وفي نفس الوقت تستعين‬
‫بأحسين ما عندها من أساليب الدعاية لتقيم حركة تحديد النسل في البلد‬
‫السيوية والفريقية‪ .‬وللسف أن كثيرا ً من المسلمين يتقدمون ليقعوا في‬
‫شرك دجلها‪.‬‬
‫محمد إقبال‪:‬‬
‫وقد تنبه لهذا المعنى الفيلسوف السلمي محمد إقبال فقال‪:‬‬
‫كل ما هو واقع اليوم أو على وشك الوقوع في الغد القريب في بلدنا أن هو‬
‫إل من آثار دعاية أوروبا‪ ،‬هنالك سيل عرم من الكتب والرسائل الخرى قد‬
‫انحرف في بلدنا لدعوة الناس إلى اتباع خطة منع الحمل وتشويقهم إلى‬
‫قبول حركتها‪ ،‬على حين أن أهل الغرب في بلدهم يتابعون الجهود الفنية‬
‫لرفع نسبة المواليد وزيادة عدد السكان‪.‬‬
‫ومن أهم أسباب هذه الحركة تدهور عدد السكان في أوروبا وتناقصه‬
‫مضطردًا‪ ،‬بناء على الظروف التي ما خلفتها أوروبا إل بنفسها وقد استعصى‬
‫عليها اليوم أن توجد لها حل ً مرضيًا‪ ،‬وأن عدد السكان في الشرق على‬
‫العكس من ذلك في زيادة مضطردة ما ترى فيه أوروبا خطرا ً مخيفا ً على‬
‫كيانها السياسي‪.‬‬
‫ويقول العلمة علل الفاسي‪ :‬أن أكبر الخطر أن تدرس حركة تحديد النسل‬
‫منفصلة عن سياقها السياسي والتاريخي فنحن ل نستطيع أن نفهمها على‬
‫حقيقتها‪ .‬ول أن نرسم لنفسنا خطة عملية راشدة إل داخل نطاق التحدي‪،‬‬
‫فإذا أضفنا إلى هذا‪ :‬الخطط الصهيونية لجلء العرب عن الشرق الوسط‪،‬‬
‫وتهجير أكبر عدد مكن من اليهود إليه‪ ،‬وخلق حركات داخل كل بلد إسلمي‬
‫وعربي من القليات‪ ،‬التي يصل بها التعصب أحيانا ً إلى النفصال عن الوطن‬
‫الوالد‪ ،‬عرفنا أن التنقيص في عدد المواليد ل يخدم إل مصلحة الستعمار‬
‫والصهيونية‪ ،‬كذلك فإن عددا ً من علماء الطب والجتماع والدين من جهة‬
‫وعلماء القتصاد من جهة أخرى‪ ،‬يرون أن تحديد النسل خطر على قوة‬
‫الدولة العددية وعلى زيادة إنتاجها ويقاومون الدعوات التي سبقت في بلدهم‬
‫والحركة التي نشأت عنها فكيف يمكننا نحن الذين ما زلنا في طور التخلف‬
‫وما زلنا نأمل أن يكون من شعبنا قوة مادية وإنسانية‪ ،‬أن نتجه إلى معالجة‬
‫ضعف النتاج القتصادي بأضعاف الخصاب النساني‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫موقف السلم‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يقول علماء السلم‪ :‬أنه ل يجوز للنسان أن ينظم تخطيطا جماعيا على‬
‫الشكل الذي تدعو إليه هذه المنظمات‪ ،‬لن ذلك يتنافى مع مقاصد الشريعة‬
‫السلمية التي جعلت من غايات السرة "تكثير النسل" وقد قال الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم المم يوم القيامة"‪.‬‬
‫وقد نص المام الشاطبي في الموافقات على أن مما أجمعت عليه الملل‬
‫والنحل وجوب حفظ المال والنفس والعرض والنسل فمحاولة المساس‬
‫بواحدة من هذه الربعة بغير حق مناف للشرائع كلها ول يقع إل من الظالمين‬
‫الذي قال الله تعالى فيهم‪:‬‬
‫"وإذا تولى سعى في الرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله ل يحب‬
‫الفساد" سورة البقرة‪ :‬الية ‪ ،205‬وقد التبس على بعض المتملقين ما قاله‬
‫بعض الفقهاء في مسألة إباحة العزل‪ ،‬مع أن قضية العزل هي قضية‬
‫التخطيط العائلي لنها مسألة تتعلق بحالت فردية اختيارية‪ ،‬ل تتدخل فيها‬
‫الدولة ول تنظمها ول تدعو إليها وتجعلها جزءا ً من برنامجها يقول العلمة‬
‫علل الفاسي‪ :‬إما إدعاء أن التنقيص من عدد السكان ضروري لتنفيذ‬
‫التخطيطات القتصادية وتحقيق النمو فهو خطأ من الناحية القتصادية ومن‬
‫الناحية الجتماعية‪ ،‬لن المواليد ل يولدون بأفواههم فقط بل يولدون بعقولهم‬
‫وسواعدهم‪ ،‬فهم مادة وعامل قوي في النمو القتصادي وتقوية النتاج‪،‬‬
‫وليسوا مجرد طفيليين في المجتمع وإنما عجز التدبير من الحاكمين وسوء‬
‫توزيع الثروة على المواطنين‪ ،‬والتخلي عن القاليم الوطنية للمستعمرين هو‬
‫الذي يدفع إلى هذا التفكير الكسول‪ ،‬الذي يرضي بهذه التدابير غير النسانية‪،‬‬
‫ول يعلم أن مقتضيات التطور الحديث يقضي بتحمل الدولة لتكاليف العائلة‪.‬‬
‫حكم التعقيم‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬
‫ومن جهة أخرى فقد نص الفقهاء على أن خصى المواطن ممنوع شرعا ً‬
‫بالجماع لكونه يعوق عن الغاية المقصودة من الشارع كما نصوا على أن أخذ‬
‫الدوية لمنع الحمل ممنوع‪ ،‬كما في النوازل الموجودة في كتاب الجامع من‬
‫المعيار "للونشريشي"‪ .‬وأحسن من هذه الكتاب كله قول الله تبارك وتعالى‪:‬‬
‫"ول تقتلوا أولدكم خشية إملق نحن نرزقهم وإياكم" سورة السراء‪ ،‬الية‬
‫رقم ‪ .30‬وفي الية الخرى‪" :‬ول تقتلوا أولدكم من إملق نحن نرزقهم‬
‫وإياهم" سورة النعام‪ ،‬الية رقم ‪.150‬‬
‫وقد أوضحت الشريعة السلمية سفه الذين يقتلون أولدهم مخافة الفقر "قد‬
‫خسر الذين قتلوا أولدهم سفها ً بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على‬
‫الله" سورة النعام‪ ،‬الية رقم ‪.139‬‬
‫من فعل الناس بأنفسهم‪:‬‬
‫ً‬
‫أما الرزق فإن الله تبارك وتعالى قد يسر طريقه وجعله مستطاعا وأعطى‬
‫النسان أدواته من صيد ونار وغيره ولكن صعوبة الرزق بدأت بعد أن تدخلت‬
‫أهواء الناس ومطامعهم وظهرت عمليات الحتكار والحتجاز‪ ،‬وظهرت عوامل‬
‫التفرقة والستغلل‪ ،‬والقوى الذي يسيطر على الكثير فل يترك للضعفاء‬
‫والفقراء ما يطعمهم أو يقوتهم‪ ،‬هذه هي الزمة وهي ليست أزمة الرزق‬
‫نفسه وإنما هي أزمة الجشع والتسلط‪.‬‬
‫وتقدير الله بالخير‪:‬‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهناك قانون الوفرة الذي يؤكد وجود ثمرات طيبات لكل من يعيش على‬
‫ظهر الرض مهما بلغ عدد هؤلء السكان وذلك بتقدير الله تبارك وتعالى وما‬
‫تزال هناك مذخورات كثيرة في البحار والجبال‪ ،‬وقد أعطى الحق تبارك‬
‫وتعالى عهده وميثاقه إلى البشر بضمان الطعام وضمان الرزق لكل مخلوق‬
‫ودابة وحشرة‪ ،‬بحيث تطمئن النفس النسانية إلى عهد الله تبارك وتعالى‬
‫الصادق الكيد‪ ،‬فل تكون مثل هذه الصيحات الضالة مصدرا ً لزعزعة اليمان‪،‬‬
‫فلقد حفظ الله تبارك وتعالى للنسان هذه الموارد التي ل تنضب في نفس‬
‫الوقت الذي دعاه إلى السعي في الرض والكل من رزق الله‪.‬‬
‫ولو وضعت الموازين الحقيقية لقضية الطعام ولو روعي في توزيعه ما أمر‬
‫الله تبارك وتعالى به‪ ،‬لمكن للنسانية أن تتجنب الكثير من عمليات البخل‬
‫والشح‪ ،‬حيث ينفق بعض الفراد في بعض البلد ما يوازي عشرات أضعاف ما‬
‫ينفقه الخرون‪ .‬وهناك في بعض البلد المنتجة تغرق المحاصيل في البحر أو‬
‫تحرق للمحافظة على مستوى أسعار التصدير بينما يقتل الجوع المليين‬
‫وذلك من أساليب الستعمار الرأسمالي والماركسي للسيطرة على القوى‬
‫البشرية بإجاعتها‪.‬‬
‫كذلك فإن حاجة المسلمين في الدرجة الولى إلى التوالد والتناسل لن‬
‫السلم مهدد في معاقله الولى ويواجه حربا ً صهيونية استعمارية ل قبل له‬
‫بها وأن هذه الحرب ستطول‪ ،‬ويسقط فيها كثير من المسلمين وأن تعبئة‬
‫المم في ميادين النمو القتصادي بوسائل العمل المنظم تغني عن كل تدبير‬
‫مناف لطبائع الشياء وأن هذه المبالغ الضخمة التي تصرف في مجال تحديد‬
‫النسل وإنشاء مستشفيات التعقيم وإنتاج حبوب منع الحمل وهي تزيد على‬
‫‪ 100‬مليار من الدولرات لو أنفقت في مجال النمو القتصادي لجاءت بنتائج‬
‫إيجابية وعلينا أن نذكر أن من مقاصد الشريعة الرغبة في تكثير سواد المة‬
‫السلمية وقد أمتن بالتكثير في القرآن إذ قال‪" :‬واذكروا إذ كنتم قليل ً‬
‫فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين" سورة العراف‪ :‬الية رقم ‪.85‬‬
‫الطار الصحيح‪:‬‬
‫ول ريب أن كل مشاكل المم يمكن التغلب عليها بالتفوق البشري شريطة‬
‫أن يتحرك هؤلء البشر من خلل عقيدة صحيحة كتلك التي حركت المسلمين‬
‫الوائل‪ ،‬والسلم وحده هو العقيدة القادرة على إطلق الطاقات المفطورة‬
‫في أعماق هذه المة‪ ،‬وما استطاع مجتمع متخلف أو نام أن يحقق التقدم‬
‫ويصل إلى القوة من خلل اعتناقه عقيدة المجتمعات الخرى‪.‬‬
‫ومن هنا يتبين أن قصة النفجار السكاني ليست أسطورة يراد بها تقليل عدد‬
‫المسلمين ونسلهم في سبيل التمكين للنفوذ الجنبي والوافد وعمليات‬
‫التهجير بما يزيد غيرهم بالستيطان وامتلك الثروة‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫مؤامرة تمييع الدين‬


‫)‪( (1‬‬
‫عناصر الموضوع ‪:‬‬
‫‪ .1‬خطر تمييع الدين وثوابته‬
‫‪ .2‬إنكار المور الغيبية‬
‫‪ .3‬إنكار معجزات النبياء‬
‫‪ .4‬تمييع قضية الحكم على المرتدين‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .5‬تمييع أحكام الفقه وأصول السلم‬


‫‪ .6‬إلغاء الحواجز الدينية بين المسلم والكافر‬
‫‪ .7‬نشر الوعي بين المسلمين تجاه هذه القضايا‬
‫مؤامرة تمييع الدين )‪:(1‬‬
‫معاول الهدم في العقيدة السلمية كثيرة‪ ،‬ومنها التمييع لكثير من القضايا‬
‫الخاصة بهذا الدين‪ ،‬ومن هذا التمييع‪ :‬إنكار المور الغيبية والمعجزات الخاصة‬
‫بالرسل‪ ..‬تمييع قضية الحكم على المرتدين‪ ..‬تمييع أحكام الفقه وأصول‬
‫السلم‪ ..‬تمييع الحواجز بين المسلم والكافر‪..‬‬
‫خطر تمييع الدين وثوابته‪:‬‬
‫إن الحمد لله‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور أنفسنا‬
‫وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‪ ،‬وأشهد‬
‫أن ل إله إل الله وحده ل شريك له وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله‪ .‬أما بعد‪:‬‬
‫فإننا معشر المسلمين مطالبون شرعا ً بالدفاع عن حياض السلم‪ ،‬والذود‬
‫جبل النسان على‬ ‫عن هذه الشريعة المطهرة‪ ،‬ولن ديننا أعز شيء لدينا‪ ،‬و ُ‬
‫الدفاع عن أغلى شيء عنده‪ ،‬وعن النفيس مما لديه‪ ،‬فلبد للمسلم أن يضع‬
‫ة‪ ،‬وأل يقصر‬ ‫ُنصب عينيه الدفاع عن شريعة السلم‪ ،‬وأن يجعل له ذلك وظيف ً‬
‫في القيام في هذا المر‪ ،‬يسعى لله بالحجة والبيان‪ ،‬وينافح عن السلم‪،‬‬
‫وعندما يكون المسلمون في ضعف يتكاثر الطاعنون‪ ،‬ويرفع أهل الضلل‬
‫رءوسهم‪ ،‬يريدون النيل من هذا الدين القويم‪ .‬ونحن ل ننكر أيها الخوة! في‬
‫مرحلة الستضعاف التي نعيشها أننا نتعرض لحملة شرسة من أعداء الدين‪،‬‬
‫وأن هناك كثيرا ً من الخراب في الفكر والعقيدة الذي تسلل إلى نفوس بعض‬
‫المسلمين ممن حملوا معاول الهدم‪ ،‬يشعرون أو ل يشعرون‪ ،‬ولكنك ل يمكن‬
‫أن تغمض عين البصيرة عن الروابط التي تربط أعداء الدين في الخارج مع‬
‫أعداء الدين داخلنا وبيننا؛ لن الغماض عن ذلك نوع من الغفلة‪ ،‬ل يمكن أن‬
‫يليق بمسلم صاحب بصيرة‪ .‬ومعاول الهدم كثيرة في هذه العقيدة التي هي‬
‫صامدة في نفوس أبنائها مهما حصل‪ ،‬ومن ذلك أيها الخوة موضوع خطير‬
‫جدا ً يدندن حوله‪ ،‬ويراد تقريره‪ ،‬وهو موضوع التمييع‪ ،‬تمييع عدد من أحكام‬
‫الدين‪ ،‬وشعائر الدين‪ ،‬وعدد من المسلمات والثوابت في هذه الشريعة‬
‫المطهرة‪ .‬لقد تولى إفك التمييع وهذا المهمة عدد من المنتسبين إلى أهل‬
‫السلم‪ ،‬الذين يتسمون بأسماء المسلمين‪ ،‬ولكنهم في الحقيقة يريدون أن‬
‫يقلعوا الشريعة حجرا ً حجرًا‪ ،‬وبعضهم يظن أن ما يفعله هو أمر طيب في‬
‫صالح الشريعة‪ ،‬وبعضهم يفعل ما يفعل عن تعمد واستمداد من أهل الباطل‬
‫والكفر وصناديده‪ .‬وهذا التمييع أيها الخوة! أمٌر جد خطير؛ لنه قد حصل‬
‫بسببه التباس عند كثير من المسلمين الذين تأثروا بهذه الفكار المطروحة‪،‬‬
‫وهذا التمييع صار في جوانب متعددة‪ ،‬ولنأخذ بعض المثلة تحت بعض‬
‫العنوانين لنبين ما هو المقصود بقضية التمييع‪.‬‬
‫إنكار المور الغيبية‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إن هؤلء الطاعنين في شريعتنا‪ ،‬يميعون على سبيل المثال كثيرا ً من أمور‬
‫الغيب والعقيدة؛ ولن عقولهم ل تقبل وجود أشياء غيبية كالملئكة والجن‬
‫مث ً‬
‫ل؛ لنهم ل يحسون بها ول يرونها‪ ،‬فيريدون إنكارها‪ .‬ولذلك فإنهم يدندنون‬
‫حول قضية إمكانية أن يعيش المسلم بسلوك السلم دون أن يعتقد ببعض‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المور الغيبية‪ ،‬ويقولون‪ :‬إن المهم هو فقه الشريعة‪ ،‬وأما فقه العقيدة فإنه‬
‫مسألة فيها حرية وسعة‪ ،‬وأن المسلم يمكن أن يعيش بسلوك السلم‪ ،‬حتى‬
‫ولو أنكر بعض الرموز والخيالت الموجودة في هذا الدين‪ ،‬يقول محمد أركول‬
‫ضلل هذا العصر‪ :‬لبد من أن نقر أن الذي حرك القبائل أيام النبي محمد‬ ‫من ُ‬
‫‪-‬ونحن نقول‪ :‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وهو لم يقل‪ :‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬هو‬
‫اليمان كما ورد في القرآن‪ ،‬والتصورات الخروية من وعد ووعيد‪ ،‬التي‬
‫دخلت عقول الناس وجعلتهم يؤمنون بها كحقائق واقعية‪ ،‬وليس كخيال‬
‫ورموز‪ ،‬ونحن ننظر إليها في هذا العصر كخيال ورموز‪ .‬وكذلك يقول حسن‬
‫حنفي ‪ :‬ألفاظ الجن والملئكة والشياطين ألفاظ تتجاوز الحس والمشاهدة‪،‬‬
‫ول يمكن استعمالها؛ لنها ل تشير إلى واقع‪ ،‬ول يقبلها كل الناس‪ .‬وكذلك يرى‬
‫زكي نجيب محمود ‪ :‬إن الغيب واليمان به خرافة‪ .‬ويقول واحد آخر ممن‬
‫يحسب على المشيخة والمشايخ‪ ،‬يقول عن إحدى صفات الله تعالى‪ :‬إن‬
‫العقائد ل ُتخترع ول ُتفتعل على هذا النحو المضحك‪ ،‬عقيدة أن لله رجل ً ما‬
‫هذا؟! فيريد إنكار القدم أو الساق أو اليد أو الوجه من صفات الرب عز وجل‬
‫ل‬ ‫جل ِ‬ ‫ك ُذو ال ْ َ‬ ‫ه َرب ّ َ‬ ‫ج ُ‬‫قى وَ ْ‬ ‫التي أثبتها لنفسه في كتابه سبحانه وتعالى‪ ،‬وقال‪ :‬وَي َب ْ َ‬
‫َواْل ِك َْرام ِ ]الرحمن‪ .[27:‬وكذلك أثبت صفة القبضة له سبحانه وتعالى‪ ،‬وأثبت‬
‫صفة اليد له عز وجل‪ ،‬أثبتها له سبحانه‪ ،‬وهو المتصف بها‪ ،‬ونحن ل نعرف إل‬
‫ما أخبرنا به في كتابه‪ ،‬وما حدثنا به عنه رسوله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫َ‬
‫ق‬
‫ف ُ‬ ‫سوط ََتا ِ‬
‫ن ي ُن ْ ِ‬ ‫مب ْ ُ‬ ‫داه ُ َ‬ ‫ل يَ َ‬ ‫مةِ ]الزمر‪ ..[67:‬ب َ ْ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬‫ه ي َوْ َ‬‫ضت ُ ُ‬‫ميعا ً قَب ْ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫َواْلْر ُ‬
‫شاُء ]المائدة‪ .[64:‬وهذا يقول‪ :‬هذا سخف‪ ،‬لله كذا‪ ،‬هذا شيء مضحك!‬ ‫ك َي ْ َ‬
‫ف يَ َ‬
‫استهزاء بصفات الله‪ ،‬والذي قبله يقول‪ :‬العوالم الغيبية رموز وخيالت‪ ،‬والذي‬
‫بعده يقول‪ :‬الشياطين والملئكة ليس لها وجود‪ ،‬ل يقبلها كل عقل‪ ،‬ثم‬
‫يقولون‪ :‬فكيف إذا ً يلتقي المسلمون الذين يؤمنون بهذه والذين ل يؤمنون‪،‬‬
‫يمكن أن يلتقوا على السلوك السلمي‪ ،‬وعلى الخلق السلمية‪ ،‬أما هذه‬
‫العقائد والمور الغيبية فل يلزم الجميع أن يؤمنوا بها‪ .‬سبحان الله! ما هي‬
‫بل‬ ‫ك ال ْك َِتا ُ‬ ‫أول صفة وصف الله بها المؤمنين في سورة البقرة؟ الم * > ذ َل ِ َ‬
‫ب ‪] ..‬البقرة‪ [3-1:‬بل إقامة‬ ‫ن ِبال ْغَي ْ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن * > ال ّ ِ‬ ‫قي َ‬ ‫هدىً ل ِل ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫ب ِفيهِ ُ‬ ‫َري ْ َ‬
‫ن ‪(..‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن * > َوال ِ‬ ‫قو َ‬ ‫م ي ُن ْفِ ُ‬ ‫ْ‬
‫ما َرَزقَناهُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫صلة َ وَ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مو َ‬ ‫قي ُ‬‫الصلة‪ :‬وَي ُ ِ‬
‫ة‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫خَر ِ‬ ‫ن قب ْل ِك وَِبال ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما أن ْزِل ِ‬ ‫ما أن ْزِل إ ِلي ْك وَ َ‬ ‫]البقرة‪ [4-3:‬أعادها وكررها‪ :‬ب ِ َ‬
‫]البقرة‪ [4:‬وما فيها من المشاهد الغيبية‪ ،‬من الحوض والصراط والميزان‬
‫والجنة والنار‪ ،‬وعرش الرحمن وكرسي الرحمن‪ ،‬والمنابر من نور عن يمين‬
‫ن ]البقرة‪ [4:‬أولئك المؤمنون حقا ً‬ ‫م ُيوقُِنو َ‬ ‫خَرةِ هُ ْ‬ ‫الرحمن‪ ،‬وظل العرش‪ :‬وَِباْل ِ‬
‫ُ‬ ‫أيها الخوة‪ُ :‬أول َئ ِ َ‬
‫ن ]البقرة‪ [5:‬فإذا‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫ك هُ ُ‬ ‫م وَأول َئ ِ َ‬ ‫ن َرب ّهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫هدىً ِ‬ ‫ك عََلى ُ‬
‫لم يؤمنوا ببعض هذه الشياء‪ ،‬فليسوا على هدىً من ربهم‪ ،‬وليسوا‬
‫بالمفلحين‪ ،‬وليسوا هم المؤمنون حقًا‪ .‬فهل رأيتم إذا ً وترا ً من الوتار الذي‬
‫يعزف عليها هؤلء في قضية تمييع هذه المور؟‬
‫إنكار معجزات النبياء‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ومن الشياء التي يريدون التخلص منها معجزات النبياء‪ ،‬لماذا أيها الخوة؟‬
‫لنها غيب‪ ،‬وعقولهم ل تتحمل الغيبيات‪ ،‬عقل فاسد وضيق‪ ،‬ل تتحمل عقولهم‬
‫الغيبيات‪ ،‬فهذا أحدهم يقول‪ :‬الذي ادعى أنه يحمل الجمع في الفقه بين‬
‫القرآن والسنة‪ ،‬وألف كتابا ً خطيرا ً جدا ً في السنة النبوية‪ ،‬يريد أن يزلزلها‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وينسف ثوابتا ً فيها‪ ،‬يقول‪ :‬على أنه ل صلة للعقيدة بأن الرسول عليه الصلة‬
‫والسلم أظلته غمامة أو كلمه جماد‪ ،‬والرجل الصالح ل ُيغمز مكانته إنكاره‬
‫لهذه الخوارق‪ .‬لحظ معي يقول‪ :‬إذا ً ل صلة للعقيدة بقضية أن الرسول عليه‬
‫الصلة والسلم أظلته الغمامة أو كلمه جماد‪ ،‬والرجل الصالح ل يغمز مكانته‬
‫إنكاره لهذه الخوارق‪ ،‬إذا ً يمكن أن يكون الرجل صاحب مكانة في الدين‪ ،‬وهو‬
‫ينكر هذه الخوارق‪ ،‬والله تعالى هو الذي أيد نبينا صلى الله عليه وسلم‬
‫بالمعجزات‪ ،‬وهو الذي أعطاها له ردءا ً وتأييدا ً منه سبحانه؛ ليتبين قومه أنه‬
‫نبي فعل ً ول يقولوا‪ :‬كذاب‪ ،‬لقد انشق القمر وأراهم القمر شقين‪ ،‬ورأوا أمورا ً‬
‫عجيبة‪ ،‬ورأى أتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم من الخوارق ما زاد‬
‫إيمانهم‪ ،‬ومن المعجزات ما أكد يقينهم وثبتهم‪َ :‬قا َ َ‬
‫ل ب ََلى وَلك ِ ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫ل أوَل َ ْ‬
‫م ت ُؤْ ِ‬
‫م ْ‬
‫ن قَل ِْبي ]البقرة‪ .[260:‬فرأوا تكثير الطعام بين يديه‪ ،‬ونبع الماء من بين‬ ‫ل ِي َط ْ َ‬
‫مئ ِ ّ‬
‫أصابعه‪ ،‬وتسبيح الكل وهو يؤكل‪ ،‬وسلم عليه الحجر بمكة ‪ ،‬فكانت‬
‫المعجزات تأييدا ً له ولصحابه وبرهانا ً على نبوته أمام الكفار‪ ،‬ومات صلى الله‬
‫عليه وسلم وأبقى لنا هذه المعجزة الخالدة‪ ،‬وهي القرآن الكريم‪ .‬أيها‬
‫المسلمون! إن الله عز وجل ل يعجزه أن يؤيد رسول ً من رسله بأن تمشي‬
‫إليه شجرة أو يحيي له ميتًا‪ ،‬أو يخرج له ناقة من صخرة‪ ،‬أو ينبع الماء من بين‬
‫طع‪،‬‬ ‫أصابعه‪ ،‬أو يرزقه فاكهة الشتاء في الصيف‪ ،‬أو يحا له طائرا ً قد ذبح وق ّ‬
‫فالله يؤيد أنبياءه بالمعجزات‪ ،‬ويعطي الكرامات لوليائه‪ ،‬وليس ذلك على‬
‫الله بعزيز‪ ،‬والله على كل شيء قدير‪ ،‬ولما رأى إبراهيم الخليل هذه الطيور‬
‫حت ووزعت على الجبال‪ ،‬ثم دعاها فجاء عنق هذا إلى‬ ‫طعت وذب ّ‬ ‫التي ق ّ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫جسده‪ ،‬ورجل هذا إلى بقية الجسد وتركبت وطارت إليه‪ ،‬وقال‪ :‬أعْل ُ‬
‫ديٌر ]البقرة‪ [259:‬وأن الله عزيز حكم‪ ،‬كما قال ذلك عزير‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عََلى ك ُ ّ‬
‫وقالها إبراهيم‪ .‬إذا ً أيها الخوة! هؤلء الذين ينكرون الجن اليوم‪ ،‬ويقولون‪:‬‬
‫إنهم غير موجودين‪ ،‬وإن الصرع ل يمكن أن يحدث‪ ،‬وإن الشياطين ليس لها‬
‫ما‬‫تسلط على البشر‪ ،‬والله سبحانه وتعالى قد ذكر ذلك بقوله عز وجل‪ :‬إ ِّل ك َ َ‬
‫س ]البقرة‪ [275:‬وأن الشياطين تمس‬ ‫م ّ‬‫ن ال ْ َ‬
‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ُ‬ ‫خب ّط ُ ُ‬
‫ه ال ّ‬ ‫ذي ي َت َ َ‬‫م ال ّ ِ‬‫قو ُ‬‫يَ ُ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الناس‪ ،‬نعم لم يجعل الله لهم سلطانا عاما على النس يصرعون من‬
‫يشاءون ويلتقون كيف شاءوا‪ ،‬كل‪ ،‬إن ذلك يحدث على نطاق ضيق وعدد‬
‫قليل‪ ،‬ولكنه يحدث‪ ،‬ونقر أنه يحدث‪ ،‬ول نقول‪ :‬عقولنا ل تقبل ذلك‪.‬‬
‫تمييع قضية الحكم على المرتدين‪:‬‬
‫ومن التمييع الذي يمارسه هؤلء‪ :‬تمييعٌ في قضية الحكم على المرتدين الذين‬
‫نطقوا بالكفر‪ ،‬فهذا أحدهم وهو فهمي هويدي يعتذر عن نزار قباني الشاعر‬
‫الملحد الضال‪ ،‬الذي نطق شعره بالكفر صراحة‪ ،‬فينقل عنه عبارة كفرية‬
‫واضحة‪ ،‬يقول فيها نزار‪:‬‬
‫ل تسافر مرة أخرى‬
‫لن الله منذ رحلت‬
‫دخل في نوبة بكاء عصبية‬
‫وأضرب عن الطعام!‬
‫ثم قال‪ :‬وبعت الله!‬

‫)‪(3 /‬‬

‫هذا الذي قاله الفاك الثيم الذي ذهب إلى الله‪ ،‬والله سيتوله‪ ،‬فماذا قال‬
‫صاحبنا في الدفاع عنه‪ ،‬يقول‪ :‬فالكلم الذي صدر عن نزار ل يدخل في إطار‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إنكار الله بطبيعة الحال‪ ،‬وإن تمنينا أن يتسم حديثه عن الله بالقدر الواجب‬
‫من الجلل‪ ،‬إل أننا نقول‪ :‬إنه غلب على نزار اعتبار صنعة الشعر‪ ،‬والوزان‬
‫والقوافي وكذلك هذه الموهبة‪ ،‬وأطلق العنان للتعبير‪ ،‬فجاء كلمه على ذلك‬
‫النحو غير المستحب‪ .‬غير المستحب!! واحد يقول‪ :‬بعت‪ ،‬ويقول‪ :‬نحو غير‬
‫المستحب!! واحد يقول‪ :‬إنه سبحانه أضرب عن الطعام! ودخل في نوبة بكاء‬
‫عصبية! ثم تقول أنت عنه‪ :‬صنعة الشعر غلبته فجاء السلوب غير المستحب!‬
‫سبحان الله! هذا هو التمييع أيها الخوة! أن نأتي إلى واحد قد صرح بالكفر‬
‫الذي ل يوجد أشد منه‪ ،‬ثم نعتذر إليه بأن صنعة الشعر جاءت في كلمه على‬
‫السلوب غير المستحب‪ ،‬وكنا تمنينا أن يأتي بالسلوب الخر‪ ،‬وكنا تمنينا أن‬
‫يحاكم مرتدا ً وتقطع رقبته‪ ،‬وتمنينا نحن المسلمين‪ ،‬هذا الذي نتمناه في أي‬
‫واحد يهاجم الله عز وجل أن يحاكم شرعا ً بالردة‪ ،‬فإذا أقر ولم يرجع أن‬
‫تضرب رقبته بالسيف انتصارا ً لله تعالى‪ ،‬هذا الذي تمنينا‪ .‬نتمنى هدايته ولكن‬
‫ه‬
‫مد ِ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ح الّرعْد ُ ب ِ َ‬ ‫سب ّ ُ‬‫لو لم يهتد‪ ،‬فإذا ً ماذا نتمنى؟ أن يقام عليه حد الردة‪ :‬وَي ُ َ‬
‫ق‬
‫ع َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ص َ‬‫ل ال ّ‬ ‫س ُ‬‫فت ِهِ ]الرعد‪ [13:‬هذا هو الله عز وجل ‪ :‬وَي ُْر ِ‬ ‫خي َ‬
‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬‫َوال ْ َ‬
‫ل ]الرعد‪[13:‬‬ ‫حا ِ‬‫م َ‬ ‫ديد ُ ال ْ ِ‬‫ش ِ‬‫ن ِفي الل ّهِ وَهُوَ َ‬ ‫جادُِلو َ‬
‫م يُ َ‬‫شاُء وَهُ ْ‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬‫ب ب َِها َ‬ ‫صي ُ‬‫فَي ُ ِ‬
‫ل‬
‫حا ِ‬‫م َ‬ ‫ديد ُ ال ْ ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ن ِفي الل ّهِ وَهُوَ َ‬ ‫جادُِلو َ‬
‫م يُ َ‬
‫سبحانه وتعالى! هذا رعده وبرقه‪ :‬وَهُ ْ‬
‫]الرعد‪.[13:‬‬
‫تمييع أحكام الفقه وأصول السلم‪:‬‬
‫من التمييع كذلك‪ :‬تمييع أحكام الفقه وأصول السلم التي جاءت بها الحكام‪،‬‬
‫فيقول أحدهم وهو محمد عبده في موضوع الوضوء بالكولونيا‪ :‬ومن أين جاء‬
‫أن ماء الزهر والورد ل يصح الوضوء به‪ ،‬وماء الكولونيا أحسن شيء للوضوء‪،‬‬
‫فإنه يمنع آثار المرض‪ ،‬قاله في كتاب تاريخ الستاذ المام ‪ ،‬والذي يدافع فيه‬
‫عن أحد كبار المنافقين في هذا العصر وهو جمال الدين الفغاني ‪ ،‬وقد ذهبا‬
‫إلى الله‪ ،‬وليس عندنا علم هل تابا أم ل‪ ،‬فالله يتولهما‪ ،‬ول نحكم على‬
‫مصيرهما في الدار الخرة‪ ،‬أمرهما إلى الله‪ .‬لكن نحن نأخذ العبرة‪ ،‬ونريد أن‬
‫نعرف ما هي الساليب التي يمشي بها هؤلء بين المسلمين‪ ،‬من الذي قال‪:‬‬
‫إن الوضوء بالكولونيا ل يجزئ‪ ،‬فماء الكولونيا أحسن شيء للوضوء‪ .‬نقول‪:‬‬
‫الذي قال هم أئمة الدين من فقهاء المسلمين سلفا ً وخلفًا‪ ،‬أنه ل يجزئ‬
‫الوضوء إل بالماء؛ لن النبي صلى الله عليه وسلم حدد الطهارة بالماء‪ ،‬وفي‬
‫حالة فقده يتيمم بالتراب‪ ،‬هذا الذي جاءت به الحاديث‪ ،‬الماء طهور وبه‬
‫ماًء ]النساء‪[43:‬‬ ‫دوا َ‬ ‫ج ُ‬ ‫م تَ ِ‬‫يتوضأ ويرفع الحدث الكبر والصغر‪ ،‬وإذا عدم فَل َ ْ‬
‫موا ]النساء‪ .[43:‬والعاقل والبليغ والمثقف‬ ‫م ُ‬‫ماًء فَت َي َ ّ‬
‫ولم يقل‪ :‬كولونيا َ‬
‫دوا‬ ‫ج ُ‬ ‫م تَ ِ‬ ‫والعامي والفلح والدكتور كلهم يعرفون معنى لفظة الماء‪ )) :‬فَل َ ْ‬
‫ماًء (( وأي عاقل يفرق بين الماء والعصير‪ ،‬والماء والشاي‪ ،‬والماء والكولونيا‪،‬‬ ‫َ‬
‫والماء والزعفران‪ ،‬وماء الورد وماء الزهر‪ ،‬كل ذلك بينه فرق بّين‪.‬‬
‫موقفهم من الربا‪:‬‬
‫أما الموقف من حكم الربا‪ ،‬فماذا يقولون؟ يقول ذلك الرجل‪ :‬والفقهاء‬
‫مسئولون في التشديد على الغنياء في الربا‪ ،‬فاضطروا الفقراء للستدانة‬
‫جوز ذلك‬ ‫جوز بعضهم كما ّ‬ ‫من الجنبي‪ ،‬بأرباح فاحشة استنزفت الثروات‪ ،‬وي ّ‬
‫جمال الدين الفغاني الذي قال بجواز الربا المعقول الذي ل يثقل كاهل‬
‫المديون‪ ،‬ول يتجاوز في برهة من الزمن رأس المال‪ .‬فإذا ً جرى على ذلك‬
‫أذنابهم بعد ذلك بعشرات السنين‪ ،‬ووضحوا قولهم وأصلوه‪ ،‬وقالوا‪ :‬الربا‬
‫المعقول‪ ،‬يقول ربنا عز وجل الذي نحن نؤمن بشرعه وقدره‪ ،‬وبما أراده‬
‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫واصطفاه لنا من الشريعة والدين‪ ،‬يقول في القرآن الكريم‪َ :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن الّربا ]البقرة‪ [27:‬ما بقي ½‪ ،%‬وَذ َُروا َ‬


‫ما‬ ‫م َ‬
‫ي ِ‬‫ق َ‬ ‫ه وَذ َُروا َ‬
‫ما ب َ ِ‬ ‫قوا الل ّ َ‬
‫مُنوا ات ّ ُ‬
‫آ َ‬
‫هّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن الل ِ‬‫م َ‬
‫ب ِ‬ ‫فعَلوا فأذ َُنوا ب ِ َ‬
‫حْر ٍ‬ ‫م تَ ْ‬
‫نل ْ‬‫ن * فإ ِ ْ‬‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬
‫م ُ‬‫ن كن ْت ُ ْ‬
‫ن الّربا إ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ق َ‬‫بَ ِ‬
‫سول ِهِ ]البقرة‪ [279-278:‬وأنت تقول‪ :‬ربا معقول! ما هو الربا المعقول؟‬ ‫وََر ُ‬
‫الذي نعقله ما جاء في هذه الشريعة‪ ،‬وكل شيء يخالف الشريعة غير معقول‬
‫وسخيف‪ ،‬وتافه وترهات وباطل‪ ،‬ل يوجد شيء اسمه ربا معقول‪ ،‬هناك في‬
‫هذه الشريعة شيء قطعي وهو تحريم الربا‪.‬‬
‫موقفهم من الحدود‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ثم انصب كلمهم في تميع الحدود الشرعية بعد الحكام الفقهية‪ ،‬على قضية‬
‫حد الردة‪ ،‬وإبطال حد الردة‪ ،‬وأن النسان حر إذا غير دينه‪ ،‬يا أخي! إذا غير‬
‫دينه هو حر‪ ،‬لماذا يقتل؟! كيف يكون حرا ً في اختياره‪ ،‬ول حرج عليه ول تبعة‪،‬‬
‫ونبينا صلى الله عليه وسلم الذي نؤمن به وبشرعه الذي جاء به من عند ربه‬
‫يقول‪) :‬من بدل دينه فاقتلوه( من بدل دينه‪ :‬أي‪ :‬السلم‪ ،‬وليس من ترك‬
‫النصرانية و اليهودية إلى السلم‪ ،‬المقصود واضح من بدل دينه‪ ،‬أي‪ :‬الشرع‬
‫الحكيم الصحيح السلم والتوحيد )من بدل دينه فاقتلوه( نص في المسألة‪.‬‬
‫كيف يقال‪ :‬إن عقوبة العدام ل تتناسب مع القرن العشرين‪ ،‬ونحن على‬
‫مشارف القرن الواحد والعشرين‪ ،‬فيجب إلغاء عقوبة العدام‪ .‬ولذلك‬
‫يدندنون في الفضائيات والبرامج التي تبث‪ ،‬في مسألة رجم الزاني المحصن‬
‫أنها غير صحيحة‪ ،‬ويقولون‪ :‬لم ُتذكر في القرآن‪ ،‬سبحان الله! فقد ثبتت في‬
‫السنة‪ ،‬ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده كما يقول عمر ‪،‬‬
‫وحتى ل يقول قائل‪ ،‬فقد قالها عمر رضي الله عنه قبل أكثر من ألف‬
‫وأربعمائة سنة قال‪ :‬أن يأتي أناس يقولون‪ :‬ما وجدناها في كتاب الله‪ .‬وجاءوا‬
‫فعل ً في كثير من الوقات‪ ،‬وفي هذا الوقت بالذات وقالوا‪ :‬ما وجدناها في‬
‫كتاب الله‪ .‬فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعز و الغامدية ‪،‬‬
‫مت شراحة الهمدانية ‪ ،‬ورجم عمر رضي الله عنه و علي ‪ ،‬ورجم أبو بكر‬ ‫ورج ُ‬
‫‪ ،‬ورجم الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬دللة على أن ذلك الحكم‬
‫ل‪ .‬الزاني المحصن الذي وطأ وذاق حلوة الحلل في‬ ‫ليس منسوخا ً ول باط ً‬
‫عقد صحيح إذا زنا وثبت عليه باعترافه أو بأربعة شهود؛ يرجم حدا ً من الله‬
‫تعالى‪ .‬ثم يقولون‪ :‬ل يناسب العصر الحاضر‪ ،‬لنه ليس موجودا ً في كتاب‬
‫ق‬
‫سارِ ُ‬ ‫الله‪ .‬فإذا قلنا لهم‪ :‬حد السرقة موجود في كتاب الله‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬وال ّ‬
‫ن الل ّهِ ]المائدة‪ [38:‬يقول‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫سَبا ن َ َ‬
‫كال ً ِ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫جَزاًء ب ِ َ‬ ‫ة َفاقْط َُعوا أي ْدِي َهُ َ‬
‫ما َ‬ ‫سارِقَ ُ‬
‫َوال ّ‬
‫قائلهم‪ :‬إن الشريعة ل تريد أن يتحول المجتمع إلى أناس مشوهين‪ ،‬هذا‬
‫مجلود‪ ،‬وهذا مقطوع اليد‪ ،‬وهذا مفقوء العين‪ ،‬وهذا مكسور السن بقضية‬
‫القصاص‪ ،‬اسجنه وامش‪ ،‬أو أي عقوبة مالية ‪ ،‬فنقول‪ :‬هذا موجود في كتاب‬
‫َ‬
‫ما ]المائدة‪ [38:‬موجود‪ ،‬قالوا‪ :‬هذه‬ ‫ة َفاقْط َُعوا أي ْدِي َهُ َ‬ ‫سارِقَ ُ‬ ‫سارِقُ َوال ّ‬‫الله‪َ :‬وال ّ‬
‫همجية ل تصلح في هذا القرن‪ .‬وهكذا ترون أيها الخوة! قضية صب الكلم‬
‫على تمييع الحدود الشرعية التي أنزلها الله؛ من حد الردة وحد الزنا‬
‫للمحصن‪ ،‬وحد السرقة‪ ،‬أنهم يريدون إبطال ذلك‪ ،‬وإقناع المسلمين أن ذلك‬
‫كان في عهد ٍ مضى ول يناسب هذا الزمان‪ .‬هذه قليل جدا ً جدا ً مما يقولونه‬
‫في بعض هذه المسائل‪ ،‬نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من المتمسكين‬
‫بالحق والدين‪ ،‬ومن الحريصين على تنفيذ شرعه المبين‪ ،‬أقول قولي هذا‪،‬‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬


‫إلغاء الحواجز الدينية بين المسلم والكافر‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬الحمد لله الذي أنزل الكتاب‪ ،‬والحمد لله الذي نصر‬
‫نبيه صلى الله عليه وسلم والصحاب‪ ،‬وهزم الحزاب‪ ،‬والحمد لله مجري‬
‫السحاب‪ ،‬أشهد أن ل إله إل هو الملك العزيز الوهاب‪ ،‬وأشهد أن نبيه محمدا ً‬
‫صلى الله عليه وسلم سيد البشر وأولي اللباب‪ ،‬جاءنا بالحق والصواب‪،‬‬
‫وأشهد أن من تبعه بإحسان إلى يوم الدين هم أولوا النهى واللباب‪ ،‬صلى‬
‫الله عليه وعلى من تبعه‪ .‬عباد الله‪ :‬من أخطر أنواع التمييع الذي يقوم به‬
‫هؤلء ممن يسمون بالعقلنيين وأصحاب الفكر المستنير ‪-‬يسمون أنفسهم‬
‫بالتنويريين‪ -‬من أخطر ما يقومون به تمييع الحواجز الدينية بين المسلم‬
‫والكافر‪ ،‬المسلم الذي يشهد أن ل إله إل الله‪ ،‬والذي هو من خير أمة ُأخرجت‬
‫للناس‪ ،‬الموحد لربه‪ ،‬المطيع لنبيه الذي يعتمد الشرع‪ ،‬وُيوفي له‪ ،‬المسلم‬
‫الذي ل يتحايل على الدين‪ ،‬المسلم الذي يطبق السلم‪ ،‬يريدون التمييع في‬
‫الحد بينه وبين أرباب الديانات الخرى من اليهود والنصارى وغيرهم من أنواع‬
‫المشركين‪ .‬التمييع بين المسلم الحنيفي وبين اليهودي الذي هو من المة‬
‫الغضبية‪ ،‬أهل الكذب والبهت‪ ،‬والغدر والمكر والحيل‪ ،‬وقتل النبياء‪ ،‬وأكل‬
‫السحت والربا‪ ،‬أخبث المم طوية وأرداهم سجية‪ ،‬وأبعدهم من الرحمة‪،‬‬
‫وأقربهم إلى النقمة‪ ،‬عاداتهم البغضاء‪ ،‬وديدنهم العداوة والشحناء‪ ،‬أهل‬
‫السحر والكذب والحيل‪ ،‬هؤلء الذين سبوا ربهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬تعب يوم السبت‬
‫ما َقاُلوا‬ ‫َ‬
‫م وَل ُعُِنوا ب ِ َ‬‫ديهِ ْ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫ة غُل ّ ْ‬
‫مغُْلول َ ٌ‬
‫وارتاح‪ ،‬وقالوا‪ :‬إنه بخيل‪ :‬ي َد ُ الل ّهِ َ‬
‫]المائدة‪ [64:‬والذين عادوا نبينا صلى الله عليه وسلم بعدما تبين لهم أنه نبي‬
‫الله‪ ،‬وقامت الدلة عندهم‪ ،‬وطابق الوصف المذكور في كتبهم‪ ،‬عادوه‬
‫وناصبوه إلى أن دسوا له السم في الشاة‪ .‬التمييع بين المسلم وبين‬
‫النصراني الذي هو من المة المثلثة‪ ،‬أمة الضلل وعّباد الصليب‪ ،‬الذين سبوا‬
‫الله مسبة لم يسبها أحد‪ ،‬وقالوا كلما ً تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق‬
‫الرض وتخر الجبال هدًا‪ .‬قالوا‪ :‬إن الله ثالث ثلثة‪ ،‬وإن مريم صاحبته‪،‬‬
‫والمسيح ابنه‪ ،‬وأنه نزل عن كرسي عظمته والتحم ببطن الصاحبة وجرى ما‬
‫جرى‪ ،‬وأن هؤلء عّباد الصلبان وعّباد الصور المنقوشة باللوان في الحيطان‪،‬‬
‫الذين يقولون في دعائهم‪ :‬يا والدة الله ارزقينا‪ ،‬واغفري لنا وارحمينا‪ ،‬دينهم‬
‫شرب الخمور‪ ،‬وأكل الخنزير‪ ،‬وترك الختان‪ ،‬والتعبد بالنجاسات‪ ،‬واستحلل‬
‫الخبائث‪ ،‬كيف يمكن أن تميع الحدود بين المسلم وبين مثل هؤلء؟ واليهود‬
‫والنصارى أهل الكتاب أحسن حال ً من الهندوس والبوذيين وبقية مشركي‬
‫الرض‪ ،‬فما بالك بالبقية أيضًا‪ .‬إن الدعوة إلى تمييع الحواجز الدينية بين هذه‬
‫الديانات الثلث‪ ،‬قد جرت على خطة مرسومة من هؤلء باسم وحدة الديان‬
‫تارة‪ ،‬أو الملة البراهيمية تارة‪ ،‬أو وحدة الدين اللهي وأرباب الكتب السماوية‬
‫تارة أخرى‪ ،‬وكلمة العالمية ووحدة الديان‪ ،‬يريدون صهر الديان الثلثة في‬
‫بوتقة واحدة‪ ،‬كيف يجتمع الذي يقول‪ :‬ل إله إل الله‪ ،‬هو الله أحد صمد‪ ،‬لم يلد‬
‫ولم يولد‪ ،‬ولم يكن له كفوا ً أحد‪ ،‬مع من يقول‪ :‬إن عيسى هو الله أو عيسى‬
‫ابن الله‪ ،‬أو عزير ابن الله؟! كيف يجتمع قتلة النبياء‪ ،‬والذين مسخهم الله‬
‫قردة وخنازير تحت مظلة واحدة مع من هم خير أمة أخرجت للناس؟! كيف‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن َقاُلوا إ ِ ّ‬ ‫فَر ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قد ْ ك َ َ‬ ‫يجتمعون؟! كيف يجتمع الذين قال الله عنهم‪ :‬ل َ َ‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ث َثلث َةٍ ]المائدة‪ [73:‬مع من يقول‪ :‬ل إله إل الله لم يتخذ صاحبة ول ولدًا؟‬ ‫َثال ِ ُ‬
‫كيف يجتمع هذا مع هذا في قضية الملة البراهيمية أو وحدة الديان؟! إن‬
‫الجمع بين هؤلء ردة ظاهرة وكفر صريح ولشك‪ ،‬ثم هؤلء من جلدتنا‬
‫وبألسنتنا يقولون‪ :‬إن اجتماع هؤلء من أجل أن يكون السلم عاما ً في العالم‬
‫هو هدفنا الذي نسعى إليه‪ ،‬وأن تزول العداوات بين أهل الديان‪ ،‬فهل السلم‬
‫جاء لزالة العداوات بين أهل الديان؟ هل جاء السلم ليعيش أهل الديان‬
‫كلهم متآلفين؟ سؤال خطير جدا ً أيها الخوة! لن عددا ً من الناس يظن‬
‫الجواب‪ :‬نعم‪ ،‬هل جاء السلم لكي يتصافى المسلمون‪ ،‬واليهود‪ ،‬والنصارى‪،‬‬
‫والمجوس‪ ،‬والهندوس‪ ،‬والبوذيون‪ ،‬يتصافون ويكونون على قلب رجل واحد‪.‬‬
‫ه‬‫ن ك ُل ّ ُ‬
‫دي ُ‬‫ن ال ّ‬ ‫ة وَي َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ن فِت ْن َ ٌ‬ ‫حّتى ل ت َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫أم جاء السلم بقوله تعالى‪ :‬وََقات ُِلوهُ ْ‬
‫م َ‬
‫ل ِل ّهِ ]النفال‪ [39:‬أليس السلم قد جاء لجل هذا‪ ،‬إذا كنا نحن ل نستطيع أن‬
‫نطبقه الن‪ ،‬ول نستطيع أن نجاهدهم؛ لنه ليس عندنا قوة‪ ،‬فإن المبدأ يجب‬
‫أن يبقى سليمًا‪ ،‬وهي عداوتهم ما بقينا‪ ،‬وكرههم لجل الله ما حيينا‪ ،‬أن‬
‫نكرههم وأن نبغضهم‪ ،‬حتى لو لم نستطع أن نقاتلهم‪ ،‬يجب أن تكون العقيدة‬
‫في هذه المسألة واضحة‪ .‬ثم انظر إلى ما يقوله صاحب كتاب‪ :‬السنة النبوية‬
‫بين أهل الفقه وأهل الحديث ‪ ،‬يقول‪ :‬ول ريب أن هؤلء النصارى عرب أنقياء‪،‬‬
‫والعربي الصحيح ‪-‬وإن لم يكن مسلما ً وضع هذه الجملة العتراضية في‬
‫العتراض‪ -‬وإن لم يكن مسلما ً فله موقف كريم من إخوانه المسلمين‪.‬‬
‫سبحان‬

‫)‪(6 /‬‬

‫الله! معروف أن النصارى العرب من ألعن أنواع النصارى‪ ،‬إن لم يكونوا هم‬
‫ألعن أنواع النصارى على الطلق‪ ،‬وما ابتليت المة في هذا الزمان بمثلهم‪،‬‬
‫والتاريخ معروف‪ .‬ثم كيف يقال‪ :‬له موقف كريم من إخوته المسلمين؟! ما‬
‫هي الخوة أيها الخوة؟! أي نوع من الخوة هذه؟ كيف نشأت رابطة أخوة‬
‫بيننا وبينهم؟ قال‪ :‬وإن وقف ‪-‬أي‪:‬هذا النصراني‪ -‬إيمانه بالنبوة إلى عيسى بن‬
‫مريم‪ ،‬فلن يبخس محمد بن عبد الله حقه‪ .‬قل لي‪ :‬كيف لن يبخسه حقه إذا‬
‫لم يؤمن به رسول ً خاتم النبياء؟! كيف لم يبخسه حقه إذا كان يقول‪ :‬ل أؤمن‬
‫بنوبته‪ ،‬أو يقول‪ :‬نبي مثل غيره‪ ،‬ل ميزة لشريعته‪ ،‬ول ينسخ نبوة من قبله‪،‬‬
‫وليس دينه خاتم الديان ول نبوته خاتم النبوات‪ ،‬أليس هذا من البخس‬
‫العظيم؟! أما قال النبي عليه الصلة والسلم‪) :‬أنه ل يسمع بي يهودي ول‬
‫نصراني ثم ل يؤمن بي إل دخل النار( ؟ ثم يقول هذا‪ :‬فلن يبخس محمد بن‬
‫عبد الله حقه بوصفه سيد رجالت العروبة‪ ،‬ومؤسس نهضتها الكبرى‪ .‬هل‬
‫النبي عليه الصلة والسلم بعث ليكون سيد العروبة أم سيد الناس والعالم؟‬
‫هل كانت المشكلة بين محمد عليه الصلة والسلم وكفار قريش العروبة؟!‬
‫هل كانت القضية أنهم إذا اجتمعوا معه على العروبة انتهت القضية‪ ،‬أو كانت‬
‫المشكلة والقضية هي‪ :‬ل إله إل الله التي رفضوا أن يقولوها؟ أليس هذا هو‬
‫محور الصراع والحرب التي قامت بينه وبين قريش؛ العرب النقياء من جهة‬
‫العروبة‪ ،‬الحرب قامت بينه وبينهم في بدر و أحد والخندق وفتح مكة وغيرها‪،‬‬
‫قامت حرب أريقت فيها الدماء‪ ،‬أمن أجل أن يكون سيد العروبة؟ إذا ً فلماذا‬
‫امتدت فتوحاته إلى خارج الجزيرة ؟ ولماذا ذهب إلى تبوك بلد النصارى؟‬
‫نشر الوعي بين المسلمين تجاه هذه القضايا‪:‬‬
‫هذا التمييع أيها الخوة! هذا الذي يقرأه كثير من الناس في الوسائل السيارة‪،‬‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويسمعونه في هذه الوسائل المسموعة والمنظورة‪ ،‬هذا الكلم الذي نقوله‬


‫هو ما ُيدس للمسلمين‪ ،‬فهل نعقل ونميز؟ وهل نكون على مستوى الوعي؟‬
‫ة‬
‫ن ب َي ّن َ ٍ‬
‫ك عَ ْ‬‫ن هَل َ َ‬
‫م ْ‬‫ك َ‬‫إن هذه مسألة خطيرة أيها الخوة؛ لن الله قال‪ :‬ل ِي َهْل ِ َ‬
‫ن ب َي ّن َةٍ ]النفال‪ [42:‬فل بد أن تكون هناك بينة؛ لتبين للناس‬ ‫ي عَ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫حَيى َ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫ن‬
‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫ما نّزل إليهم‪ ،‬البينة والبيان‪ ،‬والله ل يرضى أن يختلط الحق بالباطل‪َ :‬‬
‫َ‬
‫ب ]آل‬ ‫ن الط ّي ّ ِ‬‫م َ‬‫ث ِ‬‫خِبي َ‬ ‫ميَز ال ْ َ‬
‫حّتى ي َ ِ‬ ‫م عَل َي ْهِ َ‬
‫ما أن ْت ُ ْ‬‫ن عََلى َ‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ه ل ِي َذ ََر ال ْ ُ‬
‫الل ّ ُ‬
‫عمران‪ [179:‬ل بد أن يميز الخبيث من الطيب ‪ ،‬هذا التمييز الذي نريده أن‬
‫يكون موجودا ً في حس المسلم وعقله‪ ،‬وأن يكون عنده علم يدفع به‬
‫شبهات‪ ،‬العلم يا إخوان هو الذي تعرف به‪ ،‬هل ما يعرض عليك حق أم‬ ‫ال ُ‬
‫باطل؟ نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الفقه في دينه‪ ،‬والتمسك بسنة‬
‫نبيه محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬اللهم اجعلنا من أهل الهدى والتقوى‪ ،‬ومن‬
‫المتمسكين بالعروة الوثقى‪ ،‬اللهم أحينا مسلمين‪ ،‬وتوفنا مؤمنين‪ ،‬وألحقنا‬
‫بالصالحين غير خزايا ول مفتونين‪ ،‬اللهم اجمع شملنا على التوحيد يا رب‬
‫العالمين‪ ،‬اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا‪ ،‬وأخرجنا من الظلمات إلى‬
‫النور‪ ،‬واهدنا سبل السلم‪ ،‬واجعلنا سلما ً لوليائك‪ ،‬حربا ً على أعدائك‪ ،‬نحب‬
‫بحبك من أحببت‪ ،‬ونبغض من أبغضت إنك سميع الدعاء‪ .‬اللهم إنا نسألك‬
‫المن واليمان في بلدنا وسائر بلد المسلمين‪ ،‬ومن أراد بلدنا هذا بسوء؛‬
‫ت علينا المن واليمان‪ ،‬إنك أنت سميع الدعاء يا‬ ‫فاجعل كيده في نحره‪ ،‬ث َب ّ ْ‬
‫رحمن‪ .‬سبحان ربك رب العزة عما يصفون‪ ،‬وسلم على المرسلين‪ ،‬والحمد‬
‫لله رب العالمين‪.‬‬
‫) مؤامرة تمييع الدين )‪( (2‬‬
‫عناصر الموضوع ‪:‬‬
‫العصرانيون وانهزاميتهم‬
‫انحراف الفهم عند النهزاميين‬
‫من الحكام التي تتعلق بالحج والضحية‬
‫مؤامرة تمييع الدين )‪(2‬‬
‫ختم الله الديان بالسلم‪ ،‬وجعله صالحا لكل زمان ومكان‪ ،‬وعليه فنحن في‬‫ً‬
‫غنى عن غيره من الفكار البشرية والديان‪ ،‬ول يجوز الخروج عن أحكامه‬
‫مجاراة للحضارة‪ ،‬ول تمييعها استجابة لضغط الواقع المتوهم‪.‬‬
‫العصرانيون وانهزاميتهم‪:‬‬
‫إن الحمد لله‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور أنفسنا‬
‫وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله فل مضل له ومن يضلل فل هادي له‪ ،‬وأشهد‬
‫أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله‪ .‬أما بعد‪:‬‬
‫عباد الله‪ :‬فقد تحدثنا في الخطبة الماضية عن ظاهرة تمييع الدين‪ ،‬التي‬
‫يسعى إليها بعض المنتسبين إلى المسلمين‪ ،‬ويقودون فيها حربا ً على‬
‫التمسك بالدين‪ ،‬بكل صغيرة وكبيرة فيه‪ ،‬كما أمرنا الله تعالى بأن نستمسك‬
‫خُلوا‬ ‫بجميع العرى‪ ،‬وأن نأخذ بجميع الشرائع والحكام‪ ،‬كما قال عز وجل‪ :‬اد ْ ُ‬
‫ة ]البقرة‪ [208:‬أي‪ :‬تمسكوا بجميع شعب السلم واليمان‪،‬‬ ‫كافّ ً‬ ‫سل ْم ِ َ‬ ‫ِفي ال ّ‬
‫وهؤلء يريدون أن يميعوا هذه الحكام‪ ،‬وأن يحذفوا أشياء مما ل يروق لهم‪،‬‬
‫صلونه كيف يشاءون‪ ،‬ويتسع عندهم‬ ‫وأن يجعلوا هذا الدين ثوبا ً فضفاضا ً يف ّ‬
‫لكل شيء يلبسونه به‪ ،‬سواء كان حقا ً أم باط ً‬
‫ل‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ضغط الواقع هل هو مصدر من مصادر التشريع؟‬


‫ً‬
‫إن مما دفع إلى اتخاذ هذا التمييع ‪-‬أيها الخوة‪ -‬قضية خطيرة نادرا ما ينجو‬
‫منها الواحد منا‪ ،‬أل وهي النهزامية وضغط الواقع على النسان المسلم‪،‬‬
‫وعندما نظر بعض هؤلء إلى الواقع وما فيه‪ ،‬وتسلط الكفار على المسلمين‬
‫وهيمنتهم وسيادتهم في العالم بزعمهم‪ ،‬فإنهم تحت هذا الضغط صاروا‬
‫يقدمون التنازل تلو التنازل‪ ،‬والفتاوى الشاذة باسم الواقع وظروفه‪،‬‬
‫ويفصلون من السلم فستانا ً يناسب الذوق الغربي‪ .‬وكأن الواقع صار عندهم‬
‫مصدرا ً من المصادر التشريعية‪ ،‬فكأنهم قالوا‪ :‬مصادر التشريع القرآن والسنة‬
‫والقياس والجماع والواقع‪ ،‬ول تخلو هذه النهزامية من نظرة انبهار للغرب‬
‫ولما عندهم‪ ،‬ول تخلو هذه النهزامية وهذا المنهج في التمييع‪ ،‬من التأثر بقادة‬
‫النحلل الفكري في المسلمين‪.‬‬
‫من أقوال النهزاميين في التأثر بالغرب‪:‬‬
‫إنه تأثر بمنهج المنحرفين أمثال‪ :‬سلمة موسى و طه حسين ‪ ،‬حيث يقول‬
‫الول‪ :‬كلما ازددت خبرة وتجربة توضحت أمامي أنه يجب علينا أن نخرج من‬
‫آسيا ‪ ،‬وأن نلتحق بأوروبا ‪ ،‬فإني كلما زادت معرفتي بالشرق زادت كراهيتي‬
‫له‪ ،‬وشعوري بأنه غريب عني‪ ،‬وكلما زادت معرفتي بأوروبا‪ ،‬زاد حبي لها‬
‫وتعلقي بها‪ ،‬وشعوري بأنها مني وأنا منها‪ ،‬هذا هو مذهبي الذي أعمل له طول‬
‫حياتي سرا ً وجهرًا‪ ،‬فأنا كافٌر بالشرق مؤمن بالغرب‪ .‬ثم يقول‪ :‬الرابطة‬
‫الشرقية سخافة‪ ،‬فما لنا ولهذه الرابطة الشرقية‪ ،‬وأي مصلحة تربطنا بأهل‬
‫جاوه ‪ ،‬وماذا ننتفع بهم؟ وماذا ينتفعون بنا؟ إننا في حاجة إلى رابطة غربية‪،‬‬
‫ثم يقول‪ :‬وما الفائدة من تأليف رابطة مع الهندي أو الجاوي؟ فما هو‬
‫المقصود ‪-‬أيها الخوة‪ -‬بهذه العبارات؟ قطع الصلت بين المسلمين‪ ،‬وتدمير‬
‫القاعدة السلمية في أن المؤمنين إخوة‪ ،‬وإن السلم يوحد بين الجناس‬
‫على هدي الدين‪ ،‬فإذا أسلموا صاروا سواء‪ ،‬أليس هذا مما نعرفه قطعا ً من‬
‫دين السلم؟ أيها الخوة‪ :‬إن هؤلء يريدون أن يجعلوا نسبا ً بين المسلم‬
‫والكافر‪ ،‬ويقطعوا نسب المسلم بأخيه المسلم‪ ،‬هذه الحقيقة‪ ،‬لجل الهزيمة‬
‫التي يحسون بها‪ ،‬يريدون النبتات والنقطاع عن السلم وأهله‪ ،‬والرتباط‬
‫بالغرب وأهله‪ .‬ويقول طه حسين في السبيل للخروج من الهزيمة التي‬
‫نعيشها‪ ،‬يقول‪ :‬السبيل إلى ذلك واحدة‪ ،‬وهي‪ :‬أن نسير سير الوربيين ونسلك‬
‫طريقهم‪ ،‬لنكون لهم أندادًا‪ ،‬ولنكون لهم شركاء في الحضارة خيرها وشرها‪،‬‬
‫حلوها ومرها‪ ،‬ما يحب منها وما ُيعاب‪ .‬إذا ً لبد أن نسير سير الغربيين ونأخذ‬
‫بكل شيء‪ ،‬بما ُيحب وما ُيعاب‪ ،‬هذه هي الفلسفة التي يقولون بها‪ ،‬فتأثر بها‬
‫هؤلء حتى جعل واحد منهم ‪-‬أيها الخوة‪ -‬قاعدة أصولية عجيبة يقول فيها‪:‬‬
‫شرع المتقدمين علينا حضاريا ً شرع لنا‪ ،‬عند المسلمين قاعدة يناقشها علماء‬
‫الصول‪ ،‬هل شرع من قبلنا شرع لنا أم ل؟ هل شرع موسى أو شرع عيسى‬
‫شرع لنا أم ل؟ وقالوا‪ :‬بأن شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يرد له ناسخ في‬
‫شرعنا‪ ،‬أو لم يتعارض مع شرعنا‪ ،‬قال به بعض علماء الصول؛ لن النبي‬
‫ده ]النعام‪ [90:‬فقالوا‪:‬‬ ‫م اقْت َ ِ‬ ‫صلى الله عليه وسلم قيل له في القرآن‪ :‬فَب ِهُ َ‬
‫داهُ ُ‬
‫شرع من قبلنا من النبياء إذا لم ينسخ في شرعنا‪ ،‬ولم يتعارض معه شرع‬
‫لنا‪ .‬فماذا قال هذا الصولي الحديث؟ شرع المتقدمين علينا حضاريا ً شرع لنا‪،‬‬
‫إذا ً شرع الكفار هو شرع لنا‪ ،‬أرأيتم خطورة هذه العبارة أيها الخوة! وما‬
‫يدندن حوله هؤلء؟! أن تصير طريقة الكفار هي طريقتنا‪ ،‬وأن نهتدي بهديهم‪،‬‬
‫ونسير على منوالهم‪ ،‬والنبي صلى الله عليه وسلم قال‪) :‬لتتبعن سنن من‬
‫كان قبلكم‪ ،‬حذو القذة بالقذة( حذرنا من ذلك وقال‪ :‬حتى لو دخلوا جحر ضب‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لدخلتموه‪ ،‬وهذا عين ما قاله طه حسين ‪ ،‬حلوها ومرها‪ ،‬ما ُيحب وما ُيعاب‪،‬‬
‫أن نسير على طريقتهم‪ ،‬والنبي صلى الله عليه وسلم حذر وقال‪) :‬حتى لو‬
‫دخلوا جحر ضب لدخلتموه(‪ .‬إن الله تعالى قد حذر نبيه صلى الله عليه وسلم‬
‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫فت َرِ َ‬ ‫ك ل ِت َ ْ‬ ‫ذي أوْ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ك عَ ِ‬ ‫كاُدوا ل َي َ ْ‬
‫فت ُِنون َ َ‬ ‫ن َ‬
‫من التأثر بضغوط الكفار‪ :‬وَإ ِ ْ‬
‫خِليل ً ]السراء‪ .[73:‬كادوا أن يفتنوك لتفتري علينا‬ ‫ك َ‬‫ذو َ‬‫خ ُ‬‫عَل َي َْنا غَي َْرهُ وَِإذا ً َلت ّ َ‬
‫ك لَ َ‬ ‫َ‬
‫قد ْ‬ ‫ن ث َب ّت َْنا َ‬‫ول أ ْ‬ ‫غيره تحت ضغطهم وضغط واقعهم‪ ،‬ولكن الله ثبته‪ )) :‬وَل َ ْ‬
‫َ‬
‫شْيئا ً قَِليل ً (( ]السراء‪ [74:‬ثم قال تعالى‪ِ :‬إذا لذ َقَْنا َ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫ف‬
‫ضعْ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫ت ت َْرك َ ُ‬
‫ك ِد ْ َ‬
‫ت ]السراء‪ [75:‬لجاءك العذاب مضاعفا‪ً.‬‬ ‫ما ِ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫ف ال َ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫حَياةِ وَ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫الجهاد وإقامة الحدود همجية عند العصرانيين‪:‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫أيها الخوة‪ :‬طريقة الدين واضحة متميزة‪ ،‬ليس لنا نسب مع أولئك القوم‪ ،‬بل‬
‫إن الله ل يرضى لعباده الكفر‪ ،‬بل إن الله أمرنا بمقاتلتهم عند القدرة‬
‫والستطاعة ولبد من ذلك‪ ،‬ثم قام هؤلء يجارون الغربيين‪ ،‬انظر في‬
‫الطروحات التي تسمعها صباح مساء؛ ما هي السيرة عند هؤلء المستنيرين‬
‫‪-‬العقلنيين‪ -‬بزعمهم‪ ،‬وليس لهم من العقل نصيب؛ لن العقل الصحيح‬
‫الصريح ل يعارض ما جاء عن الله ورسوله‪ ،‬لكن عقول مريضة‪ ،‬ثم ينتسبون‬
‫إلى العقل بزعمهم‪ .‬هزيمة تلو هزيمة‪ ،‬تراجعات تحت ضغوط الكفار‪ ،‬لما‬
‫اعترض الغربيون على أحكام الجهاد‪ ،‬ماذا قال هؤلء المنهزمون‪ :‬مالنا‬
‫وللجهاد يا سادة؛ نعوذ بالله من الهمجية‪ ،‬ولما اعترض الغربيون على الرق‪،‬‬
‫ل‪ ،‬فيحرمون ما أحل الله‪ ،‬والله حكيم حيث‬ ‫قال هؤلء‪ :‬إنما هو حرام عندنا أص ً‬
‫سنه وشرعه‪ ،‬ول يستطيع أحد أن يلغي شرع الله تعالى‪.‬‬
‫موقف العصرانيين من تعدد الزوجات‪:‬‬
‫ولما أطال هؤلء الغربيون وأذنابهم لسان القدح في تعدد الزوجات‪ ،‬جاء‬
‫هؤلء المنهزمون ينسخون بضللهم وجهلهم آيات القرآن ويحرفون الكلم عن‬
‫مواضعه‪ .‬ويقولون‪ :‬ل تعدد في الدين‪ ،‬وإنه ل يمكن العدل‪ ،‬وإذا ً ل يجوز‬
‫ل وقَل ُّبوا ل َ َ ُ‬
‫ك اْل ُ‬
‫موُر ]التوبة‪:‬‬ ‫ن قَب ْ ُ َ‬
‫م ْ‬
‫ة ِ‬ ‫وا ال ْ ِ‬
‫فت ْن َ َ‬ ‫التعدد‪ ،‬وخلطوا المور‪ :‬ل َ َ‬
‫قدِ اب ْت َغَ ُ‬
‫‪ [48‬خلطوها ببعضها‪ ،‬ل يمكن العدل في المحبة القلبية‪ ،‬لكن يمكن العدل‬
‫في المبيت والنفقة‪ ،‬وليس النسان المسلم مطالبا ً بأن يعدل في المحبة‬
‫القلبية‪ ،‬والنبي عليه الصلة والسلم كان يحب عائشة أكثر من بقية نسائه‪،‬‬
‫ومع ذلك تزوج أكثر من واحدة‪ ،‬ولم يكن ظالما ً عليه الصلة والسلم إطلقًا‪.‬‬
‫إذا ً لن تعدلوا في المحبة القلبية‪ ،‬ولكن إذا عدلتم في المبيت والنفقة‪،‬‬
‫ما قال الغربيون‪ :‬لبد من مساواة الرجل‬ ‫فتزوجوا مثنى وثلث ورباع‪ ،‬ول ّ‬
‫بالمرأة في جميع نواحي الحياة‪ ،‬وافقهم هؤلء المنهزمون‪ ،‬وقالوا‪ :‬هذا هو‬
‫الذي ينادي به ديننا ويدعو إليه‪ ،‬ولذلك رفضوا مبدأ أن تكون المرأة غير‬
‫متولية للوليات العامة؛ كما قال بذلك أهل السلم استنادا ً على حديث النبي‬
‫م ولوا أمرهم امرأة(‪ .‬ولذلك ل تتولى‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪) :‬لن يفلح قو ٌ‬
‫المرأة ولية عامة في المجتمع السلمي‪ ،‬ل خلفة ول وزارة ول قضاء؛ لنها‬
‫ل يمكن أن تقوم بحجابها المفروض عليها‪ ،‬وتحريم الخلوة المفروض‪،‬‬
‫والحيض والنفاس الذي هو من طبيعتها‪ ،‬وضعف عقلها مقابل قوة عاطفتها‪ ،‬ل‬
‫يمكن أن تقوم بولية عامة‪ .‬ولو ُوجد لذلك حالت شاذة‪ ،‬فإن الدين ل ُيبنى‬
‫ل‪ ،‬ولما قام هؤلء بالهجوم‬ ‫على الشواذ‪ ،‬وليست الحالت الشاذة قاعدة أص ً‬
‫على الحدود الشرعية‪ ،‬وقالوا‪ :‬إنها همجية في رجم الزاني المحصن‪ ،‬وقطع‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يد السارق ونحو ذلك‪ ،‬قام هؤلء يوافقون الغرب ويقولون‪ :‬ل رجم في‬
‫السلم‪ ،‬ويقولون‪ :‬إن إنزال الحد ل يتفق مع روح القرآن‪ ،‬وإن تحويل‬
‫المجتمع إلى مجموعة من المشوهين ل تريده الشريعة‪ .‬وهذا في الحقيقة‬
‫استهزاء بحدود الله تعالى‪ ،‬ولذلك فإن هؤلء أذناب الغرب المنهزمين من‬
‫أبنائنا‪ ،‬يقولون‪ :‬بعدم معاقبة المرتد‪ ،‬وينكرون حد الردة‪ ،‬وينكرون رجم الزاني‬
‫المحصن‪ ،‬وليس على شارب الخمر حد معين عندهم‪ ،‬ويجوز للمرأة المسلمة‬
‫أن تتزوج باليهودي والنصراني؛ لن هناك ضغطا ً من الخارج‪ ،‬يقول‪ :‬لماذا‬
‫تفرقون؟ لماذا ليس عندكم مساواة؟ أين العدل؟ لماذا ل تتزوج المسلمة‬
‫يهوديا ً أو نصرانيًا؟ فلتتزوج‪ ،‬فقال هؤلء بجواز الزواج وقرروه‪ ،‬والله تعالى‬
‫ن ]الممتحنة‪َ ..[10:‬ول‬ ‫ن ل َهُ ّ‬
‫حّلو َ‬
‫م يَ ِ‬
‫م َول هُ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬
‫ح ّ‬‫ن ِ‬ ‫قال في كتابه العزيز‪ :‬ل هُ ّ‬
‫مُنوا ]البقرة‪ [221:‬ل تزوج ابنتك ول أختك إلى‬ ‫حّتى ي ُؤْ ِ‬ ‫ن َ‬
‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫حوا ال ْ ُ‬
‫ت ُن ْك ِ ُ‬
‫مُنوا( فقال هؤلء‪ :‬بلى‪ ..‬يجوز أن‬ ‫حّتى ي ُؤْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫حوا ال ُ‬‫مشرك‪َ) :‬ول ت ُن ْك ِ ُ‬
‫تنكح‪ .‬عاندوا الشريعة‪ ،‬وخرجوا عن أحكام الدين‪ ،‬وكذبوا بشرع الله تعالى‪،‬‬
‫وعاندوا أحكامه‪ ،‬كل ذلك تحت مطرقة الضغط‪ ،‬وتحت الضغوط تأتي‬
‫النهزامية‪ ،‬وتقدم التراجعات‪ ،‬ويقال‪ :‬السلم دين سماحة‪ ،‬وليس دين جهاد‬
‫ول دين حدود‪ُ ،‬تنسف الشياء هكذا‪ ،‬يريدون إلغاءها بجرة قلم‪ ،‬إنه انهزام‬
‫أمام الكفرة‪ .‬أين عزة المسلم الذي يفتخر بشريعته؟ أين العزة المسلم الذي‬
‫يرى أن هذه القوانين الغربية تتهاوى وتسقط وتثبت فشلها يوما ً بعد يوم؟!‬
‫إن الشريعة ‪-‬أيها الخوة‪ -‬مفخرة للمسلمين‪ ،‬ول يمكن إنقاذ العالم من الظلم‬
‫إل بتطبيق الشريعة السلمية‪.‬‬
‫انحراف الفهم عند النهزاميين‪:‬‬
‫إن تهمة الجمود قد ألصقها هؤلء بفقهاء المسلمين و السلف الصالح ‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫هؤلء ‪-‬أي السلف الصالح ‪ -‬نصيون حرفيون‪ ،‬انظر للسب للسلف ‪ ،‬يقولون‪:‬‬
‫السلف نصيون حرفيون‪ ،‬وأهل نصوص‪ ،‬وجامدون‪ ،‬ونحن نريد أن نحرر هذا‬
‫الجمود‪ ،‬وأن نطلق الحرية للجتهاد‪ ،‬ومناسبة الواقع‪ .‬ولذلك قال واحد منهم‪:‬‬
‫ضعوا من المواد ما يبدو لكم أنه يوافق الزمان والمكان ‪-‬أي‪ :‬العصر الحاضر‪-‬‬
‫وأنا ل يعوزني بعد ذلك أن آتيكم بنص من المذاهب يطابق ما وضعتم‪.‬‬
‫رأي النهزاميين تجاه الفنون‪:‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫فإذا ً تحت الضغط يحدث التراجع‪ ،‬ولما عاب بعضهم على السلم أنه يعادي‬
‫ما يسمونه بالفنون الجميلة‪ ،‬كالموسيقى‪ ،‬ونحت التماثيل‪ ،‬والتصاوير‪،‬‬
‫والرقص‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬قام هؤلء المنهزمون منا يقولون‪ :‬كل‪ ،‬بل إن السلم‬
‫ض عليها‪ ،‬وأنه يقر الرقص والموسيقى‬ ‫يحتضن هذه الفنون ويشجع عليها‪ ،‬ويح ُ‬
‫والتصوير والغناء ونحت التماثيل‪ ،‬من الذي سماها فنون جميلة؟ أليس أولئك‬
‫الكفرة؟ أليست عندنا فنون قبيحة؟ أليس النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫)كل مصور في النار( أليس يقال لمن صنع تمثال ً من ذوات الرواح يضاهئون‬
‫خلق الله‪ ،‬يقال لهم يوم القيامة‪ :‬أحيوا ما خلقتكم؟ أليس النبي صلى الله‬
‫ب ول صورة من صور‬ ‫عليه وسلم قد أخبر أن الملئكة ل تدخل بيتا ً فيه كل ٌ‬
‫ذات الرواح؟ ل يجوز إل ما اتخذ للحاجة كالثباتات‪ ،‬وتتبع المجرمين‪ ،‬وغير‬
‫ذلك من الحاجات والضرورات‪ ،‬وأما التزيين فل يجوز بذلك أبدًا‪ ،‬وكذلك رقص‬
‫النساء أمام الرجال ومخاصرتهم‪ ،‬وكذلك الموسيقى التي حرمها السلم‪ ،‬لما‬
‫تسبب من الدمان والصد عن ذكر الله‪ ،‬ل تجتمع اللحان مع قراءة القرآن‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في جوف عبد ول يمكن‪.‬‬


‫أولويات الدعوة ل تجيز تحليل ما حرم الله‪:‬‬
‫أيها الخوة‪ :‬إن هذه النهزاميات تدلنا بوضوح على مقدار ما وصل إليه القوم‬
‫من النحراف‪ ،‬مما ُيوجب على أبناء المسلمين أن يكونوا في غاية الوعي‬
‫لمثل هذه الدسائس‪ ،‬وقال بعضهم يوصي الدعاة إلى الله وصية عجيبة‬
‫للغاية‪ ،‬صاحب كتاب السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث ‪ :‬وأوصي‬
‫الدعاة الذين يذهبون إلى كوريا أل يفتوا بتحريم لحم الكلب‪ ،‬فالقوم يأكلونه‪،‬‬
‫وليس لدينا نص يفيد الحرمة‪ ،‬ول نريد أن نضع عوائق أمام كلمة التوحيد‪،‬‬
‫سبحان الله! ليس لدينا نص يفيد الحرمة‪ ،‬أولئك يأكلون الميتة أليس كذلك؟‬
‫ويأكلون الخنزير أليس كذلك؟ إذا ً ل نفتي بتحريم الخنزير حتى ل نضع عائقا ً‬
‫زيرِ ]المائدة‪[3:‬‬ ‫خن ْ ِ‬‫م ال ْ ِ‬ ‫م وَل َ ْ‬
‫ح ُ‬ ‫ة َوالد ّ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫مي ْت َ ُ‬ ‫ت عَل َي ْك ُ ُ‬
‫م ْ‬‫حّر َ‬
‫أمام كلمة التوحيد‪ُ :‬‬
‫والنبي صلى الله عليه وسلم قطع بتحريم ذوات النياب وذوات المخالب‪،‬‬
‫والكلب من أي قسم؟ ما بال هؤلء القوم ل يكادون يفقهون حديثًا‪ .‬فرق أن‬
‫يؤجل الداعية الخبار بالحكم‪ ،‬ويبدأ بالساسيات والمور العقدية‪ ،‬لكن أن‬
‫يفتي بإباحة لحم الكلب طمأنة لولئك القوم لنهم يستلذون به ويحبونه‪.‬‬
‫وعجبا ً أيها الخوة! نحن لو دعونا بوذيا ً يأكل الكلب فلن نبدأ معه بتحريم لحم‬
‫الكلب‪ ،‬بل نبدأ معه بل إله إل الله‪ ،‬نبدأ معه بكلمة التوحيد والدعوة إلى‬
‫السلم‪ ،‬عندنا ستة في أركان اليمان ندعوه إليها‪ ،‬وخمسة في أركان السلم‬
‫ندعو إليها‪ ،‬وبعد ذلك إذا استقر دينه وإيمانه أخبرناه بتحريم الميتة والخنزير‬
‫والخمر ولحم الكلب وغيرها‪ ،‬أما أن نفتيه بإباحة ذلك إن ذلك ضلل مبين‪ ،‬إن‬
‫ذلك تحريف للكلم عن مواضعه‪.‬‬
‫ولية المرأة بين الشرع والنهزامية‪:‬‬
‫ويقول هذا المنهزم أيضًا‪ :‬إننا لسنا مكلفين بنقل تقاليد عبس وذبيان إلى‬
‫أمريكا و أستراليا ‪ ،‬إننا مكلفون بنقل السلم فحسب‪ ،‬وإذا ارتضوا أن تكون‬
‫المرأة حاكمة أو قاضية أو وزيرة فلهم ما شاءوا‪ ،‬إذا كانوا كفارا ً فليس دون‬
‫شئ ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫مُلوا َ‬
‫ما ِ‬ ‫الكفر شيء‪ ،‬فليفعلوا ما شاءوا‪ ،‬كما قال الله تعالى‪ :‬اعْ َ‬
‫]فصلت‪ [40:‬مهددا ً ومتوعدًا‪ ،‬لكن أن نقول‪ :‬اطمئنوا يا دعاة مساواة المرأة‬
‫بالرجل‪ ،‬فإنه يجوز في شرعنا أن تتولى المرأة الولية العامة‪ ،‬ونخالف النص‬
‫الصحيح الذي رواه البخاري عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫)لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة( أن نخالف ذلك‪ ،‬وما جرى عليه عمل‬
‫الخلفاء الربعة‪ ،‬ومن بعدهم من أئمة المسلمين وعلمائهم من عدم الجواز‬
‫ونقول‪ :‬يجوز ذلك؛ انهزاما ً أمام الكفرة‪ ،‬فلماذا أيها الخوة؟ من أجل عيون‬
‫الكفرة نتنازل عن شرعنا‪ ،‬أيهما أغلى عندنا شريعتنا أم الكفرة؟ هذه هي‬
‫القضية الخطيرة‪ ،‬أيهما تقدم؟ ما هي الولويات لديك؟ لماذا هذا التمييع؟ أمن‬
‫أجل عيون الكفرة نميع ديننا؟ وقال واحد من القوم‪ :‬لول حكاية القرآن آيات‬
‫الله التي أيد بها موسى وعيسى عليهما السلم‪ ،‬لكان إقبال أحرار الفرنج‬
‫عليه ‪-‬أي‪ :‬على السلم‪ -‬أكثر‪ ،‬واهتدائهم به أسرع وأعم‪ ،‬ماذا يقصد؟‬
‫المعجزات النبوية عصا موسى‪ ،‬وما قيض الله لعيسى من المعجزات في‬
‫شفاء المريض‪ ،‬وإحياء الميت بإذن الله إلى آخره‪ ،‬قال‪ :‬هذه عوائق لو لم‬
‫تكن موجودة في القرآن كان إسلم الكفار أسرع‪ ،‬سبحان الله! من أجل‬
‫حفنة من هؤلء الفرنج تصل النهزامية بنا إلى حد أن نتمنى أن الله لم‬
‫يذكرها في القرآن‪ ،‬القضية خطيرة جدًا!‬
‫موقف النهزاميين من الفكار والنظمة الغربية‪:‬‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫ولما قام هؤلء الغربيون يتباهون بما لديهم من النظمة كالديمقراطية و‬


‫الشتراكية ‪ ،‬قام هؤلء المنهزمون يقولون‪ :‬عندنا في السلم نفس الشيء‪،‬‬
‫الديمقراطية هي الشورى‪ ،‬سبحان الله! مولود مشوه ولد من رحم الغرب‬
‫الكافر ) الديمقراطية أو الشتراكية ( يساوي ما أنزله الله الحكيم العليم‬
‫الخبير من فوق سبع سماوات؛ في هذا القرآن الحكيم الكريم المجيد على‬
‫النبي محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬هذا يساوي هذا‪ ،‬وتطبيقهم هو هذا‪ ،‬عجبا ً‬
‫كيف تستوي هذه المور؟ أين الشورى التي فيها أهل الحل والعقد والعلم‬
‫والعقل من تلك الديمقراطية التي ينتخب فيها الخمار والسكير والحشاش‬
‫والزاني والمعتوه والبليد والسفيه؟ أصوات متساوية مع العاقل والعالم‬
‫عندهم؛ فأي عقل لديهم في هذا؟ ثم أي عقل لدى هؤلء الذين يقولون‪ :‬إن‬
‫السلم أخوة في الدين و اشتراكية في الدنيا‪ ،‬ويقولون‪ :‬اشتراكية السلم‪.‬‬
‫وقال بعضهم في كتابه يدافع عن السلم بزعمه‪ :‬إن أبا ذر كان اشتراكيًا‪،‬‬
‫وإنه استقى نزعته الشتراكية عن الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهذا هو‬
‫الفتراء والله‪ ،‬وهكذا يريدون أن يقولوا‪ :‬إن المبادئ الغربية موجودة في‬
‫حلف‬‫السلم‪ ،‬نعم إن السلم قد أقر ما كان في الجاهلية من الخير‪ ،‬ك ِ‬
‫الفضول لما كان متضمنا ً من رفع الظلم عن المظلوم‪ ،‬فأقرها النبي عليه‬
‫سر بحضوره‪ ،‬لكن أن نأخذ كل ما فصله‬ ‫الصلة والسلم‪ ،‬وأخبر بعد البعثة أنه ُ‬
‫القوم وما انتقوه وما اختاروه‪ ،‬ونقول‪ :‬موجود عندنا لنطمئن الغربيين‪..‬‬
‫سبحانك هذا بهتان عظيم! وبالجملة أيها الخوة! يتصف هؤلء بصفات‬
‫واضحة‪ ،‬وقد ذكر الله لنا صفات المنافقين في القرآن لنحذرهم‪ ،‬ونحن ل بد‬
‫أن نذكر صفات هؤلء لنحذرهم ومنها‪ :‬تقديس العقل‪ ،‬وتقديم العقل على‬
‫النقل‪ ،‬الطعن في السلف الصالح أنهم حرفيون ونصيون ول يراعون الواقع‪،‬‬
‫التأثر بالضغوط والنهزامية‪ ،‬واللين مع أعداء الله‪ ،‬والشدة على أولياء الله‪،‬‬
‫التعالم‪ ،‬تفسير القرآن بما يخدم أهواءهم‪ ،‬رد ما شاءوا من الحاديث النبوية‪،‬‬
‫ضرب العقل بالنقل‪ ،‬تتبع زلت العلماء وسقطاتهم‪ ،‬تمجيد الفرق الضالة‪،‬‬
‫هدم الحواجز بين المسلمين ومن خالفهم‪ ،‬التلعب بالمصطلحات‪ ،‬والكذب‬
‫والتحايل‪ ،‬والتعجل في إصدار الحكام والفتوى بغير علم‪ ،‬هذه سماتهم‪ .‬نسأل‬
‫الله سبحانه وتعالى أن يعز دينه‪ ،‬وأن يعلي كلمة الدين‪ ،‬وأن ينصر من نصر‬
‫الدين‪ ،‬وأن يخذل من خذل المسلمين‪ ،‬أقول قولي هذا‪ ،‬وأستغفر الله لي‬
‫ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬
‫من الحكام التي تتعلق بالحج والضحية‪:‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬الرحمن الرحيم‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل‬


‫شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ .‬عباد الله! إن موسم الحج قد اقترب‪ ،‬ويجب على كل مسلم قادر‬
‫ج‬
‫ح ّ‬
‫س ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫بالغ قد استوفى الشروط أن يحج بيت الله الحرام‪ :‬وَل ِلهِ عَلى الّنا ِ‬
‫ن ]آل‬ ‫ن ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ي عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه غَن ِ ّ‬ ‫ن كَ َ‬
‫فَر فَإ ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫طاع َ إ ِل َي ْهِ َ‬
‫سِبيل ً وَ َ‬ ‫ست َ َ‬
‫نا ْ‬
‫م ِ‬ ‫ال ْب َي ْ ِ‬
‫ت َ‬
‫عمران‪ [97:‬وقال النبي صلى الله عليه وسلم‪) :‬عجلوا الخروج إلى مكة فإن‬
‫أحدكم ل يدري ما يعرض له من مرض أو حاجة( ول يجب على النسان‬
‫جل حتى‬ ‫المسلم أن يستدين للحج‪ ،‬بل من تمكن منه حج‪ ،‬ومن لم يتمكن أ ّ‬

‫‪203‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل وغيرها من‬ ‫يستطيع‪ ،‬وكذلك كل معذور من مريض وامرأة مرضٍع أو حام ٍ‬


‫أهل العذار؛ لهم أن يؤجلوا ذلك حتى يزول العذر‪ .‬وإذا حج النسان على‬
‫نفقته أو على نفقة غيره‪ ،‬فإن حجه مجزئ ول حرج عليه‪ ،‬ومن وجب عليه‬
‫الحج وأمكنه أن يفعله لبد أن يبادر إليه فورا ً ول يجوز التأخير‪ ،‬وبعض الناس‬
‫ح عنه فإن حجه ناقص‪ ،‬وهذا ل صحة له‪ ،‬وبعضهم‬ ‫يتوهمون أنه إذا حج ولم ُيض ّ‬
‫يربط بين الحج وقضاء صيام رمضان‪ ،‬وهذا الربط غير صحيح أيضًا‪ ،‬وإذا كان‬
‫ن قدم قضاء الدين على الحج‪ ،‬ول حرج عليه في ذلك‪،‬‬ ‫ً‬
‫النسان مطالبا بدي ٍ‬
‫فإذا سمح له صاحب الحق وأجله وأخره لما بعد الحج‪ ،‬فعل ذلك وكتب الدين‬
‫في وصية وذهب للحج‪ .‬وأما أهل البلدان من غير الحجاج‪ ،‬فإنهم سيشاركون‬
‫الحجاج في بعض الحكام أجرا ً لهم ومواساة لهم في أحكام الحج‪ ،‬فقد قال‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪) :‬من كان له ذبح يذبحه‪ ،‬فإذا أهل هلل ذي‬
‫الحجة‪ ،‬فل يأخذن من شعره ول من أظفاره شيئا ً حتى يضحي(‪ .‬إذا دخل‬
‫العشر وأراد أحدكم أن يضحي فل يمس من شعره ول من بشره شيئًا‪ ،‬فهذا‬
‫يدل على النهي‪ ،‬وظاهره التحريم عن أخذ شيء من الشعر والظفار‬
‫والبشرة لكل من أراد الضحية‪ ،‬ابتداء من أول ليلة الواحد من ذي الحجة‪،‬‬
‫فإذا عرفنا دخول ذي الحجة فمن تلك الليلة‪ ،‬يمتنع المسلم عن هذه الشياء‪،‬‬
‫إذا كان عنده أضحية أو نواها‪ .‬وكذلك فإن أهل النسان من الزوجة والولد ل‬
‫يجب عليهم اللتزام بهذا الحكم‪ ،‬وإنما الذي يلتزم هو الذي بذل الثمن‪ ،‬وهو‬
‫الذي نوى وأراد الضحية‪ ،‬سواء يذبحها بنفسه أو بتوكيل غيره‪ ،‬وتوكيله لغيره‬
‫ل يخرجه عن هذا الحكم‪ ،‬وعلى أية حال فإن الضحية صحيحة ولو خالف‪،‬‬
‫ولكن المخالفة فيها إثم يجب على المسلم أن يتورع عنه‪ ،‬وكل من عرضت‬
‫له حاجة في أخذ شيء من الظفر كما لو انكسر‪ ،‬أو احتاج لحلقة شعرٍ لجرح‬
‫أو غيره فل بأس به‪ ،‬ولما كان المضحي مشابها ً للمحرم بفعل بعض أحكام‬
‫الُنسك وهو الذبح‪ ،‬فالهدي للحاج‪ ،‬والضحية للمسلم في البلد‪ ،‬شاركه في‬
‫بعض أحكام محظورات الحرام‪ .‬وأما بالنسبة لهذه الضاحي‪ ،‬فإن استسمانها‬
‫واستحسانها من شعائر الدين‪ ،‬وسنأتي على ذلك في الخطبة القادمة بإذن‬
‫الله تعالى أو التي بعدها في هذه المسألة‪ .‬وأما شهر ذي القعدة فإذا لم نعلم‬
‫انقضاؤه بدخول ذي الحجة أكملناه ثلثين يومًا‪ ،‬وامتنعنا بعده لمن أراد أن‬
‫ل‪ ،‬يلزمهم ذلك‬ ‫ُيضحي‪ ،‬وكذلك فإن الذين يشتركون في أضحية عن ميتهم مث ً‬
‫الحكم‪ ،‬والمضحي يجوز له الطيب والجماع ولُبس المخيط وغير ذلك‪ ،‬وإنما‬
‫الذي يحظر عليه الخذ من الشعر والظفار والبشرة فقط‪ ،‬ولعلها تكون‬
‫فرصة لتباع السنة وللمداومة عليها في إطلق اللحية وغيرها‪ .‬أيها الخوة‪ :‬إن‬
‫الحاج ليس عليه أضحية‪ ،‬وإنما عليه الهدي إذا كان متمتعا ً أو قارنًا‪ ،‬وبناًء عليه‬
‫فإن الحاج إذا كان له هدي وليس له أضحية فإنه ل يلزمه هذا الحكم من أول‬
‫ذي الحجة‪ ،‬بل إنه يمتنع عن الخذ من الشعر والظفار وغيرها إذا أهل‬
‫بالحرام‪ .‬وأما من ترك أضحية في البلد‪ ،‬وأراد أن يذهب للحج وُيهدي هناك‪،‬‬
‫ذ‪ .‬نسأل الله سبحانه وتعالى أن‬ ‫فيلزمه ذلك الحكم من أول الشهر حينئ ٍ‬
‫يرزقنا فعل الخيرات‪ ،‬وترك المنكرات‪ ،‬وحب المساكين إنه سميع مجيب‬
‫قريب‪ .‬اللهم أعز السلم والمسلمين‪ ،‬وانصر من نصر الدين‪ ،‬اللهم انصر‬
‫المجاهدين في سبيلك يا رب العالمين‪ ،‬اللهم ارفع الظلم عن المستضعفين‬
‫من المسلمين‪ ،‬اللهم إنا نسألك العون لهم يا أرحم الراحمين‪ ،‬اللهم إنا‬
‫نسألك المن في البلد والنجاة يوم المعاد‪ ،‬اللهم ثبتنا على اليمان‪ ،‬ومن أراد‬
‫بلدنا هذا بسوء فاجعل كيده في نحره‪ ،‬اللهم إنا نسألك أن تغفر لنا ذنوبنا‪،‬‬

‫‪204‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتكفر عنا سيئاتنا‪ ،‬اللهم أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين‪ .‬سبحان ربك‬
‫م على المرسلين‪ ،‬والحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫رب العزة عما يصفون‪ ،‬وسل ٌ‬

‫)‪(12 /‬‬

‫‪205‬‬

You might also like