You are on page 1of 241

‫‪ | 4‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪7‬‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬


‫)‏(‪)1‬‬
‫التعريف مبوسوعة حممد رسول اهلل ﷺ‬

‫حممد رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وعىل‬‫ٍ‬ ‫احلمدُ هلل‪ ،‬والصال ُة والسال ُم عىل نب ِّينا وحبيبِنا‬
‫هبديه واست َّن بسنتِه‪َّ ،‬أما بعدُ ‪:‬‬
‫وعمل ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫آله وصحبِه‪ ،‬و َمن اقت َفى َ‬
‫أثره‬
‫ِ‬
‫بجمعها‬ ‫ِ‬
‫عامني‪-‬‬ ‫نحوا ِمن‬ ‫ُ‬ ‫استغر َق‬ ‫تمتاز هذه املوسوع ُة ‪-‬التي‬
‫العمل فيها ً‬ ‫َ‬ ‫ف ُ‬
‫ِ‬
‫أفضل ما كت َبه أئم ُة‬ ‫ِ‬
‫وانتقاء‬ ‫ٍ‬
‫واحد‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وعاء‬ ‫ِ‬
‫الرشيفة وفنوهنا يف‬ ‫ِ‬
‫النبوية‬ ‫ِ‬
‫السرية‬ ‫ألهم علو ِم‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫األمة‪ ،‬وقد‬ ‫ً‬
‫وقبوال لدى‬ ‫لقي شهر ًة‬ ‫ِ‬ ‫الصالح وعلامؤهم يف كل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فن من فنوهنا‪ ،‬مما َ‬
‫ٍّ‬ ‫سلفنا‬
‫الكتب وهتذيبِها‪ ،‬نسأل اهلل اإلخالص والقبول‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باختصار هذه‬ ‫قمت‬‫ُ‬
‫ِ‬
‫الطبعات‬ ‫ِ‬
‫أفضل‬ ‫َ‬
‫تكون عىل‬ ‫ِ‬
‫املوسوعة أن‬ ‫كتب هذه‬ ‫ِ‬
‫اختصار ِ‬ ‫وكان منهجي يف‬
‫ِ‬
‫واالستطرادات‪ ،‬وما أغنَى عنه‬ ‫ِ‬
‫الضعيف وما دونَه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫حذف‬ ‫ٍ‬
‫كتاب‪ ،‬مع‬ ‫ِ‬
‫املعتمدة ِّ‬
‫لكل‬
‫يب أو َمن دونَه‬ ‫ِ‬
‫ذكره‪ ،‬وكذلك أسانيدُ األحاديث إال الصحا َّ‬ ‫سبق ُ‬
‫مكر ًرا َ‬
‫غريه‪ ،‬أو كان َّ‬‫ُ‬
‫زدت يف عنواناته‬ ‫ِ‬
‫املصنف وترتيبِه‪ ،‬فإن ُ‬ ‫حافظت عىل ِ‬
‫لفظ‬ ‫حيتاج الكال ُم إليه‪ ،‬وقد‬
‫ُ‬ ‫مما ُ‬
‫اعتمدهتا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫طبعة أخرى ِ‬
‫غري التي‬ ‫ني‪ ،‬وكذا ما كان ِمن ٍ‬
‫شي ًئا وضعتُه بني معقو َف ِ‬

‫وتيسريهال لنتع َّل َم عيي ًعا‬


‫َ‬ ‫تقريب سرية النبي ﷺ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫املنهج‬ ‫وكان هديف ِمن هذا‬
‫ِ‬
‫األصيلة‪ ،‬لنح ِّق َق االقتدا َء به ﷺ يف‬ ‫ِ‬
‫الصالح‬ ‫سلفنا‬ ‫ِ‬
‫علامء ِ‬ ‫وفنوهنا من ِ‬
‫كتب‬ ‫علو َمها‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫باآلخرة‪.‬‬ ‫ونفوز‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫أخالقهل فنسعدُ يف الدنيا‬ ‫عقيدتِه وعباداتِه ومعامالتِه و‬
‫ِ‬
‫الرشيفة‬ ‫ِ‬
‫النبوية‬ ‫ِ‬
‫لألحاديث‬ ‫ِ‬
‫املوجز‬ ‫ِ‬
‫التخريج‬ ‫ِ‬
‫احلاشية عىل‬ ‫اقترصت يف‬
‫ُ‬ ‫وقد‬
‫ِ‬
‫غريب ألفاظها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وبيان‬ ‫وا ِ‬
‫آلثار‪،‬‬

‫مفص ًال يف صدر املجلد األول‪.‬‬


‫(*) هذا تعريف موجز باملوسوعة‪ ،‬وقد تقدَّ م التعريف هبا َّ‬
‫‪ | 8‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫وقد جاء هذا اإلصدار األو ُل ِمن «موسوعة حممد رسول اهلل ﷺ» جامعا ِ‬
‫لستة‬ ‫ً‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ثامنية‬ ‫اختصار‬ ‫علو ٍم من علو ِم السرية النبوية الرشيفة وفنوهنا يف ستة جملدات‪ ،‬ع َ‬
‫رب‬
‫كتب‪ ،‬وهي عىل النحو التايل‪:‬‬‫ٍ‬

‫املجلد األول‪ -1 :‬يف علم الدالئل [كتاب «دالئل النبوة» أليب نعيم (ت‪034‬هـ)]‬

‫املجلد الثاين‪ -5 :‬يف علم السرية النبوية [كتاب «السرية النبوية» البن هشام‬
‫(ت‪552‬هـ)]‬

‫السول يف خصائص الرسول»‬


‫املجلد الثالث‪ -3 :‬يف علم اخلصائص [كتاب «غاية ُّ‬
‫البن امللقن(ت‪240‬هـ)]‬

‫‪ -4‬يف علم الشامئل‪ ،‬وفيه ثالثة كتب‪ ،‬هي‪:‬‬

‫‪[ -‬كتاب «شامئل النبي ﷺ» للرتمذي (ت‪572‬هـ)]‬


‫‪[ -‬كتاب «حممد رسول اهلل ﷺ واحلقوق والقيم واألخالق‬
‫وعالج مشكالت العا م املعارص»‪ ،‬لـ أ‪.‬د أمحد بن عثامن املزيد]‬

‫املجلد الرابع‪[ - :‬كتاب «زاد املعاد يف هدي خري العباد» البن قيم اجلوزية‬
‫(ت ‪715‬هـ)]‬

‫املجلد اخلامس‪ -5 :‬يف علم حقوق النبي ﷺ‪[ :‬كتاب «الشفا بتعريف حقوق‬
‫املصطفى» للقايض عياض (ت‪100‬هـ)]‬

‫املجلد السادس‪ -6 :‬يف علم احلديث النبوي الرشيف‪[ :‬كتاب «رياض‬


‫الصاحلني» للنووي (ت‪676‬هـ)]‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪9‬‬

‫يف علم حقوق النيب ﷺ‬

‫أهميته‪:‬‬

‫أصَل الدين‪،‬‬ ‫النبي ﷺ عىل أمتِه هلي يف عيلتِها األ ُ‬


‫صل الثاين من َ‬ ‫َ‬
‫حقوق ِّ‬ ‫إن‬
‫كام يدل عليه قو ُلنا‪« :‬أشهد أن ال إله إال اهلل وأشهد أن حممدً ا رسول اهلل»ل ولذا‬
‫ً‬
‫وقوال وعمالً‪،‬‬ ‫ِ‬
‫احلقوق معرف ًة‪ ،‬ويلتزم هبا اعتقا ًدا‬ ‫ينبغي عىل املسل ِم أن َ‬
‫حييط بتلك‬
‫ِ‬
‫اإليامن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫عقود‬ ‫فذلك عقدٌ من‬

‫الة التي ُب ِع َث هبا ﷺ‪ ،‬ومنها ما‬ ‫بجانب الرس ِ‬


‫ِ‬ ‫ُ‬
‫يتصل‬ ‫احلقوق منها ما‬ ‫ُ‬ ‫وهذه‬
‫وتكريام ِمن اهلل له‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تفضيال‬ ‫بشخص رسول اهلل ﷺ‬ ‫ِ‬ ‫يتع َّل ُق‬
‫الصادق به ﷺ ً‬
‫قوال‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اإليامن‬ ‫النبي ﷺ عىل أمتِه كثريةٌ‪ ،‬فمنها‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫وحقوق‬
‫واحلذر ِمن خمالفتِه ﷺ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ووجوب طاعتِه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫كل ما جا َء به ﷺ‪،‬‬ ‫وفعال‪ ،‬وتصدي ُقه يف ِّ‬ ‫ً‬
‫ٍ‬ ‫بحكمه‪ ،‬وإنزا ُله منزلتَه ﷺ بال ٍ‬ ‫ِ‬
‫تقصري‪،‬‬ ‫غلو وال‬ ‫ووجوب التحاك ِم إليه ِّ‬
‫والر َىض‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫والولد‬ ‫ِ‬
‫واملال‬ ‫ِ‬
‫واألهل‬ ‫ِ‬
‫النفس‬ ‫أكثر ِمن‬ ‫ِ‬ ‫واختا ُذه قدو ًة و ُأ ْسو ًة يف عيي ِع‬
‫األمور‪ ،‬وحمبتُه َ‬
‫والذب عن رشيعتِه وسنتِه‪ ،‬والصال ُة عليه‪...‬‬ ‫ُّ‬ ‫وتوقريه‪ ،‬ونرصتُه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫والناس أعيعني‪،‬‬
‫إلخ‪.‬‬
‫‪ | 01‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫ترمجة القاضي عياض (ت‪104‬هـ)‪‬‬

‫امسه ونسبه‪:‬‬
‫بن ِعياض‪ ،‬ال َي ْحصبِ ُّي‪َ ،‬س ْبتِ ُّي‬
‫بن موسى ِ‬ ‫الفضل ِع ُ‬
‫ياض ب ُن عمرون ِ‬ ‫ِ‬ ‫هو أبو‬
‫ِ‬
‫األصل‪.‬‬ ‫أندليس‬ ‫ِ‬
‫وامليالد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الدار‬
‫ُّ‬
‫تاريخ مولده‪:‬‬
‫ُولِدَ القايض ُ‬
‫عياض يف منتصف شهر شعبان عام (‪076‬هـ) يف َس ْبتَة(‪.)1‬‬
‫نشأته وأخالقه‪:‬‬
‫ِ‬
‫األقوال‬ ‫احلال‪ ،‬حممود‬ ‫ِ‬ ‫مريض‬ ‫ٍ‬
‫وصيانة‪،‬‬ ‫نش َأ أيب عىل ٍ‬
‫عفة‬ ‫قال عنه ابنُه حممد‪َ « :‬‬
‫َّ‬
‫حريصا عليه‪ ،‬جمتهدً ا فيه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫واحلذق‪ ،‬طال ًبا للعل ِم‬ ‫ِ‬ ‫واألفعال‪ ،‬موصو ًفا بالنُّ ْب ِل والفه ِم‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫معظام عندَ األشياخِ ِمن ِ‬
‫واالختالف إليهم‪ ،‬إىل أن‬ ‫املجالسة هلم‬ ‫أهل العل ِم‪َ ،‬‬
‫كثري‬ ‫ا‬
‫ِ‬
‫القراءة‬ ‫اظ كتاب اهلل تعاىل‪ ،‬مع‬ ‫أهل زمانِه وساد عيل َة أقرانِهل فكان ِمن ح َّف ِ‬ ‫َبر َع َ‬
‫َ‬
‫علومه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تفسريه وعيي ِع‬ ‫ِ‬
‫الوافر من‬ ‫ِّ‬
‫واحلظ‬ ‫ِ‬
‫اجلهري‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والصوت‬ ‫ِ‬
‫العذبة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والنغمة‬ ‫ِ‬
‫احلسنة‬
‫ِ‬
‫للمسائل عاقدً ا‬ ‫فقيها‪ ،‬حاف ًظا‬ ‫متكلام ً‬ ‫ً‬ ‫احلديث يف وقتِه‪ ،‬أصول ايا‬ ‫ِ‬ ‫أئم ِة‬
‫وكان من َّ‬
‫ِ‬
‫شاعرا جميدً ا‪ ،‬كات ًبا خطي ًبا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ِ‬
‫األدب‪،‬‬ ‫بصريا باألحكا ِم‪ ،‬نحو ايا ر َّيانًا ِمن‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫للرشوط‪،‬‬
‫ِ‬
‫الدعابة‪،‬‬ ‫حلو‬ ‫ِ‬ ‫املجلس‪ ،‬‏ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حاف ًظا ِ‬
‫نبيل النادرة‪َ ،‬‬ ‫حسن‬ ‫َ‬ ‫والتواريخ‪،‬‬ ‫واألخبار‬ ‫للغة‬
‫العمل‪،‬‬‫ِ‬ ‫الصداقة‪ ،‬دؤو ًبا عىل‬ ‫ِ‬ ‫كثري‬ ‫ِ‬ ‫حليام‪َ ،‬‬
‫سمحا‪َ ،‬‬‫ً‬ ‫العرشة‪ ،‬جوا ًدا‬ ‫عييل‬ ‫ً‬ ‫صبورا‬
‫ً‬
‫‪.‬‏‬
‫(‪)2‬‬
‫احلق»‬
‫صل ًبا يف ِّ‬

‫(‪ )1‬الديباج املذهب البن فرحون (‪ 15-06/5‬باختصار)‪.‬‬


‫(‪ )2‬أزهار الرياض يف أخبار القايض عياض ألمحد بن حممد املقري (‪.)2 /3‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪00‬‬

‫شيوخه وطلبه للعلم ومناصبه‪:‬‬


‫أخ َذ عن أشياخِ بلدتِه َس ْبتَة كالقايض أيب عبد اهلل بن‬
‫قال ابنه عنه ‪َ « :‬‬
‫ِ‬
‫والفقيه أيب إسحاق بن الفايس وغريهم»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫واخلطيب أيب القاسم‬ ‫عيسى‬
‫عوده ِمن األندلس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األندلس سنة (‪147‬هـ) طال ًبا للعل ِم‪ ،‬وبعدَ‬ ‫رح َل إىل‬
‫َ‬
‫املدونة وهو ابن ثالثني سنة أو ينيف عنها‪ ،‬ثم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للمناظرة عليه يف‬ ‫أجلسه ُ‬
‫أهل سبت َة‬ ‫َ‬
‫بلده مد ًة طويلة محدت سريتُه فيها‪ ،‬ثم َ‬
‫نقل إىل‬ ‫ُأجلس للشورى‪ ،‬ثم ويل قضاء ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أمره هبا‪ ،‬ثم َو ِيل قضا َء َس ْبتَة ثان ًيا(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫قضاء غرناط َة يف سنة (‪135‬هـ) و م يطل ُ‬
‫حمنته‪:‬‬
‫ورح َل إىل لقاء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالدخول يف طاعتهم َ‬ ‫املسابقة‬ ‫أمر املوحدين با َد َر إىل‬
‫ظه َر ُ‬
‫ملا َ‬
‫أمور املوحدين عام‬
‫وأوجب َّبره‪ ،‬إىل أن اضطر َب ْت ُ‬
‫َ‬ ‫فأجز َل صلتَه‬ ‫ِ‬
‫أمريهم بمدينة سال‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫(‪103‬هـ) فتالشت حا ُله وحلق بمراكش مرش ًدا به عن وطنه‪ ،‬فكانت هبا وفاتُه ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫تصانيفه‪:‬‬
‫للقايض عياض تصانيف مفيدة‪ ،‬منها‪ :‬الشفا بتعريف حقوق املصطفى‪،‬‬
‫وإكامل املعلم يف رشح مسلم‪ ،‬وتقريب املسالك يف ذكر فقهاء مذهب مالك‪،‬‬
‫وجامع التاريخ‪ ،‬ومشارق األنوار يف اقتفاء صحيح اآلثار وغريها‪.‬‬

‫وفاته‪ :‬ت ِّ‬


‫ُويف القايض عياض بمراكش يف شهر عيادى األخرية‪ ،‬وقيل‪ :‬يف‬
‫شهر رمضان سنة (‪104‬هـ)‪.‬‬

‫(‪ )1‬أزهار الرياض يف أخبار القايض عياض ألمحد بن حممد املقري (‪.)2 /3‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬السابق‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الديباج املذهب البن فرحون(‪.)02/5‬‬
‫‪ | 02‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫التعريف بكتاب الشفا بتعريف حقوق املصطفى للقاضي عياض (ت‪100‬هـ)‬

‫أهميته‪:‬‬
‫ِ‬
‫أوائل‬ ‫عياض ِمن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حقوق املصطفى للقايض‬ ‫ِ‬
‫بتعريف‬ ‫كتاب الشفا‬
‫ُ‬ ‫يعدُّ‬
‫ِ‬
‫بحسن‬ ‫ٍ‬
‫بمصنف‪ ،‬وقد متيز‬ ‫النبي ﷺ وأفردهتا‬
‫خصائص ِّ‬‫َ‬ ‫املصنفات التي تناولت‬
‫ِ‬
‫وهباء لغته وفصاحتها‪.‬‬ ‫عرضه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وتقسيمه وعيال ِ‬ ‫ترتيبِه‬
‫ِ‬
‫وقدره‬ ‫رشف املصطفى ﷺ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫يبحث يف‬ ‫ٍ‬
‫مصنف‬ ‫ُّ‬
‫وأجل‬ ‫أعيع‬
‫وكتاب الشفا ُ‬ ‫ُ‬ ‫«‬
‫ٍ‬
‫بأسلوب‬ ‫ٍ‬
‫عقدية‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫أصولية‬ ‫ٍ‬
‫فقهية‬ ‫جوانب‬ ‫ُ‬
‫يتناول ذلك من‬ ‫ِ‬
‫اجلليل‪،‬‬ ‫العظي ِم ومنصبِه‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫وسنة‬ ‫بالدليل ِمن ٍ‬
‫قرآن‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ساطعة‪ ،‬مؤيد ًة‬ ‫وبراهني‬
‫َ‬ ‫وحجج ٍ‬
‫قوية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وبيان بديعٍ‪،‬‬ ‫بليغٍ‪،‬‬
‫ِ‬
‫واألئمة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫السلف‬ ‫ِ‬
‫وأقوال‬
‫َ‬
‫ليكون‬ ‫ٍ‬
‫معاند‪ ،‬وإنام‬ ‫قهر‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫والغاي ُة ِمن هذا‬
‫إقناع جاحد‪ ،‬وال َ‬‫َ‬ ‫الكتاب ليس‬
‫إيامن املؤمنني‪ ،‬وحمب ًة يف ِ‬
‫سيد املرسلني‪ ،‬وقد أبان‬ ‫ألعامل املسلمني‪ ،‬وزياد ًة يف ِ‬
‫ِ‬ ‫منام ًة‬
‫ِ‬
‫األول»(‪.)1‬‬ ‫الباب الراب ِع ِمن القس ِم‬
‫ِ‬ ‫أول‬ ‫ِ‬
‫الغاية يف ِ‬ ‫املصنف عن هذه‬
‫ُ‬

‫ترتيبه ومنهجه‪:‬‬

‫حرصت‬ ‫ِ‬
‫ومنهجه‪« :‬‬ ‫معر ًفا برتتيبِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫يقول القايض عياض يف مقدمة كتابه‪ِّ ،‬‬
‫الكال َم فيه يف أربعة أقسا ٍم‪:‬‬
‫ً‬
‫وفعال‪.‬‬ ‫النبي ﷺ ً‬
‫قوال‬ ‫األول‪ :‬يف تعظي ِم العَل األعىل ِ‬
‫لقدر هذا ِّ‬ ‫القسم ُ‬
‫ُ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫حقوقه ﷺ‪.‬‬ ‫جيب عىل األنا ِم ِمن‬
‫القسم الثاين‪ :‬فيام ُ‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬مقدمة الشفا للقايض عياض‪ ،‬حتقيق عبده كوشك (ص‪ 2‬بترصف يسري)‪.‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪03‬‬

‫ويصح‬
‫ُّ‬ ‫يمتنع‬
‫ُ‬ ‫جيوز عليه‪ ،‬وما‬ ‫ُ‬
‫يستحيل يف ح ِّقه ﷺ‪ ،‬وما ُ‬ ‫ُ‬
‫الثالث‪ :‬فيام‬ ‫القسم‬
‫ُ‬
‫ضاف إليه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫البرشية أن ُي‬ ‫ِ‬
‫األمور‬ ‫ِمن‬
‫ِ‬
‫األبواب‪،‬‬ ‫الكتاب‪ ،‬ولباب ِ‬
‫ثمرة هذه‬ ‫ِ‬ ‫رس‬
‫ُ‬ ‫القسم ‪-‬أكر َمك اهلل تعاىل‪ -‬هو ُّ‬
‫ُ‬ ‫وهذا‬
‫ِ‬
‫البينات‪،‬‬ ‫ِ‬
‫النكت‬ ‫والدالئل عىل ما نور ُده فيه ِمن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والتمهيدات‬ ‫ِ‬
‫كالقواعد‬ ‫وما قب َله له‬
‫ِ‬
‫التأليف وعدَ ه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫غرض هذا‬ ‫واملنجز من‬
‫ُ‬ ‫احلاكم عىل ما بعدَ ه‪،‬‬ ‫وهو‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫وجوه األحكا ِم عىل َمن تن َّق َصه أو س َّبه ﷺ»(‪.)1‬‬ ‫القسم الرابع‪ :‬يف ترص ِ‬
‫ف‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اهتمام العلماء به وثناؤهم عليه‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وتنو َع ْت‬ ‫كتاب الشفا للقايض عياض ح اظا ً‬
‫وافرا من اهتام ِم العلامء‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫وقد نال‬
‫ٍ‬
‫وهتذيب‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫وترعية‬ ‫ٍ‬
‫ختريج‬ ‫ٍ‬
‫واختصار إىل‬ ‫الكتاب ِمن بني ٍ‬
‫رشح‬ ‫ِ‬ ‫طرق خدمتِهم هلذا‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫رشوحه املطبوعة‪:‬‬ ‫ِ‬
‫فمن‬
‫‪ -5‬رشح املال عَل القاري (ت‪5450‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -5‬نسيم الرياض يف رشح شفاء القايض عياض‪ ،‬لشهاب الدين اخلفاجي‬
‫(ت‪5462‬هـ)‪ ،‬وهو رشح موسع يف جملدات‪.‬‬
‫‪ -3‬مزيل اخلفاء عن ألفاظ الشفاء ألمحد بن حممد الشمني (ت‪273‬هـ)‪.‬‬
‫ومن خمتِصاته‪:‬‬
‫‪ -5‬خمترص اإلسنوي (ت‪763‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -5‬خمترص ملحمد بن حممود‪ ،‬انتهى منه سنة ‪ 264‬هـ‪.‬‬

‫(‪( )1‬ص‪.)54‬‬
‫‪ | 04‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫ومن خترجياته‪:‬‬
‫‪ -‬مناهل الصفا يف ختريج أحاديث الشفا جلالل الدين السيوطي (ت‪255‬هـ)‪.‬‬
‫ِ‬
‫السبق‪:‬‬ ‫ِ‬
‫قصب‬ ‫ِ‬
‫العلامء عىل‬ ‫وقد حاز كتاب القايض عياض ِمن ِ‬
‫ثناء‬ ‫ُ‬
‫أكفاؤه كفايتَه‬
‫ُ‬ ‫كل اإلبداعِ‪ ،‬وس َّل َم له‬ ‫ابن فرحون (ت‪722‬هـ)‪« :‬أبدَ َع فيه َّ‬ ‫قال ُ‬
‫ِ‬
‫للوقوف‬ ‫تشوفوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االنفراد به‪ ،‬وال أنكروا مزي َة‬ ‫فيه‪ ،‬و م ي ِ‬
‫السبق إليه‪ ،‬بل َّ‬ ‫ناز ْعه أحدٌ من‬
‫ِ‬
‫وطار ْت ن َُس ُخه رش ًقا وغر ًبا»(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫عليه‪ ،‬وأنص ُفوا يف االستفادة منه‪ ،‬ومح َله ُ‬
‫الناس عنه‪،‬‬
‫ً‬
‫جممال يف‬ ‫ِّف يف بابِه‪،‬‬
‫أعيع ما ُصن َ‬
‫وقال املال عَل القاري (ت‪5450‬هـ)‪ُ « :‬‬
‫االستقصاء» ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫انتهاء‬ ‫ِ‬
‫الوصول إىل‬ ‫مكان‬ ‫ِ‬
‫االستيفاء لعد ِم إ ِ‬

‫وقال أمحد بن حممد املقري (ت‪5405‬هـ)‪« :‬ب َل َغ فيه الغاي َة القصوى‪ ،‬وكان‬
‫ِ‬
‫السبق به‬ ‫قصب‬ ‫وبذ فيه املؤلفني وأر َبى‪ ،‬وحاز‬ ‫ِ‬
‫اإلحسان مرتش ًفا‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫لرضوب‬ ‫فيه‬
‫َ‬
‫دوهنم‪ ،‬وطار صيتُه رش ًقا وغر ًبا»(‪.)3‬‬
‫َ‬
‫الطبعة املعتمدة يف هذا املختصر‪:‬‬
‫ِ‬
‫املخترص عىل طبعة وحدة البحوث والدراسات بديب‪،‬‬ ‫عتمدت يف هذا‬
‫ُ‬ ‫ا‬
‫حتقيق عبده كوشك‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬سنة ‪5030‬هـ‪ ،‬وقد اعتمد حمققه عىل طبعة‬
‫البجاوي ومقابلتها بنسخة من الكتاب حمفوظة باملكتبة الظاهرية‪.‬‬

‫(‪ )1‬الديباج املذهب البن فرحون (‪)02/5‬‬


‫(‪ )2‬رشح الشفا للمال عَل القاري(‪.)2/5‬‬
‫(‪ )3‬أزهار الرياض يف أخبار عياض ألمحد بن حممد املقري (‪.)575/0‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪05‬‬

‫‪ ‬موســـــــوعة حممــــــــــد رســـــــول اهلل ﷺ‬

‫دالئل نبوته وسريته وخصائصه ومشائله وهديه وحقوقه وقبس من حديثه‬

‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬


‫للقاضي عياض أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض (ت‪444‬هـ)‬

‫اختصره‬

‫أ‪.‬د‪ .‬أمحد بن عثمان املزيد‬

‫أستاذ الدراسات اإلسالمية ‪ -‬جامعة امللك سعود‬


‫‪ | 06‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪07‬‬

‫[مقدمة املصنف]‬

‫بسمِ اهلل الرمحنِ الرحيم‪ ،‬وبه أتوكلُ‬


‫ٍ‬
‫عياض‬ ‫عياض بن موسى بن‬ ‫ِ‬
‫الفضل ُ‬ ‫قال الفقي ُه القايض اإلما ُم احلافظ أبو‬
‫ال َي ْح ُصبِ ُّي ‪ ‬وأرضاه‪:‬‬
‫بالعز األَمحى‪ ،‬الذي ليس دونَه‬ ‫ِّ‬ ‫املختص‬
‫ِّ‬ ‫املنفر ِد باسمه األَسمى‪،‬‬
‫ِ‬ ‫احلمد هلل‬
‫عام ُع اام‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫يشء رمح ًة‬ ‫ُمنتهى وال وراءه َمرمى‪َ ،‬و ِس َع َّ‬
‫وأسبغ عىل أوليائه ن ً‬ ‫وعلام‪،‬‬
‫ً‬ ‫كل‬
‫نمى‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫رسوال من أن ُف ِسهم‪ ،‬أن َف َسهم عر ًبا‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫أزكاهم َحمتدً ا و َم َ‬
‫وعجام‪ ،‬و ُ‬
‫ً‬ ‫وبعث فيهم‬
‫وأقواهم يقينًا و َعز ًما‪ ،‬وأشدَّ ُهم هبم‬
‫ُ‬ ‫وفهام‪،‬‬
‫علام ً‬ ‫وحلام‪ ،‬وأو َف َرهم ً‬
‫ً‬ ‫وأرج َحهم ً‬
‫عقال‬ ‫َ‬
‫تسليام‪.‬‬
‫ً‬ ‫محا‪ ،‬صىل اهلل عليه وسلم صال ًة تَنمو وتُنمى‪ ،‬وعىل آله وسلم‬ ‫رأف ًة ُ‬
‫ور ً‬
‫ِ‬
‫بقدر‬ ‫التعريف‬ ‫السؤال يف جممو ٍع يتضمن‬‫َ‬ ‫عَل‬
‫َ‬ ‫رت َّ‬‫أما بعدُ ‪ ،‬فإنك ك ََّر َ‬
‫كم من م‬ ‫ٍ‬
‫توقري وإكرا ٍم‪ ،‬وما ُح ُ‬ ‫جيب له من‬
‫املصطفى عليه الصالة والسالم‪ ،‬وما ُ‬
‫ليل ُقالم َة ُظ ٍ‬
‫حق منصبِه اجل ِ‬ ‫ِ‬
‫فر‪ ،‬وأن‬ ‫واجب عظي ِم ذلك القدر‪ ،‬أو َ‬
‫قرص يف ِّ‬ ‫َ‬ ‫يوف‬‫ِّ‬
‫ٍ‬
‫وأمثال‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫صور‬ ‫ِ‬
‫بتنزيل‬ ‫أعيع لك ما ألسالفِنا وأئمتِنا يف ذلك من ٍ‬
‫مقال‪ ،‬وأبينَه‬ ‫َ‬
‫مرا إِ ْم ًرا ‪َ ،‬‬
‫وأرهقتَني فيام نَدَ بتني إليه‬ ‫محلتَني من ذلك َأ ً‬
‫محك اهلل أنك َّ‬ ‫فاعلم َر ِ َ‬
‫)‪(1‬‬

‫وأر َقيتَني بام ك َّلفتني ُمرت ًقى صع ًبا‪ ،‬مأل قلبي ُرع ًبا‪ ،‬فإن الكال َم يف ذلك َيستدعي‬ ‫رسا‪ْ ،‬‬‫ُع ً‬
‫ِ‬
‫احلقائق‪ ،‬مما‬ ‫ودقائق من علم‬ ‫غوامض‬ ‫والكشف عن‬ ‫ٍ‬
‫فصول‪،‬‬ ‫رير‬ ‫أصول‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وحت َ‬ ‫تقدير‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫والرسول‪،‬‬ ‫جيوز عليه‪ ،‬ومعرف ُة ِّ‬
‫النبي‬ ‫ُ‬ ‫متنع أو‬
‫ضاف إليه‪ ،‬أو َي ُ‬‫للنبي ﷺ و ُي ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ب‬‫َجي ُ‬
‫الدرجة العل َّي ِة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وخصائص هذه‬ ‫واملحبة واخل ِ‬
‫لة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والرسالة والنبوة‪،‬‬

‫(‪( )1‬إ ْم ًرا)‪ :‬شديدً ا‪.‬‬


‫‪ | 08‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫املفرتض‪،‬‬‫َ‬ ‫احلق‬‫الغرض‪ ،‬مؤديا من ذلك َّ‬ ‫ِ‬ ‫سفرة عن ِ‬


‫وجه‬ ‫نكت م ٍ‬ ‫بادرت إىل ٍ‬
‫ُ‬ ‫ف‬
‫ُ‬
‫اإلنسان من‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫والبال‪ ،‬بام ُط ِّو َقه‬ ‫ِ‬
‫البدن‬ ‫ِ‬
‫شغل‬ ‫ِ‬
‫بصدده من‬ ‫ٍ‬
‫استعجال‪ ،‬ملا املر ُء‬ ‫اختلستُها عىل‬
‫ِ‬
‫حصن‬ ‫ونفل‪ ،‬وتر ُّد بعد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫فرض‬ ‫تشغل عن كل‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املحنة التي ابت ََُل هبا فكا َدت‬ ‫ِ‬
‫مقاليد‬
‫مه ُه ك َّل ُه فيام ُحيمدُ‬ ‫ِ‬ ‫فل ُس ٍ‬
‫التقوي ِم إىل أس ِ‬
‫جلعل شغ َل ُه و َّ‬ ‫خريا َ‬ ‫فل‪ ،‬ولو أرا َد اهلل باإلنسان ً‬
‫عذاب اجلحي ِم‪ ،‬ولكان عليه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نرضة النعي ِم أو‬ ‫غدً ا وال ُيذ ُّم حمله‪ ،‬فليس َث َّم سوى‬
‫وعمل صالح يستزيدُ ه‪ ،‬وعلم ناف ٍع يفيدُ ه أو يستفيدُ ه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫واستنقاذ ُمهجتِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫بخويصتِه‪،‬‬
‫استعدادنا ِ‬
‫ملعادنا‪ ،‬وتو ُّف ِر‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫وجعل عييع‬ ‫عظيم ذنوبِنا‪،‬‬ ‫وغفر‬ ‫صدع قلوبِنا‪،‬‬ ‫رب اهلل تعاىل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ج َ‬
‫وكرمه ورمحته‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وحيظينا بمنِّه‬‫دواعينا فيام ُينجينا و ُيقربنا إليه تعاىل ُزلفى‪ُ ،‬‬
‫صت تفصي َله‪،‬‬ ‫ومهدت تأصيله وخ َّل ُ‬
‫ُ‬ ‫ودرجت)‪ (1‬تبوي َبه‪،‬‬ ‫نويت تقري َبه‪َّ ،‬‬‫ُ‬ ‫وملا‬
‫املص َطفى»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َعريف ُح ِ‬ ‫حرصه وحتصي َله‪ -‬ترعيتُه بـ« ِّ‬
‫قوق ُ‬ ‫الشفا بت‬ ‫َ‬ ‫وانتحيت‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫أربعة‪:‬‬ ‫وحرصت الكال َم فيه يف أقسا ٍم‬
‫ُ‬
‫ً‬
‫وفعال‪.‬‬ ‫قوال‬‫النبي ﷺ ً‬ ‫األول‪ :‬يف تعظي ِم العَل األعىل ِ‬
‫لقدر هذا ِّ‬ ‫القسم ُ‬ ‫ُ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫حقوقه ﷺ‪.‬‬ ‫جيب عىل األنا ِم ِمن‬‫القسم الثاين‪ :‬فيام ُ‬ ‫ُ‬
‫ويصح‬
‫ُّ‬ ‫يمتنع‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يستحيل يف ح ِّقه ﷺ‪ ،‬وما جيو ُز عليه‪ ،‬وما‬ ‫ُ‬
‫الثالث‪ :‬فيام‬ ‫القسم‬
‫ُ‬
‫ضاف إليه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫البرشية أن ُي‬ ‫ِ‬
‫األمور‬ ‫ِمن‬
‫ِ‬
‫األبواب‪،‬‬ ‫الكتاب‪ ،‬ولباب ِ‬
‫ثمرة هذه‬ ‫ِ‬ ‫رس‬
‫ُ‬ ‫القسم ‪-‬أكر َمك اهلل تعاىل‪ -‬هو ُّ‬ ‫ُ‬ ‫وهذا‬
‫ِ‬
‫البينات‪،‬‬ ‫ِ‬
‫النكت‬ ‫والدالئل عىل ما نور ُده فيه ِمن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والتمهيدات‬ ‫ِ‬
‫كالقواعد‬ ‫وما قب َله له‬
‫ِ‬
‫التأليف وعدَ ه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫غرض هذا‬ ‫احلاكم عىل ما بعدَ ه‪ ،‬واملنج ُز من‬ ‫وهو‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫وجوه األحكا ِم عىل َمن تن َّق َصه أو س َّبه ﷺ‪.‬‬ ‫القسم الرابع‪ :‬يف ترص ِ‬
‫ف‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬

‫(درجت)أي‪ :‬أدناه منه عىل التدريج‪.‬‬


‫(‪َّ )1‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪09‬‬

‫القسمُ األولُ‬
‫يف تعظيمِ العلي األعلى لقدرِ النيبِّ املصطفى ﷺ قولًا وفعلًا‬
‫‪ | 21‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪20‬‬

‫ال خفاء عىل من مارس شي ًئا من العل ِم‪ ،‬أو ُخص بأدنى َمل ٍ‬
‫حة من فه ٍم‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫ومناقب ال‬
‫َ‬ ‫وحماسن‬
‫َ‬ ‫بفضائل‬ ‫وخصوصه إياه‬ ‫بتعظي ِم اهلل تعاىل َ‬
‫قدر نبينا ﷺ‬
‫تنضبط ِلزما ٍم‪ ،‬وتنوهيِه من عظي ِم قدره بام تكِ ُّل عنه األلسن ُة واألقال ُم‪:‬‬
‫ُ‬

‫جليل نِ َصابِه)‪ ،(1‬وأثنى به‬


‫ِ‬ ‫رص َح به تعاىل يف كتابِه‪ ،‬ون َّبه به عىل‬‫فمنها‪ :‬ما َّ‬
‫التزامه وتق ُّل ِد إجيابِه‪ .‬فكان جل جالله‬
‫ِ‬ ‫وحض العبا َد عىل‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫أخالقه وآدابِه‪،‬‬ ‫عليه من‬
‫أثاب عليه‬
‫مدح بذلك وأثنَى‪ ،‬ثم َ‬
‫طه َر وزكَّى‪ ،‬ثم َ‬ ‫تفضل وأوىل‪ ،‬ثم َّ‬‫َ‬ ‫هو الذي‬
‫الفضل بد ًءا وعو ًدا‪ ،‬وله احلمدُ ُأوىل و ُأخرى‪.‬‬
‫ُ‬ ‫اجلزا َء األوىف‪ ،‬فله‬
‫ِ‬
‫وختصيصه‬ ‫ِ‬
‫واجلالل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الكامل‬ ‫ِ‬
‫وجوه‬ ‫أتم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ومنها‪ :‬ما أبرزه للعيان من خلقه عىل ِّ‬
‫ِ‬
‫العديدة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والفضائل‬ ‫ِ‬
‫الكريمة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واملذاهب‬ ‫ِ‬
‫احلميدة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واألخالق‬ ‫ِ‬
‫اجلميلة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫باملحاسن‬
‫ِ‬
‫الواضحة‪ ،‬والكرامات البينة التي شاهدَ ها‬ ‫ِ‬
‫باملعجزات الباهرة‪ ،‬والرباهني‬ ‫وتأييده‬
‫علم‬ ‫علم ٍ‬ ‫ِ‬
‫يقني من جاء بعده‪ ،‬حتى انتهى ُ‬ ‫عارصه‪ ،‬ورآها من أدركَه‪ ،‬وعل َمها َ‬
‫َ‬ ‫من‬
‫كثريا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أنواره علينا ﷺ ً‬
‫وفاضت ُ‬ ‫حقيقة ذلك إلينا‪َ ،‬‬

‫مرسجا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ملجام‬
‫ً‬ ‫أرسي به‬
‫َ‬ ‫بالرب ِاق ليلة‬
‫ِت ُ َ‬ ‫أنس ‪ :‬أن النبي ﷺ ُأ ِ َ‬ ‫عن ٍ‬
‫تفعل هذا؟ فام ركبك أحدٌ أكر ُم عىل‬ ‫ٍ‬
‫أبمحمد ُ‬ ‫ب عليه‪ ،‬فقال له جربيل‪:‬‬ ‫فاستص َع َ‬
‫اهلل تعاىل منه! قال‪ :‬فار َف َّض)‪ (2‬عر ًقا(‪.)3‬‬

‫(‪( )1‬نِصابه)‪ :‬منصبه‪.‬‬


‫(ار َف َّض)‪ :‬جرى وسال‪.‬‬
‫(‪ْ )2‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الرتمذي (‪.)3535‬‬
‫‪ | 22‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫الباب األول‪ :‬يف ثناءِ اهلل تعاىل عليه وظههارِه عظيمَ قدرِه لديه‬

‫كر املصطفى ﷺ‬ ‫بجميل ِذ ِ‬


‫ِ‬ ‫العزيز ٍ‬
‫آيات كثري ًة مفصح ًة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كتاب اهلل‬ ‫اعلم أن يف‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وبان‬ ‫ظهر معناه‬ ‫وعَدِّ حماسنه‪ ،‬وتعظي ِم أمره‪ ،‬وتنويه قدره‪َ ،‬‬
‫اعتمدنا منها عىل ما َ‬
‫ٍ‬
‫فصول‪:‬‬ ‫فحواه‪ ،‬وعيعنا ذلك يف‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪23‬‬

‫‪ -1‬فصل فيما جاءَ من ذلك جميءَ املدحِ والثناءِ وتَعدادِ احملاسنِ‬

‫كقوله تعاىل‪ ( :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬


‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [التوبة‪.]552:‬‬
‫ِ‬
‫اجلمهور‬ ‫(من َأن َف ِسكُم) بفتح ِ‬
‫الفاء‪ ،‬وقراء ُة‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫بعضهم‪ْ :‬‬
‫السمرقندي‪ :‬وقرأ ُ‬
‫ُّ‬ ‫قال‬
‫بالضم)‪.(1‬‬
‫ِ‬ ‫العرب أو َ‬ ‫أع َل َم اهلل تعاىل املؤمنني أو‬
‫اختالف‬ ‫أهل مك َة أو َ‬
‫عييع الناس ‪-‬عىل‬ ‫َ‬
‫أنفس ِهم يعرفونَه‬ ‫ً‬
‫رسوال من ُ‬ ‫بعث فيهم‬ ‫ِ‬
‫اخلطاب؟‪ -‬أنه َ‬ ‫املواجه هبذا‬
‫َ‬ ‫املفرسين‪َ :‬من‬
‫ِ‬
‫وترك النصيحة‬ ‫ِ‬
‫بالكذب‬ ‫ويتح َّققون مكانه‪ ،‬ويعلمون ِصدقه وأمانَته‪ ،‬فال ِ‬
‫يتهمونه‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل عليه وسلم‬ ‫ِ‬
‫العرب قبيل ٌة إال وهلا عىل‬ ‫منهم‪ ،‬وأنه م يكن يف‬
‫هلمل لكونه ُ‬
‫عباس وغريه معنى قولِه تعاىل‪( :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ)‬ ‫ٍ‬ ‫والد ٌة أو قراب ٌة‪ ،‬وهو عند ابن‬
‫ِ‬
‫الفتح‪ ،‬وهذه‬ ‫وأرفعهم وأفضلِهم عىل قراءة‬‫ِ‬ ‫[الشورى‪ .)2( ]53:‬وكونه من أرشفِهم‬
‫هناي ُة ِ‬
‫املدح‪.‬‬
‫ِ‬
‫حرصه عىل‬ ‫ٍ‬
‫كثرية من‬ ‫محيدة‪ ،‬وأثنى عليه بمحامدَ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بأوصاف‬ ‫ثم وصف ُه بعدُ‬
‫رض هبم يف دنياهم وأخراهم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هدايتهم ورشدهم وإسالمهم‪ ،‬وشدَّ ة ما ُيعنِّـتُهم وي ُّ‬
‫وعزتِه عليه‪ ،‬ورأفتِه ورمحتِه بمؤمنيهم‪.‬‬

‫رحيم‪.‬‬ ‫رؤوف‬ ‫ِ‬


‫أسامئه‪:‬‬ ‫اسم ِ‬
‫ني من‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫قيل‪ :‬أعطاه َ‬

‫(‪ )1‬بحر العلوم للسمرقندي ‪.545/5‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الطربي يف التفسري ‪ ،021/54‬والنسائي يف الكربى ‪ ،502/54‬واحلاكم ‪.025/5‬‬
‫‪ | 24‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫ومثله يف اآلية األخرى قوله تعاىل‪ ( :‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬


‫ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [آل عمران‪.]560:‬‬

‫ويف اآلية األخرى‪ ( :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬


‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [اجلمعة‪.]5:‬‬

‫وقوله تعاىل‪ ( :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬


‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ)‬
‫[البقرة‪.]515:‬‬

‫منريا فقال تعاىل‪( :‬ﭽ‬ ‫ِ‬


‫ورساجا ً‬
‫ً‬ ‫نورا‬
‫وقد سامه اهلل تعاىل يف القرآن‪ً :‬‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [املائدة‪.]51:‬‬

‫وقال تعاىل‪ ( :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬


‫ﭧ ﭨ ﭩ) [األحزاب‪.]06-01:‬‬

‫ومن هذا قوله تعاىل‪ ( :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬


‫ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) َّ‬
‫[الرشح‪.]2-5:‬‬

‫ورشيف منزلتِه‬
‫ِ‬ ‫جل اسمه لنبيه ﷺ عىل عظي ِم ِ‬
‫نعمه لديه‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫تقرير من اهلل َّ‬
‫ٌ‬ ‫هذا‬
‫ِ‬
‫ومحل‬ ‫ِ‬
‫واهلداية ووسعه لوعي العل ِم‬ ‫رشح قل َبه لإليامن‬ ‫عنده وكرامتِه عليه بأن‬
‫َ‬
‫لسريها وما كانت عليه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلاهلية عليه‪ ،‬وب َّغ َض ُه‬ ‫ِ‬
‫أمور‬ ‫فع عنه َ‬
‫ثقل‬ ‫ِ‬
‫ور َ‬
‫احلكمة‪َ ،‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪25‬‬

‫ِ‬
‫لتبليغه للناس‬ ‫ِ‬
‫والنبوة‬ ‫ِ‬
‫الرسالة‬ ‫ِ‬
‫أعباء‬ ‫َّ‬
‫وحط عنه ُعهد َة‬ ‫ِ‬
‫بظهور دينه عىل الدين ك ِّله‪،‬‬
‫وقرانِه مع ِ‬
‫اسمه‬ ‫فعه ِذكره ِ‬‫ما ن ُِّز َل إليهم‪ ،‬وتَنوهيه بعظي ِم مكانه وجليل رتبتِه ور ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫اسمه‪.‬‬‫َ‬
‫ِ‬
‫باسمه فقال تعاىل‪:‬‬ ‫واسمه‬ ‫رن طاعتَه بطاعتِه‬
‫كره معه تعاىل أن َق َ‬ ‫ومن ِذ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫(ﯼ ﯽ ﯾ) [آل عمران‪ ،]535:‬و(ﭾ ﭿ ﮀ) [النساء‪،]536:‬‬

‫غري ح ِّقه ﷺل عن‬‫عيع هذا الكال ِم يف ِ‬ ‫املرش ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫جيوز ُ‬‫كة‪ ،‬وال ُ‬ ‫فج َم َع بينهام بواو العطف َ ِّ‬ ‫َ‬
‫النبي ﷺ قال‪« :‬ال يقول َّن أحدُ كم‪ :‬ما شاء اهلل وشاء فالن‪ ،‬ولكن‬‫حذيف َة ‪ ‬عن ِّ‬
‫ثم شاء فالن»(‪.)1‬‬ ‫ما شاء اهلل َّ‬
‫ِ‬
‫مشيئة‬ ‫ِ‬
‫األدب يف تقدي ِم مشيئة اهلل تعاىل عىل‬ ‫يب‪ :‬أرشدَ هم ﷺ إىل‬ ‫قال اخلطا ُّ‬
‫ِ‬
‫بخالف الواو التي هي‬ ‫ِ‬
‫للنسق والرتاخي‬ ‫واختارها بـ« ُث َّم» التي هي‬ ‫من سواه‪،‬‬
‫َ‬
‫لالشرتاك(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)0224‬وابن ماجه (‪.)5552‬‬


‫(‪ )2‬معا م السنن للخطايب ‪.535-535/0‬‬
‫‪ | 26‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -2‬فصل يف وصفِه له تعاىل بالشهادةِ وما يَتعلقُ بها من الثناءِ والكرامةِ‬

‫قال اهلل تعاىل‪ ( :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬


‫ِ‬
‫اآلية‬ ‫عيع اهلل تعاىل يف هذه‬ ‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [األحزاب‪َ ،]06-01:‬‬
‫حة)‪ ،(1‬فجعله شاهدً ا عىل أمته‬ ‫أوصاف من املِدْ ِ‬
‫ٍ‬ ‫رتب األُ ْث ِ‬
‫رة‪ ،‬وعيل َة‬ ‫ُُضو ًبا من ِ‬
‫ونذيرا‬
‫ً‬ ‫ألهل طاعتِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ومبرشا‬
‫ً‬ ‫خصائصه ﷺ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بإبالغهم الرسال َة‪ ،‬وهي من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لنفسه‬
‫للحق‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫منريا ُهيتدى به‬ ‫ورساجا ً‬
‫ً‬ ‫توحيده وعبادتِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ألهل معصيتِه‪ ،‬وداع ًيا إىل‬
‫ِ‬
‫العاص قلت‪ :‬أخربين‬ ‫عمرو ِ‬
‫بن‬ ‫بن ِ‬ ‫عطاء بن ٍ‬ ‫ِ‬
‫لقيت عبدَ اهلل َ‬
‫يسار‪ ،‬قال‪ُ :‬‬ ‫عن‬
‫ببعض صفتِه يف‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التوراة‬ ‫ملوصوف يف‬
‫ٌ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬قال‪ :‬أجل واهلل‪ ،‬إنه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صفة‬ ‫عن‬
‫رزا لألميني‪ ،‬أنت‬ ‫القرآن‪ :‬يا أهيا النبي إنا أرسلناك شاهدً ا ومبرشا ونذيرا ِ‬
‫وح ً‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫األسواق‪،‬‬ ‫غليظ‪ ،‬وال َس ٍ‬
‫خاب يف‬ ‫ٍ‬ ‫سميتُك املتوك َِّل‪ ،‬ليس ب َف ٍّظ وال‬ ‫ورسويل‪َّ ،‬‬
‫عبدي َ‬
‫ِ‬
‫ويغفر‪ ،‬ولن يقبِض ُه اهلل حتى ُي َ‬
‫قيم به املل َة‬ ‫ُ‬ ‫بالسيئة السيئ َة‪ ،‬ولكن يعفو‬ ‫دفع‬
‫وال َي ُ‬
‫صام‪ ،‬وقلو ًبا‬
‫فتح به أعينًا عم ًيا‪ ،‬وآذانًا ا‬
‫ال َعوجا َء بأن يقولوا‪ :‬ال إله إال اهلل‪ ،‬و َي َ‬
‫ُغل ًفا)‪.(2‬‬

‫وقال تعاىل‪( :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬


‫احلسن القابِيس‪ :‬أبان اهلل تعاىل َ‬
‫فضل‬ ‫ِ‬ ‫ﭳ ﭴ ﭵ) [البقرة‪ ]503 :‬قال أبو‬
‫اآلية األخرى‪( :‬ﯜ ﯝ ﯞ‬ ‫ِ‬
‫اآلية‪ ،‬ويف قوله يف ِ‬ ‫وفضل أمتِه هبذه‬
‫َ‬ ‫نبينا ﷺ‬

‫(‪( )1‬املِدْ حة)‪ :‬الثناء والذكر احلسن‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)5551‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪27‬‬

‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [احلج‪ ]72 :‬وكذلك قولِه‬


‫تعاىل‪( :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ)‬
‫[النساء‪.]05 :‬‬

‫خيارا‪ ،‬ومعنى هذه اآلية‪ :‬وكام هدَ يناكم‬


‫دال ً‬‫وقوله تعاىل‪( :‬ﭭ) أي‪َ :‬ع ً‬
‫ِ‬
‫لألنبياء‬ ‫بأن جعلناكم أم ًة خيارا عدوال لتَشهدوا‬
‫وفضلناكم ْ‬
‫خصصناكُم َّ‬ ‫فكذلك َّ‬
‫ُ‬
‫الرسول بالصدق‪.‬‬ ‫عليهم السال ُم عىل أممِهم ويشهد لكم‬
‫‪ | 28‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -3‬فصل فيما وَردَ يف خطابِه ظياه مورِ َد املالطفةِ واملربَّ ِة‬

‫من ذلك قوله تعاىل‪( :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [التوبة‪.]03:‬‬


‫خليف عليه أن‬ ‫َ‬ ‫النبي ﷺ بقوله‪( :‬ﭾ ﭿ ﮀ)‬ ‫السمرقندي‪ :‬ولو َبدأ َّ‬
‫ُّ‬ ‫قال‬
‫هيبة هذا الكال ِم‪ ،‬لكن اهلل تعاىل برمحتِه أخربه بالعفو حتى َس َك َن‬
‫ينشق قلبه من ِ‬
‫َّ ُ‬
‫ذره من‬ ‫الصادق يف ُع ِ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بالتخلف حتى يتبني لك‬ ‫قل ُبه‪ ،‬ثم قال له‪( :‬ﭾ ﭿ ﮀ)‬
‫ِ‬
‫الكاذب(‪)1‬؟‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إكرامه إياه‬ ‫ويف هذا من عظي ِم منزلته عند اهلل ما ال ََيفى عىل ذي ٍّ‬
‫لب‪ ،‬ومن‬
‫ِ‬
‫القلب‪.‬‬ ‫معرفة غايتِه‪ُ -‬‬
‫نياط‬ ‫ِ‬ ‫ينقطع ‪-‬دون‬
‫ُ‬ ‫وبره به ما‬
‫ِّ‬
‫َب هبذه اآلية‪ ،‬وحاشا ُه من‬ ‫النبي ﷺ ُمعات ٌ‬‫ناس إىل أن َّ‬ ‫ذهب ٌ‬‫َ‬ ‫قال نِف َطويه‪:‬‬
‫ذلك‪ ،‬بل كان ُخم َّ ًريا‪ ،‬فلام َأ ِذ َن هلم أعلم ُه اهلل تعاىل أنه لو م َيأ َذن هلم ل َقعدوا‬
‫اإل ِ‬
‫ذن هلم‪.‬‬ ‫رج عليه يف ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫لنفاقهم‪ ،‬وأنه ال َح َ‬
‫ِ‬
‫الرشيعة ُخل َقه أن يتأ َّد َب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرائض بزما ِم‬ ‫جيب عىل املسل ِم املجاهد َ‬
‫نفسه‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫احلقيقية‬ ‫ِ‬
‫املعارف‬ ‫)‪(2‬‬
‫عنرص‬ ‫القرآن يف قولِه وفعلِه ومعاطاتِه وحماوراتِه‪ ،‬فهو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بأدب‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫والدنيوية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الدينية‬ ‫ِ‬
‫اآلداب‬ ‫وروض ُة‬
‫السؤال من رب األرباب ِ‬
‫املنع ِم عىل ِّ‬
‫الكل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وليتأمل هذه املالطف َة العجيب َة يف‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫الفوائد‪ ،‬وكيف ابتدأ باإلكرا ِم قبل‬ ‫املستغني عن اجلمي ِع و َي ُ‬
‫ستثري ما فيها من‬
‫ذنب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الذنب إن كان َث َّم ٌ‬ ‫وآنس بالعفو قبل ذكر‬‫ْب‪َ ،‬‬ ‫ال َعت ِ‬

‫(‪ )1‬بحر العلوم للسمرقندي ‪.65/5‬‬


‫(‪( )2‬ال ُعن ُْرص)‪ :‬األصل‪.‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪29‬‬

‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ﴾‬


‫بعض املتكلمني‪ :‬عاتب اهلل األنبيا َء عليهم السالم بعد‬ ‫[اإلرساء‪ ]70 :‬قال ُ‬
‫ِ‬
‫وقوعه‪ ،‬ليكو َن بذلك أشد انتها ًء‬ ‫الزالت‪ ،‬وعاتب نب َّينا عليه السالم َ‬
‫قبل‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫وسالمته‬ ‫العناية‪ ،‬ثم انظر كيف بدأ بثباتِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املحبة‪ ،‬وهذه غاي ُة‬ ‫ِ‬
‫لرشائط‬ ‫وحمافظة‬
‫طي‬ ‫ِ‬ ‫قبل ِذكر ما َعتبه عليه‬
‫وخيف أن يرك َن إليه‪ ،‬ففي أثناء عتبه براءتُه‪ ،‬ويف ِّ‬
‫َ‬
‫ختويفه تأمينُه وكرامتُه‪.‬‬

‫ومثله قوله تعاىل‪ ( :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬


‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [األنعام‪.]33:‬‬

‫املأخذ من تسليتِه تعاىل له ﷺ‪ ،‬وإلطافِه يف‬ ‫ِ‬ ‫لطيف‬


‫ُ‬ ‫منز ٌع‬ ‫ِ‬
‫اآلية َ‬ ‫ففي هذه‬
‫ِ‬
‫بصدقه‬ ‫مكذبني له‪ِ ،‬‬
‫معرتفون‬ ‫غري ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫صادق عندهم‪ ،‬وأهنم ُ‬ ‫القول‪ :‬بأن قرر عندَ ه أنه‬
‫ً‬
‫قوال واعتقا ًدا‪.‬‬
‫ِ‬
‫بسمة‬ ‫ارمتاض ِ‬
‫نفسه‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫التقرير‬ ‫فدفع هبذا‬ ‫األمني‪،‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫النبوة‬ ‫وقد كانوا ُيسمونه قبل‬
‫َ‬
‫الكذب‪ ،‬ثم جع َل الذ َّم هلم بتسميتِهم جاحدين ظاملني فقال تعاىل‪( :‬ﯜ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫بتكذيب‬ ‫ِ‬
‫باملعاندة‬‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) فحاشاه من الوص ِم‪ ،‬و َط َّو َقهم ‪-‬‬
‫اآليات‪ -‬حقيقة الظل ِم‪ ،‬إذ اجلحدُ إنام يكون ممن َع ِل َم اليش َء ثم أنكر ُه كقوله تعاىل‪:‬‬
‫(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [النمل‪.]50:‬‬

‫النرص بقوله تعاىل‪( :‬ﯢ ﯣ‬


‫َ‬ ‫عزاه وآنس ُه بام ذكر ُه عمن قبل ُه ووعدَ ه‬
‫ثم َّ‬
‫ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﯲﯳﯴﯵﯶﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ) [األنعام‪.]30:‬‬
‫‪ | 31‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫ِ‬
‫األنبياء‬ ‫عييع‬ ‫ِ‬
‫خصائصه وبر اهلل تعاىل به َّ‬ ‫ومما ُذكر من‬
‫أن اهلل تعاىل خاطب َ‬
‫إبراهيم‪ ،‬يا موسى‪ ،‬يا داو ُد‪ ،‬يا عيسى‪ ،‬يا‬ ‫نوح‪ ،‬يا‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫بأسامئهم‪ ،‬فقال تعاىل‪ :‬يا آد ُم‪ ،‬يا ُ‬
‫ُ‬
‫املزمل‪ ،‬يا‬ ‫النبي‪ ،‬يا أهيا‬ ‫ُ‬
‫الرسول‪ ،‬يا أهيا ُّ‬ ‫زكريا‪ ،‬يا حييى‪ ،‬و م َيا َطب هو َّإال‪ :‬يا أهيا‬
‫املدثر‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أهيا‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪30‬‬

‫‪ -4‬فصل يف قَ َس ِمه تعاىل بعظيمِ قدرِه‬


‫قال اهلل تعاىل‪ ( :‬ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) ِ‬
‫[احلجر‪.]75:‬‬
‫حياة ٍ‬
‫حممد ﷺ‪.‬‬ ‫بمدة ِ‬
‫ِ‬ ‫قسم من اهلل جل جال ُله‬ ‫ِ‬ ‫اتفق ُ‬
‫التفسري يف هذا أنه ٌ‬ ‫أهل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مر‪ ،‬ولكنها ُفتِحت‬
‫ضم العني من ال ُع ِ‬
‫االستعامل‪ ،‬ومعناه‪:‬‬ ‫لكثرة‬ ‫وأص ُله ُّ‬
‫وعيشك‪ .‬وقيل‪ :‬وحياتِك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وبقائك يا حممدُ ‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫ِ‬
‫والترشيف‪.‬‬ ‫وهذه هناي ُة التعظي ِم وغاي ُة ال ِّ‬
‫رب‬

‫خلق اهلل تعاىل وما َذرأ وما َبرأ ً‬


‫نفسا أكر َم عليه‬ ‫عباس ‪ :‬ما َ‬ ‫ٍ‬ ‫قال اب ُن‬
‫أحد ِ‬
‫غريه(‪.)1‬‬ ‫بحياة ٍ‬
‫ِ‬ ‫أقس َم‬ ‫من ٍ‬
‫سمعت اهلل تعاىل َ‬
‫ُ‬ ‫حممد ﷺ‪ ،‬وما‬

‫(‪ )1‬أخرجه احلارث ابن أيب أسامة يف مسنده كام يف بغية الباحث ‪ ،)230( 275-275/5‬والطربي يف‬
‫التفسري ‪ ،25/50‬والدينوري يف املجالسة (‪.)5157‬‬
‫‪ | 32‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -5‬فصل يف قَسمِه تعاىل جده له ليحققَ مكانتَه عنده‬

‫اسمه‪﴿ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫قال جل ُ‬
‫ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ‬
‫ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ‬
‫ِ‬
‫نزول هذه‬ ‫ِ‬
‫سبب‬ ‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [الضحى‪ ]55 - 5 :‬اختُلف يف‬
‫فتكلمت امرأ ٌة يف ذلك‬ ‫ٍ‬
‫لعذر نزل به‬ ‫ِ‬
‫الليل‬ ‫النبي ﷺ قيا َم‬ ‫فقيل‪ :‬كان ُ‬ ‫ِ‬
‫السورة‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫ترك ِّ‬
‫بكال ٍم(‪ )1‬وقيل‪ :‬بل تَكلم به املرشكون عند ِ‬
‫فرتة الوحي فنزلت هذه السور ُة(‪.)2‬‬
‫ِ‬
‫وتعظيمه إياه ست َة‬ ‫ِ‬
‫كرامة اهلل تعاىل له‪ ،‬وتنوهيِه به‪،‬‬ ‫تضمنَت هذه السور ُة من‬
‫وجوه‪:‬‬

‫ربه به من حالِه بقولِه تعاىل‪﴿ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬ ‫ُ‬


‫األول‪ :‬ال َق َسم له عام أخ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورب الضحى‪ ،‬وهذا من أعظ ِم درجات امل َّ‬
‫ربة‪.‬‬ ‫ﭶ ﭷ﴾ [الضحى‪ ]5-5 :‬أي‪ِّ :‬‬
‫بيان مكانتِه عندَ ه وحظوتِه لديه بقولِه تعاىل‪﴿ :‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ﴾‬
‫الثاين‪ُ :‬‬
‫َ‬
‫اصطفاك‪.‬‬ ‫بغضك‪ ،‬وقيل‪ :‬ما َأ َ‬
‫مهلك بعد ْ‬
‫أن‬ ‫َ‬ ‫[الضحى‪ ]3 :‬أي‪ :‬ما تَركك وما َأ‬

‫الثالث‪ :‬قوله تعاىل ﴿ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [الضحى‪ ]0 :‬قال اب ُن‬ ‫ُ‬


‫ِ‬
‫كرامة الدنيا(‪ ،)3‬وقال‬ ‫َ‬
‫أعطاك من‬ ‫أعظم مما‬ ‫ِ‬
‫مرجعك عند اهلل‬ ‫إسحاق أي‪ :‬مالك يف‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5551 ،5550‬ومسلم (‪.)5727‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪ )3301‬وأصله احلديث السابق‪.‬‬
‫(‪ )3‬سرية ابن إسحاق (ص‪.)531‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪33‬‬

‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫خرت لك من الشفاعة واملقا ِم املحمود ٌ‬
‫خري لك مما أعطيتُك يف‬ ‫سهل‪ :‬أي‪ :‬ما ا َّد ُ‬
‫الدنيا(‪.)1‬‬

‫الرابع‪ :‬قوله تعاىل‪﴿ :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [الضحى‪ ]1 :‬وهذه‬ ‫ُ‬


‫ِ‬
‫والزيادة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وشتات اإلنعا ِم يف الدارين‬ ‫ِ‬
‫السعادة‬ ‫ِ‬
‫الكرامة وأنواع‬ ‫آي ٌة جامعة لوجوه‬
‫ِ‬
‫اآلخرة(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫والثواب يف‬ ‫ابن إسحاق‪ُ :‬يرضيه بال ُف ْل ِج(‪ )2‬يف الدنيا‬
‫قال ُ‬
‫احلوض والشفاع َة‪.‬‬
‫َ‬ ‫وقيل‪ُ :‬يعطيه‬
‫ِ‬
‫القرآن أرجى منها‪ ،‬وال‬ ‫النبي ﷺ أنه قال‪ :‬ليس آي ٌة يف‬ ‫ِ ِ‬
‫بعض آل ِّ‬ ‫وروي عن‬ ‫ُ‬
‫النار(‪.)4‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫يدخل أحدٌ من أمته َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ أن‬ ‫َيرىض‬
‫ِ‬
‫السورة‬ ‫آالئه قب َله يف ِ‬
‫بقية‬ ‫نعمه وقرره من ِ‬ ‫اخلامس‪ :‬ما عده تعاىل عليه من ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫التفاسري‪ ،‬وال َ‬
‫مال له‬ ‫ِ‬
‫اختالف‬ ‫ِ‬
‫الناس به عىل‬ ‫ِ‬
‫هداية‬ ‫من هدايتِه إىل ما هداه له‪ ،‬أو‬
‫عمه‬ ‫ِ‬ ‫فأغناه اهلل بام آتاه أو بام جعله يف قلبِه من‬
‫فحدب عليه ُّ‬
‫َ‬ ‫القناعة والغنى‪ ،‬و َيتيام‬
‫َ‬
‫فآواك إليه‪ ،‬وقيل‪ :‬املعنى أ م‬ ‫وآواه إليه‪ ،‬وقيل‪ :‬آوا ُه إىل اهلل‪ ،‬وقيل‪َ :‬يتيام ال َ‬
‫مثال لك‬
‫يتيام؟ ذكَّره هبذه ِ‬
‫املنن وأنه عىل‬ ‫ضاال وأغنى بك ً‬
‫عائال وآوى بك ً‬ ‫َجيدك فهدى بك ا‬
‫تمه وقبل معرفتِه به‪ ،‬وال‬ ‫حال ِصغره وعيلتِه وي ِ‬
‫ُ‬ ‫التفسري م هيمله يف ِ‬
‫ِ ُ‬ ‫املعلو ِم من‬
‫اختصاصه واصطِفائه؟‬
‫ِ‬ ‫و َّدعه وال قاله فكيف بعد‬

‫(‪ )1‬تفسري سهل التسرتي (ص‪.)527‬‬


‫(‪( )2‬ال ُف ْلج)‪ :‬الظفر والفوز‪.‬‬
‫(‪ )3‬سرية ابن هشام ‪.505/5‬‬
‫(‪ )4‬أخرج بعضه ابن خزيمة يف التوحيد ‪ ،673/5‬وأبو نعيم يف احللية ‪ 572/3‬عن عَل بن أيب طالب‪،‬‬
‫وأخرجه بتاممه الدينوري يف املجالسة وجواهر العلم ‪ 552/7‬عن جعفر بن حممد بن عَل بن احلسني‪.‬‬
‫‪ | 34‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫بنرشه وإشاد َة ِ‬
‫رشفه به ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذكره‬ ‫السادس‪َ :‬أ َم َره بإظهار نعمتَه عليه وشكره ما َّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫النعمة‬ ‫ِ‬
‫شكر‬ ‫بقوله تعاىل‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [الضحى‪ ]55 :‬فإن ِمن‬
‫احلديث هبا وهذا خاص له عام ألمتِه‪.‬‬
‫َ‬

‫وقال تعاىل ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ‬
‫ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ‬
‫ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ‬
‫ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ‬
‫ﮬ﴾ [النَجم‪.]52 - 5 :‬‬
‫وأقسم جل‬ ‫ِ‬
‫ورشفه العدِّ ما يقف دونه العدُّ ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫فضله‬ ‫اآليات من‬
‫ُ‬ ‫تَضمنَت هذه‬
‫َ‬
‫وحي ُيوحى‬ ‫ِ‬
‫وصدقه فيام تال‪ ،‬وأنه‬ ‫ِ‬
‫وتنزهيه عن اهلوى‪،‬‬ ‫ِ‬
‫هداية املصطفى‪،‬‬ ‫اسم ُه عىل‬
‫ٌ‬
‫رب تعاىل عن‬
‫وى ثم أخ َ‬ ‫ربيل عليه السالم وهو الشديدُ ال ُق ُ‬‫أوصله إليه عن اهلل ِج ُ‬
‫َ‬
‫َصديق برص ِه فيام رأى‪ ،‬وأنه‬
‫ِ‬ ‫وانتهائه إىل ِس ِ‬
‫درة املنتهى‪ ،‬وت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلرساء‬ ‫ِ‬
‫بقصة‬ ‫فضيلته‬
‫ِ‬
‫اإلرساء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫سورة‬ ‫آيات ِ‬
‫ربه الكربى‪ ،‬وقد نَبه عىل مثل هذا تعاىل يف ِ‬
‫أول‬ ‫رأى من ِ‬

‫ِ‬
‫عجائب‬ ‫ِ‬
‫اجلربوت‪ ،‬وشاهدَ ه من‬ ‫وملا كان ما كاشف ُه عليه السالم من ذلك‬
‫رمز عنه تعاىل‬ ‫ُ‬
‫العقولل َ‬ ‫ِ‬
‫بحمل سام ِع أدناه‬ ‫ُ‬
‫تستقل‬ ‫العبارات وال‬
‫ُ‬ ‫حتيط به‬ ‫ِ‬
‫امللكوت ال ُ‬
‫الدالة عىل التعظي ِم فقال تعاىل‪﴿ :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والكناية‬ ‫ِ‬
‫باإليامء‬
‫ِ‬
‫واإلشارة‬ ‫ِ‬
‫بالوحي‬ ‫ِ‬
‫والبالغة‬ ‫أهل ِ‬
‫النقد‬ ‫النوع من الكال ِم يسميه ُ‬ ‫[النَجم‪ ]54 :‬وهذا‬
‫ُ‬
‫اإلجياز‪ ،‬وقال تعاىل ‪﴿ :‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أبواب‬ ‫وهو عندهم ُ‬
‫أبلغ‬
‫ِ‬
‫اآليات‬ ‫ِ‬
‫تفصيل ما أوحى‪ ،‬وتاهت األحال ُم يف تعيني تلك‬ ‫انحرست األفها ُم عن‬
‫َ‬
‫الكربى‪.‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪35‬‬

‫بتزكية عيلتِه عليه السالم‬


‫ِ‬ ‫اآليات عىل إعال ِم اهلل تعاىل‬
‫ُ‬ ‫اشتم َلت هذه‬
‫وجوارحه‪ ،‬فزكى قل َبه‬ ‫ِ‬
‫اآلفات يف هذا املَرسى‪ ،‬فزكَّى فؤا َده ولسانَه‬ ‫وعصمتِها من‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫بقوله تعاىل‪﴿ :‬ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ﴾ [النجم‪ ،]55 :‬ولسانَه بقوله‪﴿ :‬ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫وبرصه بقوله‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾ [النجم‪.]57 :‬‬
‫َ‬ ‫ﭞ ﭟ﴾ [النجم‪]3 :‬‬

‫وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬


‫ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ﴾‬
‫[التكوير‪.]51 - 51 :‬‬

‫﴿ﮊ ﮋ﴾ أي‪ُ :‬أقسم‪﴿ ،‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ﴾ أي‪ :‬كري ٍم عند مرسلِه ﴿ﮞ‬


‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫املحل‬ ‫ﮟ﴾ عىل تبلي ِغ ما مح َله من الوحي ﴿ﮣ﴾ أي‪ :‬متمك ُن املنزلة من ربه ُ‬
‫رفيع‬
‫ِ‬
‫وغريه‪:‬‬
‫ُ‬ ‫عنده ﴿ﮥ ﮦ﴾ أي‪ :‬يف السامء ﴿ﮧ﴾ عىل الوحي‪ ،‬قال ُّ‬
‫عَل ب ُن عيسى‬
‫غريه‪ :‬هو‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫فجميع األوصاف بعدُ عىل هذا له‪ ،‬وقال ُ‬
‫ُ‬ ‫الرسول الكريم هنا حممدٌ ﷺ‬
‫األوصاف إليه ﴿ﮭ ﮮ﴾ يعني‪ :‬حممدً ا‪ ،‬قيل‪ :‬رأى‬‫ُ‬ ‫جع‬
‫فرت ُ‬ ‫ُ‬
‫جربيل عليه السالم َ‬
‫بمتهم‪ ،‬و َمن‬
‫ٍّ‬ ‫ِ‬
‫الغيب بظنني‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫جربيل يف صورتِه‪ ،‬وما هو عىل‬
‫َ‬ ‫ر َّبه‪ ،‬وقيل‪ :‬رأى‬
‫ِ‬
‫وبعلمه‪ ،‬وهذه‬ ‫ِ‬
‫بحكمه‬ ‫ِ‬
‫والتذكري‬ ‫ِ‬
‫بالدعاء به‬ ‫ٍ‬
‫ببخيل‬ ‫ِ‬
‫بالضاد فمعنا ُه ما هو‬ ‫قرأه‬
‫ٍ‬
‫باتفاق‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ملحمد عليه السالم‬

‫وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬


‫ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ‬
‫ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ‬
‫ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ‬
‫‪ | 36‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ‬
‫ﯼ ﯽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ﴾ [القلم‪.]56 - 5 :‬‬
‫ِ‬
‫تنزيه املصطفى مما َغمصته‬ ‫َأقسم اهلل تعاىل بام أقسم به من عظي ِم َق ِ‬
‫سمه عىل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الكفر ُة به وتكذيبِهم له وآنس ُه وبسط أم َله بقولِه ُحمسنًا خطاب َه ﴿ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ِ‬
‫املحاورة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اآلداب يف‬ ‫ِ‬
‫درجات‬ ‫ِ‬
‫خاطبة‪ ،‬وأعىل‬ ‫ِ‬
‫املربة يف املُ‬ ‫ﮓ ﮔ﴾ وهذه هناي ُة‬
‫ُ‬
‫يأخذه َعد وال يمت ُّن به‬ ‫وثواب ِ‬
‫غري منقطع ال‬ ‫ٍ‬ ‫أعلمه بام له عندَ ه من نعي ٍم دائم‬
‫ثم َ‬
‫منحه من هباتِه وهداه‬‫فقال تعاىل‪﴿ :‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ﴾ ثم أثنى عليه بام َ‬ ‫عليه‪َ ،‬‬
‫التأكيد‪ ،‬فقال تعاىل‪﴿ :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َمجيد بحريف‬ ‫َتميام للت‬
‫إليه‪ ،‬وأكدَ ذلك ت ً‬
‫الكريم‪ ،‬وقيل‪ :‬ليس لك مه ٌة‬
‫ُ‬ ‫الطبع‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫القرآن‪ ،‬وقيل‪ :‬اإلسال ُم‪ ،‬وقيل‪:‬‬ ‫ﮟ﴾ قيل‪:‬‬
‫إال اهلل‪.‬‬

‫سن قبولِه ملا أسداه إليه ِمن نِعمه وفضلِه بذلك‬


‫بح ِ‬
‫الواسطي‪ :‬أثنى عليه ُ‬
‫ُّ‬ ‫قال‬
‫املحسن اجلوا ُد‬
‫ُ‬ ‫الكريم‬
‫ُ‬ ‫اللطيف‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اخللق‪ ،‬فسبحان‬ ‫عىل ِ‬
‫غريهل ألنه جب َله عىل ذلك‬
‫للخري وهدى إليه‪ ،‬ثم َأثنى عىل فاعلِه‪ ،‬وجازاه عليه سبحانه ما‬
‫ِ‬ ‫يرس‬
‫احلميد الذي َّ‬
‫ِ‬
‫عقاهبم‬ ‫أغمر نوا َله وأوسع إفضا َله‪ ،‬ثم ساله عن ِ‬
‫قوهلم بعد هذا بام وعدَ ه به من‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وتَوعدَ هم بقوله‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ﴾‪.‬‬

‫خلقه‪ ،‬وعَدِّ معايبِه متول ًيا‬ ‫ِ‬


‫سوء ِ‬ ‫عدوه‪ِ ،‬‬
‫وذكر‬ ‫ِ‬ ‫عطف بعد ِ‬
‫مدحه عىل ذم‬ ‫َ‬ ‫ثم‬
‫ِ‬
‫خصال الذ ِّم فيه بقوله‬ ‫بضع عرش َة خصلة من‬ ‫فذكر‬ ‫ذلك بفضلِه ومنترصا ِ‬
‫لنبيه‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫تعاىل‪﴿ :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪37‬‬

‫ِ‬
‫الصادق‬ ‫ِ‬
‫بالوعيد‬ ‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ﴾ ثم َختم ذلك‬
‫ِ‬
‫وخامتة ِ‬ ‫ِ‬
‫بواره بقوله‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ﴾ فكانت نُرص ُة اهلل له َّ‬
‫أتم‬ ‫شقائه‬ ‫بتام ِم‬
‫ديوان ِ‬
‫جمده‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وأثبت يف‬
‫َ‬ ‫من نرصتِه لنفسه‪ ،‬ور ُّده تعاىل عىل عدوه َ‬
‫أبلغ من رده‪،‬‬
‫‪ | 38‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -6‬فصل فيما وردَ من قولِه تعاىل يف جهتِه عليه السالم َموردَ [الرأفة] واإلكرامِ‬

‫قال تعاىل‪﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [طه‪.]5 - 5 :‬‬


‫ِ‬
‫الليل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والتعب وقيام‬ ‫ِ‬
‫السهر‬ ‫نز َلت اآلي ُة فيام كان ُّ‬
‫النبي ﷺ يتكل ُفه من‬
‫ِ‬
‫املعاملة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وحسن‬ ‫وال خفا َء بام يف هذا ك ِّله من اإلكرا ِم‬

‫رب ِة قوله تعاىل‪﴿ :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬


‫ومثل هذا من نمط [الرأفة] وامل َّ‬
‫ِ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ﴾ [الكهف‪ ]6 :‬أي‪ :‬قات ٌل َ‬
‫نفسك لذلك‬
‫َغض ًبا أو غي ًظا أو جز ًعا‪.‬‬

‫ومث ُله قوله تعاىل أيضا‪﴿ :‬ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ﴾ [الشعراء‪،]3 :‬‬


‫ثم قال تعاىل‪﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾‬
‫[الشعراء‪.]0 :‬‬
‫ومن هذا الباب قو ُله تعاىل‪﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ﴾ [احلجر‪ ]27 - 20 :‬وقو ُله‪﴿ :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾ [األنعام‪.]54 :‬‬

‫وأعلمه‬
‫َ‬ ‫املرشكني‪،‬‬
‫َ‬ ‫وهو َن عليه ما يلقى ِمن‬
‫ذكر‪َّ ،‬‬
‫قال َمكي‪ :‬سال ُه تعاىل بام َ‬
‫بمن قب َله(‪.)1‬‬ ‫أن َمن متادى عىل ذلك ُّ‬
‫حيل به ما حل َ‬

‫(‪ )1‬اهلداية إىل بلوغ النهاية ملكي بن أيب طالب ‪.5261/3‬‬


‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪39‬‬

‫ِ‬
‫التسلية قو ُله تعاىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ﴾ [فاطر‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ومثل هذه‬
‫‪ِ ]0‬‬
‫ومن هذا قو ُله تعاىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ربه به عن األم ِم‬
‫ومقاهلا‬ ‫السالفة‬ ‫ﭞ﴾ [الذاريات‪َ ]15 :‬ع َّزاه اهلل تعاىل بام أخ َ‬
‫ِ‬
‫كفار مك َة‪ ،‬وأنه‬ ‫وساله بذلك عن ِحمنته بمثلِه من‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ألنبيائهم قب َله‪ ،‬وحمنتهم هبم‪َ ،‬‬
‫ذره بقول ِه تعاىل‪﴿ :‬ﭧ ﭨ﴾‬ ‫نفسه وأبان ُع َ‬‫أول َمن لقي ذلك‪ ،‬ثم ط َّيب َ‬ ‫ليس َ‬
‫ِ‬ ‫[الذاريات‪ ]10 :‬أي‪َ :‬أ ِ‬
‫عرض عنهم‪﴿ ،‬ﭩ ﭪ ﭫ﴾ أي‪ :‬يف أداء ما َب َ‬
‫لغت‪،‬‬
‫وإبال ِغ ما ُمح َ‬
‫لت‪.‬‬
‫ومث ُله قوله تعاىل‪﴿ :‬ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ﴾ [الطور‪ ]02 :‬أي‪ِ :‬‬
‫اصرب عىل‬
‫ٍ‬
‫كثرية من هذا‬ ‫بحيث نراك ونَحف ُظك‪َ ،‬س َّاله اهلل تعاىل هبذا يف ٍ‬
‫آي‬ ‫ُ‬ ‫أذاهم فإنك‬
‫ُ‬
‫املعنى‪.‬‬
‫‪ | 41‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -7‬فصل فيما أخربَ اهلل تعاىل به يف كتابِه العزيزِ من عظيم قدرِه وشريفِ‬
‫منزلتِه على األنبياءِ وحظوةِ رتبتِه عليهم‬

‫قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬


‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ [آل ِعمران‪.]25 :‬‬

‫غريه‬ ‫ٍ‬
‫بفضل م يؤته َ‬ ‫استخص اهلل تعاىل حممدً ا ﷺ‬
‫َّ‬ ‫القابسى‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫احلسن‬ ‫قال أبو‬
‫َ‬
‫امليثاق بالوحي‪ ،‬فلم‬ ‫اآلية‪ ،‬قال املفرسون‪َ :‬‬
‫أخذ اهلل‬ ‫أبانَه به‪ ،‬وهو ما ذكره يف هذه ِ‬
‫َ‬
‫أدركه َليؤمنن به‪ ،‬وقيل‪ :‬أن‬
‫وأخذ عليه ميثا َقه إن َ‬
‫َ‬ ‫ذكر له حممدً ا ونعتَه‬ ‫ْ‬
‫يبعث نب ايا إال َ‬
‫ويأخذ ميثا َقهم أن يبينوه ملَن بعدَ هم‪.‬‬
‫َ‬ ‫يبينَه ِ‬
‫لقومه‪،‬‬

‫قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬


‫ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾ [األحزاب‪ ]7 :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ‬
‫ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗﮘ‬
‫ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [النساء‪.]566 - 563 :‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪40‬‬

‫وقال تعاىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ‬


‫ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ﴾ [البقرة‪.]513 :‬‬

‫التفسري‪ :‬أرا َد بقولِه‪﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ﴾ حممدً ا ﷺل ألنه ُبعث‬ ‫ِ‬ ‫قال ُ‬


‫أهل‬
‫املعجزات‪ ،‬وليس‬
‫ُ‬ ‫الغنائم‪ ،‬وظهرت عىل يديه‬ ‫ِ‬
‫واألسود‪ ،‬و ُأحلت له‬ ‫ِ‬
‫األمحر‬ ‫إىل‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫األنبياء ُأعطي فضيل ًة أو كرام ًة إال وقد ُأعطي حممدٌ ﷺ مث َلها‪.‬‬ ‫أحدٌ من‬
‫ِ‬
‫بأسامئهم‪ ،‬وخاط َبه‬ ‫بعضهم‪ :‬ومن فضلِه أن اهلل تعاىل خا َطب األنبيا َء‬
‫قال ُ‬
‫والرسالة يف كتابِه فقال‪﴿ :‬ﭶ ﭷ﴾ [األنفال‪ ]60 :‬و﴿ﮔ ﮕ﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالنبوة‬
‫[املائدة‪.]05 :‬‬
‫‪ | 42‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -8‬فصل يف ظعال ِم اهلل تعاىل خلقَه بصالتِه عليه وواليتِه له ورفعِه العذابَ‬
‫بسببه‬

‫قال اهلل تعاىل‪( :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [األنفال‪ ]33:‬أي‪ :‬ما‬


‫بقي من املؤمنني نزل‪:‬‬
‫وبقي فيها َمن َ‬
‫َ‬ ‫النبي ﷺ من مك َة‬
‫ُّ‬ ‫كنت بمك َة‪ ،‬فلام َخ َ‬
‫رج‬ ‫َ‬
‫(ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [األنفال‪.]33:‬‬

‫وهذا مثل قوله‪ ( :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ)‬


‫[الفتح‪ ،]51:‬وقوله تعاىل‪ ( :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الفتح‪.]51:‬‬

‫هاج َر املؤمنون نزلت‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [األنفال‪ ،]30:‬وهذا‬ ‫فلام َ‬


‫بسبب كونِه ثم كون‬
‫ِ‬ ‫العذاب عن ِ‬
‫أهل مك َة‬ ‫َ‬ ‫ظهر مكانَت ُه ﷺ‪ ،‬و َدر َأ به‬ ‫من ِ‬
‫أبني ما ُي ُ‬
‫ِ‬ ‫أظه ِر ِهم‪ ،‬فلام َخلت مك ُة منهم َّ‬
‫بتسليط املؤمنني عليهم‬ ‫عذ َهبم‬ ‫أصحابِه بعده بني ُ‬
‫ِ‬
‫وديارهم وأمواهلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫أرضهم‬ ‫وأور َثهم َ‬
‫وحك ََّم فيهم ُسيو َف ُهم َ‬‫و َغ َل َبتهم إياهم‪َ ،‬‬
‫وقال اهلل تعاىل‪﴿ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫فضل نب ِّيه ﷺ بصالتِه‬
‫أبان اهلل تعاىل َ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ﴾ [األحزاب‪َ ]16 :‬‬
‫ِ‬
‫بالصالة والتسلي ِم عليه‪.‬‬ ‫وأمر عبا َده‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عليه ثم بصالة مالئكته َ‬
‫وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ﴾ [التحريم‪﴿ ]0 :‬ﮞ﴾ أي‪َ :‬ول ُّيه‪.‬‬

‫‏‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪43‬‬

‫‪ -9‬فصل فيما تضمَّنتهُ سورةُ الفتحِ من كراماتِه ﷺ‬

‫قال اهلل تعاىل‪ ( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬


‫ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ‬
‫ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ‬
‫ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ‬
‫ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ‬
‫ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ‬
‫ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ‬
‫ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ‬
‫ﯥﯦﯧﯨﯩ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ‬
‫ﭚ ‪[ )...‬الفتح‪.]54-5:‬‬
‫ِ‬
‫والثناء عليه وكري ِم منزلتِه عند اهلل تعاىل‬ ‫اآليات من فضلِه‬ ‫تضمنت هذه‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫بإعالمه بام‬ ‫الوصف عن االنت ِ‬
‫هاء إليه‪ ،‬فابتد َأ جل جالله‬ ‫ُ‬ ‫يقرص‬ ‫ونعمتِه لديه ما‬
‫ُ‬
‫عدوه‪ ،‬وعلو كلمتِه ورشيعتِه‪ ،‬وأنه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بظهوره وغلبته عىل ِّ‬ ‫القضاء البني‬ ‫قضاه له من‬
‫مؤاخ ٍذ بام كان وما يكون‪.‬‬
‫غري َ‬
‫مغفور له ُ‬
‫ٌ‬
‫مغفور لك‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وقع وما م َي َقع أي‪ :‬إنك‬ ‫بعضهم‪ :‬أرا َد ُغ َ‬
‫فران ما َ‬ ‫قال ُ‬
‫غريه‪ -‬من ًة بعد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقال مكي‪َ :‬‬
‫جعل املنة سب ًبا للمغفرة‪ ،‬وكل من عنده ‪-‬ال إله ُ‬
‫ٍ‬
‫فضل(‪.)1‬‬ ‫ً‬
‫وفضال بعد‬ ‫ٍ‬
‫منة‪،‬‬

‫(‪ )1‬اهلداية إىل بلوغ النهاية ملكي بن أيب طالب ‪.6256/55‬‬


‫‪ | 44‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫ثم قال‪( :‬ﭠ ﭡ ﭢ) قيل‪ :‬بخضو ِع من تك َ‬


‫رب عليك‪.‬‬
‫ِ‬
‫والطائف‪.‬‬ ‫بفتح مك َة‬
‫وقيل‪ِ :‬‬

‫ويغفر لك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وينرصك‬
‫ذكرك يف الدنيا ُ ُ‬
‫يرفع َ‬
‫وقيل‪ُ :‬‬
‫ِ‬
‫البالد عليه‬ ‫ِ‬
‫وفتح أهم‬ ‫فأع َل َمه بتام ِم نعمتِه عليه‪ ،‬بخضو ِع متكربي عدوه له‪،‬‬
‫ونرص ِه‬
‫ِ‬ ‫املستقيم املبلغ اجلن َة والسعادةَ‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الرصاط‬ ‫ذكره‪ ،‬وهدايتِه‬
‫وأح ِّبها له‪ ،‬ورف ِع ِ‬
‫قلوهبم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والطمأنينة التي جع َلها يف ِ‬ ‫ِ‬
‫بالسكينة‬ ‫ومنَّتِه عىل ِ‬
‫أمته املؤمنني‬ ‫العزيز‪ِ ،‬‬
‫َ‬ ‫النرص‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫والسرت لذنو ِهبم‪ ،‬وهالك‬ ‫وفوزهم العظيم‪ ،‬والعفو عنهم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وبشارهتم بام هلم َبعدُ ‪،‬‬
‫ِ‬
‫وسوء منقلبِهم‪.‬‬ ‫عدهم من رمحتِه‬‫واآلخرة‪ ،‬ولعنِهم وب ِ‬
‫ِ‬ ‫عدوه يف الدنيا‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫ثم قال‪ ( :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [الفتح‪ ]2-2 :‬فعدَّ َد حماسنَ ُه‬
‫بتبليغ ِه الرسال َة هلم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لنفسه‬ ‫وخصائصه من شهادتِه عىل ِ‬
‫أمته‬ ‫ُ‬
‫ب‪ .‬وقيل‪:‬‬ ‫بالتوحيد‪( ،‬ﯞ) ألمتِ ِه بالثوا ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقيل‪( :‬ﯝ) هلم‬
‫حمذرا من الضالالتل ليؤم َن باهلل ثم به‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالعذاب‪ .‬وقيل‪ً :‬‬ ‫ومنذرا عدوه‬
‫ً‬ ‫باملغفرة‪،‬‬
‫َمن َسب َقت له من اهلل ا ُ‬
‫حلسنى‪.‬‬
‫ِ‬
‫تعظيمه‪.‬‬ ‫[ (ﯤ)] أي‪ُ :‬جيلونه‪ .‬وقيل‪ :‬ينرصونَه‪ .‬وقيل‪ُ :‬يبالِغون يف‬

‫[ (ﯥ)] أي‪ُ :‬يعظمونه‪.‬‬

‫راجع إىل اهلل تعاىل‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫ثم قال‪( [ :‬ﯦ)] فهذا‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪45‬‬

‫ِ‬
‫الفتح املبني‬ ‫عم خمتلف ٌة‪ :‬من‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫للنبي ﷺ يف هذه السورة ن ٌ‬
‫ِّ‬ ‫عطاء‪ُ :‬عي َع‬ ‫قال ابن‬
‫ِ‬
‫النعمة وهي من‬ ‫ِ‬
‫املحبة‪ ،‬ومتا ِم‬ ‫ِ‬
‫واملغفرة وهي من أعال ِم‬ ‫وهي من أعال ِم اإلجابة‪،‬‬
‫ِ‬
‫واهلداية وهي من أعال ِم الوالية(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫االختصاص‪،‬‬ ‫أعال ِم‬

‫وأقس َم بحياتِه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬


‫جعفر بن حممد‪ :‬من متا ِم نعمته عليه أن جع َله حبي َبه‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫وقال‬
‫املعراج حتى ما زا َغ‬
‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫املحل األعىل‪ ،‬وحف َظه يف‬ ‫وعرج به إىل‬
‫َ‬ ‫رشائع ِ‬
‫غريه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ونسخ به‬
‫ِ‬
‫الغنائ َم‪ ،‬وجع َله‬ ‫وأحل له وألمتِه‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫واألمحر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األسود‬ ‫البرص وما طغى‪ ،‬وبع َثه إىل‬‫ُ‬
‫بذكره‪ ،‬ورضا ُه برضاه‪ ،‬وجعله أحدَ‬ ‫ِ‬ ‫ذكره‬ ‫َ‬ ‫شفيعا مش َّفعا‪ ،‬وسيدَ ِ‬
‫وقرن َ‬ ‫ولد آد َم‪،‬‬ ‫ً ُ ً‬
‫ِ‬
‫التوحيد(‪.)2‬‬ ‫ُركن َِي‬
‫ِ‬
‫الرضوان‪،‬‬ ‫ثم قال تعاىل‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) يعني‪ :‬بيع َة‬
‫ِ‬
‫البيعة‪.‬‬ ‫بايعون اهلل ببي َعتِهم إياك‪( ،‬ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) ُيريدُ عند‬
‫أي‪ :‬إنام ُي ِ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تفسري السلمي ‪.510/5‬‬


‫(‪ )2‬السابق‪.‬‬
‫‪ | 46‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -11‬فصل فيما أههرهُ اهلل تعاىل يف كتابِه العزيزِ من كرامتِه عليه ومكانتِه‬
‫عنده وما خصَّه به من ذلك سوى ما انتظمَ فيما ذكرناه قبلُ‬
‫ِ‬
‫سورة سبحان والنجم‪ ،‬وما‬ ‫ِ‬
‫اإلرساء يف‬ ‫ِ‬
‫قصة‬ ‫نص ُه تعاىل من‬
‫من ذلك ما َّ‬
‫ب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫العجائ ِ‬ ‫انطوت عليه القص ُة من عظي ِم منزلتِه و ُقربِه ومشاهدتِه ما شاهدَ من‬
‫ِ‬
‫الناس بقوله‪( :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ)‬ ‫ومن ذلك‪ :‬عصمتُه من‬
‫[املائدة‪.]67:‬‬

‫وقوله‪ ( :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [األنفال‪.]34:‬‬

‫وقوله‪ ( :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ‬
‫ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [التوبة‪.]04:‬‬
‫ِ‬
‫وخلوصهم‬ ‫أذاهم بعد َ َحت ُّز ِهبم هلُلكِه‬ ‫ِ‬
‫دفع اهلل به عنه يف هذه القصة من ُ‬
‫وما َ‬
‫هوهلم عن طلبِه يف‬‫خروجه عليهم‪ ،‬و ُذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أبصارهم عند‬ ‫ِ‬
‫واألخذ عىل‬ ‫نج ايا يف أمره‪،‬‬
‫بن مالك‬ ‫ِ‬
‫وقصة رساق َة ِ‬ ‫ِ‬
‫السكينة عليه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ونزول‬ ‫ظهر يف ذلك من اآليات‬ ‫ِ‬
‫الغار‪ ،‬وما َ‬
‫ِ‬
‫اهلجرة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وحديث‬ ‫والسري يف قصة ِ‬
‫الغار‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلديث‬ ‫ذكره ُ‬
‫أهل‬ ‫حسبام َ‬
‫ومنه قوله تعاىل‪( :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫حوضه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫والكوثر‬
‫ُ‬ ‫ﮏ ﮐ ﮑ) [الكوثر‪َ ،]3-5:‬‬
‫أعلم ُه اهلل عز وجل بام أعطا ُه‪،‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪47‬‬

‫املعجزات الكثريةُ‪.‬‬ ‫الكثري‪ .‬وقيل‪ :‬الشفاع ُة‪ .‬وقيل‪:‬‬ ‫اخلري‬ ‫ِ‬


‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫هنر يف اجلنة‪ .‬وقيل‪ُ :‬‬
‫وقيل‪ٌ :‬‬
‫وقيل‪ :‬النبوةُ‪ .‬وقيل‪ :‬املعرف ُة‪.‬‬

‫عدوه ور َّد عليه قو َله‪ ،‬فقال‪( :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ)‬


‫ثم أجاب عنه َّ‬
‫خري‬ ‫ُ‬
‫الذليل‪ ،‬أو املفر ُد الوحيدُ ‪ ،‬أو الذي ال َ‬ ‫احلقري‬
‫ُ‬ ‫رت‪:‬‬
‫ومبغضك‪ ،‬واألب ُ‬
‫َ‬ ‫عدوك‬
‫أي‪َّ :‬‬
‫فيه‪.‬‬

‫وقال تعاىل‪ ( :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬


‫ﭯ) [النحل‪.]00:‬‬

‫وقال تعاىل‪﴿ :‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ﴾ [احلجر‪]27 :‬‬


‫ِ‬
‫القرآن‪ .‬وقيل‪:‬‬ ‫الطوال األُول ﴿ﯢ ﯣ﴾‪ :‬أ ُّم‬ ‫ُ‬ ‫السور‬ ‫السبع املثاين‪:‬‬ ‫قيل‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫السبع املثاين‪ :‬ما يف‬
‫ُ‬ ‫السبع املثاين‪ :‬أ ُّم القرآن‪﴿ ،‬ﯢ ﯣ﴾‪ُ :‬‬
‫سائره‪ .‬وقيل‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫َ‬
‫وآتيناك نبأ‬ ‫وُضب ٍ‬
‫مثل وإعداد ن َع ٍم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وإنذار‬ ‫أمر ٍ‬
‫وهني وبرشى‬ ‫ِ‬
‫القرآن من ٍ‬
‫ركعة‪ ،‬وقيل‪ :‬بل اهلل‬ ‫ٍ‬ ‫العظيم‪ ،‬وقيل‪ُ :‬سميت أم القرآن مثاينل ألهنا تُثنى يف كل‬
‫َ‬
‫القرآن مثاينل‬ ‫وسمي‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫تعاىل استثناها ملحمد ﷺ وا َّدخرها له دون سائر األنبياء‪ُ ،‬‬
‫القصص تُثنى فيه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ألن‬

‫وقال‪( :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [سبأ‪.]52:‬‬

‫وقال تعاىل‪ ( :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬


‫ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ)‬
‫[األعراف‪.]512:‬‬
‫‪ | 48‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫ِ‬
‫خصائ ِصه‪ ،‬وقال تعاىل‪ ( :‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬ ‫فهذه من‬
‫ِ‬
‫اخللق كاف ًة‪.‬‬ ‫فخصهم ِ‬
‫بقومهم‪ ،‬و َب َ‬
‫عث حممدً ا ﷺ إىل‬ ‫ﮝ ﮞ) [إبراهيم‪َّ َ ]0:‬‬
‫وقال تعاىل‪﴿ :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ﴾ [األحزاب‪،]6 :‬‬
‫أمر فهو‬‫أنفذه فيهم من ٍ‬
‫التفسري‪﴿ :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ﴾ أي‪ :‬ما َ‬ ‫ِ‬ ‫قال ُ‬
‫أهل‬
‫اتباع ِ‬
‫أمره أوىل من اتبا ِع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫حكم السيد عىل عبده‪ ،‬وقيل‪ُ :‬‬
‫ُ‬ ‫ماض عليهم كام َيميض‬
‫ِ‬
‫النفس‪.‬‬ ‫ِ‬
‫رأي‬

‫وقال اهلل تعاىل‪﴿ :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ‬


‫ِ‬
‫بالنبوة‪،‬‬ ‫العظيم‬ ‫ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ﴾ [النساء‪ ،]553 :‬قيل‪ :‬فض ُله‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫األزل‪.‬‬ ‫وقيل‪ :‬بام سبق له يف‬

‫خصوصا بقولِه تعاىل‪﴿ :‬ﭬ ﭭ‬ ‫ً‬ ‫ومن فضائِلِه ﷺ‪ :‬إقسا ُم اهللِ تعاىل برسالتِه‬
‫ِ‬
‫الرسل باس ِم‬ ‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ﴾ [يس‪ ،]3 - 5:‬بعدَ أن كان مع‬
‫ِ‬
‫الباب‬ ‫ُ‬
‫والرسل يف هذا‬ ‫الرسالة معمو ًما بقولِه تعاىل ﴿ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [غافر‪،]15:‬‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫واملنزلة‪.‬‬ ‫عىل السواء فكان ذلك غاي َة ال َف ِ‬
‫ضيلة يف املرتبة‬
‫ِ‬
‫أنبيائه عليهم السالم أن جا َء ُهم‬ ‫َ‬
‫امليثاق عىل عيي ِع‬ ‫ومن فضائِلِه ﷺ‪ُ :‬‬
‫أخذ اهللِ‬ ‫ِ‬

‫ُ‬
‫اإليامن به‬ ‫وجب عليه‬
‫َ‬ ‫سول َّإال‬
‫الر َ‬
‫أحدٌ منهم َّ‬‫درك َ‬‫ونرصوه فلم َيكُن ل ُي ِ‬ ‫ٌ‬
‫رسول آ َمنوا به َ‬
‫والنرص ُة له ألَ ِ‬
‫خذه امليثا َق منهم‪ ،‬فج َع َلهم كلهم َأتبا ًعا له‪َ ،‬يلز ُمهم االنقيا ُد والطاع ُة له‬
‫لو َأ َ‬
‫دركوه‪.‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪49‬‬

‫الباب الثاني‪ :‬يف تكميل اهلل تعاىل له احملاسن خَلقًا وخُلقًا وقرانه مجيعَ‬
‫الفضائل الدينية والدنيوية فيه نسقًا‬

‫عيل َقدْ ره‬ ‫ِ‬


‫تفاصيل َ‬ ‫املحب هلذا النبي الكري ِم ﷺ الباحث عن‬
‫ُّ‬ ‫اعلم أهيا‬
‫َ‬
‫خصال اجلامل والكامل يف البرش نوعان‪:‬‬ ‫العظيم أن‬
‫‪ُ -‬ضوري دنيوي اقتضته ِ‬
‫اجلب َّلة وُضور ُة احلياة الدنيا‪.‬‬

‫ويقرب إىل اهلل تعاىل ُزلفى‪.‬‬


‫ُ‬ ‫‪ -‬ومكتسب ديني‪ ،‬وهو ما ُحيمد فاعله‬

‫اكتساب‪ ،‬مثل ما كان‬ ‫ِ‬


‫للمرء فيه اختيار وال‬ ‫ُ‬
‫املحض فام ليس‬ ‫فأما الرضوري‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫وصحة فهمه‪ ،‬وفصاحة‬ ‫كامل خلقته‪ ،‬وعيال صورتِه‪ ،‬وقوة عقلِه‪،‬‬
‫يف جبلته من ِ‬
‫واعتدال حركاته‪ ،‬ورشف نسبِه‪ ،‬وعزة ِ‬
‫قومه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫حواسه‪ ،‬وأعضائه‪،‬‬ ‫لسانه‪ ،‬وقوة‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫وملبسه‬ ‫ِ‬
‫غذائه ونومه‬ ‫لحق به ما تدعوه ُضور ُة حياته إليه من‬ ‫وكر ِم أرضه‪ ،‬و َي ُ‬
‫تلحق هذه اخلصال اآلخرة باألخروية إذا‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وجاهه‪ ،‬وقد‬ ‫ومسكنِه ومنكحه ومالِه‬
‫ِ‬
‫الرضورة‬ ‫طريقها وكانت عىل حدود‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البدن عىل سلوك‬ ‫َقصدَ هبا التقوى ومعون َة‬
‫وقوانني الرشيعة‪.‬‬

‫فسائر األخالق العلية واآلداب الرشعية من الدين‪،‬‬ ‫ِ‬


‫املكتسبة األخروية‬ ‫وأما‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫والشكر‪ ،‬والعدل‪ ،‬والزهد‪ ،‬والتواضعِ‪ ،‬والعفو‪ ،‬والعفة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والصرب‪،‬‬ ‫والعلم‪ِ ،‬‬
‫واحللم‪،‬‬
‫والصمت‪ ،‬والت ِ‬
‫ُّؤدة‪ ،‬والوقار‪ ،‬والرمحة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واحلياء‪ ،‬واملروءة‪،‬‬ ‫واجلود‪ ،‬والشجاعة‪،‬‬
‫عياعها‪ُ :‬حس ُن اخلُ ِ‬
‫لق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وأخواهتا‪ ،‬وهي التي ُ‬ ‫ِ‬
‫األدب‪ ،‬واملعارشة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وحسن‬
‫‪ | 51‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫ِ‬
‫الناس‪،‬‬ ‫بلة لبعض‬ ‫اجل ِ‬ ‫ِ‬
‫الغريزة وأصل ِ‬ ‫ِ‬
‫األخالق ما هو يف‬ ‫وقد يكون من هذه‬
‫ِ‬
‫أصل‬ ‫وبعضهم ال تكون فيه ف َيكت َِسبها‪ ،‬ولكنه ال بد أن يكون فيه من أصوهلا يف‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫األخالق دنيوية إذا م ُي َر ْد هبا‬ ‫ِ‬
‫اجلبلة شعب ٌة كام سنبينه إن شاء اهلل تعاىل‪ ،‬وتكون هذه‬
‫ِ‬
‫العقول‬ ‫باتفاق أصحاب‬‫ِ‬ ‫والدار اآلخرة‪ ،‬ولكنها كلها حماسن وفضائل‬ ‫وج ُه اهلل‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫موجب حسنها وتفضيلها‪.‬‬ ‫السليمة وإن اختلفوا يف‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪50‬‬

‫‪ -1‬فصل [يف اجتماع خصال الكمال واجلالل البشري يف النيب ﷺ]‬

‫يرشف‬
‫ُ‬ ‫واجلالل ما ذكرناه‪ ،‬ووجدنا الواحدَ منا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكامل‬ ‫ُ‬
‫خصال‬ ‫إذا كانت‬
‫عيال أو قوة أو‬ ‫نسب أو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عرص‪ ،‬إما من‬ ‫اثنتني إن اتف َقت له يف كل‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بواحدة منها أو‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫األمثال‪،‬‬ ‫رضب باسمه‬ ‫َ‬ ‫قدره و ُي‬
‫عظم ُ‬ ‫عل ٍم أو حلم أو شجاعة أو سامحة‪ ،‬حتى َي َ‬
‫خوال رمم‬ ‫ٍ‬ ‫أثرة وعظم ٌة‪ ،‬وهو منذ عصور‬ ‫ِ‬
‫القلوب َ‬ ‫و َيتقرر له بالوصف بذلك يف‬
‫يأخذه عد‬ ‫ُ‬ ‫اخلصال إىل ما ال‬‫ِ‬ ‫كل هذه‬ ‫قدر َمن اجتم َعت فيه ُّ‬ ‫ظنك بعظي ِم ِ‬ ‫بوال‪ ،‬فام َ‬ ‫ٍ‬
‫الكبري املتعال‪ ،‬من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بتخصيص‬ ‫حيلة إال‬‫ٍ‬ ‫بكسب وال‬ ‫ٍ‬ ‫وال ُيعرب عنه ٌ‬
‫مقال‪ ،‬وال ُينال‬
‫ِ‬
‫والرؤية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واإلرساء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واالصطفاء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واملحبة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واخللة‪،‬‬ ‫النبوة‪ ،‬والرسال ِة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فضيلة‬
‫ِ‬
‫الرفيعة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والفضيلة‪ ،‬والدرجة‬ ‫ِ‬
‫والوسيلة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والشفاعة‪،‬‬ ‫والدنو‪ ،‬والوحي‪،‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والقرب‪،‬‬
‫ِ‬
‫والصالة‬ ‫ِ‬
‫واألسود‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األمحر‬ ‫ِ‬
‫والبعث إىل‬ ‫ِ‬
‫واملعراج‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والرباق‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املحمود‪،‬‬ ‫واملقام‬
‫ِ‬
‫احلمد‪ ،‬والبشارة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ولواء‬ ‫وسيادة ِ‬
‫ولد آد ِم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األنبياء واألم ِم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والشهادة بني‬ ‫ِ‬
‫باألنبياء‪،‬‬
‫ٍ‬
‫ورمحة‬ ‫ِ‬
‫واألمانة‪ ،‬واهلداية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والطاعة َث َّم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العرش‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واملكانة عند ذي‬ ‫ِ‬
‫والنذارة‪،‬‬
‫ِ‬
‫النعمة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫القول‪ ،‬وإمتام‬ ‫والكوثر‪ ،‬وسامع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والسؤل‪،‬‬ ‫الرىض‪،‬‬ ‫ِ‬
‫للعاملني‪ ،‬وإعطاء ِّ‬
‫ِ‬
‫وعزة‬ ‫ورشح الصدر‪ ،‬ووض ِع الوزر‪ ،‬ورف ِع الذكر‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫تأخر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والعفو عام تقد َم وما‬
‫َ‬
‫احلكمة‪ ،‬والكتاب‪ ،‬والسب ِع‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وإيتاء‬ ‫ِ‬
‫والتأييد باملالئكة‪،‬‬ ‫ونزول السكينة‪،‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النرص‪،‬‬
‫ِ‬
‫وصالة اهلل تعاىل‬ ‫ِ‬
‫والدعاء إىل اهلل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وتزكية األمة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والقرآن العظي ِم‪،‬‬ ‫املثاين‪،‬‬
‫ِ‬
‫واألغالل عنهم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واملالئكة‪ ،‬واحلك ِم بني الناس بام أراه اهلل‪ ،‬ووض ِع اإلرص‬
‫ِ‬
‫وإحياء املوتى‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اجلامدات والعج ِم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وإجابة دعوته‪ ،‬وتكلي ِم‬ ‫وال َقس ِم باسمه‪،‬‬
‫ِ‬
‫القمر‪ ،‬ورد‬ ‫ِ‬
‫القليل‪ ،‬وانشقاق‬ ‫ِ‬
‫وتكثري‬ ‫ِ‬
‫أصابعه‪،‬‬ ‫وإسام ِع الص ِم‪ ،‬ونب ِع املاء من بني‬
‫‪ | 52‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫ِ‬
‫وظل الغامم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الغيب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والنرص بالرعب‪ ،‬واالطال ِع عىل‬ ‫ِ‬
‫وقلب األعيان‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الشمس‪،‬‬
‫ٌ‬
‫حمتفل‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬
‫عصمة من الناس‪ ،‬إىل ماال حيويه‬ ‫ِ‬
‫وإبراء اآلال ِم‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬
‫وتسبيح احلىص‪،‬‬
‫ِ‬
‫اآلخرة‬ ‫فض ُله به‪ ،‬ال إله غريه‪ ،‬إىل ما أعدَّ له يف الدار‬
‫مانحه ذلك و ُم ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫حييط بعلمه إال ُ‬
‫ِ‬
‫والزيادة التي‬ ‫ِ‬
‫السعادة‪ ،‬واحلسنى‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ومراتب‬ ‫ِ‬
‫القدس‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ودرجات‬ ‫ِ‬
‫الكرامة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫منازل‬ ‫من‬
‫الوهم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وحيار دون أدانيها‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫العقول‬ ‫تقف دوهنا‬
‫ُ‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪53‬‬

‫‪ -2‬فصل [يف ظحاطته خبصال الكمال البشري غري املكتسبة]‬


‫ِ‬
‫باجلملة أنه ﷺ أعىل الناس‬ ‫قلت ‪-‬أكر َمك اهلل‪ :-‬ال خفا َء عىل القط ِع‬
‫إن َ‬
‫ِ‬
‫خصال‬ ‫ِ‬
‫تفاصيل‬ ‫بت يف‬‫وفضال‪ ،‬وقد َذ َه َ‬
‫ً‬ ‫قدرا‪ ،‬وأعظمهم ا‬
‫حمال‪ ،‬وأكملهم حماس َن‬ ‫ً‬
‫أقف عليها من أوصافِه ﷺ تف ً‬
‫صيال‪.‬‬ ‫شوقني إىل أن َ‬ ‫الكامل مذه ًبا ً‬
‫عييال َّ‬
‫وحبك‪،‬‬‫وضاعف يف هذا النبي الكري ِم ُحبي ُ‬
‫َ‬ ‫فاع َلم َّنور اهلل قلبي وقل َبك‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫غري مكتسبة‪ ،‬ويف ِجب َّلة اخللقة‪َ ،‬‬
‫وجدتَه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َظرت إىل خصال الكامل التي هي ُ‬ ‫أنك إذا ن َ‬
‫ِ‬
‫األخبار لذلك‪ ،‬بل قد‬ ‫خالف بني ِ‬
‫نقلة‬ ‫ٍ‬ ‫بشتات حماسنِها دون‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جلميعها حمي ًطا‬ ‫حائزا‬
‫ً‬
‫بلغ ال َقطعِ‪.‬‬
‫بعضها َم َ‬ ‫َ‬
‫بلغ ُ‬

‫فصل [يف صورته ومجاهلا وتناسب أعضائه يف حسنِها]‬

‫اآلثار‬
‫ُ‬ ‫أما الصور ُة وعياهلا [و]تناسب أعضائه يف حسنِهال فقد جاءت‬
‫أدعج(‪،)1‬‬ ‫ِ‬
‫اللون‪،‬‬ ‫أزهر‬ ‫الصحيحة واملشهور ُة الكثرية بذلك‪ :‬من أنه ﷺ كان‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫األشفار(‪َ ،)4‬أ ْب َلج(‪َ ،)5‬أ َز َّج(‪َ ،)6‬أ ْقنَى(‪َ ،)7‬أ ْف َل َج(‪،)8‬‬ ‫كل ‪َ ،‬أ ْه َ‬
‫دب‬ ‫(‪)3‬‬
‫جل(‪َ ،)2‬أ ْش َ‬
‫َأ ْن َ‬

‫(أدعج) شديد سواد احلدقة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫(‪)1‬‬


‫(أنجل) واسع شق العني‪.‬‬ ‫َ‬ ‫(‪)2‬‬
‫كل) الشكلة‪ :‬محرة يف بياض العني‪.‬‬ ‫(‪َ ( )3‬أ ْش َ‬
‫ِ‬
‫األشفار)‪ :‬كبري أشفار العني‪.‬‬ ‫(‪َ ( )4‬أ ْه َ‬
‫دب‬
‫(‪َ ( )5‬أ ْب َلج)‪ :‬مرشق الوجه‪.‬‬
‫(‪َ ( )6‬أزَ َّج)‪ :‬مقوس احلاجب مع طوله وامتداده ‪.‬‬
‫(‪َ ( )7‬أ ْقنَى) حمدودب األنف‪.‬‬
‫(‪َ ( )8‬أ ْف َل َج) بعيد ما بني الثنايا‪.‬‬
‫‪ | 54‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫ِ‬
‫البطن والصدر(‪،)1‬‬ ‫صدره‪ ،‬سوا َء‬ ‫َ‬ ‫واسع اجلبني‪َّ ،‬‬
‫كث اللحية متأل‬ ‫َ‬ ‫مدور الوجه‪،‬‬
‫ضخم العظام‪َ ،‬ع ْب َل(‪ )2‬العضدين والذراعني‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الصدر‪ ،‬عظيم املنكبني‪،‬‬ ‫واسع‬
‫َ‬
‫ِ (‪)3‬‬
‫دقيق‬
‫أنور املتجرد(‪َ ،)4‬‬
‫سائل األطراف ‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫واألسافل‪ ،‬رحب الكفني والقدمني‪،‬‬
‫ِ‬
‫القصري املرتدد‪ ،‬ومع ذلك فلم‬ ‫ِ‬
‫البائن‪ ،‬وال‬ ‫القد‪ ،‬ليس بالطويل‬ ‫املَرسبة(‪ ،)5‬ربع َة ِ‬
‫َُْ‬
‫رج َل الشعر(‪.)6‬‬ ‫الطول إال طاله ﷺ‪ِ ،‬‬‫ِ‬ ‫يكن يامشيه أحدٌ ينسب إىل‬

‫الرب ِق وعن مثل حب الغامم‪ ،‬إذا تكلم‬


‫رت عن مثل سنا َ‬
‫إذا افرت ضاحكًا اف َّ‬
‫طهم(‪ ،)7‬وال ُمكَل َثم(‪،)8‬‬ ‫ِ‬
‫ُرئ َي كالنور َيرج من ثناياه‪ ،‬أحسن الناس عن ًقا‪ ،‬ليس ُ‬
‫بم َّ‬
‫ُض َب اللح ِم(‪.)9‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫متامسك البدن‪ْ َ ،‬‬

‫ب رحيه وعرقِه ونزاهته]‬


‫فصل [يف نظافة جسمه وطي ُ‬
‫ِ‬
‫اجلسد‬ ‫ِ‬
‫األقذار وعورات‬ ‫ِ‬
‫وعرقه ونزاهته عن‬ ‫وطيب رحيه‬ ‫وأما نظاف ُة جسمه‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫بنظافة الرش ِع‬ ‫بخصائص م توجد يف غريه‪ ،‬ثم متمها‬ ‫فكان قد خصه اهلل يف ذلك‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫العرش‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وخصال الفطرة‬

‫ِ‬
‫البطن والصدر)‪ :‬مستوهيام‪.‬‬ ‫(‪( )1‬سوا َء‬
‫(‪َ ( )2‬ع ْب َل)‪ :‬ضخم‪.‬‬
‫ِ‬
‫األطراف) طويل األصابع‪.‬‬ ‫َ‬
‫(سائل‬ ‫(‪)3‬‬
‫(أنور املتجرد)‪ :‬املتجرد‪ :‬ما جترد عند الثياب من البدن‪.‬‬ ‫َ‬ ‫(‪)4‬‬
‫رس َبة) املرسبة‪ :‬خيط الشعر الذي بني الصدر والرسة‪.‬‬ ‫(دقيق املَ ْ ُ‬
‫َ‬ ‫(‪)5‬‬
‫(‪( )6‬رج َل الشعر)‪:‬شعر رجل إذا م يكن شديد اجلعود وال سب ًطا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫طهم)‪ :‬املنتفخ الوجه‪ ،‬وقيل الفاحش السمن‪.‬‬ ‫(‪( )7‬املُ َّ‬
‫(‪( )8‬املُ َك ْلثَم) الكلثمة‪ :‬اجتامع حلم الوجه‪.‬‬
‫(ُض َب اللح ِم) قليله‪.‬‬ ‫(‪ْ َ )9‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪55‬‬

‫أطيب من ريح‬
‫َ‬ ‫ربا ُّ‬
‫قط وال مسكًا وال شي ًئا‬ ‫شم ْمت عن ً‬
‫فعن أنس قال‪ :‬ما َ‬
‫رسول اهلل ﷺ(‪.)1‬‬
‫ٍ‬
‫بقارورة جتمع‬ ‫ونام رسول اهلل ﷺ يف دار أنس عىل نطع فعرق‪ ،‬فجاءت أ ُّمه‬
‫رسول اهلل ﷺ عن ذلك‪ ،‬فقالت‪ :‬نج َع ُله يف ِطيبنا‪ ،‬وهو من‬
‫ُ‬ ‫فيها عر َقه‪ ،‬فسأهلا‬
‫ِ‬
‫أطيب ال ِّطيب(‪.)2‬‬

‫حواسه‪ ،‬وفصاحة لسانِه‪ ،‬واعتدال‬


‫ِّ‬ ‫وفور عقله‪ ،‬وذكاء ُلبه‪ ،‬وقوة‬ ‫ُ‬ ‫وأما‬
‫ِ‬
‫الناس وأذكاهم‪ ،‬ومن تأمل‬ ‫َ‬
‫أعقل‬ ‫وحسن شامئِله‪ ،‬فال ِمري َة أنه كان‬
‫حركاته‪ُ ،‬‬
‫أمر بواطن اخلَ ْلق وظواهرهم وسياسة العامة واخلاصة مع عجب شامئله‬ ‫تدبريه َ‬
‫وقرره من الرشع دون تع ُّلم َ‬
‫سبق‪ ،‬وال‬ ‫فضال عام أفاضه من العلم َّ‬‫وبديع سريه‪ً ،‬‬
‫مرت يف رجحان عقله‪ ،‬وثقوب َفهمه‬ ‫ٍ‬
‫مطالعة للكتب منهل م َي َ ِ‬ ‫ممارسة تقدمت‪ ،‬وال‬
‫ألول بدهية‪ ،‬وهذا ما ال ُحيتاج إىل تقريره لتحقيقه‪.‬‬
‫ويف املوطأ عنه عليه السالم‪« :‬إِين ألراكُم ِمن و ِ‬
‫راء ظ ْهري»(‪ )3‬ويف بعض‬ ‫ْ ْ‬ ‫ِّ‬
‫ي»(‪.)4‬‬ ‫بِص ِمن قفاي كام ُأ ِ ِ‬
‫ُ ِ‬
‫بِص من بني يد َّ‬
‫ُ‬ ‫الروايات « ِّإين أل ُ‬
‫ِ‬
‫للمالئكة والشياطني‪.‬‬ ‫واألخبار كثرية صحيحة يف رؤيته ﷺ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3165‬ومسلم (‪.)5334‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)5335‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مالك يف املوطأ ‪ ،567/5‬والبخاري (‪.)052‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪ )053‬ولفظه‪...« :‬من ورائي‪.»...‬‬
‫‪ | 56‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫أهل وقته وكان َدعاه إىل‬‫رصع ُركان َة(‪ )1‬أشد ِ‬


‫َ‬ ‫األخبار بأنه‬
‫ُ‬ ‫وقد جاءت‬
‫ٍ‬
‫مرات‪ ،‬كل‬ ‫َ‬
‫ثالث‬ ‫ِ‬
‫اجلاهلية وكان شديدً ا وعاو َده‬ ‫وصارع أبا ُركان َة يف‬ ‫اإلسال ِم‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪.‬‬ ‫ذلك يرص ُعه‬

‫تبس ًام‪ ،‬إذا ال َت َفت ال َت َفت م ًعا‪ ،‬وإذا‬ ‫ِ‬


‫ويف صفته عليه السالم أن َضحكه كان ُّ‬
‫ُّ‬
‫ينحط من ص َبب‪.‬‬ ‫مشى مشى تقل ًعا كأنام‬

‫فصل [يف فصاحة اللسان وبالغة القول]‬

‫ِّ‬
‫باملحل األفضل‪،‬‬ ‫وأما فصاح ُة اللسان وبالغ ُة القول فقد كان ﷺ من ذلك‬
‫واملوض ِع الذي ال ُجي َهل‪ ،‬سالسة طبعٍ‪ ،‬وبراع َة منزعٍ‪ ،‬وإجياز مقطعٍ‪ ،‬ونصاعة لفظ‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫وجزالة ٍ‬
‫ص ببدائع‬ ‫جوامع الكلم‪ُ ،‬‬
‫وخ َّ‬ ‫َ‬ ‫قول‪ ،‬وصحة معان‪ ،‬وقلة تكلف‪ُ ،‬أو َ‬
‫ِت‬
‫وحياورها بلغتِها‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫بلساهنا‬ ‫كل ٍ‬
‫أمة منها‬ ‫َياطب َّ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫العرب‪ ،‬فكان‬ ‫احلكم‪ ،‬و ُع ِّل َم ألسن َة‬
‫و ُيبارهيا يف منز ِع بالغتِها‪.‬‬

‫فصل [يف كالمه املعتاد وفصاحته املعلومة وجوامع كلمِه وحِكَمه املأثورة]‬

‫وحك َُمه املأثورة فقد‬‫كلمه ِ‬


‫وأما كالمه املعتاد وفصاحتُه املعلوم ُة وجوامع ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫وعيعت يف ألفاظها ومعانيها الكتُب‪ ،‬ومنها ما ال‬ ‫ِ‬ ‫الناس فيها الدواوي َن‪ُ ،‬‬ ‫أ َّلف‬
‫ُ‬
‫بارى بالغ ًة كقوله‪« :‬املُسلِمون تتكاف ُأ ِدماهُ ‪،‬م‪ ،‬ويسع‬ ‫وازى فصاح ًة‪ ،‬وال ُي َ‬‫ُي َ‬
‫الناس‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫أحب» ‪ ،‬و« ُ‬ ‫وا‪،‬م»(‪ ،)2‬و«امل ْر ُء مع من‬
‫دنا‪،‬م‪ ،‬و‪،‬م يدٌ عىل من س ُ‬ ‫بذ َّمتهم أ ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫َّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)0472‬والرتمذي (‪.)5720‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)5715‬وابن ماجه (‪.)5621‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)6562‬ومسلم (‪.)5604‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪57‬‬

‫ِ‬
‫وإضاعة املال‪ ،‬ومن ٍع وهات‪،‬‬ ‫وكثرة السؤال‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫عاد ُن»(‪ ،)1‬وهن ُيه عن ِقيل وقال‪،‬‬
‫م ِ‬
‫الق ِ‬
‫يامة»(‪ ،)3‬إىل ما‬ ‫امت يوم ِ‬
‫وو ْأد البنات ‪ ،‬وقوله‪« :‬ال ُّظ ْل ُم ُظ ُل ٌ‬
‫وعقوق األمهات‪َ ،‬‬
‫(‪)2‬‬

‫روتْه الكا َّف ُة عن الكا َّف ِة من مقاماتِه وحماُضاتِه وخطبِه وأدعيتِه وخماطباتِه‬ ‫َ‬
‫غريه وحاز فيها سب ًقا ال‬ ‫خالف أنه َ‬ ‫ِ‬
‫قاس هبا ُ‬ ‫نزل من ذلك مرتب ًة ال ُي ُ‬ ‫َ‬ ‫وعهوده‪ ،‬ممَّا ال‬
‫قدره‪.‬‬
‫ُيقدَ ُر ُ‬
‫وقد عيعت من كلامته التي م ُيس َبق إليها وال قدَ َر أحدٌ أن يفر َغ يف قا َلبه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مرت ْني»(‪ ،)5‬يف‬‫طيس» ‪ ،‬و«ال ُيلدغ املُؤم ُن من ُج ْح ٍر َّ‬ ‫عليها كقوله‪« :‬محي الو ُ‬
‫(‪)4‬‬

‫ِ‬
‫حكمها‪.‬‬ ‫الفكر يف أداين‬ ‫ويذهب به‬ ‫مضمنِها‬ ‫ب يف‬ ‫در ُك‬ ‫ِ‬
‫أخواهتا ما ُي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫الناظر العج َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ورونق‬ ‫ِ‬
‫احلاُضة‬ ‫البادية وجزالتِها‪ ،‬ونصاع ُة أ ِ‬
‫لفاظ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عارضة‬ ‫فج ِم َع له ﷺ قو ُة‬ ‫ُ‬
‫بعلمه برشي‪.‬‬‫حييط ِ‬
‫الوحي الذي ال ُ‬ ‫ِ‬
‫التأييد اإلهلي الذى َمدَ ُده‬ ‫ِ‬
‫كالمها‪ ،‬إىل‬
‫ُ‬

‫فصل [يف شرف نسَبه ﷺ وكرَم بلَده ومَنشئِه ]‬


‫رشف نسبه ﷺ وكرم ب َلده وم ِ‬
‫نشئه فام ال حيتاج إىل إقامة دليل عليه‪،‬‬ ‫وأما‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫قريش وصميمها‪،‬‬‫ٍ‬ ‫خفي منه‪ ،‬فإنه نُخب ُة بني هاشم‪ ،‬وساللة‬
‫ٍّ‬ ‫وال بيان ُمشكِل وال‬
‫وأرشف العرب وأعزهم نفرا من ِقبل أبيه وأمه‪ ،‬ومن أهل مكة من أكرم بِ ِ‬
‫الد اهلل‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫عىل اهلل وعىل ِعباده‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3026‬ومسلم (‪.)5156‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)1271‬ومسلم (‪.)123‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)5007‬ومسلم (‪.)5172‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪.)5771‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪ ،)6533‬ومسلم (‪.)5222‬‬
‫‪ | 58‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫ت ِم ْن خ ِري ُق ِ‬
‫رون بني آدم قرنًا‬ ‫عن أيب هريرة أن رسول اهلل ﷺ قال‪ُ « :‬ب ِع ْث ُ‬
‫كنت ِمن الق ْر ِن الذي ك ُ‬
‫ُنت منه»(‪.)1‬‬ ‫ُ‬ ‫فقرنًا‪ ،‬ح َّت‬

‫إن اهلل اصطف ِمن ول ِد‬


‫بن األَس َقع قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َّ « :‬‬
‫وعن واثل َة ِ‬
‫إبرا‪،‬يم إسامعيل‪ ،‬واصطف ِمن ول ِد إسامعيل بني كِنانة‪ ،‬واصطف من بني كِنانة‬
‫‪،‬اشمٍ‪ ،‬واصطفاين من بني ِ‬
‫‪،‬اش ٍم»(‪.)2‬‬ ‫ريش بني ِ‬
‫ريشا‪ ،‬واصطف ِمن ُق ٍ‬
‫ُق ً‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)3117‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)5576‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪59‬‬

‫‪ -3‬فصل [يف ضروب ما تدعو ضرورة احلياة ظليه]‬

‫أُضب‪:‬‬
‫فصلناه فعىل ثالثة ُ‬
‫وأما ما تدعو ُضورة احلياة إليه ممَّا َّ‬
‫‪ُ -‬ضب ال َف ْضل يف ِق َّلته‪.‬‬
‫‪ -‬وُضب الفضل يف كَثرته‪.‬‬
‫‪ -‬وُضب َختتلِف األحوال فيه‪.‬‬

‫فصل [يف الضرب األول]‬


‫ِ‬
‫كالغذاء‬ ‫فأ َّما ما التَّمدُّ ح والكامل ِبق َّلته اتفا ًقا وعىل كل حال عادة ورشيعة‬
‫ِ‬
‫األكل‬ ‫العرب واحلكامء تتامدح ِبق َّلتهام وت َُذ ُّم بكثرهتامل ألن كثرة‬
‫ُ‬ ‫والنوم‪ ،‬و م تزل‬
‫والرشه وغلبة الشهوة‪ ،‬مس ِّبب ملضار الدنيا‬ ‫ِ‬
‫النهم واحل ْرص َّ َ‬‫والرشب دليل عىل َ‬
‫وقلته دليل عىل‬‫اجلسد‪ ،‬وخثارة النفس‪ ،‬وامتالء الدماغ‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫جالب ألدواء‬ ‫واآلخرة‪،‬‬
‫ٌ‬
‫النفس‪ ،‬وقمع الشهوة مسبب للصحة‪ ،‬وصفاء اخلاطر‪ِ ،‬‬
‫وحدَّ ة‬ ‫ِ‬ ‫القناعة وملك‬
‫ِّ‬
‫الذهن‪ ،‬كام أن كثرة النو ِم دليل عىل ال ُف ِ‬
‫سولة والضعف‪ ،‬وعد ِم الذكاء والفطنة‬ ‫ِّ ْ‬
‫وعادة العجز‪ ،‬وتضييع ال ُعمر يف غري نفع‪ ،‬وقساوة القلب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للكسل‪،‬‬ ‫مس ِّبب‬
‫وغفلته وموته‪.‬‬
‫والشاهدُ عىل هذا ما يعلم ُضورة‪ ،‬ويوجدُ مشاهدةً‪ ،‬و ُين َقل متواتِ ًرا من‬
‫وأشعار العرب وأخبارها‪ ،‬وصحيحِ‬ ‫ِ‬ ‫حلكَامء السالفني‬
‫كالم األمم املتقدمة وا ُ‬
‫احلديث‪ ،‬وآثار َمن س َلف وخ َلف مما ال ُحيتاج إىل االستشهاد عليه‪ ،‬وإنام تركنا‬
‫صارا عىل اشتهار العلم به‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِذكْره هنا‬
‫اختصارا واقت ً‬
‫ً‬
‫‪ | 61‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫أخذ من هذين ال َفن َّْني باألقل‪ ،‬هذا ما ال ُيدفع من ِسريته‪،‬‬ ‫النبي ﷺ قد َ‬‫وكان ُّ‬
‫َ‬
‫باآلخر‪.‬‬ ‫أح ِدمها‬ ‫ِ‬
‫وحض عليه‪ ،‬ال س َّيام بارتباط َ‬‫َّ‬ ‫وهو الذي أ َمر به‬

‫وعاء‬
‫ً‬ ‫ابن آدم‬
‫كرب أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬ما مَل ُ‬ ‫بن َمعدي ِ‬ ‫عن املِقدام ِ‬
‫أكالت ي ِقمن ص ْلبه‪ ،‬فإن كان ال حمالة ف ُث ُلث لط ِ‬
‫عامه‬ ‫ٍ‬ ‫حسب ِ‬
‫ابن آدم‬ ‫رشا ِمن ب ْطنِه‪،‬‬
‫ُ ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ًّ‬
‫و ُث ُلث لَشابه و ُث ُلث لنف ِسه»(‪.)1‬‬

‫ويف صحيح احلديث قوله‪َّ « :‬أما أنا فال آك ُُل ُمتَّكئًا»(‪ )2‬واالتكاء هو التمكُّن‬
‫لألكل والت َق ْعدُ ُد يف اجللوس له كاملرت ِّبع وشبهه من َمتكُّن اجللسات التي يعتمد‬
‫اجلالس عىل ما حتتَه‪ ،‬واجلالس عىل هذه اهليئة َيستدعي األكل و َيستكثِر منه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فيها‬
‫جلوس املستوفِز(‪ُ )3‬م ْق ِع ًيا(‪.)4‬‬
‫َ‬ ‫جلوسه لألكل‬
‫ُ‬ ‫والنبي ﷺ إنام كان‬

‫اآلثار الصحيحة‪ ،‬ومع ذلك فقد‬


‫ُ‬ ‫قليال ِ‬
‫شهدَ ت بذلك‬ ‫وكذلك نومه ﷺ كان ً‬
‫ِ‬
‫تنامان وال ينا ُم ق ْلبي»(‪.)5‬‬ ‫إن عين َّي‬
‫قال ﷺ‪َّ « :‬‬

‫فصل [يف الضرب الثاني]‬

‫والرضب الثاين‪ :‬هو ما َيت َِّفق التَّمدُّ ح ب َك ْثرته والفخر ُبوفوره كالنِّكاح‬
‫رشعا وعادة فإنه دليل الكامل وصحة ُّ‬
‫الذكورية و م‬ ‫فم َّت َفق فيه ً‬
‫واجلاه‪ ،‬فأ َّما النِّكاح ُ‬
‫َيز ِل التفاخر بكثرته عادة معروفة والتامدح به سرية ماضية‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)5324‬وابن ماجه (‪.)3302‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)1322‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)5400‬‬
‫(‪( )4‬املُ ْستَوفِز)‪ :‬املستعجل‪ .‬و(اإل ْق َعا ُء)‪ :‬أن يلصق الرجل أليتيه باألرض وينصب ساقيه ويتسانَدَ إىل ظهره‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪ ،)5507‬ومسلم (‪.)732‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪60‬‬

‫ِ‬
‫أفضل هذه األُمة ُ‬
‫أكثرها‬ ‫ُ‬ ‫فسنة مأثورة‪ ،‬وقد قال اب ُن عباس‪:‬‬
‫وأما يف الرشع ُ‬
‫نِسا ًء(‪ .)1‬مشريا إليه ﷺ‪.‬‬

‫وهنى عن التَّبتُّل(‪ )2‬مع ما فيه من قمع الشهوة‪.‬‬


‫ِ‬
‫الفضائل‪ ،‬وهذا حييى ب ُن زكريا‬ ‫النكاح وكثرتُه من‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫قلت‪ :‬كيف‬ ‫فإن َ‬
‫ِ‬
‫بالعجز عام‬ ‫حصورا‪ ،‬فكيف ُيثني اهلل‬
‫ً‬ ‫عليه السالم قد َأثنى اهلل تعاىل عليه أنه كان‬
‫ِ‬
‫النساء ولو كان كام‬ ‫مريم عليه السالم تبتَّل من‬
‫َ‬ ‫تَعده فضيل ًة‪ ،‬وهذا عيسى ُ‬
‫ابن‬
‫َقررتَه لن َ‬
‫َكح؟‬

‫بعضهم‪ :‬إنه كان‬‫حصور ليس كام قال ُ‬‫ٌ‬ ‫فاعلم أن ثنا َء اهلل تعاىل عىل حييى بأنه‬
‫ِ‬ ‫أنكر هذا ُح ُ‬
‫العلامء‪ ،‬وقالوا‪ :‬هذه‬ ‫ذاق املفرسين‪ ،‬ونقا ُد‬ ‫هيو ًبا أو ال َذك ََر له‪ ،‬بل قد َ‬
‫ِ‬
‫الذنوب‪ ،‬أي‪ :‬ال‬ ‫ِ‬
‫باألنبياء‪ ،‬وإنام معناه أنه معصو ٌم من‬ ‫نَقيص ٌة وعيب‪ ،‬وال ُ‬
‫يليق‬
‫ِ‬
‫الشهوات‪ .‬وقيل‪ :‬ليست له شهو ٌة يف‬ ‫نفسه من‬‫رص عنها‪ ،‬وقيل‪ :‬مان ًعا َ‬ ‫يأتيها كأنه ُح َ‬
‫ِ‬
‫النساء‪.‬‬
‫ُ‬
‫الفضل يف‬ ‫نقص‪ ،‬وإنام‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النكاح ٌ‬ ‫القدرة عىل‬ ‫فقد بان لك من هذا أن عد َم‬
‫ٍ‬
‫بكفاية من اهلل‬ ‫ٍ‬
‫جاهدة كعيسى عليه السالم أو‬ ‫ِ‬
‫كوهنا موجودة‪ ،‬ثم قمعها إما بم‬
‫ٍ‬
‫األوقات حاط ًة‬ ‫كثري من‬ ‫ِ‬
‫لكوهنا شاغلة يف ٍ‬ ‫تعاىل كيحيى عليه السالم فضيل ًة زائدة‬
‫ِ‬
‫بالواجب فيها‪ ،‬و م تشغله‬ ‫أقدر عليها و ُم ِّلكَها‪ ،‬وقام‬
‫إىل الدنيا‪ ،‬ثم هي يف حق َمن َ‬
‫ِ‬
‫عبادة ربه‪ ،‬بل‬ ‫عن ربه درج ٌة ُعليا‪ ،‬وهي درج ُة نبينا ﷺ الذي م تَشغله ُ‬
‫كثرهتن عن‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)1462‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)1473‬ومسلم (‪.)5045‬‬
‫‪ | 62‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫بحقوقهن واكتسابِه هلن‪ ،‬وهدايتِه إياهن‪ ،‬بل‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقيامه‬ ‫زا َده ذلك عباد ًة لتحصينِهن‬
‫حظوظ دنيا ِ‬
‫غريه‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ظوظ دنياه هو‪ ،‬وإن كانت من‬ ‫رصح أهنا ليست من ح ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫والطيب اللذين مها من‬ ‫ِ‬
‫إيل من ُدنياكُم» فدل أن ح َّبه ملا ُذكر من النساء‬ ‫ِ‬
‫« ُح ِّبب َّ‬
‫)‬‫‪1‬‬ ‫(‬

‫ِ‬
‫للفوائد التي ذكرناها يف‬ ‫غريه‪ ،‬واستعاملِه لذلك ليس لدنياه بل آلخرتِهل‬ ‫أمر دنيا ِ‬ ‫ِ‬
‫ويعني عليه‬ ‫حيض عىل اجلام ِع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫أيضا مما ُّ‬
‫الطيبل وألنه ً‬ ‫املالئكة يف‬ ‫وللقاء‬ ‫التزويج‪،‬‬
‫ُ‬
‫وحيرك أسبا َبه‪.‬‬

‫غريه‪ ،‬وقم ِع شهوتِه‪ ،‬وكان ح ُّبه احلقيقي‬ ‫ألجل ِ‬


‫ِ‬ ‫وكان ح ُّبه هلاتني اخلصلتني‬
‫حلبني و َفصل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املختص بذاته يف مشاهدة جربوت مواله ومناجاته‪ ،‬ولذلك م َّيز بني ا ُ‬ ‫ُ‬
‫الة»(‪ )2‬فقد ساوى حييى وعيسى يف‬ ‫بني احلالني‪ ،‬فقال‪« :‬وج ِعلت ُقر ُة عيني يف الص ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫كفاية فتنتِهن وزا َد فضيل ًة بالقيا ِم هبن‪.‬‬
‫ِ‬

‫ِ‬
‫القوة يف هذا‪ ،‬و ُأعطي الكثري منهل وهلذا ُأبيح له من‬ ‫قدر عىل‬‫وكان ﷺ ممن ُأ َ‬
‫احلرائر ما م ُيبح ِ‬
‫لغريه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عدد‬
‫ِ‬
‫والنهار وهن‬ ‫ِ‬
‫الليل‬ ‫عن أنس أنه ﷺ كان َيدور عىل نسائه يف الساعة من‬
‫إحدى عرشةَ‪ ،‬قال أنس‪ :‬و ُكنَّا نَتحدَّ ث أنه ُأ َ‬
‫عطي قو َة ثالثني ً‬
‫رجال(‪.)3‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫القلوب‪ ،‬وقد‬ ‫وأ َّما اجلا ُه فمحمو ٌد عند ال ُع َقالء عادة‪ ،‬وب َقدْ ر جاهه ع ُ‬
‫ظمه يف‬
‫قال اهلل تعاىل يف صفة عيسى عليه السالم ﴿ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﴾ [آل عمران‪،]01 :‬‬
‫لكن آفاته كثريةل فهو ُم ِرض ببعض الناس لعقبى اآلخرة‪ :‬فلذلِك ذ َّمه من ذ َّمه‬

‫(‪ )1‬أخرجه النسائي (‪.)3232‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه النسائي (‪.)3232‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)562‬ومسلم (‪.)342‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪63‬‬

‫لو يف األرض‪ ،‬وكان ﷺ قد‬ ‫ِ‬


‫ومدَ ح ضدَّ ه‪ ،‬وورد يف الرشع مدح اخلمول وذم ال ُع ِّ‬
‫ِ‬
‫القلوب والع َظمة قبل النبوة عند اجلاهلية وبعدها‬ ‫ر ِزق من ِ‬
‫احلشمة واملكانة يف‬ ‫ُ‬
‫كذبونه‪ ،‬ويؤذون أصحابه‪ ،‬وي ِ‬
‫قصدون أذاه يف نفسه خفية حتى إذا واجههم‬ ‫وهم ُي ِّ‬
‫َ‬
‫وقض ْوا حاجته‪.‬‬
‫أمره‪َ ،‬‬
‫أعظموا َ‬
‫حديث أيب مسعود أن‬ ‫ِ‬ ‫وقد كان ي َبه ُت و َي ْف َر ُق من رؤيتِه َمن م يره‪ ،‬كام ُروي يف‬
‫لست بملِ ٍك‪ ...‬احلديث»(‪.)1‬‬ ‫‪،‬و ْن عليك! فإين ُ‬ ‫بني يديه فأرعَدَ فقال له‪ِّ « :‬‬ ‫رجال قام َ‬‫ً‬
‫ِ‬
‫باالصطفاء‬ ‫بالرسالة‪ ،‬وإناف ُة رتبتِه‬
‫ِ‬ ‫ورشيف منزلتِه‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بالنبوة‪،‬‬ ‫عظيم ِ‬
‫قدره‬ ‫فأ َّما‬
‫ُ‬
‫اآلخرة سيدُ ِ‬
‫ولد آد َم‪ .‬وعىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النهاية‪ ،‬ثم هو يف‬ ‫فأمر هو ُ‬
‫مبلغ‬ ‫ِ‬
‫والكرامة يف الدنيال ٌ‬
‫القسم ِ‬
‫بأرسه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الفصل ن َظ ْمنا هذا‬ ‫معنى هذا‬

‫فصل [يف الضرب الثالث]‬

‫الرضب الثالث فهو ما َختتلِف احلاالت يف التمدُّ ح به‪ ،‬والتفاخر بسببه‪،‬‬


‫ُ‬ ‫وأ َّما‬
‫ِ‬
‫العامةل العتقادها‬ ‫والتفضيل ألجله ككثرة املال‪ ،‬فصاحبه عىل اجلُملة مع َّظم عند‬
‫وإال فليس فضيلة يف نفسه‪.‬‬ ‫ومتكُّن أغراضه بسببه‪َّ ،‬‬
‫توصله به إىل حاجاته‪َ ،‬‬
‫ُّ‬
‫الصورة وصاحبه ُمنف ًقا له يف مهامته ومهامت َمن اعرتا ُه‬‫ِ‬ ‫فمتى كان ُ‬
‫املال هبذه‬
‫ِ‬
‫القلوبل‬ ‫ِ‬
‫مواضعه مشرت ًيا به املعايل والثنا َء احلسن واملنزلة من‬ ‫وأ َّم َله‪ ،‬وترصيفه يف‬
‫كان فضيلة يف صاحبه عند أهل الدنيا‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن ماجه (‪.)3355‬‬


‫‪ | 64‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫رب‪ ،‬وأنف َقه يف ِ‬ ‫ِ‬


‫والدار‬
‫َ‬ ‫هلل‬
‫سبل اخلري‪ ،‬وقصدَ بذلك ا َ‬ ‫وإذا رص َفه يف وجوه ال ِّ‬
‫ٍ‬
‫حال‪ ،‬ومتى كان صاحبه متمسكًا له غري‬ ‫الكل بكل‬‫اآلخرة كان فضيل ًة عند ِّ‬
‫ُثره كالعدم‪ ،‬وكان منقص ًة يف صاحبه‪ ،‬و م‬ ‫حريصا عىل عيعه عا َد ك ُ‬
‫ً‬ ‫موجهه وجوهه‪،‬‬
‫ِ‬
‫النذالة‪.‬‬ ‫هوة ر ِ‬
‫ذيلة البخل‪ ،‬ومذ َّمة‬ ‫ف به عىل جدَ د السالمة‪ ،‬بل أوقعه يف ِ‬
‫ِيق ْ‬
‫َ‬
‫ومفاتيح‬
‫َ‬ ‫ِت خزائ َن األرض‬ ‫جتده قد ُأو َ‬‫وخ ُلقه يف املال َ ِ‬
‫فانظر سرية نبينا ﷺ ُ‬
‫لنبي قبله‪ ،‬و ُفتح عليه يف حياته ﷺ بال ُد‬ ‫البالد‪ ،‬وأحلت له الغنائم‪ ،‬و م َّ‬
‫حتل ٍّ‬
‫وجلبت‬ ‫احلجاز واليمن وعييع جزيرة العرب وما دانى ذلك من الشا ِم والعراق‪ُ ،‬‬
‫بعضه‪ ،‬وها َدتْه عياعة‬
‫وجزيتها وصدقاهتا ما ال ُجي َبى للملوك إال ُ‬ ‫ِ‬
‫أمخاسها ِ‬ ‫إليه من‬
‫رصفه مصارفه‬ ‫ِ‬
‫مها‪ ،‬بل َ‬‫أمسك منه در ً‬ ‫استأثر بيشء منه وال َ‬
‫َ‬ ‫ملوك األقاليم فام‬ ‫من‬
‫أن يل ُأ ُحدً ا ذ‪ً ،‬با يبيت ِعندي‬
‫ُسين َّ‬ ‫و َأغنَى به غريه َّ‬
‫وقوى به املسلمني‪ ،‬وقال‪« :‬ما ي ُ ُّ‬
‫ودر ُعه مرهونة يف ن َفقة عياله(‪،)2‬‬ ‫منه ِدينار َّإال ِدينار أرصدُ ه لدين»(‪ ،)1‬ومات ِ‬
‫ْ‬ ‫ٌ‬
‫وزهد فيام ِسواه‪.‬‬
‫واقترص من نفقته وملبسه ومسكنه عىل ما تدعوه ُضورتُه إليه‪ِ ،‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)6000‬ومسلم باب الرتغيب يف الصدقة (‪.)20‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)0067‬ومسلم (‪.)5643‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪65‬‬

‫‪ -4‬فصل [يف اخلصال املكتسبة]‬

‫األخالق احلميدة واآلداب الرشيفة التي اتَّفق‬ ‫ِ‬ ‫صال املكتسب ُة من‬ ‫اخل ُ‬‫وأما ِ‬
‫َّ‬
‫الواحد منها‪ً ،‬‬
‫فضال‬ ‫ِ‬ ‫تفضيل صاحبِها‪ ،‬وتعظي ِم املُت ِ‬
‫َّصف باخلُ ُل ِق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العقالء عىل‬ ‫عييع‬
‫ُ‬
‫عام فو َقه‪ ،‬وأثنى الرشع عىل ِ‬
‫عييعها وأ َم َر هبا‪ ،‬وو َعدَ السعاد َة الدائم َة للمتخ ِّل ِق هبا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ُ‬
‫االعتدال‬ ‫بحسن اخلُ ُل ِق‪ ،‬وهو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املسام ُة ُ‬
‫بعضها بأنه من أجزاء النبوة‪ ،‬وهي َّ‬ ‫ف َ‬ ‫ووص َ‬
‫َ‬
‫منحرف أطرافِها‪،‬‬‫ِ‬ ‫والتوسط فيها‪ ،‬دو َن امليل إىل‬
‫ُ‬ ‫النفس وأوصافِها‪،‬‬‫ِ‬ ‫يف ُق َوى‬
‫ِ‬
‫واالعتدال إىل غايتها‪،‬‬ ‫فجمي ُعها قد كانت ُخ ُل َق نب ِّينا ﷺ عىل االنتهاء يف كامهلا‪،‬‬
‫حتى أثنى اهلل عليه بذلك فقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﴾ [القلم‪،]0 :‬‬
‫القرآن‪ .‬وقال ﷺ‪ُ « :‬ب ِع ْثت ألَُتِّم مكارم‬
‫َ‬ ‫قالت عائشة ‪ :‬كان ُخ ُلقه ﷺ‬
‫أحسن الناس ُخل ًقا(‪.)2‬‬
‫َ‬ ‫أنس‪ :‬كان رسول اهلل ﷺ‬
‫األ ْخالق» ‪ ،‬وقال ٌ‬
‫(‪)1‬‬

‫ِ‬
‫األنبياء واملرسلني‪ ،‬و َمن طا َل َع ِس َريهم منذ ِصباهم إىل َمب َعثهم‬ ‫ِ‬
‫لسائر‬ ‫وهكذا‬
‫وسليامن وغريهم عليهم‬‫َ‬ ‫ف من حال عيسى وموسى وحييى‬ ‫ح َّق َق ذلك كام ُع ِر َ‬
‫السالم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫‪،‬م بيشء ممَّا كانت اجلا‪،‬لية تفع ُله َّإال َّ‬
‫مرت ْني‬ ‫وقال يف حديثه ﷺ‪« :‬مل أ َّ‬
‫فعصمني اهللُ منهام ُثم مل أ ُعدْ »(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد ‪ ،)2215( 155/50‬والبزار (‪.)2202‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)6543‬ومسلم (‪.)612‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن إسحاق يف السرية (ص‪.)72‬‬
‫‪ | 66‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫أنوار‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وترشق‬ ‫نفحات اهلل تعاىل عليهم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وترتادف‬
‫ُ‬ ‫األمر هلم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ثم َيتمك ُن‬
‫ِ‬
‫بالنبوة‬ ‫ِ‬
‫باصطفاء اهلل تعاىل هلم‬ ‫ِ‬
‫الغاية و َيبلغوا‬ ‫قلوهبم‪ ،‬حتى َيصلوا إىل‬ ‫ِ‬
‫املعارف يف ِ‬
‫ٍ‬
‫رياضة قال اهلل تعاىل‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫ممارسة وال‬ ‫اخلصال الرشيف ِة النهاي َة دون‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حتصيل هذه‬ ‫يف‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ﴾ [القصص‪.]50 :‬‬
‫ِ‬
‫األخالق دون عييعها و ُيو َلد عليها‬ ‫نجد غريهم يطبع عىل بعض هذه‬ ‫وقد ِ‬
‫لقه بعض الصبيان‬ ‫ُشاهد من َخ ِ‬
‫فيسهل عليه اكتِساب َمتامها عناية من اهلل تعاىل كام ن ِ‬
‫َ ُ‬
‫حسن السمت أو الشهامة أو ِصدق اللسان أو السامحة‪ ،‬وكام ِ‬
‫بعضهم‬
‫نجد َ‬ ‫ِ َّ ْ‬ ‫عىل‬
‫ِ‬
‫وبالرياضة واملجاهدة ُيستج َلب‬ ‫كمل ناقصها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عىل ضدِّ ها‪ ،‬فباالكتساب َي ُ‬
‫تفاوت الناس فيها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫عتدل ُم ِ‬‫معدومها‪ ،‬وي ِ‬
‫نحرفها‪ ،‬وباختالف هذين احلالني َي َ‬ ‫َ‬
‫يُس ملا ُخلِق له»(‪.)1‬‬ ‫« ٌّ‬
‫وكل ُم َّ‬

‫فصل [يف احلِلم واالحتِمال والعفو مع القدرة والصرب على ما يَكره]‬

‫احللم واالحتِامل والعفو مع القدرة والصرب عىل ما َيكره‪ ،‬وبني هذه‬


‫وأما ِ‬
‫ِ‬
‫األلقاب ٌ‬
‫فرق‪:‬‬
‫ٍ‬
‫وثبات عند األسباب املحركات‪.‬‬ ‫فإن ِ‬
‫احللمَ‪ :‬حالة تَو ُّقر‬

‫رب‪ ،‬ومعانيها‬ ‫ُ‬


‫واالحتامل‪ :‬حبس النفس عند اآلالم واملؤذيات‪ ،‬ومثلها الص ُ‬
‫متقاربة‪.‬‬
‫ِ‬
‫املؤاخذة‪.‬‬ ‫عفو‪ :‬فهو ت ُ‬
‫َرك‬ ‫وأما ال ُ‬
‫َّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)0201‬ومسلم (‪.)5607‬‬


‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪67‬‬

‫وهذا كله مما أ َّدب اهلل تعاىل به نب َّيه ﷺ فقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﴾ [األعراف‪.]522 :‬‬
‫وقال له‪ ﴿ :‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﴾ [لقامن‪ ،]57 :‬وقال‬
‫تعاىل‪﴿ :‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﴾ [األحقاف‪ ،]31 :‬وقال‪ ﴿ :‬ﮈ‬
‫ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ﴾ [النور‪ ،]55 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯹ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﴾ [الشورى‪ ،]03 :‬وال خفاء بام يؤثر من ِحلمه‬
‫وحفظت عنه هفوة‪ ،‬وهو ﷺ ال َيزيد‬ ‫عرفت منه زل ٌة ِ‬‫واحتِامله‪ ،‬وأن كل َحليم قد ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ربا وعىل إرساف اجلاهل َّإال ً‬
‫حلام‪.‬‬ ‫مع كثرة األذى إال ص ً‬
‫اختار‬
‫َ‬ ‫عن عائشة ‪ ‬قالت‪ :‬ما ُخ ِّري رسول اهلل ﷺ يف أمرين ُّ‬
‫قط إال‬
‫إثام كان أبعدَ الناس منه‪ ،‬وما انتقم رسول اهلل ﷺ‬
‫إثام‪ ،‬فإن كان ً‬
‫أيرسمها ما م يكن ً‬
‫ََ‬
‫لنفسه إال أن تُنتَهك حرمة اهلل تعاىل ِ‬
‫فينتقم هلل هبا(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫الرجل‪ :‬اعدلل فإن هذه قسم ٌة ما ُأريدَ هبا وج ُه اهلل‪ .‬م ِيزده يف‬
‫ُ‬ ‫وملا َ‬
‫قال له‬
‫قال له‪ ،‬قال‪« :‬وحيك‪ ،‬فمن ي ِ‬
‫عد ُل‬ ‫جوابِه أن َب َّني له ما َج ِه َله وو َع َظ َ‬
‫نفسه وذكرها بام َ‬
‫عدل»(‪ )2‬وهنى من أرا َد من أصحابِه قتله‪.‬‬ ‫عدل؟ ِخبت وخ ُِست إن مل أ ِ‬ ‫إن مل أ ِ‬
‫ِ‬
‫الشاة بعد‬ ‫سمته يف‬ ‫ِ‬
‫عفوه عن اليهودية التي َّ‬ ‫خربه يف العفو ُ‬ ‫ومن عظيم َ‬
‫اعرتافها ‪-‬عىل الصحيح من الرواية‪ -‬وأنه م يؤاخذ َلبيدَ ب َن األعصم إذ َ‬
‫سحره‪،‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫ِ‬
‫عتب عليه ً‬
‫فضال عن معاقبته(‪.)4‬‬ ‫ِ‬ ‫وقد ُأعلِم به و ُأ ِ‬
‫برشح أمره‪ ،‬وال َ‬ ‫وح َي إليه‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)6726‬ومسلم (‪.)5357‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)3532‬ومسلم (‪.)5460 ،5463‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)5657‬ومسلم (‪.)5524‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)3562‬ومسلم (‪.)5522‬‬
‫‪ | 68‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫وأشباهه من املنافقني بعظيم ما ِنقل عنهم‬‫َ‬


‫ِ‬
‫وكذلك م ُيؤاخذ عبدَ اهلل ب َن ُأ ٍّ‬
‫يب‬
‫ث أن ُحم َّمدً ا يقتُل‬ ‫وفعال‪ ،‬بل قال ملن َأشار بقتل ِ‬
‫بعضهم‪« :‬ال ُيتحدَّ ُ‬ ‫ً‬ ‫يف جهته ً‬
‫قوال‬
‫َ‬
‫أصحابه»(‪.)1‬‬

‫فجبذه‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬


‫غليظ احلاشية َ‬ ‫أنس ‪ ‬كُنت مع النبي ﷺ وعليه ُبرد‬ ‫وعن‬
‫صفحة ِ‬
‫عاتقه‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الربد يف‬ ‫ِ‬
‫بردائه جبذ ًة شديدة حتى أ َّثرت حاشي ُة‬ ‫يب‬
‫األعرا ُّ‬
‫حتمل يل من‬ ‫مال اهلل الذي عندكل فإنك ال ُ‬ ‫بعريي هذين من ِ‬ ‫َّ‬ ‫حممدُ ‪ْ ،‬‬
‫امحل يل عىل‬
‫املال ُ‬
‫مال اهلل‪ ،‬وأنا عبدُ ه» ثم‬ ‫النبي ﷺ ثم قال‪ُ « :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فسكت ُّ‬ ‫مالك‪ ،‬وال من مال أبيك‪َ .‬‬
‫ُكافئ‬
‫أعرايب ما فعلت يب» قال‪ :‬ال‪ ،‬قال «مل؟» قال‪ :‬ألنك ال ت ُ‬ ‫ُّ‬ ‫قال‪« :‬و ُيقا ُد ِمنك يا‬
‫ِ‬
‫اآلخر‬ ‫شعري‪ ،‬وعىل‬ ‫حيمل له عىل ٍ‬
‫بعري‬ ‫أمر أن َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫بالسيئة السيئ َة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫النبي ﷺ ثم َ‬
‫فضحك ُّ‬
‫متر(‪.)2‬‬
‫ٌ‬
‫منترصا من مظلمة ُظلِ َمها‬
‫ً‬ ‫قالت عائش ُة ‪ :‬ما رأيت رسول اهلل ﷺ‬
‫قط َّإال أن ُجيا‪،‬د يف‬
‫قط ما م تكن ُحرم ًة من حمارم اهلل(‪« ،)3‬وما رضب بيده شيئًا ُّ‬
‫ُّ‬
‫خادما قط وال امرأة(‪.)4‬‬
‫ً‬ ‫سبيل اهلل‪ ،‬وما رضب‬

‫وصربه وعفوه عند املقدرة أكثر من أن نأت عليه‪،‬‬‫ِ‬ ‫واحلديث عن ِ‬


‫حلمه ﷺ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اليقني‬ ‫متواترا مبلغ‬ ‫ِ‬
‫الثابتة إىل ما بلغ‬ ‫ِ‬
‫واملصنفات‬ ‫وحسبك ما ذكرناه مما يف الصحيحِ‬
‫ً‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)0241‬ومسلم (‪.)5463‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)3502‬ومسلم (‪ ،)5467‬من حديث أنس خمترصا‪ ،‬وأخرجه أبو داود (‪،)0771‬‬
‫والنسائي (‪ )0776‬من حديث أيب هريرة بأتم من حديث أنس‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه احلميدي يف املسند (‪ ،)564‬وابن أيب الدنيا يف الصمت (‪ ،)352‬وأصله يف البخاري (‪،)3164‬‬
‫ومسلم (‪.)5357‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أمحد ‪ ،)50221( 014/05‬وابن ماجه (‪.)5220‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪69‬‬

‫ومصابرتِه الشدائد الصعبة معهم‪ ،‬إىل‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬


‫قريش وأذى اجلا‪،‬لية ُ‬
‫ِ‬
‫قاساة‬ ‫من ِ‬
‫صربه عىل ُم‬
‫ِ‬
‫وإبادة‬ ‫استئصال شأفتِهم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫أن أظفره اهلل عليهم وحكَّمه فيهم‪ ،‬و‪،‬م ال ي ُش ُّكون يف‬
‫خرضائِهم‪ ،‬فام زاد عىل أن عفا وصفح‪ ،‬وقال‪« :‬ما تقولون أين ٌ‬
‫فاعل بكم؟» قالوا‪:‬‬
‫يوسف‪﴿ :‬ﮯ ﮰ‬
‫ُ‬ ‫كريم واب ُن أخٍ كري ٍم‪ ،‬فقال‪ُ « :‬‬
‫أقول كام قال أخي‬ ‫ٌ‬ ‫خريا‪ٌ ،‬‬
‫أخ‬ ‫ً‬
‫فأنتم‬
‫ُ‬ ‫ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ﴾ [يوسف‪ ]92 :‬اذ‪،‬بوا‬
‫الطلقاء»(‪.)1‬‬
‫ُ‬
‫عمه‬ ‫حزاب َ‬
‫وقتل َّ‬ ‫َ‬ ‫جلب إليه األ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سفيان ‪-‬وقد سيق إليه بعد أن‬ ‫وقال أليب‬
‫وأصحا َبه وم َّثل هبم ف َعفا عنه وال َطفه يف القول‪« :-‬وحيك يا أبا سفيان‪ ،‬أمل ِ‬
‫يأن لك‬
‫أحلمك وأوص َلك‬
‫َ‬ ‫أن تعلم أن ال إله إال اهلل؟» فقال‪ :‬بأيب أنت و ُأمي‪ ،‬ما‬
‫ِ‬
‫وأكر َمك! وكان رسول اهلل ﷺ أبعدَ الناس َغض ًبا وأرس َعهم ر ً‬
‫ىض‪ ،‬صىل اهلل‬ ‫(‪)2‬‬

‫عليه وسلم‪.‬‬

‫فصل [يف اجلود والكرم والسَّخاء والسماحة]‬

‫بعضهم‬
‫والسخاء والسامحة ومعانيها متقاربة‪ ،‬وقد فرق ُ‬
‫وأما اجلود والكرم َّ‬
‫بينها بفروق‪:‬‬

‫وسم ْوه‬
‫َّ‬ ‫خطره ونف ُعه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بطيب النفس فيام يعظم‬ ‫َ‬
‫اإلنفاق‬ ‫فجعلوا الكرم‪:‬‬
‫أيضا‪ :‬حري ًة وهو ضدُّ النذالة‪.‬‬
‫ً‬

‫(‪ )1‬رواه البالذري يف فتوح البلدان (ص‪ ،)14‬والطربي يف التاريخ ‪.65/3‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه إسحاق بن راهويه يف مسنده كام يف املطالب العالية ‪.)0345( 012/57‬‬
‫‪ | 71‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫ٍ‬
‫نفس وهو ضد‬ ‫ِ‬
‫بطيب‬ ‫والسامحة‪ :‬التجايف عام َيستح ُّقه املرء عند غريه‬
‫ِ‬
‫كاسة‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الش‬
‫والسخاء‪ :‬سهولة اإلنفاق وجتنب اكتساب ما ال ُحيمد وهو اجلو ُد وهو ضد‬
‫ُ‬
‫التقتري‪.‬‬
‫كل‬ ‫ِ‬
‫األخالق الكريمة وال ُيبارى‪ ،‬هبذا وص َفه ُّ‬ ‫فكان ﷺ ال يوازى يف هذه‬
‫عر َفه‪ :‬فعن جابر بن عبد اهلل قال‪ :‬ما ُس ِئل النبي ﷺ عن يشء فقال‪ :‬ال(‪،)1‬‬
‫َمن َ‬
‫ِ‬
‫باخلري وأجو َد ما كان يف‬ ‫عباس ‪ :‬كان النبي ﷺ أجو َد الناس‬ ‫ٍ‬ ‫وقال ابن‬
‫ِ‬
‫باخلري من الريح‬ ‫ُ‬
‫جربيل عليه السالم أجو َد‬ ‫شهر رمضان‪ ،‬وكان إذا لقيه‬
‫فرجع إىل بلده وقال‪:‬‬ ‫غنام بني جبلني َ‬ ‫املرسلة(‪ ،)2‬وعن أنس أن ً‬
‫رجال سأله فأعطاه ً‬ ‫َ‬
‫َأسلِموا فإن حممدً ا يعطي عطاء من ال ََي َشى فاقة(‪ ،)3‬وأعطى غري ِ‬
‫واحد مئ ًة من‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫صفوان مئ ًة ُثم مئ ًة ثم مئ ًة(‪ ،)4‬وهذه كانت ُخ ُلقه ﷺ قبل أن ُيبعث‬
‫َ‬ ‫اإلبِل‪ ،‬وأعطى‬
‫الكل‪ ،‬وت ِ‬ ‫بن نوفل‪ :‬إنك َحت ِمل َّ‬
‫َكسب املعدو َم(‪ ،)5‬ور َّد عىل‬ ‫وقد قال له ورق ُة ُ‬
‫الذهب ما م ُي ِطق‬‫َ‬ ‫اس من‬ ‫ِ‬
‫هواز َن سباياها وكانوا ستَّة آالف ‪ ،‬و َأعطى الع َّب َ‬
‫(‪)6‬‬ ‫ِ‬
‫كثري‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رب بجوده وكرمه ﷺ ٌ‬ ‫محله ‪ .‬واخل ُ‬
‫(‪)7‬‬
‫َْ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)6430‬ومسلم (‪.)5355‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)6‬ومسلم (‪.)5342‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)5355‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪.)5353‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪ ،)3‬ومسلم (‪.)564‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه البخاري (‪ )5342 ،5347‬دون ذكر العدد‪ ،‬والطربي يف تارَيه ‪ ،25/3‬وأبو عوانة يف‬
‫املستخرج (‪ )7041‬بذكر العدد‪.‬‬
‫(‪ )7‬علقه البخاري (‪.)055‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪70‬‬

‫فصل [يف الشجاعة والنجدة ]‬

‫الغضب وانقيادها للعقل‪،‬‬


‫قوة َ‬ ‫وأما الشجاع ُة والنجدة‪ :‬فالشجاع ُة فضيل ُة ِ‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫خوف‪.‬‬ ‫اسرتساهلا إىل املوت حيث ُحي َمد فِعلها دون‬
‫النفس عند ِ‬
‫ِ‬ ‫والنجدة ثِقة‬

‫وفر‬
‫املواقف الصعبة‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫حرض‬ ‫وكان ﷺ منهام باملكان الذي ال ُجي َهل‪ ،‬قد َ‬
‫ربح‪ ،‬و ُمقبِل ال ُيدبِر وال َيتزحزح‪،‬‬
‫الك َُام ُة واألبطال عنه غري مرة وهو ثابت ال َي َ‬
‫(‪)1‬‬

‫وح ِفظت عنه جولة ِسواه‪.‬‬ ‫ِ‬


‫جاع إال وقد ُأحصيت له َّفرة ُ‬
‫وما ُش ٌ‬
‫أفر ْرتم يو َم ُحنني عن رسول اهلل‬ ‫َ ِ‬
‫إسحاق سمع الرباء وسأله رجل‪َ :‬‬ ‫عن أيب‬
‫ِ‬
‫البيضاء وأبو‬ ‫فر‪ُ ،‬ثم قال‪ :‬لقد ر َأ ْيته عىل بغلته‬ ‫ُ‬ ‫ﷺ؟ قال‪ :‬لكِن‬
‫رسول اهلل ﷺ م َي َّ‬
‫والنبي ﷺ َيقول‪:‬‬ ‫سفيان ِ‬
‫آخذ بلِجامها‬ ‫َ‬
‫ُّ‬
‫النبي ال كـــــ ِذ ْب‬ ‫«أنا ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب»(‪.)2‬‬ ‫ابن عبد املُ َّطل ْ‬
‫أنا ُ‬
‫وامحرت‬
‫َّ‬ ‫البأس‪-‬‬
‫ُ‬ ‫البأس ‪-‬و ُيروى‪ :‬اشتد‬
‫ُ‬ ‫وقال عَل ‪ :‬إنا كنا إذا َمحي‬
‫ِ‬
‫العدو منه‪ ،‬ولقد رأيتُني يو َم‬ ‫أقرب إىل‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫برسول اهلل ﷺ فام يكون أحدٌ‬ ‫ُ‬
‫احلدق اتَّقينا‬
‫ِ‬
‫الناس يومئذ‬ ‫العدو‪ ،‬وكان ِمن أشد‬
‫ِ‬ ‫بالنبي ﷺ وهو أقر ُبنا إىل‬
‫ِّ‬ ‫بدر ونحن نلو ُذ‬ ‫ٍ‬
‫بأسا(‪.)3‬‬
‫ً‬

‫(‪( )1‬الك َُامة)‪ :‬الشجعان‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)5260‬ومسلم (‪.)5776‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أمحد ‪ ،)5307( 013/5 ،)5405( 347/5 ،)610( 25/5‬والنسائي يف الكربى (‪.)2121‬‬
‫‪ | 72‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫وأشجع الناس‪ ،‬لقد‬


‫َ‬ ‫ِ‬
‫الناس وأجو َد الناس‬ ‫أنس كان النبي ﷺ أحس َن‬ ‫وعن ٍ‬
‫ناس ِق َبل الصوت‪ ،‬فتل َّقاهم رسول اهلل ﷺ ِ‬
‫راج ًعا قد‬ ‫فانطلق ٌ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫فزع أهل املدينة ليل ًة‬
‫والسيف يف ُعنقه‬
‫ُ‬ ‫رب عىل َفرس أليب طلح َة ُع ٍ‬
‫ري‪،‬‬ ‫َربأ اخل َ‬
‫س َبقهم إىل الصوت واست ْ َ‬
‫وهو يقول‪« :‬ل ْن تُراعوا»(‪.)1‬‬

‫فصل [يف احلياء واإلغضاء]‬

‫وأما احلياء واإلغضاء‪ :‬فاحلياء‪ :‬رقة تَعرتي وج َه اإلنسان عند فِعل ما ُيتو َّقع‬
‫عام َيكره اإلنسا ُن‬ ‫ِ‬
‫خريا من فعله‪ ،‬واإلغضا ُء‪ :‬التغا ُفل َّ‬
‫كراهته‪ ،‬أو ما َيكون تركُه ً‬
‫بطبيعته‪.‬‬
‫وأكثرهم عن العورات إغضا ًءل قال اهلل‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الناس حيا ًء‬ ‫النبي ﷺ أشدَّ‬
‫وكان ُّ‬
‫سبحانه‪﴿ :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾‬
‫[األحزاب‪.]13 :‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ أشدَّ حياء من ال َعذراء يف‬ ‫اخلدري ‪ ‬كان‬ ‫ِّ‬ ‫عن أيب سعيد‬
‫عر ْفناه يف وجهه(‪.)2‬‬ ‫ِخدرها‪ ،‬وكان إذا ِ‬
‫كره شي ًئا َ‬
‫يكرههل حيا ًء‬
‫ُ‬ ‫الظاهر‪ ،‬ال ُيشافِ ُه أحدً ا بام‬
‫ِ‬ ‫رقيق‬ ‫ِ‬
‫البرشة‪َ ،‬‬ ‫لطيف‬
‫َ‬ ‫وكان ﷺ‬
‫اضطره الكال ُم إليه ممَّا يكر ُه‪.‬‬
‫َّ‬ ‫وكر َم ٍ‬
‫نفس‪ ،‬وكان يكني عام‬
‫ِ‬
‫باألسواق‬ ‫متفح ًشا وال َّ‬
‫سخا ًبا‬ ‫ً‬
‫فاحشا وال‬ ‫النبي ﷺ‬ ‫قالت عائش ُة‪ :‬م يك ِ‬
‫ِّ‬ ‫ُن ُّ‬
‫وال َجيزي بالسيئة السيئة‪ ،‬ولكن َيعفو و َيص َفح(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5242‬ومسلم (‪.)5347‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)6545‬ومسلم (‪.)5354‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الرتمذي يف السنن (‪.)5456‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪73‬‬

‫فصل [ يف حُسن عِشرته وأدَبه وبَسط خُلقه]‬

‫وأما ُحسن ِعرشته وأ َدبه و َبسط ُخلقه ﷺ مع أصناف اخلَ ْلق فبحيث‬
‫انت ََرشت به األخبار الصحيح ُة‪.‬‬

‫كل قو ٍم‪ ،‬ويوليه‬ ‫كريم ِّ‬ ‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ يؤ ِّل ُفهم وال ُين ِّف ُرهم‪ ،‬ويكرم‬ ‫ُ‬ ‫وكان‬
‫ٍ‬ ‫وحيرتس منهم من ِ‬
‫يطوي عن أحد منهم بِ َ‬
‫رش ُه وال‬ ‫َ‬ ‫غري أن‬ ‫ُ‬ ‫الناس‬
‫َ‬ ‫وحيذر‬
‫ُ‬ ‫عليهم‪،‬‬
‫كل ج ِ‬
‫جليسه أن أحدً ا أكر ُم‬
‫ُ‬ ‫حيسب‬
‫ُ‬ ‫لسائه نصي َبه‪ ،‬ال‬ ‫ُخل َقه‪ ،‬يتفقدُ أصحا َبه‪ ،‬و ُيعطي َّ ُ‬
‫املنرصف عنه‪ ،‬ومن‬
‫ُ‬ ‫صابره حتى يكو َن هو‬ ‫ٍ‬
‫حلاجة‬ ‫جالسه أو قار َبه‬ ‫عليه منه‪َ ،‬من‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الناس بس ُطه وخل ُقه‬ ‫وسع‬‫القول‪ ،‬قد ِ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بميسور من‬ ‫سأ َله حاج ًة م ير َّده إال هبا أو‬
‫َ‬
‫احلق سوا ًء‪.‬‬
‫فصار هلم أ ًبا‪ ،‬وصاروا عندَ ه يف ِّ‬

‫قال اهلل تعاىل‪ ﴿ :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬


‫ﭧ﴾ [آل عمران‪ ]512 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﴾ [املؤمنون‪.]26 :‬‬

‫وكان َيق َبل اهلدية ولو كانت ُك َرا ًعا(‪ ،)1‬و ُيكافِئ عليها‪.‬‬

‫قط‪،‬‬ ‫أنس ‪ ‬خدَ مت رسول اهلل ﷺ عرش ِسنني فام قال يل‪ُ :‬أ ٍّ‬
‫ف‪ُّ .‬‬ ‫قال ٌ‬
‫وما قال ليشء صنَعتُه‪ :‬م صنَ ْعتَه‪ .‬وال ليشء َتر ْكتُه‪ :‬م َتركتَه(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬الك َُراع‪ :‬مستدق الساق من الغنم والبقر‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)6432‬ومسلم (‪.)5342‬‬
‫‪ | 74‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫حجبني رسول اهلل منذ َأس َلمت‪ ،‬وال رآين َّإال‬‫وقال جرير بن عبد اهلل‪ :‬ما َ‬
‫وجيلِسهم‬ ‫داعب ِصبياهنم ُ‬
‫ُ‬ ‫يامزح أصحابه وَيالطهم وحيادثهم و ُي‬
‫ُ‬ ‫َبسم(‪ ،)1‬وكان‬ ‫ت َّ‬
‫املرىض يف أقىص‬ ‫ِ‬
‫والعبد واألَ َمة واملسكني‪ ،‬ويعو ُد َ‬ ‫احلر‬
‫يب دعو َة ِّ‬‫وجي ُ‬
‫يف َحجره‪ُ ،‬‬
‫ِ‬
‫املعتذر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املدينة‪ ،‬و َيق َبل ُعذر‬

‫الرجل هو‬ ‫قال أنس‪ :‬ما الت َقم أحدٌ أ ُذ َن النبي ﷺ فينحي رأسه حتى يكون ُ‬
‫اآلخر‪ ،‬و م ُي َر‬
‫ُ‬ ‫فري ِسل يده حتى ُيرسلها‬
‫أخذ أحد ب َيده ُ‬ ‫رأسه‪ ،‬وما َ‬‫الذي ينحي َ‬
‫ٍ‬
‫جليس له(‪.)2‬‬ ‫مقد ًما ُركبتيه بني يدَ ْي‬

‫وكان يبدأ َمن ِلق َيه بالسالم‪ ،‬ويبدأ أصحابه باملصافحة‪.‬‬


‫ِ‬
‫بالوسادة التي َحتته‪ ،‬ويعز ُم‬ ‫ويؤثره‬ ‫ُ‬
‫يدخل عليه وربام َ‬
‫بسط له ثو َبه‪،‬‬ ‫ُي ِ‬
‫كرم من‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫أسامئهم‬ ‫بأحب‬ ‫ِ‬
‫اجللوس عليها‪ ،‬إن أبى‪ ،‬و ُيكني أصحا َبه‪ ،‬ويدعوهم‬ ‫عليه يف‬
‫ِّ‬
‫بنهي أو قيا ٍم‪.‬‬
‫يتجوز فيقط َعه ٍ‬
‫َ‬ ‫تكرم ًة هلم‪ ،‬وال يقطع عىل ٍ‬
‫أحد حدي َثه حتى‬ ‫ُ‬
‫ٌ‬
‫قرآن أو َيعظ أو‬ ‫نفسا‪ ،‬ما م ينزل عليه‬
‫تبسام‪ ،‬وأطي َبهم ً‬ ‫ِ‬
‫الناس ً‬ ‫أكثر‬
‫وكان َ‬
‫ََيطب‪.‬‬
‫ِ‬
‫املدينة يأتون النبي ﷺ إذا صىل ال َغداة بآنيتهم فيها املا ُء‬ ‫وعن أنس كان خدَ م‬
‫ِ‬
‫الباردة(‪ )3‬يريدون به‬ ‫غمس يده فيها‪ ،‬وربام كان ذلك يف ال َغداة‬‫فام ُيؤتَى بآنية إال َ‬
‫ربك‪.‬‬
‫ال َّت ُّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3431‬ومسلم (‪.)5071‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪.)0720‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)5350‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪75‬‬

‫فصل [يف الشفقة والرأفة والرمحة]‬

‫وأما الشفق ُة والرأفة والرمح ُة جلمي ِع اخلَ ْلق فقد قال اهلل تعاىل فيه‪ ﴿ :‬ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﴾ [التوبة‪]552 :‬‬
‫وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﴾ [األنبياء‪ ،]547 :‬قال بعضهم‪:‬‬
‫اسم ْني من أسامئه فقال‪ ﴿ :‬ﯘ‬ ‫من فضله عليه السالم أن اهلل تعاىل َأعطاه َ‬
‫ﯙ ﯚ﴾ [التوبة‪.]552 :‬‬
‫ومن ش َفقته عىل ُأ َّمته ﷺ ختفيفه وتسهيله عليهم‪ ،‬وكراهته أشيا َء خمافة أن‬
‫تُفرض عليهم كقوله‪« :‬لوال أ ْن أ ُش َّق عىل ُأمتِي ألمر ُُتم بِالس ِ‬
‫واك مع ك ُِّل‬ ‫ِّ‬ ‫ْ ُْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وهنيهم عن ِ‬ ‫ٍ (‪)1‬‬
‫الوصال(‪.)2‬‬ ‫وخرب صالة الليل َ‬
‫ُوضوء» ‪َ ،‬‬
‫وعاهده فقال‪« :‬أ ُّيام ر ُج ٍل سب ْب ُت ُه أ ْو لعنْ ُت ُه ْ‬
‫فاجع ْل‬ ‫َ‬ ‫ومن ش َفقته ﷺ أن دعا ر َّبه‬
‫القيام ِة»(‪.)3‬‬ ‫ذلِك له زكا ًة ورمح ًة وصال ًة وطهورا و ُقرب ًة تُقربه ِِبا إِليك يوم ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫ِّ ُ ُ‬ ‫ُ ً ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫قول‬‫سم َع َ‬‫جربيل عليه السالم فقال له‪ :‬إن اهلل تعاىل قد ِ‬ ‫ُ‬ ‫وملَّا َّ‬
‫كذبه قو ُمه أتاه‬
‫اجلبال لتَأمره بام ِشئت فيهم‪ .‬فناداه‬ ‫ِ‬ ‫لك وما َر ُّدوا عليك‪ ،‬وقد أ َم َر م َلك‬ ‫قومك َ‬ ‫َ‬
‫شئت أن ُأطبق عليهم‬ ‫َ‬ ‫شئت‪ ،‬وإن‬ ‫َ‬ ‫اجلبال وس َّلم عليه وقال‪ُ :‬م ْرين بام‬ ‫م َلك ِ‬
‫ُي ِرج اهللُ ِم ْن أ ْص ِ ِ‬
‫الِب ْم م ْن ي ْع ُبدُ اهلل و ْحد ُه‬ ‫النبي ﷺ‪« :‬ب ْل أ ْرجو أ ْن ُ ْ‬
‫األخش َب ْني‪ .‬قال ُّ‬ ‫َ‬
‫َش ُك بِ ِه ش ْيئًا»(‪.)4‬‬
‫وال ُي ْ ِ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد ‪ ،)2252( 55/56‬وعلقه البخاري قبل احلديث (‪.)5230‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)5552‬ومسلم (‪.)765‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)6365‬ومسلم (‪.)5645‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)3535‬ومسلم (‪.)5721‬‬
‫‪ | 76‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫ِ‬
‫وعظة خماف َة‬‫تخولنا بامل‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ َي َّ‬ ‫وقال اب ُن مسعود ‪ :‬كان‬
‫ِ‬
‫السآمة علينا(‪.)1‬‬

‫بعريا وفيه ُصعوب ٌة‪ ،‬فج َع َلت تُر ِّدده‪ ،‬فقال رسول اهلل‬ ‫ِ‬
‫وعن عائش َة أهنا ركبت ً‬
‫الر ْف ِق»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫ﷺ‪« :‬عل ْيك بِ ِّ‬

‫فصل [يف الوفاء وحُسْن العهد وصِلة]‬

‫الرحم‪ ،‬ف َع ْن أنس كان النبي‬ ‫وصلة ِ‬ ‫وأما ُخ ُلقه ﷺ يف الوفاء وحسن العهد ِ‬
‫ُ ْ‬ ‫َّ‬
‫ت صديق ًة ِخلدجية‪ ،‬إِ ََّّنا‬ ‫ﷺ إذا ُأ ِِت هبدية قال‪« :‬ا ْذ‪،‬بوا ِِبا إِىل بي ِ‬
‫ت ُفالنة؛ فإِ ََّّنا كان ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫كان ْ ِ‬
‫ب خدجية»(‪.)3‬‬ ‫ت ُُت ُّ‬
‫سمعه‬ ‫امرأة ما ِغ ْرت عىل َخدجي َةل ملِا ك ُ‬
‫ُنت َأ َ‬
‫ٍ‬ ‫وعن عائش َة قالت‪ :‬ما ِغ ْرت عىل‬
‫ِ (‪)4‬‬ ‫يذكُرها‪ ،‬وإن كان ليذبح الشا َة في ِ‬
‫َت عليه أختُها‬ ‫الئلها ‪ ،‬واستَأ َذن ْ‬ ‫هدهيا إىل َخ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫فارتاح إليها(‪.)5‬‬
‫ِ‬ ‫وقال ﷺ‪« :‬إِ َّن آل بني ُف ٍ‬
‫أن َُل ْم ً‬
‫رمحا سأ ُب ُّلها‬ ‫الن ل ْيسوا يل بأ ْولياء‪ ،‬غ ْري َّ‬
‫بِب ِ‬
‫الَلا»(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)62‬ومسلم (‪.)5255‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)6434‬ومسلم (‪.)5120‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري يف األدب املفرد (‪ ،)535‬وابن حبان ‪.)7447( 067/51‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)6440‬ومسلم (‪.)5031‬‬
‫(‪ )5‬أخرج البخاري (‪.)3255‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه البخاري (‪ ،)1224‬ومسلم (‪.)551‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪77‬‬

‫زينب ‪َ ‬حي ِملها عىل عاتِقه‪،‬‬


‫َ‬ ‫ابنة ابنتِه‬
‫وقد صىل عليه السالم ب ُأمام َة ِ‬

‫محلها(‪.)1‬‬
‫سجد وض َعها‪ ،‬وإذا قام َ‬
‫فإذا َ‬
‫وتعرفت له َ‬
‫بسط‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وملا ِجيء بأختِه من‬
‫هوازن َّ‬ ‫الشيامء‪ -‬يف سبايا‬ ‫الرضاعة –‬
‫ِ‬
‫ورجعت إىل‬ ‫أقمت عندي مكرم ًة ُحمبب ًة‪ ،‬أو م ِ‬
‫تعتك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أحببت‬ ‫هلا ردا َءه وقال هلا‪« :‬إن‬
‫ُ‬
‫فاختارت قو َمها فمتَّعها(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫قومك»‬
‫َ‬

‫فصل [يف تواضعه ﷺ]‬

‫ورفعة ُرت َبتِه فكان أشدَّ الناس تواض ًعا‬ ‫َواضعه ﷺ عىل ُعلو م ِ‬
‫نصبه ِ‬ ‫ِّ َ‬ ‫وأ َّما ت ُ‬
‫ربا‪ ،‬وحس ُبك أنه ُخ ِّري بني أن يكون نب ايا ملِكًا أو نب ايا عبدً ا فاختار أن يكون‬ ‫ِ‬
‫وأ َق َّلهم ك ً‬
‫نب ايا عبدً ا(‪.)3‬‬

‫جيلِ ُس الع ْبدُ »‪ ،‬وكان‬ ‫ِ‬


‫وقال‪« :‬إِنَّام أنا ع ْبدٌ آك ُُل كام ي ْأك ُُل الع ْبدُ وأ ْجل ُس كام ْ‬
‫وجييب دعوة‬ ‫وجيالس الفقراء‪ُ ،‬‬ ‫ردف خلفه‪ ،‬و َيعود املساكني‪ُ ،‬‬ ‫احلامر وي ِ‬ ‫يركَب ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وجيلس بني أصحابِه خمتل ًطا هبم حي ُثام انتهى به املَجلِس ج َلس‪.‬‬ ‫العبد‪َ ،‬‬
‫ويف حديث ُعمر عنه‪« :‬ال ُت ْطروين كام أ ْطر ِ‬
‫ت النَّصارى ابن م ْريم‪ ،‬إِنَّام أنا‬ ‫َ‬
‫ع ْبدٌ فقولوا‪ :‬ع ْبدُ اهللِ ورسو ُل ُه»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)156‬ومسلم (‪.)103‬‬


‫(‪ )2‬انظر سرية ابن هشام (‪.)012/5‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه النسائي يف السنن الكربى (‪.)6754‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪.)3001‬‬
‫‪ | 78‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫إليك حاج ًة‪.‬‬


‫إن يل َ‬ ‫وعن ٍ‬
‫أنس أن امرأ ًة كان يف َع ْقلها يش ٌء جاءته فقالت‪َّ :‬‬
‫قِض‬ ‫ْت أجلِس إِلي ِك ح َّت أ ِ‬‫دينة ِشئ ِ‬
‫الن يف أي ُطر ِق امل ِ‬
‫اجلِيس يا ُأ َّم ُف ٍ‬
‫ْ ْ ْ‬ ‫ِّ ُ‬ ‫قال‪ْ « :‬‬
‫النبي ﷺ إليها حتَّى َفر َغت من حاجتِها(‪.)1‬‬
‫فج َلست فج َل َس ُّ‬
‫ِ‬
‫حاجتك» قال‪َ :‬‬
‫وحج ﷺ‬
‫َّ‬ ‫هالة السنِخة ف ُيجيب(‪ ،)2‬قال‪:‬‬
‫واإل ِ‬ ‫الش ِ‬
‫عري ِ‬ ‫وكان ُيد َعى إىل ُخبز َّ‬
‫الله َّم اجعله ح ًّجا ال‬
‫دراهم فقال‪ُ « :‬‬
‫َ‬ ‫رث‪ ،‬وعليه قطيف ٌة ما تساوى أربع َة‬ ‫ٍ‬
‫رحل ٍّ‬ ‫عىل‬
‫رياء فيه وال ُسمعة»(‪.)3‬‬

‫رأسه حتى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تحت عليه مك ُة ودخلها‬


‫وملا ُف َ‬
‫بجيوش املسلمني طأطأ عىل رحله َ‬
‫يمس قادمتَه تواض ًعا هلل تعاىل(‪.)4‬‬
‫كاد ُّ‬
‫األرض و َأهدَ ى يف َح ِّجه ذلك مئة بدَ ٍنة(‪.)5‬‬
‫ُ‬ ‫وقد ُفتِحت عليه‬

‫بن م َّت »(‪ .)6‬و«ال تُف ِّضلوا‬ ‫َواضعه ﷺ قو ُله‪« :‬ال تُف ِّضلوين عىل ُيونُس ِ‬‫ومن ت ُ‬
‫ك ِم ْن إِ ْبرا‪،‬يم»‪،‬‬ ‫بني األ ِ‬
‫نبياء»(‪ .)7‬و«ال ُخت ِّريوين عىل ُموس »(‪ ،)8‬و«ن ْح ُن أح ُّق بِ َّ‬
‫الش ِّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)5356‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)5462‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن ماجه (‪.)5224‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه احلاكم ‪ ،)0361( 02/3‬ومن طريقه البيهقي يف الدالئل ‪.62/1‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪.)5752‬‬
‫(‪ )6‬م أقف عليه هبذا اللفظ‪ .‬ويف البخاري (‪ ،)3056‬ومسلم (‪« :)5373‬ال ينبغي لعبد أن يقول‪ :‬أنا خري‬
‫من يونس بن متى»‪.‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه البخاري (‪ ،)3050‬ومسلم (‪.)5373‬‬
‫(‪ )8‬أخرجه البخاري (‪ ،)5055‬ومسلم (‪.)5373‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪79‬‬

‫ِ‬
‫الداعي»(‪ .)1‬وقال للذي قال له‪ :‬يا‬ ‫الس ْج ِن ألج ْب ُ‬
‫ت‬ ‫ف يف ِّ‬ ‫ت ما لبِث ُي ُ‬
‫وس ُ‬ ‫و«ل ْو لبِ ْث ُ‬
‫را‪،‬يم»(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫الرب َّي ِة‪« :‬ذلك إِ ْب‬
‫خري َ‬ ‫َ‬
‫ويرقع ثو َبه‪،‬‬ ‫وحيلب شاتَه‪،‬‬ ‫هنة َأهلِه َيفَل ثو َبه‪َ ،‬‬ ‫بيته يف ِم ِ‬
‫وعن عائش َة‪ :‬كان يف ِ‬
‫ُ‬
‫البعري‪ ،‬ويأكُل‬ ‫ناض َحه‪ ،‬و َي ُق ُّم البيت‪ ،‬و َيعقل‬‫وَيدم نفسه‪ ،‬ويعلف ِ‬ ‫وَي ِصف نع َله‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫السوق(‪.)3‬‬ ‫عجن معها‪ِ َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫اخلادم‪ ،‬و َي ِ‬
‫وحيمل بضاعته من ُّ‬ ‫مع‬
‫َأخذ ب َي ِد رسول‬ ‫كانت األَمة من ِ‬
‫إماء أهل املدينة لت ُ‬ ‫ِ‬ ‫أنس ‪ :‬إن‬ ‫وعن ٍ‬
‫َ‬
‫قيض حاجتها(‪.)4‬‬ ‫ِ‬ ‫اهلل ﷺ فتَنطلِق به ُ‬
‫حيث شاءت حتى َي َ‬
‫فصل [يف عدله ﷺ وأمانته وعِفَّته وصِدق لَهْجته]‬
‫َ‬
‫وأعدل‬ ‫وصدق َهلْجته‪ ،‬فكان ﷺ آ َم َن الناس‪،‬‬ ‫وأما عد ُله ﷺ وأمانته ِ‬
‫وع َّفته ِ‬
‫َّ‬
‫اعرتف له بذلك ُحمادوه ِ‬
‫وعداه‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫وأعف الناس‪ ،‬وأصدَ َقهم َهلْجة منذ كان‪َ َ ،‬‬
‫َّ‬ ‫الناس‪،‬‬
‫األمني‪.‬‬
‫َ‬ ‫نبوته‪:‬‬
‫سمى قبل َّ‬
‫وكان ُي َّ‬
‫َ‬
‫سفيان فقال‪ :‬هل كُنتم َتتَّهمونه بالكذب قبل أن يقول‬ ‫ُ‬
‫هرقل عنه أبا‬ ‫وسأل‬
‫ما قال؟ قال‪ :‬ال(‪.)5‬‬
‫ِ‬
‫وخُست إن مل‬ ‫أعد ْل؟! ِخ ْبت‬
‫يعدل إن مل ِ‬
‫الصحيح‪« :‬و ْحيك! فمن ُ‬
‫ِ‬ ‫وقال يف‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫أعد ْل»(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3375‬ومسلم (‪.)515‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)5362‬‬
‫(‪ )3‬أخرج بعضه مفرقا أمحد ‪ ،)56520( 563/03 ،)50702( 562/05‬والبخاري (‪.)676‬‬
‫(‪ )4‬علقه البخاري (‪.)6475‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪ ،)7‬ومسلم (‪.)5773‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه البخاري (‪ ،)3654‬ومسلم (‪.)5460‬‬
‫‪ | 81‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫فصل [يف وقاره ﷺ وصمته وتُؤَدته ومروؤته وحسن هديِه]‬

‫كثري‬ ‫ِ‬
‫هديه‪ ،‬فكان‬ ‫وقاره ﷺ وصمتُه وت َُؤدتُه ومروؤتُه وحس ُن‬ ‫ُ‬ ‫وأما‬
‫َ‬
‫عييل‪ ،‬وكان ضحكُه‬‫ٍ‬ ‫تكلم ِ‬
‫بغري‬ ‫حاجة‪ُ ،‬يعرض عمن‬‫ٍ‬ ‫يتكلم يف ِ‬
‫غري‬ ‫ِ‬
‫السكوت ال‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫التبسمل‬
‫َ‬ ‫ضحك أصحابِه عنده‬
‫ُ‬ ‫تقصري‪ ،‬وكان‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فضول وال‬ ‫تبسام‪ ،‬وكال ُمه ً‬
‫فصال‪ ،‬ال‬ ‫ً‬
‫توقريا له واقتدا ًء به‪.‬‬
‫ً‬
‫األصوات وال ُت ْؤ َب ُن فيه‬
‫ُ‬ ‫ُرفع فيه‬ ‫ٍ‬
‫وخري وأمانة‪ ،‬ال ت ُ‬ ‫جملس حل ٍم وحياء‬‫جملسه ُ‬‫ُ‬
‫الطري‪.‬‬ ‫ِ‬
‫رؤوسهم‬ ‫َ‬
‫أطرق ُجلساؤه كأنام عىل‬ ‫تكلم‬ ‫حل ُر ُم(‪ ،)1‬إذا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ا ُ‬
‫اهلدي هدي ٍ‬
‫حممد ﷺ(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫وقال عبدُ اهلل ب ُن مسعود‪ :‬إن أحس َن‬
‫ُ‬
‫قالت عائش ُة‪ :‬كان رسول اهلل ﷺ ُحيدِّ ث حدي ًثا لو عدَّ ه العا ُّد أحصاه(‪،)3‬‬
‫وحيض عليهام‪ ،‬ويقول‪:‬‬ ‫الطيب والرائح َة احلسن َة ويستعم ُلهام ً‬
‫كثريا َ‬ ‫َ‬ ‫وكان ﷺ حيب‬
‫ِ‬ ‫إيل ِمن ُدنياكُم‬
‫الصالة»(‪ )4‬ومن‬ ‫وجعلت ُقر ُة عيني يف‬‫يب‪ُ ،‬‬‫النساء وال ِّط ُ‬
‫ُ‬ ‫« ُح ِّبب َّ‬
‫ِ‬
‫باألكل مما يَل(‪،)6‬‬ ‫واألمر‬
‫ُ‬ ‫النفخ يف الطعا ِم والرشاب(‪،)5‬‬
‫ِ‬ ‫ُمروءتِه ﷺ َهن ُيه عن‬
‫ِ‬
‫الفطرة(‪.)8‬‬ ‫ُ‬
‫واستعامل خصال‬ ‫ِ‬
‫والرواجب‪،‬‬ ‫واألمر بالسواك(‪ )7‬وإنقا ُء الرباج ِم‬
‫ُ‬
‫حل ُر ُم)‪:‬أي ال يذكر بسوء‪.‬‬
‫(‪( )1‬وال تُؤْ َب ُن فيه ا ُ‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)6422‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)3167‬ومسلم (‪.)5023‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه النسائي (‪.)3232‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أبو داود (‪ ،)3752‬وابن ماجه (‪ ،)3522‬والرتمذي (‪.)5222‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه البخاري (‪ ،)1376‬ومسلم (‪.)5455‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه البخاري (‪ ،)227‬ومسلم (‪.)515‬‬
‫(‪ )8‬أخرجه مسلم (‪.)565‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪80‬‬

‫فصل [يف زُهده يف الدنيا]‬


‫ِ‬
‫السرية ما َيكفي‪،‬‬ ‫وأ َّما ُزهده يف الدنيا فقد تَقدَّ م من األخبار أثنا َء هذه‬
‫وإعراضه عن َز ْهرهتا‪ ،‬وقد ِسيقت إليه بحذافريها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وحس ُبك من تَق ُّلله منها‪،‬‬
‫ودر ُعه مرهون ٌة عند هي ِ‬ ‫ُويف ﷺ ِ‬
‫ود ٍّي يف نفقة‬ ‫َ‬ ‫توحها إىل أن ت ِّ َ‬ ‫وترا َدفت عليه ُف ُ‬
‫آل ُحم َّم ٍد ُقوتًا»(‪.)2‬‬
‫اجع ْل ِر ْزق ِ‬
‫عياله ‪ ،‬وهو َيدعو ويقول‪« :‬ال َّل ُه َّم ْ‬
‫(‪)1‬‬

‫وعن ِ‬
‫عائش َة قالت‪ :‬ما شبِ َع رسول اهلل ﷺ ثالث َة أيام تبا ًعا من ُخبز ٍّبر حتى‬
‫لسبيلِه(‪.)3‬‬
‫مَض َ‬ ‫َ‬
‫مها وال شا ًة وال‬ ‫ُ‬ ‫عائش ُة ‪ :‬ما َترك‬ ‫وقالت ِ‬
‫دينارا وال در ً‬
‫رسول اهلل ﷺ ً‬
‫بعريا(‪.)4‬‬
‫ً‬
‫وأرضا ج َعلها‬
‫ً‬ ‫ويف حديث َعم ِرو بن احلارث‪ :‬ما َترك َّإال ِسالحه وبغلته‬
‫َصدَ قة(‪.)5‬‬

‫وقالت عائش ُة‪ :‬ول َقدْ مات وما يف بيتي يشء َيأكُله ذو كبِد َّإال َ‬
‫شطر شعري يف‬
‫ف يل(‪.)6‬‬
‫َر ٍّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5256‬ومسلم (‪.)5643‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)6064‬ومسلم (‪.)5411‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)1056‬ومسلم (‪.)5274‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪.)5631‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪.)3422‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه البخاري (‪ ،)3427‬ومسلم (‪.)5273‬‬
‫‪ | 82‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫نارا‪ ،‬إن هو َّإال التمر‬ ‫وعنها قالت‪ :‬إن كُنا َآل حممد لنَمكُث ً‬
‫شهرا ما نستوقد ً‬
‫واملاء(‪.)1‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ عىل خوان وال يف ُسك ُُّر َجة(‪ ،)2‬وال‬ ‫وعن ٍ‬
‫أنس قال‪ :‬ما أك ََل‬
‫ُخبِ َز له مر َّقق‪ ،‬وال ر َأى شا ًة َس ِم ْي ًطا(‪ُّ )3‬‬
‫قط(‪.)4‬‬
‫ِ‬
‫وعن عائش َة‪ :‬إنام كان فراش رسول اهلل ﷺ الذي ينا ُم عليه أد ًما َح ُ‬
‫شوه‬
‫ليف(‪.)5‬‬
‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫برشيط حتَّى ُيؤ ِّثر يف جنبه(‪.)7‬‬ ‫ٍ (‪)6‬‬
‫وكان ﷺ ينام َأحيانًا عىل َرسير َمرمول‬

‫فصل [يف خوفه ربه وطاعته له وشِدَّة عبادته]‬

‫وشدَّ ة عبادته فعىل َقدْ ر ِعلمه بربهل ولذلك قال‬


‫وأما خو ُفه ربه وطاعتُه له ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫كثريا»(‪.)8‬‬ ‫علم لضحكتُم ً‬
‫قليال ولبكيتُم ً‬ ‫ﷺ‪« :‬لو تعلمون ما أ ُ‬
‫صَل حتى ت َِرم قدماه‪ ،‬فقيل له‪َ :‬أتَك َّلف هذا وقد‬ ‫ِ‬
‫املغرية‪ :‬كان ُي ِّ‬ ‫ِ‬
‫حديث‬ ‫ويف‬
‫كورا»(‪.)9‬‬
‫كون ع ْبدً ا ش ً‬ ‫ُغ ِفر لك ما تَقدَّ م من ذنبك وما ت َّ‬
‫َأخر؟ قال‪« :‬أفال أ ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)6012‬ومسلم (‪.)5275‬‬


‫(السك ُُّر َجة)‪ :‬إناء صغري‪.‬‬
‫(‪ُّ )2‬‬
‫السم ْيط)‪ :‬املشوي‪.‬‬‫ِ‬
‫(‪َّ ( )3‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪.)6017‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الرتمذي يف الشامئل (‪.)355‬‬
‫(‪َ ( )6‬مر ُمول)‪ُ :‬مز َّين‪.‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه أمحد ‪ ،)55057( 042/52‬وابن حبان ‪.)6365( 576/50‬‬
‫(‪ )8‬أخرجه البخاري (‪.)6021‬‬
‫(‪ )9‬أخرجه البخاري (‪ ،)6075‬ومسلم (‪.)5252‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪83‬‬

‫رسول اهلل ﷺ ِديم ًة‪ ،‬وأ ُّيكم ُيطيق(‪.)1‬‬


‫ِ‬ ‫عم ُل‬ ‫ِ‬
‫وقالت عائش ُة‪ :‬كان َ‬
‫وقالت‪ :‬كان َيصوم حتَّى نَقول‪ :‬ال ُيفطِر‪ .‬و ُيفطِر حتى نَقول‪ :‬ال َيصوم(‪.)2‬‬
‫ِ‬
‫الليل مصل ًيا إال رأيتَه مصل ًيا وال نائام‬ ‫كنت ال تشا ُء أن تراه يف‬
‫[أنس]‪َ :‬‬
‫وقال ٌ‬
‫نائام(‪.)3‬‬
‫إال رأيتَه ً‬
‫َ‬
‫فاستاك‪ ،‬ثم توضأ‪ ،‬ثم قام‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫كنت مع‬
‫مالك‪ُ :‬‬‫ٍ‬ ‫عوف ب ُن‬
‫ُ‬ ‫وقال‬
‫َ‬
‫فسأل‪ ،‬وال‬ ‫وقف‬
‫َ‬ ‫بآية ٍ‬
‫رمحة إال‬ ‫فقمت معه‪ ،‬فبدأ فاستفتح البقرةَ‪ ،‬فال يمر ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُيصَل‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫بقدر قيامه ُ‬
‫يقول‪« :‬سبحان ذي‬ ‫فمكث ِ‬‫َ‬ ‫وقف فتعو َذ‪ ،‬ثم ركع‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫عذاب إال‬ ‫يمر ِ‬
‫بآية‬
‫ِ‬
‫والعظمة» ثم سجد وقال َ‬
‫مثل ذلك‪ ،‬ثم قرأ آل‬ ‫ِ‬
‫والكربياء‬ ‫ِ‬
‫وامللكوت‬ ‫ِ‬
‫اجلربوت‬
‫عمران‪ ،‬ثم سور ًة سورةً‪ ،‬يفعل َ‬
‫مثل ذلك(‪.)4‬‬ ‫َ‬
‫قيامه‪ ،‬وجلس بني السجدتني‬ ‫وعن حذيف َة مث ُله‪ ،‬وقال‪ :‬سجد نحوا من ِ‬
‫ً‬
‫(‪)5‬‬
‫َ‬
‫عمران والنسا َء واملائد َة ‪.‬‬ ‫نحوا منه‪ ،‬وقام حتى قرأ البقر َة َ‬
‫وآل‬ ‫ً‬
‫ٍ‬
‫القرآن ليل ًة(‪.)6‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ ٍ‬
‫بآية من‬ ‫ُ‬ ‫وعن عائش َة‪ :‬قام‬
‫جلوفِه ٌ‬
‫أزيز‬ ‫رسول اهلل ﷺ وهو ُيصَل و َ‬ ‫َ‬ ‫الش ِّخ ِري‪ُ :‬‬
‫أتيت‬ ‫وعن ِ‬
‫عبد اهلل بن ِّ‬
‫ِ‬
‫املرجل(‪.)7‬‬ ‫ِ‬
‫كأزيز‬
‫غف ُر اهلل يف الي ْو ِم ِمئة م َّر ٍة»(‪.)8‬‬
‫وقال ﷺ‪« :‬إين ألست ِ‬
‫ِّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5227‬ومسلم (‪.)723‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)5262‬ومسلم (‪.)5516‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)5275‬ومسلم (‪.)5512‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)273‬والنسائي (‪.)5535‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم (‪ ،)775‬وأبو داود (‪.)270‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه ابن ماجه (‪ ،)5314‬والنسائي (‪.)5454‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه أبو داود (‪ ،)240‬والنسائي (‪.)5550‬‬
‫(‪ )8‬أخرجه مسلم (‪.)5745‬‬
‫‪ | 84‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -5‬فصل [يف اجتماع صفات الكمال والتمام البشَري يف مجيع األنبياء]‬


‫ِ‬
‫األنبياء والرسل صلوات اهلل‬ ‫اع َلم ‪-‬و َّف َقنا اهللُ وإياك‪ -‬أن ِص ِ‬
‫فات عييع‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫وحسن اخلُ ُلق‪ ،‬وعييع‬ ‫ِ‬
‫ورشف النسب‪،‬‬ ‫وح ِ‬
‫سن الصورة‪،‬‬ ‫عليهم من ِ‬
‫كامل اخللق ُ‬
‫اجلميع‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والفضل‬ ‫البرشي‪،‬‬
‫صفات الكامل والتامم َ‬
‫ُ‬ ‫املحاسن هي هذه الصفةل ألهنا‬
‫أرفع الدرجات‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أرشف الرتَب‪ ،‬ودرجاهتم‬
‫ُ‬ ‫هلم صلوات اهلل عليهم‪ ،‬إذ ُرتْبتهم‬
‫بعضهم عىل بعض‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫فضل اهلل َ‬
‫ولكن َّ‬
‫ﭖ ﭗ﴾ [البقرة‪ ،]513 :‬وقال‪﴿ :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﴾‬
‫[الدخان‪.]35 :‬‬
‫وقد قال ﷺ‪« :‬إِ َّن أ َّول ز ُْمر ٍة يدْ ُخلون ا ْجلنَّة عىل ُصور ِة ا ْلقم ِر ل ْيلة ا ْلبدْ ِر»‪ُ ،‬ثم‬
‫يه ْم آدم ﷺ ُطو ُل ُه ِستُّون‬ ‫واح ٍد عىل ُصور ِة أبِ ِ‬
‫آخر احلديث‪« :‬عىل خ ْل ِق رج ٍل ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫قال َ‬
‫ِذراعا يف الس ِ‬
‫امء»(‪.)1‬‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫رض ٌب‪ ،‬ر ِج ٌل‪ ،‬أ ْقن ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت موس فإذا ُ‪،‬و ر ُج ٌل ْ‬ ‫حديث أيب ُهريرةَ‪« :‬رأ ْي ُ‬ ‫ويف‬
‫يالن الو ْج ِه‪،‬‬
‫ت ِعيس فإِذا ُ‪،‬و ر ُج ٌل ر ْبع ٌة‪ ،‬كثري ِخ ِ‬
‫ُ‬ ‫جال شنُوءة‪ ،‬ورأ ْي ُ‬ ‫كأ َّن ُه ِم ْن ِر ِ‬
‫يامس(‪.)3(»)2‬‬ ‫أ ْمح ُر‪ ،‬كأنَّام خرج ِم ْن ِد ٍ‬

‫راء ِم ْن ُأ ْد ِم‬
‫حديث آخر يف ِصفة موسى‪« :‬كأحس ِن ما أنْت ٍ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫وقال يف‬
‫الر ِ‬
‫جال»(‪.)4‬‬ ‫ِّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3357‬ومسلم (‪.)5230‬‬


‫(‪( )2‬الديامس)‪ :‬احلامم‪ ،‬وقيل الكِ ُّن‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)3320‬ومسلم (‪.)562‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)1245‬ومسلم (‪.)562‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪85‬‬

‫ِ‬
‫نسب‪ ،‬وكذلك‬ ‫ويف َحديث هرقل‪ :‬وسألت َُك عن َ‬
‫نسبه فذك َْرت أنه فيكم ذو َ‬
‫ُبعث يف أنساب ِ‬
‫قومها(‪.)1‬‬ ‫الرسل ت ُ‬
‫ُ‬
‫أيوب‪ ﴿ :‬ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﴾ [ص‪ ،]00 :‬وقال‬
‫َ‬ ‫وقال تعاىل يف‬
‫تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ‬
‫ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ‬
‫ﭱ ﭲ ﴾ [مريم‪ ،]51 - 55 :‬وقال‪ ﴿ :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ﴾ [آل عمران‪ ،]32 :‬وقال‪ ﴿ :‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﴾ [آل‬
‫نوح‪ ﴿ :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﴾ [اإلرساء‪ ،]3 :‬وقال‪:‬‬
‫عمران‪ ،]30 - 33 :‬وقال يف ٍ‬
‫﴿ ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ‬
‫ﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﴾ [آل عمران‪،]06 - 01 :‬‬
‫وقال‪ ﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﴾ [مريم‪ ،]35 - 34 :‬وقال‪ ﴿ :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [األحزاب‪.]62 :‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قال النبي ﷺ‪« :‬كان ُموس ر ُج ًال حيِ ًّيا ست ًِّريا‪ ،‬ما ُيرى م ْن جسده ْ‬
‫َش ٌء‬
‫احلديث‪ ،‬وقال تعاىل عنه‪ ﴿ :‬ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬ ‫َ‬ ‫ياء»‬ ‫ِ‬
‫ْاست ْح ً‬
‫(‪)2‬‬

‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﴾ [الشعراء‪ ،]55 :‬وقال يف وصف عياعة منهم‪ ﴿ :‬ﯽ ﯾ ﯿ‬


‫ﰀ ﰁ ﴾ [الشعراء‪ ،]547 :‬وقال‪ ﴿ :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﴾‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)7‬ومسلم (‪.)5773‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)3040‬ومسلم (‪.)332‬‬
‫‪ | 86‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫[القصص‪ ،]56 :‬وقال‪ ﴿ :‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﴾ [األحقاف‪،]31 :‬‬


‫وقال‪﴿ :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﴾ [األنعام‪- 20 :‬‬
‫حلكم والنبوة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫فوص َفهم بأوصاف َ َّ‬
‫عية من الصالح واهلُدى واالجتباء وا ُ‬ ‫‪َ ،]24‬‬
‫وقال‪﴿ :‬ﯵ ﯶ ﴾ عليم و﴿ ﯷ ﴾ [الصافات‪ ،]545 :‬وقال‪ ﴿ :‬ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫﴾ [الدخان‪ ،]52 - 57 :‬وقال‪ ﴿ :‬ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﴾ [الصافات‪،]545 :‬‬
‫َ‬
‫إسامعيل‪﴿ :‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬ ‫وقال يف‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﴾ [مريم‪ ،]11 - 10 :‬وقال يف‬
‫َ‬
‫سليامن‪ ﴿ :‬ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﴾ [ص‪:‬‬ ‫موسى‪ ﴿ :‬ﰑ ﰒ ﰓ ﴾ [مريم‪ ،]15 :‬ويف‬
‫‪ ،]34‬وقال‪ ﴿ :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ‬
‫ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﴾ [ص‪ ،]02 - 01 :‬وىف داود‪ ﴿ :‬ﭛ ﭜ ﴾ [ص‪ُ ،]57 :‬ثم‬
‫قال‪ ﴿ :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﴾ [ص‪ ،]54 :‬وقال عن‬
‫يوسف‪ ﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﴾ [يوسف‪ ،]11 :‬ويف‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪87‬‬

‫ٍ‬
‫شعيب عليه‬ ‫موسى‪ ﴿ :‬ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﴾ [الكهف‪ ،]62 :‬وقال تعاىل عن‬
‫السالم‪ ﴿ :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﴾ [القصص‪ ،]57 :‬وقال‪ ﴿ :‬ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﴾ [هود‪،]22 :‬‬
‫وقال‪﴿ :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﴾ [األنبياء‪ ]70 :‬وقال‪ ﴿ :‬ﯦ ﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﴾‬
‫[األنبياء‪.]24 :‬‬
‫ِ‬
‫وحماسن أخالقهم الدا َّلة عىل كامهلم‪،‬‬ ‫آي كثرية‪ ،‬ذكَر فيها من ِخصاهلم‬
‫يف ٍّ‬
‫ابن الكري ِم ِ‬
‫ابن‬ ‫ابن الكري ِم ِ‬ ‫وجاء من ذلك يف األحاديث كثري كقوله‪« :‬إِنَّام الكري ُم ُ‬
‫نبي ِ‬
‫ابن‬ ‫نبي ِ‬
‫ابن ٍّ‬ ‫ابن ٍّ‬
‫نبي ُ‬ ‫بن إِ ْسحاق ِ‬
‫بن إبرا‪،‬يم‪ٌّ ،‬‬ ‫بن يعقوب ِ‬
‫ف ُ‬‫وس ُ‬
‫الكريمِ‪ُ :‬ي ُ‬
‫نبي»(‪.)1‬‬
‫ٍّ‬
‫ِ‬
‫َس‪« :‬وكذلك ْاأل ْنبِ ُ‬
‫ياء تنا ُم أ ْع ُين ُُه ْم وال تنا ُم ُق ُ ُ‬
‫لوِب ْم»(‪.)2‬‬ ‫ويف حديث أن ٍ‬

‫رآن‪ ،‬فكان ي ْأ ُم ُر بِدوا ِّبه‬ ‫داود ال ُق ُ‬


‫وروى أبو ُهريرةَ‪ ،‬عنه ﷺ‪ُ « :‬خ ِّفف عىل ُ‬
‫فت ُُْس ُج‪ ،‬في ْقر ُأ ال ُق ْرآن قبل أن ت ُُْسج‪ ،‬وال ي ْأك ُُل إِ َّال ِم ْن عم ِل ي ِد ِه»(‪.)3‬‬

‫الصيا ِم إىل اهللِ ِصيا ُم‬ ‫ب ِّ‬


‫داود‪ ،‬وأح ُّ‬
‫ِ‬
‫الصالة إِىل اهللِ صال ُة ُ‬ ‫ب َّ‬ ‫وقال ﷺ‪« :‬أح ُّ‬
‫داود‪ ،‬كان ينا ُم نِ ْصف ال َّل ْي ِل‪ ،‬ويقو ُم ُث ُلث ُه‪ ،‬وينا ُم ُسدُ س ُه‪ ،‬ويصو ُم ي ْو ًما و ُي ْفطِ ُر‬
‫ُ‬
‫ي ْو ًما»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)0622 ،3324‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪)3174‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪.)3057‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)5535‬ومسلم (‪.)5512‬‬
‫‪ | 88‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫الباب الثالث‪ :‬فيما ورَ َد من صَحيح األخبار ومَشهورها بعظيم قَ ْدره عِند رَبِّه‬
‫ومَنزِلته وما خَصَّه به يف الدارَ ْين من كَرامته عليه السالم‬

‫عالهم‬ ‫ِ‬
‫اخللق عندَ اهلل‪ ،‬و َأ ُ‬ ‫وأفض ُل‬
‫وس ِّيد و َلد آ َد َم‪َ ،‬‬
‫البرش‪َ ،‬‬
‫كرم َ‬ ‫ال ِخ َ‬
‫الف أنه َأ َ‬
‫درج ًة‪ ،‬و َأ َ‬
‫قر ُهبم زل َفى‪.‬‬

‫واع َل ْم أن األحاديث الوارد َة يف ذلك كثرية جدا ا‪ ،‬وقد اقت َ ْ‬


‫َرصنا منها عىل‬
‫صحيحها و ُمنت ِ‬
‫َرشها ‪.‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪89‬‬

‫‪ -1‬فصل فيما ورَد من ذِكر مكانته عند ربه عز وجل واالصطِفاءِ ورِفعة الذِّ ْكر‬
‫والتفضيل‪ ،‬وسِيادة ولَد آدمَ وما خصَّه به يف الدنيا من مزايا الرتَب‬
‫إن اهلل اصطف ِمن ِ‬
‫ولد‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪َّ « :‬‬ ‫وعن واثِل َة ِ‬
‫بن األسق ِع قال‪ :‬قال‬
‫ولد إسامعيل بني كِنانة‪ ،‬واصطف من بني كِنانة‬
‫إبرا‪،‬يم إسامعيل‪ ،‬واصطف ِمن ِ‬
‫ٍ‬
‫قريش بني ‪،‬اشم‪ ،‬واصطفاين من بني ‪،‬اش ٍم»(‪.)1‬‬ ‫ُق ً‬
‫ريشا‪ ،‬واصطف من‬

‫َصعب عليهل فقال له‬ ‫َ‬ ‫بالرباق ليل َة ُأرسي به فاست‬ ‫ِ‬ ‫ِت‬‫أن النبي ﷺ ُأ ِ َ‬ ‫وعن ٍ‬
‫أنس َّ‬
‫تفعل هذا؟ّ فام َركبك أحدٌ أكر ُم عىل اهلل منه‪ ،‬فار َف َّض عر ًقا(‪.)2‬‬ ‫بمحمد ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫جربيل‪:‬‬

‫يت َخ ًْسا ‪ -‬ويف‬ ‫عبد اهلل أنه ﷺ قال‪ُ « :‬أ ْعطِ ُ‬ ‫روى عنه أبو هرير َة وجابر بن ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت يل‬ ‫ب مسرية ش ْه ٍر‪ ،‬و ُج ِعل ْ‬ ‫ُِص ُت بِ ُّ‬
‫الر ْع ِ‬ ‫ِ‬
‫بعضها‪ :‬ستًّا ‪ -‬مل ْ ُي ْعط ُه َّن نبِ ٌّ ق ْبيل‪ :‬ن ْ‬
‫ِ‬

‫الصال ُة ف ْل ُيص ِّل‪ ،‬و ُأ ِح َّل ْ‬


‫ت ِيل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هورا‪ ،‬وأ ُّيام ر ُج ٍل م ْن ُأ َّمتي أ ْدرك ْت ُه َّ‬ ‫األ ْر ُض م ْس ِجدً ا وط ً‬
‫الشفاعة»(‪.)3‬‬ ‫يت َّ‬ ‫الناس كا َّف ًة‪ ،‬و ُأ ْعطِ ُ‬
‫ِ‬ ‫ت إِىل‬ ‫ُت َّل لنبِ ٍّي ق ْبيل‪ ،‬و ُب ِع ْث ُ‬
‫الغنائِم‪ ،‬ومل ِ‬
‫ُ ْ‬
‫وأوتيت جوامع‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بالرعب‪،‬‬ ‫ُِصت‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اآلخر عن أيب هريرةَ‪« :‬ن‬ ‫ِ‬
‫احلديث‬ ‫ويف‬
‫فوضعت يف يدي»(‪.)4‬‬ ‫ِ‬
‫األرض ُ‬ ‫ِ‬
‫خزائن‬ ‫نائم إذ جيء بمفاتيحِ‬
‫الكلمِ‪ ،‬وبينا أنا ٌ‬
‫ويف رواية‪« :‬و ُختِم يب النَّبِ ُّيون»‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)5576‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪.)3535‬‬
‫(‪ )3‬حديث أيب هريرة‪ :‬أخرجه مسلم (‪ ،)153‬والبخاري (‪ )5277‬بنحوه‪ .‬وحديث جابر‪ :‬أخرجه البخاري‬
‫(‪ ،)331‬ومسلم (‪.)155‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)5277‬ومسلم (‪.)153‬‬
‫‪ | 91‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫بن ِ‬
‫عام ٍر أنه قال‪ :‬قال ﷺ‪« :‬إِ ِّين فر ٌط لك ُْم وأنا شهيدٌ عل ْيكُم‪،‬‬ ‫وعن ُعقب َة ِ‬
‫وإين‬
‫ض‪ِّ ،‬‬ ‫يت مفاتيح خزائِ ِن األ ْر ِ‬
‫وإين قدْ ُأعطِ ُ‬
‫هلل أل ْن ُظ ُر إىل ح ْويض اآلن‪ِّ ،‬‬
‫وإين وا ِ‬
‫ِّ‬
‫خاف عل ْيكم أن تنافسوا‬ ‫َُشكوا ب ْعدي‪ ،‬ولكِنِّي أ ُ‬ ‫خاف عل ْيكُم أن ت ِ‬‫واهللِ ما أ ُ‬
‫فيها»(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫اآليات‬ ‫ْبياء إِ َّال وقدْ ُأ ْعطِي ِمن‬
‫وعن أيب هرير َة‪ ،‬عنه ﷺ‪« :‬ما ِمن نبِي ِمن ْاألن ِ‬
‫ْ ٍّ‬ ‫ُ‬
‫إيل‪ ،‬فأ ْرجو أ ْن‬‫يت و ْح ًيا أ ْوح اهللُ َّ‬ ‫البَش‪ ،‬وإِنَّام كان ا َّلذي ُأوتِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ما ِم ْث ُل ُه آمن عل ْيه‬
‫القيام ِة»(‪.)2‬‬ ‫أكون أكْثر‪،‬م تابِعا يوم ِ‬
‫ُ ْ ً‬
‫عجزات‬ ‫ِ‬
‫وسائر م ِ‬ ‫عجزاته ما ِبق َيت الدنيا‪،‬‬ ‫معنى هذا عند املُح ِّققني‪ :‬بقاء م ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫عجزة القرآن َي ِقف عليها‬ ‫احلاُض هلا‪ ،‬وم ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫شاهدها َّإال‬ ‫ذهبت للحني‪ ،‬و م ي ِ‬
‫ُ‬ ‫األنبياء َ‬
‫القيامة‪.‬‬ ‫َقرن بعد َقرن عيانًا ال خربا إىل يوم ِ‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ؤمنني‪،‬‬‫إن اهلل قدْ حبس عن مكَّة الفيل وس َّلط عليها رسوله واملُ ِ‬ ‫وقال ﷺ‪َّ « :‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ار» (‪.)3‬‬‫ت يل ساع ًة ِم ْن َّن ٍ‬ ‫ُت ُّل ِألح ٍد ب ْعدي‪ ،‬وإِنَّام ُأ ِح َّل ْ‬
‫وإَِّنا مل ِ‬
‫َّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5300‬ومسلم (‪.)5526‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)0225‬ومسلم (‪.)515‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،،)555‬ومسلم (‪.)5311‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪90‬‬

‫‪ -2‬فصل يف تَفضيله مبا تَضمَّنته كرامة اإلسراءِ من املناجاةِ والرؤية وظمامة‬


‫األنبياءِ والعروج به ظىل سِدرة املنتهى‪ ،‬وما رأى من آيات رَبِّه الكربى‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرفعة مما‬ ‫ومن َخصائصه ﷺ قص ُة اإلرساء‪ ،‬وما ان َط ْوت عليه من َ‬
‫درجات ِّ‬
‫األخبار‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ‬
‫ُ‬ ‫ورش َحتْه صحاح‬
‫العزيز َ‬
‫ُ‬ ‫ن َّبه عليه الكتاب‬
‫ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ‬
‫ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﴾ [اإلرساء‪ ،]5 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ‬
‫ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ‬
‫ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ ﮎﮏ‬
‫ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚﮛﮜﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﴾ [النجم‪.]52 - 5 :‬‬

‫نص ال ُقرآن‬ ‫ِ‬


‫الف بني املسلمني يف ص َّحة اإلرساء به ﷺ إذ هو ُّ‬ ‫فال ِخ َ‬
‫ُ‬
‫أحاديث كثري ٌة‬ ‫وخواص نب ِّينا حممد ﷺ فيه‬ ‫ِ‬
‫عجائبِه‬ ‫ورشح‬
‫ِّ‬ ‫وجاءت بتفصيله َ ْ‬
‫م ِ‬
‫نترشة ر َأ ْينا أن نُقدِّ م أكم َلها‪.‬‬ ‫ُ‬
‫الرب ِاق‪ ،‬و ُ‪،‬و‬‫يت بِ ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ قال‪ُ « :‬أتِ ُ‬ ‫َ‬ ‫عن أنس بن مالك ‪ ‬أن‬
‫امر ودون البغ ِْل‪ ،‬يض ُع حافِر ُه ِعنْد ُمنْته ط ْرفِ ِه»‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ويل فوق ِ‬
‫احل ِ‬ ‫بيض ط ٌ‬ ‫دا َّب ٌة أ ُ‬
‫ِ‬ ‫«فركِ ْب ُت ُه ح َّت أ ُ‬
‫ت‬‫نبياء‪ُ ،‬ثم دخ ْل ُ‬‫تيت بيت املقدس فرب ْطتُه باحللقة ا َّلتي يربِط ِبا األ ُ‬
‫ٍ‬
‫وإناء من‬ ‫ربيل ٍ‬
‫بإناء من َخ ٍْر‪،‬‬ ‫ت فيه ركعت ْني‪ُ ،‬ثم خر ْجت فجاءين ِج ُ‬ ‫سجد فص َّل ْي ُ‬ ‫امل ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فاست ْفتح‬
‫السامء ْ‬ ‫اخَتت الفطرة‪ُ .‬ثم ُع ِرج بِنا إىل َّ‬
‫ربيل‪ْ :‬‬ ‫فاخَت ُت اللبن‪ ،‬فقال ج ُ‬
‫ْ‬ ‫لبن‬
‫‪ | 92‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫ربيل‪ .‬قيل‪ :‬وم ْن معك؟ قال‪ُ :‬حم َّمدٌ ‪ .‬قيل‪ :‬وقدْ‬ ‫ربيل فقيل‪ :‬من أنت؟ قال‪ِ :‬ج ُ‬ ‫ج ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فرحب يب ودعا يل بخ ْري‪،‬‬ ‫ُبعث إل ْيه؟ قال‪ :‬قد ب ُعث إليه‪ ،‬ف ُفتح لنا‪ ،‬فإذا أنا بآدم ﷺ َّ‬
‫ربيل‪ ،‬فقيل‪ :‬من أنت؟ قال‪ :‬ج ُ‬
‫ربيل‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الثانية‪ ،‬فاست ْفتح ج ُ‬ ‫ُثم عرج بنا إىل الس ِ‬
‫امء‬ ‫َّ‬
‫قيل‪ :‬وم ْن معك؟ قال‪ُ :‬حم َّمد‪ .‬قيل‪ :‬وقدْ ُب ِعث إليه؟ قال‪ :‬قد ُب ِعث إل ْيه‪ .‬ف ُفتِح لنا‪،‬‬
‫فرحبا يب‬
‫ابن مريم وحيي بن زكر َّيا صىل اهلل عليهام َّ‬ ‫ِ‬ ‫اخلالة ِعيس‬
‫ِ‬ ‫فإذا أنا با ْبن ِي‬
‫األول «ف ُفتِح لنا فإذا أنا‬‫مثل َّ‬‫السامء الثالِ ِثة» فذكَر َ‬
‫ِ‬ ‫ودعوا يل بخ ْري‪ُ ،‬ثم عرج بنا إىل‬
‫فرحب يب ودعا يل بخ ْري‪ُ ،‬ثم عرج بنا‬ ‫احل ِ‬
‫سن‪َّ ،‬‬ ‫وسف ﷺ وإذا ‪،‬و قد ُأعطِي شطر ُ‬ ‫ب ُي ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فرحب يب ودعا يل بخ ْري‪ ،‬قال اهللُ‬ ‫السامء الرابِعة» وذكَر مث َله «فإِذا أنا بإِدريس َّ‬ ‫إىل َّ‬
‫اخلامسة» فذكَر‬‫ِ‬ ‫تعاىل‪ ﴿ :‬ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﴾ [مريم‪ُ ،]17 :‬ثم عرج بنا إىل السامء‬
‫الساد ِ‬ ‫ِ‬
‫سة»‬ ‫فرحب يب ودعا يل بخ ْري‪ُ ،‬ثم عرج بنا إىل َّ‬
‫السامء‬ ‫مث َله «فإِذا أنا ِبارون َّ‬
‫فذكر مثله «فإِذا أنا بموس فرحب يب ودعا يل بخ ٍري ُثم عرج بِنا إىل الس ِ‬
‫امء‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫عمور‪ ،‬وإذا ‪،‬و‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البيت امل‬ ‫عة» فذكَر ِمث َله «فإِذا أنا بإبرا‪،‬يم ُمسنِدً ا ظ ْهره إىل‬‫السابِ ِ‬

‫درة ا ُملنته ‪،‬‬‫كل يو ٍم سبعون أ ْلف مل ٍك ال يعودون إليه‪ُ ،‬ثم ذ‪،‬ب يب إىل ِس ِ‬ ‫دخله َّ‬ ‫ي ُ‬
‫ْ‬
‫غشيها من أ ْم ِر اهلل ما َّ‬
‫غش‬ ‫الل‪ ،‬قال فلام ِ‬ ‫لة‪ ،‬وإذا ثمر‪،‬ا ِ‬
‫كالق ِ‬ ‫الفي ِ‬
‫كآذان ِ‬
‫ِ‬ ‫وإذا ور ُقها‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫إيل ما‬ ‫تغ َّريت؛ فام أحدٌ من خ ْلق اهللِ يستطيع أن ينعتها من ُح ْسنها‪ ،‬فأ ْوح اهللُ َّ‬
‫وليلة‪ ،‬فنز ْلت إىل ُموس فقال‪ :‬ما‬ ‫ٍ‬ ‫كل يو ٍم‬‫عيل َخسني صال ًة يف ِّ‬ ‫أوح ‪ ،‬ففرض َّ‬
‫ارج ْع إىل ر ِّبك فاسأ ْله‬ ‫لت‪َ :‬خسني صالة‪ .‬قال‪ِ :‬‬ ‫فرض ربك عىل ُأ َّمتك؟ ُق ُ‬
‫وخربُتم»‪.‬‬
‫ْ‬ ‫فإين قد بل ْوت بني إرسائيل‬ ‫التخفيف؛ فإن ُأ َّمتك ال ُيطيقون ذلك‪ِّ ،‬‬
‫ف عن ُأ َّمتي‪ .‬فح َّط عنِّي َخ ًسا فرج ْعت‬ ‫ت إىل ر ِّيب ف ُق ْلت‪ :‬يا ِّ‬
‫رب خ ِّف ْ‬ ‫قال‪« :‬فرج ْع ُ‬
‫فار ِج ْع إىل ربك‬ ‫ِ‬
‫إن ُأ َّمتك ال ُيطيقون ذلك؛ ْ‬ ‫فقلت‪ :‬ح َّط عنِّي ً‬
‫َخسا‪ .‬قال‪َّ :‬‬ ‫ُ‬ ‫إىل ُموس‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪93‬‬

‫رجع بني ريب تعاىل وبني موس ح َّت قال‪ :‬يا‬ ‫فاسأ ْله التخفيف» قال‪« :‬فل ْم أز ْل أ ِ‬ ‫ْ‬
‫عَش‪ ،‬فتِلك َخسون صالةً‪،‬‬ ‫لكل صالة ٌ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وليلة ِّ‬ ‫كل يو ٍم‬ ‫ُحممد إَّنن َخس صل ٍ‬
‫وات َّ‬ ‫َّ َّ ُ َّ ُ‬
‫عَشا‪ ،‬ومن ‪َّ ،‬م‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومن ‪َّ ،‬م بحسنة فل ْم يعملها كُتبت له حسنة‪ ،‬فإن عملها كُتبت له ً‬
‫ت‬ ‫عملها كُتِبت سيئة ِ‬
‫واحدة»‪ .‬قال‪« :‬فنز ْل ُ‬ ‫بسيئة فلم يعملها مل تُكتب شيئًا‪ ،‬فإن ِ‬
‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬
‫ارج ْع إىل ر ِّبك فاسأ ْله التَّخفيف»‪ .‬قال‬ ‫ح َّت انته ْيت إىل موس فأخربته فقال‪ِ :‬‬
‫ْ‬
‫ت ِمنه»(‪.)1‬‬ ‫ت‪ :‬قدْ رج ْعت إىل ر ِّيب ح َّت است ْحي ْي ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬ف ُق ْل ُ‬

‫فصل [يف اختالف السلف يف حقيقة اإلسراء]‬

‫جسده عىل ثالث‬ ‫ُثم اخ َت َلف الس َل ُ‬


‫ف والعلام ُء‪ :‬هل كان أرسي ُبروحه أو َ‬
‫َمقاالت‪:‬‬
‫ِ‬
‫بالروح‪ ،‬وأنه ُرؤيا َمنام مع اتِّفاقهم أن ُرؤيا‬ ‫فذه َبت طائف ٌة‪ :‬إىل أنه إرساء‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫واملشهور‬ ‫احلسن(‪،)3‬‬
‫وحك َي عن َ‬ ‫ذهب معاوي ُة ‪ُ ،‬‬ ‫ووحي‪ ،‬وإىل هذا َ‬ ‫األنبياء حق‬
‫(‪)2‬‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫وح َّجتُهم قو ُله تعاىل‪﴿ :‬ﭱ ﭲ‬ ‫إسحاق ‪ُ ،‬‬‫َ‬ ‫عنه خال ُفه‪ ،‬وإليه َأ ُ‬
‫شار حممدُ ب ُن‬
‫(‪)4‬‬

‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﴾ [اإلرساء‪.]64 :‬‬

‫باجلسد ويف ال َي َقظة‪ ،‬وهذا‬


‫َ‬ ‫وذهب ُمع َظم الس َلف واملُسلِمني‪ :‬إىل أنه إرسا ٌء‬
‫َ‬
‫احلق‪.‬‬
‫هو ُّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)7157‬ومسلم (‪.)565‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الطربي يف تفسريه ‪.001/50‬‬
‫(‪ )3‬انظر تفسري الطربي ‪.006/50‬‬
‫(‪ )4‬السرية النبوية (ص‪.)540‬‬
‫‪ | 94‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫باجلسد َيقظ ًة من املسجد احلرام إىل بيت‬ ‫وقالت ِ‬


‫طائف ٌة‪ :‬كان اإلرسا ُء‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫َجوا بقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬ ‫املَقدس‪ ،‬وإىل السامء بالروح‪ ،‬واحت ُّ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﴾ [اإلرساء‪ ،]5 :‬فج َعل ﴿ ﭙ ﭚ‬
‫ِ‬
‫ﭛ ﴾ [اإلرساء‪ ]5 :‬غاي َة اإلرساء ا َّلذي و َقع الت ُّ‬
‫َّعجب فيه ب َعظيم ال ُقدرة‬
‫حممد ﷺ به وإظهار الكَرامة له باإلرساء إليه‪ ،‬قال هؤالء‪:‬‬
‫النبي َّ‬
‫والتَّمدُّ ح بترشيف ِّ‬
‫املسجد األقىص لذك ََره ف َيكون َ‬
‫أبلغ يف‬ ‫ِ‬ ‫زائ ٍد عىل‬
‫ولو كان اإلرساء بجسده إىل ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫املدح‪.‬‬
‫ِ‬
‫والروح يف‬ ‫والصحيح ‪-‬إن شاء اهلل‪ :-‬أنه إرساء باجلسد‬
‫ُ‬ ‫واحلق من هذا‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫األخبار واالعتبار‪ ،‬وال ُيعدَ ل عن الظاهر‬ ‫وصحيح‬
‫ُ‬ ‫القصة كلها‪ ،‬وعليه َتدُ ُّل اآلية‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واحلقيقة إىل التأويل َّإال عند االستحالة‪ ،‬وليس يف اإلرساء َ‬
‫بجسده وحال َي َقظته‬
‫استحال ٌة‪ ،‬إذ لو كان منا ًما لقال‪ُ :‬بروح َعبده‪ .‬و م يقل‪ ﴿ :‬ﭔ ﴾ [اإلرساء‪]5 :‬‬
‫وقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﴾ [النجم‪ ،]57 :‬ولو كان منا ًما ملا كانت فيه‬
‫كذبوه فيه‪ ،‬وال ارتَدَّ به ُض َعفا ُء َمن أس َل َم‬
‫عجزة‪ ،‬وملا اس َت ْب َعده ال ُك َّفار وال َّ‬‫آي ٌة وال م ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واف َتتَنوا به‪ ،‬إذ م ْثل هذا من املنامات ال ُينكَر‪ ،‬بل م َيكُن ذلك منهم َّإال وقد علِموا‬
‫خربه إنام كان عن ِجسمه وحال َي َقظته‪ ،‬إىل ما ُذ ِكر يف احلديث من ِذكْر َصالته‬ ‫أن َ َ‬
‫غريه‪ ،‬وذكر َجميء‬ ‫قدس يف رواية ٍ‬ ‫ِ‬
‫باألنبياء ببيت املَ ِ‬
‫روى ُ‬ ‫السامء عىل ما َ‬‫أنس أو يف َّ‬
‫وخرب املعراج‪ ،‬واستِفتاح السامء ف ُيقال‪ :‬و َمن م َع َك؟ فيقول‪:‬‬ ‫َ‬ ‫بالرباق‪،‬‬‫ربيل له ُ‬ ‫ِج َ‬
‫ِ‬
‫الصالة‬ ‫وخربهم معه وترحيبِهم به‪ ،‬وشأنِه يف فرض‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُحم َّمد‪ .‬ولقائه باألنبياء فيها َ‬
‫ومراجعتِه مع موسى يف ذلك‪.‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪95‬‬

‫األخبار‪« :‬فأخذ ‪َ -‬يعنِي‪ :‬جربيل‪ -‬بيدي فعرج يب إىل السامء»‬


‫ِ‬ ‫ويف بعض هذه‬
‫ستوى أسمع فيه َصيف األقالم»(‪ .)1‬وأنه‬ ‫بم ً‬ ‫إىل قوله‪ُ « :‬ثم عرج يب حت ظه ْرت ُ‬
‫دخل اجلَنة ور َأى فيها ما ذكَره‪ ،‬قال اب ُن عباس‪ :‬هي‬‫وصل إىل ِسدرة املُنتهى‪ ،‬وأنه َ‬ ‫َ‬
‫ني رآها النبي ﷺ ال ُرؤيا َمنام(‪.)2‬‬‫ُرؤيا َع ٍ‬

‫ريش تسألني عن م ُْساي‪،‬‬ ‫احل ْجر‪ ،‬و ُق ٌ‬ ‫وعن أيب هريرة‪« :‬لقدْ رأيتُني يف ِ‬
‫ْ‬
‫ت ِم ْثل ُه ق ُّط‪ ،‬فرفع ُه ا ُ‬
‫هلل يل أن ُظ ُر‬ ‫فسألتْني ع ْن أ ْشياء مل ُأ ْثبِتْها‪ ،‬فك ُِر ْب ُ‬
‫ت ك ْر ًبا ما ك ُِر ْب ُ‬
‫إل ْي ِه»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)302‬ومسلم (‪.)563‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)3222‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)575‬‬
‫‪ | 96‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -3‬فصل يف ذِ ْكر تفضيلِه ﷺ يف القِيامة خبُصوص الكَرامة‬


‫الق ِ‬
‫يامة‪ ،‬وأ َّو ُل م ْن ينْش ُّق عنْ ُه‬ ‫عن أيب هرير َة عنه ﷺ‪« :‬أنا سيدُ ول ِد آدم يوم ِ‬
‫ْ‬ ‫ِّ‬
‫وأو ُل ُمش َّف ٍع»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫رب‪ ،‬وأ َّو ُل شاف ٍع َّ‬
‫الق ْ ُ‬
‫ِ‬
‫الناس تب ًعا»(‪ ،)2‬وعنه‬ ‫الناس ُيش َّف ُع يف اجلن َِّة‪ ،‬وأنا أكْث ُر‬
‫ِ‬ ‫وعن أنس‪« :‬أنا َّأو ُل‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الناس ي ْوم القيامة وتدْ رون بِم ذلك؟ ْ‬
‫جيم ُع اهللُ‬ ‫ِ‬ ‫النبي ﷺ‪« :‬أنا س ِّيدُ‬ ‫ُّ‬ ‫قال‪ :‬قال‬
‫ِ‬
‫الشفاعة‪.‬‬ ‫اآلخرين»(‪ .)3‬وذكَر َحديث‬ ‫األولني و ِ‬
‫َّ‬
‫يامة»‪ ،‬هو سيدُ هم يف الدنيا ويوم ِ‬ ‫الق ِ‬ ‫الناس يوم ِ‬
‫القيامة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ ْ‬ ‫قوله‪« :‬أنا س ِّيدُ‬
‫بالسؤ َدد والشفاعة دون ِ‬ ‫ِ‬
‫غريه إذ َجلَأ الناس إليه يف‬ ‫ولكن َأشار ﷺ النفراده فيه ُّ‬
‫حوائجهم‪ ،‬فكان‬ ‫ِ‬ ‫ذلك فلم َجيِدوا ِسواه‪ ،‬والس ِّيد هو الذي َيلجأ الناس إليه يف‬
‫زامحه أحدٌ يف ذلك وال ا َّدعاه كام قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯸ‬ ‫َئذ سيدً ا منفردا بني البرش م ي ِ‬ ‫حين ٍ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬
‫واآلخرة‪ ،‬لكِن يف‬
‫ِ‬ ‫ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﴾ [غافر‪ ،]56 :‬واملُ ْلك له تعاىل يف الدنيا‬
‫دعوى ا ُملدَّ عي لذلك يف الدنيا‪ ،‬وكذلك جلَأ إىل ُحم َّمد ﷺ ُ‬
‫عييع‬ ‫اآلخرة ان َق َطعت َ‬
‫ِ‬
‫الناس يف الشفاعة‪ ،‬فكان س ِّيدَ هم يف األُخرى دون َد َ‬
‫عوى‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)5572‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)526‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)0755‬ومسلم (‪.)520‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪97‬‬

‫الق ِ‬
‫يامة‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ِ « :‬آِت باب اجلن َِّة يوم ِ‬ ‫ُ‬ ‫أنس ‪ ‬قال‪ :‬قال‬ ‫وعن ٍ‬
‫قول‪ :‬بِك ُأ ِم ْر ُت ال أفت ُح ألح ٍد‬
‫قول‪ُ :‬حم َّمدٌ ‪ .‬في ُ‬ ‫قول ِ‬
‫اخلاز ُن‪ :‬م ْن أنْت؟ فأ ُ‬ ‫فأ ْست ْفتِ ُح في ُ‬
‫ق ْبلك»(‪.)1‬‬

‫سول اهلل ﷺ‪« :‬ح ْو ِيض مسرية ش ْه ٍر‪،‬‬ ‫مرو قال‪ :‬قال َر ُ‬ ‫بن َع ٍ‬ ‫عبد اهلل ِ‬ ‫وعن ِ‬

‫ب ِمن امل ِ ْس ِك‪ ،‬وكِيزا ُن ُه كنُجو ِم‬ ‫ِ‬


‫وزوايا ُه سو ٌاء‪ ،‬وماهُ ُه أ ْبي ُض من الو ِر ِق‪ ،‬و ِر ُ‬
‫حي ُه أ ْطي ُ‬
‫رشب ِمنْ ُه مل ْ ي ْظم ْأ أبدً ا»(‪.)2‬‬ ‫الس ِ‬
‫امء‪ ،‬م ْن ِ‬ ‫َّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)527‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)6172‬ومسلم (‪.)5525‬‬
‫‪ | 98‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -4‬فصل يف تَفضيله باحملبَّة واخللَّة‬


‫ٍ‬
‫جاءت بذلك األخبار الصحيح ُة‪ ،‬فعن أيب َسعيد عن ِّ‬
‫النبي ﷺ أنه قال‪« :‬ل ْو‬
‫ليال غ ْري ر ِّيب ال َّخت ْذ ُت أبا بك ٍْر»(‪.)1‬‬ ‫ْت مت ِ‬
‫َّخ ًذا خ ً‬ ‫ُكن ُ ُ‬
‫ِ‬
‫صاحبك ُْم خ ُ‬
‫ليل اهللِ»(‪.)2‬‬ ‫آخر‪« :‬وإِ َّن‬ ‫ٍ‬
‫ويف حديث َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3610‬ومسلم (‪.)5325‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)5323‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪99‬‬

‫‪ -5‬فصل يف تَفضيلِه بالشفاعة واملَقام املَ ْحمود‬

‫هلل تعاىل‪ ﴿ :‬ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﴾ [اإلرساء‪.]72 :‬‬


‫قال ا ُ‬
‫عمر قال‪ :‬إن الناس َيصريون يوم القيامة ج ًثا ُّ‬
‫كل أ َّمة تَت َبع نب َّيها‬ ‫عن ِ‬
‫ابن َ‬
‫النبي ﷺ‪،‬‬‫تنتهي الشفاعة إىل ِّ‬ ‫َ‬ ‫الن‪ ،‬اش َف ْع لنا‪ .‬حتى‬ ‫يقولون‪ :‬يا ُفالن‪ ،‬اش َف ْع لنا‪ ،‬يا ُف ُ‬
‫فذل ِ َك يو َم َيب َع ُثه اهللُ املَقا َم ا َمل ْحمو َد (‪.)1‬‬
‫َ‬

‫وعن أيب موسى ‪ ،‬عنه ﷺ‪ُ « :‬خ ِّ ْري ُت ب ْني أ ْن يدْ ُخل نِ ْص ُ‬
‫ف ُأ َّمتي اجلنَّة‬
‫للم ْذنِبني‬ ‫ِ‬
‫للمتَّقني؟ ال‪ ،‬ولكنَّها ُ‬
‫ِ‬
‫الشفاعة؛ أل ََّّنا أع ُّم‪ ،‬أتر ْوَّنا ُ‬ ‫َت ُت َّ‬ ‫اخ ْ‬ ‫فاعة ف ْ‬‫الش ِ‬ ‫وب ْني َّ‬
‫اخل َّطائني»(‪.)2‬‬

‫عليك يف‬ ‫َ‬ ‫ورد‬‫لت‪ :‬يا رسول اهلل ماذا َ‬ ‫وعن أيب هرير َة ‪ ‬قال‪ُ :‬ق ُ‬
‫الشفاعة؟ فقال‪« :‬شفاعتي مل ِ ْن ش ِهد أن ال إله َّإال اهللُ ُخملِ ًصا ُيصدِّ ُق لِسان ُه ق ْل ُب ُه»(‪.)3‬‬
‫بمقام حممد؟ َيعنِي‪ :‬الذي َيب َعثه‬ ‫الفقري‪ :‬سمعت َ‬
‫ِ ِ‬ ‫جابر بن عبد اهلل ليزيدَ‬
‫وقال ُ‬
‫اهلل فيه قال‪ :‬ن َع ْم‪ .‬قال‪ :‬فإنه َمقام حممد املَحمود الذي َُي ِرج اهلل به َمن َُي ِرج‪َ .‬يعنِي‪:‬‬
‫جلهنَّم ِّيني(‪.)4‬‬ ‫ِ‬
‫من النار‪ ،‬وذكر َحديث الشفاعة يف إخراج ا َ‬
‫بعض‪-‬‬‫ٍ‬ ‫بعضهم عىل‬ ‫حديث ِ‬ ‫ُ‬ ‫دخ َل‬
‫وغريمها ‪َ -‬‬ ‫ِ‬ ‫أنس وأيب هرير َة‬ ‫ِ‬
‫رواية ٍ‬ ‫ويف‬
‫الق ِ‬
‫يامة في ْهت ُّمون ‪-‬أو قال‪ :‬ف ُي ْلهمون‪-‬‬ ‫واآلخرين يوم ِ‬
‫ِ‬ ‫األولني‬
‫هلل َّ‬
‫جيم ُع ا ُ‬
‫قال ﷺ‪ْ « :‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)0752‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه ابن ماجه (‪.)0355‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أمحد ‪.)54753( 057/56‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪.)525‬‬
‫‪ | 011‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫بعضهم يف‬‫آخر‪« :‬ماج الناس ُ‬ ‫ٍ‬ ‫فيقولون‪ :‬ل ِو است ْشفعنا إِىل ربنا»(‪ِ ،)1‬‬
‫طريق َ‬ ‫ومن‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫الغم ما ال‬
‫الشمس؛ فيبلغُ الناس من ِّ‬
‫ُ‬ ‫بعض»(‪ ،)2‬وعن أيب هريرة(‪« :)3‬وتدنو‬
‫ُيطيقون‪ ،‬وال حيت ِملون فيقولون‪ :‬أال تنْ ُظرون من يشفع لكم؟!‬

‫البَش‪ ،‬خلقك اهللُ بي ِده‪ ،‬ونفخ فيك من‬ ‫ِ‬ ‫في ْأتون آدم فيقولون‪ :‬أنت آد ُم أبو‬
‫َشء‪ ،‬اشف ْع لنا‬‫ٍ‬ ‫وحه‪ ،‬وأسكنك جنَّته‪ ،‬وأسجد لك مالئِكته‪ ،‬وع َّلمك أسامء ِّ‬
‫كل‬ ‫ر ِ‬
‫ُ‬
‫غضب‬ ‫ِعند ربك حت يرحينا من مكانِنا‪ ،‬أال ترى ما نحن فيه؟! فيقول‪ :‬إن ريب ِ‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫رة فعص ْيت‪،‬‬ ‫اليوم غضبا مل يغضب قبله مثله وال يغضب بعده ِمثله‪َّ ،‬ناين عن الشج ِ‬
‫ْ‬ ‫ً‬
‫ن ْفيس ن ْفيس‪ ،‬ا ْذ‪،‬بوا إىل غريي‪ ،‬اذ‪،‬بوا إىل نوحٍ ‪.‬‬

‫هلل عبدً ا‬ ‫ِ‬


‫األرض‪ ،‬وس َّامك ا ُ‬ ‫الر ُس ِل إىل أ ْ‪ِ ،‬ل‬
‫نوحا فيقولون‪ :‬أنْت َّأو ُل ُّ‬
‫فيأتون ً‬
‫قول‪:‬‬‫نحن فيه؟! أال ترى ما بلغنا؟! أال تشف ُع لنا إىل ر ِّبك؟! في ُ‬
‫كورا‪ ،‬أال ترى ما ُ‬
‫ش ً‬
‫ب قبله ِمثله وال يغضب ب ْعده ِمثله‪ ،‬ن ْفيس ن ْف ِيس‬ ‫ِ‬
‫إن ر ِّيب غضب اليوم غض ًبا مل يغض ْ‬
‫ويذكر خطيئته التي أصاب‪ :‬سؤاله ر َّبه بغري عل ٍم ‪ -‬وقدْ‬
‫(‪)4‬‬
‫أنس‪:‬‬ ‫ِ‬
‫رواية ٍ‬ ‫‪-‬قال يف‬
‫ُ‬
‫كانت يل دعو ٌة دع ْوُتا عىل ق ْومي‪ ،‬اذ‪،‬بوا إىل غ ْريي‪ ،‬اذ‪،‬بوا إىل إبرا‪،‬يم فإنه‬
‫خ ُ‬
‫ليل اهللِ‪.‬‬
‫ِ‬
‫األرض‪ ،‬اشف ْع لنا إىل‬ ‫هلل وخلي ُله من أ ْ‪،‬ل‬
‫نبي ا ِ‬
‫فيأتون إبرا‪،‬يم فيقولون‪ :‬أنت ُّ‬
‫إن ريب قد ِ‬
‫غضب الي ْوم غض ًبا»‪ ،‬وذكر مث َله‪،‬‬ ‫نحن فيه؟! فيقول‪ِّ َّ :‬‬
‫ر ِّبك‪ ،‬أال ترى ما ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪ )523‬من حديث أنس‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)7154‬ومسلم (‪ )523‬من حديث أنس‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)0755‬ومسلم (‪ )520‬من حديث أيب هريرة‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ )7004‬من حديث أنس‪.‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪010‬‬

‫بموس فإنه‬ ‫ِ‬ ‫كذ َهبن «ن ْفيس ن ْفيس‪ ،‬ل ُ‬ ‫ويذكُر ثالث كلِ ٍ‬
‫امت َ‬
‫ست َلا‪ ،‬ولك ْن عل ْيكم ُ‬ ‫َ‬
‫ِ (‪)2‬‬ ‫ٍ‬
‫ليم اهلل ‪ -‬ويف رواية‪ :‬فإنه عبدٌ آتاه اهلل التوراة وك َّلمه َّ‬
‫وقربه نج ًّيا ‪.-‬‬ ‫ك ُ‬
‫)‬‫‪1‬‬ ‫(‬

‫ت َلا‪ ،‬ويذكُر خطيئته التي أصاب وقتْله النفس‪،‬‬ ‫قول‪ :‬ل ْس ُ‬ ‫في ْأتون موس في ُ‬
‫وح اهللِ وكلِمتُه‪ .‬فيأتون عيس‬ ‫ِ‬
‫ويقول‪ :‬نفيس نفيس‪ ،‬ولك ْن عل ْيكم بعيس فإنه ُر ُ‬
‫أخر‪.‬‬ ‫حم ٍد ع ْب ٍد غفر اهللُ له ما تقدَّ م ِم ْن ذ ْنبِه وما ت َّ‬
‫بم َّ‬
‫ِ‬
‫ت َلا‪ ،‬ولك ْن عل ْيكُم ُ‬ ‫في ُ‬
‫قول‪ :‬ل ْس ُ‬
‫ت‬ ‫تأذ ُن عىل ر ِّيب‪ ،‬ف ُيؤذن يل فإذا رأ ْيتُه وق ْع ُ‬ ‫فأوت فأقول‪ :‬أنا َلا فأنطلِ ُق فأس ِ‬ ‫ُ‬
‫ْ‬
‫رواية‪ :‬فأقو ُم بني‬‫ٍ‬ ‫فأخ ُّر ساجدً ا(‪ .)4‬ويف‬ ‫العرش ِ‬‫ِ‬ ‫ساجدً ا(‪ - )3‬ويف رواية‪ :‬فآِت ُتت‬ ‫ِ‬
‫لهمنيها اهلل(‪ .)5‬ويف ِرواية‪ :‬فيفتح اهللُ‬ ‫أقدر عليها إال أنه ُي ِ‬ ‫يديه فأمحدُ ه بمحامد ال ُ‬
‫قال‪ :‬يا حممدُ‬ ‫وح ْسن ال َّثناء عليه شيئًا مل يفت ْحه عىل أح ٍد ق ْبيل(‪ -)6‬ف ُي ُ‬ ‫ِ‬
‫عيل من حمامده ُ‬ ‫َّ‬
‫رب‬ ‫ارف ْع رأسك‪ ،‬س ْل تُعطه‪ ،‬واشف ْع ُتش َّف ْع‪ .‬فأرفع رأيس فأقول‪ :‬يا ر ِّب ُأ َّمتي‪ ،‬يا ِّ‬
‫األيمن من أبواب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الباب‬ ‫دخ ْل من ُأ َّمتك من ال ِحساب عليه من‬ ‫ُأمتي‪ .‬فيقول‪ :‬أ ِ‬
‫َّ‬
‫ِ (‪)7‬‬ ‫ِ‬
‫كاء الناس فيام سوى ذلك من األبواب» ‪.‬‬ ‫و‪،‬م ُرش ُ‬ ‫اجلنَّة‪ُ ،‬‬
‫فيقال يل‪:‬‬ ‫أنس هذا الفضل‪ ،‬وقال مكانَه‪« :‬ثم أ ِخ ُّر ساجدً ا ُ‬ ‫ِ‬
‫رواية ٍ‬ ‫و م ُيذكر يف‬
‫فأقول‪ :‬يا‬ ‫ُ‬ ‫يا حممدُ ‪ ،‬ارفع رأسك‪ ،‬وقل ُيسمع لك ‪ ،‬واشفع تُشفع‪ ،‬وسل تُعطه‪،‬‬
‫عرية من‬ ‫رة أو ش ٍ‬ ‫حبة من ب ٍ‬ ‫مثقال ٍ‬
‫رب‪ ،‬أمتي أمتي‪ ،‬فيقال‪ :‬انطلِق‪ ،‬فمن كان يف قلبِه ُ‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫وذكر مثل‬ ‫ِ‬
‫املحامد»‬ ‫أرج ُع إىل ريب فأمحده بتلك‬ ‫فأفعل‪ ،‬ثم ِ‬ ‫ُ‬ ‫إيامن؛ فأخرجه فأنطلِق‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)7154‬ومسلم (‪ )523‬من حديث أنس‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ )7004‬من حديث أنس‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)7004‬ومسلم (‪ )523‬من حديث أنس‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪ )520‬من حديث أيب هريرة‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم (‪ )523‬من حديث أنس‪.‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه البخاري (‪ )0755‬من حديث أيب هريرة‪.‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه البخاري (‪ ،)0755‬ومسلم (‪ )520‬من حديث أيب هريرة‪.‬‬
‫‪ | 012‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫رجع» وذكر مثل ما تقد َم‬ ‫ٍ‬


‫خردل‪ ،‬قال‪ :‬فأ ُ‬ ‫مثقال ٍ‬ ‫ِ‬
‫األول وقال فيه‪ُ « :‬‬
‫فعل ثم أ ُ‬ ‫حبة من‬
‫ٍ‬
‫خردل فأفعل» وذكر‬ ‫حبة ِمن‬
‫وقال فيه‪« :‬من كان يف قلبه أدن أدن أدن ِمن مثقا ِل ٍ‬
‫تشفع‪ ،‬وسل تُعطه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫واشفع‬
‫ْ‬ ‫ارفع رأسك‪ ،‬وقل ُيسمع‪،‬‬ ‫يف املرة الرابعة‪ُ « :‬‬
‫فيقال يل ْ‬
‫رب‪ ،‬ائذن يل فيمن قال‪ :‬ال إله إال اهلل‪ ،‬قال‪ :‬ليس ذلك إليك‪ ،‬ولكن‬ ‫ُ‬
‫فأقول‪ :‬يا ِّ‬
‫وجربيائي‪ ،‬ألُخرجن ِمن النار من قال‪ :‬ال إله إال اهلل»‬ ‫وعزِت وكربيائي وعظمتي ِ‬ ‫ِ‬
‫رب‪ ،‬ما بقي‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فأقول‪ :‬يا ِّ‬ ‫رواية قتاد َة عنه قال‪« :‬فال أدري يف الثالثة أو الرابعة‪،‬‬ ‫ومن‬
‫وجب عليه اخللو ُد‪.‬‬
‫َ‬ ‫القرآن» أي‪َ :‬من‬
‫ُ‬ ‫يف ِ‬
‫النار إال من حبسه‬
‫اآلثار أن شفاعتَه ﷺ و َمقامه املحمو َد‬ ‫ِ‬ ‫اجتمع ِم ِن اختِالف ألفاظ هذه‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫فقد‬
‫ِ‬
‫احلناجر‪،‬‬ ‫للح ْرش وتَضيق هبم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫من َّأول الشفاعات إىل آخرها من حني َجيتمع الناس َ‬
‫قبل ِ‬ ‫والوقوف مب َلغه‪ ،‬وذلك َ‬
‫احلساب‪ ،‬ف َيش َفع حينئذ‬ ‫ُ‬ ‫العر ُق والشمس‬ ‫و َيب ُلغ منهم َ‬
‫اسب الناس‪ ،‬ف َيش َفع يف تَعجيل‬ ‫ُ‬ ‫وقف‪ُ ،‬ثم ُي َ‬ ‫إلراحة الناس من املَ ِ‬
‫وحي َ‬
‫الرصاط ُ‬ ‫وضع‬
‫ِ‬
‫العذاب ودخل‬ ‫ُ‬ ‫وجب عليه‬ ‫فيمن َ‬‫ساب عليه من ُأ َّمته إىل اجلنة‪ ،‬ثم َيش َفع َ‬ ‫َمن ال ح َ‬
‫فيمن قال‪ :‬ال إل َه َّإال اهللُ‪.‬‬ ‫األحاديث الصحيحة‪ُ ،‬ثم َ‬ ‫ُ‬ ‫النار ِمنهم حس َبام تَقتَضيه‬
‫ِ ِ‬ ‫احلديث املُ ِ‬
‫ِ‬ ‫وليس هذا ِ‬
‫نبي دعو ٌة يدْ عو ِبا‪،‬‬ ‫الصحيح‪« :‬لك ُِّل ٍّ‬ ‫نترش‬ ‫لسوا ُه ﷺ‪ ،‬ويف‬
‫الق ِ‬
‫يامة»(‪.)1‬‬ ‫واختب ْأ ُت دعوِت شفاع ًة ألُمتي يوم ِ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬
‫فتكون هذه الدعو ُة املذكورة َخمصوص ًة باألُ َّمة َمضمونة اإلجابة‪َّ ،‬‬
‫وإال ف َقدْ‬
‫بعضها و ُمنِ َع‬
‫أمور الدين والدنيا ف ُأعطِ َي َ‬‫ِ‬ ‫خرب ﷺ أنه س َأل ألُ َّمته أشيا َء من‬ ‫َأ َ‬
‫بعضها‪ ،‬وا َّدخر هلم هذه الدعو َة ليو ِم الفاقة‪ ،‬وخامتة امل ِ َحن‪ ،‬و َعظيم السؤال‬
‫والرغبة‪َ :‬جزا ُه اهلل أحس َن ما َج َزى نب ايا عن ُأ َّمته وﷺ ك ً‬
‫َثريا‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)6340‬ومسلم (‪.)522‬‬


‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪013‬‬

‫‪ -6‬فصل يف تفضيلِه يف اجلنةِ بالوسيلةِ‪ ،‬والدرجةِ الرفيعةِ‪،‬‬


‫والكوثرِ‪ ،‬والفضيلةِ‬
‫عن ِ‬
‫عبد اهلل بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي ﷺ ُ‬
‫يقول‪« :‬إذا سمعتُم‬
‫يقول‪ ،‬ثم صلوا عيل؛ فإنه من صىل عيل مر ًة صىل اهلل عليه‬‫املؤذن فقولوا مثل ما ُ‬
‫لعبد من ِ‬
‫عباد اهلل‪،‬‬ ‫اجلنة ال تنبغي إال ٍ‬
‫عَشا‪ ،‬ثم سلوا اهلل يل الوسيلة‪ ،‬فإَّنا منزل ٌة يف ِ‬

‫وأرجو أن أكون أنا ‪،‬و‪ ،‬فمن سأل اهلل يل الوسيلة ح َّلت عليه الشفاع ُة»(‪.)1‬‬
‫درجة يف ِ‬
‫اجلنة(‪.)2‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حديث آخر عن أيب هريرةَ‪ :‬الوسيل ُة‪ :‬أعىل‬ ‫ويف‬

‫َّنر‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫وعن ٍ‬


‫أسري يف اجلنة إذ عرض يل ٌ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬بينا أنا ُ‬ ‫أنس قال‪ :‬قال‬
‫لكوثر الذي أعطاكه اهلل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫قلت جلربيل‪ :‬ما ‪،‬ذا؟ قال‪، :‬ذا ا‬ ‫ِ‬
‫اللؤلؤ‪ُ ،‬‬ ‫حا َّفتاه ُ‬
‫قباب‬
‫بيده إىل طينِه فاستخرج مسكًا»(‪.)3‬‬
‫قال‪ :‬ثم رضب ِ‬
‫ِ‬
‫والياقوت‪،‬‬ ‫بن ُعمر مثلِه‪ ،‬قال‪« :‬وجمرا ُه عىل ِ‬
‫الدر‬ ‫ِ‬
‫وعبد اهلل ِ‬ ‫(‪)4‬‬
‫وعن عائش َة‬
‫ُ‬
‫وأبيض من الثلجِ »(‪.)5‬‬ ‫ِ‬
‫العسل‪،‬‬ ‫وماهُ ه أحىل ِمن‬

‫حوض تر ُد عليه ُأمتي»‬


‫ٌ‬ ‫يشق ش ًقا‪ ،‬عليه‬ ‫ٍ‬
‫رواية عنه‪« :‬فإذا ‪،‬و جيري‪ ،‬ومل َّ‬ ‫ويف‬
‫ِ‬
‫احلوض(‪.)6‬‬ ‫َ‬
‫حديث‬ ‫و َذكر‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)320‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪.)3655‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)6125‬والرتمذي (‪ )3364‬واللفظ له‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪.)0261‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)3365‬وابن ماجه (‪.)0330‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه أمحد ‪.)53172( 544/55‬‬
‫‪ | 014‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -7‬فصل [يف تأويل نهيه ﷺ عن التفضيل]‬


‫ِ‬
‫األمة‪ ،‬كونُه‬ ‫ِ‬
‫األثر‪ ،‬وإعيا ِع‬ ‫القرآن‪ ،‬وصحيح‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دليل‬ ‫تقرر من‬‫قلت‪ :‬إذا َ‬ ‫فإن َ‬
‫ِ‬
‫التفضيل‬ ‫بنهيه عن‬ ‫ِ‬
‫الواردة ِ‬ ‫ِ‬
‫األحاديث‬ ‫ِ‬
‫األنبياء‪ ،‬فام معنى‬ ‫َ‬
‫وأفضل‬ ‫ِ‬
‫البرش‪،‬‬ ‫أكر َم‬
‫خري من يونس ِ‬
‫بن م َّت »(‪ .)1‬‏‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫كقوله‪« :‬ما ينبغي لعبد أن يقول‪ :‬أنا ٌ‬
‫اليهودي الذي قال‪ :‬والذي اص َطفى موسى عىل‬ ‫ِ‬
‫حديث أيب هرير َة يف‬ ‫ويف‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫أظهرنا‪،‬‬ ‫ورسول اهلل ﷺ بني‬‫ُ‬ ‫األنصار‪ ،‬وقال‪ُ :‬‬
‫تقول ذلك‬ ‫ِ‬ ‫فلطمه ٌ‬
‫رجل من‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫البرشل‬
‫ِ‬
‫األنبياء»(‪.)2‬‬ ‫ُفضلوا بني‬
‫فقال‪« :‬ال ت ِّ‬‫النبي ﷺ َ‬ ‫َ‬
‫فبلغ ذلك ُّ‬
‫ٍ‬
‫تأويالت‪:‬‬ ‫ِ‬
‫األحاديث‬ ‫فاع َلم‪ ،‬أن لل ِ‬
‫علامء يف هذه‬
‫قبل أن يعلم أنه سيدُ ِ‬
‫ولد آد َم فنهى عن‬ ‫ِ‬
‫التفضيل كان َ‬ ‫أحدُ ‪،‬ا‪ :‬أن هن َيه عن‬
‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫فضل بال عل ٍم فقد َ‬
‫كذب‪.‬‬ ‫توقيف‪ ،‬وأن َمن َّ‬ ‫حيتاج إىل‬
‫ُ‬ ‫التفضيل إذ‬
‫ِ‬
‫والعجب‪ ،‬وهذا‬ ‫ِ‬
‫التكرب‬ ‫ِ‬
‫ونفي‬ ‫ِ‬
‫طريق التواض ِع‬ ‫الوج ُه الثاين‪ :‬أنه قاله ﷺ عىل‬
‫ِ‬
‫االعرتاض‪.‬‬ ‫سلم من‬
‫ال َي ُ‬
‫الغض‬
‫بعضهم أو ِّ‬‫تنقص ِ‬‫ِ‬ ‫ً‬
‫َفضيال يؤدي إىل‬ ‫َ‬
‫يفضل بينهم ت‬ ‫ُ‬
‫الثالث‪ :‬أال‬ ‫الوج ُه‬
‫ِ‬
‫نفس‬ ‫ربل لئال يقع يف‬ ‫ِ‬
‫رب اهلل عنه بام أخ َ‬
‫يونس عليه السالم إذ أخ َ‬
‫منه ال سيام يف جهة َ‬
‫ِ‬
‫الرفيعة‪ ،‬إذ قال تعاىل عنه‪:‬‬ ‫وانحطاط ِمن ُرتبتِه‬
‫ٌ‬ ‫يعلم منه بذلك غضاض ٌة‬ ‫َمن ال‬
‫ُ‬
‫﴿ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ﴾ [الصافات‪﴿ ]504 :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ﴾ [األنبياء‪ ]27 :‬فربام َُي ُيل ملَن ال َ‬
‫علم عنده حطيطتُه بذلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3321‬ومسلم (‪.)5377‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ )3050 ،5055‬ومسلم (‪.)5370‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪015‬‬

‫ِ‬
‫والرسالة‪ ،‬فإن األنبيا َء فيها عىل‬ ‫ِ‬
‫النبوة‬ ‫ِ‬
‫التفضيل يف حق‬ ‫منع‬
‫الرابع‪ُ :‬‬
‫ُ‬ ‫الوجه‬
‫ِ‬
‫األحوال‬ ‫ِ‬
‫زيادة‬ ‫ُ‬
‫التفاضل يف‬ ‫ُ‬
‫يتفاضل‪ ،‬وإنام‬ ‫شئ واحدٌ ال‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حد واحد إذ هي ٌ‬
‫ُ‬
‫َتفاضل‪،‬‬ ‫نفسها فال ت‬ ‫واأللطاف‪ ،‬وأما النبو ُة يف ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والرتب‬ ‫ِ‬
‫والكرامات‬ ‫ِ‬
‫واخلصوص‬
‫زائدة عليهال ولذلك منهم ُرسل‪ ،‬ومنهم أولو عز ٍم من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بأمور ُأخر‬ ‫ُ‬
‫التفاضل‬ ‫وإنام‬
‫بعضهم‬
‫احلكم صب ًيا‪ ،‬وأوِت ُ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الرسل‪ ،‬ومنهم َمن ُرفع مكانًا عل ًيا‪ ،‬ومنهم من أوِت‬
‫ٍ‬
‫درجات قال اهلل تعاىل‪:‬‬ ‫بعضهم‬
‫كلم اهلل ورفع َ‬ ‫ِ‬
‫وبعضهم البينات‪ ،‬ومنهم َمن َ‬ ‫ُ‬ ‫الزبر‪،‬‬
‫ُّ‬
‫﴿ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾ [اإلرساء‪ ]11 :‬وقال‪﴿ :‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‪ ﴾...‬اآلية [البقرة‪.]513 :‬‬
‫ِ‬
‫بثالثة‬ ‫ُ‬
‫والتفضيل املرا ُد هلم هنا يف الدنيا‪ ،‬وذلك‬ ‫بعض أهل العل ِم‪:‬‬
‫قال ُ‬
‫وأكثر‪ ،‬أو‬ ‫َ‬
‫تكون أمتُه أزكى‬ ‫وأشهر‪ ،‬أو‬ ‫أهبر‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫تكون آياتُه ومعجزاتُه َ‬ ‫أحوال‪ :‬أن‬
‫خصه اهلل به من كرامتِه‬
‫راجع إىل ما َّ‬
‫ٌ‬ ‫وأطهر‪ ،‬وفض ُله يف ذاته‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أفضل‬ ‫يكون يف ذاتِه‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫وحتف واليته‪،‬‬ ‫رؤية‪ ،‬أو ما شاء اهلل من ألطافِه‪،‬‬
‫واختصاصه من كال ٍم‪ ،‬أو خلة‪ ،‬أو ٍ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫واختصاصه‪.‬‬
‫‪ | 016‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -8‬فصل يف أمسائه عليه السالم وما تَضمَّنته من تفضيلِه‬


‫ٍ‬
‫أسامء‪ :‬أنا ُحم َّمد‪ ،‬وأنا أمحدُ ‪ ،‬وأنا املاحي ا َّلذي‬ ‫قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬يل َخْس ُة‬
‫ب»(‪،)1‬‬ ‫ِ‬ ‫هلل يب ال ُك ْفر‪ ،‬وأنا‬
‫الناس عىل قدمي‪ ،‬وأنا العاق ُ‬ ‫ُ‬ ‫احلارش الذي ُحيَش‬ ‫ُ‬ ‫يمحو ا ُ‬
‫سامه اهلل تعاىل يف كتابِه‪ :‬حممدً ا وأمحدَ ‪.‬‬ ‫وقد َّ‬
‫عظيم‬ ‫ضمن أسام َءه ثنا َءه وط َوى أثناء ِ‬
‫ذكره‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫فمن خصائصه تعاىل له أن َّ‬
‫اسمه أمحدُ ف َأف َعل مبالغة من ِصفة احلمد‪ُ ،‬‬
‫وحم َّمد ُمف َّعل مبا َلغة من‬ ‫ِ‬
‫شكره‪ ،‬فأما ُ‬
‫وأكثر الناس َمحْدً ا‪ ،‬فهو أمحدُ‬
‫ُ‬ ‫وأفض ُل َمن ُمحِد‬
‫محد‪َ ،‬‬ ‫كثرة احلمد‪ ،‬فهو ﷺ ُّ‬
‫أجل َمن َ َ‬
‫القيامة‪ ،‬ول َيتِ َّم له ُ‬
‫كامل احلمد‪.‬‬ ‫احلامدين‪ ،‬ومعه لواء احلمد يوم ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫املحمودين‪ ،‬وأمحدُ‬
‫ِ‬
‫احلمد‪ ،‬ويبع ُثه رب ُه هناك مقا ًما حممو ًدا كام‬ ‫ِ‬
‫بصفة‬ ‫ِ‬
‫العرصات‬ ‫ويتشهر يف تلك‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫املحامد كام‬ ‫وعدَ ه حيمدُ ه فيه األولون واآلخرون بشفاعتِه هلم‪ ،‬و ُيفت َُح عليه فيه من‬
‫غريه‪.‬‬
‫قال ﷺ ما م يعط ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آخر‪ ،‬هو أن اهلل جل‬‫عجائب خصائصه‪ ،‬وبدائ ِع آياته فن ُ‬ ‫االسمني من‬ ‫ثم يف‬
‫الكتب وبرشت‬ ‫ِ‬ ‫اسمه محى أن ُيمسى هبام أحدٌ قبل زمانِه‪ ،‬وأما أمحدُ الذي أتى يف‬ ‫ُ‬
‫غريه‪ ،‬وال ُيدعى به َمدعو‬ ‫ِ‬
‫فمنع اهلل تعاىل بحكمته أن ُيسمى به أحدٌ ٌ‬ ‫َ‬ ‫به األنبيا ُء‬
‫القلب أو شك‪ ،‬وكذلك حممدٌ أيضا‪ ،‬م‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضعيف‬ ‫لبس عىل‬ ‫َ‬ ‫قب َلهل حتى ال‬
‫يدخل ٌ‬
‫ِ‬
‫وميالده أن نب ايا‬ ‫ِ‬
‫وجوده ﷺ‬ ‫شاع ُق َ‬
‫بيل‬ ‫العرب وال ِ‬
‫ِ‬
‫غريهم إىل أن َ‬ ‫ُيسم به أحدٌ من‬
‫َ‬
‫يكون‬ ‫ِ‬
‫العرب أبنا َءهم بذلك رجا َء أن‬ ‫فسمى قو ٌم ٌ‬
‫قليل من‬ ‫اسمه حممد َ‬ ‫ُي ُ‬
‫بعث ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3135‬ومسلم (‪.)5310‬‬


‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪017‬‬

‫ِ‬
‫اجلالح‬ ‫بن أحيحة ِ‬
‫بن‬ ‫ِ‬ ‫أحدُ هم هو‪ ،‬واهلل أعلم حيث ُ‬
‫جيعل رساالته‪ ،‬وهم‪ :‬حممدُ ُ‬
‫َ‬
‫سفيان‬ ‫البكري‪ ،‬وحممدُ ب ُن‬
‫ُّ‬ ‫بن مسلم َة األنصار ُّي‪ ،‬وحممدُ ب ُن براء‬
‫األويس‪ ،‬وحممدُ ُ‬
‫ُّ‬
‫سابع هلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫محران اجلعفي‪ ،‬وحممدُ ب ُن خزاعي السلمي ال‬‫َ‬ ‫بن‬ ‫ِ‬
‫بن جماشعٍ‪ ،‬وحممدُ ُ‬
‫يظهر‬
‫َ‬ ‫َسمى به أن َيدعي النبو َة أو يدعيها أحدٌ له‪ ،‬أو‬
‫ثم محى اهلل كل من ت َّ‬
‫أمره حتى حتق َقت السمتان له ﷺ‪ ،‬و م َ‬
‫ينازع فيهام‪.‬‬ ‫يشكك أحدً ا يف ِ‬
‫ُ‬ ‫عليه سبب‬
‫ِ‬
‫احلديث‪،‬‬ ‫ففرس يف‬ ‫وأما قو ُله ﷺ‪« :‬وأنا املاحي الذي يمحو اهلل يب الكفر»‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫األرض ووعدَ أنه‬ ‫ِ‬
‫العرب وما ُزوي له من‬ ‫ِ‬
‫وبالد‬ ‫ِ‬
‫الكفر إما من مك َة‬ ‫ُ‬
‫ويكون حمو‬
‫ِ‬
‫والغلبة كام قال تعاىل‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الظهور‬ ‫ُ‬
‫يكون املحو عا اما بمعنى‬ ‫يبل ُغه ملك أمتِه‪ ،‬أو‬
‫﴿ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾ [التوبة‪.]33 :‬‬

‫وعهدي‬
‫الناس عىل قدمي» أي‪ :‬عىل زماين َ‬
‫احلارش الذي ُحيَش ُ‬
‫ُ‬ ‫وقو ُله‪« :‬وأنا‬
‫مي‬ ‫أي‪ :‬ليس بعدي نبي كام قال تعاىل‪﴿ :‬ﯱ ﯲ﴾ [األحزاب‪ُ ]04 :‬‬
‫وس َ‬
‫العاقب الذي‬ ‫ِ‬
‫الصحيح‪« :‬أنا‬ ‫ِ‬
‫األنبياء‪ ،‬ويف‬ ‫غريه من‬
‫ُ‬ ‫عقب عليه السالم َ‬
‫َ‬ ‫عاق ًبال ألنه‬
‫نبي»‪.‬‬
‫ليس بعدي ٌّ‬
‫الناس بمشاهدَ ِت كام قال تعاىل‪:‬‬
‫ُ‬ ‫وقيل‪ :‬معني «عىل قدمي»‪ :‬أي‪ُ :‬حيرش‬
‫﴿ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ﴾ [البقرة‪َ .]503 :‬‬
‫وقيل‪:‬‬
‫«عىل قدمي»‪ :‬عىل ساب َقتي‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾ [يونس‪:‬‬
‫ِ‬ ‫‪َ .]5‬‬
‫القيامة‪ .‬وقيل‪:‬‬ ‫إيل يو َم‬ ‫وقيل‪« :‬عىل قدمي»‪ :‬أي‪ُ :‬قدامي َ‬
‫وحويل أي‪َ :‬جيتمعون َّ‬
‫«عىل قدمي» عىل ُسنتي‪.‬‬
‫‪ | 018‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫ِ‬
‫املتقدمة وعند‬ ‫ِ‬
‫الكتب‬ ‫ٍ‬
‫أسامء» قيل‪ :‬إهنا موجود ٌة يف‬ ‫ومعني قولِه‪« :‬يل َخس ُة‬
‫ِ‬
‫السالفة‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬ ‫أويل العل ِم من األم ِم‬

‫نفسه أسام ًء ف َيقول‪:‬‬


‫سمي لنا َ‬‫األشعري أنه كان ﷺ ُي ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ويف حديث أيب موسى‬
‫التوبة‪ ،‬ونبي امللح ِ‬
‫مة» (‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ونبي‬ ‫«أنا ُحم َّمد‪ ،‬وأمحدُ ‪ ،‬واملُق ِّفي‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫واحلارش‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬
‫نبي الرمحة والت َّْوبة واملَ َ‬
‫رمحة والراحة‬ ‫ومعنى «املق ِّفي»‪ :‬معنى «العاقب»‪ ،‬وأ َّما ُّ‬
‫وصفه‬‫فقد قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﴾ [األنبياء‪ ،]547 :‬وكام َ‬
‫وهيدهيم إىل ِرصاط ُمستقيم‪ ،‬وباملؤمنني‬ ‫ِ‬
‫بأنه ُيزكيهم‪ ،‬و ُيع ِّلمهم الكتاب واحلكمة‪َ ،‬‬
‫بالرتاحم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫رحيم‪ .‬وقد قال يف ِصفة ُأ َّمته‪« :‬إِ ََّّنا ُأ َّمة مرحوم ٌة»(‪ ،)2‬وأ َم َرها ﷺ‬‫ٌ‬ ‫رؤف‬
‫ٌ‬
‫رمحهم‬ ‫ِ‬ ‫إن اهلل ُحيِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫و َأثنى عليه فقال‪َّ « :‬‬
‫الرمحاء» ‪ ،‬وقال‪« :‬الرامحون ي ُ‬ ‫ب من عباده ُّ‬
‫(‪)3‬‬
‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ (‪)4‬‬
‫الرمحن‪ْ ،‬ارمحوا م ْن يف األ ِ‬
‫لحمة‬ ‫محكُم من يف السامء» ‪ ،‬وأ َّما رواي ُة ِّ‬
‫نبي امل‬ ‫رض ي ْر ْ‬ ‫ُ‬
‫والسيف ﷺ‪ ،‬وهي صحيحة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القتال‬ ‫فإشار ٌة إىل ما ُب ِعث به من‬

‫القرآن ِعدَّ ٌة كثري ٌة سوى ما ذكرناه‬


‫ِ‬ ‫وقد جاءت ِمن ألقابِه ﷺ وسامتِه يف‬
‫ِ‬
‫والشهيد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والشاهد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والبشري‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واملبرش‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والنذير‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واملنذر‪،‬‬ ‫والرساج ِ‬
‫املنري‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كالنور‪،‬‬
‫ِ‬
‫ورمحة‬ ‫ِ‬
‫واألمني‪ ،‬وقد ِم الصدق‪،‬‬ ‫ِ‬
‫رؤوف الرحيم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫النبيني‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬
‫واحلق املبني‪ ،‬وخات ِم‬
‫ِ‬
‫الثاقب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والرصاط املستقيم‪ ،‬والنج ِم‬ ‫ِ‬
‫والعروة الوثقى‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ونعمة اهلل‪،‬‬ ‫العاملني‪،‬‬
‫ٍ‬
‫جليلة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وسامت‬ ‫ٍ‬
‫كثرية‬ ‫ٍ‬
‫أوصاف‬ ‫ِ‬
‫وداعي اهلل‪ ،‬يف‬ ‫ِ‬
‫والنبي األمي‪،‬‬ ‫والكري ِم‪،‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)5311‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪.)0572‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)7002‬ومسلم (‪ )253‬بنحوه‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)0205‬والرتمذي (‪.)5250‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪019‬‬

‫‪ -9‬فصل يف تَشريف اهلل تعاىل مبا سَمَّاه به من أمسائه احلُسنى‬


‫(‪)1‬‬
‫صفه به من صِفاته العُلى‬
‫ووَ َ‬

‫كثريا من أنبيائه بكرامة خ َلعها عليهم من أسامئه‬


‫خص ً‬ ‫فاع َل ْم أن اهلل تعاىل َّ‬
‫بشكور‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ونوح َ‬ ‫بحليم‪،‬‬
‫وإبراهيم َ‬
‫َ‬ ‫وحليم‪،‬‬ ‫َ‬
‫وإسامعيل ب َعليم َ‬ ‫َ‬
‫إسحاق‬ ‫كتَسمية‬
‫وأيوب بصابِ ٍر‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بحفيظ علي ٍم‪،‬‬ ‫ف‬ ‫ويوس َ‬ ‫وقو ٍّي‪،‬‬ ‫برب وموسى بكَري ٍم ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وحي َيى َ ٍّ‬
‫وعيسى َ‬
‫الكتاب العزيز من مواض ِع ِذكْرهم‬‫ُ‬ ‫الوعد كام ن َطق بذلك‬ ‫ِ‬ ‫بصادق‬‫ِ‬ ‫َ‬
‫سامعيل‬ ‫وإ‬
‫حاله منها يف ِكتابه‬
‫وفضل حممدً ا نب َّينا ﷺ بأن َّ‬ ‫صلوات اهلل وسالمه عىل عييعهم‪َّ ،‬‬
‫الفكْر‬‫كثرية اجتَمع لنا منها ُعيلة بعد إعامل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫العزيز وعىل َأ ْلسنة أنبيائه ِ‬
‫بعدة‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫اسم ْني‪.‬‬
‫فوق َ‬ ‫الذكْر إذ م َن ِجد َمن َ‬
‫عيع منها َ‬ ‫وإحضار ِّ‬
‫بمعنًى ُم ِ‬ ‫ِ‬
‫وسامه يف كتابه‬
‫تقارب‪َّ ،‬‬ ‫فمن َأسامئه تعاىل‪ :‬الرهف الرحيم‪ ،‬ومها َ‬
‫بذلك فقال‪ ﴿ :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﴾ [التوبة‪.]552 :‬‬

‫املبني‪ ،‬و َمعنَى احلق‪ :‬املوجود واملُتح ِّقق َأ ُ‬


‫مره‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫احلق‬
‫ومن أسامئه تعاىل‪ُّ :‬‬
‫النبي ﷺ بذلك يف كِتابه فقال تعاىل‪:‬‬
‫وسمى َّ‬ ‫أمره وإهليتُه‪َّ .‬‬
‫البني ُ‬ ‫وكذلك ا ُملبني ِ‬
‫أي‪ُ ِّ :‬‬
‫﴿ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﴾ [الزخرف‪ ،]52 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬

‫وسمى صفاته بأسامء‪ ،‬فكانت تلك األسامء خمتصة به‬


‫ّ‬ ‫سمى اهلل نفسه بأسامء‬
‫(‪ )1‬يقول ابن تيمية ‪َّ « :‬‬
‫وسمى بعض خملوقاته بأسامء خمتصة هبم مضافة إليهم توافق تلك‬ ‫ّ‬ ‫إذا أضيفت إليه ال يرشكه فيها غريه‪،‬‬
‫األسامء إذا قطعت عن اإلضافة والتخصيص‪ ،‬و م يلزم من اتفاق االسمني متاثل مساممها واحتاده عند‬
‫سمى نفسه سميعا بصريا‪ ،‬وسمى بعض خلقه‬ ‫اإلطالق والتجريد عن اإلضافة والتخصيص‪ ...‬فقد َّ‬
‫سميعا بصريا فقال‪ ﴿ :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﴾‪ ،‬وليس السميع‬
‫كالسميع‪ ،‬وال البصري كالبصري [التدمرية ‪.]53-55‬‬
‫‪ | 001‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫ﯹ ﯺ ﴾ [احلجر‪ ،]22 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﴾ [يونس‪:‬‬


‫‪ ،]542‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﴾ [األنعام‪ ،]1 :‬قيل‪ :‬حممد‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫القرآن‪ .‬و َمعناه هاهنا ضدُّ الباطل‪ ،‬واملتحقق ِصدقه و َأمره‪ ،‬وهو بمعنى األول‪.‬‬

‫ومن أسامئه تعاىل‪ :‬الشهيدُ ‪ ،‬ومعناه‪ :‬العا م‪ ،‬وقيل‪ :‬الشاهد عىل ِعباده يوم‬
‫وسامه شهيدً ا وشا‪،‬دً ا فقال‪ ﴿ :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﴾‬ ‫ِ‬
‫القيامة‪َّ ،‬‬
‫[الفتح‪ ،]2 :‬وقال‪ ﴿ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﴾ [البقرة‪ ]503 :‬وهو َ‬
‫بمعنى‬
‫األول‪.‬‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫املفضل‪ .‬وقيل‪:‬‬ ‫ِ‬
‫اخلري‪ .‬وقيل‪:‬‬ ‫الكثري‬ ‫الكريم‪ ،‬ومعناه‪:‬‬ ‫ِ‬
‫أسامئه تعاىل‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ومن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫العَل‪.‬‬
‫العفو‪ .‬وقيل‪ُّ :‬‬
‫ُّ‬
‫كريام بقولِه‪﴿ :‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ﴾ [احلاقة‪َ ]04 :‬‬
‫قيل‪ :‬حممدٌ ‪.‬‬ ‫وسامه تعاىل ً‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫جربيل‪.‬‬ ‫َ‬
‫وقيل‪:‬‬
‫ومعاين االسم صحيح ٌة يف ِ‬
‫حقه ﷺ‪.‬‬

‫كل يشء دونه‪،‬‬ ‫ِ‬


‫الشأن‪ ،‬الذي ُّ‬ ‫ُ‬
‫اجلليل‬ ‫العظيم‪ ،‬ومعناه‪:‬‬ ‫ِ‬
‫أسامئه تعاىل‪:‬‬ ‫ومن‬
‫ُ‬
‫النبي ﷺ‪﴿ :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [القلم‪.]0 :‬‬
‫وقال يف ِّ‬
‫ِ‬
‫العمل‬ ‫املثيب عىل‬ ‫الشكور»(‪ )1‬ومعناه‬ ‫ِ‬
‫احلديث‪« :‬‬ ‫ِ‬
‫أسامئه تعاىل يف‬ ‫ِ‬
‫ومن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫نوحا عليه السالم َ‬
‫فقال‪:‬‬ ‫ف بذلك نب َّيه ً‬
‫ووص َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫القليل‪ .‬وقيل‪ :‬املثني عىل املطيعني‪،‬‬
‫﴿ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ﴾ [اإلرساء‪.]3 :‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)3147‬وابن ماجه (‪ )3265‬يف حديث رسد األسامء املشهور‪.‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪000‬‬

‫شكورا»(‪ )1‬أي‪:‬‬
‫ً‬ ‫ون عبدً ا‬
‫نفسه فقال‪« :‬أفال أك ُ‬ ‫النبي ﷺ بذلك َ‬
‫صف ُّ‬‫وقد َو َ‬
‫ِ‬
‫الزيادة من ذلك‪،‬‬ ‫معرت ًفا بنع ِم ريب‪ ،‬عار ًفا ِ‬
‫بقدر ذلك‪ ،‬مثن ًيا عليه‪ ،‬جمهدً ا نفيس يف‬
‫لقولِه‪﴿ :‬ﭰ ﭱ ﭲ﴾ [إبراهيم‪.]7 :‬‬

‫وص َفه اهللُ تعاىل بذلك فقال‪:‬‬ ‫ِ‬


‫القوي وذو القوة املتني‪ ،‬وقد َ‬
‫ُّ‬ ‫أسامئه تعاىل‪:‬‬ ‫ومن‬
‫﴿ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﴾ [التكوير‪ ،]54 :‬قيل‪ :‬حممد‪ .‬وقيل‪ :‬جربيل‪.‬‬
‫النارص‪ ،‬وقد َ‬
‫قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬ﯥ‬ ‫الويل واملوىل‪ ،‬ومعنامها‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ومن أسامئه تعاىل‪ُّ :‬‬
‫كل ُم ٍ‬
‫ؤمن»(‪ )2‬وقال اهلل تعاىل‪:‬‬ ‫ويل ِّ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ﴾ [املائدة‪ ،]11 :‬وقال ﷺ‪« :‬أنا ُّ‬
‫﴿ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ﴾ [األحزاب‪.]6 :‬‬

‫الصفوح‪ ،‬وقد وصف اهلل تعاىل هبذا نب َّيه‬ ‫ِ‬


‫أسامئه تعاىل‪ :‬العفو‪ ،‬ومعناه‪:‬‬ ‫ومن‬
‫ُ‬
‫وأمره بالعفو فقال تعاىل‪﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾ [األعراف‪:‬‬ ‫ِ‬
‫يف القرآن ويف التوراة‪َ ،‬‬
‫‪ ]522‬وقال‪﴿ :‬ﯣ ﯤ ﯥ﴾ [املائدة‪.]53 :‬‬

‫نظري له‪ ،‬أو‬


‫املمتنع الغالب‪ ،‬أو الذي ال َ‬
‫ُ‬ ‫العزيز‪ ،‬ومعناه‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ومن أسامئه تعاىل‪:‬‬
‫االمتناع‬
‫ُ‬ ‫املعز لغريه‪ ،‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮔ ﮕ ﮖ﴾ [املنافقون‪ ]2 :‬أي‪:‬‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والنذارة فقال‪﴿ :‬ﭑ‬ ‫بالبشارة‬ ‫وجالل ُة القدر‪ ،‬وقد وصف اهلل تعاىل َ‬
‫نفسه‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ﴾ [التوبة‪ ]55 :‬وقال‪﴿ :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫مبرشا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ﭰ ﭱ﴾ [آل عمران‪ ]32 :‬و﴿ﯵ ﯶ﴾ [آل عمران‪ ]01 :‬وسامه اهلل تعاىل‬
‫ونذيرا ألهل معصيتِه‪.‬‬
‫ً‬ ‫مبرشا ألهل طاعته‪،‬‬
‫وبشريا‪ ،‬أي‪ً :‬‬
‫ً‬ ‫ونذيرا‪،‬‬
‫ً‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)0237‬ومسلم (‪.)5254‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)5522‬ومسلم (‪ )5652‬بمعناه‪.‬‬
‫‪ | 002‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫الباب الرابعُ‪ :‬فيما أههَ َره اهلل تعاىل على يديه من املُعجِزات وشرَفه به من‬
‫اخلَصائص والكَرامات‬
‫ِ‬
‫َجمعه ملُنكر ن َّ‬
‫ُبوة نب ِّينا ﷺ وال‬ ‫حسب املُتأ ِّمل أن حيقق أن كتابنا هذا م ن َ‬
‫وحتصني َح ْوزهتا حتى ال‬ ‫عجزاتهل فنَحتاج إىل ن َْصب الرباهني عليها‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫لطاعن يف م ِ‬
‫ُ‬
‫طاعن إليها‪ ،‬ونذكر ُرشوط املعجز والتحدِّ ي وحدَ ه‪ ،‬و َفساد قول َمن‬ ‫يتوص َل املُ ِ‬
‫َ َّ‬
‫ور َّده‪ ،‬بل َأ َّل ْفناه ألهل ِم َّلته املُل ِّبني لدعوته املصدِّ قني لنبوتهل‬
‫َأب َطل ن َْسخ الرشائع َ‬
‫ليكون تأكيدً ا يف حمبتهم له‪ ،‬و َمنام ًة ألعامهلمل ول َيزدادوا إيامنًا مع إيامهنم‪ ،‬ون َّيتُنا أن‬
‫عجزاته ومشاهري آياتهل لتَدُ َّل عىل عظيم ِ‬ ‫الباب أمهات م ِ‬ ‫نُثبِت يف هذا‬
‫قدره عند‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َّ‬
‫وأكثره مما بلغ القطع أو كاد و َأ َض ْفنا‬
‫ُ‬ ‫ربه‪ ،‬وأتينا منها باملُح َّقق والصحيح اإلسناد‪،‬‬
‫إليها بعض ما وقع يف مشاهري كُتب األئمة‪.‬‬
‫وإذا تأمل املُتأمل املُ ِ‬
‫نصف ما قدَّ مناه من عييل أ َثره‪ ،‬ومحيد سريه‪ ،‬وبراعة‬ ‫ِّ‬
‫ِع ْلمه‪ ،‬ورجاحة عقله‪ ،‬وحلمه‪ ،‬وعيلة كامله‪ ،‬وعيي ِع خصاله‪ ،‬وشاهد حاله‪،‬‬
‫وصدق دعوته‪ ،‬وقد َك َفى هذا غري ِ‬
‫واحد‬ ‫مرت يف صحة نُبوته‪ِ ،‬‬
‫وصواب مقاله م َي َ ِ‬
‫َ‬
‫يف إسالمه واإليامن به‪.‬‬
‫سالم قال‪ :‬ملَّا ِ‬
‫قدم رسول اهلل ﷺ املدين َة جئتُه ألنظر إليه‪،‬‬ ‫فعن ِ‬
‫عبد اهلل بن َ‬
‫ِ‬
‫بوجه َّ‬
‫كذاب(‪.)1‬‬ ‫وجهه ليس‬‫عر ْفت أن َ‬
‫وجهه َ‬
‫فلام اس َت َبنْت َ‬
‫َّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)5021‬وابن ماجه (‪.)5330‬‬


‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪003‬‬

‫إن احلمد هللِ‪،‬‬ ‫وروى مسلم وغريه أن ضام ًدا ملَّا و َفد عليه فقال له ُّ‬
‫النبي ﷺ‪َّ « :‬‬
‫نحمدُ ه ونستعينُه‪ ،‬من َْي ِده اهللُ فال ُم ِض َّل له‪ ،‬ومن ُيضلِ ْل فال ‪،‬ادي له‪ ،‬وأشهدُ أ ْن‬
‫ِ‬ ‫ال إله َّإال ا ُ‬
‫هلل وحده ال رشيك له‪ ،‬وأن ُحممدً ا عبدُ ه ورسو ُله»‪ ،‬قال له‪ :‬أعدْ َّ‬
‫عَل‬
‫هؤالءل ف َل َقدْ بلغن قاموس البحر‪ِ ،‬‬
‫هات يدَ َك ِ‬
‫أباي ْع َك (‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫كلامتِك‬
‫َ َ ْ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)262‬‬


‫‪ | 004‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -1‬فصل [يف أن املُعجِز مع التحدِّي من النيبِّ ﷺ قائِم‬


‫مَقام قول اهلل‪ :‬صَدَقَ عبدي]‬

‫قلوب عباده والعل ِم بذاته‬‫ِ‬ ‫قادر عىل َخلق املعرفة يف‬ ‫اع َلم أن اهللَ جل اسمه ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫واسطة لو شاء‪ ،‬كام ُح ِك َي عن ُسنته يف‬ ‫وأسامئه وصفاته وعيي ِع تَكليفاته ابتِداء دون ِ‬
‫ً‬
‫بعض أهل التفسري يف قوله‪ ﴿ :‬ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ‬ ‫بعض األنبياء‪ ،‬و َذكَره ُ‬
‫ﰀ ﴾ [الشورى‪ ،]15 :‬وجائز أن يوصل إليهم عييع ذلك ِ‬
‫بواسطة تُب ِّلغهم كال َمه‪،‬‬
‫ِ‬
‫األنبياء‪ ،‬أو من ِجنْسهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كاملالئكة مع‬ ‫البرش‬‫الواسط ُة إ َّما من غري َ‬ ‫وتكون َ‬
‫تلك‬
‫العقل‪ ،‬وإذا جاز هذا و م يست ِ‬ ‫ِ‬
‫َحل‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دليل‬ ‫كاألنبياء مع األُ َمم وال َ‬
‫مانع هلذا من‬
‫ب تَصدي ُقهم يف عييع ما‬ ‫وج َ‬
‫عجزاهتمل َ‬ ‫دل عىل ِصدْ قهم من م ِ‬ ‫الرسل بام َّ‬
‫ُ‬ ‫وجاءت‬
‫ُ‬
‫قائم َمقام قول اهلل‪َ :‬صدَ َق عبدي‪،‬‬ ‫عجز مع التحدِّ ي من النبي ﷺ ِ‬ ‫َأت َْوا بهل ألن املُ ِ‬
‫ِّ‬
‫ف َأطيعوه واتَّبِعوه‪ .‬وشاهد عىل ِصدقه فيام يقوله وهذا ٍ‬
‫كاف‪.‬‬ ‫َ‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪005‬‬

‫‪[ -2‬فصل يف معنى النيب والرسول]‬


‫ُ‬
‫والرسول بمعنًى أو بمعنَ َي ْني؟ فقيل‪ :‬مها َسوا ٌء‪،‬‬ ‫واخت َلف العلامء‪ :‬هل ُّ‬
‫النبي‬
‫وأص ُله من اإلنباء وهو اإلعالم‪ ،‬واستدَ ُّلوا بقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫النبي إال‬
‫اإلرسال‪ ،‬قال‪ :‬وال يكون ُّ‬ ‫َ‬ ‫ﮍ ﮎ ﮏ﴾ [احلج‪ ،]15 :‬فقد َأث َبت هلام م ًعا‬
‫النبوة‬ ‫ٍ‬ ‫رسوال‪ ،‬وال الرسول إال نب ايا‪ .‬وقيل‪ :‬مها ُم َ ِ‬
‫ً‬
‫فرتقان من وجه إذ قد اجت ََمعا يف َّ‬
‫بخواص النبوة أو الرفعةل ملعرفة ذلك‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫التي هي اال ِّطالع عىل ال َغ ْيب واإلعالم‬
‫ِ‬
‫باإلنذار واإلعال ِم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫للرسول‪ ،‬وهو األمر‬ ‫وافرتقا يف زيادة الرسالة‬
‫وحوز درجتها‪َ َ ،‬‬
‫برشع مبتدأ‪ ،‬ومن م ي ِ‬
‫أت به نبي‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫الرسول َمن جاء َ ْ‬ ‫بعضهم إىل أن‬ ‫ذهب ُ‬ ‫وقد َ‬
‫ِ‬
‫واإلنذار‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫رسول وإن َأمر باإلبالغ‬ ‫غري‬
‫نبي‬ ‫الغفري أن َّ‬
‫كل رسول نبي‪ ،‬وليس كل ٍّ‬ ‫ُ‬ ‫والصحيح والذي عليه اجل َّام ُء‬
‫وآخرهم حممدٌ ﷺ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الرسل آد ُم‪،‬‬
‫وأول ُ‬ ‫ً‬
‫رسوال‪َّ ،‬‬
‫بعجل‬ ‫النبي َيتل َّقى ما يأتيه من ربه َ‬
‫فلام كان ُّ‬‫الوحي فأص ُله اإلرساع‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫وأ َّما‬
‫وسم َي‬ ‫تشبها بالوحي إىل النبي‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اإلهلامات وح ًيا‬ ‫وسميت أنواع‬ ‫ُس ِّم َي وح ًيا‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬
‫ووحي احلاجب وال َّل ْحظ رسع ُة َ‬
‫إشارهتام‪ ،‬ومنه‬ ‫ُ‬ ‫يد كاتِبه‪،‬‬
‫اخل ُّط وحيا لرسعة حركة ِ‬
‫ً‬
‫قوله تعاىل‪﴿ :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﴾ [مريم‪ ،]55 :‬أي‪َ :‬أ ْو َمأ ور َمز‪،‬‬
‫ِ‬
‫الوحي‬ ‫أي‪ :‬الرسعة الرسعة‪ ،‬وقيل‪ :‬أصل‬ ‫الوحا‪ِ .‬‬
‫الوحا َ‬
‫َب‪ .‬ومنه قوهلم‪َ :‬‬
‫وقيل‪ :‬كت َ‬
‫الرس واإلخفاء‪ .‬ومنه ُس ِّم َي اإلهلا ُم وح ًيا‪ ،‬ومنه قو ُله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮋ ﮌ‬ ‫ُّ‬
‫وسوسون يف صدورهم‪ ،‬ومنه قوله‪﴿ :‬‬ ‫ﮍ ﮎ ﮏ ﴾ [األنعام‪ ،]555 :‬أي‪ُ :‬ي ِ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﴾ [القصص‪ ،]7 :‬أي‪ُ :‬أ ِلق َي يف قلبها‪ ،‬وقد قيل ذلك يف قوله‬
‫تعاىل‪ ﴿ :‬ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﴾ [الشورى‪ ،]15 :‬أي‪ :‬ما ُيلقيه يف قلبه‬
‫دون ِ‬
‫واسطة‪.‬‬ ‫َ‬
‫‪ | 006‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -3‬فصل [يف معنى املعجزة وضروبها وأقسامها]‬

‫عجزوا عن‬ ‫اع َل ْم أن معنَى تسميتنا ما جاءت به األنبيا ُء معجز ًة هو أن َ‬


‫اخللق َ‬
‫بمثلها‪ ،‬وهي عىل ُض َب ْني‪:‬‬ ‫اإلتيان ِ‬

‫َعجيزهم عنه فِعل هلل َّ‬


‫دل عىل‬ ‫فعجزوا عنه‪ ،‬فت ُ‬ ‫ُضب هو من نوع ُقدرة َ‬
‫البرش َ‬ ‫ٍ‬ ‫‪-‬‬
‫كرصفهم عن متنِّي املوت‪ ،‬وتَعجيزهم عن اإلتيان بمثل ال ُقرآن عىل‬ ‫ِ‬
‫صدق نب ِّيه َ ْ‬
‫بعضهم ونحوه‪.‬‬ ‫رأي ِ‬ ‫ِ‬

‫بمثله كإحياء املوتى‪،‬‬ ‫قدروا عىل اإلتيان ِ‬ ‫وُضب هو خارج عن ُقدرهتم فلم ي ِ‬ ‫ٍ‬ ‫‪-‬‬
‫َ‬
‫و َق ْلب العصا ح َّي ًة‪ ،‬وإخراج ناقة من َص ْخرة‪ ،‬وكالم َ‬
‫شجرة‪ ،‬و َن ْبع املاء من‬
‫القمر‪ ،‬ممَّا ال يمكن أن يفع َله أحدٌ إال اهلل‪ ،‬فكون ذلك عىل‬ ‫ِ‬
‫األصابع‪ ،‬وانشقاق َ‬
‫بمثله تعجيز له‪.‬‬ ‫كذبه أن يأِت ِ‬ ‫يد النبي ﷺ من فِ ْعل اهلل تعاىل َ‬
‫وحتدِّ يه َمن ُي ِّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫وبراهني‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ودالئل نبوته‬ ‫ِ‬
‫املعجزات التي ظهرت عىل يد نب ِّينا ﷺ‬ ‫واع َل ْم أن‬
‫وأظهرهم‬ ‫وأهبرهم آي ًة‪،‬‬ ‫ِصدقه من هذين النوعني م ًعا‪ ،‬وهو أكثر الرسل م ِ‬
‫عجزةً‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫برهانًا كام سنُبينه‪ ،‬وهي يف َك ْثرهتا ال حييط هبا َضبط‪ ،‬فإن ِ‬
‫واحدً ا منها وهو ال ُقرآن‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫النبي ﷺ قد َحتدَّ ى بسورة‬‫ال ُحيىص عدَ د ُمعجزاته ب َأ ْلف وال ألفني وال أك َث َرل ألن َّ‬
‫منه ف ُع ِجز عنها‪.‬‬
‫قسم ْني‪:‬‬
‫ثم ُمعجزاته ﷺ عىل َ‬
‫ِقسم منها ُعلِم قط ًعا‪ ،‬ون ُِقل إلينا‪ُ ،‬متواتر كال ُقرآن فال ِمري َة وال ِخالف‬
‫بمجيء النبي به‪ ،‬وظهوره من ِقبله‪ ،‬واستِدالله بحجته وإن َأنكَر هذا معانِد ِ‬
‫جاحد‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫حممد ﷺ يف الدنيا‪.‬‬ ‫فهو كإنكاره وجو َد َّ‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪007‬‬

‫ِ‬
‫والقسم الثاين‪ :‬ما م َيب ُلغ مب َلغ الرضورة وال َق ْطع‪ ،‬وهو عىل نوعني‪:‬‬
‫شتهر م ِ‬
‫نترش رواه العد ُد‪ ،‬وشاع اخلرب به عند املُحدِّ ثني والرواة ون َقلة‬ ‫‪ -‬نوع ُم ِ ُ‬
‫الس َري واألخبار‪ ،‬كنَ ْبع املاء من بني األصابع‪ ،‬وتَكثري الطعام‪.‬‬
‫ِّ‬
‫اشتهار‬ ‫اليسري‪ ،‬و م َي ِ‬
‫شتهر‬ ‫الواحد أو االثنان‪ ،‬ورواه العدَ ُد‬ ‫ِ‬ ‫َص به‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬ونوع منه اخت َّ‬
‫ِ‬
‫باملعجز كام‬ ‫غريه‪ ،‬لكنه إذا ُعيِع إىل ِم ِثله ا َّت َفقا يف املعنى‪ ،‬واجت ََمعا عىل اإلتيان‬
‫قدَّ مناه‪.‬‬
‫اآليات املأثورة عنه ﷺ معلومة‬ ‫ِ‬ ‫كثريا من هذه‬ ‫وأنا َأقول صد ًعا‬
‫باحلق‪ :‬إن ً‬‫ِّ‬
‫نص ُبوقوعه‪ ،‬و َأخرب عن ُوجوده‪ ،‬وال ُيعدَ ل‬ ‫ِ‬
‫القمر فالقرآن َّ‬ ‫بال َق ْطعل أما انشقاق َ‬
‫ٍ‬
‫كثرية‪ ،‬وال‬ ‫طرق‬ ‫ظاهره َّإال بدليل‪ ،‬وجاء برفع احتاملِه‬ ‫عن ِ‬
‫صحيح األخبار من ُ‬‫ُ‬
‫لقي‬ ‫بتدع ي ِ‬
‫نحل ُعرى الدِّ ين‪ ،‬وال يلتَفت إىل سخافة م ِ‬ ‫أخرق ُم ِّ‬
‫َ‬ ‫وهن عزمنا ِخال ُ‬
‫ف‬ ‫ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫راء ُسخ َفه‪،‬‬‫ُرغم هبذا أن َفه‪ ،‬وننبذ بالع ِ‬ ‫ِ‬
‫ضعفاء املؤمنني‪ ،‬بل ن ِ‬ ‫الشك عىل قلوب‬ ‫َّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫وكذلك ق َّصة نب ِع املاء وتَكثري الطعا ِم رواها ال ِّثقات والعد ُد الكثري عن َّ‬
‫اجلامء‬
‫ِ‬
‫الصحابة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الغفري عن العدَ د الكثري من‬

‫وإنباؤه بام َيكون وكان‪ ،‬معلوم من آياته عىل‬


‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الغيوب‬ ‫إخباره عن‬
‫ُ‬ ‫وكذلك‬
‫بالرضورة‪.‬‬
‫جلملة َّ‬
‫ا ُ‬
‫‪ | 008‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -4‬فصل يف ظعجاز القرآن‬

‫ٍ‬
‫منطو عىل وجوه من اإلعجاز‬ ‫اع َل ْم ‪-‬و َّفقنا اهلل وإياك‪ -‬أن كتاب اهلل العزيز‬
‫ِ‬
‫أنواعها يف أربعة وجوه‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ضبط‬ ‫كثرية وحتصيلها من جهة‬

‫َّأوَلا‪ُ :‬حسن تأليفه والتِئام كلِ ِمه وفصاحتُه ووجو ُه إجيازه وبالغتِه اخلارقة‬
‫ِ‬
‫اللفظ اجلَ ْزل‬ ‫ِ‬
‫الشأن‪ ،‬منهم البدوي ذو‬ ‫أرباب هذا‬ ‫ِ‬
‫العرب‪ ،‬وذلك أهنم كانوا‬ ‫عادة‬
‫َ‬
‫احلرضي‬
‫ُّ‬ ‫والقول الفصل والكالم الفخ ِم والطب ِع اجلوهري واملنز ِع القوي‪ ،‬ومنهم‬
‫ِ‬
‫السهل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اجلامعة‪ ،‬والطبع‬ ‫واأللفاظ النا ِ‬
‫صعة‪ ،‬والكلامت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البالغة البارعة‪،‬‬ ‫ذو‬
‫احلاشية‪ ،‬وكِال البابني‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرونق‪ ،‬الرقيق‬ ‫ِ‬
‫الكلفة‪ ،‬الكثري‬ ‫ِ‬
‫والترصف يف القول القليل‬
‫الناهج‪ ،‬ال‬ ‫الفالج‪ ،‬وامله َيع‬ ‫البالغة احلجة البالغة‪ ،‬والقوة الدامغ ُة‪ ،‬والقدح‬‫ِ‬ ‫فلهام يف‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫قيادهم‪ ،‬قد حووا فنوهنا‪،‬‬ ‫مرادهم‪ ،‬والبالغة ملك ِ‬ ‫ِ‬ ‫طوع‬ ‫يشكون أن الكال َم‬
‫ُ‬
‫رصحا لبلو ِغ أسباهبا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عيوهنا‪ ،‬ودخلوا من كل ٍ‬
‫باب من أبواهبا‪ ،‬وع َل ْوا‬ ‫َ‬ ‫واستنبطوا‬
‫الغث والسمني‪ ،‬وتقاولوا يف ال ُق ِّل والك ِ‬
‫ُثر‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫اخلطري واملهني‪ ،‬وتفنَّنوا يف‬ ‫فقالوا يف‬
‫ٍ‬
‫عزيز‪ ،‬ال يأتيه‬ ‫ٍ‬
‫بكتاب‬ ‫ٌ‬
‫رسول كريم‬ ‫ِ‬
‫والنثر‪ ،‬فام راعهم إال‬ ‫وتساجلوا يف النظم‬
‫َ‬
‫تنزيل من حكيم َمحيد‪ُ ،‬أحكِمت آياته‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫الباطل من بني يديه وال من ِ‬
‫خلفه‪،‬‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫العقول‪ ،‬وظهرت فصاحتُه عىل كل َمقول‪.‬‬ ‫وفصلت كلامته‪ ،‬و َهب َرت بالغته‬
‫ِّ‬
‫رجال يقر ُأ‪ ﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ً‬ ‫عبيد أن أعرابيا ِ‬
‫سمع‬ ‫ٍ‬ ‫وذكر أبو‬
‫ا‬
‫سجدْ ت لفصاحته‪.‬‬ ‫ﭣ ﭤ﴾ [احلجر‪َ ]20 :‬‬
‫فسجد وقال‪َ :‬‬
‫رج ًال َيقرأ‪ ﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﴾ [يوسف‪]24 :‬‬ ‫ِ‬
‫وسمع آخ ُر ُ‬
‫فقال‪ :‬أشهد أن خملو ًقا ال ي ِ‬
‫قدر عىل مثل هذا الكالم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪009‬‬

‫جارية فقال هلا‪ :‬قات ِ‬


‫َلك اهلل‪ ،‬ما‬ ‫ٍ‬ ‫وحكى األصمعي أنه ِ‬
‫سمع كالم‬ ‫ُّ‬
‫أفصح ِ‬
‫ك؟! فقالت‪َ :‬أ َو ُيعدُّ هذا فصاحة بعد قول اهلل تعاىل‪ ﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬ ‫َ‬
‫ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ِ‬
‫وخربين‬
‫وهنْ َي ْني َ‬ ‫ﭵ ﭶ ﴾ [القصص‪َ ،]7 :‬‬
‫فجمع يف آية واحدة بني أمرين َ‬
‫ٍ‬
‫مضاف إىل غريه عىل التحقيق‬ ‫وبِشارت َْني(‪ ،)1‬فهذا نوع من إعجازه ُم ِ‬
‫نفرد بذاته غري‬
‫والصحيح من القولني‪.‬‬

‫وأنت إذا تأ َّملت قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﴾ [البقرة‪،]572 :‬‬


‫وقوله‪﴿ :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﴾ [سبأ‪ ،]15 :‬وقوله‪:‬‬
‫﴿ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ﴾ [فصلت‪ ،]30 :‬وقوله‪﴿ :‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬
‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﴾ [هود‪ ،]00 :‬وقوله‪:‬‬
‫﴿ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﴾ [العنكبوت‪ ]04 :‬وأشباهها م َن ِ‬
‫اآلي‪،‬‬
‫بل أكثر القرآن حققت ما ب َّينته من إجياز ألفاظها‪ ،‬وكثرة معانيها‪ ،‬وديباجة عبارهتا‪،‬‬
‫َالؤم كلِمها‪.‬‬
‫وحسن تأليف حروفها‪ ،‬وت ُ‬ ‫ُ‬
‫الوجه الثاين من إعجازه‪ :‬صورة َن ْظمه العجيب‪ ،‬واألسلوب الغريب‬
‫املخالف ألساليب كالم العرب‪ ،‬ومناهج نظمها ونثرها‪ ،‬الذي جاء عليه وو َق َف ْت‬
‫مقاطع ِآي ِه‪ ،‬وانتهت فواصل كلامت إليه‪ ،‬و م يوجد قب َله وال بعده نظري له‪ ،‬وال‬
‫ُ‬
‫عقوهلم‪َ ،‬‬
‫وتذ َّهلت دونه أحال ُمهم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أحدٌ مماثل َة يشء منه‪ ،‬بل حارت فيه‬
‫استطاع َ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تفسري املاوردي ‪.536/0‬‬


‫‪ | 021‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫و َّملا ِ‬
‫سمع كال َمه ﷺ الوليدُ ب ُن املغرية وقرأ عليه القرآن َّ‬
‫رق‪ ،‬فجاءه أبو َج ْهل‬
‫أعلم باألشعار منِّي‪ ،‬واهلل ما ُيشبِه الذي َيقول‬
‫ُ‬ ‫منكِ ًرا عليه قال‪ :‬واهلل ما منكم أحدٌ‬
‫شي ًئا من هذا(‪.)1‬‬
‫العرب‬ ‫ِ‬ ‫اآلخر حني عيع ً‬ ‫خربه َ‬
‫قريشا عند ُحضور املوسم وقال‪ :‬إن وفود َ‬ ‫ويف َ‬
‫بعضا‪ .‬فقالوا‪ :‬نقول‪ِ :‬‬
‫كاهن‪ .‬قال‪ :‬واهلل ما‬ ‫بعضكم ً‬ ‫كذب ُ‬ ‫ت َِرد‪ ،‬ف َأعيِعوا فيه رأ ًيا ال ُي ِّ‬
‫بمجنون وال‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫بكاه ٍن‪ ،‬ما هو َبز ْم َزمته وال َس ْجعه‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫جمنون‪ .‬قال‪ :‬ما هو َ‬ ‫هو‬
‫الشعر‬‫عر ْفنا ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬
‫بخنقه وال َو ْسوسته‪ .‬قالوا‪ :‬فنقول‪ :‬شاعر‪ .‬قال‪ :‬ما هو بشاعر‪ ،‬قد َ‬
‫وهز َجه و َقريضه و َم ْبسوطه و َم ْقبوضه‪ ،‬ما هو بشاعر‪ .‬قالوا‪ :‬فنقول‪:‬‬ ‫رج َزه َ‬‫كلهل َ‬
‫بساحر وال نَفثِه وال َع ْقده‪ .‬قالوا‪ :‬فام نَقول؟ قال‪ :‬ما أنتُم‬
‫ِ‬ ‫ساحر‪ .‬قال‪ :‬ما هو‬ ‫ِ‬
‫باطل‪ ،‬وإن أقرب القول أنه ِ‬
‫ساحر‪ ،‬فإنه‬ ‫أعرف أنه ٌ‬ ‫بقائلني من هذا شي ًئا َّإال وأنا ِ‬
‫َ‬
‫فرق به بني املرء وأبيه‪ ،‬واملرء وأخيه‪ ،‬واملرء وزوجه‪ ،‬واملرء و َعشريته‪.‬‬ ‫ِ‬
‫س ْحر ُي ِّ‬
‫َفرقوا وج َلسوا عىل الس ُبل ُحي ِّذرون الناس‪ ،‬ف َأ َنزل اهلل تعاىل يف الوليد‪ ﴿ :‬ﯲ ﯳ‬ ‫فت َّ‬
‫ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ‬
‫ﰅ ﰆ ﰇ ﰈﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ﴾‬
‫[املدثر‪.)2( ]50 ،55 :‬‬
‫واإلعجاز بكل واحد من النوعني اإلجياز والبالغة بذاهتا‪ ،‬أو األسلوب‬
‫ُ‬
‫واحد منهام نوع إعجاز عىل التحقيق م ت ِ‬
‫َقدر العرب عىل‬ ‫الغريب بذاته‪ ،‬كل ِ‬
‫ٍ‬
‫بواحد منهام‪.‬‬ ‫اإلتيان‬

‫(‪ )1‬أخرجه احلاكم ‪.)3275( 114/5‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه ابن إسحاق يف السرية (ص‪.)515‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪020‬‬

‫الوجه الثالث من اإلعجاز‪ :‬ما ان َطوى عليه من األخبار باملُغ َّيبات‪ ،‬وما م‬
‫َيكن و م َيقع‪ِ ُ ،‬‬
‫خرب كقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯘ‬ ‫ورد وعىل الوجه الذي َأ َ‬‫فوجد كام َ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﴾ [الفتح‪ ،]57 :‬وقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﴾ [الروم‪ ،]3 :‬وقوله‪ ﴿ :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﴾ [التوبة‪ ،]33 :‬وقوله‪ ﴿ :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴﭵ ﭶﭷ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭾﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﴾ [النور‪ ،]11 :‬وقوله‪ ﴿ :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ‬
‫فارس‬
‫َ‬ ‫عييع هذا كام قالل فغ َلبت الرو ُم‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﴾ [النرص‪ ،]3 - 5 :‬فكان ُ‬
‫أفواجا فام مات عليه السالم ويف بالد‬‫ً‬ ‫الناس يف اإلسالم‬
‫ُ‬ ‫ودخل‬‫يف بِ ْضع ِسنني‪َ ،‬‬
‫العرب ك ِّلها ِ‬
‫موضع م َي ُ‬
‫دخله اإلسالم‪.‬‬

‫منه قوله‪ ﴿ :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﴾ [القمر‪ ،]01 :‬وقوله‪ ﴿ :‬ﭑ‬


‫ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ‬
‫ﭜ ﴾ [التوبة‪ ،]50 :‬وقوله‪ ﴿ :‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﴾ [التوبة‪ ،]33 :‬وقوله‪ ﴿ :‬ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﴾ [آل عمران‪:‬‬
‫ِ‬
‫واليهود ومقاهلم‬ ‫ِ‬
‫كشف أرسار املنافقني‬ ‫‪ ،]555‬فكان كل ذلك‪ ،‬وما فيه من‬
‫وكذهبم يف حلِفهم وتَقريعهم بذلك كقوله‪ ﴿ :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬ ‫ِ‬

‫ﮤ﴾ [املجادلة‪ ،]2 :‬وقوله‪ ﴿ :‬ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬


‫‪ | 022‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﴾‬
‫[آل عمران‪ ،]510 :‬وقوله‪ ﴿ :‬ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﴾ [املائدة‪ ،]05 :‬وقوله‪ ﴿ :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ‬
‫ﭮ﴾ [النساء‪ ،]06 :‬وقد قال ُمبد ًيا ما قدَّ ره اهلل واع َت َقده املؤمنون يو َم بدر‪﴿ :‬ﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ﴾‬
‫[األنفال‪ ،]7 :‬ومنه قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﴾ [احلجر‪ ،]21 :‬وملَّا‬
‫نفرا‬ ‫برش النبي ﷺ بذلك أصحا َبه بأن اهلل كَفاه إ َّياهم‪ ،‬وكان املُ ِ‬
‫ستهزئون ً‬ ‫َنزلت َّ‬
‫بمك َة ُين ِّفرون الناس عنه و ُيؤذونه َ‬
‫فهلكوا‪.‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬ما َأنبأ به من أخبار القرون السالِفة واألمم ِ‬
‫البائدة والرشائع‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الكتاب الذي‬ ‫الداثِرة مما كان ال يعلم منه ِ‬
‫القصة الواحدة َّإال الفذ من َأحبار أهل‬ ‫َّ‬
‫ق َطع ُعمره يف تَع ُّلم ذلك‪.‬‬

‫كثريا ما َيسألونه ﷺ عن هذا ف َي ِنزل عليه من القرآن‬


‫وقد كان أهل الكتاب ً‬
‫وخرب موسى واخلَرض‪،‬‬ ‫ما يتلو عليهم منه ِذكْرا ِ‬
‫كقصص األنبياء مع َق ْومهم‪،‬‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ف وإخوتِه‪ ،‬وأصحاب الكهف‪ ،‬وذي القرنني‪ ،‬و ُل َ‬
‫قامن وابنه‪ ،‬وأشباه ذلك‬ ‫وس َ‬
‫و ُي ُ‬
‫من األنباء‪.‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪023‬‬

‫نزاع فيها‪ ،‬وال ِمري َة‪.‬‬


‫هذه الوجوه األربعة من إعجازه ب ِّينة ال َ‬
‫ِ‬
‫الوجوه‪:‬‬ ‫ومن الوجوه الب ِّينة يف إعجازه من غري هذه‬

‫وردت بتعجيز قوم يف قضايا‪ ،‬وإعالمهم أهنم ال َيفعلوهنا فام ف َعلوا وال‬
‫آي َ‬
‫ٌ‬
‫قدَ روا عىل ذلك كقوله لليهود‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﴾‬
‫وأظهر‬ ‫أعظم ُحجة‬ ‫ِ‬
‫اآلية‬ ‫الزجاج‪ :‬يف هذه‬ ‫َ‬
‫إسحاق‬ ‫[البقرة‪ ،]21 - 20 :‬قال أبو‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الرسالةل ألنه قال‪ :‬فتمن َُّوا املوت‪ .‬و َأع َل َمهم أهنم لن َيتمن َّْوه أبدً ا‪،‬‬ ‫َداللة عىل صحة‬
‫تمنَّه واحد منهم(‪.)1‬‬
‫فلم َي َ‬
‫َ‬
‫نجران وأ َبوا‬ ‫وكذلك آية املُباهلة من هذا املعنَى‪ ،‬حيث وفد عليه أساقف ُة‬
‫املباهلة بقوله‪﴿ :‬ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬ ‫ِ‬ ‫اإلسالم فأنزل اهلل تعاىل عليه آي َة‬
‫ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ‬
‫ورضوا‬‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ﴾ [آل عمران‪ ]65 :‬فامتَنعوا منها َ‬
‫نبي‪ ،‬وأنه ما‬ ‫ِ‬
‫عظيمهم قال هلم‪ :‬قد علمتهم أنه ٌ‬
‫َ‬ ‫العاقب‬
‫َ‬ ‫اجلزية‪ ،‬وذلك أن‬ ‫بأداء‬
‫صغريهم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫كبريهم وال‬
‫ال َع َن قو ًما نبي قط فبقي ُ‬
‫قلوب سامعيه وأسامعهم عند َسامعه‪ ،‬واهليبة‬ ‫َ‬ ‫َلحق‬
‫ومنها‪ :‬الروعة التي ت َ‬
‫أعظم‪،‬‬ ‫كذبني به‬ ‫ِ‬
‫خطره‪ ،‬وهى عىل ا ُمل ِّ‬ ‫ِ‬
‫وإنافة‬ ‫التي تَعرتهيم عند تِالوته ِ‬
‫لقوة حاله‪،‬‬
‫ُ‬
‫انقطاعهل‬
‫َ‬ ‫نفورا كام قال تعاىل‪ ،‬ويو ُّدون‬ ‫حتى كانوا ي ِ‬
‫ستثقلون سامعه‪ ،‬و َيزيدهم‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫لكراهتهم له‪.‬‬

‫(‪ )1‬معاين القرآن وإعرابه للزجاج ‪.576/5‬‬


‫‪ | 024‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫فحكي يف الصحيح عن جبري بن مطعم قال‪ِ :‬‬


‫سمعت النبي ﷺ َيقرأ يف‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فلام ب َلغ هذه اآلي َة‪ ﴿ :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬ ‫ِ‬
‫املغرب بال ُّطور‪َّ ،‬‬
‫ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﴾‬
‫[الطور‪ ]37 - 31 :‬كا َد قلبي أن َيطري(‪.)1‬‬

‫النبي ﷺ فيام جاء به من ِخالف قومه فتال‬


‫ُّ‬ ‫وعن ُعتب َة بن ربيع َة أنه ُك ِّلم‬
‫عليهم‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ‬
‫ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ‬
‫ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫فأمسك ُعتب ُة ب َيده عىل يف ِّ‬
‫النبي ﷺ َ‬
‫وناشدَ ه‬ ‫َ‬ ‫ﭮ ﭯ ﭰ ﴾ [فصلت‪،]53 - 5 :‬‬
‫ُف(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫الرحم أن َيك َّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)0210‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه ابن إسحاق يف السرية (ص‪.)547-546‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪025‬‬

‫ومن ُوجوه إعجازه املعدودة‪ :‬كونُه آي ًة باقي ًة ال تُعدَ م ما ِبق َيت الدنيا مع‬
‫بحفظه فقال‪ ﴿ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﴾ [احلجر‪،]2 :‬‬ ‫تَك ُّفل اهلل ِ‬

‫وقال‪ ﴿ :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﴾ [فصلت‪:‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ ،]05‬وسائر ُمعجزات األنبياء ان َقضت بانقضاء أوقاهتا‪ ،‬فلم َي َبق إال خ ُ‬
‫ربها‪،‬‬
‫الظاهرة معجزاته‪ُ ،‬حجتُه قاهرة‪ ،‬ومعارضته ُممتنِعة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫والقرآن العزيز الباهر ُة آياتُه‪،‬‬
‫محلة ِعلم اللسان‪ ،‬وأئمة البالغة و ُفرسان‬‫واألعصار كلها طافِحة بأهل البيان‪ ،‬و َ‬ ‫َ‬
‫لحد فيهم كثري‪ ،‬واملعادي للرشع عتيد‪ ،‬فام منهم َمن‬ ‫الكالم‪ ،‬وجهابذة الرباعة‪ ،‬واملُ ِ‬
‫َ‬
‫عارضته‪ ،‬وال أ َّلف كلمتني يف ُم َ‬
‫ناقضته‪ ،‬وال قدَ ر فيه عىل َمط َعن‬ ‫أتى بيشء ُيؤثر يف ُم َ‬
‫صحيح‪.‬‬

‫فصل‬

‫وجوها كثريةً‪:‬‬
‫ً‬ ‫وقد عد عياع ٌة من األئمة ومق ِّلدي األمة يف إعجازه‬

‫اإلكباب عىل تالوته يزيده‬


‫ُ‬ ‫منها‪ :‬أن قارئَه ال يمله‪ ،‬وسام َعه ال يمجه‪ ،‬بل‬
‫غضا طر ايا وغريه من الكالم ولو بلغ يف‬ ‫حالوةً‪ ،‬وترديده ُيوجب له حمب ًة‪ ،‬ال يزال ا‬
‫ِ‬
‫الرتديد‪ ،‬و ُيعادى إذا ُأعيد‪ ،‬وكتابنا ُيستلذ به يف‬ ‫احلُسن والبالغة مبل َغه ُيمل مع‬
‫ويؤنس بتالوتِه يف األزمات‪ ،‬وسواء من الكتب ال يوجدُ فيها ذلك‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫اخللوات‪،‬‬
‫أصحاهبا هلا حلونًا وطر ًقا يستجلبون بتلك اللحون تنشي ُطهم عىل‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫أحدث‬ ‫حتى‬
‫قرا َءهتا‪.‬‬

‫العرب عامة‪ ،‬وال حممدٌ ﷺ قبل نبوتِه‬


‫ُ‬ ‫ومنها‪َ :‬عي ُعه لعلوم ومعارف م تَعهد‬
‫حييط هبا أحدٌ من علامء األمم‪ ،‬وال يش ُ‬
‫تمل‬ ‫ُ‬ ‫خاصة بمعرفتِها وال القيام هبا‪ ،‬وال‬
‫‪ | 026‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫ِ‬
‫والتنبيه عىل طرق‬ ‫عليها كتاب من كتبهم‪ ،‬فجمع فيه من بيان عل ِم الرشائعِ‪،‬‬
‫برباهني ٍ‬
‫قوية‪ ،‬وأدلة بينة‪ ،‬سهلة األلفاظ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫العقليات‪ ،‬والرد عىل فرق األم ِم‬ ‫ِ‬
‫احلجج‬
‫موجزة املقاصد‪ ،‬را َم املتحذلِقون بعدُ أن َينصبوا أدل ًة مثلها فلم َيقدروا عليها‪،‬‬
‫كقوله تعاىل‪﴿ :‬ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾‬
‫[يس‪.]25 :‬‬
‫ِ‬
‫وحسن‬ ‫ومنها‪ :‬عيع ُه فيه بني الدليل ومدلولِه‪ ،‬وذلك أنه احت َُج بنظ ِم القرآن‪،‬‬
‫أمره وهن ُيه ووعدُ ه ووعيدُ ه‪ ،‬فالتايل له‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وإجيازه وبالغته‪ ،‬وأثناء هذه البالغة ُ‬ ‫رصفه‪،‬‬
‫ٍ‬
‫منفردة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫واحد وسورة‬ ‫والتكليف م ًعا من كالم‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫احلجة‬ ‫موضع‬ ‫يفهم‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫املنثورل ألن‬ ‫ومنها‪ :‬أن جع َله يف ِ‬
‫حيز املنظو ِم الذي م ُيعهد و م يكن يف حيز‬
‫وأسمع يف اآلذان‪ ،‬وأحىل عىل‬
‫ُ‬ ‫املنظو َم أسهل عىل النفوس‪ ،‬وأوعى للقلوب‪،‬‬
‫أرسع‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فالناس إليه ُ‬
‫أميل‪ ،‬واألهوا ُء إليه‬ ‫ُ‬ ‫األفهام‪،‬‬

‫تيسريه تعاىل حف َظه ملتعلميه‪ ،‬وتقريبه عىل متحفظيه‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ومنها‪:‬‬
‫ُ‬
‫حيفظ كتبها الواحدُ منهم‪،‬‬ ‫وسائر األمم ال‬
‫ُ‬ ‫﴿ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ﴾ [القمر‪]57 :‬‬
‫فكيف اجلامء عىل مرور السنني عليهم‪ ،‬والقرآن ُميرس حف ُظه للغلامن يف أقرب‬
‫ٍ‬
‫مدة‪.‬‬

‫وحقيق ُة اإلعجاز‪ :‬الوجوه األربع ُة التي ذكرنا‪ ،‬فل ُيعتَمد عليها‪ ،‬وما بعدها‬
‫ِ‬
‫التوفيق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫القرآن وعجائبِه التي ال تنقيض‪ ،‬وباهلل‬ ‫خواص‬ ‫من‬
‫ِّ‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪027‬‬

‫‪ -5‬فصل يف انشِقاق القمَر‬

‫قال اهلل تعاىل‪ ﴿ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬


‫ﯗ ﯘ ﯙ ﴾ [القمر‪ ،]5 - 5 :‬أخرب تعاىل بوقوع ِ‬
‫انشقاقه ب َلفظ املايض‬
‫السنَّة عىل ُوقوعه‪.‬‬ ‫عيع املُفرسون ُ‬
‫وأهل ُّ‬ ‫وإعراض الك َفرة عن آياته‪ ،‬وأ َ‬
‫القم ُر عىل عهد َرسول اهلل ﷺ فِرقتني‪:‬‬ ‫انشق َ‬
‫ابن مسعود ‪ ‬قال‪َّ :‬‬ ‫عن ِ‬
‫فوق اجل َبل‪ ،‬وفِرقة دونَه‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ‪ْ « :‬اشهدُ وا»(‪.)1‬‬ ‫فِرقة َ‬
‫ِ‬
‫القمر‬
‫فأراهم انشقاق َ‬ ‫ُ‬ ‫رهيم آية‪،‬‬ ‫وعن أنَس‪ :‬س َأل أهل مك َة َّ‬
‫النبي ﷺ أن ُي َ‬
‫فرقتني حتى ر َأ ْوا ِحرا َء بينهام‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رصحة‪ ،‬وال ُيل َتفت إىل‬ ‫وأكثر طرق هذه األحاديث صحيح ٌة‪ ،‬واآلية ُم ِّ‬
‫ظاهر‬‫ف عىل أهل األرض‪ ،‬إذ هو يشء ِ‬ ‫اعرتاض َخمذول بأنه لو كان هذا م ََي َ‬ ‫ِ‬
‫تلك الليل َة فلم َي َر ْوه‬ ‫رصدوه َ‬ ‫ِ‬
‫األرض‪ ،‬أهنم َ‬ ‫جلميعهم‪ ،‬إذ م ُين َقل لنا عن أهل‬ ‫َ‬
‫الكذب ملا كانت علينا‬ ‫انشق‪ ،‬ولو ن ُِقل إلينا عمن ال َجيوز َمتالؤهم ‪-‬لِكثرهتم‪ -‬عىل ِ‬ ‫َّ‬
‫َّ‬
‫واحد جلميع أهل األرض‪ ،‬فقد َيط ُلع عىل قوم قبل‬ ‫به حجة‪ ،‬إذ ليس القمر يف حدٍّ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫بضدِّ ما هو من ُمقابِليهم من أقطار‬ ‫أن يط ُلع عىل اآلخرين‪ ،‬وقد يكون من قوم ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫نجد الكُسوفات يف بعض‬ ‫األرض‪ ،‬أو َحيول بني قوم وبينه سحاب أو ِجبالل وهلذا ِ‬
‫َ‬
‫عرفها إال‬ ‫بعضها ُجزئية‪ ،‬ويف بعضها كُلية‪ ،‬ويف بعضها ال َي ِ‬ ‫دون بعض‪ ،‬ويف ِ‬ ‫البالد َ‬
‫ليال‪ ،‬والعادة من‬ ‫تقدير العزيز ال َعليم‪ ،‬وآية القمر كانت ً‬ ‫لعلمها‪ ،‬ذلك‬ ‫املُدَّ عون ِ‬
‫ُ‬
‫وإجياف األَبواب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الناس بال َّل ْيل اهلدوء والسكون‪،‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)0260‬ومسلم (‪.)5244‬‬


‫‪ | 028‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -6‬فصل يف نَ ْبع املاء من بني أصابعه وتَكثريه بربَكته‬

‫َ‬
‫حديث نَبع املاء من أصابعه ﷺ‬ ‫أ َّما األحاديث يف هذا فكثري ٌة جدا ا‪ ،‬ر َوى‬
‫عياع ٌة من الصحابة‪.‬‬

‫رسول اهلل ﷺ وحانت صالة العرص‬ ‫َ‬ ‫رأيت‬


‫ُ‬ ‫فعن أنس بن مالك ‪:‬‬
‫فوضع رسول‬ ‫فأِت رسول اهلل ﷺ َبوضوء‪َ ،‬‬ ‫الوضو َء‪ ،‬فلم َجيِدوه‪َ ِ ،‬‬‫الناس َ‬
‫ُ‬ ‫فالت ََم َس‬
‫توضؤوا منه‪ ،‬قال‪ :‬فر َأ ْيت املاء َين ُبع من‬ ‫ِ‬
‫اهلل ﷺ يف ذلك اإلناء يدَ ه‪ ،‬وأ َمر الناس أن َي َّ‬
‫آخرهم(‪.)1‬‬‫َوضأ الناس حتى تَوضؤوا من عند ِ‬ ‫بني أصابعه‪ ،‬فت َّ‬
‫وأ َّما اب ُن مسعود ففي الصحيح عنه‪ :‬بينام نَحن مع رسول اهلل ﷺ وليس‬
‫ٍ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬اط ُلبوا من معه ف ْض ُل ماء»‪ ،‬ف ُأ َ‬
‫ِت بامء فص َّبه يف‬ ‫ُ‬ ‫معنا ما ٌء فقال لنا‬
‫وضع ك َّفه فيه‪ ،‬فج َعل املاء َين ُبع من بني أصابِع َرسول اهلل ﷺ(‪.)2‬‬
‫إناء ُثم َ‬
‫ويف الصحيح عن جابِر ‪ِ :‬‬
‫عطش الناس يو َم احلُديب َية ورسول اهلل ﷺ‬
‫الناس نحوه وقالوا‪ :‬ليس عندنا ما ٌء إال ما يف‬
‫ُ‬ ‫فتوضأ منها‪ ،‬وأقبل‬‫َّ‬ ‫بني يديه َركوة‪،‬‬
‫النبي ﷺ َيدَ ه يف الركوة‪ ،‬فج َعل املاء َيفور من بني أصابِ ِعه كأمثال‬
‫فوضع ُّ‬ ‫ركوتِ َك‪َ .‬‬
‫ٍ‬
‫ال ُعيون‪ ،‬وفيه‪ :‬ف ُق ْلت‪ :‬كم كُنتم‪ .‬قال‪ :‬لو كنا مئ َة ألف لكفانا‪ُ ،‬كنَّا َ‬
‫مخس عرش َة‬
‫مئة(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)562‬ومسلم (‪.)5572‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)3172‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪.)0515‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪029‬‬

‫َتطرق التُّهمة إىل‬ ‫ِ‬


‫املواطن احلفلة واجلموع الكثرية ال ت َّ‬ ‫ومثل هذا يف هذه‬
‫النفوس من ذلكل‬
‫ُ‬ ‫أرسع يشء إىل تَكذيبه ملِا ُجبِلت عليه‬
‫َ‬ ‫املُحدِّ ث بهل ألهنم كانوا‬
‫ِ‬
‫وألهنم كانوا ممَّن ال َيسكُت عىل باطل‪ ،‬فهؤالء قد َر َو ْوا هذا‪ ،‬و َأشاعوه‪َ ،‬‬
‫ونسبوا‬
‫ِ‬
‫أحدٌ من الناس عليهم ما حدَّ ثوا به عنهم أهنم‬ ‫اجلامء ال َغفري له‪ ،‬و م ُينكر َ‬
‫ُحضور َّ‬
‫وشاهدوا‪ ،‬فصار ك َتصديق عييعهم له‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ف َعلوا‬
‫‪ | 031‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -7‬فصل [تفجريُ املاء بربَكته وابتعاثه مبسه ودعوتِه]‬

‫ربكته‪ ،‬وابتعاثه بمسه ودعوتِه‪ ،‬فيام‬


‫تفجري املاء ب َ‬
‫ُ‬ ‫ومما ُيشبه هذا من ُمعجزاتِه‪:‬‬
‫العني‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫غزوة تبوك‪ ،‬وأهنم وردوا‬ ‫جبل يف قصة‬ ‫َروى مالك يف املوطأ عن معاذ بن ٍ‬
‫اجتمع يف‬ ‫الرشاك‪ ،‬فغرفوا من العني بأيدهيم حتى‬‫ِ‬ ‫تبض بشئ من ماء مثل‬ ‫وهي ُّ‬
‫َ‬
‫فجرت بامء ٍ‬
‫كثري‬ ‫وجهه ويديه‪ ،‬وأعاده فيهال َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ فيه‬ ‫يشء‪ ،‬ثم َ‬
‫غسل‬
‫الناس(‪.)1‬‬
‫فاستقى ُ‬
‫ِ‬
‫احلديبية‪ ،‬وهم‬ ‫ِ‬
‫الرباء(‪ )2‬وسلم َة بن األكوعِ‪ ،‬وحديثه أتم يف قصة‬ ‫ويف حديث‬
‫وبئرها ال تروي مخسني شاة‪ ،‬فنزحناها فلم نرتك فيها قطرةً‪ ،‬فقعد‬ ‫أربع عرش َة مئة‪ُ ،‬‬
‫َ‬
‫ِت ٍ‬
‫بدلو منا فبصق فدعا‪ ،‬وقال سلم ُة‪:‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ عىل جباها‪ ،‬قال الربا ُء‪ :‬و ُأ ِ َ‬
‫ُ‬
‫وركاهبم(‪.)3‬‬
‫َ‬ ‫فجاشت‪ ،‬ف َأ ْر َووا َ‬
‫أنفسهم‬ ‫َ‬ ‫بصق فيها‬
‫فإما دعا‪ ،‬وإما َ‬
‫جانسه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫االستسقاء وما‬ ‫كثري‪ ،‬ومنه اإلجاب ُة بدعاء‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫واحلديث يف هذا الباب ٌ‬

‫(‪ )1‬املوطأ لإلمام مالك ‪.)352( 503/5‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)0515‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)5020‬ومسلم (‪.)5247 ،5752‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪030‬‬

‫‪ -8‬فصل ومن مُعجزِاته تكثريُ الطعامِ بربكتِه ودعائه‬


‫ِ‬
‫ستطعمه ف َأط َعمه شطر َو ْسق َشعري‪ ،‬فام‬‫النبي ﷺ َي‬ ‫ٍ‬
‫جابر أن ً‬
‫رجال أتى َّ‬ ‫عن‬
‫خربه‪ ،‬فقال‪« :‬لو مل تكِ ْله‬
‫النبي ﷺ ف َأ َ‬
‫زال َيأكُل منه وامرأتُه وضي ُفه حتى كاله‪ ،‬فأتى َّ‬
‫ألك ْلتم منه ولقام بكم»(‪.)1‬‬

‫املشهور وإطعا ِمه ﷺ ثامنني ‪-‬أو َسبعني‪-‬‬ ‫ُ‬ ‫ومن ذلك حديث أيب طلح َة‬
‫حتت يده ‪-‬أي‪ :‬إِبطه‪ -‬ف َأ َمر هبا ف ُقتَّت‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫أقراص من َشعري جاء هبا ٌ‬
‫أنس َ‬ ‫رج ًال من‬
‫ُ‬
‫وقال فيها ما شا َء اهلل أن َيقول(‪.)2‬‬

‫ألف رجل من صاع شعري‬ ‫جابر يف إطعامه ﷺ يو َم اخلَندَ ق َ‬ ‫ٍ‬ ‫وحديث‬


‫ِ‬
‫ُّ‬
‫لتغط‬ ‫و َعناق‪ ،‬وقال جابر‪ :‬ف ُأقسم باهلل‪ ،‬ألَكَلوا حتى َتركوه وا َ‬
‫نحرفوا وإن ُب ْرمتنا‬
‫والربمة‬
‫بص َق يف العجني ُ‬
‫كام هي‪ ،‬وإن َعجينَنا ليخبز‪ ،‬وكان رسول اهلل ﷺ َ‬
‫وبارك(‪.)3‬‬
‫َ‬
‫النبي ﷺ ثالثني ومئ ًة‪.‬‬‫حديث عبد الرمحن بن أيب بكر‪ :‬كنَّا مع ِّ‬‫ُ‬ ‫ومن ذلك‬
‫وصنِعت شاة‪ُ ،‬‬
‫فش ِو َي َسواد َبطنها‪،‬‬ ‫صاع من طعام ُ‬ ‫ٌ‬ ‫وذكَر يف احلديث أنه ُع ِجن‬
‫حزة من َسواد بطنها‪ ،‬ثم جعل‬ ‫وايم اهلل ما ِمن الثالثني ومئة َّإال وقد َّ‬
‫حز له َّ‬ ‫قال‪ُ :‬‬
‫منها َق ْصعتني ف َأ َك ْلنا منهام أعيعون‪َ ،‬‬
‫وفضل يف ال َقصعتني َ‬
‫فح َملته عىل البعري(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)5525‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)3172‬ومسلم (‪.)5404‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)0545‬ومسلم (‪.)5432‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)5652‬ومسلم (‪.)5416‬‬
‫‪ | 032‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫فوجد‬ ‫النبي ﷺ َ‬ ‫ُ‬


‫حديث أيب هرير َة حني أصا َبه اجلوع فاستَت َبعه ُّ‬ ‫ومنه أيضا‬
‫الص َّفة قال‪ :‬ف ُقلت‪ :‬ما هذا الل َب ُن‬
‫دعو أهل ُّ‬ ‫ل َبنًا يف قدَ ح قد ُأ َ‬
‫هدي إليه‪ ،‬وأ َم َره أن َي َ‬
‫أمر النبي ﷺ له‬ ‫تقوى هبا فد َع ْوهتم‪ .‬وذكَر َ‬ ‫أصيب منه َرشبة َأ َّ‬
‫َ‬ ‫أحق أن‬
‫كنت َّ‬‫فيهم؟! ُ‬
‫ِ‬
‫اآلخر‪ ،‬حتى‬ ‫روى‪ ،‬ثم َيأخذه َ‬ ‫الرجل فيرشب حتى َي َ‬ ‫أن َيسق َيهم‪ ،‬فج َع ْلت ُأعطي ُ‬
‫فارش ْب»‬ ‫النبي ﷺ القدَ َح وقال‪« :‬ب ِق ُ‬
‫يت أنا وأنْت‪ ،‬ا ْق ُعدْ ْ‬ ‫فأخذ ُّ‬‫رو َي عيي ُعهم‪ .‬قال‪َ :‬‬ ‫ِ‬
‫قلت‪ :‬ال‪ ،‬والذي بع َث َك‬ ‫رشب حتَّى ُ‬ ‫بت‪ُ ،‬ثم قال‪ْ « :‬ارش ْب»‪ ،‬وما زال َيقوهلا و َأ َ‬‫فرش ُ‬‫ِ‬
‫ورشب ال َفضلة(‪.)1‬‬ ‫وسمى ِ‬ ‫ِ‬ ‫باحلق‪ ،‬ما ِ‬
‫فأخ َذ القدَ ح فحمد اهلل َّ‬ ‫أجدُ له مسلكًا‪َ .‬‬ ‫ِّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)6015‬‬


‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪033‬‬

‫‪ -9‬فصل يف كالم الشجَر وشهادتها له بالنبوة وظجابتها دَ ْعوته‬


‫عمر قال‪ُ :‬كنَّا مع رسول اهلل ﷺ يف س َفر فدَ نا منه أعرايب فقال‪« :‬يا‬ ‫عن ابن َ‬
‫خري؟» قال‪ :‬وما هو؟ قال‪:‬‬ ‫أعرايب‪ ،‬أين تُريدُ ؟» قال‪ :‬إىل أهَل‪ .‬قال‪،« :‬ل لك إىل ٍ‬
‫ُّ‬
‫«تشهد أن ال إله َّإال اهللُ‪ ،‬وحد ُه ال رشيك ل ُه‪ ،‬وأ َّن ُحم َّمدً ا عبدُ ه ورسو ُله» قال‪َ :‬من‬
‫الس ُمر ُة»‪ ،‬وهي بشاطِئ الوادي‪،‬‬ ‫الشجرةُ‪َّ :‬‬ ‫لك عىل ما تَقول؟ قال‪ِ ،« :‬ذ ِه َّ‬ ‫شهد َ‬ ‫َي َ‬
‫واد ُعها فإهنا جتيبك‪ ،‬ف َأق َبلت ختدُّ األرض حتى قا َمت بني يديه‪ ،‬فاست َْش َهدها ثال ًثا‬
‫رجعت إىل مكاهنا(‪.)1‬‬ ‫فشهدت أنه كام قال‪ُ ،‬ث َّم َ‬ ‫ِ‬
‫ذهب رسول اهلل ﷺ‬ ‫ِ‬ ‫جابر بن ِ‬ ‫الصحيح يف حديث ِ‬ ‫ِ‬
‫الطويل‪َ :-‬‬ ‫عبد اهلل ‪-‬‬ ‫ويف‬
‫بشاطئ الوادي‪ ،‬فان َط َلق‬ ‫ِ‬ ‫بشجرت َْني‬ ‫َيقيض حاجته‪ ،‬فلم َير شي ًئا َيست َِرت به‪ ،‬فإذا‬
‫َ‬
‫ْقادي ع َّيل بِإِ ْذ ِن‬‫فأخذ ب ُغصن من أغصاهنا‪ ،‬فقال‪« :‬ان ِ‬ ‫إحدامها‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ إىل‬
‫ْ‬
‫كالبعري املخشوش ا َّلذي ُيصانِع قائده‪ ،‬وذكَر أنه ف َعل باألُخرى‬ ‫ِ‬ ‫اهللِ» فانقادت معه‬
‫باملنصف بينَهام قال‪« :‬ا ْلتئِام ع َّيل بِإِ ْذ ِن اهللِ»‪ ،‬فال َت َأ َمتا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫مثل ذلك حتى إذا كان‬
‫سول اهللِ ﷺ‪:‬‬ ‫لك ر ُ‬ ‫قول ِ‬ ‫رة‪ :‬ي ُ‬ ‫ويف ِرواية ُأخرى قال‪« :‬يا جابر‪ُ ،‬ق ْل َلذه الشج ِ‬
‫ُ‬
‫صاحبتِ ِك ح َّت أجلِس خ ْلفكُام»‪ ،‬ففعلتل َفز َحفت حتى َحلقت بصاحبتها‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫احل ِقي بِ ِ‬ ‫ْ‬
‫رسول اهلل‬ ‫ُ‬ ‫حرض‪ ،‬وج َل ْست ُأحدِّ ث نفيس‪ ،‬فال َت َف ُّت فإذا‬ ‫فج َلس خل َفها‪ ،‬فخرجت ُأ ِ‬
‫َ ْ‬
‫ساق‪ ،‬فو َقف‬ ‫كل واحدة منهام عىل ٍ‬ ‫ِ‬ ‫افرتقتا‪ ،‬فقامت ُّ‬ ‫ﷺ مقبِ ًال‬
‫والشجرتان قد َ َ‬ ‫َ‬
‫امال(‪.)2‬‬ ‫وش ً‬ ‫رسول اهلل ﷺ وقف ًة‪ ،‬فقال بر ْأسه هكذا يمينًا ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫باجلن ليل َة‬ ‫النبي ﷺ ِ‬ ‫َت‬‫سعود ‪ :‬آ َذن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫عبد اهلل بن َم‬ ‫ويف حديث ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫شجر ٌة(‪.)3‬‬
‫است ََمعوا له َ‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو يعىل يف مسنده (‪ ،)1665‬وابن حبان ‪.)6141( 030/50‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)3455‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)3212‬ومسلم (‪.)014‬‬
‫‪ | 034‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -11‬فصل يف قصة حَنني اجلِ ْذع‬


‫اجلذع وهو يف َن ْفسه مشهور م ِ‬
‫نترش‪،‬‬ ‫حديث أنني ِ‬
‫ُ‬ ‫عضد هذه األخبار‬‫و ُي ِّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫عرش‪.‬‬
‫خرجه أهل الصحيح‪ ،‬ورواه م َن الصحابة بضعة َ‬
‫واخلرب به ُمتواتر قد َّ‬
‫َ‬
‫جابر ب ُن عبد اهلل‪ :‬كان املسجد َمسقو ًفا عىل ُجذوع نخل‪ ،‬فكان ُّ‬
‫النبي‬ ‫قال ُ‬
‫ﷺ إذا خ َطب يقوم إىل ِجذع ِمنها‪ ،‬فلام صنع له املِنرب ِ‬
‫سمعنا لذلك ِ‬
‫اجلذ ِع صوتا‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َ‬
‫كصوت ِ‬
‫العشار(‪.)1‬‬
‫‪ -11‬فصل [يف تسبيح اجلمادات]‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اجلامدات‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫فعن ابن َمسعود قال‪ :‬ل َقدْ ُكنَّا ن َ‬
‫َسمع تَسبيح‬ ‫سائر‬ ‫ومثل هذا يف‬
‫ال َّطعام وهو ُيؤكَل(‪.)2‬‬
‫ف حج ًرا بمكَّة كان ُيس ِّل ُم‬ ‫سمر َة عنه عليه السالم‪« :‬إِ ِّين أل ِ‬
‫عر ُ‬ ‫بن ُ‬ ‫جابر ِ‬‫وعن ِ‬
‫عيل»(‪.)3‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫فرجف هبمل‬ ‫وعثامن ُأ ُحدً ا َ‬
‫ُ‬ ‫مر‬
‫النبي ﷺ وأبو بكر و ُع ُ‬ ‫ُّ‬ ‫وعن أنَس‪ :‬صعد‬
‫ِ‬ ‫ت ُأحدُ ‪ ،‬فإِنَّام عليك نبي ِ‬
‫هيدان»(‪.)4‬‬ ‫وصدِّ ٌيق وش‬ ‫ٌّ‬ ‫ْ‬ ‫فقال‪« :‬ا ْث ُب ْ ُ‬
‫قرأ عىل امل ِ َنرب‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫عمر ‪ ‬أن رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫وعن ِ‬
‫ابن َ‬
‫ﭕ﴾ [األنعام‪ُ ]25 :‬ثم قال‪ُ « :‬يم ِّجدُ اجل َّب ُار ن ْفسه‪ :‬أنا اجل َّب ُار أنا اجل َّب ُار‪ ،‬أنا الك ُ‬
‫بري‬
‫خ َّر َّن عنه(‪.)5‬‬ ‫املُتعال»‪ ،‬فرجف املِنرب حتَّى ُقلنا‪ :‬لي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)3121‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)3172‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)5577‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪.)3671‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪ ،)7053 ،7055‬ومسلم (‪ ،)5722‬وأمحد ‪.)1050( 340/2‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪035‬‬

‫‪ -12‬فصل يف اآليات يف ضُروب احلَيوانات‬

‫داجن‪ ،‬فإذا كان ِعندنا َرسول اهلل ﷺ‬


‫عن عائش َة ‪ ‬قالت‪ :‬كان ِعندنا ِ‬
‫وذهب(‪.)1‬‬
‫رسول اهلل ﷺ جاء َ‬ ‫ُ‬ ‫خرج‬
‫ذهب‪ ،‬وإذا َ‬
‫قر وث َبت مكانَه‪ ،‬فلم َجيئ و م َي َ‬
‫َّ‬
‫ٍ‬ ‫ومن ذلك ِق َّصة كالم ِّ‬
‫الذئْب املَشهورة عن أيب سعيد اخلُ ِّ‬
‫دري‪ :‬بينا را ٍع َيرعى‬
‫الذئْب وقال للراعي‪:‬‬ ‫الذئب لشاة منها‪ ،‬ف َأ َخذها الراعي منه‪ ،‬ف َأق َعى ِّ‬
‫ُ‬ ‫عرض‬ ‫غن ًَام له َ‬
‫ب من ِذئْب َيتك َّلم بكال ِم‬ ‫َأال َتتَّقي اهللَ ُح ْلت بيني وبني ِر ْزقي؟! قال الراعي‪َ :‬‬
‫العج ُ‬
‫حل َّرتني‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ بني ا َ‬ ‫بأعجب من ذلك؟!‬‫َ‬ ‫الذئب‪ :‬أال ُأ ِ‬
‫خرب َك‬ ‫ُ‬ ‫اإلنس‪ .‬فقال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النبي ﷺ له‪ُ « :‬ق ْم‬ ‫النبي ف َأ َ‬
‫خربه‪ ،‬فقال ُّ‬ ‫ُحيدِّ ث الناس بأنباء ما قد س َب َق‪ .‬فأتى الراعي َّ‬
‫فحدِّ ْث ُه ْم»‪ ،‬ثم قال‪« :‬صدق»(‪.)2‬‬
‫ِ‬
‫وجابر بن عبد اهلل(‪ ،)4‬ويعىل‬ ‫ومثله يف اجلمل عن ثعلب َة بن [أيب] مالك(‪،)3‬‬
‫ِ‬
‫وعبد اهلل بن جعفر(‪ )6‬قال‪ :‬وكان ال يدخل أحدٌ احلائط إال َشدَّ عليه‬ ‫بن مرة(‪،)5‬‬
‫مشفره عىل األرض‪ ،‬وبرك بني‬
‫َ‬ ‫ضع‬
‫فو َ‬
‫النبي ﷺ دعاهل َ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫اجلمل‪ ،‬فلام دخل عليه‬
‫يعلم أين رسول اهلل‪ ،‬إال‬
‫ُ‬ ‫يديه‪ ،‬فخ َطمه وقال‪« :‬ما بني السامء واألرض ٌ‬
‫شئ إال‬
‫ِ‬
‫واإلنس»‪.‬‬ ‫اجلن‬
‫عايص ِّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد ‪.)50252( 354/05‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أمحد ‪ ،)2463( 051/53‬وأصله يف البخاري (‪.)5350‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه اآلجري يف الرشيعة ‪ ،)5470( 5122/0‬وأبو نعيم يف دالئل النبوة (‪.)525‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أمحد ‪ ،)50333( 531/55‬والدارمي (‪.)52‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أمحد ‪.)57102( 25-22/52‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه أبو داود (‪ ،)5102‬وأصله يف مسلم (‪.)305‬‬
‫‪ | 036‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -13‬فصل يف ظحياءِ املوتى وكالمِهم‬

‫رب شا ًة َمصلي ًة َس َّمتها‪ ،‬فأكل‬


‫للنبي ﷺ بخي َ‬
‫ِّ‬ ‫عن أيب هرير َة أن هيودي ًة أهدَ ت‬
‫رسول اهلل ﷺ منها‪ ،‬وأكل القو ُم‪ ،‬فقال‪« :‬ارفعوا أيديكم؛ فإَّنا أخربتني أَّنا‬
‫ِ‬
‫صنعت؟» قالت‪:‬‬ ‫ِ‬
‫محلك عىل ما‬ ‫ِ‬
‫لليهودية‪« :‬ما‬ ‫مسموم ٌة» فامت برش بن الرباء‪ ،‬وقال‬
‫أرحت الناس منك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ُ‬ ‫كنت نب ًيا م يرضك الذي صنعت‪ ،‬وإن كنت ملكًا‬
‫إن َ‬
‫فأمر هبا ف ُقتلت(‪.)1‬‬

‫‪ -14‬فصل يف ظبراءِ املَرضَى وذوي العاهات‬

‫رب ‪-‬وكان رمدً ا‪ -‬فأص َب َح ِ‬


‫بارئًا(‪.)2‬‬ ‫ت َفل النبي ﷺ يف عين َْي ٍّ‬
‫عَل يوم َخي َ‬
‫رب ِ‬
‫فربئَت(‪.)3‬‬ ‫األكو ِع يو َم خي َ‬
‫َ‬ ‫ون َفث عىل َُضبة بساق س َلم َة ِ‬
‫بن‬

‫النبي ﷺ‪« :‬ال َّل ُه َّم ْاش ِف ِه» َأ ْو‬


‫عَل بن أيب طالب فج َعل َيدعو فقال ُّ‬ ‫واشتَكى ُّ‬
‫الوجع بعدُ (‪.)4‬‬ ‫ُضبه ِبر ْجله فام اشتَكى ذلك‬ ‫ِِ‬
‫َ‬ ‫«عافه»‪ ،‬ثم َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ )0155‬بذكر القتل‪ ،‬وأخرجه البخاري (‪ )3562‬بدونه‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)3745‬ومسلم (‪.)5046‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪.)0546‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الرتمذي (‪.)3160‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪037‬‬

‫‪ -15‬فصل يف ظجابة دُعائِه ﷺ‬


‫وهذا باب واسع جدا ا‪ ،‬وإجاب ُة د ِ‬
‫عوة النبي ﷺ جلامعة بام دعا هلم وعليهم‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫جلملة َمعلوم َُضورة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫متوات ٌر عىل ا ُ‬
‫ِ‬
‫عن أنَس ‪ ‬قال‪ :‬قالت ُأمي‪ :‬يا رسول اهللِ‪ ،‬خاد ُمك أن ٌَس‪ُ ،‬‬
‫ادع اهلل له‪.‬‬
‫أنس‪ :‬فواهلل‪ ،‬إن مايل‬ ‫(‪)1‬‬ ‫قال «ال َّل ُه َّم أكْثِ ْر مال ُه وولد ُه‪ِ ،‬‬
‫وبار ْك ل ُه فيام آت ْيت ُه» ‪ .‬قال ٌ‬
‫لكثري‪ ،‬وإن ولدي وولدَ ولدي ل ُيعا ُّدون اليو َم عىل نحو املئة‪.‬‬
‫ٌ‬
‫أح ٍد َّإال‬ ‫ِ‬
‫ودعا لسعد بن أيب و َّقاص ‪ ‬أن ُجييب اهللُ دعوتَه‪ ،‬فام دعا عىل َ‬
‫ُجيب له(‪.)2‬‬
‫است َ‬
‫ِ‬
‫فسقوا‪ُ ،‬ثم شك َْوا إليه امل َطر فدَ عا َ‬
‫فصحوا(‪.)3‬‬ ‫ودعا يف االست ْسقاء ُ‬
‫فسم َي بعدُ‬
‫ِّ‬
‫(‪)4‬‬ ‫ِ‬
‫البن عباس‪« :‬ال َّل ُه َّم ف ِّق ْه ُه يف الدِّ ِ‬
‫ين‪ ،‬وع ِّل ْم ُه التَّأويل»‬ ‫ودعا‬
‫َرعيان ال ُقرآن‪.‬‬
‫َ‬ ‫حلرب‪ ،‬وت‬
‫ا َ‬
‫ودعا أل ِّم أيب ُهرير َة ف َأس َلمت(‪.)5‬‬
‫ِ‬
‫مرض ف ُأقحطوا حتى اس َت ْع َطفته قري ٌش‪ ،‬فدعا هلم ُ‬
‫فسقوا(‪.)6‬‬ ‫ودعا عىل َ َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)6300‬ومسلم (‪.)664‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪.)3715‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)233‬ومسلم (‪.)227‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)503 ،71‬وأمحد ‪.)5327( 551/0‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم (‪.)5025‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه البخاري (‪ ،)0255‬ومسلم (‪.)5722‬‬
‫‪ | 038‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫مزق اهلل ُم ْلكه(‪ ،)1‬فلم ت َ‬


‫َبق له باقية‪،‬‬ ‫مزق كتابه أن ُي ِّ‬ ‫ودعا عىل كِرسى حني َّ‬
‫ِ‬
‫أقطار الدنيا‪.‬‬ ‫لفارس ِرياسة يف‬
‫َ‬ ‫وال ِبق َيت‬

‫ستطيع‪ .‬فقال‪« :‬ال‬


‫ُ‬ ‫بشامله‪« :‬ك ُْل بِيمينِك»‪ ،‬فقال‪ :‬ال َأ‬
‫وقال لرجل رآه يأكُل ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ْاستط ْعت» فلم َير َف ْعها إىل فِ ِيه(‪.)2‬‬
‫عبد اهلل بن َمسعود ‪ ‬يف ُدعائه عىل ُق ٍ‬
‫ريش‬ ‫وحديثه املشهور من رواية ِ‬
‫ُ‬
‫وس َّامهم‪ ،‬قال‪ :‬فل َقدْ‬ ‫ِ‬
‫السىل عىل ر َقبته وهو ساجد مع ال َفرث والد ِم َ‬ ‫وضعوا َّ‬‫حني َ‬
‫رأيتُهم ُقتِلوا يو َم بدر(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)60‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)3521‬ومسلم (‪.)5720‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)5455‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪039‬‬

‫‪ -16‬فصل يف كرامته وبرَكاته وانقِالب األعيان له فيما لَ َمسه أو باشَره‬

‫فزعوا مرةً‪ ،‬فركِب رسول اهلل ﷺ‬


‫بن مالك ‪ ‬أن أهل املدينة ِ‬
‫أنس ِ‬
‫عن ِ‬
‫رجع قال‪:‬‬ ‫غريه‪ُ :‬ي َب َّطؤ‪َّ .‬‬
‫فلام َ‬ ‫قطاف‪ .‬وقال ُ‬
‫ٌ‬ ‫َفر ًسا أليب طلح َة كان َي ُ‬
‫قطف‪ ،‬أو به‬
‫بحرا»‪ ،‬فكان بعدُ ال ُجيارى(‪.)1‬‬
‫«وجدْ نا فرسك ً‬
‫ِ‬
‫خرجت ُج َّبة طيالسة‪،‬‬ ‫ويف الصحيح عن أسام َء بنت أيب َبكْر ‪ ‬أهنا َأ َ‬
‫رىض نَست َْشفي هبا(‪.)2‬‬ ‫للم َ‬ ‫ِ‬
‫وقالت‪ :‬كان َرسول اهلل ﷺ َيل َبسها‪ ،‬فنحن نَغسلها َ‬
‫للنبي ﷺ سمنًا‪ ،‬ف َأ َمرها النبي ﷺ أن ال‬ ‫ِّ‬ ‫وكان ألُ ِّم مالِك ُع َّكة(‪ُ )3‬هت ِدي فيها‬
‫تَعرصها‪ُ ،‬ثم د َفعها إليها فإذا هي َمملوءة سمنًا‪ ،‬ف َيأتيها بنوها َيس َألوهنا األد َم ‪-‬‬
‫فتجد فيها سمنًا‪ ،‬فكانت تُقيم أدمها حتى‬ ‫َعمد إليها ِ‬ ‫وليس عندهم يشء‪ -‬فت ِ‬
‫ٌ‬
‫عرص ْهتا(‪.)4‬‬
‫َ َ‬
‫العشاء يف ليلة ُمظلِمة َمطرية‪-‬‬ ‫وصىل معه ِ‬ ‫ِ‬
‫النعامن ‪َّ -‬‬ ‫وأعطى َقتاد َة ب َن‬
‫بني يديك عَشا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ومن خ ْلفك‬ ‫ً‬ ‫ُعرجونًا وقال‪« :‬انطل ْق به فإِنَّه س ُيِضء لك من ِ ْ‬
‫طان»‪،‬‬ ‫َشا‪ ،‬فإذا دخ ْلت بيتك فسَتى سوا ًدا ْ ِ‬
‫فارض ْب ُه ح َّت ُي ُرج؛ فإ َّن ُه َّ‬
‫الش ْي ُ‬ ‫عًْ‬
‫خرج(‪.)5‬‬
‫فرضبه حتى َ‬
‫ووجد السوا َد َ‬
‫دخل بيتَه‪َ ،‬‬ ‫ُ‬
‫العرجون حتى َ‬ ‫فان َط َلق ف َأضا َء له‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5267‬ومسلم (‪.)5347‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)5462‬‬
‫(‪( )3‬ال ُعكَّة)‪ :‬آنية السمن‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪.)5524‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أمحد ‪.)55650( 562-562/52‬‬
‫‪ | 041‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫احلوائل باللبن الكَثري ِ‬


‫كق َّصة شاة ُأ ِّم َمع َبد(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشياه‬ ‫ومنه َبركته يف درور‬
‫َ‬
‫وشاة امل ِ ِ‬
‫قداد(‪.)2‬‬
‫جوه ال ُك َّفار وقال‪« :‬شا‪ِ ،‬‬
‫نني ورمى هبا يف و ِ‬
‫ت‬ ‫ُ‬ ‫وأخذ َقبضة من تُراب يوم ُح ٍ َ‬ ‫َ‬
‫مسحون ال َقذى عن َأع ُينِهم(‪.)3‬‬
‫فانرصفوا َي َ‬
‫الوجو ُه»‪َ َ ،‬‬
‫ُ‬
‫النسيان فأمره ببسط ثوبه‪ ،‬وغرف ِ‬
‫بيده فيه‪ُ ،‬ثم‬ ‫َ‬ ‫َ ََ َْ‬ ‫وشكا إليه أبو هرير َة ‪‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫نيس شي ًئا بعدُ (‪.)4‬‬
‫بض ِّمه فف َعل‪ ،‬فام َ‬
‫أ َم َره َ‬
‫بن عبد اهلل ودعا له‪ ،‬وكان ُذ ِك َر له أنه ال َيث ُبت عىل‬‫جرير ِ‬‫ِ‬ ‫صدر‬
‫َ‬ ‫وُضب‬‫َ‬
‫َ ِ (‪)5‬‬ ‫أفر ِ‬
‫العرب وأث َبتهم ‪.‬‬ ‫س َ‬ ‫ِ‬
‫اخليل‪ ،‬فصار من َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه الطربي يف تارَيه ‪.177/55‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)5411‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)5777‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)552‬ومسلم (‪.)5025‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪ ،)3436‬ومسلم (‪.)5071‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪040‬‬

‫‪ -17‬فصل [فيما أُطلع عليه من الغيوب]‬

‫ِ‬
‫الباب‬ ‫ُ‬
‫واألحاديث يف هذا‬ ‫ومن ذلك ما ُأ ْطلِ َع عليه م َن ال ُغيوب وما َيكون‪،‬‬
‫بحر ال ُيدرك قعره‪ ،‬وال ينزف غمره‪ ،‬وهذه املعجز ُة من عيلة م ِ‬
‫عجزاته املعلومة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ربها عىل التواترل لكَثرة ُرواهتا واتِّفاق معانيها عىل‬‫عىل ال َق ْطع الواصل إلينا‪ ،‬خ ُ‬
‫االطالع عىل ال َغ ْيب‪.‬‬
‫عن ُحذيف َة قال‪ :‬قام فينا َر ُ‬
‫سول اهلل ﷺ مقاما فام َترك شي ًئا َيكون يف َمقامه‬
‫ِ‬
‫نسيه‪ ،‬قد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫علمه‬ ‫ذلك إىل قيام الساعة َّإال حدَّ ثه‪ ،‬حف َظه َمن حف َظه‪ ،‬ونس َيه َمن َ‬
‫ِ‬
‫فأعرفه ف َأذكُره كام َيذكُر الرجل وج َه‬ ‫هؤالء‪ ،‬وإنه ل َيكون منه اليشء‬‫ِ‬ ‫أصحايب‬
‫عر َفه(‪.)1‬‬
‫الرجل إذا غاب عنه‪ُ ،‬ثم إذا رآه َ‬
‫ُ‬
‫خرج أهل الصحيح واألئمة ما َأع َل َم به أصحا َبه ﷺ ِممَّا وعَدَ هم به من‬ ‫وقد َّ‬
‫واليمن‪ ،‬والشام‪ ،‬والعراق‪،‬‬ ‫قدس‪،‬‬ ‫الظهور عىل أعدائه‪ ،‬و َفتْح مك َة‪ ،‬وبيت املَ ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫األمن حتى تظعن املرأ ُة من ِ‬
‫احلرية إىل م َّك َة ال َختاف إال اهللَ‪ ،‬وأن ا َملدينة‬ ‫ِ‬ ‫و ُظهور‬
‫غد ِ‬
‫يومه‪ ،‬وما َيفتَح اهلل عىل ُأ َّمته من الدنيا‬ ‫ُغزى‪ ،‬وتُفتح خيرب عىل يدَ ي عَل يف ِ‬ ‫ست َ‬
‫ْ ٍّ‬ ‫ُ‬
‫وقسمتهم كنوز كِرسى و َقيرص‪ ،‬وما َحيدُ ث بينهم من الفتون‬ ‫ويؤتون من َزهرهتا‪ِ ،‬‬
‫ْ‬
‫الرتك‪ .‬و َذهاب ِكرسى‬ ‫َ‬ ‫تاهلم‬ ‫ِ‬
‫وسلوك َسبيل َمن قبلهم‪ ،‬وق ُ‬ ‫واالختالف واألهواء‪ُ ،‬‬
‫ِ‬

‫قيرص بعدَ ه‪ ،‬وأن‬


‫َ‬ ‫فارس بعدَ ه‪ ،‬و َذهاب قيرص حتَّى ال‬
‫َ‬ ‫وفارس حتى ال كِرسى وال‬ ‫َ‬
‫عامرا تَقتُله ِ‬
‫الفئة الباغي ُة‪.‬‬ ‫ً‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)6640‬ومسلم (‪.)5225‬‬


‫‪ | 042‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫ِ ٍ‬
‫بري»(‪َ ،)1‬فر َأ ْومها‬
‫اب و ُم ٌ‬‫ون ِيف ثقيف ك َّذ ٌ‬ ‫وقال عليه الصالة والسالم‪« :‬ي ُك ُ‬
‫عقره اهلل‪ ،‬وأن فاطِم َة َّأو ُل أهلِه ُحلو ًقا به‪ ،‬و َأ َ‬
‫نذر‬ ‫احلجاج واملُختار‪ ،‬وأن مسيلِم َة ي ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬
‫بالر َّدة‪.‬‬
‫ِّ‬
‫ؤخرون الصالة عن وقتِها‪ ،‬وال تَقوم‬
‫خرب بشأن ُأ َو ْيس ال َق ْرين‪ ،‬وب ُأ َمرا َء ُي ِّ‬
‫و َأ َ‬
‫َ‬
‫قحطان‪.‬‬ ‫رج ٌل من‬
‫لناس ب َعصاه ُ‬
‫الساعة حتى َيسوق ا َ‬
‫رش ِمنْ ُه»(‪.)2‬‬ ‫وقال‪« :‬ال ي ِأِت ز ٌ‬
‫مان َّإال وا َّلذي ب ْعد ُه ٌّ‬
‫مة ِمن ُق ٍ‬
‫ريش»‪ ،‬قال أبو ُهرير َة راويه‪ :‬لو‬ ‫الك ُأمتي عىل يدي ُأغيلِ ٍ‬
‫ْ‬ ‫وقال‪َّ ُ ،« :‬‬
‫سم ْيتهم لكُم َبنو ُفالن و َبنو ُفالن(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫ش ْئت َّ‬
‫وأن ُق ً‬
‫ريشا واألحزاب ال َيغزونه أ َبدً ا وأنه هو َيغزوهم‪.‬‬
‫وتان الذي يكون بعد فتح بيت املَ ِ‬
‫قدس‪.‬‬ ‫وأخرب باملُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وأهنم يغزون يف البحر كاملُلوك عىل ِ‬
‫األرسة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫فارس‪.‬‬
‫َ‬ ‫وأن الدِّ ين لو كان َمنو ًطا بال ُّثر َّيا لنا َله ِرجال من أبناء‬

‫ت ُمنافِ ٍق»(‪ ،)4‬فلام َر َجعوا إىل‬


‫ت مل ِو ِ‬
‫ريح يف َغزاة فقال‪،« :‬اج ْ ْ‬
‫وهاجت ٌ‬
‫َ‬
‫وجدوا ذلك‪.‬‬
‫املدينة َ‬
‫وبش ْأن كِتاب حاطِ ٍ‬
‫ب إىل أهل مك َة‪.‬‬ ‫الشمل َة وحيث هي‪َ ،‬‬
‫غل ْ‬ ‫و َأع َلم بالذي َّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)5101‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)7462‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪.)3641‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪.)5725‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪043‬‬

‫وعن َم ِ‬
‫صارع ِ‬
‫أهل َبدْ ر فكان كام قال‪.‬‬
‫ني عظيمتني من‬ ‫ني فِئت ْ ِ‬
‫إن ا ْبنِي ‪،‬ذا س ِّيدٌ وس ُي ْصلِ ُح اهللُ ِبه ب ْ ِ‬ ‫احلسن‪َّ « :‬‬
‫وقال يف َ‬
‫رض بِك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫املسلِمني»(‪ ،)1‬ول َس ْع ٍد‪« :‬لع َّلك ُخت َّل ُ‬
‫ف ح َّت ينْتفع بِك أ ْقوا ٌم وي ْست َّ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫وأخرب ب َقتْل ِ‬
‫أهل ُمؤت َة يوم ُقتلوا وبينهم َمسرية شهر أو أزيدُ ‪َ ،‬‬
‫وبم ْوت‬ ‫َ‬ ‫آخرون»(‪،)2‬‬
‫النجايش يوم مات وهو ب َأ ْرضه‪.‬‬
‫ِّ‬
‫لطول ِ‬
‫ِ‬
‫يدها‬ ‫ب‬ ‫ُ‬
‫أطوهلن َيدً ا‪ ،‬فكانت زين ُ‬ ‫وأخرب أن َأ َ‬
‫رسع أزواجه به ُحلو ًقا‬ ‫َ‬
‫بالصدَ قة‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)5740‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)0042‬ومسلم (‪.)5652‬‬
‫‪ | 044‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -18‬فصل يف عِصمة اهلل تعاىل له من الناس وكِفايته مَ ْن آذاهُ‬

‫قال اهلل تعاىل‪ ﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ﴾ [املائدة‪ ،]67 :‬وقال اهلل تعاىل‪:‬‬


‫﴿ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﴾ [الطور‪ ،]02 :‬وقال‪ ﴿ :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﴾‬
‫ٍ‬
‫حممدً ا ﷺ أعدا َءه املُرشكني‪ .‬وقيل ُ‬
‫غري هذا‪ ،‬وقال‪﴿ :‬ﭥ‬ ‫[الزمر‪ ،]36 :‬قيل‪ :‬بكاف َّ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ﴾ [احلجر‪ ،]21 :‬وقال‪ ﴿ :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ﴾ [األنفال‪.]34 :‬‬

‫عن عائش َة ‪ ‬قالت‪ :‬كان النبي ﷺ ُحي َرس حتى َنز َلت هذه اآلي ُة‪:‬‬
‫رأسه من ال ُق َّبة‬
‫رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫ُ‬ ‫خرج‬ ‫﴿ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﴾ [املائدة‪ ،]67 :‬ف َأ َ‬
‫ِْصفوا؛ فقدْ عصمنِي ر ِّيب ع َّز وج َّل»(‪.)1‬‬ ‫َّاس‪ ،‬ان ِ‬
‫فقال هلم‪« :‬يا أ َُّيا الن ُ‬
‫ومنه العرب ُة املشهور ُة والكفاي ُة التام ُة عندما أخا َفتْه قريش وأعي َع ْت عىل قتلِه‬
‫ُض َب اهلل تعاىل عىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فخر َج عليهم من بيته فقام عىل رؤوسهم وقد َ‬ ‫وب َّيتوه‪َ ،‬‬
‫وخلص منهم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫رؤوسهم‬ ‫الرتاب عىل‬ ‫وذر‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫أبصارهم َّ‬
‫عشم حني ِ‬
‫اهلجرة وقد ج َع َلت ُق ٌ‬
‫ريش فيه‬ ‫بن مالِك بن ُج ُ‬
‫وقصتُه مع ُرساق َة ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بكر ا ِ‬
‫قرب منه دعا عليه‬ ‫جلعائل‪ ،‬ف ُأنذر به‪ ،‬فركب َ‬
‫فرسه فا َّت َبعه حتى إذا ُ‬ ‫ويف أيب ٍ َ‬
‫فخ َّر عنها‪ ،‬واس َت ْق َسم باألزال ِم‪َ ،‬‬
‫فخرج له ما‬ ‫قوائم َفرسه‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫فساخ ْت‬ ‫النبي ﷺ‬
‫ُّ‬
‫لتفت‪ ،‬وأبو بكر ‪‬‬ ‫سمع قراءة النبي ﷺ وهو ال ي ِ‬ ‫يكره‪ ،‬ثم ركِب ودنا حتى ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫للنبي ﷺ‪ُ :‬أتِينا‪ .‬فقال‪ ﴿« :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﴾ [التوبة‪،»]04 :‬‬ ‫ِ‬
‫َيلتفت‪ ،‬وقال ِّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي (‪.)3406‬‬


‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪045‬‬

‫مثل الدُّ َخان‪،‬‬ ‫فساخت ثانية إىل ركبتها وخر عنها‪َ ،‬فزجرها‪ ،‬فنه َضت ول ِ ِ‬
‫قوائمها ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫النبي ﷺ أمانًا كتَبه اب ُن ُفهريةَ‪ ،‬وقيل‪ :‬أبو بكر‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫فناداهم باألَمان‪ ،‬فكتَب له‬
‫فانرصف يقول‬ ‫لحق هبم‪َ َ ،‬‬ ‫رتك أحدً ا َي َ‬ ‫النبي ﷺ أن ال َي ُ‬‫و َأخربهم باألخبار‪ ،‬وأ َم َره ُّ‬
‫ِ‬
‫للناس‪ :‬كُفيتم ما هاهنها‪ .‬وقيل‪ :‬بل قال َهلُام‪ :‬أراكام َد َع ْومتا َّ‬
‫عَل فا ْد ُع َوا يل(‪.)1‬‬

‫قريشا ِلئ ْن رأى حممدً ا يصَل ل َي َط َأ َّن‬ ‫وعد ً‬ ‫وعن أيب هريرة ‪ ‬أن أبا جهل َ‬
‫وىل هار ًبا ناكِ ًصا عىل‬ ‫قرب منه َّ‬ ‫صىل النبي ﷺ َأع َلموه‪ ،‬ف َأق َبل‪َّ ،‬‬
‫فلام ُ‬ ‫فلام َّ‬ ‫رقبتَه‪َّ ،‬‬
‫نارا ِكدْ ت‬ ‫ٍ‬ ‫َع ِقبيه متَّقيا بيديه‪ِ ،‬‬
‫أرش ْفت عىل َخندَ ق َمملوء ً‬ ‫فسئل فقال‪ :‬ملا َدن َْوت منه َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ً‬
‫مأل ِ‬ ‫ِ‬
‫ت األرض‪ .‬فقال ﷺ‪:‬‬ ‫وخ ْف َق أجنحة قد َ َ‬ ‫عظيام‪َ ،‬‬
‫ً‬ ‫برصت ً‬
‫هوال‬ ‫َأهوي فيه‪ ،‬و َأ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النبي ﷺ‪ ﴿ :‬ﮔ ﮕ‬ ‫«ت ْلك املالئك ُة ل ْو دنا ال ْختطف ْت ُه ُع ْض ًوا ُع ْض ًوا»‪ ،‬ثم ُأ ِنزل عىل ِّ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ‬
‫ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ‬
‫ﯵ ﯶ ﯷ ﴾ [العلق‪.]52 - 6 :‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3651‬ومسلم (‪.)5442‬‬


‫‪ | 046‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -19‬فصل [يف أنبائه مع املالئكة واجلن]‬


‫ِ‬
‫وإمداد‬ ‫املالئ ِ‬
‫كة واجل ِّن‬ ‫ِ‬ ‫أنباؤه مع‬ ‫صائصه ﷺ وكَراماته ِ‬
‫وباهر آياته ُ‬ ‫ومن َخ ِ‬

‫ورؤية كثري من أصحابه هلم‪.‬‬ ‫اهلل له باملالئكة وطاعة ِ‬


‫اجل ِّن له ُ‬
‫قال اهلل تعاىل‪ ﴿ :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﴾ [التحريم‪ ،]0 :‬وقال‪ ﴿ :‬ﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﴾ [األنفال‪ ،]55 :‬وقال‪ ﴿ :‬ﭑ‬
‫ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱ ﴾ [األنفال‪ ]54 - 2 :‬اآليتني‪ ،‬وقال‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﴾‬
‫[األحقاف‪.]52 :‬‬

‫عن عبد اهلل قال‪ ﴿ :‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﴾ [النجم‪ ،]52 :‬قال‪ :‬ر َأى‬
‫ربيل عليه السالم يف ُصورته له ِستُّمئة َجناح(‪.)1‬‬
‫ِج َ‬

‫شاهدَ ه من‬ ‫ِ‬


‫وغريمها من املالئكة وما َ‬ ‫َ‬
‫وإرسافيل‬ ‫واخلرب يف ُحمادثته مع ِج َ‬
‫ربيل‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كَثرهتم وع َظم ُص َور بعضهم ليلة اإلرساء َمشهور‪ ،‬وقد رآهم َ‬
‫بح ْرضته عياعة من‬
‫رجل‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫مواط َن ُخمتلفة‪ ،‬فر َأى أصحا ُبه‬
‫جربيل عليه السالم يف صورة ُ‬ ‫أصحابه يف‬
‫َيس َأله عن اإلسالم واإليامن(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3535‬ومسلم (‪.)570‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)14‬ومسلم (‪.)2‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪047‬‬

‫البارحة؛ لِي ْقطع ع َّيل صالِت‪ ،‬فأ ْمكنِني‬


‫إن ش ْيطانًا تف َّلت ِ‬ ‫وقال عليه السالم‪َّ « :‬‬
‫سج ِد ح َّت تن ُظروا إل ْي ِه‬ ‫سار ٍية من س ِ‬
‫واري امل ِ‬ ‫اهللُ ِمنْ ُه‪ ،‬فأخ ْذ ُت ُه‪ ،‬فأر ْد ُت أن أربِط ُه إىل ِ‬
‫ت د ْعوة أخي ُسل ْيامن‪ ﴿ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ‬ ‫ُك ُّلك ُْم فذك ْر ُ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﴾ [ص‪ ،]31 :‬فرده اهللُ ِ‬
‫خاسئًا»(‪.)1‬‬ ‫َّ ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)065‬ومسلم (‪.)105‬‬


‫‪ | 048‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -21‬فصل [يف ظخبار أهل الكتاب بصفاته ﷺ]‬

‫الرهبان‬ ‫الئل نُبوته وعالمات ِرسالته ما تَرا َدفت به‬ ‫ومن د ِ‬


‫األخبار عن ُّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫واسمه وعالماته‪ِ ،‬‬
‫وذكْر‬ ‫ِ‬ ‫واألحبار و ُعلامء أهل الكتُب من ِصفته ِ‬
‫وصفة ُأ َّمته‪،‬‬
‫اخلاتَم ا َّلذي بني كتِ َف ْيه‪.‬‬
‫ِ‬
‫واألوس بن‬ ‫وحدين ا ُملتقدِّ مني من ِش ْعر ُت َّبع‬
‫وما ُو ِجد من ذلك يف أشعار املُ ِّ‬
‫بن ساعدةَ‪ ،‬وما ذكر عن َس ْيف‬ ‫بن ُجماشع و ُق ِّس ِ‬ ‫فيان ِ‬
‫وس َ‬ ‫ِ‬
‫حارث َة وكعب بن ُل ٍّ‬
‫ؤي ُ‬
‫عمرو بن نُفيل وورقة بن نوفل‬ ‫بن ِذي َي َزن وغريهم‪ ،‬وما عرف به من َأ ْمره زيد بن ِ‬
‫وخربه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وعثكالن احلمريي و ُعلامء َهيود وشامول عاملهم صاحب ُت َّبع من صفته َ‬
‫عيعه العلامء وب َّينوه ونقله‬ ‫ِ‬
‫التوراة واإلنجيل ممَّا قد َ‬ ‫وما ُأ ِلف َي من ذلك يف‬
‫وكعب‬
‫ٌ‬ ‫وخمرييق‬‫سالم وابن َْى َسعي َة وابن يامني ُ‬ ‫ابن َ‬‫عنهام ثِقات َمن أس َلم منهم مثل ِ‬
‫احلبشة وصاحب ُبرصى‬ ‫ِ‬ ‫وأشباههم ِممَّن َأس َلم من علامء َهيو َد و َبحرياء ونسطور‬
‫والنجايش ونَصارى من احلبشة‬
‫ِّ‬ ‫وضغاطر و َأس ُقف الشام واجلارود َ‬
‫وسلامن ومتيم‬
‫ِ‬
‫وأساقف ن َْجران غريهم ممن أس َلم من علامء النَّصارى‪.‬‬

‫رقل‪ ،‬وصاحب رومة عاملِا النصارى ورئيساهم‪،‬‬ ‫اعرتف بذلك ِه ُ‬ ‫وقد َ َ‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب وأخوه‬ ‫رص والشيخ صاحبه وابن صوريا وابن أخ َط َ‬ ‫و ُمقوقس صاحب م َ‬
‫والزبري بن باطيا وغريهم من ُعلامء اليهود ِممَّن َ‬
‫محله احلسدُ‬ ‫أسد َّ‬ ‫و َك ْعب بن َ‬
‫الشقاوة‪ ،‬واألخبار يف هذا كثري ٌة ال ت ِ‬
‫َنحرص‪.‬‬ ‫والنفاس ُة عىل البقاء عىل َّ‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪049‬‬

‫‪ -21‬فصل [فيما ههر من آيات قبل النبوة وبعدها]‬

‫حرضه من‬ ‫ِ‬


‫مولده‪ ،‬وما َحكته أمه ومن‬ ‫ومن ذلك ما ظهر من اآليات عند‬
‫َ‬
‫خرج معه عند والدتِه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫العجائب‪ ،‬وما رأته من النور الذي َ‬
‫ِ‬
‫ودرور لبنها له‪ ،‬ولبن‬ ‫تعرفت به حليم ُة وزوجها ظِئراه من بركته‬
‫وما َّ‬
‫ِ‬
‫وحسن نشأته‪.‬‬ ‫وخصب ِ‬
‫غنمها‪ ،‬ورسعة شبابِه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫شارفها‪،‬‬
‫َ‬
‫اسرتاق‬ ‫ِ‬
‫رصد الشياطني‪ ،‬ومنعهم‬ ‫ومن ذلك حراس ُة السامء بالشهب‪ ،‬وقطع‬
‫ِ‬
‫اجلاهلية‪ ،‬وما خصه اهلل‬ ‫ِ‬
‫والعفة عن أمور‬ ‫السمع‪ ،‬وما نشأ عليه من ُبغض األصنام‬
‫إزاره‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫به من ذلك ومحاه حتى يف سرته يف اخلري املشهور عند بناء الكعبة‪ ،‬إذ أخذ َ‬
‫إزاره‬ ‫َ‬
‫ليحمل عليه احلجار َة وتعرى فسقط إىل األرض حتى رد َ‬ ‫ليجعله عىل عاتقه‬
‫ُ‬
‫إظالل اهلل له بالغامم يف سفره‪.‬‬ ‫عليه‪ ،‬ومن ذلك‬
‫ِ‬
‫اخللوة إليه حتى ُأوحي إليه‪ ،‬ثم إعال ُمه بموته ودنو أجلِه‪.‬‬ ‫حتبيب‬ ‫ومن ذلك‬
‫ُ‬
‫وختيري اهلل له عند موتِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وأن بني بيتِه وبني منربه روض ًة من رياض اجلنة‪،‬‬
‫ظهر عىل أصحابه من‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫حديث الوفاة من كراماته وترشيفه‪ ،‬إىل ما َ‬ ‫اشتمل عليه‬ ‫وما‬
‫كرامتِه وبركتِه‪.‬‬
‫‪ | 051‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -22‬فصل [يف كون معجزاته ﷺ أههر من سائر معجزاتِ الرسل ]‬


‫ِ‬
‫معجزات الرسل بوجهني‪:‬‬ ‫أظهر من سائر‬ ‫ومعجزات نبينا ﷺ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫أحدمها‪ :‬كثرهتا‪ ،‬وأنه م يؤت نبي معجز ًة إال وعند نبينا مث ُلها‪ ،‬أو ما هو ُ‬
‫أبلغ‬
‫اإلعجاز فيه عند بعض ِ‬
‫أئمة املحققني‬ ‫ُ‬ ‫معجز وأقل ما يقع‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫القرآن‪ ،‬وكله‬ ‫منها‪ ،‬فهذا‬
‫سورة‪﴿ :‬ﮆ ﮇ ﮈ﴾ أو آي ُة يف قدرها‪ ،‬وذهب ُ‬
‫بعضهم إىل أن كل آية‬
‫كل ٍ‬
‫عيلة منتظمة منه معجزةٌ‪ ،‬وإن كانت‬ ‫منه كيف كانت معجزة‪ ،‬وزاد آخرون أن َّ‬
‫واحلق ما ذكرناه أ ً‬
‫وال لقول تعاىل‪﴿ :‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ﴾‬ ‫ُّ‬ ‫ٍ‬
‫كلمة أو كلمتني‪،‬‬ ‫من‬
‫ُ‬
‫يطول بس ُطه‪.‬‬ ‫أقل ما حتداهم به مع ما ينرص هذا من ٍ‬
‫نظر وحتقيق‬ ‫[البقرة‪ ]53 :‬فهو ُّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫مهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وضوح معجزاته ﷺ‪ ،‬فإن معجزات الرسل كانت بقدر َ‬
‫ُ‬ ‫الوجه الثاين‪:‬‬
‫أهل زماهنم‪ ،‬وبحسب الف ِّن الذي سام فيه قرنُه‪.‬‬

‫فلام كان زم ُن موسى غاي ُة علم أهله السح ُرل بعث إليهم موسى بمعجزة‬
‫عادهتم‪ ،‬و م يكن يف قدرهتم‬
‫قدرهتم عليه‪ ،‬فجاءهم منها ما خرق َ‬
‫َ‬ ‫تُشبه ما يدعون‬
‫َ‬
‫وأبطل سحرهم‪.‬‬

‫الطب‪ ،‬وأوفر ما كان أه ُله‪ ،‬فجاءهم ٌ‬


‫أمر‬ ‫ُّ‬ ‫زمن عيسى أغنى ما كان‬
‫وكذلك ُ‬
‫رص‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األكمه واألب ِ‬ ‫ال يقدرون عليه وأتاهم ما م حيتسبوه من إحياء ِ‬
‫امليت‪ ،‬وإبراء‬
‫سائر معجزات األنبياء‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫دون معاجلة وال طب‪ ،‬وهكذا ُ‬
‫ِ‬
‫وعلومها أربعة‪ :‬البالغ ُة‪،‬‬ ‫ثم إن اهلل تعاىل بعث حممدً ا ﷺ وعيل ُة معارف العرب‬
‫ِ‬
‫األربعة فصول‪.‬‬ ‫َ‬
‫القرآن اخلارق هلذه‬ ‫رب‪ ،‬والكهانة‪ ،‬فأنزل عليه‬
‫والشعر‪ ،‬واخل ُ‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪050‬‬

‫حلجة ِّ‬
‫لكل أمة تأِت‪،‬‬ ‫ثم بق َيت هذه املعجز ُة اجلامعة ثابت ًة إىل يوم القيامة بين َة ا ُ‬
‫بانقراضهم وعدمت بعدم ِ‬
‫ذواهتا‪ ،‬ومعجز ُة نبينا‬ ‫ِ‬ ‫وسائر معجزات الرسل انقرضت‬
‫تضمحلل وهلذا أشار عليه السالم‬ ‫ُّ‬ ‫ﷺ ال تبيد وال تنقطع‪ ،‬وآياتُه تتجدد وال‬
‫البَش‪ ،‬وإنام كان‬
‫ُ‬ ‫نبي إال ُأعطي من اآليات ما مثلِه آمن عليه‬‫بقوله‪« :‬ما من األنبياء ٌّ‬
‫أكثر‪،‬م تاب ًعا يوم القيامة»(‪.)1‬‬
‫إيل‪ ،‬فأرجو أين ُ‬ ‫الذي ُأ ُ‬
‫وتيت وح ًيا أوحاه اهلل َّ‬
‫ِ‬
‫األنبياء حتى‬ ‫بعض العلامء وج ُه ظهور آيته عىل سائر آيات‬‫ِ‬ ‫وقد غاب عن‬
‫ِ‬
‫ووفور عقوهلا‪ ،‬وأهنم‬ ‫ِ‬
‫وذكاء ألباهبا‪،‬‬ ‫احتاج للعذر عن ذلك ِ‬
‫بدقة أفهام العرب‪،‬‬
‫بحسب إدراكِهم‪ ،‬وغريهم من‬ ‫ِ‬ ‫أدركوا املعجز َة فيه بفطنتِهم‪ ،‬وجاءهم من ذلك‬
‫ِ‬
‫السبيل‪ ،‬بل كانوا من الغباوة وقلة‬ ‫وغريهم م يكونوا هبذه‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫إرسائيل‪،‬‬ ‫القبط وبني‬
‫السامري ذلك يف‬ ‫وجوز عليهم‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫فرعون أنه رهبم‪،‬‬ ‫الفطنة بحيث جوز عليهم‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬
‫املسيح مع إعياعهم عىل صلبِه‪﴿ ،‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬ ‫العجل بعد ِ‬
‫إيامهنم‪ ،‬وعبدوا‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ﴾ [النساء‪.]517 :‬‬
‫بقدر ِغ ِ‬
‫لظ أفهامهم ما ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لألبصار‬ ‫فجا َءهتم من اآليات الظاهرة البينة‬
‫يشكون فيه‪ ،‬ومع هذا فقالوا‪﴿ :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ﴾ [البقرة‪ ]11 :‬و م‬
‫خري‪ ،‬والعرب‬ ‫يصربوا عىل امل ِّن والسلوى‪ ،‬واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو ٌ‬
‫تتقرب باألصنام إىل اهلل ُزلفى‪،‬‬
‫ُ‬ ‫يعرتف بالصانع‪ ،‬وإنام كانت‬
‫ُ‬ ‫عىل جاهليتِها أكثرها‬
‫ِ‬
‫وصفاء ُلبه‪ ،‬وملا‬ ‫الرسول ﷺ بدليل عقلِه‬
‫ِ‬ ‫ومنهم من آم َن باهلل وحدَ ه من ِ‬
‫قبل‬
‫الرسول بكتاب اهلل فهموا حكمتَه وتبينوا بفضل إدراكهم ألول وه ٍ‬
‫لة‬ ‫ُ‬ ‫جاءهم‬
‫َ ْ‬
‫معجزتَهل فآمنوا به‪ ،‬وازدادوا كل يوم إيامنًا‪ ،‬ورفضوا الدنيا ك َّلها يف صحبته‪،‬‬
‫ديارهم وأمواهلم‪ ،‬وقتلوا آبا َءهم وأبنا َءهم يف نرصته‪.‬‬
‫وهجروا َ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)0225‬ومسلم (‪.)515‬‬
‫‪ | 052‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪053‬‬

‫القسمُ الثاني‪ :‬فيما جيبُ على األنامِ من حقوقِه ﷺ‬


‫‪ | 054‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪055‬‬

‫وجمموعها يف‪:‬‬ ‫ٍ‬


‫أبواب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أربعة‬ ‫قسم خلَّصنا فيه الكال َم يف‬
‫ُ‬ ‫هذا ٌ‬
‫تصديقه واتِّباعه يف سنَّته وطاعتِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجوب‬ ‫‪-‬‬

‫ناصحتِه‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪ -‬وحم َّبتِه و ُم‬
‫ِ‬
‫وتوقريه وبِ ِّره‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫قربه ﷺ‪.‬‬ ‫ِ‬


‫وزيارة ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالة عليه والتسلي ِم‪،‬‬ ‫‪ -‬وحك ِم‬
‫‪ | 056‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫الباب األول‪ :‬يف فرضِ اإلميان به ووجوبِ طاعته واتِّباع سنَّته‬

‫اإليامن به وتصدي ُقه فيام أتى به‪.‬‬


‫ُ‬ ‫وجب‬
‫َ‬ ‫نبوتُه ﷺ وصح ُة رسالتِه‬
‫إذا تقرر َّ‬
‫قال اهلل تعاىل‪( :‬ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [التغابن‪ ،]2:‬وقال‪:‬‬
‫( ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الفتح‪]2-2 :‬‬
‫وقال‪ ( :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﯣ) [األعراف‪.]512 :‬‬

‫يصح إسال ٌم إال‬ ‫ُ‬ ‫فاإليامن بالنبي ٍ‬


‫ُ‬
‫اإليامن إال به‪ ،‬وال ُّ‬ ‫يتم‬
‫تعني ال ُّ‬
‫واجب ُم ٌ‬
‫ٌ‬ ‫حممد ﷺ‬ ‫ِّ‬
‫معهل قال تعاىل‪( :‬ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ) [الفتح‪.]53 :‬‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ قال‪ُ « :‬أمرت أن أقاتل الناس‬ ‫وعن أيب هرير َة ‪ ،‬عن‬
‫جئت به‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك عصموا‬
‫ُ‬ ‫حت يشهدوا أن ال إله إال اهلل‪ ،‬ويؤمنوا يب‪ ،‬وبام‬
‫وحساِبم عىل اهلل»(‪.)1‬‬
‫ُ‬ ‫ِمنِّي دماء‪،‬م وأمواَلم إال بح ِّقها‪،‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5206‬ومسلم (‪.)55‬‬


‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪057‬‬

‫‪ -1‬فصل [يف وجوب طاعته]‬

‫اإليامن به وتصدي ُقه فيام جاء به وجبت‬


‫ُ‬ ‫وجب‬
‫َ‬ ‫وجوب طاعتِه فإذا‬
‫ُ‬ ‫وأما‬
‫طاعتُهل ألن ذلك مما أتى به‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪( :‬ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ) [األنفال‪ ،]54:‬وقال‪( :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [آل عمران‪،]35:‬‬
‫وقال‪( :‬ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [آل عمران‪ ،]535:‬وقال‪:‬‬
‫(ﭡ ﭢ ﭣ) [النور‪ ،]10:‬وقال‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ)‬
‫[النساء‪ ،]24:‬وقال‪ ( :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [احلرش‪،]7:‬‬
‫وقال‪ ( :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [النساء‪ ،]62:‬وقال‪( :‬ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [النساء‪ ،]60:‬فجعل تعاىل طاع َة رسولِه طا َعتَه‪،‬‬
‫ِ‬
‫بسوء‬ ‫الثواب و َأ ْو َعدَ عىل خمال َفتِه‬
‫ِ‬ ‫بج ِ‬
‫زيل‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫وو َعدَ عىل ذلك َ‬
‫وقرن طاعتَه بطاعته‪َ ،‬‬
‫واجتناب ِ‬
‫هنيه‪.‬‬ ‫امتثال ِ‬
‫أمره‬ ‫َ‬ ‫قاب وأوجب‬ ‫ِ‬
‫الع ِ‬
‫َ‬
‫واألئم ُة‪ :‬طاع ُة الرسول يف التزا ِم ُسنَّتِه والتسلي ِم ملا جاء به‪،‬‬
‫َّ‬ ‫قال املُ ِّ‬
‫فرسون‬
‫رض طاعتَه عىل َمن أرس َله إليهم‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫رسول إال َف َ‬ ‫وما أرسل اهلل من‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬من أطاعني فقد أطاع اهلل ومن‬ ‫وعن أيب ُهرير َة قال‪ :‬إن‬
‫عصاين فقد عىص اهلل‪ ،‬ومن أطاع أمريي فقد أطاعني ومن عىص أمريي فقد‬
‫ٌ‬
‫امتثال ملا أمر‬ ‫طاعة اهلل‪ ،‬إذ اهلل أمر بطاعتِه‪ ،‬فطاعتُه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرسول من‬ ‫ِ‬
‫عصاين»(‪ ،)1‬فطاع ُة‬
‫اهلل به وطاع ٌة له‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)7537‬ومسلم (‪.)5231‬‬


‫‪ | 058‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫دركات َجهنَّم‪( :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬ ‫وقد حكى اهلل عن الك َّف ِ‬


‫ار يف َ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [األحزاب‪ ،]66:‬فتمنَّوا طاعتَه حيث ال‬
‫ينفعهم التمنِّي‪ ،‬وقال ﷺ‪« :‬إذا َّنيتُكم عن ٍ‬
‫َشء فاجتنبوه‪ ،‬وإذا أمرتُكم ٍ‬
‫بأمر فأتوا‬ ‫ُ‬
‫منه ما استطعتُم»(‪.)1‬‬

‫ويف حديث أيب هرير َة ‪ ،‬عنه ﷺ‪« :‬ك ُُّل أمتي يدخلون اجلنَّة إال من‬
‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬ومن َيأ َبى؟ قال‪« :‬من أطاعني دخل اجلنَّة ومن عصاين‬ ‫أب » قالوا‪ :‬يا‬
‫فقد أب »(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)7522‬ومسلم (‪.)5337‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)7524‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪059‬‬

‫‪ -2‬فصل [يف وجوب اتباعه]‬


‫ِ‬
‫واالقتداء َهبديه فقد قال اهلل تعاىل‪( :‬ﭮ‬ ‫وأما وجوب ات ِ‬
‫ِّباعه‪ ،‬وا ِ‬
‫متثال ُسنَّته‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [آل عمران‪ ،]35:‬وقال‪:‬‬
‫(ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ) [األعراف‪ ،]512:‬وقال‪( :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ)‬
‫[النساء‪ ]61:‬أي‪ :‬ينقادون حل ِ‬
‫كمك‪.‬‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫وقال تَعاىل‪ ( :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ِّباع‬ ‫ِ‬
‫الرسول االقتدا ُء به‪ ،‬واالت ُ‬ ‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [األحزاب‪ ،]55:‬واألسو ُة يف‬
‫وترك خمالفتِه يف ٍ‬
‫قول أو ٍ‬
‫فعل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫لسنَّتِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وعن ِ‬
‫رباض بن ساري َة يف حديثه يف َموعظة ِّ‬
‫النبي ﷺ أنه قال‪« :‬فعليكم‬ ‫الع‬
‫وحم ِ‬
‫دثات‬ ‫اخللفاء الراشدين املهديني‪ ،‬ع ُّضوا عليها بالنو ِ‬
‫اجذ وإ َّياكم ُ‬ ‫ِ‬ ‫وسن َِّة‬
‫ِّ‬ ‫بسنَّتي ُ‬
‫ُ‬
‫دثة بدع ٌة‪ ،‬وك َُّل بِ ٍ‬
‫دعة ضالل ٌة»)‪.(1‬‬ ‫كل ُحم ٍ‬
‫مور فإن َّ‬ ‫األُ ِ‬

‫فتنزه‬ ‫رسول اهلل ﷺ شي ًئا َّ‬


‫ترخص فيه‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫صنع‬ ‫حديث عائش َة ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ويف‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫اليشء‬ ‫فح ِمد اهلل ثم قال‪« :‬ما ُ‬
‫بال قو ٍم يتنزَّ‪،‬ون عن‬ ‫النبي ﷺ َ‬ ‫عنه قو ٌم‪ ،‬فبلغ ذلك َّ‬
‫ألعلمهم باهلل وأشدُّ ‪،‬م له خشي ًة»(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫أصن ُعه؟! فواهلل إين‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)0647‬والرتمذي (‪ ،)5676‬وابن ماجه (‪.)03 ،05‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)6545‬ومسلم (‪.)5316‬‬
‫‪ | 061‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫هبديه وسريتِه ﷺ فعن‬ ‫ِ‬


‫واالقتداء ِ‬ ‫واألئم ِة من اتِّباع سنتِه‬ ‫ِ‬
‫السلف‬ ‫وأما ما ورد عن‬
‫َّ‬
‫سيد أنه سأل عبدَ اهلل بن عمر فقال‪ :‬يا أبا ِ‬
‫عبد‬ ‫خالد بن َأ ٍ‬ ‫رجل من آل ِ‬
‫ٍ‬ ‫هاب‪ ،‬عن‬‫ابن ِش ٍ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫السفر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫القرآن‪ ،‬وال نجد صال َة‬ ‫ِ‬
‫احلرض يف‬ ‫ِ‬
‫اخلوف وصال َة‬ ‫الرمحن‪ ،‬إنَّا نجدُ صال َة‬
‫نعلم‬ ‫فقال اب ُن عمر ‪ :‬يا اب َن أخي‪ ،‬إن اهلل َ‬
‫بعث إلينا حممدً ا ﷺ وال ُ‬
‫نفعل كام رأيناه ُ‬
‫يفعل‪.‬‬ ‫شي ًئا‪ ،‬فإنام ُ‬

‫واللح ِن‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫والفرائض‬ ‫عمر بن اخل َّطاب ‪ ‬إىل ُع َّامله بتع ُّلم السن َِّة‬
‫وكتب ُ‬
‫بالس ِ‬
‫ننل فإن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ناسا ُجيادلونكم ‪-‬يعني‪ :‬بالقرآن‪ -‬فخذوهم ُّ‬ ‫أي‪ :‬اللغة‪ ،‬وقال‪ :‬إن ً‬
‫أعلم بكتاب اهلل‪.‬‬
‫أصحاب السنن ُ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل‬ ‫رأيت‬
‫ُ‬ ‫أصنع كام‬
‫ُ‬ ‫خربه حني صىل بذي احلُلي َف ِة ركعتني فقال‪:‬‬
‫ويف ِ‬
‫صنع(‪.)1‬‬
‫ﷺ َي ُ‬
‫ِ‬
‫االجتهاد يف البِدعةِ(‪.)ِ2‬‬ ‫خري من‬ ‫ٍ‬
‫وكان اب ُن مسعود يقول‪ :‬القصدُ يف السنة ٌ‬
‫ِّباعها(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ إال ات ُ‬ ‫وقال الشافعي‪ :‬ليس يف ِ‬
‫سنة‬ ‫ُّ‬
‫ترض‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تنفع وال ُّ‬
‫حجر ال ُ‬
‫ٌ‬ ‫األسود‪ :-‬واهلل‪ ،‬إنك‬ ‫احلجر‬ ‫عمر ‪-‬ونظر إىل‬
‫وقال ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ُيق ِّب ُلك ما ق َّبلتُك(‪ ،)4‬ثم ق َّب َله‪.‬‬
‫َ‬ ‫رأيت‬
‫ولوال أين ُ‬
‫وفعال َن َط َق باحلكمة‪،‬‬
‫ً‬ ‫قوال‬ ‫عثامن احلريي‪ :‬من أمر السنَّ َة عىل ِ‬
‫نفسه ً‬ ‫َ‬ ‫وقال أبو‬
‫َّ َ‬ ‫ُّ‬
‫نفسه َن َط َق بالبد َع ِة(‪.)5‬‬
‫ومن أمر اهلوى عىل ِ‬
‫َّ‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)625‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الدارمي (‪.)553‬‬
‫(‪ )3‬األم للشافعي ‪.50/1 ،325/0 ،526/3‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)5127‬ومسلم (‪.)5574‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الثعلبي يف تفسريه‪ ،‬وأبو نعيم يف احللية ‪ ،500/54‬والبيهقي يف الزهد (‪.)352‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪060‬‬

‫‪ -3‬فصل [يف مغبة خمالفة أمره ﷺ]‬

‫ذالن‬ ‫متوعدٌ من اهلل تعاىل عليه ِ‬


‫باخل ِ‬ ‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫ضالل وبدع ٌة‬ ‫ُ‬
‫وتبديل سنته‬ ‫وخمالف ُة ِ‬
‫أمره‬
‫والعذاب‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ ( :‬ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬ ‫ِ‬
‫ﮗ ﮘ) [النور‪ ،]63:‬وقال‪ ( :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [النساء‪.]551:‬‬
‫َ‬
‫احلديث يف‬ ‫رسول اهلل ﷺ خرج إىل املَ ِ‬
‫قربة ‪ ...‬وذكر‬ ‫َ‬ ‫وعن أيب ُهرير َة أن‬
‫الضال‪ُ ،‬‬
‫فأنادَيم‪ :‬أال‬ ‫ُّ‬ ‫البعري‬ ‫ٌ‬
‫رجال عن حويض كام ُيذا ُد‬ ‫صفة أ َّمته‪ ،‬وفيه‪« :‬فل ُيذاد َّن‬
‫ُ‬
‫فسح ًقا»)‪.(1‬‬
‫فسح ًقا‪ُ ،‬‬ ‫‪ُ ،‬ل َّم‪ ،‬أال ‪ُ ،‬ل َّم‪ .‬ف ُيقال‪ :‬إَّنم قد بدَّ لوا بعدك‪ .‬فأقول‪ُ :‬‬
‫فسح ًقا‪ُ ،‬‬
‫وروى أنس أن النبي ﷺ قال‪« :‬من ِ‬
‫رغب عن ُسنَّتي فليس منِّي»(‪.)2‬‬ ‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫وقال‪« :‬من أدخل يف ِ‬
‫أمرنا ما ليس منه فهو ر ٌّد»(‪.)3‬‬
‫ِ‬
‫ني أحدكم ُمتَّكئًا عىل‬‫النبي ﷺ قال‪« :‬ال ُأ ْلف َّ‬
‫وروى اب ُن أيب راف ٍع عن أبيه عن ِّ‬
‫فيقول‪ :‬ال أدري ما وجدنا‬ ‫ُ‬ ‫يت عنه‪،‬‬
‫أمرت به أو َّن ُ‬ ‫األمر من أمري مما‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫أريكته‪ ،‬يأتيه ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ُ‬ ‫حديث املِقدا ِم‪« :‬أال وإن ما ح َّرم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كتاب اهلل اتَّبعناه»(‪ ،)4‬زاد يف‬ ‫يف‬
‫حرم اهلل»(‪.)5‬‬ ‫ُ‬
‫مثل ما َّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5367‬ومسلم (‪.)502‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)1463‬ومسلم (‪.)5045‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)5627‬ومسلم (‪.)5752‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)0641‬والرتمذي (‪ ،)5663‬وابن ماجه (‪.)53‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)5660‬وابن ماجه (‪.)55‬‬
‫‪ | 062‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫وقال ﷺ‪،« :‬لك املُتن ِّطعون»(‪.)1‬‬


‫رسول اهلل ﷺ ُ‬
‫يعمل‬ ‫ُ‬ ‫لست تاركًا شي ًئا كان‬
‫ديق ‪ُ :‬‬ ‫الص ُ‬ ‫وقال أبو ٍ‬
‫بكر ِّ‬
‫أمره أن َ‬
‫أزيغ(‪.)2‬‬ ‫به إال ِ‬
‫عملت به‪ ،‬إين َأخشى إن تركت شي ًئا من ِ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)5674‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)3423‬ومسلم (‪.)5712‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪063‬‬

‫الباب الثاني‪ :‬يف لُزومِ َمحبَّته ﷺ‬

‫قال اهلل تعاىل‪( :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬


‫ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ‬
‫ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ‬
‫وح َّج ًة عىل إلزام َحم َّبته‬
‫وتنبيها ودالل ًة ُ‬
‫ً‬ ‫ﮜ) [التوبة‪ ،]50:‬فكفى هبذا َح اضا‬
‫واستحقاقه هلا ﷺل إذ َّقرع تعاىل من كان ما ُله‬ ‫ِ‬ ‫وع َظ ِم خطرها‬‫فرضها ِ‬
‫ووجوب ِ‬
‫أحب إليه من اهلل ورسولِه وأوعَدَ هم بقولِه تعاىل‪( :‬ﮒ ﮓ‬ ‫َّ‬ ‫وأه ُله وولده‬
‫فسقهم بتام ِم اآلية‪ ،‬وأع َل َمهم أهنم ممن َض َّل و م هيده اهلل‪.‬‬
‫ﮔﮕﮖ) ثم َّ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬ال ُيؤم ُن أحدُ كم حت أكون‬ ‫أنس ‪ ‬أن‬ ‫وعن ٍ‬
‫ِ‬
‫والناس أمجعني»(‪.)1‬‬ ‫ولده ووالِده‬
‫أحب إليه من ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫اإليامن‪ :‬أن يكون اهلل ورسو ُله‬ ‫ثالث من ك َُّن فيه وجد حالوة‬ ‫وعنه ﷺ‪ٌ « :‬‬
‫ِ‬
‫الكفر كام‬ ‫ب املرء ال ُحي ُّبه إال هلل‪ ،‬وأن يكره أن يعود يف‬
‫أحب إليه مما سوامها‪ ،‬وأن ُحي َّ‬
‫َّ‬
‫يكره أن ُيقذف يف النار»(‪.)2‬‬
‫أحب إ َّيل من كل‬
‫ُّ‬ ‫للنبي ﷺ‪َ :‬ألَنت‬
‫ِّ‬ ‫عمر بن اخلطاب ‪ :‬أنه قال‬ ‫وعن َ‬
‫ؤمن أحدُ كم حت أكون‬ ‫يشء إال نفيس التي بني جنبي‪ .‬فقال النبي ﷺ‪« :‬لن ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َ َّ‬
‫أحب إليه من ِ‬
‫الكتاب‪َ ،‬ألَنت ُّ‬
‫أحب إ َّيل من‬ ‫َ‬ ‫نفسه»‪ .‬فقال عمر‪ :‬والذي َ‬
‫أنزل عليك‬ ‫َّ‬
‫عمر»(‪.)3‬‬
‫النبي ﷺ‪« :‬اآلن يا ُ‬
‫جنبي‪ .‬فقال له ُّ‬
‫َّ‬ ‫نفيس التي بني‬

‫(‪ )1‬البخاري (‪ ،)51‬ومسلم (‪.)00‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)56‬ومسلم (‪.)03‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪.)6635‬‬
‫‪ | 064‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -1‬فصل يف ثوابِ َمحبَّته ﷺ‬

‫َ‬
‫رسول اهلل؟‬ ‫النبي ﷺ فقال‪ :‬متى الساع ُة يا‬
‫أنس ‪ :‬أن رجال أتى َّ‬ ‫عن ٍ‬
‫ٍ‬
‫صدقة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫صالة وال صو ٍم وال‬ ‫أعددت هلا من ِ‬
‫كثري‬ ‫ُ‬ ‫قال‪« :‬ما أعددت َلا؟» قال‪ :‬ما‬
‫ولكني ُأ ُّ‬
‫حب اهلل ورسو َله‪ ،‬قال‪« :‬أنت مع من أحببت»(‪.)1‬‬

‫أحب»(‪.)2‬‬
‫املرء مع من َّ‬
‫النبي ﷺ‪ُ « :‬‬
‫وقال ُّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)6575‬ومسلم (‪.)5632‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)3622‬ومسلم (‪.)5632‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪065‬‬

‫‪ -2‬فصل فيما روي عن السلفِ واألئمةِ من مَحبَّتهم للنيبِّ ﷺ وشَوقِهم له‬

‫ناس‬ ‫ِ‬ ‫َ‬


‫رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬من أشدِّ أمتي يل ُح ًّبا ٌ‬ ‫عن أيب هرير َة ‪ ‬أن‬
‫يكونون بعدي يو ُّد أحدُ ‪،‬م لو رآين بأ‪،‬لِه وماله»(‪.)1‬‬

‫أحب إ َّيل من رسول اهلل‬


‫َّ‬ ‫ِ‬
‫العاص ‪ :‬ما كان أحدٌ‬ ‫وعن ِ‬
‫عمرو بن‬
‫ﷺ(‪.)2‬‬

‫ُسلم أحب إيل من‬ ‫ِ‬


‫للعباس ‪ :‬أن ت َ‬ ‫عمر بن اخلطاب قاله‬
‫ونحوه عن َ‬
‫َ‬
‫إسحاق أن‬ ‫أحب إىل رسول اهلل ﷺ(‪ ،)3‬وعن ابن‬
‫ُّ‬ ‫أن ُيسلم اخلطابل ألن ذلك‬
‫األنصار ُقتل أبوها وأخوها وزوجها يوم ٍ‬
‫أحد مع رسول اهلل ﷺ فقالت‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫امرأ ًة من‬
‫َ‬
‫خريا‪ ،‬هو بحمد اهلل كام حتبني‪ .‬قالت‪َ :‬أرونيه‪ ،‬حتى‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ؟ قالوا‪ً :‬‬ ‫ما فعل‬
‫أنظر إليه‪ ،‬فلام رأته قالت‪ُّ :‬‬
‫كل مصيبة بعدك جلل(‪.)4‬‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫سفيان بن‬ ‫أهل مك َة زيدُ بن الدَّ ِ‬
‫ثنة من احلرم ليقتلوه قال له أبو‬ ‫أخرج ُ‬ ‫وملا‬
‫َ‬
‫حرب‪ُ :‬أنشدك باهلل يا زيدُ ‪ ،‬أحتب أن حممدً ا اآلن عندنا مكانك ُترضب عن ُقه وأنك‬
‫يف أهلِك؟ فقال زيدٌ ‪ :‬واهلل ما ُأحب أن حممدً ا اآلن يف مكانه الذي هو فيه تصي ُبه‬
‫ُ‬
‫سفيان‪ :‬ما رأيت من الناس أحدً ا حيب أحدً ا‬ ‫جالس يف أهَل‪ ،‬فقال أبو‬
‫ٌ‬ ‫شوك ٌة وأين‬
‫أصحاب ٍ‬
‫حممد حممدً ا ﷺ(‪.)5‬‬ ‫ِ‬ ‫كحب‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)5235‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)555‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البزار ‪.)0250( 525/55‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬سرية ابن هشام ‪ ،22/5‬تاريخ الطربي ‪.133/5‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬سرية ابن هشام ‪ ،575/5‬تاريخ الطربي ‪.105/5‬‬
‫‪ | 066‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -3‬فصل يف عالمةِ حمبَّته ﷺ‬

‫أحب شي ًئا آثره وآثر ُموا َف َقتَه‪ ،‬وإال م يكن صاد ًقا يف ح ِّبه وكان‬
‫َّ‬ ‫اعلم أن من‬
‫عالمات ذلك عليه‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َظهر‬
‫النبي ﷺ من ت ُ‬ ‫ُ‬
‫فالصادق يف حب ِّ‬ ‫ُمدَّ ع ًيا‪،‬‬
‫ِ‬
‫أوامره‬ ‫ُ‬
‫وامتثال‬ ‫ِّباع أقوالِه وأفعالِه‬ ‫ُ‬
‫واستعامل سنَّته وات ُ‬ ‫االقتداء به‬
‫ُ‬ ‫وأو َُلا‪:‬‬
‫َّ‬
‫واجتناب نوا‪،‬يه والتأ ُّد ُب بآدابِه يف ُعُسه و ُيُسه ومنشطه ومكر‪،‬ه‪ ،‬وشاهدُ هذا‬
‫ُ‬
‫قو ُله تعاىل‪( :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ)‪.‬‬

‫وموافقة شهوتِه‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬


‫وحض عليه عىل ‪،‬وى نفسه ُ‬ ‫وإيثار ما رشعه‬
‫ُ‬
‫(ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ‬
‫ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [احلرش‪.]2:‬‬
‫أحب شيئًا أكثر ذكره‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النبي ﷺ‪ :‬كثر ُة ذكره له؛ فمن َّ‬
‫ومن عالمات حمبة ِّ‬
‫حيب لقاء حبيبِه‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫حبيب ُّ‬ ‫شوقه إىل لقائِه‪ُّ ،‬‬
‫فكل‬ ‫ومنها‪ :‬كثر ُة ِ‬

‫ِ‬
‫قدومهم املدين َة‪ ،‬أهنم كانوا َيرجتزون‪:‬‬ ‫ني عند‬
‫ويف حديث األشعر ِّي َ‬
‫غـدً ا نلقى األح َّبه‬
‫(‪)1‬‬
‫حممدً ا وصح َبه‬
‫ِ‬
‫نكسار‬‫وإظهار اخلشو ِع واال‬
‫ُ‬ ‫وتوقريه عند ِذكره‪،‬‬
‫ُ‬ ‫تعظيمه له‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ومن عالماتِه‪:‬‬
‫مع سام ِع اسمه‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد ‪ ،)55456( 23/52‬والنسائي يف الكربى ‪.327/7‬‬


‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪067‬‬

‫أهل بيتِه وصحابتِه من‬


‫النبي ﷺ ومن هو بسببه من ِ‬
‫أحب ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ومنها‪ :‬حم َّبتُه ملن‬
‫غض من أبغضهم وس َّبهمل فمن‬ ‫ِ‬
‫واألنصار‪ ،‬وعداو ُة من عاداهم‪ ،‬و ُب ُ‬ ‫املُهاجرين‬
‫أحب شي ًئا أحب من ُحيب‪.‬‬
‫َّ‬
‫وقد قال ﷺ يف فاطم َة ‪« :‬إَّنا بضع ٌة ِمنِّي؛ ي ِ‬
‫غضبني ما أغضبها»(‪.)1‬‬ ‫ُ‬
‫وقال لعائش َة يف أسام َة بن ٍ‬
‫زيد‪« :‬أحبيه فإين أح ُّبه»(‪.)2‬‬
‫ِ‬
‫األنصار؛ وآي ُة النفاق ُبغضهم» (‪.)3‬‬ ‫ب‬ ‫ِ‬
‫اإليامن ُح ُّ‬ ‫وقال‪« :‬آي ُة‬

‫السلف حتى يف‬ ‫ِ‬ ‫كل ٍ‬


‫يشء حي ُبه‪ ،‬وهذه سري ُة‬ ‫أحب َّ‬ ‫أحب شي ًئا‬ ‫ِ‬
‫احلقيقة من‬‫فبِ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫النبي ﷺ يتت َّبع الدُّ َّبا َء(‪ )4‬من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫املُ‬
‫أنس حني رأى َّ‬ ‫النفس‪ ،‬وقد قال ٌ‬ ‫باحات وشهوات‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫يومئذ(‪.)5‬‬ ‫حب الدباء من‬ ‫زلت ُأ ُّ‬
‫القصعة‪ :‬فام ُ‬ ‫حوايل‬
‫ٍ‬
‫عباس وعبدُ اهلل ب ُن جعفر أتوا َسلمى‬ ‫عَل وعبدُ اهلل بن‬ ‫وهذا احلس ُن بن ٍّ‬
‫النبي ﷺ(‪.)6‬‬
‫عجب َّ‬
‫ُ‬ ‫َصنع هلم طعا ًما مما كان ُي‬
‫وسألوها أن ت َ‬
‫النبي ﷺ‬ ‫ِّعال السبتي َة ويصبِغ بالص ِ‬
‫فرةل إذ رأى‬ ‫عمر يلبس الن َ‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫وكان اب ُن َ‬
‫ُ‬
‫يفعل نحو ذلك(‪.)7‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3750‬ومسلم (‪.)5002‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)3252‬وابن حبان ‪.)7412( 130/51‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)57‬ومسلم (‪.)70‬‬
‫(‪( )4‬الدُّ َّباء)‪ :‬القرع‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪ ،)5425‬ومسلم (‪.)5405‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه الرتمذي يف الشامئل (‪.)572‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه البخاري (‪ ،)1215‬ومسلم (‪.)5527‬‬
‫‪ | 068‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫خالف‬
‫َ‬ ‫غض من أبغض اهلل ورسو َله ومعادا ُة من عاداه ُ‬
‫وجمانب ُة من‬ ‫ومنها‪ُ :‬ب ُ‬
‫َيالف رشيعته قال اهلل تعاىل‪( :‬ﭑ ﭒ‬‫ُ‬ ‫واستثقال ك ُِّل ٍ‬
‫أمر‬ ‫ُ‬ ‫وابتدع يف دينه‪،‬‬
‫َ‬ ‫سنَّتَه‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) اآلية [املجادلة‪.]55:‬‬

‫وهؤالء أصحا ُبه ﷺ قد َقتلوا أح َّباءهم يف مرضاتِه‪ ،‬وقاتلوا آبا َءهم‬


‫شئت ألتيتُك ِ‬ ‫ِ‬
‫برأسه(‪ .)1‬يعني‪:‬‬ ‫وأبنا َءهم‪ ،‬وقال له عبدُ اهلل بن عبد اهلل بن ُأ ٍّ‬
‫يب‪ :‬لو َ‬
‫أباه‪.‬‬

‫القرآن الذي أتى به ﷺ وهدى به واهتدى وخت َّلق به حتى‬


‫َ‬ ‫ومنها‪ :‬أن ُحيب‬
‫َ‬
‫القرآن(‪.)2‬‬ ‫قالت عائش ُة ‪ :‬كان ُخل ُقه‬

‫وتفه ُمه‪.‬‬ ‫ُ‬


‫والعمل به ُّ‬ ‫وح ُّبه للقرآن‪ :‬تالوتُه‬
‫ُ‬
‫ويقف عند ُحدودها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وحيب ُسنَّته‬
‫َ‬
‫القرآن‬ ‫حيب‬ ‫َ‬ ‫مسعود‪ :‬ال يسأل أحدٌ عن ِ‬
‫ٍ‬
‫القرآن‪ ،‬فإن كان ُّ‬ ‫نفسه إال‬ ‫وقال اب ُن‬
‫فهو ُحيب اهلل ورسو َله(‪.)3‬‬

‫للنبي ﷺ شفقتُه عىل أ َّمته ونُصحه هلم وسعيه يف‬


‫ِّ‬ ‫ومن عالمات ُح ِّبه‬
‫ِ‬
‫ضار عنهم‪ ،‬كام كان ﷺ باملؤمنني رؤو ًفا ً‬
‫رحيام‪.‬‬ ‫ورفع املَ ِّ‬
‫ُ‬ ‫مصاحلهم‬

‫الفقر واتِّصا ُفه به‪.‬‬


‫وإيثاره َ‬
‫ُ‬ ‫ومن عالمة متا ِم َحم َّبته‪ُ :‬زهد ُمدَّ عيها يف الدنيا‬

‫(‪ )1‬أخرجه البزار (‪ ،)7272‬وابن حبان ‪ ،)052( 574/5‬والطرباين يف األوسط (‪.)552‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪ ،)706‬وأمحد ‪.)50645( 502/05‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه سعيد بن منصور يف سننه (‪ ،)5‬وأبو عبيد يف فضائل القرآن (‪ ،)54‬والفريايب يف فضائل القرآن‬
‫(‪.)7 ،6‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪069‬‬

‫‪ -4‬فصل يف معنى املَحبَّة للنيبِّ ﷺ وحقيقتِها‬

‫عباراهتم يف ذلك‪،‬‬
‫ُ‬ ‫النبي ﷺ‪ ،‬وكثرت‬ ‫ِ‬
‫تفسري َحم َّبة اهلل وحمبة ِّ‬ ‫الناس يف‬
‫ُ‬ ‫اختلف‬
‫ٍ‬
‫أحوال‪.‬‬ ‫اختالف‬
‫ُ‬ ‫قال‪ ،‬ولكنها‬ ‫ِ‬
‫اختالف م ٍ‬ ‫ِ‬
‫باحلقيقة إىل‬ ‫ترجع‬ ‫وليست‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الرسول ﷺ‪.‬‬ ‫سفيان‪ :‬املحب ُة ات ُ‬
‫ِّباع‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬

‫كأنه التفت إىل قولِه تعاىل‪ ( :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬


‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [آل عمران‪.]35:‬‬

‫والذب عن سنتِه‪ ،‬واالنقيا ُد‬


‫ُّ‬ ‫بعضهم‪ :‬حمب ُة الرسول ﷺ اعتقا ُد نُرصتِه‪،‬‬
‫وقال ُ‬
‫هلا‪ ،‬وهيب ُة ُخمالفتِه‪.‬‬

‫أحب ويكر ُه ما‬ ‫حيب ما‬ ‫القلب ِ‬


‫ِ‬ ‫وقال بعضهم‪ :‬املحب ُة مواطأ ُة‬
‫َّ‬ ‫الرب‪ُّ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫ملراد‬
‫كر َه‪.‬‬
‫ِ‬
‫الستلذاذه‬ ‫َ‬
‫اإلنسان وتكون موافقتُه له إما‬ ‫وحقيق ُة املح َّب ِة‪ُ :‬‬
‫امليل إىل ما يوافق‬
‫ِ‬
‫واألرشبة اللذيذة‬ ‫ِ‬
‫واألطعمة‬ ‫ِ‬
‫احلسنة‬ ‫ِ‬
‫واألصوات‬ ‫ِ‬
‫اجلميلة‬ ‫ِ‬
‫الصورة‬ ‫ب‬ ‫ِ‬
‫كح ِّ‬
‫بإدراكه ُ‬
‫مائل إليها ملوافقتِها له‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وأشباهها مما ك ُُّل طب ٍع سلي ٍم ٌ‬

‫كحب‬‫ِّ‬ ‫معاين باطنة رشيفة‬‫َ‬ ‫بحاس ِة عقلِه وقلبِه‬


‫َّ‬ ‫أو الستلذاذه بإدراكِه‬
‫السري اجلميل ُة واألفعال احلسن ُة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واملأثور عنهم‬ ‫ِ‬
‫املعروف‬ ‫ِ‬
‫والعلامء وأهل‬ ‫الصاحلني‬
‫ُ‬
‫التعصب بقو ٍم لقو ٍم‬ ‫الشغف بأمثال هؤالء‪ ،‬حتى َ‬
‫يبلغ‬ ‫ِ‬ ‫فإن طبع اإلنسان ٌ‬
‫مائل إىل‬
‫ُّ‬
‫حل َر ِم واخرتا ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والتش ُّي ُع من أمة يف آخرين ما يؤدي إىل اجلالء عن األوطان وهتك ا ُ‬
‫ِ‬
‫النفوس‪.‬‬
‫‪ | 071‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫ِ‬
‫وإنعامه عليه فقد ُجبلت‬ ‫أو يكون حبه إياه ملواف َقته له من ِج ِ‬
‫هة إحسانه له‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫ب من أحس َن إليها‪.‬‬
‫النفوس عىل ُح ِّ‬
‫ُ‬
‫األسباب ُك َّلها يف ح ِّقه ﷺ فعلِمت أنه ﷺ‬
‫َ‬ ‫ظرت هذه‬
‫تقرر لك هذا ن َ‬ ‫فإذا َّ‬
‫ِ‬
‫جامع هلذه املعاين الثالثة ا ُملوجبة َ‬
‫للمحبة‪:‬‬ ‫ٌ‬
‫قر ٌر بام ال َحيتاج‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أما ُ‬
‫والباطن فهو ُم َّ‬ ‫األخالق‬ ‫وكامل‬ ‫والظاهر‬ ‫الصورة‬ ‫عيال‬
‫توضيح(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫أوصاف اهلل تعاىل له من‬ ‫تقرر يف‬
‫وأما إحسانُه وإنعا ُمه عىل أمته‪ :‬فكذلك قد َّ‬
‫رأفتِه هبم ورمحته هلم وهدايتِه إ َّياهم وشفقتِه عليهم واستِنقاذهم به من ِ‬
‫النار وأنه‬
‫(ﯘ ﯙ ﯚ) [التوبة‪ ،]552:‬و(ﮓ ﮔ) [األنبياء‪،]547:‬‬
‫(ﭠﭡﭢ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨ) [األحزاب‪ ،]06-01:‬و(ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [آل عمران‪،]560:‬‬
‫(ﮓﮔﮕﮖ) [املائدة‪.]56:‬‬
‫وأي‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫إحسان ُّ‬
‫خطرا من إحسانه إىل عييع املؤمنني؟ ُّ‬ ‫ً‬ ‫وأعظم‬
‫ُ‬ ‫قدرا‬
‫أجل ً‬ ‫فأي‬
‫إنعامه عىل كا َّف ِة املسلمني؟ إذ كان ذريعتَهم إىل‬
‫ِ‬ ‫وأكثر فائد ًة من‬
‫ُ‬ ‫أعم منفع ًة‬ ‫ٍ‬
‫إفضال ُّ‬
‫رهبم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلداية‪ ،‬و ُم َ‬
‫الفالح والكرامة‪ ،‬ووسيلتَهم إىل ِّ‬ ‫نقذهم من ال َعامية‪ ،‬وداعيهم إىل‬
‫والنعيم‬
‫َ‬ ‫الدائم‬
‫َ‬ ‫وجب هلم البقا َء‬
‫َ‬ ‫وشفي َعهم واملتك ِّل َم عنهم والشاهدَ هلم‪ ،‬واملُ‬
‫الرسمدَ ‪.‬‬
‫رشعا بام قدمناه من‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫للمحبة احلقيقية‬ ‫ستوجب‬ ‫استبان لك أنه ﷺ ُم‬ ‫َ‬ ‫فقد‬
‫ٌ‬
‫َ‬
‫اإلعيال‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وعمومه‬ ‫َ‬
‫اإلحسان‬ ‫وجب َّل ًة بام ذكرناه آن ًفا إلفاضتِه‬
‫اآلثار‪ ،‬وعاد ًة ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صحيح‬

‫(‪ )1‬انظر الباب الثاين من القسم األول (ص‪.)06‬‬


‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪070‬‬

‫اإلنسان حيب َمن منحه يف دنياه َم َّر ًة أو مرتني معرو ًفا‪ ،‬أو استنقذه‬ ‫ُ‬ ‫فإذا كان‬
‫منقطع‪ ،‬فمن منحه ما ال يبيدُ من النعي ِم‬ ‫ٌ‬ ‫رض ٍة ُمد ًة التأذي هبا ٌ‬
‫قليل‬ ‫ٍ‬
‫من ه َلكَة أو َم َّ‬
‫ب‪.‬‬ ‫حل ِّ‬
‫عذاب اجلحيم أوىل با ُ‬ ‫ِ‬ ‫ووقاه ما ال َيفنى من‬

‫حاكم ملا ُيؤ َثر من قوا ِم طريقتِه‬


‫ٌ‬ ‫حلسن سريته أو‬ ‫ِ‬
‫ب بالطب ِع َمل ٌك ُ‬ ‫وإذا كان ُحي ُّ‬
‫َ‬
‫اخلصال عىل‬ ‫عيع هذه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫فمن َ‬ ‫شيمته‪َ ،‬‬
‫الدار ملا ُيشا ُد من علمه أو كرم َ‬ ‫قاض بعيد‬ ‫أو‬
‫ِ‬
‫بامليل‪.‬‬ ‫ب وأوىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حل ِّ‬
‫أحق با ُ‬
‫الكامل ُّ‬ ‫مراتب‬ ‫غاية‬
‫‪ | 072‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -5‬فصل يف وجوب مُناصحته ﷺ‬

‫قال اهلل تعاىل‪ ( :‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬


‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [التوبة‪ ،]25:‬قال‬
‫الرس‬
‫ِّ‬ ‫هلل ورسولِه‪ :‬إذا كانوا ُخملِصني مسلمني يف‬ ‫ِ‬
‫التفسري‪ :‬إذا نصحوا ِ‬ ‫ُ‬
‫أهل‬
‫ِ‬
‫والعالنية‪.‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬إن الدين النصيح ُة‪ ،‬إن الدين‬ ‫الداري قال‪ :‬قال‬
‫ِّ‬ ‫وعن َمتي ٍم‬
‫َ‬
‫رسول اهلل؟ قال‪« :‬هلل‬ ‫النصيح ُة‪ ،‬إن الدين النصيح ُة» ثالث مرات‪ ،‬قالوا‪ :‬ملن يا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ولكتابِه ولرسوله وألئمة املسلمني َّ‬
‫وعامتهم»(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫وألئمة املسلمني وعا َّمتهم‬ ‫قال األئم ُة رمحهم اهلل‪ :‬النصيح ُة هللِ ولرسولِه‬
‫واجب ٌة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سليامن البستي‪ :‬النصيح ُة كلم ٌة يعرب هبا عن ِ‬
‫اخلري‬ ‫إرادة‬ ‫عيلة‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ُّ‬ ‫قال اإلما ُم أبو‬
‫ٍ‬
‫واحدة َحت ُرصها‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بكلمة‬ ‫عرب عنها‬ ‫ِ‬
‫للمنصوح له‪ ،‬وليس يمكن أن ُي َّ َ‬
‫العسل إذا خ َّلصتَه من‬
‫َ‬ ‫نصحت‬
‫َ‬ ‫اإلخالص‪ ،‬من قوهلم‪:‬‬ ‫ِ‬
‫اللغة‪:‬‬ ‫ومعناها يف‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫شمعه(‪.)2‬‬

‫الصالح‬ ‫ِ‬
‫اليشء الذي به‬ ‫النصح ُ‬
‫فعل‬ ‫إسحاق اخل َّفاف‪:‬‬
‫َ‬ ‫وقال أبو بكر اب ُن أيب‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الثوب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اخليط الذي َُياط به‬ ‫واملُالءم ُة‪ ،‬مأخو ٌذ من الن ِ‬
‫ِّصاح‪ ،‬وهو‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)11‬‬


‫(‪ )2‬معا م السنن للخطايب ‪.556/0‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪073‬‬

‫بالوحدان َّي ِة‪ ،‬والرغب ُة يف َحما ِّبه‪ ،‬وال ُبعدُ‬


‫صح ُة االعتقاد له َ‬
‫فنصيح ُة اهلل تعاىل‪َّ :‬‬
‫واإلخالص يف عبادته‪.‬‬
‫ُ‬ ‫من َمساخطِه‪،‬‬
‫ُّ‬
‫والتخشع‬ ‫وحتسني تالوته‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والعمل بام فيه‪،‬‬ ‫ُ‬
‫اإليامن به‪،‬‬ ‫والنصحي ُة لكتابِه‪:‬‬
‫ِ‬
‫وطعن‬ ‫والذب عنه من تأويل الغالني‬
‫ُّ‬ ‫وتفه ُمه‪ ،‬والتف ُّقه فيه‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫عنده‪ ،‬والتعظيم له‪،‬‬
‫املُلحدين‪.‬‬

‫أمر به وهنى عنه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بنبوته ُ‬ ‫والنصيح ُة لرسولِه‪:‬‬


‫وبذل الطاعة له فيام َ‬ ‫التصديق َّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫بالطلب‬ ‫وموازرتُه ونُرصتُه ومحايته ح ايا وم ِّيتًا‪ ،‬وإحيا ُء سنته‬
‫َ‬ ‫وقال أبو ٍ‬
‫بكر‪:‬‬
‫ِ‬
‫بأخالقه الكريمة وآدابِه اجلميلة‪.‬‬ ‫والذب عنها ونرشها‪ ،‬والتخ ُّلق‬
‫ِّ‬
‫التصديق بام‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪:‬‬ ‫يبي‪ :‬نصيح ُة‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫إسحاق التُّج ُّ‬ ‫إبراهيم‬
‫َ‬ ‫وقال أبو‬
‫واحلض عليها والدعو ُة إىل اهلل وكتابِه ولرسولِه‬
‫ُّ‬ ‫ونرشها‬
‫ُ‬ ‫جاء به واالعتصا ُم بسنَّته‬
‫وإليها وإىل العمل هبا‪.‬‬

‫ُصحا‬ ‫ِ‬ ‫وقال أبو ٍ‬


‫ُصحا يف حياته‪ ،‬ون ً‬
‫النصح له يقتيض نُصحني‪ :‬ن ً‬
‫ُ‬ ‫اآلج ِّر ُّي‪:‬‬
‫بكر ُ‬
‫بعد مماته‪:‬‬
‫بالنرص واملُحاماة عنه وم ِ‬
‫عاداة من عاداه‬ ‫ِ‬ ‫نصح أصحابِه له‬ ‫ففي حياته‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫واألموال دونه كام قال اهلل تعاىل‪( :‬ﭓ ﭔ‬ ‫ِ‬
‫النفوس‬ ‫ِ‬
‫وبذل‬ ‫ِ‬
‫والطاعة له‬ ‫والسم ِع‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ)‬
‫[األحزاب‪ ،]53:‬وقال‪( :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [احلرش‪.]2:‬‬
‫‪ | 074‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫ِ‬
‫املحبة‬ ‫ِ‬
‫وشدة‬ ‫ِ‬
‫واإلجالل‬ ‫ِ‬
‫التوقري‬ ‫وأما نصيح ُة املسلمني له بعد وفاتِه‪ :‬فالتزا ُم‬
‫والتفقه يف رشيعتِه‪ ،‬وحم َّب ُة أهل بيتِه وأصحابِه‪ُ ،‬‬
‫وجمانب ُة‬ ‫ِ‬ ‫له‪ ،‬واملثابر ُة عىل تعلم سنتِه‬
‫والتحذير منه‪ ،‬والشفق ُة عىل أمته‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وانحرف عنها‪ ،‬و ُبغضه‬
‫َ‬ ‫رغب عن سنتِه‬ ‫من ِ‬
‫ِ‬
‫رب عىل ذلك‪.‬‬ ‫والبحث عن تعرف أخالقه وسريه وآدابِه‪ ،‬والص ُ‬ ‫ُ‬

‫وأمرهم به‪،‬‬ ‫ِ‬


‫احلق‪ ،‬ومعونتُهم فيه ُ‬ ‫ألئمة املسلمني‪ :‬فطاعتُهم يف ِّ‬ ‫النصح‬
‫ُ‬ ‫وأما‬
‫وتنبيههم عىل ما غ َفلوا عنه‪ ،‬وكُتِ َم عنهم من‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫وجه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أحسن‬ ‫َذكريهم إياه عىل‬
‫وت ُ‬
‫ِ‬
‫وإفساد قلوهبم عليهم‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫يب الناس‬ ‫اخلروج عليهم و َت ْ ِ‬
‫رض ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وترك‬ ‫ِ‬
‫أمور املسلمني‪،‬‬
‫لعامة املسلمني‪ :‬إرشا ُدهم إىل َمصاحلهم‪ ،‬و َمعونتُهم يف ِ‬
‫أمر دينهم‬ ‫والنصح َّ‬
‫ُ‬
‫رت‬ ‫ِ‬ ‫والفعل‪ ،‬وتنبي ُه غافِلِهم وتبصري جاهلِهم‪ِ ،‬‬
‫ورفدُ ُحمتاجهم‪ ،‬وس ُ‬ ‫ِ‬ ‫ودنياهم بالق ِ‬
‫ول‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫وجلب املناف ِع إليهم‪.‬‬ ‫املضار عنهم‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ودفع‬
‫ُ‬ ‫عوراهتم‪،‬‬

‫ِ‬
‫الناس)‪ :‬اإلغراء بينهم للوقيعة‪.‬‬ ‫(‪( )1‬ت ْ ِ‬
‫َرضيب‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪075‬‬

‫الباب الثالث‪ :‬يف تعظيمِ أمرِه ووجوب توقريِه وبِرِّه‬

‫قال اهلل تعاىل‪( :‬ﭛ ﭜ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) اآلية‬


‫[الفتح‪ ،]2:‬وقال تعاىل‪( :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [ا ُ‬
‫حل ُجرات‪،]5:‬‬
‫و(ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ‬
‫حل ُجرات‪ ،]0-5:‬وقال تعاىل‪( :‬ﭼﭽﭾ‬
‫ﯯﯰﯱﯲﯳ) [ا ُ‬
‫ﭿﮀﮁﮂﮃ) [النور‪.]63:‬‬

‫وتعظيمه‪.‬‬
‫َ‬ ‫وتوقريه‪ ،‬وألز َم إكرا َمه‬
‫َ‬ ‫تعزيره‬
‫َ‬ ‫فأوجب تعاىل‬
‫ُعزروه‪ :‬أي‪ِ ُ :‬‬
‫جت ُّلوه(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬
‫عباس‪ :‬ت ِّ‬ ‫ابن‬
‫وقال ُ‬
‫بسبقه بالكالم‪.‬‬ ‫بالقول وس ِ‬
‫وء األدب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُِ‬
‫وهن َي عن التقد ِم بني يديه‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫فاستمعوا له‬ ‫بن عبد اهلل‪ :‬ال تقولوا قبل أن َ‬
‫يقول‪ ،‬وإذا قال‬ ‫ُ‬
‫سهل ُ‬ ‫قال‬
‫ٍ‬
‫بيشء‬ ‫ِ‬
‫قضائه فيه‪ ،‬وأن َيفتاتوا‬ ‫أمر قبل‬ ‫ِ‬
‫بقضاء ٍ‬ ‫والتعجل‬ ‫وهنوا عن التقدُّ م‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫وأنصتوا‪ُ ،‬‬
‫أمر دينِهم إال بأمره وال َيسبقوه به(‪.)2‬‬ ‫يف ذلك من ق ٍ‬
‫تال أو غريه من ِ‬

‫وحذرهم ُخمالف َة ذلك فقال تعاىل‪( :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ)‬


‫َّ‬ ‫ثم وع َظهم‬
‫[احلُ ُجرات‪.]5:‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الطربي ‪.515/55‬‬


‫(‪ )2‬انظر تفسري التسرتي (ص‪ )502‬بمعناه‪.‬‬
‫‪ | 076‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫سميع لقولِكم‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫إمهال ح ِّقه‪ ،‬وتضييع ُحرمتهل إنه‬ ‫لمي‪ :‬اتقوا اهلل يف‬
‫الس ُّ‬
‫وقال ُّ‬
‫عليم بفعلكم(‪.)1‬‬
‫ٌ‬
‫بعضهم‬ ‫ِ‬
‫واجلهر له بالقول كام َجيهر ُ‬ ‫ثم هناهم عن رف ِع الصوت َ‬
‫فوق صوته‪،‬‬
‫ويرفع صوتَه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫لبعض‬

‫وحذرهم منه‪.‬‬ ‫ِ‬


‫أعامهلم إن هم فعلوا ذلك‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫بحبط‬ ‫خوفهم اهلل تعاىل‬
‫ثم َّ‬
‫النبي ﷺ‪،‬‬ ‫وعمر بني يدي‬ ‫اورة كانت بني أيب ٍ‬
‫بكر‬ ‫قيل‪ :‬نزلت اآلي ُة يف ُحم ٍ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫أصواهتام(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫واختالف جرى بينهام حتى ارتف َعت‬
‫ِ‬
‫فاخرة بني‬ ‫النبي ﷺ يف ُم‬ ‫ِ‬ ‫قيس بن َش ٍ‬‫ثابت بن ِ‬ ‫وقيل‪ :‬نزلت يف ِ‬
‫خطيب ِّ‬ ‫امس‬
‫صمم‪ ،‬فكان يرفع صوتَه‪ ،‬فلام نزلت هذه اآلي ُة أقا َم يف منزلِه‬ ‫ٌ‬ ‫متي ٍم‪ ،‬وكان يف أذنيه‬
‫ِ‬
‫خشيت أن‬
‫ُ‬ ‫نبي اهلل‪ ،‬لقد‬‫النبي ﷺ فقال‪ :‬يا َّ‬ ‫وخيش أن يكون حبِط عم ُله‪ ،‬ثم أتى َّ‬ ‫َ‬
‫النبي‬ ‫ِ‬
‫الصوت‪ ،‬فقال‬ ‫امرؤ جهري‬
‫نجهر بالقول‪ ،‬وأنا ٌ‬ ‫هلكت‪ ،‬هنانا اهلل أن‬
‫ُ‬ ‫أكون‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫ثابت‪ ،‬أما ترىض أن تعيش محيدً ا‪ ،‬وتُقتل شهيدً ا‪ ،‬وتدخل اجلنة؟»(‪ )3‬ف ُقتل‬ ‫ﷺ‪« :‬يا ُ‬
‫يو َم الياممة‪.‬‬
‫وقال اهلل تعاىل‪﴿ :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾ [البقرة‪]540 :‬‬
‫تعظيام للنبي ﷺ‪،‬‬
‫ً‬ ‫بعض املفرسين‪ :‬هي لغ ٌة كانت يف األنصار‪ُ ،‬هنوا عن قوهلا‬
‫قال ُ‬
‫ً‬
‫تبجيال لهل ألن معناها‪ :‬ار َعنا نر َعك‪ ،‬فنُهوا عن قوهلا‪ :‬إذ مقتضاها كأهنم ال‬ ‫و‬

‫(‪ )1‬تفسري السلمي ‪.564/5‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)0201‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه عبد الرزاق يف التفسري ‪ ،552/5‬والطربي يف تفسريه ‪ ،305/55‬وأصله يف البخاري (‪،)3653‬‬
‫ومسلم (‪ )552‬بنحوه‪.‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪077‬‬

‫ير َعونه إال برعايتِه هلم‪ ،‬بل ح ُّقه أن ُيرعى عىل كل ٍ‬


‫حال‪ ،‬وقيل‪ :‬كانت اليهو ُد‬
‫تعرض هبا للنبي ﷺ بالرعونة‪ ،‬فنُهي املسلمون عن قوهلا قط ًعا للذريعة‪ ،‬ومنعا‬ ‫ِّ‬
‫غري هذا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للتشبه هبم يف قوهلا ملشاركة اللفظة‪ .‬وقيل ُ‬

‫‪ -1‬فصل يف عادةِ الصحابة يف تعظيمِه ﷺ وظجاللِه وتوقريِه‬


‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وال‬ ‫إيل من‬ ‫عن ِ‬
‫أحب َّ‬
‫َّ‬ ‫عمرو بن العاص قال‪ :‬وما كان أحدٌ‬
‫ئلت أن‬ ‫ً‬
‫إجالال له‪ ،‬ولو ُس ُ‬ ‫أطيق أن أم َ‬
‫أل عيني منه‬ ‫عيني منه‪ ،‬وما كنت ُ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫أجل يف‬
‫أطقتل ألين م أكن أم ُ‬
‫أل عين ََّي منه(‪.)1‬‬ ‫ُ‬ ‫أصفه ما‬
‫النبي ﷺ وأصحا ُبه حوله كأنام عىل‬ ‫أتيت‬
‫يك قال‪ُ :‬‬ ‫وروى أسام ُة بن َرش ٍ‬
‫َّ‬
‫الطري(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫رؤوسهم‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫قريش عا َم القضية)‪ (3‬إىل‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫مسعود حني وجهته‬ ‫وقال عرو ُة بن‬
‫يتوض ُأ إال ابتدروا َوضو َء ُه‪،‬‬‫َّ‬ ‫ﷺ‪ ،‬فرأى من تعظي ِم أصحابِه له ما رأى‪ ،‬وأنه ال‬
‫يبصق ُبصا ًقا وال يتنخم نُخام ًة إال تل َّقوها بأ ُك ِّفهم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وكادوا َيقتتلون عليه‪ ،‬وال ُ‬
‫وجوههم وأجسا َدهم‪ ،‬وال تَسقط منه شعر ٌة إال ابتدَ روها‪ ،‬وإذا أمرهم‬ ‫َ‬ ‫فدَ لكوا هبا‬
‫تعظيام‬ ‫أصواهتم عنده‪ ،‬وما ُ ِ‬
‫حيدُّ ون إليه النظر‬ ‫أمره‪ ،‬وإذا تك َّلم خفضوا‬ ‫ٍ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫بأمر ابتدروا َ‬
‫وقيرص‬
‫َ‬ ‫قريش‪ ،‬إين جئت كِرسى يف ُملكه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫معرش‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫قريش قال‪ :‬يا‬ ‫له‪ ،‬فلام رجع إىل‬
‫ٍ‬
‫حممد يف‬ ‫قط مثل‬‫رأيت َملكًا يف قو ٍم ُّ‬
‫ُ‬ ‫والنجايش يف ُملكِه‪ ،‬وإين واهلل‪ ،‬ما‬ ‫يف ملكِه‪،‬‬
‫َّ‬
‫أصحابِه(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)555‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)3211‬وأمحد ‪.)52013( 320/34‬‬
‫(‪( )3‬عام ال َق ِض َّية)‪ :‬عام احلديبية‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أمحد ‪.)52254( 555/35‬‬
‫‪ | 078‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫يعظم حممدً ا أصحا ُبه‪ ،‬وقد‬ ‫رأيت َملكًا قط ُيع ِّظمه أصحا ُبه ما‬ ‫ٍ‬
‫رواية‪ :‬إن ُ‬ ‫ويف‬
‫ُ‬
‫رأيت قو ًما ال ُيسلِمونه أبدً ا(‪.)1‬‬
‫أطاف به‬
‫َ‬ ‫واحلالق حيلِقه وقد‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫رأيت‬
‫ُ‬ ‫أنس ‪ :‬لقد‬ ‫وعن ٍ‬
‫ٍ‬
‫رجل(‪.)2‬‬ ‫أصحابه فام يريدون أن تقع شعر ٌة إال يف ِ‬
‫يد‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬

‫‪ -2‬فصل [يف أن حرمة النيب ﷺ وتوقريه بعد موته كما يف حياته]‬


‫واعلم أن ُحرم َة النبي ﷺ بعد موته وتوقريه وتعظيمه الزم كام كان يف ِ‬
‫حال‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫عاملة آله‬‫اسمه وسريتِه و ُم‬
‫حياتِه‪ ،‬وذلك عند ذكره ﷺ وذكر حديثِه وسنتِه وسام ِع ِ‬
‫َ‬
‫وعرتتِه)‪ (3‬وتعظي ِم أهل بيتِه وصحا َبتِه‪.‬‬
‫ِ‬

‫ذكره أو ُذكِ َر‬ ‫ٍ‬


‫مؤمن متى َ‬ ‫واجب عىل ِّ‬
‫كل‬ ‫ٌ‬ ‫قال أبو إبراهيم إسحاق التجيبي‪:‬‬
‫ويأخذ يف هيبتِه وإجاللِه بام‬
‫َ‬ ‫وَيشع ويتو َّق َر ويسك َن من حركتِه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َيضع‬
‫َ‬ ‫عندَ ه أن‬
‫بني يدَ ْيه‪ ،‬ويتأ َّد َب بام أ َّد َبنا اهلل به‪.‬‬
‫نفسه لو كان َ‬ ‫ُ‬
‫يأخذ به َ‬ ‫كان‬
‫مالك ‪-‬وقد س َئل عن أيوب السختياين‪ :-‬ما حدَّ ثتُكم عن ٍ‬
‫أحد إال‬ ‫ٌ‬ ‫قال‬
‫ِّ‬ ‫َ َّ‬ ‫ُ‬
‫أسمع منه‪ ،‬غري أنه‬
‫ُ‬ ‫فكنت أر ُمقه وال‬
‫ُ‬ ‫وحج حجتني‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫أفضل منه(‪ ،)4‬قال‪:‬‬ ‫وأيوب‬
‫ُ‬
‫رأيت وإجال َله ِّ‬
‫للنبي ﷺ‬ ‫رأيت منه ما ُ‬ ‫محه‪ ،‬فلام ُ‬
‫النبي ﷺ بكى حتى أر َ‬
‫كر ُّ‬ ‫كان إذا ُذ َ‬
‫كتبت عنه(‪.)5‬‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)5735‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)5351‬‬
‫رتته)‪ :‬أهله األدنون‪.‬‬ ‫ِ‬
‫(‪( )3‬ع ْ َ‬
‫(‪ )4‬التعديل والتجريح للباجي ‪.326/5‬‬
‫(‪ )5‬السابق‪.‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪079‬‬

‫ِ‬ ‫وقال مصعب بن ِ‬


‫يتغري لونُه وينحني‬ ‫النبي ﷺ َّ‬ ‫مالك إذا ُذك َر ُّ‬
‫عبد اهلل‪ :‬كان ٌ‬ ‫ُ‬
‫فق َيل له يو ًما يف ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬لو رأيتُم ما ُ‬
‫رأيت ملا‬ ‫لسائه‪ِ ،‬‬
‫حتى يصعب ذلك عىل ج ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫نكدر ‪-‬وكان س ِّيدَ ال ُق َّراء‪ -‬ال يكا ُد‬ ‫أنكرتُم عَل ما تَرون‪ ،‬ولقد كنت أرى حممدَ بن ا ُمل ِ‬
‫َّ‬
‫محه(‪ ،)1‬ولقد كنت أرى جعفر بن حممدٍ‬ ‫ٍ‬
‫يسأله أحدٌ عن حديث أبدً ا إال يبكي حتى نر َ‬
‫َ‬
‫اصفر‪ ،‬وما رأيتُه‬ ‫النبي ﷺ‬ ‫الصادق‪ ،‬وكان كثري الدُّ ِ‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫والتبسم‪ ،‬فإذا ذكر عنده ُّ‬‫ُّ‬ ‫عابة‬ ‫َ‬
‫اختلفت إليه زمانًا فام كنت أرا ُه إال‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫طهارة‪ ،‬وقد‬ ‫رسول اهلل ﷺ إال عىل‬ ‫ِ‬ ‫حيدث عن‬
‫القرآن‪ ،‬وال يتكلم فيام ال‬ ‫َ‬ ‫صال‪ :‬إما مصل ًيا‪ ،‬وإما صامتًا‪ ،‬وإما يقرأ‬ ‫ثالث ِخ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫عىل‬
‫اد الذين ََيشون اهلل عز وجل(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫العلامء والعب ِ‬ ‫َيعنيه‪ ،‬وكان من‬
‫ُ َّ‬
‫نظر إىل لونِه كأنه ن َ‬
‫ُزف‬ ‫ولقد كان عبدُ الرمحن بن القاس ِم َيذكر َّ‬
‫النبي ﷺ ف ُي ُ‬
‫ِ‬
‫لرسول اهلل ﷺ(‪.)3‬‬ ‫منه الد ُم‪ ،‬وقد جف لسانُه يف فمه هيب ًة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ولقد كنت آِت عامر بن ِ‬
‫الزبري فإذا ُذك َر عنده ُّ‬
‫النبي ﷺ بكى حتى‬ ‫عبد اهلل بن‬ ‫َ‬
‫موع(‪.)4‬‬
‫ال َيبقى يف عينيه ُد ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رأيت الزهري وكان من أهنأِ‬
‫النبي ﷺ‬ ‫وأقرهبم فإذا ُذك َر عنده ُّ‬ ‫الناس‬ ‫َّ‬ ‫ولقد ُ‬
‫عر َفك وال عرفتَه‪.‬‬
‫فكأنه ما َ‬
‫بن ُسلي ٍم وكان من املُتع ِّبدين املُجتهدين‪ ،‬فإذا ُذكِ َر‬ ‫َ‬
‫صفوان َ‬ ‫ولقد كنت آِت‬
‫الناس عنه ويرتكوه(‪.)5‬‬ ‫زال يبكي حتى يقو َم ُ‬ ‫النبي ﷺ بكى فال َي ُ‬
‫عنده ُّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري يف التاريخ الكبري ‪ ،554/5‬واجلوهري يف مسند املوطأ (‪ ،)535‬وأبو نعيم يف احللية‬
‫‪ 507/3‬خمترصا‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه اجلوهري يف مسند املوطأ (ص‪.)526‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه اجلوهري يف مسند املوطأ (ص‪.)060‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه اجلوهري يف مسند املوطأ (ص‪.)025‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه اجلوهري يف مسند املوطأ (ص‪.)322‬‬
‫‪ | 081‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -3‬فصل يف سريةِ السلف يف تعظيمِ رواية حديث رسولِ اهلل ﷺ وسنَّته‬


‫ٍ‬
‫مسعود سنة فام سمعتُه يقول‪:‬‬ ‫اختلفت إىل ابن‬
‫ُ‬ ‫عمرو بن م ٍ‬
‫يمون قال‪:‬‬ ‫عن ِ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ثم‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬إال أنه حدَّ ث يو ًما فجرى عىل لسانه‪ :‬قال‬ ‫قال‬
‫كرب حتى رأيت العرق يتحدَّ ر عن جبهتِه‪ ،‬ثم قال‪ :‬هكذا إن شاء اهلل‪ ،‬أو‬ ‫عاله ٌ‬
‫قريب من ذا(‪.)1‬‬
‫ٌ‬ ‫فوق ذا‪ ،‬أو ما دون ذا‪ ،‬أو ما هو‬
‫مضطجع‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫املسيب فسأله عن حديث وهو‬ ‫وقال مالك‪ :‬جاء ٌ‬
‫رجل إىل ابن‬
‫كرهت أن‬
‫ُ‬ ‫وددت أنك م تتعن‪ ،‬فقال‪ :‬إين‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الرجل‪:‬‬ ‫فجلس وحد َثه‪ ،‬فقال له‬
‫مضطجع(‪.)2‬‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫أحدثك عن رسول اهلل ﷺ وأنا‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫مالك بن ٍ‬
‫أنس إذا حدث عن‬ ‫مصعب بن عبد اهلل‪ :‬كان ُ‬
‫ُ‬ ‫وقال‬
‫توضأ وهت َّيأ ولبس ثيا َبه ثم حيدث(‪.)3‬‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫حديث رسول اهلل ﷺ‪.‬‬ ‫مصعب‪ :‬فسئل عن ذلك فقال‪ :‬إنه‬
‫ٌ‬ ‫قال‬
‫َ‬
‫أحاديث النبي ﷺ إال عىل وضوء‪ ،‬وال‬ ‫وكان قتاد َة َيستحب أن ال َيقرأ‬
‫ٍ‬
‫وضوء‬ ‫َ‬
‫حيدث وهو عىل غري‬ ‫ُ‬
‫األعمش إذا أراد أن‬ ‫ُ‬
‫حيدث إال عىل طهارة(‪ ،)4‬وكان‬
‫تيمم(‪.)5‬‬
‫َ‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أيب شيبة ‪ ،)56555( 523/1‬وأمحد ‪.)0355( 303/7‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الفسوي يف املعرفة والتاريخ ‪ ،076/5‬والبيهقي يف املدخل إىل السنن الكربى (ص‪،)325‬‬
‫واخلطيب يف اجلامع ألخالق الراوي وآداب السامع (‪.)273‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه اجلوهري يف مسند املوطأ (ص‪.)543‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه ‪.)5300( 300/5‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البيهقي يف املدخل إىل السنن الكربى (ص‪ ،)325‬واخلطيب يف اجلامع ألخالق الراوي وآداب‬
‫السامع (‪.)272‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪080‬‬

‫‪ -4‬فصل [يف أن برَّ آله وذريته وأزواجه أمهات املؤمنني من برِّه ﷺ]‬

‫حض‬ ‫ِ‬
‫أزواجه كام َّ‬ ‫ومن توقريه ﷺ وبِره‪ :‬بِر آله وذريته وأم ِ‬
‫هات املؤمنني‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِّ ُّ‬
‫السلف الصالح ‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪( :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ُ‬ ‫عليه ﷺ وسلكه‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [األحزاب‪ ،]33:‬وقال تعاىل‪:‬‬
‫(ﯞ ﯟ) [األحزاب‪.]6:‬‬

‫أرقم ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪ُ « :‬‬


‫أنشدكم اهلل أ‪،‬ل‬ ‫عن ِ‬
‫زيد بن‬
‫َ‬
‫عَل وآل جعفر وآل َع ٍ‬ ‫بيتي‪ »...‬ثال ًثا‪ ،‬قلنا ٍ‬
‫قيل وآل‬ ‫أهل بيته؟ قال‪ُ :‬آل ٍّ‬
‫لزيد‪َ :‬من ُ‬
‫العباس(‪.)1‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وعن ِ‬
‫وحسنًا‬ ‫وقاص‪ :‬ملا نزلت آي ُة املباهلة دعا ُّ‬
‫النبي ﷺ عل ايا َ‬ ‫سعد بن أيب‬
‫وحسينًا وفاطم َة وقال‪َّ « :‬‬
‫اللهم ‪،‬ؤالء أ‪،‬يل» (‪.)2‬‬ ‫ُ‬
‫كنت مواله فعيل مواله‪ ،‬اللهم ِ‬
‫وال من وااله‪،‬‬ ‫عَل‪« :‬من ُ‬
‫َّ‬ ‫ٌّ‬ ‫وقال النبي ﷺ يف ٍّ‬
‫ِ‬
‫وعاد من عاداه»(‪.)3‬‬
‫منافق»(‪.)4‬‬
‫ٌ‬ ‫مومن وال ُيبغضك إال‬
‫ٌ‬ ‫وقال فيه‪« :‬ال ُحي ُّبك إال‬
‫اإليامن حت ُحي َّبكم‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫رجل‬ ‫وقال للعباس‪« :‬والذي نفيس بيده ال يدخل قلب‬
‫عم الرجل ِصنو أبيه»)‪.(5‬‬
‫عمي فقد آذاين‪ ،‬وإنام ُّ‬
‫ِ‬
‫هلل ورسوله‪ ،‬ومن آذى ِّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)5042‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)5040‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أمحد ‪ ،)214( 565/5‬والنسائي يف الكربى ‪.)2052( 032/7‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪.)72‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الرتمذي (‪.)3712‬‬
‫‪ | 082‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫اللهم إين أح ُّبهام‬ ‫يأخذ بيد أسام َة ِ‬


‫بن زيد واحلسن ويقول‪َّ « :‬‬ ‫ُ‬ ‫وكان‬
‫فأح َّبهام»(‪.)1‬‬
‫وقال أبو ٍ‬
‫بكر ‪ :‬ارقبوا حممدً ا يف ِ‬
‫أهل بيته)‪.(2‬‬
‫أحب إ َّيل أن َ‬
‫أصل من‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫أيضا‪ :‬والذي نفيس بيده لقراب ُة‬
‫وقال ً‬
‫قرابتي(‪.)3‬‬

‫وقال ﷺ ألُ ِّم سلمة‪« :‬ال تُؤذيني يف عائشة»(‪.)4‬‬

‫احلسن بن عَل عىل‬


‫َ‬ ‫رأيت أبا ٍ‬
‫بكر ‪ ‬وقد جعل‬ ‫وعن ُعقب َة بن احلارث‪ُ :‬‬
‫ُع ِنقه وهو يقول‪:‬‬

‫بالنبي‬
‫ِّ‬ ‫بأيب شبي ٌه‬

‫شبيها بِ َع ٍَّل‬
‫ليس ً‬
‫وعَل ‪ ‬يضحك(‪.)5‬‬
‫ُ‬
‫رسول‬ ‫النبي ﷺ ويقوالن‪ :‬كان‬
‫وعمر يزوران أ َّم أيمن موال َة ِّ‬
‫ُ‬ ‫وكان أبو بكر‬
‫يزورها(‪.)6‬‬
‫اهلل ﷺ ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)3731‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)3753‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)3755‬ومسلم (‪.)5712‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)5125‬وانظر صحيح مسلم (‪.)5005‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪.)3714‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه مسلم (‪.)5010‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪083‬‬

‫‪ -5‬فصل [يف أن برَّ أصحابه وتوقريهم واالقتداء بهم من برِّه ﷺ]‬

‫توقري أصحابه وبرهم ومعرف ُة ح ِّقهم واالقتداء هبم‪،‬‬ ‫ِ‬


‫توقريه وبِ ِّره ﷺ‪:‬‬ ‫ومن‬
‫ُ‬
‫شجر بينهم‪ ،‬و ُمعادا ُة من‬ ‫ُ‬
‫واإلمساك عام‬ ‫واالستغفار هلم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الثناء عليهم‬ ‫سن‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وح ُ‬‫ُ‬
‫ِ‬
‫الشيعة‬ ‫وض َّال ِل‬ ‫ِ‬
‫الرواة ُ‬ ‫أخبار املؤرخني وج ِ‬
‫هلة‬ ‫ِ‬ ‫واإلُضاب عن‬ ‫عاداهم‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أحد منهم‪ ،‬وأن ُيلتمس هلم فيام نُقل عنهم من ِمثل ذلك فيام‬ ‫القادحة يف ٍ‬
‫ِ‬ ‫واملبتدعني‬
‫أصوب املخارجل إذ هم ُ‬
‫أهل‬ ‫وَي َّرج هلم‬
‫الفتَن أحس ُن التأويالت‪ُ ،‬‬ ‫كان بينهم من ِ‬
‫ُ‬
‫حسناهتم‬ ‫أمره بل ُيذكر‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ذلك‪ ،‬وال ُيذكر أحدٌ منهم بسوء‪ ،‬وال ُيغمص عليه ُ‬
‫ومحيدُ ِسريهتم‪ ،‬و ُيسكت عام وراء ذلك‪.‬‬ ‫وفضائ ُلهم َ‬
‫قال اهلل تعاىل‪ ( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ‬
‫ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ)‬
‫[الفتح‪.]52:‬‬

‫وقال‪ ( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ) [التوبة‪.]544:‬‬

‫وقال تعاىل‪ ( :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ)‬


‫[الفتح‪.]52:‬‬
‫‪ | 084‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫وقال‪ ( :‬ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ) [األحزاب‪.]53:‬‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬ال تسبوا أصحايب‪ ،‬فلو أنفق أحدُ كم مثل ُأ ٍ‬
‫حد ذ‪ً ،‬با‬ ‫ُ‬ ‫وقال‬
‫ُّ‬
‫ما بلغ مدَّ ِ‬
‫أحد‪،‬م وال نصيفه»(‪.)1‬‬ ‫ُ‬
‫األنصار‪« :‬اعفوا عن ُمسيئِهم‪ ،‬واقبلوا من ُحم ِسنهم»(‪.)2‬‬
‫ِ‬ ‫وقال ﷺ يف‬

‫النبي مؤ ِّدب اخللق الذي هدانا اهلل به وجعله رمح ًة‬‫مالك ‪ :‬هذا ُّ‬ ‫وقال ٌ‬
‫ستغفر كاملو ِّدع هلم‪ ،‬وبذلك‬ ‫ِ‬
‫الليل إىل البقي ِع فيدعو هلم و َي‬ ‫ِ‬
‫جوف‬ ‫للعاملني ََي ُرج يف‬
‫ُ‬
‫أمره اهلل‪ ،‬و ُأ ِمر النبي بحبهم ومواالهتم وم ِ‬
‫عاداة من عاداهم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3673‬ومسلم (‪.)5105‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)3722‬ومسلم (‪.)5154‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪085‬‬

‫الباب الرابع‪ :‬يف ذكرِ الصال ِة عليه والتسليمِ وفرضِ ذلك وفضيلتِه‬

‫قال اهلل تعاىل‪ ( :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬


‫ﭽ ﭾ ﭿ) [األحزاب‪.]16:‬‬

‫النبي(‪.)1‬‬
‫ابن عباس‪ :‬معناه‪ :‬إن اهلل ومالئكتَه ُيباركون عىل ِّ‬
‫قال ُ‬
‫ِ‬
‫املالئكة‪ ،‬وصال ُة املالئكة‪:‬‬ ‫ِ‬
‫العالية‪ :‬صال ُة اهلل‪ :‬ثناؤه عليه عند‬ ‫وقال أبو‬
‫الدعا ُء(‪.)2‬‬
‫ِ‬ ‫الصالة عليه بني ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالة ولفظ‬ ‫لفظ‬ ‫حديث تعليم‬ ‫وقد َّفر َق ُّ‬
‫النبي ﷺ يف‬
‫الرب ِ‬
‫كة َّ‬
‫فدل أهنام بمعنيني‪.‬‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫وجوه‪:‬‬ ‫ويف معنى السال ِم عليه ثالث ُة‬
‫ِ‬
‫كاللذاذ واللذا َذة‪.‬‬ ‫مصدرا‬ ‫أحدُ ‪،‬ا‪ :‬السالم ُة لك ومعك‪ ،‬ويكون السال ُم‬
‫ً‬
‫ٌ‬
‫وكفيل به‪ ،‬ويكون هنا‬ ‫الثاين‪ :‬أي‪ :‬السال ُم عىل حفظِك ورعايتك ُم ٍّ‬
‫تول له‪،‬‬
‫اسم اهلل‪.‬‬
‫السال ُم‪ُ :‬‬
‫الثالث‪ :‬أن السال َم بمعني املُساملة‪ ،‬واالنقياد كام قال‪( :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ‬
‫ﯭ ﯮ) [النساء‪.]61:‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الطربي يف تفسريه ‪.570/52‬‬


‫(‪ )2‬علقه البخاري قبل حديث (‪ ،)7027‬ووصله إسامعيل بن إسحاق القايض يف فضل الصالة عىل النبي‬
‫(‪.)21‬‬
‫‪ | 086‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -1‬فصل [يف فرضية الصالة عليه ﷺ]‬


‫ٍ‬
‫بوقت ألمر اهلل‬ ‫ٍ‬
‫حمدد‬ ‫غري‬
‫فرض عىل اجلملة ُ‬ ‫النبي ﷺ ٌ‬ ‫واعلم أن الصال َة عىل ِّ‬
‫الوجوب‪ ،‬وأعيعوا عليه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫األئمة والعلامء له عىل‬ ‫ومحل‬ ‫ِ‬
‫بالصالة عليه‪َ ،‬‬ ‫تعاىل‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫الندب وا َّدعى فيه‬ ‫جرير الطربي‪ :‬أن َحمم َل ِ‬
‫اآلية عىل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫جعفر حممدُ ب ُن‬ ‫وحكى أبو‬
‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫مرة والواجب منه الذي يس ُقط به احلرج ومأ َثم ِ‬
‫ترك‬ ‫اإلعياع(‪ ،)1‬ولع َّله فيام زاد عىل ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سنن‬ ‫ب فيه من‬ ‫مندوب مر َّغ ٌ‬
‫ٌ‬ ‫بالنبوة‪ ،‬وما عدا ذلك‬ ‫كالشهادة له‬ ‫الفرض مرةٌ‪،‬‬
‫وشعار أهلِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫اإلسال ِم‬

‫خلقه أن ُيصلوا عىل نب ِّيه‬ ‫افرت َض اهلل عىل ِ‬ ‫وقال القايض أبو ِ‬
‫بكر بن ُبكَري‪َ :‬‬ ‫َ‬
‫فالواجب أن ُيكثِ َر املر ُء منها وال‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫لوقت معلو ٍمل‬ ‫تسليام‪ ،‬و م َجي َعل ذلك‬
‫ً‬ ‫و ُيسلموا‬
‫َي ُ‬
‫غفل عنها(‪.)2‬‬
‫ِ‬
‫اجلملة(‪.)3‬‬ ‫النبي ﷺ واجب ٌة يف‬ ‫وقال القايض أبو ِ‬
‫حممد بن ٍ‬
‫نرص‪ :‬الصال ُة عىل ِّ‬

‫(‪ )1‬هتذيب اآلثار (اجلزء املفقود) للطربي (ص‪.)552‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬املسالك يف رشح موطأ مالك البن العريب ‪.512/3‬‬
‫(‪ )3‬عيون املسائل للقايض عبد الوهاب أبو حممد بن نرص (ص‪.)554‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪087‬‬

‫‪ -2‬فصل يف املَواطن اليت يُستحبُّ فيها الصالةُ والسالم على النيبِّ ﷺ‬


‫ويُرغب من ذلك‬
‫ِ‬
‫الصالة وذلك بعد التشهد‪ ،‬وقبل الدعاء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫تشهد‬ ‫يف‬
‫يصل عىل‬‫رجال يدعو يف صالتِه فلم ِّ‬
‫النبي ﷺ ً‬ ‫بن ُعبيد‪ :‬سمع ُّ‬ ‫عن َفضال َة ِ‬
‫ِ‬
‫ولغريه‪« :‬إذا صىل‬ ‫جل ‪،‬ذا» ثم دعاه فقال له‬ ‫النبي ﷺ‪« :‬ع ِ‬ ‫ُّ‬ ‫النبي ﷺل فقال‬
‫ِّ‬
‫دع بعدُ بام‬
‫النبي ﷺ‪ ،‬ثم لي ُ‬
‫صل عىل ِّ‬ ‫ْ‬
‫فليبدأ بتحميد اهلل والثناء عليه‪ ،‬ثم ل ُي ِّ‬ ‫أحدُ كم‬
‫شاء»(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫األذان‪.‬‬ ‫ذكره وسام ِع اسمه أو حديثِه أو عند‬
‫ومن مواطن الصالة عليه عند ِ‬

‫عيل»(‪.)2‬‬ ‫كرت عنده فلم ُي ِّ‬ ‫ٍ‬


‫رجل ُذ ُ‬ ‫فقد قال ﷺ‪ِ « :‬‬
‫رغم ُ‬
‫صل َّ‬ ‫أنف‬
‫ِ‬
‫باإلكثار من الصالة‬ ‫األمر‬
‫َ‬ ‫النبي ﷺ‬ ‫ٍ‬
‫أوس عن ِّ‬ ‫ِ‬
‫أوس بن‬ ‫النسائي عن‬
‫ُّ‬ ‫وروى‬
‫جل ُمعة(‪.)3‬‬
‫عليه يو َم ا ُ‬
‫ِ‬
‫املسجد‪.‬‬ ‫ُ‬
‫دخول‬ ‫ِ‬
‫الصالة والسال ِم‬ ‫ِ‬
‫واطن‬ ‫ومن م‬
‫دينار يف قولِه تعاىل‪( :‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ)‬
‫ٍ‬ ‫قال عمرو بن‬
‫النبي ورمح ُة اهلل‬
‫ِّ‬ ‫[النور‪ ]65:‬قال‪ :‬إن م يكن يف البيت أحدٌ فقل‪ :‬السال ُم عىل‬
‫ِ‬
‫البيت ورمح ُة اهلل‬ ‫وبركاتُه‪ ،‬السالم علينا وعىل ِ‬
‫عباد اهلل الصاحلني‪ ،‬السال ُم عىل أهل‬ ‫ُ‬
‫وبركاته(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)3077‬وأبو داود (‪ ،)5025‬والنسائي (‪.)5520‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)3101‬وأصله يف مسلم (‪.)5115‬‬
‫(‪ )3‬سنن النسائي (‪ ،)5370‬وأخرجه أيضا أبو داود (‪ ،)5407‬وابن ماجه (‪.)5421‬‬
‫(‪ )4‬انظر اهلداية إىل بلوغ النهاية ملكي بن أيب طالب ‪.1565/2‬‬
‫‪ | 088‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫ٍ‬
‫عباس‪ :‬املرا ُد بالبيوت هاهنا املساجدُ (‪.)1‬‬ ‫ابن‬
‫قال ُ‬
‫ِ‬
‫اجلنائز‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الصالة عىل‬ ‫ِ‬
‫واطن الصالة عليه أي ًضا عند‬ ‫ومن م‬
‫ِ‬
‫السنة(‪.)2‬‬ ‫و ُذكر عن أيب ُأمام َة أهنا من‬

‫األم ِة ومل تنكر‪،‬ا‪ :‬الصال ُة عىل‬


‫عمل َّ‬‫مواطن الصالة التي مَض عليها ُ‬‫ِ‬ ‫ومن‬
‫ِ‬
‫البسملة‪.‬‬ ‫كتب بعد‬ ‫ِ‬ ‫النبي ﷺ وعىل آلِه يف‬
‫الرسائل وما ُي ُ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫والية بنى هاش ٍم‪ ،‬فمَض به‬ ‫األو ِل و ُأحدث عند‬ ‫ِ‬
‫الصدر َّ‬ ‫و م يكن هذا يف‬
‫الكتب‪.‬‬
‫َ‬ ‫أيضا‬ ‫ِ‬
‫األرض‪ ،‬ومنهم من ََيتم به ً‬ ‫ِ‬
‫أقطار‬ ‫ِ‬
‫الناس يف‬ ‫ُ‬
‫عمل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالة‪.‬‬ ‫مواطن السال ِم عىل ِّ‬
‫النبي ﷺ‪ :‬تشهدُ‬ ‫ومن‬

‫صىل أحدُ كم فليقل‪:‬‬ ‫النبي ﷺ قال‪« :‬إذا َّ‬ ‫ٍ‬


‫مسعود‪ ،‬عن‬ ‫عن ِ‬
‫عبد اهلل بن‬
‫ِّ‬
‫النبي ورمحة اهلل وبركاتُه‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫والطيبات‪ ،‬السالم عليك أَيا‬
‫ُ‬ ‫التحيات هلل والصلوات‬
‫ُ‬
‫عباد اهلل الصاحلني‪ ،‬فإنكم إذا قلتمو‪،‬ا أصابت ك َُّل ٍ‬
‫عبد صالحٍ‬ ‫السالم علينا وعىل ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫واألرض»(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫السامء‬ ‫يف‬

‫(‪ )1‬أخرجه الطربي يف تفسريه ‪ ،325/57‬واحلاكم ‪.030/5‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه ‪ ،)6052( 022/3‬وابن أيب شيبة ‪ ،)55372( 024/5‬واحلاكم‬
‫‪.)5335( 155/5‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)235‬ومسلم (‪.)045‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪089‬‬

‫‪ -3‬فصل يف كيفية الصالةِ عليه والتسليمِ‬

‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬كيف نُصَل عليك؟‬ ‫الساعدي أهنم قالوا‪ :‬يا‬ ‫عن أيب ُمح ٍ‬
‫يد‬
‫ِّ‬
‫حممد وأزواجه وذريته‪ ،‬كام صليت عىل ِ‬
‫آل‬ ‫ٍ‬ ‫اللهم ِّ‬
‫صل عىل‬ ‫قال‪« :‬قولوا‪:‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫وأزواجه وذريته‪ ،‬كام باركت عىل آل إبرا‪،‬يم‪ ،‬إنك محيدٌ‬ ‫وبارك عىل ٍ‬
‫حممد‬ ‫إبرا‪،‬يم‪ِ ،‬‬
‫جميدٌ »(‪.)1‬‬
‫ٍ‬
‫حممد‬ ‫اللهم ِّ‬
‫صل عىل‬ ‫األنصاري قال‪« :‬قولوا‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫مسعود‬ ‫ٍ‬
‫رواية عن أيب‬ ‫ويف‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫حممد وعىل آلِه كام باركت عىل‬
‫ٍ‬ ‫وعىل آله‪ ،‬كام صليت عىل آل إبرا‪،‬يم‪ ،‬وبارك عىل‬
‫آل إبرا‪،‬يم‪ ،‬يف العاملني إنك محيد جميدٌ ‪ ،‬والسال ُم كام قد علِ ْمتُم» (‪.)2‬‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫حممد وآل حممد‪ ،‬كام صليت‬ ‫صل عىل‬‫جرةَ‪« :‬اللهم ِّ‬ ‫ِ‬
‫كعب بن ُع َ‬ ‫ويف رواية‬
‫ٍ‬
‫حممد وآل حممد كام باركت عىل إبرا‪،‬يم‪ ،‬إنك محيدٌ‬ ‫عىل إبرا‪،‬يم‪ ،‬وبارك عىل‬
‫جميدٌ »(‪.)3‬‬

‫التشه ِد من قوله‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫وقوله‪« :‬والسال ُم كام قد علِ ْمتُم»(‪ )4‬هو ما علمهم اهلل يف‬
‫ِ‬
‫عباد اهلل‬ ‫النبي ورمح ُة اهلل وبركاتُه‪ ،‬السال ُم علينا وعىل‬ ‫«السال ُم عليك أَيا‬
‫ُّ‬
‫الصاحلني»‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3362‬ومسلم (‪.)047‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)041‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)6317‬ومسلم (‪.)046‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪.)041‬‬
‫‪ | 091‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -4‬فصل يف فضيلةِ الصالة على النيبِّ والتسليم عليه والدعاءِ له‬

‫رسول اهلل ﷺ يقول‪« :‬إذا سمعتُم املؤ ِّذن‬


‫َ‬ ‫عمرو‪ :‬سمعت‬ ‫عن ِ‬
‫عبد اهلل بن ٍ‬
‫صىل عيل مر ًة واحد ًة صىل اهلل عليه ِبا‬‫عيل فإنه من َّ‬ ‫يقول‪ ،‬وصلوا َّ‬‫فقولوا مثل ما ُ‬
‫لعبد من ِ‬
‫عباد اهلل‪،‬‬ ‫عَشا‪ ،‬ثم سلوا اهلل يل الوسيلة؛ فإَّنا منزل ٌة يف اجلن َِّة ال تنبغي إال ٍ‬
‫ً‬
‫وأرجو أن أكون أنا ‪،‬و‪ ،‬فمن سأل اهلل يل الوسيلة ح َّلت عليه الشفاع ُة» ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫عيل صال ًة صىل اهلل عليه‬


‫النبي ﷺ قال‪« :‬من صىل َّ‬ ‫وعن ِ‬
‫أنس بن مالك أن َّ‬
‫ٍ‬
‫درجات»(‪.)2‬‬ ‫ٍ‬
‫صلوات‪ ،‬وح َّط عنه عَش خطيئات‪ ،‬ورفع له عَش‬ ‫عَش‬
‫ِ‬
‫الليل قام فقال‪« :‬يا‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ إذا ذهب ُر ُب ُع‬ ‫ٍ‬
‫كعب‪ :‬كان‬ ‫وعن ُأ ِّ‬
‫يب بن‬
‫املوت بام فيه»‪ ،‬فقال‬
‫ُ‬ ‫الناس‪ ،‬اذكروا اهلل‪ ،‬جاءت الراجف ُة‪ ،‬تتبعها الرادف ُة‪ ،‬جاء‬
‫ُ‬ ‫ُّأَيا‬
‫ُ‬
‫أجعل لك من صالِت)‪(3‬؟‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬إين ُأ ُ‬
‫كثر الصال َة عليك فكم‬ ‫َ‬ ‫يب بن ٍ‬
‫كعب‪ :‬يا‬ ‫أ ُّ‬
‫َ‬
‫الثلث؟‬ ‫خري» قال‪:‬‬
‫الربع؟ قال‪« :‬ما شئت‪ ،‬وإن زدت فهو ٌ‬
‫َ‬ ‫قال‪« :‬ما شئت»‪ ،‬قال‪:‬‬
‫النصف؟ قال‪« :‬ما شئت‪ ،‬وإن زدت‬
‫َ‬ ‫خري»‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قال‪« :‬ما شئت‪ ،‬وإن زدت فهو ٌ‬
‫َ‬
‫رسول‬ ‫خري لك»‪ ،‬قال‪ :‬يا‬
‫خري»‪ ،‬قال‪ :‬الثلثني؟ قال‪« :‬ما شئت‪ ،‬وإن زدت فهو ٌ‬
‫فهو ٌ‬
‫أفأجعل صالِت ُك َّلها لك؟ قال‪« :‬إ ًذا تُكف و ُي ُ‬
‫غفر ذن ُبك»(‪.)4‬‬ ‫ُ‬ ‫اهلل‪،‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)320‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه النسائي (‪.)5527‬‬
‫(صالِت)‪ :‬من الصالة بمعنى الدعاء‪.‬‬
‫(‪َ )3‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الرتمذي (‪.)5017‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪090‬‬

‫النبي ﷺ‪« :‬من قال حني يسمع النداء‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬


‫جابر بن عبد اهلل قال‪ :‬قال‬ ‫وعن‬
‫آت حممدً ا الوسيلة والفضيلة‪،‬‬‫القائمة‪ِ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والصالة‬ ‫التام ِة‬
‫رب ‪،‬ذه الدعوة َّ‬ ‫اللهم َّ‬
‫ِ‬
‫القيامة»(‪.)1‬‬ ‫قاما حممو ًدا الذي وعدته؛ ح َّلت له شفاعتي يوم‬
‫وابعث ُه م ً‬
‫َ‬
‫املؤذن‪« :‬وأنا أشهد‬ ‫يسمع الندا َء أو‬ ‫ٍ‬
‫وقاص‪ :‬من قال حني‬ ‫وعن ِ‬
‫سعد بن أيب‬
‫ُ‬
‫رضيت باهلل ر ًّبا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أن ال إله إال اهلل وحده ال رشيك له‪ ،‬وأن حممدً ا عبده ورسوله‪،‬‬
‫وباإلسالم دينًا‪ ،‬وبمحمد ﷺ نب ًّيا؛ غفر له»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)650‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)326‬‬
‫‪ | 092‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -5‬فصل يف ذمِّ من مل يُصلِّ على النيبِّ ﷺ وظمثِه‬

‫كرت عنده فلم‬ ‫ٍ‬


‫رجل ُذ ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬ر ِغم ُ‬
‫أنف‬ ‫ُ‬ ‫عن أيب هرير َة قال‪ :‬قال‬
‫رمضان ثم انسلخ قبل أن ُيغفر له‪ ،‬ور ِغم ُ‬
‫أنف‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫رجل دخل‬ ‫عيل‪ ،‬ور ِغم ُ‬
‫أنف‬ ‫ُيصل َّ‬
‫رجل أدرك عنده أبواه الكِرب فلم ُيدخاله اجلنة»(‪.)1‬‬
‫ٍ‬

‫ُ‬
‫البخيل ‪-‬كل‬ ‫وعن عَل بن أيب طالب ‪ ،‬عنه عليه السالم أنه قال‪« :‬‬
‫عيل»(‪.)2‬‬ ‫البخيل‪ -‬الذي ُذكرت عنده فلم ُي ِّ‬
‫صل َّ‬
‫وعن أيب هرير َة قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬أيام قو ٍم جلسوا ً‬
‫جملسا ثم تفرقوا‬
‫أن يذكروا اهلل و ُيصلوا عىل النبي ﷺ كانت عليهم من اهلل تِرةٌ‪ْ ،‬‬
‫إن شاء‬ ‫قبل ْ‬
‫عذِبم‪ ،‬وإن شاء غفر َلم»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)3101‬وأصله يف مسلم (‪.)5115‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪.)3106‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)0216‬والرتمذي (‪.)3324‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪093‬‬

‫‪ -6‬فصل يف ختصيصِه ﷺ بتبليغِ من صلى عليه أو سلمَ من األنامِ‬


‫ٍ‬
‫رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬ما من أحد ُيس ِّلم َّ‬
‫عيل إال ر َّد‬ ‫َ‬ ‫عن أيب هرير َة ‪ ‬أن‬
‫عيل روحي حت أر َّد عليه السالم»(‪.)1‬‬
‫اهلل َّ‬
‫ٍ‬
‫مسعود‪« :‬إن هلل مالئك ًة سياحني يف األرض‪ ،‬يب ِّلغوين عن أمتي‬ ‫وعن ابن‬
‫السالم»(‪.)2‬‬
‫ِ‬
‫اجلمعة؛ فإن صالتكم‬ ‫عيل من الصالة يوم‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫أوس‪« :‬أكثروا َّ‬ ‫ويف حديث‬
‫معروض ٌة َّ‬
‫عيل»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪.)5405‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه النسائي (‪.)5525‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)5407‬وابن ماجه (‪ ،)5421‬والنسائي (‪.)5370‬‬
‫‪ | 094‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -7‬فصل يف االختالف يف الصالة على غريِ النيب ﷺ‪،‬‬


‫وسائرِ األنبياء عليهم السالمُ‬

‫ُ‬
‫وأميل إليه‪ :‬ما قاله مالك(‪ )1‬وسفيان(‪ )2‬رمحهام‬ ‫َ‬
‫املحققون‬ ‫ذهب إليه‬
‫َ‬ ‫والذي‬
‫ٍ‬
‫واحد من الفقهاء واملتكلمني أنه ال‬ ‫غري‬
‫وروي عن ابن عباس ‪ ،‬واختاره ُ‬ ‫اهلل‪ُ ،‬‬
‫(‪)3‬‬

‫توقريا هلم‬ ‫ِ‬


‫األنبياء عند ذكرهم‪ ،‬بل هو يش ٌء ََيتص به األنبياء‬ ‫صىل عىل غري‬ ‫ُي َّ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫والتقديس والتعظيم‪ ،‬وال يشاركُه‬ ‫وتعزيزا‪ ،‬كام ََيص اهلل تعاىل عند ذكره بالتنزيه‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫وسائر األنبياء بالصالة والتسليم‪ ،‬وال‬ ‫ختصيص النبي ﷺ‬
‫ُ‬ ‫فيه غريه‪ ،‬كذلك جيب‬
‫أمر اهلل به بقوله‪﴿ :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ﴾ [األحزاب‪:‬‬
‫يشاركُهم فيه سواهم كام َ‬
‫‪.]16‬‬

‫والرىض كام قال تعاىل‪:‬‬ ‫ِ‬


‫و ُيذك َُر َمن سواهم من األئمة وغريهم بالغفران ِّ‬
‫﴿ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ﴾ [احلرش‪ ]54 :‬وقال‪:‬‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫‪[ ﴾...‬التوبة‪.]544 :‬‬
‫َ‬
‫عمران‪ ،‬وإنام‬ ‫أمر م يكن معرو ًفا يف الصدر األول‪ ،‬كام قال أبو‬
‫وأيضا‪ :‬فهو ٌ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫الذكر هلم بالصالة‪،‬‬ ‫أحدَ ثه الرافض ُة واملتشيعة يف بعض األئمة‪ ،‬فشاركوهم عند‬
‫وساووهم بالنبي ﷺ يف ذلك‪.‬‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬البيان والتحصيل البن رشد اجلد ‪.645/52‬‬


‫(‪)2‬أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه ‪.)3552( 556/5‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه ‪ ،)3552( 556/5‬وابن أيب شيبة ‪.)2756( 510/5‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪095‬‬

‫وأيضا‪ :‬فإن التشبه بأهل البد ِع منهي عنه‪ ،‬فتجب خمالفتُهم فيام التزموه من‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫واإلضافة إليه‪،‬‬ ‫وذكر الصالة عىل اآلل واألزواج مع النبي ﷺ بحكم التب ِع‬ ‫ذلك‪،‬‬
‫ُ‬
‫ال عىل التخصيص‪.‬‬
‫ِ‬
‫واملواجهة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الدعاء‬ ‫قالوا‪ :‬وصال ُة النبي ﷺ عىل من صىل عليه َجمراها جمرى‬
‫والتوقري‪ ،‬قالوا وقد قال تعاىل‪﴿ :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬ ‫ِ‬ ‫ليس منها معني التعظي ِم‬
‫يكون الدعا ُء له خمال ًفا‬
‫َ‬ ‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [النور‪ ]63 :‬وكذلك جيب أن‬
‫اختيار اإلمام أيب املظ َّفر اإلسفراييني أحد‬ ‫الناس ِ‬
‫بعضهم لبعض‪ ،‬وهذا‬ ‫ِ‬ ‫لدعاء‬
‫ُ‬
‫رب(‪.)1‬‬
‫شيوخنا‪ ،‬وبه قال اب ُن عبد ال ِّ‬

‫(‪ )1‬االستذكار البن عبد الرب ‪.351-350/5‬‬


‫‪ | 096‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫ضل الصالة‬ ‫‪ -8‬فصل فيما يَلزَم مَن دخَل مسجد النيبِّ ﷺ من األدَب وفَ ْ‬
‫ضله وفَ ْ‬
‫فيه ويف مسجد مكَّ َة‪ ،‬وفضل سُكنى املدينة ومكةَ‬

‫قال اهلل تعاىل‪ ﴿ :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﴾ [التوبة‪:‬‬


‫ِ‬
‫‪ ]542‬اآليات‪ُ ،‬ر ِو َي أن النبي ﷺ ُسئل‪ُّ :‬‬
‫أي مسجد هو؟ قال‪« :‬م ْس ِ‬
‫جدي ‪،‬ذا»(‪.)1‬‬
‫حال إِ َّال إِىل ث ِ‬
‫الثة‬ ‫الر ُ‬
‫النبي ﷺ قال‪« :‬ال تُشدُّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫عن أيب هريرة ‪ ‬عن‬
‫ج ِد األ ْقىص»(‪.)2‬‬
‫جدي ‪،‬ذا‪ ،‬وامل ْس ِ‬‫سج ِد احلرامِ‪ ،‬وم ْس ِ‬
‫ساجد‪ :‬امل ِ‬
‫م ِ‬

‫دخل املسجدَ قال‪:‬‬ ‫النبي ﷺ كان إذا َ‬ ‫عمرو ِ‬ ‫عبد اهلل بن ِ‬ ‫وعن ِ‬
‫بن العاص أن َّ‬
‫الرجي ِم»(‪.)3‬‬
‫طان َّ‬ ‫«أ ُعو ُذ باهللِ العظيمِ‪ ،‬وبِو ْج ِه ِه الكريمِ‪ ،‬و ُس ْلطانِ ِه القدي ِم ِمن َّ‬
‫الش ْي ِ‬

‫وقال ٌ‬
‫مالك رمحه اهلل‪َ :‬سمع عمر بن اخلطاب ‪ ‬صوتًا يف املسجد فدعا‬
‫كنت من هاتني القريتني‬
‫ثقيف‪ ،‬قال‪ :‬لو َ‬
‫َ‬ ‫بصاحبِه فقال‪ :‬ممن أنت؟ فقال‪ٌ :‬‬
‫رجل من‬
‫الصوت(‪.)4‬‬
‫ُ‬ ‫ألدبتُكل إن مسجدَ نا هذا ال ُيرفع فيه‬
‫ِ‬
‫الصوت وال‬ ‫قال حممد بن مسلم َة‪ :‬ال ينبغي ألحد أن يعتمدَ املسجد برفع‬
‫بيشء من األذى‪ ،‬وأن ُينزه عام يكره‪.‬‬
‫ِ‬
‫فضل مسجد النبي‬ ‫ُ‬
‫إسامعيل يف مبسوطه يف باب‪:‬‬ ‫حكى ذلك ك َّله القايض‬
‫احلكم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املساجد هذا‬ ‫كم ِ‬
‫سائر‬
‫ُ‬ ‫ﷺ‪ ،‬والعلام ُء كلهم متفقون عىل أن ُح َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)5322‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)5522‬ومسلم (‪.)5327‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪.)066‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪.)074‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪097‬‬

‫جدي ‪،‬ذا خري ِمن أ ْل ِ‬


‫ف‬ ‫وقال أبو هرير َة عنه عليه السالم‪« :‬صال ٌة يف م ْس ِ‬
‫ٌْ ْ‬
‫صال ٍة فيام ِسوا ُه إِ َّال امل ْس ِ‬
‫جد احلرام»(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫بمثل حديث أيب هرير َة‬ ‫واحتَجوا بحديث ِ‬
‫عبد اهلل بن الزبري عن النبي ﷺ‬
‫بم ِئة‬
‫الصالة يف مسجدي ‪،‬ذا ِ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫أفضل من‬ ‫وفيه‪« :‬وصال ٌة يف املسجد احلرام‬
‫ٍ‬
‫صالة»(‪.)2‬‬
‫ِ‬
‫املسجد احلرام عىل هذا عىل‬ ‫ُ‬
‫فضل الصالة يف‬ ‫وروى َقتاد ُة مث َله(‪ ،)3‬فيأِت‬
‫َ‬
‫بمئة ٍ‬
‫ألف‪.‬‬ ‫املساجد ِ‬
‫ِ‬ ‫الصالة يف سائر‬
‫ومنربي روض ٌة من رياض ِ‬
‫اجلنة»(‪.)4‬‬ ‫وقال ﷺ‪« :‬ما بني بيتي ِ‬

‫موجب‬ ‫ِ‬
‫اجلنة» َحيتمل معنيني‪ :‬أحدُ مها‪ :‬أنه‬ ‫وقو ُله‪« :‬روض ٌة من رياض‬
‫ٌ‬
‫لذلك‪ ،‬وأن الدعا َء والصال َة فيه يستحق ذلك من الثواب‪.‬‬

‫والثاين‪ :‬أن تلك البقع َة قد ينق ُلها اهلل فتكون يف اجلنة بعينِها‪.‬‬

‫النبي ﷺ قال يف املدينة‪« :‬ال ي ْص ِ ُ‬


‫رب‬ ‫عمر وعياعة من الصحابة أن َّ‬ ‫وروى اب ُن َ‬
‫القيام ِة»(‪.)5‬‬
‫ْت له شهيدً ا‪ ،‬أو شفيعا يوم ِ‬
‫ً ْ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عىل ألْوائها وشدَّ ُِتا أحدٌ إِ َّال ُكن ُ ُ‬
‫ِ‬
‫املدينة‪« :‬واملدين ُة خ ْ ٌري َُل ْم ل ْو كانوا ي ْعلمون» (‪.)6‬‬ ‫وقال فيمن َحت َّمل عن‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5524‬ومسلم (‪.)5320‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أمحد ‪.)56557( 05/56‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه ‪.)2532( 555/1‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)5526‬ومسلم (‪.)5325‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم (‪.)5377‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه البخاري (‪ ،)5271‬ومسلم (‪.)5322‬‬
‫‪ | 098‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫وقال‪« :‬إِنَّام املدين ُة كالكِ ِري تنْفي خبثها وينص ُع طِيبها»(‪.)1‬‬

‫ُيرج أحدٌ من املدينة رغب ًة عنها إال أبدَلا اهلل ً‬


‫خريا منه»(‪.)2‬‬ ‫وقال‪« :‬ال ُ‬
‫أشفع ملن‬ ‫فليمت ِبا؛ فإين‬ ‫ِ‬ ‫وعن ِ‬
‫ُ‬ ‫عمر‪« :‬من استطاع أن يموت باملدينة ُ‬ ‫ابن َ‬
‫يموت ِبا»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5223‬ومسلم (‪.)5323‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مالك ‪.)6( 227/5‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)3257‬وابن ماجه (‪.)3555‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪099‬‬

‫القِ ْسم الثالِث‪ :‬فيما يَ ِجب للنيبِّ ﷺ‪ ،‬وما يَستَحيل يف حَقِّه أو يَجوز عليه‪ ،‬وما‬
‫صحُّ من األحوال البشَرية أن تُضاف ظليه‬
‫َيمتنِع أو يَ ِ‬
‫‪ | 211‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪210‬‬

‫قال اهلل تعاىل‪ ﴿ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬


‫ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﴾ [آل عمران‪ ،]500 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﴾ [املائدة‪ ،]71 :‬وقال‪ ﴿ :‬ﯢ ﯣ‬
‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﴾ [الفرقان‪:‬‬
‫‪ ،]54‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ‬
‫ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ﴾ [الكهف‪.]554 :‬‬

‫البرش‪ ،‬ولوال ذلك ملا َأطاق‬ ‫البرش ُأ ِ‬


‫رسلوا إىل َ‬ ‫وسائر األنبياء من َ ِ‬ ‫حمد ﷺ‬
‫ُ‬ ‫فم َّ‬
‫ُ‬
‫وخما َطبتهم‪ ،‬قال ا ُ‬
‫هلل تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬ ‫َ‬
‫والقبول عنهم ُ‬ ‫قاومتهم‬
‫الناس ُم َ‬
‫ُ‬
‫البرش الذين ُيمكِنكم‬
‫ﭔ ﭕ ﴾ [األنعام‪ ،]2 :‬أي‪ :‬ملا كان َّإال يف صورة َ‬
‫ورؤيته إذا كان عىل صورته‪ ،‬وقال‬ ‫ُخمالطتُهمل إذ ال تُطيقون ُمقاومة املَ َلك ُ‬
‫وخماطبته ُ‬
‫تعاىل‪ ﴿ :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬
‫ُ‬
‫إرسال‬ ‫ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﴾ [اإلرساء‪ ،]21 :‬أي‪ :‬ال يمكن يف ُسنة اهلل‬
‫ِ‬
‫وقواه عىل ُمقاومته‬ ‫امل َلك َّإال ملَن هو من ِجنسه‪ ،‬أو َمن َّ‬
‫خصه اهلل تعاىل واص َطفاه َّ‬
‫والرسل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫كاألَنبياء‬
‫‪ | 212‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫وسائط بني اهلل تعاىل وبني َخ ْلقه‪ُ ،‬يب ِّلغوهنم‬


‫ُ‬ ‫والرسل عليهم السالم‬ ‫ُ‬ ‫فاألنبياء‬
‫وخ ْلقه وجالله‬ ‫عرفوهنم بام م َيع َلموه من َأ ْمره َ‬
‫أوامره ونواه َيه‪ ،‬ووعدَ ه ووعيدَ ه‪ ،‬و ُي ِّ‬
‫َ‬
‫واهرهم وأجسا ُدهم وبِنيتُهم ُمتَّصفة بأوصاف‬
‫وجربوته و َملكوته‪ ،‬ف َظ ُ‬
‫وسلطانه َ‬‫ُ‬
‫البرش من األعراض واألسقام واملوت وال َفناء‬
‫طرأ عىل َ‬ ‫البرش‪ِ ،‬‬
‫طارئ عليها ما َي َ‬ ‫َ‬
‫ونُعوت اإلنسانية وأرواحهم‪ .‬وبواطنُهم ُمتَّصفة بأعىل من َأ ْوصاف َ‬
‫البرش ُمتع ِّلقة‬
‫التغري واآلفات‪ ،‬ال َيلحقها غال ًبا‬ ‫باملأل األَعىل‪ُ ،‬متش ِّبهة بصفات املالئكة‪َ ،‬سليمة من ُّ‬
‫بواطنُهم خالِص ًة لل َبرشية كظوا ِهرهم‬ ‫البرشية وال َضعف اإلنسانية‪ ،‬إذ لو كانت ِ‬
‫ْ‬ ‫عجز َ‬
‫ُ‬
‫وخمالطتهم كام ال ُيطيقه‬ ‫وخماطبتهم إياهم ُ‬ ‫ورؤيتهم هلم ُ‬ ‫َ‬
‫األخذ عن املالئكة ُ‬ ‫ملا َأطاقوا‬
‫وبخالف‬ ‫وظواهرهم مت َِّسمة بنُعوت املالئكة ِ‬ ‫ِ‬ ‫البرش‪ ،‬ولو كانت َأجسا ُمهم‬
‫غريهم من َ‬
‫ُ ُ‬
‫البرش ومن ُأ ِ‬
‫رسلوا إليه ُخمالطتَهم كام تَقدَّ م من قول اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫البرشل ملا َأطاق َ َ‬‫صفات َ‬
‫ِ‬
‫األرواح‬ ‫البرش‪ ،‬ومن جهة‬ ‫والظواهر مع َ‬ ‫ِ‬ ‫فج ِعلوا من جهة األجسام‬ ‫ُ‬
‫والبواطن مع ِ‬
‫املالئكة‪.‬‬ ‫ِ‬

‫َّخ ًذا ِم ْن ُأ َّمتِي خلِ ًيال ال َّخت ْذ ُت أبا بك ٍْر‬


‫ْت مت ِ‬
‫كام قال عليه السالم‪« :‬ل ْو ُكن ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫خو ُة ا ِإلسالمِ‪ ،‬لكِ ْن‬ ‫ِ‬
‫الر ْمح ِن»(‪.)1‬‬‫ليل َّ‬‫صاح ُبك ُْم خ ُ‬ ‫ليال‪ ،‬ولك ْن ُأ َّ‬
‫خ ً‬

‫وكام قال‪« :‬تنا ُم ع ْيناي وال ينا ُم ق ْلبي»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)5323‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)5453‬ومسلم (‪ ،)732‬وأبو داود (‪ ،)545‬والرتمذي (‪.)5502‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪213‬‬

‫ِ‬
‫فبواطنُهم‬ ‫ت كه ْيئتِكُم‪ ،‬إِ ِّين أظ ُّل ُي ْط ِع ُمني ر ِّيب وي ْس ِقيني»(‪،)1‬‬‫وقال‪« :‬إِ ِّين ل ْس ُ‬
‫كتفي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طهرة من النقائص واالعتالالت‪ ،‬وهذه ُعيلة لن َي َ‬ ‫ُم َّنزهة عن اآلفات‪ُ ،‬م َّ‬
‫األكثر َحيتاج إىل َب ْسط وتفصيل عىل ما ن ِ‬
‫َأِت به بعدَ هذا‬ ‫مهة‪ ،‬بل‬ ‫بمضموهنا ُّ ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫كل ذي َّ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫الوكيل‪.‬‬ ‫عم‬ ‫ِ‬
‫يف البابني ب َع ْون اهلل‪ ،‬وهو َح ْسبي ون َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5255‬ومسلم (‪.)5545‬‬


‫‪ | 214‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫الباب األوَّل فيما يَختصُّ باألمور الدينية والكالم يف عِصمة نبيِّنا عليه الصالة‬
‫والسالم وسائِر األنبياء صلوات اهلل عليهم‬

‫َطرأ‬
‫البرش ال ََيلو أن ت َ‬
‫َّغريات واآلفات عىل آحاد َ‬
‫الطوارئ من الت ُّ‬
‫َ‬ ‫اع َل ْم أن‬
‫عىل‪:‬‬

‫واسه بغري َق ْصد واختيار‪ ،‬كاألمراض واألسقام‪.‬‬ ‫ِ‬


‫‪ -1‬ج ْسمه أو عىل َح ِّ‬
‫َطرأ ب َق ْصد واختيار‪.‬‬
‫‪ -2‬أو ت َ‬
‫ِ‬
‫رسم املشايخ بتَفصيله إىل ثالثة‬
‫ُ‬ ‫جرى‬ ‫وك ُّله يف احلقيقة َ‬
‫عمل وف ْعل‪ ،‬ولكن َ‬
‫أنواعٍ‪:‬‬

‫‪ -‬ع ْقد بالق ْلب‪.‬‬

‫‪ -‬وقول بال ِّلسان‪.‬‬


‫ِ‬
‫باجلوارح‪.‬‬ ‫‪ -‬وعمل‬

‫والتغريات باالختيار وب َغ ْري االختيار يف‬


‫ُّ‬ ‫عليهم اآلفات‬
‫ُ‬ ‫َطرأ‬
‫البرش ت َ‬
‫وعييع َ‬ ‫ُ‬
‫وجيوز عىل ِجبِ َّلته ما َجيوز عىل‬
‫البرش َ‬
‫والنبي ﷺ وإن كان من َ‬ ‫ِ‬
‫الوجوه ك ِّلها‪،‬‬ ‫هذه‬
‫ُّ‬
‫ومتت كلِم ُة اإلعيا ِع عىل ُخروجه عنهم‬‫ْ‬ ‫ِ‬
‫القاطعة‬ ‫ِجبِ َّلة البرش‪ ،‬فقد قامت الرباهني‬
‫اآلفات ا َّلتي َت َقع عىل االختِيار وعىل غري االختِيار كام سنُب ِّينه‬
‫ِ‬ ‫وتَنزهيِه عن كثري من‬
‫َأِت به من التَّفاصيل‪.‬‬ ‫هلل‪ -‬فيام ن ِ‬
‫‪-‬إن شاء ا ُ‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪215‬‬

‫‪ -1‬فصل يف حُكم عَ ْقد قلب النيبِّ ﷺ من وَ ْقت نبوَّته‬


‫إياك تَوفي َقه‪ -‬أن ما تَع َّلق منه بطريق التوحيد ِ‬
‫والعلم باهلل‬ ‫اع َل ْم ‪-‬منَحنا اهللُ َ‬
‫فة ووضوح ِ‬‫عر ِ‬ ‫وحي إليه‪ ،‬فعىل ِ‬
‫غاية املَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الع ْلم واليقني‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وصفاته واإليامن به‪ ،‬وبام ُأ َ‬
‫كل‬ ‫ِ‬
‫[و]العصمة من ِّ‬ ‫بيشء من ذلك أو الشك أو الريب فيه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫واالنتِفاء عن اجلهل‬
‫ما ُيضا ُّد املعرفة بذلك وال َيقني‪ ،‬هذا [ما وقع] إعياع املسلِمني عليه‪ ،‬وال َي ِص ُّح‬
‫الواضحة أن َيكون يف ُعقود األنبياء ِسوا ُه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بالرباهني‬

‫‪ -2‬فصل [يف عصمتهم من هذا الفنِّ قبلَ النبوة ]‬

‫والصواب أهنم‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫فللناس فيه خالفل‬ ‫وأما عصمتهم من هذا الف ِّن َ‬
‫قبل النبوة‬
‫ِّ‬
‫والشك يف يشء‬ ‫معصومون عليهم السالم قبل النبوة من اجلهل باهلل‪ِ ،‬‬
‫وصفاته‪،‬‬
‫ِ‬
‫النقيصة‬ ‫األخبار واآلثار عن األنبياء بتَنزهيهم عن هذه‬ ‫تعاض ِ‬
‫دت‬ ‫من ذلك‪ ،‬وقد َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫التوحيد واإليامن‪.‬‬ ‫منذ ُولِدوا ون َْشأهتم عىل‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫بكفر‬ ‫و م َينقل أحدٌ من أهل األخبار أن أحدً ا ُن ِّب َئ واص ُطفي ممن ُعرف‬
‫القلوب‬
‫َ‬ ‫بعضهم بأن‬
‫النقل‪ ،‬وقد استدل ُ‬ ‫وإرشاك قبل ذلك‪ ،‬ومستندُ هذا الباب ُ‬
‫تنفر عمن كانت هذه سبي ُله‪.‬‬

‫كفار‬
‫قريشا قد رمت نبينا عليه السالم بكل ما افرتته‪ ،‬وغري ُ‬ ‫وأنا أقول‪ :‬إن ً‬
‫األمم أنبيا َءها بكل ما أمكنها واختل َقته مما نص اهلل تعاىل عليه‪ ،‬أو نقلته إلينا‬
‫تعيريا لواحد منهم برفضه آهلتَه‪ ،‬وتقريعه َ‬
‫بذ ِّمه‬ ‫ً‬ ‫الرواةُ‪ ،‬و م نجد يف يشء من ذلك‬
‫ِ‬
‫برتك ما كان قد جام َعهم عليه‪ ،‬ولو كان هذا لكانوا بذلك متبادرين‪ ،‬وبتلونه يف‬
‫‪ | 216‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫وأقطع يف‬
‫َ‬ ‫أفظع‬
‫َ‬ ‫َوبيخهم له بنهيهم عام كان يعبدُ ُ‬
‫قبل‬ ‫معبوده ُحمتجني‪ ،‬ولكان ت ُ‬
‫احلجة من توبيخه بنهيهم عن تركهم آهلتَهم وما كان يعبدُ آباؤهم من ُ‬
‫قبل‪.‬‬
‫ً‬
‫سبيال إليه‪ ،‬إذ لو‬ ‫ِ‬
‫اإلعراض عنه دليل عىل أهنم م جيدوا‬ ‫ِ‬
‫إطباقهم عىل‬ ‫ففي‬
‫القبلة وقالوا‪﴿ :‬ﭖ ﭗ ﭘ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حتويل‬ ‫كان لن ُِق َل وملَا سكتوا عنه‪ ،‬كام م يسكُتوا عند‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ﴾ [البقرة‪ ]505 :‬كام حكاه اهلل عنهم‪.‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪217‬‬

‫‪ -3‬فصل [فيما كان من أمر الدنيا]‬


‫حق األنبياء ا ِ‬
‫لعصمة من عدم‬ ‫فأ َّما ما تع َّلق منها بأمر الدنيا فال ُي َ َ‬
‫شرتط يف ِّ‬
‫وصم عليهم فيه‬ ‫َ‬ ‫معرفة األنبياء ببعضها أو اعتِقادها عىل ِخالف ما هي عليه‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬
‫وأمر الرشيعة وقوانِينها‪ ،‬وأمور الدنيا تُضا ُّدها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫باآلخرة وأنبائها‪ِ ،‬‬ ‫مهمهم متع ِّلقة‬ ‫ِ‬
‫إذ َ‬
‫غريهم من أهل الدنيا الذين ﴿ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬ ‫بخالف ِ‬ ‫ِ‬

‫ﭧ ﭨ ﴾ [الروم‪.]7 :‬‬

‫ولكنه ال ُيقال‪ :‬إهنم ال يعلمون شي ًئا من أمر الدنيا‪ ،‬فإن ذلك ُيؤ ِّدي إىل‬
‫رسلوا إىل أهل الدنيا‪ ،‬و ُق ِّلدوا سياستهم‬‫الغفلة والب َل ِه‪ ،‬وهم املُ َّنزهون عنه‪ ،‬بل قد ُأ ِ‬

‫العلم بأمور‬ ‫وهدايتهم‪ ،‬والنظر يف مصالح ِدينهم ودنياهم‪ ،‬وهذا ال يكون مع عدَ م ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وس َريهم يف هذا الباب َمعلومة ومعرفتُهم بذلك‬ ‫وال األنبياء ِ‬‫الدنيا بال ُك ِّلية‪ ،‬وأح ُ‬
‫النبي ﷺ َّإال‬ ‫ِ‬ ‫ك ِّله مشهورة‪ ،‬وأ َّما إن كان هذا العقدُ مما‬
‫يتعلق بالدِّ ين فال َيص ُّح من ِّ‬
‫ُ‬
‫العلم به وال َجيوز عليه جهله عيل ًة‪.‬‬‫ِ‬
‫‪ | 218‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -4‬فصل [يف عِصمة النيبِّ ﷺ من الشيطان وكِفايته منه ]‬

‫النبي ﷺ من الشيطان وكِفايته منه ال يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫واع َل ْم أن األُ َّمة ُجمتمعة عىل عصمة ِّ‬
‫ِ‬
‫ِجسمه بأنواع األذى وال عىل خاطره َ‬
‫بالو ِ‬
‫ساوس‪.‬‬

‫بن مسعود ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬ما ِمنكُم ِمن‬ ‫فعن ِ‬
‫عبد اهلل ِ‬
‫الئ ِ‬
‫اجلن وقرينُه ِمن امل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫سول‬‫كة»‪ ،‬قالوا‪ :‬وإ َّياك يا َر َ‬ ‫أحد َّإال وقد ُوكِّل بِه قرينُه من ِ ِّ‬
‫اهلل؟ قال‪« :‬وإِ َّياي‪ ،‬ولكِ َّن اهلل تعاىل أعاننِي عل ْي ِه فأ ْسلم؛ فال ي ْأ ُم ُرين إِ َّال بِخ ْ ٍري»(‪،)1‬‬
‫بعضهم هذه الرواي َة‬ ‫وصحح ُ‬ ‫َّ‬ ‫بض ِّم امليم‪ ،‬أي‪ :‬ف َأس َل ُم أنا منه‪،‬‬‫رو َي‪ :‬ف َأس َل ُم‪َ .‬‬ ‫ِ‬
‫ورو َي‪ :‬فأس َل َم‪َ .‬يعنِي‪ :‬القري َن‪ ،‬أنه ان َت َقل عن حال كُفره إىل اإلسال ِم‬ ‫ورجحها‪ِ ،‬‬ ‫َّ‬
‫فصار ال َيأ ُمر َّإال َ‬
‫بخ ْري كامل َلك‪.‬‬

‫بمن ب ُعد منه‪،‬‬ ‫فإذا كان هذا ُحكْم َش ْيطانه و َقرينه املسلط عىل بني آ َد َم فكيف َ‬
‫اآلثار بتَصدِّ ي الشياطني‬ ‫ِ‬
‫جاءت‬ ‫الدنو منه؟! وقد‬ ‫قدر عىل‬‫و م ي َلزم صحبته‪ ،‬وال ُأ ِ‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫إطفاء نوره‪ ،‬وإماتة نفسه‪ ،‬وإدخال ُشغل عليه إذ َي ِئسوا‬ ‫ِ‬ ‫وطن رغبة يف‬ ‫له يف غري م ِ‬
‫َ‬
‫النبي ﷺ و َأ َرسه‪ ،‬قال‬ ‫ِ‬
‫فأخ َذه ُّ‬‫َعرضه له يف َصالته‪َ ،‬‬ ‫من إغوائه فان َقلبوا خارسين‪ ،‬كت ُّ‬
‫ورة ِ‪ٍّ ،‬ر‪ ،‬فشدَّ ع َّيل يقطع‬
‫الشيطان عرض ِيل ِيف ص ِ‬
‫ُ‬ ‫أبو هرير َة عنه عليه السالم‪« :‬إِ َّن َّ ْ‬
‫سار ٍية ِمن سواري‬‫ت أ ْن ُأوثِق ُه إىل ِ‬ ‫عيل الصالة‪ ،‬فأمكنني اهللُ ِمن ُه فذع ُّت ُه‪ ،‬ولقدْ مه ْم ُ‬
‫َّ‬
‫ت قول أخي ُسل ْيامن‪ ﴿ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬ ‫سج ِد ح َّت تُصبِحوا تنْ ُظرون إل ْي ِه‪ ،‬فذك ْر ُ‬
‫امل ِ‬
‫خاسئًا»(‪.)2‬‬‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﴾ [ص‪ ]35 :‬اآلية‪ ،‬فرده اهللُ ِ‬
‫َّ ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)5250‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)065‬ومسلم (‪.)105‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪219‬‬

‫‪ -5‬فصل [يف قول اللسان]‬

‫عجزة عىل‬ ‫الدالئل الواضح ُة ِ‬


‫بص َّحة ا ُمل ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫فقامت‬ ‫وأ َّما أقوا ُله عليه السالم‬
‫ِصدْ قه‪ ،‬و َأعيعت األُمة فيام كان َطري ُقه البال َغ أنه معصوم فيه من اإلخبار عن ٍ‬
‫يشء‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫سهوا وال غل ًطا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫منها بخالف ما هو به‪ ،‬ال قصدً ا وال عمدً ا وال ً‬
‫بن ٍ‬ ‫عن ِ‬
‫عبد اهلل ِ‬
‫سمع منك؟ قال‪:‬‬ ‫كل ما َأ َ‬
‫قلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أكتُب َّ‬‫عمرو‪ُ :‬‬
‫قول يف ذلِك ُك ِّل ِه إِ َّال‬
‫والغضب؟ قال‪« :‬نع ْم‪ ،‬فإِ ِّين ال أ ُ‬
‫َ‬ ‫الرضا‬
‫قلت‪ :‬يف ِّ‬
‫«نع ْم»‪ُ ،‬‬
‫ح ًّقا»(‪.)1‬‬

‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﴾ [النجم‪،]0 - 3 :‬‬


‫﴿ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﴾ [النساء‪ ﴿ ،]574 :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خرب‬
‫الباب َ‬ ‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﴾ [احلرش‪ ،]7 :‬فال َيص ُّح أن ُي َ‬
‫وجد منه يف هذا‬
‫أي وجه َ‬
‫كان‪.‬‬ ‫ِ‬
‫خمربه عىل ِّ‬
‫بخالف َ‬

‫‪ -6‬فصل [فيما سَبيله سبيلُ البالغ]‬

‫القول فيام طريقه البال ُغ‪ ،‬وأ َّما ما ليس َسبيله ُ‬


‫سبيل البالغ من األخبار‬ ‫ُ‬ ‫هذا‬
‫ا َّلتي ال ُمستندَ هلا إىل األحكام وال أخبار املعاد‪ ،‬وال تُضاف إىل و ٍّ‬
‫حي‪ ،‬بل يف أمور‬
‫الدنيا و َأحوال َن ْفسه فالذي َجيِب اعتقاده تنزي ُه ِّ‬
‫النبي ﷺ عن أن ي َقع خ ُ‬
‫ربه يف يشء‬
‫سهوا وال غ َل ًطا‪ ،‬وأنه َمعصوم من ذلك يف‬ ‫ِ‬
‫خمربه ال عمدً ا وال ً‬
‫من ذلك بخالف َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ومرضه‪ ،‬ودليل ذلك ات ُ‬
‫ِّفاق‬ ‫حال ِرضاه‪ ،‬ويف حال سخطه وجدِّ ه و َم ْزحه وص َّحته َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪.)3606‬‬


‫‪ | 201‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫الس َلف وإعياعهم عليه‪ ،‬وذلك أنا نَع َلم من ِدين الصحابة وعادهتم ُمبادرهتم إىل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أي يشء‬‫أي باب كانت‪ ،‬وعن ِّ‬ ‫تصديق عييع أحواله وال ِّثقة بجميع َأخباره يف ِّ‬
‫و َق َعت‪ ،‬وأنه م َيكُن هلم تَو ُّقف وال تَر ُّدد يف يشء منها‪ ،‬وال استِثبات عن حاله عند‬
‫ذلك هل و َقع فيها ٌ‬
‫سهو أم ال‪.‬‬
‫رب بإقرار‬ ‫عمر حني َأ ْجالهم من خي َ‬ ‫هودي عىل َ‬ ‫ُّ‬ ‫قيق ال َي‬ ‫وملا احت ََّج اب ُن أيب احلُ ِ‬
‫عمر ‪ ‬بقوله ﷺ‪« :‬ك ْيف بِك إِذا ُأ ْخ ِر ْجت‬ ‫رسول اهلل ﷺ هلم‪ ،‬واحت ََّج عليه ُ‬
‫كذ ْبت يا‬ ‫مر‪َ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِم ْن خ ْيرب؟» فقال‬
‫اليهودي‪ :‬كانت هزيلة من أيب القاسم‪ .‬فقال ُع ُ‬ ‫ُّ‬
‫دو اهلل!(‪.)1‬‬
‫َع َّ‬
‫عام َأشار‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ولو كان ذلك لنُقل كام نُقل من ق َّصته عليه السالم يف رجو ُعه ﷺ َّ‬
‫به عىل األنصار يف تَلقيح الن َّْخل ‪ ،‬وكان ذلك رأ ًيا ال َ ً‬
‫خربا‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫بخالف ما هو‬ ‫يشء من األخبار ِ‬ ‫الكذب متى ع ِرف من أحد يف ٍ‬ ‫وأيضا فإن ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫واهتِم يف حديثه‪ ،‬و م َي َقع لقوله يف النفوس‬ ‫بخربه ُّ‬ ‫ٍ‬
‫أي وجه كان‪ ،‬اسرتيب َ‬ ‫عىل ِّ‬
‫عمن ُع ِرف بالوهم والغفلة‪ُ ،‬‬
‫وسوء‬ ‫َ‬
‫احلديث َّ‬ ‫موقعل وهلذا َترك املُحدِّ ثون والعلامء‬
‫الكذب يف أمور الدنيا َمعصية‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫تعمدَ‬
‫وأيضا فإن ُّ‬ ‫ً‬ ‫احلفظ‪ ،‬وكثرة الغ َلط مع ثِقته‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫النبوة‪.‬‬ ‫منصب‬ ‫سقط للمروءة وكل هذا ممَّا ي َّنزه عنه ِ‬ ‫واإلكثار منه كَبرية بإعياعٍ‪ ،‬م ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وسؤاهلم عن‬ ‫النبي ﷺ من ُق َر ْيش وغريها من األُ َمم ُ‬
‫ِّ‬ ‫وان ُظ ْر أحوال َع ْرص‬
‫واعرتفوا به مما ُع ِرف‪ ،‬وا َّت َفق ُ‬
‫النقل‬ ‫ََ‬ ‫حاله يف ِصدْ ق لِسانه‪ ،‬وما ُع ِّرفوا به من ذلك‪،‬‬
‫قبل وبعدُ ‪.‬‬ ‫عىل ِعصمة نب ِّينا ﷺ منه ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)5734‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)5365‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪200‬‬

‫‪ -7‬فصل [يف عمل اجلوارح]‬

‫وأ َّما ما َيتع َّلق باجلوارح من األعامل وال ََي ُرج من ُعيلتها القول باللسان فيام‬
‫رب ا َّلذي و َقع فيه الكال ُم‪ ،‬واالعتِقاد بالقلب فيام عدا التوحيدَ ‪ ،‬وما قدَّ مناه‬
‫عدا اخل َ‬
‫واحش‬ ‫عيع املسلمون عىل ِعصمة األنبياء من ال َف ِ‬ ‫من معارفه املخت ََّصة به‪ ،‬ف َأ َ‬
‫اإلعياع‪.‬‬
‫ُ‬ ‫والكبائر املُوبِقات‪ ،‬و ُمس َتنَدُ اجلمهور يف ذلك‬

‫الف أهنم َمعصومون من ِكتامن الرسالة والتقصري يف التَّبليغ‪.‬‬


‫وكذلك ال ِخ َ‬
‫ِ‬
‫األنبياء‪.‬‬ ‫فجوزها عياع ٌة من الس َلف وغريهم عىل‬
‫وأ َّما الصغائر َّ‬
‫وقوعها منهم‪ ،‬و م‬ ‫َ‬ ‫العقل ال ُحي ُيل‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الوقف‪ ،‬وقالوا‪:‬‬ ‫طائف ٌة أخرى إىل‬ ‫وذهبت ِ‬
‫ََ‬
‫حد الوجهني‪.‬‬ ‫الرش ِع قاطع بأ ِ‬ ‫ِ‬
‫يأت يف َّ‬
‫ٌ‬
‫طائف ٌة أخرى من املُح ِّققني من ال ُفقهاء وا ُملتك ِّلمني إىل ِعصمتِهم من‬ ‫وذهبت ِ‬
‫ََ‬
‫ِ‬
‫الكبائر‪.‬‬ ‫كع ْصمتهم من‬ ‫الصغائر ِ‬

‫جوز الصغائر و َمن نفاها عن نب ِّينا عليه السالم ُجم ِمعون عىل أنه ال ُي ِق ُّر‬ ‫و َمن َّ‬
‫جوازه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫دل عىل‬‫عىل ُمنكَر من قول أو فعل وأنه متى رأى شي ًئا فسكَت عنه ﷺ َّ‬
‫غري ِه‪ ،‬ثم َجيوز وقو ُعه منه يف َن ْفسه؟!‬
‫حق ِ‬ ‫فكيف َيكون هذا حا َله يف ِّ‬

‫النبي ﷺ كيف‬‫ِّ‬ ‫وأيضا فقد علِم من ِدين الصحابة قط ًعا االقتدا ُء بأفعال‬‫ً‬
‫يمهم حني نبذ َ‬
‫خامتَه(‪،)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوجهت‪ ،‬ويف كل ف ٍّن كاالقتداء بأقواله‪ ،‬فقد ن َبذوا خوات َ‬
‫ت َّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)6615‬ومسلم (‪.)5425‬‬


‫‪ | 202‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫جالسا لقضاء‬
‫ً‬ ‫عمر إ َّياه‬ ‫عاهلم حني خ َلع نَع َله(‪ ،)1‬واحتجاجهم برؤية ِ‬
‫ابن َ‬ ‫وخ َلعوا نِ َ‬
‫بيت املقدس(‪.)2‬‬ ‫حاجته ُمستقبِ ًال َ‬
‫ٌ‬
‫مأذون فيها‪،‬‬ ‫قدح‪ ،‬بل هي‬
‫وقوعها منهم ‪ ،‬إذ ليس فيها ٌ‬
‫ُ‬ ‫املباحات فجائز‬
‫ُ‬ ‫وأما‬
‫وأيدهيم كأيدي غريهم مسلطة عليها‪ ،‬إال أهنم بام خصوا به من رفيع املنزلة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ورشحت هلم صدورهم من أنوار املعرفة‪ ،‬واص ُطفوا به من تع ُّل ِق ِ‬
‫والدار‬ ‫اهل َم ِم باهلل‬ ‫ُ‬ ‫ُ ِ َ‬
‫ِ‬
‫طريقهم‬ ‫ِ‬
‫الرضورات مما ي َت َق َّوون به عىل سلوك‬ ‫ِ‬
‫املباحات إال‬ ‫اآلخرة ال يأخذون من‬
‫ٍ‬
‫بطاعة‪ ،‬وصار‬ ‫ِ‬
‫السبيل الت ََح َق‬ ‫ِ‬
‫وُضورة دنياهم‪ ،‬وما ُأخذ عىل هذه‬ ‫ِ‬
‫وصالح دينهم‬
‫عظيم‬
‫ُ‬ ‫قربة كام بينا منه َ‬
‫أول الكتاب طر ًفا يف خصال نبينا عليه السالم‪ ،‬فبان لك‬
‫َ‬
‫أفعاهلم‬ ‫فضل اهلل عىل نبينا عليه السالم‪ ،‬وعىل سائر ِ‬
‫أنبيائه عليهم السالم بأن جعل‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫املعصية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املخالفة ورسم‬ ‫ٍ‬
‫قربات وطاعات بعيد ًة عن وجه‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪.)614‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)501‬ومسلم (‪.)566‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪203‬‬

‫‪ -8‬فصل [يف عِصمته ﷺ من املعاصي قبل النبوَّة]‬

‫وجوزها‬ ‫النبوةل فمنَعها قوم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َّ‬ ‫وقد اختُلف يف عصمتهم من املعايص قبل َّ‬
‫وعصمتُهم من كل ما‬ ‫آخرون‪ ،‬والصحيح ‪-‬إن شاء اهلل‪ -‬تَنزهيهم من كل َعيب ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والنواهي إنام‬
‫َ‬ ‫املعايص‬
‫َ‬ ‫َصورها كاملُمتنِع؟! فإن‬ ‫ُي ِ‬
‫وجب الريب‪ ،‬فكيف واملَس َألة ت ُّ‬
‫الناس يف حال نب ِّينا عليه السالم َ‬
‫قبل أن‬ ‫ُ‬ ‫َقرر الرشع‪ ،‬وقد اخت َلف‬ ‫تَكون بعد ت ُّ‬
‫وحى إليه‪ :‬هل كان متب ًعا لرشع قب َله أم ال؟‬
‫ُي َ‬
‫ليشء‪ ،‬وهذا قول اجلمهورل فاملعايص عىل هذا‬ ‫ٍ‬ ‫فقال عياعة‪ :‬م يكن متب ًعا‬
‫القول غري موجودة وال معتربة يف ح ِّقه حينئذ‪ِ ،‬‬
‫إذ األحكام الرشعية إنام تَتع َّلق‬ ‫ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫وتقر ِر الرشيعة‪.‬‬
‫باألوامر والنواهي ُّ‬
‫ِ‬
‫وترك قطع احلك ِم عليه‬ ‫وقالت فرق ٌة أخرى بالوقف يف أمره عليه السالم‪،‬‬
‫ُ‬
‫العقل‪ ،‬وال استبان عندنا يف أحدمها‬ ‫ٍ‬
‫بيشء يف ذلك‪ ،‬إذ م حيل أحد الوجهني منها‬
‫مذهب أيب املعايل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫طريق النقل‪ ،‬وهو‬
‫ُ‬
‫وقالت فرق ٌة ثالثة‪ :‬إنه كان ً‬
‫عامال برشع َمن قبله‪ ،‬ثم اختلوا هل َيتعني ذلك‬
‫بعضهم عىل التعيني‬
‫وجرس ُ‬
‫َ‬ ‫وأحجم‪،‬‬
‫َ‬ ‫بعضهم عن تعيينه‬ ‫الرشع أم ال‪ ،‬فوقف ُ‬
‫ُ‬
‫إبراهيم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫نوح‪ .‬وقيل‪:‬‬ ‫وصمم‪ ،‬ثم اختل َفت هذه املُع ِّينة فيمن كان ُ‬
‫يتبع‪ ،‬فقيل‪ُ :‬‬
‫صلوات اهلل عليهم‪ ،‬فهذه عيل ُة املذاهب يف هذه‬
‫ُ‬ ‫وقيل‪ :‬موسى‪ .‬وقيل‪ :‬عيسى‬
‫مذاهب املع ِّينني‪.‬‬
‫ُ‬ ‫واألظهر فيها ما ذهب إليه القايض أبو بكر‪ ،‬وأبعدُ ها‬
‫ُ‬ ‫املسألة‪،‬‬
‫‪ | 204‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -9‬فصل [يف السهو والنسيان يف الوهائف الشرعية]‬


‫ٍ‬
‫هذا ُحكم ما تَكون املُخالفة فيه من األعامل عن قصد وهو ما ُي َّ‬
‫سمى‬
‫ٍ‬
‫وتعمد كالسهو‬ ‫ٍ‬
‫قصد‬ ‫ِ‬
‫التكليف‪ ،‬وأما ما َيكون بغري‬ ‫معصي ًة‪ ،‬ويدخل حتت‬
‫ِ‬
‫اخلطاب به وترك‬ ‫الرشع بعدم تع ُّلق‬ ‫تقرر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫والنسيان يف الوظائف الرشعية ممَّا َّ‬
‫ؤاخذة به‪ ،‬وكونه ليس‬‫فأحوال األنبياء عليهم السالم يف ترك املُ َ‬
‫ُ‬ ‫ذة عليه‪،‬‬‫املؤاخ ِ‬
‫َ‬
‫وتقرير‬
‫ُ‬ ‫بمعصية هلم مع ُأ َممهم سواء‪ ،‬ثم ذلك عىل نوعني‪ :‬ما طري ُقه البالغ‪،‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫باتباعه فيه‪ ،‬وما هو‬ ‫وتعليم األمة بالفعل‪ ،‬وأخذهم‬ ‫وتعلق األحكام‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الرشع‪،‬‬
‫ُ‬
‫خارج عن هذا مما َيتص ِ‬
‫بنفسه‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫السهو يف القول يف هذا‬ ‫حكم‬ ‫ٍ‬
‫عياعة من العلامء‬ ‫فحكمه عند‬ ‫ُ‬
‫األول‪:‬‬ ‫أما‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫جوازه‬ ‫حق النبي ﷺ وعصمتِه من‬ ‫َ‬
‫االتفاق عىل امتناع ذلك يف ِّ‬ ‫الباب‪ ،‬وقد ذكرنا‬
‫جيوز ُط ُر ُّو املخالفة‬ ‫ُ‬
‫األفعال يف هذا الباب ال ُ‬ ‫سهوا‪ ،‬فكذلك قالوا‪:‬‬‫عليه قصدً ا أو ً‬
‫ِ‬
‫واألداء‪ ،‬و ُط ُر ُّو هذه‬ ‫القول من ٍ‬
‫جهة التبلي ِغ‬ ‫ِ‬ ‫بمعني‬
‫سهوال ألهنا َ‬
‫فيها ال عمدً ا وال ً‬
‫ِ‬
‫أحاديث‬ ‫ويسبب املطاع َن‪ ،‬واعتذروا عن‬ ‫َ‬
‫التشكيك‬ ‫يوجب‬ ‫ِ‬
‫العوارض عليها‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫إسحاق اإلسفراييني‪.‬‬‫َ‬ ‫نذكرها بعدَ هذا‪ ،‬وإىل هذا مال أبو‬ ‫ٍ‬
‫السهو بتوجيهات ُ‬
‫ِ‬
‫األفعال البالغية‬ ‫األكثر من الفقهاء واملتكلمني إىل أن املخالف َة يف‬ ‫وذهب‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫قصد منه جائز ٌة عليه كام تقرر من أحاديث‬ ‫واألحكا ِم الرشعية ً‬
‫سهوا وعن غري‬
‫ِ‬
‫املعجزة عىل‬ ‫ِ‬
‫األقوال البالغية لقيام‬ ‫وفرقوا بني ذلك وبني‬ ‫ِ‬
‫السهو يف الصالة‪َّ ،‬‬
‫فغري مناقض هلا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الصدق يف القول‪ ،‬وخمالف ُة ذلك‬
‫يناقضها‪ ،‬وأما السهو يف األفعال ُ‬
‫ُ‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪205‬‬

‫ِ‬
‫سامت البرش‪ ،‬كام قال‬ ‫وغفالت القلب من‬
‫ُ‬ ‫غلطات الفعل‬
‫ُ‬ ‫وال ٍ‬
‫قادح يف النبوة‪ ،‬بل‬
‫بَش أنس كام تنسون فإذا نسيت فذكروين»(‪.)1‬‬ ‫عليه السالم‪« :‬إنام أنا ٌ‬
‫بيان األحكام من أفعالِه عليه السالم وما‬
‫وأما ما ليس طري ُقه البال َغ وال َ‬
‫فاألكثر من طبقات علامء‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وأذكار قلبه مما م يفعله ل ُيتبع فيه‪،‬‬ ‫َيتص به من أمور دينه‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫والغفالت بقلبه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وحلوق الفرتات‬ ‫ِ‬
‫السهو والغلط عليه فيها‪،‬‬ ‫األمة عىل جواز‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫ومالحظة‬ ‫ِ‬
‫ومعاناة األهل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وسياسات األمة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫قاساة اخللق‬ ‫وذلك بام ُك ِّل َفه من ُم‬
‫ِ‬
‫الندور كام‬ ‫ِ‬
‫االتصال‪ ،‬بل عىل سبيل‬ ‫األعداء‪ ،‬ولكن ليس عىل سبيل الت ِ‬
‫َّكرار وال‬
‫فأستغفر اهلل»(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫قال عليه السالم‪« :‬إنه ل ُيغان عىل قلبي‬

‫وليس يف هذا يش ٌء َحي ُّط من ُرتبته و ُيناقض معجزته‪ ،‬وذهبت طائف ٌة إىل منع‬
‫مذهب‬ ‫والنسيان والغفالت والفرتات يف حقه عليه السالم عيلة‪ ،‬وهو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السهو‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫القلوب واملقامات‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وأصحاب علم‬ ‫ِ‬
‫املتصوفة‬ ‫عياعة‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)045‬ومسلم (‪.)175‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)5745‬‬
‫‪ | 206‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -11‬فصل يف الكَالم على األحاديث املذكور فيها السه ُو منه ﷺ‬

‫َ‬
‫أحاديث‪:‬‬ ‫الواردة يف َس ْهوه ﷺ يف الصالة ثالثة‬‫ِ‬ ‫الصحيح من األحاديث‬
‫ُ‬
‫حديث ِ‬
‫ابن ُبحين َة يف‬ ‫ُ‬ ‫السالم ِمن اثنت َْني(‪ ،)1‬الثاين‪:‬‬ ‫ُ‬
‫حديث ذي اليدين يف َّ‬ ‫َّأوَلا‪:‬‬
‫الظهر‬ ‫عود ‪ :‬أن النبي ‪ ‬صىل‬ ‫حديث ابن مس ٍ‬ ‫ُ‬ ‫القيام من اثنتني(‪ ،)2‬الثالث‪:‬‬
‫َ‬
‫مخسا(‪.)3‬‬
‫ً‬
‫وحكمة اهلل فيه‬ ‫السهو يف الفعل الذي قررناه‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫األحاديث مبن َّي ٌة عىل‬
‫ُ‬ ‫وهذه‬
‫إذ البال ُغ بالفعل َأجىل منه بالقول‪ ،‬وأر َف ُع لالحتِاملل ورش ُطه أنه ال ُي َق ُّر‬ ‫ليستن به‪ِ ،‬‬
‫َ َّ‬
‫وتظهر فائد ُة احلكمة فيه كام قدَّ مناهل‬‫َ‬ ‫االلتباس‪،‬‬
‫ُ‬ ‫عىل السهول بل يشع ُر به َلري ِتف َع‬
‫عجزة‪ ،‬وال قادحٍ‬ ‫الفعل يف ح ِّقه عليه السالم غري مضا ٍّد للم ِ‬
‫ِ‬ ‫والسهو يف‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫النسيان‬ ‫وإن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫التصديق‪.‬‬ ‫يف‬

‫َش ِمث ُلكُم أنس كام تنس ْون؛ فإِذا ن ِس ُ‬


‫يت‬ ‫وقد قال عليه السالم‪« :‬إنَّام أنا ب ٌ‬
‫فذكِّروين»(‪.)4‬‬

‫ُنت أسق ْطت ُُه َّن»(‪،)5‬‬


‫هلل ُفالنًا؛ لقدْ أذكرين كذا وكذا آي ًة‪ ،‬ك ُ‬ ‫وقال ‪ِ « :‬‬
‫رحم ا ُ‬
‫ويروى‪ُ « :‬أ ِ‬
‫نسيت ُُه َّن»‪.‬‬ ‫ُ َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)025‬ومسلم (‪.)173‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)252‬ومسلم (‪.)714‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)5556‬ومسلم (‪.)175‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)045‬ومسلم (‪.)175‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪ ،)1432‬ومسلم (‪.)722‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪207‬‬

‫‪ -11‬فصل [يف عظم أمر عصمة األنبياء وفوائد ذلك]‬

‫قر ْرناه ما هو احلق من ِعصمتُه عليه السالم عن‬


‫الناظر بام َّ‬
‫ُ‬ ‫قد است َ‬
‫َبان لك أهيا‬
‫ُنايف ِ‬
‫الع ْلم بيشء من ذلك ك ِّله عيلة بعد‬ ‫ٍ‬
‫حالة ت ِ‬ ‫وصفاته أو كونه عىل‬ ‫اجلهل باهلل ِ‬
‫ِ‬
‫قر ْره من أمور الرشع‪ ،‬وأ َّداه‬ ‫ونقال وال َ ٍ ِ‬
‫وإعياعا‪ ،‬وقبلها سم ًعا ً‬ ‫الن َُّّبوة ً‬
‫بيشء ممَّا َّ‬ ‫ً‬ ‫عقال‬
‫وخلف القول ُ‬
‫منذ‬ ‫الكذب ُ‬‫وعقال ورش ًعا‪ ،‬وعصمتُه عن ِ‬ ‫ً‬ ‫ِ‬
‫الوحي قط ًعا‬ ‫عن ربه من‬
‫ٍ‬
‫ونظرا‬
‫ً‬ ‫قصد‪ ،‬واستحالة ذلك عليه رش ًعا وإعيا ًعا‬ ‫ن َّب َأه اهلل و َأ َ‬
‫رسله قصدً ا أو غري‬
‫وبرهانًا‪ ،‬وتنزهيه عنه قبل النبوة قط ًعا‪ ،‬وتنزهيه عن الكبائر إعيا ًعا‪ ،‬وعن الصغائر‬
‫ِ‬
‫حتقي ًقا‪ ،‬وعن استدامة السهو والغفلة واستمرار الغ َلط والنسيان عليه فيام َ‬
‫رشعه‬
‫وعصمته يف كل حاالتِه من ِر ًضا َ‬
‫وغضب ِ‬
‫وجدٍّ و َم ْزح‪.‬‬ ‫ألمة‪ِ ،‬‬
‫ل ُ َّ‬
‫ف َي ِجب عليك أن تَتل َّقاه باليمني‪ ،‬وتشد عليه يد الضنني‪ ،‬وتَقدُ ر هذه‬
‫للنبي‬
‫ِّ‬ ‫الفصول حق َقدْ رها‪ ،‬وتعلم عظيم فائدهتا وخطرها‪ ،‬فإن َمن َجيهل ما َجيب‬
‫أحكامه ال يأمن أن ي ِ‬
‫عتقد يف‬ ‫ِ‬ ‫صور‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ﷺ أو َجيوز له أو َيستحيل عليه وال َيعرف َ‬
‫بعضها ِخ َ‬
‫الف ما هي عليه‪ ،‬وال ُي ِّنزهه عام ال َجيِب أن ُيضاف إليهل ف َيهلِك من‬
‫األسفل من النار‪ ،‬إِ ْذ ظ ُّن الباطل به‬ ‫ِ‬ ‫هوة الدرك‬‫حيث ال َيدري‪ ،‬و َيس ُقط يف َّ‬ ‫ُ‬
‫البوارل وهلذا ما احتاط عليه السالم عىل‬ ‫ِ‬ ‫حي ُّل بصاحبه َ‬
‫دار‬ ‫واعتقا ُده ما ال َجيوز عليه َ ُ‬
‫املسجد مع َصفي َة فقال هلام‪« :‬إِ ََّّنا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫معتكف يف‬ ‫ليال وهو‬‫الرجلني ال َّلذين رأ َياه ً‬ ‫ُ‬
‫يت أ ْن‬ ‫جمرى الدَّ مِ‪ ،‬وإِ ِّين خ ِش ُ‬ ‫الش ْيطان جي ِري ِم ِن ِ‬
‫ابن آدم ْ‬ ‫صف َّي ُة»‪ُ ،‬ثم قال هلام‪« :‬إِ َّن َّ‬
‫ي ْق ِذف يف ُق ُلوبِكُام ش ْيئًا فت ْهلِكا»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5431‬ومسلم (‪.)5571‬‬


‫‪ | 208‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫ِ‬
‫فوائد ما تك َّلمنا عليه‪.‬‬ ‫هلل‪ -‬إحدى‬ ‫هذه ‪َ -‬أ َ‬
‫كرمك ا ُ‬
‫مسائل ال تنعقدُ من‬‫ُ‬ ‫وفائِدة ثانية‪ :‬يض َطر إليها يف أصول ِ‬
‫الفقه‪ ،‬و ُيبنى عليها‬ ‫ُ ُّ‬
‫الفقه و ُيتخ َّلص هبا من تَشغيب ُخمتلِفي الفقهاء يف ِعدة منها‪ ،‬وهي احلُكم يف أقوال‬
‫وأصل كبري من أصول ِ‬
‫الفقه‪ ،‬وال ُبدَّ من بِنائه‬ ‫ٌ‬ ‫عظيم‬
‫ٌ‬ ‫النبي ﷺ و َأفعاله‪ ،‬وهو ٌ‬
‫باب‬ ‫ِّ‬
‫وعصمته‬ ‫عىل ِصدق النبي ﷺ يف إخباره وبالغه‪ ،‬وأنه ال َجيوز عليه السهو فيه‪ِ ،‬‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫من املُخالفة يف أفعاله عمدً ا‪.‬‬

‫الفعل ُب ِسط‬
‫الصغائر و َقع ِخالف يف امتثال ِ‬
‫ِ‬ ‫وبحسب اختِالفهم يف ُوقوع‬
‫بيانه يف كُتِب ذلك ِ‬
‫العل ِم‪ ،‬فال نُطول به‪.‬‬
‫ِ‬
‫فيمن َأضاف إىل ِّ‬
‫النبي ﷺ شي ًئا من‬ ‫وفائدة ثالثة‪َ :‬حيتاج إليها احلاكم واملُفتي َ‬
‫ووصفه هبا‪ ،‬فمن م َي ِ‬
‫عرف ما َجيوز وما َيمتنع عليه‪ ،‬وما و َقع اإلعياع‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫األمور‬ ‫هذه‬
‫دري هل ما قاله فيه‬ ‫واخلالف‪ ،‬كيف يصمم يف ال ُفتيا يف ذلك؟ ومن أين َي ِ‬
‫ُ‬ ‫فيه‬
‫َن ْقص أو مدْ ح؟ فإما أن َجي ِرتئ عىل س ْفك دم مسلِم حرام أو ي ِ‬
‫سقط ح اقا أو ُيض ِّيع‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫للنبي عليه السالم؟‬
‫ُحرمة ِّ‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪209‬‬

‫‪ -12‬فصل يف القول يف عِصمة املالئكة عليهم السالم‬


‫أعيع املسلِمون عىل أن املالئكة م ِ‬
‫ؤمنون ُف َضال ُء‪ ،‬واتَّفق أئمة املسلمني أن‬ ‫ُ‬
‫العصمة كام ذكَرنا ِعصمتهم منه‪ ،‬وأهنم‬ ‫حكم املرسلني منهم حكم النبيني سواء يف ِ‬
‫ٌ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫درجات األنبياء وحقوقهم‪ ،‬والتبليغ إليهم كاألنبياء مع األ َمم‪ ،‬واختلفوا يف‬ ‫يف‬
‫فذهبت طائفة إىل ِعصمة عييعهم عن املعايص‪ ،‬واحت َُّجوا‬ ‫رسلني منهم‪َ :‬‬ ‫غري املُ َ‬
‫بقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﴾ [التحريم‪ ،]6 :‬وبقولِه‪:‬‬
‫﴿ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﴾ [الصافات‪:‬‬
‫‪ ،]566 - 560‬وبقولِه‪ ﴿ :‬ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﴾ [األنبياء‪،]54 -52 :‬‬
‫وبقولِه‪ ﴿ :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﴾‬
‫[األعراف‪ ،]546 :‬وبقولِه‪ ﴿ :‬ﮍ ﮎ ﮏ ﴾ [عبس‪ ،]56 :‬و﴿ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﴾ [الواقعة‪ ،]72 :‬ونحوه من اآليات‪.‬‬
‫ِ‬
‫واحتجوا‬
‫ُّ‬ ‫وذهبت طائفة إىل أن هذا ُخصوص للمرسلني منهم واملُ َّ‬
‫قربني‪،‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫جناهبم‬ ‫والصواب ِعصمة عييعهم وتنزي ُه‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫والتفاسري‪،‬‬ ‫ذكرها أهل األخبار‬‫بأشيا َء َ‬
‫حي ُّط من ُرتبتهم و َم ِنزلتهم عن جليل ِمقدارهم‪ ،‬ورأيت بعض‬ ‫الرفي ِع عن عييع ما َ ُ‬
‫ُشيوخنا َأشار إىل أن ال حاج َة لل َفقيه بالكَالم يف ِعصمتهم‪.‬‬
‫‪ | 221‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫الباب الثاني من القسم الثالث‪ :‬فيما يَخُصُّهم يف األمور الدُّنيوية ويَطرَأ عليهم‬
‫من العَوارِض البشرية‬
‫ِ‬
‫وظاهره‬ ‫والرسل من البرش‪ ،‬وأن ِجسمه‬ ‫قد قدَّ منا أنه ﷺ وسائر األنبياء‬
‫ُ‬
‫للبرش َجيوز عليه من اآلفات والتغيريات واآلالم واألسقام َ‬
‫وجت ُّرع كأس‬ ‫خالص َ‬
‫البرش‪ ،‬وهذا ك ُّله ليس بنقيصة فيهل ألن اليشء إنام يسمى ِ‬
‫ناق ًصا‬ ‫ِ‬
‫احلامم ما َجيوز عىل َ‬
‫ُ َّ‬
‫وأكمل من نوعه‪.‬‬‫ُ‬ ‫أتم منه‬
‫باإلضافة إىل ما هو ُّ‬
‫ِ‬
‫الدار ﴿ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬ ‫وقد كتَب اهلل تعاىل عىل أهل هذه‬
‫مرض ﷺ‬ ‫الغ َري ِة‪ ،‬فقد ِ‬
‫جة ِ‬‫البرش بمدر ِ‬
‫ﭲ﴾ [األعراف‪ ]51 :‬وخ َلق عييع َ َ َ‬
‫والضج ُر‪،‬‬ ‫الغضب‬ ‫واشتَكى‪ ،‬وأصابه احلر وال َقر‪ ،‬و َأدركه اجلوع والع َط ُش‪ِ ،‬‬
‫وحل َقه‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ َ ُّ‬
‫وشجه‬
‫َّ‬ ‫فج ِحش ش ُّقه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الضعف والك َرب‪ ،‬وس َقط ُ‬ ‫ومسه َّ‬
‫ب‪َّ ،‬‬ ‫وناله ِ‬
‫اإلعيا ُء والت َع ُ‬
‫وسحر‪ ،‬وتداوى عليه السالم واحت ََجم‪،‬‬ ‫الس َّم‪ُ ،‬‬ ‫وسقي َّ‬
‫الكفار‪ ،‬وكرسوا َرباع َّيتَه‪ُ ،‬‬
‫فتويف ﷺ ِ‬
‫وحلق بالرفيق األعىل‪ ،‬وخت َّلص من دار‬ ‫قَض نَح َبه‪َ ِّ ،‬‬
‫َعوذ‪ ،‬ثم َ‬ ‫َنرش وت َّ‬
‫وت َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫االمتِحان والبلوى‪.‬‬

‫غريه من األنبياء ما هو‬


‫يص عنها‪ ،‬وأصاب َ‬ ‫البرش التي ال َحم َ‬ ‫وهذه ِسامت َ‬
‫ورموا يف النار‪ ،‬ونُرشوا باملناشري‪ ،‬ومنهم َمن وقاه اهلل‬ ‫قتال‪ُ ،‬‬ ‫أعظم من ذلك‪ ،‬ف ُقتِلوا ً‬
‫ُ‬
‫عصم بعدُ نب َّينا ﷺ‬
‫عصمه اهلل عز وجل كام َ‬ ‫ذلك يف بعض األوقات‪ ،‬ومنهم َمن َ‬
‫حجبه عن ُعيون ِعداه‬‫أحد وال َ‬
‫ِ‬
‫من الناس‪ ،‬فلئن م َيكف نب َّينا ر ُّبه يدَ ابن قمئ َة يوم ُ‬
‫أخذ عىل عيون ُقريش ِعند خروجه إىل َث ْور‪،‬‬ ‫أهل الطائف‪ ،‬ف َل َقدْ َ‬ ‫عند َدعوته َ‬

‫َرش) النرشة‪ :‬الرقية‪.‬‬


‫(‪َ ( )1‬تن َّ َ‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪220‬‬

‫وفر َس ُرساقة‪ ،‬ولئن م َي ِق ِه من ِسحر‬


‫وحج َر أيب جهل َ‬ ‫َ‬ ‫ورث‬ ‫سيف َغ َ‬
‫َ‬ ‫مسك عنه‬‫و َأ َ‬
‫أعظم من َس ِّم اليهودية‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ابن األعص ِم ف َل َقدْ وقاه ما هو‬

‫رشفهم يف‬ ‫ظهر َ‬ ‫عاىف‪ ،‬وذلك من َمتام ِحكمتهل ل ُي ِ‬ ‫بتىل و ُم ً‬


‫وهكذا سائر أنبيائه ُم ً‬
‫أمرهم و ُيتم كلِمته فيهمل وليحقق بامتحاهنم َ‬ ‫ِ‬
‫برشيتَهم‪،‬‬ ‫هذه املَقامات و ُيبني َ‬
‫ِ‬ ‫وي ِ‬
‫ظهر من ال َعجائب عىل‬ ‫الض ْعف فيهمل لئال َيض ُّلوا بام َي َ‬‫رتفع االلتباس عن أهل َّ‬ ‫َ‬
‫ريم عليه السالمل وليكون يف ِحمَنِهم تسلي ٌة‬ ‫يسى ِ‬
‫ابن َم َ‬
‫ِ‬
‫الل النصارى بع َ‬ ‫أيدهيم َض َ‬
‫فور ألُجورهم عند رهبم متا ًما عىل الذي َ‬
‫أحس َن إليهم‪.‬‬ ‫وو ٌ‬ ‫ألُممهم ُ‬
‫ختتص‬ ‫ُّ‬ ‫والتغيريات املذكور ُة إنام‬
‫ُ‬ ‫بعض املحققني‪ :‬وهذه الطوارئ‬ ‫قال ُ‬
‫ِ‬
‫اجلنس‪،‬‬ ‫ِ‬
‫البرشية املقصو ُد هبا مقاومة البرش‪ ،‬ومعانا ُة بني آد َم ملشاكلة‬ ‫ِ‬
‫بأجسامهم‬
‫ِ‬
‫واملالئكةل‬ ‫وأما بواطنُهم فمنزه ٌة غال ًبا عن ذلك معصوم ٌة منه متعلق ٌة باملإل األعىل‬
‫عيني تنامان‬
‫الوحي منهم‪ ،‬قال‪ :‬وقد قال عليه السالم‪« :‬إن َّ‬ ‫َ‬ ‫ألخذها عنهم وتَلقيها‬
‫أبيت يطعمني ريب‬
‫ُ‬ ‫لست كهيئتكم‪ ،‬إين‬
‫ُ‬ ‫وال ينا ُم قلبي»(‪ .)1‬وقال‪« :‬إين‬
‫ويسقيني»(‪.)2‬‬

‫فصل [يف أنه ﷺ قد سُحِرَ]‬

‫فإن قلت‪ :‬فقد جاءت األخبار الصحيحة أنه عليه السالم ُس ِحر‪.‬‬
‫َ‬
‫احلديث صحيح ُمتَّفق عليه‪ ،‬وقد ط َعنت‬ ‫فاع َل ْم ‪-‬و َّفقنا اهلل وإياك‪ -‬أن هذا‬
‫لسخف ُعقوهلا وتَلبيسها عىل أمثاهلا إىل التَّشكيك يف‬ ‫فيه املُلحدةُ‪ ،‬وت َّ‬
‫َذرعت به ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5507‬ومسلم (‪.)732‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)7522‬ومسلم (‪.)5543‬‬
‫‪ | 222‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫ِ‬
‫مرض من‬ ‫الس ْحر َ‬ ‫والنبي عام ُيدخل يف أمره َل ً‬
‫بسا‪ ،‬وإنام ِّ‬ ‫َّ‬ ‫الرشع‬
‫َ‬ ‫الرشع‪ ،‬وقد َّنزه اهلل‬
‫وعارض من ِ‬
‫الع َلل َجتوز عليه كأنواع األمراض مما ال ُينكَر وال َيقدَ ح‬ ‫ِ‬ ‫األمراض‪،‬‬
‫يف نبوته‪.‬‬

‫ورد أنه كان َُي َّيل إليه أنه ف َعل اليش َء وال َيفعله‪ ،‬فليس يف هذا ما‬
‫وأما ما َ‬
‫داخلة يف يشء من تَبليغه أو رشيعته‪ ،‬أو َيقدَ ح يف ِصدقه لقيام الدليل‬ ‫يدخل عليه ِ‬

‫واإلعياع عىل ِعصمته من هذا‪ ،‬وإنام هذا فيام َجيوز ُط ُ‬


‫روؤه عليه يف أمر ُدنياه التي م‬
‫يبعث بسببها‪.‬‬

‫أخرب أنه ف َعله‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫و م يأت يف خري منها أنه نُقل عنه يف ذلك قول بخالف ما كان َ‬
‫وختي ٍ‬
‫الت‪.‬‬ ‫واطر َ ُّ‬
‫و م َيف َعله‪ ،‬وإنام كانت َخ َ‬
‫ِ‬
‫هذا حا ُله يف ج ْسمه‪ ،‬أ َّما أحواله يف أمور الدنيا فنحن ن ُ‬
‫َسربها عىل أسلوهبا‬
‫املُتقدِّ م إن شاء اهلل بالعقد والقول ِ‬
‫والف ْعل‪.‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪223‬‬

‫‪[ -1‬فصل يف عقد القلب]‬

‫ظهر خال ُفه‪ ،‬أو‬


‫أ َّما العقد منها‪ :‬فقد يعتقد يف أمور الدنيا اليشء عىل وجه و َي َ‬
‫الرشع‪.‬‬ ‫يكون منه عىل ٍّ‬
‫شك أو ظ ٍّن بخالف أمور َّ ْ‬
‫َ‬
‫النخل‬ ‫ديج قال‪ِ :‬‬
‫قدم رسول اهلل ﷺ املدينة وهم َيأ ُبرون‬ ‫عن رافع بن َخ ٍ‬
‫فقال‪« :‬ما تصنعون؟» قالوا‪ :‬كُنا نَصنَعه‪ .‬قال‪« :‬لع َّلك ُْم ل ْو مل ْ ت ْفعلوا كان خ ْ ًريا»‪،‬‬
‫يش ٍء ِم ْن ِدينِك ُْم‬
‫َش إِذا أم ْر ُتك ُْم بِ ْ‬
‫رتكوه فنقصت‪ ،‬فذكَروا ذلك له فقال‪« :‬إنَّام أنا ب ٌ‬ ‫ف َ‬
‫ِ ْ‬ ‫ِ‬
‫َش»(‪ ،)1‬ويف رواية أنَس‪« :‬أ ْنت ُْم‬ ‫يشء من رأ ٍي فإِنَّام أنا ب ٌ‬
‫فخُ ذوا بِه‪ ،‬وإِذا أم ْر ُتك ُْم بِ ْ‬
‫أ ْعل ُم بِأ ْم ِر ُدنْياكُمْ»(‪.)2‬‬

‫عدوه عىل ث ُلث َمتر املدينة فاستَشار األنصار‪ ،‬فلام‬


‫ِّ‬ ‫و َأراد ُمصاحلة بعض‬
‫فمثل هذا و َأ ِ‬
‫شباهه من أمور الدنيا ‪-‬التي ال َم َ‬
‫دخل فيها‬ ‫َأخربوه برأهيم رجع عنه‪ِ ،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لعلم ديانة وال اعتقادها وال تَعليمها‪َ -‬جيوز عليه فيها ما ذكَرناه‪ ،‬إذ ليس يف هذا‬
‫ك ِّله نَقيصة وال حمطة‪.‬‬

‫فصل‬

‫البرش اجلارية عىل َيديه و َقضاياهم و َمعرفة‬ ‫وأ َّما ما ُيعت َقد يف أمور أحكام َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السبيلل لقوله عليه السالم‪:‬‬ ‫املح ِّق من ا ُملبطل وعلم املُصلح من املُفسد‪َ ،‬‬
‫فبهذه‬
‫َش وإِ َّنك ُْم ختْت ِصمون إِ َّيل‪ ،‬ولع َّل ب ْعضك ُْم أ ْن يكون أ ْحلن بِ ُح َّجتِ ِه ِم ْن‬
‫«إنَّام أنا ب ٌ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)5365‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)5363‬‬
‫‪ | 224‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫بيش ٍء فال ي ْأ ُخ ْذ‬ ‫ِ‬ ‫ض؛ فأ ْق ِِض له عىل نح ٍو ِممَّا أسمع‪ ،‬فمن قضي ُ ِ‬
‫ت ل ُه م ْن ح ِّق أخيه ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ب ْع ٍ‬
‫ِمنْ ُه ش ْيئًا؛ فإِنَّام أ ْقط ُع ل ُه ِق ْطع ًة ِمن الن ِ‬
‫َّار»(‪.)1‬‬

‫الظن بشهادة‬
‫ِّ‬ ‫وموجب غلبات‬‫ِ‬ ‫وجتري أحكا ُمه عليه السالم عىل الظاهر‪،‬‬
‫والو ِ‬
‫كاء(‪ )2‬مع ُمقتَض‬ ‫الع َفاص ِ‬ ‫ومعرفة ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومراعاة األشبه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الشاهد ويمني احلالف‪،‬‬
‫ِ‬
‫ضامئر‬ ‫ِ‬
‫وخمبآت‬ ‫ِ‬
‫رسائر عباده‬ ‫ِحكمة اهلل يف ذلك‪ ،‬فإنه تعاىل لو شا َء ألطل َعه عىل‬
‫ٍ‬
‫اعرتاف أو بينة أو‬ ‫حاجة إىل‬‫ٍ‬ ‫بمجرد يقينِه وعلمه دون‬
‫ِ‬ ‫احلكم بينهم‬ ‫أمتِه‪ ،‬فتوىل‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫يمني أو شبهة‪.‬‬
‫ِ‬
‫واالقتداء به يف أحواله وأفعالِه وأقواله‬ ‫ِ‬
‫باتباعه‬ ‫أمر اهلل أمتَه‬
‫ولكن ملا َ‬
‫وقضاياه وسريه‪ ،‬وكان هذا لو كان مما َيتص ِ‬
‫بعلمه و ُيؤثره اهلل به م يكن لألمة‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫ألحد‬ ‫سبيل إىل االقتداء به يف يشء من ذلك‪ ،‬وال قامت حج ٌة بقضية من قضاياه‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نعلم ما َأطلِع عليه هو يف تلك‬ ‫ِ ِ‬
‫حلكمه هو إ ًذا يف ذلك‬ ‫القضية‬ ‫يف رشيعته ألَنا ال ُ‬
‫تعلمه األم ُة‪.‬‬
‫باملكنون من إعالم اهلل له بام أطل َعه عليه من رسائرهم‪ ،‬وهذا ما ال ُ‬
‫وغريه من‬
‫ُ‬ ‫فأجرى اهلل تعاىل أحكا َمه عىل ظواهرهم التي يستوي فيها هو‬
‫ِ‬
‫أحكامه‪ ،‬ويأتون ما أتوا من‬ ‫ِ‬
‫وتنزيل‬ ‫البرشل ليتم اقتداء أمتِه به يف تعيني قضاياه‪،‬‬
‫ِ‬
‫وأرفع الحتامل‬
‫ُ‬ ‫أوقع منه بالقول‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بالفعل ُ‬ ‫ذلك عىل عل ٍم ويقني من سنتِه‪ ،‬إذ البيان‬
‫ِ‬
‫املتأول‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وتأويل‬ ‫اللفظ‪،‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5012‬ومسلم (‪.)5753‬‬


‫(‪ِ )2‬‬
‫(الع َفاص)‪ :‬الوعاء‪ِ .‬‬
‫(الوكاء)‪ :‬اخليط الذى يشد به الوعاء‪.‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪225‬‬

‫وأكثر‬
‫ُ‬ ‫وأوضح يف وجوه األحكام‬
‫ُ‬ ‫وكان ُحكمه عىل الظاهر أجىل يف البيان‬
‫ِ‬
‫التشاجر واخلصام ول َيقتدي بذلك ك ِّله حكا ُم أمته‪ ،‬ويستوثق بام‬ ‫فائد ًة ملوجبات‬
‫استأثر به‬
‫َ‬ ‫وطي ذلك عنه من علم الغيب الذي‬
‫ُيؤثر عنه‪ ،‬وينضبط قانون َرشيعته‪ُّ ،‬‬
‫﴿ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ﴾ [اجلن‪]57 - 56 :‬‬
‫يقدح هذا يف نبوتِه‪ ،‬وال يفصم عرو ًة من‬
‫ُ‬ ‫ويستأثر بام شاء‪ ،‬وال‬
‫ُ‬ ‫ف ُيعلِمه منه بام شاء‬
‫ِعصمته‪.‬‬
‫‪ | 226‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫‪ -2‬فصل [يف قول اللسان]‬

‫وأ َّما أقوا ُله الدُّ نيوية من َأخباره عن أحواله وأحوال غريه وما َيف َعله أو ف َعله‬
‫أي َوجه من َعمد أو َسهو‬ ‫ِ‬
‫فقد قدَّ منا أن اخللف فيها ُممتنع عليه يف كل حال‪ ،‬وعىل ِّ‬
‫مرض أو ِر ًضا أو َ‬
‫غضب‪ ،‬وأنه َمعصو ٌم منه ﷺ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أو صحة أو َ‬
‫والكذب‪ ،‬فأما املعاريض‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الصدق‬ ‫املحض مما يدخله‬ ‫ُ‬ ‫هذا فيام طري ُقه اخل ُ‬
‫رب‬
‫فجائز ُورو ُدها منه يف األمور الدُّ نيوية‪ ،‬ال ِس َّيام‬ ‫ٌ‬ ‫خالف باطِنها‬
‫َ‬ ‫ظاهرها‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫املوه ُم‬
‫وي من‬ ‫ِ‬ ‫وجه َمغازيهل َّ‬
‫لئال َي ُ‬ ‫ل َقصد املَص َلحة كتَوريتِه عن ِ‬
‫ذره‪ ،‬وكام ُر َ‬ ‫العدو ح َ‬
‫ُّ‬ ‫أخذ‬ ‫ْ‬
‫ازحته و ُدعابته ل َبسط ُأ َّمته‪ ،‬وتَطبيب قلوب املؤمنني من َصحابته‪ ،‬وتَأكيدً ا يف‬ ‫ُمم َ‬
‫ومرسة نُفوسهم كقوله عليه السالم‪« :‬أل ْمحِلنَّك عىل ا ْب ِن‬ ‫َحتبيبهم وصحبتهم َ‬
‫ول إِ َّال ح ًّقا»(‪.)2‬‬‫النَّاق ِة»(‪ .)1‬وقد قال عليه السالم‪« :‬إِ ِّين أل ْمز ُح وال أ ُق ُ‬

‫فصل‬

‫البَش‪،‬‬ ‫بَش يغضب كام يغضب‬ ‫ِ‬


‫ُ‬ ‫الله َّم إنام ُحم َّمد ٌ‬
‫فإن قيل‪ :‬فام وجه َحديثه‪ُ « :‬‬
‫نيه‪ ،‬فأيام م ِ‬
‫ؤم ٍن آذ ْي ُت ُه أ ْو سب ْب ُت ُه أ ْو جلدْ تُه‬ ‫وإين ق ِد َّاخت ْذت ِعندك عهدً ا لن ُختلِف ِ‬
‫ُّ ُ‬ ‫ِّ‬
‫الق ِ‬
‫يامة»(‪.)3‬‬ ‫فاجع ْلها له ك َّفار ًة و ُقرب ًة تُقربه ِبا إليك يوم ِ‬
‫ِّ ُ‬

‫(‪)1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)0222‬والرتمذي (‪.)5225‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الطرباين يف األوسط (‪ )221‬عن ابن عمر‪ ،‬وأخرجه الرتمذي (‪ )5224‬من حديث أيب هريرة‬
‫بمعناه‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)6365‬ومسلم (‪.)5645‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪227‬‬

‫ويف ِرواية‪« :‬فأ ُّيام أح ٍد دع ْو ُت عل ْي ِه د ْعو ًة»(‪ ،)1‬ويف رواية‪« :‬ل ْيس َلا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بِأ ْ‪،‬لٍ» ‪ ،‬ويف ِرواية‪« :‬فأ ُّيام ر ُج ٍل من املُ ْسلمني سب ْب ُت ُه أ ْو لعنْ ُت ُه أ ْو جلدْ ُت ُه ف ْ‬
‫اجع ْلها‬ ‫(‪)2‬‬

‫ستحق اللعن‪،‬‬ ‫له زكا ًة وصال ًة ورمح ًة»(‪ ،)3‬وكيف ي ِصح أن يلعن النبي ﷺ من ال ي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُّ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ستحق اجلَ ْلد‪ ،‬أو َيف َعل مثل ذلك عند‬ ‫وجيلِد من ال ي ِ‬
‫َ‬ ‫السب‪َ َ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫و َي ُسب َمن ال َيستحق‬
‫الغضب وهو َمعصوم من هذا ك ِّله؟!‬
‫َ‬
‫أوال‪« :‬ل ْيس َلا بِأ ْ‪ٍ ،‬ل»‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫صدرك‪ -‬أن قوله ﷺ‪ً :‬‬ ‫َ‬ ‫رشح اهلل‬ ‫فاع َل ْم ‪َ -‬‬
‫الظاهر كام قال‪،‬‬‫ِ‬ ‫رب يف باطن َأمره‪ ،‬فإن ُحكْمه عليه السالم عىل‬ ‫عندك يا ِّ‬
‫بج ْلده‪ ،‬أو أ َّدبه بس ِّبه أو َل ْعنه بام‬ ‫ِ‬
‫فحكَم عليه السالم َ‬
‫وللحكمة التي ذك َْرناها‪َ ،‬‬
‫ظاهره‪ُ ،‬ثم دعا له عليه الصالة والسالم لش َفقته ﷺ عىل ُأ َّمته‬ ‫اقتَضاه ِعنده حال ِ‬

‫وح َذ ِره أن َيتق َّبل اهلل َ‬


‫فيمن دعا‬ ‫وصفه اهلل هبا‪َ ،‬‬
‫ورمحته هلم‪ ،‬ورأفته عليهم التي َ‬
‫عليه َدعوته أن َجيعل ُدعا َءه ولعنه وسبه له رمحة‪ ،‬فهو َمعنى قوله‪« :‬ليْس َلا‬
‫الضجر ِأل َ ْن َيف َعل مثل هذا‬
‫َ‬ ‫ستفزه‬ ‫بِأ ْ‪،‬لٍ»‪ ،‬ال أنه عليه السالم َحي ِمله َ‬
‫الغضب و َي ُّ‬
‫بمن ال َيستح ُّقه من ُمسلِم‪.‬‬
‫َ‬
‫َش» َأ َّن‬
‫ب الب ُ‬ ‫فهم من قوله‪« :‬أ ْغض ُ‬
‫ب كام يغْض ُ‬ ‫ٍ‬
‫صحيح‪ ،‬وال ُي َ‬ ‫وهذا معنى‬
‫جيب فع ُله‪.‬‬‫محله عىل ما ال َ ِ‬
‫الغضب َ‬
‫َ‬
‫اخلوف‬
‫َ‬ ‫خرج اإلشفاق وتعليم أمته‬
‫بم َ‬
‫وقد حيتمل عىل أنه خرج منه ذلك َ‬
‫ورد من ُدعائه هنا ومن َدعواته‬
‫واحلذر من تَعدِّ ي حدود اهلل تعاىل‪ ،‬وقد ُحيمل ما َ‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)5643‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)5643‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)5645‬‬
‫‪ | 228‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عىل غري واحد يف غري َموطن عىل غري العقد وال َق ْصد‪ ،‬بل بام َ‬
‫جرت به عادة العرب‬
‫وليس املرا ُد هبا اإلجاب َة‪.‬‬

‫كقوله عليه السالم‪« :‬ت ِرب ْ‬


‫ت يمينُك»(‪ ،)1‬و«ال أشبع اهللُ ب ْطنك»(‪ ،)2‬و«ع ْقرى‬
‫ح ْلق »(‪ .)3‬وغريها من َدعواته عليه السالم‪.‬‬

‫لحقه من‬ ‫َأنيسا لهل َّ‬


‫لئال َي َ‬ ‫املدعو عليه وت ً‬
‫ِّ‬ ‫وقد َيكون ذلك إشفا ًقا عىل‬
‫واحلذر من َل ْعن النبي ﷺ‪ ،‬وتَق ُّبل دعائه ما َحي ِمله عىل اليأس‬
‫َ‬ ‫استِشعار اخلوف‬
‫وال ُقنوط من رمحة اهلل‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)0726‬ومسلم (‪.)5001‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)5640‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)5165‬ومسلم (‪.)5555‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪229‬‬

‫‪ -3‬فصل [يف عمل اجلوارح]‬

‫كمه فيها من تَو ِّقي املعايص واملكروهات ما قد‬


‫فح ُ‬
‫وأ َّما أفعاله ﷺ الدُّ نيو َّية ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نبوة‬ ‫قدَّ مناه‪ ،‬ومن َجواز السهو والغ َلط يف بعضها ما ذكَرناه‪ ،‬وك ُّله ُ‬
‫غري قادح يف َّ‬
‫عليه السالم‪.‬‬

‫وكذلك َيفعل الفعل من أمور الدنيا ُمساعد ًة ألمته‪ ،‬وسياس ًة وكراهية‬


‫الفعل أبدً ا‪ ،‬وقد َيرى فِع َله‬
‫َ‬ ‫خريا منه‪ ،‬كام َيرتك‬
‫غريه ً‬‫خلالفها‪ ،‬وإن كان قد يرى َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫كخروجه‬ ‫أحد َوجهيه ُ‬ ‫خريا منه‪ ،‬وقد َيف َعل هذا يف األُمور الدينية مما له اخل َرية يف َ‬
‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قتل املُنافقني وهو عىل َيقني من‬ ‫التحص َن هبا‪ ،‬وتَركه َ‬
‫ُّ‬ ‫من املدينة ألُ ُحد وكان َم َ‬
‫ذهبه‬
‫للمؤمنني من َقرابتهم‪ ،‬وكراهة ألن َيقول الناس‪:‬‬ ‫َأمرهم ُمؤالف ًة لغريهم ِ‬
‫ورعاية ُ‬
‫ِ‬
‫قواعد‬ ‫ِ‬
‫الكعبة عىل‬ ‫احلديث‪ ،‬وتركِه بنا َء‬
‫ِ‬ ‫إن ُحممدً ا َيقتُل أصحابه‪ .‬كام جاء يف‬
‫وحذ ًرا من ِ‬
‫نفار ُقلوهبم لذلك‪،‬‬ ‫إبراهيم ُمراعا ًة لقلوب قريش وتعظيمهم لتَغيريها َ‬ ‫َ‬
‫لعائش َة يف احلديث الصحيح‪« :‬ل ْوال‬‫وحتريك متقدِّ م عداوهتم للدِّ ين وأهله‪ ،‬فقال ِ‬
‫ُ‬
‫واع ِد إِ ْبرا‪،‬يم»(‪.)1‬‬
‫ت البيت عىل ق ِ‬ ‫ِح ُ ِ ِ‬
‫دثان ق ْومك بِال ُك ْف ِر ألَتْ ْم ُ ْ‬
‫غريه خريا منه كانتِقاله من أدنى ِم ِ‬ ‫رتكه لكَون ِ‬ ‫ِ‬
‫ياه بدر إىل‬ ‫ً‬ ‫و َيف َعل الفعل ُثم َي ُ‬
‫ت‬‫ت ِم ْن أ ْم ِري ما ْاستدْ ب ْر ُت ما ُس ْق ُ‬
‫دو من قريش‪ ،‬وقولِه‪« :‬ل ِو ْاست ْقب ْل ُ‬ ‫أقرهبا لل َع ِّ‬
‫صرب للجاهل و َيقول‪:‬‬ ‫دو الكافر رجا َء استِئالفه‪ ،‬و َي ِ‬ ‫وجهه لل َع ِّ‬
‫بسط َ‬ ‫ْاَلدْ ي» ‪ ،‬و َي ُ‬
‫(‪)2‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5121‬ومسلم (‪.)5333‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)7552‬ومسلم (‪.)5555‬‬
‫‪ | 231‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫َشه»(‪ ،)1‬و َي ُ‬
‫بذل له الرغائبل ل ُيح ِّبب إليه‬ ‫ِ‬ ‫الناس م ِن اتَّقا ُه‬
‫ِ‬ ‫إن ِم ْن ِرش ِار‬
‫الناس ل ِّ‬
‫ُ‬ ‫« َّ‬
‫ودين ربه‪.‬‬‫رشيعته ِ‬

‫فصل‬

‫وشدَّ هتا عليه وعىل عييع األنبياء عىل‬ ‫احلكْمة يف إجراء األمراض ِ‬ ‫فإن قيل‪ :‬فام ِ‬

‫من البالء وامتِحاهنم بام امت ُِحنوا به‬ ‫َاله ُم اهلل به َ‬


‫عييعهم السالم‪ ،‬وما الوج ُه فيام ابت ُ‬
‫وغريهم‬‫ِ‬ ‫وسف‬
‫َ‬ ‫وإبراهيم و ُي‬
‫َ‬ ‫وزكريا وعيسى‬ ‫وحييى َ‬ ‫كأيوب و َيعقوب و َدنيال َ‬‫َ‬
‫صفياؤه؟ فاع َل ْم ‪-‬و َّفقك‬
‫ُ‬ ‫صلوات اهلل عليهم‪ ،‬وهم ِخريتُه من خلقه و َأ ُ‬
‫حباؤه و َأ‬
‫لكلامته َي ِبتَل‬
‫اهلل‪ -‬أن أفعال اهلل تعاىل ك َّلها عَدْ ل‪ ،‬وكلامته عييعها ِصدق‪ ،‬ال مبدِّ َل ِ‬

‫ِعباده كام قال هلم‪ ﴿ :‬ﯷ ﯸ ﯹ ﴾ [يونس‪ ،]50 :‬و﴿ﭰ ﭱ ﭲ‬


‫ﭳ ﴾ [هود‪ ،]7 :‬و﴿ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ﴾ [آل عمران‪،]504 :‬‬
‫و﴿ﭠﭡﭢ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨ﴾ [حممد‪،]35 :‬و﴿ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾ [آل عمران‪ ،]505 :‬فامتحانُه عز وجل‬
‫درجاهتم‪ ،‬وأسباب الستِخراج‬ ‫ورفعة يف َ‬ ‫إ َّياهم برضوب امل ِ َحن زيادة يف َمكانتهم‪ِ ،‬‬
‫والتوكل والتفويض والدعاء والترضع‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والشكر والتسليم‬ ‫والرضا‬
‫حاالت الصرب ِّ‬
‫منهم‪ ،‬وتأكيد لبصائرهم يف رمحة املُمتحنني والش َفقة عىل املبتَلني وتَذكِرة لغريهم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وعظة ِ‬‫وم ِ‬
‫تس َّل ْوا يف املحن بام َ‬
‫جرى عليهم‪،‬‬ ‫ليتأس ْوا يف البالء هبم‪ ،‬و َي َ‬
‫َّ‬ ‫لسواهمل‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الصرب‪.‬‬ ‫و َيقتَدوا هبم يف‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)6535‬ومسلم (‪.)5125‬‬


‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪230‬‬

‫عن ٍ‬
‫أي الناس أشدُّ بال ًء؟ قال‪« :‬األ ْنبِ ُ‬
‫ياء ُث َّم‬ ‫قلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ُّ ،‬‬ ‫سعد قال‪ُ :‬‬
‫ب ِدين ِ ِه فام يربح الب ِ ِ‬‫الر ُج ُل عىل حس ِ‬
‫َتك ُه‬ ‫الء بالع ْبد ح َّت ي ْ ُ‬
‫ُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫األ ْمث ُل فاأل ْمث ُل‪ُ ،‬ي ْبتىل َّ‬
‫ض وما عل ْي ِه خطيئ ٌة»(‪.)1‬‬ ‫ي ْم ِيش عىل األ ْر ِ‬

‫وكام قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬


‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﴾ [آل عمران‪.]502 - 506 :‬‬

‫فقلت‪ :‬إن ََّك‬ ‫وعك وعكًا َشديدً ا‪،‬‬ ‫مرضه ُي َ‬ ‫وعن ِ‬


‫ُ‬ ‫رأيت النبي ﷺ يف َ‬ ‫ُ‬ ‫عبد اهلل‪:‬‬
‫الن ِمنْك ُْم»‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫ك ر ُج ِ‬ ‫ك كام ُيوع ُ‬ ‫لتُو َعك وعكًا شديدً ا‪ .‬قال‪« :‬أج ْل إِ ِّين ُأوع ُ‬
‫مرتني‪ .‬قال‪« :‬أج ْل ذلِك كذلِك»(‪.)2‬‬ ‫األجر َّ‬
‫َ‬ ‫ذل ِ َك أن َ‬
‫لك‬

‫الش ْوك ِة‬


‫ُصيب املُ ْسلِم إِ َّال ُيك ِّف ُر اهللُ ِِبا عنْ ُه ح َّت َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وعن عائش َة‪« :‬ما م ْن ُمصيبة ت ُ‬
‫ُيشاكُها»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)5322‬وابن ماجه (‪.)0453‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)1602‬ومسلم (‪.)5175‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)1604‬ومسلم (‪.)5175‬‬
‫‪ | 232‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫[خامتة املصنف]‬
‫(‪)1‬‬
‫حررناه‪ ،‬وانت ََج َز‬ ‫القول بنا فيام َّ‬ ‫ُ‬ ‫الفضل ‪ :‬هنا انتهى‬ ‫ِ‬ ‫قال القايض أبو‬
‫الرشط الذي رشطناه مما أرجو أن يف ك ُِّل قس ٍم‬ ‫ُ‬ ‫ْتحيناه‪ ،‬واستُويف‬ ‫الغرض الذي ان َ‬ ‫ُ‬
‫فرت فيه عن ن ٍ‬ ‫نهجا إىل ُبغيتِه و َم ً‬ ‫ِ‬
‫ُكت‬ ‫نزعا‪ ،‬وقد َس ُ‬ ‫للمريد َمقن ًعا‪ ،‬ويف ك ُِّل باب َم ً‬ ‫منه ُ‬
‫أكثر‬‫قبل يف ِ‬ ‫التحقيق م ُيورد هلا ُ‬ ‫ِ‬ ‫مشارب من‬‫َ‬ ‫وكرعت يف‬ ‫ُ‬ ‫ُستبدع‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُستغرب وت‬
‫ُ‬ ‫ت‬
‫سط قبَل الكال َم‬ ‫دت لو وجدت من َب َ‬ ‫ود ُ‬‫فصل‪ِ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫غري ما‬ ‫رشع‪ ،‬وأودعتُه َ‬ ‫التصانيف َم ٌ‬
‫فيه أو ُمقتدً ى ُيفيدُ نِيه عن كتابِه أو فِيه الكت ُِف َي بام أرويه عام ُأ َر ِّويه‪.‬‬
‫لوجهه‪ ،‬والعفو عام خت َّلله‬ ‫ِ‬ ‫الرضاعة يف املِن َِّة ب َقبول ما َمنَّه‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫جزيل‬ ‫وإىل اهلل تعاىل‬
‫كرمه وعفوهل ملا أودعناه من‬ ‫بجميل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب لنا ذلك‬ ‫من تُز ُّي ٍن وتَصنُّ ٍع ِ‬
‫لغريه‪ ،‬وأن َهي َ‬
‫وأمني وحيه‪ ،‬وأسهرنا به ُجفونَنا لت َت ُّبع فضائلِه‪ ،‬وأعملنا فيه‬ ‫ِ‬ ‫رشف ُمصطفاه‬ ‫ِ‬
‫أعراضنا عن ناره املُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقدة حلاميتنا‬ ‫َ‬ ‫مي‬
‫وحي َ‬‫خصائصه ووسائله‪َ ،‬‬ ‫إبراز‬ ‫واطرنا من‬ ‫َخ َ‬
‫حوضه‪ ،‬وجيع َله لنا وملن َهت َّمم‬ ‫ِ‬ ‫كريم ِعرضه‪ ،‬وجيع َلنا ممن ال ُيذاد إذا ِذيد املُبدِّ ُل عن‬ ‫َ‬
‫نفس ما عملت‬ ‫ٍ‬ ‫باكتتابِه واكتسابه سب ًبا َيصلنُا بأسبابه وذخري ًة نجدها يو َم جتد ك ُُّل‬
‫ِ‬
‫زمرة نب ِّينا‬ ‫بخصيىص‬ ‫وَي َّصنا‬ ‫وجزيل ثوابِه‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫رضا‪ ،‬نحوز هبا ِرضاه‬ ‫ٍ‬
‫ِّ‬ ‫من خري ُحم ً‬
‫األيمن من أهل شفاعتِه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫األو ِل وأهل الباب‬ ‫وحيرشنا يف الرعيل َّ‬ ‫َ‬ ‫وعياعتِه‪،‬‬
‫حقائق‬ ‫ِ‬ ‫عيعه‪ ،‬وأهلم وفتح البصري َة لدَ ِ‬
‫رك‬ ‫ونحمدُ ه تعاىل عىل ما هدى إليه من ِ‬
‫ٍ‬
‫وعمل‬ ‫سمع‪ ،‬وعل ٍم ال ينفع‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ونستعيذه َّ‬ ‫ُ‬ ‫ما أودعناه و َف َّهم‪،‬‬
‫اسمه من دعاء ال ُي َ‬ ‫جل ُ‬
‫يب من أ َّمله‪ ،‬وال َينترص من خذ َله‪ ،‬وال َير ُّد دعو َة‬ ‫ال ُيرفع‪ ،‬فهو اجلوا ُد الذي ال ََي ُ‬
‫ونعم الوكيل‪ ،‬وصىل اهلل عىل‬ ‫َ‬ ‫عمل املفسدين‪ ،‬وحس ُبنا اهلل‬ ‫القاصدين‪ ،‬وال ُيصلح َ‬
‫كثريا‪.‬‬
‫تسليام ً‬ ‫ً‬ ‫حممد وآلِه وصحبِه وس َّلم‬ ‫سيدنا ٍ‬

‫(‪( )1‬انت ََجزَ )‪ :‬تم وحتقق‪.‬‬


‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪233‬‬

‫فهرس املوضوعات‬
‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬
‫التعريف بموسوعة حممد رسول اهلل ﷺ ‪1............................................‬‬
‫علم حقوق النبي ﷺ ‪7.............................................................‬‬
‫ترعية القايض عياض (ت‪104‬هـ) ‪2........................................ ‬‬
‫التعريف بكتاب الشفا بتعريف حقوق املصطفى للقايض عياض ‪54 ..................‬‬

‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬


‫[مقدمة املصنف] ‪57 ................................................................‬‬
‫قوال ً‬
‫وفعال ‪55 .............‬‬ ‫النبي املصطفى ﷺ ً‬ ‫لقدر ِّ‬ ‫األول يف تعظي ِم العَل األعىل ِ‬‫القسم ُ‬
‫ُ‬
‫قدره لديه ‪55 .........................‬‬ ‫عظيم ِ‬ ‫ِ‬
‫وإظهاره‬ ‫ِ‬
‫الباب األول‪ :‬يف ثناء اهلل تعاىل عليه‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫املحاسن ‪53 .................‬‬ ‫والثناء وت ِ‬
‫َعداد‬ ‫ِ‬ ‫‪ -1‬فصل فيام جا َء من ذلك جمي َء املدحِ‬
‫ِ‬
‫والكرامة ‪56 ..........‬‬ ‫ِ‬
‫الثناء‬ ‫تعلق هبا من‬ ‫ِ‬
‫بالشهادة وما َي ُ‬ ‫ِ‬
‫وصفه له تعاىل‬ ‫‪ -2‬فصل يف‬
‫رب ِة ‪52 ..........................‬‬ ‫ِ‬
‫مور َد املالطفة وامل َّ‬ ‫‪ -3‬فصل فيام َور َد يف خطابِه إياه ِ‬
‫قدره‪35 ...........................................‬‬ ‫‪ -4‬فصل يف َق َس ِمه تعاىل بعظي ِم ِ‬
‫ليحقق مكانتَه عنده ‪35 ...........................‬‬ ‫َ‬ ‫سمه تعاىل جده له‬ ‫‪ -5‬فصل يف َق ِ‬

‫‪ -6‬فصل فيام ور َد من قولِه تعاىل يف جهتِه عليه السالم َمور َد [الرأفة]‬


‫واإلكرا ِم ‪32 ..................................................................‬‬
‫ورشيف منزلتِه عىل‬
‫ِ‬ ‫العزيز من عظيم ِ‬
‫قدره‬ ‫ِ‬ ‫رب اهلل تعاىل به يف كتابِه‬‫‪ -7‬فصل فيام أخ َ‬
‫وحظوة رتبتِه عليهم ‪04 ...............................................‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األنبياء‬
‫العذاب بسببه ‪05 .‬‬ ‫ِ‬
‫ورفعه‬ ‫خلقه بصالتِه عليه وواليتِه له‬
‫‪ -8‬فصل يف إعال ِم اهلل تعاىل َ‬
‫َ‬
‫تضمنت ُه سور ُة الفتحِ من كراماتِه ‪03 .................................‬‬
‫‪ -9‬فصل فيام َّ‬
‫‪ | 234‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫العزيز من كرامتِه عليه ومكانتِه عنده وما‬


‫ِ‬ ‫‪ -11‬فصل فيام أظهر ُه اهلل تعاىل يف كتابِه‬
‫انتظم فيام ذكرناه ُ‬
‫قبل ‪06 ...........................‬‬ ‫َ‬ ‫خصه به من ذلك سوى ما‬
‫َّ‬
‫عييع الفضائل الدينية‬ ‫وخ ً‬
‫لقا وقرانه َ‬ ‫الباب الثاين‪ :‬يف تكميل اهلل تعاىل له املحاسن َخل ًقا ُ‬
‫والدنيوية فيه نس ًقا ‪06 ...............................................................‬‬
‫‪ -1‬فصل [يف اجتامع خصال الكامل واجلالل البرشي يف النبي ﷺ] ‪15 .............‬‬
‫‪ -2‬فصل [يف إحاطته بخصال الكامل البرشي غري املكتسبة] ‪13 ...................‬‬
‫فصل [يف صورته وعياهلا وتناسب أعضائه يف حسنِها] ‪13 .....................‬‬
‫ِ‬
‫وعرقه ونزاهته] ‪10 ......................‬‬ ‫طيب رحيه‬
‫فصل [يف نظافة جسمه و ُ‬
‫فصل [يف فصاحة اللسان وبالغة القول] ‪16 ..................................‬‬
‫ِ‬
‫وحكَمه‬ ‫ِ‬
‫كلمه‬ ‫فصل [يف كالمه املعتاد وفصاحته املعلومة وجوامع‬
‫املأثورة] ‪16 .................................................................‬‬
‫فصل [يف رشف نسبه ﷺ وكرم ب َلده وم ِ‬
‫نشئه ] ‪17 ............................‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪ -3‬فصل [يف ُضوب ما تدعو ُضورة احلياة إليه] ‪12 ............................‬‬
‫فصل [يف الرضب األول] ‪12 ................................................‬‬
‫فصل [يف الرضب الثاين] ‪64 .................................................‬‬
‫فصل [يف الرضب الثالث] ‪63 ...............................................‬‬
‫‪ -4‬فصل [يف اخلصال املكتسبة] ‪61 ..............................................‬‬
‫احللم واالحتِامل والعفو مع القدرة والصرب عىل ما َيكره] ‪66 ........‬‬
‫فصل [يف ِ‬

‫والسخاء والسامحة] ‪62 ..............................‬‬


‫فصل [يف اجلود والكرم َّ‬
‫فصل [يف الشجاعة والنجدة ] ‪75 ............................................‬‬
‫فصل [يف احلياء واإلغضاء] ‪75 ..............................................‬‬
‫فصل [ يف ُحسن ِعرشته وأ َدبه و َبسط ُخلقه] ‪73 ..............................‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪235‬‬

‫فصل [يف الشفقة والرأفة والرمحة] ‪71 ........................................‬‬


‫فصل [يف الوفاء وحسن العهد ِ‬
‫وصلة] ‪76 ....................................‬‬ ‫ُ ْ‬
‫فصل [يف تواضعه ﷺ ] ‪77 ..................................................‬‬
‫فصل [يف عدله ﷺ وأمانته ِ‬
‫وع َّفته ِ‬
‫وصدق َهلْجته] ‪72 .........................‬‬
‫فصل [يف وقاره ﷺ وصمته وت َُؤدته ومروؤته وحسن ِ‬
‫هديه] ‪24 ...............‬‬
‫فصل [يف ُزهده يف الدنيا] ‪25 .................................................‬‬
‫فصل [يف خوفه ربه وطاعته له ِ‬
‫وشدَّ ة عبادته] ‪25 .............................‬‬
‫البرشي يف عييع األنبياء] ‪20 ...........‬‬ ‫‪ -5‬فصل [يف اجتامع صفات الكامل والتامم َ‬
‫ور َد من َصحيح األخبار و َمشهورها بعظيم َقدْ ره ِعند َر ِّبه و َم ِنزلته‬
‫الباب الثالث‪ :‬فيام َ‬
‫الدار ْين من كَرامته عليه السالم ‪22 ...................................‬‬‫وما َخ َّصه به يف َ‬
‫ورفعة ِّ‬
‫الذكْر‬ ‫‪ -1‬فصل فيام ورد من ِذكر مكانته عند ربه عز وجل واالصطِ ِ‬
‫فاء ِ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫خصه به يف الدنيا من مزايا الرتَب ‪22 ..........‬‬‫والتفضيل‪ ،‬وسيادة و َلد آد َم وما َّ‬
‫ِ‬
‫األنبياء‬ ‫ِ‬
‫املناجاة والرؤية وإمامة‬ ‫ِ‬
‫اإلرساء من‬ ‫َضمنته كرامة‬
‫‪ -2‬فصل يف تَفضيله بام ت َّ‬
‫والعروج به إىل ِسدرة املنتهى‪ ،‬وما رأى من آيات َر ِّبه الكربى ‪25 ...................‬‬
‫فصل [يف اختالف السلف يف حقيقة اإلرساء] ‪23 .............................‬‬
‫بخصوص الكَرامة ‪26 ....................‬‬ ‫‪ -3‬فصل يف ِذكْر تفضيلِه ﷺ يف ِ‬
‫القيامة ُ‬
‫‪ -4‬فصل يف تَفضيله باملح َّبة واخل َّلة ‪22 ............................................‬‬
‫‪ -5‬فصل يف تَفضيلِه بالشفاعة واملَقام املَ ْحمود ‪22 .................................‬‬
‫ِ‬
‫والفضيلة ‪543......‬‬ ‫ِ‬
‫والكوثر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الرفيعة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والدرجة‬ ‫ِ‬
‫بالوسيلة‪،‬‬ ‫تفضيله يف ِ‬
‫اجلنة‬ ‫ِ‬ ‫‪ -6‬فصل يف‬
‫‪ -7‬فصل [يف تأويل هنيه ﷺ عن التفضيل] ‪540 ..................................‬‬
‫َضمنته من تفضيلِه‪546 ......................‬‬
‫‪ -8‬فصل يف أسامئه عليه السالم وما ت َّ‬
‫‪ | 236‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫وو َصفه به من ِصفاته‬


‫حلسنى َ‬
‫‪ -9‬فصل يف تَرشيف اهلل تعاىل بام َس َّامه به من أسامئه ا ُ‬
‫ال ُعىل ‪542 ...................................................................‬‬
‫ِ‬
‫ورشفه به من اخلَصائص‬ ‫أظه َره اهلل تعاىل عىل يديه من املُعجزات َ‬
‫الرابع‪ :‬فيام َ‬
‫ُ‬ ‫الباب‬
‫والكَرامات‪555 ....................................................................‬‬
‫عجز مع التحدِّ ي من النبي ﷺ ِ‬
‫قائم َمقام قول اهلل‪َ :‬صدَ َق‬ ‫‪ -1‬فصل [يف أن املُ ِ‬
‫ِّ‬
‫عبدي] ‪550 .................................................................‬‬
‫‪[ -2‬فصل يف معنى النبي والرسول] ‪551 ........................................‬‬
‫‪ -3‬فصل [يف معنى املعجزة وُضوهبا وأقسامها] ‪556 ............................‬‬
‫فصل يف إعجاز القرآن ‪552 ..................................................‬‬ ‫‪-4‬‬
‫القمر ‪557 ..................................................‬‬ ‫ِ‬
‫فصل يف انشقاق َ‬ ‫‪-5‬‬
‫ربكته ‪552 ..........................‬‬
‫فصل يف َن ْبع املاء من بني أصابعه وتَكثريه ب َ‬ ‫‪-6‬‬
‫ربكته وابتعاثه بمسه ودعوتِه] ‪534 ........................‬‬ ‫[تفجري املاء ب َ‬
‫ُ‬ ‫فصل‬ ‫‪-7‬‬
‫تكثري الطعا ِم بربكتِه ودعائه‪535 ..........................‬‬
‫ُ‬
‫فصل ومن ُم ِ‬
‫عجزاته‬ ‫‪-8‬‬
‫الشجر وشهادهتا له بالنبوة وإجابتها َد ْعوته ‪533 ................‬‬
‫َ‬ ‫‪ -9‬فصل يف كالم‬
‫‪ -11‬فصل يف قصة َحنني ِ‬
‫اجل ْذع ‪530 ...............................................‬‬
‫‪ -11‬فصل [يف تسبيح اجلامدات] ‪530 .............................................‬‬
‫حليوانات ‪531 ...................................‬‬
‫‪ -12‬فصل يف اآليات يف ُُضوب ا َ‬
‫ِ‬
‫وكالمهم ‪536 ..........................................‬‬ ‫ِ‬
‫إحياء املوتى‬ ‫‪ -13‬فصل يف‬
‫ِ‬
‫رىض وذوي العاهات ‪536 ...................................‬‬ ‫فصل يف إبراء املَ َ‬ ‫‪-14‬‬
‫فصل يف إجابة د ِ‬
‫عائه ‪537 ....................................................‬‬ ‫ُ‬ ‫‪-15‬‬
‫بارشه ‪532 ...........‬‬ ‫فصل يف كرامته وبركاته ِ‬
‫وانقالب األعيان له فيام ملَسه أو َ‬ ‫‪-16‬‬
‫َ‬
‫فصل [فيام ُأطلع عليه من الغيوب] ‪505 ......................................‬‬ ‫‪-17‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪237‬‬

‫‪ -18‬فصل يف ِعصمة اهلل تعاىل له من الناس وكِفايته َم ْن آذا ُه ‪500 ...................‬‬


‫‪ -19‬فصل [يف أنبائه مع املالئكة واجلن] ‪506 ......................................‬‬
‫‪ -21‬فصل [يف إخبار أهل الكتاب بصفاته] ‪502 ...................................‬‬
‫‪ -21‬فصل [فيام ظهر من آيات قبل النبوة وبعدها] ‪502 ............................‬‬
‫ِ‬
‫معجزات الرسل ] ‪514 ..........‬‬ ‫‪ -22‬فصل [يف كون معجزاته ﷺ أظهر من سائر‬
‫حقوقه ﷺ‪511 ................................‬‬ ‫ِ‬ ‫جيب عىل األنا ِم من‬
‫قسم الثاين‪ :‬فيام ُ‬
‫ال ُ‬
‫ِ‬
‫ووجوب طاعته واتِّباع سنَّته ‪516 ...................‬‬ ‫ِ‬
‫فرض اإليامن به‬ ‫الباب األول‪ :‬يف‬
‫‪ -1‬فصل [يف وجوب طاعته] ‪517 ...............................................‬‬
‫‪ -2‬فصل [يف وجوب اتباعه] ‪512 ...............................................‬‬
‫‪ -3‬فصل [يف مغبة خمالفة أمره] ‪565 .............................................‬‬
‫الباب الثاين‪ :‬يف ُلزو ِم َحم َّبته ‪563 .....................................................‬‬
‫ثواب َحمبَّته ‪560 ....................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫‪ -1‬فصل يف‬
‫وش ِ‬
‫وقهم له ‪561............‬‬ ‫للنبي ﷺ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ -2‬فصل فيام روي عن السلف واألئمة من َحمبَّتهم ِّ‬
‫ِ‬
‫عالمة حمبَّته ‪566 ....................................................‬‬ ‫‪ -3‬فصل يف‬
‫للنبي ﷺ وحقيقتِها‪562 ................................‬‬ ‫‪ -4‬فصل يف معنى املَح َّبة ِّ‬
‫‪ -5‬فصل يف وجوب ُمناصحته ‪575 ..............................................‬‬
‫ِ‬
‫توقريه وبِ ِّره ‪571 .............................‬‬ ‫أمره ووجوب‬‫الباب الثالث‪ :‬يف تعظي ِم ِ‬
‫ِ‬
‫وتوقريه ‪577 .................‬‬ ‫تعظيمه ﷺ وإجاللِه‬ ‫ِ‬ ‫عادة الصحابة يف‬‫‪ -1‬فصل يف ِ‬

‫‪ -2‬فصل [يف أن حرمة النبي ﷺ وتوقريه بعد موته كام يف حياته] ‪572 ............‬‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ وسنَّته ‪524............‬‬ ‫‪ -3‬فصل يف ِ‬
‫سرية السلف يف تعظي ِم رواية حديث‬
‫‪ -4‬فصل [يف أن َّبر آله وذريته وأزواجه أمهات املؤمنني من ِّبره ﷺ] ‪525 .........‬‬
‫فصل [يف أن َّبر أصحابه وتوقريهم واالقتداء هبم من ِّبره ﷺ] ‪523 ...........‬‬ ‫‪-5‬‬
‫‪ | 238‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

‫وفرض ذلك وفضيلتِه ‪521 ..............‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالة عليه والتسلي ِم‬ ‫الباب الرابع‪ :‬يف ِ‬
‫ذكر‬
‫‪ -1‬فصل [يف فرضية الصالة عليه ﷺ ] ‪526 .....................................‬‬
‫النبي ﷺ و ُيرغب‬
‫ِّ‬ ‫ستحب فيها الصال ُة والسالم عىل‬ ‫ُّ‬ ‫‪ -2‬فصل يف املَواطن التي ُي‬
‫من ذلك ‪527 ................................................................‬‬
‫ِ‬
‫والتسليم ‪522 ....................................‬‬ ‫ِ‬
‫الصالة عليه‬ ‫‪ -3‬فصل يف كيفية‬
‫ِ‬
‫والدعاء له ‪524 ..............‬‬ ‫النبي والتسليم عليه‬ ‫ِ‬
‫‪ -4‬فصل يف فضيلة الصالة عىل ِّ‬
‫صل عىل النبي ﷺ ِ‬
‫وإثمه‪525 ..............................‬‬ ‫‪ -5‬فصل يف ذ ِّم من م ُي ِّ‬
‫ِّ‬
‫سلم من األنا ِم ‪523 ............‬‬ ‫ِ‬
‫‪ -6‬فصل يف ختصيصه ﷺ بتبلي ِغ من صىل عليه أو َ‬
‫ِ‬
‫وسائر األنبياء عليهم‬ ‫‪ -7‬فصل يف االختالف يف الصالة عىل ِ‬
‫غري النبي ﷺ‪،‬‬
‫السال ُم‪520 ..................................................................‬‬
‫النبي ﷺ من األ َدب و َف ْضله و َف ْضل الصالة فيه‬
‫دخل مسجد ِّ‬ ‫‪ -8‬فصل فيام َي َلزم َمن َ‬
‫ويف مسجد م َّك َة‪ ،‬وفضل ُسكنى املدينة ومك َة ‪526 .............................‬‬
‫للنبي ﷺ ‪ ،‬وما َيستَحيل يف َح ِّقه أو َجيوز عليه‪ ،‬وما َيمتنِع أو‬
‫ِّ‬ ‫الق ْسم الثالِث‪ :‬فيام َجيِب‬
‫ِ‬

‫البرشية أن تُضاف إليه ‪545 ......................................‬‬ ‫َي ِص ُّح من األحوال َ‬


‫تص باألمور الدينية والكالم يف ِعصمة نب ِّينا عليه الصالة والسالم‬ ‫األول فيام ََي ُّ‬
‫الباب َّ‬
‫وسائر األنبياء صلوات اهلل عليهم ‪540 ..............................................‬‬ ‫ِ‬

‫النبي ﷺ من َو ْقت َّ‬


‫نبوته ‪541 .......................‬‬ ‫‪ -1‬فصل يف ُحكم َع ْقد قلب ِّ‬
‫‪ -2‬فصل [يف عصمتهم من هذا الف ِّن َ‬
‫قبل النبوة ] ‪541 ............................‬‬
‫‪ -3‬فصل [فيام كان من أمر الدنيا] ‪547 ...........................................‬‬
‫النبي ﷺ من الشيطان وكِفايته منه ] ‪542 ...................‬‬ ‫ِ‬
‫‪ -4‬فصل [يف عصمة ِّ‬
‫‪ -5‬فصل [يف قول اللسان] ‪542 .................................................‬‬
‫‪ -6‬فصل [فيام َسبيله ُ‬
‫سبيل البالغ] ‪542 ..........................................‬‬
‫خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‏|‏‪239‬‬

‫‪ -7‬فصل [يف عمل اجلوارح] ‪555 ...............................................‬‬


‫النبوة] ‪553 ...........................‬‬ ‫ِ‬
‫‪ -8‬فصل [يف عصمته ﷺ من املعايص قبل َّ‬
‫‪ -9‬فصل [يف السهو والنسيان يف الوظائف الرشعية] ‪550 ........................‬‬
‫السهو منه ‪556 ...................‬‬
‫ُ‬ ‫‪ -11‬فصل يف الكَالم عىل األحاديث املذكور فيها‬
‫‪ -11‬فصل [يف عظم أمر عصمة األنبياء وفوائد ذلك] ‪557 .........................‬‬
‫‪ -12‬فصل يف القول يف ِعصمة املالئكة عليهم السالم‪552 ..........................‬‬
‫طرأ عليهم من‬
‫الباب الثاين من القسم الثالث‪ :‬فيام ََي ُُّصهم يف األمور الدُّ نيوية و َي َ‬
‫وارض البرشية ‪554 .............................................................‬‬ ‫ال َع ِ‬
‫ح َر] ‪555 ............................................‬‬ ‫فصل [يف أنه ﷺ قد س ِ‬
‫ُ‬
‫‪[ -1‬فصل يف عقد القلب] ‪553 .................................................‬‬
‫‪ -2‬فصل [يف قول اللسان] ‪556 .................................................‬‬
‫‪ -3‬فصل [يف عمل اجلوارح] ‪552 ...............................................‬‬
‫[خامتة املصنف] ‪535 ..............................................................‬‬
‫فهرس املوضوعات ‪533 ...........................................................‬‬
‫‪ | 241‬خمتصر الشفا بتعريف حقوق املصطفى‬

You might also like