Professional Documents
Culture Documents
57
برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية
يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف
info@alsudairy.org.sa
هاتف 014 6245992 :فاكس014 6247780 : الجـوف 42421ص .ب 458
هاتف 016 4422497 :فاكس016 4421307 : الغ ـ ـ ــاط 11914ص.ب 63
www.alsudairy.org.sa الرياض 11614ص .ب 94781هاتف 011 2817094 :فاكس011 2811357 :
مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري
رئيساً فيصل بن عبدالرحمن السديري
عضواً سلطان بن عبدالرحمن السديري
زياد بن عبدالرحمن السديري العضو المنتدب
ملف ثقايف ربع سنوي يصدر عن
عضواً عبدالعزيز بن عبدالرحمن السديري
عضواً سلمان بن عبدالرحمن السديري مركز عبدالرحمن السديري الثقافي
عضواً د .عبدالرحمن بن صالح الشبيلي
هيئة النشر ودعم األبحاث
عضواً د .عبدالواحد بن خالد الحميد
رئيساً د .عبدالواحد بن خالد الحميد
سلمان بن عبدالمحسن بن محمد السديري عضواً
طارق بن زياد بن عبدالرحمن السديري عضواً عضواً د .خليل بن إبراهيم المعيقل
سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السديري عضواً عضواً د .ميجان بن حسين الرويلي
عضواً د .مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضواً محمد بن أحمد الراشد
يُعنى بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط ،ويقيم املناشط املنبرية الثفافية،
ويتبنّي برنامجاً للنشر ودعم األبحاث والدراسات ،ويخدم الباحثني واملؤلفني ،وتصدر عنه مجلة
(أدوماتو) املتخصصة بآثار الوطن العربي ،ومجلة (اجلوبة) الثقافية ،ويضم املركز ك ً
ال من( :دار
العلوم) مبدينة سكاكا ،و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط ،ويف كل منهما قسم للرجال وآخر
للنساء .وتصرف على املركز مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية.
االفتتاحية4 ......................................................
رحالت :رحلة إلى قمة الحرية جبل كليمنجارو -زياد بن
عبدالرحمن السديري 6 .......................................
دراسات :بالغة الخطاب الروائي في روايات محمد حسن علوان١٨ .
قصص قصيرة :الوداع -محمدالرياني ٤٧ .........................
وانتشر الخبر -خالدة خان ٤٨ ......................................
عبق الماضي -زينب هداجي 49 ....................................
ال أوان لما كان -هدية حسين 51 ..............................
مرايا ووجوه -محمد محقق 54 ................................
نصوص قصصية -حليمة الفرجي 55 .........................
قصص قصيرة جداً -محمد صوانة56 ........................
شعر :ثورة العطر -إبراهيم جابر مدخلي٥٧ .........................
أسرا ُر النهرِ الحيي -هندة محمد ٥٨ .........................
أل ُّم ظال َل المعنى -حنان بيروتي٦٠ .................................
ألكف الجنوب -سماح بن معيز٦٢ ...................... ّ ذاكرة
ليل الغريب -لقمان لحفاوي ٦٣ ...............................
6...............................
َصل -خالد بهكلي ٦٤ ........................... َق َد ٌر َعلَى قَارِ عَةِ الو ْ رحلة إلى قمة احلرية
مِ ل ْ ٌح ِب ُهد ِْب القَصيد ِة -طاهر لكنيزي٦٦ ....................... جبل كليمنجارو
في داخـلي شَ يءٌ غَ ــريـبْ -سما يُوسف ٦٩ .....................
صديقة وغياب -عبدالعزيز موسى الحكمي ٧٠ ........... ٍ بين
ترجمة :سم -ترجمة :عبداهلل ناصر ٧١ ..........................
مواجهات :حوار د .هتون أجواد الفاسي -عمر بوقاسم٧٢ ....
حوار ال ِّروَائِي المِ صري عبداهلل السَّ اليْمة -محمد عيسى٧٨ .
حوار القاصة والشاعرة التونسية وئام غداس -عصام أبو زيد٨٥ ...
18.........................
حوار المخرجة السعودية هناء العمير -عبدالكريم قادري٨٩ ...... بالغة اخلطاب الروائي
حوار الشاعر نايف أبو عبيد -نضال القاسم٩٦ .................... يف روايات محمد حسن علوان
حوار صبحي موسى -هالة موسى١٠٠ ..........................
سيرة وإنجاز :أ.د .نايف بن صالح المعيقل١٠٨ ...................
نوافذ :السخرية في الموروث الشعبي -غادة هيكل ١٠٩ ........
لبيد بن ربيعة المعمر في الجاهلية واإلسالم -راكان الرويلي ١١٣ ....
رواية السهل الممتنع! -صالح القرشي116 .....................
بين الكتاب الورقي والكتاب الرقمي -د .فيصل أبو الطُّ َفيْل 118 ..... 72.............................
الحضارة اإلنسانية بين سمو المرجعيات ورجعية التفكير (حجاب حوار مع الدكتورة
المرأة أنموذجاً) -آيات عفيفي 120 ................................
هتون أجواد الفاسي
قراءات١٢٧ ........................................................... :
نستهل هذا العدد بمقال (رحلة إلى قمة الحرية :جبل كليمنجارو) للدكتور زياد بن
عبدالرحمن السديري ،وهو األستاذ والمثقف الذي يقف خلف إدارة هذه المؤسسة
الثقافية «مركز عبدالرحمن السديري الثقافي» ،والذي يحتضن مشروع مجلة الجوبة
منذ تأسيسها عام 1991م؛ وإذ ال نخفي سعادتنا أن خصنا الدكتور زياد بالمقال ،فإننا
نؤكد أن المقال قد وصف الرحلة بأسلوب شيّق ،متماهيًا مع أدب الرحالت الذي أسسه
أسالفنا ،فقد جاء مليئًا باألحداث والمغامرات المشوِّقة ،فأعادنا إلى رائعة األديب
العالمي هيمنجواي «ثلوج كليمنجارو».
ونحن في حرصنا الدائم على التواصل مع كتّاب الجوبة ومبدعيها ،نجدد التأكيد على
اهتمام المجلة بما يرد إليها من مقترحات ومواد إبداعية؛ فنحن نحرص قدر اإلمكان
على نشر اإلبداعات المختلفة والدراسات والمقاالت ،وفي هذا الصدد حرصت المجلة
على إيجاد محور خاص في دراسات هذا العدد لتسليط الضوء على بعض إصدارات
الروائي محمد حسن علوان ،الفائز بجائزة البوكر لهذا العام ،ونرجو أن يجد القراء
الكرام ،مدى الجهد الذي بذله باحثونا الكرام في تناول سيرة األديب علوان الروائية،
والتي تناولتها المجلة ،وِ فقا للمساحة المتاحة.
كما تستمر المجلة في التواصل مع كافة المبدعين في المملكة والعالم العربي،
وتحرص على نشر نتاجهم اإلبداعي في القصة والشعر ومختلف الفنون الثقافية ،وفي
هذا الصدد تنشر الجوبة عددًا من النصوص الجديدة التي تمنح العدد ألقه و تجدد
مسيرته.
وفي إطار حرص الجوبة على االلتقاء بكبار األدباء من المملكة والعالم العربي ،تنشر
الجوبة حوارًا مع الدكتورة هتون أجواد الفاسي الباحثة واألستاذة الجامعية السعودية،
والتي تكشف جوانب عديدة من سيرتها العلمية والثقافية ،والتي تحدثت عن ملكات
دومة الجندل «أو الجوف» في القرنين السابع والثامن قبل الميالد ،كما تحاور الجوبة
األديب السيناوي المصري عبداهلل الساليمة الذي يرى أن الشيء الوحيد الذي يحقق
ال روائيًا أو مجموعة قصصية ،أو حتى قصة واحدة
قدرًا من السعادة هو إنجازه عم ً
قصيرة.
كما تحاور الجوبة األديبة التونسية وئام غداس ،الفائزة بجائزة الشارقة لإلبداع
العربي عن مجموعتها «أمشي وأضحك كأني شجرة» ،وهي التي تحوّلت من السرد إلى
الشعر ،وتعد نفسها شاعرة (فيسبوكية).
كما تحاور الجوبة األستاذة هناء عبداهلل العمير ،المخرجة والناقدة السينمائية
السعودية ،الفائزة بعدد من الجوائز السينمائية ،و المحكّمة في عدد من المهرجانات،
وهي مؤلفة كتاب «ساموراي السينما اليابانية أكيرا كوروساوا».
وتلتقي الجوبة الشاعر األردني ،نايف أبو عبيد ،وتسلط الضوء على تجربته الشعرية
وسيرته ،كما تلتقي الشاعر والروائي المصري ،صبحي موسى ،الذي صدر له عدد من
الدواوين الشعرية ،ثم تحوّل إلى الكتابة الروائية ،ويطرح عددًا من اآلراء حول الرواية
والشعر وقصيدة النثر .
ويصدر هذا العدد وقد ودعت الحياة الثقافية األديب والروائي والكاتب الساخر،
األستاذ حسن السبع ،يرحمه اهلل ،والذي كتب لسنوات عديدة مقاالت مهمة في الفكر
والثقافة في الصحف المحلية ،ونشر دواوين شعرية ورواية «ليالي عنان» ،وكانت الجوبة
قد استضافته في العدد ،52وكان مما قاله« :عندما يسقط القلم من يدي سأقول ما
الشمس غربتْ »! وكأنه كان يُ َمهِّد لرحيله المبكر عن
َ قاله كازنتزاكي« :لم أتعبْ ،ولكنَّ
هذا العالم.
في اللحظات التي فارق فيها الحياة ،تراءى لـ «هاري» وكأنه مسافرٌ في طائرة
يلتفت إليه قائدها مبتسم ًا ومشير ًا بيده ،فيبصر «هاري» أمامه «ما بدا له وكأنها
كما عرض كل البسيطة ،عظيمة ،وشاهقة ،وبيضاء في ضوء الشمس كما ال يمكن
التصديق بحقيقته ،قمة كليمنجارو مربعة األركان .عندها علم هاري إلى أين هو
ذاهـ ٌـب» .هذا المشهد الذي أبدعه آرنست هيمنجواي في قصته المشهورة «ثلوج
السر الذي يقود آالف البشر( )٢في كل عام
كليمنجارو» ،ربما يكشف للقارئ بعض ِّ
لصعود هذا الجبل -ذي القمة المرتفعة 5٫895مترا ( 19٫341قدمً ا)( )٣فوق سطح
األرض -سير ًا على األقدام ،وكأنهم قاصدين «بيت اهلل» ،كما وصف هيمنجواي قمة
كليمنجارو في أول القصة.
األخير قبل اعتالئنا قمة الجبل ،عدداً من لهم وسائل اإلسعاف الالزمة ،بما في ذلك
األشخاص بــدا أنهم لم يكملوا صعودهم؛ أسطوانات أكسجين محمولة ،لالستعمال
منهم شابّان ال يتجاوزان العقد الثالث من عند الــحــاجــة .ف ــإذا ظــهــرت أول أعــراض
العمر ،يسندهما على جانبيهما مرافقان المرض ،ولم تتم السيطرة عليها بالسرعة
لمساعدتهما في السير. الالزمة ،يُنصح الزائر بالتوقف عن الصعود
والعودة الى أسفل الجبل .وإذا لزم األمر،
وقــــد أحـــســـ َن عــمــي ـ ُد رحــلــتــنــا ،االبـــن
يتولى الفريق المرافق للمجموعة صاعدة
عبدالرحمن ،اإلعــداد لها ،واختيار الوكالة
الجبل حمل الــمــريــض بسرعة إلــى حيث
المناسبة لتنظيمها ،وتحديد مدتها بثمانية
يمكن نقله بواسطة طــائــرة عــامــوديــة إلى
أيــام ،شاملة أيــام الصعود التي استغرقت
المستشفى .وقبل الرحلة ،تقدم مثل هذه
ستة أيام وجزءًا من اليوم السابع ،وانتهت في
الوكاالت المشورة للزائرين ،وترشدهم إلى
اليوم الثامن عندما عدنا إلى أسفل الجبل.
ما يلزم عمله في سبيل االستعداد لمهمة
وقد تفاوتت تجربة أعضاء فريقنا من حيث
الــصــعــود ،والــوســائــل المساعدة للحيلولة
المعاناة أثناء الصعود وأثناء النزول ،إنما
دون حــدوث مــرض الجبل الــحــاد ،بما في
جميعهم أكمل الرحلة واعتلى اوهــورو ،أي
ذلــك العقاقير الحامية منه .بمعنى آخر،
قمة كليمنجارو ،كما تشهد الصورة المرفقة
فــإن َمــن يُحسن اختيار الوكالة المنظمة
مع هذه السطور(.)١٢
للرحلة ،ويكمل االستعدادات المقترحة لها
كما ذكرت فيما تقدم ،لقد قررنا القيام قبل بدئها ،ويجعلها في ثمانية أيام أو أكثر،
بهذه الرحلة قبل سنة تقريباً من بدئها ،وهو فالراجح أنه سيتجنب الخطورة في األمر،
ما وفــر لنا الوقت الكافي لحُ سن اإلعــداد وستكون له فرصة معقولة ،وإن كانت غير
لها .فبعد أن حدّد عميدنا الوكالة المختارة، مضمونة ،في إتمام الرحلة( .)١١وقد شاهدت
ووقّعنا اتفاقنا معها ،زوّدتنا الوكالة بقائمة فــي الــيــوم الــســادس مــن رحلتنا ،أي اليوم
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017 8
رحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ�ت
معتدالً .وورد أن االستيطان في أروشا بدأ المستلزمات المقترحة إلتــمــام الرحلة،
عام 1830م ،وأن أكثر سكانها يدين باإلسالم بما في ذلك أنــواع الملبوسات ،واألحذية،
والمسيحية ،وأن أشهر قبائلها الماساي. والعِ دد األخرى الالزمة والمناسبة لها ،وبيا ٌن
وتنتشر في تنزانيا زراعات عدة ،شهدنا منها بالتطعيمات الطبية التي تنصح الوكالة بها،
أثناء إقامتنا القصيرة فيها :القهوة ،والموز، والعقاقير التي توصي باستعمالها أثناء
والذرة ،واألرز؛ كما أن بها صناعات كثيرة، الصعود ،والتمارين التي تقترح ممارستها
ربما أهمها السياحة .وقد خضعت تنزانيا قبل الــشــروع بالرحلة .واخــتــرنــا أن تكون
لالحتالل األلماني ابتداء من سنة 1896م، رحلتنا في شهر آب (أغسطس) حين تق ّل
ثــم االحــتــال البريطاني ابــتــداء مــن سنة األمــطــار ،وحـدّدنــا بدايتها في أول الشهر
1916م ،أثناء الحرب العالمية األولى ،ونالت المذكور ،حتى يتزامن اعتالؤنا قم َة الجبل
استقاللها في سنة 1961م ،وخضعت لنظام مع اكتمال البدر.
شيوعي بعد االستقالل حتى عام 1985م،
وهو ما ترك أثره على البلد وأهلها ،رغم ما استقبلنا فــي مــطــار كليمنجارو عند
يلمسه الزائر من مقوّمات طبيعية وصناعية وصولنا قائد فريق أدالء الرحلة التنزاني،
فيها(.)١٣ واســمــه جيمز مــاتــو ،وأمضينا مــســاء يوم
وصولنا الموافق 31تموز2017 ،م في مدينة
البداية :جادة ماشامي أروشا ،عاصمة المنطقة التي تحمل اسمها،
اجتمعنا بـ(جيمز ماتو) في النزل الذي وتقع إلــى الجنوب من كليمنجارو ،وترتفع
حللنا بــه مــســاء يــوم وصــولــنــا ،فاستعرض ( )1٫387متراً فــوق سطح األرض ،ويبلغ
معنا تفاصيل الرحلة ،واالستعدادات التي عــدد سكانها حــوالــي ( )416٫000نسمة
تم تجهيزها لها .وفي صباح اليوم التالي، ونيف .ونظراً ألن تنزانيا تقع في النصف
أول شهر آب ،نقلنا جيمز بحافلة الوكالة إلى الجنوبي للكرة األرضية؛ فشهر تموز (يوليو)
بوابة الدخول إلى الجبل ،وأتممنا التسجيل يقع في موسم شتاء هذا البلد ،وكان مناخه
وقــد ســاعــد فــي إنــجــاح رحلتنا وتحقق فالدكتور برنارد هيكل ،أشبه بمكتبة متنقلة
متعتنا بــهــا حُ ــســن أداء الــفــريــق الــمــرافــق بما يحمله مــن ثقافة واســعــة ،ومعلومات
لنا ،المكوّن كله من أهل تنزانيا ،ومستوى جــمــة .وه ــو كــريــم نــفــس ،ســريــع الــخــاطــر،
الخدمات الجيدة التي كانوا يوفرونها ،بما إيجابيّ التوجّ ه ،محبٌ للنكتة .واألستاذ نبيل
في ذلك وجبات الطعام التي فاقت توقعات ونظريات
ٍ الخويطر ،ذو اهتمامات متعددة،
مجموعتنا .وكــان المرافقون يُنشدون بين وقصص كثيرة ،تملؤه الثقة بالنفس، ٍ خلقة، ّ
الــفــيــنــة واألخ ـ ــرى بــعــض األغ ــان ــي بلغتهم يعيش اللحظة ،ويحيي محيطه بما يجود
السواحلية ،بعض مفرداتها ذاعــت شهرته به من طُ ــرَف .واالبــن عبدالرحمن ،عميد
على أثر صدور فلم الملك األسد (The Lion الرحلة ،هادئ الطباع ،عصاميّ الشخصية،
)Kingالذي أنتجته والت ديزني( .)١٦وهكذا، ذو موهبة في تأمّل المستجدات واكتشاف
ســرعــان مــا أصــبــح مــرافــقــونــا التنزانيون أســرارهــا ،ومــيـ ٍـل لتحدي ال ــذات واختبار
زمال َء لنا ،نُقبل على تبادل أطراف الحديث حــدودهــا .واالب ــن خــالــد ،لـ ِّيــن الجانب ذو
معهم ،ونجرؤ على ممازحتهم ،وهم يبادرون مشاعر مرهفة ،تولّى بامتياز مهمة المصور
بالمثل(.)١٧ الرسمي للرحلة ،كما تشهد به صوره التي
ســرنــا فــي الــيــوم الــثــانــي حــوالــي تسعة يــظــهــر بعضها مــع ه ــذه الــســطــور ،وغــدا
كيلومترات ،وأمضينا المساء في مخيم شيرا المالزم لكل مَن تباطأ سيره منا ،والمحفّز
( )Shira Campالذي يبلغ ارتفاعه ()3720 له بمواصلة المسير .واالبن اسكندر هيكل،
متراً فوق سطح البحر .وفي هذا اليوم بدأنا وهو أصغرنا ،ذو ابتسامة جذابة ال تفارق
الــخــروج مــن بيئة الغابة الكثيفة الشجر، مُحيّاه ،وطروحات فلسفية مشوّقة ،وأسئلة
ودخلنا ما يسمى أرض المور ()Moorland فلم
فكرية عميقة .فغدت رحلتنا كشريط ٍ
وهــي أرض ينبت فيها الخلنج ()Heather ال يتوقف فيه الحديث ،والنقاش ،والتأمل،
واسمه العلمي أريكا ( )Ericaمشابه لشجر والتصوير ،والضحك ،ونبقى كذلك حتى بعد
العرعر .وقــد الزمتنا في مسارنا جــداو ُل أن يحلَّ وقت اللجوء للمأوى والمبيت.
11 اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
أحد المرافقين يحمل بعض لوازم الرحلة
( )3٫870مــتــراً فــوق سطح البحر ،حيث المياه ،إال أننا لم نشهد أي حيوانات بريّة
أمضينا تلك الليلة .وكان الغرض من الصعود في ٍأي من أيــام رحلتنا ،أو نــرى أثرها أو
إلى برج الفا دون اإلقامة به في ذاك اليوم فضالتها ،على عكس ما كنا نتوقعه .وال
هو اختبار تحمّلنا لهذا االرتفاع ،وتمكيننا من تفسير لدي لهذه الظاهرة .فمنتزه تنزانيا
مزيد تأقلم معه قبل اإلقامة في مثله .وفي الوطني ،حيث يقع جبل كليمنجارو ،محمية
هذا اليوم ،بدأنا الخروج من أرض الخلنج، ال يسمح بالصيد فيها ،وبها غابات ونباتات
ودخلنا ما يسمى بالصحراء الجبلية ،أو وجداول مياه .وغاية ما شاهدناه من الحياة
صحراء المرتفعات ( ،)Alpine Desertحيث الفطرية هي بعض الطيور ،أكثرها الغربان،
ال تنبت فيها إال شجيرات صغيرة ،أشبه وبعض القوارض.
بما نشهده في بعض الصحاري ،وبدأنا نعلو
على الغيوم المحيطة بكليمنجارو ،وبدت وكــان الفريق المرافق يشرع في صباح
لنا قمة ميرو ( )Mount Meruوهو الجبل كــل ي ــوم ،بعد أن نــغــادر مخيمنا ،فــي طي
البركاني المجاور لكليمنجارو ،األصغر منه، الخيام وجمع العتاد ،ثــم يلحق بنا مشياً
وكيبو ( )Kiboوهو اسم الجزء األعلى من على األقــدام ،بأحماله التي تفوق أحمالنا،
كليمنجارو ،وجدار برانكو (،)Barranco Wall ويتجاوزنا فيسبقنا لمكان غدائنا المقرر،
وهــي تلة صخرية فــي عــرض كليمنجارو، أو إقامتنا المستهدفة ،ف ــإذا وصلناهم
وكتلة هايم الجليدية ( )Heimglacierالتي وجدناهم وقد أكملوا بناء الخيام ،وجهزوا
تعلوه. الوجبة المنتظرة في ذلك الوقت ،وشرعوا
باستقبالنا لمساعدتنا في إلقاء أحمالنا،
وفــي اليوم الــرابــع ،سرنا حوالي ثمانية
وركوننا إلى الراحة(.)١٨
كيلومترات ،وصعدنا إلى ارتفاع ()3٫950
متراً فوق سطح البحر ،حيث مخيم كرانجا وفي اليوم الثالث ،سرنا حوالي ( )16كيلو
( .)Karanga Campوالمالحظ أن صعودنا متراً وصعدنا فيه إلى نقطة تسمى برج الفا
في هــذا اليوم كــان ال يتجاوز ( )70متراً، ( )Lava Towerالتي ترتفع ( )4٫650متراً
وذلــك إلتاحة مزيد وقــت للتأقلم مع هذه فــوق سطح البحر ،ثــم هبطنا إلــى مخيم
االرتفاعات العالية ،وهو ما سمح به برنامج برانكو ( )Barranco Campالذي يبلغ ارتفاعه
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017 12
رحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ�ت
برافو هي آخر مقام لنا قبل الشروع بالصعود رحلتنا الطويل نسبياً .وهنا كان آخر مصدر
إلى قمة الجبل في الحادية عشرة مسا ًء من للماء قبل كيبو ،وبدت البيئة المحيطة بنا
تلك الليلة ،إال أننا آثرنا عدم االستعجال، صــحــراء بركانية قــاحــلــة ،تسمى صحراء
واخترنا أن نمضي ليلة أخرى قبل الصعود المرتفعات العالية (،)High Alpine Desert
إلى القمة ،وذلك نظراً لما عانى منه بعضنا أشبه ما تكون بمناطق الحرّات في المملكة
من صداع وإجهاد ،وحرصاً منا على إتاحة العربية السعودية ،بل أقل نباتاً منها.
فترة أطــول لتأقلم أعضاء مجموعتنا ،بما
الصعود :مشي الهوينا
يوفر فرصة أفضل لتمكين الجميع من إكمال
الصعود إلى القمة .فقد أمضينا مساء اليوم في اليوم الخامس ،أتيح لمن أراد منا
الخامس حتى الصباح في بارافو ،واكتفينا الخلود للنوم ،أو البقاء في مأواه ،أن يفعل
فــي الــيــوم الــســادس بالصعود إلــى مخيم ذلــك حتى التاسعة صــبــاح ـاً ،عــوض ـاً عن
أقــمــنــاه فــي كــوســوفــو (،)Kosovo Camp السادسة في األيــام السابقة ،وذلك لقصر
فسرنا مسافة تقل عن ثالثة كيلومترات، المسافة المستهدف تــجــاوزهــا فــي ذلك
متر
وصعدنا الرتفاع قدره حوالي (ٍ )4٫800 الــيــوم .فقد سرنا مسافة تقل عن خمسة
فوق سطح األرض .وبعد الغداء في كوسوفو، كيلومترات ،إال أننا انتقلنا الرتفاع ()4٫605
قسط من الراحةٍ حاول بعضنا القيلولة ألخذ أمتار فوق سطح البحر ،حيث مخيم بارافو ٍ
استعدا ًد للصعود الكبير ،واألخير ،المرتقب ( .)Barafu Campوكان بعضاً من سيرنا في
في تلك الليلة ،ثم اجتمعنا على عشاءٍ مبكر هذا اليوم تسلقاً فوق ما يشبه الجدار من
في الخامسة مساءً ،وعدنا إلى خيامنا في الصخور ،وكانت كتلة هايم الجليدية دائماً
محاولة أخرى للمبيت قبل صعود القمة ،إال على مرأى منا ،واألدالء يقصرون الخطى،
أن جُ لّنا لم يتمكن من كثير نوم ،ربما أيضاً أو كما يقول أهل كليمنجارو (بولي ،بولي)،
بسبب مقدار ارتفاع موقعنا. ويحثوننا على اإلكثار من شرب الماء ،وتناول
بعض المأكوالت ،منعاً لإلصابة بالجفاف
االعتالء :من صنوف الحرية الــذي -كما سلف -يصاحب المسير في
وفي الساعة الحادية عشرة مساءً ،نبّه هذه االرتفاعات العالية .وقد شكا بعضنا
من قلة النوم في تلك الليلة التي
صحراء المرتفعات أمضيناها في بارافو ،وربما يكون
الرتفاع المكان دور في ذلك.
وكــان من المخطط له أن تكون
كاتب سعودي شاب ،بدأ شاعرا ،وكاتبا للقصة القصيرة والمقاالت الصحفية،
ثم انتقل سريعا إلى كتابة الرواية ،ليقدم للمدونة الروائية العربية خمس روايات
هــي بترتيب الـصــدور :سقف الكفاية (2002م) ،صوفيا (2004م) ،طــوق الطهارة
(2007م) ،القندس (2011م) ،موت صغير (2016م) .كما له كتاب بعنوان« :الرحيل،
نظرياته والعوامل المؤثرة فيه» وهو دراسة شاملة في دوافع الرحيل أو ما يُعرف
بالهجرة والسفر ،موضح ًا آثار هذا الرحيل من الزوايا البحثية في علوم االجتماع
واالقتصاد والنفس والجغرافيا والسياسة.
تنوّعت العوالم السردية لرواياته ،لكن تظل موضوعة «الحب» و«شعرية العالم
وبالغة اللغة» قواسم مشتركة بين هــذه الــروايــات .وصلت روايته «القندس» إلى
القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية ،كما اخـتــارت مؤسسة خــان الغارديير
باريس رواية القندس لتفوز بجائزة أفضل رواية عربية لعام 2015م .وأخيرا وصلت
روايته األخيرة «موت صغير» إلى الفوز بجائزة البوكر العربية؛ لذا ،فتحت «الجوبة»
ملف العوالم السردية والجمالية لمشروع محمد حسن علوان الروائي ،واستكتبت
نقادا من المملكة العربية السعودية ،وبعض الدول العربية ،ليقاربوا عوالم هذا
الروائي السعودي الذي وضع الرواية السعودية في بؤرة االهتمام النقدي مؤخراً.
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017 18
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
إن التفسير االجــتــمــاعــي لـــأدب أحــد ابن األســرة الميسورة الحال -الــذي يعاني
المناهج النقدية التي يفيد منها الناقد في عالقته بأبيه وأمه -يرحل إلى أمريكا،
لمعرفة ما وراء النص من خطابات .ورسالة ويظل هناك عشرين عــامــا ،يعود خاللها
األديــب ،رسالة مزدوجة؛ فمن جهة ،ننتظر عبر الفالش باك ،مسترجعا التاريخ السري
منه أن يكون لسان الطبقة الكادحة؛ ومن جهة ألسرته ،ألبيه وأمه وإخوته ،لمعاناة طفولته؛
ثانية ،ينبغي له أن يعمق االتجاه العقائدي وألنه يعمد إلى النقد االجتماعي ،فيبحث
ال ــذي تعتنقه وتسير عليه هــذه الطبقة .عــن مــعــادل موضوعي ألســرتــه التي تتأزم
والنقد السوسيولوحي يدعو إلى أن يكون عالقته بها طــوال الــوقــت ،فال يجد سوى
المثقف ملتزما بقضايا وطنه ،الذي يحاول حيوان القندس ليتخذه استعارة لهم ،فهم
أن يكشف المسكوت عنه في هذا الوطن ،يشبهونه وهو يشبههم في قبحهم الداخلي،
ويستجلي قضاياه ،عبر استجالء قضايا الذي يراه السارد بضمير األنا.
اإلنسان الفرد في محيطه االجتماعي.
حين يرى السارد القندس في أمريكا ،يرى
إن النقد السوسيولوجي المعاصر على الناس متعلقة بهذا الحيوان ،بل تقام باسمه
اخــتــاف مــدارســه ومــذاهــب نــقــاده ،حــاول المهرجانات ،كان األشهر في بورتالند .راح
أن يــؤســس جمالية تــقــوم على المضمون غالب يتأمل هذا القندس ،ويحيل كل صفاته
االجتماعي للعمل األدبي؛ إذاً ،فثمرة اختيار الحيوانية على عائلته ،رآهم جميعاً قنادس!..
األديب لعناصر فنية من الواقع االجتماعي وراح يتأملهم ويحلل كل تصرفاتهم من خالل
هو ليس اختيارا تعسفيا أو عفويا ،وإنما هو القندس ،تأملت سنيّه البارزتين اللتين اكتستا
اختيار يوجهه فكر األديب وشعوره ،كما أنه لوناً برتقالياً شاحباً من فرط ما قضم من
اختيار مــزوًد بتجارب هذا األديــب وخبرته لحاء البلوط والصفصاف ،فذكّرني لوهلة
بما كانت عليه أسنان أختي نورة ..أما ردفه عن المجتمع والحياة.
في رواية «القندس» لمحمد حسن علوان السمين فذكرني بأختي بدرية ..وعندما رفع
حــاول عبر حكايات األف ــراد ،إظهار غالب إليّ عينيه الكلَّتَين ،محاوالً أن يقرأ مالمحي
وأســرتــه وعالقاتهم االجتماعية ،فغالب ونواياي بدا مثل أمي ..انتزع التمرة من يدي
19 اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
مع ناصر بطل سقف الكفاية ،حيث نمت
بذرة الحب مع مها من خالل لقاءات سرية
جمعتهما) ،لكن لم يكتب لهذا الحب أن يتوّج
بـارتباط مقدّس ألسباب قبلية« ،كــان رأي
أبــي معلوماً لي قبل أن أضطر لمفاتحته،
تماماً مثلما تعلم هي مسبقاً رأي أبيها .كل
من العائلتين كانت تتعالى على األخرى مما
جعل المعادلة أصعب فعزفنا عن حلها قبل
أن نحاول».
في سقف الكفاية كانت األســبــاب غير
واضــحــة؛ فمها التي كانت قد خطبت في
كما ينتزع أبي ثمار الحياة انتزاعاً! قبض وقــت ســابــق للقائها مــع نــاصــر كــان يمكن
عليها بيد شحيحة ،ذكرتني بيد أخي سلمان لها أن ترفض الخطوبة ،لكنها لــم تفعل،
وكأن الكاتب أراد أن يضع بطله في موقف عندما تقبض على المال.»..
تراجيدي ،ليصنع له مأساته الكبرى حتى الخطاب االجتماعي في القندس
يبرر هذه الرواية االسترجاعية المونولوجية.
غالب يعاني من هزيمة اجتماعية من
وكذلك فعل غالب وغادة ،لم يدافعا عن
خالل عالقته بأسرته ،وهزيمة عاطفية من
حبهما ،فقد تزوجت غادة سفيراً ،وغادرت
خالل عالقته بغادة ،الفتاة التي التقى بها
عشقها األول ليأخذها الغياب سنة كاملة قبل
في جدة« علقت غادة بصنارتي التي رميتها
أن تعود لتسترد مكانها الشاغر دائماً ..كانت
بال مباالة في أحد شبابيك جدة ،ولم أعوّل
غادة عاشقة مثالية لفتى صاخب ،ولكنه لن
عليها أن تعود بشيء .لكن الذي يعرف جدة
يتزوجها مطلقاً كما تقول القبيلة التي في
يعرف أنه عندما يكون الموسم ربيعاً يلقي
دمه ،وكنت عاشقاً لحوحاً لفتاة حرة ..ولكنها
البحر على المدينة أطناناً من اللقاح الذي
لن تتزوجه أيضا كما تقول المدينة في دمها.
يتنفسه الناس وال يرونه .يصبح الحب حالة
هــكــذا تركنا القصة مفتوحة دون تدوين
عامة والشوارع مليئة بالقلوب الخصبة».
تفاصيلها ،حتى إذا اضــطــرم الحب بيننا
توثقت عالقتهما مــن خــال اللقاءات رمينا باللوم على األباء ،وشتمت هي جنوبي
السرية ونــمــت ب ــذرة الــحــب (مثلما حدث المتخلف وشتمت أنا حجازها المتحذلق.
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017 20
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
أما إذا خفت الحب وتحوّل إلى عالقة باهتة األلــم والــراحــة أن الجوهرة الصغيرة التي
كتلك التي نعيشها اليوم ،تذكّرنا معاً أنها احتفظت بها في صندوق مخملي في أقصى
القلب كانت مزيّفة ،وال تستحق سوى ثمن ربما جاءت أبهت ،لو كنا تزوّجنا فعال».
إذاً ،يحاول الكاتب أن يكشف المسكوت بخس من النزوات الطارئة» .هل كان اللقاء
عنه في حياة مجتمع قبلي ،يخضع أفراده والعيش تحت سقف واحد اختباراً حقيقياً
في مصائرهم ومقدراتهم لسلطة القبيلة ،لــوهــج الــحــب ولــواعــجــه؟ هــل هــو خطاب
فرغم أن العالقة الغرامية المشبوبة بنار تفكيكي لمشروع المؤسسة الزوجية التي
الــعــشــق تستمر حــتــى يــصــل كــاهــمــا لسن يراها السارد أنها تقتل الحب؟! إن الحبيبة
األربعين؛ يلتقيان بين زمن وآخــر في مدن الهاربة إليه من فشل المؤسسة الزوجية
مختلفة من العالم ،وبينما تعيش غادة حياتها تجابه بالفشل ذاته حينما تعيش مع حبيبها
وتربّي أطفالها ،يظل غالب سجين نفسه ،تحت سقف واح ــد ،وكــأن هــذا الــوقــت هو
يتمرد أكثر ..فيقرر أن يعتزل في «بورتالند» اختبار لمدى صالبة الحب وصمود الشغف
بالقرب من نهر «ويالمت» ،يفني أيامه بين في وجه ما هو عادي ويومي «بالتأكيد كنت
تعلّم صيد السمك والتصعلك في الحانات ،أحبها ولكني لم أكن أعرف نوع هذا الحب.
ثم العودة لشقته المستأجرة ،من هناك ..أعتقد أني مارست معها نصف أنواعه على
يظل يتواصل معها هاتفيا ،إلى أن تفاجئه األقل .أحببتها باستخفاف في البداية ألني
بقرار زيارتها لمحل إقامته لتدبّر شؤون كنت أظنها سهلة المنال بسبب استجابتها
دراس ــة ابنها ،لكنها وبسبب خــاف يدب السريعة .فكرت في البداية أن بنات جدة
مع زوجها ،تقرر البقاء في بورتالند لحين كلهن كذلك ،ولكن عشرين سنة من الدوران
يرضخ زوجها لمطالبها ،فتسكن شقة غالب حولها مثل أطواق زحل تبخرت هذه الفكرة
فترة قبل أن تعود إلى زوجها ،لكن خالل هذه تماماً.»..
نقد سوسيولوجي آخــر وتفكيك للوعي الفترة التي يجرّب فيها غالب العيش مع أحد
آخــر ،يكتشف أن األمــر برمته كــان نــزوات الذكوري تجاه المرأة ،فالمرأة التي أحبت
طارئة« الحقيقة التي كشفها استيقاظنا معاً ومنحت حبيبها ما يتوقع منها أن تمنحه
في الصباح على أمزجة متناقضة وصمتنا جعله يفسر ذلك على أنها رخيصة وسهلة
الطويل في المساء أمام برنامج تلفزيوني ،المنال ،وهذا فكر ذكوري ينظر إلى النساء
هي أن عالقتنا برمتها لم تكن أكثر من صدفة بدونية ،ويختصر الــشــرف فيما يمكن أن
غير متقنة .اآلن اكتشفت بشعور مختلط بين يطلق عليه التمنّع خوفا من نظرة المجتمع.
21 اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
لم يقف الكاتب عند الخطاب الذكوري وفيما بينهم وبين اآلخرين .لكن غالب أيضا
وتهميش المرأة ،كما لم يقف عند العالقات لم يكن فاعال في تلك األسرة التي أراد أن
األسرية المرتبكة والمربكة التي تربط السارد يعرّي عالقاتها االجتماعية« :وخرجت إلى
بأسرته ،باألب واألم واألخوة وحتى الجد ،بل سيارتي ،وأنــا أفكر كيف يتعامل اهلل مع
حاول أن يكشف المسكوت عنه في قضايا
الدعوات المتتابعة التي يرفعها أبي وأمي
اجتماعية عــديــدة وشائكة مثل «الكفالة»
عــلــيّ ،منذ ســت وأربعين سنة حتى اآلن؟
و«العمالة»؛ فأبطاله تائهون بين قيم المجتمع
أتــراه يمهلني أم يهملهما؟ لكنه لم يتعلم
المحافظ ومجتمع الوفرة النفطية ،والحداثة
من القندس ،فلم يبن ســدودا أو مسارب،
المصطنعة التي لم تصبغ تصرفات الناس،
بل واصــل الهرب ،ال يحل في مكان واحد
إنما كانت الحداثة مجرد شكليات يستفيد
من منتجها أفراد المجتمع ،ولم تتغلل إلى بنية فترة طويلة ،يهرب من مجتمع ينتقد سياسته
وعيهم وتفكيرهم ،فجميعهم مثل القندس ..وهويته ،وينتصر لهوية أخرى ،هوية اآلخر
الحيوان النهري الذي يحفر األنفاق ويبني الغربي حيث فارق الرياض ليعيش في مدينة
السدود؛ وكذلك غالب وأسرته؛ فكل أفراد أمريكية (بورتالند) ولم يقم بدوره أخاً أكبر
األسرة يحفرون ويبنون سدودا ،لكن القندس فــي تلك األســـرة ،الــتــي يــحــاول أن يعريها
يحفر أنــفــاقــه لتكون مــســارب لــه ومــهــارب ويكشفها للقارئ كي يتعاطف مع مأساته،
خطر ما قد يداهمه .لكن تلك األسرة وأنــه نتاج طبيعي لهذا التفكك األســري، ٍ من
التي لم تشتتها خطوب وال حوادث كبرى ..تخلّت عنه أمــه فــور والدتــه ،وتركت البيت
ما الذي دفعها لتقيم تلك السدود النفسية
لتتزوج آخــر ،وانشغل عنه وال ــده بزوجته
بين أفرادها؟ هنا نتساءل عن مدى نجاعة
وأوالده وتــجــارتــه؛ فــصــار تجليا واضــحــا
االستعارة التي وظّ فها الكاتب ،وهل قدّم لنا
للتفكك األسري ،وانقاد خلف عالقات شاذة!
المبررات السردية والفنية لذلك التشتت
إنَّ رهـــان ال ــرواي ــة الحقيقي هــو ذلــك والتمزق االجتماعي؟! فليس بالضرورة كل
من حدثت له طفرة نفطية أو أصاب غنى ما ،الخطاب السوسيولوجي الذي ينتقد المجتمع
أن تتفكك أسرته ،مثلما حدث ألسرة «غالب» وينتقد بنيته الذهنية وآليات إنتاج الخطاب
فيه .رواية تحاول أن تتحسس خطاها ،وهي بطل القندس.
يتهم «غالب» عائلته أنها مثل القندس تخطو نحو كشف المسكوت عنه في هذا
الذي يقيم السدود والدهاليز بينهم وبينه ،المجتمع.
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017 22
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
رواية (صوفيا) :بين جمالية اللغة وثنائياتها الضدية
ρρد .إكرامي فتحي -مصر
عمل فنيٍّ جمالياتُه الخاصة التي صرَّح بعدم جودتها ،لكن ما لم يختلف عليه
ٍ لكل
يتميز بها ،والتي تمنحه صفة «الفنية» في كل هــؤالء هو تميُّز لغتها؛ فكثرت عبارات
الوقت نفسه ،وتظل هذه «الجماليات» هي اإلشادة بهذه اللغة التي خرجت بها الرواية،
المقصد األسمى الذي يسعى إليه الناقد؛ دون تحديد َم ْكمَن الجمال ،الذي يمكن رؤيته
س ــواء أحــس بها الــقــارئ الــعــادي وأدركــهــا «صوتًا منفردًا» لهذا العمل؛ ومن ثم يعمل
المتلقي الــعــام أم ال .وتـــزداد أهمية تلك هذا المقال على الكشف عن جانب منه ،ال
سيما مع يقيني بمفارقة نقدية يختص به الجماليات «الخاصة» عندما تكون الصوتَ
المنفرد للعمل الفني؛ ومن ثم تصبح جدير ًة السرد العربي الحديث ،وهي شدة أهمية
بالعناية النقدية ،دون غيرها من الظواهر لغته ،وفي الوقت نفسه ،قلة العناية النقدية
بتلك اللغة(.)٣ التي يشترك فيها هذا العمل مع غيره.
وعلى جانب آخر ،ثمة ظاهرة ملفتة في ولعل روايــة «صوفيا» للكاتب السعودي
هذه الرواية ،وهي «الثنائيات الضدية» Binary «محمد حسن علوان» ،الحائز مؤخرًا على
جائزة البوكر للرواية العربية 2017م -مثا ٌل
واضح على امتالك «الصوت المنفرد للعمل
والنقاد ()١
الفني» ،رغــم تبايُن آراء الــقــراء
إزاءها( ،)٢فبعضهم قرر أنها «تقدم لنا عالقة
إنسانية فريدة بأسلوب أكثر تفردًا ،بعض
أجــزاء العمل ضاربة فى العمق اإلنسانى
بطريقة مقلقة ومؤلمة» .بينما أكد آخرون
أنها «انهيار سردي مفجع» ،وأن «الرواية قد
سقطت في فخ الترهل الوصفي».
ومبعث هــذا التباين فــي رأي ــي أن كل
هــؤالء بحثوا عن نموذج مسبق في الذهن
المتلقِّي داخل هذا العمل ،فمن وجد ذلك
أكد أن الرواية رائعة ،ومن وجد غير ذلك
23 اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
،Oppositionsتلك التي تعد إحدى مرتكزات بتصوير مالئكي لوفاة صوفيا ،ثم محلال
النقد البنيوي ،والتي تمثل آلي ًة مهمة من شخصيته المصابة بــداء الملل النفسي،
اآلليات اإلجرائية لمقاربة النصوص األدبية ومستعيدًا األحــداث التي م ّر بها مع فتاته
في ذلك الخطاب النقدي؛ فهذه «الثنائية طــوال نحو شهرين ،دارت كلها حول حدث
وسيلة تصنيفية تجعل الفهم ممكنًا» كما واحد ،هو انتظار الموت ،لكن عبر رؤيتين
يقول رافيندران سانكاران( ،)٤وذلك من خالل متباينتين لكل من معتز وصوفيا.
من هنا ،تعدَّ دت في الرواية تلك الثنائيات إيصال الفكرة التي يــروم المبدع إيصالَها
للمتلقي؛ في ضوء ذلك ذهبت البنيوية إلى الــضــديــة ،وف ــي مقدمتها :األنـــا واآلخـــر،
اعتماد اإلطار الثنائي واالرتكاز عليه أساسً ا اللذين تجسدا من خالل شخصيتَيْ «معتز»
و«صــوفــيــا» ،وعــبــرهــمــا تــوالــت الثنائيات قويًا إلقامة مجمل دراساتها.
وهذه الثنائيات إحدى النواميس العامة األخرى :الحياة والموت ،الرياض وبيروت.
ولتكثيف الــرؤيــة ،يمكن النظر إلــى تلك
التي تحكم الحياةَ اإلنسانية؛ ومن ثم كان
الثنائيات من خالل ما تميز به هذا العمل
حضورها المتجذِّر في اإلبداع البشري ،الذي
«جمالية لــغــويـ ٍـة» كانت أحد
ٍ الــســردي مــن
يعد رؤية للحياة والوجود ،لم يكن هذا فقط
جوانب «صوت الرواية المنفرد» ،وفي مقدمة
دافعي التخاذ تلك الثنائيات منطلقًا لتناول
تلك «الجمالية» برز النسيج التشبيهي؛ ليس
جانب من جمالية اللغة في رواية «صوفيا»؛
بوصفه أداة أسلوبية بعيدة كل البعد عن
فإضافة لكل ما سبق ،نجد أن تلك الظاهرة
الــروايــة نوع ّيًا -فالتشبيه ارتبط بالشعر
قد امتلكت «قــوةَ الحضور» في هذا النص
أكثر من السرد -أو زمن ّيًا -فذلك التشبيه
السرديِّ ؛ بحيث صارت المحور األكبر لديه.
أداة فنية أكثر تج ُّذرًا في التراث البالغي
فــروايــة (صــوفــيــا) ،ت ــدور حــول الشاب ال الحاضر النقدي -لكن من خالل الواقع
«معتز» السعودي المنفصل عن زوجته منذ النصي ،حيث كان ذلك النسيج التصويري
ع ــام ،ال ــذي تَــع ـرَّف عــن طــريــق الــحــوارات األكثر حضورًا في النص ( 120مرة ضمن
اإللكترونية على «صوفيا» الفتاة اللبنانية 144ص) ،وهو معدل مرتفع للغاية.
التي علمت بإصابتها بالسرطان؛ ومــن ثم
***
تقرر مفارقة الحياة وهي تستمتع بها حتى
األنا واآلخر( :معتز وصوفيا) آخر لحظاتها؛ فتطلب من معتز أن يأتيها
وضح بقوة أن رواية «صوفيا» هي رواية حيث شقتها الجديدة المطلة على البحر
في بيروت .يسرد معتز تجربته تلك ،بادئًا شخصية في المقام األول؛ أوالً ألن عنوانها
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017 24
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
حمل علم إحــدى شخصيتيها الرئيسيتين؛ والجملة االعتراضية من حيث سمات التردد
ثانيًا :كان السرد عبر ضمير المتكلم الذي والتوجّ س والخشية من اإلعــان والظهورِ
مثل صــوت «معتز» الشخصية المحورية قد استمرت بع ُد عبر صورة تشبيهية ذات
األخــرى ،ثالثًا :انفراد هاتين الشخصيتين تفصيل في طرفها الثاني« :كنت في فوضاي
ضعيف
َ بالسرد؛ ومن ثم شحبت بقية الشخصيات ،المقيمة بــيــن الــهــاجــس وال ــق ــرار
أو جاءت شديدة الثانوية؛ لذا اقتصر حضور المقاومة أمام نزق ال َمر َ
ْضى هذا ،وإزاء تلك
«اآلنـ ــا واآلخ ـ ــر» فــي معتز وصــوفــيــا على الطريقة العشوائية التي يخربشون بها على
الــتــوالــي؛ انطالقًا مــن أن صــوت الــســارد /جدران الحياة قبل أن يتركوها ،مثلما يعبث
معتز( :األنا) كان األكثر هيمنةً ،ويأتي بعده التالمذة بأشياء المدرسة يــوم تخرجهم»
(اآلخر) صوفيا ،رغم ما قد يُنْبِئ به عنوان ص.9
وبعد قطع شوط سردي كبير امتد عبر الرواية من أنها الشخصية الرئيسة األولى.
انشغل الــســرد هنا فــي مساحة كبيرة الرواية كلها جاء تجسي ُد معتز لتلك التجربة
منه ببلورة العالقة القائمة بين طرفَيْ هذه ومشاعره تجاهها من خالل قوله« :اآلن وقد
الثنائية وتطورها عبر أجزاء الرواية؛ سواء ابتعدْتُ عنها ،كأنَّ مشاعري حقل محصود،
انطلقت هذه البلورة من األنــا «معتز» إلى ال تدري ماذا كانت ،وماذا ستُزرع في الموسم
اآلخر «صوفيا» ،أم جاء األمر بالعكس ،حيث المقبل!» ص ،129فهو ما يزال يعاني من
أبانت صوفيا رؤيتها لهذه العالقة .وتبعًا ألن حيرته وعدم إدراكه لحقيقة ما تم ،وطبيعة
معتز هو الصوت السارد كانت رؤيته لتلك النتيجة أو المحصلة التي انتهى إليها ،وما
العالقة أكث َر حضورًا منذ البدء حتى الختام يمكن توقُّعه بعدُ.
وعلى م ّر الرواية ،لم تكن رؤية معتز لهذه السردي.
منذ الصفحات األولــى كشف معتز عن العالقة رؤيــ ًة جــامــدة ذات بُعد واح ــد ،بل
رؤيته لطبيعة عالقته مع صوفيا ،قائالً :تطوَّرت مع تطوُّر األحداث؛ ففي البدء كان
«العالقة كلها ما زالت محبوس ًة بين قوسين ،شعوره بالذنب واعترافه داخل ّيًا بخطيئة ما
مثل كل الجمل االعتراضية التي تقبع بين يفعله؛ لذا ،كان «ضميري مثل هاتف ال يرن،
الكالم بتوجُّ س في انتظار ما يبررها ،قبل ولكنه ما يــزال موصوالً بالحرارة اإللهية»
أن تخلع قوسيها ،وتعلن نفسها جــزءًا من ص .36فالصورة هنا تقدم شقين متقابلين
الكالم ،يحق له أن يقال ،ويُ ْكتَب ،ويُنْتَخب لذاته أو ضميره ،وهما تعطيل اإلدراك مؤقتًا
في ذهن النص»( .)٥فالموازاة بين عالقتهما مع بقاء االتصال بمصدر من مصارد ذلك
25 اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
اإلدراك .ورغم شعوره باإلثم من ناحيته فإنه عبر اإلنــتــرنــت ،إذ «شــع ـرْتُ منذ حواراتنا
كان يرى «صوفيا» من األطهار في طريقة اإللكترونية األولى بأنها مليئة بعاطفة حادة،
مواجهتها (للموت بالسرطان)« :فاألطهار ال كتلك الــتــي تجتاح النفس عندما تمشي
يذوقون النساء ،بل إنها تلك القلوب التي ال في طريق مغطى بــأوراق الشجر الصفراء
تأبه ببلل اإلثم إذا وقع على أطرافها ،هي الساقطة ،ولكنما تكبحها إرادة صارمة جدًا،
التي تشق طريقها بينهن كما يشق الفاتحون كأفرُع األشجار إذا تعرت» ص .77والطرف
الثاني في هاتين الصورتين يفتح أفق توقع طرقات مدينة سقطت» ص .34
أن هذه العالقة مجدبة ،وأنها لن تنبثق عن
ورغم شدة تعلُّق صوفيا بمعتز ،فإن داء
امتداد لها(.)٨
«الــمــلــل» المستحكم دفعه إلــى تركها ولو
*** مؤقتًا ،لكن تفكيره لم يستطع مغادرتها كما
فعل جسده ،فحين انطلق خارج شقتها «كانت
الحياة والموت
صوفيا ترافقني في الشوارع مثل روح كبيرة
إن الحياة والموت في مقدمة المسلَّمات
معلقة بين السماء واألرض ،أينما اتجهت
التي تواجه اإلنسان وتشغله« ،فــإن حقيقة
أجدها تطالعني من فوق» ص ،121بل ازداد
أحدهما أو كليهما يشكلها ما يراه اإلنسان
تمثُّلها له فـ«أحيانًا ..أكاد أقسم إنها واضحة
ويدركه من تعرض أو تضاد أو مفارقة»(.)٩
في السماء مثل سحابة ،وإن أهل بيروت ال
في ضوء ذلك ،كانت الثنائية الثانية في هذه
شك يرونها مثلي ،ويعجبون من هذه المرأة
الرواية ،وهي ثنائية «الحياة والموت» :الحياة
التي تعلقت فوق رؤوسهم مثل آلهة األولمب»
التي يمثلها معتز ،والموت الذي تتجه إليه
ص ،121وهــنــا يــاحــظ قدسية الطرف
صوفيا ،لكن لم يكن التمثيل في كلتا الحالين
الثاني للصورة؛ ما يشي بوجهة نظر السارد
اعتياديًا ،بل جاء مفارقًا ألفق توقع القارئ،
تجاه صوفيا.
حيث كانت حياة معتز تدور حول محورَيْ :
أمــا على الجانب المعاكس ،وهــو رؤيــة الملل والتغيّر ،من خــال الضيق الشديد
اآلخــر /صوفيا الموجهة إلى األنــا /معتز ،بالملل عدو معتز األول ،ورغبة هذا األخير
فقد دارت األنسجة التشبيهية التي بلورت في التغير بصورة مرضية غير منضبطة
هذا الجانب حول شدة التعلُّق ،تعلُّق صوفيا نفسيًا ،على الجانب اآلخر لم تقف صوفيا
بمعتز ،سواء على مستوى الفعل الحدثي( ،)٦ممثل ُة الموت مستسلم ًة تجاه هذا الموت
أم الــرصــد المباشر مــن الــســارد معتز( ،)٧الزاحف ،بل تمسّ كت بأهداب الحياة حتى
وقــد كــان تعلقها هــذا منذ بــدء عالقتهما آخر أنفاسها ،وجابهت الموت من خالل ذلك
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017 26
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
ص 22؛ ومــن ثم رأى «أن األولمبيات دين التمسك.
فإشكالية معتز مع داء الملل من أوضح حقيقي ،والرياضيون أنبياء»! ص .30ولم
الحقائق في الــروايــة ،ســواء عبر التصريح يقف تعبيره عن حميمة رغبته بالتغيير من
المباشر أو التجسيد الفني أو التمثيل خالل «المقدس» عند هذا الحد ،بل تواصل
الحكائي ،وأعني باألخير أن طريقة سرد عبر رؤيته للذات اإللهية ،نفسها وفق هذه
الرواية نفسها جاءت على نهج أصاب بعض الرغبة(.)١٢
كان هذا جانبًا من تجسيد الرواية لشق القراء بالملل؛ ومن ثم كان ذلك أحد مثالب
الــروايــة في رأي معظم هــؤالء الــقــراء .أما الحياة ممثلة في معتز؛ أما الموت ،فكان
التجسيد الفني إلشكالية الملل مع معتز الــحــدث األه ــم فــي هــذا العمل الــســردي،
فمتعدد ،بعضه مباشر مثل تمنِّيه« :أن عبر إصابة صوفيا بالسرطان وانتظارها
أتخلص من كل ما يثير الملل ،أن أرميه ورائي لنهايته المؤكدة في ظنها .ونتيجة محورية
مثل حذاء ضيق وال ألتفت إليه»( ،)١٠أو عبر عنصر «الــمــوت» انشغلت به كلتا الذاتين:
نهج تصويري ابتعد عن تلك المباشرة من معتز وصوفيا ،وكان لكليهما رؤيته الخاصة
خالل إضافة شيء من الجمالية الخاصة ،تجاهه .فمعتز دومًا يرى الموت كلما تواصل
كما في قوله« :صــرْتُ أعيش مثل مومياء مع صوفيا ،مشبهًا إيــاه بـــ« :ذلــك الطحان
ملتفة بأقمشة عفنة ،واقفة منذ قرون في المقترب» ص ،34وهو يتوقف متعجبًا إزاء
صندوق خشبي ،مَن يشك في أنها ملت كثيرًا استمرارية هذا الموت وتكراره ،وفي الوقت
من نفسها ،كما مللت كثيرًا من نفسي!»( .)١١نفسه نتقبَّله رغم العجز عن فهمه« :عليّ
فهذا التفصيل فــي طــرف الــصــورة الثاني أن أفتح ثقبًا كبيرًا في السماء إذا أردت
منح الــقــارئَ مساح ًة ممتدة مــن التخيل ،أن أفهم يومًا معنى أن تموت هذه الفتاة!
واالستمتاع بلغة السرد ،وهذا أحد أسرار برغم أن قصة الموت التتوقف ،مثل جريدة
يومية ،ولكن أخبارها يجب أن تختلف وإال اإلعجاب بتلك الرواية.
وكرد فعل لداء الملل هذا ،كان الشق الثاني اضمحلت دموعنا ،ونسينا أننا نستطيع أن
من شخصية معتز ،وهو رغبته الشديدة في نبكي ،ونفعل أحزانًا »...ص.100
أما صوفيا ،فموقفها من الموت لم يكن التغيير ،تلك الرغبة التي نتجت عن ضيقه
ال َمر َِضيّ بالملل ،والتي الزمته طوال حياته ،موقفًا عاجزًا مثل معتز؛ مكتفيًا بالتعجب
فـ«الذي يعنيني أن هناك شيئًا ما يتغير ،وال والتساؤل والحيرة ،بل تحدَّ ت هذا الموت
يقف في حنجرة الوقت مثل سكين صدئة!» عقب تلقِّي صدمة اقترابه ،فـ «على الجدار
27 اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
هناك تستفز الموت ،وتعلّق شهادته عليه ال أمارس أي فعل إال في حدوده الدنيا» ص
بكل العناد الذي اعتصرته من شفق حياتها ،127وكأن تلك المدينة من خالل الصورة
المعكر ،تتحدَّ ى بها اقترابه المهيب ،وتحشد السابقة كانت بالنسبة للسارد مدينة الموت
أمامه كل المباالة األيام الباقية ،وتدهن بها ال الحياة التي تجددت في بيروت.
نفسها ،ووجهها ،وروحها الشفيقة ،مثلما
وفي مقابل ذلك ،ونتيجة النشغال السرد
تدهن بعض الحشرات نفسها بمادة ُمرّة ال
بالمدينة األخرى /بيروت أكثر ،كان نصيبها
تستسيغها الطيور المهاجمة ،حتى تستحيل
من الصور التشبيهية أعلى .ففي البدء صوّر
بدورها إلى مرارة شابة ،تفسد على الموت
السارد بيروت بأنها «كانت قابعة في درج
طعم روحها الفتية»( .)١٣لذا ،عندما قَدِ َم معتز
مكتبي كتذكرة سفر بتاريخ مفتوح» ص 35؛
من الرياض إلى بيروت لإلقامة مع صوفيا
إشــارة إلى سمة التقبل واإلتاحة وإمكانية
خــال أيامها األخــيــرة ،رأى «وجــه صوفيا
الــوصــول ،لكن حيرته وعجزه تواصال في
البارق بالرغبة العنيدة ،وعينيها المفتوحتين
وأيضا
ً أثناء وجوده بهذا المكان المفتوح(،)١٤
مثل حقيبتين تطمحان الستيعاب الدنيا قبل
كما كانت رؤيته لذاته ضبابية ،كانت نظرته
الرحيل» ص .33
للمكان تكتنفها الضبابة نفسها(.)١٥
***
إزاء ذلك كله ،لم يَ ـ ُد ْم الموقف المتقبل
من بيروت بل انقلب إلى تبنِّي رؤية صوفيا الرياض وبيروت
الثنائية األخيرة هنا كانت على مستوى المنهكة بالمرض تجاه معتز الــذي اتسم
المكان ،حيث تجسدت عبر فضاءين هما :بالتخلي واألنانية .وقد ارتقى ذلك الموقف
الرياض مدينة معتز الذي نشأ فيها وقَدِ م اإليجابي من بيروت تجاه السارد وكل بني
منها ،وبيروت مدينة صوفيا التي سافر إليها مدينته؛ فكان لها رؤية ورأي َو َر ّد فعل إزاء
معتز ودارت بها معظم أحداث الرواية؛ وذلك ما يفعلون ،خاصة أنها في البدء «كم بذلت
تبعًا لالختيار السردي الــذي شكلته وجهة هذه المدينة لظمئنا الصحراوي القادم من
نظر السارد؛ من ثم كان حضور «الرياض» الجنوب طــوال عــقــود ،ومــا تــزال تكيل لنا
بوصفها مــكــا ًنــا ســرد ًيــا قــلــيـاً؛ وك ــذا جاء الكثير من الفرح ،وما زالت تجاهد مثل امرأة
نصيبها من الشريحة التشبيهية لم يتجاوز فــي أواخ ــر الثالثينيات لتظل هــي األثيرة
مرة واحــدة ،ضمن قول السارد« :شهر في بعد أن تجاوزتها قوافلنا إلى مدن أخرى،
الرياض ولم أفعل شيئًا .ما زلت ساكنًا مثل تجاهد حتى آخر قطرة بهجة ،لتبقى هي
جثة في إناء فورمالين ،ال أتحرك ،ال أخرج ،هوسنا األخضر المعلق في شمالي الخريطة
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017 28
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
دائمًا» ص .93لكن بعدما تغير موقف هؤالء الرواية ،وقد سعت زاويــة الرؤية التحليلية
القادمين من الجنوب ،ممثلين في معتز« ،لم هنا إلى رصد تجسد تلك الثنائيات ضمن
تكن األشياء تبدو حزينة لذلك أي لمغادرته نسيج اللغة المتميزة التي كتب بها هذه
بــيــروت ،بقدر ما كانت ترمقني بامتعاض الرواية.
ساخر ،وكأنها اعتادت أن ترى ما تراه اآلن
المصادر والمراجع
-رافيندران سانكاران :البنيوية والتفكيك ،دار من الوجوه الغريبة ،النظرة الساخرة نفسها
الشؤون الثقافية العامة ،آفاق عربية2002 ،م. التي نراها في وجه كهل مشلول ،كان يعلم ما
-روجــر .ب .هينكل :قــراءة الــروايــة مدخل إلى
سيكون ،ولم يقل!» ص .122
تقنيات التفسير ،ترجمة د .صــاح رزق ،دار
اآلداب ،القاهرة1995 ،م.
***
-عبد الملك مرتاض :في نظرية الرواية بحث في
تقنيات السرد ،عالم المعرفة ،الكويت1998 ،م. «ال شيء خارج اللغة» عبارة تأكدت عبر
-قاسم المومني :في قــراءة النص ،دار الفارس
للنشر والتوزيع ،عمان2005 ،م. التناول النقدي السابق لرواية «صوفيا»،
-محمد حــســن عــلــوان :صــوفــيــا (روايـــــة) ،دار إح ــدى روايـ ــات الــكــاتــب الــســعــودي محمد
الساقي ،بيروت ،الطبعة الثانية 2006م.
حسن علوان ،من خالل الكشف عن جانب
h t t p s : / / w w w . g o o d r e a d s . c o m / b o o k /-
show/3294671
من تشكيلها السردي ،الذي جاء عبر عدة
http://aljsad.org/showthread.php?t=64604- ثنائيات ضدية بــلــورت مساحة كبيرة من
https://www.goodreads.com/book/show/3294671
انظر: () 1
http://aljsad.org/showthread.php?t=64604
انظر: ( )2
انظر جانبًا من تلك األهمية في :روجر.ب .هينكل :قراءة الرواية مدخل إلى تقنيات التفسير ،ترجمة ( )3
د .صالح رزق ،دار اآلداب ،القاهرة1995 ،م ،ص229؛ د .عبدالملك مرتاض :في نظرية الرواية بحث
في تقنيات السرد ،عالم المعرفة ،الكويت1998 ،م ،ص.111
رافيندران سانكاران :البنيوية والتفكيك ،دار الشؤون الثقافية العامة ،آفاق عربية2002 ،م ،ص .9 () 4
محمد حسن علوان :صوفيا (رواية) ،دار الساقي ،بيروت ،الطبعة الثانية 2006م ،ص .9وسوف تذكر ( )5
أرقام الصفحات في المتن بعدُ.
انظر :محمد حسن علوان :صوفيا (رواية) ،ص .48 () 6
انظر :محمد حسن علوان :صوفيا (رواية) ،ص .58 ( )7
وانظر امتداد توظيف صورة األرض لتجسيد تطور هذه العالقة في :محمد حسن علوان :صوفيا ( )8
(رواية) ،ص .98
قاسم المومني :في قراءة النص ،دار الفارس للنشر والتوزيع ،عمان2005 ،م ،ص.200 ( )9
أيضا موضعًا آخر في الصفحة نفسها. محمد حسن علوان :صوفيا (رواية) ،ص .21وانظر ً () 10
أيضا موضعًا آخر في الصفحة نفسها. محمد حسن علوان :صوفيا (رواية) ،ص .35وانظر ً ( )11
انظر :محمد حسن علوان :صوفيا (رواية) ،ص.62 ( )12
محمد حسن علوان :صوفيا (رواية) ،ص .15وانظر تصويرًا آخر لهذا الحدث المتحدي للموت في: ( )١٣
المصدر السابق ،ص.19 -18
انظر :محمد حسن علوان :صوفيا (رواية) ،ص .91 () ١٤
انظر :محمد حسن علوان :صوفيا (رواية) ،ص .139 ( )١٥
صار الميتاسرد ميزة جمالية يلجأ إليها أغوار الكتابة الذاتية ،كما تصير قادرة على
كــتــاب الــروايــة ،مــن أجــل أن يخرجوا على كشف أنــواع التداخل بين النص اإلبداعي
كالسية الــروايــة ونمطيتها .ويعد الخطاب والنص النقدي الكاشف.
ولم يعد الخطاب الميتاسردي مجرد تداخل الــمــيــتــاســردي لــيــس فــقــط طــريــقــة ســرديــة
جمالية ،بل يعد أيضا وعيا تجريبيا ما بعد بين النصوص ،بل صار بوسع الكاتب أن يقوم
حداثي ،وخروجا على رؤية العالم التقليدية.
فيه بالتناص األدبــي مع نصوصه السابقة،
إن توظيف الخطاب الميتاسردي يجعل ويناقش شخصياته ،وموضوع الكتابة ،وماذا
من المتلقي شريكا ضمنيا في إنتاج داللة يمكن أن تفعل الشخصيات ،وكيف تسهم في
الــنــص ،ويسهم الخطاب الميتاسردي في إدارة الــصــراع في النص ،فيؤدي ذلــك إلى
وصــف العملية اإلبــداعــيــة وأســرارهــا ،كما كسر اإليهام ونفي التخييل المطلق عن النص،
يُعْنى هذا الخطاب برصد عوالم الكتابة،
وتشكيل الشخصيات ومــســاراتــهــا داخــل
الفضاء السردي ،مع كشف األلعاب السردية
التي يمارسها المؤلفون ،والحيل والطرائق
المختلفة التي يمكن أن يتتبع مساراتها
الــقــارئ الــواعــي بـ ــدوره فــي ظــل نظريات
التلقي .كما يطرح الخطاب الميتاسردي
أسئلة الكتابة ،ويكشف عن مشكالتها التي
تواجه المؤلفين؛ ما يسهم في كشف أسرار
اإلبــداع وآلياته وتقنياته الفنية والجمالية،
وهو ما يُذكِّر بالميتامسرح ،وخطاب السينما
داخــل السينما ،والسيرك داخــل السيرك،
فتصير الكتابة الميتاسردية قادرة على سبر
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017 34
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
فيتجاذب النص مساحات ،مما هو مرجعي ينتبه إليه أحد» فهل السارد هنا الذي يتحدث
أم المؤلف الحقيقي؟ فلو أنه السارد ،فليس وإحالي ،ومما هو تخييلي إيهامي.
كــذلــك ي ــؤدي الــخــطــاب الميتاسردي أو من المنطقي أن يتحدث عن سابقة للكتابة
الميتاقص داخــل النص اإلبداعي مجموعة «هذه المرة أكتب بنيات متعددة» رغم أننا من
مــن الــوظــائــف واألدوار ،مــنــهــا خــلــق نص خالل النص يتكشف لنا أنه يمارس الكتابة
سردي بوليفوني ،متعدد األصــوات ،والرؤى ألول مرة ،أم أنه المؤلف الحقيقي هو الذي
واألســالــيــب ،كذلك كسر اإليــهــام بالواقعية يوجه الخطاب للمتلقي؟
ال يهم كثيرا إن كان الخطاب من السارد إلبــعــاد الــوهــم واالس ــت ــاب عــن المتلقي،
إضافة إلى كشف جماليات اللعبة السردية ،أم من المؤلف الحقيقي المهم أن الكاتب منذ
مع تجديد السرد عن طريق خلق مساحات البدء يعلن لنا ثقل عملية الكتابة وصعوبتها:
من التجريب في طرائقه وآلياته ،مع تحقيق «أنا الذي أكتب اآلن على ورق يابس ،وأمارس
مــســاحــات مــن اإلثـ ــارة والمتعة والــمــحــاورة هذا القمار الثقيل ..أكتب على مهل مثلما
العقلية بين الكاتب ومتلقيه ،مما يسمح تنقش التوابيت».
مــنــذ الــبــدء يكشف الــكــاتــب عــن تشكُّل بمشاركة المتلقي أو القارئ في بناء اللعبة
السردية تخييال وإيهاما .إضافة إلى تربية الشخصيات الروائية داخله ،وخروجها إلى
العقل النقدي لدى المتلقي عن طريق مناقشة الفضاء السردي؛ لتمارس أدوارها المحددة
لها سلفا ،ثم انفصالها عنه ،ألنها صارت آليات تكوين الفضاء السردي معه.
فهل هــذا مــا فعله محمد حسن علوان ذواتــا أخــرى خــارج ذاتــه «أراق ــب في سطح
فــي روايــتــه «ط ــوق الــطــهــارة» الــتــي صــدرت ذهني مئات الوجوه التي ال أعرف أيا منها،
قبل سنوات عن دار الساقي؟ هل استطاع لكنها طفرت فجأة على الورق ،مثل جماعات
علوان أن يحقق اللعبة الجمالية التي يوفرها الغجر ،وصار لزاما علي أن أرقص معها أو
أموت غريبا». الخطاب الميتاسردي؟
يعود الكاتب ليُسرّب للقارئ أن الصوت منذ اللحظة األولى يضع الكاتب سارده في
لعبة الكتابة ،ورغم أن السارد يدخل مضمار الــذي يفتتح السرد إنما هو صوت المؤلف
الكتابة ألول مــرة ،إال أنه يعلن منذ السطر الحقيقي ،قبل أن يقدم لنا ســارده وحكايته
األول أن «هــذه المرة أكتب بنيات متعددة .مع الكتابة ،يعاود الحديث عن أنها ليست
وأعــرف أن فرقا شاسعا سيؤلم ذهني ،ولن المرة األولى للكتابة ،ويتحدث منذ البدء عن
35 اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
سؤال الكتابة ،ودوافعه من وراء هذه الكتابة :ويمارس الكاتب من خالل قصة سارده لعبة
«حاصرتني تلك النيات المتعددة ،بعد أن كان الميتاسرد .حين تطبع غالية كتاباته في
يستحيل علي أن أكتب بأكثر من نية ،مثلما رواية إنما هي تعيد إلى ذاكرته كل الخيبات
يستحيل أن أكتب بأكثر من قلم ،خشية أن والتعاسات التي م ّر بها منذ أن كان صغيرا
وحتى لحظة الفراق التي حدثت بينها ،حيث يخرجني هذا من توحيد الكتابة».
يعي الكاتب أن ثمة جدل في الرواية بين تبدأ الرواية من لحظة النهاية ،وصول الكتاب
ما هو مرجعي وإحالي وما هو تخييلي ،بل من بيروت إلى الرياض ،ثم الرجوع بالفالش
يناقش مساحات مــا هــو مرجعي وعالقته باك إلى كل محطات حياته وتفاصيلها.
تطبع غالية الكتاب الذي نشره حسان على بالتخييل في النص« :فرق كبير بين الوعي
الــذي يحاصرني اآلن بقوانين مريبة ،مثل اإلنترنت ،وحين يفقد األمل في ترميم العالقة
وجود أناس آخرين ،حزانى ،وملعونين ،وقطّ اع ويكتشف نظرتها األخالقية الضيقة الى هذه
أمــل ،يتقاطعون معي في قصص متشابهة ،العالقة مقارن ًة بنظرته اإلنسانية المتحرّرة...
وبــكــاء بــاهــت ،بين الــاوعــي الجميل الــذي يقرر إتالف جميع نسخ الكتاب ويمتنع عن
تعلمته منها أثناء كتابة النية الواحدة ،والذي الــرد على اتصاالتها الهاتفية ويــدخــل الى
كان يمنح أوراقــي ذات يوم مساحة عضلية الحمّام كأنه يقطع الصلة مع الماضي ،ويصم
أذنيه عن صوته ،ويغتسل من مرحلة جرّت هائلة ،وتمارين شاقة من األمل الموارب».
تحكي القصة حياة كاتب شاب يعيش في عليه األلم والصدمة« :لقد كان غريبا حقا
منطقة الرياض (حسان) ،يقع في حب العديد أنها نشرت الكتاب بطريقتها مثلما رتبت
من الفتيات؛ مما يكسر طوق الطهارة الذي حبنا بطريقتها أيضا ،وحاكت هذا الفعل من
يفرضه عليه النظام االجتماعي .يقع في حب غيابها الخفي البعيد ،ألن األقدار ال تصير
فتاة قريبة له ،من عائلته (غالية) ،ويعيش أقداراً إال إذا جاءت من الخفي البعيد أصال.
معها قصة حب محمومة حتى يتزوجها ،وبعد وهي بعيدة خفية منذ سنوات ،وهــذا الذي
زواجهما بأسبوع واحد ينفصالن ،لكن الفتاة جاءني منها اآلن بناء على مصدره ،ثم أثره،
تظل تحفظ العهد حتى أنها تجمع تدويناته ال يمكن بال ريــب إال أن يكون قــدرا ليس
التي كان ينشرها على مدونته ،ورسائل العشق ،عندي احتمال آخر».
يــطــرح الــكــاتــب مــن خ ــال قــصــة حسان في كتاب يحمل اسمه وتوقيعه ،وترسله له
من بيروت ،حيث طبعته ،وحين تصله نسخ وغــالــيــة ،وع ــاق ــة حــســان بــكــتــابــه أسئلة
الرواية التي تحمل اسمه يطرح أسئلة الكتابة ،الكتابة ،لماذا نكتب؟ ولمن نكتب؟ وهل من
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017 36
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
حق غيرنا أن يأخذ ما بحنا به في زمن ما أن يتأمل حياته وعالقاته النسائية انطالقا
ويطبعه؟ وما هو إحساسنا حينما نجد خبايا من الجرح الذي نكأته «غالية» بنشر الكتاب
أعماقنا متشكلة في فضاء سردي؟ «قدّرت دون علمه ،فيغوص فــي ال ــذات عميقا في
لي هذا دون أن تخبرني كيف يمكن أن أطرح محاولة لــمــداواة ألمها من ناحية والتطهر
الــســؤال البسيط :لــمــاذا؟ وال أبــدو متسوال والمحاسبة من ناحية أخرى ،فيطرح سؤاال
وأنــا أطــرحــه ،ألن بعض األسئلة الكربونية واضحا ال لبس فيه :ما الذي أوصله إلى هذه
التي تحمل تاريخ صالحية محدودا ،ال تظل النقطة من عالقاته بالنساء؟ من أين يأتي
إجاباتها ممكنة بعده ،وتتحول إلى أسئلة غير الداء في تعامله مع النساء؟ فغالية هَ جَ َرتْ ُه
الئقة ،تخدش سطوة الغياب التي ترتديه هي في األسبوع األول من زواجهما .قــررت أن
بكل اقتدار ،وتمارسه وكأنها لم تأت أصال تكون ذاتا فاعلة ،فهجرت وابتعدت ونسيت
إال لتغيب ،مثلما يفعل التائبون الذين قرروا الحب المحموم ،ولم تتوقف عند هذا فقط،
استعادة ميدالية الطهارة ،بعد دورة حياتية بل أخذت قرار أن تجمع مدوناته وتطبع كتابا
ضــالــة! ولــهــذا ال أجــد أمــامــي إال أن أحمل باسمه .إنها امرأة كفؤ للرجل ومساوية له،
أدوات األسئلة األخرى التي صرت خبيرا في وال تقل عنه في اتخاذ القرارات وممارسة
استخدامها أخيرا ،أنا الــذي عانيت طويال األفعال التي تقتنع بها.
عــدم الفهم ،وتألمت من عصيان األسئلة،
لكن مــا ال ــذي كسر طــوق الــطــهــارة لدى
وفوجئت بالكتاب منشورا مثل صحيفة عبد
حسان؟
يحاسبه اهلل قبل يوم الحساب بوقت طويل»!
إن الــذاكــرة االسترجاعية تعود بحسان
إلى مرحلة الطفولة ،فقد كان ابنا لرجل تقي الخطاب الكشفي في طوق الطهارة
يعمد الكاتب في هذه الرواية إلى فكرة متدين وامــرأة تخشى على صغيرها من كل
كشف المسكوت عنه في المجتمع السعودي ،شئ وتعتني به وبمظهره وأناقته ،وتخاف
حــيــث يتبنى الــكــاتــب الــخــطــاب الكشفي ،عليه حتى من البرد والحر والمرض ،فنشأ
ويفضح الالمقول في المجتمع عبر خطاب حسان صبيا ذا مواصفات خاصة مما أطمع
سوسيولوجي جريء ،فعلوان الذي يستخدم فيه مجتمع الذكور ،فتعرض الصبي الوسيم
شخصية حــســان الـــذي حـــاول كــســر طــوق المتأنق دوما إلى تحرشات الرجال بدءا من
الطهارة منذ أن عاد بذاكرته االسترجاعية مدرس التربية الفنية وليس انتهاء بمدرس
إلى السنوات األولى من حياته يتعامل مع ما التربية الموسيقية الذي كان يُحفّظه النشيد
هو مجتمعي بجرأة وجسارة .يحاول حسان الجماعي الذي سينشده مع كورال األطفال
37 اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
راحــت يــدي تطبق دورا كتب عليها منذ فــي الــمــدرســة .يــحــاول الــمــدرس حينها أن
يختلي بالصغير بحجة أن يصلح له مالبسه ،سبع عشرة سنة ..اآلن فقط أستخرج من
وهناك يحاول أن يحتك بجسده فيهرب منه طفولتي تفسيرات محتملة لكل عــاداتــي
عندما كان جسدي الطفل ال يفهم الجنس، الصغير سريعاً.
إذاً تعرض حسان الصغير للتحرش زرع فيه ولكن عقلي الباطن يفهمه حتما ،ويستوعبه
شعورين األول الخوف من االختالء بالرجال ويــدركــه ،وعندما يكبر يظل العقل الباطن
أيا كانوا ،والثاني هو االنتقام الجسدي من على إدراكه السابق ،ولكن يصبح هناك جسد
أجساد أضعف منه ونفوس أكثر هشاشة من ناضج مستعداً لتلقي تلك األوامر المختزنة،
نفسه الهشة المأزومة ،لم يجد أمامه سوى وممارسات السلوكيات التي يمليها عليه ذلك
الحلقة األضعف في المجتمع؛ ليمارس عليها الذي أحاط بكل شئ ،و«الجسد ال ينسى» كما
قال فرويد. أزمات شعورية كامنة في الالوعي.
إنه خطاب ميتاسردي استطاع أن يطرح إذاً يحاول الكاتب أن يقارب الموضوعات
االجتماعية والــعــاقــات اإلنــســانــيــة بجرأة
أسئلة الكتابة ورؤيــة العالم لــدى المؤلف،
واضحة ،فيقدم لنا خطابا كشفيا جريئا في
والــهــواجــس الــتــي تــنــتــابــه كـ ــذات مــبــدعــة،
تناوله لموضوعة الحب والعالقات النفسية
لكنه تخلى عن أهم دور ينتظر من الكتابة
والجسدية بين الــرجــال والــنــســاء ،وتــاريــخ
الميتاسردية ،وهــو مناقشة طرائق السرد
الــمــديــنــة الــســري الـــذي يحيل إل ــى مــا هو
وتــكــويــن الشخصيات والجماليات الفنية
مرجعي وواقعي في مجتمع من المجتمعات
في الرواية والتفكير النقدي الذي يجب أن
العربية التي تشيع فيها الثقافة الذكورية التي
يمتلكه كاتب الخطاب الميتاسردي.
تعتبر المرأة موضوعا للمتعة وليست ذاتا
لقد وقف الكاتب عند مسعى وحيد مما مكافأة للرجل.
كــان حسان كلما التقى بفتاة وبــدأ معها تسعى إليه الكتابة الميتاسردية هو مسعى
عالقة غرامية يمارس عليها ذات القهر الذي رؤيــة العالم وأسئلة الكتابة ،وتناسى تحت
مورس على جسده وروحــه وهو بعد صغير :إغواء مناقشة الهواجس والقلق التي تنتاب
«في لقائي األول مع جورية ارتسم في عينيها الكتاب ويحاولون إخراجها على الورق ،تناسي
عتاب خجول ،ومــن وراء ابتسامة مرتجفة األه ــداف الجمالية التي تحققها الكتابة
الميتاسردية. قالت لي :يدك!
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017 38
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
الصوفي الموزعة بين األلم واالمتالء
ّ موت صغير :حكاية
ρρإبراهيم احلجري -ناقد وروائي من املغرب
لــيــس محمد عــلــوان أول روائـ ــي يمتح تاريخية ،ولكن في الوقت نفسه ،ليس من
مادته من التاريخ ،وليس هو أول من اشتغل اليسير تحريف مادة معروفة لدى القارئ،
بالتصوف والصوفية كسيولة متنية ،فقد خــاصــة وأن اب ــن عــربــي شخصية فكرية
سبقه كثيرون إلى طرق هذا الباب ،1لكن وفلسفية وأدبية شهيرة .ثم فيما بعد ،تأثيث
ليس من السهل اتخاذ سيرة الشيخ األكبر التفاصيل الملحقة بهذه الــثــوابــت ،بشكل
ابن عربي هيكال محوريا تنهض عليه رواية ،يضمن لهما االنسجام داخل نص كلي.
وقد ساهمت خبرة الكاتب وموهبته ،في لعدة أسباب أجملها كالتالي:
المادة الخبرية حول ابن عربي تعرف شحّ ا التحكم في صلب المادة الخبرية ،وتلقيحها
وتضاربا ،وتكتنفها الكثير من البياضات ،بخياله الواسع ولغته المتميزة ،مما جعل
والفجوات بحكم العالقة الملتبسة التي كانت الــروايــة تقدم لنا ابــن عربي الصوفي في
تجمعه برجال السلطة من جهة ،وبمريديه متخيل أروع من الصورة التي نحملها عنه
ســواء من خــال الــروايــات التاريخية التي من جهة ثانية ،وبالفقهاء من جهة ثالثة.
التلف الــذي تعرضت له ذخيرته وتراثه تترجم له ،أو من خالل الصورة الملتبسة
بفعل المواقف العدائية من التصوف في التي ترسّ خها من خالل الغوص في مؤلفاته.
لقد قدّمت هذه الرواية السيرية شخصية بــعــض الــمــراحــل الــتــاريــخــيــة تــحــت ذريــعــة
محيي الدين ابن عربي منذ والدته ببلنسية تضمّنها فــكــراً خــرافــيـاً وتحريضها على
حتى وفاته بدمشق ،في صورة واقعية تبتعد الزندقة والكفر وما إلى ذلك.
ك ّل البعد عن الصورة المتعالية التي تقدمه
كــون ابــن عربي قطبا ذاع صيته ،وكثر
بها كتب التراجم ،فنعرفه في تقلباته الحياتية
مريدوه ،فتعددت ،بالتالي ،الروايات المتعلقة
بين الفرح والحزن ،السعادة واليأس ،الفقر
بحياته وسيرته وكراماته ،إلى ح ّد التضخيم.
والــغــنــى ،الضيق والــدعــة ،ونلمس جوانب
اإلنسان فيه وهو يطارد الحقيقة ،فيخفق كل هذه االعتبارات جعلت محمد علوان
وينجح ،يتهادى بين اإلحباط واالطمئنان، أمام خيارات صعبة ،وتحديات وعرة تتمثل
ويــجــرجــر نفسه فــي الــكــهــوف والــخــلــوات أوال في الحسم مع الثوابت من األخبار ،ولو
والمقابر ،ويهرب من نار المطاردة والحصار أنه ليس من المفروض عليه اإلتيان بحقائق
39 اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
عرفت األندلس طفرة كبيرة على مستوى بحثا عــن أفــق أرح ــب لممارسة نشاطاته
الــثــراء والغنى فــي جميع مناحي الحياة، التعبدية والتدريسية والتأليفية.
تنجح الرواية في أن تضفي المتعة على مــمــا مــهــد لــظــهــور فــنــون وأشــكــال وألـــوان
تفاصيل سيرة بشرية صعبة ،وتسبغ عليها مــن الــبــذخ والــتــرف ومــظــاهــر الــفــســاد في
أنواع الطرف والمالحة والغرابة ،لتيسّ ر تقبّل العالقات واألخالق والعقيدة ،كما أن النظر
ك ّل هذا الك ّم الضخم من الوقائع بسالسة ،السطحيّ للنص اإلسالمي أثار حفيظة كثير
بل أكثر من ذلك ،تنزل ابن عربي من خلوته من العلماء الذين ضاقوا بسطحية الفقه
العاجية ،وبرجه العرفاني الغميس ليعيش الظاهري ،فراحوا يبتكرون لهم فنونا من
بين الــنــاس ،ويتفاعل مــع الــقــرّاء ،فيحبه القول ،ومذاهب من التأويل باتت تنتشر في
المتلقون في الصورة المتخيلة التي تلبسها الغرب اإلسالمي ،وسرعان ما بدأت تتسلل
إيّاه الرّواية ،حتى في أذهان من يتبرّمون من إلى المشرق عن طريق الرحالت والمؤلفات
التي كان يوزعها المريدون. المنطق الصوفيّ وفلسفته.
واستنادا إلى تجربة ابن عربي ،يمكن والتجوال تلحّ عليه مبكرا.
ومــن بين العوامل الكبرى التي فتحت أن نسجل أنواع المحن التي تعرض لها في
بصيرته على التنوع والفيض الغيبي ،حضوره حياته كالتالي:
مــن مــضــايــقــات أه ــل الــوقــت (السلطة ل ـقــدْ ص ــا َر قـلـبــي ق ــاب ـ ًـا ك ــلَّ ص ــورة
ـان
ف ــمَ ـرْعً ــى ل ـ ــغِ ـ ـ ـ ْزال ٍَن وديـ ـ ــرٌ ل ــرُ هْ ـب ـ ِ السياسية) ،ورغبة في التواصل مع آفاق
أرحب .يقول الراوي في (موت صغير):
ـان وكـ ـعـ ـب ــة ط ــائ ـ ٍـف،
و َب ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ٌـت ألوثـ ـ ـ ـ ـ ٍ
«مــنــذ أوجــدنــي اهلل فــي مــرسـ ّيــة حتى
ـرآن
وأل ـ ـ ـ ـ ــواحُ تـ ـ ـ ــوراة ومـ ـصـ ـح ـ ُـف قـ ـ ـ ِ
سفر ال ينقطع.
توفاني في دمشق وأنا في ٍ
ـوجـهـ ْـت
رأيت بالداً ولقيت أناساً وصحبت أولياء أدي ـ ــنُ ب ــدي ـ ِـن ال ـح ـ ِّـب أ َّنـ ــى تـ َّ
َرك ــائِ ـ ـ ُب ــهُ ف ــال ـ ُـح ـ ُّـب دي ـن ــي وإي ـمــانــي وعشت تحت حكم الموحدين واأليوبيين
طريق قدّره -7محنة الفقد التي الزمته بسبب رحيل ٍ والعباسيين والسالجقة في
كــل مــن أحبهم ،وألــفــهــم ،وســانــدوه في اهلل لي قبل خلقي .من يولد في مدينة
الحياة ،وآزروه في الشدة؛ انطالقا من محاصرة تولد معه رغبة جامحة في
والديه ،ومرورا بزوجاته ،وابنته الصغيرة، االنــطــاق خــارج األسـ ــوار .المؤمن في
وشيوخه ،وانتهاء بأصدقائه ومريديه؛ سفر دائم .والوجود كله سف ٌر في سفر.
ٍ
من ترك السفر سكن ،ومن سكن عاد إلى
.3بين السيرة والرحلة والرواية
العدم».i
انسجاما مع روح النص الــســردي ،ومع
-٤محنة التضييق عليه من لــدن الفقهاء
طبيعة الكتابة السيرية الغيرية التي تتهجى
الــذيــن بــاتــوا يــحـرّضــون عليه الساسة
أثــر شخصية معروفة في التراث العربي،
والسالطين ،ويوشون به لدى من يقربونه
بكونها أكثر الشخصيات المثيرة للجدل،
منهم من والة رغبة في إزاحته؛
فقد ألفى الــروايــة نفسه مضطرا للتنويع
-٥محنة الفهم السطحي لما يقوله ويكتبه بين أنماط الخطاب ،وتشييد عالمه على
ويـــؤولـــه م ــن ن ــص ــوص ،وي ــب ــوح ب ــه من أعــمــدة متعددة ،فمن جهة أرســى خطابه
عــلــى دعــامــات الــســيــرة الــغــيــريــة ،ول ــو أنــه إشراقات نورانية؛
-٦محنة الفشل في العشرة الزّوجية ،وتوالي سردها بضمير المتكلم ليسهل عليه النفاذ
الخيبات في الزّواج ،ومعاكسة الحظ له إلى عمق الشخصية الرئيسة ،خاصة أثناء
في العشق (تجربة النظام)ii؛ هذا العشق البوح بأسرار االرتحال الداخلي وآثار السفر
الذي أبدى فيه رأيا مثيرا للجدل؛ باتت العلوي التي يصعب على الــراوي الخارجي
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017 42
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
يتقصى المادّة الخبريّة
ّ الوصول إليها ،فراح
الموزّعة في بطون األسفار والكتب ،بين كتب
التّراجم واألنساب ومصادر التاريخ ،ويجمع
منها ما يشيد به عالمه السّ ردي.
محمد حسن علوان :موت صغير ،دار الساقي ،بيروت لبنان ،الطبعة األولى 2016م ،ص.25 . () ١
بناء على قصائده العشقية في فتاة متصوفة اسمها «النظام» التي رفضت الزواج منه لكونها وتده ( )٢
الثالث ،سيتم مهاجمته من قبل الفقهاء ،واتهامه بالزندقة والفسوق ،فرد عليهم بترجمة وتفسير هذه
القصائد في كتاب له أسماه «ذخائر األعالق في ترجمان األشواق».
مامات األراكَة والبَانِ ،انظر الموقع اإللكترونيhttp://www.adab.com/modules. :
ِ محيي بن عربي :أال يا حَ ( )٣
.php?name=Sh3er&doWhat=shqas&qid=19269
لم تتناول رحلة ابن عربي دراسات مفردة ،ولم تجمع في كتاب خاص ،لكن ابن عربي نفسه أفرد لها ( )٤
بعض اإلشارات المتفرقة في كتبه؛ منها :كتاب اإلسرا في مقام األسرى الوارد ضمن رسائله المعروفة،
فضال عن إشارات في كتابه «الفتوحات المكية».
من المصادر والمراجع التي استند إليها الروائي ،وإن لم يشر إليها في نهاية الرواية ،نذكر: ( )٥
كلود عداس :ابن عربي :سيرته وفكره ،ترجمة وتحقيق أحمد الصادقي وسعاد الحكيم ،دار المدار
اإلسالمي ،بيروت ،لبنان ،الطبعة األولى 2014م -فصوص الحكم ،الفتوحات المكية ،الديوان الكبير،
ترجمان األشواق ،ذخائر األعالق ،البن عربي -نفح الطيب للمقري ،الوافي بالوفيات لصالح الدين
أسينالصفدي ،عقيدة ابن عربي وحياته ،تأليف :تقي الدين الفاسي -ابن عربي «حياته ومذهبه» ِ
بالثيوس ،ترجمه عن اإلسبانية عبدالرحمن بدوي ...وغيرها من المؤلفات مما يصعب حصرها في
الئحة.
مكان ،وقادته إلىوألّبت عليه الفقهاء في كل ٍ نادرة هي تجارب كتابة سير العلماء واألئمة
السجن في القاهرة في إحدى رحالته ،من ناحية، في الرواية العربية ،وهي تعد على أصابع اليد
وأيضا ما يزخر به تراث ابن عربي ،المنقول إلينا الواحدة ،فلم يلتفت إلى بعضهم إال القليل؛ نذكر
كامال من كلمات وأقــوال مأثورة ،حــاول محمد من بينها تجربة الروائي بنسالم حميش في روايته
حسن علوان اقتباسها في مطالع فصول الرواية، «العالمة» عن «ابن خلدون» وكذلك روايته «هذا
وكــذلــك مــا تضمه مــؤلــفــات الشيخ األكــبــر من األندلسي» عن «ابن سبعين» ،وواسيني األعرج
أفكارٍ وآراءٍ في عالقة المرء بربه وبالعالم وما في «كتاب األمير» الذي اقتفى فيه سيرة «اإلمام
إلى ذلك ،إال إن الكاتب لم يتطرق إليه كثيرًا في عبدالقادر الــجــزائــري» ،وكذلك تجربة محمد
سيرة ابن عربي ،بل حــاول أن ينقل لنا السيرة العدوي في روايته «الرئيس» ،التي تطرقت إلى
اإلنسانية لشيخ المتصوفين ،والتي تخللها الكثير نتف من حياة الشيخ الرئيس «ابــن سينا»؛ أمّا
من االنكسارات ،والتطلعات ومجاهدة النفس أشهر تجربة عن المتصوفة ،فهي ديوان صالح
عصر طافح بالصراعات للوصول إلى مبتغاه ،في ٍ عبدالصبور «مأساة الحالج» ،وال ننسى رواية
والتطاحنات والمؤامرات السياسية ،التي مزّقت «قواعد العشق األربعون» للتركية إليف شافق،
أوصال العالم اإلسالمي. التي تناولت سيرة «جالل الدين الرومي» و«شمس
قامت الرواية على مستويين سرديين ،إذ توازت الدين التبريزي»؛ وأخيرا ،وليس آخــرا ،محمد
حكاية رحلة المخطوط من مكان إلى آخر ،والذي حسن علوان في رواية «موت صغير» ،التي دون
انتقل من أذربيجان عام 610هـ ،وحتى وصولها فيها سيرة الشيخ محيي الدين ابن عربي ،والتي
إلى بيروت عام 2012م ،مع حكاية رحلة الشيخ حاز بفضلها هذا الروائي السعودي الشاب على
محيي الدين ابن عربي ،ومع كل ظهور للمخطوط جائزة بوكر العربية 2017م.
تظهر شخصيات جــديــدة ،فــي زمــكــان مختلف إذا أضفت رواية «قواعد العشق األربعون» هالة
وصراعات متباينة؛ ففي المستوى السردي األول، من السحر على الحالة الصوفيّة ،فإن رواية «موتٌ
نتابع رحلة انتقال المخطوط ،والتي شهدت أياما صغير» ،والمستوحى عنوانها من عبارة لمحيي
عصيبة في التاريخ اإلسالمي ،وعاصر حاملوه الدين ابن عربي« :الحبُّ موتٌ صغير» ،حاولت
الكثير من الحروب والصراعات واالبتالءات عبر أن تبقى محايدة مع التجربة الصوفية ،مع شعرنة
يكتف «علوان» بعرض
ذلك التاريخ الممتد .إذ لم ِ السرد ،رغم إقرارها بحدوث بعض الكرامات،
سيرة ابن عربي وحياته ،بل حمل المستوى اآلخر ولحظات الصفاء والكشف .كما رصدت الرواية
من السرد لقطات مكثّفة وذكية لرحلة مأساوية ما هو يومي وعــادي في حياة الشيخ ومحيطه،
أخــرى في األجــزاء ،التي عنونها بـ»المخطوط» ورسمت الوجه اآلخر له؛ ورغم أن حياة الشيخ
وزمكانه ،وقــد اختار لكل مرحلة من مراحلها المتصوّف زاخــرة بالتفاصيل ،كــآراء ابن عربي
إحدى المصائب أو الكوارث التي مني بها العالم وأفــكــاره ،التي جـرّت عليه الكثير من المشاكل
45 اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
منها الحروب مع البرتغاليين ،وثورات بني غانية اإلسالمي في تلك البقعة ،التي كان «المخطوط»
فــي تــونــس ،والــحــروب مــع اإلفــرنــج فــي مالطا فيها ،حتى يضطر المحتفظ به إلى أن ينقله إلى
وغيرها ،والفتن والنزاعات التي كانت تحصل مكان آخــر ،حتى يصل إلــى أيدينا في النهاية،
ٍ
بين الملوك واألم ــراء ،ال سيما وأن ابــن عربي في رحلةٍ طافت أماكن مختلفة وحروباً وويالت
تنقل بين عــدة حواضر ،ما جعله يعاصر حكم متعددة بعد وفاة صاحب المخطوط أصالً! فهو
الموحدين ،األيوبيين ،العباسيين والسالجقة. يتخيّل وجود مخطوط كتبه الشيخ بنفسه ودوّن
هكذا انطلق مــن إشبيلية إلــى قرطبة ،مــرورا فيه سيرة حياته ،وقد انتقل هذا المخطوط من
بإفريقيا واإلسكندرية ،ودارت الحياة بابن عربي ٍيد إلى يد ،ومن زمـ ٍـن إلى آخر حتى وصل إلى
واستقر به المقام أخيرًا في «مكة» ،حيث كتب بيروت عام 2012م.
كتابه األهم واألشهر (الفتوحات المكية) ،وظن أن أما المستوى السردي الثاني ،فقد احتفى
قلبه سيهدأ أخيرًا بعد أن تعرّف على «نظام» ابنة فيه محمد علوان بسيرة ابن عربي منذ ميالده،
شيخه «زاهر األصفهاني» فأغرم بها ،وكتب لها والمحن التي شهدها ،إ ّبــان رحلته الطويلة من
وعنها ديوانه الشهير «ترجمان األشــواق» ،الذي غربي البالد (في األندلس حيث والدته وشبابه)
بث فيه أكثر شعر الغزل المنسوب إليه ،وأراد إلــى شرقيها (دمــشــق) ،م ــرورًا بالقاهرة ومكة
أن يتزوجها ،ولكنه فوجئ برفضها ،ليكتشف وغيرها من حواضر العالم اإلسالمي للبحث عن
فيما بعد أنها كانت وتدًا من أوتاده ،ولهذا لم يكن مكان آلخر بحثًا
«أوتاده» األربعة ،وقد انتقل من ٍ
ممكنًا أن تتزوجه! عن «الوتد» الذي ال يستقيم قلبه و«واليته» إال به.
بعد ذلك توجه ابن عربي إلى بغداد فالبقاع، وقد ذهب المتصوفة إلى تقسيم مراتب الوالية
ثم عاد حتى إلى دمشق ،حيث سيموت ،وقد التقى عندهم ،فمنهم مــن قــالــوا إنهم يتقسمون إلى
بأناس كثر ،تعلم منهم وعلمهم ،صحب ابن عربي ٍ «القطب» أو «الغوث »،وهو أكبر األولياء جميعًا،
أولياء وفــارق أوت ــاداً ،وأ ّلــف الكثير من الكتب، وهو واحــد في كل زمــان وتحته األوتــاد األربعة،
وسجن بسبب معتقداته وأفــكــاره .وقد ظل في وكل واحد منهم في ركن من أركــان العالم يقوم
هذه األسفار الطويلة ،والتي استغرقت كل عمر به ويحفظه ،لذلك كان لزامًا على ابن عربي حتى
«الشيخ األكبر» يبحث عن معنى طهارة القلب، يحصل على مرتبة «الوالية» أن يصل إلى هؤالء
إلى أن التقى بآخر أوتاده «شمس التبريزي» ،أن األوتاد األربعة ،والذي نكتشف من خالل رحلته
اإلنسان يطهّر قلبه بالحب؛ ما يعيدنا إلى أشهر أنه ال يصل إليهم بسهولة ،بل وإنهم قد يكونوا
عبارات ابن عربي« :أدين بدين الحب أنى توجهت بجواره وال يعرف أنهم أوتاده!
ركائبه فالحب ديني وإيماني» .وأكثر محطات ســلــطــت ال ــرواي ــة الــضــوء عــلــى الــكــثــيــر من
حياة ابــن عربي مأساوية تلك التي انتهت بها األحداث التاريخية واألوضاع السياسية آنذاك،
حياته ،والتي تنتهي بها «أسفار» الرواية ،إذ نجد إذ ترافقت سنوات طفولة ابن عربي مع الصراع
اإلمــام الكبير طاعنًا في السن يعمل أجيرًا في بين المرابطين والموحدين ،والذي انتهى بانتصار
بستان ،باحثُا عن قوت يومه ،بعد أن ضاقت به الموحدين وحكمهم لألندلس ،كما تزامنت أسفار
السبل ولم يجد بدًا من العمل حتى يموت! الشيخ مع محطات مهمة في التاريخ اإلسالمي،
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017 46
ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة
الوداع
ρρمحمدالرياني*
وقفتْ تودعني بثوب أحمر يشبه لون اللحاق بي والباب ممسك بها ،وكانت
دمها المحترق ،كانت تضحك وتبكي تريد العودة ولكن للباب رأيا آخر ،تركتُ
من هول مشهد الــوداع وحجم مسافة كل شيء بما ذلك السفر ،عدتُ ألخلص
الغياب ،لحقتْ بي حتى الباب األخير ،الــثــوب األحــمــر مــن قبضة الــبــاب ،من
جعلت البابَ نصف مفتوح ،وقفتْ في لوعة العيون المحترقة ،عــدت بقوة، ِ
النصف الضيق المفتوح ال تريد للوداع
ضــربــتُ الــبــاب بكتفي ،انفتح الباب
أن يقصر ،كنتُ مثلها في حالة الوداع
كامال ،شعرتُ أن كل األبواب الداخلية
لم أعطها ظهري ،مع كل حركة لألمام
الصغيرة تضحك مع ضحكتها ،مسحنا
كنتُ أتــوقــف وأتــجــه للخلف وأضحك
سو ّيًا بطرف ردائها األحمر دمعة رقراقة
وأبــكــي معها ،أردتُ أن يطول الــوداع
من فرط الفرحة ،قلتُ لها ألجلك ...ال
حتى أستمتع بطول الوقت ،لسان حالنا
يقول ال لــلــوداع!! ال للحظات الــوداع للسفر ،ال لمحطات الــوداع ،أرادتْ أن
الباكية!! في منتصف الباب والباب لم تغلق الباب فقلتُ لها أخشى عليك من
يكمل دورته إلعالن الغياب انغلق على الباب ،ضحكتْ وكانتْ مطمئنة ،وكنتُ
طــرف ثوبها األحــمــر فلم تــخــرج ولم قد ألقيتُ الحقائب في مكان ال يذكّر
تدخل ،نادتني يا ...الحقني! كانت تريد بالسفر.
* قاص من السعودية.
لم يعد باإلمكان إخفاؤه ،أثناء سيري وسط الناس ،أجدهم يتطلعون إليّ ويهمسون ثم
يكملون طريقهم ،وأذني تستمع لضحكاتهم ،أخرجت النظارة ووضعتها على عيني ،لعلى
أمنعها من فضح أمــري ،أكملت طريقي فوجدت المزيد من النظرات صوبي ،كيف عرفوا
ذلك؟ ربما شفاهي التي تدندن بتلك األغنية؟ ولكن كيف أخفيها وأنا أرددها باستمرار؟
شــخــص ...السر محفوظ ولــن يعرفه أحد، ألقيت نظرة على المكان حولي فوجدت
ولــن يظهر بوضوح للعالم ،وصلت إلــى باب طويل يحلق مع الهواء في عربة
ً شاالً أصفر
المنزل وما أن فتحته حتى سمعت الكثير من بائع متجول ،فاشتريته ووضعته على عنقي
التصفيق ،استدرت ألجد مجموعة من البشر ونصف وجهى مخبأ خلفه ،أكملت طريقي
خلفي ،البعض يصفق وآخ ــرون يلوحون لي بسعادة من يحمل سراً ال يعرفه غيرنا ،أو هكذا
بكلتا يديهم!.. ظننت حتى وصلت إلى طريق المشاة ،الحظت
حسنا يبدو أن خطواتي كانت السبب! المارة في االتجاه المقابل يتطلعون إليّ بنظرة
هل كنت أرقص أثناء مشيي في الشارع؟ أم ساحرة أخذتني بعيداً عن هذا العالم ،زادت
كنت أسير هائمة متأملة كل جمال مهما بدا عمقاً عندما تالقينا في منتصف الطريق!...
صغيراً؟! لم أجد في تلك اللحظة من مفر، أي شيء يفضحني اآلن يا ترى...؟! أخرجت
باإلضافة إلى رغبة عميقة في اإلعــان عن المرآة من حقيبتي ونظرت إلى نفسي ،أن تكون
األمر ،صرخت في الناس بأعلى صوت: تسريحة شعري هي السبب؟ تلك التسريحة
أنا أحب... التي أخذت مني ساعات من الليل التقنها كما
علمتني صديقتي!...؟ دخلت المحل الموجود
ثم دخلت المنزل فوراً ،وأغلقت الباب خلفي
في طريقي واشتريت على الفور قبعة خضراء
بقوة ،بحثت عن الهاتف ألتصل بك وأخبرك
ذات خطوط عشوائية رفيعة باللون األصفر،
عن يومي ،واعذرني أيها الحبيب ،لقد أفشيت
وجدتها تناسب الشال ،لبستها وخرجت من
السر ،لقد أخبرتهم عن حبي لك ،بل صرخت
لهم بذلك الحب ،فهو أكبر من قدرتي على المحل...
إبقائه سراً!... اآلن تنفست الصعداء ...لن ينظر إليّ أي
* جدة -السعودية.
عبق الماضي
ρρزينب هداجي*
مضى زمن منذ أن ترمّ لت ،وهي في ربيع العمر ...لم تكن الخسارة خسارة زوج
فحسب بل خسارة سند وحبيب ...خسارة الفرح والغبطة .لم يراودها الشوق منذ
ليوضب
ّ أن رحل ،ولكنّه عاد ليطوقها عندما طلب نجلها أن تبحث له عن حقيبة
فيها أغراضه استعدادا للجامعة.
فتحت باب المخزن ...نفضت الغبار الرنّان« :أبشري يا فاطمة ...لقد رقيت
عن الخزانة ...خزانته ...كسا الغبار إلى رتبة لواء »...يومها عاد وهو يحمل
ثيابها ولكنها ال تحفل ب ــه ...ظهرت كيسين من التّفاح والموز ،وقد قال لها
قبالتها صــورة زوجها «كــامــل» ببذلته أهما «بشارة التّرقية» .في ذلك اليوم
العسكريّة ،عيناه تلمعان ...تخبران عن المعطّ ر بنفحات الــســعــادة والنّصر،
نصر قــادم...يــده ثابتة في التحّ ية ...أخذها للتّجول على شاطئ البحر ...ولم
ـصــورة ،يعودا إلى المنزل إال بعد طلوع البدر في
الــتــزامــا وعــزيــمــة ...حملت الـ ّ
احتضنتها ،ضغطت عليها بكل قواها السّ ماء .في ذلك اليوم ،المسروق من
التي أضعفها المرض...عاد بها منطاد مخالب الموت ،أحست أنّها تحطم كل
الذّكريات إلى ذلك الزّمن الغابر...يوم قيود الزمان والمكان لتطير صوب عالم
دخل البيت وهو يلعن بصوته الجهوري خرافي تسوده السعادة بكل أصنافها،
* قاصة من تونس.
أزيــح المبررات كلها ريثما أعيد ترتيبها مرة أخــرى ،فلقد تشابكت وتداخلت
كنت على وشك الوصول لتبرير ـدت أضيعُ في خيوطها العنكبوتيةُ ،
وتشعبت وكـ ُ
تصرفه كيما أقنع عصفور قلبي المرفرف بين أضــاعــي ،كيما أه ــدّ ىء مــن روع
القلق الذي يمخر بحر ظنوني ،وكيما أضع حد ًا لهذا الجبل الجاثم فوق صدري
منذ سنين.
لكنني ،وأنا أقلّب األمر الذي صار أموراً ،وأجرد حسابات قلبي التي تاهت في
العد ،وأعنّف نفسي على السنوات التي خضتها في معارك خاسرة ،وأحاول ترتيب
المبررات ،اشتبك عليّ ومن حولي كل شيء ،بدت الصور المُ ضللة تجرجرني إلى
الطرقات التي ظلت في مخيلتي طازجة ورائـقــة على الرغم من موتها أو على
األقل اضمحاللها وشيخوختها ،وبدا كل شيء يتداخل بكل شيء ،السنوات تتبع
السنوات ،والــوجــوه الملتبسة تكتظ في المخيلة وتسد ال ــدروب دونــي ،وإشــارات
تحذرني من المضي في التعلّق به ..كان عليّ أن ال أتجاهلها؛ لكنني تجاهلتها في
هيجانات عواطفي.
كل ذلــك حــدث ألنني أيضاً ضلّلت آن ،واندفعت كما الريح المدوّمة من
نفسي واكتفيت بتلك اللذة التي تغلغلت دون أن ألتفت أو أدرك بأنني سأحط
في أوصالي ،لذة الخفقة األولى للمباهج،
الرحال بعيداً عنه ..على أرض جرداء
الدرس األول في القلق على شيء أردته
خالية من طراوة األحالم.
ورغبت في امتالكه ،لذة االندساس في
ولـ ّمــا كانت عجلة الــزمــن ال يهمها طيات الحلم البراق ،القريب البعيد في
51 اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
أمـــري ..فلقد مــرت بسرعة الــبــرق ،ربما ال أريــد أيضاً أن أتذكر رقــم السنين التي
ســمــعــتُ قهقهاتها ول ــم أنــتــبــه إل ــى مــدى مرت على خيباتي ،لكنني أتذكر جيداً على
سخريتها ،ألجدني وقد أفقت من أحالمي الرغم من نسيان الكثير من اإلرهــاصــات
التي اخترعتها على مقاسات اندفاعاتي التي عصفت بنا ،بأننا عشنا قصة حب
الفتية وقتذاك ،ليس ثمة في هذه القصة استثنائية أيام كنا بعمر الورود ،وكان لضوء
ما هو مغاير لقصص الحب الخائبة ،نحن القمر سحره ،وللنجوم ألقها ،وللطرقات
نكرر األخطاء كلما أتيح لنا أن نفعل ذلك ،بهجتها ،وللشجر لون الحياة .قصة حب لم
ومع التكرار نفتقد بهجة األشياء ،وتلك اللذة تصل منتهاها؛ لكنها أصبحت أطو َل عمراً
السرية لخفقان قلوبنا واختالجات أرواحنا ،من حقيقتها ،توقفتْ عند منتصف الطريق،
فتصبح الحياة عقيمة وسقيمة وخانقة ..وعند منتصف الحب توقفنا ،لم نُكمل ،أو
لكننا من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه نصنع باألحرى لم تُكمل أنت ،تعبت خطاك ،وقررت
أوهــامــنــا لكي نجنب أنفسنا الــمــزيــد من أن تبحث عن ٍ
طرق أقصر لعلك تستريح من
الخسارات ..هذا ما فعلته طيلة ما م َّر من هذا الذي يسمونه الحب ،والذي بدأ بيننا
سنواتي القاحالت بعد فراقنا غير المبرر ...هكذا...
هل كان فراقاً غير مبرر؟
دعنا من ذلك اآلن ،ليست بي رغبة للكالم
دعنا مــن ذلــك فلقد امتصت السنوات عن بداية تلك الحكاية ..وال كيف انتهت ،لقد
الطوال أحزان قلبي لذلك الفراق ،ونسيت انتهت وكفى ،والنهاية أخذت وقتها األطول
ال لماذا افترقنا ،نسيت أو تجاهلت أو لكي تستسلم وتُسلّم باألمر ،كل شيء انتهىفع ً
خدعت نفسي أو ...قل ما شئت وال تُذكِّرني بالطريقة التي انتهى بها ،أخذ معه أمطار
بشيء مما جرى في الماضي البعيد ..أنت دموعي وكل ما يخطر على بالك من قسوة
نفسك ال تريد تذكُّر األسباب والمسببات األوجــاع ..أحياناً ،عندما يصهرني الحنين
المعتّق ،وأستعيد تلك األوجاع ..أشعر فقط التي حدثت في زمن لم يعد ملك اليدين.
قلت لي في آخر مكالمة ،بعد عودتك التي بما يشعر به طائ ٌر ف ـرَد جناحيْه للريح..
جاءت تتوكأ على عصا فوات األوان ،بأنك ليُسقط ما علق به من عوسج ،لقد عالجت
تفاجأت وأنــت تكتشف كم صــار عمرك ..نفسي بترياق ُم ّر كيما أعبر تلك األحزان،
همست لي بغصة مستترة برقم السنوات وعبرتها ،كلما ضــاق عليّ المكان فتحتُ
التي أحسستُ مرارتها مثلك ،إال أنني هنا ،نوافذ قلبي ،لعلها تتسع لحكايات جديدة،
في هذه القصة ،شطبت الرقم ،ربما ألنني ومــع الحكايات الجديدة أجــدك ،بما كنت
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017 52
ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة
عليه وكنتُ أنا عليه من مباهج ،أما ما جاء لكننا لم نلتقِ ،شئت أنــت ،وشئتُ أنا أن ال
بعدها فقد محوته ،أو ركنته في زاوية مهملة يرى أحدنا اآلخر ،للقلب غايات لم ندركها
لن ألتفت إليها ،ساهية عن كل ذنوبك ..بعد ،لعله يريد أن يُبقي على صورنا األولى
وذنــوبــي الــتــي لــم أقــتــرفــهــا ،أو تــلــك التي التي كنا فيها بعمر الورود ،أو لعله يستعذب
اقترفتها في أحالم يقظتي ..وآه لو تعلم كم طعم الفراق ،فقد تندمل جراحه عند اللقاء،
استحضرتك في أحالم يقظتي ،مانحة إياك جــراحــه التي لــم نتذكر متى تعافينا منها
صك الغفران ،ونازعة عنك طبع الخذالن ،وتناسيناها ،شيء حَ س ٌن أننا نداوي الجراح َّ
وباعثة فيك لذة التوق الذي كان ..الى الحد بنعمة النسيان ،والنسيان كان لعبتي التي لم
أتقنها تماماً. الذي ال أتذكر لماذا خذلتني.
كم صار عمرك؟ ..ال أصدق ،وال أريد أن لماذا قذفت بصوتك بعد هذا العمر؟
أصدق أن ذلك الشجر النضر الشامخ النزق
أعرف أن أشجار عمرينا ألقت بثمارها
الشهي ،يمك ُن أن تداهمه سوسة الشيخوخة
على قارعة الطريق ،الثمار التي لم نتذوقها
بهذه القسوة ،ويمكن أن ينبهني الى أنني على
بما فيه الكفاية ،وم ّر بها الغرباء ولم يكترثوا
الطريق ذاته أسير .عجباً ،لماذا إذن لمّا أزل
لها ،وأن الرياح العتيّة أخذتها بعيداً ،لعل
أشعر بأنني ابنة العشرين كلما الح طيفك،
أحــداً يعثر على بــذورهــا ويعيد إليها دفق
وأن قلبي الذي خرّمه الفراق ما يزال يُفسح
الحياة ،وأعرف أيضاً بأننا ،نحن اإلثنان ،لم
مكاناً للبهجة ،حتى وإن كانت تلك البهجة قد
يعد لدينا ما نعطيه من أجل إيقاظ أحالمنا
جاءت بعد فوات األوان؟
التي نامت تحت ظالل الكوابيس ،أنا أيضاً
لكنني وأنـــا أشــتــبــك فــي مــحــاولــة فــرز أتوكأ على عصا فوات األوان ،وأواننا فات
أوانه ،بل قل ال أوان له ،إنه وقت سادر في الــمــبــررات الــتــي اســتــعــصــت عــلــى الــفــرز،
العماء والبهجة المسلفنة باألوهام ،نحاول تفاجأْتُ أن عمري أصبح!..
ياه!.. اإليحاء ألنفسنا بأن األغصان اليابسة يمكنها
لــن أهــمــس لــك بــرقــم الــســنــوات ،فقد أن تورق بعد مــوات ..ليس ثمة حياة ،دورة
الحياة أخذت وقتها ..وليس بمستطاعنا أن شطبتُه فوراً من رأسي قبل أن يصلك وأنت
على الطرف اآلخــر من الدنيا ،ال أريــد أن نعيش مرتين.
غصتين.
على مرمى بصر كنت مني ،وكنتُ منك ،أعيش أو تعيش ّ
* قاصة من العراق مقيمة في كندا.
* قاص من المغرب.
ثورة العطر
ρρابراهيم جابر مدخلي*
ـاح عَ ـ َن ــا!
ـوت الـ ــريـ ـ ِ
ـاي ب ــه صـ ـ ـ ُ
وأل ـ ـ ـ ُـف نـ ـ ـ ٍ من ألـ ِـف عــامِ صهيلُ الحرف يسكُ نُني
مُ ـ ــذْ ودع ـ ـ ْـت رح ـل ــةُ األيـ ـ ــامِ ل ــي مُ ــدُ َن ــا؟ ـزن مُ ــتَّ ـ َك ـ ٌأ
ـس ل ــي غ ـي ــر هـ ــذا ال ـ ـحـ ـ ِ
ألـ ـي ـ َ
ال ض ــو َء فــي دربِ ــيَ األعـمــى و َث ــمَّ سَ ـ َنــا! مُ ـ ــذْ غ ـ ــاد َر ال ـن ـجــمُ ل ـي ـ ًا أفـ ــقَ راحـلـتــي
َك ـ ـ ـ َث ـ ـ ـ ْورَةِ ال ـع ـط ــرِ ُت ـ ـ ْبـ ـ ِـدي ِس ـ ـ َرنـ ــا عَ ـ َل ـ َن ــا ولـ ــم أزل بـ ـع ــدُ ِطـ ــفْ ـ ـ ًا ارتـ ـم ــي شَ ـ َغ ـب ـ ًا
مـ ــرافـ ــئَ ال ـ ـنـ ــورِ إنْ ُح ـ ـ ّب ـ ـ ًا وإنْ وطَ ـ ـ َن ــا مــدائــنُ الـكـحـ ِـل تبكي خـلــف أشرعتي
أصـ ــداؤهـ ــا ب ــال ـن ــوى ال ُت ـس ـ ِـم ــعُ األُذُ نـ ـ ــا شــاخـ ْـت على وت ــري األن ـغــامُ وانتحرت
ل ـك ــنَّ س ــادِ َنـ ـه ــا ف ــي ال ـح ــب ق ــد شَ ــطَ ـ َنــا م ــا شَ ـ ــذَّ ع ــن عــزفِ ـهــا لـحـنــي وقــافـيـتــي
ج ــال ــةُ ال ـش ـع ــرِ ي ــا ق ـل ـبــي َيـ ــنِ ـ ــزُّ هَ ـ ـ َن ــا! ـال ال ـ ــذي ت ـش ــدو لِ ـ َه ـ ْي ـ َب ــتِ ــهِ
كـ ــلُ الـ ـجـ ـم ـ ِ
* شاعر من السعودية.
إال من موائدهِ
قد آيات الندى نشأوا
فالكل من وحي ِ
ُّ
تعتريني غيومٌ حين تغمدها..
يتيم راعَ هُ الك ُأل
قلب ٍ
في قفرِ ٍ ولم الملمْ غبا َر النازحين..
مأوى ومتك ُأ
ً هوى في قفرِ أسمائِ هم
سماؤك
َ هنا
تتلو وِ ر َد أغنيتي.. قد
الدراويش إذ من وحينا قرأوا
ُ كما وسط أوردتي َ تفتحُ الريحُ باب ًا
لكنَّ بذ َر الرؤى في حقلِ نِ ا خط ًأ
الروح
ِ بجب
ذئاب ِ
ٌ مرتْ بيَّ المرايا
تكسرني تلك الرؤى األرض يعرفني..
ِ ووجهُ
وعلي اآلن تجترئُ
َّ خوف فيختبئُ
أمدُ ضوئي بال ٍ
* شاعرة من تونس.
***
لك نبضة
القلب َ
ِ جيب
في ِ
كف الوقتخبأتُها من ِّ
لك ناقصة
كأني لوحةٌ َ
كلما افتقدتَ ضحكتي ***
*** نسيت
ْ أصابع الغيم آللــئَ
ِ ينسلُ من
كأنّ المسا َء صالةٌ بياضها...
َ
عطش الروح ..وهذا البهاءُ استجابة
َ يشاكس
ُ يبوحُ بهمس..
برنين متأخر ..لضحكةٍ آتية!
ٍ
***
شموسا …
ً لليل
لَو ْ أرسمُ ِ ***
كأس الحلم…
وأذيب نجومَ ه في ِ
ُ الشمس قرص ّ َ الغيومُ تخبئُ
كقطع السكر
ِ تنسجُ ظاللَ الحكايات
وت ـن ـثــرُ ع ـلــى ص ـف ـحــةِ ال ـس ـمــاء رخ ــا َم
***
السؤال..
هي جملةٌ متأنقة
بكعب المعنى العالي
ِ تعثرتْ ***
* شاعرة من تونس.
ليل الغريب
ρρلقمان حلفاوي*
ل ــم يـبــق ل ــي م ــن ح ـنــان األم ـه ــات إال يا أيها المنتشر في المدى
ال تضق بي القليل
و قلب كآخر وردة في موسم العشاق
أنت مني
تساقطت نصفين...
أيها القريب
و خريف الذكريات
أنا الغريب تناثرت أوراقه كصرخة في المدى
أنا المقتول مرتين أو صرختين...
ها أنا أحتمي بالقصيدة لم يبق لي إال نهر واحد
ينبع من دمي
أؤل ــف بـيــن ال ـســراب ون ــار المسافات
يرفع من الحزن القديم راية
البعيدة كراية «الحسين»
ال شيء يستحق أن يحي
****
عدا وجه أمي يا أيها الليل
وجهها القادم اآلن من زمن المتن ما بالك تحط الرحال على كتفي
ال نقرأ الماء بين الهوامش... بالكالم المسرب من الشرفات
ليس هنالك أكثر من ذلك الوجع
****
وجع الذكريات...
يا أيها الليل يا من قتلت فِ يَّ ...كل الذين أحبهم
يا من طرّزت ثوب فرحتي طفولتي
مدينتي
بالنجمات وقت الخسوف
و األمنيات...
ربما قد آن أن تردني إلى صباي
هل أنت مثلي
أمهد الطريق للسواقي تقتات من لحمك المر
و أحرس الغيمات. و تشرب من دمك المالح؟
* شاعر تونسي مقيم في السعودية.
ال شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيء َي ـ ـ ـ ْـح ـ ـ ـ ِـمـ ـ ـ ـ ُل ـ ـ ــنِ ـ ـ ــي إِ لـ ـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ــا إِ َّن ـ ـ ـ ــنِ ـ ـ ـ ــي
أل ْلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَاحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا
أ َْسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ــقْ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ ئُ األَقْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدَا َر وا َ
ـض ـ ـ َهـ ــا
و َُجـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــوُ ُش أ َْس ـ ـ ــئِ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ــتِ ـ ـ ــي ُتـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ــاتِ ـ ـ ــلُ َبـ ــعْ ـ ـ َ
َود َِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي عَ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ــى سَ ـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ ِـف اإلِ جَ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َبـ ـ ـ ـ ـ ــةِ سَ ـ ـ ــاحَ ـ ـ ــا
أَأَعُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودُ مُ ـ ـ ـ ـ ْن ـ ـ ـ ـ َكـ ـ ـ ـ ِـس ـ ـ ـ ـ َر ًا أَأَذْهَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـب غَ ـ ـ ــائِ ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ًا
وب ُنـ ـ ـ ـ ـ ـوَاحَ ـ ـ ـ ـ ــا
أَأ َِشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخُ أ َْحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـزَا َن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أَذُ ُ
ُضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعُ اإلي ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ــانَ ِح ـ ـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ ــنَ وَجَ ـ ـ ـ ـ ــدْ ُت ـ ـ ـ ـ ــه
أَأ َ
فِ ـ ـ ـ ـ ــي َث ـ ـ ـ ــغْ ـ ـ ـ ــرِ هَ ـ ـ ـ ــا وعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ ُت فِ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــهِ ال ـ ـ ـ ــرَّ احَ ـ ـ ـ ــا
وَال ـ ـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ـ ـ ـ ْلـ ـ ـ ـ ـ ُـب فِ ـ ـ ـ ـ ــي مَ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ــكُ ـ ـ ـ ــوتِ ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ــا مُ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ِّت ـ ـ ــلٌ
َو َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ـ ــا يُ ـ ـ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ــافِ ـ ـ ـ ـ ــرُ غُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ َو ًة َو َروَاحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا
إِ نْ َتـ ـ ـ ـ ْب ـ ـ ــعُ ـ ـ ــد ال ـ ـ ـ ــخَ ـ ـ ـ ــطَ ـ ـ ـ ــوات َي ـ ـ ــكْ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ــرُ ُح ـ ـ ّب ـ ـنـ ــا
َو َتـ ـ ـ ـ ِـص ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــرُ هَ ـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ َهـ ـ ــسَ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ــغُ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــوُ مِ جَ ـ ـ ـ َنـ ـ ــاحَ ـ ـ ــا
اح ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـرَا َق ـ ـ ــات الـ ـ ــحَ ـ ـ ــرِ يـ ـ ــرِ عَ ـ ـ ـ َل ـ ــى َف ـ ِـم ــي
َت ـ ـ ـ ْـج ـ ـ ــرِ ي ْ
وَجَ ـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ًا و َِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ َتـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ِـب الـ ـ ـ ــجَ ـ ـ ـ ـوَى مَ ـ ـ ـ ــا َب ـ ــاحَ ـ ــا
َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـأ َِج ـ ـ ـ ـ ـ ــيْ ءُ مُ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ِـه ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ًا َوأُعْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ـ ـ ــنُ َثـ ـ ـ ـ ـ ْورَتِ ـ ـ ـ ــي
ألُعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقَ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّ مَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانَ والـ ـ ـ ـ ــتُّ ـ ـ ـ ـ ــفَّ ـ ـ ـ ـ ــاحَ ـ ـ ـ ـ ــا
ال َت ـ ـ ــقْ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ِـق ـ ـ ــي إِ نَّ ال ـ ـ ـ ـ ِـشـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ــا َء سَ ـ ـ ـ َيـ ـ ـ ْنـ ـ ـ َت ـ ــهِ ـ ــي
َو َت ـ ـ ـ ـ ـ ــعُ ـ ـ ـ ـ ـ ــودُ زَقْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َز َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةُ ال ـ ـ ـ ــرَّ بِ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ِـع َص ـ ـ ـ َبـ ـ ــاحَ ـ ـ ــا
َفـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ــدْ جَ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ ُـت ِم ـ ـ ـ ـ ــنْ الـ ـ ـ ــتَّ ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ــدِّ ي قِ ـ ـ ـ َّـصـ ـ ــةً
وف رِ مَ ـ ـ ــاحَ ـ ـ ــا
وَخَ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ــقْ ـ ـ ـ ُـت ِمـ ـ ـ ـ ــنْ َن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـز َِق الـ ـ ـ ـ ـ ُـحـ ـ ـ ـ ــرُ ِ
ِم ـ ـ ـ ــنْ خَ ـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ ِـف أ َْسـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ــارِ الـ ـ ـ َّـسـ ـ ــمَ ـ ـ ــاءِ سَ ـ ـ َن ـ ـ ْل ـ ـ َتـ ـ ِـقـ ــي
َو ُنـ ـ ـ ـ ِـق ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــمُ ِعـ ـ ـ ـ ـ ْن ـ ـ ـ ــدَ ُح ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ودِ هَ ـ ـ ـ ـ ـ ــا األَفْ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَاحَ ـ ـ ـ ـ ـ ــا
أَفْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـدي ا ْنـ ـ ـ ِـس ـ ـ ـ َكـ ـ ــابَ ال ـ ــخَ ـ ــمْ ـ ــرِ أَفْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـدي ُح ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ َو ًة
ـصـ ـ ـ َب ـ ــاحَ ـ ــا
أَ ْت ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ْبـ ـ ـ ـ ُـت ِم ـ ـ ـ ـ ــنْ ُحـ ـ ـ ـ ِّب ـ ـ ــي َلـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ــا ال ـ ـ ِـم ـ ـ ْ
* شاعر من السعودية.
ــريـب
ْ في داخـلي َش ٌ
يء َغ
ρρسما ُيوسف*
في داخـلي شَ يءٌ غَ ــري ْـب
مَ ـدرِ ي غَ َـل أو ُحـزْنْ
ـيم ...كالـمَ ـطـرِ..
كالرَّ عـ ِـد ..كـالـغ ِ
يُ رعبني
يتـجــولُ داخـلَ أوردتي
يُ ـشـعـرني بالهـذيــانَ
يُ ـفـرحـني
يُ ـغــرقني في نـشــوةِ أشـجانْ
البعض مرضـًا ال شفا َء منه..
ُ يظنه
ُّ
فيصف لي عشبةً
الصبر(!)
تسـمَّ ى َّ
ض اآلخَ ر روح ًا شريرة
ويظنه البعْ ُ
ُّ
فيطالبني
كتاب للعشق...
ألف ٍ
أحرقَ َ
بأن ْ
وأبعث َر أوراقي..
وكتاباتي القَّ ديمة.
وأسكبَ فنجَ انَ قهْ وتي،و ُأ س ِّر َح شَ عْ ري
ّ
أشعرُ فيها بالهدوءِ
وأسَ اف َر إلى مدن ْ
* جدة -السعودية.
وظـ ـ ـنـ ـ ـنـ ـ ـتـ ـ ـه ـ ــا ح ـ ـ ـ ــرفـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــن ..ف ـ ــانـ ـ ـبـ ـ ـعـ ـ ـث ـ ــت لـ ـه ــا
كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلّ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروف ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ت ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ــق إروائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي
وت ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ّثـ ـ ـ ـ ــرت ل ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــان ع ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى ف ـ ـمـ ــي
أيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ــار أم ـ ـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ــي ع ـ ـ ـ ـ ـ ــن اإلنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء؟!
لـ ـ ـ ــمّ ـ ـ ـ ــا جـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ُـت ال ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ــون بـ ـ ـ ـي ـ ـ ــن أصـ ـ ــاب ـ ـ ـعـ ـ ــي
ج ـ ـ ـ ـ ـ ــاء ال ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــاب ..ف ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــال مـ ـ ـ ـث ـ ـ ــل الـ ـ ـ ـم ـ ـ ــاء
وأن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا عـ ـ ـ ـل ـ ـ ــى وجـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه الـ ـ ـ ــرص ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــف مـ ـ ـبـ ـ ـعـ ـ ـث ـ ــرٌ
قـ ـ ـ ـ ــد خـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاط عـ ـ ـ ـت ـ ـ ــم الـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـي ـ ـ ــل ثـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوب ب ـ ــائ ـ ــي
يحكى أن ربان ًا أطلق على سفينته اسم زوجته .في مقدمة السفينة ،كان تمثال الزوجة منحوت ًا
ببراعة ،مثلها تماماً ،والشعر مطل ّي ًا بالذهب .غير أن الزوجة كانت تغار من السفينة ،تقول إنه يفكر
أنت. في ذلك التمثال أكثر مما يفكر فيها .أنكر زوجها قائالً « :أفكر فيها كثير ًا ألنها تشبهك ،ألنها ِ
بشكل
ٍ كنت ترقصين في حفل زفافنا؟ حتى أنها أال تبدو ساحرة ومثيرة؟ أال ترقص على األمواج كما ِ
أنت منك .تمضي حيثما أقودها وتترك شعرها يتدلى حر ًا بينما ترفعينه ِ أو بآخر تبدو أكثر لطف ًا ِ
تحت القبعة .لكنها تدير ظهرها لي كلما اشتهيت قبلةً فأعود إلى البيت في إلسينور» .وفي إحدى
المرات ،حين كان الربان يحمّ ل السلع في ترانكبار .حدث أن ساعد ملك ًا كبير السنّ ،من أهل البالد،
في الفرار من الخونة .وعندما افترقا أهداه الملك حجرين أزرقين ثمينين ،فقام بوضعهما في وجه
زوج من العيون .ولما عاد إلى موطنه أخبر زوجته بتلك المغامرة ،قال « :واآلن صارت التمثال مثل ٍ
عيناك الزرقاوان أيضاً« .فقالت« :كان من األفضل لو أهديتني تلك األحجار ألجعلها أقراط ًا لي. ِ لها
مثل أي صحراوي قد تدفعك صرامة مالمحه للتردد في بداية األمــر ،وتشعر بنوع ما
من الندم لتعجلك في محاولة التعرف إليه كصديق محتمل ،لكن اكتشافك غير المتوقع
لتلك الروح المرحة وتواضعه الفطري المختبئين خلف مالمحه الجادة يدفعانك لتجاوز
مساحات ترددك ،والولوج في تأن الكتشاف مروج رِ هانه على الكتابة ،التي اتخذ منها حياة
كاملة .فمنحته بدورها مكانًا يستحقه على الساحة الثقافية المصرية ،وحقق له حرصه
الشديد على أن يكون إبداعه مميزً ا ما لم يكن يتوقعه كما يقول أو يراهن عليه حينما بدأ
تمثيل «سيناء» لعضوية األمانة العامة ¦من أنت؟ وما مسيرتك األدبية؟
لمؤتمر أدباء مصر العام 2014/2012م، ρ ρانا ابن بادية سيناء ،مصري الجنسية،
واخــتــيــاري عــام 2012م لعضوية لجنة عــربــي الــهــوى والــهــويــة ،أعــمــل بـــوزارة
القصة والرواية بالمجلس األعلى للثقافة الــتــربــيــة والتعليم كمعلم خبير لــمــادة
بدار األوبرا بالقاهرة حتى اآلن ،وفى عام التاريخ بالمرحلة الثانوية ،أما «إبداع ّيًا»
2015م رُشــحــتُ لعضوية أمــانــة مؤتمر فقد صــدر لــي خمسة أعــمــال ســرديــة،
إقليم القناة وسيناء الثقافي ،وتم تكليفي ثــاث روايــات «بركان الصمت» 2001م
بتولي مسئولية أمانته العامة في دورته عن وزارة الثقافة المصرية ،ثم روايــة
التي عقدت فــي شهر مــارس الماضي «قبل المنحنى بقليل» 2004م في طبعة
2016م. خاصة على نفقتي ،وفــي عــام 2012م
صدرت روايتي الثالثة «صحراء مضادة» ¦ماذا تمثل الكتابة بالنسبة لك؟
عن دار األدهم للنشر بالقاهرة ،وما بين
إصدار رواية وأخرى كانت لي إبداعات ρ ρالكتابة بالنسبة لي هي الحياة ،برغم
ما تمثله من مــأزق لكاتب مثلي يعيش قصصية نــشــرت فــي دوريـ ــات مصرية
فــي سيناء على وجــه الــخــصــوص ،ألن وعربية ،وترجم بعضها إلى اإلنجليزية
عليك كــكــاتــب فــي مــكــان كــهــذا يعانى في كتاب صــدر عن مؤتمر أدبــاء مصر
توتراً سياسياً ،وتغلب على أهله الثقافة ع ــام 2011م ،وجــمــعــت ه ــذه القصص
العشائرية ،أن تكون مع أو ضد ،فإن لم في كتاب صــدر عن وزارة الثقافة عام
تكن مع ،فأنت ضد ،وفي كلتا الحالتين 2011م ،تحت عنوان «أشــيــاء ال تجلب
تتعرض للمأزق .بسبب حصارك نفسياً، البهجة» ،وصدر لي مجموعة أخيرة عام
ومحاصرة كتاباتك بسوء التفسير ،فإن 2016م عن الهيئة العامة لقصور الثقافة
لم يكن باتهامك بخرق قانون بداوتك، اخترت لها عنوان «أوضاع محرَّمة» ،وقد
فــســوف يــكــون بــالــخــروج عــلــى طــاعــة منحتني هذه األعمال شرف استحقاق
79 اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
النهاية إلى أن تتحول سيناء إلى ساحة السلطة.
حــرب مفتوحة ومــروعــة ،وصــار الموت ¦ ُط ـبــع ل ــك م ــن األع ـم ــال روايـ ـ ــات (بــركــان
يتربص بكل كائن يتحرك على أرضها، الـ ـصـ ـم ــت) ،و(قـ ـب ــل ال ـم ـن ـح ـنــى ب ـق ـل ـيــل)،
وصــارت حياة أناسها مرهونة بــوالء ،ال و(صحراء مضادة) ،ومجموعة قصصية
يستطيعون حتى في خيالهم الجهر به.. (أشياء ال تجلب البهجة) ،وأخيرة بعنوان
تفادياً لموت مجاني ،فإذا ما نجا أحدهم (أوض ــاع مـحــرَّ مــة) ورواي ــة قيد الـطـبــع...
منه على يد طرف يدير فيهم القتل باسم فأين سيناء منها؟
الدين ،ربما سيكون على يد طرف آخر
يالحقهم ،وهو مشحون بأفكار محددة، ρ ρكمبدع يعيش في صحراء ،يعد العيش
وأحكام مسبقة ،ويتعامل معهم كما لو فيها بحد ذاتــه مغامرة كبرى محفوفة
كانوا وباءً ،يجب التخلص منه.. بالمخاطر ،نذرت نفسي لكتابة مسئولة
وصــادقــة وهــادفــة ،ال تصغي إال لقول
الحق ،وال تأخذ طابع اإلبداع التجاري¦ ،األجـنــاس األدبـيــة متداخلة ..والحديث
عنها وعن تداخلها يمأل اآلفاق ويمتدحه كما فعل الكثيرون طمعاً في شهرة زائفة،
ال ـن ـقــاد ف ــي ال ـ ــرواي ـ ــة ..ف ـهــل يـبـيــت ذلــك بل من أجــل إضافة إبداعية ،يكون لها
ضرورة؟ القيمة ويكتب لها البقاء.
قناعة كلفتني الكثير ،ومنحتني صالبة ρ ρانقسم النقاد والمبدعون حــول قضية
األجناس األدبية إلى فريقين ،أحدهما كافية لتحمل كــافــة عــواقــب مغامرات
يرفضها متبنياً موقف ابن خلدون ومن روائــيــة وقصصية ،اســتــمــددتُ مكونات
بــعــده كــروشــيــه الــرافــضــيــن لــهــا ،حيث عوالمها من واقع بادية سيناء المُعاش،
ي ــدع ــوان إل ــى ضــــرورة اح ــت ــرام حــدود كتابات حاولت من خاللها كسر حواجز
الــجــنــس األدبـــــي ،وذلـ ــك بــعــدم إدخ ــال الــصــمــت ،واخ ــت ــراق مــا اســتــطــعــت من
العناصر النوعية لجنس معين في غيره تابوهات بدوية في جرأة ،القت استهجان
من األجناس األدبية. البعض من البدو ،ورفضاً ينذر بوقوع
وفريق آخر يؤيد حازم القرطاجني ،حيث صدام مع البعض اآلخر منهم ،ما حرصت
يــرى أن اخــتــراق حــدود الجنس األدبــي على تفاديه بعقالنية شديدة وحذرة.
وتداخله مع غيره من األجناس األدبية، كما حاولت خاصة في مجموعتي األخيرة
قد يعطي نصوصا قمة في اإلبداع. « أوضـــاع مــحـرَّمــة « رصــد مــا آل إليه
وبـــــــدوري أم ــي ــل إلــــى مـــا ذهــــب إلــيــه حال أهل سيناء ،هذا المثلث الــذى لم
القرطاجني ،ولما يمثله هذا التداخل من يزل قــادراً على تحدي ومقاومة الموت،
وجهة نظري من ضــرورة حتمية لتطور رغــم كل محاوالت الجهلة من الساسة
األدب. والمتأسلمين إسقاطه من خارطة هندسة
¦وُ ِجد مؤخرً ا ما أطلق عليه اسم (الرواية الوطن منذ آالف السنين ،وهو ما أدى في
هناء عبد اهلل العمير ،مخرجة ،سيناريست ،كاتبة وناقدة سينمائية سعودية ،حاصلة
على بكالوريوس ترجمة عربي/انجليزي من جامعة الملك سعود-الرياض1992 ،م ،وعلى
ماجستير ترجمة عربي /انجليزي من جامعة «هيريوت وات» ببريطانيا1996 ،م ،حازت على
جائزة النخلة الفضية في مسابقة األفــام السعودية فئة السيناريو عن فيلم قصير لم
ينفذ بعد2008 ،م ،كتبت وأخرجت الفيلم الوثائقي «بعيد ًا عن الكالم» الذي شاركت به في
89 اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
مهرجان الخليج السينمائي2009 ،م ،وكتبت وأخرجت الفيلم الروائي القصير «شكوى» الذي
شارك في مهرجان تيسة لألفالم اآلسيوية واألفريقية 2014م.
حصلت على العديد من الجوائز المهمة ،من بينها جائزة النخلة الذهبية في مهرجان
أفــام السعودية عــن فيلم «شـكــوى» (2015م) ،وجــائــزة أفضل سيناريو مــن مسابقة مركز
الملك فهد الثقافي لألفالم القصيرة عن فيلم «بسطة» الذي قامت بكتابته مع هند الفهاد
(2016م) ،اما في مجال التأليف والنقد السينمائي ،فقد صدر لها كتاب «ساموراي السينما
اليابانية أكيرا كوروساوا» ،دار مسعى2017 ،م ،ناهيك عن اختيارها كمحكمة في العديد من
المهرجانات السينمائية ،ونشاطها الدءوب في الحراك الثقافي في السعودية.
مارست اإلخراج والكتابة وبذلك تعرفت ¦فكّ رت كثير ًا في نوع السؤال األول الذي
بشكل عملي على عملية صناعة الفيلم، سأطرحه عليك ،خصوصا وأن تجربتك
لكنني أظل أوالً وأخيراً أتبع شغفي .وأي رغم عمرها القصير خاصة في السينما
نقد مهما استند إلى معايير فنية يظل متنوعة وثرية ،واستطعت من خاللهاأن
يحمل شبهة الذاتية ،فنحن ال نستطيع تـقــولــي ب ـصــوت مــرتـفــع «أن ــا ه ـنــا» ،يعني
أن نخرج من أنفسنا ..والمادة اإلبداعية مرة كاتبة سيناريو ،ومرات مخرجة أفالم
تؤثر فينا مهما ادعينا العكس .ولذلك وثائقية وروائية ،وأخرى ناقدة سينمائية،
فقد نزعت عن نفسي صفة الموضوعية أعتقد بأن آخر ما صدر لك هو كتاب عن
فــي كــتــابــي عــن ك ــوروس ــاوا وقــلــت منذ المخرج العالمي اكيرا كــوروســاوا ،وكلها
الصفحة األولى أنني أدين لهذا المخرج تجارب تلتقي في خانة السينما ،ما الذي
بالدخول في عالم السينما العالمية ،فقد تعنيه لك السينما ،وأي العناصر اقرب
كان فيلمه «أحالم» هو البوابة التي عبرت إليك فيها (كتابة ،إخراج ،نقد)...؟
منها إلى السينما ،وبما إنه في فيلمه ذاك ρ ρالــكــتــاب الـــذي ص ــدر لــي عــن المخرج
قد دخل من خالل طالب فنون تشكيلية العالمي ،كان كتابة أحببت أن تحمل طابع
إلــى عــالــم فــان جــوخ (ال ــذي كــان يحبه الذاتية وأن ال تكون ذات شكل نقدي بحت
ويتمنى أن يصبح فناناً مثله) ،فسأدخل كما هو متعارف عليه .ألنني باألساس
عالم كــوروســاوا من فيلمه «راشــومــون» في كتابتي عن السينما أكتب من دافع
وجعلت بنية الكتاب معتمدة على بنية الشغف .صحيح أنني قرأت الكثير من
مقطع «الغربان» من فيلم «أحالم» .فأنا الكتب النقدية حتى أفهم كيفية قــراءة
في النهاية أشبه بطالبة أمام معلم. الفيلم السينمائي ،إضــافــة إلــى أنني
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017 90
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
األيقونة السينمائية إنغمار بريغمان ذكر هــذا فيما يخص الكتاب وعـــذراً على
أن إخراجه لألفالم هو هواية وأن عمله اإلسهاب ،أما فيما يتعلق بأي العناصر
األس ــاس هــو اإلخ ــراج المسرحي ،ومع أقرب إلى نفسي فهي الكتابة بكل تأكيد.
ذلــك كــان ملهماً للكثير من المخرجين في داخلي كاتبة ولكني درست الترجمة
السينمائيين ،وال يمكن الــحــديــث عن وحصلت على درجــة الماجستير فيها
السينما األوربــيــة بشكل عــام والسينما من بريطانيا وأعلم أننا في السعودية
السويدية بشكل خــاص دون الحديث بحاجة لكل ما من شأنه إثــراء المشهد
عنه .بالنسبة لي السرد البصري أكثر السينمائي ،ولذلك ال أتوانى عن القيام
متعة مــن الــســرد األدبـ ــي ولــذلــك فأنا بأدوار أخرى من أجل هذه الغاية .ولذلك
أكتب السيناريو ،كتبت للتلفزيون وكتبت فعندما خطرت لي فكرة توثيق لقاء بين
للسينما وسأظل أكتب ،بالنسبة لي هذا فرقتين يعزفان الموسيقى الفلكلورية
عملي األســاس ،أما اإلخــراج فهو هواية لثقافتين مختلفتين ولم أجد من يمكن
أحــب أن أمارسها بين آن وآخــر حينما أن ينفذها بالشكل الــذي أحــبــه ،قمت
يناديني مشروع ما وأجــد صدى له في أنا بإخراج هذا الفيلم وهو «بعيداً عن
قلبي. الكالم» والذي وثقت فيه لقاء يحدث للمرة
األولى لفرقة أرجنتينية تعزف التانغو في ¦رغ ــم ع ــدم تــوفــر ال ـف ـض ــاءات الـمـســاعــدة
على خلق السينما ،غير أن أفالم الشباب زيارتها األولى للشرق األوسط مع فرقة
فرضت نفسها بقوة في السنوات األخيرة من منطقة القصيم في السعودية تعزف
في السعودية ،وظهرت تجارب محترمة، موسيقى السامري ،وقمت بعمل لقاءات
خصوصا في سينما المرأة ،كيف تفسرين مع الموسيقيين من الفرقتين يتكلمون
هذا األمر؟ فيه عــن انطباعاتهم خــال سماعهم
لموسيقى بعضهم البعض.
ρ ρأفسره بأن التكنولوجيا كسرت كل الحدود
سواء من خالل المشاهدة والقراءة التي ¦ع ـن ــدم ــا ت ـقــول ـيــن ب ــأن ــك ل ــم ت ـج ــدي مــن
أصبحت ممكنة .المشاهدة من خالل يوثق للفرقتين بالشكل الصحيح قمت
شاشات كبيرة وأجهزة عرض سينمائي ب ــإخ ــراج ال ـف ـي ـلــم ،يـعـنــي ق ــدوم ــك لعالم
والقراءة أيضاً المتخصصة والمتعمقة، اإلخــراج جاء عن طريق الصدفة ،وليس
إضافة إلى انخفاض كلفة التصوير وكل مع سبق إصرار وترصد؟ أو بعبارة أخرى
ما يتعلق باإلنتاج السينمائي .وكذلك أيضاً عوالم السينما لم تكن أحالم طفولة؟
من خالل توفير منصات لتبادل الخبرات ρ ρحــلــم طــفــولــتــي هـــو الــكــتــابــة وروايـــــة
والقراءات ،وخلقت مجموعات في العالم الحكايات .شغفي هو أن أروي وإن كانت
االفتراضي تحولت فيما بعد ألن تشكل الرواية تتطلب أن أقف خلف الكاميرا
فرقاً فنية للعمل على إنتاج األفالم .فقد ألتــأكــد أن حــكــايــتــي ستصل سأفعل.
91 اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
بــدأت السينما في السعودية من خالل
منتديات أشهرها كان يسمى «سينماك»،
وتحول من كانوا يشاركون في «سينماك»
إلى صفحات الجرائد المحلية ،وبدأوا
يكتبون عن السينما ..وترافق ذلك أيضاً
ببداية مهرجانات إقليمية كانت تدعم
السينما الخليجية وأهمها مسابقة «أفالم
اإلمارات» .واآلن أصبح لدينا مهرجانات
ومسابقات خاصة بالفيلم السعودي ،وهو
تطور آخــر ..وكما أرى فنحن ننتقل من
مرحلة إلى مرحلة أعلى وهو شيء مبشر
جداً.
¦ق ـ ـبـ ــل أرب ـ ـ ـ ــع س ـ ـ ـنـ ـ ــوات ق ـ ـلـ ــت فـ ـ ــي أحـ ـ ــدى
مــداخــاتــك وأقـتـبــس ع ـنــك« :أعـتـقــد أن
حلمي وحـلــم كــل سينمائي وسينمائية،
وحـلــم كــل مــن يحب السينما ،هــو وجــود
ص ــاالت ع ــرض سينمائية فــي المملكة،
وسأظل أحلم بهذا إلى أن يتحقق» ،هل
بدأ هذا الحلم يتحقق؟ وهل هناك بوادر
من الجهات المعنية لتحقيق هذا الحلم
وحلم جميع المخرجين وعشاق السينما
في المملكة؟ وما هو تصورك للمستقبل
في هذا الخصوص؟
ρ ρنــعــم ،هــنــاك تــصــريــحــات رســمــيــة بهذا
الــخــصــوص وآخ ــره ــا مــن رئــيــس هيئة
الترفيه ،وأعتقد أن األمــور متجهة إلى
افتتاح صاالت سينما قريباً ،اآلن هناك
عــروض ألفــام عالمية في مدينة جدة
واهتمام حكومي رسمي واضح وملموس،
للعائالت وهــو أمــر يبشر بالخير .أنا
وهناك طاقات إبداعية تنتظر الفرصة
متفائله جداً بالمستقبل ،هناك اهتمام
ألن تبدع .كل هذا يجعلني متفائلة.
بالفنون بشكل عام وليس السينما فقط..
¦ما الذي قدّ مه مهرجان «أفالم السعودية»، وهذا أمر مهم ،وهناك حراك فني مبهج
¦أرى بــأنــك مـهـتـمــة ك ـث ـيــرا بـكــاسـيـكـيــات ρ ρالــكــتــاب لــيــس تــرجــمــة بــل هــو تأليف،
ترجمت فقط في الكتاب مقابلة دارت الـسـيـنـمــا ،كــالـمـخــرج ف ـت ــوري دي سيكا،
بين غابرييل غارسيا ماركيز وكوروساوا فرانك كابرا ،وغيرهما كثير ،هل تعتقدين
فــي التسعينيات وضعتها كملحق في فعال بأن الجيل الحالي ال يزال بحاجة
نهاية الكتابة ،وذلك ألن المقابلة تكشف إلـ ــى أعـ ـم ــال ه ـ ــؤالء ال ـم ـخــرج ـيــن؟ وهــل
عن آراء كوروساوا .كما أنني في الكتاب العودة لهم ضرورية؟
أيضاً وجرياً على ما قام به في فيلمه ρ ρأعتقد أن الكالسيكيات لم تصبح كذلك
«أحالم» من تجسيده لشخصية فان جوخ إال ألنــهــا اجــتــازت اخــتــبــار الــزمــن بما
نفسه ،قمت بكتابة مقابلة متخيلة بيني تحمله من معاني تجعلها دائــمـاً قــادرة
وبينه ضمنت فيها آراء أدلى بها في عدة على إلهامنا .أعــمــال شكسبير خالدة
مقابالت ..وذكرت أنها مقابلة متخيلة. حتى اليوم وسترى بين آن وآخــر أثناء
أما الدافع ،فأوالً كان إشارة إلى مخرج مشاهدتك األف ــام لمحات مــن أفــام
عظيم ال يعرف الكثير من صناع األفالم كالسيكية تأثر صناعها بتلك األعمال.
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017 94
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
أثر على من يعمل في الفيلم وعلى من السعوديين عــن أفــامــه شيئاً ناهيك
يشاهده .هــذا ما أؤمــن بــه .ولذلك لم عــن الــجــمــهــور ،كــذلــك فــكــوورســاوا من
أفكر في تصوير فيلمي «شكوى» في مكان المخرجين الكبار الذين استطاعوا أن
خــارج السعودية رغــم سهولته خارجها يجمعوا بين النجاح الجماهيري والفني،
وصعوبته فيها .عندما كتبت نص فيلم وهــو أمــر صعب ج ــداً وقــد ابتكر عدة
«هدف» كنت أفكر في طفلة من الرياض، أساليب خرج بها عن الطريقة المعتادة
وعندما طلبت المخرجة الزميلة هناء في صناعة األفــام في وقته ،وقد كان
الفاسي النص إلخراجه ،ثم أبلغتني أنها يكتب ويخرج وهو من يقوم بمونتاج أفالمه
أيضاً .كما أنه سيد السينما اإلنسانية،
ستصور الفيلم في مدينة جــدة ،طلبت
حيث يقول له الروائي الكولمبي في لقائه
منها السيناريو لتغييره ،فطبيعة العائلة
معه «نحن نتعلم منك اإلنسانية».
النجدية في الرياض مختلفة عن العائلة
الحجازية في بعض التفاصيل .ولذلك ال ¦المعروف على كوروساوا أنه نقل الهوية
بد من مراعاة هذه األمــور ،فكما يقول والتقاليد اليابانية فــي أفــامــه ،أي انه
ال ــروائ ــي الكولمبي غــابــريــيــل غارسيا اشتغل على المحلية وهــي الـتــي دفعت
ماركيز «اإلبداع هو التفاصيل». بــه الــى العالمية ،هــل يمكن للمخرجة
السعودية هناء العمير أن تشتغل على
ال ـت ـف ــاص ـي ــل ال ـص ـغ ـي ــرة ،وت ـن ـق ــل ع ـ ــادات ¦ل ـن ـخ ــرج ق ـل ـيــا م ــن ت ـجــرب ـتــك وتـ ـج ــارب
السينما السعودية ،كيف تقيمين واقــع وتقاليد المملكة وتوظفها في أفالمها؟
السينما العربية اآلن؟ وهــل فعال نحن وهل تجدين هذا ضروريا؟
نملك «سينما عربية»؟
ρ ρأنا مؤمنة تماماً بأهمية المكان ،واعتبره
شخصية من شخصيات الفيلم .ال أحب ρ ρنحن نملك أفالماً عربية ذات قيمة فنية
عالية ،ولكننا ال نملك سينما استطاعت أن األفــام التي يغيب فيها المكان وتبهت
تفرض نفسها وتفرض رؤيتها وأسلوبها. تفاصيله .كوروساوا كان مهووساً ببناء
أن تمد السينما العالمية بموجة جديدة مواقع التصوير في أفالمه التاريخية لهذا
ا أوكما فعلت األف ــام الــرومــانــيــة مــثـ ً الغرض ،وقد ورد في بعض المراجع أنه
السينما اإليــرانــيــة على سبيل المثال. غضب غضباً شديداً أثناء تصوير فيلمه
وذلك له عدة أسباب ،أولها عدم الدعم «اللحية الحمراء» ألن الخشب المستخدم
الحكومي لألعمال السينمائية وهذا اآلن لم يكن المستخدم في تلك الحقبة .من
في طريقه للحل مع وجود صناديق دعم كان سيشاهد في فيلم باألبيض واألسود
فنية في أكثر من دولة ساهمت في وصول طبيعة الــخــشــب ويــمــيــزهــا إال الممثل
الفيلم العربي للمهرجانات العالمية ،وقد نفسه .كان كوروساوا يؤكد أن بناء الموقع
تتمكن ذات يوم من دعم. يؤثر في أداء الممثل .المكان له حضور
95 اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
الشاعر نايف أبو عبيد
منذ مطلع الخمسينيات من القرن الماضي بدأ الشاعر نايف أبو عبيد في ثانوية إربد
مسيرته األدبية نثر ًا وشعر ًا وراح ينشر إنتاجه في مجلة «صوت الجيل» وجريدة «الجزيرة»
ثم استمر في نشر شعره في الجرائد التي كانت تصدر في القدس ،وقد أهّ له هذا النشاط
الثقافي ألن يكون واحد ًا من مؤسسي (رابطة القلم الحر) التي كانت أول رابطة ثقافية في
األردن ،وكان من زمالئه فيها الشاعر المرحوم راضي صدوق وحكم بلعاوي ،وعقلة حداد،
وسميح الشريف وآخرون.
وقــد حمل الشاعر (نــايــف أبــو عبيد) راي ــة التجديد واالص ــاح ،باعتباره طريق ًا نحو
التغيير والتقدم والرقي ،وقد كان الشعر خياره األول ،متخذ ًا من المفردة الغنائية الرشيقة
األنيقة أداته الفنية المؤثرة لكتابة نصوص غنائية أداها عدد من المطربين والمطربات
بأصواتهم ،وكانت قصائده في هــذا الباب مرجعية وثائقية للنص الغنائي المكتوب في
األردن ،وما زال حتى اليوم مثل ياقوتة عتيقة ثمينة دائم التألق واأللق واإلبهار ،وهو في
شيخوخته مثله في شبابه ،دائم الحيوية ،مغمو ٌر باألمل والتفاؤل.
ولم يكن األستاذ نايف أبو عبيد شاعر ًا وحسب ،بل كان إعالمي ًا محترفاً ،فقد رئس القسم
الثقافي في اإلذاعة األردنية لست سنوات ارتقى خاللها بالبرامج الثقافية إلى مستوى رفيع
بدعوته الكتّاب واألدباء والشعراء األردنيين والعرب للكتابة لإلذاعة ،وبسبب عالقته الطيبة
هذا مقطع من قصيدة قلتها في األرض ¦ما هو الهاجس الذي يحرك قلم الشاعر
تصلح ألن تكون نشيداً تتغنى به الناس كل نايف أبو عبيد؟
الناس مهما اختلفت أجناسهم وألوانهم، ρ ρالهاجس الذي يحرك قلمي هاجسان هما
إذ األرض أمهم التي ولدتهم وعزتهم األرض واإلنــســان ،وقد أختصر الهدف
ولوالها لهلكوا. في عنوان أول ديوان نشر لي عام 1960م
«أغنيات لــأرض» ،فقد تغنت قصائدي ¦هل لنا أن نعرف كيف تسلل إليك شيطان
الشعر؟ باألرض وحتى يتصرف كما هو اإلنسان
فتمحورت معظم قصائدي حول األرض
ρ ρتسلل إلــيّ شيطان الشعر عندما كنت
واإلنسان ،وقد دعاني هذا الهاجس إلى
ال يستمع إلى رواة الشعر والمالحم طف ً
الكتابة بالمحكية في بعض المراحل؛ ألن
فــي مــضــافــات الحصن فــي الــمــســاءات
الغرض من القصائد مخاطبة اإلنسان
الشتائية .فقد رسخت القصائد التي
الـ ــذي ع ــاش عــلــى األرض وم ــا تنتجه
كانت تروى وتُ َغنّى على الرباب ،فصنعت
وتعطيه من الزروع والضروع.
عندي القدرة على ضبط الوزن واإليقاع،
وهــو الــذي يعلق في الــذاكــرة الطفولية (هـ ـ ـ ــذه األرض لـ ـك ــم ي ـ ــا ط ـي ـب ــون
المبكرة ،أما المضامين فسيدرك المرء م ـنــذ ب ــدء ال ـخ ـلــق فـيـهــا تنعمون
عند نضجه المتأخر. ف ـ ــاذك ـ ــروا مـ ــا ق ــال ــه ف ـي ـهــا اإلل ـ ــه:
(يرث األرض عبادي الصالحون)¦ .مــا هــي طبيعة ال ـت ـصــور ال ـش ـعــري الــذي
97 اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
أظ ـل ـم ــت دنـ ـي ــاه ح ـت ــى ل ــم يـعــد تــم على أســاســه ديــوانــك األول (أغنيات
ي ـب ـص ــر اآلي ـ ـ ـ ــات ف ـ ــي قـ ـ ــرآنـ ـ ــه!!). لــأرض) ،وما هي المؤثرات التي شكلّت
وع ـي ــك وأس ـه ـم ــت ف ــي ت ـكــويــن تـجــربـتــك
¦مــا هــو أث ــر شـعــرك خ ــارج ال ـح ــدود؟ وهــل
اإلبداعية؟
ت ـع ـت ـقــد أن ـ ــك ق ـم ــت ب ــواجـ ـب ــك فـ ــي ه ــذا
المجال؟ ρ ρيتناول الشاعر مواضيع قصائده من
البيئة التي يعيش فيها ،وقــد ترسّ مت
ρ ρلم أدرس التغذية الراجعة لشعري وراء
هــذه الخطى عندما كنت أنْــظُ ــم الشعر
ح ــدود الــوطــن (األردن) حتى أعطيك
في البواكير عندما صحونا على ضياع
الجواب الشافي الوافي ،وأتمنى أن تصل
أجمل وأروع بقاع األرض العربية (أرض
قصائدي إلى من يهمهم األمر.
فلسطين) ،ورحنا بعد ضياعها نغني لها
وجدنا المسلوب بالقهر والقوة والحيلة ¦نــايــف أبــو عبيد ،بـصــراحــة ،هــل أنصفك
النقد؟ والخداع.
ρ ρبــصــراحــة...ال لم ينصفني؛ ألن شعري
(ذك ـ ـ ـ ــرت ف ـل ـس ـط ـي ـن ـنــا واألسـ ـ ــى
سياسي في أغلبه ،والنقاد يبتعدون عن
يُ ـ ـه ـ ـيـ ــج فـ ـ ــي ال ـ ـن ـ ـفـ ــس تـ ــذكـ ــارهـ ــا
الشعر السياسي؛ ألنهم يمسكون بالعصا
من منتصفها دائماً. فـ ــإن ك ـنــت أخ ــرج ــت م ــن جنة
¦نــايــف أبــو عبيد ،مــن وجـهــة نـظــرك ،إلى
فـ ـ ـ ــإنـ ـ ـ ــي أحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدث أخ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــارهـ ـ ـ ــا)
أي حد عبَّر األدب األردن ــي الحديث عن رحم اهلل ابن حمديس الصقلي الذي قال
الـ ـت ـح ــوالت ال ـت ــي تـعـيـشـهــا األردن منذ هذا الشعر في صقلية بعد فقد العرب
االستقالل؟ لها.
ρ ρلم يستطع األدب األردني الولوج إلى داخل ¦آخــر ديــوان صــدر لكم كــان بعنوان (لظى
القضايا األردنية بشجاعة وصدق ..وهم الـقــوافــي) ،مــاذا عنه ،ومــا الــذي أردت أن
أهل األدب يمسون قضايانا مساً خفيفاً تقوله من خالله؟
لــطــيــفـاً ال يـــؤذي مــشــاعــر مــن يــؤثــرون
ρ ρأمــا ديــوان (لظى القوافي) فهو راصد
ويتأثرون في المسار والحركة الفكرية ألوضاع األمة العربية في السنوات العشر
األردنية.
األخيرة أو ما سموه بالربيع العربي .بدءاً
بحادفثة من أحرق نفسه قهراً فقلت لمن ¦ال ـتــراث كموضوعة جدلية قــائـمــة ،كيف
تنظر إليه؟ الموه وكفروه:
ρ ρإن تراثنا لم يدرس دراسة علمية صادقة، (ال تـ ـ ـل ـ ــوم ـ ــوه ع ـ ـلـ ــى كـ ـف ــران ــه
وقد استفاد البعض منه وتركه الكثيرون رب ك ـ ـ ـفـ ـ ــر زاد ف ـ ـ ـ ــي إيـ ـ ـم ـ ــان ـ ــه
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017 98
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
هما :المتنبي في الشعر القديم ومحمود لعدم فهمهم له وتقديرهم ألثره في بناء
درويش في الشعر الحديث وعندها أرفع اإلنسان.
عقال إعجابي بهما. ¦هل ما يزال الشعر ديوان العرب وشاغلهم،
أم أن الـقـصــة وال ــرواي ــة باعتبارهما فـ ّنـ ًا ¦متى بدأ الوعي بأهمية المكان لديك...
وكـيــف تستلهم األمــاكــن الـتــي كـثـيــر ًا ما مديني ًا احتال الساحة األوسع؟
تحضر في قصائدك؟ ρ ρيعاني الشعر العربي في هذه األيام من
نكوص وتراجع لحساب الــروايــة بدليل
ρ ρيُــقــال عــن شــعــري أنــه أطــلــس جغرافي
أنك ال تستطيع نشر ديوان لك ،والرواية
لألماكن األردنية ،وهذا إلى حدٍّ ما قو ٌل
مرحب بها من قبل الناشرين.
صحيح ،فقد كتبت عــن أمــاكــن أردنية
¦ما هي حدود العالقة بين األدب والحرية
كثيرة شعراً بالفصحى والمحلية.
من وجهة نظرك؟
¦م ــا ه ــي الـ ــدائـ ــرة األسـ ـ ــاس ف ــي حــركـتــك
ρ ρاألدب ابن الحرية الشرعي ،وإذا ضاعت
الشعرية؟
الحرية انكفأ األدب وتراجع...أعطني
حرية وخــذ أدب ـ ـاً ...قيودنا التي تقيد ρ ρتتمحور قصائدي حول اإلنسان واألرض،
وهذه دائرة الحركة في شعري. معاصمنا وأقدامنا كثيرة ..ولــذا تأخر
األدب عن معالجة كثير من القضايا التي
¦مــا الــذي قــدّ مــه األردن فــي رأيــك لحركة
اعتبروها محرمات ال يصح الدنو منها
الشعر الحديث؟
أو مسها.
ρ ρللشعر األردن ــي أثــر متواضع في تطور
¦هل حصلت على جوائز خالل مسيرتك
المسيرة الشعرية العربية ،وفي رأيي أننا
الطويلة؟
ال
قدمنا في الستينيات والسبعينيات عم ً
ρ ρلم أحصل على جوائز من المؤسسات
شعرياً مؤثراً أكثر من اليوم.
الثقافية سوى وسام االستقالل لتفوقي
الــشــعــري ،ولــكــنـ ّنــي مــثـلّــت األردن في ¦في ظل التشرذم الحالي الذي نشهده في
الوضع العربي واإلسالمي ،كيف ترى دور مهرجانات شعرية عربية ودولية.
اللغة في إعادة توحيد األمة اإلسالمية؟ ¦كيف تنظر إلــى خريطة الشعر العربي
اليوم؟ ومن من الشعراء جذب اهتمامك ρ ρإن عنصر التوحيد العربي المعوّل عليه
هو اللغة العربية ،ولذا فإن على أصحاب وش ـع ــرت ع ـبــر أع ـمــالــه بـنـكـهــة الـتـجــديــد
القرار والفكر أن يهتموا بهذه اللغة ،فهي واألصالة والعمق؟
هوية األمة العربية. ρ ρفي مسيرة الشعر العربي توجد ظاهرتان
99 اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
صبحي موسى:
الشعر هو المعبَ ر األهم لكل من يريد أن يكتب رواية جيدة
قصيدة النثر هي خالصة الشعر دون تزيد
قبل أن أكتب الموريسكي األخير قرأت عشرات المراجع من لغات أجنبية ومن العربية
كل عمل فني فيه طرف من سيرة المبدع الذاتية
الجوائز تعبر عن فكرة مموليها عن الرواية وليس عن طبيعة الفن الروائي
شاعر وروائ ــي مصري ،صــدر له عــدد من الــدواويــن الشعرية قبل سنوات منها« :صمت
الكهنة» ،و«قـصــائــد الـغــرف المغلقة» ،و«لـهــذا أرح ــل» ،ثــم تحول إلــى كتابة الــروايــة ،فقدم
للساحة الـعــربـيــة ع ــدد ًا مــن ال ــرواي ــات مـنـهــا« :حـمــامــة بـيـضــاء» و«أســاط ـيــر رج ــل الـثــاثــاء»
و«الموريسكي األخير» وأخيرا «نقطة نظام» .وقد حاورته «الجوبة» ليتعرف القارئ العربي
على أسباب تحوله من كتابة الشعر(قصيدة النثر) إلى الرواية؟ ورأيه في الجوائز األدبية
وظاهرة األكثر مبيعا ،كما نتعرف منه على أسباب لجوئه للتاريخ؛ الستلهامه ..وخاصة في
روايتيه «أساطير رجل الثالثاء» و«الموريسكي األخير» اللتين استلهم فيهما التاريخ ،ولماذا
أعاد طبع روايته األولى «حمامة بيضاء» التي صدرت قبل سنوات ،وما عالقة روايته األخيرة
«نقطة نظام» بالتغيرات االجتماعية التي حدثت في مصر في السنوات الست األخيرة؟
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017 100
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
وأخيرا نعرف منه رأيه في كيفية تحقق العالمية للرواية العالمية ،ما هي الوسائل التي
يمكن أن يتخذها الروائيون للعرب لتحقيق العالمية ،ثم رأيــه في راهــن الرواية العربية
بعامة والسعودية بصفة خاصة.
وغيرها ،وهناك من يكتب ويمثل ويخرج ¦بــدأت حياتك كشاعر ،فما الــذي أغــراك
ويمارس الفن التشكيلي ،وهكذا ،ففكرة باالنتقال لكتابة الرواية؟ هل هي موضة
األحــاديــة أو الثنائية الضدية الشهيرة «زمن الرواية» أم هي الجوائز التي تغري
في الحداثة انتهت ،وح ّل محلها التجاور الروائيين بالكتابة؟
والتعدد كسمة رئيسة لما بعد الحداثة، ρ ρفي ظني أن الشعر هو المعبر األساس
وفي ظني أن هذا هو السبب الرئيس في لكل مــن يــريــد الكتابة الــجــيــدة ،ســواء
انتقالي إلى الرواية مع احتفاظي بمكاني الرواية أو القصة أو المسرح أو النقد،
في الشعر. وهــنــاك كثير مــن الكتاب الكبار الذين
مروا بمرحلة الشعر ،حتى أننا حين نقرأ ¦ما رأيك في قصيدة النثر؟ وما تقييمك
لواقعها في العالم العربي اآلن؟ أسماءهم ..نتصور أنه ال يمكن لكاتب
كبير أن يأتي دون االنطالق من الشعر،
ρ ρقصيدة النثر لمن يفهمونها حقا بمثابة
فهناك بــورخــيــس ،ســارامــاجــو ،جونتر
الشعر المقطر ،بمثابة خالصة الشعر
جـــراس ،هــيــرمــان هــســه ،كزنتزاكيس،
دون تــزيــد وال رط ــان ــة ،لكنها لــمــن ال
وخوان رولفو ،كاواباتا ،وغيرهم ،والسؤال
يفهمونمها مجرد تسويد مزيد من الورق،
اآلن ،هل تحول هؤالء وغيرهم إلى الرواية
ومــن ثم فهي قليلة ون ــادرة ،وشعراؤها
ألنها كانت موضة ..أم ألن الجوائز تغري
غالباً يقدمون طرحهم من خالل ديوان
الكثيرين؟ أعتقد أن السرد في حد ذاته
أو اثنين ،وما بعده هو مجرد تنويعات أو
نداهة كبيرة ،وغواية ال حدود لها ،وأعتقد
محاولة استعادة للصدى ،لذا ال يجب أن
أن قصيدة النثر بما تقوم عليه من تفجير
ننتظر من قصيدة النثر ما كنا ننتظره
إلمكانات وقــدرات السرد لدى الشاعر،
من نظام القصيدة العمودية أو التفعيلية،
ساعدت الكثيرين من أبناء جيلي على
وعــمــوم ـاً ه ــذا الــنــص فــتــح الــبــاب على
كتابة الرواية ،فقد أصبحت الحدود بين
مصراعيه لكل مــن لديه شعر حقيقي
السردين متقاربة ،والمسافات متداخلة،
ليقوله ،وفتحه أيضا على االنتقال إلى
أعتقد أيضاً أن التيمة الرئيسة لما بعد
مختلف الفنون األخرى كالرواية والمقال
الحداثة هي التعدد والتجاور ،ومن ثم
والمسرح والسيناريو. نجد من يكتب الشعر والرواية والمقال
وقد شهد العالم العربي طفرة بعالقته والصحافة وربما المسرح والسيناريو
101 اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
تاريخه ،وبمجرد وقــوع أي حادثة فقد مع هذا النص منذ مطلع التسعينيات،
أصبحت جزءاً من التاريخ. فقصيدة النثر لها ثالث مراحل ،األولى
أما كيف يتعامل الكاتب مع هذا التاريخ بـ ــدأت مــع قــصــيــدة الــعــامــيــة وقــصــيــدة
فهو أمر آخر ،فالكاتب ال يمكنه أن يغير التفعيلة فيما بين الحربين العالميتين،
من وقائع التاريخ المستقر المعلوم ،ال والثانية كانت في مطلع الستينيات مع
يمكنه أن يخالف المراجع والمصادر مجلة شعر البيروتية التي كانت بمثابة
الــمــعــتــمــدة ،لكنه يمكنه أن ينسج ما الــمــنــبــر األس ـ ــاس ألب ــن ــاء هـــذا الــنــص،
سكت عنه المؤرخون ،وأن يكتب ما لم والمرحلة الثالثة كانت في التسعينيات
يلتفتوا إليه ،حيث تصورات الشخوص مع انتشار الحواسب اآللية وظهور ثورة
عن العالم ،وموقفهم ممن معهم وممن االتصاالت والستااليت ،وهو ما ساعد
ضدهم ،وحيث األجواء النفسية والفكرية على انتشار هــذا النص ،وضــرب فكرة
التي عاشوها قبل أن يقوم بالحدث ،فثمة ُطر دون اآلخر، مركزيته أو حصره على ق ٍ
ممرات كبرى أغفلها المؤرخون ،ألنها وجــعــل كــل روافـــد الشعر تــذهــب إليه،
ليست من عملهم ،وهي مهمة الروائي، فصار التيار األكثر انتشاراً وقــوة ،لكن
هــي عمله األصــيــل ،وهــي فــي مجملها يجب أال نتعامل معها بأليات ومفاهيم
ممرات إنسانية بحتة يقوم الروائي على التفعيلة والــعــمــودي ،ال يجب أن نتوقع
إبداعها بخياله وفقا لشرطيات اللحظة من خطيب المنبر في المسجد أن يتمثل
القديمة ،وهو ما يستدعي منه مجهودًا بأحد سطورها ،هناك فوارق كبرى في
كبيرًا في المعرفة والخيال ،ومهارة أكبر المجاز واالستعارة ،هناك طفرات حدثت
فــي التعامل مــع الــمــصــادر والــمــراجــع، لكنها في نقيض البالغة والمجاز التي
وصياغة كــل ذلــك فــي إطــار ســردي له يعتمد عليها شيوخ المنابر.
دراميته وأزمنته المتقاطعة ،وانفعاالته ¦مـ ــا م ـ ــدى م ـش ــروع ـي ــة اعـ ـتـ ـم ــاد الـ ــروائـ ــي
الــمــتــواتــرة .الكتابة التاريخية ليست عـلــى ال ـتــاريــخ؟ مــا م ــدى اع ـت ـمــادك على
بالسهولة التي يتصورها البعض ،وليست التاريخ في روايتك األولى «أساطير رجل
بالصعوبة التي قد يتكلم عنها البعض، ال ـثــاثــاء» .مــا الـخـطــاب الـثـقــافــي الــذي
لكنها نوع من العمل الجاد ،وكل حسب أردت أن تمرره من خالل هذه الرواية؟
موهبته وقدراته. ρ ρالروائي يعتمد طيلة الوقت على التاريخ،
مشروع نجيب محفوظ في مجمله هو ¦في روايـتــك «الموريسكي األخـيــر»..عــام
اع ـت ـمــدت ف ــي رص ــد م ــأس ــاة حــدثــت قبل مشروع تاريخي ،مشروع عبد الرحمن
مئات السنين فــي األنــدلــس؟ وهــل قمت منيف وإبراهيم الكوني والطاهر وطار
بربط هذه األحــداث بالحاضر؟ هل ثمة وغيرهم ،كلها مشاريع تاريخية ،والروائي
إسقاطات على الحاضر؟ أقصد ما هي ال يمكنه أن ينفصم عن واقعه ،وال عن
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017 102
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
اعتمدت أيضاً على الذهاب إلى المغرب، المصادر التي اعتمدت عليها في كتابة
ليس حيث األماكن التي نزل وأقام فيها أحداث موغلة في التاريخ؟
الموريسكيون قديماً ،ولكن أيضا حيث ρ ρعــشــرات الــمــراجــع التي قــرأتــهــا ،ســواء
يقيم بقايا الموريسكيين اآلن ،كان البد مــن مــصــادر عــربــيــة ،أو مــتــرجــمــة من
أن أتطلع إلــى الوجوه مثلما أتطلع إلى مــصــادر أسبانية ،وقــارنــت بين وجهتي
األم ــاك ــن ،وأنــظــر فــي الــعــيــون وأع ــرف النظر االسبانية والعربية ،كما قــرأت
طريقة التفكير ومدى الخوف أو االنفتاح أعماالً مترجمة عن اإلنجليزية لمؤرخين
على اآلخــر ،كــان البــد أن أدرك مالمح ليسو مــن الــجــانــبــيــن ،رأيـــت أن وجهة
بطلي «مراد الموريسكي» أو الموريسكي النظر العربية حــاولــت الــصــراخ بقدر
األخير ،تلك المالمح النفسية والفكرية اإلمكان ،وربما ربطت بينها وبين مأساة
كــي استطيع تجسيده كــنــمــوذج يمكنه الفلسطينين ،بينما قــدمــت الــمــراجــع
أن يحمل مختلف األفكار والتناقضات األسبانية األمــر على أنــه فعل تاريخي
التاريخية الكبرى على كاهله ،وأن أربط عـــادي ،ومــن ثــم وصــلــت إلــى أن هناك
كل هــذا بما يجري في بــادي في تلك أجــواء تاريخية كبرى حتمت حــدوث ما
اللحظة ،حيث فكرة استعادة قيام الدولة ح ــدث ،لكنه بمثابة الخطيئة الكبرى
على أساس ديني ،كما قامت دولة األسبان التي يجب االعــتــذار عنها ،ومنح بقايا
على أســاس ديني ،فكانت الكارثة جالء الموريسكيين حق العودة إلــى بالدهم،
الموريسكيين ،وهــو ما حــذرت منه في خاصة وأن أسبانيا منحت الموريسكيين
روايــتــي ،فقيام دولــة على أســاس ديني اليهود هذا الحق ،فلم ال يفعلون ذلك مع
سيضر باآلخر ،وربما ينتهي إلى طرده الموريسكيين المسلمين.
103 اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
راعيها يقدم للناس النماذج التي يريدها، من بــاده ،وأعتقد أن هذا النفق مازال
ألنها تعبر عن فكرته هو وليس عن طبيعة قائماً ،بدليل تهجير األقباط من شمال
األدب أو أهميته ،ولعل السؤال هو كيف سيناء تحت وطأة إرهاب المتشددين لهم.
سيحقق الممول أو الراعي سياسته أو
¦م ــاذا تـمـثــل ال ـجــوائــز بــالـنـسـبــة لصبحي
فكرته هذه ،بالطبع لن يقدم الئحة وال
موسى؟
شروطاً معلنة لطبيعة األعمال التي يجب
أن تفوز ،ولكنه سيختار لجنة التحكيم، ρ ρالجوائز تمثل لي حصة من المال وحصة
وهناك تجيء مقولة :إذا أردت لقطار مــن الــشــهــرة وإع ــان جيد عما كتبته،
أن يسير بسرعة ()40كم فاختر له ديزل وأحلم أن يلتفت إليه الجميع.
يسير بهذه السرعة ()40كم ،وإذا أردت ¦هل ثمة معايير فنية تحكم الجوائز في
له أن يسير بسرعة ( )400كم فاختر له العالم العربي؟ ما رأيك في جوائز البوكر
ديــزل يسير بسرعة ( )400كــم .ولجان وكتارا وغيرها من الجوائز العربية؟
التحكيم هي الديزل في كل لجنة ،فقولي
ρ ρبالطبع ثمة معايير تحكم أي جائزة،
لي كيف تختارين لجان تحكيمك أقول لك
لكن هل هــذه المعايير معلنة ،وهــل لو
ماذا تريدين من هذه الجائزة؟
أعلنت سنصدقها؟ أعتقد أن كل صانع
لجائزة يعرف أهدافه منها ،ومن يدفع ¦هـ ـن ــاك م ـق ــول ــة إن الـ ـك ــات ــب الـ ـع ــرب ــي ال
يستطيع أن يكتب سيرته الذاتية بشكل لزمار بحسب المثل اإلنجليزي يسمع ما
ص ــري ــح ،لـكـنــه ي ـســرب بـعـضــا م ــن سيرته يريد ،ومن ثم فصانع الجائزة وممولها أو
الــذات ـيــة ف ــي رواي ــات ــه ،فـهــل روايـ ــة نقطة
بعض من سيرتك الذاتية؟ نظام فيها ٌ
ρ ρكل عمل فني فيه جزء من سيرة صاحبه،
ألن المؤلف يستقي أفكاره من واقعه ،قد
يطورها أو يناقضها لكن الواقع موجود،
والواقع جزء من سيرة المرء وليس كيانا
متخيالً ،أما فيما يخص «نقطة نظام»
ففيها الكثير من واقعي وسيرتي الذاتية،
لكن كيف تعاملت مع هذا الواقع وتلك
السيرة؟ لقد دمجت الخيال بالواقع،
حتى ان القارئ يختلط عليه أيهما حدثٌ
واقعي وأيهما متخيل ،فأن نختار الحدث
الواقعي ونفنتزه (نجعله فنتازياً) فإنه
يصبح مثل لوحة رائعة ،لوحة نبعت من
الــواقــع ،لكنها أصبحت محملة بالكثير
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017 104
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
من الدالالت واإلشارات ،ومن ثم فمهمة
الكاتب هي تجريد الواقع وتحويله إلى
مثال يتفق مع كل زمان ومكان ،فتمتزج
السيرة بالتاريخي والواقعي والمتخيل،
ويصبح لدينا عمل فني باألساس ،ويكفي
أن أق ــول أن «نقطة نــظــام» هــي روايــة
عن أهــل قريتي ،لكن أهــل قريتي التي
سعيت لجعلها قرية تشبه في جمالها
وأسطوريتها قرية ماكوندو في مائة عام
من العزلة.
¦أع ــدت طباعة روايــة»حـمــامــة بـيـضــاء» ما
الذي أردت أن تكشفه في هذه الرواية؟
ρ ρحــمــامــة بــيــضــاء هــي روايـ ــة عــن عالقة
المثقف بالسلطة ،كتبتها في عام 2004م
نهاية التسعينيات على أشده ،بداية من ونشرت عام 2005م ،وحين قامت ثورة
الكتابة الواقعية ،مروراً بالكتابة الفنتازية يــنــايــر ..وج ــدت أنــه مــن الــضــروري أن
والساخرة وأدب الرعب وأدب الخيال نعيد من جديد ترسيم حــدود العالقة
العلمي ،وصــوالً إلــى الــروايــة الفلسفية بين المثقف والسلطة ،ومن ثم كان من
والتاريخية وغــيــرهــا .وص ــارت الكتابة الضروي إعــادة نشرها ،وتذكير الناس
لدينا احــتــراف ـاً ولــيــس هــوايــة ،وصرنا بذلك الدور التواطؤئ غير المقبول في
غرضا للمتابعة والترجمة أكثر عشرات زمن مبارك من قبل المثقف ،هذا الدور
الــمــرات عن األزمــنــة السابقة ،فالعالم الــذي يجب إلغاؤه ونحن نضع دستوراً
العربي لديه غنى مذهل فــي األسماء جديداً للبالد ،بكل ما تعنيه كلمة دستور
واألعمال ،مشكلته تكمن في فساد النخب من آفاق ورؤى ثقافية واسعة.
واالنحياز لما يستحق الوقوف إلى جانبه، ¦ما تقييمك للمشهد الروائي العربي؟
ورغم ذلك فهو ال يتوقف عن انتاج أعمال ρ ρكما يقولون :حين يتعطل السياسي فال
إبداعية وأسماء حقيقية سرعان ما تأخذ بد أن يتقدم الروائي .ونحن لدينا أزمة
طريقها نحو المقدمة. سياسية كبرى منذ سنوات ،أزمة حاولنا
وفــي ظني أن المشهد الــعــربــي واحــد حلها بالربيع الــعــربــي ..لكننا وصلنا
م ــن أغــنــى الــمــشــاهــد اإلب ــداع ــي ــة في مــن خاللها إلــى نفق مــســدود ،ومــن ثم
الــعــالــم ،يكفيه تــعــدده بحسب بلدانه، فالسياسي الذي عمل أثناء الربيع العربي
حتى البلدان التي كنا نظن أن العوامل توقف ،ومن ثم ايضاً فالروائي يعمل منذ
105 اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
ثم فعلى العرب أن ينتجوا حلولهم ،وفي الجغرافية تــحــول بينها وبــيــن متابعة
ظني أننا يمكننا أن نعمل على تفعيل ومواكبة ما يصدر ،صــارت بفضل ثورة
الــمــراكــز الثقافية الــتــي تتماس معنا، االتصاالت الحديثة في مقدمة البلدان
ثقافيا وفكريا ووجدانياً ،وهذه المراكز األكثر قدرة على المتابعة وعلى النشر،
هي أسبانيا واليونان ،يمكننا أن نخلق دور ويكفي ما حدث في المشهد السعودي
نشر مشتركة في هذين المركزين ،وبدال ال ــذي لــم نكن نــعــرف منه غير أسماء
من دعــم المساجد نقوم بدعم التبادل قليلة في مقدمتها عبد الرحمن منيف،
الثقافي ،يمكننا أن نعبر إلى أوربــا من ثم على فترات متباعدة عبده خال ،لكن
خالل اليونان واألندلس ،وليس من خالل المشهد اتسع وتعدد وصرنا نقرأ ليحيى
فرنسا أو إنجلترا .أدب أمريكا الالتينية أمقاسم ويوسف المحيميد وعبدالحفيظ
كله عبر من خــال اسبانيا والبرتغال، الشمري وعبداهلل التعزي وغيرهم ،هذا
وليس من خالل االنجليزية أو الفرنسية، المشهد تحتله اآلن أسماء نسائية على
ه ــؤالء ينظرون إلينا بمنطق التعالي، نفس القدر من أسماء الرجال ،ولديهن
وفــي أعلى التجليات يدرسوننا بمنطق مغر بالقراءة ،في مقدمتهن رجاء إبداع ٍ
االستشراق وليس األنداد .وحينها يمكن عــالــم ومــهــا الــفــيــصــل وحــلــيــمــة مظفر
للعرب أن يصلوا إلــى مختلف الجوائز وليلى الجهني وأميمة الخميس وبدرية
العالمية ســواء نوبل أو المان بوكر أو البشر وغيرهن ،ويكفي السعي الدائم
الجونكور الفرنسية ،وفقا لصيغة كل للمترجمين على مالحقة كل ما يصدر
جائزة. مــن األدب الــســعــودي اآلن ،وإن كانت
الترجمة أيضا لها معاييرها وأغراضها¦ .كنت تعمل رئيسا لتحرير مجلة الثقافة
الجديدة المصرية ،هل تؤدي الصحافة ¦ما الذي يمكن أن يحقق للرواية العربية
الثقافية فــي الـعــالــم الـعــربــي مــا ينتظر عالميتها؟
منها من حراك ثقافي؟ ρ ρالــروايــة العربية أو األدب العربي في
ρ ρالصحافة الثقافية تجاهد اآلن وسط مجمله لدية أزمــة حقيقية وهــي اللغة،
محيط معاد من التسطيح وعدم المعرفة، فاللغة العربية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً
تجاهد وســط بلبلة بــرامــج الــتــوك شو بفكر االسالم ،وهي عنوان رئيس عليه،
ووسائط التواصل االجتماعي ،والشعور والغرب لديه عداء مع اإلسالم ،ولن يقبل
العارم لدى الجميع أنه مفكر وأنه على بظهور اللغة العربية ،ومــن ثم فكل من
صواب ،وال أحد يسمع إال لمن يؤكد على يقولون بأن أدونيس سيحصل على نوبل
صوابه ،ومن ثم فكل المجالت الثقافية واهمون ،الغرب لم يمنح نوبل للشعر منذ
في العالم العربي تؤدي دورها ورسالتها، سنوات ،فهل إذا منحها لشاعر سيكون
لكن العطل في وسائل التوصيل ،وهو من األمة العربية وباللغة العربية ،أعتقد
ما يجعل الــدور الثقافي لهذه المجالت أن ذلــك مستحيل ،ألن الشعر العربي
شبه منعدم ،ربما المشكلة الحقيقية ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالمسألة اإلسالمية،
فــي األنظمة السياسية التي ال ترغب وهو أعلى تجل للثقافة اإلسالمية ،ومن
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017 106
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
في سماع صــوت المثقف ،وال تريد أن
ترى من يفكر خالفها ،من ثم درجت منذ
عقود طويلة على تهميش المثقف وعزله
فــي كميونات صــغــيــرة ،ليحيى ويموت
كمن ينادي في مالطة ،ال أحد يسمع به
وال أحد ينتبه إليه ،وهذا حال مجالتنا
الثقافية ،تعمل ما عليها وال تحرك في
الواقع شيئا.
¦«صـنــاعــة الـنـجــم» واح ــدة مــن المفاهيم
الـتــي عرفها الـعــالــم ،فهل يجيد العالم
العربي صناعة النجم؟ ومــا دور الناشر
في دعم المؤلف؟
ρ ρأعتقد أن جــوائــز البوكر وزاي ــد وكتارا
وغيرها بكل ما تقدمه من عائد مالي،
ضدها بــاألســاس ،فهذه الكتابات هي وم ــا لــديــهــا مــن مــنــصــات إعـــام تجيد
التي تجذب الجمهور إلى عالم الثقافة، صــنــاعــة الــنــجــم ،وه ــي أشــبــه مــا يكون
ببرامج أرب أيدول أو ذافويس وغيرها،
تجند طالب الجامعات والمدارس إلى
مشكلتها الوحيدة أنها من فرط بحثها عن
عالم القراءة وربما الكتابة ،لكنها ليست نجوم جدد ال تحترم النجم الذي تصنعه،
كــل األدب ،وال ــق ــارئ بــعــد فــتــرة يشعر وســرعــان ما تهيل عليه أكــوام النسيان
بهشاشتها فننتقل إلــى مراحل أصعب بمجرد خروجه من على مسرحها ،وكأنها
وأعــقــد فــي الـــقـــراءة ،والــبــســت سيلر تستعمله للمرة الــواحــدة وتلقي به إلى
كنوع من الكتابة ليس جديداً ،فقد كان مجاهل النسيان ،هي تربح من ورائه أكثر
موجوداً في الستينيات لدى إحسان عبد مما يربح هو ،وتستمر ماكينتها في البحث
عن آخرين لتنجيمهم وقتلهم أيضا ،ولنا
القدوس وغيره ،وكــان في السبعينيات
أن نتخيل أن أيا ممن فازوا بهذه الجوائز
والــثــمــانــيــنــيــات م ــوج ــوداً مــع مصطفى لم يستطع الظهور من جديد ،وربما شعر
مــحــمــود وأنــيــس مــنــصــور ونـ ــزار قباني أنــه خــرج من التاريخ إلــى األبــد ،وربما
وفاروق جويدة وغيرهم ،وفي التسعينيات يعاني بعضهم اآلن الرغبة في العودة إلى
واأللفينيات مع كتابات أحمد خالد توفيق المشهد ،لكن الماكينة الجبارة ال تحبذ
وأحمد مــراد ورجــاء الصانع وغيرهم، األسماء المستعملة.
وهو أدب له مواصفات خاصة ،أبرزها ¦م ــا رأيـ ـ ــك ف ــي ظ ــاه ــرة ال ـب ـي ـســت سـيـلـلــر
الحبكة البوليسة واللغة البسيطة وعدم (الكتاب األكثر مبيعاً)؟
العمق الفكري. ρ ρالبيست سيلر هي رزق الناشر ،وأنا لست
107 اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
أ.د .نايف بن صالح
المعيقل
شــاب جوفي طموح ،ولــد عــام 1375هـ ـ في مدينة سكاكا حاضرة الجوف ..بــدأ مشواره
العلمي في مدارسها وحصل منها على الثانوية العامة القسم العلمي ،انتقل بعدها إلى
الرياض العاصمة ليواصل دراسته الجامعية في جامعة الملك سعود ،التي حصل منها
على درجة البكالوريوس في العلوم والتربية تخصص كيمياء -كلية التربية عام 1399هـ.
شق حياته العملية معلمًا لمادة الكيمياء في ثانوية سافر إلــى الــواليــات المتحدة األمريكية ونال
سكاكا ومعهد المعلمين عام 1406هـ فمحاضرا بقسم درجــة الماجستير في العلوم /كيمياء عضوية من
الكيمياء بكلية المعلمين بالجوف (1415-1406هـــ) كلية العلوم والهندسة من جامعة «بريجبورت» بوالية
التي تدرج فيها حتى أصبح عميدا لها للفترة (-1420 كنتكت عام 1406هـــ ..عاد بعدها إلى أرض الوطن
1428ه ـــ) ،فعميدا لكلية التربية بجامعة الجوف، لينال درجة الدكتوراه في فلسفة الكيمياء -كيمياء
فمنسقا لكلية الصيدلة إلى أن أصبح وكيال للجامعة عضوية (بوليمرات) من كلية العلوم -جامعة الملك
اعتبارا من 1434/6/5هـ وأمينا لمجلسها.. سعود بالرياض عام 1420هـ.
مؤلفاته:
-1كتاب (الغبار العالق والمتساقط على مدينة سكاكا).
-2كتاب (مقدمة في مبادئ الكيمياء العامة).
-3له العديد من البحوث العلمية في الكيمياء ،منها:
-- Khalid Fandi, Nayef Al-Muaikel and Fouad Al-Momani.
"Antimicrobial activities of some thermophiles isolated from Jordan
& hot springs". International Journal of Chemical, Environmental
)Biological Sciences. Vol. 2, No. 1, pp. 57-60, (2014
-- Nayef S Al-muaikel. "New Synthetic Route to Copoly (Ester-
Thioester)s by Direct Polycondensation of Thio-Acids with Diols
of Cycloketones Derivatives". Open journal of Organic Polymer
Materials. Vol. 6, pp. 76-85, (2016).
-- Nayef S Al-muaikel. "Novel Polycarbonates via Phosgenation
of Unsaturated Diols". journal of Research Updates in Polymer
science. Vol. 5, pp. (2016).
-- Arafa Musa, Nayef S Al-muaikel, and Mohamed S Abdel-bakky.
"Phytochemical and Pharmacological Evaluations of Ethanolic
Extract of Bassia eriophora". Der Pharma Chemica. Vol. 8, No. 12,
pp. 169-178, (2016).
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017 108
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
الــســخــريــة مـــن كـــل شــــيء وأي في حياتهم ،ولكنها وسيلة تعبر عن
شيء ..ليست بالضرورة هي السمة مكنون صدورهم في مواقف معينة
للطبقات الشعبية ،فهم أيضا يجدّ ون قد تضر بهم إن هم أظهروها بوجهها
ومع ذلك ..فإن لكل مجتمع خصائصه واقع مقبول ،أو الحيلولة دون
لتحويله إلى ٍ
التي يحاول المحافظة عليها ،وال يقوم الوقوع في مضرة من هذا الواقع.
وقـــد تــنــاولــت الـــدرامـــا التلفزيونية بهذه المهمة سوى هذه الطبقة الشعبية
والسينمائية هذا الموروث بشكل كبير ،التي تتأخر دائما في متابعة التطور العلمي
وعبرت عنه ،متخذة من األمثال الشعبية والتكنولوجي ،وبذلك تظل فترات طويلة
موردًا هامًا في تلك اللغة الشعبية العامية تعيش على موروثها اللفظي والحكائي
المقربة إلى القلوب ،لتوصيل معنى ،أو الساخر منه والجاد.
فما أكثر المبكيات المضحكات التي سرد قضية تمس المجتمع ،ومن أهمها
تلك األف ــام التي أث ــارت الــجــدل كثيرًا يتندر بها الشعب؛ ألنه ال يملك حق الغضب
مثل (حين ميسرة ،وودكان شحاتة ،وهي والثورة إال في القليل النادر ،وبدفعة ممن
فوضى ،كلمني شكرًا وغيرها من األفالم نطلق عليهم طبقة المثقفين ..او أصحاب
التي تعالج قضايا المجتمع) ،متخذة من القيادة ،أو الخطباء المفوّهين.
السخرية من الواقع األليم قد تأتي في السخرية من الواقع هدفًا إليصال قضية
بينما تعالج الحارة قضاياها بموروثها حكاية ،ولعل نوادر جحا تُعد مثاالً للموروث
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017 110
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
الشعبي الساخر على مر العصور ،يليه ســواء منها اجتماعية أو اقتصادية أو
في ذلــك األمثال الشعبية التي تتناقلها ثقافية ،وأصبح لكل قسم كُتابه الساخرون
األلــســنــة ،وتتبعها مصمصة الشفاه أو من تلك المنظومة ،ولكن هــذه الحداثة
حركات الوجه المعبرة عنها( ،اللي يقولْها لم تغفل الموروث السابق ،بل طورته بما
جوزْها يا عورة ،يلعبوا بيها الكورة)( ،يا يتناسب ووقتها الحالي ومجريات أحداثه
قالبة سحنتك يا مــزودة محنتك) ..و(يا وسرعتها.
عاوجه بوزك يا مطفشه جوزك)( ،ومسكو
ولــكــن أيــن دور الــدولــة والمؤسسات
القط مفتاح الــكــرار)( ،احييني النهاردة
الثقافية من هذا الموروث الشعبي الذي
وموتني بكرة)( ،حداية من الجبل تطرد
أصحاب الوطن) ..امثلة لها عمق وبعد ال يندثر مع األيــام وسرعة األحــداث ،بل
اجتماعي ،بل وعمق سياسي ،فهي تتطرق هو مناسب لكل وقــت وزمــن في إضفاء
واع ثقافيًا الشرعية المؤسسية لهذا الموروث الذي
محلل ٍ
ٍ لمواضيع عدة تحتاج إلى
ال يقف فقط عند السخرية ،بل يتعداها بهذا الموروث الكبير.
إلى فنون كثيرة ..منها الموروث الشعبي
إنها فئة ال تملك أدوات تعينها على
المواجهة ،إنما تهرب إلى السخرية كنوع فــي فــن الــمــوال ،وفــن الــغــنــاء والتمثيل
مــن التعبير ،السخرية مــن الــواقــع ،من والمسرح واالنشاد الديني وغيرها ..كما
اإلعالم ،من الساسة ،من الحكومات ،ومن اشار لذلك د /صالح الــراوي في كتابه
فلسفة الــوعــي الشعبي -دراســـات في ذاتها.
الثقافة الشعبية ..متناوال فيها مدى عمق
ويلعب اإلع ــام الــمــوازي -الموبايل
واإلنــتــرنــت لعبة كبيرة جــدا فــي إيصال الــمــوروث الشعبي المسمى الفولكلور،
هــذا ال ــم ــوروث ،والــتــفــاعــل معه بطريق ومــدى التهاون في تناول هــذا الموروث
مباشر أو غير مباشر ،بل واإلضافة عليه من قبل المحللين أو المهتمين بهذا الفن
وتحديثه كفنّ الكاريكاتير ،أو الفوتوشوب ،الشعبي ،وخاصة منه ما يتناول السخرية
او التعبير اللفظي .وأصبحت السخرية كمفهوم للخروج من أزمات معينة ال يتمكن
ملتصقة بشكل كبير بكل مجاالت الحياة ،الفرد من مواجهتها.
* كاتبة من مصر.
يظن بعض المعمرين ..أن الشيخوخة ضعف ووهن وكسل وزهد في الحياة ،أو
هي رحلة طالت أكثر مما ينبغي أو أكثر مما توقعوا لها ،أو هي محطة وقفوا على
رصيفها طويال ينتظرون القطار الذي سيقلهم إلى نهاية المطاف ،إال أن القطار
تأخر أكثر مما يجب ،أو لعله وصل وم ّر بهم دون أن يتوقف عندهم ألمر ما ،فطال
االنتظار بهم ،ومــع االنتظار الطويل انتابهم الملل ،وتمنوا لو أنهم لحقوا به،
ليخلصهم مما هم فيه من تداعيات الغربة النفسية ،والوحشة المكانية ،حيث
رحل أكثر األصحاب وجل األتراب ،ولم يبق لهم إال النكوص إلى النفس واجترار
مرارة ذكراهم.
وانشد «لبيد» بهذا الخصوص بعدما ذه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب ال ـ ـ ـ ـ ــذي ـ ـ ـ ـ ــن أحـ ـ ـبـ ـ ـه ـ ــم
وب ـ ـ ـق ـ ـ ـيـ ـ ــت ك ـ ــالـ ـ ـسـ ـ ـي ـ ــف فـ ـ ـ ــردا أســن واكــتــهــل ،واص ـ ًفــا حالته بــمــرارة
وضجر:
وقــد عبر عن هــذه الحالة خير
ذهب الذين يعاش في أكنافهم
تــعــبــيــر أحـ ــد حــكــمــاء ال ــع ــرب في
خلق كجلد األجرب الجاهلية واإلسالم ،أال وهو الشاعر
وبقيت في ٍ
ويقول «معد بن يكرب» ،بعدما كبر الفيلسوف «زهير بن أبي سلمى»،
حين قال: وطاف به الهرم:
«إنكم عرفتم نذر أبي عقيل ،وما وكد في بالقران الكريم تبحرًا وتالوة ،لدرجة أنه لم
ينظم الشعر إال قليال. نفسه ،فأعينوا أخاكم».
ولما سألوا لبيدًا ما أحــدث من الشعر وبعث إليه بمائة ناقة ،وحذا حذوه جم ٌع
مــن الــنــاس ،فقضى ن ــذره ،وطــابــت نفسه ،في اإلسالم ،انطلق فكتب سورة البقرة في
صحيفة ،وقال: وكتب إليه الوليد ،قائال:
«أبــدلــنــي اهلل ه ــذه فــي اإلسـ ــام مكان أرى ال ـ ـ ـجـ ـ ــزار يـ ـشـ ـح ــذ ش ـف ــرت ـي ــه
إذا ه ـ ـ ـبـ ـ ــت ري ـ ـ ـ ـ ـ ــاح أب ـ ـ ـ ـ ــي ع ـق ـي ــل الشعر ،ومعها «آل عمران»
ومضى ال ــرواة ينقلون انــه لم ينظم في أغ ـ ـ ـ ــر ال ـ ـ ــوج ـ ـ ــه أب ـ ـ ـيـ ـ ــض ع ـ ــام ـ ــري
ط ــوي ــل الـ ـب ــاع كــال ـس ـيــف الـصـقـيــل اإلسالم إال بيتا واحدًا ..ويختلفون فيه ،فمن
قائل هو قوله:
فلما أتــاه الشعر قال البنته أجيبه ،لقد
آليت على نفسي أن ال أقرض الشعر منذ أن م ــا عــابــت ال ـم ــرء الـلـبـيــب كنفسه
والمرء يصلحه الجليس الصالح شرح اهلل قلبي بنور اإليمان ،إال بما يرضي
ويقال ،بل قوله: ربي سبحانه وتعالى ،فردت الفتاة على شعر
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017 114
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
أســـوق قــصــة لبيد هـــذه ،كــأمــثــولــة لما
ال ـح ـم ــد هلل إذ لـ ــم ي ــأت ـن ــي أج ـلــي
حـتــى لبست مــن اإلس ــام ســربــاال تحتويه رحلة حياته الطويلة العريضة من
موعظة وعبرة ،تصلح أن تكون بمثابة تذكرة
ويقال إنه قوله:
للعاقل وتوعية للغافل ..وكأن الحياة برمتها
ما هي إال طرفة عين أو هنيهة من نهار أو وك ـ ــل امـ ـ ــرئ ي ــوم ــا س ـي ـع ـلــم سـعـيــه
إذا كُ شفت عند اإللــه المحاصيد دون ذلك ،ومضت لبرهة من زمن ،ثم توارت
جذوتها متوغلة في غسق العدم أو النسيان.. بل قوله:
ألم يقل «أبو هالل العسكري» يوما ،لما وم ـ ــا ال ـ ـمـ ــال والـ ـبـ ـن ــون إال ودائ ـ ــع
وال ب ـ ــد يـ ــومـ ــا أن ت ـ ـ ــرد ال ـ ــودائ ـ ــع بلغ مرحلة متقدمة من العمر:
وقيل إن السيدة «عائشة» أم المؤمنين ،ل ـ ـ ـ ــي خ ـ ـ ـمـ ـ ــس وث ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ــون سـ ـن ــة
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــإذا ق ـ ـ ــدرتـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا كـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ــت سـ ـن ــة رضي اهلل عنها ،عندما تناهى لسمعها بيت
إن ع ـ ـمـ ــر الـ ـ ـ ـم ـ ـ ــرء م ـ ـ ــا ق ـ ـ ــد سـ ــره لبيد الذي يقول فيه:
لـ ـي ــس عـ ـم ــر الـ ـ ـم ـ ــرء ك ـ ــر األزم ـ ـنـ ــة ذه ــب ال ــذي ــن ي ـعــاش ف ــي أكـنــافـهــم
هــذه باختصار حكاية العمر ومراحله وبـقـيــت ف ــي خ ـلــق كـجـلــد األج ــرب
المختلفة التي عبر عنها الشاعر لبيد نفسه أردفت معلقة:
بقوله:
كيف لو أدرك زماننا هذا؟؟.
ك ــل ابـ ــن آدم وان ط ــال ــت ســامـتــه
وروى «أبــو هريرة عن النبي صلى اهلل
ي ــومً ــا ،ع ـلــى آل ــة ح ــدب ــاء مـحـمــول
عليه وسلم ،قوله:
رحم اهلل لبيد حكيم العرب ،وكل المؤمنين
والمؤمنات من عهد آدم إلى يوم الدين. اصدق كلمة قالها شاعر ،كلمة لبيد:
في فيلم «الــريــح ســوف تحملنا» للمخرج اإليــرانــي الكبير عباس كيارستمي،
هنالك شخصيات نسمعها تتحدث مع البطل ،دون أن تذهب الكاميرا إلى هذه
الشخصيات مطلقا ،نشاهد البطل يتحدث مع صديقه وهو يحلق ذقنه،صديقه
فــي الجهة المهملة مــن المشهد ،وكــذلــك ن ــراه يتحدث مــع رفيقه فــي السيارة
دون أن نشاهد هــذا الرفيق ،وهكذا تتكرر هــذه المشاهد عــدة مــرات في الفيلم،
وعندما سئل عباس كيارستمي عن هذا قال( :أفالمي تتقدم نحو نوع معين من
التقشف،االكتفاء بالحد األدنــى ،أما العناصر التي يمكن حذفها وإزالتها فقد
حذفت وأزيلت»..
المخرج كيارستمي استشهد بلوحات المخرج فعليه أن يقرر ما سيحذفه من
الفنان «رمــبــرانــت» وتوظيفه للضوء ،فيلمه» .روبيربريسون ال يضع أي شيء
رمبرانت كان يركز االنتباه على بعض دون اســتــخــدام؛ بــل يــذهــب ألبــعــد من
العناصر ملقيا ضوءا قويا عليها ،بينما ذلك ،وكثيراً ما يترك الحرية للمشاهد
يضفي قتامة على عناصر أخــرى ،أو لفهم ما يحدث خــارج إطــار الكاميرا.
حتى يدفعها نحو الظلمة ،وهو أيضا لــذا كثيراً ما نشاهد لقطات لأليدي
يستشهد بمنهج روبير بريسون الخلق واألقدام وأيدي األبواب ،وأجزاء أخرى
من خالل الحذف ال اإلضافة «الرسام مــن أجــســام بينما يــقــوم المخرجون
عليه أن يقرر ما سيضع في لوحته؛ أما اآلخرون بعرضهابحجمها الكامل.
وهنا تحضرني كلمة للفيلسوف والكاتب طريقة كيارستمي مع ضــرورة اإلشــارة إلى
األمريكي هنري دافيد ثــورو المتوفى سنة استثناءات بسيطة في هذا المجال.
فليس المقصود هنا الدعوة إلى روايات 1862م وهــي كلمة قد تختصر فكرة هذا
المقال تماما ..يقول( :بسط ..فبقدر ما قصيرة قياسا بعدد الصفحات أبدا ،فهناك
يمكن الحذف مما هو جسدي وملموس بقدر الكثير من األعمال الروائية ذات العدد الكبير
ما يستطيع الجمهور اإلسهام أكثر في عملية من الصفحات ،بل وأحيانا األجزاء ..لكن ال
يمكن وصفها مطلقا بالترهل فيما يمكن أن التخيل)
السؤال هنا :هل تستطيع الرواية المحلية نطالع روايات مترهلة ال تزيد صفحاتها عن
أن تصل لهذا المنحى ،يبدو لي أن اإلشكالية المائة صفحة ،المسألة إذا ال تتعلق بالحجم
تكمن في القارئ للرواية مثل ما تكمن في بقدر ما تتعلق بما يمكن حذفه ،أو بما يضاف
كاتب الــروايــة ،فهناك تصور نمطي لدى لمجرد زيادة حجم العمل الروائي فقط.
ورغم أن بعض تلك الروايات المترهلة قد الــروائــي ولــدى الــقــارئ ولــدى بعض النقاد
أيضا بأن الرواية السمينة والمترهلة هي تعجب الجماهير ،إال أنها في هذه الحالة
ال تخدم الفن كما هو األمر تماما في حالة دليل قدرة الروائي وبراعته.
ول ــه ــذا نــطــالــع الــكــثــيــر م ــن ال ــرواي ــات السينما ،فالجماهيرية المكرسة هي ألفالم
المشغولة بالحكي الزائد والوصف الزائد سطحية وباردة ال تشبه فيلم « الريح سوف
والكثير الكثير مما يمكن حذفه وإزالته على تحملنا « الذي تحدثت عنه في بداية المقال.
* كاتب وقاص من السعودية.
المعارف مبثوثةً في ثنايا الكتب؛ َورَقِ يِّها ورقْ ِميِّها ،مبسوطة على وجه ُ لَمَّ ا كانت
البسيطة؛ شَ رْقِ يِّها وغَ ربيِّها ،تنازع الكتاب الورقي والكتاب الرقمي ِحكْ َم َة الرّزانة،
وحـظــو َة المكانة ،فكشف كــلٌّ منهما لصاحبِ ه ،ما خَ ـ ِـفــيَ عنه من معايِ بِ ه ،ناسب ًا ُ
فضيلة السبق إليه ،مُ دّ عيا أ ّال مُ عَوَّ لَ إال عليه.
قال الكتاب الرقمي:
أضعاف ما أنت لي به مَدين ،أرفُ لُ في حضرة ُجالّسي من ُ َلد ََّي ِمن المؤيدين،
وأكشف في سرعة ُ الصباحات إلى األماسي ،كيف ال وأنا ُأوَفّ رُ المعلومة بِ ضغطة زِ رّ،
السرّ .أختصر األوقات ،و ُأبَدِّ ُد المسافات .ملمسي أليف ،وظلّي خفيف، البرق ِسرَّ ّ
لِ ـ َمــنْ أراد األخــذ مــن كــل علم بِ لَفيف ،جــامــعٌ مــا تناثر فــي بطون الـخــزائــن ،ذائــع
يد المنال بهما قريب. وصبيب ،كُ لُّ بَعِ ِ
يت في أقصى األماكن ،عُ دّ تي شاشةٌ َ الص ِ
ِّ
َصــ ٌل وأنــي فَــرْع ،نعم ،أنا شاشتي رمــز الوَسامة ،والــفــأرةُ بي تَدَّ عي أ ّنــكَ أ ْ
األصـ ــل ،بشفيف ْ مُسْ تهامة ،أني ُق المَظهر ،يا وجهاً أغْ بَر! الــف ـ ْر ُع ال ــذي حــجَ ــبَ
َّصل. َزيف الن ْ ضوئي الم ٌع أصيل ،ال يخشى الظال َم في المحبة ال ِبن ِ
في بحري ،السباحة آمنة من غبار خفوت القنديل ،أسْ َم ُح بالتعديل ِلمَن عَ نَّ
ل ُه بديل ،سَ ْه ُل التحميل ،ال سُ لَّ َم بي يميل ،يُذْكي فتي َل القلق ،يا كتاباً ُكتِبَ عليه
وال يَ َد تتب َّرأ ُ من لَمْسي بِمِ نْديل .قُل لي يا ال َغرَق ،في أَتُونِ ال َورَق ،من عولمة عصره
ّص من أجزائكَ ما ِسل ْ َع ًة في الرفوف بائرةَ ،ك ْم تكل ُف ُة نقلكَ َمرَق ،كم م ّر ًة باع الل ّ
سَ رَق؟ طبَعاتك الحجر ّي ُة ُمتَحَ جِّ رَة ،ناءتْ على َمتْنِ طائرة؟
نفوس ُمت ََضجِّ رة ،ومما يدخُ ُل في
ٌ تاريخي صن ْعتُه بنفسي ،ال أفــخَ ـ ُر بِحَ ْملِها
بالماضي وال أجْ َع ُل يومي تابعا ألمْسي ،حُ كْمِ النادرة ،أن نُسَ خَ ك القديمة نادرة،
أنتَ رقميٌّ ،نبْتٌ بال ِجذْر ،تسْ ُك ُن قبْراً مِ ْن قال الكتاب الورقي:
ِس للسؤال، حين مَجْ ل ٌ
أنــا الــكــتــاب ،أصــي ـ ُل الــــذّات ،فــي ش ـ ْه ـ َو ِة أسْ الك ،يُقا ُم لكَ في ُك ِّل ٍ
البياض ،حَ ـرَّى تنْسابُ على خَ ِّد ال ـ َورَق ،في على مقاس ال ِّز ِّر ونيَّةِ دماغ الفأرة ،تقذِ فُكَ بال
الضالل.
رحمة في سَ لَّةِ َّ الحبْر ،بها لسا ُن اليَراعِ نَطَ قْ.شَ ْهقَةِ ِ
«الفيروس» وراءَك،
ُ يا غري َق «النِّتّ » ،تَ َذ َّكرْ: حُ رٌّ حبيبُ القلوب ،أَجْ ري على األيادي مثْ َل
الجود ،أ ُ َق َّب ُل ِبلِسان الجَ هْر ،بوشوشةِ الهمْس ،وزائ ـ ُر «الـ ِّنــتّ » أمامَك ،وليس لكَ إال طاع ُة
الصبيب،
أ ُ َقلَّبُ ِبيَدِ الحنانِ على جناحِ اللَّمْس ،في رحل َةِ الفأْرة ،وحــرارةُ األســاك ،ودُعــاءُ َّ
وأحَ ُّر التَّعازي! َّهة عن ال َعرَق.
حُ بٍّ ُمنَز ٍ
* كاتب من المغرب.
ففي الديانة اليهودية (العهد القديم)، »Cardiffفــي أح ــد مــؤلــفــاتــه عــن الــمــرأة
ثــم مــن بعدها الديانة النصرانية (العهد والحجاب في بــاد اليونان القديمة( )٥أن
الجديد) ..وخاصة المذهب البروتوستانتي المرأة اليونانية في العصور قبل الكالسيكية
منها ،والــذي بُني في أساسه على الكثير والعصور الكالسيكية كانت تخرج من بيتها
من تعاليم العهد القديم (الديانة اليهودية)، في كامل حجابها ،حيث أوضح أن الحجاب
جاءت العديد من تلك التعاليم في اإلنجيل فــي ذلــك الــوقــت كــان أحــد الـــدالالت على
خاصة بالمرأة ،والتي كان بعضها يحتوي رقي الطبقة االجتماعية التي تنتمي إليها
على ما يتعلق بمظهر المرأة الذي يجب أن من ترتديه .وأضــاف أن المرأة في غالبية
تلتزم بارتدائه على النحو التالي: المجتمعات اليونانية بوجه عام وليس أثينا
وحدها ،كانت ترتدي الحجاب بشكل روتيني
فيما يتعلق بمظهر المرأة بوجه عام يومي على األقل في األماكن العامة ..وأمام
الفقرة ( )9 :2من الرسائل الكهنوتية الغرباء من الرجال .هكذا استمر حال المرأة
للقديس بــولــس -أحــد أهــم ق ــادة الجيل الحرة في شأن ارتدائها الزي المحتشم في
النصراني األول ،ويعد ثاني أهم شخصية المجتمعات الوثنية على هذا النحو ،في بالد
تاريخية في النصرانية بعد السيد المسيح كانت تمثل منارة وعاصمة الثقافة في العالم
نقل عن تعاليمعليه السالم -والتي هي ً القديم في حينها.
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017 122
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
جاء لتأكيد وحدانية اهلل تعالى ونبذ ما هو نصا «ينبغي أن تزينالمسيح ..ذكــر فيها ً
شرك باهلل تعالى .وجاءتٍ خالف ذلك من النساء أنفسهن بمالبس تتصف باالحتشام
تشريعاته لتنقية السلوك البشري من كل ما وال ــوق ــار والــتــواضــع ،وال ينبغي الظهور
هو سلبي ،والتأكيد على كل ما هو إيجابي.. بتسريحات شعر أو ارتداء الذهب أو اللؤلؤ
واستكمال النواقص فيما سبقه .وفيما يتعلق أو المالبس الباهظة الثمن.)٦(».
بالمرأة المسلمة ،احتوت الشريعة اإلسالمية
الفقرة ( )5 :22في سفر التثنية( ،)٧ورد
على الكثير من التشريعات التي تتناول كافة
ـصــا «ينبغي على الــمــرأة أال ترتدي
بها نـ ً
مناحي الحياة الخاصة بها ،بما في ذلك
مالبس الــرجــال ،وكذلك ال يرتدي الرجل
حقوق المرأة التي يجب أن تحصل عليها،
مالبس النساء».
وأيضا الواجبات التي يجب عليها القيام بها.
ً
وفيما يتعلق بالنساء بوجه عام ،وكذلك
وفيما يتعلق بالزى الواجب على المرأة
الراهبات وغيرهن من النساء الالتي يعملن
المسلمة ارتــــداؤه ،فقد ألــزمــت الشريعة
نص يُلزم كل امرأة تصلي
بالوعظ ،فقد صيغ ٌّ
اإلسالمية النساء بارتداء الــزي المحتشم
أو تقوم بالوعظ بتغطية رأسها( ،)٨ولذا نرى
(الحجاب) الذي يستر الرأس والجسد دون
راهبات الكنائس كافة في الشرق والغرب
تــبــرج ،قــال تعالى« :وال يبدين زينتهن إال
حتى يومنا هذا يرتدين غطاء الرأس والزي
لبعولتهن أو أبناء بعولتهن أو آباء بعولتهن
المحتشم.
أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو
بني إخوانهن ..اآلية)(.».سورة النور :آية )31 الفقرة ( )6-3 :3مــن رســائــل القديس
مع االلتزام بالسلوك العفيف الذي يحفظ بطرس( )٩أوضحت تلك الفقرة أنه «ينبغي
للمرأة شخصها وكرامتها وإنسانيتها. على المرأة أن تهتم بالجمال الداخلي النابع
من هــدوء روحها وسكون نفسها أكثر من
مما سبق ســرده من تتبع لقضية
تجميل مظهرها الخارجي ،كما يجب على
حجاب المرأة في حضارات وأزمنة مختلفة
الــمــرأة إظــهــار االحــتــرام والطاعة بــارتــداء
عبر العصور قديمًا وحديثًا حتى اللحظة،
غطاء الرأس أثناء أداء الصلوات في األماكن
نستطيع القول إن المرأة الحرة عبر العصور
العامة وتكريس نفسها لزوجها كما فعلت
المختلفة ك ــان حــتـ ًمــا عليها الــظــهــور في
السيدة سارة زوجة سيدنا إبراهيم» .هكذا
المجتمعات والمناسبات واألماكن العامة،
عالجت الكتب المقدسة للديانتين اليهودية
وهي مرتدية حجاب الرأس والجسد الذي
والنصرانية -و المعمول بها حتى اللحظة-
يعطي دالالت مختلفة ،كداللة على انتمائها
وأيضا مؤشرًا هامًا
ً لطبقة اجتماعية راقية، قضية ارتداء المرأة لحجاب الرأس والجسد.
ثم جــاء اإلســام الحنيف؛ لينقي يميزها عن المرأة الغانية ،باإلضافة إلى
العقيدة ،ويردها إلى أصلها؛ وليمثل الكمال صون كرامتها وعفتها من خالل ما يُعبّر عنه
كما جــاءت به رســاالت السماء المقدسة .هذا الزي من انتمائها لرجل ما ،ومن هنا
123 اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
في المقام األول ضد اإلسالم والمسلمين، تصبح غير مباحة لآلخرين.
وبالتبعية ضد الحجاب كأحد رموز الديانة لقد حيرني كثيرًا ما كانت عليه ثقافة
اإلسالمية الخاص بالمرأة المسلمة .فقد الفكر الغربي في األزمنة البائدة فيما يتعلق
اتخذت الباحثة في رسالتها عينة من النساء بــزى الــمــرأة وحجابها -إن جــاز التعبير -
المسلمات في «تورونتو »Torontoبكندا وما آل إليه في اآلونــة األخيرة فيما يتعلق
للتعرف على حياتهن الشخصية كنساء بحجاب المرأة المسلمة .فهل ما يحدث اآلن
مسلمات يعشن في مجتمع غربي ،وطبيعة هو التحضر والحداثة بالفعل ،أم هو تقهقر
رؤيتهن الواقعية للحجاب ومــا يلقونه من وردة إلــى التخلف والتمييز غير المبرر!
قبول أو رفض في المجتمع الكندي جراء ها قد رأينا ما كــان يعنيه الــزى المحتشم
ذلك .وقد ورد في الكتاب أن «الجزء األخير للمرأة الحرة عبر العصور قديمًا وحديثًا،
منه يناقش خــبــرات ارتـــداء الحجاب في وحتى اللحظة في الكتب المقدسة للديانات
تورونتو ،ويبين أن النساء يواجهن تمييزًا السماوية جمعاء .فلماذا هذا التحول في
كبيرًا بسبب ما يرتدينه ،فالرؤية الشائعة الرؤية لحجاب المرأة المسلمة على وجه
لإلسالم أنه دين شرير يحض على العنف الخصوص ووصفها بالتخلف والرجعية!
وقهر النساء»( .)١١إذن هي النظرة المتطرفة
لــقــد تــنــاولــت الــعــديــد م ــن الــمــقــاالت
لــإســام والمسلمين ،وبالتبعية لحجاب
والمؤلفات قضية حجاب المرأة المسلمة من
المرأة المسلمة ،ويا لها من ازدواجية!
أبعاد مختلفة ،وكان أحد المؤلفات الهامة
لقد حيرتني كثيرًا هذه االزدواجية التي -مــن وجهة نظري -رســالــة أجــيــزت لنيل
يمارسها الغرب وسياسة الكيل بمكيالين في درجة الدكتوراه عن المرأة والحجاب ،قامت
تعامله مع قضية حجاب المرأة المسلمة، بها الباحثة «كاثرين بولوك»( )١٠والتي صدرت
ومن ورائه تعامله مع اإلسالم والمسلمين. عن المعهد العالمي للفكر اإلسالمي بلندن.
فجميعنا يــرى على سبيل المثال كيف أن وقد تحولت تلك الرسالة إلى كتاب بعنوان
راهــبــات الكنائس المختلفة في العالمين «نظرة الغرب إلى الحجاب :دراسة ميدانية
حد سواء -يتمتعن الشرقي والغربي -على ٍ موضوعية» ،حيث قامت مكتبة العبيكان
باالحترام والتبجيل والقداسة لما يوصفن به بالمملكة العربية السعودية بإصدار ترجمة
أيضا أن زي
من الطهر والعفة .وكلنا يعلم ً لهذا الكتاب في عام (1432هـ2011/م).
راهبات الكنائس يعتمد اعتمادًا أساساً على
لقد هدفتُ من وراء اإلشارة لهذا الكتاب
الحشمة وتغطية الرأس والجسد ،ومع هذا بعينه عــرض الدليل العملي لتلك النظرة
لم توصف الراهبات بالتخلف والرجعية ،ولم الظالمة السلبية التي أصبحت سائدة بين
توصف الديانة النصرانية بالتشدد والعنف الكثير مــن مواطني المجتمعات الغربية
واإلرهاب. عن حجاب المرأة المسلمة ،والتي أكدت
و بــالــرغــم مــن وج ــود بعض الجماعات رأي ــي الشخصي فــي أن تلك النظرة هي
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017 124
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
الحالي للكثير من االضطهاد والعنصرية المتطرفة فــي الــغــرب ،والــتــي تحمل زيفًا
بأشكالها المختلفة ،رغــم انخراطهم في شعار الديانة النصرانية وتدعي أنها تعمل
مجتمعات الغرب بشكل حيوي؟ فكيف لهؤالء وفق تعاليمها ،وهي تمارس على أرض الواقع
أن ينعموا بحياة آمنة وسط تلك االزدواجية! كافة أشكال العنصرية واالستبداد منذ زمن
إن اإلنسان إذا فقد األمن واالستقرار وتملكه بعيد ،برغم هذا لم توصم الديانة النصرانية
الخوف بات أقرب للهمجية منها للتحضر بالعنف والشر .تلك الجماعات التي مارست
والمدنية. إرهابها ليس فقط ضد اإلسالم والمسلمين،
وإنــمــا ضــد معتنقي الــديــانــة النصرانية
لقد استهل «وِ ل ديــورانــت» الباب األول
أنفسهم ،حيث تصنفهم وفق اللون والعرق.
مــن كتابه بفقرة أحببتها كثيرًا لقناعتي
فعلى سبيل المثال أحــد أهــم وأخطر تلك
بفلسفتها في توضيح أهمية شعور اإلنسان
الجماعات التي تأسست في خمسينيات
باالستقرار واألمان الداخلي ،وما يؤدي إليه
القرن الماضي في الغرب ،والتي تفرع منها
ذلك من حافز إيجابي يوفر البيئة اإلبداعية
عدد من الجماعات المتطرفة بعضها اندثر
التي هي أحد أعمدة االزدهــار الحضاري.
واآلخــر ما زال له أتباع في أنحاء متفرقة
فبعد تعريفه الــحــضــارة مــن وجــهــة نظره
من العالم الغربي هي جماعة « كو كلكس
بأنها «نظام اجتماعي يعين اإلنسان على
كــان « Ku Klux Klanوالتي تؤمن بتفوق
الزيادة من إنتاجه الثقافي» وتوضيح أهم
العنصر األبيض دون غيره .وقد مارست تلك
عناصرها ،أضاف «إن الحضارة تبدأ حيث
الجماعة أشكاالً مختلفة من العنف والتدمير
ينتهي االضطراب والقلق ،ألنه إذا ما أمِ َن
وحرق الكنائس واالعتداء بالقتل والعنف على
اإلنسان من الخوف ،تحررت في نفسه دوافع
مواطنين أبرياء .وفي الوقت الــذي تبرأت
التطلع وعوامل اإلبداع واإلنشاء ،وبعدئذ ال
منهم ومن أفعالهم كافة المجتمعات الغربية
تنفك الحوافز الطبيعية تستنهضه للمضيّ
والكنائس النصرانية للمذاهب المختلفة،
في طريقه إلى فهم الحياة وازهارها».
لم يوصم أتباع الديانة النصرانية بالعنف
وبــعــد م ــا مـــرت ب ــه الــبــشــريــة م ــن تتابع واإلرهـــاب والتخلف ،ولــم توصف الديانة
الحضارات المختلفة عبر العصور بأفكارها الــنــصــرانــيــة بــالــشــر واإلره ـ ــاب والتخلف.
وثقافاتها المتنوعة ،وبعد ما قفز النشاط فلماذا ال يكون هذا هو الحال مع اإلسالم
اإلنــســانــي نحو الــحــداثــة والتغيير والتطور والمسلمين! ولماذا بسبب بعض الجماعات
التكنولوجي والصناعي قفزات سريعة أوصلتنا المتطرفة التي اجتزأت بعض آيات القرآن
إلى ما نعيشه اآلن ،نفاجأ بهذه الردة الفكرية الــكــريــم وطــوعــتــهــا خــط ـ ًأ ألهــوائــهــا يوصم
المتخلفة التي تحارب بشدة حقوق اإلنسان، مسلمو العالم أجمع بالتخلف واإلره ــاب؟
وهــي في الوقت نفسه تدّعي أنها الراعية وبالتبعية توصم المرأة المسلمة بالرجعية
لها!!! فالكثير من مدعي حماية حقوق اإلنسان واستسالمها لالستبداد والقهر والعبودية!
في وقتنا الراهن نجدهم يدافعون عن المرأة بل وتتعرض األقليات المسلمة في وقتنا
125 اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017
حتى أصبحت عين الضمير المجتمعي المتحررة بحجة حماية حقوق المرأة كإنسان،
الغربي في اآلونــة األخيرة ال ترى إال تلك وبالتبعية حماية حقها في اختيار أسلوب الحياة
الــصــورة الــزائــفــة ،وبــاتــت مهمة المسلمين الذي ترتضيه بما في ذلك الزي الخاص بها،
فــي هــذا الــصــدد هــي الــدفــاع عــن أنفسهم بينما نجدهم في الوقت نفسه يحاربون من
والمداومة على إثبات تنصلهم من اإلرهاب ترتدي الحجاب ويتهمونها بالتخلف والرجعية،
أيضا ما
طيلة الــوقــت ،بل وتناسى هــؤالء ً ويستنكرون وينتزعون منها تمتعها بنفس الحق
تحتويه نصوص الديانات السماوية جميعًا في اختيارها أسلوب الحياة الــذي يالئمها
من التعاليم التي تؤكد أهمية واستمرارية أيضا التعاليم
كــامــرأة مسلمة ،بل وتناسوا ً
ارتداء المرأة لهذا الزي المحتشم الذي يعبر الدينية التي صيغت في دياناتهم والتي تطلب
عن رقيها وإنسانيتها ..وليس تعبيرًا عن من المرأة دومًا االحتشام والوقار في الشكل
تخلفها ورجعيتها .وعليه فإن سمو المبادئ والمضمون.
ال تكفي لبناء الحضارات الحقيقية ،ما لم إن متطرفي الــغــرب وملحديه نجحوا
عقول حرة تحكم وتسوس وتتربى وفقًا ً تُربِّ بالفعل في اختالق صــورة غير واقعية عن
لمبادئ الكمال ال مزاعم االكتمال. كون حجاب المرأة المسلمة رمزًا لقهرها،
* باحثة مصرية في التاريخ واآلثار.
( ) ١فرانسوا مارى أوريه François-Marie Arouetوشهرته «فولتير »Voltaireكاتب وفيلسوف فرنسي شهير
(1778-1694م).
( )٢ويليام جيمس ديورانت William James Durantكاتب ومؤرخ أمريكي ،من أشهر مؤلفاته كتاب «قصة
الحضارة « The Story of Civilization والذي شاركته زوجته أريل ديورانت في تأليفه.
(Morris, Jastrow, Jr. The Assyrian Low Code. Journal of the American Oriental Society, Vol. 41 (1921), )٣
.pp. 1-59. Available at: http://www.jstor.org/stable/593702
(.Plutarch, Moralia, trans. B. Perrin, Loeb Classical Library, London-Cambridge, Mass.1958 )٤
(J. L. Jones, Aphrodite’s Tortoise: The Veiled Woman of Ancient Greece. 2003; 2nd ed., Classical Press )٥
.of Wales.(paperback) 2010
( )٦الفقرة ( )9 :2من إنجيل تيموثي Timothyأحد أناجيل العهد الجديد بترجمة الملك جيمس المعتمدة
منذ عام (1611م) والتي تعتبر أحد أهم التراجم لإلنجيل حتى اآلن وكذلك بنفس المعنى في كافة
التراجم األخرى.
.www.biblegateway.com/versions/King-James-Version-KJV-Bible
الفقرة ( )5 :22من سفر التثنية (وهو الكتاب الخامس من اإلنجيل وفي الوقت نفسه أحد أهم مصادر ( )٧
العهد القديم (تعاليم اليهودية):
.www.biblegateway.com/passage/?search=Deuteronomy+22%3A5&version=KJV
الفقرة ( )6-5 :11من الرسائل الكهنوتية للقديس بولس في اإلنجيل الكورنثي أحد أناجيل العهد ( )٨
الجديد.
الفقرة ( )6-3 :3من الرسائل الكهنوتية للقديس بطرس في إنجيل بطرس أحد أناجيل العهد الجديد. ( )٩
البد من اإلشارة هنا إلى أن الباحثة «كاثرين بولوك» قد اعتنقت اإلسالم وارتدت الحجاب أثناء ( )١٠
إعدادها لتلك الرسالة.
بولوك ،كاثرين .نظرة الغرب إلى الحجاب :دراسة ميدانية موضوعية ،مجاهد ،شكري 2011( .م)، ( )١١
مكتبة العبيكان ،ص .145
صدر عن أدبي الجوف ديوان شعر اهتم المفكرون في العالم اإلسالمي بدراسة القيم
بعنوان «وتبوح الهوامش البيضاء» اإلسالمية في اإلسالم كأساس تقوم عليه التربية العربية،
صالح بن عبدالرحمن للدكتور ص الكثير من الدول على تبني القيم اإلنسانية،
وحَ رِ َ
الخميس ،وقد جاء في ( )162صفحة وتعزيز المهارات البشرية في أنظمتها التعليمية لتعزيز
المعرفة ،والمهارات ،والمواقف ،والقيم اإلنسانية
من القطع المتوسط .اشتمل على
الالزمة إلحداث تغيرات تُمكِّن األطفال والشباب من
الكثير من القصائد اإلبداعية واللوحات
تنمية كامل قدراتهم ،بما يؤهلهم للعيش والعمل بكرامة..
التشكيلية للفنانتين التشكيليتين مريم
والمشاركة الكاملة في التنمية ،وتحسين نوعية حياتهم،
الحسن ونجالء محمد الغفيلي.
واتخاذ قراراتهم عن تبصر ،واالستمرار في التعليم.
ومن قصائده :على نغماتها أبوح،
ويستعرض هذا الكتاب أهم األبعاد اإلنسانية في الفكر
عدسات من ذاكرة المرايا ،مقيمون
التربوي العربي المسلم ،والتطبيقات التربوية لألبعاد
على سفر ،مياسم ،بقايا مودعة ،أنين
اإلنسانية في وثيقة سياسة التعليم في المملكة العربية
تحت كبرياء الحب ،ويبقى أمل. السعودية.
وله بحوث منشورة ومؤلفات عدة.. وقد ارتأت هيئة النشر بمركز عبدالرحمن السديري
منها ديوان شعر بعنوان «كسور في الثقافي إصدار هذا الكتاب إلثراء الدراسات في هذا
جبيرة الصمت».. المجال التربوي المهم.
يــهــدف الــكــتــاب إلــى الــتــعــرف على واقــع الصيانة الدائمة ألدوات التعلم اإللكتروني
اســتــخــدام أدوات التعلم اإللــكــتــرونــي في (الدعم الفني ) ،وتوفير معمل لتدريس المادة
تدريس الرياضيات في المرحلة االبتدائية ،مجهزًا بأدوات التعلم اإللكتروني.
ومعوقاته وســبــل تطويره بمنطقة الــجــوف.
ويرى المؤلف أهمية االستمرار في تشجيع
ومــدى استخدام طــرق تدريس الرياضيات
الــدراســات والبحوث التي تتناول استخدام
ذات العالقة بالتعلم اإللكتروني.
التعلم اإللكتروني في تدريس مادة الرياضيات
وتأتي أهمية هذه الدراسة في هذا العصر والقيام بدراسات مستقبلية وافية حول سبل
الــذي بدأ التعلم اإللكتروني يتنامى بشكل
تعزيز استخدام أدوات التعلم اإللكتروني في
ملحوظ على حساب التعلم التقليدي في
تدريس المادة في المرحلة االبتدائية
الــمــدارس العادية .وصــار للتعلم اإللكتروني
ويأتي إصدار مركز عبدالرحمن السديري مؤسساته األكاديمية ومدارسه المعتمدة في
الثقافي لهذا الكتاب ليكون حافزا للباحثين كثير من دول العالم.
ويــؤكــد الــمــؤلــف على ض ــرورة الحد من والتربويين ليحذوا حذو المؤلف في دراسة
معوقات استخدام أدوات التعلم اإللكتروني مختلف جوانب التعلم اإللكتروني في مجاالت
فــي تــدريــس م ــادة الــريــاضــيــات فــي المرحلة التعليم األسـ ــاس والــجــامــعــي فــي المملكة
االبتدائية بمنطقة الجوف ،وتوفير البرامج العربية السعودية في ظل التطور الكبير
التعليمية لتلك المادة باللغة العربية ،وأهمية الستخدامات التقنية اإللكترونية في العالم
تدريب معلميها على استخدام أدوات التعلم الــيــوم فــي مختلف مــجــاالت الحياة ،ولعل
اإللكتروني في التدريس ،إضافة إلى توفير التعليم يأتي في مقدمتها.
اجلوبة -خريف 1439هـ ()2017 128
من إصدارات اجلوبة
من إصدارات برنامج النشر في