You are on page 1of 513

‫‪ | 4‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪7‬‬

‫نبس اهلل الرمحن الرحم‬


‫) (‪)1‬‬
‫التعريف مبوسوع محدد رسول اهلل ﷺ‬

‫حممد رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وعىل‬‫ٍ‬ ‫احلمدُ هلل‪ ،‬والصال ُة والسال ُم عىل نب ِّينا وحبيبِنا‬
‫هبديه واست َّن بسنتِه‪َّ ،‬أما بعدُ ‪:‬‬
‫وعمل ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫آله وصحبِه‪ ،‬و َمن اقت َفى َ‬
‫أثره‬
‫ِ‬
‫بجمعها‬ ‫ِ‬
‫عامني‪-‬‬ ‫نحوا ِمن‬ ‫ُ‬ ‫استغر َق‬ ‫تمتاز هذه املوسوع ُة ‪-‬التي‬
‫العمل فيها ً‬ ‫َ‬ ‫ف ُ‬
‫ِ‬
‫أفضل ما كت َبه‬ ‫ِ‬
‫وانتقاء‬ ‫ٍ‬
‫واحد‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وعاء‬ ‫ِ‬
‫الرشيفة وفنوهنا يف‬ ‫ِ‬
‫النبوية‬ ‫ِ‬
‫السرية‬ ‫ألهم علو ِم‬
‫ِّ‬
‫ً‬
‫وقبوال لدى‬ ‫لقي شهر ًة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أئم ُة ِ‬
‫الصالح وعلامؤهم يف كل ف ٍّن من فنوهنا‪ ،‬مما َ‬ ‫سلفنا‬
‫الكتب وهتذيبِها‪ ،‬نسأل اهلل اإلخالص والقبول‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫قمت باخ ِ‬
‫تصار هذه‬ ‫األمة‪ ،‬وقد ُ‬ ‫ِ‬

‫ِ‬
‫الطبعات‬ ‫ِ‬
‫أفضل‬ ‫َ‬
‫تكون عىل‬ ‫ِ‬
‫املوسوعة أن‬ ‫كتب هذه‬ ‫ِ‬
‫اختصار ِ‬ ‫وكان منهجي يف‬
‫ِ‬
‫واالستطرادات‪ ،‬وما أغنَى عنه‬ ‫ِ‬
‫الضعيف وما دونَه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫حذف‬ ‫ٍ‬
‫كتاب‪ ،‬مع‬ ‫ِ‬
‫املعتمدة ِّ‬
‫لكل‬
‫يب أو َمن دونَه‬ ‫ِ‬
‫ذكره‪ ،‬وكذلك أسانيدُ األحاديث إال الصحا َّ‬
‫سبق ُ‬‫مكر ًرا َ‬
‫غريه‪ ،‬أو كان َّ‬ ‫ُ‬
‫زدت يف عنواناته‬ ‫ِ‬
‫املصنف وترتيبِه‪ ،‬فإن ُ‬ ‫حافظت عىل ِ‬
‫لفظ‬ ‫حيتاج الكال ُم إليه‪ ،‬وقد‬
‫ُ‬ ‫مما ُ‬
‫اعتمدهتا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫غري التي‬ ‫ني‪ ،‬وكذا ما كان ِمن ٍ‬
‫طبعة أخرى ِ‬ ‫شي ًئا وضعتُه بني معقو َف ِ‬

‫وتيسريها؛ لنتع َّل َم مجي ًعا‬


‫َ‬ ‫تقريب سرية النبي ﷺ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫املنهج‬ ‫وكان هديف ِمن هذا‬
‫ِ‬
‫األصيلة‪ ،‬لنح ِّق َق االقتدا َء به ﷺ يف‬ ‫ِ‬
‫الصالح‬ ‫سلفنا‬ ‫ِ‬
‫علامء ِ‬ ‫وفنوهنا من ِ‬
‫كتب‬ ‫علو َمها‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫باآلخرة‪.‬‬ ‫ونفوز‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫أخالقه؛ فنسعدُ يف الدنيا‬ ‫عقيدتِه وعباداتِه ومعامالتِه و‬
‫النبوية الرشي ِ‬
‫فة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لألحاديث‬ ‫ِ‬
‫املوجز‬ ‫ِ‬
‫التخريج‬ ‫ِ‬
‫احلاشية عىل‬ ‫اقترصت يف‬
‫ُ‬ ‫وقد‬
‫ِ‬
‫غريب ألفاظها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وبيان‬ ‫ِ‬
‫واآلثار‪،‬‬

‫مفص ًال يف صدر املجلد األول‪.‬‬


‫(*) هذا تعريف موجز باملوسوعة‪ ،‬وقد تقدَّ م التعريف هبا َّ‬
‫‪ | 8‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫وقد جاء هذا اإلصدار األو ُل ِمن «موسوع محدد رسول اهلل ﷺ» جامعا ِ‬
‫لستة‬ ‫ً‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ثامنية‬ ‫اختصار‬ ‫علو ٍم من علو ِم السرية النبوية الرشيفة وفنوهنا يف ستة جملدات‪ ،‬ع َ‬
‫رب‬
‫كتب‪ ،‬وهي عىل النحو التايل‪:‬‬‫ٍ‬

‫املجلد األول‪ -1 :‬يف علم الدالئل [كتاب «دالئل النبوة» أليب نعيم (ت‪430‬هـ)]‬

‫املجلد الثاين‪ -2 :‬يف علم السرية النبوية [كتاب «السرية النبوية» البن هشام‬
‫(ت‪218‬هـ)]‬

‫السول يف خصائص الرسول»‬


‫املجلد الثالث‪ -3 :‬يف علم اخلصائص [كتاب «غاية ُّ‬
‫البن امللقن(ت‪804‬هـ)]‬

‫‪ -4‬يف علم الشامئل‪ ،‬وفيه ثالثة كتب‪ ،‬هي‪:‬‬

‫‪[ -‬كتاب «شامئل النبي ﷺ» للرتمذي (ت‪279‬هـ)]‬


‫‪[ -‬كتاب «حممد رسول اهلل ﷺ واحلقوق والقيم واألخالق‬
‫وعالج مشكالت العامل املعارص»‪ ،‬لـ أ‪.‬د‪ .‬أمحد بن عثامن املزيد]‬

‫املجلد الرابع‪[ - :‬كتاب «زاد املعاد يف هدي خري العباد» البن قيم اجلوزية‬
‫(ت ‪751‬هـ)]‬

‫املجلد اخلامس‪ -5 :‬يف علم حقوق النبي ﷺ‪[ :‬كتاب «الشفا بتعريف حقوق‬
‫املصطفى» للقايض عياض (ت‪544‬هـ)]‬

‫املجلد السادس‪ -6 :‬يف علم احلديث النبوي الرشيف‪[ :‬كتاب «رياض‬


‫الصاحلني» للنووي (ت‪676‬هـ)]‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪9‬‬

‫يف اهلدي النبوي‬

‫ِ‬
‫األقوال‬ ‫اهلدي النبوي وأمهيته‪ :‬هو سري ُة املصطفى ﷺ‪ ،‬وما سنَّه لنا ِمن‬
‫ِ‬
‫النبوية‪ ،‬فال َّ‬
‫شك أن‬ ‫ِ‬
‫الشامئل‬ ‫ذكره من عل ِم‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫مَض ُ‬ ‫عام َ‬‫ينفك َّ‬ ‫واألفعال‪ ،‬وهو ال‬
‫ِ‬
‫الكريمة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والشامئل‬ ‫ِ‬
‫واخلالل‬ ‫ِ‬
‫األخالق‬ ‫َ‬
‫األعامل اجلليل َة ثمر ُة‬
‫ِ‬
‫العملية التي‬ ‫ودراسة اهلدي النبوي وطريقتِه ﷺ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫معرفة‬ ‫و َمن َثم تأيت أمهي ُة‬
‫الوحي‪ ،‬إىل أن توفاه اهلل‪.‬‬ ‫رشع اهلل تعاىل ِمن ِ‬
‫أول ما َنز َل عليه‬ ‫َّبني فيها َ‬
‫ُ‬
‫شأن ِمن‬
‫يتجىل للمسل ِم يف كل ٍ‬ ‫َّ‬ ‫النبوي‬
‫َّ‬ ‫اهلدي‬
‫َ‬ ‫فضل اهلل سبحانه أن‬‫ِ‬ ‫ومن‬
‫ِ‬
‫وهنوضه من‬ ‫ِ‬
‫وجلوسه‬ ‫هديه ﷺ صف َة ِ‬
‫قيامه‬ ‫شؤون حياتِه ﷺ‪ ،‬حتى إنك لتجدُ يف ِ‬ ‫ِ‬

‫اغتس َل وإذا‬
‫يفعل إذا َ‬ ‫وهناره ‪ ،‬وكيف ُ‬ ‫ِ‬ ‫نومه‪ ،‬وهيئتَه يف ضحكِه‪ ،‬وعبادتَه يف ليلِه‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫األلوان‪ ،‬وماذا كان‬ ‫حيب ِمن‬
‫يلبس‪ ،‬وماذا كان ُّ‬ ‫ُ‬ ‫رشب‪ ،‬وماذا كان‬ ‫َ‬ ‫أك ََل وإذا‬
‫يركب‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫النبي ﷺ بكل تفاصيلِها عىل هذا‬ ‫ِ‬ ‫وما ِمن ٍ‬
‫ليعني‬
‫ُ‬ ‫النحو‬ ‫ريب أن معايش َة حياة ِّ‬
‫ُ‬
‫األول الذي تر َّبى‬ ‫هديه تطبي ًقا عمل ًيا كام ط َّبقه ُ‬
‫اجليل‬ ‫ِ‬
‫وتطبيق ِ‬ ‫ِ‬
‫االقتداء به ﷺ‪،‬‬ ‫عىل‬
‫ِ‬
‫أقواهلم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وأخالقهم قبل‬ ‫عىل عينِه ﷺ ؛ فنرشوا اإلسال َم بسلوكِهم‬
‫‪ | 01‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ترمج انبن قم اوجوزي (ت‪751‬هـ) ‪‬‬

‫امسه ونسبه‪:‬‬

‫الدمشقي‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫الز َر ِع ُّي‪،‬‬
‫بن َح ِر ٍيز‪ُّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫سعد ِ‬ ‫أيوب ِ‬
‫بن‬ ‫َ‬ ‫هو حممدُ ب ُن أيب ِ‬
‫بكر ِ‬
‫بن‬
‫ِ‬
‫اجلوزية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الدين‪ ،‬اب ُن قي ِم‬ ‫شمس‬
‫ُ‬

‫تاريخ مولده‪:‬‬

‫ُولِدَ يف الساب ِع ِمن ِ‬


‫شهر صفر سنة (‪691‬هـ)‪.‬‬

‫شموخه‪:‬‬

‫ِ‬
‫وابن‬ ‫بن ِ‬
‫عبد الدائ ِم‪ ،‬واملطع ِم‪،‬‬ ‫بكر ِ‬‫سليامن‪ ،‬وأيب ِ‬ ‫َ‬ ‫التقي‬ ‫َس ِم َع عىل‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫واملجد التونيس‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الفتح‪،‬‬ ‫وقر َأ العربي َة عىل ابن أيب‬ ‫وإسامعيل ِ‬
‫َ‬
‫بن مكتوم‪َ ،‬‬ ‫الشريازي‪،‬‬
‫ِ‬
‫باجلوزية‪ ،‬وكان‬ ‫ِ‬
‫بالصدرية وأ َّم‬ ‫ودرس‬ ‫وابن تيمي َة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املجد احلراين‪ِ ،‬‬ ‫وقر َأ الفق َه عىل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫وابن‬ ‫األصول عىل الصفي اهلندي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫فأخذها عنه‪ ،‬وقرأ يف‬ ‫ِ‬
‫الفرائض يدٌ‬ ‫ِ‬
‫ألبيه يف‬
‫تيمي َة‪.‬‬

‫زهده وخُلُقه وعِلْده‪:‬‬


‫ٍ‬
‫صالة إىل‬ ‫ِ‬
‫وطول‬ ‫ٍ‬
‫وهتجد‬ ‫ٍ‬
‫عبادة‬ ‫يقول اب ُن رجب عنه ‪« :‬كان ‪ ‬ذا‬
‫ِ‬
‫واالستغفار‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واإلنابة‬ ‫ِ‬
‫باملحبة‬ ‫ٍ‬
‫وشغف‬ ‫ِ‬
‫بالذكر‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وهلج‬ ‫ٍ‬
‫وتأله‬ ‫القصوى‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الغاية‬
‫َ‬
‫عتبة عبوديتِه‪ ،‬مل ُأ ِ‬
‫شاهدْ‬ ‫بني يدَ يه عىل ِ‬ ‫ِ‬
‫واالطراح َ‬ ‫ِ‬
‫واالنكسار له‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واالفتقار إىل اهللََّ‪،‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪00‬‬

‫ِ‬
‫وحقائق‬ ‫ِ‬
‫والسنة‬ ‫رف بمعاين ا ْل ُقر ِ‬
‫آن‬ ‫علام‪ ،‬وال َأ ْع َ‬ ‫مث َله يف ذلك‪ ،‬وال ُ‬
‫ْ‬ ‫أوسع منه ً‬
‫َ‬ ‫رأيت‬
‫ِ‬
‫اإليامن منه‪ ،‬وليس هو املعصو َم‪ ،‬ولكن مل َأر يف معناه مث َله»(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫التودد‪ ،‬ال‬ ‫كثري‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقال اب ُن كثري عنه ‪« :‬وكان حس َن القراءة واخلُلق‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫الناس‬ ‫ِ‬
‫أصحب‬ ‫وكنت ِمن‬ ‫ُ‬ ‫حيسدُ أحدً ا وال يؤذيه وال يستعيبه‪ ،‬وال حيقدُ عىل ٍ‬
‫أحد‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫أكثر عبادة منه» ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أعرف ِمن ِ‬ ‫ِ‬
‫أهل العلم يف زماننا َ‬ ‫ُ‬ ‫الناس إليه‪ ،‬وال‬ ‫ب‬
‫له‪ ،‬وأح ِّ‬
‫(‪)2‬‬

‫تصانمفه‪:‬‬

‫تصانيف كثريةٌ‪ ،‬منها‪ :‬إعالم املوقعني‪ ،‬وبدائع الفوائد‪،‬‬


‫ُ‬ ‫ِ‬
‫البن القي ِم ‪‬‬
‫وطريق السعادتني‪ ،‬ورشح منازل السائرين‪ ،‬والقضاء والقدر‪ ،‬وجالء األفهام يف‬
‫الصالة والسالم عىل خري األنام‪ ،‬ومصايد الشيطان‪ ،‬ومفتاح دار السعادة‪،‬‬
‫والروح‪ ،‬وحادي األرواح‪ ،‬والصواعق املرسلة عىل اجلهمية واملعطلة‪ ،‬وتصانيف‬
‫أخرى‪.‬‬

‫وفاته‪:‬‬

‫ُويف ليلة اخلميس يف ‪ 13‬رجب سنة (‪ 751‬هـ) ‪ ،‬وكانت جنازتُه حافل ًة جدا(‪.)3‬‬
‫ت ِّ‬

‫(‪ )1‬ذيل طبقات احلنابلة البن رجب (‪.)448/2‬‬


‫(‪ )2‬البداية والنهاية البن كثري (‪.)523 /18‬‬
‫(‪ )3‬الدرر الكامنة البن حجر (‪ 140-137/5‬باختصار)‪ .‬وانظر أيضا‪ :‬ذيل طبقات احلنابلة البن رجب‬
‫(‪ ،)170/5‬العرب يف خرب من غرب للذهبي (‪ ،)155/4‬الوايف بالوفيات للصفدي(‪.)195/2‬‬
‫‪ | 02‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫التعريف نبرتا زاد املعاد يف هدي خري العباد النبن القم (ت‪751‬هـ)‬

‫بهدمته‪:‬‬

‫النبي‬
‫هدي ِّ‬ ‫ِ‬ ‫جانب‬
‫َ‬ ‫أوىل اب ُن القي ِم يف كتابِه «زاد املعاد يف هدي خري العباد»‬ ‫َ‬
‫جانب معامالتِه ﷺ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫رب واألمهي َة البالغ َة‪ ،‬وزاد إىل ذلك‬ ‫القسم األك َ‬ ‫َ‬ ‫ﷺ يف عباداتِه‬
‫الفقهي‪.‬‬ ‫حسب التقسي ِم‬ ‫ِ‬
‫واملعامالت‬ ‫ِ‬
‫العبادات‬ ‫مقس ًام كليهام‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫وتنوعها‪،‬‬ ‫ومجال لغتِه وأساليبِه‬ ‫ِ‬ ‫بسهولة عبارتِه وجزالتِها‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الكتاب‬ ‫كام مت َّي َز‬
‫ُ‬
‫يذكره‬
‫ُ‬ ‫قاص‪ ،‬وتار ًة‬ ‫يقصه كأحسن ٍّ‬ ‫سال‪ ،‬وتار ًة ُّ‬ ‫يسوق اب ُن القيم الكال َم مر ً‬ ‫ُ‬ ‫فتار ًة‬
‫رغم‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بدليلِه وبرهانِه‪ ،‬وتار ًة‬
‫لكثري من املباحث َ‬ ‫جامعة‬ ‫وعبارات‬ ‫وإجياز‬ ‫باختصار‬
‫الكبري نسب ًّيا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكتاب‬ ‫حج ِم‬

‫سول اهلل ﷺ بنَ ْفسه عىل األَقدام‬ ‫فمن ذلك‪ :‬قو ُله ‪« :‬وسا َب َق َر ُ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وفىل َث ْوبه‬
‫ب شاتَه َ‬ ‫وخصف َن ْع َله ب َيده‪ ،‬ور َقع َثو َبه ب َيده‪ ،‬ور َفع َد ْلوه وح َل َ‬ ‫َ‬ ‫وصارع‪،‬‬
‫َ‬
‫سجد‪ ،‬ور َبط عىل َب ْطنه َ‬
‫احلج َر من‬ ‫مح َل معهم اللبِ َن يف بِناء املَ ِ‬ ‫وخدَ م َأ ْهله و َن ْفسه‪ ،‬و َ‬
‫وسط َر ْأسه وعىل َظ ْهر‬ ‫اجلو ِع تار ًة وشبِ َع تارةً‪ ،‬و َأضاف و ُأضيف‪ ،‬واحت ََجم يف َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قدَ مه‪ ،‬واحت ََجم يف األَ ْخدعني والكاهل وهو ما بني الكَتفني‪ ،‬وت َ‬
‫َداوى وك ََوى ومل‬
‫محى ا َملريض ِمما ي ِ‬
‫ؤذيه»(‪.)1‬‬ ‫سرت ِق‪ ،‬و َ‬ ‫ور َقى ومل َي َ‬ ‫َي ِ‬
‫َّ ُ‬ ‫كتو‪َ ،‬‬
‫باب وال ٌ‬
‫فصل‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫اشتم َل‬
‫ولطائف ال خيلو منها ٌ‬
‫َ‬ ‫ونكت‬ ‫الكتاب عىل فوائدَ‬
‫ُ‬ ‫كذلك َ‬
‫ِ‬
‫أحكامها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وعلل‬ ‫ِ‬
‫الرشيعة‬ ‫وتلم ِسه ِحل َك ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬
‫فضال عن ترجيحاته واختياراته‪ُّ ،‬‬

‫(‪( )1‬ص‪.)54‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪03‬‬

‫كتاب زاد املعاد يف هدى خري العباد»‬


‫ُ‬ ‫قال ابن رجب احلنبيل (ت‪795‬هـ)‪:‬‬
‫عظيم جدًّ ا(‪.)1‬‬ ‫كتاب‬ ‫ٍ‬
‫ٌ‬ ‫أربع جملدات‪ ،‬وهو ٌ‬
‫ُ‬
‫بني‬
‫مرغوب فيها َ‬ ‫ِ‬
‫تصانيفه‬ ‫وقال احلافظ ابن حجر (ت‪852‬هـ)‪ُّ :‬‬
‫كل‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫الطوائف(‪.)2‬‬

‫وقال السخاوي (ت‪902‬هـ)‪ :‬والبن القيم كتاب «اهلدي النبوي» ال نظري‬


‫له(‪.)3‬‬

‫ترتمبه ومنهجه‪:‬‬

‫ِ‬
‫الرسول ﷺ‪ ،‬وتع ُّل َق‬ ‫ِ‬
‫متابعة‬ ‫وجوب‬ ‫بني فيها‬ ‫ٍ‬
‫بمقدمات َّ َ‬ ‫بدأ اب ُن القي ِم كتا َبه‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫واالختيار من‬ ‫ِ‬
‫باخللق‬ ‫تفر ِد اهلل‬ ‫ِ‬
‫السعادة يف الدارين باتباعه ﷺ‪ ،‬ثم تك َّلم عىل ُّ‬
‫ِ‬

‫العباد إىل معرفتِه ﷺ‪.‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واضطرار‬ ‫ِ‬
‫املخلوقات‪،‬‬
‫نسب النبي ﷺ‪ ،‬وختانِه‪ ،‬وأمهاتِه‪ ،‬وحواضنِه‪ ،‬فمبعثِه‬‫ِ‬ ‫ثم استفتَح كتابه ِ‬
‫ببيان‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬
‫وأسامئه ومعانيها‪ ،‬واهلجرتني‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ومراحلها‪،‬‬ ‫ودعوتِه‬
‫ِ‬
‫وخدامه‪ ،‬و ُكتُبِه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وأزواجه ومواليه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وأعاممه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أوالده ﷺ‪،‬‬ ‫ثم تك َّل َم عن‬
‫وحداتِه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومؤذنيه‪ ،‬وأمرائه‪ ،‬وحرسه‪ ،‬وشعرائه‪ُ ،‬‬
‫ِ‬
‫وطعامه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ومالبسه‪،‬‬ ‫وسالحه وأثاثِه‪ ،‬ودوا ِّبه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ثم غزواتِه ﷺ وبعوثِه ورساياه‪،‬‬
‫ونكاحه ﷺ‪ِ ،‬‬
‫ونومه‪ ،‬وركوبِه‪.‬‬ ‫ِ‬

‫(‪ )1‬ذيل طبقات احلنابلة البن رجب (‪.)175/5‬‬


‫(‪ )2‬الدرر الكامنة البن حجر (‪.)139/5‬‬
‫(‪ )3‬اجلواهر والدرر يف ترمجة شيخ اإلسالم ابن حجر للسخاوي (‪.)1254/3‬‬
‫‪ | 04‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫وعقوده‪ ،‬ومصارعتِه‪ ،‬ومعاملتِه‪،‬‬


‫ِ‬ ‫والرقيق‪،‬‬
‫َ‬ ‫الغنم‬
‫َ‬
‫فصال عن ِ‬
‫اختاذه ﷺ‬ ‫ثم ذك ََر ً‬
‫وكالمه وسكوتِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفطرة‪،‬‬ ‫وهديه ﷺ يف ِ‬
‫سنن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقضاء حاجتِه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وجلوسه‪،‬‬ ‫ومشيه‪،‬‬
‫وبكائه‪ ،‬وخطبتِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وضحكه‬
‫ِ‬
‫والصالة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الوضوء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العبادات‪:‬‬ ‫فصوال مطول ًة يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف‬ ‫ً‬ ‫ثم ع َقدَ‬
‫ِ‬
‫واألدعية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واألذكار‬ ‫ِ‬
‫والعمرة‪ ،‬واهلدايا والضحايا‪،‬‬ ‫واحلج‬ ‫ِ‬
‫والزكاة‪ ،‬والصيا ِم‪،‬‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫واجلهاد‪.‬‬
‫تطبب به ووص َفه ِ‬
‫لغريه‪ ،‬ثم خت ََم‬ ‫َ‬ ‫الطب الذي‬
‫ِّ‬ ‫ثم حتدَّ ث عن ِ‬
‫هديه ﷺ يف‬
‫ِ‬
‫واألنكحة والبيوعِ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األقضية‬ ‫ٍ‬
‫بفصول عن ِ‬
‫هديه ﷺ يف‬

‫الطبع املعتددة يف هذا املختصر‪:‬‬

‫اعتمدت يف هذا املخترص عىل طبعة دار الوفاء‪ ،‬املنصورة‪ ،‬مرص‪ ،‬ودار ابن‬
‫ُ‬
‫حزم‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‪1432 ،‬هـ‪2001 ،‬م‪ ،‬حتقيق‪ :‬أنور الباز‪ ،‬وقد‬
‫اعتمدَ عىل ست نسخ خطية‪ ،‬إحداهن كاملة وهي املحفوظة باخلزانة العامة‬
‫َ‬
‫بالرباط‪.‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪05‬‬

‫‪ ‬موســـــــوعة حممــــــــــد رســـــــول اهلل ﷺ‬

‫دالئل نبوته وسريته وخصائصه ومشائله وهديه وحقوقه وقبس من حديثه‬

‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬


‫النبن قم اوجوزي محدد نبن بنب نبرر نبن بيو ت ‪157‬هـ)‬

‫اختصره‬

‫ب‪.‬د‪ .‬بمحد نبن عثدان املزيد‬

‫أستاذ الدراسات اإلسالمية ‪ -‬جامعة امللك سعود‬


‫‪ | 06‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪07‬‬

‫[مقدم املصنف]‬

‫الر ْمح ِن َّ‬


‫الرحي ِم‬ ‫بس ِم اهللِ َّ‬

‫دوان َّإال عىل الظاملِني‪،‬‬‫للمتَّقني‪ ،‬وال ُع َ‬ ‫ِ‬


‫رب العا َملني‪ ،‬والعاقب ُة ُ‬ ‫احلمدُ هلل ِّ‬
‫وات‪،‬‬
‫والسم ُ‬‫َ‬ ‫األرض‬
‫ُ‬ ‫رشيك له‪ ،‬كلِمة قا َمت هبا‬
‫َ‬ ‫و َأ َ‬
‫شهدُ أن ال إل َه َّإال اهللُ وحدَ ه ال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ِ‬
‫السالم‪ ،‬عنها‬ ‫مجيع املَ ْخلوقات‪ ،‬فهي كلم ُة اإلسالم‪ ،‬وم ُ‬
‫فتاح دار َّ‬ ‫وخل َقت ألَ ْجلها ُ‬
‫ورسو ُله‪ ،‬و َأمينُه عىل ِ‬ ‫ِ‬
‫وحيه‪،‬‬ ‫شهد أن ُحممدً ا عبدُ ه َ‬‫األولون واآلخرون‪ .‬و َأ َ‬ ‫ُيس َأل َّ‬
‫وسفريه بينَه وبني ِعباده‪ ،‬املَبعوث بالدِّ ين ال َقويم واملَ َنهج‬ ‫وخريتُه من َخ ْلقه‪َ ،‬‬
‫مجعني‪.‬‬ ‫املُستَقيم‪َ ،‬أرسله اهللُ رمح ًة للعاملَني‪ ،‬وإماما للمتَّقني‪ ،‬وحج ًة عىل اخل ِ‬
‫الئق َأ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ً ُ‬ ‫َ‬
‫من ا َملخلوقات‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وبعدُ ‪ ،‬فإن اهللَ سبحانه وتعاىل هو املُ ِ‬
‫نفرد َ‬
‫باخل ْلق واالختيار َ‬
‫قال تعاىل‪﴿ :‬ﯞﯟ ﯠﯡﯢ﴾ [القصص‪ ،]66 :‬واملُرا ُد باالختِيار هاهنا‪:‬‬
‫يار قبل اخلَ ْلق‪،‬‬‫ِ‬ ‫اختيار بعد اخلَ ْلق‪،‬‬ ‫االجتِبا ُء واالصطِفا ُء‪ ،‬فهو‬
‫واالختيار العا ُّم اخت ٌ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫يار م َن اخلَ ْلق‪.‬‬‫ِ‬ ‫أخص‪ ،‬وهو ُم ِّ‬ ‫أعم و َأس َب ُق‪ ،‬وهذا‬
‫تأخر‪ ،‬فهو اخت ٌ‬ ‫ُّ‬ ‫فهو ُّ‬
‫داال‬‫والتخصيص فيه ً‬
‫َ‬ ‫االختيار‬
‫َ‬ ‫رأيت هذا‬ ‫َ‬ ‫اخل ْل ِق‪،‬‬
‫حوال هذا َ‬‫وإذا ت ََّأملت َأ َ‬
‫هلل ا َّلذي ال إل َه‬ ‫عىل ربوبيته تعاىل ووحدانيته وكَامل ِحكمته ِ‬
‫وع ْلمه و ُقدرته‪ ،‬وأنه ا ُ‬ ‫َ ْ َّ‬ ‫ُ َّ‬
‫ياره‪ ،‬و ُيد ِّبر كتَدبريه‪ ،‬فهذا‬ ‫وخيتار كاختِ ِ‬ ‫كخ ْلقه‪َ ،‬‬ ‫يك له َخي ُلق َ‬ ‫َّإال هو‪ ،‬فال َرش َ‬
‫ِ‬
‫وأكرب‬ ‫العاملِ من َأع َظم آيات ُربوب َّيته‪،‬‬
‫َ‬ ‫َّخصيص ا َملشهود أ َث ُره يف هذا‬ ‫يار والت‬‫ِ‬
‫ُ‬ ‫االخت ُ‬
‫يشء َيسري َيكون‬ ‫وصدْ ق رسله‪ ،‬فنُشري فيه إىل ٍ‬ ‫وصفات كَامله‪ِ ،‬‬ ‫واهد وحدانيته‪ِ ،‬‬ ‫َش ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫َ ْ َّ‬
‫داال عىل ما ِسوا ُه‪.‬‬‫نبها عىل ما َورا َءه ًّ‬
‫ُم ً‬
‫‪ | 08‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫قربني من‬ ‫السموات سب ًعا‪ ،‬فاختار ال ُعليا منها فج َع َلها ُمست َق َّر املُ َّ‬
‫َ‬ ‫فخ َلق اهللُ‬
‫َ‬
‫ومن َع ْرشه‪ ،‬و َأس َكنَها َمن شاء ِمن َخ ْلقه‪،‬‬ ‫ُرسيه ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َمالئكته‪ ،‬واخت ََّصها بال ُقرب من ك ِّ‬
‫السموات‪ ،‬ولو مل َيكُن َّإال ُقرهبا منه تبارك وتعاىل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فلها َمز َّي ٌة و َف ْضل عىل سائر َ‬
‫جلنات‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وختْصيصها بأن‬ ‫ومن هذا تَفضي ُله سبحانه َجنَّ َة الفردوس عىل سائر ا َ‬
‫رش ُه َس ْق َفها‪.‬‬
‫ج َعل َع َ‬
‫كج َ‬
‫ربيل‪،‬‬ ‫الئكة املُص َط َفني منهم عىل ِ‬
‫سائ ِرهم‪ِ ،‬‬ ‫ومن هذا اختِياره من املَ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫رسافيل‪.‬‬ ‫يكائيل‪ ،‬وإِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫وم‬
‫ياره سبحانه لألنبياء من و َلد آ َد َم عليه وعليهم الصالة‬ ‫ِ‬
‫وكذلك اخت ُ‬
‫نهم‬ ‫ِ‬ ‫ياره ُأ ِ‬‫ِ‬
‫واختار م ُ‬
‫َ‬ ‫ويل ال َع ْزم منهم‪،‬‬ ‫الرسل منهم‪ ،‬واخت ُ‬ ‫واختياره ُّ‬
‫ُ‬ ‫والسالم‪،‬‬
‫صىل اهلل عليهام وس َّلم‪.‬‬
‫وحممدً ا َّ‬
‫إبراهيم ُ‬
‫َ‬ ‫اخلَلي َل ْني‬
‫اختار ِمنهم‬
‫َ‬ ‫إسامعيل من أجناس بني آ َد َم‪ُ ،‬ثم‬ ‫َ‬ ‫اختياره سبحانه و َلد‬ ‫ُ‬ ‫ومن هذا‬
‫ريش بني‬ ‫ريشا‪ُ ،‬ثم اختار من ُق ٍ‬ ‫اختار من و َلد ِكنان َة ُق ً‬ ‫َ‬ ‫بني ِكنان َة بن ُخزيم َة‪ُ ،‬ثم‬
‫هاش ٍم‪ُ ،‬ثم اختار ِمن بني ِ‬
‫هاش ٍم س ِّيدَ و َلد آ َد َم ُحممدً ا ﷺ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وكذلك اختار أصحابه ِمن ُمجلة العاملَني‪ ،‬واختار ُأمته ﷺ عىل ِ‬
‫سائ ِر األُ َمم‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫رش َفها‪،‬‬‫خريها و َأ َ‬‫من األماك ِن والبِالد َ‬ ‫اختياره سبحانه وتعاىل َ‬ ‫ُ‬ ‫ومن هذا‬
‫وهي الب َلدُ احلرا ُم‪.‬‬
‫فخ ْري األ َّيام ِعنده يو ُم‬ ‫بعض األ َّيام والشهور عىل بعض‪َ ،‬‬ ‫ومن هذا تَفضي ُله َ‬
‫فض ُل األ َّيام ِعندَ اهلل‬‫السنَن عنه ﷺ أنه قال‪َ « :‬أ َ‬ ‫َِ‬
‫األكرب‪ ،‬كام يف ُّ‬ ‫احلج‬
‫الن َّْحر‪ ،‬وهو َي ْو ُم ِّ‬
‫يو ُم الن َّْح ِر‪ُ ،‬ثم َي ْو ُم ال َقر»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪.)1765‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪09‬‬

‫عامل َّإال َأط َي َبها‪ ،‬وهي األَ ُ‬


‫عامل ا َّلتي اجت ََم َعت عىل‬ ‫وكذل ِ َك ال َيأ َلف م َن األَ ِ‬
‫الصحيحة‪ ،‬فا َّت َفق عىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُح ْسنها الف َطر َّ‬
‫السليمة مع الرشائ ِع النَّبو َّية‪ ،‬وز َّكتْها ال ُعقول َّ‬
‫رشك به شي ًئا‪ ،‬و ُيؤثِر‬
‫والفطرة‪ِ ،‬مثل أن َيع ُبد اهلل وحدَ ه ال ُي ِ‬ ‫والعقل ِ‬
‫ُ‬ ‫الرشع‬
‫ُ‬ ‫ُح ْسنها‬
‫َمرضاتَه عىل َهوا ُه‪.‬‬
‫وكذلك ال َخيتار من املَ ِ‬
‫طاعم َّإال َأط َي َبها‪ ،‬وهو احلَالل اهل َني ُء املَريء ا َّلذي‬ ‫َ‬
‫أحس َن َت ْغذية‪ ،‬مع َسالمة ال َع ْبد من تبِ َعته‪.‬‬
‫والروح َ‬ ‫ُي ِّ‬
‫غذي البدَ ن ُّ‬
‫ناكح َّإال َأطيبها‪ ،‬ومن ِ‬
‫الرائحة َّإال َأط َي َبها و َأ ْزكاها‪،‬‬ ‫وكذلك ال َخيتار من املَ ِ‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫وم َن األَ ْصحاب وال ُع َرشاء َّإال الط ِّيبِني ِمنهم‪.‬‬
‫ِ‬

‫عرفة الرسول وما‬ ‫فوق كل ذي ََضورة إىل َم ِ‬ ‫العباد َ‬ ‫ومن هاهنا يع َلم اضطِرار ِ‬
‫ِ‬
‫ُ ُ‬
‫السعادة وال َفالح ال‬ ‫بيل إىل َّ‬ ‫خَب‪ ،‬وطاعته فيام َأ َم َر‪ ،‬فإنه ال َس َ‬
‫جاء به‪ ،‬وتَصديقه فيام َأ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بيل إىل َمعرفة الط ِّيب‬ ‫الرسل‪ ،‬وال َس َ‬ ‫يف الدُّ نْيا وال يف اآلخرة َّإال عىل َأ ْيدي ُّ‬
‫بيث عىل التَّفصيل َّإال من ِجهتِهم‪ ،‬وال ُينال ِرضا اهلل ال َب َّت َة َّإال عىل َأ ْيدهيم‪.‬‬ ‫واخل ِ‬
‫َ‬
‫فيجب عىل ِّ‬
‫كل َمن‬ ‫النبي ﷺ‬ ‫العبد يف الدارين معلق ًة ِ‬ ‫وإذا كان َْت سعاد ُة ِ‬
‫ُ‬ ‫هبدي ِّ‬
‫خيرج به عن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يعرف من ِ‬
‫هديه وسريته وشأنه ما ُ‬ ‫َ‬ ‫وسعادهتا أن‬
‫َ‬ ‫نجاهتا‬
‫وأحب َ‬‫َّ‬ ‫نفسه‬
‫نص َح َ‬
‫َ‬
‫ٍّ‬
‫مستقل‬ ‫بني‬
‫والناس يف هذا َ‬ ‫ُ‬ ‫أتباعه وشيعتِه وحزبِه‪،‬‬‫ويدخل به يف عدا ِد ِ‬ ‫ُ‬ ‫اجلاهلني به‪،‬‬
‫ِ‬
‫الفضل العظي ِم‪.‬‬ ‫بيد اهلل ُيؤتِيه َمن يشا ُء واهلل ذو‬
‫والفضل ِ‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫ومستكثر وحمرو ٍم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وهذه كلِامت َيسرية ال َيستَغنِي عن َم ِ‬
‫عرفة نَبيه‬ ‫عرفتها َمن له َأ ْدنى َّ‬
‫مهة إىل َم ِ‬ ‫َ‬
‫وهدْ يه‪ ،‬اقتَضاها اخلاطِر املَكْدود عىل ُع َجره و ُب َجره‪ ،‬مع البِضاعة‬ ‫ﷺ وسريته َ‬
‫ِ‬
‫السدُ د‪ ،‬وال َيتَنا َفس فيها املُتنافِسون مع تَعليقها يف‬
‫أبواب ُّ‬‫ُ‬ ‫املُزجاة ا َّلتي ال تُفتح هلا‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫حال س َفر ال إقامة‪ ،‬والقلب بك ُِّل واد منه ُشعبة‪ ،‬واهل َّمة قد ت َّ‬
‫َفرقت َش َ‬
‫ذر َمذر‪.‬‬
‫‪ | 21‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪20‬‬

‫[القس األول‪ :‬مشائل النيب ﷺ]‬


‫‪ | 22‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪23‬‬

‫‪ -1‬فصل يف نسَ ِبه ﷺ‬

‫شهدون له‬ ‫نس ًبا عىل اإلطالق‪ ،‬و َأ ُ‬


‫عداؤه كانوا َي َ‬ ‫وهو َخ ْري َأ ْهل األرض َ‬
‫بذل ِ َك‪.‬‬
‫َص ِ‬ ‫بن عبد َمناف ِ‬ ‫هاشم ِ‬ ‫بن عبد املُ َّطلِب بن ِ‬ ‫فهو ُحم َّمد ب ُن عبد اهلل ِ‬
‫بن‬ ‫بن ُق َ ِّ‬
‫كِالب بن ُم َّرة بن َك ْعب بن ُل َؤ ِّي بن غالِب بن فِ ْهر بن مالِك بن الن َّْْض بن كِنان َة بن‬
‫درك َة بن إِلياس بن ُم َْض بن نِ ِ‬
‫زار بن َم َعدِّ بن عَدْ نان‪.‬‬ ‫ُخ َز ْيم َة بن ُم ِ‬
‫َ‬
‫النسابني‪ ،‬ال ِخ َ‬
‫الف فيه ال َبتَّة‪ ،‬وما‬ ‫الص َّحة ُمتَّفق عليه بني َّ‬
‫هاهنا َمعلوم ِّ‬
‫إىل ُ‬
‫َ‬
‫إسامعيل عليه‬ ‫دنان ِمن و َلد‬ ‫فمخ َت َلف فيه‪ ،‬وال ِخ َ‬
‫الف بينهم أن َع َ‬ ‫َ‬
‫فوق َعدنان ُ‬
‫ِ‬
‫الصحابة والتابعني‬ ‫الصواب ِعند ُع َلامء‬
‫ِ‬ ‫بيح عىل القول‬ ‫ُ‬
‫وإسامعيل هو َّ‬
‫الذ ُ‬ ‫السالم‪،‬‬
‫و َمن َبعدَ هم‪.‬‬
‫الف أنه ولِدَ ﷺ بجوف م َّك َة‪ ،‬وأن مولِده كان عام ِ‬
‫الفيل‪ ،‬وكان َأ ْمر‬ ‫وال ِخ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ‬
‫الفيل ت ِ‬
‫َقدم ًة قدَّ مها اهلل لنب ِّيه و َب ْيته‪.‬‬ ‫ِ‬

‫ور ُ‬ ‫ِ‬
‫محل‪ ،‬أو ت ِّ َ‬
‫ُويف بعد‬ ‫سول اهلل ﷺ َ ْ‬ ‫واختُلف يف َوفاة أبيه عبد اهلل‪ ،‬هل ت ِّ َ‬
‫ُويف َ‬
‫مح ٌل‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ورسول اهلل ﷺ َ ْ‬ ‫أصحهام‪ :‬أنه تُويف‬
‫ُّ‬ ‫ِوالدته؟‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وال ِخ َ‬
‫َت بني م َّك َة وا َملدينة باألَبواء ُم َ َ‬
‫نرص َفها م َن املَدينة من‬ ‫الف أن ُأ َّمه مات ْ‬
‫بع ِس َ‬
‫نني‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِزيارة أخواله‪ ،‬ومل َيستَكمل إذ ذاك َس َ‬
‫‪ | 24‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫نني‪ُ ،‬ثم ك َف َله‬‫امن ِس َ‬ ‫ُويف ولرسول اهلل ﷺ نحو َث ِ‬


‫ُ‬
‫ِ‬
‫فك َف َله َجدُّ ه عبدُ املُ َّطلب‪ ،‬وت ِّ َ َ‬
‫ِ‬ ‫عمه أبو طالِب‪،‬‬
‫عمه إىل‬ ‫خرج به ُّ‬ ‫فلام ب َلغ ثنت َْي عرش َة َسنَ ًة َ‬ ‫واستم َّرت كَفالتُه له‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫عمه‬‫ب و َأ َم َر َّ‬ ‫حريى الراه ُ‬ ‫سع سنني‪ ،‬يف هذه اخلَ ْرجة رآه َب َ‬ ‫الشام‪ ،‬وقيل‪ :‬كان سنُّه ت َ‬
‫ِ‬ ‫عمه مع بعض ِغلامنه إىل‬
‫املدينة‪.‬‬ ‫َّأال َيقدَ م به إىل الشام خو ًفا عليه م َن ال َيهود‪ ،‬فب َع َثه ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رصى ُثم‬ ‫فوصل إىل ُب َ‬ ‫خرج إىل الشام يف ِتارة‪َ ،‬‬ ‫مخسا وعرشين َسنَ ًة َ‬ ‫فلام ب َلغ ً‬ ‫َّ‬
‫بنت ُخ َو ْيلِد‪.‬‬
‫َزوج َعقيب ُرجوعه خدجي َة َ‬ ‫رج َع فت َّ‬ ‫َ‬
‫الليايل‬
‫َ‬ ‫ُث َّم َح َّبب اهلل إليه اخلَ ْلوة والتَّع ُّبد لر ِّبه‪ ،‬وكان َخيلو بغار ِحراء َيتع َّبد فيه‬
‫أبغض إليه من‬ ‫ودين َق ْومه‪ ،‬فلم َيكُن يش ٌء َ‬ ‫ذوات العدَ د‪ ،‬وب ِّغ َضت إليه األَوثان ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ذلك‪.‬‬

‫كرمه اهلل تعاىل ِبرسالته‪.‬‬


‫أرش َق عليه نور الن َُّّبوة و َأ َ‬
‫فلام كمل له أر َبعون‪َ ،‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫املبعث‪.‬‬ ‫شهر‬ ‫خالف أن مبع َثه ﷺ كان يو َم االثنني‪ ،‬واختُلِ َ‬
‫ف يف ِ‬ ‫َ‬ ‫وال‬

‫ب َعديدةً‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫حي َمرات َ‬
‫الو ِ‬
‫وكمل اهلل له من َمراتب َ‬
‫َّ‬
‫الصادقة‪ ،‬وكانت َمبدَ أ َو ْحيه ﷺ‪ ،‬وكان ال َي َرى ُر ْؤيا َّإال‬ ‫ِ‬ ‫الرؤيا‬‫إحداها‪ُّ :‬‬
‫ِ‬
‫جا َءت م ْثل ف َلق ُّ‬
‫الص ْبح‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬ما كان ي ِ‬
‫لقيه امل َلك يف ُروعه و َق ْلبه من غري أن َيرا ُه‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عي عنه ما َيقول‬ ‫الثالثة‪ :‬أنه ﷺ كان َيتم َّثل له امل َل ُك ُ‬
‫رج ًال ف ُيخاطبه حتَّى َي َ‬
‫َبة كان َيراه الصحاب ُة أحيانًا‪.‬‬‫له‪ ،‬ويف هذه املَرت ِ‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪25‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جل َرس‪ ،‬وكان َأ َشدَّ ه عليه‪ ،‬ف َيتل َّبس به‬‫لصلة ا َ‬‫الرابِع ُة‪ :‬أنه كان َيأتيه يف م ْثل َص َ‬
‫ِ‬
‫الربد‪ ،‬وحتى إن راح َلتَه ل َت ُ‬
‫ربك‬ ‫الشديد َ ْ‬ ‫امل َلك ح َّتى إن َجبينَه ل َيت َف َّصد َ‬
‫عر ًقا يف ال َي ْوم َّ‬
‫فخ ِذ زيد‬‫وفخ ُذه عىل ِ‬‫راكبها‪ ،‬ول َقدْ جاءه الوحي مر ًة كذلك ِ‬
‫ُ َّ‬
‫ِ‬
‫به إىل األرض إذا كان َ‬
‫بن ثابِت ف َث ُق َلت عليه حتَّى كا َدت ت َُر ُّضها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اخلامس ُة‪ :‬أنه يرى امل َلك يف صورتِه ا َّلتي ُخلِق عليها‪ ،‬في ِ‬
‫وحي إليه ما شا َء اهللُ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬
‫هلل ذلك يف سورة النجم‪.‬‬ ‫أن ُيوح َيه‪ ،‬وهذا و َقع له َّ‬
‫مرت َْني كام ذكَر ا ُ‬
‫ِ‬
‫الصالة‬ ‫السموات ليل َة املِعراج من َف ْرض‬ ‫ِ‬
‫السادس ُة‪ :‬ما َأ ْوحاه اهللُ وهو َ‬
‫فوق‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫وغريها‪.‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫السابِعة‪ :‬كَالم اهلل سبحانه له منه إليه بال واسطة م َلك‪ ،‬كام ك َّلم ُموسى َ‬
‫بن‬
‫بنص ال ُقرآن‪ ،‬و ُث ُ‬
‫بوهتا لنَب ِّينا ﷺ هو يف‬ ‫وسى َقط ًعا ِّ‬ ‫ِع َ‬
‫مران‪ ،‬وهذه ا َملرتَب ُة هي ثابِتة ُمل َ‬
‫ِ‬
‫اإلرساء(‪.)1‬‬ ‫َحديث‬

‫‪ -2‬فصل يف بُمَّهاتِه ﷺ اللَّات بَرضَ ْع َنه‬

‫رض َعتْه أ َّيا ًما و َأ َ‬


‫رض َعت معه أبا س َلم َة عبدَ اهلل‬ ‫ِ‬
‫فم ُنه َّن ُث َو ْيب ُة َموال ُة أيب َهلَب‪َ ،‬أ َ‬
‫رضعت معهام عمه َمحز َة بن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب َن عبد األَ َسد املَ‬
‫عبد‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫خزومي بل َبن ابنها َمرسوح‪ ،‬و َأ َ َ َ َ‬ ‫َّ‬
‫امل َّطلِب ‪.‬‬
‫رضعتْه حليم ُة السعدية بلبن ابنِها ِ‬
‫عبد اهلل أخي أنيس َة وجدام َة ‪-‬وهي‬ ‫َ‬ ‫َّ ْ‬ ‫ُثم َأ َ َ‬
‫وأرض َعت معه اب َن‬
‫َ‬ ‫السعدي‪،‬‬ ‫بن ِ‬
‫عبد ال ُع َّزى بن ِرفاعة‬ ‫احلار ِ‬
‫ث ِ‬ ‫ِ‬ ‫الش ْيام ُء‪َ -‬أ ْوالد‬
‫َّ‬
‫ِّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)7517‬ومسلم (‪.)162‬‬


‫‪ | 26‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫عبد املُ َّطلِب‪ ،‬وكان شديدَ ال َعداوة َلرسول اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫احلارث بن ِ‬ ‫ِ‬ ‫عمه أبا ُس َ‬
‫فيان ب َن‬ ‫ِّ‬
‫سرت َض ًعا يف بني سعد بن‬
‫عمه َمحز ُة ُم َ ْ‬‫وحس َن إسال ُمه‪ ،‬وكان ُّ‬
‫ُ‬ ‫ُثم َأس َلم عا َم ال َفتْح‬
‫ِ‬ ‫َبكْر ف َأ َ‬
‫رسول اهلل ﷺ يو ًما وهو عند ُأ ِّمه َحليم َة‪ ،‬فكان َمحز ُة َر َ‬
‫ضيع‬ ‫َ‬ ‫رض َعت ُأ ُّمه‬
‫النبي ﷺ من ِجهتَني‪ :‬من ِجهة ُثويب َة‪ ،‬ومن ِجهة السع ِ‬
‫دية‪.‬‬ ‫َّ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬

‫‪ -3‬فصل يف حَواضِنه ﷺ‬

‫بن كِالب‪.‬‬
‫بن عبد َمناف بن ُزهر َة ِ‬ ‫فمنهن ُأ ُّمه ِآمن ُة ُ‬
‫بنت وهب ِ‬ ‫ِ‬

‫ِ‬
‫الرضاعة كانت َحت ُضنه‬ ‫وحليم ُة‪ ،‬والشيام ُء ابنتُها وهي ُأختُه من َّ‬
‫ومنهن ُثويب ُة َ‬
‫فبسط هلا ِردا َءه‪ ،‬و َأج َل َسها عليه‬ ‫ِ‬ ‫مع ُأمها‪ ،‬وهي ا َّلتي ِ‬
‫هواز َن‪َ ،‬‬ ‫قدمت عليه يف َو ْفد‬ ‫ِّ‬
‫ِرعاية حلَ ِّقها‪.‬‬
‫جلليل ُة ُأ ُّم أيم َن َبرك ُة احل َبش َّية‪ ،‬وكان ِ‬
‫ورثها من أبيه‪ ،‬وكانت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومنهن الفاضلة ا َ‬
‫بن ِ‬
‫حارث َة‪ ،‬فو َلدَ ت له ُأسام َة‪.‬‬ ‫وزوجها ِمن ِح ِّبه َز ْيد ِ‬
‫دا َيتَه َّ‬

‫‪ -4‬فصل يف مَبعَثه ﷺ وبوَّل ما بُنزِل علمه‬


‫ِ‬
‫هلل عىل رأس َأر َبعني وهي س ُّن الكَامل‪ ،‬قيل‪ :‬وهلا تُب َعث ُّ‬
‫الر ُسل‪ ،‬وأ َّما‬ ‫بع َثه ا ُ‬
‫عرف به أ َث ٌر‬
‫ثالث وثالثون َسنَ ًة فهذا ال ُي َ‬
‫ٌ‬ ‫ما ُيذكَر عن ا َملسيح أنه ُرفِع إىل السامء وله‬
‫ُمت َِّصل َجيِب ا َملصري إليه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وأول ما ُب ِد َئ به َر ُ‬
‫سول اهلل ﷺ من َأ ْمر الن َُّّبوة ُّ‬
‫الرؤيا‪.‬‬ ‫َّ‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪27‬‬

‫بالنبوة‪ ،‬فجا َءه امل َل ُك وهو بغار ِحراء‪ ،‬وكان‬


‫ِ‬ ‫ُثم أكر َمه اهللُ سبحانه تعاىل‬
‫فأول ما ُأ ِنزل عليه‪﴿ :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ﴾ [العلق‪.]1 :‬‬ ‫ِ‬
‫ب اخلَ ْلوة فيه‪َّ ،‬‬
‫ُحي ُّ‬

‫‪ -5‬فصل يف تَرتمب الدَّ ْعوة وهلا مَراتِبُ‬

‫املَرتَب ُة األُوىل‪ :‬الن َُّّبوة‪.‬‬


‫ِ‬
‫الثانية‪ :‬إنذار َعشريته األَ َ‬
‫قربني‪.‬‬

‫إنذار قومه‪.‬‬
‫الثالثة‪ُ :‬‬
‫العرب قاطِب ًة‪.‬‬
‫وهم َ‬ ‫الرابِعة‪ُ :‬‬
‫إنذار قو ٍم ما َأتاهم من نَذير من َقبله ُ‬
‫واإلنس إىل ِ‬
‫آخر الدَّ ْهر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫اخلامسة‪ :‬إنذار َمجيع َمن ب َل َغتْه َد ْعوته ِم َن ِ‬
‫اجل ِّن‬ ‫ِ‬

‫فصل‬

‫ثالث ِسنني َيدعو إىل اهلل سبحانه ُمستَخف ًيا‪ُ ،‬ثم َنزل‬
‫َ‬ ‫ف َأقام ﷺ بعد ذلك‬
‫عليه‪﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾ [احلجر‪ ،]94 :‬ف َأع َلن ﷺ بالدَّ ْعوة‬
‫وجاهر قومه بالعداوة‪ ،‬واشتَدَّ األذى عليه وعىل املُسلِمني حتَّى ِ‬
‫أذ َن اهلل هلم‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫باهل ْجرتني‪.‬‬

‫‪ -6‬فصل يف بَمسائِه ﷺ‬

‫جرد ال َّت ْعريف‪ ،‬بل َأسامء ُمش َت َّقة‬


‫وك ُّلها أسامء نُعوت ليست أعال ًما َحمض ًة ملُ َّ‬
‫من ِصفات قامت به ت ِ‬
‫ُوجب له املَدْ ح والكَامل‪.‬‬
‫‪ | 28‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫فمنها‪ُ :‬حم َّمد‪ ،‬وهو َأ َ‬
‫شه ُرها‪ ،‬وبه ُس ِّم َي يف الت َّْوراة‪.‬‬
‫ِ‬
‫ومنها‪َ :‬أمحدُ ‪ ،‬وهو‬
‫االسم ا َّلذي َس َّامه به املَ ُ‬
‫سيح‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ونبي‬ ‫ومنها‪ :‬املُتوكِّل‪ ،‬واملاحي‪ ،‬واحلارش‪ ،‬والعاقب‪ ،‬واملُق ِّفي‪ُّ ،‬‬
‫ونبي الرمحة‪ُّ ،‬‬
‫َبي التوبة‪ ،‬واألَمني‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املَ َ‬
‫لحمة‪ ،‬والفاتح‪ ،‬ون ُّ‬
‫نفسه أسام ًء‪ ،‬فقال‪« :‬أنا‬ ‫ِ‬
‫بري بن ُمطعم‪َ :‬س َّمى لنا َرسول اهلل ﷺ َ‬ ‫وقال ُج ُ‬
‫ِ‬
‫احلاِش ا َّلذي ُُي ََش‬ ‫ُحممد‪ ،‬وأنا َأمحدُ ‪ ،‬وأنا ِ‬
‫املاحي ا َّلذي َي ْمحو اهللُ يب ال ُك ْف َر‪ ،‬وأنا‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ب ا َّلذي ليس بعدَ ه نَبي»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫الناس عىل قدَ مي‪ ،‬والعاق ُ‬
‫ُ‬
‫أما ُحممد‪ :‬فهو اسم مفعول من محِد فهو ُحممد‪ ،‬إذا كان كَثري ِ‬
‫اخلصال التي‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ َ‬ ‫َّ َّ‬
‫وحم َّمدً ا‬ ‫من الثالثي املُ َّ‬
‫جرد‪ُ ،‬‬ ‫ُحي َمد عليها؛ ولذلك كان َ‬
‫أبلغ من َحممود‪ ،‬فإن َحممو ًدا َ‬
‫للمبا َلغة‪.‬‬
‫م َن املُضا َعف ُ‬
‫ِ‬
‫احلمد‪.‬‬ ‫اسم عىل ِزنة ( َأف َعل) التفضيل ُمشت ٌَّق أيضا من‬
‫وأما أمحدُ ‪ :‬فهو ٌ‬
‫َّ‬
‫قر ْأت‬
‫مرو قال‪َ :‬‬ ‫خاري عن عبد اهلل بن َع ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫اسم املُتوكل‪ :‬ففي صحيح ال ُب‬ ‫وأما ُ‬ ‫َّ‬
‫سم ْيتك املُتوكِّل‪،‬‬ ‫َّبي ﷺ‪ُ :‬حم َّمد َر ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫ورسويل‪َّ ،‬‬ ‫سول اهلل‪َ ،‬ع ْبدي َ‬ ‫يف التَّوراة صفة الن ِّ‬
‫اب باألَ ْسواق‪ ،‬وال َجي ِزي بالس ِّيئة الس ِّيئة‪ ،‬بل َيعفو‬ ‫ليظ‪ ،‬وال َص َّخ ٍ‬‫ليس ب َف ٍّظ وال َغ ٍ‬

‫قيم به امل ِ َّلة ال َع ْوجا َء‪ ،‬بأن َيقولوا‪ :‬ال إِل َه َّإال اهلل‪.)2(.‬‬
‫و َيص َف ُح‪ ،‬و َل ْن َأقبِ َضه حتَّى ُأ َ‬
‫أحق الناس هبذا االس ِم؛ ألنه تَوكَّل عىل اهلل يف إقامة الدِّ ين تَوك ًُّال‬
‫وهو ﷺ ُّ‬
‫غريه‪.‬‬
‫رشكه فيه ُ‬
‫مل َي َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3532‬ومسلم (‪.)2354‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)2125‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪29‬‬

‫الكفر بأحد من اخللق ما‬ ‫مح‬ ‫وأما ِ‬


‫ُ‬ ‫الكفر‪ ،‬ومل ُي َ‬
‫َ‬ ‫املاحي‪ :‬فهو الذي حما اهللُ به‬ ‫َّ‬
‫ُ ِحم َي بالنبي ﷺ‪.‬‬
‫احلاِش‪ :‬فاحلرش هو الضم واجلمع‪ ،‬فهو الذي ُحيرش الناس عىل ِ‬
‫قدمه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وأما‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫فكأنه ُبعث ليحرش الناس‪.‬‬

‫العاقب هو‬ ‫نبي؛ فإن‬ ‫ِ‬


‫َ‬ ‫عقب األنبياء‪ ،‬فليس بعده ٌّ‬
‫َ‬ ‫والعاقب‪ :‬الذي جا َء‬
‫ُ‬
‫اآلخر‪.‬‬
‫ُ‬

‫وأما املُقفي‪ :‬وهو ا َّلذي َق َّفى عىل آثار َمن تَقدَّ مه من ُّ‬
‫الرسل‪.‬‬ ‫َّ‬
‫هلل‬ ‫َبي الت َّْوبة‪ :‬فهو ا َّلذي فتَح اهلل به َ‬
‫باب التوبة عىل أهل األرض فتاب ا ُ‬ ‫وأما ن ُّ‬
‫َّ‬
‫عليهم توب ًة مل َحي ُصل مث ُلها ألهل األرض قب َله‪.‬‬

‫نبي و ُأ َّمته‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫لحمة‪ :‬فهو ا َّلذي ُبعث بجهاد أعداء اهلل‪ ،‬فلم ُجياهد ٌّ‬ ‫َبي املَ َ‬
‫وأما ن ُّ‬
‫َّ‬
‫سول اهلل ﷺ و ُأ َّمتُه‪.‬‬
‫جاهد َر ُ‬ ‫ُّ‬
‫قط ما َ‬
‫أهل األرض‬ ‫فرح َم به َ‬ ‫الرمحة‪ :‬فهو ا َّلذي َأرسله اهلل رمح ًة للعاملَني‪ِ ،‬‬
‫ِ‬ ‫نبي‬
‫َ‬ ‫وأما ُّ‬‫َّ‬
‫ؤمنَهم وكافِ َرهم‪.‬‬
‫ك َّلهم م ِ‬
‫ُ‬
‫وأما الفاتِح‪ :‬فهو ا َّلذي فت ََح اهلل به باب اهلُدى بعد أن كان ُمر ًِّتا‪ ،‬وفتَح به‬ ‫َّ‬
‫الصم وال ُقلوب ال ُغ ْلف‪.‬‬
‫َّ‬ ‫مي واآلذان‬ ‫عني ال ُع َ‬ ‫األَ ُ‬
‫مني اهلل عىل وحيه ِ‬
‫ودينه‪،‬‬ ‫وأما األَمني‪ :‬فهو ُّ‬
‫أحق العاملَني هبذا االس ِم‪ ،‬فهو َأ ُ‬
‫َ ْ‬ ‫َّ‬
‫سمونه َ‬
‫قبل النُّ َّبوة‬ ‫وأمني َمن يف األرض؛ وهلذا كانوا ُي ُّ‬
‫ُ‬ ‫السامء‪،‬‬
‫أمني َمن يف َّ‬
‫وهو ُ‬
‫األَمني‪.‬‬
‫‪ | 31‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -7‬فصل يف بَ ْوالده ﷺ‬

‫القاس ُم‪ ،‬وبه كان ُيكنَى‪ ،‬مات طِ ً‬


‫فال‪.‬‬ ‫َأوهلم ِ‬
‫َّ‬
‫القاسم‪ُ ،‬ثم ُرق َّي ُة‪ ،‬و ُأم كُلثو ٍم‪ ،‬وفاطِم ُة‪ ،‬وقد‬
‫ِ‬ ‫أس ُّن من‬
‫ينب‪ ،‬وقيل‪ :‬هي َ‬‫ُثم َز ُ‬
‫عن ِ‬
‫ابن ع َّباس أن ُرق َّي َة‬ ‫واحدة ِمنهن‪ :‬إهنا َأ َس ُّن من ُأخ َت ْيها‪ ،‬وقد ُذكر ِ‬
‫كل ِ‬ ‫قيل يف ِّ‬
‫أس ُّن الثالث‪ ،‬و ُأ ُّم كُلثوم َأص َغ ُر ُه َّن‪.‬‬
‫َ‬
‫ُثم ولِد له عبدُ اهلل‪.‬‬
‫وه ِ‬
‫ؤالء ك ُّلهم ِمن َخدجي َة‪ ،‬ومل ُيو َلد له من َز ْوجة غريها‪.‬‬ ‫َ‬
‫القبطية سنَة َثامن من ِ‬
‫اهلجرة‪،‬‬ ‫مارية ِ‬‫إبراهيم باملدينة من ُرس َّيته ِ‬ ‫ُثم ولِد له‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫فال قبل ِ‬
‫فوهب له َعبدً ا‪ ،‬ومات طِ ً‬ ‫ِ‬
‫الفطام‪.‬‬ ‫وبرشه به أبو راف ٍع َم ْواله‪َ ،‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ُويف قب َله َّإال فاطِم َة‪ ،‬فإهنا ت َّ‬
‫َأخرت بعده بستَّة َأ ُ‬
‫شهر‪.‬‬ ‫وكل َأ ْوالده ت ِّ‬
‫ُّ‬

‫‪ -6‬فصل يف بَعدامه وعدَّاتِه ﷺ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫اس‪،‬‬‫بن عبد املُ َّطلب‪ ،‬والع َّب ُ‬ ‫الشهداء محز ُة ُ‬ ‫وأسدُ َرسوله س ِّيد َ‬‫أسدُ اهلل َ‬ ‫فمنهم َ‬
‫والز َب ْري‪ ،‬وعبدُ ال َك ْعبة‪،‬‬
‫واسمه عبدُ ال ُع َّزى‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫واسمه عبد َمناف‪ ،‬وأبو َهلَب‬
‫ُ‬ ‫وأبو طالِب‬
‫واسمه ُمص َعب‪ ،‬وقيل‪:‬‬ ‫واملُقوم‪ِ ،‬‬
‫وِضار‪ ،‬و ُق َثم‪ ،‬واملُغري ُة ول َق ُبه حجل‪ ،‬وال َغ ْيداق‬
‫ُ‬
‫ِ ِ‬
‫العوام‪ ،‬ومل ُيسلم منهم َّإال َمحزةُ‪ ،‬والع َّب ُ‬
‫اس‪.‬‬ ‫بعضهم‪َّ :‬‬ ‫ن َْوفل‪ ،‬وزاد ُ‬
‫روى‪ ،‬و ُأ َم ْيم ُة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العوام‪ ،‬وعاتك ُة‪ ،‬و َب َّرةُ‪ ،‬و َأ َ‬ ‫فصفي ُة أ ُّم ُّ‬
‫الز َب ْري بن َّ‬ ‫عامتُه ﷺ ‪َ ،‬‬
‫وأ َّما َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫و ُأ ُّم َحكيم البيضا ُء‪َ ،‬أس َلم منهن َصف َّي ُة‪ ،‬واختُلف يف إسالم عاتك َة و َأ َ‬
‫روى‪.‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪30‬‬

‫‪ -9‬فصل يف بزواجه ﷺ‬

‫َزوج هبا قبل الن َُّّبوة‪ ،‬وهلا‬ ‫واله َّن َخدجي ُة بِنت ُخ َو ْيلد ال ُق َرش َّية َ‬
‫األسد َّية‪ ،‬ت َّ‬ ‫ُأ ُ‬
‫وجاهدْ ت‬
‫َ‬ ‫تزوج عليها حتى ماتت‪ ،‬وهي ا َّلتي َآز َرتْه عىل الن َُّّبوة‬ ‫أر َبعون َسنة‪ ،‬ومل َي َّ‬
‫رسل اهلل تعاىل إليها السال َم مع ِج َ‬ ‫ِ‬
‫ربيل‪ ،‬وهذه‬ ‫وواستْه بنَ ْفسها وماهلا‪ ،‬و َأ َ‬
‫َ‬ ‫معه‬
‫اهل ْجرة بثالث ِس َ‬
‫نني‪.‬‬ ‫المرأة ِسواها‪ ،‬وماتت قبل ِ‬
‫ٍ‬ ‫ُعرف‬
‫خاصية ال ت َ‬
‫ِّ‬
‫بنت َزمع َة ال ُق َرش َّية وهي التي َ‬
‫وه َبت يو َمها‬ ‫ُثم ت َّ‬
‫َزوج بعد موهتا بأيام َسود َة َ‬
‫ِ‬
‫لعائش َة‪.‬‬
‫الصدِّ يق املُربأة من ِ‬ ‫الصدِّ يق َة َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فوق‬ ‫َّ‬ ‫بنت ِّ‬ ‫َزوج بعدها أ َّم عبد اهلل عائش َة ِّ‬ ‫ُث َّم ت َّ‬
‫الصدِّ يق‪،‬‬ ‫عائش َة َ‬‫سبع سموات‪ ،‬حبيبة رسول رب العاملني ﷺ‪ِ ،‬‬
‫بنت أيب َبكر ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ‬
‫رير(‪ ،)1‬وقال‪« :‬هذه‬ ‫وعر َضها عليه امل َل ُك قبل نِكاحها يف َرسقة من َح ٍ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السنَة‬
‫شوال يف َّ‬ ‫مرها س ُّت سنني‪ ،‬وبنَى هبا يف َّ‬ ‫شوال و ُع ُ‬ ‫َزوجت َُك» ‪ ،‬ت َّ‬
‫َزوج هبا يف َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األُوىل من ِ‬


‫كرا غريها‪ ،‬وما َنزل عليه‬ ‫تزوج بِ ً‬
‫سع سنني‪ ،‬ومل َي َّ‬ ‫وعمرها ت ُ‬ ‫ُ‬ ‫اهلجرة‬
‫ب اخلَ ْلق إليه‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ونزل ُع ْذرها من َّ‬
‫السامء‪،‬‬ ‫أح َّ‬
‫الوحي يف حلاف امرأة غريها‪ ،‬وكانت َ‬ ‫ُ‬
‫قاذفِها‪.‬‬‫ت األُمة عىل ُك ْفر ِ‬
‫َّ‬
‫وا َّت َف َق ِ‬

‫مر ِ‬
‫بن اخل َّطاب ‪.‬‬ ‫َزوج َحفص َة َ‬
‫بنت ُع َ‬ ‫ُثم ت َّ‬
‫احلارث ال َقيسية من بني ِهالل بن ِ‬
‫ِ‬ ‫بنت ُخزيم َة ِ‬
‫عامر‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫بن‬ ‫زينب َ‬ ‫َ‬ ‫ُثم ت َّ‬
‫َزوج‬
‫وتُو ِّفيت ِعنده بعد َض ِّمه هلا َ‬
‫بش ْهرين‪.‬‬

‫(رسق احلرير)‪ :‬أجوده‪.‬‬


‫(‪َ َ )1‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)5125‬ومسلم (‪.)2438‬‬
‫‪ | 32‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫آخ ُر نِساء‬
‫بنت أيب ُأمي َة ال ُقرشية املَ ْخزومية‪ ،‬وهي ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َزوج أ َّم س َلم َة ِهندَ َ‬
‫ُثم ت َّ‬
‫رسول اهلل ﷺ َموتًا‪.‬‬

‫عمته ُأميم َة‪،‬‬


‫أسد بن ُخزيم َة‪ ،‬وهي ابن ُة َّ‬ ‫زينب بِ َ‬
‫نت َج ْحش من َبني َ‬ ‫َ‬ ‫ُث َّم ت َّ‬
‫َزوج‬
‫وفيها َنزل قوله تعاىل‪﴿ :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾ [األحزاب‪،]37 :‬‬
‫ِ‬
‫زو َج ُك َّن َأهالي ُك َّن‪َّ ،‬‬
‫وزو َجني اهللُ‬ ‫النبي ﷺ وتَقول‪َّ :‬‬
‫فخر عىل نساء ِّ‬ ‫وبذلك كانت َت َ‬
‫سموات(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫من فوق َس ْبع َ‬
‫مر ِ‬
‫بن اخل َّطاب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وتُو ِّف َيت يف َّأول خالفة ُع َ‬
‫احلارث بن أيب ِِضار املُص َطلِقية‪ ،‬وكانت من سبي‬ ‫بنت ِ‬ ‫َزوج ﷺ ُج َو ْيري َة َ‬ ‫وت َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫بني املُص َطلق‪ ،‬فجا َءتْه تَستَعني به عىل كتابتها‪ ،‬فأ َّدى عنها كتا َبتَها وت َّ‬
‫َزو َجها‪.‬‬

‫فيان َص ْخر بن َح ْرب ال ُق َرشية‬


‫بنت أيب ُس َ‬
‫واسمها َرمل ُة ُ‬ ‫ُ‬ ‫َزوج ُأ َّم َحبيب َة‬
‫وت َّ‬
‫َزوجها وهي بِبِالد احل َبشة م ِ‬ ‫ِ‬
‫هاجر ًة و َأصدَ قها عنه‬ ‫ُ‬ ‫اسمها هندٌ ‪ ،‬ت َّ‬ ‫األُموية‪ ،‬وقيل‪ُ :‬‬
‫وسي َقت إليه من هنالك‪ ،‬وماتت يف أ َّيام أخيها ُمعاوي َة‪.‬‬ ‫النجايش أربع ِمئة ِدينار‪ِ ،‬‬
‫ُّ َ‬
‫هارون ِ‬
‫بن‬ ‫َ‬ ‫النضري ِمن ِ‬
‫ولد‬ ‫ِ‬ ‫بن َأ ْخ َطب ِ‬
‫سيد بني‬ ‫بنت ُح َي ِّي ِ‬
‫َزوج ﷺ صفي َة َ‬
‫َ‬ ‫وت َّ‬
‫نبي‪ ،‬وزوج ُة ٍّ‬
‫نبي‪.‬‬ ‫عمران أخي موسى عليهام السالم‪ ،‬فهي ابن ُة ٍّ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َزوجها‬ ‫احلارث اهلاللي َة‪ ،‬وهي آخ ُر َمن ت َّ‬
‫َزوج هبا‪ ،‬ت َّ‬ ‫َزوج َميمون َة َ‬
‫بنت‬ ‫ُثم ت َّ‬
‫ِ‬
‫بم َّك َة يف ُعمرة ال َقضاء بعد أن َح َّل منها عىل َّ‬
‫الصحيح‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)7420‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪33‬‬

‫قسم ِمنهن ل َثامن‪ِ :‬‬


‫عائش َة‪،‬‬ ‫ُويف عن تِسع‪ ،‬وكان ي ِ‬ ‫وال ِخ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫الف أنه ﷺ ت ِّ َ‬
‫وصفي َة‪ ،‬و ُأ ِّم َحبيب َة‪ ،‬و َم ْيمون َة‪َ ،‬‬
‫وس ْودةَ‪،‬‬ ‫نب بنت َج ْحش‪ ،‬و ُأ ِّم س َلم َة‪َ ،‬‬ ‫وحفص َة‪َ ،‬‬
‫وز ْي َ‬ ‫َ‬
‫وج ْويري َة‪.‬‬
‫ُ‬
‫بنت َج ْحش َسنَة ِع ْرشين‪،‬‬
‫زينب ُ‬ ‫ُ‬ ‫سائه ُحلو ًقا به بعد وفاته ﷺ‬ ‫وأول نِ ِ‬
‫َّ‬
‫وستِّني يف ِخ ِ‬
‫الفة َيزيدَ ‪.‬‬ ‫وآخرهن موتًا ُأم س َلم َة سنة اثنَتَني ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ ُ َّ‬

‫‪ -11‬فصل يف سَرارِيه ﷺ‬

‫ِ‬
‫وجاري ٌة‬ ‫ور ْحيان ُة‬
‫إبراهيم‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫مارية وهي ُأ ُّم و َلده‬‫قال أبو ُعبيدةَ‪ :‬كان له أر َب ٌع‪ِ :‬‬
‫بنت َج ْحش‪.‬‬ ‫زينب ُ‬
‫ُ‬ ‫وه َبتْها له‬ ‫بي‪ ،‬وجاري ٌة َ‬
‫الس ِ‬ ‫ُأخرى مجيل ٌة َأ َ‬
‫صاهبا يف بعض َّ‬

‫‪ -11‬فصل يف مَوالِمه ﷺ‬

‫ب َرسول اهلل ﷺ‪َ ،‬أع َت َقه‬ ‫ِ‬ ‫فمنهم َز ْيد بن ِ‬ ‫ِ‬


‫وزوجه‬
‫َ‬ ‫حارث َة بن َرشاحيل‪ ،‬ح ُّ‬
‫ومن‬‫وبان‪ِ ،‬‬
‫ومنهم َأس َل ُم‪ ،‬وأبو رافِعٍ‪ ،‬و َث ُ‬
‫موالته ُأم أيمن‪ ،‬فو َلدَ ت له ُأسام َة‪ِ .‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َْ‬
‫بنت ٍ‬ ‫ِ‬
‫سعد‪.‬‬ ‫لمى أ ُّم رافعٍ‪ ،‬وميمون ُة ُ‬
‫النساء‪َ :‬س َ‬

‫‪ -12‬فصل يف خُدَّامه ﷺ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صاحب‬ ‫بن َمسعود‬ ‫بن مالك‪ ،‬وكان عىل حوائ ِجه‪ ،‬وعبدُ اهلل ُ‬ ‫فمنهم أن َُس ُ‬
‫صاحب َب ْغلته‪َ ،‬يقود به يف األسفار‪ ،‬وأس َل ُع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني‬ ‫َن ْعله وسواكه‪ ،‬و ُعقب ُة ب ُن عامر ا ُ‬
‫جل َه ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب راحلته‪ ،‬وبِالل بن َرباح املُؤ ِّذن‪َ ،‬‬
‫وس ْعد‪َ ،‬مو َليا أيب َبكر‬ ‫بن رشيك‪ ،‬وكان صاح َ‬
‫ِ‬
‫يم َن َمو َليا رسول اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫وأيم ُن بن عبيد‪ ،‬و ُأ ُّمه أم َأ َ‬
‫فاري‪َ ،‬‬‫الصدِّ يق‪ ،‬وأبو َذ ٍّر الغ ُّ‬ ‫ِّ‬
‫طهرته وحاجتِه‪.‬‬ ‫وكان َأ َ‬
‫يم ُن عىل َم َ‬
‫‪ | 34‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -13‬فصل يف كُتَّانبه ﷺ‬
‫ِ‬
‫يب ب ُن كعب‪،‬‬‫والز َب ْري‪ ،‬وعامر ب ُن ُفهري َة‪ ،‬و ُأ ُّ‬
‫وعيل‪ُّ ،‬‬
‫ٌّ‬ ‫مر‪ ،‬و ُع ُ‬
‫ثامن‪،‬‬ ‫أبو َبكْر‪ ،‬و ُع ُ‬
‫بن األرقم‪ ،‬وثابِ ُت بن َق ْيس بن شامس‪َ ،‬‬
‫وحنظل ُة بن‬ ‫مرو بن العاص‪ ،‬وعبدُ اهلل ُ‬ ‫و َع ُ‬
‫ِ‬
‫بن الوليد‪،‬‬‫دي‪ ،‬واملُغري ُة بن ُشعب َة‪ ،‬وعبدُ اهلل بن َرواح َة‪ ،‬وخالدُ ُ‬ ‫الربيع األُ َس ْي ُّ‬‫َّ‬
‫عاوي ُة بن أيب ُس َ‬
‫فيان‪،‬‬ ‫َب له‪ -‬و ُم ِ‬ ‫وخالدُ ب ُن َسعيد بن العاص ‪-‬وقيل‪ :‬إنه َّأول َمن كت َ‬
‫ِ‬
‫وز ْيد بن ثابِت وكان َأ َلز َمهم هلذا الشأن و َأ َّ‬
‫خص ُهم به‪.‬‬ ‫َ‬

‫‪ -14‬فصل يف كُتُبه ﷺ اليت كَ َتبها إىل بَ ْهل اإلِ ْسالم يف الشرائِ ِع‬

‫قات الذي كان ِعند أيب َبكْر‪ ،‬و َكتَبه أبو َبكْر ألن ِ‬
‫َس ِ‬
‫بن‬ ‫فمنها ِكتابه يف الصدَ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫عم ُل ا ُ‬
‫جلمهور‪.‬‬ ‫مالك ملََّا َّ‬
‫وج َهه إىل ال َب ْحرين وعليه َ‬
‫ومنها ِكتابه إىل أهل ال َي َمن‪ ،‬وهو الكِتاب ا َّلذي َرواه أبو َبكْر بن َع ِ‬
‫مرو ِ‬
‫بن‬ ‫ِ‬

‫َح ْزم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن َجدِّ ه‪.‬‬

‫‪ -15‬فصل يف رُسُله ﷺ وكُتُبه إىل املُلوك‬

‫َب إىل‬ ‫رسل إليهم ُر ُسله‪ ،‬فكت َ‬ ‫حلدَ ْيبية كتَب إىل ُملوك األرض و َأ َ‬ ‫رجع م َن ا ُ‬‫ملَّا َ‬
‫خامتًا من فِ َّضة‬
‫فاختَذ َ‬‫قرؤون كِتا ًبا َّإال أن يكون َخمتو ًما َّ‬
‫الروم‪ ،‬فقيل له‪َّ :‬إهنم ال َي ُ‬ ‫ُّ‬
‫سول َس ْطر‪ ،‬واهلل َس ْطر‪ ،‬وخت ََم به ال ُكتُب‬‫ور ُ‬ ‫ون َق َش عليه ثالث َة َأس ُطر‪ُ :‬حم َّمد َس ْطر‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إىل املُلوك‪ ،‬وب َعث ستَّة ن َفر يف يوم واحد يف املُ َّ‬
‫حرم َسنَة َس ْبع‪.‬‬
‫النجايش‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ري‪ ،‬ب َعثه إىل‬
‫الض ْم ُّ‬ ‫ف َأ َّو ُهلم ُ‬
‫عمرو بن ُأم َّي َة َّ‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪35‬‬

‫واسمه ِه ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫وه َّم‬
‫رقل َ‬ ‫ُ‬ ‫َلبي إىل َق ْي َرص ملك ُّ‬
‫الروم‪،‬‬ ‫وب َعث دحي َة ب َن َخليف َة الك َّ‬
‫باإلسالم وكا َد‪ ،‬ومل َيف َعل‪.‬‬
‫واسمه َأبرويز ب ُن ُهر ُم َز ِ‬
‫بن‬ ‫ُ‬ ‫مي إىل كِرسى‪،‬‬ ‫وب َعث عبدَ اهلل بن ُحذاف َة َّ‬
‫الس ْه َّ‬
‫النبي ﷺ‪« :‬ال َّل ُه َّم َمز ْق ُم ْل َك ُه»‪َّ ،‬‬
‫فمزق‬ ‫َّبي ﷺ‪ ،‬فقال‬ ‫ِ‬ ‫نورش َ‬ ‫َأ ُ‬
‫ُّ‬ ‫فم َّزق كتاب الن ِّ‬
‫وان‪َ ،‬‬
‫اهللُ ُم ْلكه و ُم ْلك قومه(‪.)1‬‬

‫واسمه ُج َر ْيج بن ِمينا َء ملِك‬


‫ُ‬
‫وبعث حاطِب بن أيب بلتع َة إىل املُ ِ‬
‫قوقس‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نبي ﷺ‬‫وقارب األَ ْمر ومل ُيسلم‪ ،‬و َأهدَ ى لل ِّ‬ ‫خريا َ‬ ‫ظيم الق ْبط‪ ،‬فقال ً‬ ‫اإلسكَندرية َع ُ‬
‫بن ثابِت‪،‬‬ ‫ان ِ‬‫ووهب ِسريين حلَ َّس َ‬ ‫ماري َة و ُأخ َت ْيها ِسريين وقيرسى‪ ،‬فتَرسى ِ‬
‫بامري َة‪َ ،‬‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫و َأهدَ ى له ِ‬
‫جارية ُأ ْخرى‪،‬‬
‫وألف مثقال ذه ًبا‪ ،‬وعرشين ثو ًبا من ُقباطي م َ‬
‫رص‪،‬‬
‫ِ‬
‫وغال ًما َخص ًّيا ُيقال له‪:‬‬ ‫ب‪ ،‬وهو ُع َف ْري‪ُ ،‬‬ ‫و َبغلة َشهبا َء وهي ُدلدُ ل‪ ،‬ومح ًارا َأ َ‬
‫شه َ‬
‫وعس ًال‪.‬‬
‫وفر ًسا وهو اللزاز‪ ،‬وقدَ ًحا من ُزجاج َ‬ ‫عم ِ‬
‫ماري َة‪َ ،‬‬ ‫ابن ِّ‬
‫مابور‪ .‬وقيل‪ :‬هو ُ‬
‫ُ‬
‫عدة سنة َث ٍ‬
‫امن إىل جيفر وعبد اهلل ابن َِي‬ ‫وبعث َعمرو بن العاص يف ذي ال َق ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حلكْم‬ ‫بعامن‪ ،‬ف َأس َلام‪ ،‬وصد َقا‪ ،‬وخ َّليا بني َع ٍ‬
‫مرو وبني الصدَ قة وا ُ‬ ‫َ‬ ‫األز ِد ِّيني‬
‫جل َلندى ْ‬
‫ا ُ‬
‫فيام بينَهم‪ ،‬فلم َي َزل فيام بينَهم حتَّى ب َل َغته َوفا ُة النبي ﷺ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حر ْين قبل‬
‫بدي ملك ال َب َ‬ ‫ْضمي إىل ا ُملنذر بن َ‬
‫ساوى ال َع ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫حل‬
‫بن ا َ‬
‫وب َعث ال َعالء َ‬
‫عرانة وقيل‪ :‬قبل ال َفتْح ف َأس َلم وصدَ ق‪.‬‬ ‫نرصفه من ِ‬
‫اجل َّ‬ ‫ُم َ َ‬
‫مريي‬ ‫عبد ك ٍ ِ‬ ‫احلارث بن ِ‬ ‫ِ‬ ‫وب َعث املُ ِ‬
‫هاجر ب َن أيب ُأم َّي َة املَ ْخ‬
‫ُالل احل ِّ‬ ‫زومي إىل‬
‫َّ‬
‫باليمن‪ ،‬فقال‪ :‬س َأن ُظر يف َأ ْمري‪.‬‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)64‬‬


‫‪ | 36‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫وبعث أبا موسى األَشعري‪ ،‬ومعا َذ بن جبل إىل اليمن ِعند ِ‬


‫انرصافه من‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت َ‬
‫َبوك‪.‬‬

‫ف َأس َلم عا َّمة َأ ْهلها طو ًعا من َغ ْري ِقتال‪.‬‬

‫وكتب إليه‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫بكتاب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الكذاب‬ ‫الض ْم ِر َّي إىل مسيلم َة‬
‫عمرو ب َن أمي َة َّ‬
‫و َب َع َث َ‬
‫الزبري فلم ُي ْسلِ ْم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بن العوام أخي‬ ‫السائب ِ‬
‫ِ‬ ‫آخر مع‬
‫بكتاب َ‬ ‫ٍ‬

‫‪ -16‬فصل يف مُؤذِّنمه ﷺ‬

‫اثنان باملَدينة‪ :‬بِالل بن َرباح‪ ،‬وهو َّأول َمن أ َّذن َلرسول اهلل‬ ‫ِ‬ ‫وكانوا أربع ًة‪:‬‬
‫ري األَعمى‪ ،‬وب ُقبا َء‪َ :‬س ْعد ال َق َرظ َموىل‬ ‫ِ‬
‫مرو ب ُن ُأ ِّم َمكتوم ال ُق َر ُّ‬
‫يش العام ُّ‬ ‫ﷺ‪ ،‬و َع ُ‬
‫عامر بن ِ‬
‫حي‪.‬‬ ‫واسمه َأ ْوس بن ُمغري َة ا ُ‬
‫جل َم ُّ‬ ‫ُ‬ ‫يارس‪ ،‬وبم َّك َة‪ :‬أبو َحمذورةَ‪،‬‬ ‫َّ‬

‫‪ -17‬فصل يف بُ َمرائه ﷺ‬

‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ عىل‬ ‫باذان ب ُن ساسان‪ِ ،‬من و َلد َهبرام بن جور‪ ،‬أ َّم َره‬
‫ُ‬ ‫ِمنهم‬
‫وأول َمن‬
‫اليمن‪َّ ،‬‬
‫اإلسالم عىل َ‬ ‫اليم ِن ك ِّلها بعد موت كِرسى‪ ،‬فهو َّأول َأ ٍ‬
‫مري يف ِ‬ ‫أهل َ‬
‫َ‬
‫َأس َلم من ُملوك َ‬
‫العجم‪.‬‬
‫ِ‬
‫والساحل‪.‬‬ ‫األشعري ُز َب ْيد وعدَ ن‬ ‫َّ‬
‫ووىل أبا ُموسى‬
‫َّ‬

‫ووىل ُمعا َذ بن ج َبل ا َ‬


‫جلنَد‪.‬‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫ووىل أبا ُس َ‬
‫فيان َص ْخر بن َح ْرب ن‬
‫َجران‪.‬‬ ‫َّ‬

‫عيل بن أيب طالِب األَ ْمخاس بال َي َمن وال َقضاء هبا‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ووىل َّ‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪37‬‬

‫عامن و َأ ْعامهلا‪.‬‬
‫مرو بن العاص َ‬ ‫َّ‬
‫ووىل َع َ‬
‫قاهتا‪ِ ،‬‬
‫فمن‬ ‫وال َيقبِض صدَ ِ‬ ‫ووىل الصدَ ِ‬
‫قات مجاع ًة كثريةً؛ ألنه عىل كل َقبيلة ٍ‬ ‫َّ‬
‫ُهنا ك ُثر ُع َّامل الصدَ قات‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلج َسنَة ت ْسع‪ ،‬وب َعث يف إِ ْثره عل ًّيا َي َ‬
‫قرأ عىل الناس ُسورة‬ ‫َّ‬
‫ووىل أبا َبكْر إقامة ِّ‬
‫( َبراءة)‪.‬‬

‫‪ -16‬فصل يف حرَ ِسه ﷺ‬

‫حر َسه يو َم َبدْ ر حني نام يف ال َعريش‪ ،‬ومنهم ُحم َّمد بن‬ ‫ِ‬
‫فمنهم َس ْعد ب ُن ُمعاذ‪َ ،‬‬
‫حر َسه يو َم اخلَنْدَ ق‪.‬‬
‫العوام َ‬ ‫حر َسه يو َم ُأ ُحد‪ُّ ،‬‬
‫والز َب ْري بن َّ‬ ‫َمس َلم َة َ‬
‫ِ‬
‫وحر َسه مجاع ٌة َ‬
‫آخرون‬ ‫ومنهم ع َّباد بن بِ ْرش‪ ،‬وهو الذي كان عىل َ‬
‫حرسه‪َ ،‬‬
‫غري َهؤالء‪ ،‬ف َل َّام َنزل قو ُله تعاىل‪﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ﴾ [املائدة‪َ ]67 :‬‬
‫خرج‬
‫احلرس‪.‬‬
‫ورصف َ‬‫خرب ُهم هبا َ‬ ‫عىل الناس ف َأ َ َ‬

‫‪ -19‬فصل فمدَن كان يَضرِ األَ ْعناق نبني يَ َد ْيه ﷺ‬

‫بن‬
‫وحم َّمد ُ‬
‫مرو‪ُ ،‬‬ ‫العوام‪ ،‬واملِقدا ُد بن َع ٍ‬ ‫عيل ب ُن أيب طالِب‪ُّ ،‬‬
‫والز َب ْري بن َّ‬ ‫ُّ‬
‫يب‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫اك بن ُس َ‬ ‫والضح ُ‬ ‫ِ‬
‫وعاصم ب ُن ثابِت بن أيب األَق َلح‪،‬‬ ‫َمس َلم َة‪،‬‬
‫فيان الكال ُّ‬ ‫َّ‬
‫الرشطة‬ ‫ِ‬ ‫األنصاري منه ﷺ َ ِ‬ ‫وكان َق ْيس بن َس ْعد ِ‬
‫بمنزلة صاحب ُّ ْ‬ ‫ُّ‬ ‫بن ُعباد َة‬
‫ف املُغري ُة بن ُشعب َة عىل رأسه بالسيف يوم احلدَ ي ِ‬
‫بية‪.‬‬ ‫م َن األَمري‪ ،‬وو َق َ‬
‫ُ ْ‬ ‫َّ ْ‬ ‫ُ‬
‫‪ | 38‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -21‬فصل فمدَن كان على نَ َفقاتِه وخاتَ ِده ونَ ْعله وسِواكِه ومَن كان يَأذَن علمه‬

‫يس عىل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كان بِ ٌ‬


‫وابن‬
‫ُ‬ ‫خامته‪،‬‬ ‫قيب بن أيب فاطم َة الدَّ ْو ُّ‬‫الل عىل ن َفقاته‪ ،‬و ُم َع ْي ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سود و َأنس ُة َم ْو َلياه‪ ،‬وأن َُس ب ُن‬ ‫َمسعود عىل سواكه و َن ْعله‪ ،‬وأذ َن عليه َرباح األَ َ‬
‫األشعري‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫مالك‪ ،‬وأبو ُموسى‬

‫طبائِه ﷺ‬
‫‪ -21‬فصل يف شُ َعرائه وخُ َ‬
‫ِ‬ ‫كان ُش َعراؤه الذين َي ُذ ُّبون ِ‬
‫عن اإلسالم‪َ :‬ك ْعب بن مالك‪ ،‬وعبدُ اهلل ُ‬
‫بن‬
‫بن ثابت‪ ،‬و َك ْعب بن‬‫ان َ‬ ‫بن ثابِت‪ ،‬وكان َأشدُّ هم عىل ال ُك َّفار َّ‬
‫حس َ‬ ‫ان ُ‬ ‫وحس ُ‬
‫َّ‬ ‫َرواح َة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ثابت ب َن ِ‬ ‫ِ‬
‫شامس‪.‬‬ ‫قيس بن‬ ‫والرشك‪ ،‬وكان َخطي ُبه َ‬ ‫عريهم بال ُك ْفر ِّ ْ‬
‫مالك ُي ِّ‬

‫‪ -22‬فصل يف حُداتِه الَّذين كانوا يَ ْحدون نبني يَ َد ْيه ﷺ يف السفَر‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كوع‪ ،‬وعمه س َلم ُة بن‬ ‫منهم عبدُ اهلل ب ُن َرواح َة‪ ،‬و َأنجش ُة‪ ،‬وعام ُر بن األَ َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حس ُن الصوت‪ ،‬فقال له‬ ‫األَكوع‪ ،‬ويف َصحيح ُمسلم‪ :‬كان َلرسول اهلل ﷺ حاد َ‬
‫وارير» َيعنِي‪َ :‬ض َعفة النِّساء(‪.)1‬‬ ‫نجش ُة ال ت ِ ِ‬
‫َكِس ال َق َ‬ ‫سول اهلل ﷺ‪ُ « :‬ر َو ْيدً ا يا َأ َ‬
‫َر ُ‬

‫‪ -23‬فصل يف غَ َزواته ونبُعوثِه وسَراياهُ ﷺ‬

‫اهل ْجرة يف ُمدَّ ة َع ْرش ِس َ‬


‫نني‪،‬‬ ‫َغزواتُه ك ُّلها وبعو ُثه ورساياه كانت بعد ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ُ‬
‫وقيل غري ذلك‪.‬‬ ‫تسع وعرشون‪َ ،‬‬ ‫وع ْرشون‪َ .‬‬ ‫فالغزوات سبع ِ‬
‫وقيل‪ٌ :‬‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)2323‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪39‬‬

‫رب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واملصطلق‪ ،‬وخي َ‬ ‫قاتل منها يف تسعٍ‪َ :‬بدْ ر‪ ،‬و ُأ ُحد‪ ،‬وا َ‬
‫خلندَ ق‪ ،‬وقريظ َة‪،‬‬
‫ِ‬
‫والطائف‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والفتح‪ ،‬وحنني‪،‬‬

‫هات َس ْبع‪:‬‬ ‫وات الكِبار األُ َّم ُ‬‫وأ َّما َرسايا ُه و ُبعو ُثه‪ ،‬فقريب من ِستِّني‪ ،‬وال َغ َز ُ‬
‫َبوك‪ .‬ويف َش ْأن هذه ال َغ َز ِ‬ ‫َني‪ ،‬وت ُ‬ ‫َبدْ ر‪ ،‬و ُأ ُحد‪ ،‬واخلَندَ ق‪َ ،‬‬
‫وات‬ ‫رب‪ ،‬وال َفت ُْح‪ُ ،‬‬
‫وحن ْ ٌ‬ ‫وخي ُ‬
‫مران من قوله‪﴿ :‬ﯷ‬ ‫آخر آل ِع َ‬ ‫َنزل ال ُقرآن‪ ،‬فسورة األنفال‪ :‬سورة بدْ ر‪ ،‬ويف ُأحد ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫آخ ِرها‬ ‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ﴾ [آل عمران‪ ]121 :‬إىل ُقبيل ِ‬
‫َْ‬
‫ِ‬
‫حل ْرش يف َبني‬ ‫ب َيسري‪ ،‬ويف ق َّصة اخلَندَ ق‪ ،‬و ُق َر ْيظ ُة َصدْ ر سورة األحزاب‪ُ ،‬وسورة ا َ‬
‫شري فيها إىل ال َفتْح‪ ،‬و ُذكِر ال َفت ُْح‬
‫رب ُسورة الفتح و ُأ َ‬ ‫حلدَ ْيبية وخي َ‬
‫ِ‬
‫النَّضري‪ ،‬ويف ق َّصة ا ُ‬
‫حيا‪.‬‬
‫يف ُسورة الن َّْرص َرص ً‬
‫واحدة وهي ُأحد‪ ،‬وقا َت َلت معه املَ ِ‬
‫الئ ُ‬
‫كة‬ ‫زوة ِ‬
‫وج ِرح منها رسول اهلل ﷺ يف َغ ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬
‫وهز َمتْهم‪،‬‬
‫رشكني َ‬ ‫ت املُ ِ‬ ‫الئك ُة يوم اخلندَ ق‪َ ،‬فز ْل َز َل ِ‬
‫ت املَ ِ‬
‫ونز َل ِ‬ ‫وح ٍ‬
‫نني‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫منها يف َبدْ ر ُ‬
‫الفتح يف َغ ْزوت َْني‪َ :‬بدْ ر‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فه َربوا‪ ،‬وكان‬ ‫ور َمى منها باحلىص يف ُوجوه املُ ِ‬
‫رشكني َ‬ ‫َ‬
‫وح ٍ‬
‫نني‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الطائف‪َ ،‬‬
‫وحت َّصن باخلَندَ ق يف‬ ‫وقات ََل باملَنجنيق منها يف َغزوة ِ‬
‫واحدة‪ ،‬وهي‬ ‫َ‬
‫يس ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫األحزاب َأشار عليه به َس ُ‬ ‫ِ‬
‫لامن الفار ُّ‬ ‫ُ‬ ‫واحدة‪ ،‬وهي‬

‫‪ -24‬فصل يف ذِ ْكر سِالحِه وبَثاثِه ﷺ‬


‫كان له تِسع ُة َأس ٍ‬
‫ياف‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ور َثه من َأ ِ‬
‫بيه‪.‬‬ ‫َم ْأثور‪ ،‬وهو َّأول َس ْيف م َلكَه‪ِ ،‬‬
‫‪ | 41‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫الفقار ‪-‬بك َْرس الفاء و َفتْحها‪ -‬وكان ال َيكاد ُي ِ‬


‫فارقه‪ ،‬وكانت‬ ‫والعضب‪ ،‬وذو ِ‬
‫قائمتُه وقبيعته وحلقتُه و ُذؤابتُه وبكراته و َن ْعله من فِ َّضة‪.‬‬
‫ِ‬

‫والرسوب‪ ،‬واملخذم‪ ،‬وال َقضيب‪ ،‬وكان َن ْعل‬ ‫حلتْف ُّ‬ ‫والقلعي‪ ،‬وال َبتَّار‪ ،‬وا َ‬
‫َس ْيفه فِ َّضة‪ ،‬وقبيعة سيفه فِ َّضة‪ ،‬وما بني ذلك حلق فِ َّضة‪.‬‬
‫ودخل يو َم‬‫الرؤيا‪َ ،‬‬ ‫وكان َس ْيفه ذو ال َفقار تَن َّفله يو َم َبدْ ر‪ ،‬وهو ا َّلذي ُأ ِر َي فيه ُّ‬
‫ذهب وفِ َّضة‪.‬‬ ‫ال َفتح م َّك َة وعىل َس ْيفه َ‬
‫الش ْحم‬‫رهنَها ِعند أيب َّ‬ ‫وكانت له َسبع َأدراع‪ :‬ذات ال ُفضول‪ :‬وهي ا َّلتي َ‬
‫ِ‬
‫وكانت‬ ‫لعياله‪ ،‬وكانت ثالثني صا ًعا‪ ،‬وكان الدَّ ْين إىل َسنَة‪،‬‬ ‫اليهودي عىل َشعري ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫الدِّ ْرع من َحديد‪.‬‬
‫واخلرنِق‪.‬‬
‫وايش‪ ،‬والسعدية وفِ َّضة‪ ،‬والبرتاء ِ‬
‫َ‬ ‫َّ ْ‬
‫الوشاح‪ ،‬وذات احل ِ‬
‫َ‬ ‫وذات ِ‬

‫والص ْفراء‪ ،‬وال َب ْيضاء‪ ،‬والكَتوم‪،‬‬ ‫والر ْوحاء‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َّ‬ ‫الز ْوراء‪َّ ،‬‬ ‫يس‪َّ :‬‬ ‫وكانت له س ُّت ق ٍّ‬
‫ِ‬
‫ُرست يو َم ُأ ُحد ف َأ َخ َذها َقتاد ُة ب ُن النُّعامن‪ ،‬والسداد‪.‬‬
‫ك َ‬
‫الكافور‪.‬‬
‫َ‬ ‫وكانت له ُجعب ٌة تُدعى‪:‬‬
‫وكان له تُرس يقال له‪ :‬الزلوق‪ ،‬وتُرس يقال له‪ :‬الفتق‪ .‬قيل‪ :‬وتُرس ُأ ِ‬
‫هد َي‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ ُ‬
‫هلل ذلك الت َ‬
‫ِّمثال‪.‬‬ ‫ذهب ا ُ‬ ‫إليه‪ ،‬فيه صورة ِمتثال َ‬
‫فوضع يدَ ه عليه ف َأ َ‬
‫وح ْربة‬
‫ولآلخر‪ :‬املثني‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫وكانت له مخس ُة َأرماح‪ُ ،‬يقال ألَ َحدهم‪ :‬املثوي‪،‬‬
‫ُيقال هلا‪ :‬النبعة‪ .‬و ُأخرى كَبرية تُد َعى‪ :‬ال َب ْيضاء‪ ،‬و ُأخرى َصغرية ِش ْبه ال ُعكاز ُيقال‬
‫َّخذها ُسرتة ُي ِّ‬
‫صيل‬ ‫هلا‪ :‬العنَزة يمشى هبا بني يدَ يه يف األعياد‪ ،‬حتى تُركَز أمامه‪ ،‬فيت ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬
‫إليها‪ ،‬وكان ي ِ‬
‫مِش هبا أحيانًا‪.‬‬ ‫َ‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪40‬‬

‫بشبه‪ِ ،‬‬
‫ومغ َفر َ‬ ‫وكان له ِمغ َفر من َحديد ُيقال له‪ :‬املُو َّشح‪ِّ ،‬‬
‫آخ ُر ُيقال له‪:‬‬ ‫وشح َ َ‬
‫السبوغ‪.‬‬
‫السبوغ‪ ،‬أو ذو َّ‬
‫َّ‬
‫الث ِج ٍ‬
‫باب َيل َبسها يف احلَ ْرب‪.‬‬ ‫وكان له َث ُ‬

‫وكانت له راي ٌة َسودا ُء ُيقال هلا‪ :‬ال ُعقاب‪.‬‬

‫وكانت ألويتُه بيضا ُء‪ ،‬وربام ُج ِع َل فيها األسو ُد‪.‬‬


‫وحمجن َقدْ ر ِذراع أو َأطو ُل ي ِ‬
‫سطاط يسمى‪ :‬الكن‪ِ ،‬‬ ‫وكان له فِ‬
‫مِش به‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ٌ ُ َّ‬
‫ِ‬
‫و َيركَب به‪ ،‬و ُيع ِّلقه بني يديه عىل َبعريه‪ ،‬وخم َرصة ت َّ‬
‫ُسمى‪ :‬ال ُعرجون‪ ،‬و َقضيب من‬
‫َداوله اخلُ َلفاء‪.‬‬
‫سمى‪ :‬املَ ْمشوق‪ .‬قيل‪ :‬وهو ا َّلذي كان َيت َ‬
‫الشوحط ُي َّ‬
‫سمى ُمغي ًثا‪ ،‬وقدَ ح َ‬
‫آخ ُر ُمض َّبب بسلسلة‬ ‫الريان‪ ،‬و ُي َّ‬
‫سمى‪َّ :‬‬
‫وكان له قدَ ح ُي َّ‬
‫من فِ َّضة‪.‬‬

‫وضع حتت َرسيره َيبول فيه‬ ‫وارير‪ ،‬وقدَ ح من ِعيدان ُي َ‬‫وكان له قدَ ح من َق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السعة‪،‬‬
‫سمى‪َّ :‬‬ ‫ُسمى‪ :‬الصادر‪ ،‬وخم َضب من َش َبه‪ ،‬وق ْعب ُي َّ‬ ‫وركوة ت َّ‬ ‫بال َّل ْيل‪َ ،‬‬
‫ومغتَسل من ص ْفر‪ ،‬ومدهن‪ ،‬وربعة َجيعل فيها املِرآة وامل ِ ْشط‪ ،‬ومكحلة يكت ِ‬
‫َحل‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬
‫ِ‬ ‫منها ِعند النوم ثال ًثا يف كل َعني ِ ِ‬
‫الر ْبعة امل ْقراضان ِّ‬
‫والسواك‪.‬‬ ‫باإلثمد‪ ،‬وكان يف َّ‬ ‫ْ‬
‫ساج‪ ،‬وفِراش من َأ َدم‬ ‫وكانت له َقصع ٌة تُسمى‪ :‬ال َغراء‪ ،‬ورسير َق ِ‬
‫وائ ُمه من ٍ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫َح ْش ُوه لِيف‪.‬‬
‫َ‬
‫أحاديث‪.‬‬ ‫وهذه اجلمل ُة قد ُرويت مفرق ًة يف‬
‫‪ | 42‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -25‬فصل يف دَوانبِّه ﷺ‬

‫أغر ُحم َّج ًال َط ْلق‬ ‫ِ‬


‫فم َن اخلَ ْيل‪ :‬السكب‪ .‬قيل‪ :‬وهو َّأول َفرس َم َلكَه‪ ،‬وكان َّ‬
‫ال َيمني كُميتًا‪.‬‬
‫ب وهو ا َّلذي ِ‬
‫شهد له فيه ُخ َزيم ُة بن ثابِت‪.‬‬ ‫أشه َ‬ ‫واملُ َ َ‬
‫رِتز‪ ،‬وكان َ‬
‫والو ْرد‪ .‬فهذه َسبعة ُم َّت َفق عليها‪.‬‬ ‫وال َّلحيف‪ ،‬وال َّل َّزاز‪ ،‬وال َّظ ِرب‪ُ ،‬‬
‫وس ْبحة‪َ ،‬‬
‫رسجه من لِيف وكان له من البِغال ُدلدُ ل‪ ،‬وكانت َشهبا َء َأهداها‬ ‫وكان د َّفتَا َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذامي‪ ،‬و َب ْغلة َشهبا ُء‬
‫جل ُّ‬ ‫له املُقوقس‪ .‬و َبغلة ُأ ْخرى ُيقال هلا‪ :‬ف َّضة‪َ .‬أهداها له َفرو ُة ا ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جلندَ ل‪.‬‬
‫ب ُدومة ا َ‬ ‫ب أيل َة‪ ،‬و ُأخرى َأهداها له صاح ُ‬ ‫َأهداها له صاح ُ‬
‫قوقس م َلك ال ِقبط‪ِ ،‬‬
‫ومحار َ‬
‫آخ ُر‬ ‫ومن احلمري‪ُ :‬ع َفري وكان أشهب‪َ ،‬أهداه له املُ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ذامي‪.‬‬
‫جل ُّ‬ ‫َأهدا ُه له َفرو ُة ا ُ‬
‫ِ‬
‫اإلبِل‪ :‬ال َقصوا ُء‪ ،‬قيل‪ :‬وهي ا َّلتي َ‬
‫هاجر ع َل ْيها‪ ،‬وال َعضبا ُء‪ ،‬واجلَدعا ُء‪،‬‬ ‫وم َن ِ‬
‫ومل َيكُن هبام َع ْضب وال َجدْ ع‪ ،‬وإنام ُس ِّم َيت بذلك‪ ،‬وال َعضباء هي ا َّلتي كانت ال‬
‫ُ‬
‫رسول‬ ‫فش َّق ذلك عىل ا ُملسلِمني‪ ،‬فقال‬ ‫يب عىل َقعود له فس َب َقها‪َ ،‬‬ ‫تُس َبق‪ُ ،‬ثم جاء أعرا ٌّ‬
‫إن َح ًقا عىل اهللِ َأ َّال َير َف َع ِم َن الدُّ نيا َشيئًا َّإال َو َض َع ُه»(‪ ،)1‬وغنِ َم ﷺ يو َم َبدْ ر‬
‫اهلل ﷺ « َّ‬
‫مج ًال مهر ًّيا أليب َج ْهل يف َأنْفه َّبرة من فِ َّضة‪ ،‬ف َأهدا ُه يوم احلُدَ يبية ل َيغيظ بذلك‬ ‫ََ‬
‫املُ ِ‬
‫رشكني‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)6501‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪43‬‬

‫مخس وأربعون لِقحة‪ ،‬وكانت له مهري ٌة َأرسل هبا إليه س ِ‬


‫عد بن‬ ‫وكانت له َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ُعباد َة من ن َعم َبني َعقيل‪.‬‬
‫ِ‬
‫الراعي هبمة‪َ ،‬ذ َبح َمكاهنا‬ ‫وكانت له ِمئة شاة وكان ال ُيريد أن تَزيد‪ ،‬ك َّلام َو َّلد‬
‫َرعاه َّن أ ُّم َأيم َن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫شاةً‪ ،‬وكانت له َس ْبع َأعنُز َمنائح ت ُ‬

‫‪ -26‬فصل يف مَالنبِسه ﷺ‬

‫السحاب كَساها عل ًّيا‪ ،‬وكان َيل َبسها َحتتها‬ ‫ِ‬


‫ُسمى‪َّ :‬‬ ‫كانت له ﷺ عاممة ت َّ‬
‫ال ُق ُلنسوة‪ ،‬وكان ﷺ يلبس ال ُق ُلنسوة ب َغري ِعاممة‪ ،‬ويلبس ِ‬
‫العاممة ب َغ ْري ُق ُلنسوة‪.‬‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫مسلم يف َصحيحه عن‬ ‫ٌ‬ ‫رخى ِعاممته بني كَتِ َف ْيه‪ ،‬كام روى‬
‫وكان إذا اعت ََّم َأ َ‬
‫رخى‬‫النبي ﷺ عىل امل ِ َنرب وعليه ِعاممة َسودا ُء قد َأ َ‬
‫رأيت َّ‬‫ُ‬ ‫عمرو بن ُح َر ْيث قال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫طر َف ْيها بني كتِ َف ْيه(‪.)1‬‬
‫َ‬
‫دخل م َّك َة وعليه‬‫أيضا عن جابِر بن عبد اهلل أن َرسول اهلل ﷺ َ‬ ‫ويف ُمسلِم ً‬
‫ِعامم ٌة َسودا ُء(‪ )2‬ومل َيذكُر يف حديث جابِر‪ُ :‬ذؤابة‪ ،‬فدَ َّل عىل أن ُّ‬
‫الذؤابة مل َيكُن‬
‫دائ ًام بني كتِ َف ْيه‪.‬‬
‫يرخيها ِ‬
‫ُ‬
‫الر ْسغ‪ ،‬ولبِس اجلُ َّبة‬
‫ب ال ِّثياب إليه‪ ،‬وكان ك ُُّمه إىل ُّ‬ ‫و َلبِ َس ال َقميص وكان َ‬
‫أح َّ‬
‫وال ُفروج وهو ِشبه ال َق َباء‪ ،‬وال َفرجية‪ ،‬و َلبِ َس ال ُقباء أي ًضا‪ ،‬ولبِ َس يف الس َفر ُج َّبة‬
‫ض ِّيقة الك َُّم ْني‪ ،‬ولبِ َس اإلزار ِّ‬
‫والرداء‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)1359‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)1358‬‬
‫‪ | 44‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ظن أهنا كانت محرا َء بحتًا‬


‫ورداء‪ ،‬وغلط َمن َّ‬‫حل َّلة إزار ِ‬
‫ولبِ َس ُح َّلة َمحرا َء‪ ،‬وا ُ‬
‫محر مع‬‫بخطوط ُ ْ‬‫حل َّلة احلَمراء‪ُ :‬بردان َيامنِيان َمنسوجان ُ‬ ‫ِ‬
‫ال ُخيالطها غريه‪ ،‬وإنام ا ُ‬
‫ِ‬
‫الربود ال َيمن َّية‪.‬‬
‫سود‪ ،‬كسائر ُ‬ ‫األَ َ‬
‫والساذج َة‪ ،‬ولبِ َس ثو ًبا أسو َد‪ ،‬ولبِ َس الفرو َة‬
‫َّ‬ ‫ولبِ َس اخلميص َة املعلم َة‬
‫ِ‬
‫بالسندس‪.‬‬ ‫املكفوف َة‬

‫اشرتاها ل ِ َيل َبسها‪ ،‬وقد ُر ِو َي يف غري‬ ‫ِ‬


‫والظاه ُر أنه إنام َ‬ ‫واشرتى َرس َ‬
‫اويل‪،‬‬ ‫ََ‬
‫ِ‬
‫اويالت بإِ ْذنه‪.‬‬ ‫الرس‬
‫اويل وكانوا َيل َبسون َّ‬ ‫َحديث أنه لبِ َس َّ‬
‫الرس َ‬

‫ولبِ َس اخلُ َّف ْني ولبِ َس النَّ ْعل ا َّلذي ُي َّ‬


‫سمى التاسومة‪.‬‬

‫األحاديث‪ :‬هل كان يف يمناه أو يرساه؟ وك ُّلها‬


‫ُ‬ ‫ولبِ َس اخلات ََم‪ ،‬واختل َف ْت‬
‫ِ‬
‫السند‪.‬‬ ‫صحيح ُة‬

‫ُسمى‪ :‬الزردي َة‪،‬‬


‫الدرع التي ت َّ‬
‫َ‬ ‫ُسمى‪ :‬اخلوذةَ‪ ،‬ولبِ َس‬
‫ولبِ َس البيض َة التي ت َّ‬
‫ِ‬
‫الدرعني‪.‬‬ ‫بني‬ ‫وظاهر يوم ٍ‬
‫أحد َ‬ ‫ََ َ‬
‫بنت أيب َبكْر ‪ ‬قالت‪َ :‬هذه ُج َّبة ر ِ‬
‫سول‬ ‫ويف صحيح مسلِم عن أسامء ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫خر َجت ُج َّبة طيالِسة ِكرسوانِية هلا َلبنة ِديباج‪ ،‬و َف ْرجاها َمكْفوفان‬ ‫اهلل ﷺ‪ .‬ف َأ َ‬
‫فلام ُقبِ َضت ق َب ْضتُها‪ ،‬وكان‬ ‫ِ‬
‫بالدِّ يباج‪ ،‬وقالت‪ :‬هذه كانت عند عائش َة حتَّى ُقبِ َضت‪َّ ،‬‬
‫رىض ُيست َْش َفى هبا(‪.)1‬‬
‫للم َ‬ ‫ِ‬
‫النبي ﷺ َيل َبسها‪ ،‬فنحن نَغسلها َ‬
‫ُّ‬
‫وكساء أمحر ملبد ِ‬
‫وكساء من َش ْعر‪.‬‬ ‫خْضان وكِساء أسود ِ‬ ‫وكان له بر ِ‬
‫دان َأ َ‬
‫ٌ ُ ُ َّ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُْ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)2069‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪45‬‬

‫ميصه من ُق ْطن‪ ،‬وكان َقصري الطول َقصري الك ُِّم‪.‬‬


‫وكان َق ُ‬
‫محرة‪.‬‬
‫الربود فيه ُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫أحب ال ِّثياب إليه‬
‫ِضب م َن ُ‬
‫القميص واحل َربة‪ ،‬وهي َ ْ‬
‫َ‬ ‫وكان ُّ‬
‫البياض‪ ،‬وقال « ِه َي ِم ْن َخ ْ ِري ثِيابِك ُْم َفا ْل َب ُسوها‬
‫َ‬ ‫أحب األلوان إليه‬ ‫ُّ‬ ‫وكان‬
‫خر َجت كِسا ًء ُمل َّبدً ا‬ ‫ِ‬
‫َوكَفنُوا ف َيها َم ْوتَاك ُْم» ‪ ،‬ويف الصحيح‪ :‬عن عائش َة َّأهنا َأ َ‬
‫(‪)1‬‬ ‫ِ‬

‫النبي ﷺ يف َه َذ ْين(‪.)2‬‬
‫وح ِّ‬ ‫وإِ ً‬
‫زارا َغلي ًظا فقا َل ْت‪ :‬ن ُِزع ُر ُ‬
‫أغلب ما َيل َبسه النبي صىل اهلل عليه وعىل آله وسلم هو و َأصحا ُبه ما‬
‫ُ‬ ‫وكان‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ور َّبام لبِسوا ما نُسج من ُّ‬
‫الصوف وال َكتَّان‪.‬‬ ‫نُسج م َن ال ُق ْطن‪ُ ،‬‬
‫ْت ك ََس ْوتَنِي َهذا‬ ‫باسمه‪ ،‬وقال‪« :‬ال َّل ُه َّم َأن َ‬ ‫ِ‬ ‫سامه‬‫وكان إذا است ََجدَّ ثو ًبا َّ‬
‫ك ِم ْن َِش ِه‬
‫ك َخ ْ َري ُه َو َخ ْ َري َما ُصن ِ َع َل ُه‪َ ،‬و َأ ُعو ُذ بِ َ‬
‫يص َأ ِو الر َد َاء َأ ِو ا ْل ِع َام َم َة‪َ ،‬أ ْس َأ ُل َ‬ ‫ِ‬
‫ا ْل َقم َ‬
‫َو َِش َما ُصن ِ َع َل ُه»(‪.)3‬‬
‫وكان إذا لبِس َقميصه بدَ أ بم ِ‬
‫يامنه‪ ،‬ولبِ َس الشعر األسو َد‪ ،‬كام روى ُمسلِم‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫خرج َر ُ‬ ‫ِ‬
‫رحل‬‫سول اهلل ﷺ وعليه م ْرط ُم َّ‬ ‫يف َصحيحه عن عائش َة ‪ ‬قالت‪َ :‬‬
‫من َشعر َ‬
‫أسو َد(‪.)4‬‬

‫أي ال ِّلباس كان َّ‬


‫أحب إىل َرسول اهلل‬ ‫الصحيح ْني عن َقتادةَ‪ُ :‬ق ْلنا ألَنَس‪ُّ :‬‬
‫َ‬ ‫ويف‬
‫واحلربة برد من برود اليمن‪ ،‬فإن غالب ل ِ ِ‬
‫باسهم كان من ن َْسج‬ ‫احلرب ُة(‪ِ ،)5‬‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُْ‬ ‫ﷺ؟ قال َ َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)4061‬والرتمذي (‪ ،)994‬وابن ماجه (‪.)1472‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)5818‬ومسلم (‪.)2080‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)4020‬والرتمذي (‪.)1767‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪.)2081‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪ ،)5812‬ومسلم (‪.)2079‬‬
‫‪ | 46‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫باطي‬ ‫ور َّبام لبِسوا ما ُجي َلب م َن الشام وم َ‬
‫رص كال ُق ِّ‬ ‫ال َي َمن؛ ألهنا َقريبة منهم‪ُ ،‬‬
‫املَنسوجة من ال َكتَّان ا َّلتي كانت تَنسجها ِ‬
‫الق ْبط‪.‬‬ ‫ُ‬
‫شوها لِيف‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وكانت خمدَّ ته ﷺ من َأ َدم َح ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عام َأباح اهلل م َن املَالبِس واملَطاعم واملَناكح ت ُّ‬
‫َزهدً ا وتَع ُّبدً ا‬ ‫فالذين َيمتَنعون َّ‬
‫رشف ال ِّثياب‪ ،‬ومل َيأكُلوا َّإال َأ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫لني ال َّطعام‪،‬‬ ‫بإزائهم طائفة قا َبلوهم‪ ،‬فلم َيل َبسوا َّإال َأ َ‬
‫الطائفت َْني َهد ُيه ُخمالِف هل َ ِ‬
‫دي‬ ‫ِ‬ ‫ربا‪ ،‬وكِلتا‬ ‫َكربا َ‬
‫وِت ُّ ً‬
‫ِ‬
‫فال َي َر ْون ُل ْبس اخلشن وال َأكْله ت ُّ ً‬
‫الش ْهرتني من ال ِّثياب العايل‬ ‫كرهون ُّ‬ ‫بعض الس َلف‪ :‬كانوا َي َ‬ ‫النبي ﷺ؛ وهلذا قال ُ‬ ‫ِّ‬
‫نخ ِفض‪.‬‬
‫واملُ َ‬

‫‪ -27‬فصل يف َهديه ﷺ يف الطَّعام‬

‫وسريته يف ال َّطعام ال َي ُر ُّد َموجو ًدا وال َيتك َّلف‬ ‫وكذلك كان هديه ﷺ ِ‬
‫َ ُ‬
‫رتكه من غري‬ ‫من ال َّط ِّيبات َّإال َأكَله‪َّ ،‬إال أن تَعا َفه ُ‬
‫نفسه ف َي ُ‬ ‫َمفقو ًدا‪ ،‬فام ُق ِّرب إليه يش ٌء َ‬
‫قط‪ِ ،‬‬
‫إن اشتَهاه َأ َك َل ُه َّ‬
‫وإال ت ََركَه‪.‬‬ ‫َحتريم وما َ‬
‫عاب طعا ًما ُّ‬

‫صرب حتَّى إنه َلريبِط عىل َب ْطنه َ‬


‫احلجر من‬ ‫َيرس‪ ،‬فإن َأع َو َزه َ‬‫كان َهد ُيه َأكْل ما ت َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جلوع‪ ،‬و ُي َرى اهلالل واهلالل واهلالل فال ُيو َقد يف بيته ٌ‬
‫نار‪.‬‬ ‫ا ُ‬
‫وضع عىل األرض يف السفرة وهي كانت ِ‬
‫مائدته‪،‬‬ ‫وكان ُمع َظم َمط َعمه ُي َ‬
‫أرشف ما َيكون من األكلة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وكان َيأكُل ب َأصابعه ال َّثالث و َيل َعقها إذا َفرغ‪ ،‬وهو‬
‫حلريص َيأكُل باخلَمس و َيد َفع بالراحة‪.‬‬ ‫واحدة‪ ،‬وا ِ‬‫فإن املُتكرب يأكُل ب ُأصبع ِ‬
‫جلشع ا َ‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ َ‬
‫وكان ال َيأكُل ُمتَّك ًئا‪.‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪47‬‬

‫آخره ف َيقول ِعند‬ ‫وحيمده يف ِ‬


‫سمي اهلل تعاىل عىل َّأول َطعامه‪َ َ ،‬‬ ‫وكان ُي ِّ‬
‫في وال ُم َو َّد ٍع َ‬
‫وال ُمس َت ْغنًى‬ ‫ِ ِ‬
‫باركًا فيه غري َم ْك ٍّ‬
‫كثريا طي ًبا ُم َ‬
‫انقضائه‪« :‬احلمدُ هلل محدً ا ً‬
‫َعنْ ُه َر َّبنا»(‪.)1‬‬

‫قائام‪،‬‬ ‫قائام‪ِ َ ،‬‬


‫ورش َب مر ًة ً‬ ‫ِ‬
‫الرشب ً‬ ‫أكثر رشبِه قاعدً ا‪ ،‬بل َز َج َر عن‬
‫وكان ُ‬
‫يمنع من‬ ‫ٍ‬
‫لعذر‬ ‫وجوازه‬ ‫قائام‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫النهي عن الرشب ً‬ ‫ُ‬ ‫املسألة‪:‬‬ ‫والصحيح يف هذه‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫األحاديث‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫القعود‪ ،‬وهبذا ِتمتع‬

‫رب منه‪.‬‬ ‫ناو َل َمن عىل يمينِه وإن كان َمن عىل ِ‬
‫يساره أك َ‬ ‫وكان إذا َ ِ‬
‫رش َب َ‬

‫‪ -26‬فصل يف هَديه يف النِّراح ومُعاشَرته ﷺ َب ْهَله‬

‫ب إِ َ ََّل ِمن ُدنْياك ُُم‪:‬‬ ‫ِ‬


‫َص َّح عنه ﷺ من حديث أنَس ‪ ‬أنه ﷺ قال‪ُ « :‬حب َ‬
‫ت ُقر ُة عيني ِيف الص ِ‬ ‫ِ‬
‫الة»(‪.)2‬‬ ‫َّ‬ ‫يب‪َ ،‬و ُجع َل ْ َّ َ ْ‬
‫ساء والط ُ‬
‫الن ُ‬
‫و َأباح اهلل له من ذلك ما مل ُيبِ ْحه َ‬
‫ألحد من ُأ َّمته‪.‬‬

‫قة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واإليواء والن َف ِ‬ ‫وكان ﷺ ي ِ‬
‫قسم بينَهن يف ا َملبيت‬ ‫َ‬
‫بشهر‪ ،‬ومل ي ِ‬ ‫وط َّلق ﷺ‬
‫ظاهر أ َبدً ا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وآىل إيال ًء ُمؤ َّقتًا َ ْ‬
‫وراجع‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫وح ْسن اخلُ ُلق‪.‬‬ ‫وكانت ِسريتُه مع أزواجه ُح ْسن املُ َ‬
‫عارشة ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)5458‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه النسائي (‪.)3939‬‬
‫‪ | 48‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ت األنصار َيل َع ْبن م َعها‪ ،‬وكانت إذا َه ِو َيت شي ًئا‬ ‫عائش َة بنا ِ‬
‫وكان يرسب إىل ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ِّ‬
‫ِ‬ ‫ذور فيه تا َب َعها عليه‪ ،‬وكانت إذا ِ‬
‫فمه عىل‬ ‫فوضع َ‬ ‫أخ َذه َ‬ ‫اإلناء َ‬ ‫رش َبت م َن‬ ‫ال َحم َ‬
‫فمها َ ِ‬ ‫وضع ِ‬ ‫م ِ‬
‫أخ َذه‬‫حلم‪َ -‬‬ ‫َعرقت َعر ًقا ‪-‬وهو ال َع ْظم الذي عليه َ ْ‬ ‫ورشب‪ ،‬وكان إذا ت َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أسه يف َح ْجرها‬ ‫قرأ ال ُقرآن َ‬
‫ور ُ‬ ‫فمه َموضع َفمها‪ ،‬وكان َيتَّكئ يف َح ْجرها و َي َ‬ ‫فوضع َ‬ ‫َ‬
‫بارشها‪ ،‬وكان ُيق ِّبلها‬ ‫حائ ٌض ف َتت َِّزر ُثم ي ِ‬ ‫حائ ًضا‪ ،‬وكان يأمرها وهي ِ‬ ‫وربام كانت ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫اللعب‬‫مكنها من ِ‬ ‫صائم‪ ،‬وكان ﷺ من ُل ْطفه وحسن ُخ ُلقه مع َأهله أنه ي ِ‬ ‫وهو ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ‬
‫نكبه تَن ُظر‪ ،‬وسا َب َقها يف‬ ‫سجده وهي متَّكِئة عىل م ِ‬ ‫و ُيرهيا احل َبشة وهم َيل َعبون يف م ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫مرةً‪.‬‬ ‫مرت َْني‪ ،‬وتَدا َف َعا يف ُخروجهام من ا َمل ِنزل َّ‬‫الس َفر عىل األقدا ِم َّ‬
‫ِ ِ‬
‫خر َج هبا معه‪ ،‬ومل‬
‫همها َ‬ ‫خرج َس ُ‬ ‫قرع بني نسائه‪ ،‬ف َأ َّيت ُُهن َ‬ ‫وكان إذا َأراد س َف ًرا َأ َ‬
‫قض للب ِ‬
‫واقي شي ًئا‪.‬‬ ‫َي ِ َ‬
‫العرص دار عىل نِسائه فدَ نا ِم ُنه َّن واس َت ْق َرأ َأ ْح َ‬
‫واهلُن‪ ،‬فإذا جا َء‬ ‫َ‬ ‫وكان إذا َّ‬
‫صىل‬
‫فخ َّصها بال َّل ْيل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫صاحبة الن َّْوبة َ‬ ‫الليل ان َق َلب إىل َب ْيت‬
‫ُ‬

‫وأوله‪ ،‬وإذا جا َمع َّأول الليل فكان ربام‬ ‫ِ‬ ‫وكان ﷺ ي ِأيت أه َله ِ‬
‫الليل َّ‬ ‫آخر‬ ‫َ‬
‫توض َأ ونا َم‪.‬‬
‫اغت ََسل ونام‪ ،‬وربام َّ‬
‫طرق أه َله ً‬ ‫ِ‬
‫ليال‪.‬‬ ‫وكان إذا سا َفر وقد َم مل َي ُ‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪49‬‬

‫‪ -29‬فصل يف هَ ْديه وسِريته ﷺ يف نَ ْومه وانتِباهِه‬

‫الفراش تارةً‪ ،‬وعىل النِّط ِع تارةً‪ ،‬وعىل احلَصري تارةً‪ ،‬وعىل‬ ‫كان ينام عىل ِ‬
‫َ‬
‫الرسير تار ًة بني ِرماله‪ ،‬وتار ًة عىل ِكساء أسو َد‪.‬‬
‫األرض تارةً‪ ،‬وعىل َّ‬
‫سجد‬ ‫سول اهلل ﷺ مست ِ‬
‫َلق ًيا يف املَ ِ‬ ‫قال َع َّباد بن َمتيم‪[ ،‬عن َع ِّمه]‪ :‬ر َأ ْي ُت َر َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫واض ًعا إِ ْحدى ِر ْجليه عىل األُ ْخرى(‪.)1‬‬
‫الله َّم َأ ْح َيا َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫موت»(‪.)2‬‬
‫وأ ُ‬ ‫وكان إذا َأ َوى إىل فراشه للنو ِم قال‪« :‬باسم َك ُ‬
‫ينفث فيهام‪ ،‬ويقر ُأ فيهام‪( :‬قل هو اهلل أحد)‪ ،‬و(قل أعوذ‬
‫وكان َجي َم ُع ك َّفيه ُثم ُ‬
‫ِ‬
‫جسده‪ ،‬يبد ُأ‬ ‫استطاع من‬ ‫يمسح هبام ما‬ ‫برب الفلق)‪ ،‬و(قل أعوذ برب الناس)‪ُ ،‬ثم‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫مرات(‪.)3‬‬ ‫َ‬
‫ثالث‬ ‫جسده‪ُ ،‬‬
‫يفعل ذلك‬ ‫ِ‬ ‫قبل من‬ ‫ِ‬
‫ووجهه وما َأ َ‬ ‫هبام عىل ِ‬
‫رأسه‬

‫يقول‪:‬‬ ‫ِ‬
‫األيمن ُثم ُ‬ ‫حتت خدِّ ه‬
‫ويضع يدَ ه اليمنى َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األيمن‬ ‫وكان ينا ُم عىل ش ِّقه‬
‫يقول إذا َأوى إىل ِ‬
‫فراشه‪« :‬احلمدُ‬ ‫الله َّم ِقني عذا َبك يو َم ت ُ‬
‫َبعث عبا َدك»(‪ ،)4‬وكان ُ‬
‫َ‬ ‫« ُ‬
‫ي» ذكره‬
‫ؤو َ‬ ‫وسقانا وكَفانا وآوانا‪ ،‬فك َْم ممَّن ال ِ َ‬
‫كايف له وال ُم ِ‬ ‫هلل الذي َأ َ‬
‫طعمنا َ‬
‫مسلم(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)475‬ومسلم (‪.)2100‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)6324‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪.)5017‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)5045‬والنسائي (‪.)2367‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم (‪.)2715‬‬
‫‪ | 51‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السموات‬ ‫رب‬ ‫[يقول] إذا َأ َوى إىل فراشه‪ُ « :‬‬
‫الله َّم َّ‬ ‫ُ‬ ‫أيضا أنه كان‬
‫وذكر ً‬
‫والنوى‪ُ ،‬م ِنز َل‬ ‫فالق احلب‬‫يشء‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ورب كل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫العرش العظيمِ‪ ،‬ر َّبنا َّ‬ ‫ورب‬
‫واألرض‪َّ ،‬‬
‫آخذ بناصيتِه‪ ،‬أنت‬ ‫ِش أنت ٌ‬ ‫واإلنجيل والقرآن‪ ،‬أعو ُذ بك من ِش كل ذي ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التوراة‬
‫الظاهر فليس‬‫ُ‬ ‫يشء‪ ،‬وأنت‬ ‫ٌ‬ ‫اآلخر فليس بعدَ ك‬
‫ُ‬ ‫يشء‪ ،‬وأنت‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫األول فليس قب َلك‬
‫وأغنِنا من‬ ‫اقض عنا الدَّ ْي َن َ‬
‫ِ‬ ‫يشء‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫الباطن فليس دونَك‬
‫ُ‬ ‫يشء‪ ،‬وأنت‬‫ٌ‬ ‫فو َقك‬
‫ِ‬
‫الفقر»(‪.)1‬‬

‫الله َّم إين‬


‫استيقظ من الليل قال‪« :‬ال إل َه إال أنت سبحانَك‪ُ ،‬‬ ‫َ‬ ‫وكان ﷺ إذا‬
‫علام وال ت ُِز ْغ قلبي بعدَ إذ هديتَني‪،‬‬ ‫ستغفرك لذنبي‪ ،‬وأسأ ُلك رمحتَك‪ِ ُ ،‬‬ ‫َأ‬
‫الله َّم زدين ً‬ ‫ُ‬
‫الوهاب»(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫وهب َل ِمن لدنك رمح ًة‪ ،‬إنك أنت‬ ‫ْ‬
‫نومه قال‪« :‬احلمدُ هلل الذي أحيانا بعدَ ما أماتَنا وإليه‬ ‫وكان إذا انتبه من ِ‬
‫َ‬
‫العرش اآليات من أواخر (آل عمران)‪ ،‬من‬ ‫َ‬ ‫قرأ‬‫يتسوك ‪ ،‬وربام َ‬
‫(‪)4‬‬
‫َّ‬ ‫النشور»(‪ُ ،)3‬ثم‬
‫ُ‬
‫قوله‪﴿ :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ﴾ [آل عمران‪ ]190 :‬إىل آخرها(‪.)5‬‬

‫فيهن‪ ،‬ولك‬ ‫ومن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َّ‬ ‫واألرض َ‬ ‫السموات‬ ‫نور‬
‫الله َّم لك احلمدُ أنت ُ‬
‫وقال‪ُ « :‬‬
‫احلق ووعدُ ك‬
‫فيهن‪ ،‬ولك احلمدُ أنت ُّ‬ ‫ومن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫واألرض َ‬ ‫السموات‬ ‫احلمدُ أنت قي ُم‬
‫والنار حق‪ ،‬والنبيون حق‪ ،‬وحممدٌ حق‪ ،‬والساع ُة‬
‫ُ‬ ‫احلق‪ ،‬ولقاؤُ ك حق‪ ،‬واجلن ُة حق‪،‬‬
‫ُّ‬
‫أنبت‪ ،‬وبك‬
‫ُ‬ ‫توكلت‪ ،‬وإليك‬
‫ُ‬ ‫آمنت‪ ،‬وعليك‬
‫ُ‬ ‫أسلمت‪ ،‬وبك‬
‫ُ‬ ‫الله َّم لك‬
‫حق‪ُ ،‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)2713‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪.)5071‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪.)6312‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)245‬ومسلم (‪.)255‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪ ،)183‬ومسلم (‪.)763‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪50‬‬

‫أرسرت وما‬
‫ُ‬ ‫أخرت وما‬
‫ُ‬ ‫قدمت وما‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫فاغفر َل ما‬ ‫حاكمت‪،‬‬
‫ُ‬ ‫خاصمت‪ ،‬وإليك‬
‫ُ‬
‫أعلنت‪ ،‬أنت إهلي‪ ،‬ال إل َه إال أنت»(‪.)1‬‬
‫ُ‬
‫سهر َّأول الليل يف َمصالِح‬‫آخ َره‪ ،‬وربام ِ‬‫وكان ينام أول ال َّليل‪ ،‬ويقوم ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫املُسلِمني‪ ،‬وكان ﷺ تَنام َعيناه وال ينام َقلبه‪ .‬وكان إذا نام مل ي ِ‬
‫وقظوه حتَّى َيكون‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫هو ا َّلذي َيس َت ْي ِقظ‪.‬‬
‫ِ‬
‫عرس ُق َب ْيل ُّ‬
‫الص ْبح‬ ‫عرس ب َل ْيل اض َط َجع عىل ش ِّقه األَ َ‬
‫يمن‪ ،‬وإذا َّ‬ ‫وكان إذا َّ‬
‫نصب ِذرا َعه َ‬
‫ووضع َر ْأسه عىل َك ِّفه‪.‬‬ ‫َ‬

‫‪ -31‬فصل يف هَ ْديه ﷺ يف الرُّكو‬


‫ِ‬ ‫ركِب ﷺ‬
‫رسجة تار ًة‬‫الفر َس ُم َ‬
‫مري‪ ،‬وركب َ‬ ‫واإلبِل والبِغال وا َ‬
‫حل َ‬ ‫اخليل ِ‬ ‫َ‬
‫األكثر‪،‬‬
‫ُ‬ ‫بعض األَحيان‪ ،‬وكان َيركَب وحدَ ه وهو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وعر ًّيا ُأخرى‪ ،‬وكان ُجيرهيا يف‬
‫وربام َأر َدف َخل َفه و َأركَب َأما َمه فكانوا ثالث ًة عىل‬
‫وربام َأر َدف َخل َفه عىل ال َبعري‪ُ ،‬‬
‫سائه‪ ،‬وكان أك َث ُر َمراكِبه اخلَ ْيل ِ‬
‫واإلبِل‪.‬‬ ‫بعض نِ ِ‬ ‫الرجال و َأر َدف َ‬
‫ال َبعري‪ ،‬و َأر َدف ِّ‬

‫‪ -31‬فصل [جامع]‬

‫كرمه اهلل تعاىل ِبرسالتِه‬ ‫ِ‬


‫واشرتى‪ ،‬وكان رش ُاؤه بعد أن َأ َ‬ ‫ََ‬ ‫سول اهلل ﷺ‬ ‫وباع َر ُ‬
‫البيع َّإال يف َقضايا َيسرية‬ ‫اهل ْجرة ال َيكاد ُحي َفظ عنه‬ ‫أك َثر من بيعه‪ ،‬وكذلك بعد ِ‬
‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫عقوب املُد َّبر َغال َم أيب‬
‫َ‬ ‫فيمن َيزيدُ ‪ ،‬و َب ْيعه َي‬ ‫ِ‬
‫واحللس َ‬ ‫أك َث ُرها ل َغ ْريه‪ ،‬ك َب ْيعه ال َقدَ ح‬
‫َثري‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َمذكور‪ ،‬و َب ْيعه عبدً ا أسو َد ب َع ْبدين‪ ،‬وأ َّما رشاؤه فك ٌ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)7499‬ومسلم (‪.)769‬‬


‫‪ | 52‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫أجر َن ْفسه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫إجياره‪ ،‬وإنام ُحي َفظ عنه أنه َّ‬ ‫أكثر من‬
‫جاره ُ‬‫َأجر‪ ،‬واست ْئ ُ‬‫وأجر واست َ‬
‫قبل النُّبوة يف ِرعاية الغنَم‪ ،‬و َأجر نَفسه من َخدجي َة يف س َفره ِ‬
‫بامهلا إىل الشام‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ُنت َِشيكي؟‬ ‫قدم عليه َرشيكُه‪ ،‬قال‪ :‬أ َما ت ِ‬
‫َعرفني؟ قال «ك َ‬ ‫وشارك ﷺ‪ ،‬وملََّا ِ‬
‫َ‬
‫اري»(‪.)1‬‬‫ُدارئُ َوال ُتُ ِ‬
‫كنت‪ ،‬ال ت ِ‬ ‫فن ِ ْع َم َّ‬
‫الَش ُ‬
‫يك َ‬
‫ووكَّل وتَوكَّل‪ ،‬وكان تَوكي ُله أك َث َر من تَوكُّله‪.‬‬

‫بن‬‫واهتب‪ ،‬فقال لس َلم َة ِ‬ ‫ووهب َّ َ‬‫و ُأهدي إليه‪ ،‬وقبِ َل اهلَدية‪ ،‬و َأثاب عليها‪َ ،‬‬
‫األَكوعِ‪ ،‬وقد و َقع يف َس ْهمه جاري ٌة‪َ « :‬ه ْبها َل»‪َ .‬‬
‫فوه َبها له‪ ،‬ففا َدى هبا من َأ ْهل م َّك َة‬
‫سارى من املُسلِمني(‪.)2‬‬
‫ُأ َ‬
‫احلال واملُ َّ‬
‫ؤجل‪.‬‬ ‫بالثمن ِّ‬
‫واشرتى َ‬
‫ََ‬ ‫واستَدان َبر ْهن‪ ،‬وب َغ ْري َر ْهن‪ ،‬واستَعار‪،‬‬

‫جلنَّة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬


‫خاصا عىل َر ِّبه عىل أعامل َمن عملها كان َمضمونًا له با َ‬
‫وضمن ضامنًا ًّ‬
‫ُويف من املُسلِمني ومل َيدَ ْع وفا ًء أهنا عليه وهو‬
‫وضمن َضامنًا عا ًّما لدُ يون َمن ت ِّ َ‬
‫ُيو ِّفيها‪.‬‬

‫أرضا كانت له جعلها صدق ًة يف سبيل اهلل‪.‬‬ ‫ُ‬


‫رسول اهلل ﷺ ً‬ ‫ووقف‬
‫َ‬

‫وش ِف َع إليه‪ ،‬ور َّدت برير ُة شفاعتَه يف مراجعتِها ُمغي ًثا‪ ،‬فلم َي َ‬
‫غضب‬ ‫وتش َّف َع ُ‬
‫تب‪ ،‬وهو األسوة والقدوةُ‪.‬‬
‫عليها‪ ،‬وال َع َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)4836‬وابن ماجه (‪.)2287‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)1755‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪53‬‬

‫امنني م ِ‬
‫وض ًعا‪ ،‬وكان ﷺ َيس َت ْثني يف َيمينه تار ًة و ُيك ِّفرها‬ ‫وح َلف يف أك َث َر من َث َ َ‬
‫حت ُّلها بعد َع ْقدها؛‬‫مِض فيها تارةً‪ ،‬واالستِ ْثناء يمنَع َع ْقد اليمني‪ ،‬وال َك َّفارة ُ ِ‬ ‫تار ًة وي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هلل َ ِ‬
‫حت َّل ًة‪.‬‬ ‫سامها ا ُ‬ ‫ِ‬
‫وهلَذا َّ‬
‫وري وال َيقول يف ت َْوريتِه َّإال‬
‫احلق‪ ،‬و ُي ِّ‬
‫امزح ويقول يف م ِ‬
‫زاحه َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وكان ﷺ ُي ِ‬
‫احلق‪.‬‬
‫َّ‬

‫ستشري‪.‬‬
‫ُ‬ ‫شري و َي‬
‫وكان ُي ُ‬
‫مِش مع األَر َملة‬ ‫وجييب الدَّ عوة‪ ،‬وي ِ‬
‫َ‬ ‫جلنازةَ‪ُ ،‬‬
‫شهد ا َ‬ ‫وكان َيعود املَريض‪ ،‬و َي َ‬
‫ثاب عليه‪ ،‬ولكِ ْن ما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والضعيف يف َحوائ ِجهم‪ ،‬وسمع َمديح الشعراء و َأ َ‬ ‫واملِسكِني َّ‬
‫قيل فيه م َن ا َملديح فهو ُج ْزء َيسري ِجدًّ ا من َحم ِامده‪ ،‬و َأثاب عىل احلَ ِّق‪ ،‬وأ َّما َمدْ ح‬
‫جوه املَدَّ َ‬
‫احني‬ ‫غريه من الناس ف َأك َثر ما يكون بالك َِذب؛ فلِذل ِ َك أمر أن ُحي َثى يف و ِ‬
‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫ُ َ‬
‫اب(‪.)1‬‬
‫الرت َ‬
‫ُّ‬

‫وخصف َن ْع َله ب َي ِده‪،‬‬


‫َ‬ ‫وصارع‪،‬‬
‫َ‬ ‫سول اهلل ﷺ بنَ ْفسه عىل األَقدام‬ ‫وسا َب َق َر ُ‬
‫وفىل َث ْوبه وخدَ م َأ ْهله و َن ْفسه‪ ،‬و َ‬
‫مح َل‬ ‫ِ‬
‫ب شاتَه َ‬ ‫ور َقع َثو َبه ب َيده‪ ،‬ور َفع َد ْلوه وح َل َ‬
‫احلج َر من اجلو ِع تار ًة وشبِ َع تارةً‪،‬‬
‫َ‬ ‫سجد‪ ،‬ور َبط عىل َب ْطنه‬ ‫معهم اللبِ َن يف بِناء املَ ِ‬
‫وسط َر ْأسه وعىل َظ ْهر قدَ مه‪ ،‬واحت ََجم يف‬‫و َأضاف و ُأضيف‪ ،‬واحت ََجم يف َ‬
‫َداوى وك ََوى ومل َي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ور َقى ومل‬
‫كتو‪َ ،‬‬ ‫األَ ْخدعني والكاهل وهو ما بني الكَتفني‪ ،‬وت َ‬
‫محى املَريض ِمما ي ِ‬
‫ؤذيه‪.‬‬ ‫سرت ِق‪ ،‬و َ‬
‫َي َ‬
‫َّ ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)3002‬‬


‫‪ | 54‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -32‬فصل يف هَ ْديه ﷺ يف مُعامَلته‬

‫خريا منه‪.‬‬ ‫أحس َن الناس ُمعا َمل ًة‪ ،‬وكان إذا است َْس َلف س َل ًفا َ‬
‫قَض ً‬ ‫كان َ‬
‫ِ‬
‫فه َّم به أصحا ُبه‬ ‫عريا فجاء صاح ُبه َيتَقاضاه ف َأغ َلظ للن ِّ‬
‫َّبي ﷺ َ‬ ‫واقرتض َب ً‬ ‫ََ‬
‫ب َ‬
‫احلق َم ً‬
‫قاال»(‪.)1‬‬ ‫فقال‪« :‬دعوه فإِ َّن لِ ِ‬
‫صاح ِ‬ ‫َ ُ‬
‫ثمنَه فقال‪« :‬مل َُيِ َّل‬ ‫األجل َيتَقاىض َ‬ ‫قبل َ‬ ‫أجل فجا َء ُه َ‬ ‫ودي بي ًعا إىل َ‬‫وبا َعه َهي ٌّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األَ َج ُل»‪ ،‬فقال ال َي‬
‫َهاهم‪،‬‬ ‫فه َّم به أصحا ُبه فن ُ‬ ‫هودي‪ :‬إنَّكم ملُ ْطل يا َبني عبد املُ َّطلب‪َ ،‬‬ ‫ُّ‬
‫عر ْفته ِمن َعالمات الن َُّّبوة‬ ‫ٍ‬ ‫هودي‪ُّ :‬‬ ‫ومل ْ َي ِز ْده ذلك َّإال ِح ًلام‪ ،‬فقال ال َي‬
‫َ‬
‫كل يشء منه قد َ‬ ‫ُّ‬
‫عرفها؛‬ ‫واحد ٌة وهي أنه ال تَزيدُ ه ِشدَّ ة اجلَ ْهل عليه َّإال ِح ًلام ف َأ َر ْدت أن َأ ِ‬ ‫وبقيت ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬

‫هودي(‪.)2‬‬
‫ُّ‬ ‫ف َأس َلم ال َي‬

‫‪ -33‬فصل يف هَ ْديه ﷺ يف مَ ْشمه وحدَه ومع بَصحانبِه‬

‫حسنَها و َأس َكنَها‪ ،‬قال‬ ‫ِ‬


‫رسع الناس مشي ًة و َأ َ‬‫مشى تَك َّفأ تَك ُّف ًؤا‪ ،‬وكان َأ َ‬ ‫كان إذا َ‬
‫الشمس َِت ِري يف َو ْجهه‪،‬‬
‫َ‬ ‫أبو ُهريرةَ‪ :‬ما ر َأ ْي ُت شي ًئا أحس َن ِمن ر ِ‬
‫سول اهلل ﷺ‪َّ ،‬‬
‫كأن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُطوى له‪ ،‬وإنا‬‫سول اهلل ﷺ‪ ،‬كأنَّام األرض ت َ‬ ‫أحدً ا َأرس َع يف ِمش َيتِه من ر ِ‬ ‫وما ر َأ ْي ُت َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كرتث(‪.)3‬‬ ‫ُجهد َأن ُف َسنا وإنه ل َغ ْري ُم َ ِ‬
‫لن ِ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)2306‬ومسلم (‪.)1601‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه ابن حبان ‪ ،)288( 523 ،521/1‬وابن أيب عاصم يف «اآلحاد واملثاين» ‪،)2082( 110/4‬‬
‫والطرباين يف «الكبري» ‪ ،)5147( ،223 – 222/5‬واحلاكم ‪ ،)6547( 701 – 700/3‬والبيهقي يف‬
‫«دالئل النبوة» ‪.281-278/6‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الرتمذي (‪.)3648‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪55‬‬

‫وأ َّما َمش ُيه مع أصحابه فكانوا َيمشون بني َيدَ ْيه وهو َخ ْلفهم و َيقول‪َ « :‬د ُعوا‬
‫ومنتعال‪ ،‬وكان ُياميش أصحا َبه ُفرادى‬ ‫ً‬ ‫َظه ِري لِ ْلمالئِك َِة»(‪ ،)1‬وكان ي ِ‬
‫مِش حاف ًيا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫الضعيف و ُيردفه‪ ،‬ويدعو هلم‪ .‬ذكره‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫السفر ساق َة أصحابِه ُيزجي‬ ‫ومجاع ًة‪ ،‬وكان يف‬
‫أبو داود(‪.)2‬‬

‫‪ -34‬فصل يف هَ ْديه ﷺ يف جُلوسه واتِّرائِ ِه‬


‫ِ‬
‫والبساط‪ ،‬وكان َي ْستلقي أحيانًا‪ ،‬وربام‬ ‫كان َجي ِلس عىل األرض وعىل احلَ ِ‬
‫صري‬
‫ِ‬
‫الوسادة‪ ،‬وربام اتك َأ عىل‬ ‫يتكئ عىل‬ ‫وضع إحدى رج َل ْيه عىل األخرى‪ ،‬وكان‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫بعض أصحابِه‬‫ِ‬ ‫احتاج يف خروجه تو َّك َأ عىل‬
‫َ‬ ‫يساره‪ ،‬وربام اتك َأ عىل يمينِه‪ ،‬وكان إذا‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الضعف‪.‬‬ ‫ِمن‬

‫‪ -35‬فصل يف هَ ْديه ﷺ ِعند قَضاء احلاج ِ‬


‫اخلبائِ ِ‬ ‫ك ِمن ُْ ِ‬
‫ث»(‪.)3‬‬ ‫اخل ُبث َو َ َ‬ ‫دخل اخلَال ُء قال‪« :‬ال َّل ُه َّم إين َأعو ُذ بِ َ َ‬
‫كان إذا َ‬
‫َك»(‪ ،)4‬وكان يس َتنْجي باملاء تارةً‪ ،‬ويست ِ‬
‫َجمر‬ ‫خرج َيقول‪ُ « :‬غ ْفران َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫وكان إذا َ‬
‫باألَ ْحجار تارةً‪َ ،‬‬
‫وجي َمع بينهام تارةً‪.‬‬

‫َوارى عن َأ ْصحابه‪.‬‬
‫ب يف س َفره للحاجة انط َلق حتَّى َيت َ‬
‫ذه َ‬
‫وكان إذا َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن ماجه (‪.)246‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪.)2639‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)142‬ومسلم (‪.)375‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)30‬والرتمذي (‪.)7‬‬
‫‪ | 56‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫وبشجر البوادي تارةً‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وبحائش النخل تارةً‪،‬‬ ‫ِ‬
‫للحاجة باهلدف تارةً‪،‬‬ ‫رت‬
‫وكان يست ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫من األرض‪ ،-‬وأك َث َر‬ ‫وكان َيرتاد ل َب ْوله املَوض َع الدمث ‪-‬وهو ال َّل ِّني َّ‬
‫الر ْخو َ‬
‫ما كان يبول وهو ِ‬
‫قاعد‪.‬‬ ‫َ‬
‫وكان إذا س َّلم عليه أحدٌ وهو يبول مل يرد عليه‪ .‬ذكَره مسلِم يف ص ِ‬
‫حيحه ِ‬
‫عن‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مر(‪.)1‬‬
‫ابن ُع َ‬
‫جلس‬ ‫ِ‬
‫األرض‪ ،‬وكان إذا‬ ‫ِضب يدَ ه بعدَ ذلك عىل‬ ‫وكان إذا استنجى ِ‬
‫باملاء‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫األرض‪.‬‬ ‫حلاجتِه مل ير َف ْع ثو َبه حتى يدنو من‬

‫‪ -36‬فصل يف هَديِه ﷺ يف الفِ ْ‬


‫طرة وتَوانبِ ِعها‬

‫َرجله‪ ،‬و ُطهوره‪ ،‬و َأ ْخذه‪ ،‬و َعطائه‪ ،‬وكانت‬ ‫َّيمن يف تَن ُّعله وت ُّ‬ ‫ِ‬
‫كان ُيعجبه الت ُّ‬
‫الئه ونحوه من إزالة األَ َذى‪.‬‬ ‫ورشابِه و ُطهوره‪ ،‬ويساره خل ِ‬ ‫يمينُه ل َط ِ‬
‫عامه َ‬
‫َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫وكان َهد ُيه يف َح ْلق الرأس تَركَه ك َّله أو َأ ْخذه ك َّله‪ ،‬ومل َيكُن َحيلِق َ‬
‫بعضه‬
‫بعضه‪ ،‬ومل ُحي َفظ عنه ح َل َقه َّإال يف ن ُُسك‪.‬‬
‫و َيدَ ع َ‬
‫من‬ ‫ِ ِ‬ ‫وصائام‪ ،‬وي ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ستاك ُمفطِ ًرا‬
‫السواك‪ ،‬وكان َي ُ‬ ‫ِ‬
‫ستاك عند االنتباه َ‬ ‫ً َ‬ ‫ب ِّ‬‫وكان ُحي ُّ‬
‫وعند ُدخول املَ ِنزل‪ ،‬وكان َيستاك ب ُعود‬ ‫وعند الصالة‪ِ ،‬‬‫وعند الوضوء‪ِ ،‬‬ ‫النَّوم‪ِ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫األَ ِ‬
‫راك‪.‬‬
‫وكان يكثِر التَّطيب ُ ِ‬
‫ب ال ِّطي َ‬
‫ب‪.‬‬ ‫وحي ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)370‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪57‬‬

‫ِ‬
‫وكان َّأو ًال َيسدل َش َ‬
‫عره ُثم َفر َقه‪.‬‬
‫ِ‬
‫واختلف الصحاب ُة يف خضابِه‪ :‬فقال أنس‪ :‬مل خيض ْ‬
‫ب‪ .‬وقال أبو هريرة‪:‬‬
‫خضب‪.‬‬
‫َ‬
‫عائش ُة تارةً‪ ،‬وكان‬ ‫الرتجل‪ ،‬وكان يرجل نَفسه تار ًة وتُرجله ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫ب َّ ُّ‬‫وكان ُحي ُّ‬
‫مجته ت ِ‬
‫َْضب َش ْحمة ُأ ُذ َن ْيه‪ ،‬وإذا طال ج َعله‬ ‫الو ْفرة‪ ،‬وكانت ُ َّ‬ ‫َ‬
‫ودون َ‬ ‫جل َّمة‬‫فوق ا ُ‬‫َش ْعره َ‬
‫َغ ِ‬
‫دائ َر أرب ًعا‪.‬‬

‫سك‪.‬‬‫الطيب إليه امل ِ َ‬


‫ِ‬ ‫ب‬‫أح ُّ‬ ‫وكانت لر ِ‬
‫سول اهلل ﷺ ُسكَّة َيتَط َّيب منها‪ ،‬وكان َ‬ ‫َ‬

‫‪ -37‬فصل يف هديه ﷺ يف قص الشار‬

‫وارب‪،‬‬
‫الش َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ُ « :‬جزُّوا َّ‬ ‫يف صحيح مسل ٍم عن أيب هرير َة قال‪ :‬قال‬
‫املجوس»(‪ ،)1‬ويف الصحيحني عن ابن عمر‪ ،‬عن النبي‬ ‫َ‬ ‫رخوا الل َحى؛ َخالِفوا‬ ‫َ‬
‫وأ ُ‬
‫الشوارب»(‪ ،)2‬ويف صحيح مسلم‬‫َ‬ ‫املَشكني ووفروا الل َحى‪َ ،‬‬
‫وأح ُفوا‬ ‫َ‬ ‫ﷺ‪َ « :‬خالِفوا‬
‫أكثر‬
‫نرتك َ‬ ‫ِ‬
‫األظفار أال َ‬ ‫ِ‬
‫الشارب وتقلي ِم‬ ‫قص‬ ‫عن أنس قال‪« :‬و َّقت لنا ُّ‬
‫النبي ﷺ يف ِّ‬
‫من أربعني ليل ًة»(‪.)3‬‬
‫ِ‬
‫وحلقه أهيام أفضل‪.‬‬ ‫قص الشارب‬
‫السلف يف ِّ‬
‫ُ‬ ‫واختلف‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)260‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)5892‬ومسلم (‪.)259‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)258‬‬
‫‪ | 58‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -36‬فصل يف هَ ْديه ﷺ يف كَالمِه وسُروته وضحِره ونبُرائِه‬

‫رس َعهم أدا ًء‪ ،‬و َأ ُ‬


‫حالهم‬ ‫وأعذ َهبم كال ًما‪ ،‬و َأ َ‬
‫َ‬ ‫فص َح َخ ْلق اهلل‪،‬‬ ‫كان ﷺ َأ َ‬
‫وشهد له بذلك َأ ُ‬
‫عداؤه‪،‬‬ ‫األرواح‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫َمنطِ ًقا‪ ،‬حتى إن كال َمه َي ُ‬
‫أخذ بال ُقلوب و َيسبِي‬
‫وكان إذا تَك َّلم تَك َّلم بكَالم ُم َّ‬
‫فصل ُمبني َي ُعدُّ ه العا ُّد‪ ،‬ليس َهب ٍّذ ُمرسع ال ُحي َفظ‪ ،‬وال‬
‫أكم ُل اهلَدْ ي‪.‬‬
‫َتات بني أفراد الكلم‪ ،‬بل َهد ُيه فيه َ‬ ‫ُمن َقطِع يتَخ َّلله السك ُ‬
‫رس َدكم هذا‪ ،‬ولكِ ْن كان َيتَك َّلم‬ ‫رسد َ ْ‬‫سول اهلل ﷺ َي ُ‬ ‫عائش ُة‪ :‬ما كان َر ُ‬ ‫قالت ِ‬

‫بكَالم ِّبني َف ْصل َحي َف ُظه َمن ج َل َس إليه‪ ،‬وكان ك ً‬


‫َثريا ما ُيعيد الكَلمة ثال ًثا لتُع َقل‬
‫السكوت ال َيت َك َّلم يف غري حاجة‪،‬‬ ‫َ‬
‫طويل ُّ‬ ‫عنه‪ ،‬وكان إذا س َّلم س َّلم ثال ًثا‪ ،‬وكان‬
‫تقصري‪ ،‬وكان ال َيتَك َّلم فيام ال َيعنِيه‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫فضول وال‬ ‫ويتك َّل ُم بجوام ِع الكال ِم‪ٌ ،‬‬
‫فصل ال‬
‫ف يف وجهه‪ ،‬ومل يكُن ِ‬
‫فاح ًشا‬ ‫كر َه الِش َء ُع ِر َ‬‫وال َيتَك َّلم َّإال فيام َيرجو ثوابه‪ ،‬وإذا ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫َّبسم‪ ،‬فكان ِهناية‬ ‫َّبسم‪ ،‬بل ك ُّله الت ُّ‬
‫ِ‬
‫َفح ًشا وال َص َّخا ًبا‪ ،‬وكان ُج ُّل ضحكه الت ُّ‬ ‫وال ُمت ِّ‬
‫َبدو ن ِ‬
‫َواج ُذه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ضحكه أن ت َ‬
‫ور ْفع َصوت‪ ،‬كام مل‬ ‫بشهيق َ‬ ‫ضحكِه‪ ،‬مل َيكُن َ‬ ‫كاؤه ﷺ فكان من ِجنْس ِ‬ ‫وأ َّما ُب ُ‬
‫لصدْ ره َأ ٌ‬
‫زيز‪.‬‬ ‫ولكن كان تَد َمع َعينا ُه حتَّى َهت َ‬‫ضحكُه ب َقهقهة‪ِ ،‬‬ ‫يكُن ِ‬
‫سمع َ‬ ‫مال‪ ،‬و ُي َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وش َفقة‪ ،‬وتار ًة من َخ ْشية‬ ‫كاؤه تار ًة رمح ًة للميت‪ ،‬وتار ًة خو ًفا عىل ُأ َّمته َ‬ ‫وكان ُب ُ‬
‫وحمبة وإِجالل م ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للخ ْوف‬ ‫صاحب َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫اهلل‪ ،‬وتار ًة عند َسامع ال ُقرآن‪ ،‬وهو ُبكاء اشتياق َ َّ‬
‫ُيزَ ُن‬ ‫إبراهيم د َم َع ْت عينا ُه وبكَى رمح ًة له وقال‪« :‬تَدْ َم ُع ا ْل َع ْ ُ‬
‫ني َو َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫واخلَ ْشية‪ ،‬وملَّا مات ابنُه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُون»(‪.)1‬‬‫يم َمل ْحزُون َ‬ ‫ول إِ َّال َما ُي ْرِض َر َّبنَا‪َ ،‬وإِنَّا بِ َك َيا إِ ْب َراه ُ‬
‫ب‪َ ،‬و َال َن ُق ُ‬
‫ا ْل َق ْل ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)1303‬ومسلم (‪.)2315‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪59‬‬

‫وكان َيبكَي أحيانًا يف َصالة ال َّل ْيل‪.‬‬

‫فصل يف هَ ْديه ﷺ يف خُ َ‬
‫ط ِبه‬ ‫‪-39‬‬

‫خ َطب ﷺ عىل األَ ْرض‪ ،‬وعىل امل ِ َنرب‪ ،‬وعىل ال َبعري‪ ،‬وعىل الناقة‪ ،‬وكان إذا‬
‫نذر َج ْيش َيقول‪:‬‬ ‫غضبه‪ ،‬حتَّى كأنه م ِ‬ ‫خ َطب ا َ‬
‫ُ‬ ‫مح َّر ْت َعينا ُه‪ ،‬وعال صوتُه‪ ،‬واشتَدَّ َ ُ‬
‫السا َع ُة ك ََهات ْ ِ‬
‫َني»(‪َ ،)2‬و َي ْق ِر ُن بني‬ ‫ت َأنا َو َّ‬ ‫« َص َّب َحك ُْم َو َم َّساك ُْم» ‪ ،‬و َيقول ﷺ‪ُ « :‬ب ِع ْث ُ‬
‫(‪)1‬‬

‫تاب اهللِ‪َ ،‬و َخ ْ َري‬ ‫ُأصبعيه السبابة والوس َطى‪ ،‬ويقول‪َ « :‬أما بعدُ ‪ ،‬فإِ َّن َخري َ ِ ِ‬
‫احلديث ك ُ‬ ‫َْ‬ ‫َّ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ ْ َّ َّ‬
‫ثاُتا‪َ ،‬وك َُّل بِدْ َع ٍة َض َال َل ٍة»(‪.)3‬‬ ‫ُ ِ‬ ‫َْاهلدْ ِي هدْ ي ُ َ ٍ‬
‫حم َّمد‪َّ َ ،‬‬
‫وِش األمور ُحمْدَ ُ َ‬ ‫َ ُ‬

‫وكان ال َخي ُطب ُخطبة َّإال اف َتتَحها َ‬


‫بح ْمد اهلل‪ ،‬وكان َخي ُطب ً‬
‫قائام‪.‬‬

‫َثريا َخي ُطب بال ُقرآن‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫وكان َخيتم ُخطبته باالست ْغفار‪ ،‬وكان ك ً‬
‫ِ‬
‫وحمامده‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وأوصاف كامله‬ ‫ِ‬
‫والثناء عليه بآالئه‬ ‫وكان مدار خطبِه عىل ِ‬
‫محد اهلل‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫وتبيني‬ ‫ِ‬
‫واألمر بتقوى اهلل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واملعاد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والنار‬ ‫ِ‬
‫اجلنة‬ ‫ِ‬
‫وذكر‬ ‫وتعلي ِم قواعد اإلسالم‪،‬‬
‫مدار خطبِه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫موارد غضبه ومواق ِع رضاه‪ ،‬فعىل هذا كان ُ‬
‫املخاطبني ومصلحتُهم‪.‬‬
‫َ‬ ‫وقت بام تقتضيه حاج ُة‬ ‫كل ٍ‬ ‫خيطب يف ِّ‬ ‫وكان‬
‫ُ‬
‫أخ َذ املُؤ ِّذن‬
‫اس َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫درجات‪ ،‬فإذا است ََوى عليه واستَق َبل الن َ‬ ‫ثالث َ‬ ‫نربه‬
‫وكان م َ ُ‬
‫أحدٌ صوتَه‬ ‫يف األذان ف َق ْط‪ ،‬ومل َي ُق ْل شي ًئا قب َله وال بعدَ ه‪ ،‬فإذا َ‬
‫أخ َذ يف اخلُ ْطبة مل َير َفع َ‬
‫ٍ‬
‫غريه‪.‬‬‫بِشء ال َب َّت َة ال ُمؤ ِّذن وال ُ‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)867‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)6504‬ومسلم (‪.)2951‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)867‬‬
‫‪ | 61‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫الشهادة‪،‬‬ ‫وتشهدَ فيها بكلمتَي‬ ‫ِ‬
‫بحمد اهلل‪،‬‬ ‫افتتحها‬ ‫خيطب خطب َة إال‬ ‫ومل يكن‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫خطبة ليس فيها تشهدٌ‬ ‫كل‬ ‫ِ‬
‫باسمه العل ِم‪ ،‬وثبت عنه أنه قال‪ُّ « :‬‬ ‫نفسه‬
‫ويذكر فيها َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫اجلذماء»(‪.)1‬‬ ‫فهي كاليد‬

‫رجع إىل ُخ ْطبته‪ ،‬وكان‬ ‫عارض اش َت َغل به ُث َّم َ‬ ‫وكان إذا َع َرض له يف ُخطبته ِ‬
‫مح َر ْين‪ ،‬فق َط َع كال َمه َ‬
‫فنزل‬ ‫ميص ْني َأ َ‬‫سني َيع ُثران يف َق َ‬ ‫احلس ُن واحلُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َخي ُطب فجاء‬
‫ِ‬
‫ظيم ﴿ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ﴾‬ ‫فحم َل ُهام ُثم عاد إىل امل َنرب ُثم قال‪« :‬صدَ َق اهللُ ال َع ُ‬ ‫َ‬
‫ت ك ََال ِمي‬ ‫َ‬ ‫ان ِيف َق ِم َ ِ‬
‫يص ْيه َام َف َل ْم أ ْص ِ ْ‬
‫َب َحتَّى َق َط ْع ُ‬ ‫ت َه َذ ْي ِن َي ْع ُث َر ِ‬‫[التغابن‪َ ]15 :‬ر َأ ْي ُ‬
‫َف َح َم ْلت ُُه َام»(‪.)2‬‬

‫حاجة الناس‪ ،‬وكانت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫بحسب‬ ‫يقرص خطبتَه أحيانًا ويطي ُلها أحيانًا‬ ‫وكان‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الراتبة‪.‬‬ ‫أطول من خطبِه‬
‫َ‬ ‫خط ُبه العارض ُة‬

‫دة يف األَعياد‪َ ،‬‬


‫وحي ُضهن عىل الصدَ قة‪ ،‬واهللُ‬ ‫وكان َخي ُطب النِّساء عىل ِح ٍ‬
‫َ‬
‫َأع َل ُم‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)4841‬والرتمذي (‪.)1106‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)1109‬والرتمذي (‪.)3774‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪60‬‬

‫[القس الثان ]‬
‫فصول يف هديه ﷺ يف العبادات‬
‫‪ | 62‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪63‬‬

‫[بوال‪ :‬كتا الطهارة]‬

‫‪ -1‬فصل يف هديِه ﷺ يف الوضوءِ‬

‫غالب أحيانِه‪ ،‬ور َّبام َّ‬


‫صىل الصلوات ُبوضوء‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫صالة يف‬ ‫يتوضأ لكل‬
‫كان ﷺ َّ‬
‫يتوضأ باملُدِّ تارةً‪ ،‬وب ُثلثيه تارةً‪ ،‬وبأزيدَ منه تارةً‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫واحد‪ ،‬وكان َّ‬
‫ِ‬
‫بعض‬ ‫مرتني‪ ،‬وثال ًثا ثال ًثا‪ ،‬ويف‬
‫مر ًة مرة‪ ،‬ومرتني َّ‬
‫توضأ َّ‬
‫وصح عنه ﷺ أنه َّ‬
‫ِ‬
‫وبعضها ثال ًثا‪.‬‬ ‫مرتني‬
‫األعضاء َّ‬
‫ٍ‬
‫بثالث‪،‬‬ ‫مض ويستنشق‪ ،‬تار ًة ب َغ ٍ‬
‫رفة‪ ،‬وتار ًة ب َغرفتني‪ ،‬وتار ًة‬ ‫يتمض ُ‬
‫ْ‬ ‫وكان‬
‫نصف الغرفة ِ‬
‫لفمه ونص َفها ألنفه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫واالستنشاق‪ ،‬فيأخذ‬ ‫يصل بني املضمضة‬ ‫وكان ُ‬
‫ِ‬
‫الغرفة إال هذا‪.‬‬ ‫وال يمكن يف‬

‫صحيح الب َّت َة‪.‬‬


‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حديث‬ ‫ِ‬
‫واالستنشاق يف‬ ‫ِ‬
‫املضمضة‬ ‫ُ‬
‫الفصل بني‬ ‫ومل جيئ‬
‫رأسه ُك َّله‪ ،‬وتار ًة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وكان يستنشق بيده ال ُيمنى ويستنث ُر باليرسى‪ ،‬وكان يمسح َ‬
‫حديث من قال‪ :‬مسح ِ‬ ‫ُيقبِل بيديه و ُيدبر‪ ،‬وعليه ُحيمل‬
‫والصحيح‬
‫ُ‬ ‫برأسه مرتني‪.‬‬ ‫ُ َ‬
‫أنه مل يكن يكرر مسح ِ‬
‫رأسه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫رأسه البتة‪ ،‬ولكن‬ ‫بعض ِ‬
‫ِ‬ ‫اقترص عىل مسح‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫يصح عنه يف حديث واحد أنه َ َ‬ ‫ومل َّ‬
‫كمل عىل العام ِ‬
‫مة‪.‬‬ ‫مسح بناصيتِه َ‬
‫كان إذا َ‬
‫واستنشق‪ ،‬ومل ُحيفظ عنه أنه َّ‬
‫أخل به‬ ‫َ‬ ‫متض َم َض‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ إال ْ‬ ‫يتوضأ‬
‫ومل َّ‬
‫مر ًة واحدةً‪ .‬وكذلك كان ُوضوؤه مرت ًبا متوال ًيا مل ُخي َّل به مر ًة واحد ًة الب َّت َة‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪ | 64‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫والعاممة‬ ‫ِ‬
‫الناصية‬ ‫رأسه تارةً‪ ،‬وعىل ِ‬
‫العاممة تارةً‪ ،‬وعىل‬ ‫وكان يمسح عىل ِ‬
‫ِ‬
‫الناصية ُجم َّرد ًة فلم ُحيفظ عنه‪.‬‬ ‫اقتصاره عىل‬ ‫تارةً‪ ،‬وأما‬
‫ُ‬
‫ويمسح عليهام إذا‬
‫ُ‬ ‫ني وال جور َب ِ‬
‫ني‪،‬‬ ‫يغسل رج َليه إذا مل يكونا يف خ َّف ِ‬
‫ُ‬ ‫وكان‬
‫ني [أو اجلور َب ِ‬
‫ني]‪.‬‬ ‫كانا يف اخل َف ِ‬

‫ظاهرمها وباطنَهام‪ ،‬ومل َيثبت‬ ‫يمسح‬ ‫رأسه‪ ،‬وكان‬ ‫وكان يمسح أذنيه مع ِ‬
‫ماء ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عمر‪.‬‬
‫ابن َ‬ ‫صح ذلك عن ِ‬ ‫عنه أنه َ‬
‫أخذ هلام ما ًء جديدً ا‪ ،‬وإنام َّ‬
‫حديث الب َّت َة‪ ،‬ومل ُحيفظ عنه أنه كان يقول عىل‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫مسح ال ُعنق‬ ‫يصح عنه يف‬
‫َّ‬ ‫ومل‬
‫أذكار الوضوء الذي يقال عليه ِ‬
‫فكذ ٌب‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫حديث يف‬ ‫ِ‬
‫التسمية‪ ،‬وك ُُّل‬ ‫غري‬
‫ُ‬ ‫ُوضوئه شي ًئا َ‬
‫رسول اهلل ﷺ شي ًئا منها‪ ،‬وال ع َّلمه ألُ َّمتِه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُخم ٌ‬
‫تلق مل يقل‬

‫بت عنه التسمي ُة يف أولِه‪ ،‬وقو ُله‪« :‬أشهدُ أن ال إل َه إال ا ُ‬


‫هلل وحدَ ه ال ِشيك‬ ‫و َث َ‬
‫أن حممدً ا عبدُ ه ورسو ُله»(‪ )1‬يف ِ‬
‫آخره‪.‬‬ ‫له‪ ،‬وأشهدُ َّ‬
‫ِ‬
‫الصالة‪ ،‬ال هو وال‬ ‫نويت رفع احلدَ ث‪ ،‬وال استباح َة‬
‫ُ‬ ‫يقول يف َّأولِه‪:‬‬ ‫ومل يكن ُ‬
‫ٍ‬
‫صحيح وال‬ ‫ٍ‬
‫بإسناد‬ ‫حرف واحدٌ ‪ ،‬ال‬
‫ٌ‬ ‫أحدٌ من أصحابه الب َّت َة‪ ،‬ومل ُيرو عنه يف ذلك‬
‫ٍ‬
‫ضعيف‪.‬‬

‫الثالث َق ُّط‪ ،‬وكذلك مل َيث ُبت عنه أنه ِتاوز املِرفقني والكَعبني‪.‬‬
‫َ‬ ‫ومل يتجاوز‬

‫صح عنه يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬


‫تنشيف أعضائه بعد الوضوء‪ ،‬وال َّ‬
‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ يعتا ُد‬ ‫ومل يكن‬
‫صح عنه خال ُفه‪.‬‬
‫حديث الب َّت َة‪ ،‬بل الذي َّ‬
‫ٌ‬ ‫ذلك‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)234‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪65‬‬

‫صب عىل‬ ‫صب عليه املا ُء كلام توضأ‪ ،‬ولكن تارة َي ُّ‬ ‫ومل يكن من ِ‬
‫هديه ﷺ أن ُي َّ‬
‫ٍ‬
‫حلاجة‪.‬‬ ‫صب عليه أحيانًا‬ ‫ِ‬
‫نفسه‪ ،‬وربام عاونه من َي ُّ‬
‫اختلف أئم ُة‬
‫َ‬ ‫خيلل حليتَه أحيانًا‪ ،‬ومل يكن ُيواظِب عىل ذلك‪ ،‬وقد‬ ‫وكان ُ‬
‫ختليل األصاب ِع مل يكن ُحي ُ‬
‫افظ عليه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫احلديث فيه‪ ،‬وكذلك ُ‬

‫‪ -2‬فصل يف هديه ﷺ يف املسح على اخلُفَّني‬

‫ُويف‪ ،‬وو َّقت‬


‫فر‪ ،‬ومل ُينسخ ذلك حتى ت ِّ‬ ‫والس ِ‬
‫احلْض َّ‬
‫مسح يف َ‬
‫صح عنه ﷺ أنه َ‬
‫أحاديث ِح ٍ‬
‫سان‬ ‫َ‬ ‫وللمسافر ثالث َة أيام ولياليهن يف ِعدَّ ة‬
‫ِ‬ ‫للمقيم يو ًما وليل ًة‪،‬‬
‫ُ‬
‫مسح أسف َلهام إال يف‬
‫َ‬ ‫يصح عنه أنه‬
‫َّ‬ ‫ظاهر اخلفني‪ ،‬ومل‬
‫َ‬ ‫وصحاح‪ ،‬وكان يمسح‬ ‫ٍ‬
‫واألحاديث الصحيح ُة عىل خالفِه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫حديث منقطعٍ‪،‬‬

‫مقترصا عليها ومع‬ ‫ِ‬


‫العاممة‬ ‫ومسح عىل‬ ‫ني والنع َل ِ‬
‫ني‪،‬‬ ‫ومسح عىل اجلور َب ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫أحاديث‪.‬‬ ‫فعال وأمرا يف ِ‬
‫عدة‬ ‫الناصية‪ ،‬وثبت عنه ذلك ً‬
‫ً‬
‫مسح‬
‫َ‬ ‫ف‬‫يتكلف ضدَّ حالِه التي عليها قدَ ماه‪ ،‬بل إن كانتا يف اخلُ ِّ‬
‫ُ‬ ‫ومل يكن‬
‫مسح‬‫ف ل َي َ‬ ‫غس َل القدمني ومل يلبس اخلُ َّ‬ ‫عهام‪ ،‬وإن كانتا مكشوفتَني َ‬ ‫عليهام ومل ِ‬
‫ينز ُ‬
‫املسح وال َغسل‪ ،‬قاله ُ‬
‫شيخنا(‪،)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األفضل من‬ ‫ِ‬
‫مسألة‬ ‫ِ‬
‫األقوال يف‬ ‫ُ‬
‫أعدل‬ ‫عليه‪ ،‬وهذا‬
‫واهلل أعلم‪.‬‬

‫(‪ )1‬الفتاوى الكربى البن تيمية ‪.304/5‬‬


‫‪ | 66‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -3‬فصل يف هديِه ﷺ يف التمدُّ ِ‬

‫تيم َم‬ ‫ٍ‬


‫واحدة للوجه والك َّفني‪ ،‬ومل‬ ‫ٍ‬
‫يصح عنه أنه َّ‬
‫َّ‬ ‫بْضبة‬ ‫يتيم ُم‬
‫كان ﷺ َّ‬
‫بْضبتني وال إىل املِرفقني‪.‬‬

‫رمال‪،‬‬ ‫ِ‬
‫باألرض التي ُيصيل عليها ترا ًبا كانت أو سبخ ًة أو ً‬ ‫يتيم ُم‬
‫وكذلك كان َّ‬
‫رجال من أمتي الصال ُة فعنده مسجدُ ه‬ ‫ً‬ ‫أدركت‬
‫ْ‬ ‫وصح عنه أنه قال‪« :‬حيثام‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫فالرمل له‬ ‫ِ‬
‫الرمل‬ ‫رصيح يف أن من أدركته الصال ُة يف‬
‫ٌ‬ ‫نص‬ ‫و َط ُ‬
‫هوره» ‪ ،‬وهذا ٌّ‬
‫(‪)1‬‬

‫طهور‪.‬‬
‫ٌ‬
‫قائام‬ ‫ٍ‬
‫التيمم وجعله ً‬
‫َ‬ ‫أطلق‬
‫أمر به‪ ،‬بل َ‬ ‫التيمم لكل صالة‪ ،‬وال َ‬
‫ُ‬ ‫يصح عنه‬
‫َّ‬ ‫ومل‬
‫ُ‬
‫الدليل خال َفه‪.‬‬ ‫حكمه‪ ،‬إال فيام اقتَض‬
‫َ‬ ‫حكمه‬
‫ُ‬ ‫مقا َم الوضوء‪ ،‬وهذا يقتِض أن يكون‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد ‪.)22137( 451/36‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪67‬‬

‫[ثانما‪ :‬كتا الصالة]‬

‫‪ -1‬فصل يف هديِه ﷺ يف الصال ِة‬

‫أكَب»(‪ )1‬ومل يقل شي ًئا قبلها‪ ،‬وال تل َّفظ‬ ‫ِ‬


‫كان ﷺ إذا قام إىل الصالة قال‪« :‬اهلل ُ‬
‫بالن َّي ِة‪.‬‬
‫ً‬
‫ستقبال هبا القبلة إىل فرو ِع أذنيه‪،‬‬ ‫وكان يرفع يديه معها ممدود َة األصاب ِع ُم‬
‫يضع ال ُيمنى عىل ِ‬
‫ظهر ال ُيرسى‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وروي‪ :‬إىل َمنكبيه‪ ،‬ثم ُ‬
‫باعدت بني املََشق‬
‫َ‬ ‫اللهم باعد بينِي وبني خطاياي كام‬‫وكان يستفتح تار ًة بـ« َّ‬
‫اللهم نقني من الذنوب‬
‫َّ‬ ‫والَب ِد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اللهم اغسلني من خطاياي باملاء والثلجِ َ‬ ‫َّ‬ ‫واملَ ِ‬
‫غرب‪،‬‬
‫نس»(‪.)2‬‬ ‫الثوب األبيض من الدَّ ِ‬
‫ُ‬ ‫واخلطايا كام ُين َّقى‬
‫ِ‬
‫السموات واألرض حني ًفا وما أنا‬ ‫فطر‬
‫وجهي للذي َ‬
‫َ‬ ‫هت‬
‫وج ُ‬
‫وتار ًة يقول‪َّ « :‬‬
‫من املَُشكني (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫اللهم أنت املَلك ال إله إال‬ ‫َّ‬ ‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [األنعام‪]163-162 :‬‬
‫فاغفر َل ُذنويب مجي ًعا‪،‬‬‫ْ‬ ‫واعرتفت بذنبي‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ظلمت نفيس‬
‫ُ‬ ‫أنت‪ ،‬أنت ريب وأنا عبدُ ك‪،‬‬ ‫َ‬
‫أنت‪،‬‬ ‫األخالق ال ََيدي ألحسنِها إال َ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ألحسن‬ ‫إنه ال يغفر الذنوب إال أنت‪ِ ،‬‬
‫واهدين‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وسعديك‪،‬‬ ‫يك َ‬ ‫وارصف عني سي َئ األخالق‪ ،‬ال يِصف عني سيئَها إال أنت‪ ،‬ل َّب َ‬ ‫ْ‬
‫وتعاليت‪،‬‬
‫َ‬ ‫تباركت‬
‫َ‬ ‫والَش ليس إليك‪ ،‬أنا بك وإليك‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫واخلري ُك ُّله يف َيديك‪،‬‬
‫ُ‬
‫وأتوب إليك»(‪.)3‬‬
‫ُ‬ ‫أستغفرك‬
‫ُ‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)738‬ومسلم (‪.)390‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)744‬ومسلم (‪.)598‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)771‬‬
‫‪ | 68‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫الليل‪.‬‬ ‫االستفتاح إنام كان يقو ُله يف قيا ِم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫املحفوظ أن هذا‬ ‫ولك َّن‬
‫ِ‬
‫السموات‬ ‫فاطر‬ ‫َ‬
‫وإرسافيل‪،‬‬ ‫َ‬
‫وميكائيل‬ ‫َ‬
‫جَبائيل‬ ‫رب‬
‫َ‬ ‫اللهم َّ‬
‫وتار ًة يقول‪َّ « :‬‬
‫ِ‬
‫عبادك فيام كانوا فيه ََيتلفون‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والشهادة‪ ،‬أنت حتكم بني‬ ‫ِ‬
‫الغيب‬ ‫واألرض‪ ،‬عامل َ‬
‫ٍ‬
‫رصاط مستقيم»(‪.)1‬‬ ‫تشاء إىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهدين ملا اختُلف فيه من احلق بإذنك‪ ،‬فإنك ُتدي َمن ُ‬
‫ِ‬
‫واألرض ومن‬ ‫نور السموات‬
‫اللهم لك احلمدُ ‪ ،‬أنت ُ‬
‫وتارة يقول‪َّ « :‬‬
‫َ‬
‫احلديث(‪.)2‬‬ ‫فيهن‪»...‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫الشيطان الرجيم»‪ ،‬ثم يقر ُأ الفاحت َة‪،‬‬ ‫وكان يقول بعد ذلك‪« :‬أعو ُذ باهلل من‬
‫أكثر مما َجيهر هبا‪.‬‬ ‫وكان َجيهر بـ(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [الفاحتة‪ ]1 :‬تارةً‪ُ ،‬‬
‫وخيفيها َ‬
‫وكانت قراءتُه مدًّ ا يقف عند ك ُِّل ٍ‬
‫آية و َي ُمدُّ هبا صوتَه‪.‬‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالقراءة رفع هبا‬ ‫فإذا فر َغ من قراءة الفاحتة قال‪َ « :‬‬
‫آمني»(‪ ،)3‬فإن كان جيهر‬
‫صوتَه وقاهلا َمن خل َفه‪.‬‬

‫التكبري والقراءة‪ ،‬وعنها سأله أبو ُهرير َة(‪،)4‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬


‫كتتان‪ :‬سكت ٌة بني‬ ‫وكان له َس‬
‫وقبل الركوعِ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫القراءة َ‬ ‫ِ‬
‫الفاحتة‪ ،‬وقيل‪ :‬إهنا بعد‬ ‫ِ‬
‫الثانية؛ ُفروي أهنا بعد‬ ‫واختُلف يف‬
‫ُ‬
‫الثالثة‬ ‫غري األوىل فتكون ثال ًثا‪ ،‬وال ُ‬
‫ظاهر إنام هي اثنتان فقط‪ ،‬وأما‬ ‫وقيل‪ :‬هي سكتتان ُ‬
‫ِ‬
‫السكتة‬ ‫ِ‬
‫بخالف‬ ‫فلطيف ٌة جدًّ ا؛ ألجل ترا ِّد النفس ومل يكن ُ‬
‫يصل القراء َة بالركوع‪،‬‬
‫ِ‬
‫قراءة املأمو ِم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ألجل‬ ‫االستفتاح‪ ،‬والثاني ُة قد قيل‪ :‬إهنا‬
‫ِ‬ ‫األوىل‪ ،‬فإنه كان جيع ُلها ِ‬
‫بقدر‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)770‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)1120‬ومسلم (‪.)769‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)782‬ومسلم (‪.)410‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)744‬ومسلم (‪.)598‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪69‬‬

‫غريها‪ ،‬وكان ُيطي ُلها تار ًة ُ‬


‫وخي ِّففها‬ ‫ٍ‬
‫سورة ِ‬ ‫ِ‬
‫الفاحتة أخذ يف‬ ‫ِ‬
‫قراءة‬ ‫فإذا فرغ من‬
‫ويتوسط فيها غال ًبا‪.‬‬
‫َّ‬ ‫سفر أو ِ‬
‫غريه‪،‬‬ ‫لعارض من ٍ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫بسورة (ق)‪،‬‬ ‫مئة ٍ‬
‫آية‪ ،‬وصالها‬ ‫ستني آي ًة إىل ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الفجر بنحو‬ ‫وكان يقرأ يف‬
‫وصالها بـ(ﭩ ﭪ)‪ ،‬يف‬ ‫َّ‬ ‫وصالها بـ(ﭑ ﭒ ﭓ)‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وصالها بـ(الروم)‪،‬‬
‫فافتتح‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫السفر‪ ،‬وصالها‬ ‫وصالها بـ(املُ ِّ‬
‫عوذتني) وكان يف‬ ‫َّ‬ ‫الركعتني كِل َت ْيهام‪،‬‬
‫ِ‬
‫الركعة األوىل أخذتْه سعل ٌة‬ ‫كر موسى وهارون يف‬ ‫بـ(سورة املؤمنني) حتى َ ِ‬
‫بلغ ذ َ‬
‫فركع‪.‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫وسورة‪( :‬ﯜ ﯝ‬ ‫ِ‬
‫السجدة‪،‬‬ ‫وكان ُيص ِّليها يو َم اجلمعة بـ(ﭑ ﭒ ﭓ)‬
‫َني ملا اشتملتا عليه ِمن ِ‬
‫ذكر‬ ‫َني السورت ِ‬
‫ﯞ ﯟ) كاملتني‪ ،‬وإنام كان ﷺ يقر ُأ هات ِ‬
‫ِ‬
‫اجلمعة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫يكون يف يو ِم‬ ‫ِ‬
‫والنار‪ ،‬وذلك مما‬ ‫ِ‬
‫اجلنة‬ ‫ِ‬
‫ودخول‬ ‫ِ‬
‫وخلق آدم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واملعاد‪،‬‬ ‫املبدأِ‬
‫ِ‬
‫بحوادث هذا‬ ‫ِ‬
‫لألمة‬ ‫تذكريا‬ ‫فجرها ما كان ويكون يف ذلك اليوم‪،‬‬ ‫فكان يقر ُأ يف ِ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫واجلمعة سور َة (ق) و(اقرتبت)‬ ‫اليو ِم‪ ،‬كام كان يقر ُأ يف املجام ِع العظا ِم كاأل ِ‬
‫عياد‬
‫و(سبح) و(الغاشية) ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫سعيد‪ :‬كانت صال ُة‬ ‫قراءهتا أحيانًا‪ ،‬حتى قال أبو‬
‫َ‬ ‫الظهر فكان ُي ُ‬
‫طيل‬ ‫وأ َّما‬
‫ُ‬
‫فيتوضأ و ُي ُ‬
‫درك‬ ‫َّ‬ ‫الذاهب إىل البقي ِع فيقِض حاجتَه‪ ،‬ثم يأيت أه َله‬
‫ُ‬ ‫الظهر تُقام فيذهب‬
‫ِ‬
‫الركعة األوىل مما ُيطيلها‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬ ‫النبي ﷺ يف‬
‫َّ‬
‫وكان يقر ُأ فيها تار ًة بقدر سورة (ﭑ ﭒ ﭓ)‪ ،‬وتار ًة بـ(ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ)‪ ،‬ونحو (ﮖ ﮗ ﮘ)‪ ،‬وتار ًة بـ(ﭑ ﭒ ﭓ)‪ ،‬و(ﭑ ﭒ)‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)454‬‬


‫‪ | 71‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫وبقدرها إذا‬ ‫ِ‬
‫صالة الظهر إذا طالت‪،‬‬ ‫ِ‬
‫قراءة‬ ‫العرص فعىل النِّصف من‬ ‫وأما‬
‫ُ‬
‫َق ُرصت‪.‬‬

‫مر ًة‬ ‫ِ‬


‫عمل الناس اليو َم‪ ،‬فإنه صالها َّ‬ ‫خالف‬
‫َ‬ ‫املغرب فكان هد ُيه فيها‬
‫ُ‬ ‫وأما‬
‫ومر ًة باملرسالت‪ ،‬فاملحافظ ُة فيها‬
‫ومر ًة بالطور‪َّ ،‬‬
‫بـ(األعراف) َّفرقها يف الركعتني‪َّ ،‬‬
‫السن َِّة‪.‬‬
‫خالف ُّ‬
‫ُ‬ ‫فص ِل‬ ‫ِ‬
‫قصار املُ َّ‬
‫ِ‬
‫القصرية من‬ ‫ِ‬
‫والسورة‬ ‫ِ‬
‫القصرية‬ ‫عىل ِ‬
‫اآلية‬
‫العشاء اآلخر ُة فقر َأ فيها ﷺ بـ(ﭑ ﭒ)‪ ،‬وو َّقت ملُ ٍ‬
‫عاذ فيها‬ ‫وأما ِ‬
‫ُ‬
‫وأنكر‬
‫َ‬ ‫ونحوها‪،‬‬
‫َ‬ ‫بـ(ﭑ ﭒ)‪ ،‬و(ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) و(ﮖ ﮗ ﮘ)‬
‫صىل معه ثم ذهب إىل بني ٍ‬
‫عمرو‪ ،‬فأعا َدها هبم بعد‬ ‫عليه قرا َءته فيها بالبقرة بعد ما َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫َّان أنت يا ُمعا ُذ»‬ ‫ِ‬
‫الليل ما شاء اهلل‪ ،‬وقرأ البقرة؛ وهلذا قال له‪« :‬أفت ٌ‬ ‫مَض من‬ ‫ما َ‬
‫الكلمة‪ ،‬ومل ي ِ‬
‫لتفتوا إىل ما قب َلها وال ما بعدَ ها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫فتع َّلق الن َّقارون هبذه‬
‫َ‬
‫اجلمع ُة فكان يقر ُأ فيها بسوريت‪( :‬اجلمعة) و(املنافقني) كاملتني‬
‫ُ‬ ‫وأما‬
‫وسوريت‪( :‬سبح) و(الغاشية)‪.‬‬

‫بسوريت‪( :‬ق) و(اقرتبت) كاملتني‪،‬‬ ‫ِ‬


‫فتار ًة كان يقرأ ُ‬
‫وأما قراءتُه يف األعياد؛ َ‬
‫دي الذي استمر ﷺ عليه إىل أن‬
‫وتارة بسوريت (سبح) و(الغاشية)‪ ،‬وهذا هو اهل َ ُ‬
‫ْ‬
‫ينسخه يش ٌء‪.‬‬ ‫لقي اهلل سبحانه مل‬

‫وقول أنس ‪« :‬كان‬ ‫ُ‬ ‫الناس ف ْل ُيخفف»(‪،)2‬‬


‫َ‬ ‫وأما قو ُله ﷺ‪« :‬أ ُّيكم أ َّم‬
‫نسبي يرجع إىل ما فعله‬
‫ٌّ‬ ‫أمر‬ ‫ِ‬
‫الناس صال ًة يف متا ٍم»؛ فالتخفيف ٌ‬ ‫أخف‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)705‬ومسلم (‪.)465‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)90‬ومسلم (‪.)466‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪70‬‬

‫يواظب عليه هو‬ ‫ِ‬


‫شهوة املأمومني‪ ،‬وهد ُيه الذي كان‬ ‫وواظب عليه‪ ،‬ال إىل‬ ‫النبي ﷺ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫تنازع فيه املتنازعون‪.‬‬
‫َ‬ ‫احلاكم يف ك ُِّل ما‬
‫ُ‬
‫الصلوات سور ًة بعينِها ال يقر ُأ إال هبا‪ ،‬إال يف اجلم ِ‬
‫عة‬ ‫ِ‬ ‫عني يف‬
‫وكان ﷺ ال ُي ِّ ُ‬
‫ُ‬
‫والعيدين‪.‬‬
‫ِ‬
‫السورة كامل ًة‪ ،‬وربام قرأها يف ركعتني‪ ،‬وربام قر َأ َّأو َل‬ ‫وكان من هديه قراء ُة‬
‫فظ عنه‪ ،‬وأما قراء ُة السورتني‬ ‫السور وأوساطِها فلم ُحي ْ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أواخر‬ ‫ِ‬
‫السورة‪ ،‬وأما قراء ُة‬
‫فظ عنه‪ ،‬وأما قراء ُة‬ ‫ِ‬
‫الفرض فلم ُحي ْ‬ ‫ركعة فكان ﷺ يفع ُله يف الناف َل ِة‪ ،‬وأما يف‬ ‫ٍ‬ ‫يف‬
‫ٍ‬
‫واحدة يف ركعتني م ًعا فقلام كان يفع ُله‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫سورة‬

‫الصبح‪ ،‬ومن ك ُِّل‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صالة‬ ‫ِ‬
‫الثانية من‬ ‫وكان ﷺ ُي ُ‬
‫طيل الركع َة األوىل عىل‬
‫ٍ‬
‫وقع قد ٍم‪.‬‬ ‫صالة‪ ،‬وربام كان يطي ُلها حتى ال ُي َ‬
‫سمع ُ‬
‫ألن َ‬
‫قرآن الفجر‬ ‫أكثر من ِ‬
‫سائر الصلوات؛ وهذا َّ‬ ‫ِ‬
‫الصبح َ‬ ‫وكان ُيطيل صال َة‬
‫نقصتْه من‬ ‫نقصت عد ُد ركعاهتا ُجعل تطوي ُلها ً‬
‫عوضا عام َ‬ ‫وأيضا فإهنا ملا َ‬ ‫مشهو ٌد‪ً ،‬‬
‫وأيضا فإهنم مل يأخذوا‬ ‫قيب النو ِم والناس مسرتحيون‪ً ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫تكون َع َ‬ ‫وأيضا فإهنا‬
‫العدد‪ً ،‬‬
‫وقت يواطئ فيه‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫تكون يف‬ ‫وأيضا فإهنا‬
‫ً‬ ‫وأسباب الدنيا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املعاش‬ ‫ِ‬
‫أشغال‬ ‫بعدُ يف‬
‫َ‬
‫القرآن ويتد َّب َره‪،‬‬ ‫فيفهم‬ ‫ِ‬
‫األشغال فيه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫متكن‬ ‫لفراغه وعد ِم‬ ‫ِ‬ ‫القلب‬ ‫ُ‬
‫واللسان‬ ‫السمع‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫فضال من االهتام ِم هبا وتطويلِها‪ ،‬وهذه‬ ‫عطيت ً‬ ‫ْ‬ ‫العمل وأو ُله‪ ،‬ف ُأ‬
‫ِ‬ ‫أساس‬
‫ُ‬ ‫وأيضا فإهنا‬ ‫ً‬
‫كمها‪ ،‬واهلل‬ ‫وح ِ‬
‫ومقاصدها ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرشيعة‬ ‫ِ‬
‫أرسار‬ ‫التفات إىل‬
‫ٌ‬ ‫أرسار إنام يعرفها من له‬ ‫ٌ‬
‫املستعان‪.‬‬
‫‪ | 72‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫نفسه‪ ،‬ثم رفع يديه‬ ‫ِ‬


‫وكان ﷺ إذا فرغ من القراءة سكت بقدر ما َيرتا ُّد إليه ُ‬
‫ووتَّر يديه‬ ‫ِ‬
‫كالقابض عليهام‪َ ،‬‬ ‫وكرب راك ًعا ووضع ك َّفيه عىل ُرك َبتيه‬
‫كام تقدَّ م‪َّ ،‬‬
‫خيفضه‪ ،‬بل‬
‫رأسه ومل ْ‬ ‫ِ‬ ‫فنحامها عن َجنبيه‪ ،‬و َب َ‬
‫ظهره ومدَّ ه واعتدل‪ ،‬ومل َينصب َ‬ ‫سط َ‬ ‫َّ‬
‫حيال ظهره ُم ً‬
‫عادال له‪.‬‬ ‫جيع ُله َ‬
‫مقترصا عليه‪:‬‬
‫ً‬ ‫سبحان ريب العظيم»(‪ )1‬وتار ًة يقول مع ذلك أو‬
‫َ‬ ‫وكان يقول‪« :‬‬
‫مقدار‬ ‫اغفر َل»(‪ ،)2‬وكان ركو ُعه املعتا ُد‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫اللهم ْ‬
‫َّ‬ ‫وبحمدك‪،‬‬ ‫اللهم ربنَّا‬
‫َّ‬ ‫«سبحانَك‬
‫تسبيحات‪ ،‬وسجو ُده كذلك‪.‬‬‫ٍ‬ ‫عرش‬
‫النبي ﷺ‬ ‫خلف‬
‫َ‬ ‫رمقت الصال َة‬ ‫الرباء بن عازب ‪« :‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫حديث‬ ‫وأما‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫فركوعه فاعتدا ُله فسجدتُه فجلستُه ما بني السجدتني قري ًبا من‬ ‫ُ‬ ‫فكان قيا ُمه‬
‫السواء»(‪ ،)3‬فمرا ُد الرب ِاء ‪-‬واهلل أعلم‪ -‬أن صالتَه ﷺ كانت معتدل ًة‪ ،‬فكان إذا‬
‫الركوع والسجو َد‪،‬‬
‫َ‬ ‫الركوع والسجو َد‪ ،‬وإذا خ َّفف القيا َم خفف‬
‫َ‬ ‫أطال القيا َم أطال‬‫َ‬
‫يفعل ذلك أحيانًا يف صالة‬ ‫بقدر القيا ِم‪ ،‬ولكن كان ُ‬ ‫الركوع والسجو َد ِ‬‫َ‬ ‫وتار ًة جيعل‬
‫الغالب ﷺ‬ ‫ِ‬
‫الكسوف‪ ،‬وهد ُيه‬ ‫ِ‬
‫صالة‬ ‫الليل وحدَ ها‪ ،‬وفع ُله ً‬
‫أيضا قري ًبا من ذلك يف‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الصالة وتناس ُبها‪.‬‬ ‫ُ‬
‫تعديل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املالئكة والروحِ »‬ ‫رب‬ ‫وح ُقدُّ ٌ‬
‫وس‪ُّ ،‬‬ ‫أيضا يف ركوعه‪ُ « :‬س ُّب ٌ‬‫وكان يقول ً‬
‫(‪)4‬‬

‫أسلمت‪َ ،‬خ َش َع لك سمعي‬ ‫ُ‬ ‫آمنت‪ ،‬ولك‬


‫ُ‬ ‫ركعت‪ ،‬وبك‬
‫ُ‬ ‫اللهم لك‬
‫وتار ًة يقول‪َّ « :‬‬
‫وع َصبي»(‪ )5‬وهذا إنام ُحفظ عنه يف قيا ِم الليل‪.‬‬ ‫وُمي وعظمي َ‬ ‫و َبِصي ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)772‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)794‬ومسلم (‪.)484‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)792‬ومسلم (‪.)471‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪.)487‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم (‪.)771‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪73‬‬

‫وروى‬ ‫ويرفع يديه‪َ ،‬‬


‫ُ‬ ‫قائال‪« :‬سمع اهلل ملن محِده»‬
‫رأسه بعد ذلك ً‬
‫ثم كان يرفع َ‬
‫َّفق عىل روايتِها‬
‫نفسا‪ ،‬وات َ‬
‫نحو من ثالثني ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املواطن الثالثة ٌ‬ ‫رفع اليدين عنه يف هذه‬‫َ‬
‫فارق‬‫خالف ذلك الب َّت َة‪ ،‬بل كان ذلك هد َيه ﷺ إىل أن َ‬‫ُ‬ ‫العرشةُ‪ ،‬ومل يث ُبت عنه‬
‫الدنيا‪.‬‬

‫دائام ُيقيم ُصلبه إذا رف َع من الركو ِع وبني السجدتني ويقول‪« :‬ال ُُتزئُ‬
‫وكان ً‬
‫ِ‬
‫والسجود»‪ .‬ذكره ابن خزيمة يف‬ ‫ُ‬
‫الرجل ُصل َبه يف الركوع‬ ‫قيم فيها‬‫صال ٌة ال ُي ُ‬
‫صحيحه(‪.)1‬‬

‫ور َّبام قال‪« :‬ر َّبنا لك‬ ‫قائام قال‪« :‬ر َّبنا ولك احلمدُ »‬
‫(‪)2‬‬
‫وكان إذا استوى ً‬
‫صح ذلك عنه كله‪.‬‬
‫اللهم ر َّبنا لك احلمدُ » ‪َّ ،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫احلمدُ » وربام قال‪َّ « :‬‬
‫(‪)3‬‬

‫فصح عنه أنه كان‬ ‫ِ‬


‫والسجود‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الركن بقدر الركو ِع‬ ‫وكان من ِ‬
‫هديه إطال ُة هذا‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫األرض‪،‬‬ ‫لء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يقول‪« :‬سمع اهلل ملن محدَ ه‪ ،‬اللهم ر َّبنا لك احلمدُ ‪ ،‬ملء السموات وم َ‬
‫أحق ما قال العبدُ ‪ ،‬وك ُّلنا لك‬ ‫ِ‬
‫واملجد‪ُّ ،‬‬ ‫أهل الثناء‬ ‫ٍ‬
‫يشء بعدُ ‪َ ،‬‬ ‫وملء ما شئت من‬
‫َ‬
‫اجلد منك َ‬
‫اجلدُّ »(‪.)5‬‬ ‫ينفع ذا َ‬
‫منعت‪ ،‬وال ُ‬
‫َ‬ ‫عطي ملا‬
‫أعطيت‪ ،‬وال ُم َ‬
‫َ‬ ‫مانع ملا‬
‫عبدٌ ‪ ،‬ال َ‬
‫الركوعِ‪.‬‬ ‫وصح عنه أنه كرر فيه َ ِ‬
‫قول‪« :‬لريب احلمدُ ‪ ،‬لريب احلمدُ » حتى كان بقدر ُّ‬
‫(‪)6‬‬
‫َّ‬

‫(‪ )1‬صحيح ابن خزيمة ‪ ،)591( 300/1‬وأخرجه أيضا أبو داود (‪ ،)855‬والرتمذي (‪ ،)265‬والنسائي‬
‫(‪.)1027‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)689‬ومسلم (‪.)411‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)722‬ومسلم (‪.)409‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)796‬ومسلم (‪.)409‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم (‪.)471‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه أبو داود (‪ ،)874‬والنسائي (‪.)1069‬‬
‫‪ | 74‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ُ‬
‫القائل‪ :‬قد‬ ‫مكث حتى َ‬
‫يقول‬ ‫الركو ِع َي ُ‬
‫رأسه من ُّ‬
‫وصح عنه أنه كان إذا رفع َ‬ ‫َّ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ إذا‬ ‫أنس ‪ :‬كان‬ ‫مسلم عن ٍ‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫الركن‪ ،‬فذكر‬ ‫نيس‪ ،‬من إطالتِه هلذا‬
‫ِ‬

‫نقول‪ :‬قد َأ َ‬
‫وه َم‪ ،‬ثم يسجدُ ‪ ،‬و َيق ُعد بني‬ ‫َ‬ ‫سمع اهلل ملن محِده» قام حتى‬ ‫قال‪ِ « :‬‬

‫نقول‪ :‬قد َأ َ‬
‫وهم(‪.)1‬‬ ‫السجدتني حتى َ‬

‫أطال هذا الرك َن بعد الركو ِع حتى كان‬‫صالة الكسوف أنه َ‬ ‫ِ‬ ‫وصح عنه يف‬‫َّ‬
‫ركوعه‪ ،‬وكان ركو ُعه قريبا من ِ‬
‫قيامه‪ ،‬فهذا هد ُيه املعلوم الذي ال‬ ‫ِ‬ ‫قري ًبا من‬
‫ً‬
‫ٍ‬
‫بوجه‪.‬‬ ‫عارض له‬
‫ُم َ‬
‫يرفع يديه‪ ،‬وقد ُروي عنه أنه كان يرف ُعهام‬ ‫ِ‬
‫كرب وخي ُّر ساجدً ا وال ُ‬‫ثم كان ﷺ ُي ِّ‬
‫يصح عنه يف‬‫َّ‬ ‫حل َّفاظ كابن حز ٍم ‪ ،‬وهو ْ‬
‫وه ٌم‪ ،‬فلم‬ ‫وصححه بع ُض ا ُ‬‫َّ‬ ‫أيضا‪،‬‬
‫ً‬
‫ذلك البت َة‪.‬‬

‫يضع ُركبتيه قبل يديه‪ ،‬ثم يديه بعدَ مها‪ ،‬ثم جبهتَه وأن َفه‪ ،‬هذا هو‬
‫ُ‬ ‫وكان ﷺ‬
‫وائل بن ُح ٍ‬
‫جر‪:‬‬ ‫ُليب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ِ‬ ‫يك‪ ،‬عن عاص ِم بن ك ٍ‬ ‫الصحيح الذي رواه َرش ٌ‬
‫ُ‬
‫قبل‬‫رفع يديه َ‬
‫هنض َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ إذا سجد وضع ُرك َبتيه قبل يديه‪ ،‬وإذا َ‬ ‫َ‬ ‫رأيت‬
‫ُ‬
‫ركبتَيه(‪ .)2‬ومل ُيرو يف فعلِه ما ُخيالف ذلك‪.‬‬
‫الع ِ‬
‫اممة‪ ،‬ومل يث ُبت عنه السجو ُد‬ ‫َور ِ‬ ‫وكان ﷺ يسجد عىل جبهته ِ‬
‫وأنفه دون ك ِ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫حسن‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫حديث صحيح وال‬ ‫الع ِ‬
‫اممة يف‬ ‫َور ِ‬
‫عىل ك ِ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)821‬ومسلم (‪.)473‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)838‬والنسائي (‪.)1089‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪75‬‬

‫والطني‪ ،‬وعىل اخل ِ‬


‫مرة‬ ‫ِ‬ ‫األرض كثريا‪ ،‬وعىل ِ‬
‫املاء‬ ‫ِ‬ ‫يسجد عىل‬ ‫وكان ﷺ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫دبوغة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الفروة املَ‬ ‫احلصري املت ِ‬
‫َّخذ منه‪ ،‬وعىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النخل‪ ،‬وعىل‬ ‫وص‬ ‫ِ‬
‫تخذة من ُخ ِ‬‫املُ‬

‫ونحى يديه عن جنبيه‪،‬‬ ‫ِ‬


‫األرض‪َّ ،‬‬ ‫َّن جبهتَه وأن َفه من‬
‫وكان إذا سجد مك َ‬
‫بياض إبطيه‪ ،‬ولو شاءت َهب َم ٌة ‪-‬وهي الشا ُة الصغرية‪ -‬أن َّ‬
‫متر‬ ‫وجاىف هبام حتى ُيرى ُ‬
‫ملرت‪.‬‬
‫حتتهام َّ‬
‫الرب ِاء أنه ﷺ‬ ‫ِ‬
‫وكان يضع يديه َحذو َمنكبيه و ُأذنيه‪ ،‬ويف «صحيح مسلم» عن َ‬
‫وارفع ِمر َفقيك»(‪.)1‬‬
‫ْ‬ ‫فضع كفيك‬
‫سجدت ْ‬
‫َ‬ ‫قال‪« :‬إذا‬
‫ِ‬
‫بأطراف أصاب ِع رجليه القبل َة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ويستقبل‬ ‫ِ‬
‫سجوده‬ ‫وكان يعتدل يف‬

‫فرج بينها وال َيقبِ ُضها‪ ،‬ويف «صحيح ابن‬


‫يبسط ك َّفيه وأصاب َعه‪ ،‬وال ُي ِّ‬
‫وكان ُ‬
‫ضم أصاب َعه‪.‬‬
‫حبان» ‪ :‬كان إذا ركع َّفرج أصاب َعه وإذا سجد َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫األعىل»(‪ )3‬و َأ َم َر به‪.‬‬


‫َ‬ ‫وكان يقول‪« :‬سبحان ريب‬

‫اغفر َل»(‪.)4‬‬ ‫ِ‬


‫اللهم ْ‬
‫َّ‬ ‫وبحمدك‪،‬‬ ‫اللهم ر َّبنا‬
‫َّ‬ ‫وكان يقول‪« :‬سبحانك‬

‫رب املالئكة والروحِ »(‪.)5‬‬ ‫وح ُقدُّ ٌ‬


‫وس ُّ‬ ‫وكان يقول‪ُ « :‬س ُّب ٌ‬
‫ِ‬
‫وبحمدك ال إ َله إال أنت»(‪.)6‬‬ ‫وكان يقول‪« :‬سبحانك‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)494‬‬


‫(‪ )2‬صحيح ابن حبان (‪.)1920‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)772‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)794‬ومسلم (‪.)484‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم (‪.)487‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه مسلم (‪.)485‬‬
‫‪ | 76‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫وبمعافاتِك من‬ ‫ِ‬


‫اللهم إين أعو ُذ برضاك من سخطك‪ُ ،‬‬ ‫وكان يقول‪َّ « :‬‬
‫أثنيت عىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نفسك»(‪.)1‬‬ ‫َ‬ ‫ُعقوبتك‪ ،‬وأعو ُذ بك منك‪ ،‬ال ُأحِص ً‬
‫ثناء عليك‪ ،‬أنت كام‬

‫أسلمت‪َ ،‬س َجدَ‬


‫ُ‬ ‫آمنت‪ ،‬ولك‬
‫ُ‬ ‫سجدت‪ ،‬وبك‬
‫ُ‬ ‫اللهم لك‬
‫وكان يقول‪َّ « :‬‬
‫أحسن اخلالقني»(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫وبِصه‪ ،‬تبارك اهلل‬
‫َ‬ ‫وشق سم َعه‬
‫وصوره َّ‬
‫َّ‬ ‫وجهي للذي خل َقه‬

‫وآخره‪ ،‬وعالنيتَه‬
‫َ‬ ‫وأو َله‬ ‫اللهم اغفر َل ذنبي ُك َّله‪ِ ،‬د َّقه ِ‬
‫وج َّله‪َّ ،‬‬ ‫وكان يقول‪َّ « :‬‬
‫ورسه»(‪.)3‬‬‫ِ‬
‫َّ‬
‫نورا‪،‬‬
‫نورا‪ ،‬ويف بِصي ً‬
‫نورا‪ ،‬ويف سمعي ً‬
‫اللهم اجعل يف قلبي ً‬
‫وكان يقول‪َّ « :‬‬
‫نورا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫نورا‪ ،‬وفوقي ً‬
‫نورا‪ ،‬وخلفي ً‬
‫نورا‪ ،‬وأمامي ً‬
‫نورا‪ ،‬وعن شامَل ً‬ ‫وعن يميني ً‬
‫نورا»(‪.)4‬‬
‫نورا‪ ،‬واجعل َل ً‬
‫وحتتي ً‬
‫ستجاب‬ ‫السجود وقال‪« :‬إنه َق ِم ٌن أن ُي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الدعاء يف‬ ‫ِ‬
‫باالجتهاد يف‬ ‫وأمر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫لكم»(‪.)5‬‬
‫ِ‬
‫دعاء‬ ‫ِ‬
‫بإعطائه سؤله‪ ،‬واستجاب ُة‬ ‫دعاء الطالب‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نوعان‪ :‬استجاب ُة‬ ‫واالستجاب ُة‬
‫رس قو ُله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫وبكل واحد من النوعني ُف ِّ َ‬ ‫بالثواب‪،‬‬ ‫املثني‬
‫النوع ِ‬
‫ني‪.‬‬ ‫َ‬ ‫يعم‬
‫والصحيح أنه ُّ‬
‫ُ‬ ‫ﯴﯵ ﴾ [البقرة‪،]186 :‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)486‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)771‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)483‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)6316‬ومسلم (‪.)763‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم (‪.)479‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪77‬‬

‫فرجحت طائف ٌة القيا َم‬ ‫ُ‬


‫أفضل؟ َّ‬ ‫الناس يف القيا ِم والسجود‪ُّ ،‬أهيام‬
‫ُ‬ ‫وقد اختلف‬
‫ُ‬
‫أفضل‪،‬‬ ‫أفضل‪ .‬وقالت طائف ٌة‪ُ :‬‬
‫طول القيا ِم بالليل‬ ‫ُ‬ ‫لوجوه‪ .‬وقالت طائف ٌة‪ :‬السجو ُد‬
‫ُ‬
‫أفضل‪.‬‬ ‫وكثرة الركو ِع والسجود بالنهار‬
‫أفضل بذكره وهو القراءة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الصواب أهنام سوا ٌء‪ ،‬والقيا ُم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫شيخنا‪:‬‬ ‫وقال‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫أفضل هبيئتِه؛ فهيئ ُة السجود‬
‫ُ‬
‫أفضل‬ ‫أفضل من هيئة القيا ِم‪ ،‬وذ ُ‬
‫كر القيام‬ ‫والسجو ُد‬
‫أطال القيا َم َ‬
‫أطال‬ ‫هدي النبي ﷺ‪ ،‬فإنه كان إذا َ‬ ‫ِ‬
‫السجود‪ ،‬وهكذا كان‬ ‫من ذكر‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الليل‪ ،‬وكان إذا خ َّفف‬ ‫ُسوف‪ ،‬ويف صالة‬ ‫صالة الك ِ‬ ‫ِ‬ ‫الركوع والسجو َد‪ ،‬كام َ‬
‫فعل يف‬ ‫َ‬
‫ِ (‪)1‬‬
‫الركوع والسجود‪ ،‬وكذلك كان يفعل يف الفرض ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫القيا َم خفف‬
‫رأسه‬
‫ويرتفع منه ُ‬
‫ُ‬ ‫كربا غري راف ٍع يديه‪،‬‬
‫رأسه ُم ِّ ً‬
‫ثم كان رسول اهلل ﷺ يرفع َ‬
‫ب ال ُيمنى‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫يفرش رج َله ال ُيرسى‬
‫فرتشا ُ‬
‫جيلس ُم ً‬
‫وجيلس عليها‪ ،‬وينص ُ‬
‫ُ‬ ‫قبل يديه‪ ،‬ثم ُ‬
‫فظ عنه ﷺ يف هذا املوضع جلس ًة غري هذه‪.‬‬
‫ومل ُحي ْ‬

‫وطرف يده عىل‬


‫َ‬ ‫وجيعل ِمر َفقيه عىل ِ‬
‫فخذه‬ ‫ُ‬ ‫وكان يضع يديه عىل ِ‬
‫فخذيه‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ويقبض ثِنتني من‬
‫وحيركها‪،‬‬ ‫وحي ِّلق حلق ًة‪ ،‬ثم َ‬
‫رفع أصب َعه يدعو هبا ِّ‬ ‫أصابعه ُ‬ ‫ُ‬ ‫رك َبته‪،‬‬
‫هكذا قال ُ‬
‫وائل بن ُحجر عنه(‪.)2‬‬
‫واهدين وارزقنِي»(‪ )3‬هكذا ذكر‬
‫ِ‬ ‫واجَبين‬
‫ُ‬ ‫اللهم اغفر َل وارمحني‬ ‫ثم ُ‬
‫يقول‪َّ « :‬‬
‫وذكر حذيف ُة أنه كان يقول‪« :‬رب اغفر َل‪ ،‬رب اغفر‬
‫َ‬ ‫عباس ‪ ‬عنه ﷺ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫اب ُن‬
‫َل»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى البن تيمية ‪.83-69/23‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)726‬والنسائي (‪.)889‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الرتمذي (‪.)284‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)874‬والنسائي (‪.)1145‬‬
‫‪ | 78‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫الثابت عنه يف مجي ِع‬


‫ُ‬ ‫ِ‬
‫السجود‪ ،‬وهكذا‬ ‫ِ‬
‫بقدر‬ ‫وكان هد ُيه إطال َة هذا الركن‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ يق ُعدُ بني‬ ‫أنس ‪ :‬كان‬ ‫ٍ‬ ‫األحاديث‪ ،‬ويف «الصحيح» عن‬ ‫ِ‬

‫السجدتني حتى نقول‪ :‬قد َأ َ‬


‫وهم(‪.)1‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصحابة؛ وهلذا قال‬ ‫عرص‬ ‫انقراض‬ ‫الناس من بعد‬ ‫وهذه السنَّ ُة تركها ُ‬
‫أكثر‬
‫ُ‬
‫يمكث بني السجدتني حتى‬ ‫يصنع شي ًئا ال أراكم تَصنعونه‪:‬‬
‫ُ‬ ‫أنس‬
‫ثابت‪ :‬وكان ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫وهم‪.‬‬‫نقول‪ :‬قد نَيس أو قد َأ َ‬
‫َ‬
‫دور قدميه وركبتيه معتمدً ا عىل ِ‬
‫فخذيه‪ ،‬كام َذكره‬ ‫ثم كان ﷺ ينهض عىل ُص ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫مالك بن‬ ‫ِ‬
‫األرض بيديه‪ ،‬وقد َذكر عنه‬ ‫عنه‪ٌ :‬‬
‫وائل وأبو هريرةَ‪ ،‬وال يعتمدُ عىل‬
‫ُسمى جلس َة‬ ‫جالسا‪ ،‬وهذه هي التي ت َّ‬
‫ً‬ ‫يستوي‬
‫َ‬ ‫ينهض حتى‬
‫حلويرث أنه كان ال ُ‬ ‫ا ُ‬
‫لكل ٍ‬
‫أحد‬ ‫سنن الصالة فيستحب ِّ‬ ‫ِ‬
‫االسرتاحة‪ ،‬واختلف الفقها ُء فيها‪ :‬هل هي من ِ‬
‫السنن‪ ،‬وإنام يفع ُلها َمن احتاج إليها؟ عىل قو َل ِ‬
‫ني مها‬ ‫ِ‬ ‫أن يفع َلها‪ ،‬أو هي ليست من‬
‫ِ‬
‫روايتان عن أمحدَ ‪.‬‬
‫ِ‬
‫افتتاح‬ ‫يسكت عند‬
‫ُ‬ ‫هنض افتتح القراء َة ومل َيسكت كام كان‬ ‫وكان إذا َ‬
‫ِ‬
‫اتفاقهم عىل أنه‬ ‫ٍ‬
‫استعاذة أو ال بعدَ‬ ‫موضع‬ ‫فاختلف الفقها ُء‪ :‬هل هذا‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الصالة‪،‬‬
‫ُ‬
‫بعض‬ ‫ِ‬
‫روايتان عن أمحدَ ‪ ،‬وقد َبنامها ُ‬ ‫ِ‬
‫قوالن مها‬ ‫ٍ‬
‫استفتاح‪ ،‬ويف ذلك‬ ‫ليس بموض ِع‬
‫ِ‬
‫الصالة هل هي قراء ٌة واحدةٌ؛ فيكفي فيها استعاذة واحدة‪،‬‬ ‫أصحابِه عىل أن قراء َة‬
‫أو قراء ُة ِّ‬
‫كل ركعة مستقلة بنفسها؟‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)821‬ومسلم (‪.)473‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪79‬‬

‫ِ‬
‫للحديث الصحيح عن أيب هريرة‪ :‬أن النبي‬ ‫أظهر‬ ‫ٍ‬
‫واحدة‬ ‫ٍ‬
‫باستعاذة‬ ‫واالكتفا ُء‬
‫ُ‬
‫ﷺ كان إذا هنض من الركعة الثانية استفتح القراءة بـ ﴿ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﴾‬
‫[الفاحتة‪ ،]2 :‬ومل َيسكت‪ .‬يكفي [استعاذة] واحد ٌة؛ ألنه مل يتخ َّلل القراءت ِ‬
‫َني‬
‫تسبيح أو‬ ‫ِ‬
‫كالقراءة الواحدة إذا ختللها محدُ اهلل أو‬ ‫ذكر‪ ،‬فهي‬
‫ٌ‬ ‫سكوت‪ ،‬بل ختللهام ٌ‬
‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫هتليل أو صال ٌة عىل النبي ﷺ‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫ِ‬
‫السكوت‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أربعة أشياء‪:‬‬ ‫صيل الثاني َة كاألُوىل سوا ًء إال يف‬
‫وكان النبي ﷺ ُي ِّ‬
‫ِ‬
‫وتكبرية اإلحرا ِم‪ ،‬وتطويلِها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واالستفتاح‪،‬‬
‫فخذه اليرسى‪ ،‬ووضع يدَ ه‬ ‫فإذا جلس للتشه ِد وضع يدَ ه اليرسى عىل ِ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫فخذه اليمنى وأشار بأصبعه السبابة‪ ،‬وكان ال ِ‬
‫ينص ُبها نص ًبا وال‬ ‫اليمنى عىل ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫يقبض‬‫بن ُحجر‪ ،‬وكان ُ‬ ‫وائل ِ‬
‫حديث ِ‬ ‫ِ‬ ‫وحي ِّركها كام تقدَّ م يف‬
‫ُينيمها‪ ،‬بل َحينيها شي ًئا ُ‬
‫اخلنرص والبِنرص‪ُ ،‬‬ ‫أصبعني ومها ِ‬
‫وحي ِّلق حلق ًة وهي ُ‬
‫الوسطى مع اإلهبا ِم‪ ،‬ويرفع‬
‫الكف اليرسى عىل ِ‬
‫الفخذ اليرسى‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ويبسط‬ ‫الس َّبابة يدعو هبا‪ ،‬ويرمي ِ‬
‫ببرصه إليها‪،‬‬
‫َّ ُ‬
‫ُ‬
‫ويتحامل عليها‪.‬‬
‫جيلس عىل رجلِه اليرسى‬ ‫ِ‬
‫وأما صف ُة جلوسه فكام تقدَّ م بني السجدتني سواء‪ُ ،‬‬
‫ِ‬
‫الصفة‪.‬‬ ‫غري هذه‬ ‫ِ‬
‫وينصب اليمنى‪ ،‬ومل ُيرو عنه يف هذه اجللسة ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫اجللسة‪ ،‬و ُيع ِّلم أصحا َبه أن يقولوا‪:‬‬ ‫دائام يف هذه‬
‫يتشهدُ ً‬
‫َّ‬ ‫ثم كان ﷺ‬
‫النبي ورمحة اهلل وبركاته‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫والصلوات والطيبات‪ ،‬السال ُم عليك أَيا‬
‫ُ‬ ‫التحيات هلل‬
‫ُ‬ ‫«‬
‫السالم علينا وعىل ِ‬
‫عباد اهلل الصاحلني‪ ،‬أشهد أال إل َه إال اهلل‪ ،‬وأشهد أن حممدً ا عبدُ ه‬ ‫ُ‬
‫ورسوله» ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)831‬ومسلم (‪.)402‬‬


‫‪ | 81‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫الرضف ‪-‬وهو احلجار ُة‬ ‫وكان ﷺ خي ِّفف هذا التشهدَ جدًّ ا حتى كأنه عىل ْ‬
‫صىل عليه وعىل آله يف هذا التشهد‪ ،‬وال‬ ‫حديث ُّ‬
‫قط أنه َّ‬ ‫ٍ‬ ‫املحام ُة‪ -‬ومل ُينقل عنه يف‬
‫ِ‬
‫وفتنة‬ ‫ِ‬
‫وفتنة املحيا واملامت‬ ‫ِ‬
‫وعذاب النار‬ ‫ِ‬
‫عذاب القرب‬ ‫ُ‬
‫يستعيذ فيه من‬ ‫كان أيضا‬
‫صح‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫استحب ذلك فإنام فهمه من عمومات وإطالقات قد َّ‬ ‫َّ‬ ‫املسيح الدجال‪ ،‬ومن‬
‫ِ‬
‫بالتشهد األخري‪.‬‬ ‫ِ‬
‫موضعها وتقييدُ ها‬ ‫تبيني‬
‫ُ‬
‫صدور قدميه وعىل ركبتيه معتمدً ا عىل ِ‬
‫فخذيه كام‬ ‫ِ‬ ‫كربا عىل‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ينهض ُم ِّ ً‬
‫ثم كان ُ‬
‫يرفع يديه يف هذا املوض ِع(‪،)1‬‬ ‫عبد اهلل ِ‬‫حديث ِ‬
‫ِ‬
‫عمر ‪ ‬أنه كان ُ‬ ‫بن َ‬ ‫تقدَّ م‪ ،‬ويف‬
‫فأكثر رواتِه ال‬
‫ُ‬ ‫عمر‪،‬‬
‫بن َ‬
‫حديث ِ‬
‫عبد اهلل ِ‬ ‫ِ‬ ‫عىل أن هذه الزيادة ليست متف ًقا عليها يف‬
‫َيذكروهنا‪.‬‬

‫ثم كان يقر ُأ الفاحت َة وحدَ ها‪ ،‬ومل يثبت عنه أنه قر َأ يف الركعتني األُ َ‬
‫خر َيني بعد‬
‫ِ‬
‫الفاحتة شي ًئا‪.‬‬
‫ِ‬
‫الرباعية عىل [األخر َي ِ‬
‫ني]‪،‬‬ ‫ني من‬ ‫َني األول َي ِ‬
‫فهد ُيه الراتب ﷺ إطال ُة الركعت ِ‬
‫ِ‬
‫الثانية‪.‬‬ ‫وإطال ُة األوىل من األول َي ِ‬
‫ني عىل‬
‫سائر صلواتِه‪ :‬إطالة َّأو ِهلا عىل ِ‬
‫آخرها‪.‬‬ ‫وهذا كان هديه ﷺ يف ِ‬

‫توركًا‪ ،‬وكان ُيفِض بِ َو ِركه إىل‬


‫جلس ُم ِّ‬ ‫ِ‬
‫األخري َ‬ ‫التشهد‬
‫ُّ‬ ‫جلس يف‬
‫وكان ﷺ إذا َ‬
‫ِ‬
‫الثالثة التي ُرويت عنه‬ ‫ِ‬
‫الوجوه‬ ‫ٍ‬
‫واحدة‪ ،‬فهذا أحدُ‬ ‫ٍ‬
‫ناحية‬ ‫رج قد َمه من‬ ‫ِ‬
‫وخي ُ‬‫األرض ُ‬
‫ِ‬
‫حديث أيب ُمحيد‬ ‫[ذكره] أبو داود يف‬ ‫ِ‬
‫التورك‪َ ،‬‬
‫ﷺ يف ُّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)739‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪80‬‬

‫أيضا قال‪:‬‬ ‫حديث أيب ٍ‬


‫محيد ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صحيحه(‪ )1‬من‬ ‫ذكره البخاري يف‬ ‫الوجه الثاين‪َ :‬‬
‫ونصب اليمنى‪ ،‬وقعدَ عىل‬ ‫ِ‬
‫اآلخرة قدَّ م رج َله اليرسى‬ ‫ِ‬
‫الركعة‬ ‫جلس يف‬ ‫«وإذا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫وصف يف هيئة‬ ‫ِ‬
‫الورك‪ ،‬وفيه زياد ُة‬ ‫ِ‬
‫اجللوس عىل‬ ‫موافق لألول يف‬
‫ٌ‬ ‫مقعدتِه»‪ ،‬فهذا‬
‫تتعرض الرواي ُة األوىل هلا‪.‬‬ ‫القد َم ِ‬
‫ني مل َّ‬
‫ِ‬
‫الزبري‪:‬‬ ‫حديث ِ‬
‫عبد اهلل ِ‬
‫بن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صحيحه(‪ )2‬من‬ ‫ذكره مسلم يف‬
‫الوجه الثالث‪ :‬ما َ‬
‫ُ‬
‫ويفرش قد َمه اليمنى»‪ ،‬وهذا‬ ‫ِ‬
‫وساقه‪،‬‬ ‫بني ِ‬
‫فخذه‬ ‫جيعل قد َمه اليرسى َ‬‫أنه ﷺ «كان ُ‬
‫ِ‬
‫نصب اليمنى‪.‬‬ ‫إخراج اليرسى ِمن جانبِه‪ ،‬ويف‬
‫ِ‬ ‫َني األول َي ِ‬
‫ني يف‬ ‫خمالف للصفت ِ‬
‫ٌ‬
‫َ‬
‫يكون من‬ ‫ُ‬
‫وحيتمل أن‬ ‫أظهر‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ولعله كان ُ‬
‫يفعل هذا تار ًة وهذا تارةً‪ ،‬وهذا‬
‫ِ‬
‫اختالف الرواة‪.‬‬
‫ِ‬
‫التشهد الذي يليه السال ُم‪.‬‬ ‫ُ‬
‫التورك إال يف‬ ‫ومل ُيذكر عنه عليه السالم هذا‬

‫وضم‬ ‫وكان ﷺ إذا جلس يف التشهد وضع يدَ ه اليمنى عىل ِ‬


‫فخذه اليمنى‪،‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫ونصب الس َّباب َة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الثالث‬ ‫أصاب َعه‬

‫فخ ِذه وال ُجيافيها‪ ،‬فيكون حدُّ ِمر َفقه عند آخر‬
‫ذراعه عىل ِ‬‫َ‬ ‫يبسط‬
‫وكان ُ‬
‫فخ ِذه‪ ،‬وأما اليرسى فممدود ُة األصاب ِع عىل ِ‬
‫الفخذ اليرسى‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫سجوده‪ ،‬ويف‬ ‫ِ‬
‫ركوعه‪ ،‬ويف‬ ‫ِ‬
‫بأصابعه القبل َة يف رف ِع يديه‪ ،‬ويف‬ ‫ُ‬
‫يستقبل‬ ‫وكان‬
‫ِ‬
‫سجوده‪ ،‬وكان يقول يف ك ُِّل‬ ‫أيضا بأصاب ِع رجليه القبل َة يف‬ ‫ُ‬
‫ويستقبل ً‬ ‫تشه ِده‪،‬‬
‫ُّ‬
‫ركعتني التحية‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)828‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)579‬‬
‫‪ | 82‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫الصالة فسبع ُة مواطن‪:‬‬ ‫املواضع التي كان يدعو فيها يف‬ ‫وأما‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫االستفتاح‪.‬‬ ‫ِ‬
‫تكبرية اإلحرا ِم يف حمل‬ ‫أحدُ ها‪ :‬بعد‬
‫الوتر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫القراءة يف ِ‬ ‫الثاين‪ :‬قبل الركوعِ‪ ،‬وبعد الفرا ِغ من‬
‫ِ‬
‫االعتدال من الركوعِ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫الثالث‪ :‬بعد‬
‫ِ‬
‫ركوعه‪.‬‬ ‫الرابع‪ :‬يف‬
‫ُ‬
‫سجوده‪ ،‬وفيه كان غالب ِ‬
‫دعائه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫اخلامس‪ :‬يف‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫السادس‪ :‬بني السجدتني‪.‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫حديث أيب هرير َة‬ ‫أمر يف‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫وقبل السالم‪ ،‬وبذلك َ‬ ‫التشهد‬ ‫السابع‪ :‬بعد‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫السجود‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بالدعاء يف‬ ‫أيضا‬ ‫ِ‬
‫وحديث فضال َة ِ‬
‫وأمر ً‬
‫بن عبيد‪َ ،‬‬
‫القبلة أو املأمومني فلم يكن ذلك‬ ‫ِ‬ ‫ستقبل‬ ‫ِ‬
‫الصالة ُم َ‬ ‫وأما الدعا ُء بعد السال ِم من‬
‫ِ‬
‫املتعلقة‬ ‫ٍ‬
‫حسن‪ ،‬وعا َّم ُة األدعية‬ ‫ٍ‬
‫صحيح وال‬ ‫ٍ‬
‫بإسناد‬ ‫أصال‪ ،‬وال ُروي عنه‬ ‫هديه ﷺ ً‬ ‫من ِ‬
‫املصيل إذا فر َغ‬
‫َ‬ ‫بالصالة إنام ف َع َلها فيها َ‬
‫وأمر هبا فيها‪ ،‬إال أن هاهنا نكت ٌة لطيف ٌة‪ ،‬وهو أن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالة‪،‬‬ ‫املرشوعة عقيب‬ ‫باألذكار‬ ‫من صالته و َذكر اهلل وه َّلله وس َّبحه ومحدَ ه َّ َ‬
‫وكربه‬
‫عقيب‬
‫َ‬ ‫النبي ﷺ بعد ذلك ويدعو بام شا َء‪ ،‬ويكون دعاؤه‬ ‫يصيل عىل ِّ‬
‫َ‬ ‫حب له أن‬
‫اس ُت َّ‬
‫هذه العبادة الثانية‪ ،‬ال لكونه دبر الصالة‪ ،‬فإن َّ‬
‫كل من َذكر اهلل ومحدَ ه وأثنى عليه‬
‫عقيب ذلك‪ ،‬كام يف حديث َفضالة بن‬
‫َ‬ ‫ُحب له الدعا ُء‬
‫وصىل عىل رسول اهلل ﷺ است َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫والثناء عليه‪ ،‬ثم ليصل عىل النبي ﷺ‪ ،‬ثم‬ ‫ِ‬
‫بحمد اهلل‬ ‫صىل أحدُ كم فليبدَ ْأ‬ ‫ٍ‬
‫عبيد‪« :‬إذا َّ‬
‫شاء» قال الرتمذي‪ :‬حديث صحيح(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫ل َيدْ ُع بعد ما َ‬

‫(‪ )1‬سنن الرتمذي (‪ ،)3477‬وفيه‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪83‬‬

‫ِ‬
‫يساره‬ ‫ثم كان ﷺ يس ِّلم عن يمينه‪« :‬السال ُم عليكم ورمح ُة اهلل»(‪ ،)1‬وعن‬
‫الراتب رواه عنه مخس َة َ‬
‫عرش صحاب ًّيا‪ ،‬وقد ُروي عنه ﷺ أنه‬ ‫ُ‬ ‫كذلك‪ .‬هذا كان فع ُله‬
‫ٍ‬
‫وجه‬ ‫وجه ِه(‪ ،)2‬ولكن مل َيثبت عنه ذلك من‬
‫ِ‬ ‫كان ُيس ِّلم تسليم ًة واحدة تِلقا َء‬
‫ٍ‬
‫صحيح‪.‬‬

‫‪ -2‬فصل [يف هديه ﷺ يف دعائه يف صالته]‬

‫ِ‬
‫القَب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫عذاب‬ ‫اللهم إين أعو ُذ بك من‬ ‫ِ‬
‫وكان ﷺ يدعو يف صالته فيقول‪َّ « :‬‬
‫اللهم إين‬ ‫الدجال‪ ،‬وأعو ُذ بك من ِ‬
‫فتنة ا َملحيا واملامت‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وأعو ُذ بك من ِ‬
‫فتنة املسيحِ‬
‫َّ‬
‫أعو ُذ بك من املَغر ِم واملأ َثم»(‪.)3‬‬

‫اغفر َل ذنبي‪ ،‬ووسع َل يف داري‪،‬‬


‫اللهم ْ‬ ‫وكان يقول يف صالتِه ً‬
‫أيضا‪َّ « :‬‬
‫ْ‬
‫وبارك َل فيام رزقتَني»(‪.)4‬‬

‫خري من‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬


‫يقول يف سجوده‪« :‬رب أعط نفيس تَقواها‪ ،‬وزكها أنت ُ‬ ‫وكان‬
‫زكَّاها‪ ،‬أنت ول ُّيها وموالها»(‪.)5‬‬

‫وجلوسه واعتدالِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وسجوده‬ ‫ِ‬
‫ركوعه‬ ‫ِ‬
‫بعض ما كان ُ‬
‫يقول يف‬ ‫ذكر‬
‫وقد تقدَّ م ُ‬
‫يف الركوعِ‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)431‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه ابن ماجه (‪.)918‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)832‬ومسلم (‪.)589‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الرتمذي (‪.)3500‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم (‪.)2722‬‬
‫‪ | 84‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫اإلفراد‪.‬‬ ‫واملحفوظ يف أدعيتِه ﷺ يف الصالة ُك ِّلها بلفظ‬
‫ُ‬

‫‪ -3‬فصل [يف هديه ﷺ يف مراعاة بحوال املأمومني ‪ ،‬مع كدالِ إقبالِه وقرنبِه من‬
‫اهلل تعاىل‪ ،‬وحضورِ قلبِه نبنيَ يديه ]‬

‫ذكره اإلما ُم أمحد ‪ ،‬وكان‬ ‫ِ‬


‫رأسه‪َ ،‬‬ ‫وكان ﷺ إذا قام يف الصالة طأطأ َ‬
‫جعل اهلل ُق َّر َة عينِه‬
‫برصه إشارتَه وقد تقدَّ م‪ ،‬وكان قد َ‬ ‫جياوز ُ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫التشهد ال‬ ‫ﷺ يف‬
‫بالل‪ِ ،‬‬
‫أر ْحنا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يقول ﷺ‪« :‬يا‬ ‫ِ‬
‫الصالة‪ ،‬وكان‬ ‫وروحه يف‬ ‫ورسوره‬ ‫ونعيمه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الصالة»(‪ ،)2‬ومع هذا مل يكن‬ ‫ِ‬ ‫قر ُة عيني يف‬ ‫ِ‬
‫بالصالة»(‪ ،)1‬وكان ُ‬
‫يقول‪ُ « :‬جعلت َّ‬
‫كامل إقبالِه‬
‫وغريهم‪ ،‬مع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أحوال ا َملأمومني‬ ‫ِ‬
‫راعاة‬ ‫َيش َغ ُله ما هو فيه من ذلك عن ُم‬
‫ِ‬
‫واجتامعه عليه‪.‬‬ ‫بني يديه‬ ‫ِ‬
‫وحضور قلبِه َ‬ ‫وقربِه من اهلل تعاىل‪،‬‬

‫الصبي فيخ ِّففها‬ ‫فيسمع بكا َء‬ ‫الصالة وهو ُيريد إطالتَها‬‫ِ‬ ‫دخل يف‬ ‫وكان َي ُ‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫يلتفت إىل‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وجعل‬ ‫فارسا طليع ًة له‪ ،‬فقام ِّ‬
‫يصيل‬ ‫مر ًة ً‬ ‫رسل َّ‬ ‫خماف َة أن يش َّق عىل أ ِّمه‪ ،‬و َأ َ‬
‫حال ِ‬
‫فارسه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫مراعاة ِ‬ ‫الفارس‪ ،‬ومل َيش َغ ْله ما هو فيه عن‬ ‫عب الذي جيي ُء منه‬ ‫الش ِ‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬
‫العاص ِ‬
‫بن الربي ِع ابن َة‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫حامل أمام َة بنت أيب‬ ‫الفرض وهو‬
‫َ‬ ‫وكذلك كان ُي ِّ‬
‫صيل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ركع وسجدَ وض َعها‪.‬‬ ‫بنته زينب عىل عاتقه‪ ،‬إذا قام مح َلها‪ ،‬وإذا َ‬
‫ظهره فيطيل السجدةَ؛ كراهي َة‬
‫فريكب َ‬
‫ُ‬ ‫احلسني‬
‫ُ‬ ‫وكان ُي ِّ‬
‫صيل فيجي ُء احلس ُن أو‬
‫أن يلق َيه عن ِ‬
‫ظهره‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪.)4985‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه النسائي (‪.)3939‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪85‬‬

‫فيفتح هلا‬
‫ُ‬ ‫مغلق‪ ،‬فيمِش‬
‫ٌ‬ ‫والباب‬
‫ُ‬ ‫صيل فتجي ُء عائش ُة من حاجتِها‬
‫وكان ُي ِّ‬
‫يرجع إىل مصاله‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الباب‪ ،‬ثم‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الصالة‪.‬‬ ‫وكان يرد السالم باإلشا ِ‬
‫رة عىل من ُيس ِّلم عليه وهو يف‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫صيل‪ ،‬فسلمت‬ ‫ٍ‬
‫حلاجة ثم أدركتُه وهو ُي ِّ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫جابر‪ :‬بعثني‬ ‫وقال‬
‫ٌ‬
‫فأشار إ َّيل(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫عليه‬

‫غمزها بيده‬ ‫ِ‬


‫القبلة‪ ،‬فإذا سجدَ َ‬ ‫صيل وعائش ُة معرتض ٌة بينه وبني‬ ‫وكان ﷺ ُي ِّ‬
‫فقبضت ِرجليها‪ ،‬وإذا قام بس َطتهام(‪.)2‬‬
‫َ‬
‫فأخذه فخن َقه حتى‬
‫َ‬ ‫ليقطع عليه صالتَه‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫الشيطان‬ ‫وكان ﷺ ِّ‬
‫يصيل فجاءه‬
‫سال لعا ُبه عىل يده(‪.)3‬‬
‫ويركع عليه‪ ،‬فإذا جاءت السجد ُة َ‬
‫نزل ال َقه َق َرى‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وكان يصيل عىل املِنرب‬
‫ِ‬
‫األرض‪ ،‬ثم صعدَ عليه‪.‬‬ ‫فسجدَ عىل‬
‫متر من بني يديه‪ ،‬فام زال ُي ِ‬
‫دارئُها حتى‬ ‫وكان يصيل إىل جدار‪ ،‬فجاءت هبم ٌة ُّ‬
‫ومرت من ورائه(‪ .)4‬يدارئها‪ :‬يفاعلها من املدارأة وهي‬
‫لصق بطنُه باجلدار‪َّ ،‬‬
‫َ‬
‫املدافعة‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)1217‬ومسلم (‪.)540‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)384‬ومسلم (‪.)512‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أمحد ‪ )3926( 41/7 ، )11780( 302/18‬والنسائي يف الكربى ‪،)555( 294/1‬‬
‫‪.)11375( 234/10‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪.)708‬‬
‫‪ | 86‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫جاريتان من بني عبد املطلب قد اقتتلتا‪ ،‬فأخذمها بيديه‪،‬‬ ‫وكان ِّ‬
‫يصيل فجا َءتْه‬
‫ِ‬
‫الصالة(‪.)1‬‬ ‫فنزع إحدامها من األخرى وهو يف‬ ‫َ‬
‫وكان َين ُف ُخ يف صالتِه‪ ،‬وكان َيبكي يف صالتِه وكان َيتنحن َُح يف صالتِه‪ ،‬وكان‬
‫ِ‬
‫الواحد تارةً‪ ،‬ويف الثوبني‬ ‫صيل يف الثوب‬ ‫صيل حاف ًيا تارةً‪ ،‬و ُم ً‬
‫نتعال أخرى‪ ،‬وكان ُي ِّ‬ ‫ُي ِّ‬
‫أكثر‪.‬‬
‫تارةً‪ ،‬وهو ُ‬
‫القنوت؛ فإنه إنام قنت عند‬
‫َ‬ ‫شهرا‪ ،‬ثم ترك‬ ‫ِ‬
‫الفجر بعد الركو ِع ً‬ ‫وقنت يف‬
‫َ‬
‫تص بالفجر‪ ،‬بل‬
‫القنوت‪ ،‬ومل يكن َخي َّ‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫لعارض‪ ،‬فلام زال ترك‬ ‫الن ِ‬
‫َّوازل‪ ،‬فكان قنوتُه‬
‫البخاري يف صحيحه عن أنس(‪ ،)2‬وقد‬ ‫ِ‬
‫واملغرب‪ ،‬ذكره‬ ‫ِ‬
‫الفجر‬ ‫ِ‬
‫صالة‬ ‫يقنت يف‬
‫كان ُ‬
‫ُّ‬
‫ذكره مسلم عن الرباء(‪.)3‬‬

‫عدمها‪ ،‬ومل يكن‬ ‫النوازل خاص ًة‪ ،‬وتَركَه عند ِ‬


‫ِ‬ ‫القنوت يف‬
‫َ‬ ‫وكان هد ُيه ﷺ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الطول‪ ،‬والتصاهلا‬ ‫ِ‬
‫ألجل ما ُيرشع فيها من‬ ‫أكثر قنوتِه فيها‬ ‫خيصه بالفجر‪ ،‬بل كان ُ‬‫ُّ‬
‫اإلهلي‪ ،‬وألهنا الصال ُة‬ ‫والتنزل‬ ‫ِ‬
‫اإلجابة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وساعة‬ ‫الس َح ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫وقرهبا من َّ‬ ‫الليل‪،‬‬ ‫بصالة‬
‫ِ‬
‫والنهار‪ ،‬كام روي هذا وهذا‬ ‫املشهود ُة التي يشهدها اهلل ومالئكتُه‪ ،‬أو مالئكة الليل‬
‫ِ‬
‫تفسري قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﴾ [اإلرساء‪.]78 :‬‬ ‫يف‬
‫ِ‬
‫برسول اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫صح عن أيب هرير َة أنه قال‪ :‬واهلل ألنا أقر ُبكم صال ًة‬
‫نعم َّ‬
‫يقول‪ِ :‬‬
‫سم َع اهلل‬ ‫الصبح بعدما ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صالة‬ ‫ِ‬
‫األخرية من‬ ‫ِ‬
‫الركعة‬ ‫يقنت يف‬
‫فكان أبو هرير َة ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪.)717‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري يف أكثر من مخسة عرش موضعا منها‪ ،)4090 ،4088 ،2801 ،1001( :‬ويف بعضها‬
‫ذكر الصبح‪ ،‬وليس يف واحد منها ذكر املغرب‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)678‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪87‬‬

‫فعل‬ ‫رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫َ‬ ‫ريب أن‬


‫الكفار ‪ .‬وال َ‬
‫(‪)1‬‬
‫َ‬ ‫ملن محدَ ه‪ ،‬فيدعو للمؤمنني‪ ،‬ويلع ُن‬
‫َ‬
‫رسول‬ ‫ِ‬
‫القنوت سن ٌة‪ ،‬وأن‬ ‫مثل هذا‬‫فأحب أبو هرير َة أن يع ِّل َمهم أن َ‬ ‫ذلك ثم تركَه‪،‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫الفجر مطل ًقا‬ ‫القنوت يف‬
‫َ‬ ‫الكوفة الذين يكرهون‬ ‫ِ‬ ‫اهلل ﷺ فع َله‪ ،‬وهذا ر ٌّد عىل ِ‬
‫أهل‬
‫فأهل احلديث‬ ‫ُ‬ ‫منسوخ وفِع ُله بدع ٌة‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وغريها‪ ،‬ويقولون‪ :‬هو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النوازل‬ ‫عندَ‬
‫ِ‬
‫باحلديث‬ ‫وغريها‪ ،‬وهم أسعدُ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النوازل‬ ‫وبني َمن استح َّبه عندَ‬
‫بني هؤالء َ‬ ‫َ‬
‫متوسطون َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ويرتكونه حيث تركَه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ِمن الطائفتني‪ ،‬فإهنم يقنتون حيث َ‬
‫قنت‬
‫وتركه‪ ،‬ويقولون‪ :‬فِع ُله سن ٌة وتركُه سن ٌة‪ ،‬ومع هذا فال ينكرون‬ ‫ِ‬ ‫فيقتدون به يف فعلِه‬
‫ِ‬
‫للسنة‪،‬‬ ‫عىل َمن داو َم عليه‪ ،‬وال يكرهون فِع َله‪ ،‬وال يرونه بدع ًة‪ ،‬وال فاع َله خمال ًفا‬
‫ِ‬
‫النوازل وال يرون تركَه بدع ًة وال تاركَه خمال ًفا‬ ‫أنكره عندَ‬
‫كام ال ينكرون عىل َمن َ‬
‫أحسن‪.‬‬ ‫قنت فقد أحس َن‪ ،‬ومن تركَه فقد‬ ‫ِ‬
‫للسنة‪ ،‬بل َمن َ‬
‫َ‬
‫عمر‬
‫جهر ُ‬ ‫بأس بذلك‪ ،‬فقد َ‬ ‫جهر به اإلما ُم أحيانًا ليع ِّل َم املأمومني فال َ‬
‫وإذا َ‬
‫ِ‬
‫صالة اجلنازة‬ ‫ِ‬
‫بقراءة الفاحتة يف‬ ‫باالستفتاح ليع ِّلم املأمومني‪ ،‬وجهر اب ُن عباس‬
‫ِ‬
‫جهر اإلمام بالتأمني‪ ،‬وهذا ِمن االختالف املباح‬
‫أيضا ُ‬ ‫ليعلمهم أهنا سن ٌة‪ ،‬ومن هذا ً‬
‫َ‬
‫الذي ال ُيعنف فيه َمن َفع َله وال َمن تَركَه‪.‬‬

‫‪ -4‬فصل يف هديِه ﷺ يف سجودِ السهو‬

‫نسيت‬
‫ُ‬ ‫بَش مث ُلكم‪َ ،‬‬
‫أنسى كام تَنسون‪ ،‬فإذا‬ ‫ثبت عنه ﷺ أنه قال‪« :‬إنام أنا ٌ‬
‫فذكروين»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)797‬ومسلم (‪.)676‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)401‬ومسلم (‪.)572‬‬
‫‪ | 88‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫وإكامل دينِهم‪ ،‬ليقتدوا به‬


‫ِ‬ ‫نعمة اهلل عىل ُأ َّمتِه‬
‫الصالة من إمتا ِم ِ‬
‫ِ‬ ‫سهوه يف‬
‫وكان ُ‬
‫ِ‬
‫السهو‪.‬‬ ‫فيام يرش ُعه هلم من‬

‫الرباع َّي ِة‪ ،‬ومل َجيلس بينهام‪ ،‬فلام قَض صالتَه سجدَ‬
‫فقا َم ﷺ من اثنتني يف ُّ‬
‫ِ‬
‫أجزاء‬ ‫خذ من هذا قاعدةُ‪ :‬أن من ترك شي ًئا من‬‫قبل السال ِم ثم س َّلم‪ ،‬ف ُأ َ‬
‫سجدتني َ‬
‫طر ِقه‪:‬‬ ‫ِ‬
‫بعض ُ‬ ‫قبل السال ِم‪ ،‬و ُأخذ من‬
‫سهوا‪ ،‬سجدَ له َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الصالة التي ليست بأركان ً‬
‫كن‪ ،‬مل يرجع‪.‬‬ ‫ورشع يف ُر ٍ‬
‫َ‬ ‫أنه إذا ترك ذلك‬

‫ِش‪ ،‬ثم تك َّلم‪ ،‬ثم أمتَّها‪ ،‬ثم‬


‫وس َّلم ﷺ من ركعتني يف إحدى صاليت ال َع ِّ‬
‫رب حني‬
‫يسجدُ ‪ ،‬ثم يك ُ‬ ‫يكرب حني ُ‬ ‫س َّلم‪ ،‬ثم سجدَ سجدتني بعد السال ِم والكال ِم‪ِّ ،‬‬
‫يرفع‪.‬‬
‫ُ‬
‫صىل هبم فسجدَ سجدت ِ‬
‫َني‪ ،‬ثم‬ ‫وذكر أبو داود والرتمذي أن النبي ﷺ َّ‬‫َ‬
‫تشهد‪ ،‬ثم س َّلم‪ .‬قال الرتمذي‪ :‬حسن غريب(‪.)1‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫الصالة ركع ٌة‪ ،‬فأدركه طلح ُة بن‬ ‫وصىل يو ًما فس َّلم وانرصف وقد َب ِقي من‬
‫َّ‬
‫نسيت من الصالة ركع ًة‪ ،‬فرجع فدخل املسجدَ ‪ ،‬وأمر ً‬
‫بالال فأقام‬ ‫َ‬ ‫عبيد اهلل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫فصىل للناس ركع ًة‪ .‬ذكره اإلمام أمحد ‪.)2(‬‬
‫الصالةَ‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫الصالة؟ فقال‪« :‬وما ذاك؟» قالوا‪:‬‬ ‫مخسا‪ ،‬فقيل له‪ :‬زيدَ يف‬
‫الظهر ً‬
‫َ‬ ‫وصىل‬
‫مخسا؛ فسجد سجدتني بعدما س َّلم‪.‬‬
‫ص َّليت ً‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)1039‬والرتمذي (‪.)395‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أمحد ‪ ،)27254( 227/45‬وأبو داود (‪ ،)1023‬والنسائي (‪.)664‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪89‬‬

‫فخرج فصىل هبم ركع ًة‪،‬‬


‫َ‬ ‫الناس‪،‬‬
‫ُ‬ ‫دخل منز َله َ‬
‫فذكَّره‬ ‫العرص ثال ًثا‪ ،‬ثم َ‬
‫َ‬ ‫وصىل‬
‫سلم‪ ،‬ثم سجد سجدتني‪ ،‬ثم س َّلم‪.‬‬
‫ثم َ‬
‫مواضع‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الصالة‪ ،‬وهو مخس ُة‬ ‫ِ‬
‫سهوه يف‬ ‫جمموع ما ُحفظ عنه ﷺ من‬ ‫فهذا‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫قبل السالم‪ ،‬ويف ِ‬
‫بعضه بعدَ ه‪.‬‬ ‫بعضه َ‬ ‫وقد تضمن سجوده يف ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫وإسقاط‬ ‫ِ‬
‫اليقني‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بالبناء عىل‬ ‫أمر فيه‬ ‫ُّ‬
‫عرض له ﷺ وإنام َ‬ ‫الشك فلم َي ْ‬ ‫وأما‬
‫ِ‬
‫والسجود قبل السال ِم‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫الشك‪،‬‬

‫‪ -5‬فصل [يف هديه ﷺ يف النظر بثناء الصالة]‬


‫ِ‬
‫الصالة‪ ،‬وقد تقدَّ م أنه كان يف‬ ‫تغميض عينيه يف‬
‫ُ‬ ‫ومل يكن من ِ‬
‫هديه ﷺ‬
‫اوز برصه إشارتَه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ومئ ِ‬‫التشهد ي ِ‬
‫ِ‬
‫أصبعه يف الدعاء‪ ،‬وال ُجي ُ‬ ‫ببرصه إىل‬ ‫ُ‬
‫وغريه‪ ،‬وقالوا‪ :‬هو ُ‬
‫فعل‬ ‫ُ‬ ‫وقد اختلف الفقهاء يف كراهته‪ ،‬فكرهه اإلما ُم أمحد‬
‫اليهود(‪ ،)1‬وأباحه مجاع ٌة ومل يكرهوه‪.‬‬
‫ُ‬
‫أفضل‪ ،‬وإن‬ ‫تفتيح العني ال ُخي ُّل باخلشو ِع فهو‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬إن كان‬ ‫والصواب أن ُي َ‬
‫ُ‬
‫شو ُش‬ ‫ِ‬
‫والتزويق أو ِ‬ ‫ِ‬ ‫حيول بينه وبني اخلشو ِع ملِا يف ِقبلته من‬ ‫كان ُ‬
‫غريه ممَّا ُي ِّ‬ ‫الزخرفة‬
‫أقرب‬
‫ُ‬ ‫والقول باستحبابِه يف هذا احلال‬ ‫ُ‬ ‫التغميض قط ًعا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫كره‬‫عليه قل َبه‪ ،‬فهنالك ال ُي َ‬
‫ِ‬
‫بالكراهة‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫القول‬ ‫ِ‬
‫ومقاصده من‬ ‫ِ‬
‫أصول الرشع‬ ‫إىل‬

‫(‪ )1‬املغني البن قدامة ‪.396/2‬‬


‫‪ | 91‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -6‬فصل‪ :‬فمدا كان رسولُ اهلل ﷺ يقولُه نبعد انصرافِه من الصالةِ‪ ،‬وجلو ِسه‬
‫نبعدها‪ ،‬وسرع ِ انفتالِه منها‪ ،‬وما شرعهُ ألمَّ ِته من األذكارِ والقراءةِ نبعدها‪.‬‬

‫استغفر ثال ًثا‪ ،‬وقال‪َّ « :‬‬


‫اللهم أنت السال ُم‪ ،‬ومنك السال ُم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫كان ﷺ إذا س َّلم‬
‫ِ‬
‫اجلالل واإلكرا ِم»(‪.)1‬‬ ‫تباركت يا ذا‬
‫َ‬
‫َ‬
‫االنفتال إىل‬ ‫رسع‬ ‫مقدار ما ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫يقول ذلك‪ ،‬بل ُي ُ‬ ‫َ‬ ‫القبلة إال‬ ‫ستقبل‬ ‫ومل يمكُث ُم‬
‫ِ‬
‫بوجهه‪،‬‬ ‫نفتل عن يمينِه وعن َي ِ‬
‫ساره‪ ،‬ثم كان ُيقبِل عىل املأمومني‬ ‫املأمومني‪ ،‬وكان َي ُ‬
‫دون ناحي ٍة‪.‬‬
‫ص ناحي ًة منهم َ‬ ‫وال َخي ُّ‬
‫الشمس‪.‬‬
‫ُ‬ ‫صاله حتى تَط ُلع‬
‫الفجر جلس يف ُم َّ‬
‫َ‬ ‫وكان إذا َّ‬
‫صىل‬
‫َ‬
‫ِشيك له‪ ،‬له‬ ‫ٍ‬
‫صالة مكتوبة‪« :‬ال إل َه إال اهلل وحدَ ه ال‬ ‫يقول يف ُد ِبر ك ُِّل‬
‫وكان ُ‬
‫عطي ملا‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫أعطيت‪ ،‬وال ُم َ‬
‫َ‬ ‫مانع ملا‬
‫اللهم ال َ‬ ‫َّ‬ ‫قدير‪،‬‬
‫امللك وله احلمدُ ‪ ،‬وهو عىل كُل يشء ٌ‬
‫اجلد منك َ‬
‫اجلدُّ »(‪.)2‬‬ ‫ينفع ذا َ‬
‫منعت‪ ،‬وال ُ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫امللك وله احلمدُ ‪ ،‬وهو‬ ‫َ‬
‫ِشيك له‪ ،‬له‬ ‫وكان ُ‬
‫يقول‪« :‬ال إل َه إال اهلل وحده ال‬
‫قو َة إال باهلل‪ ،‬ال إله إال اهلل‪ ،‬وال نعبدُ إال إ َّياه‪ ،‬له‬ ‫قدير‪ ،‬وال َ‬
‫حول وال َّ‬ ‫عىل كُل يشء ٌ‬
‫احلس ُن‪ ،‬ال إل َه إال اهلل‪ ،‬وال َنعبدُ إال إياه ُُملصني‪ ،‬له‬
‫الثناء َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الفضل‪ ،‬وله‬ ‫النعم ُة‪ ،‬وله‬
‫الدين ولو ِ‬
‫كره الكافرون»(‪.)3‬‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)591‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)844‬ومسلم (‪.)593‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)594‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪90‬‬

‫صالة‪« :‬سبحان اهلل ثال ًثا وثالثني‪،‬‬‫ٍ‬ ‫ونَدَ َب ُأ َّمته إىل أن يقولوا يف ُد ِبر ك ُِّل‬
‫َ‬
‫ِشيك‬ ‫واحلمدُ هلل كذلك‪ ،‬واهلل أكَب كذلك»‪ ،‬ومتام املئة‪« :‬ال إل َه إال اهلل وحدَ ه ال‬
‫قدير»(‪.)1‬‬ ‫له‪ ،‬له ُ‬
‫امللك وله احلمدُ وهو عىل كُل يشء ٌ‬
‫فتتم به املئة(‪.)2‬‬ ‫ٍ‬
‫ويف صفة أخرى‪ :‬التكبري أرب ًعا وثالثني ُّ‬
‫مخسا وعَشين تسبيح ًة‪ ،‬ومثلها حتميدةً‪ ،‬ومثلها تكبريةً‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ويف صفة أخرى‪ً « :‬‬
‫ِشيك له‪ ،‬له ُ‬
‫امللك وله احلمدُ وهو عىل كل يشء‬ ‫َ‬ ‫ومثلها ال إل َه إال اهلل وحدَ ه ال‬
‫قدير»(‪.)3‬‬
‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫تكبريات»(‪.)4‬‬ ‫ٍ‬
‫حتميدات‪ ،‬وعَش‬ ‫ٍ‬
‫تسبيحات‪ ،‬وعَش‬ ‫ويف ٍ‬
‫صفة أخرى‪« :‬عَش‬

‫رسول اهلل ﷺ‪ :‬أن أقر َأ‬


‫ُ‬ ‫ِ‬
‫والسنن عن عقب َة بن عامر قال‪« :‬أمرين‬ ‫ِ‬
‫املسند‬ ‫ويف‬
‫صالة»‪ ،‬ورواه أبو حاتم ابن حبان يف صحيحه‪ ،‬واحلاكم يف‬‫ٍ‬ ‫دبر ِّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬
‫باملعوذات يف ِ‬
‫املستدرك وقال‪ :‬صحيح عىل رشط مسلم‪ ،‬ولفظ الرتمذي‪« :‬باملعوذتني»(‪.)5‬‬
‫ِ‬
‫وشكرك‬ ‫ذكرك‬ ‫ٍ‬
‫صالة‪« :‬اللهم أعني عىل ِ‬ ‫يقول يف دبر ِّ‬
‫كل‬ ‫وأوىص معا ًذا أن َ‬
‫وحسن عبادتِك»(‪.)6‬‬
‫ِ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)597‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)596‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه النسائي (‪.)1350‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)5065‬والرتمذي (‪.)3410‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أمحد ‪ ،)17417( 633/28‬وأبو داود (‪ ،)1523‬والرتمذي (‪ ،)2903‬وابن حبان ‪344/5‬‬
‫(‪ ،)2004‬واحلاكم ‪.)929( 383/1‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه أبو داود (‪ ،)1522‬والنسائي (‪.)1303‬‬
‫‪ | 92‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫َ‬
‫يكون‬ ‫رج ُح أن‬ ‫ُ‬
‫شيخنا ُي ِّ‬ ‫تمل َ‬
‫قبل السال ِم وبعده‪ ،‬وكان‬ ‫و ُد ُبر الصالة هنا َحي ُ‬
‫قبل السال ِم(‪.)1‬‬

‫‪ -7‬فصل [يف هديه ﷺ يف السرتة]‬


‫ِ‬
‫الشاة‪ ،‬ومل‬ ‫ممر‬ ‫صىل إىل ِ‬
‫اجل ِ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ إذا َّ‬
‫قدر ِّ‬
‫دار‪ ،‬جعل بينه وبينه َ‬ ‫وكان‬
‫رب َّية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫السفر وال ِّ‬ ‫السرتة‪ ،‬وكان َيركِز احلرب َة يف‬
‫ِ‬ ‫أمر بال ُقرب من‬
‫يكن يتباعدُ منه‪ ،‬بل َ‬
‫ُ‬
‫يأخذ‬ ‫عرض راحلتَه‪ ،‬ف ُي ِّ‬
‫صيل إليها‪ ،‬وكان‬ ‫صيل إليها‪ ،‬فتكون ُسرتتَه‪ ،‬وكان َي ُ‬ ‫ف ُي ِّ‬
‫رت ولو بِسه ٍم أو ً‬
‫عصا‪ ،‬فإن مل‬ ‫فيصيل إىل آخرتِه‪ ،‬وأمر املُ ِّ‬
‫صيل أن يست َ‬ ‫ِّ‬ ‫الرحل فيعد ُله‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫باألرض‪.‬‬ ‫خط خ ًّطا‬ ‫جيد فل َي َّ‬
‫والكلب األسو ُد‪،‬‬
‫ُ‬ ‫واحلامر‬
‫ُ‬ ‫يقطع صالتَه املرأ ُة‬
‫ُ‬ ‫صح عنه أنه‬
‫فإن مل يكن سرت ٌة فإنه َّ‬
‫عباس‪ِ ،‬‬
‫وعبد اهلل بن مغفل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ذر‪ ،‬وأيب هريرةَ‪ِ ،‬‬
‫وابن‬ ‫ِ‬
‫وثبت ذلك عنه من رواية أيب ٍّ‬ ‫َ‬
‫كاملار‪ ،‬فإن‬
‫ِّ‬ ‫يصيل وعائش ُة ‪ ‬نائم ٌة يف ِقبلته‪ ،‬ذلك ليس‬ ‫وكان ﷺ ِّ‬
‫املرور بني يدي املصيل‪ ،‬وال ُيكر ُه له أن يكون الب ًثا بني يديه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الرجل ُحم َّر ٌم عليه‬
‫مرورها الصال َة دون لبثِها‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫يقطع‬
‫ُ‬ ‫وهكذا املرأ ُة‬

‫‪ -6‬فصل يف هديِه ﷺ يف السننِ الرواتبِ‬

‫ابن عمر‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬


‫دائام‪ ،‬وهي التي قال فيها ُ‬
‫احلْض ً‬ ‫ركعات يف‬ ‫حيافظ عىل عرش‬ ‫كان ﷺ‬
‫ِ‬
‫الظهر‪ ،‬وركعتني بعدها‪ ،‬وركعتني‬ ‫عرش ركعات‪ :‬ركعتني قبل‬ ‫ِ‬
‫النبي ﷺ َ‬‫حفظت من ِّ‬
‫ِ‬
‫صالة الصبح(‪.)2‬‬ ‫الع ِ‬
‫شاء يف بيته‪ ،‬وركعتني قبل‬ ‫املغرب يف بيتِه‪ ،‬وركعتني بعد ِ‬
‫ِ‬ ‫بعدَ‬

‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى البن تيمية ‪.499/22‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)1180‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪93‬‬

‫ِ‬
‫العرص‪ ،‬وداو َم عليهام؛ ألنه كان‬ ‫ِ‬
‫الظهر‪ ،‬قضامها بعد‬ ‫وملا فاتته الركعتان بعد‬
‫إذا َ‬
‫عمل ً‬
‫عمال أثبتَه‪.‬‬

‫وكان يصيل أحيانًا قبل الظهر أرب ًعا كام يف «صحيح البخاري» عن عائش َة‬
‫ِ‬
‫الغداة(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫الظهر‪ ،‬وركعتني قبل‬ ‫يدع أرب ًعا قبل‬
‫‪ ‬أنه ﷺ كان ال ُ‬
‫ِ‬
‫املسجد‪،‬‬ ‫صىل يف بيتِه َّ‬
‫صىل أرب ًعا‪ ،‬وإذا َّ‬
‫صىل يف‬ ‫فإ َّما أن َ‬
‫يقال‪ :‬إنه ﷺ كان إذا َّ‬
‫يفعل هذا وهذا‪ ،‬فحكى ٌّ‬
‫كل من‬ ‫يقال‪ :‬إنه كان ُ‬
‫أظهر‪ ،‬وإما أن َ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫صىل ركعتني‪ ،‬وهذا‬
‫ٍ‬
‫واحد منهام‪.‬‬ ‫ِ‬
‫صحيحان ال مطع َن يف‬ ‫ِ‬
‫واحلديثان‬ ‫عمر ما شاهده‪،‬‬ ‫عائش َة ِ‬
‫وابن َ‬
‫النبي‬ ‫ِ‬
‫حديث أ ِّم حبيب َة قالت‪:‬‬
‫سمعت َّ‬ ‫ُ‬ ‫مسلم يف «صحيحه» من‬ ‫ٌ‬ ‫وقد روى‬
‫بيت يف اجلن َِّة»(‪.)2‬‬
‫وليلة‪ُ ،‬بني له هبن ٌ‬‫ٍ‬ ‫ﷺ يقول‪« :‬من َّ‬
‫صىل ثنتي عَش َة ركع ًة يف يو ٍم‬
‫الظهر‪ ،‬وركعتني بعدَ ها‪ ،‬وركعتني بعدَ‬ ‫ِ‬ ‫وزاد الرتمذي والنسائي فيه‪« :‬أرب ًعا َ‬
‫قبل‬
‫صالة الفجر»‪ .‬قال النسائي‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫قبل‬‫العشاء‪ ،‬وركعتني َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املغرب‪ ،‬وركعتني بعدَ‬
‫ِ‬
‫العشاء»‪ ،‬وصححه الرتمذي(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫العرص» بدل «وركعتني بعدَ‬ ‫«وركعتني َ‬
‫قبل‬
‫ِ‬
‫عاصم‬ ‫َ‬
‫حديث‬ ‫يصح عنه يف فعلها يش ٌء‪ ،‬إال‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫العرص‪ ،‬فلم‬ ‫األربع قبل‬
‫ُ‬ ‫وأما‬
‫شيخ اإلسالم ابن تيمي َة ُينكر هذا‬
‫وسمعت َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫احلديث الطويل‪،‬‬ ‫عيل‬
‫بن ضمر َة عن ٍّ‬
‫موضوع‪ ،‬ويذكر عن أيب إسحاق اجلوزجاين‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫احلديث ويدف ُعه جدًّ ا ويقول‪ :‬إنه‬
‫إنكاره(‪.)4‬‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)1182‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)728‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)415‬والنسائي (‪.)1801‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬الفتاوى الكربى البن تيمية ‪.358 ،125/2‬‬
‫‪ | 94‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫النبي ﷺ‬ ‫ِ‬
‫عمر عن ِّ‬ ‫والرتمذي من حديث ابن َ‬
‫ُّ‬ ‫وقد روى أمحدُ ‪ ،‬وأبو داو َد‪،‬‬
‫امرا صىل قبل العِص أرب ًعا»(‪ )1‬وقد اختُلف يف هذا احلديث‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أنه قال‪« :‬رح َم اهلل ً‬
‫غريه‪.‬‬
‫فصححه اب ُن حبان‪ ،‬وعلله ُ‬
‫ِ‬
‫املغرب فلم ينقل عنه ﷺ أنه كان يصليهام‪ ،‬وصح عنه‬ ‫وأما الركعتان قبل‬
‫صلوهنام فلم َيأ ُمرهم ومل ينههم‪،‬‬
‫َ‬ ‫أقر الصحاب َة عليهام‪ ،‬وكان ﷺ َيراهم ُي‬
‫ﷺ أنه َّ‬
‫ِ‬
‫الثالثة‪:‬‬ ‫ِ‬
‫املغرب»‪ ،‬قال يف‬ ‫ويف الصحيح عن ِ‬
‫عبد اهلل املزين أنه ﷺ قال‪« :‬ص ُّلوا َ‬
‫قبل‬
‫ِ‬
‫هاتني‬ ‫الصواب يف‬
‫ُ‬ ‫الناس ُسنَّ ًة»(‪ .)2‬وهذا هو‬
‫ُ‬ ‫شاء‪ .‬كراه َة أن يتخذها‬ ‫«ملن‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫السنن‬ ‫ِ‬
‫كسائر‬ ‫ٍ‬
‫راتبة‬ ‫ٍ‬
‫بسنة‬ ‫مندوب إليهام‪ ،‬وليستا‬ ‫الركعتني‪ ،‬أهنام مستحبت ِ‬
‫ان‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬
‫الرواتب‪.‬‬

‫سبب له يف بيته‪ ،‬وال س َّيام ُسنَّ َة‬


‫َ‬ ‫والتطوع الذي ال‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫السنن‬ ‫صيل عام َة‬
‫وكان ُي ِّ‬
‫ِ‬
‫املغرب‪ ،‬فإنه مل ُينقل عنه أنه فع َلها يف املسجد الب َّت َة‪.‬‬

‫ويف ُسن َِّة املغرب ُسنَّتان‪:‬‬


‫ِ‬
‫املغرب بكال ٍم‪.‬‬ ‫ُ‬
‫إحدامها‪ :‬أنه ال ُيفصل بينها وبني‬
‫ِ‬
‫البيت‪.‬‬ ‫والسنَّ ُة الثاني ُة‪ :‬أن تُفعل يف‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫النوافل؛ ولذلك مل‬ ‫ِ‬
‫الفجر أشدَّ من مجي ِع‬ ‫وكان تعاهدُ ه وحمافظتُه عىل ُسن َِّة‬
‫صىل سن ًة‬ ‫ِ‬
‫السفر أنه ﷺ َّ‬ ‫سفرا‪ ،‬ومل ُي ْ‬
‫نقل عنه يف‬ ‫حْضا وال ً‬ ‫يكن َيد ُعها هي والوتر‬
‫ً‬
‫راتب ًة غريمها‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد ‪ ،)5980( 188/10‬وأبو داود (‪ ،)1271‬والرتمذي (‪.)430‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)1183‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪95‬‬

‫أي الصالتني آكدُ ؟ وسمعت َ‬


‫شيخ اإلسالم اب َن تيمية‬ ‫وقد اختلف الفقها ُء‪ُّ :‬‬
‫والوتر خامتتُه؛ ولذلك كان [النبي‬ ‫ِ‬
‫العمل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بداية‬ ‫يقول‪ُ :‬سنَّ ُة الفجر ِتري َجمرى‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫لتوحيد العل ِم‬ ‫ِ‬
‫اجلامعتان‬ ‫ِ‬
‫اإلخالص ومها‬ ‫والوتر بسوريت‬ ‫ِ‬
‫الفجر‬ ‫ﷺ] يصيل ُسنَّ َة‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫االعتقاد والقصد‪ .‬انتهى‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وتوحيد‬ ‫ِ‬
‫املعرفة واإلرادة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وتوحيد‬ ‫ِ‬
‫والعمل‪،‬‬

‫‪ -9‬فصل [يف هديه ﷺ يف االضطجاع نبعد سن الفجر]‬

‫يضطجع بعد سنة الفجر عىل ِش ِّق ِه األيمن‪ ،‬هذا الذي َ‬


‫ثبت عنه يف‬ ‫ُ‬ ‫وكان ﷺ‬
‫حديث عائش َة ‪.‬‬‫ِ‬ ‫«الصحيحني»(‪ِ ،)1‬من‬

‫وتوسطت فيها طائف ٌة ثالثة‪ ،‬فأوجبها‬ ‫الض ِ‬


‫جعة طائفتان‪،‬‬ ‫وقد غال يف هذه َّ‬
‫َّ‬
‫كابن حزم ومن وافقه‪ِ ،‬‬
‫وكرهها‬ ‫ِ‬ ‫الظاهر‪ ،‬وأبطلوا الصال َة ِ‬
‫برتكها‬ ‫ِ‬ ‫مجاع ٌة من أهل‬
‫وسموها بدع ًة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بأسا ملن‬
‫وغريه فلم يروا هبا ً‬
‫ُ‬ ‫وتوسط فيها ٌ‬
‫مالك‬ ‫َّ‬ ‫مجاع ٌة من الفقهاء‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫اإلطالق‪ ،‬سوا ٌء‬ ‫وكرهوها ملن فعلها استنانًا‪ ،‬واستح َّبتها طائف ٌة عىل‬‫ف َع َلها راح ًة‪ِ ،‬‬
‫اسرتاح هبا أو ال‪.‬‬
‫َ‬

‫‪ -11‬فصل يف هديِه ﷺ يف قما ِم اللملِ‬


‫ِ‬
‫والطائفتان‬ ‫فرضا عليه أم ال؟‬
‫واخللف يف أنه‪ :‬هل كان ً‬
‫ُ‬ ‫السلف‬
‫ُ‬ ‫اختلف‬
‫َ‬ ‫قد‬
‫احتجوا بقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﴾ [اإلرساء‪ ،]79 :‬وسيأيت‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫خصائص النبي ﷺ(‪.)2‬‬ ‫ذكر‬ ‫ِ‬
‫املسألة إن شاء اهلل تعاىل عند ِ‬ ‫مزيدُ ٍ‬
‫بيان هلذه‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)626‬ومسلم (‪.)736‬‬


‫(‪ )2‬ذكر ابن القيم يف أكثر من موضع أنه سيأيت تفصيله يف ذكر خصائص النبي ﷺ‪ ،‬غري أين مل أقف عىل ذكره‬
‫صارف عن تقييد هذا املبحث‪ ،‬أو ذهل عنه‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ابن القيم‬
‫خصائصه ﷺ يف هذا الكتاب‪ ،‬فلربام رصف َ‬
‫‪ | 96‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫سفرا‪ ،‬وكان إذا غلبه نو ٌم أو‬


‫حْضا وال ً‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫الليل‬ ‫يدع قيا َم‬
‫النبي ﷺ ُ‬
‫ومل يكن ُّ‬
‫النهار ثنتي عرش َة ركع ًة‪ ،‬فسمعت َ‬
‫شيخ اإلسال ِم اب َن تيمية يقول‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫وجع‪ ،‬صىل من‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫املسجد؛ ألن املقصو َد‬ ‫ِ‬
‫كتحية‬ ‫ِ‬
‫لفوات َحم ِّله‪ ،‬فهو‬ ‫الوتر ال ُيقَض‬ ‫يف هذا ٌ‬
‫دليل عىل أن َ‬
‫وترا(‪.)1‬‬
‫آخر صالة الليل ً‬
‫به أن يكون ُ‬
‫ِ‬
‫بالليل إحدى عرشة ركع ًة‪ ،‬أو ثالث عرش َة ركع ًة‪ ،‬كام قال‬ ‫وكان قيا ُمه ﷺ‬
‫اب ُن عباس وعائش ُة‪ ،‬فإنه َ‬
‫ثبت عنهام هذا وهذا‪.‬‬

‫غريمها؟‬ ‫ِ‬
‫واختُلف يف الركعتني األخريتَني‪ :‬هل مها ركعتا الفجر أو مها ُ‬
‫الراتبة التي كان ُحيافِظ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والسنن‬ ‫ِ‬
‫الفرض‬ ‫فإذا انضاف ذلك إىل ِ‬
‫عدد ركعات‬
‫ِ‬
‫والنهار أربعني ركع ًة‪ ،‬كان ُحيافظ عليها‬ ‫الراتب بالليل‬ ‫عليها‪ ،‬جاء جمموع ِ‬
‫ورده‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫وصالة‬ ‫ِ‬
‫الفتح ثامن ركعات‪،‬‬ ‫ِ‬
‫كصالة‬ ‫ٍ‬
‫راتب‪،‬‬ ‫غري‬
‫فعارض ُ‬ ‫ٌ‬ ‫دائام‪ ،‬وما زاد عىل ذلك‬
‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وحتية املسجد‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬ ‫الضحى إذا َقدم من مغيبه‪ ،‬وصالته عند من ُ‬
‫يزوره‪،‬‬

‫أرسع اإلجاب َة‬ ‫ِ‬


‫املامت‪ ،‬فام‬ ‫دائام إىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫يواظب عىل هذا الورد ً‬ ‫َ‬ ‫للعبد أن‬ ‫فينبغي‬
‫ٍ‬
‫وأعجل فت َح الباب ملن يقرعه ك َُّل يوم وليلة أربعني َّ‬
‫مرةً‪ .‬واهلل املستعان‪.‬‬ ‫َ‬

‫‪ -11‬فصل يف سماقِ صالتِه ﷺ نباللملِ ووترِه‪ ،‬وذكرِ صالتِه بوَّ ِل اللملِ‬

‫ذكر ما‬
‫بالسواك‪ ،‬ثم يذكر اهلل تعاىل‪ ،‬وقد تقدَّ م ُ‬ ‫َ‬
‫استيقظ‪ ،‬بدأ ِّ‬ ‫وكان ﷺ إذا‬
‫ِ‬
‫صيل ركعتني خفيفتني‪ ،‬كام يف «صحيح‬ ‫كان يقو ُله عندَ استيقاظه‪ ،‬ثم َّ‬
‫يتطهر‪ ،‬ثم ُي ِّ‬

‫(‪ )1‬الفتاوى الكربى البن تيمية ‪ ،240/2‬وفيه‪...« :‬وفيه قول آخر‪ :‬إن الوتر ال يقَض‪ ...‬والصحيح أن‬
‫الوتر يقَض قبل صالة الصبح فإنه إذا صليت مل يبق يف قضائه الفائدة التي رشع هلا»‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪97‬‬

‫افتتح صالتَه‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الليل‪،‬‬ ‫مسلم» عن عائش َة قالت‪ :‬كان رسول اهلل ﷺ إذا قام من‬
‫بركعتني خفيفتني(‪.)1‬‬
‫ٍ‬
‫بقليل‪ ،‬وربام كان‬ ‫ٍ‬
‫بقليل‪ ،‬أو بعده‬ ‫وكان يقو ُم تار ًة إذا انتصف ُ‬
‫الليل‪ ،‬أو َقبله‬
‫ِ‬
‫النصف الثاين‪.‬‬ ‫يصيح يف‬ ‫ُ‬
‫الديك‪ ،‬وهو إنام‬ ‫َ‬
‫الصارخ‪ ،‬وهو‬ ‫سمع‬ ‫يقو ُم إذا‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫عباس‬ ‫األكثر‪ ،‬فيقط ُعه كام قال ابن‬
‫ُ‬ ‫يقطع ِور َده تارةً‪ ،‬و َي ِص ُله تار ًة وهو‬
‫ُ‬ ‫وكان‬
‫وتوضأ وهو يقول‪( :‬ﮉ ﮊ ﮋ‬ ‫َّ‬ ‫فتس َّوك‬ ‫حديث مبيتِه عندَ ه أنه ﷺ اس َ‬
‫تيقظ‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫يف‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [آل عمران‪:‬‬
‫اآليات حتى ختم السورةَ‪ ،‬ثم قام فصىل ركعتني َ‬
‫أطال فيهام‬ ‫ِ‬ ‫‪ ]190‬فقر َأ هؤالء‬
‫ٍ‬
‫مرات‬ ‫َ‬
‫ثالث‬ ‫انرصف‪ ،‬فنام حتى َن َف َخ‪ ،‬ثم َ‬
‫فعل ذلك‬ ‫َ‬ ‫والركوع والسجو َد‪ ،‬ثم‬ ‫القيا َم‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ركعات‪.‬‬ ‫ست‬‫َّ‬
‫افتتاحه بركعتني خفيفتني كام َذك ََرت ُه عائش ُة‪ ،‬فإما أنه كان‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫عباس‬ ‫ومل يذكر ابن‬
‫ٍ‬
‫عباس‪،‬‬ ‫حف َظت ما مل َحيفظ اب ُن‬ ‫يفعل هذا تارةً‪ ،‬وهذا تارةً‪ ،‬وإما أن تكون عائش ُة ِ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫بقيامه بالليل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اخللق‬ ‫أعلم‬ ‫ِ‬
‫وملراعاهتا ذلك‪ ،‬ولكوهنا‬ ‫األظهر؛ ملواظبتها له‪،‬‬ ‫وهو‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫َلف اب ُن عباس وعائش ُة يف‬ ‫املبيت عندَ خالتِه‪ ،‬وإذا اخت َ‬
‫ِ‬ ‫وابن عباس إنام شاهده ليل َة‬
‫ُ‬
‫فالقول ما قالت عائش ُة‪.‬‬ ‫أمر ِ‬
‫قيامه بالليل‬ ‫يشء من ِ‬

‫أنواعا‪:‬‬
‫ً‬ ‫ووتره‬
‫وكان قيا ُمه ﷺ بالليل ُ‬
‫ابن ع َّب ٍ‬
‫اس‪.‬‬ ‫فمنها‪ :‬هذا الذي ذكره ُ‬
‫والنوع الثاين‪ :‬الذي ذكرته عائش ُة‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)767‬‬


‫‪ | 98‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ثالث عرش َة ركع ًة كذلك‪.‬‬


‫َ‬ ‫ُ‬
‫الثالث‪:‬‬ ‫النوع‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بخمس‬ ‫الرابع‪ :‬يصيل ثامن ركعات‪ُ ،‬يس ِّلم من ك ُِّل ركعتني‪ ،‬ثم ُي ُ‬
‫وتر‬ ‫ُ‬ ‫النوع‬
‫آخرهن‪.‬‬ ‫رسدا متوالي ًة‪ ،‬ال جيلس يف ٍ‬
‫يشء إال يف‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫يشء منهن إال‬‫ركعات‪ ،‬يرسد منهن ثامنيا ال جيلس يف ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تسع‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫اخلامس‪ُ :‬‬
‫ُ‬ ‫النوع‬
‫ينهض وال ُيس ِّلم ثم ُي ِّ‬
‫صيل‬ ‫يذكر اهلل تعاىل وحيمدُ ه ويدعوه‪ ،‬ثم ُ‬ ‫ِ‬
‫فيجلس ُ‬ ‫ُ‬ ‫الثامنة‪،‬‬ ‫يف‬
‫جالسا بعدما ُيسلم‪.‬‬
‫ً‬ ‫فيتشهد ويسلم‪ ،‬ثم ُي ِّ‬
‫صيل ركعتني‬ ‫َّ‬ ‫التاسع َة‪ ،‬ثم يق ُعد‬
‫ِ‬
‫املذكورة‪ ،‬ثم ُي ِّ‬
‫صيل بعدها ركعتني‬ ‫السادس‪ :‬يصيل سب ًعا كالتس ِع‬ ‫النوع‬
‫ُ‬
‫لسا‪.‬‬
‫جا ً‬
‫فص ُل فيهن‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بثالث ال ي ِ‬ ‫وتر‬ ‫السابع‪ :‬أنه ﷺ كان ُي ِّ‬
‫َ‬ ‫صيل مثنى مثنى‪ ،‬ثم ُي ُ‬ ‫ُ‬ ‫النوع‬
‫وهذه الصف ُة فيها ٌ‬
‫نظر‪.‬‬

‫الثامن‪ :‬ما رواه النسائي عن حذيف َة‪ ،‬أنه صىل مع رسول اهلل ﷺ يف‬
‫ُ‬ ‫النوع‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫رمضان فركع‪ ،‬فقال يف ركوعه‪« :‬سبحان ريب العظي ِم» مثل ما كان ً‬
‫قائام‪ ،‬ثم جلس‬
‫قائام‪ ،‬ثم سجد‪ ،‬فقال‪« :‬سبحان‬ ‫ِ‬
‫اغفر َل‪ ،‬رب اغفر َل» مثل ما كان ً‬ ‫يقول‪« :‬رب ْ‬
‫بالل يدعوه إىل‬ ‫ٍ‬
‫ركعات حتى جا َء ٌ‬ ‫أربع‬ ‫قائام‪ ،‬فام َّ‬
‫صىل إال َ‬ ‫ريب األعىل» مثل ما كان ً‬
‫ال َغ ِ‬
‫داة(‪.)1‬‬

‫وآخره‪ ،‬وقام ليلة تام ًة بآية يتلوها و ُير ِّد ُدها حتى‬
‫َ‬ ‫وأوتر َّأو َل الليل‪َ ،‬‬
‫ووسطه‪،‬‬
‫الصباح‪ (« :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ)‬
‫ِ‬
‫[املائدة‪.»]116 :‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه النسائي (‪.)1665‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪99‬‬

‫وكانت صالتُه بالليل ثالث َة أنواعٍ‪:‬‬


‫قائام‪.‬‬
‫أكثرها‪ :-‬صالته ً‬
‫أحدُ ها ‪-‬وهو ُ‬
‫الثاين‪ :‬أنه كان ُي ِّ‬
‫صيل قاعدً ا ويركع قاعدً ا‪.‬‬
‫ِ‬
‫قائام‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬أنه كان يقر ُأ قاعدً ا‪ ،‬فإذا بقي ٌ‬
‫يسري من قراءته‪ ،‬قام فركع ً‬
‫واألنواع الثالث ُة َّ‬
‫صحت عنه‪.‬‬ ‫ُ‬

‫فصل‬

‫جالسا تارةً‪ ،‬وتار ًة يقرأ‬


‫ً‬ ‫ِ‬
‫الوتر‬ ‫وقد ثبت عنه ﷺ أنه‪ :‬كان ُي ِّ‬
‫صيل ركعتني بعد‬
‫فركع‪ ،‬ففي «صحيح مسلم» عن أيب سلم َة قال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫يركع قام‬
‫َ‬ ‫جالسا فإذا أراد أن‬
‫ً‬ ‫فيهام‬
‫صيل ثالث عرش َة‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقالت‪ :‬كان ُي ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صالة‬ ‫سألت عائش َة ‪ ‬عن‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫جالس‪ ،‬فإذا أرا َد أن‬
‫ٌ‬ ‫صيل ركعتني وهو‬ ‫وتر‪ ،‬ثم ُي ِّ‬ ‫ركع ًة‪ ،‬يصيل ثامن ركعات‪ ،‬ثم ُي ُ‬
‫ِ‬
‫الصبح(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫صالة‬ ‫ِ‬
‫واإلقامة من‬ ‫ِ‬
‫النداء‬ ‫صيل ركعتني بني‬ ‫فركع‪ ،‬ثم ُي ِّ‬ ‫يركع‪ ،‬قام‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عارضا‪ ،‬لقولِه ﷺ‪« :‬اجعلوا‬ ‫الناس‪ ،‬فظنوه ُم ً‬ ‫ِ‬ ‫وقد ُأشكل هذا عىل ٍ‬
‫كثري من‬
‫والصواب‪ :‬أن يقال‪ :‬إن هاتني الركعتني ِتريان‬ ‫ُ‬ ‫وترا»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫بالليل ً‬ ‫آخر صالتكم‬ ‫َ‬
‫جمرى السنة‪ ،‬وتكميل الوتر؛ فإن الوتر عباد ٌة مستقل ٌة‪ ،‬وال سيام إن قيل بوجوبِه‪،‬‬
‫ِ‬
‫النهار والركعتان‬ ‫وتر‬ ‫ِ‬
‫املغرب‪ ،‬فإهنا ُ‬ ‫فتجري الركعتان بعده‪َ ،‬جمرى ُسن َِّة املغرب من‬
‫ِ‬
‫الليل‪.‬‬ ‫َكميل هلا‪ ،‬فكذلك الركعتان بعد ِ‬
‫وتر‬ ‫بعدها ت ٌ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)738‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)998‬ومسلم (‪.)751‬‬
‫‪ | 011‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -12‬فصل [يف هديه ﷺ يف قنوت الوتر والدعاء نبعده]‬


‫ٍ‬ ‫قنت يف ِ‬
‫الو ِتر‪ ،‬إال يف حديث رواه اب ُن ماجه ‪ ،‬عن أ ِّ‬
‫يب‬ ‫ومل ُحيفظ عنه ﷺ أنه َ‬
‫(‪)1‬‬

‫رواية ِ‬
‫ابنه عبد‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫رسول ﷺ كان يوتر فيقنت قبل الركوع‪ .‬وقال أمحدُ يف‬ ‫كعب‪ ،‬أن‬‫بن ٍ‬
‫ِ‬
‫القنوت إنام هو يف‬ ‫ثبت عن النبي ﷺ يف‬ ‫إن َّ‬
‫كل يشء َ‬ ‫القنوت بعدَ الركوعِ‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫أختار‬ ‫اهلل‪:‬‬
‫ُ‬
‫يصح عن‬
‫َّ‬ ‫أختاره بعدَ الركوع‪ ،‬ومل‬
‫ُ‬ ‫وقنوت الوتر‬
‫ُ‬ ‫رأسه من الركوع‪،‬‬ ‫رفع َ‬
‫الفجر ملا َ‬
‫بن حييى‬ ‫ِ‬
‫قنوت الوتر ُ‬
‫قبل أو بعدُ يش ٌء‪ .‬وقال اخلالل‪ :‬أخربين حممدُ ُ‬ ‫النبي ﷺ يف‬
‫الوتر‪ ،‬فقال‪ :‬ليس ُيروى فيه عن النبي‬ ‫القنوت يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫الكحال‪ ،‬أنه قال أليب عبد اهلل يف‬
‫ِ‬
‫السنة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫السنة إىل‬ ‫يقنت ِمن‬
‫عمر ُ‬ ‫ﷺ يش ٌء‪ ،‬ولكن كان ُ‬
‫وأهل السنن‪ ،‬من حديث احلسن بن عيل ‪ ‬قال‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫وقد روى أمحدُ‬
‫هديت‪،‬‬
‫َ‬ ‫الوتر‪ :‬اللهم ِ‬
‫اهدين فيمن‬ ‫ِ‬
‫قنوت ِ‬ ‫ٍ‬
‫كلامت أقوهلن يف‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫«ع َّل َمني‬
‫ِش ما‬ ‫ِ‬ ‫توليت‪ِ ،‬‬ ‫عافيت‪ ،‬وتو َّلني فيمن‬ ‫وعافِني فيمن‬
‫أعطيت‪ ،‬وقني َّ‬
‫َ‬ ‫وبارك َل فيام‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫تباركت ر َّبنا‬
‫َ‬ ‫واليت‪،‬‬
‫َ‬ ‫قضيت‪ ،‬إنك تقيض وال ُيقىض عليك‪ ،‬إنه ال ُّ‬
‫يذل من‬ ‫َ‬
‫عاديت»(‪.)3‬‬
‫َ‬ ‫وتعاليت»(‪ .)2‬زاد النسائي والبيهقي‪« :‬وال يعزُّ َمن‬
‫َ‬
‫ٍ‬ ‫يب‪ِ ،‬‬
‫مسعود‪ ،‬والرواي ُة عنهم به‬ ‫وابن‬ ‫عمر‪ ،‬و ُأ ٍّ‬ ‫والقنوت يف الوتر َحم ٌ‬
‫فوظ عن َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أصح عنه من‬
‫الفجر ُّ‬ ‫قنوت‬ ‫الفجر‪ ،‬والرواي ُة عن ِّ‬
‫النبي ﷺ يف‬ ‫أصح من القنوت يف‬
‫ُّ‬
‫قنوت ِ‬
‫الوتر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الرواية يف‬

‫(‪ )1‬سنن ابن ماجه (‪.)1182‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)1425‬والرتمذي (‪ ،)464‬والنسائي (‪.)1745‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود يف املوضع السابق‪ ،‬والبيهقي ‪ ،)4859( 56/3 ،)3138( 296/2‬ومل أجد هذه‬
‫اللفظة عند النسائي‪.‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪010‬‬

‫عيل بن أيب طالب‬ ‫ِ‬


‫والرتمذي والنسائي من حديث ِّ‬
‫ُّ‬ ‫وقد روى أبو داود‬
‫الله َّم إين أعو ُذ برضاك من‬ ‫آخر ِ‬
‫وتره‪ُ « :‬‬ ‫يقول يف ِ‬‫رسول اهلل ﷺ كان ُ‬‫َ‬ ‫‪ ،‬أن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سخطك‪ ،‬وبمعافاتك من عقوبتك‪ ،‬وأعو ُذ بك منك‪ ،‬ال أحِص ً‬
‫ثناء عليك‪ ،‬أنت‬
‫يقول إذا فر َغ من‬ ‫ِ‬
‫الروايات للنسائي‪ :‬كان ُ‬ ‫نفسك»‪ .‬ويف إحدى‬‫أثنيت عىل ِ‬
‫َ‬ ‫كام‬
‫ِ‬
‫السجود‪ ،‬فلعله قاله يف‬ ‫صالتِه وتبوأ مضج َعه‪ .‬وثبت عنه ﷺ أنه قال ذلك يف‬
‫ِ‬
‫الصالة وبعدها‪.‬‬
‫ِ‬
‫صالة النبي‬ ‫عباس ‪ ،‬يف‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫حديث ابن‬ ‫احلاكم يف املستدرك من‬ ‫وذكر‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫الله َّم اج َع ْل يف قلبي ً‬
‫نورا‪،‬‬ ‫أوتر‪ ،‬فلام قَض صالتَه‪ ،‬سمعتُه ُ‬
‫يقول‪ُ « :‬‬ ‫ِ‬
‫ووتره‪ُ :‬ثم َ‬ ‫ﷺ‬
‫نورا‪ ،‬وفوقي‬
‫نورا‪ ،‬وعن يساري ً‬ ‫نورا‪ ،‬وعن يميني ً‬
‫نورا‪ ،‬ويف سمعي ً‬ ‫ويف بِصي ً‬
‫ِ‬
‫نورا‪ ،‬واج َع ْل َل يو َم لقائك ً‬
‫نورا»‪ .‬قال‬ ‫نورا‪ ،‬وخلفي ً‬‫نورا‪ ،‬وأمامي ً‬
‫نورا‪ ،‬وحتتي ً‬
‫ً‬
‫ولد العباس‪ ،‬فحدثني هبن‪،‬‬‫رجال من ِ‬ ‫ً‬ ‫فلقيت‬
‫ُ‬ ‫وسبع يف [التابوت](‪،)1‬‬ ‫كريب‪:‬‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫رواية‬ ‫ودمي‪ ،‬وعصبي وشعري وبرشي»‪ ،‬وذكر خصلتني‪ .‬ويف‬ ‫حلمي ِ‬‫فذكر‪ِ « :‬‬
‫ِ‬
‫سجوده‪.‬‬ ‫يقول يف‬ ‫ِ‬
‫احلديث‪ :‬وكان ُ‬ ‫النسائي يف هذا‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل‬ ‫كعب‪ ،‬قال‪ :‬كان‬ ‫ذكر أبو داود والنسائي من حديث ُأ ِّ‬
‫يب بن‬ ‫وقد َ‬
‫الوتر‪ ،‬بـ«(ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) و(ﭑ ﭒ ﭓ) و(ﭑ ﭒ‬ ‫ﷺ يقر ُأ يف ِ‬
‫يمدُّ صوتَه‬ ‫ٍ‬ ‫ﭓ ﭔ)»‪ ،‬فإذا س َّلم قال‪« :‬سبحان ِ‬
‫امللك ال ُقدُّ ِ‬
‫مرات‪ُ ،‬‬ ‫وس» ثالث َّ‬
‫ويرفع‪ .‬وهذا لفظ النسائي‪ ،‬زاد الدارقطني «رب املالئكة والروح»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫الثالثة‬ ‫يف‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬أي‪ :‬سبع كلامت كن يف قلبي ولكني نسيتها‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الدارقطني ‪ ،)1660( 355/2‬وأخرجه أيضا أبو داود (‪ ،)1430‬والنسائي (‪.)1699‬‬
‫‪ | 012‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪[ -13‬فصل يف هديه ﷺ يف القراءة]‬


‫وكان ﷺ يقطع قراءته‪ ،‬ويقف عند ك ُِّل ٍ‬
‫آية‪.‬‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫األفضل‪،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ كانت آي ًة آي ًة‪ .‬وهذا هو‬ ‫ِ‬ ‫الزهري أن قراء َة‬
‫ُّ‬ ‫وذكر‬
‫ِ‬
‫القراء إىل تتب ِع‬ ‫بعض‬ ‫ِ‬
‫اآليات وإن تع َّل َق ْت بام بعدَ ها‪،‬‬
‫وذهب ُ‬‫َ‬ ‫الوقوف عىل رءوس‬
‫ُ‬
‫هدي النبي ﷺ وسنتِه أوىل‪.‬‬ ‫واتباع ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫انتهائها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والوقوف عندَ‬ ‫ِ‬
‫واملقاصد‬ ‫ِ‬
‫األغراض‬
‫أطول من أطول منها‪ ،‬وقام ٍ‬
‫بآية ير ِّددها‬ ‫َ‬ ‫وكان ﷺ ُ‬
‫يرتل السور َة حتى تكون‬
‫ِ‬
‫الرسعة‬ ‫وق َّل ِة القراءة‪ ،‬أو‬
‫األفضل من الرتتيل ِ‬
‫ِ‬ ‫الناس يف‬
‫حتى الصباح‪ ،‬وقد اختلف ُ‬
‫ُ‬
‫أفضل؟ عىل قولني‪.‬‬ ‫ِ‬
‫القراءة‪ :‬أهيام‬ ‫مع ِ‬
‫كثرة‬
‫ِ‬
‫وأرفع‬
‫ُ‬ ‫الرتتيل والتد ُّب ِر َ‬
‫أج ُّل‬ ‫ِ‬ ‫قراءة‬ ‫ثواب‬
‫َ‬ ‫والصواب يف املسألة أن ُيقال‪ :‬إن‬
‫ُ‬
‫سألت‬ ‫أكثر عد ًدا‪ ،‬ويف صحيح البخاري عن قتادة قال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫قدرا‪ ،‬وثوا َب كثرة القراءة ُ‬
‫ً‬
‫أنسا عن قراءة النبي ﷺ‪ ،‬فقال‪ :‬كان يمدُّ مدًّ ا(‪.)1‬‬‫ً‬
‫وجيهر هبا تارةً‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الليل تارةً‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بالقراءة يف صالة‬ ‫رس‬‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ ُي ُّ‬ ‫وكان‬
‫ُ‬
‫ويطيل القيام تارةً‪ ،‬وخيففه تارةً‪.‬‬

‫‪[ -14‬يف هديه ﷺ يف صالته التطوع على الراحل ]‬


‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجهة‬ ‫أي‬‫التطو َع بالليل والنهار عىل راحلته يف السفر ق َبل ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫وكان ُي ِّ‬
‫صيل‬
‫ِ‬
‫ركوعه‪ ،‬وقد‬ ‫أخفض من‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وجيعل سجو َده‬ ‫فريكع ويسجدُ عليها إيام ًء‪،‬‬ ‫هت به‪،‬‬
‫توج ْ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫رسول اهلل ﷺ إذا أراد أن‬‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫مالك‪ ،‬قال‪ :‬كان‬ ‫روى أمحد وأبو داود عن ِ‬
‫أنس بن‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)5045‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪013‬‬

‫خىل عن راحلتِه‪ ،‬ثم‬ ‫تطو ًعا‪ ،‬استقبل القبل َة‪َّ ،‬‬


‫فكرب للصالة‪ ،‬ثم َّ‬ ‫ُيص ِّ َيل عىل راحلته ُّ‬
‫هت به(‪.)1‬‬
‫توج ْ‬ ‫َّ‬
‫صىل حيث َّ‬

‫‪ -15‬فصل يف هديِه ﷺ يف صالةِ الضحى‬

‫َ‬
‫رسول‬ ‫البخاري يف «صحيحه» عن عائش َة ‪ ،‬قالت‪ :‬ما رأيت‬
‫ُّ‬ ‫روى‬
‫اهلل ﷺ يصيل ُسبح َة الضحى‪ ،‬وإين ألُس ِّبحها(‪.)2‬‬
‫عمر‪ :‬أت ِّ‬
‫ُصيل الضحى؟‬ ‫ِ‬
‫قلت البن َ‬
‫ورق العجيل‪ُ :‬‬
‫أيضا من حديث ُم ِّ‬
‫وروى ً‬
‫قلت‪ :‬فالنبي ﷺ؟ قال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬فأبو بكر؟ قال‪ :‬ال‪ُ .‬‬
‫قلت‪ :‬فعمر؟ قال‪ :‬ال‪ُ .‬‬
‫قال‪ :‬ال‪ُ .‬‬
‫ال إخاله(‪.)3‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ُي ِّ‬
‫صيل الضحى‬ ‫ويف «صحيح مسلم» عن عائش َة‪ ،‬قالت‪ :‬كان‬
‫أرب ًعا‪ ،‬ويزيدُ ما شاء اهلل(‪.)4‬‬
‫ٍ‬
‫ركعات وذلك‬ ‫ِ‬
‫الفتح ثامين‬ ‫صىل يو َم‬ ‫ٍ‬
‫هانئ‪ :‬أنه َّ‬ ‫ويف «الصحيحني» عن أم‬
‫ضحى(‪.)5‬‬
‫ً‬
‫طرق‪:‬‬ ‫ِ‬
‫األحاديث عىل ٍ‬ ‫الناس يف هذه‬ ‫فاخت َ‬
‫َلف ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد ‪ ،)13109( 377/20‬وأبو داود (‪ ،)1225‬وأصله يف البخاري (‪ ،)1100‬ومسلم‬


‫(‪.)702‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)1128‬ومسلم (‪.)718‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪.)1175‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪.)719‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪ ،)357‬ومسلم (‪.)336‬‬
‫‪ | 014‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫تتضمن زياد َة عل ٍم‬ ‫ِ‬


‫الرتك بأهنا مثبت ٌة‬ ‫ِ‬
‫الفعل عىل‬ ‫رجح رواي َة‬
‫َّ‬ ‫‪ -1‬منهم من َّ‬
‫وعيل بن‬
‫ُّ‬ ‫وجابر‪ ،‬وأ ُّم ٍ‬
‫هانئ‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫رب ْت عائش ُة‪ٌ ،‬‬
‫وأنس‪،‬‬ ‫َخ ْ‬
‫فيت عىل النايف‪ .‬قالوا‪ :‬وقد أخ َ‬
‫األحاديث الصحيح ُة املرضية املتضمنة‬
‫ُ‬ ‫أيب طالب‪ ،‬أنه َّ‬
‫صالها‪ .‬قالوا‪ :‬ويؤيد هذا‬
‫ومدح فاعلها‪ ،‬والثناء عليه‪ :‬ففي «الصحيحني»‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫للوصية هبا‪ ،‬واملحافظة عليها‪،‬‬
‫ِ‬
‫ثالثة أيا ٍم من ك ُِّل‬ ‫عن أيب هرير َة ‪َ ‬‬
‫قال‪ :‬أوصاين َخلييل حممدٌ ﷺ بصيا ِم‬
‫شهر‪ ،‬وركعتي الضحى‪ ،‬وأن ُأوتِ َر قبل أن أنا َم(‪.)1‬‬
‫ٍ‬

‫صح ِة‬
‫َّ‬ ‫ورجحتها من جهة‬ ‫َّ‬ ‫الرتك‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أحاديث َّ‬ ‫‪ -2‬وطائف ٌة ثاني ٌة‪ :‬ذهبت إىل‬
‫عمر‪ ،‬أنه مل يكن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إسنادها‪ ،‬و َع ِ‬
‫البخاري عن ابن َ‬‫ُّ‬ ‫وجبها‪ ،‬فروى‬
‫بم َ‬
‫مل الصحابة ُ‬
‫فالنبي ﷺ؛ قال‪« :‬ال إخا ُله»(‪.)2‬‬
‫ُّ‬ ‫ُيص ِّليها‪ ،‬وال أبو بكر‪ ،‬وال ُ‬
‫عمر‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫ِ‬
‫بعض األيا ِم‬ ‫‪ -3‬وذهبت طائف ٌة ثالث ٌة‪ :‬إىل استحباب فِعلها ِغ ًّبا‪ ،‬فتُصىل يف‬
‫ٍ‬
‫مجاعة‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫الطربي عن‬ ‫بعض‪ ،‬وهذا إحدى الروايتني عن أمحدَ ‪ ،‬وحكاه‬ ‫ٍ‬ ‫دون‬
‫ُّ‬
‫قلت لعائش َة‪ :‬أكان‬
‫واحتجوا بام روى اجلريري‪ ،‬عن عبد اهلل بن شقيق‪ ،‬قال‪ُ :‬‬ ‫ُّ‬
‫صيل الضحى؟ قالت‪ :‬ال‪ ،‬إال أن جيي َء من مغيبِه‪ .‬ثم قال‪ :‬كذا ذكر‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ُي ِّ‬
‫ِ‬
‫السلف(‪.)3‬‬ ‫من كان ُ‬
‫يفعل ذلك من‬

‫النبي‬ ‫ِ‬
‫األسباب‪ ،‬وأن َّ‬ ‫ٍ‬
‫لسبب من‬ ‫‪ -4‬وذهبت طائف ٌة رابع ٌة‪ :‬إىل أهنا إنام ت ُ‬
‫ُفعل‬
‫ٍ‬
‫لسبب‪.‬‬ ‫ﷺ إنام فع َلها‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)1178‬ومسلم (‪.)721‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)1175‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)717‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪015‬‬

‫وجدَ ها ال ت ُّ‬
‫َدل إال عىل هذا‬ ‫وآثار الصحابة‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫األحاديث املَرفوعة‬
‫َ‬ ‫ومن تأ َّمل‬
‫ِ‬
‫كحديث أيب‬ ‫فالصحيح منها‬ ‫الرتغيب فيها والوص َّي ِة هبا‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫أحاديث‬ ‫ِ‬
‫القول‪ ،‬وأما‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫وىص أبا هريرة بذلك؛‬ ‫يدل عىل أهنا ُسنَّ ٌة راتب ٌة لكل أحد‪ ،‬وإنام َأ َ‬ ‫ذر ال ُّ‬‫هرير َة وأيب ٍّ‬
‫ِ‬
‫الصالة‪ ،‬فأمره‬ ‫احلديث بالليل عىل‬‫ِ‬ ‫درس‬
‫خيتار َ‬
‫ُ‬ ‫ألنه قد ُروي أن أبا هرير َة كان‬
‫بدال من قيا ِم الليل‪ ،‬وهلذا أمره َّأال ينا َم حتى يوتِ َر‪ ،‬ومل يأ ُم ْر بذلك أبا بكر‬‫بالضحى ً‬
‫ِ‬
‫الصحابة‪.‬‬ ‫وسائر‬ ‫عمر‬
‫َ‬ ‫وال َ‬

‫‪ -16‬فصل [يف هديِه ﷺ يف سجودِ الشرر]‬


‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وكان من هديه ﷺ وهدي أصحابِه سجو ُد الشكر عند َِتدُّ د نعمة ت ُّ‬
‫َرس‪ ،‬أو‬
‫ِ ٍ‬
‫رسه‪،‬‬
‫أمر َي ُّ‬
‫النبي ﷺ‪ ،‬كان إذا أتاه ٌ‬‫اندفا ِع نقمة‪ ،‬كام يف «املسند» عن أيب َبكرةَ‪ ،‬أن َّ‬
‫شكرا هلل تعاىل‪.‬‬
‫خر هلل ساجدً ا ً‬
‫َّ‬
‫مالك ملا جاءته البرشى ِ‬
‫بتوبة اهلل عليه‪ ،‬ذكره البخاري(‪.)1‬‬ ‫وسجد كعب بن ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬

‫‪ -17‬فصل يف هديِه ﷺ يف سجودِ القرآنِ‬


‫ِ‬
‫سجوده‪« :‬سجدَ وجهي‬ ‫كرب وسجد‪ ،‬وربام قال يف‬ ‫ٍ‬
‫مر بسجدة َّ‬
‫كان ﷺ إذا َّ‬
‫وقوته»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫للذي خل َقه‬
‫وبِصه‪ ،‬بحوله َّ‬
‫َ‬ ‫وشق سم َعه‬
‫وصوره‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫أجرا‪ ،‬واجعلها َل‬
‫زرا‪ ،‬واكتُب َل هبا ً‬ ‫اللهم اح ُطط عني هبا ِو ً‬
‫وربام قال‪َّ « :‬‬
‫تقبلت من ِ‬
‫عبدك داو َد» ذكرمها ُ‬
‫أهل السنن(‪.)3‬‬ ‫َ‬ ‫عندك ُذ ً‬
‫خرا‪ ،‬وتق َّبلها مني كام‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري (‪.)4418‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)1414‬والرتمذي (‪.)580‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)579‬وابن ماجه (‪.)1053‬‬
‫‪ | 016‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫السجود‪ ،‬وال نُقل عنه فيه‬ ‫كرب للرف ِع من هذا‬
‫ومل ُينقل عنه أنه ﷺ كان ُي ِّ‬
‫َشهدٌ وال سال ٌم الب َّت َة‪.‬‬
‫ت ُّ‬
‫وصح عنه ﷺ أنه سجدَ يف‪( :‬أمل تنزيل)‪ ،‬ويف (ص)‪ ،‬ويف (النجم)‪ ،‬ويف (إذا‬
‫َّ‬
‫السامء انشقت)‪ ،‬ويف (اقرأ باسك ربك الذي خلق)‪.‬‬

‫رسول اهلل ﷺ أقر َأه َ‬


‫مخس عرشة‬ ‫َ‬ ‫وذكر أبو داو َد عن ِ‬
‫عمرو بن العاص‪ ،‬أن‬
‫احلج سجدتان(‪.)1‬‬ ‫ثالث يف املُ َّ‬
‫فصل‪ ،‬ويف سورة ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫سجدةً‪ ،‬منها‬

‫‪ -16‬فصل يف هديِه ﷺ يف اوجُدُع ِ وذكر خصائصِ يومِها‬

‫ُ‬
‫رسول اهلل‬ ‫وحذيف َة ‪ ‬قاال‪ :‬قال‬ ‫يف «صحيح مسلم» عن أيب هريرةَ‪ُ ،‬‬
‫لليهود يو ُم السبت‪ ،‬وكان‬‫ِ‬ ‫اجلمعة َمن كان قبلنا‪ ،‬فكان‬ ‫ِ‬ ‫ﷺ‪َّ « :‬‬
‫أضل اهلل عن‬
‫والسبت‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فجعل اجلمع َة‬ ‫ِ‬
‫اجلمعة‪،‬‬ ‫فجاء اهلل بنا فهدانا ليو ِم‬ ‫ِ‬
‫األحد‪،‬‬ ‫للنصارى يو ُم‬
‫َ‬
‫واألولون‬ ‫أهل الدنيا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫القيامة‪ ،‬نحن اآلخرون من ِ‬ ‫َبع لنا يو َم‬
‫َّ‬ ‫واألحدَ ؛ ولذلك هم ت ٌ‬
‫قبل اخلالئق»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫القيامة‪ ،‬املَقيض هلم َ‬ ‫يو َم‬

‫خري يو ٍم‬
‫النبي ﷺ قال‪ُ « :‬‬ ‫ويف «جامع الرتمذي» من حديث أيب ُهريرةَ‪ ،‬عن ِّ‬
‫خرج منها‪،‬‬ ‫اجلمعة‪ ،‬فيه ُخلِ َق آد ُم‪ ،‬وفيه ُأ َ‬
‫دخل اجلن َة‪ ،‬وفيه ُأ َ‬
‫ِ‬ ‫الشمس يو ُم‬
‫ُ‬ ‫ط َلعت فيه‬
‫ِ‬
‫اجلمعة»(‪.)3‬‬ ‫وال تقو ُم الساع ُة إال يف يو ِم‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)1401‬وابن ماجه (‪.)1057‬‬


‫(‪ )2‬صحيح مسلم (‪.)856‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)488‬وأخرجه أيضا مسلم (‪ ،)854‬وأبو داود (‪ ،)1046‬والنسائي (‪.)1373‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪017‬‬

‫مالك يف «املو َّطأ» عن أيب ُهرير َة مرفو ًعا‪ ...« :‬وفيها ساع ٌة ال‬
‫ٌ‬ ‫وروى‬
‫مسلم وهو يصيل ُ‬
‫يسأل اهلل فيها شيئًا إال أعطاه إياه»(‪.)1‬‬ ‫ٌ‬ ‫ُيصادفها عبدٌ‬

‫‪ -19‬فصل يف مبدبِ اوجدع ِ‬

‫مالك‪ ،‬قال‪ :‬كنت قائدَ أيب‬ ‫ٍ‬ ‫كعب بن‬ ‫ِ‬ ‫عبد الرمحن ِ‬
‫بن‬ ‫قال ابن إسحاق‪ :‬عن ِ‬
‫استغفر أليب ُأمام َة‬ ‫َ‬
‫األذان هبا‬ ‫فسمع‬ ‫ِ‬
‫اجلمعة‬ ‫خرجت به إىل‬ ‫برصه‪ ،‬فإذا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُف ُ‬ ‫حني ك َّ‬
‫عجز أال أسأ َله عن‬ ‫ٌ‬ ‫بن زرارةَ‪ ،‬فمكث حينًا عىل ذلك منه؛ فقلت‪ :‬إن هذا‬ ‫أسعدَ ِ‬
‫للجمعة‪ ،‬استغفر له‪ ،‬فقلت‪:‬‬‫ِ‬ ‫َ‬
‫األذان‬ ‫سمع‬ ‫أخرج‪ ،‬فلام‬ ‫فخرجت به كام كنت‬‫ُ‬ ‫هذا‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أي‬ ‫ِ‬
‫سمعت األذان باجلمعة؟ قال‪ْ :‬‬ ‫َ‬ ‫استغفارك ألسعدَ بن ُزرار َة كلام‬ ‫َ‬ ‫أرأيت‬
‫َ‬ ‫يا أبتاه‪،‬‬
‫رسول اهلل ﷺ يف هز ِم الن ِ‬
‫َّبيت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باملدينة قبل َمقدَ ِم‬ ‫ُبني‪ ،‬كان أسعدُ َّأو َل من َ َّ‬
‫مج َع بنا‬
‫َ‬
‫ٍ‬ ‫من ِ‬
‫يومئذ؟‬ ‫قلت‪ :‬وكم كنتم‬ ‫اخلضامت‪ُ .‬‬ ‫نقيع َ‬ ‫حرة بني ب َياض َة يف نقي ٍع ُيقال له‪ُ :‬‬ ‫َّ‬
‫رجال‪.‬‬‫قال‪ :‬أربعون ً‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ املدين َة‪ ،‬فأقام ب ُقبا َء يف‬ ‫قلت‪ :‬وهذا كان مبد ُأ اجلمعة‪ ،‬ثم ِ‬
‫قدم‬ ‫ُ‬
‫اجلمعة فأدركته اجلمع ُة يف‬‫ِ‬ ‫وأسس مسجدهم‪ ،‬ثم خرج يو َم‬ ‫ٍ‬
‫بني عمرو بن عوف‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫مجعة‬ ‫بطن الوادي‪ ،‬وكانت َّأو َل‬ ‫ِ‬
‫املسجد الذي يف ِ‬ ‫عوف‪ ،‬فصالها يف‬ ‫ٍ‬ ‫بني ساملِ بن‬
‫ِ‬
‫مسجده ﷺ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫تأسيس‬ ‫ِ‬
‫باملدينة‪ ،‬وذلك قبل‬ ‫صالها‬

‫‪ -21‬فصل [يف خصائص يوم اوجدع ]‬

‫خيتص‬
‫ُّ‬ ‫وختصيصه بعبادات‬
‫ُ‬ ‫تعظيم هذا اليو ِم وترشي ُفه‬
‫ُ‬ ‫وكان من ِ‬
‫هديه ﷺ‬
‫هبا عن ِ‬
‫غريه‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مالك ‪ ،)15( 108/1‬وأبو داود (‪.)1046‬‬


‫‪ | 018‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫وجهان‬ ‫ُ‬
‫أفضل‪ ،‬أم يو ُم عرف َة؟ عىل قولني‪ ،‬مها‬ ‫َلف الفقها ُء‪ :‬هل هو‬‫وقد اخت َ‬
‫الشافعي‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫ألصحاب‬
‫وكان ﷺ يقر ُأ يف ِ‬
‫فجره بسوريت‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ) و(ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ)‪.‬‬
‫ِ‬
‫الصالة بسجدة زائدة‪،‬‬ ‫ختصيص هذه‬ ‫علم عنده أن املرا َد‬
‫ُ‬ ‫كثري ممن ال َ‬
‫ويظ ُّن ٌ‬
‫استحب قراء َة سورة‬
‫َّ‬ ‫ويسموهنا سجد َة اجلمعة‪ ،‬وإذا مل يقرأ أحدُ هم هذه السور َة‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫قراءة هذه السورة‬ ‫ِ‬
‫األئمة املداوم َة عىل‬ ‫أخرى فيها سجدة؛ وهلذا ك َِر َه َمن ك َِر َه من‬
‫يف فجر اجلمعة‪ ،‬دف ًعا لتوهم اجلاهلني‪.‬‬

‫يقول‪ :‬إنام كان النبي ﷺ يقر ُأ هاتني‬ ‫شيخ اإلسال ِم اب َن تيمي َة ُ‬


‫وسمعت َ‬
‫ُ‬
‫َضمنَتا ما كان وما يكون يف يومها‪ :‬فإهنام اشتم َلتا‬
‫فجر اجلمعة؛ ألهنام ت َّ‬ ‫ِ‬
‫السورتني يف ِ‬
‫ِ‬
‫اخلليقة(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫وحرش‬ ‫ذكر املعاد‪،‬‬ ‫عىل ِ‬
‫خلق آد َم عليه السالم‪ ،‬وعىل ِ‬
‫ِ‬
‫اجلمعة‪.‬‬ ‫خواص يوم‬ ‫فهذه خاص ٌة من‬
‫ِّ‬
‫النبي ﷺ ويف ليلتِه؛ لقوله‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استحباب كثرة الصالة فيه عىل ِّ‬ ‫ُ‬ ‫اخلاص ُة الثاني ُة‪:‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫اجلمعة»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫اجلمعة وليلة‬ ‫عيل يو َم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﷺ‪« :‬أكثروا من الصالة َّ‬
‫ِ‬
‫فللصالة عليه يف هذا‬ ‫ورسول اهلل ﷺ سيدُ األنام‪ ،‬ويو ُم اجلمعة سيدُ األيام‪،‬‬ ‫ُ‬
‫كل ٍ‬
‫خري نا َلتْه أمتُه يف الدنيا‬ ‫أن َّ‬‫حكمة أخرى‪ ،‬وهي َّ‬ ‫ٍ‬ ‫اليوم مزي ٌة ليست لغريه مع‬
‫خريي الدنيا واآلخرة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫واآلخرة فإنام نا َلتْه عىل ِ‬
‫فجمع اهلل تعاىل ألمته به بني َ‬
‫َ‬ ‫يده‪،‬‬
‫حتصل يو َم اجلمعة‪ ،‬فإن فيه بع َثهم إىل منازهلم‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫حتصل هلم فإهنا‬ ‫ٍ‬
‫كرامة‬ ‫فأعظم‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬الفتاوى الكربى البن تيمية ‪.360/2‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)1047‬والنسائي (‪ ،)1374‬وابن ماجه (‪.)1085‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪019‬‬

‫املزيد هلم إذا دخلوا اجلن َة‪ ،‬وهو يوم ٍ‬


‫عيد هلم يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقصورهم يف اجلنة‪ ،‬وهو يو ُم‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫وحوائجهم‪ ،‬وال ير ُّد سائ َلهم‪ ،‬وهذا‬ ‫ِ‬
‫بطلباهتم‬ ‫الدنيا‪ ،‬ويو ٌم فيه ُيسعفهم اهلل تعاىل‬
‫ِ‬
‫وأداء القليل من‬ ‫ِ‬
‫ومحده‬ ‫يده‪ ،‬فمن ش ِ‬
‫كره‬ ‫وحصل هلم بسببِه وعىل ِ‬ ‫َ‬ ‫كله إنام عرفوه‬
‫الصالة عليه يف هذا اليو ِم وليلتِه‪.‬‬
‫ِ‬
‫ح ِّقه ﷺ أن ن َ‬
‫ُكثر من‬

‫فروض اإلسال ِم‪ ،‬ومن‬‫ِ‬ ‫اجلمعة التي هي من ِ‬


‫آكد‬ ‫ِ‬ ‫اخلاص ُة الثالث ُة‪ :‬صالة‬
‫أعظم من ِّ‬
‫كل جمم ٍع جيتمعون فيه وأفرضه سوى‬ ‫ُ‬ ‫أعظ ِم جمام ِع املسلمني‪ ،‬وهي‬
‫جمم ِع عرف َة‪.‬‬
‫باالغتسال يف ِ‬
‫ِ‬
‫يومها‪ ،‬وهو أمر مؤ َّكدٌ جدًّ ا‪ ،‬ووجو ُبه‬ ‫اخلاص ُة الرابعة‪ :‬ا ُ‬
‫ألمر‬ ‫َّ‬
‫وجوب ِ‬
‫الو ِتر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أقوى من‬
‫ُ‬
‫والتفصيل بني من له‬ ‫واإلثبات‪،‬‬
‫ُ‬ ‫النفي‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫أقوال‪:‬‬ ‫وللناس يف وجوبِه ثالث ُة‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫فيستحب له‪ .‬والثالثة‬
‫ُّ‬ ‫ٍ‬
‫مستغن عنه‬ ‫فيجب عليه‪ ،‬و َمن هو‬
‫ُ‬ ‫حيتاج إىل إزالتِها‬
‫ُ‬ ‫رائحة‬
‫ألصحاب أمحد‪.‬‬
‫أفضل فيه من التطيب يف ِ‬
‫غريه من أيا ِم‬ ‫ُ‬ ‫اخلاص ُة اخلامس ُة‪ :‬التط ُّي ُ‬
‫ب فيه‪ .‬وهو‬ ‫َّ‬
‫األسبوعِ‪.‬‬

‫غريه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫السواك يف ِ‬ ‫ُ‬
‫السواك فيه‪ ،‬وله مز َّي ٌة عىل‬ ‫اخلاص ُة السادس ُة‪:‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫للصالة‪.‬‬ ‫التبكري‬ ‫اخلاص ُة السابع ُة‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫خيرج اإلما ُم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫اخلاص ُة الثامن ُة‪ :‬أن‬
‫والذكر والقراءة حتى َ‬ ‫بالصالة‬ ‫يشتغل‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫القولني‪.‬‬ ‫أصح‬ ‫ِ‬ ‫اخلاص ُة التاسع ُة‪:‬‬
‫اإلنصات للخطبة إذا سمعها وجو ًبا يف ِّ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫‪ | 001‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫احلديث‬ ‫ِ‬
‫الزوال‪ ،‬ويف‬ ‫وقت‬
‫فعل الصالة فيه َ‬ ‫اخلاص ُة العاِش ُة‪ :‬أنه ال ُيكره ُ‬
‫َّ‬
‫هن من‬ ‫استطاع من ُط ٍ‬
‫هر‪ ،‬ويدَّ ُ‬ ‫َ‬ ‫فيتطهر ما‬
‫َّ‬ ‫غتسل ٌ‬
‫رجل يو َم اجلمعة‬ ‫الصحيح‪« :‬ال َي ُ‬
‫َيرج‪ ،‬فال ُيفرق بني اثنني‪ ،‬ثم ُيصيل ما كُتب له‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يمس من طيب بيته‪ ،‬ثم ُ‬ ‫ُدهنه‪ ،‬أو ُّ‬
‫معة األخرى» رواه‬ ‫اجل ِ‬
‫ثم ُينصت إذا تكلم اإلما ُم إال غُ فر له ما بينه وبني ُ‬
‫وقت خروج‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صالة ما كُتب له‪ ،‬ومل يمن ْعه عنها إال يف‬ ‫البخاري(‪ .)1‬فندبه إىل‬
‫ُّ‬
‫اإلما ِم‪.‬‬
‫احلادي َة عَش َة‪ :‬قراءة سورة (اجل ِ‬
‫معة) و(املنافقني)‪ ،‬أو (سبح) و(الغاشية) يف‬‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مسلم يف‬
‫ٌ‬ ‫رسول اهلل ﷺ يقر ُأ هبن يف يوم اجلمعة‪َ ،‬‬
‫ذكره‬ ‫ُ‬ ‫صالة اجلمعة‪ ،‬فقد كان‬
‫«صحيحه»(‪.)2‬‬
‫ٍ‬
‫الثاني َة عَش َة‪ :‬أنه يوم عيد ُم ِّ‬
‫تكرر يف األسبوعِ‪.‬‬

‫يقدر‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الثياب التي‬ ‫أحسن‬
‫َ‬ ‫لبس فيه‬ ‫ِ‬
‫للرجل أن َي َ‬ ‫ستحب‬
‫ُّ‬ ‫الثالث َة عَش َة‪ :‬أنه ُي‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ يقول‬ ‫عبد اهلل بن سالم‪ ،‬أنه َس ِم َع‬
‫عليها‪ ،‬ويف «سنن أيب داود» عن ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫عىل املنرب يف يوم اجلمعة‪« :‬ما عىل ِ‬
‫أحدكم لو اشرتى ثو َب ِ‬
‫ني ليو ِم اجلمعة سوى َ‬
‫ثويب‬ ‫َ‬
‫مهنتِه»(‪.)3‬‬
‫جيوز السفر يف ِ‬
‫يومها ملن تلز ُمه اجلمع ُة قبل فعلِها بعد‬ ‫الرابع َة عَش َة‪ :‬أنه ال ُ‬
‫ُ‬
‫منصوصات عن‬ ‫روايات‬ ‫ِ‬
‫للعلامء وهي‬ ‫دخول وقتِها‪ ،‬وأ َّما قب َله ففيه ثالث ُة أقوال‬
‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫للجهاد خاص ًة‪.‬‬ ‫جيوز‬
‫جيوز‪ ،‬والثالثة‪ُ :‬‬
‫جيوز‪ ،‬والثانية‪ُ :‬‬ ‫أمحدَ ‪ ،‬إحداها‪ :‬ال ُ‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري (‪.)883‬‬


‫(‪ )2‬صحيح مسلم (‪.)879 ،878‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)1078‬وابن ماجه (‪.)1096‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪000‬‬

‫فوت ُرفقتِه وانقطاعه بعدهم‬


‫فوت ُرفقتِه‪ ،‬فإن خاف َ‬ ‫هذا إذا مل َخي ِ‬
‫َف املسافر َ‬
‫عذر ُي ُ‬
‫سقط اجلمعة واجلامعة‪.‬‬ ‫السفر ُمطل ًقا؛ ألن هذا ٌ‬
‫ُ‬ ‫جاز له‬
‫خطوة أجر ٍ‬
‫سنة صيا َمها وقيا َمها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اجلمعة بكل‬ ‫اخلامس َة عَش َة‪ :‬أن للاميش إىل‬
‫َ‬
‫واغتس َل‬
‫َ‬ ‫غسل‬ ‫ُ‬
‫رسول اهللﷺ‪« :‬من َّ‬ ‫قال عبد الرزاق‪ :‬عن أوس بن أوس قال‪ :‬قال‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫خطوة َيطوها‬ ‫ت‪ ،‬كان له بكل‬ ‫يو َم اجلمعة‪ ،‬وبكَّر وابتك ََر‪ ،‬ودنا من اإلما ِم َ‬
‫فأنص َ‬
‫يسري»(‪ .)1‬ورواه اإلمام أمحد يف « مسنده»(‪،)2‬‬ ‫وقيامها وذلك عىل اهلل‬ ‫صيام ٍ‬
‫سنة‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫غسل بالتشديد‪ :‬جا َم َع أه َله‪ ،‬وكذلك َّ‬
‫فرسه وكيع‪.‬‬ ‫وقال اإلما ُم أمحدُ ‪َّ :‬‬
‫البخاري» عن‬ ‫ِ‬
‫صحيح‬ ‫ِ‬
‫السيئات‪ ،‬ففي «‬ ‫السادس َة عَش َة‪ :‬أنه يو ُم تكفري‬
‫ِّ‬
‫ويتطه ُر ما استطاع‬
‫َّ‬ ‫رجل يو َم اجلمعة‬‫يغتسل ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬ال‬ ‫َ‬
‫سلامن قال‪ :‬قال‬
‫َيرج فال ُ‬
‫يفرق بني اثنني‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫طيب بيتِه‪ ،‬ثم‬
‫يمس من ِ‬ ‫ِ‬
‫ويدهن من دهنه‪ ،‬أو ُّ‬
‫ُ‬ ‫ِمن ٍ‬
‫طهر‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلمعة‬ ‫ينصت إذا تك َّلم اإلما ُم‪ ،‬إال غُف َر له ما بينَه َ‬
‫وبني‬ ‫ُ‬ ‫ب له‪ ،‬ثم‬ ‫ثم يصيل ما كُت َ‬
‫األخرى»(‪.)3‬‬

‫سأل اهللَ عبدٌ‬ ‫ِ‬


‫اإلجابة‪ ،‬وهي الساع ُة التي ال َي ُ‬ ‫السابعة عَش َة‪ :‬أن فيه ساع َة‬
‫حديث أيب هريرة ‪ ‬قال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫مسلم فيها شي ًئا إال أعطاه‪ ،‬ففي «الصحيحني» من‬ ‫ٌ‬
‫قائم يصيل‬‫مسلم وهو ٌ‬‫ٌ‬ ‫قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إن يف اجلمعة لساع ًة ال يواف ُقها عبدٌ‬
‫بيده هكذا يقللها»(‪.)4‬‬ ‫سأل اهللَ ‪ ‬شيئًا إال أعطاه إياه‪ .‬وقال ِ‬ ‫َي ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه ‪.)5570( 259/3‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أمحد ‪)16172( 92/26‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪.)883‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)935‬ومسلم (‪.)852‬‬
‫‪ | 002‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫فعت؟ عىل قولني‬ ‫ِ‬


‫الساعة‪ :‬هل هي باقي ٌة أو قد ُر ْ‬ ‫الناس يف هذه‬ ‫َلف‬
‫وقد اخت َ‬
‫ُ‬
‫وغريه‪ ،‬والذين قالوا‪ :‬هي باقي ٌة ومل تُر َفع‪ ،‬اختلفوا هل هي‬ ‫(‪)1‬‬ ‫حكامها ابن ِ‬
‫عبد الرب‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫معينة؟ عىل قولني‪ ،‬ثم قد اختلف َمن قال بعد ِم‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫يف وقت من اليو ِم بعينه أم هي ُ‬
‫غري‬
‫أيضا‪ ،‬والذين قالوا بتعيينِها‬
‫ساعات اليوم‪ ،‬أو ال؟ عىل قولني ً‬‫ِ‬ ‫تعيينِها‪ :‬هل ُ‬
‫تنتقل يف‬
‫عرش ً‬
‫قوال‪.‬‬ ‫اختلفوا عىل أحدَ َ‬
‫أرجح‬ ‫ُ‬
‫األحاديث الثابتة‪ ،‬وأحدُ مها‬ ‫نتهام‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫األقوال قوالن ت ََض َّم ُ‬ ‫جح هذه‬
‫وأر ُ‬
‫من اآلخر‪:‬‬

‫وحج ُة هذا‬ ‫ِ‬


‫الصالة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫انقضاء‬ ‫ِ‬
‫جلوس اإلما ِم إىل‬ ‫ُ‬
‫القول األول‪ :‬أهنا ما بني‬
‫َّ‬
‫مسلم يف «صحيحه» من حديث أيب ُبرد َة بن أيب موسى‪ ،‬أن عبدَ اهلل‬ ‫ٌ‬ ‫القول ما رواه‬
‫ِ‬
‫ساعة اجلمعة؟ قال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل يف شأن‬ ‫عت أباك ُحيدِّ ث عن‬ ‫بن عمر قال له‪ِ :‬‬
‫أسم َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ يقول‪« :‬هي ما بني أن ََيلس اإلما ُم إىل‬ ‫نعم‪ ،‬سمعتُه يقول‪ :‬سمعت‬
‫أن تُقىض الصال ُة»(‪.)2‬‬
‫ِ‬
‫القول ما‬ ‫وحج ُة هذا‬
‫َّ‬ ‫أرجح القولني‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫العرص‪ ،‬وهذا‬ ‫ُ‬
‫والقول الثاين‪ :‬أهنا بعدَ‬
‫عَش‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫روى أبو داو َد والنسائي‪ ،‬عن جابر‪ ،‬عن النبي ﷺ قال‪« :‬يو ُم اجلمعة اثنا َ‬
‫آخر‬ ‫ِ‬ ‫مسلم َي ُ‬ ‫ساع ًة‪ ،‬فيها ساع ٌة ال يوجدُ‬
‫سأل اهلل فيها شيئًا إال أعطاه‪ ،‬فالتمسوها َ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫العِص»(‪.)3‬‬ ‫ٍ‬
‫ساعة بعدَ‬

‫(‪ )1‬التمهيد البن عبد الرب ‪.19-17/19‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)853‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)1048‬والنسائي (‪.)1389‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪003‬‬

‫سائر الصلوات‬ ‫ِ‬ ‫اجلمعة التي ُخ َّصت ِمن بني‬


‫ِ‬ ‫الثامن َة عَش َة‪َّ :‬‬
‫أن فيه صال َة‬
‫ِ‬
‫املخصوص‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والعدد‬ ‫غريها‪ِ :‬من االجتامع‬
‫بخصائص ال توجدُ يف ِ‬ ‫ِ‬
‫املفروضات‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫التشديد فيها ما مل‬ ‫ِ‬
‫واجلهر بالقراءة‪ .‬وقد جاء من‬ ‫ِ‬
‫واالستيطان‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واشرتاط اإلقامة‬
‫ِ‬
‫العرص‪.‬‬ ‫نظريه إال يف صالة‬ ‫ِ‬
‫يأت ُ‬
‫أن فيه اخلطب َة التي مقصودها الثنا ُء عىل اهلل ومتجيدُ ه‪،‬‬ ‫التاسع َة عَش َة‪َّ :‬‬
‫وحتذيرهم‬ ‫ِ‬
‫العباد بأيامه‪،‬‬ ‫وتذكري‬ ‫ِ‬
‫بالوحدانية ولرسوله ﷺ بالرسالة‪،‬‬ ‫والشهاد ُة له‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫عام ُيقرهبم من‬‫من بأسه ون َقمه‪ ،‬ووصيتُهم بام ُيقرهبم إليه وإىل جناته‪ ،‬وهن ُيهم َّ‬
‫سخطِه ِ‬
‫وناره‪ ،‬فهذا هو مقصو ُد هذه اخلطبة واالجتامع هلا‪.‬‬

‫سائر‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للعبادة‪ ،‬وله عىل‬ ‫ستحب أن ُيتفر َغ فيه‬ ‫العَشون‪ :‬أنه اليو ُم الذي ُي‬
‫ُّ‬
‫كل‬ ‫ألهل ِّ‬ ‫ِ‬ ‫العبادات واجبة ومستحبة‪ ،‬فاهلل سبحانه َ‬
‫جعل‬ ‫ِ‬ ‫األيام مزي ٌة بأنوا ٍع من‬
‫أشغال الدنيا‪ ،‬فيو ُم اجلمعة يو ُم‬ ‫ِ‬ ‫يتفرغون فيه لعبادته ويتخ َّلون فيه عن‬ ‫ٍ‬
‫ملة يو ًما َّ‬
‫القدر يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كليلة‬ ‫ِ‬
‫الشهور‪ ،‬وساع ُة اإلجابة فيه‬ ‫َ‬
‫رمضان يف‬ ‫ِ‬
‫كشهر‬ ‫عبادة‪ ،‬وهو يف األيام‬
‫صح له‬ ‫ِ‬ ‫صح له يو ُم مجعتِه‬
‫سائر مجعته‪ ،‬و َمن َّ‬ ‫سلم ْت له ُ‬‫وسلم َ‬ ‫َ‬ ‫رمضان؛ وهلذا َمن َّ‬
‫صحت‬ ‫وسلم ْت له َّ‬ ‫َ‬ ‫صحت له حجتُه‬ ‫سائر سنته‪ ،‬ومن َّ‬ ‫سلم ْت له ُ‬‫وسلم َ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫رمضان‬
‫ُ‬
‫ميزان‬ ‫واحلج‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫ميزان العام‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ورمضان‬ ‫ُ‬
‫ميزان األسبوعِ‪،‬‬ ‫سائر ُع َم ِره‪ ،‬فيو ُم اجلمعة‬
‫له ُ‬
‫العمر‪ .‬وباهلل التوفيق‪.‬‬
‫ِ‬
‫كالعيد يف العام‪ ،‬وكان العيدُ‬ ‫احلادية والعَشون‪ :‬أنه ملا كان يف األسبو ِع‬
‫َ‬
‫جعل اهلل سبحانه‬ ‫ٍ‬
‫وقربان‪ ،‬وكان يو ُم اجلمعة يو َم صالة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫صالة‬ ‫ً‬
‫مشتمال عىل‬
‫ِ‬
‫للرائح فيه إىل‬ ‫وقائام مقامه‪ ،‬فيجتمع‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫القربان‬ ‫بدال ِمن‬ ‫ِ‬
‫املسجد ً‬ ‫َ‬
‫التعجيل فيه إىل‬
‫راح‬ ‫ُ‬
‫والقربان‪ ،‬كام يف «الصحيحني» عن النبي ﷺ أنه قال‪َ « :‬من َ‬ ‫املسجد الصال ُة‬
‫‪ | 004‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قرب بقرةً‪،‬‬
‫راح يف الساعة الثانية فكأنام َّ‬
‫ومن َ‬‫قرب بدن ًة‪َ ،‬‬
‫يف الساعة األوىل فكأنَّام َّ‬
‫أقرن»(‪.)1‬‬
‫كبشا َ‬‫قرب ً‬ ‫ِ‬
‫راح يف الساعة الثالثة فكأنام َّ‬
‫ومن َ‬
‫َلف الفقها ُء يف هذه الساعات عىل قولني‪:‬‬
‫وقد اخت َ‬
‫(‪)2‬‬
‫الشافعي‬ ‫ِ‬
‫مذهب‬ ‫املعروف يف‬
‫ُ‬ ‫أحدمها‪ :‬أهنا ِمن ِ‬
‫أول النهار‪ ،‬وهذا هو‬
‫ِّ‬
‫وأمحد(‪ )3‬وغريمها‪.‬‬

‫املعروف يف‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الساعة السادسة بعدَ الزوال‪ ،‬وهذا هو‬ ‫والثاين‪ :‬أهنا أجزا ٌء ِمن‬
‫ٍ (‪)4‬‬ ‫ِ‬
‫بعض الشافعية(‪.)5‬‬
‫مالك ‪ ،‬واختاره ُ‬ ‫مذهب‬
‫ِ‬
‫لفظة‬ ‫ِ‬
‫ثالثة أمور‪ :‬أحدُ ها‪ :‬عىل‬ ‫ومدار إنكار التبكري َ‬
‫أول النهار عىل‬ ‫قلت‪:‬‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الزوال‪ ،‬والثاين‪ :‬لفظ ُة (التهجري)‪ ،‬وهي إنام‬ ‫ُ‬
‫تكون إال بعدَ‬ ‫(الرواح)‪ ،‬وأهنا ال‬
‫والثالث‪ُ :‬‬
‫عمل أهل املدينة‪ ،‬فإهنم مل يكونوا يأتون‬ ‫ُ‬ ‫وقت شدة احلر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫باهلاجرة َ‬ ‫تكون‬
‫ِ‬
‫النهار‪.‬‬ ‫ِمن أول‬

‫تطلق عىل املِض بعدَ الزوال‪ ،‬وهذا إنام‬


‫ُ‬ ‫فأ َّما لفظ ُة (الرواح) فال َ‬
‫ريب أهنا‬
‫الرواح بمعنى الذهاب واملِض‪،‬‬
‫ُ‬ ‫طلق‬
‫بالغدو‪ ،‬وقد ُي ُ‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫األكثر إذا ُقرنت‬ ‫يكون يف‬
‫بالغدو‪.‬‬ ‫ِ‬
‫االقرتان‬ ‫وهذا إنام جيي ُء إذا كانت جمرد ًة عن‬
‫ِّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)881‬ومسلم (‪.)850‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬بحر املذهب للروياين ‪ ،412/2‬املجموع للنووي ‪.540/4‬‬
‫(‪ )3‬املغني البن قدامة ‪.164/3‬‬
‫(‪ )4‬املنتقى للباجي ‪.183/1‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬هناية املطلب للجويني ‪ ،565/2‬املجموع للنووي ‪.540/4‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪005‬‬

‫لفظ (التهجري واهلجري واملهجر) فمن اهلجر واهلاجرة‪ ،‬قال اجلوهري‪:‬‬ ‫وأ َّما ُ‬
‫احلر‪ ،‬تقول منه‪ :‬هجر النهار(‪ .)1‬قال اآلخرون‪:‬‬ ‫ِ‬
‫النهار عندَ اشتداد ِّ‬ ‫نصف‬
‫ُ‬ ‫هي‬
‫التبكري‪.‬‬ ‫طلق و ُيرا ُد به‬ ‫الكالم يف ِ‬
‫لفظ (التهجري) كالكال ِم يف لفظ (الرواح)‪ ،‬فإنه ُي ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أول النهار فهذا غايته‬ ‫ِ‬
‫اجلمعة َ‬ ‫كون ِ‬
‫أهل املدينة مل يكونوا يروحون إىل‬ ‫وأ َّما ُ‬
‫بحجة‪ ،‬وال عندَ َمن يقول‪ :‬إمجاع‬ ‫ٍ‬ ‫مالك ‪ ،‬وهذا ليس‬ ‫ٍ‬ ‫أنه عم ُلهم يف زمن‬
‫الرواح إىل اجلمعة ِمن أول النهار‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أهل املدينة حجة؛ فإن هذا ليس فيه إال ُ‬
‫ترك‬
‫ِ‬
‫ومصالح أهله‬ ‫ِ‬
‫الرجل بمصاحله‬ ‫ُ‬
‫اشتغال‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫جائز بالْضورة‪ ،‬وقد‬
‫ٌ‬ ‫وهذا‬
‫اجلمعة ِمن أول‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رواحه إىل‬ ‫أفضل ِمن‬
‫َ‬ ‫أمور دين ِه ودنياه‬
‫ِ‬ ‫ومعاشه وغري ذلك ِمن‬
‫ِ‬

‫النهار‪.‬‬
‫ِ‬
‫اجلنة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ألوليائه املؤمنني يف‬ ‫َّ‬
‫يتجىل اهلل ‪ ‬فيه‬ ‫الثانية والعَشون‪ :‬أنه يوم‬
‫أقرهبم من اإلمام‪ ،‬وأسب ُقهم إىل الزيارة [أسب َقهم]‬
‫أقرهبم منهم َ‬
‫وزيارهتم له‪ ،‬فيكون ُ‬
‫ِ‬
‫اجلمعة‪.‬‬ ‫إىل‬
‫ُ‬
‫واجلبال‬ ‫واألرض‬
‫ُ‬ ‫الساموات‬
‫ُ‬ ‫َفز ُع منه‬
‫الثالثة والعَشون‪ :‬أنه اليو ُم الذي ت َ‬
‫اإلنس واجل ِّن‪ ،‬ففي حديث أيب هريرة عن‬ ‫ِ‬ ‫والبحار‪ ،‬واخلالئق كلها إال شياطني‬
‫ُ‬
‫تغرب عىل يو ٍم أفضل من يو ِم اجلمعة‪ ،‬وما ِمن‬‫ُ‬ ‫الشمس وال‬
‫ُ‬ ‫تطلع‬
‫ُ‬ ‫النبي ﷺ‪« :‬ال‬
‫ِ‬
‫واإلنس»(‪ ،)2‬وهو‬ ‫الثقلني ِمن اجلن‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫دابة إال وهي تَفز َُع ليو ِم اجلمعة إال هذين‬
‫وخترب‬
‫ُ‬ ‫حديث صحيح‪ .‬وذلك أنه اليو ُم الذي تقو ُم فيه الساع ُة‪ ،‬و ُيطوى العاملُ‪،‬‬
‫ِ‬
‫والنار‪.‬‬ ‫منازهلم من ِ‬
‫اجلنة‬ ‫ِ‬ ‫الناس إىل‬ ‫ُ‬
‫ويبعث فيه ُ‬ ‫فيه الدنيا‪،‬‬

‫(‪ )1‬الصحاح للجوهري‪.851/2‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أمحد ‪ ،)7687( 116/13‬وأصله يف البخاري (‪ ،)881‬ومسلم (‪.)850‬‬
‫‪ | 006‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫َّ‬
‫وأضل عنه‬ ‫الرابعة والعَشون‪ :‬أنه اليو ُم الذي ا َّدخره اهلل تعاىل هلذه األمة‬
‫الكتاب قبلهم‪ ،‬كام يف «الصحيح» من حديث أيب هريرة ريض اهلل عنه عن‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫أهل‬
‫ِ‬
‫اجلمعة‪ ،‬هدانا‬ ‫ت عىل يو ٍم خري ِمن يوم‬
‫شمس وال غر َب ْ‬ ‫ت‬‫النبي ﷺ قال‪« :‬ما طل َع ْ‬
‫ٌ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تبع‪ ،‬هو لنا‪ ،‬ولليهود يو ُم السبت‪،‬‬ ‫َّ‬
‫فالناس لنا فيه ٌ‬
‫ُ‬ ‫الناس عنه‪،‬‬‫ُ‬ ‫وضل‬ ‫اهلل له‪،‬‬
‫ِ‬
‫األحد»(‪.)1‬‬ ‫وللنصارى يو ُم‬
‫َ‬
‫رمضان‬ ‫شهر‬ ‫ِ‬
‫اخلامسة والعَشون‪ :‬أنه خري ُة اهلل من أيام األسبوع‪ ،‬كام أن َ‬
‫شهور العام‪ ،‬وليل ُة القدر خريتُه من الليايل‪ ،‬ومك ُة خريتُه من األرض‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫خريتُه من‬
‫ورسوله حممدٌ ﷺ خريتُه ِمن ِ‬
‫خلقه‪.‬‬
‫السادسة والعَشون‪ :‬أنه ُيكر ُه إفرا ُد يو ِم اجلمعة بالصو ِم‪ ،‬ففي «صحيح‬
‫ِ‬
‫اجلمعة‬ ‫ختتصوا ليل َة‬
‫النبي ﷺ قال‪« :‬ال ُّ‬ ‫مسلم» عن أيب هريرة ريض اهلل عنه‪ ،‬عن ِّ‬
‫يكون يف‬
‫َ‬ ‫ختتصوا يو َم اجلمعة بصيا ٍم من بني األيامِ‪ ،‬إال أن‬
‫بقيا ٍم من بني اللياَل‪ ،‬وال ُّ‬
‫صو ٍم يصومه أحدُ كم»(‪.)2‬‬

‫‪ -21‬فصل يف هديِه ﷺ يف خُ َ‬
‫ط ِبه‬

‫امحرت عيناه‪ ،‬وعال صوتُه‪ ،‬واشتدَ غض ُبه حتى كأنه‬ ‫كان ﷺ إذا خطب َّ‬
‫خري احلديث‬ ‫ومساكم»‪ ،‬ويقول‪« :‬أما بعدُ ‪ ،‬فإن َ‬ ‫ٍ‬
‫جيش‪ ،‬يقول‪« :‬ص َّبحكم َّ‬ ‫نذر‬
‫ُم ُ‬
‫دثاُتا‪ ،‬وك َُّل بدعة ضالل ٌة»‪ ،‬ثم‬
‫وِش األمور ُحم ُ‬ ‫ٍ‬
‫هدي حممد‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫وخري اهلدي‬
‫َ‬ ‫كتاب اهلل‪،‬‬
‫ُ‬
‫ماال فألهلِه‪ ،‬ومن ترك َدينًا أو‬ ‫مؤمن من ِ‬
‫نفسه‪ ،‬من ترك ً‬ ‫ٍ‬ ‫يقول‪« :‬أنا أوىل بكُل‬
‫َضيا ًعا َّ‬
‫فإَل وعيل» رواه مسلم(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد ‪ ،)10723( 421/16‬وأصله يف البخاري (‪ ،)881‬ومسلم (‪.)850‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)1144‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)867‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪007‬‬

‫اجلوامع‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الكلامت‬ ‫الذكر و َيقصد‬ ‫ويكثر‬ ‫ُ‬
‫ويطيل الصالةَ‪،‬‬ ‫قرص اخلطب َة‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وكان ُي ِّ‬
‫وقِص خطبتِه َمئِنَّ ٌة من فقهه»(‪.)1‬‬ ‫الرجل ِ‬
‫ِ‬ ‫طول صالة‬ ‫وكان يقول‪« :‬إن َ‬

‫ويأمرهم‬
‫ُ‬ ‫وكان ﷺ ُيع ِّلم أصحا َبه يف خطبتِه قواعدَ اإلسال ِم ورشائ َعه‪،‬‬
‫خيطب أن‬
‫ُ‬ ‫الداخل وهو ﷺ‬‫َ‬ ‫أمر‬
‫أمر أو َهن ٌي‪ ،‬كام َ‬ ‫وينهاهم يف ُخطبتِه إذا َ‬
‫عرض له ٌ‬
‫صيل ركعتني‪.‬‬
‫ُي َ‬
‫ِ‬
‫باجللوس‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الناس عن ذلك‪ ،‬وأمر ُه‬ ‫ِ‬
‫لرقاب‬ ‫وهنى املُتخ ِّطي‬
‫ِ‬
‫ألحد من أصحابِه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫السؤال‬ ‫َعر ُض‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬
‫للحاجة ت ِ‬ ‫يقطع خطبتَه‬ ‫وكان ﷺ‬
‫ُ‬
‫فيتمها‪.‬‬
‫فيجي ُبه‪ ،‬ثم يعو ُد إىل خطبته‪ُّ ،‬‬
‫ِ‬
‫احلسن‬ ‫ِ‬
‫ألخذ‬ ‫فيتمها‪ ،‬كام َ‬
‫نزل‬ ‫ِ‬ ‫نزل عن ِ‬ ‫وكان ربام َ‬
‫املنرب للحاجة ثم يعو ُد ُّ‬
‫فأتم اخلطب َة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واحلسني‪ ،‬فأخذمها ُثم َرق َي هبام املن َ‬
‫رب‪َّ ،‬‬
‫الرجل يف خطبتِه‪ :‬تعال يا فالن‪ ،‬اجلِ ْس يا فالن‪ِّ ،‬‬
‫صل يا‬ ‫َ‬ ‫وكان ﷺ يدعو‬
‫فالن‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وحاجة‬ ‫احلال‪ ،‬فإذا رأى بينهم ذا ٍ‬
‫فاقة‬ ‫ِ‬ ‫يأمرهم يف خطبتِه بمقتَض‬
‫وكان ُ‬
‫وحضهم عليها‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫بالصدقة‬ ‫أمرهم‬
‫َ‬
‫بأصبعه السب ِ‬
‫ابة يف خطبته عند ِ‬
‫ذكر اهلل تعاىل ودعائه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫يشري‬
‫َّ‬ ‫وكان ُ‬
‫املطر‪ -‬يف خطبتِه‪.‬‬
‫حط ُ‬ ‫وكان َيستسقي هلم ‪-‬إذا َق َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)869‬‬


‫‪ | 008‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫خرج إليهم‬
‫َ‬ ‫الناس‪ ،‬فإذا اجتمعوا‬
‫ُ‬ ‫جيتمع‬
‫َ‬ ‫مهل يو َم اجلمعة حتى‬‫وكان ُي ُ‬
‫بوجه ِه‬
‫ِ‬ ‫الناس‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫استقبل‬ ‫ِ‬
‫وحدَ ه‪ ،‬فإذا دخل املسجدَ س َّلم عليهم‪ ،‬فإذا ص َعد املن َ‬
‫رب‬
‫النبي ﷺ‬
‫ُّ‬ ‫جيلس ويأخذ ٌ‬
‫بالل يف األذان‪ ،‬فإذا فر َغ منه قام‬ ‫ُ‬ ‫وسلم عليهم‪ ،‬ثم‬
‫ِ‬
‫واخلطبة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األذان‬ ‫ٍ‬
‫فصل بني‬ ‫فخطب من غ ِري‬
‫َ‬
‫ثالث درجات‪ ،‬وكان قبل ِ‬
‫اختاذه َخيطب إىل ِجذ ٍع يستند إليه‪ ،‬ومل‬ ‫َ‬ ‫ربه‬
‫وكان من ُ‬
‫ِ‬
‫احلائط‪ ،‬وكان‬ ‫يب قري ًبا من‬ ‫ِ‬
‫وضع يف جانبه الغر ِّ‬
‫َ‬ ‫املسجد‪ ،‬وإنام‬ ‫رب يف وسط‬‫ُيوضع املن ُ‬
‫ِ‬
‫الشاة‪.‬‬ ‫ممر‬ ‫ِ‬
‫بينَه وبني احلائط مقدار ِّ‬
‫استدار‬ ‫قائام يف اجلمعة‪،‬‬ ‫وكان إذا جلس عليه يف غري اجلم ِ‬
‫َ‬ ‫خطب ً‬ ‫َ‬ ‫عة‪ ،‬أو‬
‫ِ‬
‫اخلطبة‪.‬‬ ‫بوجوههم‪ ،‬وكان وجهه ﷺ ِقب َلتَهم يف ِ‬
‫وقت‬ ‫ِ‬ ‫أصحا ُبه إليه‬
‫ُ‬
‫وكان يقو ُم فيخ ُطب‪ ،‬ثم جيلس جلس ًة خفيف ًة‪ ،‬ثم يقو ُم فيخطب الثاني َة‪ ،‬فإذا‬
‫ِ‬
‫اإلقامة‪.‬‬ ‫فر َغ منها أخذ ٌ‬
‫بالل يف‬
‫َ‬
‫الرجل إذا‬ ‫ربهم َّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫الناس بالدُّ ِّنو منه‪ ،‬ويأمرهم باإلنصات وخي ُ‬
‫َ‬ ‫يأمر‬
‫وكان ُ‬
‫أنصت‪ .‬فقد لغا(‪.)1‬‬ ‫قال لصاحبِه‪ِ :‬‬

‫طبة ومل َيقم أحدٌ يركع‬ ‫أخذ النبي ﷺ يف اخل ِ‬ ‫ِ‬


‫األذان َ‬ ‫وكان إذا فر َغ ٌ‬
‫بالل من‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫كالعيد ال سن َة هلا‬ ‫ٍ‬
‫واحد‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫يدل عىل أن اجلمع َة‬ ‫ركعتني الب َّت َة‪ ،‬ومل يكن غري ٍ‬
‫أذان‬
‫تدل السن ُة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫العلامء‪ ،‬وعليه ُّ‬ ‫أصح َ‬
‫قويل‬ ‫قبلها‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫صىل اجلمع َة دخل إىل منزلِه َّ‬
‫فصىل ركعتني ُسنَّتَها‪ ،‬وأمر من‬ ‫وكان ﷺ إذا َّ‬
‫صالها أن ُي ِّ‬
‫صيل بعدها أرب ًعا‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)934‬ومسلم (‪.)851‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪009‬‬

‫ِ‬
‫املسجد صىل أرب ًعا‪،‬‬ ‫شيخنا أبو العباس اب ُن تيمي َة ‪ :‬إن صىل يف‬
‫فقال ُ‬
‫ُ‬
‫األحاديث‪.‬‬ ‫تدل‬ ‫صىل يف بيتِه صىل ركعتني‪ُ .‬‬
‫قلت‪ :‬وعىل هذا ُّ‬ ‫وإن َّ‬

‫‪ -22‬فصل يف هديِه ﷺ يف العمدين‬


‫ِ‬
‫املدينة‬ ‫صىل الذي عىل ِ‬
‫باب‬ ‫صىل‪ ،‬وهو املُ َّ‬
‫كان ﷺ يصيل العيدين يف املُ َّ‬
‫مر ًة واحد ًة أصاهبم‬ ‫حممل احلاج‪ ،‬ومل ُي ِّ‬
‫صل العيدَ بمسجده إال َّ‬ ‫وضع فيه ُ‬ ‫ُ‬ ‫الرشقي‪ُ ،‬ي‬
‫ِ‬
‫وابن‬ ‫احلديث‪ ،‬وهو يف ِ‬
‫سنن أيب داو َد‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املسجد إن ثبت‬ ‫مطر فصىل هبم العيدَ يف‬‫ٌ‬
‫دائام‪.‬‬
‫صىل ً‬‫ماجه(‪ ،)1‬وهد ُيه كان فع َلها يف املُ َّ‬

‫أمجل ثيابِه‪ ،‬فكان له ُح َّل ًة ُ‬


‫يلبسها للعيدين‬ ‫للخروج إليهام َ‬
‫ِ‬ ‫يلبس‬
‫ُ‬ ‫وكان‬
‫أمحر‪ ،‬وليس هو أمحر‬
‫ومر ًة ُبر ًدا َ‬
‫يلبس ُبردين أخْضين‪َّ ،‬‬‫ُ‬ ‫ومر ًة كان‬
‫واجلمعة‪َّ ،‬‬
‫ٌ‬
‫خطوط‬ ‫بعض الناس‪ ،‬فإنه لو كان كذلك مل يكن ُبر ًدا‪ ،‬وإنام فيه‬‫مصمتًا كام يظنه ُ‬
‫صح عنه ﷺ ِمن‬‫أمحر باعتبار ما فيه من ذلك‪ ،‬وقد َّ‬ ‫فس ِّم َي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫محر كالربود اليمنية‪ُ ،‬‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫واألمحر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املعصفر‬ ‫النهي عن ِ‬
‫لبس‬ ‫ُّ‬ ‫ٍ‬
‫معارض‬ ‫غري‬

‫الفطر مترات‪ ،‬ويأك ُله َّن ِو ًترا‪ ،‬وأما يف‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خروجه يف عيد‬ ‫وكان ﷺ يأكل َ‬
‫قبل‬
‫أضح َّيتِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫فيأكل من‬ ‫يرجع من املُصىل‬
‫َ‬ ‫طعم حتى‬ ‫ِ‬
‫عيد األضحى فكان ال َي ُ‬
‫ِ‬
‫ضعيفان‪ ،‬ولكن‬ ‫ِ‬
‫حديثان‬ ‫ُ‬
‫احلديث فيه‪ ،‬وفيه‬ ‫صح‬ ‫ُ‬
‫يغتسل للعيد إن َّ‬ ‫وكان ﷺ‬
‫يغتسل يو َم العيد قبل‬ ‫ُ‬ ‫للسن َِّة ‪ -‬أنه كان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ابن عمر ‪ -‬مع شدة اتِّباعه ُ‬ ‫ثبت عن ِ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اخلروج‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)1160‬وابن ماجه (‪.)1313‬‬


‫‪ | 021‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫وصل إىل املُ َّ‬


‫صىل‬ ‫َ‬ ‫وكان ﷺ َخيرج ماش ًيا‪ ،‬وال َعن ََز ُة(‪ُ )1‬حت ُ‬
‫مل بني يديه‪ ،‬فإذا‬
‫صيل إليها؛ فإن املُ َّ‬
‫صىل كان إذ ذاك فضا ًء مل يكن فيه بنا ٌء وال‬ ‫نُصبت بني يديه ل ُي َ‬
‫ٌ‬
‫حائط‪.‬‬
‫الفطر‪ ،‬ويعجل األضحى‪ ،‬وكان ابن عمر مع ِ‬
‫شدة‬ ‫ِ‬ ‫وكان ِّ‬
‫يؤخر صال َة عيد‬
‫ُ َ‬
‫ويكرب من بيتِه إىل املصىل‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫الشمس‪،‬‬
‫ُ‬ ‫خيرج حتى تط ُل َع‬ ‫ِ‬
‫اتباعه للسنة ال ُ‬
‫ٍ‬
‫إقامة وال‬ ‫الصالة من غري ٍ‬
‫أذان وال‬ ‫ِ‬ ‫وكان ﷺ إذا انتهى إىل ا ُمل َّ‬
‫صىل أخذ يف‬
‫ِ‬
‫قول‪ :‬الصال ُة جامع ٌة‪.‬‬
‫ِ‬
‫الصالة وال‬ ‫ومل يكن هو وال أصحا ُبه يصلون إذا انتهوا إىل املُصىل شي ًئا قبل‬
‫بعدَ ها‪.‬‬

‫سبع‬ ‫يكرب يف األوىل‬ ‫ِ‬


‫اخلطبة‪ ،‬ف ُي ِّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫صيل ركعتني‪ِّ ،‬‬ ‫بالصالة قبل‬ ‫فكان يبدأ‬
‫االفتتاح‪ ،‬بني ك ُِّل تكبريتني سكت ٌة َيسريةٌ‪ ،‬ومل ُحيفظ عنه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بتكبرية‬ ‫ٍ‬
‫متوالية‬ ‫ٍ‬
‫تكبريات‬
‫يرفع يديه مع ك ُِّل‬ ‫عمر مع حتريه لالتباع‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫كر معني بني التكبريات‪ ،‬وكان اب ُن َ‬ ‫ذ ٌ‬
‫ٍ‬
‫تكبرية‪.‬‬
‫ِ‬
‫الكتاب‪ ،‬ثم قرأ بعدَ ها‪:‬‬ ‫ِ‬
‫القراءة‪ ،‬فقرأ فاحت َة‬ ‫التكبري َ‬
‫أخذ يف‬ ‫أتم‬
‫َ‬ ‫وكان ﷺ إذا َّ‬
‫(ﭑﭒ ﭓ ﭔ) يف إحدى الركعتني‪ ،‬ويف األُخرى‪( :‬ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ)‪.‬‬

‫وربام قر َأ فيهام‪( :‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) و(ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ)‪َّ ،‬‬


‫صح‬
‫غري ذلك‪.‬‬
‫صح عنه ُ‬
‫عنه هذا وهذا‪ ،‬ومل َي َّ‬

‫(‪( )1‬ال َعنَزَ ة)‪ :‬احلربة‪.‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪020‬‬

‫ِ‬ ‫وركع‪ ،‬ثم إذا َ‬ ‫ِ‬


‫أكمل الركع َة وقام من السجود َّ‬
‫كرب‬ ‫َ‬ ‫فإذا فر َغ من القراءة َّ‬
‫كرب‬
‫ِ‬
‫القراءة‪.‬‬ ‫التكبري أخذ يف‬ ‫مخسا متوالي ًة‪ ،‬فإذا َ‬
‫أكمل‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫جلوس‬
‫ٌ‬ ‫والناس‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الناس‪،‬‬ ‫انرصف فقام ُم َ‬
‫قابل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أكمل الصال َة‬ ‫وكان ﷺ إذا‬
‫يقطع‬ ‫ويأمرهم وينهاهم‪ ،‬وإن كان يريدُ أن‬ ‫ِ‬
‫ويوصيهم‪،‬‬ ‫عىل صفوفهم‪ ،‬فيع ُظهم‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫رب يرقى عليه‪ ،‬وإنام كان خيط ُبهم‬
‫يأمر بِشء أمر به‪ .‬ومل يكن هناك من ٌ‬ ‫بع ًثا قطعه‪ ،‬أو َ‬
‫ِ‬
‫األرض‪.‬‬ ‫قائام عىل‬
‫ً‬
‫ٍ‬
‫واحد أنه‬ ‫ٍ‬
‫حديث‬ ‫يفتتح ُخط َبه ُك َّلها بـ‪« :‬احلمدُ هلل»‪ ،‬ومل ُحيفظ عنه يف‬ ‫وكان‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫بالتكبري‪.‬‬ ‫افتتح ُخطبتَي العيدين‬
‫َ‬
‫يذهب‪َّ ،‬‬
‫ورخص‬ ‫ِ‬
‫للخطبة‪ ،‬وأن‬ ‫جيلس‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫النبي ﷺ ملن شهد العيدَ أن َ‬ ‫ورخص ُّ‬
‫حضور اجل ِ‬ ‫بصالة ِ‬
‫ِ‬
‫معة‪.‬‬ ‫ِ ُ‬ ‫العيد عن‬ ‫وقع العيد يو َم اجلمعة أن َجيتزئوا‬
‫هلم إذا َ‬
‫آخر؛‬ ‫ٍ‬
‫طريق‪ ،‬ويرجع يف َ‬ ‫الطريق يوم العيد‪ ،‬فيذهب يف‬
‫َ‬ ‫الف‬
‫وكان ﷺ ُخي ُ‬
‫ليقِض‬
‫َ‬ ‫أهل الطريقني‪ ،‬وقيل‪َ :‬‬
‫لينال بركتُه الفريقان‪ ،‬وقيل‪:‬‬ ‫فقيل‪ :‬ليس ِّل َم عىل ِ‬
‫ِ‬
‫والطرق‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الفجاج‬ ‫شعائر اإلسالم يف ِ‬
‫سائر‬ ‫ليظهر‬ ‫حاج َة َمن له حاجة منهام‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫لتكثر‬ ‫ليغيظ املنافقني برؤيتِهم ِ‬
‫عزة اإلسالم وأهلِه وقيا ِم شعائره‪ ،‬وقيل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫وقيل‪:‬‬
‫َ‬
‫الذاهب إىل املسجد أو املُ َّ‬
‫صىل إحدى خطوتيه ترفع درج ًة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫شهاد ُة البقاع‪ ،‬فإن‬
‫يرجع إىل منزلِه‪ ،‬وقيل ‪-‬وهو األصح‪ :-‬إنه لذلك‬‫َ‬ ‫حتط خطيئ ًة حتى‬‫واألخرى ُّ‬
‫ِ‬
‫ولغريه من احلك ِم التي ال خيلو فع ُله عنها‪.‬‬ ‫ك ِّله‪،‬‬
‫‪ | 022‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫العرص من ِ‬
‫آخر أيام‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صالة الفجر يو َم عرفة إىل‬ ‫رب من‬‫وروي عنه أنه كان يك ِّ ُ‬‫ُ‬
‫ِ‬
‫الترشيق «اهلل أكَب‪ ،‬اهلل أكَب‪ ،‬ال إله إال اهلل‪ ،‬واهلل أكَب‪ ،‬اهلل أكَب‪ ،‬وهلل احلمد»)‪.(1‬‬

‫‪ -23‬فصل يف هديِه ﷺ يف صالةِ الرسوفِ‬

‫جير ردا َءه‪ ،‬وكان‬ ‫رسعا ِ‬ ‫ِ‬


‫فز ًعا ُّ‬ ‫املسجد ُم ً‬ ‫خرج ﷺ إىل‬
‫َ‬ ‫الشمس‬
‫ُ‬ ‫ملا كَسفت‬
‫ثالثة من ُطلوعها‪ ،‬فتقدَّ م فصىل‬ ‫ٍ‬ ‫النهار عىل ِم ِ‬
‫قدار ُرحمني أو‬ ‫ِ‬ ‫كسو ُفها يف َّأو ِل‬
‫ِ‬
‫بالقراءة‪ ،‬ثم ركع‬ ‫وجهر‬ ‫ٍ‬
‫طويلة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وسورة‬ ‫ِ‬
‫بفاحتة الكتاب‬ ‫ركعتني‪ ،‬قر َأ يف األوىل‬
‫َ‬
‫فأطال القيا َم وهو دون القيا ِم‬ ‫َ‬ ‫رأسه من الركوعِ‪ ،‬وصىل‬ ‫الركوع‪ ،‬ثم رفع َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فأطال‬
‫رأسه‪َ « :‬س ِم َع اهلل ملن محِده‪ ،‬ر َّبنا ولك احلمدُ » ثم أخذ يف‬ ‫رفع َ‬ ‫األو ِل‪ ،‬وقال ملا َ‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫رأسه من الركوع‬ ‫الركوع وهو دون الركو ِع األول‪ ،‬ثم َ‬
‫رفع َ‬ ‫َ‬ ‫فأطال‬ ‫ركع‬
‫القراءة‪ ،‬ثم َ‬
‫فعل يف األوىل‪.‬‬ ‫مثل ما َ‬ ‫الركعة األخرى َ‬ ‫ِ‬ ‫فأطال السجو َد‪ ،‬ثم فعل يف‬ ‫َ‬ ‫ثم سجد‬

‫أربع‬ ‫فاستكمل يف الركعتني‬‫َ‬ ‫ركعة ركوعان وسجودان‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫فكان يف ك ُِّل‬


‫َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫يأخذ‬ ‫وأربع سجودات‪ ،‬ورأى يف صالته تلك اجلن َة والنار‪َ ،‬‬
‫وه َّم أن‬ ‫َ‬ ‫ركوعات‬
‫فخطب هبم ُخطب ًة‬ ‫أهل العذاب يف ِ‬
‫النار‪،‬‬ ‫اجلنة فريهيم إ َّياه‪ ،‬ورأى َ‬ ‫ِ‬ ‫عنقو ًدا من‬
‫َ‬
‫آيات اهلل ال ََيسفان ملوت‬ ‫بليغ ًة‪ ،‬ح ِفظ منها قو ُله‪« :‬إن الشمس والقمر آيتان من ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫أحد وال حلياتِه‪ ،‬فإذا رأيتُم ذلك فادعوا اهلل وكَبوا وصلوا وتصدقوا»‪ .‬وقال‪« :‬يا‬ ‫ٍ‬

‫زين عبدُ ه أو تزين أمتُه‪ ،‬يا َّأم َة حممد‪ ،‬واهلل‪،‬‬


‫أغري من اهلل أن َي َ‬
‫َ‬ ‫ُأ َّم َة حممد‪ ،‬واهلل‪ ،‬ما أحدٌ‬
‫كثريا»(‪.)2‬‬ ‫أعلم لضحكتم ً‬
‫قليال ولبكيتم ً‬ ‫لو تعلمون ما ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه الدارقطني ‪ ،)1737( 390/2‬والبيهقي يف الدعوات الكبري ‪.)540( 165/2‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)1044‬ومسلم (‪.)901‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪023‬‬

‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بثالث‬ ‫خر‪ :‬منها‪ :‬ك ُُّل ركعة‬‫وقد روي عنه أنه صالها عىل صفات ُأ َ‬
‫ٍ‬
‫صالة ُصليت‪،‬‬ ‫ِ‬
‫كأحدث‬ ‫ٍ‬
‫ركعة بأرب ِع ركوعات‪ ،‬ومنها‪ :‬أهنا‬ ‫ركوعات‪ ،‬ومنها‪ :‬ك ُُّل‬
‫يصححون ذلك‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫األئم ِة ال‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كل ركعة بركو ٍع واحد‪ .‬ولكن كبار َّ‬
‫ِ‬
‫واالستغفار‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والدعاء‪،‬‬ ‫الكسوف بذكر اهلل تعاىل‪ ،‬والص ِ‬
‫الة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وأمر ﷺ يف‬
‫ِ‬
‫والعتاقة‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والصدقة‪،‬‬

‫‪ -24‬فصل يف هديِه ﷺ يف االستسقاءِ‬


‫ٍ‬
‫وجوه‪:‬‬ ‫ثبت عنه ﷺ أنه استسقى عىل‬

‫اللهم‬ ‫اللهم أغثنا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َّ‬ ‫أحدُ ها‪ :‬يو ُم اجلمعة عىل املنرب يف أثناء خطبته‪ ،‬وقال‪َّ « :‬‬
‫اسقنا‪ ،‬اللهم ِ‬
‫اسقنا»(‪.)1‬‬ ‫اسقنا‪ ،‬اللهم ِ‬
‫أغثنا‪ ،‬اللهم أغثنا‪ ،‬اللهم ِ‬
‫َّ‬
‫فخرج ملا‬
‫َ‬ ‫الناس يو ًما َخيرجون فيه إىل املُ َّ‬
‫صىل‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الوجه الثاين‪ :‬أنه ﷺ وعدَ‬
‫متْض ًعا‪ ،‬فلام واىف املصىل‬
‫ِّ‬ ‫ً‬
‫مرتسال‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫متخش ًعا‪،‬‬ ‫متبذ ًال‪،‬‬
‫الشمس متواض ًعا‪ِّ ،‬‬‫ُ‬ ‫ط َلعت‬
‫وكربه‪،‬‬
‫القلب منه يش ٌء‪ -‬فحمد اهلل وأثنى عليه َّ‬ ‫ِ‬ ‫صح وإال ففي‬
‫رب ‪-‬إن َّ‬ ‫صعدَ املن َ‬
‫ِ‬
‫مالك‬ ‫ِ‬
‫الرمحن الرحيم‬ ‫وكان مما ُح ِفظ من خطبتِه ودعائه‪« :‬احلمدُ هلل رب العاملني‪،‬‬
‫اللهم أنت اهلل ال إله إال أنت ُ‬
‫تفعل ما تريد‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫يوم الدين‪ ،‬ال إل َه إال اهلل ُ‬
‫يفعل ما يريدُ ‪،‬‬
‫ْ‬
‫واجعل ما أنزلته‬ ‫َ‬
‫الغيث‪،‬‬ ‫الفقراء‪ِ ،‬‬
‫أنزل علينا‬ ‫ُ‬ ‫الغني ونحن‬‫ُّ‬ ‫اللهم أنت اهلل وأنت‬ ‫َّ‬
‫قو ًة لنا وبالغًا إىل حني»(‪.)2‬‬
‫علينا َّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)1014‬ومسلم (‪.)897‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪.)1173‬‬
‫‪ | 024‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫َ‬
‫وبالغ يف الرف ِع حتى بدا‬ ‫ِ‬
‫واالبتهال والدعاء‪،‬‬ ‫َ‬
‫وأخذ يف التْض ِع‬ ‫ُثم َ‬
‫رفع يديه‬
‫َ‬
‫واستقبل القبل َة‪ ،‬وحول إذ ذاك ردا َءه وهو‬ ‫ظهره‪،‬‬
‫الناس َ‬‫ِ‬ ‫بياض إبطيه‪ ،‬ثم حول إىل‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الرداء‬ ‫وظهر‬ ‫ِ‬
‫األيمن‪،‬‬ ‫واأليرس عىل‬ ‫ِ‬
‫األيرس‪،‬‬ ‫ِ‬
‫القبلة فجعل األيم َن عىل‬ ‫ُ‬
‫مستقبل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫القبلة‪،‬‬ ‫َ‬
‫مستقبل‬ ‫ِ‬
‫الدعاء‬ ‫َ‬
‫وأخذ يف‬ ‫لظهره‪ ،‬وكان الردا ُء مخيص ًة سوداء‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫لبطنِه‪ ،‬وبطنَه‬
‫والناس كذلك‪.‬‬‫ُ‬
‫إقامة وال ٍ‬
‫نداء‬ ‫ٍ‬ ‫العيد ِمن غري ٍ‬
‫أذان وال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كصالة‬ ‫َّ‬
‫فصىل هبم ركعتني‬ ‫ُثم َ‬
‫نزل‬
‫ِ‬
‫الفاحتة بـ(سبح اسم ربك األعىل)‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بالقراءة‪ ،‬وقرأ يف األوىل بعدَ‬ ‫جهر فيهام‬
‫البتة‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫الثانية‪( :‬هل أتاك حديث الغاشية)‪.‬‬ ‫ويف‬
‫جمر ًدا يف ِ‬
‫غري يو ِم‬ ‫نرب املدينة استسقا ًء َّ‬ ‫الثالث‪ :‬أنه ﷺ استسقى عىل ِم ِ‬
‫ُ‬ ‫الوج ُه‬
‫ِ‬
‫االستسقاء صالةٌ‪.‬‬ ‫عة‪ ،‬ومل ُحيفظ عنه ﷺ يف هذا‬‫ُمج ٍ‬

‫فرفع يديه ودعا اهلل‬ ‫ِ‬


‫املسجد‬ ‫جالس يف‬ ‫الوج ُه الرابع‪ :‬أنه ﷺ استسقى وهو‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫غري‬ ‫ً‬ ‫حينئذ‪« :‬اللهم ِ‬
‫اسقنا غي ًثا مغي ًثا مري ًعا طب ًقا‬ ‫ٍ‬ ‫‪ ،‬فح ِف َظ من ِ‬
‫عاجال َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫دعائه‬ ‫ُ‬
‫غري ضار»(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬
‫رائث ناف ًعا َ‬
‫اللهم َح َوا َلينا‬ ‫وملا ك ُثر ُ‬
‫املطر سألوه االستصحا َء‪ ،‬فاستصحى هلم‪ ،‬وقال‪َّ « :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومنابت‬ ‫وال َعلينا‪ ،‬اللهم عىل اآلكا ِم واجلبال والظراب وبطون األودية َ‬
‫ِ‬
‫الشجر»(‪.)2‬‬
‫اللهم َصي ًبا ناف ًعا»(‪.)3‬‬
‫املطر قال‪َّ « :‬‬
‫وكان ﷺ إذا رأى َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪.)1169‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)933‬ومسلم (‪.)897‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪.)1032‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪025‬‬

‫ُ‬
‫حديث‬ ‫فس ِئ َل عن ذلك‪ ،‬فقال‪« :‬ألنه‬ ‫وكان َحيرس ثو َبه حتى يصي َبه من ِ‬
‫املطر‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫عهد بربه»(‪.)1‬‬

‫وأدبر‪ ،‬فإذا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فأقبل‬ ‫ِ‬
‫وجهه‬ ‫والريح‪ُ ،‬عرف ذلك يف‬
‫َ‬ ‫الغيم‬
‫َ‬ ‫وكان ﷺ إذا رأى‬
‫العذاب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫يكون فيه‬ ‫رس َي عنه وذهب عنه ذلك‪ ،‬وكان َخيشى أن‬
‫أمطرت ُ ِّ‬
‫ِ‬
‫وإقامة الصالة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫نزول الغيث‬ ‫ِ‬
‫اإلجابة عندَ‬ ‫طلب‬ ‫ٍ‬ ‫حفظت عن ِ‬
‫غري واحد َ‬ ‫ُ‬ ‫وقد‬

‫‪ -25‬فصل يف هديِه ﷺ يف سفرِه وعبادتِه فمه‬


‫ِ‬
‫للجهاد‬ ‫وسفره‬ ‫هلجرتِه‪،‬‬ ‫سفره‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أسفار‪ُ :‬‬ ‫أربعة‬ ‫أسفاره ﷺ دائر ًة بني‬
‫ُ‬ ‫كانت‬
‫للحج‪.‬‬ ‫مرة‪ ،‬وسفره‬‫وهو أكثرها‪ ،‬وسفره للع ِ‬
‫ِّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫سافر هبا معه‪ ،‬وملا‬
‫سهمها َ‬
‫خرج ُ‬
‫َ‬ ‫أقرع بني نسائه فأيته َّن‬
‫سفرا َ‬
‫وكان إذا أرا َد ً‬
‫سافر هبن مجي ًعا‪.‬‬
‫حج َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫اخلميس‪،‬‬ ‫اخلروج يوم‬
‫َ‬ ‫يستحب‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫النهار‪ ،‬وكان‬ ‫سافر خرج من َّأول‬‫َ‬ ‫وكان إذا‬
‫يبارك أل َّمته يف ُب ِ‬
‫كورها‪ ،‬وكان إذا بعث رسي ًة أو ً‬
‫جيشا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ودعا اهلل تبارك وتعاىل أن‬
‫ِ‬
‫النهار‪.‬‬ ‫بعثهم من َّأو ِل‬
‫ُ‬
‫الرجل‬ ‫وأمر املسافرين إذا كانوا ثالث ًة أن يؤ ِّمروا أحدَ هم‪ ،‬وهنى أن ُيسافِر‬
‫َ‬
‫ركب‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫شيطان‪ ،‬والراكبان شيطانان‪ ،‬والثالثة ٌ‬ ‫الراكب‬
‫َ‬ ‫وحدَ ه‪ ،‬وأخرب أن‬

‫وكان إذا ُقدِّ مت إليه دا َّبتُه لريكبها‪ ،‬يقول‪« :‬بسم اهلل» حني يضع رج َله يف‬
‫كاب‪ ،‬وإذا استوى عىل ِ‬
‫ظهرها‪ ،‬قال‪« :‬احلمدُ هلل الذي سخَّ ر لنا هذا وما ُكنَّا له‬ ‫الر ِ‬
‫ِّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)898‬‬


‫‪ | 026‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ُمقرنني‪ ،‬وإنا إىل ربنا ملنقلبون»‪ ،‬ثم يقول‪« :‬احلمدُ هلل‪ ،‬احلمدُ هلل‪ ،‬احلمدُ هلل»‪ ،‬ثم‬
‫فاغفر‬
‫ْ‬ ‫ظلمت نفيس‬
‫ُ‬ ‫أكَب»‪ ،‬ثم ُ‬
‫يقول‪« :‬سبحانك إين‬ ‫أكَب‪ ،‬اهلل ُ‬
‫أكَب‪ ،‬اهلل ُ‬
‫يقول‪« :‬اهلل ُ‬
‫الذنوب إال أنت»(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫غفر‬
‫َل‪ ،‬إنه ال َي ُ‬
‫ِ‬
‫العمل ما‬ ‫الَب والتقوى‪ ،‬ومن‬ ‫ِ‬
‫اللهم إنا نسألك يف سفرنا هذا َّ‬‫وكان يقول‪َّ « :‬‬
‫الصاحب يف‬
‫ُ‬ ‫واطو عنا ُبعدَ ه‪ ،‬اللهم أنت‬‫ِ‬ ‫سفرنا هذا‪،‬‬
‫اللهم هون علينا َ‬ ‫َّ‬ ‫ترىض‪،‬‬
‫نقلب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وكآبة املُ ِ‬ ‫ِ‬
‫السفر‪،‬‬ ‫األهل‪ ،‬اللهم إين أعو ُذ بك من وع َث ِ‬
‫اء‬ ‫ِ‬ ‫السفر‪ ،‬واخلليف ُة يف‬‫ِ‬
‫ْ‬
‫فيهن‪« :‬آيبون تائبون عابدون‬ ‫رجع قاهل َّن وزاد‬ ‫ِ‬
‫واملال» وإذا‬ ‫ِ‬
‫األهل‬ ‫نظر يف‬ ‫ِ‬
‫وسوء املَ ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫لربنا حامدون»(‪.)2‬‬

‫كربوا‪ ،‬وإذا هبطوا األودي َة س َّبحوا‪.‬‬


‫وكان هو وأصحا ُبه إذا علوا الثنايا َّ‬
‫رب السموات السب ِع‬ ‫َ‬ ‫أرشف عىل ٍ‬
‫دخوهلا يقول‪« :‬اللهم َّ‬ ‫قرية يريدُ‬ ‫َ‬ ‫وكان إذا‬
‫ورب‬
‫أضللن‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫األرضني السب ِع وما أقللن‪َّ ،‬‬
‫ورب الشياطني وما‬ ‫ورب َ‬‫أظللن‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫وما‬
‫وخري أهلها‪ ،‬وأعو ُذ بك من ِشها‪ ،‬وِش‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫القرية‬ ‫الرياحِ وما َذرين‪ ،‬أسألك َ‬
‫خري هذه‬
‫أهلِها وِش ما فيها»(‪.)3‬‬

‫سافرا إىل أن‬


‫رج ُم ً‬ ‫الرباعية‪ ،‬فيص ِّليها ركعتني من حني َخي ُ‬ ‫يقرص ُّ‬ ‫وكان ﷺ ُ‬
‫ِ‬
‫السفر الب َّت َة‪ ،‬قالت عائشة‬ ‫أتم الرباعي َة يف‬
‫يرجع إىل املدينة‪ ،‬ومل يث ُبت عنه ﷺ أنه َّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫املدينة‪،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ إىل‬ ‫ُ‬ ‫هاجر‬ ‫‪ُ :‬فرضت الصال ُة ركعتني ركعتني‪ ،‬فلام‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِزيدَ يف‬
‫قرت صال ُة السفر‪.‬‬‫احلْض‪ ،‬و ُأ َّ‬ ‫صالة‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2602‬والرتمذي (‪.)3446‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)1342‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه النسائي يف السنن الكربى ‪ ،)8775( 117/8‬وابن خزيمة يف صحيحه‪.)2565(150/4‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪027‬‬

‫َ‬
‫رسول اهلل‬ ‫عمر ‪ ،‬قال‪ :‬صحبت‬ ‫ويف «صحيح البخاري» عن ِ‬
‫ابن َ‬
‫َ‬
‫وعثامن ‪.)1(‬‬ ‫وعمر‬
‫َ‬ ‫السفر ال َيزيد عىل ركعتني‪ ،‬وأبا ٍ‬
‫بكر‬ ‫ِ‬ ‫ﷺ‪ ،‬فكان يف‬
‫ِ‬
‫الفرض‪ ،‬ومل ُحيفظ عنه أنه صىل‬ ‫االقتصار عىل‬
‫ُ‬ ‫هديه ﷺ يف ِ‬
‫سفره‬ ‫وكان من ِ‬
‫ِ‬
‫الفجر فإنه مل يكن يدعهام‬ ‫ِ‬
‫وسنة‬ ‫ُسنَّ َة الصالة قب َلها وال بعدَ ها‪ ،‬إال ما كان من ِ‬
‫الو ِتر‬
‫سفرا‪.‬‬
‫حْضا وال ً‬
‫ً‬
‫يقرص(‪،)2‬‬
‫ُ‬ ‫وثبت عن النبي ﷺ أنه كان يتن َّفل ً‬
‫ليال وهو‬ ‫َ‬ ‫قال الشافعي ‪:‬‬
‫ِ‬
‫بالليل يف‬ ‫صيل السبح َة‬
‫النبي ﷺ ُي ِّ‬
‫ويف «الصحيحني»‪ :‬عن عامر بن ربيعة‪ ،‬أنه رأى َّ‬
‫ظهر راحلتِه»‪ .‬فهذا قيام الليل‪.‬‬
‫السفر عىل ِ‬
‫ِ‬

‫توجهت به‪ ،‬وكان‬


‫حيث َّ‬ ‫ُ‬ ‫هديه ﷺ صال ُة التطوع عىل راحلتِه‬
‫وكان من ِ‬
‫ِ‬
‫ركوعه‪.‬‬ ‫أخفض من‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وسجوده‪ ،‬وسجو ُده‬ ‫ِ‬
‫ركوعه‬ ‫يومئ ِ‬
‫برأسه يف‬ ‫ُ‬
‫احلامر ‪-‬إن صح عنه‪ ،-‬وقد رواه مسلم يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الراحلة‪ ،‬وعىل‬ ‫َّ‬
‫وصىل عىل‬
‫«صحيحه» من حديث ابن عمر(‪.)3‬‬

‫صح اخلرب بذلك‪.‬‬ ‫ِ‬


‫والطني‪ ،‬إن َّ‬ ‫ألجل ِ‬
‫املطر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرواحل‬ ‫الفرض هبم عىل‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫وصىل‬

‫الظهر إىل وقت‬


‫َ‬ ‫الشمس َّ‬
‫أخر‬ ‫ُ‬ ‫َزيغ‬ ‫َ‬
‫ارحتل قبل أن ت َ‬ ‫وكان من ِ‬
‫هديه ﷺ أنه إذا‬
‫ركب‪،‬‬
‫الظهر ثم َ‬
‫َ‬ ‫الشمس قبل أن َ‬
‫يرحتل صىل‬ ‫ُ‬ ‫نزل فجمع بينَهام‪ ،‬فإن زالت‬ ‫ِ‬
‫العرص‪ ،‬ثم َ‬
‫ِ‬
‫العشاء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫العشاء يف وقت‬ ‫جيمع بينها وبني‬ ‫السري َّ‬
‫املغرب حتى َ‬
‫َ‬ ‫أخر‬ ‫ُ‬ ‫وكان إذا أعجله‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)1102‬ومسلم (‪.)689‬‬


‫(‪ )2‬األم للشافعي ‪.365/2‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)700‬‬
‫‪ | 028‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫أيضا‪،‬‬ ‫اجلمع َ‬
‫حال نزوله ً‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫أسفاره‪ ،‬وال‬ ‫مع راك ًبا يف‬‫جل ُ‬ ‫ومل يكن من ِ‬
‫هديه ﷺ ا َ‬
‫ٍ‬
‫مسافر فلم ُينقل ذلك‬ ‫السري‪ ،‬وأما مج ُعه وهو ٌ‬
‫نازل غري‬ ‫جيمع إذا َجدَّ به‬
‫ُ‬ ‫وإنام كان‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الوقوف‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اتصال‬ ‫ِ‬
‫ألجل‬ ‫عنه إال بعرف َة‬

‫أطلق هلم ذلك يف‬


‫َ‬ ‫ومل حيدَّ ﷺ ألمتِه مساف ًة حمدود ًة للقرص والفطر‪ ،‬بل‬
‫ِ‬
‫األرض‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والْضب يف‬ ‫ِ‬
‫السفر‬ ‫ِ‬
‫مطلق‬

‫‪ -26‬فصل يف هديِه ﷺ يف قراءةِ القرآنِ واستداعِه وخشوعِه ونبرائِه عند‬


‫قراءتِه‪ ،‬واستداعِه وحتسنيِ صوتِه نبه وتوانبعِ ذلك‬

‫حزب يقرؤه وال ُخي ُّل به‪ ،‬وكانت قراءتُه ت ً‬


‫َرتيال ال َه ًّذا وال‬ ‫ٌ‬ ‫كان له ﷺ‬
‫فرسة حر ًفا حر ًفا‪ ،‬وكان يق ِّط ُع قراءتَه آي ًة آي ًة‪ ،‬وكان يمدُّ عندَ‬
‫عجل ًة‪ ،‬بل قراء ًة ُم َّ‬
‫حروف املد‪ ،‬فيمدُّ (الرمحن)‪ ،‬ويمدُّ (الرحيم)‪.‬‬

‫فيقول‪« :‬أعو ُذ باهلل‬


‫ُ‬ ‫ِ‬
‫القراءة‬ ‫ِ‬
‫الشيطان الرجي ِم يف َّأول‬ ‫ُ‬
‫يستعيذ باهلل من‬ ‫وكان‬
‫ِ‬
‫الشيطان الرجيمِ‪،‬‬ ‫اللهم إين أعو ُذ بك من‬
‫يقول‪َّ « :‬‬ ‫ِ‬
‫الشيطان الرجيم»‪ ،‬وربام كان ُ‬ ‫من‬
‫َفخه ونَفثِه»(‪.)1‬‬
‫مهزه ون ِ‬
‫من ِ‬
‫ٍ‬
‫مسعود‪ ،‬فقر َأ عليه‬ ‫وأمر عبدَ اهلل ب َن‬ ‫القرآن من ِ‬
‫َ‬
‫غريه‪َ ،‬‬ ‫سمع‬
‫ب أن َي َ‬
‫وكان ُحي ُّ‬
‫ِ‬
‫القرآن منه حتى َذرفت عيناه(‪.)2‬‬ ‫وخشع ﷺ لسام ِع‬ ‫يسمع‪،‬‬ ‫وهو‬
‫َ‬ ‫ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)775‬والرتمذي (‪.)242‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)4583‬ومسلم (‪.)800‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪029‬‬

‫وحم ِد ًثا‪ ،‬ومل يكن َيمن ُعه‬


‫قائام وقاعدً ا ومضطج ًعا ومتوض ًئا ُ‬ ‫َ‬
‫القرآن ً‬ ‫وكان يقر ُأ‬
‫من قراءتِه إال اجلناب ُة‪.‬‬

‫رج ُع صوتَه به أحيانًا‪ ،‬وحكى عبدُ اهلل بن ُمغ َّف ٍل‬


‫وكان ﷺ يتغنَّى به‪ ،‬و ُي ِّ‬
‫ٍ‬
‫مرات(‪.)1‬‬ ‫َ‬
‫ثالث‬ ‫ترجي َعه‪« :‬آ آ آ»‬

‫والتطريب والتغني عىل وجهني‪:‬‬


‫ُ‬
‫ٍ‬
‫مترين وتعلي ٍم‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫تكلف وال‬ ‫وسمح ْت به ِمن غري‬ ‫اقتضتْه الطبيع ُة‬
‫أحدمها‪ :‬ما َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫والتلحني فهذا‬ ‫ِ‬
‫التطريب‬ ‫بل إذا ُخ ِّيل وطبعه واسرتس َل ْت طبيعتُه جاءت بذلك‬
‫ٍ‬
‫وحتسني كام قال أبو موسى للنبي ﷺ‪« :‬لو‬ ‫ٍ‬
‫تزيني‬ ‫جائز‪ ،‬وإن أعان طبيعتَه ُ‬
‫فضل‬
‫السلف يفعلونه‬
‫ُ‬ ‫حتبريا»(‪ .)2‬فهذا هو الذي كان‬
‫ً‬ ‫تسمع حلَبتُه لك‬
‫ُ‬ ‫علمت أنك‬
‫ُ‬
‫املمدوح املحمو ُد‪ ،‬وهو الذي يتأثر به التايل والسامع‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ويسمعونه‪ ،‬وهو التغنِّي‬
‫ِ‬
‫القول ك ُّلها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أرباب هذا‬ ‫وعىل هذا الوجه ُحت ُ‬
‫مل أدل ُة‬

‫الوجه الثاين‪ :‬ما كان من ذلك صناع ًة من الصنائعِ‪ ،‬ليس يف الطب ِع السامح ُة‬
‫ِ‬
‫الغناء بأنوا ِع‬ ‫أصوات‬ ‫ٍ‬
‫ومترن‪ ،‬كام ُيتع َّل ُم‬ ‫لف وتصن ٍع‬ ‫حيصل إال بتك ٍ‬‫ُ‬ ‫به‪ ،‬بل ال‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫حتصل إال‬ ‫ٍ‬
‫خمرتعة ال‬ ‫ٍ‬
‫وأوزان‬ ‫ٍ‬
‫خمصوصة‬ ‫ٍ‬
‫إيقاعات‬ ‫ِ‬
‫واملركبة عىل‬ ‫ِ‬
‫البسيطة‬ ‫األحلان‬
‫السلف وعابوها وذ ُّموها‪ ،‬ومنعوا القراء َة‬ ‫ُ‬ ‫والتكلف‪ ،‬فهذه هي التي كرهها‬ ‫ِ‬ ‫بالتعل ِم‬
‫القول إنام تتناول هذا الوج َه‪ ،‬وهبذا‬ ‫ِ‬ ‫هبا‪ ،‬وأنكروا عىل َمن قرأ هبا‪ ،‬وأدل ُة أرباب هذا‬
‫الصواب من ِ‬
‫غريه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ويتبني‬
‫ُ‬ ‫يزول االشتبا ُه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫التفصيل ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)7540‬ومسلم (‪.)794‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه ‪ ،)4178( 485/2‬والنسائي يف الكربى ‪.)8004( 273/7‬‬
‫‪ | 031‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -27‬فصل يف هديِه ﷺ يف عمادةِ املرضى‬

‫كان ﷺ يعو ُد َمن َم ِر َض من أصحابِه‪ ،‬وعا َد غال ًما كان خيد ُمه من ِ‬
‫أهل‬
‫فعرض عليهام اإلسالم فأسلم اليهودي‪[ ،‬ومل ي ِ‬
‫سلم‬ ‫ٌ‬
‫مرشك‪،‬‬ ‫عمه وهو‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الكتاب‪ ،‬وعاد َّ‬
‫عمه]‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ُ‬
‫فيقول‪:‬‬ ‫رأسه ويسأ ُله عن حالِه‬ ‫املريض‪ ،‬فيجلس عند ِ‬
‫ِ َ ُ‬ ‫وكان ﷺ يدنو من‬
‫رب‬
‫اللهم َّ‬
‫ويقول‪َّ « :‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املريض‬ ‫يمسح بيده اليمنى عىل‬
‫ُ‬ ‫«كيف َُتدُ ك؟»(‪ .)1‬وكان‬
‫غادر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الناس‪ِ ،‬‬
‫ِ‬
‫شفاء ال ُي ُ‬‫ً‬ ‫فاء إال شفاؤك‪،‬‬ ‫البأس‪ ،‬اشف وأنت الشايف‪ ،‬ال ش َ‬ ‫َ‬ ‫أذهب‬
‫َ‬
‫كاشف له إال‬ ‫الشفاء‪ ،‬ال‬ ‫الناس‪ِ ،‬‬
‫بيدك‬ ‫ِ‬ ‫رب‬ ‫َس َق ًام»(‪ .)2‬وكان يقول‪« :‬امسح‬
‫ُ‬ ‫البأس َّ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اشف سعدً ا‪ ،‬اللهم‬ ‫للمريض ثال ًثا كام قال لسعد‪َّ « :‬‬
‫اللهم‬ ‫أنت»(‪ .)3‬وكان يدعو‬
‫ِ‬
‫املريض يقول له‪« :‬ال‬ ‫اشف سعدً ا»(‪ ،)4‬وكان إذا َ‬
‫دخل عىل‬ ‫ِ‬ ‫اللهم‬ ‫اشف سعدً ا‪،‬‬‫ِ‬
‫َّ‬
‫طهور إن شاء اهلل»(‪.)5‬‬
‫ٌ‬ ‫بأس‪،‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫باألرض‪ ،‬ثم‬ ‫رح أو شكوى‪ ،‬فيضع س َّبابته‬ ‫وكان َيرقي من به قرح ٌة‪ ،‬أو ُج ٌ‬
‫سقيمنا‪ ،‬بإذن ربنا»(‪.)6‬‬ ‫بعضنا‪ُ ،‬يش َفى‬‫أرضنا‪ ،‬بري َق ِة ِ‬
‫يرفعها ويقول‪« :‬بسم اهلل‪ ،‬تُرب ُة ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫املريض‪ ،‬وال وقتًا من‬ ‫ِ‬
‫بعيادة‬ ‫ُص يو ًما من األيا ِم‬ ‫ومل يكن من ِ‬
‫هديه ﷺ أن َخي َّ‬
‫ِ‬
‫األوقات‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)983‬وابن ماجه (‪.)4261‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)5675‬ومسلم (‪.)2191‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)5744‬ومسلم (‪.)2191‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)5659‬ومسلم (‪.)1628‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪.)3616‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه البخاري (‪ ،)5745‬ومسلم (‪.)2194‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪030‬‬

‫[ثالثا‪ :‬كتا اوجنائز]‬


‫‪ -1‬فصل يف هديِه ﷺ يف اوجنائزِ والصالةِ علمها واتباعِها ودفنِها‪ ،‬وما كان‬
‫ت يف صالةِ اوجنازةِ ونبعد الدفنِ وتوانبعِ ذلك‬
‫َيدعو نبه للدمِّ ِ‬

‫سائر األمم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أكمل اهلدي ُخمال ًفا هلدي‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫اجلنائز‬ ‫كان هد ُيه وسريتُه ﷺ يف‬
‫قربه ويو ِم معاده‪ ،‬وعىل‬ ‫ت ومعاملتِه بام ينف ُعه يف ِ‬ ‫شتمال عىل اإلحسان إىل املي ِ‬
‫ِّ‬ ‫ُم ً‬
‫ُ‬
‫يعامل به امل ِّي َت‪،‬‬ ‫احلي هلل فيام‬
‫ِّ‬ ‫إقامة عبود َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلحسان إىل أهلِه وأقاربِه‪ ،‬وعىل‬
‫ووقوف أصحابه‬ ‫ِ‬ ‫أحسن أحوالِه وأفضلِها‪ ،‬ووقوفِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وِتهيزه إىل اهلل تعاىل عىل‬
‫والتجاوز عنه‪.‬‬
‫َ‬ ‫حيمدون اهلل و َيستغفرون له‪ ،‬و َيسألون له املغفر َة والرمح َة‬
‫صفو ًفا َ‬
‫ثم املِش بني يديه إىل أن ي ِ‬
‫ود َعه حفرتَه‪ ،‬ثم يقو ُم هو وأصحا ُبه عىل ِ‬
‫قربه‬ ‫ُ‬
‫أحوج ما كان إليه‪.‬‬
‫َ‬ ‫التثبيت‬
‫َ‬ ‫سائلني له‬

‫احلي‬ ‫ِ‬
‫والدعاء له كام يتعاهدُ‬ ‫قربه والسال ِم عليه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بالزيارة إىل ِ‬ ‫ثم يتعاهدُ ه‬
‫ُّ‬
‫صاح َبه يف ِ‬
‫دار الدنيا‪.‬‬
‫ِ‬
‫والتوبة‪،‬‬ ‫وأمره بالوص َّي ِة‪،‬‬ ‫فأو ُل ذلك‪ :‬تعاهدُ ه يف ِ‬
‫وتذكريه اآلخر َة ُ‬
‫ُ‬ ‫مرضه‪،‬‬ ‫َّ‬
‫النهي عن‬ ‫ِ‬
‫كالمه‪ ،‬ثم‬ ‫آخر‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫وأمر َمن حْضه بتلقينه شهاد َة أال إله إال اهلل؛ لتكون َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اخلدود‪ ،‬وتواب ِع ذلك‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والنشور‪ ،‬من َلط ِم‬ ‫ِ‬
‫بالبعث‬ ‫ِ‬
‫عادة األم ِم التي ال تؤم ُن‬
‫ِ‬
‫القلب‪ ،‬وكان‬ ‫وح َ‬
‫زن‬ ‫صوت معه‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫اخلشوع للميت‪ ،‬والبكا َء الذي ال‬
‫َ‬ ‫وس َّن‬
‫الرب»(‪.)1‬‬ ‫القلب‪ ،‬وال ُ‬
‫نقول إال ما ُيرِض َّ‬ ‫ُ‬ ‫وُيزن‬
‫ُ‬ ‫العني‪،‬‬
‫ُ‬ ‫تدمع‬
‫يفعل ذلك ويقول‪ُ « :‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)1303‬ومسلم (‪.)2315‬‬


‫‪ | 032‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫واالسرتجاع‪ ،‬والرىض عن اهلل‪ ،‬ومل يكن ذلك مناف ًيا‬


‫َ‬ ‫وس َّن أل َّمته احلمدَ‬
‫وأعظمهم‬ ‫ِ‬
‫قضائه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اخللق عن اهلل يف‬ ‫وحزن القلب‪ ،‬ولذلك كان أرىض‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العني‬ ‫لدمع‬
‫َ‬
‫له محدً ا‪ ،‬وبكى مع ذلك يوم ِ‬
‫موت ابنه إبراهيم رأف ًة منه‪ ،‬ورمح ًة للولد‪ ،‬ورق ًة عليه‪،‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫وذكره‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بحمده‬ ‫ٌ‬
‫مشتغل‬ ‫ُ‬
‫واللسان‬ ‫ِ‬
‫وشكره‪،‬‬ ‫ممتلئ بالرىض عن اهلل ‪‬‬ ‫والقلب ٌ‬
‫ُ‬
‫وتطهريه وتنظي ُفه‬ ‫هديه ﷺ اإلرساع بتجهيز املي ِ‬
‫ت إىل اهلل تعاىل‪،‬‬ ‫وكان من ِ‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫فيصيل عليه بعد أن كان ُيدعى‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫البياض‪ ،‬ثم ُيؤتى به إليه‬ ‫وتطيي ُبه وتكفينُه يف ِ‬
‫ثياب‬
‫ِتهيزه‪ ،‬ثم يصيل عليه‪،‬‬‫َ‬ ‫حيْض‬ ‫يقِض ثم ُ‬ ‫فيقيم عنده حتى‬ ‫ِ‬
‫احتضاره‪،‬‬ ‫إىل ِ‬
‫امليت عند‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫دعوه‬
‫يشق عليه‪ ،‬فكانوا إذا قَض امل ِّي ُت َ‬ ‫و ُيش ِّي ُعه إىل ِ‬
‫قربه‪ ،‬ثم رأى الصحا َبة أن ذلك ُّ‬
‫ِتهيزه وغس َله وتكفينَه‪ ،‬ثم رأوا أن ذلك َي ُّ‬
‫شق عليه فكانوا هم ُجي ِّهزون‬ ‫َ‬ ‫فحْض‬
‫َ‬
‫املسجد‪ ،‬ومل يكن ِمن ِ‬
‫هديه‬ ‫ِ‬ ‫خارج‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫رسيره فيصيل عليه‬ ‫وحيملونه إليه ﷺ عىل‬
‫م ِّيتَهم َ‬
‫ِ‬
‫املسجد‪ ،‬وربام‬ ‫خارج‬ ‫الراتب الصال ُة عليه يف املسج ِد‪ ،‬وإنام كان ُي ِّ‬
‫صيل عىل اجلنائز‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫املسجد كام صىل عىل ُس َه ِ‬
‫يل ابن بيضا َء وأخيه يف‬ ‫كان يصيل أحيانًا عىل ِ‬
‫امليت يف‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫املسجد‪.‬‬

‫وتغميض عينيه‪ ،‬وكان ربام ُيق ِّبل‬


‫ُ‬ ‫وكان من ِ‬
‫هديه ﷺ تَسجي ُة امليت إذا مات‬
‫أكب عليه يق ِّبله بعدَ موتِه‬
‫الصديق َّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫عثامن ب َن َمظعون وبكى‪ ،‬وكذلك‬ ‫امليت كام ق َّب َل‬
‫َ‬
‫ﷺ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الغاسل‪،‬‬ ‫مخسا أو أكثر بحسب ما يراه‬ ‫بغسل امل ِّيت ثال ًثا أو ً‬ ‫يأمر‬
‫وكان ﷺ ُ‬
‫ِ‬
‫املعركة‪.‬‬ ‫غس ُل الشهيدَ َق َ‬
‫تيل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالكافور يف الغسلة األخرية‪ ،‬وكان ال ُي ِّ‬ ‫ويأمر‬
‫ُ‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪033‬‬

‫ٍ‬
‫وسدر‪ ،‬و ُيك َّفن يف ثوبيه‪ ،‬ومها ثوبا‬ ‫وكان إذا مات املحرم أمر أن يغس َل ٍ‬
‫بامء‬ ‫ُ َ ُ َّ‬
‫إحرامه‪ :‬إزاره ورداؤه‪ ،‬وينهى عن تطييبِه وتغطية ِ‬
‫رأسه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫البياض‪ ،‬وينهى عن‬ ‫وكان يأمر َمن َو ِ َيل امل ِّي َت أن ُحيس َن كفنَه‪ ،‬ويك ِّفنه يف‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫الكفن عن ِ‬ ‫ِ‬ ‫املُ ِ‬
‫وجعل‬ ‫سرت مجي ِع البدن غ َّطى َ‬
‫رأسه‬ ‫ُ‬ ‫الكفن‪ ،‬وكان إذا َق َّرص‬ ‫غاالة يف‬
‫شب‪.‬‬‫عىل رجليه شيئا من ال ُع ِ‬

‫دين أم ال؟»‪ ،‬فإن مل‬


‫ميت ُيصيل عليه‪ ،‬سأل‪« :‬هل عليه ٌ‬‫وكان إذا ُقدِّ م إليه ٌ‬
‫يصل عليه‪ِ ،‬‬
‫وأذن ألصحابِه أن‬ ‫يكن عليه دي ٌن صىل عليه‪ ،‬وإن كان عليه دي ٌن مل ِّ‬
‫ُيصلوا عليه؛ فإن صالتَه شفاع ٌة‪ ،‬وشفاعته موجب ٌة‪ ،‬والعبدُ مرهت ٌن بدَ ينه وال يدخل‬
‫ويتحم ُل دينَه‪ ،‬ويدَ ُع‬
‫َّ‬ ‫اجلن َة حتى ُيقَض عنه‪ ،‬فلام فتح اهلل عليه كان ُيصيل عىل املَدين‬
‫ما َله لورثته‪.‬‬
‫كرب ومحِد اهلل وأثنى عليه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫فإذا َ‬
‫أخذ يف الصالة عليه َّ‬
‫وجهر‬ ‫ِ‬
‫الكتاب‬ ‫ِ‬
‫بفاحتة‬ ‫ِ‬
‫األول‬ ‫ِ‬
‫التكبري‬ ‫عباس عىل ِج ٍ‬
‫نازة‪ ،‬فقر َأ بعد‬ ‫ٍ‬ ‫وصىل اب ُن‬
‫َ‬
‫هبا‪ ،‬وقال‪ :‬لتَعلموا أهنا ُسنَّ ٌة‪.‬‬
‫ِ‬
‫الصالة عىل اجلنازة‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الصامت عن‬ ‫سأل ُعباد َة ب َن‬‫وعن أيب هريرةَ‪ ،‬أنه َ‬
‫اللهم إن عبدَ ك فالنًا‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫وتقول‪:‬‬ ‫النبي ﷺ‪،‬‬
‫فتكرب ثم تصيل عىل ِّ‬ ‫ربك‪ :‬تبد ُأ ِّ‬ ‫أنا واهلل أخ ُ‬
‫فزد يف إحسانِه‪ ،‬وإن كان ُمسي ًئا‬ ‫أعلم به‪ ،‬إن كان ُحمسنًا ِ‬ ‫ُ‬ ‫رشك بك وأنت‬ ‫كان ال ُي ُ‬
‫أجره وال تَفتِنَّا بعده(‪.)1‬‬ ‫لهم ال َحتر ْمنا َ‬ ‫فتجاوز عنه‪ ،‬ال َّ‬
‫ت؛ وكذلك ُح ِف َظ عن النبي ﷺ ون ُِق َل‬
‫الصالة‪ :‬هو الدعاء للمي ِ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ومقصو ُد‬
‫ِ‬
‫والصالة عليه ﷺ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫قراءة الفاحتة‬ ‫عنه ما مل ُي ْ‬
‫نقل من‬

‫(‪ )1‬أخرجه البيهقي يف السنن الكربى ‪.)6963( 65/4‬‬


‫‪ | 034‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫وأكرم نُز َله‪،‬‬ ‫ُ‬
‫واعف عنه‬ ‫محه وعافِه‪،‬‬
‫اللهم اغفر له وار ْ‬
‫ِ‬
‫فحفظ من دعائه‪َّ « :‬‬ ‫ُ‬
‫الثوب‬ ‫نقيت‬
‫َ‬ ‫والَبد‪ ،‬ونقه من اخلطايا كام‬ ‫ِ‬
‫باملاء والثلجِ‬ ‫ووسع ُمدخ َله‪ ،‬واغسلِه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خريا‬
‫وزوجا ً‬ ‫ً‬ ‫خريا من أهلِه‪،‬‬
‫وأهال ً‬‫داره‪ً ،‬‬‫دارا خريا من ِ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫الدنس‪ ،‬وأبدله ً‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫األبيض من‬
‫عذاب ِ‬
‫النار»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫عذاب ِ‬
‫القَب‪ ،‬ومن‬ ‫ِ‬ ‫وأعذه من‬‫وأدخله اجلنَّ َة‪ِ ،‬‬
‫زوجه‪ِ ،‬‬ ‫من ِ‬
‫ِ‬
‫وكبرينا‪ ،‬و َذك َِرنا‬ ‫ِ‬
‫وصغرينا‬ ‫اللهم اغفر حلينا وميتنا‪،‬‬ ‫وحفظ من دعائه‪َّ « :‬‬ ‫ُ‬
‫اللهم من أحييتَه ِمنَّا فأحيِه عىل اإلسالمِ‪ ،‬ومن تو َّفيتَه منا‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫وشاهدنا وغائبِنا‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وأنثانا‪،‬‬
‫اللهم ال َحت ِرمنا َ‬
‫أجره وال َت ْفتنَّا بعدَ ه»(‪.)2‬‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫اإليامن‪،‬‬ ‫فتو َّفه عىل‬
‫وحبل ِج ِ‬
‫وارك‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ذمتك‬ ‫ٍ‬
‫فالن يف َّ‬ ‫اللهم إن فال َن بن‬
‫أيضا‪َّ « :‬‬
‫وحفظ من دعائه ً‬ ‫ُ‬
‫محه‪ ،‬إنك‬ ‫ِ‬ ‫وعذاب ِ‬
‫النار‪ ،‬فأنت ُ‬ ‫ِ‬ ‫فتنة ِ‬‫فق ِه من ِ‬
‫ِ‬
‫أهل الوفاء واحلق‪ ،‬فاغفر له وار ْ‬ ‫القَب‬
‫الرحيم»(‪.)3‬‬
‫ُ‬ ‫الغفور‬
‫ُ‬ ‫أنت‬
‫ِ‬
‫الدعاء للم ِّيت‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بإخالص‬ ‫يأمر‬
‫وكان ُ‬
‫مخسا‪ ،‬وكان الصحاب ُة بعدَ ه‬
‫وصح عنه أنه كرب ً‬
‫َّ‬ ‫أربع تكبريات‪،‬‬
‫كرب َ‬‫وكان ُي ِّ ُ‬
‫كربها‪،‬‬ ‫النبي ﷺ َّ‬
‫مخسا‪ ،‬وذكر أن َّ‬
‫فكرب زيدُ بن أرقم ً‬
‫ومخسا وستًّا‪َّ ،‬‬
‫ً‬ ‫يكربون أرب ًعا‬
‫ِّ‬
‫عيل بن أيب طالب ‪ ‬عىل سهل بن حنيف ستًّا‪ ،‬وكان‬ ‫وكرب ُّ‬
‫ذكره مسلم ‪َّ ،‬‬
‫(‪)4‬‬

‫ِ‬
‫الناس أرب ًعا‪،‬‬ ‫مخسا‪ ،‬وعىل ِ‬
‫سائر‬ ‫بدر ستًّا‪ ،‬وعىل ِ‬
‫غريهم من الصحابة ً‬ ‫يكرب عىل أهل ٍ‬ ‫ِّ‬
‫ذكره الدارقطني(‪ .)5‬وذكر سعيدُ بن منصور‪ ،‬عن احلك ِم بن عتيبة أنه قال‪ :‬كانوا‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)963‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)3201‬والرتمذي (‪ ،)1024‬والنسائي (‪.)1986‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)3202‬وابن ماجه (‪.)1499‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪.)957‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الدارقطني ‪.)1823( 435/2‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪035‬‬

‫موجب للمنع‬
‫َ‬ ‫آثار صحيح ٌة‪ ،‬فال‬
‫مخسا وستًّا وسب ًعا‪ .‬وهذه ٌ‬ ‫أهل ٍ‬
‫بدر ً‬ ‫يكربون عىل ِ‬‫ِّ‬
‫منها‪ ،‬والنبي ﷺ مل يمنع مما زاد عىل األربع‪ ،‬بل فع َله هو وأصحابه ِمن ِ‬
‫بعده‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫صالة اجلنازة ُفروي عنه أنه كان ُيس ِّلم‬ ‫وأما هد ُيه ﷺ يف التسلي ِم من‬
‫وروي عنه أنه كان ُيس ِّلم تسليمتني‪.‬‬
‫واحدةً‪ُ ،‬‬
‫ِ‬
‫السنة يف‬ ‫ِ‬
‫لألثر‪ ،‬والقياس عىل‬ ‫ُرفع‬
‫رفع اليدين فقال الشافعي ‪ :‬ت ُ‬
‫وأما ُ‬
‫قائم(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫كربها يف الصالة وهو ٌ‬‫يرفع يديه يف كل تكبرية َّ‬
‫الصالة‪ ،‬فإن النبي ﷺ كان ُ‬
‫وأنس بن مالك‪ ،‬أهنام كانا يرفعان‬ ‫ِ‬ ‫ابن عمر‬ ‫ِ‬
‫باألثر ما رواه عن ِ‬ ‫قلت‪ :‬يريدُ‬
‫ِ‬
‫اجلنازة‪.‬‬ ‫كربا عىل‬
‫أيدهيام كلام َّ‬
‫مر ًة‬ ‫اجلنازة صىل عىل ِ‬
‫القرب‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫وكان من ِ‬
‫فصىل َّ‬ ‫هديه ﷺ إذا فاتته الصال ُة عىل‬
‫ومر ًة بعدَ ٍ‬
‫شهر‪ ،‬ومل ُيؤ ِّقت يف ذلك وقتًا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عىل ٍ‬
‫ومر ًة بعدَ ثالث‪َّ ،‬‬
‫قرب بعدَ ليلة‪َّ ،‬‬
‫الرجل ووسط ِ‬ ‫ِ‬ ‫وكان من ِ‬
‫املرأة‪.‬‬ ‫ِ َ‬ ‫رأس‬ ‫هديه أنه كان يقو ُم عند‬
‫الطفل ُي َّ‬
‫صىل‬ ‫ُ‬ ‫فصح عنه أنه قال‪« :‬‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫الطفل‪،‬‬ ‫وكان من ِ‬
‫هديه ﷺ الصال ُة عىل‬
‫عليه»(‪.)2‬‬

‫نفسه‪ ،‬وال عىل من َغ َّل من‬ ‫وكان من ِ‬


‫هديه ﷺ أنه ال ُيصيل عىل من َق َتل َ‬
‫ِ‬
‫الغنيمة‪.‬‬

‫فصح عنه أنه‬ ‫ِ‬


‫املقتول حدًّ ا‪ ،‬كالزاين املرجو ِم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الصالة عىل‬ ‫ُلف عنه يف‬ ‫واخت َ‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل وقد زنت؟!‬ ‫عمر‪ :‬تُصيل عليها يا‬ ‫جلهن َّي ِة التي َر َ َ‬
‫مجها‪ ،‬فقال له ُ‬ ‫صىل عىل ا ُ‬
‫(‪ )1‬األم للشافعي ‪.239/2‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)3180‬والرتمذي (‪ ،)1031‬والنسائي (‪.)1942‬‬
‫‪ | 036‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫املدينة ِ‬
‫لوس َعتهم‪ ،‬وهل‬ ‫ِ‬ ‫فقال‪« :‬لقد تابت توب ًة لو ُقسمت بني سبعني من ِ‬
‫أهل‬
‫أفضل من أن جادت ِ‬
‫بنفسها هلل»(‪.)1‬‬ ‫َ‬ ‫دت توب ًة‬
‫َو َج َ‬
‫ِ‬
‫املقابر ماش ًيا أما َمه‪ ،‬وس َّن ملن تبِع‬ ‫وكان ﷺ إذا صىل عىل مي ٍ‬
‫ت تبِعه إىل‬ ‫ِّ‬
‫اجلنازة إن كان راك ًبا أن يكون ورا َءها‪ ،‬وإن كان ماش ًيا أن يكون قري ًبا منها‪ ،‬إما‬
‫خل َفها أو أمامها‪ ،‬أو عن يمينِها أو عن ِشامهلا‪.‬‬
‫يأمر باإلرسا ِع هبا‪ ،‬حتى إن كانوا َلري ُملون هبا ً‬
‫رمال‪.‬‬ ‫وكان ُ‬
‫توضع‪ ،‬وقال‪« :‬إذا تبِعتُم اجلناز َة فال ُتلسوا‬
‫َ‬ ‫جيلس حتى‬
‫ْ‬ ‫وكان إذا تبِعها مل‬
‫ُوضع»(‪.)2‬‬
‫حتى ت َ‬
‫ابن تيمية ‪ :‬واملراد‪ :‬وض ُعها باألرض(‪.)3‬‬ ‫قال ُ‬
‫شيخ اإلسالم ُ‬
‫خلق‬ ‫غائب ٍ‬
‫ميت‪ ،‬فقد مات ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫وسنَّتِه ﷺ الصال ُة عىل كل‬ ‫ومل يكن من ِ‬
‫هديه ُ‬
‫وصح عنه‪ :‬أنه صىل عىل‬
‫َّ‬ ‫صل عليهم‪،‬‬‫غيب‪ ،‬فلم ُي ِّ‬‫ٌ‬ ‫كثري من املسلمني وهم‬ ‫ٌ‬
‫ِ (‪)4‬‬
‫النجايش صالتَه عىل امل ِّيت ‪.‬‬‫ِّ‬
‫صل‬ ‫شيخ اإلسالم ابن تيمي َة‪ :‬الصواب أن الغائب إن مات ٍ‬
‫ببلد مل ُي َّ‬ ‫وقال ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الغائب‪.‬‬ ‫عليه فيه ُص ِّ َيل عليه صال ُة‬
‫ِ‬
‫وصح عنه ﷺ أنه‬
‫َّ‬ ‫وصح عنه ﷺ أنه قام للجنازة ملَّا مرت به‪َ ،‬‬
‫وأمر بالقيا ِم هلا‪،‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)1696‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)1310‬ومسلم (‪.)959‬‬
‫(‪ )3‬اقتضاء الرصاط املستقيم البن تيمية ‪.230/1‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)1327‬ومسلم (‪.)951‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪037‬‬

‫آخر األمرين‪ ،‬وقيل‪ :‬بل‬ ‫ٌ‬ ‫قعدَ ‪ ،‬فاختُلف يف ذلك‪ِ ،‬‬


‫منسوخ‪ ،‬والقعو ُد ُ‬ ‫فقيل‪ :‬القيا ُم‬
‫ِ‬
‫للجواز‪ ،‬وهذا أوىل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لالستحباب‪ ،‬وتركُه ٌ‬
‫بيان‬ ‫األمران جائزان‪ ،‬وفِع ُله ٌ‬
‫بيان‬
‫ِ‬
‫غروهبا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الشمس‪ ،‬وال عندَ‬ ‫وكان من ِ‬
‫هديه ﷺ أال َيدفن امل ِّي َت عند طلو ِع‬
‫ِ‬
‫الظهرية‪.‬‬ ‫قائم‬
‫وال حني يقو ُم ُ‬
‫رأس امل ِّيت ورجليه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وتعميق ِ‬
‫القرب وتوسي ُعه من عند‬ ‫ُ‬ ‫وكان من ِ‬
‫هديه اللحدُ‬
‫ِ‬
‫رسول‬ ‫القرب قال‪« :‬بسم اهلل‪ ،‬وباهلل‪ ،‬وعىل ِم َّل ِة‬
‫وضع امل ِّي َت يف ِ‬
‫َ‬ ‫ذكر عنه أنه كان إذا‬
‫و ُي ُ‬
‫سبيل اهلل‪ ،‬وعىل ِ‬
‫ملة رسول اهلل»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫اهلل»(‪ .)1‬ويف رواية‪« :‬بس ِم اهلل‪ ،‬ويف‬
‫قبل ِ‬
‫رأسه ثال ًثا‪.‬‬ ‫الرتاب ِمن ِ‬ ‫أيضا أنه كان حيثو عىل ِ‬
‫امليت إذا ُدفن‬ ‫و ُيذكر عنه ً‬
‫َ‬
‫التثبيت‪،‬‬
‫َ‬ ‫قربه هو وأصحابه‪ ،‬وسأل له‬ ‫دفن ِ‬
‫امليت قام عىل ِ‬ ‫وكان إذا فر َغ ِمن ِ‬
‫التثبيت‪.‬‬
‫َ‬ ‫وأمرهم أن يسألوا له‬
‫لس يقر ُأ عند ِ‬
‫القرب‪ ،‬وال ُيل ِّقن امل ِّي َت‪.‬‬ ‫ومل يكن َجي ُ‬
‫ٍ‬
‫حجر و َلبِ ٍن‪ ،‬وال‬ ‫بآجر وال‬ ‫ِ‬
‫القبور وال بناؤها ُ‬ ‫ومل يكن من ِ‬
‫هديه ﷺ تعلي ُة‬
‫الق ِ‬
‫باب عليها‪.‬‬ ‫تشييدُ ها‪ ،‬وال تطيينُها‪ ،‬وال بناء ِ‬
‫ُ‬
‫طمسه‪،‬‬
‫َ‬ ‫يدع ً‬
‫متثاال إال‬ ‫ِ‬
‫اليمن‪ ،‬أال َ‬ ‫طالب ‪ ‬إىل‬ ‫ٍ‬ ‫عيل ب َن أيب‬ ‫وقد َ‬
‫بعث َّ‬
‫ِ‬
‫القبور املُرشفة ُك ِّلها‪.‬‬ ‫سواه(‪ ،)3‬فسنتُه ﷺ تسوي ُة هذه‬ ‫ربا ُم ِ‬
‫رش ًفا إال َّ‬ ‫وال ق ً‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)3213‬والرتمذي (‪.)1046‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه ابن ماجه (‪.)1550‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)969‬‬
‫‪ | 038‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫كتب عليه‪ ،‬وكان ُيع ِّلم ق َ‬


‫رب من‬ ‫رب وأن يبنى عليه وأن ُي َ‬ ‫ص الق ُ‬ ‫وهنى أن ُجي َّص َ‬
‫ٍ‬
‫بصخرة‪.‬‬ ‫يعرف قربه‬
‫ُ‬ ‫ُيريد‬

‫الرس ِج عليها‪ ،‬واشتد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬


‫القبور مساجدَ ‪ ،‬وإيقاد ُّ‬ ‫اختاذ‬ ‫رسول اهلل ﷺ عن‬ ‫وهنى‬
‫عن فاع َله‪ ،‬وهنى أ َّمتَه أن يتَّخذوا ق َ‬
‫ربه عيدً ا‪.‬‬ ‫هن ُيه يف ذلك حتى َل َ‬
‫لس عليها و ُيتَّك َأ عليها‪.‬‬ ‫القبور وال توط َأ ُ‬
‫وجي َ‬ ‫ُ‬ ‫وكان هد ُيه أال ُهتان‬

‫‪ -2‬فصل يف هديِه ﷺ يف زيارةِ القبورِ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واالستغفار‬ ‫والرتحم عليهم‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫للدعاء هلم‪،‬‬ ‫قبور أصحابِه ُ‬
‫يزورها‬ ‫زار َ‬ ‫كان إذا َ‬
‫وأمرهم أن يقولوا إذا زاروها‪« :‬السال ُم‬ ‫ِ‬
‫هلم‪ ،‬وهذه هي الزيار ُة التي سنَّها أل َّمته‪َ ،‬‬
‫نسأل‬‫شاء اهلل بكم الحقون‪ُ ،‬‬‫الديار من املؤمنني واملسلمني‪ ،‬وإنَّا إن َ‬‫ِ‬ ‫عليكم َ‬
‫أهل‬
‫اهلل لنا ولكم العافي َة»(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫الصالة‬ ‫ِ‬
‫جنس ما يقوله عند‬ ‫ِ‬
‫زيارهتا‪ ،‬من‬ ‫وكان هد ُيه أن َ‬
‫يقول و َيفعل عند‬
‫َ‬
‫واإلرشاك‬ ‫واالستغفار‪ ،‬فأبى املرشكون إال دعاء ِ‬
‫امليت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الدعاء له والرتح ِم‬ ‫عليه من‬
‫َ‬
‫به!‬

‫‪ -3‬فصل [يف هديه ﷺ يف تعزي بهل املمت وصنع الطعام هل وترك النع ]‬
‫ِ‬
‫للعزاء‪،‬‬ ‫تمع‬ ‫أهل امليت‪ ،‬ومل يكن من ِ‬ ‫وكان من ِ‬
‫هديه ﷺ تعزي ُة ِ‬
‫هديه أن َجي َ‬
‫غريه‪.‬‬ ‫القرآن‪ ،‬ال عند ِ‬
‫القرب وال ِ‬ ‫َ‬ ‫ويقر َأ له‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)975‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪039‬‬

‫واالسرتجاع‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بقضاء اهلل‪ ،‬واحلمدُ هلل‪،‬‬ ‫ُ‬
‫السكون والرىض‬ ‫وكان من ِ‬
‫هديه‬
‫ُ‬
‫حلق هلا‬ ‫ِ‬
‫والنياحة‪ ،‬أو َ‬ ‫ِ‬
‫بالندب‬ ‫رفع صوتَه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ويرب ُأ ممَّن َ‬
‫ألجل املصيبة ثيا َبه‪ ،‬أو َ‬ ‫خرق‬
‫عره‪.‬‬
‫ش َ‬
‫ِ‬ ‫أهل املي ِ‬
‫ت ال يتك َّلفون الطعا َم‬ ‫ِ‬
‫أمر أن‬
‫للناس‪ ،‬بل َ‬ ‫وكان من هديه ﷺ أن َ ِّ‬
‫ِ‬
‫األخالق والشي ِم‪،‬‬ ‫الناس هلم طعا ًما يرسلونه إليهم‪ ،‬وهذا من أعظ ِم مكار ِم‬
‫ُ‬ ‫َيصنع‬
‫شغل بمصاهبم عن إطعا ِم الناس‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أهل ِ‬
‫امليت؛ فإهنم يف‬ ‫واحلمل عن ِ‬

‫ُ‬
‫ويقول‪« :‬هو من‬ ‫ترك نعي املي ِ‬
‫ت‪ ،‬بل كان َينهى عنه‬ ‫وكان من ِ‬
‫هديه ﷺ ُ‬
‫ِّ‬
‫عمل اجلاهل َّي ِة»(‪.)1‬‬
‫ِ‬

‫‪ -4‬فصل يف هديِه ﷺ يف صالةِ اخلوفِ‬

‫اخلوف‬ ‫اجتمع‬ ‫ِ‬


‫وعددها إذا‬ ‫ِ‬
‫الصالة‬ ‫ِ‬
‫أركان‬ ‫قرص‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أباح اهلل سبحانه وتعاىل َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫األركان وحدَ ها‬ ‫وقرص‬ ‫سفر ال خوف معه‪،‬‬
‫َ‬ ‫وقرص العد َد وحدَ ه إذا كان ٌ‬
‫َ‬ ‫والسفر‪،‬‬
‫ُ‬
‫سفر معه‪ ،‬وهذا كان من ِ‬
‫هديه ﷺ‪ ،‬وبه تُعلم احلكم ُة يف تقييد‬ ‫خوف ال َ‬ ‫ٌ‬ ‫إذا كان‬
‫ِ‬
‫واخلوف‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األرض‬ ‫ِ‬
‫بالْضب يف‬ ‫القرص يف ِ‬
‫اآلية‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫القبلة أن‬ ‫العدو بينه وبني‬ ‫ِ‬
‫اخلوف إذا كان‬ ‫ِ‬
‫صالة‬ ‫هديه ﷺ يف‬ ‫وكان من ِ‬
‫ُّ‬
‫يركع فريكعون مجي ًعا‪ ،‬ثم‬
‫َ‬ ‫ويكربون مجي ًعا‪ ،‬ثم‬
‫ِّ‬ ‫ف املسلمني ك َّلهم خل َفه‪ ،‬و ُي ِّ َ‬
‫كرب‬ ‫َي ُص َّ‬
‫والصف الذي يليه خاص ًة‪ ،‬ويقو َم‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫بالسجود‬ ‫نحدر‬ ‫يرفع ويرفعون معه‪ ،‬ثم َي‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫العدو‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫الصف َّ‬
‫املؤخ ُر مواج َه‬ ‫ُّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي (‪.)984‬‬


‫‪ | 041‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫املؤخر بعد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫قيامه‬ ‫الصف َّ ُ‬ ‫ُّ‬ ‫الثانية سجد‬ ‫الركعة األوىل وهنض إىل‬ ‫فإذا فرغ من‬
‫الصف األول إىل‬ ‫األو ِل‪َّ ،‬‬
‫وتأخ َر‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫الصف َّ‬ ‫ِّ‬ ‫مكان‬ ‫سجدتني‪ ،‬ثم قاموا‪ ،‬فتقدَّ موا إىل‬
‫النبي‬ ‫َحصل فضيل ُة‬ ‫ِ‬
‫الصف الثاين مع ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫الصف األول للطائفتني‪ ،‬ول ُيدرك‬ ‫ِّ‬ ‫مكاهنم لت ُ‬
‫األو ُل معه السجدتني يف األوىل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ﷺ السجدتني يف الركعة الثانية‪ ،‬كام أدرك َّ‬
‫ِ‬
‫العدل‪.‬‬ ‫ألنفسهم‪ ،‬وذلك غاي ُة‬ ‫ِ‬ ‫فتَستوي الطائفتان فيام أدركوا معه‪ ،‬وفيام َقضوا‬
‫للتشهد‪ ،‬سجد‬
‫ُّ‬ ‫جلس‬
‫َ‬ ‫مر ٍة‪ ،‬فإذا‬ ‫ِ‬
‫صنع الطائفتان كام صنعوا يف َّأول َّ‬
‫َ‬ ‫فإذا ركع‬
‫التشه ِد‪ ،‬فس َّلم هبم مجي ًعا‪.‬‬
‫ُّ‬
‫املؤخر سجدتني‪ِ ،‬‬
‫وحلقوه يف‬ ‫الصف َّ‬‫ُّ‬
‫ِ‬
‫بإزاء‬ ‫بلة فإنه كان تار ًة جيع ُلهم فرقتني‪ :‬فرق ًة‬‫الق ِ‬
‫وإن كان العدو يف غري ِجهة ِ‬
‫ُّ‬
‫َنرصف يف‬
‫ُ‬ ‫ُصيل معه إحدى الفرقتني ركع ًة‪ ،‬ثم ت‬ ‫العدو‪ ،‬وفرق ًة تصيل معه‪ ،‬فت ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ُصيل معه‬ ‫مكان هذه فت ِّ‬ ‫ِ‬ ‫وِتي ُء األخرى إىل‬ ‫الفرقة األخرى‪َ ،‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مكان‬ ‫ِ‬
‫صالهتا إىل‬
‫ٍ‬
‫طائفة ركع ًة ركع ًة بعد سال ِم اإلما ِم‪.‬‬ ‫الركع َة الثاني َة‪ ،‬ثم تُس ِّلم‪ ،‬وتقِض ك ُُّل‬
‫ِ‬
‫الثانية‪ ،‬وتقِض هي‬ ‫وتار ًة كان ُيصيل بإحدى الطائفتني ركع ًة‪ ،‬ثم يقو ُم إىل‬
‫ركوعه‪ ،‬وتأيت الطائف ُة األخرى‪ ،‬فتصيل معه الركع َة‬‫ِ‬ ‫واقف‪ ،‬وتُس ِّلم قبل‬
‫ٌ‬ ‫ركع ًة وهو‬
‫ِ‬
‫التشهد‪ ،‬فإذا‬ ‫ينتظرها يف‬ ‫ِ‬
‫التشهد قامت ف َق َضت ركع ًة وهو‬ ‫جلس يف‬ ‫الثانية‪ ،‬فإذا‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫تشهدت ُي َس ِّلم هبم‪.‬‬
‫وتار ًة كان ُيصيل بإحدى الطائفتني ركعتني‪ ،‬فتُسلم َقب َله‪ ،‬وتأيت الطائف ُة‬
‫سلم هبم‪ ،‬فتكون له أرب ًعا‪ ،‬وهلم‬ ‫األخرى‪ ،‬فيصيل هبم الركعتني األُ َ‬
‫خريني‪ ،‬و ُي ُ‬
‫ركعتني ركعتني‪.‬‬
‫وتار ًة كان ُيصيل بإحدى الطائفتني ركعتني و ُيس ِّل ُم هبم‪ ،‬وتأيت األخرى‬
‫صىل هبم بكل طائفة صال ًة‪.‬‬ ‫ف ُيصيل هبم ركعتني و ُيس ِّلم هبم‪ ،‬فيكون قد َّ‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪040‬‬

‫وتار ًة كان ُيصيل بإحدى الطائفتني ركع ًة‪ ،‬ثم تذهب وال تقِض شي ًئا‪ ،‬وِتي ُء‬
‫فيصيل هبم ركع ًة وال تقِض شي ًئا‪ ،‬فيكون له ركعتان‪ ،‬وهلم ركعة ركعة‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫األخرى‬
‫ِتوز الصالة هبا‪.‬‬
‫وهذه األوجه كلها ُ‬
‫صفات أخرى تَرجع ك ُّلها إىل هذه‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫اخلوف‬ ‫ِ‬
‫صالة‬ ‫وقد ُروي عنه ﷺ يف‬
‫ٍ‬
‫صفات‪،‬‬ ‫عرش‬ ‫بعض ألفاظِها‪ ،‬وقد ذكرها ُ‬ ‫أصوهلا‪ ،‬وربام اختل َفت ُ‬
‫ُ‬
‫بعضهم َ‬ ‫وهذه‬
‫والصحيح ما ذكرناه ً‬
‫أوال‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫مخس عرش َة صف ًة(‪،)1‬‬
‫وذكرها أبو حممد بن حزم نحو َ‬
‫النبي ﷺ‪،‬‬ ‫وجوها من ِ‬ ‫الرواة يف ٍ‬
‫ِ‬
‫فعل ِّ‬ ‫ً‬ ‫قصة جعلوا ذلك‬ ‫اختالف‬
‫َ‬ ‫وهؤالء كلام رأوا‬
‫ِ‬
‫الرواة‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اختالف‬ ‫وإنام هو من‬

‫(‪ )1‬املحىل البن حزم ‪ ،272/4‬وذكر فيه أنه فصل القول يف أربع عرشة صورة يف كتاب آخر‪.‬‬
‫‪ | 042‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫[رانبعا‪ :‬كتا الزكاة]‬

‫‪ -1‬فصل يف هديِه ﷺ يف الصدق ِ والزكاةِ‬

‫ِتب عليه‬ ‫وقدرها ونصاهبا و َمن ُ‬ ‫ِ‬ ‫أكمل هدي‪ ،‬يف وقتها‬ ‫كان هدي ُه يف الزكاة َ‬
‫األموال ومصلح َة املساكني‪ ،‬وجعلها اهلل‬‫ِ‬ ‫ومرصفها‪ ،‬وراعى فيها مصلح َة أرباب‬
‫ِ‬
‫األغنياء‪ ،‬فام أزال النعم َة باملال‬ ‫ِ‬
‫ولصاحبِه‪ ،‬وق َّيد النعم َة هبا عىل‬ ‫سبحانه ُطهر ًة ِ‬
‫للامل‬
‫ِ‬
‫اآلفات‪ ،‬وجيعلها‬ ‫ويدفع عنه هبا‬ ‫عىل من أ َّدى زكاتَه‪ ،‬بل حيف ُظه عليه وينميه له‪،‬‬
‫ُ‬
‫وحارسا له‪.‬‬
‫ً‬ ‫سورا عليه وحصنًا له‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫األموال دورانا بني‬ ‫املال‪ ،‬وهي أك ُثر‬ ‫ٍ‬
‫أصناف من ِ‬ ‫ِ‬
‫أربعة‬ ‫ثم إنه َج َعلها يف‬
‫اخللق‪ ،‬وحاجتهم إليها ِضوري ٌة‪:‬‬

‫والثامر‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الزرع‬
‫ُ‬ ‫أحدُ ها‪:‬‬
‫والغنم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫والبقر‬
‫ُ‬ ‫الثاين‪ :‬هبيم ُة األنعا ِم‪ُ :‬‬
‫اإلبل‬

‫الذهب والفض ُة‪.‬‬


‫ُ‬ ‫الثالث‪ :‬اجلوهران اللذان هبام ِقوا ُم العاملِ‪ ،‬ومها‪:‬‬
‫ِ‬
‫اختالف أنواعها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫التجارة عىل‬ ‫ُ‬
‫أموال‬ ‫الرابع‪:‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫والثامر عند كامهلا‬ ‫ثم إنه أوجبها مر ًة يف كل عا ٍم‪ ،‬وجعل حول الزرو ِع‬
‫ِ‬
‫واستوائها‪ ،‬وهذا ُ‬
‫أعدل ما يكون‪.‬‬
‫ِ‬
‫األموال يف حتصيلها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أرباب‬ ‫ِ‬
‫بحسب سعي‬ ‫ِ‬
‫مقادير الواجب‬ ‫فاوت بني‬
‫َ‬ ‫ثم إنه‬
‫أوجب‬
‫َ‬ ‫حوال‪ ،‬بل‬ ‫ِ‬
‫الركاز ومل يعترب له ً‬ ‫فأوجب اخلمس يف‬
‫َ‬ ‫وسهولة ذلك ومشقتِه‪،‬‬
‫ِ‬

‫ظفر به‪.‬‬
‫اخلمس متى َ‬
‫َ‬ ‫فيه‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪043‬‬

‫وجب نص َفه ‪-‬وهو العرش‪ -‬فيام كانت مشق ُة حتصيلِه وتع ُبه وكُلفتُه َ‬
‫فوق‬ ‫َ‬ ‫وأ‬
‫َّ‬
‫ويتوىل‬ ‫الثامر والزرو ِع التي يبارش حرث ِ‬
‫أرضها‪ ،‬شقها‪ ،‬وبذرها‬ ‫ِ‬ ‫ذلك‪ ،‬وذلك يف‬
‫ٍ‬
‫ودوالب‪.‬‬ ‫إثارة ٍ‬
‫بئر‬ ‫ِ‬
‫رشاء ماء‪ ،‬وال ِ‬ ‫كلفة من ِ‬
‫العبد‪ ،‬وال‬ ‫اهلل سقيها من عنده بال ٍ‬
‫َ َ‬
‫ِ‬
‫والنواض ِح‬ ‫ِ‬
‫بالكلفة والدوايل‬ ‫ِ‬
‫العرش فيام توىل العبدُ سقيه‬ ‫نصف‬
‫َ‬ ‫وأوجب‬
‫َ‬
‫ونحوها‪.‬‬

‫عمل‬ ‫ِ‬
‫العرش‪ -‬فيام كان النام ُء فيه موقو ًفا عىل ٍ‬ ‫ربع‬
‫نصف ذلك ‪-‬وهو ُ‬ ‫َ‬ ‫وأوجب‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫وباإلدارة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األرض تارةً‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بالْضب يف‬ ‫رب املال متتابع‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫[وبالرتبص تارةً]‬ ‫متصل من ِّ‬
‫نمو‬ ‫أعظم من كلفة الزرو ِع والثامر‪ً ،‬‬
‫وأيضا فإن َ‬ ‫ُ‬ ‫ريب أن كلف َة هذا‬ ‫تار ًة أخرى‪ ،‬وال َ‬
‫ِ‬
‫واجب التجارة‪،‬‬ ‫أكثر من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الزرو ِع‬
‫وأكثر من نمو التجارة‪ ،‬فكان واج ُبها َ‬ ‫ُ‬ ‫أظهر‬
‫والثامر ُ‬
‫أكثر مما ُس ِقي بالدوايل والنواضح‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وظهور النمو فيام ُيس َقى‬
‫واألهنار َ‬ ‫بالسامء‬ ‫ُ‬
‫وأظهر من اجلميع‪.‬‬
‫َ‬ ‫أكثر‬
‫حمصال جممو ًعا كالكنز َ‬ ‫ً‬ ‫وظهوره فيام وجد‬
‫ُ‬
‫للامل الذي ِ‬
‫حتتم ُله‬ ‫ِ‬ ‫قل َ‬
‫جعل‬ ‫كل مال وإن َّ‬‫ُثم إنه ملا كان ال حيتمل املواسا َة ُّ‬
‫وتقع موق َعها من‬ ‫ِ‬
‫األموال‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بأرباب‬ ‫ِتحف‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املواساة فيها‪ ،‬ال‬ ‫املواساة ن ُُص ًبا مقدر َة‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫والثامر‬ ‫ً‬
‫مثقاال‪ ،‬وللحبوب‬ ‫ِ‬
‫وللذهب عرشين‬ ‫للور ِق مئتي دره ٍم‪،‬‬
‫فجعل ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫املساكني‪:‬‬
‫مخسا؛ لكن ملا كان‬ ‫ِ‬
‫ولإلبل ً‬ ‫ِ‬
‫وللبقر ثالثني بقرةً‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫أوسق‪ ،‬وللغن ِم أربعني شاةً‪،‬‬ ‫مخسة‬
‫مخس‬ ‫حيتمل املواساة من ِ‬‫ُ‬
‫اخلمس َ‬‫ُ‬ ‫أوجب فيها شاةً‪ ،‬فإذا تكررت‬
‫َ‬ ‫جنسها‬ ‫نصاهبا ال‬
‫الواجب‪.‬‬ ‫َ‬
‫احتمل نصاهبا واحدً ا منها فكان هو‬ ‫مرات‪ ،‬وصارت مخسا وعرشين‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫خماض‪ ،‬وبنت‬ ‫ِ‬
‫والنقصان‪ ،‬من ابن‬ ‫ِ‬
‫الزيادة‬ ‫قدر ِس َّن هذا الواجب يف‬
‫ثم إنه َ‬
‫اجلذع واجلذع ُة‪،‬‬ ‫احل ُّق ِ‬
‫واحل َّق ُة‪ ،‬وفو َقه‬ ‫بون‪ ،‬وفو َقه ِ‬
‫لبون‪ ،‬وبنت َل ٍ‬
‫خماض‪ ،‬وفو َقه ابن ٍ‬
‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪ | 044‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫اإلبل زاد الس ُّن إىل أن َ‬


‫يصل الس ُّن إىل منتهاه‪ ،‬فحينئذ جعل زياد َة عدد‬ ‫وكلام كثرت ُ‬
‫زيادة عدد ِ‬
‫املال‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الواجب يف مقابلة‬

‫وجزأها ثامني َة أجزاء‪ ،‬جيمعها صنفان‬ ‫ِ‬


‫الصدقة‪َّ ،‬‬ ‫والرب سبحانه توىل َق َ‬
‫سم‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫الناس‪.‬‬ ‫من‬
‫ِ‬
‫وكثرهتا‬ ‫ِ‬
‫احلاجة وضعفها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بحسب شدة‬ ‫ُ‬
‫فيأخذ‬ ‫ُ‬
‫يأخذ حلاجته‪،‬‬ ‫أحدمها‪ :‬من‬
‫ِ‬
‫الرقاب‪ ،‬وابن السبيل‪.‬‬ ‫وق َّلتِها‪ ،‬وهم الفقرا ُء واملساكني‪ ،‬ويف‬

‫يأخذ ملنفعتِه وهم العاملون عليها‪ ،‬واملؤلف ُة قلوهبم‪،‬‬


‫ُ‬ ‫والثاين‪ :‬من‬
‫ِ‬
‫سبيل اهلل‪.‬‬ ‫والغارمون‪ ،‬والغزا ُة يف‬
‫ِ‬
‫الزكاة‪.‬‬ ‫تاجا‪ ،‬وال فيه منفع ٌة للمسلمني‪ ،‬فال سهم له يف‬
‫فإن مل يكن اآلخذ ُحم ً‬

‫‪ -2‬فصل [يف هديه ﷺ مع بهل الزكاة]‬


‫ِ‬
‫الزكاة أعطاه‪ ،‬وإن سأله أحدٌ‬ ‫الرجل أنه من أهل‬‫ِ‬ ‫وكان ﷺ إذا علِ َم من‬
‫لغني وال لقوي‬
‫ٍّ‬ ‫عرف حاله؛ أعطاه بعد أن ُخي ِ َ‬
‫ربه أنه ال َح َّظ فيها‬ ‫الزكا َة ومل َي ِ‬
‫ُمكت َِسب)‪.(1‬‬

‫املال‪ ،‬وما‬ ‫َفريق الزكاة عىل املستحقني الذين يف ِ‬


‫بلد ِ‬ ‫وكان من هديه ﷺ ت ُ‬
‫ففرقها هو ﷺ؛ ولذلك كان َي ُ‬
‫بعث ُسعاتَه إىل البوادي‪،‬‬ ‫فضل عنهم منها ُمحلت إليه َّ‬
‫ومل يكن يبع ُثهم إىل القرى‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)1633‬والنسائي (‪.)2598‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪045‬‬

‫ِ‬
‫الظاهرة من املوايش‬ ‫ِ‬
‫األموال‬ ‫يبعث ُسعاته إال إىل ِ‬
‫أهل‬ ‫َ‬ ‫ومل يكن من ِ‬
‫هديه أن‬
‫ثمر نخلِهم‬ ‫ِ‬
‫أرباب النخيل َ‬ ‫ص فيخرص عىل‬ ‫ِ‬
‫اخلار َ‬ ‫ُ‬
‫يبعث‬ ‫ِ‬
‫والثامر‪ ،‬وكان‬ ‫والزرو ِع‬
‫وينظر كم جيي ُء منه َوس ًقا‪ ،‬فيحسب عليهم من‬
‫ُ‬ ‫وعىل أهل الكرو ِم كرو َمهم‪،‬‬
‫ِ‬
‫الزكاة ِ‬
‫بقدره‪.‬‬

‫يدع هلم الثلث أو الربع فال خيرصه عليهم؛ ملا يعرو‬ ‫اخلارص أن َ‬ ‫َ‬ ‫يأمر‬
‫وكان ُ‬
‫الثامر‬ ‫اخلرص لكي ُحتىص الزكا ُة قبل أن تُؤكَل‬ ‫ب‪ ،‬وكان هذا‬ ‫ِ‬
‫النوائ ِ‬ ‫َ‬
‫النخيل من‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الزكاة‪.‬‬ ‫أرباهبا بام شاءوا و َيضمنوا َق َ‬
‫در‬ ‫ُرصم‪ ،‬وليترصف فيها ُ‬ ‫وت َ‬
‫ِ‬
‫احلمري‬ ‫ِ‬
‫البغال وال‬ ‫ِ‬
‫الرقيق وال‬ ‫ِ‬
‫الزكاة من اخليل وال‬ ‫هديه ُ‬
‫أخذ‬ ‫ومل يكن من ِ‬
‫تدخر‪.‬‬
‫ُ‬ ‫املباط ِخ واملقاثي والفواكِه التي ال ُ‬
‫تكال وال‬ ‫ِ‬ ‫وال اخلَْضاوات وال‬

‫‪ -3‬فصل [يف زكاة العسل]‬

‫ِ‬
‫العسل‪ ،‬فقال البخاري‪ :‬ليس يف زكاة العسل يش ٌء‬ ‫ُلف عنه ﷺ يف‬
‫واخت َ‬
‫يصح(‪ ،)1‬وقال الرتمذي‪ :‬ال يصح عن النبي ﷺ يف هذا الباب كثري ٍ‬
‫يشء(‪ .)2‬وقال‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫ثبت عن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وال‬ ‫ٌ‬
‫حديث َي ُ‬ ‫ِ‬
‫العسل‬ ‫ِ‬
‫صدقة‬ ‫ِ‬
‫وجوب‬ ‫ابن املنذر‪ :‬ليس يف‬
‫ضعيف‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫العرش‬
‫َ‬ ‫إمجاع‪ ،‬فال زكا َة فيه(‪ ،)3‬وقال الشافعي‪ :‬احلديث يف أن يف العسل‬
‫عمر بن عبد العزيز(‪ .)4‬قال هؤالء‪:‬‬
‫ضعيف‪ ،‬إال عن َ‬
‫ٌ‬ ‫العرش‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫يؤخذ منه‬ ‫ويف أن ال‬
‫ِ‬
‫الوجوب ك ُّلها معلول ٌة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وأحاديث‬

‫(‪ )1‬العلل الكبري للرتمذي (ص‪.)102‬‬


‫(‪ )2‬سنن الرتمذي ‪.15/3‬‬
‫(‪ )3‬اإلرشاف البن املنذر ‪.34/3‬‬
‫(‪ )4‬معرفة السنن واآلثار للبيهقي ‪ ،120/6‬وانظر‪ :‬األم للشافعي ‪.99/3‬‬
‫‪ | 046‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫وذهب أمحد(‪ )1‬وأبو حنيف َة(‪ )2‬ومجاع ٌة إىل أن يف العسل الزكاة‪ ،‬رأوا أن هذه‬
‫خمارجها واختل َف ْت طر ُقها‪ ،‬ومرس ُلها‬
‫ُ‬ ‫بعضا‪ ،‬وقد تعد َّدت‬
‫بعضها ً‬
‫يقوي ُ‬ ‫اآلثار ِّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫بمسندها‪.‬‬ ‫عضدُ‬‫ُي َّ‬
‫نصاب أم ال؟ عىل قولني‪ :‬أحدمها‪ :‬أنه جيب‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫املوجبون له‪ :‬هل له‬ ‫ُثم اختلف‬
‫قول أيب حنيف َة(‪ ،)3‬والثاين‪ :‬أن له نصا ًبا معينًا‪ ،‬ثم اختُلِ َ‬
‫ف يف‬ ‫ِ‬
‫وكثريه‪ ،‬وهذا ُ‬ ‫يف قليلِه‬
‫ٍ‬
‫أفراق(‪،)5‬‬ ‫قدره‪ ،‬فقال أبو يوسف‪ :‬هو عرشة أرطال(‪ ،)4‬وقال حممد‪ :‬هو مخسة‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬
‫أفراق(‪.)6‬‬ ‫وال َف َر ُق ست ٌة وثالثون ً‬
‫رطال بالعراقي‪ ،‬وقال أمحد‪ :‬نصا ُبه عرش ُة‬

‫‪ -4‬فصل [يف دعائه ﷺ ملن بدى إلمه زكاته وعدم بخذ كرائ بمواهل ]‬

‫بارك فيه ويف‬ ‫ِ‬


‫بالزكاة دعا له‪ ،‬فتار ًة يقول‪« :‬اللهم ِ‬ ‫ُ‬
‫الرجل‬ ‫وكان ﷺ إذا جاءه‬
‫إبِلِه»)‪ ،(7‬وتار ًة ُ‬
‫يقول‪« :‬اللهم صل عليه»)‪.(8‬‬
‫وسط ِ‬
‫املال؛ وهلذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الزكاة‪ ،‬بل‬ ‫ِ‬
‫األموال يف‬ ‫أخذ ِ‬
‫كرائ ِم‬ ‫ومل يكن من ِ‬
‫هديه ﷺ ُ‬
‫هنى معا ًذا عن ذلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬مسائل أمحد بن حنبل وإسحاق ابن راهويه رواية الكوسج (‪.)644‬‬
‫(‪ )2‬األصل للشيباين ‪.128/2‬‬
‫(‪ )3‬السابق‪.‬‬
‫(‪ )4‬اخلراج أليب يوسف (ص‪.)67‬‬
‫(‪ )5‬األصل للشيباين ‪.128/2‬‬
‫(‪ )6‬مسائل أمحد رواية أيب داود (‪.)556‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه النسائي (‪.)2458‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه البخاري (‪ ،)1497‬ومسلم (‪.)1078‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪047‬‬

‫‪ -5‬فصل [يف نهمه ﷺ املتصدِّق بن يشرت َي صدقته]‬

‫بيح للغني أن يأك َُل من‬


‫يشرتي صدقته‪ ،‬وكان ُي ُ‬ ‫َ‬ ‫وكان ﷺ َينهى املتصدِّ ق أن‬
‫الفقري‪ ،‬وأك ََل ﷺ من حل ٍم ت ُُصدِّ َق به عىل َبرير َة وقال‪« :‬هو‬ ‫ِ‬
‫الصدقة إذا أهداها إليه‬
‫ُ‬
‫عليها صدق ٌة‪ ،‬ولنا منها هدي ٌة»)‪.(1‬‬

‫‪ -6‬فصل [يف استدانته ﷺ ملصاحلِ املسلدني من الصدق ِ]‬


‫ِ‬
‫الصدقة‬ ‫الصدقة‪ ،‬وكان َي ِس ُم َ‬
‫إبل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ملصالح املسلمني عىل‬ ‫وكان أحيانًا يستدين‬
‫بيده‪ ،‬وكان ي ِسمها يف ِ‬
‫آذاهنا‪.‬‬ ‫َ ُ‬
‫ف الصدق َة من ِ‬
‫أرباهبا‪.‬‬ ‫أمر استس َل َ‬
‫وكان إذا َعرا ُه ٌ‬

‫‪ -7‬فصل يف هديِه ﷺ يف زكاةِ الفِطرِ‬

‫ٍ‬
‫وكبري‪ٍ ،‬‬
‫ذكر‬ ‫ٍ‬
‫صغري‬ ‫رضها رسول اهلل ﷺ عىل املسل ِم‪ ،‬وعىل من َيمونُه ِمن‬‫َف َ‬
‫شعري‪ ،‬أو من َأ ِق ٍ‬
‫ط‪ ،‬أو َز ٍ‬
‫بيب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫صاعا من ٍ‬
‫متر‪ ،‬أو من‬ ‫ٍ‬
‫وعبد ‪ً ،‬‬ ‫حر‬
‫وأنثى‪ٍّ ،‬‬
‫وروي عنه‪« :‬نصف صا ٍع من ٍّبر»)‪ (2‬واملعروف‪ :‬أن عمر بن اخلطاب جعل‬
‫ُ‬
‫نصف صا ٍع من ٍّبر مكان الصاع من هذه األشياء‪ ،‬ذكره أبو داود)‪ .(3‬ويف‬
‫َ‬
‫آثار مرسل ٌة‬
‫قوم ذلك ‪ ،‬وفيه عن النبي ﷺ ٌ‬
‫)‪(4‬‬
‫«الصحيحني» أن معاوي َة هو الذي َّ‬
‫بعضا‪.‬‬
‫بعضها ً‬
‫يقوي ُ‬
‫ومسند ٌة ِّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5430‬ومسلم (‪.)1504‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪.)1617‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪.)1614‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)1508‬ومسلم (‪.)985‬‬
‫‪ | 048‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -6‬فصل [يف هديه ﷺ يف وقت إخراج زكاة الفطر ]‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وكان من ِ‬
‫العيد‪ ،‬ويف «السنن»‬ ‫صالة‬ ‫الصدقة قبل‬ ‫هديه ﷺ إِ ُ‬
‫خراج هذه‬
‫ِ‬
‫الصالة فهي‬ ‫عنه‪ :‬أنه قال‪َ « :‬من أ َّداها َ‬
‫قبل الصالة فهي زكا ٌة مقبول ٌة‪ ،‬ومن أ َّداها بعدَ‬
‫ِ )‪(1‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل‬ ‫عمر‪ ،‬قال‪َ :‬أ َم َر‬ ‫صدق ٌة من الصدقات» ‪ .‬ويف «الصحيحني» عن ابن َ‬
‫ِ‬
‫الصالة)‪.(2‬‬ ‫ِ‬
‫الناس إىل‬ ‫طر أن ت َُؤ َّدى قبل ُخ ِ‬
‫روج‬ ‫بزكاة ِ‬
‫الف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﷺ‬

‫‪ -9‬فصل [يف هديه ﷺ يف املستحقني لزكاة الفطر ]‬


‫ِ‬ ‫وكان من ِ‬
‫يقسمها عىل‬
‫ُ‬ ‫الصدقة‪ ،‬ومل يكن‬ ‫هديه ﷺ َخت ُ‬
‫صيص املساكني هبذه‬
‫ِ‬
‫األصناف الثامنية‪.‬‬

‫‪ -11‬فصل يف هديِه ﷺ يف صدق ِ التطوعِ‬

‫يستكثر شي ًئا أعطا ُه هلل‬


‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الناس صدق ًة بام ملكت يده‪ ،‬وكان ال‬ ‫أعظم‬
‫َ‬ ‫كان ﷺ‬
‫كثريا‪ ،‬وكان‬ ‫وال يستقله‪ ،‬وكان ال يسأ ُله أحد شي ًئا عنده إال أعطاه‪ً ،‬‬
‫قليال كان أو ً‬
‫أحب يشء إليه‪ ،‬وكان‬
‫َّ‬ ‫الفقر‪ ،‬وكان العطا ُء والصدقة‬
‫َ‬ ‫خياف‬
‫ُ‬ ‫عطاؤه عطا َء من ال‬
‫اآلخ ِذ بام ُ‬
‫يأخ ُذه‪ ،‬وكان أجو َد الناس‬ ‫رسور ِ‬
‫ِ‬ ‫أعظم من‬
‫َ‬ ‫وفرحه بام يعطيه‬
‫ُ‬ ‫رسوره‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫كالريح املرسلة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫باخلري يمينه‬
‫بطعامه‪ ،‬وتار ًة ِ‬
‫بلباسه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫رض له ُحمتاج آثره عىل ِ‬
‫نفسه‪ ،‬تار ًة‬ ‫وكان إذا َع َ‬
‫ٌ َُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)1609‬وابن ماجه (‪.)1827‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)1503‬ومسلم (‪.)986‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪049‬‬

‫ِ‬
‫بالصدقة‪ ،‬وتار ًة‬ ‫ِ‬
‫باهلبة‪ ،‬وتار ًة‬ ‫عطائه وصدقته‪ ،‬فتار ًة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أصناف‬ ‫يتنوع يف‬ ‫وكان‬
‫ُ‬
‫فعل‬ ‫البائع الثم َن والسلع َة مجي ًعا‪ ،‬كام َ‬ ‫برشاء الِشء ثم يعطي‬ ‫ِ‬ ‫باهلدي ِة‪ ،‬وتار ًة‬
‫َ‬
‫وأفضل‪ ،‬ويشرتي الِش َء ف ُيعطي‬ ‫َ‬ ‫يقرت ُض الِش َء فري ُّد أكثر منه‬ ‫بجابر)‪ ،(1‬وتار ًة كان َ ِ‬ ‫ٍ‬
‫بأكثر منها‪.‬‬ ‫ويكافئ عليها َ‬ ‫ُ‬ ‫ويقبل اهلدي َة‬‫ُ‬ ‫أكثر من ثمنِه‪،‬‬ ‫َ‬
‫خرج ما عنده‪ ،‬ويأ ُمر‬ ‫وكانت صدقته وإحسانُه بام يملكُه وبحالِه وبقولِه‪ ،‬ف ُي ِ‬
‫ِ‬
‫والعطاء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫البذل‬ ‫الشحيح دعاه حا ُله إىل‬ ‫ُ‬
‫البخيل‬ ‫وحيض عليها‪ ،‬فإذا رآه‬ ‫ِ‬
‫بالصدقة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫السامحة والندى‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫نفسه عن‬ ‫ِ‬
‫وصح َب ُه ورأى هد َيه ال يملك َ‬ ‫وكان َمن خالط ُه َ‬
‫واملعروف؛ ولذلك كان ﷺ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والصدقة‬ ‫ِ‬
‫اإلحسان‬ ‫وكان هد ُيه ﷺ يدعو إىل‬
‫وفعل املعروف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للصدقة‬ ‫وأنعمهم قل ًبا‪ ،‬فإن‬ ‫نفسا‪،‬‬ ‫أرشح اخل ِ‬
‫َ‬ ‫صدرا‪ ،‬وأطي َبهم ً‬ ‫ً‬ ‫لق‬ ‫َ‬
‫صدره‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رشح‬ ‫خصه اهلل به ِمن‬ ‫رشح الصدر‪ ،‬وانضاف ذلك إىل ما َّ‬ ‫ِ‬ ‫تأثريا عجي ًبا يف‬ ‫ً‬
‫حظ‬‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫وإخراج‬ ‫حسا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورشح صدره ًّ‬ ‫وخصائصها وتوابعها‪،‬‬ ‫بالنبوة والرسالة‬
‫الشيطان منه‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)2718‬ومسلم (‪.)715‬‬


‫‪ | 051‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫[خامسا‪ :‬كتا الصمام]‬


‫‪ -1‬فصل يف هديِه ﷺ يف الصمامِ‬

‫الشهوات‪ ،‬وفطا َمها عن‬ ‫ِ‬ ‫النفس عن‬ ‫ِ‬ ‫حبس‬ ‫ملا كان املقصو ُد من الصيا ِم‬
‫َ‬
‫سعادهتا ونعيمها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫لطلب ما فيه غاي ُة‬ ‫ِ‬ ‫قوهتا الشهوانية؛ لتستعدَّ‬ ‫وتعديل ِ‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫املألوفات‪،‬‬
‫ِ‬
‫حدهتا‬ ‫اجلوع والظم ُأ من‬‫ُ‬ ‫ويكرس‬ ‫حياهتا األبدية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وقبول ما تزكو به مما فيه‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ييق جماري الشيطان‬ ‫اجلائعة من املساكني‪ ،‬وت َْض ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األكباد‬ ‫ِ‬
‫بحال‬ ‫ويذكرها‬ ‫وسورهتا‪،‬‬
‫ُ‬
‫وحتبس قوى األعضاء عن اسرتساهلا‬ ‫بتضييق جماري الطعا ِم والرشاب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العبد‬ ‫من‬
‫ُ‬
‫وكل ٍ‬
‫قوة‬ ‫ٍ‬
‫عضو منها ُّ‬ ‫ومعادها‪ ،‬ويسك ُن ُّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫معاشها‬ ‫يْضها يف‬ ‫ِ‬
‫حلكم الطبيعة فيام ُّ‬
‫وجنَّ ُة املحاربني‪ ،‬ورياض ُة األبرار‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ويلتجم بلجامه‪ ،‬فهو جلا ُم املتقني‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫مجاحه‬ ‫عن‬
‫الصائم ال يفعل شي ًئا وإنام‬‫َ‬ ‫سائر األعامل‪ ،‬فإن‬ ‫لرب العاملني ِمن بني ِ‬ ‫واملقربني‪ ،‬وهو ِّ‬
‫ترك حمبوبات النفس‬ ‫معبوده‪ ،‬فهو ُ‬ ‫ِ‬ ‫يرتك شهوتَه وطعا َمه ورشا َبه من أجل‬
‫العبد وبني اهلل ال يطلع عليه‬ ‫ِ‬ ‫بني‬
‫رس َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫إيثارا ملحبة اهلل ومرضاته‪ ،‬فهو ٌّ‬ ‫[وتلذذاهتا] ً‬
‫ترك طعا َمه‬ ‫ِ‬
‫الظاهرة‪ ،‬وأ َّما كونُه َ‬ ‫ترك املفطرات‬ ‫سواه‪ ،‬والعباد قد يطلعون منه عىل ِ‬
‫ُ‬
‫برش‪ ،‬وذلك حقيق ُة الصو ِم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فأمر ال يطلع عليه ٌ‬ ‫ورشا َبه وشهوتَه من أجل معبوده ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الباطنة‪ ،‬ومحيتها‬ ‫الظاهرة والقوى‬ ‫اجلوار ِح‬ ‫حفظ‬ ‫عجيب يف‬‫ٌ‬ ‫وللصيا ِم ٌ‬
‫تأثري‬
‫ِ‬
‫املانعة هلا من‬ ‫ِ‬
‫الفاسدة‪ ،‬ويف استفرا ِغ املواد الرديئة‬ ‫ِ‬
‫التخليط اجلالب هلا املوا َّد‬ ‫عن‬
‫أكرب العون عىل التقوى‪ ،‬كام قال تعاىل‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬ ‫صحتِها‪ ،‬فهو من ِ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ﴾ [البقرة‪.]183:‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪050‬‬

‫ِ‬
‫النكاح وال‬ ‫النبي ﷺ‪« :‬الصو ُم ُجنَّ ٌة» ‪َ ،‬‬
‫وأمر من اشتدَّ ت به شهو ُة‬ ‫وقال ُّ‬
‫)‪(1‬‬

‫ِ‬ ‫وج َع َل ُه ِوجا َء هذه‬


‫الشهوة‪.‬‬ ‫ُقدر َة له عليه بالصيا ِم‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫للمقصود‪،‬‬ ‫وأعظم َحت ٍ‬
‫صيل‬ ‫َ‬
‫أكمل اهلدي‪،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ فيه‬ ‫ِ‬ ‫دي‬
‫َ‬ ‫وكان َه ُ‬
‫ِ‬
‫النفوس‪.‬‬ ‫وأسه َله عىل‬
‫ِ‬ ‫وش ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فرضه‬ ‫تأخ َر ُ‬ ‫األمور‪َّ ،‬‬ ‫أشق‬
‫هواهتا من ِّ‬ ‫ألوفاهتا َ‬ ‫النفوس عن َم‬ ‫طم‬‫وملا كان َف ُ‬
‫والصالة‪ ،‬وأل َف ْت‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التوحيد‬ ‫النفس عىل‬ ‫ِ‬
‫اهلجرة ملا تو َّطنت‬ ‫وسط اإلسال ِم بعد‬ ‫ِ‬ ‫إىل‬
‫ُ‬
‫القرآن‪ ،‬فنُقلت إليه بالتدريج‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أوامر‬
‫َ‬
‫تسع‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اهلجرة‪ ،‬فت ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهللﷺ وقد صام َ‬ ‫ُويف‬ ‫الثانية من‬ ‫السنة‬ ‫فرضه يف‬ ‫وكان ُ‬
‫كل يو ٍم‬‫يطعم عن ِّ‬ ‫وبني أن‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫التخيري بينَه‬ ‫وال عىل وجه‬ ‫رض أ ً‬ ‫ٍ‬
‫رمضانات‪ ،‬و ُف َ‬
‫َ‬
‫للشيخ الكبري‬‫ِ‬ ‫وج َعل اإلطعا َم‬ ‫التخيري إىل حت ُّت ِم الصو ِم‪َ ،‬‬‫ِ‬ ‫مسكينًا‪ ،‬ثم نُقل من ذلك‬
‫واملرأة إذا مل يطيقا الصيا َم‪.‬‬ ‫ِ‬

‫ِ‬
‫واملرض ِع إذا‬ ‫ِ‬
‫وللحامل‬ ‫ورخص للمريض واملسافِر أن ُيفطرا و َيقضيا‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫مسكني‬ ‫القضاء إطعا َم‬ ‫ِ‬ ‫خافتا عىل أن ُف ِسهام كذلك‪ ،‬وإن خافتا عىل َو َلدَ هيام زادتا مع‬
‫فج ِرب بإطعام‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مرض‪ ،‬وإنام كان مع الصحة ُ‬ ‫خلوف‬ ‫طرمها مل يكن‬ ‫لكل يو ٍم‪ ،‬فإن ف َ‬
‫أول اإلسال ِم‪.‬‬ ‫الصحيح يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫كف ِ‬
‫طر‬ ‫املسكني ِ‬

‫ِ‬
‫بوصف التخيري‪ .‬والثانية‪ :‬حتتُّمه‪،‬‬ ‫ثالث‪ ،‬إحداها‪ :‬إجيابه‬‫ٌ‬ ‫رتب‬
‫وكان للصوم ٌ‬
‫ِ‬
‫القابلة‪،‬‬ ‫والرشاب إىل الليلة‬ ‫حر َم عليه الطعا ُم‬ ‫الصائم إذا نام َ‬
‫ُ‬ ‫يطعم ُ‬
‫َ‬ ‫قبل أن‬ ‫ُ‬ ‫لكن كان‬
‫ِ‬
‫القيامة‪.‬‬ ‫الرشع إىل يوم‬ ‫استقر عليها‬ ‫فنسخ ذلك بالرتبة الثالثة‪ :‬وهي التي‬
‫ُ‬ ‫َّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)1894‬ومسلم (‪.)1151‬‬


‫‪ | 052‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -2‬فصل [يف عبادته ﷺ يف شهر رمضان]‬

‫اإلكثار من أنواع العبادات‪ ،‬فكان‬


‫ُ‬ ‫َ‬
‫رمضان‬ ‫ِ‬
‫شهر‬ ‫هديه ﷺ يف‬‫وكان من ِ‬
‫ِ‬
‫باخلري‬ ‫ُ‬
‫جربيل أجو َد‬ ‫دارسه القرآن يف رمضان‪ ،‬وكان إذا لقيه‬ ‫ُ‬
‫جربيل عليه السالم ُي ُ‬
‫املرسلة‪ ،‬وكان أجو َد الناس‪ ،‬وأجو ُد ما يكون يف رمضان‪ُ ،‬يكثِر فيه من‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الريح‬ ‫من‬
‫ِ‬
‫االعتكاف‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والذكر و‬ ‫ِ‬
‫والصالة‬ ‫ِ‬
‫واإلحسان وتالوة القرآن‬ ‫ِ‬
‫الصدقة‬
‫ِ‬
‫الشهور‪ ،‬حتى إنه‬ ‫غريه من‬ ‫ِ‬
‫خيص به َ‬ ‫خيص رمضان من العبادة بام ال ُّ‬ ‫وكان ُّ‬
‫وهناره عىل العبادة‪ ،‬وكان ينهى‬ ‫ِ‬ ‫ليوفر ساعات ليلِه‬ ‫ِ‬
‫ليواص ُل فيه أحيانًا‬ ‫كان‬
‫َ‬
‫كهيئَتِكم إين‬
‫لست َ‬‫ُواصل‪ ،‬فيقول‪ُ « :‬‬ ‫صال‪ ،‬فيقولون له‪ :‬إنك ت ِ‬ ‫الو ِ‬
‫أصحا َبه عن ِ‬
‫طعمني وي ِ‬
‫سقيني»)‪.(1‬‬ ‫أظل‪ -‬عند ريب ي ِ‬ ‫أبيت ‪-‬ويف رواية‪ :‬إين ُّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫املذكور عىل قولني‪:‬‬ ‫ِ‬
‫والرشاب‬ ‫الناس يف هذا الطعا ِم‬
‫َلف ُ‬‫وقد اخت َ‬
‫ِ‬
‫اللفظ‪ ،‬وال‬ ‫حيس للفم‪ ،‬قالوا‪ :‬وهذه حقيق ُة‬ ‫ورشاب‬ ‫أحدمها‪ :‬أنه طعا ٌم‬
‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫للعدول عنها‪.‬‬ ‫موجب‬
‫َ‬
‫يفيض عىل قلبِه من ِ‬
‫لذة‬ ‫الثاين‪ :‬أن املرا َد به ما يغذيه اهلل به من معارفِه‪ ،‬وما ُ‬
‫ِ‬
‫األحوال‬ ‫ِ‬
‫والشوق إليه‪ ،‬وتوابع ذلك من‬ ‫ِ‬
‫ونعيمه بح ِّبه‪،‬‬ ‫وقرة عينِه بقربِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫مناجاتِه‪،‬‬
‫ونعيم األرواح‪ ،‬وقر ُة العني‪ ،‬وهبج ُة النفوس وللروحِ‬ ‫ُ‬ ‫التي هي غذا ُء القلوب‪،‬‬
‫ِ‬
‫وأنفعه‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫غذاء وأج ِّله‬ ‫أعظم‬ ‫والقلب هبا‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫بغذاء القلب والروح عن‬ ‫يعلم استغنا َء اجلس ِم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ومن له أدنى ِتربة وشوق ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫قرت‬‫الظافر بمطلوبِه الذي قد َّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الفرحان‬ ‫املرسور‬
‫ُ‬ ‫الغذاء احليواين‪ ،‬وال سيام‬ ‫كثري من‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)1964‬ومسلم (‪.)1105‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪053‬‬

‫عينُه بمحبوبِه‪ ،‬وتن َّع َم بقربِه‪ ،‬والرىض عنه‪ .‬ولو كان ذلك طعا ًما ورشا ًبا للفم ملا‬
‫فضال عن أن يكون موا ً‬
‫صال‪.‬‬ ‫صائام ً‬
‫كان ً‬
‫الس َح ِر‪ ،‬ففي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ عن الوصال رمح ًة باألمة‪ ،‬وأذ َن فيه إىل َّ‬ ‫وقد هنى‬
‫النبي ﷺ يقول‪« :‬ال‬ ‫سمع‬ ‫ٍ‬
‫سعيد اخلدري‪ ،‬أنه‬ ‫«صحيح البخاري» عن أيب‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫السحر»)‪.(1‬‬ ‫ْ‬
‫فليواصل إىل‬ ‫َ‬
‫يواصل‬ ‫تُواصلوا‪ ،‬فأ ُّيكم أرا َد أن‬

‫‪ -3‬فصل [يف هديه ﷺ يف ثبوت رمضان وخروجه ]‬


‫ٍ‬
‫حمققة‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬
‫برؤية‬ ‫يدخل يف صو ِم رمضان إال‬‫ُ‬ ‫وكان من هديه ﷺ أنه ال‬
‫أكمل ِعد َة شعبان ثالثني يو ًما‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫واحد‪ ،‬فإن مل تكن رؤي ٌة وال شهاد ٌة َ‬ ‫ٍ‬
‫شاهد‬ ‫ِ‬
‫بشهادة‬
‫سحاب َ‬
‫أكمل عدة شعبان‬ ‫ٌ‬ ‫غيم أو‬‫منظره ٌ‬‫ِ‬ ‫وكان إذا َ‬
‫حال ليل َة الثالثني دون‬
‫َ‬
‫تكمل عد َة‬ ‫ثالثني يو ًما ثم صا َمه‪ ،‬ومل يكن يصو ُم يو َم اإلغام ِم وال َأ َم َر به‪ ،‬بل أ َم َر بأن‬
‫وأمره‪ ،‬وال ُيناقض هذا قو َله‪:‬‬ ‫يفعل كذلك‪ ،‬فهذا فع ُله ُ‬
‫شعبان ثالثني إذا ُغ َّم‪ ،‬وكان ُ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫اإلكامل‪،‬‬ ‫احلساب املقدَّ ُر‪ ،‬واملرا ُد به‬
‫ُ‬ ‫القدر هو‬
‫َ‬ ‫«فإن غُ َّم عليكم فاقدُ روا له»)‪(2‬؛ فإن‬
‫فأكملوا عد َة شعبان»)‪.(3‬‬ ‫الصحيح الذي رواه البخاري‪ِ « :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلديث‬ ‫كام قال يف‬
‫ِ‬
‫الرجل الواحد املسلم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بشهادة‬ ‫ِ‬
‫الناس بالصو ِم‬ ‫أمر‬ ‫وكان من ِ‬
‫هديه ﷺ‪ُ ،‬‬
‫ِ‬
‫بشهادة اثنني‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وخروجهم منه‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري (‪.)1963‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)1900‬ومسلم (‪.)1080‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري (‪.)1909‬‬
‫‪ | 054‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫العيد أن‬ ‫ِ‬
‫خروج وقت‬ ‫ِ‬
‫اهلالل بعد‬ ‫وكان من هديه إذا شهدَ الشاهدان برؤية‬
‫الغد يف وقتِها‪.‬‬
‫بالفطر‪ ،‬ويصيل العيدَ من ِ‬
‫ِ ُ‬ ‫فطر ويأمرهم‬
‫ُي َ‬

‫‪[ -4‬فصل يف هديه ﷺ يف تعجمل الفطر ]‬

‫ويؤخره‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫السحور‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫وحيث عىل‬ ‫ويتسحر‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫وحيث عليه‪،‬‬ ‫الفطر‬
‫َ‬ ‫وكان ُي ُ‬
‫عجل‬
‫ِ‬
‫تأخريه‪.‬‬ ‫و ُي َر ِّغ ُ‬
‫ب يف‬

‫كامل‬ ‫التمر‪ ،‬فإن مل جيد فعىل ِ‬


‫املاء‪ ،‬وهذا من ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفطر عىل‬ ‫حيض عىل‬
‫وكان ُّ‬
‫ِ‬
‫ونصحهم‪.‬‬ ‫شفقتِه عىل أمتِه‬

‫فطر قبل أن ُيصيل‪.‬‬


‫وكان ﷺ ُي ُ‬
‫وثبت‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫العروق‪،‬‬ ‫ُ‬
‫الظمأ‪ ،‬وابتلت‬ ‫ذهب‬
‫أفطر‪َ « :‬‬
‫وروي عنه أنه كان يقول إذا َ‬ ‫ُ‬
‫عمر)‪.(1‬‬ ‫األجر إن شاء اهلل»‪ ،‬ذكره أبو داو َد عن ِ‬
‫ابن َ‬ ‫ُ‬
‫و ُيذكر عنه‪« :‬إن للصائ ِم عندَ ِ‬
‫فطره دعو ًة ما تر ُّد»‪ ،‬رواه ابن ماجه)‪.(2‬‬
‫النهار من ها هنا‪ ،‬فقد‬
‫ُ‬ ‫وأدبر‬
‫َ‬ ‫أقبل ُ‬
‫الليل من ها هنا‪،‬‬ ‫وصح عنه أنه قال‪« :‬إذا َ‬
‫الصائم»)‪.(3‬‬
‫ُ‬ ‫أف َط َر‬
‫ِ‬
‫السباب‪ ،‬وأمره أن‬ ‫ِ‬
‫والسباب وجواب‬ ‫ِ‬
‫والصخب‬ ‫ِ‬
‫الرفث‬ ‫الصائم عن‬ ‫وهنى‬
‫َ‬
‫صائم»)‪.(4‬‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫يقول ملن سابه‪« :‬إين‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪.)2357‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه ابن ماجه (‪.)1753‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)1954‬ومسلم (‪.)1100‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)1894‬ومسلم (‪.)1150‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪055‬‬

‫‪ -5‬فصل [يف هديه ﷺ يف السفر يف رمضان]‬

‫وخري أصحا َبه بني‬


‫َّ َ‬ ‫وأفطر‪،‬‬
‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ يف رمضان‪ ،‬فصا َم‬ ‫ُ‬ ‫وسافر‬
‫َ‬
‫عدوهم لي َت َق َّووا عىل قتالِه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بالفطر إذا دنوا من ِّ‬ ‫األمرين‪ ،‬وكان يأ ُم ُرهم‬

‫بدر‬ ‫ِ‬
‫غزاة ٍ‬ ‫وسافر رسول اهلل ﷺ يف رمضان يف أعظ ِم الغزوات وأج ِّلها‪ :‬يف‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫رمضان‬ ‫رسول اهلل ﷺ يف‬‫ِ‬ ‫غزونا مع‬ ‫عمر ب ُن اخلطاب‪َ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفتح‪ ،‬قال ُ‬ ‫غزاة‬ ‫ويف‬
‫بدر والفتح‪ ،‬فأفطرنا فيهام‪.‬‬‫َني‪ :‬يوم ٍ‬‫غزوت ِ‬

‫الصائم بحدٍّ ‪ ،‬وكان‬


‫ُ‬ ‫املسافة التي ُيفطِ ُر فيها‬
‫ِ‬ ‫تقدير‬
‫ُ‬ ‫ومل يكن من ِ‬
‫هديه ﷺ‬
‫وخيربون أن‬ ‫ِ‬
‫البيوت‪ُ ،‬‬ ‫اعتبار ُجم ِ‬
‫اوزة‬ ‫ِ‬ ‫السفر ُيفطرون من ِ‬
‫غري‬ ‫الصحاب ُة حني ُينشئون‬
‫َ‬
‫ذلك سن ُته وهد ُيه ﷺ‪.‬‬

‫‪ -6‬فصل [يف هديه ﷺ يف االغتسال من اوجنانب وتقبمل الزوج يف نهار‬


‫رمضان]‬
‫ِ‬
‫فيغتس ُل بعد‬ ‫جنب من أهلِه‪،‬‬ ‫الفجر وهو‬ ‫وكان من ِ‬
‫هديه ﷺ أن يدر َك ُه‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الفجر ويصو ُم‪.‬‬

‫وش َّبه ُقبل َة الصائ ِم‬


‫صائم يف رمضان‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫أزواجه وهو‬ ‫وكان ُي َق ِّبل َ‬
‫بعض‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫باملضمضة باملاء‪.‬‬
‫ِ‬
‫والشيخ‪.‬‬ ‫الشاب‬
‫ِّ‬ ‫التفريق بني‬
‫ُ‬ ‫يصح عنه ﷺ‬
‫وال ُّ‬
‫‪ | 056‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -7‬فصل [يف هديه ﷺ فمدن بكل بو شر ناسما]‬

‫رشب ناس ًيا‪ ،‬وأن اهلل هو‬ ‫أكل أو‬ ‫ِ‬


‫القضاء عمن َ‬ ‫ُ‬
‫إسقاط‬ ‫وكان ِمن ِ‬
‫هديه ﷺ‬
‫َ‬
‫أطعمه وسقاه)‪.(1‬‬
‫َ‬ ‫الذي‬

‫‪ -6‬فصل [يف هديه ﷺ يف املفطرات]‬

‫الصائم‪ :‬األكل والرشب واحلجامة‬


‫ُ‬ ‫فطر به‬
‫صح عنه ﷺ أن الذي ُي ُ‬
‫والذي َّ‬
‫ِ‬
‫الكحل يش ٌء‪.‬‬ ‫يصح عنه يف‬
‫مفطر‪ ،‬وال ُّ‬
‫ٌ‬ ‫اجلامع‬
‫َ‬ ‫والقرآن ٌّ‬
‫دال عىل أن‬ ‫ُ‬ ‫والقيء‪،‬‬

‫صائم‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫يستاك وهو‬ ‫وصح عنه أنه كان‬

‫صائم)‪.(2‬‬ ‫وذكر اإلمام أمحد عنه أنه كان يصب املاء عىل ِ‬
‫رأسه وهو‬
‫ٌ‬ ‫ُّ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫املبالغة يف‬ ‫الصائم من‬ ‫ئم‪ ،‬ومنع‬
‫َ‬ ‫ويستنشق وهو صا ٌ‬
‫ُ‬ ‫يتمضمض‬
‫ُ‬ ‫وكان‬
‫ِ‬
‫االستنشاق‪.‬‬
‫صائم‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫يصح عنه أنه احت ََج َم وهو‬
‫وال ُّ‬

‫‪ -9‬فصل يف هديِه ﷺ يف صمامِ التطوعِ‬

‫فطر حتى َ‬
‫يقال‪ :‬ال َيصو ُم‪ .‬وما‬ ‫فطر‪ .‬و ُي ُ‬ ‫كان ﷺ يصو ُم حتى ُي َ‬
‫قال‪ :‬ال ُي ُ‬
‫ٍ‬
‫شهر أكثر مما يصو ُم يف‬ ‫شهر غري رمضان‪ ،‬وما كان يصو ُم يف‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫استكمل صيا َم‬
‫شعبان‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)1933‬ومسلم (‪.)1155‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أمحد ‪ ،)16602( 147/27‬وأخرجه أيضا أبو داود (‪.)2365‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪057‬‬

‫شهر حتى يصو َم منه‪.‬‬


‫ومل يكن َخي ُر ُج عنه ٌ‬
‫وكان يتحرى صيا َم يوم االثنني واخلميس‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حْض‬ ‫يض يف‬ ‫رسول اهلل ﷺ ال ي ِ‬
‫فطر أيا َم البِ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫عباس ‪ :‬كان‬ ‫وقال ابن‬
‫ُ‬
‫وال ٍ‬
‫سفر‪.‬‬

‫ف عنه فيه ﷺ‪.‬‬ ‫ِ‬


‫احلجة فقد اختُلِ َ‬ ‫وأما صيا ُم ِ‬
‫عرش ذي‬

‫صيامها مع رمضان‬
‫فصح عنه أنه قال‪ُ « :‬‬
‫َّ‬ ‫وأما صيا ُم ستة أيا ٍم من شوال‬
‫ِ‬
‫الدهر»)‪.(1‬‬ ‫ُ‬
‫يعدل صيا َم‬
‫يتحرى صو َم ُه عىل ِ‬
‫سائر األيا ِم‪ ،‬وملا قد َم‬ ‫وأما صو ُم يوم عاشوراء فإنه كان َّ‬
‫أحق بموسى منكُم» فصا َمه‬ ‫املدين َة وجدَ اليهو َد تصو ُمه وتع ِّظ ُمه فقال‪« :‬نحن ُّ‬
‫شاء‬ ‫ِ‬
‫فرض رمضان‪ ،‬فلام ُف َ‬ ‫ِ‬
‫رض رمضان قال‪« :‬من َ‬ ‫بصيامه‪ ،‬وذلك قبل‬ ‫وأمر‬
‫َ‬
‫شاء تر َك ُه»)‪.(2‬‬
‫صام ُه‪ ،‬ومن َ‬
‫رسول اهلل ﷺ حني صا َم‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫عباس أن‬ ‫مسلم يف «صحيحه» عن ِ‬
‫ابن‬ ‫ٌ‬ ‫وقد روى‬
‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬إنه يو ٌم تع ِّظ ُمه اليهو ُد‬ ‫ِ‬
‫بصيامه قالوا‪ :‬يا‬ ‫أمر‬
‫يوم عاشوراء أو َ‬
‫ُ‬
‫املقبل إن شاء اهلل ُصمنا اليو َم‬ ‫والنصارى‪ .‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إذا كان العا ُم‬
‫التاسع» فلم ِ‬
‫يأت العا ُم ُ‬
‫املقبل حتى تُو ِّ َيف رسول اهلل ﷺ)‪.(3‬‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)1164‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)2002‬ومسلم (‪.)1125‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)1134‬‬
‫‪ | 058‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -11‬فصل [يف هديه ﷺ يف صمام يوم عرف ]‬

‫إفطار يوم عرف َة بعرف َة‪َ ،‬ث َ‬


‫بت عنه ذلك يف «الصحيحني»)‪.(1‬‬ ‫ُ‬ ‫وكان من ِ‬
‫هديه ﷺ‬
‫وصح عنه أن صيا َمه ُيك ِّفر السن َة املاضي َة والباقي َة‪ ،‬ذكره مسلم)‪.(2‬‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫الدعاء‪ ،‬ومنها‪ :‬أن‬ ‫لفطره بعرف َة عد ُة ِحك ٍم‪ ،‬منها‪ :‬أنه أقوى عىل‬ ‫ِ‬ ‫وقد ُذكِ َر‬
‫فرض الصو ِم‪ ،‬فكيف بنفلِه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫أفضل يف‬ ‫الفطر يف السفر‬
‫َ‬
‫يسلك مسلكًا آخر‪ ،‬وهو أنه يوم ٍ‬
‫عيد ألهل عرف َة‬ ‫ُ‬ ‫وكان شيخنا ‪‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫بمن بعرف َة دون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الجتامعهم فيه‪ ،‬كاجتام ِع‬
‫ص َ‬ ‫االجتامع ُخي ُّ‬
‫ُ‬ ‫الناس يو َم العيد‪ ،‬وهذا‬
‫النبي ﷺ إىل هذا يف احلديث الذي رواه أهل السنن‬ ‫أشار ُّ‬
‫أهل اآلفاق‪ ،‬قال‪ :‬وقد َ‬ ‫ِ‬
‫أهل اإلسال ِم»)‪ .(3‬ومعلوم أن‬ ‫عنه‪« :‬يو ُم عرف َة‪ ،‬ويو ُم النحر‪ ،‬وأيا ُم ِمنى‪ ،‬عيدُ نا َ‬
‫ِ‬
‫الجتامعهم‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬ ‫كونه عيدً ا هو ألهل ذلك اجلم ِع‬

‫‪ -11‬فصل [يف هديه ﷺ يف صمام السبت واألحد]‬


‫كثريا‪ ،‬يقصدُ بذلك خمالف َة‬
‫السبت واألحدَ ً‬
‫َ‬ ‫روي عنه ﷺ أنه كان يصو ُم‬
‫وقد َ‬
‫اليهود والنصارى‪ ،‬كام يف «املسند» و«سنن النسائي» عن كريب موىل ابن عباس‪،‬‬‫ِ‬
‫أي‬ ‫ِ‬
‫أصحاب النبي ﷺ إىل أم سلم َة أسأهلا‪ُّ :‬‬ ‫وناس من‬
‫ٌ‬ ‫قال‪« :‬أرسلني اب ُن عباس‬
‫األيا ِم كان النبي ﷺ َ‬
‫أكثرها صيا ًما؟ قالت‪ :‬يو ُم السبت واألحد‪ ،‬ويقول‪ :‬إهنام عيدٌ‬
‫أحب أن أخال َفهم )‪.(4‬‬
‫للمَشكني‪ ،‬فأنا ُّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)1988‬ومسلم (‪.)1123‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)1162‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2419‬والرتمذي (‪ ،)773‬والنسائي (‪.)3004‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أمحد ‪ ،)26750( 330/44‬والنسائي يف الكربى ‪.)2788( 214/3‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪059‬‬

‫برس السلمي‪ ،‬عن أخته‬ ‫وقد روى اإلمام أمحد وأبو داود عن ِ‬
‫عبد اهلل بن ٍ‬
‫ِ‬
‫السبت إال فيام ُ ِ‬
‫افرت َض عليكم‪ ،‬وإن مل‬ ‫النبي ﷺ قال‪« :‬ال تَصوموا يو َم‬ ‫ِ‬
‫الصامء‪ ،‬أن َّ‬
‫ٍ‬
‫شجرة فليمضغه»)‪.(1‬‬ ‫ََيد أحدُ كُم إال حلاء ٍ‬
‫عنبة أو عو َد‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫حديث‬ ‫كذب ‪ ،‬يريدُ‬
‫(‪)2‬‬
‫الناس يف هذين احلديثني‪ ،‬فقال ٌ‬
‫مالك‪ :‬هذا ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َلف‬
‫فاخت َ‬
‫ُ‬
‫احلديث‬ ‫ٌ‬
‫حديث حس ٌن(‪ ،)3‬وقال أبو داود‪ :‬هذا‬ ‫عبد اهلل بن برس‪ ،‬قال الرتمذي‪ :‬هو‬
‫مضطرب(‪ ،)5‬وقال مجاع ٌة من أهل العل ِم‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫حديث‬ ‫ٌ‬
‫منسوخ(‪ ،)4‬وقال النسائي‪ :‬هو‬
‫ِ‬
‫إفراده‪.‬‬ ‫هني عن‬ ‫ِ‬
‫فإن النهي عن صومه إنام هو ٌ‬

‫‪ -12‬فصل [يف حر صمام الدهر]‬

‫هديه ﷺ رس ُد الصو ِم وصيا ُم الدهر‪ ،‬بل قد قال‪« :‬من صا َم‬ ‫ومل يكن من ِ‬
‫ُ‬
‫أفضل من‬ ‫وفطر يو ٍم‬
‫َ‬ ‫الدهر ال صا َم وال أف َط َر»)‪ ،(6‬فهد ُيه ال شك فيه أن صيا َم يو ٍم‬
‫َ‬
‫وأحب إىل اهلل)‪.)7‬‬
‫ُّ‬ ‫صو ِم الدهر‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد ‪ ،)27075( 7/45‬وأبو داود (‪.)2421‬‬


‫(‪ )2‬سنن أيب داود ‪ 321/2‬بعد حديث (‪.)2424‬‬
‫(‪ )3‬سنن الرتمذي (‪.)744‬‬
‫(‪ )4‬سنن أيب داود (‪.)2421‬‬
‫(‪ )5‬قال النسائي يف السنن الكربى ‪ 212/3‬عقب حديث (‪ :)2781‬وإنام أخرجته لعلة االختالف‪.‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه النسائي (‪ ،)2381‬وابن ماجه (‪.)1705‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه البخاري (‪ ،)3420‬ومسلم (‪.)1716‬‬
‫‪ | 061‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -13‬فصل [يف هديه ﷺ يف إنشاء نم صوم التطوع وقطعها وإمتامها]‬

‫يشء؟» فإن قالوا‪ :‬ال‪ .‬قال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬


‫يدخل عىل أهله فيقول‪« :‬هل عندَ كُم ٌ‬ ‫وكان ﷺ‬
‫ِ‬
‫النهار‪ ،‬وكان أحيانًا ينوي صو َم‬ ‫نشئ النية للتطو ِع من‬
‫صائم» ف ُي ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫ٌ‬ ‫«إين إذن‬
‫التطو ِع ثم ُيفطر بعدُ ‪.‬‬
‫أتم صيامه ومل يفطر‪ ،‬كام َ‬
‫دخل عىل‬ ‫صائام ونزل عىل قوم َّ‬
‫ً‬ ‫وكان ﷺ إذا كان‬
‫ِ‬
‫وعائه‪،‬‬ ‫وُتركُم يف‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أم سلي ٍم‪ ،‬فأتته ٍ‬
‫وسمن‪ ،‬فقال‪« :‬أعيدوا سمنَكُم يف سقائه‪َ ،‬‬ ‫بتمر‬
‫صائم»)‪ ،(2‬وقد ثبت عنه يف «الصحيح»‪« :‬إذا ُد ِع َي أحدُ كُم إىل طعا ٍم وهو‬
‫ٌ‬ ‫فإين‬
‫صائم»)‪.(3‬‬
‫ٌ‬ ‫صائم فليقل‪ :‬إين‬
‫ٌ‬

‫‪ -14‬فصل [يف كراه ختصمص يوم اوجدع نبالصوم]‬

‫ً‬
‫وقوال‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اجلمعة بالصو ِم ً‬
‫فعال منه‬ ‫ِ‬
‫ختصيص يوم‬ ‫وكان من ِ‬
‫هديه ﷺ كراه ُة‬
‫صومه بأنه يوم ٍ‬
‫ِ‬
‫عيد‪ ،‬فروى اإلمام أمحد من حديث أيب هريرةَ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وع َّلل َ‬
‫املنع من‬
‫قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬يو ُم اجلمعة يو ُم عيد‪ ،‬فال ُتعلوا يو َم عيدكم يو َم‬
‫صيامكم‪ ،‬إال أن تصوموا قب َله أو ب َعده»)‪.(4‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)1154‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)1982‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)1150‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أمحد ‪ ،)8025( 395/13‬وأصله يف البخاري (‪ ،)1985‬ومسلم (‪.)1144‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪060‬‬

‫[سادسا‪ :‬كتا االعتراف]‬


‫فصل يف هديِه ﷺ يف االعترافِ‬

‫سريه إىل اهلل متوق ًفا عىل مجع َّيتِه‬


‫طريق ِ‬ ‫ِ‬ ‫القلب استقامتَه عىل‬ ‫ِ‬ ‫صالح‬
‫ُ‬ ‫ملا كان‬
‫فضول الطعا ِم والرشاب‬ ‫ُ‬ ‫ـم شعثِه بإقباله بالكلية عىل اهلل تعاىل‪ ،‬وكان‬ ‫عىل اهلل و َل ِّ‬
‫اقتض ْت رمح ُة‬ ‫ُ‬
‫وفضول املنا ِم مما يزيده شع ًثا؛ َ‬ ‫ُ‬
‫وفضول الكال ِم‬ ‫ِ‬
‫خمالطة األنام‬ ‫ُ‬
‫وفضول‬
‫ِ‬
‫والرشاب‪،‬‬ ‫فضول الطعام‬ ‫َ‬ ‫العزيز الرحيم بعباده أن َرش َع هلم من الصو ِم ما ُي ُ‬
‫ذيب‬ ‫ِ‬
‫ورش َع هلم‬ ‫سريه إىل اهلل‪َ ،‬‬ ‫املعوقة له عن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشهوات‬ ‫َ‬
‫أخالط‬ ‫ويستفر ُغ من القلب‬
‫عكوف القلب عىل اهلل‪ ،‬ومجع َّيته عليه‪ ،‬واخللو ُة‬ ‫ُ‬ ‫وروحه‬
‫ُ‬ ‫االعتكاف الذي مقصو ُده‬ ‫َ‬
‫أنسه‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الشتغال به وحدَ ه سبحانه‪ ،‬فيصري ُ‬ ‫االشتغال باخللق‪ ،‬وا‬ ‫واالنقطاع عن‬
‫ُ‬ ‫به‪،‬‬
‫القبور حني ال‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الوحشة يف‬ ‫ألنسه به يو َم‬ ‫نسه باخللق‪ ،‬فيعدُّ ه بذلك ِ‬ ‫بدال عن ُأ ِ‬ ‫باهلل ً‬
‫ِ‬
‫االعتكاف األعظ ِم‪.‬‬ ‫يفرح به سواه‪ ،‬فهذا مقصو ُد‬ ‫أنيس له وال ما ُ‬ ‫َ‬
‫أفضل أيام‬‫ِ‬ ‫االعتكاف يف‬
‫ُ‬ ‫رش َع‬ ‫يتم مع الصو ِم ُ ِ‬
‫وملا كان هذا املقصو ُد إنام ُّ‬
‫اعتكف ُمفطِ ًرا‬
‫َ‬ ‫األخري من رمضان‪ ،‬ومل ُينقل عن النبي ﷺ أنه‬ ‫ُ‬ ‫رش‬
‫الصوم وهو ال َع ُ‬
‫اعتكاف إال بصو ٍم»)‪ ،(1‬ومل َيذكر اهلل سبحانه‬ ‫َ‬ ‫قط‪ ،‬بل قد قالت عائشة‪« :‬ال‬
‫ِ‬
‫السلف‪:‬‬ ‫مجهور‬ ‫ِ‬
‫الدليل الذي عليه‬ ‫الراجح يف‬ ‫ُ‬
‫فالقول‬ ‫االعتكاف إال مع الصو ِم‪،‬‬
‫َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫شيخ اإلسالم أبو العباس‬ ‫يرجحه ُ‬ ‫ِ‬
‫االعتكاف‪ ،‬وهو الذي كان‬ ‫ٌ‬
‫رشط يف‬ ‫أن الصو َم‬
‫ُ‬
‫ابن تيمية‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪.)2473‬‬


‫‪ | 062‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ينفع يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬


‫فضول الكالم فإنه َرش َع لألمة حبس اللسان عن كل ما ال ُ‬ ‫وأما‬
‫اآلخرة‪.‬‬
‫ِ‬
‫السهر‬ ‫ِ‬
‫الليل ما هو من أفضل‬ ‫رشع هلم من قيام‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫فضول املنا ِم فإنه‬ ‫وأما‬
‫ُ‬
‫يعوق عن‬ ‫َ‬
‫والبدن‪ ،‬وال‬ ‫ُ‬
‫املتوسط الذي ينفع القلب‬ ‫السهر‬
‫ُ‬ ‫وأمحده عاقب ًة‪ ،‬وهو‬
‫ِ‬
‫مصلحة العبد‪.‬‬
‫ِ‬
‫والسلوك عىل هذه األركان األربعة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أرباب الرياضات‬ ‫ِ‬
‫رياضة‬ ‫ومدار‬
‫ُ‬
‫انحراف الغالني‪،‬‬
‫َ‬ ‫املنهاج النبوي املحمدي‪ ،‬ومل ِ‬
‫ينحرف‬ ‫َ‬ ‫وأسعدُ هم هبا َمن َ‬
‫سلك فيها‬
‫ِ‬
‫وكالمه‪ ،‬فلنذكر‬ ‫ِ‬
‫وقيامه‬ ‫ِ‬
‫صيامه‬ ‫تقصري املفرطني‪ ،‬وقد ذكرنا هد َيه ﷺ يف‬ ‫قرص‬
‫َ‬ ‫وال َ‬
‫هد َيه يف اعتكافه‪.‬‬

‫األواخر من رمضان حتى توفا ُه اهلل ‪ ،‬وتركَه‬


‫َ‬ ‫العرش‬
‫َ‬ ‫يعتكف‬
‫ُ‬ ‫كان ﷺ‬
‫مر ًة فقضا ُه يف شوال‪.‬‬

‫يلتمس ليل َة‬ ‫ِ‬


‫األخري‬ ‫رش‬ ‫ِ‬
‫األوسط‪ ،‬ثم ال َع ِ‬ ‫ِ‬
‫األول‪ ،‬ثم‬ ‫رش‬‫واعتكف مرة يف ال َع ِ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫العرش األخري‪ ،‬فداو َم عىل اعتكافِه حتى ِحل َق بربه ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫القدر‪ ،‬ثم تبني له أهنا يف‬
‫ِ‬
‫املسجد َخيلو فيه بربه ‪.‬‬ ‫ْض ُب له يف‬ ‫ٍ‬
‫وكان يأ ُمر بخباء ف ُي َ‬
‫الفجر ثم دخل ُه‪.‬‬
‫َ‬ ‫االعتكاف صىل‬
‫َ‬ ‫وكان إذا أرا َد‬

‫اعتكف‬
‫َ‬ ‫كل سنة عرش َة أيا ٍم‪ ،‬فلام كان العا ُم الذي ُقبِ َض فيه‬
‫يعتكف َّ‬
‫ُ‬ ‫وكان‬
‫فعرض عليه تلك السنة‬‫َ‬ ‫بالقرآن كل ٍ‬
‫سنة مرةً‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫جربيل‬ ‫يعارضه‬
‫ُ‬ ‫عرشين يو ًما‪ ،‬وكان‬
‫مرتني‪.‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪063‬‬

‫يدخل بيته يف حال اعتكافِه إال‬ ‫ُ‬ ‫دخل ُق َّبته وحده‪ ،‬وكان ال‬ ‫اعتكف َ‬ ‫َ‬ ‫وكان إذا‬
‫ِ‬
‫وتغسله‬ ‫فرتجله‬ ‫املسجد إىل بيت عائش َة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫رأسه من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫رج َ‬ ‫حلاجة اإلنسان‪ ،‬وكان ُخي ُ‬
‫معتكف‪ ،‬فإذا‬‫ٌ‬ ‫تزوره وهو‬ ‫ِ‬
‫أزواجه‬ ‫حائض‪ ،‬وكانت بعض‬ ‫ٌ‬ ‫املسجد وهي‬‫ِ‬ ‫وهو يف‬
‫ُ‬
‫يبارش امرأ ًة من ِ‬
‫نسائه‬ ‫ليال‪ ،‬ومل يكن ِ‬ ‫َذهب قام معها يقلِ ُبها‪ ،‬وكان ذلك ً‬ ‫قامت ت ُ‬
‫بلة وال ِ‬ ‫معتكف ال ب ُق ٍ‬
‫ضع له‬ ‫وو َ‬ ‫فراشه‪ُ ،‬‬ ‫رح له ُ‬ ‫اعتكف ُط َ‬
‫َ‬ ‫غريها‪ ،‬وكان إذا‬ ‫ٌ‬ ‫وهو‬
‫طريقه فال ُي َع ِّرج‬ ‫ِ‬ ‫باملريض وهو يف‬ ‫ِ‬ ‫مر‬ ‫ِ‬
‫خرج حلاجته َّ‬ ‫َ‬ ‫معتكفه‪ ،‬وكان إذا‬ ‫رسيره يف‬ ‫ُ‬
‫حصريا‪ ،‬كل هذا‬ ‫ً‬ ‫واعتكف مرة يف قبة تركية‪ ،‬وجع َل عىل ُسدَّ هتا‬ ‫َ‬ ‫سأل عنه‪،‬‬ ‫وال َي ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اجله ُال ِمن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املعتكف‬ ‫اختاذ‬ ‫حتصيال ملقصود االعتكاف وروحه‪ ،‬عكس ما يفع ُله َّ‬ ‫ً‬
‫لون‪،‬‬‫األحاديث بينهم‪ ،‬فهذا ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بأطراف‬ ‫ِ‬
‫وأخذهم‬ ‫ٍ‬
‫وجملبة للزائرين‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫عرشة‬ ‫موضع‬
‫َ‬
‫النبوي املحمدي ٌ‬
‫لون‪ .‬واهلل املوفق‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫واالعتكاف‬
‫ُ‬
‫‪ | 064‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫[سانبعا‪ :‬كتا احلج والعدرة]‬


‫‪ -1‬فصل يف هديِه ﷺ يف حجِّ ِه وعُ َد ِره‬
‫ِ‬
‫القعدة‪:‬‬ ‫أربع ُع َم ٍر كلهن يف ذي‬ ‫ِ‬
‫اعتمر ﷺ بعد اهلجرة َ‬
‫َ‬
‫ست‪ ،‬فصده املرشكون عن‬ ‫أواله َّن سنة ٍّ‬ ‫ِ‬
‫احلديبية‪ ،‬وهي‬ ‫األوىل‪ :‬عمر ُة‬
‫ُ‬
‫رؤوسهم‪ ،‬وحلوا‬
‫َ‬ ‫دن حيث ُصدَّ باحلديبية‪ ،‬وح َل َق هو وأصحا ُبه‬ ‫فنحر ال ُب َ‬
‫َ‬ ‫البيت‪،‬‬
‫ِ‬
‫املدينة‪.‬‬ ‫ورجع من عامه إىل‬ ‫ِ‬
‫إحرامهم‪،‬‬ ‫من‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫املقبل‪ ،‬دخل مك َة فأقام هبا ثال ًثا‪ ،‬ثم خرج بعد‬ ‫ِ‬
‫القضية يف العام‬ ‫الثانية‪ :‬عمر ُة‬
‫إكامل عمرتِه‪.‬‬
‫ِ‬

‫قرهنا مع حجتِه‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬عمرتُه التي َ‬
‫خرج إىل ُحنني‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الرابعة‪ :‬عمرتُه من ِ‬
‫اجلعرانة‪ ،‬ملا َ‬
‫فصل‬

‫خارجا من مك َة‪ ،‬وإنام كانت ُع َمر ُه ك ُّلها‬ ‫ً‬ ‫مره عمر ٌة واحد ٌة‬ ‫ومل يكن يف ُع ِ‬
‫ِ‬
‫الداخ ِل إىل‬ ‫ورش َعها هي عمر ُة‬ ‫ُ‬ ‫داخال إىل مكة‪ ،‬فالعمر ُة التي َف َع َلها‬‫ً‬
‫رسول اهلل ﷺ َ‬
‫احلل ليعت َِمر‪ ،‬ومل يفعل هذا عىل ِ‬
‫عهده أحدٌ‬ ‫َ‬ ‫خر ُج إىل ِّ َ‬ ‫مك َة‪ ،‬ال عمر ُة من كان هبا ف َي ُ‬
‫فحاضت‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫بالعمرة‬ ‫سائر من معه؛ ألهنا كانت قد أه َّلت‬ ‫قط إال عائش ُة وحدها بني ِ‬
‫ِ‬ ‫فأ َم َرها ف َأ َ‬
‫العمرة وصارت قارن ًة‪ ،‬وأخربها أن طوا َفها بالبيت‬ ‫احلج عىل‬‫دخ َلت َّ‬
‫فأمر أخاها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقع عن حجتِها‬ ‫ِ‬
‫وعمرهتا‪ ،‬فوجدَ ت يف نفسها‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫وبني الصفا واملروة قد َ‬
‫عم َرها من التنعي ِم َتطيي ًبا لقلبِها‪.‬‬ ‫عبدَ الرمحن أن ي ِ‬
‫ُ‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪065‬‬

‫‪ -2‬فصل [يف هديه ﷺ يف بشهر عُدَره]‬

‫احلج خمالف ًة ِ‬
‫هلدي املرشكني‪ ،‬فإهنم كانوا َيكرهون‬ ‫ِ‬
‫أشهر ِّ‬ ‫ُع َم ُره كلها كانت يف‬
‫دليل عىل أن‬ ‫ِ‬
‫الفجور‪ ،‬وهذا ٌ‬ ‫ِ‬
‫أفجر‬ ‫أشهر احلج ويقولون‪ :‬هي من‬‫ِ‬ ‫ال ُعمر َة يف‬
‫وبني‬ ‫ُ‬
‫فضيل بينَه َ‬ ‫شك‪ ،‬وأما الت‬ ‫ُ‬
‫أفضل منه يف رجب بال ٍّ‬ ‫ِ‬
‫أشهر احلج‬ ‫االعتامر يف‬
‫َ‬
‫احلج أن‬ ‫وض ُع ٍ‬‫االعتامر يف رمضان فم ِ‬
‫أمر أ َّم معقل ملا فاهتا ُّ‬
‫صح عنه أنه َ‬
‫نظر‪ ،‬فقد َّ‬ ‫َ‬
‫ربها أن عمر ًة يف رمضان ُ‬
‫تعدل حج ًة)‪.(1‬‬ ‫َ‬
‫رمضان وأخ َ‬ ‫تعتمر يف‬
‫َ‬

‫‪ -3‬فصل [يف هديه ﷺ يف االعتدار يف السن الواحدة]‬


‫ِ‬
‫السنة إال مر ًة واحدةً‪.‬‬ ‫ومل ُحي َفظ عنه ﷺ أنه اعت ََم َر يف‬

‫مرارا إذا مل ُيثبتوا ذلك عن‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬


‫فبأي يشء يستح ُّبون العمر َة يف السنة ً‬ ‫فإن قيل ِّ‬
‫ِ‬
‫السنة‬ ‫عتمر يف‬
‫ُلف يف هذه املسألة‪ ،‬فقال مالك‪ :‬أكر ُه أن ُي َ‬ ‫النبي ﷺ؟ قيل‪ :‬قد اخت َ‬
‫مطرف من أصحابه واب ُن املواز‪ ،‬قال مطرف‪ :‬ال‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫واحدة‪ ،‬وخالفه‬ ‫ٍ‬
‫عمرة‬ ‫أكثر من‬
‫َ‬
‫بأس(‪ ،)2‬وقد‬ ‫َ‬ ‫مرارا‪ ،‬وقال اب ُن املواز‪ :‬أرجو َّأال‬ ‫ِ‬
‫يكون به ٌ‬ ‫بأس بالعمرة يف السنة ً‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫بِشء‬ ‫ِ‬
‫التقرب إىل اهلل‬ ‫شهر‪ ،‬وال أرى أن يمنع أحدٌ من‬ ‫اعتمرت عائش ُة مرتني يف ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نص‪،‬‬ ‫اخلري يف موض ٍع مل يأت فيه باملنع منه ٌّ‬ ‫االزدياد من‬ ‫من الطاعات‪ ،‬وال من‬
‫وهذا قول اجلمهور‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)1782‬ومسلم (‪.)1256‬‬


‫(‪ )2‬املدونة لسحنون ‪ ،403/1‬التبرصة للخمي ‪ ،1253/3‬التوضيح يف رشح خمترص ابن احلاجب خلليل بن‬
‫إسحاق ‪.520/2‬‬
‫‪ | 066‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫عمرهتا التي‬ ‫أعمر عائش َة من التنعي ِم سوى‬ ‫النبي ﷺ‬ ‫وي ِ‬
‫كفي يف هذا أن‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫واحد‪ ،‬وال ُيقال‪ :‬عائشة كانت قد رفضت العمر َة‬ ‫كانت أه َّلت هبا‪ ،‬وذلك يف عا ٍم‬
‫التي كانت أه َّلت فهذه التي من التنعيم قضا ٌء عنها؛ ألن العمر َة ال يصح ُ‬
‫رفضها‪.‬‬

‫‪ -4‬فصل يف سماقِ هديه ﷺ يف حجتِه‬


‫ٍ‬
‫واحدة وهي حجة‬ ‫ٍ‬
‫حجة‬ ‫حيج بعد هجرتِه إىل املدينة سوى‬
‫خالف أنه مل َّ‬
‫َ‬ ‫ال‬
‫خالف أهنا كانت سن َة ٍ‬
‫عرش‪.‬‬ ‫َ‬ ‫الوداعِ‪ ،‬وال‬
‫ٍ‬
‫تأخري‪ ،‬فإن‬ ‫احلج من غري‬
‫بادر رسول اهلل ﷺ إىل ِّ‬ ‫احلج‪َ ،‬‬ ‫رض ِّ‬ ‫وملا َ‬
‫نزل َف ُ‬
‫عرش‪ ،‬وأما قوله تعاىل‪( :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ)‬ ‫احلج تأخر إىل سنة تس ٍع أو ٍ‬ ‫فرض ِّ‬
‫ِ‬
‫ست عام احلديبية‪ ،‬فليس فيها فرضي ُة ِّ‬
‫احلج‪،‬‬ ‫[البقرة‪ ]196 :‬فإهنا وإن نزلت سنة ٍّ‬
‫ِ‬
‫العمرة بعد الرشو ِع فيهام‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بإمتامه وإمتا ِم‬ ‫األمر‬ ‫وإنام فيها‬
‫ُ‬

‫فصل‬
‫فتج َّهزوا للخروجِ‬ ‫حاج‪َ ،‬‬
‫الناس أنه ٌّ‬
‫َ‬ ‫أعلم‬
‫احلج َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ عىل ِّ‬ ‫ُ‬ ‫وملا عز َم‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫احلج مع‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫حول املدينة؛ فقدموا ُيريدون َّ‬ ‫وسمع بذلك َمن‬ ‫َ‬ ‫معه‪،‬‬
‫الظهر ِ‬
‫لس ٍّت بقني‬ ‫ِ‬ ‫هنارا بعد‬ ‫ِ‬
‫وخرج من املدينة ً‬
‫َ‬ ‫خالئق ال ُحي َصون‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الطريق‬ ‫ووافاه يف‬
‫وخ َط َبهم قبل ذلك خطب ًة ع َّل َمهم فيها‬
‫الظهر هبا أرب ًعا‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫من ذي القعدة بعد أن صىل‬
‫اإلحرا َم وواجباتِه وسننَه‪.‬‬
‫خروجه‬
‫َ‬ ‫والظاهر أن‬
‫ُ‬ ‫خروجه يو َم اخلميس(‪ .)1‬قلت‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ابن حزم‪ :‬وكان‬
‫وقال ُ‬
‫كان يو َم السبت‪.‬‬

‫(‪ )1‬حجة الوداع البن حزم (ص‪.)230‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪067‬‬

‫ِ‬
‫الظهر والعرص‪ ،‬فنزل‬ ‫ترج َل وا َّد َهن‪ ،‬ولبس َ‬
‫إزاره ورداءه‪ ،‬وخرج بني‬ ‫ثم َّ‬
‫املغرب والعشا َء‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫وصىل هبا‬ ‫العرص ركعتني‪ ،‬ثم بات هبا‬
‫َ‬ ‫بذي احلليفة فصىل هبا‬
‫وطاف‬
‫َ‬ ‫صلوات‪ ،‬وكان نساؤه ك ُّلهن معه‪،‬‬‫ٍ‬ ‫والصبح والظهر‪ ،‬فصىل هبا مخس‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫غسل اجلام ِع‬ ‫ِ‬
‫إلحرامه غري‬ ‫غسال ثان ًيا‬ ‫َ‬
‫اغتسل ً‬ ‫عليهن تلك الليلة‪ ،‬فلام أرا َد اإلحرا َم‬
‫ِ‬
‫األول‪.‬‬

‫ورأسه‪ ،‬حتى كان‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬


‫مسك يف بدنه‬ ‫ريرة وطِيب فيه‬ ‫بذ ٍ‬‫ثم ط َّيبت ُه عائش ُة بيدها َ‬
‫لبس إزاره‬ ‫ِ‬
‫وبيص املسك ُيرى يف مفارقه وحليته‪ ،‬ثم استدا َمه ومل يغسله‪ ،‬ثم َ‬ ‫ُ‬
‫الظهر ركعتني‪ ،‬ثم َأ َه َّل باحلج والعمرة يف مصاله‪ ،‬ومل ُين َقل عنه‬
‫َ‬ ‫وردا َءه‪ ،‬ثم صىل‬
‫ِ‬
‫فرض الظهر‪.‬‬ ‫أنه ﷺ صىل لإلحرا ِم ركعتني غري‬

‫وق َّلدَ قبل اإلحرا ِم بدنته نَع َلني‪ ،‬وأش َع َرها يف جانبها األيمن‪َّ ،‬‬
‫فشق صفح َة‬
‫وسلت الد َم عنها‪.‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫سنامها‪،‬‬
‫ٍ‬
‫لبضعة وعرشين حدي ًثا رصحية صحيحة يف ذلك‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫وأحرم قارنًا‬
‫ِ‬
‫حجة‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ يف‬ ‫متتع‬ ‫ما ُخ ِّرج يف «الصحيحني» عن ِ‬
‫عمر‪ ،‬قال‪َ :‬‬
‫ابن َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫احلليفة‪ ،‬وبد َأ‬ ‫َ‬ ‫احلج‪ ،‬و َأهدَ ى‪،‬‬ ‫ِ‬
‫رسول‬ ‫فساق معه اهلدي من ذي‬ ‫الودا ِع بالعمرة إىل ِّ‬
‫َ‬
‫احلديث‪.‬‬ ‫باحلج)‪ .(1‬وذكر‬ ‫أهل‬ ‫ِ‬
‫بالعمرة‪ ،‬ثم َّ‬ ‫فأه َّل‬
‫ِّ‬ ‫اهلل ﷺ َ‬

‫أيضا‪ ،‬عن عروةَ‪ ،‬عن عائش َة أخ َ‬


‫ربت ُه عن‬ ‫ومنها‪ :‬ما خرج يف «الصحيحني» ً‬
‫عمر سواء)‪.(2‬‬ ‫ِ‬
‫حديث ِ‬ ‫رسول اهلل ﷺ ِ‬‫ِ‬
‫ابن َ‬ ‫بمثل‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)1691‬ومسلم (‪.)1227‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)1692‬ومسلم (‪.)1228‬‬
‫‪ | 068‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫الليث‪ ،‬عن‬ ‫ِ‬
‫حديث ُقتيب َة‪ ،‬عن‬ ‫مسلم يف «صحيحه» من‬ ‫ومنها‪ :‬ما روى‬
‫ٌ‬
‫وطاف هلام طوا ًفا واحدً ا‪ ،‬ثم قال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫نافعٍ‪ ،‬عن ِ‬
‫َ‬ ‫العمرة‪،‬‬ ‫عمر‪ ،‬أنه َق َر َن َّ‬
‫احلج إىل‬ ‫ابن َ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ)‪.(1‬‬ ‫هكذا َف َع َل‬

‫فصل‬

‫الرأس‬
‫ُ‬ ‫سل ‪-‬عىل وزن كِفل وهو ما ُيغسل به‬ ‫و َلبدَ رسول اهلل ﷺ رأسه ِ‬
‫بالغ ِ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ركب عىل‬
‫صاله‪ ،‬ثم َ‬ ‫ينترش‪َّ -‬‬
‫وأهل يف ُم َّ‬ ‫َ‬ ‫من َخطمي أو نحوه يلبد به الشعر حتى ال‬
‫ِ‬
‫البيداء‪.‬‬ ‫أهل ملا استق َّلت به عىل‬
‫أيضا‪ ،‬ثم َّ‬ ‫ناقتِه َّ‬
‫فأهل ً‬
‫والعمرة تارةً‪ ،‬وباحلج تارةً؛ ألن العمر َة جزء منه‪ِ ،‬‬
‫فمن َثم‬ ‫ِ‬ ‫هيل باحلج‬ ‫وكان ُّ‬
‫أفر َد‪.‬‬ ‫قيل‪َ :‬ق َ‬
‫رن‪ .‬وقيل‪ :‬متت ََّع‪ .‬وقيل‪َ :‬‬
‫اللهم َل َّب َ‬
‫يك‪،‬‬ ‫يك‬ ‫ِ‬
‫الظهر‪ ،‬ثم ل َّبى فقال‪َ « :‬ل َّب َ‬ ‫ِ‬
‫صالة‬ ‫واملحفوظ أنه إنام َّ‬
‫أهل بعدَ‬ ‫ُ‬
‫َّ‬
‫ورفع‬
‫َ‬ ‫ِشيك لك»)‪،(2‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وامللك‪ ،‬ال‬ ‫يك‪ ،‬إن احلمدَ والنعم َة لك‬‫ِشيك لك َل َّب َ‬
‫َ‬ ‫َل َّب َ‬
‫يك ال‬
‫أصواهتم‬ ‫وأمرهم ِ‬
‫بأمر اهلل له أن َير َفعوا‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫صوتَه هبذه التلبية حتى سم َعها أصحا ُبه‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫بالتلبية‪.‬‬
‫حممل وال هود ٍج وال ِع ٍ‬
‫امرية‪ ،‬وزاملتُه حتتَه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫رحل‪ ،‬ال يف‬ ‫وكان حجه عىل‬
‫َ َ‬
‫والع ِ‬
‫امرية ونحوها عىل‬ ‫واهلودج ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املحمل‬ ‫ِ‬
‫ركوب املحر ِم يف‬ ‫ِ‬
‫جواز‬ ‫ف يف‬‫وقد اختُلِ َ‬
‫واز‪ ،‬وهو مذهب الشافعي وأيب حنيفة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫روايتان عن أمحدَ ‪ ،‬أحدمها‪ :‬اجل ُ‬ ‫قولني‪ ،‬مها‬
‫والثاين‪ :‬املنع‪ ،‬وهو مذهب مالك(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)1230‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)1549‬ومسلم (‪.)1184‬‬
‫(‪ )3‬البيان للعمراين ‪ ،207/4‬واملغني البن قدامة ‪.129/5‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪069‬‬

‫فصل‬
‫ِ‬
‫خريهم عند اإلحرا ِم بني األنساك الثالثة‪ ،‬ثم نَدَ َهبم عند ِّ‬
‫دنوهم‬ ‫ثم إنه ﷺ َّ َ‬
‫هدي‪ ،‬ثم حت ََّم ذلك‬ ‫ِ‬
‫العمرة ملن مل يكن معه‬ ‫ِ‬
‫والقران إىل‬ ‫احلج‬ ‫من مك َة إىل ِ‬
‫ٌ‬ ‫فسخ ِّ‬
‫ِ‬
‫املروة‪.‬‬ ‫عليهم عند‬
‫ِ‬
‫الصديق‪ ،‬ف َأ َم َرها‬ ‫بكر‬ ‫ِ‬
‫احلليفة حممدَ بن أيب ٍ‬ ‫ميس بذي‬ ‫وو َلدَ ت أسام ُء بنت ُع ٍ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ثالث‬ ‫قصتِها‬‫وحت ِر َم وهتل‪ .‬وكان يف َّ‬ ‫ٍ‬
‫بثوب ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ أن تَغت َِسل وتست َِثفر‬
‫ُ‬
‫إلحرامها‪ ،‬والثالثة‪ :‬أن‬‫ِ‬ ‫ُ‬
‫تغتسل‬ ‫سل املحر ِم‪ ،‬والثانية‪ :‬أن ِ‬
‫احلائ َض‬ ‫ٍ‬
‫سنن‪ :‬إحداها‪ُ :‬غ ُ‬
‫ِ‬
‫احلائض‪.‬‬ ‫يصح من‬
‫اإلحرا َم ُّ‬
‫والناس معه َيزيدون فيها وينقصون‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ وهو ُيل ِّبي‪،‬‬ ‫سار‬
‫ثم َ‬
‫وهو ُي ِق ُّرهم وال ُينكِ ُر عليهم‪.‬‬

‫عقريا‪ ،‬فقال‪« :‬دعوه فإنه‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬


‫وحش ً‬ ‫محار‬
‫ولز َم تلبيتَه‪ ،‬فلام كانوا بالروحاء رأى َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪،‬‬‫ِ‬ ‫يأيت صاح ُبه»‪ ،‬فجاء صاح ُبه إىل‬ ‫ُ‬
‫يوشك أن َ‬
‫ِ‬
‫الرفاق)‪.(1‬‬ ‫فقسم ُه بني‬ ‫رسول اهلل ﷺ أبا ٍ‬
‫بكر‬ ‫ُ‬ ‫فأمر‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫احلامر‪َ ،‬‬ ‫شأ َنكُم هبذا‬

‫احلالل إذا مل يصد ُه ألجلِه‪.‬‬


‫ِ‬ ‫املحر ِم من ِ‬
‫صيد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جواز أكل‬ ‫ويف هذا ٌ‬
‫دليل عىل‬

‫فصل‬

‫برسف‪ ،‬حاضت عائش ُة ‪ ،‬وقد كانت‬ ‫فمر بوادي ُعسفان‪ ،‬فلام كان َ ِ‬
‫َّ‬
‫فدخ َل عليها النبي ﷺ وهي تبكي‪ ،‬فقال‪« :‬ما يبكيك؟ لع َّل ِ‬
‫ك‬ ‫ٍ‬
‫بعمرة َ‬ ‫أه َّلت‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه النسائي (‪.)2818‬‬


‫‪ | 071‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫بنات آد َم‪ ،‬افعيل ما َي ُ‬
‫فعل‬ ‫يشء كتبه اهلل عىل‬ ‫ن َِفست!» قالت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪« :‬هذا‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫بالبيت حتى تطهري»)‪.(1‬‬ ‫احلاج‪ ،‬غري أال تَطويف‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫أصول املناسك‪:‬‬ ‫ٌ‬
‫أصول عظيمة من‬ ‫وحديث عائش َة هذا ُي ُ‬
‫ؤخذ منه‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫واحد‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بطواف واحد وسعي‬ ‫ِ‬
‫القارن‬ ‫أحدها‪ :‬اكتفا ُء‬
‫َ‬
‫حديث صفية ِ‬
‫زوج النبي‬ ‫ِ‬
‫احلائض‪ ،‬كام أن‬ ‫ِ‬
‫طواف القدو ِم عن‬ ‫ُ‬
‫سقوط‬ ‫الثاين‪:‬‬
‫ِ‬
‫طواف الودا ِع عنها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫سقوط‬ ‫ﷺ ٌ‬
‫أصل يف‬
‫ِ‬
‫للطاه ِر‬ ‫جيوز‬
‫ُ‬ ‫جائز‪ ،‬كام‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫للحائض‬ ‫ِ‬
‫العمرة‬ ‫احلج عىل‬ ‫َ‬
‫إدخال‬ ‫الثالث‪ :‬أن‬
‫ِّ‬
‫وأوىل؛ ألهنا معذور ٌة حمتاج ٌة إىل ذلك‪.‬‬

‫احلج ك َّلها‪.‬‬ ‫تفعل َ‬


‫أفعال ِّ‬ ‫احلائض ُ‬
‫َ‬ ‫الرابع‪ :‬أن‬
‫ِ‬
‫بالبيت‪.‬‬ ‫َطوف‬
‫اخلامس‪ :‬أهنا ال ت ُ‬
‫السادس‪ :‬أن التنعيم من ِ‬
‫احل ِّل‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫واحد‪.‬‬ ‫شهر‬ ‫ٍ‬
‫واحدة‪ ،‬بل يف ٍ‬ ‫جواز عمرتني يف ٍ‬
‫سنة‬ ‫ُ‬ ‫السابع‪:‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الفوات أن ُيدخ َل َّ‬
‫احلج عىل‬ ‫َ‬ ‫املرشوع يف حق املتمتِّع إذا مل يأمن‬
‫َ‬ ‫الثامن‪ :‬أن‬
‫ُ‬
‫وحديث عائش َة ٌ‬
‫أصل فيه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫العمرة‪،‬‬

‫غريه‪ ،‬وال دالل َة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫التاسع‪ :‬أنه ٌ‬


‫استح َّبها ُ‬
‫َ‬ ‫املكية‪ ،‬وليس مع من‬ ‫العمرة‬ ‫أصل يف‬
‫هلم فيها‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)294‬ومسلم (‪.)1211‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪070‬‬

‫فصل‬

‫فأحب أن ََيع َلها‬


‫َّ‬ ‫هدي‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫برسف‪ ،‬قال ألصحابِه‪« :‬من مل يكن مع ُه‬
‫فلام كان َ ِ‬
‫ِ‬
‫التخيري‬ ‫فوق ِ‬
‫رتبة‬ ‫عمر ًة فل َيفعل‪ ،‬ومن كان معه هدي فال»)‪ (1‬وهذه رتب ٌة أخرى َ‬
‫ِ‬
‫امليقات‪.‬‬ ‫عند‬

‫وحيل من‬ ‫حتام من ال هدي معه أن َجي َع َلها عمر ًة َّ‬ ‫أمرا ً‬ ‫أمر ً‬ ‫فلام كان بمك َة‪َ ،‬‬
‫نسخ ذلك يش ٌء البتة‪ ،‬بل سأ َل ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قيم عىل إحرامه‪ ،‬ومل َي َ‬ ‫هدي أن ُي َ‬ ‫ٌ‬ ‫إحرامه‪ ،‬ومن معه‬
‫سخ إليها‪ :‬هل هي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫لعامهم ذلك‬ ‫أمرهم بالف ِ‬ ‫رساق ُة بن مالك عن هذه العمرة التي َ‬
‫ِ‬
‫القيامة»)‪.(2‬‬ ‫لألبد‪ ،‬وإن العمر َة قد َد َخلت يف احلج إىل يوم‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لألبد؟ فقال‪« :‬بل‬ ‫أم‬
‫ِ‬
‫عرش من الصحابة‬ ‫احلج إىل العمرة أربع َة َ‬ ‫ِ‬
‫بفسخ ِّ‬ ‫األمر‬
‫َ‬ ‫وقد روى عنه ﷺ‬
‫صحاح‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫‪ ‬وأحاديثهم ك ُّلها‬

‫فصل‬
‫ِ‬
‫الزاه ِر‪ ،‬فبات‬ ‫هنض ﷺ إىل أن ن ََز َل بذي ُطوى‪ ،‬وهي املعروفة اآلن ِ‬
‫بآبار‬ ‫ثم َ‬
‫اغتسل من ِ‬
‫يومه‬ ‫َ‬ ‫الصبح‪ ،‬ثم‬ ‫ِ‬
‫األحد ألرب ٍع خلون من ذي احلجة‪ ،‬وصىل هبا‬ ‫هبا ليل َة‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الثنية العليا التي تُرشف عىل‬ ‫هنارا من أعالها من‬
‫وهنض إىل مكة‪ ،‬فدخلها ً‬ ‫َ‬
‫دخل ِمن أعالها وخرج‬ ‫احلج َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حلجون‪ ،‬وكان يف العمرة يدخل من أسفلها‪ ،‬ويف ِّ‬ ‫ا َ‬
‫ضحى‪.‬‬ ‫من أسفلِها‪ ،‬ثم سار حتى َ‬
‫دخل املسجدَ وذلك ً‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)1556‬ومسلم (‪.)1211‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)1216‬‬
‫‪ | 072‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫املسجد‬ ‫ِ‬
‫املسجد‪ ،‬فإن حتية‬ ‫فلام َ‬
‫دخل املسجدَ عمدَ إىل البيت‪ ،‬ومل يركع حتي َة‬
‫احلجر األسود استلمه ومل ُيزاحم عليه‪ ،‬ومل يتقدَّ م عنه‬‫َ‬ ‫الطواف‪ ،‬فلام حاذى‬
‫ُ‬ ‫احلرا ِم‬
‫األسبوع كذا‬
‫َ‬ ‫نويت بطوايف هذا‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الركن اليامين‪ ،‬ومل يرفع يديه‪ ،‬ومل يقل‪:‬‬ ‫إىل جهة‬
‫احلجر األسو َد بجمي ِع بدنِه ثم َ‬
‫انفتل عنه‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫بالتكبري‪ ،‬وال حاذى‬ ‫وكذا‪ ،‬وال اف َتتَحه‬
‫البيت عن ِ‬
‫يساره‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وجعل‬ ‫أخذ عىل يمينِه‬‫واستلمه ثم َ‬
‫َ‬ ‫وجعله عىل ش ِّقه‪ ،‬بل استقب َله‬
‫ِ‬
‫وأركاهنا‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬
‫الكعبة‬ ‫مليزاب‪ ،‬وال عند ِ‬
‫ظهر‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بدعاء وال حتت ا‬ ‫يدع عند الباب‬‫ومل ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بتعليمه‪ ،‬بل حفظ عنه بني الركنني‪:‬‬ ‫َو َّقت للطواف ً‬
‫ذكرا معينا‪ ،‬ال بفعله وال‬
‫( ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ)‬
‫[البقرة‪.(1)]201:‬‬

‫رس ُع مش َيه‪ ،‬وكان‬ ‫ِ‬


‫األشواط األول‪ ،‬وكان ُي ِ‬ ‫ور َم َل يف طوافِه هذا الثالث َة‬‫َ‬
‫ِ‬
‫بردائه فجع َله عىل إحدى كت َفيه وأبدى كت َفه األخرى‬ ‫ُيقارب بني خطاه‪ ،‬واض َط َب َع‬
‫بمحجنِه‪ ،‬وق َّب َل‬
‫َ‬ ‫استلمه‬
‫َ‬ ‫أشار إليه أو‬
‫َ‬ ‫احلجر األسو َد‪،‬‬‫َ‬ ‫و َمنك َبه‪ ،‬وكلام حاذى‬
‫ِ‬
‫الرأس‪.‬‬ ‫املحجن‪ .‬واملحج ُن‪ :‬عصا حمني ُة‬‫َ‬
‫اليامين‪ ،‬ومل يثبت عنه أنه ق َّب َله‪ ،‬وال ق َّبل يده عند‬
‫َّ‬ ‫وثبت عنه أنه اس َت َلم الركن‬‫َ‬
‫استلمه بيده‬ ‫احلجر األسود‪ ،‬وثبت عنه أنه‬ ‫ثبت عنه أنه ق َّبل‬ ‫ِ‬
‫استالمه‪ ،‬ولكن َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫صفات‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ثالث‬ ‫بمحجن‪ ،‬فهذه‬‫ٍ‬ ‫وثبت عنه أنه است َل َمه‬‫َ‬ ‫فوضع يده عليه ثم ق َّبلها‪،‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫األسود قال‪« :‬اهلل أكَب»)‪.(2‬‬ ‫ِ‬
‫احلجر‬ ‫وكان ك َّلام أتى عىل‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪.)1892‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)1560‬ومسلم (‪.)1211‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪073‬‬

‫ِ‬
‫األركان إال اليامنيني فقط‪.‬‬ ‫يمس من‬ ‫ِ‬
‫ومل يستَلم ﷺ ومل َّ‬

‫فصل‬
‫ِ‬
‫خلف املقا ِم فقر َأ‪( :‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬ ‫فلام فر َغ من طوافِه‪ ،‬جاء إىل‬
‫ِ‬
‫البيت‪ ،‬قر َأ فيهام بعد الفاحتة‬ ‫ﯧ) [البقرة‪َّ ،]125 :‬‬
‫فصىل ركعتني واملقا ُم بينه وبني‬
‫ِ‬
‫اإلخالص(‪.)1‬‬ ‫سوريت‬
‫َ‬
‫فاستلم ُه‪ ،‬ثم َخ َر َج إىل الصفا من‬ ‫ِ‬
‫األسود‬ ‫ِ‬
‫احلجر‬ ‫فلام فر َغ من صالتِه َ‬
‫أقبل إىل‬
‫َ‬
‫الباب الذي يقابِ ُله‪ ،‬فلام دنا منه قرأ‪ (« :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [البقرة‪:‬‬ ‫ِ‬
‫البيت‪ ،‬فاستق َب َل القبل َة َّ‬
‫فوحدَ‬ ‫َ‬ ‫‪َ ]156‬أبدَ ُأ بام َبدَ َأ اهلل به»)‪ ،(2‬ثم رقي عليه حتى رأى‬
‫امللك وله احلمدُ ‪ ،‬وهو عىل‬ ‫يك له‪ ،‬له ُ‬ ‫وكربه‪ ،‬وقال‪« :‬ال إله إال اهلل وحد ُه ال َِش َ‬ ‫اهلل َّ‬
‫األحزاب‬ ‫وه َز َم‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫َِص عبدَ ه‪َ ،‬‬
‫أنج َز َوعد ُه‪ ،‬ون َ‬
‫قدير‪ ،‬ال إله إال اهلل وحد ُه‪َ ،‬‬
‫كل يشء ٌ‬
‫ٍ‬
‫مرات)‪.(3‬‬ ‫َ‬
‫ثالث‬ ‫وحدَ ُه»‪ ،‬ثم دعا بني ذلك‪ ،‬وقال مثل هذا‬
‫ِ‬
‫باطن الوادي َسعى‪ ،‬حتى إذا‬ ‫ِ‬
‫املروة َيمِش‪ ،‬فلام انص َّبت قدماه يف‬ ‫ثم َ‬
‫نزل إىل‬
‫جاو َز الوادي وأص َعدَ مشى‪ ،‬هذا الذي َص َّح عنه‪ ،‬وذلك َق َبل امليلني األخْضين‬
‫َ‬
‫يف ِ‬
‫أول املسعى‪.‬‬

‫وظاهر هذا أنه كان ماش ًيا‪ ،‬وقد روى مسلم يف «صحيحه» عن أيب الزبري‪،‬‬
‫ُ‬
‫جابر بن عبد اهلل يقول‪« :‬طاف النبي ﷺ يف حجة الوداع عىل راحلتِه‬
‫أنه سمع َ‬

‫(‪ )1‬يعني‪ :‬سورة‪ ( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) وسورة‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ)‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)1218‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)1218‬‬
‫‪ | 074‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫الناس قد‬ ‫وليرشف‪ ،‬وليسألوه‪ ،‬فإن‬


‫َ‬ ‫الناس‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واملروة؛ لرياه‬ ‫وبني الصفا‬
‫َ‬ ‫ب ِ‬
‫البيت‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أتم‬ ‫غشوه»)‪ .(1‬وعندي يف اجلمع بينهام وج ٌه حسن‪ ،‬وهو أنه سعى ماش ًيا ً‬
‫أوال‪ ،‬ثم َّ‬
‫مرصحا به)‪.(2‬‬
‫ً‬ ‫سع َيه راك ًبا‪ ،‬وقد جاء ذلك‬

‫فصل‬

‫وأما طوا ُفه بالبيت عند قدومه‪ ،‬فاخت َ‬


‫ُلف فيه‪ :‬هل كان عىل قدميه‪ ،‬أو كان‬
‫راك ًبا؟‬
‫ِ‬
‫الثالثة‬ ‫َ‬
‫الرمل يف‬ ‫جابرا حكى عنه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وهذا واهلل أعلم يف طواف اإلفاضة؛ فإن ً‬
‫ِ‬
‫األحاديث أنه كان‬ ‫ٍ‬
‫يشء من‬ ‫ِ‬
‫األول‪ ،‬وذلك ال يكون إال مع املِش‪ .‬لكن ليس يف‬
‫ِ‬
‫طواف القدوم‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬ ‫راك ًبا يف‬

‫فصل‬

‫وكرب اهلل‬
‫البيت‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫املروة‪َ ،‬ر ِق َي عليها‪ ،‬واستق َب َل‬
‫ِ‬ ‫وكان ﷺ إذا َو َ‬
‫صل إىل‬
‫كل من ال‬ ‫ِ‬
‫املروة‪ ،‬أمر َّ‬ ‫َ‬
‫أكمل سعيه عند‬ ‫وفعل كام َ‬
‫فعل عىل الصفا‪ ،‬فلام‬ ‫َ‬ ‫ووحده‪،‬‬ ‫َّ‬
‫احلل ك َّله ِمن‬
‫وأمرهم أن حيلوا َّ‬ ‫حتام والبدَّ ‪ ،‬قارنًا كان أو ِ‬
‫مفر ًدا‪َ ،‬‬ ‫دي معه أن َّ‬
‫حيل ً‬ ‫َه َ‬
‫ِ‬
‫الرتوية‪ ،‬ومل حيل هو من‬ ‫والطيب واملخيط‪ ،‬وأن يبقوا كذلك إىل يوم‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النساء‬ ‫ِ‬
‫وطء‬
‫قت اهلدي‪،‬‬
‫رت ملا ُس ُ‬
‫لت من أمري ما استَد َب ُ‬ ‫أجل ِ‬
‫هديه‪ ،‬وهناك قال‪« :‬لو استَق َب ُ‬ ‫ِ‬
‫وجلعلتُها عمرة»)‪.(3‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)1273‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)1264‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪.)1651‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪075‬‬

‫وللمقرصين مرةً‪.‬‬ ‫ِ‬


‫باملغفرة ثال ًثا‪،‬‬ ‫وهناك دعا للمح ِّلقني‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫الرتوية بمنزله الذي هو ٌ‬
‫نازل فيه باملسلمني‬ ‫وكان يصيل مد َة م ِ‬
‫قامه إىل يوم‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واإلثنني‬ ‫األحد‬ ‫بظاهر مك َة‪ ،‬فأقام بظاهر مك َة أربع َة أيا ٍم ُ ُ‬
‫يقرص الصالةَ‪ :‬يو َم‬
‫ِ‬
‫واألربعاء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والثالثاء‬

‫فأحرم‬‫َ‬ ‫ضحى توجه بمن معه من املسلمني إىل ِمنًى‪،‬‬ ‫اخلميس ً‬‫ِ‬ ‫فلام كان يوم‬
‫دخلوا إىل املسجد فأحرموا منه‪ ،‬بل‬ ‫أحل منهم ِمن رحاهلم‪ ،‬ومل َي ُ‬ ‫باحلج َمن كان َّ‬ ‫ِّ‬
‫الظهر‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫ظهورهم‪ ،‬فلام َو َص َل إىل منًى ن ََز َل هبا‪ ،‬وصىل هبا‬ ‫خلف‬
‫َ‬ ‫أحرموا ومكة‬
‫سار منها إىل عرف َة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والعرص وبات هبا‪ ،‬وكان ليل َة‬
‫الشمس َ‬
‫ُ‬ ‫طلعت‬ ‫اجلمعة‪ ،‬فلام‬ ‫َ‬
‫الناس اليوم‪ ،‬وكان من الصحابة املل ِّبي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طريق‬ ‫ضب عىل يمني‬ ‫طريق ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫وأخذ عىل‬
‫يسمع ذلك وال ُينكِر عىل هؤالء وال عىل هؤالء‪ ،‬فوجدَ القب َة‬ ‫ُ‬ ‫املكرب‪ ،‬وهو‬
‫ومنهم ِّ‬
‫ِ‬
‫القصواء‬ ‫أمر بناقتِه‬ ‫بأمره بن َِمرة‪ ،‬فنزل هبا حتى إذا زالت‬ ‫ِض َبت له ِ‬ ‫قد ُ ِ‬
‫الشمس َ‬
‫ُ‬
‫ُفر ِح َلت‪.‬‬

‫فخطب الناس وهو عىل‬


‫َ‬ ‫ِ‬
‫أرض ُعرنة‪،‬‬ ‫سار حتى أتى بط َن الوادي من‬ ‫ثم َ‬
‫ِ‬
‫الرشك‬ ‫راحلته خطب ًة عظيم ًة‪ ،‬قرر فيها قواعدَ اإلسال ِم‪َ ،‬‬
‫وهدَ َم فيها قواعدَ‬
‫امللل عىل حتريمها‪ ،‬وهي‪:‬‬‫حتريم املحرمات التي اتفقت ُ‬
‫َ‬ ‫واجلاهلية‪ ،‬وقرر فيها‬
‫ضع فيها‬‫وو َ‬‫حتت قدميه‪َ ،‬‬
‫أمور اجلاهلية َ‬ ‫ووضع فيها َ‬ ‫واألعراض‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واألموال‬ ‫الدما ُء‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلاهلية ك َّله وأب َط َله‪،‬‬
‫احلق الذي هلن وعليهن‪،‬‬ ‫خريا‪ ،‬و َذ َ‬
‫كر َّ‬ ‫وأوصاهم بالنساء ً‬
‫ُ‬ ‫ربا‬
‫ٍ‬
‫بتقدير‪ ،‬وأباح‬ ‫الرزق والكسو ُة باملعروف‪ ،‬ومل ُيقدِّ ر ذلك‬‫ُ‬ ‫واجب هلن‬ ‫َ‬ ‫وأن ال‬
‫كر ُهه أزواجهن‪ ،‬وأوىص األُمة فيها‬ ‫لألزواج َِض َهبن إذا أدخلن إىل بيوهتن من َي َ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أخربهم‬
‫رب أهنم لن َيضلوا ما داموا ُمعتصمني به‪ ،‬ثم َ َ‬ ‫باالعتصا ِم بكتاب اهلل‪ ،‬وأخ َ‬
‫‪ | 076‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫أهنم مسؤولون عنه‪ ،‬واستن َط َقهم‪ :‬ماذا يقولون‪ ،‬وبامذا َي َ‬


‫شهدون؟ فقالوا‪ :‬نشهدُ‬
‫فرفع أصبعه إىل السامء‪ ،‬واستشهدَ اهلل عليهم‬
‫َ‬ ‫أنك قد ب َّلغت وأ َّد َ‬
‫يت ون ََصحت‪،‬‬
‫وأمر ُهم أن َ‬
‫يبلغ شاهدُ ُهم غائ َبهم‪.‬‬ ‫ثالث مرات‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫املوقف‪،‬‬ ‫خطب ب ُع َرن َة‪ ،‬وليست من‬ ‫ِ‬
‫املوقف‪ ،‬فإنه‬ ‫وموضع خطبتِه مل يكن من‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وخطب خطبة واحدةً‪ ،‬ومل‬
‫َ‬ ‫وو َقف ب َع َرف َة‪،‬‬
‫وخطب ب ُع َرنة‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫َزل بن َِمرة‪،‬‬
‫وهو ﷺ ن َ‬
‫الظهر ركعتني‪،‬‬
‫َ‬ ‫بالال فأ َّذن‪ ،‬ثم أقا َم فصىل‬ ‫أمر ً‬ ‫جلس بينهام‪ ،‬فلام أمتَّها َ‬
‫تكن خطبتني َ‬
‫املسافر ال ِّ‬
‫يصيل مجعة‪ ،‬ثم أقام‬ ‫اجلمعة‪ ،‬فدل عىل أن‬ ‫ِ‬ ‫أرس فيهام بالقراءةَ‪ ،‬وكان يوم‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫العرص ركعتني أيضا‪ ،‬ومعه أهل مك َة‪ ،‬فصلوا بصالته ً‬
‫قرصا ومج ًعا بال‬ ‫َ‬ ‫فصىل‬
‫ريب‪ ،‬ومل يأمرهم باإلمتام‪ ،‬وال ِ‬
‫برتك اجلَمعِ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ُ ُ‬
‫اجلبل عند‬ ‫ِ‬ ‫فوقف يف ِ‬
‫ذيل‬ ‫َ‬ ‫ف‪،‬‬ ‫فلام فر َغ من صالتِه ركب حتى أتى ِ‬
‫املوق َ‬
‫بعريه‪ ،‬ف َأ َخ َذ‬ ‫ِ‬
‫املشاة بني يديه‪ ،‬وكان عىل ِ‬ ‫الصخرات‪ ،‬واستق َب َل القبل َة‪ ،‬وجعل َ‬
‫حبل‬
‫الناس أن َير َفعوا عن‬ ‫ِ‬
‫الشمس‪ ،‬وأمر‬ ‫ِ‬
‫واالبتهال إىل غروب‬ ‫والتْض ِع‬ ‫ِ‬
‫الدعاء‬ ‫يف‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫ف»)‪.(1‬‬‫وق ٌ‬‫فت ها هنا‪ ،‬وعرف ُة ك ُّلها م ِ‬
‫بطن ُعرن َة‪ ،‬وقال‪َ « :‬و َق ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مشاع ِرهم‪ ،‬ويقفوا هبا؛ فإهنا ِمن ِ‬
‫إرث‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الناس أن يكونوا عىل‬ ‫َ‬
‫وأرسل إىل‬
‫إبراهيم‪.‬‬
‫َ‬ ‫أبيهم‬
‫ِ‬ ‫وكان يف ِ‬
‫خري‬ ‫صدره كاستطعا ِم املسكني‪ ،‬وأخ َ‬
‫ربهم أن َ‬ ‫دعائه راف ًعا يديه إىل‬
‫ِ‬
‫الدعاء دعا ُء يو ِم عرف َة)‪.(2‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)1218‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪.)3585‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪077‬‬

‫وهناك ُأ ِنزلت عليه‪ ( :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬


‫ﮃ ﮄ ﮅ) [املائدة‪.]3 :‬‬

‫فأمر رسول‬ ‫ِ‬ ‫سقط ٌ‬ ‫َ‬


‫رجل من املسلمني عن راحلته‪ ،‬وهو حمر ٌم فامت‪َ ،‬‬ ‫وهناك‬
‫ٍ‬
‫وسدر‪ ،‬وال ُيغطى‬ ‫غسل ٍ‬
‫بامء‬ ‫ٍ‬
‫بطيب‪ ،‬وأن ُي َ‬ ‫اهلل ﷺ أن ُيك َّفن يف ثو َب ِيه‪ ،‬وال ُي َم َّس‬
‫رب أن اهلل تعاىل يبع ُثه يوم القيامة ُيلبي)‪.(1‬‬ ‫وجهه‪ ،‬وأخ َ‬‫رأسه وال ُ‬
‫ُ‬

‫فصل‬

‫روهبا بحيث َذهبت الصفر ُة َ‬


‫أفاض من‬ ‫الشمس‪ ،‬واستحك ََم ُغ ُ‬
‫ُ‬ ‫فلام غربت‬
‫وضم إليه زما َم ناقتِه‪ ،‬حتى‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫بالسكينة‪،‬‬ ‫وأفاض‬
‫َ‬ ‫ف أسام َة بن ٍ‬
‫زيد خل َفه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫عرف َة‪ ،‬وأر َد َ‬
‫الناس عليكم السكين َة‪ ،‬فإن َّ‬
‫الَب‬ ‫ُ‬ ‫صيب طرف رحلِه وهو يقول‪« :‬أَيا‬ ‫رأسها ل ُي ُ‬
‫إن َ‬
‫ليس باإليضا ِع»)‪ (2‬أي‪ :‬ليس باإلرساعِ‪.‬‬

‫ضب‪ ،‬وهكذا كانت‬


‫ٍّ‬ ‫َ‬
‫ودخل َعرفة من طريق‬ ‫وأفاض من طريق املأزمني‪،‬‬
‫َ‬
‫الطريق‪.‬‬
‫َ‬ ‫الف‬ ‫ِ‬
‫األعياد‪ ،‬أن ُخي َ‬ ‫عادتُه صلوات اهلل عليه وسالمه يف‬
‫ِ‬
‫البطيء‪ ،‬فإذا‬ ‫ِ‬
‫السري ليس بالرسي ِع وال‬ ‫ِضب من‬ ‫يسري ال َعن ََق‪ ،‬وهو‬
‫ٌ‬ ‫ثم جعل ُ‬
‫الربى‪،‬‬ ‫سري ُه‪ ،‬أي‪ :‬رف َع ُه َ‬
‫فوق ذلك‪ ،‬وكلام أتى ربو ًة من تلك ُّ‬ ‫نص َ‬ ‫وجدَ فجو ًة َّ‬
‫قليال حتى تص َعدَ ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫للناقة زما َمها ً‬ ‫أرخى‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)1267‬ومسلم (‪.)1206‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)1671‬‬
‫‪ | 078‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫الطريق ن َ‬
‫َزل‬ ‫مسريه ذلك‪ ،‬ال يق َطع التلبي َة‪ ،‬فلام كان يف ِ‬
‫أثناء‬ ‫ِ‬ ‫وكان ُيلبي يف‬
‫َ‬
‫وتوضأ وضو ًءا خفي ًفا‪ ،‬فقال له أسام ُة‪ :‬الصال َة يا‬
‫َّ‬ ‫صلوات اهلل وسالمه عليه َ‬
‫فبال‬
‫أمامك»)‪.(1‬‬
‫صىل َ‬‫رسول اهلل؟ فقال‪« :‬املُ َّ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫فأذن‬ ‫باألذان‪،‬‬ ‫سار حتى أتى املزدلف َة فتوض َأ وضو َء الصالة‪ ،‬ثم َ‬
‫أمر‬ ‫ثم َ‬
‫ِ‬
‫اجلامل‪ ،‬فلام ح ُّطوا رحاهلم‬ ‫ِ‬
‫الرحال وتربيك‬ ‫حط‬‫املغرب قبل ِّ‬
‫َ‬ ‫املؤ ِّذن‪ ،‬ثم أقا َم فصىل‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫يصل بينهام‬‫ِّ‬ ‫أذان‪ ،‬ومل‬ ‫بإقامة بال‬ ‫اآلخرة‬ ‫قيمت الصالةُ‪ ،‬ثم صىل عشا َء‬ ‫أمر ف ُأ َ‬
‫َ‬
‫شي ًئا)‪.(2‬‬

‫أصبح‪ ،‬ومل ُحيي تلك الليل َة‪ ،‬وال َّ‬


‫صح عنه يف إحياء ليلتي‬ ‫َ‬ ‫ثم نا َم حتى‬
‫العيدين يش ٌء‪.‬‬
‫ِ‬ ‫فة أهلِه أن يتقدَّ موا إىل منًى قبل طلو ِع‬‫لضع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفجر‪،‬‬ ‫و َأذ َن يف تلك الليلة َ َ‬
‫الشمس‪.‬‬ ‫ِ‬
‫القمر‪ ،‬و َأ َم َرهم أال َيرموا اجلمر َة حتى تَط ُلع‬ ‫ِ‬
‫غيبوبة‬ ‫وكان ذلك عند‬
‫ُ‬

‫فصل‬
‫ٍ‬
‫وإقامة يو َم النحر‪ ،‬وهو يو ُم‬ ‫ٍ‬
‫بأذان‬ ‫ِ‬
‫الوقت‬ ‫طلع الفجر صالها يف ِ‬
‫أول‬ ‫ُ‬ ‫فلام َ‬
‫ٍ‬
‫مرشك‪.‬‬ ‫برباءة اهلل ورسوله ِمن ِّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األذان‬ ‫احلج األكرب‪ ،‬وهو يو ُم‬ ‫ِ‬
‫العيد‪ ،‬وهو يو ُم ِّ‬
‫ثم ركب حتى أتى ِ‬
‫موق َفه عند املش َع ِر احلرام‪ ،‬فاستق َب َل القبلة‪ ،‬وأخذ يف‬
‫الذكر حتى أس َف َر جدًّ ا‪ ،‬وذلك َ‬
‫قبل طلو ِع‬ ‫ِ‬
‫والتهليل و ِّ‬ ‫ِ‬
‫والتكبري‬ ‫ِ‬
‫الدعاء والتْضع‬
‫ِ‬
‫الشمس‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)181‬ومسلم (‪.)1280‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)1672‬ومسلم (‪.)1280‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪079‬‬

‫فصل‬

‫سار من‬ ‫موق ِفه‪ ،‬وأعلم الناس أن مزدلف َة ك َّلها ِ‬


‫قف ﷺ يف ِ‬
‫ف‪ ،‬ثم َ‬ ‫موق ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َو َ‬
‫ِ‬
‫مسريه‪ ،‬وانط َل َق أسام ُة بن زيد عىل‬ ‫ٍ‬
‫عباس وهو يلبي يف‬ ‫ِ‬
‫للفضل بن‬ ‫مزدلف َة مرد ًفا‬
‫ٍ‬
‫قريش‪.‬‬ ‫ِرج َل ِيه يف ُس َّباق‬

‫سبع حصيات‪ ،‬ومل‬ ‫حىص ِ‬


‫اجل ِ‬ ‫ابن ع ٍ‬
‫باس أن َ‬ ‫ِ‬
‫امر‪َ :‬‬ ‫يلقط له َ‬ ‫أمر َ‬
‫ويف طريقه ذلك َ‬
‫سبع حصيات من‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلبل تلك الليلة‪ ،‬وال ال َت َق َطها‬ ‫ِ‬
‫فالتقط له َ‬ ‫بالليل‪،‬‬ ‫يكرسها من‬
‫فجعل ينفضه َّن يف ك ِّفه ويقول‪« :‬أمثال هؤالء فارموا‪ ،‬وإياكم‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫اخلذف‪،‬‬ ‫حىص‬
‫الغلو يف الدين»)‪.(1‬‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫الدين فإنام أه َلك من كان قب َلكم‬ ‫وال ُغ ُلو يف‬

‫احلج عن أبيها‪،‬‬ ‫ِ‬


‫عرض ْت له امرأ ٌة من خثعم فسألته عن ِّ‬ ‫َ‬ ‫طريقه تلك‬ ‫ويف‬
‫حتج عنه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫وكان ً‬
‫يستمسك عىل الراحلة‪ ،‬فأمرها أن َّ‬ ‫كبريا ال‬
‫شيخا ً‬
‫ِ‬
‫املواض ِع‬ ‫السري‪ ،‬وهذه كانت عادتُه يف‬ ‫وأرسع‬ ‫َ‬
‫حرك ناقتَه‬ ‫فلام أتى بط َن ُحم ِّرس‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قص اهلل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫التي َ‬
‫الفيل ما َّ‬ ‫أصحاب‬
‫َ‬ ‫بأعدائه‪ ،‬فإن هنالك أصاب‬ ‫بأس اهلل‬ ‫نزل فيها ُ‬
‫حرس فيه‪ ،‬أي‪ُ :‬أ ْع ِي َي‬‫َ‬ ‫علينا؛ ولذلك ُس ِّم َي ذلك الوادي وادي ُحم ِّرس؛ ألن َ‬
‫الفيل‬
‫ِ‬
‫الذهاب إىل مك َة‪.‬‬ ‫وانقطع عن‬
‫ِ‬
‫اجلمرة‬ ‫الطريق الوسطى بني الطريقني‪ ،‬وهي التي َخت ُرج عىل‬‫َ‬ ‫َ‬
‫وسلك ﷺ‬
‫َ‬
‫وجعل البيت‬ ‫ِ‬
‫أسفل الوادي‪،‬‬ ‫فوقف يف‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫العقبة‪،‬‬ ‫الكربى‪ ،‬حتى أتى منًى‪ ،‬فأتى مجر َة‬
‫واستقبل اجلمرة‪ ،‬وهو عىل راح َلتِه فرماها راك ًبا بعد‬
‫َ‬ ‫يساره‪ ،‬ومنًى عن يمينِه‪،‬‬
‫عن ِ‬
‫قطع التلبي َة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫طلو ِع‬
‫الشمس‪ ،‬واحد ًة بعد واحدة‪ ،‬يكرب مع كل حصاة‪ ،‬وحينئذ َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه النسائي (‪ ،)3057‬وابن ماجه (‪.)3029‬‬


‫‪ | 081‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ٌ‬
‫وبالل وأسام ُة معه‬ ‫ورمى‬
‫رشع يف الرمي‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫مسريه ذلك ُيلبي حتى َ‬ ‫وكان يف‬
‫ِ‬
‫جواز‬ ‫احلر‪ ،‬ويف هذا‪ٌ :‬‬
‫دليل عىل‬ ‫ٍ‬
‫بثوب من ِّ‬ ‫واآلخر يظله‬
‫ُ‬ ‫أحدُ مها ٌ‬
‫آخذ بخطا ِم ناقته‪،‬‬
‫ِ‬
‫باملحمل ونحوه إن كانت قص ُة هذا اإلظالل يو َم النحر‪ ،‬وإن‬ ‫ِ‬
‫استظالل املحرم‬
‫بيان يف أي ٍ‬
‫زمن كانت‪.‬‬ ‫ِ‬
‫احلديث ُ‬ ‫كانت بعده يف أيام منًى فال حج َة فيها‪ ،‬وليس يف‬
‫فاهلل أعلم‪.‬‬

‫فصل‬

‫ِ‬
‫النحر‬ ‫ِ‬
‫بحرمة يوم‬ ‫فخطب الناس خطب ًة بليغ ًة أعلمهم فيها‬ ‫جع إىل منًى‪،‬‬
‫َ‬ ‫ثم َر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والطاعة ملن‬ ‫وحتريمه وفضله عند اهلل‪ ،‬وحرمة مك َة عىل مجي ِع البالد‪َ ،‬‬
‫وأمر بالسم ِع‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الناس بأخذ َمناسكهم عنه‪ ،‬وقال‪َ « :‬ل َعيل ال ُّ‬
‫أحج بعد‬ ‫َ‬ ‫وأمر‬
‫بكتاب اهلل‪َ ،‬‬ ‫قا َدهم‬
‫عامي هذا»)‪.(1‬‬

‫وأمر الناس أال‬


‫واألنصار منازهلم‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫وع َّلمهم مناسكَهم‪ ،‬وأنزل املهاجرين‬
‫وأمر بالتبلي ِغ عنه‪ ،‬وأخ َ‬
‫رب أنه‬ ‫بعض‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بعضهم رقاب‬‫يْضب ُ‬
‫ُ‬ ‫كفارا‬
‫َيرجعوا بعده ً‬
‫رب مب َّل ٍغ أوعى من ِ‬
‫سام ٍع)‪.(2‬‬ ‫ُ َّ‬
‫جان إال عىل ٍ‬
‫نفسه»)‪.(3‬‬ ‫وقال يف خطبتِه‪« :‬ال ََيني ٍ‬

‫والناس َ‬
‫حوهلم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫يسارها‪،‬‬ ‫واألنصار عن‬ ‫يمني ا ِ‬
‫لقبلة‪،‬‬ ‫وأنزل املهاجرين عن ِ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وفتح اهلل له أسامع الناس حتى ِ‬
‫سم َعها أهل منًى يف ِ‬
‫منازهلم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)886‬والنسائي (‪.)3062‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)1741‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)2159‬وابن ماجه (‪.)3055‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪080‬‬

‫الناس‪ ،‬فقالوا‪ :‬حج َة الوداعِ‪.‬‬ ‫ٍ‬


‫وو َّد َع حينئذ َ‬
‫ٍ‬
‫يشء إال قال‪« :‬افعلوا‬ ‫ٍ‬
‫يومئذ عن‬ ‫عمرو‪ :‬ما َرأيتُه ﷺ ُس ِئ َل‬
‫قال عبد اهلل بن ٍ‬
‫الذبح واحلَ ِ‬
‫لق والرمي والتقدي ِم‬ ‫ِ‬ ‫قيل له ﷺ يف‬ ‫عباس‪ :‬إنه َ‬‫ٍ‬ ‫حرج»‪ .‬وقال ابن‬
‫َ‬ ‫وال‬
‫ِ‬
‫والتأخري‪ ،‬فقال‪« :‬ال َح َر َج»‪.‬‬

‫ينحرها‬ ‫املنحر بمنى‪ ،‬فنحر ثالثا وستني بدن ًة ِ‬


‫بيده‪ ،‬وكان‬ ‫ِ‬ ‫انرصف إىل‬
‫َ‬ ‫ثم‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫نحر ُه عد َد سنني ِ‬
‫عمره‪ ،‬ثم‬ ‫قائم ًة معقول ًة يدها ال ُيرسى‪ ،‬وكان عدد هذا الذي َ‬
‫ينحر ما بقي من املئة‪ ،‬ثم أمر عل ًّيا ‪ ‬أن يتصدَّ َق بجالهلا‬ ‫َ‬
‫أمسك وأ َم َر عل ًّيا أن َ‬
‫ِ‬
‫جزارهتا شي ًئا منها‪،‬‬ ‫اجلزار يف‬ ‫ومها يف املساكني‪ ،‬وأمره أال ِ‬
‫يعط َي‬ ‫وحل ِ‬
‫لودها ُ‬ ‫وج ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫شاء اق َت َط َع»)‪.(1‬‬ ‫ِ‬
‫وقال نحن نُعطيه من عندنا‪ ،‬وقال‪َ « :‬من َ‬

‫فصل‬

‫منحر‪ ،‬وأن‬
‫ٌ‬ ‫وأعلمهم أن ِمنًى ك َّلها‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫بمنحره بمنًى‪،‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ونح َر‬
‫َ‬
‫فجاج مك َة طريق ومنحر)‪.(2‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫سبق‬ ‫وسئ َل ﷺ أن ُيبنَى له بمنًى مظ َّل ٌة من ِّ‬
‫احلر فقال‪« :‬ال‪ ،‬منًى مناخُ من َ‬
‫ٍ‬
‫مكان منها‬ ‫سبق إىل‬ ‫ِ‬
‫اشرتاك املسلمني فيها‪ ،‬وأن من َ‬ ‫إليه»)‪ ،(3‬ويف هذا ٌ‬
‫دليل عىل‬
‫أحق به حتى ِ‬
‫يرحت َل عنه وال َيملِكه بذلك‪.‬‬ ‫فهو ُّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)1717‬ومسلم (‪.)1317‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)1218‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2019‬وابن ماجه (‪.)3006‬‬
‫‪ | 082‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫للحالق‪:‬‬ ‫احلالق َف َح َل َق َر ْأ َس ُه‪ ،‬فقال‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ن َْح َر ُه استدعى‬ ‫فلام َ‬
‫أكمل‬
‫أشار إىل‬
‫شعر ُه بني من يليه‪ ،‬ثم َ‬ ‫قسم َ‬ ‫ِ‬
‫األيمن‪ ،‬فلام فر َغ منه‪َ ،‬‬ ‫وأشار إىل جانبه‬
‫َ‬ ‫« ُخ ْذ»‪،‬‬
‫األيرس‪ ،‬ثم قال‪« :‬ها هنا أبو طلحة؟» فدفعه إليه)‪.(1‬‬ ‫ِ‬
‫احلالق‪ ،‬فحلق جانبه‬
‫َ‬
‫وللمقرصين مرةً‪.‬‬ ‫ِ‬
‫باملغفرة ثال ًثا‪،‬‬ ‫ودعا للمحلقني‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫اإلفاضة‪ ،‬ومل َي ُطف‬ ‫طواف‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الظهر راك ًبا‪ ،‬فطاف‬ ‫أفاض ﷺ إىل مكة َ‬
‫قبل‬ ‫ثم َ‬
‫الصواب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫غريه‪ ،‬ومل َي ْسع معه‪ ،‬هذا هو‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫طواف القدو ِم‪.‬‬ ‫رمل يف‬ ‫ِ‬
‫طواف الوداعِ‪ ،‬وإنام َ‬ ‫ِ‬
‫الطواف وال يف‬ ‫ومل ير ُمل ﷺ يف هذا‬
‫ثم َأتى زمز َم بعد أن قَض طوا َفه وهم َيستَقون فقال‪« :‬لوال أن َيغلِ َبكم‬
‫قائم)‪.(2‬‬ ‫فسقيت معكم»‪ ،‬ثم ناولوه الدَّ َلو ِ‬
‫فرش َب وهو ٌ‬ ‫ُ‬ ‫لنزلت‬
‫ُ‬ ‫الناس‬
‫ُ‬
‫وهل كان يف طوافِه هذا راك ًبا أو ماش ًيا؟ َفروى مسلم يف «صحيحه»‪ ،‬عن‬
‫حجة الوداع عىل راحلتِه‪ ،‬يستلِ ُم‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالبيت يف‬ ‫رسول اهلل ﷺ‬‫ُ‬ ‫طاف‬ ‫جابر قال‪َ « :‬‬ ‫ٍ‬
‫الناس غشوه»)‪.(3‬‬ ‫ِ‬
‫وليرشف وليسألوه‪ ،‬فإن َ‬ ‫َ‬ ‫الناس‬
‫احلجر بمحجنه؛ ألن يراه ُ‬ ‫َ‬
‫يومئذ؟ ففي «الصحيحني»‪ :‬عن‬ ‫ٍ‬ ‫الظهر‬ ‫ُلف أين صىل‬‫رجع إىل منًى‪ ،‬واخت َ‬ ‫ثم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الظهر بمنًى)‪ ،(4‬ويف «صحيح‬ ‫َ‬ ‫رجع فصىل‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫النحر‪ ،‬ثم‬ ‫أفاض يو َم‬
‫عمر‪ ،‬أنه ﷺ َ‬ ‫ابن َ‬ ‫ِ‬
‫أحد هذين‬ ‫ترجيح ِ‬
‫ِ‬ ‫الظهر بمك َة)‪ ،(5‬واختُلِ َ‬
‫ف يف‬ ‫جابر أنه ﷺ صىل‬‫ٍ‬ ‫مسلم»‪ :‬عن‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫القولني عىل اآلخر‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)1305‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)1218‬‬
‫(‪ )3‬تقدم (ص‪.)173‬‬
‫(‪ )4‬البخاري (‪ ،)1732‬ومسلم (‪.)1308‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم (‪.)1218‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪083‬‬

‫فصل‬

‫وس َعت سع ًيا واحدً ا أجز َأها‬


‫وطا َفت عائش ُة يف ذلك اليو ِم طوا ًفا واحدً ا‪َ ،‬‬
‫وعمر ِهتا‪.‬‬
‫َ‬ ‫حجتها‬
‫عن َّ‬
‫ِ‬
‫طواف‬ ‫فأجز َأها طوا ُفها ذلك عن‬
‫َ‬ ‫وطافت صفي ُة ذلك اليو َم ثم حاضت‬
‫ِ‬
‫الطواف أن‬ ‫قبل‬ ‫ِ‬
‫الطاهر إذا حاضت َ‬ ‫ِ‬
‫املرأة‬ ‫الودا ِع ومل تو ِّدع‪ ،‬فاست َق َّرت ُسنَّته ﷺ يف‬
‫ِ‬
‫اإلفاضة‬ ‫ِ‬
‫طواف‬ ‫واحد‪ ،‬وإن حاضت بعد‬‫ٍ‬ ‫واحد وسعي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بطواف‬ ‫َ‬
‫تقرن وتكتفي‬
‫ِ‬
‫طواف الوداعِ‪.‬‬ ‫اجتزأت به عن‬

‫فصل‬

‫َ‬
‫زوال‬ ‫فبات هبا‪ ،‬فلام أص َب َح انت َظ َر‬‫َ‬ ‫يومه ذلك‪،‬‬‫ثم رجع ﷺ إىل منًى من ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫باجلمرة‬ ‫ِ‬
‫اجلامر ومل َيركَب‪ ،‬فبد َأ‬ ‫الشمس مشى من رحلِه إىل‬ ‫ِ‬
‫الشمس‪ ،‬فلام زالت‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫واحدة‪ ،‬يقول‬ ‫ٍ‬
‫واحدة بعد‬ ‫ٍ‬
‫حصيات‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اخليف‪ ،‬فرماها بسب ِع‬ ‫األوىل التي تيل مسجدَ‬
‫َ‬
‫مستقبل‬ ‫أسهل‪ ،‬فقام‬‫َ‬ ‫رة أما َمها حتى‬ ‫حصاة‪« :‬اهلل أكَب»‪ ،‬ثم تقدَّ م عن اجلم ِ‬
‫ٍ‬ ‫مع كل‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫البقرة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫سورة‬ ‫ً‬
‫طويال بقدر‬ ‫ِ‬
‫القبلة‪ ،‬ثم رفع يديه ودعا دعا ًء‬

‫ِ‬
‫اليسار مما ييل‬ ‫اجلمرة الوسطى‪ ،‬فرماها كذلك‪ ،‬ثم انحدَ َر ذات‬ ‫ِ‬ ‫ثم أتى إىل‬
‫ِ‬
‫األول‪.‬‬ ‫القبلة راف ًعا يديه يدعو قري ًبا من وقوفِه‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫مستقبل‬ ‫فوقف‬
‫َ‬ ‫الوادي‪،‬‬

‫واستعر َض‬ ‫ِ‬


‫العقبة‪ ،‬فاستب َط َن الوادي‬ ‫ثم أتى اجلمر َة الثالث َة وهي مجرة‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫حصيات كذلك‪.‬‬ ‫يساره‪ ،‬ومنًى عن يمينه‪ ،‬فرماها بسب ِع‬ ‫البيت عن ِ‬ ‫َ‬ ‫اجلمرةَ‪ ،‬فجعل‬

‫وقت الرمي‪.‬‬
‫البيت َ‬
‫َ‬ ‫يرمها من أعالها‪ ،‬وال َج َع َلها عن يمينِه واستق َب َل‬
‫ومل ِ‬
‫‪ | 084‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫املكان‬ ‫ِ‬
‫لضيق‬ ‫فوره‪ ،‬ومل ِيقف عندها‪ ،‬فقيل‪:‬‬
‫رجع من ِ‬ ‫َ‬ ‫الرمي‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أكمل‬ ‫فلام‬
‫ِ‬
‫العبادة قبل الفرا ِغ منها‬ ‫ِ‬
‫نفس‬ ‫أصح‪ :-‬إن دعاءه كان يف‬ ‫باجلبل‪ ،‬وقيل ‪-‬وهو‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫الصالة كان َيدعو يف‬ ‫أفضل منه بعد الفرا ِغ منها‪ ،‬وهذا كام كانت سنتُه يف ِ‬
‫دعائه يف‬ ‫ُ‬
‫ُصلبِها‪.‬‬

‫فصل‬

‫يغلب‬ ‫ِ‬
‫صالة الظهر أو بعدَ ها؟ والذي‬ ‫ومل َيزل يف نفيس‪ :‬هل كان َيرمي َ‬
‫قبل‬
‫ُ‬
‫جابرا وغريه قالوا‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫الصالة‪ُ ،‬ثم‬ ‫عىل الظن أنه كان ي ِ‬
‫رمي َ‬
‫فيصيل؛ ألن ً‬ ‫يرجع‬
‫ُ‬ ‫قبل‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫وقت‬‫َ‬ ‫وأيضا فإن‬
‫ً‬ ‫زوال الشمس ِ‬
‫برميه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الشمس‪ ،‬فعقبوا‬ ‫رمي إذا زالت‬ ‫كان ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫النحر‪ ،‬والنبي ﷺ يو َم النحر ملا‬ ‫ِ‬
‫الزوال للرمي أيا َم منًى كطلو ِع الشمس لرمي يوم‬
‫ِ‬
‫عبادات ذلك اليوم‪.‬‬ ‫وقت الرمي مل يقدِّ م عليه شي ًئا من‬
‫دخل َ‬

‫فصل‬

‫ُ‬
‫األول‪ :‬عىل الصفا‪،‬‬ ‫ُ‬
‫املوقف‬ ‫ٍ‬
‫وقفات للدعاء‪:‬‬ ‫ست‬
‫فقد تضمن َْت حجتُه ﷺ َّ‬
‫ِ‬
‫اجلمرة‬ ‫واخلامس‪ :‬عند‬ ‫والرابع‪ :‬بمزدلف َة‪،‬‬ ‫والثالث‪ :‬بعرف َة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املروة‪،‬‬ ‫والثاين‪ :‬عىل‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اجلمرة الثانية‪.‬‬ ‫والسادس‪ :‬عندَ‬ ‫األوىل‪،‬‬
‫ُ‬

‫فصل‬
‫ِ‬
‫النحر وقد‬ ‫الناس بمنًى خطبتني‪ :‬خطب َة يو ِم‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫وخطب‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫النحر وهو‬ ‫ِ‬
‫الترشيق‪ ،‬فقيل‪ :‬هو ثاين يو ِم‬ ‫ِ‬
‫أوسط أيام‬ ‫تقدمت‪ ،‬واخلطب َة الثانية يف‬
‫أوس ُطها أي‪ُ :‬‬
‫خيارها‪.‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪085‬‬

‫فصل‬

‫أجل سقايتِه‬
‫ليايل منًى من ِ‬
‫بيت بمك َة َ‬
‫بن عبد املطلب أنه َي ُ‬ ‫العباس ُ‬
‫ُ‬ ‫واستأ َذنه‬
‫ص هلم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اإلبل‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ف َأ ِذن له واستأ َذنَه ِرعا ُء اإل ِ‬
‫فأرخ َ‬ ‫خارج منًى عند‬
‫َ‬ ‫البيتوتة‬ ‫بل يف‬

‫فمن له‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫النبي ﷺ قد َّ‬


‫ألهل السقاية وللرعاء يف البيتوتة‪َ ،‬‬ ‫ص‬‫رخ َ‬ ‫وإذا كان ُّ‬
‫مريضا ال متكنه‬
‫ً‬ ‫خياف من ِ‬
‫ختلفه عنه‪ ،‬أو كان‬ ‫ُ‬ ‫مريض‬
‫ٌ‬ ‫خياف ضياعه‪ ،‬أو‬ ‫ُ‬ ‫مال‬
‫ِ‬
‫ال َبيتوت ُة‪ ،‬سق َطت عنه بتَنبيه ِّ‬
‫النص عىل هؤالء‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫فصل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الثالثة‪،‬‬ ‫الترشيق‬ ‫أكم َل َ‬
‫رمي أيا ِم‬ ‫يتعجل ﷺ يف يومني‪ ،‬بل َّ‬
‫تأخر حتى َ‬ ‫َّ‬ ‫ومل‬
‫خيف بني كنان َة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫األبطح‪ ،‬وهو‬ ‫ِ‬
‫املحصب‪ ،‬وهو‬ ‫ِ‬
‫الظهر إىل‬ ‫ِ‬
‫الثالثاء بعد‬ ‫وأفاض يوم‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫واملغرب والعشا َء‪،‬‬
‫َ‬ ‫والعرص‬
‫َ‬ ‫الظهر‬
‫َ‬ ‫ِضب قبتَه هناك‪ ،‬فصىل‬
‫َ‬ ‫فوجدَ أبا راف ٍع قد‬
‫سحرا‪ ،‬ومل ير ُمل يف هذا‬
‫ً‬ ‫هنض إىل مك َة‪ ،‬فطاف للودا ِع ً‬
‫ليال‬ ‫ورقدَ رقدةً‪ ،‬ثم َ‬
‫ِ‬
‫الطواف‪.‬‬

‫حائض فقال‪« :‬أحابِ َستُنا هي؟» فقالوا له‪ :‬إهنا قد‬


‫ٌ‬ ‫وأخربت ُه صفي ُة أهنا‬
‫أفاضت قال‪« :‬فلت َِنفر إذن»)‪.(1‬‬
‫َ‬
‫فأخربها أن طوا َفها‬ ‫الليلة أن ي ِ‬
‫عم َرها عمر ًة مفردةً‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورغ َبت إليه عائش ُة تلك‬
‫ََ‬ ‫ُ‬
‫وعمر ِهتا‪ ،‬فأبت إال أن تعت َِمر عمر ًة‬
‫َ‬ ‫أجز َأ عن ِّ‬
‫حجها‬ ‫ِ‬
‫واملروة‪ ،‬قد َ‬ ‫ِ‬
‫بالبيت وبالصفا‬
‫ِ‬
‫عمرهتا ً‬
‫ليال‪،‬‬ ‫مفردةً‪ ،‬فأمر أخاها عبدَ الرمحن أن ي ِ‬
‫عم َرها من التَّنعي ِم‪ ،‬ففر َغت من‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)1733‬ومسلم (‪.)1211‬‬


‫‪ | 086‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫جوف الليل فقال رسول اهلل ﷺ‪:‬‬‫ِ‬ ‫ب مع أخيها‪ ،‬فأ َت َيا يف‬ ‫ثم وا َفت‬
‫املحص َ‬
‫َّ‬
‫الناس‪ ،‬ثم طاف‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫فارحتل‬ ‫بالرحيل يف أصحابِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫« َف َرغتُام؟» قالت‪ :‬نعم‪ ،‬فنادى‬
‫ِ‬
‫صالة الصبح)‪.(1‬‬ ‫ِ‬
‫بالبيت قبل‬
‫منزل ٍ‬
‫اتفاق؟ عىل قولني‪.‬‬ ‫ِ‬
‫التحصيب هل هو سن ٌة‪ ،‬أو ُ‬ ‫السلف يف‬
‫ُ‬ ‫اختلف‬
‫َ‬ ‫وقد‬

‫فصل‬

‫َ‬
‫مسائل‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ثالث‬ ‫وها هنا‬

‫البيت يف حجتِه‪،‬‬ ‫وغريهم أنه َ‬


‫دخل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفقهاء‬ ‫كثري من‬
‫َ‬ ‫عم ٌ‬
‫املسألة األوىل‪َ :‬ز َ‬
‫سنن احلج اقتدا ًء بالنبي ﷺ‪ ،‬والذي‬ ‫دخول البيت من ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الناس أن‬ ‫كثري من‬
‫و َيرى ٌ‬
‫البيت يف حجتِه وال يف عمرتِه‪ ،‬وإنام دخل ُه عام‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫تدل عليه سنتُه الرشيفة أنه مل يدخل‬
‫ِ‬
‫الفتح‪.‬‬
‫ِ‬
‫الفتح‪.‬‬ ‫املسألة الثانية‪ :‬وهي وقو ُفه يف امللتز ِم‪ ،‬فالذي روي عنه أنه فع َله يوم‬
‫املسألة الثالثة‪ :‬وهي موضع صالتِه ﷺ الصبح صبيح َة ِ‬
‫ليلة الوداعِ‪ ،‬ففي‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫شكوت إىل رسول اهلل ﷺ أين أشتكي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫«الصحيحني»‪ :‬عن أ ِّم سلم َة‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‬ ‫ُ‬
‫ورسول اهلل ﷺ‬ ‫ِ‬
‫الناس وأنت راكبة»‪ .‬قالت‪ :‬ف ُطفت‬ ‫فقال‪ُ « :‬طويف من ِ‬
‫وراء‬
‫البيت‪ ،‬وهو يقر ُأ بـ(ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ)‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جنب‬ ‫ُيصيل إىل‬
‫ِ‬
‫طواف‬ ‫َ‬
‫يكون يف‬ ‫الفجر ويف ِ‬
‫غريها‪ ،‬وأن‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫يكون يف‬ ‫تمل أن‬ ‫[الطور‪ ،(2)]2-1:‬فهذا َحي ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)1560‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)464‬ومسلم (‪.)1276‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪087‬‬

‫ِ‬
‫القصة‬ ‫البخاري قد روى يف «صحيحه» يف هذه‬ ‫ِ‬
‫وغريه‪ ،‬فنظرنا يف ذلك فإذا‬ ‫الودا ِع‬
‫ُّ‬
‫اخلروج‪ ،‬فقال‬ ‫ت‬‫أنه ﷺ ملا أراد اخلروج‪ ،‬ومل تكن أم سلم َة طافت بالبيت‪ ،‬وأراد ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫والناس ُيص ُّلون»‬
‫ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬إذا أقيمت صال ُة الصبحِ ‪ ،‬فطويف عىل ِ‬
‫بعريك‬ ‫ُ‬ ‫هلا‬
‫ِ‬
‫النحر‪ ،‬فهو‬ ‫ف َف َع َلته‪ ،‬ومل ت َُص ِّل حتى خرجت)‪ .(1‬وهذا ٌ‬
‫حمال قط ًعا أن يكون يو َم‬
‫يومئذ عند البيت‪ ،‬وسمعت ُه أم‬ ‫ٍ‬ ‫الصبح‬ ‫طواف الودا ِع بال ٍ‬
‫ريب‪ ،‬فظه َر أنه صىل‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫بالطور‪.‬‬ ‫سلم َة يقرأ فيها‬

‫فصل‬
‫ِ‬
‫وحاء لقي رك ًبا‪ ،‬فس َّلم عليهم‬ ‫بالر‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ارحتل ﷺ راج ًعا إىل املدينة‪ ،‬فلام كان َّ‬ ‫ثم‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ»‬ ‫فمن القو ُم؟ فقال‪« :‬‬
‫وقال‪َ « :‬من القو ُم؟» فقالوا‪ :‬املسلمون‪ ،‬قالوا‪َ :‬‬
‫حج؟ قال‪« :‬نعم‪،‬‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬أهلذا ٌّ‬ ‫َف َر َفعت امرأ ٌة صب ًّيا هلا من حمفة‪ ،‬فقالت‪ :‬يا‬
‫أجر»)‪.(2‬‬ ‫ِ‬
‫ولك ٌ‬
‫ٍ‬
‫مرات وقال‪« :‬ال إله‬ ‫َ‬
‫ثالث‬ ‫حل َليف َة بات هبا‪ ،‬فلام رأى املدين َة‪َ َّ ،‬‬
‫كرب‬ ‫فلام أتى ذا ا ُ‬
‫قدير‪ ،‬آيبو َن‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫امللك وله احلمدُ وهو عىل كل يشء ٌ‬ ‫ِشيك له‪ ،‬له‬ ‫إال اهلل وحدَ ه ال‬
‫ونِص عبده وهز َم‬‫َ‬ ‫َ‬
‫صدق اهلل وعدَ ُه‬ ‫ساجدون لربنا حامدون‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫تائِبون عابِدون‬
‫األحزاب وحدَ ُه»)‪.(3‬‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشجرة‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬ ‫طريق‬ ‫وخرج من‬
‫َ‬ ‫املعرس‪،‬‬ ‫طريق‬ ‫ثم َد َخلها ً‬
‫هنارا من‬ ‫َّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)1626‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)1336‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)1797‬ومسلم (‪.)1344‬‬
‫‪ | 088‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -5‬فصل يف هديِه ﷺ يف اهلدايَا والضَّحايَا والعقمق ِ‬

‫عرف عنه ﷺ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وهي خمتص ٌة‬


‫باألزواج الثامنية املذكورة يف سورة األنعام‪ ،‬ومل ُي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أضح َّي ٌة وال عقيق ٌة من ِ‬
‫القرآن‬ ‫غريها‪ ،‬وهذا مأخو ٌذ من‬ ‫وال عن أصحابِه َه ٌ‬
‫دي وال‬
‫آيات‪ :‬إِحداها‪ :‬قو ُله تعاىل‪( :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ)‬ ‫ٍ‬ ‫من جممو ِع أرب ِع‬
‫[املائدة‪ .]1 :‬والثاني ُة‪ :‬قوله تعاىل‪( :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [احلج‪ .]28 :‬والثالث ُة‪ :‬قوله تعاىل‪( :‬ﯢ ﯣ‬
‫ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ‬
‫ﯴ ﭑ ﭒ) [األنعام‪ ]143 – 142 :‬ثم ذكرها‪ .‬والرابع ُة‪ :‬قو ُله تعاىل‪( :‬ﯲ‬
‫ٍ‬
‫طالب ‪.‬‬ ‫عيل بن أيب‬ ‫ُ‬
‫استنباط ِّ‬ ‫ﯳ ﯴ) [املائدة‪ .]95 :‬وهذا‬

‫اهلدي واألضحي ُة‬


‫ُ‬ ‫والذبائح التي هي ُقرب ٌة إىل اهلل وعباد ٌة هي ثالثة‪:‬‬
‫ُ‬
‫والعقيق ُة‪.‬‬

‫البقر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫نسائه‬ ‫اإلبل‪ ،‬وأهدى عن‬ ‫َ‬ ‫الغنم‪ ،‬وأهدى‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫فأهدى‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫إشعارها‪.‬‬ ‫مقامه ويف عمرتِه ويف حجتِه‪ ،‬وكانت سنتُه تقليدَ الغنم دون‬
‫وأهدى يف ِ‬

‫ً‬
‫حالال‪.‬‬ ‫قيم مل حيرم عليه يشء كان منه‬ ‫بعث ِ‬
‫هبديه وهو ُم ٌ‬ ‫وكان إذا َ‬

‫اإلبل ق َّلدها وأش َع َرها‪َّ ،‬‬


‫فيشق صفح َة سنامها األيمن ً‬
‫يسريا‬ ‫وكان إذا أهدى َ‬
‫حتى َ‬
‫يسيل الدم‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫بعث ِ‬
‫نحر ُه‪،‬‬
‫عطب يش ٌء منه أن َي َ‬ ‫ف عىل‬ ‫أمر رسو َله إذا َ‬
‫أرش َ‬ ‫هبديه َ‬ ‫وكان إذا َ‬
‫يأكل منه هو وال أحدٌ من ِ‬
‫أهل‬ ‫دمه‪ ،‬ثم جيع َله عىل صفحتِه‪ ،‬وال َ‬
‫يصبغ نع َله يف ِ‬
‫َ‬ ‫ثم‬
‫حلمه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُرفقته‪ ،‬ثم َيقس َم َ‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪089‬‬

‫ٍ‬
‫سبعة‪ ،‬والبقر ُة كذلك‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اهلدي‪ :‬البدن ُة عن‬ ‫ورش َك بني أصحابِه يف‬
‫َّ‬
‫غريه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ظهرا َ‬
‫احتاج إليه حتى جيدَ ً‬
‫َ‬ ‫باملعروف إذا‬ ‫لسائق اهلدي ركو َبه‬ ‫وأباح‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ثالث‪ ،‬وكان‬ ‫ِ‬
‫اإلبل قيا ًما مقيد ًة معقول َة ال ُيرسى عىل‬ ‫نحر‬
‫وكان هديه ﷺ َ‬
‫نحره ويكرب‪ ،‬وكان يذبح نسكَه بيده‪ ،‬وربام وكَّل يف ِ‬
‫بعضه‪ ،‬كام أمر‬ ‫سمي اهلل عند ِ‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُي ِّ‬
‫عليا ‪ ‬أن يذبح ما ب ِقي من ِ‬
‫املئة‪.‬‬ ‫َ َ‬ ‫ًّ‬
‫وذبح‪ ،‬وقد‬ ‫وكرب‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫سمى َّ‬ ‫وضع قدمه عىل صفاحها‪ ،‬ثم َّ‬ ‫َ‬ ‫الغنم‬
‫َ‬ ‫ذبح‬
‫وكان إذا َ‬
‫منحر»)‪.(1‬‬
‫ٌ‬ ‫فجاج مك َة ك َّلها‬
‫َ‬ ‫نحر بمنًى وقال‪« :‬إن‬
‫تقدَّ م أنه َ‬
‫وضحاياهم ويتزودوا منها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫هداياهم‬
‫ُ‬ ‫وأباح ﷺ ألُ َّمتِه أن يأكلوا من‬
‫َ‬
‫شاء اق َت َط َع»)‪ ،(2‬فعل هذا‬
‫قسم ُحلو َم اهلدي‪ ،‬وربام قال‪« :‬من َ‬‫َ‬ ‫وكان ربام‬
‫العرس ونحوه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النثار يف‬ ‫ِ‬
‫جواز النهبة يف‬ ‫وفعل هذا‪ ،‬واست َّ‬
‫ُدل هبذا عىل‬

‫‪ -6‬فصل [يف هديه ﷺ يف ذنبح اهلدي]‬

‫ران بمنًى‪ ،‬ومل‬ ‫وهدي ِ‬


‫الق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املروة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العمرة عند‬ ‫ذبح ِ‬
‫هدي‬ ‫وكان من ِ‬
‫هديه ﷺ ُ‬
‫ِ‬
‫الشمس وبعدَ‬ ‫أيضا إال بعد طلو ِع‬ ‫قط إال بعدَ أن َح َّل‪ ،‬ومل َ‬
‫ينحر ُه ً‬ ‫ينحر هد َيه ﷺ ُّ‬
‫َ‬
‫الطواف‪ .‬وهكذا‬
‫ُ‬ ‫احللق‪ ،‬ثم‬
‫ُ‬ ‫َّحر‪ ،‬ثم‬
‫الرمي‪ ،‬ثم الن ُ‬
‫ُ‬ ‫الرمي‪ ،‬فهي أربع ُة ٍ‬
‫أمور مرتب ٌة‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ريب أن ذلك‬ ‫ِ‬
‫النحر َ‬
‫[قبل] طلوع الشمس البت َة‪ ،‬وال َ‬ ‫يرخص يف‬‫رتَّبها ﷺ‪ ،‬ومل ِّ‬
‫حكم األضحية إذا ُذبحت َ‬
‫قبل طلو ِع الشمس‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فحكمه‬
‫ُ‬ ‫خمالف ِ‬
‫هلديه‪،‬‬ ‫ٌ‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن ماجه (‪.)3048‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪.)1765‬‬
‫‪ | 091‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -7‬فصل [يف هديه ﷺ يف األضاح ]‬

‫يدع األضح َّي َة‪ ،‬وكان ُي ِّ‬


‫ضحي‬ ‫وأما هد ُيه ﷺ يف األضاحي فإنه ﷺ مل يكن ُ‬
‫ِ‬
‫الصالة فليس‬ ‫العيد‪ ،‬وأخرب أن َمن ذب َح قبل‬ ‫ِ‬ ‫رمها بعد صالة‬ ‫نح ُ‬
‫بكبشني‪ ،‬وكان َي َ‬
‫حلم قدَّ مه ألهلِه)‪.(1‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫من النُّسك يف يشء‪ ،‬وإنام هو ٌ‬
‫الضأن أو ال َّثن ِ َّي مما سواه‪ ،‬وهي املسنة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫اجلذع من‬
‫َ‬ ‫وأ َم َرهم أن َيذبحوا‬
‫ٍ‬
‫أقوال‪:‬‬ ‫ويف [وقت الذبح] أربع ُة‬

‫ذبح]‪.‬‬ ‫أحدها‪ُّ :‬‬


‫[كل أيام الترشيق ٌ‬
‫(‪)2‬‬
‫مذهب أمحدَ‬ ‫ِ‬
‫ويومان بعدَ ه‪ ،‬وهذا‬ ‫ِ‬
‫الذبح يو ُم النحر‬ ‫وقت‬
‫َ‬ ‫والثاين‪ :‬أن‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫أصحاب رسول اهلل‬ ‫ٍ‬
‫واحد من‬ ‫قول ِ‬
‫غري‬ ‫ٍ‬
‫ومالك(‪ )3‬وأيب حنيف َة(‪ ،)4‬قال أمحد‪ :‬هو ُ‬
‫ﷺ‪.‬‬
‫اختص‬‫َّ‬ ‫ِ‬
‫النحر يو ٌم واحدٌ ‪ ،‬وهو قول ابن سريين(‪ ،)5‬ألنه‬ ‫وقت‬
‫الثالث‪ :‬أن َ‬
‫ِ‬
‫الثالثة لقيل هلا‪ :‬أيا ُم‬ ‫جاز يف‬ ‫ِ‬
‫حكمها به‪ ،‬ولو َ‬ ‫ِ‬
‫اختصاص‬ ‫فدل عىل‬ ‫ِ‬
‫التسمية َّ‬ ‫هبذه‬
‫النحر‪ ،‬كام قيل هلا‪ :‬أيا ُم الرمي وأيا ُم منًى‪ ،‬وأيا ُم الترشيق‪ ،‬وألن العيدَ ُيضاف إىل‬
‫النحر‪ ،‬وهو يوم واحد‪ ،‬كام ُيقال عيدُ الفطر‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5560‬ومسلم (‪.)1961‬‬


‫(‪ )2‬مسائل أمحد بن حنبل وإسحاق ابن راهويه رواية الكوسج (‪.)2837-2836‬‬
‫(‪ )3‬املدونة لسحنون ‪.550/1‬‬
‫(‪ )4‬األصل للشيباين ‪.412/5‬‬
‫(‪ )5‬املغني البن قدامة ‪.384/13‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪090‬‬

‫ِ‬
‫األمصار‪،‬‬ ‫الرابع‪ :‬قول سعيد بن جبري وجابر بن زيد(‪ :)1‬إنه يو ٌم واحدٌ يف‬
‫ِ‬
‫واحللق‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والطواف‬ ‫أعامل املناسك من الرمي‬‫ِ‬ ‫وثالث ُة أيا ٍم يف منًى؛ ألهنا هناك أيا ُم‬
‫أهل األمصار‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بخالف ِ‬ ‫ِ‬
‫للذبح‪،‬‬ ‫فكانت أيا ًما‬

‫‪ -6‬فصل [يف هديه ﷺ فمدن براد التضحم ]‬

‫يأخ ْذ من ِ‬
‫شعره‬ ‫العرش‪ ،‬فال ُ‬ ‫َ‬
‫ودخل‬ ‫ومن ِ‬
‫هديه ﷺ أن َمن أرا َد التضحي َة‬
‫ُ‬
‫النهي عن ذلك يف «صحيح مسلم» )‪.(2‬‬
‫ُ‬ ‫وبرشتِه شي ًئا‪َ ،‬‬
‫ثبت عنه‬

‫‪[ -9‬فصل يف هديه ﷺ يف صفات األضحم ]‬

‫ِ‬
‫العيوب‪،‬‬ ‫واستحساهنا وسال َمتُها من‬
‫ُ‬ ‫اختيار األضحية‬
‫ُ‬ ‫وكان من ِ‬
‫هديه ﷺ‬
‫ِ‬
‫والقرن‪ ،‬أي‪ :‬مقطوعة األذن ومكسورة القرن‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األذن‬ ‫ِ‬
‫بعضباء‬ ‫ضحى‬
‫وهنَى أن ُي َ‬
‫َ‬
‫النصف [فام] زاد‪ ،‬ذكره أبو داود)‪.(3‬‬
‫ضحى‬ ‫وأال ُي َ‬‫واألذن‪ ،‬أي‪ُ :‬ينظر إىل سالمتها‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫العني‬
‫ُ‬ ‫َرشف‬‫و َأ َم َر أن تُست َ‬
‫مدابرة‪ ،‬وال رشقا َء‪ ،‬وال خرقا َء‪ .‬واملقابل ُة‪ :‬هي التي ُق ِط َع‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مقابلة‪ ،‬وال‬ ‫بعورا َء‪ ،‬وال‬
‫أذهنا‪،‬‬‫مؤخر أذهنا‪ ،‬والرشقا ُء‪ :‬التي ُش َّقت ُ‬ ‫ُ‬ ‫مقد ُم أذهنا‪ ،‬واملدابرةُ‪ :‬التي ُق ِط َع‬
‫واخلرقا ُء‪ :‬التي ُخرقت ُ‬
‫أذهنا‪ .‬ذكره أبو داود)‪.(4‬‬

‫(‪ )1‬املغني البن قدامة ‪.384/13‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)1977‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪.)2805‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2804‬والرتمذي (‪.)1498‬‬
‫‪ | 092‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫البني عورها‪،‬‬
‫العوراء ُ‬
‫ُ‬ ‫أربع ال ُُتزئُ يف األضاحي‪:‬‬ ‫و ُذكِ َر عنه ً‬
‫أيضا قال‪ٌ « :‬‬
‫البني عرجها‪ ،‬والكسري التي ال تنقي‪ ،‬أو‬
‫ُ‬ ‫والعرجاء‬
‫ُ‬ ‫البني مرضها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫واملريض ُة‬
‫ِ‬
‫هزاهلا ال َّ‬
‫مخ فيها)‪.(1‬‬ ‫العجفاء التي ال تنقي»‪ ،‬أي‪ِ :‬من‬
‫ُ‬

‫‪ -11‬فصل [يف تضحمته ﷺ نباملصلى]‬

‫النبي ﷺ كان‬ ‫ضح َي باملُ َّ‬


‫صىل‪ ،‬ويف «الصحيح» أن َّ‬ ‫وكان من ِ‬
‫هديه ﷺ أن ُي ِّ‬
‫وينحر با ُمل َّ‬
‫صىل)‪.(2‬‬ ‫ُ‬ ‫ذبح‬
‫َي ُ‬

‫‪[ -11‬فصل يف بمره نباإلحسان يف الذنبح]‬

‫الناس إذا ذبحوا أن ُحي ِسنوا‪ ،‬وإذا َقتَلوا أن ُحي ِسنوا القتل َة وقال‪« :‬إن اهلل‬
‫َ‬ ‫وأمر‬
‫َ‬
‫اإلحسان عىل كل يشء»)‪.(3‬‬
‫َ‬ ‫َب‬
‫َكت َ‬

‫‪[ -12‬فصل يف إجزاء الشاة عن الرجل وبهله]‬

‫الرجل وعن ِ‬
‫أهل بيته ولو ك ُث َر‬ ‫ِ‬ ‫وكان من ِ‬
‫هديه ﷺ أن الشا َة ُِت ُ‬
‫زئ عن‬
‫عد ُدهم‪.‬‬
‫‪ -13‬فصل يف هديِه ﷺ يف العقمق ِ‬

‫رسول اهلل ﷺ عن‬ ‫ُ‬ ‫شعيب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جدِّ ه‪ ،‬قال‪ُ :‬س ِئ َل‬
‫ٍ‬ ‫عن ِ‬
‫عمرو بن‬
‫العقوق»‪ ،‬وكأنَّه ك َِره االسم‪ ،‬قالوا‪ :‬يا‬ ‫ِ‬
‫نسك‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪َ ،‬ي ُ‬ ‫َ‬ ‫العقيقة فقال‪« :‬ال ُأ ُّ‬
‫حب‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2802‬والرتمذي (‪ ،)1497‬وابن ماجه (‪.)3144‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)5552‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)1955‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪093‬‬

‫فقال‪« :‬من أحب منكم أن ينسك عن ِ‬ ‫ِ‬


‫ولده فل َيف َعل‪ :‬عن الغال ِم‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫أحدنا عن ولده؟ َ َ‬
‫وصح عنه من حديث عائش َة ‪« :‬عن الغال ِم‬ ‫ِ‬
‫اجلارية شا ٌة»)‪،(1‬‬ ‫شاتان‪ ،‬وعن‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫اجلارية شا ٌة»)‪.(2‬‬ ‫شاتان‪ ،‬وعن‬
‫رأسه‪،‬‬ ‫كل غال ٍم رهينة بعقيقتِه تُذ َبح عنه يو َم السابعِ‪ُ ،‬‬
‫وُي َلق ُ‬ ‫وقال‪ُّ « :‬‬
‫ِ‬
‫الشفاعة يف أبويه‪ .‬وظاهر‬ ‫حمبوس عن‬ ‫سمى»)‪ .(3‬قال اإلمام أمحد‪ :‬معناه أنه‬
‫ٌ‬ ‫و ُي َّ‬
‫حمبوس عن ٍ‬
‫خري ُيرا ُد به‪ ،‬وال َي َلزم من ذلك أن‬ ‫ممنوع‬ ‫احلديث أنه رهين ٌة يف ِ‬
‫نفسه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الشيطان ولدَ ه‪،‬‬ ‫يْض‬
‫سمى أبوه مل َّ‬ ‫ب عليها يف اآلخرة‪ ،‬كام أنه عند اجلام ِع إذا َّ‬ ‫يعا َق َ‬
‫ُ‬
‫احلفظ‪.‬‬ ‫حيصل للولد هذا‬ ‫وإذا ترك التسمي َة مل ُ‬

‫‪ -14‬فصل يف هديه ﷺ يف تسدم املولودِ وختانه‬

‫ُذبح يو َم‬
‫قد تقدم قوله يف حديث قتادة عن احلسن عن سمرة يف العقيقة‪« :‬ت ُ‬
‫سمى»)‪.(4‬‬ ‫ِ‬
‫سابعه و ُي َّ‬
‫اخلتان فقال ابن عباس‪ :‬كانوا ال خيتنون الغال َم حتى يدرك‪ .‬قال‬ ‫ُ‬ ‫فأ َّما‬
‫الصبي يو َم سابعه‪ ،‬وقال‬
‫َّ‬ ‫وسمعت أمحدَ يقول‪ :‬كان احلس ُن يكر َه أن خيت َن‬
‫ُ‬ ‫امليموين‪:‬‬
‫احلسن؛ لئال‬
‫ُ‬ ‫َرهه‬
‫ختن يو َم السابع فال بأس‪ ،‬وإنام ك َ‬
‫حنبل‪ :‬إن أبا عبد اهلل قال‪ :‬وإن َ‬
‫يتشبه باليهود‪ ،‬وليس يف هذا يش ٌء‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2842‬والنسائي (‪.)4212‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)1513‬وابن ماجه (‪.)3162‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2838‬والرتمذي (‪ ،)1522‬والنسائي (‪.)4220‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2837‬والرتمذي (‪ ،)1522‬وابن ماجه (‪ ،)3165‬والنسائي (‪.)4220‬‬
‫‪ | 094‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -15‬فصل يف هديِه ﷺ يف األمساءِ والرُنى‬

‫بت عنه ﷺ أنه قال‪« :‬إن أخن ََع اس ٍم عند اهلل ٌ‬


‫رجل ت ََس َّمى ملك األمالك‪ ،‬ال‬ ‫َث َ‬
‫َملك إال اهلل»)‪.(1‬‬
‫ِ‬
‫األسامء إىل اهلل‪ :‬عبدُ اهلل‪ ،‬وعبدُ الرمحن‪،‬‬ ‫أحب‬
‫وثبت عنه أنه قال‪ُّ « :‬‬ ‫َ‬
‫رب ومر ُة»)‪.(2‬‬ ‫ٌ‬
‫حارث ومها ٌم‪ ،‬وأقبحها‪َ :‬ح ٌ‬ ‫وأصدَ ُقها‪:‬‬

‫َجيحا وال‬
‫رباحا وال ن ً‬
‫ً‬ ‫سارا وال‬
‫غالمك َي ً‬‫َ‬ ‫وثبت عنه أنه قال‪« :‬ال تُسم َني‬ ‫َ‬
‫يكون‪ ،‬فت ُ‬
‫َقول‪ :‬ال»)‪.(3‬‬ ‫ُ‬ ‫أفلح؛ فإنه ُ‬
‫يقول‪ :‬أ َث َّم هو؟ فال‬ ‫َ‬
‫غري اسم عاصي َة‪ ،‬وقال‪ :‬أنت َمجيل ُة)‪.(4‬‬
‫وثبت عنه أنه َّ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ باس ِم ُجويرية)‪ ،(5‬وقالت‬ ‫ُ‬ ‫اسم جويري َة َب َّرةُ‪ ،‬فغريه‬
‫وكان ُ‬
‫سمى هبذا االس ِم‪ ،‬وقال‪« :‬ال ُت َزكُّوا‬
‫بنت أم سلم َة‪ :‬هنى رسول اهلل ﷺ أن ُي َّ‬ ‫ينب ُ‬
‫َز ُ‬
‫بأهل الَب منكم»)‪.(6‬‬ ‫أنفسكم‪ ،‬اهلل أع َل ُم ِ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫السهل‬ ‫وج َع َله ً‬
‫سهال‪ ،‬فأ َبى وقال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫وغري اسم َح َزن جدِّ سعيد بن املسيب‪َ ،‬‬
‫َّ‬
‫يو َط ُأ و ُيمت ََهن)‪.(7‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)6205‬ومسلم (‪.)2143‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)2132‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)2137‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪.)2139‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم (‪.)2140‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه مسلم (‪.)2141‬‬
‫(‪)7‬أخرجه البخاري (‪ ،)6190‬وأبو داود (‪.)4956‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪095‬‬

‫فصل يف فقهِ هذا البا ِ‬


‫قوالب للمعاين ودال ًة عليها اقت ََضت احلكم ُة أن يكون بينَها‬
‫َ‬ ‫ملا كانت األسام ُء‬
‫ِ‬
‫املحض الذي ال‬ ‫ِ‬
‫بمنزلة األجنبي‬ ‫يكون املعنى معها‬ ‫َ‬ ‫َناسب‪َّ ،‬‬
‫وأال‬ ‫ٌ‬
‫ارتباط وت‬ ‫وبينها‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫لألسامء‬ ‫والواقع يشهدُ بخالفِه‪ ،‬بل‬ ‫تعلق له هبا‪ ،‬فإن حكم َة احلكيم تأبى ذلك‪،‬‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫واخلفة‬ ‫ِ‬
‫والقبح‪،‬‬ ‫سن‬ ‫ِ‬
‫أسامئها يف احلُ ِ‬ ‫تأثري يف املسميات‪ ،‬وللمسميات تأ ُّث ٌر عن‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫والكثافة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واللطافة‬ ‫ِ‬
‫والثقل‪،‬‬

‫وأمر إذا أبردوا إليه بريدً ا أن يكون‬ ‫االسم احلسن‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ستحب‬
‫ُّ‬ ‫النبي ﷺ َي‬
‫وكان ُّ‬
‫ِ‬
‫واليقظة‪ ،‬كام‬ ‫ِ‬
‫أسامئها يف املنا ِم‬ ‫ُ‬
‫يأخذ املعاين من‬ ‫حسن االس ِم حس َن الوجه‪ ،‬وكان‬ ‫َ‬
‫فأوله‬ ‫ابن ٍ‬
‫طاب‪َّ ،‬‬ ‫رطب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫برطب من‬ ‫رأى أنه وأصحا َبه يف ِ‬
‫دار عقب َة بن رافعٍ‪ ،‬ف ُأتوا‬
‫اآلخرة‪ ،‬وأن الدين الذي اختار ُه اهلل هلم قد‬‫ِ‬ ‫هلم الرفع َة يف الدنيا‪ ،‬والعاقب َة يف‬
‫بأن ُ‬
‫وطاب)‪.(1‬‬
‫َ‬ ‫أر َط َ‬
‫ب‬
‫ِ‬
‫بعض‬ ‫مر يف‬ ‫ِ‬ ‫وكان َيكر ُه األمكن َة املنكر َة‬
‫العبور فيها‪ ،‬كام َّ‬
‫َ‬ ‫األسامء ويكر ُه‬
‫َ‬
‫فعدل عنهام‪ ،‬ومل جيز‬ ‫فاضح ٍ‬
‫وخمز‪،‬‬ ‫اسميهام‪ ،‬فقالوا‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫غزواته بني جبلني‪ ،‬فسأل عن َ‬
‫بينَهام‪.‬‬
‫ِ‬
‫والقرابة ما بني‬ ‫ِ‬
‫والتناسب‬ ‫ِ‬
‫االرتباط‬ ‫ِ‬
‫واملسميات من‬ ‫ِ‬
‫ألسامء‬ ‫وملا كان بني ا‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قوال ِ ِ‬
‫واحد‬ ‫العقل من كل‬ ‫األرواح واألجسا ِم؛ َع َ َ‬
‫رب‬ ‫ِ‬ ‫وحقائقها‪ ،‬وما بني‬ ‫األشياء‬ ‫ب‬
‫الشخص فيقول‪ :‬ينبغي أن‬
‫َ‬ ‫وغريه يرى‬ ‫إياس ب ُن معاوي َة‬
‫اآلخر‪ ،‬كام كان ُ‬‫ِ‬ ‫منهام إىل‬
‫ُ‬
‫العبور من االس ِم إىل َّ‬
‫مسامه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫خيطئ‪ ،‬وضدُّ هذا‬
‫ُ‬ ‫اسمه كيت وكيت‪ ،‬فال يكا ُد‬ ‫َ‬
‫يكون ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)2270‬‬


‫‪ | 096‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫واسم أبيك؟ قال‪:‬‬ ‫رجال عن ِ‬


‫اسمه‪ ،‬فقال‪ :‬مجرة‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫عمر بن اخلطاب ً‬
‫ُ‬ ‫كام سأل ُ‬
‫بحرة ِ‬
‫النار‪ ،‬قال‪ :‬فأين‬ ‫ِ‬
‫شهاب‪ ،‬قال‪ :‬ممَّن؟ قال‪ :‬من احلرقة‪ ،‬قال‪ :‬فمنزلك؟ قال‪َّ :‬‬
‫ٌ‬
‫احرتق مسكنُك‪ ،‬فذهب فوجد‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫بذات لظى‪ ،‬فقال‪ :‬اذهب فقد‬ ‫مسكنُك؟ قال‪:‬‬
‫النبي ﷺ من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عمر من األلفاظ إىل أرواحها ومعانيها كام َع َرب ُّ‬‫األمر كذلك‪ ،‬ف َع َرب ُ‬
‫األمر كذلك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫سهيل إىل سهولة ِ‬
‫أمرهم يو َم احلديبية‪ ،‬فكان‬ ‫ٍ‬ ‫اسم‬
‫ِ‬
‫القيامة هبا‪.‬‬ ‫دعون يوم‬
‫رب أهنم ُي َ‬ ‫ِ‬
‫النبي ﷺ أمته بتحسني أسامئهم‪ ،‬وأخ َ‬
‫أمر ُّ‬‫وقد َ‬
‫ِ‬
‫وصفه اسامن مطابِقان ملعناه‪ ،‬ومها أمحدُ‬ ‫للنبي ﷺ من‬ ‫وتأ َّمل كيف اشت َُّق‬
‫ِّ‬
‫املحمودة حممدٌ ‪ ،‬ولرشفِها وفضلِها عىل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لكثرة ما فيه من الصفات‬ ‫وحممدٌ ‪ ،‬فهو‬
‫َّ‬
‫صفات غريه أمحدُ ‪.‬‬

‫غريه‬ ‫ِ‬
‫ُعرف بغري هذا االسم َّ َ‬
‫يثرب ال ت َ‬
‫ُ‬ ‫واسمها‬
‫ُ‬ ‫النبي ﷺ املدينة‬
‫ُّ‬ ‫وملا قد َم‬
‫ب َطيبة‪.‬‬
‫ِ‬
‫أسامئهم‬ ‫بدر كيف اقتََض ال َقدَ ُر مطابق َة‬ ‫ِ‬
‫الستة املتبارزين يو َم ٍ‬ ‫وتأ َّمل أسام َء‬
‫ِ‬
‫الضعف‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫أسامء من‬ ‫الكفار‪ :‬شيب ُة وعتب ُة والوليدُ ‪ ،‬ثالث ُة‬ ‫ٍ‬
‫يومئذ‪ ،‬فكان‬ ‫ِ‬
‫ألحواهلم‬
‫ُ‬
‫الضعف‪ ،‬وشيب ُة له هنايتُه‪ ،‬كام قال تعاىل‪( :‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬ ‫ِ‬ ‫فالوليدُ له بداي ُة‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الروم‪،]54 :‬‬
‫ٍ‬
‫وضعف َي ُ‬
‫ناهلم‪.‬‬ ‫تب‪ ،‬فد َّلت أسامؤهم عىل ٍ‬
‫عتب ُّ‬
‫حيل هبم‪،‬‬ ‫وعتب ُة من ال َع ِ‬
‫ٍ‬
‫أسامء‬ ‫واحلارث ‪ ،‬ثالث ُة‬
‫ُ‬ ‫عيل‪ ،‬وعبيدةُ‪،‬‬
‫أقراهنم من املسلمني ٌّ‬
‫ُ‬ ‫وكان‬
‫احلرث‪ ،‬ف َع َلوا عليهم‬
‫ُ‬ ‫تناسب أوصا َفهم وهي ال ُعلو والعبودي ُة والسعي الذي هو‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫حرث اآلخرة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وسعيهم يف‬ ‫ِ‬
‫بعبود َّيتهم‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪097‬‬

‫ِ‬
‫األسامء إىل اهلل ما اقتَض‬ ‫االسم مقتض ًيا ملسامه ومؤ ِّث ًرا فيه كان َّ‬
‫أحب‬ ‫ُ‬ ‫وملا كان‬
‫ِ‬
‫العبودية إىل اس ِم اهلل‬ ‫وعبد الرمحن‪ ،‬وكان إضاف ُة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كعبد اهلل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األوصاف إليه‬ ‫أحب‬
‫َّ‬
‫غريمها من األسامء‪ ،‬كالقاهر والقادر‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أحب إليه من إضافتِها إىل‬ ‫واس ِم الرمحن‬
‫َّ‬
‫عبد ربه؛ وهذا ألن‬ ‫عبد القادر‪ ،‬وعبدُ اهلل أحب إليه من ِ‬ ‫فعبد الرمحن أحب إليه من ِ‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫بني اهلل‬
‫والتعلق الذي َ‬
‫ُ‬ ‫وبني اهلل إنام هو العبودي ُة املحض ُة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العبد َ‬ ‫بني‬
‫التعلق الذي َ‬
‫َ‬
‫وجوده‪ ،‬والغاي ُة التي‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وكامل‬ ‫بالرمحة املحضة‪ ،‬فربمحتِه كان وجو ُده‬ ‫ِ‬ ‫وبني العبد‬ ‫َ‬
‫وتعظيام‪ ،‬فيكون عبدً ا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وإجالال‬ ‫أوجدَ ه ألجلِها أن يتأهلَه وحده حمب ًة وخو ًفا‪ ،‬ورجا ًء‬
‫تكون ِ‬
‫لغريه‪ ،‬وملا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫يستحيل أن‬ ‫هلل‪ ،‬وقد عبده [ملا] يف اسم اهلل من معنى اإلهلية التي‬
‫أحب‬
‫َّ‬ ‫أحب إليه من الغضب كان عبدُ الرمحن‬
‫َّ‬ ‫غل َب ْت رمحتُه غض َبه وكانت الرمح ُة‬
‫إليه من ِ‬
‫عبد القاهر‪.‬‬
‫فصل‬
‫َّب عىل إرادتِه‬ ‫ِ‬
‫واهلم مبد ُأ اإلرادة‪ ،‬ويرتت ُ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫باإلرادة‪،‬‬ ‫عبد متحركًا‬ ‫كل ٍ‬ ‫وملا كان ُّ‬
‫حارث؛ وملا كان ا ُمللك ُّ‬
‫احلق هلل‬ ‫ٍ‬ ‫واسم‬ ‫اسم مها ٍم‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫حر ُثه وكس ُبه‪ ،‬كان‬
‫ُ‬ ‫أصدق األسامء ُ‬
‫اسم «شاهان شاه» أي‪َ :‬م ِلك‬ ‫وأوضعه عند اهلل وأغض َبه له ُ‬ ‫َ‬ ‫وحدَ ُه كان أخن ََع اسم‬
‫ِ‬
‫القضاة»‬ ‫أهل العلم هبذا «قاِض‬ ‫بعض ِ‬ ‫حل َق ُ‬ ‫ُ‬
‫وسلطان السالطني‪ ،‬وقد أ َ‬ ‫امللوك‬
‫خري الفاصلني‪ ،‬الذي إذا قَض‬ ‫القضاة إال من ِ‬
‫ِ‬
‫احلق وهو ُ‬ ‫يقِض َّ‬ ‫َ‬ ‫وقال‪ :‬ليس قايض‬
‫ُ‬
‫فيكون‪.‬‬ ‫أمرا فإنام يقول له ُك ْن‬‫ً‬
‫الناس‪ ،‬وسيد ِّ‬
‫الكل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والكذب‪ :‬سيدُ‬ ‫ِ‬
‫والقبح‬ ‫ِ‬
‫الكراهة‬ ‫االسم يف‬ ‫و َييل هذا‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫القيامة وال‬ ‫لرسول اهلل ﷺ خاص ًة كام قال‪« :‬أنا سيدُ ِ‬
‫ولد آد َم [يو َم‬ ‫ِ‬ ‫وليس ذلك إال‬
‫فخر]»)‪.(1‬‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)2278‬‬


‫‪ | 098‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫فصل‬
‫أقبح‬ ‫ِ‬ ‫رة أكره ٍ‬‫احلرب واملُ ِ‬
‫ِ‬
‫وأقبحها عندَ ها‪ ،‬كان ُ‬
‫َ‬ ‫للنفوس‬ ‫يشء‬ ‫َ‬ ‫سمى‬
‫وملا كان ُم َّ‬
‫ِ‬
‫مسمياهتا‪ ،‬كام‬ ‫ِ‬
‫بتأثريها يف‬ ‫أجدر هذه األسام َء‬ ‫ِ‬
‫األسامء حر ًبا ومرةَ‪ ،‬وما أش َب َههام‪ ،‬وما‬
‫َ‬
‫وأهل بيتِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سعيد بن املسيب‬ ‫اسم «حزن» احلزون َة يف‬‫أثر ُ‬
‫فصل‬
‫آخر‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫تسمية الغال ِم‬
‫ورباح‪ ،‬فهذا ملعنًى َ‬ ‫ونجيح‬ ‫وأفلح‬
‫َ‬ ‫بيسار‬ ‫النهي عن‬
‫ُ‬ ‫وأما‬
‫أثم هو؟ فيقال‪ :‬ال»)‪ ،(1‬فإن هذه‬ ‫ِ‬
‫احلديث‪ ،‬وهو قوله‪« :‬فإنه ُ‬
‫يقول‪َّ :‬‬ ‫قد أش َار إليه يف‬
‫ِ‬
‫بصدده‪ ،‬كام‬ ‫النفوس‪ ،‬ويصدها عام هي‬ ‫تكرهه‬ ‫تطريا‬ ‫األسامء ملا كانت قد ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ب ً‬ ‫توج ُ‬ ‫َ‬
‫تطريت أنت وهو من‬
‫َ‬ ‫أفلح؟ قال‪ :‬ال‪،‬‬
‫رباح أو ُ‬
‫يسار أو ٌ‬ ‫قلت لرجل‪ :‬أعندَ ك ٌ‬ ‫إذا َ‬
‫[تقع] ال ِّط َري ُة ال سيام عىل املتطريين؛ فاقت ََضت حكم ُة الشار ِع أن‬
‫ُ‬ ‫ذلك‪ ،‬وقد‬
‫نضاف إىل‬
‫ُ‬ ‫سامع املكروه أو وقو َعه‪ ،‬هذا إىل ما َي‬
‫َ‬ ‫ب هلم‬ ‫أسباب ِ‬
‫توج ُ‬ ‫ٍ‬ ‫َعهم من‬
‫َيمن ُ‬
‫ِ‬
‫أعرس الناس‪.‬‬ ‫تعليق ضد االس ِم عليه بأن ُيسمى ً‬
‫يسارا من هو من‬ ‫ِ‬ ‫ذلك من‬
‫اسمه فال يوجدُ عنده‬‫أيضا‪ :‬وهو أن يطا َلب املسمى بمقتََض ِ‬ ‫آخر ً‬ ‫وأمر ُ‬
‫ٌ‬
‫ف ُيج َع ُل ذلك سب ًبا لذ ِّمه وس ِّبه‪.‬‬
‫ِ‬
‫تزكية‬ ‫فيقع يف‬ ‫وأمر آخر‪ :‬وهو ظن املسمى واعتقاده يف ِ‬
‫نفسه أنه كذلك‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ٌ ُ‬
‫النبي ﷺ ألجلِه أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وتر ُّفعها عىل غريه‪ ،‬وهذا هو املعنى الذي هنى ُّ‬‫نفسه وتعظيمها َ‬
‫أعلم ِ‬
‫بأهل الَب منكم»)‪.(2‬‬ ‫أنفسكم؛ اهلل ُ‬
‫ُسمى ( َب َّرة)‪ ،‬وقال‪« :‬ال تزكُّوا َ‬ ‫ت َّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)2137‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)2142‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪099‬‬

‫فصل‬

‫نوع تكري ٍم ُ‬
‫للم َكنَّى وتنوي ٌه به‪ ،‬وكنَّى النبي عل ًّيا ‪‬‬ ‫وأما الكني ُة فهي ُ‬
‫صغريا دون البلوغ‪ -‬بأيب عمري‪.‬‬
‫ً‬ ‫بأيب تراب‪ ،‬وكنَّى أخا ِ‬
‫أنس بن مالك ‪-‬وكان‬
‫وكان هد ُيه ﷺ تكني ُة َمن له ولدٌ ‪ ،‬و َمن ال ولدَ له‪ ،‬ومل يث ُبت عنه أنه هنى عن‬
‫فصح عنه أنه قال‪« :‬ت ََس َّموا باسمي‪ ،‬وال َت َكنَّوا‬ ‫ِ‬
‫القاسم‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫كنية إال الكني َة بأيب‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫أقوال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫أربعة‬ ‫الناس يف ذلك عىل‬‫فاختلف ُ‬
‫َ‬ ‫بكن َيتي»)‪،(1‬‬
‫اسمه أو قرهنا‬ ‫جيوز التكنِّي بكنيتِه مطل ًقا‪ ،‬سواء أفردها عن ِ‬‫أحدها‪ :‬أنه ال ُ‬
‫ٌ َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫احلديث الصحيح وإطال ُقه‪.‬‬ ‫وعمدهتم عمو ُم هذا‬
‫ُ‬ ‫به‪ ،‬وسوا ٌء حمياه وبعدَ مماته‪،‬‬
‫اسمه وكنيتِه‪ ،‬فإذا ِ‬
‫أفر َد أحدُ مها عن اآلخر‪،‬‬ ‫الثاين‪ :‬أن النهي عن اجلم ِع بني ِ‬
‫َ‬
‫جيمع بينهام‪ ،‬ثم ذكر حديث أيب الزبري‬
‫َ‬ ‫بأس‪ ،‬قال أبو داود‪ :‬باب‪ :‬من رأى أال‬
‫فال َ‬
‫يتكن بكنيتِي‪ ،‬ومن اكتنى‬
‫َّ‬ ‫تسمى باسمي فال‬
‫عن جابر أن النبي ﷺ قال‪« :‬من َّ‬
‫غريب)‪ ،(3‬وقد‬ ‫ٌ‬
‫حديث حس ٌن‬ ‫ِ‬
‫باسمي»)‪ ،(2‬ورواه الرتمذي وقال‪:‬‬ ‫يتسم‬ ‫بكنيتِي فال‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫بن عجالن [عن أبيه] عن أيب هريرةَ‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫حديث ِ‬
‫حممد ِ‬ ‫ِ‬ ‫أيضا من‬
‫رواه الرتمذي ً‬
‫صحيح)‪.(4‬‬
‫ٌ‬ ‫حسن‬
‫ٌ‬
‫أصحاب‬ ‫واحتج‬ ‫ٍ‬
‫مالك(‪،)5‬‬ ‫ُ‬
‫املنقول عن‬ ‫جواز اجلم ِع بينهام‪ ،‬وهو‬
‫ُ‬ ‫الثالث‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫القول بام رواه أبو داود والرتمذي عن عيل قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إن ُولِدَ‬
‫ِ‬ ‫هذا‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)6178‬ومسلم (‪.)2134‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪.)4966‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الرتمذي (‪.)2842‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الرتمذي (‪.)2841‬‬
‫(‪ )5‬املنتقى للباجي ‪.296/7‬‬
‫‪ | 211‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫باسمك وأكنِّيه بكنيتِك؟ قال «نعم»‪ ،‬قال الرتمذي‪:‬‬


‫ِ‬ ‫أسميه‬
‫ِّ‬ ‫يل من بعدك ولدٌ‬
‫صحيح)‪.(1‬‬
‫ٌ‬ ‫حسن‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫حديث‬
‫ِ‬
‫جائز بعد‬ ‫الرابع‪ :‬أن التكني بأيب القاس ِم كان ممنو ًعا يف حياة ِّ‬
‫النبي ﷺ‪ ،‬وهو ٌ‬
‫خمتصا بحياته‪ ،‬فإنه قد ثبت يف «الصحيح» من‬
‫وسبب النهي إنام كان ًّ‬
‫ُ‬ ‫وفاتِه‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫حديث أنس قال‪ :‬نادى ٌ‬
‫رجل بالبقيع‪ :‬يا أبا القاسم‪ ،‬فالتفت إليه‬
‫تسموا‬
‫دعوت فالنًا‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ‪َّ « :‬‬
‫ُ‬ ‫فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إين مل أعنك إنام‬
‫ِ‬
‫باسمي وال تكنَّوا بكنيتي»)‪.(2‬‬

‫واملنع يف‬
‫ُ‬ ‫ممنوع منه‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫جائز‪ ،‬والتكني بكنيتِه‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫باسمه‬ ‫التسمي‬
‫ِّ‬ ‫والصواب‪ :‬أن‬
‫ُ‬
‫نظر‪،‬‬
‫وحديث عيل ‪ ‬يف صحته ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ممنوع منه‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫واجلمع بينهام‬
‫ُ‬ ‫حياتِه أشدُّ ‪،‬‬
‫يدل‬ ‫ٍ‬
‫تساهل يف التصحيح‪ ،‬وقد قال عيل‪ :‬إهنا رخص ٌة له‪ ،‬وهذا ُّ‬ ‫نوع‬
‫والرتمذي فيه ُ‬
‫عىل ِ‬
‫بقاء املنع ملن سواه‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫فصل‬

‫قلب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬


‫العنب ك َْر ًما ‪ ،‬وقال‪« :‬الكَر ُم ُ‬ ‫تسمية‬ ‫رسول اهلل ﷺ عن‬ ‫وهنى‬
‫)‪(3‬‬

‫املسمى هبا‪،‬‬ ‫ِ‬


‫اخلري واملناف ِع يف‬ ‫ِ‬
‫كثرة‬ ‫تدل عىل‬ ‫ِ‬
‫املؤمن»)‪ ،(4‬وهذا ألن هذه اللفظ َة ُّ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫العنب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫شجرة‬ ‫املستحق لذلك دون‬
‫ُّ‬ ‫وقلب املؤمن هو‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)2843‬وأبو داود (‪.)4967‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)2121‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪.)6182‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)6183‬ومسلم (‪.)2247‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪210‬‬

‫فصل‬

‫العشاء وإهنم‬
‫ُ‬ ‫األعراب عىل اس ِم صالتِكم‪ ،‬أال وإهنا‬
‫ُ‬ ‫قال ﷺ‪« :‬ال تَغلِ َبنَّكم‬
‫ِ‬
‫العتمة والصبحِ ‪،‬‬ ‫وصح عنه أنه قال‪« :‬لو َيعلمون ما يف‬ ‫ُيسموهنا ال َعتَم َة»)‪،(1‬‬
‫َّ‬
‫خالف‬
‫ُ‬ ‫والصواب‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بالعكس‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫ناسخ للمنع‪ ،‬وقيل‬ ‫حبوا»)‪ .(2‬فقيل‪ :‬هذا‬ ‫َومها ولو ً‬ ‫ألَت ُ‬
‫تعارض بني احلديثني؛ فإنه مل ين َه عن‬
‫َ‬ ‫متعذر‪ ،‬وال‬
‫ٌ‬ ‫العلم بالتاريخ‬‫َ‬ ‫القولني‪ ،‬فإن‬
‫االسم‬ ‫ِ‬
‫العشاء ‪ -‬وهو‬ ‫ِ‬
‫بالكلية‪ ،‬وإنام هنى عن أن ُهي َجر اسم‬ ‫ِ‬
‫العتمة‬ ‫ِ‬
‫إطالق اسم‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫العتمة‪ ،‬فإذا ُسميت العشا َء و ُأ َ‬
‫طلق‬ ‫ويغلب عليه اسم‬ ‫الذي سامها اهلل به يف كتابِه ‪-‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫بالعتمة فال بأس‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬ ‫عليها أحيانًا‬
‫ِ‬
‫هلل هبا العبادات‪ ،‬فال هتجر‬ ‫وهذا حمافظ ٌة منه ﷺ عىل األسامء التي َّ‬
‫سمى ا ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫غريها‪ ،‬كام فع َله املتأخرون يف‬
‫وإيثار‬ ‫هجران ألفاظ النصوص‪،‬‬ ‫ويؤ ِّثر عليها ُ‬
‫عليم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫املصطلحات احلادثة عليها‪ ،‬ونشأ بسبب هذا ِمن‬
‫ِ‬
‫اجلهل والفساد ما اهلل به ٌ‬

‫‪ -16‬فصل يف هديِه ﷺ يف حف ِ‬
‫ظ املنطِ ِق واختمارِ األلفاظِ‬
‫ِ‬
‫األلفاظ وأمج َلها وألط َفها‪،‬‬ ‫يتخري يف خطابِه وخيتار ألمته أحس َن‬ ‫كان‬
‫َّ ُ‬
‫فاحشا وال ُم ً‬
‫تفحشا‬ ‫ً‬ ‫ِ‬
‫والفحش‪ ،‬فلم يكن‬ ‫ِ‬
‫والغلظة‬ ‫ِ‬
‫اجلفاء‬ ‫وأبعدَ ها من ألفاظ أهل‬
‫وال صخا ًبا وال ف ًّظا‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ )563‬من حديث عبد اهلل بن مغفل املزين‪ ،‬ومسلم (‪ )644‬من حديث ابن عمر‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)615‬ومسلم (‪.)437‬‬
‫‪ | 212‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫حق من ليس كذلك‪،‬‬


‫الرشيف املصون يف ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يستعمل اللفظ‬ ‫وكان يكر ُه أن‬
‫حق من ليس من أهلِه‪:‬‬ ‫َ‬
‫يستعمل اللفظ املهني املكرو َه يف ِّ‬ ‫وأن‬
‫ِ‬
‫للمنافق‪« :‬يا س ِّيدَ نا»‪ ،‬وقال‪« :‬فإنه إن ُ‬
‫يك سيدً ا‬ ‫فمن األول‪ :‬منعه أن َ‬
‫يقال‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬
‫جهل بأيب احلك ِم‪ ،‬وكذلك‬ ‫ِ‬
‫تسمية أيب‬ ‫ِ‬
‫ومنعه من‬ ‫فقد أسخطتُم ر َّبكم ‪،(1)»‬‬
‫احلكم‪ ،‬وإليه‬ ‫يح‪ ،‬وقال‪« :‬إن اهلل هو‬ ‫ِ‬
‫الصحابة بأيب ُرش ٍ‬ ‫تغيريه الس ِم أيب احلكم من‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كم» ‪.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫احل ُ‬‫ُ‬

‫يقول لسيده وسيدتِه‪ :‬ريب ور َّبتي‪ .‬وللسيد أن‬ ‫ِ‬


‫للمملوك أن َ‬ ‫ومن ذلك هن ُيه‬
‫يقول املالك‪ :‬فتاي وفتايت‪ .‬ويقول اململوك‪ :‬سيدي‬ ‫يقول ململوكه‪ :‬عبدي‪ .‬ولكن ُ‬ ‫َ‬
‫وسيديت)‪.(3‬‬
‫للخطيب ‪-‬الذي قال‪ :‬من ُيطِع اهلل ورسو َله فقد َر َشد‪ ،‬ومن‬
‫ِ‬ ‫ومن هذا قوله‬
‫اخلطيب أنت»)‪.(4‬‬ ‫ي ِ‬
‫عصهام فقد َغوى‪« :-‬بئس‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫شاء‬
‫وشاء فالن‪ .‬ولكن قولوا‪ :‬ما َ‬
‫َ‬ ‫ومن ذلك قو ُله‪« :‬ال تقولوا‪ :‬ما َ‬
‫شاء اهلل‬
‫شاء فالن»)‪.(5‬‬
‫ثم َ‬‫اهلل َّ‬
‫ألفاظ الذ ِّم عىل من ليس من أهلِها‪ ،‬فمثل‬
‫َ‬ ‫سم الثاين وهو أن ُيطلِق‬ ‫ِ‬
‫وأما الق ُ‬
‫الدهر»)‪.(6‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الدهر‪ ،‬وقال‪« :‬إن اهلل هو‬ ‫سب‬ ‫ِ‬
‫هنيه ﷺ عن ِّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪.)4977‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)4955‬والنسائي (‪.)5387‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪.)4975‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪.)870‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أبو داود (‪.)4980‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه البخاري (‪ ،)6182‬ومسلم (‪.)2246‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪213‬‬

‫ٍ‬
‫عظيمة‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ثالث مفاسدَ‬ ‫ويف هذا‬
‫لق مسخر من ِ‬
‫خلق اهلل‪،‬‬ ‫للسب‪ ،‬فإن الدهر َخ ٌ‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬
‫بأهل‬ ‫إحداها‪ :‬س ُّبه من ليس‬
‫ُمنقا ٌد ِ‬
‫ألمره‪.‬‬
‫وينفع‪.‬‬ ‫يْض‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫تضمن للرشك‪ ،‬فإنه إنام يس ُّبه لظنه أنه ُّ‬
‫الثانية‪ :‬أن سبه ُم ِّ‬
‫احلق‬
‫اتبع ُّ‬ ‫َ‬
‫األفعال التي لو َ‬ ‫فعل هذه‬‫يقع عىل من َ‬
‫السب منهم إنام ُ‬ ‫َّ‬ ‫الثالثة‪ :‬أن‬
‫ِ‬
‫األمر يش ٌء‪،‬‬ ‫والدهر ليس له من‬ ‫واألرض‪،‬‬
‫ُ‬ ‫السموات‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫لفسدت‬ ‫فيها أهوا َءهم‬
‫ُ‬
‫فمسبتهم للدهر مسب ٌة هلل تعاىل؛ وهلذا كانت مؤذي ًة للرب تعاىل‪.‬‬
‫الشيطان؛ فإنه َيتعا َظ ُم حتى‬
‫ُ‬ ‫ومن هذا قو ُله ﷺ‪« :‬ال يقو َل َّن أحدكم‪ :‬ت َِعس‬
‫رصعتُه‪ ،‬ولكن ليقل‪ :‬بِس ِم اهلل‪ ،‬فإنه يتَصاغَر حتى‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫يكون َ‬
‫فيقول‪ :‬بقويت َ‬ ‫البيت‪،‬‬ ‫مثل‬
‫ِ‬
‫الشيطان أن َيذك َُر اهلل‬ ‫مس ُه يش ٌء من‬ ‫ِ‬
‫الذباب»)‪َ .(1‬‬ ‫يكون َ‬
‫النبي ﷺ من َّ‬‫ُّ‬ ‫فأرشدَ‬ ‫مثل‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫وأغيظ للشيطان‪.‬‬ ‫أنفع له‪،‬‬ ‫َ‬
‫ويستعيذ باهلل منه‪ ،‬فإن ذلك ُ‬ ‫اسمه‬
‫ويذكر َ‬
‫َ‬ ‫تعاىل‪،‬‬
‫يقول الرجل‪« :‬خ ُب َثت نفيس‪ .‬ولكن ل َي ُقل‪َ :‬ل ِقست‬
‫ومن ذلك هن ُيه ﷺ أن َ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫والشناعة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫القبح‬ ‫نفيس»)‪ (2‬فك َِره هلم لفظ اخلبث؛ ملا فيه من‬
‫لت كذا‬ ‫ِ‬
‫األمر‪ :‬لو أين َف َع ُ‬ ‫ِ‬
‫فوات‬ ‫ِ‬
‫القائل بعد‬ ‫ومن ذلك أنه ﷺ هنى عن ِ‬
‫قول‬
‫شاء َ‬
‫فعل»)‪(3‬؛‬ ‫أنفع له‪ ،‬وهو أن يقول‪« :‬قدَّ َر اهلل وما َ‬ ‫وكذا‪ ،‬وأرشدَ ُه إىل ما هو ُ‬
‫غري ما‬ ‫ِ‬
‫األمر لو كان كام قدَّ ره يف نفسه لكان َ‬ ‫َ‬ ‫وذلك ألن يف ضمن (لو) ادعا ًء أن‬
‫در مل يس َلم من معارضتِه‬ ‫التكذيب بال َق ِ‬
‫ِ‬ ‫سلم من‬
‫قضاه اهلل وقدَّ ره وشاءه‪ ،‬وإن َ‬
‫عيل‪.‬‬ ‫فعلت لدَ َف ُ‬
‫عت ما قدَّ َر اهلل َّ‬ ‫ُ‬ ‫بقوله‪ :‬لو أين‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪.)4982‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)6179‬ومسلم (‪.)2250‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)2664‬‬
‫‪ | 214‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫[ثامنا‪ :‬كتا الذكر]‬

‫‪ -1‬فصل يف هديِه ﷺ يف الذِّكرِ‬

‫ذكرا هلل ‪ ،‬بل كان كال ُمه ك ُّله يف ِ‬


‫ذكر اهلل‬ ‫ِ‬
‫الناس ً‬ ‫َ‬
‫أكمل‬ ‫النبي ﷺ‬
‫كان ُّ‬
‫ِ‬
‫أسامء‬ ‫وإخباره عن‬ ‫ذكرا منه هلل ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أمره وهنيه وترشي ُعه لألمة ً‬ ‫وما وااله‪ ،‬وكان ُ‬
‫ذكرا منه له‪ ،‬وثناؤه عليه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرب وصفاته‪ ،‬وأحكامه وأفعاله‪ ،‬ووعده ووعيده‪ً ،‬‬
‫ذكرا منه له‪ ،‬وسؤا ُله ودعاؤه إياه رغب ًة ورهب ًة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بآالئه‪ ،‬ومتجيدُ ه وحتميدُ ه وتسبيحه ً‬
‫كل أحيانِه‪،‬‬ ‫ذكرا منه له بقلبِه‪ ،‬وكان ً‬
‫ذاكرا هلل يف ِّ‬ ‫ذكرا منه له‪ ،‬وسكوتُه وصمته ً‬ ‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أنفاسه‪ ،‬ويف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وسريه‬ ‫مشيه وركوبه‪،‬‬ ‫وعىل مجي ِع أحواله‪ ،‬فكان ذ ُ‬
‫كره هلل جيري مع‬
‫ونزوله‪ ،‬و َظعنِه وإقامتِه‪.‬‬
‫َ‬
‫استيقظ قال‪« :‬احلمدُ هلل الذي أحيانا بعدَ ما أماتَنا وإليه‬ ‫وكان إذا‬
‫النشور»)‪.(1‬‬
‫ُ‬
‫عرشا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫كرب [اهلل] ً‬ ‫هب من الليل َّ‬ ‫وقالت عائشة ريض اهلل عنها‪« :‬كان إذا َّ‬
‫ِ‬
‫القدوس‬ ‫ِ‬
‫امللك‬ ‫َ‬
‫وسبحان‬ ‫عرشا‪،‬‬ ‫َ‬
‫سبحان اهلل وبحمده ً‬ ‫عرشا‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ومحدَ اهلل ً‬
‫الله َّم إين أعو ُذ بك من ِ‬
‫ضيق‬ ‫عرشا‪ ،‬ثم قال‪ُ :‬‬ ‫عرشا‪ ،‬وه َّلل ً‬
‫عرشا‪ ،‬واستغفر اهلل ً‬ ‫ً‬
‫يستفتح الصال َة» ‪.‬‬ ‫عرشا‪ ،‬ثم‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫الدنيا‪ ،‬وضيق يوم القيامة ً‬
‫)‪(2‬‬

‫استيقظ ِمن الليل فقال‪« :‬ال إل َه إال اهلل‪ ،‬وحدَ ه ال ِشيك له‪ ،‬له‬
‫َ‬ ‫وأخرب َّ‬
‫أن َمن‬
‫وسبحان اهلل‪ ،‬وال إل َه إال اهلل‪،‬‬
‫َ‬ ‫قدير‪ ،‬احلمدُ هلل‪،‬‬ ‫ُ‬
‫امللك وله احلمدُ ‪ ،‬وهو عىل كل يشء ٌ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)6324‬ومسلم (‪.)2711‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)5085‬والنسائي (‪.)1617‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪215‬‬

‫يب‬ ‫حول وال قو َة إال باهلل‪ ،‬ثم قال‪ :‬اللهم ِ‬


‫اغف ْر َل‪ ،‬أو دعا؛‪ ،‬است ِ‬ ‫واهللُ أكَب‪ ،‬وال َ‬
‫ُج َ‬ ‫ُ َّ‬
‫وصىل قبلت صالته» ذكره البخاري)‪.(1‬‬ ‫َّ‬ ‫له‪ ،‬فإن َّ‬
‫توضأ‬
‫رفع‬ ‫َ‬
‫استيقظ َ‬ ‫وقال ابن عباس ‪[ ‬عنه] ﷺ ليل َة مبيتِه عندَ ه‪ :‬إنه ملا‬
‫سورة (آل عمران)‪ ﴿ :‬ﮉ ﮊ‬ ‫ِ‬ ‫اآليات اخلواتيم ِمن‬
‫ِ‬ ‫العرش‬ ‫ِ‬
‫السامء وقر َأ‬ ‫رأسه إىل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﴾ [آل عمران‪ ]190 :‬إىل آخرها‪ ،‬ثم قال‪ُ :‬‬
‫الله َّم لك احلمدُ‬
‫ِ‬
‫واألرض‬ ‫ِ‬
‫الساموات‬ ‫أنت قي ُم‬ ‫ومن ِ‬
‫فيه َّن‪ ،‬ولك احلمدُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واألرض َ‬ ‫الساموات‬ ‫نور‬
‫أنت ُ‬
‫َ‬
‫احلق‪ ،‬ولقاؤُ ك حق‪،‬‬ ‫احلق‪ ،‬وقو ُلك ُّ‬
‫احلق‪ ،‬ووعدُ ك ُّ‬‫أنت ُّ‬ ‫ومن ِ‬
‫فيه َّن‪ ،‬ولك احلمدُ َ‬ ‫َ‬
‫والنار حق‪ ،‬والنبيون حق‪ ،‬وحممدٌ حق‪ ،‬والساع ُة حق‪ُ ،‬‬
‫الله َّم لك‬ ‫ُ‬ ‫واجلن ُة حق‪،‬‬
‫خاصمت‪ ،‬وإليك‬
‫ُ‬ ‫بت‪ ،‬وبك‬ ‫توكلت‪ ،‬وإليك أن ُ‬
‫ُ‬ ‫آمنت‪ ،‬وعليك‬ ‫ُ‬ ‫أسلمت‪ ،‬وبك‬
‫ُ‬
‫أنت إهلي‪ ،‬ال‬‫أعلنت‪َ ،‬‬ ‫رت وما‬‫أرس ُ‬ ‫حاكمت‪ِ ،‬‬
‫ُ‬ ‫رت‪ ،‬وما َ‬ ‫أخ ُ‬ ‫مت وما َّ‬ ‫فاغف ْر َل ما قدَّ ُ‬ ‫ُ‬
‫حول وال قو َة إال باهلل العيل العظي ِم»)‪.(2‬‬ ‫أنت‪ ،‬وال َ‬ ‫إل َه إال َ‬
‫َ‬
‫جَبائيل‬ ‫رب‬‫اللهم َّ‬ ‫ِ‬
‫الليل قال‪َّ « :‬‬ ‫وقد قالت عائش ُة ‪ :‬كان إذا قا َم من‬
‫ِ‬
‫والشهادة‪ ،‬أنت حتك ُُم‬ ‫ِ‬
‫واألرض‪ ،‬عامل َ الغيب‬ ‫فاطر السموات‬
‫وميكائيل وإرسافيل‪َ ،‬‬
‫اهدين ملا اختُلِف فيه من احلق بإذنك‪ ،‬إنك َُتدي‬ ‫عبادك فيام كانوا فيه ََيتلِفون‪ِ ،‬‬
‫بني ِ‬
‫ٍ‬
‫رصاط مستقيم»)‪.(3‬‬ ‫تشاء إىل‬
‫من ُ‬
‫اللهم إين أعو ُذ بك أن‬
‫َّ‬ ‫رج من بيتِه يقول‪« :‬بس ِم اهلل توك ُ‬
‫َّلت عىل اهلل‪،‬‬ ‫وكان إذا َخ َ‬
‫ِ‬ ‫َأ ِض َّل أو ُأ َض َّل‪ ،‬أو َأ ِز َّل أو ُأ َّ‬
‫زَل‪ ،‬أو َأظلم أو ُأظ َل َم‪ ،‬أو َأ َ‬
‫جهل أو َُي َه َل َّ‬
‫عيل»)‪.(4‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)1154‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)183‬ومسلم (‪.)763‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)770‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)5049‬والرتمذي (‪ ،)3427‬وابن ماجه (‪.)3884‬‬
‫‪ | 216‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫توكلت عىل اهلل‪ ،‬وال َ‬


‫حول‬ ‫ُ‬ ‫خرج من بيتِه‪ :‬بس ِم اهلل‪،‬‬ ‫وقال ﷺ‪َ « :‬من قال إذا َ‬
‫الشيطان» حديث‬
‫ُ‬ ‫وتنحى عنه‬
‫يت ‪َّ ،‬‬ ‫يت وك ُِف َ‬
‫وو ِق َ‬
‫يت ُ‬‫وال قو َة إال باهلل‪ُ ،‬يقال له‪ُ :‬ه ِد َ‬
‫حسن)‪.(1‬‬
‫ِ‬
‫الفجر وهو ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يقول‪:‬‬ ‫صالة‬ ‫وقال ابن عباس عنه ليل َة مبيته عندَ ه‪« :‬إنه َ‬
‫خر َج إىل‬
‫نورا‪ ،‬واج َع ْل‬
‫نورا‪ ،‬واج َع ْل يف سمعي ً‬
‫نورا‪ ،‬واج َع ْل يف لساين ً‬
‫الله َّم اج َع ْل يف قلبي ً‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نورا‪،‬‬‫نورا‪ ،‬واج َع ْل من فوقي ً‬
‫نورا‪ ،‬ومن أمامي ً‬ ‫نورا‪ ،‬واج َع ْل من خلفي ً‬
‫يف بِصي ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نورا»)‪.(2‬‬
‫الله َّم أعظم َل ً‬ ‫واج َع ْل من حتتي ً‬
‫نورا‪ُ ،‬‬
‫دخ َل املسجدَ قال‪ :‬أعو ُذ باهلل العظيمِ‪،‬‬
‫وذك ََر أبو داو َد عنه ﷺ‪« :‬أنه كان إذا َ‬
‫ِ‬
‫الشيطان الرجيمِ‪ ،‬فإذا قال ذلك قال‬ ‫وبوجهه الكريمِ‪ ،‬وسلطانِه القديمِ‪ِ ،‬من‬
‫ِ‬
‫ُ ِ‬
‫الشيطان‪ُ :‬حف َظ مني َ‬
‫سائر اليوم»)‪.(3‬‬
‫وقال ﷺ‪« :‬إذا َ‬
‫دخل أحدُ كم املسجدَ فل ُي َسلم وليصل عىل النبي ﷺ وليقل‪:‬‬
‫اللهم إين أسأ ُلك من فضلِك»)‪.(4‬‬
‫َّ‬ ‫خرج فليقل‪:‬‬ ‫ِ‬
‫أبواب رمحتك‪ ،‬وإذا َ‬
‫َ‬ ‫اللهم افتَح َل‬
‫َّ‬
‫يذكر اهلل ‪.‬‬
‫الشمس ُ‬
‫ُ‬ ‫الصبح ج َل َس يف مصاله حتى تط ُل َع‬
‫َ‬ ‫وكان إذا صىل‬

‫أمسينا‪ ،‬وبك نحيا‪ ،‬وبك‬


‫اللهم بك أص َبحنا‪ ،‬وبك َ‬ ‫وكان ُ‬
‫يقول إذا أصبح‪َّ « :‬‬
‫النشور» حديث صحيح)‪.(5‬‬
‫ُ‬ ‫نموت وإليك‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬أبو داود (‪ ،)5095‬والرتمذي (‪.)3426‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)6316‬ومسلم (‪.)763‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪.)466‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪.)713‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أبو داود (‪ ،)5068‬والرتمذي (‪ ،)3391‬وابن ماجه (‪.)3868‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪217‬‬

‫وكان يقول‪« :‬أص َبحنا وأص َبح امللك هلل‪ ،‬احلمدُ هلل ال إله إال اهلل وحدَ ه ال‬
‫خري ما يف‬ ‫ٍ‬ ‫ِشيك له‪ ،‬له ُ‬
‫َ‬
‫امللك‪ ،‬وله احلمدُ ‪ ،‬وهو عىل كل يشء قدير‪ ،‬رب أسألك َ‬
‫وخري ما بعدَ ه‪ ،‬وأعوذ بك من ِش هذا اليومِ‪ ،‬وِش ما بعدَ ه‪ ،‬رب أعوذ‬ ‫َ‬ ‫هذا اليومِ‪،‬‬
‫وعذاب يف ِ‬
‫القَب»‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عذاب يف النار‪،‬‬ ‫الكَب‪ ،‬رب أعوذ بك من‬‫الكسل وسوء َ ِ‬
‫ِ‬ ‫بك من‬
‫وإذا أمسى قال‪« :‬أمسينا وأمسى ُ‬
‫امللك هلل‪ »...‬إىل آخره‪ ،‬ذكره مسلم)‪.(1‬‬

‫حت وإذا‬ ‫ٍ‬


‫بكلامت أقوهلن إذا أص َب ُ‬ ‫الصديق ‪ُ :‬مرين‬‫ُ‬ ‫وقال له أبو ٍ‬
‫بكر‬
‫رب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واألرض‪ ،‬عامل َ الغيب والشهادة َّ‬ ‫فاطر السموات‬
‫اللهم َ‬
‫َّ‬ ‫أمسيت‪ .‬قال‪« :‬قل‪:‬‬
‫ُ‬
‫أنت‪ ،‬أعو ُذ بك من ِش نفيس‪ ،‬ومن ِش‬ ‫ومليكَه‪ ،‬أشهدُ أال إله إال َ‬ ‫ٍ‬
‫كل يشء َ‬
‫أج َّره إىل مسل ٍم» قال‪ُ « :‬قلها إذا‬‫سوءا أو ُ‬
‫ً‬ ‫ف عىل نفيس‬ ‫وِشكِه‪ ،‬وأن ِ‬
‫أقرت َ‬ ‫الشيطان ِ‬
‫ِ‬
‫أخذت مضجعك» حديث صحيح )‪.(2‬‬
‫َ‬ ‫أمسيت‪ ،‬وإذا‬
‫َ‬ ‫حت وإذا‬
‫أص َب َ‬
‫ومساء كل ٍ‬
‫ليلة‪ :‬بس ِم اهلل‬ ‫ِ‬ ‫وقال ﷺ‪« :‬ما من ٍ‬
‫عبد ُ‬
‫يقول يف صباحِ كل يو ٍم‬
‫السميع العليم‪ ،‬ثالث‬ ‫ِ‬
‫السامء وهو‬ ‫ِ‬
‫األرض وال يف‬ ‫يشء يف‬ ‫الذي ال يرض مع ِ‬
‫اسمه‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ُّ‬
‫ٍ‬
‫مرات‪ ،‬إال مل يرضه يشء» حديث صحيح ‪.‬‬
‫)‪(3‬‬

‫رضيت باهلل ر ًبا‪ ،‬وباإلسال ِم دينًا‪،‬‬


‫ُ‬ ‫قال حني ُيصبِح وحني ُيميس‪:‬‬ ‫وقال‪« :‬من َ‬
‫رض َيه» صححه الرتمذي واحلاكم)‪.(4‬‬ ‫وبمحمد نبيا‪ ،‬كان ح ًقا عىل اهلل أن ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ً‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)2723‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)5067‬والرتمذي (‪.)3392‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)5088‬والرتمذي (‪ ،)3388‬وابن ماجه (‪.)3869‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)3389‬واحلاكم ‪.)1905( 699/1‬‬
‫‪ | 218‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫شهدُ ك‪،‬‬‫أصبحت ُأ ِ‬
‫ُ‬ ‫الله َّم إين‬
‫وحني ُيميس‪ُ :‬‬ ‫َ‬ ‫صبح‬
‫حني ُي ُ‬‫وقال‪َ « :‬من قال َ‬
‫خلقك‪ ،‬أنك أنت اهللُ الذي ال إله إال‬ ‫عرشك‪ ،‬ومالئكتَك‪ ،‬ومجيع ِ‬ ‫شهدُ محل َة ِ‬‫وأ ِ‬‫ُ‬
‫َ‬
‫أعتق اهلل ُرب َعه ِمن النار‪ ،‬وإن قاهلا مرتني َ‬
‫أعتق‬ ‫أنت‪ ،‬وأن حممدً ا عبدُ ك ورسو ُلك؛ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫أرباعه من النار‪ ،‬وإن قاهلا أرب ًعا‬ ‫أعتق اهلل ثالث َة‬
‫اهلل نص َفه من النار‪ ،‬وإن قاهلا ثال ًثا َ‬
‫أعت َقه اهلل من النار»‪ ،‬حديث حسن)‪.(1‬‬

‫بأحد ِمن‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫نعمة أو‬ ‫أصبح يب ِمن‬
‫َ‬ ‫الله َّم ما‬
‫صبح‪ُ :‬‬
‫حني ُي ُ‬‫وقال‪َ « :‬من قال َ‬
‫ِشيك لك‪ ،‬لك احلمدُ ولك الشكر؛ فقد أدى شكر ِ‬
‫يومه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫خلقك فمنك وحدَ ك ال‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫شكر ليلتِه» حديث حسن)‪.(2‬‬ ‫ِ‬
‫حني ُيميس فقد أ َّدى َ‬
‫ومن قال مثل ذلك َ‬
‫وكان َيدعو حني ُيصبِح وحني ُيميس هبذه الدعوات‪« :‬اللهم إين أسأ ُلك‬
‫ودنياي‪ ،‬وأهيل‬ ‫العفو والعافي َة يف ديني‬ ‫ِ‬
‫واآلخرة‪ ،‬اللهم إين أسألك‬ ‫العافي َة يف الدنيا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي ومن‬ ‫اسرت عورايت‪ ،‬وآمن روعايت‪ ،‬اللهم اح َفظني من بني َيدَ َّ‬ ‫وماَل‪ ،‬اللهم ُ‬
‫غتال من حتتي»‬ ‫َخلفي‪ ،‬وعن َيميني وعن ِشامَل ومن فوقي‪ ،‬وأعو ُذ بع َظ َمتِك أن ُأ َ‬
‫صححه احلاكم)‪.(3‬‬
‫ُ‬
‫امللك هلل رب العاملني‪،‬‬ ‫وأصبح‬
‫َ‬ ‫أصبح أحدُ كم فليقل‪ :‬أص َب ْحنا‬
‫َ‬ ‫وقال‪« :‬إذا‬
‫ونوره وبركتَه وهدايتَه‪ ،‬وأعو ُذ بك‬
‫َ‬ ‫ونِصه‬
‫َ‬ ‫فتحه‬ ‫الله َّم إين أسأ ُلك َ‬
‫خري هذا اليو ِم َ‬ ‫ُ‬
‫من ِش ما فيه‪ ،‬وِش ما بعده‪ ،‬ثم إذا أمسى فليقل مثل ذلك» حديث حسن)‪.(4‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)5069‬والرتمذي (‪.)3501‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪.)5073‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه احلاكم ‪.)1902( 698/1‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪.)5084‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪219‬‬

‫ِ‬
‫ودين‬ ‫ِ‬
‫اإلخالص‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وكلمة‬ ‫ِ‬
‫فطرة اإلسالمِ‪،‬‬ ‫أصبح قال‪« :‬أص َب ْحنا عىل‬ ‫وكان إذا‬
‫َ‬
‫حممد ﷺ‪ِ ،‬‬ ‫نبينا ٍ‬
‫إبراهيم حني ًفا ً‬
‫مسلام وما كان من املَشكني»)‪.(1‬‬ ‫َ‬ ‫وملة أبينا‬
‫ذكر عنه ﷺ أنه قال لفاطم َة ابنتِه‪« :‬ما يمن ُعك [أن تسمعي ما أوصيك به] أن‬ ‫و ُي ُ‬
‫أستغيث‪ ،‬فأصلِح َل شأين‪،‬‬
‫ُ‬ ‫حي يا قيو ُم‪ ،‬بك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تقوَل إذا أصبحت وإذا أمسيت‪ :‬يا ُّ‬
‫وال تكِ ْلني إىل نفيس طرف َة عني»)‪.(2‬‬
‫أنت‪،‬‬
‫اللهم أنت ريب‪ ،‬ال إله إال َ‬
‫َّ‬ ‫يقول العبد‪:‬‬ ‫ِ‬
‫االستغفار أن َ‬ ‫وقال‪« :‬سيدُ‬
‫ِ‬
‫ووعدك ما اس َت َطعت‪ ،‬أعو ُذ بك من ِش ما‬ ‫خلقتني وأنا عبدُ ك‪ ،‬وأنا عىل ِ‬
‫عهدك‬
‫الذنوب إال‬ ‫فاغفر َل إنه ال ي ِ‬
‫غفر‬ ‫صنعت‪ ،‬أبوء لك بنعمتِك عيل‪ ،‬وأبوء بذنبي‪ِ ،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫أنت‪ ،‬من قاهلا حني ُيصبح موقنًا هبا‪ ،‬فامت من يومه؛ َ‬
‫دخل اجلن َة‪ ،‬ومن قاهلا حني‬
‫ُيميس موقنًا هبا‪ ،‬فامت من ليلتِه؛ َ‬
‫دخل اجلن َة»)‪.(3‬‬
‫ِ‬
‫وبحمده مئ َة مرة‪ ،‬مل‬ ‫سبحان اهلل‬ ‫صبح وحني ُيميس‪:‬‬
‫َ‬ ‫وقال‪« :‬من قال حني ُي ُ‬
‫بأفضل مما جاء به‪ ،‬إال أحدٌ قال َ‬
‫مثل ما قال‪ ،‬أو زا َد عليه»)‪.(4‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫يأت أحدٌ يوم القيامة‬
‫َ‬
‫ِشيك له‪ ،‬له امللك وله‬ ‫صبح‪ :‬ال إله إال اهلل وحدَ ه ال‬
‫قال حني ُي ُ‬ ‫وقال‪« :‬من َ‬
‫ٍ‬
‫رقاب‪،‬‬ ‫قدير‪ .‬يف اليوم مئ َة مرة‪ ،‬كانت له َعد َل ِ‬
‫عَش‬ ‫ٍ‬
‫احلمدُ ‪ ،‬وهو عىل كل يشء ٌ‬
‫ِ‬
‫الشيطان يومه‬ ‫سيئة‪ ،‬وكانت له حرزًا من‬ ‫ٍ‬ ‫حسنة‪ِ ُ ،‬‬
‫وحم َيت عنه مئ ُة‬ ‫ٍ‬ ‫وكُت َبت له مئ ُة‬
‫بأفضل مما جاء به إال ٌ‬
‫رجل عمل أكثر منه»)‪.(5‬‬ ‫َ‬ ‫ذلك‪ ،‬حتى ُيميس‪ ،‬ومل يأت أحدٌ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد ‪.)15360( 77/24‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البزار (‪ ،)6368‬والنسائي يف الكربى (‪ ،)10330‬واحلاكم ‪.)2000( 730/1‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪.)6305‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)6405‬ومسلم (‪.)2692‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪ ،)6403‬ومسلم (‪.)2691‬‬
‫‪ | 201‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -2‬فصل يف هديِه ﷺ يف الذِّكرِ عند لبس الثو ِ وحنوه‬

‫قميصا‪ ،‬أو ردا ًء‪ ،‬ثم يقول‪:‬‬


‫ً‬ ‫استجدَّ ثو ًبا سامه باسمه‪ :‬عامم ًة‪ ،‬أو‬
‫َ‬ ‫كان ﷺ إذا‬
‫وخري ما ُصنِع له‪ ،‬وأعو ُذ بك من‬
‫َ‬ ‫خريه‪،‬‬
‫اللهم لك احلمدُ أنت ك ََسوتَنيه‪ ،‬أسألك َ‬
‫« َّ‬
‫ِشه‪ ،‬وِش ما ُصنع له» حديث صحيح)‪.(1‬‬
‫ور َز َقنيه‬
‫لبس ثو ًبا فقال‪ :‬احلمدُ هلل الذي كساين هذا َ‬
‫ذكر عنه أنه قال‪َ « :‬من َ‬ ‫و ُي ُ‬
‫ٍ‬
‫حول مني وال قوة َغ َف َر اهلل له ما تقدَّ م من ذنبِه»)‪.(2‬‬ ‫ِمن ِ‬
‫غري‬
‫وأخلِقي‪ ،‬ثم‬
‫الثوب اجلديد‪َ « :-‬أبيل َ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫خالد ‪-‬ملا أل َب َسها‬ ‫وصح عنه أنه قال ألم‬
‫َّ‬
‫وأخلِقي» مرتني)‪.(3‬‬
‫َأبيل َ‬

‫‪ -3‬فصل يف هديِه ﷺ عند دخولِه منزِ ِله‬

‫يدخ ُل عىل أهلِه عىل علم‬


‫يتخو ُهنم‪ ،‬ولكن كان ُ‬
‫َّ‬ ‫فجأ أه َله بغت ًة‬
‫مل يكن ﷺ ل َي َ‬
‫َ‬
‫وسأل عنهم‪ ،‬وربام‬ ‫ِ‬
‫بالسؤال‬ ‫منهم بدخولِه‪ ،‬وكان ُيس ِّلم عليهم‪ ،‬وكان إذا َ‬
‫دخل بد َأ‬
‫تيرس‪.‬‬
‫حيْض بني يديه ما َّ‬
‫َ‬ ‫سكت حتى‬
‫َ‬ ‫قال‪« :‬هل عندَ كُم من غداء؟»)‪ ،(4‬وربام‬

‫الله َّم إين أسأ ُلك َ‬


‫خري‬ ‫ُ‬
‫الرجل بيتَه فليقل‪ُ :‬‬ ‫ويف «السنن» عنه‪« :‬إذا َو َل َج‬
‫وخري املَخْ رجِ ‪ ،‬بس ِم اهلل َو َجلنا‪ ،‬وعىل اهلل ربنا توكَّلنا‪ُ ،‬ثم ليسلم عىل‬
‫َ‬ ‫املَ ْولِجِ ‪،‬‬
‫أهلِه»)‪.(5‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)4016‬والرتمذي (‪.)1767‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪.)4023‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪.)5845‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪.)1154‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أبو داود (‪.)5096‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪200‬‬

‫رجل خرج غاز ًيا يف سبيل اهلل‪،‬‬ ‫ضامن عىل اهلل‪ٌ :‬‬‫ٌ‬ ‫وفيها عنه ﷺ‪« :‬ثالث ٌة ك ُّلهم‬
‫ٍ‬
‫وغنيمة‪،‬‬ ‫ضامن عىل اهلل حتى يتوفاه فيدخ ُله اجلن َة أو ير ُّده بام نال من ٍ‬
‫أجر‬ ‫فهو‬
‫ٌ‬
‫ضامن عىل اهلل حتى يتوفاه فيدخ ُله اجلن َة أو ير ُّده بام نال‬ ‫ِ‬
‫املسجد فهو‬ ‫ورجل راح إىل‬‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫ضامن عىل اهلل» حديث صحيح)‪.(1‬‬ ‫ورجل َ‬
‫دخل بيتَه بسال ٍم فهو‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫وغنيمة‪،‬‬ ‫من ٍ‬
‫أجر‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫طعامه؛‬ ‫الرجل بيتَه فذكر اهلل عند دخولِه وعند‬ ‫ُ‬ ‫وصح عنه ﷺ‪« :‬إذا َ‬
‫دخل‬ ‫َّ‬
‫دخل فلم يذكر اهلل عند دخولِه؛ قال‬ ‫عشاء‪ ،‬وإذا َ‬ ‫َ‬ ‫مبيت لكم وال‬ ‫َ‬ ‫قال الشيطان‪ :‬ال‬
‫طعامه؛ قال‪ :‬أدركتُم املبيت‬ ‫ِ‬ ‫الشيطان‪ :‬أدركتُم املبيت‪ ،‬وإذا مل يذكُر اهلل عند‬ ‫ُ‬
‫والعشاء» ذكره مسلم)‪.(2‬‬
‫َ‬

‫‪ -4‬فصل يف هديِه ﷺ يف الذكرِ عند دخولِه اخلالءَ‬

‫اللهم إين‬ ‫ِ‬ ‫ثبت عنه يف «الصحيحني» أنه كان ُ‬


‫يقول عند دخوله اخلال َء‪َّ « :‬‬ ‫َ‬
‫بث واخلبائِ ِ‬
‫ث»)‪.(3‬‬ ‫اخل ِ‬
‫أعو ُذ بك من ُ‬

‫َ‬
‫الكنيف‬ ‫دخ َل‬ ‫ِ‬
‫وعورات بني آد َم إذا َ‬ ‫سرت ما بني اجلن‬
‫ذكر عنه ﷺ قال‪ُ « :‬‬
‫و ُي ُ‬
‫أن َ‬
‫يقول‪ :‬بس ِم اهلل»)‪.(4‬‬
‫رجال س َّلم عليه وهو َي ُ‬
‫بول فلم ير َّد عليه‪.‬‬ ‫وث َب َت عنه ﷺ أن ً‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪.)2494‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)2018‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)142‬ومسلم (‪.)375‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه ابن ماجه (‪.)297‬‬
‫‪ | 202‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫بول‪ ،‬وأنه هنَى‬ ‫ٍ‬


‫بغائط وال ٍ‬ ‫يستدبرها‬ ‫ُ‬
‫يستقبل القبل َة وال‬ ‫وقد تقدَّ م)‪ (1‬أنه كان ال‬
‫ُ‬
‫بن أيب معقل‪،‬‬‫ومعقل ِ‬
‫ِ‬ ‫الفاريس‪ ،‬وأيب هريرةَ‪،‬‬ ‫َ‬
‫وسلامن‬ ‫ِ‬
‫حديث أيب أيوب‬ ‫عن ذلك يف‬
‫ِّ‬
‫ُ‬
‫وعامة‬ ‫وجابر بن عبد اهلل‪ِ ،‬‬
‫وعبد اهلل بن عمر ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الزبيدي‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وعبد اهلل بن احلارث بن َجزء‬
‫ِّ‬
‫ُ‬
‫معلول السند وإما‬ ‫واملعارض هلا إما‬
‫ُ‬ ‫حسن‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وسائرها‬
‫ُ‬ ‫هذه األحاديث صحيح ٌة‪،‬‬
‫املستفيض عنه بذلك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫رصيح ِ‬
‫هنيه‬ ‫ُ‬ ‫ضعيف الداللة‪ ،‬فال ُي َر ُّد‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫اخلالء قال‪« :‬غُفرانَك»)‪.(2‬‬ ‫خرج من‬ ‫وكان إذا َ‬

‫‪ -5‬فصل يف هديِه ﷺ يف بذكارِ الوضوء‬


‫ِ‬
‫للصحابة‪:‬‬ ‫ِ‬
‫اإلناء الذي فيه املا ُء ثم قال‬ ‫وضع يديه يف‬ ‫ثبت عنه ﷺ أنه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫توضؤوا بس ِم اهلل»)‪.(3‬‬
‫« َّ‬
‫الوضوء ثم قال‪ :‬أشهدُ أال إله إال اهلل‬
‫َ‬ ‫وصح عنه ﷺ أنه قال‪« :‬من أسبغَ‬
‫أبواب اجلنة الثامنية‬
‫ُ‬ ‫ِشيك له‪ ،‬وأشهدُ أن حممدً ا عبده ورسو ُله فتِ َحت له‬
‫َ‬ ‫وحده ال‬
‫شاء»)‪.(4‬‬
‫يدخل من أَيا َ‬
‫أتيت‬
‫حديث أيب موسى األشعري قال‪ُ « :‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫صحيح من‬ ‫ٍ‬
‫بإسناد‬ ‫وذكر النسائي‬
‫ووسع‬ ‫ِ‬ ‫فتوضأ‪ ،‬فسمعتُه ُ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫الله َّم اغفر يل ذنبي‪ِّ ،‬‬
‫يقول ويدعو‪ُ :‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ بوضوء َّ‬
‫نبي اهلل‪ ،‬سمعتُك تدعو بكذا وكذا‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬يا َّ‬
‫ُ‬ ‫يل يف داري‪ِ ،‬‬
‫وبارك يل يف رزقي‪،‬‬
‫قال‪ :‬وهل تركت ِمن ٍ‬
‫يشء)‪.(5‬‬

‫(‪ )1‬مل يتقدم ذكره‪ ،‬وإنام سيأيت‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)30‬والرتمذي (‪ ،)7‬وابن ماجه (‪.)300‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه النسائي (‪.)78‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪.)234‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه النسائي يف السنن الكربى ‪.)9828( 36/9‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪203‬‬

‫‪ -6‬فصل يف هديِه ﷺ يف األذانِ وبذكارِه‬

‫ورشع اإلقام َة َمثنى‬


‫َ‬ ‫ِ‬
‫وبغري ترجيع‪،‬‬ ‫سن التأذين برتجي ٍع‬
‫ثبت عنه ﷺ أنه َّ‬
‫َ‬
‫يصح‬
‫َّ‬ ‫صح عنه تثني ُة كلمة اإلقامة‪« :‬قد قامت الصال ُة»‪ ،‬ومل‬‫وفرادى‪ ،‬ولكن الذي َّ‬
‫ِ‬
‫األذان أرب ًعا‪ ،‬ومل‬ ‫تكرار لفظ التكبري يف أول‬ ‫صح عنه‬
‫ُ‬ ‫عنه إفرا ُدها البتة‪ ،‬وكذلك َّ‬
‫االقتصار عىل مرتني‪.‬‬
‫ُ‬ ‫يصح عنه‬
‫َّ‬
‫فرشع ألمته منه مخس َة أنواعٍ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫األذان وبعده‬ ‫ِ‬
‫الذكر عند‬ ‫وأما هد ُيه ﷺ يف‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الصالة‪،‬‬ ‫حي عىل‬ ‫السامع كام ُ‬ ‫أحدها‪ :‬أن َ‬
‫يقول املؤذن‪ ،‬إال يف لفظ‪َّ « :‬‬ ‫ُ‬ ‫يقول‬
‫صح عنه إبداهلام بـ«ال َ‬
‫حول وال قو َة إال باهلل»‪ ،‬وهذا ُمقتَض‬ ‫حي عىل الفالح» فإنه َّ‬‫َّ‬
‫ِ‬
‫الصالة ملن‬ ‫ِ‬
‫احليعلة دعاء إىل‬ ‫كلمتي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلكمة املطابقة حلال املؤذن والسامعِ‪ ،‬فإن َ‬
‫ِ‬
‫الدعوة بكلمة اإلعانة‪.‬‬ ‫فس َّن للسام ِع أن َيستعني عىل هذه‬
‫سمعه‪ُ ،‬‬
‫ضيت‬ ‫الثاين‪ :‬أن َ‬
‫يقول‪« :‬وأنا أشهدُ أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأن حممدً ا رسول اهلل‪َ ،‬ر ُ‬
‫ً‬ ‫ٍ‬
‫رسوال» وأخرب أن من قال ذلك ُغ َ‬
‫فر له‬ ‫وبمحمد‬ ‫باهلل ر ًبا‪ ،‬وباإلسالم دينًا‪،‬‬
‫ذنبه)‪.(1‬‬
‫ُ‬
‫وأكمل ما‬ ‫ِ‬
‫إجابة املؤ ِّذن‪،‬‬ ‫ِ‬
‫فراغه من‬ ‫ُ‬
‫الثالث‪ :‬أن ُيصيل عىل النبي ﷺ بعد‬
‫ويصل إليه هي الصال ُة اإلبراهيمي ُة‪ ،‬كام ع َّلمه أمتَه أن يصلوا عليه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُي َّ‬
‫صىل عليه به‬
‫حتذلق املتحذلِقون‪.‬‬ ‫فال صال َة عليه أكمل منها‪ ،‬وإن َّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪.)525‬‬


‫‪ | 204‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫التامة‪ ،‬والصالة‬ ‫رب هذه الدعوة‬ ‫الرابع‪ :‬أن َ‬
‫اللهم َّ‬
‫يقول بعد صالته عليه‪َّ « :‬‬ ‫ُ‬
‫ِ ِ‬
‫القائمة‪ ،‬آت حممدً ا الوسيل َة والفضيل َة‪ ،‬وابعثه ً‬
‫مقاما حممو ًدا الذي وعدته‪ ،‬إنك ال‬
‫ُخت ُ‬
‫لف امليعا َد»)‪.(1‬‬

‫ستجاب له‬ ‫سأل اهلل من فضلِه‪ ،‬فإنه ُي‬ ‫اخلامس‪ :‬أن يدعو ِ‬
‫لنفسه بعد ذلك‪ ،‬و َي َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫فسل‬
‫انتهيت َ‬
‫َ‬ ‫كام يف «السنن» عنه ﷺ‪« :‬قل كام َيقولون ‪َ -‬يعني‪ :‬املؤ ِّذنني‪ -‬فإذا‬
‫تُع َطه»)‪.(2‬‬

‫نقول يا‬ ‫ِ‬


‫األذان واإلقامة»‪ ،‬قالوا‪ :‬فام ُ‬ ‫الدعاء ال ُير ُّد بني‬ ‫ويف السنن عنه ﷺ‪« :‬‬
‫ُ‬
‫واآلخرة» حديث صحيح)‪.(3‬‬‫ِ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل؟ قال‪« :‬سلوا اهلل العافي َة يف الدنيا‬

‫‪ -7‬فصل [يف هديِه ﷺ يف الذكر يف عشر ذي احلج ]‬

‫ِ‬
‫التهليل‬ ‫ِ‬
‫باإلكثار من‬ ‫ويأمر فيه‬
‫ُ‬ ‫كثر الدعا َء يف عرش ذي احلجة‪،‬‬
‫وكان ﷺ ُي ُ‬
‫ِ‬
‫والتحميد‪.‬‬ ‫والتكبري‬
‫العرص من ِ‬
‫آخر أيام‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفجر يو َم عرف َة إىل‬ ‫ِ‬
‫صالة‬ ‫يكرب ِمن‬
‫و ُيذكر عنه أنه كان ِّ‬
‫ِ‬
‫الترشيق فيقول‪ « :‬اهلل أكَب اهلل أكَب‪ ،‬ال إله إال اهلل‪ ،‬واهلل أكَب اهلل أكَب وهلل‬
‫احلمد»)‪ ،(4‬وهذا وإن كان ال يصح إسناده فالعمل عليه‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)614‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪.)524‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)521‬والرتمذي (‪.)3594‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الدارقطني ‪ ،)1737( 390/2‬والبيهقي يف الدعوات الكبري ‪.)540( 165/2‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪205‬‬

‫َ‬
‫وسبحان اهلل‬ ‫كثريا‪،‬‬
‫كبريا‪ ،‬واحلمدُ هلل ً‬
‫قال الشافعي‪ :‬وإن زاد فقال‪ :‬اهلل أكرب ً‬
‫وأصيال‪ ،‬ال إل َه إال اهلل‪ ،‬وال نعبدُ إال إ َّياه خملصني له الدي َن ولو ك َِره‬
‫ً‬ ‫بكر ًة‬
‫األحزاب‬
‫َ‬ ‫ونرص عبدَ ه‪ ،‬وهز َم‬
‫َ‬ ‫صدق وعدَ ه‪،‬‬‫َ‬ ‫الكافرون‪ ،‬ال إل َه إال اهلل وحده‪،‬‬
‫وحدَ ه‪ ،‬ال إل َه إال اهلل واهللُ أكرب؛ كان حسنًا(‪.)1‬‬

‫‪ -6‬فصل يف هديه ﷺ يف الذكر عند رؤي اهلالل‬


‫ِ‬
‫والسالمة‬ ‫ِ‬
‫واإليامن‪،‬‬ ‫ِ‬
‫باألمن‬ ‫الله َّم َأ ِه َّله علينا‬
‫ذكر عنه أنه كان يقول‪ُ « :‬‬
‫ُي ُ‬
‫واإلسالمِ‪ ،‬ريب ور ُّبك اهلل»‪ ،‬قال الرتمذي‪ :‬حديث حسن)‪.(2‬‬
‫ِ‬
‫باألمن‬ ‫الله َّم َأ ِه َّله علينا‬ ‫ذكر عنه أنه كان يقول عندَ رؤيتِه‪« :‬ا ُ‬
‫هلل أكَب‪ُ ،‬‬ ‫و ُي ُ‬
‫حتب ر َّبنا وترىض‪ ،‬ر ُّبنا ور ُّبك اهلل»‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والتوفيق ملا ُّ‬ ‫والسالمة واإلسالمِ‪،‬‬ ‫واإليامن‪،‬‬
‫ذكره الدارمي)‪.(3‬‬

‫‪ -9‬فصل يف هديِه ﷺ يف بذكارِ الطعامِ قبله ونبعده‬


‫ِ‬
‫بالتسمية‪،‬‬ ‫َ‬
‫اآلكل‬ ‫ويأمر‬ ‫ضع يدَ ه يف الطعا ِم قال‪« :‬بس ِم اهلل»‪،‬‬
‫ُ‬ ‫كان إذا َو َ‬
‫أكل أحدُ كم فليذكر اسم اهلل‪ ،‬فإن نيس أن يذكر اسم اهلل يف ِ‬
‫أوله؛‬ ‫ويقول‪« :‬إذا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وآخره» حديث صحيح)‪.(4‬‬ ‫ِ‬ ‫فليقل‪ :‬بس ِم اهلل يف أولِه‬
‫ِ‬
‫األكل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫التسمية عند‬ ‫والصحيح وجوب‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬األم للشافعي ‪.521-520/2‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪.)3451‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الدارمي ‪.)1729( 1050/2‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)3767‬والرتمذي (‪.)1858‬‬
‫‪ | 206‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫كثريا طي ًبا مباركًا‬ ‫فع الطعا ُم من بني يديه ُ‬


‫يقول‪« :‬احلمد هلل محدً ا ً‬ ‫وكان إذا ُر َ‬
‫كفي وال ُمو َّد ٍع وال ُمستَغنًى عنه‪ ،‬ربنا ‪ ،»‬ذكره البخاري)‪.(1‬‬
‫غري َم ٍّ‬
‫فيه‪ُ ،‬‬
‫ُمرجا»)‪.(2‬‬ ‫َ‬
‫وجعل له ً‬ ‫وكان يقول‪« :‬احلمدُ هلل الذي أطعم وس َقى َّ‬
‫وسوغه‬
‫وذكر البخاري عنه أنه كان ُ‬
‫يقول‪« :‬احلمدُ هلل الذي كفانا [وأروانا]»)‪.(3‬‬

‫أطعمني‬
‫َ‬ ‫طعاما فقال‪ :‬احلمدُ هلل الذي‬
‫ً‬ ‫وذكر الرتمذي عنه أنه قال‪َ « :‬من َ‬
‫أكل‬ ‫َ‬
‫ُفر له ما تقدَّ م من ذنبِه» حديث حسن)‪.(4‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫هذا من غري حول مني وال قوة؛ غ َ‬
‫ذكر عنه أنه كان إذا ُق ِّرب إليه الطعا ُم قال‪« :‬بسم اهلل»‪ ،‬فإذا فر َغ من‬
‫و ُي ُ‬
‫وأحييت؛ فلك‬ ‫وهديت‬ ‫وأقنيت‬ ‫وأغنيت‬ ‫وسقيت‬ ‫أطعمت‬ ‫الله َّم‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫طعامه قال‪ُ « :‬‬
‫أعطيت» وإسناده صحيح)‪.(5‬‬
‫َ‬ ‫احلمدُ عىل ما‬
‫الله َّم ِ‬
‫بارك لنا فيه‪،‬‬ ‫طعاما فليقل‪ُ :‬‬
‫ً‬ ‫أيضا‪« :‬إذا َأك ََل أحدُ كم‬
‫ويف «السنن» عنه ً‬
‫بارك لنا فيه‪ِ ،‬‬
‫وزدنا منه؛ فإنه‬ ‫اللهم ِ‬ ‫ِ‬
‫ومن سقاه اهلل لبنًا فليقل‪ُ :‬‬ ‫خريا منه‪َ .‬‬
‫وأطعمنا ً‬
‫ِ‬
‫اللبن» حديث حسن)‪.(6‬‬ ‫غري‬ ‫ِ‬
‫والَشاب َ‬ ‫يشء َُيزئ عن الطعا ِم‬
‫ليس ٌ‬
‫ٍ‬
‫أنفاس‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اإلناء تن َّفس ثالث َة‬ ‫ذكر عنه أنه كان إذا َ ِ‬
‫رش َب يف‬ ‫و ُي ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)5458‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪.)3851‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪.)5459‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)4023‬والرتمذي (‪ ،)3458‬وابن ماجه (‪.)3285‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أمحد ‪.)16595( 140/27‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه أبو داود (‪ ،)3730‬والرتمذي (‪ ،)3455‬وابن ماجه (‪.)3322‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪207‬‬

‫‪ -11‬فصل [يف هديِه ﷺ يف الطعام]‬


‫دخل عىل ِ‬
‫أهله ربام سأهلم‪« :‬هل عندكم طعام؟»)‪ ،(1‬وما عاب‬ ‫وكان ﷺ إذا َ‬
‫ﷺ طعا ًما قط‪ ،‬بل كان إذا اشتها ُه أكله‪ ،‬وإن كره ُه تركه وسكت‪ ،‬وربام قال‪:‬‬
‫ِ‬
‫أشتهيه‪.‬‬ ‫« َأ ِجدُ ين أعا ُفه»)‪ (2‬أي‪ :‬ال‬

‫وليس يف هذا‬ ‫عم اإلدا ُم اخلل»‬ ‫ِ‬


‫يمدح الطعام أحيانًا‪ ،‬كقوله‪« :‬ن َ‬
‫ُ‬ ‫وكان‬
‫)‪(3‬‬

‫حْض فيها‪ ،‬وتطيي ًبا لقلب من‬ ‫ِ‬


‫احلال التي‬ ‫مدح له يف تلك‬ ‫ٌ‬
‫تفضيل له‪ ،‬وإنام هو ٌ‬
‫َ‬
‫َقدَّ مه‪.‬‬

‫صائم»)‪ (4‬وأمر من ُق ِّر َب إليه‬


‫ٌ‬ ‫وكان إذا ُق ِّرب إليه طعا ٌم وهو صائم قال‪« :‬إين‬
‫مفطرا أن يأك َُل منه)‪.(5‬‬
‫ً‬ ‫أن يدعو ملن قدَّ مه‪ ،‬وإن كان‬

‫رب املنزل‪ ،‬وقال‪« :‬إن هذا َتبِ َعنا‪،‬‬


‫وكان إذا ُدعي لطعا ٍم وتبعه أحدٌ ‪ ،‬أع َل َم به َّ‬
‫شئت أن تأ َذ َن له وإن شئت َ‬
‫رجع»)‪.(6‬‬ ‫فإن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلل‪ ،‬وكام قال لربيبِه َ‬
‫عمر‬ ‫حديث ِّ‬ ‫طعامه كام تقدَّ م يف‬ ‫ث عىل‬ ‫وكان يتحدَّ ُ‬
‫بن أيب سلمة وهو يؤاكِ ُله‪« :‬سم اهلل‪ ،‬وك ُْل مما َيلِيك»)‪.(7‬‬
‫ِ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)1154‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)5400‬ومسلم (‪.)1946‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)2053‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪.)1982‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم (‪.)1431‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه البخاري (‪.)5461‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه البخاري (‪ ،)5376‬ومسلم (‪.)2022‬‬
‫‪ | 208‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫مرارا‪ ،‬كام يفع ُله أهل‬


‫عرض األكل عليهم ً‬ ‫َ‬ ‫يكرر عىل أضيافِه‬
‫وربام كان ِّ‬
‫مرارا‪:‬‬ ‫بخاري يف قصة ُرش ِ‬ ‫ِ‬ ‫الكر ِم كام يف‬
‫ب اللبن وقوله له ً‬ ‫ِّ‬ ‫حديث أيب هريرة عند ال‬
‫باحلق ال أجدُ له‬
‫ِّ‬ ‫يقول‪« :‬اِشب» حتى قال‪ :‬والذي بع َثك‬ ‫ُ‬ ‫«اِشب»‪ ،‬فام َ‬
‫زال‬
‫َمسلكًا)‪.(1‬‬
‫منزل ِ‬
‫عبد اهلل بن‬ ‫ِ‬ ‫يدعو هلم‪ ،‬فدعا يف‬ ‫وكان إذا َ‬
‫أكل عند قو ٍم مل َخي ُرج حتى‬
‫َ‬
‫اللهم بارك هلم فيام رزقتَهم‪ ،‬واغفر هلم وارمحهم»‪ ،‬ذكره مسلم)‪.(2‬‬
‫ُبرس‪ ،‬فقال‪َّ « :‬‬
‫َ‬
‫وأكل‬ ‫بن عباد َة فقال‪« :‬أف َط َر عندكُم الصائمون‪،‬‬ ‫ِ‬
‫سعد ِ‬ ‫ِ‬
‫منزل‬ ‫ودعا يف‬
‫األبرار‪ ،‬وص َّل ْ‬
‫ت عليكم املالئك ُة»)‪.(3‬‬ ‫ُ‬ ‫طعامكم‬
‫َ‬
‫فالتمس طعا ًما فلم جيده فقال‪« :‬اللهم‬
‫َ‬ ‫وصح عنه ﷺ أنه َ‬
‫دخل منزله ليل ًة‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫واسق من سقاين»)‪.(4‬‬ ‫َأ ِ‬
‫طعم من أط َع َمني‪،‬‬
‫ٌ‬
‫رجل‬ ‫يضيف املساكني‪ ،‬و ُيثني عليهم‪ ،‬فقال مرةً‪« :‬أال‬ ‫ُ‬ ‫وكان يدعو ملن‬
‫ِ‬
‫وقوت‬ ‫لألنصاري وامرأتِه اللذين آثرا ب ُق ْو ِهتام‬ ‫يضيف هذا رمحه اهلل»)‪ (5‬وقال‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بضيفكام الليلة»)‪.(6‬‬ ‫صنيعكام‬ ‫ب اهلل من‬‫صبياهنام ضي َفهام‪« :‬لقد َع ِج َ‬
‫حرا كان أو عبدً ا‪،‬‬ ‫مؤاكلة ٍ‬
‫ِ‬
‫كبريا‪ًّ ،‬‬
‫صغريا كان أو ً‬
‫ً‬ ‫أحد‬ ‫وكان ال َيأنَف من‬
‫مهاجرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫أعراب ًّيا أو‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)6452‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)2042‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪.)3845‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪.)2055‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪ ،)4889‬ومسلم (‪.)2054‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه مسلم (‪.)2054‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪209‬‬

‫الشيطان‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫بالشامل‪ ،‬ويقول‪« :‬إن‬ ‫ِ‬
‫األكل‬ ‫ِ‬
‫باألكل باليمني‪ ،‬وينهى عن‬ ‫وكان يأ ُمر‬
‫الصحيح‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األكل هبا‪ ،‬وهو‬ ‫ويَشب بشامله» ومقتَض هذا َحت ُ‬
‫ريم‬ ‫)‪(1‬‬
‫ُ‬ ‫يأك ُُل بشاملِه‪،‬‬
‫ٌ‬
‫شيطان‪ ،‬وإما مشب ٌه به‪.‬‬ ‫َ‬
‫اآلكل هبا إما‬ ‫فإن‬
‫ِ‬
‫وأمر َمن َشكَوا إليه أهنم ال َيشبعون أن َجيتمعوا عىل طعامهم وال َّ‬
‫يتفرقوا‪،‬‬ ‫َ‬
‫اسم اهلل عليه؛ ُي ُ‬
‫بارك هلم فيه)‪.(2‬‬ ‫وأن يذكروا َ‬
‫ِ‬
‫العبد يأكُل األكل َة ُيمدُ ه عليها‪،‬‬ ‫وصح عنه أنه قال‪« :‬إن اهلل َل َريىض عن‬
‫َّ‬
‫ويَشب َّ‬
‫الَشبة ُيمدُ ه عليها»)‪.(3‬‬ ‫ُ‬

‫‪ -11‬فصل يف هديِه ﷺ يف السالمِ واالستئذانِ وتَشدمتِ العاطسِ‬

‫وخريه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أفضل اإلسال ِم‬ ‫ثبت عنه ﷺ يف «الصحيحني» عن أيب هريرةَ‪« :‬أن‬ ‫َ‬
‫عرفت وعىل َمن مل ِ‬
‫تعرف»)‪.(4‬‬ ‫َ‬ ‫إطعا ُم الطعامِ‪ ،‬وأن َ‬
‫تقرأ السال َم عىل َمن‬
‫النفر ِمن‬
‫اذهب إىل أولئك ِ‬ ‫وفيهام‪« :‬أن آد َم عليه السالم ملا خل َقه اهلل قال له‪َ :‬‬
‫واستمع ما ُي ُّيونك به‪ ،‬فإهنا حتيتُك وحتي ُة ذريتِك‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ِ‬ ‫املالئكة‪ ،‬فسلم عليهم‪،‬‬
‫السال ُم عليكم‪ ،‬فقالوا‪ :‬السال ُم عليك ورمح ُة اهلل‪ ،‬فزادوه‪ :‬ورمحة اهلل»)‪.(5‬‬
‫ِ‬
‫ربهم أهنم إذا َ‬
‫أفشوا السال َم بينهم‬ ‫أمر بإفشاء السال ِم‪ ،‬وأخ َ‬ ‫وفيهام‪ :‬أنه َ‬
‫دخلون اجلنة حتى يؤمنوا‪ ،‬وال ُيؤمنون حتى يتحابوا)‪.(6‬‬ ‫حتابوا‪ ،‬وأهنم ال َي ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)2020‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)3764‬وابن ماجه (‪.)3286‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)2734‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)6236‬ومسلم (‪.)39‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪ ،)3326‬ومسلم (‪.)2841‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه مسلم (‪.)54‬‬
‫‪ | 221‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫فصل‬
‫ٍ‬
‫بصبيان فس َّل َم عليهم‪ ،‬ذكره مسلم)‪.(1‬‬ ‫مر‬
‫وثبت عنه ﷺ أنه َّ‬
‫َ‬
‫نسوة‪ ،‬فألوى ِ‬
‫بيده‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بجامعة‬ ‫مر يو ًما‬
‫وذكر الرتمذي يف «جامعه» عنه أنه َّ‬
‫بالتسلي ِم»)‪.(2‬‬
‫ِ‬
‫اجلمعة ف َيمرون‬ ‫ويف «صحيح البخاري»‪ :‬أن الصحاب َة كانوا ينرصفون من‬
‫ِ‬
‫السلق‬ ‫ِ‬
‫أصول‬ ‫ِ‬
‫طريقهم ف ُيسلمون عليها‪ ،‬فتُقدم هلم طعا ًما من‬ ‫ٍ‬
‫عجوز يف‬ ‫عىل‬
‫ِ‬
‫والشعري)‪.(3‬‬
‫ِ‬
‫العجوز وذوات‬ ‫ِ‬
‫النساء‪ُ :‬يس ِّل ُم عىل‬ ‫ِ‬
‫مسألة السال ِم عىل‬ ‫الصواب يف‬ ‫وهذا هو‬
‫ُ‬
‫املحار ِم دون ِ‬
‫غريهن‪.‬‬

‫فصل‬

‫واملار‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫الكبري‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الصغري عىل‬ ‫تسليم‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وغريه‬ ‫وثبت عنه يف «صحيح البخاري»‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الكثري)‪.(4‬‬ ‫ِ‬
‫والقليل عىل‬ ‫ِ‬
‫والراكب عىل املايش‪،‬‬ ‫ِ‬
‫القاعد‪،‬‬ ‫عىل‬
‫َّاس باهلل َمن َ‬
‫بدأهم بالسال ِم»)‪.(5‬‬ ‫ويف «سنن أيب داود» عنه‪« :‬إن أوىل الن ِ‬
‫ِ‬
‫االنرصاف‬ ‫ِ‬
‫املجيء إىل القو ِم‪ ،‬والسال ُم عند‬ ‫وكان من ِ‬
‫هديه ﷺ السال ُم عند‬
‫عنهم‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)6247‬ومسلم (‪.)2168‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪.)2697‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪.)6248‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪.)6234‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أبو داود (‪.)5197‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪220‬‬

‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ يتامشون‪ ،‬فإذا لقيتهم شجر ٌة أو‬ ‫أصحاب‬
‫ُ‬ ‫أنس‪ :‬كان‬‫وقال ٌ‬
‫ٍ‬
‫بعض‪.‬‬ ‫بعضهم عىل‬‫وشامال‪ ،‬وإذا الت َقوا ِمن ورائها س َّلم ُ‬
‫ً‬ ‫أكم ٌة َّ‬
‫تفرقوا يمينًا‬
‫ِ‬
‫املسجد)‪ ،(1‬ثم‬ ‫يبتدئ بركعتني حتية‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املسجد‬ ‫َ‬
‫الداخل إىل‬ ‫هديه ﷺ أن‬‫ومن ِ‬
‫وحق اهلل يف مثل هذا‬ ‫ِ‬
‫املسجد قبل حتية أهلِه‪ُّ ،‬‬ ‫فيسلم عىل القوم‪ ،‬فتكون حتي ُة‬ ‫جيي ُء‬
‫ُ‬
‫نزاعا معرو ًفا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫احلقوق املالية‪ ،‬فإن فيها ً‬ ‫ِ‬
‫بخالف‬ ‫َأوىل بالتقديم‬
‫ُ‬
‫ثالث حتيات مرتتبة‪ :‬أن‬ ‫ِ‬
‫لداخل املسجد إذا كان فيه مجاع ٌة‬ ‫وعىل هذا‪ :‬ف ُيسن‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬ثم ُيصيل ركعتني‬ ‫يقول عند دخولِه‪ :‬بس ِم اهلل والصال ُة والسال ُم عىل‬
‫َ‬
‫حتي َة املسجد‪ ،‬ثم ُيسلم عىل القو ِم‪.‬‬

‫فصل‬

‫سمع‬ ‫بالليل سلم تسليام ال ِ‬


‫ِ‬ ‫وكان ﷺ إذا َ‬
‫النائم‪ ،‬و ُي ُ‬
‫َ‬ ‫يوقظ‬ ‫ً‬ ‫دخل عىل أهله‬
‫َ‬
‫اليقظان‪ ،‬ذكره مسلم)‪.(2‬‬

‫فصل‬

‫وذكر الرتمذي عنه‪« :‬السال ُم َ‬


‫قبل الكال ِم»)‪ ،(3‬وهذا وإن كان إسنا ُده ضعي ًفا‬
‫ُ‬
‫فالعمل عليه‪.‬‬
‫صفوان ب َن أمي َة بع َثه‬
‫َ‬ ‫وأجو ُد منها ما رواه الرتمذي‪ ،‬عن َك َلدة بن حنبل‪« :‬أن‬
‫والنبي ﷺ بأعىل الوادي‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫وضغابيس إىل النبي ﷺ‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وجداية‬ ‫بلبن ولِبأ‬
‫ٍ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)1163‬ومسلم (‪.)714‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)2055‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الرتمذي (‪.)2699‬‬
‫‪ | 222‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ارجع‪ ،‬فقل‪ :‬السال ُم عليكم‪،‬‬ ‫ِ‬


‫أستأذن‪ ،‬فقال النبي ﷺ‪ِ :‬‬ ‫فدخلت عليه ومل أس ِّلم ومل‬
‫ُ‬
‫أأدخل؟»‪ ،‬قال‪ :‬هذا حديث حسن غريب)‪.(1‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫تلقاء وجهه‪ ،‬ولكن من ركنِه‬ ‫وكان إذا أتى باب قو ٍم مل َيستقبل الباب من‬
‫ِ‬
‫األيرس‪ ،‬فيقول‪« :‬السال ُم عليكم‪ ،‬السال ُم عليكم»)‪.(2‬‬ ‫ِ‬
‫األيمن أو‬

‫فصل‬

‫وحي ِّمل السال َم ملن ُيريدُ‬


‫كل من يواج ُهه‪َ ُ ،‬‬ ‫وكان ﷺ ُيسلم بنفسه عىل ِّ‬
‫ويتحمل السال َم ملن يبلغه إليه‪ ،‬كام َحت َّمل السال َم‬
‫َّ‬ ‫السال َم عليه من الغائبني عنه‪،‬‬
‫ُ‬
‫جربيل‪:‬‬ ‫بنت خويلد ‪ ‬ملا قال له‬ ‫ِ‬
‫النساء خدجي َة ِ‬ ‫من اهلل ‪ ‬عىل ِصدِّ ِ‬
‫يقة‬
‫وبرشها ببيت يف‬ ‫قرئها السالم من رهبا ِ‬
‫ومنِّي‪ِّ ،‬‬ ‫هذه خدجي ُة قد أتتك بطعا ٍم‪ ،‬ف َأ ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اجلنة)‪.(3‬‬

‫فصل‬

‫هديه ﷺ انتها ُء السال ِم إىل‪« :‬وبركاتِه»‪ ،‬فذكر النسائي عنه‪َّ « :‬‬


‫أن‬ ‫وكان من ِ‬
‫جلس‪ ،‬ثم‬
‫َ‬ ‫النبي ﷺ وقال‪ :‬عَشة‪ .‬ثم‬ ‫ً‬
‫رجال جاء فقال‪ :‬السال ُم عليكم‪ ،‬فر َّد عليه ُّ‬
‫آخر فقال‪ :‬السال ُم عليكم ورمح ُة اهلل‪ ،‬فر َّد عليه ُّ‬
‫النبي ﷺ وقال‪ :‬عَشون‪ .‬ثم‬ ‫جاء ُ‬
‫آخر فقال‪ :‬السال ُم عليكم ورمح ُة اهلل وبركاتُه‪ ،‬فر َّد عليه السال َم‬
‫جلس‪ ،‬وجاء ُ‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي (‪.)2710‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪.)5186‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)3820‬ومسلم (‪.)2432‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪223‬‬

‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ وقال‪ :‬ثالثون» رواه النسائي والرتمذي من حديث عمران بن‬
‫حصني وحسنه)‪.(1‬‬

‫فصل‬

‫ٍ‬
‫أنس‬ ‫هديه ﷺ أن ُيسلم ثال ًثا كام يف «صحيح البخاري» عن‬ ‫وكان من ِ‬
‫ٍ‬
‫بكلمة أعادها ثال ًثا حتى تُفهم عنه‪،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ إذا تَك َّلم‬
‫ُ‬ ‫‪ ‬قال‪ :‬كان‬
‫وإذا أتى عىل قو ٍم فسلم عليهم سلم عليهم ثال ًثا)‪.(2‬‬

‫الكثري‪ ،‬ومن تأ َّم َل هد َيه َعلِ َم أن‬


‫ِ‬ ‫ولعل هذا كان هد َيه يف السالم عىل اجلم ِع‬
‫عارضا يف بعض األحيان‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ً‬ ‫أمرا‬
‫تكرار السالم كان منه ً‬
‫َ‬

‫فصل‬

‫مثل حتيتِه أو‬


‫وكان ﷺ َيبد ُأ من َل ِق َيه بالسال ِم‪ ،‬وإذا سلم عليه أحدٌ رد عليه َ‬
‫ِ‬
‫قضاء‬ ‫ِ‬
‫الصالة‪ ،‬وحالة‬ ‫ٍ‬
‫لعذر مثل حالة‬ ‫ٍ‬
‫تأخري‪ ،‬إال‬ ‫الفور ِمن غري‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫أفضل منها عىل‬
‫ِ‬
‫احلاجة‪.‬‬
‫ِ‬
‫أصبعه‪،‬‬ ‫بيده وال ِ‬
‫رأسه وال‬ ‫سمع املس ِّلم رده عليه‪ ،‬ومل يكن يرد ِ‬
‫وكان ﷺ ي ِ‬
‫َ َ َّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الصالة فإنه كان ير ُّد عىل من سلم عليه إشارةً‪ ،‬ثبت ذلك عنه يف عدة‬ ‫إال يف‬
‫عارضها إال يش ٌء باطل‪.‬‬
‫أحاديث‪ ،‬ومل جيئ عنه ما ُي ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)5195‬والرتمذي (‪ ،)2689‬والنسائي يف الكربى ‪.)10097(133/9‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)95‬‬
‫‪ | 224‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫فصل‬

‫وكان َيكر ُه أن يقول للمبتدئ‪ :‬عليك السال ُم‪ ،‬قال أبو ُج َر ٍّي اهل ُ َجيمي‪:‬‬
‫رسول اهلل‪ .‬فقال‪« :‬ال ت ُقل‪ :‬عليك‬ ‫َ‬ ‫النبي ﷺ فقلت‪ :‬عليك السال ُم يا‬ ‫َّ‬ ‫أتيت‬
‫السالم؛ فإن عليك السال ُم حتي َة املوتى» حديث صحيح)‪.(1‬وقد َأ َ‬
‫شكل هذا‬
‫معار ًضا ملا ثبت عنه ﷺ يف السالم عىل األموات‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫طائفة‪ ،‬وظنُّوه‬ ‫ُ‬
‫احلديث عىل‬
‫بلفظ‪( :‬السالم عليكم) بتقديم السالم‪ ،‬وإنام معنى قوله‪« :‬فإن عليك السال ُم حتي َة‬
‫إخبار عن الواق ِع ال عن املرشوعِ‪ ،‬أي‪ :‬إن الشعراء وغريهم حييون املوتى‬
‫ٌ‬ ‫املوتى»‬
‫هبذا اللفظ‪.‬‬
‫وكان يرد عىل ا ُملس ِّلم‪« :‬وعليك السالم» بالواو‪ ،‬وبتقديم «عليك» عىل ِ‬
‫لفظ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫السالم‪.‬‬

‫‪ -12‬فصل يف هديِه ﷺ يف السالمِ على بهل الرتا ِ‬

‫روى مسلم يف «صحيحه» من حديث أيب هرير َة أن النبي ﷺ قال‪« :‬ال‬


‫ِ‬
‫الطريق فاضطروه إىل‬ ‫تَبدؤوا اليهو َد وال النصارى بالسالمِ‪ ،‬وإذا لقيتم أحدَ هم يف‬
‫حكم عام‪.‬‬ ‫والظاهر أن هذا‬ ‫ِ‬
‫أضيقه»)‪،(2‬‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫أكثرهم‪ :‬ال ُيبدؤون بالسال ِم‪.‬‬
‫السلف واخللف يف ذلك‪ ،‬فقال ُ‬ ‫ُ‬ ‫وقد اختلف‬
‫ٍ‬
‫ملصلحة راجحة‬ ‫ابتدائهم‪ ،‬وقالت طائف ٌة‪ُ :‬‬
‫جيوز االبتداء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جواز‬ ‫وذهب آخرون إىل‬
‫ٍ‬
‫لقرابة بينهام‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫خوف من أذاه أو‬ ‫ٍ‬
‫حاجة تكون له إليه أو‬ ‫من‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)5209‬والرتمذي (‪.)2722‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)2167‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪225‬‬

‫الصواب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فاجلمهور عىل وجوبِه‪ ،‬وهو‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وجوب الر ِّد عليهم‪،‬‬ ‫واختلفوا يف‬

‫فصل‬
‫ِ‬
‫عبدة‬ ‫ٌ‬
‫أخالط من املسلمني واملرشكني‬ ‫ٍ‬
‫جملس فيه‬ ‫مر عىل‬
‫وثبت عنه ﷺ أنه َّ‬‫َ‬
‫ِ‬
‫واليهود‪ ،‬فس َّلم عليهم)‪.(1‬‬ ‫األوثان‬

‫هرقل وغريه بـ‪« :‬السال ُم عىل من ا َّت َب َع ُاهلدى»)‪.(2‬‬


‫كتب إىل َ‬
‫وصح عنه أنه َ‬
‫َّ‬

‫فصل‬

‫وكان من ِ‬
‫هديه ﷺ إذا ب َّلغه أحدٌ السال َم عن غريه أن يرد عليه وعىل املب ِّلغ‪،‬‬
‫عليك وعىل‬ ‫قرئك السال َم‪ .‬فقال له‪َ « :‬‬ ‫رجال قال له‪ :‬إن أيب ُي ِ‬
‫كام يف «السنن» أن ً‬
‫أبيك السال ُم»)‪.(3‬‬

‫يتوب‬
‫َ‬ ‫ث حد ًثا حتى‬ ‫وكان من ِ‬
‫هديه ترك السال ِم ابتدا ًء ور ًّدا عىل من أحدَ َ‬
‫كعب يسلم عليه وال َيدري هل‬ ‫مالك وصاح َب ْيه‪ ،‬وكان‬ ‫ٍ‬ ‫كعب بن‬ ‫هجر‬ ‫منه‪ ،‬كام‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حرك شفت ِ‬
‫َيه بِر ِّد السال ِم عليه أم ال )‪.(4‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)6254‬ومسلم (‪.)1798‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)6260‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪.)5231‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)6255‬ومسلم (‪.)2769‬‬
‫‪ | 226‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -13‬فصل يف هديِه ﷺ يف االستئذانِ‬

‫ثالث‪ ،‬فإن ُأذن لك وإال فارجع»)‪.(1‬‬


‫االستئذان ٌ‬
‫ُ‬ ‫وصح عنه ﷺ أنه قال‪« :‬‬
‫َّ‬
‫جرتِه‪،‬‬ ‫عني الذي نظر إليه من ُج ٍ‬
‫حر يف ُح َ‬ ‫وصح عنه ﷺ أنه أرا َد أن َيف َقأ َ‬
‫َّ‬
‫وقال‪« :‬إنام ُج ِعل االستئذان من أجل البِص» ‪.‬‬
‫ِ )‪(2‬‬

‫رجل‪ ،‬فقال‬ ‫وتعليام‪ ،‬واستأ َذن عليه ٌ‬ ‫فعال‬ ‫ِ‬


‫االستئذان ً‬ ‫التسليم قبل‬ ‫وصح عنه‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫االستئذان»‪ .‬فقال له‪:‬‬
‫َ‬ ‫اخر ْج إىل هذا‪ ،‬فعلمه‬ ‫ٍ‬
‫لرجل‪ُ « :‬‬ ‫أألج؟ فقال رسول اهلل ﷺ‬‫ُ‬
‫أأدخل؟ ف َأ ِذن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الرجل فقال‪ :‬السال ُم عليكم‪،‬‬ ‫فس ِمعه‬ ‫ُ‬
‫أأدخل؟ َ‬ ‫قل‪ :‬السال ُم عليكم‪،‬‬
‫له النبي ﷺ فدخل»)‪.(3‬‬
‫انرصف‪.‬‬
‫َ‬ ‫استأذن ثال ًثا ومل ُيؤذن له؛‬
‫َ‬ ‫وكان من ِ‬
‫هديه ﷺ إذا‬

‫فصل‬
‫ِ‬
‫املستأذن إذا قيل له‪ :‬من أنت؟ يقول‪ُ :‬‬
‫فالن بن فالن‪ ،‬أو َيذكُر‬ ‫ومن ِ‬
‫هديه أن‬
‫أتيت النبي ﷺ‬‫جابر‪ُ :‬‬‫ٍ‬ ‫كنيتَه أو لق َبه‪ ،‬وال يقول‪ :‬أنا‪ .‬كام يف «الصحيحني»‪ :‬عن‬
‫الباب‪ ،‬فقال « َمن ذا؟» فقلت‪ :‬أنا‪ ،‬فقال‪« :‬أنا أنا!» كأنه ِ‬
‫كر َهها)‪.(4‬‬ ‫َ‬ ‫فد َق ُ‬
‫قت‬
‫ٍ‬
‫هانئ‪ ،‬قال هلا‪« :‬من هذه؟» قالت‪ :‬أ ُّم هانئ)‪ .(5‬فلم يكره‬ ‫وملا استأ َذنَت أم‬
‫ذكرها الكنية‪.‬‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)6254‬ومسلم (‪.)2153‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)6241‬ومسلم (‪.)2156‬‬
‫(‪ )3‬تقدم (ص‪.)222‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)6250‬ومسلم (‪.)2155‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪.)280‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪227‬‬

‫فصل‬
‫ِ‬
‫العورات‬ ‫أمر اهلل به املامليك‪ ،‬ومن مل َيب ُلغ احلُلم‪ ،‬يف‬ ‫ُ‬
‫االستئذان الذي َ‬ ‫وأما‬
‫ِ‬
‫الظهرية‪ ،‬وعند النو ِم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الفجر‪ ،‬ووقت‬ ‫الثالث‪َ :‬‬
‫قبل‬

‫ندب وإرشاد‪ ،‬وقالت‬ ‫أمر ٍ‬


‫فقالت طائف ٌة‪ :‬اآلي ُة منسوخ ٌة‪ ،‬وقالت طائف ٌة‪ُ :‬‬
‫املأمور بذلك النساء خاص ًة‪ ،‬وقالت طائف ٌة عكس هذا‪ ،‬وقالت طائف ٌة‪ :‬كان‬ ‫ُ‬ ‫طائف ٌة‪:‬‬
‫ِ‬
‫للحاجة ثم زالت‪ ،‬وقالت طائف ٌة‪ :‬اآلي ُة حمكم ٌة‬ ‫األمر باالستئذان يف ذلك الوقت‬ ‫ُ‬
‫دافع‪.‬‬
‫معارض هلا وال َ‬ ‫َ‬ ‫عامة ال‬

‫فتحه‬ ‫والصحيح أنه إن كان هناك ما يقوم مقام االس ِ‬


‫تئذان من فتح ٍ‬
‫باب ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫واخلارج ونحوه‪ ،‬أغنى ذلك عن‬ ‫ِ‬
‫الداخل‬ ‫دليل عىل الدخول‪ ،‬أو رف ِع ِس ٍرت‪ ،‬أو تردد‬
‫ٌ‬
‫واحلكم مع َّل ٌل بعلة قد أشارت‬ ‫ِ‬
‫االستئذان‪ ،‬وإن مل يكن ما يقو ُم مقامه فال بد منه‪،‬‬
‫ُ‬
‫إليها اآلية‪ ،‬فإذا ُو ِجدَ ت ُو ِجدَ احلكم‪ ،‬وإذا انتفت انتفى‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪ -14‬فصل يف هديِه ﷺ يف بذكار العطاسِ‬

‫التثاؤب‪ ،‬فإذا َع َط َس أحدُ كم‬


‫َ‬ ‫ُيب ال ُعطاس‪ ،‬ويكره‬
‫ثبت عنه ﷺ‪« :‬إن اهلل ُّ‬
‫ومحد اهلل‪ ،‬كان ح ًقا عىل كل مسل ٍم سمعه أن يقول له‪ :‬ير ُ‬
‫محك اهلل‪ .‬وأما التثاؤب‪،‬‬
‫استطاع‪ ،‬فإن أحدَ كم إذا‬
‫َ‬ ‫تثاءب أحدُ كم‪ ،‬فلري َّده ما‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الشيطان‪ ،‬فإذا‬ ‫فإنام هو من‬
‫الشيطان» ذكره البخاري)‪.(1‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ضحك منه‬ ‫تثاءب‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)6223‬‬


‫‪ | 228‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫وثبت عنه ﷺ يف «صحيحه»‪« :‬إذا ع َطس أحدُ كم‪ :‬فلي ُقل‪ :‬احلمد هلل‪ .‬وليقل‬
‫رمحك اهلل‪ .‬فل َي ُقل‪ََ :‬يديكُم اهلل‬
‫محك اهلل‪ .‬فإذا قال له‪َ :‬ي َ ُ‬
‫له أخو ُه ‪-‬أو صاحبه‪ :-‬ير ُ‬
‫صلح با َلكم»)‪.(1‬‬
‫و ُي ُ‬
‫عطس أحدُ كم فحمد اهلل فشمتوه‪ ،‬فإن‬
‫َ‬ ‫وثبت عنه يف «صحيح مسلم»‪« :‬إذا‬
‫َ‬
‫مل ُيمد اهلل فال تشمتوه»)‪.(2‬‬

‫عطس أحدُ كم فليقل‪ :‬احلمدُ هلل‬ ‫ٍ‬


‫صحيح‪« :‬إذا‬ ‫ٍ‬
‫بإسناد‬ ‫وروى أبو داو َد عنه‬
‫َ‬
‫عىل كل حال‪ ،‬وليقل أخوه أو صاحبه‪ :‬يرمحك اهلل‪ ،‬ويقول هو‪ِ :‬‬
‫َيديكم اهلل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ويصلح با َلكم»)‪.(3‬‬
‫ُ‬
‫سمع‬ ‫كل من‬ ‫فرض ٍ‬
‫عني عىل ِّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ميت ُ‬ ‫فظاهر احلديث املبدوء به‪ :‬أن التش َ‬‫ُ‬
‫ِ‬
‫العلامء‪،‬‬ ‫تشميت الواحد عنهم‪ ،‬وهذا أحدُ َ‬
‫قويل‬ ‫زئ‬
‫ُ‬ ‫العاطس حيمدُ اهلل‪ ،‬وال ُجي ُ‬
‫دافع له‪.‬‬ ‫واختاره ابن أيب ٍ‬
‫زيد وأبو ِ‬
‫بكر بن العريب [املالكيان]‪ ،‬وال َ‬
‫(‪)4‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫بخروج األبخرة‬ ‫حصل له بالعطاس نعم ٌة ومنفع ٌة‬ ‫َ‬ ‫العاطس قد‬
‫ُ‬ ‫وملا كان‬
‫رش َع له محدُ اهلل عىل‬ ‫املحتقنة يف ِ‬
‫دماغه‪ ،‬التي لو بقيت فيه أحد َث ْت فيه أدوا ٌء عرسةٌ‪ِ ُ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫الزلزلة التي هي للبدن‬ ‫ِ‬
‫أعضائه عىل التئامها وهيئتها بعد هذه‬ ‫النعمة مع ِ‬
‫بقاء‬ ‫ِ‬ ‫هذه‬
‫تشميت له‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫بخري فهو مشمت‪ ،‬وقيل‪ :‬هو‬ ‫وكل دا ٍع‬ ‫ِ‬
‫األرض هلا‪ ،‬قيل‪ُّ :‬‬ ‫ِ‬
‫كزلزلة‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)6224‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)2992‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ )5033‬من حديث أيب هريرة‪ ،‬والرتمذي (‪ )2741‬من حديث أيب أيوب‪ ،‬والرتمذي‬
‫(‪ )2738‬بنحوه من حديث ابن عمر‪.‬‬
‫(‪ )4‬املسالك يف رشح موطأ مالك البن العريب ‪.518/7‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪229‬‬

‫حماب اهلل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بالشيطان؛ إلغاظتِه‬


‫ِ‬
‫حصل له به من ِّ‬ ‫نعمة العطاس‪ ،‬وما‬ ‫بحمد اهلل عىل‬
‫ٌ‬
‫غائظ‬ ‫وإصالح ِ‬
‫البال‪ ،‬وذلك ك ُّله‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باهلداية‬ ‫ودعاؤه هلم‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بالرمحة‪،‬‬ ‫ودعاء املسلمني له‬
‫بعدوه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫للشيطان ٌ‬
‫فس ِّمي الدعا ُء له بالرمحة تشميتًا له‪ ،‬ملا يف ضمنه من شامتته ِّ‬
‫حمزن له‪ُ ،‬‬
‫وعظم ْت عندَ مها منفع ُة‬
‫َ‬ ‫واملشم ُت انتف َعا به‬
‫ِّ‬ ‫العاطس‬
‫ُ‬ ‫لطيف إذا تنبه له‬
‫ٌ‬ ‫وهذا معنى‬
‫والقلب‪ ،‬وتبني الرس يف ِ‬
‫حمبة اهلل له‪ ،‬فلله احلمدُ الذي هو أه ُله‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البدن‬ ‫ِ‬
‫العطاس يف‬ ‫ِ‬
‫نعمة‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫وعز جاللِه‪.‬‬‫وجهه ِّ‬‫كام ينبغي لكري ِم ِ‬

‫ِ‬
‫العطاس ما ذكره أبو داو َد والرتمذي‪ ،‬عن أيب هريرة‪:‬‬ ‫وكان ِمن ِ‬
‫هديه ﷺ يف‬
‫غض به‬
‫وخفض أو َّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ إذا ع َطس َو َض َع يده أو ثو َبه عىل فيه‪،‬‬ ‫«كان‬
‫صوتَه» قال الرتمذي‪ :‬حديث صحيح )‪.(1‬‬

‫عطس أخرى‪،‬‬
‫َ‬ ‫عطس عندَ ه ٌ‬
‫رجل‪ ،‬فقال له‪« :‬يرمحك اهلل»‪ ،‬ثم‬ ‫َ‬ ‫وصح عنه أنه‬
‫َّ‬
‫فقال‪« :‬الرجل مزكوم» ‪ .‬هذا لفظ مسلم أنه قال يف املرة الثانية)‪ ،(2‬وأما الرتمذي‬
‫ٌ‬
‫رجل مزكوم» قال‬ ‫ففيه‪ :‬ثم عطس الثانية والثالثة‪ .‬فقال رسول اهلل‪« :‬هذا‬
‫الرتمذي‪ :‬هذا حديث حسن صحيح)‪.(3‬‬

‫جليسه‪ ،‬وإن زا َد عىل‬


‫ُ‬ ‫عطس أحدُ كم فليشمته‬
‫َ‬ ‫وعن أيب هرير َة يرف ُعه‪« :‬إذا‬
‫ِ‬
‫الثالثة فهو مزكو ٌم‪ ،‬وال تشمته بعدَ الثالث» وهو حديث حسن)‪.(4‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)5029‬والرتمذي (‪.)2745‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)2993‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الرتمذي (‪.)2743‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)5035‬وابن السني يف عمل اليوم والليلة (‪.)251‬‬
‫‪ | 231‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫دعى‬‫دعى له ممَّن ال عل َة به؟ قيل‪ُ :‬ي َ‬‫فإن قيل‪ :‬فإذا كان به زكام فهو أوىل أن ُي َ‬
‫ِ‬
‫العطاس الذي حي ُّبه اهلل فإنام‬ ‫ووجع‪ ،‬وأما سنة‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫للمريض و َمن به دا ٌء‬ ‫له كام ُيدعى‬
‫الثالث‪ ،‬وما زاد عليها ُيد َعى لصاحبه بالعافية‪ ،‬وقو ُله يف هذا‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫يكون إىل متا ِم‬
‫الدعاء له بالعافية؛ ألن الزكم َة عل ٌة‪ ،‬وفيه‬‫ِ‬ ‫ُ‬
‫الرجل مزكو ٌم» تنبي ٌه عىل‬ ‫احلديث‪« :‬‬
‫العلة ليتداركَها وال‬‫ِ‬ ‫ترك تشميتِه بعدَ الثالث‪ ،‬وفيه تنبي ٌه له عىل هذه‬ ‫اعتذار ِمن ِ‬
‫ٌ‬
‫وعلم وهدً ى‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫أمرها‪ ،‬فكال ُمه ﷺ ك ُّله حكم ٌة ورمح ٌة‬ ‫هيملها‪ ،‬فيصعب ُ‬

‫فصل‬

‫وصح عنه ﷺ أن اليهو َد كانوا يتعاطسون عنده‪َ ،‬يرجون أن يقول هلم‪:‬‬ ‫َّ‬
‫صلح بالكم»)‪.(1‬‬
‫محكم اهلل‪ .‬فكان يقول‪ََ « :‬يديكُم اهلل و ُي ُ‬
‫َير ُ‬

‫‪ -15‬فصل يف هديِه ﷺ يف بذكارِ السفرِ وآدانبِه‬

‫فلريكَع ركعتني من غري‬ ‫صح عنه ﷺ أنه قال‪« :‬إذا هم أحدُ كم باألمر‪َ ،‬‬ ‫َّ‬
‫بعلمك‪ ،‬وأستقدرك بقدرتِك‪ ،‬وأسأ ُلك‬ ‫ِ‬ ‫أستخريك‬
‫ُ‬ ‫اللهم إين‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫الفريضة‪ ،‬ثم ليقل‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الغيوب‪،‬‬ ‫من فضلك العظيم‪ ،‬فإنك تَقدر وال أقد ُر‪ ،‬وتَع َلم وال ُ‬
‫أعلم‪ ،‬وأنت عال ُم‬
‫وعاجل أمري وآجلِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫خري َل يف ديني ومعايش‪،‬‬ ‫األمر ٌ‬
‫اللهم إن كنت تَعلم أن هذا َ‬
‫ِشا َل يف ديني ومعايش‪،‬‬ ‫تعلمه ً‬
‫فاقدره َل‪ ،‬ويِسه َل‪ ،‬وبارك َل فيه‪ ،‬وإن كنت ُ‬
‫اخلري حيث كان‪ ،‬ثم‬ ‫ِ‬
‫وارصفني عنه‪ ،‬واقدُ ر ََل َ‬ ‫ِ‬
‫فارصفه عني‪،‬‬ ‫وعاجل أمري وآجله‪،‬‬ ‫ِ‬
‫حاجته»)‪.(2‬‬
‫َرضني به» قال‪« :‬و ُيسمي َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)5038‬والرتمذي (‪.)2739‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)1162‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪230‬‬

‫واإلقرار بصفات كامله من‬


‫َ‬ ‫اإلقرار بوجوده سبحانه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫فتضمن هذا الدعا ُء‪:‬‬‫َّ‬
‫ِ‬
‫األمر إليه‪ ،‬واالستعان َة‬ ‫وتفويض‬
‫َ‬ ‫واإلقرار بربوب َّيتِه‪،‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫والقدرة واإلرادة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫كامل العلم‬
‫ِ‬
‫والقوة إال به‪،‬‬ ‫ِ‬
‫احلول‬ ‫ربي ِمن‬ ‫ِ ِ‬ ‫َ‬
‫واخلروج من عهدة نفسه‪ ،‬والت ِّ‬ ‫َ‬ ‫والتوكل عليه‪،‬‬ ‫به‪،‬‬
‫نفسه وقدرته عليها‪ ،‬وإرادتِه هلا‪ ،‬وأن‬ ‫بمصلحة ِ‬ ‫ِ‬ ‫بعجزه عن علمه‬ ‫ِ‬ ‫واعرتاف العبد‬
‫َ‬
‫بيد وليه وفاطِ ِره وإهله احلق‪.‬‬
‫ذلك كله ِ‬

‫فصل‬

‫ركب راح َلته َّ‬


‫كرب ثالثا‪ ،‬ثم قال‪« :‬سبحان الذي َسخَّ َر لنا هذا‪ ،‬وما‬ ‫وكان إذا َ‬
‫كنا له ُمقرنني‪ ،‬وإنا إىل ربنا ملنقلبون» ثم يقول‪« :‬اللهم إين أسألك يف ِ‬
‫سفرنا هذا‬
‫السفر‪ ،‬واطو عنا بعدَ ه‪،‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫العمل ما تَرىض‪ ،‬اللهم هون علينا‬ ‫الَب والتقوى‪ ،‬ومن‬ ‫َّ‬
‫اصحبنا يف ِ‬
‫سفرنا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫السفر‪ ،‬واخلليف ُة يف األهل‪ ،‬اللهم‬ ‫الصاحب يف‬
‫ُ‬ ‫اللهم أنت‬
‫واخ ُلفنا يف أهلِنا»)‪.(1‬‬
‫ِ‬ ‫الله َّم إين أعو ُذ بك من‬
‫وعثاء‬ ‫ويف «صحيح مسلم» أنه كان إذا سا َف َر قال‪ُ « :‬‬
‫ِ‬
‫سوء‬ ‫ِ‬
‫دعوة املظلومِ‪ ،‬ومن‬ ‫احل ْو ِر بعد الك َِور‪ ،‬ومن‬ ‫ِ‬
‫املنقلب‪ ،‬ومن َ‬ ‫ِ‬
‫وكآبة‬ ‫ِ‬
‫السفر‪،‬‬
‫ِ‬
‫واملال»)‪.(2‬‬ ‫ِ‬
‫األهل‬ ‫ِ‬
‫املنظر يف‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)1342‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)1343 ،1342‬‬
‫‪ | 232‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫فصل‬
‫ألحدهم‪« :‬أست ِ‬
‫َود ُع اهلل دينَك وأمانتك‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السفر يقول‬ ‫وكان إذا و َّد َع أصحا َبه يف‬
‫أوصيك بتقوى اهلل‪،‬‬ ‫رجل‪ :‬إين أريد سفرا‪ ،‬فقال‪ِ « :‬‬ ‫وخواتيم عملِك»)‪ ،(1‬وقال له ٌ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫األرض‪ ،‬وهون عليه‬‫َ‬ ‫الله َّم ِ‬
‫ازو له‬ ‫وىل قال‪ُ « :‬‬‫ِشف»‪ ،‬فلام َّ‬ ‫والتكبري عىل كل ٍ‬ ‫ِ‬
‫السفر»)‪.(2‬‬
‫َ‬
‫النبي ﷺ وأصحا ُبه إذا َع َلوا الثنايا كربوا‪ ،‬وإذا ه َبطوا س َّبحوا‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫وكان‬
‫فو ِض َعت الصال ُة عىل ذلك‪.‬‬
‫ُ‬
‫السري فوق ذلك‪ ،‬وكان‬
‫َ‬ ‫رفع‬
‫سريه يف حجه ال َعنَق‪ ،‬فإذا وجدَ فجوة َ‬
‫وكان ُ‬
‫ب املالئك ُة رفق ًة فيها ٌ‬
‫كلب وال جرس»)‪.(3‬‬ ‫تصح ُ‬
‫َ‬ ‫يقول‪« :‬ال‬

‫يسري بالليل فقال‪« :‬لو َيع َل ُم الناس ما يف‬ ‫ِ‬


‫للمسافر وحده أن‬ ‫وكان يكره‬
‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السفر للواحد بال رفقة‪ ،‬و َأخ َ‬
‫رب‬ ‫يكره‬
‫بليل» ‪ ،‬بل كان َ‬ ‫سار أحد وحد ُه ٍ‬
‫الوحدة ما َ‬
‫)‪(4‬‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شيطان‪ ،‬واالثنان شيطانان‪ ،‬والثالث ُة ٌ‬
‫ركب»)‪.(5‬‬ ‫ٌ‬ ‫أن الواحدَ‬
‫ِ‬
‫التامات من‬ ‫نزل أحدُ كم ً‬
‫منزال فليقل‪ :‬أعو ُذ بكلامت اهلل‬ ‫وكان يقول‪« :‬إذا َ‬
‫خلق؛ فإنه ال يرضه يشء حتى َ ِ‬
‫يرحتل منه»)‪.(6‬‬ ‫ِش ما َ‬
‫ُّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2600‬والرتمذي (‪.)3443‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)3445‬وابن ماجه (‪.)2771‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)2113‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪.)2998‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2607‬والرتمذي (‪.)1674‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه مسلم (‪.)2708‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪233‬‬

‫ِ‬
‫األرض‪ ،‬وإذا‬ ‫اإلبل ح َّظها من‬
‫صب فأعطوا َ‬ ‫وكان يقول‪« :‬إذا سا َفرتُم يف ِ‬
‫اخل ِ‬
‫فبادروا نِقيها»)‪.(1‬‬
‫سا َفرتُم يف الس ِنة‪ِ ،‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫وحسن‬ ‫بحمد اهلل ونعمتِه‬
‫ِ‬ ‫سامع‬
‫ٌ‬ ‫سمع‬ ‫ِ‬
‫السفر قال‪َ « :‬‬ ‫الفجر يف‬
‫ُ‬ ‫وكان إذا بدا له‬
‫عائذا باهلل من ِ‬
‫النار»)‪.(2‬‬ ‫فضل علينا‪ً ،‬‬ ‫وأ ِ‬ ‫ِ‬
‫صاح ْبنا َ‬ ‫بالئه علينا‪ ،‬ربنا‬

‫أرض العدو خماف َة أن ينا َله العدو‪ ،‬وكان‬‫ِ‬ ‫ِ‬


‫بالقرآن إىل‬ ‫وكان ينهى أن يسا َف َر‬
‫هنم َت ُه‬ ‫ينهى املرأة أن تُسافر بغري حمر ٍم‪ ،‬ولو مسافة ٍ‬
‫املسافر إذا قَض َ‬
‫َ‬ ‫بريد‪ ،‬وكان يأ ُم ُر‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عج َل األوبة إىل أهله‪.‬‬ ‫من ِ‬
‫سفره‪ ،‬أن ُي ِّ‬
‫ِ‬
‫األرض ثالث تكبريات‪،‬‬ ‫سفره‪ ،‬يكرب عىل كل َرش ٍ‬
‫ف من‬ ‫قفل من ِ‬
‫وكان إذا َ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫ِشيك له‪ ،‬له ُ‬
‫امللك‪ ،‬وله احلمد‪ ،‬وهو عىل كل‬ ‫َ‬ ‫ثم يقول‪« :‬ال إله إال اهلل وحد ُه ال‬
‫ونِص عبدَ ه‪،‬‬ ‫يشء قدير‪ ،‬آيبون تائبون‪ ،‬عابِدون‪ ،‬لربنا ِ‬
‫حامدون‪ ،‬صدق اهلل وعدَ ه‬
‫َ‬
‫األحزاب وحده»)‪.(3‬‬
‫َ‬ ‫وهز َم‬
‫الرجل أه َله ً‬
‫ليال إذا طالت غيبتُه عنهم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫طرق‬
‫وكان َينهى أن َي ُ‬
‫سفره ُي َلقى بالولدان من أهل بيتِه‪ ،‬وكان يعتَنِق القاد َم من‬
‫وكان إذا قد َم من ِ‬
‫ِ‬
‫باملسجد‪ ،‬فركع فيه‬ ‫سفره‪ ،‬ويقب ُله إذا كان من أهلِه‪ ،‬وكان إذا قد َم من سفر‪ ،‬بدأ‬
‫ِ‬
‫ركعتني‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)1926‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)2718‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪.)1797‬‬
‫‪ | 234‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -16‬فصل يف هديِه ﷺ يف بذكارِ النراحِ‬

‫ثبت عنه ﷺ أنه ع َّل َمهم خطب َة احلاجة‪« :‬احلمدُ هلل نحمدُ ه ونستعينُه‬ ‫َ‬
‫ِشور أنفسنا‪ ،‬وسيئات أعاملنا‪ ،‬من ِ‬
‫َيده اهلل فال ُم َّ‬
‫ضل‬ ‫ِ‬ ‫ونستغفره‪ ،‬ونعو ُذ باهلل من‬
‫هادي له‪ ،‬وأشهد أال إله إال اهلل‪ ،‬وأشهدُ أن حممدً ا عبده‬‫َ‬ ‫له‪ ،‬ومن يضلل فال‬
‫ورسو ُله‪ ،‬ثم يقرأ آيات‪ ( :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ) [آل عمران‪ ( ،]102 :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ‬
‫ﭮ ﭯ) [النساء‪ ( ،]1 :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [األحزاب‪:‬‬
‫النكاح أو يف ِ‬
‫غريها؟ قال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خطبة‬ ‫‪ ، ]71 – 70‬قال شعب ُة‪ُ :‬‬
‫قلت أليب إسحاق‪ :‬هذه يف‬
‫ٍ‬
‫حاجة)‪.(1‬‬ ‫يف ِّ‬
‫كل‬

‫وليدع اهلل‬
‫ُ‬ ‫فليأخ ْذ بناصيتِها‬
‫ُ‬ ‫خادما أو داب ًة‪،‬‬
‫ً‬ ‫وقال‪« :‬إذا أفا َد أحدُ كم امرأ ًة أو‬
‫وخري ما ُجبِلت عليه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫الله َّم إين أسأ ُلك َ‬
‫خريها‬ ‫بالَبكة و ُيسمي اهلل ‪ ،‬وليقل‪ُ :‬‬
‫وأعو ُذ بك من ِشها وِش ما ُجبِلت عليه»)‪.(2‬‬
‫ومجع بينكُام يف ٍ‬
‫خري»)‪.(3‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وبارك عليك‪،‬‬ ‫وكان يقول للمتزوجِ ‪َ « :‬‬
‫بارك اهلل لك‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2118‬والرتمذي (‪ ،)1105‬والنسائي (‪ ،)1404‬وابن ماجه (‪ .)1892‬وقول‬


‫شعبة عند الطياليس (‪.)336‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2160‬وابن ماجه (‪.)1918‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2130‬والرتمذي (‪ ،)1091‬وابن ماجه (‪.)1905‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪235‬‬

‫اللهم َجنبنا‬
‫َّ‬ ‫وقال‪« :‬لو أن أحدَ كُم إذا أرا َد أن يأيت أه َله‪ ،‬قال‪ :‬بس ِم اهلل‪،‬‬
‫يرضه‬
‫الشيطان وجنب الشيطا َن ما رزقتنا؛ فإنه إن يقدر بينهام ولدٌ يف ذلك مل ُّ‬ ‫َ‬
‫شيطان أبدً ا»)‪.(1‬‬
‫ٌ‬

‫‪ -17‬فصل فمدا يقولُ من ربى مُبتًَلى‬

‫بتىل فقال‪ :‬احلمدُ هلل الذي عافاين‬ ‫ٍ‬


‫رجل رأى ُم ً‬ ‫صح عنه ﷺ أنه قال‪« :‬ما من‬
‫َّ‬
‫البالء كائنًا ما‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫َفضيال‪ .‬إال مل ُيص ْب ُه ذلك‬‫خلق ت‬ ‫وفضلني عىل ٍ‬
‫كثري ممن َ‬ ‫َ‬
‫ابتالك به‪َّ ،‬‬ ‫مما‬
‫كان»)‪.(2‬‬

‫‪ -16‬فصل فمدا يقوله من ربى يف منامِه ما يررهُهُ‬

‫ِ‬
‫الشيطان‪ ،‬فمن رأى ُرؤيا‬ ‫لم من‬ ‫الرؤيا الصاحل ُة من اهلل‪ُ ،‬‬
‫واحل ُ‬ ‫صح عنه ﷺ‪ُّ « :‬‬ ‫َّ‬
‫ترضه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يساره ثال ًثا‪،‬‬ ‫يكر ُه منها شيئًا فلين ُفث عن‬
‫وليتعوذ باهلل من الشيطان فإهنا ال ُّ‬‫َّ‬
‫وال َيَب هبا أحدً ا‪ ،‬فإن رأى رؤيا حسن ًة فليست ِ‬
‫َبَش‪ ،‬وال َُي َِب هبا إال من ُُيب»)‪.(3‬‬ ‫َ‬
‫يكرهه أن يتحول عن جنبِه الذي كان عليه‪ ،‬وأمره أن‬
‫ُ‬ ‫وأمر من رأى ما‬
‫َ‬
‫ُيصيل)‪.(4‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5165‬ومسلم (‪.)1434‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪.)3432‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)5747‬ومسلم (‪.)2261‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪.)2262‬‬
‫‪ | 236‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫الشيطان‪،‬‬ ‫َ‬
‫ستعيذ باهلل من‬ ‫ِ‬
‫يساره‪ ،‬وأن َي‬ ‫ِ‬
‫بخمسة أشيا َء‪ :‬أن ين ُفث عن‬ ‫فأمر ُه‬
‫َ‬
‫يتحول عن جنبِه الذي كان عليه‪ ،‬وأن يقو َم ُيصيل‪ ،‬ومتى‬
‫َ‬ ‫وأال ُخي ِرب هبا أحدً ا‪ ،‬وأن‬
‫َ‬
‫فعل ذلك مل تْضه الرؤيا املكروهة‪ ،‬بل هذا يد َف ُع َ َّ‬
‫رشها‪.‬‬

‫ُعَب‪ ،‬فإذا عَبت وقعت‪ ،‬وال َي ُقصها إال‬ ‫جل ٍ‬


‫طائر ما مل ت َ‬ ‫وقال‪« :‬الرؤيا عىل ِر ِ‬
‫عىل وا ٍّد أو ذي ٍ‬
‫رأي»)‪.(1‬‬

‫‪ -19‬فصل فمدا يقولُه ويفعلُه من نبُل َ نبالوسواسِ‪ ،‬وما يَستعني نبه على الوسوس ِ‬

‫حال بيني وبني‬ ‫الشيطان قد َ‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬إن‬ ‫ِ‬
‫العاص‪ :‬يا‬ ‫ُ‬
‫عثامن بن أيب‬ ‫قال‬
‫فتعوذ باهلل منه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أحسستَه َّ‬
‫شيطان ُيقال له‪ :‬خنْزَب‪ ،‬فإذا َ‬
‫ٌ‬ ‫صاليت وقرا َءيت‪ ،‬قال‪« :‬ذاك‬
‫واتفل عن ِ‬
‫يسارك ثال ًثا»)‪.(2‬‬
‫َ‬
‫يكون‬ ‫وشكا إليه الصحاب ُة أن أحدَ هم جيدُ يف ِ‬
‫نفسه ‪ -‬يعرض بالِشء ‪ -‬ألن‬
‫يتكلم به‪ ،‬فقال‪« :‬اهلل أكَب‪ ،‬اهلل أكَب‪ ،‬احلمدُ هلل الذي ر َّد‬
‫َ‬ ‫أحب إليه من أن‬
‫ُّ‬ ‫مح َم ًة‬
‫َُ‬
‫ِ‬
‫الوسوسة»)‪.(3‬‬ ‫كيدَ ه إىل‬

‫يقول قائِ ُلهم‪ :‬هذا اهلل َخ َل َق‬ ‫زال الناس َيتساءلون حتى َ‬ ‫وقال ﷺ‪« :‬ال َي ُ‬
‫خلق اهلل؟ فمن وجدَ من ذلك شيئًا‪ ،‬فليست َِعذ باهلل ولينت َِه»)‪.(4‬‬
‫اخللق‪ ،‬فمن َ‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)5020‬والرتمذي (‪.)2279‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)2203‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪.)5112‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)3286‬ومسلم (‪.)134‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪237‬‬

‫‪ -21‬فصل فمدا يقولُه ويفعلُه من اشتدَّ غضبُه‬

‫قائام‪،‬‬ ‫ِ‬
‫طفئ عنه مجر َة الغضب بالوضوء‪ ،‬والقعود إن كان ً‬ ‫أمر ُه ﷺ أن ُي َ‬‫َ‬
‫ِ‬
‫واالستعاذة باهلل من الشيطان الرجي ِم)‪.(1‬‬ ‫واالضطجا ِع إن كان قاعدً ا‪،‬‬
‫قلب ابن آدم‪ ،‬أمر أن ي ِ‬
‫طف َئهام‬ ‫نار يف ِ‬‫الغضب والشهو ُة مجرتني من ٍ‬ ‫وملا كان‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫واالستعاذة من الشيطان الرجي ِم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والصالة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بالوضوء‬

‫‪ -21‬فصل [فمدا يقوله من ربي ما حيب]‬

‫الصاحلات‪ .‬وإذا‬ ‫تتم‬ ‫ِ‬


‫ُ‬ ‫حيب قال‪« :‬احلمدُ هلل الذي بنعمته ُّ‬
‫وكان ﷺ إذا َرأى ما ُّ‬
‫رأى ما يكر ُه قال‪« :‬احلمدُ هلل عىل كل ٍ‬
‫حال»)‪.(2‬‬ ‫َ‬

‫‪ -22‬فصل [فمدا يقوله من ت ِّ‬


‫ُقر إلمه بو صُنع له معروفا]‬

‫ٍ‬
‫عباس‬ ‫وضع له ابن‬
‫َ‬ ‫يناسب‪ ،‬فلام‬
‫ُ‬ ‫وكان ﷺ يدعو ملن َت َق َّرب إليه بام ُّ‬
‫حيب وبام‬
‫َ‬
‫التأويل»)‪.(3‬‬ ‫َوضوءه قال‪« :‬اللهم َفقه ُه يف الدين‪ ،‬وعلمه‬

‫خريا‪ ،‬فقد أبلغَ يف‬ ‫ِ‬ ‫وقال‪َ « :‬من ُصن ِ َع إليه‬


‫معروف فقال لفاعله‪ :‬جزاك اهلل ً‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫الثناء»)‪.(4‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪.)4784‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه ابن ماجه (‪.)3803‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)143‬ومسلم (‪.)2477‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الرتمذي (‪.)2035‬‬
‫‪ | 238‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫بن أيب ربيع َة ً‬ ‫واستقر َض ِمن ِ‬


‫عبد اهلل ِ‬
‫ماال‪ ،‬ثم و َّفاه إياه وقال‪َ « :‬‬
‫بارك اهلل لك‬ ‫َ‬
‫واألداء»)‪.(1‬‬ ‫ِ‬
‫السلف احلمدُ‬ ‫جزاء‬ ‫يف أهلِك ومالِك‪ ،‬إنام‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫خيل قبيلتِه أمحس‬
‫س‪َّ -‬بر َك عىل ِ‬ ‫وملا أراحه جرير من ذي اخل ِ‬
‫لصة ‪-‬صن ِم َد ْو ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ ُ‬
‫مخس مرات)‪.(2‬‬
‫ورجاهلا َ‬
‫بأكثر منها‪ ،‬وإن ر َّدها‬ ‫وكان ﷺ إذا ُأ ِ‬
‫هد َيت إليه هدي ٌة ف َقبِ َلها؛ كافأ عليها‬
‫َ‬
‫للصعب بن َج َّثامة ملا َأهدى إليه َ‬
‫حلم الصيد‪« :‬إنا مل‬ ‫ِ‬ ‫اعتذر إىل ُمهدهيا‪ ،‬كقوله ﷺ‬
‫نر َّد ُه عليك إال أنَّا ُح ُرم»)‪.(3‬‬

‫‪ -23‬فصل[فمدا يقوله من مسع نهمق احلدار وصماح الدير ]‬


‫ِ‬
‫الشيطان الرجيم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫احلامر أن يتعوذوا باهلل من‬ ‫هنيق‬
‫سمعوا َ‬ ‫وأمر ﷺ ُأمته إذا ِ‬
‫َ‬
‫وإذا س ِمعوا صياح الدِّ ي ِ‬
‫كة أن َيسألوا اهلل من فضلِه)‪.(4‬‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬

‫‪[ -24‬فصل يف كراه خلو اجمللس من ذكر اهلل]‬

‫ذكر اهلل ‪ ،‬وقال‪« :‬ما‬ ‫جملسهم من ِ‬ ‫ألهل املجلس أن ُخيلوا َ‬‫ِ‬ ‫وكر َه ﷺ‬
‫ِ‬
‫احلامر»)‪.(5‬‬ ‫ِ‬
‫جيفة‬ ‫ٍ‬
‫جملس ال َيذكرون اهلل فيه‪ ،‬إال قاموا عىل مثل‬ ‫من قو ٍم َيقومون من‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن ماجه (‪ ،)2424‬والنسائي (‪.)4683‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)4356‬ومسلم (‪.)2476‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)2585‬ومسلم (‪.)3536‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)3303‬ومسلم (‪.)2729‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أبو داود (‪.)4855‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪239‬‬

‫اضطجع‬
‫َ‬ ‫وقال‪َ « :‬من قعدَ مقعدً ا مل يذكر اهلل فيه كانت عليه من اهلل تِ َرةٌ‪ ،‬ومن‬
‫والرتةُ‪ :‬احلرسةُ‪.‬‬ ‫مضج ًعا ال يذكر اهلل فيه كانت عليه من اهلل تِر ٌة»)‪ِ ،(1‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫جملس فكثر فيه لغ ُطه‪ ،‬فقال قبل أن يقو َم من‬ ‫جلس يف‬
‫َ‬ ‫وقال ﷺ‪َ « :‬من‬
‫وأتوب إليك‪،‬‬ ‫أستغفرك‬ ‫ِ‬
‫وبحمدك‪ ،‬أشهدُ أال إله إال أنت‪،‬‬ ‫اللهم‬ ‫ِ‬
‫جملسه‪ :‬سبحانَك‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫إال غُ فر له ما كان يف ِ‬
‫جملسه ذلك»)‪.(2‬‬ ‫َ‬

‫‪ -25‬فصل [فمدا يقوله من فزع]‬


‫ِ‬
‫التامة من غضبِه‪،‬‬ ‫وكان ﷺ ُي َع ِّلم أصحاب ُه من الفزعِ‪« :‬أعو ُذ بكلامت اهلل‬
‫عباده‪ ،‬ومن ِش مهزات الشياطني‪ ،‬وأن َُيرضون»)‪.(3‬‬ ‫ومن ِش ِ‬

‫‪ -26‬فصل يف بلفاظٍ كان ﷺ يررهُ بن تُقالَ‬

‫جاش ْت‪ ،‬وليقل‪َ :‬ل ِق َس ْت)‪.(4‬‬ ‫يقول‪ :‬خب َث ْت ِ‬


‫نفيس‪ ،‬أو َ‬ ‫فمنها‪ :‬أن َ‬
‫ِ‬
‫العنب ك َْرما‪ ،‬هنى عن ذلك‪ ،‬وقال «ال تقولوا‪:‬‬ ‫شجر‬
‫َ‬ ‫سمي‬
‫ومنها‪ :‬أن ُي ِّ‬
‫العنب واحلبل ُة»)‪.(5‬‬
‫ُ‬ ‫الك َْر ُم‪ ،‬ولكن قولوا‪:‬‬

‫قال ذلك فهو َأ ْه َلكُهم»)‪.(6‬‬


‫الناس‪ .‬وقال‪« :‬إذا َ‬ ‫ُ‬
‫الرجل‪ :‬هلك ُ‬ ‫وكره أن َ‬
‫يقول‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)4856‬والرتمذي (‪.)3380‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪.)3433‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)3893‬والرتمذي (‪.)3528‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)6179‬ومسلم (‪.)2250‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم (‪.)2248‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه مسلم (‪.)2623‬‬
‫‪ | 241‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ُ‬
‫الزمان ونحوه‪.‬‬ ‫الناس‪ ،‬وفسد‬
‫ُ‬ ‫ويف معنى هذا‪ :‬فسدَ‬
‫وهنى أن ُي َ‬
‫قال‪ :‬ما شاء اهلل وشاء فالن‪ ،‬بل ُيقال‪ :‬ما شاء اهلل ثم شاء فالن‪.‬‬
‫وشئت‪ .‬فقال‪« :‬جعلتني هلل ندً ا؟! قل‪ :‬ما شاء اهلل‬
‫َ‬ ‫وقال له ٌ‬
‫رجل‪ :‬ما شاء اهلل‬
‫وأنكر‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أقبح‬ ‫ٌ‬
‫وفالن ملا كان كذا‪ ،‬بل وهو ُ‬ ‫وحدَ ه»)‪ .(1‬ويف معنى هذا‪ :‬لوال اهلل‬
‫ِ‬
‫بفضل اهلل‬ ‫ومنها‪ :‬أن يقال‪ :‬مطِرنا بن ِ‬
‫َوء كذا وكذا‪ .‬بل يقول‪ُ :‬مطِرنا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ورمحته)‪.(2‬‬
‫حلف ِ‬
‫بغري اهلل فقد‬ ‫َ‬ ‫صح عنه ﷺ أنه قال‪« :‬من‬ ‫ومنها‪ :‬أن َحيلِف ِ‬
‫بغري اهلل‪َّ ،‬‬
‫أِش َك»)‪.(3‬‬
‫َ‬
‫كافر إن َ‬
‫فعل كذا)‪.(4‬‬ ‫ِ‬ ‫ومنها‪ :‬أن َ‬
‫َرصاين أو ٌ‬
‫ٌّ‬ ‫ودي أو ن‬
‫يقول يف َحلفه‪ :‬هو َهي ٌّ‬
‫[ومنها‪ :‬أن َ‬
‫يقول ملسل ٍم‪ :‬يا ُ‬
‫كافر])‪.(5‬‬
‫ِ‬
‫القضاة‪.‬‬ ‫امللوك)‪ .(6‬وعىل ِ‬
‫قياسه قايض‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للسلطان‪ُ :‬‬
‫ملك‬ ‫ومنها‪ :‬أن َ‬
‫يقول‬

‫لغالمه وجاريتِه‪ :‬عبدي وأمتي‪ ،‬أو يقول الغال ُم‬


‫ِ‬ ‫ومنها‪ :‬أن َ‬
‫يقول السيدُ‬
‫ِ‬
‫لسيده‪ :‬ريب‪ ،‬وليقل السيدُ ‪ :‬فتاي وفتايت‪ ،‬وليقل الغال ُم‪ :‬سيدي وسيديت)‪.(7‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن ماجه (‪ ،)2117‬وأمحد ‪.)2561( 341/4‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)846‬ومسلم (‪.)71‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)3251‬والرتمذي (‪.)1535‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)3258‬والنسائي (‪.)3772‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪ ،)6104‬ومسلم (‪.)60‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه البخاري (‪ ،)6206‬ومسلم (‪.)2143‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه البخاري (‪ ،)2552‬ومسلم (‪.)2249‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪240‬‬

‫الريح إذا هبت‪ ،‬بل يسأل اهلل خريها‪ ،‬وخري ما ُأ ِ‬


‫رس َلت به‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫سب‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ومنها‪ُّ :‬‬
‫ورش ما ُأرسلت به)‪.(1‬‬
‫ويعو ُذ باهلل من رشها ِّ‬
‫ومنها‪ :‬سب احلمى‪ ،‬هنى عنه‪ ،‬وقال‪« :‬إهنا ت ِ‬
‫ُذهب خطايا بني آد َم‪ ،‬كام‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫احلديد»)‪.(2‬‬ ‫بث‬ ‫الكري َخ َ‬ ‫ي ِ‬
‫ذهب‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫الديك فإنه‬ ‫صح عنه ﷺ أنه قال‪« :‬ال ت َُس ُّبوا‬
‫النهي عن سب الديك‪َّ ،‬‬
‫ُّ‬ ‫ومنها‪:‬‬
‫ُ‬
‫يوقظ للصالة»)‪.(3‬‬
‫ِ‬
‫كالدعاء إىل‬ ‫ِ‬
‫بعزائهم)‪،(5‬‬ ‫ومنها‪ :‬الدعا ُء بدعوى اجلاهلية)‪ ،(4‬وال َّت َع ِّزي‬
‫ِ‬
‫واملشايخ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والطرائ ِق‬ ‫ِ‬
‫للمذاهب‬ ‫التعصب‬ ‫ِ‬
‫ولألنساب‪ ،‬ومثله‬ ‫ِ‬
‫القبائ ِل والعصبية هلا‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫العشاء)‪.(6‬‬ ‫العشاء بالعت ِ‬
‫َمة تسمي ًة غالب ًة ُهي َج ُر فيها لفظ‬ ‫ومنها‪ :‬تسمي ُة ِ‬

‫ومنها‪ :‬النهي عن سباب املسلِ ِم)‪ ،(7‬وأن يتناجى اثنان دون الثالث)‪ ،(8‬وأن‬
‫ٍ‬
‫امرأة أخرى)‪.(9‬‬ ‫زوجها بمحاسن‬ ‫ُخت ِ َ‬
‫رب املرأ ُة َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)5097‬والرتمذي (‪.)2252‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)2575‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪.)5101‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)1294‬ومسلم (‪.)103‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أمحد ‪.)21233( 157/35‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه مسلم (‪.)644‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه البخاري (‪ ،)6044‬ومسلم (‪.)64‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه البخاري (‪ ،)6288‬ومسلم (‪.)2184‬‬
‫(‪ )9‬أخرجه البخاري (‪.)5240‬‬
‫‪ | 242‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫شئت»)‪.(1‬‬
‫شئت‪ ،‬وارمحني إن َ‬
‫اللهم اغفر َل إن َ‬ ‫ِ‬
‫ومنها‪ :‬أن يقول يف دعائه‪َّ « :‬‬
‫ومنها‪ :‬اإلكثار من احل ِ‬
‫لف)‪.(2‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الرجل بجام ِع أهله‪ ،‬وما يكون بينه وبينها)‪ ،(3‬كام يفع ُله‬
‫ُ‬ ‫ومنها‪ :‬أن ُحيدِّ ث‬
‫السفل ُة‪.‬‬

‫فصل‬

‫ِ‬
‫احلذر من طغيان «أنا»‪« ،‬ويل»‪« ،‬وعندي»‪ ،‬فإن هذه األلفاظ‬ ‫حذر َّ‬
‫كل‬ ‫ول ُي َ‬
‫ُ‬
‫وقارون‪( ،‬ﭚ ﭛ ﭜ) [األعراف‪ ]12 :‬إلبليس‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وفرعون‪،‬‬ ‫إبليس‬
‫ُ‬ ‫الثالثة ابتيل هبا‬
‫و(ﭻ ﭼ ﭽ) [الزخرف‪ ]51 :‬لفرعون‪ ،‬و(ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [القصص‪:‬‬
‫‪ ]78‬لقارون‪.‬‬

‫املستغفر‬ ‫املذنب اخلطاء‬ ‫ِ‬


‫العبد‪ :‬أنا العبدُ‬ ‫وأحسن ما ُو ِض َعت «أنا» يف ِ‬
‫قول‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ُّ‬
‫والذل‪.‬‬ ‫الذنب‪ ،‬ويل اجلر ُم‪ ،‬ويل املسكن ُة‪ ،‬ويل ُ‬
‫الفقر‬ ‫ُ‬ ‫املعرتف ونحوه‪« .‬ويل» يف قولِه‪ :‬يل‬
‫ُ‬
‫ُّ‬
‫وكل ذلك‬ ‫ِ‬
‫وعمدي‪،‬‬ ‫وهزَل‪ ،‬وخطئِي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«وعندي» يف قوله‪« :‬اغفر َل جدي‪َ ،‬‬
‫عندي»)‪.(4‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)6339‬ومسلم (‪.)2679‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)1607‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)1437‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)6399‬ومسلم (‪.)2719‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪243‬‬

‫[تاسعا‪ :‬كتا اوجهاد]‬


‫أهله أعىل املنازل يف ِ‬
‫اجلنة‪،‬‬ ‫ومنازل ِ‬
‫ُ‬ ‫ملَّا كان اجلها ُد ذرو َة سنام اإلسالم وق َّبته‪،‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ يف‬ ‫ِ‬
‫واآلخرة‪ ،‬كان‬ ‫َ‬
‫األعلون يف الدنيا‬ ‫كام هلم الرفع ُة يف الدنيا‪ ،‬فهم‬
‫ِ‬
‫جهاده بالقلب‬ ‫حق‬ ‫ِ‬
‫أنواعه ك ِّلها فجاهد يف اهلل َّ‬ ‫الذ ِ‬
‫روة العليا منه‪ ،‬فاستوىل عىل‬ ‫ُّ‬
‫نان‪ ،‬وكانت ساعاتُه موقوف ًة عىل اجلهاد‬ ‫والبيان والسيف والس ِ‬
‫ِ‬ ‫نان والدعوة‬‫واجل ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قدرا‪.‬‬
‫وأعظمهم عند اهلل ً‬
‫َ‬ ‫كرا‪،‬‬ ‫بقلبِه ولسانه ويده؛ وهلذا كان َ‬
‫أرفع العاملني ذ ً‬
‫نفسه يف ذات اهلل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وملا كان جها ُد أعداء اهلل يف اخلارج فر ًعا عىل جهاد العبد َ‬
‫واملهاجر من هجر ما‬ ‫ِ‬
‫طاعة اهلل‪،‬‬ ‫نفسه يف‬
‫ُ‬ ‫النبي ﷺ‪« :‬املجاهدُ من جاهد َ‬ ‫كام قال ُّ‬
‫العدو يف اخلارج‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫هنى اهلل عنه»(‪)1‬؛ كان جها ُد النفس مقدَّ ًما عىل جهاد‬

‫ثالث ال يمكنه‬‫ٌ‬ ‫عدو‬ ‫عدوان قد امتُحن العبدُ بجهادمها‪ ،‬وبينهام‬ ‫ِ‬ ‫فهذان‬
‫ٌّ‬
‫وخي ِّذله‪ ،‬وهو‬
‫جهادمها ُ‬‫ِ‬ ‫واقف بينهام ُيث ِّبط العبدَ عن‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫بجهاده‪ ،‬وهو‬ ‫جها ُدمها إال‬
‫ِ‬
‫باختاذه‬ ‫واألمر‬ ‫الشيطان‪ ،‬قال تعاىل‪( :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [فاطر‪،]6 :‬‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫عدوا تنبي ٌه عىل استفرا ِغ الوسع يف حماربتِه‪.‬‬
‫ًّ‬
‫وجهادها‪ ،‬وقد ُب ِ َيل العبد بمحاربتِها‬‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫أعداء ُأمر العبدُ بمحاربتها‬ ‫فهذه ثالث ُة‬
‫وس ِّلطت عليه امتحانًا من اهلل له وابتال ًء‪ ،‬وأعطى اهلل العبدَ مد ًدا‬ ‫الدار‪ُ ،‬‬‫ِ‬ ‫يف هذه‬
‫وسالحا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اجلهاد‪ ،‬وأعطى أعدا َءه مد ًدا وعد ًة وأعوانًا‬ ‫وسالحا هلذا‬ ‫وعد ًة وأعوانًا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أخبارهم‪ ،‬ويمتح َن‬‫َ‬ ‫بعضهم لبعض فتن ًة ليبلو‬ ‫ِ‬
‫باآلخر‪ ،‬وجعل َ‬ ‫و َبال أحدَ الفريقني‬
‫َ‬
‫الشيطان وحز َبه‪.‬‬ ‫ويتوىل رس َله ممن يتوىل‬
‫َّ‬ ‫من يتواله‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)1449‬والنسائي (‪ )2526‬بنحوه‪.‬‬


‫‪ | 244‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫حق تُقاته‪ ،‬جياهدُ‬


‫جهاده‪ ،‬كام أمرهم أن يتَّقوه َّ‬‫ِ‬ ‫حق‬
‫وأمرهم أن ُجياهدوا فيه َّ‬
‫َ‬
‫العبد نفسه ليسلِم قلبه ولسانه وجوارحه هلل‪ ،‬وجياهدُ شيطانَه بتكذيب ِ‬
‫وعده‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫ومعصية أمره‪ ،‬فينش ُأ له من هذين اجلهادين قو ٌة جياهدُ هبا أعدا َء اهلل يف اخلارج‬
‫بقلبِه ولسانِه ويده وماله؛ لتكون كلم ُة اهلل هي ال ُعليا‪.‬‬

‫‪ -1‬فصل [يف مراتب اوجهاد]‬

‫ِ‬
‫الكفار‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الشيطان‪ ،‬وجها ُد‬ ‫ِ‬
‫النفس‪ ،‬وجها ُد‬ ‫مراتب‪ :‬جها ُد‬ ‫فاجلها ُد أربع‬
‫َ‬
‫املنافقني‪.‬‬
‫َ‬ ‫وجها ُد‬

‫أيضا‪:‬‬
‫أربع مراتب ً‬ ‫ِ‬
‫النفس ُ‬ ‫فجها ُد‬

‫إحداها‪ :‬أن ُجياهدها عىل تع ُّلم اهلُدى‪.‬‬

‫العمل به بعد ِعلمه‪.‬‬


‫ِ‬ ‫الثاني ُة‪ :‬أن ُجياهدها عىل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الثالث ُة‪ :‬أن جياهدَ ها عىل الدعوة إليه‪ ،‬وتعليمه ملن ال َي ُ‬
‫علمه‪.‬‬
‫ِ‬
‫الدعوة إىل اهلل‪.‬‬ ‫شاق‬ ‫ِ‬
‫الصرب عىل َم ِّ‬ ‫الرابع ُة‪ :‬أن ُجياهدَ ها عىل‬

‫السلف ُجممعون‬
‫َ‬ ‫األربع صار من الر َّبانيني‪ ،‬فإن‬
‫َ‬ ‫املراتب‬
‫َ‬ ‫فإذا استكمل هذه‬
‫ويعمل به و ُيع ِّل َمه‪.‬‬
‫َ‬ ‫احلق‬
‫سمى ربان ًّيا حتى َيعرف َّ‬ ‫عىل أن ِ‬
‫يستحق أن ُي َّ‬
‫ُّ‬ ‫العامل َ ال‬
‫ِ‬
‫الشيطان فمرتبتان‪:‬‬ ‫وأما جها ُد‬
‫ِ‬
‫والشكوك‬ ‫الش ِ‬
‫بهات‬ ‫إحدامها‪ :‬جها ُده عىل دف ِع ما ُيلقي إىل العبد من ُّ‬
‫ِ‬
‫اإليامن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫القادحة يف‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪245‬‬

‫ِ‬
‫هوات‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الفاسدة َّ‬
‫والش‬ ‫الثاني ُة‪ :‬جها ُده عىل دفع ما ُيلقي من اإلرادات‬
‫ِ‬
‫الصرب‪ .‬قال تعاىل‪( :‬ﭺ‬ ‫اليقني‪ ،‬والثاين يكون ب ُعدَّة‬
‫ُ‬ ‫األول يكون ب ُعدَّة‬
‫فاجلها ُد َّ‬
‫ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ) [السجدة‪.]24 :‬‬
‫ِ‬
‫واملال‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واللسان‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بالقلب‪،‬‬ ‫مراتب‪:‬‬ ‫فأربع‬ ‫ار واملنافقني‬‫وأما جها ُد الك َّف ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أخص باللسان‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫أخص بال َي ِد‪ ،‬وجها ُد املنافقني‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫والنفس‪ .‬وجها ُد الكفار‬

‫مراتب‪ :‬األوىل‪ :‬باليد إذا‬


‫َ‬ ‫ُ‬
‫فثالث‬ ‫وأما جها ُد أرباب ال ُّظل ِم واملنكرات والبِدَ ع‬
‫ِ‬
‫اللسان‪ ،‬فإن عجز جاهد بقلبِه‪.‬‬ ‫قدَ ر‪ ،‬فإن عجز َ‬
‫انتقل إىل‬

‫عرشة مرتب ًة من اجلهاد‪ ،‬و« َمن مات ومل َيغ ُز ومل ُُيدث َ‬
‫نفسه‬ ‫فهذه ثالث َ‬
‫بالغزو مات عىل ُشع َب ٍة من النفاق»(‪.)1‬‬

‫‪ -2‬فصل يف شرطِ اوجهادِ‬


‫ِ‬
‫باإليامن‪ ،‬والراجون رمح َة‬ ‫ِ‬
‫باهلجرة‪ ،‬وال اهلجر ُة واجلها ُد إال‬ ‫تم اجلها ُد إال‬
‫وال َي ُّ‬
‫اهلل هم الذين قاموا هبذه الثال َث ِة‪ ،‬قال تعاىل‪( :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [البقرة‪.]218 :‬‬
‫هجرتان يف كل ٍ‬
‫وقت‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ففرض عليه‬
‫ٌ‬ ‫فرض عىل ك ُِّل أحد‬ ‫َ‬
‫اإليامن ٌ‬ ‫وكام أن‬
‫ِ‬
‫والرجاء‬ ‫ِ‬
‫واخلوف‬ ‫ِ‬
‫والتوكل‬ ‫ِ‬
‫واإلنابة‬ ‫ِ‬
‫والتوحيد‬ ‫ِ‬
‫باإلخالص‬ ‫‪ -‬هجر ٌة إىل اهلل ‪‬‬
‫ِ‬
‫والتوبة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واملحبة‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)1910‬‬


‫‪ | 246‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫بخربه‪ ،‬وتقدي ِم ِ‬
‫أمره‬ ‫ِ‬
‫والتصديق‬ ‫ِ‬
‫واالنقياد ِ‬
‫ألمره‪،‬‬ ‫ِ‬
‫باملتابعة‬ ‫‪ -‬وهجر ٌة إىل رسولِه‬
‫ِ‬
‫وخربه‪.‬‬ ‫أمر ِ‬
‫غريه‬ ‫ِ‬
‫وخربه عىل ِ‬

‫«فمن كانت هجرتُه إىل اهلل ورسوله فهجرتُه إىل اهلل ورسولِه‪ ،‬ومن كانت‬
‫يتزو ُجها فهجرتُه إىل ما هاجر إليه»(‪.)1‬‬
‫هجرتُه إىل دنيا ُيصي ُبها أو امرأة َّ‬
‫عني ال ينوب فيه أحدٌ عن‬ ‫نفسه وشيطانِه‪ ،‬فهذا ك ُّله ُ‬
‫فرض ٍ‬ ‫وفرض عليه جهاد ِ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫َ‬
‫حصل منهم‬ ‫ِ‬
‫ببعض األ َّمة إذا‬ ‫ِ‬
‫الكفار واملنافقني فقد ُيكتفى فيه‬ ‫ٍ‬
‫أحد‪ ،‬وأما جها ُد‬
‫مقصو ُده‪.‬‬

‫‪ -3‬فصل [يف جهاد النيب ﷺ يف اهلل حق جهاده]‬

‫أكمل اخللق‬ ‫ِ‬


‫اجلهاد ك َّلها؛ وهلذا كان ُ‬ ‫مراتب‬ ‫كمل‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫وأكمل اخللق عند اهلل من َّ‬
‫جهاده‪ ،‬من حني ُبعث إىل أن‬ ‫ِ‬ ‫حق‬ ‫وأكر ُمهم عىل اهلل خات ََم أنبيائه‪ ،‬فإنه جاهد يف اهلل َّ‬
‫تو َّفاه اهلل‪ ،‬فإنه ملا نزل عليه‪ ( :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أتم القيا ِم‪ ،‬ودعا إىل‬
‫شمر عن ساق الدعوة‪ ،‬وقام يف ذات اهلل َّ‬ ‫ﯘ) [املدثر‪َّ ]4 - 1 :‬‬
‫وجهرا‪ ،‬وملا نزل عليه‪( :‬ﭞ ﭟ ﭠ) [احلجر‪]94 :‬‬ ‫ً‬ ‫ورسا‬
‫وهنارا‪ًّ ،‬‬
‫ً‬ ‫اهلل ً‬
‫ليال‬
‫تأخذه يف اهلل لوم ُة الئم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫صدع ِ‬
‫بأمر اهلل ال‬ ‫َ‬

‫‪[ -4‬فصل يف إيذاء قريش للنيب ﷺ]‬

‫ِ‬
‫وعيب‬ ‫بسب آهلتهم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بالدعوة‪ ،‬وباداهم‬ ‫ِ‬
‫لقومه‬ ‫ورصح‬ ‫صدع ِ‬
‫بأمر اهلل‬ ‫وملا‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫استجاب له من أصحابِه‪ ،‬ونالوهم بأنوا ِع األ َذى‪،‬‬
‫َ‬ ‫دينهم‪ ،‬اشتدَّ أذاهم له وملن‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)54‬ومسلم (‪.)1907‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪247‬‬

‫وهذه سنَّ ُة اهلل يف ِ‬


‫خلقه كام قال تعاىل‪ ( :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ)‬
‫[فصلت‪.]43 :‬‬

‫وعزى‬
‫املرسلني‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫فعزى سبحانه نب َّيه بذلك‪ ،‬وأن له أسو ًة بمن تقدَّ مه من‬
‫َّ‬
‫أتبا َعه بقوله تعاىل‪ ( :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [البقرة‪.]214 :‬‬

‫وقوله تعاىل‪( :‬ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬


‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) إىل قوله‪:‬‬
‫(ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [العنكبوت‪.]10 - 1 :‬‬
‫ِ‬
‫اآليات‪ ،‬فمن قال‪ :‬آمنَّا‪ ،‬امتحنه ر ُّبه وابتاله‪ ،‬ومن‬ ‫َ‬
‫سياق هذه‬ ‫ِ‬
‫فليتأمل العبدُ‬
‫َ‬
‫املراحل يف يديه‪.‬‬ ‫عجز اهلل‪ ،‬فإنه إنام َيطوي‬
‫سب أنه ُي ُ‬
‫مل يقل‪ :‬آمنَّا‪ ،‬فال َحي ُ‬
‫ُ‬
‫حيصل له األمل ُ يف الدنيا ابتدا ًء‪ ،‬ثم تكون له العاقب ُة يف الدنيا‬ ‫املؤمن‬
‫َ‬ ‫لكن‬
‫ُ‬
‫حتصل له اللذ ُة ابتدا ًء‪ ،‬ثم يصري يف األمل الدائ ِم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اإليامن‬ ‫ِ‬
‫واآلخرة‪ ،‬واملُعرض عن‬
‫ُ‬
‫أفضل للرجل‪ ،‬أن ُيمكَّن أو ُيبتىل؟ فقال‪ :‬ال‬ ‫الشافعي ‪ ‬أ ُّيام‬
‫ُّ‬ ‫وسئل‬
‫ُ‬
‫ُيمكَّن حتى ُيبتىل‪.‬‬
‫ِ‬
‫العقول‪،‬‬ ‫تفاوت ُ‬
‫أهل اآلالم يف‬ ‫َ‬ ‫خيلص من األملِ البتة‪ ،‬وإنام‬
‫ُ‬ ‫فال يظ َّن أحدٌ أنه‬
‫وأسفههم من باع األمل َ املنقط َع‬
‫ُ‬ ‫عظيام بأمل منقط ٍع يسري‪،‬‬
‫مستمرا ً‬
‫ً‬ ‫فأعق ُلهم من باع أملًا‬
‫ِ‬
‫املستمر‪.‬‬ ‫اليسري باألمل العظي ِم‬
‫َ‬
‫‪ | 248‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫خملص منه الب َّت َة‪َّ ،‬‬


‫عزى اهلل سبحانه من اختار األمل َ اليسري‬ ‫َ‬ ‫وملا كان األمل ُ ال‬
‫املستمر‪ ،‬بقوله‪ ( :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ِّ‬ ‫املنقطع عىل األملِ العظيم‬
‫َ‬
‫أجال وهو يوم ِ‬
‫لقائه؛‬ ‫ﯳ ﯴ ﯵ) [العنكبوت‪ ]5 :‬فْضب ملُدَّ ِة هذا األمل ً‬
‫َ‬
‫الشوق إىل لقائه(‪.)1‬‬ ‫النبي ﷺ ر َّبه‬
‫وهلذا سأل ُّ‬
‫آخر‪ ،‬وهو أن جها َدهم فيه إنام هو ألن ُف ِسهم‪ ،‬وأنه‬ ‫ٍ‬
‫عزاهم تعاىل بعزاء َ‬ ‫ثم َّ‬
‫مرة الصاحلني‪.‬‬‫بجهادهم وإيامهنم يف ُز ِ‬
‫ِ‬ ‫غني عن العاملني‪ ،‬ثم أخرب أنه ُيدخ ُلهم‬
‫ٌّ‬
‫جعل‬ ‫ٍ‬
‫صرية‪ ،‬وأنه إذا ُأوذي يف اهلل َ‬ ‫ثم أخرب عن حال الدَّ ِ‬
‫اخل يف اإليامن بال َب‬
‫ِ‬
‫كعذاب اهلل الذي َّفر منه‬ ‫ُ‬
‫الرسل وأتبا ُعهم‬ ‫ِ‬
‫الناس له واألمل َ الذي ال بد أن ينا َله‬ ‫فتن َة‬
‫املؤمنون باإليامن‪.‬‬
‫النفوس‬
‫َ‬ ‫واملقصو ُد‪ :‬أن اهلل سبحانه اقتضت حكمتُه أنه البد أن َيمتحن‬
‫النفوس يف األصل جاهل ٌة ظاملة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ظهر باالمتحان ط ِّي َبها من َخبيثِها‪ ،‬إذ‬
‫ويبتل َيها‪ ،‬ف ُي َ‬
‫ِ‬
‫والتصفية‪ ،‬فإن خرج يف‬ ‫السبك‬ ‫وقد حصل هلا من اخل ِ‬
‫حيتاج خروجه إىل َّ‬ ‫ُ‬ ‫بث ما‬‫ُ‬
‫دخول ِ‬
‫اجلنة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫هذه ِ‬
‫الدار وإال ففي كري جهنم‪ ،‬فإذا ُه ِّذ َب العبد ونُقي ُأذن له يف‬

‫‪ -5‬فصل [فمدن حاز قصب السبق واستجا لدعوته ﷺ]‬


‫وملَّا دعا ﷺ إىل اهلل ‪ ‬استَجاب له ِعباد اهلل من ك ُِّل َقبيلة‪ ،‬فكان ِ‬
‫حائ َز‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فآز َره يف ِدين‬
‫َق ْصب َس ْبقهم ِصدِّ ُيق األُ َّمة و َأس َب ُقها إىل اإلسالم أبو َبكْر ‪َ ،‬‬
‫ان‪ ،‬و َطلح ُة‬
‫ثامن بن ع َّف َ‬ ‫ٍ‬
‫صرية‪ ،‬فاستَجاب أليب َبكْر‪ُ :‬ع ُ‬ ‫اهلل‪ ،‬ودعا معه إىل اهلل عىل َب‬
‫ب ُن ُع َب ْيد اهلل‪ ،‬وسعدُ ب ُن أيب و َّقاص‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه النسائي (‪.)1305‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪249‬‬

‫ِ‬
‫وبا َد َر إىل االستِجابة له ﷺ ِصدِّ يقة النِّساء‪َ :‬خدجي ُة ُ‬
‫بنت ُخ َو ْيلِد‪.‬‬
‫نني‪ ،‬وكان يف‬‫ثامن ِس َ‬
‫وبادر إىل اإلسالم عيل بن أيب طالِب ‪ ،‬وكان ابن ِ‬
‫َ‬ ‫ُّ ُ‬ ‫َ‬
‫أخ َذه من َع ِّمه أيب طالِب إعان ًة له يف َسنَة َحمْل‪.‬‬ ‫كَفالة ر ِ‬
‫سول اهلل ﷺ‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫وبادر زيدُ بن ِ ِ‬
‫ب َرسول اهلل ﷺ وكان ُغال ًما خلَدجي َة‪َ ،‬‬
‫فوه َبتْه‬ ‫حارث َة ح ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬
‫سول اهلل ﷺ‪.‬‬‫لر ِ‬
‫َ‬
‫ريش ال تُنكِر ذلك‪ ،‬حتَّى‬ ‫واحد‪ ،‬و ُق ٌ‬ ‫واحدً ا بعدَ ِ‬
‫ودخل الناس يف الدِّ ين ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ٍِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫شمروا له‬ ‫َْض وال تَن َفع‪ ،‬فحينئذ َّ‬ ‫ب آهلَتهم‪ ،‬وأهنا ال ت ُ ُّ‬ ‫با َد َأ ُهم ب َع ْيب دينهم َ‬
‫وس ِّ‬
‫بعمه أيب طالِب؛ ألنه كان َرشي ًفا‬ ‫فحمى اهلل َرسو َله ِّ‬
‫ِ‬
‫وألصحابه عن ساق ال َعداوة‪َ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫كاش َفته‬ ‫ُمع َّظ ًام يف ُق ٍ‬
‫بِشء م َن األذى‪،‬‬ ‫َجارسون عىل ُم َ‬ ‫ريش ُمطا ًعا يف أهل َم َّك َة ال َيت َ‬
‫وسائرهم تصدوا له‬ ‫ُ‬ ‫امتنع بعشريتِه‪،‬‬
‫َ‬ ‫وأ َّما أصحا ُبه فمن كان له عشري ٌة حتميه‬
‫ُ‬
‫وأهل بيته ُع ِّذبوا يف اهلل‪،‬‬ ‫عامر بن يارس وأ ُّمه سمية‬ ‫ِ‬
‫والعذاب‪ ،‬منهم‪ُ :‬‬ ‫باألذى‬
‫ومنهم‪ُ :‬‬
‫بالل بن رباح‪ ،‬فإنه ُع ِّذب يف اهلل أشدَّ العذاب‪.‬‬

‫‪ -6‬فصل [يف اهلجرة إىل احلبش ]‬

‫رشكني عىل َمن آمن و ُفتِن ِمنهم َمن ُفتِن حتَّى َيقولوا‬ ‫و ََّملا اشتَدَّ أ َذى ا ُمل ِ‬
‫أذ َن اهلل سبحانه هلم ِ‬
‫باهل ْجرة‬ ‫دون اهلل؟ فيقول‪ :‬نعم؛ ِ‬‫الال ُت َإهل َك من ِ‬ ‫ألح ِدهم‪َّ :‬‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ان‪ ،‬ومعه َزوجتُه‬ ‫ثامن ب َن ع َّف َ‬
‫هاجر إليها ُع َ‬
‫حل َبشة‪ ،‬وكان َّأول َمن َ‬‫األُوىل إىل أرض ا َ‬
‫ِ‬ ‫بنت ر ِ‬
‫رج ًال وأرب َع‬ ‫أهل هذه اهل ْجرة األُوىل اثن َْي َ َ‬
‫عرش ُ‬ ‫سول اهلل ﷺ‪ ،‬وكان ُ‬ ‫ُرق َّي ُة ُ َ‬
‫ِ‬
‫املبعث‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اخلامسة من‬ ‫ِ‬
‫السنة‬ ‫خمرجهم يف رجب يف‬ ‫ِ‬
‫نسوة‪ ،‬وكان ُ‬
‫‪ | 251‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫أحدً ا‪ُ ،‬ثم‬ ‫ِ‬ ‫جاؤوا البحر ف َل ْم ُي ِ‬ ‫وخر َجت ُق ٌ‬


‫دركوا منهم َ‬ ‫ريش يف آثارهم حتى ُ‬ ‫َ‬
‫دون م َّك َة بساعة من‬
‫فلام كانوا َ‬ ‫فرجعوا‪َّ ،‬‬
‫النبي ﷺ َ‬
‫عن ِّ‬ ‫ريشا قد َك ُّفوا ِ‬
‫ب َل َغهم أن ُق ً‬
‫دخل‬ ‫فدخل َمن َ‬ ‫سول اهلل ﷺ‪َ ،‬‬ ‫ريشا َأشدُّ ما كانوا َعداوة لر ِ‬
‫َهنار ب َل َغهم أن ُق ً‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫بج ٍ‬
‫وار‪.‬‬
‫قدم من م ِ‬
‫هاجري احل َبشة وغريهم‪،‬‬ ‫ُثم اشتَدَّ البالء من ُقريش عىل من ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫عشائرهم‪ ،‬و َل ُقوا منهم أ ًذى َشديدً ا‪ِ ،‬‬
‫فأذ َن هلم َر ُ‬
‫سول اهلل ﷺ يف‬ ‫ِ‬ ‫وس َطت هبم‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أشق عليهم‪.‬‬
‫هم الثاين َّ‬
‫روج ُ‬ ‫اخلُروج إىل َأ ْرض احل َبشة َّ‬
‫مر ًة ثاني ًة‪ ،‬فكان ُخ ُ‬
‫ِ‬ ‫خرج يف هذه املَ َّر ِة ثالث ًة و َث َ‬ ‫ِ‬
‫رج ًال‪ ،‬وم َن النِّساء ت َ‬
‫سع‬ ‫امنني ُ‬ ‫فكان عدَّ ة َمن َ‬
‫عرش َة امرأةً‪.‬‬

‫األول َسنة َس ْبع من ِه ْجرة َرسول اهلل ﷺ إىل ا َملدينة‪،‬‬ ‫ف َل َّام كان َش ْهر َربيع َّ‬
‫مرو ِ‬
‫بن‬ ‫سول اهلل ﷺ كِتا ًبا إىل النَّجايش َيدْ عوه إىل اإلسالم‪ ،‬وب َعث به مع َع ِ‬ ‫َب َر ُ‬ ‫كت َ‬
‫ِّ‬
‫تاب أس َل َم‪ ،‬وقال‪ :‬لو َقدَ ْرت أن آتِ َيه آلتينَّه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فلام ُق ِر َئ عليه الك ُ‬
‫مري‪َّ ،‬‬
‫الض ِّ‬ ‫ُأم َّي َة َّ‬
‫سول اهلل ﷺ أن َيب َعث إليه َمن َب ِق َي ِعندَ ه من أصحابه‬ ‫َب إليه َر ُ‬ ‫وكت َ‬
‫فقدموا عىل‬ ‫الضمري‪ِ ،‬‬ ‫مرو ِ‬
‫بن ُأم َّي َة َّ‬ ‫وحي ِملهم‪ ،‬فف َعل َ َ‬
‫ومح َلهم يف َسفينت َْني مع َع ِ‬ ‫َ‬
‫ِّ‬
‫فوجدوه قد َفت ََحها‪ ،‬فك َّلم َر ُ‬
‫سول اهلل ﷺ املسلمني أن‬ ‫رب َ‬ ‫َرسول اهلل ﷺ َ‬
‫بخي َ‬
‫دخلوهم يف ِس ِ‬
‫هامهم ف َف َعلوا(‪.)1‬‬ ‫ي ِ‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3136‬ومسلم (‪.)2502‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪250‬‬

‫‪ -7‬فصل [يف نبعث قريش إىل النجاش ]‬

‫ريش‬ ‫َّجايش ِآم َ‬


‫نني‪ ،‬ف َل َّام علِ َمت ُق ٌ‬ ‫ِّ‬ ‫هاجرون إىل َمم َلكة َأ َ‬
‫صحم َة الن‬ ‫فانحاز املُ ِ‬
‫َ‬
‫وحتف من‬‫مرو ب َن العاص هبدايا ُ َ‬ ‫بذلك ب َع َثت يف َأ َثرهم عبدَ اهلل ب َن أيب َربيع َة و َع َ‬
‫لري َّدهم عليهم‪ ،‬ف َأ َبى ذلك عليهم‪ ،‬وتشفعوا إليه ب ُع َظامء جنده‬ ‫َّجايش َ ُ‬
‫ِّ‬ ‫ب َلدهم إىل الن‬
‫فلم ُجيِ ْبهم إىل ما ط َلبوا‪.‬‬

‫‪ -6‬فصل [يف فشو اإلسالم ومقاطع قريش لبين هاش ونبين عبد املطلب]‬

‫ريش َأ ْمر‬
‫فلام ر َأ ْت ُق ٌ‬
‫عمه ومجاعة كثريون‪ ،‬و َف َشا اإلسال ُم‪َ ،‬‬ ‫ُث َّم َأس َلم َمحز ُة ُّ‬
‫مجعوا عىل أن يتَعا َقدوا عىل بني ِ‬
‫هاش ٍم وبني املُ َّطلِب‪،‬‬ ‫َرسول اهلل ﷺ َيعلو و َيتزايد‪َ ،‬أ َ‬
‫َ‬
‫َّأال ُيبايعوهم‪ ،‬وال ُيناكحوهم‪ ،‬وال ُيك ِّلموهم‪ ،‬وال جيالِسوهم‪ ،‬حتَّى ُيس ِّلموا إليهم‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وكتَبوا بذلك َصحيفة وع َّلقوها يف َس ْقف الكَعبة‪.‬‬ ‫َ‬

‫الش ْعب ‪ِ -‬ش ْعب أيب طالب‪َ -‬ل ْيلة ِهالل‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ و َمن م َعه يف ِّ‬ ‫وحبِس‬
‫ُ‬
‫املُ َّ‬
‫حرم َسنَة سبع من البعثة‪.‬‬

‫وس ِمع‬
‫جلهد ُ‬
‫هم ا َ‬
‫ِ ِ‬
‫نحو ثالث سنني‪ ،‬حتَّى ب َل َغ ُ‬
‫و َب ُقوا َحمبوسني َحمصورين َ‬
‫الش ْعب‪.‬‬ ‫أصوات ِص ِ‬
‫بياهنم بال ُبكاء من َوراء ِّ‬ ‫ُ‬
‫وكار ٍه‪ ،‬فس َعى يف َن ْقض الصحيفة بعض‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫راض‬ ‫ريش يف ذلك بني‬‫وكانت ُق ٌ‬
‫القائم بذلك هشا َم ب َن عمرو ِ‬
‫بن احلارث‪َ ،‬مشى يف ذلك‬ ‫ُ‬ ‫َمن كان ِ‬
‫كار ًها هلا‪ ،‬وكان‬
‫ٍ‬
‫ومجاعة من قريش‪ ،‬فأجابوه إىل ذلك‪.‬‬ ‫إىل املطعم بن عدي‬
‫‪ | 252‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫رسل عليها األَ َرضة ف َأ َك َلت‬ ‫ُثم َأط َلع اهللُ رسو َله عىل َأ ْمر َصحيفتهم‪ ،‬وأنه َأ َ‬
‫ِ‬
‫فخرج‬
‫خرب بذلك َع َّمه‪َ ،‬‬ ‫مجيع ما فيها من َج ْور و َقطيعة و ُظ ْلم َّإال ذكْر اهلل ‪ ،‬ف َأ َ‬ ‫َ‬
‫ريش ف َأخربهم أن ابن أخيه قد قال كذا وكذا‪ ،‬فإن كان ِ‬
‫كاذ ًبا خ َّل ْينا بينَكم‬ ‫إىل ُق ٍ‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫نص ْفت‪ ،‬ف َأ َنزلوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رج ْعتم عن قطيعتنا و ُظ ْلمنا‪ ،‬قالوا‪ :‬قد َأ َ‬ ‫وبينَه‪ ،‬وإن كان صاد ًقا َ‬
‫ُفرا إىل ُك ْفرهم‪،‬‬ ‫سول اهلل ﷺ ازدادوا ك ً‬ ‫األمر كام َأ َ‬
‫خرب به َر ُ‬ ‫َ‬ ‫الصحيف َة‪ ،‬ف َل َّام ر َأ ُوا‬
‫الش ْعب‪.‬‬ ‫وخرج َر ُ‬
‫سول اهلل ﷺ و َمن م َعه من ِّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫املبعث‪ ،‬ومات أبو طالب بعدَ ذلك‬ ‫عرشة أعوا ٍم ِمن‬
‫ِ‬ ‫قال ابن ِ‬
‫عبد الرب‪ :‬بعدَ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫بستة أشهر‪ ،‬وماتت خدجي ُة بعدَ ه بثالثة أيام‪ ،‬وقيل‪ :‬غري ذلك‪.‬‬

‫‪ -9‬فصل [يف موت خدجي وبنب طالب وخروجه ﷺ إىل الطائف]‬


‫ِ‬
‫سري‪،‬‬ ‫الصحيف ُة وا َفق موت َخدجي َة وموت أيب طالب‪ ،‬وبينهام َي ٌ‬ ‫ف َل َّام نُق َضت َّ‬
‫وكاشفوه‬ ‫َ‬ ‫وِت َّر ُؤوا عليه‬ ‫فهاء َق ْومه‪َ ،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ من س ِ‬ ‫ِ‬ ‫فاشتَدَّ البال ُء عىل‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫نرصوه عىل قومه‬ ‫رسول اهلل ﷺ إىل الطائف َرجا َء أن ُي ْؤووه و َي ُ‬ ‫ُ‬ ‫باألَ َذى‪َ ،‬‬
‫فخرج‬
‫نارصا‪ ،‬وآ َذ ْوه مع‬ ‫ؤوي‪ ،‬ومل ير ِ‬ ‫و َيمنَعوه ِمنهم‪ ،‬و َدعاهم إىل اهلل ‪ ‬فلم َي َر َمن ُي ِ‬
‫ً‬ ‫ََ‬
‫ذلك أشدَّ األ َذى‪ ،‬ونالوا منه ما مل َينَ ْله قو ُمه‪.‬‬

‫ك‬ ‫الطائف ‪« :-‬ال َّل ُه َّم إِ َل ْي َ‬ ‫ِ‬ ‫رجعه ذلك دعا بالدُّ عاء املَشهور ‪-‬دعاء‬ ‫ويف م ِ‬
‫َ‬
‫اس‪ ،‬يا َأرحم ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ْت َر ُّب‬ ‫ني‪َ ،‬أن َ‬ ‫الرامح َ‬ ‫ف ُق َّو ِيت‪َ ،‬وق َّل َة حي َلتي‪َ ،‬و َه َو ِاين َع َىل النَّ ِ َ ْ َ َ َّ‬ ‫َأ ْشكُو َض ْع َ‬
‫يد َيت ََج َّه ُمنِي‪َ ،‬أ ْو إِ َىل َعدُ ٍّو َم َّل ْك َت ُه‬ ‫ْت ريب‪ ،‬إِ َىل من تَكِ ُلنِي؟ إِ َىل ب ِع ٍ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ني َو َأن َ َ‬
‫ِ‬
‫ا ُمل ْست َْض َعف َ‬
‫َك َأ ْو َس ُع َِل‪َ ،‬أ ُعو ُذ بِن ِ‬
‫ُور‬ ‫ب َع َ َّيل َف َال ُأ َب ِاَل‪ ،‬غَ ْ َري َأ َّن َعافِ َيت َ‬‫ك َغ َض ٌ‬ ‫َأ ْم ِري‪ ،‬إِ ْن َمل ْ َيك ُْن بِ َ‬
‫ت َل ُه ال ُّظ ُل َام ُت‪َ ،‬و َص َل َح َع َل ْي ِه َأ ْم ُر الدُّ ْن َيا َو ْاآل ِخ َر ِة‪َ ،‬أ ْن َُيِ َّل َع َ َّيل‬ ‫ِش َق ْ‬ ‫َو ْج ِه َ ِ َ‬
‫ك ا َّلذي أ ْ َ‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪253‬‬

‫ك ا ْل ُع ْت َبى َحتَّى ت َْر َىض‪َ ،‬و َال َح ْو َل َو َال ُق َّو َة إِ َّال‬ ‫ك َأ ْو َأ ْن َين ِْز َل ِيب َسخَ ُط َ‬
‫ك‪َ ،‬ل َ‬ ‫َض ُب َ‬
‫غ َ‬
‫ك»(‪.)1‬‬ ‫بِ َ‬

‫َأمره أن ُيطبِق األَ َ‬ ‫اجلبال يست ِ‬ ‫رسل ر ُّبه تبارك وتعاىل إليه م َلك ِ‬
‫خش َبني عىل‬ ‫َ‬ ‫ف َأ َ‬
‫ذان هي بينهام‪ ،‬فقال‪َ « :‬ال‪َ ،‬ب ْل َأ ْست َْأ ِين ِ ِهب ْم َل َع َّل اهللَ ُ ْ‬
‫َي ِر ُج‬ ‫ومها جبالها ال َّل ِ‬
‫أهل م َّك َة‪َ َ ُ ،‬‬
‫َش ُك بِ ِه َش ْيئًا»(‪.)2‬‬
‫ِم ْن َأ ْص َال ِهبِ ْم َم ْن َي ْع ُبدُ ُه َال ُي ْ ِ‬
‫فرصف اهلل إليه َن َف ًرا من ِ‬ ‫فلام َنزل بنَخل َة م ِ‬
‫اجل ِّن‬ ‫من ال َّل ْيل‪َ َ ،‬‬ ‫رجعه‪ ،‬قام ُي ِّ‬
‫صيل َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫سول اهلل ﷺ حتَّى َنزل عليه‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬ ‫فاست ََمعوا ِقراءتَه‪ ،‬ومل َيش ُعر هبم َر ُ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ‬
‫ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾ [األحقاف‪.)3( ]32 - 29 :‬‬

‫‪ -11‬فصل [يف اإلسراء واملعراج]‬

‫سجد احلَرام إىل‬‫الصحيح‪ -‬من املَ ِ‬ ‫بجسده ‪-‬عىل َّ‬ ‫ُثم ُأ ِ‬


‫رسي َبرسول اهلل ﷺ َ‬
‫الرباق‪ُ ،‬ص ْحبة ِج َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فنزل‬
‫ربيل عليهام الصالة والسالم‪َ ،‬‬ ‫َب ْيت املَقدس‪ ،‬راك ًبا عىل ُ‬
‫سجد‪ُ ،‬ثم ُع ِرج به تِ َ‬
‫لك‬ ‫بح ْلقة باب ا َمل ِ‬
‫الرب َاق َ‬ ‫َّ‬
‫وصىل باألنبياء إما ًما‪ ،‬ور َبط ُ‬ ‫ُهناك‪،‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن هشام يف السرية ‪ ،420/1‬والطربي يف تارخيه ‪.345/2‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)3231‬ومسلم (‪.)1795‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)4921‬ومسلم (‪.)449‬‬
‫‪ | 254‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫جل َّبار جل جالله‪ ،‬فدَ نا منه حتى‬ ‫السامء‪ُ ،‬ثم ُع ِرج به إىل ا َ‬ ‫الليل َة من بيت املَقدس إىل َّ‬
‫سني صالةً‪،‬‬‫وفرض عليه َمخ َ‬ ‫ِ‬ ‫قوس ِ‬
‫أوحى‪َ ،‬‬‫فأوحى إىل عبده ما َ‬ ‫َ‬ ‫ني أو أدنى‪،‬‬ ‫قاب َ‬‫كان َ‬
‫مسني َصالةً‪ .‬قال‪ :‬إن‬ ‫َ‬ ‫مر عىل ُموسى فقال له‪ :‬بِ َم ُأ ِم ْر َت؟ قال‪َ :‬‬
‫بخ‬ ‫فرجع حتَّى َّ‬
‫َ‬
‫َّخفيف ألُ َّمتِ َك‪ .‬فال َت َفت إىل‬
‫َ‬ ‫فاس َأ ْله الت‬ ‫ِ‬
‫ُأ َّمت ََك ال يطيقون ذلك‪ ،‬ارج ْع إىل ر ِّب َك ْ‬
‫شار َأ ْن َن َع ْم إن ِش ْئت‪ .‬فلم َي َز ْل َيرت َّدد بني ُموسى‬ ‫ِج َ‬
‫ربيل كأنه َيستَشريه يف ذلك‪ ،‬ف َأ َ‬
‫وسؤال‬ ‫بالرجوع ُ‬ ‫مخسا‪ ،‬ف َأ َم َره ُموسى ُّ‬ ‫وبني ربه تبارك وتعاىل حتَّى ج َع َلها ً‬
‫رىض و ُأس ِّلم‪ .‬فلام َن َفد نادى م ٍ‬
‫ناد‪:‬‬ ‫قد است َْح َي ْيت من َر ِّيب‪ ،‬ولكِ ْن َأ َ‬
‫التخفيف‪ ،‬فقال‪ِ :‬‬
‫َ ُ‬ ‫َّ‬
‫وخ َّف ْف ُت عن ِع ِ‬
‫بادي(‪.)1‬‬ ‫قد َأ َ‬
‫مض ْيت َف َ‬
‫ريضتي‪َ ،‬‬

‫خربهم‪ ،‬فاشتَدَّ تَكذي ُبهم له‪ ،‬وس َألوه أن‬‫سول اهلل ﷺ يف َق ْومه َأ َ َ‬
‫فلام َأص َبح َر ُ‬
‫َّ‬
‫قدس‪ ،‬فج َّاله اهللُ له حتَّى عاينَه‪ِ ،‬‬
‫فطف َق ُخي ِربهم عن آياته‪ ،‬وال‬ ‫بيت املَ ِ‬
‫ف هلم َ‬‫َي ِص َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ورجوعه‪ ،‬وعن‬ ‫خربهم عن ع ِريهم يف َمرسا ُه ُ‬ ‫َيستَطيعون أن َير ُّدوا عليه شي ًئا‪ .‬و َأ َ‬
‫َو ْقت ُقدومها‪ ،‬وعن ال َب ِ‬
‫عري ا َّلذي َيقدُ مها‪ ،‬وكان األَ ْمر كام قال‪ ،‬فلم َي ِز ْدهم َ‬
‫ذلك َّإال‬
‫اإلرساء مر ًة ِ‬ ‫ِ‬
‫واحدةً‪.‬‬ ‫فوق ما َيراه النائ ُم‪ ،‬وكان ِ ُ َّ‬ ‫ُفورا‪ .‬و َمعلوم أن هذا َأ ْمر َ‬
‫ن ً‬

‫‪ -11‬فصل يف مَبدَب اهلِ ْجرة الَّيت فرَّق اهلل فمها نبني بَ ْولمائه وبَ ْعدائه‪ ،‬وجعََلها‬
‫صر عَبدِه ورَسوله‬
‫َمبدًََا إلِ ْعزاز دِينه‪ ،‬ونَ ْ‬

‫ثالث سنني ِمن أول نبوتِه‬


‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ بمك َة‬ ‫قال الواقدي‪ :‬أقام‬
‫املوسم‬ ‫الناس إىل اإلسال ِم عرش سنني‪ ،‬يوايف‬ ‫ِ‬
‫الرابعة‪ ،‬فدعا‬ ‫مستخف ًيا‪ ،‬ثم أعلن يف‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫منازهلم‪ ،‬ويف املواسم بعكاظ‪ ،‬وجمنة وذي املجاز‪ ،‬يدعوهم‬ ‫احلاج يف‬
‫َّ‬ ‫كل عا ٍم‪ُ ،‬‬
‫يتبع‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3207‬ومسلم (‪.)164‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪255‬‬

‫إىل أن يمنعوه حتى يبلغ رساالت ربه وهلم اجلنة‪ ،‬فال جيد أحدً ا ينرصه وال‬
‫جييبه(‪.)1‬‬
‫وكان ِمما صنَع اهلل لرسولِه أن األَوس واخلزرج كانوا يسمعون من ح ِ‬
‫لفائهم‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫خرج فنَتَّبِعه ونَقتُلكم‬ ‫ِ‬
‫من َهيود املَدينة أن نب ًّيا من األَنبياء َمبعوث يف هذا الزمان س َي ُ‬
‫العر ُب َ ُحت ُّجه دون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قتل ٍ‬
‫معه َ‬
‫حي ُّجون البيت كام كانت َ‬ ‫األنصار َ ُ‬
‫ُ‬ ‫وكانت‬ ‫عاد وإر َم‪،‬‬
‫ِ‬
‫الناس إىل اهلل ‪ ،‬وتَأ َّملوا‬ ‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ َيدعو‬ ‫َ‬ ‫فلام ر َأى األَ ُ‬
‫نصار‬ ‫اليهود‪َّ ،‬‬
‫هلل يا َق ْو ُم أن هذا ا َّلذي تَو َّعدُ كم به َهيو ُد‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫لبعض‪ :‬تَع َلمون وا ِ‬ ‫بعضهم‬ ‫َأحوا َله‪ ،‬قال ُ‬
‫فال َيسبِ ُقنَّكم إليه‪.‬‬

‫‪ -12‬فصل [يف نبمعَ َت العقب األوىل والثانم ]‬

‫نفر ِمن األنصار كلهم‬ ‫ِ‬


‫العقبة يف املوسم ست َة ٍ‬ ‫رسول اهلل ﷺ َل ِق َي عندَ‬
‫َ‬ ‫ثم إن‬
‫ِ‬
‫املدينة‪،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ إىل اإلسال ِم فأسلموا‪ ،‬ثم رجعوا إىل‬ ‫ُ‬ ‫من اخلزرج‪ ،‬فدعاهم‬
‫دار إال وقد دخ َلها اإلسال ُم‪،‬‬
‫يبق ٌ‬
‫فدعوا إىل اإلسالم‪ ،‬ففشا اإلسال ُم فيها حتى مل َ‬
‫فلام كان العام املقبل جاء منهم اثنا عرش رجال‪ ،‬قال أبو الزبري‪ :‬عن جابر‪ :‬فقلنا‪ :‬يا‬
‫ِ‬
‫النشاط‬ ‫ِ‬
‫والطاعة يف‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬عال َم نبايعك؟ قال‪ :‬تبايعوين عىل السم ِع‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫والنهي عن املنكر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األمر باملعروف‬ ‫ِ‬
‫واليرس‪ ،‬وعىل‬ ‫ِ‬
‫العرس‬ ‫ِ‬
‫النفقة يف‬ ‫ِ‬
‫والكسل‪ ،‬وعىل‬
‫قدمت‬
‫ُ‬ ‫وعىل أن تقوموا يف اهلل ال تأخذكم لوم ُة الئ ٍم‪ ،‬وعىل أن تنرصوين إذا‬
‫وأزواجكم وأبنا َءكم‪ ،‬ولكم اجلن ُة‪ ،‬فقمنا‬
‫َ‬ ‫أنفسكم‬
‫عليكم‪ ،‬ومتنعوين مما متنعون منه َ‬
‫ورش َط‪ُ ،‬يعطينا بذلك اجلن َة‪.‬‬ ‫رجال ً‬
‫رجال‪ ،‬فأخذ علينا َ َ‬ ‫إليه ً‬

‫(‪ )1‬الطبقات الكربى البن سعد ‪.168/1‬‬


‫‪ | 256‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫مرو بن ُأ ِّم َمكتوم‪،‬‬ ‫انرصفوا إىل املدينة‪ ،‬وب َع َث معهم َر ُ‬


‫سول اهلل ﷺ َع َ‬ ‫ُث َّم َ َ‬
‫ِ‬ ‫و ُمص َعب ب َن ُع ٍ‬
‫مري ُيع ِّلامن َمن َأس َلم م ُ‬
‫نهم ال ُقرآن‪ ،‬و َيدْ عوان إىل اهلل ‪َ ،‬‬
‫فنزال‬
‫ومجع هبم ملََّا ب َلغوا‬ ‫مري ُيؤ ُّمهم‪َّ َ ،‬‬ ‫بن ُزرارةَ‪ ،‬وكان ُمص َعب ب ُن ُع ٍ‬ ‫عىل أيب ُأمام َة َأسعدَ ِ‬
‫برش كَثري‪ِ ،‬منهم‪ُ :‬أسيد بن احل َضري‪ ،‬وسعدُ بن م ٍ‬
‫عاذ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ ُ ْ‬ ‫َأر َبعني‪ ،‬ف َأس َلم عىل َيدهيام َ ٌ‬
‫ٍِ‬
‫الرجال والنِّساء‪َّ ،‬إال األُ َص ْريم‬ ‫شهل ِّ‬‫و َأس َلم بإِ ْسالمهام يومئذ مجيع بني عبد األَ َ‬
‫َأخر إسال ُمه إىل يوم ُأ ُحد‪ ،‬ف َأس َلم حين َِئ ٍذ وقات ََل ف ُقتِل‬‫بن َو ْقش فإنه ت َّ‬‫مرو بن ثابِت ِ‬ ‫َع ُ‬
‫النبي ﷺ فقال‪َ « :‬ع ِم َل َقلِ ًيال َو ُأ ِج َر كَثِ ًريا»(‪.)1‬‬
‫خرب عنه ُّ‬‫سجد هلل َسجدةً‪ ،‬ف َأ َ‬ ‫قبل أن َي ُ‬
‫الناس إىل ذلك‪،‬‬ ‫سلمني يف ِ‬
‫اهل ْجرة إىل املَدينة‪ ،‬فبا َدر‬ ‫سول اهلل ﷺ للم ِ‬ ‫ف َأ ِذن َر ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وعيل‪َ ،‬أقاما ب َأ ْمره هلام‪َّ ،‬‬
‫وإال‬ ‫ٌّ‬ ‫سول اهلل ﷺ وأبو َبكْر‬ ‫من املُسلِمني َّإال َر ُ‬
‫ومل َي َبق بم َّك َة َ‬
‫جهازه َينتَظِر َمتَى ُيؤ َمر‬
‫َ‬ ‫سول اهلل ﷺ‬ ‫كرها‪ ،‬وقد َأعَدَّ َر ُ‬ ‫رشكون ً‬ ‫َمن اح َت َب َسه املُ ِ‬
‫جهازه‪.‬‬
‫َ‬ ‫باخلُروج‪ ،‬و َأ َعدَّ أبو َبكْر‬

‫‪ -13‬فصل [يف مؤامرة دار الندوة]‬

‫ِ‬ ‫فلام ر َأى املُ ِ‬


‫ومحلوا‪،‬‬ ‫وخرجوا َ َ‬‫رشكون َأصحاب َرسول اهلل ﷺ قد َِت َّهزوا َ‬ ‫َّ‬
‫دار‬
‫الدار ُ‬ ‫َ‬ ‫زرج‪ ،‬وعرفوا أن‬ ‫واألموال إىل األَ ْوس واخلَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫واألطفال‬ ‫راري‬
‫الذ َّ‬‫وساقوا َّ‬
‫رسول اهلل ﷺ إليهم‬ ‫َ‬ ‫وشوكة‪ ،‬فخافوا ُخروج‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وبأس‬ ‫ٍ‬
‫حلقة‬ ‫منعة‪ ،‬وأن القو َم ُ‬
‫أهل‬ ‫ٍ‬

‫أحدٌ من‬ ‫أمره‪ ،‬فاجت ََمعوا يف دار النَّدْ وة‪ ،‬ومل َيتخ َّلف َ‬
‫وحلو َقه هبم‪ ،‬ف َيشتَدُّ عليهم ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فأشار‬ ‫َشاوروا يف َأ ْمره‪ ،‬فتَذاكروا َ‬
‫أمر‬ ‫الر ْأ ِي واحلجا منهم ل َيت َ‬ ‫ذوي َّ‬
‫ٍ‬
‫كل أحد منهم برأي‪ ،‬إىل أن قال أبو َج ْهل‪ :‬قد ُف ِرق يل فيه ٌ‬
‫رأي ما ُأراكُم قد و َق ْعتُم‬ ‫ُّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)2808‬ومسلم (‪.)1900‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪257‬‬

‫بيلة من ُق َر ْيش ُغال ًما هندً ا َجلدً ا‪،‬‬ ‫َأخذ من كل َق ٍ‬ ‫عليه‪ .‬قالوا‪ :‬ما هو؟ قال‪َ :‬أ َرى أن ن ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُثم نُعطيه سي ًفا ِ‬
‫صار ًما‪ ،‬ف َي ِ‬
‫القبائل‪ ،‬فال‬ ‫تفرق د ُمه يف‬ ‫رجل واحد‪ ،‬ف َي َّ‬ ‫ْضبونه َِضب َة ُ‬
‫القبائل ك ِّلها‪ ،‬ونَسوق‬ ‫ِ‬ ‫مكنها ُمعاداة‬‫عبد مناف بعد ذلك ما تَصنَع‪ ،‬وال ي ِ‬ ‫َدري بنو ِ‬ ‫ت ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫حي من ِعند ربه‬ ‫بالو ِ‬ ‫ربيل َ‬ ‫َفرقوا عىل ذلك‪ ،‬واجت ََمعوا عليه‪ ،‬فجا َء ُه ِج ُ‬ ‫ِ‬
‫إليهم د َيته‪ ،‬فت َّ‬
‫تلك ال َّل ْيل َة‪.‬‬‫ضجعه َ‬ ‫تبارك وتعاىل‪ ،‬ف َأخربه بذلك‪ ،‬و َأمره َّأال َينام يف م ِ‬
‫َ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫صف النهار يف ساعة مل َيكُن َيأتِيه فيها‬ ‫سول اهلل ﷺ إىل أيب َبكْر نِ َ‬ ‫وجا َء َر ُ‬
‫ُمتقنِّ ًعا‪ ،‬فقال له‪َ « :‬أ ْخ ِر ْج َم ْن ِعنْدَ كَ»‪ ،‬فقال‪ :‬إنام ُه ْم َأه ُل َك يا َر َ‬
‫سول اهلل‪ ،‬فقال‪« :‬إِ َّن‬
‫سول اهلل‬ ‫سول اهلل؟ فقال َر ُ‬
‫اخل ُروجِ »‪ ،‬فقال أبو َبكْر‪ :‬الصحب َة يا َر َ‬ ‫اهللَ َقدْ َأ ِذ َن َِل ِيف ُْ‬
‫سول اهلل‬ ‫فخ ْذ بأيب و ُأمي إِحدى ِ‬
‫راحلت ََّي هات َْني‪ ،‬فقال َر ُ‬ ‫ﷺ‪َ « :‬ن َع ْم»‪ ،‬فقال أبو َبكْر‪ُ :‬‬
‫ِّ ْ‬
‫ﷺ‪« :‬بِال َّث َم ِن»(‪.)1‬‬
‫ِ‬ ‫عل ًّيا أن َيبيت يف م ِ‬‫و َأمر ِ‬
‫تلك الليل َة‪ ،‬واجت ََمع ُأولئ َك ُ‬
‫النفر من ُق َر ْيش‬ ‫ضجعه َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫رصدونه‪ُ ،‬يريدون َبياتَه‪ ،‬و َي َأمتِرون َأ ُّهيم َيكون‬ ‫ِ (‪)2‬‬
‫الباب و َي ُ‬ ‫َيتَط َّلعون من ِص ْ ِري‬
‫فأخ َذ ِحفن ًة م َن ال َب ْطحاء‪ ،‬فج َعل َي ُذ ُّره عىل‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ عليهم َ‬ ‫َأشقاها‪َ ،‬‬
‫فخرج‬
‫ؤوسهم‪ ،‬وهم ال َي َر ْونه‪ ،‬وهو َيتلو‪﴿ :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬ ‫ر ِ‬
‫ُ‬
‫سول اهلل ﷺ إىل بيت أيب َبكْر‪،‬‬ ‫ومَض َر ُ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾ [يس‪َ ،]9 :‬‬
‫رجل فر َأى ال َق ْوم ببابِه فقال‪ :‬ما‬
‫ليال‪ ،‬وجاء ُ‬‫فخرجا من َخ ْو َخ ٍة(‪ )3‬يف دار أيب َبكْر ً‬
‫َ‬
‫وسكم‬ ‫وخرستُم‪ ،‬قد واهللِ مر بكُم وذر عىل ر ُؤ ِ‬
‫ِ‬ ‫تَنتَظِرون؟ قالوا‪ُ :‬حممدً ا‪ .‬قال‪ِ :‬خ ْبتم‬
‫ُ‬ ‫َّ ْ َّ‬ ‫ْ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)2138‬‬


‫شق فيه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الباب)‪ٍّ :‬‬ ‫(‪ِ )2‬‬
‫(ص ْري‬
‫(‪( )3‬اخلَ ْو َخة)‪ :‬كوة يف البيت تؤدي إليه الضوء‪.‬‬
‫‪ | 258‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫الرتاب‪ .‬قالوا‪ :‬واهللِ ما َأبرصناه‪ .‬وقاموا ين ُفضون الرتاب عن ر ِ‬


‫ؤوسهم‪ُ ،‬ثم َ‬
‫مَض‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُّ َ‬
‫َر ُ‬
‫سول اهلل ﷺ وأبو َبكْر إىل غار َث ْور‪َ ،‬‬
‫فدخال ُه‪.‬‬
‫هاديا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ماه ًرا بالطريق‪،‬‬ ‫يثي‪ ،‬وكان ً‬ ‫َأجرا عبدَ اهلل بن ُأ َر ْيقط ال َّل َّ‬
‫وكانا قد است َ‬
‫وواعدا ُه‬
‫َ‬ ‫قومه ِمن ُقريش‪ ،‬و َأ ِمناه عىل ذلك‪ ،‬وس َّلام إليه ِ‬
‫راح َل َت ْيهام‪،‬‬ ‫وكان عىل ِدين ِ‬
‫ُ‬ ‫َْ‬
‫هم القاف َة‪ ،‬حتَّى انت ََهوا‬ ‫ريش يف ط َلبهام‪َ ،‬‬
‫وأخذوا م َع ُ‬ ‫وجدَّ ت ُق ٌ‬
‫غار ثور بعد ثالث‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫سول اهلل لو أن‬ ‫إىل باب الغار‪ ،‬فو َقفوا عليه‪ ،‬ففي الصحيحني أن أبا َبكْر قال‪ :‬يا َر َ‬
‫ُّك بِا ْثن ْ ِ‬
‫برصنا‪ ،‬فقال‪َ « :‬يا َأ َبا َبك ٍْر َما َظن َ‬
‫َني اهللُ‬ ‫حتت قدَ َم ْيه ألَ َ َ‬‫أحدَ ُهم ن َظر إىل ما َ‬ ‫َ‬
‫عان كَال َمهم َ‬
‫فوق‬ ‫َثالِ ُثهام‪َ ،‬ال َ ْحتز َْن َفإِ َّن اهللَ معنَا»(‪ ،)1‬وكان النبي ﷺ وأبو بكْر يسم ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ َ‬ ‫َُ‬
‫ِ‬ ‫ؤوسهام‪ ،‬ولكِ َّن ا َ‬‫ر ِ‬
‫رعى‬ ‫بن ُفهري َة َي َ‬ ‫هلل سبحانه َع َّمى عليهم َأ ْمرمها‪ ،‬وكان عام ُر ُ‬ ‫ُ‬
‫الس َحر‬
‫باخلرب‪ ،‬فإذا كان َّ‬ ‫َ‬ ‫تسمع ما ُيقال بم َّك َة‪ُ ،‬ثم َيأتِيهام‬ ‫عليهام غن ًَام أليب َبكْر‪ ،‬و َي َّ‬
‫رسح مع الناس‪.‬‬ ‫َ‬
‫ال حتى مخَدَ ت َعنهام نار الط َلب‪ ،‬فجا َء ُمها عبدُ اهلل‬ ‫ثالث لي ٍ‬
‫َ‬ ‫فمكَثا يف الغار‬
‫عام َر بن ُفهري َة وسار الدَّ ُ‬
‫ليل‬ ‫بالراح َلتَني فار َ َحتال و َأردف أبو بكْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب ُن َأ َر ْي ِقط‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫وعني اهلل تَك َل ُؤمها‪ ،‬وت َِأييدُ ه يصحبهام‪ ،‬وإسعاده ي ِ‬
‫رحلهام و ُي ِنزهلام‪.‬‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫أما َم ُهام‪ْ َ ،‬‬
‫واحد منهام‪،‬‬‫كل ِ‬ ‫رشكون من ال َّظ َفر هبام ج َعلوا ملَ ِن جاء هبام ِدية ِّ‬ ‫وملَّا َي ِئس املُ ِ‬
‫الناس يف الط َلب‪ ،‬واهللُ غالِب عىل َأ ْمره‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فجدَّ‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3653 ،3615‬ومسلم (‪.)2381‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪259‬‬

‫‪ -14‬فصل [يف قدومه ﷺ املدين ]‬

‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ من مك َة وقصدَ ه املدين َة‪ ،‬وكانوا خيرجون‬ ‫خمرج‬
‫األنصار ُ‬ ‫َ‬
‫وبلغ‬
‫َ‬
‫الشمس رجعوا عىل ِ‬
‫عادهتم‬ ‫ِ‬ ‫حر‬ ‫احلر ِة ينتظرونه َ‬
‫أول النهار‪ ،‬فإذا اشتدَّ ُّ‬ ‫كل يو ٍم إىل َّ‬‫َّ‬
‫ِ‬
‫منازهلم‪.‬‬ ‫إىل‬
‫سامل ِ‬
‫بن‬ ‫ركب ب َأمر اهلل له‪ ،‬ف َأدر َكتْه اجلمع ُة يف بني ِ‬ ‫ف َلام كان يوم اجلمعة ِ‬
‫ُُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُُ‬ ‫َّ‬
‫بخطام‬ ‫الوادي‪ُ ،‬ثم ركِب ف َأ َخذوا ِ‬ ‫ِ‬ ‫سجد ا َّلذي يف َبطن‬ ‫َع ْوف‪ ،‬فجم َع هبم يف املَ ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫والسالح واملَنَعة‪ ،‬فقال‪َ « :‬خ ُّلوا َسبِي َل َها َفإِ َّهنَا‬ ‫ِّ‬ ‫راحلتِه‪َ ،‬ه ُل َّم إىل العدَ د وال ُعدَّ ة‬‫ِ‬

‫رغبوا إليه يف‬ ‫سائرة به ال َمتر بدار من دور األَنصار َّإال ِ‬ ‫م ْأمور ٌة»‪ ،‬فلم ت ََز ْل ناقتُه ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ ُّ‬ ‫َ ُ َ‬
‫وضع‬ ‫النُّزول عليهم‪ ،‬ويقول‪« :‬دعوها َفإِهنا م ْأمور ٌة»‪ ،‬فسارت حتَّى وص َلت إىل م ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َّ َ َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫َت‬‫ليال‪ُ ،‬ثم ال َت َفت ْ‬ ‫وسارت َق ً‬ ‫وبركَت‪ ،‬ومل َي ِنزل عنها حتى َهن َ َضت‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َمسجده اليو َم َ‬
‫فنزل عنها وذلك يف َبني الن ََّّجار أخوالِه ﷺ‪.‬‬ ‫األو ِل‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ربكَت يف موضعها َّ‬ ‫ورج َعت ف َ‬‫َ‬
‫كرمهم بذلك‪،‬‬ ‫ب أن َي ِنزل عىل َأخواله ُي ِ‬ ‫أح َّ‬
‫وكان من تَوفيق اهلل هلا فإنه َ‬
‫وب‬
‫سول اهلل ﷺ يف النُّزول عليهم‪ ،‬وبا َدر أبو أ ُّي َ‬ ‫الناس ُيك ِّلمون َر َ‬ ‫ُ‬ ‫فج َعل‬
‫سول اهلل ﷺ َيقول‪« :‬املَْ ْر ُء َم َع َر ْحلِ ِه»‪،‬‬ ‫نصاري إىل َر ْحله ف َأ َ‬
‫دخ َله بيتَه‪ ،‬فج َع َل َر ُ‬ ‫ُّ‬ ‫األَ‬
‫راحلته‪ ،‬فكانت ِعنده‪.‬‬
‫وجاء أسعدُ بن ُزرار َة ف َأ َخذ ِبزمام ِ‬
‫ُ‬
‫سول اهلل ﷺ‬ ‫سجده‪ ،‬وب َعث َر ُ‬ ‫وب حتَّى بنَى ُح َجرته وم ِ‬ ‫ف َأقام يف َم ِنزل أيب أ ُّي َ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫حارث َة وأبا رافِع‪ ،‬و َأ ُ‬
‫وب زيدَ ب َن ِ‬
‫رهم‬ ‫ومخسمئة د َ‬
‫َ‬ ‫عري ْين‬
‫عطامها َب َ‬ ‫وهو يف َم ِنزل أيب أ ُّي َ‬
‫فقدما عليه بفاطِم َة و ُأم كُلثوم ابنَ َتيه‪ ،‬وسود َة ِ‬
‫بنت َزمع َة َز ْوجته‪ ،‬و ُأسام َة‬ ‫إىل م َّك َة ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ فلم ُيم ِّكنْها زوجها أبو‬ ‫بنت‬
‫نب ُ‬ ‫بن َز ْيد و ُأ ِّمه ُأ ِّم َأ َ‬
‫يم َن‪ ،‬وأ َّما َز ْي ُ‬
‫‪ | 261‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫بع ِ‬‫العاص بن الربي ِع من اخلروج‪ ،‬وخرج عبدُ اهلل بن أيب بكْر معهم ِ‬
‫يال أيب َبكر‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ ُ َّ‬
‫حارث َة بن الن ِ‬
‫ُّعامن‪.‬‬ ‫فنزلوا يف بيت ِ‬ ‫وفيهم ِ‬
‫عائش ُة‪َ ،‬‬
‫بيت املَ ِ‬
‫قدس‪ ،‬وج َعل له ثالثة أبواب‪ ،‬با ًبا يف‬ ‫سجده إىل ِ‬
‫وج َعل ِقبل َة م ِ‬
‫َ‬
‫دخل منه َرسو ُل اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫الر ْمحة‪ ،‬والباب ا َّلذي َي ُ‬
‫باب َّ‬
‫ؤخره‪ ،‬وبا ًبا ُيقال له‪ُ :‬‬ ‫ُم َّ‬
‫جلذوع‪ ،‬وسقف باجلَريد‪ ،‬وبنَى إىل َجنْبه ُبيوت احلُ َج ِر باللبِن‪،‬‬ ‫وج َعل َع َمده ا َ‬
‫وسقفها باجلريد واجلذوع‪ ،‬فلام فرغ من البِناء بنَى ِ‬
‫بعائش َة يف البيت ا َّلذي َبنا ُه هلا‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫آخ َر‪.‬‬ ‫سجد ِقبليه‪ ،‬ومها مكان حجرته اليوم‪ ،‬وجعل لسود َة ِ‬
‫بنت َزمع َة بيتًا َ‬ ‫َرشقي ا َمل ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬

‫‪ -15‬فصل [يف مؤاخاته ﷺ نبني املهاجرين واألنصار]‬

‫بن مال ِ ٍك‪،‬‬ ‫سول اهلل ﷺ بني املُ ِ‬


‫هاجرين واألَنْصار يف دار َأنَس ِ‬ ‫آخى َر ُ‬ ‫ُث َّم َ‬
‫هاجرين ونِص ُفهم م َن األَنصار‪َ ،‬‬
‫آخى بينَهم عىل‬ ‫رج ًال نِص ُفهم م َن ا ُمل ِ‬ ‫وكانوا تِ َ‬
‫سعني ُ‬
‫دون َذوي األَ ْرحام إىل حني َو ْقعة َبدْ ر‪ ،‬ف َل َّام َأ َنزل‬ ‫املُواساة‪ ،‬و َيت َ‬
‫َوارثون بعد املوت َ‬
‫اهللُ ‪﴿ :‬ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ﴾ [األحزاب‪ُ ]6 :‬ر َّد الت ُ‬
‫َّوارث‬
‫خوة‪.‬‬ ‫الر ِحم َ‬
‫دون َع ْقد األُ َّ‬ ‫إىل َّ‬

‫‪ -16‬فصل [يف موادعته ﷺ يهود املدين ث محارنبته هل ]‬

‫َب بينَه وبينَهم كِتا ًبا‪ ،‬وبا َدر‬


‫رسول اهلل ﷺ َمن باملَدينة من ال َيهود‪ ،‬وكت َ‬
‫ُ‬ ‫ووا َد َع‬
‫فدخل يف اإلسالم‪ ،‬و َأ َبى عا َّمتُهم َّإال الكُفر‪.‬‬
‫بن َس َالم َ‬ ‫ِ‬
‫َح ْربهم وعاملهم عبدُ اهلل ُ‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪260‬‬

‫وحار َبته الثالث ُة‪،‬‬ ‫ثالث َق ِ‬


‫بائ َل‪َ :‬بنو َقينُقاعٍ‪ ،‬و َبنو النَّضري‪ ،‬و َبنو ُقريظ َة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وكانوا‬
‫َ‬
‫ونزلت‬ ‫جىل بني النَّضري‪ ،‬وقت ََل بني ُقريظ َة َ‬
‫وس َبى ُذ ِّر َّيتهم‪َ ،‬‬ ‫فم َّن عىل َبني َقينُقاع‪ ،‬و َأ َ‬
‫َ‬
‫وسورة األحزاب يف َبني ُقريظ َة‪.‬‬
‫حل ْرش يف َبني النَّضري‪ُ ،‬‬
‫ُسور ُة ا َ‬

‫‪ -17‬فصل [يف حتويل القبل ]‬

‫رصف إىل الكَعبة‪ ،‬فقال‬ ‫قدس‪ِ ُ ،‬‬ ‫صيل إىل ِقبلة بيت ا َمل ِ‬ ‫وكان ُي ِّ‬
‫ب أن ُي َ‬ ‫وحي ُّ‬ ‫َْ‬
‫ف اهللُ وج ِهي عن ِقب َل ِة ا ْليه ِ‬
‫ود»‪ ،‬فقال‪ :‬إنَّام أنا َعبدٌ ‪ ،‬فا ْد ُع‬ ‫ربيل‪َ « :‬و ِد ْد ُت َأ ْن َرص َ‬
‫ِجل َ‬
‫َ ْ ْ َُ‬ ‫َ ْ‬
‫وجهه يف السامء َيرجو ذلك‪ ،‬حتى َأ َنزل اهلل عليه‪﴿ :‬ﮜ‬ ‫ر َّب َك وسله‪ .‬فج َع َل ُيق ِّلب َ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫شهرا من َمقدَ مه املَدين َة قبل وقعة َبدْ ر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﮫ﴾ [البقرة‪ .]144 :‬وذلك بعد ست َة َ‬
‫عرش ً‬
‫َ‬
‫بش ْهرين‪.‬‬

‫قدس ُثم َحتويلها إىل الكَعبة ِحكَم َعظيمة‪،‬‬ ‫القبلة إىل بيت املَ ِ‬‫وكان يف جعل ِ‬
‫َ ْ‬
‫رشكني وال َيهود واملُنافِقني‪.‬‬‫للمسلِمني واملُ ِ‬ ‫ِ‬
‫وحمْنة ُ‬
‫ط ْعنا وقالوا‪﴿ :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ [آل‬ ‫فأما ا ُملسلِمون فقالوا‪ِ :‬‬
‫سم ْعنا و َأ َ‬ ‫َّ‬
‫وه ُم الذين َهدَ ى اهلل‪ ،‬ومل َتكُن كَبرية ع َل ْيهم‪.‬‬
‫عمران‪ُ ،]7 :‬‬
‫رجع إىل ِدينِنا‪ ،‬وما‬ ‫رشكون فقالوا‪ :‬كام رجع إىل ِقبلتِنا‪ ،‬ي ِ‬
‫وشك أن َي ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫وأ َّما املُ ِ‬
‫رج َع إليها َّإال ألهنا ُّ‬
‫احلق‪.‬‬ ‫َ‬
‫ف ِقبلة األَنْبياء قب َله‪ ،‬ولو كان نب ًّيا لكان ُي ِّ‬
‫صيل إىل‬ ‫وأ َّما ال َيهو ُد فقالوا‪ :‬خا َل َ‬
‫ِقبلة األَنبياء‪.‬‬
‫‪ | 262‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫توج ُه‪ ،‬إن كانت األُوىل ح ًّقا ف َقدْ‬ ‫وأ َّما املُنافِقون فقالوا‪ :‬ما َي ِ‬
‫دري ُحم َّمد أين َي َّ‬
‫الس َفهاء‬ ‫احلق فقد كان عىل باطِ ٍل‪ ،‬وك ُث َرت َأ ُ‬
‫قاويل ُّ‬ ‫َتركَها‪ ،‬وإن كانت الثانِي ُة هي َّ‬
‫هلل تعاىل‪﴿ :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ﴾‬ ‫ِ‬
‫الناس‪ ،‬وكانت كام قال ا ُ‬ ‫من‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لريى َمن َيتَّبِع َّ‬
‫الرسول منهم‬ ‫[البقرة‪ ،]143 :‬وكانت حمْنة م َن اهلل امت ََحن هبا عبا َده َ َ‬
‫ِممَّن َين َقلِب عىل َع ِق َب ْيه‪.‬‬

‫فصل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األذان يف اليوم وال َّل ْيلة مخس‬
‫َ‬ ‫هلم‬ ‫و َأت ََّم نعمتَه عليهم مع القبلة بأن َ‬
‫رش َع ُ‬
‫والعشاء ركعتَني ُأخريني بعد أن كانت ُث ِ‬
‫نائ َّية‪،‬‬ ‫مرات‪ ،‬وزادهم يف ال ُّظهر والعرص ِ‬
‫ََْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َُ‬ ‫َّ‬
‫فكل هذا كان بعد َمقدَ مه ا َملدينة‪.‬‬
‫ُّ‬

‫‪ -16‬فصل [يف اإلذنِ يف القِتالِ]‬

‫ؤمنني‪ ،‬وأ َّلف‬‫بعباده املُ ِ‬


‫سول اهلل ﷺ باملَدينة‪ ،‬وأيده اهلل بنَرصه ِ‬ ‫فلام اس َت َق َّر َر ُ‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫العرب وال َيهو ُد عن‬
‫ُ‬ ‫بني ُقلوهبم بعد ال َعداوة‪ ،‬وكان َأ ْوىل هبم من َأن ُفسهم‪ ،‬ر َمت ُ‬
‫ْهم‬
‫حاربة‪ ،‬وصاحوا هبم من ِّ‬ ‫ِ‬ ‫َقوس ِ‬
‫كل‬ ‫وشمروا هلم عن ساق ال َعداوة واملُ َ‬ ‫َّ‬ ‫واحدة‪،‬‬ ‫ْ‬
‫قو َيت َّ‬
‫الش ْوكة‪ ،‬واشتَدَّ‬ ‫والص ْفح حتَّى ِ‬
‫بالص ْرب وال َع ْفو َّ‬
‫هلل سبحانه َيأ ُمرهم َّ‬ ‫جانِب‪ ،‬وا ُ‬
‫فر ْضه عليهم‪ ،‬فقال تعاىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ‬ ‫اجلناح‪ ،‬ف َأ ِذن هلم حين َِئ ٍذ يف ِ‬
‫القتال‪ ،‬ومل َي ِ‬ ‫ُ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ﴾ [احلج‪.]39 :‬‬
‫ُ‬
‫القتال بعد ذلك ملن قاتَلهم دون َمن مل ُيقاتلهم فقال‪:‬‬ ‫ُثم فرض عليهم‬
‫﴿ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ﴾ [البقرة‪.]190 :‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪263‬‬

‫قتال املُرشكني كاف ًة‪ ،‬وكان ُحمر ًما‪ ،‬ثم َمأذونًا فيه‪ ،‬ثم َم ً‬
‫أمورا‬ ‫ثم فرض عليهم ُ‬
‫أحد‬
‫فرض َع ْني عىل َ‬‫مأمورا به جلمي ِع املُرشكني‪ ،‬إما َ‬ ‫ِ‬
‫بالقتال‪ُ ،‬ثم‬ ‫به ملَن بدَ َأهم‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫املشهور‪.‬‬ ‫فرض كِ ٍ‬
‫فاية عىل‬ ‫القولني‪ ،‬أو َ‬
‫ِ‬
‫باللسان‪ ،‬وإما‬ ‫ِ‬
‫بالقلب‪ ،‬وإما‬ ‫فرض ٍ‬
‫عني إما‬ ‫ِ‬
‫اجلهاد ُ‬ ‫والتحقيق‪ :‬أن ِجنس‬
‫ُ‬
‫باملال‪ ،‬وإما ِ‬
‫باليد‪ ،‬فعىل كل مسل ٍم أن جياهدَ بنو ٍع من هذه األنواعِ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫قوالن‪:‬‬ ‫باملال ففي وجوبِه‬‫ِ‬ ‫ففرض كِ ٍ‬
‫فاية‪ ،‬وأما اجلها ُد‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بالنفس‬ ‫أما اجلها ُد‬
‫ِ‬
‫القرآن سوا ٌء‪ ،‬كام قال تعاىل‪:‬‬ ‫ِ‬
‫وبالنفس يف‬ ‫ِ‬
‫باجلهاد به‬ ‫األمر‬ ‫والصحيح وجو ُبه؛ ألن‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ِ‬
‫الذنب‬ ‫ﭟ ﭠ ﭡ﴾ [التوبة‪ ،]41 :‬وعلق النجا َة من النريان به ومغفر َة‬
‫اجلنة فقال‪﴿ :‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ودخول‬
‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ﴾ [الصف‪:‬‬
‫ِ‬
‫والفتح‬ ‫ِ‬
‫النرص‬ ‫أعطاهم ما ُحي ُّبون من‬
‫ُ‬ ‫رب أهنم إن ف َعلوا ذلك‬
‫‪ ،]12 - 10‬وأخ َ‬
‫القريب‪ ،‬فقال‪﴿ :‬ﯰ ﯱ﴾ [الصف‪ ]13 :‬أي‪ :‬ولكُم خصل ٌة أخرى ُحت ُّبوهنا يف‬ ‫ِ‬
‫رب سبحانه أنه‪﴿ :‬ﯙ‬ ‫ِ‬
‫اجلهاد‪ ،‬وهي‪﴿ :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ﴾ [الصف‪ ]13 :‬وأخ َ‬
‫عاضهم عليها اجلن َة‪.‬‬ ‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾ [التوبة‪ ]111 :‬و َأ َ‬
‫أعظم خ َط َره وأج َّل ُه! فإن اهللَ‬
‫َ‬ ‫ف ْل َيتأ َّم ِل املعاقدُ مع ر ِّبه عقدَ هذا التبايعِ‪ ،‬ما‬
‫َ‬
‫هناك‪،‬‬ ‫والتمتع برؤيتِه‬
‫ُ‬ ‫والفوز برضا ُه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫جنات النعي ِم‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املشرتي‪ ،‬والثم ُن‬ ‫‪ ‬هو‬
‫ِ‬
‫املالئكة ومن‬ ‫أرشف رسلِه وأكر ُمهم عليه من‬ ‫ُ‬ ‫والذي جرى عىل ِ‬
‫يده هذا العقدُ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫وخطب جسي ٍم‪:‬‬ ‫شأهنا لقد هي َئ ْت ٍ‬
‫ألمر عظي ٍم‬ ‫البرش‪ ،‬وإن سلع ًة هذا ُ‬ ‫ِ‬
‫‪ | 264‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫واهلمم العالي َة‬


‫َ‬ ‫النفوس األب َّي َة‪،‬‬
‫َ‬ ‫هلل وإىل ِ‬
‫دار السال ِم‬ ‫حرك الداعي إىل ا ِ‬
‫لقد َّ‬
‫فهزه‬
‫وأسمع واهلل َمن كان ح ًّيا‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫وأسم َع ُمنادي اإليامن َمن كانت له أ ُذ ٌن واعي ٌة‪،‬‬ ‫َ‬
‫سريه‪ ،‬فام ح َّطت به رحا ُله َّإال ِ‬
‫بدار‬ ‫طريق ِ‬ ‫ِ‬ ‫وحدا به يف‬ ‫ِ‬
‫األبرار‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫منازل‬ ‫السامع إىل‬
‫ُ‬
‫َصديق ُبر ُسيل‬
‫ٌ‬ ‫خر َج يف َسبيلِ ِه ال َُي ِر ُجه َّإال ٌ‬
‫إيامن يب وت‬ ‫ِ‬
‫القرار‪ ،‬فقال‪« :‬انتَدَ َب اهللُ َمل ْن َ‬‫ِ‬
‫اجلنَّ َة‪ ،‬ولوال أن َأ ُش َّق عىل ُأ َّمتي ما‬‫دخله َ‬ ‫نيمة أو ُأ ِ‬
‫نال ِمن َأج ٍر أو َغ ٍ‬ ‫أن ُأ ِ‬
‫رج َعه بام َ‬
‫ْ‬
‫ولو ِد ْد ُت أين ُأقت َُل يف َس ِ‬
‫بيل اهلل ُثم ُأ ْحيا‪ُ ،‬ثم ُأقتَل ُث َّم ُأحيا‪ُ ،‬ثم‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫خلف َرس َّية‪َ ،‬‬ ‫ق َعدْ ُت‬
‫ُأقتَل»(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫بآيات اهللِ ال‬ ‫ت‬‫القائ ِم القانِ ِ‬
‫سبيل اهلل كم َث ِل الصائِ ِم ِ‬
‫ِ‬ ‫جاه ِد يف‬
‫وقال‪« :‬م َث ُل املُ ِ‬
‫َ‬
‫جاه ِد‬
‫بيل اهلل‪ ،‬وقد َت َك َّفل اهللُ للم ِ‬
‫ُ‬ ‫جاهدُ يف َس ِ‬ ‫رجع املُ ِ‬ ‫الة حتَّى َي ِ‬‫فرت ِمن ِصيا ٍم وال ص ٍ‬
‫َ‬ ‫َي ُ ُ‬
‫سامل ِا مع َأج ٍر أو َغ ٍ‬ ‫اجلنَّ َة‪ ،‬أو ُي ِ‬ ‫يف سبيلِ ِه َبأ ْن يتَو َّفاه أن ي ِ‬
‫نيمة»(‪.)2‬‬ ‫رج َعه ً َ ْ‬ ‫دخ َله َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫وقال‪« :‬غَدو ٌة يف َس ِ‬
‫بيل اهلل أو َر ْوح ٌة َخ ْ ٌري َ‬
‫من الدُّ نْيا وما فيها»(‪.)3‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫إن يف َ ِ‬
‫بني كل‬ ‫بيل اهلل ما َ‬ ‫دين يف َس ِ‬
‫لمجاه َ‬ ‫درجة َأ َعدَّ ها اهللُ ل ُ‬ ‫اجلنَّة مئ َة َ‬ ‫وقال‪َّ « :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فاس َألو ُه الف ْر َ‬
‫دوس‪ ،‬فإنَّه َأ ْو َس ُط‬ ‫رض‪ ،‬فإِذا َ‬
‫سأ ْلت ُُم اهللَ ْ‬ ‫السامء واألَ ِ‬ ‫ني‬ ‫در َجت ْ ِ‬
‫َني كام َب ْ َ‬ ‫َ‬
‫ِ (‪)4‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلنَّة َ‬
‫أهنار َ‬
‫اجلنَّة» ‪.‬‬ ‫ُفج ُر ُ‬ ‫الر ْمح ِن‪ ،‬ومنْ ُه ت َّ‬
‫رش َّ‬‫اجلنَّة‪ ،‬و َفو َقه َع ُ‬‫وأعىل َ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)36‬ومسلم (‪.)1876‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)2787‬ومسلم (‪.)1878‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)2892‬ومسلم (‪.)1881‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪.)2790‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪265‬‬

‫سوال‪،‬‬ ‫حم ٍد َر ً‬
‫وبم َّ‬
‫ِ‬
‫رِض باهللِ ر ًبا‪ ،‬وباإلسال ِم دينًا‪ُ ،‬‬
‫َ‬
‫وقال أليب سعيد‪« :‬من ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫اجلنَّ ُة» ِ‬
‫رسول اهلل‪َ .‬‬
‫ففعل‪ُ ،‬ث َّم‬ ‫َ‬ ‫ب هلا أبو َسعيد‪ ،‬فقال‪َ :‬أعدْ ها َّ‬
‫عيل يا‬ ‫فعج َ‬ ‫ت ل ُه َ‬ ‫وج َب ْ‬
‫َ‬
‫جة يف َ ِ‬
‫وأخرى ير َفع اهللُ هبا العبدَ ِمئ َة در ٍ‬
‫بني كل‬ ‫اجلنَّة ما َ‬ ‫َ‬ ‫سول اهلل ﷺ‪ُ َ َ ُ « :‬‬ ‫قال َر ُ‬
‫سول اهلل؟ قال‪ِ « :‬‬
‫اجلها ُد يف‬ ‫السامء واألرضِ»‪ ،‬قال‪ :‬وما هي يا َر َ‬ ‫ِ‬ ‫َني كام بني‬ ‫درجت ْ ِ‬ ‫َ‬
‫َس ِ‬
‫بيل اهللِ»(‪.)1‬‬
‫كل خز ِ‬‫اجلن َِّة ُّ‬ ‫زوج ْ ِ‬
‫باب‪َ ،‬أ ْ‬
‫ي‬ ‫َنة ٍ‬ ‫بيل اهلل‪َ ،‬دعا ُه خزَن ُة َ‬‫ني يف َس ِ‬ ‫وقال‪َ « :‬من َأن َفق َ‬
‫كان ِمن ِ‬
‫أهل‬ ‫ومن َ‬ ‫ِ‬
‫باب الصالة‪َ ،‬‬ ‫الصالة‪ُ ،‬د ِع َي من ِ‬‫ِ‬ ‫كان من ِ‬
‫أهل‬ ‫عبدَ اهلل َه ُل َّم‪َ ،‬‬
‫فم ْن َ‬
‫قة‪،‬‬‫باب الصدَ ِ‬
‫قة‪ُ ،‬د ِع َي ِمن ِ‬ ‫أهل الصدَ ِ‬‫كان ِمن ِ‬ ‫ومن َ‬ ‫باب ِ ِ‬ ‫هاد‪ُ ،‬د ِع َي من ِ‬‫اجل ِ‬‫ِ‬
‫اجلهاد‪َ ،‬‬
‫أنت‬
‫ان» فقال أبو َبكْر ‪ :‬بأيب َ‬ ‫الر َّي ِ‬ ‫كان من َأ ْه ِل الصيامِ‪ُ ،‬د ِع َي من ِ‬
‫باب َّ‬ ‫ومن َ‬ ‫َ‬
‫دعى‬ ‫األبواب من َِضورة‪ ،‬فهل ُي َ‬ ‫ِ‬ ‫سول اهلل‪ ،‬ما عىل َمن ُد ِع َي من تِ َ‬
‫لك‬ ‫و ُأ ِّمي يا َر َ‬
‫َكون ِمن ُْهم»(‪.)2‬‬
‫وأ ْرجو َأ ْن ت َ‬ ‫األبواب ك ِّلها؟ قال‪« :‬ن َع ْم‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫أحدٌ من تِ َ‬
‫لك‬ ‫َ‬
‫حر َم ُهام اهللُ عىل ِ‬ ‫َب ْت َقدَ ما ُه يف َس ِ‬
‫النار»(‪.)3‬‬ ‫بيل اهلل َّ‬ ‫وقال‪َ « :‬م ِن ا ْغ َ َّ‬
‫بيل اهللِ َخ ْ ٌري ِم َن الدُّ نْيا َوما َع َل ْيها»(‪.)4‬‬ ‫وقال‪ِ « :‬ر ُ‬
‫باط َي ْو ٍم يف َس ِ‬

‫جرى ع َل ْيه‬ ‫يام ِه‪ ،‬وإن َ‬


‫مات َ‬
‫وق ِ‬‫يلة خري من ِصيام َشه ٍر ِ‬
‫ْ‬ ‫ٌ‬
‫باط يو ٍم و َل ٍ‬
‫وقال‪ِ « :‬ر ُ‬
‫َّان»(‪.)5‬‬‫وأ ِم َن ال َفت َ‬ ‫جري ِ‬
‫عليه ِر ْز ُقه َ‬ ‫وأ ِ َ‬ ‫عم ُل ُه‪ُ ،‬‬ ‫عم ُله ا َّلذي َ‬
‫كان َي َ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)1884‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)2841‬ومسلم (‪.)1027‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪.)907‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)2892‬ومسلم (‪.)1881‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم (‪.)1913‬‬
‫‪ | 266‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫الل الس ِ‬
‫يوف»(‪.)1‬‬ ‫ت ظِ ِ‬
‫اجلن َِّة َحت َ‬
‫أبواب َ‬ ‫إن‬
‫وصح عنه ﷺ‪َّ « :‬‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫فه َو يف َس ِ‬ ‫وصح عنه ﷺ‪« :‬من قات ََل لِت َ ِ‬
‫بيل اهللِ»(‪.)2‬‬ ‫هي ال ُع ْليا‪ُ ،‬‬
‫َكون كلم ُة اهللِ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫اجل ِ‬ ‫بالعاملِ واملُ ِنف ِق واملَ ْق ِ‬
‫تول يف ِ‬ ‫ِ‬
‫هاد إذا‬ ‫وصح عنه ﷺ‪« :‬إِ َّن َ‬
‫النار َّأو َل ما ت َُس َّع ُر‬ ‫َّ‬
‫ك لِ ُي َ‬
‫قال»(‪.)3‬‬ ‫ف َعلوا ذلِ َ‬
‫‪ -19‬فصل [يف استحبانبه القتال بول النهار]‬
‫اخلروج للسفر َّأو َله‪ ،‬فإذا مل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫القتال أول النهار كام َيستحب‬ ‫ستحب‬
‫ُّ‬ ‫وكان َي‬
‫وينزل النرص‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وهتب الرياح‬ ‫الشمس‪،‬‬ ‫تال حتى َ‬
‫تزول‬ ‫النهار أخر ِ‬
‫الق َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫يقاتل أول‬
‫َّ‬ ‫ُ‬

‫‪ -21‬فصل [يف فضل اوجهاد]‬

‫بيل اهلل ‪-‬واهللُ َأع َل ُم َم ْن‬


‫أحدٌ يف َس ِ‬ ‫ِِ‬
‫وقال ﷺ‪« :‬وا َّلذي َن ْفيس ب َيده ال ُي ْك َل ُم َ‬
‫ك»(‪.)4‬‬ ‫ريح ِم ْس ٍ‬
‫والريح ُ‬
‫ُ‬ ‫ون دمٍ‪،‬‬ ‫الق ِ‬
‫يامة وال َّل ْو ُن َل ُ‬ ‫ي ْك َلم يف سبيلِ ِه‪ -‬إِ َّال جاء يوم ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ ُ َ‬
‫يشء َي ُِسه أن َي ِ‬ ‫ِ‬ ‫وصح عنه أنه ﷺ أن‪« :‬ما ِمن َع ْب ٍد َي ُ‬
‫رج َع‬ ‫موت‪َ ،‬ل ُه عندَ اهلل ٌ ُّ‬ ‫َّ‬
‫الشهيد َمل ِا يرى ِمن َف ْض ِل َّ ِ‬ ‫إىل الدُّ نيا‪َ ،‬‬
‫الشهادة‪ ،‬فإِ َّن ُه َي ُ ُّ‬
‫ِس ُه‬ ‫ََ‬ ‫وأ َّن له الدُّ نْيا وما فيها‪ ،‬إِ َّال َّ‬
‫ات ملَ ِا َي َرى ِم َن‬ ‫لفظ‪َ « :‬في ْقت ََل عَش مر ٍ‬
‫َ َ َ َّ‬ ‫ُ‬
‫رجع إِىل الدُّ نْيا‪َ ،‬في ْقت ََل مر ًة ُأ ْخرى» ويف ٍ‬
‫َ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َأ ْن َي ِ َ‬
‫َرام ِة»(‪.)5‬‬
‫الك َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)1902‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)2810‬ومسلم (‪.)1904‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)1905‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)5533‬ومسلم (‪.)1876‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪ ،)2795‬ومسلم (‪.)1877‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪267‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقال ألُ ِّم ِ‬


‫بن النُّعامن‪ ،‬وقد ُقتل ابنُها م َعه يوم َبدر‪ ،‬فس َأ ْلته‪َ :‬‬
‫أين هو؟‬ ‫حارث َة ِ‬
‫وس األَ ْعىل»(‪.)1‬‬ ‫قال‪« :‬إِ َّنه يف ِ‬
‫الف ْر َد ِ‬ ‫ُ‬
‫ف َط ْ ٍري ُخ ْ ٍ‬ ‫داء يف جو ِ‬ ‫الشه ِ‬
‫ناديل ُمع َّلق ٌة‬ ‫رض‪َ ،‬هلا َق ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫رواح ُّ َ‬ ‫وقال ﷺ‪« :‬إِ َّن َأ َ‬
‫ناديل‪ ،‬فا َّط َل َع إِ َل ْي ِه ْم‬‫لك ال َق ِ‬ ‫َأوي إىل تِ َ‬ ‫شاء ْت‪ُ ،‬ث َّم ت ِ‬
‫حيث َ‬ ‫ُ‬ ‫اجلن َِّة‬
‫َِس ُح ِم َن َ‬
‫ش‪ ،‬ت ْ َ‬ ‫بال َع ْر ِ‬
‫َِس ُح ِم َن‬ ‫أي َ ٍ ِ‬
‫يشء ن َْشتَهي‪ ،‬ون َْح ُن ن ْ َ‬ ‫َهون َش ْيئًا؟ َفقالوا‪ْ َّ :‬‬ ‫فقال‪َ :‬ه ْل ت َْشت َ‬ ‫َر ُّبك اطالع ًة‪َ ،‬‬
‫رتكوا ِمن َأ ْن‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫الث َم َّرات‪َ ،‬ف َل َّام َرأ ْوا َّأهنُ ْم َل ْن ُي ْ َ‬ ‫ك َث َ‬ ‫ث ِشئْنا؟ ف َف َع َل ِ ِهب ْم ذلِ َ‬ ‫اجلن َِّة َح ْي ُ‬
‫َ‬
‫ك َم َّر ًة‬ ‫سادنا َحتَّى ُن ْقت ََل يف َسبيلِ َ‬ ‫يس َألوا‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رب‪ُ ،‬نريدُ َأ ْن تَرد َأرواحنا يف َأج ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ َّ ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُْ‬
‫ليس َُهل ْم حاج ٌة ت ُِركوا» ‪.‬‬ ‫رأى َأ ْن َ‬ ‫ُأ ْخ َرى‪ ،‬ف َلام َ‬
‫(‪)2‬‬
‫َّ‬
‫وصح عنه ﷺ‪َ « :‬ال ََيت َِم ُع كافِ ٌر وقاتِ ُل ُه يف ِ‬
‫النار َأ َبدً ا»(‪.)3‬‬ ‫َّ‬
‫رض ُه ْم َمن‬ ‫احلق ال َي ُ ُّ‬ ‫لون َعىل َ‬ ‫َزال طائِف ٌة ِم ْن ُأ َّمتِ ِه ُيقاتِ َ‬ ‫وصح عنه أنَّه‪َ « :‬ال ت ُ‬ ‫َّ‬
‫َخ َذ َُهلم‪َ ،‬وال َم ْن خا َل َف ُه ْم َحتَّى تَقو َم السا َع ُة»(‪.)4‬‬

‫‪ -21‬فصل [يف هديه ﷺ يف احلر ]‬

‫يفروا‪ ،‬وربام بايعهم عىل‬ ‫ِ‬


‫احلرب عىل أال ُّ‬ ‫النبي ﷺ يبايع أصحا َبه يف‬
‫وكان ُّ‬
‫ِ‬
‫اهلجرة قبل‬ ‫ِ‬
‫اجلهاد كام بايعهم عىل اإلسال ِم‪ ،‬وبايعهم عىل‬ ‫ِ‬
‫املوت‪ ،‬وبايعهم عىل‬
‫نفرا من أصحابِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفتح‪ ،‬وبايعهم عىل التَّوحيد‪ ،‬والتزا ِم طاعة اهلل ورسوله‪ ،‬وبايع ً‬
‫ِ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)2809‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)1887‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪. )1891‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)3641‬ومسلم (‪.)1037‬‬
‫‪ | 268‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫فينزل عن دا َّبتِه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫السوط يسقط من يد ِ‬
‫أحدهم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الناس شي ًئا‪ ،‬وكان‬
‫َ‬ ‫أال يسألوا‬
‫ٍ‬
‫ألحد‪ :‬ناولني إياه‪.‬‬ ‫فيأخذه‪ ،‬وال يقول‬
‫ِ‬
‫املنازل‪.‬‬ ‫العدو‪ ،‬وختري‬
‫ِّ‬ ‫يشاور أصحا َبه يف أمر اجلهاد‪ِ ،‬‬
‫وأمر لقاء‬ ‫وكان‬
‫ُ‬
‫املنقطع‪،‬‬
‫َ‬ ‫الضعيف‪ ،‬و ُيردف‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫املسري‪ ،‬ف ُيزجي‬ ‫وكان يتخ َّلف يف ساقتِهم يف‬
‫أرفق الناس هبم يف السري‪.‬‬
‫وكان َ‬

‫احلرب‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بغريها‪ ،‬وكان ﷺ يقول‪« :‬‬ ‫ورى‬
‫وكان ﷺ إذا أراد غزو ًة َّ‬
‫خُ دع ٌة»(‪.)1‬‬

‫احلرس‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫ويبث‬ ‫الطالئع‪،‬‬
‫َ‬ ‫عدوه‪ ،‬و ُيطلِع‬ ‫َ‬
‫العيون يأتونَه بخرب ِّ‬ ‫وكان ُ‬
‫يبعث‬

‫وأكثر هو وأصحا ُبه من‬


‫َ‬ ‫عدوه‪ ،‬وقف ودعا‪ ،‬واستنرص اهلل‪،‬‬
‫وكان إذا لقي َّ‬
‫أصواهتم‪.‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫ذكر اهلل‪ ،‬وخ َفضوا‬
‫ٍ‬
‫اجليش واملُقاتل َة‪ ،‬وجيعل يف كل َجنَبة كُف ًئا هلا‪ ،‬وكان َ‬
‫يبار ُز بني‬ ‫َ‬ ‫ِّب‬
‫وكان ُيرت ُ‬
‫ظاهر بني ِد ِ‬
‫رعني‪.‬‬ ‫َ‬ ‫يلبس للحرب ُعدَّ ته‪ ،‬وربام‬ ‫يديه ِ‬
‫بأمره‪ ،‬وكان ُ‬
‫وكان له األلوي ُة والرايات‪.‬‬

‫وكان إذا ظهر عىل قو ٍم أقام بعرصتِهم ثال ًثا‪ ،‬ثم قفل‪.‬‬

‫أغار‪.‬‬ ‫سمع يف احلي مؤ ِّذنًا مل ُي ْ‬


‫غر‪ ،‬وإال َ‬ ‫َ‬ ‫وكان إذا أرا َد أن ُي ِغ َري انتظر‪ ،‬فإن‬

‫هنارا‪.‬‬
‫عدوه‪ ،‬وربام فاجأهم ً‬
‫وكان ربام ب َّي َت َّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3030‬ومسلم (‪.)1739‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪269‬‬

‫اخلروج يوم اخلميس ُبكر َة النهار‪.‬‬


‫َ‬ ‫ب‬
‫وكان ﷺ ُحي ُّ‬
‫ٍ‬
‫بعض حتى لو ُبسط عليهم كسا ٌء‬ ‫بعضه إىل‬
‫العسكر إذا نزل انضم ُ‬
‫ُ‬ ‫وكان‬
‫لعمهم‪.‬‬
‫َّ‬
‫فالن‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫القتال بيده‪ ،‬ويقول‪« :‬تقدَّ م يا‬ ‫الصفوف و ُيع ِّبئهم عند‬
‫َ‬ ‫وكان ُيرتِّب‬
‫تأخر يا فالن»‪.‬‬
‫يقاتل حتت راية ِ‬
‫قومه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫للرجل منهم أن َ‬ ‫يستحب‬ ‫وكان‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫السحاب‪ ،‬وهاز َم‬ ‫وجمري‬ ‫ِ‬
‫الكتاب‪ُ ،‬‬ ‫اللهم ُم َ‬
‫نزل‬ ‫العدو يقول‪َّ « :‬‬
‫َّ‬ ‫وكان إذا لقي‬
‫اهزمهم‪ ،‬وانِصنا عليهم» ‪ ،‬وربام قال‪( :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬ ‫األحزاب‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ْ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [القمر‪.)2( ]46 - 45 :‬‬

‫عضدي‪،‬‬
‫اللهم أنت ُ‬
‫نِصك» ‪ ،‬وكان يقول‪َّ « :‬‬
‫(‪)3‬‬
‫اللهم أنزل َ‬
‫وكان يقول‪َّ « :‬‬
‫وأنت نَصريي‪ ،‬وبك ُ‬
‫أقاتل»(‪.)4‬‬
‫وكان إذا اشتد البأس ومحِيت احلرب‪ ،‬وقصده العدو‪ ،‬يعلِم ِ‬
‫بنفسه ويقول‪:‬‬ ‫ُّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫كذب‪ ،‬أنا ابن ِ‬
‫عبد املطلب»(‪.)5‬‬ ‫«أنا النبي ال ِ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫العدو‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫وكان البأس إذا اشتد ات َقوا به ﷺ‪ ،‬وكان َ‬
‫أقرهبم إىل‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)2932‬ومسلم (‪.)1742‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)3953‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو عوانه يف املستخرج (‪.)6762‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2632‬والرتمذي (‪.)3584‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪ ،)4317 – 4315‬ومسلم (‪.)1776‬‬
‫‪ | 271‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫عرفون به إذا تك َّلموا‪ ،‬وكان‬ ‫ِ‬


‫احلرب ُي َ‬ ‫شعارا يف‬
‫ً‬ ‫جيعل ألصحابِه‬ ‫ُ‬ ‫وكان‬
‫منصور»‪ ،‬ومرة‪« :‬حم ال ُينرصون»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫شعارهم مرة‪َ « :‬أ ِم ْت َأ ِم ْت»‪ ،‬ومرة‪« :‬يا‬
‫والقوس‬
‫َ‬ ‫الرمح‬
‫َ‬ ‫السيف‪ ،‬وحيمل‬
‫َ‬ ‫خلوذةَ‪ ،‬ويتقلد‬
‫رع وا ُ‬
‫وكان يلبس الدِّ َ‬
‫ِ‬
‫احلرب‪.‬‬ ‫بالرتس‪ ،‬وكان حيب اخلُيالء يف‬
‫رتس ُّ‬ ‫العربي َة‪ ،‬وكان َيت َّ‬
‫وقاتل مر ًة باملنجنيق نص َبه عىل ِ‬
‫أهل الطائف‪.‬‬
‫لدان‪ ،‬وكان ينظر يف املُ ِ‬
‫قاتلة‪ ،‬فمن رآه أنبت‬ ‫والو ِ‬
‫قتل النساء ِ‬
‫وكان ينهى عن ِ‬
‫قت َله‪ ،‬ومن مل ُينبت استحياه‪.‬‬
‫بعث رس َّي ًة يوصيهم بتقوى اهلل‪ ،‬ويقول‪« :‬سريوا بس ِم اهلل‪ ،‬ويف‬
‫وكان إذا َ‬
‫كفر باهلل‪ ،‬وال ُتُ ثلوا‪ ،‬وال تَغدروا‪ ،‬وال تَقتلوا وليدً ا»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫سبيل اهلل‪ ،‬قاتلوا من َ‬
‫العدو‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫أرض‬ ‫ِ‬
‫السفر بالقرآن إىل‬ ‫وكان ينهى عن‬
‫ِ‬
‫واهلجرة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫القتال إما إىل اإلسال ِم‬ ‫عدوه قبل‬ ‫يأمر أمري رسيتِه أن‬
‫يدعو َّ‬
‫َ‬ ‫وكان ُ‬
‫كأعراب املسلمني‪ ،‬ليس هلم يف ال َفيء‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلجرة ‪-‬ويكونون‬ ‫أو إىل اإلسال ِم دون‬
‫ِ‬
‫اجلزية‪ ،‬فأهيا أجابوا إليه َقبِل منهم‪ ،‬وإال استعان باهلل وقاتلهم‪.‬‬ ‫نصيب‪ -‬أو ِ‬
‫بذل‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫باألسالب‬ ‫الغنائم ك َّلها‪ ،‬فبدأ‬ ‫بعدوه أمر مناد ًيا‪ ،‬فجمع‬ ‫وكان إذا ِ‬
‫ظفر‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫وأمره به من‬
‫َ‬ ‫مخ َس الباقي‪ ،‬فوضعه حيث أراه اهلل‬ ‫فأعطاها ألهلِها‪ ،‬ثم أخرج ُ ُ‬
‫والصبيان‬ ‫ِ‬
‫النساء‬ ‫سهم له من‬ ‫صالح اإلسالم‪ ،‬ثم يرضخ من الباقي ملن ال‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫سهم له‪،‬‬ ‫ِ‬
‫للفارس ثالث ُة أسه ٍم‪:‬‬ ‫ِ‬
‫بالسوية بني اجليش‪:‬‬ ‫قسم الباقي‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫والعبيد‪ ،‬ثم َّ‬
‫الثابت عنه‪.‬‬ ‫الصحيح‬ ‫سهم‪ ،‬هذا هو‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وسهامن لفرسه‪ ،‬وللراجل ٌ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)1731‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪270‬‬

‫ِ‬
‫صلحة‪.‬‬ ‫وكان ُين ِّف ُل ِمن ُص ِ‬
‫لب الغنيمة بحسب ما يراه من املَ‬

‫َّفل(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫الضعيف والقوي يف القسمة ما عدا الن ِ‬ ‫يسوي بني‬
‫وكان ِّ‬
‫العدو وبعث رسي ًة بني يديه فام غنِمت أخرج ُ‬
‫مخ َسه‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫أرض‬ ‫وكان إذا أغار يف‬
‫ِ‬
‫اجليش‪.‬‬ ‫وقسم الباقي بينها وبني ِ‬
‫سائر‬ ‫ون َّفلها ر ُب َع الباقي‪َّ ،‬‬
‫سهمه‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لعثامن َ‬ ‫سهم‬
‫وكان ُيسهم ملن غاب عن الوقعة ملصلحة املسلمني‪ ،‬كام أ َ‬
‫من ٍ‬
‫بدر‪.‬‬
‫يراهم وال ينهاهم‪.‬‬ ‫وكانوا َيشرتون معه يف ال َغ ِ‬
‫زو ويبيعون‪ ،‬وهو ُ‬
‫ِ‬
‫للغزو عىل نوعني‪:‬‬ ‫وكانوا َيستأجرون األجرا َء‬
‫سفره‪.‬‬ ‫الرجل ويستأجر من ِ‬
‫خيدمه يف ِ‬ ‫ُ‬ ‫أحدُ مها‪ :‬أن َخي ُر َج‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫اجلهاد‪ ،‬ويسمون ذلك اجلعائ َل‪،‬‬ ‫خيرج يف‬ ‫يستأجر من ماله من‬ ‫والثاين‪ :‬أن‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وأجر الغازي»(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وللجاعل أجره‬ ‫أجره‪،‬‬
‫النبي ﷺ‪« :‬للغازي ُ‬
‫وفيها قال ُّ‬
‫أيضا‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الغنيمة عىل نوعني ً‬ ‫َ‬
‫يتشاركون يف‬ ‫وكانوا‬
‫أحدُ مها‪ :‬رشك ُة األبدان‪.‬‬
‫ِ‬
‫النصف‬ ‫فرسه يغزو عليه عىل‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫الرجل‪ ،‬أو َ‬ ‫بعريه إىل‬
‫الرجل َ‬ ‫يدفع‬
‫َ‬ ‫والثاين‪ :‬أن‬
‫يغنم‪.‬‬
‫مما ُ‬
‫يبعث الرسي َة ُفرسانًا تارةً‪ ،‬ورجال ًة أخرى‪ ،‬وكان ال يسهم ملن ِ‬
‫قدم من‬ ‫وكان ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الفتح‪.‬‬ ‫املَ ِ‬
‫دد بعد‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد ‪.)22762( 421/37‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪.)2526‬‬
‫‪ | 272‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -22‬فصل [يف هديه ﷺ يف سه ذي القرنبى]‬


‫ِ‬
‫إخوهتم من‬ ‫املطلب‪َ ،‬‬
‫دون‬ ‫ِ‬ ‫سهم ذي ال ُقربى يف بني هاش ٍم وبني‬ ‫ِ‬
‫وكان ُيعطي َ‬
‫يشء واحدٌ ‪-‬‬ ‫عبد شمس وبني نوفل‪ ،‬وقال‪« :‬إنام بنو املطلب وبنو هاشم‬ ‫بني ِ‬
‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫جاهلية وال إسال ٍم»(‪.)1‬‬ ‫فارقونا يف‬ ‫ِ‬
‫أصابعه‪ ،‬وقال‪ -:‬إهنم مل ُي ِ‬ ‫بني‬
‫وش َّبك َ‬
‫‪ -23‬فصل [يف األكل من الغنمد قبل القسد ]‬
‫نب والطعا َم فيأكلونَه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫العسل والع َ‬ ‫وكان املسلمون ُيصيبون معه يف مغازهيم‬
‫وال يرفعونه يف املغان ِم‪.‬‬
‫‪ -24‬فصل [يف نهمه ﷺ عن النهب واملثل ]‬
‫ُّهبة واملُ ِ‬
‫ثلة‪ ،‬وقال‪« :‬من انتهب ُهنب ًة فليس‬ ‫وكان ينهى يف مغازيه عن الن ِ‬
‫َ‬
‫دور التي ُطبخت من النُّهبى ِ‬
‫فأكفئت‪.‬‬ ‫منا»(‪ ،)2‬وأمر بال ُق ِ‬
‫ِ‬
‫الفيء حتى إذا أعج َفها ر َّدها فيه‪ ،‬وأن‬ ‫ُ‬
‫الرجل داب ًة من‬ ‫يركب‬ ‫وكان ينهى أن‬
‫َ‬
‫يلبس ثو ًبا من الفيء حتى إذا أخلقه ر َّده فيه‪ ،‬ومل يمنع من االنتفا ِع به َ‬
‫حال‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫احلرب‪.‬‬
‫‪ -25‬فصل [يف تشديده ﷺ يف الغلول]‬
‫وشنار عىل أهلِه يو َم‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫وكان يشدِّ ُد يف ال ُغلول جدًّ ا‪ ،‬ويقول‪« :‬هو ٌ‬
‫عار ونار‬
‫القيامة»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)3140‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)4391‬والرتمذي (‪.)1601‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه النسائي (‪ ،)3688‬وابن ماجه (‪.)2850‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪273‬‬

‫بعض الصحابة‪ :‬هني ًئا له اجلن ُة‪ ،‬فقال‪« :‬كال‪،‬‬ ‫وملا أصيب غال ُمه ِمدعم قال ُ‬
‫املقاسم‪-‬‬ ‫الشمل َة ‪-‬التي أخذها يو َم خيَب من املغان ِم مل تصبها‬ ‫والذي ِ‬
‫نفيس بيده‪ ،‬إن َّ‬
‫ُ‬
‫ٌ‬
‫ِشاك أو‬ ‫سمع ذلك‪ ،‬فقال‪« :‬‬ ‫ٍ‬
‫برشاك أو رشاكني ملا‬ ‫نارا»‪ ،‬فجاء ٌ‬
‫رجل‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫لتشتعل عليه ً‬
‫ِشاكان من ٍ‬
‫نار»(‪.)1‬‬
‫وأمر بتحريق متا ِع ِّ‬
‫الغال وِضبه‪.‬‬

‫‪ -26‬فصل يف هديِه ﷺ يف األُسارى‬

‫وبعضهم‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫باملال‪،‬‬ ‫بعضهم‬
‫بعضهم‪ ،‬و ُيفادي َ‬
‫بعضهم‪ ،‬ويقتل َ‬ ‫كان يمن عىل ِ‬
‫ُ ُّ‬
‫ِ‬
‫املصلحة‪.‬‬ ‫بأرسى املسلمني‪ ،‬قد فعل ذلك ك َّله بحسب‬

‫عقيل‪ ،‬ورد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫برجل من‬ ‫ني من املسلمني‬ ‫بدر ٍ‬
‫بامل‪ ،‬وفدى رج َل ِ‬ ‫ففا َدى أسارى ٍ‬
‫وعوض‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫قلوب الغانمني‪ ،‬فط َّيبوا له‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫القسمة‪ ،‬واستطاب‬ ‫هوازن عليهم بعد‬ ‫سبي‬
‫ط من‬ ‫فرائض‪ ،‬وقتل ُعقب َة بن أيب معي ٍ‬ ‫َ‬ ‫ست‬ ‫ٍ‬
‫إنسان َّ‬ ‫يطيب من ذلك بكل‬ ‫من مل‬
‫ُ َْ‬ ‫ْ‬
‫النْض بن احلارث لشدَّ ِة عداوهتام هلل ورسوله‪ ،‬وذكر اإلما ُم أمحدُ‬ ‫َ‬ ‫األرسى‪ ،‬وقتل‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ُ‬ ‫ناس من األرسى مل يكن هلم ٌ‬
‫مال‪ ،‬فجعل‬ ‫عباس قال‪ :‬كان ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫عن ابن‬
‫ِ‬
‫بالعمل‪ ،‬كام‬ ‫فداءهم أن ُيع ِّلموا أوال َد األنصار الكتاب َة‪ ،‬وهذا َي ُّ‬
‫دل عىل جواز الفداء‬
‫ِ‬
‫باملال‪.‬‬ ‫جيوز‬
‫ِ‬
‫العرب كام‬ ‫سبي‬ ‫سرتق‪ ،‬وكان َي ُّ‬
‫سرتق َ‬ ‫ِ‬
‫األرس مل ُي َّ‬ ‫وكان هديه أن من أسلم قبل‬
‫سرتق غريهم من ِ‬
‫أهل الكتاب‪ ،‬وكان عند عائش َة َسب َّي ٌة منهم‪.‬‬ ‫َي ُّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)4234‬ومسلم (‪.)115‬‬


‫‪ | 274‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫وولدها‪ ،‬ويقول‪« :‬من َّفرق‬ ‫ِ‬
‫الوالدة‬ ‫التفريق يف السبي بني‬‫َ‬ ‫يمنع‬ ‫وكان ﷺ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫وولدها‪ ،‬فرق اهلل بينَه وبني أح َّبته يو َم القيامة»(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬
‫والدة‬ ‫بني‬

‫‪ -27‬فصل يف هديه ﷺ فمدن جَسَّ علمه‬

‫جاسوسا من املرشكني(‪.)2‬‬
‫ً‬ ‫ثبت عنه أنه قتل‬

‫عمر يف قتلِه فقال‪:‬‬


‫جس عليه‪ ،‬واستأذنه ُ‬ ‫قتل حاط ًبا‪ ،‬وقد َّ‬ ‫وثبت عنه أنه مل َي ْ‬
‫غفرت‬
‫ُ‬ ‫بدر فقال‪ :‬اعملوا ما شئتُم فقد‬ ‫لعل اهلل اطلع عىل أهل ٍ‬ ‫«وما ُيدريك! َّ‬
‫َّ‬
‫واستدل به َمن يرى قتله‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اجلاسوس‪،‬‬ ‫قتل املسل ِم‬‫فاستدل به َمن ال يرى َ‬‫َّ‬ ‫لكم»(‪،)3‬‬
‫ٍ‬
‫منتفية يف غريه‪ ،‬ولو كان اإلسال ُم مان ًعا من‬ ‫ِ‬
‫القتل‬ ‫ٍ‬
‫مانعة من‬ ‫قالوا‪ :‬ألنه ُع ِّلل ٍ‬
‫بعلة‬
‫عديم التأثري‪،‬‬
‫َ‬ ‫األخص‬
‫ُّ‬ ‫باألعم كان‬
‫ِّ‬ ‫احلكم إذا ُع ِّلل‬
‫َ‬ ‫بأخص منه‪ ،‬ألن‬ ‫َّ‬ ‫قتلِه‪ ،‬مل ُيعلل‬
‫وهذا أقوى‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪ -26‬فصل يف هديه ﷺ يف األرضِ املغنوم ِ‬

‫أرض بني قريظ َة وبني النضري وخي َ‬


‫رب بني الغانمني‪.‬‬ ‫قس َم َ‬
‫ثبت عنه أنه َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بحاهلا‪.‬‬ ‫وأما املدين ُة ف ُفتحت بالقرآن‪ ،‬وأسلم عليها أه ُلها‪ ،‬ف ُأ َّ‬
‫قرت‬

‫وأما مك ُة ففتحها ُعنو ًة ومل يقسمها‪ ،‬فقالت طائف ٌة‪ :‬ألهنا ُ‬


‫دار النسك‪ ،‬فهي‬
‫ِ‬
‫األرض بني‬ ‫ِ‬
‫عباده املسلمني‪ ،‬وقالت طائفة‪ :‬اإلما ُم ُخم ٌري يف‬ ‫وقف من اهلل عىل‬
‫ٌ‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي (‪.)1566‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)3051‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)3007‬ومسلم (‪.)2494‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪275‬‬

‫ِ‬
‫جواز‬ ‫فدل عىل‬ ‫يقسم مك َة‪َّ ،‬‬ ‫قسمتها وبني ِ‬
‫رب ومل ِّ‬ ‫قسم خي َ‬‫َ‬ ‫والنبي ﷺ‬
‫ُّ‬ ‫وقفها‪،‬‬
‫دل عىل ذلك‬ ‫واألرض ال تدخل يف الغنائ ِم املأمور بقسمتها‪ ،‬ومما َي ُّ‬
‫ُ‬ ‫األمرين‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫حكم الغنيمة‪،‬‬
‫َ‬ ‫رب خاص ًة‪ ،‬ولو كان حكمها‬ ‫ِ‬
‫أرض خي َ‬ ‫نصف‬
‫َ‬ ‫النبي ﷺ قسم‬‫َّ‬ ‫أن‬
‫لقسمها ُك َّلها بعد اخلمس‪.‬‬

‫‪ -29‬فصل [يف وجو اهلجرة ملن قدر]‬


‫ِ‬
‫اهلجرة من‬ ‫ِ‬
‫إقامة املسلم بني املرشكني إذا قدَ َر عىل‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ من‬ ‫ومنع‬
‫َ‬
‫رسول‬ ‫بريء من كُل مسل ٍم يقيم بني أظهر املَشكني»‪ ،‬قيل‪ :‬يا‬
‫ٌ‬ ‫بينهم‪ ،‬وقال‪« :‬أنا‬
‫اهلل‪ ،‬ومل؟ قال‪« :‬ال تراءى ُ‬
‫نارامها»(‪.)1‬‬

‫‪ -31‬فصل يف هديه ﷺ يف األمانِ والصلحِ‪ ،‬ومعامل رسلِ الرفارِ‪ ،‬وبخذِ‬


‫اوجزي ِ ‪ ،‬ومعامل ِ بهلِ الرتا واملنافقني‪ ،‬وإجارةِ من جاءه من الرفارِ حتى يَسدعَ كالمَ‬
‫اهلل وردِّه إىل مأمنِه‪ ،‬ووفائِه نبالعهدِ ونبراءتِه من الغدرِ‬

‫ذم ُة املسلمني واحدةٌ‪ ،‬يسعى هبا أدناهم‪ ،‬فمن أخفر ً‬


‫مسلام‬ ‫ثبت عنه أنه قال‪َّ « :‬‬
‫يقبل اهلل منه يو َم القيامة رص ًفا وال‬ ‫ِ‬
‫والناس أمجعني‪ ،‬ال ُ‬ ‫ِ‬
‫واملالئكة‬ ‫فعليه لعن ُة اهلل‬
‫ً‬
‫عدال»(‪.)2‬‬
‫ُي َّل َّن عقد ًة وال ُ‬
‫يشدَّ ها‬ ‫وثبت عنه أنه قال‪« :‬من كان بينه وبني قو ٍم عهدٌ فال َ ُ‬
‫ٍ‬
‫سواء»(‪.)3‬‬ ‫حتى يميض أمدُ ه‪ ،‬أو َ‬
‫ينبذ إليهم عىل‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2645‬والرتمذي (‪.)1604‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)7300‬ومسلم (‪.)1370‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2759‬والرتمذي (‪.)1580‬‬
‫‪ | 276‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫بقدر غدرته‪ُ ،‬يقال‪ :‬هذه غدر ُة‬ ‫لواء يو َم القيامة ُيرفع له‬ ‫ٍ‬
‫غادر ٌ‬ ‫وقال‪« :‬لكل‬
‫بن ٍ‬
‫فالن»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫فالن ِ‬

‫‪ -31‬فصل [يف بقسام كفار املدين ]‬

‫الكفار معه ثالث َة أقسام‪:‬‬


‫ُ‬ ‫النبي ﷺ املدين َة صار‬
‫وملا قدم ُّ‬
‫ظاهروا عليه‪ ،‬وال ياملِئوا‬
‫صاحلهم ووادعهم عىل َّأال ُحياربوه‪ ،‬وال ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫قسم‪:‬‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫وأمواهلم‪.‬‬ ‫كفرهم آمنون عىل ِ‬
‫دمائهم‬ ‫عدوه‪ ،‬وهم عىل ِ‬
‫عليه َّ‬
‫وقسم‪ :‬حاربوه ونصبوا له العداوة‪.‬‬
‫ٌ‬
‫أمره‪.‬‬ ‫وقسم‪ :‬تاركوه فلم يصاحلوه ومل حياربوه‪ ،‬بل انتظروا ما ُ‬
‫يؤول إليه ُ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫الطوائف بام أمره به ر ُّبه تبارك وتعاىل‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫طائفة من هذه‬ ‫فعامل ك َُّل‬

‫طوائف‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ثالث‬ ‫أمن‪ ،‬وكانوا‬‫كتاب ٍ‬ ‫َ‬ ‫َب بينهم وبينه‬ ‫فصالح هيو َد املدينة وكت َ‬
‫النضري‪ ،‬و ُق َر ْي َظ َة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املدينة‪ :‬بني َقينُقاع‪ ،‬وبني ِ‬ ‫َ‬
‫حول‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫بوقعة ٍ‬ ‫ورش ُقوا‬ ‫ٍ‬
‫البغي‬
‫َ‬ ‫بدر‪ ،‬وأظهروا‬ ‫فحاربته بنو َق ْينُقاع بعدَ ذلك بعدَ بدر‪َ َ ،‬‬
‫ِ‬
‫السبت النصف من‬ ‫فسار ْت إليهم جنو ُد اهلل يقد ُمهم عبدُ ه ورسو ُله يو َم‬ ‫واحلسدَ ‪،‬‬
‫َ‬
‫شهرا من مهاجره‪.‬‬‫رأس عرشين ً‬ ‫ِ‬ ‫شوال عىل‬

‫عب الذي إذا أراد‬‫الر َ‬ ‫ِ‬


‫قلوهبم ُّ‬ ‫ذف اهلل يف‬ ‫ِ‬
‫احلصار‪ ،‬و َق َ‬ ‫فحارصهم أشدَّ‬
‫َ‬
‫خذالن قو ٍم وهزيمتَهم أنز َله عليهم وقذ َفه يف قلوهبم‪ ،‬فنَزلوا عىل حك ِم رسول اهلل‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)6177‬ومسلم (‪.)1735‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪277‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﷺ يف ِ‬


‫رقاهبم وأمواهلم ونسائهم وذريتهم‪ ،‬ف َأ َ‬
‫مر هبم فكتفوا‪ ،‬فك َّلم عبدُ اهلل بن أ ٍّ‬
‫يب‬
‫ِ‬
‫املدينة‪ ،‬وال‬ ‫وألح عليه فوهبهم له‪ ،‬وأمرهم أن َخيرجوا من‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ َّ‬ ‫فيهم‬
‫أكثرهم‪،‬‬
‫هلك ُ‬ ‫جياوروه هبا‪ ،‬فخرجوا إىل َأ ْذ ُرعات الشا ِم‪ ،‬فق َّل أن لبثوا فيها حتى َ‬
‫ِ‬
‫طرف‬ ‫دارهم يف‬ ‫وكانوا صاغ ًة‬
‫وِتارا‪ ،‬وكانوا نحو الست مئة مقاتل‪ ،‬وكانت ُ‬ ‫ً‬
‫َ‬
‫أمواهلم‪.‬‬ ‫وقبض منهم‬ ‫ِ‬
‫املدينة‪َ ،‬‬

‫‪ -32‬فصل [يف نقض نبين النضري العهد]‬

‫وسبب ذلك أنه ﷺ‬‫ُ‬ ‫ٍ‬


‫أشهر‪،‬‬ ‫النضري‪ ،‬وكان ذلك بعد ست َِّة‬
‫ِ‬ ‫ثم نقض العهدَ بنو‬
‫نفر من أصحابِه‪ ،‬وك َّلمهم أن يعينوه يف ِ‬ ‫رج إليهم يف ٍ‬
‫دية الكالبيني اللذين قتلهام‬ ‫ُ‬ ‫َخ َ‬
‫الضمري‪ ،‬فقالوا‪ :‬نفعل يا أبا القاسم‪ ،‬اجلس هاهنا حتى نقِض‬
‫ْ‬ ‫عمرو بن أمية‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫الشيطان الشقا َء الذي كُتب عليهم‪،‬‬ ‫وسول هلم‬
‫بعضهم ببعض‪َّ ،‬‬ ‫حاجتك‪ ،‬وخال ُ‬
‫يأخذ هذه الرحا ويصعدُ فيلقيها عىل ِ‬
‫رأسه‬ ‫ُ‬ ‫فتآمروا بقتله ﷺ‪ ،‬وقالوا‪ :‬أ ُّيكم‬
‫مهوا به‪ ،‬فنهض‬ ‫الوحي عىل الفور إليه من ر ِّبه تبارك وتعاىل بام ُّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يشدخه هبا؟ وجاء‬
‫ِ‬
‫املدينة وال‬ ‫اخرجوا من‬ ‫َ‬
‫وبعث إليهم رسول اهلل ﷺ أن ُ‬ ‫مرس ًعا‪ ،‬وتوجه إىل املدينة‪،‬‬
‫ِضبت عن َقه‪.‬‬ ‫عرشا‪ ،‬فمن ُوجد بعدَ ذلك هبا‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫تُساكنوين هبا‪ ،‬وقد أجلتُكم ً‬
‫املنافق عبدُ اهلل بن أيب‪َّ :‬أال َخترجوا من‬
‫ُ‬ ‫يتجهزون‪ ،‬و َأ َ‬
‫رسل إليهم‬ ‫فأقاموا أيا ًما َّ‬
‫دياركم‪ ،‬فإن معي ألفني َيدخلون معكم حصنَكم فيموتون دونَكم‪ ،‬وتنرصكم‬ ‫ِ‬
‫رئيسهم حيي بن أخطب فيام قال له‪ ،‬و َب َ‬
‫عث‬ ‫قريظ ُة وحلفاؤكم من غطفان‪ ،‬فطمع ُ‬
‫فكرب رسول‬ ‫ِ‬
‫نخرج من ديارنا‪ ،‬فاصنَع ما بدا لك‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ يقول‪ :‬إنَّا ال‬ ‫إىل‬
‫‪ | 278‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫حصوهنم يرمون‬ ‫اهلل ﷺ وكرب أصحا ُبه‪ ،‬وهنضوا إليه‪ ،‬فلام انتهى إليهم قاموا عىل‬
‫وحلفاؤهم ِمن غطفان‪.‬‬
‫ُ‬ ‫يب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالنبل واحلجارة‪ ،‬واعتز َلتْهم قريظ ُة‪ ،‬وخاهنم ُ‬
‫ابن أ ٍّ‬
‫وحرق‪ ،‬فأرسلوا إليه‪ :‬نحن‬ ‫َّ‬ ‫وقطع نخ َلهم‬
‫َ‬ ‫فحارصهم رسول اهلل ﷺ‪،‬‬‫َ َ‬
‫بنفوسهم وذرارهيم‪ ،‬وأن هلم ما‬‫ِ‬ ‫َ‬
‫فأنزهلم عىل أن َخيرجوا عنها‬ ‫ِ‬
‫املدينة‪،‬‬ ‫نخرج عن‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫األموال واحللق َة‪.‬‬ ‫السالح‪ ،‬وقبض النبي ﷺ‬ ‫ت ُ‬
‫اإلبل إال‬ ‫مح َل ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ومصالح املسلمني‪ ،‬ومل‬ ‫ِ‬
‫لرسول اهلل ﷺ لنوائبِه‬ ‫وكانت بنو النضري خالص ًة‬
‫ٍ‬
‫ركاب‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بخيل وال‬ ‫خيمسها؛ ألن اهلل أف َاءها عليه‪ ،‬ومل ُيوجف املسلمون عليها‬
‫ِّ‬

‫‪ -33‬فصل [يف غزوة نبين قريظ ]‬

‫ِ‬
‫وأما قريظ ُة فكانت أشدَّ اليهود عداو ًة لرسول اهلل ﷺ‪ ،‬وأغل َظهم ً‬
‫كفرا؛‬
‫ِ‬
‫إخواهنم‪.‬‬ ‫ولذلك جرى عليهم ما مل َجي ِر عىل‬
‫ِ‬
‫اخلندق والقو ُم معه‬ ‫ِ‬
‫غزوة‬ ‫خرج إىل‬ ‫َ‬ ‫سبب ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ ملا َ‬ ‫غزوهم أن‬ ‫وكان ُ‬
‫بعز‬ ‫ُص ْل ٌح‪ ،‬جاء حيي بن أخطب إىل بني قريظة يف ِ‬
‫ديارهم‪ ،‬فقال‪ :‬قد جئتُكم ِّ‬
‫ِ‬
‫الشوكة‬ ‫أهل‬ ‫ِ‬
‫قادهتا‪ ،‬وأنتم ُ‬ ‫ِ‬
‫سادهتا‪ ،‬وغطفان عىل‬ ‫ٍ‬
‫بقريش عىل‬ ‫الدهر‪ ،‬جئتُكم‬
‫رئيسهم‪ :‬بل جئتني واهلل‬‫نناجز حممدً ا ونفرغ منه‪ ،‬فقال له ُ‬ ‫َ‬ ‫والسالح‪ ،‬فه ُل َّم حتى‬
‫ِ‬
‫ويربق‪ ،‬فلم يزل حيي‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫بسحاب قد أراق ما َءه‪ ،‬فهو يرعدُ‬ ‫الدهر‪ ،‬جئتني‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫بذل‬
‫يدخل معه يف حصنِه ُيصيبه ما‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫برشط أن‬ ‫ادعه ويمنِّيه و َي ِعدُ ه حتى أجابه‬ ‫ُخي ِ‬

‫رسل‬‫رب‪ ،‬ف َأ َ‬ ‫َ‬


‫رسول اهلل ﷺ اخل ُ‬ ‫أصاهبم‪ ،‬ففعل‪ ،‬ونقضوا عهدَ رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فبلغ‬ ‫َ‬
‫معَش‬ ‫يستعلم األمر‪ ،‬فوجدَ هم قد نقضوا العهدَ ‪ ،‬فكرب وقال‪ِ « :‬‬
‫أبَشوا يا‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫املسلمني»‪.‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪279‬‬

‫سالحه‪ ،‬فجاءه‬ ‫وضع‬ ‫ِ‬


‫املدينة مل يكن َّإال أن‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ إىل‬ ‫ف‬
‫انرص َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫فلام َ‬
‫السالح‪ ،‬إن املالئك َة مل تضع أسلحتَها‪ ،‬فاهنَض بمن معك‬
‫َ‬ ‫أوضعت‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫جربيل فقال‪« :‬‬
‫الرعب‪،‬‬
‫َ‬ ‫وأقذف يف ِ‬
‫قلوهبم‬ ‫ُ‬ ‫حصوهنم‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أزلزل هبم‬ ‫إىل بني قريظ َة‪ ،‬فإين ٌ‬
‫سائر أما َمك‬
‫ورسول اهلل ﷺ عىل ِ‬
‫أثره يف‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املالئكة‪،‬‬ ‫جربيل عليه السالم يف موكبِه من‬
‫ُ‬ ‫فسار‬
‫مخسا‬
‫وحرصهم ً‬ ‫ِ‬
‫واألنصار‪ ،‬ونازل حصو َن بني قريظ َة‪،‬‬ ‫موكبِه من املهاجرين‬
‫َ‬
‫وعرشين ليل ًة‪.‬‬

‫األوس فقالوا‪« :‬يا‬


‫ُ‬ ‫ثم إهنم نَزلوا عىل حك ِم رسول اهلل ﷺ فقامت إليه‬
‫علمت وهم حلفا ُء إخواننا اخلزرج‪،‬‬
‫َ‬ ‫فعلت يف بني َق ْينُقاع ما قد‬‫َ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬قد‬
‫رجل منكم»؟‬‫ُيكم فيهم ٌ‬ ‫فأحسن فيهم‪ ،‬فقال‪« :‬أال تَرضون أن‬ ‫ِ‬ ‫وهؤالء موالينا‪،‬‬
‫َ‬
‫فأرسل إىل ِ‬
‫سعد بن‬ ‫َ‬ ‫قالوا‪ :‬بىل‪ ،‬قال‪« :‬فذاك إىل سعد بن معاذ»‪ ،‬قالوا‪ :‬قد رضينا‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رسول‬ ‫جلرح كان به‪ ،‬ف ُأركب ً‬
‫محارا‪ ،‬وجاء إىل‬ ‫ٍ‬ ‫املدينة مل َخيرج معهم‬ ‫معاذ‪ ،‬وكان يف‬
‫اهلل ﷺ‪.‬‬

‫قوموا إىل سيدكم»‪ ،‬فلام أنزلوه‬ ‫ِ‬


‫فلام انتهى إىل النبي ﷺ قال للصحابة‪ُ « :‬‬
‫حكمك‪ ،‬قال‪ :‬وحكمي ٌ‬
‫نافذ عليهم؟‬ ‫ِ‬ ‫قالوا‪ :‬يا سعد‪ ،‬إن هؤالء القوم قد نزلوا عىل‬
‫ِ‬
‫بوجهه‬ ‫قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬وعىل املسلمني؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬عىل َمن هاهنا وأعرض‬
‫وعيل»‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫وتعظيام؟ فقال‪« :‬نعم‪،‬‬ ‫ً‬
‫إجالال له‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ِ‬
‫ناحية‬ ‫وأشار إىل‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫ُ‬
‫األموال‪ ،‬فقال رسول‬ ‫ُ‬
‫الرجال‪ ،‬وتُسبى الذري َة‪ ،‬وتُقسم‬ ‫أحكم فيهم أن ُي َ‬
‫قتل‬ ‫ُ‬ ‫فإين‬
‫حكمت فيهم بحك ِم اهلل ِمن فوق سب ِع ساموات»‪.‬‬‫َ‬ ‫اهلل ﷺ‪« :‬لقد‬
‫ٍ‬
‫غزوة‬ ‫كل‬‫عقب ِّ‬ ‫ٍ‬
‫طائفة منهم‬ ‫كل‬ ‫ِ‬
‫املدينة‪ ،‬وكانت غزو ُة ِّ‬ ‫حكمه يف هيود‬ ‫فهذا‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫النضري عقب ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أحد‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الكبار‪ ،‬فغزو ُة بني َق ْينُقاع َ‬
‫عقب بدر‪ ،‬وغزو ُة بني‬ ‫الغزوات‬ ‫من‬
‫‪ | 281‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ذكر قصتِهم إن شاء اهلل‬ ‫ِ‬


‫عقب اخلندق‪ .‬وأما هيود خيرب فسيأيت ُ‬
‫َ‬ ‫وغزو ُة بني قريظ َة‬
‫تعاىل‪.‬‬

‫‪ -34‬فصل [يف هديه ﷺ إذا صاحل قوما فنقض نبعضُه عهدَه]‬

‫بعضهم عهدَ ه وصلحه‪ ،‬وأقرهم‬ ‫وكان هد ُيه ﷺ أنه إذا صالح قو ًما فنقض ُ‬
‫ِ‬
‫والنضري‬ ‫اجلميع‪ ،‬وجعلهم ُك َّلهم ناقضني‪ ،‬كام فعل بقريظ َة‬
‫َ‬ ‫الباقون ورضوا به‪ ،‬غزا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بأهل مك َة‪ ،‬فهذه ُسنَّتُه يف أهل‬
‫العهد‪ ،‬وعىل هذا ينبغي أن‬ ‫وبني َقين َ‬
‫ُقاع‪ ،‬وكام فعل‬
‫أهل الذ َّم ِة‪.‬‬
‫جيري احلكم يف ِ‬
‫َ‬

‫‪ -35‬فصل [يف هديه ﷺ فمدن حار من دخلَ معه يف عقدِه من الرفارِ]‬

‫عدو له‬
‫ٌّ‬ ‫وكان هد ُيه وسنتُه إذا صالح قو ًما وعاهدهم‪ ،‬فانضاف إليهم‬
‫سواهم‪ ،‬فدخلوا معهم يف ِ‬
‫عقدهم‪ ،‬وانضاف إليه قو ٌم آخرون‪ ،‬فدخلوا معه يف‬
‫كم من حاربه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫دخل معه يف ِ‬
‫حكم من حارب من َ‬ ‫ِ‬
‫الكفار ُح َ‬ ‫عقده من‬ ‫ُ‬ ‫عقده‪ ،‬صار‬
‫وهبذا السبب غزا َ‬
‫أهل مك َة‪.‬‬

‫‪ -36‬فصل [يف هديه ﷺ يف معامل الرسل والوفاء نبعهد بصحانبه]‬

‫رسل أعدائه‪ ،‬وهم عىل عداوته‪ ،‬فال ُهي ِّي ُجهم وال يقت ُلهم‪.‬‬
‫وكانت تَقدُ م عليه ُ‬

‫َ‬
‫الرسول عنده إذا اختار دينَه‪ ،‬فال يمنعه من‬ ‫بس‬
‫وكان هد ُيه أيضا أال َحي َ‬
‫اللحاق ِ‬
‫بقومه‪ ،‬بل ير ُّده إليهم كام فعل مع أيب رافعٍ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪280‬‬

‫وكان من هديه أن أعداءه إذا عاهدوا واحدً ا من أصحابِه عىل عهد ال َي ُّ‬
‫ْض‬
‫حل َسيل أال‬‫باملسلمني من غري رضاه‪ ،‬أمضا ُه هلم‪ ،‬كام عاهدوا ُحذيف َة وأباه ا ُ‬
‫بعهدهم‪،‬‬‫ِ‬ ‫يقاتالهم معه ﷺ‪ ،‬فأمَض هلم ذلك وقال هلام‪« :‬انِصفا‪ِ ،‬نفي هلم‬
‫ونستعني اهلل عليهم»(‪.)1‬‬
‫ُ‬

‫‪ -37‬فصل [يف هديه ﷺ يف عقدِ الذمَّ ِ وبهلِ اوجزي ِ]‬

‫ِ‬
‫الكفار جزي ًة‬ ‫اجلزية فإنه مل يأخذ من ٍ‬
‫أحد من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأهل‬ ‫عقد الذ َّم ِة‬
‫وأما هديه يف ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ثالث‬ ‫الثامنة‪ ،‬فلام نزلت آي ُة اجلزية أخذها ﷺ ِمن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السنة‬ ‫ِ‬
‫نزول (براءة) يف‬ ‫إال بعد‬
‫ِ‬
‫واليهود‪ ،‬والنصارى‪ ،‬ومل يأخذها من عباد األصنام‪ .‬فقيل‪:‬‬ ‫ِ‬
‫املجوس‪،‬‬ ‫طوائف‪ :‬من‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫وغريهم‬ ‫ِ‬
‫الكتاب‬ ‫ُؤخذ ِمن ِ‬
‫أهل‬ ‫كافر ِ‬
‫غري هؤالء‪ ،‬وقيل‪ :‬بل ت ُ‬ ‫أخذها من ٍ‬‫جيوز ُ‬
‫ال ُ‬
‫ِ‬
‫العرب‪.‬‬ ‫كعبدة األصنا ِم من عج ٍم دون‬
‫يأخذها من مرشكي الع ِ‬
‫رب؛ ألهنا إنام‬ ‫القول الثاين يقولون‪ :‬إنام مل ُ‬‫ِ‬ ‫وأصحاب‬
‫ُ‬
‫ٌ‬
‫مرشك‪ ،‬فإهنا نز َل ْت بعدَ فتح‬ ‫يبق فيها‬ ‫ِ‬
‫العرب ومل َ‬ ‫فرضها بعدَ أن أسلمت دار ُة‬ ‫َزل ُ‬ ‫ن َ‬
‫السرية وأيا َم اإلسالم َعلِ َم أن‬
‫َ‬ ‫أفواجا‪ .‬ومن تأ َّمل‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫العرب يف دين اهلل‬ ‫ِ‬
‫ودخول‬ ‫مك َة‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬كام ثبت عنه يف «صحيح‬ ‫ِ‬ ‫تدل سن ُة‬ ‫األمر كذلك‪ ،‬وعىل ذلك ُّ‬ ‫َ‬
‫الل ثالث‪،‬‬ ‫فادعهم إىل إحدى ِخ ٍ‬‫عدوك من املَشكني‪ُ ،‬‬ ‫لقيت َّ‬
‫َ‬ ‫مسلم» أنه قال‪« :‬إذا‬
‫ُف عنهم»‪ ،‬ثم أمره أن يدعوهم إىل‬ ‫فأ َّيتَهن أجابوك إليها‪ ،‬فا ْق َب ْل منهم‪ ،‬وك َّ‬
‫اإلسالم‪ ،‬أو اجلزي َة‪ ،‬أو يقات َلهم(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)1787‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)1731‬‬
‫‪ | 282‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ب سماق هديِه ﷺ مع الرفارِ واملنافقني من حني نبُعث إىل حنيِ‬


‫‪ -36‬فصل يف ترتم ِ‬
‫لق اهلل ‪‬‬

‫أول ما َأوحى إليه ر ُّبه تبارك وتعاىل‪ :‬أن يقر َأ باسم ر ِّبه الذي خلق‪ ،‬وذلك‬
‫أو ُل نبوتِه‪ ،‬فأمره أن يقر َأ يف ِ‬
‫نفسه‪ ،‬ومل يأ ُم ْره إذ ذاك بتبليغٍ‪ ،‬ثم أنزل عليه‪ ﴿ :‬ﮬ‬ ‫ََ‬ ‫َّ‬
‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﴾ [املدثر‪ ،]2-1 :‬فن َّبأه بقولِه‪ ﴿ :‬ﭻ ﴾‪ ،‬وأرسله بـ‪( :‬ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ) [املدثر‪.]1 :‬‬

‫أنذر‬ ‫ِ‬
‫العرب‪ ،‬ثم َ‬ ‫حوهلم من‬‫أنذر من َ‬‫نذر عشريتَه األقربني‪ ،‬ثم َ‬ ‫ثم أمره أن ُي َ‬
‫قتال وال‬ ‫نبوتِه ينذر بِ ِ‬
‫غري ٍ‬ ‫بضع عرش َة سن ًة بعد َّ‬
‫أنذر العاملني فأقا َم َ‬ ‫العرب قاطب ًة‪ ،‬ثم َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫والصفح‪.‬‬ ‫بالكف بالصرب‬
‫ِّ‬ ‫ويأمر‬ ‫ٍ‬
‫جزية‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫القتال‪ ،‬ثم أمره أن ُي َ‬
‫قاتل من قاتله‪ ،‬ثم أمره‬ ‫اهلجرة‪ ،‬و َأذن له يف‬‫ِ‬ ‫ثم َأ َ‬
‫ذن له يف‬
‫يكون الدي ُن ُك ُّله هلل‪.‬‬
‫َ‬ ‫بقتال املرشكني حتى‬ ‫ِ‬

‫ُ‬
‫وأهل‬ ‫ٍ‬
‫صلح‪،‬‬ ‫أهل‬ ‫ِ‬
‫باجلهاد ثالث َة أقسا ٍم‪ُ :‬‬ ‫ِ‬
‫األمر‬ ‫الكفار معه بعد‬ ‫ثم كان‬
‫ُ‬
‫حرب‪ٍ ُ ،‬‬
‫تم ألهل العهد عهدَ هم ما استقاموا‪ ،‬فإن خاف منهم‬ ‫وأهل ذ َّمة‪ ،‬ف ُأمر بأن ُي َّ‬
‫قاتل من‬ ‫ِ‬
‫العهد‪ ،‬و ُأمر أن ُي َ‬ ‫َبذ إليهم عهدَ هم‪ ،‬ومل يقاتِلهم حتى يعلمهم ِ‬
‫بنبذ‬ ‫خيان ًة ن َ‬
‫ُ َ‬
‫نقض عهدَ ه‪.‬‬

‫والصلح إىل اإلسال ِم‪ ،‬فصاروا معه قسمني‪:‬‬


‫ِ‬ ‫حال ِ‬
‫أهل العهد‬ ‫ثم آلت ُ‬
‫ِ‬
‫األرض معه ثالث َة‬ ‫أهل‬ ‫ِ‬
‫وأهل ذ َّمة‪ ،‬واملحاربون له خائفون منه‪ ،‬فصار ُ‬ ‫ُحماربني‪،‬‬
‫حمارب‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وخائف‬
‫ٌ‬ ‫مسلم مؤمن به‪ ،‬ومسامل ٌ له آمن‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫أقسا ٍم‪:‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪283‬‬

‫قبل منهم عالنيتَهم‪ ،‬وأن جياهدَ هم‬ ‫وأما سريتُه يف املنافقني‪ ،‬فإنه ُأمر أن َي َ‬
‫ِ‬
‫بالقول البليغ إىل‬ ‫بالعلم واحلُ َّج ِة‪ ،‬و ُأمر أن ُي َ‬
‫عرض عنهم‪ ،‬و ُيغلِ َظ عليهم‪ ،‬وأن يبلغ‬
‫وهني أن يصيل عليهم‪ ،‬وأن يقو َم عىل ِ‬ ‫ِ‬
‫استغفر هلم‬
‫َ‬ ‫قبورهم‪ ،‬و ُأخ َ‬
‫رب أنه إن‬ ‫نفوسهم‪ُ ،‬‬
‫أو مل يستغفر هلم فلن َيغفر اهلل هلم‪.‬‬

‫رهبم‬
‫نفسه مع الذين يدعون َّ‬ ‫رب َ‬‫وأما سريتُه مع أوليائه وحزبِه ف ُأمر أن يص َ‬
‫وجهه‪ ،‬وأال تعدُ َو عيناه عنهم‪ ،‬و ُأمر أن يع ُف َو عنهم‪،‬‬ ‫والعِش يريدون‬ ‫ِ‬
‫بالغداة‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫ويشاورهم يف األمر‪ ،‬وأن ِّ َ‬
‫يصيل عليهم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ويستغفر هلم‪،‬‬
‫َ‬
‫يتوب‪.‬‬
‫َ‬ ‫ف عنه حتى‬ ‫ِ‬
‫هبجر من عصاه وخت َّل َ‬ ‫و ُأمر‬
‫ِ‬
‫وجباهتا منهم‪ ،‬وأن يكونوا يف ذلك عنده‬ ‫و ُأمر أن ُي َ‬
‫قيم احلدو َد عىل من أتى ُم‬
‫سوا ًء رشي ُفهم ودنيهم‪.‬‬

‫يدفع بالتي هي أحس ُن‪ ،‬و ُأمر يف‬ ‫ِ‬


‫اإلنس‪ ،‬بأن َ‬ ‫و ُأمر يف دفع ِّ‬
‫عدوه من شياطني‬
‫عدوه من شياطني اجل ِّن باالستعاذة باهلل منهم‪.‬‬
‫دفع ِّ‬
‫‪ | 284‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫[عاشرًَا‪ :‬كتا ] يف سِماقِ َمغازيهِ ونبُعوثِ ِه على وَ ْجه االختِصارِ‬

‫‪[ -1‬فصل يف بول لواء لواء محزة]‬

‫َ‬
‫رمضان‪،‬‬ ‫بن عبد املُ َّطلب يف ِ‬
‫شهر‬ ‫رسول اهلل ﷺ حلمز َة ِ‬ ‫ُ‬ ‫وكان َّأول لِواء ع َقدَ ه‬
‫أبيض‪ ،‬وكان ِ‬ ‫هاج ِره‪ ،‬وكان لوا ًء َ‬ ‫ِ‬
‫حام ُله أبا َمر َثد َ‬
‫كناز‬ ‫أشه ٍر من ُم َ‬ ‫رأس سبعة ُ‬ ‫ِ‬ ‫عىل‬
‫هاجرين خاص ًة‪،‬‬ ‫رج ًال م َن املُ ِ‬
‫ثالثني ُ‬ ‫حليف َمحزةَ‪ ،‬وبع َثه يف‬ ‫حل َص ْني ال َغن َّ‬
‫َوي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب َن ا ُ‬
‫بن ِهشا ٍم يف ثالثِمئة‬‫من الشا ِم‪ ،‬وفيها أبو َج ْهل ُ‬ ‫ريش جاءت َ‬ ‫عرتض ِع ًريا ل ُق ٍ‬ ‫َي ِ‬
‫فمشى‬ ‫للقتال‪َ ،‬‬‫العيص‪ ،‬فا ْل َت َقوا واص َط ُّفوا ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البحر من ناحية‬ ‫رجل‪ ،‬فب َلغوا ِسيف‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫وهؤالء‪ ،‬حتَّى‬ ‫ِ‬
‫هؤالء‬ ‫هني‪ ،‬وكان حلي ًفا لل َفريقني مجي ًعا‪ ،‬بني‬ ‫دي بن َع ٍ‬
‫مرو اجلُ ُّ‬ ‫َجم ُّ‬
‫حجز بينهم ومل َيقتَتِلوا‪.‬‬ ‫َ‬

‫‪ -2‬فصل [يف غزوة األنبواء]‬


‫األبواء‪ ،‬ويقال هلا‪ :‬ودان‪ ،‬وهي أول َغ ٍ‬
‫زوة َغزاها بنَ ْفسه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َفسه َغزو َة‬ ‫ُثم َغزا بن ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫رأس اثنَي عرش شهرا من مهاجره‪ ،‬و َ ِ‬
‫بن عبد‬‫محل لوا َءه محز ُة ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫وكانت يف َص َفر عىل‬
‫بن ُعبادةَ‪ ،‬وخرج يف املُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫املطلِ ِ‬
‫هاجرين‬ ‫َ‬ ‫أبيض‪ ،‬واستَخ َلف عىل املدينة سعدَ َ‬ ‫ب‪ ،‬وكان َ‬
‫لق كيدً ا‪.‬‬‫عريا ل ُق َر ْيش‪ ،‬فلم َي َ‬ ‫خاص ًة َي َ ِ‬
‫عرتض ً‬

‫‪ -3‬فصل [يف غزوة العشرية]‬

‫ِ‬ ‫اآلخ ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ يف ُمجادى ِ‬
‫ُ‬
‫محل‬
‫شهرا‪ ،‬و َ‬
‫عرش ً‬ ‫رأس س َّت َة َ‬ ‫رة عىل‬ ‫َ‬ ‫ُثم َ‬
‫خرج‬
‫املدينة أبا س َلم َة بن ِ‬
‫عبد‬ ‫ِ‬ ‫أبيض‪ ،‬واستَخ َلف عىل‬ ‫ِ‬
‫املطلب‪ ،‬وكان َ‬ ‫لِواءه محز ُة بن ِ‬
‫عبد‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪285‬‬

‫هاجرين‪ ،‬ومل‬‫وم ٍئة‪ ،‬و ُيقال‪ :‬يف ِمئتني م َن املُ ِ‬ ‫األس ِد املَخزومي‪ ،‬وخرج يف مخسني ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫عريا‬ ‫وخرجوا عىل ثالثني َبعريا َيعت َِقبوهنا‪َ ،‬ي َ ِ‬ ‫كر ْه أحدً ا عىل اخلُ ِ‬ ‫ُي ِ‬
‫عرتضون ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫روج‪،‬‬
‫أموال ل ُق ٍ‬
‫ٌ‬ ‫رب ب ُفصوهلا من م َّك َة فيها‬ ‫ل ُق ٍ ِ‬
‫ريش‪،‬‬ ‫ريش ذاهب ًة إىل الشا ِم‪ ،‬وقد كان جا َءه اخل ُ‬
‫واملدينة تِسع ُة برد‪ ،‬فوجد ِ‬
‫الع َري قد‬ ‫ِ‬ ‫شرية‪ ،‬وهي بناحي ِة َين ُب َع‪ ،‬وبني َين ُب َع‬ ‫فبلغ ذا الع ِ‬‫َ‬
‫َ‬ ‫ُُ‬ ‫ُ‬
‫رج َعت من الشا ِم‪ ،‬وهي ا َّلتي‬ ‫ِ‬
‫خرج يف ط َلبها حني َ‬ ‫فا َتتْه بأ َّيا ٍم‪ ،‬وهذه هي الع ُري ا َّلتي َ‬
‫بوعد ِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الش ْوكة‪َّ ،‬‬
‫ووىف له‬ ‫هلل إ َّياها‪ ،‬أو املُقاتَلة‪ ،‬وذات َّ‬
‫و َعدَ ه ا ُ‬

‫‪ -4‬فصل [يف سري عبد اهلل نبن جحش]‬

‫ِ‬
‫رأس سبع َة‬ ‫ب‪ ،‬عىل‬ ‫رج ٍ‬ ‫األسدي إىل نَخل َة يف َ‬ ‫َّ‬ ‫بن َج ْحش‬ ‫بعث عبدَ اهلل َ‬‫ُثم َ‬
‫كل اثن َْني َيعت َِقبان عىل‬ ‫هاجرين‪ُّ ،‬‬ ‫رجال من املُ ِ‬ ‫عرش ً‬ ‫ِ ِ‬
‫شهرا من اهلجرة‪ ،‬يف اثن َْي َ‬ ‫عرش ً‬ ‫َ‬
‫ريش َحت ِمل‬‫عري ل ُق ٍ‬‫فمر ْت به ٌ‬ ‫ريش‪َّ ،‬‬ ‫عريا ل ُق ٍ‬ ‫رصدون ً‬ ‫بطن نخل َة َي ُ‬ ‫فوصلوا إىل ِ‬ ‫عري‪َ ،‬‬ ‫َب ٍ‬
‫بن‬‫ونوفل‪ :‬ابنا عبد اهلل ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ْضمي‪ ،‬و ُع ُ‬
‫ثامن‬ ‫حل‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫عمرو ب ُن ا َ‬ ‫َزبي ًبا وأد ًما وِتارة فيها ُ‬
‫َشاور املُسلِمون‪ ،‬وقالوا‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نحن يف‬‫ُ‬ ‫وىل بني املُغرية‪ ،‬فت َ‬ ‫كيسان َم َ‬‫َ‬ ‫املُغرية‪ ،‬واحلك َُم ُ‬
‫بن‬
‫الشهر احلرا َم‪ ،‬وإن‬‫َ‬ ‫الشهر احلرا ِم‪ ،‬فإن قا َت ْلناهم انت ََهكْنا‬ ‫ِ‬ ‫ب‬‫رج ٍ‬‫آخر يو ٍم من َ‬
‫عمرو ب َن‬ ‫مجعوا عىل م ِ‬ ‫احلر َم‪ُ ،‬ثم َأ َ‬ ‫َتركْناهم الليل َة َ‬
‫أحدُ هم َ‬ ‫القاهتم‪ ،‬فر َمى َ‬ ‫ُ‬ ‫دخلوا َ‬
‫ِ‬
‫بالعري‬ ‫َوفل‪ُ ،‬ثم ِ‬
‫قدموا‬ ‫حلك ََم‪ ،‬و َأف َل َت ن ٌ‬ ‫ْضمي فق َت َله‪ ،‬و َأ َرسوا ُع َ‬
‫ثامن وا َ‬ ‫َّ‬ ‫حل‬
‫ا َ‬
‫مخس كان يف اإلسال ِم‪،‬‬ ‫عزلوا من ذلِك اخلُ ُم َس‪ ،‬وهو كان َّأول ُ ُ‬ ‫سري ْين‪ ،‬وقد َ‬ ‫واألَ َ‬
‫سول اهلل ﷺ عليهم ما‬ ‫سري ْين يف اإلسال ِم‪ ،‬و َأنكَر َر ُ‬ ‫وأول َأ َ‬ ‫اإلسالم‪َّ ،‬‬ ‫وأول َقتيل يف ِ‬ ‫َّ‬
‫ف َع ُلوه‪.‬‬
‫‪ | 286‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫وجدوا َم ً‬
‫قاال‪،‬‬ ‫وإنكارهم ذلك‪ ،‬وز َعموا أهنم قد َ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫قريش‬ ‫واشتَدَّ تَعن ُُّت‬
‫الشهر احلرا َم‪ ،‬واشتَدَّ عىل املُسلِمني ذلك‪ ،‬حتى َأ َنزل اهلل‬
‫َ‬ ‫أح َّل ُحم َّمدٌ‬
‫فقالوا‪ :‬قد َ‬
‫تعاىل‪﴿ :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ﴾ [البقرة‪:‬‬
‫ِ‬
‫واإلنصاف‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بالعدل‬ ‫ِ‬
‫وأعدائه‬ ‫ِ‬
‫أوليائه‬ ‫بني‬
‫حكم َ‬ ‫‪ ،]217‬واملقصود‪ :‬أن اهلل سبحانه‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كبري‪،‬‬ ‫ارتكاب اإلث ِم بالقتال يف الشهر احلرام‪ ،‬بل َأخ َ‬
‫رب أنه ٌ‬ ‫ربئ أوليا َءه من‬ ‫ومل ي ِّ‬
‫القتال يف الشهر احلرام‪ ،‬فهم‬‫ِ‬ ‫رب وأعظم ِمن جمرد‬ ‫وأن ما عليه أعداؤه املرشكون أك ُ‬ ‫َّ‬
‫قتاهلم ذلك‪ ،‬أو‬‫والعقوبة‪ ،‬السيام وأولياؤه كانوا متأولني يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والعيب‬ ‫أحق بالذ ِّم‬ ‫ُّ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫والطاعات‬ ‫ِ‬
‫التوحيد‬ ‫جنب ما فعلوه من‬‫ِ‬ ‫تقصري ِ‬
‫يغف ُره اهلل هلم يف‬ ‫ٍ‬ ‫نوع‬
‫مقرصين َ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫وإيثار ما عندَ اهلل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫رسوله‬ ‫ِ‬
‫واهلجرة مع‬

‫‪ -5‬فصل [يف حتويل القبل ]‬


‫ِ‬ ‫َ ِ‬
‫شعبان من هذه السنة ُح ِّولت القبل ُة‪ ،‬وقد تقدَّ م ُ‬
‫ذكر ذلك‪.‬‬ ‫وملا كان يف‬

‫‪ -6‬فصل يف غَزوةِ َنب ْد ٍر الرُ َ‬


‫ربى‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العري املُقبلة َ‬
‫من‬ ‫رب‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ خ ُ‬ ‫السنة َ‬
‫بلغ‬ ‫َ‬
‫رمضان من هذه‬ ‫فلام َ‬
‫كان يف‬ ‫َّ‬
‫خرجت من‬ ‫خرجوا يف ط َلبها َّملا َ‬
‫العري التي َ‬
‫فيان‪ ،‬وهي ُ‬ ‫ٍ‬
‫لقريش صحب َة أيب ُس َ‬ ‫الشا ِم‬
‫سول اهلل‬ ‫ٍ‬
‫لقريش‪ ،‬فندَ ب َر ُ‬ ‫ٌ‬
‫أموال عظيم ٌة‬ ‫نحو أر َبعني ً‬
‫رجال‪ ،‬وفيها‬ ‫مك َة‪ ،‬وكانوا َ‬
‫حاِضا بالنُّهوض‪ ،‬ومل َحي ِتفل هلا‬
‫ً‬ ‫ظهره‬ ‫ِ‬
‫للخروج إليها‪ ،‬وأ َم َر َمن كان ُ‬ ‫الناس‬
‫َ‬ ‫ﷺ‬
‫عرش ً‬ ‫ِِ ٍ‬ ‫احتِ ً‬
‫رجال‪ ،‬ومل يكُن معهم م َن‬ ‫خرج ُمرس ًعا يف ثالثمئة وبضع َة َ‬ ‫فاال بلي ًغا؛ ألنه َ‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪287‬‬

‫ِ ِ‬ ‫قداد ِ‬ ‫للم ِ‬
‫بن العوا ِم‪ ،‬وفرس ِ‬ ‫للز ِ‬ ‫اخليل َّإال فر ِ‬
‫ندي‪،‬‬
‫بن األسود الك ِّ‬ ‫َ‬ ‫بري ِ َّ‬ ‫سان‪َ :‬فرس ُّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫احد‪ ،‬فكان‬ ‫البعري الو ِ‬
‫ِ‬ ‫الن والثالث ُة عىل‬ ‫عتقب الرج ِ‬ ‫وكان معهم سبعون بعريا ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ً َ‬ ‫َ‬
‫بعريا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وعيل و َمر َثدُ بن أيب َمر َث ٍد‬ ‫ُ‬
‫الغنوي َيعتَقبون ً‬ ‫ُّ‬ ‫ٌّ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‬
‫الصالة ابن ُأم مكتو ٍم‪ ،‬فلام كان بالرو ِ‬
‫حاء ر َّد أبا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املدينة وعىل‬ ‫واستَخ َلف عىل‬
‫َّ ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ ِّ َ‬
‫بن ُع ٍ‬
‫مري‪.‬‬ ‫ب ِ‬ ‫ودفع ال ِّلوا َء إىل ُمص َع ِ‬ ‫نذر‪ ،‬واستَعمله عىل املَ ِ‬
‫دينة‪،‬‬ ‫ُلباب َة بن ِ‬
‫عبد املُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فاستأجر‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ و َق ْصدُ ه إ َّياه‬ ‫سفيان‪ ،‬فإنه ب َلغه َخم َر ُج‬
‫َ‬ ‫وأ َّما أبو‬
‫َ‬
‫َّفري إىل ِعريهم؛ ل َيمنَعوه‬ ‫سترص ًخا ل ُقريش بالن ِ‬
‫ِ‬ ‫فاري إىل مك َة ُم‬
‫مرو الغ َّ‬
‫َضمضم بن َع ٍ ِ‬
‫َ َ‬
‫رسعني و َأ َ‬ ‫فنهضوا ُم ِ‬ ‫الرصيخ َ‬ ‫مد و َأصحابِه‪ ،‬وب َلغ‬ ‫من ُحم ٍ‬
‫وعبوا يف‬ ‫أهل مك َة‪َ ،‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رج ًال كان‬‫عوض عنه ُ‬ ‫أحدٌ سوى أيب َهلَب‪ ،‬فإنه َّ‬ ‫روج‪ ،‬ومل َيتَخ َّلف من َأرشافهم َ‬ ‫اخلُ ِ‬
‫ِ‬
‫أحدٌ من‬‫العرب‪ ،‬ومل َيتخ َّلف عنهم َ‬ ‫حوهلم من قبائل َ‬ ‫فيمن َ‬ ‫وحشدوا َ‬ ‫َ‬ ‫له عليه َد ْين‪،‬‬
‫وخرجوا من ِديارهم كام‬ ‫ِ‬
‫دي‪ ،‬فلم َخي ُرج معهم منهم أحدٌ ‪َ ،‬‬ ‫ُبطون ُق ٍ‬
‫ريش َّإال َبني َع ٍّ‬
‫قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ﴾ [األنفال‪.]47 :‬‬

‫هاجرون‬ ‫ريش استَشار أصحا َبه‪ ،‬فتَك َّلم املُ ِ‬ ‫خروج ُق ٍ‬ ‫ُ‬ ‫سول اهلل ﷺ‬‫وملَّا ب َلغ َر َ‬
‫َ‬
‫َشار ثال ِ ًثا‪،‬‬
‫حسنوا‪ُ ،‬ثم است َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َشارهم ثان ًيا‪ ،‬فتَك َّلم املُهاجرون ف َأ َ‬ ‫حسنوا‪ُ ،‬ثم است َ‬ ‫ف َأ َ‬
‫عاذ‪ ،‬فقال‪ :‬يا ر ِ‬ ‫ت األنصار أنه يعنِيهم‪ ،‬فبادر سعدُ بن م ٍ‬ ‫ففهم ِ‬
‫سول اهلل‪ ،‬كأنَّك‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واألمحر يف‬ ‫األسود‬ ‫ألهنم با َيعوه عىل أن َيمنَعوه من‬ ‫ُعرض بِنا؟ وكان إنام َيعنيهم َّ‬ ‫ت ِّ‬
‫َشارهم ل َيع َلم ما ِعندَ هم‪ ،‬فقال له سعدٌ ‪ :‬لع َّل َك‬ ‫اخلروج است َ‬ ‫ِ‬ ‫عزم عىل‬ ‫فلام َ‬
‫يارهم‪َّ ،‬‬ ‫ِد ِ‬
‫يارها‪ ،‬وإين َأقول‬ ‫نرصوك َّإال يف ِد ِ‬ ‫األنصار ت ََرى ح ًّقا عليها َّأال َي ُ‬
‫ُ‬ ‫َخت َشى أن تَكون‬
‫ئت‪ ،‬واق َط ْع‬ ‫حبل َمن ِش َ‬ ‫وص ْل َ‬ ‫حيث ِش ْئ َت‪ِ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫جيب عنهم‪ :‬فا ْظ َع ْن‬ ‫عن األَ ِ‬
‫نصار و ُأ ُ‬ ‫ِ‬
‫أخ ْذ َت ِمنَّا كان‬ ‫وخ ْذ من أموالنا ما ِش ْئ َت‪ ،‬و َأعطِنا ما ِش ْئ َت‪ ،‬وما َ‬ ‫ئت‪ُ ،‬‬ ‫َح ْب َل َمن ِش َ‬
‫‪ | 288‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رست‬ ‫فأمرنا َت َب ٌع ألمر َك‪ ،‬فواهللِ لئ ْن ْ‬ ‫أحب إلينا ممَّا َتركْت‪ ،‬وما َأ َم ْر َت فيه من َأ ْمر ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البحر‬
‫َ‬ ‫َعر ْض َت بنا هذا‬ ‫معك‪ ،‬وواهللِ لئ ِن است َ‬ ‫َسري َّن َ‬
‫الربك من غمدان لن َ‬ ‫َ‬ ‫حتى ت َ‬
‫َبلغ‬
‫سم َع من أصحابِه‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ورس بام ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ َّ‬ ‫رشق وج ُه‬ ‫معك؛ ف َأ َ‬
‫ُخضنا ُه َ‬
‫ت َم ِ‬
‫صار َع‬ ‫هلل َقدْ َو َعدَ ين إِ ْحدَ ى الطائِ َفت ْ ِ‬
‫َني‪َ ،‬وإِين َقدْ َر َأ ْي ُ‬ ‫َشوا‪َ ،‬فإِ َّن ا َ‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬
‫«س ُريوا َوأ ْب ُ‬
‫ال َق ْو ِم»‪.‬‬
‫َ‬
‫سفيان فلحق بساحل البحر‪ ،‬وملا‬ ‫رسول اهلل ﷺ إىل ٍ‬
‫بدر‪ ،‬وخفض أبو‬ ‫ُ‬ ‫فسار‬
‫كتب إىل قريش‪ :‬أن ارجعوا‪ ،‬فإنكم إنام خرجتم‬
‫العري َ‬
‫َ‬ ‫رأى أنه قد نجا وأحرز‬
‫فهموا بالرجوع‪ ،‬فقال أبو جهل‪:‬‬‫رب وهم باجلحفة ُّ‬ ‫عريكم‪ ،‬فأتاهم اخل ُ‬
‫لتحرزوا َ‬
‫ِ‬
‫العرب‪ ،‬وختافنا‬ ‫ونطعم َمن حْضنا ِمن‬
‫ُ‬ ‫فنقيم هبا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫بدرا‪،‬‬
‫نرجع حتى نقد َم ً‬
‫ُ‬ ‫واهلل ال‬
‫فعصوه‪ ،‬فرجع هو‬
‫األخنس ب ُن رشيق عليهم بالرجوع‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫العرب بعد ذلك‪ ،‬فأشار‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫األخنس‪ ،‬فلم‬ ‫زهري‪ ،‬فاغتبطت بنو زهر َة بعدُ برأي‬
‫ٌ‬ ‫بدرا‬
‫وبنو زهرةَ‪ ،‬فلم يشهد ً‬
‫الرجوع‪ ،‬فاشتدَّ عليهم أبو جهل‪،‬‬
‫َ‬ ‫يزل فيهم مطا ًعا مع َّظ ًام‪ ،‬وأرادت بنو هاشم‬
‫ُفارقنا هذه العصاب ُة حتى نرجع وساروا‪.‬‬‫وقال‪ :‬ال ت ِ‬

‫بدر‪ ،‬فقال‪َ « :‬أشريوا‬ ‫ماء من ِ‬


‫مياه ٍ‬ ‫رسول اهلل ﷺ حتى نزل عشيا أدنى ٍ‬ ‫ُ‬ ‫وسار‬
‫ًّ‬
‫احلباب ب ُن املنذر‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أنا عامل ٌ هبا وب ُق ُلبِها‪ ،‬إن َ‬
‫رأيت‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املنزل»‪ ،‬فقال‬ ‫عيل يف‬
‫َّ‬
‫ونسبق القو َم إليها‬
‫ُ‬ ‫فننزل عليها‬‫ب قد عرفناها فهي كثري ُة املاء عذب ٌة‪ُ ،‬‬ ‫أن نسري إىل ُق ُل ٍ‬
‫ونغور ما سواها من املياه‪.‬‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫الليل‪ ،‬وصنَعوا‬ ‫فنزلوا عليه َش ْط َر‬ ‫ِ‬ ‫فس َب َق َر ُ‬
‫سول اهلل ﷺ واملسلمون إىل املاء‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ونز َل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ وأصحا ُبه عىل‬ ‫املياه‪َ ،‬‬ ‫ياض‪ُ ،‬ثم َّ‬
‫غوروا ما َعداها من‬ ‫احل َ‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪289‬‬

‫كة‪،‬‬‫رشف عىل املَعر ِ‬ ‫عريش َيكون فيها عىل ت ٍَّل ُي ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫لرسول اهلل ﷺ‬ ‫احلياض‪ ،‬و ُبن ِ َي‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ِص ُع‬ ‫بيده‪« :‬هذا َمِص ُع ُف ٍ‬ ‫عركة‪ ،‬وجعل يشري ِ‬ ‫موض ِع املَ ِ‬ ‫ومشى يف ِ‬ ‫َ‬
‫وهذا َم َ‬ ‫الن‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫وض َع إشارتِه(‪.)1‬‬ ‫الن إن شاء اهللُ»‪ ،‬فام تَعدَّ ى أحدٌ ِمنهم م ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وهذا َمِص ُع ُف ٍ‬
‫َ‬ ‫الن‪َ ،‬‬ ‫ُف ٍ‬

‫ْج ْز َل‬ ‫سول اهلل ﷺ‪« :‬ال َّل ُه َّم َأن ِ‬ ‫معان‪ ،‬قال َر ُ‬ ‫رشكون‪ ،‬وتَراءى اجل ِ‬ ‫فلام ط َلع املُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫رائه‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫ما وعدْ تَني‪ ،‬ال َّلهم إِين َأن ُْشدُ َك عهدَ َك ووعدَ َك»‪ ،‬فالت ََزمه الصدِّ ُيق من و ِ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ْ‬ ‫َْ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ َ‬
‫برش فوا َّلذي َن ْفيس ب َي ِده‪ ،‬ل ُي ِ‬ ‫ِ‬
‫لك ما و َعدَ َك(‪.)2‬‬ ‫نج َز َّن اهللُ َ‬ ‫سول اهلل‪َ ،‬أ ْ‬ ‫يا َر َ‬

‫َْضعوا إليه‪ ،‬ف َأ َ‬


‫وحى‬ ‫َنرص املُسلمون اهللَ‪ ،‬واستَغاثوه‪ ،‬و َأخ َلصوا له‪ ،‬وت َّ‬
‫واست َ‬
‫الئكته‪﴿ :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬ ‫اهلل إىل م ِ‬
‫َ‬
‫ﮙ﴾ [األنفال‪ ،]12 :‬و َأ ْو َحى إىل َرسولِه‪﴿ :‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ﴾ [األنفال‪.]9 :‬‬

‫فصل‬
‫ناك‪ ،‬وكانت ليل َة اجل ِ‬
‫معة‬ ‫رة ُه َ‬ ‫صيل إىل ِج ْذع شج ٍ‬ ‫وبات َر ُ‬
‫سول اهلل ﷺ ُي ِّ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ريش يف ك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َتائبها‪،‬‬ ‫فلام َأص َبحوا َأق َبلت ُق ٌ‬ ‫عرش من ر َم َ‬
‫ضان يف السنة الثانية‪َّ ،‬‬ ‫السابِ َع َ‬
‫رجعوا‬ ‫فمشى َحكيم بن ِحزا ٍم و ُعتب ُة بن ربيع َة يف ُقر ْيش أن َي ِ‬ ‫ِ‬
‫ريقان‪َ ،‬‬ ‫ف ال َف‬
‫واص َط َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫وال ُيقاتلوا‪ ،‬ف َأ َبى ذلك أبو َج ْهل‪َ ،‬‬
‫وجرى بينه وبني ُعتب َة كال ٌم َأح َف َظه(‪ ،)3‬و َأ َمر أبو‬
‫استِ ِه‪،‬‬
‫عن ْ‬ ‫فكشف ِ‬ ‫مرو‪َ ،‬‬ ‫ْضمي أن َيط ُلب د َم أخيه َع ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫حل‬ ‫َج ْهل أخا َعمرو ِ‬
‫بن ا َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه بنحوه مسلم (‪.)1779‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)2915‬ومسلم (‪.)1763‬‬
‫(‪َ ( )3‬أ ْح َف َظ ُه)‪ :‬أغضبه‪.‬‬
‫‪ | 291‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫سول اهلل ﷺ‬ ‫احلرب‪ ،‬وعدَّ َل َر ُ‬


‫ُ‬ ‫فح ِم َي القو ُم‪َ ،‬‬
‫ونش َبت‬ ‫ورصخ‪ :‬وا َع ْمرا ُه‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫الصفوف‪ُ ،‬ثم رجع إىل العريش هو وأبو بكْر خاص ًة‪ ،‬وقام سعدُ بن ٍ‬
‫معاذ وقو ٍم من‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪.‬‬ ‫حيمون‬‫ريش َ ْ‬ ‫ِ‬
‫األنصار عىل باب ال َع ِ‬

‫فخرج‬ ‫بارزةَ‪َ ،‬‬ ‫وشيب ُة ابنا َربيع َة‪ ،‬والوليدُ ب ُن ُعتب َة‪َ ،‬يط ُلبون املُ َ‬
‫وخرج ُعتب ُة َ‬
‫َ‬
‫ومعو ٌذ ابنا َعفرا َء‪ ،‬فقالوا‬ ‫ِّ‬ ‫وعوف‬
‫ٌ‬ ‫بن رواح َة‪،‬‬
‫نصار‪ :‬عبدُ اهلل ُ‬‫إليهم ثالث ٌة من األَ ِ‬
‫ِ‬ ‫هلم‪َ :‬من َأنتُم؟ فقالوا‪ :‬م َن األَ ِ‬
‫نصار‪ .‬قالوا‪َ :‬أكْفا ٌء كرا ٌم‪ ،‬وإنام نُريد َبني َع ِّمنا‪ .‬ف َ‬
‫رب َز‬
‫عيل ِقرنَه الوليدَ ‪ ،‬وقت ََل محز ُة ِقرنَه ُعتب َة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وعبيد ُة بن احلارث ومحزةُ‪ ،‬ف َقتَل ٌّ‬ ‫عيل ُ‬‫إليهم ٌّ‬
‫رن ُعبيدةَ‪،‬‬ ‫وقيل‪َ :‬شيب َة‪ .‬واخت َلف ُعبيد ُة وقرنُه َِضبتَني‪ ،‬فكَر محز ُة وعيل عىل ِق ِ‬
‫ٌّ‬ ‫َّ‬ ‫َْ ْ‬
‫فقتَاله واحتَمال عبيد َة وقد ُقطِعت ِرجله‪ ،‬فلم يز ْل ض ِمنًا(‪ )1‬حتى مات بالص ِ‬
‫فراء‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ََ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫فصل‬
‫ِ‬ ‫مر ٌض ِق َّلة‬ ‫ِ‬
‫أعدائه‪ ،‬ظنُّوا أن‬ ‫ِ‬
‫حزب اهلل وكثر َة‬ ‫وملَّا ر َأى املُنافقون و َمن يف قلبِه َ‬
‫ِ‬
‫خرب سبحانَه‬‫الغ َلب َة إنام هي بالكَثرة‪ ،‬فقالوا‪﴿ :‬ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [األنفال‪ ،]49 :‬ف َأ َ‬
‫ُّل عليه ال بال َك ْثرة‪ ،‬وال بالعدَ ِد‪ ،‬واهللُ ٌ‬
‫عزيز ال ُيغا َلب‪.‬‬ ‫النرص بالتوك ِ‬
‫َ‬ ‫أن‬

‫فوع َظهم‪،‬‬ ‫ِ‬


‫الناس‪َ ،‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ يف‬ ‫وتواجه القو ُم قا َم‬
‫َ‬ ‫العدو‬
‫ُّ‬ ‫وملََّا َدنا‬
‫ِ‬
‫وثواب اهلل عليه‬ ‫ِ‬
‫العاج ِل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والظفر‬ ‫َّرص‬ ‫ِ‬
‫والثبات من الن ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫الصرب‬ ‫وذك ََّرهم بام هلُم يف‬
‫ِ‬
‫اآلجل‪.‬‬

‫(الض ِمن)‪:‬املريض‪.‬‬
‫(‪َّ )1‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪290‬‬

‫العدو‪ ،‬فلم‬ ‫رسول اهلل ﷺ ِملء ك ِّفه من احل ِ‬


‫صباء‪ ،‬فر َمى هبا ُوجو َه‬ ‫ُ‬ ‫وأخ َذ‬ ‫َ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وش ِغل ا ُملسلِمون‬ ‫اب يف َأعينِهم‪ُ ،‬‬ ‫وش ِغلوا ُّ‬
‫بالرت ِ‬ ‫مألت َعي ِ‬
‫نيه‪ُ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫رج ًال منهم َّإال َ َ‬ ‫رتك ُ‬‫َت ُ‬
‫الرمية عىل َرسولِه‪﴿ :‬ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬ ‫ِ‬ ‫هلل يف ِ‬
‫شأن هذه‬ ‫ب َقتْلهم‪ ،‬ف َأ َنزل ا ُ‬
‫ﭜ ﭝ﴾ [األنفال‪.]17 :‬‬

‫رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬م ْن َينْ ُظ ُر َلنا ما‬


‫ُ‬ ‫نهزمني‪ ،‬قال‬ ‫ووىل القو ُم ُم ِ‬
‫احلرب َّ‬
‫ُ‬ ‫وملَّا َبر َدت‬
‫ِض َبه ابنا َعفرا َء حتى َبر َد(‪،)1‬‬ ‫فوجدَ ه قد َ‬ ‫َصن ََع َأبو َج ْه ٍل؟» فانط َل َق اب ُن َمسعود‪َ ،‬‬
‫ولرسولِه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ ِ‬
‫وأخ َذ بلحيته‪ ،‬فقال‪ :‬أنت أبو َج ْهل؟ فقال‪َ :‬مل ِن الدائر ُة اليو َم؟ فقال‪ :‬هللِ َ‬
‫رج ٍل ق َت َله قو ُمه؟ فق َت َله عبدُ اهلل‪ُ ،‬ثم‬
‫وق ُ‬ ‫دو اهلل؟ فقال‪ :‬وهل َف َ‬ ‫َ‬
‫خزاك اهلل يا َع َّ‬ ‫وهل َأ‬
‫النبي ﷺ فقال‪ :‬ق َت ْلتُه‪ :‬فقال‪« :‬اهللِ ا َّلذي ال إِ َل َه َّإال ُه َو» فر َّددها ثال ًثا‪ُ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫َأتَى َّ‬
‫األحزاب وحدَ ه‪،‬‬
‫َ‬ ‫أكَب‪ ،‬احلمدُ هلل الذي صدَ َق وعدَ ه‪َ َ ،‬‬
‫ونِص عبدَ ه‪ ،‬وه َز َم‬ ‫ُ‬ ‫«اهلل‬
‫رعون َه ِذه األُ َّمةِ»(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫فأرنِيه»‪ ،‬فان َط َل ْقنا ف َأريتُه إياه فقال‪« :‬هذا فِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َّ‬
‫ِ‬
‫ان َطل ْق َ َ‬

‫ف عىل ال َقتْىل‪ُ ،‬ثم َ‬


‫أمر هبم‬ ‫سول اهلل ﷺ حتَّى و َق َ‬ ‫احلرب أق َب َل َر ُ‬
‫ُ‬ ‫وملَّا ان َق َضت‬
‫ف عليهم‪ ،‬فقال‪« :‬يا ُعتب ُة َ‬
‫بن‬ ‫فس ِحبوا إىل َق ٍ‬
‫ليب من ُق ُلب َبدْ ر‪ ،‬ف ُط ِرحوا فيه‪ُ ،‬ثم و َق َ‬ ‫ُ‬
‫الن‪َ ،‬ه ْل َ‬
‫وجدْ ت ُْم ما َو َعدَ ك ُْم َر ُّبك ُْم َح ًقا‪،‬‬ ‫بن َربيع َة‪ ،‬ويا ُف ُ‬
‫الن‪ ،‬ويا ُف ُ‬ ‫َربيع َة‪ ،‬ويا َشيب ُة َ‬
‫سول اهلل‪ ،‬ما ُخت ِ‬
‫اطب‬ ‫عمر ب ُن اخل َّطاب‪ :‬يا َر َ‬ ‫َفإِين َ‬
‫وجدْ ُت ما َو َعدَ ين َريب َح ًقا»‪ ،‬فقال ُ‬
‫قول ِمنهم‪،‬‬ ‫بأسمع ملَ ِا َأ ُ‬‫َ‬
‫من َأقوا ٍم قد جيفوا؟ فقال‪« :‬وا َّلذي نفيس ِ‬
‫بيده‪ ،‬ما أنت ُْم‬ ‫َ َّ‬

‫(‪ )1‬أي‪ :‬أوشك عىل املوت‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)3962‬ومسلم (‪ ،)1800‬وأمحد ‪.)4247( 279/7‬‬
‫‪ | 292‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ (‪)2‬‬
‫ثال ًثا‪،‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ بال َع َرصة‬ ‫اجلواب»(‪ُ ،)1‬ثم َأقام‬
‫َ‬ ‫ولكِنَّهم ال َيستَطيعون‬
‫بعر َصتهم ثال ًثا‪.‬‬
‫ظهر عىل قوم أقا َم َ‬
‫وكان إذا َ‬
‫غانم‪،‬‬‫سارى وا َمل ُ‬ ‫ِ‬
‫العني بن َْرص اهللِ له‪ ،‬ومعه األُ َ‬ ‫قرير‬
‫منصورا‪َ ،‬‬‫ً‬ ‫ُثم َ َ‬
‫ارحتل ُمؤ َّيدً ا‬
‫ِ‬
‫احلارث بن َك َلدةَ‪ُ ،‬ثم َّملا‬ ‫بن‬ ‫ِ‬
‫النْض ِ‬ ‫وِضب ُعن َُق‬ ‫نائ َم‬ ‫ِ‬
‫بالصفراء‪ ،‬قسم ال َغ ِ‬ ‫ف َل َّام كان‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ِضب ُعنُق ُعقب َة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بن أيب ُم َع ْيط‪.‬‬ ‫َنزل بعرق ال َّظبية‪َ ،‬‬
‫دو له‬ ‫كل َع ٍّ‬ ‫نصورا قد خا َفه ُّ‬
‫ً‬ ‫ودخل رسول اهلل ﷺ املَدين َة ُمؤ َّيدً ا ُمظ َّف ًرا َم‬ ‫َ‬
‫دخل عبدُ اهلل بن ُأ َ ٍّ‬
‫يب‬ ‫دينة‪ ،‬وحين َِئ ٍذ َ‬
‫أهل املَ ِ‬ ‫برش كثري من ِ‬ ‫وحوهلا‪ ،‬فأس َل َم َ ٌ‬
‫َ‬ ‫باملدينة‬
‫نافق وأصحابه يف اإلسال ِم ِ‬
‫ظاه ًرا‪.‬‬ ‫املُ ُ‬
‫ُ‬
‫رجال‪ِ ،‬من‬ ‫ً‬ ‫مئة وبضعة عرش‬ ‫ثالث ٍ‬ ‫ُ‬ ‫بدرا ِمن املسلمني‬ ‫حْض ً‬ ‫َ‬ ‫ومجل ُة َمن‬
‫اخلزرج مئة وسبعون‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫األوس أحد وستون‪ ،‬ومن‬ ‫ِ‬ ‫املهاجرين ست ٌة وثامنون‪ ،‬ومن‬
‫هاجرين‪ِ ،‬‬ ‫رج ًال‪ِ :‬ستَّة من املُ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫واست ِ‬
‫وستَّة من‬ ‫عرش ُ‬ ‫ُشهد من ا ُملسلمني يومئذ أربع َة َ‬
‫ِ‬
‫سارى يف‬ ‫رسول اهلل ﷺ من َش ْأن َبدْ ر واألُ َ‬ ‫ُ‬ ‫وفرغ‬
‫األوس‪َ ،‬‬‫ِ‬ ‫واثنان من‬ ‫زرج‪،‬‬ ‫اخلَ َ‬
‫َش َّو ٍ‬
‫ال‪.‬‬

‫فصل‬

‫فيان َّأال‬
‫نذر أبو ُس َ‬ ‫فل(‪ )3‬املُ ِ‬
‫رشكني إىل مك َة َم ْوتورين َحمزونني َ‬ ‫رجع ُّ‬
‫َ‬ ‫وملَّا‬
‫ب‪ ،‬حتى َأتَى‬‫فخرج يف ِمئتي راكِ ٍ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫غزو‬
‫رأسه ما ًء حتى َي َ‬
‫ِ‬
‫ُيم َّس َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)1370‬ومسلم (‪.)2873‬‬


‫(‪( )2‬ال َع َرصة)‪ :‬كل بقعة بني الدور واسعة ليس فيها بناء‪.‬‬
‫(‪( )3‬ال َف ّل)‪ :‬املنهزم‪.‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪293‬‬

‫هودي‪ ،‬فسقا ُه‬


‫ِّ‬ ‫بن ِمش َك ٍم ال َي‬
‫وبات ليل ًة واحد ًة عندَ سال ِم ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫املدينة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫طرف‬ ‫العريض يف‬
‫َ‬
‫وقتل ً‬
‫رجال‬ ‫ِ‬
‫النخل‪َ ،‬‬ ‫صوارا من‬
‫ً‬ ‫صبح ق َطع َأ‬
‫الناس‪ ،‬فلام َأ َ‬
‫ِ‬ ‫اخلمر‪ ،‬وبط َن له من َ ِ‬
‫خرب‬ ‫َ‬
‫فخرج يف طلبِه‪،‬‬‫رسول اهلل ﷺ‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ونذر به‬
‫َ‬ ‫كر راج ًعا‪،‬‬ ‫ثم َّ‬ ‫ِ‬
‫األنصار وحلي ًفا له‪َّ ،‬‬ ‫من‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أزوادهم‬ ‫كثريا من‬ ‫وطرح ال ُك َّف ُار سوي ًقا ً‬‫َ‬ ‫الكدر‪ ،‬وفاتَه أبو ُس َ‬
‫فيان‪،‬‬ ‫َ‬
‫فبلغ قرقر َة‬
‫ويق‪ ،‬وكان ذلك بعد َبدْ ر‬ ‫الس ِ‬ ‫فأخذها ا ُملسلمون‪ُ ،‬‬
‫فس ِّم َيت غزو َة َّ‬ ‫َ‬ ‫َيتَخ َّففون به‪،‬‬
‫بش ْهرين‪.‬‬‫َ‬

‫فصل‬

‫مخس‬ ‫ِ‬
‫املدينة‪ ،‬فنَ َقضوا عهدَ ه‪،‬‬ ‫ُثم غزا بني َقينُقاعٍ‪ ،‬وكانوا من َهيود‬
‫فحارصهم َ‬ ‫َ َ‬
‫وألح عليه ف َأط َل َقهم‬
‫أيب‪َّ ،‬‬‫عرشة ليل ًة حتَّى َنزلوا عىل ُحكْمه‪ ،‬فش َفع فيهم عبدُ اهلل ب ُن َ ٍّ‬
‫َ‬
‫سال ٍم‪ ،‬وكانوا سب َع ِم ِئة مقاتِ ٍل‪ ،‬وكانوا صاغ ًة ُ َّ‬
‫وِت ًارا‪.‬‬ ‫بن َ‬ ‫له‪ ،‬وهم قوم ِ‬
‫عبد اهلل ِ‬ ‫ُ‬

‫‪ -7‬فصل يف غزوةِ بحُ ٍد‬

‫ور َأ َس‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ريش ٍ‬


‫بمصيبة مل ُيصابوا بم ْثلها‪َ ،‬‬ ‫ببدر‪ ،‬و ُأصيبوا ُ‬ ‫أرشاف ُق ٍ‬ ‫َ‬ ‫وملَّا قت ََل اهلل‬
‫ِ‬
‫املدينة يف‬ ‫ِ‬
‫أطراف‬ ‫هاب أكابِ ِرهم‪ ،‬وجاء كام َذكرنا إىل‬
‫لذ ِ‬‫حرب َ‬ ‫ٍ‬ ‫بن‬ ‫فيهم أبو ُس َ‬
‫فيان ُ‬
‫سول اهلل ﷺ وعىل ا ُملسلمني‪،‬‬ ‫أخ َذ ُيؤ ِّلب عىل َر َ‬ ‫السويق ومل ينل ما يف ِ‬
‫نفسه؛ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫غزوة‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫واألحابيش‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واحللفاء‬ ‫ٍ‬
‫قريش‬ ‫ٍ‬
‫آالف من‬ ‫ِ‬
‫ثالثة‬ ‫اجلموع‪ ،‬فجمع قري ًبا من‬ ‫وجي َمع‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫فروا‪ ،‬ول ُيحاموا عنهن‪ُ ،‬ثم َ‬ ‫ُ ِ ِ‬
‫املدينة‪ ،‬وذلك يف‬ ‫نحو‬
‫أقبل هبم َ‬ ‫وجاؤوا بنسائهم ل َئ َّال َي ُّ‬
‫ِ‬
‫الثالثة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫السنة‬ ‫شوال من‬‫ٍ‬
‫‪ | 294‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫يمكث يف املدينة؟ وكان‬ ‫ُ‬ ‫أخيرج إليهم أم‬


‫ُ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ أصحا َبه‪:‬‬ ‫واستشار‬
‫يتحصنوا هبا‪ ،‬فإن دخلوها قاتلهم املسلمون عىل‬ ‫ِ‬
‫املدينة‪ ،‬وأن‬ ‫رأ ُيه َّأال خيرجوا من‬
‫َّ‬
‫الصحابة ِممَّن فاتَه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضالء‬ ‫ِ‬
‫البيوت‪ ،‬فبا َد َر مجاع ٌة من ُف‬ ‫ِ‬
‫األزقة‪ ،‬والنسا ُء من فوق‬ ‫ِ‬
‫أفواه‬
‫فنهض ودخل‬ ‫َ‬ ‫حلوا عليه يف ذلك‪،‬‬ ‫باخلروج‪ ،‬و َأ َ ُّ‬
‫ِ‬ ‫اخلروج يو َم ٍ‬
‫بدر‪ ،‬و َأشاروا عليه‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل‬ ‫أكر ْهنا‬
‫ولبس ألمتَه‪ ،‬وخرج عليهم وقد انثنى عز ُم أولئك‪ ،‬وقالوا‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫بي َته‬
‫َ‬
‫متكث يف املدينة فافعل‪ ،‬فقال‬ ‫أحببت أن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬إن‬ ‫ِ‬
‫اخلروج‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا‬ ‫ﷺ عىل‬
‫ُيكم اهلل بينه وبني‬
‫َ‬ ‫لنبي إذا لبس ألمتَه أن يض َعها حتى‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬ما ينبغي ٍّ‬
‫عدوه»‪.‬‬
‫ِ‬
‫الصحابة يوم اجلمعة‪ ،‬فلام صار بالشوط‬ ‫سول اهلل ﷺ يف َأ ْلف م َن‬
‫فخرج َر ُ‬‫َ‬
‫ِ‬
‫بنحو ث ُلث ال َعسكَر‪ ،‬وس َأل قو ٌم م َن‬ ‫يب‬
‫انخزل عبدُ اهلل ب ُن أ ٍّ‬
‫َ‬ ‫بني املدينة وأحد‬
‫بح َلفائهم من َهيو َد‪ ،‬ف َأ َبى‪.‬‬ ‫النبي أن َيستَعينوا ُ‬ ‫ِ‬
‫األنصار َّ‬
‫ِ‬
‫الوادي‪ ،‬وج َعل‬ ‫أحد يف ُعدوة‬ ‫رسول اهلل ﷺ حتَّى َ‬
‫نزل ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ون َفذ‬
‫عب من ُ‬ ‫الش َ‬
‫ِ‬ ‫الناس ِ ِ ِ‬ ‫أح ٍد‪ ،‬وهنى‬
‫السبت‪،‬‬ ‫أصبح يو َم‬
‫َ‬ ‫فلام‬
‫عن القتال حتَّى َيأ ُم َرهم‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫هره إىل ُ‬ ‫َظ َ‬
‫واستعمل عىل الر ِ‬
‫ماة ‪-‬وكانوا‬ ‫َ‬ ‫سبع ِم ٍئة‪ ،‬فيهم َمخسون ِ‬
‫فار ًسا‪،‬‬ ‫للقتال‪ ،‬وهو يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫تَع َّبى‬
‫ُّ‬
‫وأال ُي ِ‬
‫فارقوه‪ ،‬ولو‬ ‫ركزهم‪َّ ،‬‬ ‫سني‪ -‬عبدَ اهلل ب َن ُج ٍ‬
‫بري‪ ،‬وأ َم َره وأصحا َبه أن َي َلزموا َم َ‬ ‫َمخ َ‬
‫نضحوا املُ ِ‬
‫رشكني‬ ‫ِ‬
‫اجليش‪ ،‬وأ َم َر ُهم أن َي َ‬ ‫خلف‬
‫َ‬ ‫العسكر‪ ،‬وكانوا‬
‫َ‬ ‫الطري تَتخ َّطف‬
‫َ‬ ‫ر َأى‬
‫بالنبل؛ ل َئ َّال يأتوا املُسلِمني من و ِ‬
‫رائهم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صعب ب َن ُع ٍ‬
‫مري‪،‬‬ ‫َ‬ ‫يومئ ٍذ‪ ،‬و َأعطى اللوا َء ُم‬
‫سول اهلل ﷺ بني ِدر َعني ِ‬
‫ْ‬ ‫وظاه َر َر ُ‬
‫َ‬
‫بن ٍ‬ ‫ِ‬
‫عمرو‪.‬‬ ‫العوا ِم‪ ،‬وعىل األُ ْخرى املُنذر َ‬‫بري بن َّ‬ ‫وجعل عىل إحدى املَجنَ َبت َْني ُّ‬
‫الز َ‬ ‫َ‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪295‬‬

‫آالف‪ ،‬وفيهم ِمئتا ِ‬


‫فار ٍ‬
‫س‪ ،‬فج َعلوا عىل‬ ‫ثالثة ٍ‬‫ِ‬ ‫ريش للقتال‪ ،‬وهم يف‬ ‫وت َع َّب ْت ُق ٌ‬
‫يرس ِة ِعكرم َة بن أيب َج ْهل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َميمنتهم خالدَ ب َن الوليد‪ ،‬وعىل ا َمل َ‬
‫خرش َة‪ ،‬وكان ُشجا ًعا‬ ‫رسول اهلل ﷺ سي َفه إىل أيب دجان َة ِس ِ‬
‫امك ِ‬ ‫ُ‬
‫بن َ‬ ‫ُ‬ ‫ودفع‬
‫َ‬
‫يومئذ‪َ :‬أ ِمت َأ ِمت‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫عار املسلِمني‬ ‫ِ‬
‫احلرب‪ ،‬وكان ش ُ‬ ‫ِ‬ ‫تال عند‬ ‫بطال َخي ُ‬
‫ً‬

‫األنصاري‪ ،‬وطلح ُة بن ُعبيد اهلل‪ ،‬وأسدُ اهلل وأسدُ‬


‫ُّ‬ ‫يومئ ٍذ أبو ُدجان َة‬
‫و َأبىل ِ‬
‫ِ‬
‫النْض‪ ،‬وسعدُ ب ُن‬ ‫وأنس ب ُن‬
‫ُ‬ ‫وعيل بن أيب طالِب‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫املطلب‪،‬‬ ‫رسولِه محز ُة ب ُن عبد‬
‫الربيعِ‪.‬‬

‫عدو اهللِ‪ ،‬وو َّل ْوا‬


‫الكفار‪ ،‬فاهنز َم ُّ‬‫ِ‬ ‫للمسلمني عىل‬ ‫ِ‬
‫النهار ُ‬ ‫وكانت الدول ُة َ‬
‫أول‬
‫ِ‬
‫ركزهم ا َّلذي‬ ‫الرما ُة هزيمتَهم َتركوا َم َ‬ ‫فلام ر َأى ُّ‬ ‫ُمدبرين حتى انت ََه ْوا إىل نسائهم‪َّ ،‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫أمريهم‬ ‫رسول اهلل ﷺ بحفظه‪ ،‬وقالوا‪ :‬يا قوم ال َغنيم َة ال َغنيم َة‪ .‬فذ َّك َرهم ُ‬ ‫أمرهم‬ ‫َ‬
‫رشكني رجع ٌة‪ ،‬فذ َهبوا‬ ‫للم ِ‬ ‫ِ‬
‫سمعوا‪ ،‬وظنُّوا أن ليس ُ‬ ‫عهد رسول اهلل ﷺ إليهم‪ ،‬فلم َي َ‬
‫ِ‬
‫الثغر خال ًيا‪ ،‬قد‬ ‫فوجدوا َ‬ ‫رسان املُرشكني‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫وكر ُف‬
‫الثغر‪َّ ،‬‬ ‫يف طلب ال َغنيمة‪ ،‬و َأخ َلوا َ‬
‫آخرهم‪ ،‬ف َأحاطوا باملُسلِمني‪،‬‬ ‫ومتكَّنوا حتى َ‬ ‫الرماة‪ ،‬فجازوا منه‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫أقبل ُ‬ ‫من‬
‫خال َ‬
‫ِ‬ ‫هلل من أكر َم ِمنهم‬
‫ص‬ ‫وتوىل الصحاب ُة‪ ،‬وخ َل َ‬ ‫َّ‬ ‫بالشهادة‪ ،‬وهم َس َ‬
‫بعون‪،‬‬ ‫فأكر َم ا ُ‬
‫ِ‬
‫وكانت‬ ‫وكرسوا َرباع َّيته ال ُيمنَى‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫املُ ِ‬
‫وجهه‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫فج َرحوا‬ ‫رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫رشكون إىل‬
‫وسقط يف‬ ‫َ‬ ‫جارة حتى و َقع ِ‬
‫لش ِّقه‪،‬‬ ‫باحل ِ‬ ‫رأسه‪ ،‬ورموه ِ‬ ‫وهشموا البيض َة عىل ِ‬ ‫السفىل‪َ ،‬‬‫َ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫َوىل‬‫عيل ب َي ِده‪ ،‬واحت ََضنَه طلح ُة ب ُن عبيد اهلل‪ ،‬وكان ا َّلذي ت َّ‬ ‫فأخذ ٌّ‬‫َ‬ ‫فر‪،‬‬ ‫فرة من احل ِ‬ ‫ح ٍ‬
‫ُ‬
‫وعتب َة ب َن أيب و َّقاص‪.‬‬
‫مرو بن َقمئ َة‪ُ ،‬‬
‫أذا ُه صلوات اهلل وسالمه عليه َع َ‬
‫‪ | 296‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫النْض بقوم م َن املُسلِمني قد أل َق ْوا بأيدهيم‪ ،‬فقال ما تَنتَظِرون؟‬


‫ِ‬ ‫أنس ب ُن‬ ‫ومر ُ‬‫َّ‬
‫فموتوا عىل‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫فقالوا‪ُ :‬قتِ َل‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ .‬فقال‪ :‬ما تَصنَعون يف احلياة بعدَ ه؟ قوموا ُ‬
‫ريح‬ ‫عاذ فقال‪ :‬يا سعدُ إين ِ‬ ‫ولقي سعدَ بن م ٍ‬ ‫مات عليه‪ُ .‬ثم استَقبل الناس‪ِ ،‬‬
‫ألجدُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬
‫يومئ ٍذ عبدُ‬
‫دون أح ٍد‪ ،‬فقات ََل حتَّى ُقتِل‪ ،‬وو ِجد به سبعون ِضب ًة‪ ،‬وج ِرح ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اجلن َِّة من ِ‬

‫نحوا من ِعرشين ِجراح ًة‪.‬‬ ‫ٍ‬


‫الرمحن بن عوف ً‬
‫كعب‬‫َ‬ ‫حتت املِغ َفر‬
‫عرفه َ‬ ‫أول َمن َ‬ ‫نحو املسلمني فكان ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫ُ‬ ‫و َأ َ‬
‫قبل‬
‫رسول اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫برشوا؛ هذا‬‫بن مالِك‪ ،‬فصاح بأعىل صوتِه يا معارش املُسلِمني‪َ ،‬أ ِ‬
‫َ َ‬
‫ب الذي َنزل‬ ‫ُت‪ ،‬واجت ََمع إليه املُسلِمون وهنَضوا معه إىل ِّ‬
‫الش ْع ِ‬ ‫شار إليه أن اسك ْ‬ ‫ف َأ َ‬
‫فيه‪.‬‬

‫اجلبل ونادى‪ :‬أفيكُم ُحم َّمدٌ ؟ فلم‬ ‫ِ‬ ‫أرشف أبو ُس َ‬


‫فيان عىل‬ ‫َ‬ ‫احلرب‬ ‫ت‬‫وملَّا ان َق َض ِ‬
‫ُ‬
‫ابن اخل َّطاب؟ فلم‬ ‫ُجييبوه‪ ،‬فقال‪َ :‬أفيكُم اب ُن أيب ُقحاف َة؟ فلم ُجييبوه‪ .‬فقال‪ :‬أفي ُكم ُ‬
‫قومه أن ِقوام اإلسال ِم هبم‪،‬‬ ‫وع ْلم ِ‬ ‫لع ْلمه ِ‬
‫الثالثة ِ‬
‫ِ‬ ‫جييبوه‪ ،‬ومل يس َأل َّإال عن ه ِ‬
‫ؤالء‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫دو اهلل‪ ،‬إن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نفسه أن قال‪ :‬يا َع َّ‬ ‫مر َ‬‫فقال‪ :‬أ َّما هؤالء فقد كُفيتُموهم‪ ،‬فلم َيملك ُع ُ‬
‫سوؤ َك‪ .‬فقال‪ :‬قد كان يف القو ِم ُمثل ٌة مل‬ ‫ا َّلذين ذك َْرهتم أحيا ٌء‪ ،‬وقد َأب َقى اهلل لك ما َي ُ‬
‫النبي ﷺ‪َ « :‬أ َال ُ ِ‬
‫ُتي ُبو َن ُه؟» فقالوا‪ :‬ما‬ ‫اعل ُه ْبل‪ .‬فقال ُّ‬ ‫ثم قال‪ُ :‬‬‫آ ُم ْر هبا‪ ،‬ومل ت َُس ْؤين‪َّ .‬‬
‫نَقول؟ قال « ُقو ُلوا‪ :‬اهللُ َأ ْع َىل َو َأ َج ُّل»‪ُ ،‬ثم قال‪َ :‬لنا ال ُع َّزى وال ُع َّزى لكُم‪ .‬قال‪َ « :‬أ َال‬
‫َقول؟ قال‪ُ « :‬قو ُلوا‪ :‬اهللُ َم ْو َالنَا َو َال َم ْو َىل َلك ُْم»(‪.)1‬‬ ‫ُِ‬
‫ُتي ُبو َن ُه؟» قالوا‪ :‬ما ن ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)4043‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪297‬‬

‫مر‪ ،‬فقال‪ :‬ال‬ ‫واحلرب ِس ٌ‬


‫جال‪ .‬فأجا َبه ُع ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُثم قال أبو ُس َ‬
‫فيان‪ :‬يو ٌم ب َي ْوم َبدْ ر‪،‬‬
‫َسوا ًء‪َ ،‬قتالنا يف اجلَن َِّة‪ ،‬و َقتْالك ُْم يف ِ‬
‫النار‪.‬‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ففي الصحيحني‪ :‬عن ِ‬ ‫ِ‬ ‫أح ٍد عن‬ ‫ِ‬
‫سعد‬ ‫َْ‬ ‫وقاتلت املالئك ُة يو َم ُ‬
‫الن يقاتِ ِ‬
‫الن عنه‪،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ يوم أح ٍد ومعه رج ِ‬ ‫َ‬ ‫رأيت‬
‫ُ‬ ‫اص‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫بن أيب و َّق ٍ‬
‫ُ‬ ‫َُ ُ‬ ‫َ ُ‬
‫تال‪ ،‬ما رأيتُهام ُ‬ ‫كأشدِّ ِ‬
‫الق ِ‬ ‫ثياب بِ ٌ‬
‫قبل وال بعدُ (‪.)1‬‬ ‫يض َ‬ ‫ع َل ْيهام ٌ‬

‫‪ -6‬فصل فمدا اشتَ َدَلت علمه هذه الغَزاةُ منَ األَحرامِ والفِ ْقه‬

‫ورشع يف أسبابِه‪،‬‬ ‫ِمنها‪ :‬أن ِ‬


‫بالرشو ِع فيه‪ ،‬حتَّى إن َمن لبِ َس َألْ َمته َ‬
‫اجلها َد َي َلزم ُّ‬
‫عدوه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫للخروج‪ ،‬ليس له أن َي ِ‬
‫ِ‬
‫اخلروج حتى ُيقاتل َّ‬ ‫رجع عن‬ ‫َأهب‬
‫وت َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلروج إليه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫دوهم يف ِ‬
‫ديارهم‬ ‫طر َقهم َع ُّ‬‫ومنها‪ :‬أنه ال َجيِب عىل املُسلمني إذا َ‬
‫يارهم‪ ،‬و ُيقاتِلوهم فيها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بل َجيوز هلم أن َي َلزموا د َ‬
‫أمالك رع َّيتِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالعسكر يف بعض‬ ‫جواز س ِ‬
‫لوك اإلما ِم‬ ‫ُ ُ‬ ‫ومنها‪:‬‬‫ِ‬

‫بيان غري البالِغني‪.‬‬‫تال من الص ِ‬


‫ِّ‬
‫طيق ِ‬
‫الق َ‬ ‫ومنها‪ :‬أنه ال َيأ َذن ملَ ِن ال ُي ُ‬ ‫ِ‬

‫ِ‬
‫اجلهاد هبن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واالستعانة يف‬ ‫الغزو بالن ِ‬
‫ِّساء‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫جواز‬ ‫ومنها‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫وغريه‪.‬‬ ‫أنس بن النْض‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫انغم َس ُ‬
‫دو‪ ،‬كام َ‬
‫االنغامس يف ال َع ِّ‬ ‫جواز‬
‫ُ‬ ‫ومنها‪:‬‬
‫ِ‬
‫ومنها‪ :‬أن اإلما َم إذا أصا َبتْه ِجراح ٌة َّ‬
‫صىل هبم قاعدً ا‪ ،‬وص َّل ْوا ورا َءه قعو ًدا‪،‬‬
‫ِ‬
‫الغزوة‪.‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ يف هذه‬‫ُ‬ ‫كام َ‬
‫فعل‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)4054‬ومسلم (‪.)2306‬‬


‫‪ | 298‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫الرجل أن ُيقتَل يف َس ِ‬
‫بيل اهلل‪َ ،‬‬
‫ومتنِّيه ذلك‪ ،‬وليس هذا من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دعاء‬ ‫جواز‬ ‫ومنها‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الله َّم ل ِّقني من املرشكني ً‬
‫رجال‬ ‫نهي عنه‪ ،‬كام قال عبدُ اهلل بن جحش‪ُ :‬‬‫َمتنِّي املوت املَ ِّ‬
‫جيدع أنفي‬
‫ُ‬ ‫كفره‪ ،‬شديدً ا حر ُده(‪ ،)1‬فأقاتله فيقتلني فيك‪ ،‬ويسل ُبني‪ ،‬ثم‬ ‫عظيام ُ‬
‫ً‬
‫قلت‪ :‬فيك يا‬
‫جدعت؟ ُ‬
‫َ‬ ‫فقلت‪ :‬يا عبدَ اهلل بن جحش‪ ،‬فيم‬
‫َ‬ ‫وأذين‪ ،‬فإذا لقيتُك‪،‬‬
‫رب‪.‬‬
‫أهل ِ‬‫نفسه فهو من ِ‬ ‫ِ‬
‫النار؛ لقوله ﷺ يف قزمان الذي‬ ‫سلم إذا َقت ََل َ‬
‫ومنها‪ :‬أن ا ُمل َ‬
‫نحر نف َسه‪ ،‬فقال ﷺ‪« :‬هو ِمن‬
‫اجلراح َ‬
‫ُ‬
‫أبىل يوم ٍ‬
‫أحد بال ًء شديدً ا‪ ،‬فلام اشتدَّ ت به‬ ‫َ‬
‫أهل الن ِ‬
‫َّار»‪.‬‬ ‫ِ‬

‫صىل عليه وال ُيك َّفن يف غري‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫غسل‪ ،‬وال ُي َّ‬‫ومنها‪ :‬أن السن َة يف الشهيد أنه ال ُي َّ‬
‫ثِيابِه‪ ،‬بل يد َفن فيها ِ‬
‫بدمه‪.‬‬ ‫ُ‬
‫لت املَالئك ُة حنظل َة بن أيب ِ‬
‫عام ٍر‪.‬‬ ‫كان جنُبا غسل كام غس ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ومنها‪ :‬أنه إذا َ ً ِّ‬
‫ٍ‬
‫مكان‬ ‫صارعهم‪ ،‬وال ُين َقلوا إىل‬ ‫ِ‬
‫الشهداء أن ُيد َفنوا يف َم ِ‬ ‫السنَّ َة يف‬ ‫ِ‬
‫ومنها‪ :‬أن ُّ‬
‫آخر‪.‬‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الثالثة يف ِ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫الواحد‪ ،‬فإن‬ ‫القرب‬ ‫جواز َد ْفن ُ‬
‫الرجلني أو‬ ‫ُ‬ ‫ومنها‪:‬‬
‫ِ‬
‫للقرآن»؟ فإذا‬ ‫أكثر ً‬
‫أخذا‬ ‫ِ‬
‫القرب ويقول‪ُّ « :‬أَيم ُ‬ ‫الرجلني والثالث َة يف‬ ‫ُ‬ ‫كان َيدفِن‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫اللحد‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫رجل قدَّ مه يف‬ ‫أشاروا إىل‬

‫صىل عليه‪.‬‬ ‫ِ‬


‫املعركة ال ُي َّ‬ ‫ومنها‪ :‬أن شهيدَ‬

‫(‪( )1‬شديدً ا حر ُده)‪ :‬شديد غضبه‪.‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪299‬‬

‫كافرا‪ ،‬فعىل‬
‫ومنها‪ :‬أن املسلمني إذا قتلوا واحدً ا منهم يف اجلهاد يظنُّونه ً‬
‫اليامن أبا حذيف َة‪ ،‬فامتنع‬
‫َ‬ ‫يدي‬ ‫َ‬ ‫بيت ِ‬‫اإلما ِم ديتُه من ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ أراد أن َ‬ ‫املال؛ ألن‬
‫ِ‬
‫الدية وتصدَّ ق هبا عىل املسلمني‪.‬‬ ‫حذيف ُة ِمن ِ‬
‫أخذ‬

‫‪ -9‬فصل يف ذِكرِ نبعض احلِرَ ِ والغايات املَحدودةِ اليت كانت يف وقع ِ بُحُدٍ‬
‫ِ‬
‫وأصوهلا يف سورة (آل عمران)‬ ‫ِ‬
‫أمهاهتا‬ ‫وقد أشار اهلل سبحانَه وتعاىل إىل‬
‫ص َة بقوله‪ ( :‬ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [آل‬ ‫ِ‬
‫حيث افتتح الق َّ‬
‫عمران‪ ،]121 :‬إىل متا ِم ستِّني آي ًة‪.‬‬
‫ِ‬
‫والفشل والتنازعِ‪ ،‬وأن الذي أصاهبم‬ ‫ِ‬
‫املعصية‬ ‫فمنها‪ :‬تعري ُفهم سو َء عاقبة‬
‫حذرا ويقظ ًة‬
‫ً‬ ‫إنام هو بشؤ ِم ذلك‪ ،‬فلام ذاقوا عاقبة معصيتهم كانوا بعد ذلك أشدَّ‬
‫ِ‬
‫اخلذالن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أسباب‬ ‫وحترزا من‬
‫ً‬
‫َ‬
‫ويدال‬ ‫ومنها‪ :‬أن حكم َة اهلل وسنَّتَه يف رسلِه وأتباعهم َج َرت بأن يدالوا مر ًة‬
‫دائام َد َخ َل معهم املؤمنون‬
‫تكون هلم العاقب ُة؛ فإهنم لو انترصوا ً‬
‫ُ‬ ‫عليهم أخرى‪ ،‬لكن‬
‫دائام مل حيصل املقصو ُد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ِ‬
‫ُرص عليهم ً‬‫الصادق من غريه‪ ،‬ولو انت َ‬ ‫وغريهم‪ ،‬ومل يتم ِّيز‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫والرسالة‪.‬‬ ‫ِمن ا ِ‬
‫لبعثة‬
‫ِ‬
‫املنافق الكاذب‪.‬‬ ‫ومنها‪ :‬أن يتم َّي َز املؤم ُن الصادق من‬
‫ِ‬ ‫الرس ِاء‬ ‫ِ‬
‫والْضاء‪.‬‬ ‫استخراج عبود َّية أوليائه وحزبِه يف َّ‬
‫ُ‬ ‫ومنها‪:‬‬
‫نفوسهم‪.‬‬
‫دائام لطغت ُ‬
‫ومنها‪ :‬أنه سبحانه لو نرصهم ً‬
‫ومنها‪ :‬أنه إذا امتحنهم بالغلب ِة ذلوا وانكرسوا‪ ،‬فاستوجبوا منه ِ‬
‫الع َّز‬ ‫َ‬
‫لنرص‪.‬‬
‫وا َ‬
‫‪ | 311‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ُ‬
‫أعامهلم‪،‬‬ ‫منازل يف دار كرا َمتِه مل تبل ْغها‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫لعباده املؤمنني‬ ‫ومنها‪ :‬أنه سبحانه ه َّي َأ‬
‫ِ‬
‫بالبالء‪.‬‬ ‫ومل يكونوا بالغيها إال‬
‫ب أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مراتب أوليائه‪ ،‬وهو سبحانَه ُحي ُّ‬ ‫ومنها‪ :‬أن الشهاد َة عنده من أعىل‬
‫َيت َ‬
‫َّخذ من عباده شهدا َء‪.‬‬
‫األسباب التي‬
‫َ‬ ‫لك أعداءه‪ ،‬ق َّي َض هلم‬ ‫ومنها‪ :‬أن اهلل سبحانه إذا أراد أن ُهي َ‬
‫أعظمها بعد كفرهم بغ ُيهم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ومن‬‫يستوجبون هبا هالكَهم‪ِ ،‬‬

‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫وإرهاصا بني يدي موت‬ ‫ً‬ ‫ومنها‪ :‬أن وقع َة ُأ ُح ٍد كانت مقدم ًة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف َأ َّن َب ُهم وو َّبخهم عىل‬
‫رسول اهلل ﷺ أو ُقت َل‪ ،‬فقال‪﴿ :‬ﭳ‬
‫ُ‬ ‫أعقاهبم إن مات‬ ‫انقالهبم عىل‬
‫ﭴ ﭵ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃﮄﮅﮆ‬
‫ﮇﮈﮉﮊ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﴾ [آل عمران‪.]144 :‬‬

‫فصل‬

‫أرشف عىل املسلمني أبو سفيان‪ ،‬ثم ناداهم‪:‬‬ ‫َ‬ ‫وملا عزموا عىل الرجو ِع إىل مك َة‬
‫املوسم ببدر‪ ،‬فقال النبي ﷺ‪« :‬قولوا‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬قد ف َع ْلنا»‪ ،‬قال أبو سفيان‪:‬‬
‫ُ‬ ‫موعدُ كم‬
‫ِ‬
‫ببعض الطريق تالوموا فيام‬ ‫«فذلك املوعدُ »‪ ،‬ثم انرصف هو وأصحا ُبه‪ ،‬فلام كان‬
‫أصبتم شوكتَهم وحدَ هم ثم‬ ‫ٍ‬
‫لبعض‪ :‬مل تصنعوا شي ًئا‪َ ،‬‬ ‫بعضهم‬
‫بينهم‪ ،‬وقال ُ‬
‫ِ‬
‫نستأصل‬ ‫رءوس جيتمعون لكم‪ ،‬فارجعوا حتى‬ ‫ٌ‬ ‫تركتموهم وقد َب ِقي منهم‬
‫ِ‬
‫املسري إىل لقاء‬ ‫وندهبم إىل‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الناس‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فنادى يف‬ ‫شأفتَهم‪ ،‬فبلغ ذلك‬
‫َ‬
‫القتال»‪ ،‬فاستجاب له املسلمون عىل‬ ‫َيرج معنا إال َمن شهدَ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫عدوهم‪ ،‬وقال‪« :‬ال‬
‫ِ‬
‫واخلوف‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الشديد‬ ‫ِ‬
‫القرح‬ ‫ما هبم من‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪310‬‬

‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ واملسلمون معه حتى بلغوا محرا َء األسد‪ ،‬وأقبل معبدُ‬ ‫فسار‬
‫يلحق بأيب سفيان‬ ‫َ‬ ‫فأمره أن‬
‫بن أيب معبد اخلزاعي إىل رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فأسلم‪َ ،‬‬
‫بإسالمه‪ ،‬فقال‪ :‬ما وراءك يا معبد؟ فقال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالروحاء‪ ،‬ومل َيعلم‬ ‫فيخذله‪ ،‬ف َل ِحقه‬
‫ِّ‬
‫حترقوا عليكم‪ ،‬وخرجوا يف مج ٍع مل َخيرجوا يف مثلِه‪ ،‬وقد ن َِد َم‬ ‫حممدٌ وأصحا ُبه قد َّ‬
‫َ‬
‫ترحتل‬ ‫تقول؟! فقال‪ :‬ما أرى أن‬ ‫ِ‬
‫أصحاهبم‪ ،‬فقال‪ :‬ما ُ‬ ‫َمن كان خت َّلف عنهم من‬
‫األكمة‪ ،‬فقال أبو سفيان‪ :‬واهلل لقد أمجعنا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وراء هذه‬ ‫ِ‬
‫اجليش من‬ ‫حتى يطلع أو ُل‬
‫ِ‬
‫أعقاهبم‬ ‫ناصح‪ ،‬فرجعوا عىل‬
‫ٌ‬ ‫الكر َة عليهم لنستأص َلهم‪ ،‬قال‪ :‬فال تفعل فإين لك‬
‫َّ‬
‫إىل مك َة‪.‬‬

‫‪ -11‬فصل يف نبعث الرجمعِ‬


‫ِ‬
‫والقارة‪ ،‬وذكَروا أن فيهم إسال ًما‪،‬‬ ‫قدم عليه قو ٌم من َعضل‬ ‫فلام كان ص َفر ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫رآن‪ ،‬فب َعث معهم ستَّة ن َف ٍر‪.‬‬ ‫وس َألوه أن َيب َعث م َعهم َمن ُيع ِّلمهم الدِّ ين و ُي ِ‬
‫قرئهم ال ُق َ‬

‫جاز َغدَ روا هبم واست ََرصخوا‬ ‫احل ِ‬ ‫بناح ِية ِ‬


‫ذيل ِ‬ ‫فلام كانوا بالرجيعِ‪ ،‬وهو ما ٌء هل ُ ٍ‬ ‫َّ‬
‫يب ب َن‬ ‫فجاؤوا حتى َأحاطوا هبم‪ ،‬فقتَلوا عا َّمتَهم واس َت ْأ َرسوا خ ُب َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫هذيال‪،‬‬ ‫عليهم‬
‫رءوسهم يو َم‬ ‫ِ‬ ‫فذهبوا هبام فباعومها بمك َة‪ ،‬وكانا قتال من‬ ‫ِ ِ‬
‫عدي‪ ،‬وزيدَ ب َن الدثنَّة‪َ ،‬‬ ‫ٍّ‬
‫مجعوا عىل قتلِه‪ ،‬فخرجوا به ِمن‬ ‫بيب فمكَث ِعندهم مسجونًا‪ُ ،‬ثم َأ َ‬ ‫بدر فأ َّما ُخ ٌ‬‫ٍ‬
‫فلام أمجعوا عىل صلبِه قال‪َ :‬دعوين حتى أركع ركعتني‪ ،‬ويف‬ ‫احلر ِم إىل التنعي ِم‪َّ ،‬‬
‫بن الدثِن َِّة‬
‫القتل ‪ .‬وأ َّما زيدُ ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫ِ‬ ‫أول َمن س َّن الركعتني عندَ‬ ‫«الصحيح»‪ :‬أن خبي ًبا ُ‬
‫فوان بن أمي َة‪ ،‬فق َت َله ِ‬
‫بأبيه‪.‬‬ ‫فابتاعه َص ُ ُ َّ‬‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)3045‬‬


‫‪ | 312‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -11‬فصل يف وقع ِنبئرِ َمعون َ‬

‫بئر َمعون َة‪،‬‬ ‫ِ‬


‫الرابعة كانت وقع ُة ِ‬ ‫ِ‬
‫السنة‬ ‫الشهر بعينِه وهو ص َف ٌر من‬ ‫ِ‬ ‫ويف هذا‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫قدم عىل‬‫األسنة ِ‬
‫ِ‬ ‫مالك املَدعو م ِ‬
‫العب‬ ‫ِ‬ ‫عامر ب َن‬ ‫ٍ‬ ‫و ُم َّ‬
‫ُ‬ ‫لخصها أن أبا براء َ‬
‫سول اهلل لو َب َع ْثت‬‫بعد‪ ،‬فقال‪ :‬يا َر َ‬ ‫ﷺ املدين َة‪ ،‬فدعاه إىل اإلسال ِم‪ ،‬فلم يسلِم‪ ،‬ومل ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫لرج ْوت أن ُجييبوهم‪ .‬فقال‪« :‬إِين‬ ‫ينك َ‬ ‫نجد َيدعوهنم إىل ِد َ‬ ‫أهل ٍ‬ ‫أصحابك إىل ِ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫جار هلم‪.‬‬ ‫خاف َع َل ْي ِه ْم َأ ْه َل ن َْجد»‪ ،‬فقال أبو براء‪ :‬أنا ٌ‬
‫َأ ُ‬
‫مرو ‪-‬أحدَ بني ِ‬
‫ساعد َة املُل َّقب‬ ‫نذر ب َن َع ٍ‬
‫َ‬ ‫بعني وأ َّم َر عليهم املُ َ‬‫فب َع َث معه َس َ‬
‫وقر ِائهم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يار املسلمني وفضالئهم وساداهتم َّ‬
‫ِ‬ ‫موت‪ -‬وكانوا من ِخ ِ‬ ‫باملُ ْعنِق ل َي َ‬
‫ِ‬
‫بكتاب‬ ‫فساروا حتى َنزلوا بِ َئر َمعون َة‪ ،‬ثم بعثوا حرا َم ب َن ِملحان أخا أ ِّم سليم‬
‫عامر بن الطفيل‪ ،‬فلم ينظر فيه‪ ،‬وأمر ً‬
‫رجال فطعنَه‬ ‫ِ‬ ‫عدو اهلل‬
‫رسول اهلل ﷺ إىل ِّ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫الكعبة»‪ ،‬ثم‬ ‫ورب‬ ‫خلفه‪ ،‬فلام َأن َفذها فيه ورأى الد َم قال‪ُ « :‬‬
‫فزت‬ ‫باحلربة ِمن ِ‬
‫ِ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫جوار أيب براء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ألجل‬ ‫لفوره بني عامر إىل ِ‬
‫قتال الباقني‪ ،‬فلم جييبوه‬ ‫عدو اهلل ِ‬ ‫استن َف َر َّ‬
‫فجاؤوا حتى َأحاطوا‬ ‫ُ‬ ‫ور ْعل و َذ ُ‬
‫كوان‪،‬‬ ‫فاستَن َفر بني سلي ٍم‪ ،‬ف َأجا َبتْه ُعصي ُة ِ‬
‫سول اهلل ﷺ‪ ،‬فقاتَلوا حتَّى ُقتِلوا عن ِ‬ ‫بأصحاب ر ِ‬
‫كعب ب َن زيد بن‬
‫َ‬ ‫آخرهم َّإال‬ ‫ِ َ‬
‫ِ‬
‫اخلندق‪.‬‬ ‫فعاش حتى ُقتِل يو َم‬
‫ُث(‪ )1‬من بني ال َقتىل‪َ ،‬‬ ‫ار‪ ،‬فإنه ْارت َّ‬‫النج ِ‬
‫َّ‬
‫أصحاب بِ ِئر َمعون َة‬
‫َ‬ ‫شهرا َيدعو عىل ا َّلذين قتَلوا ال ُق َّرا َء‬
‫رسول اهلل ﷺ ً‬ ‫ُ‬ ‫وقن ََت‬
‫تائبني ُمسلِمني(‪.)2‬‬‫جاؤوا ِ‬
‫بعدَ الركوعِ‪ُ ،‬ثم َتركَه ملَّا ُ‬

‫ُث)‪ :‬أي‪ُ :‬محل من املعركة مثخنًا ضعي ًفا‪.‬‬


‫(ارت َّ‬
‫(‪ْ )1‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)1002‬ومسلم (‪.)677‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪313‬‬

‫‪ -12‬فصل [يف غزوة نبدر الثانم ]‬


‫سفيان قال عندَ انرصافِه ِمن ٍ‬
‫أحد‪ :‬موعدُ كم وإيانا العا َم‬ ‫َ‬ ‫وقد تقدَّ م أن أبا‬
‫ملوعده يف ألف‬‫ِ‬ ‫خر َج رسول اهلل ﷺ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫شعبان من العا ِم‬ ‫َ‬
‫القابل َ‬ ‫بدر‪ ،‬فلام كان‬
‫القابل ٌ‬
‫بن أيب طالب‪،‬‬ ‫عيل ُ‬‫ومخس مئة‪ ،‬وكانت اخليل عرشة أفراس‪ ،‬ومحل لوا َءه ُّ‬
‫بدر‪ ،‬فأقام هبا ثامني َة أيا ٍم‬ ‫ِ‬
‫املدينة عبدَ اهلل ب َن رواحة‪ ،‬فانتهى إىل ٍ‬ ‫واستخ َل َ‬
‫ف عىل‬
‫ألفان ومعهم مخسون‬ ‫ِ‬ ‫ينتظر املرشكني‪ ،‬وخرج أبو سفيان باملرشكني من مك َة‪ ،‬وهم‬
‫ٍ‬
‫مرحلة من مك َة‪ -‬قال هلم أبو سفيان‪ :‬إن العا َم‬ ‫انتهوا إىل مر الظهران ‪-‬‬
‫فرسا‪ ،‬فلام َ‬
‫ً‬
‫أرجع بكم‪ ،‬فانرصفوا راجعني‪ ،‬وأخلفوا املوعدَ ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫رأيت أين‬
‫ُ‬ ‫جدب‪ ،‬وقد‬‫ٍ‬ ‫عا ُم‬
‫بدر الثانية‪.‬‬
‫ُسمى َ‬
‫بدر املوعد‪ ،‬وت َّ‬
‫فس ِّميت هذه َ‬
‫ُ‬
‫‪ -13‬فصل يف غَزوةِ املُريسمعِ‬
‫احلارث ب َن أيب‬‫َ‬ ‫مخس‪ ،‬وسب ُبها‪ :‬أنه ملا ب َل َغه ﷺ أن‬ ‫ٍ‬ ‫عبان سن َة‬
‫وكانت يف َش َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حرب‬ ‫َ‬ ‫ب ُيريدون‬ ‫ِض ٍار س ِّيدَ بني املُصطل ِق سار يف قومه و َمن قدَ َر عليه من َ‬
‫العر ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫احلارث‬ ‫اخلروج‪َ ،‬‬
‫وبلغ‬ ‫ِ‬ ‫رسعوا يف‬ ‫الناس‪ ،‬ف َأ َ‬
‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‬‫ُ‬ ‫فندب‬
‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪،‬‬
‫وج َهه ل َيأت َيه‬ ‫رسول اهلل ﷺ و َقتْله عينَه الذي كان َّ‬ ‫ِ‬ ‫مسري‬ ‫ٍ‬
‫ِضار ومن م َعه‬ ‫ب َن أيب‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َِ‬
‫َفرق عنهم َمن كان م َعهم من‬ ‫وخرب ا ُملسلمني‪ ،‬فخافوا خو ًفا شديدً ا‪ ،‬وت َّ‬ ‫بخربه‬
‫ِ‬
‫العرب‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ومل َيكُن بينهم ِق ٌ‬
‫َ‬
‫وأمواهلُم كام‬ ‫تال‪ ،‬وإنام َأغار عليهم عىل املاء‪ ،‬فس َبى َذ َّ‬
‫رارهيم‬
‫رسول اهلل ﷺ عىل بني املُصطلِق وهم غارون‪ ...‬وذك ََر‬ ‫ُ‬ ‫يف الصحيح‪َ :‬أغار‬
‫َ‬
‫احلديث(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)2541‬ومسلم (‪.)1730‬‬


‫‪ | 314‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫احلارث س ِّيد القو ِم‪ ،‬و َق َعت يف سه ِم‬ ‫السبي ُجويري ُة ُ‬
‫بنت‬ ‫ِ‬ ‫وكان من ُمج ِ‬
‫لة‬
‫وتزو َجها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫بن ٍ‬ ‫ِ‬
‫ثابت ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ َّ‬ ‫قيس‪ ،‬فكا َت َبها‪ ،‬فأ َّدى عنها‬

‫وذلك أن عائش َة‬


‫َ‬ ‫سقط ِعقدٌ لعائش َة فاحتُبِسوا عىل ط َلبِه‪،‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الغزوة‬ ‫ويف هذه‬
‫تلك‬‫رعة أصا َبتْها‪ ،‬وكانت َ‬ ‫الغزوة ب ُق ٍ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ معه يف هذه‬ ‫خر َج هبا‬
‫كانت قد َ‬
‫فخرجت عائش ُة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رجعوا من الغزوة َنزلوا يف بعض املنازل‪َ ،‬‬ ‫فلام َ‬‫عادتَه مع نسائه‪َّ ،‬‬
‫حلاجتِها ُثم رجعت‪ ،‬فف َقدَ ْت ِعقدً ا ألختِها كانت َأعار ْهتا إياه‪ ،‬فرجع ْت ِ‬
‫تلتم ُسه يف‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬
‫رحلون هو َد َجها‪ ،‬فظنُّوها فيه‪،‬‬ ‫النفر الذين كانوا َي َ‬ ‫املوض ِع الذي ف َقدَ تْه فيه‪ ،‬فجاء ُ‬
‫يغشها‬ ‫السن مل َ‬ ‫ِّ‬ ‫اهلودج وال ُينكِرون ِخ َّفته؛ ألهنا ‪ ‬كانت فتي َة‬ ‫َ‬ ‫فحملوا‬ ‫َ‬
‫العقدَ ‪ ،‬فإذا ليس هبا دا ٍع وال‬ ‫نازهلم وقد َأصابت ِ‬ ‫اللحم‪ ،‬فرجعت عائش ُة إىل م ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫فري ِجعون يف ط َلبها‪ ،‬فغ َل َبتْها‬ ‫ِ‬ ‫يب‪ ،‬فق َعدَ ْت يف ِ ِ‬
‫املنزل‪ ،‬وظنَّت أهنم س َيفقدوهنا َ‬ ‫ُجم ٌ‬
‫بن املُع ِّطل‪ :‬إنَّا هلل وإنَّا ِ‬
‫إليه‬ ‫صفوان ِ‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫بقول‬ ‫َعيناها‪ ،‬فنامت‪ ،‬فلم تَس َت ْي ِقظ َّإال‬
‫عرس يف أخريات اجليش؛ ألنه‬ ‫ُ‬ ‫عون‪ ،‬زوج ُة ر ِ‬
‫راج َ‬ ‫ِ‬
‫صفوان قد َّ‬ ‫سول اهلل ﷺ! وكان‬ ‫َ‬
‫احلجاب‪ ،‬فاسرتجع‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نزول‬ ‫كثري النوم‪ ،‬فلام رآها عرفها‪ ،‬وكان يراها َ‬
‫قبل‬ ‫كان َ‬
‫ِ‬
‫تسمع منه إال‬ ‫فقرهبا إليها‪َ ،‬فرك َب ْت وما ك َّلمها كلم ًة واحدةً‪ ،‬ومل َ‬ ‫َ‬
‫وأناخ راحلتَه‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫الظهرية‬ ‫اجليش يف ِ‬
‫نحر‬ ‫ُ‬ ‫اسرتجا َعه‪ ،‬ثم سار هبا يقو ُدها حتى َق ِد َم هبا‪ ،‬وقد َ‬
‫نزل‬
‫ُ‬
‫اخلبيث‬ ‫ليق به‪ ،‬ووجدَ‬ ‫كل منهم بشاكِلته‪ ،‬وما َي ُ‬‫الناس تَك َّلم ٌّ‬
‫ُ‬ ‫فلام ر َأى َ‬
‫ذلك‬ ‫َّ‬
‫واحلسد الذي بني ُض ِ‬
‫لوعه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫يب متن َّفسا‪ ،‬فتن َّفس من كَرب الن ِ‬
‫ِّفاق‬ ‫ابن أ ٍّ ُ ً‬
‫عدو اهلل ُ‬
‫ُّ‬
‫فرقه‪ ،‬وكان‬‫وجي َمعه و ُي ِّ‬ ‫َ‬
‫اإلفك و َيست َْوشيه‪ ،‬و ُيشيعه و ُيذيعه‪َ ،‬‬ ‫فجعل َيستحكِي‬
‫َ‬
‫تقربون إليه به‪.‬‬
‫أصحا ُبه َي َّ‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪315‬‬

‫ورسول اهلل ﷺ ساكِ ٌت ال‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬


‫احلديث‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اإلفك يف‬ ‫أفاض ُ‬
‫أهل‬ ‫قدموا املدين َة َ‬ ‫فلام ِ‬
‫َّ‬
‫شار عليه عيل بأن ُي ِ‬ ‫ِ‬
‫غريها‬‫أخذ َ‬ ‫فارقها و َي ُ‬ ‫ٌّ‬ ‫َشار أصحا َبه يف فراقها‪ ،‬ف َأ َ‬ ‫تكلم‪ ،‬ثم است َ‬ ‫َي ُ‬
‫فعيل ملَّا ر َأى أن ما قيل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وغريه بإمساكها‪ٌّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫شار عليه أسام ُة‬ ‫حيا‪ ،‬و َأ َ‬ ‫حيا ال تَرص ً‬ ‫تَلو ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والريبة إىل ال َي ِ‬ ‫ٌ‬
‫رسول اهلل‬ ‫ب‬ ‫قني‪ ،‬وأسام ُة ملَّا َ‬
‫علم ُح َّ‬ ‫ِّ‬
‫الشك‬ ‫برتك‬
‫أشار َ ْ‬
‫شكوك فيه َ‬ ‫َم‬
‫راءهتا وحصانَتِها وديانتِها ‪ ‬قال كام قال‬ ‫ﷺ هلا وألبيها وعلِم ِمن ِع َّفتها و َب ِ‬
‫سمعوا ذلك‪﴿ :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ﴾‬ ‫الصحابة ملَّا ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سادات‬ ‫وغريه من‬ ‫وب‬
‫ُ‬ ‫أبو أ ُّي َ‬
‫ِ‬
‫املعرفة به‪،‬‬ ‫تسبيحهم هلل وتنزهيِهم له يف هذا املقا ِم من‬ ‫ِ‬ ‫[النور‪ ،]16 :‬وتأ َّمل ما يف‬
‫جيعل لرسولِه وخليلِه وأكر ِم اخللق عليه امرأ ًة خبيث ًة‬ ‫يليق به أن َ‬ ‫وتنزهيِه عام ال ُ‬
‫بغ ًّيا!‬
‫َ‬
‫وبحث‬ ‫َ‬
‫وسأل عنها‬ ‫رسول اهلل ﷺ تو َّقف يف ِ‬
‫أمرها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫فإن قيل‪ :‬فام ُ‬
‫بال‬
‫وهال قال‪﴿ :‬ﯛ ﯜ‬ ‫أعرف باهلل وبمنزلتِه عندَ ه وبام ُ‬
‫يليق به‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫واستشار‪ ،‬وهو‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الصحابة؟‬ ‫ﯝ ﯞ﴾ [النور‪ ،]16 :‬كام قاله فضال ُء‬
‫ِ‬
‫وأهل بيته عندَ ه‬ ‫ظهر منزل َة رسولِه‬
‫أحب أن ُي َ‬
‫َّ‬ ‫فاجلواب‪ :‬أن اهلل سبحانه‬
‫ويتوىل هو بنفسه الدفا َع‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫القضية‬ ‫رج رسو َله عن هذه‬ ‫وكرامتَهم عليه‪ ،‬وأن ُخي َ‬
‫عمل وال‬‫يكون له فيه ٌ‬ ‫ُ‬ ‫بأمر ال‬ ‫ِ‬
‫أعدائه وذ َّمهم وعي َبهم ٍ‬ ‫واملنافح َة عنه والر َّد عىل‬
‫وأهل بيتِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الثائر لرسولِه‬ ‫ِّ‬
‫املتويل لذلك َ‬ ‫نسب إليه بل يكون هو وحدَ ه‬ ‫ُي ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ كان هو املقصو َد باألذى والتي ُرميت زوجتُه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وأيضا فإن‬
‫ً‬
‫املقارب للعل ِم برباءهتا‪،‬‬ ‫برباءهتا مع ِ‬
‫علمه أو ظنِّه الظ َن‬ ‫ِ‬ ‫يليق به أن يشهدَ‬
‫فلم يكن ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫اإلفك قال‪:‬‬ ‫استعذر ِمن ِ‬
‫أهل‬ ‫قط‪ ،‬وحاشاه وحاشاها؛ ولذلك ملا‬ ‫يظن هبا سو ًءا ُّ‬
‫َ‬ ‫ومل َّ‬
‫خريا‪ ،‬ولقد‬ ‫ٍ‬
‫رجل َب َلغَني أذاه يف أهيل‪ ،‬واهلل ما‬ ‫«من ِ‬
‫علمت عىل أهيل إال ً‬
‫ُ‬ ‫يعذرين يف‬ ‫َ‬
‫‪ | 316‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫يدخل عىل أهيل إال معي»‪ ،‬وكان‬‫ُ‬ ‫خريا‪ ،‬وما كان‬


‫علمت عليه إال ً‬ ‫ُ‬ ‫ذكروا ً‬
‫رجال ما‬
‫ِ‬
‫لكامل‬ ‫أكثر مما عندَ املؤمنني‪ ،‬ولكن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرائن التي تشهدُ برباءة الصديقة ُ‬ ‫عندَ ه من‬
‫ِ‬
‫وحسن‬ ‫ِ‬
‫والثبات‬ ‫ِ‬
‫الصرب‬ ‫وحسن ظنِّه بر ِّبه وثقتِه بِه‪َّ ،‬‬
‫وىف مقا َم‬ ‫ِ‬ ‫صربه وثباتِه ور ِ‬
‫فقه‬ ‫ِ‬
‫قدره‪ ،‬وظهر‬ ‫ورس قل َبه وع َّظم َ‬
‫أقر عينَه‪َّ ،‬‬ ‫الوحي بام َّ‬ ‫ُ‬ ‫الظ ِّن باهلل ح َّقه حتى جاءه‬
‫واعتناؤه بشأنِه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ألمتِه احتفاء ر ِّبه به‬

‫فحدُّ وا‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫وملَّا جا َء‬


‫رصح باإلفك‪ُ ،‬‬ ‫بمن َّ‬ ‫رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫أمر‬
‫الوحي َبرباءهتا َ‬ ‫ُ‬
‫ألن‬ ‫ِ‬
‫اإلفك‪ ،‬فقيل‪َّ :‬‬ ‫رأس ِ‬
‫أهل‬ ‫َ‬
‫يب مع أنه ُ‬ ‫اخلبيث عبدَ اهلل بن أ ٍّ‬ ‫حيدَّ‬
‫ثامنني‪ ،‬ومل َ ُ‬‫َ‬ ‫ثامنني‬
‫َ‬
‫هلل‬ ‫َ‬
‫لذلك‪ ،‬وقد و َعدَ ه ا ُ‬ ‫واخلبيث ليس ً‬
‫أهال‬ ‫ُ‬ ‫فيف عن أهلِها وك َّفارةٌ‪،‬‬ ‫حلدو َد َخت ٌ‬ ‫ا ُ‬
‫اآلخ ِ‬
‫بالعذاب العظي ِم يف ِ‬
‫رة‪ ،‬ف َيكفيه ذلك عن احلدِّ ‪.‬‬ ‫ِ َ‬
‫ِ‬ ‫فج َلدَ ِمس َطح بن ُأثاث َة‪،‬‬
‫من‬
‫بنت َج ْحش‪ ،‬وهؤالء َ‬ ‫بن ثابت‪ ،‬ومحن َة َ‬ ‫وحس َ‬
‫ان َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َكفريا‪.‬‬
‫َطهريا هلم وت ً‬ ‫املُؤمنني الصادقني ت ً‬

‫‪ -14‬فصل يف غزوة اخلَندَق‬


‫ِ‬
‫اخلندق أن‬ ‫ِ‬
‫غزوة‬ ‫سبب‬ ‫ال‪ ،‬وكان‬ ‫شو ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وكانت يف ِ‬
‫ُ‬ ‫مخس من اهلجرة يف َّ‬ ‫سنة‬
‫أح ٍد‪ ،‬وعلِموا بميعاد أيب ُس َ‬
‫فيان‬ ‫ِ‬
‫رشكني عىل ا ُملسلمني يو َم ُ‬ ‫انتصار املُ ِ‬
‫َ‬ ‫اليهو َد ملَّا ر َأ ْوا‬
‫خرج أرشا ُفهم كسال ِم بن أيب‬ ‫ِ‬
‫املقبل َ‬ ‫رجع للعا ِم‬
‫َ‬ ‫لذلك‪ُ ،‬ثم‬
‫َ‬ ‫فخرج‬
‫َ‬ ‫لغزو املسلِمني‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬
‫قريش بمك َة ُحي ِّرضوهنم‬ ‫بن الربيعِ‪ ،‬وغريهم إىل‬ ‫قيق‪ ،‬وسالم بن ِمش َك ٍم‪ ،‬وكِنان َة ِ‬ ‫حل ِ‬ ‫ا ُ‬
‫ِ‬
‫بالنرص هلم‪،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ و ُيؤ ِّلبوهنم عليه‪ ،‬وو َعدوهم من أن ُف ِسهم‬ ‫ِ‬ ‫عىل ِ‬
‫غزو‬
‫فان‪ ،‬فد َع ْوهم‪ ،‬فاستجابوا هلم‪ُ ،‬ثم طافوا يف‬ ‫خرجوا إىل غ َط َ‬ ‫قريش‪ُ ،‬ثم َ‬ ‫ف َأجا َبتْهم ٌ‬
‫فخر َجت ٌ‬
‫قريش‬ ‫استجاب‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫فاستجاب هلم ِ‬
‫من‬ ‫َ‬ ‫دعوهنم إىل ذلك‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫العرب َي‬ ‫ِ‬
‫قبائل‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪317‬‬

‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫وخرج ْت‬
‫َ‬ ‫الظهران‪،‬‬ ‫فيان يف أربعة آالف‪ ،‬ووا َفتْهم بنو سليم ِّ‬
‫بمر‬ ‫وقائدُ هم أبو ُس َ‬
‫غطفان وقائدُ هم عيين ُة بن حصن‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫مرة‪ ،‬وجاءت‬ ‫وأشجع وبنو َّ‬ ‫ُ‬ ‫بنو أسد وفزار ُة‬
‫واىف اخلندَ ق من ال ُك َّفار عرش ُة ٍ‬
‫آالف‪.‬‬ ‫وكان َمن َ َ‬
‫بم ِ‬ ‫فلام ِ‬
‫شار عليه‬‫َشار الصحاب َة‪ ،‬ف َأ َ‬ ‫سريهم إليه است َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫ُ‬ ‫سم َع‬ ‫َّ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املدينة‪ ،‬ف َأ َم َر به‬ ‫العدو وبني‬ ‫ول بني‬ ‫ندق َحي ُ‬ ‫بحفر َخ ٍ‬
‫ِ‬ ‫الفاريس‬ ‫َس ُ‬
‫لامن‬
‫ِّ‬ ‫ُّ‬
‫آالف من ا ُملسلِمني‪ ،‬فتَحصن باجلب ِل من ِ‬
‫خلفه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ثالثة‬ ‫رسول اهلل ﷺ يف‬ ‫ُ‬ ‫وخرج‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫وباخلندق أما َمه‪.‬‬
‫واستخلف عىل‬ ‫ِ‬
‫املدينة‪،‬‬ ‫فج ِعلوا يف آطا ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫والذرار ِّي ُ‬ ‫بالنساء‬ ‫النبي ﷺ‬
‫وأ َم َر ُّ‬
‫ابن أ ِّم مكتو ٍم‪.‬‬
‫املدينة َ‬
‫كعب بن‬
‫ُ‬ ‫أخطب إىل َبني ُقريظ َة فدَ نا من ِحصنِهم‪ ،‬فأ َبى‬‫َ‬ ‫يي بن‬ ‫وانط َلق ُح ُّ‬
‫أس ٍد أن َيفت ََح له‪ ،‬فلم َي َز ْل ُيك ِّلمه حتى فت ََح له‪ ،‬فلم َي َز ْل به حتَّى ن َق َض العهدَ الذي‬
‫َ‬
‫رشكون‪،‬‬‫فرس بذلك املُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ودخل مع املُ ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫رشكني يف ُحماربته‪َّ ُ ،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫بينَه وبني‬
‫بمحمد أن جيي َء حتى يدخل معه يف‬ ‫ٍ‬ ‫كعب عىل ُحيي أنه إن مل يظفروا‬ ‫ورش َط‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫ووىف له به‪.‬‬‫حصنه‪ ،‬ف ُيصيبه ما أصابه‪ ،‬فأجابه إىل ذلك‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬

‫هد‪ ،‬فع ُظ َم ذلك عىل‬ ‫رسول اهلل ﷺ خرب بني ُقريظ َة و َن ْق ُضهم للع ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وبلغ‬
‫ُ‬
‫ِِ‬ ‫هلل َأك َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫املُسلِمني‪ ،‬فقال‬
‫َش املُ ْسلم َ‬
‫ني»‪،‬‬ ‫َشوا َيا َم ْع َ َ‬
‫َْب‪ ،‬أ ْب ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ عند ذلك‪« :‬ا ُ َ ُ‬‫ُ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ يف‬ ‫بعض بني حارث َة‬ ‫َ‬
‫واستأذن ُ‬ ‫ُ‬
‫النفاق(‪،)1‬‬ ‫ونج َم‬‫واشتَدَّ البال ُء‪َ ،‬‬
‫املدينة‪ ،‬وقالوا‪﴿ :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾ [األحزاب‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫هاب إىل‬‫الذ ِ‬‫َّ‬
‫ِ‬
‫بالفشل‪ ،‬ثم ث َّب َت اهلل الطائفتني‪.‬‬ ‫وه َّم بنو سلم َة‬
‫‪َ ،]13‬‬

‫(‪ )1‬أي‪ :‬ظهر وطلع‪.‬‬


‫‪ | 318‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫ألجل‬ ‫شهرا‪ ،‬ومل َيكُن بينهم ٌ‬
‫قتال‬ ‫َ‬ ‫رشكون ُحم ِ‬‫وأقا َم املُ ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ ً‬ ‫ارصين‬
‫وارس من ُق ٍ‬ ‫ِ‬ ‫خل ِ‬
‫ريش منهم‬ ‫ندق بينهم وبني املُسلمني‪َّ ،‬إال أن َف َ‬ ‫حال اهلل به من ا َ‬ ‫ما َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فلام و َقفوا عليه قالوا‪ :‬إن هذه‬ ‫نحو اخلندق‪َّ ،‬‬ ‫مرو ب ُن عبد و ٍّد‪ ،‬ومجاعة معه َأق َبلوا َ‬ ‫َع ُ‬
‫ِ‬ ‫َيمموا مكانًا ضي ًقا من‬ ‫العرب ت ِ‬
‫اخلندق‪ ،‬فاقت ََحموه‪،‬‬ ‫َعرفها‪ُ ،‬ثم ت َّ‬ ‫ُ‬ ‫َمكيد ٌة ما كانت‬
‫ِ‬ ‫وس ْلعٍ‪ ،‬ود َع ْوا إىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فانتدب‬
‫َ‬ ‫الرباز‪،‬‬ ‫وجالت هبم خي ُلهم يف السبخة بني اخلَندق َ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عيل‪ ،‬وكان من‬ ‫فبار َزه‪ ،‬فق َت َله اهللُ عىل يدي ٍّ‬‫طالب ‪َ ،‬‬ ‫عيل بن أيب‬‫ل َعمرو ُّ‬
‫عار ا ُملسلِمني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫واهنز َم الباقون إىل َأ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جعان املُ ِ‬ ‫ُش‬
‫صحاهبم‪ ،‬وكان ش ُ‬ ‫َ‬ ‫وأبطاهلم‪،‬‬ ‫رشكني‬
‫نرصون»‪.‬‬ ‫ٍِ‬
‫يومئذ‪« :‬حم ال ُي َ‬
‫يصالح‬
‫َ‬ ‫رسول اهلل صىل ﷺ أن‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫احلال عىل املسلمني أراد‬ ‫وملا طا َل ْت هذه‬
‫ثامر املدينة‪ ،‬وينرصفا‬ ‫واحلارث بن عوف رئييس غطفان‪ ،‬عىل ِ‬
‫ثلث ِ‬ ‫َ‬ ‫عيين َة ب َن حصن‬
‫َ‬
‫رسول‬ ‫وجرت املراوض ُة عىل ذلك‪ ،‬فاستشار السعدَ ْي ِن يف ذلك‪ ،‬فقاال‪ :‬يا‬ ‫ِ‬
‫بقومهام‪َ ،‬‬
‫أمرك هبذا فسم ًعا وطاع ًة‪ ،‬وإن كان شي ًئا تصنعه لنا فال حاج َة لنا به‪،‬‬‫اهلل إن كان اهلل َ‬
‫الرشك باهلل وعبادة األوثان وهم ال يطمعون أن‬ ‫ِ‬ ‫لقد كنا نحن وهؤالء القو ُم عىل‬
‫أكر َمنا اهلل باإلسال ِم وهدانا له َّ‬
‫وأعزنا بك‬ ‫قرى أو بي ًعا‪ ،‬فحني َ‬‫يأكلوا منها ثمر ًة إال ً‬
‫يشء‬
‫رأهيام‪ ،‬وقال‪« :‬إنام هو ٌ‬
‫فصوب َ‬
‫السيف‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫نُعطيهم أموالنا؟! واهلل ال نُعطيهم إال‬
‫ٍ‬
‫واحدة»‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫قوس‬ ‫رمتْكم عن‬
‫العرب قد َ‬
‫َ‬ ‫رأيت‬
‫ُ‬ ‫أصن ُعه لكم؛ ملا‬

‫وهزم‬
‫العدو‪َ ،‬‬ ‫خذ َل به‬ ‫ُثم إن اهللَ ‪- ‬وله احلمدُ ‪ -‬صنَع أمرا من ِع ِ‬
‫نده َ‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫فان ُيقال له‪:‬‬ ‫رج ًال من غ َط َ‬ ‫ِ‬ ‫به ُمجو َعهم‪َّ ،‬‬
‫وفل َحدَّ هم‪ ،‬فكان ممَّا ه َّيأ من ذلك أن ُ‬
‫سول اهلل‪ ،‬إين‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال‪ :‬يا َر َ‬ ‫عام ٍر ‪ ‬جاء إىل‬‫بن ِ‬ ‫ِ‬
‫مسعود ِ‬ ‫ُعيم ب ُن‬
‫ن ُ‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪319‬‬

‫ْت رج ٌل و ِ‬ ‫فم ْرين بام ِش ْئت‪ .‬فقال‬


‫احدٌ َف َخذ ْل‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِن ََّام َأن َ َ ُ َ‬
‫ُ‬ ‫قد َأس َل ْمت‪ُ ،‬‬
‫ت‪َ ،‬فإِ َّن َْ‬
‫احل ْر َب َخدْ َع ٌة»(‪.)1‬‬ ‫َعنَّا َما ْاس َت َط ْع َ‬
‫عشريا هلم يف اجلاهلية‪ ،‬فدخل‬ ‫فذهب ِمن ِ‬
‫فوره ذلك إىل بني قريظ َة‪ ،‬وكان‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫بإسالمه‪ ،‬فقال‪ :‬يا بني قريظ َة‪ ،‬إنكم قد حاربتم حممدً ا‪،‬‬ ‫عليهم وهم ال يعلمون‬
‫ِ‬
‫بالدهم راجعني‬ ‫قريشا إن أصابوا فرص ًة انتهزوها‪ ،‬وإال انشمروا إىل‬
‫ً‬ ‫وإن‬
‫نعيم؟ قال‪ :‬ال تقاتلوا معهم‬ ‫لعمل يا ُ‬‫وتركوكم وحممدً ا‪ ،‬فانت َق َم منكم‪ ،‬قالوا‪ :‬فام ا ُ‬
‫ٍ‬
‫قريش‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وجهه إىل‬ ‫أرشت بالرأي‪ ،‬ثم مَض عىل‬ ‫َ‬ ‫حتى ُيع ُطوكم رهائ َن‪ ،‬قالوا‪ :‬لقد‬
‫ِ‬
‫ونصحي لكم‪ ،‬قالوا‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬إن هيو َد قد ند ُموا عىل ما‬ ‫فقال هلم‪ :‬تعلمون و ِّدي‬
‫حممد وأصحابِه‪ ،‬وإهنم قد راسلوه أهنم يأخذون منكم‬ ‫ٍ‬ ‫نقض ِ‬
‫عهد‬ ‫ِ‬ ‫كان منهم من‬
‫رهائن يدفعوهنا إليه‪ ،‬ثم ُياملِئونه عليكم‪ ،‬فإن سألوكم رهائ َن فال تُعطوهم‪ ،‬ثم‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫شوال بعثوا إىل‬ ‫السبت ِمن‬
‫ِ‬ ‫ذهب إىل غطفان فقال هلم مثل ذلك‪ ،‬فلام كانت ليل ُة‬ ‫َ‬
‫واخلف‪[ ،‬فاهنَضوا] بنا حتى‬ ‫ُّ‬ ‫الكراع‬ ‫َ‬
‫هلك‬ ‫ِ‬
‫بأرض مقا ٍم‪ ،‬وقد‬ ‫ِ‬
‫اليهود‪ :‬إنَّا لسنا‬
‫ُ‬
‫نناجزه‪ ،‬فأرسلوا إليهم‪ :‬إن اليو َم يو ُم السبت‪ ،‬وقد َع ِلمتم ما أصاب َمن قبلنا َ‬
‫حني‬ ‫َ‬
‫أحدثوا فيه‪ ،‬ومع هذا فإنَّا ال ُ‬
‫نقاتل معكم حتى تَب َعثوا إلينا رهائ َن‪ ،‬فلام جا َء ْهتم‬
‫ُ‬
‫نرسل‬ ‫رس ُلهم بذلك قالت ٌ‬
‫قريش‪ :‬صد َقكم واهلل نُعيم‪ ،‬فبعثوا إىل هيود‪ :‬إنَّا واهلل ال‬
‫فاخرجوا معنا حتى نناجز حممدً ا‪ ،‬فقالت قري ُظة‪ :‬صد َقكم واهلل نُعيم‪،‬‬
‫إليكم أحدً ا‪ُ ،‬‬
‫ِ‬
‫الفريقان‪.‬‬ ‫فتخا َذ َل‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن هشام يف السرية النبوية ‪ ،229/2‬وابن سعد يف الطبقات ‪ ،209/4‬والطربي يف تارخيه‬
‫‪.577/2‬‬
‫‪ | 301‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ُقوض ِخيا َمهم‪،‬‬ ‫الريح‪ ،‬فج َع َلت ت ِّ‬


‫ِ‬ ‫املرشكني ُجندً ا من‬ ‫رسل اهللُ ‪ ‬عىل ِ‬ ‫و َأ َ‬
‫ِ‬
‫رار‪ ،‬وجندً ا من‬ ‫درا َّإال ك َف َأ ْهتا‪ ،‬وال ُطنْ ًبا َّإال َق َل ْعته‪ ،‬وال َي َق ُّر هلم َق ٌ‬ ‫وال تدَ ُع هلم ق ً‬
‫(‪)1‬‬

‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬


‫وأرسل‬ ‫واخلوف‪،‬‬
‫َ‬ ‫الرعب‬ ‫زلزلوهنم‪ ،‬و ُيلقون يف ُقلوهبم‬ ‫ِ‬
‫املالئكة ُي ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫للرحيل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫احلال‪ ،‬وقد َهت َّيئوا‬ ‫فوجدَ هم عىل هذه‬ ‫اليامن َيأتيه َ ِ‬‫ِ‬ ‫ُحذيف َة ب َن‬
‫بخربهم‪َ ،‬‬
‫برحيل القو ِم‪ ،‬ف َأ َ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ وقد‬ ‫ُ‬ ‫صبح‬ ‫ِ‬ ‫فرجع إىل رسول اهلل ﷺ ليال‪ ،‬ف َأ َ َ‬
‫خربه‬ ‫َ‬
‫وأعز ُجندَ ه‪،‬‬
‫َّ‬ ‫تاهلم‪ ،‬فصدَ َق وعدَ ه‪،‬‬ ‫هلل ِق َ‬ ‫خريا‪ ،‬وكفا ُه ا ُ‬ ‫ِ‬
‫عدوه ب َغ ْيظهم مل َينالوا ً‬ ‫َر َّد اهللُ َّ‬
‫حزاب وحدَ ه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ونرص عبدَ ه‪ ،‬وهز َم األَ‬ ‫َ‬
‫غتس ُل يف‬ ‫ربيل عليه السالم وهو ي ِ‬ ‫الح‪ ،‬فجا َءه ِج ُ‬ ‫َ‬
‫فدخل املدين َة‪،‬‬
‫َ‬ ‫الس َ‬‫ووضع ِّ‬‫َ‬
‫فقال‪َ :‬أو َضعتُم السالح! إن املَ ِ‬
‫الئ َك َة مل ت ََض ْع بعدُ َأ ْسلِ َحتَها‪ ،‬اهنَ ْض‬ ‫ِ‬
‫بيت ُأم س َلم َة‪َ ِّ ُ ْ َ َ ،‬‬
‫َان َس ِام ًعا ُمطِي ًعا‪َ ،‬ف َال‬ ‫ُ‬ ‫هؤالء ‪َ -‬يعنِي‪َ :‬بني ُقريظ َة‪ -‬فنا َدى‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬م ْن ك َ‬ ‫إىل‬
‫رساعا‪ ،‬فكان ِمن ِ‬ ‫فخرج املُسلِمون‬ ‫ِ‬
‫ِص إِ َّال ِيف َبني ُق َر ْي َظ َة» ‪َ ،‬‬
‫أمرهم‬ ‫ني ا ْل َع ْ َ‬
‫ُي َصل َ َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫ً‬
‫عرشة ِمن‬‫ٍ‬ ‫ُشهدَ يو َم اخلندق ويو َم قريظ َة نحو‬ ‫وأمر بني قريظ َة ما قدَّ مناه‪ ،‬واست ِ‬ ‫ِ‬
‫املسلمني‪.‬‬

‫‪ -15‬فصل يف قِصَّ احلُديبم ِ‬


‫بذي احل ِ‬
‫ليفة‬ ‫مئة‪ ،‬فلام كانوا ِ‬
‫عدة‪ ،‬وكانوا أل ًفا وأربع ٍ‬
‫ست يف ذي ال َق ِ‬
‫كانت سن َة ٍّ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫بني يديه عينًا له من‬
‫وبعث َ‬‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ اهلدي و َأشعره‪ ،‬وأحرم بالع ِ‬
‫مرة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ق َّلد‬
‫َ َ ُ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫سفان َأتا ُه عينُه فقال‪ :‬إين َتركْت‬
‫َ‬ ‫ُخزاع َة ُخي ِربه عن ُق ٍ‬
‫ريش‪ ،‬حتى إذا كان قري ًبا من ُع‬

‫(‪( )1‬ال ُّطنْب)‪ :‬حبل اخلباء‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)946‬ومسلم (‪.)1770‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪300‬‬

‫مجعوا لك مجو ًعا‪ ،‬وهم ُمقاتِلوك‬ ‫حابيش‪ ،‬و َ‬ ‫َ‬ ‫مجعوا لك األَ‬ ‫ؤي قد َ‬ ‫كعب بن ُل ٍّ‬ ‫َ‬
‫النبي ﷺ أصحا َبه وقال‪َ « :‬أت ََر ْو َن َأ ْن‬ ‫ُّ‬ ‫َشار‬
‫عوك‪ ،‬فاست َ‬ ‫البيت ومانِ َ‬ ‫ِ‬ ‫وك عن‬ ‫وصا ُّد َ‬
‫عانوه ْم َفنُصي َب ُه ْم‪َ ،‬فإِ ْن َق َعدوا َق َعدوا َم ْو‬ ‫ذين َأ‬ ‫ِ‬ ‫َميل إِ َىل َذ ِ‬
‫تورين‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫راري َهؤالء ا َّل َ‬ ‫ن َ‬
‫فم ْن َصدَّ نا َعنْ ُه‬ ‫ت‪َ ،‬‬ ‫روبني‪َ ،‬وإِ ْن ََييئُوا َتك ُْن ُعنُ ًقا َق َط َعها اهللُ‪َ ،‬أ ْم ت ََر ْو َن َأ ْن ن َُؤ َّم ال َب ْي َ‬ ‫َ‬ ‫حم‬
‫َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َجئ‬ ‫هلل ورسو ُله أع َل ُم‪ ،‬إنَّا ج ْئنا ُمعتَمرين ومل ن ْ‬ ‫َقا َت ْلنا ُه؟»‪ ،‬فقال أبو َبكْر ‪ :‬ا ُ‬
‫وحوا‬ ‫النبي ﷺ‪َ « :‬ف ُر ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ِلقتال َأ َحد‪ ،‬ولكن َمن حال بينَنا وبني البيت قا َت ْلناه‪ ،‬فقال‬
‫الطريق قال النبي ﷺ‪« :‬إِ َّن خالِدَ بن الو ِ‬
‫ليد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ببعض‬ ‫إِ ًذا»‪ ،‬فراحوا حتى إذا كانوا‬
‫َ َ‬ ‫ُّ‬
‫ني»‪ ،‬فواهللِ ما ش َع َر هبم خالدٌ حتَّى‬ ‫ذات ال َي ِم ِ‬ ‫ش َطلي َع ًة َفخُ ذوا َ‬ ‫بِالغَمي ِم يف ٍ‬
‫جند ل ُق َر ْي ٍ‬
‫ٍ‬
‫لقريش‪.‬‬ ‫َذيرا‬
‫وانطلق َيرك ُُض ن ً‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫اجليش(‪،)1‬‬ ‫إذا هو ب َق َرت ِة‬

‫راحلتُه‪،‬‬ ‫نية ا َّلتي هيبِط عليهم منها بركَت به ِ‬ ‫وسار النبي ﷺ حتَّى إذا كان بال َّث ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫ت ال َقصوا ُء‪ .‬فقال‬ ‫خأل ِ‬
‫ت ال َقصوا ُء‪َ َ ،‬‬ ‫أل ِ‬
‫فأحلَّ ْت‪ ،‬فقالوا‪َ :‬خ َ َ‬ ‫الناس‪َ :‬ح ْل َح ْل‪َ .‬‬ ‫فقال‬
‫ُ‬
‫اك َهلا بِخُ ُل ٍق‪ ،‬و َلكِن حبسها حابِس ِ‬
‫الف ِ‬ ‫واء‪َ ،‬و َما َذ َ‬ ‫النبي ﷺ‪« :‬ما َخ َ َ ِ‬
‫يل»‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ َََ‬ ‫ألت ال َق ْص ُ‬ ‫ُّ‬
‫مون فِيها حر ِ‬
‫مات اهللِ إِ َّال‬ ‫لوين ُخ َّط ًة ُي َعظ َ‬‫حممد بِ َي ِد ِه َال َي ْس َأ ِ‬
‫ٍ‬ ‫ُثم قال‪َ « :‬وا َّل ِذي َن ْف ُس‬
‫ُُ‬
‫فعدل حتى َنز َل ب َأقىص احل ِ‬
‫ديبية عىل َثمد‬ ‫زجرها فو َث َبت به‪َ ،‬‬ ‫َأ ْع َط ْيت ُُه ْم إِ َّياها»‪ُ ،‬ثم َ‬
‫(‪)2‬‬
‫ُ‬
‫الناس أن َنزحوه‪ ،‬فشك َْوا إىل رسول‬ ‫رب ًضا‪ ،‬فلم َيل َبث‬ ‫َق ِ ِ‬
‫الناس َت ُّ‬ ‫َرب ُضه‬
‫ليل املاء َيت َ َّ‬
‫(‪)3‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ ِ‬
‫أمر ُهم أن َجي َعلوه فيه‪ .‬قال‪ :‬فواهللِ ما‬ ‫سهام من كنانته ُثم َ‬ ‫فانتز َع ً‬
‫العطش‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫اهلل ﷺ‬
‫بالر ِّي حتَّى صدَ روا عنه‪.‬‬ ‫يش هلم ِّ‬ ‫زال َجي ُ‬

‫(‪َ ( )1‬ق َرتة اجليش)‪ :‬غربته‪.‬‬


‫(‪َ ( )2‬ثمد)‪ :‬املاء القليل الذى ال مادة له‪.‬‬
‫الرجل حاجتَه َأ َخذها َقلِ ًيال َقلِ ًيال‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َربض‬ ‫ِ‬
‫َرب ُض)‪ :‬ماء َب ْر ٌض قليل‪ ،‬وت َ َّ‬
‫(‪َ ( )3‬يت َ َّ‬
‫‪ | 302‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫رج ًال‬
‫رسول اهلل ﷺ أن َيب َعث إليهم ُ‬ ‫ُ‬ ‫فأحب‬
‫َّ‬ ‫قريش لنُزولِه عليهم‪،‬‬
‫وفز َعت ٌ‬ ‫ِ‬
‫دح فقالوا‪ :‬أين تُريدُ ؟‬ ‫فمر عىل ُقريش ب َب ْل ٍ‬ ‫َ‬
‫عفان َّ‬ ‫َ‬
‫فأرسل ُع َ‬
‫ثامن ب َن‬ ‫من أصحابِه‪،‬‬
‫خربكم أنَّا مل ن ِ‬
‫َأت‬ ‫رسول اهلل ﷺ َأدعوكم إىل اهللِ وإىل اإلسال ِم‪ ،‬و ُأ ِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫فقال‪ :‬بع َثني‬
‫َ‬
‫حلاجتك‪.‬‬ ‫سمعنا ما مقالتَك‪ ،‬فان ُف ْذ‬ ‫تال‪ ،‬وإنام ِج ْئنا ُعامرا‪ .‬فقالوا‪ :‬قد ِ‬
‫ِلق ٍ‬
‫َّ ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫عثامن‬ ‫فحم َل‬
‫فرسه‪َ ،‬‬ ‫فرحب به و َأ َ‬
‫رسج َ‬ ‫العاص َّ‬ ‫سعيد بن‬ ‫وقام إليه َأ ُ‬
‫بان ب ُن‬
‫الفرس‪ ،‬و َأر َد َفه ُ‬
‫أبان حتى جاء مك َة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫عىل‬

‫أحد ال َفريقني‬ ‫رجل من َ‬ ‫الص ْلح‪َ ،‬فر َمى ُ‬ ‫رشكني يف َأ ْمر ُّ‬ ‫واخ َت َلط املُسلِمون باملُ ِ‬
‫جارة‪ ،‬وصاح‬ ‫واحل ِ‬
‫لنبل ِ‬ ‫اآلخ ِر‪ ،‬وكانت َمعرك ًة‪ ،‬وتَرا َم ْوا با ِ‬ ‫َ‬ ‫رجال من ال َفريق‬ ‫ً‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫وارهتن ُّ‬ ‫ال َفريقان كِ ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫َ‬
‫وبلغ‬ ‫بم ْن فيهم‪،‬‬ ‫كل واحد من ال َفريقني َ‬ ‫المها‪َ َ ،‬‬
‫حتت‬
‫رسول اهلل ﷺ وهو َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البيعة‪ ،‬فثار املُسلِمون إىل‬ ‫ثامن قد قتِ َل‪ ،‬فدعا إىل‬ ‫أن ُع َ‬
‫رسول اهلل ﷺ ب َي ِد َن ْف ِسه وقال‪َ « :‬ه ِذ ِه َع ْن‬
‫ُ‬ ‫رة فبا َيعوه عىل َّأال َي ِف ُّروا‪َ ،‬‬
‫فأخ َذ‬ ‫الشج ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫رجع ُع ُ‬
‫ثامن‪.‬‬ ‫ُع ْث َام َن» ‪ ،‬وملَّا متَّت البيع ُة َ‬
‫(‪)1‬‬

‫زاعي يف ن َفر من ُخزاع َة‪ ،‬وكانوا‬ ‫ديل ب ُن َورقا َء اخلُ ُّ‬ ‫فبينَام هم كذلك إذ جاء ُب ُ‬
‫وعامر‬
‫َ‬ ‫كعب بن ُل ٍّ‬
‫ؤي‬ ‫أهل ِهتام َة‪ ،‬فقال‪ :‬إين َتركْت َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ من ِ‬ ‫ِ‬ ‫عيب َة(‪ )2‬ن ُْص ِح‬
‫طافيل(‪ ،)3‬وهم ُمقاتِلوك‬ ‫ديبية معهم ال ُعو ُذ املَ ُ‬ ‫بن ُلؤي قد َنزلوا َأعداد ِمياه احل ِ‬
‫ُ‬ ‫ٍّ‬ ‫َ‬
‫تال َأ َح ٍد‪َ ،‬و َلكِ ْن ِجئْنا‬ ‫َجئ لِ ِق ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِنَّا َمل ْ ن ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫البيت‪ ،‬قال‬ ‫ِ‬ ‫وك عن‬ ‫وصا ُّد َ‬
‫َض ْت ِهبِ ْم‪َ ،‬فإِ ْن شاؤُ وا ما َد ْد ُ ُُت ْم َو ُ َ‬
‫َي ُّلوا‬ ‫َ‬ ‫رين‪َ ،‬وإِ َّن ُق َر ْي ًشا َهن َ َكت ُْه ُم َ‬ ‫ِ‬
‫احل ْر ُب َوأ َ َّ‬ ‫ُم ْعتَم َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)3698‬‬


‫(‪َ ( )2‬ع ْي َبة)‪ :‬أي‪ :‬موضع رسه‪.‬‬
‫(‪( )3‬ال ُعوذ املَ َطافِيل)‪ :‬اإلبل مع أوالدها‪ ،‬كناية عن خروج النساء والصبيان معهم‪.‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪303‬‬

‫ِ‬
‫مجوا‪،‬‬ ‫الناس‪َ ،‬وإِ ْن شاؤُ وا َأ ْن َيدْ ُخلوا فيام َد َخ َل فيه ُ‬
‫الناس َف َع ُلوا وإِ َّال َف َقدْ َ ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ني‬‫َب ْيني و َب ْ َ‬
‫تال َف َوا َّل ِذي َن ْف ِيس بِ َي ِد ِه َألُ َقاتِ َلن َُّه ْم َعىل َأ ْم ِري َهذا َحتَّى تَن َف ِر َد‬ ‫وإِ ْن هم َأبوا إِ َّال ِ‬
‫الق َ‬ ‫َ ُ ْ َْ‬
‫ديل‪ :‬س ُأبلِغهم ما تَقول‪ ،‬فانط َل َق حتَّى أتَى‬ ‫هلل َأ ْم َر ُه»‪ .‬قال ُب ٌ‬ ‫سالِ َفتي َأ ْو َل ُين ِْف َذ َّن ا ُ‬
‫النبي ﷺ‪.‬‬ ‫ريشا‪ ،‬فحدَّ ثهم بام قال ُّ‬ ‫ُق ً‬
‫ٍ‬
‫رشد‬ ‫عر َض عليكم خط َة‬
‫الثقفي‪ :‬إن هذا قد َ‬ ‫ُّ‬ ‫فقال عرو ُة ب ُن مسعود‬
‫نحوا ِمن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فاقبلوها ودعوين آته‪ ،‬فقالوا‪ :‬ائته‪ ،‬فأتاه فج َع َل ُيك ِّلمه‪ ،‬فقال له النبي ﷺ ً‬
‫استأصلت قو َمك‪ ،‬هل‬
‫َ‬ ‫أرأيت لو‬
‫َ‬ ‫قولِه ل ُبدَ يل‪ ،‬فقال له عرو ُة عندَ ذلك‪ :‬أي حممدُ ‪،‬‬
‫العرب اجتاح أه َله قب َلك؟ وإن تكن األخرى فواهلل إين ألرى‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بأحد من‬ ‫سمعت‬
‫َ‬
‫يفروا ويدعوك‪ ،‬فقال له أبو بكر‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الناس خلي ًقا أن ُّ‬ ‫ً‬
‫أوباشا من‬ ‫وجوها وأرى‬
‫ً‬
‫نفر عنه وندعه؟! قال‪َ :‬من ذا؟ قالوا‪ :‬أبو بكر‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫بظر َّ‬
‫الالت‪ ،‬أنحن ُّ‬ ‫ص َ‬‫امص ْ‬
‫ُ‬
‫أما والذي نفيس بيده‪ ،‬لوال يدٌ كانت لك عندي مل أجزك هبا ألجبتُك‪ .‬ثم إن عرو َة‬
‫النبي ﷺ نخام ًة إال‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ بعينيه‪ ،‬فواهلل ما َّ‬ ‫ج َع َل ُ‬
‫تنخم ُّ‬ ‫أصحاب‬
‫َ‬ ‫يرمق‬
‫وجهه وج َلده‪ ،‬وإذا أمرهم ٍ‬
‫بأمر ابتدروا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫رجل منهم‪ ،‬فدلك هبا‬ ‫كف‬
‫وق َع ْت يف ِّ‬
‫أصواهتم عندَ ه‪ ،‬وما‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫وضوئه‪ ،‬وإذا تك َّلم خفضوا‬ ‫توضأ كادوا يقتتلون عىل‬
‫وإذا َّ‬
‫تعظيام له‪ ،‬فرجع عرو ُة إىل أصحابِه فقال‪ :‬أي قوم‪ ،‬واهلل لقد‬
‫ً‬ ‫النظر إليه‬
‫َ‬ ‫حيدون‬
‫رأيت ملكًا يع ِّظ ُمه‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫امللوك عىل كرسى وقيرص والنجايش‪ ،‬واهلل ما‬ ‫وفدت عىل‬
‫ُ‬
‫رشد فاقبلوها‪.‬‬‫حممد حممدً ا‪ ،‬وقد عر َض عليكم خط َة ٍ‬
‫أصحابه ما يع ِّظم أصحاب ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫النبي ﷺ‬
‫رشف عىل ِّ‬ ‫فلام َأ َ‬
‫رج ٌل من بني كنان َة‪َ :‬دعوين آته‪ .‬فقالوا‪ :‬ائْته‪َّ .‬‬ ‫فقال ُ‬
‫الن‪َ ،‬و ُه َو ِم ْن َق ْو ٍم ُي َعظ َ‬
‫مون ال ُبدْ َن‪َ ،‬فا ْب َعثوها‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬هذا ُف ٌ‬ ‫وأصحابِه‪ ،‬قال‬
‫َل ُه»‪ .‬ف َب َعثوها له‪ ،‬واستَق َب َله القو ُم ُيل ُّبون‪ ،‬ف َل َّام ر َأى ذلك قال‪ُ :‬س َ‬
‫بحان اهلل‪ ،‬ما َين َبغي‬
‫‪ | 304‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫فرجع إىل أصحابِه فقال‪ :‬ر َأ ْيت ال ُبدْ ن قد ُق ِّلدَ ت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هلؤالء أن ُي َصدُّ وا عن البيت‪َ .‬‬
‫ِ‬
‫البيت‪.‬‬ ‫و ُأ ِ‬
‫شع َرت‪ ،‬وما َأ َرى أن ُي َصدُّ وا عن‬
‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫رشف عليهم قال‬ ‫فلام َأ َ‬
‫بن َح ْفص فقال‪َ :‬دعوين آته‪ .‬فقالوا‪ :‬ائْته‪َّ .‬‬ ‫كر ُز ُ‬ ‫فقام م َ‬
‫فاج ٌر»‪ ،‬فج َعل ُيك ِّلم النبي ﷺ‪ ،‬فبينا‬ ‫ص‪َ ،‬و ُه َو َر ُج ٌل ِ‬ ‫النبي ﷺ‪َ « :‬ه َذا ِمك َْر ُز ْب ُن َح ْف ٍ‬ ‫ُّ‬
‫النبي ﷺ‪َ « :‬قدْ ُسه َل َلك ُْم ِم ْن َأ ْم ِرك ُْم»‪،‬‬ ‫مرو‪ ،‬فقال ُّ‬ ‫سهيل ب ُن َع ٍ‬ ‫ُ‬ ‫هو ُيك ِّلمه إذ جا َءه‬
‫ُب‪ :‬بِ ْس ِم اهللِ‬ ‫الكاتب فقال‪« :‬ا ْكت ْ‬ ‫َ‬ ‫ُب بينَنا وبينَكم كِتا ًبا‪ .‬فدعا‬ ‫فقال‪ :‬هات‪ ،‬اكت ْ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ب‪:‬‬ ‫هيل‪ :‬أ َّما الرمح ُن فواهللِ ما نَدري ما هو‪ ،‬ولك ِن اك ُت ْ‬ ‫الرحي ِم»‪ .‬فقال ُس ٌ‬ ‫محن َّ‬ ‫الر ِ‬ ‫َّ‬
‫كنت تَكتُب‪ .‬فقال املُسلِمون‪ :‬واهللِ‪ ،‬ال نَك ُت ُبها َّإال بس ِم اهللِ‬ ‫ِ‬
‫الله َّم كام َ‬ ‫باسم َك ُ‬
‫ُب‪َ :‬ه َذا َما‬ ‫الرمحن الرحي ِم‪ .‬فقال النبي ﷺ‪« :‬اكتُب‪ :‬بِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اسم َك ال َّل ُه َّم»‪ُ .‬ثم قال‪« :‬ا ْكت ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬
‫رسول اهلل ما‬ ‫ُ‬ ‫هيل‪ :‬فواهللِ لو ُكنَّا نَع َلم أنك‬ ‫ول اهللِ»‪ ،‬فقال ُس ٌ‬ ‫حم َّمدٌ َر ُس ُ‬‫اىض َع َل ْي ِه ُ َ‬ ‫َق َ‬
‫عبد اهلل‪ .‬فقال رسول اهلل‬ ‫ناك‪ ،‬ولكِ ِن اكتُب‪ُ :‬حممد بن ِ‬ ‫البيت وال قا َت ْل َ‬ ‫ِ‬ ‫ناك ِ‬
‫عن‬ ‫صدَ ْد َ‬
‫َّ ُ‬ ‫ْ‬
‫النبي ﷺ‪:‬‬ ‫فقال ُّ‬ ‫بن َع ْب ِد اهللِ»‪َ .‬‬ ‫حم َّمدُ ُ‬
‫ُب‪َ ُ :‬‬ ‫هلل َوإِ ْن ك ََّذ ْبت ِ‬
‫ُموين‪ ،‬ا ْكت ْ‬ ‫سول ا ِ‬ ‫ﷺ‪« :‬إِين َر ُ‬
‫العرب‬
‫ُ‬ ‫هلل ال تَتحدَّ ث‬ ‫هيل وا ِ‬ ‫َطوف بِ ِه»‪ .‬فقال ُس ٌ‬ ‫ت َفن َ‬‫«عىل َأ ْن ُ َخت ُّلوا بينَنا وبني البي ِ‬
‫َْ َ َْ َ َْ‬ ‫َ‬
‫أنَّا ُأ ِخ ْذنا َضغط ًة‪ ،‬ولكِ ْن ذلك من العا ِم املُقبِل‪.‬‬

‫النبي‬ ‫ٍ‬
‫فأتيت َّ‬
‫ُ‬ ‫يومئذ‪،‬‬ ‫أسلمت إال‬‫ُ‬ ‫شككت منذ‬
‫ُ‬ ‫عمر بن اخلطاب‪ :‬واهلل ما‬
‫قال ُ‬
‫احلق‬‫قلت‪ :‬ألسنا عىل ِّ‬ ‫نبي اهلل؟ قال‪« :‬بىل»‪ُ .‬‬ ‫ألست َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪،‬‬ ‫فقلت‪ :‬يا‬
‫ُ‬ ‫ﷺ‬
‫ونرجع‬
‫ُ‬ ‫فقلت‪ :‬عال َم نُعطي الدن َّي َة يف ديننا إ ًذا‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الباطل؟ قال‪« :‬بىل»‪.‬‬ ‫وعدونا عىل‬
‫ُّ‬
‫ولست‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬وهو نارصي‪،‬‬ ‫وبني أعدائنا؟ فقال‪« :‬إين‬
‫حيكم اهلل بيننا َ‬
‫ُ‬ ‫وملا‬
‫ونطوف به؟ قال‪« :‬بىل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫البيت‬
‫َ‬ ‫كنت ُحتدثنا أنَّا سنأيت‬
‫أولست َ‬
‫َ‬ ‫قلت‪:‬‬
‫أعصيه»‪ُ .‬‬
‫فأتيت أبا‬
‫ُ‬ ‫وتطوف به» قال‬
‫ُ‬ ‫قلت‪ :‬ال‪ .‬قال‪« :‬فإنك آتيه‬
‫أفأخَبتُك أنك تأتيه العا َم؟» ُ‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪305‬‬

‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫عيل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عيل أبو بكر كام ر َّد َّ‬
‫قلت لرسول اهلل ﷺ‪ ،‬ور َّد َّ‬
‫فقلت له كام ُ‬
‫ُ‬ ‫بكر‬
‫فعملت‬
‫ُ‬ ‫عمر‪:‬‬
‫احلق‪ .‬قال ُ‬ ‫سواء‪ ،‬وزاد‪ :‬فاستمسك ِ‬
‫بغرزه حتى متوت فواهلل إنه لعىل ِّ‬
‫لذلك أع ً‬
‫امال‪.‬‬

‫فانحروا‪ ،‬ثم‬ ‫الكتاب قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬قوموا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قضية‬ ‫فلام فر َغ من‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫مرات‪ ،‬فلام مل ي ُقم‬ ‫َ‬
‫ثالث‬ ‫رجل واحدٌ حتى قال‬ ‫احلقوا»‪ .‬قال‪ :‬فواهلل ما قام منهم ٌ‬
‫منهم أحدٌ قام فدخل عىل أم سلم َة‪ ،‬فذكر هلا ما َل ِق َي من الناس‪ ،‬فقالت أ ُّم سلم َة‪:‬‬
‫تكلم أحدً ا منهم كلم ًة حتى َ‬
‫تنحر ُبدنَك‬ ‫ُ‬ ‫اخرج‪ ،‬ثم ال‬
‫أحتب ذلك؟ ُ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ُّ ،‬‬ ‫يا‬
‫فخر َج فلم يك ِّلم أحدً ا منهم حتى ف َع َل ذلك‪َ :‬‬
‫نحر‬ ‫فيحلق‪ .‬فقام َ‬‫ُ‬ ‫وتدعو حال َقك‬
‫بعضهم‬
‫الناس ذلك قاموا فنحروا‪ ،‬وجعل ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُبدنِه ودعا حال َقه فحل َقه‪ ،‬فلام رأى‬
‫غام‪.‬‬
‫بعضا ًّ‬ ‫بعضهم ُ‬
‫يقتل ً‬ ‫بعضا حتى كاد ُ‬
‫حيلق ً‬
‫ُ‬

‫فصل‬

‫سنني‪ ،‬وأن‬
‫َ‬ ‫عرش‬ ‫ِ‬
‫احلرب َ‬ ‫ِ‬
‫وأهل مك َة عىل وض ِع‬ ‫لح بني املسلمني‬
‫الص ُ‬
‫وجرى ُّ‬
‫يرجع عنهم عا َمه ذلك‪ ،‬حتى إذا كان العا ُم‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫بعض‪ ،‬وأن‬ ‫بعضهم من‬‫الناس ُ‬
‫ُ‬ ‫يأم َن‬
‫ِ‬
‫الراكب‬ ‫ِ‬
‫بسالح‬ ‫املقبل قد َمها وخ َّلوا بينه وبني مك َة فأقام هبا ثال ًثا‪ ،‬وأال يدخ َلها إال‬
‫ُ‬
‫القرب‪ ،‬وأن َمن أتانا ِمن أصحابِك مل نر َّده عليك‪ ،‬و َمن أتاك ِمن‬ ‫ِ‬ ‫والسيوف يف‬
‫َ‬
‫إسالل وال‬ ‫أصحابنا رددتَه علينا‪ ،‬وأن بينَنا وبينك عيب ًة مكفوف ًة‪ ،‬وأنه ال‬
‫َ‬
‫إغالل(‪ ،)1‬فقالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬نعطيهم هذا؟ فقال‪َ « :‬من أتاهم منا فأبعدَ ه اهلل‪،‬‬
‫وُمرجا»‪.‬‬
‫ً‬ ‫ومن أتانا منهم فرددناه عليهم ج َع َل اهلل له ً‬
‫فرجا‬ ‫َ‬

‫َ‬
‫إغالل)‪ :‬ال رسقة وال خيانة‪.‬‬ ‫َ‬
‫إسالل وال‬ ‫(‪( )1‬ال‬
‫‪ | 306‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ويف ِقص ِة احل ِ‬


‫أنزل اهللُ ‪ ‬فدي َة األَذى َملن ح َل َق َ‬
‫رأسه بالصيا ِم أو‬ ‫ديبية َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫َعب ِ‬
‫بن ُعجرةَ‪.‬‬ ‫شأن ك ِ‬ ‫قة أو الن ِ‬
‫ُّسك يف ِ‬ ‫الصدَ ِ‬

‫ِ‬
‫مرةً‪.‬‬
‫قرصين َّ‬ ‫للمح ِّلقني باملَغفرة ثال ًثا‪ُ ،‬‬
‫وللم ِّ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ُ‬ ‫وفيها‪َ :‬دعا‬
‫ٍ‬
‫سبعة‪.‬‬ ‫وفيها‪ :‬نَحروا البدَ ن َة عن س ٍ‬
‫بعة‪ ،‬والب َقر َة عن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مجال كان أليب َج ْهل كان يف َأنْفه‬ ‫رسول اهلل ﷺ يف ِ‬
‫مجلة َهدْ ِيه ً‬ ‫ُ‬ ‫وفيها‪َ :‬أهدَ ى‬
‫بر ٌة من فِ َّضة؛ ل َيغيظ به ا ُمل ِ‬
‫رشكني‪.‬‬
‫ِ‬
‫وعهده‪،‬‬ ‫عقد ر ِ‬
‫سول اهلل ﷺ‬ ‫ودخ َلت ُخزاع ُة يف ِ‬‫الفتح‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫وفيها‪ُ :‬أ ِنزلت سور ُة‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫وعهد ِهم‪.‬‬ ‫كر يف َعقد ُق ٍ‬
‫ريش‬ ‫ودخ َلت بنو َب ٍ‬
‫َ‬

‫‪ -16‬فصل يف نبعضِ ما يف قِص ِ احلُديبم ِ منَ الفوائدِ الفِقهم ِ‬


‫ِ‬
‫احلج‪.‬‬ ‫النبي ﷺ يف َأ ُ‬
‫شهر ِّ‬ ‫امر ِّ‬‫فمنها‪ :‬اعت ُ‬
‫ُ‬
‫أفضل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫امليقات‬ ‫ومنها‪ :‬أن اإلحرام بالع ِ‬
‫مرة م َن‬ ‫ِ‬
‫َ ُ‬
‫ران‪.‬‬ ‫سنون يف ِ‬
‫الق ِ‬ ‫ٌ‬ ‫مرة املُ ِ‬
‫فردة كام هو َم‬ ‫سنون يف الع ِ‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫اهلدي َم‬ ‫ِ‬
‫ومنها‪ :‬أن َس ْوق‬
‫ُ‬
‫إشعار اهل َ ِ‬ ‫ِ‬
‫دي سن ٌة ال ُمثل ٌة َم ٌّ‬
‫نهي عنها‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ومنها‪ :‬أن‬
‫ِ‬
‫أعداء اهللِ‪.‬‬ ‫ومنها‪ :‬استِحباب مغاي ِ‬
‫ظة‬ ‫ِ‬
‫ْ ُ ُ َ‬
‫العدو‪.‬‬ ‫نحو‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫العيون أما َمه َ‬ ‫أمري اجليش َين َبغي له أن َيب َعث‬
‫ومنها‪ :‬أن َ‬
‫ِ‬
‫احلاجة‪.‬‬ ‫هاد ِ‬
‫جائز ٌة عندَ‬ ‫اجل ِ‬ ‫رشك املَ ِ‬
‫أمون يف ِ‬ ‫ِ‬
‫ومنها‪ :‬أن االستعان َة باملُ ِ‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪307‬‬

‫ِ‬
‫الرأي‬ ‫ِ‬
‫لوجه‬ ‫خراجا‬‫وجيشه استِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫شورة اإلما ِم رعيتَه‬ ‫حباب َم‬ ‫ومنها‪ :‬استِ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫ُفوسهم‪ ،‬و َأ ْمنا ل َعتْبِهم؛ لقولِه تعاىل‪﴿ :‬ﭭ ﭮ ﭯ﴾ [آل عمران‪:‬‬ ‫واستِطاب ًة لن ِ‬

‫مدح سبحانه وتعاىل عبا َده بقولِه‪﴿ :‬ﮞ ﮟ ﮠ﴾ [الشورى‪. ]38 :‬‬ ‫‪ ]159‬وقد َ‬
‫رشكني إذا ان َفردوا عن ِر ِ‬ ‫راري املُ ِ‬ ‫ِ‬
‫جاهلم قبل ُمقاتَلة‬ ‫َ‬ ‫بي َذ ِّ‬‫واز َس ِ‬
‫ومنها‪َ :‬ج ُ‬
‫الر ِ‬
‫جال‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫وأهل البِدَ ع وال ُفجور وال ُبغا َة والظلم َة إذا ط َلبوا ً‬
‫أمرا‬ ‫َ‬ ‫ومنها‪ :‬أن املُ ِ‬
‫رشكني‬
‫رمات اهلل تعاىل‪ُ ،‬أجيبوا إليه و ُأعطوه و ُأعينوا عليه‪.‬‬‫يع ِّظمون فيه حرم ًة من ح ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الطرية املكر ِ‬
‫وهة؛ لقوله ملا جاء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفأل‪ ،‬وأنه ليس من‬ ‫استحباب‬ ‫ومنها‪:‬‬
‫ُ‬
‫سهيل‪َ « :‬س ُه َل ُ‬
‫أمركم»‪.‬‬ ‫ٌ‬

‫ببعض ما فيه َض ْيم عىل ا ُملسلِمني جائز ٌة‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املرشكني‬ ‫ومنها‪ :‬أن ُمصاحل َة‬
‫ِ‬
‫الراجحة‪.‬‬ ‫للمص َل ِ‬
‫حة‬ ‫َ‬
‫َّقصري‪ ،‬وأنه نُسك يف الع ِ‬
‫مرة كام‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫أفضل من الت‬ ‫ومنها‪ :‬أن ِ‬
‫احل َ‬
‫الق ن ُُس ٌك‪ ،‬وأنه‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫نس ٌك يف ِّ‬
‫احلج‪.‬‬ ‫هو ُ‬

‫‪ -17‬فصل يف اإلشارة إىل نبعض احلر اليت تضدنتها هذه اهلدن‬

‫أسباهبا‪ ،‬فوقعت الغاي ُة‬


‫َ‬ ‫أحكم‬
‫َ‬ ‫حييط هبا إال اهلل الذي‬ ‫ُّ‬
‫وأجل من أن َ‬ ‫أكثر‬
‫وهي ُ‬
‫عىل الوجه الذي اقتضته حكمتُه ومحدُ ه‪.‬‬

‫الناس َأ ِم َن ُ‬
‫بعضهم‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الفتوح؛ فإن‬ ‫فمنها‪ :‬أن هذه اهلدن َة كانت من أعظ ِم‬
‫َ‬
‫القرآن‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بالدعوة وأسمعوهم‬ ‫ِ‬
‫بالكفار‪ ،‬وبادءوهم‬ ‫بعضا‪ ،‬واختلط املسلمون‬
‫ً‬
‫‪ | 308‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫وناظروهم عىل اإلسال ِم جهر ًة آمنني‪ ،‬وظهر َمن كان خمتف ًّيا باإلسالم‪ ،‬ودخل فيه‬
‫فتحا مبينًا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫يف ِ‬
‫سامه اهلل ً‬
‫يدخل؛ وهلذا َّ‬ ‫اهلدنة َمن شاء اهلل أن‬ ‫مدة هذه‬
‫ِ‬
‫واالنقياد‬ ‫ِ‬
‫واإلذعان‬ ‫ِ‬
‫اإليامن‬ ‫ِ‬
‫زيادة‬ ‫ومنها‪ :‬ما س َّببه اهلل سبحانه للمؤمنني ِمن‬
‫ِ‬
‫وتصديق‬ ‫ِ‬
‫بقضاء اهلل‬ ‫حص َل هلم يف ذلك ِمن الرىض‬ ‫عىل ما أحبوا وكرهوا‪ ،‬وما َ‬
‫ِ‬
‫بالسكينة التي أنزهلا‬ ‫وشهود منَّة اهلل ونعمتِه عليهم‬
‫ِ‬ ‫وانتظار ما ُو ِعدوا به‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫موعوده‪،‬‬
‫ُ‬
‫اجلبال‪.‬‬ ‫ِ‬
‫احلال التي ت َُز ْع َز ُع هلا‬ ‫أحوج ما كانوا إليها يف تلك‬
‫َ‬ ‫يف ِ‬
‫قلوهبم‬

‫‪ -16‬فصل يف غَزو ِة خمربَ‬

‫فنزلت عليه سور ُة‬ ‫رسول اهلل ﷺ عام احل ِ‬


‫ديبية‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫انرصف‬ ‫ابن إسحاق‪:‬‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫قال ُ‬
‫رب ﴿ﮬ ﮭ ﮮ‬ ‫الفتح فيام بني مك َة واملَ ِ‬
‫دينة‪ ،‬ف َأعطا ُه ا ُ‬ ‫ِ‬
‫هلل ‪ ‬فيها خي َ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ املدين َة‬ ‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ﴾ [الفتح‪ ]20 :‬خيرب‪ ،‬ف َق ِدم‬
‫ِ ِ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫املحر ِم‪َ ،‬‬
‫فنزل‬ ‫َّ‬ ‫رب يف‬ ‫يف ذي احلجة‪ ،‬ف َأقا َم هبا حتَّى َ‬
‫سار إىل خي َ‬
‫ُ‬ ‫رب وغ َط َ‬ ‫ٍ‬
‫غطفان‪ ،‬فبات به حتى‬ ‫ف أن متدَّ هم‬
‫فتخو َ‬
‫َّ‬ ‫فان‪،‬‬ ‫بالرجي ِع وهو واد بني خي َ‬
‫أصبح فغدا إليهم‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫َ‬
‫فخرج‬ ‫َ‬
‫لمون‪،‬‬ ‫ب املُس‬ ‫ِ‬ ‫رب َّ‬ ‫ُ‬ ‫وملَّا ِ‬
‫َ‬ ‫الصبح‪ ،‬ورك َ‬
‫َ‬ ‫صىل هبا‬ ‫رسول اهلل ﷺ خي َ‬ ‫قد َم‬
‫فلام ر َأ ُوا‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ُ‬
‫خرجوا ألرضهم‪َّ ،‬‬ ‫بمساحيهم و َمكاتلهم وال َيش ُعرون‪ ،‬بل َ‬ ‫رب َ‬
‫أهل خي َ‬
‫هاربني إىل مدينتهم‪ ،‬فقال‬ ‫رجعوا ِ‬ ‫ميس‪ُ .‬ثم َ‬ ‫اجليش قالوا‪ُ :‬حم َّمد واهللِ‪ ،‬حممدٌ واخلَ ُ‬ ‫َ‬
‫ساح ِة َق ْو ٍم‬
‫َب‪ ،‬إِنَّا إِذا َن َز ْلنا بِ َ‬ ‫َْب‪َ ،‬خ ِر َب ْ‬
‫ت َخ ْي َ ُ‬
‫َ‬
‫َب‪ ،‬اهللُ أك َ ُ‬ ‫كَب‪َ ،‬خ ِر َب ْ‬
‫ت َخ ْي َ ُ‬
‫َ‬
‫النبي ﷺ‪« :‬اهللُ أ َ ُ‬ ‫ُّ‬
‫ين»(‪.)1‬‬ ‫اح املُن َْذ ِر َ‬ ‫َف َ‬
‫ساء َص َب ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)371‬ومسلم (‪.)1365‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪309‬‬

‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫هلل‬
‫ب ا َ‬ ‫الرا َي َة َغدً ا َر ُج ًال ُُي ُّ‬ ‫ني َهذه َّ‬ ‫الدخول قال‪َ « :‬ألُ ْعط َ َّ‬ ‫وملَّا كان ليل ُة‬
‫ناس َيدوكون ُّأهيم‬ ‫فبات ال ُ‬ ‫َ‬ ‫َو َر ُسو َل ُه‪َ ،‬و ُُيِ ُّب ُه اهللُ َو َر ُسو ُل ُه‪َ ،‬ي ْفت َُح اهللُ َع َىل َيدَ ْي ِه»‪،‬‬
‫رسول اهلل ﷺ ك ُّلهم َيرجو أن ُيعطاها‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫الناس غدَ ْوا عىل‬ ‫فلام َأص َبح‬
‫ُ‬ ‫ُيعطاها‪َّ ،‬‬
‫سول اهلل‪ ،‬هو َيشتَكي عينَ ْيه‪ .‬قال‪َ « :‬ف َأ ْر ِس ُلوا‬ ‫ب؟» فقالوا‪ :‬يا َر َ‬ ‫بن أيب طالِ ٍ‬ ‫عيل ُ‬ ‫«أين ُّ‬
‫ِ‬
‫وج ٌع‪،‬‬‫ربأ حتَّى مل ي ُك ْن به َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ يف عينَ ْيه‪ ،‬ودعا له‪ ،‬ف َ‬ ‫ُ‬ ‫فبصق‬‫يت به‪َ ،‬‬ ‫إِ َل ْيه»‪ ،‬ف ُأ ِ َ‬
‫رسول اهلل‪ُ ،‬أقاتِلهم حتَّى َيكونوا مث َلنا؟ قال‪« :‬ا ْن ُف ْذ َعىل‬ ‫َ‬ ‫ف َأعطا ُه الراي َة‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫ب َع َل ْي ِه ْم ِم ْن‬‫َب ُه ْم بِام ََيِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِر ْسلِ َك َحتَّى َتن ِْز َل بِ َس َ ِ ِ‬
‫احته ْم ُث َّم ا ْد ُع ُه ْم إ َىل ا ِإل ْسالمِ‪َ ،‬وأ ْخ ِ ْ‬
‫مح ُر‬
‫ك ُْ‬ ‫ُون َل َ‬ ‫احدً ا َخ ْ ٌري ِم ْن َأ ْن َيك َ‬ ‫ك رج ًال و ِ‬
‫ي اهللُ بِ َ َ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َحق اهللِ فيه‪َ ،‬ف َواهللِ َألَ ْن َ َْيد َ‬
‫النَّ َع ِم»(‪.)1‬‬

‫ب وهو َيقول‪:‬‬
‫رح ٌ‬
‫فخرج َم َ‬
‫َ‬
‫ب‬‫رح ْ‬ ‫َأنا ا َّلذي َس َّمتْني ُأ ِّمي َم َ‬
‫ــــالح َب َط ٌل ُجم َ َّر ْب‬
‫ِ‬ ‫الس‬ ‫ِ‬
‫شاكي ِّ‬
‫ــــــوب َأ ْق َب َل ْت َت َل َّه ْ‬
‫ب‬ ‫ُ‬ ‫إِذا ا ُ‬
‫حل‬
‫عيل وهو َي ُ‬
‫قول‪:‬‬ ‫رب َز إليه ٌّ‬
‫ف َ‬
‫َأنا ا َّلذي َس َّمتْني ُأ ِّمي َح ْيدَ َر ْه‬
‫غابات ك ِ‬
‫َريه املَـنْ َظ َر ْه‬ ‫ٍ‬ ‫ث‬ ‫َك َلي ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫السنْدَ َر ْه‬ ‫ُأوف ُيه ُم بالصا ِع َك ْي َل َّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)4210‬ومسلم( ‪.)2406‬‬


‫‪ | 321‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫الفتح(‪.)1‬‬
‫ُ‬ ‫فْضب َمرح ًبا فف َلق ها َمتَه‪ ،‬وكان‬
‫َ‬
‫قال موسى ب ُن عقبة‪ :‬ثم دخل اليهو ُد حصنًا هلم مني ًعا يقال له‪ :‬ال َق ُموص‪،‬‬
‫أرضا ومخ ًة شديد َة ِّ‬
‫احلر‪،‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ قري ًبا من عرشين ليل ًة‪ ،‬وكانت ً‬ ‫فحارصهم‬
‫فجهد املسلمون جهدً ا شديدً ا(‪.)2‬‬

‫الزبري ‪ -‬حصن منيع يف رأس قلة ‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫قال الواقدي‪ :‬وحتولت اليهود إىل ِ‬
‫قلعة‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫اليهود ُيقال له‪ :‬عزال‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا‬ ‫رسول اهلل ﷺ ثالث َة أيام‪ ،‬فجاء ٌ‬
‫رجل من‬ ‫ُ‬ ‫فأقام‬
‫شهرا ما بالوا‪ ،‬إن هلم رش ًبا وعيونًا حتت األرض خيرجون‬
‫أقمت ً‬ ‫َ‬ ‫القاسم‪ ،‬إنك لو‬
‫مرشهبم‬
‫َ‬ ‫قطعت‬
‫َ‬ ‫بالليل فيرشبون منها ثم يرجعون إىل قلعتِهم فيمتنعون منك‪ ،‬فإن‬
‫ِ‬
‫قطع‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ إىل مائهم فقط َعه عليهم‪ ،‬فلام َ‬ ‫عليهم أصحروا لك‪ .‬فسار‬
‫ِ‬ ‫نفر‪ ،‬و ُأ ِصيب نحو‬ ‫ِ‬
‫العرشة‬ ‫عليهم خرجوا فقاتلوا أشدَّ القتال‪ ،‬و ُقتل من املسلمني ٌ‬
‫رسول اهلل ﷺ(‪.)3‬‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اليهود‪ ،‬وافتتحه‬ ‫من‬
‫ِ‬
‫حصن ابن أيب‬ ‫والوطيح والسالملِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكتيبة‬ ‫رسول اهلل ﷺ إىل أهل‬‫ُ‬ ‫حتول‬
‫ثم َّ‬
‫ِ‬
‫النطاة‬ ‫كل من كان اهنزم ِمن‬ ‫ِ‬
‫التحصني‪ ،‬وجاءهم ُّ‬ ‫فتحصن أه ُله أشدَّ‬ ‫حلقيق‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ا ُ‬
‫رب كانت جانبني‪ :‬اجلانب األول‪ :‬الشق والنطاة‪ ،‬وهو الذي افتتحه‬ ‫والشق‪ ،‬فإن خي َ‬
‫والوطيح والسالملُ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫أوال‪ ،‬واجلانب الثاين‪ :‬الكتيب ُة‬

‫نصب عليهم‬ ‫ِ‬


‫فجعلوا ال خيرجون من حصوهنم حتى َه َّم رسول اهلل ﷺ أن َي َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ أربع َة َ‬
‫عرش يو ًما‪ ،‬سألوا‬ ‫حرصهم‬
‫َ‬ ‫باهللكة وقد‬ ‫املنجنيق‪ ،‬فلام أيقنوا‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)1807‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬تاريخ اإلسالم للذهبي ‪.239/2‬‬
‫(‪ )3‬مغازي الواقدي ‪.667-666/2‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪320‬‬

‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪َ :‬أن ِْز ُل فأك ِّل ُمك؟‬ ‫حلقيق إىل‬ ‫َ‬
‫الصلح‪ ،‬وأرسل اب ُن أيب ا ُ‬ ‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‬
‫ِ‬
‫حقن‬ ‫رسول اهلل ﷺ عىل‬ ‫َ‬ ‫فقال رسول اهلل ﷺ‪« :‬نعم»‪ ،‬فنزل اب ُن أيب احلقيق فصا َل َح‬
‫ِ‬
‫وأرضها‬ ‫الذرية هلم‪ ،‬وخيرجون من خيرب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وترك‬ ‫ِ‬
‫املقاتلة‬ ‫حصوهنم ِمن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دماء َمن يف‬
‫وأرض وعىل‬‫ٍ‬ ‫وبني ما كان هلم من ٍ‬
‫مال‬ ‫رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫ِ‬ ‫بني‬
‫بذرارهيم‪ ،‬وخيلون َ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل‬ ‫إنسان‪ .‬فقال‬ ‫ٍ‬ ‫ظهر‬ ‫ِ‬
‫واحللقة‪ ،‬إال ثو ًبا عىل ِ‬ ‫ِ‬
‫والبيضاء والكرا ِع‬ ‫ِ‬
‫الصفراء‬
‫وذ َّم ُة رسولِه إن كتمتموين شيئًا»‪ .‬فصاحلوه عىل‬ ‫وبرئَت منكم ِذم ُة اهلل ِ‬
‫َّ‬ ‫ﷺ‪ِ « :‬‬
‫ذلك»‪.‬‬

‫‪ -19‬فصل [يف الشاة املسدوم ]‬

‫احلارث ال َيهودي ُة‬ ‫ِ‬ ‫بنت‬


‫زينب ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪َ ،‬أهدَ ت له‬ ‫ُ‬ ‫ويف هذه ال َغ ِ‬
‫زاة ُس َّم‬
‫ُ‬
‫أي اللح ِم‬ ‫ِ‬
‫أحب إليه؟‬ ‫ُّ‬ ‫امرأ ُة َسالم بن مش َك ٍم شا ًة مشوي ًة قد َس َّمتها‪ ،‬وسألت‪ُّ :‬‬
‫ِ‬
‫الذراع‬
‫ُ‬ ‫الس ِّم يف الذراعِ‪ ،‬فلام انت ََهش من ذراعها َأ َ َ‬
‫خربه‬ ‫راع‪ .‬ف َأك َث َرت من َّ‬ ‫الذ ُ‬‫فقالوا‪ِّ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فجمعوا له‪،‬‬ ‫اهنَا م َن ا ْل َي ُهود»‪َ ،‬‬ ‫بأنه َمسموم‪ ،‬ف َلفظ األكل َة ُثم قال‪َ ْ « :‬‬
‫امج ُعوا َِل َم ْن َه ُ‬
‫اد ِقي فِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫فقال هلم‪« :‬إِين سائِ ُلكُم عن َ ٍ‬
‫يه؟» قالوا‪ :‬ن َع ْم يا أبا‬ ‫يشء‪َ ،‬ف َه ْل َأ ْنت ُْم َص َّ‬ ‫ْ َ ْ ْ‬ ‫َ‬
‫كذ ْبتم‪،‬‬ ‫الن‪ .‬قال‪َ « :‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬م ْن َأ ُبوك ُْم؟» قالوا‪ :‬أبونا ُف ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫القاس ِم‪ .‬فقال هلم‬
‫يش ٍء إِ ْن‬ ‫ِِ‬ ‫َ‬
‫وبر ْر َت‪ .‬قال‪َ « :‬ه ْل أ ْنت ُْم َصادق َّي َع ْن َ ْ‬ ‫الن»‪ ،‬قالوا‪ :‬صدَ ْقت َ‬ ‫َأبوكُم ُف ٌ‬
‫عر ْفته يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َس َأ ْل ُتك ُْم َعنْ ُه؟»‪ ،‬قالوا‪ :‬ن َع ْم يا أبا‬
‫عر ْفت كذ َبنا كام َ‬ ‫كذ ْبناك َ‬ ‫القاس ْم وإن َ‬
‫يسريا ُثم َختل ُفونَا‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َأبينا‪ .‬فقال‬
‫رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬م ْن أ ْه ُل النَّار؟» فقالوا‪ :‬نَكون فيها ً‬ ‫ُ‬
‫اخ َس ُؤوا فِ َيها‪َ ،‬ف َواهللِ َال َنخْ ُل ُفك ُْم فِ َيها َأ َبدً ا»‪ُ .‬ثم‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ْ « :‬‬ ‫ُ‬ ‫فيها‪ .‬فقال هلم‬
‫يش ٍء إِ ْن َس َأ ْل ُتك ُْم َعنْ ُه؟» قالوا‪ :‬ن َع ْم‪ .‬قال‪َ « :‬أ َج َع ْلت ُْم ِيف‬ ‫ِِ‬ ‫َ‬
‫قال‪َ « :‬ه ْل أ ْنت ُْم َصادق َّي َع ْن َ ْ‬
‫‪ | 322‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫كنت‬ ‫مح َلك ُْم َع َىل َذلِ َ‬


‫ك؟» قالوا‪َ :‬أر ْدنا إن َ‬ ‫ه ِذ ِه َّ ِ‬
‫الشاة َس ًام؟» قالوا‪ :‬ن َع ْم‪ .‬قال‪َ « :‬ف َام َ َ‬ ‫َ‬
‫ْض َك(‪.)1‬‬ ‫كاذ ًبا نَسرتيح َ‬
‫منك‪ ،‬وإن كنت نب ًّيا مل َي ُ َّ‬
‫وأكثر الروايات أنه أك ََل منها‬
‫ُ‬ ‫النبي منها أو مل يأكُل؟‬
‫أكل ُّ‬ ‫ف‪ :‬هل َ‬ ‫وقد اختُلِ َ‬
‫زلت أجدُ ِمن‬‫وجعه الذي مات فيه‪« :‬ما ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ثالث سنني حتى قال يف‬ ‫و َب ِق َي بعدَ ذلك‬
‫ِ‬
‫األهبر مني»(‪ ،)2‬قال‬ ‫أوان انقطا ِع‬
‫الشاة يو َم خيَب‪ ،‬فهذا ُ‬‫ِ‬ ‫أكلت ِمن‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األكلة التي‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ شهيدً ا‪.‬‬ ‫الزهري‪ :‬فتويف‬

‫‪ -21‬فصل فمدا كان يف غَزوةِ خمربَ منَ األحرامِ الفِقهم ِ‬

‫حلر ِم‪.‬‬ ‫ِ‬


‫األشهر ا ُ‬ ‫فمنها‪ُ :‬حمارب ُة ال ُك َّفار و ُمقاتَلتُهم يف‬
‫احلرب‪ ،‬فال سهم له َّإال ِ‬
‫بإذن‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َقِض‬ ‫ِ‬
‫باجليش بعد ت ِّ‬ ‫ومنها‪ :‬أنه إذا َِحل َق مدَ ٌد‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫السفينة حني قدموا عليه‬ ‫ضاهم؛ فإن النبي ﷺ ك َّلم أصحا َبه يف أهل‬ ‫اجليش ِ‬
‫ِ‬
‫ور ُ‬
‫فأسهم هلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫يسهم هلم‪،‬‬
‫َ‬ ‫بخيرب ‪ -‬جعفر وأصحابه ‪ -‬أن‬

‫وصح عنه‬ ‫حتريمها يو َم خيرب‪،‬‬ ‫صح عنه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حتريم ُحلو ُم‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫احلمر اإلنسية‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ومنها‪:‬‬
‫رجس‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫تعليل التحري ِم بأهنا‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األرض‪ ،‬كام عا َم َل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رسول‬ ‫واز املُساقاة واملُزارعة ُ‬
‫بج ْزء ممَّا َخي ُرج من‬ ‫ومنها‪َ :‬ج ُ‬
‫اهلل ﷺ َ‬
‫أهل خيرب عىل ذلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)5777‬‬


‫(‪ )2‬علقه البخاري (‪ ،)4428‬وأخرجه البزار ‪ ،)115( 149/18‬واحلاكم ‪.)4393( 60/3‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪323‬‬

‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بالرشط‪ ،‬كام ع َقدَ هلم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫واألمان‬ ‫لح‬ ‫تعليق َع ْقد ُّ‬
‫الص ِ‬ ‫جواز‬
‫ُ‬ ‫ومنها‪:‬‬
‫ﷺ برشط أال ُيغ ِّيبوا وال َيكتموا‪.‬‬
‫وح ُّل َط ِ‬
‫عامهم‪.‬‬ ‫تاب ِ‬
‫أهل الكِ ِ‬
‫بائح ِ‬ ‫ِ‬
‫األكل من َذ ِ‬ ‫واز‬ ‫ِ‬
‫ومنها‪َ :‬ج ُ‬
‫ِ‬ ‫بول ه ِ‬ ‫ِ‬
‫الكافر‪.‬‬ ‫دية‬ ‫ومنها‪َ :‬ق ُ َ‬

‫‪ -21‬فصل يف قص ِ وادي القرى وتَمداء وفَدك‬

‫وادي ال ُقرى‪ ،‬وكان هبا مجاع ٌة م َن‬ ‫رسول اهلل ﷺ من خيرب إىل ِ‬ ‫ُ‬ ‫انرصف‬
‫َ‬ ‫ُثم‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫بالرمي‬ ‫فلام َنزلوا استَقب َلتهم َهيو ُد‬ ‫ِ‬ ‫انضاف إليهم مجاع ٌة م َن‬ ‫اليهود‪ِ ،‬‬
‫ِ‬
‫العرب‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫وقد‬
‫دعاهم إىل‬ ‫وص َّفهم‪ُ ،‬ثم‬ ‫سول اهلل ﷺ أصحابه ِ‬
‫للق ِ‬ ‫غري تَعبِ ٍئة‪ ،‬فع َّبأ َر ُ‬
‫وهم عىل ِ‬
‫ُ‬ ‫تال َ‬ ‫َ‬
‫آخ ُر فق َت َله‪ُ ،‬ثم‬
‫العوا ِم فق َت َله‪ُ ،‬ثم َبر َز َ‬
‫بن َّ‬ ‫بري ُ‬
‫الز ُ‬
‫فربز إليه ُّ‬‫رجل منهم َ َ‬ ‫اإلسال ِم‪ ،‬ف َ‬
‫رب َز ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫رجل‬ ‫رج ًال‪ ،‬ك َّلام ُقتل منهم ُ‬ ‫عرش ُ‬ ‫عيل فق َت َله‪ ،‬حتى ُقتل منهم أحدَ َ‬ ‫ربز إليه ٌّ‬ ‫آخر ف َ‬
‫َبرز ُ‬
‫صيل بأصحابِه ُثم‬ ‫وكانت الصال ُة َحت ُْض ذلك اليو َم‪ ،‬ف ُي ِّ‬ ‫ِ‬ ‫دعا َمن َب ِق َي إىل اإلسال ِم‪،‬‬
‫ِ‬
‫مس ْوا و َغدَ ا عليهم‬ ‫هلل ورسوله‪ ،‬فقا َت َلهم حتَّى َأ َ‬ ‫َيعود ف َيدعوهم إىل اإلسال ِم‪ ،‬وإىل ا ِ‬
‫ف‬
‫وانرص َ‬
‫َ‬ ‫مح حتَّى َأع َط ْوا ما بأيدهيم وفتَحها َعنوةً‪.‬‬ ‫الشمس ِقيدَ ُر ٍ‬
‫ُ‬
‫فلم ت ِ‬
‫َرتف ِع‬
‫ِ‬
‫املدينة‪.‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ ِ‬
‫راج ًعا إىل‬ ‫ُ‬

‫وقسم ما أصاب عىل‬ ‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ بوادي القرى أربع َة أيام‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وأقام‬
‫ِ‬
‫اليهود‪ ،‬وعا َم َلهم عليها‪،‬‬ ‫َ‬
‫والنخل بأيدي‬ ‫األرض‬‫َ‬ ‫أصحابِه بوادي القرى‪ ،‬وت ََر َك‬
‫أهل خيرب وفدك ووادي القرى‪،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ َ‬
‫ُ‬ ‫فلام َ‬
‫بلغ هيو َد تيامء ما واطأ عليه‬
‫ِ‬
‫بأمواهلم‪.‬‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ وأقاموا‬ ‫صاحلوا‬
‫‪ | 324‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -22‬فصل يف نبعثِ النيب ﷺ َّ‬


‫السرايا‬

‫شو ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َأقا َم‬


‫ال‪ ،‬وب َع َث يف‬ ‫رسول اهللِ ﷺ يف ا َملدينة بعد َمقدَ مه من خي َ‬
‫رب إىل َّ‬ ‫ُ‬
‫الرسايا‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫خالل ذلك َّ‬

‫‪ -23‬فصل يف عُدرةِ القَضم ِ‬

‫املقبل ِمن عام‬


‫ِ‬ ‫رسول اهلل ﷺ ِمن العا ِم‬
‫ُ‬ ‫قال موسى ب ُن عقبة‪ :‬ثم خرج‬
‫الشهر الذي صدَّ ه فيه املرشكون عن‬ ‫معتمرا يف ذي القعدة سن َة سبع‪ ،‬وهو‬ ‫ِ‬
‫احلديبية‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫َ‬
‫والنبل‪،‬‬ ‫وض َع األدا َة ك َّلها احلجف واملجان‪،‬‬
‫يأجج َ‬ ‫ِ‬
‫املسجد احلرا ِم‪ ،‬حتى إذا ب َل َغ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫السيوف(‪.)1‬‬ ‫بسالح الراكب‬‫ِ‬ ‫والرماح‪ ،‬ودخلوا‬
‫َ‬
‫فقال‪« :‬اك ِْش ُفوا َع ِن املَْنَاكِ ِ‬
‫ب‪َ ،‬و ْاس َع ْوا‬ ‫رسول اهلل ﷺ َأ َمر َأصحا َبه‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫فلام ِ‬
‫قد َم‬ ‫َّ‬
‫رشكون ج َلدَ هم و ُق َّوهتم‪ ،‬وكان ُي ِ‬
‫لريى املُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َطاع‪،‬‬
‫بكل ما است َ‬ ‫كايدهم ِّ‬ ‫يف ال َّط َواف»؛ َ َ‬
‫سول اهلل ﷺ وأصحابِه‬ ‫بيان َين ُظرون إىل ر ِ‬ ‫والص ُ‬ ‫ُ‬
‫الرجال والنسا ُء ِّ‬ ‫أهل مك َة‪:‬‬ ‫فو َقف ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫بالبيت‪.‬‬ ‫وهم َيطوفون‬

‫رسول اهلل ﷺ حن ًقا‬‫ِ‬ ‫املرشكني كراهي َة أن َين ُظروا إىل‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫رجال م َن‬ ‫وتَغ َّيب‬
‫أصبح من اليو ِم الراب ِع َأتاهم ُس ُ‬
‫هيل‬ ‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ بمك َة ثال ًثا‪َّ ،‬‬
‫فلام‬ ‫ُ‬ ‫وغي ًظا‪ ،‬ف َأقا َم‬
‫ِ‬
‫األنصار َيتحدَّ ث‬ ‫ِ‬
‫جملس‬ ‫ورسول اهلل ﷺ يف‬ ‫ُ‬ ‫عبد ال ُع َّزى‪،‬‬ ‫عمرو‪ ،‬وحويطِب بن ِ‬ ‫ب ُن ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫خر ْج َت من َأ ْرضنا‪،‬‬ ‫بن ُعبادةَ‪ ،‬فصاح حويطب‪ :‬ن ِ‬ ‫عد ِ‬ ‫مع س ِ‬
‫هلل وال َعقدَ ملَا َ‬ ‫ُناشدُ ك ا َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫مض ِ‬
‫حيل‪.‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ أبا رافعٍ‪ ،‬ف َأ َّذ َن َّ‬
‫بالر ِ‬ ‫ُ‬ ‫فأمر‬ ‫ُ‬
‫الثالث‪َ .‬‬ ‫ت‬ ‫ف َقدْ َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البيهقي يف دالئل النبوة ‪ 314/4‬من طريق موسى بن عقبة‪.‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪325‬‬

‫‪ -24‬فصل يف غَزوةِ مُؤت َ‬

‫ثامن‪،‬‬‫أرض الشا ِم‪ ،‬وكانت يف ُمجادى األُوىل سن َة ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫البلقاء من‬ ‫وهي بأدنى‬
‫َ‬
‫ب‪-‬‬ ‫األزدي ‪-‬أحدَ بني ِهل ٍ‬
‫َّ‬ ‫احلارث بن ُع ٍ‬
‫مري‬ ‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ ب َعث‬ ‫َ‬ ‫وكان سب ُبها أن‬
‫حبيل ب ُن َع ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫مرو‬ ‫فعرض له ُرش ُ‬ ‫رصى‪َ ،‬‬ ‫بكتابِه إىل الشا ِم‪ ،‬إىل ملك الرو ِم أو ُب َ‬
‫ٌ‬
‫رسول‬ ‫فْضب ُعن َقه‪ ،‬ومل ُيقتَل لر ِ‬
‫سول اهلل ﷺ‬ ‫َ‬ ‫الغساين‪ ،‬ف َأو َثقه ربا ًطا‪ُ ،‬ثم قدَّ مه‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫البعوث‪ ،‬واست َ‬ ‫ِ‬
‫َعمل عليهم زيدَ ب َن‬ ‫َ‬ ‫رب‪ ،‬فب َعث‬ ‫غريه‪ ،‬فاشتدَّ ذلك عليه حني ب َلغه اخل ُ‬ ‫ُ‬
‫الناس‪َ ،‬فإِ ْن ُأ َ‬
‫صيب َج ْع َف ٌر‬ ‫ِ‬ ‫بن َأ ِيب طالِ ٍ‬
‫ب َعىل‬ ‫حارث َة‪ ،‬وقال‪« :‬إِ ْن ُأ َ‬
‫صيب َف َج ْع َف ُر ُ‬
‫َف َع ْبدُ اهللِ ْب ُن َرواح َة»(‪.)1‬‬
‫هرقل بالب ِ‬
‫لقاء يف ِمئة َأ ْلف من‬ ‫َ َ‬ ‫الناس أن‬‫َ‬ ‫عان‪ ،‬فب َل َغ‬ ‫مض ْوا حتى َنزلوا ُم َ‬‫ُثم َ‬
‫ِ‬
‫فلام َ‬
‫بلغ ذلك‬ ‫وهبرا َء و َبيل‪ ،‬مئ ُة َأ ْلف‪َّ ،‬‬
‫وجذام و ُبلقني َ‬ ‫وانض َّم إليهم من َخلْم ُ‬
‫الرو ِم‪َ ،‬‬
‫املُسلِمني َأقاموا عىل معان ليلتَني َين ُظرون يف َأمرهم‪ ،‬وقالوا‪ :‬نَكتُب إىل ر ِ‬
‫سول اهلل‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫بالرجال‪ ،‬وإ َّما أن َيأ ُمرنا ِ‬
‫بأمره فنَمِض له‪،‬‬ ‫عدونا فإ َّما أن َي ُمدَّ نا‬ ‫ﷺ فن ِ ُ‬
‫ُخربه بعدَ د ِّ‬
‫بن رواح َة وقال‪ :‬يا قو ِم‪ ،‬واهللِ إن ا َّلذي تَكرهون ل َّلتي‬ ‫الناس عبدُ اهلل ُ‬
‫َ‬ ‫فشجع‬
‫َّ‬
‫َثرة‪ ،‬ما نُقاتِلهم‬
‫خرجتُم تَط ُلبون‪ :‬الشهادة‪ ،‬وما نُقاتِل الناس بعدَ د وال قو ٍة وال ك ٍ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫كرمنا به اهللُ‪ ،‬فانطلِقوا فإنام هي إحدَ ى احلُسنَ َي ْني‪ :‬إ َّما َظفر‬ ‫َّإال هبذا الدِّ ِ‬
‫ين ا َّلذي َأ َ‬
‫وإما َشهادة‪.‬‬

‫قال هلا‪:‬‬ ‫ِ‬


‫البلقاء ِلقيتهم اجلموع ب َق ٍ‬
‫رية ُي ُ‬ ‫الناس حتَّى إذا كانوا بتُخوم‬ ‫فمَض‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الناس عندها‪ ،‬فتَع َّبى‬‫ُ‬ ‫وانحاز املُسلِمون إىل ُمؤت َة‪ ،‬فا ْلتَقى‬
‫َ‬ ‫العدو‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ف‪ ،‬فدَ نا‬ ‫ِ‬
‫مشار ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)4261‬‬


‫‪ | 326‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫شاط يف‬‫بن حارث َة‪ ،‬فلم َي َز ْل ُيقاتِ ْل هبا حتى َ‬ ‫زيد ِ‬‫يد ِ‬ ‫املُسلمون‪ُ ،‬ثم اق َتتَلوا والراي ُة يف ِ‬

‫اقتح َم‬
‫القتال َ‬‫ُ‬ ‫ره َقه‬‫فقاتل هبا حتَّى إذا َأ َ‬
‫جعفر‪َ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫فأخ َذها‬‫وخر رصي ًعا‪َ ،‬‬ ‫رماح القو ِم‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫فرسه يف اإلسال ِم‬ ‫أول َمن ع َقر َ‬ ‫جعفر َ‬
‫ٌ‬ ‫قاتل حتَّى ُقتِل‪ ،‬فكان‬ ‫رسه فع َقرها‪ُ ،‬ثم َ‬ ‫عن َف ِ‬

‫ساره‪ ،‬فاحت ََضن الراي َة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫تال‪ ،‬ف ُقطِعت َيمينُه‪َ ،‬‬
‫فأخ َذ الراي َة ب َي ِ‬ ‫الق ِ‬‫عندَ ِ‬
‫ساره‪ ،‬ف ُقطعت َي ُ‬
‫ثالث وثالثون َسن ًة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫حتَّى ُقتِل وله‬

‫فقاتل حتَّى ُقتِ َل‪ُ ،‬ثم‬


‫بن رواح َة وتَقدَّ م هبا وهو عىل َفر ِسه‪َ ،‬‬ ‫أخذها عبدُ اهلل ُ‬‫ُثم َ‬
‫عرش ا ُملسلِمني اص َطلِحوا‬ ‫ِ‬
‫قر َم أخو َبني عجالن‪ ،‬فقال‪ :‬يا َم َ‬ ‫ثابت بن َأ َ‬ ‫أخذ الراي َة ُ‬ ‫َ‬
‫بن‬ ‫ِ‬
‫خالد ِ‬ ‫الناس عىل‬ ‫أنت‪ .‬قال‪ :‬ما أنا ِ‬
‫بفاعل‪ .‬فاص َط َلح‬ ‫رج ٍل منكم‪ ،‬قالوا‪َ :‬‬
‫ُ‬ ‫عىل ُ‬
‫وانرصف‬ ‫انحاز باملُسلِمني‬ ‫وحاش هبم‪ُ ،‬ثم‬
‫َ‬ ‫دافع القو َم‬ ‫أخذ الراي َة‬
‫فلام َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الوليد‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫بالناس‪.‬‬

‫وقد ذكر اب ُن سعد أن اهلزيم َة كانت عىل املسلمني(‪ ،)1‬والذي يف «صحيح‬


‫والصحيح ما ذكره اب ُن إسحاق أن َّ‬
‫كل‬ ‫ُ‬ ‫البخاري» أن اهلزيم َة كانت عىل الرو ِم(‪.)2‬‬
‫انحاز ْت عن األخرى(‪.)3‬‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫فئة‬

‫‪ -25‬فصل يف الفتحِ األعظ ِ‬

‫َ‬
‫واستنقذ به بلدَ ه وبيتَه‬ ‫األمني‪،‬‬
‫َ‬ ‫أعز اهللُ به دينَه ورسو َله‪ ،‬وجندَ ه ِ‬
‫وحز َبه‬ ‫ا َّلذي َّ‬
‫ُ‬
‫استبرش‬ ‫الفتح ا َّلذي‬ ‫رشكني‪ ،‬وهو‬ ‫ا َّلذي جع َله هدً ى للعاملَِني من أيدي الك َّف ِ‬
‫ار واملُ ِ‬
‫ََ‬ ‫ُ‬

‫(‪ )1‬الطبقات الكربى البن سعد ‪.98/2‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)1246‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬سرية ابن هشام ‪.380/2‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪327‬‬

‫الناس به يف ِدي َن‬ ‫ب اجل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ُ‬ ‫َ‬
‫ودخل‬ ‫وزاء‪،‬‬ ‫عزه عىل مناك ِ َ‬ ‫أطناب ِّ‬
‫ُ‬ ‫وِضبت‬
‫أهل السامء‪َ َ ،‬‬ ‫به ُ‬
‫ب‬ ‫ِ‬
‫بكتائ ِ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫خرج له‬ ‫وأرش َق به وج ُه الدهر ِضيا ًء‬
‫وابتهاجا‪َ ،‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫أفواجا‪،‬‬
‫ً‬ ‫اهلل‬
‫َ‬
‫رمضان‪.‬‬ ‫مض ْني من‬
‫لعرش َ‬‫ٍ‬ ‫الرمحن سن َة ٍ‬
‫ثامن‬ ‫ِ‬ ‫اإلسال ِم‪ ،‬وج ِ‬
‫نود‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫الرشط أنه‬ ‫قريش‪ ،‬وقع‬ ‫ٍ‬ ‫رسول اهلل ﷺ وبني‬ ‫ِ‬ ‫بني يدي‬
‫صلح احلديبية َ‬‫ُ‬ ‫ملا كان‬
‫يدخل يف‬ ‫َ‬ ‫أحب أن‬ ‫ِ‬
‫وعهده ف َع َل‪ ،‬و َمن‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫يدخل يف ِ‬
‫عقد‬ ‫َ‬ ‫أحب أن‬ ‫من‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫وعهدهم‪ ،‬ودخ َل ْت‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫قريش‬ ‫بكر يف ِ‬
‫عقد‬ ‫وعهدهم ف َع َل‪ ،‬فدخ َل ْت بنو ٍ‬‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫قريش‬ ‫ِ‬
‫عقد‬
‫بكر ِمن‬ ‫استقرت اهلدن ُة اغتنمها بنو ٍ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫وعهده‪ ،‬فلام‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫خزاع ُة يف ِ‬
‫عقد‬
‫نوفل بن معاوي َة الدييل يف‬ ‫القديم‪ ،‬فخرج ُ‬ ‫َ‬ ‫خزاع َة‪ ،‬وأرادوا أن يصيبوا منهم َ‬
‫الثأر‬
‫الوتري‪ ،‬فأصابوا منهم‬ ‫ِ‬ ‫مجاعة من بني بكر فب َّيت خزاع َة وهم عىل ماء بأسفل مكة‬ ‫ٍ‬

‫بالسالح‪ ،‬وقاتل معهم ِمن‬ ‫ِ‬ ‫قريش بني بكر‬ ‫رجاال‪ ،‬وتناوشوا‪ ،‬واقتتلوا‪ ،‬وأعانت ٌ‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫بديل بن‬ ‫ليال‪ ،‬فلام دخ َل ْت خزاع ُة مك َة جلأوا إىل ِ‬
‫دار‬ ‫ٍ‬
‫قريش َمن قات ََل مستخف ًيا ً‬
‫رافع‪.‬‬ ‫زاعي‪ِ ،‬‬
‫ودار موىل هلم ُيقال له‪ٌ :‬‬ ‫ورقاء اخل ِّ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ املدين َة‪،‬‬
‫فوقف‬
‫َ‬ ‫عمرو بن ساملٍ اخلُ ُّ‬
‫زاعي حتى قد َم عىل‬ ‫وخي ُرج ُ‬ ‫َ‬
‫ظهراين أصحابِه َ‬
‫فقال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫املسجد بني‬ ‫عليه وهو جال ِ ٌس يف‬
‫َْ‬
‫يا رب ِّإين ِ‬
‫ناشــــدٌ ُحمــ َّمدَ ا‬ ‫َ ِّ‬
‫ف أبينا و َأ ِ‬
‫بيه األَتْلــــدَ ا‬ ‫ِح ْل َ‬
‫فوك املَ ْو ِعــدَ ا‬
‫ريشا َأ ْخ َل َ‬
‫إن ُق ً‬

‫و َن َقضوا ِميثا َق َك املُؤ َّكـــــدَ ا‬


‫‪ | 328‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫بن َس ِاملٍ»‪ ،‬ثم‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫قول‪ُ :‬قتِلنا وقد َأس َلمنا‪ ،‬فقال‬
‫َي ُ‬
‫مرو َ‬‫ُِص َت يا َع َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬ن ْ‬
‫رسول اهلل ﷺ فأخربوه بام‬ ‫ِ‬ ‫نفر من خزاع َة حتى قدموا عىل‬ ‫بديل بن ورقاء يف ٍ‬ ‫خر َج ُ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل‬ ‫قريش بني بكر عليهم‪ ،‬ثم رجعوا إىل مك َة‪ ،‬فقال‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وبمظاهرة‬ ‫ُأصيب منهم‬
‫سفيان وقد جاء ليشدَّ العقدَ ويزيدَ يف ِ‬
‫املدة»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫للناس‪« :‬كأنكم بأيب‬‫ِ‬ ‫ﷺ‬
‫َ‬
‫بعسفان‪،‬‬ ‫سفيان بن حرب‬‫َ‬ ‫بديل بن ورقاء يف أصحابِه حتى لقوا أبا‬ ‫ومَض ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ليشدَّ العقدَ ويزيدَ يف ِ‬
‫املدة وقد َرهبوا الذي‬ ‫ِ‬ ‫وقد [بع َثتْه] ٌ‬
‫قريش إىل‬
‫أقبلت يا ُ‬
‫بديل؟ فقال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫بن ورقاء قال‪ :‬من أين‬ ‫َصنعوا‪ ،‬فلام َل ِق َي أبو سفيان َ‬
‫بديل َ‬
‫جئت حممدا؟‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الساحل ويف بطن هذا الوادي‪ ،‬قال‪ :‬أوما‬ ‫رست يف خزاع َة يف هذا‬ ‫ُ‬
‫قال‪ :‬ال‪ ،‬فلام راح ُ‬
‫بديل إىل مك َة‪ ،‬قال أبو سفيان‪ :‬لئن كان جا َء املدين َة لقد علف هبا‬
‫أحلف‬
‫ُ‬ ‫بعرها ففتَّه فرأى فيها النوى‪ ،‬فقال‪:‬‬‫مربك راحلتِه‪ ،‬فأخذ ِمن ِ‬ ‫َ‬ ‫النوى‪ ،‬فأتى‬
‫باهلل‪ ،‬لقد جاء ٌ‬
‫بديل حممدً ا‪.‬‬
‫ذهب إىل أيب‬ ‫رسول اهلل ﷺ فك َّلمه فلم َي ُر َّد عليه شي ًئا‪ُ ،‬ثم َ‬ ‫َ‬ ‫خرج حتى أتَى‬ ‫ُثم َ‬
‫ِ‬
‫عمر ب َن‬ ‫رسول اهلل ﷺ فقال‪ :‬ما أنا بفاع ٍل‪ُ .‬ثم أتَى َ‬ ‫َ‬ ‫َبكْر‪ ،‬فك َّلمه أن ُيك ِّلم له‬
‫أجدْ َّإال َّ‬
‫الذ َّر‬ ‫هلل لو مل ِ‬‫سول اهلل ﷺ؟! فوا ِ‬ ‫اب فك َّلمه‪ ،‬فقال‪ :‬أنا َأش َف ُع لكُم إىل ر ِ‬ ‫اخل َّط ِ‬
‫َ‬
‫وحس ٌن ُغال ٌم‬ ‫َ‬ ‫وعندَ ه فاطِم ُة‬‫بن أيب طالِب ِ‬ ‫عيل ِ‬ ‫فدخل عىل ِّ‬ ‫جلاهدْ تُكم به‪ُ .‬ثم جاء َ‬ ‫َ‬
‫حاجة فال‬ ‫ٍ‬ ‫رمحا‪ ،‬وإين قد ِج ُ‬
‫ئت يف‬ ‫أمس القو ِم يب ِ ً‬ ‫عيل‪َ ،‬‬
‫إنك ُّ‬ ‫يدب بني يدهيا فقال‪ :‬يا ُّ‬ ‫ُّ‬
‫فيان‪ ،‬واهلل ل َقدْ‬ ‫حيك يا أبا ُس َ‬ ‫حمم ٍد‪ .‬فقال‪َ :‬و َ‬ ‫جئت خائ ًبا‪ ،‬اش َف ْع يل إىل َّ‬ ‫ُ‬ ‫رج َع َّن كام‬ ‫َأ ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ عىل َأ ْمر ما نَستَطيع أن نُك ِّلمه فيه‪ ،‬فال َت َف َت إىل فاطِم َة فقال‪ :‬هل‬ ‫ُ‬ ‫عزم‬ ‫َ‬
‫الدهر؟‬ ‫ِ‬ ‫آخ ِر‬‫العرب إىل ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الناس‪ ،‬ف َيكون س ِّيدَ‬ ‫لك أن تَأ ُمري ابن َِك هذا ف ُيجري بني‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أحدٌ عىل‬ ‫الناس‪ ،‬وما ُجيري َ‬‫ِ‬ ‫قالت‪ :‬واهللِ ما َيب ُلغ ابني َ‬
‫ذاك أن ُجيري بني‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪329‬‬

‫فانص ْحني‪ .‬قال‪ :‬واهللِ‪ ،‬ما‬ ‫ِ‬ ‫احلس ِن إين َأرى‬


‫عيل َ‬ ‫األمور قد اشتَدَّ ت َّ‬ ‫َ‬ ‫قال‪ :‬يا أبا َ‬
‫ِ‬
‫الناس‪ُ ،‬ثم ْ َ‬
‫احل ْق‬ ‫عنك‪ ،‬ولكن ََّك س ِّيد بني ِكنان َة‪ ،‬ف ُق ْم و َأ ِج ْر بني‬
‫لك شي ًئا ُيغنِي َ‬
‫أع َل ُم َ‬
‫بأرضك‪ .‬قال‪َ :‬أوتَرى ذلك مغن ًيا عنِّي شي ًئا؟ قال‪ :‬ال واهللِ ما َأظنُّه‪ ،‬ولكِنِّي ما ِ‬
‫أجدُ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫رت بني‬ ‫أج ُ‬ ‫ِ‬ ‫ذلك‪ ،‬فقام أبو ُس َ‬ ‫لك غري َ‬
‫الناس‪ ،‬إين قد َ‬ ‫ُ‬ ‫املسجد‪ ،‬فقال‪ُّ :‬أهيا‬ ‫فيان يف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فانطلق‪.‬‬
‫َ‬ ‫بعريه‬
‫ب َ‬ ‫الناس‪ُ ،‬ثم رك َ‬
‫فدخل أبو ٍ‬
‫بكر‬ ‫َ‬ ‫وأمر أه َله أن ُجي ِّهزوه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫باجلهاز‪َ ،‬‬ ‫الناس‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهللِ ﷺ‬ ‫وأمر‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ فقال‪ :‬أي ُبن َّية‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جهاز‬ ‫بعض‬‫عىل ابنتِه عائش َة ‪ ‬وهي ُحت ِّرك َ‬
‫َجهز‪ ،‬قال‪ :‬فأي َن تَرينَه ُيريدُ ؟‬ ‫َجهيزه؟ قالت‪ :‬ن َع ْم‪ .‬فت َّ‬ ‫رسول اهلل ﷺ بت ِ‬ ‫ُ‬ ‫مركُن‬ ‫َأ َ‬
‫الناس‪« :‬إين سائِ ٌر إىل مك َة»‬ ‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ َأ َ‬
‫علم‬ ‫َ‬ ‫دري‪ُ .‬ثم إن‬‫قالت‪ :‬ال واهللِ ما َأ ِ‬
‫ش َحتَّى‬ ‫ون َو ْاألَ ْخ َب َار َع ْن ُق َر ْي ٍ‬‫َّجهيز‪ ،‬وقال‪« :‬ال َّل ُه َّم ُخ ِذ ا ْل ُع ُي َ‬
‫باجلدِّ والت ِ‬ ‫فأ َم َرهم ِ‬
‫ِ‬
‫الناس‪.‬‬
‫َجهز ُ‬ ‫َن ْب َغت ََها ِيف بِ َالد َها» فت َّ‬
‫وعمى اهللُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫مَض حتَّى َ‬
‫ُثم َ‬
‫عرش ُة آالف َّ‬
‫الظهران‪ ،‬وهو بطن َم ٍّر‪ ،‬ومعه َ‬ ‫نزل َم َّر‬
‫وجل وارتِ ٍ‬
‫قاب‪.‬‬ ‫ريش فهم عىل َ‬ ‫األخبار عن ُق ٍ‬
‫َ‬
‫نار‪ ،‬وج َع َل‬ ‫ِ‬
‫آالف ٍ‬ ‫ِ‬
‫عرشة‬ ‫النريان‪ ،‬ف ُأ ِ‬
‫وقدَ ت أكثر من‬ ‫َ‬ ‫اجليش ف َأو َقدوا‬
‫َ‬ ‫فأ َم َر‬
‫عمر ب َن اخلطاب ‪.‬‬ ‫س َ‬ ‫احلر ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ عىل َ‬ ‫ُ‬

‫بعض‬ ‫رسول اهلل ﷺ البيضاء وخرج ي ِ‬


‫لتمس ل َع َّله َجيِد َ‬ ‫ِ‬ ‫العباس َبغل َة‬ ‫وركِب‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫قريشا؛ ليخرجوا يست ِ‬
‫دخلها‬ ‫قبل أن َي ُ‬‫رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫َ‬ ‫َأمنون‬ ‫َ‬ ‫احل َّطابة‪ ،‬أو أحدً ا ُخي ِرب ً َ ُ‬
‫سمعت كالم أيب ُس َ‬
‫فيان‪ ،‬و ُبدَ ْيل بن َورقا َء‬ ‫عنوةً‪ ،‬قال‪ :‬فواهللِ إين ألَسري عليها إذ ِ‬
‫ُ‬
‫قط وال عسك ًَرا‪ .‬قال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫كالليلة نريانًا ُّ‬ ‫فيان يقول‪ :‬ما ر َأ ْيت‬
‫رتاجعان‪ ،‬وأبو ُس َ‬ ‫ُ‬
‫ومها َي َ‬
‫‪ | 331‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫أقل ُّ‬
‫وأذل‬ ‫فيان‪ُ :‬خزاع ُة ُّ‬
‫احلرب‪ .‬ف َيقول أبو ُس َ‬
‫ُ‬ ‫هلل ُخزاع ُة َ‬
‫مح َشتْها‬ ‫َيقول ُب ٌ‬
‫ديل‪ :‬هذه وا ِ‬
‫فقلت‪ :‬أبا َحنظل َة‪،‬‬ ‫فعر ْفت صوتَه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫رياهنا وعسك َُرها‪ .‬قال‪َ :‬‬ ‫من أن تَكون هذه ن ُ‬
‫فداك أيب و ُأ ِّمي؟ قال‪:‬‬
‫َ‬ ‫فعرف َص ْويت‪ .‬فقال‪ :‬أبا ال َف ْضل؟ ُ‬
‫قلت‪ :‬ن َع ْم‪ .‬قال‪ :‬ما َ‬
‫لك‬ ‫َ‬
‫باح ُق ٍ‬
‫ريش واهللِ‪.‬‬ ‫واص َ‬ ‫ِ‬
‫الناس‪َ ،‬‬ ‫قلت‪ :‬هذا َر ُ‬
‫سول اهلل ﷺ يف‬ ‫ُ‬

‫فداك أيب و ُأ ِّمي؟ ُ‬


‫قلت‪ :‬واهلل لئن ظ َف َر بك ليْضب َّن عن َقك‪،‬‬ ‫َ‬ ‫قال‪ :‬فام احليل ُة‬
‫فركب‬ ‫ِ‬
‫فأستأمنُه لك‪،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫البغلة حتى آيت بك‬ ‫عجز هذه‬ ‫ِ‬ ‫فاركَب يف‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫نريان املسلمني‬ ‫مررت ٍ‬
‫بنار من‬ ‫ُ‬ ‫فجئت به‪ ،‬فكلام‬
‫ُ‬ ‫خلفي‪ ،‬ورجع صاحباه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫قالوا‪َ :‬من هذا؟ فإذا ر َأوا بغل َة رسول اهلل ﷺ وأنا عليها‪ ،‬قالوا‪ُّ :‬‬
‫عم‬
‫إيل‪ ،‬فلام رأى‬
‫عمر بن اخلطاب‪ ،‬فقال‪َ :‬من هذا؟ وقام َّ‬ ‫مررت ِ‬
‫بنار ِ‬ ‫ُ‬ ‫عىل بغلتِه‪ ،‬حتى‬
‫عدو اهلل؟ احلمدُ هلل الذي أمك َن منك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫عجز الدابة قال‪ :‬أبو سفيان ُّ‬ ‫سفيان عىل‬ ‫أبا‬
‫ورك َْض ُت البغل ُة فسب َقت‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫خر َج يشتدُّ نحو رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫بغري عقد وال عهد‪ ،‬ثم َ‬
‫عمر‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فدخلت عىل رسول اهلل ﷺ ودخل عليه ُ‬ ‫ُ‬ ‫البغلة‪،‬‬ ‫فاقتحمت عن‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ إين‬ ‫َ‬ ‫أِضب عن َقه‪ ،‬قال‪ُ :‬‬
‫قلت‪ :‬يا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫سفيان فدعني‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬هذا أبو‬
‫أصبحت‬
‫َ‬ ‫عباس إىل رحلِك‪ ،‬فإذا‬ ‫ُ‬ ‫اذهب به يا‬‫قد أجرتُه‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فلام رآه‬ ‫غدوت به إىل‬
‫ُ‬ ‫أصبحت‬
‫ُ‬ ‫فذهبت فلام‬
‫ُ‬ ‫فأتِني به‪،‬‬
‫تعلم أن ال إل َه إال اهلل»؟ قال‪ :‬بأيب‬‫ﷺ قال‪« :‬وُيك يا أبا سفيان! أمل َي َأن لك أن َ‬
‫ظننت أن لو كان مع اهلل إل ٌه غريه‬
‫ُ‬ ‫أحلمك وأكر َمك وأوص َلك‪ ،‬لقد‬
‫َ‬ ‫أنت و ُأ ِّمي ما‬
‫ُ‬
‫رسول‬ ‫تعلم أين‬
‫َ‬ ‫لقد أغنى شي ًئا بعدُ ‪ ،‬قال‪« :‬وُيك يا أبا سفيان! أمل َي َأن لك أن‬
‫أحلمك وأكر َمك وأوص َلك‪ ،‬أ َّما هذه فإن يف النفس‬
‫َ‬ ‫اهلل»؟ قال‪ :‬بأيب أنت و ُأ ِّمي ما‬
‫واشهد َّ‬
‫أن ال إل َه إال اهلل‪ ،‬وأن‬ ‫َ‬ ‫العباس‪ :‬وحيك! أسلِم‬
‫ُ‬ ‫حتى اآلن منها شي ًئا‪ ،‬فقال له‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪330‬‬

‫احلق‪ ،‬فقال‬‫وش ِهدَ شهاد َة ِّ‬‫ْضب عن ُقك‪ ،‬فأسلم َ‬


‫َ‬ ‫رسول اهلل‪َ ،‬‬
‫قبل أن ُي‬ ‫ُ‬ ‫حممدً ا‬
‫الفخر‪ ،‬فاجعل له شي ًئا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫َ‬ ‫حيب‬ ‫سفيان ٌ‬
‫رجل ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬إن أبا‬ ‫العباس‪ :‬يا‬
‫ُ‬
‫دخ َل‬
‫ومن َ‬ ‫آمن‪ ،‬ومن أغ َل َق عليه با َبه فهو ٌ‬
‫آمن‪َ ،‬‬ ‫سفيان فهو ٌ‬
‫َ‬ ‫«نعم‪َ ،‬من َ‬
‫دخل دار أيب‬
‫آمن»‪.‬‬
‫املسجدَ احلرا َم فهو ٌ‬
‫متر‬ ‫ِ‬
‫بمضيق الوادي عندَ خط ِم اجلبل؛ حتى َّ‬ ‫َ‬
‫سفيان‬ ‫حيبس أبا‬
‫العباس أن َ‬
‫َ‬ ‫وأمر‬
‫مرت قبيل ٌة قال‪ :‬يا‬ ‫ُ‬
‫القبائل عىل راياهتا‪ ،‬كلام َّ‬ ‫فمرت‬
‫به جنو ُد اهلل فرياها‪ ،‬ففعل‪َّ ،‬‬
‫متر القبيل ُة فيقول‪:‬‬
‫سليم‪ ،‬قال‪ :‬فيقول‪ :‬ما يل ولسليم‪ ،‬ثم ُّ‬
‫ٌ‬ ‫عباس‪َ ،‬من هذه؟ فأقول‪:‬‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫القبائل‪،‬‬ ‫عباس‪َ ،‬من هؤالء؟ ‪ ،‬فأقول‪ :‬مزين ُة‪ ،‬فيقول‪ :‬ما يل وملزين َة‪ ،‬حتى نفدَ ت‬
‫ُ‬ ‫يا‬
‫متر به قبيل ٌة إال سألني عنها‪ ،‬فإذا أخربتُه هبم قال‪ :‬ما يل ولبني فالن‪ ،‬حتى َّ‬
‫مر به‬ ‫ما ُّ‬
‫واألنصار‪ ،‬ال ُي َرى منهم إال‬ ‫ِ‬
‫اخلْضاء فيها املهاجرون‬ ‫رسول اهلل ﷺ يف كتيبتِه‬‫ُ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫رسول‬ ‫قلت‪ :‬هذا‬
‫عباس! َمن هؤالء؟ قال‪ُ :‬‬ ‫َ‬
‫سبحان اهلل يا‬ ‫ِ‬
‫احلديد‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫احلدق من‬‫ُ‬
‫ُ‬
‫قبل وال طاق ٌة‪ ،‬ثم قال‪ :‬واهلل‬ ‫ٍ‬
‫ألحد هبؤالء ٌ‬ ‫اهلل ﷺ يف املهاجرين واألنصار‪ ،‬قال‪ :‬ما‬
‫عظيام‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا أبا سفيان إهنا‬
‫ً‬ ‫صبح ُ‬
‫ملك ابن أخيك اليوم‬ ‫الفضل لقد أ َ‬‫ِ‬ ‫يا أبا‬
‫قلت‪ :‬النجاء إىل ِ‬
‫قومك‪.‬‬ ‫النبوةُ‪ ،‬قال‪ :‬فنَعم إ ًذا‪ ،‬قال‪ُ :‬‬
‫ٍ‬
‫قريش‪،‬‬ ‫معرش‬
‫َ‬ ‫رص َخ بأعىل صوتِه‪ :‬يا‬‫قريشا َ‬ ‫َ‬
‫سفيان حتى إذا جا َء ً‬ ‫ومَض أبو‬
‫آمن‪ ،‬قالوا‪:‬‬ ‫َ‬
‫سفيان فهو ٌ‬ ‫هذا حممدٌ قد جاءكم فيام ال ِق َبل لكم به‪ ،‬فمن َ‬
‫دخل دار أيب‬
‫دخ َل‬
‫آمن‪ ،‬ومن َ‬
‫أغلق عليه با َبه فهو ٌ‬‫دارك؟ قال‪ :‬و َمن َ‬ ‫قات َلك اهلل‪ ،‬وما تُغني عنا ُ‬
‫ِ‬
‫املسجد‪.‬‬ ‫الناس إىل ِ‬
‫دورهم وإىل‬ ‫آمن‪ ،‬فتفرق ُ‬ ‫املسجدَ فهو ٌ‬
‫نالك ُق َّب ٌة‪ ،‬وأ َمر‬ ‫فدخل مك َة من َأعالها ُ ِ‬
‫وِض َبت له ُه َ‬ ‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ُ‬ ‫وسار‬
‫َ‬
‫دخلها من َأس َفلِها‪ ،‬وكان عىل املَجن َِبة ال ُيمنَى‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الوليد أن َي ُ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ خالدَ ب َن‬
‫‪ | 332‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫خلالد‬ ‫الح م َعهم‪ ،‬وقال‬ ‫حل َّرس‪ ،‬وهم ا َّلذين ال س َ‬ ‫الرجالة وا ُ‬
‫وكان أبو ُعبيد َة عىل َّ‬
‫وه ْم َح ْصدً ا َحتَّى تُوا ُف ِ‬
‫وين َع َىل‬ ‫أحدٌ ِم ْن ُق َر ْي ٍ‬
‫ش َف ْ‬
‫اح ُصدُ ُ‬ ‫و َمن معه‪« :‬إِ ْن َع َر َض َلك ُْم َ‬
‫عر َض هلم أحدٌ َّإال َأناموه‪.‬‬
‫الص َفا»‪ ،‬فام َ‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫رسول‬ ‫هنض‬ ‫الفتح‪ُ .‬ثم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مسجد‬ ‫رسول اهلل ﷺ باحل ِ‬
‫جون عند‬ ‫ِ‬ ‫وركِزت راي ُة‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫قبل‬‫دخل املسجدَ ‪ ،‬ف َأ َ‬
‫واألنصار بني يدَ ْيه وخل َفه وحو َله حتى َ‬ ‫هاجرون‬ ‫اهلل ﷺ واملُ ِ‬
‫ُ‬
‫البيت وعليه‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫وحول‬ ‫قوس‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األسود‪ ،‬فاس َت َل َمه ُثم َ‬‫ِ‬ ‫احلج ِر‬
‫طاف بالبيت‪ ،‬ويف يده ٌ‬ ‫إىل َ‬
‫قول‪﴿ :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ‬ ‫ِ‬
‫بالقوس و َي ُ‬ ‫َ‬
‫فجعل َيطعنُها‬ ‫وستُّون صن ًَام‪،‬‬ ‫ثال ُث ِمئة ِ‬

‫ﮠ ﮡ ﮢ﴾ [اإلرساء‪﴿ ،]81 :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ﴾ [سبأ‪،]49 :‬‬


‫ِ‬
‫وجوهها‪.‬‬ ‫َتساقط عىل‬ ‫ُ‬ ‫واألصنا ُم ت‬

‫فلام‬ ‫ِ‬ ‫يومئ ٍذ‬


‫وكان طوا ُفه عىل راحلتِه‪ ،‬ومل يكُن ُحمرما ِ‬
‫فاقترص عىل الطواف َّ‬ ‫َ َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫فأمر هبا ف ُفتِ َحت َ‬
‫فدخ َلها‬ ‫ِ‬
‫فتاح الكعبة‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫فأخذ منه م َ‬ ‫ثامن بن طلح َة‪،‬‬ ‫كم َله‪ ،‬دعا ُع َ‬ ‫َأ َ‬
‫وإسامعيل َيس َت ْق ِسامن باألزال ِم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫َ‬ ‫إبراهيم‬
‫َ‬ ‫الصو َر ور َأى ُصور َة‬ ‫َ‬ ‫فر َأى فيها‬
‫ِ‬
‫الكعبة محام ًة من عيدان‬ ‫« َقا َت َل ُه ُم اهللُ؛ َواهللِ إِ ِن ْاس َت ْق َس َام ِ َهبا َق ُّط»(‪ ،)1‬ورأى يف‬
‫فمحيت‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫فكرسها ِ‬
‫بيده‪ ،‬و َأ َم َر‬
‫بالصور ُ‬
‫ُ‬
‫يقابل‬ ‫اجلدار الذي‬ ‫ٍ‬
‫وبالل‪ ،‬فاستقبل‬ ‫الباب وعىل أسام َة‬
‫َ‬ ‫أغلق عليه‬
‫َ‬ ‫ثم‬
‫َ‬
‫وصىل هناك‪ ،‬ثم دار يف‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ثالثة أذرعٍ‪ ،‬وقف‬ ‫قدر‬
‫الباب‪ ،‬حتى إذا كان بينه وبينه ُ‬ ‫َ‬
‫وقريش قد مألت املسجدَ‬ ‫ٌ‬ ‫الباب‬ ‫فتح‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ووحد اهلل‪ ،‬ثم َ‬ ‫َّ‬ ‫وكرب يف نواحيه‪،‬‬
‫البيت‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫الباب وهم حتته‪ ،‬فقال‪« :‬ال إل َه إال اهلل‬ ‫يصنع‪ ،‬ف َأ َخ َذ بعضاديت‬
‫ُ‬ ‫صفو ًفا ينتظرون ماذا‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)4288‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪333‬‬

‫كل‬‫األحزاب وحدَ ه‪َ ،‬أ َال ُّ‬


‫َ‬ ‫وه َز َم‬ ‫ِشيك له‪َ ،‬صدَ َق وعدَ ه‪ ،‬ون َ َ‬
‫َِص عبدَ ه‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫وحدَ ه‪ ،‬ال‬
‫قدمي هاتني إال سدان َة البيت وسقاي َة احلاج‪َ ،‬أ َال ُ‬
‫وقتل‬ ‫مال أو د ٍم فهو حتت‬ ‫ٍ‬
‫مأثرة أو ٍ‬
‫َّ‬
‫اإلبل أربعون منها يف‬ ‫ِ‬ ‫العمد السوط والعصا‪ ،‬ففيه الدي ُة مغلظة‪ ،‬مئ ٌة من‬ ‫ِ‬ ‫اخلطإ شب ُه‬
‫وتعظيمها‬ ‫ِ‬
‫اجلاهلية‬ ‫ب عنكم نخو َة‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫أذه َ‬
‫قريش‪ ،‬إن اهلل قد َ‬ ‫معَش‬
‫َ‬ ‫بطوهنا أوال ُدها‪ .‬يا‬
‫الناس من آد َم‪ ،‬وآد ُم من ٍ‬
‫تراب‪ ،‬ثم تال هذه اآلي َة‪ ﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬ ‫باآلباء‪ُ ،‬‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﴾‬
‫خريا ٌ‬
‫أخ‬ ‫فاعل بكم؟ قالوا‪ً :‬‬ ‫ٍ‬
‫قريش‪ ،‬ما تَرون أين ٌ‬ ‫معَش‬
‫َ‬ ‫[احلجرات‪ ،]13 :‬ثم قال‪ :‬يا‬
‫يوسف إلخوتِه‪ ﴿ :‬ﮯ ﮰ‬
‫ُ‬ ‫كريم واب ُن أخٍ كري ٍم‪ ،‬قال‪ :‬فإين ُ‬
‫أقول لكم كام قال‬ ‫ٌ‬
‫الطلقاء»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ﮱ ﯓﯔ ﴾ [يوسف‪َ ،]92 :‬‬
‫اذهبوا فأنتم‬

‫‪ -26‬فصل [فمدن بهدر دمه]‬

‫الناس ك َّلهم َّإال تِسع َة ن َف ٍر‪ ،‬فإنه أ َم َر‬


‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫الفتح أ َّمن‬‫ُ‬ ‫استقر‬
‫َّ‬ ‫وملَّا‬
‫رسح‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بقتلِهم وإن ُو ِجدوا َ‬
‫حتت أستار الكعبة‪ ،‬وهم عبدُ اهلل ب ُن سعد بن أيب َ ْ‬
‫واحلارث ب ُن ن ِ‬
‫ُ‬ ‫جهل‪ ،‬وعبدُ العزى بن خ َط ٍل‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُفيل بن َوهب‪،‬‬ ‫وعكرم ُة ُ‬
‫بن أيب‬
‫ِ‬ ‫البن خ َطل‪ ،‬كانتا تُغنِيان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األسود‪ ،‬و َقي ِ‬ ‫ِ‬
‫هبجاء‬ ‫نتان‬ ‫ْ‬ ‫ومق َيس بن َصباب َة‪َ ،‬‬
‫وه َّب ُار ب ُن‬
‫لبعض بني عبد املُ ِ‬
‫طلب‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫سول اهلل ﷺ وسار ُة موال ٌة‬ ‫ر ِ‬
‫َ‬
‫عفان فاستَأ َمن له َر َ‬
‫سول اهلل ﷺ‬ ‫َ‬ ‫بن‬ ‫رسح ف َأس َلم فجاء به ُع ُ‬
‫ثامن ُ‬ ‫ابن أيب َ ْ‬
‫فأ َّما ُ‬
‫فقبِ َل منه‪.‬‬

‫النبي ﷺ‬ ‫ٍ‬
‫جهل‪ ،‬فاستَأ َمنَت له امرأتُه بعدَ أن َّفر‪ ،‬فأ َّمنَه ُّ‬ ‫وأ َّما ِعكرم ُة ب ُن أيب‬
‫وحس َن إسال ُمه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فقد َم وأس َل َم‬
‫ُ‬
‫‪ | 334‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ابن خ َط ٍل‪،‬‬


‫قيس‬‫واحلارث‪ ،‬ومق َيس‪ ،‬وإحدى ال َق ْينت َْني فقتلوا‪ ،‬وكان م ٌ‬ ‫وأ َّما ُ‬
‫ِ‬ ‫قد أسلم ُثم ارتَدَّ ‪ ،‬وقتل ِ‬
‫وحل َق باملُ ِ‬
‫عرض‬ ‫بار ب ُن األسود‪ ،‬فهو ا َّلذي َ‬‫رشكني‪ ،‬وأ َّما َه ُ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫صخرة‬ ‫فنخ َس هبا حتى س َق َطت عىل‬ ‫هاج َرت‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫لزينب ِ‬
‫هلل ﷺ حني َ‬ ‫رسول ا ِ‬ ‫بنت‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ لسار َة‬ ‫و َأس َق َطت جنينَها‪ ،‬ف َفر ُثم أس َلم وحسن إسالمه‪ ،‬واست ِ‬
‫ُؤمن‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫وإلحدَ ى ال َق ْينتني ف َأ َّمنهام ف َأس َلمتا‪.‬‬

‫فحمد اهللَ‪،‬‬ ‫الناس خطيبا‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫رسول اهلل ﷺ يف‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الفتح قا َم‬ ‫فلام كان الغدُ من يو ِم‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫هلل َح َّر َم َم َّك َة َي ْو َم َخ َل َق‬ ‫الناس إِ َّن ا َ‬ ‫ُ‬ ‫وجم َّدَ ه بام هو أه ُله‪ُ ،‬ثم قال‪« :‬يا َأ َُّيا‬ ‫و َأثنى عليه‪َ ،‬‬
‫يام ِة‪َ ،‬ف َال َُيِ ُّل ِال ْم ِر ٍئ ُي ْؤ ِم ُن‬ ‫ِ‬
‫هلل إِىل َي ْو ِم الق َ‬ ‫وات َواألَ ْر َض‪َ ،‬ف ِه َي َحرا ٌم بِ ُح ْر َم ِة ا ِ‬ ‫السم ِ‬
‫َّ َ‬
‫ك فيها َدما‪َ ،‬أ ْو ي ْع ِضدَ ِهبا َش َجرةً‪َ ،‬فإِ ْن َأ َحدٌ تَر َّخ َص بِ ِق ِ‬
‫تال‬ ‫اآلخ ِر َأ ْن َي ْس ِف َ‬
‫بِاهللِ واليو ِم ِ‬
‫َ َْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ت َِل َسا َع ًة ِم ْن‬ ‫ول اهللِ ﷺ‪َ ،‬فقولوا‪ :‬إِ َّن اهللَ َأ ِذ َن لِرسولِ ِه و َمل ي ْأ َذ ْن َلكُم‪ ،‬وإِنَّام ِ‬
‫أح َّل ْ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬
‫رس ِ‬
‫َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ار‪َ ،‬و َقدْ عا َد ْت ُح ْر َمتُها ال َي ْو َم ك َُح ْر َمتِها بِ ْاألَ ْم ِ‬‫َهن ٍ‬
‫ب»(‪.)1‬‬ ‫س‪َ ،‬ف ْل ُي ْبل ِغ الشاهدُ الغائ َ‬
‫ُرست‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األوثان ا َّلتي كانت َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫حول الكَعبة‪ ،‬فك َ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ َرسايا ُه إىل‬ ‫وبث‬
‫ك ُّلها‪ ،‬منها‪ :‬الالت‪ ،‬والعزى‪ ،‬ومنا ُة الثالث ُة األُخرى‪ ،‬ونادى م ِ‬
‫ناديه بم َّك َة‪َ « :‬م ْن كَا َن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُي ْؤم ُن بِاهللِ َوا ْل َي ْو ِم اآلخ ِر َف َال َيدَ ْع يف َب ْيته َصن ًَام إِ َّال ك َ َ‬
‫َِس ُه»‪.‬‬

‫‪ -27‬فصل يف اإلشارةِ إىل ما يف هذه الغَزوةِ منَ الفِقهِ واللطائفِ‬

‫الناس‬ ‫ُ‬ ‫الفتح العظي ِم‪ِ ،‬أمن‬


‫ِ‬ ‫ديبية مقدِّ م ًة وت ِ‬
‫َوطئ ًة بني يدَ ْي هذا‬ ‫ُ‬
‫كان صلح احل ِ‬
‫ُ ُ ُ‬
‫ومتكَّن َم ِن اخ َت َفى َ‬
‫من ا ُملسلمني بم َّك َة‬ ‫وناظره يف اإلسال ِم َ‬‫َ‬ ‫بعضا‬
‫بعضهم ً‬‫به وك َّلم ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫من إظهار ِدينه‪،‬‬
‫كثري يف اإلسال ِم؛‬ ‫ودخل بسببِه َ ٌ‬
‫برش ٌ‬ ‫ناظرة عليه‪َ ،‬‬ ‫والدعوة إليه‪ ،‬وا ُمل‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)4295‬ومسلم (‪.)1354‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪335‬‬

‫هلل فتحا يف قولِه‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ﴾ [الفتح‪َ ،]1 :‬نزلت يف ِ‬


‫شأن‬ ‫سامه ا ُ ً‬
‫وهلذا َّ‬
‫هلل َأ َو َفت ٌْح هو؟ قال‪َ « :‬ن َعمْ»(‪.)1‬‬ ‫َ‬
‫رسول ا ِ‬ ‫عمر‪ :‬يا‬ ‫ِ‬
‫حلديبية‪ ،‬فقال ُ‬
‫ا ُ‬
‫فتحا‪ ،‬فقال‪﴿ :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأعا َد سبحانَه وتعاىل ذكْر كونه ً‬
‫ﯖ﴾ [الفتح‪ ]27 :‬إىل قولِه‪﴿ :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ﴾‬
‫ظيمة مقدِّ ٍ‬
‫األمور الع ِ‬
‫مات تَكون‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫[الفتح‪ ،]27 :‬وهذا شأنُه سبحانَه أن ُيقدِّ م بني يدَ ِي‬
‫دخل إليها‪ ،‬املُن ِّبهة عليها‪.‬‬
‫كاملَ َ‬

‫فصل‬
‫ِ‬
‫وعهده‬ ‫وج ِ‬
‫واره‬ ‫العهد إذا حاربوا من ُهم يف ِذم ِة اإلما ِم ِ‬ ‫ِ‬ ‫وفيها‪ :‬أن َ‬
‫أهل‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫بذلك‪ ،‬ومل َي َبق بينَهم وبينَه عهدٌ ‪.‬‬ ‫صاروا حر ًبا له‬
‫مجيعهم بذلك‪ِ ،‬ردئهم وم ِ‬
‫بارشهيم إذا َر ُضوا بذلك‬ ‫ِ‬ ‫قاض ِ‬
‫عهد‬ ‫وفيها‪ :‬انتِ ُ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫قروا عليه ومل ُينكِروه‪.‬‬
‫و َأ ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫لح ِ‬
‫سنني‪.‬‬
‫َ‬ ‫احلرب عىل وض ِع القتال َ‬
‫عرش‬ ‫أهل‬ ‫جواز ُص ِ‬
‫ُ‬ ‫وفيها‪:‬‬
‫وفيها‪ :‬أن اإلمام وغريه إذا ِ‬
‫وز بذ ُله أو ال َجيِ ُ‬
‫ب‪ ،‬فسكَت عن‬ ‫سئ َل ما ال َجي ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َبذلِه‪ ،‬مل َيكُن سكوتُه ً‬
‫بذال له‪.‬‬
‫رسول ال ُك َّف ِ‬
‫ار ال ُيقتَل‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وفيها‪ :‬أن‬
‫الكفار‪ ،‬ومغافضتِهم يف ِ‬
‫ديارهم إذا كانت قد ب َل َغت ُ‬
‫ْهم‬ ‫ِ‬ ‫واز ت َِبي ِ‬
‫يت‬ ‫وفيها‪َ :‬ج ُ‬
‫الدعوةُ‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪.)2736‬‬


‫‪ | 336‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫عمر ‪ ‬س َأل َر َ‬


‫سول‬ ‫مسلام؛ ألن َ‬ ‫ً‬ ‫ِ‬
‫اجلاسوس وإن كان‬ ‫جواز ِ‬
‫قتل‬ ‫ُ‬ ‫وفيها‪:‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل‬ ‫ِ‬
‫باخلرب ومل َي ُق ْل‬ ‫أهل مك َة‬ ‫حاطب ِ‬
‫بن أيب َبلتع َة ملَّا ب َعث ُخي ِرب َ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل ﷺ َ‬
‫قتل‬
‫يك َل َع َّل اهللَ َق ِد ا َّط َل َع َعىل َأ ْه ِل َبدْ ٍر‪،‬‬ ‫ﷺ‪ :‬ال َحي ُّل قت ُله إنه ُمسلِ ٌم‪ .‬بل قال‪َ « :‬وما ُيدْ ِر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قال‪ :‬ا ْع َملوا ما ِش ْئت ُْم»‬
‫َف َ‬
‫فأجاب بأن فيه مان ًعا من قتله وهو ُشهو ُده ً‬
‫بدرا‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫املاحية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الكبرية‬ ‫ِ‬
‫باحلسنة‬ ‫الرشك قد تُك َّفر‬ ‫ِ‬ ‫وفيها‪ :‬أن الكبري َة العظيم َة ممَّا َ‬
‫دون‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫حاطب ُمك َّف ًرا بشهوده ً‬
‫بدرا‪.‬‬ ‫جل ُّس من‬
‫وقع ا َ‬
‫كام َ‬
‫وه ْيئتهم‬ ‫إظهار ِ‬
‫كثرة ا ُملسلمني و ُق َّوهتم َ‬ ‫ِ‬ ‫جواز ِ‬
‫وش ْوكتهم َ‬ ‫استحباب‬
‫ُ‬ ‫بل‬ ‫ُ‬ ‫وفيها‪:‬‬
‫النبي ﷺ‬ ‫لوك اإلسال ِم‪ ،‬كام َ‬
‫أمر ُّ‬ ‫فعل ُم ُ‬
‫جاؤوا إىل اإلما ِم‪ ،‬كام َي ُ‬
‫العدو‪ ،‬إذا ُ‬ ‫ِّ‬ ‫لرس ِل‬
‫ُ‬
‫فيان عند َخط ِم‬
‫بس أبا ُس َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العباس أن َحي َ‬
‫َ‬ ‫بإيقاد النريان ليل َة الدخول إىل مك َة‪َ ،‬‬
‫وأمر‬
‫عساكر اإلسال ِم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫اجل َب ِل‪ ،‬وهو ما تَضا َي َق منه‪ ،‬حتى ُع ِر َضت عليه‬
‫املباح ِ‬
‫بغري إحرا ٍم‪.‬‬ ‫تال ِ‬ ‫دخول مك َة ِ‬
‫للق ِ‬ ‫ِ‬ ‫جواز‬
‫ُ‬ ‫وفيها‪:‬‬
‫مجهور ِ‬
‫أهل‬ ‫ُ‬ ‫ذهب إليه‬
‫َ‬ ‫البيان الرصيح بأن مك َة ُفتِ َحت َعنوةً‪ ،‬كام‬
‫ُ‬ ‫وفيها‪:‬‬
‫الشافعي(‪ )2‬وأمحدَ يف أحد قو َل ْيه(‪.)3‬‬
‫ِّ‬ ‫خالف إال عن‬
‫ٌ‬ ‫العلم‪ ،‬وال ُيعرف يف ذلك‬
‫يمنع من قسمتِها ولو وج َب ْت قسم ُة ما عداها من القرى‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وفيها يش ٌء آخر‬
‫الرب تعاىل‪ ،‬الذي‬ ‫خللق‪ ،‬وحر ُم‬ ‫ِ‬
‫النسك‪ ،‬ومتعبدُ ا ِ‬ ‫دار‬
‫ِّ‬ ‫وهي أهنا ال متلك‪ ،‬فإهنا ُ‬
‫وقف من اهلل عىل العاملني‪ ،‬وهم فيها‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫والباد‪ ،‬فهي‬ ‫العاكف فيه‬
‫ُ‬ ‫جعله للناس سوا ًء‬
‫سوا ٌء‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3983‬ومسلم (‪.)2494‬‬


‫(‪ )2‬األم للشافعي ‪.259-258/9‬‬
‫(‪ )3‬األحكام السلطانية للفراء (‪.)187‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪337‬‬

‫ِ‬
‫استيفائه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫لرسول اهلل ﷺ‪ ،‬وأن قت َله حدٌّ ال ُبدَّ من‬ ‫الساب‬ ‫ني ِ‬
‫قتل‬ ‫وفيها‪ :‬ت ِ‬
‫َعي ُ‬
‫ِّ‬
‫بن صبابة‪ ،‬واب َن خطل‪ ،‬واجلاريتني اللتني كانتا‬ ‫مقيس َ‬‫َ‬ ‫النبي ﷺ مل يؤ ِّمن‬
‫َّ‬ ‫فإن‬
‫ِ‬
‫احلرب ال ُيقتلن كام ال تُقتل الذري ُة‪.‬‬ ‫تغنيان هبجائه‪ ،‬مع أن نسا َء ِ‬
‫أهل‬

‫‪ -26‬فصل يف غَزوةِ حُننيٍ وتُسدَّى غَزوةَ َب ْوطاسٍ‬


‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫فس ِّم َيت ال َغزو ُة باس ِم مكاهنا‪ ،‬وت َّ‬
‫ُسمى‬ ‫ومها َموضعان بني مك َة والطائف‪ُ ،‬‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لقتال‬ ‫هوازن؛ ألهنم ا َّلذين أت َْوا‬
‫َ‬ ‫َغزو َة‬

‫فتح اهللُ عليه من‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫قال ابن إسحاق‪ :‬ملَّا ِ‬
‫برسول اهلل ﷺ‪ ،‬وما َ‬ ‫هوازن‬ ‫سمعت‬ ‫ُ‬
‫قيف ك ُّلها‪،‬‬ ‫وازن َث ٌ‬ ‫عوف الن َّْرص ُّي‪ ،‬فاج َت َمع إليه مع َه َ‬ ‫ٍ‬ ‫بن‬ ‫ُ‬ ‫م َّك َة‪َ ،‬‬
‫مالك ُ‬ ‫مج َعها‬
‫هالل‪ ،‬وهم‬ ‫ٍ‬ ‫وناس من بني‬ ‫وج َش ُم ك ُّلها‪ ،‬وسعدُ ب ُن ٍ‬
‫بكر‪،‬‬ ‫ْض ُ‬
‫ٌ‬ ‫واجتَم َعت إليه ُم ُ‬
‫ِ‬ ‫شهدْ ها من ِ‬
‫هوازن كعب‪ ،‬وال‬ ‫َ‬ ‫ْضها من‬ ‫عيالن َّإال َهؤالء‪ ،‬ومل َحي ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫قيس‬ ‫قليل‪ ،‬ومل َي َ‬ ‫ٌ‬
‫كبري‪ ،‬وليس فيه إ َّال رأ ُيه و َمعرفتُه‬ ‫ٌ‬ ‫جشم دريدُ بن الص ِ‬ ‫ِ‬
‫شيخ ٌ‬ ‫مة‬ ‫ُ ِّ‬ ‫الب‪ ،‬ويف َ َ‬ ‫ك ٌ‬
‫قارب ب ُن‬ ‫ِ‬
‫األحالف‬ ‫دان هلم‪ ،‬ويف‬ ‫شجاعا ُجمربا‪ ،‬ويف َثقيف سي ِ‬ ‫ً‬ ‫باحلرب‪ ،‬وكان‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬
‫ومجاع ِ‬
‫أمر‬ ‫احلارث‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أمحر ب ُن‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫سبيع ب ُن احلارث وأخوه ُ‬ ‫ُ‬ ‫مالك‬ ‫األسود‪ ،‬ويف بني‬
‫َّرصي‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫عوف الن‬ ‫مالك ِ‬
‫بن‬ ‫الناس إىل ِ‬
‫ِّ‬
‫أمواهلم ونِسا َءهم‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الناس‬ ‫ساق مع‬ ‫رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫ِ‬ ‫السري إىل‬ ‫َ‬ ‫أمجع‬
‫َ‬ ‫فلام‬
‫َّ‬
‫الصمة‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬ ‫َّ‬ ‫الناس وفيهم دريدُ بن‬ ‫ُ‬ ‫وطاس اجت ََم َع إليه‬ ‫ٍ‬ ‫نزل ب َأ‬ ‫فلام َ‬ ‫وأبنا َء ُهم‪َّ ،‬‬
‫ويعار الشاء؟ قال‪ :‬ساق‬ ‫َ‬ ‫وهناق احلمري‪ ،‬وبكا َء الصغري‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫البعري‪،‬‬ ‫أسمع رغا َء‬ ‫ُ‬ ‫يل‬
‫أردت أن‬‫ُ‬ ‫ولـم؟ قال‪:‬‬ ‫َ‬
‫وأمواهلم وأبنا َءهم‪ .‬قال‪َ :‬‬ ‫ِ‬
‫الناس نسا َءهم‬ ‫مالك بن عوف مع‬
‫ٍ‬
‫ضأن واهلل‪ ،‬وهل ير ُّد‬ ‫َ‬
‫ليقاتل عنهم‪ .‬فقال‪ :‬راعي‬ ‫ٍ‬
‫رجل أه َله وما َله‬ ‫خلف ِّ‬
‫كل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أجعل‬
‫‪ | 338‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ورحمه‪ ،‬وإن كانت عليك‬ ‫بسيفه ِ‬


‫رجل ِ‬‫املنهز َم يش ٌء‪ ،‬إهنا إن كانت لك مل ين َفعك إال ٌ‬
‫كربت‪ ،‬وكرب عق ُلك‪ ،‬واهلل لتطي ُعنِّي يا‬
‫َ‬ ‫ضحت يف أهلِك ومالِك‪ ،‬قال‪ :‬إنك قد‬ ‫َ‬ ‫ُف‬
‫َ‬
‫يكون‬ ‫خيرج من ظهري‪ ،‬وك َِر َه أن‬ ‫ِ‬
‫ألتكئن عىل هذا السيف حتى َ‬
‫َّ‬ ‫معرش هوازن‪ ،‬أو‬ ‫َ‬
‫ورأي‪ ،‬فقالوا‪ :‬أطعناك‪ ،‬فقال دريد‪ :‬هذا يو ٌم مل أشهدَ ه ومل َيفتني‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ذكر‬
‫لدُ ريد فيها ٌ‬
‫فون سيوفِكُم‪ُ ،‬ثم ُشدُّ وا شد َة‬ ‫ِ‬
‫فاكرسوا ُج َ‬ ‫ِ‬
‫للناس‪ :‬إذا رأيتُموهم‬ ‫ٌ‬
‫مالك‬ ‫ُثم قال‬
‫ٍ‬
‫واحد‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫رجل‬
‫بعث إليهم عبدَ اهلل بن أيب ح ٍ‬ ‫ِ‬
‫وأمره‬
‫األسلمي‪َ ،‬‬
‫َّ‬ ‫درد‬ ‫َ‬ ‫نبي اهلل ﷺ َ‬ ‫وملَّا سم َع هبم ُّ‬
‫فانطلق اب ُن‬ ‫لمهم‪ُ ،‬ثم َيأتيه ِ‬
‫بخربهم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫علم ع َ‬
‫الناس‪ ،‬ف ُيقيم فيهم حتَّى َي َ‬ ‫يدخل يف‬ ‫أن‬
‫رسول اهلل ﷺ‪،‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حرب‬ ‫مجعوا له من‬
‫وعلم ما قد َ‬ ‫سمع‬ ‫فدخل فيهم حتى‬ ‫َ‬ ‫أيب ح ٍ‬
‫درد‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫َ‬ ‫أقبل حتى أتَى‬‫هوازن ما هم عليه‪ُ ،‬ثم َ‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫وأمر‬ ‫وسمع من ما ٍ‬
‫لك‬ ‫َ‬
‫رب‪.‬‬ ‫ف َأ َ َ‬
‫خربه اخل َ‬
‫بن أمي َة‬ ‫صفوان ِ‬ ‫َ‬ ‫هوازن‪ُ ،‬ذكِر له أن عندَ‬
‫َ‬ ‫السري إىل‬
‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ُ‬ ‫أمجع‬
‫فلام َ‬ ‫َّ‬
‫رشك‪ -‬فقال‪« :‬يا َأبا ُأ َم َّي َة َأ ِع ْرنا‬ ‫ٍ‬
‫يومئذ ُم ٌ‬ ‫فأرسل إليه ‪-‬وهو‬ ‫َ‬ ‫وسالحا‪،‬‬
‫ً‬ ‫أدرا ًعا‬
‫صفوان‪ :‬أغص ًبا يا ُحم َّمدُ ؟ قال‪َ « :‬ب ْل‬ ‫ُ‬ ‫يه َعدُ َّونا َغدً ا»‪ ،‬فقال‬ ‫ك ه َذا َن ْل َقى فِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الح َ َ‬ ‫س َ‬
‫بأس‪ ،‬فأعطاه ِمئ َة در ٍع بام‬ ‫ك» ‪ ،‬فقال‪ :‬ليس هبذا ٌ‬
‫(‪)1‬‬ ‫َع ِ‬
‫ار َّي ٌة َم ْض ُمو َن ٌة َحتَّى ن َُؤد َ ََيا إِ َل ْي َ‬
‫ِ‬
‫السالح(‪.)2‬‬ ‫َيكفيها من‬
‫وادي ُح ٍ‬
‫نني‪،‬‬ ‫َ‬ ‫بن عبد اهللِ‪ ،‬قال‪ :‬ملَّا اس َت ْقبلنا‬ ‫ِ‬
‫جابر ِ‬ ‫قال اب ُن إسحاق‪ :‬عن‬
‫انحدارا‪ .‬قال‪ :‬ويف‬ ‫أجوف حطوط‪ ،‬إنام ن ِ‬
‫َنحدر فيه‬ ‫َ‬ ‫واد من َأ ِ‬
‫ودية ِهتام َة‬ ‫انحدَ رنا يف ٍ‬
‫ً‬ ‫َ ْ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪.)3562‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬سرية ابن هشام ‪.440-437/2‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪339‬‬

‫ِ‬
‫وأحنائه‬ ‫الوادي‪ ،‬فكَمنوا لنا يف شعابِه‬ ‫ِ‬ ‫الصبح‪ ،‬وكان القو ُم س َبقونا إىل‬ ‫ِ‬ ‫عامية‬
‫نح ُّطون‪َّ -‬إال‬ ‫راعنا ‪-‬ونحن ُم َ‬ ‫مجعوا وهت َّيئوا وأعدُّ وا‪ ،‬فواهللِ ما َ‬ ‫ضايقه قد َأ َ‬ ‫و َم ِ‬
‫أحدٌ‬ ‫راجعني‪ ،‬ال َي ِ‬ ‫الناس ِ‬ ‫ٍ‬ ‫رج ٍل‬
‫لوي َ‬ ‫ُ‬ ‫وانشمر‬
‫َ‬ ‫واحد‪،‬‬ ‫الكتائب‪ ،‬قد شدُّ وا علينا شد َة ُ‬ ‫ُ‬
‫َّاس؟ َه ُل َّم‬ ‫اليمني‪ُ ،‬ثم قال‪« :‬إِ َىل َأ ْي َن َأ ُّ ََيا الن ُ‬ ‫ِ‬ ‫ذات‬ ‫رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫ُ‬ ‫وانحاز‬ ‫َ‬ ‫أح ٍد‪،‬‬ ‫عىل َ‬
‫نفر م َن‬ ‫وبقي مع رسول اهلل ﷺ ٌ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫حم َّمدُ ْب ُن َع ْب ِد اهللِ»‪،‬‬ ‫ول اهللِ‪َ ،‬أنَا ُ َ‬ ‫إِ َ ََّل‪َ ،‬أنَا َر ُس ُ‬
‫مر‪،‬‬ ‫هاجرين أبو َب ٍ‬ ‫وأهل بيتِه‪ ،‬وفيمن ث َبت معه من املُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كر و ُع ُ‬ ‫َ‬ ‫واألنصار‬ ‫املهاجرين‬
‫العباس‪،‬‬‫ِ‬ ‫والفضل ب ُن‬ ‫ُ‬ ‫احلارث وابنُه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫فيان ب ُن‬‫والعباس‪ ،‬وأبو ُس َ‬ ‫عيل‬ ‫ومن ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫أهل بيته ٌّ‬
‫يومئذ(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬ ‫زيد‪ ،‬وأيم ُن اب ُن ُأ ِّم أيم َن‪ ،‬و ُقتِ َل‬ ‫احلارث‪ ،‬وأسام ُة بن ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وربيع ُة ب ُن‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ِ‬ ‫املطلب‪ ،‬قال‪ :‬إين ملَ َع‬ ‫ِ‬ ‫بن ِ‬
‫عبد‬ ‫العباس ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقال اب ُن إسحاق‪ِ :‬‬
‫عن‬
‫الصوت‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫جسيام‪ ،‬شديدَ‬ ‫وكنت امر ًءا‬ ‫شجرهتا هبا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫البيضاء قد‬ ‫كمة بغلتِه‬ ‫آخ ٌذ بح ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َّاس؟»‬ ‫الناس‪« :‬إِ َىل َأ ْي َن َأ ُّ ََيا الن ُ‬ ‫ِ‬ ‫ورسول اهلل ﷺ َيقول حني ر َأى ما ر َأى من‬ ‫ُ‬ ‫قال‪:‬‬
‫ار‪َ ،‬يا‬ ‫ارصخْ َيا َم ْع ََش ْاألَن َْص ِ‬ ‫ٍ‬ ‫قال‪ :‬ف َل ْم َأر‬
‫َ‬ ‫اس‪ُ ْ ،‬‬ ‫الناس َيلوون عىل يشء‪ .‬فقال‪َ « :‬يا َع َّب ُ‬ ‫َ‬
‫عريه‪،‬‬ ‫ثني َب َ‬‫الرجل ل َي َ‬ ‫ُ‬ ‫ذهب‬ ‫يك‪ .‬قال‪ :‬ف َي َ‬ ‫يك َل َّب َ‬ ‫الس ُم َرةِ»‪ ،‬ف َأجابوا‪َ :‬ل َّب َ‬ ‫اب َّ‬ ‫َش َأ ْص َح ِ‬ ‫َم ْع َ َ‬
‫ُرسه‪،‬‬ ‫وقوسه وت َ‬ ‫َ‬ ‫أخذ سي َفه‬ ‫قدر عىل ذلك‪ ،‬ف َيأخذ ِدر َعه ف َيقذفها يف ُعنقه‪ ،‬و َي ُ‬ ‫فال ي ِ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫نتهي إىل‬ ‫وخييل َسبي َله و َيؤ ُّم‬ ‫قتحم عن َب ِ‬ ‫وي ِ‬
‫الصوت‪ ،‬حتى َي َ‬ ‫َ‬ ‫عريه ُ‬ ‫َ‬
‫فكانت الدعو ُة َّأو َل ما‬ ‫ِ‬ ‫الناس‪ ،‬فاق َتتَلوا‪،‬‬ ‫اجتمع إليه منهم ِمئ ٌة‪ ،‬استَق َبلوا‬ ‫حتى إذا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫احلرب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ربا عند‬ ‫زرج‪ .‬وكانوا ُص ً‬ ‫للخ ِ‬ ‫آخرا‪ :‬يا َ‬ ‫نصار‪ُ .‬ثم خ َل َصت ً‬ ‫أل ِ‬ ‫كانت‪ :‬يا ل َ‬
‫تلد القو ِم‪ ،‬وهم َجيتلِدون فقال‪:‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ يف ركائبِه‪ ،‬فنظر إىل ُجم ِ‬ ‫ُ‬ ‫رشف‬ ‫ف َأ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يس»(‪.)2‬‬ ‫« ْاآل َن َمح َي ا ْل َوط ُ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬سرية ابن هشام ‪.443-442/2‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬سرية ابن هشام ‪.445-444/2‬‬
‫‪ | 341‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫غريه‪:‬‬
‫وزاد ُ‬
‫َّبي ال َكـــــ ِذ ْب‬ ‫أنا الن ُّ‬
‫ِ (‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫َأنا ا ْب ُن َع ْبد املُ َّطل ْ‬
‫ِ‬
‫وجوه‬ ‫رسول اهلل ﷺ حص ٍ‬
‫يات فر َمى هبا يف‬ ‫ُ‬ ‫صحيح مسل ٍم»‪ُ :‬ثم َ‬
‫أخذ‬ ‫ِ‬ ‫ويف «‬
‫َ‬
‫ماهم‪ ،‬فام ِز ُ‬ ‫ُفار‪ُ ،‬ثم قال‪« :‬اهنزَموا ورب ُ َ ٍ‬
‫الك ِ‬
‫لت أرى حدَّ هم‬ ‫حم َّمد»‪ ،‬فام هو َّإال أن َر ُ‬ ‫َْ ُ َ َ‬
‫دبرا(‪.)2‬‬
‫وأمر ُهم ُم ً‬ ‫ً‬
‫كليال‪َ ،‬‬
‫مالك ب ُن‬ ‫ُ‬ ‫الطائف‪ ،‬وم َع ُهم‬ ‫َ‬ ‫رشكون أت َُوا‬ ‫اهنز َم ا ُمل ِ‬‫قال اب ُن إسحاق ‪ :‬و َّملا َ‬
‫(‪)3‬‬

‫ُ‬
‫رسول اهللِ‬ ‫َ‬
‫وبعث‬ ‫نحو نخل َة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بعضهم ب َأ‬ ‫ٍ‬
‫بعضهم َ‬ ‫َوجه ُ‬ ‫وطاس‪ ،‬وت َّ‬ ‫عوف‪ ،‬وعسك ََر ُ‬
‫بعض َمن‬ ‫ِ‬
‫الناس َ‬ ‫درك من‬ ‫شعري‪ ،‬ف َأ َ‬‫َّ‬ ‫عامر األَ‬ ‫أوطاس أبا ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫توج َه ِق َب َل‬ ‫ﷺ يف ِ‬
‫آثار َمن َّ‬
‫األشعري‪ ،‬وهو‬ ‫ُّ‬ ‫وسى‬ ‫فأخذ الراي َة أبو ُم َ‬ ‫َ‬ ‫القتال‪ُ ،‬فر ِم َي بسه ٍم ف ُقتِ َل‪،‬‬ ‫َ‬ ‫فناوشو ُه‬
‫اهنز َم َ‬
‫ُ‬ ‫عام ٍر‪َ ،‬‬ ‫قاتل أيب ِ‬ ‫هلل عليه وهز َمهم اهللُ‪ ،‬وقت ََل َ‬
‫رسول اهلل‬ ‫فقال‬ ‫ففتح ا ُ‬ ‫اب ُن عمه‪ ،‬فقات ََل َ‬
‫واستغفر‬
‫َ‬ ‫ك»‪،‬‬ ‫اج َع ْل ُه َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة َف ْو َق كَثِ ٍري ِم ْن َخ ْل ِق َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﷺ‪« :‬ال َّل ُه َّم اغْ ف ْر ألَ ِيب َعام ٍر‪َ ،‬و ْ‬
‫موسى(‪.)4‬‬
‫أليب َ‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫بح ِ‬‫عوف حتى َحتصن ِ‬ ‫ٍ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫صن َثقيف‪َ ،‬‬
‫وأمر‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫مالك ب ُن‬ ‫ومَض‬ ‫َ‬
‫اجل ِ‬ ‫وصريوه إىل ِ‬ ‫فج ِمع ذلك ك ُّله‪،‬‬
‫السبي‬
‫ُ‬ ‫عرانة‪ ،‬وكان‬ ‫َّ‬ ‫بالسبي وال َغنائ ِم أن ُِت َمع‪ُ ،‬‬
‫ِ‬
‫ألف ٍ‬
‫أكثر من َأر َبعني َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫شاة‪،‬‬ ‫واإلبل أربع ًة وعرشين أل ًفا‪ ،‬والغن َُم َ‬ ‫رأس‪،‬‬ ‫آالف‬ ‫ست َة‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)2864‬ومسلم (‪.)1776‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)1775‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬سرية ابن هشام ‪.453/2‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)4323‬ومسلم (‪.)2498‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪340‬‬

‫سول اهلل ﷺ أن َيقدَ موا عليه ُمسلِمني‬ ‫وقية فِ َّضة‪ ،‬فاستَأنَى هبم َر ُ‬
‫آالف ُأ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وأربع َة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بِ َ‬
‫الناس‪.‬‬ ‫فقس َمها‪ ،‬و َأعطى املُؤ َّلف َة ُ‬
‫قلوهبم َّأو َل‬ ‫ضع عرش َة ليل ًة‪ُ ،‬ثم بدَ َأ باألموال َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ُ‬ ‫قال ابن إسحاق(‪ :)1‬عن أيب سعيد اخلدري قال‪ :‬وملَّا أع َطى‬
‫ِ‬
‫األنصار منها‬ ‫العرب‪ ،‬ومل َي ُك يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قبائل‬ ‫ٍ‬
‫قريش‪ ،‬ويف‬ ‫تلك ال َعطايا يف‬ ‫ما َأع َطى من َ‬
‫أنفسهم حتَّى ك ُث َرت فيهم القال ُة‪ ،‬حتَّى قال‬ ‫األنصار يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫احلي من‬ ‫وجدَ هذا ُّ‬ ‫يش ٌء‪َ ،‬‬
‫فدخل عليه سعدُ ب ُن ُعبادةَ‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬ ‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ قو َمه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫قائ ُلهم‪ِ :‬لق َي واهللِ‬ ‫ِ‬

‫أنفسهم ملِا صنَ ْعت يف‬ ‫عليك يف ِ‬ ‫َ‬ ‫وجدوا‬ ‫األنصار قد َ‬‫ِ‬ ‫احلي من‬‫سول اهلل‪ ،‬إن هذا َّ‬ ‫َر َ‬
‫ِ‬
‫قبائل‬ ‫عطيت َعطايا ِعظا ًما يف‬ ‫قوم َك‪ ،‬و َأ‬‫الفيء ا َّلذي أصب َت‪ ،‬فقسمت يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫هذا‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ْت ِم ْن َذلِ َك َيا‬ ‫األنصار منها يش ٌء‪ .‬قال‪َ « :‬ف َأ ْي َن َأن َ‬ ‫ِ‬ ‫احلي م َن‬
‫العرب‪ ،‬ومل َيكُن يف هذا ِّ‬ ‫ِ‬
‫ك ِيف َه ِذ ِه‬ ‫امج ْع َِل َق ْو َم َ‬ ‫رسول اهللِ‪ ،‬ما أنا َّإال من قومي‪ .‬قال‪َ « :‬ف ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َس ْعدُ؟»‪ ،‬قال‪ :‬يا‬
‫آخرون‬ ‫فدخلوا‪ ،‬وجا َء َ‬ ‫رتكهم َ‬ ‫ِ‬
‫من املُهاجرين ف َ‬ ‫رجال َ‬ ‫ٌ‬ ‫احلظِ َري ِة؟» قال‪ :‬فجا َء‬ ‫َْ‬
‫فر َّد ُهم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫فلام اجتَمعوا أتَى سعدٌ ‪ ،‬فقال‪ِ :‬‬
‫تاهم‬ ‫األنصار‪ .‬ف َأ ُ‬ ‫احلي م َن‬ ‫لك هذا ُّ‬ ‫اجتمع َ‬
‫َ‬ ‫قد‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ْصار‪ ،‬ما‬ ‫فحمدَ اهللَ و َأثنى عليه بام هو أه ُله‪ُ ،‬ثم قال‪َ « :‬يا َم ْع ََش األَن ِ‬ ‫سول اهلل ﷺ‪ِ ،‬‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬
‫قا َل ٌة َب َل َغتْنِي َعنْك ُْم‪َ ،‬و ِجدَ ٌة َو َجدْ ُتُ وها يف َأ ْن ُف ِسك ُْم؟ َأ َمل ْ آتِك ُْم ُض َّال ًال َف َهداك ُُم اهللُ ِيب‪،‬‬
‫هلل ورسو ُله أم ُّن‬ ‫ني ُق ُلوبِك ُْم؟!» قالوا‪ :‬ا ُ‬
‫هلل َب ْ َ‬
‫فا ُ‬ ‫هلل ِيب‪َ ،‬و َأ ْعدَ ًاء َف َأ َّل َ‬ ‫َو َعال ًة َف َأ ْغنَاك ُُم ا ُ‬
‫َ‬
‫رسول‬ ‫وين َيا َم ْع ََش ْاألَن ِ‬
‫ْصار؟!» قالوا‪ :‬بامذا نُجي ُب َك يا‬ ‫ُتي ُب ِ‬‫وأفضل‪ُ .‬ثم قال‪َ « :‬أ َال ُ ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫والفضل‪.‬‬ ‫هلل ولرسولِه املَ ُّن‬ ‫اهلل‪ِ ،‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬سرية ابن هشام ‪.500-498/2‬‬


‫‪ | 342‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ناك‪،‬‬ ‫هلل َل ْو ِش ْئت ُْم َل ُق ْلت ُْم‪َ ،‬ف َل َصدَ ْقت ُْم َو َل ُصد ْقت ُْم‪َ :‬أ َت ْيتَنا ُمك ََّذ ًبا َف َصدَّ ْق َ‬
‫قال‪َ « :‬أما َوا ِ‬
‫آس ْي َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ُم ُذ ً‬
‫عَش‬‫ناك‪ ،‬أ َو َجدْ ت ُْم َع َ َّيل يا َم َ َ‬ ‫ناك‪َ ،‬و َعائ ًال َف َ‬ ‫ناك‪َ ،‬و َطريدً ا َف َ‬
‫آو ْي َ‬ ‫َِص َ‬‫وال َفن َ ْ‬ ‫َو َ ْ‬
‫ت ِهبا َق ْو ًما لِ ُي ْسلِموا‪َ ،‬و َو َك ْل ُتك ُْم إِىل‬ ‫اعة ِم َن الدُّ نْيا‪ ،‬ت ََأ َّل ْف ُ‬ ‫ْصار يف َأ ْن ُف ِسكُم ِيف ُلع ٍ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫األَن ِ‬
‫عري‪،‬‬‫الشاة َوال َب ِ‬ ‫ْصار َأ ْن ي ْذهب الناس بِ ِ‬ ‫المك ُْم؟! َأ َال ت َْر َض ْو َن يا َم ْع ََش األَن ِ‬ ‫إِس ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫بون بِ ِه َخ ْ ٌري ِممَّا‬
‫حم َّم ٍد بِ َي ِد ِه‪ ،‬ملَا َتنْ َقلِ َ‬
‫سول اهللِ إِ َىل ِرحالِك ُْم‪َ ،‬فوا َّل ِذي َن ْف ُس ُ َ‬ ‫عون بِر ِ‬
‫َوت َْر ِج َ َ‬
‫الناس ِش ْع ًبا َو َو ِاد ًيا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْصار‪َ ،‬و َل ْو َس َل َ‬ ‫ْت ْام َرًا ِم َن األَن ِ‬ ‫بون بِ ِه‪ ،‬و َلوال ْ ِ‬
‫اهل ْج َر ُة َل ُكن ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َينْ َقلِ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب األَن ِ‬ ‫واديا َلس َلك ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عار‬
‫ْصار ش ٌ‬ ‫ْصار َو َواد ََيا‪ْ ،‬األَن ُ‬ ‫ْت ش ْع َ‬ ‫ْصار ش ْع ًبا َو ً َ‬ ‫َو َس َل َكت األَن ُ‬
‫ْصار‪ ،‬و َأبناء َأب ِ‬ ‫ِ‬
‫ناء األَنْصارِ»‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ناء األَن ِ َ ْ َ ْ‬ ‫ثار‪ ،‬ال َّل ُه َّم ْار َح ِم األَن َ‬
‫ْصار‪َ ،‬و َأ ْب َ‬ ‫الناس د ٌ‬ ‫َو ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ َق ْس ًام وح ًّظا‪ُ ،‬ثم‬ ‫ِ‬ ‫اهم‪ .‬وقالوا‪َ :‬ر ِضينا ب‬ ‫ِ‬ ‫فبكَى القو ُم حتَّى َأ َ‬
‫خضلوا حل ُ‬
‫َفرقوا(‪.)1‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ وت َّ‬ ‫ف‬
‫انرص َ‬
‫َ‬

‫فصل‬

‫عرش ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ورأسهم‬‫ُ‬ ‫رجال‪،‬‬ ‫و َقد َم وفدُ هوازن عىل رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وهم أربع ُة َ‬
‫ِ‬
‫الرضاعة‪ ،‬فسألوه أن يم َّن‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ من‬ ‫عم‬
‫زهري ب ُن رصد‪ ،‬وفيهم أبو برقان ُّ‬
‫ُ‬
‫إَل‬ ‫ِ‬
‫أحب احلديث َّ‬
‫َّ‬ ‫واألموال‪ ،‬فقال‪« :‬إن معي َمن ترون‪ ،‬وإن‬ ‫عليهم بالسبي‬
‫ُ‬
‫نعدل‬ ‫أحب إليكم‪ ،‬أم أموا ُلكم»؟ قالوا‪ :‬ما كنَّا‬ ‫ُّ‬ ‫أصد ُقه‪ ،‬فأبناؤُ كم ونساؤُ كم‬
‫ِ‬
‫برسول اهلل‬ ‫نستشفع‬
‫ُ‬ ‫صليت الغدا َة فقوموا فقولوا‪ :‬إنا‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫باألحساب شي ًئا‪ ،‬فقال‪« :‬إذا‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ أن ير ُّدوا علينا سب َينا»‪.‬‬ ‫ونستشفع باملؤمنني إىل‬
‫ُ‬ ‫ﷺ إىل املؤمنني‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)2506‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪343‬‬

‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬أما ما كان َل‬ ‫ُ‬ ‫فلام َّ‬


‫صىل الغدا َة قاموا فقالوا ذلك‪ ،‬فقال‬
‫الناس»‪ ،‬فقال املهاجرون واألنصار‪:‬‬ ‫ُ‬
‫وسأسأل لكم‬ ‫عبد املطلب فهو لكم‪،‬‬ ‫ولبني ِ‬
‫َ‬
‫األقرع ب ُن حابس‪ :‬أما أنا وبنو متيم فال‪ ،‬وقال‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫لرسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال‬ ‫ما كان لنا فهو‬
‫العباس ب ُن مرداس‪ :‬أما أنا وبنو‬
‫ُ‬ ‫عيينة بن حصن‪ :‬أما أنا وبنو فزارة فال‪ ،‬وقال‬
‫العباس ب ُن‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫لرسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال‬ ‫سليم فال‪ ،‬فقالت بنو سليم‪ :‬ما كان لنا فهو‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬إن هؤالء القو َم قد جاءوا مسلمني‪،‬‬‫ُ‬ ‫مرداس‪ :‬وهيتموين! فقال‬
‫ِ‬
‫والنساء شيئًا‪ ،‬فمن‬ ‫ِ‬
‫باألبناء‬ ‫خريُتم فلم يعدلوا‬
‫ُ‬ ‫استأنيت بسبيِهم‪ ،‬وقد‬
‫ُ‬ ‫كنت‬
‫وقد ُ‬
‫َ‬
‫يستمسك‬ ‫أحب أن‬
‫ومن َّ‬ ‫ُ‬
‫فسبيل ذلك‪َ ،‬‬ ‫نفسه بأن ير َّده‬
‫يشء فطابت ُ‬
‫كان عنده منهن ٌ‬
‫فرائض ِمن ِ‬
‫أول ما يفيء اهلل علينا»‪ ،‬فقال‬ ‫َ‬ ‫ست‬ ‫ٍ‬
‫فريضة ُ‬ ‫بحقه فلري َّد عليهم وله بكل‬
‫نعرف َمن َر ِِض منكم ممن مل َ‬
‫يرض‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الناس‪ :‬قد طيبنا لرسول اهلل ﷺ‪ .‬فقال‪« :‬إنا ال‬‫ُ‬
‫يرفع إلينا عرفاؤُ كم َ‬
‫أمركم»‪.‬‬ ‫فارجعوا حتى َ‬
‫السبي قبطي ًة قبطي ًة‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫فر ُّدوا عليهم نسا َءهم وأبنا َءهم‪ ،‬وكسا‬

‫‪ -29‬فصل يف اإلشارةِ إىل نبع ِ‬


‫ض ما تَضدَّ َنته هذه الغزوةُ من املسائلِ الفِقهم ِ‬
‫والنرتِ احلردم ِ‬

‫فتح مك َة َ‬
‫دخل‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫كان اهللُ ‪ ‬قد وعدَ رسو َله وهو‬
‫الوعد‪ ،‬أنه إذا َ‬ ‫صادق َ‬
‫الفتح املُ ُ‬
‫بني اقت ََضت‬ ‫ُ‬ ‫تم له‬
‫فلام َّ‬‫العرب ب َأ ْرسها‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫َت له‬
‫أفواجا‪ ،‬ودان ْ‬
‫ً‬ ‫الناس يف دينِه‬
‫ُ‬
‫عن اإلسال ِم‪ ،‬وأن ُجيمعوا‬ ‫هوازن و َمن تبِ َعها ِ‬
‫َ‬ ‫مسك ُق َ‬
‫لوب‬ ‫ِحكمتُه تعاىل أن َأ َ‬
‫إعزازه لرسولِه‬
‫ِ‬ ‫أمر اهلل َ‬
‫ومتا ُم‬ ‫ظهر ُ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ وا ُملسلمني؛ ل َي َ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حلرب‬ ‫و َيتأ َّلبوا‬
‫هلل سبحانه رسو َله‬ ‫ظهر ا ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لدينِه؛ ولتَكون َغ ِ‬
‫نائ ُمهم ُشكرانًا‬ ‫ونرصه ِ‬
‫ِ‬
‫الفتح؛ ول ُي َ‬ ‫ألهل‬
‫‪ | 344‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫سلمون ِمث َلها‪ ،‬فال ُي ِ‬


‫قاو ُمهم بعدُ‬ ‫لق املُ ِ‬ ‫الشوكة الع ِ‬
‫ظيمة ا َّلتي مل َي َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫هلذ ِه‬
‫وعباده‪ ،‬وقهره ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫من العر ِ‬
‫ولغري ذلك من احلكَم الباهرة ا َّلتي تَلوح ُ‬
‫للمتأ ِّملني‪ ،‬وتَبدو‬ ‫ب‪،‬‬ ‫أحدٌ َ‬‫َ‬
‫توسمني‪.‬‬
‫للم ِّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫واقتض ْت ِحكمتُه سبحانه أن َأ َ‬
‫مع‬‫ذاق املُسلمني َّأو ًال َمرار َة اهلزيمة والكَرسة َ‬ ‫َ‬
‫َدخل‬ ‫بالفتح‪ ،‬ومل ت ُ‬
‫ِ‬ ‫ؤوسا ُرفِعت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كثرة عددهم وعُدَ دهم‪ ،‬و ُق َّوة شوكتهم ل ُيطامن ُر ً‬
‫ِ ِ‬
‫واضعا رأسه منحنيا عىل ِ‬ ‫رسول اهلل ﷺ ِ‬ ‫ُ‬ ‫وحر َمه كام دخ َله‬
‫فرسه‪ ،‬حتَّى إن ذقنَه‬ ‫ً َ ُ ً‬ ‫ب َلده َ‬
‫أحل له‬ ‫لع َّزتِه‪ ،‬أن َّ‬
‫وخضو ًعا لعظمتِه‪ ،‬واستِكان ًة ِ‬ ‫َواض ًعا لر ِّبه ُ‬
‫رسجه ت ُ‬ ‫َ‬ ‫متس‬
‫تَكا ُد أن َّ‬
‫ألحد بعدَ ه؛ ول ُي ِّبني اهلل سبحانه ملَ ْن قال‪ :‬لن‬ ‫ٍ‬ ‫ألحد قب َله وال‬‫ٍ‬ ‫َح َرمه وب َلدَ ه‪ ،‬ومل حي َّله‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ب اليو َم عن ِق َّل ٍة‪ .‬أن‬
‫غالب له‪،‬‬ ‫َ‬ ‫نرصه فال‬ ‫النرص إنام هو من عنده‪ ،‬وأنه َمن َي ُ‬ ‫َ‬ ‫نُغ َل َ‬
‫ودينِه‪ ،‬ال‬ ‫َوىل نرص رسولِه ِ‬
‫َ‬ ‫غريه‪ ،‬وأنه سبحانه هو ا َّلذي ت َّ‬ ‫نارص له ُ‬ ‫َ‬ ‫و َمن َخي ُذله فال‬
‫انكرست‬ ‫فلام َ َ‬ ‫ُغن عنكم شي ًئا‪ ،‬فو َّل ْيتم ُمدبِرين‪َّ ،‬‬ ‫كَثرتُكم ا َّلتي َأعج َب ْتكُم‪ ،‬فإهنا مل ت ِ‬
‫اجلرب مع ب ِ‬ ‫ِ‬
‫النرص ﴿ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ‬ ‫ِ‬ ‫ريد‬ ‫خلع ِ َ َ‬ ‫لوهبم ُأرسلت إليها َ‬ ‫ُق ُ‬
‫وقد اقت ََض ْت ِحكمتُه أن خ َل َع‬ ‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ﴾ [التوبة‪ِ ،]26 :‬‬

‫سار‪﴿ ،‬ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬ ‫أهل االنكِ ِ‬ ‫َفيض عىل ِ‬ ‫ِ‬


‫وجوائ َزه إنام ت ُ‬ ‫النرص‬
‫َ‬
‫ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﭑﭒﭓﭔﭕﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ﴾ [القصص‪.]6 -5 :‬‬
‫ِ‬
‫غنائم مك َة‪ ،‬فلم َيغنَموا منها ذه ًبا‪ ،‬وال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اجليش‬ ‫ومنها‪ :‬أن اهللَ سبحانه ملَّا َ‬
‫منع‬
‫ُ‬
‫اجليش من‬ ‫أرضا‪ ،‬وفيهم حاج ٌة إىل ما َحي ُ‬
‫تاج إليه‬ ‫فض ًة‪ ،‬وال َمتا ًعا‪ ،‬وال سب ًيا‪ ،‬وال ً‬
‫وقذف يف ُق ِ‬ ‫لوب املُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إخراج‬
‫َ‬ ‫لوهبم‬ ‫َ‬ ‫رشكني ل َغ ْزوهم‪،‬‬ ‫فحرك سبحانه ُق َ‬
‫أسباب القوة‪َّ ،‬‬
‫وشائهم وس ِبيهم معهم ن ُُز ًال وضياف ًة وكرام ًة حلزبِه وج ِ‬
‫نده‪َ ،‬‬
‫ومتَّم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أمواهلم و َن ْعمهم‬
‫ُ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪345‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫أمرا‬
‫هلل ً‬
‫قِض ا ُ‬
‫النرص ل َي َ‬ ‫بادئ‬ ‫الظفر‪ ،‬و َأ َ‬
‫الح هلم َم َ‬ ‫َقديره سبحانه بأن َأ َ‬
‫طم َعهم يف‬ ‫ت َ‬
‫كان َم ً‬
‫فعوال‪.‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫بغزاة‬ ‫غزو ُهم‬ ‫العرب ب َغ ِ‬
‫زوة ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بدر‪ ،‬وخ َت َم َ‬ ‫غز َو‬
‫افتتح ْ‬
‫َ‬ ‫ومنها‪ :‬أن اهللَ سبحانه‬
‫نني‪ .‬وإن كان بينهام‬ ‫وح ٌ‬ ‫بالذكْر‪ ،‬ف ُي ُ‬ ‫هاتني ال َغ ِ‬
‫زاتني ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ح ٍ ِ‬
‫قال‪َ :‬بدْ ر ُ‬ ‫قرن بني‬ ‫نني‪ ،‬وهلَذا ُي َ‬ ‫ُ‬
‫والنبي ﷺ‬ ‫ِ‬
‫هاتني ال َغزات َْني‪،‬‬ ‫نفسها مع املُسلِمني يف‬ ‫نني‪ ،‬واملالئك ُة قا َت َلت ب َأ ِ‬ ‫بع ِس َ‬
‫ُّ‬ ‫َس ُ‬
‫زو‬‫العرب ل َغ ِ‬
‫ِ‬ ‫زاتني ُط ِف َئت مجر ُة‬
‫وهباتني ال َغ ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باحلصباء فيهام‪،‬‬ ‫رشكني‬ ‫ر َمى ُوجو َه املُ ِ‬
‫وكرست من َحدِّ هم‪ ،‬والثاني ُة‪:‬‬ ‫ََ‬ ‫سول اهلل ﷺ وا ُملسلِمني‪ ،‬فاألُوىل‪ :‬خو َّفتهم‬ ‫ر ِ‬
‫َ‬
‫مج َعهم‪ ،‬حتَّى مل َ ِ‬ ‫ِ‬
‫واهم‪ ،‬واس َتنْ َفدَ ت سها َمهم‪ ،‬وأ َذ َّلت َ ْ‬
‫جيدوا ُبدًّ ا م َن‬ ‫َفر َغت ُق ُ‬ ‫است َ‬
‫ين اهلل‪.‬‬‫الدخول يف ِد ِ‬
‫ِ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النرص‬ ‫وفر َحهم بام نالوه من‬ ‫جرب هبا أهل مك َة‪َّ ،‬‬ ‫ومنها‪ :‬أن اهللَ سبحانه َ َ‬
‫وعرفهم َمتا َم‬ ‫واء ملا َ‬‫واملَغن ِم‪ ،‬فكانت كالدَّ ِ‬
‫عني َج ْربهم َّ‬ ‫ناهلُم من ك َْرسهم‪ ،‬وإن كان َّ َ‬
‫َ‬
‫هوازن‪.‬‬ ‫رش‬ ‫ِ‬
‫ف عنهم من ِّ‬ ‫رص َ‬‫نعمته عليهم بام َ‬
‫عدوه‬ ‫يون‪ ،‬و َمن َي ُ‬ ‫بعث ال ُع َ‬ ‫قه‪ :‬أن اإلما َم َين َبغي له أن َي َ‬ ‫الف ِ‬
‫وفيها من ِ‬
‫دخل بني ِّ‬ ‫َ‬
‫جيشه ُقوة ومنَعة‪ ،‬ال َيق ُعد‬ ‫بقصد َعدوه له ويف ِ‬ ‫ِ‬ ‫سمع‬ ‫بخربهم‪ ،‬وأن اإلما َم إذا‬‫ل َيأت َيه َ ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫بحنني‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ إىل هوازن‪ ،‬حتى لق َيهم ُ‬ ‫سار‬
‫سري إليهم‪ ،‬كام َ‬ ‫َينتَظرهم‪ ،‬بل َي ُ‬
‫دوه‪،‬‬ ‫رشكني وعُدَّ هتم؛ ِلق ِ‬
‫تال َع ِّ‬ ‫الح املُ ِ‬ ‫ومنها‪ :‬أن اإلمام جيوز له أن يست ِ‬
‫َعري س َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ٌ‬
‫مرشك‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫يومئذ‬ ‫صفوان‪ ،‬وهو‬ ‫َ‬ ‫أدراع‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل‬ ‫استعار‬ ‫كام‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫‪ | 346‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫هلل ملُ ِ‬
‫سبباهتا قدَ ًرا‬ ‫ِ‬
‫األسباب ا َّلتي َ‬
‫نص َبها ا ُ‬ ‫ُّل استِ َ‬
‫عامل‬ ‫ومنها‪ :‬أن ِمن َمتا ِم التَّوك ِ‬
‫نزل اهلل عليه ﴿ﮊ‬ ‫رأسه‪ ،‬وقد َأ َ‬‫رسول اهلل ﷺ مك َة والبيض ُة عىل ِ‬ ‫ُ‬ ‫ودخ َل‬
‫ورش ًعا‪َ ،‬‬
‫ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﴾ [املائدة‪.]67 :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هم بقتله‪ ،‬ومل ُيعاج ْله‪ ،‬بل َدعا له‪َ ،‬‬
‫ومس َح‬ ‫عمن َّ‬
‫فو رسول اهلل ﷺ َّ‬ ‫وفيها‪َ :‬ع ُ‬
‫محيم‪.‬‬
‫صدره حتَّى عاد كأنَّه و ٌّيل ٌ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الطاعة‪،‬‬ ‫خوهلم يف‬ ‫ِ‬
‫الكفار و ُد َ‬ ‫ِ‬
‫انتظار اإلما ِم ب َقس ِم الغنائ ِم إسال َم‬ ‫جواز‬
‫ُ‬ ‫ومنها‪:‬‬
‫وسب َيهم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫فري ُّد ِ‬
‫عليهم غنائمهم َ‬ ‫َُ‬
‫ت َف َرائِ َض‬‫يض ٍة ِس ُّ‬
‫ب َن ْف َس ُه‪َ ،‬ف َل ُه بِكُل َف ِر َ‬‫النبي ﷺ‪ ،‬قال‪َ « :‬م ْن َمل ْ ُي َطي ْ‬
‫وفيها‪ :‬أن َّ‬
‫احليوان ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بعضه‬ ‫الرقيق ِ‬
‫بل‬ ‫جواز بي ِع‬ ‫يء اهللُ َع َل ْينَا»‪ ،‬ففي هذا ٌ‬
‫دليل عىل‬ ‫م ْن َأ َّول َما َيف ُ‬
‫ببعض نَساء وم ِ‬
‫تفاض ًال‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ً ُ‬

‫‪ -31‬فصل يف غزوةِ الطائفِ يف شَوَّالٍ سن َ مثانٍ‪.‬‬


‫ِ‬
‫الطائف‪َ ،‬‬
‫بعث‬ ‫املسري إىل‬ ‫ُ‬
‫رسول اهللِ ﷺ‬ ‫قال اب ُن سعد‪ :‬قالوا‪ :‬وملَّا أرا َد‬
‫َ‬
‫وأمره أن‬ ‫ِ‬ ‫عمرو ِ‬
‫بن محم َة‬ ‫عمرو إىل ِذي ال َك َّف ْني صنَ ِم ِ‬ ‫فيل ب َن ٍ‬ ‫ال ُّط َ‬
‫الدويس َهيدمه‪َ ،‬‬ ‫ِّ‬
‫َ‬
‫وجعل‬ ‫بالطائف‪ ،‬فخرج رسيعا إىل ِ‬
‫قومه‪ ،‬فهد َم ذا الك َّف ْني‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ستمدَّ قو َمه و ُيوافِ َيه‬
‫ي ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وحي ِرقه و َيقول‪:‬‬‫وجهه ُ‬ ‫النار يف ِ‬ ‫َحي ُّش َ‬
‫ني َلس ُت ِمن ُعب ِ‬
‫اد َكـا‬ ‫ْ َّ‬ ‫يا ذا ال َك َّف ْ ِ ْ‬
‫ِميالدنا َأ ْقدَ م ِمن ِم ِ‬
‫يالد َكــــــا‬ ‫ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫أنا ح َش ْش ُت النار يف ُف ِ‬
‫ؤاد َكــــا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪347‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫بالطائف بعدَ َمقدَ مه‬ ‫وانحدَ َر معه من قومه أرب ُعمئة رسا ًعا‪ ،‬فوا َف ُوا َّ‬
‫النبي ﷺ‬
‫ٍ‬
‫نجنيق(‪.)1‬‬ ‫وقدم بدَ ب ٍ‬
‫ابة و َم‬ ‫بأربعة أيا ٍم‪ِ ،‬‬
‫ِ‬
‫َ َّ‬ ‫َّ‬
‫الطائف‪ِ ،‬‬
‫قد َم خالدُ‬ ‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ من ُح ٍ‬
‫نني ُيريدُ‬ ‫ُ‬ ‫خرج‬ ‫قال اب ُن سعد‪ :‬وملَّا‬
‫َ‬
‫دخلوا فيه ما َيص ُلح هلم‬ ‫قيف قد ر ُّموا حصنَهم‪ ،‬و َأ َ‬ ‫الوليد عىل ُمقدِّ مته‪ ،‬وكانت َث ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ب ُن‬
‫ِ‬
‫للقتال‬ ‫دخلوا ِحصنَهم و َأغ َلقوه عليهم َ‬
‫وهت َّيئوا‬ ‫وطاس‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫اهنزموا من َأ‬
‫فلام َ‬ ‫لسنة‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫َ‬
‫هناك‪ ،‬فر َم ُوا‬ ‫َ‬ ‫سكر‬ ‫ِ‬ ‫فنزل قري ًبا من ِح ِ‬ ‫رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫ُ‬
‫وع َ‬ ‫الطائف‪َ ،‬‬ ‫صن‬ ‫وسار‬
‫َ‬
‫ناس من املُسلِمني‬ ‫ٍ‬ ‫املُسلِمني بالنَّ ْب ِل رم ًيا شديدً ا‪ ،‬كأنه ِر ُ‬
‫جل َجراد‪ ،‬حتَّى ُأصيب ٌ‬
‫مسج ِد‬
‫ِ‬ ‫رسول اهلل ﷺ إىل م ِ‬
‫وض ِع‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫رجال‪ ،‬فار َت َفع‬ ‫عرش ً‬ ‫منهم اثنا َ‬ ‫ُ‬ ‫راحة‪ ،‬و ُقتِ َل‬ ‫بج ٍ‬ ‫ِ‬
‫فْضب هلام ُق َّبت َْني‪ ،‬وكان‬ ‫سائه ُأ ُّم س َلم َة‬ ‫الطائف اليوم‪ ،‬وكان معه من نِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وزينب‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫صيل بني ال ُق َّبت َْني ُمد َة ِح ِ‬
‫فحارصهم ثامني َة َ‬
‫عرش يو ًما(‪.)2‬‬ ‫َ َ‬ ‫الطائف‪،‬‬ ‫صار‬ ‫ُي ِّ‬

‫نجنيق‪ ،‬وهو َّأو ُل ما ُر َ‬


‫مي به يف اإلسال ِم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ونصب عليهم املَ‬
‫َ‬
‫نفر‬ ‫ائف‪َ ،‬‬ ‫دار الط ِ‬ ‫ِ‬
‫الشدخة عند ِج ِ‬
‫دخل ٌ‬ ‫ابن إسحاق‪ :‬حتَّى إذا كان يو ُم‬ ‫قال ُ‬
‫خرقوه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الطائف ل َي ِ‬ ‫دخلوا هبا إىل ِج ِ‬
‫دار‬ ‫حتت دب ٍ‬
‫ابة‪ُ ،‬ثم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ َ َّ‬ ‫أصحاب‬ ‫من‬
‫ِ‬ ‫قيف ِس َ‬
‫فخرجوا من حتتها‪ ،‬فر َمتْهم‬ ‫حلديد ُحمام ًة بالنار‪َ ،‬‬ ‫كك ا َ‬ ‫رسلت عليهم َث ٌ‬ ‫ف َأ َ‬
‫ٍ‬
‫ثقيف‪ ،‬فو َق َع‬ ‫ِ‬
‫أعناب‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ب َقط ِع‬ ‫فأمر‬ ‫بالنبل‪ ،‬ف َقتَلوا منهم ِر ً‬
‫ِ‬ ‫َث ٌ‬
‫جاال‪َ ،‬‬ ‫قيف‬
‫الناس فيها َيق َطعون(‪.)3‬‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬الطبقات الكربى البن سعد ‪.120/2‬‬


‫(‪ )2‬السابق‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬سرية ابن هشام ‪.483/2‬‬
‫‪ | 348‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫رسول اهللِ ﷺ‪َ « :‬فإِين‬


‫ُ‬ ‫ابن سعد‪ :‬فس َألوه أن َي َ‬
‫دعها هللِ وللرح ِم‪ ،‬فقال‬ ‫قال ُ‬
‫وخرج‬ ‫نزل من ِ‬
‫احل ِ‬ ‫سول اهلل ﷺ‪ ،‬أيام ٍ‬
‫عبد َ‬ ‫نادي ر ِ‬ ‫َأدعها هللِ ولِلر ِح ِم»‪ ،‬فنادى م ِ‬
‫صن َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ‬ ‫ََُ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل‬ ‫رجال‪ ،‬فيهم أبو َبكرةَ‪ ،‬ف َأع َت َقهم‬ ‫فخرج منهم بِضع َة َ‬
‫عرش ً‬ ‫َ‬ ‫إلينا فهو ُح ٌّر‪،‬‬
‫فش َّق ذلك عىل ِ‬
‫أهل‬ ‫رجل من املُسلِمني َيمونه‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫رجل منهم إىل ُ‬ ‫ودفع َّ‬
‫كل‬ ‫َ‬ ‫ﷺ‪،‬‬
‫ِ‬
‫الطائف َمش َّق ًة شديدةً‪.‬‬

‫بن‬ ‫ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫لرسول اهلل ﷺ يف ِ‬ ‫ومل ُيؤ َذن‬
‫مر َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ ُع َ‬ ‫فأمر‬
‫فتح الطائف‪َ ،‬‬
‫َرحل ومل ُيفتَح‬‫الناس من ذلك وقالوا‪ :‬ن َ‬ ‫ُ‬ ‫فضج‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫بالرحيل‪،‬‬ ‫اخل َّط ِ‬
‫اب‪ ،‬فأ َّذ َن يف الناس‬
‫ت‬ ‫َال»‪ ،‬فغدَ وا‪ ،‬ف َأصاب ِ‬ ‫سول اهلل ﷺ‪َ « :‬فا ْغدُ وا َع َىل ا ْل ِقت ِ‬ ‫الطائف؟ فقال َر ُ‬ ‫ُ‬ ‫علينا‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫فرسوا‬ ‫ون َغدً ا إِ ْن َش َ‬
‫اء اهللُ»‪ُّ ُ ،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِنَّا َقافِ ُل َ‬ ‫ُ‬ ‫راحات‪ ،‬فقال‬
‫ٌ‬ ‫املُسلِمني ِج‬
‫ضحك(‪.)1‬‬ ‫ورسول اهلل ﷺ َي َ‬ ‫ُ‬ ‫بذلك و َأذ َعنوا‪ ،‬وج َعلوا َي َ‬
‫رحلون‬
‫ِ‬
‫وائت‬ ‫ثقيف‪ ،‬فقال‪« :‬اللهم ِ‬
‫اهد ثقي ًفا‬ ‫ٍ‬ ‫ادع اهلل عىل‬
‫ُ َّ‬ ‫وقيل‪ :‬يا رسول اهلل‪ُ ،‬‬
‫هبم»(‪.)2‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ من‬ ‫ُ‬ ‫واستش ِهدَ مع رسول اهلل ﷺ بالطائف مجاع ٌة‪ ،‬ثم َ‬
‫خر َج‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫بعمرة‪ ،‬فقَض عمر َته‪ ،‬ثم َر َج َع إىل‬ ‫ِ‬
‫اجلعرانة‪ ،‬ثم دخل منها حمر ًما‬ ‫ِ‬
‫الطائف [إىل]‬
‫ِ‬
‫املدينة‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)4325‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الطبقات الكربى البن سعد ‪.121/2‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪349‬‬

‫فصل‬

‫ِ‬
‫الشهر‬ ‫َ‬
‫رمضان‪ ،‬وقد َم عليه يف ذلك‬ ‫هلل ﷺ املدين َة من ت َ‬
‫َبوك يف‬ ‫ُ‬
‫رسول ا ِ‬ ‫وقد َم‬
‫ٍ‬
‫ثقيف‪.‬‬ ‫وفدُ‬
‫أثره عرو ُة بن‬‫اتبع َ‬
‫ف عنهم َ‬ ‫انرص َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ ملا‬ ‫وكان من حديثِهم أن‬
‫يدخل املدين َة‪ ،‬فأس َلم‪ ،‬وسأله أن يرجع إىل ِ‬
‫قومه‬ ‫َ‬ ‫مسعود حتى أدركه قبل أن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وأظهر هلم دينَه‬
‫َ‬ ‫ف هلم عىل ُعلية له وقد دعاهم إىل اإلسال ِم‬ ‫باإلسال ِم‪ ،‬فلام َ‬
‫أرش َ‬
‫سهم فقتله‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫بالنبل من كل وجه‪ ،‬فأصابه ٌ‬ ‫ر َموه‬

‫أشهرا‪ ،‬ثم إهنم ائتمروا بينهم‪ ،‬ورأوا أنه ال‬


‫ً‬ ‫ثقيف بعدَ ِ‬
‫قتل عروة‬ ‫ٌ‬ ‫ثم أقامت‬
‫ِ‬
‫العرب‪ ،‬وقد بايعوا وأسلموا‪.‬‬ ‫بحرب َمن حوهلم ِمن‬
‫ِ‬ ‫طاق َة هلم‬

‫رجال كام أرسلوا عروةَ‪ ،‬فك َّلموا عبدَ‬ ‫ِ‬


‫رسول اهلل ﷺ ً‬ ‫و َأمجعوا أن ِ‬
‫يرسلوا إىل‬
‫ياليل بن عمرو‪ ،‬وكان يف سن عرو َة بن مسعود‪ ،‬وعرضوا عليه ذلك‪ ،‬فأبى أن‬
‫لست فاعال حتى ترسلوا معي‬ ‫صنع به كام ُصن ِ َع بعروةَ‪ ،‬فقال‪ُ :‬‬
‫ِش أن ُي َ‬
‫يفعل‪ِ َ ،‬‬
‫وخ َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫مالك‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األحالف‪ ،‬وثالث ًة من بني‬ ‫رجاال‪ ،‬فأمجعوا أن يبعثوا معه رج َل ْني من‬ ‫ً‬
‫ِض َب عليهم قب ًة يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فيكونون ستة‪ ،‬فخرج هبم‪ ،‬فلام َقدموا عىل رسول اهلل ﷺ َ‬
‫ِ‬
‫مسجده كام يزعمون‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ناحية‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫وبني‬
‫وكان خالدُ ب ُن سعيد بن العاص هو الذي يمِش بينَهم َ‬
‫كتاهبم‪ ،‬وكان خالدٌ هو الذي كت َبه‪ ،‬وكانوا ال يأكلون طعا ًما مما يأتيهم‬
‫حتى اكتتبوا َ‬
‫رسول اهلل ﷺ حتى َ‬
‫يأكل منه خالدٌ حتى أسلموا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫من ِ‬
‫عند‬
‫‪ | 351‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫الالت‪ -‬ال‬
‫ُ‬ ‫يدع هلم الطاغي َة ‪-‬وهي‬
‫وقد كان فيام سألوا رسول اهلل ﷺ أن َ‬
‫رسول اهلل ﷺ عليهم‪ ،‬فام برحوا يسألونه سن ًة سن ًة‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ثالث سنني‪ ،‬فأبى‬ ‫هيدمها‬
‫ِ‬
‫قدومهم‪ ،‬فأبى عليهم أن يد َعها شي ًئا‬ ‫شهرا واحدً ا بعدَ‬
‫ويأبى عليهم‪ ،‬حتى سألوه ً‬
‫ِ‬
‫ونسائهم‬ ‫ِ‬
‫سفهائهم‬ ‫مسمى‪ ،‬وإنام يريدون بذلك فيام يظهرون أن َيسلموا برتكِها من‬
‫ًّ‬
‫هبدمها‪ ،‬حتى يدخ َلهم اإلسال ُم‪ ،‬فأبى‬‫وذرارهيم‪ ،‬ويكرهون أن يروعوا قومهم ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫بن حرب واملغري َة بن شعبة هيدماهنا‪ ،‬وقد كانوا‬‫سفيان ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يبعث أبا‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل إال أن‬
‫أوثاهنم بأيدهيم‪،‬‬ ‫وأال َيكرسوا‬ ‫ِ‬
‫الصالة‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫الطاغية أن يعف َيهم من‬ ‫سألوه مع ِ‬
‫ترك‬
‫َ‬
‫وأما الصال ُة فال‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫كِس أوثانكم بأيديكم فسنُعفيكم منه‪َّ ،‬‬
‫رسول اهلل ﷺ‪َّ « :‬أما ُ‬ ‫فقال‬
‫دين ال صال َة فيه»‪.‬‬‫خري يف ٍ‬‫َ‬
‫َ‬
‫عثامن ب َن أيب‬ ‫فلام أسلموا وكتب هلم رسول اهلل ﷺ كتابا‪َ ،‬أ َّم َر عليهم‬
‫ِ‬
‫التفقه يف‬ ‫ِ‬
‫أحرصهم عىل‬ ‫العاص‪ ،‬وكان من أحدثِهم سنًّا‪ ،‬وذلك أنه كان ِمن‬
‫ِ‬
‫القرآن‪.‬‬ ‫اإلسال ِم وتع ُّل ِم‬

‫[فصل]‬

‫َسخ َحتري ِم ذلك‪.‬‬


‫حل ُر ِم‪ ،‬ون ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الف ِ‬
‫فنقول فيها من ِ‬
‫األشهر ا ُ‬ ‫القتال يف‬ ‫واز‬
‫قه‪َ :‬ج ُ‬ ‫َ‬
‫هذ ِه ال َغ ِ‬
‫زاة‬ ‫الرجل وأه ُله معه‪ ،‬فإن النبي ﷺ كان معه يف ِ‬
‫ِ‬ ‫جواز ِ‬
‫غزو‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ومنها‪:‬‬
‫َُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫وزينب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُأ ُّم س َلم َة‬
‫أفَض إىل ِ‬
‫قتل َمن‬ ‫ور ِ‬
‫ميهم به‪ ،‬وإن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نصب املَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكفار َ‬ ‫نجنيق عىل‬ ‫جواز‬
‫ُ‬ ‫ومنها‪:‬‬
‫والذ ِّر َّي ِة‪.‬‬ ‫مل يقاتِل من الن ِ‬
‫ِّساء ُّ‬ ‫ُ‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪350‬‬

‫ذلك ي ِ‬
‫ضعفهم ويغي ُظهم وهو‬ ‫شجر الك ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُفار‪ ،‬إذا كان َ ُ‬ ‫جواز قط ِع‬
‫ُ‬ ‫ومنها‪:‬‬
‫َأنكَى فيهم‪.‬‬
‫رشكني ِ‬
‫وحل َق باملُسلِمني صار ُح ًّرا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ومنها‪ :‬أن العبدَ إذا أ َب َق م َن املُ ِ‬

‫حارص ِحصنًا‪ ،‬ومل ُيفت َْح عليه ورأى مصلح َة املُسلِمني‬


‫َ‬
‫ِ‬
‫ومنها‪ :‬أن اإلما َم إذا‬
‫ِ‬
‫الرحيل عنه مل َي َلز ْمه ُمصابرتُه‪.‬‬ ‫يف‬
‫ٍ‬ ‫اجل ِ‬ ‫من ِ‬
‫داخال إىل مك َة‪ ،‬وهذه هي السن ُة‬
‫ً‬ ‫بعمرة‪ ،‬وكان‬ ‫عرانة‬ ‫ومنها‪ :‬أنه َأحر َم َ‬
‫الطائف وما ي ِ‬
‫ليه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طريق‬ ‫ملَ ِن َ‬
‫دخ َلها من‬
‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يت هبم وقد‬ ‫ومنها‪ :‬استجاب ُة اهللِ لرسوله ﷺ ُدعا َءه ل َثقيف أن َهي َ‬
‫دهيم و َيأ َ‬
‫رسول رسولِه ا َّلذي أرس َله‬ ‫َ‬ ‫حاربوه وقاتَلوه‪ ،‬وقتَلوا مجاع ًة من أصحابِه‪ ،‬وقتَلوا‬
‫َ‬
‫َامل َرمحتِه‬
‫إليهم َيدعوهم إىل اهللِ‪ ،‬ومع هذا ك ِّله دعا هلم ومل َيدْ ُع عليهم‪ ،‬وهذا من ك ِ‬
‫صلوات اهلل وسال ُمه عليه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ورأفتِه ونَصيحتِه‬
‫بكل ما ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مكنه؛‬ ‫الصدِّ ِيق له‪ ،‬وقصدُ ه ُّ‬
‫التقر َب إليه والتَّح ُّبب ِّ ُ‬ ‫ومنها‪ُ :‬‬
‫كامل حم َّبة ِّ‬
‫َ‬
‫ليكون هو‬ ‫ِ‬
‫الطائف؛‬ ‫برش النبي ﷺ ب ُقدو ِم ِ‬
‫وفد‬ ‫ناشدَ ا ُملغري َة أن َيدَ َعه هو ُي ِّ‬
‫وهلذا َ‬
‫َّ‬
‫سأل أخاه أن ُيؤثِره‬ ‫ِ‬
‫للرجل أن َي َ‬ ‫وز‬ ‫وفرحه بذلك‪ ،‬وهذا َي ُّ‬
‫دل عىل أنه َجي ُ‬ ‫َ‬ ‫ا َّلذي َ‬
‫برشه‬
‫رب‪.‬‬ ‫ب ُق ٍ‬
‫ربة م َن ال ُق ِ‬
‫درة عىل ِ‬
‫هدمها‬ ‫والطواغيت بعد ال ُق ِ‬
‫ِ‬ ‫الرش ِك‬
‫وز إبقا ُء مواض ِع ِّ‬
‫ومنها‪ :‬أنه ال َجي ُ‬
‫ِ‬
‫والرشك‪.‬‬ ‫شعائر الك ِ‬
‫ُفر‬ ‫ِ‬
‫وإبطاهلا يو ًما واحدً ا‪ ،‬فإهنا‬
‫ُ‬
‫أخذون‬ ‫رسول اهلل ﷺ املدين َة ودخ َل ْت سن ُة تِس ٍع َ‬
‫بعث املُصدِّ قني َي ُ‬ ‫ُ‬ ‫وملَّا قد َم‬
‫ِ‬
‫األعراب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الصدقات م َن‬
‫‪ | 352‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -31‬فصل يف غَزوةِ تبوكَ‬


‫زمن ُع ٍ‬
‫رسة‬ ‫رجب سن َة تِسعٍ‪ ،‬قال ابن إسحاق‪ :‬وكانت يف ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وكانت يف ِ‬
‫شهر‬
‫امرهم‬ ‫والناس ُحي ُّبون املقا َم يف ثِ ِ‬
‫ُ‬ ‫الثامر‬
‫ُ‬
‫البالد‪ ،‬وحني طاب ِ‬
‫ت‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وجدب م َن‬ ‫ِ‬
‫الناس‬ ‫م َن‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫رج‬ ‫رسول اهلل ﷺ ق َّلام َخي ُ‬
‫ُ‬ ‫احلال‪ ،‬وكان‬ ‫خوصهم عىل َ‬
‫تلك‬ ‫وظالهلم‪ ،‬و َيكرهون ُش َ‬
‫وشدِّ ِة‬
‫الشقة ِ‬
‫ِ‬ ‫تبوك لب ِ‬
‫عد‬ ‫ِ‬
‫كان من غزوة َ ُ‬ ‫وورى ب َغ ْريها‪َّ ،‬إال ما َ‬ ‫ٍ‬
‫يف غزوة َّإال كنَّى عنها َّ‬
‫ِ‬
‫الزمان‪.‬‬

‫هلل فيهم‪:‬‬ ‫َ‬


‫فأنزل ا ُ‬ ‫احلر‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وقال قو ٌم م َن ا ُملنافِقني ُ‬
‫لبعض‪ :‬ال تَنفروا يف ِّ‬ ‫بعضهم‬
‫﴿ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ﴾ [التوبة‪.]81 :‬‬
‫أهل ِ‬
‫الغنَى‬ ‫وحض َ‬ ‫ِ‬
‫باجلهاز‪،‬‬ ‫الناس‬ ‫وأمر‬ ‫رسول اهلل ﷺ جدَّ يف ِ‬ ‫َ‬ ‫ُثم إن‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫سفره َ‬
‫وأنفق‬
‫َ‬ ‫أهل ِ‬
‫الغنى واحت ََسبوا‪،‬‬ ‫رجال من ِ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫فحمل‬ ‫ِ‬
‫سبيل اهلل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واحلمالن يف‬ ‫ِ‬
‫النفقة‬ ‫عىل‬
‫عفان يف ذلك ن َفق ًة عظيم ًة مل ُي ِنف ْق أحدٌ مث َلها(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫ُع ُ‬
‫ثامن ب ُن‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ أن الرو َم قد مج َع ْت مجو ًعا كثري ًة‬ ‫وذكر ابن سعد قال‪ :‬ب َل َغ‬
‫خلم‪ ،‬وجذا ُم‪ ،‬وعامل ُة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫هرقل قد َر َز َق أصحا َبه لسنة‪ ،‬وأجلبت معه ٌ‬ ‫بالشام‪ ،‬وأن‬
‫ِ‬
‫البلقاء‪.‬‬ ‫وغسان‪ ،‬وقدموا مقدَّ ِ‬
‫ماهتم إىل‬ ‫ُ‬
‫األعراب ليؤ َذن هلم فلم ي ِ‬
‫عذرهم‪ ،‬قال اب ُن سعد‪ :‬هم‬ ‫َ‬ ‫ِ ُ‬ ‫وجا َء املُ ِّ‬
‫عذرون م َن‬
‫ِ‬
‫اثنان وثامنون ً‬
‫رجال‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬سرية ابن هشام ‪.518-515/2‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪353‬‬

‫نفر م َن‬‫ف ٌ‬ ‫يب و َمن كان م َعه‪ ،‬وخت َّل َ‬‫ختلف عبدُ اهلل ب ُن أ ٍّ‬
‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ُ‬ ‫سار‬
‫فلام َ‬ ‫َّ‬
‫بن أمي َة‪ ،‬و ُمرار ُة‬ ‫ُ‬ ‫ارتياب‪ ،‬منهم كعب بن ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫املُسلِمني من غري ٍّ‬
‫وهالل ُ‬ ‫مالك‪،‬‬ ‫ُ ُ‬ ‫شك وال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وشهدها‬ ‫ذر‪ُ ،‬ثم حل َقه أبو خيثم َة وأبو ٍّ‬
‫ذر‪.‬‬ ‫الساملي‪ ،‬وأبو ٍّ‬
‫ُّ‬ ‫ب ُن الربيعِ‪ ،‬وأبو َخيثم َة‬
‫فرس‪ ،‬وأقا َم هبا‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫آالف‬ ‫عرش ُة‬
‫واخليل َ‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الناس‪،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ يف ثالثني أل ًفا من‬ ‫ُ‬
‫ٍِ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫مص(‪.)1‬‬ ‫وهرقل يومئذ بح َ‬ ‫قرص الصالةَ‪،‬‬ ‫عرشين ليل ًة َي ُ‬
‫ِ‬
‫باحلجر‬ ‫رسول اهلل ‪‬‬‫ُ‬ ‫مر‬
‫ابن هشام‪ :‬بلغني عن الزهري أنه قال‪ :‬ملا َّ‬
‫قال ُ‬
‫بيوت الذين ظلموا‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫واستحث راحلتَه ثم قال‪« :‬ال تَدخلوا‬ ‫سجى ثو َبه عىل ِ‬
‫وجهه‬ ‫َّ‬
‫أصاهبم»(‪.)2‬‬
‫َ‬ ‫أنفسهم إال وأنتم باكون؛ خو ًفا أن يصي َبكم ما‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫الناس وال ما َء معهم‪ ،‬فشكَوا ذلك إىل‬
‫ُ‬ ‫وأصبح‬
‫َ‬ ‫ابن إسحاق‪:‬‬
‫قال ُ‬
‫فأمطر ْت حتى ارتوى الناس‬
‫َ‬ ‫فأرس َل اهلل سبحانه سحاب ًة‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫ﷺ‪ ،‬فدعا‬
‫واحتملوا حاجتَهم من ِ‬
‫املاء(‪.)3‬‬
‫الرجل فيقولون‪ :‬خت َّلف ٌ‬
‫فالن‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فجعل يتخ َّل ُ‬
‫ف عنه‬ ‫ُ‬ ‫ثم َم ََض‬
‫خري فس ُيلحقه اهلل بكم‪ ،‬وإن ُ‬
‫يك غري ذلك فقد‬ ‫فيقول‪« :‬دعوه؛ فإن ُ‬
‫يك فيه ٌ‬
‫أراحكم اهلل منه»‪.‬‬
‫َ‬
‫ٍ‬ ‫رهط من املُنافقني‪ ،‬منهم وديع ُة بن ٍ‬
‫ثابت أخو بني َع ِ‬
‫مرو ِ‬
‫عوف‪،‬‬ ‫بن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫كان ٌ َ‬ ‫وقد َ‬
‫بعضهم‬ ‫محري‪ .‬قال ُ‬ ‫حليف لبني سلِم َة ُي ُ‬
‫قال له‪َ :‬خمِش ب ُن ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫شجع‬ ‫رجل من َأ‬
‫ومنهم ٌ‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫لبعض؟! واهلل لكأنَّا‬ ‫العرب ِ‬
‫بعضهم‬ ‫ِ‬ ‫كق ِ‬
‫تال‬ ‫األصفر ِ‬
‫ِ‬ ‫لبعض‪َ :‬أ َحت َسبون ِجال َد بني‬
‫ٍ‬

‫(‪ )1‬الطبقات الكربى البن سعد ‪.125/2‬‬


‫(‪ )2‬سرية ابن هشام ‪.522/2‬‬
‫(‪ )3‬السابق‪.‬‬
‫‪ | 354‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫هلل‬ ‫ؤمنني‪ -‬فقال َخمِش ب ُن ٍ‬


‫محري‪ :‬وا ِ‬ ‫احلبال؛ ‪-‬إرجا ًفا وتَرهيبا للم ِ‬
‫ِ‬ ‫قرنني يف‬
‫ُّ‬ ‫ً ُ‬ ‫بكُم غدً ا ُم َّ‬
‫ٍ‬
‫جلدة‪ ،‬وإنا نَنفلِت أن َي ِنزل فينا قرآ ٌن‬ ‫كل ِمنَّا ِمئ َة‬
‫ْضب ٌّ‬ ‫ِ‬
‫لود ْدت أين ُأق َ‬
‫اىض عىل أن ُي َ‬
‫ملَقالتِكم هذه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رت ُقوا َف َس ْل ُه ْم‬ ‫يارس‪َ « :‬أ ْد ِرك ا ْل َق ْو َم َفإِ َّهنُ ْم َقد ْ‬
‫اح َ َ‬
‫بن ٍ‬ ‫لعامر ِ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫وقال‬
‫عامر فقال ذلك هلم‪،‬‬ ‫َع َّام َقا ُلوا‪َ ،‬فإِ ْن َأ ْنك َُروا َف ُق ْل‪َ :‬ب ْل ُق ْلت ُْم ك ََذا َوك ََذا»‪ ،‬فانط َل َق إليهم ٌ‬
‫ونلعب‪،‬‬ ‫َخوض‬ ‫ثابت‪ :‬كنَّا ن ُ‬ ‫عتذرون إليه‪ ،‬فقال وديع ُة بن ٍ‬ ‫رسول اهلل ﷺ ي ِ‬ ‫َ‬ ‫ف َأت َْوا‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫هلل فيهم‪﴿ :‬ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾‬ ‫ف َأ َ‬
‫نزل ا ُ‬
‫واسم أيب‪ .‬فكان‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫رسول اهللِ‪ ،‬ق َعد يب اسمي‬ ‫[التوبة‪ ،]65 :‬فقال َخمِش ب ُن ٍ‬
‫محري‪ :‬يا‬ ‫ُّ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وسأل اهللَ أن ُيقتَل شهيدً ا ال‬ ‫ا َّلذي ُعف َي عنه يف هذه اآلية‪ ،‬وت َّ‬
‫َسمى عبدَ الرمحن‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أثر‪.‬‬ ‫ُيع َلم بمكانه‪ ،‬ف ُقت َل يو َم الياممة فلم ُي َ‬
‫وجد له ٌ‬

‫ََ‬
‫فصاحله وأعطا ُه‬ ‫صاحب َأيل َة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َبوك َأتاه‬
‫رسول اهلل ﷺ إىل ت َ‬ ‫ُ‬ ‫و َّملا انت ََهى‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ كتا ًبا فهو‬ ‫وكتب هلم‬
‫َ‬ ‫ذر َح ف َأعطوه ِ‬
‫اجلزي َة‪،‬‬ ‫أهل جربا و َأ ُ‬
‫اجلزي َة‪ ،‬و َأتاه ُ‬ ‫ِ‬
‫ِعندَ هم‪.‬‬
‫ِ‬
‫الوليد إىل ُأكيدر‬ ‫بن‬ ‫رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫َ‬ ‫قال اب ُن إسحاق‪ُ :‬ثم إن‬
‫بعث خالدَ َ‬
‫رجل من ِكند َة كان نرصان ًّيا‪ ،‬وكان ملِكًا عليها‪،‬‬ ‫امللك‪ٌ ،‬‬ ‫عبد ِ‬ ‫دوم َة‪ ،‬وهو ُأكيدر بن ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫فخرج خالدٌ حتَّى إذا كان‬
‫َ‬ ‫َجدُ ُه َي ِصيدُ ا ْل َب َق َر»‪،‬‬
‫َّك َست ِ‬ ‫ٍ‬
‫خلالد‪« :‬إِن َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫فقال‬
‫ٍ‬
‫سطح له ومعه امرأتُه‪،‬‬ ‫صائفة وهو عىل‬ ‫رة ِ‬ ‫قم ٍ‬
‫ليلة م ِ‬ ‫من ِحصنِه بمنظر العني‪ ،‬ويف ٍ‬
‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫مثل هذا ُّ‬ ‫رأيت َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قط؟‬ ‫َ‬ ‫القرص‪ ،‬فقالت له امرأتُه‪ :‬هل‬ ‫البقر ُحت ُّك ب ُقروهنا َ‬
‫باب‬ ‫فباتت َ‬
‫أحدَ ‪.‬‬
‫رتك هذه؟ قال‪ :‬ال َ‬
‫فم ْن َي ُ‬
‫قال‪ :‬ال واهللِ‪ .‬قالت‪َ :‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪355‬‬

‫أخ له ُيقال‬ ‫أهل بيتِه‪ ،‬فيهم ٌ‬‫نفر من ِ‬ ‫وركب معه ٌ‬


‫َ‬ ‫رسج له‪،‬‬ ‫فنزل فأمر ِ‬
‫بفرسه ف ُأ َ‬‫َ َ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‬ ‫ِ‬ ‫خرجوا تَل َّقتْهم ُ‬
‫خيل‬ ‫بم ِ‬ ‫ُ‬
‫فلام َ‬‫طاردهم‪َّ ،‬‬ ‫وخرجوا معه َ‬‫فركب َ‬ ‫َ‬ ‫حسان‪.‬‬ ‫له‪:‬‬
‫ِ‬
‫بالذهب‪ ،‬فاس َت َل َبه‬ ‫خموص‬
‫ٌ‬ ‫فأخ َذتْه وقتَلوا أخا ُه‪ ،‬وقد كان عليه قبا ٌء من ِد ٍ‬
‫يباج‬ ‫ﷺ َ‬
‫قدومه عليه‪ُ ،‬ثم إن خالدً ا قد َم ب ُأكيدر عىل‬ ‫ِ‬ ‫قبل‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫َ‬
‫فبعث به إىل‬ ‫خالدٌ‬
‫خىل سبي َله‬ ‫اجل ِ‬
‫زية‪ُ ،‬ثم َّ‬ ‫حله عىل ِ‬ ‫ِ‬
‫فرجع إىل‬ ‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ فح َق َن له د َمه وصا َ‬
‫قريتِه(‪.)1‬‬
‫ضع عرش َة ليل ًة مل ُجي ِ‬
‫او ْزها‪ُ ،‬ثم‬ ‫َبوك بِ َ‬
‫رسول اهلل ﷺ بت َ‬
‫ُ‬ ‫قال اب ُن إسحاق‪ :‬ف َأقا َم‬
‫ِ‬
‫املدينة(‪.)2‬‬ ‫ف قافِ ًال إىل‬
‫انرص َ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ َ‬ ‫رجعه من َغ ِ‬
‫تبوك‪« :‬إِ َّن بِاملَْدينَة َأل ْق َو ًاما َما ْ‬
‫رست ُْم‬ ‫َ‬ ‫زوة‬ ‫رسول اهلل ﷺ َم ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫وقال‬
‫رسول اهللِ وهم باملَ ِ‬
‫دينة؟ قال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َم ِس ًريا َو َال َق َط ْعت ُْم َو ِاد ًيا إِ َّال كَانُوا َم َعك ُْم»‪ ،‬قالوا‪ :‬يا‬
‫« َن َع ْم‪َ ،‬ح َب َس ُه ُم ا ْل ُع ْذ ُر»(‪.)3‬‬

‫‪ -32‬فصل يف بمرِ مسجدِ الضِّرارِ الَّذي نَ َهى اهللُ َرسولَه بن يَقومَ فمه فهدَ َمه ﷺ‬
‫ِ‬
‫املدينة‬ ‫أوان‪ ،‬وبينها وبني‬ ‫ٍ‬ ‫نزل بذي‬ ‫َبوك‪ ،‬حتى َ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ من ت َ‬ ‫ُ‬ ‫و َأ َ‬
‫قبل‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫رسول‬ ‫تبوك‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا‬ ‫تجهز إىل َ‬ ‫الْض ِار َأت َْوه وهو َي َّ‬‫مسجد ِّ‬ ‫أصحاب‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وكان‬ ‫ساع ٌة‪،‬‬
‫نحب أن‬ ‫ِ‬
‫الشاتية‪ ،‬وإنَّا‬ ‫والليلة املَ ِ‬
‫طرية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واحلاجة‬ ‫ِ‬
‫العلة‬ ‫اهللِ‪ ،‬إنَّا قد بنَ ْينا مسجدً ا لذي‬
‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َاح َس َف ٍر َو َحال ُشغ ٍْل‪َ ،‬و َل ْو َقد ْمنَا إِ ْن َش َ‬
‫اء اهللُ‬ ‫ُصيل لنا فيه‪ .‬فقال‪« :‬إِين َع َىل َجن ِ‬ ‫تَأت َينا فت ِّ‬
‫َألَ َتينَاكُم َفص َّلينَا َلكُم فِ ِ‬
‫يه»‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ َ ْ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬سرية ابن هشام ‪.526/2‬‬


‫(‪ )2‬السابق‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)2839‬ومسلم (‪.)1911‬‬
‫‪ | 356‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫بن الدُّ خش ِم‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫فلام َ‬


‫مالك َ‬ ‫السامء‪ ،‬فدعا‬ ‫املسجد من‬ ‫رب‬
‫نزل بذي أوان جا َء ُه خ ُ‬ ‫َّ‬
‫العجالين‪ ،‬فقال‪« :‬ا ْن َطلِ َقا إِ َىل َه َذا املَ ْس ِج ِد‬
‫َّ‬ ‫عدي‬
‫ٍّ‬
‫ٍ‬
‫عوف‪ ،‬و َم ْع َن ب َن‬ ‫أخا بني سلِم َة بن‬
‫ٍ‬ ‫فخرجا رسيعني‪ ،‬حتى أتَيا بني ساملِ ِ‬ ‫ال َّظ ِاملِ َأه ُله َف ِ‬
‫عوف‪ ،‬وهم‬ ‫بن‬ ‫اهد َما ُه َو َحر َقا ُه»‪َ ،‬‬
‫ْ ُ ْ‬
‫خرج إليك ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بنار من‬ ‫مالك ملَ ْع ٍن‪َ :‬أنظ ْرين حتى َأ ُ‬
‫ٌ‬ ‫بن الدُّ خش ِم‪ ،‬فقال‬ ‫مالك ِ‬ ‫ُ‬
‫رهط‬
‫شعل فيه نارا‪ُ ،‬ثم خرجا يشتدَّ ِ‬
‫ان‬ ‫النخل ف َأ َ‬
‫ِ‬ ‫فأخذ سع ًفا من‬ ‫َ‬ ‫ودخل إىل أهله‬ ‫َأهيل‪َ .‬‬
‫َ َ‬ ‫ً‬
‫َ‬
‫فأنزل اهللُ سبحانه فيه‪:‬‬ ‫فتفرقوا عنه‪،‬‬ ‫دخاله ‪-‬وفيه أه ُله‪َّ -‬‬
‫فحرقاه وهدَ ماه‪َّ ،‬‬ ‫حتى َ‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ﴾ [التوبة‪ ،]107 :‬إىل‬
‫الق َّص ِة‪.‬‬
‫آخر ِ‬
‫ِ‬

‫فصل‬

‫وخر َج النسا ُء‬ ‫الناس لتلقيه‪،‬‬ ‫خر َج‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬


‫َ‬ ‫ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ من املدينة َ‬ ‫فلام دنا‬
‫والصبيان والوالئدُ ي ُق ْلن‪:‬‬

‫مــــــن ثنيــــــات الــــــوداع‬ ‫**‬ ‫طلـــــــع البـــــــدر علينـــــــا‬


‫مـــــــــــا دعـــــــــــا هلل داع‬ ‫**‬ ‫وجـــــب الشـــــكر علينـــــا‬

‫فصل‬

‫جلس‬ ‫فصىل فيه ركعت َْني‪ُ ،‬ثم‬ ‫ِ‬


‫باملسجد‪َّ ،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ املدين َة بد َأ‬
‫ُ‬ ‫وملَّا َ‬
‫دخل‬
‫َ‬
‫وحيلِفون له‪ ،‬وكانوا بِضع ًة وثامنني‬ ‫عتذرون ِ‬
‫إليه َ‬ ‫فطفقوا ي ِ‬
‫للناس‪ ،‬فجاءه املُخ َّلفون‪ِ ،‬‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َُ‬
‫واستغفر هلم‪ ،‬ووك ََل‬
‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ عالنيت ََهم‪ ،‬وباي َعهم‬ ‫ُ‬ ‫رجال‪ ،‬فقبِ َل منهم‬ ‫ً‬
‫ب‪ُ ،‬ثم‬‫غض ِ‬‫َبس َم املُ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َبس َم ت ُّ‬
‫سلم عليه ت َّ‬ ‫فلام َ‬‫كعب ب ُن مالك‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫رسائ َرهم إىل اهللِ وجا َءه‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪357‬‬

‫ك‪،‬‬ ‫فجئت َأمِش حتَّى ج َل ْست بني يدَ ْيه‪ ،‬فقال يل‪َ « :‬ما َخ َّل َف َ‬ ‫ُ‬ ‫قال له‪َ « :‬ت َع َال»‪ ،‬قال‪:‬‬
‫غري َك من ِ‬
‫أهل‬ ‫فقلت‪ :‬بىل‪ ،‬إين واهللِ لو ج َل ْست عندَ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ت َظ ْه َر َك؟»‬ ‫َأ َمل ْ َتك ُْن َق ِد ا ْب َت ْع َ‬
‫عطيت جدَ ًال‪ ،‬ولكني واهللِ لقد‬ ‫ُ‬ ‫سأخرج من سخطِه ب ُع ٍ‬
‫ذر‪ ،‬ول َقدْ ُأ‬ ‫ُ‬ ‫لرأيت أن‬ ‫ُ‬ ‫الدُّ نيا‬
‫طك‬‫سخ َ‬ ‫وش َكن اهللُ أن ي ِ‬ ‫َرىض به عيل لي ِ‬ ‫بت َ‬ ‫كذ ٍ‬ ‫حديث ِ‬ ‫َ‬ ‫علمت إن حدَّ ْثتُك اليو َم‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ُ‬
‫عفو اهللِ‪ ،‬ال واهللِ ما‬ ‫عيل إين ألَرجو فيه َ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫عيل‪ ،‬ولئن حدَّ ْثتُك‬
‫حديث صدق ِتدُ فيه َّ‬ ‫َّ‬
‫عنك‪ .‬فقال‬ ‫أيرس ِمنِّي حني خت َّل ْفت َ‬‫أقوى وال َ َ‬ ‫قط َ‬ ‫كنت ُّ‬ ‫ذر‪ ،‬واهللِ ما ُ‬ ‫كان يل من ُع ٍ‬
‫يض اهللُ فِ َ‬
‫يك»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬أ َّما َه َذا َف َقدْ َصدَ َق‪َ ،‬ف ُق ْم َحتَّى َي ْق َ‬ ‫ُ‬

‫قلت هلم‪ :‬هل ِلق َي‬ ‫رجال من بني سلِم َة فاتَّبعوين ُيؤنِّبوين‪ُ ،‬ثم ُ‬ ‫ٌ‬ ‫فقمت‪ ،‬وثار‬ ‫ُ‬
‫قيل لك‪.‬‬ ‫مثل ما َ‬ ‫قلت‪ ،‬فقيل هلام ُ‬ ‫الن‪ ،‬قاال ِم َثل ما َ‬ ‫هذا معي أحدٌ ؟ قالوا‪ :‬نعم رج ِ‬
‫َ ْ ُ‬
‫الواقفي‪ ،‬فذكَروا‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫وهالل ب ُن أم َّي َة‬ ‫العامري‬
‫ُّ‬ ‫ف ُق ُ‬
‫لت‪َ :‬من مها؟ قالوا‪ُ :‬مرار ُة ب ُن الربي ِع‬
‫فمض ْيت حني ذكَرومها يل‪.‬‬ ‫بدرا فيهام ُأسوةٌ‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫صاحل ْني ِ‬
‫شهدا ً‬ ‫َ‬ ‫رجلني‬
‫يل ُ‬
‫ف‬ ‫رسول اهلل ﷺ املسلمني عن ك ِ‬
‫َالمنا ‪ُّ -‬أهيا الثالث ُة‪ -‬من بني َمن خت َّل َ‬ ‫ُ‬ ‫وهنَى‬
‫َ‬
‫األرض‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َغريوا لنا‪ ،‬حتى تَنك ََّرت يل‬
‫الناس وت َّ‬
‫عنه‪ ،‬فاج َتنَ َبنا ُ‬
‫بيت من بيوتِنا‪،‬‬
‫ظهر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫مخسني ليل ًة عىل‬
‫َ‬ ‫بح‬ ‫ِ‬
‫الفجر ُص َ‬ ‫فلام ص َّل ْيت صال َة‬
‫َّ‬
‫ِ ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫صوت صارخٍ َأ َ‬ ‫ِ‬
‫أبرش‪،‬‬
‫بن مالك ْ‬ ‫كعب َ‬ ‫وىف عىل ج َب ِل َسل ٍع بأعىل صوته‪ :‬يا َ‬ ‫َ‬ ‫سم ْعت‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫من اهللِ‪ ،‬وآ َذن‬
‫بتوبة اهللِ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‬ ‫وعر ْفت أن قد جاء ٌ‬
‫فرج َ‬ ‫فخر ْر ُت ساجدً ا‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫الفجر‪.‬‬
‫َ‬ ‫صىل‬ ‫علينا حني َّ‬
‫‪ | 358‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -33‬فصل يف اإلشارةِ إىل نبعضِ ما تَضدَّنته هذه الغزوةُ من الفِقهِ والفوائدِ‪:‬‬

‫ِ‬
‫الشهر احلرا ِم‪.‬‬ ‫تال يف‬ ‫جواز ِ‬
‫الق ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫فمنها‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رته‬
‫ْضهم َس ُ‬ ‫ترصيح اإلما ِم للرعية وإعال ُمهم باألمر ا َّلذي َي ُ ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ومنها‪:‬‬
‫تأهبوا له‪.‬‬
‫وإخفاؤه؛ ل َي َّ‬
‫ُ‬
‫ألح ٍد التَّخ ُّل ُ‬
‫ف َّإال‬ ‫جي ْز َ‬
‫النفري‪ ،‬ومل َ ُ‬
‫ُ‬ ‫اجليش ِلز َمهم‬
‫َ‬ ‫ومنها‪ :‬أن اإلما َم إذا استَن َفر‬
‫بإذنِه‪.‬‬
‫ِ‬
‫بالنفس‪.‬‬ ‫ِ‬
‫باملال كام َجيِب‬ ‫ِ‬
‫اجلهاد‬ ‫جوب‬
‫ومنها‪ُ :‬و ُ‬
‫ِ‬
‫الغزوة‪ ،‬وس َب َق به‬ ‫ِ‬
‫العظيمة يف هذه‬ ‫ان من الن َف ِ‬
‫قة‬ ‫بن ع َّف َ‬ ‫ُ‬
‫عثامن ُ‬ ‫ومنها‪ :‬ما َبر َز به‬
‫َض ُع ْث َام َن َما َف َع َل َب ْعدَ ا ْل َي ْو ِم»(‪ ،)1‬وكان قد َ‬
‫أنفق‬ ‫الناس‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬ما َ َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫وأقتاهبا‪.‬‬ ‫وأحالسها‬ ‫ِ‬ ‫دينار وثال َث ِم ِئة ٍ‬
‫بعري ب ُعدَّ هتا‬ ‫ألف ٍ‬ ‫َ‬
‫بذل جهدَ ه و َيتح َّقق ُ‬
‫عجزه‪.‬‬ ‫العاجز باملِه ال ُي َ‬
‫عذر حتى َي ُ‬ ‫َ‬ ‫ومنها‪ :‬أن‬
‫ِ‬
‫الضعفاء‬ ‫ِ‬
‫الرعية عىل‬ ‫ً‬
‫رجال من‬ ‫سافر‬ ‫خالف اإلما ِم إذا‬ ‫ُ‬ ‫ومنها‪ :‬استِ‬
‫َ‬
‫والذ ِّر َّي ِة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والنساء ُّ‬ ‫ِ‬
‫عذورين‬‫واملَ‬

‫العجني‬
‫ُ‬ ‫ومنها‪ :‬أن املا َء ا َّلذي بآبار َثمو َد ال َجي ُ‬
‫وز ُرش ُبه‪ ،‬وال الطب ُخ به‪ ،‬وال‬
‫ِ‬
‫الناقة‪.‬‬ ‫كان من بِ ِئر‬
‫البهائم َّإال ما َ‬ ‫وز أن ُيس َقى‬
‫وجي ُ‬‫به‪ ،‬وال الطهار ُة به‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫دخلها وال‬ ‫عذبني مل َينب ِغ له أن َي ُ‬ ‫ِ‬
‫غضوب عليهم واملُ َّ‬ ‫ِ‬
‫بديار املَ‬ ‫مر‬ ‫ِ‬
‫ومنها‪ :‬أن َمن َّ‬
‫دخل عليهم َّإال باك ًيا‬ ‫اوزها‪ ،‬وال َي ُ‬ ‫رسع السري و َيتقنَّع بثوبه حتى ُجي ِ‬‫ُيقيم هبا‪ ،‬بل ُي ِ‬
‫ربا‪.‬‬
‫معت ً‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي (‪.)3701‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪359‬‬

‫ِ‬
‫السفر‪.‬‬ ‫النبي ﷺ كان َجي َمع بني الصالت َْني يف‬
‫ومنها‪ :‬أن َّ‬
‫قرص الصالةَ‪.‬‬ ‫ومنها‪ :‬أنه ﷺ َأقام بت َ ِ‬
‫ِ‬
‫َبوك عرشي َن يو ًما َي ُ ُ‬
‫الرصيح‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُفر‬
‫عنهم الك ُ‬
‫ُ‬ ‫قتل املُنافِقني‪ ،‬وقد ب َلغه‬
‫ومنها‪ :‬تَركُه َ‬

‫رست ُْم َم ِس ًريا َو َال َق َط ْعت ُْم َو ِاد ًيا إِ َّال‬


‫ِ‬ ‫ِ ِ َ‬ ‫ِ‬
‫ومنها‪ :‬قو ُله ﷺ‪« :‬إِ َّن بِاملَْدينَة أ ْق َو ًاما َما ْ‬
‫طائف ٌة من اجلُ َّهال أهنم‬ ‫ومهمهم‪ ،‬ال كام ي ُظنُّه ِ‬ ‫ِ‬ ‫كَانُوا َم َعك ُْم»‪ ،‬فهذه املعي ُة هي ب ُق ِ‬
‫َ‬ ‫لوهبم َ‬
‫ِ‬
‫بأبداهنم‪.‬‬ ‫م َعهم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حرق‬ ‫وهد ُمها‪ ،‬كام َّ‬ ‫عىص اهللُ ورسو ُله فيها َ‬ ‫حتريق َأمكنة املعصية ا َّلتي ُي َ‬ ‫ُ‬ ‫ومنها‪:‬‬
‫الْض ِار‪.‬‬ ‫ِ‬
‫مسجدَ ِّ‬ ‫رس ُ‬
‫ول اهللِ ﷺ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورسورا به‪ ،‬ما مل يكن معه حمر ٌم من‬
‫ً‬ ‫الشعر للقاد ِم؛ ً‬
‫فرحا‬ ‫إنشاد‬ ‫جواز‬
‫ُ‬ ‫ومنها‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫كمزمار وشب ٍ‬
‫يتضم ُن رقي َة الفواحش وما َّ‬
‫حرم اهلل‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وعود‪ ،‬ومل يكن غنا ٌء‬ ‫ابة‬ ‫ٍ َّ‬ ‫ٍ‬
‫هلو‬
‫احلك ِم وال ِ‬
‫فوائد‬ ‫الثالثة الذين خ ِّلفوا من ِ‬
‫ِ‬ ‫ومنها‪ :‬ما اشتم َل ْت عليه قص ُة‬
‫اجلم ِة‪ ،‬فنشري إىل ِ‬
‫بعضها‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫طاعة اهللِ ورسولِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َقصريه يف‬‫الرج ِل عن تَفريطِه وت‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫إخبار‬ ‫جواز‬
‫ُ‬ ‫فمنها‪:‬‬
‫ذلك‪ ،‬وما َآل إليه ُ‬
‫أمره‪.‬‬ ‫ِ‬
‫سبب َ‬ ‫وعن‬
‫كل احلز ِم يف‬ ‫ِ‬
‫والطاعة فاحلز ُم ُّ‬ ‫حْضت له ُفرص ُة ال ُق ِ‬
‫ربة‬ ‫َ‬
‫الرجل إذا َ َ‬ ‫ومنها‪ :‬أن‬
‫ِ‬
‫والتسويف هبا‪.‬‬ ‫جز يف ت ِ‬
‫َأخريها‬ ‫ِ‬
‫واملبادرة إليها‪ ،‬والع ُ‬ ‫ِ‬
‫انتهازها‬
‫ٍ‬
‫ثالثة؛ إ َّما‬ ‫ٍ‬
‫رجال‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ َّإال أحدُ‬ ‫ومنها‪ :‬أنه مل َيكُن َيتخ َّلف عن‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األعذار‪ ،‬أو َمن َخ َّلفه‬ ‫رجل من ِ‬
‫أهل‬ ‫النفاق‪ ،‬أو ُ‬‫ِ‬ ‫غموص عليه يف‬
‫ٌ‬ ‫َم‬
‫املدينة‪ ،‬أو خ َّلفه ملَص َل ٍ‬
‫حة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َعمله عىل‬
‫واست َ‬
‫‪ | 361‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫دخل البلدَ عىل و ٍ‬


‫ضوء‪ ،‬وأن َيبدَ أ‬ ‫ِ‬
‫السفر أن َي ُ‬ ‫السنَّ َة للقاد ِم من‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ومنها‪ :‬أن ُّ‬
‫قبل بيتِه‪ ،‬ف ُي ِّ‬
‫صيل فيه ركعت َْني‪.‬‬ ‫ب َب ْيت اهلل َ‬

‫ظهر اإلسال َم ِمن املُنافِقني‪،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ كان َيق َبل عالني َة َمن َأ َ‬ ‫َ‬ ‫ومنها‪ :‬أن‬ ‫ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫و َيكِ ُل َرسيرتَه إىل اهللِ‪ُ ،‬‬
‫وجي ِري عليه‬
‫حكم الظاهر‪ ،‬وال ُيعاقبه بام َيع َلم من ِّ‬
‫رسه‪.‬‬ ‫َ‬
‫ترك اإلما ِم واحلاك ِم ر َّد السال ِم عىل َمن َأحدَ ث حدَ ًثا؛ تأدي ًبا له‬
‫ومنها‪ُ :‬‬ ‫ِ‬
‫وزجرا ل َغ ْريه‪.‬‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫والرسور‪.‬‬ ‫ِ‬
‫التعجب‬ ‫كون عن‬ ‫ِ‬
‫الغضب كام َي ُ‬ ‫َّبس َم قد َي ُ‬
‫كون عن‬ ‫ِ‬
‫ومنها‪ :‬أن الت ُّ‬

‫فصل‬

‫دليل‬‫سائر َمن َخت َّلف عنه ٌ‬ ‫ِ‬


‫الثالثة من بني ِ‬ ‫ويف هن ِي النبي ﷺ عن كال ِم ه ِ‬
‫ؤالء‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫صدقهم ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫الذنب‪ ،‬وأ َّما‬ ‫الصادقني وتَأدي َبهم عىل هذا‬ ‫ني‪ ،‬ف َأراد َ‬
‫هجر‬ ‫الباق َ‬ ‫وكذ ِ‬ ‫عىل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املرض ال َي ُ‬ ‫ِ‬ ‫أعظم من أن ُي َ‬ ‫ِ‬
‫مرض‬ ‫عمل يف‬ ‫باهلجر‪ ،‬فدوا ُء هذا‬ ‫قابل‬ ‫ُ‬ ‫املُنافقون ُ‬
‫فج ْر ُمهم‬
‫جرائ ِمهم‪،‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قوبات‬ ‫باده يف ُع‬ ‫بع ِ‬‫فعل الرب سبحانه ِ‬
‫ُّ‬ ‫ِّفاق‪ ،‬وال فائد َة فيه‪ ،‬وهكذا َي ُ‬ ‫الن ِ‬
‫زال ُمستَيق ًظا‬ ‫زلة وه ٍ‬
‫فوة‪ ،‬فال َي ُ‬ ‫فيؤدب عبدَ ه املؤمن ا َّلذي ُحيبه وهو كريم عندَ ه بأدنَى ٍ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ُ ِّ‬
‫ِ‬
‫معاصيه‪ ،‬وك َّلام‬ ‫وهان عليه‪ ،‬فإنه ُخي ِّيل بينَه وبني‬ ‫َ‬ ‫حذ ًرا‪ ،‬وأ َّما َمن س َق َط من َع ْينه‬ ‫ِ‬
‫يعلم أن‬ ‫ِ‬ ‫ث له نعم ًة‪،‬‬ ‫ث ذن ًبا أحدَ َ‬ ‫أحدَ َ‬
‫واملغرور يظ ُّن أن ذلك من كرامته عليه‪ ،‬وال ُ‬ ‫ُ‬
‫العذاب الشديدَ والعقوب َة التي ال عاقب َة معها‪ ،‬كام يف‬ ‫اإلهانة‪ ،‬وأنه ُيريدُ به‬ ‫ِ‬ ‫عني‬
‫ذلك ُ‬
‫َ‬
‫بعبد خريا عجل له عقوبتَه يف الدنيا‪ ،‬وإذا َأراد ٍ‬
‫بعبد‬ ‫احلديث املشهور‪« :‬إذا َأراد اهلل ٍ‬
‫َ‬ ‫ً َّ‬ ‫َ‬
‫ِ (‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫القيامة بذنوبه» ‪.‬‬ ‫فري ُد يو َم‬ ‫مسك عنه عقوبتَه يف الدنيا‪ِ َ ،‬‬ ‫ِشا َأ َ‬ ‫ً‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي (‪.)2396‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪360‬‬

‫فصل‬
‫ِ‬
‫والنجاة من‬ ‫ِ‬
‫واآلخرة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫سعادة الدنيا‬ ‫وتعليق‬ ‫دق‪،‬‬ ‫الص ِ‬ ‫ظم ِم ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫قدار ِّ‬ ‫ومنها‪ :‬ع ُ‬
‫ِ‬
‫بالكذب‪،‬‬ ‫أهلك َمن َأه َلكه َّإال‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫بالصدق‪ ،‬وال‬ ‫نجى اهللُ من َأنجا ُه َّإال‬
‫رشمها به‪ ،‬فام َأ َ‬
‫ِّ‬
‫قني‪ ،‬فقال‪﴿ :‬ﭲ‬ ‫ِ‬
‫الصاد َ‬ ‫ؤمنني أن َيكونوا مع‬ ‫وقد أمر اهللُ سبحانه عباده املُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ﴾ [التوبة‪.]119 :‬‬

‫‪ -34‬فصل يف حَج ِ بنب نبَررٍ الصِّدِّيقِ ‪َ ‬سن َ تسعٍ نبعدَ َمقدَمه من تَبوكَ‬

‫َ‬
‫رمضان‬ ‫نرصفه من ت َ‬
‫َبوك بقي َة‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ُم َ‬ ‫قال اب ُن إسحاق‪ُ :‬ثم َأقا َم‬
‫احلج سن َة تِس ٍع ل ُيقيم للمؤمنني‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬
‫وشواال وذا ال َقعدة‪ُ ،‬ثم ب َعث أبا َبكر ً‬
‫أمريا عىل ِّ‬
‫كر‬‫فخرج أبو َب ٍ‬
‫َ‬ ‫مناز ِهلم من َح ِّجهم‪،‬‬
‫الرش ِك عىل ِ‬ ‫والناس من ِ‬
‫أهل ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َح َّجهم‪،‬‬
‫ؤمنون(‪.)1‬‬‫واملُ ِ‬

‫ُ‬
‫رسول اهلل‬ ‫ِ‬
‫املدينة‪ ،‬وب َع َث معه‬ ‫ٍ‬
‫رجل من‬ ‫فخر َج يف ثالثِمئة‬
‫قال ابن سعد‪َ :‬‬
‫ٍ‬
‫بدنات(‪.)2‬‬ ‫مخس‬ ‫ﷺ بعرشين بدن ًة ق َّلدها وأشعرها ِ‬
‫بيده‪ ،‬وساق أبو ٍ‬
‫بكر َ‬ ‫ََ‬
‫نقض ما بني ر ِ‬
‫سول اهلل ﷺ وبني‬ ‫ِ‬ ‫فنز َلت ﴿ﭑ﴾ يف‬ ‫قال اب ُن إسحاق‪َ :‬‬
‫َ‬
‫طالب ‪ ‬عىل ِ‬
‫ناقة‬ ‫ٍ‬ ‫بن أيب‬ ‫ِ‬
‫العهد ا َّلذي كانوا عليه‪،‬‬ ‫املُ ِ‬
‫عيل ُ‬
‫فخرج ُّ‬
‫َ‬ ‫رشكني من‬
‫رسول اهلل ﷺ الع ِ‬
‫ضباء(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬سرية ابن هشام ‪.543/2‬‬


‫(‪ )2‬الطبقات الكربى البن سعد ‪.127/2‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬سرية ابن هشام ‪.546-545/2‬‬
‫‪ | 362‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫احلج؟‬ ‫ُ‬
‫رسول اهللِ ﷺ عىل ِّ‬ ‫كر قال‪َ :‬أست َ‬
‫َعم َل َك‬ ‫وقال ابن سعد‪ :‬فقال له أبو َب ٍ‬
‫كل ذي ٍ‬ ‫الناس‪ ،‬و َأنبِذ إىل ِّ‬
‫ِ‬ ‫أقر ُأ ﴿ﭑ﴾ عىل‬ ‫ِ‬
‫عهد عهدَ ه(‪.)1‬‬ ‫قال‪ :‬ال‪ ،‬ولك ْن بع َثني َ‬
‫عيل ب ُن أيب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف َأقا َم و َأقا َم أبو َب ٍ‬
‫حجهم‪ ،‬حتَّى إذا كان يو ُم النَّحر قام ُّ‬ ‫للناس َّ‬ ‫كر‬
‫كل ِذي ٍ‬ ‫ونبذ إىل ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫طال ِ ٍ‬
‫عهد‬ ‫رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫جلمرة با َّلذي َ‬
‫أمره‬ ‫الناس عندَ ا َ‬ ‫ب فأ َّذن يف‬
‫رش ٌك‪ ،‬وال‬ ‫حي ُّج بعد العا ِم ُم ِ‬
‫كافر‪ ،‬وال َ ُ‬ ‫دخ ُل ا َ‬
‫جلنَّ َة ٌ‬ ‫الناس! ال َي ُ‬
‫ُ‬ ‫عهدَ ه‪ ،‬وقال‪ُّ :‬أهيا‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ فهو إىل ُمدَّ ته‪.‬‬ ‫طوف بالبيت ُعريان‪ ،‬و َمن كان له عهدٌ عندَ‬ ‫َي ُ‬

‫‪ -35‬فصل يف قدومِ وُفودِ العرَ ِ وغريِه على النيبِّ ﷺ‬


‫ٍ‬
‫ثقيف‪ ،‬وقد تقدَّ م مع ِ‬
‫سياق غزوة الطائف(‪.)2‬‬ ‫ف َق ِد َم عليه وفدُ‬
‫سجد‪ ،‬وال ِس َّيام إذا‬
‫رشك يف املَ ِ‬
‫إنزال املُ ِ‬
‫ِ‬ ‫جواز‬
‫ُ‬ ‫الف ِ‬
‫قه‪:‬‬ ‫الوفد من ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫صة هذا‬ ‫ويف ِق ِ‬
‫وع ِ‬
‫بادهتم‪.‬‬ ‫أهل اإلسال ِم ِ‬ ‫ِ‬
‫شاهدة ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‪ ،‬و ُم‬ ‫كان َيرجو إسال َمه‪َ ،‬‬
‫ومتكينَه من َسام ِع‬
‫تاب اهللِ‪،‬‬ ‫وأعلمهم بكِ ِ‬
‫ُ‬ ‫إلمرة القو ِم وإمامتِهم أفض ُلهم‬
‫ِ‬ ‫ستحق‬
‫َّ‬ ‫ومنها‪ :‬أن ا ُمل‬ ‫ِ‬

‫فقههم يف ِدينِه‪.‬‬
‫و َأ ُ‬
‫أحب إىل‬ ‫ِ‬
‫للطواغيت‪ ،‬وهد ُمها‬ ‫َّخذ بيوتًا‬ ‫ِ‬
‫الرشك ا َّلتي ُتت ُ‬ ‫ومنها‪ :‬هد ُم مواض ِع‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬
‫واملواخري‪ ،‬وهذا ُ‬
‫حال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلانات‬ ‫وأنفع لإلسال ِم واملُسلِمني من هد ِم‬ ‫اهللِ ورسولِه‪،‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫بأرباهبا مع اهللِ‪ ،‬ال َحي ُّل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املَشاهد املَبن َّية عىل القبور ا َّلتي تُع َبدُ من دون اهللِ‪ ،‬و ُي َ‬
‫رشك‬
‫إبقاؤها يف اإلسال ِم‪.‬‬‫ُ‬

‫(‪ )1‬الطبقات الكربى البن سعد‪.128/2‬‬


‫(‪ )2‬انظر (ص‪.)349‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪363‬‬

‫هلل وحدَ ه ال‬ ‫ِ‬


‫الطواغيت‪ ،‬ف ُيع َبد ا ُ‬ ‫ِ‬
‫بيوت‬ ‫َ‬
‫مكان‬ ‫املساج ِد‬
‫ِ‬ ‫ومنها‪ :‬استحباب ِ‬
‫اختاذ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫رشك به شي ًئا يف األَمكنة ا َّلتي كان ُي َ‬
‫رشك به فيها‪.‬‬ ‫ُي ُ‬

‫فصل‬
‫ٍ‬ ‫وفر َغ من‬ ‫ُ‬
‫وأسلم ْت‬
‫َ‬ ‫تبوك‪،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ مك َة َ‬ ‫ابن إسحاق‪ :‬وملا افتت ََح‬ ‫قال ُ‬
‫أفواجا‬ ‫دين اهلل‬ ‫كل ٍ‬
‫وجه‪ ،‬فدخلوا يف ِ‬ ‫العرب ِمن ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِض َب ْت إليه وفو ُد‬
‫ً‬ ‫ثقيف وبا َي َع ْت‪َ َ ،‬‬
‫ٌ‬
‫كل ٍ‬
‫وجه(‪.)1‬‬ ‫يْضبون إليه ِمن ِّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬سرية ابن هشام ‪.560-559/2‬‬


‫‪ | 364‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪365‬‬

‫[القس الثالث‪ :‬الطب النبوي]‬


‫‪ | 366‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪367‬‬

‫‪ -1‬فصل يف هَ ْد ِيه ﷺ يف الطِّبِّ‬

‫ومرض األَ ْبدان‪ُ ،‬‬


‫ومها َم ْذكوران يف ال ُقرآن‪.‬‬ ‫مرض ال ُقلوب‪َ ،‬‬
‫املر ُض ن َْوعان‪َ :‬‬
‫َ‬
‫ومر ُض َش ْهوة و َغ ٍّي‪ ،‬وكِ ُ‬
‫المها‬ ‫ٍّ‬
‫وشك‪َ ،‬‬ ‫مرض ُش ْبهة‬ ‫ِ‬
‫ومر ُض ال ُقلوب ن َْوعان‪َ :‬‬
‫َ‬
‫الش ْبهة‪﴿ :‬ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [البقرة‪:‬‬ ‫يف ال ُقرآن‪ .‬قال تعاىل يف َ‬
‫مرض ُّ‬
‫‪ ،]10‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ﴾ [املدثر‪،]31 :‬‬
‫ِ‬
‫عرض‪﴿ :‬ﮞ ﮟ ﮠ‬ ‫والسنَّة ف َأ َبى و َأ َ‬
‫وقال تعاىل يف َح ِّق َمن ُدع َي إىل َحتكيم ال ُقرآن ُّ‬
‫ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ‬
‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ﴾‬
‫الش ُبهات ُّ‬
‫والشكوك‪.‬‬ ‫مرض ُّ‬
‫[النور‪ ]50 - 48 :‬فهذا َ‬
‫وأما مرض الشه ِ‬
‫وات‪ ،‬فقال تعاىل‪﴿ :‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭨ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ﴾ [األحزاب‪ ،]32 :‬فهذا َ‬
‫مر ُض‬
‫الزنا‪ ،‬واهللُ أع َل ُم‪.‬‬ ‫َش ِ‬
‫هوة ِّ‬
‫مرض األَبدان‪ ،‬فقال تعاىل‪﴿ :‬ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬ ‫وأ َّما َ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ﴾ [النور‪.]61 :‬‬

‫لك ع َظمة‬
‫لرس َبديع ُي ِّبني َ‬ ‫ِ‬
‫والوضوء ٍّ‬‫والص ْوم ُ‬‫َّ‬ ‫حل ِّج‬
‫مرض البدَ ن يف ا َ‬ ‫وذكَر َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ُقرآن‪ ،‬واالستِ ْغناء به ملَ ِن ِ‬
‫ب األبدان‬‫فه َمه وع َق َله عن سوا ُه‪ ،‬وذلك أن َقواعد ط ِّ‬
‫ؤذي‪ ،‬واستِ ْفراغ املواد ِ‬ ‫عن املُ ِ‬‫الص َّحة‪ ،‬واحلمية ِ‬ ‫ِ‬
‫الفاسدة‪ ،‬فذك ََر سبحانه‬ ‫ِّ‬ ‫ثالث ٌة‪ :‬ح ْفظ ِّ‬
‫األصول الثالث َة يف هذه ا َمل ِ‬
‫واض ِع الثالثة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وتعاىل هذه‬
‫‪ | 368‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫الص ْوم‪﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ﴾‬


‫فقال يف آية َّ‬
‫وللمسافِر ط َل ًبا ِحل ْفظ ِص َّحته‬
‫ُ‬ ‫للمريض ل ُع ْذر َ‬
‫املرض‪،‬‬ ‫ِ‬
‫[البقرة‪ ،]184 :‬ف َأباح الف ْطر َ‬
‫وجبه من‬ ‫ذهبها الصوم يف الس َفر الجتِام ِع ِشدَّ ة احلركة‪ ،‬وما ُي ِ‬ ‫و ُقوته؛ ل َئ َّال ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫التَّحليل‪ ،‬وعدَ م ِ‬
‫الغذاء ا َّلذي ُخي ِّلف ما َحت َّلل‪ ،‬فتَخور ال ُق َّوة‪ ،‬وتَض ُعف‪ ،‬ف َأباح‬
‫لصحته و ُقوته عام ي ِ‬
‫ضعفها‪.‬‬ ‫الف ْطر ِحف ًظا ِ‬
‫للمسافِر ِ‬
‫َّ َّ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫وقال يف آية احلَ ِّج‪﴿ :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫للمريض‪ ،‬و َمن به أ ًذى من َر ْأسه من َق ْمل أو ِحكَّة‬ ‫ﯴ ﯵ﴾ [البقرة‪ ،]196 :‬ف َأ َ‬
‫باح َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أو ِ‬
‫غريمها أن َحيلق َر ْأسه يف اإلحرام است ْفرا ًغا ملا َّدة األَبخرة َّ‬
‫الرديئة التي َأ َ‬
‫وج َبت له‬
‫ِ‬ ‫األَ َذى يف َر ْأسه باحتِقاهنا حتت َّ‬
‫الش ْعر‪ ،‬فإذا ح َلق َر ْأسه‪ ،‬تَفت ََّحت املسا ُّم‪َ ،‬‬
‫فخر َجت‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بخر ُة منها‪ ،‬فهذا االستِفرا ُغ يقاس عليه ُّ ِ‬ ‫لك األَ ِ‬
‫تِ َ‬
‫كل است ْفراغ ُيؤذي انح ُ‬
‫باسه‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هاج‪ ،‬واملَ ُّ‬
‫ني إذا‬ ‫واألشيا ُء ا َّلتي ُيؤذي انح ُ‬
‫باسها و ُمدافعتُها َع َرشة‪ :‬الد ُم إذا َ‬
‫الريح‪ ،‬وال َق ْيء‪ ،‬وال ُعطاس‪ ،‬والن َّْوم‪ ،‬واجلُوع‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫والبول‪ ،‬والغائط‪ ،‬و ِّ‬ ‫َت َب َّيغ)‪،(1‬‬
‫بح َسبه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫واحد من هذه َ ِ ِ‬ ‫وكل ِ‬ ‫وال َع َطش‪ُّ ،‬‬
‫بسه دا ًء من األدواء َ‬‫العرشة ُيوجب َح ُ‬
‫وأما احلمية‪ :‬فقال تعاىل يف آية الو ِ‬
‫ضوء‪﴿ :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ﴾ [النساء‪:‬‬
‫جسده ما‬ ‫‪ ،]43‬ف َأباح للمريض العدول عن ِ‬
‫الرتاب محية له أن ُيصيب َ‬
‫املاء إىل ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫داخل أو ِ‬ ‫ؤذ له من ِ‬
‫كل م ٍ‬ ‫ِ‬
‫خارج‪.‬‬ ‫ُيؤذيه‪ ،‬وهذا تَنبي ٌه عىل احلمية عن ِّ ُ‬

‫)‪َ ( (1‬ت َب َّيغ)‪ :‬هاج‪.‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪369‬‬

‫الرسل صلوات اهلل عليهم وسالمه‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫القلوب‪ ،‬فمس َّل ٌم إىل‬ ‫طب‬
‫فأ َّما ُّ‬
‫َ‬
‫تكون‬ ‫ِ‬
‫القلوب أن‬ ‫صالح‬ ‫أيدهيم‪ ،‬فإن‬‫سبيل إىل حصولِه إال من جهتِهم وعىل ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫وبأسامئه‪ ،‬وصفاتِه‪ ،‬وأفعالِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تكون مؤثر ًة‬ ‫وأحكامه‪ ،‬وأن‬ ‫وفاطرها‪،‬‬ ‫عارف ًة ِّ‬
‫برهبا‪،‬‬
‫ملرضاتِه وملحا ِّبه‪ ،‬متجنب ًة ملناهيه ومساخطِه‪ ،‬وال صح َة هلا وال حيا َة البتة إال‬
‫بذلك‪.‬‬
‫ب األَ ْبدان‪ :‬فإنه ن َْوعان‪:‬‬ ‫ِ‬
‫وأ َّما ط ُّ‬
‫وهبي َمه‪ ،‬فهذا ال َحيتاج فيه إىل ُم َ‬ ‫ِ‬
‫عاجلة‬ ‫حليوان ناط َقه َ‬‫ن َْوع قد َف َطر اهللُ عليه ا َ‬
‫ِ‬ ‫والربد‪ ،‬والت َعب‪ ،‬ب َأ‬ ‫ِ‬
‫ضدادها وما ُيزيلها‪.‬‬ ‫ب اجلوع‪ ،‬والع َطش‪ْ َ ،‬‬ ‫َطبيب‪ ،‬كط ِّ‬
‫احلادثة يف املِزاج‬
‫ِ‬ ‫والثاين‪ :‬ما َحيتاج إىل فِكْر وتَأ ُّمل كدَ ْفع األمراض املُت ِ‬
‫َشاهبة‬
‫بحيث ُخي َرج هبا عن االعتِدال‪.‬‬
‫ُ‬

‫‪ -2‬فصل [يف هديه يف التداوي نباألدوي املفردة]‬


‫مرض من‬‫واألمر به ملن أصا َبه ٌ‬ ‫فعل التداوي يف ِ‬
‫نفسه‪،‬‬ ‫فكان من ِ‬
‫هديه ﷺ ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫األدوية‬ ‫ُ‬
‫استعامل هذه‬ ‫أهله وأصحابِه‪ ،‬ولكن مل يكن من ِ‬
‫هديه وال هدي أصحابِه‬
‫املُركَّبة‪ ،‬بل كان غالب أدويتهم باملفردات‪ ،‬وربام أضافوا إىل املُ ِ‬
‫فرد ما ِ‬
‫يعاونه أو‬ ‫ُ‬
‫ورتَه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يكرس َس َ‬
‫‪ -3‬فصل [يف إثباته ﷺ األسبا واملسببات]‬
‫النبي ﷺ‪ ،‬أنه قال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫روى مسلم يف «صحيحه»‪ :‬عن ِ‬
‫جابر بن عبد اهلل‪ ،‬عن ِّ‬
‫دواء الداء‪َ ،‬برأ بإذن اهلل ‪.(1)»‬‬ ‫ٍ‬
‫دواء‪ ،‬فإذا أصيب ُ‬
‫«لكل داء ٌ‬

‫)‪ (1‬أخرجه مسلم (‪.)2204‬‬


‫‪ | 371‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫نزل له‬ ‫نزل اهلل من ٍ‬


‫داء إال َأ َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬ما َأ َ‬
‫ُ‬ ‫وعن أيب هرير َة قال‪ :‬قال‬
‫شفاء»)‪.(1‬‬
‫ً‬
‫قول من‬ ‫وإبطال ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫واملسببات‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األسباب‬ ‫إثبات‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫األحاديث‬ ‫تضمنت هذه‬ ‫فقد‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫عمومه حتى يتناول األدوا َء‬ ‫يكون قو ُله‪« :‬لكل داء ٌ‬
‫دواء»‪ ،‬عىل‬ ‫َ‬ ‫وجيوز أن‬‫ُ‬ ‫أنكرها‪،‬‬
‫َ‬
‫[لطبيب] أن يربئَها‪ ،‬ويكون اهلل ‪ ‬قد ج َع َل‬‫ٍ‬ ‫القاتل َة‪ ،‬واألدوا َء التي ال يمكن‬
‫سبيال؛ ألنه ال‬ ‫ِ‬
‫البرش‪ ،‬ومل جيعل هلم إليه ً‬ ‫هلا أدوي ًة تُربئها‪ ،‬ولكن طوى َ‬
‫علمها عن‬
‫ِ‬
‫للخلق إال ما ع َّلمهم اهلل‪.‬‬ ‫علم‬
‫َ‬
‫َ‬
‫التوكل‪ ،‬كام ال‬ ‫األمر بالتداوي‪ ،‬وأنه ال ُينايف‬ ‫ِ‬
‫الصحيحة‬ ‫ِ‬
‫األحاديث‬ ‫ويف‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫التوحيد‬ ‫تتم حقيق ُة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ينافيه دفع ِ‬
‫داء اجلو ِع‬
‫واحلر والربد بأضدادها‪ ،‬بل ال ُّ‬
‫ِّ‬ ‫والعطش‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ورشعا‪ ،‬وأن‬ ‫قدرا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫إال بمبارشة األسباب التي نص َبها اهلل مقتضيات ملسبباهتا ً‬
‫ِ‬
‫التوكل‪.‬‬ ‫يقدح يف ِ‬
‫نفس‬ ‫ُ‬ ‫تعطي َلها‬
‫ٌّ‬
‫وحث عىل‬ ‫ِ‬
‫والطبيب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املريض‬ ‫ِ‬
‫لنفس‬ ‫دواء»‪ ،‬تقوي ٌة‬ ‫ٍ‬
‫ويف قوله ﷺ‪« :‬لكل داء ٌ‬
‫ِ‬
‫والتفتيش عليه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الدواء‬ ‫ِ‬
‫طلب ذلك‬

‫‪ -4‬فصل يف هديِه ﷺ يف االحتِداءِ من التُّخ والزيادةِ يف األكلِ على قدرِ‬


‫احلاج ‪ ،‬والقانونِ الذي ينبغ مراعاتُه يف األكلِ والشر ِ‬

‫ِشا من ٍ‬
‫بطن‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وعاء ً‬
‫ً‬ ‫وغريه‪ :‬عنه ﷺ أنه قال‪« :‬ما مأل آدمي‬ ‫يف «املسند»‬
‫ِ‬
‫لطعامه‪ ،‬وثلث‬ ‫لث‬‫فاعال‪ ،‬ف ُث ٌ‬ ‫بحسب ِ‬
‫ابن آد َم ُلقيامت ُيقمن ُصلبه‪ ،‬فإن كان ال بد ً‬
‫وثلث ِ‬
‫لنفسه»)‪.(2‬‬ ‫ٌ‬ ‫لَشابِه‪،‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪.)5678‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)2380‬وابن ماجه (‪.)3349‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪370‬‬

‫ِ‬
‫دائام أو أكثر ًّيا‪،‬‬ ‫فامتال ُء البطن من الطعا ِم ُم ٌّ‬
‫ْض للقلب والبدن‪ ،‬هذا إذا كان ً‬
‫النبي ﷺ من‬ ‫ِ‬ ‫بأس به‪ ،‬فقد ِ‬ ‫ِ‬
‫رشب أبو هرير َة بحْضة ِّ‬ ‫وأما إذا كان يف األحيان فال َ‬
‫باحلق ال أجدُ له مسلكًا‪ ،‬وأكل الصحاب ُة بحْضتِه‬
‫ِّ‬ ‫اللبن حتى قال‪ :‬والذي بع َثك‬
‫مرارا حتى شبِعوا‪.‬‬
‫ً‬

‫‪ -5‬فصل [يف هديه ﷺ يف العالج نباألدوي الطبمع واإلهلم واملركب منهدا]‬

‫عالجه ﷺ للمرض ثالث َة أنواعٍ‪:‬‬


‫ُ‬ ‫وكان‬
‫ِ‬
‫الطبيعية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫باألدوية‬ ‫أحدُ ها‪:‬‬
‫ِ‬
‫اإلهلية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫باألدوية‬ ‫والثاين‪:‬‬
‫ِ‬
‫األمرين‪.‬‬ ‫والثالث باملُركَّب من‬
‫األنواع الثالث َة من ِ‬
‫هديه ﷺ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ونحن نذكر‬
‫[بوال‪ ]:‬العالجُ نباألدوي ِ الطبمعمَّ ِ‬

‫‪ -6‬فصل يف هديِه ﷺ يف عالجِ احلُدَّى‬

‫إن ُ‬
‫احل َّمى‬ ‫النبي ﷺ قال‪َّ « :‬‬
‫عمر أن َّ‬
‫ثبت يف «الصحيحني»‪ :‬عن نافعٍ‪ ،‬عن ابن َ‬
‫فأبردوها ِ‬
‫باملاء»)‪.(1‬‬ ‫احلمى‪ -‬من َفيح جهنَّم‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬
‫‪-‬أو شدَّ ة َّ‬
‫وانتشارها‪ ،‬ونظريه قو ُله‪:‬‬
‫ُ‬ ‫جهنم» هو شد ُة هلبِها‪،‬‬
‫َ‬ ‫قوله‪ُ « :‬‬
‫احل َّمى من فيحِ‬
‫«شدَّ ُة احلر من فيح جهن ََّم»‪.‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5723‬ومسلم (‪.)2209‬‬


‫‪ | 372‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫وقو ُله‪« :‬باملاء» فيه قوالن‪:‬‬


‫الصحيح‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أحدُ مها‪ :‬أنه ك ُُّل ماء وهو‬

‫البخاري يف‬
‫ُّ‬ ‫أصحاب هذا القول بام رواه‬‫ُ‬ ‫واحتج‬
‫َّ‬ ‫والثاين‪ :‬أنه ما ُء زمز َم‪،‬‬
‫أجالس اب َن عباس‬
‫ُ‬ ‫بعي‪ ،‬قال‪ :‬كنت‬‫الض ِّ‬ ‫َ‬
‫عمران ُّ‬ ‫«صحيحه» عن أيب مجر َة ِ‬
‫نرص بن‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إن‬ ‫حل َّمى‪ ،‬فقال‪ِ :‬‬
‫أبر ْدها عنك بامء زمز َم‪ ،‬فإن‬ ‫بمك َة فأخذتني ا ُ‬
‫احلمى من فيحِ جهنَّم فأبردوها ِ‬
‫باملاء‪ ،‬أو قال‪ :‬بامء زمز َم»)‪ .(1‬وراوي هذا قد َّ‬
‫شك‬ ‫ُ َّ‬
‫متيرس عندهم‪ ،‬ولغريهم‬‫أمرا ألهل مك َة بامء زمز َم‪ ،‬إذ هو َّ ٌ‬ ‫فيه‪ ،‬ولو جز َم به لكان ً‬
‫بام عندهم من ِ‬
‫املاء‪.‬‬

‫‪ -7‬فصل يف هديِه ﷺ يف عالجِ استطالق البطنِ‬

‫النبي ﷺ فقال‪ :‬إن‬ ‫اخلدري‪ ،‬أن ً‬ ‫ٍ‬


‫رجال أتى َّ‬ ‫ِّ‬ ‫سعيد‬ ‫يف «الصحيحني»‪ :‬عن أيب‬
‫ً‬
‫عسال»‪ .‬فذهب ثم‬ ‫استطلق بطنُه‪ ،‬فقال‪ِ « :‬‬
‫اسقه‬ ‫َ‬ ‫أخي يشتكي بطنَه‪ ،‬ويف رواية‪:‬‬
‫غن عنه شي ًئا‪ ،‬ويف ٍ‬
‫لفظ‪ :‬فلم يز ْده إال استطال ًقا‪،‬‬ ‫رجع‪ ،‬فقال‪ :‬قد سقيتُه‪ ،‬فلم ُي ِ‬‫َ‬
‫ِ‬
‫الثالثة أو الرابعة‪:‬‬ ‫مرتني أو ثال ًثا‪ ،‬ك ُُّل ذلك يقول له‪ِ « :‬‬
‫اسقه ً‬
‫عسال»‪ ،‬فقال له يف‬ ‫َّ‬
‫بطن أخيك»)‪.(2‬‬
‫«صدق اهلل‪ ،‬وكذب ُ‬
‫هضمه‪،‬‬ ‫عرب بطنُه)‪ ،(3‬أي‪ :‬فسد‬ ‫ويف «صحيح مسلم» يف ٍ‬
‫لفظ له‪ :‬إن أخي ِ‬
‫ُ‬
‫أيضا‪.‬‬ ‫معدتُه‪ ،‬واالسم‪ :‬العرب بفتح ِ‬
‫واعت َّلت ِ‬
‫والذرب ً‬
‫َ‬ ‫الراء‪،‬‬ ‫َ‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪.)3261‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه البخاري (‪ ،)5684‬ومسلم (‪.)2217‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه مسلم (‪.)2217‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪373‬‬

‫بطن أخيك» إشار ٌة إىل حتقيق نف ِع هذا‬ ‫ِ‬


‫ويف قوله ﷺ‪« :‬صدق اهلل وكذب ُ‬
‫ِ‬
‫البطن‪ ،‬وكثرة‬ ‫لكذب‬‫نفسه‪ ،‬ولكن ِ‬ ‫لقصور الدواء يف ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الداء ليس‬ ‫الدواء‪ ،‬وأن بقا َء‬
‫ِ‬
‫لكثرة املادة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الدواء‬ ‫ِ‬
‫بتكرار‬ ‫ِ‬
‫الفاسدة فيه‪ ،‬فأمره‬ ‫املا َّد ِة‬

‫فصل‬

‫الناس يف قولِه سبحانه وتعاىل‪( :‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬


‫ُ‬ ‫وقد اختلف‬
‫ِ‬
‫الرشاب‪،‬‬ ‫راجع إىل‬
‫ٌ‬ ‫الضمري يف (ﮥ)‬
‫ُ‬ ‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [النحل‪ ،]69 :‬هل‬
‫ِ‬
‫الرشاب‪.‬‬ ‫والصحيح رجوعه إىل‬ ‫ِ‬
‫القرآن؟ عىل قولني‪،‬‬ ‫أو راجع إىل‬
‫ُ‬

‫‪ -6‬فصل يف هديِه ﷺ يف الطاعونِ وعالجه واالحرتازِ منه‬

‫سمعه‬ ‫اص‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬أنه ِ‬ ‫ِ‬


‫سعد بن أيب و َّق ٍ‬ ‫يف «الصحيحني» عن عامر بن‬
‫ِ‬
‫الطاعون؟ فقال أسام ُة‪:‬‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ يف‬ ‫سمعت من‬‫َ‬ ‫يسأل أسام َة ب َن زيد‪ :‬ماذا‬
‫َ‬
‫إرسائيل‪ ،‬وعىل من‬ ‫ٍ‬
‫طائفة من بني‬ ‫الطاعون رج ٌز ُأرسل عىل‬
‫ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬‬‫ُ‬ ‫قال‬
‫ٍ‬
‫بأرض وأنتم هبا‬ ‫وقع‬ ‫ٍ‬
‫بأرض‪ ،‬فال تدخلوا عليه‪ ،‬وإذا َ‬ ‫كان قب َلكم‪ ،‬فإذا سمعتُم به‬
‫فرارا منه»)‪.(1‬‬
‫خترجوا منها ً‬
‫فال ُ‬
‫ِ‬
‫أيضا‪ :‬عن حفص َة بنت سريين‪ ،‬قالت‪ :‬قال ُ‬
‫أنس بن‬ ‫ويف «الصحيحني» ً‬
‫الطاعون شهاد ٌة لكل مسل ٍم»)‪.(2‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬‬ ‫ٍ‬
‫مالك‪ :‬قال‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3473‬ومسلم (‪.)2218‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه البخاري (‪ ،)5732‬ومسلم (‪.)1916‬‬
‫‪ | 374‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫األرض التي هو هبا‪ ،‬وهنيه‬ ‫ِ‬
‫الدخول إىل‬ ‫هنجه عن‬ ‫مج َع النبي ﷺ لألمة يف ِ‬ ‫وقد َ‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫األرض التي هو‬ ‫ِ‬
‫الدخول يف‬ ‫التحر ِز منه‪ ،‬فإن يف‬ ‫كامل‬ ‫ِ‬
‫وقوعه‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫اخلروج منها بعدَ‬ ‫عن‬
‫ُّ‬
‫خمالف‬ ‫اإلنسان عىل ِ‬
‫نفسه‪ ،‬وهذا‬ ‫ِ‬ ‫حمل سلطانِه‪ ،‬وإعانة‬ ‫ِ‬
‫للبالء‪ ،‬وموافا ًة له يف ِّ‬ ‫تعرضا‬
‫ٌ‬ ‫هبا ً‬
‫ِ‬
‫احلمية التي أرشدَ اهلل سبحانه‬ ‫أرضه ِمن ِ‬
‫باب‬ ‫الدخول إىل ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والعقل‪ ،‬بل ِتن ُبه‬ ‫للرش ِع‬
‫ِ‬
‫اخلروج من بلده ففيه‬ ‫ِ‬
‫املؤذية‪ .‬وأ َّما هن ُيه عن‬ ‫ِ‬
‫واألهوية‬ ‫ِ‬
‫األمكنة‪،‬‬ ‫إليها‪ ،‬وهي محي ٌة عن‬
‫والصرب عىل أقضيته‪ ،‬والرضا هبا‪.‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والتوكل عليه‪،‬‬ ‫محل النفوس عىل ِ‬
‫الثقة باهلل‪،‬‬ ‫ُ‬

‫‪ -9‬فصل يف هديِه ﷺ يف داءِ االستسقاءِ وعالجِه‬

‫ٌ‬
‫رهط من‬ ‫ٍ‬
‫مالك ‪ ‬قال‪ :‬قدم‬ ‫يف «الصحيحني»‪ :‬من حديث ِ‬
‫أنس بن‬
‫النبي ﷺ فاجتووا املدين َة‪ ،‬فشكَوا ذلك إىل ِّ‬
‫النبي ﷺ‪ ،‬فقال‪« :‬لو‬ ‫وعك ٍ‬
‫ْل عىل ِّ‬ ‫ُعرين َة ُ‬
‫ِ‬
‫وأبواهلا» ففعلوا‪ ،‬فلام َصحوا عمدوا إىل‬ ‫الصدقة فَشبتُم من ِ‬
‫ألباهنا‬ ‫ِ‬ ‫خرجتُم إىل ِ‬
‫إبل‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ يف‬ ‫اإلبل‪ ،‬وحاربوا اهلل ورسو َله‪ ،‬فبعث‬ ‫الر ِ‬
‫عاة فقتلوهم‪ ،‬واستاقوا َ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الشمس حتى‬ ‫وسمل أع ُينَهم وألقاهم يف‬
‫َ‬ ‫وأرج َلهم‬
‫ُ‬ ‫آثارهم ف ُأخذوا فقطع َ‬
‫أيدهيم‬
‫ماتوا)‪.(1‬‬

‫مسلم يف «صحيحه»‬
‫ٌ‬ ‫املرض كان االستسقا َء‪ ،‬ما رواه‬ ‫والدليل عىل أن هذا َ‬‫ُ‬
‫َ‬
‫وارهتشت أعضادنا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫احلديث أهنم قالوا‪ :‬إنا اجتوينا املدين َة فع ُظمت بطونُنا‬ ‫يف هذا‬
‫وذكر متا َم احلديث)‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪ ،)6802‬ومسلم (‪.)1671‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه البخاري (‪ ،)233‬ومسلم (‪ ،)1671‬وأبو عوانة يف املستخرج (‪ )6096‬واللفظ له‪.‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪375‬‬

‫بول مأكول اللح ِم‪،‬‬ ‫ِ‬


‫طهارة ِ‬ ‫دليل عىل التداوي والتَّط ُّب ِ‬
‫ب‪ ،‬وعىل‬ ‫ِ‬
‫القصة ٌ‬ ‫ويف‬
‫قرب ِ‬
‫عهدهم باإلسالم ب َغ ِ‬ ‫جائز‪ ،‬ومل يؤمروا مع ِ‬ ‫حرمات غري ٍ‬
‫سل‬ ‫ُ‬ ‫فإن التداوي باملُ َّ‬
‫أبواهلا للصالة‪ ،‬وتأخري البيان ال جيوز عن ِ‬
‫وقت‬ ‫ِ‬ ‫ثياهبم من‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫أفواههم وما أصابته ُ‬
‫ِ‬
‫احلاجة‪.‬‬

‫‪ -11‬فصل يف هديِه ﷺ يف عالجِ اوجُرح‬


‫بن سعد ُ‬
‫يسأل عام ُدووي به‬ ‫سهل َ‬‫سمع َ‬‫َ‬ ‫يف «الصحيحني»‪ :‬عن أيب حاز ٍم أنه‬
‫وه ِشمت‬ ‫وجهه‪ ،‬وكُرست َرباعيته‪ُ ،‬‬‫ُ‬ ‫أحد‪ ،‬فقال‪ُ :‬ج ِرح‬‫رسول اهلل ﷺ يوم ٍ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫جرح‬
‫ُ‬
‫عيل بن‬ ‫ِ‬ ‫البيض ُة عىل ِ‬
‫رأسه‪ ،‬وكانت فاطم ُة ُ‬
‫بنت رسول اهلل ﷺ تغسل الد َم‪ ،‬وكان ُّ‬
‫طالب يسكُب عليها باملِج ِّن‪ ،‬فلام رأت فاطم ُة الد َم ال يزيد إال كثرةً‪ ،‬أخذت‬ ‫ٍ‬ ‫أيب‬
‫)‪(1‬‬
‫جلرح فاستمسك الد ُم‬ ‫حصري‪ ،‬فأحرقتها حتى إذا صارت رما ًدا ألصقتْه با ُ‬ ‫ٍ‬ ‫قطع َة‬
‫ِ‬
‫املعمول من الربدي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫احلصري‬ ‫برماد‬

‫‪ -11‬فصل يف هديِه ﷺ يف العالجِ نبشر العسلِ واحلِجام والرَ ِّ‬


‫الشفاء يف‬
‫ُ‬ ‫النبي ﷺ قال‪« :‬‬
‫ِّ‬ ‫ٍ‬
‫عباس‪ ،‬عن‬ ‫يف «صحيح البخاري»‪ :‬عن ابن‬
‫ثالث‪َِ :‬ش ِبة عسل‪ ،‬وِش َط ِة ِحمجم‪ ،‬وك َّية ٍ‬
‫نار‪ ،‬وأنا أهنى َّأمتي عن الكي»)‪.(2‬‬ ‫ٍ‬

‫حجمه أبو‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫أما احلجام ُة‪ :‬ففي «الصحيحني» عن ٍ‬
‫أنس أن‬
‫طيب َة فأمر له بصاعني من طعا ٍم‪ ،‬وك َّلم مواليه فخ َّففوا عنه من ِضيبتِه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫خري ما تداويتُم به احلجام ُة»)‪.(3‬‬
‫« ُ‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪ ،)2911‬ومسلم (‪.)1790‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه البخاري (‪.)5680‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه البخاري (‪.)5696‬‬
‫‪ | 376‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫والكاه ِل)‪.(1‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ ِ‬
‫حيتجم يف األخدَ عني‬ ‫ُ‬ ‫أنس ‪ :‬كان‬
‫وقال ٌ‬
‫ويف «الصحيح» عنه أنه احتجم وهو حمرم يف ِ‬
‫رأسه لصدا ٍع كان به)‪.(2‬‬ ‫َ‬
‫احتج َم يف وركِه ِمن‬
‫النبي ﷺ‪َ « :‬‬
‫أن َّ‬
‫ِ‬
‫حديث ٍ‬
‫جابر َّ‬ ‫ويف «سنن أيب داود» ِمن‬
‫ث ٍء)‪ (3‬كان به»)‪.(4‬‬
‫َو ْ‬

‫‪ -12‬فصل يف هديه ﷺ يف بوقات احلجام‬

‫خري ما‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬


‫عباس يرف ُعه‪« :‬إن َ‬ ‫حديث ابن‬ ‫روى الرتمذي يف «جامعه»‪ :‬من‬
‫تاسع عَشة‪ َ،‬ويو ِم إحدى وعَشين»)‪.(5‬‬
‫َ‬ ‫حتتجمون يف يو ِم َ‬
‫سابع عَشةَ‪ ،‬أو‬

‫فصل‬

‫واستحباب‬ ‫استحباب التداوي‪،‬‬ ‫ِ‬


‫املتقدمة‪:‬‬ ‫ِ‬
‫األحاديث‬ ‫ِ‬
‫ضمن هذه‬ ‫ويف‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وجواز احتجا ِم املحرم‪ ،‬وإن‬
‫ُ‬ ‫احلجامة‪ ،‬وأهنا تكون يف املوضع الذي يقتضيه ُ‬
‫احلال‪،‬‬
‫نظر‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫آل إىل قط ِع‬
‫وجوب الفدية عليه ٌ‬ ‫جائز‪ ،‬ويف‬
‫الشعر‪ ،‬فإن ذلك ٌ‬ ‫يشء من‬
‫َ‬
‫رسول‬ ‫وجواز احتجا ِم الصائ ِم‪َّ ،‬‬
‫فإن يف «صحيح البخاري» أن‬ ‫ُ‬ ‫الوجوب‪،‬‬
‫ُ‬ ‫يقوى‬
‫صائم)‪ .(6‬ولكن هل ُيفطر بذلك أم ال؟ مسأل ٌة أخرى‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫اهلل ﷺ احتجم وهو‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ من ِ‬
‫غري ُمعارض‪.‬‬ ‫لصحته عن‬ ‫باحل ِ‬
‫جامة‪،‬‬ ‫الصواب‪ :‬الفطر ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬

‫)‪ (1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)3860‬والرتمذي (‪.)2051‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه البخاري (‪.)5701 ،5700 ،5699‬‬
‫الكرس‪.‬‬
‫َ‬ ‫وصم ال يبلغ‬
‫ٌ‬ ‫العظم‬
‫َ‬ ‫ثء)‪ :‬أن يصيب‬ ‫(الو ْ‬
‫)‪َ (3‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه أبو داود (‪.)3863‬‬
‫)‪ (5‬أخرجه الرتمذي (‪.)2053‬‬
‫)‪ (6‬أخرجه البخاري (‪.)5694‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪377‬‬

‫‪ -13‬فصل يف هديِه ﷺ يف قطعِ العروق والر ِّ‬

‫يب‬ ‫النبي ﷺ َ‬ ‫ِ‬ ‫حديث ِ‬ ‫ِ‬


‫بعث إىل أ ِّ‬ ‫جابر بن عبد اهلل أن َّ‬ ‫ثبت يف «الصحيح» من‬
‫أكحلِه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كعب طبي ًبا‪ ،‬فقطع له عر ًقا وكواه عليه ‪ .‬وملا رمي سعدُ بن معاذ يف َ‬ ‫بن‬
‫)‪(1‬‬

‫الكي‪ .‬ويف «صحيح‬ ‫ُّ‬ ‫واحلسم هو‬


‫ُ‬ ‫فحسمه الثاني َة)‪.(2‬‬
‫رمت‪َ ،‬‬ ‫النبي ﷺ ثم َو ْ‬‫حسمه ُّ‬
‫َ‬
‫حي)‪.(4‬‬ ‫ِ )‪(3‬‬ ‫حديث ٍ‬ ‫ِ‬
‫والنبي ﷺ ٌّ‬
‫ُّ‬ ‫جلنْب‬
‫أنس أنه كوي من ذات ا َ‬ ‫البخاري» من‬

‫آخر‪« :‬وأنا‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬


‫أكتوي» ‪ ،‬ويف لفظ َ‬ ‫َ‬ ‫أحب أن‬ ‫ُّ‬ ‫احلديث املتَّفق عليه‪« :‬وما‬ ‫ويف‬
‫)‪(5‬‬

‫حديث السبعني أل ًفا الذين‬ ‫ِ‬ ‫أهنى َّأمتي عن الكي»)‪ .(6‬وثبت يف «الصحيح» يف‬
‫تطريون‬
‫سرتقون وال َيكتوون وال َي َّ‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫حساب أهنم «الذين ال َي‬ ‫يدخلون اجلنَّ َة بغري‬
‫وعىل رهبم يتوكَّلون»)‪.(7‬‬

‫أحاديث الكي أربع َة أنواع‪:‬‬


‫ُ‬ ‫تضمنت‬
‫فقد َّ‬
‫أحدُ ها‪ :‬فع ُله‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬عد ُم حم َّبته له‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬الثنا ُء عىل من تركه‪.‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه مسلم (‪.)2207‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه مسلم (‪.)2208‬‬
‫)‪( (3‬ذات اجلَن ِ‬
‫ْب)‪ :‬التهاب غالف الرئة فيحدث منه سعال ومحى ونخس يف اجلنب يزداد عند التنفس‪.‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه البخاري (‪.)5721 ،5719‬‬
‫)‪ (5‬أخرجه البخاري (‪ ،)5704‬ومسلم (‪.)2205‬‬
‫)‪ (6‬أخرجه البخاري (‪.)5680‬‬
‫)‪ (7‬أخرجه البخاري (‪ ،)5752‬ومسلم (‪.)220‬‬
‫‪ | 378‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫والرابع‪ :‬النهي عنه‪.‬‬


‫ُ‬
‫ِ‬
‫جوازه‪ ،‬وعد ُم حم َّبته له‬ ‫يدل عىل‬ ‫ِ‬
‫بحمد اهلل تعاىل؛ فإن فع َله ُّ‬ ‫تعار َض بينها‬
‫وال ُ‬
‫وأفضل‪ ،‬وأما‬‫ُ‬ ‫يدل عىل املنع منه‪ ،‬وأما الثنا ُء عىل تاركه ُّ‬
‫فيدل عىل أن تركَه أوىل‬ ‫ال ُّ‬
‫حيتاج إليه‪ ،‬بل‬ ‫ُ‬ ‫والكراه ِة أو عن النوع الذي ال‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫االختيار‬ ‫ِ‬
‫سبيل‬ ‫النهي عنه فعىل‬
‫يفع ُله خو ًفا من حدوث ِ‬
‫الداء‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪ -14‬فصل يف هديِه ﷺ يف عالجِ الصرَع‬
‫ٍ‬
‫رباح قال‪ :‬قال اب ُن‬ ‫ِ‬
‫عطاء بن أيب‬ ‫ِ‬
‫حديث‬ ‫أخرجا يف «الصحيحني» من‬
‫عباس‪ :‬أال ُأريك امرأ ًة من أهل اجلن َِّة؟ ُ‬
‫قلت‪ :‬بىل‪ .‬قال‪ :‬هذه املرأ ُة السودا ُء أتت‬
‫أتكشف؛ فادع اهلل يل‪ ،‬فقال‪« :‬إن ِ‬
‫شئت صَبت‬ ‫ُ‬ ‫رصع‪ ،‬وإين َّ‬ ‫النبي ﷺ فقالت‪ :‬إين ُأ ُ‬ ‫َّ‬
‫رب‪ .‬قالت‪ :‬فإين‬ ‫ِ‬ ‫ولك اجلنَّ ُة‪ ،‬وإن‬
‫دعوت اهلل لك أن يعاف َيك» فقالت‪ :‬أص ُ‬ ‫ُ‬ ‫شئت‬
‫أتكشف‪ ،‬فدعا هلا)‪.(1‬‬
‫َ‬ ‫فادع اهلل أال‬
‫ف‪ُ ،‬‬ ‫َّ‬
‫أتكش ُ‬
‫‪ -15‬فصل يف هديِه ﷺ يف عالجِ ِعرق النِّسا‬
‫َ‬
‫رسول‬ ‫مالك ‪ ‬قال‪ :‬سمعت‬ ‫ٍ‬ ‫ابن ماجه يف «سننه» عن ِ‬
‫أنس بن‬ ‫روى ُ‬
‫شاة أعراب َّي ٍة‪ ،‬تُذاب‪ ،‬ثم ُُتزَّأ ثالث َة أجزاء‪ ،‬ثم‬
‫يقول‪« :‬دواء ِعرق النسا ألي ُة ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫اهلل ﷺ ُ‬
‫جزء»)‪.(2‬‬ ‫ُيَشب عىل ِ‬
‫الريق يف كل يوم ٌ‬
‫وينزل من خلف عىل ِ‬
‫الفخذ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فصل ِ‬
‫الورك‬ ‫وعرق النِّساء‪ :‬وجع يبتدئ من م ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫الرجل والفخذ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وهتزل معه ِّ‬ ‫ِ‬
‫الكعب‪ ،‬وكلام طالت ُمدَّ ته زاد نزو ُله‬ ‫وربام عىل‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5652‬ومسلم (‪.)2576‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه ابن ماجه (‪.)3463‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪379‬‬

‫طف جوهرها‪،‬‬‫مقدارها و ُل ِ‬
‫ِ‬ ‫الشاة األعرابية لق َّل ِة فضوهلا ِ‬
‫وصغر‬ ‫ِ‬ ‫ويف تعيني‬
‫احلار ِة ِّ‬
‫كالشيح والقيصوم‪ ،‬ونحومها‪.‬‬ ‫أعشاب الرب َّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫وخاصية َمرعاها؛ ألهنا ترعى‬

‫‪ -16‬فصل يف هديه ﷺ يف عالج يبس الطبع‪ ،‬واحتماجه إىل ما ميشمه ويلمنه‬

‫يف «سنن ابن ماجه»‪ :‬عن عبد اهلل بن أم حرام‪ ،‬وكان قد َّ‬
‫صىل مع رسول اهلل‬
‫والسنُّوت)‪(1‬؛‬
‫بالسنا َّ‬
‫رسول اهلل ﷺ يقول‪« :‬عليكم َّ‬ ‫َ‬ ‫سمعت‬
‫ُ‬ ‫ﷺ القبلتني يقول‪:‬‬
‫فإن فيهام شفاء ِمن كل ٍ‬
‫داء‪ ،‬إال السا َم‪ .‬قيل‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬وما السام؟ قال‪ :‬املوت»‬ ‫ً‬
‫‪.‬‬

‫‪ -17‬فصل يف هديِه ﷺ يف عالج حرَّ ِ اوجس وما يُولِّد القدلَ‬

‫رسول اهلل ﷺ لعبد‬ ‫ُ‬ ‫رخص‬‫مالك قال‪َّ :‬‬‫ٍ‬ ‫ِ‬


‫أنس بن‬ ‫يف «الصحيحني» عن‬
‫احلرير حلك ٍَّة كانت هبام‪ .‬ويف‬
‫ِ‬ ‫العوام ‪ ‬يف ُلبس‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الرمحن بن عوف والزبري بن َّ‬
‫النبي‬ ‫والزبري بن العوام ‪ ،‬شكوا ال َق َ‬ ‫ٍ‬
‫مل إىل ِّ‬ ‫َ‬ ‫عوف‬ ‫رواية‪ :‬أن عبدَ الرمحن بن‬
‫فرخص هلام يف ُق ِ‬
‫مص احلرير‪ ،‬ورأيتُه عليهام)‪.(2‬‬ ‫ﷺ يف َغ ٍ‬
‫زاة هلام‪َّ ،‬‬

‫القمل فيها‪ ،‬إذ كان ِمزاجها ُخمال ًفا ِ‬


‫ملزاج‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قبول تولد‬ ‫ِ‬
‫احلرير أبعدُ عن‬ ‫وثياب‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫القمل‪.‬‬ ‫ما يتو َّلد منه‬

‫و(السنُوت)‪ :‬قيل‪ :‬العسل‪ ،‬وقيل‪ :‬الكمون‪ ،‬وقيل غري ذلك‪.‬‬


‫َّ‬ ‫(السنَا)‪ :‬نبات معروف من األدوية‪.‬‬
‫)‪َّ (1‬‬
‫)‪ (2‬أخرجه البخاري (‪ ،)2922 - 2919‬ومسلم (‪.)2076‬‬
‫‪ | 381‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -16‬فصل يف هديه ﷺ يف عالج الصداع والشقمق‬

‫رأسه‬
‫عصب َ‬‫ُ‬ ‫يف «الصحيح» أنه قال يف مرض موتِه‪« :‬وا رأسا ُه»)‪ ،(1‬وكان َي‬
‫ِ‬
‫الرأس‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الشقيقة وغريها من أوجا ِع‬ ‫وعصب الرأس ينفع يف وج ِع‬ ‫يف ِ‬
‫مرضه‪،‬‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ ما‬ ‫البخاري يف «تارخيه» وأبو داو َد يف «السنن» أن‬
‫ُّ‬ ‫وقد روى‬
‫رأسه إال قال له‪ِ « :‬‬
‫احتجم» وال شكى إليه وج ًعا يف‬ ‫شكى إليه أحدٌ وجعا يف ِ‬
‫ً‬
‫اختضب ِ‬
‫باحلنَّاء»)‪.(2‬‬ ‫رج َليه إال قال له‪ِ « :‬‬

‫‪ -19‬فصل يف هديهِ ﷺ يف معاوج ِ املرضى نبرتكِ إعطائِه ما يَررهونه من‬


‫الطعامِ والشرا ِ‪ ،‬وبنه ال يُررهون على تناولِهدا‬

‫روى الرتمذي يف «جامعه» وابن ماجه‪ ،‬عن عقب َة ِ‬


‫بن عامر اجلهني قال‪ :‬قال‬
‫ِ‬
‫والَشاب؛ فإن اهلل ‪‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬ال ت ِ‬
‫ُكرهوا مرضاكم عىل الطعا ِم‬ ‫ُ‬
‫طعمهم وي ِ‬
‫سقيهم»)‪.(3‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُي ُ‬

‫‪ -21‬فصل يف هديِه ﷺ يف عالجِ العُذرةِ ويف العالج نبالسَّعوطِ‬


‫ثبت عنه يف «الصحيحني» أنه قال‪« :‬خري ما تداويتُم به ِ‬
‫احلجام ُة وال ُق ُ‬
‫سط‬ ‫ُ‬
‫)‪(4‬‬ ‫البحري‪ ،‬وال تعذبوا صبيانكم بالغ ِ‬
‫َمز من ال ُعذرة» ‪.‬‬ ‫ُّ‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪.)5666‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه البخاري يف التاريخ الكبري ‪ ،)1310( 411/1‬وأبو داود (‪.)3858‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)2040‬وابن ماجه (‪.)3444‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه البخاري (‪ ،)5696‬ومسلم (‪.)1577‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪380‬‬

‫ِ‬
‫احللق من الد ِم‪ ،‬فإذا ُعولج منه‪،‬‬ ‫قال أبو ٍ‬
‫عبيد عن أيب عبيدةَ‪ :‬ال ُعذر ُة هتيج يف‬
‫ِ‬
‫واحللق‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األذن‬ ‫خترج فيام بني‬ ‫معذور‪ .‬وقيل العذرةُ‪ُ :‬قرحة‬ ‫قيل‪ :‬قد عذرته‪ ،‬فهو‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫للصبيان غال ًبا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وتعرض ِّ‬
‫النبي ﷺ‬ ‫ِ‬
‫األنف‪ ،‬وذكر أبو داو َد يف «سننه» أن‬ ‫صب يف‬
‫َّ‬ ‫والسعوط‪ :‬ما ُي ُّ‬
‫اس َت َعط)‪.(1‬‬

‫‪ -21‬فصل يف هديه ﷺ يف احلدم‬

‫فيقف عىل حالِه‪،‬‬


‫ُ‬ ‫املرض‪ ،‬ومحي ٌة عام يزيده‬
‫لب َ‬ ‫ِ‬
‫واحلمي ُة‪ :‬محيتان‪ :‬محي ٌة َّ‬
‫عام َجي ُ‬
‫احلمية قو ُله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫واألصل يف‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﴾ [النساء‪ ]43 :‬فحمى‬
‫يْضه‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫املريض من استعامل املاء؛ ألنه ُّ‬
‫َ‬
‫النبي ﷺ وبني يديه‬
‫ِّ‬ ‫قدمت عىل‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫صهيب قال‪:‬‬ ‫ويف «سنن ابن ماجه» عن‬
‫ُترا وبك رمدٌ ؟»‬ ‫فأكلت‪ ،‬فقال‪ُ « :‬‬
‫أتأكل ً‬ ‫ُ‬ ‫مترا‬
‫فأخذت ً‬
‫ُ‬ ‫ادن فك ُْل»‬
‫ومتر‪ ،‬فقال‪ُ « :‬‬
‫خبز ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ)‪.(2‬‬ ‫فتبسم‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫أمضغ من الناحية األخرى‪َّ ،‬‬ ‫رسول اهلل‪،‬‬ ‫فقلت‪ :‬يا‬

‫أحب عبدً ا محاه من الدنيا‪ ،‬كام َُيمي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫ويف حديث حمفوظ عنه ﷺ‪« :‬إن اهلل إذا َّ‬
‫ِ‬
‫والَشاب»)‪.(3‬‬ ‫مريضه عن الطعا ِم‬
‫َ‬ ‫أحدُ كم‬

‫)‪ (1‬أخرجه أبو داود (‪.)3867‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه ابن ماجه (‪.)3443‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه أمحد ‪ )23622( 33/39‬عن حممود بن لبيد‪ ،‬وابن أيب الدنيا يف الزهد (‪ ،)38‬واحلاكم ‪344/4‬‬
‫(‪ )7857‬عن حممود بن لبيد عن قتادة بن النعامن‪ ،‬وأمحد يف الزهد (‪ )1832‬عن بكر بن عبد اهلل املزين‪،‬‬
‫وأبو يعىل يف مسنده ‪ ،)6865( 278/12‬عن عقبة بن رافع‪.‬‬
‫‪ | 382‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -22‬فصل يف هديِه ﷺ يف إصالحِ الطعام الذي يقعُ فمه الذُّنبا وإرشادِه إىل‬
‫دفعِ َمضرَّات السدومِ نبأضدادِها‬

‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إذا وقع‬ ‫يف «الصحيحني» من حديث أيب هريرةَ‪ ،‬أن‬
‫ِ‬ ‫أحدكم فام ُقلوه‪ ،‬فإن يف ِ‬
‫الذباب يف إناء ِ‬
‫شفاء»)‪.(1‬‬
‫ً‬ ‫اآلخر‬ ‫داء ويف‬
‫أحد جناحيه ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫فقال أبو عبيد‪ :‬معنى ام ُقلوه‪ :‬اغمسوه ُ‬
‫ليخرج الشفا ُء منه‪ ،‬كام خرج الدا ُء(‪.)2‬‬

‫‪ -23‬فصل يف هديه ﷺ يف عالج البَثرة‬

‫ُ‬
‫رسول‬ ‫دخ َل َّ‬
‫عيل‬ ‫النبي قالت‪َ :‬‬ ‫ِ‬
‫أزواج ِّ‬ ‫ِ‬
‫بعض‬ ‫ابن السني يف كتابه‪« :‬عن‬
‫ذكَر ُ‬
‫قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪َ :‬ضعيها‬
‫خر َج يف أصبعي بثرةٌ‪ ،‬فقال‪ :‬عندك ذريرة؟ ُ‬ ‫اهلل ﷺ وقد َ‬
‫ِ‬
‫الصغري صغر ما يب»)‪.(3‬‬ ‫ومكَب‬ ‫ِ‬
‫الكبري‪،‬‬ ‫الله َّم مصغ َر‬
‫عليها‪ ،‬وقال‪ :‬وقوَل‪ُ :‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الذريرة‪ ،‬ويف «الصحيحني» عن عائشة‬ ‫ِ‬
‫قصب‬ ‫هندي ُيتخذ من‬ ‫الذريرةُ‪ :‬دوا ٌء‬
‫ٌّ‬
‫ِ‬
‫حجة الودا ِع‬ ‫ٍ‬
‫بذريرة يف‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ بيدي‬ ‫طيبت‬
‫ريض اهلل عنها أهنا قالت‪ُ « :‬‬
‫صغري‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫خراج‬
‫ٌ‬ ‫للحل واإلحرا ِم»)‪ .(4‬والبثرةُ‪:‬‬‫ِّ‬

‫‪ -24‬فصل يف هديِه ﷺ يف تغذي ِ املريض نبألطفِ ما اعتادَه من األغذي ِ‬

‫يف «الصحيحني» من حديث ُعرو َة عن عائش َة‪ ،‬أهنا كانت إذا َ‬


‫مات امل ِّي ُت من‬
‫َلبينة ف ُط ْ‬
‫بخت‪،‬‬ ‫مة من ت ٍ‬
‫أهلِها‪ ،‬اجتمع لذلك النساء ثم تفرقن إىل أهلهن‪ ،‬أمرت برب ٍ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ َ‬ ‫ُ‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪.)5782‬‬


‫(‪ )2‬غريب احلديث أليب عبيد ‪.215/2‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه ابن السني يف عمل اليوم والليلة (‪.)635‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه البخاري (‪ ،)5930‬ومسلم (‪.)1189‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪383‬‬

‫َ‬
‫رسول‬ ‫وصنعت ثريدً ا ثم صبت التلبين َة عليه‪ ،‬ثم قالت‪ :‬كُلوا منها فإين ِ‬
‫سمعت‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫احل ِ‬
‫زن»)‪.(1‬‬ ‫ِ‬
‫املريض تَذهب ببعض ُ‬ ‫اهلل ﷺ يقول‪« :‬التلبين ُة َجم َّم ٌة لفؤ ِاد‬
‫ِ‬
‫املريض» معناه‪ :‬أهنا ُمرحي ٌة له‪.‬‬ ‫وقو ُله ﷺ فيها‪َ « :‬جم َّم ٌة لفؤاد‬

‫‪ -25‬فصل يف هديِه ﷺ يف عالج السُّ ِّ الذي بصانبه خبَمربَ من المهودِ‬

‫كعب بن ٍ‬
‫مالك‪ :‬أن امرأ ًة هيود َّي ًة أهدت‬ ‫ِ‬ ‫بن‬ ‫ذكُر عبدُ الرزاق عن ِ‬
‫عبد الرمحن ِ‬
‫وحذرت أن َ‬
‫تقول‪:‬‬ ‫إىل النبي ﷺ شا ًة مصلي ًة بخيرب‪ ،‬فقال‪« :‬ما هذه؟» قالت‪ :‬هدي ٌة ِ‬
‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫ِّ‬
‫يأكل منها‪ ،‬فأكل النبي ﷺ وأكل أصحابه‪ ،‬ثم قال‪ِ « :‬‬
‫أمسكوا»‪،‬‬ ‫من الص ِ‬
‫دقة‪ ،‬فال ُ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫أخربك هبذا؟ قال‪« :‬هذا‬ ‫َ‬ ‫ممت هذه الشاةَ؟» قالت‪ :‬من‬‫للمرأة‪« :‬هل س ِ‬
‫ِ‬ ‫ثم قال‬
‫َ‬
‫أردت إن كنت‬ ‫ـم؟» قالت‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫العظم لساقها» ‪-‬وهو يف يده‪ -‬قالت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪« :‬ول َ‬ ‫ُ‬
‫النبي ﷺ‬
‫يْضك‪ ،‬قال‪ :‬فاحتجم ُّ‬
‫الناس‪ ،‬وإن كنت نب ًّيا‪ ،‬مل َّ‬ ‫ُ‬ ‫يسرتيح منك‬
‫َ‬ ‫كاذ ًبا أن‬
‫بعضهم)‪.(2‬‬
‫َجموا‪ ،‬فاحتجموا‪ ،‬فامت ُ‬ ‫الكاهل‪ ،‬وأمر أصحا َبه أن حيت ِ‬
‫ِ‬ ‫ثالث ًة عىل‬

‫قرب املواض ِع التي يمكن‬ ‫ِ‬


‫الكاهل‪ ،‬وهو أ ُ‬ ‫احتجم يف‬
‫َ‬ ‫النبي ﷺ‬
‫وملا احتجم ُّ‬
‫خروجا كُل ًّيا‪ ،‬بل بقي‬
‫ً‬ ‫السم َّي ُة مع الد ِم ال‬ ‫ِ‬
‫القلب‪ ،‬فخرجت املا َّد ُة ُّ‬ ‫فيها احلجام ُة إىل‬
‫تأثري ذلك األثر الكامن من‬ ‫ِ‬
‫أثرها مع ضعفه‪ ،‬فلام أراد اهلل إكرا َمه بالشهادة‪ ،‬ظهر ُ‬ ‫ُ‬
‫ألعدائه من اليهود‪ ﴿ :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬ ‫ِ‬ ‫رس قولِه تعاىل‬
‫وظه َر ُّ‬
‫الس ِّم‪َ ،‬‬
‫ُّ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﴾ [البقرة‪ ]87 :‬فجاء بلفظ ﴿ﯢ﴾‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5417‬ومسلم (‪.)2216‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه ‪.)10019( 65/6‬‬
‫‪ | 384‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫باملستقبل الذي‬ ‫ِ‬
‫بلفظ ﴿ ﯤ﴾‬ ‫باملايض الذي قد وقع منه وحت َّق َق‪ ،‬وجاء‬
‫يتو َّقعونه وينتظرونه‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪ -26‬فصل يف هديِه ﷺ يف عالج السحرِ الذي سحرتْه المهودُ نبه‬

‫نقصا‬‫جيوز هذا عليه‪ ،‬وظنُّوه ً‬


‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الناس وقالوا‪ :‬ال‬ ‫قد أنك ََر هذا طائف ٌة من‬
‫جنس ما كان يعرتيه ﷺ ِمن األسقا ِم‬
‫ِ‬ ‫األمر كام زعموا‪ ،‬بل هو ِمن‬
‫ُ‬ ‫وعي ًبا‪ ،‬وليس‬
‫بالسم ال َ‬
‫فرق بينهام‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫األمراض‪ ،‬وإصابتُه به كإصابتِه‬
‫ِ‬ ‫مرض ِمن‬‫واألوجاعِ‪ ،‬وهو ٌ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫وقد ث َب َت يف «الصحيحني» عن عائش َة ‪ ،‬أهنا قالت‪ُ :‬سحر‬
‫يأهتن‪ ،‬وذلك أشدُّ ما يكون من‬
‫َّ‬ ‫حتى إن كان ل ُيخ َّي ُل إليه أنه يأيت نسا َءه ومل‬
‫الس ِ‬
‫حر)‪.(1‬‬ ‫ِّ‬
‫العلل‪،‬‬ ‫وعارض من ِ‬‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫األمراض‪،‬‬ ‫والسحر مرض من‬ ‫عياض‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫قال القايض‬
‫ُ‬
‫نبوتِه‪ ،‬وأما كونُه ُخي َّي ُل‬
‫جيوز عليه ﷺ كأنوا ِع األمراض مما ال ُينكر‪ ،‬وال َيقدح يف َّ‬
‫إليه أنه فعل الِش َء ومل يفع ْله‪ ،‬فليس يف هذا ما يدخل عليه داخل ٌة يف يشء من‬
‫الدليل واإلمجاع عىل عصمتِه من هذا(‪.)2‬‬
‫ِ‬ ‫ِصدقه‪ ،‬لقيام‬
‫ِ‬
‫ملرض‪ ،‬وهو‬ ‫هديه عليه الصالة والسالم يف عالج هذا ا‬ ‫كر ِ‬ ‫ِ‬
‫واملقصو ُد‪ :‬ذ ُ‬
‫صح عنه ﷺ أنه سأل ر َّبه سبحانه يف ذلك‪ ،‬فدُ َّل عليه‬ ‫استخراجه وتبطي ُله‪ ،‬كام َّ‬
‫ُ‬
‫كر‪ ،‬فلام استخرجه‬ ‫ِ‬
‫طلعة َذ ٍ‬ ‫ف‬
‫وج ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فاستخرجه من ٍ‬
‫بئر‪ ،‬فكان يف مشط و ُمشاطة ُ‬
‫نشط من ِع ٍ‬
‫قال‪.‬‬ ‫ذهب ما به حتى كأنام َ‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5765‬ومسلم (‪.)2189‬‬


‫(‪ )2‬الشفا للقايض عياض ‪.181/2‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪385‬‬

‫فصل‬

‫ِ‬
‫السحر األدوي ُة اإلهل َّي ُة‪ ،‬بل هي أدويتُه النافع ُة بالذات‪،‬‬ ‫ومن أنف ِع عالجات‬
‫بيثة الس ِ‬ ‫األرواح اخل ِ‬ ‫ِ‬
‫يعارضها‬
‫ُ‬ ‫ودفع تأثريها يكون بام‬ ‫ُ‬ ‫فلية‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫ِ َ‬ ‫تأثريات‬ ‫فإنه من‬
‫وتأثريها‪ ،‬وكلام كانت‬
‫َ‬ ‫األذكار واآليات والدَّ عوات التي تُبطِل فع َلها‬
‫ِ‬ ‫ويقاو ُمها من‬
‫أبلغ يف الن ِ‬
‫ُّرشة‪.‬‬ ‫أقوى وأشدَّ كانت َ‬

‫‪ -27‬فصل يف هديه ﷺ يف تضدني من طبَّ الناسَ وهو جاهل نبالطب‬

‫عمرو بن شعيب‪ ،‬عن أبيه‬ ‫ِ‬


‫حديث ِ‬ ‫روى أبو داود والنسائي وابن ماجه من‬
‫الطب َ‬
‫قبل ذلك فهو‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬من تط َّبب ومل ُيعلم منه‬ ‫عن جدِّ ه قال‪ :‬قال‬
‫ضامن»)‪.(1‬‬
‫ٌ‬

‫‪ -26‬فصل يف هديِه ﷺ يف التحرُّ ِز من األدواءِ املُعديَ نبطبعِها وإرشادِه األصحَّاءَ‬


‫إىل مُجانب بهلِها‬

‫حديث جابر بن عبد اهلل ‪ ‬أنه كان يف‬ ‫ِ‬ ‫ثبت يف «صحيح مسلم» من‬
‫َ‬
‫بايعناك»)‪.(2‬‬ ‫ارجع فقد‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫النبي ﷺ‪ْ « :‬‬‫وفد ثقيف رجل جمذو ٌم فأرسل إليه ُّ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬ال‬ ‫ِ‬
‫حديث أيب هرير َة قال‪ :‬قال‬ ‫ويف «الصحيحني» من‬
‫رض عىل ُم ِص ٍّح»)‪.(3‬‬
‫وردن ُمم ْ ٌ‬
‫ُي َّ‬

‫)‪ (1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)4586‬والنسائي (‪ ،)4830‬وابن ماجه (‪.)3644‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه مسلم (‪.)2231‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه البخاري (‪ ،)5771‬ومسلم (‪.)2221‬‬
‫‪ | 386‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -29‬فصل يف هديِه ﷺ يف املنعِ من التداوي نباملُحرَّمات‬

‫البخاري يف «صحيحه» عن ِ‬
‫ابن مسعود‪ :‬إن اهلل مل جيعل شفا َءكم فيام‬ ‫ُّ‬ ‫ذكر‬
‫حر َم عليكم)‪.(1‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫الدواء‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ عن‬ ‫ويف «السنن» عن أيب هريرة‪ ،‬قال‪ :‬هنَى‬
‫ِ‬
‫اخلبيث»)‪.(2‬‬
‫ِ‬
‫اخلمر‬ ‫ويف «صحيح مسلم» عن طارق بن سويد اجلعفي‪ ،‬أنه س َأ َل َّ‬
‫النبي عن‬
‫ٍ‬
‫بدواء ولكنه‬ ‫ِ‬
‫للدواء‪ ،‬فقال‪« :‬إنه ليس‬ ‫فنهاه‪ ،‬أو ك َِر َه أن يصن َعها‪ ،‬فقال‪ :‬إنام أصن ُعها‬
‫داء»)‪.(3‬‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫الشفاء‬ ‫ِ‬
‫املحرمات ال ُيستشفى هبا‪ ،‬فإن رشط‬ ‫لطيف يف كون‬ ‫رس‬
‫ٌ‬ ‫وها هنا ٌّ‬
‫حتريم هذه العني‬
‫َ‬ ‫بول‪ ،‬واعتقا ُد منفعتِه‪ ،‬ومعلو ٌم أن اعتقا َد املسلم‬
‫بالدواء تَل ِّقيه بال َق ِ‬
‫ِ‬
‫احلال كانت دا ًء له‬ ‫اعتقاد بركتِها ومنفعتها‪ ،‬فإذا تناوهلا يف هذه‬
‫ِ‬ ‫مما حيول بينه وبني‬
‫ال دواء‪.‬‬
‫‪ -31‬فصل يف هديِه ﷺ يف عالجِ القَدلِ الذي يف الربسِ وإزالته‬
‫رأيس‪،‬‬‫كعب بن ُعجر َة ‪ ،‬قال‪ :‬كان يب أ ًذى من ِ‬ ‫ِ‬ ‫يف «الصحيحني» عن‬
‫كنت أرى َ‬
‫اجلهدَ‬ ‫يتناثر عىل وجهي‪ ،‬فقال‪« :‬ما ُ‬
‫ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ وال َق ُ‬
‫مل‬ ‫ِ‬ ‫فح ِملت إىل‬‫ُ‬
‫بني ٍ‬
‫ستة أو‬ ‫يطعم فر ًقا َ‬ ‫رأسه وأن‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫لق َ‬
‫رواية‪ :‬فأمره أن َحي َ‬ ‫قد بلغ بك ما أرى» ويف‬
‫ِ‬
‫هيدي شا ًة أو يصو َم ثالث َة أيا ٍم‪.‬‬

‫)‪ (1‬علقه البخاري جز ًما قبل حديث (‪.)5614‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)3870‬والرتمذي (‪ ،)2045‬وابن ماجه (‪.)3459‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه مسلم (‪.)1984‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪387‬‬

‫[ثانما‪ ]:‬فصولٌ يف هديُه ﷺ يف العالجِ نباألدوي الرُّوحانم ِ اإلهلمَّ ِ املُفردة‬


‫واملركَّب ِ منها ومن األدوي ِ الطبمعمَّ ِ‬

‫‪ -31‬فصل يف هديِه ﷺ يف عالجِ املصا نبالعنيِ‬

‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪:‬‬ ‫ابن عباس ‪ ‬قال‪ :‬قال‬ ‫مسلم يف «صحيحه» عن ِ‬
‫ٌ‬ ‫روى‬
‫العني»)‪.(1‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫القدر لسبقته‬ ‫يشء سابق‬
‫العني حق ولو كان ٌ‬
‫« ُ‬
‫الرقية من احل ِ‬
‫مة‬ ‫ِ‬ ‫ص يف‬ ‫النبي ﷺ َّ‬ ‫ويف «صحيحه» عن ٍ‬
‫ُ‬ ‫رخ َ‬ ‫أنس ‪ ،‬أن َّ‬
‫والعني والن ِ‬
‫َّملة)‪.(2‬‬

‫فيتوض ُأ‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ويف «سنن أيب داود» عن عائش َة ‪ ‬قالت‪ :‬كان ُيؤمر العائ ُن‬
‫ثم يغتسل منه املَ ُ‬
‫عني)‪.(3‬‬
‫مالك ‪ ‬عن ِ‬
‫ابن شهاب عن أيب أمام َة بن سهل بن حنيف‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫وروى‬
‫رأيت كاليو ِم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يغتسل‪ ،‬فقال‪ :‬واهلل ما‬ ‫سهل بن حنيف‬ ‫عامر بن ربيعة َ‬ ‫قال‪« :‬رأى ُ‬
‫عامرا فتغ َّيظ عليه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل‬ ‫وال ِج ْلدَ خم َّبأة‪ ،‬قال‪ :‬ف ُلبِ َط)‪ٌ (4‬‬
‫سهل‪ ،‬فأتى‬
‫ِ‬
‫وجهه ويديه ومرفقيه‬
‫عامر َ‬ ‫فغس َل ٌ‬
‫ْت‪ ،‬اغتس ْل له‪َ .‬‬ ‫عال َم ُ‬
‫يقتل أحدُ كم أخاه! أال َب َّرك َ‬
‫وأطراف رجليه‪ ،‬وداخل َة إزاره يف قدح‪ ،‬ثم ُص َّ‬
‫ب عليه فراح مع‬ ‫َ‬ ‫وركبتيه‪،‬‬
‫ِ‬
‫الناس»)‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه مسلم (‪.)2188‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه البخاري (‪ ،)5719‬ومسلم (‪.)2196‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه أبو داود (‪.)3880‬‬
‫)‪ُ ( (4‬لبِ َط)‪ِ ُ :‬‬
‫رص َع‪.‬‬
‫)‪ (5‬أخرجه مالك يف املوطأ ‪.)1( 938/2‬‬
‫‪ | 388‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫عني إنس َّي ٌة‪ ،‬وعني جنِّ َّي ٌة‪ ،‬فقد صح عن أ ِّم سلم َة‪ ،‬أن َّ‬
‫النبي ﷺ‬ ‫والعني عينان‪ٌ :‬‬
‫ُ‬
‫رأى يف بيتِها جاري ًة يف وجهها َسفع ٌة‪ ،‬فقال‪« :‬اسرتقوا هلا‪ ،‬فإن هبا النظر َة»)‪ .(1‬قال‬
‫الفرا ُء‪ :‬وقو ُله‪« :‬سفع ٌة» أي‪ :‬نظر ٌة يعني‪ :‬من ِ‬
‫اجل ِّن‪.‬‬

‫فصل‬
‫وفاحتة الكتاب‪ِ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وآية‬ ‫اإلكثار من قراءة ا ُمل ِّ‬
‫عوذتني‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫التعوذات والرقى‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫فمن‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫بكلامت اهلل الت ََّّامة‪ ،‬من كل شيطان‬ ‫التعوذات النبو َّي ُة نحو‪« :‬أعو ُذ‬
‫ُ‬ ‫الكريس‪ ،‬ومنها‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫بكلامت اهلل الت ََّّامات من ِش ما‬ ‫المة» ‪ ،‬ونحو‪« :‬أعو ُذ‬ ‫وهامة‪ ،‬ومن كل عني َّ‬
‫)‪(2‬‬
‫َّ‬
‫خلق»)‪.(3‬‬
‫ِ‬
‫احلاجة إليها وهي‬ ‫عرف مقدار منفعتِها‪ ،‬وشدَّ َة‬ ‫ِ‬
‫جر َب هذه الدعوات؛ َ‬ ‫و َمن َّ‬
‫قوة إيامن قائلِها‪ ،‬وقوة ن ْف ِسه‪،‬‬
‫أثر العائن‪ ،‬وتدفعه بعد وصولِه بحسب ِ‬
‫ُ‬ ‫متنع وصول ِ‬‫ُ‬
‫سالح‪ ،‬والسالح بضاربِه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وقوة توكُّلِه‪ ،‬وثبات قلبِه‪ ،‬فإهنا‬ ‫واستعداده‪،‬‬
‫ٌ‬

‫فصل‬

‫رشها بقولِه‪:‬‬
‫للمعني‪ ،‬فليدفع َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِضر عينه وإصابتها َ‬ ‫َ‬ ‫وإذا كان العائ ُن خيشى‬
‫سهل بن ح ٍ‬
‫نيف‪« :‬أال‬ ‫ِ‬
‫لعامر بن ربيع َة‪ ،‬ملا عان َ‬ ‫النبي ﷺ‬ ‫اللهم ِ‬
‫ُ‬ ‫بارك عليه‪ ،‬كام قال ُّ‬
‫اللهم بارك عليه‪.‬‬
‫َّ‬ ‫قلت‪:‬‬
‫ْت» أي‪َ :‬‬
‫َب َّرك َ‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5739‬ومسلم (‪.)2197‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه البخاري (‪.)3371‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه مسلم (‪.)2709 ،2708‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪389‬‬

‫سلم يف «صحيحه»‪:‬‬
‫للنبي ﷺ التي رواها م ٌ‬ ‫َ‬
‫جربيل عليه السال ُم ِّ‬ ‫ومنها‪ُ :‬رقية‬
‫ٍ‬
‫حاسد‪ ،‬اهلل‬ ‫ٍ‬
‫يشء يؤذيك‪ ،‬من ِش كُل نفس أو عني‬ ‫«باسم اهلل أرقيك‪ ،‬من كُل‬
‫يشفيك‪ ،‬باسم اهلل أرقيك»)‪.(1‬‬

‫العني بام‬
‫ُ‬ ‫اف عليه‬ ‫ِ‬
‫حماسن َمن ُخي ُ‬ ‫رت‬ ‫ِ‬
‫واالحرتاز منه‪ :‬س ُ‬ ‫أيضا‬ ‫ِ‬
‫عالج ذلك ً‬ ‫ومن‬
‫ير ُّدها عنه‪.‬‬

‫‪ -32‬فصل يف هديِه ﷺ يف العالجِ العام لرُلِّ شروى نبالرقم ِ اإلهلم ِ‬

‫َ‬
‫جربيل عليه السالم‬ ‫اخلدري ‪ :‬أن‬ ‫ٍ‬
‫سعيد‬ ‫يف «صحيح مسلم» عن أيب‬
‫ِّ‬
‫ُ‬
‫جربيل عليه‬ ‫أشتكيت؟ فقال‪« :‬نعم» فقال‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ فقال‪ :‬يا حممدُ‬ ‫أتى‬
‫ٍ‬
‫نفس وعني‪ ،‬باسم اهلل‬ ‫أرقيك‪ ،‬من ك ُِّل داء ُيؤذيك‪ ،‬ومن كل‬
‫َ‬ ‫السال ُم‪ :‬باسم اهلل‬
‫أرقيك‪ ،‬واهلل يشفيك»)‪.(2‬‬

‫عني أو‬ ‫ِ‬


‫احلديث الذي رواه أبو داود‪« :‬ال رقي َة إال يف ٍ‬ ‫فإن قيل‪ :‬فام تقولون يف‬
‫ٍ‬
‫محة»‪ ،‬واحلمة‪ :‬ذوات السموم كلها‪.‬‬
‫ِ‬
‫الرقية يف ِ‬ ‫ِ‬
‫غريها‪ ،‬بل املرا ُد به ال رقي َة‬ ‫جواز‬ ‫فاجلواب‪ :‬أنه ﷺ مل ُي ِر ْد به َ‬
‫نفي‬
‫ِ‬
‫أحاديث الرقى‬ ‫ِ‬
‫احلديث وسا ُئر‬ ‫سياق‬ ‫ِ‬
‫واحلمة‪ُّ ،‬‬
‫ويدل عليه ُ‬ ‫ِ‬
‫العني‬ ‫وأنفع منها يف‬ ‫أوىل‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫واخلاصة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫العامة‬

‫)‪ (1‬أخرجه مسلم (‪.)2186‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه مسلم (‪.)2186‬‬
‫‪ | 391‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -33‬فصل يف هديِه ﷺ يف رُقم اللديغِ نبالفاحت‬


‫اخلدري ‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫سعيد‬ ‫حديث أيب‬‫ِ‬ ‫أخرجا يف «الصحيحني» من‬
‫ِّ‬
‫حي من أحياء‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫النبي ﷺ يف َسفرة سافروها حتى نزلوا عىل ٍّ‬ ‫أصحاب ِّ‬ ‫نفر من‬
‫انطلق ٌ‬
‫احلي‪ ،‬فسعوا له بك ُِّل‬ ‫ِ‬
‫العرب‪ ،‬فاستضافوهم فأبوا أن ُيض ِّيفوهم‪ ،‬ف ُلد َغ س ِّيدُ ذلك ِّ‬
‫يشء ال ينف ُعه يش ٌء‪.‬‬
‫الرهط الذين نزلوا لع َّلهم أن يكون عند‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫هؤالء‬ ‫بعضهم‪ :‬لو أتيتم‬
‫فقال ُ‬
‫هط إن سيدَ نا ُلدغ‪ ،‬وسعينا له بكل ٍ‬
‫يشء ال‬ ‫ِ‬
‫بعضهم يش ٌء‪ ،‬فأتوهم فقالوا‪ :‬يا أهيا الر ُ‬
‫أحد منكم من ٍ‬
‫يشء؟‬ ‫ينفعه‪ ،‬فهل عند ٍ‬

‫بعضهم‪ :‬نعم‪ ،‬واهلل إين ألرقي‪ ،‬ولكن استضفناكم فلم تُض ِّيفونا فام أنا‬ ‫فقال ُ‬
‫عال‪ ،‬فصاحلوهم عىل قطي ٍع من الغن ِم‪ ،‬فانطلق َيت ُف ُل عليه‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫براق حتى ِتعلوا لنا ُج ً‬
‫قال‪ ،‬فانطلق يمِش‪ ،‬وما به‬ ‫ويقر ُأ‪( :‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ)‪ ،‬فكأنام نشط من ِع ٍ‬
‫َق َل َب ٌة‪ ،‬قال‪ :‬فأوفوهم ُجع َلهم الذي صاحلوهم عليه‪.‬‬
‫النبي ﷺ‬ ‫يت‬ ‫اقتسموا‪ ،‬فقال الذي َرقى‪ :‬ال ُ‬ ‫بعضهم‪ِ :‬‬
‫َّ‬ ‫نفعل حتى نأ َ‬ ‫فقال ُ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فذكروا له‬ ‫فنذكر له الذي كان‪ ،‬فننظر ما يأمرنا به‪ِ ،‬‬
‫فقدموا عىل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫واَضبوا َل‬ ‫ذلك فقال‪« :‬وما يدريك أهنا رقي ٌة؟!»‪ ،‬ثم قال‪« :‬قد أصبتُم‪ِ ،‬‬
‫اقسموا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫سهام»)‪.(1‬‬
‫معكم ً‬
‫ِ‬
‫وتفويض‬ ‫ِ‬
‫والثناء عىل اهلل تعاىل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العبودية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫إخالص‬ ‫تضمنَتْه الفاحت ُة من‬ ‫فام‬
‫َّ‬
‫جمامع النع ِم ك ِّلها‪ ،‬وهي‬
‫َ‬ ‫والتوكل عليه‪ ،‬وسؤالِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واالستعانة به‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األمر ك ِّله إليه‪،‬‬
‫ِ‬
‫الكافية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الشافية‬ ‫ِ‬
‫األدوية‬ ‫النقم؛ من أعظ ِم‬ ‫اهلداي ُة التي‬
‫وتدفع َ‬
‫ُ‬ ‫النعم‬
‫َ‬ ‫ِتلب‬
‫ُ‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪ ،)2276‬ومسلم (‪.)2201‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪390‬‬

‫‪ -34‬فصل يف هديِه ﷺ يف عالجِ لدغ ِ العقر نبالرقم ِ‬


‫ٍ‬
‫مسعود قال‪« :‬بينَا‬ ‫حديث ِ‬
‫عبد اهلل ِ‬
‫بن‬ ‫ِ‬ ‫روى اب ُن أيب شيب َة يف «مسنده»‪ ،‬من‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل وقال‪:‬‬ ‫ف‬‫فانرص َ‬ ‫ِ‬
‫أصبعه‪،‬‬ ‫عقرب يف‬ ‫سجدَ فلد َغتْه‬ ‫رسول اهلل ُي ِّ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫صيل‪ ،‬إذ َ‬
‫وملح‪ ،‬فجعل‬ ‫لعن اهلل العقرب؛ ما تدع نبيا وال غريه‪ ،‬قال‪ :‬ثم دعا ٍ‬
‫بإناء فيه ما ٌء‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫وامللح‪ ،‬ويقرأ‪( :‬قل هو اهلل أحد) واملعوذتني حتى‬ ‫ِ‬ ‫اللدغة يف ِ‬
‫املاء‬ ‫ِ‬ ‫موضع‬ ‫يضع‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫سكن َْت»)‪.(1‬‬

‫النبي ﷺ‬ ‫مسلم يف «صحيحه» عن أيب هرير َة قال‪ :‬جاء ٌ‬


‫رجل إىل ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫وقد روى‬
‫لقيت من عقرب لدغتني البارح َة! فقال‪« :‬أما لو َ‬
‫قلت‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬ما‬ ‫فقال‪ :‬يا‬
‫ُرضك»)‪.(2‬‬ ‫ِ‬
‫التامات من ِش ما خلق‪ ،‬مل ت َّ‬
‫أمسيت‪ :‬أعوذ بكلامت اهلل َّ‬ ‫َ‬ ‫حني‬
‫ِ‬
‫وقوعه‪ ،‬وإن‬ ‫ِ‬
‫الداء بعد حصولِه‪ ،‬ومتنع من‬ ‫واعلم أن األدوي َة اإلهلي َة تنفع من‬
‫ِ‬
‫املرض‪.‬‬ ‫ِ‬
‫حلفظ الصحة‪ ،‬وإلزالة‬ ‫ْضا‪ ،‬فالرقى وال ُعو ُذ تستعمل‬
‫وقوعا ُم ًّ‬
‫ً‬ ‫وقع مل يقع‬

‫‪ -35‬فصل يف هديه ﷺ يف رقم الندل‬

‫رخص يف‬ ‫ٍ‬


‫أنس الذي يف «صحيح مسلم»‪ :‬أنه ﷺ َّ‬ ‫قد تقدَّ م من حديث‬
‫ِ‬
‫والنملة)‪.(3‬‬ ‫ِ‬
‫والعني‬ ‫ِ‬
‫احلمة‬ ‫ِ‬
‫الرقية من‬

‫)‪ (1‬أخرجه ابن أيب شيبة عن عيل ‪ ،)23553( 55/4 ‬وإنام رواه عن عبد اهلل بن مسعود ‪‬‬
‫ابن عدي يف الكامل ‪.106/3‬‬
‫)‪ (2‬أخرجه مسلم ( ‪.)2709‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه مسلم (‪.)2196‬‬
‫‪ | 392‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الشفاء ِ‬
‫رسول اهلل وأنا‬ ‫دخ َل َّ‬
‫عيل‬ ‫بنت عبد اهلل‪َ :‬‬ ‫ويف «سنن أيب داود»‪ ،‬عن‬
‫ِ‬
‫النملة كام َع َّل ْمتيها الكتاب َة»)‪.(1‬‬ ‫عندَ حفص َة فقال‪َ « :‬أ َال تُعلمني هذه رقي َة‬

‫وسمي نمل ًة ألن‬


‫ِّ‬ ‫معروف‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫خترج يف [اجلن َب ِ‬
‫ني]‪ ،‬وهو دا ٌء‬ ‫ُ‬ ‫قروح‬
‫ٌ‬ ‫النملة‪:‬‬
‫ِ‬
‫وتعضه‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫تدب عليه‬‫حيس يف مكانه كأن نمل ًة ُّ‬
‫صاح َبه ُّ‬

‫‪ -36‬فصل يف هديه يف رقم احلم‬

‫مح ٍة)‪.(3)»(2‬‬ ‫قد تقدَّ م قو ُله‪« :‬ال رقي َة إال يف ٍ‬


‫عني أو ُ َ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل‬ ‫ِ‬
‫حديث عائش َة ريض اهلل عنها‪َّ :‬‬
‫رخص‬ ‫ويف «سنن ابن ماجه» ِمن‬
‫ِ‬
‫والعقرب)‪.(4‬‬ ‫الرقية من ِ‬
‫احلية‬ ‫ِ‬ ‫يف‬

‫‪ -37‬فصل يف هديِه ﷺ يف رُقم القرح ِ واوجُرح‬

‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ إذا‬ ‫أخرجا يف «الصحيحني» عن عائش َة ‪ ‬قالت‪ :‬كان‬
‫ُ‬
‫سفيان‬ ‫اإلنسان‪ ،‬أو كانت به قرح ٌة أو جرح‪ ،‬قال بأص ُبعه‪ :‬هكذا‪ ،‬ووضع‬
‫ُ‬ ‫اشتكى‬
‫بعضنا‪ ،‬لِ ُيشفى‬
‫باألرض‪ ،‬ثم رفعها‪ ،‬وقال‪« :‬بسم اهلل‪ ،‬ترب ُة أرضنا‪ ،‬بِري َق ِة ِ‬
‫ِ‬ ‫س َّبابته‬
‫سقيمنا‪ ،‬بإذن ربنا»)‪.(5‬‬
‫ُ‬

‫)‪ (1‬أخرجه أبو داود (‪.)3887‬‬


‫حل َمة)‪ :‬سم العقرب ونحوها‪.‬‬
‫)‪( (2‬ا ُ‬
‫)‪ (3‬أخرجه البخاري (‪ ،)5705‬ومسلم (‪.)220‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه ابن ماجه (‪.)3517‬‬
‫)‪ (5‬أخرجه البخاري (‪ ،)5745‬ومسلم (‪.)2194‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪393‬‬

‫ِ‬
‫السبابة‪ ،‬ثم يضعها عىل‬ ‫نفسه عىل ُأص ُب ِعه‬
‫ريق ِ‬ ‫ِ‬
‫احلديث‪ :‬أنه يأخذ من ِ‬ ‫ومعنى‬
‫فيعلق هبا منه يش ٌء‪ ،‬فيمسح به عىل اجلُ ِ‬
‫رح‪ ،‬ويقول هذا الكال َم ملا فيه من‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الرتاب‬
‫ِ‬
‫األمر إليه‪ ،‬والتوك ِ‬
‫ُّل عليه‪ ،‬فينضم أحدُ العالجني إىل‬ ‫ب ِ‬
‫ركة ذكر اسم اهلل‪ ،‬وتفويض‬ ‫َ‬
‫التأثري‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اآلخر‪ ،‬فيقوى‬
‫ُ‬

‫‪ -36‬فصل يف هديِه ﷺ يف عالجِ الوجع نبالرُّقم ِ‬

‫العاص ‪ ،‬أنه شكى إىل‬ ‫ِ‬ ‫َ‬


‫عثامن بن أيب‬ ‫روى مسلم يف «صحيحه» عن‬
‫النبي ﷺ‪« :‬ضع يدَ ك عىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أسلم‪ ،‬فقال ُّ‬ ‫َ‬ ‫جسده منذ‬ ‫رسول اهلل ﷺ وج ًعا َجيده يف‬
‫ات‪ :‬أعوذ بعزة اهلل وقدرته‬ ‫جسدك‪ ،‬وقل‪ :‬بس ِم اهلل ثال ًثا‪ ،‬وقل سبع مر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الذي َّ‬
‫تأمل من‬
‫َ َّ‬
‫ِ‬
‫والتفويض‬ ‫ذكر اسم اهلل تعاىل‪،‬‬ ‫العالج من ِ‬
‫ِ‬ ‫وأحاذر»)‪ .(1‬ففي هذا‬‫ُ‬ ‫من ِش ما أجد‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ليكون أنج َع‬ ‫وتكراره‬
‫ُ‬ ‫ذهب به‪،‬‬‫رش األملِ ما َي ُ‬
‫بعزته وقدرته من ِّ‬ ‫واالستعاذة َّ‬ ‫إليه‪،‬‬
‫املادة‪ ،‬ويف السب ِع خاصي ٌة ال تُوجدُ يف ِ‬
‫غريها‪.‬‬ ‫خراج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الدواء إل‬ ‫ِ‬
‫كتكرار‬ ‫َ‬
‫وأبلغ‪،‬‬

‫يمسح عليه بيده‬


‫ُ‬ ‫بعض أهله‪،‬‬ ‫النبي ﷺ كان يعو ُذ َ‬
‫َّ‬ ‫ويف «الصحيحني»‪ :‬أن‬
‫شفاء إال‬ ‫واشف أنت الشايف‪ ،‬ال‬‫ِ‬ ‫الباس‪،‬‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫الناس أذهب َ‬ ‫رب‬
‫ال ُيمنى‪ ،‬ويقول‪« :‬اللهم َّ‬
‫بكامل ربوبيتِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫توسل إىل اهلل‬ ‫ِ‬
‫الرقية‬ ‫سقام»)‪ .(2‬ففي هذه‬‫شفاء ال يغادر ً‬
‫ً‬ ‫شفاؤك‪،‬‬
‫فتضمنت‬ ‫ِ‬
‫بالشفاء‪ ،‬وأنه وحدَ ه الشايف‪ ،‬وأنه ال شفا َء إال شفاؤه‪،‬‬ ‫وكامل رمحتِه‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫بتوحيده وإحسانِه وربوبيتِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫التوسل إليه‬

‫)‪ (1‬أخرجه مسلم (‪.)2202‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه البخاري (‪ ،)5750‬ومسلم (‪.)2191‬‬
‫‪ | 394‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -39‬فصل يف هديِه ﷺ يف عالجِ َحرِّ املصمب وحُزنِها‬

‫قال تعاىل‪( :‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬


‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ)‬
‫[البقرة‪.]157 - 155 :‬‬
‫ُ‬
‫فيقول‪ :‬إنا هلل وإنا‬ ‫ويف «املسند» عنه ﷺ أنه قال‪« :‬ما من ٍ‬
‫أحد تصيبه ُمصيب ٌة‬
‫خريا منها؛ إال أجاره اهلل يف‬ ‫ِ‬
‫اللهم أجرين يف ُمصيبتي وأخلف َل ً‬
‫َّ‬ ‫إليه راجعون‪،‬‬
‫خريا منها»)‪.(1‬‬
‫مصيبته‪ ،‬وأخلف له ً‬
‫وأنفعه له يف عاجلته وآجلتِه‪ ،‬فإهنا‬
‫ِ‬ ‫عالج املُصاب‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وهذه الكلم ُة من أبلغ‬
‫تسىل عن مصيبتِه‪:‬‬ ‫ِ‬
‫أصلني عظيمني إذا حت َّق َق العبدُ بمعرفتهام َّ‬ ‫تتضمن‬
‫أحدُ مها‪ :‬أن العبدَ وأهله وما َله ِم ٌ‬
‫لك هلل ‪ ‬حقيق ًة‪ ،‬وقد جعله عند العبد‬
‫عار َّي ًة‪.‬‬
‫ِ‬
‫ومرج َعه إىل اهلل مواله احلق‪ ،‬وال بد أن ُخي ِّلف الدنيا‬ ‫مصري العبد‬ ‫والثاين‪ :‬أن‬
‫َ‬
‫مفقود‪ ،‬ففكره يف مبدئه وم ِ‬
‫عاده‬ ‫ٍ‬ ‫يفرح بموجود أو يأسى عىل‬ ‫ظهره‪ ،‬فكيف‬‫وراء ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عالج هذا ِ‬
‫الداء‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫من أعظم‬

‫علم اليقني أن ما أصابه مل يكن ل ُيخط َئه‪ ،‬وما أخطأه مل‬ ‫ِ‬
‫عالجه‪ :‬أن َيعلم َ‬ ‫ومن‬
‫يكن ل ُيصي َبه‪.‬‬
‫َ‬
‫أفضل منه‪.‬‬ ‫ينظر إىل ما ُأصيب به فيجد ر َّبه قد أبقى عليه مث َله‪ ،‬أو‬
‫ومنه‪ :‬أن َ‬

‫)‪ (1‬أخرجه مسلم (‪.)918‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪395‬‬

‫ِ‬
‫املصائب‪.‬‬ ‫التأيس بأهل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نار مصيبته بربد ِّ‬
‫يطفئ َ‬
‫َ‬ ‫ومنه‪ :‬أن‬
‫جل َزع ال ير ُّدها‪ ،‬بل يضاع ُفها‪.‬‬
‫ومنه‪ :‬أن يعلم أن ا َ‬
‫ِ‬
‫الصرب والتسليم ‪-‬وهو الصال ُة والرمح ُة‬ ‫فوت ثواب‬‫َ‬ ‫ومنه‪ :‬أن يعلم أن‬
‫ِ‬
‫احلقيقة‪.‬‬ ‫أعظم من املصيبة يف‬ ‫واهلداي ُة‪-‬‬
‫ُ‬
‫عدوه‪ ،‬ويسو ُء صدي َقه‪ ،‬و ُيغضب ر َّبه‪.‬‬
‫يشمت َّ‬
‫اجلزع ِّ‬
‫َ‬ ‫ومنه‪ :‬أن يعلم أن‬

‫أضعاف ما‬
‫َ‬ ‫ومنه‪ :‬أن يعلم أن ما يعقبه الصرب واالحتساب من الل ِ‬
‫ذة واملرسة‬ ‫ُ‬
‫كان حيصل له ِ‬
‫ببقاء ما ُأصيب به لو بقي عليه‪.‬‬

‫لف من اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫ِ‬


‫رجاء اخل ِ‬ ‫يروح قل َبه بروح‬ ‫ومنه‪ :‬أن‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫املصيبة ما ُحتدثه له‪ ،‬فمن ريض فله الرىض‪ ،‬ومن‬ ‫ومنه‪ :‬أن يعلم أن ح َّظه من‬
‫الس ُ‬
‫خط‪.‬‬ ‫ِ‬
‫سخط فله ُّ‬
‫ِ‬
‫االضطرار‪.‬‬ ‫فآخر أمره إىل ِ‬
‫صرب‬ ‫ومنه‪ :‬أن َيعلم أنه وإن بلغ يف اجلَز ِع غايتَه‪ُ ،‬‬
‫أنفع األدوية له موافق ُة ر ِّبه وإهله فيام أح َّبه ورضيه له‪.‬‬
‫ومنه‪ :‬أن يعلم أن َ‬
‫وأرحم الرامحني‪ ،‬وأنه‬
‫ُ‬ ‫يعلم أن الذي ابتاله هبا أحكم احلاكمني‬
‫َ‬ ‫ومنه‪ :‬أن‬
‫تْض َعه‬
‫ربه وليسمع ُّ‬ ‫ْ‬
‫يرسل إليه البال َء ل ُيهلكَه به‪ ،‬وإنام ليمتح َن ص َ‬ ‫سبحانه مل‬
‫وابتهاله‪.‬‬
‫ِ‬
‫الكرب‬ ‫ِ‬
‫أدواء‬ ‫يعلم أنه لوال حم ُن الدنيا ومصائ ُبها ألصاب العبدَ من‬
‫ومنه‪ :‬أن َ‬
‫ِ‬
‫هالكه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫القلب ما هو سبب‬ ‫ِ‬
‫والفرعنة وقسوة‬ ‫والعجب‬

‫يعلم أن مرار َة الدنيا هي بعينها حالو ُة اآلخرة‪.‬‬


‫ومنه‪ :‬أن َ‬
‫‪ | 396‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -41‬فصل يف هديِه ﷺ يف عالجِ الرر واهل ِّ والغ واحلزنِ‬

‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ كان‬ ‫عباس ‪ ‬أن‬ ‫ٍ‬ ‫يف «الصحيحني» من حديث ابن‬
‫ِ‬
‫العرش‬ ‫رب‬
‫العظيم احلليم‪ ،‬ال إله إال اهلل ُّ‬
‫ُ‬ ‫يقول عند الك ِ‬
‫َرب‪« :‬ال إله إال اهلل‬
‫ِ‬
‫العرش الكريم»)‪.(1‬‬ ‫رب‬ ‫ِ‬
‫واألرض‪ُّ ،‬‬ ‫رب السموات‬ ‫العظيم‪ ،‬ال إله إال اهلل ُّ‬
‫دعوات‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬‬ ‫ويف «سنن أيب داود» عن أيب بكر َة ‪ ،‬أن‬
‫عني‪ ،‬وأصلِح َل شأين‬
‫اللهم رمحتَك أرجو‪ ،‬فال تَكِلني إىل نفيس طرف َة ٍ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫املكروب‪:‬‬
‫ُك َّله‪ ،‬ال إله إال أنت»)‪.(2‬‬

‫رسول اهلل‪َ « :‬أ َال‬


‫ُ‬ ‫أيضا عن أسامء بنت ُعميس ريض اهلل عنها قالت‪ :‬قال يل‬ ‫وفيها ً‬
‫الكرب‪ :‬اهلل ريب ال ُأ ِ‬
‫ِش ُك به شيئًا»)‪.(3‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكرب‪ ،‬أو يف‬ ‫ٍ‬
‫كلامت تقوليهن عندَ‬ ‫ُأعلمك‬

‫‪ -41‬فصل يف هديه ﷺ يف حفظ الصح‬

‫ِ‬
‫وأجزل عطاياه‪،‬‬ ‫أجل نعم اهلل عىل ِ‬
‫عبده‪،‬‬ ‫وملا كانت الصح ُة والعافي ُة من ِّ‬
‫فحقيق بمن رزق ح ًّظا‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫اإلطالق‪،‬‬ ‫أجل النع ِم عىل‬ ‫وأوفر ِ‬
‫منحه‪ ،‬بل العافي ُة املطلق ُة ُّ‬ ‫ِ‬
‫مراعاهتا وحف ُظها ومحايتُها عام يضادها‪ ،‬وقد روى البخاري يف‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫التوفيق‬ ‫من‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪:‬‬ ‫ابن عباس ريض اهلل عنهام قال‪ :‬قال‬ ‫ِ‬
‫حديث ِ‬ ‫«صحيحه» من‬
‫ِ‬
‫الناس‪ :‬الصح ُة والفرا ُغ»)‪.(4‬‬ ‫كثري من‬ ‫ِ‬
‫مغبون فيهام ٌ‬
‫ٌ‬ ‫نعمتان‬ ‫«‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪ ،)6345‬ومسلم (‪.)2730‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه أبو داود (‪.)5090‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه أبو داود (‪.)1525‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه البخاري (‪.)6412‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪397‬‬

‫األنصاري‪ ،‬قال‪ :‬قال‬ ‫بن حمصن‬ ‫حديث ِ‬


‫عبيد اهلل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وغريه من‬ ‫ويف الرتمذي‬
‫ِّ‬
‫قوت ِ‬
‫يومه‪ ،‬فكأنام‬ ‫ِ‬
‫جسده‪ ،‬آمنًا يف رسبِه‪ ،‬عندَ ه ُ‬ ‫أصبح ُم ً‬
‫عاًف يف‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬من‬
‫َ‬
‫ِحيزت له الدنيا»)‪.(1‬‬
‫ِ‬
‫حديث أيب هرير ًة ريض اهلل عنه‪ ،‬عن النبي ﷺ أنه‬ ‫أيضا من‬‫ويف الرتمذي ً‬
‫نصح لك‬ ‫قال له‪ :‬أمل‬ ‫ِ‬
‫القيامة من النعيم أن ُي َ‬ ‫أول ما ُي ُ‬
‫سأل عنه العبدُ يو َم‬ ‫قال‪ُ « :‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫البارد»)‪(2‬؟!‬ ‫جسمك‪ ،‬ونُرو َك من ِ‬
‫املاء‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫السلف يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬ ‫ومن هاهنا قال َمن قال ِمن‬
‫ِ‬
‫الصحة‪.‬‬ ‫ﮭ﴾ [التكاثر‪ ، ]8 :‬قال‪ :‬عن‬
‫ِ‬
‫مراعاة هذه‬ ‫َذكر من ِ‬
‫هديه ﷺ يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وإذا كان هذا َ‬
‫شأن العافية والصحة فن ُ‬
‫ِ‬
‫البدن‬ ‫ِ‬
‫صحة‬ ‫ِ‬
‫اإلطالق ينال به حفظ‬ ‫أكمل هدي عىل‬‫يتبني ملن ن َظ َر فيه أنه ُ‬ ‫ِ‬
‫األمور ما َّ ُ‬
‫التكالن‪ ،‬وال َ‬
‫حول وال قو َة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫املستعان‪ ،‬وعليه‬ ‫ِ‬
‫واآلخرة‪ ،‬واهلل‬ ‫ِ‬
‫والقلب‪ ،‬وحياة الدنيا‬
‫إال باهلل‪.‬‬

‫فصل‬
‫ٍ‬
‫واحد‬ ‫س عىل نوع‬‫حبس الن ْف ِ‬ ‫ِ‬
‫واملرشب‪ ،‬فلم يكن من عادته ﷺ ُ‬
‫ُ‬ ‫املطعم‬
‫ُ‬ ‫فأ َّما‬
‫يتعذر عليها‬ ‫يْض بالطبيعة جدًّ ا‪ ،‬وقد‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫من األغذية ال يتعدا ُه إىل ما سواه‪ ،‬فإن ذلك ُّ‬
‫غريه مل تقبله الطبيع ُة‪ ،‬بل‬ ‫َ‬
‫تناول َ‬ ‫غريه ضعف أو هلك‪ ،‬وإن‬‫أحيانًا‪ ،‬فإن مل يتناول َ‬
‫يأكل ما جرت عاد ُة أهل ِ‬
‫بلده بأكله‪.‬‬ ‫كان ُ‬

‫)‪ (1‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)2346‬وابن ماجه (‪.)4141‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه الرتمذي (‪.)3358‬‬
‫‪ | 398‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫حيملها إياه عىل ٍ‬


‫كره‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫أصل‬ ‫وكان إذا عافت نفسه الطعام مل يأكله‪ ،‬ومل ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫تْضره‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نفسه وال يشتهيه كان ُّ‬
‫اإلنسان ما تعافه ُ‬ ‫الصحة‪ ،‬فمتى أكل‬ ‫حفظ‬ ‫عظيم يف‬
‫ٌ‬
‫أكثر من انتفاعه‪.‬‬
‫به َ‬
‫رسول اهلل ﷺ طعا ًما قط‪ ،‬إن اشتهاه أك َله‪،‬‬
‫ُ‬ ‫قال أبو هرير َة ‪ :‬ما عاب‬
‫وإال تركه ومل ْ‬
‫يأكل منه)‪.(1‬‬

‫الذراع‪ ،‬و ُمقدَّ م الشاة‪ ،‬ويف «الصحيحني»‪:‬‬


‫ُ‬ ‫اللحم‪ ،‬وأح ُّبه إليه‬
‫َ‬ ‫ب‬
‫وكان ُحي ُّ‬
‫الذراع‪ ،‬وكانت تعج ُبه)‪.(2‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ بلح ٍم فرفع إليه‬ ‫ُأيت‬
‫َ‬
‫والعسل‬ ‫اللحم‬
‫َ‬ ‫والعسل‪ ،‬وهذه الثالث ُة ‪-‬أعني‪:‬‬ ‫َ‬ ‫حيب احللواء‬
‫ُّ‬ ‫وكان‬
‫ينفر منها إال َمن به عل ٌة وآفة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أفضل األغذية‪ ،‬وال ُ‬ ‫واحللوا َء‪ -‬من‬
‫اخلبز مأدو ًما ما وجد له إدا ًما‪ ،‬فتار ًة َيأدمه باللح ِم‪ ،‬وتارة ِّ‬
‫باخلل‪،‬‬ ‫وكان يأكل َ‬
‫ِ‬
‫احلاِض‪ ،‬ال‬ ‫اخلل»)‪ ،(3‬وهذا ثنا ٌء عليه بحسب ُمقتَض احلال‬ ‫عم اإلدا ُم ُّ‬‫ِ‬
‫ويقول‪« :‬ن َ‬
‫تفضيل له عىل ِ‬
‫غريه‪.‬‬
‫أيضا من ِ‬
‫أكرب‬ ‫يأكل من فاكهة ِ‬
‫بلده عند جميئها‪ ،‬وال حيتمي عنها‪ ،‬وهذا ً‬ ‫وكان ُ‬
‫ِ‬
‫الفاكهة ما‬ ‫كل ٍ‬
‫بلد من‬ ‫الصحة‪ ،‬فإن اهلل سبحانه بحكمتِه جعل يف ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حفظ‬ ‫أسباب‬
‫ينتفع به أه ُلها يف وقتِه‪.‬‬
‫ُ‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5409‬ومسلم (‪.)2064‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه البخاري (‪ ،)3340‬ومسلم (‪.)194‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه مسلم (‪.)2052‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪399‬‬

‫‪ -42‬فصل يف هديه ﷺ يف همئ اوجلوس لألكل‬

‫صح عنه ﷺ أنه قال‪« :‬ال ُ‬


‫آكل متكئًا»)‪.(1‬‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الِشء وهو االعتام ُد عليه‪،‬‬ ‫باالتكاء عىل‬ ‫رس االتكا ُء بالرتبعِ‪ ،‬و ُف ِّ َ‬
‫رس‬ ‫وقد ُف ِّ َ‬
‫ِ‬ ‫واألنواع الثالث ُة ِمن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االتكاء‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫اجلنب‪.‬‬ ‫باالتكاء عىل‬ ‫و ُف ِّ َ‬
‫رس‬

‫فصل‬
‫ِ‬
‫األكالت‪.‬‬ ‫أنفع ما يكون من‬ ‫ِ‬ ‫وكان ُ‬
‫يأكل بأصابعه الثالث‪ ،‬وهذا ُ‬
‫طبيخا بائتا ُي َّ‬
‫سخن له‬ ‫ً‬ ‫وقت شدة حرارته‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬ ‫ومل يكن ُ‬
‫يأكل طعا ًما يف‬
‫ِ‬
‫واملاحلة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫العفنة‬ ‫ِ‬
‫بالغد‪ ،‬وال شي ًئا من األطعمة‬

‫فصل‬

‫فظ به الصح ُة‪.‬‬ ‫ِ‬


‫أكمل هدي ُحي ُ‬ ‫ِ‬
‫الرشاب فمن‬ ‫وأ َّما هد ُيه يف‬
‫النبي ﷺ‬
‫ُّ‬ ‫وقت استقائِه‪ ،‬قال‬
‫رشب َ‬‫البائت أنف َع من الذي ُي ُ‬
‫ُ‬ ‫وملا كان املا ُء‬
‫ماء بات يف ٍ‬
‫شنة؟ فأتاه به‪،‬‬ ‫حائط أيب اهليثم بن التيهان‪« :‬هل ِمن ٍ‬
‫ِ‬ ‫دخ َل إىل‬
‫وقد َ‬
‫فَشب منه»‪ ،‬رواه البخاري‪ ،‬ولفظه‪« :‬إن كان عندَ ك ماء بات يف ٍ‬
‫شنة وإال‬ ‫ٌ‬ ‫َ ِ َ‬
‫ك ََر ْعنا)‪.(3)»(2‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪.)5398‬‬


‫)‪( (2‬الك ََرع)‪ :‬الرشب بالفم بغري كفيه أو إناء‪.‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه البخاري (‪.)5613‬‬
‫‪ | 411‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫احللو‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫ِ‬
‫الَشاب إىل‬ ‫أحب‬
‫ُّ‬ ‫قالت عائشة ريض اهلل عنها‪« :‬كان‬
‫البار َد»)‪.(1‬‬

‫فصل‬

‫وصح عنه أنه َأ َم َر‬


‫َّ‬ ‫هديه ﷺ الرشب قاعدً ا‪ ،‬فهذا كان هد َيه املعتا َد‪،‬‬‫وكان من ِ‬
‫وصح عنه أنه‬ ‫َّ‬ ‫قائام‪،‬‬
‫الرشب ً‬‫ِ‬ ‫وصح عنه أنه هنى عن‬
‫َّ‬ ‫قائام أن يستقي َء‪،‬‬ ‫الذي َ ِ‬
‫رش َب ً‬
‫قائام‪.‬‬
‫رشب ً‬
‫النهي ليس‬
‫َ‬ ‫ناسخ للنهي‪ ،‬وقالت طائف ٌة‪ :‬بل ٌ‬
‫مبني أن‬ ‫ٌ‬ ‫قالت طائف ٌة‪ :‬هذا‬
‫تعارض بينهام ً‬
‫أصال‪ ،‬فإنه‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫وترك األوىل‪ ،‬وقالت طائف ٌة‪ :‬ال‬ ‫ِ‬
‫لإلرشاد‬ ‫للتحري ِم‪ ،‬بل‬
‫ِ‬
‫للحاجة‪ ،‬فإنه جاء إىل زمزم‪ ،‬وهم َيست ُقون منها‪ ،‬فاستقى فناولوه‬ ‫قائام‬ ‫إنام ِ‬
‫رش َب ً‬
‫ٍ‬
‫حاجة‪.‬‬ ‫موضع‬ ‫قائم‪ ،‬وهذا كان‬ ‫الدلو‪ِ ،‬‬
‫َ‬ ‫فرش َب وهو ٌ‬ ‫َ‬

‫فصل‬

‫ُ‬
‫رسول‬ ‫مالك ‪ ،‬قال‪ :‬كان‬ ‫ٍ‬ ‫ويف «صحيح مسلم» من حديث ِ‬
‫أنس بن‬
‫ُ‬
‫وأبرأ»(‪.)2‬‬ ‫ُ‬
‫وأمرأ‬ ‫ِ‬
‫الرشاب ثال ًثا‪ ،‬ويقول‪« :‬إنه أروى‬ ‫اهلل ﷺ يتنفس يف‬

‫)‪ (1‬أخرجه الرتمذي (‪.)1895‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)2028‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪410‬‬

‫وتنفسه خارجه‪ ،‬ثم يعو ُد‬


‫ُ‬ ‫القدح عن فِيه‪،‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الرشاب‪ :‬إبانتُه‬ ‫ومعنى ِ‬
‫تنفسه يف‬
‫ِ‬
‫اآلخر‪« :‬إذا ِ‬
‫ِش َب أحدُ كم فال يتن َّفس‬ ‫ِ‬
‫احلديث‬ ‫مرص ًحا به يف‬ ‫ِ‬
‫الرشاب‪ ،‬كام جاء َّ‬ ‫إىل‬
‫اإلناء عن فيه»)‪.(2‬‬
‫َ‬ ‫يف القدحِ »)‪ (1‬ولكن «ليبِن‬
‫الرب ِء‪ ،‬وهو الشفاء‪ ،‬أي‪ُ :‬يربئ من شدة‬ ‫فأروى‪ :‬أشدُّ ِر ًّيا‪ ،‬وأبرأ‪ُ :‬‬
‫أفعل من ُ‬
‫والرشاب يف بدنِه‪ ،‬إذا دخله‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وأمرأ»‪ :‬هو ُ‬
‫أفعل من َمرئ الطعا ُم‬ ‫ِ‬
‫العطش‪ .‬وقو ُله‪« :‬‬
‫هولة ولذة ونفعٍ‪.‬‬ ‫وخالطه بس ٍ‬
‫ُ‬

‫فصل‬

‫جابر بن عبد اهلل ‪ ‬قال‪:‬‬ ‫مسلم يف «صحيحه»‪ :‬من حديث ِ‬ ‫ٌ‬ ‫وقد روى‬
‫ِ‬
‫السنة ليل ًة‬ ‫قاء‪ ،‬فإن يف‬ ‫رسول اهلل ﷺ يقول‪« :‬غ ُّطوا‬‫َ‬
‫اإلناء‪ ،‬وأوكوا الس َ‬
‫َ‬ ‫سمعت‬
‫وكاء إال وقع فيه‬
‫ٌ‬ ‫غطاء‪ ،‬أو سقاء ليس عليه‬
‫ٌ‬ ‫يمر بإناء ليس عليه‬
‫وباء ال ُّ‬‫ينزل فيها ٌ‬
‫ِ‬
‫الداء»)‪.(3‬‬ ‫من ذلك‬

‫عرض عليه عو ًدا)‪.(4‬‬ ‫ِ‬


‫بتخمري اإلناء ولو أن َي َ‬ ‫وصح عنه ﷺ‪ :‬أنه أمر‬
‫ِ‬
‫إيكاء اإلناء بذكر اس ِم اهلل‪.‬‬ ‫وصح عنه‪ :‬أنه أمر عند‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪ )153‬بلفظ ‪« :‬اإلناء»‪.‬‬


‫)‪ (2‬أخرج الرتمذي (‪ ،)1887‬عن أيب سعيد اخلدري‪ ،‬أن النبي ﷺ هنى عن النفخ يف الرشب‪ ،‬فقال رجل‪:‬‬
‫القذاة أراها يف اإلناء؟ قال‪« :‬أهرقها»‪ ،‬قال‪ :‬فإين ال أروى من نفس واحد؟ قال‪« :‬فأبن القدح إذن عن‬
‫فيك»‪.‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه البخاري (‪ ،)3280‬ومسلم (‪.)2014‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه البخاري (‪ ،)5623‬ومسلم (‪.)2011‬‬
‫‪ | 412‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫َ‬
‫رسول‬ ‫البخاري يف «صحيحه» من حديث ِ‬
‫ابن عباس ‪ ‬أن‬ ‫ُّ‬ ‫وروى‬
‫الرش ِ ِ‬
‫ب من ِيف ِّ‬
‫السقاء)‪.(1‬‬ ‫اهلل ﷺ هنى عن ُّ‬

‫فصل‬

‫اخلدري ‪ ،‬قال‪ :‬هنى‬ ‫ِ‬


‫حديث أيب سعيد‬ ‫ويف «سنن أيب داود» من‬
‫ِّ‬
‫نفخ يف الرشاب)‪ ،(2‬وهذا من‬ ‫القدح‪ ،‬وأن ُي َ‬
‫ِ‬ ‫ب من ُثلمة‬ ‫الرش ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ عن ُّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫ثلمة القدح فيه عدَّ ُة‬ ‫الرشب من‬ ‫تتم هبا مصلح ُة الشارب‪ ،‬فإن‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫اآلداب التي ُّ‬
‫ِ‬
‫الثلمة‪،‬‬ ‫جيتمع إىل‬ ‫قذى أو ِ‬
‫غريه‬ ‫يكون عىل وجه ِ‬
‫املاء من ً‬ ‫ُ‬ ‫مفاسدَ ‪ :‬أحدها‪ :‬أن ما‬
‫ُ‬
‫جيرح فم‬ ‫شق أو حتديدٌ‬ ‫ِ‬
‫الثلمة ٌّ‬ ‫ِ‬
‫اجلانب الصحيح‪ .‬الثاين‪ :‬أنه ربام كان يف‬ ‫بخالف‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الشارب‪.‬‬

‫النافخ رائح ًة كرهية ُيعاف‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرشاب‪ ،‬فإنه يكس ُبه من ف ِم‬ ‫ُ‬
‫النفخ يف‬ ‫وأما‬
‫متغري الفم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ألجلها‪ ،‬وال سيام إن كان ِّ َ‬
‫خالصا تارةً‪ ،‬ومشو ًبا باملاء أخرى‪.‬‬
‫ً‬ ‫اللبن‬
‫َ‬ ‫وكان ﷺ يرشب‬
‫الله َّم ِ‬
‫بار ْك‬ ‫ويف «جامع الرتمذي» عنه ﷺ‪« :‬إذا َأك ََل أحدُ كم طعا ًما فليقل‪ُ :‬‬
‫بار ْك لنا فيه ِ‬
‫وز ْدنا منه‪،‬‬ ‫الله َّم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خريا منه‪ ،‬وإذا ُسق َي لبنًا فليقل‪ُ :‬‬
‫لنا فيه‪ ،‬وأطع ْمنا ً‬
‫ٌ‬
‫حديث‬ ‫اللبن» قال الرتمذي هذا‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫والرشاب إال‬ ‫فإنه ليس يش ٌء ُجي ِزئ من الطعا ِم‬
‫حسن)‪.(3‬‬
‫ٌ‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪.)5629‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه أبو داود (‪.)3722‬‬
‫)‪(3‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)3455‬وأبو داود (‪ ،)3730‬وابن ماجه (‪.)3322‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪413‬‬

‫فصل‬

‫أول الليل‪ ،‬ويرش ُبه إذا أصبح‬ ‫نبذ له َ‬


‫وثبت يف «صحيح مسلم» أنه ﷺ كان ُي ُ‬
‫العرص‪ ،‬فإن َب ِق َي‬
‫ِ‬ ‫يو َمه ذلك والليل َة التي ِتيء وال َغد والليل َة األخرى‪ ،‬وال َغد إىل‬
‫ب)‪.(1‬‬ ‫فص َّ‬
‫منه يش ٌء سقاه اخلاد َم‪ ،‬أو أمر به ُ‬
‫ِ‬
‫الغذاء والرشاب‪،‬‬ ‫متر ُحي ِّليه‪ ،‬وهو يدخل يف‬
‫وهذا النبيذ‪ :‬هو ماء ُيطرح فيه ٌ‬
‫ٍ‬
‫ثالث خو ًفا من‬ ‫الصح ِة‪ ،‬ومل يكن يرش ُبه بعد‬ ‫القو ِة‪ ،‬وحفظ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫نفع عظيم يف زيادة َّ‬
‫وله ٌ‬
‫ِ‬
‫اإلسكار‪.‬‬ ‫ُّ ِ‬
‫تغريه إىل‬

‫‪ -43‬فصل يف تدنبريِه ألمر امللبسِ‬

‫لبسا وخل ًعا‪،‬‬ ‫ِ‬


‫وأيرسه ً‬ ‫اهلدي‪ ،‬وأن َف ِعه للبدن‪ ،‬وأخ ِّفه عليه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫أتم‬
‫وكان من ِّ‬
‫ِ‬
‫أخف عىل البدن من غريها‪ ،‬وكان يلبس‬ ‫ُّ‬ ‫زر‪ ،‬وهي‬ ‫وكان أكثر ُلبسه األردي َة واألُ َ‬
‫ويوسعها‪ ،‬بل كانت ك ُُّم‬
‫ِّ‬ ‫أحب الثياب إليه‪ ،‬مل يكن ُيطيل أكام َمه‬
‫َّ‬ ‫القميص‪ ،‬بل كان‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫وإزاره إىل أنصاف الساقني مل‬ ‫ذيل قميصه‬‫الرس ِغ ال جياوز اليدَ ‪ ،‬وكان ُ‬
‫قميصه إىل ُّ‬
‫ِ‬
‫بالصغرية‪ ،‬بل وس ًطا وكان يدخلها‬ ‫ِ‬
‫بالكبرية وال‬ ‫ِ‬
‫يتجاوز الكعبني‪ ،‬ومل تكن عاممتُه‬
‫حتت حنكِه‪.‬‬
‫ِ‬
‫حلاجة الرجلني إىل ما‬ ‫أغلب أحوالِه‬ ‫دائام‪ ،‬أو‬ ‫وكان يلبس ِ‬
‫َ‬ ‫فاف يف السفر ً‬‫اخل َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫احلْض أحيانًا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والربد‪ ،‬ويف‬ ‫احلر‬
‫يقيهام من ِّ‬
‫البياض ِ‬
‫واحل َربةَ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الثياب إليه‬ ‫ِ‬
‫ألوان‬ ‫أحب‬
‫َ‬ ‫وكان ُّ‬

‫)‪ (1‬أخرجه مسلم (‪.)2004‬‬


‫‪ | 414‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -44‬فصل يف تدنبريِه ألمر املَسرنِ‬

‫مسافر ينزل فيها ُمدَّ َة ِ‬


‫عمره‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ملا علِم ﷺ أنه عىل ِ‬
‫ظهر سري‪ ،‬وأن الدنيا َم ْر َحل ُة‬
‫هديه االعتنا ُء باملساكن وتشييدُ ها وتعليتُها‬ ‫ِ‬
‫اآلخرة‪ ،‬مل يكن من ِ‬ ‫ثم ينتقل عنها إىل‬
‫رت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلر والرب َد‪ ،‬وتس ُ‬
‫املسافر تقي َّ‬ ‫منازل‬ ‫أحسن‬ ‫وزخرفتُها وتوسي ُعها‪ ،‬بل كانت من‬
‫تعتور‬
‫ُ‬ ‫ُعشش فيها اهلوا ُّم لسعتِها‪ ،‬وال‬
‫الدواب‪ ،‬وال ت ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫ولوج‬ ‫ومتنع من‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫العيون‪،‬‬ ‫عن‬
‫حتت األرض فت ِ‬
‫ُؤذي ساكنَها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الرتفاعها‪ ،‬وليست َ‬ ‫والرياح املؤذي ُة‬ ‫عليها األهوي ُة‬
‫ُ‬
‫ٌ‬
‫وسط‪.‬‬ ‫وال يف ِ‬
‫غاية االرتفا ِع عليها‪ ،‬بل‬

‫تضيق عن ساكنِها‬
‫ُ‬ ‫حرا وبر ًدا‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬
‫املساكن وأنف ُعها‪ ،‬وأق ُّلها ًّ‬ ‫ُ‬
‫أعدل‬ ‫وتلك‬
‫فتأوي اهلوا َّم يف ِ‬
‫خلوها‪ ،‬ومل يكن‬ ‫ٍ‬
‫فائدة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫منفعة وال‬ ‫ُ‬
‫تفضل عنه بغري‬ ‫ينحرص‪ ،‬وال‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ُؤذي ساكنَها برائحتِها‪ ،‬بل رائحتها من أطيب الروائح؛‬ ‫كنف ت ِ‬
‫فيها مراحيض وال ٌ‬
‫وحفظ صحتِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للبدن‬ ‫ِ‬
‫وأوفقها‬ ‫ِ‬
‫وأنفعها‬ ‫ِ‬
‫املساكن‬ ‫ِ‬
‫أعدل‬ ‫ريب أن هذه ِمن‬
‫وال َ‬

‫‪ -45‬فصل يف تدنبريِه ﷺ ألمر النومِ والمقظ ِ‬

‫من تد َّبر نو َمه ويقظتَه ﷺ وجدَ ه َ‬


‫أعدل نو ٍم‪ ،‬وأنف َعه للبدن واألعضاء والقوى‪،‬‬
‫ويتوض ُأ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫النصف الثاين‪ ،‬فيقوم ويستاك‪،‬‬ ‫فإنه كان ينام َّأو َل الليل‪ ،‬ويستيقظ يف ِ‬
‫أول‬ ‫ُ‬
‫البدن واألعضا ُء والقوى ح َّظها من النوم والراحة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فيأخذ‬ ‫ويصيل ما كتب اهلل له‪،‬‬
‫ِ‬
‫والبدن والدنيا‬ ‫ِ‬
‫القلب‬ ‫ِ‬
‫صالح‬ ‫ِ‬
‫األجر‪ ،‬وهذا غاي ُة‬ ‫ِ‬
‫وفور‬ ‫ِ‬
‫الرياضة مع‬ ‫وح َّظها من‬
‫ِ‬
‫واآلخرة‪.‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪415‬‬

‫نفسه من القدر‬ ‫ِ‬


‫املحتاج إليه‪ ،‬وال يمنع َ‬ ‫يأخذ من النو ِم َ‬
‫فوق القدر‬ ‫ُ‬ ‫ومل يكن‬
‫ِ‬
‫أكمل الوجوه‪ ،‬فينا ُم إذا دعته احلاج ُة إىل النوم‬ ‫املحتاج إليه منه‪ ،‬وكان يفع ُله عىل‬
‫ِ‬
‫البدن من الطعا ِم‬ ‫ِ‬ ‫غري ممتلئ‬
‫ذاكرا اهلل حتى تغل َبه عيناه‪َ ،‬‬‫ً‬ ‫عىل ِش ِّقه األيمن‪،‬‬
‫ِ‬
‫املرتفعة‪ ،‬بل له ِضجاع‬ ‫األرض‪ ،‬وال م ٍ‬
‫تخذ للفرش‬ ‫َ‬ ‫بارش بجنبِه‬
‫والرشاب‪ ،‬وال ُم ٍ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫يضطجع عىل الوسادة‪ ،‬ويضع يدَ ه حتت خدِّ ه أحيانًا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫من َأ َدم حشوه ٌ‬
‫ليف‪ ،‬وكان‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ قال‪:‬‬ ‫الرباء بن عازب ‪ ،‬أن‬ ‫ِ‬ ‫ويف «الصحيحني» عن‬
‫اضطج ْع عىل ِشق َ‬
‫ك األيمن‪ ،‬ثم‬ ‫ِ‬ ‫وضوءك للصالة‪ ،‬ثم‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫فتوضأ‬ ‫أتيت مضج َعك‬
‫«إذا َ‬
‫وفوضت أمري إليك‪،‬‬‫ووجهت وجهي إليك‪َّ ،‬‬ ‫اللهم إين أسلمت نفيس إليك‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫قل‪:‬‬
‫منجا منك إال إليك‪ ،‬آمنت‬ ‫َ‬
‫ملجأ وال َ‬ ‫وأجلأت ظهري إليك‪ ،‬رغب ًة ورهبة إليك‪ ،‬ال‬
‫ُ‬
‫بكتابِك الذي أنزلت‪ ،‬ونبيك الذي أرسلت‪ ،‬واجعلهن آخر ِ‬
‫كالمك‪ ،‬فإن مت من‬ ‫َ‬
‫ت عىل الفطرة»)‪.(1‬‬‫ليلتك‪ِ ،‬م َّ‬

‫فصل‬

‫ُ‬
‫الديك‪ ،‬فيحمدُ‬ ‫ُ‬
‫الصارخ وهو‬ ‫ُ‬
‫يستيقظ إذا صاح‬ ‫وأما هد ُيه يف يقظتِه‪ ،‬فكان‬
‫ِ‬
‫للصالة‬ ‫يقف‬
‫وضوئه‪ ،‬ثم ُ‬‫ِ‬ ‫ُ‬
‫يستاك‪ ،‬ثم يقو ُم إىل‬ ‫ويكربه وهي ِّلله ويدعوه‪ ،‬ثم‬ ‫اهلل تعاىل‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫بكالمه‪ ،‬مثن ًيا عليه راج ًيا له راغ ًبا راه ًبا‪.‬‬ ‫بني يدي ر ِّبه‪ ،‬مناج ًيا له تعاىل‬

‫والروح والقوى ولنعي ِم الدنيا واآلخرة‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والبدن‬ ‫ِ‬
‫القلب‬ ‫ٍ‬
‫حفظ لصحة‬ ‫فأي‬
‫ُّ‬
‫َ‬
‫فوق هذا‪.‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪ ،)6311‬ومسلم (‪.)2710‬‬


‫‪ | 416‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫فصل‬

‫حيفظ به الصح َة‪ُّ ،‬‬


‫وتتم‬ ‫ُ‬ ‫اجلامع والبا ُه‪ ،‬فكان هد ُيه ﷺ فيه َ‬
‫أكمل هدي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وأما‬
‫اجلامع يف‬ ‫وضع ألجلها‪ ،‬فإن‬‫به اللذة ورسور النفس‪ ،‬وحيصل به مقاصدُ ه التي ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وإخراج املاء الذي‬ ‫ُ‬
‫حفظ النسل‪،‬‬ ‫أمور هي مقاصدُ ه األصلية‪:‬‬ ‫ِ‬
‫لثالثة ٍ‬ ‫األصل ِ‬
‫وض َع‬
‫ُ‬
‫احتباسه‪ ،‬وقضا ُء الوطر ُ‬
‫ونيل اللذة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ْض‬
‫َي ُ ُّ‬
‫وقال‪« :‬إين أتزوج النساء‪ ،‬وأنام وأقوم‪ ،‬وأصوم وأفطر‪ ،‬فمن ِ‬
‫رغب عن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ‬
‫سنتي فليس مني»)‪.(1‬‬
‫فليتزوج؛ فإنه ُّ‬
‫أغض‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫الشباب من استطاع منكم الباء َة‬ ‫معَش‬
‫َ‬ ‫وقال‪« :‬يا‬
‫وجاء»)‪.(2‬‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫وأحفظ للفرجِ ‪ ،‬ومن مل يستطع فعليه بالصومِ؛ فإنه له‬ ‫للبِص‪،‬‬

‫بكرا تالع ُبها وتالع ُبك»)‪.(3‬‬ ‫جابر ثي ًبا قال له‪َّ « :‬‬
‫هال ً‬ ‫تزو َج ٌ‬
‫وملا َّ‬
‫ُنكح املرأ ُة ملاهلا‪ ،‬وحلسبِها‪ ،‬وجلامهلا‪،‬‬
‫النبي ﷺ قال‪« :‬ت ُ‬
‫ويف «الصحيحني» عن ِّ‬
‫ولدينِها‪ ،‬فاظفر بذات الدين ت َِربت يداك»)‪.(4‬‬

‫وقال ﷺ‪« :‬تزوجوا الودو َد الولو َد؛ فإين مكاثِ ٌر بكم»)‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5063‬ومسلم (‪.)1401‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه البخاري (‪ ،)5065‬ومسلم (‪.)1400‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه البخاري (‪ ،)5247‬ومسلم (‪.)518‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه البخاري (‪ ،)5090‬ومسلم (‪.)1466‬‬
‫)‪ (5‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2050‬والنسائي (‪.)3227‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪417‬‬

‫الغسل‪ -‬الوضوء بني ِ‬


‫اجلامعني‪ ،‬كام‬ ‫ِ‬ ‫جامع ‪-‬إذا أراد العو َد قبل‬‫ورشع للم ِ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫رسول‬ ‫سعيد اخلدري ‪ ‬قال‪ :‬قال‬ ‫ٍ‬ ‫مسلم يف «صحيحه» من حديث أيب‬ ‫روى‬
‫ٌ‬
‫فليتوض ْأ»)‪.(1‬‬
‫َّ‬ ‫اهلل ﷺ‪« :‬إذا أتى أحدُ كم أه َله‪ ،‬ثم أراد أن يعود‬

‫فصل‬

‫ُ‬
‫الرجل‬ ‫ويف «الصحيحني» عن جابر‪ ،‬قال‪ :‬كانت اليهو ُد تقول‪ :‬إذا أتى‬
‫أحول‪ ،‬فأنزل اهلل ‪( :‬ﯡ ﯢ ﯣ‬ ‫َ‬ ‫امرأتَه من د ُبرها يف ُق ُبلِها‪ ،‬كان الولدُ‬
‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [البقرة‪ ،]223 :‬ويف لفظ ملسل ٍم‪« :‬إن شاء ُجمبي ًة‪ ،‬وإن شاء غري‬
‫ٍ‬
‫واحد»)‪.(2‬‬ ‫جمب َي ًة‪ ،‬غري أن ذلك يف ِصامم‬
‫َُ‬
‫احلرث‬
‫موضع ْ‬
‫ُ‬ ‫واملُجبي ُة‪ :‬املُن َك َّب ُة عىل وجهها‪ ،‬والصام ُم الواحد‪ْ :‬‬
‫الفر ُج‪ ،‬وهو‬
‫ِ‬
‫والولد‪.‬‬
‫ِ‬
‫بعض‬ ‫ب إىل‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الدبر‪ ،‬فلم ُيبح ُّ‬
‫نس َ‬
‫قط عىل لسان نبي من األنبياء‪ ،‬و َمن َ‬ ‫ُ‬ ‫وأ َّما‬
‫عيل بن‬ ‫دبرها‪ ،‬فقد َ‬ ‫ِ‬
‫الزوجة يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السلف إباح َة‬
‫غلط عليه‪ ،‬ويف الرتمذي‪ :‬عن ِّ‬ ‫وطء‬
‫ِ‬
‫أعجازهن؛ فإن اهلل ال يستحيي‬ ‫النساء يف‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬ال تأتوا‬ ‫طلق‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫من احلق»)‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه مسلم (‪.)308‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه البخاري (‪ ،)4528‬ومسلم (‪.)1435‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه الرتمذي (‪.)1164‬‬
‫‪ | 418‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -46‬فصل يف هديِه ﷺ يف حِفظ الصحَّ ِ نبالطِّمب‬

‫يف «صحيح البخاري» أنه ﷺ كان ال َير ُّد ال ِّط َ‬


‫يب)‪.(1‬‬

‫ب‬
‫ُيان‪ ،‬فال ير ُّده؛ فإنه طي ُ‬
‫ويف «صحيح مسلم» عنه ﷺ‪« :‬من ُعرض عليه َر ٌ‬
‫ُ‬
‫خفيف املحمل»)‪.(2‬‬ ‫الريحِ ‪،‬‬
‫ِ‬
‫سبعة أيامٍ‪،‬‬ ‫َ‬
‫يغتسل يف كل‬ ‫وصح عنه أنه قال‪« :‬إن هلل ح ًقا عىل كُل مسل ٍم أن‬
‫َّ‬
‫يمس منه»)‪.(3‬‬
‫طيب أن َّ‬
‫وإن كان له ٌ‬

‫‪ -47‬فصل يف هديه ﷺ يف حفظ صح العني‬

‫خري أكحالِكم‬ ‫ٍ‬


‫عباس ‪ ‬يرف ُعه‪ُ « :‬‬ ‫يف «سنن ابن ماجه»‪ :‬عن ِ‬
‫ابن‬
‫الشعر»)‪.(4‬‬
‫َ‬ ‫البِص‪ ،‬و ُينبت‬
‫َ‬ ‫اإلثمدُ ‪ََ ،‬يلو‬

‫[ثالثًَا‪ ]:‬فصل يف ذِ ْكر ش ء منَ األَدوِي واألَغذِي املُفرَدة الَّيت جاءَت على لِسانِه ﷺ‬
‫ِ‬
‫صفهان‪ ،‬وهو َأ َ‬
‫فض ُله‪ ،‬و ُيؤتَى‬ ‫َ‬ ‫األسود ُيؤتَى به من َأ‬
‫َ‬ ‫ُحل‬ ‫إِثمد‪ :‬هو َ‬
‫حجر الك ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫به من ِج ِ‬
‫هة املَ ِ‬
‫وداخ ُله‬ ‫صيص‪،‬‬‫الرسيع التَّفتت ا َّلذي ل ُفتاته َب ٌ‬
‫ُ‬ ‫أيضا‪ ،‬و َأ َ‬
‫جو ُده‬ ‫غرب ً‬
‫َأم َلس ليس فيه يشء من األَ ْوساخِ ‪.‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪.)5929‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه مسلم (‪.)2253‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه البخاري (‪ ،)898‬ومسلم (‪.)849‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه ابن ماجه (‪.)3497‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪419‬‬

‫النبي ﷺ أنه قال‪َ « :‬م َث ُل املُ ْؤ ِم ِن ا َّل ِذي َي ْق َر ُأ‬ ‫ِّ‬ ‫ُأت ُْرج‪ :‬ث َب َت يف الصحيح‪ :‬عن‬
‫ب»(‪ .)1‬يف األُ ُتر ِّج َمنافِ ُع كثريةٌ‪.‬‬ ‫ب‪َ ،‬و ِر ُ‬
‫ُي َها َطي ٌ‬
‫ِ‬
‫آن ك ََم َث ِل ْاألُت ُْر َّجة‪َ ،‬ط ْع ُم َها َطي ٌ‬
‫ا ْل ُق ْر َ‬
‫الصحيح عنه ﷺ أنه ملا قال يف م َّك َة‪َ « :‬ال ُ ْ‬
‫َيت ََىل َخ َال َها»‪ ،‬فقال‬ ‫ِ‬ ‫إِ ِ‬
‫ذخر‪ :‬ث َبت يف‬
‫سول اهلل‪ ،‬فإنه ل َق ْينهم(‪ )2‬ول ُب ِ‬
‫يوهتم‪ .‬فقال‪« :‬إِ َّال‬ ‫ذخر يا َر َ‬ ‫اإل ِ‬
‫له ال َع َّباس ‪َّ :‬إال ِ‬
‫اإل ْذ ِخ َر»(‪.)3‬‬
‫ِْ‬

‫النبي ﷺ‪« ،‬أنه كان َيأكُل البِ ِّط َ‬


‫يخ‬ ‫ذي‪ ،‬عن‬ ‫بِطيخ‪ :‬روى أبو داود ِّ ِ‬
‫ِّ‬ ‫والرتم ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َب ِد َه َذا‪َ ،‬و َب ْر َد َه َذا بِ َحر َه َذا»(‪.)4‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِْس َح َّر َه َذا ب َ ْ‬
‫بالر َطب‪َ ،‬يقول‪َ « :‬نك ُ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫الواحد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫احلديث‬ ‫أحاديث ال َي ِص ُّح ِمنها يش ٌء غري هذا‬ ‫َ‬ ‫ويف البِ ِّطيخ ِعدَّ ة‬
‫واملُرا ُد به األَ َ‬
‫خْض‪.‬‬
‫ِ‬
‫َّبي ﷺ وأبو‬ ‫الصحيح‪« :‬أن أبا اهل َ ْي َثم ب َن ال َّت ِّيهان‪ ،‬ملََّا ضا َفه الن ُّ‬
‫ُب ِْس‪ :‬ث َبت يف َّ‬
‫العنَب‪ -‬فقال‬ ‫بكْر و ُعمر ‪ ،‬جاءهم بع ْذق ‪-‬وهو من الن َّْخلة كالعنْقود من ِ‬
‫ُ‬ ‫َْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ور َطبه(‪.)5‬‬‫ت َلنَا م ْن ُر َطبِه؟!» فقال‪َ :‬أح َب ْبت أن تَنتَقوا من ُب ْرسه ُ‬ ‫له‪َ « :‬ه َّال ا ْن َت َق ْي َ‬
‫الصحيحني أنه «منَع آكِ َله ِمن ُدخول املَ ِ‬
‫سجد»(‪.)6‬‬ ‫بصل‪ :‬ث َب َت عنه يف َّ‬
‫َ‬
‫السنَن‪ :‬أنه ﷺ َأ َمر آكِ َله وآكِ َل ال ُّثوم أن ُيميت َُهام َط ْب ًخا(‪.)7‬‬
‫ويف ُّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5020‬ومسلم (‪.)797‬‬


‫(‪( )2‬ال َق ْني)‪ :‬احلدَّ اد‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)1833‬ومسلم (‪.)1353‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)3836‬والرتمذي (‪.)1843‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم (‪ ،)2038‬والرتمذي (‪ )2369‬واللفظ له‪.‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه البخاري (‪ ،)855‬ومسلم (‪.)563‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه مسلم (‪.)567‬‬
‫‪ | 401‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ات ‪-‬ويف لفظ‪:‬‬ ‫ُتَ ر‪ :‬ثب َت يف الصحيح عنه ﷺ أنه قال‪« :‬من تَصبح بِسب ِع ُتَ ر ٍ‬
‫َ ْ َ َّ َ َ ْ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ َ‬
‫ت َال‬‫ك ا ْل َي ْو َم ُسم َو َال ِس ْح ٌر» ‪ ،‬وث َب َت عنه أنه قال‪َ « :‬ب ْي ٌ‬
‫رض ُه َذلِ َ‬ ‫ِ‬
‫من َمتْر العالية‪َ -‬مل ْ َي ُ َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫ِ ِ‬
‫خل ْبز‪ ،‬و َأك ُله‬ ‫اع َأ ْه ُل ُه» ‪ ،‬وث َب َت عنه َأكْل الت َّْمر ُّ‬
‫بالز ْبد ‪ ،‬و َأكْل الت َّْمر با ُ‬ ‫ُتَ ْ َر فيه ِج َي ٌ‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫ُمفر ًدا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تني‪ :‬ملَّا مل َيكُن التِّني بأرض احلجاز واملَدينة‪ ،‬مل َيأت له ذكْر يف ُّ‬
‫السنَّة‪ ،‬فإن‬
‫ُنايف أرض الن َّْخل‪ ،‬ولكِن قد َأقسم اهلل به يف ِكتابِه ل َك ْثرة منافِعه و َف ِ‬
‫وائده‪.‬‬ ‫أرضه ت ِ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫املطحون‪ ،‬وذكرنا مناف َعها)‪.(4‬‬ ‫ِ‬
‫الشعري‬ ‫تلبينة‪ :‬قد تقدَّ م أهنا ما ُء‬

‫َّبي ﷺ أنه قال‪« :‬ال َّل ُه َّم اغ ِْس ْلنِي ِم ْن‬


‫الصحيحني‪ :‬عن الن ِّ‬ ‫ثلج‪ :‬ث َب َت يف َّ‬
‫َب ِد»(‪.)5‬‬ ‫َخ َطاي ِ ِ‬
‫اي باملَْاء َوال َّث ْلجِ َوا ْل َ َ‬
‫َ َ‬
‫قه‪ :‬أن الداء يداوى ِ‬
‫بضدِّ ه‪ ،‬فإن يف اخلَطايا من‬ ‫الف ِ‬
‫ديث من ِ‬ ‫ويف هذا احل ِ‬
‫َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ربد‪ ،‬واملاء ِ‬
‫البارد‪.‬‬ ‫حلريق ما ُيضا ُّده ال َّث ْلج وال َ‬
‫حلرارة وا َ‬
‫ا َ‬
‫حلديث‪َ « :‬م ْن َأ َك َل ُه َام َف ْل ُي ِمت ُْه َام َط ْبخً ا»‪،‬‬ ‫البصل‪ ،‬ويف ا َ‬ ‫ُثوم‪ :‬هو َقريب من َ‬
‫وب األَ‬ ‫ِ‬
‫نصاري‪ ،‬فقال‪ :‬يا َر َ‬
‫سول‬ ‫ِّ‬ ‫رسل به إىل أيب أ ُّي َ‬ ‫و ُأهد َي إليه َطعا ٌم فيه ُثوم‪ ،‬ف َأ َ‬
‫َاجي»(‪.)6‬‬ ‫َاجي َم ْن َال ُتن ِ‬
‫إيل؟ فقال‪« :‬إِين ُأن ِ‬ ‫ِ‬
‫َكرهه وتُرسل به َّ‬ ‫اهلل‪ ،‬ت َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5769‬ومسلم (‪.)2047‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)2046‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)3837‬وابن ماجه (‪.)3334‬‬
‫)‪ (4‬تقدم (ص‪.)382‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪ ،)744‬ومسلم (‪.)598‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه البخاري (‪ ،)855‬ومسلم (‪.)564‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪400‬‬

‫َثريد‪ :‬ثبت يف الصحيحني عنه ﷺ أنه قال‪َ « :‬ف ْض ُل عائِ َش َة ع َىل النس ِ‬
‫اء‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يد َع َىل َسائِ ِر ال َّط َعا ِم»(‪.)1‬‬‫َك َف ْض ِل ال َّث ِر ِ‬

‫نحن‬ ‫مجار‪َ :‬ق ْلب الن َّْخل‪ ،‬ثبت يف الصحيحني‪ :‬عن ِ‬


‫عبد اهلل ِ‬
‫مر قال‪َ :‬ب ْينا ُ‬ ‫بن ُع َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ‬
‫النبي ﷺ‪« :‬إِ َّن ِم َن َّ‬
‫الش َج ِر‬ ‫َخلة‪ ،‬فقال ُّ‬ ‫بج َّامر ن ْ‬
‫يت ُ‬ ‫سول اهلل ﷺ ُجلوس‪ ،‬إذ ُأ ِ َ‬ ‫ِعند ر ِ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫احلديث‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الر ُج ِل املُ ْسلِ ِم َال َي ْس ُق ُط َو َر ُق َها‪»...‬‬ ‫ِ‬
‫َش َج َر ًة م ْث ُل َّ‬
‫بنة يف تبوك‪،‬‬ ‫جبن‪ :‬يف «السنن» عن عبد اهلل بن عمر‪ ،‬قال‪ُ « :‬أ ِيت النبي بج ٍ‬
‫ُّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬
‫وسمى وق َط َع» رواه أبو داود)‪.(3‬‬ ‫بسكني‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫فدعا‬

‫األحاديث يف فضلِه‪ ،‬فأغنى عن إعادتِه)‪.(4‬‬


‫ُ‬ ‫حناء‪ :‬قد تقدَّ مت‬

‫الصحيح ْني من َحديث أيب س َلم َة‪ ،‬عن أيب ُهرير َة‬ ‫َ‬ ‫الس ْوداء‪ :‬ث َبت يف‬
‫حبة َّ‬
‫اء ِم ْن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الس ْو َداء‪َ ،‬فإِ َّن ف َيها ش َف ً‬
‫سول اهلل ﷺ قال‪« :‬ع َليكُم ِهب ِذ ِه َْ ِ‬
‫احل َّبة َّ‬ ‫َ ْ ْ َ‬ ‫‪ ،‬أن َر َ‬
‫ٍ‬
‫املوت‪ .‬احلب ُة السوداء‪ :‬هي الشونيز‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ام»(‪ ،)5‬والسا ُم‪:‬‬
‫الس َ‬‫كُل َداء إِ َّال َّ‬
‫عوف من ِح ٍ‬
‫كة‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ولعبد الرمحن ِ‬
‫بن‬ ‫ِ‬
‫للزبري‪،‬‬ ‫أباحه‬
‫حرير‪ :‬قد تقدَّ م أن النبي ﷺ َ‬
‫كانت هبام‪ ،‬وتقدَّ م منافعه)‪.(6‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3770‬ومسلم (‪.)2446‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)5444‬ومسلم (‪.)2811‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه أبو داود (‪.)3819‬‬
‫)‪ (4‬تقدم (ص‪.)380‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪ ،)5688‬ومسلم (‪.)2215‬‬
‫)‪ (6‬تقدم (ص‪.)379‬‬
‫‪ | 402‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ُون األَ ْر ُض َي ْو َم‬


‫َّبي ﷺ أنه قال‪َ « :‬تك ُ‬ ‫عن الن ِّ‬ ‫الصحيح ْني‪ِ ،‬‬ ‫َ‬ ‫خبز‪ :‬ث َبت يف‬
‫ِِ‬ ‫القيام ِة ُخب َز ًة و ِ‬ ‫ِ‬
‫اجل َّب ُار بِ َيده ك ََام َي ْك َف ُؤ َأ َحدُ ك ُْم ُخ ْب َز َت ُه ِيف َّ‬
‫الس َف ِر ُنزُ ًال‬ ‫احدَ ًة َي َت َك َّف ُؤ َها َْ‬ ‫َ َ ْ َ‬
‫اجلن َِّة»(‪.)1‬‬
‫ِألَ ْه ِل َْ‬

‫سول اهلل‬ ‫حيحه‪ :‬عن جابِ ِر بن عبد اهلل ‪ ،‬أن َر َ‬ ‫َخل‪ :‬روى مسلِم يف ص ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫اإلدا َم‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما ِعندَ نا َّإال اخلَ ُّل‪ ،‬فدَ عا به‪ ،‬وج َع َل َيأكُل و َيقول‪:‬‬ ‫ﷺ س َأ َل أه َله ِ‬
‫اخل ُّل»(‪.)2‬‬ ‫اخل ُّل‪ ،‬نِ ْع َم ْ ِ‬
‫اإل َدا ُم َْ‬ ‫اإل َدا ُم َ‬‫«نِ ْع َم ْ ِ‬

‫الزيت‬
‫َ‬ ‫دهن‪ :‬يف الرتمذي من حديث أيب هريرة ‪ ‬مرفو ًعا‪« :‬ك ُلوا‬
‫وا َّدهنوا به»)‪.(3‬‬
‫ِ‬
‫ومنافعها وماهيتها‪ ،‬فال حاج َة إلعادته)‪.(4‬‬ ‫ِ‬
‫الذريرة‬ ‫ذريرة‪ :‬تقدَّ م الكال ُم يف‬

‫ذباب‪ :‬تقدَّ م)‪.(5‬‬

‫رخص ل َعرفج َة بن َأسعدَ ملََّا‬‫النبي ﷺ َّ‬ ‫ذهب‪ :‬روى أبو داود‪ِ ِّ ،‬‬
‫ذي‪ :‬أن َّ‬ ‫والرتم ُّ‬ ‫َ‬
‫َّخذ‬ ‫ور ٍق‪ ،‬ف َأنتَن عليه‪ ،‬ف َأمره النبي ﷺ أن يت ِ‬ ‫ُقطِع َأن ُفه يو َم الكالب‪َّ ،‬‬
‫واختَذ أن ًفا من ِ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫ذهب(‪.)6‬‬ ‫أن ًفا من َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)6520‬ومسلم (‪.)2792‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)2052‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه ابن ماجه (‪ )3320‬عن أيب هريرة‪ ،‬والرتمذي (‪ )1851‬عن عمر بن اخلطاب‪.‬‬
‫)‪ (4‬تقدم (ص‪.)382‬‬
‫)‪ (5‬تقدم (ص‪.)382‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه أبو داود (‪ ،)4232‬والرتمذي (‪.)1770‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪403‬‬

‫رطب‪ :‬قال سبحانه تعاىل ملَ َ‬


‫ريم‪﴿ :‬ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬
‫ﰃ ﰄ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ﴾ [مريم‪.]25 :‬‬
‫عفر ‪ ،‬قال‪ :‬ر َأ ْي ُت َر َ‬
‫سول اهلل ﷺ‬ ‫ويف الصحيحني عن َع ِ‬
‫بد اهلل بن َج ٍ‬ ‫َْ‬
‫بالر َطب(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫َيأكُل الق َّثاء ُّ‬
‫سول اهلل ﷺ ُيفطِر عىل ُر َطبات قبل‬
‫َس قال‪ :‬كان َر ُ‬ ‫ويف ُسنَن أيب داو َد عن أن ٍ‬
‫ٍ‬ ‫صيل‪ ،‬فإن مل َتكُن ُر َطبات فت َْمرات‪ ،‬فإن مل َتكُن َمترات‪َ ،‬ح َسا َح‬
‫سوات من‬ ‫أن ُي ِّ َ‬
‫ٍ‬
‫ماء(‪.)2‬‬

‫رُيان‪ :‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ﴾ [الواقعة‪،]88 :‬‬


‫ٌ‬
‫وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [الرمحن‪.]12 :‬‬

‫ان‪َ ،‬ف َال َي ُر َّد ُه‪َ ،‬فإِ َّن ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّبي ﷺ‪َ « :‬م ْن ُع ِر َض َع َل ْيه َر ْ َ‬
‫ُي ٌ‬ ‫صحيح ُمسلم عن الن ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ويف‬
‫الر ِائ َح ِة»(‪.)3‬‬
‫ب َّ‬ ‫َخ ِف ُ‬
‫يف املَ ْح َم ِل‪َ ،‬طي ُ‬
‫عن ِ‬
‫ابن‬ ‫ُر َّمان‪ :‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ﴾ [الرمحن‪ ،]68 :‬و ُيذكَر ِ‬
‫ان ِم ْن ُر َّمانِك ُْم َه َذا إِ َّال َو ُه َو‬
‫ع َّباس رض اهلل عنهام َموقو ًفا و َمرفو ًعا‪َ « :‬ما ِم ْن ُر َّم ٍ‬
‫عيل أنه قال‪:‬‬ ‫وغريه عن ٍّ‬ ‫ُ‬ ‫وقوف َأش َب ُه‪ .‬وذكَر َح ْر ٌب‬
‫ُ‬ ‫اجلن َِّة» واملَ‬ ‫ُم َل َّق ٌح بِ َح َّب ٍة ِم ْن ُر َّم ِ‬
‫ان َْ‬
‫بش ْح ِم ِه‪ ،‬فإنه ِدبا ُغ املَ ِعدَ ِة‪.‬‬ ‫ان َ‬‫الر َّم َ‬ ‫كُلوا ُّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5440‬ومسلم (‪.)2043‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪.)2356‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)2253‬‬
‫‪ | 404‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫َز ْيت‪ :‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬


‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ﴾ [النور‪.]35 :‬‬

‫ويف الرتمذي وابن ماجه من حديث أيب هرير َة ‪ ،‬عن النبي ﷺ أنه‬
‫ٍ‬
‫مباركة»)‪.(1‬‬ ‫ٍ‬
‫شجرة‬ ‫الزيت وا َّدهنوا به؛ فإنه من‬
‫َ‬ ‫قال‪« :‬ك ُلوا‬
‫ُ‬
‫رسول‬ ‫عمر ريض اهلل عنهام قال‪ :‬قال‬ ‫أيضا‪ :‬عن ِ‬
‫ابن َ‬ ‫وللبيهقي وابن ماجه ً‬
‫ٍ‬
‫مباركة»)‪.(2‬‬ ‫ٍ‬
‫شجرة‬ ‫ِ‬
‫بالزيت وا َّدهنوا به؛ فإنه من‬ ‫اهلل ﷺ‪ِ « :‬‬
‫ائتدموا‬

‫دخ َل علينا‬ ‫زبد‪ :‬روى أبو داو َد يف «سننه» عن ابنَي ُب ْرس السلم َّي ِ‬
‫ني قاال‪َ « :‬‬
‫والتمر»)‪.(3‬‬
‫َ‬ ‫حيب الزبدَ‬
‫ومترا‪ ،‬وكان ُّ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقدَّ ْمنا له زبدً ا ً‬
‫سنا‪ :‬قد تقدَّ م)‪.(4‬‬

‫أيضا)‪.(5‬‬
‫سنُّوت وتقدَّ م ً‬
‫واك‪ :‬يف الصحيحني عنه ﷺ‪َ « :‬لو َال َأ ْن َأ ُش َّق ع َىل ُأمتِي َألَمر ُُتم بِالسو ِ‬
‫اك‬ ‫ِس ٌ‬
‫َ‬ ‫َْ ُْ‬ ‫َ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬
‫ِعنْدَ كُل َص َال ٍة»(‪.)6‬‬
‫وفيهام‪ :‬أنه ﷺ كان إذا قام من ال َّليل يشوص فاه بالس ِ‬
‫واك(‪.)7‬‬ ‫ُ ِّ‬ ‫َ َ ْ َ‬

‫)‪ (1‬تقدم (ص‪.)312‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه ابن ماجه (‪ ،)3319‬والبيهقي يف شعب اإليامن ‪.)5539( 92/8‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه أبو داود (‪.)3837‬‬
‫)‪ (4‬تقدم (ص‪.)379‬‬
‫)‪ (5‬تقدم (ص‪.)379‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه البخاري (‪ ،)887‬ومسلم (‪.)252‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه البخاري (‪ ،)889‬ومسلم (‪.)255‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪405‬‬

‫اك َم ْط َه َر ٌة لِ ْل َف ِم َم ْر َضا ٌة‬


‫خاري تَعلي ًقا عنه ﷺ‪« :‬الس َو ُ‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫صحيح ال ُب‬ ‫ويف‬
‫لِ َّلرب»(‪.)1‬‬
‫دخ َل بيته‪ ،‬بدَ َأ بالس ِ‬ ‫ِ‬
‫واك(‪.)2‬‬ ‫ِّ‬ ‫حيح ُمسل ٍم‪ :‬أنه ﷺ إذا َ َ ْ‬
‫ويف َص ِ‬
‫بس ِ‬
‫واك‬ ‫تاك ِعندَ موتِه ِ‬ ‫اس َ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫واألَ‬
‫َْ‬ ‫وصح عنه من َحديث أنه ْ‬ ‫َّ‬ ‫حاديث فيه كَثريةٌ‪،‬‬
‫بن أيب بك ٍْر‪ ،‬وصح عنه أنه قال‪َ « :‬أ ْك َثر ُت ع َليكُم ِيف السو ِ‬ ‫ِ‬
‫اك»(‪.)3‬‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ْ ْ‬ ‫َّ‬ ‫الر ْمح ِن ِ َ‬ ‫عبد َّ‬
‫ِ‬ ‫خشب األَ ِ‬ ‫السواك ِمن َ‬ ‫ِ‬
‫ونحوه‪.‬‬ ‫راك‬ ‫و َأص َلح ما ُّاختذ ِّ‬
‫حنبل‪ ،‬وابن ماجه يف سنَنه من حديث ِ‬
‫عبد اهلل‬ ‫ٍ‬ ‫روى اإلما ُم أمحدُ ب ُن‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َس َمك‪َ :‬‬
‫ك‬‫الس َم ُ‬
‫ان‪َّ :‬‬‫َان َو َد َم ِ‬
‫ت َلنَا َم ْي َتت ِ‬ ‫النبي ﷺ أنَّه قال‪ُ « :‬أ ِح َّل ْ‬ ‫ِّ‬ ‫مر ‪ ،‬عن‬ ‫بن ُع َ‬
‫اجل َرا ُد‪َ ،‬وا ْل َكبِدُ َوالط َح ُال»(‪.)4‬‬
‫َو َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حيح ْني‪ :‬من َحديث جابِ ِر بن عبد اهلل ‪ ‬قال‪ :‬ب َع َثنا الن ُّ‬
‫َّبي ﷺ‬ ‫الص َ‬ ‫ويف َّ‬
‫الساحل‪ ،‬ف َأصا َبنا ُجوع‬ ‫ِ‬ ‫مرينا أبو ُعبيد َة ب ُن اجلَ َّراح‪ ،‬ف َأ َت ْينا‬ ‫يف َثالثِ ِمئة راكِ ٍ‬
‫ب‪ ،‬و َأ ُ‬
‫خل َبط‪ ،‬ف َأل َقى َلنا ال َب ْحر حوتًا ُيقال له‪َ :‬عنرب‪ .‬ف َأ َك ْلنا منه نِ ْصف‬ ‫َشديد‪ ،‬حتَّى َأ َك ْلنا ا َ‬
‫َش ْهر‪ ،‬و ْأتَدَ ْمنا َبو َدكه حتَّى ثا َب ْت َأجسا ُمنا‪ ،‬ف َأ َخذ أبو ُعبيد َة ِض َل ًعا من َأضالعه‪،‬‬
‫فم َّر َحتتَه(‪.)5‬‬ ‫رج ًال عىل َبعريه‪َ ،‬‬
‫ونص َبه‪َ ،‬‬ ‫محل ُ‬
‫و َ‬

‫(‪ )1‬علقه البخاري قبل حديث (‪ ،)1934‬ووصله النسائي (‪.)5‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)253‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪.)888‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه ابن ماجه (‪.)3218‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪ ،)5494‬ومسلم (‪.)1935‬‬
‫‪ | 406‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫إبراهيم ﷺ ألَضيافِه‪﴿ :‬ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬


‫َ‬ ‫ِشواء‪ :‬قال اهلل تعاىل يف ِضيافة َخليلِه‬
‫شوي عىل الر ْضف‪ ،‬وهي ِ‬
‫احلجارة املُ ْحامة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫واحلنيذ‪ :‬ا َمل ِ ُّ‬
‫ُ‬ ‫ﯤ ﯥ﴾ [هود‪،]69 :‬‬
‫ذي‪ :‬عن ُأم س َلم َة ‪ ،‬أهنا قر َبت إىل ر ِ‬
‫سول اهلل ﷺ َجن ًبا‬ ‫ويف ِّ ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫الرتم ِّ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫الصالة ومل َي َتو َّضأ‪ ،‬قال الرتمذي‪ :‬صحيح(‪.)1‬‬ ‫َم ِ‬
‫شو ًّيا‪ ،‬ف َأكَل منه ُث َّم قام إىل‬
‫مع ر ِ‬ ‫ِ‬ ‫أيضا‪ :‬عن ِ‬
‫عبد اهلل ِ‬
‫سول اهلل ﷺ‬ ‫احلارث ‪ ‬قال‪َ :‬أ َك ْلنا َ َ‬ ‫بن‬ ‫وفيه ً‬
‫سجد(‪.)2‬‬‫ِشواء يف املَ ِ‬
‫ً‬
‫مع ر ِ‬
‫سول اهلل ﷺ‬ ‫(‪)3‬‬
‫غرية بن ُشعب َة ‪ ‬قال‪ِ :‬ض ْفت‬ ‫عن ا ُمل ِ‬
‫وفيه أي ًضا‪ِ :‬‬
‫َ َ‬
‫فش ِو َي‪ُ ،‬ثم َأ َخذ َّ‬ ‫ٍ‬
‫الش ْفرة‪ ،‬فج َعل َحي ُّز يل هبا منه‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫بجنْب(‪ُ ،)4‬‬ ‫ذات ليلة‪ ،‬ف َأ َمر َ‬‫َ‬
‫ِ‬ ‫الل ي ِ‬
‫ت َيدَ ا ُه»(‪.)5‬‬ ‫للصالة‪ ،‬ف َأل َقى َّ‬
‫الش ْفرة فقال‪َ « :‬ما َل ُه ت َِر َب ْ‬ ‫ؤذنه‬ ‫فجا َء بِ ٌ ُ‬
‫ضاف النبي ﷺ‪ ،‬فقدَّ م له‬‫َ‬ ‫َس ‪ ‬أن هي ِ‬
‫ود ًّيا َأ‬ ‫َش ْحم‪ :‬ث َب َت يف ا ُملسنَد عن أن ٍ‬
‫َ‬
‫الش ْحم ا ُملذاب‪ ،‬واألَ ْلية‪ ،‬والسنِخ ُة‪:‬‬
‫ُخ َبز َشعري وإهال ًة سنِخ ًة(‪ ،)6‬واإلهال ُة‪َّ :‬‬
‫املُت َغ ِّرية‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)1829‬والنسائي (‪.)183‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه ابن ماجه (‪ ،)3311‬ومل أقف عليه عند الرتمذي‪.‬‬
‫نزلت عليه ضي ًفا‪.‬‬
‫فت)‪ُ :‬‬ ‫(‪ِ )3‬‬
‫(ض ُ‬
‫(جنْب)‪ :‬جنب الشاة شقها‪.‬‬
‫(‪َ )4‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أبو داود (‪ ،)188‬ومل أقف عليه عند الرتمذي‪.‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه أمحد ‪.)13201( 424/20‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪407‬‬

‫اب ِم ْن َش ْح ٍم َي ْو َم‬ ‫ِ‬


‫حيح‪ :‬عن َعبد اهلل بن ُمغ َّفل‪ ،‬قال‪ُ :‬د ِّ َيل ِج َر ٌ‬
‫الص ِ‬‫وث َب َت يف َّ‬
‫ِ‬
‫سول اهلل ﷺ‬ ‫أحدً ا منه شي ًئا فال َت َف ُّت‪ ،‬فإذا َر ُ‬‫لت‪ :‬واهللِ ال ُأعطي َ‬
‫رب‪ ،‬فا ْلت ََز ْمتُه و ُق ُ‬
‫َخ ْي َ َ‬
‫ضح ُك‪ ،‬ومل َي ُق ْل شي ًئا(‪.)1‬‬
‫َي َ‬
‫َصالة‪ :‬قال اهللُ تعاىل‪﴿ :‬ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ﴾ [البقرة‪ ،]45 :‬وقال‪﴿ :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺ ﯻ﴾ [البقرة‪ ،]153 :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ [طه‪.]132 :‬‬

‫الصالة(‪.)2‬‬ ‫حز َبه َأ ْمر‪ِ ،‬‬


‫فز َع إىل َّ‬ ‫سول اهلل ﷺ‪ ،‬إذا َ‬ ‫ويف السن َِن‪َ :‬‬
‫كان َر ُ‬

‫ألدواء‪،‬‬ ‫للص َّحة‪ ،‬دافِعة ل َ‬


‫أل َذى‪ُ ،‬مطردة ل َ‬ ‫ِ‬
‫للر ْزق‪ ،‬حافظة ِّ‬ ‫والصال ُة َجم َلب ٌة ِّ‬
‫للج ِ‬
‫وارح‪ُ ،‬ممدَّ ة لل ُقوى‪،‬‬ ‫فرحة للنَّ ْفس‪ ،‬م ِ‬
‫ذهبة للك ََسل‪ُ ،‬م ِّ‬ ‫ُم َق ِّوية لل َق ْلب‪ُ ،‬م ِ‬
‫نشطة َ‬ ‫ُ‬
‫للو ْجه‪ ،‬حافِظة للنِّ ْعمة‪،‬‬
‫للروح‪ُ ،‬م ِّنورة لل َق ْلب‪ُ ،‬مب ِّيضة َ‬
‫غذية ُّ‬‫للصدْ ر‪ُ ،‬م ِّ‬ ‫شارحة َّ‬‫ِ‬
‫الر ْمحن‪.‬‬ ‫دافِعة للنِّ ْقمة‪ ،‬جالِبة للربكة‪ ،‬م ِ‬
‫بعدة م َن َّ‬
‫من َّ‬
‫قربة َ‬
‫الش ْيطان‪ُ ،‬م ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫جيب يف ِح ْفظ ِص َّحة البدَ ن وال َق ْلب‪ ،‬و ُق ُ‬
‫وامها‪.‬‬ ‫َأثري َع ٌ‬ ‫ُ‬
‫وباجل ْملة‪ :‬فلها ت ٌ‬
‫الروح وال َق ْلب والبدَ ِن‪َ ،‬منافِعه تَفوت‬
‫الص ْوم ُجنَّة من َأدواء ُّ‬ ‫صوم‪َّ :‬‬
‫وح ْبس النَّ ْفس‬ ‫ِ‬
‫الفضالت‪َ ،‬‬‫الصحة‪ ،‬وإذابة َ‬ ‫َأثري َعجيب يف حفظ ِّ‬ ‫اإلحصا َء‪ ،‬وله ت ٌ‬
‫ؤذياهتا‪ ،‬وال ِس َّيام إذا كان باعتِدال و َق ْصد يف َ‬
‫أفضل َأ ْوقاته َرش ًعا‪،‬‬ ‫عن تَناول م ِ‬
‫ُ ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3153‬ومسلم (‪.)1772‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪.)1319‬‬
‫‪ | 408‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ذكر ِ‬
‫هديه‬ ‫ِ‬
‫أرسار الصو ِم عندَ ِ‬ ‫وحاجة البدَ ن إليه طب ًعا‪ ،‬وقد تقدَّ م الكال ُم يف بعض‬
‫ﷺ فيه)‪.(1‬‬

‫سول اهلل‬ ‫ابن ع َّباس ‪ ،‬أن َر َ‬ ‫ديث ِ‬ ‫َضب‪ :‬ثبت يف الصحيحني‪ :‬من ح ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ﷺ ُس ِئل عنه ملََّا قدِّ َم إليه‪ ،‬وام َتنَع من َأكْله‪َ :‬أ َحرا ٌم هو؟ فقال‪َ « :‬ال‪َ ،‬و َلكِ ْن َمل ْ َيك ُْن‬
‫مائدتِه وهو َين ُظر(‪.)2‬‬
‫ني يدَ يه وعىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫بِ َأر ِ ِ‬
‫ض َق ْومي‪َ ،‬ف َأ ِجدُ ِين َأ َعا ُف ُه»‪َ ،‬و ُأك َل َب ْ َ ْ‬ ‫ْ‬
‫مر ‪ ،‬عنه ﷺ أنَّه قال‪َ « :‬ال ُأ ِح ُّل ُه‬ ‫ِ‬
‫الصحيح ْني‪ :‬من َحديث ابن ُع َ‬ ‫َ‬ ‫ويف‬
‫َو َال ُأ َحر ُم ُه»(‪.)3‬‬

‫ِضفدَ ع‪ :‬قال اإلما ُم أمحدُ ‪ِّ :‬‬


‫الض ْفدع ال ُجيعل يف الدواء‪َ ،‬هنَى َر ُ‬
‫سول‬
‫بن عبد‬‫ثامن ِ‬
‫احلديث ا َّلذي َرواه يف ُمسنَده من َحديث ُع َ‬
‫َ‬ ‫اهلل ﷺ عن َقتْلها‪ُ .‬يريد‬
‫فدعا يف َدواء ِعند ر ِ‬
‫سول اهلل ﷺ‪ ،‬فنَها ُه عن‬ ‫الرمحن ‪ ،‬أن َطبي ًبا ذكَر ِض ً‬
‫َ‬
‫َقتْلِها(‪.)4‬‬
‫ِ‬ ‫طيب‪ :‬ث َب َت عن ر ِ‬
‫ب إِ َ ََّل م ْن ُد ْن َياك ُُم‪ :‬الن َس ُ‬
‫اء‬ ‫سول اهلل ﷺ أنه قال‪ُ « :‬حب َ‬ ‫َ‬
‫الص َال ِة»(‪.)5‬‬ ‫ِ‬ ‫يب‪َ ،‬و ُج ِع َل ْ‬
‫ت ُق َّر ُة َع ْيني ِيف َّ‬ ‫َوالط ُ‬

‫)‪ (1‬انظر (ص‪.)150‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)5537‬ومسلم (‪.)1946‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)5536‬ومسلم (‪.)1943‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)5269‬والنسائي (‪.)4355‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه النسائي (‪.)3939‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪409‬‬

‫ِ‬
‫الرائحة الكَرهي ُة‪ ،‬وت َُش ُّق عليه‪،‬‬ ‫وكان ﷺ ُيكثِر التَّط ُّيب‪ ،‬وتَشتَدُّ عليه‬
‫للروح ا َّلتي هي َمط َّية ال ُقوى‪ ،‬وال ُقوى تَتضا َعف وتَزيد بال ِّطيب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والطيب غذا ُء ُّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وحدوث األمور‬ ‫عارشة األَح َّبة‪ُ ،‬‬ ‫والرسور‪ ،‬و ُم َ‬ ‫كام تَزيد بالغذاء والرشاب‪ ،‬والدَّ َعة ُّ‬
‫شهده‪ ،‬كال ُّث َقالء وال ُب َغضاء‪،‬‬
‫الروح َم َ‬ ‫َرس َغيبته‪ ،‬و َيث ُقل عىل ُّ‬ ‫املَ ْحبوبة‪َ ،‬‬
‫وغ ْيبة من ت ُ ُّ‬
‫وِتلِب اهل َ َّم وال َغ َّم‪ ،‬وهي‬ ‫عارشهتم ت ِ‬
‫بم ِنزلة ا ُ‬
‫حل َّمى‬ ‫ِ‬
‫للروح َ‬ ‫ُوهن ال ُقوى‪َ ،‬‬ ‫فإن ُم َ‬
‫وهلَذا كان ِممَّا َح َّبب اهلل سبحانه الصحابة بن َْهيهم‬ ‫الرائحة الكَرهية‪ِ ،‬‬ ‫للبدَ ن‪ ،‬وبم ِنزلة ِ‬
‫َ‬
‫عن التَّخ ُّلق هبذا اخلُ ُلق يف ُم َ‬
‫عارشة َرسول اهلل ﷺ لتَأ ِّذيه بذلك‪ ،‬فقال‪﴿ :‬ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾ [األحزاب‪.]53 :‬‬

‫َط ْلع‪ :‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ﴾ [ق‪ ،]10 :‬وقال‬


‫تعاىل‪﴿ :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾ [الشعراء‪.]148 :‬‬
‫ِ‬
‫سمى ال ُك ُف َّرى‪،‬‬ ‫َط ْلع الن َّْخل‪ :‬ما َيبدو من َ‬
‫ثمرته يف َّأول ُظهوره‪ ،‬وق ْرشه ُي َّ‬
‫والنَّضيدُ ‪ :‬ا َملنْضود ا َّلذي قد ن ُِّضد ُ‬
‫بعضه عىل بعض‪ ،‬وإنام ُيقال له‪ :‬نَضيدٌ ما دام يف‬
‫بعضه إىل بعض‪ ،‬فهو‬ ‫كفراه‪ ،‬فإذا ان َفتَح فليس بنَضيد‪ .‬وأ َّما اهلَضيم‪ :‬فهو املُ َ‬
‫نض ُّم ُ‬
‫أيضا‪ ،‬وذلك َيكون َ‬
‫قبل تَش ُّقق الكفرى عنه‪.‬‬ ‫كالنَّضيد ً‬

‫مر ْر ُت‬
‫بن عبيد اهلل ‪ ،‬قال‪َ :‬‬ ‫روى ُمسلِم يف َصحيحه‪ :‬عن َطلح َة ِ‬ ‫وقد َ‬
‫ؤالء؟» قالوا‪:‬‬‫َخل‪ ،‬فر َأى قوما ي َل ِّقحون‪ ،‬فقال‪« :‬ما يصنَع ه ِ‬ ‫سول اهلل ﷺ يف ن ْ‬‫مع ر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً ُ‬ ‫َ‬
‫الذكَر ف َيج َعلونه يف األُن َثى‪ .‬قال‪« :‬ما َأ ُظ ُّن ذلك ُيغنِي شيئًا»‪ ،‬فب َلغهم‪،‬‬
‫أخذون من َّ‬ ‫َي ُ‬
‫فرتكوه‪ ،‬فلم يص ُلح‪ ،‬فقال النبي ﷺ‪« :‬إِنَّام هو َظن‪ ،‬إِ ْن َ ِ‬
‫كان ُيغني َش ْيئًا؛ َف ْ‬
‫اصنَعو ُه‪،‬‬ ‫ُ َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫‪ | 421‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫يب‪َ ،‬و َلكِ ْن َما ُق ُ‬


‫لت َلك ُْم َع ِن اهللِ ‪‬‬ ‫ِ‬ ‫َفإِنَّام َأنَا ب ََش ِم ْث ُلكُم‪ ،‬وإِ َّن ال َّظن ُ ْ ِ‬
‫َيط ُئ َو ُيص ُ‬ ‫َّ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ ٌ‬
‫ف َل ْن َأ ْك ِذ َب َع َىل اهللِ»(‪.)1‬‬
‫النبي‬ ‫ديث سعد بن أيب َو َّقاص ‪ِ ،‬‬ ‫عجوة‪ :‬يف الصحيحني‪ :‬من ح ِ‬
‫عن ِّ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫رض ُه َذلِ َ‬
‫ك ا ْل َي ْو َم َسم َو َال‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ﷺ أنَّه قال‪َ « :‬م ْن ت ََص َّب َح بِ َس ْب ِع ُتَ َ َرات َع ْج َوة؛ َمل ْ َي ُ َّ‬
‫َس َح ٌر»(‪.)2‬‬
‫وابن ماجه‪ :‬من حديث جابِ ٍر‪ ،‬وأيب س ٍ‬
‫عيد ‪ ،‬عن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّسائي ِ َ ْ‬ ‫ويف ُسنن الن ِّ‬
‫السم‪َ ،‬وا ْلك ََم َأ ُة ِم َن املَْن‪َ ،‬و َماؤُ َها‬ ‫اجلن َِّة‪ ،‬و ِهي ِش َف ِ‬
‫اء م َن َّ‬
‫ٌ‬ ‫َ َ‬ ‫النبي ﷺ‪« :‬ا ْل َع ْج َو ُة ِم َن َْ‬ ‫ِّ‬
‫ني»(‪.)3‬‬ ‫اء لِ ْل َع ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ش َف ٌ‬
‫وقد قيل‪ :‬إن هذا يف َعجوة املَدينة خاصة‪ ،‬وهي َ‬
‫أحدُ أصناف الت َّْمر هبا‪ ،‬ومن‬
‫لذذ‪ ،‬متني ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للج ْسم وال ُق َّوة‪ ،‬من‬ ‫َأن َفع َمتْر احلجاز عىل اإلطالق‪ ،‬وهو صنْف كَريم ُم َّ َ‬
‫ذكر التمر ومنافعه‪ ،‬والكال ُم عىل دف ِع العجوة‬
‫لذه‪ ،‬وقد تقدَّ م ُ‬ ‫َأ َلني الت َّْمر و َأط َيبِه و َأ ِّ‬
‫والسحر‪ ،‬فال حاج َة إلعادتِه)‪.(4‬‬‫ِ‬ ‫للسم‬
‫ِ‬
‫الصحيح ْني من َحديث جابِ ٍر‪ ،‬يف ق َّ‬
‫صة أيب ُعبيد َة ‪‬‬ ‫َ‬ ‫َعنَْب‪ :‬تَقدَّ م يف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حلمه وشائ َق إىل املَدينة‪ ،‬و َأ َ‬
‫رسلوا منه‬ ‫َزودوا من َ ْ‬
‫هرا‪ ،‬وأهنم ت َّ‬ ‫و َأكْلهم م َن ال َعنْرب َش ً‬
‫بالسمك‪،‬‬ ‫َص‬ ‫أحدُ ما َيدُ ُّل عىل أن إباحة ما يف ال َب ْحر ال َخيت ُّ‬
‫َّبي ﷺ ‪ ،‬وهو َ‬ ‫إىل الن ِّ‬
‫)‪(5‬‬
‫َ‬
‫وعىل أن َم ْيتته َحالل‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)2361‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)5769‬ومسلم (‪.)2047‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه النسائي (‪ ،)2066‬وابن ماجه (‪.)3453‬‬
‫)‪ (4‬انظر (ص‪.)422‬‬
‫)‪ (5‬تقدم (ص‪.)415‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪420‬‬

‫فخر أنواعه بعد امل ِ ْسك‪،‬‬ ‫ِ‬


‫الطيب‪ ،‬فهو من َأ َ‬ ‫وأ َّما ال َعنْرب ا َّلذي هو َ‬
‫أحد أنواع‬
‫ِ‬
‫و َأخ َطأ َمن قدَّ مه عىل امل ْسك‪ ،‬وج َعله س ِّيد أنواع ال ِّطيب‪ ،‬وقد ث َب َت عن ِّ‬
‫النبي ﷺ‬
‫ِ ِ‬
‫يب»(‪.)1‬‬ ‫ب الط ِ‬ ‫أنَّه قال يف امل ْسك‪ُ « :‬ه َو َأ ْط َي ُ‬
‫عود‪ :‬العود ِ‬
‫اهلندي نَو ِ‬
‫عان‪:‬‬ ‫ُّ ْ‬ ‫ُ‬
‫َعمل يف األَ ِ‬
‫دوية وهو الك ُْس ُت‪ ،‬و ُيقال له‪ :‬ال ُق ْسط‪.‬‬ ‫أحدُ مها‪ُ :‬يست َ‬
‫َ‬
‫َعمل يف ال ِّطيب‪ ،‬و ُيقال له‪ :‬األُ ُل َّوةُ‪ .‬وقد روى ُمسلِم يف َصحيحه‪:‬‬ ‫الثاين‪ُ :‬يست َ‬
‫ِ‬
‫طرح معها‪،‬‬ ‫مر ‪ ،‬أنه كان َيستَجمر باألُ ُل َّوة غري ُمطراة‪ ،‬وبكافور ُي َ‬ ‫عن ِ‬
‫ابن ُع َ‬ ‫ِ‬
‫سول اهلل ﷺ(‪.)2‬‬ ‫َجمر َر ُ‬ ‫ويقول‪ :‬هكَذا كان يست ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مجع‬ ‫جم ِامرهم ْاألُ ُلو ُة»)‪ ،(3‬واملَ ِ‬
‫جامر‪ْ َ :‬‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫جلنَّة‪ُ ُ ُ َ َ « :‬‬
‫وث َب َت عنه يف صفة نَعيم أهل ا َ‬
‫وغريه‪ ،‬وهو َأنواع‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تجمر به من ُعود‬ ‫َجم َمر وهو ما ُي َّ‬
‫لذيذ االس ِم عىل السمعِ‪،‬‬ ‫مواضع‪ ،‬وهو ُ‬ ‫القرآن يف ِ‬
‫عدة‬ ‫ِ‬ ‫مذكور يف‬ ‫غيث‪:‬‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫بوروده‪.‬‬ ‫والقلوب‬ ‫األسامع ِ‬
‫بذكره‪،‬‬ ‫تبتهج‬ ‫ِ‬
‫والبدن‪،‬‬ ‫الروح‬ ‫ِ‬ ‫واملسمى عىل‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫بن مالك ‪ ،‬قال‪« :‬كنَّا مع‬ ‫أنس ِ‬ ‫الشافعي ‪ ‬عن ِ‬ ‫وذكر‬
‫ُّ‬
‫حديث ٍ‬
‫عهد بر ِّبه»)‪ ،(4‬وقد‬ ‫ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ ثو َبه‪ ،‬وقال‪ :‬إنه‬ ‫ُ‬ ‫فحرس‬ ‫مطر‪،‬‬
‫َ‬ ‫ﷺ فأصا َبنا ٌ‬
‫أول ِ‬
‫جميئه)‪.(5‬‬ ‫الغيث عندَ ِ‬‫ِ‬ ‫استمطاره ﷺ وتربكه ِ‬
‫بامء‬ ‫ِ‬ ‫ذكر‬ ‫ِ‬ ‫تقدَّ م يف ِ‬
‫ُّ‬ ‫هديه يف االستسقاء ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)2252‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)2254‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه البخاري (‪ ،)3245‬ومسلم (‪.)2834‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه مسلم (‪.)898‬‬
‫)‪ (5‬تقدم (ص‪.)125‬‬
‫‪ | 422‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫والشفاء التا ُّم‪ ،‬والدوا ُء النافِ ُع‪،‬‬ ‫ثاين‪ِّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫فاحتة الكِ ِ‬
‫تاب‪ :‬و ُأم ال ُقرآن‪ ،‬والس ْبع املَ ِ‬
‫الغنَى وال َفالح‪ ،‬وحافِظة ال ُق َّوة‪ ،‬ودافِعة اهل َ ِّم وال َغ ِّم‬ ‫ومفتاح ِ‬ ‫والر ْقية التامة‪ِ ،‬‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫دائه‪،‬‬ ‫واخلوف واحل َزن َمل ِن عرف ِمقدارها و َأعطاها ح َّقها‪ ،‬و َأحسن تَنزي َلها عىل ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫والرس ا َّلذي ألَ ْجله كانت كذلك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وعرف َو ْجه االست ْشفاء والتَّداوي هبا‪َّ ِّ ،‬‬ ‫َ‬
‫فربأ َلو ْقته‪ ،‬فقال له‬ ‫الصحابة عىل ذلك‪ ،‬ر َقى هبا ال َّل َ‬
‫ديغ‪َ َ ،‬‬ ‫وملََّا و َق َع بعض َّ‬
‫النبي ﷺ‪َ « :‬و َما ُي ِ‬
‫دريك َأ َّهنَا ُر ْق َي ٌة؟!»(‪.)1‬‬ ‫ُّ‬
‫صرية حتَّى و َقف عىل َأرسار هذه‬ ‫ِ‬ ‫َّوفيق‪ ،‬و ُأ َ‬
‫عني بنور ال َب‬ ‫و َمن سا َعده الت ُ‬
‫والصفات‬ ‫عرفة الذات واألسامء‬ ‫ورة‪ ،‬وما اشت ََم َل ْت عليه م َن الت َّْوحيد‪ ،‬و َم ِ‬‫الس ِ‬
‫ِّ‬ ‫ُّ‬
‫واإل َهلية‪ ،‬وكامل‬‫الربوبية ِ‬ ‫وِتريد ت َْوحيد ُّ‬ ‫واألَ ْفعال‪ ،‬وإثبات َّ ْ‬
‫الرشع وال َقدَ ر واملَعاد‪َ ،‬‬
‫اخلري ك ُّله‪ ،‬وإليه‬
‫ُ‬ ‫التَّوكُّل وال َّت ْفويض إىل َمن له األَ ْمر ك ُّله‪ ،‬وله احلمدُ ك ُّله‪ ،‬وب َي ِده‬
‫الدار ْين‪،‬‬ ‫أصل َسعادة‬ ‫اهلداية ا َّلتي هي ُ‬ ‫يرجع األَمر ك ُّله‪ ،‬واالفتِقار إليه يف ط َلب ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ‬
‫فاس ِدمها‪ ،‬وأن العافي َة املُط َلقة‬ ‫صاحلهام‪ ،‬ود ْفع م ِ‬
‫َ َ‬
‫و َعلِم ارتِباط معانيها بج ْلب م ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫التا َّمة‪ ،‬والنِّ ْعمة الكاملة َمنوط ٌة هبا‪َ ،‬موقوف ٌة عىل التَّح ُّقق هبا‪َ ،‬أغنَتْه عن كَثري َ‬
‫من‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرش َأسبا َبه‪.‬‬
‫والر َقى‪ ،‬واستَفتَح هبا من اخلَ ْري أبوا َبه‪ ،‬ود َفع هبا من ِّ‬ ‫األَدوية ُّ‬
‫ُقرآن‪ :‬قال اهللُ تعاىل‪﴿ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ﴾‬
‫هاهنا‪ ،‬ل َبيان ِ‬
‫اجلنْس ال لل َّت ْبعيض‪ ،‬وقال تعاىل‪:‬‬ ‫ِ‬
‫والصحيح‪ :‬أن (من) ُ‬
‫ُ‬ ‫[اإلرساء‪]82 :‬‬
‫﴿ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ﴾ [يونس‪.]57 :‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)2276‬ومسلم (‪.)2201‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪423‬‬

‫الشفا ُء التا ُّم من َمجيع األدواء ال َقلبية والبدَ نية‪ ،‬و َأدواء الدُّ نيا‬ ‫رآن هو ِّ‬‫فال ُق ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حسن ال َع ُ‬
‫ليل‬ ‫ؤهل وال ُيو َّفق لالست ْشفاء به‪ ،‬وإذا َأ َ‬ ‫أحد ُي َّ‬ ‫كل َ‬ ‫واآلخرة‪ ،‬وما ُّ‬
‫جازم‪ ،‬واستِيفاء‬ ‫بصدْ ق وإيامن‪ ،‬و َقبول تا ٍّم‪ ،‬واعتِقاد ِ‬
‫دائه ِ‬ ‫ووضعه عىل ِ‬
‫َّداوي به‪َ َ ،‬‬
‫الت َ‬
‫ُرشوطه‪ ،‬مل ُي ِ‬
‫قاومه الدا ُء أ َبدً ا‪.‬‬
‫اجلبال‬‫رب األرض والسامء ا َّلذي لو َنزل عىل ِ‬ ‫وكيف ت ِ‬
‫ُقاوم األدوا ُء كال َم ِّ‬
‫مرض من أمراض ال ُقلوب واألبدان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األرض ل َق َّط َعها‪ ،‬فام من َ‬ ‫لصدَّ َعها‪ ،‬أو عىل‬
‫َّإال ويف ال ُقرآن َسبيل الدَّ اللة عىل َدوائه وس َببِه‪ ،‬واحلمية منه ملَِن َر َز َقه اهللُ فه ًام يف‬
‫كِتابه‪.‬‬
‫دوائها ِ‬
‫وعالجها‪،‬‬ ‫وأما األَدوي ُة ال َقلبية‪ ،‬فإنه يذكُرها مفصلة‪ ،‬ويذكُر أسباب َأ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫قال تعاىل‪﴿ :‬ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾ [العنكبوت‪،]51 :‬‬
‫كف ِه فال كَفا ُه اهلل‪.‬‬
‫شف ِه ال ُقرآن‪ ،‬فال َشفاه اهلل‪ ،‬ومن مل ي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫فمن مل ي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عبد اهلل بن َجع َفر ‪ ،‬أن َر َ‬
‫سول اهلل ﷺ‬ ‫ِق َّثاء‪ :‬يف السنَن من حديث ِ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫بالر َطب(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫كان َيأكُل الق َّثاء ُّ‬
‫َ‬
‫ِ ٍ‬
‫حيح ْني‪ :‬من َحديث أنَس ‪،‬‬ ‫الص َ‬ ‫بمعنًى واحد‪ ،‬ويف َّ‬ ‫ُق ْسط وك ُْست‪َ :‬‬
‫عن النبي ﷺ‪َ « :‬خري ما تَدَ اويتُم بِ ِه ِْ‬
‫احل َج َام ُة َوا ْل ُق ْس ُط ا ْل َب ْح ِر ُّ‬
‫ي»(‪.)2‬‬ ‫َْ ْ‬ ‫ُْ َ‬ ‫ِّ‬
‫اهلن ِْدي‪،‬‬
‫ود ْ ِ‬
‫ديث ُأم َقيس‪ ،‬عن النبي ﷺ‪« :‬ع َليكُم ِهب َذا ا ْلع ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ْ ْ َ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ْ‬
‫ويف املُسنَد من ح ِ‬
‫َ‬
‫اجلن ِ‬
‫ْب»(‪.)3‬‬ ‫يه َس ْب َع َة َأ ْش ِف َي ٍة‪ِ ،‬من َْها َذ ُ‬
‫ات َْ‬ ‫َفإِ َّن فِ ِ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5440‬ومسلم (‪.)2043‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)5696‬ومسلم (‪.)1577‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)5692‬ومسلم (‪.)2214‬‬
‫‪ | 424‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫َ ِ‬
‫ْدي‪،‬‬
‫واآلخ ُر اهلن ُّ‬ ‫األبيض ا َّلذي ُيقال له‪ :‬ال َب ُّ‬
‫حري‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أحدُ مها‪:‬‬ ‫وال ُق ْسط‪ :‬ن َْوعان َ‬
‫واألبيض َأل َينُهام‪ ،‬و َمنافِ ُعهام كثري ٌة ِجدًّ ا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وهو َأشدُّ مها َح ًّرا‪،‬‬
‫اء لِ ْل َع ْ ِ‬
‫ني»‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النبي ﷺ‪ ،‬أنه قال‪« :‬ا ْلك ََم َأ ُة م َن املَْن‪َ ،‬و َماؤُ َها ش َف ٌ‬
‫عن ِّ‬ ‫ك ََمأة‪ :‬ث َب َت ِ‬
‫الصحيح ْني(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫َأ َ‬
‫خرجاه يف‬

‫عبد اهلل ‪ ،‬قال‪ُ :‬كنَّا مع‬ ‫ديث جابِر بن ِ‬ ‫َكباث‪ :‬يف الصحيحني من ح ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫اث‪ ،‬فقال‪َ « :‬ع َل ْيك ُْم بِ ْاألَ ْس َو ِد ِمنْ ُه َفإِ َّن ُه َأ ْط َي ُب ُه»(‪.)2‬‬ ‫سول اهلل ﷺ نَجنِي ال َك َب َ‬ ‫ر ِ‬
‫َ‬
‫اث‪َ :‬ثمر األَ ِ‬
‫راك‪.‬‬ ‫وال َك َب ُ َ‬
‫وهب‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫صحيحه عن ُع َ‬ ‫ِ‬
‫ثامن بن َعبد اهلل بن َم َ‬ ‫خاري يف‬
‫ُّ‬ ‫روى ال ُب‬ ‫َكتَم‪َ :‬‬
‫سول اهلل ﷺ‪ ،‬فإذا‬ ‫دخ ْلنا عىل ُأم س َلم َة ‪ ،‬ف َأخر َجت إلينا َشعرا من َشعر ر ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫باحلنَّاء وال َكتَم(‪.)3‬‬ ‫هو َخمضوب ِ‬
‫ٌ‬
‫النبي ﷺ أنَّه قال‪« :‬إِ َّن ِمن َأ ْح َس ِن َما غَ َّ ْريت ُْم بِ ِه‬ ‫ِّ‬ ‫السنَن األَر َبعة‪ِ :‬‬
‫عن‬ ‫ويف ُّ‬
‫َّاء َوا ْل َكت َُم»(‪.)4‬‬ ‫الشيب ِْ‬
‫احلن ُ‬ ‫َّ ْ َ‬
‫أنس ‪ ،‬أن أبا بكْر ‪ ‬اخت ََضب ِ‬
‫باحلنَّاء‬ ‫الصحيح ْني‪ :‬عن ٍ‬ ‫ويف‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وال َكتَم(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5708‬ومسلم (‪.)2049‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)5453‬ومسلم (‪.)2050‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪.)5897‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)4205‬والرتمذي (‪ ،)1753‬والنسائي (‪ ،)5078‬وابن ماجه (‪.)3622‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪ ،)3919‬ومسلم (‪.)2341‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪425‬‬

‫كره تَسميتُها كَر ًما؛ ملِا َر َوى ُمسلِم يف‬ ‫حل ْبلة‪ ،‬و ُي َ‬ ‫شجرة العنَب‪ ،‬وهي ا َ‬
‫ِ‬
‫ك َْرم‪َ :‬‬
‫الر ُج ُل‬ ‫النبي ﷺ أنه قال‪َ « :‬ال َي ُقو َل َّن َأ َحدُ ك ُْم لِ ْل ِعن ِ‬
‫َب‪ :‬ا ْلك َْر ُم‪ .‬ا ْلك َْر ُم‪َّ :‬‬ ‫عن ِّ‬ ‫صحيحه ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ (‪)2‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ (‪)1‬‬
‫خرى‪َ « :‬ال َت ُقو ُلوا‪:‬‬ ‫ب املُْ ْؤم ِن» ‪ ،‬ويف رواية ُأ َ‬ ‫املُ ْسل ُم» ‪ ،‬ويف ِرواية‪« :‬إِن ََّام ا ْلك َْر ُم َق ْل ُ‬
‫َب َو َْ‬
‫احل ْب َل ُة»(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫الك َْر ُم‪َ .‬و ُقو ُلوا‪ :‬ا ْلعن ُ‬
‫َحلم‪ :‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [الطور‪ ،]22 :‬وقال‪:‬‬
‫﴿ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ [الواقعة‪.]21 :‬‬

‫يد َع َىل َسائِ ِر‬


‫اء َك َف ْض ِل ال َّث ِر ِ‬
‫الصحيح عنه ﷺ‪َ « :‬ف ْض ُل عائِ َش َة ع َىل النس ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ويف‬
‫ال َّط َعا ِم»(‪ ،)4‬وال َّثريدُ ‪ :‬هو اخلُ ْبز وال َّل ْحم‪.‬‬

‫أجناس‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫واللحم‬
‫ُ‬
‫ب‬ ‫أخف اللح ِم‪ ،‬ويف «الصحيحني»‪ :‬أنه كان ُي ِ‬
‫عج ُ‬ ‫ُّ‬ ‫وحلم الذرا ِع‬ ‫حلم الضأن‪:‬‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ»(‪.)5‬‬

‫حيح عن َأسام َء ‪ ‬قالت‪ :‬ن ََح ْرنا َفر ًسا‬


‫الص ِ‬ ‫َْحلم َ‬
‫الفرس‪ :‬ث َب َت يف َّ‬
‫ف َأ َك ْلناه عىل َع ْهد ر ِ‬
‫سول اهلل ﷺ(‪.)6‬‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)2247‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)2247‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)2248‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)3770‬ومسلم (‪.)2446‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪ ،)3340‬ومسلم (‪.)194‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه البخاري (‪ ،)5519‬ومسلم (‪.)1942‬‬
‫‪ | 426‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫وهنَى عن ُحلو ِم ا ُ‬
‫حل ُمر‪ ،‬أخرجاه يف‬ ‫وث َب َت عنه ﷺ أنه أذ َن يف ُحلوم اخلَ ْيل‪َ ،‬‬
‫الصحيحني(‪.)1‬‬

‫بني‬ ‫ِ‬
‫الفروق َ‬ ‫السنة‪ ،‬كام أنه أحدُ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأهل‬ ‫ِ‬
‫الرافضة‬ ‫حلم اجلمل‪ :‬فرق ما بني‬
‫ِ‬
‫باالضطرار‬ ‫وأهل اإلسالم‪ ،‬فاليهو ُد والرافض ُة تذ ُّمه وال تأك ُله‪ ،‬وقد ُع ِلم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اليهود‬
‫وسفرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫حْضا‬
‫ً‬ ‫رسول اهلل ﷺ وأصحا ُبه‬ ‫ُ‬ ‫ِمن ِ‬
‫دين اإلسال ِم ح ُّله‪ ،‬وطاملا أك َله‬

‫معارض هلام‪ ،‬وال‬ ‫صحيح ِ‬


‫ني ال‬ ‫ني‬ ‫ِ‬
‫بالوضوء من أكلِه يف حدي َث ِ‬ ‫النبي ﷺ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫وأ َم َر ُّ‬
‫بغسل ِ‬
‫اليد(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫يصح تأوي ُلهام‬
‫ُّ‬
‫احلديث يف ح ِّله)‪.(3‬‬
‫ُ‬ ‫َْحلم الضب‪ :‬تقدَّ م‬
‫(‪)4‬‬
‫بن مالِك قال‪َ :‬أ ْن َف ْجنا َأر َن ًبا‬
‫َس ِ‬
‫الصحيح ْني عن أن ِ‬
‫َ‬ ‫َْحلم األرانِب‪ :‬ث َب َت يف‬
‫سول اهلل ﷺ ف َقبِ َل ُه(‪.)5‬‬ ‫فس َع ْوا يف َط َلبِها‪ ،‬ف َأ َخ ُذوها‪ ،‬ف َب َع َث أبو َطلح َة َبو ِركِها إىل ر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ديث أيب َقتاد َة ‪َّ ،‬أهنُم‬ ‫َْحلم ِمحار الوحش‪ :‬ثب َت يف الصحيحني من ح ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫ِ‬ ‫بعض ُع ِ‬ ‫مع ر ِ‬
‫النبي ﷺ‬ ‫مره‪ ،‬وأنه صا َد مح َار َو ْحش‪ ،‬ف َأ َم َر ُهم ُّ‬ ‫ِ‬ ‫سول اهلل ﷺ يف‬ ‫كانوا َ َ‬
‫ب َأكْله وكانوا ُحم ِرمني‪ ،‬ومل َيكُن أبو َقتاد َة ُحم ِر ًما(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5520‬ومسلم (‪.)1941‬‬


‫(‪ )2‬األول من حديث جابر بن سمرة أخرجه مسلم (‪ )360‬وغريه‪ ،‬والثاين من حديث الرباء أخرجه أبو‬
‫داود (‪ ،)184‬وابن ماجه (‪.)494‬‬
‫)‪ (3‬تقدم (ص‪.)418‬‬
‫(‪َ ( )4‬أ ْن َف ْجنا َأر َن ًبا)‪ :‬هيجناها من مكاهنا‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪ ،)5535‬ومسلم (‪.)1953‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه البخاري (‪ ،)5490‬ومسلم (‪.)1196‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪427‬‬

‫الو ْح ِ‬
‫ش(‪.)1‬‬ ‫ماج ْه عن جابِ ٍر قال‪َ :‬أ َك ْلنا ز َم َن َخي َ‬
‫رب اخلَ ْي َل ُ ُ‬
‫ومح َر َ‬ ‫ويف ُسنَن ِ‬
‫ابن َ‬
‫الحتقان الد ِم فيها‪ ،‬وليست بحرا ٍم؛ لقولِه ﷺ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫حممودة؛‬ ‫غري‬ ‫ِ‬
‫حلوم األجنَّة‪ُ :‬‬
‫ِ‬
‫اجلنني ذكا ُة أ ِّمه»)‪.(2‬‬ ‫«ذكا ُة‬
‫وبان قال‪ :‬ذ َب ْح ُت لر ِ‬
‫سول اهلل ﷺ شا ًة‬ ‫ديث َث َ‬ ‫َْحلم ال َقديد‪ :‬يف السنَن من ح ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫طعمه منه إىل املَ ِ‬
‫دينة(‪.)3‬‬ ‫رون‪ ،‬فقال‪َ « :‬أصلِح َْحلمها»‪ ،‬ف َلم َأ َز ْل ُأ ِ‬
‫ونح ُن ُمسافِ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ ْ ََ‬
‫ُحلوم ال َّطري‪ :‬قال اهللُ تعاىل‪﴿ :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ [الواقعة‪ِ ،]21 :‬‬
‫ومنه‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫والبازي‪ ،‬والشاهني‪ ،‬وما َيأكُل‬ ‫كالص ْقر‬
‫َّ‬ ‫حلرا ُم‪ :‬ذو املِخ َلب‪،‬‬
‫َحالل‪ ،‬ومنه َحرام‪ .‬فا َ‬
‫ِ‬
‫اجل َيف كالن َّْرس والرخم وال َّلق َلق وال َع ْق َعق وال ُغراب األَب َقع واألَ َ‬
‫سود الكَبري‪ ،‬وما‬
‫ِهني عن َقتْله كاهلدهد والرصد‪ ،‬وما ُأ ِمر ب َقتْله ِ‬
‫كاحلدَ أة وال ُغراب‪.‬‬ ‫ُّ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ َ‬
‫صناف كَثرية‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫الل َأ‬
‫حل ُ‬
‫وا َ‬
‫النبي‬ ‫وسى ‪ ‬أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫الصحيح ْني من َحديث أيب ُم َ‬
‫َ‬ ‫فمنه‪ :‬الدَّ جاج‪ ،‬ففي‬
‫حلم الدَّ ِ‬
‫جاج(‪.)4‬‬ ‫ﷺ َأك ََل َ ْ‬
‫عبد اهلل ِ‬ ‫اجلراد‪ :‬يف الصحيحني عن ِ‬
‫بن أيب َأ ْو َىف ‪ ‬قال‪َ :‬غ َز ْونا َ‬
‫مع‬ ‫َْ‬ ‫َ ُ‬
‫سول اهلل ﷺ سبع َغ َز ٍ‬
‫وات نَأكُل اجلَرا َد(‪.)5‬‬ ‫ر ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن ماجه (‪.)3191‬‬


‫)‪(2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2828‬والرتمذي (‪ ،)1476‬وابن ماجه (‪.)3199‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)1975‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)5518‬ومسلم (‪.)1649‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪ ،)5495‬ومسلم (‪.)1952‬‬
‫‪ | 428‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ال َّل َبن‪ :‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬


‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ﴾ [النحل‪ ،]66 :‬وقال تعاىل يف اجلَنَّة‪﴿ :‬ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫السنَن َمرفو ًعا‪َ « :‬م ْن َأ ْط َع َم ُه اهللُ‬ ‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [حممد‪ ،]15 :‬ويف ُّ‬
‫يه َو ْار ُز ْقنَا َخ ْ ًريا ِمنْ ُه‪َ ،‬و َم ْن َس َقا ُه اهللُ َل َبنًا‪َ ،‬ف ْل َي ُق ِل‪:‬‬
‫ار ْك َلنَا فِ ِ‬
‫َط َع ًاما َف ْل َي ُق ِل‪ :‬ال َّل ُه َّم َب ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اب إِ َّال‬‫الَش ِ‬‫َي ِزئُ م َن ال َّط َعا ِم َو َّ َ‬ ‫ار ْك َلنَا فيه َو ِز ْدنَا منْ ُه‪َ ،‬فإِين َال َأ ْع َل ُم َما ُ ْ‬ ‫ال َّل ُه َّم َب ِ‬
‫ال َّل َب َن»(‪.)1‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْض باألسنان وال ِّل َثة؛ ولذل َك َين َبغي أن َي َ‬
‫تم ْض َمض بعدَ ه باملاء‬ ‫كثار منه ُم ٌّ‬
‫واإل ُ‬
‫رشب َل َبنًا‪ُ ،‬ثم دعا بامء فت ََم ْض َمض وقال‪« :‬إن له‬ ‫النبي ﷺ ِ‬
‫َّ‬ ‫الصحيح ْني أن‬
‫َ‬ ‫ويف‬
‫َد َس ًام»(‪.)2‬‬

‫العامل‪ ،‬بل ُركْنه األَ ُّ‬


‫صيل‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وأحدُ َأركان‬ ‫الرشاب‪َ ،‬‬ ‫وسيِّد َّ‬ ‫ماء‪ :‬ما َّدة احلَياة‪َ ،‬‬
‫واألرض من َز َب ِده‪ ،‬وقد ج َع َل اهللُ منه َّ‬
‫كل‬ ‫َ‬ ‫وات ُخلِ َقت من ُب ِ‬
‫خاره‪،‬‬ ‫فإن السم ِ‬
‫َ‬
‫حي‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫يشء ٍّ‬
‫سول اهلل ﷺ‪:‬‬‫ديث أيب ُهرير َة ‪ ،‬قال‪ :‬قال َر ُ‬ ‫ويف الصحيحني‪ِ :‬من ح ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫اجلن َِّة»(‪.)3‬‬ ‫ات ُك ُّلها ِم ْن َأ ْهن َ ِ‬
‫ار َْ‬ ‫يل‪َ ،‬وا ْل ُف َر ُ‬
‫ان‪َ ،‬والن ُ‬‫ان‪َ ،‬و َج ْي َح ُ‬ ‫« َس ْي َح ُ‬
‫النبي ﷺ أنه كان َيدعو يف‬ ‫ِّ‬ ‫الصحيح ْني عن‬
‫َ‬ ‫والَبد‪ :‬ث َب َت يف‬‫ماء ال َّث ْلج َ َ‬
‫ُ‬
‫َب ِد»(‪.)4‬‬ ‫وغريه‪« :‬ال َّلهم اغ ِْس ْلنِي ِمن َخ َطاي ِ ِ‬
‫اي ب َامء ال َّث ْلجِ َوا ْل َ َ‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ِ‬ ‫االستِ ْف ِ‬
‫تاح‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)3730‬وابن ماجه (‪.)3322‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)211‬ومسلم (‪.)358‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)2839‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)744‬ومسلم (‪.)598‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪429‬‬

‫رش ُفها و َأج ُّلها َقدْ ًرا و َأح ُّبها إىل النُّفوس و َأغالها‬ ‫ِ ِ‬
‫ماء زَم َز َم‪ :‬س ِّيد املياه و َأ َ‬
‫َ‬
‫سامعيل(‪.)2‬‬ ‫وس ْقيا اهلل إِ‬
‫ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫ثمنًا و َأن َف ُسها ِعند الناس‪ ،‬وهو َهزمة ِج َ‬
‫ربيل‬ ‫َ‬
‫َّبي ﷺ‪ ،‬أنه قال ألَيب َذ ٍّر ‪ ‬وقد َأقام بني‬ ‫عن الن ِّ‬‫الصحيح ِ‬
‫ِ‬ ‫وث َب َت يف‬
‫ال َك ْع ِبة و َأ ِ‬
‫ستارها َأر َبعني ما بني َي ْوم و َل ْيلة‪ ،‬ليس له َطعام غريه‪ ،‬فقال ﷺ‪« :‬إِ َّهنَا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫غري ُمسلم بإِ ْسناده‪َ « :‬وش َف ُ‬
‫اء ُس ْق ٍم»(‪.)4‬‬ ‫َط َعا ُم ُط ْع ٍم» ‪ ،‬وزاد ُ‬
‫(‪)3‬‬

‫جابر بن عبد اهلل ريض اهلل عنهام‪ ،‬عن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫حديث‬ ‫ويف «سنن ابن ماجه» ِمن‬
‫ماء زمزم ملا ُ ِ‬
‫ِش َب له»(‪.)5‬‬ ‫النبي ﷺ أنه قال‪ُ « :‬‬
‫ِّ‬
‫ماء البحر‪ :‬ثب َت عن النَّبي ﷺ أنَّه قال يف البحر‪« :‬هو ال َّطهور ماؤُ ه ِْ‬
‫احل ُّل‬ ‫ُ ُ َ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ْ‬
‫جاجا ُم ًّرا ُزعا ًقا لتَامم َمصال ِ ِح َمن هو عىل‬
‫لحا ُأ ً‬
‫ِ‬
‫َم ْي َت ُت ُه» ‪ ،‬وقد ج َع َله اهلل سبحانه م ً‬
‫(‪)6‬‬

‫ِ‬
‫والبهائم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األرض م َن اآل َدم ِّيني‬ ‫َو ْجه‬

‫َّبي ﷺ أنه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫دري‪ ،‬عن الن ِّ‬
‫م ْسك‪ :‬ث َبت يف َصحيح ُمسلم‪ ،‬عن أيب َسعيد اخلُ ِّ‬
‫يب املْ ِ ْس ُ‬
‫ك»(‪.)7‬‬ ‫قال‪َ « :‬أ ْط َي ُ‬
‫ب الط ِ‬

‫(‪)1‬أي‪ِ :‬ضهبا برجله فنبع املاء‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه ‪ ،)9124( 118/5‬والدارقطني ‪.354/3‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)2473‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الطياليس (‪ ،)459‬وابن أيب شيبة ‪.)14132( 273/3‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الطياليس (‪ ،)459‬وابن أيب شيبة ‪.)14132( 273/3‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه أبو داود (‪ ،)83‬والرتمذي (‪ ،)69‬والنسائي (‪ ،)59‬وابن ماجه (‪.)386‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه مسلم (‪.)2252‬‬
‫‪ | 431‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ويف الصحيحني عن ِ‬
‫قبل أن‬ ‫ُنت ُأط ِّيب َّ‬
‫النبي ﷺ َ‬ ‫عائش َة ‪ ‬قالت‪ :‬ك ُ‬ ‫َْ‬
‫ُحي ِرم‪ ،‬ويو َم الن َّْحر قبل أن َيطوف بال َب ْيت بطِيب فيه ِم ْس ٌك(‪.)1‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رشفها و َأطي ُبها‪ ،‬وهو ا َّلذي ت َ‬
‫ُْضب به‬ ‫وامل ْس ُك َملك أنوا ِع ال ِّطيب‪ ،‬و َأ َ‬
‫غريه‪ ،‬وال ُيش َّبه ب َغ ْريه‪.‬‬ ‫األَ ُ‬
‫مثال‪ ،‬و ُيش َّبه به ُ‬
‫مر‬ ‫عن ِ‬ ‫وضع‪ ،‬ويف الصحيحني ِ‬ ‫َنخْ ل‪ :‬مذكور يف ال ُقرآن يف غري م ِ‬
‫ابن ُع َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫‪ ،‬قال‪َ :‬ب ْينا نح ُن ِعند ر ِ‬
‫َّبي ﷺ‪:‬‬ ‫بج َّامر نَخلة‪ ،‬فقال الن ُّ‬ ‫يت ُ‬ ‫سول اهلل ﷺ إذ ُأ ِ َ‬ ‫َ‬
‫الر ُج ِل املُْ ْسلِ ِم َال َي ْس ُق ُط َو َر ُق َها‪َ ،‬أخْ َِب ِ‬
‫وين َما‬ ‫«إِ َّن ِم َن َّ‬
‫الش َج ِر َش َج َر ًة َم َث ُل َها َمثَ ُل َّ‬
‫ُ‬
‫َّخل ُة‪ ،‬ف َأ َر ْدت أن‬
‫وادي‪ ،‬فو َق َع يف َن ْفيس أهنا الن ْ‬ ‫ِهي؟» فو َقع الناس يف شجر الب ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َت‪ .‬فقال َر ُ‬
‫سول اهلل‬ ‫َّخل ُة‪ُ .‬ث َّم ن َظ ْرت فإذا أنا َأص َغر ال َق ْوم ِسنًّا‪ ،‬فسك ُّ‬ ‫قول‪ :‬هي الن ْ‬ ‫َأ َ‬
‫ِ‬
‫ب إ َّيل من‬ ‫مر‪ ،‬فقال‪ :‬ألَ ْن تَكون ُقلتَها َ‬
‫أح ُّ‬ ‫ﷺ‪« :‬ه َي النَّخْ َل ُة»‪ ،‬فذك َْرت ذلك ل ُع َ‬
‫كذا وكذا(‪.)2‬‬

‫َضمنَه تَشبي ُه املُسلِم بالن َّْخلة و َك ْثرة َخ ْريها‪ ،‬ودوام‬ ‫ِ‬


‫حلديث‪ :‬ما ت َّ‬‫ففي هذا ا َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ووجوده عىل الدَّ وام‪.‬‬‫ظ ِّلها وطيب َث َمرها ُ‬
‫شجر‬ ‫أعم‪ ،‬فإنه يف ال ُّلغة ُّ‬
‫كل َ‬ ‫َيقطني‪ :‬وهو الدُّ َّباء وال َق ْرع‪ ،‬وإن كان ال َي ُ‬
‫قطني َّ‬
‫هلل تعاىل‪﴿ :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬ ‫والق َّثاء ِ‬
‫واخليار‪ ،‬قال ا ُ‬ ‫ساق‪ ،‬كالبِ ِّطيخ ِ‬ ‫ال تَقوم عىل ٍ‬

‫ﯘ ﯙ﴾ [الصافات‪.]146 :‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)1539‬ومسلم (‪.)1191‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)5444‬ومسلم (‪.)2811‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪430‬‬

‫ديث أنَس بن مالِك ‪ ‬أن َخ َّيا ًطا دعا‬ ‫ثب َت يف الصحيحني من ح ِ‬


‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫فقرب إليه‬ ‫ِ‬ ‫سول اهلل ﷺ ل َطعا ٍم َصنَ َع ُه‪ ،‬قال َأنَس‪َ :‬‬ ‫َر َ‬
‫مع َرسول اهلل ﷺ َّ‬ ‫فذه ْب ُت َ‬
‫ومر ًقا فيه ُد َّباء وقديد‪ .‬قال َأنَس‪َ :‬فر َأ ْي ُت َر َ‬
‫سول اهلل ﷺ َي َت َت َّب ُع الدُّ َّبا َء‬ ‫ُخ ْب ًزا من َشعري َ‬
‫ِ‬
‫ب الدُّ َّباء من ذلك ال َي ْوم(‪.)1‬‬ ‫الص ْحفة‪ ،‬فلم َأ َز ْل ُأح ُّ‬ ‫من َح َ ِ‬
‫وايل َّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5436‬ومسلم (‪.)2041‬‬


‫‪ | 432‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪433‬‬

‫[القس الرانبع]‬
‫فصولٌ يف هديِه ﷺ يف بقضمتِه وبحرامِه‬
‫‪ | 434‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪435‬‬

‫[بوال‪ :‬كتا جامع]‬

‫ذكر الترشي ِع العام وإن كانت أقضيتُه اخلاص ُة‬ ‫الغرض من ذلك َ‬ ‫ُ‬ ‫وليس‬
‫هديه يف احلكومات اجلزئ َّي ِة التي َفصل هبا َ‬
‫بني‬ ‫كر ِ‬ ‫ُ ِ‬
‫الغرض ذ ُ‬ ‫ترشي ًعا عا ًّما‪ ،‬وإنام‬
‫ونذكر مع ذلك قضايا ِمن‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الناس‪،‬‬ ‫اخلصو ِم‪ ،‬وكيف كان هد ُيه يف احلك ِم بني‬
‫ِ‬
‫الكلية‪.‬‬ ‫أحكامه‬

‫‪ -1‬فصل [يف احلبس يف التهد ]‬


‫ِ‬
‫حديث َهب ِز بن حكي ٍم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن َجدِّ ه‪ ،‬أنه ﷺ َحبس يف‬ ‫ثبت عنه ﷺ من‬
‫ُهت ٍ‬
‫مة)‪.(1‬‬

‫‪ -2‬فصل يف حُردِه ﷺ يف احملارنبني‬


‫مل أعينِهم‪ ،‬كام سملوا عني الر ِ‬ ‫ِ‬
‫عاء‪،‬‬ ‫َ ِّ‬ ‫وس ِ ُ‬ ‫وأرجلهم‪َ ،‬‬‫ُ‬ ‫َحكم بقط ِع أيدهيم‪،‬‬
‫بالرعاء)‪.(2‬‬ ‫ً‬
‫وعطشا كام فعلوا ِّ‬ ‫وتركهم حتى ماتوا جو ًعا‬

‫‪ -3‬فصل يف حُردِه ﷺ نبني القاتل وول ِّ املقتول‬

‫آخر أنه قتل أخاه‪،‬‬ ‫ثبت يف «صحيح مسلم» عنه ﷺ أن ً‬


‫رجال ا َّدعى عىل َ‬
‫وىل‪ ،‬قال‪« :‬إن قتله‪ ،‬فهو مث ُله»‪ ،‬فرجع‬
‫فاعرتف‪ ،‬فقال‪« :‬دونك صاح َبك»‪ ،‬فلام َّ‬
‫بإثمك وإثم صاحبِك؟»‬ ‫بأمرك‪ ،‬فقال ﷺ‪« :‬أما تُريدُ أن يبوء ِ‬
‫فقال‪ :‬إنام أخذتُه ِ‬
‫َ‬
‫فخىل سبي َله)‪.(3‬‬
‫قال‪ :‬بىل‪َّ ،‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)3630‬والرتمذي (‪.)1417‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه البخاري (‪ ،)6802‬ومسلم (‪.)1671‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه مسلم (‪.)1680‬‬
‫‪ | 436‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ويف قولِه‪« :‬فهو مث ُله»‪ ،‬قوالن‪:‬‬


‫َ‬
‫القاتل إذا أقيد منه؛ سقط ما عليه‪.‬‬ ‫أحدُ مها‪ :‬أن‬
‫قتل أخيه فقتله به‪ ،‬فهو م ٍ‬
‫تعد مث ُله‪.‬‬ ‫والثاين‪ :‬أنه إن كان مل ُير ْد َ‬
‫ُ‬

‫‪ -4‬فصل يف حُردِه ﷺ نبالقَ َود على من قتل جاري ً‪ ،‬وبنه يُفعل نبه كدا فَعل‬

‫رأس جارية بني حجرين عىل‬ ‫رض َ‬ ‫ثبت يف «الصحيحني»‪ :‬أن هيود ًّيا َّ‬
‫رأسه بني‬
‫رض ُ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ أن ُي َّ‬ ‫خذ فاعرتف‪ ،‬فأمر‬ ‫أوضاح هلا ‪-‬أي‪ُ :‬ح ِ ٍّيل‪ -‬ف ُأ َ‬
‫ٍ‬
‫حجرين)‪.(1‬‬
‫ِ‬
‫الرجل باملرأة‪ ،‬وعىل أن اجلاين ُيفعل به كام‬ ‫ويف هذا احلكم ٌ‬
‫دليل عىل قتل‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ مل يد َفعه إىل‬ ‫القتل ِغيل ًة حدٌّ ال ُيشرتط فيه ُ‬
‫إذن الويل؛ فإن‬ ‫فعل‪ ،‬وأن َ‬
‫ِ‬
‫أوليائها‪ ،‬ومل يقل‪ :‬إن شئتُم فاقتلوه‪ ،‬وإن شئتُم فاعفوا عنه‪ ،‬بل قت َله ً‬
‫حتام‪.‬‬

‫‪ -5‬فصل يف حُردِه ﷺ فمدن ضر امربةً حامال فطرحَها‬

‫بح ٍ‬
‫جر‬ ‫ُ‬
‫إحدامها األخرى َ‬ ‫ذيل رمت‬ ‫يف «الصحيحني» أن امرأتني من ُه ٍ‬
‫ٍ‬
‫وليدة يف اجلنني‪،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ بِ ُغر ٍة‪ٍ :‬‬
‫عبد أو‬ ‫ُ‬ ‫فقتلتْها وما يف بطنِها‪ ،‬فقَض فيه‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القاتلة)‪.(2‬‬ ‫وجعل دي َة املقتولة عىل َ‬
‫عصبة‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪ ،)2413‬ومسلم (‪.)1672‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه البخاري (‪ ،)6740‬ومسلم (‪.)1681‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪437‬‬

‫‪ -6‬فصل يف حُردِه ﷺ نبالقسامَ فمدن مل يُعرف قاتله‬

‫ِ‬
‫األنصار واليهود‪ ،‬وقال‬ ‫ثبت يف «الصحيحني»‪ :‬أنه ﷺ حكم هبا بني‬
‫ِ‬
‫وعبد الرمحن‪« :‬أحتلفون وتَستح ُّقون د َم صاحبِكم؟»‪ -‬وقال‬ ‫وحم ِّي َص َة‬
‫حلو ِّي َص َة ُ‬
‫ُ‬
‫البخاري‪« :‬وتستحقون قات َلكم أو صاح َبكم» ‪ -‬فقالوا‪ٌ :‬‬
‫أمر مل نشهدْ ه ومل نره‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫َ‬
‫أيامن قو ٍم كفار؟ فوداه‬ ‫ِ‬
‫بأيامن مخسني»‪ ،‬فقالوا‪ :‬كيف نَقبل‬ ‫فقال‪« :‬فتَُبئكم َيو ُد‬
‫رسول اهلل ﷺ ِمن ِ‬
‫عنده(‪.)1‬‬ ‫ُ‬

‫برمتِه إليه»)‪.(2‬‬
‫دفع َّ‬ ‫ٍ‬
‫رجل منهم‪ ،‬ف ُي ُ‬
‫لفظ‪« :‬ي ِ‬
‫قسم مخسون منكم عىل‬ ‫ُ‬
‫ويف ٍ‬

‫‪ -7‬فصل يف حُردِه ﷺ فمدن َّ‬


‫تزوجَ امربةَ بنبمه‬

‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ بع َثه إىل‬ ‫عن معاوي َة بن قرة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جدِّ ه ‪ :‬أن‬
‫مخس ما َله»‪ ،‬قال حييى بن معني‪ :‬هذا‬
‫فْض َب عن َقه‪ ،‬و َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫أعر َس بامرأة أبيه‪َ َ ،‬‬
‫رجل َ‬
‫حديث صحيح)‪.(3‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬من‬ ‫ٍ‬
‫عباس قال‪ :‬قال‬ ‫ِ‬
‫حديث ابن‬ ‫ويف «سنن ابن ماجه» من‬
‫و َقع عىل ِ‬
‫ذات حمر ٍم فاقت ُلوه»)‪.(4‬‬ ‫َ َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3173‬ومسلم (‪.)1669‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه مسلم (‪.)1669‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه ابن ماجه (‪.)2608‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه ابن ماجه (‪.)2564‬‬
‫‪ | 438‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -6‬فصل يف حُردِه ﷺ نبقتل من اتُّه نبأمِّ ولده فلدا ظهرت نبراءتُه بمسكَ عنه‬

‫لعيل بن‬
‫النبي ﷺ ِّ‬ ‫عم ماري َة كان ُيتَّهم هبا‪ ،‬فقال ُّ‬
‫أنس ‪ ،‬أن اب َن ِّ‬ ‫عن ٍ‬
‫عيل فإذا‬‫فاَضب عن َقه»‪ ،‬فأتاه ٌّ‬
‫ْ‬ ‫اذهب فإن وجدته عند ماري َة‪،‬‬‫طالب ‪ْ « :‬‬ ‫ٍ‬ ‫أيب‬
‫بوب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اخرج‪ ،‬فناوله يدَ ه‪ ،‬فأخرجه‪ ،‬فإذا هو َجم ٌ‬ ‫ْ‬ ‫عيل‪:‬‬
‫رب ُد فيها‪ ،‬فقال له ٌّ‬
‫هو يف َرك ٍّي َيت َّ‬
‫جمبوب‪ ،‬ما‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬إنه‬ ‫النبي ﷺ فقال‪ :‬يا‬ ‫عيل‪ ،‬ثم أتى َّ‬
‫فكف عنه ٌّ‬
‫َّ‬ ‫ذكر‪،‬‬‫ليس له ٌ‬
‫ذكر)‪.(1‬‬
‫له ٌ‬
‫النبي ﷺ‬ ‫ِ‬
‫الناس‪ ،‬وأحس ُن ما يقال‪ :‬أن َّ‬ ‫وقد أشك ََل هذا القضا ُء عىل ٍ‬
‫كثري من‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أمر عل ًّيا ‪ ‬بقتلِه‬
‫تبني‬‫تعزيرا إلقدامه وجرأته عىل َخلوته بأ ِّم ولده ﷺ‪ ،‬فلام َّ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫القتل بتبيني‬ ‫كف عن قتله‪ ،‬واستغنى عن‬ ‫لعيل حقيق ُة احلال‪ ،‬وأنه بري ٌء من الريبة‪َّ ،‬‬‫ٍّ‬
‫دائر معها وجو ًدا‬ ‫والتعزير بالقتل ليس بالز ٍم كاحلدِّ ‪ ،‬بل هو ٌ‬ ‫ِ‬
‫تابع للمصلحة ٌ‬ ‫ُ‬ ‫احلال‪.‬‬
‫وعد ًما‪.‬‬

‫‪ -9‬فصل يف قضائه ﷺ نبتأخريِ القصاص من اوجُرح حتى يَندملَ‬

‫عيب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪ :‬أن‬ ‫يف «مسند اإلمام أمحد» من حديث عمرو بن ُش ٍ‬
‫النبي ﷺ فقال‪ِ :‬أقدْ ين‪ .‬فقال‪« :‬حتى‬ ‫ِ‬
‫رجال ب َقرن يف ُركبته‪ ،‬فجاء إىل ِّ‬
‫رجال طعن ً‬‫ً‬
‫عرجت‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪،‬‬ ‫ََبأ»‪ ،‬ثم جاء إليه فقال‪ِ :‬‬
‫أقدين‪ .‬فأقاده‪ ،‬ثم جاء إليه‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬ ‫ت َ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫َ‬
‫وبطل عرجتَك»‪ ،‬ثم هنى‬ ‫فقال‪« :‬قد هنيتُك فعصيتَني؛ فأبعدك اهلل‪،‬‬
‫جرح حتى َيرب َأ صاح ُبه)‪.(2‬‬
‫قتص من ٍ‬‫أن ُي َّ‬

‫)‪ (1‬أخرجه مسلم (‪.)2771‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه أمحد ‪.)7034( 606/11‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪439‬‬

‫ستقر‬
‫االقتصاص من اجلرح حتى َي َّ‬
‫ُ‬ ‫تضمنت هذه احلكوم ُة‪ ،‬أنه ال ُ‬
‫جيوز‬ ‫وقد َّ‬
‫وجواز‬
‫َ‬ ‫بالقود‪،‬‬
‫َ‬ ‫ستقر ٍة‪ .‬وأن رساي َة اجلناية مضمون ٌة‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أمره‪ ،‬إما باندمال أو برساية ُم َّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫والقرن ونحومها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الْضبة بالعصا‬ ‫القصاص يف‬

‫‪ -11‬فصل يف قضائِه ﷺ نبالقصاصِ يف كسر السِّنِّ‬

‫أنس‪ ،‬أن ابن َة النْض أخت ُّ‬


‫الر َبي ِع لطمت‬ ‫ٍ‬ ‫يف «الصحيحني»‪ :‬من حديث‬
‫ِ‬
‫بالقصاص‪ ،‬فقالت أ ُّم‬ ‫النبي ﷺ‪ ،‬فأمر‬ ‫ِّ‬ ‫جاري ًة‪ ،‬فكرست سنَّها‪ ،‬فاختصموا إىل‬
‫النبي ﷺ‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫الربِيعِ‪ :‬يا‬
‫قتص منها‪ ،‬فقال ُّ‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬أ ُيقتص من فالنة؟ ال واهلل ال ُي ُّ‬ ‫َّ‬
‫قتص منها أبدً ا‪،‬‬
‫القصاص»‪ ،‬فقالت‪ :‬ال واهلل ال ُي ُّ‬‫ُ‬ ‫كتاب اهلل‬
‫ُ‬ ‫الربيع‬
‫«سبحان اهلل يا أ َّم َّ‬
‫عباد اهلل من لو أقسم عىل اهلل‬ ‫فعفا القوم وقبلوا الدي َة‪ ،‬فقال النبي ﷺ‪« :‬إن من ِ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫ألبره»)‪.(1‬‬
‫َّ‬

‫‪ -11‬فصل يف قضائِه ﷺ فمدن عضَّ يدَ رجل فانتزع يدَه من فمه فسقطت ثَنمَّ ُ‬
‫العاضِّ نبإهدارِها‬

‫رجل‪ ،‬فنزع يدَ ه من فِيه‪ ،‬فوقعت‬


‫ٍ‬ ‫عض يدَ‬ ‫ثبت يف «الصحيحني» أن ً‬
‫رجال َّ‬
‫ُ‬
‫الفحل‪ ،‬ال‬ ‫عض أحدُ كم أخاه كام َي ُّ‬
‫عض‬ ‫النبي ﷺ‪ ،‬فقال‪َ « :‬ي ُّ‬
‫ثناياه‪ ،‬فاختصموا إىل ِّ‬
‫دي َة لك»)‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪ ،)2703‬ومسلم (‪.)1675‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه البخاري (‪ ،)6892‬ومسلم (‪.)1673‬‬
‫‪ | 441‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نفس‬ ‫تضمنت هذه احلكوم ُة أن من خ َّلص َ‬
‫نفسه من يد ظاملٍ له‪ ،‬فتَلفت ُ‬ ‫وقد َّ‬
‫غري مضمون‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الظامل‪ ،‬أو يش ٌء من أطرافه أو ماله بذلك‪ ،‬فهو َهدَ ٌر ُ‬

‫‪ -12‬فصل يف قضائه ﷺ فمدن اطَّلع يف نبمتِ رجل نبغري إذنِه فحَذفه حبَصاة بو‬
‫عودٍ ففقأَ عمنَه فال ش ءَ علمه‬

‫النبي ﷺ قال‪:‬‬ ‫ِ‬


‫ثبت يف «الصحيحني» من حديث أيب هرير َة ‪ ،‬عن ِّ‬
‫ٍ‬
‫بحصاة؛ ففقأت عينَه‪ ،‬مل يكن عليك‬ ‫«لو أن امرءا ا َّطلع عليك بغري ٍ‬
‫إذن‪ ،‬فحذفته‬ ‫ً‬
‫ناح»)‪.(1‬‬
‫ُج ٌ‬

‫‪ -13‬فصل [جامع]‬

‫تضع ما يف‬
‫َ‬ ‫احلامل إذا َقت َلت عمدً ا ال ت ُ‬
‫ُقتل حتى‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ أن‬ ‫وقَض‬
‫بطنِها وحتى َ‬
‫تكفل ولدها‪.‬‬
‫ِ‬
‫بالولد)‪.(2‬‬ ‫وقَض أال ُي َ‬
‫قتل الوالد‬
‫ٍ‬
‫بكافر)‪.(3‬‬ ‫مؤمن‬
‫ٌ‬ ‫وقَض أن املؤمنني تتكاف ُأ دماؤهم‪ ،‬وال ُي ُ‬
‫قتل‬

‫قتيل‪ ،‬فأهله بني ِخريتني‪ ،‬إما أن َيقتلوا أو يأخذوا‬


‫وقَض أن من ُقتل له ٌ‬
‫ال َع َ‬
‫قل)‪.(5) (4‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪ ،)6902‬ومسلم (‪.)2158‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)1400‬وابن ماجه (‪.)2662‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2751‬وابن ماجه (‪.)2685‬‬
‫)‪( (4‬ال َعقل)‪ :‬الدية‪.‬‬
‫)‪ (5‬أخرجه البخاري (‪ ،)2434‬ومسلم (‪.)1355‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪440‬‬

‫عرشا من‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬


‫والرجلني يف كل واحدة ً‬
‫وقَض أن يف دية األصابع من اليدين ِّ‬
‫ِ‬
‫اإلبل)‪.(1‬‬
‫ِ‬
‫اإلبل‪ ،‬وأهنا ك َّلها سوا ٌء(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫األسنان يف ِّ‬
‫كل سن بخمس من‬ ‫وقَض يف‬
‫ٍ‬
‫مخس(‪.)3‬‬ ‫ٍ‬
‫بخمس‬ ‫ِ‬
‫املواضح‬ ‫وقَض يف‬
‫ِ‬
‫الشالء إذا‬ ‫بثلث ديتِها‪ ،‬ويف ِ‬
‫اليد‬ ‫ملكاهنا إذا ُط ِمست ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السادة‬ ‫ِ‬
‫العني‬ ‫وقَض يف‬
‫بثلث ديتِها(‪.)4‬‬ ‫ِ‬
‫السوداء إذا ن ُِزعت ِ‬ ‫بثلث ديتِها‪ ،‬ويف الس ِّن‬
‫ُقطِعت ِ‬

‫ِ‬
‫األنف إذا ُجدع ُك ُّله بالدية كامل ًة‪ ،‬وإذا جدعت أرنبتُه بنصفها)‪.(5‬‬ ‫وقَض يف‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقَض يف املأمومة بثلث الدية‪ ،‬ويف اجلائفة بثلثها‪ ،‬ويف املنقلة بخمس َة َ‬
‫عرش‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اإلبل‪.‬‬ ‫من‬
‫ِ‬
‫بالدية‪ ،‬ويف‬ ‫ِ‬
‫البيضتني‬ ‫ِ‬
‫بالدية‪ ،‬ويف‬ ‫ِ‬
‫الشفتني‬ ‫ِ‬
‫بالدية‪ ،‬ويف‬ ‫ِ‬
‫اللسان‬ ‫وقَض يف‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫بالدية‪ ،‬ويف إحدامها نصفها‪ ،‬ويف‬ ‫ِ‬
‫العينني‬ ‫ِ‬
‫بالدية‪ ،‬ويف‬ ‫ِ‬
‫الصلب‬ ‫ِ‬
‫بالدية‪ ،‬ويف‬ ‫ِ‬
‫الذكر‬
‫الرجل ُيقت َُل‬
‫َ‬ ‫وقَض أن‬ ‫ِ‬
‫الدية‪َ ،‬‬ ‫اليد نصف‬ ‫الدية‪ ،‬ويف ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الواحدة نصف‬ ‫ِ‬
‫الرجل‬
‫ِ‬
‫باملرأة(‪.)6‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)4556‬وابن ماجه (‪ ،)2654‬والنسائي (‪.)4843‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه ابن ماجه (‪.)2651‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن ماجه (‪.)2655‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)4567‬والنسائي (‪.)4840‬‬
‫)‪ (5‬أخرجه أبو داود (‪.)4564‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه النسائي (‪.)4853‬‬
‫‪ | 442‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫العاقلة مئ ٌة من اإلبل(‪،)1‬واختل َفت الرواي ُة عنه يف‬ ‫وقَض أن دي َة اخلطأ عىل‬
‫ِ‬
‫أسناهنا‪.‬‬
‫ِ‬
‫بالدية ثالثني ح َّق ًة‪ ،‬وثالثني جذع ًة‪ ،‬وأربعني‬ ‫ِ‬
‫العمد إذا رضوا‬ ‫وقَض يف‬
‫َ‬
‫خلف ًة‪ ،‬وما ُ‬
‫[صوحلوا] عليه فهو هلم(‪.)2‬‬
‫نصف ِ‬
‫دية احلر»‪ .‬ولفظ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املعاهد‬ ‫ِ‬
‫السنن األربعة عنه ﷺ‪« :‬دي ُة‬ ‫وقد روى ُ‬
‫أهل‬
‫ِ‬
‫عقل املسلمني‪ ،‬وهم اليهو ُد‬ ‫نصف‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الكتابني‬ ‫عقل ِ‬
‫أهل‬ ‫قَض أن َ‬‫ابن ماجه‪َ « :‬‬
‫والنصارى»(‪.)3‬‬
‫ِ‬
‫املرأة القاتلة(‪.)4‬‬ ‫الزوج‪ ،‬وولدَ‬ ‫ِ‬
‫العاقلة‪ ،‬وبر َأ منها‬ ‫ِ‬
‫بالدية عىل‬ ‫وقَض‬
‫َ‬
‫َ‬
‫بقدر ما أ َّدى ِمن كتابتِه دية احلر‪ ،‬وما‬
‫املكاتب أنه إذا ُقتِ َل أنه ُيو َدى ِ‬
‫ِ‬ ‫وقَض يف‬
‫َ‬
‫َب ِق َي فدية اململوك(‪ ،)5‬قلت‪ :‬يعني‪ :‬قيمتَه‪.‬‬

‫‪ -14‬فصل يف قضائِه ﷺ على من بقرَّ نبالزِّنى‬

‫النبي ﷺ‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫أسلم جاء إىل‬
‫َ‬ ‫صحيح البخاري ومسل ٍم أن ً‬
‫رجال من‬ ‫ِ‬ ‫ثبت يف‬
‫أربع مرات‪ ،‬فقال‬ ‫ِ‬
‫النبي ﷺ‪ ،‬حتى شهدَ عىل نفسه َ‬ ‫فأعرض عنه ُّ‬
‫َ‬ ‫فاعرتف بالزنى‪،‬‬
‫َ‬
‫جم‬
‫فأمر به‪ُ ،‬فر َ‬
‫نت؟» قال‪ :‬نعم‪َ .‬‬ ‫جنون؟» قال‪ :‬ال‪ .‬قال‪َ « :‬أ َ‬
‫حص َ‬ ‫ٌ‬ ‫النبي ﷺ‪« :‬أبك‬
‫ُّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)4541‬والرتمذي (‪.)1387‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)1387‬وابن ماجه (‪.)2626‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)4583‬والرتمذي (‪ ،)1413‬وابن ماجه (‪ ،)2644‬والنسائي (‪.)4806‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)4575‬وابن ماجه (‪.)2648‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أبو داود (‪ ،)4581‬والرتمذي (‪ ،)1259‬والنسائي (‪.)4810‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪443‬‬

‫النبي ﷺ‬
‫مات‪ ،‬فقال له ُّ‬
‫جم حتى َ‬ ‫يف املصىل‪ ،‬فلام أذ َل َقته احلجارةُ‪َّ ،‬فر ف ُأ ِ‬
‫درك‪ُ ،‬فر َ‬
‫خريا‪ ،‬وصىل عليه(‪.)1‬‬
‫ً‬
‫زنيت‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬إين قد‬ ‫ويف «صحيح مسلم»‪ :‬جاءت الغامد َّي ُة فقالت‪ :‬يا‬
‫َ‬
‫رسول اهلل مل َ تَر ُّدين‪ ،‬لعلك أن‬ ‫فطهرين‪ ،‬وأنه ر َّدها‪ ،‬فلام كان من ال َغ ِد‪ ،‬قالت‪ :‬يا‬ ‫ِّ‬
‫فاذهبي حتى تلِدي»‪ ،‬فلام‬ ‫حلبىل‪ ،‬قال‪« :‬إما ال‪َ ،‬‬ ‫ماعزا؟ فواهلل إنني ُ‬ ‫تر َّدين كام رددت ً‬
‫فأرضعيه حتى‬ ‫ِ‬ ‫رقة‪ ،‬قالت‪ :‬هذا قد ولدتُه‪ ،‬قال‪« :‬اذهبي‬ ‫ولدت‪ ،‬أ َتتْه بالصبي يف ِخ ٍ‬
‫ِّ‬
‫نبي اهلل قد‬ ‫ِ‬ ‫تف ُطميه»‪ ،‬فلام فطمته أتته‬
‫بالصبي يف يده كرس ُة خبز‪ ،‬فقالت‪ :‬هذا يا َّ‬ ‫ِّ‬
‫فح ِفر هلا‬
‫أمر هبا ُ‬
‫رجل من املسلمني‪ ،‬ثم َ‬ ‫ٍ‬ ‫الصبي إىل‬
‫َّ‬ ‫فطمته‪ ،‬وقد أكل الطعا َم‪ ،‬فدفع‬
‫رأسها‪،‬‬ ‫بحجر‪ ،‬فرمى َ‬‫ٍ‬ ‫الناس فرمجوها‪ ،‬فأقبل خالدُ بن الوليد‬ ‫َ‬ ‫صدرها‪ ،‬وأمر‬‫ِ‬ ‫إىل‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬مهال يا خالدُ ؛ فوالذي‬ ‫ُ‬ ‫وجهه؛ فس َّبها‪ ،‬فقال‬ ‫ِ‬ ‫فانتضح الد ُم عىل‬
‫َ‬
‫فصىل‬‫َّ‬ ‫كس لغُفر له» ثم أمر هبا‪،‬‬ ‫صاحب َم ٍ‬ ‫بيده‪ ،‬لقد تابت توب ًة لو تاهبا‬ ‫نفيس ِ‬
‫ُ‬
‫عليها‪ ،‬و ُدفنت)‪.(2‬‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ قَض فيمن زنَى ومل ُحي َصن بنفي‬ ‫ويف «صحيح البخاري»‪ :‬أن‬
‫ِ‬
‫وإقامة احلدِّ عليه)‪.(3‬‬ ‫عا ٍم‪،‬‬

‫‪ -15‬فصل يف حُرده ﷺ على بهلِ الرتا يف احلدودِ حبر اإلسالمِ‬


‫النبي ﷺ‪ ،‬فذكروا له أن ً‬
‫رجال‬ ‫ثبت يف «الصحيحني»‪ :‬أن اليهو َد جاؤوا إىل ِّ‬
‫شأن الرجم؟»‪،‬‬ ‫ِ‬
‫التوراة يف ِ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬ما َُتدون يف‬
‫ُ‬ ‫منهم وامرأ ًة زنيا‪ ،‬فقال‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)6820‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه مسلم (‪.)1695‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه البخاري (‪.)6833‬‬
‫‪ | 444‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫جم‪ ،‬فأتوا‬
‫الر َ‬‫سال ٍم‪ :‬كذبتم إن فيها َّ‬ ‫وجيلدون‪ ،‬فقال عبدُ اهلل بن َ‬
‫نفض ُحهم ُ‬‫قالوا‪َ :‬‬
‫ضع أحدُ هم يدَ ه عىل آية الرج ِم‪ ،‬فقرأ ما قبلها وما بعدها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫فو َ‬
‫بالتوراة‪ ،‬فنرشوها َ‬
‫الرج ِم‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫فرفع يدَ ه‪ ،‬فإذا فيها آي ُة َّ‬
‫َ‬ ‫فقال له عبدُ اهلل بن سالم‪ :‬ارفع يدَ ك‪،‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ُفرمجا)‪.(1‬‬ ‫الرجم‪ ،‬فأمر هبام‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صدق يا حممدُ ‪ ،‬إن فيها‬

‫الذمي‬ ‫ٍ‬
‫برشط يف اإلحصان‪ ،‬وأن‬ ‫فتضمنت هذه احلكوم ُة أن اإلسال َم ليس‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫َحكم بينهم إال بحك ِم‬ ‫ِ‬ ‫ُحي ِّصن الذم َّي َة‪ ،‬وأن َ‬
‫أهل الذمة إذا حتاكموا إلينا ال ن ُ‬
‫اإلسال ِم‪.‬‬

‫‪ -16‬فصل [يف حرده ﷺ على املقر نبالزنى نبامربة معمن حبد الزنى دون القذف]‬

‫ِ‬
‫القذف‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بامرأة معينة بحدِّ الزنى دون حدِّ‬ ‫وحكم ﷺ عىل من أ َق َّر بالزنى‬
‫فأقر عنده أنه‬ ‫سعد‪ :‬أن ً‬ ‫سهل بن ٍ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النبي ﷺ‪َّ ،‬‬
‫رجال أتى َّ‬ ‫حديث‬ ‫ففي «السنن»‪ :‬من‬
‫املرأة فسأهلا عن ذلك‪ ،‬فأنكرت أن‬‫ِ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ إىل‬ ‫ٍ‬
‫بامرأة سامها‪ ،‬فبعث‬ ‫زنى‬
‫حلدَّ وت ََركها)‪.(2‬‬
‫تكون َزنَت‪ ،‬فجلده ا َ‬

‫‪ -17‬فصل [يف حرده ﷺ يف األم إذا زنت]‬

‫ِ‬
‫باجللد)‪.(3‬‬ ‫وحكم يف األ َم ِة إذا زنت ومل ُحتصن‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪ ،)6841‬ومسلم (‪.)1699‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه أبو داود (‪.)4466‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه البخاري (‪ ،)6837‬ومسلم (‪.)1703‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪445‬‬

‫وأما قو ُله تعاىل يف اإلماء‪ ( :‬ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬


‫ِ‬
‫التزويج‬ ‫ﮱ ﯓ ﯔ) [النساء‪ ،]25 :‬فهو ٌّ‬
‫نص يف أن حدَّ ها بعد‬
‫ِ‬
‫اجللد‬ ‫ِ‬
‫بجلدها‪ ،‬ويف هذا‬ ‫ِ‬
‫التزويج فأمر‬ ‫قبل‬ ‫ِ‬
‫اجللد‪ ،‬وأما َ‬ ‫ِ‬
‫احلرة من‬ ‫نصف حدِّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫قوالن‪:‬‬

‫أحدُ مها‪ :‬أنه احلدُّ ‪.‬‬

‫تعزير ال حدٌّ ‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫الثاين‪:‬‬

‫‪ -16‬فصل [يف حرده ﷺ حبد القذف]‬

‫أنزل اهلل سبحانه براء َة زوجته من‬ ‫ِ‬


‫القذف‪ ،‬ملا َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ بحدِّ‬ ‫وحكم‬
‫ِ‬
‫السامء‪ ،‬فجلدَ رجلني وامرأةً‪.‬‬

‫‪ -19‬فصل [يف حرده ﷺ فمدن نبدل دينه]‬

‫وحكم فيمن بدَّ َل دينَه بالقتل)‪.(1‬‬

‫‪ -21‬فصل [يف حرده ﷺ يف شار اخلدر]‬

‫ِ‬
‫اخلمر بْضبِه باجلريد والنِّعال‪ ،‬وِضبه أربعني‪ ،‬وتبعه أبو‬ ‫ِ‬
‫شارب‬ ‫وحكم يف‬
‫ٍ‬
‫بكر ‪ ‬عىل األربعني)‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪.)3017‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه البخاري (‪ ،)6773‬ومسلم (‪.)1706‬‬
‫‪ | 446‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -21‬فصل يف حُرده ﷺ يف السارقِ‬

‫دراهم)‪.(1‬‬
‫َ‬ ‫قطع سار ًقا يف جم ٍّن ثمنُه ثالث ُة‬
‫أقل من رب ِع ٍ‬
‫دينار)‪.(2‬‬ ‫وقَض أنه ال تُقطع اليدُ يف َّ‬

‫املتاع وِتحدُ ه بقط ِع يدها)‪.(3‬‬ ‫ٍ‬


‫وحكم يف امرأة كانت تستعري َ‬
‫ِ‬
‫واخلائن)‪ ،(4‬واملرا ُد‬ ‫نتهب‪ ،‬واملُختلس‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بإسقاط ال َقطع عن املُ ِ‬ ‫وحكم ﷺ‬
‫ِ‬
‫الوديعة‪.‬‬ ‫باخلائن‪ :‬خائ ُن‬

‫الثمر وال َك َث ِر)‪ ،(5‬وحكم أن من أصاب منه‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سارق‬ ‫طع عن‬‫وأسقط ﷺ ال َق َ‬
‫ٍ‬
‫بِشء‪ ،‬فعليه غرام ُة مثليه‬ ‫حمتاج؛ فال يش َء عليه‪ ،‬ومن خرج منه‬ ‫شي ًئا ِ‬
‫بفمه وهو‬
‫ٌ‬
‫القطع إذا بلغ ثم َن‬
‫ُ‬ ‫والعقوبة)‪ ،(6‬ومن رسق منه شي ًئا يف جرينِه ‪-‬هو بيدَ ُره‪ -‬فعليه‬
‫املِج ِّن)‪.(7‬‬
‫ُ‬
‫صفوان‬ ‫ِ‬
‫املسجد‪ ،‬فأراد‬ ‫صفوان بن أم َّي َة عليه يف‬
‫ُ‬ ‫سارق ٍ‬
‫رداء نام‬ ‫ِ‬ ‫وقَض بقط ِع‬
‫هال كان قبل أن تأتِ َيني به»)‪.(8‬‬
‫أن هي َبه إياه‪ ،‬أو يبي َعه منه‪ ،‬فقال ﷺ‪َّ « :‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪ ،)6795‬ومسلم (‪.)1686‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه البخاري (‪ ،)6789‬ومسلم (‪.)1684‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)4395‬النسائي (‪.)4887‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه الرتمذي (‪.)1448‬‬
‫)‪( (5‬ال َك َثر)‪ :‬مجار النخل‪ ،‬ويقال طلعها‪.‬‬
‫)‪ (6‬أخرجه أبو داود (‪ ،)4390‬وابن ماجه (‪ ،)2596‬والنسائي (‪.)4958‬‬
‫)‪ (7‬أخرجه أبو داود (‪ ،)4390 ،1710‬والنسائي (‪.)4958‬‬
‫)‪ (6‬أخرجه أبو داود (‪ ،)4394‬وابن ماجه (‪.)2595‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪447‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املسجد)‪.(1‬‬ ‫النساء يف‬ ‫وقطع سار ًقا رسق ت ً‬
‫ُرسا من صفة‬

‫‪ -22‬فصل يف قضائه ﷺ فمدن سبَّه من مسل بو ذم بو معاهد‬

‫نفرا ممَّن‬ ‫ِ‬ ‫قت ََل مجاع ًة من‬


‫الناس يو َم الفتح إال ً‬
‫َ‬ ‫اليهود عىل س ِّبه وأذاه‪ ،‬وأ َّمن‬
‫ِ‬
‫لكعب بن األِشف!‬ ‫ٍ‬
‫رجال وامرأتان‪ .‬وقال‪َ « :‬من‬ ‫كان يؤذيه وهيجوه‪ ،‬وهم أربع ُة‬
‫فإنه قد آذى اهلل ورسو َله»)‪ ،(2‬وأهدَ َر د َمه ود َم أيب رافع‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫عرش حدي ًثا ما بني‬
‫إمجاع‬
‫ُ‬ ‫ومشاهري‪ ،‬وهو‬
‫َ‬ ‫وحسان‬ ‫ٍ‬
‫صحاح‬ ‫ويف ذلك بضع َة َ‬
‫ِ‬
‫الصحابة‪.‬‬

‫تعد ْل»‪ ،‬ويف‬‫اعد ْل فإنَّك مل ِ‬


‫قتل من قدَ ح يف عدلِه بقولِه‪ِ « :‬‬
‫َ‬ ‫وأ َّما تركُه ﷺ َ َ‬
‫قصده بقولِه‪« :‬إن هذه قسم ٌة ما ُأريدَ هبا‬
‫ِ‬ ‫ابن عمتِك»‪ ،‬ويف‬ ‫حكمه بقولِه‪ْ « :‬‬
‫أن كان َ‬
‫ِ‬

‫احلق له ﷺ‪ ،‬فله أن يستوف َيه‪ ،‬وله أن يرتكَه‪،‬‬ ‫وج ُه اهلل»‪ ،‬وغري ذلك‪ ،‬فذلك أن َّ‬
‫ِ‬ ‫وأيضا فإن هذا كان يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫وليس أل َّمتِه ُ‬
‫األمر حيث كان‬ ‫أول‬ ‫ترك استيفاء ح ِّقه ﷺ‪ً ،‬‬
‫ِ‬
‫التأليف ومج ِع‬ ‫ِ‬
‫ملصلحة‬ ‫وأيضا فإنه كان يعفو عن ح ِّقه‬ ‫ِ‬
‫والصفح‪ً ،‬‬ ‫ِ‬
‫بالعفو‬ ‫مأمورا‬ ‫ﷺ‬
‫ً‬
‫تص‬ ‫يقتل أصحا َبه‪ُّ ،‬‬‫الناس عنه‪ ،‬ولئال يتحدثوا أنه ُ‬ ‫ولئال ين ِّفر‬ ‫ِ‬
‫الكلمة؛ َّ‬
‫وكل هذا خي ُّ‬ ‫َ‬
‫بحياتِه ﷺ‪.‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه أبو داود (‪.)4386‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه البخاري (‪ ،)2510‬ومسلم (‪.)1801‬‬
‫‪ | 448‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -23‬فصل يف حرده ﷺ يف اوجاسوس‬


‫ثب َت أن حاطب بن أيب بلتعة ملا جس عليه‪ ،‬سأله عمر ‪ِ ‬ضب ِ‬
‫عنقه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫أهل ٍ‬
‫بدر فقال‪ :‬اعم ُلوا ما شئتم‬ ‫لع عىل ِ‬‫لعل اهلل ا َّط َ‬
‫دريك َّ‬ ‫فلم يمكِّنه‪ ،‬وقال‪« :‬ما ُي ِ‬
‫ِ‬
‫املسألة)‪.(2‬‬ ‫حكم‬ ‫غفرت لكم»)‪ ،(1‬وقد تقدَّ م‬
‫ُ‬ ‫فقد‬
‫ُ‬

‫‪ -24‬فصل يف حُردِه ﷺ يف األسرى‬


‫بعضهم‪ ،‬ومن عىل ِ‬
‫بعضهم‪ ،‬وفادى‬ ‫ثبت عنه ﷺ يف األرسى أنه قتل َ‬
‫َّ‬
‫املعروف‬
‫َ‬ ‫بعضهم‪ ،‬ولكن‬ ‫َّ‬
‫واسرتق َ‬ ‫وبعضهم بأرسى من املسلمني‪،‬‬
‫َ‬ ‫بعضهم ٍ‬
‫بامل‪،‬‬ ‫َ‬
‫أنه مل يسرتق ً‬
‫رجال بال ًغا‪.‬‬
‫ِ‬
‫املصلحة‪.‬‬ ‫وهذه أحكا ٌم مل ُينسخ منها يش ٌء‪ ،‬بل ُخي َّ ُري اإلما ُم فيها بحسب‬

‫‪ -25‬فصل [يف حُردِه ﷺ يف المهود]‬

‫اليهود بعدَّ ِة قضايا‪:‬‬


‫ِ‬ ‫وحكم يف‬
‫ِ‬
‫ومن عليهم‪،‬‬
‫ُقاع‪ ،‬فظفر هبم‪َّ ،‬‬‫فعاهدهم َّأو َل َمقدمه املدين َة‪ ،‬ثم حاربه بنو َقين َ‬
‫فظفر هبم وأجالهم‪ ،‬ثم حاربه بنو ُقريظ َة‪ِ ،‬‬
‫فظفر هبم‬ ‫النضري‪ِ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ثم حاربه بنو‬
‫َ‬
‫رب ما شا َء سوى من‬ ‫ِ‬
‫أرض خي َ‬ ‫وأقرهم يف‬‫رب‪ ،‬فظفر هبم‪َّ ،‬‬ ‫وقتلهم‪ ،‬ثم حار َبه ُ‬
‫أهل خي َ‬
‫َقتل منهم‪.‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3007‬ومسلم (‪.)2494‬‬


‫)‪(2‬انظر (ص‪.)274‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪449‬‬

‫ُقتل ُمقاتلتُهم‪ ،‬وتُس َبى ذريتهم‬ ‫ٍ‬


‫معاذ يف بني ُقريظ َة بأن ت َ‬ ‫وملا حكم سعدُ بن‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ :‬أن هذا حكم اهلل ‪ ‬من ِ‬
‫فوق سبع‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أمواهلم‪ ،‬أخربه‬ ‫وتُغن ََم‬
‫ُ‬
‫سموات)‪.(1‬‬
‫نقضهم إىل ِ‬
‫نسائهم و ُذر َّيتهم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫العهد يرسي ُ‬ ‫كم‪ :‬أن ناقِض‬
‫حل ُ‬
‫وتضمن هذا ا ُ‬
‫َّ‬

‫‪ -26‬فصل يف حُردِه ﷺ يف قِسد ِ الغنائ‬

‫سهام)‪.(2‬‬ ‫ِ‬
‫للفارس ثالث َة أسه ٍم وللراجل ً‬ ‫حكم ﷺ أن‬
‫ابن إسحاق‪ :‬كانت ُ‬
‫اخليل يو َم بني قريظ َة‬ ‫ِ‬
‫بإخراج اخلمس‪ ،‬فقال ُ‬ ‫حكمه‬
‫ُ‬ ‫وأ َّما‬
‫ُ‬ ‫أول ٍ‬
‫فرسا‪ ،‬وكان ُ‬
‫اخلمس‪،‬‬
‫َ‬ ‫وأخر َج منه‬
‫َ‬ ‫السهامن‪،‬‬ ‫يفء وق َع ْت فيه‬ ‫ست ًة وثالثني ً‬
‫ومض ْت به السن ُة(‪.)3‬‬
‫َ‬
‫ببعري‪ ،‬فهذا يف التقوي ِم وقسمة‬ ‫ٍ‬
‫عرشة منها ٍ‬ ‫ِ‬
‫اإلبل والغن ِم ُّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬
‫قسمة‬ ‫وعدَ َل يف‬
‫ِ‬
‫املشرتك‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املال‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ عا َم احلديبية البدن َة‬ ‫نح ْرنا مع‬ ‫ِ‬
‫اهلدي فقد قال جابر‪َ « :‬‬ ‫وأ َّما يف‬
‫حجة الودا ِع فقال جابر‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫سبعة»)‪ ،(4‬فهذا يف احلديبية‪ ،‬وأ َّما يف‬ ‫ٍ‬
‫سبعة والبقر َة عن‬ ‫عن‬
‫سبعة منا يف ٍ‬
‫بدنة»)‪،(5‬‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫ِ‬
‫والبقر ُّ‬ ‫ِ‬
‫اإلبل‬ ‫َ‬
‫نشرتك يف‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ أن‬ ‫أمرنا‬
‫أيضا‪َ :‬‬
‫ً‬
‫وكالمها يف الصحيح‪.‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3804‬ومسلم (‪.)1768‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه البخاري (‪ ،)4228‬ومسلم (‪.)1762‬‬
‫(‪ )3‬انظر سرية ابن هشام ‪.244/2‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه مسلم (‪.)1318‬‬
‫)‪ (5‬أخرجه مسلم (‪.)1213‬‬
‫‪ | 451‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -27‬فصل [يف حُردِه ﷺ نبالسلب كله للقاتل]‬

‫خيمسه ومل جي َع ْله من‬ ‫ِ‬


‫للقاتل ‪ ،‬ومل ِّ‬
‫)‪(1‬‬ ‫ِ‬
‫بالسلب ك ِّله‬ ‫حك ََم رسول اهلل ﷺ‬
‫حكمه وقضاؤه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الغنيمة‪ ،‬وهذا‬ ‫ِ‬
‫أصل‬ ‫اخلمس‪ ،‬بل ِ‬
‫من‬ ‫ِ‬
‫ُ‬

‫‪ -26‬فصل يف حُردِه ﷺ فمدا حازه املشركونَ من بموالِ املسلدني ث ظهر علمه‬


‫املسلدون بو بسل علمه املُشركون‬

‫العدو‪ ،‬فظهر عليه‬


‫ُّ‬ ‫عمر ‪ ‬ذهب وأخذه‬ ‫فرسا ِ‬
‫البن َ‬ ‫يف «البخاري»‪ :‬أن ً‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وأ َب َق له عبدٌ فلحق بالرو ِم‪ ،‬فظهر عليه‬ ‫املسلمون ُفر َّد عليه يف ِ‬
‫زمن‬
‫املسلمون فر َّده عليه خالدٌ يف زمن أيب ٍ‬
‫بكر ‪. (2) ‬‬ ‫َ‬

‫وصح عنه‪ :‬أن املهاجرين طلبوا منه ُدورهم يو َم الفتح بم َّك َة‪ ،‬فلم ير َّد عىل‬
‫َّ‬
‫دارك بم َّك َة؟ فقال‪« :‬وهل ترك لنا َع ٌ‬
‫قيل‬ ‫َنزل غدً ا من ِ‬
‫داره‪ ،‬وقيل له‪ :‬أين ت ُ‬ ‫ٍ‬
‫أحد َ‬
‫يضمنوا ما أتلفوه‬
‫َ‬ ‫الكفار واملحاربني إذا أسلموا مل‬
‫َ‬ ‫السنَّ ُة أن‬
‫منزال» ‪ ،‬فمضت ُّ‬
‫)‪(3‬‬
‫ً‬
‫َ‬
‫أمواهلم التي َغصبوها عليهم‪ ،‬بل‬ ‫نفس أو ٍ‬
‫مال‪ ،‬ومل يردوا عليهم‬ ‫عىل املسلمني من ٍ‬
‫حكمه وقضاؤه ﷺ‪.‬‬ ‫يشء فهو له‪ ،‬هذا‬ ‫من أسلم عىل ٍ‬
‫ُ‬
‫‪ -29‬فصل يف حُردِه ﷺ فمدا كان يُهدَى إلمه‬

‫وغريه‪ ،‬فيقبل منهم ويكاف ُئهم‬


‫َ‬ ‫كان أصحا ُبه ‪ ‬هيدون إليه الطعا َم‬
‫أضعا َفها‪.‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3142‬ومسلم (‪.)1751‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه البخاري (‪.)3067‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه البخاري (‪ ،)1588‬ومسلم (‪.)1351‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪450‬‬

‫قس ُمها بني أصحابِه‪ ،‬ويأخذ منها‬ ‫وكانت امللوك هتدي له ف َي ُ‬


‫قبل هداياهم‪ ،‬و ُي ِّ‬
‫كالصفي الذي له من املغن ِم‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫لن ْف ِسه ما خيتاره‪ ،‬فيكون‬
‫زررة‬ ‫ٍ‬
‫ديباج ُم َّ‬ ‫النبي ﷺ ُأهديت إليه َأقبي ُة‬
‫َّ‬ ‫ويف «صحيح البخاري»‪ :‬أن‬
‫نوفل‪ ،‬فجاء‬ ‫ٍ‬ ‫ناس من أصحابه‪ ،‬وعزل منها واحدً ا ملخرم َة بن‬ ‫فقسمها يف ٍ‬ ‫بالذهب‪َ ،‬‬
‫النبي ﷺ صوتَه‪ ،‬فتل َّقاه به‬ ‫ِ‬
‫ادعه يل‪ ،‬فسمع ُّ‬‫سور ابنُه‪ ،‬فقام عىل الباب فقال‪ُ :‬‬ ‫ومعه امل ُ‬
‫فاستقبله‪ ،‬وقال‪« :‬يا أبا املِسور‪ ،‬خ َّب ُ‬
‫أت هذا لك»)‪.(1‬‬
‫ذامي بغل ًة بيضا َء ركبها يو َم حنني‪ ،‬ذكره مسلم)‪.(2‬‬‫بن نُفاث َة ا ُ‬
‫جل ُّ‬ ‫وأهدى له فرو ُة ُ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ملك أيل َة أهدى له بغل ًة بيضا َء‪ ،‬فكساه‬
‫البخاري‪ :‬أن َ‬
‫ُّ‬ ‫وذكر‬
‫ُبردةً‪ ،‬وكتب له ببحرهم)‪.(3‬‬

‫‪ -31‬فصل يف حُردِه ﷺ يف قِسد ِ األموالِ‬


‫والغنائم‪ ،‬والفي ُء‪.‬‬ ‫األموال التي كان النبي ﷺ ِ‬
‫يقسمها ثالث ٌة‪ :‬الزكاةُ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫حكمهام‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فأما الزكا ُة والغنائم فقد تقدم‬
‫وأما حكمه يف الفيء فثبت يف «الصحيح» أنه ﷺ قسم يوم حنني يف املؤ َّل ِ‬
‫فة‬ ‫َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫األنصار شي ًئا فعتبوا عليه‪ ،‬فقال هلم‪« :‬أال ترضون أن‬ ‫عط‬ ‫ِ‬
‫قلوهبم من الفيء‪ ،‬ومل ي ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫برسول اهلل ﷺ حتوزونَه إىل رحالِكم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والبعري‪ ،‬وتنطلقون‬ ‫الناس بالشاة‬
‫ُ‬ ‫يذهب‬
‫َ‬
‫فواهلل َلـام تنقلبون به ٌ‬
‫خري مما ينقلبون به»)‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3127‬ومسلم (‪.)1058‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه مسلم (‪.)1775‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه البخاري (‪ ،)1481‬ومسلم (‪.)1392‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه البخاري (‪ ،)3147‬ومسلم (‪.)1059‬‬
‫‪ | 452‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫بحه‬‫حلك ِم يف مال الفيء ما مل ُي ْ‬
‫والقصد هنا أن اهلل سبحانه أباح لرسوله من ا ُ‬
‫غريهم‪ ،‬والذي أدع‬ ‫لغريه‪ ،‬ويف «الصحيح» عنه ﷺ‪« :‬إين ُأعطي‬ ‫ِ‬
‫وأدع َ‬
‫ُ‬ ‫أقواما‪،‬‬
‫ً‬
‫إَل من الذي أعطي»)‪.(1‬‬
‫أحب َّ‬
‫ُّ‬
‫مصارف‬
‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ وأحكا ُمه أنه كان ُ‬
‫جيعل‬ ‫ِ‬ ‫والذي يدل عليه َهدي‬
‫ِ‬
‫الزكاة‪.‬‬ ‫كمصارف‬‫اخلُمس َ‬
‫ُ‬
‫أموال بني‬ ‫عمر بن اخلطاب ‪ ‬قال‪ :‬كانت‬ ‫ويف «الصحيحني»‪ :‬عن َ‬
‫يل وال ِر ٍ‬
‫كاب‪،‬‬ ‫يوجف املسلمون عليه بِ َخ ٍ‬ ‫النضري مما أفاء اهلل عىل رسولِه مما مل ِ‬
‫ِ‬
‫لفظ‪َُ « :‬يبِس ألهلِه َ‬
‫قوت‬ ‫سنة‪ ،‬ويف ٍ‬‫فكانت للنبي ﷺ فكان ينفق عىل أهلِه نفق َة ٍ‬
‫ِّ‬
‫)‪(2‬‬
‫ُ‬
‫وَيعل ما بقي يف الكُرا ِع والسالح ُعدَّ ًة يف سبيل اهلل» ‪.‬‬ ‫سنتهم‪،‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ إذا أتاه‬ ‫مالك ‪ ‬قال‪ :‬كان‬ ‫ٍ‬ ‫عوف بن‬‫ِ‬ ‫ويف «السنن»‪ :‬عن‬
‫العزب ح ًّظا)‪.(3‬‬ ‫َ‬
‫اآلهل ح َّظني‪ ،‬وأعطى َ‬ ‫يومه‪ ،‬فأعطى‬ ‫الفيء قسمه من ِ‬
‫ُ َ َ‬
‫يترصف فيه‬ ‫ِ‬
‫الفيء‪ :‬هل كان ملكًا لرسول اهلل ﷺ‬ ‫وقد اختلف الفقها ُء يف‬
‫َّ‬
‫كيف يشا ُء‪ ،‬أو مل يكن ملكًا له؟‬
‫ِ‬
‫باألمر‪ ،‬فيض ُعه حيث‬ ‫ف فيه‬
‫يترص ُ‬ ‫والذي ُّ‬
‫تدل عليه سنَّتُه وهد ُيه أنه كان‬
‫َّ‬
‫أمره اهلل‪.‬‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ هبذا فقال‪« :‬واهلل إين ال ُأعطي أحدً ا وال أمن ُعه‪ ،‬إنام‬
‫ُ‬ ‫رصح‬
‫وقد َّ‬
‫أضع حيث ُأ ُ‬
‫مرت»)‪.(4‬‬ ‫قاسم ُ‬
‫ٌ‬ ‫أنا‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري (‪.)7535‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه البخاري (‪ ،)4885‬ومسلم (‪.)1757‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه أبو داود (‪.)2953‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه البخاري (‪.)3117‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪453‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كوات والغنائم وقسم ُة املواريث فإهنا ُمع َّين ٌة ألهلها ال َي َ‬
‫رشكُهم‬ ‫الز ُ‬ ‫وأما َّ‬
‫َ‬
‫أشكل عليهم من‬ ‫األمر بعده من أمرها ما‬ ‫ِ‬ ‫غريهم فيها‪ ،‬فلم ُيشكل عىل والة‬ ‫ُ‬
‫إشكال أمره عليهم ملا طلبت‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ال َفيء‪ ،‬ومل يقع فيها من النِّزاع ما وقع فيه‪ ،‬ولوال‬
‫ث عنه ما كان ِملكًا له‬ ‫ِ‬
‫بنت رسول اهلل ﷺ مريا َثها من ِتركته‪ ،‬وظنت أنه ُي َ‬
‫ور ُ‬ ‫فاطم ُة ُ‬
‫ورث عنه‪ ،‬بل‬‫كسائر املالكني‪ ،‬وخفي عنها ‪ ‬حقيق ُة امللك الذي ليس مما ُي ُ‬ ‫ِ‬
‫هو صدق ٌة بعده‪.‬‬

‫‪ -31‬فصل يف حُردِه ﷺ يف الوفاءِ نبالعهد لعدوِّه‪ ،‬ويف رُسُله بال يُقتلوا وال‬
‫يُحبسوا‪ ،‬ويف النبذِ إىل من عاهده على سواءٍ إذا خافَ منه نقضَ العهدِ‬

‫ُ‬
‫رسول اهلل‪:‬‬ ‫الكذ ِ‬
‫اب ملا قاال‪ :‬نقول إنه‬ ‫َّ‬ ‫لرسويل ُمسيلم َة‬
‫َ‬ ‫ثبت عنه أنه قال‬
‫الر َ‬
‫سل ال تُقتل لقتلتُكام»)‪.(1‬‬ ‫«لوال أن ُّ‬
‫قريش‪ ،‬فأراد املُقا َم عنده‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وثبت عنه أنه قال أليب رافعٍ‪ ،‬وقد أرس َلته إليه‬
‫بالعهد‪ ،‬وال أحبس الَب َد‪ ،‬ولكن ارجع‬‫ِ‬ ‫يس‬ ‫ِ‬
‫يرجع إليهم‪ ،‬فقال‪« :‬إين ال أخ ُ‬
‫ُ‬ ‫وأنه ال‬
‫اآلن فارجع»)‪.(2‬‬
‫نفسك الذي فيها َ‬ ‫قومك‪ ،‬فإن كان يف ِ‬
‫إىل ِ‬

‫قريش ُحذيف َة ب َن اليامن وأباه أطلقومها‪ ،‬وعاهدومها أال‬


‫ٌ‬ ‫أرست‬
‫وملا َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬ن َِفي‬
‫ُ‬ ‫بدر‪ ،‬فقال‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وكانوا خارجني إىل ٍ‬ ‫ُيقاتالهم مع‬
‫ونستعني اهلل عليهم»)‪.(3‬‬ ‫هلم ِ‬
‫بعهدهم‪،‬‬
‫ُ‬

‫)‪ (1‬أخرجه أبو داود (‪.)2761‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه أبو داود (‪.)2758‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه مسلم (‪.)1787‬‬
‫‪ | 454‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -32‬فصل يف حُردِه ﷺ يف األمانِ الصادر من الرِّجالِ والنِّساءِ‬

‫بذمتهم‬ ‫ُ‬
‫تتكافأ دماؤهم و َيسعى َّ‬ ‫ثبت عنه ﷺ أنه قال‪« :‬املسلمون‬
‫أدناهم»)‪.(1‬‬

‫رجلني أجارهتام أ ُّم هانئ ابن ُة ِّ‬


‫عمه)‪.(2‬‬ ‫وثبت عنه ﷺ أنه أجار ُ‬

‫‪ -33‬فصل يف حُردِه ﷺ يف اوجِزي ِ ومقدارها وممَّن تُقبلُ‬

‫ب‪ ،‬ومن أهل ُدومة‬‫العر ِ‬


‫َجران وأي َل َة‪ ،‬وهم من نصارى َ‬
‫َ‬ ‫أخذها ﷺ من ِ‬
‫أهل ن‬
‫ِ‬
‫باليمن‪ ،‬وكانوا‬ ‫وأكثرهم عرب‪ ،‬وأخذها من ا َملجوس‪ ،‬ومن ِ‬
‫أهل الكتاب‬ ‫اجل ِ‬
‫ندل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫العرب‪.‬‬ ‫هيو ًدا‪ ،‬ومل ْ‬
‫يأخذها من مرشكي‬

‫أخذها‬ ‫ِ‬
‫الثالث التي َ‬ ‫ِ‬
‫الطوائف‬ ‫فقال أمحد(‪ )3‬والشافعي(‪ :)4‬ال تُؤخذ إال من‬
‫واملجوس‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ منهم‪ ،‬وهم‪ :‬اليهو ُد والنصارى‬
‫وقالت طائف ٌة‪ :‬يف األم ِم ك ِّلها إذا بذلوا اجلزي َة ُقبِلت منهم‪ ،‬وإنام مل ُ‬
‫يأخذها ﷺ‬
‫ِ‬
‫اجلزية‪.‬‬ ‫نزول ِ‬
‫آية‬ ‫ِ‬ ‫قبل‬‫العرب؛ ألهنم أسلموا ك ُّلهم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األوثان من‬ ‫من ِ‬
‫عبدة‬

‫أخ َذ من كل‬
‫قدرها‪ ،‬فإنه بعث ُمعا ًذا إىل اليمن‪ ،‬وأمره أن َي ُ‬‫كمه يف ِ‬‫وأما ُح ُ‬
‫ثياب معروف ٌة باليمن‪ ،‬ثم زاد فيها ُ‬
‫عمر‬ ‫ٌ‬ ‫دينارا أو قيمته ُمعافِ َر)‪ ،(5‬وهي‬
‫ً‬ ‫حامل‬

‫)‪ (1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2751‬وابن ماجه (‪.)2685‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه البخاري (‪ ،)3171‬ومسلم (‪.)336‬‬
‫(‪ )3‬اختالف األئمة البن هبرية ‪.326/2‬‬
‫(‪ )4‬األم للشافعي ‪.183/4‬‬
‫)‪ (5‬أخرجه أبو داود (‪ ،)3038‬والرتمذي (‪.)623‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪455‬‬

‫الو ِ‬
‫رق‬ ‫مها عىل أهل َ‬ ‫دنانري عىل ِ‬ ‫‪ ‬فجعلها أربع َة‬
‫أهل الذهب‪ ،‬وأربعني در ً‬ ‫َ‬
‫وعمر ‪َ ‬علِ َم ِغنى ِ‬
‫أهل‬ ‫ُ‬ ‫ضعف أهل اليمن‪،‬‬
‫َ‬ ‫فرسول اهلل ﷺ علِم‬
‫ُ‬ ‫وك ٌُّل ُسنة‪،‬‬
‫وقو َهتم‪.‬‬
‫الشام َّ‬

‫‪ -34‬فصل يف حُردِه ﷺ يف اهلُدن وما يَنقُضها‬

‫ثبت عنه ﷺ أنه صالح َ‬


‫أهل م َّك َة عىل وض ِع احلرب بينه وبينهم َ‬
‫عرش سنني‪،‬‬
‫ودخل حلفاؤهم من بني ٍ‬
‫بكر معهم‪ ،‬وحلفاؤه من ُخزاع َة معه‪ ،‬ف َعدَ ت حلفا ُء‬
‫قريش ومل تُنكره‪ ،‬فجعلهم بذلك ناقضني‬ ‫فرضيت ٌ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫حلفائه فغدروا هبم‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫قريش عىل‬
‫َبذ ِ‬
‫عهدهم إليهم‪.‬‬ ‫هد‪ ،‬واستباح غزوهم من غري ن ِ‬
‫للع ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وثبت عنه أنه صالح هيود وعاهدهم ملَّا ِ‬
‫قدم املدين َة فغدروا به ونقضوا عهده‬ ‫َ‬
‫ويظفر هبم‪.‬‬ ‫حيارهبم‬ ‫رارا‪ ،‬وكل ذلك‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫م ً‬
‫لعدوه ما شاء من‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫جواز ُصلح اإلما ِم‬ ‫وكان هذا احلكم فيهم منه ُح َّج ًة عىل‬
‫جائزا له ُ‬
‫فسخه متى شا َء‪.‬‬ ‫ً‬ ‫املُدَّ ِة‪ ،‬فيكون العقدُ‬
‫‪ | 456‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫[ثانما‪ :‬كتا النراح]‬

‫ِذكرُ بقضمتِه وبحرامِه ﷺ يف النِّراحِ وتوانبعِه‬

‫‪ -1‬فصل يف حُردِه ﷺ يف الثَّمِّب والبرر يزوِّجهدا بنبوهدا‬

‫زوجها أبوها وهي كاره ٌة‬ ‫ثبت عنه يف «الصحيحني»‪ :‬أن خنساء َ ِ‬
‫بنت خدا ٍم َّ‬ ‫َ‬
‫نكاحها(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ فر َّد‬ ‫وكانت ث ِّي ًبا‪ ،‬فأتت‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫رسول‬ ‫عباس ‪ :‬أن جاري ًة بِ ً‬
‫كرا أتت‬ ‫ٍ‬ ‫حديث ابن‬ ‫ويف «السنن»‪ :‬من‬
‫النبي ﷺ(‪.)2‬‬ ‫زوجها وهي كاره ٌة‪َّ ،‬‬
‫فخريها ُّ‬ ‫اهلل ﷺ‪ ،‬فذكرت له أن أباها َّ‬
‫ُستأذن» قالوا‪ :‬يا‬
‫َ‬ ‫البكر حتى ت‬
‫ُ‬ ‫ُنكح‬
‫وثبت عنه يف «الصحيح» أنه قال‪« :‬ال ت ُ‬
‫إذهنا؟ قال‪« :‬أن تسكُت»(‪.)3‬‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬وكيف ُ‬

‫‪ -2‬فصل [يف حُردِه ﷺ يف المتمد تستأمر يف نفسها]‬


‫أن اليتيم َة تُستأمر يف ِ‬
‫نفسها‪.‬‬ ‫وقَض ﷺ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ويف السنن األربعة عنه ﷺ‪« :‬اليتيم ُة تُستأمر يف نفسها‪ ،‬فإن َ‬
‫صمتت فهو‬
‫إذهنا‪ ،‬وإن أبت فال جوا َز عليها»(‪.)4‬‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)5138‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2096‬ابن ماجه (‪.)1875‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)5136‬ومسلم (‪.)1419‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2093‬والرتمذي (‪ ،)1109‬والنسائي (‪.)3270‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪457‬‬

‫‪ -3‬فصل يف حُردِه ﷺ يف النراح نبال وَل‬


‫ٍّ‬

‫نفسها بغري ِ‬
‫إذن‬ ‫ٍ‬
‫ت َ‬ ‫نكح ْ‬
‫يف «السنن» عنه من حديث عائشة ‪« :‬أ ُّيام امرأة َ‬
‫مهرها بام‬
‫أصاهبا فلها ُ‬
‫َ‬ ‫فنكاحها ٌ‬
‫باطل‪ ،‬فإن‬ ‫ُ‬ ‫فنكاحها ٌ‬
‫باطل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فنكاحها ٌ‬
‫باطل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وليها؛‬
‫وَل له»‪ ،‬قال الرتمذي‪ :‬حديث‬
‫وَل َمن ال َّ‬
‫فالسلطان ُّ‬
‫ُ‬ ‫أصاب منها‪ ،‬فإن اشتجروا‬
‫َ‬
‫حسن(‪.)1‬‬
‫بوَل»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫نكاح إال ٍّ‬
‫ويف السنن األربعة عنه‪« :‬ال َ‬

‫‪ -4‬فصل يف قضائِه ﷺ يف نراحِ التفويضِ‬


‫تزو َج امرأةً‪ ،‬ومل يفرض هلا صدا ًقا‪ ،‬ومل يدخل هبا‬ ‫ٍ‬
‫رجل َّ‬ ‫ثبت عنه أنه قَض يف‬
‫املرياث‪ ،‬وعليها ِ‬
‫العدَّ ُة‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫شطط‪ ،‬وهلا‬ ‫كس وال‬ ‫مهر نسائها‪ ،‬وال َو َ‬
‫مات‪ :‬أن هلا َ‬
‫حتى َ‬
‫وعرشا(‪.)3‬‬
‫ً‬ ‫أربع َة أشهر‬

‫‪ -5‬فصل يف حُردِه ﷺ يف الشروطِ يف النراحِ‬


‫الَش ِ‬
‫وط أن تُوفوا هبا‪ :‬ما استحللتُم به‬ ‫أحق ُّ‬
‫يف «الصحيحني» عنه ﷺ‪« :‬إن َّ‬
‫ال ُف َ‬
‫روج»(‪.)4‬‬
‫طالق أختها لتستفر َغ ما يف صحفتِها‬
‫َ‬ ‫وفيهام عنه ﷺ‪« :‬ال ت ُ‬
‫َسأل املرأ ُة‬
‫ولتنكح؛ فإنام هلا ما ُقدر هلا»(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2085‬والرتمذي (‪ ،)1101‬وابن ماجه (‪.)1880‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2085‬والرتمذي (‪ ،)1101‬وابن ماجه (‪.)1880‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2114‬والرتمذي (‪ ،)1145‬والنسائي (‪.)3354‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)2721‬ومسلم (‪.)1418‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪ ،)5152‬ومسلم (‪.)1408‬‬
‫‪ | 458‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫العقد إذا‬ ‫ِ‬
‫بالرشوط التي ُرشطت يف هذا‬ ‫ِ‬
‫الوفاء‬ ‫وجوب‬ ‫احلكم‬ ‫فتضمن هذا‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫حلكم اهلل ورسوله‪.‬‬
‫تغيريا ُ‬
‫مل تتضمن ً‬

‫‪ -6‬فصل يف حُردِه ﷺ يف نِراحِ الشِّغار‪ ،‬واملُحلِّل‪ ،‬واملُتع ِ‪ ،‬ونراح املُحرِم‪ ،‬ونراحِ‬


‫الزانم ِ‬

‫غار يف‬ ‫ِ‬ ‫غار ففي «صحيح مسلم»‪ :‬عن ِ‬ ‫أما ِّ‬
‫عمر مرفو ًعا‪« :‬ال ش َ‬
‫ابن َ‬ ‫الش ُ‬
‫اآلخر ابنتَه‬
‫ُ‬ ‫يزو َجه‬ ‫ُ‬
‫الرجل ابنتَه عىل أن ِّ‬ ‫اإلسال ِم»‪ ،‬وفيه‪« :‬والشغار‪ :‬أن ِّ‬
‫يزو َج‬
‫ٌ‬
‫صداق»(‪.)1‬‬ ‫وليس بينهام‬
‫ٍ‬
‫مسعود‬ ‫نكاح املُح ِّلل ففي «املسند» و«الرتمذي» من حديث ِ‬
‫ابن‬ ‫وأما‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ املُح ِّلل واملُح َّلل له»(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫‪ ‬قال‪« :‬لعن‬
‫حرم‬
‫رسول اهلل ﷺ َّ‬‫َ‬ ‫عيل ‪ ‬أن‬ ‫نكاح املتعة ففي «الصحيحني» عن ٍّ‬ ‫وأما ُ‬
‫اإلباح ِة‪.‬‬
‫َ‬ ‫التحريم إنام كان بعد‬
‫ُ‬ ‫ُمتع َة النساء(‪ .)3‬وهذا‬
‫ٍ‬
‫فيباح عند‬
‫ُ‬ ‫حتريم بتات أو َحت ٌ‬
‫ريم ُ‬
‫مثل حتري ِم امليتة‬ ‫ُ‬ ‫ولكن النظر‪ :‬هل هو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الْضورة؟ هذا هو الذي حل َظه اب ُن عباس‪ ،‬وأفتى بح ِّلها للْضورة‪ ،‬فلام َّ‬
‫توسع‬
‫ِ‬
‫الْضورة‪ ،‬أمسك عن ُفتياه ورجع عنها‪.‬‬ ‫الناس فيها ومل يقترصوا عىل ِ‬
‫موض ِع‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫رواية ُع َ‬
‫ثامن بن عفان‬ ‫نكاح املُحر ِم فثبت عنه يف «صحيح مسلم» من‬ ‫وأما‬
‫ُ‬
‫نكح املُحر ُم وال ُينك َُح»(‪.)4‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬ال َي ُ‬ ‫‪ ‬قال‪ :‬قال‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)1415‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أمحد ‪ ،)4284( 315-314/7‬والرتمذي (‪.)1120‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)4216‬ومسلم (‪.)1407‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪.)1409‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪459‬‬

‫يتزو َج‬ ‫الزانية فإن مرثدَ بن أيب ٍ‬


‫ِ‬
‫النبي ﷺ أن َّ‬
‫الغنوي استأذن َّ‬
‫َّ‬ ‫مرثد‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫نكاح‬‫وأما ُ‬
‫َنكحها»(‪.)1‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ آي َة النور‪ ،‬وقال‪« :‬ال ت ْ‬ ‫عناق وكانت بغ ًّيا‪ ،‬فقرأ عليه‬

‫‪ -7‬فصل يف حُردِه ﷺ فمدن بسل على بكثرَ من برنبعِ ِنسوةٍ بو على بختنيِ‬
‫ٍ‬
‫نسوة‪،‬‬ ‫عرش‬ ‫عمر ‪ :‬أن َغ َ‬ ‫يف «الرتمذي» عن ِ‬
‫يالن أسلم وحتتَه ُ‬ ‫ابن َ‬
‫منهن أرب ًعا»(‪.)2‬‬
‫َّ‬ ‫اخرت‬
‫النبي ﷺ‪ْ « :‬‬
‫فقال له ُّ‬
‫اخرت أ َّيتهام‬ ‫ِ‬
‫النبي ﷺ‪ْ « :‬‬
‫ُّ‬ ‫أختان‪ ،‬فقال له‬ ‫الديلمي وحتته‬
‫ُّ‬ ‫فريوز‬
‫ُ‬ ‫وأسلم‬
‫شئت»(‪.)3‬‬

‫‪ -6‬فصل [يف حُردِه ﷺ فمدن شرط لزوجته بال يتزوج علمها]‬

‫بن أيب طالب ‪ ‬ابن َة أيب‬


‫عيل َ‬
‫يزوجوا َّ‬ ‫واستأذنه بنو هشا ِم ِ‬
‫بن املغرية أن ِّ‬
‫نكح‬
‫ابن أيب طالب أن ُيطلق ابنتي و َي َ‬‫جهل‪ ،‬فلم يأذن يف ذلك‪ ،‬وقال‪« :‬إال أن ُيريدَ ُ‬ ‫ٍ‬
‫أخاف أن‬
‫ُ‬ ‫ابنتَهم‪ ،‬فإنام فاطم ُة بِضع ٌة مني‪ ،‬يري ُبني ما َ‬
‫راهبا و ُيؤذيني ما آذاها‪ ،‬إين‬
‫حراما؛ ولكن واهلل‪ ،‬ال‬
‫ً‬ ‫أحل‬ ‫ً‬
‫حالال وال ُّ‬ ‫ُفتن فاطم ُة يف دينِها‪ ،‬وإين لست أحر ُم‬ ‫ت َ‬
‫ٍ‬
‫واحد أبدً ا»(‪.)4‬‬ ‫وبنت عدو اهلل يف مكان‬
‫ُ‬ ‫بنت حممد رسول اهلل‬ ‫ُتتمع ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2051‬والرتمذي (‪.)3177‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)1128‬ابن ماجه (‪.)1953‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2243‬والرتمذي (‪.)1130 ،1129‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)3729‬ومسلم (‪.)2449‬‬
‫‪ | 461‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫يتزوج عليها لز َمه الوفا ُء‬ ‫ِ‬ ‫َ‬


‫الرجل إذا رشط لزوجته أال َّ‬ ‫كم أن‬
‫حل ُ‬
‫فتضمن هذا ا ُ‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫الفسخ‪.‬‬ ‫تزو َج عليها فلها‬
‫بالرشط‪ ،‬ومتى َّ‬

‫‪ -9‬فصل فمدا حر اهلل سبحانه نبتحرميِه من النساءِ على لسان نبمِّه ﷺ‬


‫هة‪ ،‬والعام ِ‬
‫ت‪،‬‬ ‫البنات‪ ،‬واألخوات من كل ِج ٍ‬
‫ِ‬ ‫وحر َم‬ ‫حرم األم ِ‬
‫هات‪،‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫األخت‪.‬‬ ‫واخلاالت‪ ،‬وبنات األخِ ‪ ،‬وبنات‬
‫صاحب اللبن أباه؛‬
‫ُ‬ ‫الرضا َع ِة‪ ،‬وإذا صارت املُرضع ُة أ َّمه صار‬ ‫وحرم األ َّم من َّ‬
‫إخوهتام‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الفحل‪ ،‬فلزم من ذلك أن يكون‬ ‫رسول اهلل ﷺ بتحريم ِ‬
‫لبن‬ ‫ُ‬ ‫وهلذا حكم‬
‫ٍ‬
‫وأخوات‪ .‬ومن هنا قَض‬ ‫وبناهتام إخو ًة له‬
‫ُ‬ ‫ت‪ ،‬وأبناؤمها‬ ‫خاالت له وعام ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وأخواهتام‬
‫ُ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫النسب»(‪.)1‬‬ ‫ُيرم من‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ أنه‪َُ « :‬ي ُر ُم من الرضا ِع ما ُ‬
‫وحرم‬ ‫ِ‬
‫األزواج‪،‬‬ ‫الربائب الاليت يف ُح ِ‬
‫جور‬ ‫ِ‬
‫أمهات النساء‪ ،‬وحر َم‬ ‫وحرم‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫نكاح من نكحهن اآلبا ُء‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫حالئل األبناء‪ ،‬وحرم َ‬ ‫سبحانه‬
‫واملرأة وخالتِها(‪.)2‬‬
‫ِ‬ ‫وعمتِها‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ بتحري ِم اجلمع بني املرأة َّ‬ ‫وقَض‬
‫املحصنات‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املزوجات وهن‬ ‫نكاح‬
‫ُ‬ ‫النص َ‬
‫حرمه ُّ‬
‫ومما َّ‬

‫‪ -11‬فصل يف حُردِه ﷺ يف الزَّوجني يُسلِ ُ بحدُهدا قبل اآلخرِ‬


‫ِ‬
‫العاص بن‬ ‫زينب ابنتَه عىل أيب‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫قال اب ُن عباس ‪ :‬ر َّد‬
‫األو ِل ومل ُحيدث شي ًئا(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫بالنكاح َّ‬ ‫الربي ِع‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)2645‬ومسلم (‪.)1447‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)5108‬ومسلم (‪.)1408‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2240‬والرتمذي (‪ ،)1143‬وابن ماجه (‪.)2009‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪460‬‬

‫ِ‬
‫انقضاء ِعدَّ هتا‬ ‫أسلم قبل‬ ‫موقوف‪ ،‬فإن‬
‫ٌ‬ ‫النكاح‬ ‫حكمه ﷺ أن‬ ‫فالذي َّ‬
‫دل عليه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َنكح من شاءت‪ ،‬وإن أحبت انتظرته‪،‬‬
‫فهي زوجتُه‪ ،‬وإن انقضت عدَّ ُهتا فلها أن ت َ‬
‫حاج ٍة إىل ِتديد الن ِ‬
‫ِّكاح‪.‬‬ ‫أسلم كانت زوجتَه من غري َ‬
‫َ‬ ‫فإن‬

‫‪ -11‬فصل يف حُردِه ﷺ يف العَزلِ‬


‫ُ‬
‫والقرآن‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫َعزل عىل ِ‬
‫عهد‬ ‫يف «الصحيحني»‪ :‬عن ٍ‬
‫جابر قال‪ :‬كُنا ن ُ‬
‫ُ‬
‫ينزل(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ ف َب َل َغ ذلك‬ ‫َعزل عىل ِ‬
‫عهد‬ ‫ويف «صحيح مسلم» عنه‪« :‬كُنا ن ُ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ فلم ينهنا»(‪.)2‬‬

‫‪ -12‬فصل يف حُردِه ﷺ يف الغَملِ‪ ،‬وهو وطءُ املُرضع ِ‬


‫الغ ِ‬
‫يلة‬ ‫مت أن أهنى عن ِ‬
‫مه ُ‬
‫ثبت عنه ﷺ يف «صحيح مسلم»‪ :‬أنه قال‪« :‬لقد َ‬
‫رض أوال َدهم»(‪.)3‬‬
‫وفارس يصنعون ذلك فال َي ُّ‬
‫َ‬ ‫حتى َذ ُ‬
‫كرت أن الرو َم‬

‫‪ -13‬فصل يف حُردِه ﷺ يف قس ِ االنبتداء والدَّوامِ نبني الزوجاتِ‬


‫ُ‬
‫الرجل‬ ‫تزو َج‬ ‫ِ‬ ‫ثبت يف «الصحيحني»‪ :‬عن ٍ‬
‫السنَّة إذا َّ‬
‫أنس ‪ ‬أنه قال‪ :‬من ُّ‬
‫ب أقام عندها ثال ًثا‪ ،‬ثم‬ ‫تزو َج ال َّث ِّي َ‬ ‫ِ‬
‫الثيب أقام عندها سب ًعا وقسم‪ ،‬وإذا َّ‬ ‫البكر عىل‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ(‪.)4‬‬ ‫قسم‪ .‬قال أبو قالب َة‪ :‬ولو شئت ل ُقلت‪ :‬إن ً‬
‫أنسا رفعه إىل‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5208‬ومسلم (‪.)1440‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)5209 ،5208 ،5207‬ومسلم (‪ )1440‬واللفظ له‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)1442‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)5213‬ومسلم (‪.)1461‬‬
‫‪ | 462‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ويف «الصحيحني»‪ :‬أنه ﷺ‪ :‬كان إذا أراد س َف ًرا أقرع بني نسائه فأ َّيتَه َّن خرج‬
‫سهمها خرج هبا معه(‪.)1‬‬
‫ُ‬
‫ويف «الصحيحني» أن َسود َة ‪ ‬وهبت يو َمها لعائش َة ‪ ‬وكان‬
‫النبي ﷺ ِ‬
‫يقسم لعائش َة يو َمها ويو َم سود َة(‪.)2‬‬ ‫ُّ‬
‫كل ليلة يف ِ‬
‫بيت التي يأتيها(‪.)3‬‬ ‫جيتمعن َّ‬ ‫أهنن كن‬
‫َ‬ ‫ويف «صحيح مسلم» َّ‬

‫‪ -14‬فصل يف قضائِه ﷺ يف حتري ِ وطءِ املربة احلُبلى من غريِ الواطئِ‬

‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ثبت يف «صحيح مسلم»‪ :‬من حديث أيب الدرداء ‪ ‬أن‬
‫سطاط‪ ،‬فقال‪« :‬لع َّله يريد أن ُيلِ َّم هبا»‪ ،‬فقالوا‪ :‬نعم‪،‬‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بامرأة ُجم ٍّح(‪ )4‬عىل باب ُف‬ ‫َم َّر‬
‫قَبه‪ ،‬كيف ُيورثه‪ ،‬وهو‬ ‫يدخل معه َ‬‫ُ‬ ‫مهمت أن ألعنَه لعنًا‬
‫ُ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬لقد‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬
‫يستخدمه وهو ال ُّ‬
‫ُيل له؟»(‪.)5‬‬ ‫ُ‬ ‫ال َُي ُّل له؟ كيف‬
‫ِ‬ ‫وفيه عن ِ‬
‫رباض بن ساري َة ‪ ،‬أن رسول اهلل ﷺ َّ‬
‫حرم وط َء السبايا‬ ‫الع‬
‫يضعن ما يف بطوهن َّن(‪.)6‬‬
‫َ‬ ‫حتى‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)2593‬ومسلم (‪.)2770‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)5212‬ومسلم (‪.)1463‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)1462‬‬
‫(‪( )4‬امرأة ُجم ٍّح)‪ :‬هي احلامل إذا أقربت‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم (‪.)1441‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه الرتمذي (‪.)1564‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪463‬‬

‫‪ -15‬فصل يف حُردِه ﷺ يف الرجل يُعتق بمتَه وجيعلُ عتقَها صداقَها‬

‫ثبت عنه ﷺ يف «الصحيح»‪ :‬أنه أعتق صف َّي َة وجعل عت َقها صدا َقها‪ ،‬قيل‬
‫ٍ‬
‫ألنس‪ :‬ما أصد َقها؟ قال‪ :‬أصدقها َ‬
‫نفسها(‪.)1‬‬

‫‪ -16‬فصل يف قضائه ﷺ يف صح النراح املوقوف على اإلجازة‬

‫النبي ﷺ‬
‫َّ‬ ‫يف «السنن»‪ :‬عن ابن عباس ‪ :‬أن جاري ًة ً‬
‫بكرا أتَت‬
‫زوجها وهي كاره ٌة‪َ َّ ،‬‬
‫فخريها النبي ﷺ(‪.)2‬‬ ‫فذكر ْت أن أباها َّ‬
‫َ‬

‫‪ -17‬فصل يف حُردِه ﷺ يف الرفاءةِ يف النراحِ‬

‫قال اهلل تعاىل‪ ( :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬


‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [احلجرات‪.]13 :‬‬
‫َ‬
‫ألبيض‬ ‫عريب‪ ،‬وال‬
‫عجمي‪ ،‬وال لعجمي عىل ٍّ‬
‫ٍّ‬ ‫لعريب عىل‬
‫ٍّ‬ ‫وقال ﷺ‪« :‬ال َ‬
‫فضل‬
‫الناس من آد َم‪ ،‬وآدم من ٍ‬
‫تراب»(‪.)3‬‬ ‫عىل أسو َد‪ ،‬وال ألسود عىل َ‬
‫أبيض إال بالتقوى‪ُ ،‬‬
‫ترضون دينَه وخل َقه فأنكِحوه‪ ،‬إال‬
‫ويف الرتمذي عنه ﷺ‪« :‬إذا جاءكم َمن َ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬وإن كان فيه؟ فقال‪:‬‬ ‫كبري‪ ،‬قالوا‪ :‬يا‬ ‫ِ‬
‫األرض وفسا ٌد ٌ‬ ‫تفعلوه تك ُْن فتن ٌة يف‬
‫ترضون دينَه وخل َقه فأنكِحوه‪ ،‬ثالث مرات»(‪.)4‬‬
‫إذا جاءكم َمن َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)4201‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2096‬وابن ماجه (‪.)1875‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أمحد ‪.)23489( 474/38‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)1084‬وابن ماجه (‪.)1967‬‬
‫‪ | 464‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫جحش القرشي َة من ِ‬
‫زيد بن حارث َة مواله‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بنت‬
‫زينب َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫وزو َج‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫بالل بن ٍ‬
‫رباح‬ ‫وتزوج ُ‬
‫َّ‬ ‫الفهري َة القرشية من أسام َة ابنِه(‪،)1‬‬
‫قيس ِ‬
‫وزوج فاطم َة بنت ٍ‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫عوف‪.‬‬ ‫بأخت عبد الرمحن بن‬

‫ُزوج‬ ‫ً‬ ‫ِ‬


‫الكفاءة ً‬
‫وكامال‪ ،‬فال ت َّ‬ ‫أصال‬ ‫اعتبار الدين يف‬
‫ُ‬ ‫فالذي يقتضيه ُحكمه ﷺ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بفاجر‪ ،‬ومل يعت َِرب‬ ‫ٍ‬
‫القرآن والسن ُة يف الكفاءة ً‬
‫أمرا ورا َء‬ ‫ُ‬ ‫بكافر‪ ،‬وال عفيف ٌة‬ ‫مسلم ٌة‬
‫ذلك‪.‬‬

‫‪ -16‬فصل يف حردِه ﷺ يف ثبوتِ اخلمار للدُعتق ِ حتت العبد‬

‫ثبت يف «الصحيحني» أن َبرير َة كاتبت أه َلها‪ ،‬وجاءت تسأل رسول اهلل ﷺ‬


‫أحب أه ُلك أن أعدَّ ها هلم ويكون والؤك يل‬
‫إن َّ‬ ‫يف كِتابتها فقالت عائش ُة ‪ْ :‬‬
‫ِ‬
‫ألهلها فأبوا إال أن يكون الوال ُء هلم‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ‬ ‫فعلت‪ ،‬فذكرت ذلك‬
‫ُ‬
‫الوالء ملن أعتق»(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫الوالء‪ ،‬فإنام‬
‫َ‬ ‫لعائش َة ‪« :‬اشرتَيا واشرتطي هلم‬

‫بال أقوا ٍم يشرتطون ِشو ًطا ليست يف كتاب اهلل‪،‬‬


‫الناس فقال‪« :‬ما ُ‬
‫َ‬ ‫ثم خطب‬
‫قضاء اهلل‬ ‫ٍ‬
‫ِشط‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫باطل‪ ،‬وإن كان مئ َة‬ ‫اشرتط ِش ًطا ليس يف كتاب اهلل فهو‬
‫َ‬ ‫من‬
‫ُ‬
‫أعتق»‪.‬‬
‫أوثق‪ ،‬وإنام الوالء ملن َ‬
‫أحق‪ ،‬وِشط اهلل ُ‬
‫ُّ‬

‫(‪ )1‬أي‪ :‬ابن زيد بن حارثة املتقدم‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)2536‬ومسلم (‪.)1504‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪465‬‬

‫َ‬
‫تفسخه‬ ‫نكاح ِ‬
‫زوجها وبني أن‬ ‫ِ‬ ‫رسول اهلل ﷺ بني أن تبقى عىل‬‫ُ‬ ‫خريها‬‫ثم َّ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬تأ ُمرين‬ ‫ولدك» فقالت‪ :‬يا‬ ‫فاختارت نفسها‪ ،‬فقال هلا‪« :‬إنه زوجك وأبو ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫شافع»‪ ،‬قالت‪ :‬فال حاج َة يل فيه(‪.)1‬‬
‫ٌ‬ ‫بذلك؟ قال‪« :‬ال‪ ،‬إنام أنا‬

‫خيار لك»(‪ )2‬وأمرها أن تعتدَّ ‪ ،‬وت ُُصدِّ َق‬


‫َ‬ ‫خريها‪« :‬إن َقر َبك فال‬
‫وقال هلا إذ َّ‬
‫النبي ﷺ وقال‪« :‬هو عليها صدق ٌة ولنا هدي ٌة»(‪.)3‬‬
‫عليها بلح ٍم فأكل منه ُّ‬

‫‪ -19‬فصل يف قضائه ﷺ يف الصَّداقِ مبا قل وكثُر‪ ،‬وقضائه نبصحَّ ِ النراح‬


‫على ما مع الزوجِ من القرآنِ‬

‫النبي ﷺ‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫صداق‬ ‫ثبت يف «صحيح مسلم»‪ :‬عن عائش َة ‪ :‬كان‬
‫ألزواجه ثنتي عرش َة أوقي ًة ون ًَّشا‪ ،‬فذلك مخس ٍ‬
‫مئة درهم(‪.)4‬‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ نكح شي ًئا من ِ‬
‫نسائه وال‬ ‫َ‬ ‫علمت‬
‫ُ‬ ‫وقال عمر ريض اهلل عنه‪ :‬ما‬
‫أكثر من ثنتَي عرش َة أوقي ًة‪ .‬قال الرتمذي حديث حسن‬ ‫ِ‬
‫أنكح شي ًئا من بناته عىل َ‬
‫َ‬
‫مها‪.‬‬‫صحيح ‪ .‬واألوقي ُة‪ :‬أربعون در ً‬
‫(‪)5‬‬

‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬إين‬ ‫النبي ﷺ فقالت‪ :‬يا‬
‫ويف «الصحيحني»‪ :‬أن امرأ ًة جاءت إىل ِّ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬زوجنيها إن مل تكن‬ ‫طويال‪ ،‬فقال ٌ‬
‫رجل‪ :‬يا‬ ‫ً‬ ‫وهبت نفيس لك فقامت‬
‫ُ‬ ‫قد‬
‫يشء ت ِ‬
‫ُصد ُقها إياه؟» قال‪ :‬ما‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬فهل عندك من ٍ‬
‫ُ‬ ‫لك هبا حاج ٌة‪ ،‬فقال‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)5283‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪.)2236‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)5097‬ومسلم (‪.)1504‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪.)1426‬‬
‫(‪)5‬أخرجه الرتمذي (‪.)1114‬‬
‫‪ | 466‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫إزارك جلست وال‬ ‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬إنك إن أعطيتَها‬ ‫ُ‬ ‫عندي إال إِزاري هذا‪ ،‬فقال‬
‫ٍ‬
‫حديد»‬ ‫فالتمس ولو خاُتًا من‬ ‫إزار لك؛ فالتمس شيئًا» قال‪ :‬ال أجدُ شي ًئا‪ ،‬قال‪« :‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫القرآن؟» قال‪:‬‬ ‫يشء من‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬هل معك‬ ‫ُ‬ ‫فالتمس فلم جيد شي ًئا‪ ،‬فقال‬
‫ٌ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬قد زوجتُكها بام‬‫ُ‬ ‫سامها‪ ،‬فقال‬ ‫ٍ‬
‫لسور َّ‬ ‫نعم‪ ،‬سور ُة كذا وسور ُة كذا‪،‬‬
‫ِ‬
‫القرآن»(‪.)1‬‬ ‫معك من‬

‫بالنبي ﷺ‪ ،‬أو أهنا‬ ‫اختصاصا‬ ‫ِ‬


‫األحاديث التي ذكرناها‬ ‫ومن ا َّدعى يف هذه‬
‫ِّ‬ ‫ً‬
‫أهل املدينة عىل خالفِها فدعوى ال يقوم عليها ٌ‬
‫دليل‪،‬‬ ‫منسوخ ٌة أو أن عمل ِ‬
‫ِ‬
‫املدينة من التابعني سعيدُ بن املسيب ابنتَه عىل‬ ‫واألصل ير ُّدها‪ ،‬وقد زوج س ِّيدُ أهل‬
‫ِ‬
‫تزوج عبدُ‬‫درمهني ومل ُينكر عليه أحدٌ ‪ ،‬بل ُعدَّ ذلك يف مناقبِه وفضائله‪ ،‬وقد َّ‬
‫ِ‬
‫إثبات‬ ‫النبي ﷺ‪ ،‬وال َ‬
‫سبيل إىل‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫دراهم‪ ،‬وأقره ُّ‬
‫َ‬ ‫مخسة‬ ‫عوف عىل صداق‬ ‫الرمحن بن‬
‫ِ‬
‫صاحب الرشعِ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املقادير إال من جهة‬

‫‪ -21‬فصل يف حر ِ رسولِ اهلل ﷺ نبني الزَّوجني يقعُ الشِّقاقُ نبمنهدا‬

‫ٍ‬
‫سهل‬ ‫روى أبو داو َد يف «سننه» من حديث عائش َة ‪ :‬أن َحبيب َة بنت‬
‫النبي ﷺ بعد‬ ‫بن َش َّام ٍ‬ ‫كانت عند ِ‬
‫ثابت بن قيس ِ‬
‫بعضها‪ ،‬فأتت َّ‬ ‫س‪ ،‬فْضهبا فكرس َ‬
‫بعض ماهلا وفار ْقها»‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫النبي ﷺ ثابتًا فقال‪« :‬خذ َ‬‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫الصبح فدعا‬ ‫صالة‬
‫َ‬
‫رسول اهلل؟ قال‪« :‬نعم»‪ .‬قال‪ :‬فإين أصد ْقتُها حديقتني‪ ،‬ومها‬ ‫ويصلح ذلك يا‬
‫ُ‬
‫خذمها ِ‬
‫وفار ْقها»‪ ،‬ففعل(‪.)2‬‬ ‫نبي ﷺ‪ُ « :‬‬ ‫ِ‬
‫بيدها‪ .‬فقال ال ُّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5029‬ومسلم (‪.)1425‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪.)2228‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪467‬‬

‫قاق بينهام بقولِه تعاىل‪( :‬ﭾ‬


‫الش ُ‬
‫وقد حكم اهلل تعاىل بني الزوجني يقع ِّ‬
‫ﭿﮀﮁﮂﮃ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [النساء‪.]35 :‬‬

‫‪ -21‬حر رسول اهلل ﷺ يف اخللع‬


‫يف «صحيح البخاري»‪ :‬عن ابن عباس ‪« :‬أن امرأ َة ِ‬
‫ثابت بن قيس‬
‫أعيب عليه‬
‫ُ‬ ‫ثابت ب ُن قيس ما‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ُ ،‬‬ ‫س َأتَت َّ‬
‫النبي ﷺ فقالت‪ :‬يا‬ ‫ِ‬
‫بن َش َّام ٍ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ :‬تردين‬ ‫الكفر يف اإلسال ِم‪ .‬فقال‬
‫َ‬ ‫دين‪ ،‬ولكني أكر ُه‬ ‫يف ٍ‬
‫خلق وال ٍ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ :‬اق َبل احلديق َة وطلقها تطليق ًة»(‪.)1‬‬ ‫عليه حديقتَه؟ قالت‪ :‬نعم‪ .‬قال‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)5273‬‬


‫‪ | 468‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫[ثالثا‪ :‬كتا الطالق]‬

‫ذِكرُ بحرامِ رسولِ اهلل ﷺ يف الطَّالقِ‬

‫‪ -1‬ذكرُ حُردِه ﷺ يف طالقِ اهلازل‪ ،‬وزائلِ العقل‪ ،‬واملُررَه‪ ،‬والتطلمقِ يف نفسِه‬

‫َ‬
‫اخلطأ‬ ‫اس‪« :‬إن اهلل وضع عن َّأمتي‬ ‫ِ‬
‫حديث ابن ع َّب ٍ‬ ‫يف «السنن» عنه من‬
‫والنسيان وما استُكرهوا عليه»(‪.)1‬‬

‫القلم ُرفِ َع‬


‫َ‬ ‫لعمر‪« :‬أمل تع َل ْم أن‬
‫وذك ََر البخاري يف «صحيحه» عن عيل أنه قال َ‬
‫يدرك‪ ،‬وعن النائ ِم حتى‬ ‫َ‬ ‫الصبي حتى‬ ‫يفيق‪ ،‬وعن‬ ‫ِ‬
‫املجنون حتى َ‬ ‫ثالث‪ :‬عن‬ ‫ٍ‬ ‫عن‬
‫ِّ‬
‫َ‬
‫يستيقظ»(‪.)2‬‬

‫ألمتي عام حدَّ ثت به أن ُف َسها ما مل‬


‫ويف «الصحيح» عنه ﷺ‪« :‬إن اهلل ُتاوز َّ‬
‫تَك َّلم أو تعمل به»(‪.)3‬‬
‫عتاق أو ٍ‬
‫يمني أو‬ ‫طالق أو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫السنن أن ما مل ينطق به اللسان من‬ ‫ُ‬ ‫فتضمنت هذه‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫اجلمهور‪.‬‬ ‫والقصد‪ ،‬وهذا ُ‬
‫قول‬ ‫ِ‬ ‫عفو غري الز ٍم بالن َّي ِة‬ ‫ٍ‬
‫نذر ونحو ذلك ٌ‬
‫حكمه‪ ،‬وبني من‬ ‫َ‬
‫اللفظ وهو عامل ٌ به ومل يرد‬ ‫الفرق بني من قصد‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املسألة‬ ‫ورس‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫الشارع أربع ٌة‪:‬‬
‫ُ‬ ‫فاملراتب التي اعتربها‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫اللفظ ومل يعلم معناه‪،‬‬ ‫مل يقصدْ‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن ماجه (‪.)2045‬‬


‫(‪ )2‬علقه البخاري قبل حديث (‪ ،)5269‬ووصله احلاكم ‪ ،)8168( 429/4‬والبيهقي يف السنن الكربى‬
‫‪.)17210( 459/8‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)6664‬ومسلم (‪.)127‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪469‬‬

‫كم ومل يتل َّفظ به‪.‬‬ ‫ِ‬


‫حل َ‬
‫إحداها‪ :‬أال َيقصد ا ُ‬
‫حكمه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اللفظ وال‬ ‫الثاني ُة‪ :‬أال َيقصدَ‬
‫ِ‬
‫حكمه‪.‬‬ ‫َ‬
‫اللفظ دون‬ ‫الثالث ُة‪ :‬أن يقصدَ‬
‫واحلكم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اللفظ‬ ‫الرابع ُة‪ :‬أن َيقصدَ‬
‫ِ‬
‫نصوصه‬ ‫ِ‬
‫عتربتان‪ ،‬هذا الذي استفيدَ من جممو ِع‬‫لغو‪ ،‬واآلخرتان ُم‬ ‫ِ‬
‫فاألوليان ٌ‬
‫وأحكامه‪.‬‬

‫فصل‬

‫فصح عنه ﷺ أنه أمر باملُقر ِّ‬


‫بالزنا أن ُيس َتنْ َك َه؛ ليعترب‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫طالق السكران‪،‬‬ ‫وأما‬
‫قو ُله الذي أقر به أو ُيلغى‪.‬‬

‫النبي ﷺ‪،‬‬ ‫ِ‬


‫عيل فجاء ُّ‬
‫بعريي ٍّ‬
‫قصة محز َة ملا عقر َ‬
‫ويف «صحيح البخاري» يف َّ‬
‫أنتم إال عبيدٌ‬
‫وصو َبه وهو سكران ثم قال‪ :‬هل ُ‬
‫َّ‬ ‫النظر‬
‫َ‬ ‫فوقف عليه يلو ُمه فصعد فيه‬
‫أليب‪ ،‬فنَكص النبي ﷺ عىل ِ‬
‫عق َبيه(‪.)1‬‬ ‫ُّ‬
‫وكفرا‪ ،‬ومل يؤاخذ بذلك محزةُ‪.‬‬
‫ً‬ ‫غري سكران‪ ،‬لكان ِر َّد ًة‬ ‫ُ‬
‫القول لو قاله ُ‬ ‫وهذا‬
‫َ‬
‫سكران‬ ‫ٍ‬
‫جنون‪ ،‬وال‬ ‫عثامن بن عفان ‪ ‬أنه قال‪ :‬ليس ملَ‬
‫َ‬ ‫وصح عن‬
‫ٌ‬
‫طالق(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)3091‬ومسلم (‪.)1979‬‬


‫(‪ )2‬علقه البخاري جزما قبل حديث (‪ ،)5269‬ووصله ابن أيب شيبة ‪.)17908( 71/4‬‬
‫‪ | 471‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫فصل‬

‫النبي ﷺ ُ‬ ‫ِ‬
‫يقول‪« :‬ال‬ ‫طالق اإلغالق‪ ،‬فعن عائش َة ‪ ‬أهنا سمعت َّ‬
‫ُ‬ ‫وأما‬
‫الغضب‪.‬‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫إغالق»(‪ ،)1‬يعني‪:‬‬ ‫طالق وال َ‬
‫عتاق يف‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ثالثة أقسام‪:‬‬ ‫والغضب عىل‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫العقل‪ ،‬وهذا ال يقع طال ُقه بال نزاعٍ‪.‬‬ ‫أحدُ ها‪ :‬ما ُيزيل‬

‫والثاين‪ :‬ما يكون يف َمباديه‪ ،‬فهذا يقع طال ُقه‪.‬‬


‫ِ‬
‫بالكلية‪ ،‬ولكن حيول بينه‬ ‫ستحكم ويشتدَّ به‪ ،‬فال يزيل عق َله‬ ‫الثالث‪ :‬أن َي‬
‫َ‬
‫وبني ن َّيته بحيث يند ُم عىل ما َّفر َط منه إذا زال‪ ،‬فهذا ُّ‬
‫حمل نظر‪ ،‬وعدم الوقو ِع يف‬
‫قوي متوجه‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫هذه احلالة ٌّ‬

‫‪ -2‬حر ُ رسول اهلل ﷺ يف الطالقِ قبلَ النراحِ‬

‫شعيب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جدِّ ه قال‪ :‬قال‬‫ٍ‬ ‫حديث عمرو بن‬ ‫ِ‬ ‫يف «السنن» من‬
‫يملك‪ ،‬وال ِع َتق له فيام ال يملك‪ ،‬وال‬
‫ُ‬ ‫نذر البن آد َم فيام ال‬
‫رسول اهلل ﷺ ‪« :‬ال َ‬‫ُ‬
‫ُ‬
‫يملك»(‪.)2‬‬ ‫َ‬
‫طالق له فيام ال‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ قال‪:‬‬ ‫ويف «سنن ابن ماجه» عن امل ِ ِ‬
‫سور بن خمرم َة ‪ ‬أن‬
‫عتق قبل ِم ٍ‬
‫لك»(‪.)3‬‬ ‫َ‬
‫طالق قبل نكاحِ ‪ ،‬وال َ‬ ‫«ال‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2193‬وابن ماجه (‪.)2046‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2190‬والرتمذي (‪.)1181‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2190‬والرتمذي (‪ ،)1181‬وأصله يف صحيح مسلم (‪.)1641‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪470‬‬

‫‪ -3‬حر ُ رسولِ اهلل ﷺ يف حتري ِ طالق احلائضِ‪ ،‬والنُّفساء‪ ،‬واملوطوءةِ يف‬


‫طهرها‪ ،‬وحتري ِ إيقاع الثالثِ جُدل ً‬
‫حائض عىل ِ‬
‫عهد‬ ‫ابن عمر ‪ ‬ط َّلق امرأتَه وهي‬ ‫يف «الصحيحني» َّ‬
‫ٌ‬ ‫أن َ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ فقال‪:‬‬ ‫بن اخلطاب ‪ ‬عن ذلك‬ ‫عمر ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ فسأل ُ‬
‫َ‬
‫أمسك‬ ‫تطهر‪ ،‬ثم إن شاء‬
‫َ‬ ‫َطه َر‪ ،‬ثم َ‬
‫حتيض‪ ،‬ثم‬ ‫فلري ِ‬
‫اجعها‪ ،‬ثم ل ُيمسكها حتى ت ُ‬ ‫« ُمره ُ‬
‫مس‪ ،‬فتلك العدَّ ُة التي أمر اهلل أن تُط َّل َق هلا‬
‫طلق قبل أن َي َّ‬
‫بعد ذلك‪ ،‬وإن شاء َ‬
‫النساء»(‪.)1‬‬
‫ُ‬
‫ً‬
‫حامال»(‪.)2‬‬ ‫طاهرا أو‬
‫ً‬ ‫وملسل ٍم‪« :‬مره ُ‬
‫فلرياجعها‪ ،‬ثم ل ُيطلقها‬
‫ٍ‬
‫عمر ‪ :‬قال ط َّل َق عبدُ اهلل بن َ‬
‫عمر امرأتَه وهي‬ ‫ويف لفظ‪ :‬عن ابن َ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ومل َي َرها شي ًئا(‪.)3‬‬ ‫حائض‪ ،‬فر َّدها عليه‬
‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫حالل‪ ،‬ووجهان‬ ‫ِ‬
‫وجهان‬ ‫أوج ٍه‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫الطالق عىل أربعة ُ‬ ‫احلكم أن‬
‫ُ‬ ‫فتضمن هذا‬
‫َّ‬
‫حرا ٌم‪.‬‬
‫ً‬
‫حامال مستبينًا‬ ‫طاهرا من غري ِمجاعٍ‪ ،‬أو يط ِّلقها‬
‫ً‬ ‫يطلق امرأتَه‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫فاحلالل‪ :‬أن‬
‫مح ُلها‪.‬‬
‫حائض‪ ،‬أو يطلقها يف ُط ٍ‬
‫هر جامعها فيه‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫واحلرا ُم‪ :‬أن ُيط ِّلقها وهي‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5251‬ومسلم (‪.)1471‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)5/1471‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪.)2185‬‬
‫‪ | 472‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫حائضا‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫طالق املدخول هبا‪ ،‬وأما من مل ُيدخل هبا‪ ،‬فيجوز طال ُقها‬ ‫هذا يف‬
‫وطاهرا‪ ،‬كام قال تعاىل‪ ( :‬ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬
‫ً‬
‫ﮭ) [البقرة‪.]236 :‬‬
‫ِ‬
‫حممود ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫رسول‬ ‫بن لبيد‪ ،‬قال‪ُ « :‬أ ِ َ‬
‫خرب‬ ‫حديث‬ ‫وغريه‪ ،‬من‬ ‫ويف «سنن النسائي»‬
‫لعب‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫رجل ط َّل َق امرأتَه‬
‫غضبان‪ ،‬فقال‪ :‬أ ُي ُ‬ ‫تطليقات مجي ًعا‪ ،‬فقام‬ ‫ثالث‬ ‫اهلل ﷺ عن‬
‫رسول اهلل‪ ،‬أفال أقت ُله»(‪)1‬؟‬
‫َ‬ ‫رجل فقال‪ :‬يا‬ ‫أظهركم؟! حتى قام ٌ‬‫ِ‬ ‫بني‬ ‫ِ‬
‫بكتاب اهلل وأنا َ‬
‫ِ‬
‫الطالق قال‪:‬‬ ‫عمر ‪ ‬أنه كان إذا ُسئل عن‬ ‫ويف «الصحيحني» عن ِ‬
‫ابن َ‬
‫رسول اهلل ﷺ أمرين هبذا‪ ،‬وإن كُنت‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫مرتني‪ ،‬فإن‬ ‫مر ًة أو‬
‫طلقت امرأتَك َّ‬
‫َ‬ ‫أ َّما أنت‬
‫ِ‬
‫وعصيت اهلل فيام أمرك‬
‫َ‬ ‫غريك‪،‬‬
‫زوجا َ‬ ‫ط َّلقتَها ثال ًثا‪ ،‬فقد َح ُرمت عليك حتى تَنك َح ً‬
‫طالق امرأتِك(‪.)2‬‬
‫ِ‬ ‫من‬
‫وغري مدخول هبا‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫مدخول هبا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫نوعان‪:‬‬ ‫النصوص أن املُط َّلق َة‬ ‫فتضمنت هذه‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫جيوز تطليقها ثال ًثا جمموع ًة‪ .‬واختلفوا يف وقو ِع ا ُمل َّ‬
‫حر ِم من ذلك‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وكالمها ال ُ‬

‫‪ -4‬حر ُ رسول اهلل ﷺ يف بن املُطلَّق َ ثالثًَا ال حتل َّ‬


‫لألولِ حتى يطأها الزوجُ‬
‫الثان‬

‫القرظي جاءت‬
‫ِّ‬ ‫ثبت يف «الصحيحني» عن عائش َة ‪ ،‬أن امرأ َة رفاع َة‬
‫ِ‬
‫طالقي‪ ،‬وإين‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬إن رفاع َة ط َّلقني‪ ،‬ف َب َّت‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ فقالت‪ :‬يا‬ ‫إىل‬
‫رظي‪ ،‬وإن ما معه ِم ُثل اهلُدْ َب ِة(‪ ،)3‬فقال‬ ‫ِ‬
‫الزبري ال ُق َّ‬ ‫نكحت بعدَ ه عبدَ الرمحن بن‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه النسائي (‪.)3401‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)5333‬ومسلم (‪.)1471‬‬
‫(‪( )3‬اهلُدْ َبة)‪ :‬هدبة الثوب طرفه الذي مل ينسج‪ ،‬كنَّت هبذا عن أنه ال يقدر عىل الوطء‪.‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪473‬‬

‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬لع َّل ِك تُريدين أن تَرجعي إىل ِرفا َع َة! ال‪ ،‬حتى تذوقي ُعسي َلتَه‬
‫ُ‬
‫ويذوق ُعسي َلتَك»(‪.)1‬‬
‫َ‬

‫‪ -5‬حر ُ رسول اهلل ﷺ يف تَخمري بزواجِه نبني املُقام معه ونبني مُفارقتِه َّ‬
‫ِن له‬

‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ثبت يف «الصحيحني» عن عائش َة ‪ ‬قالت‪ :‬ملا ُأمر‬
‫أمرا‪ ،‬فال عليك َّأال تعجيل حتى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذاكر لك ً‬
‫ٌ‬ ‫أزواجه بدأ يب‪ ،‬فقال‪« :‬إين‬ ‫بتخيري‬
‫ِ‬
‫بفراقه‪ ،‬ثم قرأ‪:‬‬ ‫تَستأمري أبويك»‪ ،‬قالت‪ :‬وقد علم أن أبوي مل يكونا ل َيأ ُمراين‬
‫«( ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘﯙﯚﯛ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [األحزاب‪ »]29 - 26 :‬فقلت‪ :‬يف هذا أستأمر‬
‫النبي‬
‫أزواج ِّ‬
‫ُ‬ ‫والدار اآلخرة‪ .‬قالت عائش ُة‪ :‬ثم فعل‬
‫َ‬ ‫أبوي؟! فإين أريدُ اهلل ورسو َله‬
‫َّ‬
‫فعلت‪ ،‬فلم يكن ذلك طال ًقا(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫ﷺ َ‬
‫مثل ما‬
‫‪ -6‬حر ُ رسول اهلل ﷺ الذي نبمَّنه عن رنبِّه تبارك وتعاىل فمدن ح َّ‬
‫َرمَ بمَتَه بو‬
‫زوجتَه بو متاعَه‬
‫قال تعاىل‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [التحريم‪.]2 - 1 :‬‬
‫ٍ‬
‫جحش‪،‬‬ ‫زينب بنت‬ ‫عسال من ِ‬
‫بيت‬ ‫ً‬ ‫ثبت يف «الصحيحني» أنه ﷺ ِ‬
‫رش َب‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫فاحتالت عليه عائش ُة وحفص ُة حتى قال‪« :‬لن أعود له» ويف ٍ‬
‫لفظ‪ :‬وقد حلفت(‪.)3‬‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5260‬ومسلم (‪.)1433‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)5262‬ومسلم (‪.)1477‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)4912‬ومسلم (‪.)1474‬‬
‫‪ | 474‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ كانت له أ َم ٌة‬ ‫ٍ‬
‫أنس ‪ :‬أن‬ ‫ويف «سنن النسائي» عن‬
‫يطؤها‪ ،‬فلم ْ‬
‫تزل به عائش ُة وحفص ُة حتى َّ‬
‫حرمها‪ ،‬فأنزل اهلل ‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [التحريم‪.)1(»]1 :‬‬
‫ُ‬
‫الرجل امرأتَه‬ ‫عباس ‪ ‬قال‪ :‬إذا حرم‬ ‫ٍ‬ ‫ويف «صحيح مسلم» عن ِ‬
‫ابن‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل أسو ٌة حسنة (‪.)2‬‬ ‫يمني ُيك ِّفرها‪ ،‬وقال‪ :‬لقد كان لكم يف‬
‫فهي ٌ‬

‫‪ -7‬حر ُ رسولِ اهلل ﷺ يف قولِ الرجلِ المربتِه‪ :‬احلق نبأهلِك‬

‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ ودنا‬ ‫ِ‬
‫اجلون ملا دخ َل ْت عىل‬ ‫ثبت يف «صحيح البخاري» أن ابن َة‬
‫ذت بعظيمٍ‪ ،‬احلقي بأهلِك»(‪.)3‬‬ ‫منها‪ ،‬قالت‪ :‬أعو ُذ باهلل منك‪ ،‬فقال هلا‪« :‬ع ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل‬ ‫ُ‬
‫رسول‬ ‫مالك ‪ ‬ملا أتاه‬ ‫وثبت يف «الصحيحني» أن كعب بن ٍ‬
‫َ‬
‫عتزل امرأتَه قال هلا‪« :‬احلقي بأهلِك»(‪.)4‬‬
‫ﷺ يأ ُمره أن َي َ‬

‫ينوه‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بطالق‪ ،‬نواه أو مل ِ‬ ‫الناس يف هذا‪ ،‬فقالت طائف ٌة‪ :‬ليس هذا‬
‫ُ‬ ‫فاختلف‬
‫ِ‬
‫الظاهر‪.‬‬ ‫قول ِ‬
‫أهل‬ ‫وهذا ُ‬
‫ِ‬
‫الطالق‬ ‫ِ‬
‫ألفاظ‬ ‫وغريهم‪ :-‬بل هذا من‬ ‫األئم ُة األربعة‬ ‫مهور ‪-‬منهم‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫جل ُ‬ ‫وقال ا ُ‬
‫َ‬
‫الطالق‪.‬‬ ‫إذا نوى به‬

‫(‪ )1‬أخرجه النسائي (‪.)3959‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)4911‬ومسلم (‪.)1473‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪.)5254‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)4418‬ومسلم (‪.)2769‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪475‬‬

‫إسامعيل ب َن إبراهيم ط َّل َق امرأتَه ملا‬


‫َ‬ ‫وقد ثبت يف «صحيح البخاري» أن أبانا‬
‫غري عتب َة بابِه‪ ،‬فقال هلا‪ :‬أنت العتب ُة‪ ،‬وقد أمرين أن‬ ‫إبراهيم‪ُ :‬مريه فل ُي ِّ ْ‬
‫ُ‬ ‫قال هلا‬
‫أفار َقك‪ ،‬احلقي بأهلِك(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫اجلاهلية واإلسال ِم‪ ،‬ومل‬ ‫ِ‬
‫األلفاظ التي ُيط َّل ُق هبا يف‬ ‫ُ‬
‫اللفظ من‬ ‫ومل ْ‬
‫يزل هذا‬
‫َ‬
‫الطالق‪،‬‬ ‫أصحاب رسول اهلل ﷺ به‬
‫ُ‬ ‫أقرهم عليه‪ ،‬وقد أوقع‬
‫النبي ﷺ‪ ،‬بل َّ‬
‫غريه ُّ‬
‫ُي ِّ‬
‫وهم القدوةُ‪.‬‬

‫الناس إىل ما‬


‫َ‬ ‫عني له لف ًظا‪ ،‬فعلم أنه رد‬ ‫َ‬
‫الطالق‪ ،‬ومل ُي ِّ‬ ‫واهلل سبحانه ذكر‬
‫الطالق مع الن َّي ِة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫يتعارفونه طال ًقا‪ ،‬فأي ٍ‬
‫لفظ جرى ُعرفهم به‪ ،‬وقع به‬ ‫ُّ‬

‫‪ -6‬حر ُ رسولِ اهلل ﷺ يف الظهارِ ونبمان ما بنزل اهلل فمه‪ ،‬ومعنى العَودِ املُوجبِ‬
‫للرفَّارةِ‬

‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬


‫ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﴾‬
‫[املجادلة‪]4 - 2 :‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)3364‬‬


‫‪ | 476‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫األصوات‪ ،‬لقد جاءت خول ُة‬


‫َ‬ ‫قالت عائش ُة‪ :‬احلمدُ هلل الذي ِ‬
‫وسع سم ُعه‬
‫عيل‬
‫رس البيت خيفى َّ‬
‫(‪)1‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ وأنا يف كِ ِ‬
‫ِ‬ ‫بنت مالك بن ثعلب َة تشكو إىل‬‫ُ‬
‫كالمها فأنزل اهلل ‪ ( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬ ‫بعض ِ‬‫ُ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [املجادلة‪.)2(»]1 :‬‬

‫‪ -9‬حر ُ رسولِ اهلل ﷺ يف اإليالءِ‬

‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ من‬ ‫أنس ‪ ‬قال‪ :‬آىل‬ ‫ثبت يف «صحيح البخاري» عن ٍ‬
‫رشبة له تِس ًعا وعرشين ليل ًة ثم َ‬
‫نزل‪ ،‬فقالوا‪:‬‬ ‫نسائه وكانت انفكَّت ِرج ُله فأقام يف م ٍ‬
‫َ‬
‫الشهر يكون تس ًعا وعَشين»(‪ ،)3‬وقد قال‬
‫َ‬ ‫شهرا! فقال‪« :‬إن‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل قد آليت ً‬ ‫يا‬
‫سبحانه وتعاىل‪ ( :‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [البقرة‪.]226 :‬‬
‫ِ‬
‫باليمني من‬ ‫ص يف عرف الرش ِع باالمتنا ِع‬ ‫وخ َّ‬ ‫ِ‬
‫باليمني‪ُ ،‬‬ ‫االمتناع‬
‫ُ‬ ‫اإليال ُء لغ ًة‪:‬‬
‫أربعة أشهر يمتنعون فيها من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لألزواج مد َة‬ ‫الزوجة‪ ،‬وج َع َل سبحانه وتعاىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وطء‬
‫مض ْت فإما أن يفي َء‪ ،‬وإما أن يط ِّل َق‪ .‬وقد اشت ُِه َر عن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وطء أزواجهم باإليالء‪ ،‬فإذا َ‬
‫الغضب دون الرىض‪ ،‬كام و َق َع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حال‬ ‫يكون يف‬‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫عباس أن اإليال َء إنام‬ ‫ِ‬
‫وابن‬ ‫عيل‬
‫ٍّ‬
‫ِ‬
‫اجلمهور‪.‬‬ ‫ِ‬
‫القرآن مع‬ ‫وظاهر‬ ‫لرسول اهلل ﷺ مع ِ‬
‫نسائه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬

‫(‪( )1‬كِ ْرس البيت)‪ :‬جانب البيت‪ ،‬وقيل‪ :‬هو ما انحدر من جانبي البيت عن الطريقتني‪ ،‬ولكل بيت كرسان‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه النسائي (‪ ،)3460‬وابن ماجه (‪.)188‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪.)5289‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪477‬‬

‫‪ -11‬حر ُ رسولِ اهلل ﷺ يف اللِّعانِ‬

‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬


‫ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﴾ [النور‪]9 - 6 :‬‬

‫َ‬
‫رسول‬ ‫ٍ‬
‫فالن قال‪ :‬يا‬ ‫َ‬
‫فالن بن‬ ‫ابن عمر َّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫حديث ِ‬ ‫يف «صحيح مسلم» من‬
‫يصنع؟ إن تك َّلم تك َّلم ٍ‬
‫بأمر‬ ‫ُ‬ ‫فاحش ٍة كيف‬
‫َ‬ ‫أرأيت لو وجد أحدُ نا امرأتَه عىل‬
‫َ‬ ‫اهلل‪،‬‬
‫النبي ﷺ فلم ُجي ْبه‪ ،‬فلام كان‬ ‫سكت سكت عىل ِ‬
‫مثل ذلك؟ فسكت ُّ‬ ‫َ‬ ‫عظي ٍم‪ ،‬وإن‬
‫ابتليت به‪ ،‬فأنزل اهلل ‪ ‬هؤالء‬
‫ُ‬ ‫بعد ذلك أتاه فقال‪ :‬إن الذي سألتُك عنه قد‬
‫فتاله َّن عليه‬ ‫اآليات التي يف سورة النور‪( :‬ﮭ ﮮ ﮯ) [النور‪،]6 :‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫اآلخرة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أهون من عذاب‬ ‫عذاب الدنيا‬ ‫ووع َظه وذكَّره‪ ،‬وأخربه أن‬
‫َ‬
‫كذبت عليها‪ ،‬ثم دعاها فوع َظها وذكرها‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬ال‪ ،‬والذي بعثك باحلَ ِّق ما‬
‫حل ِّق‬ ‫ِ‬
‫عذاب اآلخرة‪ ،‬قالت‪ :‬ال‪ ،‬والذي بعثك با َ‬ ‫أهون من‬‫ُ‬ ‫عذاب الدنيا‬
‫َ‬ ‫وأخربها أن‬
‫الصادقني‪ ،‬واخلامس َة‬
‫َ‬ ‫أربع شهادات باهلل إنه ملن‬ ‫ِ‬
‫بالرجل‪ ،‬فشهد َ‬ ‫لكاذب‪ ،‬فبدأ‬
‫ٌ‬ ‫إنه‬
‫أربع شهادات باهلل‬ ‫ِ‬ ‫أن لعن َة اهلل عليه إن كان من‬
‫َّ‬
‫الكاذبني‪ ،‬ثم ثنَّى باملرأة‪ ،‬فشهدت َ‬
‫َ‬
‫الصادقني‪ ،‬ثم َّفرق‬
‫َ‬ ‫غضب اهلل عليها إن كان من‬‫َ‬ ‫إنه ملن الكاذبني‪ ،‬واخلامس َة أن‬
‫بينهام (‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)4748‬ومسلم (‪.)1493‬‬


‫‪ | 478‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫للمتالعنني‪ِ « :‬حسابكام عىل‬ ‫ُ‬


‫رسول اهلل ﷺ ُ‬ ‫ويف «الصحيحني» عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل مايل؟ قال‪« :‬ال َ‬
‫مال‬ ‫َ‬ ‫سبيل لك عليها»‪ ،‬قال‪ :‬يا‬‫َ‬ ‫كاذب‪ ،‬ال‬
‫ٌ‬ ‫اهلل أحدُ كام‬
‫كذبت عليها‬
‫َ‬ ‫فرجها‪ ،‬وإن كنت‬ ‫صدقت عليها فهو بام استح َل ْلت من ِ‬
‫َ‬ ‫لك‪ ،‬إن كُنت‬
‫فهو أبعدُ لك منها»(‪.)1‬‬

‫رسول اهلل ﷺ بني ا ُملتالعنني وقال‪« :‬واهلل إن أحدَ كام‬


‫ُ‬ ‫ويف ٍ‬
‫لفظ هلام‪َّ :‬فر َق‬
‫تائب؟»(‪.)2‬‬
‫كاذب فهل منكام ٌ‬
‫ٌ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ففرق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أن ً‬‫وفيهام عنه‪َّ :‬‬
‫رجال العن عىل عهد رسول اهلل ﷺ‪َّ ،‬‬
‫بينَهام‪ ،‬وأحلق الولدَ بأ ِّمه (‪.)3‬‬

‫‪ -11‬يف حُردِه ﷺ يف لُحوقِ النسب نبالزوج إذا خالف لونُ ولدِه لونَه‬

‫ثبت عنه يف «الصحيحني» أن ً‬


‫رجال قال له‪ :‬إن امرأيت ولدت غال ًما أسو َد ‪-‬‬
‫إبل؟» قال نعم‪ .‬قال‪« :‬ما‬ ‫النبي ﷺ‪« :‬هل لك من ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫عرض بنفيه‪ -‬فقال‬‫كأنه ُي ِّ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪:‬‬ ‫َ‬
‫أورق؟» قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‬ ‫لوهنا؟» قال‪ُ :‬مح ٌر‪ .‬قال‪« :‬فهل فيها من‬
‫ُ‬
‫النبي ﷺ‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫عرق‪ .‬فقال‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل يكون نز َعه ٌ‬ ‫«فأنى أتاها ذلك؟» قال‪ :‬لع َّله يا‬
‫«وهذا لع َّله أن يكون نز َعه عرق»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5312‬ومسلم (‪.)1493‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)4747‬ومسلم (‪.)1493‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪.)5315‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،)5305‬ومسلم (‪.)1500‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪479‬‬

‫‪ -12‬فصل يف حُردِه ﷺ نبالولد للفِراش‪ ،‬وبن األم َ ترون فراشًَا‪ ،‬وفمدن‬


‫استُلحِق نبعد موتِ بنبمه‬

‫حديث عائش َة ‪ ‬قالت‪ :‬اختصم سعدُ بن‬ ‫ِ‬ ‫ثبت يف «الصحيحني» من‬
‫َ‬
‫رسول اهلل اب ُن أخي عتب َة‬ ‫ٍ‬
‫وقاص وعبدُ بن زمع َة يف غال ٍم‪ ،‬فقال سعدٌ ‪ :‬هذا يا‬ ‫أيب‬
‫إيل أنه ابنه‪ ،‬انظر إىل ِ‬
‫شبهه!‬ ‫وقاص‪ِ ،‬‬
‫عهد َّ‬ ‫ٍ‬ ‫بن أيب‬

‫فراش أيب من وليدتِه‪،‬‬


‫ِ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ُ ،‬ولد عىل‬ ‫وقال عبدُ بن زمع َة‪ :‬هذا أخي يا‬
‫بن زمع َة‪ ،‬الولد‬
‫شبها ب ِّينًا بعتب َة فقال‪« :‬هو لك يا عبدُ ُ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ فرأى ً‬ ‫فنظر‬
‫َ‬
‫احلجر‪ ،‬واحتجبي منه يا سود ُة» فلم تره سود ُة قط‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫للفراش وللعاهر‬

‫‪ -13‬فصل ذكر حر رسول اهلل ﷺ يف الولد من بحق نبه يف احلضان‬

‫بن شعيب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جدِّ ه‬ ‫عمرو ِ‬ ‫حديث ِ‬ ‫ِ‬ ‫روى أبو داو َد يف «سننه» من‬
‫رسول اهلل‪ ،‬إن ابني هذا كان‬ ‫َ‬ ‫بن عمرو بن العاص‪« :‬أن امرأ ًة قالت‪ :‬يا‬ ‫عبد اهلل ِ‬
‫بطني له وعا ًء‪ ،‬وثديي له سقا ًء‪ ،‬وحجري له ِحوا ًء‪ ،‬وإن أباه طلقني فأراد أن‬
‫أحق به ما مل تَنكِحي»(‪.)2‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ :‬أنت ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ينتزعه مني‪ ،‬فقال هلا‬
‫َ‬
‫وجعفر وزيدٌ ‪ ،‬فقال‬ ‫عيل‬ ‫الرباء بن عازب‪« :‬أن ابن َة محز َة‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫اختص َم فيها ٌّ‬
‫َ‬ ‫وعن‬
‫عمي وخالتُها عندي‪ ،‬وقال‬ ‫جعفر‪ :‬بنت ِّ‬
‫ٌ‬ ‫عمي‪ ،‬وقال‬ ‫أحق هبا وهي ابن ُة ِّ‬ ‫عيل‪ :‬أنا ُّ‬
‫ٌّ‬
‫ِ‬
‫بمنزلة األم»(‪.)3‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ خلالتِها‪ ،‬وقال‪ :‬اخلال ُة‬ ‫ُ‬ ‫زيدٌ ‪ :‬بنت أخي‪ ،‬ف َق ََض هبا‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)2218‬ومسلم (‪.)1457‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪.)2276‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪.)2699‬‬
‫‪ | 481‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫َ‬
‫رسول اهلل‪،‬‬ ‫أهل السن ِن عن أيب هريرةً‪« :‬أن امرأ ًة جا َءت فقالت‪ :‬يا‬
‫وروى ُ‬
‫يذهب بابني‪ ،‬وقد سقاين من بئر أيب عنب َة وقد نفعني‪ ،‬فقال‬ ‫َ‬ ‫إن زوجي يريدُ أن‬
‫ُ‬
‫رسول‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬است َِهام عليه»‪ ،‬فقال زوجها‪ :‬من ُحيا ُّقني يف ولدي؟ فقال‬
‫ُ‬
‫فأخ َذ ِ‬
‫بيد أ ِّمه‪ ،‬فانط َل َقت‬ ‫شئت»‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫اهلل ﷺ‪« :‬هذا أبوك وهذه أمك‪ ،‬فخُ ْذ ِ‬
‫بيد أَيام‬ ‫ُّ‬
‫به»‪ .‬قال الرتمذي‪ :‬حديث حسن صحيح(‪.)1‬‬

‫‪ -14‬ذكرُ حُردِه ﷺ يف النفق ِ على الزوجاتِ‪ ،‬وبنه مل يقدِّرها وال وردَ عنه ما‬
‫يدل على تقديرِها‪ ،‬وإمنا ردَّ األزوا َج فمها إىل العرفِ‬

‫َ‬
‫سفيان قالت له‪:‬‬ ‫ثبت عنه ﷺ يف «الصحيحني» أن هندً ا ابنة عتبة امرأ َة أيب‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫النفقة ما يكفيني وولدي إال ما‬ ‫شحيح‪ ،‬ليس يعطيني من‬ ‫َ‬
‫سفيان رجل‬ ‫إن أبا‬
‫ٌ‬
‫يعلم‪ ،‬فقال‪ُ « :‬خذي ما يكفيك وولدَ ك باملَعروف»(‪.)2‬‬
‫أخذت منه وهو ال ُ‬
‫ُ‬
‫ويف «سنن أيب داود» من حديث حكي ِم بن معاوي َة‪ ،‬عن أبيه ‪ ‬قال‪:‬‬
‫أطعموه َّن مما‬
‫ُ‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬ما ُ‬
‫تقول يف نسائنا؟ قال‪« :‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ فقلت‪ :‬يا‬ ‫أتيت‬
‫ُ‬
‫واكسوه َّن مما تلبسون‪ ،‬وال تَرضبوهن وال تُقبحوهن»(‪.)3‬‬
‫ُ‬ ‫تأكلون‪،‬‬

‫مطابق لكتاب اهلل ‪ ،‬حيث يقول‬


‫ٌ‬ ‫احلكم من رسول اهلل ﷺ‬
‫ُ‬ ‫وهذا‬
‫تعاىل‪ ( :‬ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫مثل ِ‬
‫نفقة‬ ‫ِ‬
‫املرأة َ‬ ‫ﯚ ﯛ ﯜ) [البقرة‪ ،]233 :‬ورسول اهلل ﷺ َ‬
‫جعل نفق َة‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2277‬والرتمذي (‪ ،)1357‬وابن ماجه (‪ ،)2351‬والنسائي (‪.)3496‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)5364‬ومسلم (‪.)1714‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2144‬وابن ماجه (‪.)1850‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪480‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫طعامه‬
‫ُ‬ ‫للمملوك‬ ‫العرف فقال‪« :‬‬ ‫التقدير‪ ،‬ور َّدمها إىل‬ ‫اخلاد ِم‪َّ ،‬‬
‫وسوى بينهام يف عدم‬
‫وكسوتُه باملعروف»(‪.)1‬‬

‫‪ -15‬ذكرُ ما رُوي من حُر ِ رسول اهلل ﷺ يف مترنيِ املربةِ من فراقِ زوجها إذا‬
‫بعسرَ نبنفقتِها‬

‫البخاري يف «صحيحه» من حديث أيب هرير َة ‪ ‬قال‪ :‬قال‬ ‫ُّ‬ ‫روى‬


‫ظهر ِغنًى‪،‬‬
‫لفظ‪« :‬ما كان عن ِ‬ ‫الصدقة ما تَرك ِغنًى» ويف ٍ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫أفضل‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬‬
‫واليدُ العليا خري من اليد السفىل‪ ،‬وابدأ بمن تعول»‪ ،‬تقول املرأةُ‪ :‬إما أن ِ‬
‫تطع َمني‬ ‫ٌ‬
‫وإما أن تطلقني‪ .‬ويقول العبدُ ‪ :‬أطعمني واستعملني‪ .‬ويقول الولدُ ‪ :‬أطعمني‪ ،‬إىل‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ؟ قال‪ :‬ال‪ .‬هذا من‬ ‫من تَد ُعني؟ قالوا‪ :‬يا أبا هريرةَ‪ ،‬سمعت هذا من‬
‫ِ‬
‫كيس أيب هرير َة(‪.)2‬‬

‫‪ -16‬فصل يف حُر ِ رسول اهلل ﷺ املوافقِ لرتا اهلل بنه ال نفق َ للدبتوت وال‬
‫سُرنى‬

‫حفص بن‬‫ِ‬ ‫عمرو بن‬ ‫يف الصحيح عن ُع ِ‬


‫بيد اهلل بن عبد اهلل بن ُعتب َة‪ ،‬أن أبا ِ‬
‫طالب إىل اليمن‪ ،‬فأرسل إىل امرأته فاطم َة بنت ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫قيس‬ ‫املُغرية خرج مع ِّ‬
‫عيل بن أيب‬
‫اش بن أيب ربيع َة‬ ‫ُ‬
‫احلارث بن هشا ٍم وع َّي ُ‬ ‫ِ‬
‫طالقها‪ ،‬وأمر هلا‬ ‫بتطليقة كانت بقيت من‬
‫حامال‪ ،‬فأتت رسول اهلل ﷺ‬ ‫ً‬ ‫لك نفق ٌة إال أن تكوين‬‫بنفقة‪ ،‬فقاال هلا‪ :‬واهلل ما ِ‬
‫ٍ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)1662‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)5355 ،1426‬‬
‫‪ | 482‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫االنتقال فأذن هلا‪ ،‬فقالت‪:‬‬ ‫فذكرت له قوهلام‪ ،‬فقال‪« :‬ال نفق َة لك»‪ ،‬فاستأذنته يف‬
‫رسول اهلل؟ قال‪« :‬إىل ابن أم مكتو ٍم» وكان أعمى تضع َ‬
‫ثياهبا عنده وال‬ ‫َ‬ ‫أين يا‬
‫زيد‪ ،‬فأرسل إليها‬‫يراها‪ ،‬فلام مضت عدَّ ُهتا أنكحها رسول اهلل ﷺ أسام َة بن ٍ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫مروان‪ :‬مل نسمع هذا‬ ‫ِ‬
‫احلديث فحدثته به‪ ،‬فقال‬ ‫ٍ‬
‫ذؤيب يسأهلا عن‬ ‫مروان َقبيص َة بن‬
‫ُ‬
‫الناس عليها‪ .‬فقالت فاطم ُة‬ ‫ِ‬
‫بالعصمة التي وجدنا‬ ‫ٍ‬
‫امرأة‪ ،‬سنأخذ‬ ‫َ‬
‫احلديث إال من‬
‫َ‬
‫القرآن‪ ،‬قال اهلل ‪( :‬ﭟ ﭠ ﭡ‬ ‫ُ‬ ‫حني بلغها ُ‬
‫قول مروان‪ :‬بيني وبينكم‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الطالق‪ ]1 :‬إىل قوله‪( :‬ﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الطالق‪ ،]1 :‬قالت‪ :‬هذا ملن كان له مراجع ٌة‪،‬‬
‫ً‬
‫حامال‪ ،‬فعالم‬ ‫حيدث بعد ذلك؟ فكيف تقولون‪ :‬ال نفق َة هلا إذا مل تكن‬
‫ُ‬ ‫فأي أمر‬
‫ُّ‬
‫َحتبسوهنا؟! (‪.)1‬‬

‫بعضها بإسناد‬ ‫ِ‬


‫وألفاظه‪ ،‬ويف ِ‬ ‫احلديث ب ُطرقه‬
‫َ‬ ‫النسائي يف «سننه» هذا‬ ‫وروى‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫للمرأة إذا‬ ‫صحيح ال مطع َن فيه‪ ،‬فقال هلا رسول اهلل ﷺ‪« :‬إنام النفق ُة ُّ‬
‫والسكنى‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬
‫لزوجها عليها الرجع ُة»‪.‬‬ ‫كان‬

‫‪ -17‬ذكرُ موافق ِ هذا احلر لرتا ِ اهلل ‪‬‬

‫قال اهلل تعاىل‪ ( :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬


‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ)‬
‫ِ‬
‫إخراج‬ ‫ِ‬
‫جواز‬ ‫إىل قوله‪( :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الطالق‪َّ ،]3 -1:‬‬
‫فدل عىل‬
‫ِ‬
‫الطالق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لزوجها إمساكُها بعدَ‬ ‫َمن ليس‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)1480‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪483‬‬

‫‪ -16‬ذكرُ حر ِ رسول اهلل ﷺ املوافقِ لرتا اهلل تعاىل من وجو ِ النفق ِ‬


‫لألقار ِ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫قدمت املدين َة فإذا‬
‫ُ‬ ‫يب قال‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫طارق املُحار ِّ‬ ‫النسائي عن‬ ‫روى‬
‫ُّ‬
‫الناس وهو يقول‪« :‬يدُ املُعطي العليا‪ ،‬وابدأ بمن ُ‬
‫تعول‪َّ :‬أمك‬ ‫َ‬ ‫قائم عىل ِ‬
‫املنرب خيطب‬ ‫ٌ‬
‫وأباك‪ ،‬وأختَك وأخاك‪ ،‬ثم أدناك أدناك»(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ويف «الصحيحني» عن أيب ُهرير َة ‪ ‬قال‪ :‬جاء ٌ‬
‫رجل إىل‬
‫بحسن صحابتي؟ قال‪ُّ « :‬أمك»‪ ،‬قال‪ :‬ثم‬ ‫ِ‬
‫الناس ُ‬ ‫أحق‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬من ُّ‬ ‫فقال‪ :‬يا‬
‫َمن؟ قال‪ُّ « :‬أمك»‪ ،‬قال‪ :‬ثم من؟ قال‪ُّ « :‬أمك»‪ ،‬قال‪ :‬ثم من؟ قال‪« :‬ثم أبوك‪ ،‬ثم‬
‫أدناك أدناك»(‪.)2‬‬
‫ِ‬
‫باملعروف»(‪.)3‬‬ ‫وقد قال النبي ﷺ ٍ‬
‫هلند‪ُ « :‬خذي ما يكفيك وولدَ ك‬ ‫ُّ‬
‫ويف «سنن أيب داود» من حديث ِ‬
‫عمرو بن ُش ٍ‬
‫عيب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جدِّ ه‪ ،‬عن‬
‫أطيب ما أكلتم من كَسبِكم‪ ،‬وإن أوال َدكم من‬
‫َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ أنه قال‪« :‬إن‬
‫كسبِكم؛ فكلوه َهنيئًا»(‪.)4‬‬
‫تفسري لقوله تعاىل‪ ( :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ٌ‬ ‫وهذا ك ُّله‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [النساء‪ ،]36 :‬وقوله تعاىل‪( :‬ﯮ ﯯ ﯰ‬
‫حق ذي ال ُقربى ييل َّ‬
‫حق الوالدين كام جعله‬ ‫ﯱ) [اإلرساء‪ ]26 :‬فجعل سبحانه َّ‬
‫ٍ‬
‫بسواء‪.‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ سوا ًء‬

‫(‪ )1‬أخرجه النسائي (‪.)2532‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)5971‬ومسلم (‪.)2548‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)5364‬ومسلم (‪.)1714‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)3530‬وابن ماجه (‪ ،)2292‬وأمحد ‪ )6678( 262-261/11‬واللفظ له‪.‬‬
‫‪ | 484‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -19‬ذكرُ حر رسولِ اهلل ﷺ يف الرَّضاع ِ وما حيرم نبها وما ال يَحرُم‪ ،‬وحُرده‬
‫يف القدر املُحرِّم منها‪ ،‬وحرده يف إرضاع الربريِ‪ :‬هل له تأثريٌ بم ال؟‬

‫ثبت يف «الصحيحني» من حديث عائش َة ‪ ،‬عن النبي ﷺ أنه قال‪:‬‬


‫«إن الرضاع َة ُحتر ُم ما ُحتر ُم الوالد ُة»(‪.)1‬‬
‫ُ‬
‫إحدامها‬ ‫ٍ‬
‫رجل له جاريتان أرضعت‬ ‫ٍ‬
‫عباس ملا ُسئل عن‬ ‫وهبذا أجاب اب ُن‬
‫اللقاح‬
‫ُ‬ ‫يتزوج اجلاري َة؟ قال‪ :‬ال‪،‬‬
‫َ‬ ‫جاري ًة واألخرى غال ًما‪ُّ ،‬‬
‫أحيل للغال ِم أن‬
‫واحدٌ (‪.)2‬‬

‫النبي ﷺ «ال ُحتر ُم َّ‬


‫املص ُة‬ ‫وثبت يف «صحيح مسلم» عن عائش َة ‪ ‬عن ِّ‬
‫واملَ َّصتان»(‪.)3‬‬

‫أيضا‪ :‬عن عائش َة ‪ ‬قالت‪ :‬كان فيام أنزل اهلل من‬ ‫وثبت يف «صحيحه» ً‬
‫بخمس معلومات‪ ،‬فت ِّ‬
‫ُويف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫رضعات معلومات ُحي ِّرم َن‪ ،‬ثم نُسخن‬ ‫عرش‬ ‫ِ‬
‫القرآن‪ُ :‬‬
‫وه َّن فيام ُيقرأ من القرآن (‪.)4‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ُ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫وثبت يف «جامع الرتمذي» من حديث أ ِّم سلم َة ‪ ‬أن‬
‫ضاعة إال ما فتق األمعاء يف الثدي‪ ،‬وكان قبل ِ‬
‫الفطا ِم»‪ ،‬وقال‬ ‫ِ‬ ‫الر‬
‫َ‬ ‫قال‪« :‬ال ُُير ُم من َّ‬
‫صحيح(‪.)5‬‬
‫ٌ‬ ‫الرتمذي‪ :‬حديث‬
‫ُّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5099‬ومسلم (‪.)1444‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪.)1149‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)1450‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪.)1452‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الرتمذي (‪.)1152‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪485‬‬

‫وث َب َت يف «صحيح مسلم» عن عائش َة ‪ ‬قالت‪« :‬جا َء ْت سهل ُة ُ‬


‫بنت‬
‫وجه أيب حذيف َة ِمن‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬إين أرى يف‬ ‫ٍ‬
‫سهيل إىل رسول اهلل ﷺ فقالت‪ :‬يا‬
‫حتر ِمي عليه»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دخول ساملٍ وهو حلي ُفه‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ‪ :‬أرضعيه ُ‬
‫وبنات أخواهتا أن ُيرضعن‬
‫َ‬ ‫بنات إخوهتا‬ ‫فبذلك كانت عائش ُة ‪ُ ‬‬
‫تأمر َ‬
‫مخس رضعات‪،‬‬
‫كبريا َ‬ ‫َ‬
‫ويدخل عليها وإن كان ً‬ ‫من أحبت عائش ُة ‪ ‬أن يراها‬
‫ُ‬
‫يدخل عليها‪.‬‬ ‫ثم‬

‫النبي ﷺ أن ُيدخلن عليهن أحدً ا بتلك‬ ‫وسائر أزواج ِّ‬


‫ُ‬ ‫وأبت ذلك أ ُّم سلم َة‬
‫الناس حتى يرضع يف ِ‬
‫املهد‪ ،‬وقلن لعائش َة‪ :‬واهلل‪ ،‬ما ندري لع َّلها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرضاعة من‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الناس(‪.)2‬‬ ‫كانت رخص ًة من ِّ‬
‫النبي ﷺ لساملٍ دون‬

‫‪ -21‬ذكرُ حُردِه ﷺ يف العِدَدِ‬

‫بيان وأوضحه وأمج َعه‪،‬‬ ‫هذا الباب قد توىل اهلل سبحانه بيانَه يف كتابه أتم ٍ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫أنواعها‪:‬‬ ‫َشذ عنه معتدَّ ةٌ‪ ،‬فذكر أربع َة أنوا ٍع من ِ‬
‫العدد‪ ،‬وهي ُمجلة‬ ‫بحيث ال ت ُّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫احلمل ُمطل ًقا‪ :‬بائن ًة كانت أو رجع َّي ًة‪،‬‬ ‫النوع األول‪ :‬عد ُة احلامل بوضع‬
‫ُ‬
‫فارق ًة يف احلياة‪ ،‬أو ُمتوىف عنها‪ ،‬فقال تعاىل‪( :‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬ ‫ُم َ‬
‫ﯯ) [الطالق‪.]4 :‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)1453‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود (‪.)2061‬‬
‫‪ | 486‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫وضع‬
‫ُ‬ ‫زوجها ِعدَّ ُهتا‬ ‫احلامل ا ُمل َّ‬
‫توىف عنها ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الصحابة عىل أن‬ ‫مجهور‬
‫ُ‬ ‫احتج‬
‫َّ‬ ‫وهبذا‬
‫غتس ِل كام أفتى به رسول اهلل ﷺ ُ‬
‫لسبيع َة‬ ‫والزوج عىل املُ َ‬
‫ُ‬ ‫محلِها‪ ،‬ولو وضعته‬
‫ِ‬
‫األسلمية(‪.)1‬‬
‫املطلقة التي حتيض‪ ،‬وهي ثالث ُة ُق ٍ‬
‫روء‪ ،‬كام قال اهلل تعاىل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫النوع الثاين‪ :‬عد ُة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫(ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [البقرة‪.]228 :‬‬

‫النوع الثالث‪ :‬عد ُة التي ال حيض هلا‪ ،‬وهي نوعان‪ :‬صغري ٌة مل حتض‪ ،‬وكبري ٌة‬
‫ُ‬
‫فبني اهلل سبحانه عد َة النوعني بقولِه‪( :‬ﯛ ﯜ ﯝ‬ ‫ِ‬
‫احليض‪َّ ،‬‬ ‫قد يئست من‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [الطالق‪ ]4 :‬أي‪:‬‬
‫ِ‬
‫فعدَّ هت َّن كذلك‪.‬‬

‫فبني ِعدَّ هتا سبحانه بقولِه‪( :‬ﭑ ﭒ‬


‫زوجها َّ‬ ‫النوع الرابع‪ :‬املُ َّ‬
‫توىف عنها ُ‬ ‫ُ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [البقرة‪ ،]234 :‬فهذا َي ُ‬
‫تناول‬
‫ُ‬
‫احلامل‪.‬‬ ‫ُ‬
‫تدخل فيه‬ ‫وغريها‪ ،‬والصغري َة والكبريةَ‪ ،‬وال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫املدخول هبا‬

‫‪ -21‬ذكرُ حر ِ رسول اهلل ﷺ نباعتدادِ املتوفَّى عنها يف منزلِها الذي توفِّ‬


‫زوجُها وه فمه‪ ،‬وإنه غريُ خمالف حلُردِه خبروج املَبتوت ِ واعتدادِها حمث شاءت‬
‫ٍ‬
‫مالك‬ ‫بنت كعب بن ُعجرةَ‪ ،‬عن ال ُف ِ‬
‫ريعة بنت‬ ‫ثبت يف «السنن» عن زينب ِ‬
‫َ‬
‫َرجع إىل أهلِها‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫رسول اهلل ﷺ تسأله أن ت َ‬ ‫اخلدري أهنا جاءت إىل‬
‫ِّ‬ ‫سعيد‬ ‫أخت أيب‬
‫يف بني ُخدْ رةَ‪ ،‬فإن زوجها خرج يف طلب أعب ٍد له أبقوا حتى إذا كانوا ب َط ِ‬
‫رف‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5320‬ومسلم (‪.)1484‬‬


‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪487‬‬

‫أرجع إىل أهيل؛ فإين مل يرتكني يف‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ أن‬ ‫فسألت‬
‫ُ‬ ‫ال َقدوم ِحلقهم فقتلوه؛‬
‫فخرجت حتى إذا كنت يف‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬نعم»‪،‬‬ ‫سكن يملكه وال ٍ‬
‫نفقة‪ ،‬فقال‬ ‫َم ٍ‬
‫فرددت‬
‫ُ‬ ‫قلت؟»‬‫عيت له‪ ،‬فقال‪« :‬كيف ِ‬ ‫ِ‬
‫املسجد دعاين‪ ،‬أو أمر يب فدُ ُ‬ ‫ِ‬
‫احلجرة‪ ،‬أو يف‬
‫ذكرت من شأن زوجي‪ ،‬قالت‪ :‬فقال‪« :‬امكُثي يف بيتِك حتى يب ُلغَ‬
‫ُ‬ ‫عليه ِ‬
‫القص َة التي‬
‫ُ‬
‫عثامن‪،‬‬ ‫وعرشا‪ ،‬قالت‪ :‬فلام كان‬
‫ً‬ ‫فاعتددت فيه أربع َة أشهر‬
‫ُ‬ ‫الكتاب أج َله» قالت‪:‬‬
‫ُ‬
‫أرسل إ َّيل فسألني عن ذلك فأخربتُه‪ ،‬فقَض به واتَّبعه(‪.)1‬‬

‫‪ -22‬ذكرُ حُر ِ رسول اهلل ﷺ يف إحدادِ املعتدَّةِ نفمًَا وإثباتًَا‬

‫زينب بنت أيب سلم َة أهنا دخلت عىل أ ِّم َحبيب َة‬
‫َ‬ ‫ثبت يف «الصحيحني»(‪ )2‬عن‬
‫سفيان فدعت أم حبيب َة ‪‬‬
‫َ‬ ‫النبي ﷺ‪ -‬حني ت ِّ‬
‫ُويف أبوها أبو‬ ‫زوج ِّ‬‫‪ِ -‬‬
‫مست بعارضيها‪ ،‬ثم‬‫يب فيه ُصفر ُة َخلوق أو غريه‪ ،‬فدهنت منه جاري ًة‪ ،‬ثم َّ‬ ‫بطِ ٍ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ يقول عىل‬ ‫ٍ‬
‫حاجة غري أين سمعت‬ ‫قالت‪ :‬واهلل ما يل بال ِّطيب من‬
‫ٍ‬
‫ثالث‪ ،‬إال عىل‬ ‫حتدُّ عىل مي ٍ‬
‫ت فوق‬ ‫المرأة تؤمن باهلل واليوم اآلخر ُ ِ‬
‫ٍ‬ ‫املِنرب‪« :‬ال َُي ُّل‬
‫وعَشا»‪.‬‬
‫ً‬ ‫زوجٍ أربع َة أشهر‬

‫ُويف أخوها فدعت‬ ‫ٍ‬


‫جحش حني ت ِّ‬ ‫زينب بنت‬ ‫َ‬ ‫دخلت عىل‬ ‫ُ‬ ‫زينب‪ :‬ثم‬
‫ُ‬ ‫قالت‬
‫َ‬
‫رسول‬ ‫يب من حاجة غري أين سمعت‬ ‫بطيب فمست منه‪ ،‬ثم قالت‪ :‬واهلل ما يل بال ِّط ِ‬ ‫ٍ‬
‫المرأة تؤمن باهلل واليوم اآلخر ُ ِ‬
‫حتدُّ عىل ميت فوق‬ ‫ٍ‬ ‫اهلل ﷺ يقول عىل ِ‬
‫املنرب‪« :‬ال َُي ُّل‬
‫وعَشا»‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ثالث‪ ،‬إال عىل زوج أربع َة أشهر‬
‫ً‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2300‬والرتمذي (‪.)1204‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)1282 ،1281 ،1280‬ومسلم (‪.)1487 ،1486‬‬
‫‪ | 488‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫رسول‬ ‫زينب‪ :‬وسمعت أ ِّمي أ َّم سلم َة ‪ ‬تقول‪ :‬جاءت امرأ ٌة إىل‬
‫ُ‬ ‫قالت‬
‫زوجها‪ ،‬وقد اشتكت عينَها‬
‫ُ‬ ‫ُويف عنها‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬إن بنتي ت ِّ‬ ‫اهلل ﷺ فقالت‪ :‬يا‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬ال» َم َّرتني‪ ،‬أو ثال ًثا‪ ،‬ك ُُّل ذلك يقول‪« :‬ال»‪ ،‬ثم‬
‫ُ‬ ‫ُكح ُلها؟ فقال‬
‫أفت ِّ‬
‫وعَشا‪ ،‬وقد كانت إحداك َُّن يف اجلاهلية ترمي بال َبعرة‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬
‫أشهر‬ ‫قال‪« :‬إنام هي أربع ُة‬
‫ِ‬
‫احلول»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫رأس‬ ‫عىل‬

‫رش‬ ‫زوجها دخلت ً‬


‫حفشا ولبست َّ‬ ‫ُويف عنها ُ‬ ‫زينب‪ :‬كانت املرأ ُة إذا ت ِّ‬
‫ُ‬ ‫فقالت‬
‫بدابة‪ :‬محار‪ ،‬أو ٍ‬
‫شاة‪ ،‬أو‬ ‫ثياهبا‪ ،‬ومل متس طيبا‪ ،‬وال شي ًئا‪ ،‬حتى يمر هبا سن ٌة‪ ،‬ثم تؤتى ٍ‬
‫ِ‬
‫َ َّ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫طري ف َت ْف َت ُّض به ‪ ،‬فقلام ُّ‬
‫تفتض بِشء إال مات‪ ،‬ثم خترج فتُعطى بعر ًة فرتمي هبا‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫ُراجع بعدُ ما شاءت من ٍ‬


‫طيب‪ ،‬أو غريه‪.‬‬ ‫ثم ت ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬ال ُ ِ‬
‫حتدُّ‬ ‫َ‬ ‫ويف «الصحيحني» عن أ ِّم عطي َة ‪ ‬أن‬
‫تلبس ثو ًبا‬ ‫ٍ‬ ‫زوج أربع َة‬ ‫ٍ‬
‫ثالث إال عىل ٍ‬ ‫ميت َ‬ ‫امرأ ٌة عىل ٍ‬
‫وعرشا‪ ،‬وال ُ‬
‫ً‬ ‫أشهر‬ ‫فوق‬
‫طهرت نُبذ ًة من‬
‫ْ‬ ‫متس طي ًبا‪ ،‬إال إذا‬ ‫ُ‬
‫تكتحل‪ ،‬وال ُّ‬ ‫ٍ‬
‫عصب‪ ،‬وال‬ ‫مصبو ًغا إال َ‬
‫ثوب‬
‫ٍ‬
‫أظفار(‪.)3(»)2‬‬ ‫ٍ‬
‫قسط أو‬
‫زوج رسول اهلل ﷺ أنه قال‪َّ « :‬‬
‫املتوىف عنها‬ ‫ويف «سنن أيب داود» عن أ ِّم سلم َة ِ‬
‫ُ‬
‫تكتحل‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬
‫الثياب‪ ،‬وال َّ‬
‫املمشقة‪ ،‬وال احلُ َّيل‪ ،‬وال‬ ‫املعصفر من‬
‫َ‬ ‫تلبس‬
‫زوجها ال ُ‬
‫ُ‬
‫ختتضب»(‪.)4‬‬
‫ُ‬

‫(‪َ ( )1‬ت ْفت َُّض)‪ :‬أي تكرس ما هي فيه من العدة بطائر تتمسح به‪ ،‬وتنبذه فال يكاد يعيش ما تفتض به‪.‬‬
‫(‪( )2‬ال ُق ْسط واألَ ْظفار)‪ :‬نوعان معروفان من البخور‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ،)313‬ومسلم (‪.)938‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود (‪ ،)2304‬والنسائي (‪.)3535‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪489‬‬

‫‪ -23‬فصل ذكر حُر ِ رسولِ اهلل ﷺ يف االسترباءِ‬

‫َ‬
‫رسول‬ ‫اخلدري ‪ ‬أن‬ ‫ٍ‬
‫سعيد‬ ‫ثبت يف «صحيح مسلم» من حديث أيب‬
‫ِّ‬
‫عدوا فقاتلوهم فظهروا عليهم‬ ‫جيشا إىل أوطاس فلقي ًّ‬ ‫اهلل ﷺ يو َم حنني بعث ً‬
‫حترجوا من ِغشياهنن من‬ ‫ِ‬
‫ناسا من أصحاب رسول اهلل ﷺ َّ‬ ‫وأصابوا سبايا‪ ،‬فكأن ً‬
‫أجل أزواجهن من املرشكني فأنزل اهلل ‪ ‬يف ذلك‪( :‬ﭒ ﭓ ﭔ‬ ‫ِ‬
‫حالل لكم إذا ان َق َضت ِعدَّ هتن(‪.)1‬‬
‫ٌ‬ ‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [النساء‪ »]24 :‬أي‪ :‬فهن‬

‫مر‬ ‫ِ‬
‫أيضا‪ :‬من حديث أيب الدرداء ‪ ‬أن رسول اهلل ﷺ َّ‬ ‫ويف «صحيحه» ً‬
‫ٍ‬ ‫ٍ ِ‬
‫بامرأة ُجم ٍّح عىل باب ُفسطاط فقال‪« :‬لعله يريد أن ُي َّ‬
‫لم هبا»‪ ،‬فقالوا‪ :‬نعم‪ ،‬فقال‬
‫قَبه‪ ،‬كيف ُيور ُثه وهو ال‬
‫مهمت أن ألعنه لعنًا يدخل معه َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬لقد‬
‫يستخدمه وهو ال َُي ُّل له»(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫ُيل له‪ ،‬كيف‬

‫اخلدري ‪ ‬أن‬ ‫ٍ‬


‫سعيد‬ ‫ويف «املسند» و«سنن أيب داود» من حديث أيب‬
‫ِّ‬
‫غري ذات‬
‫تضع‪ ،‬وال ُ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫حامل حتى‬ ‫رسول اهلل ﷺ قال يف سبايا أوطاس‪« :‬ال تُوطأ‬
‫حتيض حيض ًة»(‪.)3‬‬
‫محل حتى َ‬‫ٍ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)1456‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)1441‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أمحد ‪ ،)11228( 326/17‬وأبو داود (‪.)2157‬‬
‫‪ | 491‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫[رانبعا‪ :‬كتا البموع]‬

‫ذكرُ بحرامِه ﷺ يف البموعِ‬

‫‪ -1‬ذكرُ حردِه ﷺ فمدا يَحرُم نبمعه‬

‫النبي‬
‫جابر بن عبد اهلل ‪ ‬أنه سمع َّ‬ ‫ثبت يف «الصحيحني» من حديث ِ‬
‫واخلنزير واألصنا َم»‪ ،‬فقيل‪ :‬يا‬
‫َ‬ ‫ﷺ يقول‪« :‬إن اهلل ورسو َله حرم َ‬
‫بيع اخلمر وامليت َة‬
‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬أرأيت شحو َم امليتة‪ ،‬فإهنا يطىل هبا السف ُن ويدهن هبا اجللو ُد‪،‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ عند ذلك‪:‬‬ ‫الناس؟ فقال‪« :‬ال‪ ،‬هو حرام»‪ ،‬ثم قال‬
‫ُ‬ ‫و َيستصبح هبا‬
‫مجلوه ثم باعوه فأكلوا ثمنَه»(‪.)1‬‬
‫شحومها َ َ‬
‫َ‬ ‫حر َم عليهم‬
‫«قاتل اهلل اليهو َد‪ ،‬إن اهلل ملا َّ‬
‫مشارب تُفسد‬ ‫ِ‬
‫ثالثة أجناس‪:‬‬ ‫اجلوامع عىل حتريم‬ ‫الكلامت‬
‫ُ‬ ‫فاشتملت هذه‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ٌ‬
‫وأعيان تُفسد األديان وتدعو‬ ‫ُغذي غذاء خبي ًثا؛‬
‫الطباع وت ِّ‬
‫َ‬ ‫ومطاعم تفسد‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫العقول‪،‬‬
‫ِ‬
‫الفتنة والرشك‪.‬‬ ‫إىل‬

‫‪ -2‬حر ُ رسولِ اهلل ﷺ يف مثنِ الرلب والسِّنَّورِ‬

‫رسول اهلل ﷺ هنى عن ِ‬


‫ثمن الكلب‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫مسعود‪ ،‬أن‬ ‫يف «الصحيحني» عن أيب‬
‫ومهر البغي‪ ،‬وح ِ‬
‫لوان الكاهن(‪.)2‬‬ ‫ِ َ ِّ ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)2236‬ومسلم (‪.)1581‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)2237‬ومسلم (‪.)1567‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪490‬‬

‫ِ‬
‫الكلب‬ ‫جابرا عن ثمن‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫الزبري قال‪ :‬سألت‬ ‫ويف «صحيح مسلم» عن أيب‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ عن ذلك(‪.)1‬‬ ‫والسن ِ‬
‫َّور‪ ،‬فقال‪َ :‬ز َج َر‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ قال‪:‬‬ ‫ديج‪ ،‬عن‬ ‫ِ‬
‫حديث راف ِع بن َخ ٍ‬ ‫ويف «صحيح مسلم» من‬
‫احلجا ِم»(‪.)2‬‬
‫وكسب َّ‬
‫ُ‬ ‫وثمن الكلب‪،‬‬
‫ُ‬ ‫مهر ال َبغي‪،‬‬
‫ِش الكسب ُ‬
‫« ُّ‬

‫‪ -3‬فصل يف حُردِه ﷺ يف نبمعِ ع ْسبِ الفحل وضِرانبه‬

‫مر أن رسول اهلل ﷺ هنى عن َع ْس ِ‬


‫ب‬ ‫يف «صحيح البخاري» عن ِ‬
‫ابن ُع َ‬
‫ِ‬
‫الفحل(‪.)3‬‬

‫جابر أن رسول اهلل ﷺ هنى عن بي ِع ِِضاب‬


‫ٍ‬ ‫ويف «صحيح مسلم» عن‬
‫الفحل(‪.)4‬‬

‫لألو ِل‪.‬‬
‫تفسري َّ‬
‫ٌ‬ ‫وهذا الثاين‬

‫‪ -4‬ذكرُ حردِه ﷺ يف املن ِع من نبمعِ املاء الذي يَشرتكُ فمه الناسُ‬

‫رسول اهلل ﷺ عن بي ِع ِِضاب‬


‫ُ‬ ‫يف صحيح مسلم عن جابر ‪ ‬قال‪ :‬هنى‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ(‪.)5‬‬ ‫ِ‬
‫واألرض لتُحرث‪ ،‬فعن ذلك هنى‬ ‫ِ‬
‫الفحل‪ ،‬وعن بي ِع املاء‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)1569‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)1568‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري (‪.)2284‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪.)1565‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم (‪.)1565‬‬
‫‪ | 492‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫منع‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬ال ُي ُ‬ ‫ويف «الصحيحني» عن أيب ُهرير َة ‪ ‬أن‬
‫أل»(‪.)1‬‬ ‫فضل ِ‬
‫املاء ليمنع به الك ُ‬ ‫ُ‬

‫‪ -5‬ذكرُ حُر ِ رسولِ اهلل ﷺ يف منع الرج ِل من نبمع ما لمس عنده‬

‫َ‬
‫رسول‬ ‫حديث حكي ِم بن ِحزا ٍم قال‪ :‬قلت‪ :‬يا‬
‫ِ‬ ‫يف «السنن» و«املسند» من‬
‫ُ‬
‫الرجل يسألني من البي ِع ما ليس عندي‪ ،‬فأبي ُعه منه‪ ،‬ثم أبتا ُعه من‬ ‫اهلل‪ ،‬يأتيني‬
‫ِ‬
‫السوق‪ ،‬فقال‪« :‬ال َتبِ ْع ما ليس عندك»(‪ ،)2‬قال الرتمذي‪ :‬حديث حسن‪.‬‬

‫‪ -6‬ذكرُ حُر ِ رسول اهلل ﷺ يف نبمعِ احلصاةِ والغرر واملُالمس ِ واملُنانبذةِ‬

‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ عن بي ِع‬ ‫يف «صحيح مسلم» عن أيب ُهرير َة ‪ ‬قال‪ :‬هنى‬
‫احل ِ‬
‫صاة‪ ،‬وعن بيع ال َغ ِ‬
‫رر(‪.)3‬‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ عن َبيعتني‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫سعيد قال‪ :‬هنانا‬ ‫ويف «الصحيحني» عن أيب‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ثوب اآلخر‬‫ملس الرجل َ‬ ‫بستني‪ :‬هنى عن املُالمسة واملُنابذة يف البيعِ‪ ،‬واملُالمس ُة‪ُ :‬‬ ‫و ُل‬
‫ُ‬
‫الرجل إىل الرجل‬ ‫ِ‬
‫بالنهار وال ُي َق ِّل ُبه إال بذلك‪ ،‬واملُنابذةُ‪ :‬أن َينبِ َذ‬ ‫بيده بالليل أو‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬
‫تراض(‪.)4‬‬ ‫اآلخر ثو َبه‪ ،‬ويكون ذلك بي َعهام من غري ٍ‬
‫نظر وال‬ ‫ُ‬ ‫ثو َبه‪ ،‬وينبذ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)2353‬ومسلم (‪.)1566‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه أمحد ‪ ،)15311( 25/24‬وأبو داود (‪ ،)3503‬والرتمذي (‪ ،)1232‬والنسائي (‪ ،)4613‬وابن‬
‫ماجه (‪.)2187‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)1513‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪.)1512‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪493‬‬

‫أي ثوب وقعت فهو‬ ‫و ُف ِّرس ُ‬


‫بيع احلصاة بأن يقول‪ :‬ارم هذه احلصاةَ‪ ،‬فعىل ِّ‬
‫لك بدره ٍم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قدر ما انتهت إليه رمي ُة‬ ‫ِ‬
‫احلصاة‪.‬‬ ‫و ُف ِّرس بأن يبي َعه من أرضه ُ‬
‫ِ‬
‫القبضة من‬ ‫ِ‬
‫بعدد ما خرج يف‬ ‫حصا ويقول‪ :‬يل‬ ‫و ُف ِّرس بأن َي َ‬
‫َف من ً‬
‫قبض عىل ك ٍّ‬
‫الِشء املَبيعِ‪.‬‬

‫درهم‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫كف من احلصا‪ ،‬ويقول‪ :‬يل بِك ُِّل حصاة‬
‫ويقبض عىل ٍّ‬
‫َ‬ ‫أو يبي َعه سلع ًة‬
‫ِ‬
‫أي وقت سقطت احلصا ُة‬
‫مسك أحدُ مها حصا ًة يف يده‪ ،‬ويقول‪ُّ :‬‬ ‫و ُف ِّ َ‬
‫رس بأن ُي َ‬
‫البيع‪.‬‬
‫وجب ُ‬
‫البيع‪.‬‬
‫نبذت إليك احلصا َة فقد وجب ُ‬
‫ُ‬ ‫و ُف ِّرس بأن يتبايعا ويقول أحدُ مها‪ :‬إذا‬
‫عرتض القطيع من الغنم‪ ،‬فيأخذ حصاةً‪ ،‬ويقول‪ :‬أي ٍ‬
‫شاة أصبتَها‬ ‫وفرس بأن َي َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫فهي لك بكذا‪.‬‬
‫بالباطل‪ ،‬ومن ال َغ ِ‬
‫رر‬ ‫ِ‬ ‫تتضمنه من ِ‬
‫أكل املال‬ ‫َّ‬ ‫الصور ُك ُّلها فاسد ٌة ملا‬
‫ُ‬ ‫وهذه‬
‫واخلطر الذي هو شبيه ِ‬
‫بالقامر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫‪ | 494‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪495‬‬

‫فهرس املوضوعات‬

‫الصفح‬ ‫املوضوع‬
‫التعريف بموسوعة حممد رسول اهلل ﷺ ‪7 .................................................‬‬
‫اهلدي النبوي ‪9 ...........................................................................‬‬
‫ترمجة ابن قيم اجلوزية (ت‪10 ..............................................  )751‬‬
‫التعريف بكتاب زاد املعاد يف هدي خري العباد البن القيم ‪12 ...............................‬‬

‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬


‫[مقدمة املصنف] ‪17 .....................................................................‬‬
‫[القس األول‪ :‬مشائل النيب ﷺ ]‬
‫نسبِه ‪23 .................................................................‬‬ ‫‪ -1‬فصل يف َ‬
‫‪ -2‬فصل يف ُأ َّمهاتِه ﷺ َّ‬
‫الاليت َأ َ‬
‫رض ْعنَه ‪25 .............................................‬‬
‫واضنه ﷺ ‪26 .........................................................‬‬ ‫‪ -3‬فصل يف ح ِ‬
‫َ‬
‫وأول ما ُأ ِنزل عليه ‪26 ..........................................‬‬
‫‪ -4‬فصل يف َمب َعثه ﷺ َّ‬
‫ب ‪27 .............................................‬‬ ‫ِ‬
‫‪ -5‬فصل يف تَرتيب الدَّ ْعوة وهلا َمرات ُ‬
‫سامئه ﷺ ‪27 ...........................................................‬‬ ‫‪ -6‬فصل يف َأ ِ‬
‫‪ -7‬فصل يف َأ ْوالده ﷺ ‪30 ...........................................................‬‬
‫وعامتِه ﷺ ‪30 .....................................................‬‬ ‫‪ -6‬فصل يف َأعاممه َّ‬
‫‪ -9‬فصل يف أزواجه ﷺ ‪31 ...........................................................‬‬
‫‪ -11‬فصل يف َرس ِاريه ﷺ ‪33 ...........................................................‬‬
‫‪ -11‬فصل يف َموالِيه ﷺ ‪33 ............................................................‬‬
‫‪ -12‬فصل يف ُخدَّ امه ﷺ ‪33 ...........................................................‬‬
‫‪ -13‬فصل يف ُكتَّابه ﷺ ‪34 .............................................................‬‬
‫‪ | 496‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ِ‬
‫الرشائ ِع ‪34 ........................‬‬ ‫‪ -14‬فصل يف ُكتُبه ﷺ التي َكتَبها إىل َأ ْهل ِ‬
‫اإل ْسالم يف‬
‫‪ -15‬فصل يف ُر ُسله ﷺ و ُكتُبه إىل ا ُمللوك ‪34 .............................................‬‬
‫‪ -16‬فصل يف ُمؤ ِّذنيه ﷺ ‪36 ...........................................................‬‬
‫‪ -17‬فصل يف ُأ َمرائه ﷺ ‪36 ............................................................‬‬
‫حر ِسه ﷺ ‪37 ...........................................................‬‬ ‫‪ -16‬فصل يف َ‬
‫ْضب األَ ْعناق بني َيدَ ْيه ﷺ ‪37 ..................................‬‬ ‫فيمن كان َي ِ‬ ‫‪ -19‬فصل َ‬
‫وسواكِه و َمن كان َيأ َذن عليه ‪38 .................‬‬
‫وخامتِه و َنعله ِ‬ ‫ِ‬
‫فيمن كان عىل َن َفقاته َ ْ‬ ‫‪ -21‬فصل َ‬
‫بائه ﷺ ‪38 ..................................................‬‬ ‫وخ َط ِ‬
‫‪ -21‬فصل يف ُش َعرائه ُ‬
‫حيدون بني َيدَ ْيه ﷺ يف الس َفر ‪38 ........................‬‬ ‫ِ‬
‫‪ -22‬فصل يف ُحداته ا َّلذين كانوا َ ْ‬
‫ورسايا ُه ﷺ ‪38 ...........................................‬‬ ‫ِ‬
‫‪ -23‬فصل يف َغ َزواته و ُبعوثه َ‬
‫الحه و َأثاثِه ﷺ ‪39 ................................................‬‬ ‫‪ -24‬فصل يف ِذكْر ِس ِ‬
‫‪ -25‬فصل يف َدوا ِّبه ﷺ ‪42 .............................................................‬‬
‫‪ -26‬فصل يف َمالبِسه ﷺ ‪43 ...........................................................‬‬
‫‪ -27‬فصل يف َهديه ﷺ يف ال َّطعام ‪46 ...................................................‬‬
‫عارشته ﷺ َأ ْه َله ‪47 ....................................‬‬‫‪ -26‬فصل يف َهديه يف النِّكاح و ُم َ‬
‫باهه ‪49 .....................................‬‬ ‫وسريته ﷺ يف نَومه وانتِ ِ‬ ‫‪ -29‬فصل يف هدْ يه ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫الركوب ‪51 .................................................‬‬ ‫‪ -31‬فصل يف َهدْ يه ﷺ يف ُّ‬
‫‪ -31‬فصل [جامع] ‪51 ................................................................‬‬
‫فصل يف َهدْ يه ﷺ يف ُمعا َملته ‪54 ..................................................‬‬ ‫‪-32‬‬
‫فصل يف َهدْ يه ﷺ يف َم ْشيه وحدَ ه ومع َأصحابِه ‪54 .................................‬‬ ‫‪-33‬‬
‫ِّكائ ِه ‪55 ..........................................‬‬
‫فصل يف هدْ يه ﷺ يف جلوسه وات ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫‪-34‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فصل يف َهدْ يه ﷺ عند َقضاء احلاجة ‪55 ...........................................‬‬ ‫‪-35‬‬
‫الف ْطرة وتَوابِ ِعها ‪56 ..........................................‬‬
‫ديه ﷺ يف ِ‬
‫فصل يف َه ِ‬ ‫‪-36‬‬
‫‪ -37‬فصل يف هديه ﷺ يف قص الشارب ‪57 ............................................‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪497‬‬

‫وضحكه وب ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كائه ‪58 ..........................‬‬ ‫ُ‬ ‫وسكوته‬‫‪ -36‬فصل يف َهدْ يه ﷺ يف كَالمه ُ‬
‫‪ -39‬فصل يف َهدْ يه ﷺ يف ُخ َطبِه ‪59 ....................................................‬‬
‫[القس الثان ] فصول يف هديه ﷺ يف العبادات‬
‫[ ً‬
‫أوال‪ :‬كتاب الطهارة]‬
‫ِ‬
‫الوضوء ‪63 ..................................................‬‬ ‫فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف‬ ‫‪-1‬‬
‫فصل يف هديه ﷺ يف املسح عىل ا ُ‬
‫خل َّفني ‪65 .........................................‬‬ ‫‪-2‬‬
‫هديه ﷺ يف ُّ‬
‫التيم ِم ‪66 ....................................................‬‬ ‫فصل يف ِ‬ ‫‪-3‬‬
‫[ثان ًيا‪ :‬كتاب الصالة]‬
‫ِ‬
‫الصالة ‪67 ...................................................‬‬ ‫فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف‬ ‫‪-1‬‬
‫فصل [يف هديه ﷺ يف دعائه يف صالته] ‪83 ........................................‬‬ ‫‪-2‬‬
‫كامل إقبالِه وقربِه من اهلل تعاىل‪،‬‬
‫فصل [يف هديه ﷺ يف مراعاة أحوال املأمومني ‪ ،‬مع ِ‬ ‫‪-3‬‬
‫ِ‬
‫وحضور قلبِه َ‬
‫بني يديه ] ‪84 ..............................................................‬‬
‫ِ‬
‫سجود السهو ‪87 ............................................‬‬ ‫‪ -4‬فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف‬
‫فصل [يف هديه ﷺ يف النظر أثناء الصالة] ‪89 .....................................‬‬ ‫‪-5‬‬
‫ِ‬
‫وجلوسه بعدها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الصالة‪،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ يقو ُله بعد انرصافِه من‬‫ُ‬ ‫فصل‪ :‬فيام كان‬ ‫‪-6‬‬
‫ِ‬
‫والقراءة بعدها ‪90 ........................‬‬ ‫ِ‬
‫األذكار‬ ‫ورسعة انفتالِه منها‪ ،‬وما رشع ُه أل َّمتِه من‬
‫ِ‬
‫فصل [يف هديه ﷺ يف السرتة] ‪92 ................................................‬‬ ‫‪-7‬‬
‫ِ‬
‫الرواتب ‪92 ...........................................‬‬ ‫ِ‬
‫السنن‬ ‫فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف‬ ‫‪-6‬‬
‫‪ -9‬فصل [يف هديه ﷺ يف االضطجاع بعد سنة الفجر] ‪95 .............................‬‬
‫ِ‬
‫الليل ‪95 ................................................‬‬ ‫‪ -11‬فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف قيا ِم‬
‫ِ‬
‫الليل ‪96 ................‬‬ ‫وذكر صالتِه َّأو ِل‬
‫ِ‬ ‫بالليل ِ‬
‫ووتره‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫سياق صالتِه ﷺ‬‫‪ -11‬فصل يف ِ‬
‫‪ -12‬فصل [يف هديه ﷺ يف قنوت الوتر والدعاء بعده] ‪100 ............................‬‬
‫‪[ -13‬فصل يف هديه ﷺ يف القراءة] ‪102 ..............................................‬‬
‫‪ | 498‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪[ -14‬يف هديه ﷺ يف صالته التطوع عىل الراحلة] ‪102 .................................‬‬


‫صالة الضحى ‪103 ..........................................‬‬ ‫ِ‬ ‫‪ -15‬فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف‬
‫ِ‬
‫سجود الشكر] ‪105 .......................................‬‬ ‫‪ -16‬فصل [يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف‬
‫ِ‬
‫القرآن ‪105 ..........................................‬‬ ‫ِ‬
‫سجود‬ ‫‪ -17‬فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف‬
‫خصائص ِ‬
‫يومها ‪106 ...........................‬‬ ‫ِ‬ ‫عة وذكر‬ ‫هديه ﷺ يف اجلم ِ‬
‫‪ -16‬فصل يف ِ‬
‫ُُ‬
‫‪ -19‬فصل يف مبدأِ اجلمعة ﷺ ‪107 ....................................................‬‬
‫فصل [يف خصائص يوم اجلمعة] ‪107 .............................................‬‬ ‫‪-21‬‬
‫فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف ُخ َطبِه ‪116 ..................................................‬‬ ‫‪-21‬‬
‫هديه ﷺ يف العيدين ‪119 ................................................‬‬ ‫فصل يف ِ‬ ‫‪-22‬‬
‫ِ‬
‫الكسوف ‪122 ........................................‬‬ ‫ِ‬
‫صالة‬ ‫فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف‬ ‫‪-23‬‬
‫ِ‬
‫االستسقاء ‪123 .............................................‬‬ ‫‪ -24‬فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف‬
‫سفره وعبادتِه فيه ‪125 .......................................‬‬
‫هديه ﷺ يف ِ‬‫‪ -25‬فصل يف ِ‬
‫ِ‬
‫واستامعه‬ ‫وبكائه عند قراءتِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وخشوعه‬ ‫ِ‬
‫واستامعه‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫ِ‬
‫قراءة‬ ‫‪ -26‬فصل يف هديِه ﷺ يف‬
‫ني صوتِه به وتواب ِع ذلك ‪128 .......................................................‬‬
‫وحتس ِ‬
‫ِ‬
‫عيادة املرىض ‪130 ...........................................‬‬ ‫هديه ﷺ يف‬‫‪ -27‬فصل يف ِ‬

‫[ثال ًثا‪ :‬كتاب اجلنائز]‬


‫ت‬‫واتباعها ودفنِها‪ ،‬وما كان يدعو به للمي ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والصالة عليها‬ ‫ِ‬
‫اجلنائز‬ ‫‪ -1‬فصل يف هديِه ﷺ يف‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الدفن وتواب ِع ذلك ‪131 ............................................‬‬ ‫ِ‬
‫اجلنازة وبعد‬ ‫ِ‬
‫صالة‬ ‫يف‬
‫ِ‬
‫القبور ‪138 ............................................‬‬ ‫ِ‬
‫زيارة‬ ‫‪ -2‬فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف‬
‫‪ -3‬فصل [يف هديه ﷺ يف تعزية أهل امليت وصنع الطعام هلم وترك النعي] ‪138 ................‬‬
‫ِ‬
‫اخلوف ‪149 ...........................................‬‬ ‫ِ‬
‫صالة‬ ‫‪ -4‬فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف‬
‫[راب ًعا‪ :‬كتاب الزكاة]‬
‫ِ‬
‫والزكاة ‪142 ........................................‬‬ ‫ِ‬
‫الصدقة‬ ‫فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف‬ ‫‪-1‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪499‬‬

‫فصل [يف هديه ﷺ مع أهل الزكاة] ‪144 ..........................................‬‬ ‫‪-2‬‬


‫فصل [يف زكاة العسل] ‪145 ......................................................‬‬ ‫‪-3‬‬
‫‪ -4‬فصل [يف دعائه ﷺ ملن أدى إليه زكاته وعدم أخذ كرائم أمواهلم] ‪146 .................‬‬
‫يشرتي صدقته] ‪147 ..............................‬‬
‫َ‬ ‫فصل [يف هنيه ﷺ املتصدِّ ق أن‬ ‫‪-5‬‬
‫ِ‬
‫الصدقة] ‪147 ........................‬‬ ‫ِ‬
‫ملصالح املسلمني من‬ ‫فصل [يف استدانته ﷺ‬ ‫‪-6‬‬
‫زكاة ِ‬
‫الف ِ‬
‫طر ‪147 .............................................‬‬ ‫هديه ﷺ يف ِ‬
‫فصل يف ِ‬ ‫‪-7‬‬
‫فصل [يف هديه ﷺ يف وقت إخراج زكاة الفطر ] ‪148 .............................‬‬ ‫‪-6‬‬
‫‪ -9‬فصل[يف هديه ﷺ يف املستحقني لزكاة الفطر ] ‪148 ...............................‬‬
‫ِ‬
‫صدقة التطو ِع ‪148 ..........................................‬‬ ‫‪ -11‬فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف‬
‫خامسا‪ :‬كتاب الصيام]‬
‫[ ً‬
‫فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف الصيا ِم ‪150 .................................................‬‬ ‫‪-1‬‬
‫فصل [يف عبادته ﷺ يف شهر رمضان] ‪152 .......................................‬‬ ‫‪-2‬‬
‫فصل [يف هديه ﷺ يف ثبوت رمضان وخروجه ] ‪153 .............................‬‬ ‫‪-3‬‬
‫[فصل يف هديه ﷺ يف تعجيل الفطر ] ‪154 .......................................‬‬ ‫‪-4‬‬
‫فصل [يف هديه ﷺيف السفر يف رمضان] ‪155 .....................................‬‬ ‫‪-5‬‬
‫فصل [يف هديه ﷺ يف االغتسال من اجلنابة وتقبيل الزوجة يف هنار رمضان] ‪155 ...‬‬ ‫‪-6‬‬
‫فصل [يف هديه ﷺ فيمن أكل أو رشب ناسيا] ‪156 ...............................‬‬ ‫‪-7‬‬
‫فصل [يف هديه ﷺ يف املفطرات] ‪156 ............................................‬‬ ‫‪-6‬‬
‫فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف صيا ِم التطو ِع ‪156 ...........................................‬‬ ‫‪-9‬‬
‫‪ -11‬فصل [يف هديه ﷺ يف صيام يوم عرفة] ‪158 ......................................‬‬
‫‪ -11‬فصل [يف هديه ﷺ يف صيام السبت واألحد] ‪158 ................................‬‬
‫‪ -12‬فصل [يف حكم صيام الدهر] ‪159 ................................................‬‬
‫‪ -13‬فصل [يف هديه ﷺ يف إنشاء نية صوم التطوع وقطعها وإمتامها] ‪160 ...............‬‬
‫‪ | 511‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -14‬فصل [يف كراهة ختصيص يوم اجلمعة بالصوم] ‪160 ...............................‬‬


‫سادسا‪ :‬كتاب االعتكاف]‬
‫[ ً‬
‫ِ‬
‫االعتكاف ‪161 ..............................................‬‬ ‫فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف‬ ‫‪-1‬‬
‫[ساب ًعا‪ :‬كتاب احلج والعمرة]‬
‫حج ِه و ُع َم ِره ‪164 ...........................................‬‬ ‫فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف ِّ‬ ‫‪-1‬‬
‫فصل [يف هديه ﷺ يف أشهر ُع َمره] ‪165 ..........................................‬‬ ‫‪-2‬‬
‫فصل [يف هديه ﷺ يف االعتامر يف السنة الواحدة] ‪165 ............................‬‬ ‫‪-3‬‬
‫سياق هديه ﷺ يف حجتِه ‪166 ...........................................‬‬
‫فصل‪ :‬يف ِ‬ ‫‪-4‬‬
‫ِ‬
‫والعقيقة ‪188 ...............................‬‬ ‫والضحا َيا‬ ‫فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف اهلدا َيا َّ‬ ‫‪-5‬‬
‫فصل [يف هديه ﷺ يف ذبح اهلدي] ‪188 ..........................................‬‬ ‫‪-6‬‬
‫فصل [يف هديه ﷺ يف األضاحي] ‪190 ...........................................‬‬ ‫‪-7‬‬
‫فصل [يف هديه ﷺ فيمن أراد التضحية] ‪191 .....................................‬‬ ‫‪-6‬‬
‫[فصل يف هديه ﷺ يف صفات األضحية] ‪191 ....................................‬‬ ‫‪-9‬‬
‫‪ -11‬فصل [يف تضحيته ﷺ باملصىل] ‪192 .............................................‬‬
‫‪[ -11‬فصل يف أمره ﷺ باإلحسان يف الذبح] ‪192 .....................................‬‬
‫‪[ -12‬فصل يف إجزاء الشاة عن الرجل وأهله] ‪192 .....................................‬‬
‫ِ‬
‫العقيقة ‪192 .................................................‬‬ ‫‪ -13‬فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف‬
‫ِ‬
‫املولود وختانه ‪193 ...................................‬‬ ‫‪ -14‬فصل يف هديه ﷺ يف تسمية‬
‫ِ‬
‫األسامء والكُنى ‪194 .........................................‬‬ ‫‪ -15‬فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف‬
‫ِ‬
‫األلفاظ ‪201 ...........................‬‬ ‫ِ‬
‫واختيار‬ ‫حفظ املنطِ ِق‬
‫ِ‬ ‫‪ -16‬فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف‬
‫[ثامنًا‪ :‬كتاب الذكر]‬
‫الذ ِ‬
‫كر ‪204 ..................................................‬‬ ‫فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف ِّ‬ ‫‪-1‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪510‬‬

‫ِ‬
‫الثوب ونحوه‪210 ...........................‬‬ ‫كر عند لبس‬‫الذ ِ‬ ‫فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف ِّ‬ ‫‪-2‬‬
‫منزلِه ‪210 ..........................................‬‬
‫هديه ﷺ عند دخولِه ِ‬ ‫فصل يف ِ‬ ‫‪-3‬‬
‫الذكر عند دخولِه اخلال َء ‪211 ................................‬‬
‫ِ‬ ‫فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف‬ ‫‪-4‬‬
‫أذكار الوضوء ‪212 ..........................................‬‬ ‫ِ‬ ‫هديه ﷺ يف‬‫فصل يف ِ‬ ‫‪-5‬‬
‫ِ‬
‫وأذكاره ‪213 .........................................‬‬ ‫ِ‬
‫األذان‬ ‫هديه ﷺ يف‬ ‫فصل يف ِ‬ ‫‪-6‬‬
‫فصل [يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف الذكر يف عرش ذي احلجة] ‪214 .............................‬‬ ‫‪-7‬‬
‫فصل يف هديه ﷺ يف الذكر عند رؤية اهلالل ‪215 ..................................‬‬ ‫‪-6‬‬
‫ِ‬
‫أذكار الطعا ِم قبله وبعده ‪215 ................................‬‬ ‫فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف‬ ‫‪-9‬‬
‫هديه ﷺ يف الطعام] ‪216 ..............................................‬‬‫فصل [يف ِ‬ ‫‪-11‬‬
‫ِ‬
‫العاطس ‪219 ..................‬‬ ‫ِ‬
‫َشميت‬ ‫ِ‬
‫واالستئذان وت‬ ‫فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف السال ِم‬ ‫‪-11‬‬
‫ِ‬
‫الكتاب ‪224 ................................‬‬ ‫فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف السال ِم عىل أهل‬ ‫‪-12‬‬
‫ِ‬
‫االستئذان ‪226 ..............................................‬‬ ‫فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف‬ ‫‪-13‬‬
‫ِ‬
‫العطاس ‪227 .........................................‬‬ ‫‪ -14‬فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف أذكار‬
‫ِ‬
‫السفر وآدابِه ‪230 ......................................‬‬ ‫ِ‬
‫أذكار‬ ‫‪ -15‬فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف‬
‫ِ‬
‫النكاح ‪234 ...........................................‬‬ ‫ِ‬
‫أذكار‬ ‫‪ -16‬فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف‬
‫يقول من رأى ُمبت ًَىل ‪235 ................................................‬‬ ‫فصل فيام ُ‬ ‫‪-17‬‬
‫يكره ُه ‪235 ....................................‬‬ ‫فصل فيام يقوله من رأى يف ِ‬
‫منامه ما‬ ‫‪-16‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫بالوسواس‪ ،‬وما َيستعني به عىل الوسوسةِ ‪236 .............‬‬ ‫فصل فيام يقو ُله ويفع ُله من ُب َيل‬ ‫‪-19‬‬
‫فصل فيام يقو ُله ويفع ُله من اشتدَّ غض ُبه ‪237 .......................................‬‬ ‫‪-21‬‬
‫‪ -21‬فصل [فيام يقوله من رأي ما حيب] ‪237 ...........................................‬‬
‫ُقرب إليه أو ُصنع له معروفا] ‪237 ...........................‬‬
‫‪ -22‬فصل [فيام يقوله من ت ِّ‬
‫‪ -23‬فصل[فيام يقوله من سمع هنيق احلامر وصياح الديكة] ‪238 ........................‬‬
‫‪[ -24‬فصل يف كراهة خلو املجلس من ذكر اهلل] ‪238 ...................................‬‬
‫‪ -25‬فصل [فيام يقوله من فزع] ‪239 ...................................................‬‬
‫‪ | 512‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫ُقال ‪239 ........................................‬‬ ‫ٍ‬


‫ألفاظ كان ﷺ يكر ُه أن ت َ‬ ‫‪ -26‬فصل يف‬
‫[تاس ًعا‪ :‬كتاب اجلهاد]‬
‫فصل [يف مراتب اجلهاد] ‪244 ....................................................‬‬ ‫‪-1‬‬
‫ِ‬
‫اجلهاد ‪245 ........................................................‬‬ ‫ِ‬
‫رشط‬ ‫فصل يف‬ ‫‪-2‬‬
‫فصل [يف جهاد النبي ﷺ يف اهلل حق جهاده] ‪246 .................................‬‬ ‫‪-3‬‬
‫[فصل يف إيذاء قريش للنبي ﷺ] ‪246 ............................................‬‬ ‫‪-4‬‬
‫فصل [فيمن حاز قصب السبق واستجاب لدعوته ﷺ] ‪248 ......................‬‬ ‫‪-5‬‬
‫فصل [يف اهلجرة إىل احلبشة] ‪249 .................................................‬‬ ‫‪-6‬‬
‫فصل [يف بعث قريش إىل النجايش] ‪250 ..........................................‬‬ ‫‪-7‬‬
‫فصل [يف فشو اإلسالم ومقاطعة قريش لبني هاشم وبني عبد املطلب] ‪250 ..............‬‬ ‫‪-6‬‬
‫فصل [يف موت خدجية وأيب طالب وخروجه ﷺ إىل الطائف] ‪252 ................‬‬ ‫‪-9‬‬
‫‪ -11‬فصل [يف اإلرساء واملعراج] ‪253 .................................................‬‬
‫إل ْعزاز ِدينه‪،‬‬ ‫‪ -11‬فصل يف مبدَ أ ِ‬
‫اهل ْجرة ا َّلتي َّفرق اهلل فيها بني َأ ْوليائه و َأ ْعدائه‪ ،‬وج َع َلها َمبدَ ًا ِ‬ ‫َ‬
‫ورسوله ‪254 ................................................................‬‬ ‫ِ‬
‫ون َْرص َعبده َ‬
‫‪ -12‬فصل [يف بيعتي العقبة األوىل والثانية] ‪255 .......................................‬‬
‫‪ -13‬فصل [يف مؤامرة دار الندوة] ‪256 ................................................‬‬
‫‪ -14‬فصل [يف قدومه ﷺ املدينة ] ‪259 ................................................‬‬
‫‪ -15‬فصل [يف مؤاخاته ﷺ بني املهاجرين واألنصار] ‪260 .............................‬‬
‫‪ -16‬فصل [يف موادعته ﷺ هيود املدينة ثم حماربته هلم] ‪260 ............................‬‬
‫‪ -17‬فصل [يف حتويل القبلة ] ‪261 .....................................................‬‬
‫اإلذن يف ِ‬
‫الق ِ‬
‫تال] ‪262 ...................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫‪ -16‬فصل [يف‬
‫‪ -19‬فصل [يف استحبابه القتال أول النهار] ‪266 .......................................‬‬
‫‪ -21‬فصل [يف فضل اجلهاد] ‪266 .....................................................‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪513‬‬

‫‪ -21‬فصل [يف هديه ﷺ يف احلرب] ‪267 ..............................................‬‬


‫‪ -22‬فصل [يف هديه ﷺ يف سهم ذي القربى] ‪272 .....................................‬‬
‫‪ -23‬فصل [يف األكل من الغنيمة قبل القسمة] ‪272 ....................................‬‬
‫‪ -24‬فصل [يف هنيه ﷺ عن النهبة واملثلة] ‪272 .........................................‬‬
‫‪ -25‬فصل [يف تشديده ﷺ يف الغلول] ‪272 ...........................................‬‬
‫‪ -26‬فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف األُسارى ‪273 ...............................................‬‬
‫‪ -27‬فصل يف هديه ﷺ فيمن َج َّس عليه ‪274 ...........................................‬‬
‫ِ‬
‫املغنومة ‪274 ........................................‬‬ ‫ِ‬
‫األرض‬ ‫‪ -26‬فصل يف هديه ﷺ يف‬
‫‪ -29‬فصل [يف وجوب اهلجرة ملن قدر] ‪275 ...........................................‬‬
‫ِ‬
‫ومعاملة‬ ‫ِ‬
‫اجلزية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وأخذ‬ ‫ِ‬
‫الكفار‪،‬‬ ‫ِ‬
‫رسل‬ ‫ِ‬
‫والصلح‪ ،‬ومعاملة‬ ‫ِ‬
‫األمان‬ ‫‪ -31‬فصل يف هديه ﷺ يف‬
‫سمع كال َم اهلل ور ِّده إىل مأمنِه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الكفار حتى َي َ‬
‫ِ‬
‫وإجارة من جاءه من‬ ‫ِ‬
‫أهل الكتاب واملنافقني‪،‬‬
‫ِ‬
‫الغدر ‪275 .....................................................‬‬ ‫بالعهد وبراءتِه من‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ووفائه‬
‫‪ -31‬فصل [يف أقسام كفار املدينة] ‪276 ................................................‬‬
‫‪ -32‬فصل [يف نقض بني النضري العهد] ‪277 ...........................................‬‬
‫‪ -33‬فصل [يف غزوة بني قريظة] ‪278 ..................................................‬‬
‫بعضهم عهدَ ه] ‪280 ....................‬‬‫‪ -34‬فصل [يف هد ُيه ﷺ إذا صالح قوما فنقض ُ‬
‫ِ‬
‫الكفار] ‪280 .................‬‬ ‫دخل معه يف ِ‬
‫عقده من‬ ‫‪ -35‬فصل [يف هديه ﷺ فيمن حارب من َ‬
‫‪ -36‬فصل [يف هديه ﷺ يف معاملة الرسل والوفاء بعهد أصحابه] ‪280 .................‬‬
‫ِ‬
‫اجلزية] ‪281 ..............................‬‬ ‫ِ‬
‫وأهل‬ ‫عقد الذ َّم ِة‬
‫‪ -37‬فصل [يف هديه ﷺ يف ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫حني‬ ‫ِ‬
‫الكفار واملنافقني من حني ُبعث إىل‬ ‫ترتيب سياق هديِه ﷺ مع‬ ‫ِ‬ ‫‪ -36‬فصل يف‬
‫لقي اهلل ‪282 ............................................................................‬‬
‫غازيه و ُبعوثِ ِه عىل َو ْجه االختِصار‬
‫ياق م ِ‬ ‫ِ‬
‫[عاِشا‪ :‬كتاب] يف س ِ َ‬
‫ً‬
‫[فصل يف أول لواء لواء محزة] ‪284 ...............................................‬‬ ‫‪-1‬‬
‫‪ | 514‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫فصل [يف غزوة األبواء] ‪284 .....................................................‬‬ ‫‪-2‬‬


‫فصل [يف غزوة العشرية] ‪284 ....................................................‬‬ ‫‪-3‬‬
‫فصل [يف رسية عبد اهلل بن جحش] ‪285 ..........................................‬‬ ‫‪-4‬‬
‫فصل [يف حتويل القبلة] ‪286 .....................................................‬‬ ‫‪-5‬‬
‫ِ‬
‫ربى ‪286 ...................................................‬‬ ‫فصل يف َغزوة َبدْ ٍر ال ُك َ‬ ‫‪-6‬‬
‫أح ٍد ‪293 ................................................................‬‬ ‫ِ‬
‫يف غزوة ُ‬ ‫‪-7‬‬
‫فصل فيام اشتَم َلت عليه هذه ال َغزا ُة من األَحكا ِم ِ‬
‫والف ْقه‪297 ........................‬‬ ‫‪-6‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كر بعض احل َك ِم والغايات ا َملحمودة التي كانت يف وقعة ُأ ُحد ‪299 ...............‬‬ ‫فصل يف ِذ ِ‬ ‫‪-9‬‬
‫‪ -11‬فصل يف بعث الرجي ِع ‪301 ........................................................‬‬
‫‪ -11‬فصل يف وقعة بِ ِئر َمعون َة ‪302 ......................................................‬‬
‫‪ -12‬فصل [يف غزوة بدر الثانية] ‪303 ..................................................‬‬
‫‪ -13‬فصل يف َغ ِ‬
‫زوة ا ُملريسي ِع ‪303 ......................................................‬‬
‫‪ -14‬فصل يف غزوة اخلَندَ ق ‪306 .......................................................‬‬
‫‪ -15‬فصل يف ِقصة احل ِ‬
‫ديبية ‪310 .......................................................‬‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫الف ِ‬
‫قهية ‪316 .........................‬‬ ‫الفوائد ِ‬
‫ِ‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫حلديبية َ‬
‫بعض ما يف قصة ا ُ‬ ‫‪ -16‬فصل يف‬
‫فصل يف اإلشارة إىل بعض احلكم التي تضمنتها هذه اهلدنة ‪317 ....................‬‬ ‫‪-17‬‬
‫ِ‬
‫فصل يف َغزوة خي َ‬
‫رب ‪318 ..........................................................‬‬ ‫‪-16‬‬
‫فصل [يف الشاة املسمومة] ‪321 ...................................................‬‬ ‫‪-19‬‬
‫الف ِ‬
‫قهية ‪322 ..............................‬‬ ‫زوة خيرب من األحكا ِم ِ‬
‫فصل فيام كان يف َغ ِ‬ ‫‪-21‬‬
‫َ َ‬
‫قصة وادي القرى وتَيامء و َفدك ‪323 ......................................‬‬ ‫فصل يف ِ‬ ‫‪-21‬‬
‫ِ‬
‫فصل يف بعث النبي ﷺ َّ‬
‫الرسايا ‪324 ..............................................‬‬ ‫‪-22‬‬
‫مرة ال َق ِ‬
‫ضية ‪324 .......................................................‬‬ ‫فصل يف ُع ِ‬ ‫‪-23‬‬
‫زوة ُمؤت َة ‪325 ..........................................................‬‬‫فصل يف َغ ِ‬ ‫‪-24‬‬
‫الفتح األعظ ِم ‪326 .......................................................‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -25‬فصل يف‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪515‬‬

‫‪ -26‬فصل [فيمن أهدر دمه] ‪333 .....................................................‬‬


‫ِ‬
‫واللطائف ‪334 .....................‬‬ ‫زوة من ِ‬
‫الفقه‬ ‫اإلشارة إىل ما يف هذه ال َغ ِ‬
‫ِ‬ ‫‪ -27‬فصل يف‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫طاس ‪337 ...................................‬‬ ‫ُسمى َغزو َة َأ ْو‬ ‫‪ -26‬فصل يف َغ ِ‬
‫زوة ُح ٍ‬
‫نني وت َّ‬
‫الف ِ‬
‫قهية‬ ‫املسائل ِ‬
‫ِ‬ ‫َضمنَته هذه الغزو ُة من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بعض ما ت َّ‬ ‫اإلشارة إىل‬ ‫‪ -29‬فصل يف‬
‫ِ‬
‫احلكمية ‪343 ...................................................................‬‬ ‫ِ‬
‫والنكت‬
‫ثامن ‪346 .....................................‬‬ ‫ال سن َة ٍ‬ ‫ِ‬
‫الطائف يف َش َّو ٍ‬ ‫ِ‬
‫غزوة‬ ‫فصل يف‬ ‫‪-31‬‬
‫تبوك ‪352 ..........................................................‬‬ ‫زوة َ‬ ‫فصل يف َغ ِ‬ ‫‪-31‬‬
‫الْض ِار ا َّلذي َهنَى اهللُ َرسو َله أن َيقو َم فيه فهدَ َمه ‪357 ..................‬‬ ‫مسجد ِّ‬‫ِ‬ ‫فصل يف ِ‬
‫أمر‬ ‫‪-32‬‬
‫ِ‬
‫والفوائد ‪358 ...............‬‬ ‫الف ِ‬
‫قه‬ ‫بعض ما تَضمنته هذه الغزو ُة من ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلشارة إىل‬ ‫فصل يف‬ ‫‪-33‬‬
‫َّ‬
‫الصدِّ ِيق ‪َ ‬سن َة تس ٍع بعدَ َمقدَ مه من ت َ‬
‫َبوك ‪361 ............‬‬ ‫جة أيب َب ٍ‬ ‫فصل يف ح ِ‬
‫كر ِّ‬ ‫َ‬ ‫‪-34‬‬
‫النبي ﷺ ‪362 ...........................‬‬ ‫ِ‬ ‫العر ِ‬ ‫ِ‬
‫وغريهم عىل ِّ‬ ‫ب‬ ‫فصل يف قدو ِم ُوفود َ‬ ‫‪-35‬‬
‫[القس الثالث‪ :‬الطب النبوي]‬

‫فصل يف َهدْ ِيه ﷺ يف ال ِّط ِّ‬


‫ب ‪367 ..................................................‬‬ ‫‪-1‬‬
‫فصل [يف هديه يف التداوي باألدوية املفردة] ‪369 ..................................‬‬ ‫‪-2‬‬
‫فصل [يف إثباته ﷺ األسباب واملسببات] ‪369 ....................................‬‬ ‫‪-3‬‬
‫ِ‬
‫والقانون‬ ‫األكل عىل ِ‬
‫قدر احلاجة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والزيادة يف‬ ‫هديه ﷺ يف االحتِ ِ‬
‫امء من التُّخم‬ ‫فصل يف ِ‬ ‫‪-4‬‬
‫ِ‬
‫والرشب ‪370 ..............................................‬‬ ‫ِ‬
‫األكل‬ ‫الذي ينبغي مراعاتُه يف‬
‫‪ -5‬فصل [يف هديه ﷺ يف العالج باألدوية الطبيعة واإلهلية واملركبة منهام] ‪371 ............‬‬
‫باألدوية الطبيع َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫العالج‬
‫ُ‬ ‫[ ً‬
‫أوال]‬
‫حل َّمى ‪371 ...........................................‬‬ ‫فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف عالجِ ا ُ‬ ‫‪-6‬‬
‫ِ‬
‫البطن ‪372 ..................................‬‬ ‫هديه ﷺ يف عالجِ استطالق‬ ‫فصل يف ِ‬ ‫‪-7‬‬
‫ِ‬
‫واالحرتاز منه ‪373 ........................‬‬ ‫ِ‬
‫الطاعون وعالجه‬ ‫فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف‬ ‫‪-6‬‬
‫ِ‬
‫وعالجه ‪374 .................................‬‬ ‫ِ‬
‫االستسقاء‬ ‫هديه ﷺ يف ِ‬
‫داء‬ ‫فصل يف ِ‬ ‫‪-9‬‬
‫‪ | 516‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫‪ -11‬فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف عالجِ ا ُ‬
‫جلرح ‪375 ...........................................‬‬
‫العسل ِ‬
‫واحلجامة والك َِّي ‪375 .................‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العالج برشب‬ ‫‪ -11‬فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف‬
‫‪ -12‬فصل يف هديه يف أوقات احلجامة ‪376 ............................................‬‬
‫والكي ‪377 ....................................‬‬
‫ِّ‬ ‫‪ -13‬فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف قط ِع العروق‬
‫الرصع ‪378 ...........................................‬‬ ‫‪ -14‬فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف عالجِ‬
‫َ‬
‫هديه ﷺ يف عالجِ ِعرق النِّسا ‪378 .......................................‬‬‫‪ -15‬فصل يف ِ‬
‫‪ -16‬فصل يف هديه ﷺ يف عالج يبس الطبع‪ ،‬واحتياجه إىل ما يمشيه ويلينه ‪379 .............‬‬
‫َ‬
‫القمل ‪379 ......................‬‬ ‫هديه ﷺ يف عالج حك َِّة اجلسم وما ُيو ِّلد‬
‫‪ -17‬فصل يف ِ‬
‫‪ -16‬فصل يف هديه ﷺ يف عالج الصداع والشقيقة ‪380 ................................‬‬
‫ِ‬
‫والرشاب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫إعطائهم ما َيكرهونه من الطعا ِم‬ ‫معاجلة املرىض ِ‬
‫برتك‬ ‫ِ‬ ‫هديه ﷺ يف‬‫ِ‬ ‫‪ -19‬فصل يف‬
‫ِ‬
‫تناوهلام ‪380 .......................................................‬‬ ‫وأهنم ال ُيكرهون عىل‬
‫ذرة ويف العالج بالس ِ‬
‫عوط ‪380 ......................‬‬ ‫هديه ﷺ يف عالجِ الع ِ‬ ‫‪ -21‬فصل يف ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫‪ -21‬فصل يف هديه ﷺ يف احلمية ‪381 .................................................‬‬
‫ِ‬
‫الذباب وإرشاده إىل دف ِع َم َّ‬
‫ْضات‬ ‫‪ -22‬فصل يف هديِه ﷺ يف إصالحِ الطعام الذي ُ‬
‫يقع فيه ُّ‬
‫ِ‬
‫بأضدادها ‪382 ..................................................................‬‬ ‫السمو ِم‬
‫فصل يف هديه ﷺ يف عالج البَثرة ‪382 ............................................‬‬ ‫‪-23‬‬
‫ِ‬
‫األغذية ‪382 ..................‬‬ ‫ِ‬
‫بألطف ما اعتا َده من‬ ‫ِ‬
‫تغذية املريض‬ ‫فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف‬ ‫‪-24‬‬
‫ِ‬ ‫فصل يف ِ‬
‫اليهود ‪383 ...................‬‬ ‫رب من‬‫بخي َ‬ ‫هديه ﷺ يف عالج ُّ‬
‫الس ِّم الذي أصابه َ‬ ‫‪-25‬‬
‫ِ‬
‫السحر الذي سحرتْه اليهو ُد به ‪384 .......................‬‬ ‫فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف عالج‬ ‫‪-26‬‬
‫الناس وهو جاهل بالطب ‪385 .................‬‬ ‫طب َ‬ ‫‪ -27‬فصل يف هديه ﷺ يف تضمني من َّ‬
‫األصحا َء إىل‬ ‫ِ‬
‫وإرشاده‬ ‫ِ‬
‫بطبعها‬ ‫ِ‬
‫األدواء ا ُملعد َية‬ ‫التحر ِز من‬ ‫هديه ﷺ يف‬ ‫‪ -26‬فصل يف ِ‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫ُجمانبة أهلِها ‪385 ........................................................................‬‬
‫حرمات ‪386 ............................‬‬ ‫‪ -29‬فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف املن ِع من التداوي با ُمل َّ‬
‫ِ‬
‫الرأس وإزالته ‪386 .....................‬‬ ‫‪ -31‬فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف عالجِ ال َق ِ‬
‫مل الذي يف‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪517‬‬

‫ِ‬ ‫وحانية اإلهلي ِة ا ُملفردة واملرك ِ‬


‫ِ‬
‫األدوية‬ ‫َّبة منها ومن‬ ‫َّ‬ ‫[ثان ًيا‪ ]:‬يف هديه ﷺ يف العالجِ باألدوية ُّ‬
‫الر‬
‫الطبيع َّي ِة‬
‫بالعني ‪387 ...................................‬‬ ‫ِ‬ ‫هديه ﷺ يف عالجِ املصاب‬‫‪ -31‬فصل يف ِ‬
‫ِ‬
‫اإلهلية ‪389 .................‬‬ ‫ِ‬
‫بالرقية‬ ‫العالج العام لك ُِّل شكوى‬‫ِ‬ ‫هديه ﷺ يف‬‫‪ -32‬فصل يف ِ‬
‫‪ -33‬فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف ُرقية اللدي ِغ بالفاحتة ‪390 .....................................‬‬
‫ِ‬
‫بالرقية ‪391 .............................‬‬ ‫ِ‬
‫لدغة العقرب‬ ‫‪ -34‬فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف عالجِ‬
‫‪ -35‬فصل يف هديه ﷺ يف رقية النملة ‪391 .............................................‬‬
‫فصل يف هديه يف رقية احلية ‪392 ...................................................‬‬ ‫‪-36‬‬
‫ِ‬
‫القرحة واجلُرح ‪392 ....................................‬‬ ‫فصل يف ِ‬
‫هديه ﷺ يف ُرقية‬ ‫‪-37‬‬
‫هديه ﷺ يف عالجِ الوجع بالر ِ‬
‫قية ‪393 ....................................‬‬ ‫فصل يف ِ‬ ‫‪-36‬‬
‫ُّ‬
‫هديه ﷺ يف عالجِ حر املصيبة وح ِ‬
‫زهنا ‪394 ...............................‬‬ ‫فصل يف ِ‬ ‫‪-39‬‬
‫ُ‬ ‫َ ِّ‬
‫ِ‬
‫واحلزن ‪396 ......................‬‬ ‫واهلم والغم‬ ‫هديه ﷺ يف عالجِ الكرب‬ ‫فصل يف ِ‬ ‫‪-41‬‬
‫ِّ‬
‫‪ -41‬فصل يف هديه ﷺ يف حفظ الصحة ‪396 ...........................................‬‬
‫‪ -42‬فصل يف هديه ﷺ يف هيئة اجللوس لألكل ‪399 ....................................‬‬
‫امللبس ‪403 ..................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تدبريه ألمر‬ ‫‪ -43‬فصل يف‬
‫سكن ‪404 ..................................................‬‬ ‫تدبريه ألمر ا َمل ِ‬‫ِ‬ ‫‪ -44‬فصل يف‬
‫واليقظة ‪404 .......................................‬‬ ‫ِ‬ ‫تدبريه ﷺ ألمر النو ِم‬ ‫ِ‬ ‫‪ -45‬فصل يف‬
‫الصح ِة بال ِّطيب ‪408 ...................................‬‬ ‫َّ‬ ‫هديه ﷺ يف ِحفظ‬ ‫‪ -46‬فصل يف ِ‬
‫‪ -47‬فصل يف هديه ﷺ يف حفظ صحة العني ‪408 ......................................‬‬
‫فردة ا َّلتي جا َءت عىل لِسانِه ‪408 ............‬‬ ‫ِ‬
‫دوية واألَغذية ا ُمل َ‬ ‫من األَ ِ‬ ‫ِ‬
‫[ثالثا]‪ :‬فصل يف ذكْر يشء َ‬
‫[القس الرانبع] فصولٌ يف هديِه ﷺ يف بقضمتِه وبحرامِه‬
‫ً‬
‫[أوال‪ :‬كتاب جامع]‬
‫فصل [يف احلبس يف التهمة] ‪435 .................................................‬‬ ‫‪-1‬‬
‫‪ | 518‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫كمه ﷺ يف املحاربني ‪435 .............................................‬‬ ‫‪ -2‬فصل يف ح ِ‬


‫ُ‬
‫ِ‬
‫وويل املقتول ‪435 ..................................‬‬ ‫‪ -3‬فصل يف ُحكمه ﷺ بني القاتل ِّ‬
‫كمه ﷺ بال َق َود عىل من قتل جاري ًة‪ ،‬وأنه ُيفعل به كام َفعل ‪436 ..............‬‬ ‫‪ -4‬فصل يف ح ِ‬
‫ُ‬
‫فطرحها ‪436 ........................‬‬ ‫‪ -5‬فصل يف ُحكمه ﷺ فيمن ِضب امرأ ًة حامال‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫كمه ﷺ بالقسا َمة فيمن مل ُيعرف قاتله ‪437 .............................‬‬ ‫‪ -6‬فصل يف ح ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫تزو َج امرأ َة أبيه ‪437 ....................................‬‬ ‫‪ -7‬فصل يف ُحكمه ﷺ فيمن َّ‬
‫أمسك عنه ‪438 ...........‬‬ ‫َ‬ ‫كمه ﷺ بقتل من ُّاهتم بأ ِّم ولده فلام ظهرت براءتُه‬ ‫‪ -6‬فصل يف ح ِ‬
‫ُ‬
‫ندمل ‪438 ...................‬‬ ‫جلرح حتى َي َ‬ ‫بتأخري القصاص من ا ُ‬ ‫ِ‬ ‫‪ -9‬فصل يف قضائه ﷺ‬
‫الس ِّن ‪439 .................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قضائه ﷺ‬
‫بالقصاص يف كرس ِّ‬ ‫‪ -11‬فصل يف‬
‫العاض‬
‫ِّ‬ ‫عض يدَ رجل فانتزع يدَ ه من فيه فسقطت َثن َّي ُة‬ ‫قضائه ﷺ فيمن َّ‬ ‫ِ‬ ‫‪ -11‬فصل يف‬
‫بإهدارها ‪439 ...........................................................................‬‬ ‫ِ‬
‫بيت رجل بغري إذنِه فحذفه بحصاة أو ٍ‬
‫عود ففق َأ‬ ‫‪ -12‬فصل يف قضائه ﷺ فيمن ا َّطلع يف ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عينَه فال يش َء عليه ‪440 ..................................................................‬‬
‫‪ -13‬فصل [جامع] ‪440 ..............................................................‬‬
‫ِ‬
‫بالزنى ‪442 .......................................‬‬ ‫‪ -14‬فصل يف قضائه ﷺ عىل من َّ‬
‫أقر ِّ‬
‫ِ‬
‫احلدود بحكم اإلسال ِم ‪443 ..................‬‬ ‫‪ -15‬فصل يف ُحكمه ﷺ عىل ِ‬
‫أهل الكتاب يف‬
‫‪ -16‬فصل [يف حكمه ﷺ عىل املقر بالزنى بامرأة معينة بحد الزنى دون القذف] ‪444 ............‬‬
‫‪ -17‬فصل [يف حكمه ﷺ يف األمة إذا زنت] ‪444 ......................................‬‬
‫‪ -16‬فصل [يف حكمه ﷺ بحد القذف] ‪445 ..........................................‬‬
‫‪ -19‬فصل [يف حكمه ﷺ فيمن بدل دينه] ‪445 ........................................‬‬
‫‪ -21‬فصل [يف حكمه ﷺ يف شارب اخلمر] ‪445 .......................................‬‬
‫ِ‬
‫السارق ‪446 ...............................................‬‬ ‫‪ -21‬فصل يف ُحكمه ﷺ يف‬
‫‪ -22‬فصل يف قضائه ﷺ فيمن س َّبه من مسلم أو ذمي أو معاهد ‪447 ....................‬‬
‫‪ -23‬فصل يف حكمه ﷺ يف اجلاسوس ‪448 ............................................‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪519‬‬

‫كمه ﷺ يف األرسى ‪448 ..............................................‬‬ ‫‪ -24‬فصل يف ح ِ‬


‫ُ‬
‫‪ -25‬فصل [يف ُحكمه ﷺ يف اليهود] ‪448 .............................................‬‬ ‫ِ‬
‫سمة الغنائم ‪449 .........................................‬‬ ‫كمه ﷺ يف ِق ِ‬ ‫‪ -26‬فصل يف ح ِ‬
‫ُ‬
‫‪ -27‬فصل [يف ُحكمه ﷺ بالسلب كله للقاتل] ‪450 ...................................‬‬ ‫ِ‬
‫أموال املسلمني ثم عليه املسلمون أو‬‫ِ‬ ‫َ‬
‫املرشكون من‬ ‫كمه ﷺ فيام حازه‬ ‫‪ -26‬فصل يف ح ِ‬
‫ُ‬
‫أسلم عليه ا ُملرشكون ‪450 ................................................................‬‬
‫كمه ﷺ فيام كان ُهيدَ ى إليه ‪450 .......................................‬‬ ‫‪ -29‬فصل يف ح ِ‬
‫ُ‬
‫األموال ‪451 ........................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ -31‬فصل يف ُحكمه ﷺ يف قسمة‬
‫لعدوه‪ ،‬ويف ُر ُسلهم أال ُيقتلوا وال ُحيبسوا‪ ،‬ويف‬ ‫ِ‬
‫الوفاء بالعهد‬ ‫كمه ﷺ يف‬ ‫‪ -31‬فصل يف ح ِ‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫نقض العهد ‪453 ...............................‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫خاف منه َ‬
‫َ‬ ‫النبذ إىل من عاهده عىل سواء إذا‬
‫جال والن ِ‬
‫ِّساء ‪454 .....................‬‬ ‫األمان الصادر من الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫كمه ﷺ يف‬ ‫‪ -32‬فصل يف ح ِ‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫ُقبل ‪454 ............................‬‬ ‫اجلزية ومقدارها وممَّن ت ُ‬ ‫ِ‬ ‫‪ -33‬فصل يف ُحكمه ﷺ يف ِ‬‫ِ‬
‫كمه ﷺ يف اهلُدنة وما َين ُقضها ‪455 .....................................‬‬ ‫‪ -34‬فصل يف ح ِ‬
‫ُ‬
‫[ثان ًيا‪ :‬كتاب النكاح]‬
‫ِ‬
‫وتوابعه‬ ‫وأحكامه ﷺ يف الن ِ‬
‫ِّكاح‬ ‫ِ‬ ‫كر أقضيتِه‬ ‫ِ‬
‫ذ ُ‬
‫ِ‬
‫يزوجهام أبومها ‪456 ..........................‬‬ ‫‪ -1‬فصل يف ُحكمه ﷺ يف ال َّثيِّب والبكر ِّ‬
‫كمه ﷺ يف اليتيمة تستأمر يف نفسها] ‪456 .............................‬‬ ‫‪ -2‬فصل [يف ح ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫‪ -3‬فصل يف ُحكمه ﷺ يف النكاح بال َو ٍّيل ‪457 ........................................‬‬
‫ِ‬
‫التفويض ‪457 ........................................‬‬ ‫قضائه ﷺ يف ِ‬
‫نكاح‬ ‫ِ‬ ‫‪ -4‬فصل يف‬
‫ِ‬
‫النكاح ‪457 ....................................‬‬ ‫ِ‬
‫الرشوط يف‬ ‫كمه ﷺ يف‬ ‫‪ -5‬فصل يف ح ِ‬
‫ُ‬
‫الشغار‪ ،‬وا ُملح ِّلل‪ ،‬وا ُمل ِ‬
‫تعة‪ ،‬ونكاح ا ُمل ِ‬
‫حرم‪،‬‬ ‫كاح ِّ‬ ‫كمه ﷺ يف نِ ِ‬ ‫‪ -6‬فصل يف ح ِ‬
‫ُ‬
‫الزانية ‪458 ......................................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ونكاح‬
‫ِ‬
‫أختني ‪459 .............‬‬ ‫كمه ﷺ فيمن أسلم عىل أكثر من أرب ِع نِ ٍ‬
‫سوة أو عىل‬ ‫‪ -7‬فصل يف ح ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫‪ | 501‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫كمه ﷺ فيمن رشط لزوجته أال يتزوج عليها] ‪459 ...................‬‬ ‫‪ -6‬فصل [يف ح ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ -9‬فصل فيام حكم اهلل سبحانه بتحريمه من النساء عىل لسان نب ِّيه ﷺ ‪460 .................‬‬
‫اآلخر ‪460 .....................‬‬ ‫ِ‬ ‫الزوجني ُيسلِ ُم أحدُ مها قبل‬ ‫كمه ﷺ يف َّ‬‫‪ -11‬فصل يف ح ِ‬
‫ُ‬
‫زل ‪461 ................................................‬‬ ‫ِ‬
‫‪ -11‬فصل يف ُحكمه ﷺ يف ال َع ِ‬
‫رضعة ‪461 .............................‬‬‫ِ‬ ‫يل‪ ،‬وهو وط ُء ا ُمل‬ ‫كمه ﷺ يف ال َغ ِ‬ ‫‪ -12‬فصل يف ح ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫‪ -13‬فصل يف ُحكمه ﷺ يف قس ِم االبتداء والدَّ وا ِم بني الزوجات ‪461 ...................‬‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫حلبىل من ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الواطئ ‪462 .................‬‬ ‫غري‬ ‫‪ -14‬فصل يف قضائه ﷺ يف حتري ِم وطء املرأة ا ُ‬
‫ُ‬
‫وجيعل عت َقها صدا َقها ‪463 ................‬‬ ‫كمه ﷺ يف الرجل ُيعتق أمتَه‬ ‫‪ -15‬فصل يف ح ِ‬
‫ُ‬
‫‪ -16‬فصل يف قضائه ﷺ يف صحة النكاح املوقوف عىل اإلجازة ‪463 ....................‬‬
‫النكاح ‪463 .....................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكفاءة يف‬ ‫كمه ﷺ يف‬ ‫‪ -17‬فصل يف ح ِ‬
‫ُ‬
‫عتقة حتت العبد ‪464 .......................‬‬ ‫ثبوت اخليار للم ِ‬ ‫ِ‬ ‫حكمه ﷺ يف‬ ‫ِ‬ ‫‪ -16‬فصل يف‬
‫ُ‬
‫بصح ِة النكاح عىل ما مع الزوجِ‬
‫َّ‬ ‫داق بام قل وك ُثر‪ ،‬وقضائه‬ ‫الص ِ‬‫‪ -19‬فصل يف قضائه ﷺ يف َّ‬
‫القرآن ‪465 ..........................................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫الش ُ‬
‫قاق بينهام ‪466 ..................‬‬ ‫يقع ِّ‬
‫الزوجني ُ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ بني َّ‬ ‫‪ -21‬فصل يف حك ِم‬
‫‪ -21‬حكم رسول اهلل ﷺ يف اخللع ‪467 ................................................‬‬
‫[ثال ًثا‪ :‬كتاب الطالق]‬
‫رسول اهلل ﷺ يف ال َّط ِ‬
‫الق‬ ‫ِ‬ ‫كر أحكا ِم‬ ‫ِ‬
‫ذ ُ‬
‫والتطليق يف ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كمه ﷺ يف‬ ‫‪ -1‬ذكر ح ِ‬
‫نفسه ‪468 .........‬‬ ‫وزائل العقل‪ ،‬وا ُمل َ‬
‫كره‪،‬‬ ‫طالق اهلازل‪،‬‬ ‫ُ ُ‬
‫ِ‬
‫النكاح ‪470 ...................................‬‬ ‫قبل‬ ‫ِ‬
‫الطالق َ‬ ‫حكم رسول اهلل ﷺ يف‬ ‫‪-2‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫واملوطوءة يف طهرها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫احلائض‪ ،‬والنُّفساء‪،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ يف حتري ِم طالق‬ ‫ِ‬ ‫حكم‬ ‫‪-3‬‬
‫ُ‬
‫الثالث ُمجل ًة ‪471 ...........................................................‬‬‫ِ‬ ‫وحتري ِم إيقاع‬
‫الزوج الثاين ‪472 ....‬‬
‫ُ‬ ‫لألو ِل حتى يطأها‬ ‫حكم رسول اهلل ﷺ يف أن ا ُملط َّلق َة ثال ًثا ال حتل َّ‬
‫ُ‬ ‫‪-4‬‬
‫أزواجه بني ا ُملقام معه وبني ُمفارقتِ ِه َّن له ‪473 ..............‬‬
‫ِ‬ ‫حكم رسول اهلل ﷺ يف َختيري‬
‫ُ‬ ‫‪-5‬‬
‫خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد | ‪500‬‬

‫حكم رسول اهلل ﷺ الذي ب َّينه عن ر ِّبه تبارك وتعاىل فيمن َح َّر َم أ َمتَه أو زوجتَه‬
‫ُ‬ ‫‪-6‬‬
‫متاعه ‪473 ............................................................................‬‬ ‫أو َ‬
‫الرجل المرأتِه‪ :‬احلقي بأهلِك ‪474 ....................‬‬ ‫ِ‬ ‫رسول اهلل ﷺ يف ِ‬
‫قول‬ ‫ِ‬ ‫حكم‬ ‫ُ‬ ‫‪-7‬‬
‫ِ‬
‫وجب‬ ‫الظهار وبيان ما أنزل اهلل فيه‪ ،‬ومعنى الع ِ‬
‫ود ا ُمل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ يف‬ ‫حكم‬ ‫‪-6‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ارة ‪475 ............................................................................‬‬ ‫للك َّف ِ‬
‫ِ‬
‫اإليالء ‪476 ...............................................‬‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ يف‬ ‫حكم‬ ‫‪-9‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ يف ال ِّل ِ‬
‫عان ‪477 ...............................................‬‬ ‫ِ‬ ‫حكم‬ ‫‪-11‬‬
‫ُ‬
‫لون ِ‬
‫ولده لونَه ‪478 ...............‬‬ ‫وق النسب بالزوج إذا خالف ُ‬ ‫كمه ﷺ يف ُحل ِ‬ ‫‪ -11‬يف ح ِ‬
‫ُ‬
‫فراشا‪ ،‬وفيمن است ِ‬
‫ُلحق بعد‬ ‫للفراش‪ ،‬وأن األم َة تكون ً‬ ‫كمه ﷺ بالولد ِ‬ ‫‪ -12‬فصل يف ح ِ‬
‫ُ‬
‫موت أبيه ‪479 ...........................................................................‬‬‫ِ‬
‫‪ -13‬فصل ذكر حكم رسول اهلل ﷺ يف الولد من أحق به يف احلضانة ‪479 ................‬‬
‫ِ‬
‫الزوجات‪ ،‬وأنه مل يقدِّ رها وال ور َد عنه ما يدل عىل‬ ‫ِ‬
‫النفقة عىل‬ ‫كمه ﷺ يف‬‫‪ -14‬ذكر ح ِ‬
‫ُ ُ‬
‫العرف ‪480 ............................................‬‬ ‫ِ‬ ‫األزواج فيها إىل‬ ‫ِ‬
‫تقديرها‪ ،‬وإنام ر َّد‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫فراق زوجها إذا‬ ‫ِ‬
‫املرأة من‬ ‫ِ‬
‫متكني‬ ‫ذكر ما ُروي من ُحك ِم رسول اهلل ﷺ يف‬ ‫‪ُ -15‬‬
‫أعرس بنفقتِها ‪481 .......................................................................‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫املوافق لكتاب اهلل أنه ال نفق َة للمبتوتة وال ُسكنى ‪481‬‬ ‫‪ -16‬فصل يف ُحك ِم رسول اهلل ﷺ‬
‫لكتاب اهلل ﷺ ‪482 ........................................‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫موافقة هذا احلكم‬ ‫ذكر‬
‫‪ُ -17‬‬
‫ِ‬
‫النفقة‬ ‫ِ‬
‫وجوب‬ ‫املوافق لكتاب اهلل تعاىل من‬ ‫ِ‬ ‫ذكر حك ِم رسول اهلل ﷺ‬ ‫‪ُ -16‬‬
‫لألقارب ‪483 ...........................................................................‬‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وحكمه يف القدر‬ ‫الرضاعة وما حيرم هبا وما ال َحي ُرم‪ُ ،‬‬ ‫ذكر حكم رسول اهلل ﷺ يف َّ‬ ‫‪ُ -19‬‬
‫تأثري أم ال؟ ‪484 ............................‬‬ ‫ِ‬ ‫ا ُمل ِّ‬
‫حرم منها‪ ،‬وحكمه يف إرضاع الكبري‪ :‬هل له ٌ‬
‫العدَ ِد ‪485 .....................................................‬‬ ‫كمه ﷺ يف ِ‬ ‫‪ -21‬ذكر ح ِ‬
‫ُ ُ‬
‫زوجها وهي فيه‪ ،‬وإنه‬ ‫املتوىف عنها يف ِ‬
‫منزهلا الذي ِّ‬ ‫ِ‬
‫باعتداد َّ‬ ‫ذكر حك ِم رسول اهلل ﷺ‬
‫تويف ُ‬ ‫‪ُ -21‬‬
‫واعتدادها حيث شاءت ‪486 ...............................‬‬ ‫ِ‬ ‫كمه بخروج ا َمل ِ‬
‫بتوتة‬ ‫غري خمالف حل ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪ | 502‬خمتصر زاد املعاد يف هدي خري العباد‬

‫إحداد املعتدَّ ِة نف ًيا وإثباتًا ‪487 ..........................‬‬


‫ِ‬ ‫ذكر ُحك ِم رسول اهلل ﷺ يف‬
‫‪ُ -22‬‬
‫ِ‬
‫االسترباء ‪489 ..................................‬‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ يف‬ ‫‪ -23‬فصل ذكر ُحك ِم‬
‫[راب ًعا‪ :‬كتاب البيوع]‬
‫أحكامه ﷺ يف البيو ِع‬‫ِ‬ ‫ذكر‬
‫ُ‬
‫ذكر حكمه ﷺ فيام َحي ُرم بيعه ‪490 ................................................‬‬ ‫ِ‬ ‫‪-1‬‬
‫ُ‬
‫والسن ِ‬
‫َّور ‪490 .................................‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ يف ِ‬ ‫ِ‬
‫ثمن الكلب ِّ‬ ‫حكم‬
‫ُ‬ ‫‪-2‬‬
‫ب الفحل ِ‬ ‫عس ِ‬ ‫ِ‬
‫وِضابه ‪491 .............................‬‬ ‫‪ -3‬فصل يف ُحكمه ﷺ يف بي ِع ْ‬
‫الناس ‪491 ....................‬‬ ‫ُ‬ ‫حكمه ﷺ يف املن ِع من بي ِع املاء الذي َي‬ ‫ِ‬
‫شرتك فيه ُ‬ ‫ذكر‬ ‫ُ‬ ‫‪-4‬‬
‫الرجل من بيع ما ليس عنده ‪492 ..................‬‬ ‫ِ‬ ‫رسول اهلل ﷺ يف منع‬ ‫ِ‬ ‫ذكر ُحك ِم‬ ‫‪-5‬‬
‫ُ‬
‫المسة وا ُمل ِ‬
‫نابذة ‪492 ................‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلصاة والغرر وا ُمل‬ ‫ذكر ُحك ِم رسول اهلل ﷺ يف بي ِع‬ ‫‪-6‬‬
‫ُ‬
‫فهرس املوضوعات ‪495 .................................................................‬‬

You might also like