You are on page 1of 132

¦رحلة إلى قمة احلرية‬


‫جبل كليمنجارو‬
‫ ¦اخلــطــاب ال ــروائ ــي يف‬
‫روايـــات محمد حسن‬
‫علوان‬
‫ ¦السخرية يف املــوروث‬
‫الشعبي‬
‫ ¦لبيد بن ربيعة املعمر‬
‫يف اجلاهلية واإلسالم‬
‫ ¦بــن الــكــتــاب الــورقــي‬
‫والكتاب الرقمي‬

‫‪57‬‬
‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية‬
‫يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬

‫‪ -1‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‬


‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة‬
‫اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬
‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬
‫مجاالت النشر‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة الجوف في أي مجال من المجاالت‪.‬‬
‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬
‫ج‪ -‬الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬
‫شروطه‪:‬‬
‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية‬
‫العلمية‪.‬‬
‫‪ -٢‬أن تُكتب المادة بلغة سليمة‪.‬‬
‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق‪.‬‬
‫‪ -٤‬أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬
‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة‬
‫للنشر‪.‬‬
‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية‬
‫فصيحة‪.‬‬
‫‪ -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬
‫‪ -‬الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور‪.‬‬
‫‪ -‬البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز‪ :‬تخضع لقواعد النشر في‬
‫تلك المجالت‪.‬‬
‫‪ -‬الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬تحتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬
‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات‬
‫منطقة الجوف‪ ،‬إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج)‬
‫فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬
‫‪ -٩‬يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره‪ ،‬إضافة إلى‬
‫مكافأة مالية مناسبة‪.‬‬
‫‪ -١٠‬تخضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬
‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬
‫يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف‪،‬‬
‫ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها وأفكارها‪.‬‬
‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬
‫‪ -١‬يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات‬
‫واملراكز البحثية والعلمية‪ ،‬كما يشمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مبؤسسات غير‬
‫أكادميية‪.‬‬
‫‪ -٢‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف‪.‬‬
‫‪ -٣‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬
‫‪ -٤‬أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬
‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث‪.‬‬
‫‪ -٦‬تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي‪.‬‬
‫‪ -٧‬للمركز حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل‪.‬‬
‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير‬
‫وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمركز‪.‬‬
‫‪ -٩‬يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية‪.‬‬
‫(ب) الشروط اخلاصة بالبحوث‪:‬‬
‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء يف الشروط العامة(البند «أ»)‪.‬‬
‫‪ -٢‬يشمل املقترح ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬توصيف مشروع البحث‪ ،‬ويشمل موضوع البحث وأهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪،‬‬
‫واملدة املطلوبة إلجناز العمل‪.‬‬
‫‪ -‬ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع‪ ،‬تشمل األجهزة واملستلزمات‬
‫املطلوبة‪ ،‬مصاريف السفر والتنقل والسكن واإلعاشة‪ ،‬املشاركني يف البحث من‬
‫طالب ومساعدين وفنيني‪ ،‬مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬
‫‪ -‬حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى‪.‬‬
‫(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬
‫إضافة لكل ما ورد يف الشروط اخلاصة بالبحوث(البند «بـ«) يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬
‫‪ -١‬أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬
‫‪ -٢‬أن يُق ّدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬

‫‪info@alsudairy.org.sa‬‬
‫هاتف‪ 014 6245992 :‬فاكس‪014 6247780 :‬‬ ‫الجـوف ‪ 42421‬ص‪ .‬ب ‪ 458‬‬
‫هاتف‪ 016 4422497 :‬فاكس‪016 4421307 :‬‬ ‫الغ ـ ـ ــاط ‪ 11914‬ص‪.‬ب ‪ 63‬‬
‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬ ‫الرياض ‪ 11614‬ص‪ .‬ب ‪ 94781‬هاتف‪ 011 2817094 :‬فاكس‪011 2811357 :‬‬
‫مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري‬
‫رئيساً‬ ‫فيصل بن عبدالرحمن السديري ‬
‫عضواً‬ ‫سلطان بن عبدالرحمن السديري ‬
‫زياد بن عبدالرحمن السديري العضو المنتدب‬
‫ملف ثقايف ربع سنوي يصدر عن‬
‫عضواً‬ ‫عبدالعزيز بن عبدالرحمن السديري ‬
‫عضواً‬ ‫سلمان بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬
‫عضواً‬ ‫د‪ .‬عبدالرحمن بن صالح الشبيلي ‬
‫هيئة النشر ودعم األبحاث‬
‫عضواً‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬
‫رئيساً‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬
‫سلمان بن عبدالمحسن بن محمد السديري عضواً‬
‫طارق بن زياد بن عبدالرحمن السديري عضواً‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬خليل بن إبراهيم المعيقل ‬
‫سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السديري عضواً‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬ميجان بن حسين الرويلي ‬
‫عضواً‬ ‫د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السديري ‬ ‫عضواً‬ ‫محمد بن أحمد الراشد ‬

‫قواعد النشر‬ ‫إبراهيم بن موسى احلميد‬ ‫املشرف العام ‪:‬‬


‫سكرتيراً ‬‪ -1‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬أصيلة‬‪‭.‬‬ ‫محمود الرمحي ‬ ‫أسرة التحرير‪ :‬‬
‫محرراً ‪ ‭‬-2‬لم‬ ‪‭‬يسبق‬ ‪‭‬نشرها‬ ‪‭‬ورقي ‬اً ‪‭‬أو‬ ‪‭‬رقميا‬ً‪‭.‬‬ ‫محمد صوانة ‬ ‫ ‬
‫خالد الدعاس‬ ‫إخـــراج فني ‪:‬‬
‫‪ ‭‬-3‬تراعي‬ ‪‭‬اجلدية‬ ‪‭‬واملوضوعية‬‪‭.‬‬
‫هاتف‪)+966()14(6263455 :‬‬ ‫املراســــــالت‪ :‬‬
‫‬‪ -4‭‬تخضع‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬للمراجعة‬ ‪‭‬والتحكيم‬ ‪‭‬قبل‬ ‪‭‬نشرها‬‪‭.‬‬ ‫فاكس‪)+966()14(6247780 :‬‬ ‫ ‬
‫‬‪ -5‭‬ترتيب‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬يف‬ ‪‭‬العدد‬ ‪‭‬يخضع‬ ‪‭‬العتبارات‬ ‪‭‬فنية‬‪‭.‬‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬
‫‬‪ -6‭‬ترحب‬ ‪‭‬اجلوبة‬ ‪‭‬بإسهامات‬ ‪‭‬املبدعني‬ ‪‭‬والباحثني‪‭‬‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬
‫‪aljoubahmag@alsudairy.org.sa‬‬
‫‬والكتّاب‪‭ ‬،‬على‬ ‪‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬باللغة‬ ‪‭‬العربية‬‪‭.‬‬
‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬
‫‮«‬اجلوبة‬‪‭‬‮»‬ من‬‪‭‬األسماء‬‪‭‬التي‬‪‭‬كانت‬‪‭‬تُطلق‬‪‭‬على‬‪‭‬منطقة‬‪‭‬اجلوف‬‪‭‬سابقً‬ا‪‭.‬‬ ‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت ‪ -‬تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬
‫املقاالت املنشورة ال تعبر بالضرورة عن رأي املجلة والناشر‪.‬‬ ‫االشتراك السنوي لألفراد ‪ 50‬ريا ًال واملؤسسات ‪ 60‬ريا ًال‬

‫يُعنى بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط‪ ،‬ويقيم املناشط املنبرية الثفافية‪،‬‬
‫ويتبنّي برنامجاً للنشر ودعم األبحاث والدراسات‪ ،‬ويخدم الباحثني واملؤلفني‪ ،‬وتصدر عنه مجلة‬
‫(أدوماتو) املتخصصة بآثار الوطن العربي‪ ،‬ومجلة (اجلوبة) الثقافية‪ ،‬ويضم املركز ك ً‬
‫ال من‪( :‬دار‬
‫العلوم) مبدينة سكاكا‪ ،‬و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط‪ ،‬ويف كل منهما قسم للرجال وآخر‬
‫للنساء‪ .‬وتصرف على املركز مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‪.‬‬

‫‪www. alsudairy. org. sa‬‬


‫الـمحتويــــات‬ ‫العدد ‪ - 57‬خريف ‪١٤٣٩‬هـ (‪)2017‬‬

‫االفتتاحية‪4 ......................................................‬‬
‫رحالت‪ :‬رحلة إلى قمة الحرية جبل كليمنجارو ‪ -‬زياد بن‬
‫عبدالرحمن السديري ‪6 .......................................‬‬
‫دراسات‪ :‬بالغة الخطاب الروائي في روايات محمد حسن علوان‪١٨ .‬‬
‫قصص قصيرة‪ :‬الوداع ‪ -‬محمدالرياني ‪٤٧ .........................‬‬
‫وانتشر الخبر ‪ -‬خالدة خان ‪٤٨ ......................................‬‬
‫عبق الماضي ‪ -‬زينب هداجي ‪49 ....................................‬‬
‫ال أوان لما كان ‪ -‬هدية حسين ‪51 ..............................‬‬
‫مرايا ووجوه ‪ -‬محمد محقق ‪54 ................................‬‬
‫نصوص قصصية ‪ -‬حليمة الفرجي ‪55 .........................‬‬
‫قصص قصيرة جداً ‪ -‬محمد صوانة‪56 ........................‬‬
‫شعر‪ :‬ثورة العطر ‪ -‬إبراهيم جابر مدخلي‪٥٧ .........................‬‬
‫أسرا ُر النهرِ الحيي ‪ -‬هندة محمد ‪٥٨ .........................‬‬
‫أل ُّم ظال َل المعنى ‪ -‬حنان بيروتي‪٦٠ .................................‬‬
‫ألكف الجنوب ‪ -‬سماح بن معيز‪٦٢ ......................‬‬ ‫ّ‬ ‫ذاكرة‬
‫ليل الغريب ‪ -‬لقمان لحفاوي ‪٦٣ ...............................‬‬
‫‪6...............................‬‬
‫َصل ‪ -‬خالد بهكلي ‪٦٤ ...........................‬‬ ‫َق َد ٌر َعلَى قَارِ عَةِ الو ْ‬ ‫رحلة إلى قمة احلرية‬
‫مِ ل ْ ٌح ِب ُهد ِْب القَصيد ِة ‪ -‬طاهر لكنيزي‪٦٦ .......................‬‬ ‫جبل كليمنجارو‬
‫في داخـلي شَ يءٌ غَ ــريـبْ ‪ -‬سما يُوسف ‪٦٩ .....................‬‬
‫صديقة وغياب ‪ -‬عبدالعزيز موسى الحكمي ‪٧٠ ...........‬‬ ‫ٍ‬ ‫بين‬
‫ترجمة‪ :‬سم ‪ -‬ترجمة‪ :‬عبداهلل ناصر ‪٧١ ..........................‬‬
‫مواجهات‪ :‬حوار د‪ .‬هتون أجواد الفاسي ‪ -‬عمر بوقاسم‪٧٢ ....‬‬
‫حوار ال ِّروَائِي المِ صري عبداهلل السَّ اليْمة ‪ -‬محمد عيسى‪٧٨ .‬‬
‫حوار القاصة والشاعرة التونسية وئام غداس ‪ -‬عصام أبو زيد‪٨٥ ...‬‬
‫‪18.........................‬‬
‫حوار المخرجة السعودية هناء العمير ‪ -‬عبدالكريم قادري‪٨٩ ......‬‬ ‫بالغة اخلطاب الروائي‬
‫حوار الشاعر نايف أبو عبيد ‪ -‬نضال القاسم‪٩٦ ....................‬‬ ‫يف روايات محمد حسن علوان‬
‫حوار صبحي موسى ‪ -‬هالة موسى‪١٠٠ ..........................‬‬
‫سيرة وإنجاز‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬نايف بن صالح المعيقل‪١٠٨ ...................‬‬
‫نوافذ‪ :‬السخرية في الموروث الشعبي ‪ -‬غادة هيكل ‪١٠٩ ........‬‬
‫لبيد بن ربيعة المعمر في الجاهلية واإلسالم ‪ -‬راكان الرويلي ‪١١٣ ....‬‬
‫رواية السهل الممتنع! ‪ -‬صالح القرشي‪116 .....................‬‬
‫بين الكتاب الورقي والكتاب الرقمي ‪ -‬د‪ .‬فيصل أبو الطُّ َفيْل ‪118 .....‬‬ ‫‪72.............................‬‬
‫الحضارة اإلنسانية بين سمو المرجعيات ورجعية التفكير (حجاب‬ ‫حوار مع الدكتورة‬
‫المرأة أنموذجاً) ‪ -‬آيات عفيفي ‪120 ................................‬‬
‫هتون أجواد الفاسي‬
‫قراءات‪١٢٧ ........................................................... :‬‬

‫لوحة الغالف‪ :‬للفنانة سارة حسين‪.‬‬


‫افتتاحية‬
‫ال ـ ــع ـ ــدد‬
‫■ إبراهيم بن موسى احلميد‬

‫نستهل هذا العدد بمقال (رحلة إلى قمة الحرية ‪ :‬جبل كليمنجارو) للدكتور زياد بن‬
‫عبدالرحمن السديري‪ ،‬وهو األستاذ والمثقف الذي يقف خلف إدارة هذه المؤسسة‬
‫الثقافية «مركز عبدالرحمن السديري الثقافي»‪ ،‬والذي يحتضن مشروع مجلة الجوبة‬
‫منذ تأسيسها عام ‪1991‬م؛ وإذ ال نخفي سعادتنا أن خصنا الدكتور زياد بالمقال‪ ،‬فإننا‬
‫نؤكد أن المقال قد وصف الرحلة بأسلوب شيّق‪ ،‬متماهيًا مع أدب الرحالت الذي أسسه‬
‫أسالفنا‪ ،‬فقد جاء مليئًا باألحداث والمغامرات المشوِّقة‪ ،‬فأعادنا إلى رائعة األديب‬
‫العالمي هيمنجواي «ثلوج كليمنجارو»‪.‬‬
‫ونحن في حرصنا الدائم على التواصل مع كتّاب الجوبة ومبدعيها‪ ،‬نجدد التأكيد على‬
‫اهتمام المجلة بما يرد إليها من مقترحات ومواد إبداعية؛ فنحن نحرص قدر اإلمكان‬
‫على نشر اإلبداعات المختلفة والدراسات والمقاالت‪ ،‬وفي هذا الصدد حرصت المجلة‬
‫على إيجاد محور خاص في دراسات هذا العدد لتسليط الضوء على بعض إصدارات‬
‫الروائي محمد حسن علوان‪ ،‬الفائز بجائزة البوكر لهذا العام‪ ،‬ونرجو أن يجد القراء‬
‫الكرام‪ ،‬مدى الجهد الذي بذله باحثونا الكرام في تناول سيرة األديب علوان الروائية‪،‬‬
‫والتي تناولتها المجلة‪ ،‬وِ فقا للمساحة المتاحة‪.‬‬
‫كما تستمر المجلة في التواصل مع كافة المبدعين في المملكة والعالم العربي‪،‬‬
‫وتحرص على نشر نتاجهم اإلبداعي في القصة والشعر ومختلف الفنون الثقافية‪ ،‬وفي‬
‫هذا الصدد تنشر الجوبة عددًا من النصوص الجديدة التي تمنح العدد ألقه و تجدد‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪4‬‬


‫اف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫مسيرته‪.‬‬
‫وفي إطار حرص الجوبة على االلتقاء بكبار األدباء من المملكة والعالم العربي‪ ،‬تنشر‬
‫الجوبة حوارًا مع الدكتورة هتون أجواد الفاسي الباحثة واألستاذة الجامعية السعودية‪،‬‬
‫والتي تكشف جوانب عديدة من سيرتها العلمية والثقافية‪ ،‬والتي تحدثت عن ملكات‬
‫دومة الجندل «أو الجوف» في القرنين السابع والثامن قبل الميالد‪ ،‬كما تحاور الجوبة‬
‫األديب السيناوي المصري عبداهلل الساليمة الذي يرى أن الشيء الوحيد الذي يحقق‬
‫ال روائيًا أو مجموعة قصصية‪ ،‬أو حتى قصة واحدة‬
‫قدرًا من السعادة هو إنجازه عم ً‬
‫قصيرة‪.‬‬
‫كما تحاور الجوبة األديبة التونسية وئام غداس‪ ،‬الفائزة بجائزة الشارقة لإلبداع‬
‫العربي عن مجموعتها «أمشي وأضحك كأني شجرة»‪ ،‬وهي التي تحوّلت من السرد إلى‬
‫الشعر‪ ،‬وتعد نفسها شاعرة (فيسبوكية)‪.‬‬
‫كما تحاور الجوبة األستاذة هناء عبداهلل العمير‪ ،‬المخرجة والناقدة السينمائية‬
‫السعودية‪ ،‬الفائزة بعدد من الجوائز السينمائية‪ ،‬و المحكّمة في عدد من المهرجانات‪،‬‬
‫وهي مؤلفة كتاب «ساموراي السينما اليابانية أكيرا كوروساوا»‪.‬‬
‫وتلتقي الجوبة الشاعر األردني‪ ،‬نايف أبو عبيد‪ ،‬وتسلط الضوء على تجربته الشعرية‬
‫وسيرته‪ ،‬كما تلتقي الشاعر والروائي المصري‪ ،‬صبحي موسى‪ ،‬الذي صدر له عدد من‬
‫الدواوين الشعرية‪ ،‬ثم تحوّل إلى الكتابة الروائية‪ ،‬ويطرح عددًا من اآلراء حول الرواية‬
‫والشعر وقصيدة النثر ‪.‬‬
‫ويصدر هذا العدد وقد ودعت الحياة الثقافية األديب والروائي والكاتب الساخر‪،‬‬
‫األستاذ حسن السبع‪ ،‬يرحمه اهلل‪ ،‬والذي كتب لسنوات عديدة مقاالت مهمة في الفكر‬
‫والثقافة في الصحف المحلية‪ ،‬ونشر دواوين شعرية ورواية «ليالي عنان»‪ ،‬وكانت الجوبة‬
‫قد استضافته في العدد ‪ ،52‬وكان مما قاله‪« :‬عندما يسقط القلم من يدي سأقول ما‬
‫الشمس غربتْ »! وكأنه كان يُ َمهِّد لرحيله المبكر عن‬
‫َ‬ ‫قاله كازنتزاكي‪« :‬لم أتعبْ ‪ ،‬ولكنَّ‬
‫هذا العالم‪.‬‬

‫‪5‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫رحلة إلى قمة الحرية‬
‫جبل كليمنجارو‬
‫(‪)١‬‬

‫‪ρρ‬زياد بن عبدالرحمن السديري‬

‫في اللحظات التي فارق فيها الحياة‪ ،‬تراءى لـ «هاري» وكأنه مسافرٌ في طائرة‬
‫يلتفت إليه قائدها مبتسم ًا ومشير ًا بيده‪ ،‬فيبصر «هاري» أمامه «ما بدا له وكأنها‬
‫كما عرض كل البسيطة‪ ،‬عظيمة‪ ،‬وشاهقة‪ ،‬وبيضاء في ضوء الشمس كما ال يمكن‬
‫التصديق بحقيقته‪ ،‬قمة كليمنجارو مربعة األركان‪ .‬عندها علم هاري إلى أين هو‬
‫ذاهـ ٌـب»‪ .‬هذا المشهد الذي أبدعه آرنست هيمنجواي في قصته المشهورة «ثلوج‬
‫السر الذي يقود آالف البشر(‪ )٢‬في كل عام‬
‫كليمنجارو»‪ ،‬ربما يكشف للقارئ بعض ِّ‬
‫لصعود هذا الجبل ‪-‬ذي القمة المرتفعة ‪ 5٫895‬مترا (‪ 19٫341‬قدمً ا)(‪ )٣‬فوق سطح‬
‫األرض‪ -‬سير ًا على األقدام‪ ،‬وكأنهم قاصدين «بيت اهلل»‪ ،‬كما وصف هيمنجواي قمة‬
‫كليمنجارو في أول القصة‪.‬‬

‫هكذا‪ ،‬في اليوم األول من شهر آب حتى ذاك التاريخ(‪.)٤‬‬


‫(أغسطس) من سنة ‪2017‬م (الموافق‬
‫و«كليمنجارو» جبل مستقل بذاته‪،‬‬
‫الــتــاســع مــن ذي الــقــعــدة‪1438 ،‬هـــــ)‪،‬‬
‫واضــح المعالم للرائي؛ أي هو ال يقع‬
‫برحلة‬
‫ٍ‬ ‫وبعض األصدقاء واألبناء‬‫ُ‬ ‫قمتُ‬
‫ضمن سلسلة جبال متصلة‪ ،‬مثل جبل‬
‫مشياً على األقــدام العتالء قمة جبل‬
‫كليمنجارو‪ ،‬الــواقــع في شمال شرقي إفرست‪ -‬أعلى جبل على وجه األرض‪-‬‬
‫تنزانيا‪ ،‬الدولة الواقعة على الساحل الذي يقع ضمن سلسلة جبال الهماليا‪.‬‬
‫الشرقي إلفريقيا؛ تحدونا الرغبة برفقة وكليمنجارو هو أعلى جبل في إفريقيا‪،‬‬
‫األع ــزاء‪ ،‬وتدفعنا النزعة لالستطالع وأعلى جبل مستقل في العالم(‪ ،)٥‬وأحد‬
‫وحــب االســتــكــشــاف‪ ،‬ويحركنا المي ُل الجبال السبعة المسماة‪ ،‬ذوات القمم‬
‫لتحدِّي الذات‪ ،‬مدركين تماماً أنَّ هذه األعــلــى فــي الــقــارات الــســبــع(‪ .)٦‬وهو‬
‫ستكون بال شك أشــدَّ رحالتنا تحد ّياً جبل بركاني‪ ،‬يقول الجيولوجيون إن‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪6‬‬
‫رحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ�ت‬

‫المجموعة في قمة الحرية‬


‫(‪ .)HACE‬وورد أن ‪ ٪45‬فقط من كافة فئات‬ ‫بدايته تعود لمليونين ونصف المليون عام‬
‫مستهدفي صعود كليمنجارو يصلون قمته‪،‬‬ ‫خلت(‪ .)٧‬وال اتفاق بين الباحثين في أسباب‬
‫وأنَّ مــا بين ثالثة إلــى سبعة منهم يلقون‬ ‫تسميته هــذه(‪ ،)٨‬إنما ال خالف في أن اسم‬
‫حتفهم سنوياً في محاولة الصعود(‪ .)٩‬إنما‬ ‫قمته (اوهـــورو) يعني الحريّة‪ ،‬وهــو لذلك‬
‫تبين لنا بعد البحث أن أهم أسباب الفشل‬ ‫يبدو مُشتقاً من العربية‪ .‬فاللغة السواحلية‬
‫في إتمام الصعود‪ ،‬والخطورة الكامنة فيه‪،‬‬ ‫(‪ )Swahili‬مزيج من عــدة لغات‪ ،‬إحداها‬
‫تعود إلغفال الصاعد بعض بدهيات‪ ،‬ومنها‬ ‫اللغة العربية التي وصلت شرقي إفريقيا‬
‫عدم تقصيه بحسن اختيار الجهة المنظمة‬ ‫مع التجار العرب‪ ،‬ومن خالل إمارتهم في‬
‫للرحلة‪ ،‬وجنوحه إلكمالها في مدة قصيرة‬ ‫زنجبار‪ ،‬التي أصبحت الحقاً جزءاً من دولة‬
‫استعجاال في أمره أو توفيراً لمالِه‪ ،‬وهو ما‬ ‫تنزانيا‪.‬‬
‫يحول دون حسن تأقلمه مع االرتفاع أثناء‬ ‫اس ــت ــه ــوت مــجــمــوعــتــنــا ف ــك ــرة صــعــود‬
‫الصعود السريع‪ ،‬ونقص األكسجين الحا ّد‬ ‫كليمنجارو عندما تحدثنا بها في خريف‬
‫الــذي يــزامــن ذلــك‪ .‬فبينما تبلغ تقديرات‬ ‫عام ‪2016‬م‪ ،‬رغم توجّ سنا جميعاً من هذا‬
‫متوسط نسبة النجاح في صعود الجبل ‪٪27‬‬ ‫المشروع‪ .‬فاألمر ليس محض لياقة بدنية‪،‬‬
‫لمن يحاولون إكمال رحلتهم في خمسة أيام‬ ‫وهــو ال يخلو من الخطورة‪ ،‬وليس كل مَن‬
‫فقط‪ ،‬فهي تتجاوز ‪ ٪85‬لمن يمضون ثمانية‬ ‫يقصد كليمنجارو يصل قمته‪ .‬وأهم أسباب‬
‫أيام إلكمالها(‪ .)١٠‬إضافة إلى ما تقدم‪ ،‬فإن‬ ‫الفشل في صعود هذا الجبل‪ ،‬ومصدر الخطر‬
‫الــوكــاالت الجيدة‪ ،‬التي تتولى تنظيم هذه‬ ‫األكبر فيه‪ ،‬هو ما يسمى بمرض الجبل الحاد‬
‫أدلء ذوي معرفة‬ ‫الرحالت‪ ،‬توفر لعمالئها ّ‬ ‫(‪ )AMS‬الذي قد يتطور عند بعضهم فيحدث‬
‫ببوادر أعراض مرض الجبل الحادّ‪ ،‬وتؤمّن‬ ‫الوذمة الرئوية (‪ ،)HAPE‬والوذمة الدماغية‬
‫‪7‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫جليد هايم والغيوم تحتها كما تبدو من قمة الجبل‬

‫األخير قبل اعتالئنا قمة الجبل‪ ،‬عدداً من‬ ‫لهم وسائل اإلسعاف الالزمة‪ ،‬بما في ذلك‬
‫األشخاص بــدا أنهم لم يكملوا صعودهم؛‬ ‫أسطوانات أكسجين محمولة‪ ،‬لالستعمال‬
‫منهم شابّان ال يتجاوزان العقد الثالث من‬ ‫عند الــحــاجــة‪ .‬ف ــإذا ظــهــرت أول أعــراض‬
‫العمر‪ ،‬يسندهما على جانبيهما مرافقان‬ ‫المرض‪ ،‬ولم تتم السيطرة عليها بالسرعة‬
‫لمساعدتهما في السير‪.‬‬ ‫الالزمة‪ ،‬يُنصح الزائر بالتوقف عن الصعود‬
‫والعودة الى أسفل الجبل‪ .‬وإذا لزم األمر‪،‬‬
‫وقــــد أحـــســـ َن عــمــي ـ ُد رحــلــتــنــا‪ ،‬االبـــن‬
‫يتولى الفريق المرافق للمجموعة صاعدة‬
‫عبدالرحمن‪ ،‬اإلعــداد لها‪ ،‬واختيار الوكالة‬
‫الجبل حمل الــمــريــض بسرعة إلــى حيث‬
‫المناسبة لتنظيمها‪ ،‬وتحديد مدتها بثمانية‬
‫يمكن نقله بواسطة طــائــرة عــامــوديــة إلى‬
‫أيــام‪ ،‬شاملة أيــام الصعود التي استغرقت‬
‫المستشفى‪ .‬وقبل الرحلة‪ ،‬تقدم مثل هذه‬
‫ستة أيام وجزءًا من اليوم السابع‪ ،‬وانتهت في‬
‫الوكاالت المشورة للزائرين‪ ،‬وترشدهم إلى‬
‫اليوم الثامن عندما عدنا إلى أسفل الجبل‪.‬‬
‫ما يلزم عمله في سبيل االستعداد لمهمة‬
‫وقد تفاوتت تجربة أعضاء فريقنا من حيث‬
‫الــصــعــود‪ ،‬والــوســائــل المساعدة للحيلولة‬
‫المعاناة أثناء الصعود وأثناء النزول‪ ،‬إنما‬
‫دون حــدوث مــرض الجبل الــحــاد‪ ،‬بما في‬
‫جميعهم أكمل الرحلة واعتلى اوهــورو‪ ،‬أي‬
‫ذلــك العقاقير الحامية منه‪ .‬بمعنى آخر‪،‬‬
‫قمة كليمنجارو‪ ،‬كما تشهد الصورة المرفقة‬
‫فــإن َمــن يُحسن اختيار الوكالة المنظمة‬
‫مع هذه السطور(‪.)١٢‬‬
‫للرحلة‪ ،‬ويكمل االستعدادات المقترحة لها‬
‫كما ذكرت فيما تقدم‪ ،‬لقد قررنا القيام‬ ‫قبل بدئها‪ ،‬ويجعلها في ثمانية أيام أو أكثر‪،‬‬
‫بهذه الرحلة قبل سنة تقريباً من بدئها‪ ،‬وهو‬ ‫فالراجح أنه سيتجنب الخطورة في األمر‪،‬‬
‫ما وفــر لنا الوقت الكافي لحُ سن اإلعــداد‬ ‫وستكون له فرصة معقولة‪ ،‬وإن كانت غير‬
‫لها‪ .‬فبعد أن حدّد عميدنا الوكالة المختارة‪،‬‬ ‫مضمونة‪ ،‬في إتمام الرحلة(‪ .)١١‬وقد شاهدت‬
‫ووقّعنا اتفاقنا معها‪ ،‬زوّدتنا الوكالة بقائمة‬ ‫فــي الــيــوم الــســادس مــن رحلتنا‪ ،‬أي اليوم‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪8‬‬
‫رحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ�ت‬
‫معتدالً‪ .‬وورد أن االستيطان في أروشا بدأ‬ ‫المستلزمات المقترحة إلتــمــام الرحلة‪،‬‬
‫عام ‪1830‬م‪ ،‬وأن أكثر سكانها يدين باإلسالم‬ ‫بما في ذلك أنــواع الملبوسات‪ ،‬واألحذية‪،‬‬
‫والمسيحية‪ ،‬وأن أشهر قبائلها الماساي‪.‬‬ ‫والعِ دد األخرى الالزمة والمناسبة لها‪ ،‬وبيا ٌن‬
‫وتنتشر في تنزانيا زراعات عدة‪ ،‬شهدنا منها‬ ‫بالتطعيمات الطبية التي تنصح الوكالة بها‪،‬‬
‫أثناء إقامتنا القصيرة فيها‪ :‬القهوة‪ ،‬والموز‪،‬‬ ‫والعقاقير التي توصي باستعمالها أثناء‬
‫والذرة‪ ،‬واألرز؛ كما أن بها صناعات كثيرة‪،‬‬ ‫الصعود‪ ،‬والتمارين التي تقترح ممارستها‬
‫ربما أهمها السياحة‪ .‬وقد خضعت تنزانيا‬ ‫قبل الــشــروع بالرحلة‪ .‬واخــتــرنــا أن تكون‬
‫لالحتالل األلماني ابتداء من سنة ‪1896‬م‪،‬‬ ‫رحلتنا في شهر آب (أغسطس) حين تق ّل‬
‫ثــم االحــتــال البريطاني ابــتــداء مــن سنة‬ ‫األمــطــار‪ ،‬وحـدّدنــا بدايتها في أول الشهر‬
‫‪1916‬م‪ ،‬أثناء الحرب العالمية األولى‪ ،‬ونالت‬ ‫المذكور‪ ،‬حتى يتزامن اعتالؤنا قم َة الجبل‬
‫استقاللها في سنة ‪1961‬م‪ ،‬وخضعت لنظام‬ ‫مع اكتمال البدر‪.‬‬
‫شيوعي بعد االستقالل حتى عام ‪1985‬م‪،‬‬
‫وهو ما ترك أثره على البلد وأهلها‪ ،‬رغم ما‬ ‫استقبلنا فــي مــطــار كليمنجارو عند‬
‫يلمسه الزائر من مقوّمات طبيعية وصناعية‬ ‫وصولنا قائد فريق أدالء الرحلة التنزاني‪،‬‬
‫فيها(‪.)١٣‬‬ ‫واســمــه جيمز مــاتــو‪ ،‬وأمضينا مــســاء يوم‬
‫وصولنا الموافق ‪ 31‬تموز‪2017 ،‬م في مدينة‬
‫البداية‪ :‬جادة ماشامي‬ ‫أروشا‪ ،‬عاصمة المنطقة التي تحمل اسمها‪،‬‬
‫اجتمعنا بـ(جيمز ماتو) في النزل الذي‬ ‫وتقع إلــى الجنوب من كليمنجارو‪ ،‬وترتفع‬
‫حللنا بــه مــســاء يــوم وصــولــنــا‪ ،‬فاستعرض‬ ‫(‪ )1٫387‬متراً فــوق سطح األرض‪ ،‬ويبلغ‬
‫معنا تفاصيل الرحلة‪ ،‬واالستعدادات التي‬ ‫عــدد سكانها حــوالــي (‪ )416٫000‬نسمة‬
‫تم تجهيزها لها‪ .‬وفي صباح اليوم التالي‪،‬‬ ‫ونيف‪ .‬ونظراً ألن تنزانيا تقع في النصف‬
‫أول شهر آب‪ ،‬نقلنا جيمز بحافلة الوكالة إلى‬ ‫الجنوبي للكرة األرضية؛ فشهر تموز (يوليو)‬
‫بوابة الدخول إلى الجبل‪ ،‬وأتممنا التسجيل‬ ‫يقع في موسم شتاء هذا البلد‪ ،‬وكان مناخه‬

‫العودة بعد اعتالء القمة‬

‫‪9‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫أيام الرحلة حتى نهايتها‪ .‬كما تجدر اإلشارة‬ ‫لدى الجهة المسؤولة‪ ،‬وبدأنا مسيرنا سالكين‬
‫إل ــى مــا شــهــدنــاه مــن طــيــب تــعــامــل هــؤالء‬ ‫درب ماشامي (‪ ،)١٤()Machame Route‬وسرنا‬
‫بين بعضهم‪ ،‬دون تمييز منهم بين مسلم‬ ‫في اليوم األول من أيام رحلتنا حوالي ‪17‬‬
‫ومسيحي بينهم‪ .‬وبدأنا في هذا اليوم األول‬ ‫كيلومترا‪ ،‬وصعدنا إلى ارتفاع (‪ )2980‬متراً‬
‫تناول عقار الدياموكس (‪ )Diamox‬المساعد‬ ‫فوق سطح البحر‪ ،‬حيث أقمنا الليلة األولى‪.‬‬
‫لتجنب مرض الجبل الــحــا ّد(‪ ،)١٥‬والمخفّف‬ ‫وكانت الحقيبة التي حملها ك ٌل منا على ظهره‬
‫مــن أشــ ِّد أعــراضــه‪ .‬كما كنا نحرص على‬ ‫(‪ )Back Pack‬تزن ما تراوح من ثمانية إلى‬
‫اإلكثار من شرب الماء ومتابعة أكل بعض‬ ‫عشرة كيلوغرامات من المستلزمات‪ ،‬أهمها‬
‫الــزاد بين كل برهة وأخــرى‪ ،‬وذلــك لتجنب‬ ‫معطف‬
‫ٍ‬ ‫الماء‪ ،‬وبعض المأكوالت‪ ،‬إضافة إلى‬
‫المعاناة مــن الجفاف‪ ،‬وهــو على مــا يبدو‬ ‫تحسباً للبرد الذي يتزايد مع صعود الجبل‪،‬‬
‫أحد أسباب مرض الجبل الحاد‪ .‬ومع هذا‪،‬‬ ‫وآخر واق ٍ من المطر الذي ال يؤمن سقوطه‬
‫فقد شكا بعضنا من أعراض الصعود ابتدا ًء‬ ‫في أيام الصعود األولى‪ ،‬حيث يكون المسار‬
‫من اليوم األول‪ ،‬ومنها الصداع‪ .‬كما ظهرت‬ ‫في غابة كثيفة‪ ،‬تغطيها الغيوم المتكوّنة‬
‫على بعضنا المشقة من السير صعوداً‪ ،‬ربما‬ ‫حــول الجبل‪ .‬وك ــان أعــضــاء الفريق الــذي‬
‫لعدم لياقتهم البدنية الكافية‪ ،‬بينما لم يشكُ‬ ‫يرافقنا يحملون بقية مستلزماتنا الخاصة‪،‬‬
‫آخرون من أية أعراض‪ ،‬ولم تب ُد عليهم أي‬ ‫وعــتــاد الخيام‪ ،‬والــمــؤونــة والــمــاء‪ ،‬فيحمل‬
‫مشقة‪.‬‬ ‫كل من هــؤالء زهــاء عشرين كيلوغراما من‬
‫وأع ــض ــاء مجموعتنا لــيــســوا بحديثي‬ ‫العتاد‪ .‬وكانوا على ما يبدو يتزودون بالماء‬
‫العالقة مع بعضهم بعضاً‪ ،‬بل هم في مجملهم‬ ‫مقربة من‬
‫ٍ‬ ‫من مصادر طبيعيه موجودة على‬
‫أصــدقــاء قــدامــى‪ ،‬مرفوعة الكُلفة بينهم‪،‬‬ ‫طريق الرحلة‪ ،‬فيحملون معهم جهازاً مفلتراً‬
‫ومقبولة النكتة منهم؛ ولــهــذا‪ ،‬فقد دخلوا‬ ‫يزيل العوالق والميكروبات من الماء بما‬
‫جميعاً بسرعة في جو الرحلة الحميمي‪،‬‬ ‫يجعله مناسباً للشرب‪ .‬وتلزم اإلشــارة هنا‬
‫واستمروا كذلك حتى نهايتها‪ .‬وتميز أعضاء‬ ‫إلى ما لمسناه جميعاً من طيب خلق أعضاء‬
‫مجموعتنا بمواهب مختلفة‪ ،‬وتكمل بعضها‬ ‫هذا الفريق‪ ،‬واهتمامهم بحسن أداء مهامهم‪،‬‬
‫بعضاً‪ ،‬ساعدت في إضافة الكثير لرحلتنا‪.‬‬ ‫واستمرارهم على هذه السجيّة على امتداد‬

‫ظالل جبل كليمنجارو بشكل هرمي تغطي جبل ميرو‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪10‬‬


‫رحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ�ت‬
‫لحظة شروق الشمس في قمة الجبل‬

‫وقــد ســاعــد فــي إنــجــاح رحلتنا وتحقق‬ ‫فالدكتور برنارد هيكل‪ ،‬أشبه بمكتبة متنقلة‬
‫متعتنا بــهــا حُ ــســن أداء الــفــريــق الــمــرافــق‬ ‫بما يحمله مــن ثقافة واســعــة‪ ،‬ومعلومات‬
‫لنا‪ ،‬المكوّن كله من أهل تنزانيا‪ ،‬ومستوى‬ ‫جــمــة‪ .‬وه ــو كــريــم نــفــس‪ ،‬ســريــع الــخــاطــر‪،‬‬
‫الخدمات الجيدة التي كانوا يوفرونها‪ ،‬بما‬ ‫إيجابيّ التوجّ ه‪ ،‬محبٌ للنكتة‪ .‬واألستاذ نبيل‬
‫في ذلك وجبات الطعام التي فاقت توقعات‬ ‫ونظريات‬
‫ٍ‬ ‫الخويطر‪ ،‬ذو اهتمامات متعددة‪،‬‬
‫مجموعتنا‪ .‬وكــان المرافقون يُنشدون بين‬ ‫وقصص كثيرة‪ ،‬تملؤه الثقة بالنفس‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫خلقة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫الــفــيــنــة واألخ ـ ــرى بــعــض األغ ــان ــي بلغتهم‬ ‫يعيش اللحظة‪ ،‬ويحيي محيطه بما يجود‬
‫السواحلية‪ ،‬بعض مفرداتها ذاعــت شهرته‬ ‫به من طُ ــرَف‪ .‬واالبــن عبدالرحمن‪ ،‬عميد‬
‫على أثر صدور فلم الملك األسد (‪The Lion‬‬ ‫الرحلة‪ ،‬هادئ الطباع‪ ،‬عصاميّ الشخصية‪،‬‬
‫‪ )King‬الذي أنتجته والت ديزني(‪ .)١٦‬وهكذا‪،‬‬ ‫ذو موهبة في تأمّل المستجدات واكتشاف‬
‫ســرعــان مــا أصــبــح مــرافــقــونــا التنزانيون‬ ‫أســرارهــا‪ ،‬ومــيـ ٍـل لتحدي ال ــذات واختبار‬
‫زمال َء لنا‪ ،‬نُقبل على تبادل أطراف الحديث‬ ‫حــدودهــا‪ .‬واالب ــن خــالــد‪ ،‬لـ ِّيــن الجانب ذو‬
‫معهم‪ ،‬ونجرؤ على ممازحتهم‪ ،‬وهم يبادرون‬ ‫مشاعر مرهفة‪ ،‬تولّى بامتياز مهمة المصور‬
‫بالمثل(‪.)١٧‬‬ ‫الرسمي للرحلة‪ ،‬كما تشهد به صوره التي‬
‫ســرنــا فــي الــيــوم الــثــانــي حــوالــي تسعة‬ ‫يــظــهــر بعضها مــع ه ــذه الــســطــور‪ ،‬وغــدا‬
‫كيلومترات‪ ،‬وأمضينا المساء في مخيم شيرا‬ ‫المالزم لكل مَن تباطأ سيره منا‪ ،‬والمحفّز‬
‫(‪ )Shira Camp‬الذي يبلغ ارتفاعه (‪)3720‬‬ ‫له بمواصلة المسير‪ .‬واالبن اسكندر هيكل‪،‬‬
‫متراً فوق سطح البحر‪ .‬وفي هذا اليوم بدأنا‬ ‫وهو أصغرنا‪ ،‬ذو ابتسامة جذابة ال تفارق‬
‫الــخــروج مــن بيئة الغابة الكثيفة الشجر‪،‬‬ ‫مُحيّاه‪ ،‬وطروحات فلسفية مشوّقة‪ ،‬وأسئلة‬
‫ودخلنا ما يسمى أرض المور (‪)Moorland‬‬ ‫فلم‬
‫فكرية عميقة‪ .‬فغدت رحلتنا كشريط ٍ‬
‫وهــي أرض ينبت فيها الخلنج (‪)Heather‬‬ ‫ال يتوقف فيه الحديث‪ ،‬والنقاش‪ ،‬والتأمل‪،‬‬
‫واسمه العلمي أريكا (‪ )Erica‬مشابه لشجر‬ ‫والتصوير‪ ،‬والضحك‪ ،‬ونبقى كذلك حتى بعد‬
‫العرعر‪ .‬وقــد الزمتنا في مسارنا جــداو ُل‬ ‫أن يحلَّ وقت اللجوء للمأوى والمبيت‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫أحد المرافقين يحمل بعض لوازم الرحلة‬

‫(‪ )3٫870‬مــتــراً فــوق سطح البحر‪ ،‬حيث‬ ‫المياه‪ ،‬إال أننا لم نشهد أي حيوانات بريّة‬
‫أمضينا تلك الليلة‪ .‬وكان الغرض من الصعود‬ ‫في ٍأي من أيــام رحلتنا‪ ،‬أو نــرى أثرها أو‬
‫إلى برج الفا دون اإلقامة به في ذاك اليوم‬ ‫فضالتها‪ ،‬على عكس ما كنا نتوقعه‪ .‬وال‬
‫هو اختبار تحمّلنا لهذا االرتفاع‪ ،‬وتمكيننا من‬ ‫تفسير لدي لهذه الظاهرة‪ .‬فمنتزه تنزانيا‬
‫مزيد تأقلم معه قبل اإلقامة في مثله‪ .‬وفي‬ ‫الوطني‪ ،‬حيث يقع جبل كليمنجارو‪ ،‬محمية‬
‫هذا اليوم‪ ،‬بدأنا الخروج من أرض الخلنج‪،‬‬ ‫ال يسمح بالصيد فيها‪ ،‬وبها غابات ونباتات‬
‫ودخلنا ما يسمى بالصحراء الجبلية‪ ،‬أو‬ ‫وجداول مياه‪ .‬وغاية ما شاهدناه من الحياة‬
‫صحراء المرتفعات (‪ ،)Alpine Desert‬حيث‬ ‫الفطرية هي بعض الطيور‪ ،‬أكثرها الغربان‪،‬‬
‫ال تنبت فيها إال شجيرات صغيرة‪ ،‬أشبه‬ ‫وبعض القوارض‪.‬‬
‫بما نشهده في بعض الصحاري‪ ،‬وبدأنا نعلو‬
‫على الغيوم المحيطة بكليمنجارو‪ ،‬وبدت‬ ‫وكــان الفريق المرافق يشرع في صباح‬
‫لنا قمة ميرو (‪ )Mount Meru‬وهو الجبل‬ ‫كــل ي ــوم‪ ،‬بعد أن نــغــادر مخيمنا‪ ،‬فــي طي‬
‫البركاني المجاور لكليمنجارو‪ ،‬األصغر منه‪،‬‬ ‫الخيام وجمع العتاد‪ ،‬ثــم يلحق بنا مشياً‬
‫وكيبو (‪ )Kibo‬وهو اسم الجزء األعلى من‬ ‫على األقــدام‪ ،‬بأحماله التي تفوق أحمالنا‪،‬‬
‫كليمنجارو‪ ،‬وجدار برانكو (‪،)Barranco Wall‬‬ ‫ويتجاوزنا فيسبقنا لمكان غدائنا المقرر‪،‬‬
‫وهــي تلة صخرية فــي عــرض كليمنجارو‪،‬‬ ‫أو إقامتنا المستهدفة‪ ،‬ف ــإذا وصلناهم‬
‫وكتلة هايم الجليدية (‪ )Heimglacier‬التي‬ ‫وجدناهم وقد أكملوا بناء الخيام‪ ،‬وجهزوا‬
‫تعلوه‪.‬‬ ‫الوجبة المنتظرة في ذلك الوقت‪ ،‬وشرعوا‬
‫باستقبالنا لمساعدتنا في إلقاء أحمالنا‪،‬‬
‫وفــي اليوم الــرابــع‪ ،‬سرنا حوالي ثمانية‬
‫وركوننا إلى الراحة(‪.)١٨‬‬
‫كيلومترات‪ ،‬وصعدنا إلى ارتفاع (‪)3٫950‬‬
‫متراً فوق سطح البحر‪ ،‬حيث مخيم كرانجا‬ ‫وفي اليوم الثالث‪ ،‬سرنا حوالي (‪ )16‬كيلو‬
‫(‪ .)Karanga Camp‬والمالحظ أن صعودنا‬ ‫متراً وصعدنا فيه إلى نقطة تسمى برج الفا‬
‫في هــذا اليوم كــان ال يتجاوز (‪ )70‬متراً‪،‬‬ ‫(‪ )Lava Tower‬التي ترتفع (‪ )4٫650‬متراً‬
‫وذلــك إلتاحة مزيد وقــت للتأقلم مع هذه‬ ‫فــوق سطح البحر‪ ،‬ثــم هبطنا إلــى مخيم‬
‫االرتفاعات العالية‪ ،‬وهو ما سمح به برنامج‬ ‫برانكو (‪ )Barranco Camp‬الذي يبلغ ارتفاعه‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪12‬‬
‫رحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ�ت‬
‫برافو هي آخر مقام لنا قبل الشروع بالصعود‬ ‫رحلتنا الطويل نسبياً‪ .‬وهنا كان آخر مصدر‬
‫إلى قمة الجبل في الحادية عشرة مسا ًء من‬ ‫للماء قبل كيبو‪ ،‬وبدت البيئة المحيطة بنا‬
‫تلك الليلة‪ ،‬إال أننا آثرنا عدم االستعجال‪،‬‬ ‫صــحــراء بركانية قــاحــلــة‪ ،‬تسمى صحراء‬
‫واخترنا أن نمضي ليلة أخرى قبل الصعود‬ ‫المرتفعات العالية (‪،)High Alpine Desert‬‬
‫إلى القمة‪ ،‬وذلك نظراً لما عانى منه بعضنا‬ ‫أشبه ما تكون بمناطق الحرّات في المملكة‬
‫من صداع وإجهاد‪ ،‬وحرصاً منا على إتاحة‬ ‫العربية السعودية‪ ،‬بل أقل نباتاً منها‪.‬‬
‫فترة أطــول لتأقلم أعضاء مجموعتنا‪ ،‬بما‬
‫الصعود‪ :‬مشي الهوينا‬
‫يوفر فرصة أفضل لتمكين الجميع من إكمال‬
‫الصعود إلى القمة‪ .‬فقد أمضينا مساء اليوم‬ ‫في اليوم الخامس‪ ،‬أتيح لمن أراد منا‬
‫الخامس حتى الصباح في بارافو‪ ،‬واكتفينا‬ ‫الخلود للنوم‪ ،‬أو البقاء في مأواه‪ ،‬أن يفعل‬
‫فــي الــيــوم الــســادس بالصعود إلــى مخيم‬ ‫ذلــك حتى التاسعة صــبــاح ـاً‪ ،‬عــوض ـاً عن‬
‫أقــمــنــاه فــي كــوســوفــو (‪،)Kosovo Camp‬‬ ‫السادسة في األيــام السابقة‪ ،‬وذلك لقصر‬
‫فسرنا مسافة تقل عن ثالثة كيلومترات‪،‬‬ ‫المسافة المستهدف تــجــاوزهــا فــي ذلك‬
‫متر‬
‫وصعدنا الرتفاع قدره حوالي (‪ٍ )4٫800‬‬ ‫الــيــوم‪ .‬فقد سرنا مسافة تقل عن خمسة‬
‫فوق سطح األرض‪ .‬وبعد الغداء في كوسوفو‪،‬‬ ‫كيلومترات‪ ،‬إال أننا انتقلنا الرتفاع (‪)4٫605‬‬
‫قسط من الراحة‬‫ٍ‬ ‫حاول بعضنا القيلولة ألخذ‬ ‫أمتار فوق سطح البحر‪ ،‬حيث مخيم بارافو‬ ‫ٍ‬
‫استعدا ًد للصعود الكبير‪ ،‬واألخير‪ ،‬المرتقب‬ ‫(‪ .)Barafu Camp‬وكان بعضاً من سيرنا في‬
‫في تلك الليلة‪ ،‬ثم اجتمعنا على عشاءٍ مبكر‬ ‫هذا اليوم تسلقاً فوق ما يشبه الجدار من‬
‫في الخامسة مساءً‪ ،‬وعدنا إلى خيامنا في‬ ‫الصخور‪ ،‬وكانت كتلة هايم الجليدية دائماً‬
‫محاولة أخرى للمبيت قبل صعود القمة‪ ،‬إال‬ ‫على مرأى منا‪ ،‬واألدالء يقصرون الخطى‪،‬‬
‫أن جُ لّنا لم يتمكن من كثير نوم‪ ،‬ربما أيضاً‬ ‫أو كما يقول أهل كليمنجارو (بولي‪ ،‬بولي)‪،‬‬
‫بسبب مقدار ارتفاع موقعنا‪.‬‬ ‫ويحثوننا على اإلكثار من شرب الماء‪ ،‬وتناول‬
‫بعض المأكوالت‪ ،‬منعاً لإلصابة بالجفاف‬
‫االعتالء‪ :‬من صنوف الحرية‬ ‫الــذي‪ -‬كما سلف ‪ -‬يصاحب المسير في‬
‫وفي الساعة الحادية عشرة مساءً‪ ،‬نبّه‬ ‫هذه االرتفاعات العالية‪ .‬وقد شكا بعضنا‬
‫من قلة النوم في تلك الليلة التي‬
‫صحراء المرتفعات‬ ‫أمضيناها في بارافو‪ ،‬وربما يكون‬
‫الرتفاع المكان دور في ذلك‪.‬‬
‫وكــان من المخطط له أن تكون‬

‫‪13‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫األدالء النائمين منا لإلفاقة من المبيت‪،‬‬
‫ودعــونــا لالجتماع على وجــبــة أع ــدت لنا‬
‫لنتناولها قبل الشروع بالسير‪ .‬وفي الساعة‬
‫‪ 12:10‬بعد منتصف الليل‪ ،‬بدأنا مسيرنا‬
‫لقمة اوهــورو‪ ،‬قمة الجبل‪ ،‬التي كانت تبعد‬
‫عنا حوالي سبعة كيلومترات تقريباً‪ ،‬فتابعنا‬
‫مشي الهوينا‪ ،‬في مساءٍ مقمر وبارد‪ ،‬ووصلنا‬
‫نقطة ستيال (‪ )Stella Point‬في الخامسة‬ ‫مجموعتنا وبعض األدالء‬
‫والنصف صباحاً‪ .‬وستيال‪ ،‬حسب ما رواه‬
‫دليلنا‪ ،‬اسم أول امرأة غربية حاولت صعود‬
‫كليمنجارو في القرن التاسع عشر الميالدي‪،‬‬ ‫المجموعة في صحراء المرتفعات‬

‫وصلت هذه النقطة ثم عادت أدراجها‪ ،‬فسمّوا‬


‫الموقع باسمها‪ .‬وقد كان بين صاعدي الجبل‬
‫أثناء صعودنا له كثي ٌر من النساء‪ ،‬بل أكاد‬
‫أقول إن جُ ل الصاعدين منهن‪.‬‬
‫واصلت مجموعتنا مسيرها إلى القمة‪،‬‬
‫بدرجات متفاوتة من الجهد والمشقة؛ فمنا‬
‫مَن لم يعانِ من أية أعراض البتة‪ ،‬ومنا من‬
‫شكا شديد الــصــداع‪ ،‬والــشــعــور بالغثيان‪،‬‬ ‫منطقة الغابة‬
‫والجهد الكبير في التنفس‪ .‬ووصل أولنا إلى‬
‫اوهورو في الساعة السادسة وعشر دقائق‬
‫من صباح ذاك اليوم السابع‪ ،‬ولحق آخرنا‬
‫بأولنا في الساعة السادسة وخمس وعشرين‬
‫دقيقة‪ ،‬لحظة ش ــروق الشمس‪ .‬واقتربنا‬
‫جميعاً عندها من بعض استيعاب لسبب‬
‫تسمية قمة كليمنجارو بالحرية‪ ،‬وتمكنا من‬
‫فهم لما كتبه هيمنجواي وصفاً لها‪.‬‬ ‫بعض ٍ‬
‫ففي تلك اللحظة‪ ،‬وفي ذاك المكان‪ ،‬وقد‬
‫غراب كليمنجارو‬
‫حللنا فوق القمة مربعة األركــان‪ ،‬وجدناها‪،‬‬
‫كما قال هيمنجواي‪« ،‬وكأنها كما عرض كل‬
‫البسيطة‪ ،‬عظيمة‪ ،‬وشاهقة»‪ ،‬وشهدنا كتلة‬
‫جليد هايم «بيضاء في ضوء الشمس كما‬
‫ال يمكن التصديق بحقيقته»‪ ،‬فبدينا وكأننا‬
‫علمنا إلى أين كنا ذاهبين‪ ،‬وغمرنا مزي ٌج‬
‫من نشوة الفوز بالنجاح‪ ،‬والفخر بالتغلب‬
‫على الشك بالنفس‪ ،‬والتيقّن من المقدرة‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪14‬‬
‫رحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ�ت‬
‫على مواجهة التحديات‪ ،‬فتذوقنا بعضاً من‬
‫صنوف الحرية المنشودة‪.‬‬
‫كــان المشه ُد أمــامــنــا فــي ذاك الموقع‬
‫شاهق االرتــفــاع‪ ،‬بالغ الصفاء‪ ،‬كما لم نر‬
‫مــن قــبــل‪ .‬الشمس ســاعــة الــشــروق تطلق‬
‫خيوطاً من األلوان‪ ،‬بدا وكأن من بينها اللون‬
‫األخضر‪ ،‬وكتل الجليد والغيوم‪ ،‬التي علونا‬
‫عليها‪ ،‬نبصرها كلوحة مــن رس ـ ٍـم لفنان‪،‬‬ ‫منطقة ما بين الخلنج وصحراء المرتفعات‬
‫والبهجة تــعـ ُّم جميع مَــن صــعــدوا القمة‪،‬‬
‫بمختلف جنسياتهم‪ ،‬وأعراقهم‪ ،‬ومعتقداتهم‪،‬‬ ‫من زهور الغابة‬
‫وكأنهم في يوم عيد‪ ،‬ك ٌل منهم يعانق اآلخر‪،‬‬
‫عرفه أو لم يعرفه‪ ،‬ويقدم التهاني له بإكماله‬
‫الصعود‪ .‬وأخذ جميع الصاعدين يصطفون‬
‫ألخذ دورهم بالوقوف أمام اللوحة الخشبية‬
‫الموضوعة في أعلى اوهورو‪ ،‬ومكتوب عليها‬
‫اســم الموقع‪ ،‬ومــا يميزه‪ ،‬ومقدار ارتفاعه‬
‫فــوق سطح الــبــحــر‪ ،‬اللــتــقــاط الــصــور لهم‬
‫وأعضاء مجموعتهم‪ ،‬ثم بعد ذلــك للمكان‬
‫عموما‪ ،‬ولــشــروق الشمس‪ ،‬وكــتــل الجليد‬ ‫شجر الخلنج‬
‫والغيوم السابحة تحتهم‪ ،‬بينما االبتسامات‬
‫تمأل الوجوه‪ ،‬وشعارات االنتصار بمختلف‬
‫شعور منهم‬
‫ٍ‬ ‫أشكالها ترتفع في كل مكان‪ ،‬بغير‬
‫اكتراث بشديد‬
‫ٍ‬ ‫بالبرد الذي يلفهم(‪ ،)١٩‬وبال‬
‫اإلعياء الذي كان يُثقل كاهل كثير منهم‪ .‬ولو‬
‫نظرت إلى صورتنا أمام لوحة اوهورو ساعة‬
‫وصولنا لها‪ ،‬لما تمكنت من التعرف على‬
‫عضو مجموعتنا الذي اختل بصره‪ ،‬واشتد‬
‫إعياؤه‪ ،‬وكان بين الفينة واألخرى يبدو في‬
‫واقف على قدميه(‪.)٢٠‬‬‫ٌ‬ ‫غيبة من الوعي وهو‬
‫الختام‪ :‬نوع من ذروة الوئام‬
‫أجــزم أن بعض قــراء هــذه السطور‪ ،‬أو‬
‫ربما جلّهم‪ ،‬ما زال يعجب بالرغم من كل‬
‫ما قلته فيما تقدم‪ ،‬من تجشمنا‪-‬واآلخرين‬
‫مثلنا‪ -‬المشقة الجسيمة لمجرد صعود قمة‬
‫هذا الجبل‪ .‬وقد يعجب أكثر عندما أبلغهم‬
‫‪15‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫وأنين الناي يبقى بعدما يفنى الوجود‬ ‫المنظر من مخيم كوسوفو‬
‫هل اتخذتَ الغاب مثلي​منزال دون القصور‬
‫وتتبعت السواقي وتسلقت الصخور؟‬
‫هل تحمّ مت بعطرٍ وتنشفّ ت بنور‬
‫كؤوس من أثير؟‬‫ٍ‬ ‫وشربت الفجر خمر ًا في‬
‫أعطني الناي وغني فالغنا سر الوجود‬
‫وأنين الناي يبقى بعدما يفنى الوجود‬
‫هل جلست العصر مثلي بين جفنات العنب‬
‫والعناقيد تدلت​ كثريّات الذهب؟​‬ ‫أن صاعداً آخــر التقيته‪ ،‬وتبادلت أطــراف‬
‫الحديث معه‪ ،‬بعد تجاوزي نقطة ستيال وقبل‬
‫وتلحفت الفضاء‬ ‫هل فرشت العشب لي ًال ّ‬
‫وصولي القمة بدقائق‪ ،‬ذكر لي بأنه كان قد‬
‫زاهد ًا فيما سيأتي ناسي ًا ما قد مضى؟‬ ‫استقال من عمله‪ ،‬بعد أن تعذر حصوله على‬
‫أعطني الناي وغني فالغنا عدل القلوب‬ ‫إجازة طلبها من رئيسه‪ ،‬حتى يحقق مطلبه‬
‫وأنين الناي يبقى بعد أن تفنى الذنوب‬ ‫في اعتالء قمة كليمنجارو‪ ،‬التي طالما تطلّع‬
‫لصعودها‪ .‬وقــد قــال أبــو فــراس الحمداني‬
‫وانس داءً ودواء​‬
‫َ‬ ‫أعطني الناي وغني‬
‫«وللناس فيما يعشقون مذاهب»‪ .‬إنما لعل‬
‫إنما الناس سطو ٌر كتبت لكن بماء‬ ‫ما قاله صاعد الجبال اإلنجليزي المشهور‬
‫وكان لفيروز أن تضيف األبيات التالية من‬ ‫جورج هيربرت لي ميلوري‪ ،‬هو أبلغ ما يمكن‬
‫تقديمه للقارئ من بيان في هــذا الشأن‪.‬‬
‫كلمات جبران‪ ،‬ألغنيتها‪:‬‬
‫فعندما سُ ئل جورج هيربرت عن سبب تجشمه‬
‫نفع في اجتماعٍ وزحام‬ ‫ال ليت شعري أي ٍ‬ ‫المخاطر لصعود جبل إفرست‪ ،‬أجاب قائ ً‬
‫واحتجاج وخصام؟‬
‫ٍ‬ ‫وضجيج‬
‫ٍ‬ ‫وجدال‬
‫ٍ‬ ‫«ألنه هناك» (‪.)٢١()Because it is there‬‬
‫وفي رسالة كتبها جورج هيربرت لزوجته‪ ،‬كلها أنفاق ُخ ٍلد وخيوط العنكبوت‬
‫قال واصفاً شعوره في مثل هذه المواقف‪ :‬فالذي يحيا بعجزٍ فهو في بطءٍ يموت‬
‫«يــصــل الــمــرء لــمــرحــلــة مــبــاركــة الــجــرداء‬
‫و«ال عطر بعد عروس»‪.‬‬ ‫المطلقة‪ ،‬شعوراً منه بأن هناك جماالً بحتاً‬
‫للشكل‪ ،‬نو ٌع من ذروة الوئام»(‪.)٢٢‬‬
‫وأخــيــراً وليس بــآخـ ٍـر‪ ،‬أقــدم للقارئ ما‬
‫انتقته فيروز وغنّته من كلمات جبران خليل‬
‫جبران في قصيدة المواكب‪ ،‬وهي ما أجمعت‬
‫مجموعتنا على عـدّهــا األغنية الرسمية‬
‫لرحلتنا‪ ،‬والكاشفة لبعض ما أوحى به جورج‬
‫هيربرت في رسالته لزوجته‪:‬‬
‫أعطني الناي وغني فالغنا سر الوجود‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪16‬‬
‫رحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ�ت‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫كتبت هذه المقالة للنشر في الجوبة؛ استجابة القتراح تلقيته شاكراً من د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد‪ ،‬رئيس‬ ‫(‪ )١‬‬
‫هيئة النشر ودعم األبحاث في مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪.‬‬
‫بلغ عدد زوار منتزه تنزانيا الوطني‪ ،‬حيث يقع جبل كليمنجارو‪ 57.456 ،‬زائراً في سنة تنزانيا المالية ‪-2011‬‬ ‫(‪ )٢‬‬
‫‪ ،2012‬منهم ‪ 16.425‬صعدوا الجبل‪ .‬ويقال إن أول من صعد كليمنجارو من غير أهله غربيان اثنان‪ ،‬هما‪ :‬هانز‬
‫ماير‪ ،‬ولودويق بورتشلر‪ ،‬في سنة ‪1889‬م‪https://en.wikipedia.org/wiki/Mount_Kilimanjaro#Trekking_ .‬‬
‫‪.Kilimanjaro‬‬
‫‪./https://www.climbkilimanjaroguide.com/kilimanjaro-facts‬‬ ‫(‪ )٣‬‬
‫د‪ .‬برنارد هيكل‪ ،‬أستاذ دراسات الشرق األدنى في جامعة برنستون األمريكية‪ ،‬واالستاذ نبيل بن عثمان الخويطر‪،‬‬ ‫(‪ )٤‬‬
‫مستشار وزير الطاقة‪ ،‬والصناعة والثروة المعدنية السعودي‪ ،‬وعبدالرحمن بن زياد السديري‪ ،‬مستشار في شركة‬
‫بليديوم العالمية‪ ،‬وخالد بن زياد السديري‪ ،‬حديث التخرج من جامعة ويتون األمريكية‪ ،‬متخصص في التصوير‪،‬‬
‫وصناعة األفالم الوثائقية‪ ،‬وإسكندر هيكل‪ ،‬طالب الفلسفة في جامعة برنستون‪ .‬وقد جمعتني بالدكتور برنارد‬
‫هيكل ونبيل الخويطر وأصدقاء آخرين لم يشاركونا في الرحلة إلى كليمنجارو‪ ،‬رحالت أخرى كثيرة‪ ،‬وجمعتني‬
‫باألبناء‪ ،‬ومنهم طارق وجواهر وسارة‪ ،‬ووالدتهم منيرة بنت خالد السديري‪ ،‬الذين لم يشاركونا في هذا المناسبة‪،‬‬
‫رحالت ومشروعات ثقافية واستطالعية‪ ،‬وتعلمية عديدة‪ ،‬اشتركنا بها منذ نعومة أظفار األبناء‪.‬‬
‫انظر المصدر في الهامش رقم ‪.3‬‬ ‫(‪) ٥‬‬
‫إفرست في آسيا (‪ 8848‬متراً)‪ ،‬أكونكاجوا في جنوب أميركا (‪ 6.961‬متراً)‪ ،‬ماكنلي في شمال أمريكا (‪6.194‬‬ ‫(‪ )٦‬‬
‫متراً)‪ ،‬كليمنجارو في إفريقيا (‪ 5.895‬متراً)‪ ،‬البروس في أوروبا (‪ 5.642‬متراً) فينسون في القطب الجنوبي‬
‫(‪ 4.892‬متراً)‪ ،‬كوسيوسكو في استراليا (‪ .)2.228‬المصدر السابق‪.‬‬
‫‪.https://en.wikipedia.org/wiki/Mount_Kilimanjaro#Trekking_Kilimanjaro‬‬ ‫(‪ )٧‬‬
‫يقول البعض إن كليمنجارو اسم مركب من كلمتين سواحيليتين‪« ،‬كلي» تعني جبل‪ ،‬و»نجارو» تعني «البياض» وهو‬ ‫(‪ )٨‬‬
‫ما قد يرمز للجليد في أعلى الجبل‪ .‬ويقول آخرون إن كليمنجارو هو اللفظ األوروبي لكلمة في لغة (كي شاجا)‬
‫«عجزنا عن صعوده»‪ ،‬أي الجبل‪.‬‬
‫تعني ِ‬
‫‪.https://www.climbkilimanjaroguide.com/kilimanjaro-facts/#summit-success-rates‬‬ ‫(‪ )٩‬‬
‫انظر المصدر المذكور في الهامش رقم ‪.3‬‬ ‫(‪) ١٠‬‬
‫أنصح الراغب بخوض مثل هذه التجربة الذي يحسن اللغة اإلنجليزية قراءة الكتابين المذكورين فيما يلي‪ ،‬اللذين‬ ‫(‪ )١١‬‬
‫يتضمنان معلومات مفيدة جداً لحسن اإلعداد للرحلة‪ ،‬والعلم بتكاليفها‪ ،‬والوكاالت التي يمكن أن تتولى تنظيمها‪،‬‬
‫وتفاصيل أخرى عنها‪.‬‬
‫‪The Trekking Guide to Africa›s Highest Mountain by Henry Stedman‬‬ ‫ ‬
‫‪Kilimanjaro & Mount Kenya: a climbing and Trekking Guide by Cameron M Burns‬‬ ‫ ‬
‫(‪ ) ١٢‬اختار عبدالرحمن وكالة رحالة‪.‬‬
‫‪https://en.wikipedia.org/wiki/Arusha‬‬ ‫(‪ )١٣‬‬
‫‪/https://www.jacobinmag.com/2015/12/julius-nyerere-tanzania-socialism-ccm-ukawa‬‬ ‫ ‬
‫علمت بوجود سبعة دروب لصعود كليمنجارو هي ماشامي‪ ،‬ولموشو‪ ،‬وشيرا‪ ،‬وامبوي‪ ،‬ومويكا‪ ،‬ومرانجوا‪،‬‬ ‫(‪ )١٤‬‬
‫ورونجاي‪ .‬وتختلف الدروب السبعة في تضاريسها‪ ،‬ومدة صعودها‪ ،‬وصعوبة مسلكها‪.‬‬
‫كل منا يحمل معه في كل يوم بعضاً من تمر الونان‪ ،‬المفضل من قبل الجميع‪ ،‬والشكوالتة‪ ،‬ومثلها‪ .‬وكان‬ ‫كان ٍ‬ ‫(‪ )١٥‬‬
‫إسكندر يحمل معه أقراصاً تحتوي على مادة األلكترواليت‪ ،‬تعوض ما يفقده الجسم من هذه المادة المساعدة‬
‫وقت وآخر أثناء المسير‪.‬‬
‫في تجنب الجفاف‪ ،‬وكان إسكندر ال يبخل بتوزيع األقراص على رفاقه بين كل ٍ‬
‫تقول أغنيتهم األكثر ترديداً من قبلهم‪:‬‬ ‫(‪ )١٦‬‬
‫‪ Jumbo, Jumbo Buana‬مرحبا‪ ،‬مرحباً أيها السيد‬
‫‪ Habari Gani, Nizori Sana‬كيف حالك‪ ،‬أنا بخير‬
‫‪ Wagani, Tawagari Bishua‬أيها الضيف‪ ،‬أنت موقر‬
‫‪ Kilimanjaro, Akuna Matata‬ال تتوجس في كليمنجارو‬
‫‪ Tempea, Poli, Poli, Akuna Matata‬نحن نسير ببطء‪ ،‬ال تتوجس‬
‫من هؤالء تنزانيٌ مسلم اسمه زبير‪ ،‬ال يحسن اللغة اإلنجليزية كثيراً‪ ،‬فكان جوابه المفضل ألسئلتنا الكثيرة هو‬ ‫(‪ )١٧‬‬
‫«األمر يعتمد» (‪.)it depends‬‬
‫طلب عميد رحلتنا‪ ،‬االبن عبدالرحمن‪ ،‬أن توفر رحالة وسيلة لالستحمام‪ ،‬وكان كثيرنا يفيد من هذه الخدمة‬ ‫(‪ )١٨‬‬
‫بمجرد وصولنا المخيم‪ .‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬ورغم أنه يتوفر في كل مكان معد لمخيمات الــزوار دورات مياه‬
‫عامة الستعمال المقيمين في المخيمات‪ ،‬إال أن مجموعتنا كانت تفيد من دورات مياه خاصة بنا ينقلها الفريق‬
‫المصاحب معنا‪ .‬وهذه خدمة توفرها كثير من الوكاالت مثل رحالة‪.‬‬
‫درجات تحت الصفر أو أقل من ذلك وقت وصولنا لها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫قدر جيمز ماتو درجة الحرارة في اوهورو بعشر‬ ‫(‪ )١٩‬‬
‫تلقى زميلنا قسطاً من األكسجين بعد شكواه من األعراض المذكورة‪ ،‬فشعر ببدء تحسن حاله في حينه وزالت‬ ‫(‪ )٢٠‬‬
‫عنه كل األعراض في اليوم التالي بعد وصولنا أسفل الجبل‪.‬‬
‫شارك جورج ميلوري في أول ثالث محاوالت العتالء جبل إفرست في مطلع العقد الثالث من القرن العشرين‪،‬‬ ‫(‪ )٢١‬‬
‫ولقى حتفه في المحاولة الثالثة سنة ‪1924‬م‪ ،‬وعثر على جثته متجمدة في كتلة جليدية في ‪ 1‬حزيران‪ ،‬سنة‬
‫‪1999‬م‪ ،‬ومن غير المعروف ما إذا كانت وفاته قد وقعت قبل تمكنه من اعتالء قمة افرست‪ ،‬أم بعد إتمامها‪.‬‬
‫‪.https://en.wikiquote.org/wiki/George_Mallory‬‬ ‫ ‬
‫المصدر السابق‪.‬‬ ‫(‪ )٢٢‬‬

‫‪17‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫بالغة الخطاب الروائي‬
‫في روايات محمد حسن علوان‬
‫‪ρρ‬هويدا صالح ‪ -‬مصر‬

‫كاتب سعودي شاب‪ ،‬بدأ شاعرا‪ ،‬وكاتبا للقصة القصيرة والمقاالت الصحفية‪،‬‬
‫ثم انتقل سريعا إلى كتابة الرواية‪ ،‬ليقدم للمدونة الروائية العربية خمس روايات‬
‫هــي بترتيب الـصــدور‪ :‬سقف الكفاية (‪2002‬م)‪ ،‬صوفيا (‪2004‬م)‪ ،‬طــوق الطهارة‬
‫(‪2007‬م)‪ ،‬القندس (‪2011‬م)‪ ،‬موت صغير (‪2016‬م)‪ .‬كما له كتاب بعنوان‪« :‬الرحيل‪،‬‬
‫نظرياته والعوامل المؤثرة فيه» وهو دراسة ‪ ‬شاملة في دوافع الرحيل أو ما يُعرف‬
‫بالهجرة والسفر‪ ،‬موضح ًا آثار هذا الرحيل من الزوايا البحثية في علوم االجتماع‬
‫واالقتصاد والنفس والجغرافيا والسياسة‪.‬‬
‫تنوّعت العوالم السردية لرواياته‪ ،‬لكن تظل موضوعة «الحب» و«شعرية العالم‬
‫وبالغة اللغة» قواسم مشتركة بين هــذه الــروايــات‪ .‬وصلت روايته «القندس» إلى‬
‫القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية‪ ،‬كما اخـتــارت مؤسسة خــان الغارديير‬
‫باريس رواية القندس لتفوز بجائزة أفضل رواية عربية لعام ‪2015‬م‪ .‬وأخيرا وصلت‬
‫روايته األخيرة «موت صغير» إلى الفوز بجائزة البوكر العربية؛ لذا‪ ،‬فتحت «الجوبة»‬
‫ملف العوالم السردية والجمالية لمشروع محمد حسن علوان الروائي‪ ،‬واستكتبت‬
‫نقادا من المملكة العربية السعودية‪ ،‬وبعض الدول العربية‪ ،‬ليقاربوا عوالم هذا‬
‫الروائي السعودي الذي وضع الرواية السعودية في بؤرة االهتمام النقدي مؤخراً‪.‬‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪18‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫الخطاب السوسيولوجي في رواية القندس‬


‫‪ρρ‬د‪ .‬مصطفى عمر توفيق ـ مصر‬

‫إن التفسير االجــتــمــاعــي لـــأدب أحــد ابن األســرة الميسورة الحال ‪-‬الــذي يعاني‬
‫المناهج النقدية التي يفيد منها الناقد في عالقته بأبيه وأمه‪ -‬يرحل إلى أمريكا‪،‬‬
‫لمعرفة ما وراء النص من خطابات‪ .‬ورسالة ويظل هناك عشرين عــامــا‪ ،‬يعود خاللها‬
‫األديــب‪ ،‬رسالة مزدوجة؛ فمن جهة‪ ،‬ننتظر عبر الفالش باك‪ ،‬مسترجعا التاريخ السري‬
‫منه أن يكون لسان الطبقة الكادحة؛ ومن جهة ألسرته‪ ،‬ألبيه وأمه وإخوته‪ ،‬لمعاناة طفولته؛‬
‫ثانية‪ ،‬ينبغي له أن يعمق االتجاه العقائدي وألنه يعمد إلى النقد االجتماعي‪ ،‬فيبحث‬
‫ال ــذي تعتنقه وتسير عليه هــذه الطبقة‪ .‬عــن مــعــادل موضوعي ألســرتــه التي تتأزم‬
‫والنقد السوسيولوحي يدعو إلى أن يكون عالقته بها طــوال الــوقــت‪ ،‬فال يجد سوى‬
‫المثقف ملتزما بقضايا وطنه‪ ،‬الذي يحاول حيوان القندس ليتخذه استعارة لهم‪ ،‬فهم‬
‫أن يكشف المسكوت عنه في هذا الوطن‪ ،‬يشبهونه وهو يشبههم في قبحهم الداخلي‪،‬‬
‫ويستجلي قضاياه‪ ،‬عبر استجالء قضايا الذي يراه السارد بضمير األنا‪.‬‬
‫اإلنسان الفرد في محيطه االجتماعي‪.‬‬
‫حين يرى السارد القندس في أمريكا‪ ،‬يرى‬
‫إن النقد السوسيولوجي المعاصر على الناس متعلقة بهذا الحيوان‪ ،‬بل تقام باسمه‬
‫اخــتــاف مــدارســه ومــذاهــب نــقــاده‪ ،‬حــاول المهرجانات‪ ،‬كان األشهر في بورتالند‪ .‬راح‬
‫أن يــؤســس جمالية تــقــوم على المضمون غالب يتأمل هذا القندس‪ ،‬ويحيل كل صفاته‬
‫االجتماعي للعمل األدبي؛ إذاً‪ ،‬فثمرة اختيار الحيوانية على عائلته‪ ،‬رآهم جميعاً قنادس‪!..‬‬
‫األديب لعناصر فنية من الواقع االجتماعي وراح يتأملهم ويحلل كل تصرفاتهم من خالل‬
‫هو ليس اختيارا تعسفيا أو عفويا‪ ،‬وإنما هو القندس‪ ،‬تأملت سنيّه البارزتين اللتين اكتستا‬
‫اختيار يوجهه فكر األديب وشعوره‪ ،‬كما أنه لوناً برتقالياً شاحباً من فرط ما قضم من‬
‫اختيار مــزوًد بتجارب هذا األديــب وخبرته لحاء البلوط والصفصاف‪ ،‬فذكّرني لوهلة‬
‫بما كانت عليه أسنان أختي نورة‪ ..‬أما ردفه‬ ‫عن المجتمع والحياة‪.‬‬
‫في رواية «القندس» لمحمد حسن علوان السمين فذكرني بأختي بدرية‪ ..‬وعندما رفع‬
‫حــاول عبر حكايات األف ــراد‪ ،‬إظهار غالب إليّ عينيه الكلَّتَين‪ ،‬محاوالً أن يقرأ مالمحي‬
‫وأســرتــه وعالقاتهم االجتماعية‪ ،‬فغالب ونواياي بدا مثل أمي‪ ..‬انتزع التمرة من يدي‬
‫‪19‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫مع ناصر بطل سقف الكفاية‪ ،‬حيث نمت‬
‫بذرة الحب مع مها من خالل لقاءات سرية‬
‫جمعتهما)‪ ،‬لكن لم يكتب لهذا الحب أن يتوّج‬
‫بـارتباط مقدّس ألسباب قبلية‪« ،‬كــان رأي‬
‫أبــي معلوماً لي قبل أن أضطر لمفاتحته‪،‬‬
‫تماماً مثلما تعلم هي مسبقاً رأي أبيها‪ .‬كل‬
‫من العائلتين كانت تتعالى على األخرى مما‬
‫جعل المعادلة أصعب فعزفنا عن حلها قبل‬
‫أن نحاول»‪.‬‬
‫في سقف الكفاية كانت األســبــاب غير‬
‫واضــحــة؛ فمها التي كانت قد خطبت في‬
‫كما ينتزع أبي ثمار الحياة انتزاعاً! قبض وقــت ســابــق للقائها مــع نــاصــر كــان يمكن‬
‫عليها بيد شحيحة‪ ،‬ذكرتني بيد أخي سلمان لها أن ترفض الخطوبة‪ ،‬لكنها لــم تفعل‪،‬‬
‫وكأن الكاتب أراد أن يضع بطله في موقف‬ ‫عندما تقبض على المال‪.»..‬‬
‫تراجيدي‪ ،‬ليصنع له مأساته الكبرى حتى‬ ‫الخطاب االجتماعي في القندس‬
‫يبرر هذه الرواية االسترجاعية المونولوجية‪.‬‬
‫غالب يعاني من هزيمة اجتماعية من‬
‫وكذلك فعل غالب وغادة‪ ،‬لم يدافعا عن‬
‫خالل عالقته بأسرته‪ ،‬وهزيمة عاطفية من‬
‫حبهما‪ ،‬فقد ‪ ‬تزوجت غادة سفيراً‪ ،‬وغادرت‬
‫خالل عالقته بغادة‪ ،‬الفتاة التي التقى بها‬
‫عشقها األول ليأخذها الغياب سنة كاملة قبل‬
‫في جدة‪« ‬علقت غادة بصنارتي التي رميتها‬
‫أن تعود لتسترد مكانها الشاغر دائماً‪ ..‬كانت‬
‫بال مباالة في أحد شبابيك جدة‪ ،‬ولم أعوّل‬
‫غادة عاشقة مثالية لفتى صاخب‪ ،‬ولكنه لن‬
‫عليها أن تعود بشيء‪ .‬لكن الذي يعرف جدة‬
‫يتزوجها مطلقاً كما تقول القبيلة التي في‬
‫يعرف أنه عندما يكون الموسم ربيعاً يلقي‬
‫دمه‪ ،‬وكنت عاشقاً لحوحاً لفتاة حرة‪ ..‬ولكنها‬
‫البحر على المدينة أطناناً من اللقاح الذي‬
‫لن تتزوجه أيضا كما تقول المدينة في دمها‪.‬‬
‫يتنفسه الناس وال يرونه‪ .‬يصبح الحب حالة‬
‫هــكــذا تركنا القصة مفتوحة دون تدوين‬
‫عامة والشوارع مليئة بالقلوب الخصبة»‪.‬‬
‫تفاصيلها‪ ،‬حتى إذا اضــطــرم الحب بيننا‬
‫‪ ‬توثقت عالقتهما مــن خــال اللقاءات رمينا باللوم على األباء‪ ،‬وشتمت هي جنوبي‬
‫السرية ونــمــت ب ــذرة الــحــب (مثلما حدث المتخلف وشتمت أنا حجازها المتحذلق‪.‬‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪20‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫أما إذا خفت الحب وتحوّل إلى عالقة باهتة األلــم والــراحــة أن الجوهرة الصغيرة التي‬
‫كتلك التي نعيشها اليوم‪ ،‬تذكّرنا معاً أنها احتفظت بها في صندوق مخملي في أقصى‬
‫القلب كانت مزيّفة‪ ،‬وال تستحق سوى ثمن‬ ‫ربما جاءت أبهت‪ ،‬لو كنا تزوّجنا فعال»‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬يحاول الكاتب أن يكشف المسكوت بخس من النزوات الطارئة»‪ .‬هل كان اللقاء‬
‫عنه في حياة مجتمع قبلي‪ ،‬يخضع أفراده والعيش تحت سقف واحد اختباراً حقيقياً‬
‫في مصائرهم ومقدراتهم لسلطة القبيلة‪ ،‬لــوهــج الــحــب ولــواعــجــه؟ هــل هــو خطاب‬
‫فرغم أن العالقة الغرامية المشبوبة بنار تفكيكي لمشروع المؤسسة الزوجية التي‬
‫الــعــشــق تستمر حــتــى يــصــل كــاهــمــا لسن يراها السارد أنها تقتل الحب؟! إن الحبيبة‬
‫األربعين؛ يلتقيان بين زمن وآخــر في مدن الهاربة إليه من فشل المؤسسة الزوجية‬
‫مختلفة من العالم‪ ،‬وبينما تعيش غادة حياتها تجابه بالفشل ذاته حينما تعيش مع حبيبها‬
‫وتربّي أطفالها‪ ،‬يظل غالب سجين نفسه‪ ،‬تحت سقف واح ــد‪ ،‬وكــأن هــذا الــوقــت هو‬
‫يتمرد أكثر‪ ..‬فيقرر أن يعتزل في «بورتالند» اختبار لمدى صالبة الحب وصمود الشغف‬
‫بالقرب من نهر «ويالمت»‪ ،‬يفني أيامه بين في وجه ما هو عادي ويومي «بالتأكيد كنت‬
‫تعلّم صيد السمك والتصعلك في الحانات‪ ،‬أحبها ولكني لم أكن أعرف نوع هذا الحب‪.‬‬
‫ثم العودة لشقته المستأجرة‪ ،‬من هناك‪ ..‬أعتقد أني مارست معها نصف أنواعه على‬
‫يظل يتواصل معها هاتفيا‪ ،‬إلى أن تفاجئه األقل‪ .‬أحببتها باستخفاف في البداية ألني‬
‫بقرار زيارتها لمحل إقامته لتدبّر شؤون كنت أظنها سهلة المنال بسبب استجابتها‬
‫دراس ــة ابنها‪ ،‬لكنها وبسبب خــاف يدب السريعة‪ .‬فكرت في البداية أن بنات جدة‬
‫مع زوجها‪ ،‬تقرر البقاء في بورتالند لحين كلهن كذلك‪ ،‬ولكن عشرين سنة من الدوران‬
‫يرضخ زوجها لمطالبها‪ ،‬فتسكن شقة غالب حولها مثل أطواق زحل تبخرت هذه الفكرة‬
‫فترة قبل أن تعود إلى زوجها‪ ،‬لكن خالل هذه تماماً‪.»..‬‬

‫نقد سوسيولوجي آخــر وتفكيك للوعي‬ ‫الفترة التي يجرّب فيها غالب العيش مع أحد‬
‫آخــر‪ ،‬يكتشف أن األمــر برمته كــان نــزوات الذكوري تجاه المرأة‪ ،‬فالمرأة التي أحبت‬
‫طارئة‪« ‬الحقيقة التي كشفها استيقاظنا معاً ومنحت حبيبها ما يتوقع منها أن تمنحه‬
‫في الصباح على أمزجة متناقضة وصمتنا جعله يفسر ذلك على أنها رخيصة وسهلة‬
‫الطويل في المساء أمام برنامج تلفزيوني‪ ،‬المنال‪ ،‬وهذا فكر ذكوري ينظر إلى النساء‬
‫هي أن عالقتنا برمتها لم تكن أكثر من صدفة بدونية‪ ،‬ويختصر الــشــرف فيما يمكن أن‬
‫غير متقنة‪ .‬اآلن اكتشفت بشعور مختلط بين يطلق عليه التمنّع خوفا من نظرة المجتمع‪.‬‬
‫‪21‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫لم يقف الكاتب عند الخطاب الذكوري وفيما بينهم وبين اآلخرين‪ .‬لكن غالب أيضا‬
‫وتهميش المرأة‪ ،‬كما لم يقف عند العالقات لم يكن فاعال في تلك األسرة التي أراد أن‬
‫األسرية المرتبكة والمربكة التي تربط السارد يعرّي عالقاتها االجتماعية‪« :‬وخرجت إلى‬
‫بأسرته‪ ،‬باألب واألم واألخوة وحتى الجد‪ ،‬بل سيارتي‪ ،‬وأنــا أفكر كيف يتعامل اهلل مع‬
‫حاول أن يكشف المسكوت عنه في قضايا‬
‫الدعوات المتتابعة التي يرفعها أبي وأمي‬
‫اجتماعية عــديــدة وشائكة مثل «الكفالة»‬
‫عــلــيّ ‪ ،‬منذ ســت وأربعين سنة حتى اآلن؟‬
‫و«العمالة»؛ فأبطاله تائهون بين قيم المجتمع‬
‫أتــراه يمهلني أم يهملهما؟ لكنه لم يتعلم‬
‫المحافظ ومجتمع الوفرة النفطية‪ ،‬والحداثة‬
‫من القندس‪ ،‬فلم يبن ســدودا أو مسارب‪،‬‬
‫المصطنعة التي لم تصبغ تصرفات الناس‪،‬‬
‫بل واصــل الهرب‪ ،‬ال يحل في مكان واحد‬
‫إنما كانت الحداثة مجرد شكليات يستفيد‬
‫من منتجها أفراد المجتمع‪ ،‬ولم تتغلل إلى بنية فترة طويلة‪ ،‬يهرب من مجتمع ينتقد سياسته‬
‫وعيهم وتفكيرهم‪ ،‬فجميعهم مثل القندس‪ ..‬وهويته‪ ،‬وينتصر لهوية أخرى‪ ،‬هوية اآلخر‬
‫الحيوان النهري الذي يحفر األنفاق ويبني الغربي حيث فارق الرياض ليعيش في مدينة‬
‫السدود؛ وكذلك غالب وأسرته؛ فكل أفراد أمريكية (بورتالند) ولم يقم بدوره أخاً أكبر‬
‫األسرة يحفرون ويبنون سدودا‪ ،‬لكن القندس فــي تلك األســـرة‪ ،‬الــتــي يــحــاول أن يعريها‬
‫يحفر أنــفــاقــه لتكون مــســارب لــه ومــهــارب ويكشفها للقارئ كي يتعاطف مع مأساته‪،‬‬
‫خطر ما قد يداهمه‪ .‬لكن تلك األسرة وأنــه نتاج طبيعي لهذا التفكك األســري‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫من‬

‫التي لم تشتتها خطوب وال حوادث كبرى‪ ..‬تخلّت عنه أمــه فــور والدتــه‪ ،‬وتركت البيت‬
‫ما الذي دفعها لتقيم تلك السدود النفسية‬
‫لتتزوج آخــر‪ ،‬وانشغل عنه وال ــده بزوجته‬
‫بين أفرادها؟ هنا نتساءل عن مدى نجاعة‬
‫وأوالده وتــجــارتــه؛ فــصــار تجليا واضــحــا‬
‫االستعارة التي وظّ فها الكاتب‪ ،‬وهل قدّم لنا‬
‫للتفكك األسري‪ ،‬وانقاد خلف عالقات شاذة!‬
‫المبررات السردية والفنية لذلك التشتت‬
‫إنَّ رهـــان ال ــرواي ــة الحقيقي هــو ذلــك‬ ‫والتمزق االجتماعي؟! فليس بالضرورة كل‬
‫من حدثت له طفرة نفطية أو أصاب غنى ما‪ ،‬الخطاب السوسيولوجي الذي ينتقد المجتمع‬
‫أن تتفكك أسرته‪ ،‬مثلما حدث ألسرة «غالب» وينتقد بنيته الذهنية وآليات إنتاج الخطاب‬
‫فيه‪ .‬رواية تحاول أن تتحسس خطاها‪ ،‬وهي‬ ‫بطل القندس‪.‬‬
‫يتهم «غالب» عائلته أنها مثل القندس تخطو نحو كشف المسكوت عنه في هذا‬
‫الذي يقيم السدود والدهاليز بينهم وبينه‪ ،‬المجتمع‪.‬‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪22‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫رواية (صوفيا)‪ :‬بين جمالية اللغة وثنائياتها الضدية‬
‫‪ρρ‬د‪ .‬إكرامي فتحي ‪ -‬مصر‬

‫عمل فنيٍّ جمالياتُه الخاصة التي صرَّح بعدم جودتها‪ ،‬لكن ما لم يختلف عليه‬
‫ٍ‬ ‫لكل‬
‫يتميز بها‪ ،‬والتي تمنحه صفة «الفنية» في كل هــؤالء هو تميُّز لغتها؛ فكثرت عبارات‬
‫الوقت نفسه‪ ،‬وتظل هذه «الجماليات» هي اإلشادة بهذه اللغة التي خرجت بها الرواية‪،‬‬
‫المقصد األسمى الذي يسعى إليه الناقد؛ دون تحديد َم ْكمَن الجمال‪ ،‬الذي يمكن رؤيته‬
‫س ــواء أحــس بها الــقــارئ الــعــادي وأدركــهــا «صوتًا منفردًا» لهذا العمل؛ ومن ثم يعمل‬
‫المتلقي الــعــام أم ال‪ .‬وتـــزداد أهمية تلك هذا المقال على الكشف عن جانب منه‪ ،‬ال‬
‫سيما مع يقيني بمفارقة نقدية يختص به‬ ‫الجماليات «الخاصة» عندما تكون الصوتَ‬
‫المنفرد للعمل الفني؛ ومن ثم تصبح جدير ًة السرد العربي الحديث‪ ،‬وهي شدة أهمية‬
‫بالعناية النقدية‪ ،‬دون غيرها من الظواهر لغته‪ ،‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬قلة العناية النقدية‬
‫بتلك اللغة(‪.)٣‬‬ ‫التي يشترك فيها هذا العمل مع غيره‪.‬‬

‫وعلى جانب آخر‪ ،‬ثمة ظاهرة ملفتة في‬ ‫ولعل روايــة «صوفيا» للكاتب السعودي‬
‫هذه الرواية‪ ،‬وهي «الثنائيات الضدية» ‪Binary‬‬ ‫«محمد حسن علوان»‪ ،‬الحائز مؤخرًا على‬
‫جائزة البوكر للرواية العربية ‪2017‬م‪ -‬مثا ٌل‬
‫واضح على امتالك «الصوت المنفرد للعمل‬
‫والنقاد‬ ‫(‪)١‬‬
‫الفني»‪ ،‬رغــم تبايُن آراء الــقــراء‬
‫إزاءها(‪ ،)٢‬فبعضهم قرر أنها «تقدم لنا عالقة‬
‫إنسانية فريدة بأسلوب أكثر تفردًا‪ ،‬بعض‬
‫أجــزاء العمل ضاربة فى العمق اإلنسانى‬
‫بطريقة مقلقة ومؤلمة»‪ .‬بينما أكد آخرون‬
‫أنها «انهيار سردي مفجع»‪ ،‬وأن «الرواية قد‬
‫سقطت في فخ الترهل الوصفي»‪.‬‬
‫ومبعث هــذا التباين فــي رأي ــي أن كل‬
‫هــؤالء بحثوا عن نموذج مسبق في الذهن‬
‫المتلقِّي داخل هذا العمل‪ ،‬فمن وجد ذلك‬
‫أكد أن الرواية رائعة‪ ،‬ومن وجد غير ذلك‬
‫‪23‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫‪ ،Oppositions‬تلك التي تعد إحدى مرتكزات بتصوير مالئكي لوفاة صوفيا‪ ،‬ثم محلال‬
‫النقد البنيوي‪ ،‬والتي تمثل آلي ًة مهمة من شخصيته المصابة بــداء الملل النفسي‪،‬‬
‫اآلليات اإلجرائية لمقاربة النصوص األدبية ومستعيدًا األحــداث التي م ّر بها مع فتاته‬
‫في ذلك الخطاب النقدي؛ فهذه «الثنائية طــوال نحو شهرين‪ ،‬دارت كلها حول حدث‬
‫وسيلة تصنيفية تجعل الفهم ممكنًا» كما واحد‪ ،‬هو انتظار الموت‪ ،‬لكن عبر رؤيتين‬
‫يقول رافيندران سانكاران(‪ ،)٤‬وذلك من خالل متباينتين لكل من معتز وصوفيا‪.‬‬
‫من هنا‪ ،‬تعدَّ دت في الرواية تلك الثنائيات‬ ‫إيصال الفكرة التي يــروم المبدع إيصالَها‬
‫للمتلقي؛ في ضوء ذلك ذهبت البنيوية إلى الــضــديــة‪ ،‬وف ــي مقدمتها‪ :‬األنـــا واآلخـــر‪،‬‬
‫اعتماد اإلطار الثنائي واالرتكاز عليه أساسً ا اللذين تجسدا من خالل شخصيتَيْ «معتز»‬
‫و«صــوفــيــا»‪ ،‬وعــبــرهــمــا تــوالــت الثنائيات‬ ‫قويًا إلقامة مجمل دراساتها‪.‬‬
‫وهذه الثنائيات إحدى النواميس العامة األخرى‪ :‬الحياة والموت‪ ،‬الرياض وبيروت‪.‬‬
‫ولتكثيف الــرؤيــة‪ ،‬يمكن النظر إلــى تلك‬
‫التي تحكم الحياةَ اإلنسانية؛ ومن ثم كان‬
‫الثنائيات من خالل ما تميز به هذا العمل‬
‫حضورها المتجذِّر في اإلبداع البشري‪ ،‬الذي‬
‫«جمالية لــغــويـ ٍـة» كانت أحد‬
‫ٍ‬ ‫الــســردي مــن‬
‫يعد رؤية للحياة والوجود‪ ،‬لم يكن هذا فقط‬
‫جوانب «صوت الرواية المنفرد»‪ ،‬وفي مقدمة‬
‫دافعي التخاذ تلك الثنائيات منطلقًا لتناول‬
‫تلك «الجمالية» برز النسيج التشبيهي؛ ليس‬
‫جانب من جمالية اللغة في رواية «صوفيا»؛‬
‫بوصفه أداة أسلوبية بعيدة كل البعد عن‬
‫فإضافة لكل ما سبق‪ ،‬نجد أن تلك الظاهرة‬
‫الــروايــة نوع ّيًا ‪ -‬فالتشبيه ارتبط بالشعر‬
‫قد امتلكت «قــوةَ الحضور» في هذا النص‬
‫أكثر من السرد ‪ -‬أو زمن ّيًا ‪ -‬فذلك التشبيه‬
‫السرديِّ ؛ بحيث صارت المحور األكبر لديه‪.‬‬
‫أداة فنية أكثر تج ُّذرًا في التراث البالغي‬
‫فــروايــة (صــوفــيــا)‪ ،‬ت ــدور حــول الشاب ال الحاضر النقدي ‪ -‬لكن من خالل الواقع‬
‫«معتز» السعودي المنفصل عن زوجته منذ النصي‪ ،‬حيث كان ذلك النسيج التصويري‬
‫ع ــام‪ ،‬ال ــذي تَــع ـرَّف عــن طــريــق الــحــوارات األكثر حضورًا في النص (‪ 120‬مرة ضمن‬
‫اإللكترونية على «صوفيا» الفتاة اللبنانية ‪ 144‬ص)‪ ،‬وهو معدل مرتفع للغاية‪.‬‬
‫التي علمت بإصابتها بالسرطان؛ ومــن ثم‬
‫***‬
‫تقرر مفارقة الحياة وهي تستمتع بها حتى‬
‫األنا واآلخر‪( :‬معتز وصوفيا)‬ ‫آخر لحظاتها؛ فتطلب من معتز أن يأتيها‬
‫وضح بقوة أن رواية «صوفيا» هي رواية‬ ‫حيث شقتها الجديدة المطلة على البحر‬
‫في بيروت‪ .‬يسرد معتز تجربته تلك‪ ،‬بادئًا شخصية في المقام األول؛ أوالً ألن عنوانها‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪24‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫حمل علم إحــدى شخصيتيها الرئيسيتين؛ والجملة االعتراضية من حيث سمات التردد‬
‫ثانيًا‪ :‬كان السرد عبر ضمير المتكلم الذي والتوجّ س والخشية من اإلعــان والظهورِ‬
‫مثل صــوت «معتز» الشخصية المحورية قد استمرت بع ُد عبر صورة تشبيهية ذات‬
‫األخــرى‪ ،‬ثالثًا‪ :‬انفراد هاتين الشخصيتين تفصيل في طرفها الثاني‪« :‬كنت في فوضاي‬
‫ضعيف‬
‫َ‬ ‫بالسرد؛ ومن ثم شحبت بقية الشخصيات‪ ،‬المقيمة بــيــن الــهــاجــس وال ــق ــرار‬
‫أو جاءت شديدة الثانوية؛ لذا اقتصر حضور المقاومة أمام نزق ال َمر َ‬
‫ْضى هذا‪ ،‬وإزاء تلك‬
‫«اآلنـ ــا واآلخ ـ ــر» فــي معتز وصــوفــيــا على الطريقة العشوائية التي يخربشون بها على‬
‫الــتــوالــي؛ انطالقًا مــن أن صــوت الــســارد‪ /‬جدران الحياة قبل أن يتركوها‪ ،‬مثلما يعبث‬
‫معتز‪( :‬األنا) كان األكثر هيمنةً‪ ،‬ويأتي بعده التالمذة بأشياء المدرسة يــوم تخرجهم»‬
‫(اآلخر) صوفيا‪ ،‬رغم ما قد يُنْبِئ به عنوان ص‪.9‬‬
‫وبعد قطع شوط سردي كبير امتد عبر‬ ‫الرواية من أنها الشخصية الرئيسة األولى‪.‬‬
‫انشغل الــســرد هنا فــي مساحة كبيرة الرواية كلها جاء تجسي ُد معتز لتلك التجربة‬
‫منه ببلورة العالقة القائمة بين طرفَيْ هذه ومشاعره تجاهها من خالل قوله‪« :‬اآلن وقد‬
‫الثنائية وتطورها عبر أجزاء الرواية؛ سواء ابتعدْتُ عنها‪ ،‬كأنَّ مشاعري حقل محصود‪،‬‬
‫انطلقت هذه البلورة من األنــا «معتز» إلى ال تدري ماذا كانت‪ ،‬وماذا ستُزرع في الموسم‬
‫اآلخر «صوفيا»‪ ،‬أم جاء األمر بالعكس‪ ،‬حيث المقبل!» ص ‪ ،129‬فهو ما يزال يعاني من‬
‫أبانت صوفيا رؤيتها لهذه العالقة‪ .‬وتبعًا ألن حيرته وعدم إدراكه لحقيقة ما تم‪ ،‬وطبيعة‬
‫معتز هو الصوت السارد كانت رؤيته لتلك النتيجة أو المحصلة التي انتهى إليها‪ ،‬وما‬
‫العالقة أكث َر حضورًا منذ البدء حتى الختام يمكن توقُّعه بعدُ‪.‬‬
‫وعلى م ّر الرواية‪ ،‬لم تكن رؤية معتز لهذه‬ ‫السردي‪.‬‬
‫منذ الصفحات األولــى كشف معتز عن العالقة رؤيــ ًة جــامــدة ذات بُعد واح ــد‪ ،‬بل‬
‫رؤيته لطبيعة عالقته مع صوفيا‪ ،‬قائالً‪ :‬تطوَّرت مع تطوُّر األحداث؛ ففي البدء كان‬
‫«العالقة كلها ما زالت محبوس ًة بين قوسين‪ ،‬شعوره بالذنب واعترافه داخل ّيًا بخطيئة ما‬
‫مثل كل الجمل االعتراضية التي تقبع بين يفعله؛ لذا‪ ،‬كان «ضميري مثل هاتف ال يرن‪،‬‬
‫الكالم بتوجُّ س في انتظار ما يبررها‪ ،‬قبل ولكنه ما يــزال موصوالً بالحرارة اإللهية»‬
‫أن تخلع قوسيها‪ ،‬وتعلن نفسها جــزءًا من ص ‪ .36‬فالصورة هنا تقدم شقين متقابلين‬
‫الكالم‪ ،‬يحق له أن يقال‪ ،‬ويُ ْكتَب‪ ،‬ويُنْتَخب لذاته أو ضميره‪ ،‬وهما تعطيل اإلدراك مؤقتًا‬
‫في ذهن النص»(‪ .)٥‬فالموازاة بين عالقتهما مع بقاء االتصال بمصدر من مصارد ذلك‬
‫‪25‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫اإلدراك‪ .‬ورغم شعوره باإلثم من ناحيته فإنه عبر اإلنــتــرنــت‪ ،‬إذ «شــع ـرْتُ منذ حواراتنا‬
‫كان يرى «صوفيا» من األطهار في طريقة اإللكترونية األولى بأنها مليئة بعاطفة حادة‪،‬‬
‫مواجهتها (للموت بالسرطان)‪« :‬فاألطهار ال كتلك الــتــي تجتاح النفس عندما تمشي‬
‫يذوقون النساء‪ ،‬بل إنها تلك القلوب التي ال في طريق مغطى بــأوراق الشجر الصفراء‬
‫تأبه ببلل اإلثم إذا وقع على أطرافها‪ ،‬هي الساقطة‪ ،‬ولكنما تكبحها إرادة صارمة جدًا‪،‬‬
‫التي تشق طريقها بينهن كما يشق الفاتحون كأفرُع األشجار إذا تعرت» ص ‪ .77‬والطرف‬
‫الثاني في هاتين الصورتين يفتح أفق توقع‬ ‫طرقات مدينة سقطت» ص ‪.34‬‬
‫أن هذه العالقة مجدبة‪ ،‬وأنها لن تنبثق عن‬
‫ورغم شدة تعلُّق صوفيا بمعتز‪ ،‬فإن داء‬
‫امتداد لها(‪.)٨‬‬
‫«الــمــلــل» المستحكم دفعه إلــى تركها ولو‬
‫***‬ ‫مؤقتًا‪ ،‬لكن تفكيره لم يستطع مغادرتها كما‬
‫فعل جسده‪ ،‬فحين انطلق خارج شقتها «كانت‬
‫الحياة والموت‬
‫صوفيا ترافقني في الشوارع مثل روح كبيرة‬
‫إن الحياة والموت في مقدمة المسلَّمات‬
‫معلقة بين السماء واألرض‪ ،‬أينما اتجهت‬
‫التي تواجه اإلنسان وتشغله‪« ،‬فــإن حقيقة‬
‫أجدها تطالعني من فوق» ص ‪ ،121‬بل ازداد‬
‫أحدهما أو كليهما يشكلها ما يراه اإلنسان‬
‫تمثُّلها له فـ«أحيانًا‪ ..‬أكاد أقسم إنها واضحة‬
‫ويدركه من تعرض أو تضاد أو مفارقة»(‪.)٩‬‬
‫في السماء مثل سحابة‪ ،‬وإن أهل بيروت ال‬
‫في ضوء ذلك‪ ،‬كانت الثنائية الثانية في هذه‬
‫شك يرونها مثلي‪ ،‬ويعجبون من هذه المرأة‬
‫الرواية‪ ،‬وهي ثنائية «الحياة والموت»‪ :‬الحياة‬
‫التي تعلقت فوق رؤوسهم مثل آلهة األولمب»‬
‫التي يمثلها معتز‪ ،‬والموت الذي تتجه إليه‬
‫ص ‪ ،121‬وهــنــا يــاحــظ قدسية الطرف‬
‫صوفيا‪ ،‬لكن لم يكن التمثيل في كلتا الحالين‬
‫الثاني للصورة؛ ما يشي بوجهة نظر السارد‬
‫اعتياديًا‪ ،‬بل جاء مفارقًا ألفق توقع القارئ‪،‬‬
‫تجاه صوفيا‪.‬‬
‫حيث كانت حياة معتز تدور حول محورَيْ ‪:‬‬
‫أمــا على الجانب المعاكس‪ ،‬وهــو رؤيــة الملل والتغيّر‪ ،‬من خــال الضيق الشديد‬
‫اآلخــر‪ /‬صوفيا الموجهة إلى األنــا‪ /‬معتز‪ ،‬بالملل عدو معتز األول‪ ،‬ورغبة هذا األخير‬
‫فقد دارت األنسجة التشبيهية التي بلورت في التغير بصورة مرضية غير منضبطة‬
‫هذا الجانب حول شدة التعلُّق‪ ،‬تعلُّق صوفيا نفسيًا‪ ،‬على الجانب اآلخر لم تقف صوفيا‬
‫بمعتز‪ ،‬سواء على مستوى الفعل الحدثي(‪ ،)٦‬ممثل ُة الموت مستسلم ًة تجاه هذا الموت‬
‫أم الــرصــد المباشر مــن الــســارد معتز(‪ ،)٧‬الزاحف‪ ،‬بل تمسّ كت بأهداب الحياة حتى‬
‫وقــد كــان تعلقها هــذا منذ بــدء عالقتهما آخر أنفاسها‪ ،‬وجابهت الموت من خالل ذلك‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪26‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫ص ‪22‬؛ ومــن ثم رأى «أن األولمبيات دين‬ ‫التمسك‪.‬‬
‫فإشكالية معتز مع داء الملل من أوضح حقيقي‪ ،‬والرياضيون أنبياء»! ص ‪ .30‬ولم‬
‫الحقائق في الــروايــة‪ ،‬ســواء عبر التصريح يقف تعبيره عن حميمة رغبته بالتغيير من‬
‫المباشر أو التجسيد الفني أو التمثيل خالل «المقدس» عند هذا الحد‪ ،‬بل تواصل‬
‫الحكائي‪ ،‬وأعني باألخير أن طريقة سرد عبر رؤيته للذات اإللهية‪ ،‬نفسها وفق هذه‬
‫الرواية نفسها جاءت على نهج أصاب بعض الرغبة(‪.)١٢‬‬
‫كان هذا جانبًا من تجسيد الرواية لشق‬ ‫القراء بالملل؛ ومن ثم كان ذلك أحد مثالب‬
‫الــروايــة في رأي معظم هــؤالء الــقــراء‪ .‬أما الحياة ممثلة في معتز؛ أما الموت‪ ،‬فكان‬
‫التجسيد الفني إلشكالية الملل مع معتز الــحــدث األه ــم فــي هــذا العمل الــســردي‪،‬‬
‫فمتعدد‪ ،‬بعضه مباشر مثل تمنِّيه‪« :‬أن عبر إصابة صوفيا بالسرطان وانتظارها‬
‫أتخلص من كل ما يثير الملل‪ ،‬أن أرميه ورائي لنهايته المؤكدة في ظنها‪ .‬ونتيجة محورية‬
‫مثل حذاء ضيق وال ألتفت إليه»(‪ ،)١٠‬أو عبر عنصر «الــمــوت» انشغلت به كلتا الذاتين‪:‬‬
‫نهج تصويري ابتعد عن تلك المباشرة من معتز وصوفيا‪ ،‬وكان لكليهما رؤيته الخاصة‬
‫خالل إضافة شيء من الجمالية الخاصة‪ ،‬تجاهه‪ .‬فمعتز دومًا يرى الموت كلما تواصل‬
‫كما في قوله‪« :‬صــرْتُ أعيش مثل مومياء مع صوفيا‪ ،‬مشبهًا إيــاه بـــ‪« :‬ذلــك الطحان‬
‫ملتفة بأقمشة عفنة‪ ،‬واقفة منذ قرون في المقترب» ص ‪ ،34‬وهو يتوقف متعجبًا إزاء‬
‫صندوق خشبي‪ ،‬مَن يشك في أنها ملت كثيرًا استمرارية هذا الموت وتكراره‪ ،‬وفي الوقت‬
‫من نفسها‪ ،‬كما مللت كثيرًا من نفسي!»(‪ .)١١‬نفسه نتقبَّله رغم العجز عن فهمه‪« :‬عليّ‬
‫فهذا التفصيل فــي طــرف الــصــورة الثاني أن أفتح ثقبًا كبيرًا في السماء إذا أردت‬
‫منح الــقــارئَ مساح ًة ممتدة مــن التخيل‪ ،‬أن أفهم يومًا معنى أن تموت هذه الفتاة!‬
‫واالستمتاع بلغة السرد‪ ،‬وهذا أحد أسرار برغم أن قصة الموت ال‏تتوقف‪ ،‬مثل جريدة‬
‫يومية‪ ،‬ولكن أخبارها يجب أن تختلف وإال‬ ‫اإلعجاب بتلك الرواية‪.‬‬
‫وكرد فعل لداء الملل هذا‪ ،‬كان الشق الثاني اضمحلت دموعنا‪ ،‬ونسينا أننا نستطيع أن‬
‫من شخصية معتز‪ ،‬وهو رغبته الشديدة في ‏نبكي‪ ،‬ونفعل أحزانًا‪ »...‬ص‪.100‬‬
‫أما صوفيا‪ ،‬فموقفها من الموت لم يكن‬ ‫التغيير‪ ،‬تلك الرغبة التي نتجت عن ضيقه‬
‫ال َمر َِضيّ بالملل‪ ،‬والتي الزمته طوال حياته‪ ،‬موقفًا عاجزًا مثل معتز؛ مكتفيًا بالتعجب‬
‫فـ«الذي يعنيني أن هناك شيئًا ما يتغير‪ ،‬وال والتساؤل والحيرة‪ ،‬بل تحدَّ ت هذا الموت‬
‫يقف في حنجرة الوقت مثل سكين صدئة!» عقب تلقِّي صدمة اقترابه‪ ،‬فـ «على الجدار‬
‫‪27‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫هناك تستفز الموت‪ ،‬وتعلّق شهادته عليه ال أمارس أي فعل إال في حدوده الدنيا» ص‬
‫بكل العناد الذي اعتصرته من شفق حياتها ‪ ،127‬وكأن تلك المدينة من خالل الصورة‬
‫المعكر‪ ،‬تتحدَّ ى بها اقترابه المهيب‪ ،‬وتحشد السابقة كانت بالنسبة للسارد مدينة الموت‬
‫أمامه كل المباالة األيام الباقية‪ ،‬وتدهن بها ال الحياة التي تجددت في بيروت‪.‬‬
‫نفسها‪ ،‬ووجهها‪ ،‬وروحها الشفيقة‪ ،‬مثلما‬
‫وفي مقابل ذلك‪ ،‬ونتيجة النشغال السرد‬
‫تدهن بعض الحشرات نفسها بمادة ُمرّة ال‬
‫بالمدينة األخرى‪ /‬بيروت أكثر‪ ،‬كان نصيبها‬
‫تستسيغها الطيور المهاجمة‪ ،‬حتى تستحيل‬
‫من الصور التشبيهية أعلى‪ .‬ففي البدء صوّر‬
‫بدورها إلى مرارة شابة‪ ،‬تفسد على الموت‬
‫السارد بيروت بأنها «كانت قابعة في درج‬
‫طعم روحها الفتية»(‪ .)١٣‬لذا‪ ،‬عندما قَدِ َم معتز‬
‫مكتبي كتذكرة سفر بتاريخ مفتوح» ص ‪35‬؛‬
‫من الرياض إلى بيروت لإلقامة مع صوفيا‬
‫إشــارة إلى سمة التقبل واإلتاحة وإمكانية‬
‫خــال أيامها األخــيــرة‪ ،‬رأى «وجــه صوفيا‬
‫الــوصــول‪ ،‬لكن حيرته وعجزه تواصال في‬
‫البارق بالرغبة العنيدة‪ ،‬وعينيها المفتوحتين‬
‫وأيضا‬
‫ً‬ ‫أثناء وجوده بهذا المكان المفتوح(‪،)١٤‬‬
‫مثل حقيبتين تطمحان الستيعاب الدنيا قبل‬
‫كما كانت رؤيته لذاته ضبابية‪ ،‬كانت نظرته‬
‫الرحيل» ص ‪.33‬‬
‫للمكان تكتنفها الضبابة نفسها(‪.)١٥‬‬
‫***‬
‫إزاء ذلك كله‪ ،‬لم يَ ـ ُد ْم الموقف المتقبل‬
‫من بيروت بل انقلب إلى تبنِّي رؤية صوفيا‬ ‫الرياض وبيروت‬
‫الثنائية األخيرة هنا كانت على مستوى المنهكة بالمرض تجاه معتز الــذي اتسم‬
‫المكان‪ ،‬حيث تجسدت عبر فضاءين هما‪ :‬بالتخلي واألنانية‪ .‬وقد ارتقى ذلك الموقف‬
‫الرياض مدينة معتز الذي نشأ فيها وقَدِ م اإليجابي من بيروت تجاه السارد وكل بني‬
‫منها‪ ،‬وبيروت مدينة صوفيا التي سافر إليها مدينته؛ فكان لها رؤية ورأي َو َر ّد فعل إزاء‬
‫معتز ودارت بها معظم أحداث الرواية؛ وذلك ما يفعلون‪ ،‬خاصة أنها في البدء «كم بذلت‬
‫تبعًا لالختيار السردي الــذي شكلته وجهة هذه المدينة لظمئنا الصحراوي القادم من‬
‫نظر السارد؛ من ثم كان حضور «الرياض» الجنوب طــوال عــقــود‪ ،‬ومــا تــزال تكيل لنا‬
‫بوصفها مــكــا ًنــا ســرد ًيــا قــلــيـاً؛ وك ــذا جاء الكثير من الفرح‪ ،‬وما زالت تجاهد مثل امرأة‬
‫نصيبها من الشريحة التشبيهية لم يتجاوز فــي أواخ ــر الثالثينيات لتظل هــي األثيرة‬
‫مرة واحــدة‪ ،‬ضمن قول السارد‪« :‬شهر في بعد أن تجاوزتها قوافلنا إلى مدن أخرى‪،‬‬
‫الرياض ولم أفعل شيئًا‪ .‬ما زلت ساكنًا مثل تجاهد حتى آخر قطرة بهجة‪ ،‬لتبقى هي‬
‫جثة في إناء فورمالين‪ ،‬ال أتحرك‪ ،‬ال أخرج‪ ،‬هوسنا األخضر المعلق في شمالي الخريطة‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪28‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫دائمًا» ص ‪ .93‬لكن بعدما تغير موقف هؤالء الرواية‪ ،‬وقد سعت زاويــة الرؤية التحليلية‬
‫القادمين من الجنوب‪ ،‬ممثلين في معتز‪« ،‬لم هنا إلى رصد تجسد تلك الثنائيات ضمن‬
‫تكن األشياء تبدو حزينة لذلك أي لمغادرته نسيج اللغة المتميزة التي كتب بها هذه‬
‫بــيــروت‪ ،‬بقدر ما كانت ترمقني بامتعاض الرواية‪.‬‬
‫ساخر‪ ،‬وكأنها اعتادت أن ترى ما تراه اآلن‬
‫المصادر والمراجع‬
‫ ‪-‬رافيندران سانكاران‪ :‬البنيوية والتفكيك‪ ،‬دار‬ ‫من الوجوه الغريبة‪ ،‬النظرة الساخرة نفسها‬
‫الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬آفاق عربية‪2002 ،‬م‪.‬‬ ‫التي نراها في وجه كهل مشلول‪ ،‬كان يعلم ما‬
‫ ‪-‬روجــر‪ .‬ب‪ .‬هينكل‪ :‬قــراءة الــروايــة مدخل إلى‬
‫سيكون‪ ،‬ولم يقل!» ص ‪.122‬‬
‫تقنيات التفسير‪ ،‬ترجمة د‪ .‬صــاح رزق‪ ،‬دار‬
‫اآلداب‪ ،‬القاهرة‪1995 ،‬م‪.‬‬
‫***‬
‫ ‪-‬عبد الملك مرتاض‪ :‬في نظرية الرواية بحث في‬
‫تقنيات السرد‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪1998 ،‬م‪.‬‬ ‫«ال شيء خارج اللغة» عبارة تأكدت عبر‬
‫ ‪-‬قاسم المومني‪ :‬في قــراءة النص‪ ،‬دار الفارس‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪2005 ،‬م‪.‬‬ ‫التناول النقدي السابق لرواية «صوفيا»‪،‬‬
‫ ‪-‬محمد حــســن عــلــوان‪ :‬صــوفــيــا (روايـــــة)‪ ،‬دار‬ ‫إح ــدى روايـ ــات الــكــاتــب الــســعــودي محمد‬
‫الساقي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪2006‬م‪.‬‬
‫حسن علوان‪ ،‬من خالل الكشف عن جانب‬
‫ ‪h t t p s : / / w w w . g o o d r e a d s . c o m / b o o k /-‬‬
‫‪show/3294671‬‬
‫من تشكيلها السردي‪ ،‬الذي جاء عبر عدة‬
‫ ‪http://aljsad.org/showthread.php?t=64604-‬‬ ‫ثنائيات ضدية بــلــورت مساحة كبيرة من‬
‫‪https://www.goodreads.com/book/show/3294671‬‬
‫انظر‪:‬‬ ‫(‪) 1‬‬
‫‪http://aljsad.org/showthread.php?t=64604‬‬
‫انظر‪:‬‬ ‫(‪ )2‬‬
‫انظر جانبًا من تلك األهمية في‪ :‬روجر‪.‬ب‪ .‬هينكل‪ :‬قراءة الرواية مدخل إلى تقنيات التفسير‪ ،‬ترجمة‬ ‫(‪ )3‬‬
‫د‪ .‬صالح رزق‪ ،‬دار اآلداب‪ ،‬القاهرة‪1995 ،‬م‪ ،‬ص‪229‬؛ د‪ .‬عبدالملك مرتاض‪ :‬في نظرية الرواية بحث‬
‫في تقنيات السرد‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪1998 ،‬م‪ ،‬ص‪.111‬‬
‫رافيندران سانكاران‪ :‬البنيوية والتفكيك‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬آفاق عربية‪2002 ،‬م‪ ،‬ص ‪.9‬‬ ‫(‪) 4‬‬
‫محمد حسن علوان‪ :‬صوفيا (رواية)‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪2006‬م‪ ،‬ص‪ .9‬وسوف تذكر‬ ‫(‪ )5‬‬
‫أرقام الصفحات في المتن بعدُ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬محمد حسن علوان‪ :‬صوفيا (رواية)‪ ،‬ص ‪.48‬‬ ‫(‪) 6‬‬
‫انظر‪ :‬محمد حسن علوان‪ :‬صوفيا (رواية)‪ ،‬ص ‪.58‬‬ ‫(‪ )7‬‬
‫وانظر امتداد توظيف صورة األرض لتجسيد تطور هذه العالقة في‪ :‬محمد حسن علوان‪ :‬صوفيا‬ ‫(‪ )8‬‬
‫(رواية)‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫قاسم المومني‪ :‬في قراءة النص‪ ،‬دار الفارس للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪2005 ،‬م‪ ،‬ص‪.200‬‬ ‫(‪ )9‬‬
‫أيضا موضعًا آخر في الصفحة نفسها‪.‬‬ ‫محمد حسن علوان‪ :‬صوفيا (رواية)‪ ،‬ص‪ .21‬وانظر ً‬ ‫(‪) 10‬‬
‫أيضا موضعًا آخر في الصفحة نفسها‪.‬‬ ‫محمد حسن علوان‪ :‬صوفيا (رواية)‪ ،‬ص‪ .35‬وانظر ً‬ ‫(‪ )11‬‬
‫انظر‪ :‬محمد حسن علوان‪ :‬صوفيا (رواية)‪ ،‬ص‪.62‬‬ ‫(‪ )12‬‬
‫محمد حسن علوان‪ :‬صوفيا (رواية)‪ ،‬ص‪ .15‬وانظر تصويرًا آخر لهذا الحدث المتحدي للموت في‪:‬‬ ‫(‪ )١٣‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص‪.19 -18‬‬
‫انظر‪ :‬محمد حسن علوان‪ :‬صوفيا (رواية)‪ ،‬ص ‪.91‬‬ ‫(‪) ١٤‬‬
‫انظر‪ :‬محمد حسن علوان‪ :‬صوفيا (رواية)‪ ،‬ص ‪.139‬‬ ‫(‪ )١٥‬‬

‫‪29‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫شعرية العالم‪ ..‬شعرية اللغة في سقف الكفاية‬
‫‪ρρ‬إميان عبدالعزيز املخيلد ‪ -‬الرياض‬

‫إنَّ مفهوم «رؤي ــا العالم» الــذي يطرحه‬


‫النقاد عند معالجتهم لخطاب الرواية إنما‬
‫يعني رؤيا الكاتب للكون والطبيعة والمجتمع‪،‬‬
‫حيث تصبح الرواية انعكاساً لرؤية مؤلفها‬
‫لــكــل مــا يحيط بــه وم ــا يتفاعل مــعــه من‬
‫أحــداث وتفاصيل مجتمعية وآراء وأفكار‬
‫تعبر عن أيديولوجيته في الحياة‪ .‬والرواية‬
‫بهذا المعنى هي رؤيا كاتبها للعالم‪ ،‬وتعبر‬
‫عن حرية المبدع في خلق عوالم متخيلة‪،‬‬
‫فرؤية العالم في الرواية ليست مجرد موقف‬
‫فكري‪ ،‬بل هي تعبير فني ولغوي عما يعتقده‬
‫الكاتب وما يعتنقه من مواقف فكرية عبر‬
‫ضــرب من التخييل‪ ،‬أي أنها نــوع من بناء‬
‫فكري‪ ،‬قيمي‪ ،‬وهي في ذات الوقت محدودة‬
‫بحدود الثقافة التي تنتمي إليها هذه الرؤية‪ ،‬من الرؤيا‪.‬‬
‫وتختلف رؤية العالم حسب تكوين الكاتب‬ ‫مؤيدة أو معارضة‪ ،‬ذلــك أن تصور العالم‬
‫يتوقف على المجموع الكلي لمجموع األفكار الثقافي وزاوية الرؤية التي يرى من خاللها‬
‫الــعــالــم‪ ،‬فهل اختلفت رؤي ــة محمد حسن‬ ‫والمعتقدات والرؤى التي تحكم المجتمع‪.‬‬
‫تتدخل الرؤيا في بناء النص األدبي من علوان للعالم عن مجايليه من كتاب الرواية‬
‫خالل الموقع الذي يرتضيه األديب لنفسه السعودية؟ وما مساحة الشعرية في رؤيته‬
‫والرؤيا التي يرغب في التعبير عنها‪ .‬وقد للعالم فــي رواي ــة «ســقــف الــكــفــايــة»‪ ،‬وهل‬
‫يعبر الــروائــي في تجربته الفنية عن رؤيا انعكست هذه الرؤية الشعرية على اللغة التي‬
‫شاملة أو جزئية‪ ،‬ولكن ليس من المحتم أن كتبت بها الرواية؟‬
‫هذه أسئلة تجد الباحثة نفسها تطرحها‬ ‫يفعل ذلك لتباين الروائيين في الزاد الفكري‬
‫وهــي تــحــاول قـــراءة هــذا العمل الــبــديــن ـ‬ ‫وفــي التجربة الجمالية نفسها‪ ،‬ويتجلى‬
‫بتعبير الــنــاقــد الــمــغــربــي سعيد يقطين‪،‬‬ ‫ا منهم يتخذ موقعاً‬ ‫اختالفهم فــي أن ك ـ ً‬
‫فرواية «سقف الكفاية» تحكي قصة حب‬ ‫وراوياً أو رواة ليجسد رؤياه‪ ،‬وتحديد الموقع‬
‫بين «ناصر» و«مها»‪ ،‬ناصر الشاعر الذي‬ ‫والراوي‪ ،‬أي تحديد بناء النص يتم انطالقاً‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪30‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫العربي فيما سمي بحرب الخليج) فيصبح‬ ‫يصغر مها ببضع ســنــوات‪ ،‬ويتعرف عليها‬
‫الداخل خارجا‪ ،‬ويصبح الهم الخاص ه ّمًا‬ ‫بالصدفة عبر مكالمة هاتفية‪ ،‬حيث يتطور‬
‫يدك أوالً‪ ،‬زحفت فوق قحالة‬ ‫عاما «جاءت ِ‬ ‫بينهما الــوضــع فــي مجتمع محافظ مثل‬
‫الصمت الماثل بيننا‪ ،‬لم يكن عندي جرأة‬ ‫مجتمع الــريــاض حتى انهما يلتقيان في‬
‫االبــتــداء‪ ،‬يكفي تسبيح الــروح في محراب‬ ‫الفنادق وفي بيت عائلتها!! ورغم أنها كانت‬
‫وج ــودك‪ ،‬تشابكت أصــابـ ٌع وداخــت طاولة‪،‬‬ ‫مخطوبة لرجل آخر إال أنها سمحت لنفسها‬
‫يداك جرائ َم ال تحصى فوق يديَّ ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ارت َكبَت‬ ‫أن تقع في الحب مع هذا الشاب‪ ،‬لكنها في‬
‫عنيف لمراهقتي الجلدية األولى‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫تحريض‬
‫ٌ‬ ‫لحظة ما يحين موعد زواجها من الرجل‬
‫ث ــار اإلصــبــع عــلــى ال ــك ــف‪ ..‬والــكــف على‬ ‫الــذي ارتبط بها رسميا‪ ،‬فتتزوج وتسافر‪،‬‬
‫يديك ين ُّز عطراً‬
‫ِ‬ ‫طفيف في‬
‫ٌ‬ ‫المعصم‪ ،‬تعر ٌق‬ ‫وتتركه؛ ليكتب لنا قصة عشقه الكبير لها‪.‬‬
‫شوق مفتوحة‪ ،‬أنا ال أقاوم نعوم ًة‬ ‫من مسامة ٍ‬ ‫في رواية بدينة ومترعة بالشعرية والمجاز‬
‫كهذه‪ ،‬شغباً كهذا‪ ،‬توقفي عند حد ِِّك‪ ‬يا مدن‬ ‫مع رؤية شعرية تحيط بالعالم وبتفاصيله‪.‬إن‬
‫الرغبة‪ ،‬استئذا ٌن مهذَّ ب‪ ،‬وأنقذني النادل من‬ ‫شخصيات الرواية رغم أنها تعاني من الفقد‬
‫سكتة شوق!‪.‬‬ ‫واالنكسار‪ ،‬إال أنها ترى العالم بشعرية بليغة‪،‬‬
‫وألن الكاتب حين يتمثل رؤية العالم وهو‬ ‫فناصر الــذي فقد مها‪ ،‬يذهب إلــى كندا‬
‫يكتب نصه يحاول أن يوجد وشائج بين الذات‬ ‫ربما هروبا من قصة عشقه‪ ،‬ليجد هناك‬
‫والــعــالــم‪ ،‬وعــاقــة هــذه ال ــذات بالمجتمع‪،‬‬ ‫«ديــار» العراقي المهاجر والفار من جحيم‬
‫فالكاتب يكتب رؤيته للعالقات االجتماعية‬ ‫الصراع في العراق‪ ،‬وكالهما ال يختلف كثيرا‬
‫بين الناس‪ ،‬والقهر الذكوري الــذي يمارس‬ ‫عن مس «دينغل» الكندية التي تعاني من‬
‫على النساء وتحويل المرأة من ذات فاعلة‬ ‫الوحدة والفقد والغربة‪ ،‬رغم وجودها في‬
‫إلى موضوع للحب والكتابة‪ ،‬وتصير الرياض‬ ‫وطنها‪ .‬يصير المكان‪ /‬الداخل جحيما بفقد‬
‫مدينة معادية للحب‪ ،‬ألنها ال تقبل أن يختار‬ ‫الحبيبة‪ ،‬فهل يصبح المكان‪ /‬الخارج مالذا؟!‬
‫في الحقيقة لم يجد ناصر المالذ في الناس إنسانيتهم‪ ،‬بل تنمطهم وتحولهم إلى‬
‫الغربة‪ ،‬فقد وجــد «ديــار» الــذي يعاني من نماذج مكررة مسلوبة الحياة واإلرادة وغير‬
‫غربته يفتح مسارات أخرى للصراع‪ ،‬فينقل فاعلة‪.‬‬
‫إن الكاتب يعري المجتمع الــذي حول‬ ‫الكاتب الصراع من الشخصي (قصة حبه‬
‫لمها وإخفاقه معها وخيانة مها التي هي الــمــرأة إلــى مــوضــوع‪ ،‬ويكشف المسكوت‬
‫مــعــادل لــلــوطــن) ينقله الــكــاتــب إلــى العام عنه فــي حــيــاة الــمــرأة فــي هــذا المجتمع‬
‫(تشريح المجتمع العربي ومساءلة التاريخ الــراديــكــالــي‪ ،‬فيخاطب «مــهــا» فــي حوارية‬
‫العربي وخاصة الحديث منه حيث أضاع من طرف واحد فقط‪ ،‬ال تحمل سوى رؤية‬
‫ص ــدام حسين مــقــدرات الــعــراق والخليج الــســارد بضمير األن ــا(ن ــاص ــر)‪ ،‬يخاطبها‬
‫‪31‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫الغرب‪ ،‬كل هذه القضايا الكبرى يناقشها‬ ‫ويلومها على استسالمها وقبولها بأن تصير‬
‫الكاتب حين خــرج ببطله من الخاص إلى‬ ‫مجرد موضوع‪ ،‬مفعول بــه‪« :‬كــل يــوم يكتبُ‬
‫العام‪ ،‬فهو يدرك أنه» البد من تضحية ما‪..‬‬ ‫فــوقــك ســطــراً‪ ..‬ويمحو ســطــراً كتبته أنا‬
‫البد من ضجة ما‪ ..‬فاألقدار لن تمنحنا كل‬ ‫من قبل‪ ،‬سيترعني سالم من عينيك شيئا‬
‫ما نريده دون سعي!)‪ .‬ورغم كل ما مر به من‬ ‫فشيئاً‪ ..‬دون أن تشعري!‪ ..‬ألم أكتب أنا فوق‬
‫محن‪ ،‬ورغم أنه كان يصرخ «أريد أن أموت‬ ‫حسن؟ ألم يكتب حسن فوق عبدالرحمن»‬
‫أن أموت!» إآل أنه استطاع أن يقاوم بالكتابة‪،‬‬ ‫إن هذه الرؤية التي تحمل أفكار الكاتب‬
‫فقد حول قصة عشقة لمها إلى روايــة‪ ،‬لم‬ ‫وتؤسس محاولته في إعادة خلق هذه النظرة‬
‫يحولها لديوان شعر رغم شعرية اللغة التي‬ ‫إلى العالم هي ما يشكل قصده في العمل‬
‫استخدمها في النص‪ ،‬وستتحدث الباحثة‬ ‫األدبي‪ ،‬وقد ال يتفق هذا القصد مع قصد‬
‫عن شعرية اللغة في موضع سابق‪ .‬حولها‬ ‫الكاتب الــواعــي‪ .‬وهــذه النظرة هي المبدأ‬
‫إلى روايــة‪ ،‬ألن الرواية هي أكثر األجناس‬ ‫التكويني الــذي يرتكز عليه أســلــوب عمل‬
‫األدبية قدرة على حمل خطابات متعددة‪ ،‬ما‬ ‫معين‪ .‬إن األدب تعبير عن رؤيا للعالم‪ ،‬فإن‬
‫بين الخطاب الشعري وخطاب التناص مع‬ ‫هــذه «الــرؤيــا» ليست وقــائــع شخصية‪ ،‬بل‬
‫التاريخ وخطاب السينما وخطاب التناصات‬ ‫وقائع اجتماعية‪ ،‬مما يجعل منها وجهة نظر‬
‫مع نصوص أدبية عالمية بغرض كتابة الداللة‬ ‫ملتحمة وموحدة‪ ،‬حول مجموع الواقع‪ .‬غير‬
‫الكبرى ورؤية العالم التي هي هدف الكاتب‬ ‫أننا ال يمكن بحال أن نعزل هــذه «الرؤيا»‬
‫فــي المقام األول «وح ــدي أن ــا‪ ..‬والليل‪..‬‬ ‫عن «تفكير» األشخاص في الرواية‪ ،‬أو عمّا‬
‫وهــذا اليأس الجامح‪ ،‬وقلمي يتأرجح في‬ ‫يتخذون من أساليب التفكير ومحتواه‪ ،‬سواء‬
‫يدي‪ ،‬أليس مخيفاً حقاً ما يمكن أن تنتهي‬ ‫كان هذا التفكير بذواتهم أم بالعالم‪ .‬وهذا‬
‫به ليل ٌة كهذه؟ كلما ســوَّدتُ صفح ًة طارت‬ ‫يعني أننا نتعامل مع العمل الفني‪ .‬بما هو‬
‫قبيح‪ ،‬وتعلَّقت بقدميها‬
‫ٍ‬ ‫خفاش‬
‫ٍ‬ ‫أمامي مثل‬ ‫تعبير عن طريقة اإلحساس بالكون والنظر‬
‫في سقف الغرفة!‪ .‬كان ال بد لي أن أتنازل‬ ‫إلــيــه‪ ،‬فــحــوارات «نــاصــر» و«ديـ ــار» تكشف‬
‫عن الكتابة‪ ،‬فال يمكن لغرفتي أن تظل كهفاً‬ ‫الــصــراع ال ــوج ــودي الـــذي خــاضــه الــعــرب‬
‫للخفافيش‪ ،‬بررتُ خسارتي هذه باقتناعي أن‬ ‫منذ اجتياح صــدام حسين للكويت ودخول‬
‫مثلك‪ ،‬فلن يعنيه أن يخسر‬ ‫ِ‬ ‫من يخسر امرأ ًة‬ ‫المنطقة العربية في نفق مظلم من الحروب‬
‫فقدك‬
‫ِ‬ ‫شعره ومجده وطموحه أيضاً‪ ،‬وأن‬ ‫الــتــي استنزفت مقدراتها لصالح الغرب‬
‫يستحق حداداً كهذا‪ ،‬وفهمتُ أن الصدأ بدأ‬ ‫بقيادة أمريكا‪ ،‬هــذه الــحــوارات تستحضر‬
‫يعلو عظام يدي‪ ،‬وأن الكتابة بعد الفاجعة‪..‬‬ ‫الــتــاريــخ منذ العصر الكولوينالي نهايات‬
‫فاجعةٌ‪ ‬أكبر!»‪.‬‬ ‫القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين‬
‫اســتــخــدم محمد حــســن عــلــوان ضمير‬ ‫وصوال لحرب الخليج والصراع العربي مع‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪32‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫«األنــا» مماهيا بينه وبين بطله «الشاعر» النص»»الفجر يأتيني كئيبا طاويا رئتيه معتال‬
‫الــذي يكتب قصة حبه للبطلة «مها» التي وحيدا‪ ..‬غامسا قدميه في ماء السهر!‬
‫غيّب صوتها طوال النص‪ ،‬وحكي نيابة عنها‪.‬‬
‫‪ ‬األربــعــون لــيــلــة‪  ..‬م ــرت‪ ،‬وقلبي‪ ‬يرقب‬
‫يصنع الكاتب من شخصية «ناصر» معادال‬
‫الذكرى‪ ،‬ودقات القدر»‬
‫لحياته‪ ،‬وألفكاره ومعتقداته‪« :‬أي كتابة هذه‬
‫في حين أن النصف الثاني من الرواية‬ ‫التي سأكتبها لك‪ .‬ما هذه الفكرة؟ ال أدري‪..‬‬
‫ولكني أستطيع أن أكتب ما يليق‪ .‬لن تخونني حيث سافر ناصر إل فانكوفر هروبا من‬
‫أصابعي أب ــدا‪ .‬وبعد أن أكتب مــا سأكتبه فشل قصة حــبــه‪ ،‬يغلب على هــذا الجزء‬
‫سأسعى جاهدا لئال تسقط حياتي المادية الحدث واللغة التي تتراوح ما بين اإلخبارية‬
‫في دوامة شتاتي‪ .‬سأسعى إلى حياة أفضل‪ ،‬والمشهدية والــحــوار المتبادل بين ناصر‬
‫ال أمال‪ ،‬ال طموحا‪ ،‬ولكن ألجعل قرار عودتك ومسى تانغول أو ناصر وديــار‪ .‬هنا ديالوج‬
‫أسهل عندما تفكرين في العودة‪ ،‬وهذا ما ولم يكن مونولوج‪.‬على عكس الجزء األول‬
‫فعلته‪ ،‬وأظن أنني ما زلت ماضيا فيه‪ .‬ربما ال ــذي أغ ــرق فــيــه الــكــاتــب فــي الــمــونــولــوج‬
‫هذه الفكرة هي التي أبقتني بعيدا عن الهاوية الداخلي وأسلوب المناجاة «في الشرق وطن‬
‫حتى اآلن‪..‬مــاذا بعد؟ سأصبر بعض الزمن يحترق وأنــا بعض هشيمه المتطاير‪ ..‬ربع‬
‫حتى يتسنى له اتخاذ قــرار االنفصال عن قرن والعراق يحترق»‪.‬‬
‫سالم‪ ،‬وتنفيذه بكل يسر‪ ،‬بعد أن تخفّت في‬
‫فــي هــذا الــجــزء غــامــر الــكــاتــب بكشف‬
‫صدرك هالته المقدسة التي كنت تحيطينه‬
‫المسكوت عنه في الصراع المذهبي الذي‬
‫بها والتي كانت تمنعك من التعامل معه بهذه‬
‫يكاد ينال من استقرار دول الخليج بعد أن‬
‫الجرأة»‬
‫مزق العراق الصراع السني الشيعي‪ .‬ورغم‬
‫محاوالت الكاتب أن يبتعد في هذا الجزء‬ ‫شعرية اللغة تغيب الحدث‪:‬‬
‫يقسّ م علوان روايته إلى قسمين‪ ،‬األول عن اللغة الشعرية؛ إلى أن وقع أسيرها في‬
‫منذ وقوع سارده (ناصر) في العشق‪ ،‬فجاء بعض المناطق السردية من الجزء األخير‪:‬‬
‫هذا النصف على هيئة رسالة طويلة كأنها «وقــفــت أراق ــب حــبــات المطر الــتــي تتوزع‬
‫مونولوج داخلي أو رسالة من طرف واحد‪ ،‬عشوائياً على زجاج نافذتي‪ ،‬ثم تبحلق في‬
‫من طرف ناصر‪ ،‬إلى طرف غير حاضر في وجهي بغباء فكّرت‪ :‬عندما يسقط المطر‬
‫المشهد (مها)‪ ،‬فمها طوال الوقت يتم الحكي على شــيء فإنه يفقد ألقه المطري الذي‬
‫عنها‪ ،‬عن طريق االسترجاع‪ .‬غاب الحدث استمده من السماء الكبيرة‪ ،‬ويصبح مجرد‬
‫في هذا الجزء‪ ،‬ووقع علوان في غواية اللغة قطرة ماء غبية‪ ،‬وفي جفني‪ ،‬فقدت الدموع‬
‫الشعرية‪ ،‬ألنها قــادرة على أن تحمل تلك ألقها ذاك الذي أخذته من كبرياء الحزن‪..‬‬
‫الشاعرية المفرطة والغنائية الفياضة في إذن‪ ..‬شيء ما‪ ..‬يجمع بين القطرتين»‪.‬‬
‫‪33‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫الخطاب الميتاسردي‬
‫في «طوق الطهارة»‬
‫‪ρρ‬د‪ .‬هويدا صالح ‪ -‬أكادميية مصرية‬

‫صار الميتاسرد ميزة جمالية يلجأ إليها أغوار الكتابة الذاتية‪ ،‬كما تصير قادرة على‬
‫كــتــاب الــروايــة‪ ،‬مــن أجــل أن يخرجوا على كشف أنــواع التداخل بين النص اإلبداعي‬
‫كالسية الــروايــة ونمطيتها‪ .‬ويعد الخطاب والنص النقدي الكاشف‪.‬‬

‫ولم يعد الخطاب الميتاسردي مجرد تداخل‬ ‫الــمــيــتــاســردي لــيــس فــقــط طــريــقــة ســرديــة‬

‫جمالية‪ ،‬بل يعد أيضا وعيا تجريبيا ما بعد بين النصوص‪ ،‬بل صار بوسع الكاتب أن يقوم‬
‫حداثي‪ ،‬وخروجا على رؤية العالم التقليدية‪.‬‬
‫فيه بالتناص األدبــي مع نصوصه السابقة‪،‬‬
‫إن توظيف الخطاب الميتاسردي يجعل ويناقش شخصياته‪ ،‬وموضوع الكتابة‪ ،‬وماذا‬
‫من المتلقي شريكا ضمنيا في إنتاج داللة يمكن أن تفعل الشخصيات‪ ،‬وكيف تسهم في‬
‫الــنــص‪ ،‬ويسهم الخطاب الميتاسردي في إدارة الــصــراع في النص‪ ،‬فيؤدي ذلــك إلى‬
‫وصــف العملية اإلبــداعــيــة وأســرارهــا‪ ،‬كما كسر اإليهام ونفي التخييل المطلق عن النص‪،‬‬
‫يُعْنى هذا الخطاب برصد عوالم الكتابة‪،‬‬
‫وتشكيل الشخصيات ومــســاراتــهــا داخــل‬
‫الفضاء السردي‪ ،‬مع كشف األلعاب السردية‬
‫التي يمارسها المؤلفون‪ ،‬والحيل والطرائق‬
‫المختلفة التي يمكن أن يتتبع مساراتها‬
‫الــقــارئ الــواعــي بـ ــدوره فــي ظــل نظريات‬
‫التلقي‪ .‬كما يطرح الخطاب الميتاسردي‬
‫أسئلة الكتابة‪ ،‬ويكشف عن مشكالتها التي‬
‫تواجه المؤلفين؛ ما يسهم في كشف أسرار‬
‫اإلبــداع وآلياته وتقنياته الفنية والجمالية‪،‬‬
‫وهو ما يُذكِّر بالميتامسرح‪ ،‬وخطاب السينما‬
‫داخــل السينما‪ ،‬والسيرك داخــل السيرك‪،‬‬
‫فتصير الكتابة الميتاسردية قادرة على سبر‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪34‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫فيتجاذب النص مساحات‪ ،‬مما هو مرجعي ينتبه إليه أحد» فهل السارد هنا الذي يتحدث‬
‫أم المؤلف الحقيقي؟ فلو أنه السارد‪ ،‬فليس‬ ‫وإحالي‪ ،‬ومما هو تخييلي إيهامي‪.‬‬
‫كــذلــك ي ــؤدي الــخــطــاب الميتاسردي أو من المنطقي أن يتحدث عن سابقة للكتابة‬
‫الميتاقص داخــل النص اإلبداعي مجموعة «هذه المرة أكتب بنيات متعددة» رغم أننا من‬
‫مــن الــوظــائــف واألدوار‪ ،‬مــنــهــا خــلــق نص خالل النص يتكشف لنا أنه يمارس الكتابة‬
‫سردي بوليفوني‪ ،‬متعدد األصــوات‪ ،‬والرؤى ألول مرة‪ ،‬أم أنه المؤلف الحقيقي هو الذي‬
‫واألســالــيــب‪ ،‬كذلك كسر اإليــهــام بالواقعية يوجه الخطاب للمتلقي؟‬

‫ال يهم كثيرا إن كان الخطاب من السارد‬ ‫إلبــعــاد الــوهــم واالس ــت ــاب عــن المتلقي‪،‬‬
‫إضافة إلى كشف جماليات اللعبة السردية‪ ،‬أم من المؤلف الحقيقي المهم أن الكاتب منذ‬
‫مع تجديد السرد عن طريق خلق مساحات البدء يعلن لنا ثقل عملية الكتابة وصعوبتها‪:‬‬
‫من التجريب في طرائقه وآلياته‪ ،‬مع تحقيق «أنا الذي أكتب اآلن على ورق يابس‪ ،‬وأمارس‬
‫مــســاحــات مــن اإلثـ ــارة والمتعة والــمــحــاورة هذا القمار الثقيل‪ ..‬أكتب على مهل مثلما‬
‫العقلية بين الكاتب ومتلقيه‪ ،‬مما يسمح تنقش التوابيت»‪.‬‬

‫مــنــذ الــبــدء يكشف الــكــاتــب عــن تشكُّل‬ ‫بمشاركة المتلقي أو القارئ في بناء اللعبة‬

‫السردية تخييال وإيهاما‪ .‬إضافة إلى تربية الشخصيات الروائية داخله‪ ،‬وخروجها إلى‬
‫العقل النقدي لدى المتلقي عن طريق مناقشة الفضاء السردي؛ لتمارس أدوارها المحددة‬
‫لها سلفا‪ ،‬ثم انفصالها عنه‪ ،‬ألنها صارت‬ ‫آليات تكوين الفضاء السردي معه‪.‬‬

‫فهل هــذا مــا فعله محمد حسن علوان ذواتــا أخــرى خــارج ذاتــه «أراق ــب في سطح‬
‫فــي روايــتــه «ط ــوق الــطــهــارة» الــتــي صــدرت ذهني مئات الوجوه التي ال أعرف أيا منها‪،‬‬
‫قبل سنوات عن دار الساقي؟ هل استطاع لكنها طفرت فجأة على الورق‪ ،‬مثل جماعات‬
‫علوان أن يحقق اللعبة الجمالية التي يوفرها الغجر‪ ،‬وصار لزاما علي أن أرقص معها أو‬
‫أموت غريبا»‪.‬‬ ‫الخطاب الميتاسردي؟‬

‫يعود الكاتب ليُسرّب للقارئ أن الصوت‬ ‫منذ اللحظة األولى يضع الكاتب سارده في‬
‫لعبة الكتابة‪ ،‬ورغم أن السارد يدخل مضمار الــذي يفتتح السرد إنما هو صوت المؤلف‬
‫الكتابة ألول مــرة‪ ،‬إال أنه يعلن منذ السطر الحقيقي‪ ،‬قبل أن يقدم لنا ســارده وحكايته‬
‫األول أن «هــذه المرة أكتب بنيات متعددة‪ .‬مع الكتابة‪ ،‬يعاود الحديث عن أنها ليست‬
‫وأعــرف أن فرقا شاسعا سيؤلم ذهني‪ ،‬ولن المرة األولى للكتابة‪ ،‬ويتحدث منذ البدء عن‬
‫‪35‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫سؤال الكتابة‪ ،‬ودوافعه من وراء هذه الكتابة‪ :‬ويمارس الكاتب من خالل قصة سارده لعبة‬
‫«حاصرتني تلك النيات المتعددة‪ ،‬بعد أن كان الميتاسرد‪ .‬حين تطبع غالية كتاباته في‬
‫يستحيل علي أن أكتب بأكثر من نية‪ ،‬مثلما رواية إنما هي تعيد إلى ذاكرته كل الخيبات‬
‫يستحيل أن أكتب بأكثر من قلم‪ ،‬خشية أن والتعاسات التي م ّر بها منذ أن كان صغيرا‬
‫وحتى لحظة الفراق التي حدثت بينها‪ ،‬حيث‬ ‫يخرجني هذا من توحيد الكتابة»‪.‬‬
‫يعي الكاتب أن ثمة جدل في الرواية بين تبدأ الرواية من لحظة النهاية‪ ،‬وصول الكتاب‬
‫ما هو مرجعي وإحالي وما هو تخييلي‪ ،‬بل من بيروت إلى الرياض‪ ،‬ثم الرجوع بالفالش‬
‫يناقش مساحات مــا هــو مرجعي وعالقته باك إلى كل محطات حياته وتفاصيلها‪.‬‬
‫تطبع غالية الكتاب الذي نشره حسان على‬ ‫بالتخييل في النص‪« :‬فرق كبير بين الوعي‬
‫الــذي يحاصرني اآلن بقوانين مريبة‪ ،‬مثل اإلنترنت‪ ،‬وحين يفقد األمل في ترميم العالقة‬
‫وجود أناس آخرين‪ ،‬حزانى‪ ،‬وملعونين‪ ،‬وقطّ اع ويكتشف نظرتها األخالقية الضيقة الى هذه‬
‫أمــل‪ ،‬يتقاطعون معي في قصص متشابهة‪ ،‬العالقة مقارن ًة بنظرته اإلنسانية المتحرّرة‪...‬‬
‫وبــكــاء بــاهــت‪ ،‬بين الــاوعــي الجميل الــذي يقرر إتالف جميع نسخ الكتاب ويمتنع عن‬
‫تعلمته منها أثناء كتابة النية الواحدة‪ ،‬والذي الــرد على اتصاالتها الهاتفية ويــدخــل الى‬
‫كان يمنح أوراقــي ذات يوم مساحة عضلية الحمّام كأنه يقطع الصلة مع الماضي‪ ،‬ويصم‬
‫أذنيه عن صوته‪ ،‬ويغتسل من مرحلة جرّت‬ ‫هائلة‪ ،‬وتمارين شاقة من األمل الموارب»‪.‬‬
‫تحكي القصة حياة كاتب شاب يعيش في عليه األلم والصدمة‪« :‬لقد كان غريبا حقا‬
‫منطقة الرياض (حسان)‪ ،‬يقع في حب العديد أنها نشرت الكتاب بطريقتها مثلما رتبت‬
‫من الفتيات؛ مما يكسر طوق الطهارة الذي حبنا بطريقتها أيضا‪ ،‬وحاكت هذا الفعل من‬
‫يفرضه عليه النظام االجتماعي‪ .‬يقع في حب غيابها الخفي البعيد‪ ،‬ألن األقدار ال تصير‬
‫فتاة قريبة له‪ ،‬من عائلته (غالية)‪ ،‬ويعيش أقداراً إال إذا جاءت من الخفي البعيد أصال‪.‬‬
‫معها قصة حب محمومة حتى يتزوجها‪ ،‬وبعد وهي بعيدة خفية منذ سنوات‪ ،‬وهــذا الذي‬
‫زواجهما بأسبوع واحد ينفصالن‪ ،‬لكن الفتاة جاءني منها اآلن بناء على مصدره‪ ،‬ثم أثره‪،‬‬
‫تظل تحفظ العهد حتى أنها تجمع تدويناته ال يمكن بال ريــب إال أن يكون قــدرا ليس‬
‫التي كان ينشرها على مدونته‪ ،‬ورسائل العشق‪ ،‬عندي احتمال آخر»‪.‬‬
‫يــطــرح الــكــاتــب مــن خ ــال قــصــة حسان‬ ‫في كتاب يحمل اسمه وتوقيعه‪ ،‬وترسله له‬
‫من بيروت‪ ،‬حيث طبعته‪ ،‬وحين تصله نسخ وغــالــيــة‪ ،‬وع ــاق ــة حــســان بــكــتــابــه أسئلة‬
‫الرواية التي تحمل اسمه يطرح أسئلة الكتابة‪ ،‬الكتابة‪ ،‬لماذا نكتب؟ ولمن نكتب؟ وهل من‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪36‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫حق غيرنا أن يأخذ ما بحنا به في زمن ما أن يتأمل حياته وعالقاته النسائية انطالقا‬
‫ويطبعه؟ وما هو إحساسنا حينما نجد خبايا من الجرح الذي نكأته «غالية» بنشر الكتاب‬
‫أعماقنا متشكلة في فضاء سردي؟ «قدّرت دون علمه‪ ،‬فيغوص فــي ال ــذات عميقا في‬
‫لي هذا دون أن تخبرني كيف يمكن أن أطرح محاولة لــمــداواة ألمها من ناحية والتطهر‬
‫الــســؤال البسيط‪ :‬لــمــاذا؟ وال أبــدو متسوال والمحاسبة من ناحية أخرى‪ ،‬فيطرح سؤاال‬
‫وأنــا أطــرحــه‪ ،‬ألن بعض األسئلة الكربونية واضحا ال لبس فيه‪ :‬ما الذي أوصله إلى هذه‬
‫التي تحمل تاريخ صالحية محدودا‪ ،‬ال تظل النقطة من عالقاته بالنساء؟ من أين يأتي‬
‫إجاباتها ممكنة بعده‪ ،‬وتتحول إلى أسئلة غير الداء في تعامله مع النساء؟ فغالية هَ جَ َرتْ ُه‬
‫الئقة‪ ،‬تخدش سطوة الغياب التي ترتديه هي في األسبوع األول من زواجهما‪ .‬قــررت أن‬
‫بكل اقتدار‪ ،‬وتمارسه وكأنها لم تأت أصال تكون ذاتا فاعلة‪ ،‬فهجرت وابتعدت ونسيت‬
‫إال لتغيب‪ ،‬مثلما يفعل التائبون الذين قرروا الحب المحموم‪ ،‬ولم تتوقف عند هذا فقط‪،‬‬
‫استعادة ميدالية الطهارة‪ ،‬بعد دورة حياتية بل أخذت قرار أن تجمع مدوناته وتطبع كتابا‬
‫ضــالــة! ولــهــذا ال أجــد أمــامــي إال أن أحمل باسمه‪ .‬إنها امرأة كفؤ للرجل ومساوية له‪،‬‬
‫أدوات األسئلة األخرى التي صرت خبيرا في وال تقل عنه في اتخاذ القرارات وممارسة‬
‫استخدامها أخيرا‪ ،‬أنا الــذي عانيت طويال األفعال التي تقتنع بها‪.‬‬
‫عــدم الفهم‪ ،‬وتألمت من عصيان األسئلة‪،‬‬
‫لكن مــا ال ــذي كسر طــوق الــطــهــارة لدى‬
‫وفوجئت بالكتاب منشورا مثل صحيفة عبد‬
‫حسان؟‬
‫يحاسبه اهلل قبل يوم الحساب بوقت طويل»!‬
‫إن الــذاكــرة االسترجاعية تعود بحسان‬
‫إلى مرحلة الطفولة‪ ،‬فقد كان ابنا لرجل تقي‬ ‫الخطاب الكشفي في طوق الطهارة‬
‫يعمد الكاتب في هذه الرواية إلى فكرة متدين وامــرأة تخشى على صغيرها من كل‬
‫كشف المسكوت عنه في المجتمع السعودي‪ ،‬شئ وتعتني به وبمظهره وأناقته‪ ،‬وتخاف‬
‫حــيــث يتبنى الــكــاتــب الــخــطــاب الكشفي‪ ،‬عليه حتى من البرد والحر والمرض‪ ،‬فنشأ‬
‫ويفضح الالمقول في المجتمع عبر خطاب حسان صبيا ذا مواصفات خاصة مما أطمع‬
‫سوسيولوجي جريء‪ ،‬فعلوان الذي يستخدم فيه مجتمع الذكور‪ ،‬فتعرض الصبي الوسيم‬
‫شخصية حــســان الـــذي حـــاول كــســر طــوق المتأنق دوما إلى تحرشات الرجال بدءا من‬
‫الطهارة منذ أن عاد بذاكرته االسترجاعية مدرس التربية الفنية وليس انتهاء بمدرس‬
‫إلى السنوات األولى من حياته يتعامل مع ما التربية الموسيقية الذي كان يُحفّظه النشيد‬
‫هو مجتمعي بجرأة وجسارة‪ .‬يحاول حسان الجماعي الذي سينشده مع كورال األطفال‬
‫‪37‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫راحــت يــدي تطبق دورا كتب عليها منذ‬ ‫فــي الــمــدرســة‪ .‬يــحــاول الــمــدرس حينها أن‬
‫يختلي بالصغير بحجة أن يصلح له مالبسه‪ ،‬سبع عشرة سنة‪ ..‬اآلن فقط أستخرج من‬
‫وهناك يحاول أن يحتك بجسده فيهرب منه طفولتي تفسيرات محتملة لكل عــاداتــي‬
‫عندما كان جسدي الطفل ال يفهم الجنس‪،‬‬ ‫الصغير سريعاً‪.‬‬
‫إذاً تعرض حسان الصغير للتحرش زرع فيه ولكن عقلي الباطن يفهمه حتما‪ ،‬ويستوعبه‬
‫شعورين األول الخوف من االختالء بالرجال ويــدركــه‪ ،‬وعندما يكبر يظل العقل الباطن‬
‫أيا كانوا‪ ،‬والثاني هو االنتقام الجسدي من على إدراكه السابق‪ ،‬ولكن يصبح هناك جسد‬
‫أجساد أضعف منه ونفوس أكثر هشاشة من ناضج مستعداً لتلقي تلك األوامر المختزنة‪،‬‬
‫نفسه الهشة المأزومة‪ ،‬لم يجد أمامه سوى وممارسات السلوكيات التي يمليها عليه ذلك‬
‫الحلقة األضعف في المجتمع؛ ليمارس عليها الذي أحاط بكل شئ‪ ،‬و«الجسد ال ينسى» كما‬
‫قال فرويد‪.‬‬ ‫أزمات شعورية كامنة في الالوعي‪.‬‬

‫إنه خطاب ميتاسردي استطاع أن يطرح‬ ‫إذاً يحاول الكاتب أن يقارب الموضوعات‬
‫االجتماعية والــعــاقــات اإلنــســانــيــة بجرأة‬
‫أسئلة الكتابة ورؤيــة العالم لــدى المؤلف‪،‬‬
‫واضحة‪ ،‬فيقدم لنا خطابا كشفيا جريئا في‬
‫والــهــواجــس الــتــي تــنــتــابــه كـ ــذات مــبــدعــة‪،‬‬
‫تناوله لموضوعة الحب والعالقات النفسية‬
‫لكنه تخلى عن أهم دور ينتظر من الكتابة‬
‫والجسدية بين الــرجــال والــنــســاء‪ ،‬وتــاريــخ‬
‫الميتاسردية‪ ،‬وهــو مناقشة طرائق السرد‬
‫الــمــديــنــة الــســري الـــذي يحيل إل ــى مــا هو‬
‫وتــكــويــن الشخصيات والجماليات الفنية‬
‫مرجعي وواقعي في مجتمع من المجتمعات‬
‫في الرواية والتفكير النقدي الذي يجب أن‬
‫العربية التي تشيع فيها الثقافة الذكورية التي‬
‫يمتلكه كاتب الخطاب الميتاسردي‪.‬‬
‫تعتبر المرأة موضوعا للمتعة وليست ذاتا‬
‫لقد وقف الكاتب عند مسعى وحيد مما‬ ‫مكافأة للرجل‪.‬‬
‫كــان حسان كلما التقى بفتاة وبــدأ معها تسعى إليه الكتابة الميتاسردية هو مسعى‬
‫عالقة غرامية يمارس عليها ذات القهر الذي رؤيــة العالم وأسئلة الكتابة‪ ،‬وتناسى تحت‬
‫مورس على جسده وروحــه وهو بعد صغير‪ :‬إغواء مناقشة الهواجس والقلق التي تنتاب‬
‫«في لقائي األول مع جورية ارتسم في عينيها الكتاب ويحاولون إخراجها على الورق‪ ،‬تناسي‬
‫عتاب خجول‪ ،‬ومــن وراء ابتسامة مرتجفة األه ــداف الجمالية التي تحققها الكتابة‬
‫الميتاسردية‪.‬‬ ‫قالت لي‪ :‬يدك!‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪38‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫الصوفي الموزعة بين األلم واالمتالء‬
‫ّ‬ ‫موت صغير‪ :‬حكاية‬
‫‪ρρ‬إبراهيم احلجري ‪ -‬ناقد وروائي من املغرب‬

‫لــيــس محمد عــلــوان أول روائـ ــي يمتح تاريخية‪ ،‬ولكن في الوقت نفسه‪ ،‬ليس من‬
‫مادته من التاريخ‪ ،‬وليس هو أول من اشتغل اليسير تحريف مادة معروفة لدى القارئ‪،‬‬
‫بالتصوف والصوفية كسيولة متنية‪ ،‬فقد خــاصــة وأن اب ــن عــربــي شخصية فكرية‬
‫سبقه كثيرون إلى طرق هذا الباب‪ ،1‬لكن وفلسفية وأدبية شهيرة‪ .‬ثم فيما بعد‪ ،‬تأثيث‬
‫ليس من السهل اتخاذ سيرة الشيخ األكبر التفاصيل الملحقة بهذه الــثــوابــت‪ ،‬بشكل‬
‫ابن عربي هيكال محوريا تنهض عليه رواية‪ ،‬يضمن لهما االنسجام داخل نص كلي‪.‬‬

‫وقد ساهمت خبرة الكاتب وموهبته‪ ،‬في‬ ‫لعدة أسباب أجملها كالتالي‪:‬‬

‫المادة الخبرية حول ابن عربي تعرف شحّ ا التحكم في صلب المادة الخبرية‪ ،‬وتلقيحها‬
‫وتضاربا‪ ،‬وتكتنفها الكثير من البياضات‪ ،‬بخياله الواسع ولغته المتميزة‪ ،‬مما جعل‬
‫والفجوات بحكم العالقة الملتبسة التي كانت الــروايــة تقدم لنا ابــن عربي الصوفي في‬
‫تجمعه برجال السلطة من جهة‪ ،‬وبمريديه متخيل أروع من الصورة التي نحملها عنه‬
‫ســواء من خــال الــروايــات التاريخية التي‬ ‫من جهة ثانية‪ ،‬وبالفقهاء من جهة ثالثة‪.‬‬
‫التلف الــذي تعرضت له ذخيرته وتراثه تترجم له‪ ،‬أو من خالل الصورة الملتبسة‬
‫بفعل المواقف العدائية من التصوف في التي ترسّ خها من خالل الغوص في مؤلفاته‪.‬‬
‫لقد قدّمت هذه الرواية السيرية شخصية‬ ‫بــعــض الــمــراحــل الــتــاريــخــيــة تــحــت ذريــعــة‬
‫محيي الدين ابن عربي منذ والدته ببلنسية‬ ‫تضمّنها فــكــراً خــرافــيـاً وتحريضها على‬
‫حتى وفاته بدمشق‪ ،‬في صورة واقعية تبتعد‬ ‫الزندقة والكفر وما إلى ذلك‪.‬‬
‫ك ّل البعد عن الصورة المتعالية التي تقدمه‬
‫كــون ابــن عربي قطبا ذاع صيته‪ ،‬وكثر‬
‫بها كتب التراجم‪ ،‬فنعرفه في تقلباته الحياتية‬
‫مريدوه‪ ،‬فتعددت‪ ،‬بالتالي‪ ،‬الروايات المتعلقة‬
‫بين الفرح والحزن‪ ،‬السعادة واليأس‪ ،‬الفقر‬
‫بحياته وسيرته وكراماته‪ ،‬إلى ح ّد التضخيم‪.‬‬
‫والــغــنــى‪ ،‬الضيق والــدعــة‪ ،‬ونلمس جوانب‬
‫اإلنسان فيه وهو يطارد الحقيقة‪ ،‬فيخفق‬ ‫كل هذه االعتبارات جعلت محمد علوان‬
‫وينجح‪ ،‬يتهادى بين اإلحباط واالطمئنان‪،‬‬ ‫أمام خيارات صعبة‪ ،‬وتحديات وعرة تتمثل‬
‫ويــجــرجــر نفسه فــي الــكــهــوف والــخــلــوات‬ ‫أوال في الحسم مع الثوابت من األخبار‪ ،‬ولو‬
‫والمقابر‪ ،‬ويهرب من نار المطاردة والحصار‬ ‫أنه ليس من المفروض عليه اإلتيان بحقائق‬
‫‪39‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫عرفت األندلس طفرة كبيرة على مستوى‬ ‫بحثا عــن أفــق أرح ــب لممارسة نشاطاته‬
‫الــثــراء والغنى فــي جميع مناحي الحياة‪،‬‬ ‫التعبدية والتدريسية والتأليفية‪.‬‬
‫تنجح الرواية في أن تضفي المتعة على مــمــا مــهــد لــظــهــور فــنــون وأشــكــال وألـــوان‬
‫تفاصيل سيرة بشرية صعبة‪ ،‬وتسبغ عليها مــن الــبــذخ والــتــرف ومــظــاهــر الــفــســاد في‬
‫أنواع الطرف والمالحة والغرابة‪ ،‬لتيسّ ر تقبّل العالقات واألخالق والعقيدة‪ ،‬كما أن النظر‬
‫ك ّل هذا الك ّم الضخم من الوقائع بسالسة‪ ،‬السطحيّ للنص اإلسالمي أثار حفيظة كثير‬
‫بل أكثر من ذلك‪ ،‬تنزل ابن عربي من خلوته من العلماء الذين ضاقوا بسطحية الفقه‬
‫العاجية‪ ،‬وبرجه العرفاني الغميس ليعيش الظاهري‪ ،‬فراحوا يبتكرون لهم فنونا من‬
‫بين الــنــاس‪ ،‬ويتفاعل مــع الــقــرّاء‪ ،‬فيحبه القول‪ ،‬ومذاهب من التأويل باتت تنتشر في‬
‫المتلقون في الصورة المتخيلة التي تلبسها الغرب اإلسالمي‪ ،‬وسرعان ما بدأت تتسلل‬
‫إيّاه الرّواية‪ ،‬حتى في أذهان من يتبرّمون من إلى المشرق عن طريق الرحالت والمؤلفات‬
‫التي كان يوزعها المريدون‪.‬‬ ‫المنطق الصوفيّ وفلسفته‪.‬‬

‫رأى ابن عربي نور الحياة في بيت علم‬ ‫‪ .1‬سياق التشكل‪:‬‬


‫وأدب وتقوى‪ ،‬فقد كان جده قاضيا‪ ،‬وكان‬
‫تميط الرواية اللثام عن سياق عا ّم أفرز‬
‫والده رجال محدثا وفقيها مقربا من البالط‪،‬‬
‫ظاهرة ابــن عربي ومعها التصوف السني‬
‫باألندلس في الفترة الموحدية التي جاءت بمدينة جميلة اسمها مرسية‪ ،‬لكن طمأنينة‬
‫على أنقاض الفترة المرابطية‪ .‬ففي الوقت األس ـ ــرة س ــرع ــان م ــا تــهــت ـ ّز تــحــت حــصــار‬
‫الــذي كــان الــمـ ّد الفقهي الــمــؤازر مــن قبل الموحدين للمدينة‪ ،‬ليجد الطفل نفسه‬
‫البالط‪ ،‬يتعزّز فارضا ربقته على المفكرين مضطرا لمغادرة بيته مولده إلــى اشبيلية‬
‫والمبدعين في شتّى المجاالت‪ ،‬بالموازاة مع التي كانت مدينة تشع بالحضارة والرخاء‪،‬‬
‫االنفتاح الفلسفيّ على كنوز اليونان‪ ،‬ظهر ويسّ ر له موقع والده االجتماعي في القصر‪،‬‬
‫تيار ثالث يستنّ طرقا وأساليب مخالفة في وحظوته بين العلماء والفقهاء في أن يجد‬
‫عالقته بالنّص الديني‪ ،‬والسلطة‪ ،‬واإلبداع مــكــانــه فــي أفــضــل الــجــوامــع والــكــتــاتــيــب‪،‬‬
‫الشعري‪ ،‬وال ــذات‪ .‬وبالرغم من المقوالت ويجالس أكبر المحدثين والفقهاء والمعلمين‬
‫الجديدة والغريبة التي جاء بها هذا المذهب‪ ،‬في العصر‪ ،‬وبفضل حدّة ذكائه ودقة ذاكرته‪،‬‬
‫فقد القى رواجا كبيرا بين الناس‪ ،‬وسرعان استطاع أن يحفظ القرآن والحديث‪ ،‬في زمن‬
‫ما أصبحت له خرائط وجغرافيات وأساليب قياسيّ ‪ ،‬ثم ينفتح على التفسير وعلوم اللغة‬
‫والبالغة والفقه وغيرها من العلوم التي‬ ‫وجماعات متناسلة من المريدين والشيوخ‪.‬‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪40‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫الناعم والخشن‪ ،‬فلكي يتطهر عالم الذات‬ ‫كانت تحفل بها مقامات العلم والمعرفة‪.‬‬
‫وظــ ّل يدفعه كــام ام ــرأة مقربة‪ ،‬كانت الجواني‪ ،‬ويغتسل من أدران الواقع وعفن‬
‫بالنسبة إليه األم الثانية‪ ،‬اسمها (فاطمة) الملذات الدنيوية الشهوانية والمتطلبات‬
‫رافقتهم في رحلة اشبيلية إلى التأمل في المادية للجسد‪ ،‬يضطر الصوفي للدخول‬
‫الطبيعة والخلق والذات البشرية‪ ،‬ومقارنة ما في امتحانات وتحديات مع النفس ليروضها‪،‬‬
‫يتوصل إليه بَخَ فِ يّ حواسه مع ما يتلقاه من وبعد أن يسكن إلى صفاء روحه‪ ،‬يعود إلى‬
‫معارف‪ ،‬فأشرقت أنوار التصوف في نفسه الحياة ليكشف أسراره العلوية وما رآه خلف‬
‫منذ زمــن مبكر‪ ،‬فــراح يختلي في القبور‪ ،‬الحجب للناس‪ ،‬فيصطدم بأمواج عاتية من‬
‫واألماكن المقفرة‪ ،‬والــوادي ليال‪ ،‬ومرض‪ ،‬الحواجز منها ما هو اجتماعي ومنها ما هو‬
‫بعد ذلك‪ ،‬مرضا شديدا نجا منه بمعجزة‪ ،‬سياسي‪ ،‬ومنها ما هو تداولي ناجم عن الفهم‬
‫وفي مرضه ذاك رأى حلما ظل يزند جذوة السطحي للناس‪ ،‬ومضايقات الفقهاء الذين‬
‫التصوف في نفسه‪ ،‬فراح يبحث عن األوتاد ما فتئوا يوغرون صدور الوالة والسالطين‬
‫األربعة‪ ،‬ويطارد شيوخ التصوف ليأخذ عنهم والملوك عليه‪ ،‬فيطرد أو يسجن‪ ،‬أو يمنع‬
‫ضدا عن رغبة أبيه‪ ،‬وفيما كانت الحاجة من الــدرس‪ ،‬أو تضيق عليه فسحة العيش‪،‬‬
‫ماسة إلــى اســتــقــراره‪ ،‬باتت رغبة السفر فيرحل إلى أفق آخر‪.‬‬

‫واستنادا إلى تجربة ابن عربي‪ ،‬يمكن‬ ‫والتجوال تلحّ عليه مبكرا‪.‬‬
‫ومــن بين العوامل الكبرى التي فتحت أن نسجل أنواع المحن التي تعرض لها في‬
‫بصيرته على التنوع والفيض الغيبي‪ ،‬حضوره حياته كالتالي‪:‬‬

‫لمجالس الفيلسوف المسيحي فريدريك ‪ -١‬محنة الجسد ومتطلباته الشهوانية التي‬


‫كانت تجره إلى ارتكاب الخطايا‪ ،‬والذنوب‬ ‫وجماعته الــذيــن كــانــوا يختلون فــي أماكن‬
‫خاصة لتدارس الفلسفة والفكر اليونانيين‪،‬‬
‫والمعاصي‪ ،‬فيعمد إلى معاقبته باللجوء‬
‫واالن ــص ــات للموسيقى والــغــنــاء‪ ،‬والسكر‬
‫إلى المبيت في المقابر‪ ،‬وقراءة القرآن‪،‬‬
‫ح ّد الثمالة‪ ،‬واإلغــراق في فنون المكاشفة‬
‫وتجويع النفس وقهر رغباتها في الطعام‬
‫واالنشراح واالطالع على الفكر الفيثاغوريّ‬
‫والمعاشرة الجنسية واالختالط بالناس؛‬
‫واألفالطونيّ ‪.‬‬
‫‪ -٢‬محنة األسرة وتحمله المسؤولية مبكّرا‬
‫بعد وفاة عمّه وأمه ووالده‪ ،‬وتيتّمه وأختيه‬ ‫‪ .2‬ترادف المحن‬

‫مبكرا؛‬ ‫تحكي الرواية تجربة الصوفيّ بوجهيها‬


‫‪41‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫تــردده األلسن شعرا في ما بعد رحيله؛‬ ‫‪ -٣‬محنة السفر بحثا عن الذات (الصفاء)‬
‫يقول‪:‬‬ ‫وتــأصــيــا للطريقة (األوتــــــاد) وهــربــا‬

‫مــن مــضــايــقــات أه ــل الــوقــت (السلطة ل ـقــدْ ص ــا َر قـلـبــي ق ــاب ـ ًـا ك ــلَّ ص ــورة‬
‫ـان‬
‫ف ــمَ ـرْعً ــى ل ـ ــغِ ـ ـ ـ ْزال ٍَن وديـ ـ ــرٌ ل ــرُ هْ ـب ـ ِ‬ ‫السياسية)‪ ،‬ورغبة في التواصل مع آفاق‬
‫أرحب‪ .‬يقول الراوي في (موت صغير)‪:‬‬
‫ـان وكـ ـعـ ـب ــة ط ــائ ـ ٍـف‪،‬‬
‫و َب ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ٌـت ألوثـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫«مــنــذ أوجــدنــي اهلل فــي مــرسـ ّيــة حتى‬
‫ـرآن‬
‫وأل ـ ـ ـ ـ ــواحُ تـ ـ ـ ــوراة ومـ ـصـ ـح ـ ُـف قـ ـ ـ ِ‬
‫سفر ال ينقطع‪.‬‬
‫توفاني في دمشق وأنا في ٍ‬
‫ـوجـهـ ْـت‬
‫رأيت بالداً ولقيت أناساً وصحبت أولياء أدي ـ ــنُ ب ــدي ـ ِـن ال ـح ـ ِّـب أ َّنـ ــى تـ َّ‬
‫َرك ــائِ ـ ـ ُب ــهُ ف ــال ـ ُـح ـ ُّـب دي ـن ــي وإي ـمــانــي‬ ‫وعشت تحت حكم الموحدين واأليوبيين‬
‫طريق قدّره ‪ -7‬محنة الفقد التي الزمته بسبب رحيل‬ ‫ٍ‬ ‫والعباسيين والسالجقة في‬
‫كــل مــن أحبهم‪ ،‬وألــفــهــم‪ ،‬وســانــدوه في‬ ‫اهلل لي قبل خلقي‪ .‬من يولد في مدينة‬
‫الحياة‪ ،‬وآزروه في الشدة؛ انطالقا من‬ ‫محاصرة تولد معه رغبة جامحة في‬
‫والديه‪ ،‬ومرورا بزوجاته‪ ،‬وابنته الصغيرة‪،‬‬ ‫االنــطــاق خــارج األسـ ــوار‪ .‬المؤمن في‬
‫وشيوخه‪ ،‬وانتهاء بأصدقائه ومريديه؛‬ ‫سفر دائم‪ .‬والوجود كله سف ٌر في سفر‪.‬‬
‫ٍ‬
‫من ترك السفر سكن‪ ،‬ومن سكن عاد إلى‬
‫‪ .3‬بين السيرة والرحلة والرواية‬
‫العدم»‪.i‬‬
‫انسجاما مع روح النص الــســردي‪ ،‬ومع‬
‫‪ -٤‬محنة التضييق عليه من لــدن الفقهاء‬
‫طبيعة الكتابة السيرية الغيرية التي تتهجى‬
‫الــذيــن بــاتــوا يــحـرّضــون عليه الساسة‬
‫أثــر شخصية معروفة في التراث العربي‪،‬‬
‫والسالطين‪ ،‬ويوشون به لدى من يقربونه‬
‫بكونها أكثر الشخصيات المثيرة للجدل‪،‬‬
‫منهم من والة رغبة في إزاحته؛‬
‫فقد ألفى الــروايــة نفسه مضطرا للتنويع‬
‫‪ -٥‬محنة الفهم السطحي لما يقوله ويكتبه بين أنماط الخطاب‪ ،‬وتشييد عالمه على‬
‫ويـــؤولـــه م ــن ن ــص ــوص‪ ،‬وي ــب ــوح ب ــه من أعــمــدة متعددة‪ ،‬فمن جهة أرســى خطابه‬
‫عــلــى دعــامــات الــســيــرة الــغــيــريــة‪ ،‬ول ــو أنــه‬ ‫إشراقات نورانية؛‬

‫‪ -٦‬محنة الفشل في العشرة الزّوجية‪ ،‬وتوالي سردها بضمير المتكلم ليسهل عليه النفاذ‬
‫الخيبات في الزّواج‪ ،‬ومعاكسة الحظ له إلى عمق الشخصية الرئيسة‪ ،‬خاصة أثناء‬
‫في العشق (تجربة النظام)‪ii‬؛ هذا العشق البوح بأسرار االرتحال الداخلي وآثار السفر‬
‫الذي أبدى فيه رأيا مثيرا للجدل؛ باتت العلوي التي يصعب على الــراوي الخارجي‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪42‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫يتقصى المادّة الخبريّة‬
‫ّ‬ ‫الوصول إليها‪ ،‬فراح‬
‫الموزّعة في بطون األسفار والكتب‪ ،‬بين كتب‬
‫التّراجم واألنساب ومصادر التاريخ‪ ،‬ويجمع‬
‫منها ما يشيد به عالمه السّ ردي‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬أسّ س مسرده الرّوائي‬


‫على صيغة رحلة‪ ،‬متسلسلة الفصول تبعا‬
‫لدينامية الحركة السفرية (مرسية‪ ،‬اشبيلية‪،‬‬
‫قرطبة‪ ،‬فاس‪ ،‬مراكش‪ ،‬بجاية‪ ،‬االسكندرية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مكة‪ ،‬دمشق‪ ،‬حلب‪ ،‬قونية‪ ،‬مالطية‪،‬‬
‫بــغــداد‪ ،‬دمشق مــرة أخــرى) راويــا ما جرى‬
‫للشّ خصية فــي كــ ّل مــحــطّ ــة مــن محطّ ات‬
‫مــفــردات المرحلة التاريخية‪ ،‬ومــن فيض‬ ‫ترحالها‪.iv‬‬
‫ومن جهة ثالثة‪ ،‬جاءت الرواية لتلحم ك ّل الــمــعــجــم الــعــرفــانــيّ دون أن تــســقــط في‬
‫هذه المعطيات بما تملكه من خصوصيات الغموض أو االبــتــذال‪ ،‬بالعكس مــن ذلــك‪،‬‬
‫التنويع واالستيعاب لك ّل أنماط الخطاب‪ ،‬باتت تتميز بحيوية متجددة بتجدد الفصول‪،‬‬
‫وتــبــرز قيمة الــفــنّ ال ــروائ ــي وصنعته في وتبدل أحــوال الشخصية‪ ،‬وتعقد المواقف‬
‫هــذا العمل مــن خــال التوصيف الدقيق والصعوبات التي يسقط في شركها‪ ،‬ممسكة‬
‫لألشخاص واألماكن‪ ،‬والتفاصيل الدقيقة بظ ّل المتعة الذي ظ ّل محور النص‪ ،‬ونكهته‪.‬‬
‫الــتــي نسجت أطـــراف الــعــوالــم الحكائية‪ ،‬فــبــالــرغــم مــن حــجــم الــنــص الـــذي يــقــارب‬
‫ونظمت خيوطها‪ ،‬وعبأت فراغاتها بالخيال ستمائة صفحة‪ ،‬ومــع خصوصية الــمــادة‬
‫الخصب والمناسب الذي أضفى على السرد الصوفية التي استند عليها السرد‪ ،‬وتعرّج‬
‫طابع المتعة والطرافة والواقعية‪ ،‬فبدا كأننا تضاريس المنطقة اإلنسانية التي يخوض‬
‫نقرأ عن شخصية ابن عربي للمرة األولى‪ ،‬فيها‪ ،‬لم تتنازل السيولة المضمونية عن‬
‫مثلما لو عاشرناه‪ ،‬باألمس القريب‪ ،‬في ك ّل اإلثارة والتشويق اللذين ظال‪ ،‬من أول وضعية‬
‫حركاته وسكناته‪ ،‬وعشنا معه ك ّل تفاصيل في النص‪ ،‬إلى آخر موتيف تختتم به الرواية‪،‬‬
‫فرحه ومحنته من ميالده حتى فيض روحه‪ .‬العصب النابض‪ ،‬واللحمة التي تشد مفاصل‬
‫كانت اللغة الــســرديــة شفافة تمتح من المحكي‪ ،‬في ذهن المتلقي‪.‬‬
‫‪43‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫وجاء التمفصل الكبير ألبواب الحكي في الكبريت األحمر‪ ،‬ذات بعدين‪ :‬األول فني‬
‫شكل رحلة موازية لمخطوطات الرجل (ابن يشكل حيلة سردية لتشغيل المتلقي ذهنه‬
‫عربي) بين أماكن كثيرة‪ ،‬وبين مكتبات خاصة إبــان الــقــراءة‪ ،‬والثاني داللــي؛ يــروم تصوير‬
‫وأخرى عامة‪ ،‬لتؤكد االمتحان المتتالي الذي محنة الفكر الصوفي بعد رحيل الرجل‪.‬‬
‫لقد أفلح علوان في جعل نصه المغرق‬ ‫تعرض له فكر ابن عربي بعد رحيله إلى العالم‬
‫اآلخر‪ ،‬حيث يروج في المصادر التاريخية أن بالتفاعالت النصية‪ ،‬والــطــافــح بــالــدوال‬
‫مؤلفاته حرقت‪ ،‬وحوربت من قبل الفقهاء المرجعية المستقاة من المصادر الكثيرة‬
‫والسلطة معا‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬فالفكر القوي الحر التي وجدها أمامه في الموضوع‪ ،v‬عالمة‬
‫ال يمكن طمسه مهما اجتهد أعداؤه في ابتكار صوفية سردية تبسط حياة الصوفي‪ ،‬وتقرب‬
‫أساليب المحو‪ ،‬فقد ظل فكر ابــن عربي‪ ،‬فكره الذي يرهب أحيانا‪ ،‬إلى درجة النفور‬
‫وكتبه بسبع أرواح‪ ،‬ما إن يختفي هنا‪ ،‬حتى منه‪ ،‬فــي صــورة خالية مــن التعقيد الــذي‬
‫يظهر هناك‪ ،‬وحتى في حياته‪ ،‬كان يعجب نلمس فــي كتب الــكــرامــات‪ ،‬وكــتــب الفكر‬
‫الرجل كيف تسافر مخطوطاته وأشعاره بين الصوفي المغرقة في التجريد والمافوقيات‬
‫المدن‪ ،‬وأحيانا تسبقه في سفرياته‪ ،‬فما إن والفلسفة العرفانية التي كــان منوطا بها‬
‫يرتاد سوقا للكتب‪ ،‬حتى يجد أحد أعماله تفسير العالقات بين سلوكيات العرفاني‬
‫يتناقله النساخ‪ .‬وعليه‪ ،‬فإنّ خطة إدراج أمر واعتقاداته اإلشراقية المبطنة‪ ،‬وهو أمر ال‬
‫المخطوطات في الرواية‪ ،‬بالتوازي مع سيرة يعني الناس العاديين في كثير من جوانبه‪.‬‬

‫محمد حسن علوان‪ :‬موت صغير‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬بيروت لبنان‪ ،‬الطبعة األولى ‪2016‬م‪ ،‬ص‪.25 .‬‬ ‫(‪) ١‬‬
‫بناء على قصائده العشقية في فتاة متصوفة اسمها «النظام» التي رفضت الزواج منه لكونها وتده‬ ‫(‪ )٢‬‬
‫الثالث‪ ،‬سيتم مهاجمته من قبل الفقهاء‪ ،‬واتهامه بالزندقة والفسوق‪ ،‬فرد عليهم بترجمة وتفسير هذه‬
‫القصائد في كتاب له أسماه «ذخائر األعالق في ترجمان األشواق»‪.‬‬
‫مامات األراكَة والبَانِ ‪ ،‬انظر الموقع اإللكتروني‪http://www.adab.com/modules. :‬‬
‫ِ‬ ‫محيي بن عربي‪ :‬أال يا حَ‬ ‫(‪ )٣‬‬
‫‪.php?name=Sh3er&doWhat=shqas&qid=19269‬‬
‫لم تتناول رحلة ابن عربي دراسات مفردة‪ ،‬ولم تجمع في كتاب خاص‪ ،‬لكن ابن عربي نفسه أفرد لها‬ ‫(‪ )٤‬‬
‫بعض اإلشارات المتفرقة في كتبه؛ منها‪ :‬كتاب اإلسرا في مقام األسرى الوارد ضمن رسائله المعروفة‪،‬‬
‫فضال عن إشارات في كتابه «الفتوحات المكية»‪.‬‬
‫من المصادر والمراجع التي استند إليها الروائي‪ ،‬وإن لم يشر إليها في نهاية الرواية‪ ،‬نذكر‪:‬‬ ‫(‪ )٥‬‬
‫كلود عداس‪ :‬ابن عربي‪ :‬سيرته وفكره‪ ،‬ترجمة وتحقيق أحمد الصادقي وسعاد الحكيم‪ ،‬دار المدار‬ ‫ ‬
‫اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى ‪2014‬م ‪ -‬فصوص الحكم‪ ،‬الفتوحات المكية‪ ،‬الديوان الكبير‪،‬‬
‫ترجمان األشواق‪ ،‬ذخائر األعالق‪ ،‬البن عربي‪ -‬نفح الطيب للمقري‪ ،‬الوافي بالوفيات لصالح الدين‬
‫أسين‬‫الصفدي‪ ،‬عقيدة ابن عربي وحياته‪ ،‬تأليف‪ :‬تقي الدين الفاسي ‪ -‬ابن عربي «حياته ومذهبه» ِ‬
‫بالثيوس‪ ،‬ترجمه عن اإلسبانية عبدالرحمن بدوي‪ ...‬وغيرها من المؤلفات مما يصعب حصرها في‬
‫الئحة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪44‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫موت ابن عربي الصغير‬
‫‪ρρ‬هشام بنشاوي ‪ -‬املغرب‬

‫مكان‪ ،‬وقادته إلى‬‫وألّبت عليه الفقهاء في كل ٍ‬ ‫نادرة هي تجارب كتابة سير العلماء واألئمة‬
‫السجن في القاهرة في إحدى رحالته‪ ،‬من ناحية‪،‬‬ ‫في الرواية العربية‪ ،‬وهي تعد على أصابع اليد‬
‫وأيضا ما يزخر به تراث ابن عربي‪ ،‬المنقول إلينا‬ ‫الواحدة‪ ،‬فلم يلتفت إلى بعضهم إال القليل؛ نذكر‬
‫كامال من كلمات وأقــوال مأثورة‪ ،‬حــاول محمد‬ ‫من بينها تجربة الروائي بنسالم حميش في روايته‬
‫حسن علوان اقتباسها في مطالع فصول الرواية‪،‬‬ ‫«العالمة» عن «ابن خلدون» وكذلك روايته «هذا‬
‫وكــذلــك مــا تضمه مــؤلــفــات الشيخ األكــبــر من‬ ‫األندلسي» عن «ابن سبعين»‪ ،‬وواسيني األعرج‬
‫أفكارٍ وآراءٍ في عالقة المرء بربه وبالعالم وما‬ ‫في «كتاب األمير» الذي اقتفى فيه سيرة «اإلمام‬
‫إلى ذلك‪ ،‬إال إن الكاتب لم يتطرق إليه كثيرًا في‬ ‫عبدالقادر الــجــزائــري»‪ ،‬وكذلك تجربة محمد‬
‫سيرة ابن عربي‪ ،‬بل حــاول أن ينقل لنا السيرة‬ ‫العدوي في روايته «الرئيس»‪ ،‬التي تطرقت إلى‬
‫اإلنسانية لشيخ المتصوفين‪ ،‬والتي تخللها الكثير‬ ‫نتف من حياة الشيخ الرئيس «ابــن سينا»؛ أمّا‬
‫من االنكسارات‪ ،‬والتطلعات ومجاهدة النفس‬ ‫أشهر تجربة عن المتصوفة‪ ،‬فهي ديوان صالح‬
‫عصر طافح بالصراعات‬ ‫للوصول إلى مبتغاه‪ ،‬في ٍ‬ ‫عبدالصبور «مأساة الحالج»‪ ،‬وال ننسى رواية‬
‫والتطاحنات والمؤامرات السياسية‪ ،‬التي مزّقت‬ ‫«قواعد العشق األربعون» للتركية إليف شافق‪،‬‬
‫أوصال العالم اإلسالمي‪.‬‬ ‫التي تناولت سيرة «جالل الدين الرومي» و«شمس‬
‫قامت الرواية على مستويين سرديين‪ ،‬إذ توازت‬ ‫الدين التبريزي»؛ وأخيرا‪ ،‬وليس آخــرا‪ ،‬محمد‬
‫حكاية رحلة المخطوط من مكان إلى آخر‪ ،‬والذي‬ ‫حسن علوان في رواية «موت صغير»‪ ،‬التي دون‬
‫انتقل من أذربيجان عام ‪610‬هـ‪ ،‬وحتى وصولها‬ ‫فيها سيرة الشيخ محيي الدين ابن عربي‪ ،‬والتي‬
‫إلى بيروت عام ‪2012‬م‪ ،‬مع حكاية رحلة الشيخ‬ ‫حاز بفضلها هذا الروائي السعودي الشاب على‬
‫محيي الدين ابن عربي‪ ،‬ومع كل ظهور للمخطوط‬ ‫جائزة بوكر العربية ‪2017‬م‪.‬‬
‫تظهر شخصيات جــديــدة‪ ،‬فــي زمــكــان مختلف‬ ‫إذا أضفت رواية «قواعد العشق األربعون» هالة‬
‫وصراعات متباينة؛ ففي المستوى السردي األول‪،‬‬ ‫من السحر على الحالة الصوفيّة‪ ،‬فإن رواية «موتٌ‬
‫نتابع رحلة انتقال المخطوط‪ ،‬والتي شهدت أياما‬ ‫صغير»‪ ،‬والمستوحى عنوانها من عبارة لمحيي‬
‫عصيبة في التاريخ اإلسالمي‪ ،‬وعاصر حاملوه‬ ‫الدين ابن عربي‪« :‬الحبُّ موتٌ صغير»‪ ،‬حاولت‬
‫الكثير من الحروب والصراعات واالبتالءات عبر‬ ‫أن تبقى محايدة مع التجربة الصوفية‪ ،‬مع شعرنة‬
‫يكتف «علوان» بعرض‬
‫ذلك التاريخ الممتد‪ .‬إذ لم ِ‬ ‫السرد‪ ،‬رغم إقرارها بحدوث بعض الكرامات‪،‬‬
‫سيرة ابن عربي وحياته‪ ،‬بل حمل المستوى اآلخر‬ ‫ولحظات الصفاء والكشف‪ .‬كما رصدت الرواية‬
‫من السرد لقطات مكثّفة وذكية لرحلة مأساوية‬ ‫ما هو يومي وعــادي في حياة الشيخ ومحيطه‪،‬‬
‫أخــرى في األجــزاء‪ ،‬التي عنونها بـ»المخطوط»‬ ‫ورسمت الوجه اآلخر له؛ ورغم أن حياة الشيخ‬
‫وزمكانه‪ ،‬وقــد اختار لكل مرحلة من مراحلها‬ ‫المتصوّف زاخــرة بالتفاصيل‪ ،‬كــآراء ابن عربي‬
‫إحدى المصائب أو الكوارث التي مني بها العالم‬ ‫وأفــكــاره‪ ،‬التي جـرّت عليه الكثير من المشاكل‬
‫‪45‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫منها الحروب مع البرتغاليين‪ ،‬وثورات بني غانية‬ ‫اإلسالمي في تلك البقعة‪ ،‬التي كان «المخطوط»‬
‫فــي تــونــس‪ ،‬والــحــروب مــع اإلفــرنــج فــي مالطا‬ ‫فيها‪ ،‬حتى يضطر المحتفظ به إلى أن ينقله إلى‬
‫وغيرها‪ ،‬والفتن والنزاعات التي كانت تحصل‬ ‫مكان آخــر‪ ،‬حتى يصل إلــى أيدينا في النهاية‪،‬‬
‫ٍ‬
‫بين الملوك واألم ــراء‪ ،‬ال سيما وأن ابــن عربي‬ ‫في رحلةٍ طافت أماكن مختلفة وحروباً وويالت‬
‫تنقل بين عــدة حواضر‪ ،‬ما جعله يعاصر حكم‬ ‫متعددة بعد وفاة صاحب المخطوط أصالً! فهو‬
‫الموحدين‪ ،‬األيوبيين‪ ،‬العباسيين والسالجقة‪.‬‬ ‫يتخيّل وجود مخطوط كتبه الشيخ بنفسه ودوّن‬
‫هكذا انطلق مــن إشبيلية إلــى قرطبة‪ ،‬مــرورا‬ ‫فيه سيرة حياته‪ ،‬وقد انتقل هذا المخطوط من‬
‫بإفريقيا واإلسكندرية‪ ،‬ودارت الحياة بابن عربي‬ ‫ٍيد إلى يد‪ ،‬ومن زمـ ٍـن إلى آخر حتى وصل إلى‬
‫واستقر به المقام أخيرًا في «مكة»‪ ،‬حيث كتب‬ ‫بيروت عام ‪2012‬م‪.‬‬
‫كتابه األهم واألشهر (الفتوحات المكية)‪ ،‬وظن أن‬ ‫أما المستوى السردي الثاني‪ ،‬فقد احتفى‬
‫قلبه سيهدأ أخيرًا بعد أن تعرّف على «نظام» ابنة‬ ‫فيه محمد علوان بسيرة ابن عربي منذ ميالده‪،‬‬
‫شيخه «زاهر األصفهاني» فأغرم بها‪ ،‬وكتب لها‬ ‫والمحن التي شهدها‪ ،‬إ ّبــان رحلته الطويلة من‬
‫وعنها ديوانه الشهير «ترجمان األشــواق»‪ ،‬الذي‬ ‫غربي البالد (في األندلس حيث والدته وشبابه)‬
‫بث فيه أكثر شعر الغزل المنسوب إليه‪ ،‬وأراد‬ ‫إلــى شرقيها (دمــشــق)‪ ،‬م ــرورًا بالقاهرة ومكة‬
‫أن يتزوجها‪ ،‬ولكنه فوجئ برفضها‪ ،‬ليكتشف‬ ‫وغيرها من حواضر العالم اإلسالمي للبحث عن‬
‫فيما بعد أنها كانت وتدًا من أوتاده‪ ،‬ولهذا لم يكن‬ ‫مكان آلخر بحثًا‬
‫«أوتاده» األربعة‪ ،‬وقد انتقل من ٍ‬
‫ممكنًا أن تتزوجه!‬ ‫عن «الوتد» الذي ال يستقيم قلبه و«واليته» إال به‪.‬‬
‫بعد ذلك توجه ابن عربي إلى بغداد فالبقاع‪،‬‬ ‫وقد ذهب المتصوفة إلى تقسيم مراتب الوالية‬
‫ثم عاد حتى إلى دمشق‪ ،‬حيث سيموت‪ ،‬وقد التقى‬ ‫عندهم‪ ،‬فمنهم مــن قــالــوا إنهم يتقسمون إلى‬
‫بأناس كثر‪ ،‬تعلم منهم وعلمهم‪ ،‬صحب‬ ‫ابن عربي ٍ‬ ‫«القطب» أو «الغوث‪ »،‬وهو أكبر األولياء جميعًا‪،‬‬
‫أولياء وفــارق أوت ــاداً‪ ،‬وأ ّلــف الكثير من الكتب‪،‬‬ ‫وهو واحــد في كل زمــان وتحته األوتــاد األربعة‪،‬‬
‫وسجن بسبب معتقداته وأفــكــاره‪ .‬وقد ظل في‬ ‫وكل واحد منهم في ركن من أركــان العالم يقوم‬
‫هذه األسفار الطويلة‪ ،‬والتي استغرقت كل عمر‬ ‫به ويحفظه‪ ،‬لذلك كان لزامًا على ابن عربي حتى‬
‫«الشيخ األكبر» يبحث عن معنى طهارة القلب‪،‬‬ ‫يحصل على مرتبة «الوالية» أن يصل إلى هؤالء‬
‫إلى أن التقى بآخر أوتاده «شمس التبريزي»‪ ،‬أن‬ ‫األوتاد األربعة‪ ،‬والذي نكتشف من خالل رحلته‬
‫اإلنسان يطهّر قلبه بالحب؛ ما يعيدنا إلى أشهر‬ ‫أنه ال يصل إليهم‪  ‬بسهولة‪ ،‬بل وإنهم قد يكونوا‬
‫عبارات ابن عربي‪« :‬أدين بدين الحب أنى توجهت‬ ‫بجواره وال يعرف أنهم أوتاده!‬
‫ركائبه فالحب ديني وإيماني»‪ .‬وأكثر محطات‬ ‫ســلــطــت ال ــرواي ــة الــضــوء عــلــى الــكــثــيــر من‬
‫حياة ابــن عربي مأساوية تلك التي انتهت بها‬ ‫األحداث التاريخية واألوضاع السياسية آنذاك‪،‬‬
‫حياته‪ ،‬والتي تنتهي بها «أسفار» الرواية‪ ،‬إذ نجد‬ ‫إذ ترافقت سنوات طفولة ابن عربي مع الصراع‬
‫اإلمــام الكبير طاعنًا في السن يعمل أجيرًا في‬ ‫بين المرابطين والموحدين‪ ،‬والذي انتهى بانتصار‬
‫بستان‪ ،‬باحثُا عن قوت يومه‪ ،‬بعد أن ضاقت به‬ ‫الموحدين وحكمهم لألندلس‪ ،‬كما تزامنت أسفار‬
‫السبل ولم يجد بدًا من العمل حتى يموت!‬ ‫الشيخ مع محطات مهمة في التاريخ اإلسالمي‪،‬‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪46‬‬
‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫الوداع‬
‫‪ρρ‬محمدالرياني*‬

‫وقفتْ تودعني بثوب أحمر يشبه لون اللحاق بي والباب ممسك بها‪ ،‬وكانت‬
‫دمها المحترق‪ ،‬كانت تضحك وتبكي تريد العودة ولكن للباب رأيا آخر‪ ،‬تركتُ‬
‫من هول مشهد الــوداع وحجم مسافة كل شيء بما ذلك السفر‪ ،‬عدتُ ألخلص‬
‫الغياب‪ ،‬لحقتْ بي حتى الباب األخير‪ ،‬الــثــوب األحــمــر مــن قبضة الــبــاب‪ ،‬من‬
‫جعلت البابَ نصف مفتوح‪ ،‬وقفتْ في لوعة العيون المحترقة‪ ،‬عــدت بقوة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫النصف الضيق المفتوح ال تريد للوداع‬
‫ضــربــتُ الــبــاب بكتفي‪ ،‬انفتح الباب‬
‫أن يقصر‪ ،‬كنتُ مثلها في حالة الوداع‬
‫كامال‪ ،‬شعرتُ أن كل األبواب الداخلية‬
‫لم أعطها ظهري‪ ،‬مع كل حركة لألمام‬
‫الصغيرة تضحك مع ضحكتها‪ ،‬مسحنا‬
‫كنتُ أتــوقــف وأتــجــه للخلف وأضحك‬
‫سو ّيًا بطرف ردائها األحمر دمعة رقراقة‬
‫وأبــكــي معها‪ ،‬أردتُ أن يطول الــوداع‬
‫من فرط الفرحة‪ ،‬قلتُ لها ألجلك‪ ...‬ال‬
‫حتى أستمتع بطول الوقت‪ ،‬لسان حالنا‬
‫يقول ال لــلــوداع!! ال للحظات الــوداع للسفر‪ ،‬ال لمحطات الــوداع‪ ،‬أرادتْ أن‬
‫الباكية!! في منتصف الباب والباب لم تغلق الباب فقلتُ لها أخشى عليك من‬
‫يكمل دورته إلعالن الغياب انغلق على الباب‪ ،‬ضحكتْ وكانتْ مطمئنة‪ ،‬وكنتُ‬
‫طــرف ثوبها األحــمــر فلم تــخــرج ولم قد ألقيتُ الحقائب في مكان ال يذكّر‬
‫تدخل‪ ،‬نادتني يا‪ ...‬الحقني! كانت تريد بالسفر‪.‬‬

‫* قاص من السعودية‪.‬‬

‫‪47‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫وانتشر الخبر‬
‫‪ρρ‬خالدة خان*‬

‫لم يعد باإلمكان إخفاؤه‪ ،‬أثناء سيري وسط الناس‪ ،‬أجدهم يتطلعون إليّ ويهمسون ثم‬
‫يكملون طريقهم‪ ،‬وأذني تستمع لضحكاتهم‪ ،‬أخرجت النظارة ووضعتها على عيني‪ ،‬لعلى‬
‫أمنعها من فضح أمــري‪ ،‬أكملت طريقي فوجدت المزيد من النظرات صوبي‪ ،‬كيف عرفوا‬
‫ذلك؟ ربما شفاهي التي تدندن بتلك األغنية؟ ولكن كيف أخفيها وأنا أرددها باستمرار؟‬

‫شــخــص‪ ...‬السر محفوظ ولــن يعرفه أحد‪،‬‬ ‫ألقيت نظرة على المكان حولي فوجدت‬
‫ولــن يظهر بوضوح للعالم‪ ،‬وصلت إلــى باب‬ ‫طويل يحلق مع الهواء في عربة‬
‫ً‬ ‫شاالً أصفر‬
‫المنزل وما أن فتحته حتى سمعت الكثير من‬ ‫بائع متجول‪ ،‬فاشتريته ووضعته على عنقي‬
‫التصفيق‪ ،‬استدرت ألجد مجموعة من البشر‬ ‫ونصف وجهى مخبأ خلفه‪ ،‬أكملت طريقي‬
‫خلفي‪ ،‬البعض يصفق وآخ ــرون يلوحون لي‬ ‫بسعادة من يحمل سراً ال يعرفه غيرنا‪ ،‬أو هكذا‬
‫بكلتا يديهم‪!..‬‬ ‫ظننت حتى وصلت إلى طريق المشاة‪ ،‬الحظت‬
‫حسنا يبدو أن خطواتي كانت السبب!‬ ‫المارة في االتجاه المقابل يتطلعون إليّ بنظرة‬
‫هل كنت أرقص أثناء مشيي في الشارع؟ أم‬ ‫ساحرة أخذتني بعيداً عن هذا العالم‪ ،‬زادت‬
‫كنت أسير هائمة متأملة كل جمال مهما بدا‬ ‫عمقاً عندما تالقينا في منتصف الطريق‪!...‬‬
‫صغيراً؟! لم أجد في تلك اللحظة من مفر‪،‬‬ ‫أي شيء يفضحني اآلن يا ترى‪...‬؟! أخرجت‬
‫باإلضافة إلى رغبة عميقة في اإلعــان عن‬ ‫المرآة من حقيبتي ونظرت إلى نفسي‪ ،‬أن تكون‬
‫األمر‪ ،‬صرخت في الناس بأعلى صوت‪:‬‬ ‫تسريحة شعري هي السبب؟ تلك التسريحة‬
‫أنا أحب‪...‬‬ ‫التي أخذت مني ساعات من الليل التقنها كما‬
‫علمتني صديقتي‪!...‬؟ دخلت المحل الموجود‬
‫ثم دخلت المنزل فوراً‪ ،‬وأغلقت الباب خلفي‬
‫في طريقي واشتريت على الفور قبعة خضراء‬
‫بقوة‪ ،‬بحثت عن الهاتف ألتصل بك وأخبرك‬
‫ذات خطوط عشوائية رفيعة باللون األصفر‪،‬‬
‫عن يومي‪ ،‬واعذرني أيها الحبيب‪ ،‬لقد أفشيت‬
‫وجدتها تناسب الشال‪ ،‬لبستها وخرجت من‬
‫السر‪ ،‬لقد أخبرتهم عن حبي لك‪ ،‬بل صرخت‬
‫لهم بذلك الحب‪ ،‬فهو أكبر من قدرتي على‬ ‫المحل‪...‬‬
‫إبقائه سراً‪!...‬‬ ‫اآلن تنفست الصعداء‪ ...‬لن ينظر إليّ أي‬
‫* جدة ‪ -‬السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪48‬‬


‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫عبق الماضي‬
‫‪ρρ‬زينب هداجي*‬

‫مضى زمن منذ أن ترمّ لت‪ ،‬وهي في ربيع العمر‪ ...‬لم تكن الخسارة خسارة زوج‬
‫فحسب بل خسارة سند وحبيب‪ ...‬خسارة الفرح والغبطة‪ .‬لم يراودها الشوق منذ‬
‫ليوضب‬
‫ّ‬ ‫أن رحل‪ ،‬ولكنّه عاد ليطوقها عندما طلب نجلها أن تبحث له عن حقيبة‬
‫فيها أغراضه استعدادا للجامعة‪.‬‬

‫فتحت باب المخزن‪ ...‬نفضت الغبار الرنّان‪« :‬أبشري يا فاطمة‪ ...‬لقد رقيت‬
‫عن الخزانة‪ ...‬خزانته‪ ...‬كسا الغبار إلى رتبة لواء‪ »...‬يومها عاد وهو يحمل‬
‫ثيابها ولكنها ال تحفل ب ــه‪ ...‬ظهرت كيسين من التّفاح والموز‪ ،‬وقد قال لها‬
‫قبالتها صــورة زوجها «كــامــل» ببذلته أهما «بشارة التّرقية»‪ .‬في ذلك اليوم‬
‫العسكريّة‪ ،‬عيناه تلمعان‪ ...‬تخبران عن المعطّ ر بنفحات الــســعــادة والنّصر‪،‬‬
‫نصر قــادم‪...‬يــده ثابتة في التحّ ية‪ ...‬أخذها للتّجول على شاطئ البحر‪ ...‬ولم‬
‫ـصــورة‪ ،‬يعودا إلى المنزل إال بعد طلوع البدر في‬
‫الــتــزامــا وعــزيــمــة‪ ...‬حملت الـ ّ‬
‫احتضنتها‪ ،‬ضغطت عليها بكل قواها السّ ماء‪ .‬في ذلك اليوم‪ ،‬المسروق من‬
‫التي أضعفها المرض‪...‬عاد بها منطاد مخالب الموت‪ ،‬أحست أنّها تحطم كل‬
‫الذّكريات إلى ذلك الزّمن الغابر‪...‬يوم قيود الزمان والمكان لتطير صوب عالم‬
‫دخل البيت وهو يلعن بصوته الجهوري خرافي تسوده السعادة بكل أصنافها‪،‬‬

‫‪49‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫سعادة النصر‪ ،‬سعادة الفخر وسعادة القلب‪ ،‬بالعودة فعاد ليزورني‪ ...‬ليبهج قلبي الذي لم‬
‫ما يفتأ يرفرف السّ نونو في ربيعه فرحا يذق طعم الفرح منذ وفاته‪ .‬عاد ابنها يطلب‬
‫لعزيز غالي‪ .‬وبغتة سقطت الصورة مبلّلة الحقيبة وقد نفذ صبره وأمق اإلنتظار الذي‬
‫بعبراتها‪ ،‬ليست التي بكتها بها يوم مأتمه‪ ،‬طــال أكثر من ال ــازم‪ ،‬ر ّبــت على كتفها ث ّم‬
‫بل التي فرحت بها له ألنّه مات في سبيل سألها عن سبب الدّموع التّي في عينيها‪،‬‬
‫الوطن‪ .‬التفتت إلى أعلى الخزانة فرأت بذلة فذكرت أنّها بسبب الغبار الذي كسا األمتعة‬
‫زواجه السّ وداء‪ ،‬الوردة التي أهداها إليّها ال القديمة‪،‬وبذلك ودّعت قطار ذكريات حبيبها‬
‫تزال في جيبها‪ ...‬أمسكت بها من الطّ رفين المتوفّى وواصلت البحث عن الحقيبة حتّى‬
‫وراحــت ترقص وترقص حتّى ال ـ ـدّوران‪ ...‬وجدتها‪ .‬أحسّ ت فجأة بقوّة خفيّة تجذبها‬
‫دوران طار بها إلى الحادي والعشرين من أمام المرأة‪ ..‬تجلسها فوق المقعد‪ ..‬تجعل‬
‫يــولــيــة‪ ...‬ي ــوم عــقــد قــرانــهــا‪ ...‬ي ــوم دخــا يــداهــا تصفّفان شعرها كما كــان «كامل»‬
‫بيتهما الجديد لتطأ جنّتهما السّ احرة‪ ،‬ليبدآ يحبّ ‪ ...‬تلبسها فستانها األحمر‪ ...‬تجعل‬
‫أولى لحظات حياتهما الهانئة التي طويت من الفرح والغبطة تقيمان حفال في فؤادها‬
‫صفحاتها الورديّة يوم مماته‪ ...‬لقد قال لها الملتاع‪ .‬فوقفت وراحت تغنّي أغنية فيروز‬
‫يومها‪« :‬يا فاطمة مــاذا تطلبين؟؟ حتّى لو «بأيّام البرد‪ ...‬بأيام الشّ تي‪ »...‬التي كان‬
‫كان القمر‪ ،‬لجلبته لك‪...‬لكن ها هو البدر يــحــبّ سماعها دائــمــا أل ّنــهــا تــذكــره بذلك‬
‫قد نزل قربي‪ »...‬قال ذلك ث ّم داعب يدها اليوم العاصف الممطر الذي عاد فيه من‬
‫ضاحكا‪ ،‬فضحكت‪ .‬احمرت وجنتها خجال المعركة بعد أن غاب عنها مدّة طويلة‪ .‬عاد‬
‫إليها يطلب منها شيئا آخر‪ .‬تفاجأ من رؤية‬ ‫وحياء‪....‬‬
‫«أمي‪...‬أمي‪...‬يا أمي أين الحقيبة التي أمّه بتلك الهيأة‪ .‬أخذ يرقبها من بعيد وهو‬
‫طلبت؟» سمعت صوت ابنها ينادينها ولكنّها يبتسم ثم قال لها ضاحكا‪« :‬يا فطومة ما‬
‫جثّة هامدة في زمن الحاضر‪ ...‬روح حالمة أجــمــلــك!»‪ .‬خجلت قليال ثــم قالت لــه‪« :‬ال‬
‫في زمن الماضي الجميل‪ ...‬زمن فتح قلبها أعــرف ل َم ل ْم ترث من والــدك سوى ازعاج‬
‫على مصراعيه‪ ،‬دخله دون سابق إعالم ولكن اآلخرين والتطفل عليهم‪ »...‬ضحك ابنها ثم‬
‫لــمــاذا؟؟ أل ّنــه زمنه هو لوحده‪ ،‬ملك لــه‪ ،‬ال احتضنها بين ذراعيه القويتين وقبّلها على‬
‫يمكن أن يعود إ ّال بــإذن منه‪...‬لعله أذن له جبينها‪ ،‬فابتسمت وغادرا الغرفة معا‪....‬‬

‫ * قاصة من تونس‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪50‬‬


‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫ال أوان لما كان‬


‫‪ρρ‬هدية حسني*‬

‫أزيــح المبررات كلها ريثما أعيد ترتيبها مرة أخــرى‪ ،‬فلقد تشابكت وتداخلت‬
‫كنت على وشك الوصول لتبرير‬ ‫ـدت أضيعُ في خيوطها العنكبوتية‪ُ ،‬‬
‫وتشعبت وكـ ُ‬
‫تصرفه كيما أقنع عصفور قلبي المرفرف بين أضــاعــي‪ ،‬كيما أه ــدّ ىء مــن روع‬
‫القلق الذي يمخر بحر ظنوني‪ ،‬وكيما أضع حد ًا لهذا الجبل الجاثم فوق صدري‬
‫منذ سنين‪.‬‬
‫لكنني‪ ،‬وأنا أقلّب األمر الذي صار أموراً‪ ،‬وأجرد حسابات قلبي التي تاهت في‬
‫العد‪ ،‬وأعنّف نفسي على السنوات التي خضتها في معارك خاسرة‪ ،‬وأحاول ترتيب‬
‫المبررات‪ ،‬اشتبك عليّ ومن حولي كل شيء‪ ،‬بدت الصور المُ ضللة تجرجرني إلى‬
‫الطرقات التي ظلت في مخيلتي طازجة ورائـقــة على الرغم من موتها أو على‬
‫األقل اضمحاللها وشيخوختها‪ ،‬وبدا كل شيء يتداخل بكل شيء‪ ،‬السنوات تتبع‬
‫السنوات‪ ،‬والــوجــوه الملتبسة تكتظ في المخيلة وتسد ال ــدروب دونــي‪ ،‬وإشــارات‬
‫تحذرني من المضي في التعلّق به‪ ..‬كان عليّ أن ال أتجاهلها؛ لكنني تجاهلتها في‬
‫هيجانات عواطفي‪.‬‬

‫كل ذلــك حــدث ألنني أيضاً ضلّلت آن‪ ،‬واندفعت كما الريح المدوّمة من‬
‫نفسي واكتفيت بتلك اللذة التي تغلغلت دون أن ألتفت أو أدرك بأنني سأحط‬
‫في أوصالي‪ ،‬لذة الخفقة األولى للمباهج‪،‬‬
‫الرحال بعيداً عنه‪ ..‬على أرض جرداء‬
‫الدرس األول في القلق على شيء أردته‬
‫خالية من طراوة األحالم‪.‬‬
‫ورغبت في امتالكه‪ ،‬لذة االندساس في‬
‫ولـ ّمــا كانت عجلة الــزمــن ال يهمها‬ ‫طيات الحلم البراق‪ ،‬القريب البعيد في‬
‫‪51‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫أمـــري‪ ..‬فلقد مــرت بسرعة الــبــرق‪ ،‬ربما ال أريــد أيضاً أن أتذكر رقــم السنين التي‬
‫ســمــعــتُ قهقهاتها ول ــم أنــتــبــه إل ــى مــدى مرت على خيباتي‪ ،‬لكنني أتذكر جيداً على‬
‫سخريتها‪ ،‬ألجدني وقد أفقت من أحالمي الرغم من نسيان الكثير من اإلرهــاصــات‬
‫التي اخترعتها على مقاسات اندفاعاتي التي عصفت بنا‪ ،‬بأننا عشنا قصة حب‬
‫الفتية وقتذاك‪ ،‬ليس ثمة في هذه القصة استثنائية أيام كنا بعمر الورود‪ ،‬وكان لضوء‬
‫ما هو مغاير لقصص الحب الخائبة‪ ،‬نحن القمر سحره‪ ،‬وللنجوم ألقها‪ ،‬وللطرقات‬
‫نكرر األخطاء كلما أتيح لنا أن نفعل ذلك‪ ،‬بهجتها‪ ،‬وللشجر لون الحياة‪ .‬قصة حب لم‬
‫ومع التكرار نفتقد بهجة األشياء‪ ،‬وتلك اللذة تصل منتهاها؛ لكنها أصبحت أطو َل عمراً‬
‫السرية لخفقان قلوبنا واختالجات أرواحنا‪ ،‬من حقيقتها‪ ،‬توقفتْ عند منتصف الطريق‪،‬‬
‫فتصبح الحياة عقيمة وسقيمة وخانقة‪ ..‬وعند منتصف الحب توقفنا‪ ،‬لم نُكمل‪ ،‬أو‬
‫لكننا من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه نصنع باألحرى لم تُكمل أنت‪ ،‬تعبت خطاك‪ ،‬وقررت‬
‫أوهــامــنــا لكي نجنب أنفسنا الــمــزيــد من أن تبحث عن ٍ‬
‫طرق أقصر لعلك تستريح من‬
‫الخسارات‪ ..‬هذا ما فعلته طيلة ما م َّر من هذا الذي يسمونه الحب‪ ،‬والذي بدأ بيننا‬
‫سنواتي القاحالت بعد فراقنا غير المبرر‪ ...‬هكذا‪...‬‬
‫هل كان فراقاً غير مبرر؟‬
‫دعنا من ذلك اآلن‪ ،‬ليست بي رغبة للكالم‬
‫دعنا مــن ذلــك فلقد امتصت السنوات عن بداية تلك الحكاية‪ ..‬وال كيف انتهت‪ ،‬لقد‬
‫الطوال أحزان قلبي لذلك الفراق‪ ،‬ونسيت انتهت وكفى‪ ،‬والنهاية أخذت وقتها األطول‬
‫ال لماذا افترقنا‪ ،‬نسيت أو تجاهلت أو لكي تستسلم وتُسلّم باألمر‪ ،‬كل شيء انتهى‬‫فع ً‬
‫خدعت نفسي أو‪ ...‬قل ما شئت وال تُذكِّرني بالطريقة التي انتهى بها‪ ،‬أخذ معه أمطار‬
‫بشيء مما جرى في الماضي البعيد‪ ..‬أنت دموعي وكل ما يخطر على بالك من قسوة‬
‫نفسك ال تريد تذكُّر األسباب والمسببات األوجــاع‪ ..‬أحياناً‪ ،‬عندما يصهرني الحنين‬
‫المعتّق‪ ،‬وأستعيد تلك األوجاع‪ ..‬أشعر فقط‬ ‫التي حدثت في زمن لم يعد ملك اليدين‪.‬‬
‫قلت لي في آخر مكالمة‪ ،‬بعد عودتك التي بما يشعر به طائ ٌر ف ـرَد جناحيْه للريح‪..‬‬
‫جاءت تتوكأ على عصا فوات األوان‪ ،‬بأنك ليُسقط ما علق به من عوسج‪ ،‬لقد عالجت‬
‫تفاجأت وأنــت تكتشف كم صــار عمرك‪ ..‬نفسي بترياق ُم ّر كيما أعبر تلك األحزان‪،‬‬
‫همست لي بغصة مستترة برقم السنوات وعبرتها‪ ،‬كلما ضــاق عليّ المكان فتحتُ‬
‫التي أحسستُ مرارتها مثلك‪ ،‬إال أنني هنا‪ ،‬نوافذ قلبي‪ ،‬لعلها تتسع لحكايات جديدة‪،‬‬
‫في هذه القصة‪ ،‬شطبت الرقم‪ ،‬ربما ألنني ومــع الحكايات الجديدة أجــدك‪ ،‬بما كنت‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪52‬‬
‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬
‫عليه وكنتُ أنا عليه من مباهج‪ ،‬أما ما جاء لكننا لم نلتقِ ‪ ،‬شئت أنــت‪ ،‬وشئتُ أنا أن ال‬
‫بعدها فقد محوته‪ ،‬أو ركنته في زاوية مهملة يرى أحدنا اآلخر‪ ،‬للقلب غايات لم ندركها‬
‫لن ألتفت إليها‪ ،‬ساهية عن كل ذنوبك‪ ..‬بعد‪ ،‬لعله يريد أن يُبقي على صورنا األولى‬
‫وذنــوبــي الــتــي لــم أقــتــرفــهــا‪ ،‬أو تــلــك التي التي كنا فيها بعمر الورود‪ ،‬أو لعله يستعذب‬
‫اقترفتها في أحالم يقظتي‪ ..‬وآه لو تعلم كم طعم الفراق‪ ،‬فقد تندمل جراحه عند اللقاء‪،‬‬
‫استحضرتك في أحالم يقظتي‪ ،‬مانحة إياك جــراحــه التي لــم نتذكر متى تعافينا منها‬
‫صك الغفران‪ ،‬ونازعة عنك طبع الخذالن‪ ،‬وتناسيناها‪ ،‬شيء حَ س ٌن أننا نداوي الجراح‬ ‫َّ‬
‫وباعثة فيك لذة التوق الذي كان‪ ..‬الى الحد بنعمة النسيان‪ ،‬والنسيان كان لعبتي التي لم‬
‫أتقنها تماماً‪.‬‬ ‫الذي ال أتذكر لماذا خذلتني‪.‬‬
‫كم صار عمرك؟‪ ..‬ال أصدق‪ ،‬وال أريد أن‬ ‫لماذا قذفت بصوتك بعد هذا العمر؟‬
‫أصدق أن ذلك الشجر النضر الشامخ النزق‬
‫أعرف أن أشجار عمرينا ألقت بثمارها‬
‫الشهي‪ ،‬يمك ُن أن تداهمه سوسة الشيخوخة‬
‫على قارعة الطريق‪ ،‬الثمار التي لم نتذوقها‬
‫بهذه القسوة‪ ،‬ويمكن أن ينبهني الى أنني على‬
‫بما فيه الكفاية‪ ،‬وم ّر بها الغرباء ولم يكترثوا‬
‫الطريق ذاته أسير‪ .‬عجباً‪ ،‬لماذا إذن لمّا أزل‬
‫لها‪ ،‬وأن الرياح العتيّة أخذتها بعيداً‪ ،‬لعل‬
‫أشعر بأنني ابنة العشرين كلما الح طيفك‪،‬‬
‫أحــداً يعثر على بــذورهــا ويعيد إليها دفق‬
‫وأن قلبي الذي خرّمه الفراق ما يزال يُفسح‬
‫الحياة‪ ،‬وأعرف أيضاً بأننا‪ ،‬نحن اإلثنان‪ ،‬لم‬
‫مكاناً للبهجة‪ ،‬حتى وإن كانت تلك البهجة قد‬
‫يعد لدينا ما نعطيه من أجل إيقاظ أحالمنا‬
‫جاءت بعد فوات األوان؟‬
‫التي نامت تحت ظالل الكوابيس‪ ،‬أنا أيضاً‬
‫لكنني وأنـــا أشــتــبــك فــي مــحــاولــة فــرز‬ ‫أتوكأ على عصا فوات األوان‪ ،‬وأواننا فات‬
‫أوانه‪ ،‬بل قل ال أوان له‪ ،‬إنه وقت سادر في الــمــبــررات الــتــي اســتــعــصــت عــلــى الــفــرز‪،‬‬
‫العماء والبهجة المسلفنة باألوهام‪ ،‬نحاول تفاجأْتُ أن عمري أصبح‪!..‬‬
‫ياه‪!..‬‬ ‫اإليحاء ألنفسنا بأن األغصان اليابسة يمكنها‬

‫لــن أهــمــس لــك بــرقــم الــســنــوات‪ ،‬فقد‬ ‫أن تورق بعد مــوات‪ ..‬ليس ثمة حياة‪ ،‬دورة‬

‫الحياة أخذت وقتها‪ ..‬وليس بمستطاعنا أن شطبتُه فوراً من رأسي قبل أن يصلك وأنت‬
‫على الطرف اآلخــر من الدنيا‪ ،‬ال أريــد أن‬ ‫نعيش مرتين‪.‬‬

‫غصتين‪.‬‬
‫على مرمى بصر كنت مني‪ ،‬وكنتُ منك‪ ،‬أعيش أو تعيش ّ‬
‫* قاصة من العراق مقيمة في كندا‪.‬‬

‫‪53‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫مرايا ووجوه‬
‫‪ρρ‬محمد محقق*‬

‫لما أدرك أن بائع الكتب‪،‬‬ ‫انعكاس‬


‫هو نفسه الذي أهداه هذه النسخة‪..‬‬ ‫س ــاف ــر إل ـ ــي ال ــص ــي ــن طــلــبــا لــلــعــلــم‪..‬‬
‫مشهد‬ ‫اندهش(لتشابه) الــوجــوه واألشــكــال‪ ..‬لما‬
‫انتهى من بحوثه‪ ..‬وجدها نسخا (متشابهة)‪..‬‬
‫قبل أن يلتهم خبزه الممزوج بالزبدة‪،‬‬
‫أخذ قلمه ليداعب كلمات مجهولة‪،‬‬ ‫ثمة كالم‬
‫ضحك باستخفاف وهو يرى بطله‬ ‫لما أبدى استياءه من ديوانه‪..‬‬
‫يسكب فنجان قهوته على قصته‪...‬‬
‫تطلع إليه في اندهاش‪..‬‬
‫عبقري‬
‫وقبل أن يطرده من مدينته الفاضلة‪،‬‬
‫تــســاءل وهــو يصافح بائع القبعات‪ ،‬كم‬
‫كان يغرق قصائده في البحر‪،‬‬
‫تساوي قبعة الــروائــي والــقــاص والشاعر؟‬
‫ق ــرر أن يــشــتــري الــقــبــعــات الــثــاث دفعة‬ ‫ثم مسح وجهه وابتسم‪..‬‬
‫واحدة‪ ،‬من حينها صار العبا باللغة واألفكار‬ ‫فنان‬
‫والشطرنج‪...‬‬
‫على صوت المطر يرسم أجمل لوحاته‪،‬‬
‫أديب‬
‫خمسيني يقبع وحيدا‪،‬‬
‫رأى القبعة شكال جميال على جماجمهم‪،‬‬
‫أشيل يحتفل بنشوة النصر‪،‬‬
‫تيقن أن خيوطها مزيجا مــن األحاسيس‬
‫واألفكار‪ ،‬كي يستمر حلمه األزلي مع الكتابة‪،‬‬ ‫ولما أثلجته نسمات الليل البارد‬
‫كان وجه امرأة فاتنة تداعب ريشته بحنو اشترى واحدة وحرك رأسه في كل اتجاه‪...‬‬
‫شتات‬ ‫شاطر‬
‫فقد صــوابــه حين ضاعت القبعة منه‪،‬‬ ‫كان يتجول كعادته‬
‫وحــدهــا الكلمات كانت تتبخر مــن رأســه‪،‬‬ ‫في حارة الكتب المستعملة‪،‬‬
‫حينها أدرك أن حلم الكتابة قد تالشى وأنه‬ ‫شد انتباهه وجود ديوانه بينها‪،‬‬
‫ينط داخل أنفاق مغلقة‪..‬‬ ‫ابتسم بخبث‪،‬‬

‫ * قاص من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪54‬‬


‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬
‫نصوص قصصية‬
‫‪ρρ‬حليمة الفرجي*‬

‫تنبت لي رئة أخرى‬ ‫عودة‬


‫تسلل مجبرًا ليزرع األلغام بالدولة المجاورة‪ ..‬وقلب‬
‫بعد ان وعد طفلته أن يعود صبيحة العيد‪..‬‬
‫حين انتهت المسرحية‪..‬‬
‫مضى نهار العيد والطفلة تنتظر‬
‫تقدمت منتصرة أنظر في مرآتي‪..‬‬
‫وعند المغيب‬
‫أجدني قد أصبحت‬
‫حضر للدار رجــال غرباء يحملون الحلوى‪..‬‬
‫آدم جديد‪...‬‬
‫ودمية ملطخة بالدماء‬
‫ميتَا‬ ‫رجس‬
‫بداخلي ألف أنثى تحتمي بي مني‪..‬‬ ‫دنسته السياسة‪..‬‬
‫وكأن أنوثتي ماهي إال ذكرى خالية‪..‬‬ ‫فسجد سجود السهو‪ ،‬مغتسال بدماء شعبه‬
‫بنت حولها العنكبوت‬ ‫هزيمة‬
‫بيتا ورأسا ممتلئا بالورق‪..‬‬ ‫في أولى معاركي مع آدم‪..‬‬
‫وحبة فاصولياء تنمو للسماء‪..‬‬ ‫خسرت‪...‬‬
‫ظننت أنــي انتصرت لنفسي حين قصصت تتسلقها أحالمي‬
‫بدون أرجل وجفنان‬ ‫ضفائري‪ ،‬وارتديت قميصه‪..‬‬
‫أهش بهما على حلم‪..‬‬ ‫صعدت خشبة مسرح‬
‫بقي‬ ‫أللعب دورًا لم يكتب لي‪..‬‬
‫لـ فتاة ذات ضفائر طويلة‬ ‫تمتلئ الكراسي‬
‫ترسلها لألسفل‬ ‫بالفراغ‬
‫بعيدا‬ ‫تضحك ألنني‬
‫حيث تقف صفوف مكررة‬ ‫كلما بدأت الرقص‪،‬‬
‫لذكور يحملون ذات المالمح‪..‬‬ ‫تنبت أنوثتي‪ ..‬فأجتثها‪..‬‬
‫فأغمض عيني‬ ‫تمردت‪..‬‬
‫أنتظر أن يمر أحد في ذاكرتي‬ ‫قسى الدور عليَّ كثيرًا‬
‫وكنت قد أقسمت أن أجيده‬
‫او أجد منه ريحا تهترئ نافذتي‪..‬‬
‫كرهت ضعفي‪ ..‬استكانتي‬
‫يسقط الحلم‬ ‫تظاهرت بالقوة‬
‫أسافر طويال ما بين آدم وحواء‪..‬‬ ‫ترقص حولي شبيهاتي‬
‫وحين تستقر قدماي‬ ‫من إناث خذلهن الحب‪..‬‬
‫أجدني أنثى بدون وجه‪..‬‬ ‫كلما ازداد التصفيق‪..‬‬
‫تكتمل بي الصفوف المتسلقة ساق حبة الفاصولياء‬ ‫يقصر شعري‪..‬‬
‫* شاعرة وكاتبة سعودية‪.‬‬

‫‪55‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫قصص قصيرة جد ًا‬
‫‪ρρ‬محمد صوانة*‬

‫أنفاس غائبة‬ ‫فَ قْ ٌد‬


‫بعد سنوات طويلة‪ ،‬عدت إلى جامعتي‪،‬‬ ‫شمس أيــلــول‪ ..‬نــام الجميع‪ ،‬ولم‬
‫ُ‬ ‫غابت‬
‫لم أشعر بأنفاس المكان! تنكرت لي الوجوه‬ ‫يأبهوا بها مثلي!‬
‫ل ــم أعــــرف طــعــمــا لــلــنــوم‪ .‬وظـ ـلّ ــت ك ـ ُّل والــنــظــرات الــقــاعــات والــســاحــات ‪..‬حــتــى‬
‫األشجار؛ تالعبت بها الرياح ‪ ..!..‬األماكن‬ ‫الشروقات تُ َذكِّرني بحضوره‪..‬‬
‫الدافئة لم يعثر لها على عنوان!‬
‫صورة‬
‫ارتباط‬ ‫أغمض عينيهِ ‪ ،‬ونام!‬
‫َ‬ ‫اشتا َق لرؤيةِ طيفهِ ؛‬
‫تسلّم عصا الترحال‪ ،‬ومضى‪..‬‬ ‫خريطة طريق‬
‫وما تزال عينه تحتضن لقطة الوداع‪..‬‬ ‫الخريطة المرسومة بالقلم الرصاص‪،‬‬
‫ال جديد‬ ‫تلوي يده الممسكة بالممحاة‪ ،‬وتحول دون‬
‫أن ينال من ِعنادها!‬
‫يوم فارغ في حياتها‪ ..‬تغيب شمسه دون‬
‫جديد‪..‬‬ ‫غداء‬
‫تــأوي إلــى فراشها‪ ..‬ترسم صــورة أمها‬ ‫يفيض اللعاب في فمه بغزاره‪ ،‬عند مروره‬
‫بالقرب من نافذة بيت الجيران‪ ..‬وهو في على غطاء السرير‬
‫طريق عودته من المدرسة‪.‬‬
‫تحتضنه وتغفو‪..‬‬
‫طبخت لنا اليو َم شيئاً يا‬
‫ِ‬ ‫يسأل أ ُ َّمهُ‪ :‬هل‬
‫محاولة‬ ‫أُمّي؟‬
‫يهز القلم‪ ..‬مؤمِّال أن يستجيب ويخرج‬ ‫في ضاحية سينترا‪..‬‬
‫المِ داد كما يشتهي‪..‬‬
‫يتتبع أثــر األجـــداد فــي القلعة العربية‬
‫أطلق القلم صافرة استغاثة؛‬ ‫التاريخية‬
‫دون تأخير كانت دوري ــة شرطة تحيط‬ ‫جـــاء الـــحـــراس‪ ،‬فــأحــاطــوا «الـــذاكـــرة»‬
‫بالمكان‪..‬‬ ‫باألسوار!‬
‫ * قاص من األردن‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪56‬‬


‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫ثورة العطر‬
‫‪ρρ‬ابراهيم جابر مدخلي*‬

‫ـاس إن ــي أنـ ــزف الـشـجـنــا!‬


‫ي ــا أي ـهــا ال ـ ـ ّ َنـ ـ ُ‬ ‫صاص أنا‬
‫ُ‬ ‫والق‬
‫جرحُ القصيدةِ ُجرحي ِ‬

‫ـاح عَ ـ َن ــا!‬
‫ـوت الـ ــريـ ـ ِ‬
‫ـاي ب ــه صـ ـ ـ ُ‬
‫وأل ـ ـ ـ ُـف نـ ـ ـ ٍ‬ ‫من ألـ ِـف عــامِ صهيلُ الحرف يسكُ نُني‬

‫مُ ـ ــذْ ودع ـ ـ ْـت رح ـل ــةُ األيـ ـ ــامِ ل ــي مُ ــدُ َن ــا؟‬ ‫ـزن مُ ــتَّ ـ َك ـ ٌأ‬
‫ـس ل ــي غ ـي ــر هـ ــذا ال ـ ـحـ ـ ِ‬
‫ألـ ـي ـ َ‬

‫ال ض ــو َء فــي دربِ ــيَ األعـمــى و َث ــمَّ سَ ـ َنــا!‬ ‫مُ ـ ــذْ غ ـ ــاد َر ال ـن ـجــمُ ل ـي ـ ًا أفـ ــقَ راحـلـتــي‬

‫بالعصف ُشعْ لَتُ ه الحمقى ومــا وَهَ ـ َنــا‬


‫ِ‬ ‫زلت أ َْخبُو َكفَانُوسي الذي ارتَجَ ف َْت‬
‫ما ُ‬

‫َك ـ ـ ـ َث ـ ـ ـ ْورَةِ ال ـع ـط ــرِ ُت ـ ـ ْبـ ـ ِـدي ِس ـ ـ َرنـ ــا عَ ـ َل ـ َن ــا‬ ‫ولـ ــم أزل بـ ـع ــدُ ِطـ ــفْ ـ ـ ًا ارتـ ـم ــي شَ ـ َغ ـب ـ ًا‬

‫مذ حَ َّطمَ ْت يَدُ ها الهوجاءُ لي ُسفُ نَا!‬ ‫شاطئِ نا‬


‫ـاج ِ‬
‫لــم تستح الــريــحُ مــن إزعـ ـ ِ‬

‫مـ ــرافـ ــئَ ال ـ ـنـ ــورِ إنْ ُح ـ ـ ّب ـ ـ ًا وإنْ وطَ ـ ـ َن ــا‬ ‫مــدائــنُ الـكـحـ ِـل تبكي خـلــف أشرعتي‬

‫أصـ ــداؤهـ ــا ب ــال ـن ــوى ال ُت ـس ـ ِـم ــعُ األُذُ نـ ـ ــا‬ ‫شــاخـ ْـت على وت ــري األن ـغــامُ وانتحرت‬

‫ل ـك ــنَّ س ــادِ َنـ ـه ــا ف ــي ال ـح ــب ق ــد شَ ــطَ ـ َنــا‬ ‫م ــا شَ ـ ــذَّ ع ــن عــزفِ ـهــا لـحـنــي وقــافـيـتــي‬

‫ـات وه ــا ق ــدْ أنـهـكـتــه َو َن ــى؟‬


‫نـحــو ال ـج ـهـ ِ‬ ‫ـف مَ ـ ـ ــدّ ال ـ ـظـ ــلُ ق ــام ـ َت ــه‬
‫أمـ ـ ــا تـ ـ ــرى كـ ـي ـ َ‬

‫ـراب وال ـ ُـج ـ َب ـن ــا!‬


‫إذ شَ ـ ـ ّر َدتـ ـه ــا يـ ــدُ األغـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫كـ ــلُ ال ـع ـصــاف ـيــر م ـث ـلــي ال ت ـعــي وطـنــا‬

‫ـصـ ُلـهــا الـمـغـبــرُ بــي خَ ـ ِـشـ َنــا!‬


‫َلــمَّ ــا ي ــزل فـ ْ‬ ‫زواب ـ ـ ـ ــعٌ فـ ــي ف ـض ــا األحـ ـ ـب ـ ــاب غ ــاض ـب ــةٌ‬

‫ج ــال ــةُ ال ـش ـع ــرِ ي ــا ق ـل ـبــي َيـ ــنِ ـ ــزُّ هَ ـ ـ َن ــا!‬ ‫ـال ال ـ ــذي ت ـش ــدو لِ ـ َه ـ ْي ـ َب ــتِ ــهِ‬
‫كـ ــلُ الـ ـجـ ـم ـ ِ‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫‪57‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫النهر الحيي‬
‫ِ‬ ‫أسرار‬
‫ُ‬
‫‪ρρ‬هندة محمد*‬

‫وفي حزنِ ِها المصفرِ ينكفئُ‬ ‫ليلٌ‬


‫لكنّه‬ ‫بدمع المرايا حين يمتلئُ‬
‫ِ‬
‫عندما غابت هويّته‬ ‫كحل ويلتجئُ‬
‫يسيرُ جرحا إلى ٍ‬
‫رأَى تفاصيلها يغتالها الحَ م ُأ‬
‫يمرُّ طفال‪..‬‬
‫إذ‬ ‫فوانيس نهرٍ‬
‫َ‬ ‫تابوت غربتِ هِ يحيي‬
‫ِ‬ ‫وفي‬
‫ال سماءٌ ليسري بينها مطر ًا‬ ‫فيه‪ ..‬ننطفئ‬
‫سحاب بصدري فيه ملتج ُأ‬
‫ٌ‬ ‫وال‬
‫طفال‬
‫أنا‬ ‫عرجت‬
‫ْ‬ ‫سرى بين أسمائي التي‬
‫السدى وطن ًا‬ ‫التي هدهدتْ بين ّ‬ ‫وعند فرعونَ تا َه الوحيُ والنب ُأ‬
‫بالحلم والتأويلُ يهترئُ‬
‫ِ‬ ‫يقتات‬
‫ُ‬
‫طفال‬
‫أنا‬ ‫ترتلَ ضوءٌ من سريرتِ هِ‬
‫وبينك‬
‫َ‬ ‫بمفترق بيني‬
‫ٍ‬ ‫فتحت نهاراتي‬
‫ُ‬ ‫وكلما غابَ صبحاً‪ ..‬فيَّ يبتدئُ‬
‫حتى مسَ ها الصد ُأ‬
‫هذا الذي‬
‫لم أشتهِ الغي َم‬ ‫خرائطهُ خوف ًا‬
‫ُ‬ ‫نامت‬
‫ْ‬ ‫في دمي‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪58‬‬


‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫إال من موائدهِ‬
‫قد‬ ‫آيات الندى نشأوا‬
‫فالكل من وحي ِ‬
‫ُّ‬
‫تعتريني غيومٌ حين تغمدها‪..‬‬
‫يتيم راعَ هُ الك ُأل‬
‫قلب ٍ‬
‫في قفرِ ٍ‬ ‫ولم الملمْ غبا َر النازحين‪..‬‬
‫مأوى ومتك ُأ‬
‫ً‬ ‫هوى في قفرِ أسمائِ هم‬
‫سماؤك‬
‫َ‬ ‫هنا‬
‫تتلو وِ ر َد أغنيتي‪..‬‬ ‫قد‬
‫الدراويش إذ من وحينا قرأوا‬
‫ُ‬ ‫كما‬ ‫وسط أوردتي‬ ‫َ‬ ‫تفتحُ الريحُ باب ًا‬
‫لكنَّ بذ َر الرؤى في حقلِ نِ ا خط ًأ‬

‫لست اعرفُ هُ ا‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫إن راودتني سماءٌ‬


‫كما الحكايا‪..‬‬
‫عن نجمةٍ تهتدي في ضوئِ ها سب ُأ‬
‫نأتْ فيهم جداولُنا‪..‬‬
‫عرجت‬
‫ُ‬
‫وكل من عطش ًا مروا بنا نتأوا‬‫ُّ‬
‫براق يرتدي قلقي نبيةً‬ ‫فوقَ ٍ‬
‫لم يحاولْ ماءَها ظم ُأ‬

‫الروح‬
‫ِ‬ ‫بجب‬
‫ذئاب ِ‬
‫ٌ‬ ‫مرتْ‬ ‫بيَّ المرايا‬
‫تكسرني تلك الرؤى‬ ‫األرض يعرفني‪..‬‬
‫ِ‬ ‫ووجهُ‬
‫وعلي اآلن تجترئُ‬
‫َّ‬ ‫خوف فيختبئُ‬
‫أمدُ ضوئي بال ٍ‬

‫لكن عشقي‪..‬‬ ‫وذي خطاكَ‬


‫األرض يسكبني‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫لهذي‬ ‫ُعد درب ًا‬
‫اآليات اسمعها ت ُّ‬
‫ُ‬ ‫كما‬
‫نهر ًا حيي ًا على أسرارِ هِ أطأ‬ ‫عليه الروح تتكئُ‬

‫* شاعرة من تونس‪.‬‬

‫‪59‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫َ‬
‫ظالل المعنى‬ ‫ألم‬
‫ُّ‬
‫‪ρρ‬حنان بيروتي*‬
‫جفّ ْت ينابيعُ صوتي بعدك‬ ‫كلما غادرتَ قلبي‪..‬‬
‫عطش روحي‬
‫ُ‬ ‫ودقَّ أوتادَه‬ ‫عدتَ قبلي‬
‫في صحارى البكاء!‬ ‫يديك‬
‫َ‬ ‫نسيت بين‬
‫ُ‬
‫بعضي‬
‫***‬ ‫زلت صامتةً كدمعة‬
‫ما ُ‬
‫وإنْ تتهجأ حروفي غيابَك‬ ‫عينيك ألبكي!‬
‫َ‬ ‫أحتاجُ‬
‫يتلعثم القلب‪..‬‬ ‫***‬

‫***‬
‫لك نبضة‬
‫القلب َ‬
‫ِ‬ ‫جيب‬
‫في ِ‬
‫كف الوقت‬‫خبأتُها من ِّ‬
‫لك ناقصة‬
‫كأني لوحةٌ َ‬
‫كلما افتقدتَ ضحكتي‬ ‫***‬

‫تعيد الرسم!‬ ‫قلبي ال يخطئُ خطوك‬


‫حرف حضورك‬
‫َ‬ ‫يتهج ُأ‬
‫***‬ ‫لكن بغيابَك يتلعثم‬
‫ُك‬
‫ال أكتب َ‬ ‫يرسمُ بأنامل مجروحة وجهك!‬
‫الحروف تنقرُ بابَ الغياب‪...‬‬
‫ُ‬ ‫لكأنّها‬ ‫***‬
‫الحرف‬
‫ُ‬ ‫ال يسعفُ ني‬
‫***‬
‫نبضك في قلبي‬
‫ألكتبَ َ‬
‫أفرشي عمري ونامي‪...‬‬
‫فألمُّ ظاللَ المعنى‬
‫مثل طفلة‬ ‫شرفات الكلمات‬
‫ِ‬ ‫من‬
‫لعينيك‬
‫ِ‬ ‫ـرف‬
‫وات ــرك ـي ـن ــي‪..‬أغ ــزلُ ال ـح ـ َ‬
‫***‬
‫قالدة‪..‬‬
‫في القلب متسعٌ ألمنيةٍ أخيرة‬
‫***‬ ‫ما تبقى من مالذِ الروح أنتَ‬
‫ـأت الـ ـلـ ـي ــلَ ‪ ..‬وأي ـق ـظـ ُـت‬
‫م ـ ــاذا ل ــو خـ ـب ـ ُ‬ ‫الحب في هذي الهجيرة‬ ‫ِ‬ ‫وأنتَ ظلُّ‬
‫الشمس‬ ‫ّ‬ ‫***‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪60‬‬


‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫الوقت‪..‬‬ ‫عيناك‪..‬ويشرقُ قلبي‪..‬‬


‫َ‬ ‫لتصحو‬
‫تقدِّ م وتؤخر‪..‬‬ ‫بشعاعِ الحب؟!‬
‫حسب دقات القلب!‬
‫***‬

‫***‬ ‫مرفئي عيناك‬


‫سرُّ القهوةِ في كف الفنجان‬ ‫وأنا على سفر‪.‬‬
‫يصافحُ وجهً ا من ضحكتِ ه النكهة‬
‫***‬

‫***‬ ‫كلما حجبَ الغيمُ وجهَها‬


‫القهو ُة أميرة‬ ‫مس شعرَها‬
‫الش ُ‬‫تمشط ّ‬
‫ُ‬
‫تسندُ ها في الخطوةِ كفُ ك‬ ‫بمرآةِ الكون‬
‫كي تشربَ من نكهتِ ها الصبحا‬
‫***‬

‫***‬ ‫نسيت‬
‫ْ‬ ‫أصابع الغيم آللــئَ‬
‫ِ‬ ‫ينسلُ من‬
‫كأنّ المسا َء صالةٌ‬ ‫بياضها‪...‬‬
‫َ‬
‫عطش الروح‪ ..‬وهذا البهاءُ استجابة‬
‫َ‬ ‫يشاكس‬
‫ُ‬ ‫يبوحُ بهمس‪..‬‬
‫برنين متأخر‪ ..‬لضحكةٍ آتية!‬
‫ٍ‬
‫***‬

‫شموسا …‬
‫ً‬ ‫لليل‬
‫لَو ْ أرسمُ ِ‬ ‫***‬

‫كأس الحلم…‬
‫وأذيب نجومَ ه في ِ‬
‫ُ‬ ‫الشمس‬ ‫قرص ّ‬ ‫َ‬ ‫الغيومُ تخبئُ‬
‫كقطع السكر‬
‫ِ‬ ‫تنسجُ ظاللَ الحكايات‬
‫وت ـن ـثــرُ ع ـلــى ص ـف ـحــةِ ال ـس ـمــاء رخ ــا َم‬
‫***‬
‫السؤال‪..‬‬
‫هي جملةٌ متأنقة‬
‫بكعب المعنى العالي‬
‫ِ‬ ‫تعثرتْ‬ ‫***‬

‫الكاتب لتكونَ العنوان!‬


‫ُ‬ ‫الـ ـس ــاع ــةُ ت ـخ ـط ــئُ أحـ ـي ــا ًن ــا فـ ــي ع ــدِّ فالتقطها‬
‫ * شاعرة من األردن‪.‬‬

‫‪61‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫ألكف الجنوب‬
‫ّ‬ ‫ذاكرة‬
‫‪ρρ‬سماح بن معيز*‬

‫وأرض أت ـع ـب ـت ـهــا الـ ــريـ ــحُ َن ـق ــرا‬


‫ٍ‬ ‫ـات‬
‫جـ ـ ـن ـ ــوب ـ ــيّ ب ـ ـ ـس ـ ـ ـم ـ ـ ـرَةِ أم ـ ـن ـ ـيـ ـ ٍ‬
‫يـ ـعـ ـ ّل ــق ب ـس ـم ــة ل ـل ـح ـل ــم ج ـس ــرا‬ ‫ـوس ــد عـطــرهــا م ــذ ك ــان طفال‬
‫تـ ّ‬
‫ب ــه سـبـعــون ل ــم يُ ـكـ ِـم ـلــنَ ُســكْ ــرا‬ ‫ـآن عُ ـمــرٍ‬
‫سـنـيــنَ تـهـيــمُ ف ــي ش ـط ـ ِ‬
‫أج ـ ــرا‬
‫ـروق نـ ـ ــالَ ْ‬
‫ق ـل ـيــا مـ ــن شـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫ـاح‬
‫ـدوب ف ـ ــي ري ـ ـ ـ ٍ‬
‫كـ ـثـ ـي ــرا م ـ ــن نـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫تــربــي م ــن ح ـصــاد ال ــدم ــع نـهــرا‬ ‫ـض‬
‫ي ـض ـي ــع‪ ..‬وأمّ ـ ـ ــه أرض وف ـي ـ ٌ‬
‫لتُ نبِ تَ مــن عـيــون الجمرِ زهــرا‬ ‫وتـ ـ ــدفِ ـ ـ ــن ن ـ ـ ـ ــاره بـ ـي ــن األي ـ ـ ـ ــادي‬
‫كئيب ضــوئــه فــي الـمــاء َيـ ْـسـرَى‬ ‫ل ـ ــه لـ ـي ــل يـ ـشـ ـي ــب بـ ـغـ ـي ــرِ ن ـج ـ ٍـم‬
‫فيسأل‪ :‬أيــن ركـ ُـب الفجرِ مَ ـرّا؟‬ ‫لـ ــه ع ـن ــد ال ـ ـمـ ــرايـ ــا بـ ـ ــاب ص ـفــوٍ‬
‫ت ــذوب عـلــى أك ـ ّـف الـشـهــد عُ ــذرا‬ ‫ي ــرى إغـ ـف ــاء َة ال ـبــاق ـيــنَ شـمـ ًـســا‬
‫وغ ـيــر نخيله فــي الـقـلــب َتــمْ ــرا‬ ‫ي ـض ـي ــعُ ‪ ..‬وال يـ ــرى إ ّال جـنــوبــا‬
‫ي ــرقّ ــع م ــن حـنـيــن ال ـ ــورد صـبــرا‬ ‫ـرحــا‬
‫ج ـنــوب ف ــي زمـ ــان طـ ــالَ جـ ً‬
‫إذا م ــا ذاب فـيـهــا ال ـغ ـي ــمُ حَ ـ ـرّا‬ ‫يُ ــواســي الــرمــلَ بــردا للصحارى‬
‫ُف الصوتَ لحنا حين يَعْ رَى‬
‫تل ّ‬ ‫يحنُو‬
‫هي النور الذي في الروح ْ‬
‫ت ـن ـي ــمُ جـ ــدائـ ــل ال ـك ـث ـب ــان أمـ ــرا‬ ‫ق ــريـ ـب ــا ُت ـ ـفـ ــلِ ـ ـ ُـت ال ـ ـنـ ــايـ ــات فـيــه‬
‫قسرا‬
‫فيسكت عــن رذاذ السهوِ ْ‬
‫ُ‬ ‫وت ـ ـت ـ ـلـ ــو قـ ـلـ ـب ــه ِسـ ـ ـ ـ ـ ـرّا ل ـص ـب ـ ٍـح‬
‫ي ـ ـ ـه ـ ـ ـ ّز بـ ـ ـ ـي ـ ـ ــادر الـ ـ ـ ـح ـ ـ ــزن ب ـ ـ ــذرا‬ ‫ـان أخ ـي ــرٍ‬
‫س ـي ـغ ــدو طـ ـف ــلَ تـ ـحـ ـن ـ ٍ‬
‫إلى أن غاب دمعا‪ ..‬وه َو مَ ْجرى‪..‬‬ ‫كـ ـش ــوق طـ ــاف ب ــال ــرؤي ــا طــويــا‬

‫* شاعرة من تونس‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪62‬‬


‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫ليل الغريب‬
‫‪ρρ‬لقمان حلفاوي*‬
‫ل ــم يـبــق ل ــي م ــن ح ـنــان األم ـه ــات إال يا أيها المنتشر في المدى‬
‫ال تضق بي‬ ‫القليل‬
‫و قلب كآخر وردة في موسم العشاق‬
‫أنت مني‬
‫تساقطت نصفين‪...‬‬
‫أيها القريب‬
‫و خريف الذكريات‬
‫أنا الغريب‬ ‫تناثرت أوراقه كصرخة في المدى‬
‫أنا المقتول مرتين‬ ‫أو صرختين‪...‬‬
‫ها أنا أحتمي بالقصيدة‬ ‫لم يبق لي إال نهر واحد‬
‫ينبع من دمي‬
‫أؤل ــف بـيــن ال ـســراب ون ــار المسافات‬
‫يرفع من الحزن القديم راية‬
‫البعيدة‬ ‫كراية «الحسين»‬
‫ال شيء يستحق أن يحي‬
‫****‬
‫عدا وجه أمي‬ ‫يا أيها الليل‬
‫وجهها القادم اآلن من زمن المتن‬ ‫ما بالك تحط الرحال على كتفي‬
‫ال نقرأ الماء بين الهوامش‪...‬‬ ‫بالكالم المسرب من الشرفات‬
‫ليس هنالك أكثر من ذلك الوجع‬
‫****‬
‫وجع الذكريات‪...‬‬
‫يا أيها الليل‬ ‫يا من قتلت فِ يَّ ‪ ...‬كل الذين أحبهم‬
‫يا من طرّزت ثوب فرحتي‬ ‫طفولتي‬
‫مدينتي‬
‫بالنجمات وقت الخسوف‬
‫و األمنيات‪...‬‬
‫ربما قد آن أن تردني إلى صباي‬
‫هل أنت مثلي‬
‫أمهد الطريق للسواقي‬ ‫تقتات من لحمك المر‬
‫و أحرس الغيمات‪.‬‬ ‫و تشرب من دمك المالح؟‬
‫* شاعر تونسي مقيم في السعودية‪.‬‬

‫‪63‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫َق َد ٌر َع َلى َق ِار َع ِة َ‬
‫الو ْصل‬
‫‪ρρ‬خالد بهكلي*‬
‫ال ال ـ ـ ـ ُـحـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ــمُ جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َء لِ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ْر َق ـ ـ ـ ـ ِـدي أَ ْو الحَ ـ ـ ــا‬
‫ّأ ْو عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َو َد الـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ــلُ الـ ـ ـ ــطَ ـ ـ ـ ــويـ ـ ـ ــلُ َص ـ ـ ـ َبـ ـ ــاحَ ـ ـ ــا‬
‫ـان ال ـ ـ ــمَ ـ ـ ــسَ ـ ـ ــا َف ـ ـ ــةِ أَ ْر ْت ـ ـ ـ ـ ِـم ـ ـ ـ ــي‬
‫مَ ـ ـ ـ ــا َب ـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ــنَ أ َْجـ ـ ـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫َي ـ ـ ـ ـ ـ ـأْسَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا َوأ َْش ـ ـ ـ ـ ـ ــكُ ـ ـ ـ ـ ـ ــو لِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ ـ ـ ِـجـ ـ ـ ـ ـ ـر َِاح ِجـ ـ ـ ـ ـرَاحَ ـ ـ ـ ــا‬
‫َو ُأ َلـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ــلِ ـ ـ ـ ـ ــمُ ال ـ ـ ـ ـ ــذٍّ ْكـ ـ ـ ـ ـ ـرَى ِ ُل ْب ـ ـ ـ ـ ـ ِـصـ ـ ـ ـ ـ ـ َر مَ ـ ـ ـ ـ َغ ـ ـ ــرِ َبـ ـ ـ ـ ًا‬
‫ال ـ ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ـ ــمُّ عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ َق ـ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ــاتِ ـ ـ ـ ــهِ مَ ـ ـ ـ ـ ــا ا ْنـ ـ ـ ـ ـ ـزَاحَ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫ـال وَال أَرَى‬ ‫أَ ْر ُن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو إلـ ـ ـ ـ ــى َثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـو ِْب الـ ـ ـ ـ ـ ــوِ َصـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫أَمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا وطَ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ُـف حَ ـ ـ ـب ـ ـ ـي ـ ـ ـ َب ـ ـ ـتـ ـ ــي مَ ـ ـ ـ ـ ـ ــا الحَ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫ـام ـ ـ ـ ــي ويُ ـ ـ ـ ْـجـ ـ ـ ِـهـ ـ ـ ُـض ـ ـ ـ َهـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ َّنـ ـ ـ ـوَى‬
‫أح ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫َفـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ــثُ ـ ـ ــو ُر ْ‬
‫ـام ـ ـ ـ ـ ـ ــي حَ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــنَ ِسـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ــاحَ ـ ـ ــا‬
‫َو َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـأَنَّ أ َْح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫دُ ْنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــايَ غَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارِ َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٌ بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـو ِْن َتـ ـ ــشَ ـ ـ ــتُّ ـ ـ ــتِ ـ ـ ــي‬
‫وَفُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـضـ ـ ـ ـ ـ ــول أ َْسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَدِ هَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َنـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ــى وا ْن ـ ـ ـ ـ ـ ـدَاحَ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫ـف أَ ُلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوذُ فِ ـ ـ ــي أ َْسـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ــارِ هَ ـ ـ ــا؟‬
‫ِم ـ ـ ـ ــنْ أَ ْيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ ؟ َك ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ َ‬
‫ـضـ ـ ـ ــاحـ ـ ـ ــا‬
‫ـض ـ ـ ـ ـ ـ ِـم ـ ـ ـ ـ ــرُ اإلِ يـ ـ ـ ـ َ‬
‫َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد ٌر َيـ ـ ـ ـ ِـس ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــرُ وَيُ ـ ـ ـ ـ ـ ْ‬
‫جَ ـ ـ ـ ـدَلِ ـ ـ ـ ـ َّيـ ـ ـ ــةُ الـ ـ ـ ــا و َْصـ ـ ـ ـ ـ ــل َتـ ـ ـ ْـخ ـ ـ ـ ُنـ ـ ــقُ خَ ـ ـ ـ ْـط ـ ـ ـوَتِ ـ ـ ــي‬
‫وَا ْلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْرزَخُ ا ْل ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ْـح ـ ـ ــمُ ـ ـ ــومُ َض ـ ـ ـ ـ ــجَّ ِصـ ـ ـ َي ـ ــاحَ ـ ــا‬
‫َاب َيـ ـ ــمْ ـ ـ ــسَ ـ ـ ــحُ دَمْ ـ ـ ـ َع ـ ــتِ ـ ــي‬ ‫َص ـ ـ ـ َّل ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ُـت وَال ـ ـ ـ ـ ِـم ـ ـ ـ ـ ْـحـ ـ ـ ـ ـر ُ‬
‫َ َيـ ـ ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ ل ـ ـ ـ ــي ِعـ ـ ـ ـ ـ ـ ْنـ ـ ـ ـ ـ ـ َد الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّ كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوع وِ شَ ـ ـ ـ ـ ــاحَ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫َات إِ ْذ َصـ ـ ـ َّلـ ـ ـ ْي ـ ــتُ ـ ـ ـ َه ـ ــا‬‫َلـ ـ ـ ـ ـ ــمْ َتـ ـ ـ ـ ْنـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ ِـع ال ـ ـ ـ ـ َّـصـ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـ ـو ُ‬
‫َاس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َزد ُْت قِ ـ ـ ـ ـدَاحَ ـ ـ ـ ــا‬
‫ـضـ ـ ـ ـ ـ َر ْب ـ ـ ـ ـ ُـت رَمْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا و ْ‬
‫َف ـ ـ ـ ـ َ‬
‫وَطَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَقْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت أَ ْب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَابَ الـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ــان ـ ـ ــةِ كُ ـ ـ ـ ّلـ ـ ـه ـ ــا‬
‫َفـ ـ ـ ـ ـأَ َتـ ـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ـ ـ ُـت سَ ـ ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد ًا وَا َّت ـ ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت سَ ـ ــجَ ـ ــاح ـ ــا‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪64‬‬


‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫ال شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيء َي ـ ـ ـ ْـح ـ ـ ـ ِـمـ ـ ـ ـ ُل ـ ـ ــنِ ـ ـ ــي إِ لـ ـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ــا إِ َّن ـ ـ ـ ــنِ ـ ـ ـ ــي‬
‫أل ْلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَاحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫أ َْسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ــقْ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ ئُ األَقْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدَا َر وا َ‬
‫ـض ـ ـ َهـ ــا‬
‫و َُجـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــوُ ُش أ َْس ـ ـ ــئِ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ــتِ ـ ـ ــي ُتـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ــاتِ ـ ـ ــلُ َبـ ــعْ ـ ـ َ‬
‫َود َِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي عَ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ــى سَ ـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ ِـف اإلِ جَ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َبـ ـ ـ ـ ـ ــةِ سَ ـ ـ ــاحَ ـ ـ ــا‬
‫أَأَعُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودُ مُ ـ ـ ـ ـ ْن ـ ـ ـ ـ َكـ ـ ـ ـ ِـس ـ ـ ـ ـ َر ًا أَأَذْهَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـب غَ ـ ـ ــائِ ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ًا‬
‫وب ُنـ ـ ـ ـ ـ ـوَاحَ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫أَأ َِشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخُ أ َْحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـزَا َن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أَذُ ُ‬
‫ُضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعُ اإلي ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ــانَ ِح ـ ـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ ــنَ وَجَ ـ ـ ـ ـ ــدْ ُت ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫أَأ َ‬
‫فِ ـ ـ ـ ـ ــي َث ـ ـ ـ ــغْ ـ ـ ـ ــرِ هَ ـ ـ ـ ــا وعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ ُت فِ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــهِ ال ـ ـ ـ ــرَّ احَ ـ ـ ـ ــا‬
‫وَال ـ ـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ـ ـ ـ ْلـ ـ ـ ـ ـ ُـب فِ ـ ـ ـ ـ ــي مَ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ــكُ ـ ـ ـ ــوتِ ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ــا مُ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ِّت ـ ـ ــلٌ‬
‫َو َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ـ ــا يُ ـ ـ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ــافِ ـ ـ ـ ـ ــرُ غُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ َو ًة َو َروَاحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫إِ نْ َتـ ـ ـ ـ ْب ـ ـ ــعُ ـ ـ ــد ال ـ ـ ـ ــخَ ـ ـ ـ ــطَ ـ ـ ـ ــوات َي ـ ـ ــكْ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ــرُ ُح ـ ـ ّب ـ ـنـ ــا‬
‫َو َتـ ـ ـ ـ ِـص ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــرُ هَ ـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ َهـ ـ ــسَ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ــغُ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــوُ مِ جَ ـ ـ ـ َنـ ـ ــاحَ ـ ـ ــا‬
‫اح ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـرَا َق ـ ـ ــات الـ ـ ــحَ ـ ـ ــرِ يـ ـ ــرِ عَ ـ ـ ـ َل ـ ــى َف ـ ِـم ــي‬
‫َت ـ ـ ـ ْـج ـ ـ ــرِ ي ْ‬
‫وَجَ ـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ًا و َِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ َتـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ِـب الـ ـ ـ ــجَ ـ ـ ـ ـوَى مَ ـ ـ ـ ــا َب ـ ــاحَ ـ ــا‬
‫َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـأ َِج ـ ـ ـ ـ ـ ــيْ ءُ مُ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ِـه ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ًا َوأُعْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ـ ـ ــنُ َثـ ـ ـ ـ ـ ْورَتِ ـ ـ ـ ــي‬
‫ألُعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقَ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّ مَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانَ والـ ـ ـ ـ ــتُّ ـ ـ ـ ـ ــفَّ ـ ـ ـ ـ ــاحَ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫ال َت ـ ـ ــقْ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ِـق ـ ـ ــي إِ نَّ ال ـ ـ ـ ـ ِـشـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ــا َء سَ ـ ـ ـ َيـ ـ ـ ْنـ ـ ـ َت ـ ــهِ ـ ــي‬
‫َو َت ـ ـ ـ ـ ـ ــعُ ـ ـ ـ ـ ـ ــودُ زَقْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َز َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةُ ال ـ ـ ـ ــرَّ بِ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ِـع َص ـ ـ ـ َبـ ـ ــاحَ ـ ـ ــا‬
‫َفـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ــدْ جَ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ ُـت ِم ـ ـ ـ ـ ــنْ الـ ـ ـ ــتَّ ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ــدِّ ي قِ ـ ـ ـ َّـصـ ـ ــةً‬
‫وف رِ مَ ـ ـ ــاحَ ـ ـ ــا‬
‫وَخَ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ــقْ ـ ـ ـ ُـت ِمـ ـ ـ ـ ــنْ َن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـز َِق الـ ـ ـ ـ ـ ُـحـ ـ ـ ـ ــرُ ِ‬
‫ِم ـ ـ ـ ــنْ خَ ـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ ِـف أ َْسـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ــارِ الـ ـ ـ َّـسـ ـ ــمَ ـ ـ ــاءِ سَ ـ ـ َن ـ ـ ْل ـ ـ َتـ ـ ِـقـ ــي‬
‫َو ُنـ ـ ـ ـ ِـق ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــمُ ِعـ ـ ـ ـ ـ ْن ـ ـ ـ ــدَ ُح ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ودِ هَ ـ ـ ـ ـ ـ ــا األَفْ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَاحَ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫أَفْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـدي ا ْنـ ـ ـ ِـس ـ ـ ـ َكـ ـ ــابَ ال ـ ــخَ ـ ــمْ ـ ــرِ أَفْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـدي ُح ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ َو ًة‬
‫ـصـ ـ ـ َب ـ ــاحَ ـ ــا‬
‫أَ ْت ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ْبـ ـ ـ ـ ُـت ِم ـ ـ ـ ـ ــنْ ُحـ ـ ـ ـ ِّب ـ ـ ــي َلـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ــا ال ـ ـ ِـم ـ ـ ْ‬
‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫‪65‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫صيدة‬
‫ِ‬ ‫ِمل ٌْح ِب ُه ْد ِب َ‬
‫الق‬
‫‪ρρ‬طاهر لكنيزي*‬
‫يشاكس خطواتي حجرٌ‬ ‫َ‬ ‫لن‬
‫يتأبّط وعْ ثا َء أسفاري‬
‫أو يُ عاتبني‪،‬‬
‫يتوشح في حضرتي قمرٌ‬ ‫ّ‬
‫الصورْ‪..‬‬
‫وفتاتَ ّ‬‫طالما أَلْقمْ ته أسماك أسراري‪ُ ..‬‬
‫لن تُغافلني بسمة مُ تربّصة‬
‫فتشعّ على شفتيّ شموسا كفرحة طفل‬
‫إذا اعْ شَ وْشَ ب الدفءُ في مقلتيه‬
‫وأضحى الحلم شجرْ‪..‬‬ ‫ْ‬
‫لن تدغدغني ضحكة خضراء‬
‫مثل أنامل وهْ مي‬
‫فأمتح قهقهة مترنّحة من قرارة همّ ي‬
‫أهرّقها في نفوس السذّ ج مثلي‬
‫نتعاطى كؤوس الهزل‪ ..‬ونشرب نخب تفاهتنا‬
‫حتى نتقيأ مُ ّر الضجر‪..‬‬
‫لن أجَ رّم نفسي‬
‫حسي‬ ‫أبكت ّ‬
‫كما كنت باألمس‬
‫لو نزق الفكر‪ ..‬أو جمحت خيله‬
‫شك‬
‫وتقرّت شدا نزوة في غياهم ّ‬
‫وعبر‪..‬‬
‫تبرّأ من ِحك ٍَم ِ‬
‫لن أقرّع روحي‬
‫بسوط النّدامة أجلدها‬
‫عضه دنَف نابح‪..‬وتناوشه أسف ذابح‪..‬‬ ‫مثل سكّ ير مُ فلِ س ّ‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪66‬‬


‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫كي أكفّ ر عن ذنبي‬


‫وأكدّ س حزن العالم في قلبي‬
‫لو خفّ ت موازينه‬
‫كقلوب البشر‪..‬‬
‫لن يفْ غمني عطرٌ سائب‪ ..‬أو يغمرني ظلّ هارب‪..‬‬
‫أتقفّ ى هسيس العبير‬
‫ألعرف لون الوردة‬
‫السحر‪..‬‬
‫عب الشارع‪ ..‬وشوشةً كهميم ّ‬ ‫دلقت في ّ‬ ‫ْ‬ ‫أو أسرار األنثى التي‬
‫ُنضجُ جلد حذائي الوحيد بسوق الخردة شمس الظهيرة‬ ‫قد ت ِ‬
‫أو يرتدي بُردتي شحاذ محترف كالصرّار‪..‬‬
‫يُ سقى بباب النّملة‬
‫أوّل الزمة من نشيد المطر‪..‬‬
‫ستُ حَ مْ ِحم في الدوالب فساتينُ أرملة‬
‫ما زال العقد الثالث يرعى قطي َع فراشاته في مرابع بهجتها‪..‬‬
‫تنحني‪ ،‬تعانقها‬
‫وشجا البوح والذكريات‬
‫والقُ بَل التي شردتْ ذات شوق‪،‬‬
‫فحط ْت بأفياء أقراطها‪،‬‬
‫ّ‬
‫لم يزلْ يتضاغى بأذيالها‬
‫سافيات أُخَ ر‪..‬‬
‫ٌ‬ ‫توحدها‬
‫سته ّز رمالَ ّ‬
‫َمس جنّ القريض قصيدي‬ ‫لن ي ّ‬
‫فتسكنني علّة وزحاف‬
‫نص قصير‬ ‫أقص أظافر ّ‬ ‫ّ‬
‫وتُسكرني نشوة االنتصار‬

‫‪67‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫فأنفش ريش الزّهو‬
‫في فرح طاووسي ألفاخر ندّ ا‬
‫الشعر‬‫أطمئنني أنّ لي قلما في ّ‬
‫أو قدما في األرض كنخلة جدّ ي‬
‫َلكَمْ أوصاني أن أرعى الفسائل‬
‫الطلع قبل القطاف‬ ‫ال أن أغير على ّ‬
‫أيذكره ظلها المنتشر؟‬
‫لن يكون الطوفان من بعدي‬
‫ويغيض الرّوق بخدّ الورد‬
‫أفواف ع ْرفَها؛‬
‫ٌ‬ ‫وتنك َر‬
‫ستنوح الكمنجات‬
‫السمر‪..‬‬ ‫تسبُل لحنًا دفيقا بكأس ّ‬
‫لن تحنّ إلى باحتي‬
‫أتسنّم إيقاعها‬
‫و أصالح ليلي حين تبينُ سعادُ‬
‫همسها المنكسر‪..‬‬ ‫وفي خاطري ُ‬
‫لن تعزف حزني أفانينُ صفصافة‬
‫ّجت على صدرها العاري‬ ‫دب ُ‬
‫بدمي والمسمار حرفيّ الجوى‬
‫ونثرت على ظلها المتجرّد أوّل أشعاري‬
‫نبضها المستعر‪..‬‬
‫حروف الهوى ُ‬ ‫َ‬ ‫يتهجى‬
‫ّ‬ ‫كمراهقة‪..‬‬
‫لن يكون الطوفان من بعدي‬
‫حين أصبحُ ملحا بِ هُ دْ ب القصيدة‬
‫أو نسغً ا في عروق الشجر‪..‬‬
‫ * شاعر ومترجم من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪68‬‬


‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫ــريـب‬
‫ْ‬ ‫في داخـلي َش ٌ‬
‫يء َغ‬
‫‪ρρ‬سما ُيوسف*‬
‫في داخـلي شَ يءٌ غَ ــري ْـب‬
‫مَ ـدرِ ي غَ َـل أو ُحـزْنْ‬
‫ـيم‪ ...‬كالـمَ ـطـر‪ِ..‬‬
‫كالرَّ عـ ِـد‪ ..‬كـالـغ ِ‬
‫يُ رعبني‬
‫يتـجــولُ داخـلَ أوردتي‬
‫يُ ـشـعـرني بالهـذيــانَ‬
‫يُ ـفـرحـني‬
‫يُ ـغــرقني في نـشــوةِ أشـجانْ‬
‫البعض مرضـًا ال شفا َء منه‪..‬‬
‫ُ‬ ‫يظنه‬
‫ُّ‬
‫فيصف لي عشبةً‬
‫الصبر(!)‬
‫تسـمَّ ى َّ‬
‫ض اآلخَ ر روح ًا شريرة‬
‫ويظنه البعْ ُ‬
‫ُّ‬
‫فيطالبني‬
‫كتاب للعشق‪...‬‬
‫ألف ٍ‬
‫أحرقَ َ‬
‫بأن ْ‬
‫وأبعث َر أوراقي‪..‬‬
‫وكتاباتي القَّ ديمة‪.‬‬
‫وأسكبَ فنجَ انَ قهْ وتي‪،‬و ُأ س ِّر َح شَ عْ ري‬
‫ّ‬
‫أشعرُ فيها بالهدوءِ‬
‫وأسَ اف َر إلى مدن ْ‬

‫ * جدة ‪ -‬السعودية‪.‬‬

‫‪69‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫صديقة وغياب‬
‫ٍ‬ ‫بين‬
‫‪ρρ‬عبدالعزيز موسى احلكمي*‬
‫ج ـ ـ ـ ـ ـ ــاءت بـ ـ ـ ـح ـ ـ ــرف ال ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــاء تـ ـ ـخـ ـ ـط ـ ــرُ ج ــانـ ـب ــي‬
‫ف ـ ـ ـ ــأتـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ُـت مـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ًا ب ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ــرف ال ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــاءِ‬

‫وظـ ـ ـنـ ـ ـنـ ـ ـتـ ـ ـه ـ ــا ح ـ ـ ـ ــرفـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــن‪ ..‬ف ـ ــانـ ـ ـبـ ـ ـعـ ـ ـث ـ ــت لـ ـه ــا‬
‫كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلّ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروف ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ت ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ــق إروائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬

‫وت ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ّثـ ـ ـ ـ ــرت ل ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــان ع ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى ف ـ ـمـ ــي‬
‫أيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ــار أم ـ ـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ــي ع ـ ـ ـ ـ ـ ــن اإلنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء؟!‬

‫لـ ـ ـ ــمّ ـ ـ ـ ــا جـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ُـت ال ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ــون بـ ـ ـ ـي ـ ـ ــن أصـ ـ ــاب ـ ـ ـعـ ـ ــي‬
‫ج ـ ـ ـ ـ ـ ــاء ال ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــاب‪ ..‬ف ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــال مـ ـ ـ ـث ـ ـ ــل الـ ـ ـ ـم ـ ـ ــاء‬

‫وفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ــدت أش ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ ــي ف ـ ـ ـ ـ ـ ــوح ـ ـ ـ ـ ـ ــدي ت ـ ـ ــائ ـ ـ ــه‬


‫ـدت ورائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬
‫وأض ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ــت ب ـ ـ ــوصـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـت ـ ـ ــي ف ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬

‫ال ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيء إال أن تـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ــود صـ ـ ــدي ـ ـ ـق ـ ـ ـتـ ـ ــي‬


‫ل ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ــيء كـ ـ ـ ـ ـ ــي أل ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ــى ب ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا أنـ ـ ـ ـح ـ ـ ــائ ـ ـ ــي‬

‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلّ نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذةٍ فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادٌ حـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ــم‬


‫وع ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ــرص ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ِـف تـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــاثُ ـ ـ ـ ــر األش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء‬

‫وأن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا عـ ـ ـ ـل ـ ـ ــى وجـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه الـ ـ ـ ــرص ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــف مـ ـ ـبـ ـ ـعـ ـ ـث ـ ــرٌ‬
‫قـ ـ ـ ـ ــد خـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاط عـ ـ ـ ـت ـ ـ ــم الـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـي ـ ـ ــل ثـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوب ب ـ ــائ ـ ــي‬

‫ال ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيء إال أن تـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ــود صـ ـ ــدي ـ ـ ـق ـ ـ ـتـ ـ ــي‬


‫ل ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ــمّ أش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي إلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى أشـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ــي‬
‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪70‬‬


‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫سم‬
‫‪ρρ‬ترجمة‪ :‬عبداهلل ناصر*‬

‫يحكى أن ربان ًا أطلق على سفينته اسم زوجته‪ .‬في مقدمة السفينة‪ ،‬كان تمثال الزوجة منحوت ًا‬
‫ببراعة‪ ،‬مثلها تماماً‪ ،‬والشعر مطل ّي ًا بالذهب‪ .‬غير أن الزوجة كانت تغار من السفينة‪ ،‬تقول إنه يفكر‬
‫أنت‪.‬‬ ‫في ذلك التمثال أكثر مما يفكر فيها‪ .‬أنكر زوجها قائالً‪ « :‬أفكر فيها كثير ًا ألنها تشبهك‪ ،‬ألنها ِ‬
‫بشكل‬
‫ٍ‬ ‫كنت ترقصين في حفل زفافنا؟ حتى أنها‬ ‫أال تبدو ساحرة ومثيرة؟ أال ترقص على األمواج كما ِ‬
‫أنت‬ ‫منك‪ .‬تمضي حيثما أقودها وتترك شعرها يتدلى حر ًا بينما ترفعينه ِ‬ ‫أو بآخر تبدو أكثر لطف ًا ِ‬
‫تحت القبعة‪ .‬لكنها تدير ظهرها لي كلما اشتهيت قبلةً فأعود إلى البيت في إلسينور»‪ .‬وفي إحدى‬
‫المرات‪ ،‬حين كان الربان يحمّ ل السلع في ترانكبار‪ .‬حدث أن ساعد ملك ًا كبير السنّ ‪ ،‬من أهل البالد‪،‬‬
‫في الفرار من الخونة‪ .‬وعندما افترقا أهداه الملك حجرين أزرقين ثمينين‪ ،‬فقام بوضعهما في وجه‬
‫زوج من العيون‪ .‬ولما عاد إلى موطنه أخبر زوجته بتلك المغامرة‪ ،‬قال‪ « :‬واآلن صارت‬ ‫التمثال مثل ٍ‬
‫عيناك الزرقاوان أيضاً‪« .‬فقالت‪« :‬كان من األفضل لو أهديتني تلك األحجار ألجعلها أقراط ًا لي‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لها‬

‫رفض زوجها‪« :‬ال أستطيع أن أفعل ذلك‪،‬‬


‫تفهمت األمر لما طلبتِها مني»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫لو‬
‫لم تستطع الزوجة أن تتوقف عن التفكير‬
‫فــي األحــجــار الــزرقــاء‪ .‬وفــي أح ــدِ األي ــام‪،‬‬
‫اجتماع للربابنة‪ ،‬جاءت‬ ‫ٍ‬ ‫عندما كان زوجها في‬
‫بزجّ ٍاج من البلد لينزع األحجار من التمثال‬
‫السفينة إلــى مــرفــأ إلسينور حتى أعيد‬ ‫ويضع بــدالً منها قطعتين من الــزجــاج‪ .‬لم‬
‫الجوهرتين مكان قطعتي الزجاج‪ .‬ألم يقل‬ ‫ينتبه زوجها‪ ..‬وأبحر إلى البرتغال‪ .‬وبعد‬
‫إنهما عيناي؟ ولكن السفينة لم تعد‪ ،‬وبدالً‬ ‫أيام أخذ نظر الزوجة يسوء حتى ما عادت‬
‫من ذلــك تسلمت زوجــة الــربــان رســالـ ًة من‬ ‫قادر ًة على إدخال الخيط في اإلبرة‪ .‬ذهبت‬
‫قنصل البرتغال يقول فيها إن السفينة قد‬ ‫إلى الحكيمة فأعطتها بعض المراهم‪ ،‬ولما‬
‫تحطمت وغرق كل من عليها‪ .‬وأردف‪ ،‬كان‬ ‫لم تُجدِ نفعاً هزت العجوز رأسها وأخبرتها‬
‫غريباً جــداً أن تمضي سفينة من فورها‪،‬‬ ‫بأن هذا المرض النادر ال شفاء منه‪ ،‬وبأنها‬
‫ناتئة في‬
‫ٍ‬ ‫في وضح النهار‪ ،‬لترتطم بصخرةٍ‬ ‫ستصبح عمياء‪.‬‬
‫«يـ ــارب» صــاحــت الــزوجــة‪ ،‬مــا إن تعود البحر‪.‬‬
‫* كاتب ومترجم من السعودية‪.‬‬

‫‪71‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫الدكتورة هتون أجواد الفاسي‪:‬‬
‫الحضور النسائي السعودي مشرّ ف وأثبت وجوده على المستويات اإلقليمية‬
‫والعالمية بشكل يستحق الثناء واالفتخار‬
‫جديدي‪ ..‬كتاب توثيقي لتجربة النساء في المجالس واالنتخابات البلدية في‬
‫السعودية‪.‬‬
‫ملكات أدوماتو أو دومة الجندل أو الجوف السبعة في القرنين الثامن والسابع قبل‬
‫الميالد يمألننا بالتعجب واإللهام للبحث والتأمل والتساؤل‪.‬‬
‫مع توسع التعليم وازدياد أعداد الملتحقات بالمؤسسات التعليمية المختلفة داخل‬
‫وخارج المملكة‪ ..‬المرأة السعودية أصبحت أكثر ثقة وتمكن ًا من علمها وإمكاناتها‪.‬‬
‫اللغات التي تكون مكتبتي‪ ...‬العربية واإلنجليزية وبعضها بالفرنسية واأللمانية‪.‬‬
‫وأنا في صراع مستمر ألتمكن من مالحقة قراءة مكتبتي‪.‬‬
‫الشعر ملكة ال أملكها وإن كنت أتذوقه وأغبط من يقرضه ويحسن تطويع اللغة مع‬
‫الشعور واألفكار والنغم‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪72‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬
‫مؤرخة سعودية من مواليد مدينة جدة‪ ،‬تعمل حاليا بجامعة الملك سعود بالرياض‪،‬‬
‫لها حضور قوي ومتميز في الكثير من الندوات والفعاليات على المستوى المحلي والعربي‬
‫والعالمي‪ ،‬كما حظيت المكتبة العربية والعالمية بعدد من الكتب واألبحاث المهمة التي‬
‫أهــدتـهــا الــدكـتــورة هـتــون الـفــاســي للفضاء الثقافي‪ ،‬منها باللغة العربية وأخ ــرى باللغة‬
‫اإلنجليزية‪ ،‬واستحقت أن تُكرم بجائزة السعفة األكاديمية العالمية وبرتبة فارسة بدولة‬
‫فرنسا‪ ،..‬طبعا المحور الرئيس في مشوار الدكتورة هتون الفاسي هي المرأة قي التاريخ‬
‫والـمــرأة العصرية وبكافة قضاياها‪ ..‬هــذه اإلض ــاءة السريعة هي ديباجة حــواري هــذا مع‬
‫الفارسة الدكتورة هتون الفاسي‪..‬‬

‫‪ρρ‬حاورها ‪ /‬عمر بوقاسم*‬

‫تمثالته المتعددة في كل موقع من مواقع‬ ‫دومة الجندل في القرنين الثامن‬


‫األثر‪ ،‬مذكّرة بأن هذه األرض لم تمر بها‬ ‫والسابع قبل الميالد‪..‬‬
‫مجرد حضارات عادية‪ ،‬وإنما حضارة‬ ‫ ¦«فـ ــي ربـ ـ ــوع الـ ـج ــوف وجــام ـع ـت ـهــا الـتـقــت‬
‫حكمتها نساء‪ ،‬محطمة كمّا من األفكار‬ ‫جمعيتنا الـتــاريـخـيــة ‪ -‬اآلثـ ــاريـ ــة»‪ ،‬هــذا‬
‫النمطية عن تاريخ الجزيرة العربية‪ ،‬وعن‬
‫ع ـ ـ ـنـ ـ ــوان م ـ ـقـ ــالـ ــك ال ـ ـم ـ ـن ـ ـشـ ــور بـ ـج ــري ــدة‬
‫نظرياتنا النمطية حول الحكم والسلطة‬
‫الــريــاض‪ ،‬الــذي يتضمن برنامج زيارتك‬
‫والدين بناء على حاضرها في موقفها‬
‫لمدينة الـجــوف‪ ،‬طبعا المقال يتنفس‬
‫من النساء على سبيل المثال‪ .‬ملكات‬
‫بـ ـخـ ـص ــوصـ ـي ــة ثـ ـق ــافـ ـت ــك واهـ ـتـ ـم ــام ــك‬
‫أدومــاتــو أو دوم ــة الــجــنــدل أو الجوف‬
‫التاريخي‪« ..،‬استقبلتنا األسبوع الماضي‬
‫السبعة فــي القرنين الــثــامــن والسابع‬
‫الجوف‪ ،‬أرض الملكات والكاهنات‪ ،‬أرض‬
‫قبل الميالد يمألننا بالعجب واإللهام‬
‫التاريخ والـحـضــارة‪ ،»...‬وهــذا السطر هو‬
‫للبحث والتأمل والتساؤل‪ .‬وتستمر هذه‬
‫أيضا ديباجة مقالك‪ ،..‬الدكتورة هتون‬
‫التساؤالت مع كل زيارة‪ ،‬فما بالنا عندما‬
‫ال ـفــاســي‪ ،‬ه ــل م ــن الـمـمـكــن أن توثقيها‬
‫تكون صلتي بدومة الجندل قد بدأت منذ‬
‫أسـطــرا كـبــوح خــاص عــن مدينة الجوف‬
‫عقدين من الزمان باإلقامة في مضافة‬
‫«التاريخ والحاضر»؟‬
‫وكالة اآلثــار والمتاحف بدومة الجندل‪،‬‬
‫المخصصة لعمليات التنقيب والدراسة‪،‬‬ ‫لـــدارس للتاريخ أن يمر على‬
‫ٍ‬ ‫‪ρ ρ‬ال يمكن‬
‫لنستيقظ كل يوم على منظر قصر مارد‬ ‫الجوف مــروراً عابراً‪ ،‬السيما إن كانت‬
‫المهيب المهيمن على المشهد في جالل‬ ‫هــذه الــدارِ ســة دارســـ ًة للتاريخ القديم‬
‫وكبرياء‪ ..‬لتفرض األسئلة نفسها عليّ كل‬ ‫وخــاصـ ًة تــاريــخ الــمــرأة الــذي يجعل من‬
‫يوم‪ ..‬من هن؟ كيف هن؟ إلى متى هن؟‬ ‫الجوف ذات مكانة خاصة‪ ،‬وهي التي ما‬
‫هل هناك أثــر في الحاضر لهن؟ وإلى‬ ‫يفتأ تاريخها ينادي ويدعو ويتشكل في‬
‫‪73‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫‪ρ ρ‬الحضور النسائي السعودي بشكل عام‬ ‫متى سوف نستمر في طرح األسئلة أو‬
‫مشرّف‪ ،‬وأثبت وجــوده على المستويات‬ ‫هل سوف نتوقف عن طرحها؟‬
‫اإلقــلــيــمــيــة والــعــالــمــيــة بــشــكــل يستحق‬
‫الثناء واالفــتــخــار‪ .‬ففي هــذه المنصات‬ ‫حضورها اإلعالمي‪!..‬‬
‫تتاح لها فرص كبيرة الكتساب التجربة‬ ‫ ¦رب ـم ــا كـ ــان ح ـض ــور ال ـ ـمـ ــرأة ي ـت ـف ــاوت من‬
‫والــخــبــرة‪ ..‬واســتــفــادتــهــا منها حاضرة‬ ‫مجتمع آلخر‪ ،‬قد يكون أحد أسباب هذا‬
‫وجيدة‪ ،‬السيما مع تزايد أعداد النساء‬ ‫التفاوت التكوين المجتمعي‪ ،‬ولكن من‬
‫الــاتــي يمثلن أنفسهن أو وطنهن في‬ ‫المالحظ أن حضور الـمــرأة في المنابر‬
‫المحافل المختلفة‪ ،‬حيث تم كسر الكثير‬ ‫اإلع ــام ـي ــة وال ـث ـقــاف ـيــة وم ـشــارك ـت ـهــا في‬
‫من التحفظات التي كانت تحف بالمرأة‬
‫الـفـعــالـيــات ف ــي ت ــزاي ــد اآلن‪ ،‬مـ ــاذا تـقــول‬
‫السعودية سابقاً‪ ،‬وأصبح وجودها في‬
‫الدكتورة هتون الفاسي في هذا االتجاه؟‬
‫المؤتمرات واللقاءات العلمية أكثر تكراراً‬
‫وإثباتاً علمياً وعملياً‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬ال شــك أن الــمــرأة السعودية أصبحت‬
‫أكثر ثقة وتمكناً من علمها وإمكاناتها مع‬
‫تاريخ المرأة في الخليج‪!..‬‬
‫توسع التعليم وازدياد أعداد الملتحقات‬
‫بالمؤسسات التعليمية المختلفة داخل ¦طبعا حظيت المكتبة العربية والعالمية‬
‫بعدد من الكتب واألبحاث المهمة التي‬ ‫وخــــارج الــمــمــلــكــة‪ ،‬والــتــي أتــاحــت لها‬
‫قدمتها الدكتورة هتون‪ ،‬وكــان لها األثر‬
‫الفرصة ألن تثبت حضورها اإلعالمي‬
‫الالئق‪ ،‬حيث تم تكريمك بجائزة السعفة‬
‫والثقافي المبني على محتوى‪ ،‬فضال‬
‫األكاديمية برتبة فارسة بدولة فرنسا‪..،‬‬
‫ًعن أن األجواء الرسمية العامة أصبحت‬
‫ولن أدعي بأني قرأت كتابك األخير الذي‬
‫يتضمن تاريخ المرأة في شرق الجزيرة‬ ‫أكثر مرونة في التعامل مع وجود المرأة‬
‫العربية‪ ،‬ولكن قرأت عنه الكثير وما نشر‬ ‫في الفضاء الــعــام‪ ..‬فتدعوها وتجعلها‬
‫م ـنــه‪ ،‬هــل قـيـمــة ه ــذا ال ـك ـتــاب تـقــف عند‬ ‫مشاركة للرجل في غالبية الفعاليات‪،‬‬
‫توثيقه للتاريخ‪ ،‬أم راف ــد يـغــذي خطاب‬ ‫وما زالت بحاجة لمزيد من الحضور من‬
‫المرأة في هذا العصر؟‬ ‫وجهة نظري‪.‬‬
‫‪ρ ρ‬كتاب (المرأة في الخليج) هو كتاب منشور‬ ‫اكتساب التجربة‪!..‬‬
‫باللغة اإلنجليزية في جامعة سيراكيوز‬
‫ ¦ح ـض ــورك الـمـمـيــز وال ـك ـب ـيــر ف ــي الـكـثـيــر‬
‫األمريكية ومن تحرير البروفسورة أميرة‬
‫ال كتبتُ أنا‬
‫سنبل‪ ،‬ويضم ثالثة عشر فص ً‬ ‫من الـنــدوات والفعاليات على المستوى‬
‫فصله األول الــذي يتناول تاريخ المرأة‬ ‫المحلي والعربي والعالمي يدعوني أن‬
‫في الخليج في فترة مبكرة من العصور‬ ‫أسألك‪ ،‬ما الذي يميز الخطاب الثقافي‬
‫األس ــط ــوري ــة الــقــديــمــة‪ ،‬وحــتــى صــدر‬ ‫واإلب ـ ــداع ـ ــي ل ـ ــدى ال ـ ـمـ ــرأة ف ــي ال ـســاحــة‬
‫اإلســام‪ ..‬في محاولة الستنطاق النص‬ ‫ال ـس ـعــوديــة عــن مـثـيــاتـهــا فــي الـســاحــات‬
‫والحجر‪.‬‬ ‫العربية األخرى؟‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪74‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬
‫الخطاب النسوي‪!..‬‬
‫ ¦فــي إح ــدى ال ـح ــوارات ُسئلت عــن حضور‬
‫الـ ـم ــرأة الـنـبـطـيــة وك ــان ــت إج ــاب ـت ــك‪« :‬مــا‬
‫ت ــوصـ ـل ــت إلـ ـي ــه أن الـ ـحـ ـض ــور والـ ـغـ ـي ــاب‬
‫ي ـت ـبــادالن ومــرتـبـطــان بمتغيرات أخ ــرى‪،‬‬
‫سياسية واجتماعية واقتصادية‪ ..‬تِ حيط‬
‫بوضعها؛ إذ إن المرأة في العهد األول من‬
‫المملكة النبطية؛ كانت غير ظاهرة ثم‬
‫ظهرت وهكذا‪ ..‬لذا هنالك أسباب معقدة‬
‫ال بــد أن تتكامل حـتــى تظهر ال ـمــرأة أو‬
‫تـغـيــب‪ ..،»..‬في ظل التغيرات السياسية‬
‫واالقتصادية التي يعيشها العالم العربي‬
‫السياسي والــديــنــي ال ــذي يــدعــم ويثق‬
‫ف ــي ال ـس ـن ــوات األخـ ـي ــرة‪ ،‬م ــا األثـ ــر ال ــذي‬
‫بــالــمــرأة‪ .‬وعندما نطبق هــذه النظرية‬
‫سـتـتــركــه أو تــركـتــه ه ــذه ال ـت ـغ ـيــرات على‬
‫على اليوم نجدها تنطبق على كثير من‬
‫الخطاب النسوي؟‬
‫التحوالت االجتماعية لألسرة اليوم التي‬
‫لم تعد تستقر في مكان واحــد‪ ،‬والتي‬ ‫‪ρ ρ‬ســؤال جميل‪ ..‬لكن اإلجــابــة عليه ربما‬
‫يتحرك فيها الزوجان اجتماعا ًوافتراقاً‬ ‫تستغرق كتباً ولن نصل إلى إجابة وافية‪،‬‬
‫وفق االحتياجات االقتصادية التي تفرض‬ ‫فالحديث عــن صــعــود الــمــرأة وتمكنها‬
‫سياسياً أو اقتصادياً اليوم‪ ..‬له أبعاد أكثر‬
‫نفسها على المجتمعات اليوم‪ ،‬ومن جانب‬
‫تعقيداً وفق ما نعرفه ونعيشه اليوم من‬
‫آخــر‪ ..‬هناك التحوالت السياسية التي‬
‫تداخل في المجتمعات‪ ،‬وتبادل للخبرات‪،‬‬
‫عممت حال ًة من الحرب وعــدم األمــان‬
‫وتدويل للمطالب الحقوقية‪ ،‬وتشكل وعياً‬
‫في العديد من مناطق العالم‪ ،‬السيما‬
‫مختلفاً بمفاهيم مشاركة الــمــرأة في‬
‫في العالم العربي‪ ،‬مخلفة الماليين من‬
‫الفضاء العام السياسي واالقتصادي‪.‬‬
‫البشر في حالة لجوء وعــدم استقرار‪،‬‬ ‫ووفـــق نظريتي األول ــي ــة‪ ..‬ف ــإن تمكين‬
‫وف ــي مجتمعات أخـــرى نــجــد تــحــوالت‬ ‫النساء في مجتمع‪ ،‬ما يتطلب أن تتوافر‬
‫سياسية تستخدم فيه األديـ ــان بشكل‬ ‫معطيات األمــان المجتمعي الذي توفره‬
‫ال كبيراً على حريات األفــراد‪..‬‬ ‫يضع ثق ً‬ ‫الدولة القوية ذات المؤسسات المستقرة‪،‬‬
‫مع الثقل األكبر على المرأة‪ ،‬سواء تشدداً‬ ‫ويتوافق هذا مع توفر حاجة لدور النساء‬
‫أو انتهاكاً أو استغالالً‪ .‬ومجتمعات أخيرة‬ ‫في المجتمع في حال غياب الرجل في‬
‫تعيش اليوم في أجــواء سياسية تصادر‬ ‫الحرب أو التجارة التي تستغرق معظم‬
‫فيها الــحــريــات والــمــشــاركــة السياسية‬ ‫شهور السنة‪ ،‬باإلضافة لوجود قدوات‬
‫الديمقراطية‪ ،‬فيصبح التعبير عن الرأي‬ ‫وشــخــصــيــات فــاعــلــة فــي أعــلــى الــهــرم‬
‫‪75‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫وامرئ في الشأن العام للدولة الحديثة‪،‬‬ ‫والمطالبة بالحق خــروج ـاً على النص‬
‫حيث تتساوى مواطنة الرجل والمرأة‪،‬‬ ‫وعلى وحدة الصف الوطنية‪.‬‬
‫يصبح التغيير واإلصالح حلم الجنسين‪.‬‬ ‫فكما نجد أن فــي كــل ظــرف مــن هذه‬
‫أسئلة بال إجابات نهائية‪ ،‬لكن اإلجابات‬ ‫الظروف يتغير الخطاب النسوي ويحتاج‬
‫المبدئية هي أن التغير مستمر‪،‬وليس‬ ‫تمكيناً‪ ،‬ويحتاج مراجعة لمعطياته وكيف‬
‫هــنــاك ثــبــات لــلــعــاقــات أو للخطاب‪،‬‬ ‫يعبر عن نفسه‪ .‬ففي حال العائلة المتنقلة‬
‫واإلجــابــة شبه النهائية هــي أن هناك‬ ‫نجد أنــهــا تصبح عائلة يــديــرهــا أحد‬
‫حاجة ماسة ألن تتمكن المرأة اقتصادياً‬ ‫األبوين بمفرده‪ ،‬مما يطرح تساؤالت حول‬
‫على كافة المستويات‪ ،‬حتى يمكنها أن‬ ‫عالقات السلطة وااللتزامات األسرية‬
‫تواجه التغيرات المستمرة حولها سياسياً‬ ‫والمادية‪ .‬وفــي حــال األســرة الالجئة‪..‬‬
‫واقتصادياً واجتماعياً‪ ،‬وهــو ما يتكرر‬ ‫فــالــســؤال ال ــذي يــطــرح نفسه هــو كيف‬
‫بإلحاح في الخطاب النسوي اليوم بكافة‬ ‫يمكن لعالقات األسرة التقليدية أن تعمل‬
‫أشكاله وانتماءاته‪.‬‬ ‫في إطار من الفقد وعدم األمان وتفرق‬
‫كتب الطفولة‪!..‬‬ ‫األسر وتغير عالقات السلطة فيها وفقاً‬
‫لمن ما زال على قيد الحياة أو من ما زال‬
‫ ¦تعودت أن أسأل هذا السؤال‪ ..‬فهو يضيء‬
‫يعمل أو ينفق‪ ،‬ومــا هي الحال في ظل‬
‫للقارئ الخصوصية الثقافية لدى ضيف‬
‫البطالة وانتظار المعونات الدولية‪ .‬وفي‬
‫«ال ـ ـجـ ــوبـ ــة»‪ ،..‬ه ــل ل ـن ــا أن ن ـت ـع ــرف عـلــى‬
‫حــال المجتمعات التي اختطفها الدين‬
‫محتويات مكتبة الدكتورة هتون؟‬
‫المسيس تستلب فيها إرادة النساء ويُجير‬
‫النص الديني لخدمة األهواء والمصالح ‪ρ ρ‬مكتبتي تتكون مــن كتب الطفولة التي‬
‫أخزنها ليوم ما يقرأها أطفالي‪ ،‬وكتب‬ ‫الــتــي تتداخل فيها مصالح السياسي‬
‫االهــتــمــامــات ال ــدراس ــي ــة لــكــل فــتــرات‬ ‫والــديــنــي‪ ،‬والـ ــذي يــكــون غــالــبـاً رج ــل‪..‬‬
‫التاريخ التي استدرجتني إليها‪ ،‬وكتب‬ ‫والمستغَّل هــي الــمــرأة‪ ،‬وعــلــى الرغم‬
‫أكثر تخصصاً في تاريخ الجزيرة العربية‬ ‫من محاوالت النساء‪ ،‬ممن تلقين العلم‬
‫القديم آثاراً ونقوشاً وتاريخاً‪ ،‬وكتب تتناول‬ ‫اليوم بالشكل الذي لم يكن معهوداً في‬
‫المرأة تاريخاً وقضايا ونسوية ودراسات‬ ‫عصور سابقة‪ ،‬للتصدي لهذا االستغالل‬
‫جندرية‪ ،‬وكتب في األساطير وكتب في‬ ‫لــأديــان السماوية وال سيما اإلســام‪،‬‬
‫فلسفة التاريخ وكتب في الثقافة والفلسفة‬ ‫إال أنهن ما زلن لم يصلن إلى أن تصبح‬
‫والفكر السيما الفكر الديني‪ ،‬هناك جزء‬ ‫هــذه المحاوالت للتفسير أو المقاومة‬
‫فــي مكتبتي مخصص لمواضيع بعينها‬ ‫الفكرية هي النسق السائد والعام‪ .‬وفي‬
‫أو مناطق بعينها‪ ،‬مثل الــجــزء الخاص‬ ‫ظل غياب إمكانات الديمقراطية التي‬
‫بــكــتــابــات مــكــة الــمــكــرمــة وآخـ ــر خــاص‬ ‫تضمن حرية التعبير وتمثيل كل امــرأة‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪76‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬
‫بالمدينة المنورة‪ ،‬وثالث يخص مناطق‬
‫أخرى من المملكة مقسم جغرافياً‪ .‬وقسم‬
‫خاص بأمهات الكتب في اللغة والتاريخ‬
‫واألدب‪ ،‬وجزء خاص بالروايات واإلبداع‪.‬‬
‫وتــتــراوح اللغات التي تكون مكتبتي بين‬
‫العربية واالنجليزية وبعضها بالفرنسية‬
‫واأللمانية‪ .‬وأنا في صراع مستمر ألتمكن‬
‫من مالحقة قراءة مكتبتي‪.‬‬

‫روتين يومي‪!..‬‬ ‫ما بين البحوث والكتب‪!..‬‬


‫ ¦‪ ..‬ومن المهم جدا أن أسالك أيض ًا هذا ¦ما المواقع التي تحظى باهتمامك على‬
‫الشبكة العنكبوتية؟‬ ‫السؤال التقليدي‪ ،‬ما هو جديدك؟‬
‫‪ρ ρ‬ليس موقعاً بعينه‪ ،‬وإنما ما أبحث عنه‬ ‫‪ρ ρ‬أعمل اآلن على أكثر من مشروع ما بين‬
‫وفــقـاً لعمل أقــوم بــه أو أكتبه‪ .‬كما أن‬ ‫كتاب وبحوث أكاديمية وكتب توثيقية‪.‬‬
‫المواقع التي يكثر التردد عليها تختلف‬ ‫فــهــنــاك بــحــث حـــول مــجــلــس الــشــورى‬
‫حسب الــزمــان والمناسبة‪ ،‬ففي أثناء‬ ‫ال فــي كتاب عن‬ ‫السعودي أقــدمــه فص ً‬
‫الفصل الــدراســي أكثر المواقع تــردداً‬ ‫مجالس التمثيل السياسي في الخليج‬
‫عليها هو موقع «البالكبورد» الذي يصلني‬ ‫العربي‪ ،‬وبحث أستكمله لجمعية التاريخ‬
‫بطلبتي وبتعليماتي لهم ولهن‪ .‬أما ما أفتح‬ ‫واآلث ــار خــاص ببحث قوانين األس ــرة‪..‬‬
‫عليه كل يوم فيبدأ بأخبار جوجل يومياً‬ ‫الســيــمــا ع ــاق ــة الـ ــواليـ ــة ف ــي الــقــرن‬
‫لالطالع على آخر األخبار التي أطلب من‬ ‫اإلســامــي األول فــي بــاد الــشــام‪ ،‬وهو‬
‫جوجل تزويدي بها‪ ،‬موقع جريدة الرياض‪،‬‬ ‫الذي ألقيته في لقاء الجمعية العلمي في‬
‫أفــتــح صفحات «إيــمــيــاتــي» المختلفة‬ ‫الجوف إبريل الماضي‪ .‬وكتاب توثيقي‬
‫لتحديد ححم اإليميالت التي تتطلب‬ ‫لتجربة النساء في المجالس واالنتخابات‬
‫الرد‪ ،‬وأخيراً صفحات تويتر وفيسبوك‬ ‫البلدية في السعودية‪.‬‬
‫وتصفحها سريعاً‪ .‬في فترات السفر أفتح‬
‫على مواقع حجوزات الطائرات‪ ،‬وما يتبع‬ ‫‪ ..‬ملكة ال أملكها‪!..‬‬
‫ذلك من معلومات أحتاجها وفقاً لظرف‬ ‫ ¦أين الشعر من اهتمامات الدكتورة هتون‬
‫السفر المذكور‪ ،‬هل هو مؤتمر أم سياحة‬ ‫الفاسي؟‬
‫أم زيارة وهكذا‪ ،‬لكن الدخول على الشبكة‬
‫‪ρ ρ‬الشعر ملكة ال أملكها‪ ..‬وإن كنت أتذوقه‬
‫هــو روتــيــن يومي يبدأ منذ االستيقاظ‬
‫لبدء العمل سواء كنت في البيت أو في‬ ‫وأغبط من يقرضه ويحسن تطويع اللغة‬
‫الجامعة‪.‬‬ ‫مع الشعور واألفكار والنغم‪.‬‬

‫‪77‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫المصري‬ ‫الر َو ِائي ِ‬
‫ِّ‬
‫اليمة‬
‫الس ْ‬
‫عبداهلل َّ‬

‫ين تُ مثِّ ُل الْحيَ اةَ والمَ أْزق‪)..‬‬


‫(الكتَ ابةُ ِح َ‬
‫ِ‬
‫روائيا أو‬
‫ًّ‬ ‫الشيء الوحيد الذي يحقق لي قدرً ا من السعادة هو أن أنجز عمالً‬
‫مجموعة قصصية أو حتى قصة واحدة قصيرة‪.‬‬
‫علينا أن نفرق بين الرواية الشاعرة والرواية الشعرية‪ ..‬وأرى أن مجرد قول رواية‬
‫شعرية معناه رفض للتجنيس‪ ،‬وبالتالي (تعارض) هذا المسمى مع الرواية بوصفها‬
‫كونًا حاضنً ا لألجناس األدبية‪.‬‬
‫أنا الصحراء بهدوئها وعصفها‪ ،‬بصالبتها وعنادها‪ ،‬واعتدادها الكبير بذاتها‪،‬‬
‫وأنا المدينة بمعالمها‪ ،‬وروحها التواقة‪ ،‬أنا ذلك الطائر البري الذي لن يكف عن‬
‫التحليق في فضاءات األمكنة‬

‫مثل أي صحراوي قد تدفعك صرامة مالمحه للتردد في بداية األمــر‪ ،‬وتشعر بنوع ما‬
‫من الندم لتعجلك في محاولة التعرف إليه كصديق محتمل‪ ،‬لكن اكتشافك غير المتوقع‬
‫لتلك الروح المرحة وتواضعه الفطري المختبئين خلف مالمحه الجادة يدفعانك لتجاوز‬
‫مساحات ترددك‪ ،‬والولوج في تأن الكتشاف مروج رِ هانه على الكتابة‪ ،‬التي اتخذ منها حياة‬
‫كاملة‪ .‬فمنحته بدورها مكانًا يستحقه على الساحة الثقافية المصرية‪ ،‬وحقق له حرصه‬
‫الشديد على أن يكون إبداعه مميزً ا ما لم يكن يتوقعه كما يقول أو يراهن عليه حينما بدأ‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪78‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬
‫يتلمس خطاه الكتابية‪ ،‬عله يجد له موطئ قدم في عالم اإلبداع‪ .‬متحديًا كل الظروف التي‬
‫واجهته‪ ،‬وكانت كفيلةـ لوال أنه يمتلك مقومات التحدي كأحد الضرورات إلمكانية الحياة‬
‫في صحراء ال تمنح حبها ودعمها إال لمن يستحقهما‪ ..‬وهكذا هو ضيفنا القاص والروائي‬
‫المصري عبداهلل عطية الساليمة‪ ،‬الــذى تقدمه أعماله الروائية والقصصية المهمومة‬
‫بقضايا الحرية‪ ،‬دون إغفال لقضايا وهموم مجتمع بادية سيناء الذي ينتمى إليه‪ ،‬وقضايا‬
‫وطن أكبر يعشقه بال حدود‪.‬‬
‫وإللقاء المزيد من الضوء على عالمه وإبداعاته‪ ،‬أجرينا معه هذا الحوار‪.‬‬

‫‪ρρ‬حاوره‪ /‬محمد عيسى‬

‫تمثيل «سيناء» لعضوية األمانة العامة‬ ‫ ¦من أنت؟ وما مسيرتك األدبية؟‬
‫لمؤتمر أدباء مصر العام ‪2014/2012‬م‪،‬‬ ‫‪ρ ρ‬انا ابن بادية سيناء‪ ،‬مصري الجنسية‪،‬‬
‫واخــتــيــاري عــام ‪2012‬م لعضوية لجنة‬ ‫عــربــي الــهــوى والــهــويــة‪ ،‬أعــمــل بـــوزارة‬
‫القصة والرواية بالمجلس األعلى للثقافة‬ ‫الــتــربــيــة والتعليم كمعلم خبير لــمــادة‬
‫بدار األوبرا بالقاهرة حتى اآلن‪ ،‬وفى عام‬ ‫التاريخ بالمرحلة الثانوية‪ ،‬أما «إبداع ّيًا»‬
‫‪2015‬م رُشــحــتُ لعضوية أمــانــة مؤتمر‬ ‫فقد صــدر لــي خمسة أعــمــال ســرديــة‪،‬‬
‫إقليم القناة وسيناء الثقافي‪ ،‬وتم تكليفي‬ ‫ثــاث روايــات «بركان الصمت» ‪2001‬م‬
‫بتولي مسئولية أمانته العامة في دورته‬ ‫عن وزارة الثقافة المصرية‪ ،‬ثم روايــة‬
‫التي عقدت فــي شهر مــارس الماضي‬ ‫«قبل المنحنى بقليل» ‪2004‬م في طبعة‬
‫‪2016‬م‪.‬‬ ‫خاصة على نفقتي‪ ،‬وفــي عــام ‪2012‬م‬
‫صدرت روايتي الثالثة «صحراء مضادة» ¦ماذا تمثل الكتابة بالنسبة لك؟‬
‫عن دار األدهم للنشر بالقاهرة‪ ،‬وما بين‬
‫إصدار رواية وأخرى كانت لي إبداعات ‪ρ ρ‬الكتابة بالنسبة لي هي الحياة‪ ،‬برغم‬
‫ما تمثله من مــأزق لكاتب مثلي يعيش‬ ‫قصصية نــشــرت فــي دوريـ ــات مصرية‬
‫فــي سيناء على وجــه الــخــصــوص‪ ،‬ألن‬ ‫وعربية‪ ،‬وترجم بعضها إلى اإلنجليزية‬
‫عليك كــكــاتــب فــي مــكــان كــهــذا يعانى‬ ‫في كتاب صــدر عن مؤتمر أدبــاء مصر‬
‫توتراً سياسياً‪ ،‬وتغلب على أهله الثقافة‬ ‫ع ــام ‪2011‬م‪ ،‬وجــمــعــت ه ــذه القصص‬
‫العشائرية‪ ،‬أن تكون مع أو ضد‪ ،‬فإن لم‬ ‫في كتاب صــدر عن وزارة الثقافة عام‬
‫تكن مع‪ ،‬فأنت ضد‪ ،‬وفي كلتا الحالتين‬ ‫‪2011‬م‪ ،‬تحت عنوان «أشــيــاء ال تجلب‬
‫تتعرض للمأزق‪ .‬بسبب حصارك نفسياً‪،‬‬ ‫البهجة»‪ ،‬وصدر لي مجموعة أخيرة عام‬
‫ومحاصرة كتاباتك بسوء التفسير‪ ،‬فإن‬ ‫‪2016‬م عن الهيئة العامة لقصور الثقافة‬
‫لم يكن باتهامك بخرق قانون بداوتك‪،‬‬ ‫اخترت لها عنوان «أوضاع محرَّمة»‪ ،‬وقد‬
‫فــســوف يــكــون بــالــخــروج عــلــى طــاعــة‬ ‫منحتني هذه األعمال شرف استحقاق‬
‫‪79‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫النهاية إلى أن تتحول سيناء إلى ساحة‬ ‫السلطة‪.‬‬
‫حــرب مفتوحة ومــروعــة‪ ،‬وصــار الموت‬ ‫ ¦ ُط ـبــع ل ــك م ــن األع ـم ــال روايـ ـ ــات (بــركــان‬
‫يتربص بكل كائن يتحرك على أرضها‪،‬‬ ‫الـ ـصـ ـم ــت)‪ ،‬و(قـ ـب ــل ال ـم ـن ـح ـنــى ب ـق ـل ـيــل)‪،‬‬
‫وصــارت حياة أناسها مرهونة بــوالء‪ ،‬ال‬ ‫و(صحراء مضادة)‪ ،‬ومجموعة قصصية‬
‫يستطيعون حتى في خيالهم الجهر به‪..‬‬ ‫(أشياء ال تجلب البهجة)‪ ،‬وأخيرة بعنوان‬
‫تفادياً لموت مجاني‪ ،‬فإذا ما نجا أحدهم‬ ‫(أوض ــاع مـحــرَّ مــة) ورواي ــة قيد الـطـبــع‪...‬‬
‫منه على يد طرف يدير فيهم القتل باسم‬ ‫فأين سيناء منها؟‬
‫الدين‪ ،‬ربما سيكون على يد طرف آخر‬
‫يالحقهم‪ ،‬وهو مشحون بأفكار محددة‪،‬‬ ‫‪ρ ρ‬كمبدع يعيش في صحراء‪ ،‬يعد العيش‬
‫وأحكام مسبقة‪ ،‬ويتعامل معهم كما لو‬ ‫فيها بحد ذاتــه مغامرة كبرى محفوفة‬
‫كانوا وباءً‪ ،‬يجب التخلص منه‪..‬‬ ‫بالمخاطر‪ ،‬نذرت نفسي لكتابة مسئولة‬
‫وصــادقــة وهــادفــة‪ ،‬ال تصغي إال لقول‬
‫الحق‪ ،‬وال تأخذ طابع اإلبداع التجاري‪¦ ،‬األجـنــاس األدبـيــة متداخلة‪ ..‬والحديث‬
‫عنها وعن تداخلها يمأل اآلفاق ويمتدحه‬ ‫كما فعل الكثيرون طمعاً في شهرة زائفة‪،‬‬
‫ال ـن ـقــاد ف ــي ال ـ ــرواي ـ ــة‪ ..‬ف ـهــل يـبـيــت ذلــك‬ ‫بل من أجــل إضافة إبداعية‪ ،‬يكون لها‬
‫ضرورة؟‬ ‫القيمة ويكتب لها البقاء‪.‬‬
‫قناعة كلفتني الكثير‪ ،‬ومنحتني صالبة ‪ρ ρ‬انقسم النقاد والمبدعون حــول قضية‬
‫األجناس األدبية إلى فريقين‪ ،‬أحدهما‬ ‫كافية لتحمل كــافــة عــواقــب مغامرات‬
‫يرفضها متبنياً موقف ابن خلدون ومن‬ ‫روائــيــة وقصصية‪ ،‬اســتــمــددتُ مكونات‬
‫بــعــده كــروشــيــه الــرافــضــيــن لــهــا‪ ،‬حيث‬ ‫عوالمها من واقع بادية سيناء المُعاش‪،‬‬
‫ي ــدع ــوان إل ــى ضــــرورة اح ــت ــرام حــدود‬ ‫كتابات حاولت من خاللها كسر حواجز‬
‫الــجــنــس األدبـــــي‪ ،‬وذلـ ــك بــعــدم إدخ ــال‬ ‫الــصــمــت‪ ،‬واخ ــت ــراق مــا اســتــطــعــت من‬
‫العناصر النوعية لجنس معين في غيره‬ ‫تابوهات بدوية في جرأة‪ ،‬القت استهجان‬
‫من األجناس األدبية‪.‬‬ ‫البعض من البدو‪ ،‬ورفضاً ينذر بوقوع‬
‫وفريق آخر يؤيد حازم القرطاجني‪ ،‬حيث‬ ‫صدام مع البعض اآلخر منهم‪ ،‬ما حرصت‬
‫يــرى أن اخــتــراق حــدود الجنس األدبــي‬ ‫على تفاديه بعقالنية شديدة وحذرة‪.‬‬
‫وتداخله مع غيره من األجناس األدبية‪،‬‬ ‫كما حاولت خاصة في مجموعتي األخيرة‬
‫قد يعطي نصوصا قمة في اإلبداع‪.‬‬ ‫« أوضـــاع مــحـرَّمــة « رصــد مــا آل إليه‬
‫وبـــــــدوري أم ــي ــل إلــــى مـــا ذهــــب إلــيــه‬ ‫حال أهل سيناء‪ ،‬هذا المثلث الــذى لم‬
‫القرطاجني‪ ،‬ولما يمثله هذا التداخل من‬ ‫يزل قــادراً على تحدي ومقاومة الموت‪،‬‬
‫وجهة نظري من ضــرورة حتمية لتطور‬ ‫رغــم كل محاوالت الجهلة من الساسة‬
‫األدب‪.‬‬ ‫والمتأسلمين إسقاطه من خارطة هندسة‬
‫¦وُ ِجد مؤخرً ا ما أطلق عليه اسم (الرواية‬ ‫الوطن منذ آالف السنين‪ ،‬وهو ما أدى في ‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪80‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬
‫الشعرية) هل تعتقد جدية هذا الطرح؟‬
‫وهل هي إضافة حقيقية أم فانتازيا؟ وما‬
‫إمكانات كتابة رواية شعرية؟‬
‫‪ρ ρ‬بداية الب ّد أن نفرق بين الرواية الشاعرة‬
‫والــروايــة الشعرية‪ ،‬فــالــروايــة الشاعرة‬
‫نوع مألوف‪ ،‬أما الرواية الشعرية محور‬
‫حديثنا‪ ،‬أعتقد أن هناك الكثير من يتفق‬
‫معي على أنها حتى اآلن غير موجودة‪،‬‬
‫وليس هناك عم ٌل روائيٌّ تنطبق عليه هذه‬
‫التسمية‪ ،‬وما هي وفق الشاعر العراقي‬
‫بشار عبداهلل إال بدعة ابتدعها العرب‬
‫مقابل مــا يسمى فــي الــغــرب بمصطلح‬
‫‪ verse novel‬الذى يعني إنشاء سرد روائي‬
‫طويل بواسطة مقاطع شعرية بسيطة أو‬
‫مركبة مــوزونــة‪ ،‬وتتضمن وقائع كبرى‪،‬‬
‫وأصواتاً متعددة‪ ،‬وحواراً وسرداً ووصفاً‬
‫وإثارة بأسلوب روائي‪.‬‬
‫وأرى أن مجرد قول رواية شعرية معناه‬
‫رفض للتجنيس‪ ،‬وبالتالي (تعارض) هذا‬
‫المسمى مع الرواية بوصفها كونًا حاضنًا‬
‫لألجناس األدبية‪.‬‬
‫ ¦ب ـي ــن الـ ـت ــاري ــخ والـ ـ ــروايـ ـ ــة ص ـ ــات رحـ ــم‪،‬‬
‫فـهــل ت ــزاي ــدت تـلــك ال ـصــات بــدراســاتــك‬
‫التاريخية؟‬
‫‪ρ ρ‬هذا السؤال يطرح إشكالية العالقة بين‬
‫الــروايــة والتاريخ‪ ،‬ولفهم تفاصيل هذه‬
‫العالقة المعقدة‪ ،‬استعنت بما قدمه‬
‫«الــحــجــاج بــن يــوســف الــثــقــفــي»‪« :‬رأيــنــا‬ ‫كل من ميخائيل باختين وجيرار جنيت‬
‫باالختبار أن نشر التاريخ على أسلوب‬ ‫من النظريات والمفاهيم والمقوالت‪..‬‬
‫الرواية أفضل وسيلة لترغيب الناس في‬ ‫كي استطيع فهم تفاصيل هذه العالقة‪.‬‬
‫مطالعته‪ ،‬واالستزادة منه»‬ ‫لكنني وجــدت ضالتي في قول جورجي‬
‫زي ــدان عــام ‪1902‬م فــي مقدمة روايته‬
‫وبدوري كعربي أوالً وجد نفسه في حاجة‬
‫‪81‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫المسيطرة كي ال تخسر كرسي السلطة‪.‬‬ ‫ملحة لتقوية هــذه العالقة مع التاريخ‬
‫الكل يدافع عن مصالحه‪ ،‬وهنا يحتدم‬ ‫واالس ــت ــزادة منه فــي مــحــاولــة لحماية‬
‫الصراع كما هو حادث في العراق وسوريا‬ ‫هويتي من عناصر التغريب التى جاء بها‬
‫واليمن وليبيا وحدث من قبل في تونس‬ ‫االستعمار على وطننا العربي‪ ،‬وحماية‬
‫ومصر‪.‬‬ ‫هويتي الثقافية «كــبــدوي» مــن المسخ‬
‫صراع يكون الساعون خلف لقمة عيشهم‬ ‫الثقافي‪ .‬ما جعلني آخــذ بقول زيــدان‪،‬‬
‫وأجتهد إلصدار أعمال روائية وقصصية‪،‬‬
‫هم أكثر ضحاياه‪ ،‬بعد أن استغلته بعض‬
‫أظنها قد نجحت إلى حد ما في إثارة‬
‫الـ ــدول لتحقيق مصالحها مــن خــال‬
‫انتباه البعض والتفافه حولها‪.‬‬
‫إدخالها لمجموعات أصولية «كداعش‬
‫وأخواتها» ليعيثوا فساداً ويمارسون كل‬ ‫ ¦تختلف الرواية عن غيرها من األجناس‬
‫أشكال القتل والوحشية ببدائية مقيتة‪.‬‬ ‫األخــرى في أنها قد تستغرق وقتً ا كبيرً ا‬
‫حتى باتت تلك البلدان خراباً ينعق فيها‬ ‫إلن ـ ـجـ ــازهـ ــا‪ ،‬ف ـه ــل ي ـم ـكــن أن يـسـتـجـيــب‬
‫البوم‪ ،‬فيما تراقب إسرائيل ما يحدث‬ ‫الساليمة فــي الــوقــت ذاتــه إللـحــاح فكرة‬
‫في خشية وحذر شديدين‪ ،‬من أن تؤدي‬ ‫أخرى؟‬
‫هذه التحوالت السياسية واالجتماعية‬ ‫‪ρ ρ‬نعم‪ ،‬عندما تلح عليّ فكرة ما‪ ،‬وتختمر‬
‫واألمــنــيــة الــتــي تــمــر بــهــا ه ــذه الــبــلــدان‬
‫فــي رأس ــي‪ ،‬ال أت ــردد فــي تــرك مــا كنت‬
‫الــعــربــيــة‪ ،‬إل ــى والدة خــريــطــة سياسية‬ ‫أعــمــل عــلــى كــتــابــتــه‪ ،‬وأحــــاول اإلس ــراع‬
‫جديدة في المنطقة‪ ،‬وهو ربما ما ينذر‬ ‫بــكــتــابــتــهــا‪ ،‬خ ــوفــاً م ــن ف ــراره ــا وع ــدم‬
‫بطول أمــد األخــطــار المحدقة بالعرب‬ ‫مجيئها ثانية‪ ،‬وقد انجزت أكثر قصص‬
‫جميعاً بال استثناء‪.‬‬
‫مجموعتي القصصية األولــى «أشياء ال‬
‫ ¦الكتابة فعل المجازفة يأخذ من أرصدة‬ ‫تجلب البهجة» على هذا النحو‪.‬‬
‫الـكــاتــب ويـسـتـنــزف وقـتــه ‪ -‬وال غضاضة‬ ‫ ¦الـثــورات العربية كيف قرأتها؟ وهــل لها‬
‫‪ -‬مــالــه؛ ل ــذا ي ـســرع الـبـعــض إل ــى حصد‬ ‫اسـ ــم آخـ ــر ت ــري ــد أن تـسـمـيـهــا بـ ــه؟ وهــل‬
‫الجوائز سواء اإلقليمية أو الدولية‪ ،‬فهل‬ ‫سنراها في كتاباتك؟‬
‫هذا تفسير صائب؟‪ ...‬وهل على الكاتب‬
‫‪ρ ρ‬هي هبات كان يمكن لها أن تغير مجرى‬
‫أن يسعى إلى الجوائز أم ينتظرها؟‬
‫التاريخ‪ ،‬لوال أنها تعرضت لإلجهاض كما‬
‫هو حال كل محاوالت التغيير في بلداننا ‪ρ ρ‬ال أراه صائباً‪ ،‬وأعــد سعي الكاتب إلى‬
‫الجوائز ظاهرة غير حميدة‪ ،‬فعلى الكاتب‬ ‫العربية‪ ،‬بدءاً من محمد علي باشا‪ .‬وما‬
‫أن يهتم بجودة كتابته فقط‪ ،‬وهذا كفيل‬ ‫يحدث اآلن ال يمكن تسميته بغير الصراع‬
‫بدفع القائمين على الجوائز بالبحث‬ ‫على السلطة‪ ،‬وبات مفتوحاً‪ ،‬فالشعوب‬
‫عنه‪ ،‬والوصول إليه‪ ،‬كما حدث مع نجيب‬ ‫تتدافع مطالبة بحقوقها المشروعة من‬
‫محفوظ‪ ،‬الــذى بحثت عنه جائزة نوبل‬ ‫الحرية والكرامة‪ ،‬وكالعادة تراوغ الطبقة‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪82‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬
‫لآلداب عام ‪1988‬م وهى الجائزة األكبر‪،‬‬
‫وذهبت إليه لجنتها في مصر وتجولت‬
‫في عوالمه‪ ،‬وهو المعروف عنه أنه لم‬
‫يغادر مصر على اإلطالق‪.‬‬
‫ ¦لعل قائ ًال يقول‪ :‬إنَّ هناك أمكنةً بعينها‬
‫تبعث على الكتابة‪ ..‬فأين هــذه األمكنة‬
‫عند عبداهلل الساليمة؟‬
‫‪ρ ρ‬الــصــحــراء‪ ،‬هــذا المتسع ال ــذى ولُــدت‬
‫ونــشــأت فــيــه‪ ،‬ومــــازال يسكنني‪ ،‬رغــم‬
‫إقــامــتــي بمدينة «الــعــريــش» تــلــك التي‬
‫استعصى عليها احتوائي‪ ،‬رغم ظاهري‬
‫الذي يثير شكوك أبناء جلدتي من البدو‪،‬‬
‫أنني خلعت ثوب صحرائهم‪ ،‬اتهام باطل‪،‬‬
‫وال مــكــان لــه فــي وجــدانــي‪ ،‬صــحــراء ال‬
‫يمكنني التجرؤ بالقول‪ :‬إنني استطعت‬
‫كتابتها‪ ،‬لكن مــا أستطيع تــأكــيــده‪ ،‬أن‬
‫المكان باتساعه‪ ،‬ســواء كانت صحراؤه‬
‫المحتشدة بغموضها‪ ،‬أو مدينته المكتظة‬
‫بفعلها‪ ،‬واحد ال يتجزأ‪ ،‬فالمكان أنا‪ ،‬وأنا‬
‫المكان‪.‬‬
‫أنا الصحراء بهدوئها وعصفها‪ ،‬بصالبتها‬
‫وعــنــادهــا‪ ،‬واعــتــدادهــا الكبير بذاتها‪،‬‬
‫بكبريائها الـــذي عــلــى كــل مــن يــحــاول‬
‫جرحه عليه تحمل انتقامه‪ ،‬وأنا المدينة‬
‫الضاجة‪ ،..‬أنا‬‫بمعالمها‪ ،‬وروحها التواقة ّ‬
‫ذلــك الطائر البري الــذي لن يكف عن‬
‫التحليق في فضاءات األمكنة‪ .‬امتطي ¦بــم تـصــف ف ـتــرات الـتــوقــف عــن الكتابة؟‬
‫وماذا تعني لديك؟‬ ‫صهوة خيالي‪ ،‬مــتــزوداً بما أظنه يكفى‬
‫لسبر بعض أغوارها‪ ،‬وأوقات تجوالي في‬
‫عالمها‪ .‬أرصد واقع شخوصها‪ ،‬أعيش ‪ρ ρ‬تعنى لي فترة نقاهة‪ ،‬قد تكون إجبارية‪،‬‬
‫بسبب مـــرور الــكــاتــب بــفــتــرة ال يعرف‬ ‫معها أفــراحــهــا وأتــراحــهــا‪ ،‬فنحن كما‬
‫عما يكتب‪ ،‬وقد يمر في بعض الفترات‬ ‫أسلفت القول واحد ال يتجزأ‪ ،‬وال يقبل‬
‫بظروف نفسية تؤثر عليه سلباً‪ ،‬وربما‬ ‫القسمة على اثنين‪.‬‬
‫‪83‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫البادية وربيب القبائل‪ ..‬ما مكان القاهرة‬
‫من حياتك؟ وما المسافة بينهما؟‬
‫‪ρ ρ‬قال تشيكوف‪« :‬األدب معركة‪ ،‬عليك طول‬
‫الوقت أن تقاتل‪ ،‬لتضع رجلك على أرض‬
‫جديدة»‪ ،‬والقاهرة بالنسبة لي تمثل ساحة‬
‫معركتي‪ ،‬وقد استطعت بذكاء صحراوي‪،‬‬
‫يحدد أهدافه بدقة‪ ،‬وال يراهن إال على‬
‫نفسه‪ ،‬تجنب المواجهة‪ ،‬والــخــروج من‬
‫المعركة‪ ،‬دون خسارة صديق واحد من‬
‫أدبــائــهــا‪ ،‬الــذيــن أحــرص على انتقائهم‬
‫بعناية‪ ،‬وحققت من األهــداف أكثر مما‬
‫كنت أحلم به‪.‬‬
‫غير أن القاهرة معشوقتي‪ ،‬التي أقطع‬
‫مسافة ما يزيد على أربع مئة كيلو متر‬
‫لكي أروي يــبــاس عيني مــن رقــة نيلها‬
‫العامر بالحياة‪ ،‬هي مركز إشعاع ثقافي‬
‫وإبداعي وإعالمي‪ ،‬ال بد لمثلى يقيم في‬
‫البعيد من توقيع حضوره باستمرار في‬
‫فعالياتها‪ ،‬وتوثيق عالقته بالمزيد من‬
‫أدبائها ونقادها‪ ،‬وهــذا ما اعتقد أنني‬
‫وفقت في تحقيقه إلى حد ما‪.‬‬
‫ ¦ماذا عن جديدك في الكتابة؟‬
‫يــكــون لــديــه اهــتــمــامــات أخـــرى تفرض ‪ρ ρ‬أنجزتُ رواية جديدة اخترت لها عنوان‬
‫«حكايات العابرين» سوف تصدر قريباً‬ ‫نفسها عليه بقوة‪.‬‬
‫عن الهيئة المصرية العامة للكتاب‪.‬‬ ‫وقد تكون فترة نقاهة اختيارية‪ ،‬يحاول‬
‫الــمــبــدع خــالــهــا الــتــخــلــص مــن إجــهــاد ¦ال ــروائ ــي ع ـبــداهلل الـســايـمــة فــي حياتك‬
‫أشـيــاء ال تجلب البهجة‪ ..‬فما أشـيــاؤك‬ ‫الكتابة‪ ،‬واالســتــمــتــاع بالحياة‪ ،‬وإع ــادة‬
‫التي تجلب البهجة؟‬ ‫التوازن إلى نفسه‪ ،‬قبل الولوج إلى كتابة‬
‫جــديــدة‪ ،‬وعلى أيــة حــال‪ ،‬فالكاتب كما ‪ρ ρ‬الشيء الوحيد الذي يحقق لي قدرًا من‬
‫ال روائ ـ ًّيــا أو‬
‫السعادة هــو أن أنجز عم ً‬ ‫يقول الطيب صالح ليس مصنعاً عليه أن‬
‫مجموعة قصصية أو حتى قصة واحدة‬ ‫ينتج باستمرار دون توقف‪.‬‬
‫قصيرة‪.‬‬ ‫ ¦القاص والــروائــي عبداهلل الساليمة ابن‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪84‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫القاصة والشاعرة التونسية وئام غداس‪:‬‬


‫انتقلت من السرد إلى الشعر‪ ،‬وأنا شاعرة فيسبوكية وأفتخر‪.‬‬
‫في الكاتب دائمً ا جوانب إبداعية وقدرات خفية ال يكتشفها أحيانًا إال لو فرضها‬
‫واقع أو حالة‬
‫يدا لتُ خرجها إلى السطح‪،‬‬
‫اكتشفت أن بداخلي شاعرة كانت تنتظر ً‬
‫فلكل زمن أدواته والطرق التي باستطاعة الكاتب أن يصل من خاللها إلى القارئ‬
‫أيضا‪.‬‬
‫أنا مدينة للفيسبوك أوال وأخيرً ا‪ ،‬وشاعرة فيسبوكية بكل فخر ً‬
‫أنا لم أولد شاعرة والشعر ال يجري في دمي‪ ،‬ولكني مرضت بالحب وأظنني أثناء‬
‫حمّ ته هذيت بالكثير من الشعر!‬
‫تــرى القاصة والشاعرة التونسية وئــام غــداس‪ ،‬الحاصلة على المركز األول في جائزة‬
‫الشارقة لــإبــداع العربي عــن مجموعتها القصصية «أمـشــي وأضـحــك كأني شـجــرة»‪ ،‬أننا‬
‫نعيش في عصر حساس يقع فيه استمالة الشباب إلى بؤر العنف والظالمية‪ ،‬ولو استطاع‬
‫الفيسبوك أن يستميلهم نحو الكتابة اإلبداعية‪ ..‬فمرحبًا بذلك حتى لو كانوا يكتبون‬
‫بشكل رديء وشكرً ا للفيس‪ ،‬وتضيف غداس ‪ -‬التي صدر لها أخيرً ا ديوان شعري في القاهرة‬
‫تحت عنوان «حديقة مصابة باأللزهايمر» ‪ -‬أنّ القارئ الجيد يعرف في النهاية كيف يميّز‬
‫أي داع لرعب البعض‬ ‫بين الجيد والــرديء‪ ،‬والزمن غربال جيد لكل مرحلة‪ ،‬لذلك ال أرى َّ‬
‫ممن يكتبون في مواقع التواصل‪.‬‬
‫‪ρρ‬حاورها‪ :‬عصام أبو زيد‬

‫‪85‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫ومن يعرفني جيدا سيقول لك «القاصة»‬ ‫ ¦كيف كانت البداية مع الكتابة الشعرية‬
‫فــانــة‪ ،‬وكــتــابــي األول ك ــان مجموعة‬ ‫والكتابة عمومً ا؟‬
‫قصصية‪ ،‬مستوفية كل شروط المجموعة‬ ‫‪ρ ρ‬بداياتي لم تكن تقليدية بالمرة‪ ،‬ذلك أننا‬
‫القصصية وحاصلة على المركز األول‬ ‫نعرف أن شعراء كثر انتقلوا إلى السرد‬
‫في جائزة الشارقة لإلبداع العربي‪ ،‬لكن‬ ‫خصوصا الــروايــة‪ ،‬تعودنا أن األغلبية‬
‫في الكاتب دائمًا جوانب إبداعية وقدرات‬ ‫يبدؤون شعراء‪ ..‬ثم ينتقلون إلى أجناس‬
‫خفية ال يكتشفها أحيانًا إال لو فرضها‬ ‫أخــرى قد ال يعودون منها أبــدا ولو عن‬
‫واقع أو حالة‪ ،‬هذا ما اكتشفته من خالل‬ ‫طريق المراوحة‪ ،‬ويتركون كتابة الشعر‬
‫تجربتي مع الشعر‪ ،‬ولقد قلت في حفلة‬ ‫نهائيا‪ ،‬وفي عصر الرواية ثمة منهم من‬
‫توقيع ديواني وتبرأت من تهمة الشعر‬ ‫يستاء بالفعل إلى االشارة أنه بدأ شاعرا‪،‬‬
‫الذي يجري في دم الشعراء منذ والدتهم‪،‬‬ ‫كأنه يطمح لنسف تاريخ مخز‪ ،‬هل بات‬
‫أنا لم أولد شاعرة والشعر ال يجري في‬ ‫الشعر خزيا؟ لن أخــوض هذه المسألة‬
‫دمي‪ ،‬ولكني مرضت بالحب وأظنني أثناء‬ ‫اآلن‪ ،‬ولكن أعود لك إلى بداياتي‪ ،‬لم أبدأ‬
‫حمّته هذيت بالكثير من الشعر!‬ ‫شاعرة وال خطر لي في يوم كتابته‪ ،‬قد‬
‫أع ّد من القالئل الذين انتقلوا من السرد ¦كـ ـي ــف جـ ـ ـ ــاءت تـ ـج ــرب ــة كـ ـت ــاب ــة ديـ ــوانـ ــك‬
‫األول والـصــادر أخـيــرً ا عــن دار العين في‬ ‫إلى الشعر‪ ،‬حتى قراءاتي في الشعر كانت‬
‫القاهرة ويحمل عنوان «حديقة مصابة‬ ‫محدودة جدًا لو قارنتها بالسرد‪ ،‬بدا لي‬
‫باأللزهايمر» ؟‬ ‫األمر أصعب مما يمكن تخيله‪ ،‬وكان لقب‬
‫الشاعرة عندي وال يزال موضع مخاوف ‪ρ ρ‬هــذا الــديــوان كــان يحمل عــنــوا ًنــا آخر‬
‫هــو «الــتــي كتبت كثيرًا لتحبّها»‪ ،‬ألنني‬ ‫ال تــحــصــى‪ ،‬وش ــرف مــن الــصــعــب ج ـدًا‬
‫استخرجت أغلب قصائده من مكان قصي‬ ‫نوله‪ ،‬لذلك ال أطــرح نفسي حتى اليوم‬
‫جدًا في قلبي‪ ،‬ولم أكن ألكتب كلمة لو لم‬ ‫في الساحة األدبية كشاعرة وأظنني لن‬
‫أكــن واقعة تحت وطــأة إحساس ضخم‬ ‫أطرحها على اإلطالق‪.‬‬
‫هو الحب‪ ،‬وكل المشاعر المنجرة عنه‬ ‫مــحــاوالتــي األولــــى فــي الــكــتــابــة كانت‬
‫من اشتياق وحزن وفرح وخيبة وخذالن‬ ‫عــن طــريــق الــســرد‪ ،‬القصة القصيرة‪،‬‬
‫ا يحب‬
‫و‪ ..‬و‪ ..‬قبل أعــوام أحببت رج ـ ً‬ ‫وحتى مشاركاتي في المحافل الثقافية‬
‫الشعر كثيرًا‪ ،‬ولمست أنه يقدر الشعراء‬ ‫التونسية كانت عن طريق كتابة القصة‪،‬‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪86‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫صــحــيــح أن لــكــل جــنــس خــصــوصــيــاتــه‬ ‫خاصا‪ ،‬كأنه يراهم‬


‫ً‬ ‫والشاعرات تقديرًا‬
‫ومالمحه الواجب التقيد بها واحترامها‪،‬‬ ‫كائنات غير بشرية ربما مالئكية حتى‪،‬‬
‫ولكن ذلك ال يــؤدي إلى استحالة عبور‬ ‫في ذلك الوقت قررت أنني سأكتب الشعر‬
‫الكاتب من جنس أدبي إلى آخر‪ ،‬بالنسبة‬ ‫ال ووجهت كل‬
‫ليُحبّني‪ ،‬وركزت في ذلك فع ً‬
‫لي الجنس األدبي تفرضه الحالة‪ ،‬حالة‬ ‫حواسي ووقتي ومجهودي وقدراتي في‬
‫الكاتب وليس لقبه‪ :‬شاعر‪ ،‬قاص‪ ،‬روائي!‬ ‫كتابة الشعر‪ ،‬اشتريت دواوين ال تحصى‬
‫وقررت أنني أمتلك األداة الالزمة وهي ¦هــل تعتقدين فــي أهمية الفيسبوك في‬
‫حياة الكتابة لدى الشاعر ؟‬ ‫اللغة بوصفي كاتبة‪ ،‬وأمتلك إحساسً ا‬
‫ضخمًا باستطاعته أن يمنحني المقدرة‬
‫‪ρ ρ‬في أحد الحوارات الصحفية قلت جملة‬
‫أراهــا حقيقية ج ـدًا وأث ــارت ردود فعل‬ ‫على كتابة أجمل القصائد‪ ،‬وبــدأت‪ ..‬ال‬
‫متباينة‪ ،‬قلت‪« :‬أنا شاعرة فيسبوكية»‪.‬‬ ‫تخلو المحاوالت األولى من بؤس ورداءة‬
‫بعض الشعراء وغير الشعراء والنقاد‬ ‫ظاهرة ولكن تجربتي بالوقت واإلصرار‬
‫وغيرهم إذا ما رغبوا بالتقليل من شأن‬ ‫تبلورت وتــطــورت‪ ،‬اكتشفت أن بداخلي‬
‫كاتب أو زعزعة ثقته بنفسه أسقط عليه‬ ‫شاعرة كانت تنتظر ي ـدًا لتُخرجها إلى‬
‫هذا اللقب‪« :‬شاعر فيسبوكي»‪ ،‬وبالنسبة‬ ‫السطح‪ ،‬وألنّ الشعر ورطة فقد تورطت‬
‫لــي فإنه مــن الغباء الشديد االعتقاد‬ ‫به‪ ،‬قلت مرة إن ديواني األول هذا سيكون‬
‫أن مثل هــذه الكلمة تسيء ألي كاتب‪،‬‬ ‫األخير حتمًا ولكن يبدو لي ذلــك اآلن‬
‫ولطالما تقبلتها إذا قيلت برحابة صدر‬ ‫مستحيالً‪ ،‬كل هذا الكالم يحيل مباشرة‬
‫وقلتها أنا ألوفر الحرج على من يرغب‬ ‫أيضا بين الشعر والسرد‬
‫إلى أن المسافة ً‬
‫في قولها‪ ،‬فلكل زمن أدواته والطرق التي‬ ‫ليست بالبُعد ال ــذي يتخيله البعض‪،‬‬
‫‪87‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫باستطاعة الكاتب أن يصل من خاللها‬
‫إلى القارئ‪ ،‬وفي زماننا هذا من العبث‬
‫والغرور إنكار دور الفيسبوك وغيره من‬
‫مواقع التواصل في اإلسهام في انتشار‬
‫الكاتب‪ ،‬ووصول اسمه ونصه إلى القارئ‬
‫وبسهولة تامة‪ ،‬هل أفرز هذا استسهاال‬
‫للكتابة األدبية؟ طبعًا‪ ،‬لكل فرد صفحته‬
‫الخاصة‪ ،‬وبإمكانه كتابة ما يشاء بال‬
‫أية قيود أو ضوابط‪ ،‬وهنا الحظنا أن‬
‫األغلبية وفجأة صاروا كتّابًا وباألخص‬
‫شعراء‪ ،‬لست من األشخاص المستائين‬
‫أفضل أن يع ّم الكتّاب ‪-‬‬
‫من هذا بصدق‪ّ ،‬‬
‫مهما تكن رداءة ما يكتبون‪ -‬هذه األرض‬
‫نصوصي‪ ،‬جمهور بعيد جدًا ولكنه قريب‬ ‫وال يعمها المجرمون‪ ،‬نحن نعيش في‬
‫عصر حساس يقع فيه استمالة الشباب‬
‫بنفس الوقت‪ ،‬األجمل من كل شيء أنه‬
‫إلى بؤر العنف والظالمية‪ ،‬لو استطاع‬
‫جعلني أتعرف على تجارب مختلفة‪ ،‬من‬
‫الفيسبوك أن يستميلهم نحو الكتابة‬
‫كل العالم‪ ،‬هذا جعلني مطلعة ومكنني‬ ‫اإلبــداعــيــة فمرحبا بــرداءتــهــم وشــكـرًا‬
‫من تحسين أدواتــي وتطويرها‪ ،‬ثم جعل‬ ‫للفيس‪ ،‬وفي النهاية القارئ الجيد يعرف‬
‫تمامًا كيف يميّز بين الجيد والــرديء‪،‬‬
‫عـ ــددًا كــبــيـرًا مــن األشــخــاص يــقــرؤون‬
‫والزمن غربال جيد لكل مرحلة‪ ،‬لذلك‬
‫لي في كل أنحاء العالم العربي‪ ،‬وحتى‬ ‫ال أرى أي داع لرعب البعض ممن يكتبون‬
‫ال ــدع ــوات لــلــمــشــاركــة فــي مهرجانات‬ ‫في مواقع التواصل‪.‬‬
‫دولــيــة‪ ،‬أو عــروض دور النشر أتــت من‬ ‫أنا من األشخاص المدينين للفيسبوك‪،‬‬
‫خــال أشخاص تعرفوا على نصي في‬ ‫أحيانا أسأل نفسي‪ :‬من أنا قبله؟ كاتبة‬
‫بــالــكــاد تــشــارك فــي بــعــض الملتقيات‬
‫الفيسبوك ولــيــس فــي مــكــان آخ ــر‪ ،‬أنا‬
‫األدبــيــة المحلية وال يكاد أحــد يسمع‬
‫مدينة للفيسبوك أوال وأخيرًا‪ ،‬وشاعرة‬ ‫باسمها أو يعرف عنها شيئًا‪ ،‬الفيسبوك‬
‫أيضا‪.‬‬
‫فيسبوكية بكل فخر ً‬ ‫خــلــق ل ــي جــمــهــورًا يــقــرأ ل ــي وينتظر‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪88‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫المخرجة السعودية هناء العمير‪:‬‬


‫هناك حراك فني مبهج واهتمام حكومي رسمي واضح وملموس بالفنون والسينما‬
‫وأنا متفائلة جدا بالمستقبل‬
‫أدين للمخرج كوروساوا ألنه أدخلني في عالم السينما العالمية‬
‫حلم طفولتي هو الكتابة ورواية الحكايات‪ .‬شغفي هو أن أروي وإن كانت الرواية‬
‫تتطلب أن أقف خلف الكاميرا‬
‫لم أفكر في تصوير فيلمي «شكوى» في مكان خارج السعودية‬
‫مهرجان «أفالم السعودية» يحتاج أن ينفتح على التجارب السينمائية الخليجية‬
‫والعربية‪ ،‬وربما الدولية‬
‫نحن نملك أفالم ًا عربية ذات قيمة فنية عالية‪ ،‬ولكننا ال نملك سينما‬

‫هناء عبد اهلل العمير‪ ،‬مخرجة‪ ،‬سيناريست‪ ،‬كاتبة وناقدة سينمائية سعودية‪ ،‬حاصلة‬
‫على بكالوريوس ترجمة عربي‪/‬انجليزي من جامعة الملك سعود‪-‬الرياض‪1992 ،‬م‪ ،‬وعلى‬
‫ماجستير ترجمة عربي‪ /‬انجليزي من جامعة «هيريوت وات» ببريطانيا‪1996 ،‬م‪ ،‬حازت على‬
‫جائزة النخلة الفضية في مسابقة األفــام السعودية فئة السيناريو عن فيلم قصير لم‬
‫ينفذ بعد‪2008 ،‬م‪ ،‬كتبت وأخرجت الفيلم الوثائقي «بعيد ًا عن الكالم» الذي شاركت به في‬
‫‪89‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫مهرجان الخليج السينمائي‪2009 ،‬م‪ ،‬وكتبت وأخرجت الفيلم الروائي القصير «شكوى» الذي‬
‫شارك في مهرجان تيسة لألفالم اآلسيوية واألفريقية ‪2014‬م‪.‬‬
‫حصلت على العديد من الجوائز المهمة‪ ،‬من بينها جائزة النخلة الذهبية في مهرجان‬
‫أفــام السعودية عــن فيلم «شـكــوى» (‪2015‬م)‪ ،‬وجــائــزة أفضل سيناريو مــن مسابقة مركز‬
‫الملك فهد الثقافي لألفالم القصيرة عن فيلم «بسطة» الذي قامت بكتابته مع هند الفهاد‬
‫(‪2016‬م)‪ ،‬اما في مجال التأليف والنقد السينمائي‪ ،‬فقد صدر لها كتاب «ساموراي السينما‬
‫اليابانية أكيرا كوروساوا»‪ ،‬دار مسعى‪2017 ،‬م‪ ،‬ناهيك عن اختيارها كمحكمة في العديد من‬
‫المهرجانات السينمائية‪ ،‬ونشاطها الدءوب في الحراك الثقافي في السعودية‪.‬‬

‫‪ρρ‬حاورها‪ :‬عبدالكرمي قادري‬

‫مارست اإلخراج والكتابة وبذلك تعرفت‬ ‫ ¦فكّ رت كثير ًا في نوع السؤال األول الذي‬
‫بشكل عملي على عملية صناعة الفيلم‪،‬‬ ‫سأطرحه عليك‪ ،‬خصوصا وأن تجربتك‬
‫لكنني أظل أوالً وأخيراً أتبع شغفي‪ .‬وأي‬ ‫رغم عمرها القصير خاصة في السينما‬
‫نقد مهما استند إلى معايير فنية يظل‬ ‫متنوعة وثرية‪ ،‬واستطعت من خاللهاأن‬
‫يحمل شبهة الذاتية‪ ،‬فنحن ال نستطيع‬ ‫تـقــولــي ب ـصــوت مــرتـفــع «أن ــا ه ـنــا»‪ ،‬يعني‬
‫أن نخرج من أنفسنا‪ ..‬والمادة اإلبداعية‬ ‫مرة كاتبة سيناريو‪ ،‬ومرات مخرجة أفالم‬
‫تؤثر فينا مهما ادعينا العكس‪ .‬ولذلك‬ ‫وثائقية وروائية‪ ،‬وأخرى ناقدة سينمائية‪،‬‬
‫فقد نزعت عن نفسي صفة الموضوعية‬ ‫أعتقد بأن آخر ما صدر لك هو كتاب عن‬
‫فــي كــتــابــي عــن ك ــوروس ــاوا وقــلــت منذ‬ ‫المخرج العالمي اكيرا كــوروســاوا‪ ،‬وكلها‬
‫الصفحة األولى أنني أدين لهذا المخرج‬ ‫تجارب تلتقي في خانة السينما‪ ،‬ما الذي‬
‫بالدخول في عالم السينما العالمية‪ ،‬فقد‬ ‫تعنيه لك السينما‪ ،‬وأي العناصر اقرب‬
‫كان فيلمه «أحالم» هو البوابة التي عبرت‬ ‫إليك فيها (كتابة‪ ،‬إخراج‪ ،‬نقد‪)...‬؟‬
‫منها إلى السينما‪ ،‬وبما إنه في فيلمه ذاك‬ ‫‪ρ ρ‬الــكــتــاب الـــذي ص ــدر لــي عــن المخرج‬
‫قد دخل من خالل طالب فنون تشكيلية‬ ‫العالمي‪ ،‬كان كتابة أحببت أن تحمل طابع‬
‫إلــى عــالــم فــان جــوخ (ال ــذي كــان يحبه‬ ‫الذاتية وأن ال تكون ذات شكل نقدي بحت‬
‫ويتمنى أن يصبح فناناً مثله)‪ ،‬فسأدخل‬ ‫كما هو متعارف عليه‪ .‬ألنني باألساس‬
‫عالم كــوروســاوا من فيلمه «راشــومــون»‬ ‫في كتابتي عن السينما أكتب من دافع‬
‫وجعلت بنية الكتاب معتمدة على بنية‬ ‫الشغف‪ .‬صحيح أنني قرأت الكثير من‬
‫مقطع «الغربان» من فيلم «أحالم»‪ .‬فأنا‬ ‫الكتب النقدية حتى أفهم كيفية قــراءة‬
‫في النهاية أشبه بطالبة أمام معلم‪.‬‬ ‫الفيلم السينمائي‪ ،‬إضــافــة إلــى أنني‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪90‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬
‫األيقونة السينمائية إنغمار بريغمان ذكر‬ ‫هــذا فيما يخص الكتاب وعـــذراً على‬
‫أن إخراجه لألفالم هو هواية وأن عمله‬ ‫اإلسهاب‪ ،‬أما فيما يتعلق بأي العناصر‬
‫األس ــاس هــو اإلخ ــراج المسرحي‪ ،‬ومع‬ ‫أقرب إلى نفسي فهي الكتابة بكل تأكيد‪.‬‬
‫ذلــك كــان ملهماً للكثير من المخرجين‬ ‫في داخلي كاتبة ولكني درست الترجمة‬
‫السينمائيين‪ ،‬وال يمكن الــحــديــث عن‬ ‫وحصلت على درجــة الماجستير فيها‬
‫السينما األوربــيــة بشكل عــام والسينما‬ ‫من بريطانيا وأعلم أننا في السعودية‬
‫السويدية بشكل خــاص دون الحديث‬ ‫بحاجة لكل ما من شأنه إثــراء المشهد‬
‫عنه‪ .‬بالنسبة لي السرد البصري أكثر‬ ‫السينمائي‪ ،‬ولذلك ال أتوانى عن القيام‬
‫متعة مــن الــســرد األدبـ ــي ولــذلــك فأنا‬ ‫بأدوار أخرى من أجل هذه الغاية‪ .‬ولذلك‬
‫أكتب السيناريو‪ ،‬كتبت للتلفزيون وكتبت‬ ‫فعندما خطرت لي فكرة توثيق لقاء بين‬
‫للسينما وسأظل أكتب‪ ،‬بالنسبة لي هذا‬ ‫فرقتين يعزفان الموسيقى الفلكلورية‬
‫عملي األســاس‪ ،‬أما اإلخــراج فهو هواية‬ ‫لثقافتين مختلفتين ولم أجد من يمكن‬
‫أحــب أن أمارسها بين آن وآخــر حينما‬ ‫أن ينفذها بالشكل الــذي أحــبــه‪ ،‬قمت‬
‫يناديني مشروع ما وأجــد صدى له في‬ ‫أنا بإخراج هذا الفيلم وهو «بعيداً عن‬
‫قلبي‪.‬‬ ‫الكالم» والذي وثقت فيه لقاء يحدث للمرة‬
‫األولى لفرقة أرجنتينية تعزف التانغو في ¦رغ ــم ع ــدم تــوفــر ال ـف ـض ــاءات الـمـســاعــدة‬
‫على خلق السينما‪ ،‬غير أن أفالم الشباب‬ ‫زيارتها األولى للشرق األوسط مع فرقة‬
‫فرضت نفسها بقوة في السنوات األخيرة‬ ‫من منطقة القصيم في السعودية تعزف‬
‫في السعودية‪ ،‬وظهرت تجارب محترمة‪،‬‬ ‫موسيقى السامري‪ ،‬وقمت بعمل لقاءات‬
‫خصوصا في سينما المرأة‪ ،‬كيف تفسرين‬ ‫مع الموسيقيين من الفرقتين يتكلمون‬
‫هذا األمر؟‬ ‫فيه عــن انطباعاتهم خــال سماعهم‬
‫لموسيقى بعضهم البعض‪.‬‬
‫‪ρ ρ‬أفسره بأن التكنولوجيا كسرت كل الحدود‬
‫سواء من خالل المشاهدة والقراءة التي‬ ‫ ¦ع ـن ــدم ــا ت ـقــول ـيــن ب ــأن ــك ل ــم ت ـج ــدي مــن‬
‫أصبحت ممكنة‪ .‬المشاهدة من خالل‬ ‫يوثق للفرقتين بالشكل الصحيح قمت‬
‫شاشات كبيرة وأجهزة عرض سينمائي‬ ‫ب ــإخ ــراج ال ـف ـي ـلــم‪ ،‬يـعـنــي ق ــدوم ــك لعالم‬
‫والقراءة أيضاً المتخصصة والمتعمقة‪،‬‬ ‫اإلخــراج جاء عن طريق الصدفة‪ ،‬وليس‬
‫إضافة إلى انخفاض كلفة التصوير وكل‬ ‫مع سبق إصرار وترصد؟ أو بعبارة أخرى‬
‫ما يتعلق باإلنتاج السينمائي‪ .‬وكذلك أيضاً‬ ‫عوالم السينما لم تكن أحالم طفولة؟‬
‫من خالل توفير منصات لتبادل الخبرات‬ ‫‪ρ ρ‬حــلــم طــفــولــتــي هـــو الــكــتــابــة وروايـــــة‬
‫والقراءات‪ ،‬وخلقت مجموعات في العالم‬ ‫الحكايات‪ .‬شغفي هو أن أروي وإن كانت‬
‫االفتراضي تحولت فيما بعد ألن تشكل‬ ‫الرواية تتطلب أن أقف خلف الكاميرا‬
‫فرقاً فنية للعمل على إنتاج األفالم‪ .‬فقد‬ ‫ألتــأكــد أن حــكــايــتــي ستصل سأفعل‪.‬‬
‫‪91‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫بــدأت السينما في السعودية من خالل‬
‫منتديات أشهرها كان يسمى «سينماك»‪،‬‬
‫وتحول من كانوا يشاركون في «سينماك»‬
‫إلى صفحات الجرائد المحلية‪ ،‬وبدأوا‬
‫يكتبون عن السينما‪ ..‬وترافق ذلك أيضاً‬
‫ببداية مهرجانات إقليمية كانت تدعم‬
‫السينما الخليجية وأهمها مسابقة «أفالم‬
‫اإلمارات»‪ .‬واآلن أصبح لدينا مهرجانات‬
‫ومسابقات خاصة بالفيلم السعودي‪ ،‬وهو‬
‫تطور آخــر‪ ..‬وكما أرى فنحن ننتقل من‬
‫مرحلة إلى مرحلة أعلى وهو شيء مبشر‬
‫جداً‪.‬‬
‫ ¦ق ـ ـبـ ــل أرب ـ ـ ـ ــع س ـ ـ ـنـ ـ ــوات ق ـ ـلـ ــت فـ ـ ــي أحـ ـ ــدى‬
‫مــداخــاتــك وأقـتـبــس ع ـنــك‪« :‬أعـتـقــد أن‬
‫حلمي وحـلــم كــل سينمائي وسينمائية‪،‬‬
‫وحـلــم كــل مــن يحب السينما‪ ،‬هــو وجــود‬
‫ص ــاالت ع ــرض سينمائية فــي المملكة‪،‬‬
‫وسأظل أحلم بهذا إلى أن يتحقق»‪ ،‬هل‬
‫بدأ هذا الحلم يتحقق؟ وهل هناك بوادر‬
‫من الجهات المعنية لتحقيق هذا الحلم‬
‫وحلم جميع المخرجين وعشاق السينما‬
‫في المملكة؟ وما هو تصورك للمستقبل‬
‫في هذا الخصوص؟‬
‫‪ρ ρ‬نــعــم‪ ،‬هــنــاك تــصــريــحــات رســمــيــة بهذا‬
‫الــخــصــوص وآخ ــره ــا مــن رئــيــس هيئة‬
‫الترفيه‪ ،‬وأعتقد أن األمــور متجهة إلى‬
‫افتتاح صاالت سينما قريباً‪ ،‬اآلن هناك‬
‫عــروض ألفــام عالمية في مدينة جدة‬
‫واهتمام حكومي رسمي واضح وملموس‪،‬‬
‫للعائالت وهــو أمــر يبشر بالخير‪ .‬أنا‬
‫وهناك طاقات إبداعية تنتظر الفرصة‬
‫متفائله جداً بالمستقبل‪ ،‬هناك اهتمام‬
‫ألن تبدع‪ .‬كل هذا يجعلني متفائلة‪.‬‬
‫بالفنون بشكل عام وليس السينما فقط‪..‬‬
‫¦ما الذي قدّ مه مهرجان «أفالم السعودية»‪،‬‬ ‫وهذا أمر مهم‪ ،‬وهناك حراك فني مبهج ‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪92‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬
‫ال ـ ـ ـ ــذي ي ـ ـت ـ ـطـ ــور س ـ ـنـ ــة ب ـ ـعـ ــد سـ ـ ـن ـ ــة‪ ،‬لــك ¦أال تعتقدين بأنه حــان الوقت أن يخرج‬
‫مـهــرجــان «أفـ ــام ال ـس ـعــوديــة» بـعــد نجاح‬ ‫وللسينمائيين السعوديين‪ ،‬خاصة وأنك‬
‫ال ـ ـ ـ ــدورات ال ـس ــاب ـق ــة م ــن ال ـم ـح ـل ـيــة إل ــى‬ ‫سبق وحصدت جائزة «النخلة الذهبية»‬
‫الخليجية أو العربية‪ ،‬ولــم ال الــدولـيــة‪،‬‬ ‫في احدى دوراته عن فيلم «شكوى»؟‬
‫من أجل احتكاك أكثر بين السينمائيين‬
‫‪ρ ρ‬الــمــهــرجــان خــلــق فــرصــة لــلــقــاء محبي‬
‫ال ـس ـعــودي ـيــن وغـ ـي ــره ــم‪ ،‬وك ـس ــب خ ـبــرات‬
‫السينما وصــنــاع األفـ ــام والمبدعين‬
‫جديدة؟‬
‫أيــضـاً فــي مــجــاالت فنية أخ ــرى‪ ،‬وهــذا‬
‫أمر حرص عليه صناع المهرجان لخلق ‪ρ ρ‬أتــفــق مــعــك تــمــام ـاً وأعــتــقــد أنــنــا في‬
‫المهرجان القادم نحتاج أن ننفتح على‬ ‫بيئة صحية إلمكانية التعاون الفني‪ .‬عدا‬
‫التجارب السينمائية الخليجية والعربية‪،‬‬ ‫عن النقاشات الفكرية والورش التدريبية‬
‫وربــمــا الدولية كما ذك ــرت‪ .‬وأتمنى أال‬
‫وجعلت المخرجين والمخرجات أكثر‬
‫يقتصر عــرض مثل هــذه التجارب على‬
‫احــتــكــاكـاً بجمهورهم المحلي بعد أن‬
‫المهرجان‪ ،‬أتمنى لو نستطيع أن نعرض‬
‫كانت عروض المهرجانات تقتصر على‬
‫تجارب سينمائية متميزة من السينما‬
‫جماهير خــارج السعودية وهــذا أحياناً‬
‫العالمية بشكل دوري ودائم في عروض‬
‫يــؤ ّثــر ســلــبـاً عــلــى الــمــبــدع‪ .‬ال شــك أن‬
‫خاصة أو عامة‪ .‬كانت لي تجربة ناجحة‬
‫االحتكاك بجماهير مختلفة أمــر مهم‬
‫جداً في هذا المجال‪ ،‬حين كنت مسؤولة‬
‫عن عرض أفالم من السينما العالمية في‬ ‫وأساس‪ ،‬ولكن المبدع بحاجة ألن يستمع‬
‫مركز الملك فهد الثقافي ضمن نشاطات‬ ‫لجمهوره الذي ينتمي لذات الثقافة التي‬
‫مخيم صيفي للفتيات‪ ،‬وكان هناك نقاش‬ ‫خرج منها والتي عبر عنها‪ .‬أعتقد هذه‬
‫مفتوح حول األفالم وكيف يمكن أن نقرأ‬ ‫مسألة مهمة معنوياً ألي مبدع‪.‬‬
‫الفيلم السينمائي ونتذوق جمالياته‪ .‬وقد‬ ‫كما أنه أثبت لجمهور األفالم أن صناع‬
‫علمت فيما بعد أن إحدى الحاضرات‪،‬‬ ‫األفـــــام قــ ـــادرون عــلــى الــتــعــبــيــر بلغة‬
‫قررت بعد هذا المخيم أن تتقدم لمنحة‬ ‫سينمائية تشبههم‪ .‬وهــذا يجعلهم أكثر‬
‫دراسية لدراسة صناعة األفالم‪ ،‬وذهبت‬ ‫ثقة فيهم وإيماناً بهم‪.‬‬
‫للواليات المتحدة لهذا الغرض‪ .‬يؤلمني‬
‫أن الكثير من الشباب المبدع ال يعرف‬
‫عن السينما أكثر من األعمال التجارية‬
‫األمريكية الناجحة‪ .‬لذلك أرجو أن تكون‬
‫هناك عــروض دائــمــة للسينما البديلة‬
‫(السينما الفنية)‪.‬‬
‫ ¦فيلمك شكوى‪ ،‬هو صرخة امرأة في وجه‬
‫‪93‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫الظلم‪ ،‬في وجه التعدد‪ ،‬في وجه القهر‪،‬‬
‫فــي وج ــه مـعــانــاة ال ـمــرأة بشكل ع ــام‪ ،‬هل‬
‫هناك من سمع هذه الصرخة واستجاب‬
‫لـهــا بـعــد ع ــرض الـفـيـلــم وت ـتــوي ـجــه؟ هي‬
‫«شكوى» لمن؟‬
‫‪ρ ρ‬شكوى هو حالة إنسانية أوالً وأخيراً‪ .‬هو‬
‫تعبير عن فتاة تضعها الظروف في وضع‬
‫تكرهه وهو رعاية أبيها المريض الذي‬
‫تربطها به ذكريات سيئة‪ .‬تقف في حيرة‬
‫من أمرها بين ضميرها في مساعدته‬
‫ألنــه عاجز‪ ،‬وفــي مشاعرها المرتبطة‬
‫اإلبداع هو فعل تراكمي‪ ،‬ولذا ال مناص‬ ‫بالماضي‪ .‬هذه هي شكوى بطلة الفيلم‬
‫عــن مشاهدة الكالسيكيات والحقيقة‬ ‫التي تبدو في بداية الفيلم في عملها‬
‫انني أستمتع بها كثيراً‪.‬‬ ‫كشخصية متسلطة وفظة وبين واقعها‬
‫داخــل المنزل الــذي يكشف لنا عالماً ¦ت ــرجـ ـم ــت مـ ــؤخـ ــرا كـ ـت ــاب ــا تـ ـح ــت عـ ـن ــوان‬
‫«سـ ــامـ ــوراي الـسـيـنـمــا ال ـيــابــان ـيــة‪ /‬أك ـيــرا‬ ‫آخر‪ .‬شكوى يتناول الفارق بين ما نراه‬
‫ك ــوروس ــاوا»‪ ،‬مــا ال ــذي دفـعــك إلــى ترجمة‬ ‫من السطح في الخارج وما هو في أكثر‬
‫هذا الكتاب؟‬ ‫عمقاً في الداخل‪.‬‬

‫ ¦أرى بــأنــك مـهـتـمــة ك ـث ـيــرا بـكــاسـيـكـيــات ‪ρ ρ‬الــكــتــاب لــيــس تــرجــمــة بــل هــو تأليف‪،‬‬
‫ترجمت فقط في الكتاب مقابلة دارت‬ ‫الـسـيـنـمــا‪ ،‬كــالـمـخــرج ف ـت ــوري دي سيكا‪،‬‬
‫بين غابرييل غارسيا ماركيز وكوروساوا‬ ‫فرانك كابرا‪ ،‬وغيرهما كثير‪ ،‬هل تعتقدين‬
‫فــي التسعينيات وضعتها كملحق في‬ ‫فعال بأن الجيل الحالي ال يزال بحاجة‬
‫نهاية الكتابة‪ ،‬وذلك ألن المقابلة تكشف‬ ‫إلـ ــى أعـ ـم ــال ه ـ ــؤالء ال ـم ـخــرج ـيــن؟ وهــل‬
‫عن آراء كوروساوا‪ .‬كما أنني في الكتاب‬ ‫العودة لهم ضرورية؟‬
‫أيضاً وجرياً على ما قام به في فيلمه‬ ‫‪ρ ρ‬أعتقد أن الكالسيكيات لم تصبح كذلك‬
‫«أحالم» من تجسيده لشخصية فان جوخ‬ ‫إال ألنــهــا اجــتــازت اخــتــبــار الــزمــن بما‬
‫نفسه‪ ،‬قمت بكتابة مقابلة متخيلة بيني‬ ‫تحمله من معاني تجعلها دائــمـاً قــادرة‬
‫وبينه ضمنت فيها آراء أدلى بها في عدة‬ ‫على إلهامنا‪ .‬أعــمــال شكسبير خالدة‬
‫مقابالت‪ ..‬وذكرت أنها مقابلة متخيلة‪.‬‬ ‫حتى اليوم وسترى بين آن وآخــر أثناء‬
‫أما الدافع‪ ،‬فأوالً كان إشارة إلى مخرج‬ ‫مشاهدتك األف ــام لمحات مــن أفــام‬
‫عظيم ال يعرف الكثير من صناع األفالم‬ ‫كالسيكية تأثر صناعها بتلك األعمال‪.‬‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪94‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬
‫أثر على من يعمل في الفيلم وعلى من‬ ‫السعوديين عــن أفــامــه شيئاً ناهيك‬
‫يشاهده‪ .‬هــذا ما أؤمــن بــه‪ .‬ولذلك لم‬ ‫عــن الــجــمــهــور‪ ،‬كــذلــك فــكــوورســاوا من‬
‫أفكر في تصوير فيلمي «شكوى» في مكان‬ ‫المخرجين الكبار الذين استطاعوا أن‬
‫خــارج السعودية رغــم سهولته خارجها‬ ‫يجمعوا بين النجاح الجماهيري والفني‪،‬‬
‫وصعوبته فيها‪ .‬عندما كتبت نص فيلم‬ ‫وهــو أمــر صعب ج ــداً وقــد ابتكر عدة‬
‫«هدف» كنت أفكر في طفلة من الرياض‪،‬‬ ‫أساليب خرج بها عن الطريقة المعتادة‬
‫وعندما طلبت المخرجة الزميلة هناء‬ ‫في صناعة األفــام في وقته‪ ،‬وقد كان‬
‫الفاسي النص إلخراجه‪ ،‬ثم أبلغتني أنها‬ ‫يكتب ويخرج وهو من يقوم بمونتاج أفالمه‬
‫أيضاً‪ .‬كما أنه سيد السينما اإلنسانية‪،‬‬
‫ستصور الفيلم في مدينة جــدة‪ ،‬طلبت‬
‫حيث يقول له الروائي الكولمبي في لقائه‬
‫منها السيناريو لتغييره‪ ،‬فطبيعة العائلة‬
‫معه «نحن نتعلم منك اإلنسانية»‪.‬‬
‫النجدية في الرياض مختلفة عن العائلة‬
‫الحجازية في بعض التفاصيل‪ .‬ولذلك ال‬ ‫ ¦المعروف على كوروساوا أنه نقل الهوية‬
‫بد من مراعاة هذه األمــور‪ ،‬فكما يقول‬ ‫والتقاليد اليابانية فــي أفــامــه‪ ،‬أي انه‬
‫ال ــروائ ــي الكولمبي غــابــريــيــل غارسيا‬ ‫اشتغل على المحلية وهــي الـتــي دفعت‬
‫ماركيز «اإلبداع هو التفاصيل»‪.‬‬ ‫بــه الــى العالمية‪ ،‬هــل يمكن للمخرجة‬
‫السعودية هناء العمير أن تشتغل على‬
‫ال ـت ـف ــاص ـي ــل ال ـص ـغ ـي ــرة‪ ،‬وت ـن ـق ــل ع ـ ــادات ¦ل ـن ـخ ــرج ق ـل ـيــا م ــن ت ـجــرب ـتــك وتـ ـج ــارب‬
‫السينما السعودية‪ ،‬كيف تقيمين واقــع‬ ‫وتقاليد المملكة وتوظفها في أفالمها؟‬
‫السينما العربية اآلن؟ وهــل فعال نحن‬ ‫وهل تجدين هذا ضروريا؟‬
‫نملك «سينما عربية»؟‬
‫‪ρ ρ‬أنا مؤمنة تماماً بأهمية المكان‪ ،‬واعتبره‬
‫شخصية من شخصيات الفيلم‪ .‬ال أحب ‪ρ ρ‬نحن نملك أفالماً عربية ذات قيمة فنية‬
‫عالية‪ ،‬ولكننا ال نملك سينما استطاعت أن‬ ‫األفــام التي يغيب فيها المكان وتبهت‬
‫تفرض نفسها وتفرض رؤيتها وأسلوبها‪.‬‬ ‫تفاصيله‪ .‬كوروساوا كان مهووساً ببناء‬
‫أن تمد السينما العالمية بموجة جديدة‬ ‫مواقع التصوير في أفالمه التاريخية لهذا‬
‫ا أو‬‫كما فعلت األف ــام الــرومــانــيــة مــثـ ً‬ ‫الغرض‪ ،‬وقد ورد في بعض المراجع أنه‬
‫السينما اإليــرانــيــة على سبيل المثال‪.‬‬ ‫غضب غضباً شديداً أثناء تصوير فيلمه‬
‫وذلك له عدة أسباب‪ ،‬أولها عدم الدعم‬ ‫«اللحية الحمراء» ألن الخشب المستخدم‬
‫الحكومي لألعمال السينمائية وهذا اآلن‬ ‫لم يكن المستخدم في تلك الحقبة‪ .‬من‬
‫في طريقه للحل مع وجود صناديق دعم‬ ‫كان سيشاهد في فيلم باألبيض واألسود‬
‫فنية في أكثر من دولة ساهمت في وصول‬ ‫طبيعة الــخــشــب ويــمــيــزهــا إال الممثل‬
‫الفيلم العربي للمهرجانات العالمية‪ ،‬وقد‬ ‫نفسه‪ .‬كان كوروساوا يؤكد أن بناء الموقع‬
‫تتمكن ذات يوم من دعم‪.‬‬ ‫يؤثر في أداء الممثل‪ .‬المكان له حضور‬
‫‪95‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫الشاعر نايف أبو عبيد‬
‫منذ مطلع الخمسينيات من القرن الماضي بدأ الشاعر نايف أبو عبيد في ثانوية إربد‬
‫مسيرته األدبية نثر ًا وشعر ًا وراح ينشر إنتاجه في مجلة «صوت الجيل» وجريدة «الجزيرة»‬
‫ثم استمر في نشر شعره في الجرائد التي كانت تصدر في القدس‪ ،‬وقد أهّ له هذا النشاط‬
‫الثقافي ألن يكون واحد ًا من مؤسسي (رابطة القلم الحر) التي كانت أول رابطة ثقافية في‬
‫األردن‪ ،‬وكان من زمالئه فيها الشاعر المرحوم راضي صدوق وحكم بلعاوي‪ ،‬وعقلة حداد‪،‬‬
‫وسميح الشريف وآخرون‪.‬‬
‫وقــد حمل الشاعر (نــايــف أبــو عبيد) راي ــة التجديد واالص ــاح‪ ،‬باعتباره طريق ًا نحو‬
‫التغيير والتقدم والرقي‪ ،‬وقد كان الشعر خياره األول‪ ،‬متخذ ًا من المفردة الغنائية الرشيقة‬
‫األنيقة أداته الفنية المؤثرة لكتابة نصوص غنائية أداها عدد من المطربين والمطربات‬
‫بأصواتهم‪ ،‬وكانت قصائده في هــذا الباب مرجعية وثائقية للنص الغنائي المكتوب في‬
‫األردن‪ ،‬وما زال حتى اليوم مثل ياقوتة عتيقة ثمينة دائم التألق واأللق واإلبهار‪ ،‬وهو في‬
‫شيخوخته مثله في شبابه‪ ،‬دائم الحيوية‪ ،‬مغمو ٌر باألمل والتفاؤل‪.‬‬
‫ولم يكن األستاذ نايف أبو عبيد شاعر ًا وحسب‪ ،‬بل كان إعالمي ًا محترفاً‪ ،‬فقد رئس القسم‬
‫الثقافي في اإلذاعة األردنية لست سنوات ارتقى خاللها بالبرامج الثقافية إلى مستوى رفيع‬
‫بدعوته الكتّاب واألدباء والشعراء األردنيين والعرب للكتابة لإلذاعة‪ ،‬وبسبب عالقته الطيبة‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪96‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬
‫معهم انهالت على القسم الثقافي األعمال الثقافية فأغنى بها البث الثقافي‪ ،‬فكانت فترته‬
‫فترة ذهبية‪ ،‬وقد استقطب للعمل معه في القسم نفر ًا من المثقفين واألدبــاء والشعراء‬
‫األردنيين‪ ،‬الذين أصبح لهم شأن كبير في عالمي الثقافة واإلعالم‪.‬‬
‫ويحتل المكان في شعر نايف ابو عبيد واقع ًا معاشاً‪ ،‬وذلك بسبب ما يحيط به من رؤية‬
‫ملموسة وخيال متحرك‪ ،‬فض ًال عن البشر‪ ،‬الذين عاشوا فيه‪ ،‬وأعطوه القيمة الرفيعة‪.‬‬
‫وسواء أكان الشاعر أو الكاتب بعيد ًا عن المكان أو قريب ًا منه‪ ،‬فإن ما ينتجه يزخر بالعاطفة‬
‫الصادقة‪ .‬وأبو عبيد واحد من الشعراء الذين مألهم المكان بعاطفة وطنية صادقة‪ ،‬حيث‬
‫احتل مساحة جيدة من شعره الوطني الذي يعكس انفعاالته وإحساساته‪ ،‬والعالقة بين‬
‫الشاعر والمكان عالقة حميمة‪ ،‬وعالقة انسجام لها جذورها الموغلة في نفسه‪.‬‬
‫التقيناه في حوار خاص لمجلة الجوبة وكان هذا اللقاء‪:‬‬
‫‪ρρ‬حاوره‪ :‬نضال القاسم‬

‫هذا مقطع من قصيدة قلتها في األرض‬ ‫ ¦ما هو الهاجس الذي يحرك قلم الشاعر‬
‫تصلح ألن تكون نشيداً تتغنى به الناس كل‬ ‫نايف أبو عبيد؟‬
‫الناس مهما اختلفت أجناسهم وألوانهم‪،‬‬ ‫‪ρ ρ‬الهاجس الذي يحرك قلمي هاجسان هما‬
‫إذ األرض أمهم التي ولدتهم وعزتهم‬ ‫األرض واإلنــســان‪ ،‬وقد أختصر الهدف‬
‫ولوالها لهلكوا‪.‬‬ ‫في عنوان أول ديوان نشر لي عام ‪1960‬م‬
‫«أغنيات لــأرض»‪ ،‬فقد تغنت قصائدي ¦هل لنا أن نعرف كيف تسلل إليك شيطان‬
‫الشعر؟‬ ‫باألرض وحتى يتصرف كما هو اإلنسان‬
‫فتمحورت معظم قصائدي حول األرض‬
‫‪ρ ρ‬تسلل إلــيّ شيطان الشعر عندما كنت‬
‫واإلنسان‪ ،‬وقد دعاني هذا الهاجس إلى‬
‫ال يستمع إلى رواة الشعر والمالحم‬ ‫طف ً‬
‫الكتابة بالمحكية في بعض المراحل؛ ألن‬
‫فــي مــضــافــات الحصن فــي الــمــســاءات‬
‫الغرض من القصائد مخاطبة اإلنسان‬
‫الشتائية‪ .‬فقد رسخت القصائد التي‬
‫الـ ــذي ع ــاش عــلــى األرض وم ــا تنتجه‬
‫كانت تروى وتُ َغنّى على الرباب‪ ،‬فصنعت‬
‫وتعطيه من الزروع والضروع‪.‬‬
‫عندي القدرة على ضبط الوزن واإليقاع‪،‬‬
‫وهــو الــذي يعلق في الــذاكــرة الطفولية‬ ‫(هـ ـ ـ ــذه األرض لـ ـك ــم ي ـ ــا ط ـي ـب ــون‬
‫المبكرة‪ ،‬أما المضامين فسيدرك المرء‬ ‫م ـنــذ ب ــدء ال ـخ ـلــق فـيـهــا تنعمون‬
‫عند نضجه المتأخر‪.‬‬ ‫ف ـ ــاذك ـ ــروا مـ ــا ق ــال ــه ف ـي ـهــا اإلل ـ ــه‪:‬‬
‫(يرث األرض عبادي الصالحون)‪¦ .‬مــا هــي طبيعة ال ـت ـصــور ال ـش ـعــري الــذي‬
‫‪97‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫أظ ـل ـم ــت دنـ ـي ــاه ح ـت ــى ل ــم يـعــد‬ ‫تــم على أســاســه ديــوانــك األول (أغنيات‬
‫ي ـب ـص ــر اآلي ـ ـ ـ ــات ف ـ ــي قـ ـ ــرآنـ ـ ــه!!)‪.‬‬ ‫لــأرض)‪ ،‬وما هي المؤثرات التي شكلّت‬
‫وع ـي ــك وأس ـه ـم ــت ف ــي ت ـكــويــن تـجــربـتــك‬
‫ ¦مــا هــو أث ــر شـعــرك خ ــارج ال ـح ــدود؟ وهــل‬
‫اإلبداعية؟‬
‫ت ـع ـت ـقــد أن ـ ــك ق ـم ــت ب ــواجـ ـب ــك فـ ــي ه ــذا‬
‫المجال؟‬ ‫‪ρ ρ‬يتناول الشاعر مواضيع قصائده من‬
‫البيئة التي يعيش فيها‪ ،‬وقــد ترسّ مت‬
‫‪ρ ρ‬لم أدرس التغذية الراجعة لشعري وراء‬
‫هــذه الخطى عندما كنت أنْــظُ ــم الشعر‬
‫ح ــدود الــوطــن (األردن) حتى أعطيك‬
‫في البواكير عندما صحونا على ضياع‬
‫الجواب الشافي الوافي‪ ،‬وأتمنى أن تصل‬
‫أجمل وأروع بقاع األرض العربية (أرض‬
‫قصائدي إلى من يهمهم األمر‪.‬‬
‫فلسطين)‪ ،‬ورحنا بعد ضياعها نغني لها‬
‫وجدنا المسلوب بالقهر والقوة والحيلة ¦نــايــف أبــو عبيد‪ ،‬بـصــراحــة‪ ،‬هــل أنصفك‬
‫النقد؟‬ ‫والخداع‪.‬‬
‫‪ρ ρ‬بــصــراحــة‪...‬ال لم ينصفني؛ ألن شعري‬
‫(ذك ـ ـ ـ ــرت ف ـل ـس ـط ـي ـن ـنــا واألسـ ـ ــى‬
‫سياسي في أغلبه‪ ،‬والنقاد يبتعدون عن‬
‫يُ ـ ـه ـ ـيـ ــج فـ ـ ــي ال ـ ـن ـ ـفـ ــس تـ ــذكـ ــارهـ ــا‬
‫الشعر السياسي؛ ألنهم يمسكون بالعصا‬
‫من منتصفها دائماً‪.‬‬ ‫فـ ــإن ك ـنــت أخ ــرج ــت م ــن جنة‬
‫ ¦نــايــف أبــو عبيد‪ ،‬مــن وجـهــة نـظــرك‪ ،‬إلى‬
‫فـ ـ ـ ــإنـ ـ ـ ــي أحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدث أخ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــارهـ ـ ـ ــا)‬
‫أي حد عبَّر األدب األردن ــي الحديث عن‬ ‫رحم اهلل ابن حمديس الصقلي الذي قال‬
‫الـ ـت ـح ــوالت ال ـت ــي تـعـيـشـهــا األردن منذ‬ ‫هذا الشعر في صقلية بعد فقد العرب‬
‫االستقالل؟‬ ‫لها‪.‬‬
‫‪ρ ρ‬لم يستطع األدب األردني الولوج إلى داخل‬ ‫ ¦آخــر ديــوان صــدر لكم كــان بعنوان (لظى‬
‫القضايا األردنية بشجاعة وصدق‪ ..‬وهم‬ ‫الـقــوافــي)‪ ،‬مــاذا عنه‪ ،‬ومــا الــذي أردت أن‬
‫أهل األدب يمسون قضايانا مساً خفيفاً‬ ‫تقوله من خالله؟‬
‫لــطــيــفـاً ال يـــؤذي مــشــاعــر مــن يــؤثــرون‬
‫‪ρ ρ‬أمــا ديــوان (لظى القوافي) فهو راصد‬
‫ويتأثرون في المسار والحركة الفكرية‬ ‫ألوضاع األمة العربية في السنوات العشر‬
‫األردنية‪.‬‬
‫األخيرة أو ما سموه بالربيع العربي‪ .‬بدءاً‬
‫بحادفثة من أحرق نفسه قهراً فقلت لمن ¦ال ـتــراث كموضوعة جدلية قــائـمــة‪ ،‬كيف‬
‫تنظر إليه؟‬ ‫الموه وكفروه‪:‬‬

‫‪ ρ ρ‬إن تراثنا لم يدرس دراسة علمية صادقة‪،‬‬ ‫(ال تـ ـ ـل ـ ــوم ـ ــوه ع ـ ـلـ ــى كـ ـف ــران ــه‬
‫وقد استفاد البعض منه وتركه الكثيرون‬ ‫رب ك ـ ـ ـفـ ـ ــر زاد ف ـ ـ ـ ــي إيـ ـ ـم ـ ــان ـ ــه‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪98‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬
‫هما‪ :‬المتنبي في الشعر القديم ومحمود‬ ‫لعدم فهمهم له وتقديرهم ألثره في بناء‬
‫درويش في الشعر الحديث وعندها أرفع‬ ‫اإلنسان‪.‬‬
‫عقال إعجابي بهما‪.‬‬ ‫ ¦هل ما يزال الشعر ديوان العرب وشاغلهم‪،‬‬
‫أم أن الـقـصــة وال ــرواي ــة باعتبارهما فـ ّنـ ًا ¦متى بدأ الوعي بأهمية المكان لديك‪...‬‬
‫وكـيــف تستلهم األمــاكــن الـتــي كـثـيــر ًا ما‬ ‫مديني ًا احتال الساحة األوسع؟‬
‫تحضر في قصائدك؟‬ ‫‪ρ ρ‬يعاني الشعر العربي في هذه األيام من‬
‫نكوص وتراجع لحساب الــروايــة بدليل‬
‫‪ρ ρ‬يُــقــال عــن شــعــري أنــه أطــلــس جغرافي‬
‫أنك ال تستطيع نشر ديوان لك‪ ،‬والرواية‬
‫لألماكن األردنية‪ ،‬وهذا إلى حدٍّ ما قو ٌل‬
‫مرحب بها من قبل الناشرين‪.‬‬
‫صحيح‪ ،‬فقد كتبت عــن أمــاكــن أردنية‬
‫ ¦ما هي حدود العالقة بين األدب والحرية‬
‫كثيرة شعراً بالفصحى والمحلية‪.‬‬
‫من وجهة نظرك؟‬
‫ ¦م ــا ه ــي الـ ــدائـ ــرة األسـ ـ ــاس ف ــي حــركـتــك‬
‫‪ρ ρ‬األدب ابن الحرية الشرعي‪ ،‬وإذا ضاعت‬
‫الشعرية؟‬
‫الحرية انكفأ األدب وتراجع‪...‬أعطني‬
‫حرية وخــذ أدب ـ ـاً‪ ...‬قيودنا التي تقيد ‪ρ ρ‬تتمحور قصائدي حول اإلنسان واألرض‪،‬‬
‫وهذه دائرة الحركة في شعري‪.‬‬ ‫معاصمنا وأقدامنا كثيرة‪ ..‬ولــذا تأخر‬
‫األدب عن معالجة كثير من القضايا التي‬
‫ ¦مــا الــذي قــدّ مــه األردن فــي رأيــك لحركة‬
‫اعتبروها محرمات ال يصح الدنو منها‬
‫الشعر الحديث؟‬
‫أو مسها‪.‬‬
‫‪ρ ρ‬للشعر األردن ــي أثــر متواضع في تطور‬
‫ ¦هل حصلت على جوائز خالل مسيرتك‬
‫المسيرة الشعرية العربية‪ ،‬وفي رأيي أننا‬
‫الطويلة؟‬
‫ال‬
‫قدمنا في الستينيات والسبعينيات عم ً‬
‫‪ρ ρ‬لم أحصل على جوائز من المؤسسات‬
‫شعرياً مؤثراً أكثر من اليوم‪.‬‬
‫الثقافية سوى وسام االستقالل لتفوقي‬
‫الــشــعــري‪ ،‬ولــكــنـ ّنــي مــثـلّــت األردن في ¦في ظل التشرذم الحالي الذي نشهده في‬
‫الوضع العربي واإلسالمي‪ ،‬كيف ترى دور‬ ‫مهرجانات شعرية عربية ودولية‪.‬‬
‫اللغة في إعادة توحيد األمة اإلسالمية؟‬ ‫ ¦كيف تنظر إلــى خريطة الشعر العربي‬
‫اليوم؟ ومن من الشعراء جذب اهتمامك ‪ρ ρ‬إن عنصر التوحيد العربي المعوّل عليه‬
‫هو اللغة العربية‪ ،‬ولذا فإن على أصحاب‬ ‫وش ـع ــرت ع ـبــر أع ـمــالــه بـنـكـهــة الـتـجــديــد‬
‫القرار والفكر أن يهتموا بهذه اللغة‪ ،‬فهي‬ ‫واألصالة والعمق؟‬
‫هوية األمة العربية‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬في مسيرة الشعر العربي توجد ظاهرتان‬
‫‪99‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫صبحي موسى‪:‬‬
‫الشعر هو المعبَ ر األهم لكل من يريد أن يكتب رواية جيدة‬
‫قصيدة النثر هي خالصة الشعر دون تزيد‬
‫قبل أن أكتب الموريسكي األخير قرأت عشرات المراجع من لغات أجنبية ومن العربية‬
‫كل عمل فني فيه طرف من سيرة المبدع الذاتية‬
‫الجوائز تعبر عن فكرة مموليها عن الرواية وليس عن طبيعة الفن الروائي‬

‫شاعر وروائ ــي مصري‪ ،‬صــدر له عــدد من الــدواويــن الشعرية قبل سنوات منها‪« :‬صمت‬
‫الكهنة»‪ ،‬و«قـصــائــد الـغــرف المغلقة»‪ ،‬و«لـهــذا أرح ــل»‪ ،‬ثــم تحول إلــى كتابة الــروايــة‪ ،‬فقدم‬
‫للساحة الـعــربـيــة ع ــدد ًا مــن ال ــرواي ــات مـنـهــا‪« :‬حـمــامــة بـيـضــاء» و«أســاط ـيــر رج ــل الـثــاثــاء»‬
‫و«الموريسكي األخير» وأخيرا «نقطة نظام»‪ .‬وقد حاورته «الجوبة» ليتعرف القارئ العربي‬
‫على أسباب تحوله من كتابة الشعر(قصيدة النثر) إلى الرواية؟ ورأيه في الجوائز األدبية‬
‫وظاهرة األكثر مبيعا‪ ،‬كما نتعرف منه على أسباب لجوئه للتاريخ؛ الستلهامه‪ ..‬وخاصة في‬
‫روايتيه «أساطير رجل الثالثاء» و«الموريسكي األخير» اللتين استلهم فيهما التاريخ‪ ،‬ولماذا‬
‫أعاد طبع روايته األولى «حمامة بيضاء» التي صدرت قبل سنوات‪ ،‬وما عالقة روايته األخيرة‬
‫«نقطة نظام» بالتغيرات االجتماعية التي حدثت في مصر في السنوات الست األخيرة؟‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪100‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬
‫وأخيرا نعرف منه رأيه في كيفية تحقق العالمية للرواية العالمية‪ ،‬ما هي الوسائل التي‬
‫يمكن أن يتخذها الروائيون للعرب لتحقيق العالمية‪ ،‬ثم رأيــه في راهــن الرواية العربية‬
‫بعامة والسعودية بصفة خاصة‪.‬‬

‫‪ρρ‬حاوره‪ :‬هالة موسى‬

‫وغيرها‪ ،‬وهناك من يكتب ويمثل ويخرج‬ ‫ ¦بــدأت حياتك كشاعر‪ ،‬فما الــذي أغــراك‬
‫ويمارس الفن التشكيلي‪ ،‬وهكذا‪ ،‬ففكرة‬ ‫باالنتقال لكتابة الرواية؟ هل هي موضة‬
‫األحــاديــة أو الثنائية الضدية الشهيرة‬ ‫«زمن الرواية» أم هي الجوائز التي تغري‬
‫في الحداثة انتهت‪ ،‬وح ّل محلها التجاور‬ ‫الروائيين بالكتابة؟‬
‫والتعدد كسمة رئيسة لما بعد الحداثة‪،‬‬ ‫‪ρ ρ‬في ظني أن الشعر هو المعبر األساس‬
‫وفي ظني أن هذا هو السبب الرئيس في‬ ‫لكل مــن يــريــد الكتابة الــجــيــدة‪ ،‬ســواء‬
‫انتقالي إلى الرواية مع احتفاظي بمكاني‬ ‫الرواية أو القصة أو المسرح أو النقد‪،‬‬
‫في الشعر‪.‬‬ ‫وهــنــاك كثير مــن الكتاب الكبار الذين‬
‫مروا بمرحلة الشعر‪ ،‬حتى أننا حين نقرأ ¦ما رأيك في قصيدة النثر؟ وما تقييمك‬
‫لواقعها في العالم العربي اآلن؟‬ ‫أسماءهم‪ ..‬نتصور أنه ال يمكن لكاتب‬
‫كبير أن يأتي دون االنطالق من الشعر‪،‬‬
‫‪ρ ρ‬قصيدة النثر لمن يفهمونها حقا بمثابة‬
‫فهناك بــورخــيــس‪ ،‬ســارامــاجــو‪ ،‬جونتر‬
‫الشعر المقطر‪ ،‬بمثابة خالصة الشعر‬
‫جـــراس‪ ،‬هــيــرمــان هــســه‪ ،‬كزنتزاكيس‪،‬‬
‫دون تــزيــد وال رط ــان ــة‪ ،‬لكنها لــمــن ال‬
‫وخوان رولفو‪ ،‬كاواباتا‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬والسؤال‬
‫يفهمونمها مجرد تسويد مزيد من الورق‪،‬‬
‫اآلن‪ ،‬هل تحول هؤالء وغيرهم إلى الرواية‬
‫ومــن ثم فهي قليلة ون ــادرة‪ ،‬وشعراؤها‬
‫ألنها كانت موضة‪ ..‬أم ألن الجوائز تغري‬
‫غالباً يقدمون طرحهم من خالل ديوان‬
‫الكثيرين؟ أعتقد أن السرد في حد ذاته‬
‫أو اثنين‪ ،‬وما بعده هو مجرد تنويعات أو‬
‫نداهة كبيرة‪ ،‬وغواية ال حدود لها‪ ،‬وأعتقد‬
‫محاولة استعادة للصدى‪ ،‬لذا ال يجب أن‬
‫أن قصيدة النثر بما تقوم عليه من تفجير‬
‫ننتظر من قصيدة النثر ما كنا ننتظره‬
‫إلمكانات وقــدرات السرد لدى الشاعر‪،‬‬
‫من نظام القصيدة العمودية أو التفعيلية‪،‬‬
‫ساعدت الكثيرين من أبناء جيلي على‬
‫وعــمــوم ـاً ه ــذا الــنــص فــتــح الــبــاب على‬
‫كتابة الرواية‪ ،‬فقد أصبحت الحدود بين‬
‫مصراعيه لكل مــن لديه شعر حقيقي‬
‫السردين متقاربة‪ ،‬والمسافات متداخلة‪،‬‬
‫ليقوله‪ ،‬وفتحه أيضا على االنتقال إلى‬
‫أعتقد أيضاً أن التيمة الرئيسة لما بعد‬
‫مختلف الفنون األخرى كالرواية والمقال‬
‫الحداثة هي التعدد والتجاور‪ ،‬ومن ثم‬
‫والمسرح والسيناريو‪.‬‬ ‫نجد من يكتب الشعر والرواية والمقال‬
‫وقد شهد العالم العربي طفرة بعالقته‬ ‫والصحافة وربما المسرح والسيناريو‬
‫‪101‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫تاريخه‪ ،‬وبمجرد وقــوع أي حادثة فقد‬ ‫مع هذا النص منذ مطلع التسعينيات‪،‬‬
‫أصبحت جزءاً من التاريخ‪.‬‬ ‫فقصيدة النثر لها ثالث مراحل‪ ،‬األولى‬
‫أما كيف يتعامل الكاتب مع هذا التاريخ‬ ‫بـ ــدأت مــع قــصــيــدة الــعــامــيــة وقــصــيــدة‬
‫فهو أمر آخر‪ ،‬فالكاتب ال يمكنه أن يغير‬ ‫التفعيلة فيما بين الحربين العالميتين‪،‬‬
‫من وقائع التاريخ المستقر المعلوم‪ ،‬ال‬ ‫والثانية كانت في مطلع الستينيات مع‬
‫يمكنه أن يخالف المراجع والمصادر‬ ‫مجلة شعر البيروتية التي كانت بمثابة‬
‫الــمــعــتــمــدة‪ ،‬لكنه يمكنه أن ينسج ما‬ ‫الــمــنــبــر األس ـ ــاس ألب ــن ــاء هـــذا الــنــص‪،‬‬
‫سكت عنه المؤرخون‪ ،‬وأن يكتب ما لم‬ ‫والمرحلة الثالثة كانت في التسعينيات‬
‫يلتفتوا إليه‪ ،‬حيث تصورات الشخوص‬ ‫مع انتشار الحواسب اآللية وظهور ثورة‬
‫عن العالم‪ ،‬وموقفهم ممن معهم وممن‬ ‫االتصاالت والستااليت‪ ،‬وهو ما ساعد‬
‫ضدهم‪ ،‬وحيث األجواء النفسية والفكرية‬ ‫على انتشار هــذا النص‪ ،‬وضــرب فكرة‬
‫التي عاشوها قبل أن يقوم بالحدث‪ ،‬فثمة‬ ‫ُطر دون اآلخر‪،‬‬ ‫مركزيته أو حصره على ق ٍ‬
‫ممرات كبرى أغفلها المؤرخون‪ ،‬ألنها‬ ‫وجــعــل كــل روافـــد الشعر تــذهــب إليه‪،‬‬
‫ليست من عملهم‪ ،‬وهي مهمة الروائي‪،‬‬ ‫فصار التيار األكثر انتشاراً وقــوة‪ ،‬لكن‬
‫هــي عمله األصــيــل‪ ،‬وهــي فــي مجملها‬ ‫يجب أال نتعامل معها بأليات ومفاهيم‬
‫ممرات إنسانية بحتة يقوم الروائي على‬ ‫التفعيلة والــعــمــودي‪ ،‬ال يجب أن نتوقع‬
‫إبداعها بخياله وفقا لشرطيات اللحظة‬ ‫من خطيب المنبر في المسجد أن يتمثل‬
‫القديمة‪ ،‬وهو ما يستدعي منه مجهودًا‬ ‫بأحد سطورها‪ ،‬هناك فوارق كبرى في‬
‫كبيرًا في المعرفة والخيال‪ ،‬ومهارة أكبر‬ ‫المجاز واالستعارة‪ ،‬هناك طفرات حدثت‬
‫فــي التعامل مــع الــمــصــادر والــمــراجــع‪،‬‬ ‫لكنها في نقيض البالغة والمجاز التي‬
‫وصياغة كــل ذلــك فــي إطــار ســردي له‬ ‫يعتمد عليها شيوخ المنابر‪.‬‬
‫دراميته وأزمنته المتقاطعة‪ ،‬وانفعاالته‬ ‫ ¦مـ ــا م ـ ــدى م ـش ــروع ـي ــة اعـ ـتـ ـم ــاد الـ ــروائـ ــي‬
‫الــمــتــواتــرة‪ .‬الكتابة التاريخية ليست‬ ‫عـلــى ال ـتــاريــخ؟ مــا م ــدى اع ـت ـمــادك على‬
‫بالسهولة التي يتصورها البعض‪ ،‬وليست‬ ‫التاريخ في روايتك األولى «أساطير رجل‬
‫بالصعوبة التي قد يتكلم عنها البعض‪،‬‬ ‫ال ـثــاثــاء»‪ .‬مــا الـخـطــاب الـثـقــافــي الــذي‬
‫لكنها نوع من العمل الجاد‪ ،‬وكل حسب‬ ‫أردت أن تمرره من خالل هذه الرواية؟‬
‫موهبته وقدراته‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬الروائي يعتمد طيلة الوقت على التاريخ‪،‬‬
‫مشروع نجيب محفوظ في مجمله هو ¦في روايـتــك «الموريسكي األخـيــر»‪..‬عــام‬
‫اع ـت ـمــدت ف ــي رص ــد م ــأس ــاة حــدثــت قبل‬ ‫مشروع تاريخي‪ ،‬مشروع عبد الرحمن‬
‫مئات السنين فــي األنــدلــس؟ وهــل قمت‬ ‫منيف وإبراهيم الكوني والطاهر وطار‬
‫بربط هذه األحــداث بالحاضر؟ هل ثمة‬ ‫وغيرهم‪ ،‬كلها مشاريع تاريخية‪ ،‬والروائي‬
‫إسقاطات على الحاضر؟ أقصد ما هي‬ ‫ال يمكنه أن ينفصم عن واقعه‪ ،‬وال عن‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪102‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫اعتمدت أيضاً على الذهاب إلى المغرب‪،‬‬ ‫المصادر التي اعتمدت عليها في كتابة‬
‫ليس حيث األماكن التي نزل وأقام فيها‬ ‫أحداث موغلة في التاريخ؟‬
‫الموريسكيون قديماً‪ ،‬ولكن أيضا حيث‬ ‫‪ρ ρ‬عــشــرات الــمــراجــع التي قــرأتــهــا‪ ،‬ســواء‬
‫يقيم بقايا الموريسكيين اآلن‪ ،‬كان البد‬ ‫مــن مــصــادر عــربــيــة‪ ،‬أو مــتــرجــمــة من‬
‫أن أتطلع إلــى الوجوه مثلما أتطلع إلى‬ ‫مــصــادر أسبانية‪ ،‬وقــارنــت بين وجهتي‬
‫األم ــاك ــن‪ ،‬وأنــظــر فــي الــعــيــون وأع ــرف‬ ‫النظر االسبانية والعربية‪ ،‬كما قــرأت‬
‫طريقة التفكير ومدى الخوف أو االنفتاح‬ ‫أعماالً مترجمة عن اإلنجليزية لمؤرخين‬
‫على اآلخــر‪ ،‬كــان البــد أن أدرك مالمح‬ ‫ليسو مــن الــجــانــبــيــن‪ ،‬رأيـــت أن وجهة‬
‫بطلي «مراد الموريسكي» أو الموريسكي‬ ‫النظر العربية حــاولــت الــصــراخ بقدر‬
‫األخير‪ ،‬تلك المالمح النفسية والفكرية‬ ‫اإلمكان‪ ،‬وربما ربطت بينها وبين مأساة‬
‫كــي استطيع تجسيده كــنــمــوذج يمكنه‬ ‫الفلسطينين‪ ،‬بينما قــدمــت الــمــراجــع‬
‫أن يحمل مختلف األفكار والتناقضات‬ ‫األسبانية األمــر على أنــه فعل تاريخي‬
‫التاريخية الكبرى على كاهله‪ ،‬وأن أربط‬ ‫عـــادي‪ ،‬ومــن ثــم وصــلــت إلــى أن هناك‬
‫كل هــذا بما يجري في بــادي في تلك‬ ‫أجــواء تاريخية كبرى حتمت حــدوث ما‬
‫اللحظة‪ ،‬حيث فكرة استعادة قيام الدولة‬ ‫ح ــدث‪ ،‬لكنه بمثابة الخطيئة الكبرى‬
‫على أساس ديني‪ ،‬كما قامت دولة األسبان‬ ‫التي يجب االعــتــذار عنها‪ ،‬ومنح بقايا‬
‫على أســاس ديني‪ ،‬فكانت الكارثة جالء‬ ‫الموريسكيين حق العودة إلــى بالدهم‪،‬‬
‫الموريسكيين‪ ،‬وهــو ما حــذرت منه في‬ ‫خاصة وأن أسبانيا منحت الموريسكيين‬
‫روايــتــي‪ ،‬فقيام دولــة على أســاس ديني‬ ‫اليهود هذا الحق‪ ،‬فلم ال يفعلون ذلك مع‬
‫سيضر باآلخر‪ ،‬وربما ينتهي إلى طرده‬ ‫الموريسكيين المسلمين‪.‬‬
‫‪103‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫راعيها يقدم للناس النماذج التي يريدها‪،‬‬ ‫من بــاده‪ ،‬وأعتقد أن هذا النفق مازال‬
‫ألنها تعبر عن فكرته هو وليس عن طبيعة‬ ‫قائماً‪ ،‬بدليل تهجير األقباط من شمال‬
‫األدب أو أهميته‪ ،‬ولعل السؤال هو كيف‬ ‫سيناء تحت وطأة إرهاب المتشددين لهم‪.‬‬
‫سيحقق الممول أو الراعي سياسته أو‬
‫ ¦م ــاذا تـمـثــل ال ـجــوائــز بــالـنـسـبــة لصبحي‬
‫فكرته هذه‪ ،‬بالطبع لن يقدم الئحة وال‬
‫موسى؟‬
‫شروطاً معلنة لطبيعة األعمال التي يجب‬
‫أن تفوز‪ ،‬ولكنه سيختار لجنة التحكيم‪،‬‬ ‫‪ρ ρ‬الجوائز تمثل لي حصة من المال وحصة‬
‫وهناك تجيء مقولة‪ :‬إذا أردت لقطار‬ ‫مــن الــشــهــرة وإع ــان جيد عما كتبته‪،‬‬
‫أن يسير بسرعة (‪)40‬كم فاختر له ديزل‬ ‫وأحلم أن يلتفت إليه الجميع‪.‬‬
‫يسير بهذه السرعة (‪)40‬كم‪ ،‬وإذا أردت‬ ‫ ¦هل ثمة معايير فنية تحكم الجوائز في‬
‫له أن يسير بسرعة (‪ )400‬كم فاختر له‬ ‫العالم العربي؟ ما رأيك في جوائز البوكر‬
‫ديــزل يسير بسرعة (‪ )400‬كــم‪ .‬ولجان‬ ‫وكتارا وغيرها من الجوائز العربية؟‬
‫التحكيم هي الديزل في كل لجنة‪ ،‬فقولي‬
‫‪ρ ρ‬بالطبع ثمة معايير تحكم أي جائزة‪،‬‬
‫لي كيف تختارين لجان تحكيمك أقول لك‬
‫لكن هل هــذه المعايير معلنة‪ ،‬وهــل لو‬
‫ماذا تريدين من هذه الجائزة؟‬
‫أعلنت سنصدقها؟ أعتقد أن كل صانع‬
‫لجائزة يعرف أهدافه منها‪ ،‬ومن يدفع ¦هـ ـن ــاك م ـق ــول ــة إن الـ ـك ــات ــب الـ ـع ــرب ــي ال‬
‫يستطيع أن يكتب سيرته الذاتية بشكل‬ ‫لزمار بحسب المثل اإلنجليزي يسمع ما‬
‫ص ــري ــح‪ ،‬لـكـنــه ي ـســرب بـعـضــا م ــن سيرته‬ ‫يريد‪ ،‬ومن ثم فصانع الجائزة وممولها أو‬
‫الــذات ـيــة ف ــي رواي ــات ــه‪ ،‬فـهــل روايـ ــة نقطة‬
‫بعض من سيرتك الذاتية؟‬ ‫نظام فيها ٌ‬
‫‪ρ ρ‬كل عمل فني فيه جزء من سيرة صاحبه‪،‬‬
‫ألن المؤلف يستقي أفكاره من واقعه‪ ،‬قد‬
‫يطورها أو يناقضها لكن الواقع موجود‪،‬‬
‫والواقع جزء من سيرة المرء وليس كيانا‬
‫متخيالً‪ ،‬أما فيما يخص «نقطة نظام»‬
‫ففيها الكثير من واقعي وسيرتي الذاتية‪،‬‬
‫لكن كيف تعاملت مع هذا الواقع وتلك‬
‫السيرة؟ لقد دمجت الخيال بالواقع‪،‬‬
‫حتى ان القارئ يختلط عليه أيهما حدثٌ‬
‫واقعي وأيهما متخيل‪ ،‬فأن نختار الحدث‬
‫الواقعي ونفنتزه (نجعله فنتازياً) فإنه‬
‫يصبح مثل لوحة رائعة‪ ،‬لوحة نبعت من‬
‫الــواقــع‪ ،‬لكنها أصبحت محملة بالكثير‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪104‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬
‫من الدالالت واإلشارات‪ ،‬ومن ثم فمهمة‬
‫الكاتب هي تجريد الواقع وتحويله إلى‬
‫مثال يتفق مع كل زمان ومكان‪ ،‬فتمتزج‬
‫السيرة بالتاريخي والواقعي والمتخيل‪،‬‬
‫ويصبح لدينا عمل فني باألساس‪ ،‬ويكفي‬
‫أن أق ــول أن «نقطة نــظــام» هــي روايــة‬
‫عن أهــل قريتي‪ ،‬لكن أهــل قريتي التي‬
‫سعيت لجعلها قرية تشبه في جمالها‬
‫وأسطوريتها قرية ماكوندو في مائة عام‬
‫من العزلة‪.‬‬
‫ ¦أع ــدت طباعة روايــة»حـمــامــة بـيـضــاء» ما‬
‫الذي أردت أن تكشفه في هذه الرواية؟‬
‫‪ρ ρ‬حــمــامــة بــيــضــاء هــي روايـ ــة عــن عالقة‬
‫المثقف بالسلطة‪ ،‬كتبتها في عام ‪2004‬م‬
‫نهاية التسعينيات على أشده‪ ،‬بداية من‬ ‫ونشرت عام ‪2005‬م‪ ،‬وحين قامت ثورة‬
‫الكتابة الواقعية‪ ،‬مروراً بالكتابة الفنتازية‬ ‫يــنــايــر‪ ..‬وج ــدت أنــه مــن الــضــروري أن‬
‫والساخرة وأدب الرعب وأدب الخيال‬ ‫نعيد من جديد ترسيم حــدود العالقة‬
‫العلمي‪ ،‬وصــوالً إلــى الــروايــة الفلسفية‬ ‫بين المثقف والسلطة‪ ،‬ومن ثم كان من‬
‫والتاريخية وغــيــرهــا‪ .‬وص ــارت الكتابة‬ ‫الضروي إعــادة نشرها‪ ،‬وتذكير الناس‬
‫لدينا احــتــراف ـاً ولــيــس هــوايــة‪ ،‬وصرنا‬ ‫بذلك الدور التواطؤئ غير المقبول في‬
‫غرضا للمتابعة والترجمة أكثر عشرات‬ ‫زمن مبارك من قبل المثقف‪ ،‬هذا الدور‬
‫الــمــرات عن األزمــنــة السابقة‪ ،‬فالعالم‬ ‫الــذي يجب إلغاؤه ونحن نضع دستوراً‬
‫العربي لديه غنى مذهل فــي األسماء‬ ‫جديداً للبالد‪ ،‬بكل ما تعنيه كلمة دستور‬
‫واألعمال‪ ،‬مشكلته تكمن في فساد النخب‬ ‫من آفاق ورؤى ثقافية واسعة‪.‬‬
‫واالنحياز لما يستحق الوقوف إلى جانبه‪،‬‬ ‫ ¦ما تقييمك للمشهد الروائي العربي؟‬
‫ورغم ذلك فهو ال يتوقف عن انتاج أعمال‬ ‫‪ρ ρ‬كما يقولون‪ :‬حين يتعطل السياسي فال‬
‫إبداعية وأسماء حقيقية سرعان ما تأخذ‬ ‫بد أن يتقدم الروائي‪ .‬ونحن لدينا أزمة‬
‫طريقها نحو المقدمة‪.‬‬ ‫سياسية كبرى منذ سنوات‪ ،‬أزمة حاولنا‬
‫وفــي ظني أن المشهد الــعــربــي واحــد‬ ‫حلها بالربيع الــعــربــي‪ ..‬لكننا وصلنا‬
‫م ــن أغــنــى الــمــشــاهــد اإلب ــداع ــي ــة في‬ ‫مــن خاللها إلــى نفق مــســدود‪ ،‬ومــن ثم‬
‫الــعــالــم‪ ،‬يكفيه تــعــدده بحسب بلدانه‪،‬‬ ‫فالسياسي الذي عمل أثناء الربيع العربي‬
‫حتى البلدان التي كنا نظن أن العوامل‬ ‫توقف‪ ،‬ومن ثم ايضاً فالروائي يعمل منذ‬
‫‪105‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫ثم فعلى العرب أن ينتجوا حلولهم‪ ،‬وفي‬ ‫الجغرافية تــحــول بينها وبــيــن متابعة‬
‫ظني أننا يمكننا أن نعمل على تفعيل‬ ‫ومواكبة ما يصدر‪ ،‬صــارت بفضل ثورة‬
‫الــمــراكــز الثقافية الــتــي تتماس معنا‪،‬‬ ‫االتصاالت الحديثة في مقدمة البلدان‬
‫ثقافيا وفكريا ووجدانياً‪ ،‬وهذه المراكز‬ ‫األكثر قدرة على المتابعة وعلى النشر‪،‬‬
‫هي أسبانيا واليونان‪ ،‬يمكننا أن نخلق دور‬ ‫ويكفي ما حدث في المشهد السعودي‬
‫نشر مشتركة في هذين المركزين‪ ،‬وبدال‬ ‫ال ــذي لــم نكن نــعــرف منه غير أسماء‬
‫من دعــم المساجد نقوم بدعم التبادل‬ ‫قليلة في مقدمتها عبد الرحمن منيف‪،‬‬
‫الثقافي‪ ،‬يمكننا أن نعبر إلى أوربــا من‬ ‫ثم على فترات متباعدة عبده خال‪ ،‬لكن‬
‫خالل اليونان واألندلس‪ ،‬وليس من خالل‬ ‫المشهد اتسع وتعدد وصرنا نقرأ ليحيى‬
‫فرنسا أو إنجلترا‪ .‬أدب أمريكا الالتينية‬ ‫أمقاسم ويوسف المحيميد وعبدالحفيظ‬
‫كله عبر من خــال اسبانيا والبرتغال‪،‬‬ ‫الشمري وعبداهلل التعزي وغيرهم‪ ،‬هذا‬
‫وليس من خالل االنجليزية أو الفرنسية‪،‬‬ ‫المشهد تحتله اآلن أسماء نسائية على‬
‫ه ــؤالء ينظرون إلينا بمنطق التعالي‪،‬‬ ‫نفس القدر من أسماء الرجال‪ ،‬ولديهن‬
‫وفــي أعلى التجليات يدرسوننا بمنطق‬ ‫مغر بالقراءة‪ ،‬في مقدمتهن رجاء‬ ‫إبداع ٍ‬
‫االستشراق وليس األنداد‪ .‬وحينها يمكن‬ ‫عــالــم ومــهــا الــفــيــصــل وحــلــيــمــة مظفر‬
‫للعرب أن يصلوا إلــى مختلف الجوائز‬ ‫وليلى الجهني وأميمة الخميس وبدرية‬
‫العالمية ســواء نوبل أو المان بوكر أو‬ ‫البشر وغيرهن‪ ،‬ويكفي السعي الدائم‬
‫الجونكور الفرنسية‪ ،‬وفقا لصيغة كل‬ ‫للمترجمين على مالحقة كل ما يصدر‬
‫جائزة‪.‬‬ ‫مــن األدب الــســعــودي اآلن‪ ،‬وإن كانت‬
‫الترجمة أيضا لها معاييرها وأغراضها‪¦ .‬كنت تعمل رئيسا لتحرير مجلة الثقافة‬
‫الجديدة المصرية‪ ،‬هل تؤدي الصحافة‬ ‫ ¦ما الذي يمكن أن يحقق للرواية العربية‬
‫الثقافية فــي الـعــالــم الـعــربــي مــا ينتظر‬ ‫عالميتها؟‬
‫منها من حراك ثقافي؟‬ ‫‪ρ ρ‬الــروايــة العربية أو األدب العربي في‬
‫‪ρ ρ‬الصحافة الثقافية تجاهد اآلن وسط‬ ‫مجمله لدية أزمــة حقيقية وهــي اللغة‪،‬‬
‫محيط معاد من التسطيح وعدم المعرفة‪،‬‬ ‫فاللغة العربية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً‬
‫تجاهد وســط بلبلة بــرامــج الــتــوك شو‬ ‫بفكر االسالم‪ ،‬وهي عنوان رئيس عليه‪،‬‬
‫ووسائط التواصل االجتماعي‪ ،‬والشعور‬ ‫والغرب لديه عداء مع اإلسالم‪ ،‬ولن يقبل‬
‫العارم لدى الجميع أنه مفكر وأنه على‬ ‫بظهور اللغة العربية‪ ،‬ومــن ثم فكل من‬
‫صواب‪ ،‬وال أحد يسمع إال لمن يؤكد على‬ ‫يقولون بأن أدونيس سيحصل على نوبل‬
‫صوابه‪ ،‬ومن ثم فكل المجالت الثقافية‬ ‫واهمون‪ ،‬الغرب لم يمنح نوبل للشعر منذ‬
‫في العالم العربي تؤدي دورها ورسالتها‪،‬‬ ‫سنوات‪ ،‬فهل إذا منحها لشاعر سيكون‬
‫لكن العطل في وسائل التوصيل‪ ،‬وهو‬ ‫من األمة العربية وباللغة العربية‪ ،‬أعتقد‬
‫ما يجعل الــدور الثقافي لهذه المجالت‬ ‫أن ذلــك مستحيل‪ ،‬ألن الشعر العربي‬
‫شبه منعدم‪ ،‬ربما المشكلة الحقيقية‬ ‫ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالمسألة اإلسالمية‪،‬‬
‫فــي األنظمة السياسية التي ال ترغب‬ ‫وهو أعلى تجل للثقافة اإلسالمية‪ ،‬ومن‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪106‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬
‫في سماع صــوت المثقف‪ ،‬وال تريد أن‬
‫ترى من يفكر خالفها‪ ،‬من ثم درجت منذ‬
‫عقود طويلة على تهميش المثقف وعزله‬
‫فــي كميونات صــغــيــرة‪ ،‬ليحيى ويموت‬
‫كمن ينادي في مالطة‪ ،‬ال أحد يسمع به‬
‫وال أحد ينتبه إليه‪ ،‬وهذا حال مجالتنا‬
‫الثقافية‪ ،‬تعمل ما عليها وال تحرك في‬
‫الواقع شيئا‪.‬‬
‫ ¦«صـنــاعــة الـنـجــم» واح ــدة مــن المفاهيم‬
‫الـتــي عرفها الـعــالــم‪ ،‬فهل يجيد العالم‬
‫العربي صناعة النجم؟ ومــا دور الناشر‬
‫في دعم المؤلف؟‬
‫‪ρ ρ‬أعتقد أن جــوائــز البوكر وزاي ــد وكتارا‬
‫وغيرها بكل ما تقدمه من عائد مالي‪،‬‬
‫ضدها بــاألســاس‪ ،‬فهذه الكتابات هي‬ ‫وم ــا لــديــهــا مــن مــنــصــات إعـــام تجيد‬
‫التي تجذب الجمهور إلى عالم الثقافة‪،‬‬ ‫صــنــاعــة الــنــجــم‪ ،‬وه ــي أشــبــه مــا يكون‬
‫ببرامج أرب أيدول أو ذافويس وغيرها‪،‬‬
‫تجند طالب الجامعات والمدارس إلى‬
‫مشكلتها الوحيدة أنها من فرط بحثها عن‬
‫عالم القراءة وربما الكتابة‪ ،‬لكنها ليست‬ ‫نجوم جدد ال تحترم النجم الذي تصنعه‪،‬‬
‫كــل األدب‪ ،‬وال ــق ــارئ بــعــد فــتــرة يشعر‬ ‫وســرعــان ما تهيل عليه أكــوام النسيان‬
‫بهشاشتها فننتقل إلــى مراحل أصعب‬ ‫بمجرد خروجه من على مسرحها‪ ،‬وكأنها‬
‫وأعــقــد فــي الـــقـــراءة‪ ،‬والــبــســت سيلر‬ ‫تستعمله للمرة الــواحــدة وتلقي به إلى‬
‫كنوع من الكتابة ليس جديداً‪ ،‬فقد كان‬ ‫مجاهل النسيان‪ ،‬هي تربح من ورائه أكثر‬
‫موجوداً في الستينيات لدى إحسان عبد‬ ‫مما يربح هو‪ ،‬وتستمر ماكينتها في البحث‬
‫عن آخرين لتنجيمهم وقتلهم أيضا‪ ،‬ولنا‬
‫القدوس وغيره‪ ،‬وكــان في السبعينيات‬
‫أن نتخيل أن أيا ممن فازوا بهذه الجوائز‬
‫والــثــمــانــيــنــيــات م ــوج ــوداً مــع مصطفى‬ ‫لم يستطع الظهور من جديد‪ ،‬وربما شعر‬
‫مــحــمــود وأنــيــس مــنــصــور ونـ ــزار قباني‬ ‫أنــه خــرج من التاريخ إلــى األبــد‪ ،‬وربما‬
‫وفاروق جويدة وغيرهم‪ ،‬وفي التسعينيات‬ ‫يعاني بعضهم اآلن الرغبة في العودة إلى‬
‫واأللفينيات مع كتابات أحمد خالد توفيق‬ ‫المشهد‪ ،‬لكن الماكينة الجبارة ال تحبذ‬
‫وأحمد مــراد ورجــاء الصانع وغيرهم‪،‬‬ ‫األسماء المستعملة‪.‬‬
‫وهو أدب له مواصفات خاصة‪ ،‬أبرزها‬ ‫ ¦م ــا رأيـ ـ ــك ف ــي ظ ــاه ــرة ال ـب ـي ـســت سـيـلـلــر‬
‫الحبكة البوليسة واللغة البسيطة وعدم‬ ‫(الكتاب األكثر مبيعاً)؟‬
‫العمق الفكري‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬البيست سيلر هي رزق الناشر‪ ،‬وأنا لست‬
‫‪107‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫أ‪.‬د‪ .‬نايف بن صالح‬
‫المعيقل‬
‫شــاب جوفي طموح‪ ،‬ولــد عــام ‪1375‬هـ ـ في مدينة سكاكا حاضرة الجوف ‪..‬بــدأ مشواره‬
‫العلمي في مدارسها وحصل منها على الثانوية العامة القسم العلمي‪ ،‬انتقل بعدها إلى‬
‫الرياض العاصمة ليواصل دراسته الجامعية في جامعة الملك سعود ‪ ،‬التي حصل منها‬
‫على درجة البكالوريوس في العلوم والتربية تخصص كيمياء ‪-‬كلية التربية عام ‪1399‬هـ‪.‬‬
‫شق حياته العملية معلمًا لمادة الكيمياء في ثانوية‬ ‫سافر إلــى الــواليــات المتحدة األمريكية ونال‬
‫سكاكا ومعهد المعلمين عام ‪1406‬هـ فمحاضرا بقسم‬ ‫درجــة الماجستير في العلوم‪ /‬كيمياء عضوية من‬
‫الكيمياء بكلية المعلمين بالجوف (‪1415-1406‬هـــ)‬ ‫كلية العلوم والهندسة من جامعة «بريجبورت» بوالية‬
‫التي تدرج فيها حتى أصبح عميدا لها للفترة (‪-1420‬‬ ‫كنتكت عام ‪1406‬هـــ‪ ..‬عاد بعدها إلى أرض الوطن‬
‫‪1428‬ه ـــ)‪ ،‬فعميدا لكلية التربية بجامعة الجوف‪،‬‬ ‫لينال درجة الدكتوراه في فلسفة الكيمياء‪ -‬كيمياء‬
‫فمنسقا لكلية الصيدلة إلى أن أصبح وكيال للجامعة‬ ‫عضوية (بوليمرات) من كلية العلوم‪ -‬جامعة الملك‬
‫اعتبارا من ‪1434/6/5‬هـ وأمينا لمجلسها‪..‬‬ ‫سعود بالرياض عام ‪1420‬هـ‪.‬‬

‫مؤلفاته‪:‬‬
‫‪ -1‬كتاب (الغبار العالق والمتساقط على مدينة سكاكا)‪.‬‬
‫‪ -2‬كتاب (مقدمة في مبادئ الكيمياء العامة)‪.‬‬
‫‪ -3‬له العديد من البحوث العلمية في الكيمياء‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪--‬‬ ‫‪Khalid Fandi, Nayef Al-Muaikel and Fouad Al-Momani.‬‬
‫‪"Antimicrobial activities of some thermophiles isolated from Jordan‬‬
‫& ‪hot springs". International Journal of Chemical, Environmental‬‬
‫)‪Biological Sciences. Vol. 2, No. 1, pp. 57-60, (2014‬‬
‫‪--‬‬ ‫‪Nayef S Al-muaikel. "New Synthetic Route to Copoly (Ester-‬‬
‫‪Thioester)s by Direct Polycondensation of Thio-Acids with Diols‬‬
‫‪of Cycloketones Derivatives". Open journal of Organic Polymer‬‬
‫‪Materials. Vol. 6, pp. 76-85, (2016).‬‬
‫‪--‬‬ ‫‪Nayef S Al-muaikel. "Novel Polycarbonates via Phosgenation‬‬
‫‪of Unsaturated Diols". journal of Research Updates in Polymer‬‬
‫‪science. Vol. 5, pp. (2016).‬‬
‫‪--‬‬ ‫‪Arafa Musa, Nayef S Al-muaikel, and Mohamed S Abdel-bakky.‬‬
‫‪"Phytochemical and Pharmacological Evaluations of Ethanolic‬‬
‫‪Extract of Bassia eriophora". Der Pharma Chemica. Vol. 8, No. 12,‬‬
‫‪pp. 169-178, (2016).‬‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪108‬‬
‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫السخرية في الموروث الشعبي‬


‫‪ρρ‬غادة هيكل*‬

‫الفلكلور الشعبي أو ثقافة الشعب أو الجماعة الشعبية‪ ،‬له طرقه وعقائده‬


‫وعــاداتــه التي تتمسك بها الجماعة الشعبية في مواجهة ما يصادفها من أمور‬
‫حياتية يومية‪ ،‬سواء منها ما هو متعلق بالسلطة‪ ،‬او اإلعالم‪ ،‬أو المنهج اليومي‬
‫العادي للمواطن الذى يسير في الشارع‪ ..‬ويذهب إلى عمله متعلقا بالمواصالت‬
‫العامة التي تؤرقه يوميا‪ ،‬أو بعالقاته االنسانية مع بني جنسه‪ ،‬والمحيطين به‪.‬‬
‫فكما تتفاعل المواد الكيميائية مع بعضها مكونة عنصرً ا جديدً ا يساعد في‬
‫تسيير األم ــور الحياتية‪ ،‬كــذلــك يـكــون التفاعل اإلنـســانــي مــع مــا يحيط بــه من‬
‫مشكالت أو مهمات يراها صعبة‪ ،‬أو مستحيلة‪ ،‬يتفاعل معها لتصير في متناوله‬
‫سهلة‪ ،‬بل تتعدى تناوله لها إلى غيره حتى تصير أمثولةً أو عبر ًة على مر السنوات‪،‬‬
‫أو نكتةً تتناقلها األجيال‪ ،‬بل وتبرهن بها على بعض األشياء التي تستجد مع‬
‫الفاظا تتناسب مع هذا الواقع‪ ،‬ويسهل في نفس الوقت تداولها‬ ‫ً‬ ‫الواقع‪ ،‬مستخدما‬
‫على األلسنة‪ ،‬وتتناغم مع كل طبقات المجتمع في نفس المحيط‪ ،‬بل وقد تتعداه‬
‫إلــى محيطات أخــرى‪ ،‬وهــذا هو مفهوم الثقافة الشعبية‪ .‬فاإلنسان كائن ثقافي‬
‫يحيا ويتفاعل‪ ،‬وينتج في هذا السياق الثقافي‪ ،‬سواء عن معرفة أو جهل به‪.‬‬

‫الــســخــريــة مـــن كـــل شــــيء وأي في حياتهم‪ ،‬ولكنها وسيلة تعبر عن‬
‫شيء‪ ..‬ليست بالضرورة هي السمة مكنون صدورهم في مواقف معينة‬
‫للطبقات الشعبية‪ ،‬فهم أيضا يجدّ ون قد تضر بهم إن هم أظهروها بوجهها‬

‫‪109‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫الحقيقي‪ ،‬فتكون السخرية والمواربة هي الخاص من األمثلة الشعبية المتداولة منذ‬
‫الحيلة الدفاعية الوحيدة التي يتقنون القدم‪ ،‬أو التي تتكون حديثا نتيجة لموقف‬
‫فنونها ضد طبقة مــا‪ ،‬أو سلطة مــا‪ ،‬أو مــا‪ ،‬وهنا ال بُــدّ من اإلشــارة إلــى التطور‬
‫حتى ما نطلق عليهم األن البلطجية في الطبيعي‪ ،‬أو ما يسمى الحداثة التي تأتي‬
‫مع كل جديد أو تغير يحدث في المجتمع‪،‬‬ ‫الثقافة الشعبية‪.‬‬
‫السخرية التي نعنيها هنا هي السخرية نتيجة لشيوع ثقافات أخرى كالتي تأتى مع‬
‫من مضامين األشــيــاء‪ ،‬وليس من قائلها االحتالل‪ ،‬أو التي تأتي مع توافر وسائل‬
‫طبقا لقوله تعالى (ال يسخر قو ٌم من قوم)‪ ،‬االتصاالت‪ ..‬كما يحدث في هذه األلفية‬
‫فلغتنا العربية زاخــرة بمعاني السخرية من التطور التكنولوجي‪ ،‬واجتماع العالم‬
‫فــي وســائــل االتــصــال االجــتــمــاعــي على‬ ‫ال إلى جزءٍ‬
‫المختلفة‪ ،‬والتي ال نتطرق إ ّ‬
‫منها‪ ..‬أال وهو السخرية من واقع أليم‪ ،‬مأدبة واحدة‪ ،‬وبضغطة زِ ٍّر واحدة‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ..‬فإن لكل مجتمع خصائصه‬ ‫واقع مقبول‪ ،‬أو الحيلولة دون‬
‫لتحويله إلى ٍ‬
‫التي يحاول المحافظة عليها‪ ،‬وال يقوم‬ ‫الوقوع في مضرة من هذا الواقع‪.‬‬
‫وقـــد تــنــاولــت الـــدرامـــا التلفزيونية بهذه المهمة سوى هذه الطبقة الشعبية‬
‫والسينمائية هذا الموروث بشكل كبير‪ ،‬التي تتأخر دائما في متابعة التطور العلمي‬
‫وعبرت عنه‪ ،‬متخذة من األمثال الشعبية والتكنولوجي‪ ،‬وبذلك تظل فترات طويلة‬
‫موردًا هامًا في تلك اللغة الشعبية العامية تعيش على موروثها اللفظي والحكائي‬
‫المقربة إلى القلوب‪ ،‬لتوصيل معنى‪ ،‬أو الساخر منه والجاد‪.‬‬

‫فما أكثر المبكيات المضحكات التي‬ ‫سرد قضية تمس المجتمع‪ ،‬ومن أهمها‬
‫تلك األف ــام التي أث ــارت الــجــدل كثيرًا يتندر بها الشعب؛ ألنه ال يملك حق الغضب‬
‫مثل (حين ميسرة‪ ،‬وودكان شحاتة‪ ،‬وهي والثورة إال في القليل النادر‪ ،‬وبدفعة ممن‬
‫فوضى‪ ،‬كلمني شكرًا وغيرها من األفالم نطلق عليهم طبقة المثقفين‪ ..‬او أصحاب‬
‫التي تعالج قضايا المجتمع)‪ ،‬متخذة من القيادة‪ ،‬أو الخطباء المفوّهين‪.‬‬

‫السخرية من الواقع األليم قد تأتي في‬ ‫السخرية من الواقع هدفًا إليصال قضية‬

‫موال‪ ،‬أو في قصيدة شعر‪ ،‬أو في غنوة‪ ،‬أو‬ ‫ما‪.‬‬

‫بينما تعالج الحارة قضاياها بموروثها حكاية‪ ،‬ولعل نوادر جحا تُعد مثاالً للموروث‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪110‬‬
‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬
‫الشعبي الساخر على مر العصور‪ ،‬يليه ســواء منها اجتماعية أو اقتصادية أو‬
‫في ذلــك األمثال الشعبية التي تتناقلها ثقافية‪ ،‬وأصبح لكل قسم كُتابه الساخرون‬
‫األلــســنــة‪ ،‬وتتبعها مصمصة الشفاه أو من تلك المنظومة‪ ،‬ولكن هــذه الحداثة‬
‫حركات الوجه المعبرة عنها‪( ،‬اللي يقولْها لم تغفل الموروث السابق‪ ،‬بل طورته بما‬
‫جوزْها يا عورة‪ ،‬يلعبوا بيها الكورة)‪( ،‬يا يتناسب ووقتها الحالي ومجريات أحداثه‬
‫قالبة سحنتك يا مــزودة محنتك)‪ ..‬و(يا وسرعتها‪.‬‬
‫عاوجه بوزك يا مطفشه جوزك)‪( ،‬ومسكو‬
‫ولــكــن أيــن دور الــدولــة والمؤسسات‬
‫القط مفتاح الــكــرار)‪( ،‬احييني النهاردة‬
‫الثقافية من هذا الموروث الشعبي الذي‬
‫وموتني بكرة)‪( ،‬حداية من الجبل تطرد‬
‫أصحاب الوطن)‪ ..‬امثلة لها عمق وبعد ال يندثر مع األيــام وسرعة األحــداث‪ ،‬بل‬
‫اجتماعي‪ ،‬بل وعمق سياسي‪ ،‬فهي تتطرق هو مناسب لكل وقــت وزمــن في إضفاء‬
‫واع ثقافيًا الشرعية المؤسسية لهذا الموروث الذي‬
‫محلل ٍ‬
‫ٍ‬ ‫لمواضيع عدة تحتاج إلى‬
‫ال يقف فقط عند السخرية‪ ،‬بل يتعداها‬ ‫بهذا الموروث الكبير‪.‬‬
‫إلى فنون كثيرة‪ ..‬منها الموروث الشعبي‬
‫إنها فئة ال تملك أدوات تعينها على‬
‫المواجهة‪ ،‬إنما تهرب إلى السخرية كنوع فــي فــن الــمــوال‪ ،‬وفــن الــغــنــاء والتمثيل‬
‫مــن التعبير‪ ،‬السخرية مــن الــواقــع‪ ،‬من والمسرح واالنشاد الديني وغيرها‪ ..‬كما‬
‫اإلعالم‪ ،‬من الساسة‪ ،‬من الحكومات‪ ،‬ومن اشار لذلك د ‪ /‬صالح الــراوي في كتابه‬
‫فلسفة الــوعــي الشعبي ‪ -‬دراســـات في‬ ‫ذاتها‪.‬‬
‫الثقافة الشعبية‪ ..‬متناوال فيها مدى عمق‬
‫ويلعب اإلع ــام الــمــوازي ‪ -‬الموبايل‬
‫واإلنــتــرنــت لعبة كبيرة جــدا فــي إيصال الــمــوروث الشعبي المسمى الفولكلور‪،‬‬
‫هــذا ال ــم ــوروث‪ ،‬والــتــفــاعــل معه بطريق ومــدى التهاون في تناول هــذا الموروث‬
‫مباشر أو غير مباشر‪ ،‬بل واإلضافة عليه من قبل المحللين أو المهتمين بهذا الفن‬
‫وتحديثه كفنّ الكاريكاتير‪ ،‬أو الفوتوشوب‪ ،‬الشعبي‪ ،‬وخاصة منه ما يتناول السخرية‬
‫او التعبير اللفظي‪ .‬وأصبحت السخرية كمفهوم للخروج من أزمات معينة ال يتمكن‬
‫ملتصقة بشكل كبير بكل مجاالت الحياة‪ ،‬الفرد من مواجهتها‪.‬‬

‫* كاتبة من مصر‪.‬‬

‫‪111‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫لبيد بن ربيعة‪..‬‬
‫المعمر في الجاهلية واإلسالم‪..‬‬
‫‪ρρ‬راكان بصير الرويلي*‬

‫يظن بعض المعمرين‪ ..‬أن الشيخوخة ضعف ووهن وكسل وزهد في الحياة‪ ،‬أو‬
‫هي رحلة طالت أكثر مما ينبغي أو أكثر مما توقعوا لها‪ ،‬أو هي محطة وقفوا على‬
‫رصيفها طويال ينتظرون القطار الذي سيقلهم إلى نهاية المطاف‪ ،‬إال أن القطار‬
‫تأخر أكثر مما يجب‪ ،‬أو لعله وصل وم ّر بهم دون أن يتوقف عندهم ألمر ما‪ ،‬فطال‬
‫االنتظار بهم‪ ،‬ومــع االنتظار الطويل انتابهم الملل‪ ،‬وتمنوا لو أنهم لحقوا به‪،‬‬
‫ليخلصهم مما هم فيه من تداعيات الغربة النفسية‪ ،‬والوحشة المكانية‪ ،‬حيث‬
‫رحل أكثر األصحاب وجل األتراب‪ ،‬ولم يبق لهم إال النكوص إلى النفس واجترار‬
‫مرارة ذكراهم‪.‬‬

‫وانشد «لبيد» بهذا الخصوص بعدما ذه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب ال ـ ـ ـ ـ ــذي ـ ـ ـ ـ ــن أحـ ـ ـبـ ـ ـه ـ ــم‬
‫وب ـ ـ ـق ـ ـ ـيـ ـ ــت ك ـ ــالـ ـ ـسـ ـ ـي ـ ــف فـ ـ ـ ــردا‬ ‫أســن واكــتــهــل‪ ،‬واص ـ ًفــا حالته بــمــرارة‬
‫وضجر‪:‬‬
‫وقــد عبر عن هــذه الحالة خير‬
‫ذهب الذين يعاش في أكنافهم‬
‫تــعــبــيــر أحـ ــد حــكــمــاء ال ــع ــرب في‬
‫خلق كجلد األجرب الجاهلية واإلسالم‪ ،‬أال وهو الشاعر‬
‫وبقيت في ٍ‬
‫ويقول «معد بن يكرب»‪ ،‬بعدما كبر الفيلسوف «زهير بن أبي سلمى»‪،‬‬
‫حين قال‪:‬‬ ‫وطاف به الهرم‪:‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪112‬‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬
‫عندما بلغ السابعة والسبعين من عمره‪:‬‬ ‫سئمت تكاليف الحياة‪ ،‬ومــن يعش‬
‫ث ـمــان ـيــن ح ـ ــوال‪ ،‬ال أبـ ــا ل ــك يـســأم ب ــات ــت ت ـش ـت ـكــي ال ـن ـف ــس مـجـهـشــة‬
‫وق ــد حملتك سـبـعــا بـعــد سبعينا‬ ‫رأيت المنايا خبط عشواء من تصب‬
‫تـمـتــه‪ ،‬وم ــن تـخـطــئ يـعـمــر فيهرم فـ ـ ــإن تـ ـ ـ ــزادي ث ــاث ــا ت ـب ـل ـغــي ام ــا‬
‫وف ـ ـ ــي الـ ـ ـث ـ ــاث وف ـ ـ ـ ــاء ل ـل ـث ـمــان ـيــن‬ ‫ومع ذلك ال يمكن التعميم‪ ،‬فلكل قاعدة‬
‫فعاش حتى بلغ التسعين فقال‪:‬‬ ‫شــواذ‪ ،‬وكــم من المعمرين عاشوا حياتهم‬
‫الطويلة العريضة على خير ما يرام‪ ،‬واألمثلة‬
‫أل ـيــس ف ــي مــائــة ق ــد عــاشـهــا رجــل‬
‫على ذلك أكثر من أن تحصى‪ .‬إال أن موضوع‬
‫ف ـ ــي تـ ـك ــام ــل عـ ـش ــر بـ ـع ــده ــا ع ـمــر‬
‫الفئة األخرى من المعمرين ممن طال بهم‬
‫ثم امتد به السن حتى بلغ مائة وعشر‪،‬‬ ‫األج ــل‪ ،‬حتى بلغوا مــن العمر عتيا‪ ،‬لقي‬
‫اهتماما ملحوظا من قبل الكثير من الكتاب فقال‪:‬‬
‫والرواة والمفكرين القدامى منهم والمحدثين‪ ،‬ولقد سئمت مــن الحياة وطولها‬
‫وسـ ــؤال ه ــذى ال ـنــاس كـيــف لبيد؟‬ ‫فدونوا أخبارهم‪ ،‬وجمعوا شتات أشعارهم‪،‬‬
‫وقد سأل احدهم لبيد مازحا‪:‬‬ ‫وصنفوها في مجلدات ودواوي ــن متعددة‪،‬‬
‫تناولوا فيها جوانب متفرقة من حياتهم‪،‬‬
‫ما بقي منك يا لبيد؟ فرد قائال‪:‬‬
‫التي أثقلها تراكم األعوام‪ ..‬وطول الشهور‪..‬‬
‫«يسبقني من كان بين يدي‪ ،‬ويدركني من‬ ‫وك ّر األيام‪ ،‬فرأوا فيها أجياال تمضي وأخرى‬
‫تنشأ‪ ،‬فأصاب فيها أولئك الشيوخ من حلو كان خلفي‪ ..‬وأنسى الحديث‪ ،‬واذكر القديم‪..‬‬
‫الحياة ومــرهــا ألــوان ـاً شتى‪ .‬ففرحوا بما وأنعس في المال‪ ،‬وأسهر في الخال‪ ..‬وإذا‬
‫حبتهم وجزعوا بما رزتهم‪ ،‬واعتبروا بكل ما قمت قربت األرض مني‪ ،‬وإذا قعدت تباعدت‬
‫عني»‪..‬‬ ‫مر بهم واتعظوا‪ ،‬فقال قائلهم‪:‬‬
‫وانشد‪:‬‬ ‫«ومــا الحياة إال ملل‪ ..‬يصاحبها أمــل‪..‬‬
‫اخ ـبــر أخ ـبــار ال ـق ــرون ال ـتــي مضت‬ ‫يفاجئها أجل‪«..‬‬
‫وأدِ ُّب كـ ــأنـ ــي كـ ـلـ ـم ــا قـ ـم ــت راك ـ ــع‬ ‫األميز (لبيد)‪ ..‬بين أولئك المعمرين من‬
‫وكان «لبيد بن عامر الجعفري»‪ ،‬ويكنى‬ ‫العرب المخضرمين‪ ،‬ممن شهدوا الحقبة‬
‫الجاهلية وأدركوا اإلسالم‪ ،‬لكثرة ما نظم من بأبي «عقيل»‪ ،‬من أهل عالية نجد‪ ،‬ينتمي‬
‫شعر جيد في هذا المجال‪ ،‬ومن ذلك قوله لعشيرة «بني جعفر» وهي من العشائر ذات‬
‫‪113‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫السيادة والشرف‪ ،‬وكان قد ولد في حوالي الوليد بقولها‪:‬‬
‫العام ‪ /70/‬قبل الهجرة‪ ،‬وتوفي سنة ‪ /71/‬إذا ه ـ ـ ـبـ ـ ــت ري ـ ـ ـ ـ ـ ــاح أب ـ ـ ـ ـ ــي ع ـق ـي ــل‬
‫دعـ ـ ـ ـ ْون ـ ـ ــا ع ـ ـنـ ــد هـ ـ ّبـ ـتـ ـه ــا الـ ــول ـ ـيـ ــدا‬ ‫هجرية‪ ،‬وكان شاعرًا مجودًا وفارسً ا شجاعً ا‬
‫شريفًا في قومه سخيا‪ ،‬وقد بلغ من جوده‪،‬‬
‫أصـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ َد ع ـب ـش ـم ـيــا‬
‫ـف ْ‬ ‫أش ـ ـ ــم األن ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫انه نذر أن ال تهب ريح «الصبا» إال نحر الجزر‬
‫أع ـ ـ ـ ـ ـ ــان عـ ـ ـل ـ ــى م ـ ـ ـ ــروءت ـ ـ ـ ــه لـ ـبـ ـي ــدا‬
‫وأطعم الناس من حوله‪ ،‬وكان «المغيرة بن‬
‫وكــان اإلســام قد دخــل قلب لبيد‪ ،‬لما‬ ‫شعبة» إذا هبت الصبا‪ ،‬يناشد أغنياء قومه‬
‫ســارت الركبان بأمر النبي «محمد» صلى‬ ‫بالقول‪:‬‬
‫اهلل عليه وسلم‪ ،‬وأعلن عن دعوته وانتشارها‬
‫«أعينوا أبا عقيل على مروءته»‬
‫فــي أرض الــعــرب ومــا حــولــهــا‪ ،‬فــوفــد إليه‬
‫وفي يوم هبت «الصبا»‪ ،‬و«لبيد» في حالة «لبيد» مع كوكبة من قومه «بني جعفر» وهو‬
‫شديدة من الفقر والعوز‪ ،‬فعلم بذلك «الوليد في المدينة المنورة‪ ،‬فوقع اإليمان في قلبه‬
‫بن أبــي معيط»‪ ،‬وكــان أميرا على الكوفة‪ ،‬واسلم وأحسن إسالمه‪.‬‬
‫ويــقــول الــــرواة إن ــه شــغــل نفسه حينئذ‬ ‫فخطب في الناس قائال‪:‬‬

‫«إنكم عرفتم نذر أبي عقيل‪ ،‬وما وكد في بالقران الكريم تبحرًا وتالوة‪ ،‬لدرجة أنه لم‬
‫ينظم الشعر إال قليال‪.‬‬ ‫نفسه‪ ،‬فأعينوا أخاكم»‪.‬‬
‫ولما سألوا لبيدًا ما أحــدث من الشعر‬ ‫وبعث إليه بمائة ناقة‪ ،‬وحذا حذوه جم ٌع‬
‫مــن الــنــاس‪ ،‬فقضى ن ــذره‪ ،‬وطــابــت نفسه‪ ،‬في اإلسالم‪ ،‬انطلق فكتب سورة البقرة في‬
‫صحيفة‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫وكتب إليه الوليد‪ ،‬قائال‪:‬‬
‫«أبــدلــنــي اهلل ه ــذه فــي اإلسـ ــام مكان‬ ‫أرى ال ـ ـ ـجـ ـ ــزار يـ ـشـ ـح ــذ ش ـف ــرت ـي ــه‬
‫إذا ه ـ ـ ـبـ ـ ــت ري ـ ـ ـ ـ ـ ــاح أب ـ ـ ـ ـ ــي ع ـق ـي ــل الشعر‪ ،‬ومعها «آل عمران»‬
‫ومضى ال ــرواة ينقلون انــه لم ينظم في‬ ‫أغ ـ ـ ـ ــر ال ـ ـ ــوج ـ ـ ــه أب ـ ـ ـيـ ـ ــض ع ـ ــام ـ ــري‬
‫ط ــوي ــل الـ ـب ــاع كــال ـس ـيــف الـصـقـيــل اإلسالم إال بيتا واحدًا‪ ..‬ويختلفون فيه‪ ،‬فمن‬
‫قائل هو قوله‪:‬‬
‫فلما أتــاه الشعر قال البنته أجيبه‪ ،‬لقد‬
‫آليت على نفسي أن ال أقرض الشعر منذ أن م ــا عــابــت ال ـم ــرء الـلـبـيــب كنفسه‬
‫والمرء يصلحه الجليس الصالح‬ ‫شرح اهلل قلبي بنور اإليمان‪ ،‬إال بما يرضي‬
‫ويقال‪ ،‬بل قوله‪:‬‬ ‫ربي سبحانه وتعالى‪ ،‬فردت الفتاة على شعر‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪114‬‬
‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬
‫أســـوق قــصــة لبيد هـــذه‪ ،‬كــأمــثــولــة لما‬
‫ال ـح ـم ــد هلل إذ لـ ــم ي ــأت ـن ــي أج ـلــي‬
‫حـتــى لبست مــن اإلس ــام ســربــاال تحتويه رحلة حياته الطويلة العريضة من‬
‫موعظة وعبرة‪ ،‬تصلح أن تكون بمثابة تذكرة‬
‫ويقال إنه قوله‪:‬‬
‫للعاقل وتوعية للغافل‪ ..‬وكأن الحياة برمتها‬
‫ما هي إال طرفة عين أو هنيهة من نهار أو‬ ‫وك ـ ــل امـ ـ ــرئ ي ــوم ــا س ـي ـع ـلــم سـعـيــه‬
‫إذا كُ شفت عند اإللــه المحاصيد دون ذلك‪ ،‬ومضت لبرهة من زمن‪ ،‬ثم توارت‬
‫جذوتها متوغلة في غسق العدم أو النسيان‪..‬‬ ‫بل قوله‪:‬‬
‫ألم يقل «أبو هالل العسكري» يوما‪ ،‬لما‬ ‫وم ـ ــا ال ـ ـمـ ــال والـ ـبـ ـن ــون إال ودائ ـ ــع‬
‫وال ب ـ ــد يـ ــومـ ــا أن ت ـ ـ ــرد ال ـ ــودائ ـ ــع بلغ مرحلة متقدمة من العمر‪:‬‬
‫وقيل إن السيدة «عائشة» أم المؤمنين‪ ،‬ل ـ ـ ـ ــي خ ـ ـ ـمـ ـ ــس وث ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ــون سـ ـن ــة‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــإذا ق ـ ـ ــدرتـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا كـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ــت سـ ـن ــة‬ ‫رضي اهلل عنها‪ ،‬عندما تناهى لسمعها بيت‬
‫إن ع ـ ـمـ ــر الـ ـ ـ ـم ـ ـ ــرء م ـ ـ ــا ق ـ ـ ــد سـ ــره‬ ‫لبيد الذي يقول فيه‪:‬‬
‫لـ ـي ــس عـ ـم ــر الـ ـ ـم ـ ــرء ك ـ ــر األزم ـ ـنـ ــة‬ ‫ذه ــب ال ــذي ــن ي ـعــاش ف ــي أكـنــافـهــم‬
‫هــذه باختصار حكاية العمر ومراحله‬ ‫وبـقـيــت ف ــي خ ـلــق كـجـلــد األج ــرب‬
‫المختلفة التي عبر عنها الشاعر لبيد نفسه‬ ‫أردفت معلقة‪:‬‬
‫بقوله‪:‬‬
‫كيف لو أدرك زماننا هذا؟؟‪.‬‬
‫ك ــل ابـ ــن آدم وان ط ــال ــت ســامـتــه‬
‫وروى «أبــو هريرة عن النبي صلى اهلل‬
‫ي ــومً ــا‪ ،‬ع ـلــى آل ــة ح ــدب ــاء مـحـمــول‬
‫عليه وسلم‪ ،‬قوله‪:‬‬
‫رحم اهلل لبيد حكيم العرب‪ ،‬وكل المؤمنين‬
‫والمؤمنات من عهد آدم إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫اصدق كلمة قالها شاعر‪ ،‬كلمة لبيد‪:‬‬

‫«أال كل شيء ما خال اهلل باطل»‬


‫المصادر‪:‬‬
‫‪ )1‬الطبقات الكبرى‪ ،‬البن سعد‬ ‫ويذكر إن «لبيد بن ربيعة»‪ ،‬عــاش مائة‬
‫‪ )2‬الشعر والشعراء‪ ،‬ابن قتيبة‬ ‫وأربعين سنة‪ ،‬وقال مالك بن انس‪ :‬مات لبيد‬
‫‪-3‬الكامل‪ ،‬للمبرد‬ ‫وهــو ابــن مائة وسبع وخمسين سنة‪ ،‬واهلل‬
‫‪ -4‬شذرات الذهب‪ ،‬للواقدي‬ ‫أعلم‪.‬‬
‫ * كاتب من السعودية ‪ -‬سكاكا‪.‬‬

‫‪115‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫رواية السهل الممتنع!‬
‫‪ρρ‬صالح القرشي*‬

‫في فيلم «الــريــح ســوف تحملنا» للمخرج اإليــرانــي الكبير عباس كيارستمي‪،‬‬
‫هنالك شخصيات نسمعها تتحدث مع البطل‪ ،‬دون أن تذهب الكاميرا إلى هذه‬
‫الشخصيات مطلقا‪ ،‬نشاهد البطل يتحدث مع صديقه وهو يحلق ذقنه‪،‬صديقه‬
‫فــي الجهة المهملة مــن المشهد‪ ،‬وكــذلــك ن ــراه يتحدث مــع رفيقه فــي السيارة‬
‫دون أن نشاهد هــذا الرفيق‪ ،‬وهكذا تتكرر هــذه المشاهد عــدة مــرات في الفيلم‪،‬‬
‫وعندما سئل عباس كيارستمي عن هذا قال‪( :‬أفالمي تتقدم نحو نوع معين من‬
‫التقشف‪،‬االكتفاء بالحد األدنــى‪ ،‬أما العناصر التي يمكن حذفها وإزالتها فقد‬
‫حذفت وأزيلت‪»..‬‬
‫المخرج كيارستمي استشهد بلوحات المخرج فعليه أن يقرر ما سيحذفه من‬
‫الفنان «رمــبــرانــت» وتوظيفه للضوء‪ ،‬فيلمه»‪ .‬روبير‏بريسون ال يضع أي شيء‬
‫رمبرانت كان يركز االنتباه على بعض دون اســتــخــدام؛ بــل يــذهــب ألبــعــد من‬
‫العناصر ملقيا ضوءا قويا عليها‪ ،‬بينما ذلك‪ ،‬وكثيراً ما يترك ‏الحرية للمشاهد‬
‫يضفي قتامة على عناصر أخــرى‪ ،‬أو لفهم ما يحدث خــارج إطــار الكاميرا‪.‬‬
‫حتى يدفعها نحو الظلمة‪ ،‬وهو أيضا لــذا كثيراً ما نشاهد لقطات لأليدي‬
‫يستشهد بمنهج روبير بريسون الخلق ‏واألقدام وأيدي األبواب‪ ،‬وأجزاء أخرى‬
‫من خالل الحذف ال اإلضافة «الرسام مــن أجــســام بينما يــقــوم المخرجون‬
‫عليه أن يقرر ما سيضع في لوحته؛ أما اآلخرون بعرضها‏بحجمها الكامل‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪116‬‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫وهنا تحضرني كلمة للفيلسوف والكاتب طريقة كيارستمي مع ضــرورة اإلشــارة إلى‬
‫األمريكي هنري دافيد ثــورو المتوفى سنة استثناءات بسيطة في هذا المجال‪.‬‬

‫فليس المقصود هنا الدعوة إلى روايات‬ ‫‪1862‬م وهــي كلمة قد تختصر فكرة هذا‬

‫المقال تماما‪ ..‬يقول‪( :‬بسط‪ ..‬فبقدر ما قصيرة قياسا بعدد الصفحات أبدا‪ ،‬فهناك‬
‫يمكن الحذف مما هو جسدي وملموس بقدر الكثير من األعمال الروائية ذات العدد الكبير‬
‫ما يستطيع الجمهور اإلسهام أكثر في عملية من الصفحات‪ ،‬بل وأحيانا األجزاء‪ ..‬لكن ال‬
‫يمكن وصفها مطلقا بالترهل فيما يمكن أن‬ ‫التخيل)‬

‫السؤال هنا‪ :‬هل تستطيع الرواية المحلية نطالع روايات مترهلة ال تزيد صفحاتها عن‬
‫أن تصل لهذا المنحى‪ ،‬يبدو لي أن اإلشكالية المائة صفحة‪ ،‬المسألة إذا ال تتعلق بالحجم‬
‫تكمن في القارئ للرواية مثل ما تكمن في بقدر ما تتعلق بما يمكن حذفه‪ ،‬أو بما يضاف‬
‫كاتب الــروايــة‪ ،‬فهناك تصور نمطي لدى لمجرد زيادة حجم العمل الروائي فقط‪.‬‬

‫ورغم أن بعض تلك الروايات المترهلة قد‬ ‫الــروائــي ولــدى الــقــارئ ولــدى بعض النقاد‬

‫أيضا بأن الرواية السمينة والمترهلة هي تعجب الجماهير‪ ،‬إال أنها في هذه الحالة‬
‫ال تخدم الفن كما هو األمر تماما في حالة‬ ‫دليل قدرة الروائي وبراعته‪.‬‬

‫ول ــه ــذا نــطــالــع الــكــثــيــر م ــن ال ــرواي ــات السينما‪ ،‬فالجماهيرية المكرسة هي ألفالم‬
‫المشغولة بالحكي الزائد والوصف الزائد سطحية وباردة ال تشبه فيلم « الريح سوف‬
‫والكثير الكثير مما يمكن حذفه وإزالته على تحملنا « الذي تحدثت عنه في بداية المقال‪.‬‬
‫* كاتب وقاص من السعودية‪.‬‬

‫‪117‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫بين الكتاب الورقي والكتاب الرقمي‬
‫الطفَ ْيل*‬
‫‪ρρ‬د‪ .‬فيصل أبو ُّ‬

‫المعارف مبثوثةً في ثنايا الكتب؛ َورَقِ يِّها ورقْ ِميِّها‪ ،‬مبسوطة على وجه‬ ‫ُ‬ ‫لَمَّ ا كانت‬
‫البسيطة؛ شَ رْقِ يِّها وغَ ربيِّها‪ ،‬تنازع الكتاب الورقي والكتاب الرقمي ِحكْ َم َة الرّزانة‪،‬‬
‫وحـظــو َة المكانة‪ ،‬فكشف كــلٌّ منهما لصاحبِ ه‪ ،‬ما خَ ـ ِـفــيَ عنه من معايِ بِ ه‪ ،‬ناسب ًا‬ ‫ُ‬
‫فضيلة السبق إليه‪ ،‬مُ دّ عيا أ ّال مُ عَوَّ لَ إال عليه‪.‬‬
‫قال الكتاب الرقمي‪:‬‬
‫أضعاف ما أنت لي به مَدين‪ ،‬أرفُ لُ في حضرة ُجالّسي من‬ ‫ُ‬ ‫َلد ََّي ِمن المؤيدين‪،‬‬
‫وأكشف في سرعة‬ ‫ُ‬ ‫الصباحات إلى األماسي‪ ،‬كيف ال وأنا ُأوَفّ رُ المعلومة بِ ضغطة زِ رّ‪،‬‬
‫السرّ‪ .‬أختصر األوقات‪ ،‬و ُأبَدِّ ُد المسافات‪ .‬ملمسي أليف‪ ،‬وظلّي خفيف‪،‬‬ ‫البرق ِسرَّ ّ‬
‫لِ ـ َمــنْ أراد األخــذ مــن كــل علم بِ لَفيف‪ ،‬جــامــعٌ مــا تناثر فــي بطون الـخــزائــن‪ ،‬ذائــع‬
‫يد المنال بهما قريب‪.‬‬ ‫وصبيب‪ ،‬كُ لُّ بَعِ ِ‬
‫يت في أقصى األماكن‪ ،‬عُ دّ تي شاشةٌ َ‬ ‫الص ِ‬
‫ِّ‬

‫َصــ ٌل وأنــي فَــرْع‪ ،‬نعم‪ ،‬أنا‬ ‫شاشتي رمــز الوَسامة‪ ،‬والــفــأرةُ بي تَدَّ عي أ ّنــكَ أ ْ‬
‫األصـ ــل‪ ،‬بشفيف‬ ‫ْ‬ ‫مُسْ تهامة‪ ،‬أني ُق المَظهر‪ ،‬يا وجهاً أغْ بَر! الــف ـ ْر ُع ال ــذي حــجَ ــبَ‬
‫َّصل‪.‬‬ ‫َزيف الن ْ‬ ‫ضوئي الم ٌع أصيل‪ ،‬ال يخشى الظال َم في المحبة ال ِبن ِ‬
‫في بحري‪ ،‬السباحة آمنة من غبار‬ ‫خفوت القنديل‪ ،‬أسْ َم ُح بالتعديل ِلمَن عَ نَّ‬
‫ل ُه بديل‪ ،‬سَ ْه ُل التحميل‪ ،‬ال سُ لَّ َم بي يميل‪ ،‬يُذْكي فتي َل القلق‪ ،‬يا كتاباً ُكتِبَ عليه‬
‫وال يَ َد تتب َّرأ ُ من لَمْسي بِمِ نْديل‪ .‬قُل لي يا ال َغرَق‪ ،‬في أَتُونِ ال َورَق‪ ،‬من عولمة عصره‬
‫ّص من أجزائكَ ما‬ ‫ِسل ْ َع ًة في الرفوف بائرة‪َ ،‬ك ْم تكل ُف ُة نقلكَ َمرَق‪ ،‬كم م ّر ًة باع الل ّ‬
‫سَ رَق؟ طبَعاتك الحجر ّي ُة ُمتَحَ جِّ رَة‪ ،‬ناءتْ‬ ‫على َمتْنِ طائرة؟‬
‫نفوس ُمت ََضجِّ رة‪ ،‬ومما يدخُ ُل في‬
‫ٌ‬ ‫تاريخي صن ْعتُه بنفسي‪ ،‬ال أفــخَ ـ ُر بِحَ ْملِها‬
‫بالماضي وال أجْ َع ُل يومي تابعا ألمْسي‪ ،‬حُ كْمِ النادرة‪ ،‬أن نُسَ خَ ك القديمة نادرة‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪118‬‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬
‫لــي رِ دائ ــي حُ ل َلي‪ ،‬أزهــو بها على مرمى‬ ‫بينما نُسَ خي موجودة مُتوافرة‪ ،‬تُلَبّي نداء‬
‫العيون‪ ،‬أفـتَـ ُح في دهْ شَ تِها نــافــذ ًة للرَّغْ بَة‪،‬‬ ‫األنامل الماهرة‪ ،‬وتَخْ طُ بُ ُو َّد العيون الساهرة‪.‬‬
‫للقائي على مائد ِة الفنون‪ ،‬نتباد ُل النَّظَ ر‪،‬‬ ‫ـوف عــلــى أجنحة‬ ‫فــي صــحــبــتــي‪ ،‬ال عــ ُك ـ َ‬
‫الصفحات‪.‬‬ ‫ِصب ٍَع تُ َقلِّبُ ّ‬
‫ال بإ ْ‬
‫نتباد ُل الت َِّحيّة‪ ،‬و ُقبَ ً‬ ‫الــرفــوف‪ ،‬وال عـ ْقـ َل مــن حـيْـ َر ِتــه بين أرجــاء‬
‫صب‪،‬‬ ‫الخ ْ‬
‫ضنِ المَطابِع س ِّي ُد ِ‬ ‫وإنّي في ِح ْ‬ ‫المكتبة يطوف‪ .‬أ ُخَ ـ ـ َّز ُن بــآالف األرق ــام‪ ،‬في‬
‫وَلي في ك َِّف الطّ بعات خَ ل َف‪ ،‬وأنتَ سجي ٌن في‬ ‫َص َّف ُح من فوري على جناح‬ ‫أصغرِ األحجام‪ ،‬وأُت َ‬ ‫ْ‬
‫باك العنكبوت عقي ُم العِ رْق‪ُ ،‬مهَدَّ ٌد في تابوت‬ ‫ِش ِ‬ ‫الوئام‪ ،‬كونِيُّ االنتشار‪ ،‬أالئم أجواء األسفار‪،‬‬
‫ال َّتل َف‪ .‬مُشْ َر ٌع مِ ثْ َل اإلشاعة‪ ،‬بال َدفَّة وال ِشراع‪،‬‬ ‫وأقطع البراري والبحار‪ ،‬أعْ بُ ُر في لمْح البصر‬
‫تَلُفُّكَ الظّ نون‪ ،‬تُحَ َّم ُل بالمَجّ ان‪ ،‬كأتْفَهِ بِضاعة‪.‬‬ ‫من دار إلى دار‪ ،‬ال تلحقُني شائعات األخبار‪،‬‬
‫رقْمِ يٌّ عَ بْ ُد ال ِّزرّ‪ ،‬حقَّ لألرَضة‪ ،‬أن تكون عنك‬ ‫ْش دُقَّ‬
‫مستقبلي رهين االستمرار‪ ،‬و ُمنْ َقلَبُكَ نع ٌ‬
‫صحْ بَةِ‬ ‫ُمعْرِ ضة‪ ،‬منبو ٌذ مِ ْن جَ نَّةِ األُنْــس في ُ‬ ‫فيه ألفُ مِ سْ مار!‬
‫ُض بال اتّجاه وال‬ ‫تَ َذ َّكرْ‪ :‬لطالما كنتَ ُم َهدّدا بل ْعنَة اإلغراق‪ ،‬ال ُكتُب‪ ،‬رفيق الـرّيــح‪ ،‬ترك ُ‬
‫ُمــطــارَداً بِشُ بْهَةِ اإلح ــراق‪ ،‬أَن َِسيتَ ما َف َعل َ ُه تستريح‪ .‬بَحْ رُكَ افتراضي وأنتَ أ ّو ُل ال َغرْقى‪،‬‬
‫«فيروس» لعين‪ ،‬مِ ْن‬ ‫ٍ‬ ‫بالمخاطر؛ مِ ْن‬
‫ِ‬ ‫محفوف‬
‫ٌ‬ ‫التّوحيديُّ بكَ بالعراق؟ فلتذ ْق مرارة الهَجْ رِ‬
‫يترصدون إصبعا‬ ‫َّ‬ ‫َراصن ٍَة اسْ تَفْحَ َل ذكاؤهُم‪،‬‬
‫ق ِ‬ ‫في ألم‪ ،‬مع أنصار الورقة والقلم!‬
‫ُض غَ ْزلَك‪ ،‬طائشة‪.‬‬ ‫أنا القاد ُم وأنت النادم‪ ،‬سَ تَنْق ُ‬
‫بَحْ ري حقيقة‪ ،‬يُشَ ُّق بعصا الرَّغْ بَة‪ُ ،‬ك ُّل‬ ‫وتــن ـدُبُ حظَّ ك‪ ،‬من ف ـرْط اإلهــمــال‪ ،‬وتبدُّلِ‬
‫األحوال‪ ،‬سترقص رقصة المذبوح َفرَقاً من فِ ر ٍْق كالطَّ وْدِ العظيم‪ ،‬والسِّ باح ُة مُباركة‪ ،‬و َم ْن‬
‫باحة‬ ‫الضفَّةِ في انتظار ِس ٍ‬ ‫عاقبة المآل‪ ،‬فأنت بال مراء وال ِجدال‪ ،‬آ ِي ٌل تَعِ بَ اسْ تل ْقى على ِّ‬
‫أخرى‪.‬‬ ‫إلى زوال!‬

‫أنتَ رقميٌّ ‪ ،‬نبْتٌ بال ِجذْر‪ ،‬تسْ ُك ُن قبْراً مِ ْن‬ ‫قال الكتاب الورقي‪:‬‬
‫ِس للسؤال‪،‬‬ ‫حين مَجْ ل ٌ‬
‫أنــا الــكــتــاب‪ ،‬أصــي ـ ُل الــــذّات‪ ،‬فــي ش ـ ْه ـ َو ِة أسْ الك‪ ،‬يُقا ُم لكَ في ُك ِّل ٍ‬
‫البياض‪ ،‬حَ ـرَّى تنْسابُ على خَ ِّد ال ـ َورَق‪ ،‬في على مقاس ال ِّز ِّر ونيَّةِ دماغ الفأرة‪ ،‬تقذِ فُكَ بال‬
‫الضالل‪.‬‬
‫رحمة في سَ لَّةِ َّ‬ ‫الحبْر‪ ،‬بها لسا ُن اليَراعِ نَطَ قْ‪.‬‬‫شَ ْهقَةِ ِ‬
‫«الفيروس» وراءَك‪،‬‬
‫ُ‬ ‫يا غري َق «النِّتّ »‪ ،‬تَ َذ َّكرْ‪:‬‬ ‫حُ رٌّ حبيبُ القلوب‪ ،‬أَجْ ري على األيادي مثْ َل‬
‫الجود‪ ،‬أ ُ َق َّب ُل ِبلِسان الجَ هْر‪ ،‬بوشوشةِ الهمْس‪ ،‬وزائ ـ ُر «الـ ِّنــتّ » أمامَك‪ ،‬وليس لكَ إال طاع ُة‬
‫الصبيب‪،‬‬
‫أ ُ َقلَّبُ ِبيَدِ الحنانِ على جناحِ اللَّمْس‪ ،‬في رحل َةِ الفأْرة‪ ،‬وحــرارةُ األســاك‪ ،‬ودُعــاءُ َّ‬
‫وأحَ ُّر التَّعازي!‬ ‫َّهة عن ال َعرَق‪.‬‬
‫حُ بٍّ ُمنَز ٍ‬
‫ * كاتب من المغرب‪.‬‬

‫‪119‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫الحضارة اإلنسانية‬
‫بين سمو المرجعيات ورجعية التفكير‬
‫(حجاب المرأة أنموذج ًا)‬
‫‪ρρ‬آيات عفيفي*‬

‫«أحــب أن أعلم الخطوات التي سارها اإلنـســان في طريقه من الهمجية إلى‬


‫المدنية»(‪.)١‬‬
‫تلك هي إحدى أشهر مقوالت الكاتب والفيلسوف الفرنسي الشهير «فولتير»‪،‬‬
‫الــذي عاش في عصر التنوير‪ ،‬واشتهر بدفاعه عن الحريات المدنية والمساواة‬
‫وكرامة اإلنسان‪ .‬وهي المقولة نفسها التي اختارها الكاتب والمؤرخ األمريكي «وِ ل‬
‫ديورانت»(‪ )٢‬كي يستهل به مؤلفه الشهير «قصة الحضارة ‪،»The Story of Civilization‬‬
‫وال ــذي يعد بمثابة موسوعة تاريخية عــن النشاط اإلنـســانــي‪ ،‬وكيفية وعــوامــل‬
‫نشأة الـحـضــارات المختلفة بين أرج ــاء المعمورة‪ ،‬وأوج ازدهــارهــا واضمحاللها‬
‫آثرت اختيار نفس الجملة كي أبدأ بها‬ ‫حتى القرن التاسع عشر الميالدي‪ .‬وقد ُ‬
‫عــرض فكرة هــذا المقال عن تاريخ حجاب الـمــرأة في حـضــارات إنسانية قديمة‬
‫كزي في المجتمعات‬ ‫وحديثة‪ ،‬والدوافع التي أدت إلى ارتدائه آنذاك‪ ،‬وكيفية قبوله ٍّ‬
‫المختلفة مقارنةً بما آل إليه في وقتنا الراهن‪ ،‬وهل تلك الخطوات هي بالفعل‬
‫قد سارت من الهمجية إلى المدنية أم العكس هو الصحيح!‬

‫‪ »Assyrian Code‬من أهم االكتشافات‬ ‫لقد ثَبَت تاريخيًا أن المرأة الحرة‬


‫األثــريــة في التاريخ اإلنساني ‪ -‬حتى‬ ‫في العديد من الحضارات اإلنسانية‬
‫اآلن ‪ -‬والتي نبتت جــذوره في الشرق‬ ‫القديمة كانت تخرج من بيتها وهي في‬
‫األدنى في منتصف األلفية الثانية قبل‬ ‫زيها الذي يستر كامل جسدها ورأسها‪،‬‬
‫الميالد تقريبًا‪ ،‬حيث تضمن مجموعة‬ ‫بل وتعدى األمر إلى سن التشريعات التي‬
‫من القوانين المتكاملة والشاملة لكافة‬ ‫تفرض ذلك وتُلِزم المرأة به‪ .‬وفي هذا‬
‫مناحي الحياة اليومية في ظل الحضارة‬ ‫الصدد‪ ،‬يعتبر «التشريع اآلشوري ‪The‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪120‬‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬
‫بطريقة تصنيف النساء وأسلوب التعامل‬ ‫اآلشــوريــة‪ .‬ولــهــذا السبب يعتبر التشريع‬
‫مــع كــل فئة وفــق هــذا التصنيف‪ ،‬إال أنني‬ ‫مــــواز لتشريع‬
‫ٍ‬ ‫اآلش ـ ــوري بــمــثــابــة تــشــريـ ٍـع‬
‫ما أجده إيجابياً ‪ -‬من وجهة نظري ‪ -‬هو‬ ‫حمورابي الشهير ‪The Code of Hammurabi‬‬
‫نظرة المجتمع النابعة من القيم السائدة‬ ‫والذي يسبقه تاريخيًا بحوالي خمسة قرون‬
‫آنــذاك للمرأة والفتاة الحرة‪ ،‬ومدى أهمية‬ ‫تقريبًا خالل فترة الحضارة البابلية‪ .‬وقد‬
‫حفظ كيانها وتمييزها كامرأة مُصانة راقية‬ ‫احتوى هذا التشريع (اآلشوري) على بعض‬
‫عن غيرها من الغانيات‪ ،‬من خالل ارتدائها‬ ‫الفقرات الخاصة بالمرأة‪ ،‬والتي تحتوي‬
‫ما يسترها‪ ..‬وهي خارج بيتها في األماكن‬ ‫على تفاصيل متعددة كان بعضها يُلزم المرأة‬
‫لرجل ما‬
‫ٍ‬ ‫العامة باإلضافة لبيان انتمائها‬ ‫والفتاة الحرة بارتداء الحجاب خارج بيتها‪.‬‬
‫سواء أكان أبًا أم زوجً ا من خالل ارتداء هذا‬ ‫فقد ورد في بعض فقرات التشريع اآلشوري‬
‫الزي‪ .‬تلك هي كانت النظرة للمرأة والفتاة‬ ‫عدة ضوابط لمظهر المرأة‪ ،‬وكذلك الزي‬
‫الحرة في مجتمعات كانت آنــذاك في أوج‬ ‫الواجب عليها ارتداؤه على النحو التالي‪:‬‬
‫ازدهارها وتقدمها وقوتها‪.‬‬ ‫يــبــدأ الــقــانــون رقــم (‪ )39‬مــن التشريع‬
‫وج ــاء التشريع الــســومــري فيما يخص‬ ‫اآلشوري بفقرة تلزم النساء الحرائر زوجات‬
‫زي المرأة الواجب ارتــداؤه بنفس مفاهيم‬ ‫الرجال‪ ،‬وكذلك الفتيات غير المتزوجات من‬
‫التشريعين الحمورابي واآلشوري تقريبًا‪ ،‬مع‬ ‫بناتهم ارتداء غطاء الرأس عند الخروج إلى‬
‫بعض االختالفات الخاصة بتصنيف النساء‬ ‫أيضا في‬
‫األماكن العامة‪ ،‬بل وداخل البيت ً‬
‫وفــق الطبقة االجتماعية وكيفية تطبيق‬ ‫حال وجــود رجــال غرباء‪ .‬بينما يشدد هذا‬
‫تلك التشريعات على كل فئة‪ .‬وقد تتابعت‬ ‫القانون على حظر ارت ــداء حجاب الــرأس‬
‫الــحــضــارات فيما بعد حــضــارات الشرق‬ ‫والجسد على الغواني من النساء وكذلك‬
‫األدنى القديمة بثقافاتها المختلفة‪ ،‬وحدث‬ ‫الخادمات‪ ،‬وفي حال ضبط أي امرأة غانية‬
‫التأثير والتأثر بين الشرق والغرب اجتماعيًا‬ ‫ترتدي الحجاب‪ ،‬تعاقب بالجلد (‪ )50‬جلدة‬
‫وثقافيًا‪ ،‬وكــذلــك سياسيًا بين الشعوب‪..‬‬ ‫مع سكب مادة «القار» على رأسها(‪ .)٣‬بل وزيد‬
‫لنجد أن تلك التشريعات السابقة الذكر قد‬ ‫أيضا في بعض الفقرات األخرى أن المرأة‬ ‫ً‬
‫أيضا‬
‫ألقت بظاللها على المجتمعات الغربية ً‬ ‫أو الفتاة التي تنتمي إلى طبقة اجتماعية‬
‫في حينها ‪ -‬رغم اختالف الثقافة والعرف‬ ‫راقية هي المنوطة بارتداء ما يستر جسدها‬
‫المجتمعي بها‪ -‬لتصبح جــزءًا من الثقافة‬ ‫ورأسها عند الخروج لألماكن العامة دون‬
‫المجتمعية لتلك الشعوب‪.‬‬ ‫غيرها من النساء‪.‬‬
‫فعلى سبيل الــمــثــال‪ ،‬فــي الحضارتين‬ ‫وبــرغــم وجـــود الــعــديــد مــن التفاصيل‬
‫اليونانية والرومانية كانت المرأة في بالد‬ ‫األخرى التي جاءت في هذا القانون وغيره‬
‫اليونان األصلية القديمة ومــن بعدها في‬ ‫من القوانين في هذا التشريع‪ ،‬والتي تحتوي‬
‫روما واألجزاء التي دخلت تحت سيطرتها‪،‬‬ ‫على بعض التفاصيل السلبية المرتبطة‬
‫‪121‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫ثم جــاءت رسالة السماء للبشرية تباعً ا‬ ‫تخرج من بيتها وهي ترتدي الحجاب الذي‬
‫كي تهذب السلوك اإلنساني وترده إلى طريق‬ ‫يغطي كــافــة جسدها ورأســهــا‪ .‬فقد ذكر‬
‫الهداية والفضيلة‪ .‬ومن هنا كانت المهمة‬ ‫الــمــؤرخ والفيلسوف اليوناني بلوتارخس‬
‫األس ــاس للدين الحنيف دون تحريف أو‬ ‫‪ Πλούταρχος‬ف ــي مــوســوعــتــه الــشــهــيــرة‬
‫تزييف ‪ -‬في الديانتين اليهودية والمسيحية‬ ‫األخــاقــيــات ‪ )٤(Moralia‬أن الحجاب كان‬
‫ثــم الــديــن اإلســامــي ‪ -‬هــي إرس ــاء عقيدة‬ ‫قــدي ـ ًمــا يستخدم بــدافــع حــمــايــة الــنــســاء‪،‬‬
‫وحــدانــيــة اهلل ســبــحــانــه وتــعــالــى‪ ،‬واألم ــر‬ ‫وخاصة المتزوجات من أعين الغرباء‪ ،‬وقد‬
‫بعبادته وحده ال شريك له‪ ،‬ثم تنقية السلوك‬ ‫أضــاف بلوتارخس أن غير ذلــك كــان يُعد‬
‫اإلنساني من الشرور واآلثام واإلبقاء على كل‬ ‫خروجً ا عن القاعدة ومحل نقد واستنكار‪،‬‬
‫ما هو إيجابي وجيد‪ ..‬من خالل تعزيز القيم‬ ‫فها هو يوضح أن المرأة في أسبارطة كانت‬
‫والسلوكيات الحميدة والحرص على اتباعها‪،‬‬ ‫مستثناه مــن هــذا الــعــرف (ارتــــداء غطاء‬
‫ونبذ كل ما هو سلبي وسيئ وخبيث‪ .‬وفي‬ ‫الرأس)‪ ،‬ولهذا فإن المجتمع األسبارطي كان‬
‫هذا الصدد‪ ،‬استمر زي المرأة الواجب عليها‬ ‫محل نقد دائم من كافة بالد اليونان األخرى‬
‫ارتداؤه بنفس المواصفات السابقة‪ ،‬فهو زي‬ ‫في كيفية تعامله مع هذا الشأن‪ .‬وفي نفس‬
‫يتسم باالحتشام‪ ،‬يستر الرأس والجسد كي‬ ‫السياق‪ ،‬ذكر لويد جونز ‪ Lloyd Jones‬أستاذ‬
‫يحمي المرأة من أعين الغرباء‪.‬‬ ‫التاريخ القديم «بجامعة كارديف ‪University‬‬

‫ففي الديانة اليهودية (العهد القديم)‪،‬‬ ‫‪ »Cardiff‬فــي أح ــد مــؤلــفــاتــه عــن الــمــرأة‬
‫ثــم مــن بعدها الديانة النصرانية (العهد‬ ‫والحجاب في بــاد اليونان القديمة(‪ )٥‬أن‬
‫الجديد)‪ ..‬وخاصة المذهب البروتوستانتي‬ ‫المرأة اليونانية في العصور قبل الكالسيكية‬
‫منها‪ ،‬والــذي بُني في أساسه على الكثير‬ ‫والعصور الكالسيكية كانت تخرج من بيتها‬
‫من تعاليم العهد القديم (الديانة اليهودية)‪،‬‬ ‫في كامل حجابها‪ ،‬حيث أوضح أن الحجاب‬
‫جاءت العديد من تلك التعاليم في اإلنجيل‬ ‫فــي ذلــك الــوقــت كــان أحــد الـــدالالت على‬
‫خاصة بالمرأة‪ ،‬والتي كان بعضها يحتوي‬ ‫رقي الطبقة االجتماعية التي تنتمي إليها‬
‫على ما يتعلق بمظهر المرأة الذي يجب أن‬ ‫من ترتديه‪ .‬وأضــاف أن المرأة في غالبية‬
‫تلتزم بارتدائه على النحو التالي‪:‬‬ ‫المجتمعات اليونانية بوجه عام وليس أثينا‬
‫وحدها‪ ،‬كانت ترتدي الحجاب بشكل روتيني‬
‫فيما يتعلق بمظهر المرأة بوجه عام‬ ‫يومي على األقل في األماكن العامة‪ ..‬وأمام‬
‫الفقرة (‪ )9 :2‬من الرسائل الكهنوتية‬ ‫الغرباء من الرجال‪ .‬هكذا استمر حال المرأة‬
‫للقديس بــولــس ‪ -‬أحــد أهــم ق ــادة الجيل‬ ‫الحرة في شأن ارتدائها الزي المحتشم في‬
‫النصراني األول‪ ،‬ويعد ثاني أهم شخصية‬ ‫المجتمعات الوثنية على هذا النحو‪ ،‬في بالد‬
‫تاريخية في النصرانية بعد السيد المسيح‬ ‫كانت تمثل منارة وعاصمة الثقافة في العالم‬
‫نقل عن تعاليم‬‫عليه السالم ‪ -‬والتي هي ً‬ ‫القديم في حينها‪.‬‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪122‬‬
‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬
‫جاء لتأكيد وحدانية اهلل تعالى ونبذ ما هو‬ ‫نصا «ينبغي أن تزين‬‫المسيح‪ ..‬ذكــر فيها ً‬
‫شرك باهلل تعالى‪ .‬وجاءت‬‫ٍ‬ ‫خالف ذلك من‬ ‫النساء أنفسهن بمالبس تتصف باالحتشام‬
‫تشريعاته لتنقية السلوك البشري من كل ما‬ ‫وال ــوق ــار والــتــواضــع‪ ،‬وال ينبغي الظهور‬
‫هو سلبي‪ ،‬والتأكيد على كل ما هو إيجابي‪..‬‬ ‫بتسريحات شعر أو ارتداء الذهب أو اللؤلؤ‬
‫واستكمال النواقص فيما سبقه‪ .‬وفيما يتعلق‬ ‫أو المالبس الباهظة الثمن‪.)٦(».‬‬
‫بالمرأة المسلمة‪ ،‬احتوت الشريعة اإلسالمية‬
‫الفقرة (‪ )5 :22‬في سفر التثنية(‪ ،)٧‬ورد‬
‫على الكثير من التشريعات التي تتناول كافة‬
‫ـصــا «ينبغي على الــمــرأة أال ترتدي‬
‫بها نـ ً‬
‫مناحي الحياة الخاصة بها‪ ،‬بما في ذلك‬
‫مالبس الــرجــال‪ ،‬وكذلك ال يرتدي الرجل‬
‫حقوق المرأة التي يجب أن تحصل عليها‪،‬‬
‫مالبس النساء»‪.‬‬
‫وأيضا الواجبات التي يجب عليها القيام بها‪.‬‬
‫ً‬
‫وفيما يتعلق بالنساء بوجه عام‪ ،‬وكذلك‬
‫وفيما يتعلق بالزى الواجب على المرأة‬
‫الراهبات وغيرهن من النساء الالتي يعملن‬
‫المسلمة ارتــــداؤه‪ ،‬فقد ألــزمــت الشريعة‬
‫نص يُلزم كل امرأة تصلي‬
‫بالوعظ‪ ،‬فقد صيغ ٌّ‬
‫اإلسالمية النساء بارتداء الــزي المحتشم‬
‫أو تقوم بالوعظ بتغطية رأسها(‪ ،)٨‬ولذا نرى‬
‫(الحجاب) الذي يستر الرأس والجسد دون‬
‫راهبات الكنائس كافة في الشرق والغرب‬
‫تــبــرج‪ ،‬قــال تعالى‪« :‬وال يبدين زينتهن إال‬
‫حتى يومنا هذا يرتدين غطاء الرأس والزي‬
‫لبعولتهن أو أبناء بعولتهن أو آباء بعولتهن‬
‫المحتشم‪.‬‬
‫أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو‬
‫بني إخوانهن‪ ..‬اآلية)‪(.».‬سورة النور‪ :‬آية ‪)31‬‬ ‫الفقرة (‪ )6-3 :3‬مــن رســائــل القديس‬
‫مع االلتزام بالسلوك العفيف الذي يحفظ‬ ‫بطرس(‪ )٩‬أوضحت تلك الفقرة أنه «ينبغي‬
‫للمرأة شخصها وكرامتها وإنسانيتها‪.‬‬ ‫على المرأة أن تهتم بالجمال الداخلي النابع‬
‫من هــدوء روحها وسكون نفسها أكثر من‬
‫مما سبق ســرده من تتبع لقضية‬ ‫ ‬
‫تجميل مظهرها الخارجي‪ ،‬كما يجب على‬
‫حجاب المرأة في حضارات وأزمنة مختلفة‬
‫الــمــرأة إظــهــار االحــتــرام والطاعة بــارتــداء‬
‫عبر العصور قديمًا وحديثًا حتى اللحظة‪،‬‬
‫غطاء الرأس أثناء أداء الصلوات في األماكن‬
‫نستطيع القول إن المرأة الحرة عبر العصور‬
‫العامة وتكريس نفسها لزوجها كما فعلت‬
‫المختلفة ك ــان حــتـ ًمــا عليها الــظــهــور في‬
‫السيدة سارة زوجة سيدنا إبراهيم»‪ .‬هكذا‬
‫المجتمعات والمناسبات واألماكن العامة‪،‬‬
‫عالجت الكتب المقدسة للديانتين اليهودية‬
‫وهي مرتدية حجاب الرأس والجسد الذي‬
‫والنصرانية ‪-‬و المعمول بها حتى اللحظة‪-‬‬
‫يعطي دالالت مختلفة‪ ،‬كداللة على انتمائها‬
‫وأيضا مؤشرًا هامًا‬
‫ً‬ ‫لطبقة اجتماعية راقية‪،‬‬ ‫قضية ارتداء المرأة لحجاب الرأس والجسد‪.‬‬
‫ثم جــاء اإلســام الحنيف؛ لينقي يميزها عن المرأة الغانية‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫ ‬
‫العقيدة‪ ،‬ويردها إلى أصلها؛ وليمثل الكمال صون كرامتها وعفتها من خالل ما يُعبّر عنه‬
‫كما جــاءت به رســاالت السماء المقدسة‪ .‬هذا الزي من انتمائها لرجل ما‪ ،‬ومن هنا‬
‫‪123‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫في المقام األول ضد اإلسالم والمسلمين‪،‬‬ ‫تصبح غير مباحة لآلخرين‪.‬‬
‫وبالتبعية ضد الحجاب كأحد رموز الديانة‬ ‫لقد حيرني كثيرًا ما كانت عليه ثقافة‬
‫اإلسالمية الخاص بالمرأة المسلمة‪ .‬فقد‬ ‫الفكر الغربي في األزمنة البائدة فيما يتعلق‬
‫اتخذت الباحثة في رسالتها عينة من النساء‬ ‫بــزى الــمــرأة وحجابها ‪-‬إن جــاز التعبير ‪-‬‬
‫المسلمات في «تورونتو ‪ »Toronto‬بكندا‬ ‫وما آل إليه في اآلونــة األخيرة فيما يتعلق‬
‫للتعرف على حياتهن الشخصية كنساء‬ ‫بحجاب المرأة المسلمة‪ .‬فهل ما يحدث اآلن‬
‫مسلمات يعشن في مجتمع غربي‪ ،‬وطبيعة‬ ‫هو التحضر والحداثة بالفعل‪ ،‬أم هو تقهقر‬
‫رؤيتهن الواقعية للحجاب ومــا يلقونه من‬ ‫وردة إلــى التخلف والتمييز غير المبرر!‬
‫قبول أو رفض في المجتمع الكندي جراء‬ ‫ها قد رأينا ما كــان يعنيه الــزى المحتشم‬
‫ذلك‪ .‬وقد ورد في الكتاب أن «الجزء األخير‬ ‫للمرأة الحرة عبر العصور قديمًا وحديثًا‪،‬‬
‫منه يناقش خــبــرات ارتـــداء الحجاب في‬ ‫وحتى اللحظة في الكتب المقدسة للديانات‬
‫تورونتو‪ ،‬ويبين أن النساء يواجهن تمييزًا‬ ‫السماوية جمعاء‪ .‬فلماذا هذا التحول في‬
‫كبيرًا بسبب ما يرتدينه‪ ،‬فالرؤية الشائعة‬ ‫الرؤية لحجاب المرأة المسلمة على وجه‬
‫لإلسالم أنه دين شرير يحض على العنف‬ ‫الخصوص ووصفها بالتخلف والرجعية!‬
‫وقهر النساء»(‪ .)١١‬إذن هي النظرة المتطرفة‬
‫لــقــد تــنــاولــت الــعــديــد م ــن الــمــقــاالت‬
‫لــإســام والمسلمين‪ ،‬وبالتبعية لحجاب‬
‫والمؤلفات قضية حجاب المرأة المسلمة من‬
‫المرأة المسلمة‪ ،‬ويا لها من ازدواجية!‬
‫أبعاد مختلفة‪ ،‬وكان أحد المؤلفات الهامة‬
‫لقد حيرتني كثيرًا هذه االزدواجية التي‬ ‫‪-‬مــن وجهة نظري ‪ -‬رســالــة أجــيــزت لنيل‬
‫يمارسها الغرب وسياسة الكيل بمكيالين في‬ ‫درجة الدكتوراه عن المرأة والحجاب‪ ،‬قامت‬
‫تعامله مع قضية حجاب المرأة المسلمة‪،‬‬ ‫بها الباحثة «كاثرين بولوك»(‪ )١٠‬والتي صدرت‬
‫ومن ورائه تعامله مع اإلسالم والمسلمين‪.‬‬ ‫عن المعهد العالمي للفكر اإلسالمي بلندن‪.‬‬
‫فجميعنا يــرى على سبيل المثال كيف أن‬ ‫وقد تحولت تلك الرسالة إلى كتاب بعنوان‬
‫راهــبــات الكنائس المختلفة في العالمين‬ ‫«نظرة الغرب إلى الحجاب‪ :‬دراسة ميدانية‬
‫حد سواء ‪-‬يتمتعن‬ ‫الشرقي والغربي ‪ -‬على ٍ‬ ‫موضوعية»‪ ،‬حيث قامت مكتبة العبيكان‬
‫باالحترام والتبجيل والقداسة لما يوصفن به‬ ‫بالمملكة العربية السعودية بإصدار ترجمة‬
‫أيضا أن زي‬
‫من الطهر والعفة‪ .‬وكلنا يعلم ً‬ ‫لهذا الكتاب في عام (‪1432‬هـ‪2011/‬م)‪.‬‬
‫راهبات الكنائس يعتمد اعتمادًا أساساً على‬
‫لقد هدفتُ من وراء اإلشارة لهذا الكتاب‬
‫الحشمة وتغطية الرأس والجسد‪ ،‬ومع هذا‬ ‫بعينه عــرض الدليل العملي لتلك النظرة‬
‫لم توصف الراهبات بالتخلف والرجعية‪ ،‬ولم‬ ‫الظالمة السلبية التي أصبحت سائدة بين‬
‫توصف الديانة النصرانية بالتشدد والعنف‬ ‫الكثير مــن مواطني المجتمعات الغربية‬
‫واإلرهاب‪.‬‬ ‫عن حجاب المرأة المسلمة‪ ،‬والتي أكدت‬
‫و بــالــرغــم مــن وج ــود بعض الجماعات‬ ‫رأي ــي الشخصي فــي أن تلك النظرة هي‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪124‬‬
‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬
‫الحالي للكثير من االضطهاد والعنصرية‬ ‫المتطرفة فــي الــغــرب‪ ،‬والــتــي تحمل زيفًا‬
‫بأشكالها المختلفة‪ ،‬رغــم انخراطهم في‬ ‫شعار الديانة النصرانية وتدعي أنها تعمل‬
‫مجتمعات الغرب بشكل حيوي؟ فكيف لهؤالء‬ ‫وفق تعاليمها‪ ،‬وهي تمارس على أرض الواقع‬
‫أن ينعموا بحياة آمنة وسط تلك االزدواجية!‬ ‫كافة أشكال العنصرية واالستبداد منذ زمن‬
‫إن اإلنسان إذا فقد األمن واالستقرار وتملكه‬ ‫بعيد‪ ،‬برغم هذا لم توصم الديانة النصرانية‬
‫الخوف بات أقرب للهمجية منها للتحضر‬ ‫بالعنف والشر‪ .‬تلك الجماعات التي مارست‬
‫والمدنية‪.‬‬ ‫إرهابها ليس فقط ضد اإلسالم والمسلمين‪،‬‬
‫وإنــمــا ضــد معتنقي الــديــانــة النصرانية‬
‫لقد استهل «وِ ل ديــورانــت» الباب األول‬
‫أنفسهم‪ ،‬حيث تصنفهم وفق اللون والعرق‪.‬‬
‫مــن كتابه بفقرة أحببتها كثيرًا لقناعتي‬
‫فعلى سبيل المثال أحــد أهــم وأخطر تلك‬
‫بفلسفتها في توضيح أهمية شعور اإلنسان‬
‫الجماعات التي تأسست في خمسينيات‬
‫باالستقرار واألمان الداخلي‪ ،‬وما يؤدي إليه‬
‫القرن الماضي في الغرب‪ ،‬والتي تفرع منها‬
‫ذلك من حافز إيجابي يوفر البيئة اإلبداعية‬
‫عدد من الجماعات المتطرفة بعضها اندثر‬
‫التي هي أحد أعمدة االزدهــار الحضاري‪.‬‬
‫واآلخــر ما زال له أتباع في أنحاء متفرقة‬
‫فبعد تعريفه الــحــضــارة مــن وجــهــة نظره‬
‫من العالم الغربي هي جماعة « كو كلكس‬
‫بأنها «نظام اجتماعي يعين اإلنسان على‬
‫كــان «‪ Ku Klux Klan‬والتي تؤمن بتفوق‬
‫الزيادة من إنتاجه الثقافي» وتوضيح أهم‬
‫العنصر األبيض دون غيره‪ .‬وقد مارست تلك‬
‫عناصرها‪ ،‬أضاف «إن الحضارة تبدأ حيث‬
‫الجماعة أشكاالً مختلفة من العنف والتدمير‬
‫ينتهي االضطراب والقلق‪ ،‬ألنه إذا ما أمِ َن‬
‫وحرق الكنائس واالعتداء بالقتل والعنف على‬
‫اإلنسان من الخوف‪ ،‬تحررت في نفسه دوافع‬
‫مواطنين أبرياء‪ .‬وفي الوقت الــذي تبرأت‬
‫التطلع وعوامل اإلبداع واإلنشاء‪ ،‬وبعدئذ ال‬
‫منهم ومن أفعالهم كافة المجتمعات الغربية‬
‫تنفك الحوافز الطبيعية تستنهضه للمضيّ‬
‫والكنائس النصرانية للمذاهب المختلفة‪،‬‬
‫في طريقه إلى فهم الحياة وازهارها»‪.‬‬
‫لم يوصم أتباع الديانة النصرانية بالعنف‬
‫وبــعــد م ــا مـــرت ب ــه الــبــشــريــة م ــن تتابع‬ ‫واإلرهـــاب والتخلف‪ ،‬ولــم توصف الديانة‬
‫الحضارات المختلفة عبر العصور بأفكارها‬ ‫الــنــصــرانــيــة بــالــشــر واإلره ـ ــاب والتخلف‪.‬‬
‫وثقافاتها المتنوعة‪ ،‬وبعد ما قفز النشاط‬ ‫فلماذا ال يكون هذا هو الحال مع اإلسالم‬
‫اإلنــســانــي نحو الــحــداثــة والتغيير والتطور‬ ‫والمسلمين! ولماذا بسبب بعض الجماعات‬
‫التكنولوجي والصناعي قفزات سريعة أوصلتنا‬ ‫المتطرفة التي اجتزأت بعض آيات القرآن‬
‫إلى ما نعيشه اآلن‪ ،‬نفاجأ بهذه الردة الفكرية‬ ‫الــكــريــم وطــوعــتــهــا خــط ـ ًأ ألهــوائــهــا يوصم‬
‫المتخلفة التي تحارب بشدة حقوق اإلنسان‪،‬‬ ‫مسلمو العالم أجمع بالتخلف واإلره ــاب؟‬
‫وهــي في الوقت نفسه تدّعي أنها الراعية‬ ‫وبالتبعية توصم المرأة المسلمة بالرجعية‬
‫لها!!! فالكثير من مدعي حماية حقوق اإلنسان‬ ‫واستسالمها لالستبداد والقهر والعبودية!‬
‫في وقتنا الراهن نجدهم يدافعون عن المرأة‬ ‫بل وتتعرض األقليات المسلمة في وقتنا‬
‫‪125‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬
‫حتى أصبحت عين الضمير المجتمعي‬ ‫المتحررة بحجة حماية حقوق المرأة كإنسان‪،‬‬
‫الغربي في اآلونــة األخيرة ال ترى إال تلك‬ ‫وبالتبعية حماية حقها في اختيار أسلوب الحياة‬
‫الــصــورة الــزائــفــة‪ ،‬وبــاتــت مهمة المسلمين‬ ‫الذي ترتضيه بما في ذلك الزي الخاص بها‪،‬‬
‫فــي هــذا الــصــدد هــي الــدفــاع عــن أنفسهم‬ ‫بينما نجدهم في الوقت نفسه يحاربون من‬
‫والمداومة على إثبات تنصلهم من اإلرهاب‬ ‫ترتدي الحجاب ويتهمونها بالتخلف والرجعية‪،‬‬
‫أيضا ما‬
‫طيلة الــوقــت‪ ،‬بل وتناسى هــؤالء ً‬ ‫ويستنكرون وينتزعون منها تمتعها بنفس الحق‬
‫تحتويه نصوص الديانات السماوية جميعًا‬ ‫في اختيارها أسلوب الحياة الــذي يالئمها‬
‫من التعاليم التي تؤكد أهمية واستمرارية‬ ‫أيضا التعاليم‬
‫كــامــرأة مسلمة‪ ،‬بل وتناسوا ً‬
‫ارتداء المرأة لهذا الزي المحتشم الذي يعبر‬ ‫الدينية التي صيغت في دياناتهم والتي تطلب‬
‫عن رقيها وإنسانيتها‪ ..‬وليس تعبيرًا عن‬ ‫من المرأة دومًا االحتشام والوقار في الشكل‬
‫تخلفها ورجعيتها‪ .‬وعليه فإن سمو المبادئ‬ ‫والمضمون‪.‬‬
‫ال تكفي لبناء الحضارات الحقيقية‪ ،‬ما لم‬ ‫إن متطرفي الــغــرب وملحديه نجحوا‬
‫عقول حرة تحكم وتسوس وتتربى وفقًا‬ ‫ً‬ ‫تُربِّ‬ ‫بالفعل في اختالق صــورة غير واقعية عن‬
‫لمبادئ الكمال ال مزاعم االكتمال‪.‬‬ ‫كون حجاب المرأة المسلمة رمزًا لقهرها‪،‬‬
‫ * باحثة مصرية في التاريخ واآلثار‪.‬‬
‫(‪ ) ١‬فرانسوا مارى أوريه ‪ François-Marie Arouet‬وشهرته «فولتير ‪ »Voltaire‬كاتب وفيلسوف فرنسي شهير‬
‫(‪1778-1694‬م)‪.‬‬
‫(‪ )٢‬ويليام جيمس ديورانت ‪ William James Durant‬كاتب ومؤرخ أمريكي‪ ،‬من أشهر مؤلفاته كتاب «قصة‬
‫الحضارة ‪ « The Story of Civilization ‬والذي شاركته زوجته أريل ديورانت في تأليفه‪.‬‬
‫(‪Morris, Jastrow, Jr. The Assyrian Low Code. Journal of the American Oriental Society, Vol. 41 (1921), )٣‬‬
‫‪.pp. 1-59. Available at: http://www.jstor.org/stable/593702‬‬
‫(‪.Plutarch, Moralia, trans. B. Perrin, Loeb Classical Library, London-Cambridge, Mass.1958 )٤‬‬
‫(‪J. L. Jones, Aphrodite’s Tortoise: The Veiled Woman of Ancient Greece. 2003; 2nd ed., Classical Press )٥‬‬
‫‪.of Wales.(paperback) 2010‬‬
‫(‪ )٦‬الفقرة (‪ )9 :2‬من إنجيل تيموثي ‪ Timothy‬أحد أناجيل العهد الجديد بترجمة الملك جيمس المعتمدة‬
‫منذ عام (‪1611‬م) والتي تعتبر أحد أهم التراجم لإلنجيل حتى اآلن وكذلك بنفس المعنى في كافة‬
‫التراجم األخرى‪.‬‬
‫‪.www.biblegateway.com/versions/King-James-Version-KJV-Bible‬‬ ‫ ‬
‫الفقرة (‪ )5 :22‬من سفر التثنية (وهو الكتاب الخامس من اإلنجيل وفي الوقت نفسه أحد أهم مصادر‬ ‫(‪ )٧‬‬
‫العهد القديم (تعاليم اليهودية)‪:‬‬
‫‪.www.biblegateway.com/passage/?search=Deuteronomy+22%3A5&version=KJV‬‬ ‫ ‬
‫الفقرة (‪ )6-5 :11‬من الرسائل الكهنوتية للقديس بولس في اإلنجيل الكورنثي أحد أناجيل العهد‬ ‫(‪ )٨‬‬
‫الجديد‪.‬‬
‫الفقرة (‪ )6-3 :3‬من الرسائل الكهنوتية للقديس بطرس في إنجيل بطرس أحد أناجيل العهد الجديد‪.‬‬ ‫(‪ )٩‬‬
‫البد من اإلشارة هنا إلى أن الباحثة «كاثرين بولوك» قد اعتنقت اإلسالم وارتدت الحجاب أثناء‬ ‫(‪ )١٠‬‬
‫إعدادها لتلك الرسالة‪.‬‬
‫بولوك‪ ،‬كاثرين‪ .‬نظرة الغرب إلى الحجاب‪ :‬دراسة ميدانية موضوعية‪ ،‬مجاهد‪ ،‬شكري‪ 2011( .‬م)‪،‬‬ ‫(‪ )١١‬‬
‫مكتبة العبيكان‪ ،‬ص ‪.145‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪126‬‬


‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراءات‬
‫الكتاب‪ :‬وتبوح الهوامش البيضاء‬ ‫الكتاب‪ :‬األبعاد اإلنسانية يف الفكر التربوي العربي اإلسالمي‬
‫املؤلف‪ :‬عبد الرحمن بن صالح اخلميس‬ ‫املؤلف‪ :‬مالك بنت محمد صالح اللحيد اخلالدي‬
‫الناشر‪ :‬نادي اجلوف األدبي الثقايف‬ ‫الناشر‪ :‬مركز عبدالرحمن السديري الثقايف ‪ -‬الطبعة‬
‫األولى ‪2017‬م‬

‫صدر عن أدبي الجوف ديوان شعر‬ ‫اهتم المفكرون في العالم اإلسالمي بدراسة القيم‬
‫بعنوان «وتبوح الهوامش البيضاء»‬ ‫اإلسالمية في اإلسالم كأساس تقوم عليه التربية العربية‪،‬‬

‫صالح‬ ‫بن‬ ‫عبدالرحمن‬ ‫للدكتور‬ ‫ص الكثير من الدول على تبني القيم اإلنسانية‪،‬‬
‫وحَ رِ َ‬

‫الخميس‪ ،‬وقد جاء في (‪ )162‬صفحة‬ ‫وتعزيز المهارات البشرية في أنظمتها التعليمية لتعزيز‬
‫المعرفة‪ ،‬والمهارات‪ ،‬والمواقف‪ ،‬والقيم اإلنسانية‬
‫من القطع المتوسط‪ .‬اشتمل على‬
‫الالزمة إلحداث تغيرات تُمكِّن األطفال والشباب من‬
‫الكثير من القصائد اإلبداعية واللوحات‬
‫تنمية كامل قدراتهم‪ ،‬بما يؤهلهم للعيش والعمل بكرامة‪..‬‬
‫التشكيلية للفنانتين التشكيليتين مريم‬
‫والمشاركة الكاملة في التنمية‪ ،‬وتحسين نوعية حياتهم‪،‬‬
‫الحسن ونجالء محمد الغفيلي‪.‬‬
‫واتخاذ قراراتهم عن تبصر‪ ،‬واالستمرار في التعليم‪.‬‬
‫ومن قصائده‪ :‬على نغماتها أبوح‪،‬‬
‫ويستعرض هذا الكتاب أهم األبعاد اإلنسانية في الفكر‬
‫عدسات من ذاكرة المرايا‪ ،‬مقيمون‬
‫التربوي العربي المسلم‪ ،‬والتطبيقات التربوية لألبعاد‬
‫على سفر‪ ،‬مياسم‪ ،‬بقايا مودعة‪ ،‬أنين‬
‫اإلنسانية في وثيقة سياسة التعليم في المملكة العربية‬
‫تحت كبرياء الحب‪ ،‬ويبقى أمل‪.‬‬ ‫السعودية‪.‬‬
‫وله بحوث منشورة ومؤلفات عدة‪..‬‬ ‫وقد ارتأت هيئة النشر بمركز عبدالرحمن السديري‬
‫منها ديوان شعر بعنوان «كسور في‬ ‫الثقافي إصدار هذا الكتاب إلثراء الدراسات في هذا‬
‫جبيرة الصمت‪»..‬‬ ‫المجال التربوي المهم‪.‬‬

‫‪127‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬


‫تطبيقات التعلم اإللكتروني‬

‫يف تدريس الرياضيات‬

‫املؤلف ‪ :‬محمد بن جضعان بن محزم الشمري‬


‫الناشر ‪ :‬مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‪ -‬الطبعة األولى‬
‫السنة ‪2017 :‬م‬

‫يــهــدف الــكــتــاب إلــى الــتــعــرف على واقــع الصيانة الدائمة ألدوات التعلم اإللكتروني‬
‫اســتــخــدام أدوات التعلم اإللــكــتــرونــي في (الدعم الفني )‪ ،‬وتوفير معمل لتدريس المادة‬
‫تدريس الرياضيات في المرحلة االبتدائية‪ ،‬مجهزًا بأدوات التعلم اإللكتروني‪.‬‬
‫ومعوقاته وســبــل تطويره بمنطقة الــجــوف‪.‬‬
‫ويرى المؤلف أهمية االستمرار في تشجيع‬
‫ومــدى استخدام طــرق تدريس الرياضيات‬
‫الــدراســات والبحوث التي تتناول استخدام‬
‫ذات العالقة بالتعلم اإللكتروني‪.‬‬
‫التعلم اإللكتروني في تدريس مادة الرياضيات‬
‫وتأتي أهمية هذه الدراسة في هذا العصر والقيام بدراسات مستقبلية وافية حول سبل‬
‫الــذي بدأ التعلم اإللكتروني يتنامى بشكل‬
‫تعزيز استخدام أدوات التعلم اإللكتروني في‬
‫ملحوظ على حساب التعلم التقليدي في‬
‫تدريس المادة في المرحلة االبتدائية‬
‫الــمــدارس العادية‪ .‬وصــار للتعلم اإللكتروني‬
‫ويأتي إصدار مركز عبدالرحمن السديري‬ ‫مؤسساته األكاديمية ومدارسه المعتمدة في‬
‫الثقافي لهذا الكتاب ليكون حافزا للباحثين‬ ‫كثير من دول العالم‪.‬‬
‫ويــؤكــد الــمــؤلــف على ض ــرورة الحد من والتربويين ليحذوا حذو المؤلف في دراسة‬
‫معوقات استخدام أدوات التعلم اإللكتروني مختلف جوانب التعلم اإللكتروني في مجاالت‬
‫فــي تــدريــس م ــادة الــريــاضــيــات فــي المرحلة التعليم األسـ ــاس والــجــامــعــي فــي المملكة‬
‫االبتدائية بمنطقة الجوف‪ ،‬وتوفير البرامج العربية السعودية في ظل التطور الكبير‬
‫التعليمية لتلك المادة باللغة العربية‪ ،‬وأهمية الستخدامات التقنية اإللكترونية في العالم‬
‫تدريب معلميها على استخدام أدوات التعلم الــيــوم فــي مختلف مــجــاالت الحياة ‪ ،‬ولعل‬
‫اإللكتروني في التدريس ‪ ،‬إضافة إلى توفير التعليم يأتي في مقدمتها‪.‬‬
‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1439‬هـ (‪)2017‬‬ ‫‪128‬‬
‫من إصدارات اجلوبة‬
‫من إصدارات برنامج النشر في‬

‫صدر حديثا‬ ‫صدر حديثا‬

You might also like