Professional Documents
Culture Documents
حممد رسول اهلل ﷺ ،وعىلٍ احلمدُ هلل ،والصال ُة والسال ُم عىل نب ِّينا وحبيبِنا
هبديه واست َّن بسنتِهَّ ،أما بعدُ :
وعمل ِ َ ِ
آله وصحبِه ،و َمن اقت َفى َ
أثره
ِ
بجمعها ِ
عامني- نحوا ِمن ُ استغر َق تمتاز هذه املوسوع ُة -التي
العمل فيها ً َ ف ُ
ِ
أفضل ما كت َبه أئم ُة ِ
وانتقاء ٍ
واحد، ٍ
وعاء ِ
الرشيفة وفنوهنا يف ِ
النبوية ِ
السرية ألهم علو ِم
ِّ
ِ
األمة ،وقد ً
وقبوال لدى لقي شهر ًة ِ الصالح وعلامؤهم يف كل ِ ِ ِ
فن من فنوهنا ،مما َ
ٍّ سلفنا
الكتب وهتذيبِها ،نسأل اهلل اإلخالص والقبول.
ِ ِ
باختصار هذه قمتُ
ِ
الطبعات ِ
أفضل َ
تكون عىل ِ
املوسوعة أن كتب هذه ِ
اختصار ِ وكان منهجي يف
ِ
واالستطرادات ،وما أغنَى عنه ِ
الضعيف وما دونَه، ِ
حذف ٍ
كتاب ،مع ِ
املعتمدة ِّ
لكل
يب أو َمن دونَه ِ
ذكره ،وكذلك أسانيدُ األحاديث إال الصحا َّ سبق ُ
مكر ًرا َ
غريه ،أو كان َُّ
زدت يف عنواناته ِ
املصنف وترتيبِه ،فإن ُ حافظت عىل ِ
لفظ حيتاج الكال ُم إليه ،وقد
ُ مما ُ
اعتمدهتا.
ُ طبعة أخرى ِ
غري التي ني ،وكذا ما كان ِمن ٍ
شي ًئا وضعتُه بني معقو َف ِ
وقد جاء هذا اإلصدار األو ُل ِمن «موسوعة حممد رسول اهلل ﷺ» جامعا ِ
لستة ً ُ َّ َ
ِ ِ ٍ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ثامنية اختصار علو ٍم من علو ِم السرية النبوية الرشيفة وفنوهنا يف ستة جملدات ،ع َ
رب
كتب ،وهي عىل النحو التايل:ٍ
املجلد األول -1 :يف علم الدالئل [كتاب «دالئل النبوة» أليب نعيم (ت034هـ)]
املجلد الثاين -5 :يف علم السرية النبوية [كتاب «السرية النبوية» البن هشام
(ت552هـ)]
املجلد الرابع[ - :كتاب «زاد املعاد يف هدي خري العباد» البن قيم اجلوزية
(ت 715هـ)]
املجلد اخلامس -5 :يف علم حقوق النبي ﷺ[ :كتاب «الشفا بتعريف حقوق
املصطفى» للقايض عياض (ت100هـ)]
أهميته:
امسه ونسبه:
بن ِعياض ،ال َي ْحصبِ ُّيَ ،س ْبتِ ُّي
بن موسى ِ الفضل ِع ُ
ياض ب ُن عمرون ِ ِ هو أبو
ِ
األصل. أندليس ِ
وامليالد، ِ
الدار
ُّ
تاريخ مولده:
ُولِدَ القايض ُ
عياض يف منتصف شهر شعبان عام (076هـ) يف َس ْبتَة(.)1
نشأته وأخالقه:
ِ
األقوال احلال ،حممود ِ مريض ٍ
وصيانة، نش َأ أيب عىل ٍ
عفة قال عنه ابنُه حممدَ « :
َّ
حريصا عليه ،جمتهدً ا فيه، ً واحلذق ،طال ًبا للعل ِم ِ واألفعال ،موصو ًفا بالنُّ ْب ِل والفه ِم ِ
ِ ِ معظام عندَ األشياخِ ِمن ِ
واالختالف إليهم ،إىل أن املجالسة هلم أهل العل ِمَ ،
كثري ا
ِ
القراءة اظ كتاب اهلل تعاىل ،مع أهل زمانِه وساد عيل َة أقرانِهل فكان ِمن ح َّف ِ َبر َع َ
َ
علومه، ِ ِ
تفسريه وعيي ِع ِ
الوافر من ِّ
واحلظ ِ
اجلهري، ِ
والصوت ِ
العذبة، ِ
والنغمة ِ
احلسنة
ِ
للمسائل عاقدً ا فقيها ،حاف ًظا متكلام ً ً احلديث يف وقتِه ،أصول ايا ِ أئم ِة
وكان من َّ
ِ
شاعرا جميدً ا ،كات ًبا خطي ًبا، ً ِ
األدب، بصريا باألحكا ِم ،نحو ايا ر َّيانًا ِمن ً
ِ
للرشوط،
ِ
الدعابة، حلو ِ املجلس ، َ ِ ِ ِ حاف ًظا ِ
نبيل النادرةَ ، حسن َ والتواريخ، واألخبار للغة
العمل،ِ الصداقة ،دؤو ًبا عىل ِ كثري ِ حليامَ ،
سمحاَ ،ً العرشة ،جوا ًدا عييل ً صبورا
ً
.
()2
احلق»
صل ًبا يف ِّ
تصانيفه:
للقايض عياض تصانيف مفيدة ،منها :الشفا بتعريف حقوق املصطفى،
وإكامل املعلم يف رشح مسلم ،وتقريب املسالك يف ذكر فقهاء مذهب مالك،
وجامع التاريخ ،ومشارق األنوار يف اقتفاء صحيح اآلثار وغريها.
( )1أزهار الرياض يف أخبار القايض عياض ألمحد بن حممد املقري (.)2 /3
( )2ينظر :السابق.
( )3ينظر :الديباج املذهب البن فرحون(.)02/5
| 02خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى
أهميته:
ِ
أوائل عياض ِمن
ِ ِ
حقوق املصطفى للقايض ِ
بتعريف كتاب الشفا
ُ يعدُّ
ِ
بحسن ٍ
بمصنف ،وقد متيز النبي ﷺ وأفردهتا
خصائص َِّ املصنفات التي تناولت
ِ
وهباء لغته وفصاحتها. عرضه، ِ
وتقسيمه وعيال ِ ترتيبِه
ِ
وقدره رشف املصطفى ﷺ ِ ُ
يبحث يف ٍ
مصنف ُّ
وأجل أعيع
وكتاب الشفا ُ ُ «
ٍ
بأسلوب ٍ
عقدية، ٍ
أصولية ٍ
فقهية جوانب ُ
يتناول ذلك من ِ
اجلليل، العظي ِم ومنصبِه
َ
ٍ
وسنة بالدليل ِمن ٍ
قرآن ِ ٍ
ساطعة ،مؤيد ًة وبراهني
َ وحجج ٍ
قوية، ٍ ٍ
وبيان بديعٍ، بليغٍ،
ِ
واألئمة. ِ
السلف ِ
وأقوال
َ
ليكون ٍ
معاند ،وإنام قهر ٍ ِ والغاي ُة ِمن هذا
إقناع جاحد ،وال ََ الكتاب ليس
إيامن املؤمنني ،وحمب ًة يف ِ
سيد املرسلني ،وقد أبان ألعامل املسلمني ،وزياد ًة يف ِ
ِ منام ًة
ِ
األول»(.)1 الباب الراب ِع ِمن القس ِم
ِ أول ِ
الغاية يف ِ املصنف عن هذه
ُ
ترتيبه ومنهجه:
حرصت ِ
ومنهجه« : معر ًفا برتتيبِه ِ ِ ُ
ُ يقول القايض عياض يف مقدمة كتابهِّ ،
الكال َم فيه يف أربعة أقسا ٍم:
ً
وفعال. النبي ﷺ ً
قوال األول :يف تعظي ِم العَل األعىل ِ
لقدر هذا ِّ القسم ُ
ُ
ِّ
ِ
حقوقه ﷺ. جيب عىل األنا ِم ِمن
القسم الثاين :فيام ُ
ُ
( )1مقدمة الشفا للقايض عياض ،حتقيق عبده كوشك (ص 2بترصف يسري).
خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى|03
ويصح
ُّ يمتنع
ُ جيوز عليه ،وما ُ
يستحيل يف ح ِّقه ﷺ ،وما ُ ُ
الثالث :فيام القسم
ُ
ضاف إليه.
َ ِ
البرشية أن ُي ِ
األمور ِمن
ِ
األبواب، الكتاب ،ولباب ِ
ثمرة هذه ِ رس
ُ القسم -أكر َمك اهلل تعاىل -هو ُّ
ُ وهذا
ِ
البينات، ِ
النكت والدالئل عىل ما نور ُده فيه ِمن
ِ ِ
والتمهيدات ِ
كالقواعد وما قب َله له
ِ
التأليف وعدَ ه. ِ
غرض هذا واملنجز من
ُ احلاكم عىل ما بعدَ ه، وهو
ُ
ِ
وجوه األحكا ِم عىل َمن تن َّق َصه أو س َّبه ﷺ»(.)1 القسم الرابع :يف ترص ِ
ف ُّ ُ ُ
اهتمام العلماء به وثناؤهم عليه:
ِ ِ
وتنو َع ْت كتاب الشفا للقايض عياض ح اظا ً
وافرا من اهتام ِم العلامءَّ ، ُ وقد نال
ٍ
وهتذيب: ٍ
وترعية ٍ
ختريج ٍ
واختصار إىل الكتاب ِمن بني ٍ
رشح ِ طرق خدمتِهم هلذا
ُ
ِ
رشوحه املطبوعة: ِ
فمن
-5رشح املال عَل القاري (ت5450هـ).
-5نسيم الرياض يف رشح شفاء القايض عياض ،لشهاب الدين اخلفاجي
(ت5462هـ) ،وهو رشح موسع يف جملدات.
-3مزيل اخلفاء عن ألفاظ الشفاء ألمحد بن حممد الشمني (ت273هـ).
ومن خمتِصاته:
-5خمترص اإلسنوي (ت763هـ).
-5خمترص ملحمد بن حممود ،انتهى منه سنة 264هـ.
(( )1ص.)54
| 04خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى
ومن خترجياته:
-مناهل الصفا يف ختريج أحاديث الشفا جلالل الدين السيوطي (ت255هـ).
ِ
السبق: ِ
قصب ِ
العلامء عىل وقد حاز كتاب القايض عياض ِمن ِ
ثناء ُ
أكفاؤه كفايتَه
ُ كل اإلبداعِ ،وس َّل َم له ابن فرحون (ت722هـ)« :أبدَ َع فيه َّ قال ُ
ِ
للوقوف تشوفوا ِ ِ
االنفراد به ،وال أنكروا مزي َة فيه ،و م ي ِ
السبق إليه ،بل َّ ناز ْعه أحدٌ من
ِ
وطار ْت ن َُس ُخه رش ًقا وغر ًبا»(.)1
َ عليه ،وأنص ُفوا يف االستفادة منه ،ومح َله ُ
الناس عنه،
ً
جممال يف ِّف يف بابِه،
أعيع ما ُصن َ
وقال املال عَل القاري (ت5450هـ)ُ « :
االستقصاء» .
()2
ِ ِ
انتهاء ِ
الوصول إىل مكان ِ
االستيفاء لعد ِم إ ِ
وقال أمحد بن حممد املقري (ت5405هـ)« :ب َل َغ فيه الغاي َة القصوى ،وكان
ِ
السبق به قصب وبذ فيه املؤلفني وأر َبى ،وحاز ِ
اإلحسان مرتش ًفاَّ ، ِ
لرضوب فيه
َ
دوهنم ،وطار صيتُه رش ًقا وغر ًبا»(.)3
َ
الطبعة املعتمدة يف هذا املختصر:
ِ
املخترص عىل طبعة وحدة البحوث والدراسات بديب، عتمدت يف هذا
ُ ا
حتقيق عبده كوشك ،الطبعة األوىل ،سنة 5030هـ ،وقد اعتمد حمققه عىل طبعة
البجاوي ومقابلتها بنسخة من الكتاب حمفوظة باملكتبة الظاهرية.
اختصره
[مقدمة املصنف]
وأر َقيتَني بام ك َّلفتني ُمرت ًقى صع ًبا ،مأل قلبي ُرع ًبا ،فإن الكال َم يف ذلك َيستدعي رساْ ،ُع ً
ِ
احلقائق ،مما ودقائق من علم غوامض والكشف عن ٍ
فصول، رير أصولَ ، ٍ
َ َ َ وحت َ تقدير
َ
ِ
والرسول، جيوز عليه ،ومعرف ُة ِّ
النبي ُ متنع أو
ضاف إليه ،أو َي ُللنبي ﷺ و ُي ُ ِّ بَجي ُ
الدرجة العل َّي ِة.
ِ ِ
وخصائص هذه واملحبة واخل ِ
لة، ُ
ِ ِ
والرسالة والنبوة،
القسمُ األولُ
يف تعظيمِ العلي األعلى لقدرِ النيبِّ املصطفى ﷺ قولًا وفعلًا
| 21خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى
خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى|20
ال خفاء عىل من مارس شي ًئا من العل ِم ،أو ُخص بأدنى َمل ٍ
حة من فه ٍم َّ َ َ
َ ِ
ومناقب ال
َ وحماسن
َ بفضائل وخصوصه إياه بتعظي ِم اهلل تعاىل َ
قدر نبينا ﷺ
تنضبط ِلزما ٍم ،وتنوهيِه من عظي ِم قدره بام تكِ ُّل عنه األلسن ُة واألقال ُم:
ُ
مرسجا،
ً ملجام
ً أرسي به
َ بالرب ِاق ليلة
ِت ُ َ أنس :أن النبي ﷺ ُأ ِ َ عن ٍ
تفعل هذا؟ فام ركبك أحدٌ أكر ُم عىل ٍ
أبمحمد ُ ب عليه ،فقال له جربيل: فاستص َع َ
اهلل تعاىل منه! قال :فار َف َّض) (2عر ًقا(.)3
الباب األول :يف ثناءِ اهلل تعاىل عليه وظههارِه عظيمَ قدرِه لديه
ورشيف منزلتِه
ِ جل اسمه لنبيه ﷺ عىل عظي ِم ِ
نعمه لديه ِّ ُ تقرير من اهلل َّ
ٌ هذا
ِ
ومحل ِ
واهلداية ووسعه لوعي العل ِم رشح قل َبه لإليامن عنده وكرامتِه عليه بأن
َ
لسريها وما كانت عليه ِ ِ
اجلاهلية عليه ،وب َّغ َض ُه ِ
أمور فع عنه َ
ثقل ِ
ور َ
احلكمةَ ،
خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى|25
ِ
لتبليغه للناس ِ
والنبوة ِ
الرسالة ِ
أعباء َّ
وحط عنه ُعهد َة ِ
بظهور دينه عىل الدين ك ِّله،
وقرانِه مع ِ
اسمه فعه ِذكره ِما ن ُِّز َل إليهم ،وتَنوهيه بعظي ِم مكانه وجليل رتبتِه ور ِ
َ َ ُ
اسمه.َ
ِ
باسمه فقال تعاىل: واسمه رن طاعتَه بطاعتِه
كره معه تعاىل أن َق َ ومن ِذ ِ ِ
َ
(ﯼ ﯽ ﯾ) [آل عمران ،]535:و(ﭾ ﭿ ﮀ) [النساء،]536:
ِ
األنبياء عييع ِ
خصائصه وبر اهلل تعاىل به َّ ومما ُذكر من
أن اهلل تعاىل خاطب َ
إبراهيم ،يا موسى ،يا داو ُد ،يا عيسى ،يا نوح ،يا ِ
ُ بأسامئهم ،فقال تعاىل :يا آد ُم ،يا ُ
ُ
املزمل ،يا النبي ،يا أهيا ُ
الرسول ،يا أهيا ُّ زكريا ،يا حييى ،و م َيا َطب هو َّإال :يا أهيا
املدثر.
ُ أهيا
خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى|30
( )1أخرجه احلارث ابن أيب أسامة يف مسنده كام يف بغية الباحث ،)230( 275-275/5والطربي يف
التفسري ،25/50والدينوري يف املجالسة (.)5157
| 32خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى
اسمه﴿ :ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ
قال جل ُ
ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ
ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ
ِ
نزول هذه ِ
سبب ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [الضحى ]55 - 5 :اختُلف يف
فتكلمت امرأ ٌة يف ذلك ٍ
لعذر نزل به ِ
الليل النبي ﷺ قيا َم فقيل :كان ُ ِ
السورةَ ،
َ ترك ِّ
بكال ٍم( )1وقيل :بل تَكلم به املرشكون عند ِ
فرتة الوحي فنزلت هذه السور ُة(.)2
ِ
وتعظيمه إياه ست َة ِ
كرامة اهلل تعاىل له ،وتنوهيِه به، تضمنَت هذه السور ُة من
وجوه:
ِ ٌ
خرت لك من الشفاعة واملقا ِم املحمود ٌ
خري لك مما أعطيتُك يف سهل :أي :ما ا َّد ُ
الدنيا(.)1
بنرشه وإشاد َة ِ
رشفه به ِ ِ ِ
ذكره السادسَ :أ َم َره بإظهار نعمتَه عليه وشكره ما َّ
ُ
ِ
النعمة ِ
شكر بقوله تعاىل﴿ :ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [الضحى ]55 :فإن ِمن
احلديث هبا وهذا خاص له عام ألمتِه.
َ
وقال تعاىل ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ
ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ
ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ
ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ
ﮬ﴾ [النَجم.]52 - 5 :
وأقسم جل ِ
ورشفه العدِّ ما يقف دونه العدُّ ، ِ
فضله اآليات من
ُ تَضمنَت هذه
َ
وحي ُيوحى ِ
وصدقه فيام تال ،وأنه ِ
وتنزهيه عن اهلوى، ِ
هداية املصطفى، اسم ُه عىل
ٌ
رب تعاىل عن
وى ثم أخ َ ربيل عليه السالم وهو الشديدُ ال ُق ُأوصله إليه عن اهلل ِج ُ
َ
َصديق برص ِه فيام رأى ،وأنه
ِ وانتهائه إىل ِس ِ
درة املنتهى ،وت ِ ِ
اإلرساء ِ
بقصة فضيلته
ِ
اإلرساء. ِ
سورة آيات ِ
ربه الكربى ،وقد نَبه عىل مثل هذا تعاىل يف ِ
أول رأى من ِ
ِ
عجائب ِ
اجلربوت ،وشاهدَ ه من وملا كان ما كاشف ُه عليه السالم من ذلك
رمز عنه تعاىل ُ
العقولل َ ِ
بحمل سام ِع أدناه ُ
تستقل العبارات وال
ُ حتيط به ِ
امللكوت ال ُ
الدالة عىل التعظي ِم فقال تعاىل﴿ :ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ﴾ ِ ِ
والكناية ِ
باإليامء
ِ
واإلشارة ِ
بالوحي ِ
والبالغة أهل ِ
النقد النوع من الكال ِم يسميه ُ [النَجم ]54 :وهذا
ُ
اإلجياز ،وقال تعاىل ﴿ :ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ﴾ ِ ِ
أبواب وهو عندهم ُ
أبلغ
ِ
اآليات ِ
تفصيل ما أوحى ،وتاهت األحال ُم يف تعيني تلك انحرست األفها ُم عن
َ
الكربى.
خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى|35
ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ
ﯼ ﯽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ﴾ [القلم.]56 - 5 :
ِ
تنزيه املصطفى مما َغمصته َأقسم اهلل تعاىل بام أقسم به من عظي ِم َق ِ
سمه عىل َ َ
الكفر ُة به وتكذيبِهم له وآنس ُه وبسط أم َله بقولِه ُحمسنًا خطاب َه ﴿ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ
ِ
املحاورة، ِ
اآلداب يف ِ
درجات ِ
خاطبة ،وأعىل ِ
املربة يف املُ ﮓ ﮔ﴾ وهذه هناي ُة
ُ
يأخذه َعد وال يمت ُّن به وثواب ِ
غري منقطع ال ٍ أعلمه بام له عندَ ه من نعي ٍم دائم
ثم َ
منحه من هباتِه وهداهفقال تعاىل﴿ :ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ﴾ ثم أثنى عليه بام َ عليهَ ،
التأكيد ،فقال تعاىل﴿ :ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ِ ِ
َمجيد بحريف َتميام للت
إليه ،وأكدَ ذلك ت ً
الكريم ،وقيل :ليس لك مه ٌة
ُ الطبع
ُ ُ
القرآن ،وقيل :اإلسال ُم ،وقيل: ﮟ﴾ قيل:
إال اهلل.
ِ
الصادق ِ
بالوعيد ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ﴾ ثم َختم ذلك
ِ
وخامتة ِ ِ
بواره بقوله﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ﴾ فكانت نُرص ُة اهلل له َّ
أتم شقائه بتام ِم
ديوان ِ
جمده. ِ وأثبت يف
َ من نرصتِه لنفسه ،ور ُّده تعاىل عىل عدوه َ
أبلغ من رده،
| 38خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى
-6فصل فيما وردَ من قولِه تعاىل يف جهتِه عليه السالم َموردَ [الرأفة] واإلكرامِ
وأعلمه
َ املرشكني،
َ وهو َن عليه ما يلقى ِمن
ذكرَّ ،
قال َمكي :سال ُه تعاىل بام َ
بمن قب َله(.)1 أن َمن متادى عىل ذلك ُّ
حيل به ما حل َ
ِ
التسلية قو ُله تعاىل﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ﴾ [فاطر: ُ
ومثل هذه
ِ ]0
ومن هذا قو ُله تعاىل﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ
ِ ِ ربه به عن األم ِم
ومقاهلا السالفة ﭞ﴾ [الذارياتَ ]15 :ع َّزاه اهلل تعاىل بام أخ َ
ِ
كفار مك َة ،وأنه وساله بذلك عن ِحمنته بمثلِه من ِ ِ ِ
ألنبيائهم قب َله ،وحمنتهم هبمَ ،
ذره بقول ِه تعاىل﴿ :ﭧ ﭨ﴾ نفسه وأبان ُع َأول َمن لقي ذلك ،ثم ط َّيب َ ليس َ
ِ [الذاريات ]10 :أيَ :أ ِ
عرض عنهم﴿ ،ﭩ ﭪ ﭫ﴾ أي :يف أداء ما َب َ
لغت،
وإبال ِغ ما ُمح َ
لت.
ومث ُله قوله تعاىل﴿ :ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ﴾ [الطور ]02 :أيِ :
اصرب عىل
ٍ
كثرية من هذا بحيث نراك ونَحف ُظكَ ،س َّاله اهلل تعاىل هبذا يف ٍ
آي ُ أذاهم فإنك
ُ
املعنى.
| 41خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى
-7فصل فيما أخربَ اهلل تعاىل به يف كتابِه العزيزِ من عظيم قدرِه وشريفِ
منزلتِه على األنبياءِ وحظوةِ رتبتِه عليهم
غريه ٍ
بفضل م يؤته َ استخص اهلل تعاىل حممدً ا ﷺ
َّ القابسى:
ُّ ِ
احلسن قال أبو
َ
امليثاق بالوحي ،فلم اآلية ،قال املفرسونَ :
أخذ اهلل أبانَه به ،وهو ما ذكره يف هذه ِ
َ
أدركه َليؤمنن به ،وقيل :أن
وأخذ عليه ميثا َقه إن َ
َ ذكر له حممدً ا ونعتَه ْ
يبعث نب ايا إال َ
ويأخذ ميثا َقهم أن يبينوه ملَن بعدَ هم.
َ يبينَه ِ
لقومه،
-8فصل يف ظعال ِم اهلل تعاىل خلقَه بصالتِه عليه وواليتِه له ورفعِه العذابَ
بسببه
خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى|43
ويغفر لك.
ُ وينرصك
ذكرك يف الدنيا ُ ُ
يرفع َ
وقيلُ :
ِ
البالد عليه ِ
وفتح أهم فأع َل َمه بتام ِم نعمتِه عليه ،بخضو ِع متكربي عدوه له،
ونرص ِه
ِ املستقيم املبلغ اجلن َة والسعادةَ،
َ َ
الرصاط ذكره ،وهدايتِه
وأح ِّبها له ،ورف ِع ِ
قلوهبم، ِ
والطمأنينة التي جع َلها يف ِ ِ
بالسكينة ومنَّتِه عىل ِ
أمته املؤمنني العزيزِ ،
َ النرص
َ
ِ
والسرت لذنو ِهبم ،وهالك وفوزهم العظيم ،والعفو عنهم، ِ ِ
وبشارهتم بام هلم َبعدُ ،
ِ
وسوء منقلبِهم. عدهم من رمحتِهواآلخرة ،ولعنِهم وب ِ
ِ عدوه يف الدنيا
ُ ِّ
ثم قال ( :ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ
ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [الفتح ]2-2 :فعدَّ َد حماسنَ ُه
بتبليغ ِه الرسال َة هلم.
ِ ِ
لنفسه وخصائصه من شهادتِه عىل ِ
أمته ُ
ب .وقيل: بالتوحيد( ،ﯞ) ألمتِ ِه بالثوا ِ ِ وقيل( :ﯝ) هلم
حمذرا من الضالالتل ليؤم َن باهلل ثم به ِ ِ
بالعذاب .وقيلً : ومنذرا عدوه
ً باملغفرة،
َمن َسب َقت له من اهلل ا ُ
حلسنى.
ِ
تعظيمه. [ (ﯤ)] أيُ :جيلونه .وقيل :ينرصونَه .وقيلُ :يبالِغون يف
ِ
الفتح املبني عم خمتلف ٌة :من ِ ِ ٍ
للنبي ﷺ يف هذه السورة ن ٌ
ِّ عطاءُ :عي َع قال ابن
ِ
النعمة وهي من ِ
املحبة ،ومتا ِم ِ
واملغفرة وهي من أعال ِم وهي من أعال ِم اإلجابة،
ِ
واهلداية وهي من أعال ِم الوالية(.)1 ِ
االختصاص، أعال ِم
-11فصل فيما أههرهُ اهلل تعاىل يف كتابِه العزيزِ من كرامتِه عليه ومكانتِه
عنده وما خصَّه به من ذلك سوى ما انتظمَ فيما ذكرناه قبلُ
ِ
سورة سبحان والنجم ،وما ِ
اإلرساء يف ِ
قصة نص ُه تعاىل من
من ذلك ما َّ
ب. ِ
العجائ ِ انطوت عليه القص ُة من عظي ِم منزلتِه و ُقربِه ومشاهدتِه ما شاهدَ من
ِ
الناس بقوله( :ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) ومن ذلك :عصمتُه من
[املائدة.]67:
وقوله ( :ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ
ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [األنفال.]34:
وقوله ( :ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ
ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ
ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ
ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [التوبة.]04:
ِ
وخلوصهم أذاهم بعد َ َحت ُّز ِهبم هلُلكِه ِ
دفع اهلل به عنه يف هذه القصة من ُ
وما َ
هوهلم عن طلبِه يفخروجه عليهم ،و ُذ ِ ِ ِ
أبصارهم عند ِ
واألخذ عىل نج ايا يف أمره،
بن مالك ِ
وقصة رساق َة ِ ِ
السكينة عليه، ِ
ونزول ظهر يف ذلك من اآليات ِ
الغار ،وما َ
ِ
اهلجرة. ِ
وحديث والسري يف قصة ِ
الغار ِ ِ
احلديث ذكره ُ
أهل حسبام َ
ومنه قوله تعاىل( :ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ
حوضه.
ُ والكوثر
ُ ﮏ ﮐ ﮑ) [الكوثرَ ،]3-5:
أعلم ُه اهلل عز وجل بام أعطا ُه،
خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى|47
ِ
خصائ ِصه ،وقال تعاىل ( :ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ فهذه من
ِ
اخللق كاف ًة. فخصهم ِ
بقومهم ،و َب َ
عث حممدً ا ﷺ إىل ﮝ ﮞ) [إبراهيمَّ َ ]0:
وقال تعاىل﴿ :ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ﴾ [األحزاب،]6 :
أمر فهوأنفذه فيهم من ٍ
التفسري﴿ :ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ﴾ أي :ما َ ِ قال ُ
أهل
اتباع ِ
أمره أوىل من اتبا ِع ِ ِ ٍ
حكم السيد عىل عبده ،وقيلُ :
ُ ماض عليهم كام َيميض
ِ
النفس. ِ
رأي
خصوصا بقولِه تعاىل﴿ :ﭬ ﭭ ً ومن فضائِلِه ﷺ :إقسا ُم اهللِ تعاىل برسالتِه
ِ
الرسل باس ِم ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ﴾ [يس ،]3 - 5:بعدَ أن كان مع
ِ
الباب ُ
والرسل يف هذا الرسالة معمو ًما بقولِه تعاىل ﴿ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [غافر،]15: ِ
ِ
واملنزلة. عىل السواء فكان ذلك غاي َة ال َف ِ
ضيلة يف املرتبة
ِ
أنبيائه عليهم السالم أن جا َء ُهم َ
امليثاق عىل عيي ِع ومن فضائِلِه ﷺُ :
أخذ اهللِ ِ
ُ
اإليامن به وجب عليه
َ سول َّإال
الر َ
أحدٌ منهم َّدرك َونرصوه فلم َيكُن ل ُي ِ ٌ
رسول آ َمنوا به َ
والنرص ُة له ألَ ِ
خذه امليثا َق منهم ،فج َع َلهم كلهم َأتبا ًعا لهَ ،يلز ُمهم االنقيا ُد والطاع ُة له
لو َأ َ
دركوه.
خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى|49
الباب الثاني :يف تكميل اهلل تعاىل له احملاسن خَلقًا وخُلقًا وقرانه مجيعَ
الفضائل الدينية والدنيوية فيه نسقًا
ِ
الناس، بلة لبعض اجل ِ ِ
الغريزة وأصل ِ ِ
األخالق ما هو يف وقد يكون من هذه
ِ
أصل وبعضهم ال تكون فيه ف َيكت َِسبها ،ولكنه ال بد أن يكون فيه من أصوهلا يف ُ
ُ
األخالق دنيوية إذا م ُي َر ْد هبا ِ
اجلبلة شعب ٌة كام سنبينه إن شاء اهلل تعاىل ،وتكون هذه
ِ
العقول باتفاق أصحابِ والدار اآلخرة ،ولكنها كلها حماسن وفضائل وج ُه اهلل
ُ
ِ
موجب حسنها وتفضيلها. السليمة وإن اختلفوا يف
خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى|50
يرشف
ُ واجلالل ما ذكرناه ،ووجدنا الواحدَ منا ِ ِ
الكامل ُ
خصال إذا كانت
عيال أو قوة أو نسب أو ٍ ٍ ٍ
عرص ،إما من اثنتني إن اتف َقت له يف كل ِ ٍ
بواحدة منها أو
ُ ٍ ٍ
األمثال، رضب باسمه َ قدره و ُي
عظم ُ عل ٍم أو حلم أو شجاعة أو سامحة ،حتى َي َ
خوال رمم ٍ أثرة وعظم ٌة ،وهو منذ عصور ِ
القلوب َ و َيتقرر له بالوصف بذلك يف
يأخذه عد ُ اخلصال إىل ما الِ كل هذه قدر َمن اجتم َعت فيه ُّ ظنك بعظي ِم ِ بوال ،فام َ ٍ
الكبري املتعال ،من ِ ِ
بتخصيص حيلة إالٍ بكسب وال ٍ وال ُيعرب عنه ٌ
مقال ،وال ُينال
ِ
والرؤية، ِ
واإلرساء، ِ
واالصطفاء، ِ
واملحبة، ِ
واخللة، النبوة ،والرسال ِة،
ِ ِ
فضيلة
ِ
الرفيعة، ِ
والفضيلة ،والدرجة ِ
والوسيلة، ِ
والشفاعة، والدنو ،والوحي،ِ ِ
والقرب،
ِ
والصالة ِ
واألسود، ِ
األمحر ِ
والبعث إىل ِ
واملعراج، ِ
والرباق، ِ
املحمود، واملقام
ِ
احلمد ،والبشارة، ِ
ولواء وسيادة ِ
ولد آد ِم، ِ ِ
األنبياء واألم ِم، ِ
والشهادة بني ِ
باألنبياء،
ٍ
ورمحة ِ
واألمانة ،واهلداية، ِ
والطاعة َث َّم، ِ
العرش، ِ
واملكانة عند ذي ِ
والنذارة،
ِ
النعمة، ِ
القول ،وإمتام والكوثر ،وسامع ِ ِ
والسؤل، الرىض، ِ
للعاملني ،وإعطاء ِّ
ِ
وعزة ورشح الصدر ،ووض ِع الوزر ،ورف ِع الذكر، ِ تأخر، ِ
والعفو عام تقد َم وما
َ
احلكمة ،والكتاب ،والسب ِعِ ِ
وإيتاء ِ
والتأييد باملالئكة، ونزول السكينة،ِ ِ
النرص،
ِ
وصالة اهلل تعاىل ِ
والدعاء إىل اهلل، ِ
وتزكية األمة، ِ
والقرآن العظي ِم، املثاين،
ِ
واألغالل عنهم، ِ
واملالئكة ،واحلك ِم بني الناس بام أراه اهلل ،ووض ِع اإلرص
ِ
وإحياء املوتى، ِ
اجلامدات والعج ِم، ِ
وإجابة دعوته ،وتكلي ِم وال َقس ِم باسمه،
ِ
القمر ،ورد ِ
القليل ،وانشقاق ِ
وتكثري ِ
أصابعه، وإسام ِع الص ِم ،ونب ِع املاء من بني
| 52خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى
ِ
وظل الغامم، ِ
الغيب، ِ
والنرص بالرعب ،واالطال ِع عىل ِ
وقلب األعيان، ِ
الشمس،
ٌ
حمتفل ،وال ِ
عصمة من الناس ،إىل ماال حيويه ِ
وإبراء اآلال ِم ،وال ِ
وتسبيح احلىص،
ِ
اآلخرة فض ُله به ،ال إله غريه ،إىل ما أعدَّ له يف الدار
مانحه ذلك و ُم ِّ ِ ُ
حييط بعلمه إال ُ
ِ
والزيادة التي ِ
السعادة ،واحلسنى، ِ
ومراتب ِ
القدس، ِ
ودرجات ِ
الكرامة، ِ
منازل من
الوهم.
ُ وحيار دون أدانيها
ُ ُ
العقول تقف دوهنا
ُ
خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى|53
اآلثار
ُ أما الصور ُة وعياهلا [و]تناسب أعضائه يف حسنِهال فقد جاءت
أدعج(،)1 ِ
اللون، أزهر الصحيحة واملشهور ُة الكثرية بذلك :من أنه ﷺ كان
َ َ
ِ
األشفار(َ ،)4أ ْب َلج(َ ،)5أ َز َّج(َ ،)6أ ْقنَى(َ ،)7أ ْف َل َج(،)8 كل َ ،أ ْه َ
دب ()3
جل(َ ،)2أ ْش َ
َأ ْن َ
ِ
البطن والصدر(،)1 صدره ،سوا َء َ واسع اجلبنيَّ ،
كث اللحية متأل َ مدور الوجه،
ضخم العظامَ ،ع ْب َل( )2العضدين والذراعني َ ِ
الصدر ،عظيم املنكبني، واسع
َ
ِ ()3
دقيق
أنور املتجرد(َ ،)4
سائل األطراف َ ، َ واألسافل ،رحب الكفني والقدمني،
ِ
القصري املرتدد ،ومع ذلك فلم ِ
البائن ،وال القد ،ليس بالطويل املَرسبة( ،)5ربع َة ِ
َُْ
رج َل الشعر(.)6 الطول إال طاله ﷺِ ،ِ يكن يامشيه أحدٌ ينسب إىل
ِ
البطن والصدر) :مستوهيام. (( )1سوا َء
(َ ( )2ع ْب َل) :ضخم.
ِ
األطراف) طويل األصابع. َ
(سائل ()3
(أنور املتجرد) :املتجرد :ما جترد عند الثياب من البدن. َ ()4
رس َبة) املرسبة :خيط الشعر الذي بني الصدر والرسة. (دقيق املَ ْ ُ
َ ()5
(( )6رج َل الشعر):شعر رجل إذا م يكن شديد اجلعود وال سب ًطا. ِ
طهم) :املنتفخ الوجه ،وقيل الفاحش السمن. (( )7املُ َّ
(( )8املُ َك ْلثَم) الكلثمة :اجتامع حلم الوجه.
(ُض َب اللح ِم) قليله. (ْ َ )9
خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى|55
أطيب من ريح
َ ربا ُّ
قط وال مسكًا وال شي ًئا شم ْمت عن ً
فعن أنس قال :ما َ
رسول اهلل ﷺ(.)1
ٍ
بقارورة جتمع ونام رسول اهلل ﷺ يف دار أنس عىل نطع فعرق ،فجاءت أ ُّمه
رسول اهلل ﷺ عن ذلك ،فقالت :نج َع ُله يف ِطيبنا ،وهو من
ُ فيها عر َقه ،فسأهلا
ِ
أطيب ال ِّطيب(.)2
ِّ
باملحل األفضل، وأما فصاح ُة اللسان وبالغ ُة القول فقد كان ﷺ من ذلك
واملوض ِع الذي ال ُجي َهل ،سالسة طبعٍ ،وبراع َة منزعٍ ،وإجياز مقطعٍ ،ونصاعة لفظ،
ٍ وجزالة ٍ
ص ببدائع جوامع الكلمُ ،
وخ َّ َ قول ،وصحة معان ،وقلة تكلفُ ،أو َ
ِت
وحياورها بلغتِها
ُ
ِ
بلساهنا كل ٍ
أمة منها َياطب َّ
ُ ِ
العرب ،فكان احلكم ،و ُع ِّل َم ألسن َة
و ُيبارهيا يف منز ِع بالغتِها.
فصل [يف كالمه املعتاد وفصاحته املعلومة وجوامع كلمِه وحِكَمه املأثورة]
ِ
وإضاعة املال ،ومن ٍع وهات، وكثرة السؤال، ِ عاد ُن»( ،)1وهن ُيه عن ِقيل وقال،
م ِ
الق ِ
يامة»( ،)3إىل ما امت يوم ِ
وو ْأد البنات ،وقوله« :ال ُّظ ْل ُم ُظ ُل ٌ
وعقوق األمهاتَ ،
()2
روتْه الكا َّف ُة عن الكا َّف ِة من مقاماتِه وحماُضاتِه وخطبِه وأدعيتِه وخماطباتِه َ
غريه وحاز فيها سب ًقا ال خالف أنه َ ِ
قاس هبا ُ نزل من ذلك مرتب ًة ال ُي ُ َ وعهوده ،ممَّا ال
قدره.
ُيقدَ ُر ُ
وقد عيعت من كلامته التي م ُيس َبق إليها وال قدَ َر أحدٌ أن يفر َغ يف قا َلبه
ِ ِ
مرت ْني»( ،)5يفطيس» ،و«ال ُيلدغ املُؤم ُن من ُج ْح ٍر َّ عليها كقوله« :محي الو ُ
()4
ِ
حكمها. الفكر يف أداين ويذهب به مضمنِها ب يف در ُك ِ
أخواهتا ما ُي ِ
ُ ُ َّ الناظر العج َ
ُ
ِ
ورونق ِ
احلاُضة البادية وجزالتِها ،ونصاع ُة أ ِ
لفاظ ِ ِ
عارضة فج ِم َع له ﷺ قو ُة ُ
بعلمه برشي.حييط ِ
الوحي الذي ال ُ ِ
التأييد اإلهلي الذى َمدَ ُده ِ
كالمها ،إىل
ُ
ت ِم ْن خ ِري ُق ِ
رون بني آدم قرنًا عن أيب هريرة أن رسول اهلل ﷺ قالُ « :ب ِع ْث ُ
كنت ِمن الق ْر ِن الذي ك ُ
ُنت منه»(.)1 ُ فقرنًا ،ح َّت
أُضب:
فصلناه فعىل ثالثة ُ
وأما ما تدعو ُضورة احلياة إليه ممَّا َّ
ُ -ضب ال َف ْضل يف ِق َّلته.
-وُضب الفضل يف كَثرته.
-وُضب َختتلِف األحوال فيه.
أخذ من هذين ال َفن َّْني باألقل ،هذا ما ال ُيدفع من ِسريته، النبي ﷺ قد َوكان ُّ
َ
باآلخر. أح ِدمها ِ
وحض عليه ،ال س َّيام بارتباط ََّ وهو الذي أ َمر به
وعاء
ً ابن آدم
كرب أن رسول اهلل ﷺ قال« :ما مَل ُ بن َمعدي ِ عن املِقدام ِ
أكالت ي ِقمن ص ْلبه ،فإن كان ال حمالة ف ُث ُلث لط ِ
عامه ٍ حسب ِ
ابن آدم رشا ِمن ب ْطنِه،
ُ ْ ُ ُ ًّ
و ُث ُلث لَشابه و ُث ُلث لنف ِسه»(.)1
ويف صحيح احلديث قولهَّ « :أما أنا فال آك ُُل ُمتَّكئًا»( )2واالتكاء هو التمكُّن
لألكل والت َق ْعدُ ُد يف اجللوس له كاملرت ِّبع وشبهه من َمتكُّن اجللسات التي يعتمد
اجلالس عىل ما حتتَه ،واجلالس عىل هذه اهليئة َيستدعي األكل و َيستكثِر منه، ُ فيها
جلوس املستوفِز(ُ )3م ْق ِع ًيا(.)4
َ جلوسه لألكل
ُ والنبي ﷺ إنام كان
والرضب الثاين :هو ما َيت َِّفق التَّمدُّ ح ب َك ْثرته والفخر ُبوفوره كالنِّكاح
رشعا وعادة فإنه دليل الكامل وصحة ُّ
الذكورية و م فم َّت َفق فيه ً
واجلاه ،فأ َّما النِّكاح ُ
َيز ِل التفاخر بكثرته عادة معروفة والتامدح به سرية ماضية.
ِ
أفضل هذه األُمة ُ
أكثرها ُ فسنة مأثورة ،وقد قال اب ُن عباس:
وأما يف الرشع ُ
نِسا ًء( .)1مشريا إليه ﷺ.
بعضهم :إنه كانحصور ليس كام قال ٌُ فاعلم أن ثنا َء اهلل تعاىل عىل حييى بأنه
ِ أنكر هذا ُح ُ
العلامء ،وقالوا :هذه ذاق املفرسين ،ونقا ُد هيو ًبا أو ال َذك ََر له ،بل قد َ
ِ
الذنوب ،أي :ال ِ
باألنبياء ،وإنام معناه أنه معصو ٌم من نَقيص ٌة وعيب ،وال ُ
يليق
ِ
الشهوات .وقيل :ليست له شهو ٌة يف نفسه منرص عنها ،وقيل :مان ًعا َ يأتيها كأنه ُح َ
ِ
النساء.
ُ
الفضل يف نقص ،وإنام ِ ِ
النكاح ٌ القدرة عىل فقد بان لك من هذا أن عد َم
ٍ
بكفاية من اهلل ٍ
جاهدة كعيسى عليه السالم أو ِ
كوهنا موجودة ،ثم قمعها إما بم
ٍ
األوقات حاط ًة كثري من ِ
لكوهنا شاغلة يف ٍ تعاىل كيحيى عليه السالم فضيل ًة زائدة
ِ
بالواجب فيها ،و م تشغله أقدر عليها و ُم ِّلكَها ،وقام
إىل الدنيا ،ثم هي يف حق َمن َ
ِ
عبادة ربه ،بل عن ربه درج ٌة ُعليا ،وهي درج ُة نبينا ﷺ الذي م تَشغله ُ
كثرهتن عن
ِ
للفوائد التي ذكرناها يف غريه ،واستعاملِه لذلك ليس لدنياه بل آلخرتِهل أمر دنيا ِ ِ
ويعني عليه حيض عىل اجلام ِع ِ ِ ِ ِ
ُ أيضا مما ُّ
الطيبل وألنه ً املالئكة يف وللقاء التزويج،
ُ
وحيرك أسبا َبه.
ِ
القوة يف هذا ،و ُأعطي الكثري منهل وهلذا ُأبيح له من قدر عىلوكان ﷺ ممن ُأ َ
احلرائر ما م ُيبح ِ
لغريه. ِ ِ
عدد
ِ
والنهار وهن ِ
الليل عن أنس أنه ﷺ كان َيدور عىل نسائه يف الساعة من
إحدى عرشةَ ،قال أنس :و ُكنَّا نَتحدَّ ث أنه ُأ َ
عطي قو َة ثالثني ً
رجال(.)3
ِ ِ ِ
القلوب ،وقد وأ َّما اجلا ُه فمحمو ٌد عند ال ُع َقالء عادة ،وب َقدْ ر جاهه ع ُ
ظمه يف
قال اهلل تعاىل يف صفة عيسى عليه السالم ﴿ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﴾ [آل عمران،]01 :
لكن آفاته كثريةل فهو ُم ِرض ببعض الناس لعقبى اآلخرة :فلذلِك ذ َّمه من ذ َّمه
األخالق احلميدة واآلداب الرشيفة التي اتَّفق ِ صال املكتسب ُة من اخل ُوأما ِ
َّ
الواحد منهاً ،
فضال ِ تفضيل صاحبِها ،وتعظي ِم املُت ِ
َّصف باخلُ ُل ِق ِ ِ
العقالء عىل عييع
ُ
عام فو َقه ،وأثنى الرشع عىل ِ
عييعها وأ َم َر هبا ،وو َعدَ السعاد َة الدائم َة للمتخ ِّل ِق هبا، ُ َّ
ُ
االعتدال بحسن اخلُ ُل ِق ،وهو ِ ِ ِ
املسام ُة ُ
بعضها بأنه من أجزاء النبوة ،وهي َّ ف َ ووص َ
َ
منحرف أطرافِها،ِ والتوسط فيها ،دو َن امليل إىل
ُ النفس وأوصافِها،ِ يف ُق َوى
ِ
واالعتدال إىل غايتها، فجمي ُعها قد كانت ُخ ُل َق نب ِّينا ﷺ عىل االنتهاء يف كامهلا،
حتى أثنى اهلل عليه بذلك فقال تعاىل ﴿ :ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﴾ [القلم،]0 :
القرآن .وقال ﷺُ « :ب ِع ْثت ألَُتِّم مكارم
َ قالت عائشة :كان ُخ ُلقه ﷺ
أحسن الناس ُخل ًقا(.)2
َ أنس :كان رسول اهلل ﷺ
األ ْخالق» ،وقال ٌ
()1
ِ
األنبياء واملرسلني ،و َمن طا َل َع ِس َريهم منذ ِصباهم إىل َمب َعثهم ِ
لسائر وهكذا
وسليامن وغريهم عليهمَ ف من حال عيسى وموسى وحييى ح َّق َق ذلك كام ُع ِر َ
السالم.
ٍ
،م بيشء ممَّا كانت اجلا،لية تفع ُله َّإال َّ
مرت ْني وقال يف حديثه ﷺ« :مل أ َّ
فعصمني اهللُ منهام ُثم مل أ ُعدْ »(.)3
أنوار
ُ ُ
وترشق نفحات اهلل تعاىل عليهم،
ُ وترتادف
ُ األمر هلم،
ُ ثم َيتمك ُن
ِ
بالنبوة ِ
باصطفاء اهلل تعاىل هلم ِ
الغاية و َيبلغوا قلوهبم ،حتى َيصلوا إىل ِ
املعارف يف ِ
ٍ
رياضة قال اهلل تعاىل: ٍ
ممارسة وال اخلصال الرشيف ِة النهاي َة دون
ِ ِ
حتصيل هذه يف
﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ﴾ [القصص.]50 :
ِ
األخالق دون عييعها و ُيو َلد عليها نجد غريهم يطبع عىل بعض هذه وقد ِ
لقه بعض الصبيان ُشاهد من َخ ِ
فيسهل عليه اكتِساب َمتامها عناية من اهلل تعاىل كام ن ِ
َ ُ
حسن السمت أو الشهامة أو ِصدق اللسان أو السامحة ،وكام ِ
بعضهم
نجد َ ِ َّ ْ عىل
ِ
وبالرياضة واملجاهدة ُيستج َلب كمل ناقصها، ِ ِ
عىل ضدِّ ها ،فباالكتساب َي ُ
تفاوت الناس فيها، ِ عتدل ُم ِمعدومها ،وي ِ
نحرفها ،وباختالف هذين احلالني َي َ َ
يُس ملا ُخلِق له»(.)1 « ٌّ
وكل ُم َّ
وهذا كله مما أ َّدب اهلل تعاىل به نب َّيه ﷺ فقال تعاىل ﴿ :ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ
ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﴾ [األعراف.]522 :
وقال له ﴿ :ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﴾ [لقامن ،]57 :وقال
تعاىل﴿ :ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﴾ [األحقاف ،]31 :وقال ﴿ :ﮈ
ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ﴾ [النور ،]55 :وقال تعاىل ﴿ :ﯹ
ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﴾ [الشورى ،]03 :وال خفاء بام يؤثر من ِحلمه
وحفظت عنه هفوة ،وهو ﷺ ال َيزيد عرفت منه زل ٌة ِواحتِامله ،وأن كل َحليم قد ِ
ِ ِ
ربا وعىل إرساف اجلاهل َّإال ً
حلام. مع كثرة األذى إال ص ً
اختار
َ عن عائشة قالت :ما ُخ ِّري رسول اهلل ﷺ يف أمرين ُّ
قط إال
إثام كان أبعدَ الناس منه ،وما انتقم رسول اهلل ﷺ
إثام ،فإن كان ً
أيرسمها ما م يكن ً
ََ
لنفسه إال أن تُنتَهك حرمة اهلل تعاىل ِ
فينتقم هلل هبا(.)1 ِ
ُ
الرجل :اعدلل فإن هذه قسم ٌة ما ُأريدَ هبا وج ُه اهلل .م ِيزده يف
ُ وملا َ
قال له
قال له ،قال« :وحيك ،فمن ي ِ
عد ُل جوابِه أن َب َّني له ما َج ِه َله وو َع َظ َ
نفسه وذكرها بام َ
عدل»( )2وهنى من أرا َد من أصحابِه قتله. عدل؟ ِخبت وخ ُِست إن مل أ ِ إن مل أ ِ
ِ
الشاة بعد سمته يف ِ
عفوه عن اليهودية التي َّ خربه يف العفو ُ ومن عظيم َ
اعرتافها -عىل الصحيح من الرواية -وأنه م يؤاخذ َلبيدَ ب َن األعصم إذ َ
سحره، ()3 ِ
عتب عليه ً
فضال عن معاقبته(.)4 ِ وقد ُأعلِم به و ُأ ِ
برشح أمره ،وال َ وح َي إليه
عليه وسلم.
بعضهم
والسخاء والسامحة ومعانيها متقاربة ،وقد فرق ُ
وأما اجلود والكرم َّ
بينها بفروق:
وسم ْوه
َّ خطره ونف ُعه،
ُ ِ
بطيب النفس فيام يعظم َ
اإلنفاق فجعلوا الكرم:
أيضا :حري ًة وهو ضدُّ النذالة.
ً
ٍ
نفس وهو ضد ِ
بطيب والسامحة :التجايف عام َيستح ُّقه املرء عند غريه
ِ
كاسة. َّ
الش
والسخاء :سهولة اإلنفاق وجتنب اكتساب ما ال ُحيمد وهو اجلو ُد وهو ضد
ُ
التقتري.
كل ِ
األخالق الكريمة وال ُيبارى ،هبذا وص َفه ُّ فكان ﷺ ال يوازى يف هذه
عر َفه :فعن جابر بن عبد اهلل قال :ما ُس ِئل النبي ﷺ عن يشء فقال :ال(،)1
َمن َ
ِ
باخلري وأجو َد ما كان يف عباس :كان النبي ﷺ أجو َد الناس ٍ وقال ابن
ِ
باخلري من الريح ُ
جربيل عليه السالم أجو َد شهر رمضان ،وكان إذا لقيه
فرجع إىل بلده وقال: غنام بني جبلني َ املرسلة( ،)2وعن أنس أن ً
رجال سأله فأعطاه ً َ
َأسلِموا فإن حممدً ا يعطي عطاء من ال ََي َشى فاقة( ،)3وأعطى غري ِ
واحد مئ ًة من َ ُ
صفوان مئ ًة ُثم مئ ًة ثم مئ ًة( ،)4وهذه كانت ُخ ُلقه ﷺ قبل أن ُيبعث
َ اإلبِل ،وأعطى
الكل ،وت ِ بن نوفل :إنك َحت ِمل َّ
َكسب املعدو َم( ،)5ور َّد عىل وقد قال له ورق ُة ُ
الذهب ما م ُي ِطقَ اس من ِ
هواز َن سباياها وكانوا ستَّة آالف ،و َأعطى الع َّب َ
()6 ِ
كثري. ِ ِ
رب بجوده وكرمه ﷺ ٌ محله .واخل ُ
()7
َْ
وفر
املواقف الصعبةَّ ،
َ حرض وكان ﷺ منهام باملكان الذي ال ُجي َهل ،قد َ
ربح ،و ُمقبِل ال ُيدبِر وال َيتزحزح،
الك َُام ُة واألبطال عنه غري مرة وهو ثابت ال َي َ
()1
وأما احلياء واإلغضاء :فاحلياء :رقة تَعرتي وج َه اإلنسان عند فِعل ما ُيتو َّقع
عام َيكره اإلنسا ُن ِ
خريا من فعله ،واإلغضا ُء :التغا ُفل َّ
كراهته ،أو ما َيكون تركُه ً
بطبيعته.
وأكثرهم عن العورات إغضا ًءل قال اهلل َ ِ
الناس حيا ًء النبي ﷺ أشدَّ
وكان ُّ
سبحانه﴿ :ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾
[األحزاب.]13 :
ُ
رسول اهلل ﷺ أشدَّ حياء من ال َعذراء يف اخلدري كان ِّ عن أيب سعيد
عر ْفناه يف وجهه(.)2 ِخدرها ،وكان إذا ِ
كره شي ًئا َ
يكرههل حيا ًء
ُ الظاهر ،ال ُيشافِ ُه أحدً ا بام
ِ رقيق ِ
البرشةَ ، لطيف
َ وكان ﷺ
اضطره الكال ُم إليه ممَّا يكر ُه.
َّ وكر َم ٍ
نفس ،وكان يكني عام
ِ
باألسواق متفح ًشا وال َّ
سخا ًبا ً
فاحشا وال النبي ﷺ قالت عائش ُة :م يك ِ
ِّ ُن ُّ
وال َجيزي بالسيئة السيئة ،ولكن َيعفو و َيص َفح(.)3
وأما ُحسن ِعرشته وأ َدبه و َبسط ُخلقه ﷺ مع أصناف اخلَ ْلق فبحيث
انت ََرشت به األخبار الصحيح ُة.
كل قو ٍم ،ويوليه كريم ِّ َ رسول اهلل ﷺ يؤ ِّل ُفهم وال ُين ِّف ُرهم ،ويكرم ُ وكان
ٍ وحيرتس منهم من ِ
يطوي عن أحد منهم بِ َ
رش ُه وال َ غري أن ُ الناس
َ وحيذر
ُ عليهم،
كل ج ِ
جليسه أن أحدً ا أكر ُم
ُ حيسب
ُ لسائه نصي َبه ،ال ُخل َقه ،يتفقدُ أصحا َبه ،و ُيعطي َّ ُ
املنرصف عنه ،ومن
ُ صابره حتى يكو َن هو ٍ
حلاجة جالسه أو قار َبه عليه منهَ ،من
َ َ
الناس بس ُطه وخل ُقه وسعالقول ،قد ِ
ِ ٍ
بميسور من سأ َله حاج ًة م ير َّده إال هبا أو
َ
احلق سوا ًء.
فصار هلم أ ًبا ،وصاروا عندَ ه يف ِّ
وكان َيق َبل اهلدية ولو كانت ُك َرا ًعا( ،)1و ُيكافِئ عليها.
قط، أنس خدَ مت رسول اهلل ﷺ عرش ِسنني فام قال يلُ :أ ٍّ
فُّ . قال ٌ
وما قال ليشء صنَعتُه :م صنَ ْعتَه .وال ليشء َتر ْكتُه :م َتركتَه(.)2
حجبني رسول اهلل منذ َأس َلمت ،وال رآين َّإالوقال جرير بن عبد اهلل :ما َ
وجيلِسهم داعب ِصبياهنم ُ
ُ يامزح أصحابه وَيالطهم وحيادثهم و ُي
ُ َبسم( ،)1وكان ت َّ
املرىض يف أقىص ِ
والعبد واألَ َمة واملسكني ،ويعو ُد َ احلر
يب دعو َة ِّوجي ُ
يف َحجرهُ ،
ِ
املعتذر. ِ
املدينة ،و َيق َبل ُعذر
الرجل هو قال أنس :ما الت َقم أحدٌ أ ُذ َن النبي ﷺ فينحي رأسه حتى يكون ُ
اآلخر ،و م ُي َر
ُ فري ِسل يده حتى ُيرسلها
أخذ أحد ب َيده ُ رأسه ،وما َالذي ينحي َ
ٍ
جليس له(.)2 مقد ًما ُركبتيه بني يدَ ْي
وأما الشفق ُة والرأفة والرمح ُة جلمي ِع اخلَ ْلق فقد قال اهلل تعاىل فيه ﴿ :ﮱ
ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﴾ [التوبة]552 :
وقال تعاىل﴿ :ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﴾ [األنبياء ،]547 :قال بعضهم:
اسم ْني من أسامئه فقال ﴿ :ﯘ من فضله عليه السالم أن اهلل تعاىل َأعطاه َ
ﯙ ﯚ﴾ [التوبة.]552 :
ومن ش َفقته عىل ُأ َّمته ﷺ ختفيفه وتسهيله عليهم ،وكراهته أشيا َء خمافة أن
تُفرض عليهم كقوله« :لوال أ ْن أ ُش َّق عىل ُأمتِي ألمر ُُتم بِالس ِ
واك مع ك ُِّل ِّ ْ ُْ َّ ْ َ
وهنيهم عن ِ ٍ ()1
الوصال(.)2 وخرب صالة الليل َ
ُوضوء» َ ،
وعاهده فقال« :أ ُّيام ر ُج ٍل سب ْب ُت ُه أ ْو لعنْ ُت ُه ْ
فاجع ْل َ ومن ش َفقته ﷺ أن دعا ر َّبه
القيام ِة»(.)3 ذلِك له زكا ًة ورمح ًة وصال ًة وطهورا و ُقرب ًة تُقربه ِِبا إِليك يوم ِ
ْ ْ ِّ ُ ُ ُ ً ْ ْ ُ
قولسم َع َجربيل عليه السالم فقال له :إن اهلل تعاىل قد ِ ُ وملَّا َّ
كذبه قو ُمه أتاه
اجلبال لتَأمره بام ِشئت فيهم .فناداه ِ لك وما َر ُّدوا عليك ،وقد أ َم َر م َلك قومك َ َ
شئت أن ُأطبق عليهم َ شئت ،وإن َ اجلبال وس َّلم عليه وقالُ :م ْرين بام م َلك ِ
ُي ِرج اهللُ ِم ْن أ ْص ِ ِ
الِب ْم م ْن ي ْع ُبدُ اهلل و ْحد ُه النبي ﷺ« :ب ْل أ ْرجو أ ْن ُ ْ
األخش َب ْني .قال ُّ َ
َش ُك بِ ِه ش ْيئًا»(.)4
وال ُي ْ ِ
ِ
وعظة خماف َةتخولنا بامل ُ
رسول اهلل ﷺ َي َّ وقال اب ُن مسعود :كان
ِ
السآمة علينا(.)1
بعريا وفيه ُصعوب ٌة ،فج َع َلت تُر ِّدده ،فقال رسول اهلل ِ
وعن عائش َة أهنا ركبت ً
الر ْف ِق»(.)2 ِ
ﷺ« :عل ْيك بِ ِّ
الرحم ،ف َع ْن أنس كان النبي وصلة ِ وأما ُخ ُلقه ﷺ يف الوفاء وحسن العهد ِ
ُ ْ َّ
ت صديق ًة ِخلدجية ،إِ ََّّنا ﷺ إذا ُأ ِِت هبدية قال« :ا ْذ،بوا ِِبا إِىل بي ِ
ت ُفالنة؛ فإِ ََّّنا كان ْ ْ َ
كان ْ ِ
ب خدجية»(.)3 ت ُُت ُّ
سمعه امرأة ما ِغ ْرت عىل َخدجي َةل ملِا ك ُ
ُنت َأ َ
ٍ وعن عائش َة قالت :ما ِغ ْرت عىل
ِ ()4 يذكُرها ،وإن كان ليذبح الشا َة في ِ
َت عليه أختُها الئلها ،واستَأ َذن ْ هدهيا إىل َخ ُ َ َ َ
فارتاح إليها(.)5
ِ وقال ﷺ« :إِ َّن آل بني ُف ٍ
أن َُل ْم ً
رمحا سأ ُب ُّلها الن ل ْيسوا يل بأ ْولياء ،غ ْري َّ
بِب ِ
الَلا»(.)6
محلها(.)1
سجد وض َعها ،وإذا قام َ
فإذا َ
وتعرفت له َ
بسط ِ ِ ِ وملا ِجيء بأختِه من
هوازن َّ الشيامء -يف سبايا الرضاعة –
ِ
ورجعت إىل أقمت عندي مكرم ًة ُحمبب ًة ،أو م ِ
تعتك ِ ِ
أحببت هلا ردا َءه وقال هلا« :إن
ُ
فاختارت قو َمها فمتَّعها(.)2 ِ
قومك»
َ
ورفعة ُرت َبتِه فكان أشدَّ الناس تواض ًعا َواضعه ﷺ عىل ُعلو م ِ
نصبه ِ ِّ َ وأ َّما ت ُ
ربا ،وحس ُبك أنه ُخ ِّري بني أن يكون نب ايا ملِكًا أو نب ايا عبدً ا فاختار أن يكون ِ
وأ َق َّلهم ك ً
نب ايا عبدً ا(.)3
بن م َّت »( .)6و«ال تُف ِّضلوا َواضعه ﷺ قو ُله« :ال تُف ِّضلوين عىل ُيونُس ِومن ت ُ
ك ِم ْن إِ ْبرا،يم»، بني األ ِ
نبياء»( .)7و«ال ُخت ِّريوين عىل ُموس »( ،)8و«ن ْح ُن أح ُّق بِ َّ
الش ِّ
ِ
الداعي»( .)1وقال للذي قال له :يا الس ْج ِن ألج ْب ُ
ت ف يف ِّ ت ما لبِث ُي ُ
وس ُ و«ل ْو لبِ ْث ُ
را،يم»(.)2
ُ الرب َّي ِة« :ذلك إِ ْب
خري َ َ
ويرقع ثو َبه، وحيلب شاتَه، هنة َأهلِه َيفَل ثو َبهَ ، بيته يف ِم ِ
وعن عائش َة :كان يف ِ
ُ
البعري ،ويأكُل ناض َحه ،و َي ُق ُّم البيت ،و َيعقلوَيدم نفسه ،ويعلف ِ وَي ِصف نع َلهَ ، َ
َ َ َ
السوق(.)3 عجن معهاِ َ ، ِ
اخلادم ،و َي ِ
وحيمل بضاعته من ُّ مع
َأخذ ب َي ِد رسول كانت األَمة من ِ
إماء أهل املدينة لت ُ ِ أنس :إن وعن ٍ
َ
قيض حاجتها(.)4 ِ اهلل ﷺ فتَنطلِق به ُ
حيث شاءت حتى َي َ
فصل [يف عدله ﷺ وأمانته وعِفَّته وصِدق لَهْجته]
َ
وأعدل وصدق َهلْجته ،فكان ﷺ آ َم َن الناس، وأما عد ُله ﷺ وأمانته ِ
وع َّفته ِ
َّ
اعرتف له بذلك ُحمادوه ِ
وعداه. ُّ وأعف الناس ،وأصدَ َقهم َهلْجة منذ كانَ َ ،
َّ الناس،
األمني.
َ نبوته:
سمى قبل َّ
وكان ُي َّ
َ
سفيان فقال :هل كُنتم َتتَّهمونه بالكذب قبل أن يقول ُ
هرقل عنه أبا وسأل
ما قال؟ قال :ال(.)5
ِ
وخُست إن مل أعد ْل؟! ِخ ْبت
يعدل إن مل ِ
الصحيح« :و ْحيك! فمن ُ
ِ وقال يف
ْ
ِ
أعد ْل»(.)6
كثري ِ
هديه ،فكان وقاره ﷺ وصمتُه وت َُؤدتُه ومروؤتُه وحس ُن ُ وأما
َ
عييل ،وكان ضحكُهٍ تكلم ِ
بغري حاجةُ ،يعرض عمنٍ يتكلم يف ِ
غري ِ
السكوت ال
َ ُ
التبسمل
َ ضحك أصحابِه عنده
ُ تقصري ،وكان
َ َ
فضول وال تبسام ،وكال ُمه ً
فصال ،ال ً
توقريا له واقتدا ًء به.
ً
األصوات وال ُت ْؤ َب ُن فيه
ُ ُرفع فيه ٍ
وخري وأمانة ،ال ت ُ جملس حل ٍم وحياءجملسه ُُ
الطري. ِ
رؤوسهم َ
أطرق ُجلساؤه كأنام عىل تكلم حل ُر ُم( ،)1إذا
َ َ ا ُ
اهلدي هدي ٍ
حممد ﷺ(.)2 ِ وقال عبدُ اهلل ب ُن مسعود :إن أحس َن
ُ
قالت عائش ُة :كان رسول اهلل ﷺ ُحيدِّ ث حدي ًثا لو عدَّ ه العا ُّد أحصاه(،)3
وحيض عليهام ،ويقول: الطيب والرائح َة احلسن َة ويستعم ُلهام ً
كثريا َ َ وكان ﷺ حيب
ِ إيل ِمن ُدنياكُم
الصالة»( )4ومن وجعلت ُقر ُة عيني يفيبُ ،النساء وال ِّط ُ
ُ « ُح ِّبب َّ
ِ
باألكل مما يَل(،)6 واألمر
ُ النفخ يف الطعا ِم والرشاب(،)5
ِ ُمروءتِه ﷺ َهن ُيه عن
ِ
الفطرة(.)8 ُ
واستعامل خصال ِ
والرواجب، واألمر بالسواك( )7وإنقا ُء الرباج ِم
ُ
حل ُر ُم):أي ال يذكر بسوء.
(( )1وال تُؤْ َب ُن فيه ا ُ
( )2أخرجه البخاري (.)6422
( )3أخرجه البخاري ( ،)3167ومسلم (.)5023
( )4أخرجه النسائي (.)3232
( )5أخرجه أبو داود ( ،)3752وابن ماجه ( ،)3522والرتمذي (.)5222
( )6أخرجه البخاري ( ،)1376ومسلم (.)5455
( )7أخرجه البخاري ( ،)227ومسلم (.)515
( )8أخرجه مسلم (.)565
خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى|80
وعن ِ
عائش َة قالت :ما شبِ َع رسول اهلل ﷺ ثالث َة أيام تبا ًعا من ُخبز ٍّبر حتى
لسبيلِه(.)3
مَض َ َ
مها وال شا ًة وال ُ عائش ُة :ما َترك وقالت ِ
دينارا وال در ً
رسول اهلل ﷺ ً
بعريا(.)4
ً
وأرضا ج َعلها
ً ويف حديث َعم ِرو بن احلارث :ما َترك َّإال ِسالحه وبغلته
َصدَ قة(.)5
وقالت عائش ُة :ول َقدْ مات وما يف بيتي يشء َيأكُله ذو كبِد َّإال َ
شطر شعري يف
ف يل(.)6
َر ٍّ
نارا ،إن هو َّإال التمر وعنها قالت :إن كُنا َآل حممد لنَمكُث ً
شهرا ما نستوقد ً
واملاء(.)1
ُ
رسول اهلل ﷺ عىل خوان وال يف ُسك ُُّر َجة( ،)2وال وعن ٍ
أنس قال :ما أك ََل
ُخبِ َز له مر َّقق ،وال ر َأى شا ًة َس ِم ْي ًطا(ُّ )3
قط(.)4
ِ
وعن عائش َة :إنام كان فراش رسول اهلل ﷺ الذي ينا ُم عليه أد ًما َح ُ
شوه
ليف(.)5
ٌ
ٍ
برشيط حتَّى ُيؤ ِّثر يف جنبه(.)7 ٍ ()6
وكان ﷺ ينام َأحيانًا عىل َرسير َمرمول
راء ِم ْن ُأ ْد ِم
حديث آخر يف ِصفة موسى« :كأحس ِن ما أنْت ٍ
ْ َ
ٍ وقال يف
الر ِ
جال»(.)4 ِّ
ِ
نسب ،وكذلك ويف َحديث هرقل :وسألت َُك عن َ
نسبه فذك َْرت أنه فيكم ذو َ
ُبعث يف أنساب ِ
قومها(.)1 الرسل ت ُ
ُ
أيوب ﴿ :ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﴾ [ص ،]00 :وقال
َ وقال تعاىل يف
تعاىل ﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ
ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ
ﭱ ﭲ ﴾ [مريم ،]51 - 55 :وقال ﴿ :ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ
ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ﴾ [آل عمران ،]32 :وقال ﴿ :ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ
ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﴾ [آل
نوح ﴿ :ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﴾ [اإلرساء ،]3 :وقال:
عمران ،]30 - 33 :وقال يف ٍ
﴿ ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ
ﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﴾ [آل عمران،]06 - 01 :
وقال ﴿ :ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ
ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﴾ [مريم ،]35 - 34 :وقال ﴿ :ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ
ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [األحزاب.]62 :
ِِ ِ ِ
قال النبي ﷺ« :كان ُموس ر ُج ًال حيِ ًّيا ست ًِّريا ،ما ُيرى م ْن جسده ْ
َش ٌء
احلديث ،وقال تعاىل عنه ﴿ :ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ َ ياء» ِ
ْاست ْح ً
()2
ٍ
شعيب عليه موسى ﴿ :ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﴾ [الكهف ،]62 :وقال تعاىل عن
السالم ﴿ :ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﴾ [القصص ،]57 :وقال ﴿ :ﯩ ﯪ
ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﴾ [هود،]22 :
وقال﴿ :ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﴾ [األنبياء ]70 :وقال ﴿ :ﯦ ﯧ
ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﴾
[األنبياء.]24 :
ِ
وحماسن أخالقهم الدا َّلة عىل كامهلم، آي كثرية ،ذكَر فيها من ِخصاهلم
يف ٍّ
ابن الكري ِم ِ
ابن ابن الكري ِم ِ وجاء من ذلك يف األحاديث كثري كقوله« :إِنَّام الكري ُم ُ
نبي ِ
ابن نبي ِ
ابن ٍّ ابن ٍّ
نبي ُ بن إِ ْسحاق ِ
بن إبرا،يمٌّ ، بن يعقوب ِ
ف ُوس ُ
الكريمُِ :ي ُ
نبي»(.)1
ٍّ
ِ
َس« :وكذلك ْاأل ْنبِ ُ
ياء تنا ُم أ ْع ُين ُُه ْم وال تنا ُم ُق ُ ُ
لوِب ْم»(.)2 ويف حديث أن ٍ
الباب الثالث :فيما ورَ َد من صَحيح األخبار ومَشهورها بعظيم قَ ْدره عِند رَبِّه
ومَنزِلته وما خَصَّه به يف الدارَ ْين من كَرامته عليه السالم
عالهم ِ
اخللق عندَ اهلل ،و َأ ُ وأفض ُل
وس ِّيد و َلد آ َد َمَ ،
البرشَ ،
كرم َ ال ِخ َ
الف أنه َأ َ
درج ًة ،و َأ َ
قر ُهبم زل َفى.
-1فصل فيما ورَد من ذِكر مكانته عند ربه عز وجل واالصطِفاءِ ورِفعة الذِّ ْكر
والتفضيل ،وسِيادة ولَد آدمَ وما خصَّه به يف الدنيا من مزايا الرتَب
إن اهلل اصطف ِمن ِ
ولد ُ
رسول اهلل ﷺَّ « : وعن واثِل َة ِ
بن األسق ِع قال :قال
ولد إسامعيل بني كِنانة ،واصطف من بني كِنانة
إبرا،يم إسامعيل ،واصطف ِمن ِ
ٍ
قريش بني ،اشم ،واصطفاين من بني ،اش ٍم»(.)1 ُق ً
ريشا ،واصطف من
َصعب عليهل فقال له َ بالرباق ليل َة ُأرسي به فاست ِ ِتأن النبي ﷺ ُأ ِ َ وعن ٍ
أنس َّ
تفعل هذا؟ّ فام َركبك أحدٌ أكر ُم عىل اهلل منه ،فار َف َّض عر ًقا(.)2 بمحمد ُ ٍ ُ
جربيل:
يت َخ ًْسا -ويف عبد اهلل أنه ﷺ قالُ « :أ ْعطِ ُ روى عنه أبو هرير َة وجابر بن ِ
ُ َ
ت يل ب مسرية ش ْه ٍر ،و ُج ِعل ْ ُِص ُت بِ ُّ
الر ْع ِ ِ
بعضها :ستًّا -مل ْ ُي ْعط ُه َّن نبِ ٌّ ق ْبيل :ن ْ
ِ
بن ِ
عام ٍر أنه قال :قال ﷺ« :إِ ِّين فر ٌط لك ُْم وأنا شهيدٌ عل ْيكُم، وعن ُعقب َة ِ
وإين
ضِّ ، يت مفاتيح خزائِ ِن األ ْر ِ
وإين قدْ ُأعطِ ُ
هلل أل ْن ُظ ُر إىل ح ْويض اآلنِّ ،
وإين وا ِ
ِّ
خاف عل ْيكم أن تنافسوا َُشكوا ب ْعدي ،ولكِنِّي أ ُ خاف عل ْيكُم أن ت ِواهللِ ما أ ُ
فيها»(.)1
ِ
اآليات ْبياء إِ َّال وقدْ ُأ ْعطِي ِمن
وعن أيب هرير َة ،عنه ﷺ« :ما ِمن نبِي ِمن ْاألن ِ
ْ ٍّ ُ
إيل ،فأ ْرجو أ ْنيت و ْح ًيا أ ْوح اهللُ َّ البَش ،وإِنَّام كان ا َّلذي ُأوتِ ُ ُ ما ِم ْث ُل ُه آمن عل ْيه
القيام ِة»(.)2 أكون أكْثر،م تابِعا يوم ِ
ُ ْ ً
عجزات ِ
وسائر م ِ عجزاته ما ِبق َيت الدنيا، معنى هذا عند املُح ِّققني :بقاء م ِ
ُ ُ ُ
عجزة القرآن َي ِقف عليها احلاُض هلا ،وم ِ
ُ ُ
ِ شاهدها َّإال ذهبت للحني ،و م ي ِ
ُ األنبياء َ
القيامة. َقرن بعد َقرن عيانًا ال خربا إىل يوم ِ
ً ْ ْ
ؤمنني،إن اهلل قدْ حبس عن مكَّة الفيل وس َّلط عليها رسوله واملُ ِ وقال ﷺَّ « :
ْ ْ
ار» (.)3ت يل ساع ًة ِم ْن َّن ٍ ُت ُّل ِألح ٍد ب ْعدي ،وإِنَّام ُأ ِح َّل ْ
وإَِّنا مل ِ
َّ
ربيل .قيل :وم ْن معك؟ قالُ :حم َّمدٌ .قيل :وقدْ ربيل فقيل :من أنت؟ قالِ :ج ُ ج ُ
ِ ِ ِ ِ
فرحب يب ودعا يل بخ ْري، ُبعث إل ْيه؟ قال :قد ب ُعث إليه ،ف ُفتح لنا ،فإذا أنا بآدم ﷺ َّ
ربيل ،فقيل :من أنت؟ قال :ج ُ
ربيل: ِ
الثانية ،فاست ْفتح ج ُ ُثم عرج بنا إىل الس ِ
امء َّ
قيل :وم ْن معك؟ قالُ :حم َّمد .قيل :وقدْ ُب ِعث إليه؟ قال :قد ُب ِعث إل ْيه .ف ُفتِح لنا،
فرحبا يب
ابن مريم وحيي بن زكر َّيا صىل اهلل عليهام َّ ِ اخلالة ِعيس
ِ فإذا أنا با ْبن ِي
األول «ف ُفتِح لنا فإذا أنامثل َّالسامء الثالِ ِثة» فذكَر َ
ِ ودعوا يل بخ ْريُ ،ثم عرج بنا إىل
فرحب يب ودعا يل بخ ْريُ ،ثم عرج بنا احل ِ
سنَّ ، وسف ﷺ وإذا ،و قد ُأعطِي شطر ُ ب ُي ُ
ِ ِ ِ
فرحب يب ودعا يل بخ ْري ،قال اهللُ السامء الرابِعة» وذكَر مث َله «فإِذا أنا بإِدريس َّ إىل َّ
اخلامسة» فذكَرِ تعاىل ﴿ :ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﴾ [مريمُ ،]17 :ثم عرج بنا إىل السامء
الساد ِ ِ
سة» فرحب يب ودعا يل بخ ْريُ ،ثم عرج بنا إىل َّ
السامء مث َله «فإِذا أنا ِبارون َّ
فذكر مثله «فإِذا أنا بموس فرحب يب ودعا يل بخ ٍري ُثم عرج بِنا إىل الس ِ
امء َّ ْ َّ ُ
عمور ،وإذا ،و ِ ِ
البيت امل عة» فذكَر ِمث َله «فإِذا أنا بإبرا،يم ُمسنِدً ا ظ ْهره إىلالسابِ ِ
درة ا ُملنته ،كل يو ٍم سبعون أ ْلف مل ٍك ال يعودون إليهُ ،ثم ذ،ب يب إىل ِس ِ دخله َّ ي ُ
ْ
غشيها من أ ْم ِر اهلل ما َّ
غش الل ،قال فلام ِ لة ،وإذا ثمر،ا ِ
كالق ِ الفي ِ
كآذان ِ
ِ وإذا ور ُقها
َّ ُ
إيل ما تغ َّريت؛ فام أحدٌ من خ ْلق اهللِ يستطيع أن ينعتها من ُح ْسنها ،فأ ْوح اهللُ َّ
وليلة ،فنز ْلت إىل ُموس فقال :ما ٍ كل يو ٍمعيل َخسني صال ًة يف ِّ أوح ،ففرض َّ
ارج ْع إىل ر ِّبك فاسأ ْله لتَ :خسني صالة .قالِ : فرض ربك عىل ُأ َّمتك؟ ُق ُ
وخربُتم».
ْ فإين قد بل ْوت بني إرسائيل التخفيف؛ فإن ُأ َّمتك ال ُيطيقون ذلكِّ ،
ف عن ُأ َّمتي .فح َّط عنِّي َخ ًسا فرج ْعت ت إىل ر ِّيب ف ُق ْلت :يا ِّ
رب خ ِّف ْ قال« :فرج ْع ُ
فار ِج ْع إىل ربك ِ
إن ُأ َّمتك ال ُيطيقون ذلك؛ ْ فقلت :ح َّط عنِّي ً
َخسا .قالَّ : ُ إىل ُموس
خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى|93
رجع بني ريب تعاىل وبني موس ح َّت قال :يا فاسأ ْله التخفيف» قال« :فل ْم أز ْل أ ِ ْ
عَش ،فتِلك َخسون صالةً، لكل صالة ٌ
ٍ ٍ
وليلة ِّ كل يو ٍم ُحممد إَّنن َخس صل ٍ
وات َّ َّ َّ ُ َّ ُ
عَشا ،ومن َّ ،م ِ ِ ِ
ومن َّ ،م بحسنة فل ْم يعملها كُتبت له حسنة ،فإن عملها كُتبت له ً
ت عملها كُتِبت سيئة ِ
واحدة» .قال« :فنز ْل ُ بسيئة فلم يعملها مل تُكتب شيئًا ،فإن ِ
ِّ ْ ْ ِّ
ارج ْع إىل ر ِّبك فاسأ ْله التَّخفيف» .قال ح َّت انته ْيت إىل موس فأخربته فقالِ :
ْ
ت ِمنه»(.)1 ت :قدْ رج ْعت إىل ر ِّيب ح َّت است ْحي ْي ُ رسول اهلل ﷺ« :ف ُق ْل ُ
ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﴾ [اإلرساء.]64 :
ريش تسألني عن م ُْساي، احل ْجر ،و ُق ٌ وعن أيب هريرة« :لقدْ رأيتُني يف ِ
ْ
ت ِم ْثل ُه ق ُّط ،فرفع ُه ا ُ
هلل يل أن ُظ ُر فسألتْني ع ْن أ ْشياء مل ُأ ْثبِتْها ،فك ُِر ْب ُ
ت ك ْر ًبا ما ك ُِر ْب ُ
إل ْي ِه»(.)3
الق ِ
يامة رسول اهلل ﷺِ « :آِت باب اجلن َِّة يوم ِ ُ أنس قال :قال وعن ٍ
قول :بِك ُأ ِم ْر ُت ال أفت ُح ألح ٍد
قولُ :حم َّمدٌ .في ُ قول ِ
اخلاز ُن :م ْن أنْت؟ فأ ُ فأ ْست ْفتِ ُح في ُ
ق ْبلك»(.)1
سول اهلل ﷺ« :ح ْو ِيض مسرية ش ْه ٍر، مرو قال :قال َر ُ بن َع ٍ عبد اهلل ِ وعن ِ
وعن أيب موسى ،عنه ﷺُ « :خ ِّ ْري ُت ب ْني أ ْن يدْ ُخل نِ ْص ُ
ف ُأ َّمتي اجلنَّة
للم ْذنِبني ِ
للمتَّقني؟ ال ،ولكنَّها ُ
ِ
الشفاعة؛ أل ََّّنا أع ُّم ،أتر ْوَّنا ُ َت ُت َّ اخ ْ فاعة ف ْالش ِ وب ْني َّ
اخل َّطائني»(.)2
عليك يف َ وردلت :يا رسول اهلل ماذا َ وعن أيب هرير َة قالُ :ق ُ
الشفاعة؟ فقال« :شفاعتي مل ِ ْن ش ِهد أن ال إله َّإال اهللُ ُخملِ ًصا ُيصدِّ ُق لِسان ُه ق ْل ُب ُه»(.)3
بمقام حممد؟ َيعنِي :الذي َيب َعثه الفقري :سمعت َ
ِ ِ جابر بن عبد اهلل ليزيدَ
وقال ُ
اهلل فيه قال :ن َع ْم .قال :فإنه َمقام حممد املَحمود الذي َُي ِرج اهلل به َمن َُي ِرجَ .يعنِي:
جلهنَّم ِّيني(.)4 ِ
من النار ،وذكر َحديث الشفاعة يف إخراج ا َ
بعض-ٍ بعضهم عىل حديث ِ ُ دخ َل
وغريمها َ - ِ أنس وأيب هرير َة ِ
رواية ٍ ويف
الق ِ
يامة في ْهت ُّمون -أو قال :ف ُي ْلهمون- واآلخرين يوم ِ
ِ األولني
هلل َّ
جيم ُع ا ُ
قال ﷺْ « :
بعضهم يفآخر« :ماج الناس ُ ٍ فيقولون :ل ِو است ْشفعنا إِىل ربنا»(ِ ،)1
طريق َ ومن ِّ ْ ْ
الغم ما ال
الشمس؛ فيبلغُ الناس من ِّ
ُ بعض»( ،)2وعن أيب هريرة(« :)3وتدنو
ُيطيقون ،وال حيت ِملون فيقولون :أال تنْ ُظرون من يشفع لكم؟!
البَش ،خلقك اهللُ بي ِده ،ونفخ فيك من ِ في ْأتون آدم فيقولون :أنت آد ُم أبو
َشء ،اشف ْع لناٍ وحه ،وأسكنك جنَّته ،وأسجد لك مالئِكته ،وع َّلمك أسامء ِّ
كل ر ِ
ُ
غضب ِعند ربك حت يرحينا من مكانِنا ،أال ترى ما نحن فيه؟! فيقول :إن ريب ِ
ِّ ُ ُ ِّ
رة فعص ْيت، اليوم غضبا مل يغضب قبله مثله وال يغضب بعده ِمثلهَّ ،ناين عن الشج ِ
ْ ً
ن ْفيس ن ْفيس ،ا ْذ،بوا إىل غريي ،اذ،بوا إىل نوحٍ .
بموس فإنه ِ كذ َهبن «ن ْفيس ن ْفيس ،ل ُ ويذكُر ثالث كلِ ٍ
امت َ
ست َلا ،ولك ْن عل ْيكم ُ َ
ِ ()2 ٍ
ليم اهلل -ويف رواية :فإنه عبدٌ آتاه اهلل التوراة وك َّلمه َّ
وقربه نج ًّيا .- ك ُ
)1 (
ت َلا ،ويذكُر خطيئته التي أصاب وقتْله النفس، قول :ل ْس ُ في ْأتون موس في ُ
وح اهللِ وكلِمتُه .فيأتون عيس ِ
ويقول :نفيس نفيس ،ولك ْن عل ْيكم بعيس فإنه ُر ُ
أخر. حم ٍد ع ْب ٍد غفر اهللُ له ما تقدَّ م ِم ْن ذ ْنبِه وما ت َّ
بم َّ
ِ
ت َلا ،ولك ْن عل ْيكُم ُ في ُ
قول :ل ْس ُ
ت تأذ ُن عىل ر ِّيب ،ف ُيؤذن يل فإذا رأ ْيتُه وق ْع ُ فأوت فأقول :أنا َلا فأنطلِ ُق فأس ِ ُ
ْ
رواية :فأقو ُم بنيٍ فأخ ُّر ساجدً ا( .)4ويف العرش ِِ ساجدً ا( - )3ويف رواية :فآِت ُتت ِ
لهمنيها اهلل( .)5ويف ِرواية :فيفتح اهللُ أقدر عليها إال أنه ُي ِ يديه فأمحدُ ه بمحامد ال ُ
قال :يا حممدُ وح ْسن ال َّثناء عليه شيئًا مل يفت ْحه عىل أح ٍد ق ْبيل( -)6ف ُي ُ ِ
عيل من حمامده ُ َّ
رب ارف ْع رأسك ،س ْل تُعطه ،واشف ْع ُتش َّف ْع .فأرفع رأيس فأقول :يا ر ِّب ُأ َّمتي ،يا ِّ
األيمن من أبواب ِ ِ
الباب دخ ْل من ُأ َّمتك من ال ِحساب عليه من ُأمتي .فيقول :أ ِ
َّ
ِ ()7 ِ
كاء الناس فيام سوى ذلك من األبواب» . و،م ُرش ُ اجلنَّةُ ،
فيقال يل: أنس هذا الفضل ،وقال مكانَه« :ثم أ ِخ ُّر ساجدً ا ُ ِ
رواية ٍ و م ُيذكر يف
فأقول :يا ُ يا حممدُ ،ارفع رأسك ،وقل ُيسمع لك ،واشفع تُشفع ،وسل تُعطه،
عرية من رة أو ش ٍ حبة من ب ٍ مثقال ٍ
رب ،أمتي أمتي ،فيقال :انطلِق ،فمن كان يف قلبِه ُ
ُ ِّ
وذكر مثل ِ
املحامد» أرج ُع إىل ريب فأمحده بتلك فأفعل ،ثم ِ ُ إيامن؛ فأخرجه فأنطلِق، ٍ
َ
وأرجو أن أكون أنا ،و ،فمن سأل اهلل يل الوسيلة ح َّلت عليه الشفاع ُة»(.)1
درجة يف ِ
اجلنة(.)2 ٍ ٍ
حديث آخر عن أيب هريرةَ :الوسيل ُة :أعىل ويف
ِ
والرسالة ،فإن األنبيا َء فيها عىل ِ
النبوة ِ
التفضيل يف حق منع
الرابعُ :
ُ الوجه
ِ
األحوال ِ
زيادة ُ
التفاضل يف ُ
يتفاضل ،وإنام شئ واحدٌ ال ٍ ٍ
حد واحد إذ هي ٌ
ُ
َتفاضل، نفسها فال ت واأللطاف ،وأما النبو ُة يف ِ
ِ ِ
والرتب ِ
والكرامات ِ
واخلصوص
زائدة عليهال ولذلك منهم ُرسل ،ومنهم أولو عز ٍم من ٍ ٍ
بأمور ُأخر ُ
التفاضل وإنام
بعضهم
احلكم صب ًيا ،وأوِت ُ
َ ِ
الرسل ،ومنهم َمن ُرفع مكانًا عل ًيا ،ومنهم من أوِت
ٍ
درجات قال اهلل تعاىل: بعضهم
كلم اهلل ورفع َ ِ
وبعضهم البينات ،ومنهم َمن َ ُ الزبر،
ُّ
﴿ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾ [اإلرساء ]11 :وقال﴿ :ﭑ ﭒ
ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﴾...اآلية [البقرة.]513 :
ِ
بثالثة ُ
والتفضيل املرا ُد هلم هنا يف الدنيا ،وذلك بعض أهل العل ِم:
قال ُ
وأكثر ،أو َ
تكون أمتُه أزكى وأشهر ،أو أهبر َ ٍ
َ َ تكون آياتُه ومعجزاتُه َ أحوال :أن
خصه اهلل به من كرامتِه
راجع إىل ما َّ
ٌ وأطهر ،وفض ُله يف ذاته
َ َ
أفضل يكون يف ذاتِه
َ
ِ
وحتف واليته، رؤية ،أو ما شاء اهلل من ألطافِه،
واختصاصه من كال ٍم ،أو خلة ،أو ٍ
ِ
ِ
واختصاصه.
| 016خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى
ِ
اجلالح بن أحيحة ِ
بن ِ أحدُ هم هو ،واهلل أعلم حيث ُ
جيعل رساالته ،وهم :حممدُ ُ
َ
سفيان البكري ،وحممدُ ب ُن
ُّ بن مسلم َة األنصار ُّي ،وحممدُ ب ُن براء
األويس ،وحممدُ ُ
ُّ
سابع هلم.
َ محران اجلعفي ،وحممدُ ب ُن خزاعي السلمي الَ بن ِ
بن جماشعٍ ،وحممدُ ُ
يظهر
َ َسمى به أن َيدعي النبو َة أو يدعيها أحدٌ له ،أو
ثم محى اهلل كل من ت َّ
أمره حتى حتق َقت السمتان له ﷺ ،و م َ
ينازع فيهام. يشكك أحدً ا يف ِ
ُ عليه سبب
ِ
احلديث، ففرس يف وأما قو ُله ﷺ« :وأنا املاحي الذي يمحو اهلل يب الكفر»
َ
ِ
األرض ووعدَ أنه ِ
العرب وما ُزوي له من ِ
وبالد ِ
الكفر إما من مك َة ُ
ويكون حمو
ِ
والغلبة كام قال تعاىل: ِ
الظهور ُ
يكون املحو عا اما بمعنى يبل ُغه ملك أمتِه ،أو
﴿ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾ [التوبة.]33 :
وعهدي
الناس عىل قدمي» أي :عىل زماين َ
احلارش الذي ُحيَش ُ
ُ وقو ُله« :وأنا
مي أي :ليس بعدي نبي كام قال تعاىل﴿ :ﯱ ﯲ﴾ [األحزابُ ]04 :
وس َ
العاقب الذي ِ
الصحيح« :أنا ِ
األنبياء ،ويف غريه من
ُ عقب عليه السالم َ
َ عاق ًبال ألنه
نبي».
ليس بعدي ٌّ
الناس بمشاهدَ ِت كام قال تعاىل:
ُ وقيل :معني «عىل قدمي» :أيُ :حيرش
﴿ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ﴾ [البقرةَ .]503 :
وقيل:
«عىل قدمي» :عىل ساب َقتي ،قال اهلل تعاىل﴿ :ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾ [يونس:
ِ َ .]5
القيامة .وقيل: إيل يو َم وقيل« :عىل قدمي» :أيُ :قدامي َ
وحويل أيَ :جيتمعون َّ
«عىل قدمي» عىل ُسنتي.
| 018خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى
ِ
املتقدمة وعند ِ
الكتب ٍ
أسامء» قيل :إهنا موجود ٌة يف ومعني قولِه« :يل َخس ُة
ِ
السالفة ،واهلل أعلم. أويل العل ِم من األم ِم
ومن أسامئه تعاىل :الشهيدُ ،ومعناه :العا م ،وقيل :الشاهد عىل ِعباده يوم
وسامه شهيدً ا وشا،دً ا فقال ﴿ :ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﴾ ِ
القيامةَّ ،
[الفتح ،]2 :وقال ﴿ :ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﴾ [البقرة ]503 :وهو َ
بمعنى
األول.
َّ
ُ
املفضل .وقيل: ِ
اخلري .وقيل: الكثري الكريم ،ومعناه: ِ
أسامئه تعاىل: ِ
ومن
ُ ُ
العَل.
العفو .وقيلُّ :
ُّ
كريام بقولِه﴿ :ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ﴾ [احلاقةَ ]04 :
قيل :حممدٌ . وسامه تعاىل ً
َ
ُ
جربيل. َ
وقيل:
ومعاين االسم صحيح ٌة يف ِ
حقه ﷺ.
( )1أخرجه الرتمذي ( ،)3147وابن ماجه ( )3265يف حديث رسد األسامء املشهور.
خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى|000
شكورا»( )1أي:
ً ون عبدً ا
نفسه فقال« :أفال أك ُ النبي ﷺ بذلك َ
صف ُّوقد َو َ
ِ
الزيادة من ذلك، معرت ًفا بنع ِم ريب ،عار ًفا ِ
بقدر ذلك ،مثن ًيا عليه ،جمهدً ا نفيس يف
لقولِه﴿ :ﭰ ﭱ ﭲ﴾ [إبراهيم.]7 :
الباب الرابعُ :فيما أههَ َره اهلل تعاىل على يديه من املُعجِزات وشرَفه به من
اخلَصائص والكَرامات
ِ
َجمعه ملُنكر ن َّ
ُبوة نب ِّينا ﷺ وال حسب املُتأ ِّمل أن حيقق أن كتابنا هذا م ن َ
وحتصني َح ْوزهتا حتى ال عجزاتهل فنَحتاج إىل ن َْصب الرباهني عليهاَ ، ِ
لطاعن يف م ِ
ُ
طاعن إليها ،ونذكر ُرشوط املعجز والتحدِّ ي وحدَ ه ،و َفساد قول َمن يتوص َل املُ ِ
َ َّ
ور َّده ،بل َأ َّل ْفناه ألهل ِم َّلته املُل ِّبني لدعوته املصدِّ قني لنبوتهل
َأب َطل ن َْسخ الرشائع َ
ليكون تأكيدً ا يف حمبتهم له ،و َمنام ًة ألعامهلمل ول َيزدادوا إيامنًا مع إيامهنم ،ون َّيتُنا أن
عجزاته ومشاهري آياتهل لتَدُ َّل عىل عظيم ِ الباب أمهات م ِ نُثبِت يف هذا
قدره عند َ ُ ِ َّ
وأكثره مما بلغ القطع أو كاد و َأ َض ْفنا
ُ ربه ،وأتينا منها باملُح َّقق والصحيح اإلسناد،
إليها بعض ما وقع يف مشاهري كُتب األئمة.
وإذا تأمل املُتأمل املُ ِ
نصف ما قدَّ مناه من عييل أ َثره ،ومحيد سريه ،وبراعة ِّ
ِع ْلمه ،ورجاحة عقله ،وحلمه ،وعيلة كامله ،وعيي ِع خصاله ،وشاهد حاله،
وصدق دعوته ،وقد َك َفى هذا غري ِ
واحد مرت يف صحة نُبوتهِ ،
وصواب مقاله م َي َ ِ
َ
يف إسالمه واإليامن به.
سالم قال :ملَّا ِ
قدم رسول اهلل ﷺ املدين َة جئتُه ألنظر إليه، فعن ِ
عبد اهلل بن َ
ِ
بوجه َّ
كذاب(.)1 وجهه ليسعر ْفت أن َ
وجهه َ
فلام اس َت َبنْت َ
َّ
إن احلمد هللِ، وروى مسلم وغريه أن ضام ًدا ملَّا و َفد عليه فقال له ُّ
النبي ﷺَّ « :
نحمدُ ه ونستعينُه ،من َْي ِده اهللُ فال ُم ِض َّل له ،ومن ُيضلِ ْل فال ،ادي له ،وأشهدُ أ ْن
ِ ال إله َّإال ا ُ
هلل وحده ال رشيك له ،وأن ُحممدً ا عبدُ ه ورسو ُله» ،قال له :أعدْ َّ
عَل
هؤالءل ف َل َقدْ بلغن قاموس البحرِ ،
هات يدَ َك ِ
أباي ْع َك (.)1 ِ كلامتِك
َ َ ْ
قلوب عباده والعل ِم بذاتهِ قادر عىل َخلق املعرفة يف اع َلم أن اهللَ جل اسمه ِ
ُ ْ
واسطة لو شاء ،كام ُح ِك َي عن ُسنته يف وأسامئه وصفاته وعيي ِع تَكليفاته ابتِداء دون ِ
ً
بعض أهل التفسري يف قوله ﴿ :ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ بعض األنبياء ،و َذكَره ُ
ﰀ ﴾ [الشورى ،]15 :وجائز أن يوصل إليهم عييع ذلك ِ
بواسطة تُب ِّلغهم كال َمه،
ِ
األنبياء ،أو من ِجنْسهم ِ ِ
كاملالئكة مع البرشالواسط ُة إ َّما من غري َ وتكون َ
تلك
العقل ،وإذا جاز هذا و م يست ِ ِ
َحل َ ِ ِ
دليل كاألنبياء مع األُ َمم وال َ
مانع هلذا من
ب تَصدي ُقهم يف عييع ما وج َ
عجزاهتمل َ دل عىل ِصدْ قهم من م ِ الرسل بام َّ
ُ وجاءت
ُ
قائم َمقام قول اهللَ :صدَ َق عبدي، عجز مع التحدِّ ي من النبي ﷺ ِ َأت َْوا بهل ألن املُ ِ
ِّ
ف َأطيعوه واتَّبِعوه .وشاهد عىل ِصدقه فيام يقوله وهذا ٍ
كاف. َ
خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى|005
بمثله كإحياء املوتى، قدروا عىل اإلتيان ِ وُضب هو خارج عن ُقدرهتم فلم ي ِ ٍ -
َ
و َق ْلب العصا ح َّي ًة ،وإخراج ناقة من َص ْخرة ،وكالم َ
شجرة ،و َن ْبع املاء من
القمر ،ممَّا ال يمكن أن يفع َله أحدٌ إال اهلل ،فكون ذلك عىل ِ
األصابع ،وانشقاق َ
بمثله تعجيز له. كذبه أن يأِت ِ يد النبي ﷺ من فِ ْعل اهلل تعاىل َ
وحتدِّ يه َمن ُي ِّ ِ
َ
وبراهني
َ َ
ودالئل نبوته ِ
املعجزات التي ظهرت عىل يد نب ِّينا ﷺ واع َل ْم أن
وأظهرهم وأهبرهم آي ًة، ِصدقه من هذين النوعني م ًعا ،وهو أكثر الرسل م ِ
عجزةً،
ُ ُ ُ ُ
برهانًا كام سنُبينه ،وهي يف َك ْثرهتا ال حييط هبا َضبط ،فإن ِ
واحدً ا منها وهو ال ُقرآن ْ ِّ
ِ
النبي ﷺ قد َحتدَّ ى بسورةال ُحيىص عدَ د ُمعجزاته ب َأ ْلف وال ألفني وال أك َث َرل ألن َّ
منه ف ُع ِجز عنها.
قسم ْني:
ثم ُمعجزاته ﷺ عىل َ
ِقسم منها ُعلِم قط ًعا ،ون ُِقل إليناُ ،متواتر كال ُقرآن فال ِمري َة وال ِخالف
بمجيء النبي به ،وظهوره من ِقبله ،واستِدالله بحجته وإن َأنكَر هذا معانِد ِ
جاحد ُ َ ِّ َ
حممد ﷺ يف الدنيا. فهو كإنكاره وجو َد َّ
خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى|007
ِ
والقسم الثاين :ما م َيب ُلغ مب َلغ الرضورة وال َق ْطع ،وهو عىل نوعني:
شتهر م ِ
نترش رواه العد ُد ،وشاع اخلرب به عند املُحدِّ ثني والرواة ون َقلة -نوع ُم ِ ُ
الس َري واألخبار ،كنَ ْبع املاء من بني األصابع ،وتَكثري الطعام.
ِّ
اشتهار اليسري ،و م َي ِ
شتهر الواحد أو االثنان ،ورواه العدَ ُد ِ َص به
َ ُ -ونوع منه اخت َّ
ِ
باملعجز كام غريه ،لكنه إذا ُعيِع إىل ِم ِثله ا َّت َفقا يف املعنى ،واجت ََمعا عىل اإلتيان
قدَّ مناه.
اآليات املأثورة عنه ﷺ معلومة ِ كثريا من هذه وأنا َأقول صد ًعا
باحلق :إن ًِّ
نص ُبوقوعه ،و َأخرب عن ُوجوده ،وال ُيعدَ ل ِ
القمر فالقرآن َّ بال َق ْطعل أما انشقاق َ
ٍ
كثرية ،وال طرق ظاهره َّإال بدليل ،وجاء برفع احتاملِه عن ِ
صحيح األخبار من ُُ
لقي بتدع ي ِ
نحل ُعرى الدِّ ين ،وال يلتَفت إىل سخافة م ِ أخرق ُم ِّ
َ وهن عزمنا ِخال ُ
ف ي ِ
ُ ُ َ ُ ُ
راء ُسخ َفه،ُرغم هبذا أن َفه ،وننبذ بالع ِ ِ
ضعفاء املؤمنني ،بل ن ِ الشك عىل قلوب َّ
َ
ِ
وكذلك ق َّصة نب ِع املاء وتَكثري الطعا ِم رواها ال ِّثقات والعد ُد الكثري عن َّ
اجلامء
ِ
الصحابة. ِ
الغفري عن العدَ د الكثري من
ٍ
منطو عىل وجوه من اإلعجاز اع َل ْم -و َّفقنا اهلل وإياك -أن كتاب اهلل العزيز
ِ
أنواعها يف أربعة وجوه: ِ
ضبط كثرية وحتصيلها من جهة
َّأوَلاُ :حسن تأليفه والتِئام كلِ ِمه وفصاحتُه ووجو ُه إجيازه وبالغتِه اخلارقة
ِ
اللفظ اجلَ ْزل ِ
الشأن ،منهم البدوي ذو أرباب هذا ِ
العرب ،وذلك أهنم كانوا عادة
َ
احلرضي
ُّ والقول الفصل والكالم الفخ ِم والطب ِع اجلوهري واملنز ِع القوي ،ومنهم
ِ
السهل، ِ
اجلامعة ،والطبع واأللفاظ النا ِ
صعة ،والكلامت ِ ِ
البالغة البارعة، ذو
احلاشية ،وكِال البابني
ِ ِ
الرونق ،الرقيق ِ
الكلفة ،الكثري ِ
والترصف يف القول القليل
الناهج ،ال الفالج ،وامله َيع البالغة احلجة البالغة ،والقوة الدامغ ُة ،والقدحِ فلهام يف
ُ ُ
قيادهم ،قد حووا فنوهنا، مرادهم ،والبالغة ملك ِ ِ طوع يشكون أن الكال َم
ُ
رصحا لبلو ِغ أسباهبا، ً عيوهنا ،ودخلوا من كل ٍ
باب من أبواهبا ،وع َل ْوا َ واستنبطوا
الغث والسمني ،وتقاولوا يف ال ُق ِّل والك ِ
ُثر، ِّ ِ
اخلطري واملهني ،وتفنَّنوا يف فقالوا يف
ٍ
عزيز ،ال يأتيه ٍ
بكتاب ٌ
رسول كريم ِ
والنثر ،فام راعهم إال وتساجلوا يف النظم
َ
تنزيل من حكيم َمحيدُ ،أحكِمت آياته،
ٌ الباطل من بني يديه وال من ِ
خلفه، ُ
َ
العقول ،وظهرت فصاحتُه عىل كل َمقول. وفصلت كلامته ،و َهب َرت بالغته
ِّ
رجال يقر ُأ ﴿ :ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ً عبيد أن أعرابيا ِ
سمع ٍ وذكر أبو
ا
سجدْ ت لفصاحته. ﭣ ﭤ﴾ [احلجرَ ]20 :
فسجد وقالَ :
رج ًال َيقرأ ﴿ :ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﴾ [يوسف]24 : ِ
وسمع آخ ُر ُ
فقال :أشهد أن خملو ًقا ال ي ِ
قدر عىل مثل هذا الكالم. َ َ
خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى|009
و َّملا ِ
سمع كال َمه ﷺ الوليدُ ب ُن املغرية وقرأ عليه القرآن َّ
رق ،فجاءه أبو َج ْهل
أعلم باألشعار منِّي ،واهلل ما ُيشبِه الذي َيقول
ُ منكِ ًرا عليه قال :واهلل ما منكم أحدٌ
شي ًئا من هذا(.)1
العرب ِ اآلخر حني عيع ً خربه َ
قريشا عند ُحضور املوسم وقال :إن وفود َ ويف َ
بعضا .فقالوا :نقولِ :
كاهن .قال :واهلل ما بعضكم ً كذب ُ ت َِرد ،ف َأعيِعوا فيه رأ ًيا ال ُي ِّ
بمجنون وال ٌ ِ
بكاه ٍن ،ما هو َبز ْم َزمته وال َس ْجعه .قالوا:
جمنون .قال :ما هو َ هو
الشعرعر ْفنا ِّ ِ ِ َ ِ
بخنقه وال َو ْسوسته .قالوا :فنقول :شاعر .قال :ما هو بشاعر ،قد َ
وهز َجه و َقريضه و َم ْبسوطه و َم ْقبوضه ،ما هو بشاعر .قالوا :فنقول: رج َزه َكلهل َ
بساحر وال نَفثِه وال َع ْقده .قالوا :فام نَقول؟ قال :ما أنتُم
ِ ساحر .قال :ما هو ِ
باطل ،وإن أقرب القول أنه ِ
ساحر ،فإنه أعرف أنه ٌ بقائلني من هذا شي ًئا َّإال وأنا ِ
َ
فرق به بني املرء وأبيه ،واملرء وأخيه ،واملرء وزوجه ،واملرء و َعشريته. ِ
س ْحر ُي ِّ
َفرقوا وج َلسوا عىل الس ُبل ُحي ِّذرون الناس ،ف َأ َنزل اهلل تعاىل يف الوليد ﴿ :ﯲ ﯳ فت َّ
ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ
ﰅ ﰆ ﰇ ﰈﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ
ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ﴾
[املدثر.)2( ]50 ،55 :
واإلعجاز بكل واحد من النوعني اإلجياز والبالغة بذاهتا ،أو األسلوب
ُ
واحد منهام نوع إعجاز عىل التحقيق م ت ِ
َقدر العرب عىل الغريب بذاته ،كل ِ
ٍ
بواحد منهام. اإلتيان
الوجه الثالث من اإلعجاز :ما ان َطوى عليه من األخبار باملُغ َّيبات ،وما م
َيكن و م َيقعِ ُ ،
خرب كقوله تعاىل ﴿ :ﯘ ورد وعىل الوجه الذي َأ َفوجد كام َ
ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﴾ [الفتح ،]57 :وقوله تعاىل ﴿ :ﯔ ﯕ ﯖ
ﯗ ﯘ ﴾ [الروم ،]3 :وقوله ﴿ :ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ
ﭮ ﴾ [التوبة ،]33 :وقوله ﴿ :ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ
ﭳ ﭴﭵ ﭶﭷ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭾﭿ
ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ
ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﴾ [النور ،]11 :وقوله ﴿ :ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ
ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ
فارس
َ عييع هذا كام قالل فغ َلبت الرو ُم
ﮅ ﮆ ﮇ ﴾ [النرص ،]3 - 5 :فكان ُ
أفواجا فام مات عليه السالم ويف بالدً الناس يف اإلسالم
ُ ودخليف بِ ْضع ِسننيَ ،
العرب ك ِّلها ِ
موضع م َي ُ
دخله اإلسالم.
ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ
ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﴾
[آل عمران ،]510 :وقوله ﴿ :ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ
ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ
ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ
ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ
ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﴾ [املائدة ،]05 :وقوله ﴿ :ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ
ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ
ﭮ﴾ [النساء ،]06 :وقد قال ُمبد ًيا ما قدَّ ره اهلل واع َت َقده املؤمنون يو َم بدر﴿ :ﮦ
ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ﴾
[األنفال ،]7 :ومنه قوله تعاىل ﴿ :ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﴾ [احلجر ،]21 :وملَّا
نفرا برش النبي ﷺ بذلك أصحا َبه بأن اهلل كَفاه إ َّياهم ،وكان املُ ِ
ستهزئون ً َنزلت َّ
بمك َة ُين ِّفرون الناس عنه و ُيؤذونه َ
فهلكوا.
الوجه الرابع :ما َأنبأ به من أخبار القرون السالِفة واألمم ِ
البائدة والرشائع َ
ِ
الكتاب الذي الداثِرة مما كان ال يعلم منه ِ
القصة الواحدة َّإال الفذ من َأحبار أهل َّ
ق َطع ُعمره يف تَع ُّلم ذلك.
وردت بتعجيز قوم يف قضايا ،وإعالمهم أهنم ال َيفعلوهنا فام ف َعلوا وال
آي َ
ٌ
قدَ روا عىل ذلك كقوله لليهود ﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ
ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﴾
وأظهر أعظم ُحجة ِ
اآلية الزجاج :يف هذه َ
إسحاق [البقرة ،]21 - 20 :قال أبو
ُ ُ ُ
ِ
الرسالةل ألنه قال :فتمن َُّوا املوت .و َأع َل َمهم أهنم لن َيتمن َّْوه أبدً ا، َداللة عىل صحة
تمنَّه واحد منهم(.)1
فلم َي َ
َ
نجران وأ َبوا وكذلك آية املُباهلة من هذا املعنَى ،حيث وفد عليه أساقف ُة
املباهلة بقوله﴿ :ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ِ اإلسالم فأنزل اهلل تعاىل عليه آي َة
ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ
ورضواﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ﴾ [آل عمران ]65 :فامتَنعوا منها َ
نبي ،وأنه ما ِ
عظيمهم قال هلم :قد علمتهم أنه ٌ
َ العاقب
َ اجلزية ،وذلك أن بأداء
صغريهم.
ُ كبريهم وال
ال َع َن قو ًما نبي قط فبقي ُ
قلوب سامعيه وأسامعهم عند َسامعه ،واهليبة َ َلحق
ومنها :الروعة التي ت َ
أعظم، كذبني به ِ
خطره ،وهى عىل ا ُمل ِّ ِ
وإنافة التي تَعرتهيم عند تِالوته ِ
لقوة حاله،
ُ
انقطاعهل
َ نفورا كام قال تعاىل ،ويو ُّدون حتى كانوا ي ِ
ستثقلون سامعه ،و َيزيدهم
ً َ
لكراهتهم له.
ومن ُوجوه إعجازه املعدودة :كونُه آي ًة باقي ًة ال تُعدَ م ما ِبق َيت الدنيا مع
بحفظه فقال ﴿ :ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﴾ [احلجر،]2 : تَك ُّفل اهلل ِ
فصل
وجوها كثريةً:
ً وقد عد عياع ٌة من األئمة ومق ِّلدي األمة يف إعجازه
ِ
والتنبيه عىل طرق عليها كتاب من كتبهم ،فجمع فيه من بيان عل ِم الرشائعِ،
برباهني ٍ
قوية ،وأدلة بينة ،سهلة األلفاظ، َ ِ
العقليات ،والرد عىل فرق األم ِم ِ
احلجج
موجزة املقاصد ،را َم املتحذلِقون بعدُ أن َينصبوا أدل ًة مثلها فلم َيقدروا عليها،
كقوله تعاىل﴿ :ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾
[يس.]25 :
ِ
وحسن ومنها :عيع ُه فيه بني الدليل ومدلولِه ،وذلك أنه احت َُج بنظ ِم القرآن،
أمره وهن ُيه ووعدُ ه ووعيدُ ه ،فالتايل له ِ ِ ِ
وإجيازه وبالغته ،وأثناء هذه البالغة ُ رصفه،
ٍ
منفردة. ٍ
واحد وسورة والتكليف م ًعا من كالم
َ ِ
احلجة موضع يفهم
َ
ِ
املنثورل ألن ومنها :أن جع َله يف ِ
حيز املنظو ِم الذي م ُيعهد و م يكن يف حيز
وأسمع يف اآلذان ،وأحىل عىل
ُ املنظو َم أسهل عىل النفوس ،وأوعى للقلوب،
أرسع.
ُ فالناس إليه ُ
أميل ،واألهوا ُء إليه ُ األفهام،
تيسريه تعاىل حف َظه ملتعلميه ،وتقريبه عىل متحفظيه ،قال اهلل تعاىل:
ُ ومنها:
ُ
حيفظ كتبها الواحدُ منهم، وسائر األمم ال
ُ ﴿ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ﴾ [القمر]57 :
فكيف اجلامء عىل مرور السنني عليهم ،والقرآن ُميرس حف ُظه للغلامن يف أقرب
ٍ
مدة.
وحقيق ُة اإلعجاز :الوجوه األربع ُة التي ذكرنا ،فل ُيعتَمد عليها ،وما بعدها
ِ
التوفيق. ِ
القرآن وعجائبِه التي ال تنقيض ،وباهلل خواص من
ِّ
خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى|027
َ
حديث نَبع املاء من أصابعه ﷺ أ َّما األحاديث يف هذا فكثري ٌة جدا ا ،ر َوى
عياع ٌة من الصحابة.
املشهور وإطعا ِمه ﷺ ثامنني -أو َسبعني- ُ ومن ذلك حديث أيب طلح َة
حتت يده -أي :إِبطه -ف َأ َمر هبا ف ُقتَّت، ٍ
أقراص من َشعري جاء هبا ٌ
أنس َ رج ًال من
ُ
وقال فيها ما شا َء اهلل أن َيقول(.)2
ِ
الباب ُ
واألحاديث يف هذا ومن ذلك ما ُأ ْطلِ َع عليه م َن ال ُغيوب وما َيكون،
بحر ال ُيدرك قعره ،وال ينزف غمره ،وهذه املعجز ُة من عيلة م ِ
عجزاته املعلومة ُ ُ َ
ِ
ربها عىل التواترل لكَثرة ُرواهتا واتِّفاق معانيها عىلعىل ال َق ْطع الواصل إلينا ،خ ُ
االطالع عىل ال َغ ْيب.
عن ُحذيف َة قال :قام فينا َر ُ
سول اهلل ﷺ مقاما فام َترك شي ًئا َيكون يف َمقامه
ِ
نسيه ،قد ِ ِ ِ ِ ِ ِ
علمه ذلك إىل قيام الساعة َّإال حدَّ ثه ،حف َظه َمن حف َظه ،ونس َيه َمن َ
ِ
فأعرفه ف َأذكُره كام َيذكُر الرجل وج َه هؤالء ،وإنه ل َيكون منه اليشءِ أصحايب
عر َفه(.)1
الرجل إذا غاب عنهُ ،ثم إذا رآه َ
ُ
خرج أهل الصحيح واألئمة ما َأع َل َم به أصحا َبه ﷺ ِممَّا وعَدَ هم به من وقد َّ
واليمن ،والشام ،والعراق، قدس، الظهور عىل أعدائه ،و َفتْح مك َة ،وبيت املَ ِ
ِ
َ
األمن حتى تظعن املرأ ُة من ِ
احلرية إىل م َّك َة ال َختاف إال اهللَ ،وأن ا َملدينة ِ و ُظهور
غد ِ
يومه ،وما َيفتَح اهلل عىل ُأ َّمته من الدنيا ُغزى ،وتُفتح خيرب عىل يدَ ي عَل يف ِ ست َ
ْ ٍّ ُ
وقسمتهم كنوز كِرسى و َقيرص ،وما َحيدُ ث بينهم من الفتون ويؤتون من َزهرهتاِ ،
ْ
الرتك .و َذهاب ِكرسى َ تاهلم ِ
وسلوك َسبيل َمن قبلهم ،وق ُ واالختالف واألهواءُ ،
ِ
ِ ٍ
بري»(َ ،)1فر َأ ْومها
اب و ُم ٌون ِيف ثقيف ك َّذ ٌ وقال عليه الصالة والسالم« :ي ُك ُ
عقره اهلل ،وأن فاطِم َة َّأو ُل أهلِه ُحلو ًقا به ،و َأ َ
نذر احلجاج واملُختار ،وأن مسيلِم َة ي ِ
َ ُ َ َّ َ
بالر َّدة.
ِّ
ؤخرون الصالة عن وقتِها ،وال تَقوم
خرب بشأن ُأ َو ْيس ال َق ْرين ،وب ُأ َمرا َء ُي ِّ
و َأ َ
َ
قحطان. رج ٌل من
لناس ب َعصاه ُ
الساعة حتى َيسوق ا َ
رش ِمنْ ُه»(.)2 وقال« :ال ي ِأِت ز ٌ
مان َّإال وا َّلذي ب ْعد ُه ٌّ
مة ِمن ُق ٍ
ريش» ،قال أبو ُهرير َة راويه :لو الك ُأمتي عىل يدي ُأغيلِ ٍ
ْ وقالَّ ُ ،« :
سم ْيتهم لكُم َبنو ُفالن و َبنو ُفالن(.)3 ِ
ش ْئت َّ
وأن ُق ً
ريشا واألحزاب ال َيغزونه أ َبدً ا وأنه هو َيغزوهم.
وتان الذي يكون بعد فتح بيت املَ ِ
قدس. وأخرب باملُ ِ
َ َ
وأهنم يغزون يف البحر كاملُلوك عىل ِ
األرسة.
َّ َ ْ َ
فارس.
َ وأن الدِّ ين لو كان َمنو ًطا بال ُّثر َّيا لنا َله ِرجال من أبناء
وعن َم ِ
صارع ِ
أهل َبدْ ر فكان كام قال.
ني عظيمتني من ني فِئت ْ ِ
إن ا ْبنِي ،ذا س ِّيدٌ وس ُي ْصلِ ُح اهللُ ِبه ب ْ ِ احلسنَّ « :
وقال يف َ
رض بِك ِ ِ املسلِمني»( ،)1ول َس ْع ٍد« :لع َّلك ُخت َّل ُ
ف ح َّت ينْتفع بِك أ ْقوا ٌم وي ْست َّ ْ
ِ وأخرب ب َقتْل ِ
أهل ُمؤت َة يوم ُقتلوا وبينهم َمسرية شهر أو أزيدُ َ ،
وبم ْوت َ آخرون»(،)2
النجايش يوم مات وهو ب َأ ْرضه.
ِّ
لطول ِ
ِ
يدها ب ُ
أطوهلن َيدً ا ،فكانت زين ُ وأخرب أن َأ َ
رسع أزواجه به ُحلو ًقا َ
بالصدَ قة.
عن عائش َة قالت :كان النبي ﷺ ُحي َرس حتى َنز َلت هذه اآلي ُة:
رأسه من ال ُق َّبة
رسول اهلل ﷺ َ ُ خرج ﴿ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﴾ [املائدة ،]67 :ف َأ َ
ِْصفوا؛ فقدْ عصمنِي ر ِّيب ع َّز وج َّل»(.)1 َّاس ،ان ِ
فقال هلم« :يا أ َُّيا الن ُ
ومنه العرب ُة املشهور ُة والكفاي ُة التام ُة عندما أخا َفتْه قريش وأعي َع ْت عىل قتلِه
ُض َب اهلل تعاىل عىل ِ ِ
فخر َج عليهم من بيته فقام عىل رؤوسهم وقد َ وب َّيتوهَ ،
وخلص منهم. ِ
رؤوسهم الرتاب عىل وذر ِ
َ َ أبصارهم َّ
عشم حني ِ
اهلجرة وقد ج َع َلت ُق ٌ
ريش فيه بن مالِك بن ُج ُ
وقصتُه مع ُرساق َة ِ
ِ ِ بكر ا ِ
قرب منه دعا عليه جلعائل ،ف ُأنذر به ،فركب َ
فرسه فا َّت َبعه حتى إذا ُ ويف أيب ٍ َ
فخ َّر عنها ،واس َت ْق َسم باألزال ِمَ ،
فخرج له ما قوائم َفرسهَ ،
ُ َ
فساخ ْت النبي ﷺ
ُّ
لتفت ،وأبو بكر سمع قراءة النبي ﷺ وهو ال ي ِ يكره ،ثم ركِب ودنا حتى ِ
َ َ
للنبي ﷺُ :أتِينا .فقال ﴿« :ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﴾ [التوبة،»]04 : ِ
َيلتفت ،وقال ِّ
مثل الدُّ َخان، فساخت ثانية إىل ركبتها وخر عنهاَ ،فزجرها ،فنه َضت ول ِ ِ
قوائمها ُ َ
َ َ َّ ُ
النبي ﷺ أمانًا كتَبه اب ُن ُفهريةَ ،وقيل :أبو بكر.
ُّ فناداهم باألَمان ،فكتَب له
فانرصف يقول لحق هبمَ َ ، رتك أحدً ا َي َ النبي ﷺ أن ال َي ُو َأخربهم باألخبار ،وأ َم َره ُّ
ِ
للناس :كُفيتم ما هاهنها .وقيل :بل قال َهلُام :أراكام َد َع ْومتا َّ
عَل فا ْد ُع َوا يل(.)1
قريشا ِلئ ْن رأى حممدً ا يصَل ل َي َط َأ َّن وعد ً وعن أيب هريرة أن أبا جهل َ
وىل هار ًبا ناكِ ًصا عىل قرب منه َّ صىل النبي ﷺ َأع َلموه ،ف َأق َبلَّ ،
فلام ُ فلام َّ رقبتَهَّ ،
نارا ِكدْ ت ٍ َع ِقبيه متَّقيا بيديهِ ،
أرش ْفت عىل َخندَ ق َمملوء ً فسئل فقال :ملا َدن َْوت منه َ ُ ُ ً
مأل ِ ِ
ت األرض .فقال ﷺ: وخ ْف َق أجنحة قد َ َ عظيامَ ،
ً برصت ً
هوال َأهوي فيه ،و َأ َ ْ
ِ ِ
النبي ﷺ ﴿ :ﮔ ﮕ «ت ْلك املالئك ُة ل ْو دنا ال ْختطف ْت ُه ُع ْض ًوا ُع ْض ًوا» ،ثم ُأ ِنزل عىل ِّ
ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ
ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ
ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ
ﯵ ﯶ ﯷ ﴾ [العلق.]52 - 6 :
عن عبد اهلل قال ﴿ :ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﴾ [النجم ،]52 :قال :ر َأى
ربيل عليه السالم يف ُصورته له ِستُّمئة َجناح(.)1
ِج َ
فلام كان زم ُن موسى غاي ُة علم أهله السح ُرل بعث إليهم موسى بمعجزة
عادهتم ،و م يكن يف قدرهتم
قدرهتم عليه ،فجاءهم منها ما خرق َ
َ تُشبه ما يدعون
َ
وأبطل سحرهم.
حلجة ِّ
لكل أمة تأِت، ثم بق َيت هذه املعجز ُة اجلامعة ثابت ًة إىل يوم القيامة بين َة ا ُ
بانقراضهم وعدمت بعدم ِ
ذواهتا ،ومعجز ُة نبينا ِ وسائر معجزات الرسل انقرضت
تضمحلل وهلذا أشار عليه السالم ُّ ﷺ ال تبيد وال تنقطع ،وآياتُه تتجدد وال
البَش ،وإنام كان
ُ نبي إال ُأعطي من اآليات ما مثلِه آمن عليهبقوله« :ما من األنبياء ٌّ
أكثر،م تاب ًعا يوم القيامة»(.)1
إيل ،فأرجو أين ُ الذي ُأ ُ
وتيت وح ًيا أوحاه اهلل َّ
ِ
األنبياء حتى بعض العلامء وج ُه ظهور آيته عىل سائر آياتِ وقد غاب عن
ِ
ووفور عقوهلا ،وأهنم ِ
وذكاء ألباهبا، احتاج للعذر عن ذلك ِ
بدقة أفهام العرب،
بحسب إدراكِهم ،وغريهم من ِ أدركوا املعجز َة فيه بفطنتِهم ،وجاءهم من ذلك
ِ
السبيل ،بل كانوا من الغباوة وقلة وغريهم م يكونوا هبذه
ُ َ
إرسائيل، القبط وبني
السامري ذلك يف وجوز عليهم
َ ُ
فرعون أنه رهبم، الفطنة بحيث جوز عليهم ِ
ُّ
املسيح مع إعياعهم عىل صلبِه﴿ ،ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ العجل بعد ِ
إيامهنم ،وعبدوا ِ
َ
ﭽ ﭾ ﭿ﴾ [النساء.]517 :
بقدر ِغ ِ
لظ أفهامهم ما ال ِ ِ
لألبصار فجا َءهتم من اآليات الظاهرة البينة
يشكون فيه ،ومع هذا فقالوا﴿ :ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ﴾ [البقرة ]11 :و م
خري ،والعرب يصربوا عىل امل ِّن والسلوى ،واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو ٌ
تتقرب باألصنام إىل اهلل ُزلفى،
ُ يعرتف بالصانع ،وإنام كانت
ُ عىل جاهليتِها أكثرها
ِ
وصفاء ُلبه ،وملا الرسول ﷺ بدليل عقلِه
ِ ومنهم من آم َن باهلل وحدَ ه من ِ
قبل
الرسول بكتاب اهلل فهموا حكمتَه وتبينوا بفضل إدراكهم ألول وه ٍ
لة ُ جاءهم
َ ْ
معجزتَهل فآمنوا به ،وازدادوا كل يوم إيامنًا ،ورفضوا الدنيا ك َّلها يف صحبته،
ديارهم وأمواهلم ،وقتلوا آبا َءهم وأبنا َءهم يف نرصته.
وهجروا َ
( )1أخرجه البخاري ( ،)0225ومسلم (.)515
| 052خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى
خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى|053
ناصحتِه.
َ -وحم َّبتِه و ُم
ِ
وتوقريه وبِ ِّره. -
ويف حديث أيب هرير َة ،عنه ﷺ« :ك ُُّل أمتي يدخلون اجلنَّة إال من
َ
رسول اهلل ،ومن َيأ َبى؟ قال« :من أطاعني دخل اجلنَّة ومن عصاين أب » قالوا :يا
فقد أب »(.)2
واللح ِن،
ْ ِ
والفرائض عمر بن اخل َّطاب إىل ُع َّامله بتع ُّلم السن َِّة
وكتب ُ
بالس ِ
ننل فإن ِ ِ ِ
ناسا ُجيادلونكم -يعني :بالقرآن -فخذوهم ُّ أي :اللغة ،وقال :إن ً
أعلم بكتاب اهلل.
أصحاب السنن ُ
َ
َ
رسول اهلل رأيت
ُ أصنع كام
ُ خربه حني صىل بذي احلُلي َف ِة ركعتني فقال:
ويف ِ
صنع(.)1
ﷺ َي ُ
ِ
االجتهاد يف البِدعةِ(.)ِ2 خري من ٍ
وكان اب ُن مسعود يقول :القصدُ يف السنة ٌ
ِّباعها(.)3 ِ
رسول اهلل ﷺ إال ات ُ وقال الشافعي :ليس يف ِ
سنة ُّ
ترض، ِ ِ
تنفع وال ُّ
حجر ال ُ
ٌ األسود :-واهلل ،إنك احلجر عمر -ونظر إىل
وقال ُ
رسول اهلل ﷺ ُيق ِّب ُلك ما ق َّبلتُك( ،)4ثم ق َّب َله.
َ رأيت
ولوال أين ُ
وفعال َن َط َق باحلكمة،
ً قوال عثامن احلريي :من أمر السنَّ َة عىل ِ
نفسه ً َ وقال أبو
َّ َ ُّ
نفسه َن َط َق بالبد َع ِة(.)5
ومن أمر اهلوى عىل ِ
َّ
( )1أخرجه مسلم (.)625
( )2أخرجه الدارمي (.)553
( )3األم للشافعي .50/1 ،325/0 ،526/3
( )4أخرجه البخاري ( ،)5127ومسلم (.)5574
( )5أخرجه الثعلبي يف تفسريه ،وأبو نعيم يف احللية ،500/54والبيهقي يف الزهد (.)352
خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى|060
َ
رسول اهلل؟ النبي ﷺ فقال :متى الساع ُة يا
أنس :أن رجال أتى َّ عن ٍ
ٍ
صدقة، ٍ
صالة وال صو ٍم وال أعددت هلا من ِ
كثري ُ قال« :ما أعددت َلا؟» قال :ما
ولكني ُأ ُّ
حب اهلل ورسو َله ،قال« :أنت مع من أحببت»(.)1
أحب»(.)2
املرء مع من َّ
النبي ﷺُ « :
وقال ُّ
أحب شي ًئا آثره وآثر ُموا َف َقتَه ،وإال م يكن صاد ًقا يف ح ِّبه وكان
َّ اعلم أن من
عالمات ذلك عليه:
ُ َظهر
النبي ﷺ من ت ُ ُ
فالصادق يف حب ِّ ُمدَّ ع ًيا،
ِ
أوامره ُ
وامتثال ِّباع أقوالِه وأفعالِه ُ
واستعامل سنَّته وات ُ االقتداء به
ُ وأو َُلا:
َّ
واجتناب نوا،يه والتأ ُّد ُب بآدابِه يف ُعُسه و ُيُسه ومنشطه ومكر،ه ،وشاهدُ هذا
ُ
قو ُله تعاىل( :ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ).
ِ
قدومهم املدين َة ،أهنم كانوا َيرجتزون: ني عند
ويف حديث األشعر ِّي َ
غـدً ا نلقى األح َّبه
()1
حممدً ا وصح َبه
ِ
نكساروإظهار اخلشو ِع واال
ُ وتوقريه عند ِذكره،
ُ تعظيمه له،
ُ ومن عالماتِه:
مع سام ِع اسمه.
خالف
َ غض من أبغض اهلل ورسو َله ومعادا ُة من عاداه ُ
وجمانب ُة من ومنهاُ :ب ُ
َيالف رشيعته قال اهلل تعاىل( :ﭑ ﭒُ واستثقال ك ُِّل ٍ
أمر ُ وابتدع يف دينه،
َ سنَّتَه
ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) اآلية [املجادلة.]55:
عباراهتم يف ذلك،
ُ النبي ﷺ ،وكثرت ِ
تفسري َحم َّبة اهلل وحمبة ِّ الناس يف
ُ اختلف
ٍ
أحوال. اختالف
ُ قال ،ولكنها ِ
اختالف م ٍ ِ
باحلقيقة إىل ترجع وليست
َ ُ
ِ
الرسول ﷺ. سفيان :املحب ُة ات ُ
ِّباع ُ فقال
ِ
وإنعامه عليه فقد ُجبلت أو يكون حبه إياه ملواف َقته له من ِج ِ
هة إحسانه له، ُّ
ب من أحس َن إليها.
النفوس عىل ُح ِّ
ُ
األسباب ُك َّلها يف ح ِّقه ﷺ فعلِمت أنه ﷺ
َ ظرت هذه
تقرر لك هذا ن َ فإذا َّ
ِ
جامع هلذه املعاين الثالثة ا ُملوجبة َ
للمحبة: ٌ
قر ٌر بام ال َحيتاج ِ ِ ُ ِ ِ أما ُ
والباطن فهو ُم َّ األخالق وكامل والظاهر الصورة عيال
توضيح(.)1
ِ
أوصاف اهلل تعاىل له من تقرر يف
وأما إحسانُه وإنعا ُمه عىل أمته :فكذلك قد َّ
رأفتِه هبم ورمحته هلم وهدايتِه إ َّياهم وشفقتِه عليهم واستِنقاذهم به من ِ
النار وأنه
(ﯘ ﯙ ﯚ) [التوبة ،]552:و(ﮓ ﮔ) [األنبياء،]547:
(ﭠﭡﭢ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨ) [األحزاب ،]06-01:و(ﯮ
ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [آل عمران،]560:
(ﮓﮔﮕﮖ) [املائدة.]56:
وأي ِ ٍ
إحسان ُّ
خطرا من إحسانه إىل عييع املؤمنني؟ ُّ ً وأعظم
ُ قدرا
أجل ً فأي
إنعامه عىل كا َّف ِة املسلمني؟ إذ كان ذريعتَهم إىل
ِ وأكثر فائد ًة من
ُ أعم منفع ًة ٍ
إفضال ُّ
رهبم ِ ِ ِ
اهلداية ،و ُم َ
الفالح والكرامة ،ووسيلتَهم إىل ِّ نقذهم من ال َعامية ،وداعيهم إىل
والنعيم
َ الدائم
َ وجب هلم البقا َء
َ وشفي َعهم واملتك ِّل َم عنهم والشاهدَ هلم ،واملُ
الرسمدَ .
رشعا بام قدمناه من
ً ِ
للمحبة احلقيقية ستوجب استبان لك أنه ﷺ ُم َ فقد
ٌ
َ
اإلعيال. ِ
وعمومه َ
اإلحسان وجب َّل ًة بام ذكرناه آن ًفا إلفاضتِه
اآلثار ،وعاد ًة ِ
ِ ِ
صحيح
اإلنسان حيب َمن منحه يف دنياه َم َّر ًة أو مرتني معرو ًفا ،أو استنقذه ُ فإذا كان
منقطع ،فمن منحه ما ال يبيدُ من النعي ِم ٌ رض ٍة ُمد ًة التأذي هبا ٌ
قليل ٍ
من ه َلكَة أو َم َّ
ب. حل ِّ
عذاب اجلحيم أوىل با ُ ِ ووقاه ما ال َيفنى من
الصالح ِ
اليشء الذي به النصح ُ
فعل إسحاق اخل َّفاف:
َ وقال أبو بكر اب ُن أيب
ُ ُ
الثوب.
ُ ُ
اخليط الذي َُياط به واملُالءم ُة ،مأخو ٌذ من الن ِ
ِّصاح ،وهو
ِ
املحبة ِ
وشدة ِ
واإلجالل ِ
التوقري وأما نصيح ُة املسلمني له بعد وفاتِه :فالتزا ُم
والتفقه يف رشيعتِه ،وحم َّب ُة أهل بيتِه وأصحابِهُ ،
وجمانب ُة ِ له ،واملثابر ُة عىل تعلم سنتِه
والتحذير منه ،والشفق ُة عىل أمته،
ُ وانحرف عنها ،و ُبغضه
َ رغب عن سنتِه من ِ
ِ
رب عىل ذلك. والبحث عن تعرف أخالقه وسريه وآدابِه ،والص ُ ُ
ِ
الناس) :اإلغراء بينهم للوقيعة. (( )1ت ْ ِ
َرضيب
خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى|075
وتعظيمه.
َ وتوقريه ،وألز َم إكرا َمه
َ تعزيره
َ فأوجب تعاىل
ُعزروه :أيِ ُ :
جت ُّلوه(.)1 ٍ
عباس :ت ِّ ابن
وقال ُ
بسبقه بالكالم. بالقول وس ِ
وء األدب ِ ِ ُِ
وهن َي عن التقد ِم بني يديه
ُ
ِ
فاستمعوا له بن عبد اهلل :ال تقولوا قبل أن َ
يقول ،وإذا قال ُ
سهل ُ قال
ٍ
بيشء ِ
قضائه فيه ،وأن َيفتاتوا أمر قبل ِ
بقضاء ٍ والتعجل وهنوا عن التقدُّ م ِ
ُّ وأنصتواُ ،
أمر دينِهم إال بأمره وال َيسبقوه به(.)2 يف ذلك من ق ٍ
تال أو غريه من ِ
سميع لقولِكم،
ٌ ِ
إمهال ح ِّقه ،وتضييع ُحرمتهل إنه لمي :اتقوا اهلل يف
الس ُّ
وقال ُّ
عليم بفعلكم(.)1
ٌ
بعضهم ِ
واجلهر له بالقول كام َجيهر ُ ثم هناهم عن رف ِع الصوت َ
فوق صوته،
ويرفع صوتَه.
ُ ٍ
لبعض
يعظم حممدً ا أصحا ُبه ،وقد رأيت َملكًا قط ُيع ِّظمه أصحا ُبه ما ٍ
رواية :إن ُ ويف
ُ
رأيت قو ًما ال ُيسلِمونه أبدً ا(.)1
أطاف به
َ واحلالق حيلِقه وقد
ُ َ
رسول اهلل ﷺ رأيت
ُ أنس :لقد وعن ٍ
ٍ
رجل(.)2 أصحابه فام يريدون أن تقع شعر ٌة إال يف ِ
يد َ ُ ُ
( )1أخرجه البخاري يف التاريخ الكبري ،554/5واجلوهري يف مسند املوطأ ( ،)535وأبو نعيم يف احللية
507/3خمترصا.
( )2أخرجه اجلوهري يف مسند املوطأ (ص.)526
( )3أخرجه اجلوهري يف مسند املوطأ (ص.)060
( )4أخرجه اجلوهري يف مسند املوطأ (ص.)025
( )5أخرجه اجلوهري يف مسند املوطأ (ص.)322
| 081خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى
-4فصل [يف أن برَّ آله وذريته وأزواجه أمهات املؤمنني من برِّه ﷺ]
حض ِ
أزواجه كام َّ ومن توقريه ﷺ وبِره :بِر آله وذريته وأم ِ
هات املؤمنني َّ َّ ِّ ُّ
السلف الصالح ،قال اهلل تعاىل( :ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ
ُ عليه ﷺ وسلكه
ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [األحزاب ،]33:وقال تعاىل:
(ﯞ ﯟ) [األحزاب.]6:
بالنبي
ِّ بأيب شبي ٌه
شبيها بِ َع ٍَّل
ليس ً
وعَل يضحك(.)5
ُ
رسول النبي ﷺ ويقوالن :كان
وعمر يزوران أ َّم أيمن موال َة ِّ
ُ وكان أبو بكر
يزورها(.)6
اهلل ﷺ ُ
وقال ( :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ
ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ
ﭨ ﭩ ﭪ) [التوبة.]544:
وقال ( :ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ﭣ ﭤ) [األحزاب.]53:
رسول اهلل ﷺ« :ال تسبوا أصحايب ،فلو أنفق أحدُ كم مثل ُأ ٍ
حد ذً ،با ُ وقال
ُّ
ما بلغ مدَّ ِ
أحد،م وال نصيفه»(.)1 ُ
األنصار« :اعفوا عن ُمسيئِهم ،واقبلوا من ُحم ِسنهم»(.)2
ِ وقال ﷺ يف
النبي مؤ ِّدب اخللق الذي هدانا اهلل به وجعله رمح ًةمالك :هذا ُّ وقال ٌ
ستغفر كاملو ِّدع هلم ،وبذلك ِ
الليل إىل البقي ِع فيدعو هلم و َي ِ
جوف للعاملني ََي ُرج يف
ُ
أمره اهلل ،و ُأ ِمر النبي بحبهم ومواالهتم وم ِ
عاداة من عاداهم. ُ ُ ُّ ِّ َ َ
الباب الرابع :يف ذكرِ الصال ِة عليه والتسليمِ وفرضِ ذلك وفضيلتِه
النبي(.)1
ابن عباس :معناه :إن اهلل ومالئكتَه ُيباركون عىل ِّ
قال ُ
ِ
املالئكة ،وصال ُة املالئكة: ِ
العالية :صال ُة اهلل :ثناؤه عليه عند وقال أبو
الدعا ُء(.)2
ِ الصالة عليه بني ِ
ِ ِ
الصالة ولفظ لفظ حديث تعليم وقد َّفر َق ُّ
النبي ﷺ يف
الرب ِ
كة َّ
فدل أهنام بمعنيني. َ
ٍ
وجوه: ويف معنى السال ِم عليه ثالث ُة
ِ
كاللذاذ واللذا َذة. مصدرا أحدُ ،ا :السالم ُة لك ومعك ،ويكون السال ُم
ً
ٌ
وكفيل به ،ويكون هنا الثاين :أي :السال ُم عىل حفظِك ورعايتك ُم ٍّ
تول له،
اسم اهلل.
السال ُمُ :
الثالث :أن السال َم بمعني املُساملة ،واالنقياد كام قال( :ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ
ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ
ﯭ ﯮ) [النساء.]61:
خلقه أن ُيصلوا عىل نب ِّيه افرت َض اهلل عىل ِ وقال القايض أبو ِ
بكر بن ُبكَريَ : َ
فالواجب أن ُيكثِ َر املر ُء منها وال
ُ
ٍ
لوقت معلو ٍمل تسليام ،و م َجي َعل ذلك
ً و ُيسلموا
َي ُ
غفل عنها(.)2
ِ
اجلملة(.)3 النبي ﷺ واجب ٌة يف وقال القايض أبو ِ
حممد بن ٍ
نرص :الصال ُة عىل ِّ
ٍ
عباس :املرا ُد بالبيوت هاهنا املساجدُ (.)1 ابن
قال ُ
ِ
اجلنائز. ِ
الصالة عىل ِ
واطن الصالة عليه أي ًضا عند ومن م
ِ
السنة(.)2 و ُذكر عن أيب ُأمام َة أهنا من
َ
رسول اهلل ،كيف نُصَل عليك؟ الساعدي أهنم قالوا :يا عن أيب ُمح ٍ
يد
ِّ
حممد وأزواجه وذريته ،كام صليت عىل ِ
آل ٍ اللهم ِّ
صل عىل قال« :قولوا:
َّ َّ
ِ
وأزواجه وذريته ،كام باركت عىل آل إبرا،يم ،إنك محيدٌ وبارك عىل ٍ
حممد إبرا،يمِ ،
جميدٌ »(.)1
ٍ
حممد اللهم ِّ
صل عىل األنصاري قال« :قولوا: ٍ
مسعود ٍ
رواية عن أيب ويف
َّ ِّ
حممد وعىل آلِه كام باركت عىل
ٍ وعىل آله ،كام صليت عىل آل إبرا،يم ،وبارك عىل
آل إبرا،يم ،يف العاملني إنك محيد جميدٌ ،والسال ُم كام قد علِ ْمتُم» (.)2
ِ
ٍ
حممد وآل حممد ،كام صليت صل عىلجرةَ« :اللهم ِّ ِ
كعب بن ُع َ ويف رواية
ٍ
حممد وآل حممد كام باركت عىل إبرا،يم ،إنك محيدٌ عىل إبرا،يم ،وبارك عىل
جميدٌ »(.)3
التشه ِد من قوله:
ُّ وقوله« :والسال ُم كام قد علِ ْمتُم»( )4هو ما علمهم اهلل يف
ِ
عباد اهلل النبي ورمح ُة اهلل وبركاتُه ،السال ُم علينا وعىل «السال ُم عليك أَيا
ُّ
الصاحلني».
ُ
البخيل -كل وعن عَل بن أيب طالب ،عنه عليه السالم أنه قال« :
عيل»(.)2 البخيل -الذي ُذكرت عنده فلم ُي ِّ
صل َّ
وعن أيب هرير َة قال :قال رسول اهلل ﷺ« :أيام قو ٍم جلسوا ً
جملسا ثم تفرقوا
أن يذكروا اهلل و ُيصلوا عىل النبي ﷺ كانت عليهم من اهلل تِرةٌْ ،
إن شاء قبل ْ
عذِبم ،وإن شاء غفر َلم»(.)3
ُ
وأميل إليه :ما قاله مالك( )1وسفيان( )2رمحهام َ
املحققون ذهب إليه
َ والذي
ٍ
واحد من الفقهاء واملتكلمني أنه ال غري
وروي عن ابن عباس ،واختاره ُ اهللُ ،
()3
وأيضا :فإن التشبه بأهل البد ِع منهي عنه ،فتجب خمالفتُهم فيام التزموه من
ً
ِ
واإلضافة إليه، وذكر الصالة عىل اآلل واألزواج مع النبي ﷺ بحكم التب ِع ذلك،
ُ
ال عىل التخصيص.
ِ
واملواجهة، ِ
الدعاء قالوا :وصال ُة النبي ﷺ عىل من صىل عليه َجمراها جمرى
والتوقري ،قالوا وقد قال تعاىل﴿ :ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ِ ليس منها معني التعظي ِم
يكون الدعا ُء له خمال ًفا
َ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [النور ]63 :وكذلك جيب أن
اختيار اإلمام أيب املظ َّفر اإلسفراييني أحد الناس ِ
بعضهم لبعض ،وهذا ِ لدعاء
ُ
رب(.)1
شيوخنا ،وبه قال اب ُن عبد ال ِّ
ضل الصالة -8فصل فيما يَلزَم مَن دخَل مسجد النيبِّ ﷺ من األدَب وفَ ْ
ضله وفَ ْ
فيه ويف مسجد مكَّ َة ،وفضل سُكنى املدينة ومكةَ
دخل املسجدَ قال: النبي ﷺ كان إذا َ عمرو ِ عبد اهلل بن ِ وعن ِ
بن العاص أن َّ
الرجي ِم»(.)3
طان َّ «أ ُعو ُذ باهللِ العظيمِ ،وبِو ْج ِه ِه الكريمِ ،و ُس ْلطانِ ِه القدي ِم ِمن َّ
الش ْي ِ
وقال ٌ
مالك رمحه اهللَ :سمع عمر بن اخلطاب صوتًا يف املسجد فدعا
كنت من هاتني القريتني
ثقيف ،قال :لو َ
َ بصاحبِه فقال :ممن أنت؟ فقالٌ :
رجل من
الصوت(.)4
ُ ألدبتُكل إن مسجدَ نا هذا ال ُيرفع فيه
ِ
الصوت وال قال حممد بن مسلم َة :ال ينبغي ألحد أن يعتمدَ املسجد برفع
بيشء من األذى ،وأن ُينزه عام يكره.
ِ
فضل مسجد النبي ُ
إسامعيل يف مبسوطه يف باب: حكى ذلك ك َّله القايض
احلكم. ِ
املساجد هذا كم ِ
سائر
ُ ﷺ ،والعلام ُء كلهم متفقون عىل أن ُح َ
موجب ِ
اجلنة» َحيتمل معنيني :أحدُ مها :أنه وقو ُله« :روض ٌة من رياض
ٌ
لذلك ،وأن الدعا َء والصال َة فيه يستحق ذلك من الثواب.
والثاين :أن تلك البقع َة قد ينق ُلها اهلل فتكون يف اجلنة بعينِها.
القِ ْسم الثالِث :فيما يَ ِجب للنيبِّ ﷺ ،وما يَستَحيل يف حَقِّه أو يَجوز عليه ،وما
صحُّ من األحوال البشَرية أن تُضاف ظليه
َيمتنِع أو يَ ِ
| 211خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى
خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى|210
ِ
فبواطنُهم ت كه ْيئتِكُم ،إِ ِّين أظ ُّل ُي ْط ِع ُمني ر ِّيب وي ْس ِقيني»(،)1وقال« :إِ ِّين ل ْس ُ
كتفي ِ ِ
طهرة من النقائص واالعتالالت ،وهذه ُعيلة لن َي َ ُم َّنزهة عن اآلفاتُ ،م َّ
األكثر َحيتاج إىل َب ْسط وتفصيل عىل ما ن ِ
َأِت به بعدَ هذا مهة ،بل بمضموهنا ُّ ِ ِ
ُ كل ذي َّ َ
ُ
الوكيل. عم ِ
يف البابني ب َع ْون اهلل ،وهو َح ْسبي ون َ
الباب األوَّل فيما يَختصُّ باألمور الدينية والكالم يف عِصمة نبيِّنا عليه الصالة
والسالم وسائِر األنبياء صلوات اهلل عليهم
َطرأ
البرش ال ََيلو أن ت َ
َّغريات واآلفات عىل آحاد َ
الطوارئ من الت ُّ
َ اع َل ْم أن
عىل:
والصواب أهنم
ُ ِ
فللناس فيه خالفل وأما عصمتهم من هذا الف ِّن َ
قبل النبوة
ِّ
والشك يف يشء معصومون عليهم السالم قبل النبوة من اجلهل باهللِ ،
وصفاته،
ِ
النقيصة األخبار واآلثار عن األنبياء بتَنزهيهم عن هذه تعاض ِ
دت من ذلك ،وقد َ
ُ
ِ
التوحيد واإليامن. منذ ُولِدوا ون َْشأهتم عىل
ُ
ٍ
بكفر و م َينقل أحدٌ من أهل األخبار أن أحدً ا ُن ِّب َئ واص ُطفي ممن ُعرف
القلوب
َ بعضهم بأن
النقل ،وقد استدل ُ وإرشاك قبل ذلك ،ومستندُ هذا الباب ُ
تنفر عمن كانت هذه سبي ُله.
كفار
قريشا قد رمت نبينا عليه السالم بكل ما افرتته ،وغري ُ وأنا أقول :إن ً
األمم أنبيا َءها بكل ما أمكنها واختل َقته مما نص اهلل تعاىل عليه ،أو نقلته إلينا
تعيريا لواحد منهم برفضه آهلتَه ،وتقريعه َ
بذ ِّمه ً الرواةُ ،و م نجد يف يشء من ذلك
ِ
برتك ما كان قد جام َعهم عليه ،ولو كان هذا لكانوا بذلك متبادرين ،وبتلونه يف
| 216خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى
وأقطع يف
َ أفظع
َ َوبيخهم له بنهيهم عام كان يعبدُ ُ
قبل معبوده ُحمتجني ،ولكان ت ُ
احلجة من توبيخه بنهيهم عن تركهم آهلتَهم وما كان يعبدُ آباؤهم من ُ
قبل.
ً
سبيال إليه ،إذ لو ِ
اإلعراض عنه دليل عىل أهنم م جيدوا ِ
إطباقهم عىل ففي
القبلة وقالوا﴿ :ﭖ ﭗ ﭘ ِ ِ
حتويل كان لن ُِق َل وملَا سكتوا عنه ،كام م يسكُتوا عند
ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ﴾ [البقرة ]505 :كام حكاه اهلل عنهم.
خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى|217
ﭧ ﭨ ﴾ [الروم.]7 :
ولكنه ال ُيقال :إهنم ال يعلمون شي ًئا من أمر الدنيا ،فإن ذلك ُيؤ ِّدي إىل
رسلوا إىل أهل الدنيا ،و ُق ِّلدوا سياستهمالغفلة والب َل ِه ،وهم املُ َّنزهون عنه ،بل قد ُأ ِ
العلم بأمور وهدايتهم ،والنظر يف مصالح ِدينهم ودنياهم ،وهذا ال يكون مع عدَ م ِ ِ
َ ُ
وس َريهم يف هذا الباب َمعلومة ومعرفتُهم بذلك وال األنبياء ِالدنيا بال ُك ِّلية ،وأح ُ
النبي ﷺ َّإال ِ ك ِّله مشهورة ،وأ َّما إن كان هذا العقدُ مما
يتعلق بالدِّ ين فال َيص ُّح من ِّ
ُ
العلم به وال َجيوز عليه جهله عيل ًة.ِ
| 218خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى
بن مسعود قال :قال رسول اهلل ﷺ« :ما ِمنكُم ِمن فعن ِ
عبد اهلل ِ
الئ ِ
اجلن وقرينُه ِمن امل ِ ِ ِ ٍ
سولكة» ،قالوا :وإ َّياك يا َر َ أحد َّإال وقد ُوكِّل بِه قرينُه من ِ ِّ
اهلل؟ قال« :وإِ َّياي ،ولكِ َّن اهلل تعاىل أعاننِي عل ْي ِه فأ ْسلم؛ فال ي ْأ ُم ُرين إِ َّال بِخ ْ ٍري»(،)1
بعضهم هذه الرواي َة وصحح ُ َّ بض ِّم امليم ،أي :ف َأس َل ُم أنا منه،رو َي :ف َأس َل ُمَ . ِ
ورو َي :فأس َل َمَ .يعنِي :القري َن ،أنه ان َت َقل عن حال كُفره إىل اإلسال ِم ورجحهاِ ، َّ
فصار ال َيأ ُمر َّإال َ
بخ ْري كامل َلك.
بمن ب ُعد منه، فإذا كان هذا ُحكْم َش ْيطانه و َقرينه املسلط عىل بني آ َد َم فكيف َ
اآلثار بتَصدِّ ي الشياطني ِ
جاءت الدنو منه؟! وقد قدر عىلو م ي َلزم صحبته ،وال ُأ ِ
ُ ِّ ُ َ
إطفاء نوره ،وإماتة نفسه ،وإدخال ُشغل عليه إذ َي ِئسوا ِ وطن رغبة يف له يف غري م ِ
َ
النبي ﷺ و َأ َرسه ،قال ِ
فأخ َذه َُّعرضه له يف َصالتهَ ، من إغوائه فان َقلبوا خارسين ،كت ُّ
ورة ٍِّ ،ر ،فشدَّ ع َّيل يقطع
الشيطان عرض ِيل ِيف ص ِ
ُ أبو هرير َة عنه عليه السالم« :إِ َّن َّ ْ
سار ٍية ِمن سواريت أ ْن ُأوثِق ُه إىل ِ عيل الصالة ،فأمكنني اهللُ ِمن ُه فذع ُّت ُه ،ولقدْ مه ْم ُ
َّ
ت قول أخي ُسل ْيامن ﴿ :ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ سج ِد ح َّت تُصبِحوا تنْ ُظرون إل ْي ِه ،فذك ْر ُ
امل ِ
خاسئًا»(.)2ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﴾ [ص ]35 :اآلية ،فرده اهللُ ِ
َّ ُ
الس َلف وإعياعهم عليه ،وذلك أنا نَع َلم من ِدين الصحابة وعادهتم ُمبادرهتم إىل
ِ ِ
أي يشءأي باب كانت ،وعن ِّ تصديق عييع أحواله وال ِّثقة بجميع َأخباره يف ِّ
و َق َعت ،وأنه م َيكُن هلم تَو ُّقف وال تَر ُّدد يف يشء منها ،وال استِثبات عن حاله عند
ذلك هل و َقع فيها ٌ
سهو أم ال.
رب بإقرار عمر حني َأ ْجالهم من خي َ هودي عىل َ ُّ قيق ال َي وملا احت ََّج اب ُن أيب احلُ ِ
عمر بقوله ﷺ« :ك ْيف بِك إِذا ُأ ْخ ِر ْجت رسول اهلل ﷺ هلم ،واحت ََّج عليه ُ
كذ ْبت يا مرَ : ِ ِم ْن خ ْيرب؟» فقال
اليهودي :كانت هزيلة من أيب القاسم .فقال ُع ُ ُّ
دو اهلل!(.)1
َع َّ
عام َأشار ِ ِ ِ
ولو كان ذلك لنُقل كام نُقل من ق َّصته عليه السالم يف رجو ُعه ﷺ َّ
به عىل األنصار يف تَلقيح الن َّْخل ،وكان ذلك رأ ًيا ال َ ً
خربا. ()2
بخالف ما هو يشء من األخبار ِ الكذب متى ع ِرف من أحد يف ٍ وأيضا فإن ِ
َ ُ َ ً
واهتِم يف حديثه ،و م َي َقع لقوله يف النفوس بخربه ُّ ٍ
أي وجه كان ،اسرتيب َ عىل ِّ
عمن ُع ِرف بالوهم والغفلةُ ،
وسوء َ
احلديث َّ موقعل وهلذا َترك املُحدِّ ثون والعلامء
الكذب يف أمور الدنيا َمعصية، ِ تعمدَ
وأيضا فإن ُّ ً احلفظ ،وكثرة الغ َلط مع ثِقته، ِ
ِ
النبوة. منصب سقط للمروءة وكل هذا ممَّا ي َّنزه عنه ِ واإلكثار منه كَبرية بإعياعٍ ،م ِ
ُ ُ
وسؤاهلم عن النبي ﷺ من ُق َر ْيش وغريها من األُ َمم ُ
ِّ وان ُظ ْر أحوال َع ْرص
واعرتفوا به مما ُع ِرف ،وا َّت َفق ُ
النقل ََ حاله يف ِصدْ ق لِسانه ،وما ُع ِّرفوا به من ذلك،
قبل وبعدُ . عىل ِعصمة نب ِّينا ﷺ منه ُ
وأ َّما ما َيتع َّلق باجلوارح من األعامل وال ََي ُرج من ُعيلتها القول باللسان فيام
رب ا َّلذي و َقع فيه الكال ُم ،واالعتِقاد بالقلب فيام عدا التوحيدَ ،وما قدَّ مناه
عدا اخل َ
واحش عيع املسلمون عىل ِعصمة األنبياء من ال َف ِ من معارفه املخت ََّصة به ،ف َأ َ
اإلعياع.
ُ والكبائر املُوبِقات ،و ُمس َتنَدُ اجلمهور يف ذلك
جوز الصغائر و َمن نفاها عن نب ِّينا عليه السالم ُجم ِمعون عىل أنه ال ُي ِق ُّر و َمن َّ
جوازه، ِ دل عىلعىل ُمنكَر من قول أو فعل وأنه متى رأى شي ًئا فسكَت عنه ﷺ َّ
غري ِه ،ثم َجيوز وقو ُعه منه يف َن ْفسه؟!
حق ِ فكيف َيكون هذا حا َله يف ِّ
النبي ﷺ كيفِّ وأيضا فقد علِم من ِدين الصحابة قط ًعا االقتدا ُء بأفعالً
يمهم حني نبذ َ
خامتَه(،)1 ِ ِ ِ
َوجهت ،ويف كل ف ٍّن كاالقتداء بأقواله ،فقد ن َبذوا خوات َ
ت َّ
جالسا لقضاء
ً عمر إ َّياه عاهلم حني خ َلع نَع َله( ،)1واحتجاجهم برؤية ِ
ابن َ وخ َلعوا نِ َ
بيت املقدس(.)2 حاجته ُمستقبِ ًال َ
ٌ
مأذون فيها، قدح ،بل هي
وقوعها منهم ،إذ ليس فيها ٌ
ُ املباحات فجائز
ُ وأما
وأيدهيم كأيدي غريهم مسلطة عليها ،إال أهنم بام خصوا به من رفيع املنزلة،
ِ ورشحت هلم صدورهم من أنوار املعرفة ،واص ُطفوا به من تع ُّل ِق ِ
والدار اهل َم ِم باهلل ُ ُ ِ َ
ِ
طريقهم ِ
الرضورات مما ي َت َق َّوون به عىل سلوك ِ
املباحات إال اآلخرة ال يأخذون من
ٍ
بطاعة ،وصار ِ
السبيل الت ََح َق ِ
وُضورة دنياهم ،وما ُأخذ عىل هذه ِ
وصالح دينهم
عظيم
ُ قربة كام بينا منه َ
أول الكتاب طر ًفا يف خصال نبينا عليه السالم ،فبان لك
َ
أفعاهلم فضل اهلل عىل نبينا عليه السالم ،وعىل سائر ِ
أنبيائه عليهم السالم بأن جعل ِ
ِ
املعصية. ِ
املخالفة ورسم ٍ
قربات وطاعات بعيد ًة عن وجه
ِ
سامت البرش ،كام قال وغفالت القلب من
ُ غلطات الفعل
ُ وال ٍ
قادح يف النبوة ،بل
بَش أنس كام تنسون فإذا نسيت فذكروين»(.)1 عليه السالم« :إنام أنا ٌ
بيان األحكام من أفعالِه عليه السالم وما
وأما ما ليس طري ُقه البال َغ وال َ
فاألكثر من طبقات علامء
ُ ِ
وأذكار قلبه مما م يفعله ل ُيتبع فيه، َيتص به من أمور دينه ُّ
ِ
والغفالت بقلبه، ِ
وحلوق الفرتات ِ
السهو والغلط عليه فيها، األمة عىل جواز ِ
ِ
ومالحظة ِ
ومعاناة األهل، ِ
وسياسات األمة، ِ
قاساة اخللق وذلك بام ُك ِّل َفه من ُم
ِ
الندور كام ِ
االتصال ،بل عىل سبيل األعداء ،ولكن ليس عىل سبيل الت ِ
َّكرار وال
فأستغفر اهلل»(.)2
ُ قال عليه السالم« :إنه ل ُيغان عىل قلبي
وليس يف هذا يش ٌء َحي ُّط من ُرتبته و ُيناقض معجزته ،وذهبت طائف ٌة إىل منع
مذهب والنسيان والغفالت والفرتات يف حقه عليه السالم عيلة ،وهو ِ ِ
السهو
ُ
ِ
القلوب واملقامات. ِ
وأصحاب علم ِ
املتصوفة عياعة
َ
أحاديث: الواردة يف َس ْهوه ﷺ يف الصالة ثالثةِ الصحيح من األحاديث
ُ
حديث ِ
ابن ُبحين َة يف ُ السالم ِمن اثنت َْني( ،)1الثاين: ُ
حديث ذي اليدين يف َّ َّأوَلا:
الظهر عود :أن النبي صىل حديث ابن مس ٍ ُ القيام من اثنتني( ،)2الثالث:
َ
مخسا(.)3
ً
وحكمة اهلل فيه السهو يف الفعل الذي قررناهِ ، ِ األحاديث مبن َّي ٌة عىل
ُ وهذه
إذ البال ُغ بالفعل َأجىل منه بالقول ،وأر َف ُع لالحتِاملل ورش ُطه أنه ال ُي َق ُّر ليستن بهِ ،
َ َّ
وتظهر فائد ُة احلكمة فيه كام قدَّ مناهلَ االلتباس،
ُ عىل السهول بل يشع ُر به َلري ِتف َع
عجزة ،وال قادحٍ الفعل يف ح ِّقه عليه السالم غري مضا ٍّد للم ِ
ِ والسهو يف
َ َ
النسيان وإن
ُ ُ
ِ
التصديق. يف
ِ
فوائد ما تك َّلمنا عليه. هلل -إحدى هذه َ -أ َ
كرمك ا ُ
مسائل ال تنعقدُ منُ وفائِدة ثانية :يض َطر إليها يف أصول ِ
الفقه ،و ُيبنى عليها ُ ُّ
الفقه و ُيتخ َّلص هبا من تَشغيب ُخمتلِفي الفقهاء يف ِعدة منها ،وهي احلُكم يف أقوال
وأصل كبري من أصول ِ
الفقه ،وال ُبدَّ من بِنائه ٌ عظيم
ٌ النبي ﷺ و َأفعاله ،وهو ٌ
باب ِّ
وعصمته عىل ِصدق النبي ﷺ يف إخباره وبالغه ،وأنه ال َجيوز عليه السهو فيهِ ،
َ ِّ
من املُخالفة يف أفعاله عمدً ا.
الفعل ُب ِسط
الصغائر و َقع ِخالف يف امتثال ِ
ِ وبحسب اختِالفهم يف ُوقوع
بيانه يف كُتِب ذلك ِ
العل ِم ،فال نُطول به.
ِ
فيمن َأضاف إىل ِّ
النبي ﷺ شي ًئا من وفائدة ثالثةَ :حيتاج إليها احلاكم واملُفتي َ
ووصفه هبا ،فمن م َي ِ
عرف ما َجيوز وما َيمتنع عليه ،وما و َقع اإلعياع َ ِ
األمور هذه
دري هل ما قاله فيه واخلالف ،كيف يصمم يف ال ُفتيا يف ذلك؟ ومن أين َي ِ
ُ فيه
َن ْقص أو مدْ ح؟ فإما أن َجي ِرتئ عىل س ْفك دم مسلِم حرام أو ي ِ
سقط ح اقا أو ُيض ِّيع ُ ُ َ َ
للنبي عليه السالم؟
ُحرمة ِّ
خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى|209
الباب الثاني من القسم الثالث :فيما يَخُصُّهم يف األمور الدُّنيوية ويَطرَأ عليهم
من العَوارِض البشرية
ِ
وظاهره والرسل من البرش ،وأن ِجسمه قد قدَّ منا أنه ﷺ وسائر األنبياء
ُ
للبرش َجيوز عليه من اآلفات والتغيريات واآلالم واألسقام َ
وجت ُّرع كأس خالص َ
البرش ،وهذا ك ُّله ليس بنقيصة فيهل ألن اليشء إنام يسمى ِ
ناق ًصا ِ
احلامم ما َجيوز عىل َ
ُ َّ
وأكمل من نوعه.ُ أتم منه
باإلضافة إىل ما هو ُّ
ِ
الدار ﴿ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ وقد كتَب اهلل تعاىل عىل أهل هذه
مرض ﷺ الغ َري ِة ،فقد ِ
جة ِالبرش بمدر ِ
ﭲ﴾ [األعراف ]51 :وخ َلق عييع َ َ َ
والضج ُر، الغضب واشتَكى ،وأصابه احلر وال َقر ،و َأدركه اجلوع والع َط ُشِ ،
وحل َقه
َ ُ ُ َ ُّ َ َ ُّ
وشجه
َّ فج ِحش ش ُّقه، ِ
الضعف والك َرب ،وس َقط ُ ومسه َّ
بَّ ، وناله ِ
اإلعيا ُء والت َع ُ
وسحر ،وتداوى عليه السالم واحت ََجم، الس َّمُ ، وسقي َّ
الكفار ،وكرسوا َرباع َّيتَهُ ،
فتويف ﷺ ِ
وحلق بالرفيق األعىل ،وخت َّلص من دار قَض نَح َبهَ ِّ ،
َعوذ ،ثم َ َنرش وت َّ
وت َّ
()1
االمتِحان والبلوى.
فإن قلت :فقد جاءت األخبار الصحيحة أنه عليه السالم ُس ِحر.
َ
احلديث صحيح ُمتَّفق عليه ،وقد ط َعنت فاع َل ْم -و َّفقنا اهلل وإياك -أن هذا
لسخف ُعقوهلا وتَلبيسها عىل أمثاهلا إىل التَّشكيك يف فيه املُلحدةُ ،وت َّ
َذرعت به ُ
ِ
مرض من الس ْحر َ والنبي عام ُيدخل يف أمره َل ً
بسا ،وإنام ِّ َّ الرشع
َ الرشع ،وقد َّنزه اهلل
وعارض من ِ
الع َلل َجتوز عليه كأنواع األمراض مما ال ُينكَر وال َيقدَ ح ِ األمراض،
يف نبوته.
ورد أنه كان َُي َّيل إليه أنه ف َعل اليش َء وال َيفعله ،فليس يف هذا ما
وأما ما َ
داخلة يف يشء من تَبليغه أو رشيعته ،أو َيقدَ ح يف ِصدقه لقيام الدليل يدخل عليه ِ
فصل
البرش اجلارية عىل َيديه و َقضاياهم و َمعرفة وأ َّما ما ُيعت َقد يف أمور أحكام َ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
السبيلل لقوله عليه السالم: املح ِّق من ا ُملبطل وعلم املُصلح من املُفسدَ ،
فبهذه
َش وإِ َّنك ُْم ختْت ِصمون إِ َّيل ،ولع َّل ب ْعضك ُْم أ ْن يكون أ ْحلن بِ ُح َّجتِ ِه ِم ْن
«إنَّام أنا ب ٌ
بيش ٍء فال ي ْأ ُخ ْذ ِ ض؛ فأ ْق ِِض له عىل نح ٍو ِممَّا أسمع ،فمن قضي ُ ِ
ت ل ُه م ْن ح ِّق أخيه ْ ْ ْ ْ ُ ْ ُ ب ْع ٍ
ِمنْ ُه ش ْيئًا؛ فإِنَّام أ ْقط ُع ل ُه ِق ْطع ًة ِمن الن ِ
َّار»(.)1
الظن بشهادة
ِّ وموجب غلباتِ وجتري أحكا ُمه عليه السالم عىل الظاهر،
والو ِ
كاء( )2مع ُمقتَض الع َفاص ِ ومعرفة ِ
ِ ِ
ومراعاة األشبه، ِ
الشاهد ويمني احلالف،
ِ
ضامئر ِ
وخمبآت ِ
رسائر عباده ِحكمة اهلل يف ذلك ،فإنه تعاىل لو شا َء ألطل َعه عىل
ٍ
اعرتاف أو بينة أو حاجة إىلٍ بمجرد يقينِه وعلمه دون
ِ احلكم بينهم أمتِه ،فتوىل
َ
ٍ
يمني أو شبهة.
ِ
واالقتداء به يف أحواله وأفعالِه وأقواله ِ
باتباعه أمر اهلل أمتَه
ولكن ملا َ
وقضاياه وسريه ،وكان هذا لو كان مما َيتص ِ
بعلمه و ُيؤثره اهلل به م يكن لألمة َ
ٍ
ألحد سبيل إىل االقتداء به يف يشء من ذلك ،وال قامت حج ٌة بقضية من قضاياه ٌ
ِ ِ نعلم ما َأطلِع عليه هو يف تلك ِ ِ
حلكمه هو إ ًذا يف ذلك القضية يف رشيعته ألَنا ال ُ
تعلمه األم ُة.
باملكنون من إعالم اهلل له بام أطل َعه عليه من رسائرهم ،وهذا ما ال ُ
وغريه من
ُ فأجرى اهلل تعاىل أحكا َمه عىل ظواهرهم التي يستوي فيها هو
ِ
أحكامه ،ويأتون ما أتوا من ِ
وتنزيل البرشل ليتم اقتداء أمتِه به يف تعيني قضاياه،
ِ
وأرفع الحتامل
ُ أوقع منه بالقول، ِ
بالفعل ُ ذلك عىل عل ٍم ويقني من سنتِه ،إذ البيان
ِ
املتأول. ُ
وتأويل اللفظ،
وأكثر
ُ وأوضح يف وجوه األحكام
ُ وكان ُحكمه عىل الظاهر أجىل يف البيان
ِ
التشاجر واخلصام ول َيقتدي بذلك ك ِّله حكا ُم أمته ،ويستوثق بام فائد ًة ملوجبات
استأثر به
َ وطي ذلك عنه من علم الغيب الذي
ُيؤثر عنه ،وينضبط قانون َرشيعتهُّ ،
﴿ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ﴾ [اجلن]57 - 56 :
يقدح هذا يف نبوتِه ،وال يفصم عرو ًة من
ُ ويستأثر بام شاء ،وال
ُ ف ُيعلِمه منه بام شاء
ِعصمته.
| 226خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى
وأ َّما أقوا ُله الدُّ نيوية من َأخباره عن أحواله وأحوال غريه وما َيف َعله أو ف َعله
أي َوجه من َعمد أو َسهو ِ
فقد قدَّ منا أن اخللف فيها ُممتنع عليه يف كل حال ،وعىل ِّ
مرض أو ِر ًضا أو َ
غضب ،وأنه َمعصو ٌم منه ﷺ. ِ
أو صحة أو َ
والكذب ،فأما املعاريض ُ ُ
الصدق املحض مما يدخله ُ هذا فيام طري ُقه اخل ُ
رب
فجائز ُورو ُدها منه يف األمور الدُّ نيوية ،ال ِس َّيام ٌ خالف باطِنها
َ ظاهرها
ُ
ِ
املوه ُم
وي من ِ وجه َمغازيهل َّ
لئال َي ُ ل َقصد املَص َلحة كتَوريتِه عن ِ
ذره ،وكام ُر َ العدو ح َ
ُّ أخذ ْ
ازحته و ُدعابته ل َبسط ُأ َّمته ،وتَطبيب قلوب املؤمنني من َصحابته ،وتَأكيدً ا يف ُمم َ
ومرسة نُفوسهم كقوله عليه السالم« :أل ْمحِلنَّك عىل ا ْب ِن َحتبيبهم وصحبتهم َ
ول إِ َّال ح ًّقا»(.)2النَّاق ِة»( .)1وقد قال عليه السالم« :إِ ِّين أل ْمز ُح وال أ ُق ُ
فصل
ويف ِرواية« :فأ ُّيام أح ٍد دع ْو ُت عل ْي ِه د ْعو ًة»( ،)1ويف رواية« :ل ْيس َلا
ِ ِ
بِأ ْ،لٍ» ،ويف ِرواية« :فأ ُّيام ر ُج ٍل من املُ ْسلمني سب ْب ُت ُه أ ْو لعنْ ُت ُه أ ْو جلدْ ُت ُه ف ْ
اجع ْلها ()2
ستحق اللعن، له زكا ًة وصال ًة ورمح ًة»( ،)3وكيف ي ِصح أن يلعن النبي ﷺ من ال ي ِ
َ َ َ ُّ َ َ ُ
ستحق اجلَ ْلد ،أو َيف َعل مثل ذلك عند وجيلِد من ال ي ِ
َ السبَ َ ، َّ و َي ُسب َمن ال َيستحق
الغضب وهو َمعصوم من هذا ك ِّله؟!
َ
أوال« :ل ْيس َلا بِأ ٍْ ،ل» ،أي: صدرك -أن قوله ﷺً : َ رشح اهلل فاع َل ْم َ -
الظاهر كام قال،ِ رب يف باطن َأمره ،فإن ُحكْمه عليه السالم عىل عندك يا ِّ
بج ْلده ،أو أ َّدبه بس ِّبه أو َل ْعنه بام ِ
فحكَم عليه السالم َ
وللحكمة التي ذك َْرناهاَ ،
ظاهرهُ ،ثم دعا له عليه الصالة والسالم لش َفقته ﷺ عىل ُأ َّمته اقتَضاه ِعنده حال ِ
ِ ِ
عىل غري واحد يف غري َموطن عىل غري العقد وال َق ْصد ،بل بام َ
جرت به عادة العرب
وليس املرا ُد هبا اإلجاب َة.
َشه»( ،)1و َي ُ
بذل له الرغائبل ل ُيح ِّبب إليه ِ الناس م ِن اتَّقا ُه
ِ إن ِم ْن ِرش ِار
الناس ل ِّ
ُ « َّ
ودين ربه.رشيعته ِ
فصل
وشدَّ هتا عليه وعىل عييع األنبياء عىل احلكْمة يف إجراء األمراض ِ فإن قيل :فام ِ
عن ٍ
أي الناس أشدُّ بال ًء؟ قال« :األ ْنبِ ُ
ياء ُث َّم قلت :يا رسول اهللُّ ، سعد قالُ :
ب ِدين ِ ِه فام يربح الب ِ ِالر ُج ُل عىل حس ِ
َتك ُه الء بالع ْبد ح َّت ي ْ ُ
ُ ْ ُ األ ْمث ُل فاأل ْمث ُلُ ،ي ْبتىل َّ
ض وما عل ْي ِه خطيئ ٌة»(.)1 ي ْم ِيش عىل األ ْر ِ
[خامتة املصنف]
()1
حررناه ،وانت ََج َز القول بنا فيام َّ ُ الفضل :هنا انتهى ِ قال القايض أبو
الرشط الذي رشطناه مما أرجو أن يف ك ُِّل قس ٍم ُ ْتحيناه ،واستُويف الغرض الذي ان َ ُ
فرت فيه عن ن ٍ نهجا إىل ُبغيتِه و َم ً ِ
ُكت نزعا ،وقد َس ُ للمريد َمقن ًعا ،ويف ك ُِّل باب َم ً منه ُ
أكثرقبل يف ِ التحقيق م ُيورد هلا ُ ِ مشارب منَ وكرعت يف ُ ُستبدع،
ُ ُستغرب وت
ُ ت
سط قبَل الكال َم دت لو وجدت من َب َ ود ُفصلِ ، ٍ غري ما رشع ،وأودعتُه َ التصانيف َم ٌ
فيه أو ُمقتدً ى ُيفيدُ نِيه عن كتابِه أو فِيه الكت ُِف َي بام أرويه عام ُأ َر ِّويه.
لوجهه ،والعفو عام خت َّلله ِ الرضاعة يف املِن َِّة ب َقبول ما َمنَّه
ِ ُ
جزيل وإىل اهلل تعاىل
كرمه وعفوهل ملا أودعناه من بجميل ِ ِ ب لنا ذلك من تُز ُّي ٍن وتَصنُّ ٍع ِ
لغريه ،وأن َهي َ
وأمني وحيه ،وأسهرنا به ُجفونَنا لت َت ُّبع فضائلِه ،وأعملنا فيه ِ رشف ُمصطفاه ِ
أعراضنا عن ناره املُ ِ ِ ِ
وقدة حلاميتنا َ مي
وحي َخصائصه ووسائلهَ ، إبراز واطرنا من َخ َ
حوضه ،وجيع َله لنا وملن َهت َّمم ِ كريم ِعرضه ،وجيع َلنا ممن ال ُيذاد إذا ِذيد املُبدِّ ُل عن َ
نفس ما عملت ٍ باكتتابِه واكتسابه سب ًبا َيصلنُا بأسبابه وذخري ًة نجدها يو َم جتد ك ُُّل
ِ
زمرة نب ِّينا بخصيىص وَي َّصنا وجزيل ثوابِهَ ، َ رضا ،نحوز هبا ِرضاه ٍ
ِّ من خري ُحم ً
األيمن من أهل شفاعتِه. ِ األو ِل وأهل الباب وحيرشنا يف الرعيل َّ َ وعياعتِه،
حقائق ِ عيعه ،وأهلم وفتح البصري َة لدَ ِ
رك ونحمدُ ه تعاىل عىل ما هدى إليه من ِ
ٍ
وعمل سمع ،وعل ٍم ال ينفع، ٍ ونستعيذه َّ ُ ما أودعناه و َف َّهم،
اسمه من دعاء ال ُي َ جل ُ
يب من أ َّمله ،وال َينترص من خذ َله ،وال َير ُّد دعو َة ال ُيرفع ،فهو اجلوا ُد الذي ال ََي ُ
ونعم الوكيل ،وصىل اهلل عىل َ عمل املفسدين ،وحس ُبنا اهلل القاصدين ،وال ُيصلح َ
كثريا.
تسليام ً ً حممد وآلِه وصحبِه وس َّلم سيدنا ٍ
فهرس املوضوعات
الصفحة املوضوع
التعريف بموسوعة حممد رسول اهلل ﷺ 1............................................
علم حقوق النبي ﷺ 7.............................................................
ترعية القايض عياض (ت104هـ) 2........................................
التعريف بكتاب الشفا بتعريف حقوق املصطفى للقايض عياض 54 ..................
-2فصل [يف أن حرمة النبي ﷺ وتوقريه بعد موته كام يف حياته] 572 ............
ِ
رسول اهلل ﷺ وسنَّته 524............ -3فصل يف ِ
سرية السلف يف تعظي ِم رواية حديث
-4فصل [يف أن َّبر آله وذريته وأزواجه أمهات املؤمنني من ِّبره ﷺ] 525 .........
فصل [يف أن َّبر أصحابه وتوقريهم واالقتداء هبم من ِّبره ﷺ] 523 ........... -5
| 238خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى