You are on page 1of 76

‫كتاب‬

‫اإلصالح‬
‫سلسلة كتب الكرتونية توزع مجانا عرب الربيد االلكرتوني وصفحات التواصل اإلجتماعي‬

‫فلسفة الفعل التاريخي‬


‫في القرآن الكريم‬

‫المؤلف‪:‬‬
‫لطفي البكوش‬ ‫الكتاب الثامن عشر ‪ -‬مارس ‪2017‬‬

‫ّ‬
‫يوزع ّ‬
‫جمانا عرب الربيد األلكرتوني‬
‫فلسفة الفعل التاريخي‬
‫في القرآن الكريم‬

‫المؤلف‪:‬‬
‫لطفي البكوش‬

‫كتاب‬
‫اإلصالح‬
‫العدد الثامن عشر ‪ -‬مارس ‪2017‬‬
‫ر‪.‬د‪.‬م‪.‬ك‪ISBN: 978 - 9938 - 00 - 027 - 6 :‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة للناشر ©‬
‫كتاب‬

‫اإلصالح‬
‫كتاب اإلصالح العدد ‪18‬‬
‫املؤلف‪ :‬لطفي البكوش‬
‫الكتاب‪ :‬فلسفة الفعل التاريخي‬
‫يف القرآن الكريم‬ ‫ ‬
‫تاريخ الصدور ‪ :‬مارس ‪2017‬‬
‫ر‪.‬د‪.‬م‪.‬ك‪978 - 9938 - 00 - 027 - 6 :‬‬
‫بسم اهلل الرمحان الرحيم‬
‫ط ْع ُت وما َتوفِيقِ َي إِالِّب هّ‬
‫اللِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫اس‬
‫ْ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ح‬ ‫َ‬
‫ال‬ ‫ص‬
‫ْ‬ ‫إل‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫إ ْن أُ ِر ُ‬
‫يد إِالّ‬
‫ََ ْ‬ ‫َ‬
‫اإلهداء‬

‫إلى كل من آمن بأن عمر اإلنسان ال يقاس بما عاش من سنين‪...‬‬

‫جر من قضايا‪...‬‬
‫بل بما ف ّ‬

‫إلى ّ‬
‫كل شوق نحو األفضل‬

‫إلى كل سعي نحو الفعل واالبداع والعطاء‬

‫إلى ّ‬
‫كل اجتهاد وصراع في سبيل الغد‬

‫إلى ّ‬
‫كل نجاح‪...‬‬

‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫اإلصالح‬ ‫‪6‬‬


‫الفهرس‬

‫‪9‬‬ ‫تصدير ‪:‬‬

‫‪11‬‬ ‫مقدمة وتمهيد‪:‬‬

‫‪15‬‬ ‫‪ - I‬محاولة في تحديد المصطلح‬

‫‪21‬‬ ‫‪ - II‬مقدمات في المسألة التاريخ ّية‬

‫‪22‬‬ ‫‪ 1-II‬تكوين إطار عام للنظرة القرآن ّية‬ ‫ ‬

‫‪27‬‬ ‫‪ 2-II‬كيف تفهم المسألة التاريخ ّيةفي ظل الصراع القرآني ‬ ‫ ‬

‫‪31‬‬ ‫‪ - III‬طبيعة السنن التاريخية‬

‫‪32‬‬ ‫‪ 1-III‬الطابع العلمي للسنة التاريخية‬ ‫ ‬

‫‪37‬‬ ‫‪ 2-III‬ربانية السنة التاريخية‬ ‫ ‬

‫‪40‬‬ ‫‪ 3-III‬البعد اإلنساني للسنة التاريخية‬ ‫ ‬

‫‪45‬‬ ‫‪ - IV‬الحس والوعي التاريخي‪ :‬جدل اإلنسان والتاريخ‬

‫‪46‬‬ ‫‪ 1-IV‬قراءة في األصول‬ ‫ ‬

‫‪49‬‬ ‫‪ 2-IV‬دالالت وترميزات‬ ‫ ‬

‫‪52‬‬ ‫‪ 3-IV‬مقولة الموت ضمن معادلة الزمن‬ ‫ ‬

‫‪55‬‬ ‫‪ 4-IV‬لماذات وإجابات‬ ‫ ‬

‫‪59‬‬ ‫‪ - V‬الحس والوعي الكوني والجمالي‪ :‬جدل اإلنسان والطبيعة‬

‫‪63‬‬ ‫‪ - VI‬جدل المجتمع والطبيعة‬

‫‪67‬‬ ‫‪ - VII‬هل ينتفي الصراع في الزمن اإلسالمي‬

‫‪71‬‬ ‫الخاتمة‬

‫‪73‬‬ ‫المصادر و المراجع‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪7‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫اإلصالح‬ ‫‪8‬‬


‫تصدير‬
‫البحث العلمي يف قضايا فلسفة التاريخ‪ ،‬من اختصاص علماء التاريخ‬
‫واالجتماع‪ ،‬ولكنّنا إذ نطرح هذا املوضوع فمن جهة اإلقدام‪ ،‬وبعيدا‬
‫عن دقائق البحث األكاديمي العلمي‪ ،‬فنحن ال نملك أدواته بعد‪ .‬نعالج‬
‫موضوع فلسفة الفعل التاريخي يف القرآن‪ ،‬معالجة متواضعه‪ ،‬هادفني‬
‫بذلك إىل مزيد الكشف عن األرسار القرآن الكريم‪ ،‬الذي ال تنضب معانيه‬
‫يفسه ال ّزمن عىل ح ّد تعبري ابن مسعود‪ ،‬والذي نحسب ّ‬
‫أن العقل‬ ‫رّ‬ ‫والذي‬
‫اإلسالمي املعارص ال يزال بعيدا عن التّفاعل الجدّي معه ‪.‬‬

‫إن قراءة القرآن ال يمكن أن تأتي أكلها إذا بقيت عىل مستوى الالّتدبّر‪،‬‬
‫ونحن إذ ننجز هذه الدّراسة إآلّ إلعطاء املثل للقراءة التي تنشدها بني رجال‬
‫صح ال ّلفظ‬
‫الفكر اإلسالمي‪ .‬إنّها القراءة اإلستنطاقيّة ‪ ،‬إنّها القراءة – إن ّ‬
‫مع كل إحرتاز – االبستيميّة النّقدية «والغرض من التحليل إالبستيمولوجي‬
‫املعرفيّة»[‪]1‬‬ ‫هو الكشف عن ال ّذهنيّة‬

‫[‪ ]1‬محمد ج ّلون فرحان‪،‬القدر واإلنسان ‪ -‬ص‪3‬‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪9‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫إن القرآن أذ يطرح املسألة التّاريخيّة‪ ،‬فهو يطرحها ليالمس فيها األبعاد‬
‫ّ‬
‫مفصال حول حركة‬ ‫العامّ ة لهذا املبحث‪ ،‬فال نتصوّر أن نجد يف القرآن تحليال‬
‫التّاريخ‪ ،‬وعن طبيعتها ولكنّه يعطي إشارات للعقل البرشي حتّى يستنبط‬
‫منها املعاني املقصودة ويقرأ من خاللها ال ّرمز االلهي‪.‬‬

‫إن القرآن الكريم إنّما تناول هذا املبحث ليكون التدبّر من ورائه‪ ،‬وما‬
‫ّ‬
‫ذكر مبحث التّاريخ إال ّ ليكون اإلنسان – هذا الكائن التاريخي‪ -‬قد تبوأ‬
‫مقعده من التاريخ ‪.‬‬

‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 10‬اإلصالح‬
‫مقدمة وتمهيد‬
‫هل اإلسالم فلسفة؟‬
‫سوأل هام واألهم منه اإلجابة عنه‪ ،‬ألنه يمثّل نقطة البداية يف سبيل‬
‫استيعاب اإلشكال املعريف يف اإلسالم‪.‬‬
‫ما موقف اإلسالم من اإلنسان؟ من ح ّريته؟ من عالقته بال ّ‬
‫طبيعة‬
‫وبالتّاريخ؟ من مهمّ ته؟ ما موقفه من القيم؟ ما عالقة املعقول‬
‫طبيعة؟ ما هي رؤيته‬ ‫ّ‬
‫بالشهادة أو الغيب بال ّ‬ ‫بالالّمعقول؟ ما عالقة الغيب‬
‫يفس التحوّالت التّاريخية؟ وما موقفه من‬‫من التّاريخ اإلنساني؟ كيف رّ‬
‫التّاريخ االجتماعي اإلنساني؟‬

‫وباعتبار القرآن مصدره ال ّله‪ ،‬هل نجد فيه إسهامات وعطاءات يف هذه‬
‫املسائل ويف املسألة السوسيو تاريخية؟‬

‫أن القرآن لم يطرح نفسه بديال عن سعي‬ ‫إن ما يجب التّأكيد عليه هو ّ‬
‫ّ‬
‫اإلنسان وكدحه نحو املعرفة‪ ،‬وإنّما هو طاقة روحيّة موجّ هة ومفجّ رة‬
‫لطاقات اإلنسان‪.‬‬

‫الساحة التّاريخية كأيّة ساحة أخرى زاخرة بمجموعة من‬ ‫وبما أن ّ‬


‫أن هذه ال ّ‬
‫ظواهر تضبطها سننها ونواميسها‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫ظواهر‪ ،‬فمن املؤ ّكد ّ‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪11‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫أن القرآن كتاب هداية وتغيري ‪-‬إخراج النّاس من ال ّ‬
‫ظلمات اىل‬ ‫وبما ّ‬
‫النّور‪-‬ومهمّ ته لها عالقة موصولة باملسألة التّاريخية‪ ،‬فال ب ّد أن يكون‬
‫للقرآن الكريم تصوّراته يف هذا املجال لتكوين إطار عام للنّظرة القرآنية‬
‫اإلسالمية يف سنن التّاريخ وبالتّايل عن املسألة التّاريخية‪ .‬نقول تصورات‬
‫مفصل للقضايا ولكن فيه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ألن القرآن ليس كتابا مدرسيّا فيه تناول‬
‫معالجة ممنهجة ولكنّها تكون عىل شكل تلميحات إىل العنارص األساسيّة‬
‫يف املوضوع «فلم يطرح القرآن الكريم موضوعا اجتماعيّا بال ّلغة الدارجة‬
‫يف علم االجتماع أو فلسفة التّاريخ‪ ،‬كما أنّه لم يطرح أي موضوع أخر‬
‫أخالقيّا أو فقهيّا أو فلسفيّا أو‪ ...‬بلغة االصطالحات والتّقسيمات ال ّرائجة‬
‫أن كثريا من مسائل تلك العلوم يمكن‬ ‫يف حقول هذه املوضوعات غري ّ‬
‫استنباطها واستخراجها من كتاب ال ّله العزيز» [‪.]2‬‬

‫«ولكن ثمّ ة حقيقة أساسيّة تربز واضحة يف القرآن الكريم‪ ،‬تلك هي‬
‫خصصت (للمسألة التّاريخية)‬‫ّ‬ ‫أن مساحة كبرية يف سوره وآياته قد‬ ‫ّ‬
‫رّ‬
‫والسد‬ ‫التي تأخذ أبعادا واتّجاهات مختلفة وتتد ّرج بني العرض املبارش‬
‫القصيص (الواقعي) لتجارب عدد من الجماعات البرشيّة وبني استخالص‬
‫يتميّز بالترّ كيز والكثافة ّ‬
‫للسنن التّاريخية التي تحكم حركة الجماعات عرب‬
‫ال ّزمان واملكان‪ ،‬مرورا بمواقف اإلنسان املتغيرّ ة من ال ّ‬
‫طبيعة إىل العالم»[‪.]3‬‬

‫ولع ّل ما سنحاول معالجته يف املسألة التّاريخيّة من خالل آيات القرآن‬


‫الكريم َلتدفع البعض إىل تناول هذا املوضوع بأكثر ّ‬
‫دقة‪.‬‬

‫[‪ ]2‬د‪.‬مرتىض م ّ‬
‫طهّ ري‪ ،‬املجتمع والتاريخ ‪ -‬ص ‪10‬‬
‫[‪ ]3‬د‪.‬عماد الدّين خليل‪ ،‬التفسري اإلسالمي للتاريخ ‪ -‬ص ‪5‬‬

‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 12‬اإلصالح‬
‫فلنئ كانت دراستنا هذه غري ميدانيّة أكاديميّة لعدم اتّساع أفق معرفتنا‬
‫يف املسألة التّاريخية ولكنّها من قبيل الجرأة حتّى نرسم تلميحات حول‬
‫هذا املوضوع الذي نحسب ّ‬
‫أن استيعاب إشكاليّاته تساهم يف تشكيل األنا‬
‫اإلسالمي أوّال‪ ،‬وتحدّد موقف اإلنسان من ال ّزمن مع تقدير الفعل اإلنساني‬
‫فيه‪ .‬وأنّي ألرجو أن تكون هذه املحاولة فاتحة ملؤ ّلفات إسالمية تتناول‬
‫علم التّاريخ ومناهج بحثه بعقل مستنري محدث ومعارص‪.‬‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪13‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 14‬اإلصالح‬
‫‪-I-‬‬
‫محاولة يف تحديد املصطلح‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪15‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫إن صعوبة إعطاء تعريف للفعل التّاريخي ال تكمن يف تنوّ ع التّعريفات‬
‫ّ‬
‫وتمايزها فحسب‪ ،‬بل لكونها مبعثرة بني أشتات البحوث فال نجد فصال‬
‫مفردا يف أيّ تأليف يحاول تحديد املصطلح‪ ،‬وأيضا للغموض و «ل ّلبس الذي‬
‫يكتنف لفظ «التاريخ»‪ ،‬فهذه ال ّلفظة تطلق تارة عىل املايض البرشي ذاته‬
‫وتارة عىل الجهد املبذول ملعرفة املايض ورواية أخباره أو العلم املعني بهذا‬
‫املوضوع» [‪]4‬‬

‫ونحن إذ نريد أن نقف عىل مفهوم للتّاريخ أو ال ّزمن أو الفعل التّاريخي‬


‫فإنّنا ال نبغي حرصه يف فهم‪ ،‬بل إلبراز ميدان بحثنا وأشواط جهدنا‪ ،‬ومن‬
‫هنا نستطيع أن نعطي للتاريخ ثالث تعاريف مثّل كل واحد منها علما‬
‫مستقال‪.‬‬

‫* العلم باألحداث والوقائع واألوضاع وأحوال البرش الكائن يف زمن سبق‬


‫زمن رسدها فهو «السعي إلدراك املايض البرشي»[‪ ]5‬وهو «كما د ّل عىل‬
‫ذلك لفظ(‪ ) HISTORIA‬املستم ّد من األصل اليوناني القديم كل ما يتع ّلق‬
‫باإلنسان منذ بدأ أثاره عىل الصخر واألرض» [‪]6‬‬

‫[‪ ]4‬قسطنتني زريق‪ ،‬نحن والتاريخ ‪ -‬ص ‪13‬‬


‫[‪ ]5‬املصدر السابق ‪ -‬ص ‪49‬‬
‫[‪ ]6‬حسن عثمان‪ ،‬منهج البحث التاريخي ‪ -‬ص ‪12‬‬

‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 16‬اإلصالح‬
‫علم التاريخ بهذا املفهوم هو علم باألحداث واألوضاع املاضية وأحوال‬
‫املايض «ويطلق عليه التاريخ النقيل» [‪ « ]7‬فلفظ التاريخ يطلق من باب‬
‫التجوز يف االستعمال عىل مجرى الحوادث الفعيل ‪...‬إنه التدوين القصيص‬
‫ملجرى شؤون العالم كله أو بعضه»[‪ « ]8‬فالتاريخ ّ‬
‫فن يبحث عن وقائع‬
‫ال ّزمان من حيث توقيتها» [‪]9‬‬

‫ّ‬
‫والسنن املهيمنة عىل الحياة املاضية‪ :‬وهذا‬ ‫** العلم بالقواعد والقوانني‬
‫العلم يأتي من دراسة وتحليل األحداث والوقائع املاضية وتش ّكل مسائل‬
‫التاريخ النقيل املواد األوّلية لهذا املعنى فالتاريخ بهذا املعنى يصبح « سج ّل‬
‫عام ‪ ،‬تاريخ للبرشية ‪ ،‬يعود إىل أصل اإلنسان ‪ ،‬يعرض الكيفية التي نشأت‬
‫بها األجناس البرشية واستقرارها‪ ،‬واملدنيّات التي أنشأتها واألسباب التي‬
‫أدّت إىل تآكلها والعلل التي أدّت إىل انهيارها» [‪ ]10‬و«يطلق عىل هذا العلم‬
‫التاريخ العلمي»[‪]11‬‬

‫*** أما القسم الثالث وهو فلسفة التّاريخ أو العلم بالتّحوالت‬


‫والتّطورات التي تنقل املجتمعات من مرحلة إىل أخرى والقوانني املتحكمة‬
‫يف هذه التّطورات والتّحــوالت وبعبارة أخرى العلــم بصريورة املجتمعات‬

‫[‪ ]7‬د‪.‬مرتىض م ّ‬
‫طهّ ري‪ ،‬املجتمع والتاريخ ‪ -‬ص ‪52‬‬
‫[‪ ]8‬ج‪.‬هرنشو‪ ،‬علم التاريخ ‪ -‬ص ‪6‬‬
‫[‪ ]9‬السخاوي‪ ،‬اإلعالن بالتوبيخ ملن ذ ّم التاريخ ‪ -‬ص ‪7‬‬
‫[‪ ]10‬نقال عن محمد جلوب فرحان‪ ،‬القدر واإلنسان ‪ -‬ص‪113‬‬
‫[‪ ]11‬د‪.‬مرتىض م ّ‬
‫طهّ ري‪ ،‬املجتمع والتاريخ ‪ -‬ص ‪53‬‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪17‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫ال بكينونتها‪ .‬إنّه « استقراء القوانني املسيطرة عىل سري التّاريخ من حوادث‬
‫التاريخ نفسها» [‪ ]12‬وهو محاولــة « استكشاف ع ّلة األحداث املاضيــة‬
‫أو عللها ‪ ،‬إنه اإلجابة عن السؤال ملاذا وقعة حادث ما ؟أو اتخذت شكلها‬
‫املعني ؟ وباملعني الواسع الذي يقصد إليه بتعليل التاريخ ‪ ،‬ملاذا حدث‬
‫التاريخ كما حدث وإتخذ الشكل الذي يرتاءى لنا به» [‪.]13‬‬

‫*** وأمام هذا التقسيم ملفهوم التّاريخ يربز املصطلح القرآني‬


‫بخصوصياته‪ ،‬فقد أعطت العقيدة اإلسالميّة صيغة نسقيّة واضحة‬
‫للصريورة التاريخية ولتسلسل األحداث منذ الخلق حتّى يوم القيامة‪،‬‬
‫مرورا بظهور حلقات األنبياء وما حدث لهم من مشاق ومتاعب «فإحدى‬
‫املالمح األساسيّة التي تميّز التّفسري اإلسالمي عن سائر التّفاسري أنّه يفرد‬
‫للبعد الغيبي ماضيا وحارضا ومستقبال مساحات واسعة‪ ،‬ومن ث ّم ّ‬
‫فإن لنا‬
‫– عىل مستوى الحركة التّاريخية – أن نتصور مدى املساحة التي يشغلها‬
‫الغيب يف صياغة األحداث وتوجيهها ‪ ...‬ابتداء من خلق األشياء واألحداث‬
‫بقوة «كن»وانتهاء بمصائرنا اليومية ‪..‬فك ّل أحداث التّاريخ ووقائعه ‪،‬‬
‫ّ‬
‫الحق والعدل‬ ‫استمرار ح ّر أو مقدّر ملا يدور يف مساحة الغيب وفق مقاييس‬
‫األبديني» [‪« ]14‬فلم تعد الحادثة ّ‬
‫قصة قائمة بذاتها وال تحمل اإلشارة إىل‬
‫مادّة مكملة لها ‪ ،‬بل أضحت مرتبطة بنسقيّة الخلق‪ /‬القيامة من ناحية‬
‫ومرتبطة من ناحية أخرى بجهاز إيديولوجي متكامل فيه العربة والوعظ‬

‫[‪ ]12‬د‪ .‬عمر ف ّروخ‪ ،‬كلمة يف تعليل التاريخ ‪ -‬ص ‪12‬‬


‫[‪ ]13‬قسطنتني زريق‪ ،‬نحن والتاريخ ‪ -‬ص ‪133‬‬
‫[‪ ]14‬د‪.‬عماد الدّين خليل‪ ،‬التفسري اإلسالمي للتاريخ ‪ -‬ص ‪133-132‬‬

‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 18‬اإلصالح‬
‫والدّعوة والدّعاية والفخر ‪ .‬فمن خالل البعد الزمني الجديد الذي قدّمه‬
‫اإلسالم إىل العرب‪ .‬ومن خالل البعد الدّيني اإليديولوجي الذي ربط به‬
‫اإلسالم الحادثة التّاريخية‪ ،‬نستطيع أن نتبينّ ّ‬
‫أن الهدف من رسد الحادثة‬
‫لم يعد يتلخص يف رواية القصص املثرية واملشوقة التي تجلب االنتباه ‪،‬‬
‫بل أصبح يتلخص يف تنظيم تصورنا للكون ولإلنسانية هذا التنظيم الذي‬
‫يعطي لألحداث معنى و اتجاه مرتبطني بالخلق واملوت والقيامة»[‪]15‬‬

‫فميزة التفسري اإلسالمي للفعل التاريخي أن يعود به إىل معينه األول‬


‫«فالتّاريخ الحضاري – يف القرآن –يمتد إىل ماقبل آدم ‪ ...‬إنّه ك ّل فعل تمتزج‬
‫فيه إرادة ال ّله وروحه وكلماته باملادّة‪ ،‬فتصوغها كتال كونيّـة أو خالئق‬
‫تحمل بصمات الحياة األوىل من نبات أو حيوان» [‪.]16‬‬

‫[‪ ]15‬د‪ .‬فتحي الرتيكي‪ ،‬العقل والنقد يف فلسفة التاريخ عند العرب ‪ -‬مجلة الفكر العربي املعارص‬
‫عدد ‪89 - 88‬‬
‫[‪ ]16‬د‪.‬عماد الدّين خليل‪ ،‬التفسري اإلسالمي للتاريخ ‪ -‬ص ‪175‬‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪19‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 20‬اإلصالح‬
‫‪- II-‬‬
‫مقدمات يف املسألة التاريخية‬
‫هل للقرآن نظرة يف سنن التاريخ ؟‬
‫كيف ؟ وأين ؟‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪21‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫‪ 1-II‬تكوين إطار عام للنظرة القرآنية‬
‫يف سنن التاريخ‬
‫الساحة التاريخية عامرة بجملة من ّ‬
‫السنن‬ ‫أن ّ‬‫يالحظ يف القرآن الكريم ّ‬
‫والقوانني وقد عرضت هذه الحقيقة بأشكال مختلفة‪ ،‬شكل كليّ أي‬
‫ّ‬
‫الحث‬ ‫للتّاريخ سنن وعرض للقوانني وبيان نماذج لها ويف آيات أخرى‬
‫عل استقراء التّاريخ « فالقرآن الكريم يأتي ليقدّم حيّزا واسعا من آياته‬
‫ليعرض التّجربة ا ّلتاريخية اإلنسانيّة مر ّكزا عىل دور اإلنسان الفاعل يف‬
‫الحدث‪ ،‬ومشدّدا عىل الواقعة التاريخيّة كعربة ومؤ ّكدا عىل انتظام الدور‬
‫اإلنساني والواقع معا يف إطار قوانني تاريخيّة عامّ ة يدعوها ال ّله سننا»[‪]17‬‬

‫* من اآليات التي أعطيت فيه الفكرة الكليّة ‪َ «:‬و ِل ُك ِّل أُمَّ ٍة أَجَ ٌل َف ِإذَا جَ ا َء‬
‫ُون»[‪ِ « ]18‬ل ُك ِّل أُمَّ ٍة أَجَ ٌل إِذَا جَ ا َء‬ ‫ساعَ ًة َولاَ ي َْستَ ْق ِدم َ‬ ‫أَجَ لُهُ ْم لاَ ي َْستَأْخِ ُر َ‬
‫ون َ‬
‫ساعَ ًة َولاَ ي َْستَ ْق ِدم َ‬
‫ُون» [‪]19‬‬ ‫أَجَ لُهُ ْم َفلاَ ي َْستَأْخِ ُر َ‬
‫ون َ‬

‫نالحظ يف هاتني اآليتني ّ‬


‫أن األجل أضيف إىل األمّ ة إىل الوجود املجموعي‬
‫للنّاس ال إىل هذا الفرد أو ذاك ‪.‬فهناك وراء األجل املحدود املحتوم لك ّل إنسان‬
‫بوصفه الفردي هناك أجل وميقات آخر للوجود اإل جتماعي لهؤالء األفراد‬
‫لألمّ ة بوصفها مجتمعا ينشئ ما بني أفراده العالقات القائمة عىل مجموعة‬
‫من األفكار واملبادئ املستندة بمجموعة من القوى والقابليات»[‪]20‬‬

‫[‪ ]17‬د‪.‬وجيه كوثراني‪ ،‬الوعي التاريخي يف النظرة القرآنية ‪ -‬ص ‪34‬‬


‫[‪ ]18‬القرآن الكريم‪ ،‬سورة األعراف اآلية ‪34‬‬
‫[‪ ]19‬القرآن الكريم‪ ،‬سورة يونس اآلية ‪49‬‬
‫[‪ ]20‬د‪.‬محمد باقر الصدر‪ ،‬مقدمات يف التفسري املوضوعي للقرآن‪ ،‬ص ‪32‬‬

‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 22‬اإلصالح‬
‫هذا املجتمع الذي يعبرّ عنه القــرآن باألمّ ة له أجـل‪ ،‬له موت له حياة‬
‫له حركة ‪ ،‬كما ّ‬
‫أن الفرد يتحــ ّرك فيكون حيّا ث ّم يمـوت‪ ،‬كذلك األمّ ة تكون‬
‫حياة ثم تموت وكما ّ‬
‫أن الفـرد وموته يخضع ألجــل ولقانون كذلك األمم‬
‫لها آجالها املضبوطــة وهنــاك نواميس تحدّد لكــ ّل أمّ ــة هذا األجل‪،‬‬
‫أن للتّاريخ سنن‬
‫ففي اآليتني عطاء واضـح للفكـرة الك ّلية‪ ...‬فكــرة ّ‬
‫السنن ّ‬
‫الشخصيــة التي تتح ّكــم يف األفــراد بهويّاتهم‬ ‫تتحكم فيه وراء ّ‬
‫ّ‬
‫الشخصيــة والقــرآن زاخــر باآليــات العديــدة يف هــذا املستــوى‬
‫مثل قوله تعاىل ‪:‬‬

‫مَّ عْ لُومٌ»[‪]21‬‬ ‫«وَمَ ا أ َ ْه َل ْكنَا ِمن َق ْري ٍَة إِلاَّ َو َلهَ ا ِكتَابٌ‬

‫ش ٍء وَأ َ ْن‬
‫خ َل َق ال َّل ُه ِمن يَ ْ‬‫َات َوالأْ َ ْر ِض وَمَ ا َ‬
‫السمَ او ِ‬‫وت َّ‬ ‫ظ ُروا فيِ مَ َل ُك ِ‬‫«أ َ َو َل ْم يَن ُ‬
‫ون»[‪]22‬‬ ‫َه يُ ْؤ ِمن ُ َ‬ ‫ون َق ِد اقْترَ َبَ أَجَ لُهُ ْم َف ِبأَيِّ حَ د ٍ‬
‫ِيث بَعْ د ُ‬ ‫س أَن يَ ُك َ‬ ‫عَ ىَ ٰ‬

‫« َو َربُّ َك ا ْل َغ ُفو ُر ذُو ال َّرحْ مَ ِة َل ْو يُ َؤاخِ ذُ ُهم ِبمَ ا َك َسبُوا َلعَ جَّ َل َلهُ ُم ا ْلعَ ذَابَ‬
‫ظ َلمُوا‬‫اه ْم َلمَّ ا َ‬ ‫بَل َّلهُ م مَّ وْعِ ٌد َّلن ي َِجدُوا ِمن دُون ِِه مَ ْو ِئلاً َو ِت ْل َك ا ْل ُق َرىٰ أ َ ْه َل ْكن َ ُ‬
‫وَجَ عَ ْلنَا لِمَ هْ ِلك ِ‬
‫ِهم مَّ وْعِ دًا » [‪]23‬‬

‫ظ ْل ِم ِهم مَّ ا تَ َر َك عَ َليْهَ ا ِمن دَاب ٍَّة َو َٰلكِن يُ َؤ ِّ‬


‫خ ُر ُه ْم إِلىَ ٰ‬ ‫« َو َل ْو يُ َؤاخِ ذُ ال َّل ُه الن َّ َ‬
‫اس ِب ُ‬
‫ُون‪]24[».‬‬ ‫ساعَ ًة َولاَ ي َْستَ ْق ِدم َ‬ ‫ون َ‬ ‫أَجَ ٍل مُّ َسمًّ ى َف ِإذَا جَ ا َء أَجَ لُهُ ْم لاَ ي َْستَأْخِ ُر َ‬

‫[‪ ]21‬القرآن الكريم‪ ،‬سورة الحجر اآلية ‪4‬‬


‫[‪ ]22‬القرآن الكريم‪ ،‬سورة األعراف اآلية ‪185‬‬
‫[‪ ]23‬القرآن الكريم‪ ،‬سورة الكهف اآليتان ‪59 - 58‬‬
‫[‪ ]24‬القرآن الكريم‪ ،‬سورة النحل اآلية ‪61‬‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪23‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫أن ال ّله لو كان يريد‬
‫أن القرآن الكريم يبينّ لنا ّ‬
‫السابقتني ّ‬
‫نالحظ يف اآليتني ّ‬
‫أن يؤاخذ النّاس جميعا بظلمهم وبما كسبوا ملا ترك عىل ساحة النّاس من‬
‫دابّة وألهلك النّاس جميعا‪.‬‬

‫وقد وقعة مشكلة يف كيفية تصوّر هذا املفهوم القرآني حيث أن النّاس‬
‫أن هذين‬‫ليسوا ك ّلهم ظاملني‪ ،‬فعادة فيهم األنبياء واملجاهدون‪ ،‬والحقيقة ّ‬
‫اآليتني تتحدثان عن عقاب دنيوي ال عقاب أخروي ‪..‬‬
‫تتحدث عن النتيجة الطبيعية ملا تكتسبه أمّ ة عن طريق ال ّ‬
‫ظلم‬
‫تختص حينئذ بخصوص ال ّ‬
‫ظاملني من‬ ‫ّ‬ ‫وال ّ‬
‫طغيان‪ ،‬هذه النتيجة الطبيعية ال‬
‫أبناء املجتمع‪ ،‬بل هم أبناء املجتمع عىل اختالف هويّاتهم وعىل اختالف‬
‫أنحاء سلوكهم ‪،‬هذا كل منطق سنن التّاريخ ‪.‬قال تعاىل « وَاتَّ ُقوا فِ تْن َ ًة لاَّ‬
‫اص ًة» [‪ ]25‬فيما يقول يف موضع آخر« َولاَ‬ ‫ظ َلمُوا ِمن ُك ْم َ‬
‫خ َّ‬ ‫ِين َ‬ ‫تُ ِصيب ََّن ا َّلذ َ‬
‫خ َرى» [‪ ]26‬فالعقاب األخروي ينصبّ عىل الفعل مبارشة‪،‬‬ ‫َاز َر ٌة ِو ْز َر أ ُ ْ‬
‫تَ ِز ُر و ِ‬
‫وإنّما العقاب الدنيوي أوسع من ذلك ‪.‬‬

‫* هناك آيات استعرضت نماذج من سنن التاريخ ‪:‬‬


‫ُوا مَ ا ِبأ َ ُ‬
‫نف ِس ِه ْ‬
‫م »[‪]27‬‬ ‫« إ ِ َّن ال َّل َه لاَ ي َُغيرِّ ُ مَ ا ِب َق ْو ٍم حَ تَّ ٰى ي َُغيرِّ‬

‫إن املحتوى الدّاخيل النّفيس والفكري لإلنسان هو القاعدة ‪ ،‬والوضع‬


‫االجتماعي ‪ ،‬البناء العلوي‪ ،‬ال يتغيرّ إال ّ وفقا لتغيري القاعدة فخارج اإلنسان‬
‫يصنعه داخل اإلنسان وهو مرتبط بداخل اإلنسان‪.‬‬

‫[‪ ]25‬القرآن الكريم‪ ،‬سورة األنفال اآلية ‪25‬‬


‫[‪ ]26‬القرآن الكريم‪ ،‬سورة األنعام اآلية ‪164‬‬
‫[‪ ]27‬القرآن الكريم‪ ،‬سورة الرعد اآلية ‪11‬‬

‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 24‬اإلصالح‬
‫قال تعاىل « ٰذَ ِل َك ِبأ َ َّن ال َّل َه َل ْم يَ ُك م َُغيرِّ ًا نِّعْ مَ ًة أَنْعَ مَ هَ ا عَ لىَ ٰ َق ْو ٍم حَ تَّ ٰى ي َُغيرِّ ُوا‬
‫ِير إِلاَّ َقا َل‬‫س ْلنَا فيِ َق ْري ٍَة مِّ ن نَّذ ٍ‬ ‫نف ِس ِهمْ» [‪ ]28‬وقال أيضا « وَمَ ا أ َ ْر َ‬ ‫مَ ا ِبأ َ ُ‬
‫ون و ََقالُوا نَحْ ُن أ َ ْكث َ ُر أَمْ َوالاً وَأ َ ْولاَ ًدا وَمَ ا‬ ‫وها إِنَّا ِبمَ ا أ ُ ْر ِس ْلتُم ِب ِه َكافِ ُر َ‬ ‫ُمترْ َُف َ‬
‫نَحْ ُن ِبمُعَ ذَّ ِب َ‬
‫ني» [‪.]29‬‬

‫إنها عالقة قائمة بني النّبوة عىل م ّر التّاريخ وبني موقع املرتفني واملرسفني‬
‫من األمم واملجتمعات‪ ،‬هذه العالقة تمثل سنة من سنن التّاريخ وليست‬
‫ظاهرة وقعت يف التّاريخ عرضيّا‪ ،‬وإلاّ ملا تك ّررت لهذا الشكل املطرد‪.‬‬

‫فهناك عالقة تناقض بني موقع النّبوة االجتماعي واملوقع االجتماعي‬


‫للمرتفني‪ .‬هذه العالقة ترتبط يف الحقيقة بدور النّبوة ودور الرتف يف‬
‫طبيعي للنّبوة هو موقع املرتفني واملرسفني يف‬
‫املجتمع‪ .‬إن النّقيض ال ّ‬
‫املجتمعات‪.‬‬

‫* هناك آيات كثرية أ ّكدت عىل االستقراء «فاملادّة التّاريخيّة القديمة‬


‫تعطي أنماطا مثاليّة كما هو الحال يف القياس من أجل أن تقاس عليها‬
‫ظالِمَ ٌة‬
‫اها وَهِ َي َ‬ ‫«ف َكأَيِّن مِّ ن َق ْري ٍَة أ َ ْه َل ْكن َ َ‬ ‫مادّة جديدة»‪ ]30[ .‬يقول تعاىل َ‬
‫ط َل ٍة و ََقصرْ ٍ مَّ ِشي ٍد أ َ َف َل ْم ي َِسريُوا فيِ الأْ َ ْر ِض‬ ‫اوي ٌَة عَ لىَ ٰ عُ ُر ِ‬
‫وشهَ ا َو ِب رْ ٍ‬
‫ئ مُّ عَ َّ‬ ‫خ ِ‬‫َف ِه َي َ‬
‫ْصا ُر‬ ‫ون ِبهَ ا أ َ ْو آذَا ٌن ي َْسمَ عُ َ‬
‫ون ِبهَ ا َف ِإنَّهَ ا لاَ تَعْ مَ ى الأْ َب َ‬ ‫ون َلهُ ْم ُقلُوبٌ يَعْ قِ لُ َ‬ ‫َفتَ ُك َ‬
‫ُور»[‪]31‬‬ ‫الصد ِ‬ ‫ُّ‬ ‫َو َٰلكِن تَعْ مَ ى ا ْل ُقلُوبُ ا َّلتِي فيِ‬

‫[‪ ]28‬القرآن الكريم‪ ،‬سورة األنفال اآلية ‪53‬‬


‫[‪ ]29‬القرآن الكريم‪ ،‬سورةسبأ اآليتان ‪35 - 34‬‬
‫[‪ ]30‬د‪ .‬حسن حنفي ‪ ،‬من العقيدة إىل الثورة‪ ،‬ج‪ - 5‬ص‪135‬‬
‫[‪ ]31‬القرآن الكريم‪ ،‬سورة الحج اآليتان ‪46 - 45‬‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪25‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫* من مجموع هذين اآليتني يتبلور املفهوم القرآني للمسالة التّاريخية‪،‬‬
‫فقد قاوم القرآن النّظرة العفويّة والعبثيّة االستسالميّة يف تفسري األحداث‪.‬‬

‫ولسائل أن يسأل ما عالقة القرآن كمقوالت ثابتة القيمة فوق التاريخ‬


‫والجغرافيا بالتّاريخ نفسه ؟‬

‫إن عملية التغيري التي استهدفها القرآن لها جانبان ‪ :‬جانب املحتوى‬
‫ّ‬
‫متجسدة يف جماعات من الناس‬ ‫وهو ربّاني وجانب آخر للعمليّة بوصفها‬
‫«فعملية التغيري التي مارسها القرآن ومارسها النّبي صىل الله عليه‬
‫وس ّلم لها جانبان من حيث صلتها بالشرّ يعة وبالوحي‪ ،‬ومصاد الوحي‬
‫هي ربانيّة فوق التّاريخ‪ ،‬ولكن من حيث كونها عمال قائما عىل ّ‬
‫الساحة‬
‫التّاريخية ومن حيث كونها جهدا برشيّا قاوم جهودا برشيّة أخرى‪ ،‬من‬
‫هذه الناحية تعتربعمال تاريخيّا تحكمه سنن التّاريخ وتتحكم فيه الظوابط‬
‫ّ‬
‫بالساحة‬ ‫التي وضعها ال ّله لتنظيم ظواهر الكون يف هذه ّ‬
‫الساحة املسمّ اة‬
‫التّاريخيـة»[‪ ]32‬وهذا مايالحظ بجالء عند دراسـة السرية النبويـة ‪.‬‬

‫[‪ ]32‬د‪.‬محمد باقر الصدر ‪ ،‬مقدمات لتفسري املوضوعي للقرآن ‪.‬ص ‪27‬‬

‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 26‬اإلصالح‬
‫‪ 2-II‬كيف تفهم يف ظل الصراع القرآني‬
‫املسألة التاريخية ّ‪:‬‬
‫هل تتمثل املسألة التاريخية سنّة ؟كيف؟ وماهي ابعادها ومضامينها؟‬

‫نحاول اإلجابة عن هذه التساؤالت يف شكل مالحظات‪:‬‬

‫* املالحظة االوىل ‪:‬‬

‫ت مَ ا‬‫َّت‪ ،‬وَأ َ ْل َق ْ‬
‫ض ُمد ْ‬ ‫ت ‪َ ،‬وإِذَا الأْ َ ْر ُ‬ ‫ت ِل َربِّهَ ا وَحُ َّق ْ‬ ‫ت‪ ،‬وَأَذِ ن َ ْ‬
‫انش َّق ْ‬
‫السمَ ا ُء َ‬ ‫«إِذَا َّ‬
‫نسا ُن إِن َّ َك َكادِحٌ إِلىَ ٰ َربِّ َك َكدْحً ا‬ ‫ت‪ ،‬يَا أَيُّهَ ا الإْ ِ َ‬
‫ت ِل َربِّهَ ا وَحُ َّق ْ‬ ‫ت‪ ،‬وَأَذِ ن َ ْ‬
‫فِ يهَ ا َوتَ َخ َّل ْ‬
‫بعد أن هيّأ ال ّله املناخ العالم يرصّ ح بحقيقة هي ّ‬
‫أن الله‬ ‫َف ُملاَ قِ ِ‬
‫يه»[‪]33‬‬

‫هدف أعىل لإلنسان ‪ ،‬واإلنسانية ككل تكدح نحو الله ويف سبيله‪ ،‬فالله‬
‫واإلنسان طرفان تربط بينهما عالقة الكدح والسري‪ ،‬فكيف هو هذا السري؟‬

‫فالسري ارتقائي وتصاعدي ‪ ،‬تس ّلقي‪ ،‬لولبي‬


‫ّ‬ ‫ان الله يمثل القمّ ة واملطلق‪،‬‬
‫ال اعتيادي‪ ،‬وهذا السري يفرتض حتما طريقا ورصاطا‪ ،‬إنّه سبيل الله‪.‬‬
‫فإن عليه صالحك ‪ ،‬وعظيم‬ ‫ّ‬
‫الحق انتهاؤك ّ‬ ‫«فالله املنتهى‪ ،‬وهي إشارة إىل‬

‫[‪ ]33‬القرآن الكريم‪ ،‬سورة االنشقاق من اآلية ‪ 1‬إىل اآلية ‪6‬‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪27‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫ّ‬
‫الحق‬ ‫صالحك حفظ وجودك‪ ،‬وحفظ وجودك باعتدالك‪ ،‬واعتدالك بحفظ‬
‫وبيده فأنت راجع إليه ‪ .‬ال يحجبك قوله تعاىل «وَأ َ َّن إِلىَ ٰ َربِّ َك ا ْلمُنتَهَ ٰ‬
‫ى»[‪]34‬‬

‫فتقول ليس معي يف البداية بل هو معك يف البداية ويف طريقك إليه‪ ،‬وإليه‬
‫نهايتك‪ ،‬لكن تختلف أفعله فيك وهي اختالف أحوالك (أفعالك)‪ ...‬ففي‬
‫البداية يسوّيك ويف الطريق يهديك ويف الغاية يملك ويخلع عليك خلعة‬
‫الخالفة فلم كان للمنتهى املطلب ذالك قال وَأ َ َّن إِلىَ ٰ َربِّ َك ا ْلمُنتَهَ ٰ‬
‫ى» [‪]35‬‬

‫* املالحظة الثانية ‪:‬‬

‫كل سري هو تقدّم واقرتاب من الله‪ ،‬فكيف نفهم اتخاذ اإلنسان آللهة‬
‫مصطنعة ومثل منخفضة؟‬

‫اب ِبقِ يعَ ٍة يَحْ َسبُ ُه‬ ‫س ٍ‬‫ِين َك َف ُروا أَعْ مَ الُهُ ْم َك رَ َ‬‫يجيبنا تعاىل بقوله «وَا َّلذ َ‬
‫َه َفو ََّفا ُه حِ َسابَ ُه‬
‫ْه َشيْئًا َووَجَ َد ال َّل َه عِ ند ُ‬‫ظمْ آ ُن مَ ا ًء حَ تَّ ٰى إِذَا جَ اء َُه َل ْم ي َِجد ُ‬
‫ال َّ‬
‫ِ ي ُع ا ْلحِ َ‬
‫ساب» [‪]36‬‬ ‫وَال َّل ُه سرَ‬

‫كما رأينا آنفا يمثّل ال ّله نهاية ال جغرافيّة مكانيّة إذ هو املطلق وهو‬
‫طريق فمن وصل نصفها وجد ال ّله‬ ‫املثل األعىل فهو موجود عىل طوال ال ّ‬
‫عنده‪ ،‬فبقدر التّقدم يف الطريق يجد مثله األعىل فماالقيه‪.‬‬

‫[‪ ]34‬القرآن الكريم‪ ،‬سورة النجم اآلية ‪42‬‬


‫[‪ ]35‬محي الدين بن عربي ‪ ،‬كتاب تاج الرتاجم ‪ ،‬ص ‪48‬‬
‫[‪ ]36‬القرآن الكريم‪ ،‬سورة النور اآلية ‪39‬‬

‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 28‬اإلصالح‬
‫ولكن ال ّله يبقى مطلقا واملسرية النهائيّة واالقرتاب نسبي‪ .‬ولهذا ّ‬
‫فإن‬
‫لالقرتاب واالتجاه نحو ال ّله أبعاد هي‪:‬‬

‫طريق فيه المُتناه وبالتايل مجال التّطور واإلبداع قائم‬ ‫ـ تغيري كمّ ي‪ :‬ال ّ‬
‫ى َفادْعُ و ُه ِبهَ ا» [‪]37‬‬ ‫النهائي قال تعاىل « َو ِل َّل ِه الأْ َ ْ‬
‫سمَ ا ُء ا ْلحُ ْسن َ ٰ‬

‫‪ -‬تغيري كيفي نوعي يعطي البعد املوضوعي للمسؤولية «ول ّله أو أهلك‬
‫دونه»[‪]38‬‬

‫إن هذا التّغيري هو وجه من وجوه خالفة اإلنسان ل ّله «فالخالفة عن‬
‫ّ‬
‫ال ّله يف األرض هي أخطر عبء يمكن أن يك ّلف إنسان عىل مستوى التّجربة‬
‫الوجوديّة برمّ تها منذ أن خلق آدم وإىل فناء آخر إنسان ‪ ...‬فاالستخالف‬
‫يف املنهج ال ّرباني يرتافق مع التّجرد عن اإلحساس بامللك والتّجرد عن هذا‬
‫السلطة بقوّة االستخالف مع ال ّزهد فيها وعدم‬
‫اإلحساس يؤدّي إىل ممارسة ّ‬
‫التّعلق بها ‪ّ .‬‬
‫إن الوسيط بني ما يبدو كنقيضني (االستخالف والزهد ) يت ّم‬
‫عرب تمثّل صفات ال ّله من ممارسة املسؤولية‪ ،‬وأبراز صفات الله التي تأتي‬
‫السياق القرآني يف هذا املجال ترتبط بالحكمة وال ّرحمة‪ .‬والحكمة هي‬ ‫يف ّ‬
‫رؤية األمور يف حقيقتها أي يف تع ّلقها بال ّله‪ .‬وال ّرحمة يف ممارسة التّفاعل‬
‫مع األخرين عرب الوحدة الناظمة للخلق الكوني بما فيهم الخليفة ومن‬
‫هم بإمرته»[‪]39‬‬

‫[‪ ]37‬القرآن الكريم‪ ،‬سورة األعراف اآلية ‪180‬‬


‫[‪ ]38‬إبن هشام‪ ،‬سرية النبي صىل الله عليه وسلم‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪278‬‬
‫[‪ ]39‬د‪.‬أبو القاسم حاج حمد‪ ،‬اإلسالمية العاملية الثانية ص ‪124‬‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪29‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫* املالحظة الثالثة ‪:‬‬

‫اين تقع مقولة التّقدمية وال ّرجعية يف هذا املجال؟ ّ‬


‫إن ك ّل حركة أو‬
‫السري وتقليص كمّ ية الحركة هي تجسيد لل ّرجعية‬ ‫فكر يتّجه نحو إيقاف ّ‬
‫واإلنتكاسية « َقا َل آمَ نتُ ْم َل ُه َقبْ َل أ َ ْن آذَ َن َل ُكمْ» [‪ ]40‬فحركة املرتفني‬
‫ّ‬ ‫والورائيّة‬
‫قطب معارضة األنبياء ‪ -‬رمز االتّجاه إىل الله ‪ -‬هي رمز ال ّرجعية بهذا‬
‫وها إِنَّا ِبمَ ا أ ُ ْر ِس ْلتُم ِب ِه‬
‫ِير إِلاَّ َقا َل ُمترْ َُف َ‬ ‫املفهوم «وَمَ ا أ َ ْر َ‬
‫س ْلنَا فيِ َق ْري ٍَة مِّ ن نَّذ ٍ‬
‫ون» [‪ .]41‬وك ّل حركة وفكر يتّجه نحو تواصل املسرية وتأكيد اإلقرتاب‬
‫َكافِ ُر َ‬
‫وتنمية الحركة تجسيد للتّقدميّة واألماميّة‪.‬‬

‫[‪ ]40‬القرآن كريم ‪ -‬سورة الشعراء ‪ -‬اآلية ‪49‬‬


‫[‪ ]41‬القرآن كريم ‪ -‬سورة سبأ ‪ -‬اآلية ‪34‬‬

‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 30‬اإلصالح‬
‫‪- III-‬‬
‫طبيعة السنن التاريخية‬
‫هل الرؤية القرنية للسن التاريخية رؤية‬
‫متميزة ؟ أم انها غري ذالك ؟ هل للسنن‬
‫التاريخية خاصيات ؟ كيف ذلك ؟‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪31‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫السنن التّاريخيّة إىل ثالثة‬ ‫إن ا ُمل ْس ِ‬
‫تقرئ آليات القرآن يالحظ انقسام ّ‬
‫أقسام‪:‬‬
‫الخاصية األوىل ‪:‬‬
‫الطابع العلمي للسنة التاريخية‬
‫عىل ال ّرغم من أنّنا ال يمكننا أن نستخلص من دراسة القرآن قوانني‬
‫عمليّة ثابتة للتّاريخ عىل غرار ما ماهو كائن يف العلوم الطبيعيّة‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫هذا ال يجوز أن يج ّرده من صفة العلم ‪« .‬فالواقع ّ‬
‫أن اإلسالم دين يعترب‬
‫التّاريخ أساسا يف عقيدته ويعرض فلسفة تضع نظاما وقوان َ‬
‫ني لسري‬
‫اإلنسان وسعادته واملجتمعات وتطورها والبرشية ومصائرها»[‪ ]42‬وقد‬
‫إن التّدخل اإللهي يف الفعل التاريخي عرب الناموس‬
‫أعترب إبن خلدون ّ‬
‫املنتظم الثابت‪ ،‬سنة الله التي وضعها يف األشياء ولهذا فحركة األشياء‬
‫عند إبن خلدون «تصدر من داخلها أساسا وأن كان مصدرها يف األشياء‬
‫ولهذه فحركة اإلشياء عند إبن خلدون «تصدر من داخلها أساسا إن كان‬
‫خ َلوْا ِمن َقبْ ُل‬ ‫«سن َّ َة ال َّل ِه فيِ ا َّلذ َ‬
‫ِين َ‬ ‫مصدرها األول إلهيّا» [‪ ]43‬يقول تعاىل ُ‬

‫[‪ ]42‬صالح أحمد العيل ‪ ،‬تفسري التاريخ ‪ ،‬ص‪18‬‬


‫[‪ ]43‬إبن خلدون ‪ ،‬املقدمة ‪.‬ص ‪238‬‬

‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 32‬اإلصالح‬
‫س ِلنَا َولاَ تَ ِج ُد‬ ‫«سن َّ َة مَ ن َق ْد أ َ ْر َ‬
‫س ْلنَا َقبْ َل َك ِمن ُّر ُ‬ ‫ِسن َّ ِة ال َّل ِه تَبْ ِديلاً »[‪ُ ]44‬‬
‫َو َلن تَ ِج َد ل ُ‬
‫ات ال َّل ِه‪]46[ »...‬‬ ‫ِسن َّ ِتنَا تَحْ ِويلاً »[‪َ « ]45‬ولاَ ُمبَ ِّد َل ِل َكلِمَ ِ‬
‫ل ُ‬

‫السالفة أنّها تؤ ّكد عىل طابع االستمرارية‬


‫إن املالحظ يستنتج من اآليات ّ‬
‫والتّتابع وعدم التخ ّلف للسنّة التاريخيّة «والتّأكيد عىل طابع االضطراد‬
‫وضمن ذلك‬ ‫التاريخي»[‪]47‬‬ ‫السنة تأكيد عىل ال ّ‬
‫طابع العلمي للقانون‬ ‫يف ّ‬
‫ضمني ومسكوت عنه لك ّل تفكري أو شعور يطمح إىل اإلستثناء‬ ‫ّ‬ ‫استنكار‬
‫السنة التاريخية‪« .‬فكتاب ال ّله يوجّ ه أنظارنا إىل أش ّد األمور مادّية‬
‫من ّ‬
‫طعام‪،‬النّطفة األوىل) ويدعونا ألن نسري بحثا عن سنن هذه العوالم‬ ‫(ال ّ‬
‫طبيعة‪ ،‬عىل‬‫وإدراكا ألبعاد خلقها‪ ،‬فالقرآن يريد أن يضعنا يف قلب ال ّ‬
‫مستوى الكون والعالم‪ ،‬وأن يختار لنا موقعا تجريبيّا يعتمد النّظر والتّمعن‬
‫ّ‬
‫والتفحص واالختبار من أجل الكشف واالبتكار واإلبداع» [‪]48‬‬

‫للسنة التّاريخيّة ‪:‬‬ ‫ولنأخذ أمثلة قرآنيّة تؤ ّكد ال ّ‬


‫طابع العلمي ّ‬

‫* املثال األول ‪:‬‬

‫ِين َ‬
‫خ َلوْا ِمن‬ ‫ْخلُوا ا ْلجَ ن َّ َة َو َلمَّ ا يَأ ْ ِت ُكم مَّ ث َ ُل ا َّلذ َ‬
‫قال تعاىل «أ َ ْم حَ ِسبْتُ ْم أَن تَد ُ‬
‫ِين آمَ نُوا‬
‫سو ُل وَا َّلذ َ‬ ‫َالضا ُء َو ُز ْل ِزلُوا حَ تَّ ٰى ي َُقو َل ال َّر ُ‬ ‫سا ُء و رَّ َّ‬ ‫َقبْ ِل ُكم مَّ َّستْهُ ُم ا ْلبَأ ْ َ‬
‫ن نَصرْ َ ال َّل ِه َق ِريبٌ » [‪]49‬‬ ‫مَ عَ ُه مَ تَ ٰى نَصرْ ُ ال َّل ِه أَلاَ إ ِ َّ‬

‫[‪ ]44‬القرآن كريم ‪ -‬سورة األحزاب ‪ -‬اآلية ‪62‬‬


‫[‪ ]45‬القرآن كريم ‪ -‬سورة اإلرساء ‪ -‬اآلية ‪77‬‬
‫[‪ ]46‬القرآن كريم ‪ -‬سورة األنعام ‪ -‬اآلية ‪34‬‬
‫[‪ ]47‬د‪ .‬محمد باقر الصادر مقدمات يف التفسري املوضوعي للقرآن ‪ ،‬ص ‪72‬‬
‫[‪ ]48‬د ‪.‬عماد الدين خليل ‪ ،‬حول إادة تشكيل العقل املسلم ‪ ،‬ص ‪123‬‬
‫[‪ ]49‬القرآن كريم ‪ -‬سورة البقرة ‪ -‬اآلية ‪214‬‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪33‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫أن القرآن يستنكر عىل النّاس أن يأملوا أن يكون لهم استثناء‬
‫نالحظ ّ‬
‫من سنن التّاريخ ويستنكر عليهم أن يأملوا يف أن يكون لهم النرص من‬
‫دون أن يعيشوا ما عاشته األمم التي انترصت ودخلت الجنّة يف ظروف‬
‫رّ‬
‫والضاء التي تتعملق يف‬ ‫رّ‬
‫والضاء إىل ح ّد الزلزلة‪ .‬فحاال البساء‬ ‫البأساء‬
‫مستوى ال ّزالزل هي يف العمق مدرسة لألمّ ة وإمتحان إلرادتها وصمودها‬
‫الشهادة واإلستخالف‪.‬‬‫ومبدئيتها وقدرتها عىل أن تكون أمّ ة ّ‬

‫إذن نرص الله قريب لكن له طريق‪ ،‬هكذا يقول القرآن‪ ،‬وهكذا صار‬
‫«نرص ال ّله ليس أمرا عفويّا‪ ،‬فنرص ال ّله قريب ولكن اهتدوا إىل طريقه»[‪]50‬‬

‫وصل إىل النّرص‬


‫طالع عل سنن التّاريخ هو الذي يم ّكن اإلنسان من التّ ّ‬ ‫فاال ّ‬
‫وكما قال صىل الله عليه وسلم « أبى ال ّله أن يجري االمور إال بأسبابها»[‪]51‬‬

‫* املثال الثاني ‪:‬‬

‫صبرَ ُوا عَ لىَ ٰ مَ ا ُكذِّبُوا وَأُوذُوا حَ تَّ ٰى‬ ‫س ٌل مِّ ن َقبْ ِل َك َف َ‬ ‫قال تعاىل ‪َ «:‬و َل َق ْد ُكذِّب َْت ُر ُ‬
‫ني»[‪]52‬‬ ‫ات ال َّل ِه َو َل َق ْد جَ ا َء َك ِمن نَّبَ ِإ ا ْل ُم ْر َ‬
‫س ِل َ‬ ‫أَتَ ُ‬
‫اه ْم نَصرْ ُ نَا َولاَ ُمبَ ِّد َل ِل َكلِمَ ِ‬

‫يف اآلية تثبيت قلب ال ّرسول صـلىّ ال ّله عليه وسلم بإخباره بالتّجارب‬
‫وأن تجربته جزء منها‪ ،‬ترتبط بقانونها الذي يقول ّ‬
‫أن النرص آت‬ ‫السابقة ّ‬
‫ّ‬
‫الصرب والثّبات‪.‬‬
‫ولكن له رشوطه املوضوعيّة التي هي‪ّ :‬‬

‫[‪ ]50‬د‪ .‬محمد بقر الصدر ‪ ،‬مقدمات يف التفسري املوضوعي القرآن ‪ ،‬ص ‪86‬‬
‫[‪ ]51‬راجع بحار األنوار‪ :‬ج‪ 3‬ص‪( 67‬بيان)‬
‫[‪ ]52‬القرآن كريم ‪ -‬سورة األنعام ‪ -‬اآلية ‪34‬‬

‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 34‬اإلصالح‬
‫إنّها كلمة ال ّله ال تتبدل عىل م ّر التّاريخ وهي عالقة بني النّرص وبني‬
‫مجموعة الشرّ وط والقضايا واملوصفات ّ‬
‫وضحت يف آيات متف ّرقة وحملت‬
‫عل وجه اإلجمال يف هذه اآلية‪.‬‬

‫«فالتّاريخ البرشي ال يتح ّرك فوىض وعىل غري هدف وإنّما تحكمه سنن‬
‫ونواميس كتلك التي تحكم الكون والعالم والحياة واألشياء سواء بسواء‬
‫ّ‬
‫خاصة‬ ‫بالصدفة وإنّما من خالل رشوط‬
‫ّ‬ ‫وإن الوقائع التّاريخيّة ال تخلق‬
‫ّ‬
‫تمنحها هذه ّ‬
‫الصفة أو تلك وتوجهها صوب هذا املصري أو ذالك‪ .‬فالقرآن‬
‫«السن» و«النّواميس» التي تسيرّ حركة‬
‫ّ‬ ‫يطرح عىل العقل البرشي مسألة‬
‫التّاريخ وفق منعطفها الذي اليخطيء‪ ،‬وعرب مسالكها املقننة التي ليس إىل‬
‫الخروج عليها سبيل‪ ،‬ألنّها منبثقة من صميم الرتكيب البرشي ومعطياته‬
‫ووجدانا»[‪]53‬‬ ‫املحوريّة الثابتة‪ ،‬فطرة وغرائزا وأخالقا وفكرا وعواطفا‬

‫* املثال الثالث ‪:‬‬

‫نز َل إ ِ َلي ِْهم مِّ ن‬ ‫نجي َل وَمَ ا أ ُ ِ‬


‫قال تعاىل ‪َ « :‬و َل ْو أَنَّهُ ْم أ َ َقامُوا التَّ ْو َرا َة َوالإْ ِ ِ‬
‫حْت أ َ ْرجُ ل ِِهم» [‪ ]54‬وقال أيضا « َو َل ْو أ َ َّن أ َ ْه َل‬ ‫َّرب ِِّه ْم لأَ َ َكلُوا ِمن َفوْقِ ِه ْم و َِمن تَ ِ‬
‫السمَ ا ِء َوالأْ َ ْر ِض َو َٰلكِن َكذَّبُوا‬ ‫ا ْل ُق َرىٰ آمَ نُوا وَاتَّ َقوْا َل َفتَحْ نَا عَ َلي ِْهم بَ َر َك ٍ‬
‫ات مِّ َن َّ‬
‫ط ِر َ‬
‫يق ِة‬ ‫استَ َقامُوا عَ لىَ ال َّ‬ ‫ُون» [‪ ]55‬وقال «وَأَن َّل ِو ْ‬ ‫اهم ِبمَ ا َكانُوا يَ ْك ِسب َ‬ ‫َفأ َ َ‬
‫خذْن َ ُ‬
‫اهم مَّ ا ًء َغد ًَقا» [‪.]56‬‬ ‫لأَ َ ْ‬
‫س َقيْن َ ُ‬

‫[‪ ]53‬د ‪ .‬عماد الدين خليل‪ ،‬حول إعادة تشكيل العقل املسلم ‪ ،‬ص ‪52 ، 51‬‬
‫[‪ ]55‬القرآن كريم ‪ -‬سورة املائدة ‪ -‬اآلية ‪66‬‬
‫[‪ ]55‬القرآن كريم ‪ -‬سورة األعراف ‪ -‬اآلية ‪96‬‬
‫[‪ ]56‬القرآن كريم ‪ -‬سورة الجن ‪ -‬اآلية ‪16‬‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪35‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫هذه اآليات الثّالث تتحدّث عن عالقة بني االستقامة وتطبيق أحكام ال ّله‬
‫وبني وفرة اإلنتاج وكثرة الخريات‪ ،‬وبلغة اليوم بني عدالة التوزيع ووفرة‬
‫اإلنتاج‪.‬‬

‫أن املجتمع الذي تسوده العدالة يف التّوزيع لن يقع يف‬ ‫إن القرآن يو ّكد ّ‬
‫ّ‬
‫ضيق من ناحية الثروة املنتجة ولن يقع يف فقر‪ ،‬بل يزداد الثّراء والخريات‬
‫السماء نزلت من أجل تقرير عدالة التّوزيع ومن‬ ‫واملال ّ‬
‫ألن رشيعة ّ‬
‫أجل إنشاء عالقات التّوزيع عىل أسس عادلة «فاإلنسان هو الذي‬
‫يستطيع – بقدر نضجه وتصميمه ‪ -‬أن يفرض إرادته التاريخ‪ ،‬كما ّ‬
‫أن‬
‫الطبيعة تجعل النبات والحيوان ‪ -‬نسبيا‪ -‬تابعة إلرادة اإلنسان وصنعه‪،‬‬
‫هذا بال ّرغم ممّ ا لهما من حياة وحركة طبعا للقوانني العلمية املسلم بها‬
‫واملعينة»[‪ ]57‬فال ّله أنزل الكتاب وامليزان‪ ،‬تلك سنّة التّاريخ وال استثناء فيها‬
‫«والروح العامّ ة للقرآن تؤ ّكد عىل هذه الحقيقة‪ ،‬حقيقة اإلضطراد يف ّ‬
‫السنة‬
‫التّاريخية الذي يعطيها الطابع العلمي من أجل تربية اإلنسان عىل ذهنية‬
‫واعية علمية يترصّ ف يف إطارها ومن خاللها مع أحداث التاريخ»[‪ ،]58‬فـ‬
‫«التاريخ واملجتمع البرشي ال يستندان عىل أساس املصادفة والعبث‪ ،‬بل‬
‫عىل واقعيات مثل كل الواقعيّات يف هذا العالم‪ ،‬ذات حياة وحركة طبقا‬
‫ألصول علمية (وباملصطلح القرآني سنن تغيرّ قابلة للتّبديل والتحويل)‬
‫وبقدر ما يكتشف اإلنسان هذه األصول عن طريق العلم وعن طريق التكنيك‬
‫(اإليديولوجية والتخطيط االقتصادي والثقايف واالجتماعي والسيايس )‬

‫[‪ ]57‬د‪ .‬عيل رشيعتي ‪ ،‬العودة الذاتية ص ‪102‬‬


‫[‪ ]58‬د‪ .‬محمد بقر الصدر ‪ ،‬مقدمات يف التفسري املوضوعي القرآن ‪ ،‬ص ‪86‬‬

‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 36‬اإلصالح‬
‫وعن طريق اختيار قانون بدال من قانون آخر‪ ،‬يستطيع أن يغيرّ مسريها‬
‫الطبيعي كما يريد [‪]59‬‬

‫«و أي ّ‬
‫تأخر أو اهتزاز يف نفاذ هذه ّ‬
‫السنن سوف يؤول إىل تميّع الحركة‬
‫التاريخية وعدم انضباطها جزئيّا وبالتايل يؤول إىل موقف نقيض ملفاهيم‬
‫ّ‬
‫الحق والعدل ومن أجل أن نطمنئ بينّ لنا القرآن يف أكثر من موضع ثبات‬
‫السنن ونفاذها وعدم تبدّلها أو تحوّلها‪ ،‬إنّها موجودة أساسا يف‬
‫هذه ّ‬
‫الرتكيب الكوني ‪]60[»...‬‬

‫الخاصية الثانية ‪:‬‬


‫ربانية السنة القرانية‬
‫إن كل قانون من قوانني التّاريخ هو كلمة من ال ّله وهو قرار رباني‬‫ّ‬
‫«فأيّ حدث تاريخي إنّما يجئي تعبريا عن إرادة ال ّله التي تصوغه من خالل‬
‫إرادة اإلنسان‪ ،‬أو مبارشة عن طريق اتصالها بال ّزمن والترّ اب‪ ،‬وال يمكن‬
‫دراسة تاريخ الكون‪ ،‬وتاريخ األحياء وتاريخ البرشيّة إال ّ من هذا املنطق‪.‬‬
‫إن الفعل االلهي يتّخذ شكلني لخلق الحدث وصياغته‪ ،‬أوّلها مبارشة‬ ‫ّ‬
‫الفعل التاريخي‪ ،‬تلك املبارشة ترتاوح بني التّساوق مع نواميس ال ّ‬
‫طبيعة‬
‫واعتمادها يف التّنفيذ وبني تجاوز مقاييسها ورفض نسبياتها فيما يعرف‬
‫باملعجزات [‪(.]61‬إِذَا َقضىَ ٰ أَمْ ًرا َف ِإنَّمَ ا ي َُقو ُل َل ُه ُكن َفيَ ُكو ُ‬
‫ن ) [‪]62‬‬

‫[‪ ]59‬د‪ .‬عيل رشيعتي ‪ ،‬العودة الذاتية ص ‪103‬‬


‫[‪ ]60‬د ‪ .‬عماد الدين خليل‪ ،‬حول إعادة تشكيل العقل املسلم ‪ ،‬ص ‪53‬‬
‫[‪ ]61‬د ‪ .‬عماد الدين خليل‪ ،‬حول إعادة تشكيل العقل املسلم ‪ ،‬ص ‪118‬‬
‫[‪ ]62‬القرآن كريم ‪ -‬سورة مريم ‪ -‬اآلية ‪35‬‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪37‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫و لع ّل من وراء هذه اإلشارات لحضور الفعل اإللهي يف الفعل التاريخي‬
‫إرادة يف ش ّد اإلنسان اىل ال ّله وإشعاره برضورة االستعانة واالستفادة من‬
‫ألن الله يمارس قدرته من خالل‬ ّ ‫مختلف القوانني بدون انعزال عن ال ّله‬
‫السنن التّاريخية وتلك القوانني الكونيّة «فالتّاريخ كاستمرارية بني‬
ّ ‫هذه‬
ّ
‫يتدخل‬ ،‫ فالتّاريخ من مشيئة ال ّله‬،‫املايض والحارض واملستقبل غري ممكن‬
]63[ »‫يف األحداث ليجعل منها «آنيّات» مستق ّلة‬

‫و يو ّكد ثنائيّة وازدواجيّةالفعل التّاريخي بني اإلنساني واإللهي القول‬


ّ
.: ‫بأن‬

«Tout homme vit, aujourd’hui, sur deux dimensions :

Le plan de l’espace-temps, nous le connaissans par nos sens, par


la biologie, par l’économie, les sciences, les techniques, les arts et
par le travail. Ces disciplines nous relient les uns aux autres,dans
cette réalité de l’espace-temps : Passé et future planétaires.
Nous les vivants, en somme les témoins dans un présent fugitif.
Mais les sens de tout l’ensemble nous échape.

L’ailleurs- temps, l’ailleurs- espace, appellent notre désir (ou


notre désir aspire) c’est l’évangile qui nous y conduit, La voie à
suivre, c’est jésus ...»[64]

[63] Louis gardet : le prafete et le temps, dans le temps, et les philosophes


[64] Française Doleto .La foi au risque de la psychanalyse .p.35.36

18 ‫كتاب‬

2017 ‫ اإلصالح‬38
‫لنئ كان يف تعبري املسيحيّة إشارة إىل كون اإلنجيل واملسيح عليه ّ‬
‫السالم‬
‫حياتنا‪،‬فإن ذلك يؤ ّكد ماذهبنا اليه إجماال اىل تأكيد‬
‫ّ‬ ‫هو املجال الغيبي يف‬
‫املساحة اإللهية يف الفعل التاريخي ‪.‬‬

‫السنة التّاريخية‬ ‫و لكنّنـا نالحـظ عنـد إضفاء ّ‬


‫الصفــة ال ّربانيـة عىل ّ‬
‫أن الطتبع الغيبي للتاريخ قد يناقض التفسري العلمــي املوضوعي له‪،‬‬ ‫ّ‬
‫أو بلغة أخرى قد يفيض ذلك إىل اتّجاها الهوتيّا «ميتاواقعــي» يف تفسري‬
‫التاريخ‪.‬‬

‫ولكن يمككنا القول ّ‬


‫بأن االتجاه الالهوتي للتفسري التاريخي يتناول‬
‫الحادثة نفسها ويربط هذه الحادثة بال ّله قاطعا صلتها وروابطها مع‬
‫الصلة مع ال ّله بديال عن صلة الحادثة مع‬
‫بقيّة الحوادث فو «يطرح ّ‬
‫بقية الحوادث‪ ،‬بديال عن العالقات واالرتباطات التي تزخر بها ّ‬
‫الساحة‬
‫التّاريخيّة والتي تمثّل ّ‬
‫السنن والقوانني املوضوعية لهذه ّ‬
‫الساحة» [‪]65‬‬

‫طابع الغيبي عىل الحادثة بال ّذات وال ينتزع‬


‫بخالف القرآن الذي يسقط ال ّ‬
‫بالسماء «وال يطرح‬ ‫ّ‬ ‫الحادثة التّاريخية من سياقها لريبطها مبارشة‬
‫صلة الحادثة بالسماء كبديل عن أوجه االنطباق والعالقات واألسباب‬
‫الساعة التّاريخية بل إنّه يربط السنّة التاريخية بال ّله‬
‫واملسبّبات عىل هذه ّ‬
‫« فال ّ‬
‫طابع ال ّرباني الذي‬ ‫[‪]66‬‬ ‫بربط وجه العالقات واالرتباطات بال ّله»‬
‫يسبغه القرآن الكريم ليس بديال عن التفسري املوضوعي وانما هو ربط‬

‫[‪ ]65‬د‪.‬محمد باقر الصدر ‪ ،‬سنن التاريخ يف القرآن ص ‪127‬‬


‫[‪ ]66‬د‪ .‬عماد الدين خليل ‪ ،‬التفسري اإلسالمي للتاريخ ‪ ،‬ص ‪142‬‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪39‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫هذا التفسري املوضوعي بال ّله من أجل إتمام إتجاه اإلسالم نحو التّوحيد‬
‫بني العلم واإليمان يف تربية اإلنسان املسلم» [‪.]67‬‬

‫ّ‬
‫إن الفعل اإلنساني ليس نتاج ظروف إقتصادية وحدها كما تقول‬
‫ّ‬
‫املاركسية وليس نتاج وضعيّة اجتماعيّة أو سياسيّة لنظام عالقات‬
‫سلطويّة كما يقول بعض علماء اإلجتماع ّ‬
‫السيايس ‪ ،‬وليس نتاج وضعية‬
‫ثقافية بنوية ثابتة كما يقول اإلنرتوبولوجيون‪« .‬إن الفعل اإلنساني‪،‬‬
‫وفقا للروية القرآنية هو فعل مركب يف التاريخ ويلعب العيب دورا حيزا‬
‫السنن الك ّلية اإللهيّة‪]68[ ».‬‬
‫يف الواقعة التاريخية وذلك عرب انتظامها يف ّ‬

‫الخاصية الثالثة ‪:‬‬


‫البعد اإلنساني للسنة الرتيخية ‪.‬‬
‫أقام البعض تناقضا وتعارضا بني ح ّرية اإلنسان واختياره وبني سنن‬
‫التّاريخ وحتميتها ‪.‬‬

‫ّ‬
‫إن هذا املوقف هو نتاج نظرة أحاديّة وإقصائيّة تقول بالوجود مقابل‬
‫السنة التّاريخية مقابل مقولة‬
‫العدم وباإليجاب مقابل النفي‪ ،‬بمقابل ّ‬
‫لكن القرآن بعيد عن منطق الجمع بني الجسمني‪ ،‬يرفض‬ ‫ّ‬ ‫االختيار ‪.‬‬
‫بشدّة هدم الوهم وهذا التّعارض‪« ،‬فمهما كان من أثر القوى اإللهية أو‬
‫امليتافيزيقية العليا التي يمكن أن تسيطر عىل مصائر البرشية وأحداث‬

‫[‪ ]67‬د‪.‬محمد باقر الصدر ‪ ،‬مقدمات يف التفسري املوضوعي للقرآن ‪ ،‬ص‬


‫[‪ ]68‬د‪.‬وجيد كوثراني ‪ ،‬الوعي التاريخي يف النظرة القرآنية ‪ ،‬ص ‪37‬‬

‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 40‬اإلصالح‬
‫التّاريخ‪ ،‬وهي ما ال يقوى اإلنسان بعد عىل إدراك كنهها وفهم أرسارها‪،‬‬
‫فإن التّاريخ يتّخذ مجراه عىل يد اإلنسان بطريق مبارش ويف ظروف‬ ‫ّ‬
‫معينة‪ ،‬واإلنسان ابن املايض وهو ليس إبنا ألبويه فحسب‪ ،‬بل ثمرة الخلق‬
‫ك ّله منذ أزمان سحيقة‪ .‬والعالقة وطيدة بني حياة الفرد وبني الحياة يف‬
‫القرون والعصور املاضية‪ ،‬وال يستطيع اإلنسان أن يفهم نفسه وحارضه‬
‫السنني ال ّ‬
‫طويلة‪.‬‬ ‫دون أن يفهم املايض‪ ،‬ومعرفه املايض تكسبه خربة ّ‬
‫والتأمّ ل يف املايض يبعد اإلنسان عن ذاته فريى ما اليراه يف نفسه بسهولة‬
‫من مزايا الغري وأخطائه‪ .‬ويجعله ذالك أقدر عىل فهم نفسه وأقدر عىل‬
‫حسن التّرصف يف الحارض واملستقبل» [‪ ]69‬ويؤ ّكد القرآن عىل ّ‬
‫أن املحور يف‬
‫تسلسل األحداث والقضايا إنّما هو اإلنسان وإرادته قال تعاىل‪« :‬إ ِ َّن ال َّل َه لاَ‬
‫ي َُغيرِّ ُ مَ ا ِب َق ْو ٍم حَ تَّ ٰى ي َُغيرِّ ُوا مَ ا ِبأ َ ُ‬
‫نف ِس ِهمْ» [‪.]70‬‬
‫ّ‬
‫تتدخل يف تفاصيل‬ ‫«فالحتميّة اإللهيّة التي تمثّل سننا وقوانني عامة ال‬
‫الحدث بل ترتك إلرادة اإلنسان ممثّلة بقوى اإلصالح والتغيري أو ممثّلة‬
‫[‪]71‬‬ ‫تتجسد فعال إنسانيا وواقعة تاريخية»‬ ‫ّ‬ ‫طغيان والفساد أن‬ ‫بقوى ال ّ‬
‫يقول تعاىل « َوإِذَا أ َ َر ْدنَا أَن نُّهْ ِل َك َق ْري ًَة أَمَ ْرنَا ُمترْ َفِ يهَ ا َف َف َس ُقوا فِ يهَ ا َفحَ َّق‬
‫َ‬
‫وح َو َك َف ٰى‬ ‫اها تَد ِْمريًا َو َك ْم أ ْه َل ْكنَا ِم َن ا ْل ُق ُر ِ‬
‫ون ِمن بَعْ ِد ن ُ ٍ‬ ‫عَ َليْهَ ا ا ْل َق ْو ُل َفدَمَّ ْرن َ َ‬
‫َصريًا » [‪]72‬‬ ‫وب عِ بَادِ هِ َ‬
‫خ ِبريًا ب ِ‬ ‫ِب َربِّ َك ِبذُن ُ ِ‬

‫[‪ ]69‬حسن عثمان ‪ ،‬منهج البحث التاريخي ‪ ،‬ص ‪13‬‬


‫[‪ ]70‬القرآن الكريم ‪ ،‬سورة الرعد ‪ ،‬اآلية ‪11‬‬
‫[‪ ]71‬د‪.‬وجيه كوثراني ‪ ،‬الوعي التاريخي يف النظره القرآنية ‪ ،‬ص ‪35‬‬
‫[‪ ]72‬القرآن الكريم ‪ ،‬سورة اإلرساء ‪ ،‬اآليتان ‪ 16‬و‪17‬‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪41‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫فالسنة التّاريخيّة كقانون حتمي ال تجري فوق يد اإلنسان‬ ‫ّ‬ ‫إذن‬
‫بل من تحت يديه وبإمضائه‪ ،‬إذ أنّه رشط حدوثها وانطباقها ‪.‬وبالتايل‬
‫اختيار اإلنسان له موضعه الرئييس يف التصوّر القرآني ّ‬
‫للسنن التاريخية‪،‬‬
‫إن التّاريخ هو‬ ‫« فالتّاريخ ال ينشأ يف ّ‬
‫الشعور إلاّ كنتيجة إلثبات الح ّرية بل ّ‬
‫ّ‬
‫لقصة تح ّرر البرشيّة‬ ‫إن التّاريخ ك ّله‬
‫قصة الح ّرية كما يقول كروتشة‪ ،‬بل ّ‬
‫ّ‬
‫من الوصايا الخارجية» [‪ ]73‬فالفعل اإللهي غري املبارش يف التاريخ يجىء‬
‫عن طريق الح ّرية اإلنسانيّة ذاتها والتي هي يف مداها البعيد جزء من إرادة‬
‫ال ّله يف خلق األفعال واألحداث» [‪]74‬‬

‫للسنة التّاريخية رضب لل ّ‬


‫طرح القدري الجربي‬ ‫و إعطاء البعد اإلنساني ّ‬
‫طرح الفوضوي العبثي‬ ‫السنن) ولل ّ‬
‫االستسالمي(الكهنوتي من جهة ّ‬
‫(الكهنوتي من جهة اإلنسان) « فالقدرة اإللهيّة لست قائمة يف الكون‬
‫كفكرة تعجيزيّة يف مقابل محدوديّة اإلنسان ولكنّها قائمة كقوّة دافعة‬
‫لفعل اإلنسان املنطلق بأكثر من إمكانياته ال ّذاتية» [‪]75‬‬

‫السنن التّاريخية يف القرآن‬


‫إن ّ‬‫يمكن تلخيص األبعاد التي ذكرنا بقولنا ّ‬
‫علمي ألنّها تتميّز باإلطراد الذي يميّز القانون العلمي‪ .‬وهي ذات‬
‫ّ‬ ‫ذات طابع‬
‫طابع ربّاني ألنّها تمثّل حكمة ال ّله وحسن تدبريه عىل ّ‬
‫الساحة التّاريخية‪.‬‬
‫إنساني ألنّها ال تفصل اإلنسان عن دوره اإليجابي‬
‫ّ‬ ‫وهي أيضا ذات طابع‬
‫طل فيه إرادته وح ّريته واختياره‪ ،‬وإنّما تؤ ّكد أكثر فأكثر مسؤوليته‬
‫وال تع ّ‬

‫[‪ ]73‬د‪.‬حسن حنفي ‪ ،‬دراسات إسالمية ‪ ،‬ص ‪525‬‬


‫[‪ ]74‬د ‪ .‬عماد الدين خليل ‪ ،‬التفسري اإلسالمي للتاريخ ‪ ،‬ص ‪157‬‬
‫[‪ ]75‬د‪ .‬أبوالقاسم حاج حمد ‪ ،‬العاملية اإلسالمية الثانية ‪ ،‬ص‬

‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 42‬اإلصالح‬
‫الساحة التاريخية‪« .‬فالزمان أُعطي لإلنسان ليفعل فيه‪ ،‬كما أُعطي له‬
‫عىل ّ‬
‫التّاريخ ميدانا للعمل‪ ،‬فال نهاية بال بداية وال خاتمة بال مرشوع‪ .‬اإلنسان‬
‫ليفعل فيه ‪ ،‬كما أعطي له التاريخ ميدانا للعمل‪ ،‬فال نهاية و ال خاتمة‬
‫بال مرشوع ‪ .‬اإلنسان حياته‪ ،‬وحياته تاريخيه وتاريخه سلوكه‪،‬وسلوكه‬
‫تحقيق لغاية‪ ،‬وغايته رسالته‪ ،‬ورسالته مصريه‪]76[ ».‬‬

‫[‪ ]76‬د‪.‬حسن حنفي ‪ ،‬من العقيد إىل الثورة ‪ ،‬ج ‪ .5‬ص ‪482‬‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪43‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 44‬اإلصالح‬
‫‪- IV -‬‬
‫الحسّ والوعي التاريخي‪:‬‬
‫جدل اإلنسان والتاريخ‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪45‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫(أ) قراءة يف األصول‬

‫«نجزء ال ّزمن إىل مايض وحارض ومستقبل وهو واحد‪ ،‬إذ نعيش يف خضم‬
‫ما يمكن تسميته باملضحارض‪ -‬مستقبل‪ ...‬ماضينا ذاكرتنا‪ ،‬وحارضنا‬
‫حصيلة ماضينا‪ ،‬لكنه محكوم أيضا بصفة مبهمة بتصويرنا للمستقبل‬
‫‪ ...‬لذلك وجب علينا أال ّ ترشئب أعناقنا إىل املايض فحسب أو أن نضيع‬
‫يف حارض الحارض‪ ،‬علينا أن نفسح املجال‪ ،‬كل املجال للمستقبل ألنّك ال‬
‫السهم‪ ،‬فاملستقبل عامل هام‬‫تصيب مرماك إن لم تسبق بحسابك مجرى ّ‬
‫أن لم تعتربه لم تفهم حارضك بل قل لم تفهم ماضيك ‪«]77[ ».‬فك ّلما كانت‬
‫معلوماتنا عن املايض والحارض أقل‪ ،‬داخل حكمنا عىل املستقبل املزيد من‬
‫ّ‬
‫والشكوك»[‪ «]78‬وإذا ال حظنا ديمومة هذا العالم وجدناها محدودة‬ ‫ال ّريب‬
‫بالحارض الذي ليس سوى نقطة تفصل النهايتني من الزمان‪ .‬املايض‬
‫واملستقبل ال وجود لهما لو لم يكونا» [‪ ]79‬فالزمن مرآة بثالثة وجوه يف‬
‫مصاريعه الثالثة املغلقة يمحى املستقبل واملايض ويبرص الحارض ويف‬

‫[‪ ]77‬د‪.‬املنصف املرزوقي ‪ ،‬مقال الحارض يحدث الغد من املايض ‪ ،‬جريدة الرأي أوت ‪1984‬‬
‫[‪ ]78‬سغموند فرويد‪ ،‬مستقبل وهم‪ ،‬ص‪7‬‬
‫[‪ ]79‬إبن حزم األندليس‬

‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 46‬اإلصالح‬
‫خضم هذا التّشابك بني أبعاد ال ّزمن الكوني يعيش اإلنسان ويحيي قدره‬
‫«فاإلنسان وال ّزمان عدوّان أكيدان يطوي أحدهما اآلخر لع ّل يأتي ّ‬
‫الصباح‪،‬‬
‫نصنع فيه نحن أقدارنا» [‪.]80‬‬

‫ّ‬
‫الحس والوعي التاريخي عند اإلنسان من خلال تطبيقات اآليات‬ ‫ويتجلىّ‬
‫ّ‬
‫تحث عىل فهم ال ّزمان بأبعاده املختلفة‬ ‫القرآنية واألقوال النبويّة التي‬
‫َاسا وَجَ عَ ْلنَا النَّهَ ا َر‬
‫وبأدوار ك ّل حيز ‪ ...‬قال ال ّله تعاىل‪« :‬وَجَ عَ ْلنَا ال َّليْ َل ِلب ً‬
‫اشا»[‪ ]81‬وقال‪«:‬وَجَ عَ ْلنَا ال َّليْ َل وَالنَّهَ ا َر آيَتَينْ ِ »[‪ ]82‬وقال أيضا‪«:‬وَا ْل َفجْ ِر‬
‫مَ عَ ً‬
‫ان َلفِ ي ُ‬
‫خ رْ ٍ‬
‫س »[‪]84‬‬ ‫إ ِ َّن الإْ ِ َ‬
‫نس َ‬ ‫َالش ْف ِع وَا ْل َوتْ ِر»[‪ ]83‬و« وَا ْلعَ صرْ ِ‬ ‫َال عَ شرْ ٍ و َّ‬ ‫َو َلي ٍ‬
‫ان عَ اقِ ب َُة‬‫ْف َك َ‬ ‫ظ ُروا َكي َ‬ ‫سن َ ٌن َف ِسريُوا فيِ الأْ َ ْر ِض َفان ُ‬ ‫ت ِمن َقبْ ِل ُك ْم ُ‬ ‫خ َل ْ‬ ‫و«ق ْد َ‬‫َ‬
‫ني‪َ ،‬ولاَ تَ ِهنُوا َولاَ تَحْ َزنُوا‬ ‫ظ ٌة ِّل ْل ُمتَّقِ َ‬
‫اس و َُهدًى وَمَ وْعِ َ‬ ‫ني‪َٰ ،‬ه َذا بَيَا ٌن ِّللن َّ ِ‬ ‫ا ْل ُم َك ِّذ ِب َ‬
‫س ا ْل َق ْو َم َق ْرحٌ‬‫ني‪ ،‬إِن يَمْ َس ْس ُك ْم َق ْرحٌ َف َق ْد مَ َّ‬ ‫ْن إِن ُكنتُم مُّ ْؤ ِم ِن َ‬ ‫وَأَنتُ ُم الأْ َعْ َلو َ‬
‫ِين آمَ نُوا َويَتَّخِ ذَ ِمن ُك ْم‬ ‫اس َو ِليَعْ َل َم ال َّل ُه ا َّلذ َ‬‫َاولُهَ ا بَينْ َ الن َّ ِ‬ ‫مِّ ثْلُ ُه َو ِت ْل َك الأْ َيَّا ُم نُد ِ‬
‫ني»‪ ]85[.‬وقال صلىّ ال ّله عليه وس ّلم «لن تزول‬
‫ظال ِِم َ‬ ‫ُ‬
‫شهَ دَا َء وَال َّل ُه لاَ يُحِ بُّ ال َّ‬
‫قدما ابن آدم حتى يسأل عن أربع‪ ،‬عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما‬
‫أباله وعن علمه فيما عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه»[‪]86‬‬

‫[‪ ]80‬لويس أرغون ‪ ،‬مجنون إلسا ‪ ،‬ص ‪187‬‬


‫[‪ ]81‬القرآن الكريم سورة النبأ اآليتان ‪ 10‬و‪11‬‬
‫[‪ ]82‬القرآن الكريم‪ ،‬سورة اإلرساء األية ‪12‬‬
‫[‪ ]83‬القرآن الكريم‪ ،‬الفجر من اآلية ‪ 1‬إىل اآلية ‪3‬‬
‫[‪ ]84‬القرآن الكريم‪ ،‬سورة العرص اآليتان ‪ 1‬و‪2‬‬
‫[‪ ]85‬القران الكريم‪ ،‬سورة آل عمران من اآلية ‪ 137‬إىل اآلية ‪140‬‬
‫[‪ ]86‬رواه الرتمذي يف كتاب القيامة‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪47‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫يتحس أهل الجنّة إال ّ عىل ساعة م ّرت بهم لم يذكروا ال ّله‬
‫رّ‬ ‫وقال «ليس‬
‫فيها»[‪ ]87‬وقال «إذا أتى عيل ّ يوم لم أزدد فيه علما ً ولم أزدد فيه هدى‬
‫فال بورك يل يف طلوع شمس ذلك اليوم»[‪ ]88‬وقال ناصحا ابن عمر «إذا‬
‫أمسيت فال تنتظر الصباح وإذا أصبحت فال تنتظر املساء وخذ من صحتك‬
‫ملرضك ومن حياتك ملوتك»[‪ ]89‬وقال أيضا «إن يف الليل لساعة ال يوافقها‬
‫رجل مسلم يسأل ال ّله خريا من أمر الدّنيا واآلخرة إال أعطاه إيّاه وذلك ك ّل‬
‫طا َع أ َ ْن‬ ‫الساعَ ُة َوفيِ يَ ِد أَحَ ِد ُك ْم َف ِسي َل ٌة‪َ ،‬ف ِإ ِن ْ‬
‫استَ َ‬ ‫ليلة»[‪ ]90‬وقال «إ ِ ْن َقامَ ِت َّ‬
‫َان ن َ ْف َس ُه وَعَ ِم َل‬
‫ِّس مَ ْن د َ‬ ‫سهَ ا»[‪ ]91‬وقال «ا ْل َكي ُ‬ ‫لاَ تَ ُقو َم حَ تَّى ي َْغ ِر َ‬
‫سهَ ا َف ْلي َْغ ِر ْ‬
‫َاها َوتَمنَّى عَ لىَ الله» [‪]92‬‬ ‫اج ُز مَ ْن أَتْبَ َع ن َ ْف َس ُه َهو َ‬ ‫لِمَ ا بَعْ َد ا َملو ِْت‪ ،‬وَالعَ ِ‬

‫[‪ ]87‬رواه الرتمذي يف كتاب الزهد و البيهقي والطرباني عن معاذ‬


‫[‪ ]88‬املعجم األوسط للطرباني ‪ ،‬أمايل أبي سعيد البرصوي‬
‫[‪ ]89‬رواه الشيخان‬
‫[‪ ]90‬رواه مسلم‬
‫[‪ ]91‬روى أحمد (‪ ، )12902‬والبخاري يف «األدب املفرد» (‪ ، )479‬وعبد بن حميد يف «مسنده»‬
‫(‪ ، )1216‬والبزار يف «مسنده» (‪ )7408‬عَ ْن أَن َ ِس ب ِْن مَ الِكٍ‬
‫[‪ ]92‬رواه اإلمام أحمد والرتمذي عَ ْن أ َ ِبي يَعْ لىَ َشدَّادِ ب ِْن أَو ٍْس‬

‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 48‬اإلصالح‬
‫(ب) دالالت وترميزات‬

‫من مجموع هذه املادة األصولية – وهي جانب من جوانب النّص‬


‫اإلسالمي املتعلق بالزمن نتبني ‪:‬‬

‫تبني القرآن لفكرة ال ّزمن والتّاريخ وتمديده ملن جحده واستهجنه‪ .‬كما‬
‫نالحظ حضور فكرة ال ّزمن يف الخطاب النّبوي بدرجة أوىل ثم وضوح هذه‬
‫الفكرة يف مستويات متعدّدة تلتقي وتفرتق لتش ّكل يف النّهاية ظاهرة ك ّلية‬
‫الصالة ومقادير ال ّزكاة وحساب األه ّلة وأحكام األداء‬
‫متكاملة « فموا قيت ّ‬
‫والقضاء والحول والفوات وك ّل الضوابط دليل عىل تنظيم ّ‬
‫الشخصية أو‬
‫وضعها ضمن مناخ التنظيم و إدراك األشياء ومدى أهمّ ية آدائها يف وقتها‬
‫أن عامل الوقت جزء هام من العمليّة الحضاريّة إىل جانب التّعرف‬ ‫وكيف ّ‬
‫السنن وحسن التّرصف بال ّ‬
‫طاقات» [‪]93‬‬ ‫عىل ّ‬
‫فال ّزمن جزء هام من ّ‬
‫الشخصيّة وهو معلم من معاملها ومن هنا تأتي‬
‫والصعبة التي تعني تحوّل وتحويل ال ّزمن‪ -‬كفكرة مج ّردة‬
‫ّ‬ ‫املعادلة ال ّراقية‬
‫وقيمة مطلقة وفضاء محايد – إىل معطى إنساني واقعي أي ّ‬
‫أن ال ّزمن يف‬

‫[‪ ]93‬د‪ .‬عمر عبيد حسنا معدن إعادة تشكيل العقل املسلم ص ‪17‬‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪49‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫الخطاب اإلسالمي والتّصور القرآني يعني الحضور والفعل وهو يعادل‬
‫اإلبداع والجهاد والتّطور‪ .‬وذالك هو التّحول التّصوري والنقلة التي ش ّكلت‬
‫قطيعة مفاهميّة هامّ ة مع ما كان سائدا‪ ،‬والتي تش ّكل وش ّكلت معادلة‬
‫بل تحدّيا صعبا‪.‬‬

‫ومن هنا أو لذلك أن يصبح «الزمن ‪ -‬الفعل» محدّدا لوجود اإلنسان أو‬
‫عدمه‪ ،‬الرتفاعه أو هبوطه‪ ،‬لرقيه أو تراجعه لحضارته أو بداوته «فتقدّم‬
‫الشعوب مرهون باكتشاف شعورها التّاريخي‪ ،‬فهو الذي يضعها يف‬ ‫ّ‬
‫فالشعور التّاريخي هو رشط‬ ‫ّ‬ ‫ال ّزمان ويجعلها تحدّد دورها يف التّاريخ‪...‬‬
‫الوعي التّاريخي» [‪ ]94‬والخطاب اإلسالمي يحوّل الزمن من التقدير الكمّ ي‬
‫ّ‬
‫والسنة ) إىل التقدير‬ ‫الضيق –( تقدير حياتي وحدة الحساب فيه اليوم‬
‫النّوعي(وحدة الحساب فيه الفعل واإلنجاز واإلنتاج)‬

‫سئل أبو بكر «أأنت أكرب أم ال ّرسول صلىّ ال ّله عليه وس ّلم‪ ،‬فأجاب ولدت‬
‫قبله ولكنه أكرب مني» [‪ ]95‬ولنئ تضمنت اإلجابة جانبا أخلقيا أدبيّا مع‬
‫الرسول صلىّ ال ّله عليه وس ّلم فقد عبرّ ت عن وعي وحامل مفاهيمي‬
‫السنني واأليام وإنّما بوحدة الفعل والجهاد‬
‫يرفض أن يقيس نفسه بوحدة ّ‬
‫والعطاء‪« .‬فالعمر الحقيقي لك ّل إنسان هو تاريخه‪ ،‬وليس عمره الحقيقي‬
‫أي سنوات حياته‪ ،‬والعمر املكتوب يف بطاقة الهويّة لفرد ما هو املدّة‬
‫التي يصنعه التاريخ فيها‪ ،‬الفرتة التي يودعه فيها التّاريخ تراثه ومواده‬

‫[‪ ]94‬د حسن حنفي دراسات إسالمية ص ‪317‬‬


‫[‪ ]95‬إبن هشام ‪ ،‬سرية النبي صـىل الله عليه وسلم ‪267‬‬

‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 50‬اإلصالح‬
‫ّ‬
‫فالشخصيّة اإلنسانيّة لك ّل فرد هي مجموعة‬ ‫وخصائصه … ومن هنا‬
‫الخصائص التي استمدّها من تاريخه‪ ،‬فليس اإلنسان شجرة بدأت من‬
‫يوم أن ولدت‪ ،‬بل هو شجرة مدّت جذورها يف أعماق تاريخها تتغ ّذى منه‬
‫دائما وحتى لحضة املوت» [‪ ]96‬والزمان اإلنساني مرتبط دائما بنوعية هذا‬
‫الفعل (تفكري ساعة خري من عبادة ستّني سنة ) ومن هنا تلوح شيخوخة‬
‫اإلنسان الذي شاخ دون إنجاز من املنظور اإلسالمي طفولة العبة بالرتاب‬
‫الشباب يف ّ‬
‫الشاب الذي نشأ يف طاعة ال ّله إمتالكا ألعمار‬ ‫بينما تلوّ ح طاقة ّ‬
‫كثرية وليس ملجرد عمر فتى‪ ،‬وهذا هو املردود الطبيعي لألسئلة املسلمة‬
‫التي تتواتر عىل إنسانها امللتزم‪ :‬عمره فيما أفناه؟ شبابه فيما أنفقه؟‬
‫حياته فيما سدّدها؟ صحته فيما وظفها ؟ فاإلسالم يبني تقييمه النهائي‬
‫لل ّزمان من خالل وعي اإلنسان به وحركته فيه» [‪]97‬‬

‫لذلك اعترب القرآن ّ‬


‫الشيخوخة وهي تمثّل الع ّد التّنازيل للوجود اآلني‬
‫لإلنسان أرذل العمر‪ ،‬أو زمن ال ّرذالة ألنّها تكشف عن العجز والالّفعل‬
‫ّ‬
‫والشلل‬ ‫الشيخوخة الحضاريّة‬ ‫والعدميّة‪ ،‬فزمن ال ّرذالة قرآنيا هو زمن ّ‬
‫املجتمعي لذالك يحرص ال ّرسول صـلىّ ال ّله عليه وس ّلم عىل النصح بالعمل‬
‫حتّى إذا قامت ّ‬
‫الساعة فليغرس فسيلته‪ « .‬فالدّور الحضاري لإلنسان‬
‫املسلم يقوم عىل العمل واإلبداع املتواصلني منذ لحظة الوعي األوىل وحتى‬
‫ساعة الحساب‪ ...‬والحياة اإلسالمية إنّما هي فعل إبداعي مستمر» [‪]98‬‬

‫[‪ ]96‬د‪.‬عيل رشيعتي ‪ ،‬العودة إىل الذات ص ‪115‬‬


‫[‪ ]97‬د‪ .‬محمد أحمد العزبي شخصية الزمان واملكان إسالميا ‪ ،‬مجلة االمة عدد ‪48‬‬
‫[‪ ]98‬د عماد الدين خليل ‪ ،‬إعادة تشكيل العقل املسلم ص ‪. 144‬‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪51‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫(ج) مقولة واطروحة املوت ضمن معادلة الزمن ‪:‬‬
‫«القرآن زاخر باألحداث التّاريخيّة املتّصلة منذ آدم حتّى محمد ومن‬
‫محمد حتّى اليوم اآلخر الذي هو ليس يوما أخريا‪ ،‬بل سوف تستمر الحياة‬
‫بعده يف الجنّة أوالنّار وقد ال نستشعر تطورا و لكننا عىل األقل نستشعر‬
‫استمرارا واتصاال» [‪ ]99‬قال تعاىل « يَا أَيُّهَ ا ا َّلذ َ‬
‫ِين آمَ نُوا اتَّ ُقوا ال َّل َه حَ َّق تُ َقات ِِه‬
‫َولاَ تَمُوتُ َّن إِلاَّ وَأَنتُم مُّ ْس ِلم َ‬
‫ُون» [‪]100‬‬

‫يؤسس اإلسالم يف إنسانه روح املساواة بينه وبني ال ّزمن‪،‬حتّى يكون هذا‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫بحس املخاطرة و الكشف ومزيد اإلضافات‪ ،‬فالقرآن ال‬ ‫ال ّزمن إطارا مليئا‬
‫ّ‬
‫وبأن خروجه‬ ‫يفتأ يذكر إنسانه املسلم ّ‬
‫بأن املوت أقرب إليه من حبل الوريد‬
‫من داره قد ال يعطي حتميّة ال ّرجوع وبأنّه محارص بتخوم جهله الغليظ‬
‫يف قضايا «متى وأين وكيف املوت؟؟»ومن هنا يشعل اإلسالم يف اإلنسان‬
‫جدوة اإلحساس بقيمة ال ّزمن أي بقيمة الحياة‪« .‬فيربز املوت قيمة إيجابية‬
‫فاعلة يف تاريخ البرشية‪ ،‬وتح ّد خطري يضع اإلنسان دائما يف مواقع التوتر‬
‫وال ّرد والفعل واإلبداع» [‪]101‬‬

‫[‪ ]99‬محمود أمني العالم‪ ،‬دراسات يف اإلسالم ص ‪. 109/108‬‬


‫[‪ ]100‬القرآن الكريم ‪ -‬سورة آل عمران اآلية ‪.102‬‬
‫[‪ ]101‬د‪.‬عماد الدين خليل ‪ ،‬التفسري اإلسالمي للتاريخ ‪،‬ص‪136‬‬

‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 52‬اإلصالح‬
‫وهنا تقوم معادلة تنهض عىل جناحني متوازيني بني جناح اإلحساس‬
‫القلق بتغ ّلب ال ّزمن وترسبه لحظة بعد لحظة‪ ،‬بال إمكانية للعودة عىل‬
‫ُّ‬
‫ينشق فجره إال‬ ‫االطالق‪ .‬قال (الحسن البرصي رحمه الله) «ما من يوم‬
‫خلق جديد‪ ،‬وعىل عملك شهيد‪ ،‬فتزوّد منِّي فإني إذا‬
‫ويُنادي‪ :‬يا ابن آدم أنا ٌ‬
‫إىل يوم القيامة» [‪]102‬‬ ‫ُ‬
‫مضيت ال أعود‬

‫وجناح اإلحساس املطم ّ‬


‫نئ واملسؤول كذلك برضورة امتالك بطاقة‬
‫للدخول يف ال ّزمن الخالد املقبل من خالل تحقيق وجوديّ مرشوط بطاعة‬
‫خالق هذا الزمن وكل األزمان‪.‬‬

‫يف الوضعية األوىل يستنفر اإلسالم طاقات اإلنسان جميعها ويوجّ هها‬
‫ملإل ال ّزمن التّاريخي برتاكمات الفعل حتّى ال نفاجأ باالستيالب الذي ال‬
‫ستَا‬ ‫نسلك معه أيّة إضافة من أي لون‪ .‬قال تعاىل « أَن تَ ُقو َل ن َ ْف ٌ‬
‫س يَا حَ رْ َ‬
‫الساخِ ِر َ‬
‫ين» [‪ ]103‬فال ّزمن يف‬ ‫نب ال َّل ِه َوإِن ُك ُ‬
‫نت َل ِم َن َّ‬ ‫عَ لىَ ٰ مَ ا َف َّر ُ‬
‫طت فيِ جَ ِ‬
‫تصوّر اإلنسان املسلم ثروة ينبغي أن تُستغ ّل‪ ،‬وعمرا يجب أن يُمأل‪ ،‬وتاريخا‬
‫يتحتم أن يحوي إبداعات اإلنسان وإنجازاته‪.‬‬

‫ويف الوضعية الثانية يستنفر اإلسالم طاقات اإلنسان جميعها ويوجّ هها‬
‫يف اتجاه انتخاب نوعية من الفعل «إال ّ وانتم مسلمون» الذي ّ‬
‫يؤهل املرء‬
‫للمواطنة الدّائمة يف ممالك الخلود «فاملوت ال يجيء بمثابة نقمة أو عقاب‬
‫ينزل عىل رؤوس النّاس‪ ،‬إنّما هو واحد من تحديات كثرية يف عالم اإلنسان‬

‫[‪ ]102‬مقولة للحسن البرصي‬


‫[‪ ]103‬القرآن الكريم ‪ -‬سورة الزمر اآلية ‪.56‬‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪53‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫طموح األبدي للتعاب والتفوق‬ ‫من أجل أن تبعث فيه التوتّر الدّائم وال ّ‬
‫واإلنتصار‪ ،‬وتمنعه من أن يسلم نفسه للكسل والترّ اخي واالتّكالية» [‪]104‬‬

‫ويستحيل ال ّزمن التّاريخي من خالل هذين املحورين «الخوف والرجاء»‬


‫إىل زمن مليئ برتاكمات الفعل من جهة وبانتخاب نوعيّة فعليّة فاضلة من‬
‫ّ‬
‫ويحس اإلنسان بحتميّة الجدوى بأصالة الوجود يف املوجود‬ ‫جهة أخرى‬
‫واملأمول بال تفريق‪ ،‬هكذا يكون املوت إيجابيّا يف إشكالية الزمن اإلسالمي‬
‫وإن اإلنسان يموت كما عاش‪«.‬فالكثري يموتون يف ّ‬
‫سن‬ ‫ألن الفعل وراءه‪ّ ،‬‬
‫متأخرة ‪ ،‬والبعض يموتون باكرا ‪ ،‬لكن الذي ال يعيش يف الوقت املناسب ال‬
‫يموت أيضا يف الوقت املناسب‪».‬‬

‫‪«Beacoup meurent trop tard, et quelques uns trop tôt, mais‬‬


‫‪qui n’a pas vécu au bon mement ne meurt pas, non plus, au bon‬‬
‫]‪moment »[105‬‬

‫[‪ ]104‬د‪.‬عماد الدين خليل ‪ ،‬التفسري اإلسالمي للتاريخ ‪،‬ص‪135 - 134‬‬


‫[‪Frédrich nietzche, ainsi parlait zaratheristra ]105‬‬

‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 54‬اإلصالح‬
‫(د) ملاذات و إجابات‬
‫إذا كانت معالجتنا السابقة قد تميّزت بنمط نظري تجريدي مفاهيمي‪،‬‬
‫فإن جدل الفكر و الفعل يحتّم استتباع هذه املعالجة بتناول ينحو منحى‬
‫ّ‬
‫عمليّا واقعيّا وهو املراد بعنوان جدل اإلنسان والتّاريخ استفهامات‬
‫وإجابات‪.‬‬

‫* االستفهام األول‪:‬‬

‫ملاذا تكون منزلة ّ‬


‫الشهيد أعىل املنازل دنيا وآخرة رغم صغر سنّه يف‬
‫اإلسالم عند البعض‪.‬‬

‫* اإلجابة‪:‬‬

‫الشهيد هو ال ّرمز الراقي لتحوّل «ال ّزمن»اىل «فعل»‪ّ ،‬‬


‫الشهيد هو الذي‬ ‫إن ّ‬‫ّ‬
‫أدرك ّ‬
‫أن ال وجود وال هويّة و ال«أنا»خارج «الزمن‪---‬الفعل»‬

‫* االستفهام الثاني‪:‬‬

‫ملاذا استطاع الجيل اإلسالمي األول بناء مرشوعه ومده طوال وعرضا يف‬
‫ط زمني متواضع ؟‬ ‫خ ّ‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪55‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫* اإلجابة‪:‬‬

‫إنه جيل زمن اإلحسان الذي يعبد ال ّله كأنّه يراه‪ ،‬جيل املحاسبة اليومية‬
‫«إن النّاس يف األع ّم يمشون إىل أهدافهم أو يهرولون إليها ولكنّنا‬
‫للذات‪ّ .‬‬
‫هنا نجد أناسا يركضون‪ ،‬لقد بعث اإلسالم أجياال من العدّائني الذين‬
‫عرفوا كيف يح ّ‬
‫طمون األرقام القياسيّة وهم يجتازون املوانع واملتاريس‬
‫ويقطعون املسافات الطوال‪ ،‬إن القران الكريم نفسه يصفهم بأنّهم‬
‫يسارعون يف الخريات وأنّهم لها سابقون» [‪]106‬‬

‫* االستفهام الثالث‪:‬‬

‫ّ‬
‫وتأخر األنا ؟‬ ‫ّ‬
‫وتأخر املسلمون ؟ ملاذا تقدّم اآلخر‬ ‫ملاذا تقدّم الغرب‬

‫* اإلجابة‪:‬‬

‫لقد تقدّم «اآلخر» ألنّه تعامل مع ال ّزمن ويتعامل معه كلحظات بني‬
‫ال ّلحظة وال ّلحظة مساهمات وإضافات وايداعات حضارية‪ ،‬فوحدة‬
‫رّ‬
‫والسعة‪ ،‬وتخلف «األنا»‬ ‫ّ‬
‫الضبط‬ ‫الحساب عندهم ال ّلحظة ‪ ،‬وهي دليل‬
‫ألنّه تعامل مع ال ّزمن كعدو‪ ،‬فوحدة الحساب عندنا هي ّ‬
‫الساعة واليوم‪،‬‬
‫واعترب ال ّزمن عدوّا ثقيال وبالتّايل نجد حاالت اإلغرتاب عنه وحاالت القلق‬
‫والضياع والعبثيّة ‪.‬‬

‫[‪ ]106‬د ‪.‬عماد خليل ‪ ،‬حول اعمادة تشكيل العقل املسلم ‪ ،‬ص ‪30‬‬

‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 56‬اإلصالح‬
‫* االستفهام الرابع‪:‬‬

‫ملاذا استطاع املرشوع الياباني أن يتزامن ويتجاوز املرشوع األمريكي‬


‫واألوروبي؟‬

‫* اإلجابة‪:‬‬

‫ألن شعب اليابان آمن بال ّزمن وبقدرته عىل تحويله‪ ،‬فكان االلتحام‬
‫وكانت اليابان املعجزة ولع ّل ظاهرة اإلرضاب عند اليابانيني لدليل عىل ذلك‪.‬‬

‫* االستفهام الخامس‪:‬‬

‫ملاذا تطفو عىل سطح األحداث هذه العبارات «الزمن اإلرسائييل»‪« ،‬الزمن‬
‫األمريكي»‪« ،‬الزمن اإلمربيايل» ‪....‬؟‬

‫* اإلجابة‪:‬‬

‫شقي مجروح‪ ،‬تحوّل التاريخ وال ّزمن يف‬


‫ّ‬ ‫ألنّها عبارات تعبرّ عن وعي‬
‫لحظته إىل ملكيّة مالك هو إرسائيل تارة وأمريكا تارة أخرى‪ ...‬باملقابل‬
‫‪ -‬وهنا وجه الشقاء يف الوعي‪ -‬ترد كلمات «ال ّزمن امليّت» و«زمن اإلهرتاء‬
‫العربي»و«زمن العجز املجتمعي»‪»....‬فأن يقوى عليك عدوك ويرديك أرضا‬
‫فهذا أمر اعتادت عليه األمّ ة واعتاد عليه مجاهدوها األبرار‪ ...‬لكن أن ترتمي‬
‫أرضا وتجثو ركبتيك أمام عدّوك وتقبّل يديه فهذا يعني اإلهانة والخزي‬
‫والعار‪ ،‬ألنّه يعني ّ‬
‫أن األمّ ة تطعن يف رشفها‪ ،‬و ربّما كان هذا ّ‬
‫السبب وراء‬
‫الذين يسمّ ون املرحلة ال ّراهنة بعرص االنحطاط العربي أو ال ّزمن األمريكي‬
‫اإلرسائييل‪ ،،،‬وما شتم ال ّزمان إال ّ فورة أعصاب أو بديل عن مواجهة‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪57‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫النّفس»‪« ]107[ .‬فال ّزمن ليس إال ّ إطارا لفاعليّة اإلنسان‪ ،‬و الفاعليّة الفاعلة‬
‫تتوقف عىل قدرة العقل ال عىل فوران العاطفة‪ ،‬ليس ال ّزمن‬ ‫ّ‬ ‫ال املنفعلة‪،‬‬
‫مسؤوال عن يشء‪ ،‬وإنّما املسؤول هو اإلنسان الذي يحيا الزمن‪ ،‬هو الذي‬
‫يرتّب ويقود الحياة يف ال ّزمن» [‪]108‬‬

‫* االستفهام السادس‪:‬‬

‫ملاذا يكتب التّاريخ أسماء و تهمل سلته أسماء؟‬

‫* اإلجابة‪:‬‬

‫ألّن املنطق التّاريخي ّ‬


‫الصحيح‪-‬ال منطقه األسطوري املزيف – يميّز‬
‫ويق ّرر الهوّة والفرق بني املبدع و املفلس‪ ،‬بني من ولد ليعيش اهتمامات‬
‫من الدرجة العارشة وبني من ولد ليعانق املعاناة والجهاد‪.‬‬

‫خالصة القول من وراء هذه األسئلة هي إرادتنا يف التّدليل عىل االعتبار‬


‫بسنن التّاريخ قرآنيّا من طريق غري مبارش‪.‬‬

‫[‪ ]107‬منري شفيق ‪ ،‬اإلسالم وتحديات االنحطاط املعارص ‪ ،‬ص‪21/18‬‬


‫[‪ ]108‬د‪ .‬محمد عابد الجابري ‪ ،‬الخطاب العربي املعارص‪،‬‬

‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 58‬اإلصالح‬
‫‪-V-‬‬
‫الحس و الوعي الكوني و الجمالي‪:‬‬
‫جدل اإلنسان و الطبيعة‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪59‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫إن اإلنسان كما ت ّم بيانه هو صانع التّاريخ بحسب مثله األعىل الذي‬
‫طبيعة يف ساحة الفعل التّاريخي ؟‬
‫اختاره‪ ،‬ولكن ما هو موقع ال ّ‬

‫طبيعة يف التّصور اإلسالمي كطرف يف الفعل التّاريخي من‬


‫تحرض ال ّ‬
‫حيث هي نوامس وسنن « فالطبيعة يف القران منتظمة‪ ،‬متزمّ نة بحسب‬
‫نواميس محدّدة لحركتها وصريورتها برغم ّ‬
‫أن هذا الناموس قد وضعه‬
‫الله»[‪]109‬‬

‫السنن كلمات ال ّله الثّابتة‪،‬‬


‫و إذا كان املنظور القرآني قد اعترب تلك ّ‬
‫وإرادته يف الحياة‪ ،‬فهذا يجنّب املسلم حالة العداء واالستقطاب والحسم‬
‫واالغرتاب‪ ،‬ويدفعه للتّبني وااللتحام‪ ،‬ومن هنا يزول اإلشكال املتع ّلق‬
‫س ّخرت‬ ‫بثنائيّة الصرّ اع والوحدة يف الفعل التّاريخي «فما دامت قوى العالم ُ‬
‫ملهمتنا األرضية تسخريا‪ّ ،‬‬
‫فإن عالقتنا بها ليست أبدا عالقة رصاع وتنافس‬
‫واقتتال‪...‬وإنما هي محالة الكشف والتنقيب واالندماج للوصول إىل أكرب‬
‫قدر ممكن من التّفاهم بني النّاس وبني العالم بعد الكشف عن سننه‬
‫ونواميسه ال ّ‬
‫طبيعية»[‪]110‬‬

‫ص‪109‬‬ ‫[‪ ]109‬محمود أمني العالم‪ ,‬دراسات يف اإلسالم‪ ,‬‬


‫[‪ ]110‬د‪ .‬عماد الدين خليل‪ ,‬حول إعادة تشكيل العقل املسلم‪ ,‬ص ‪128‬‬

‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 60‬اإلصالح‬
‫فاملسلم يصارع غموض القوانني وال يصارع وجودها‪ ،‬وهو يستهدف‬
‫الكشف عن العلو اإللهي يف التّاريخ وال ّ‬
‫طبيعة من خالل استيعابه لشبكة‬
‫القوانني‪ ،‬واالندماج معها‪ ،‬فحركة املسلم تأخذ شكال أماميّا متّجها نحو‬
‫املزيد من التوحّ د واالنسجام «فغاية الحضارة البديلة هي أن ّ‬
‫تحقق بالوعي‬
‫اندماج اإلنسان يف رحمه الكوني ضمن املنهجيّة اإللهية‪...‬فكل صغة‬
‫يتّخذها اإلنسان يف سلوكه الحضاري بما يخالف الحقيقة الكونيّة يعتربها‬
‫الله باطال ليس جديرا بالبقاء»[‪]111‬‬

‫إن مقولة الرصاع يف خدمة عقيدة التّوحيد‪ ،‬والوحدة ال نقيض لها‪.‬‬


‫«فالرصاع يف أول لحظة‪ ،‬ذلك هو جوهر الحياة البرشيّة و تميّزها عن سائر‬
‫الحيوان األدنى و األرقى»[‪ ]112‬و لكن أيّ رصاع هذا الذي يطرحه القرآن؟‬
‫وما هي مساحاته و أبعاده؟‬

‫«إن القرآن الكريم بتأكيده العميق عىل دور الصرّ اع يف تاريخ البرشيّة يف‬
‫الصاعدة أو ال ّراجعة يم ّد مساحة هذا الصرّ اع إىل أبعد اآلفاق‪ ،‬فهو‬
‫حركاتها ّ‬
‫يخرج بها عن نطاق الصرّ اع أساسا وذلك عندما يجىء بمثابة استيجابة‬
‫داخلية مقرونة بعمل خارجي لنداء من فوق‪ّ ،‬‬
‫إن حوارا كهذا هو الذي‬
‫يح ّرك يف أحيان كثرية أحداث التاريخ عىل خ ّ‬
‫ط صاعد»[‪]113‬‬

‫هكذا يتحوّل الصرّ اع من صورته الرتاجيديّة املأسويّة والعنيفة الدّمويّة‬


‫إىل جدل حواري يف صورة ملحميّة بطوليّة أطرافه اإلنسان بعقله وإرادته‬

‫[‪ ]111‬د‪ .‬أبو القاسم حاج حمد‪ ،‬العاملية اإلسالمية الثانية‪ ,‬ص‪222‬‬
‫[‪ ]112‬د‪ .‬عماد الدين خليل‪ ,‬الرصاع و دوره يف الحركة الحضارية‪.‬‬
‫[‪ ]113‬د‪ .‬عماد الدين خليل‪ ,‬الرصاع و دوره يف الحركة الحضارية‪.‬‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪61‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫الحيّة‪ ،‬والطبيعة بميدانها الفاسح وأرضيتها ال ّرحبة‪ ،‬والوحي بندائه‬
‫العلوي الثّابت ‪.‬‬
‫فا ّلطرح اإلسالمي يتوجّ ه نحو تحويل ال ّ‬
‫طبيعة من كيان مضا ّد ‪،‬‬
‫معيق لحركة اإلبداع اإلنساني إىل كيان رافد لهذه الحركة‪ ،‬مقوّ لكمياتها‬
‫ورسعتها‪ .‬لذلك تميّز القرآن الكريم يف معالجته لهذه املسألة باستعماله‬
‫مصطلح «التسخري» إعالنا لسيادة اإلنسان ودفع له الكتشاف مكامن‬
‫س‬ ‫َس َّخ َر َل ُك ُم ال َّليْ َل وَالنَّهَ ا َر و َّ‬
‫َالشمْ َ‬ ‫القدرة عىل تطويعها‪ .‬قاىل تعاىل «و َ‬
‫ض » [‪]115‬‬ ‫وَا ْل َقمَ َرَ»[‪]114‬وقال أيضا « أ َ َل ْم تَ َر أ َ َّن ال َّل َه َ‬
‫س َّخ َر َل ُكم مَّ ا فيِ الأْ َ ْر ِ‬
‫ّ‬
‫والسيادة‬ ‫وتتواصل مثل هذه اآليات وتمت ّد لتالمس الوجه اآلخر للتّسخري‬
‫ض وَمَ ا‬ ‫َات َوالأْ َ ْر َ‬ ‫خ َل ْقنَا َّ‬
‫السمَ او ِ‬ ‫فتحدّد طبيعتها ونوعيتها‪ .‬قاىل تعاىل « وَمَ ا َ‬
‫بَيْنَهُ مَ ا إِلاَّ ِبا ْلحَ ِّق»[‪« .]116‬فاإلسالم يف تصوّره للعالقات بني اإلنسان والعالم‬
‫طا جديدا‪ ،‬خطا ّ يقوم عىل الوئام واالنسجام والتكامل والوفاق‬ ‫يرسم خ ّ‬
‫ّ‬
‫واملؤسسة‬ ‫طبيعة‪ ،‬بني الجماعة‬ ‫والتّجانس وااللتحام بني اإلنسان وال ّ‬
‫والعالم ‪ ...‬إنّه مادامت قوى العالم قد ّ‬
‫سخرت ملهمّ تنا األرضيّة تسخريا‪،‬‬
‫ّ‬
‫فإن عالقتنا بها ليست أبدا عالقة إقتتال»[‪]117‬‬

‫طبيعة بهذا املعنى تغدو قوّة مساعدة لعملية التّح ّرر‬


‫أن ال ّ‬
‫والخالصة ّ‬
‫الكربى ‪ ،‬ومن هنا نسجّ ل حضورها يف مسرية التّحرر االجتماعي واملعريف‬
‫الساحة التّاريخيّة ‪.‬‬
‫لإلنسان الكادح يف ّ‬

‫[‪ ]114‬القرآن الكريم ‪ ،‬سورة النحل ‪ ،‬األية ‪12‬‬


‫[‪ ]115‬القرآن الكريم ‪ ،‬سورة الحج ‪ ،‬األية ‪65‬‬
‫[‪ ]116‬القرآن الكريم ‪ ،‬سورة الحجر ‪ ،‬األية ‪85‬‬
‫[‪ ]117‬د‪ .‬عماد الدين الخليل ‪ ،‬حول إعادة تشكيل العقل املسلم ص ‪128‬‬

‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 62‬اإلصالح‬
‫‪- VI -‬‬
‫جدل املجتمع والطبيعة‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪63‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫إنتهى القول إىل التأكيد عىل موقف القرآن من اإلنسان كصانع للتّاريخ‬
‫ّ‬
‫والسنن «فأيّ عامل يلغي دور اإلنسان كصانع مصريه‬ ‫الزاخر بالقوانني‬
‫وتاريخه‪ ،‬لم يحقر اإلنسان وينزل به إىل مستوى النبات أوالحيوان‪ ،‬بل‬
‫سلب من اإلنسان املسؤوليّة وهي النتيجة املنطقية لإلرادة والح ّرية‪،‬‬
‫وهذه املسؤوليّة هي أعظم فضائل اإلنسان ووجه تميّزه عن كل الكائنات‪،‬‬
‫ويف هذه الحالة يكون قد سلب – طوعا أو كرها‪ -‬الحركة والتّعامل مع‬
‫املجتمع» [‪ ]118‬وث ّم بيان كون اإلنسان بقدر خضوعه للرضورة وبقدر‬
‫حصوله عىل الحرية فهو«إبن التّاريخ وأبوه» كما ت ّم بيان تأويل القرآن‬
‫طبيعة كمجهول ضمن إشكالية‬ ‫للعالقة بني اإلنسان كتط ّلع وغايات وال ّ‬
‫الصرّ اع والتّوحد «فينبغي أن ننظر إىل اإلنسان كإرادة ذات دخل وكعامل‬
‫يستطيع أن يغيرّ قدره التّاريخي باستعداده اإللهي‪ :‬العلم والخالفة ومن‬
‫هنا كان الوعي فحسب هو الذي يستطيع أن يغيرّ املصري ويغيرّ مسرية‬
‫التاريخ وفق هوى اإلنسان» [‪ ]119‬ومن هنا يطرح أشكال الجدل القائم‬
‫طبيعة والتّاريخ ‪.‬‬
‫بني محور اإلنسان وال ّ‬

‫[‪ ]118‬د‪.‬عيل رشيعتي ‪ ،‬العودة إىل الذات ص ‪102‬‬


‫[‪ ]119‬املصدر السابق‪.‬ص ‪104‬‬

‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 64‬اإلصالح‬
‫طبيعة واتسعت مساحة نفوذه‬‫إنّه ك ّلما تنامت قدرات اإلنسان عىل فهم ال ّ‬
‫توفرت امكانية اإلستغالل عىل خ ّ‬
‫ط عالقات اإلنسان بأخيه‬ ‫عليها‪ ،‬ك ّلما ّ‬
‫اإلنسان «فالقائد البطل الذي يصبح موضوع تاريخي هو يف الواقع تعبري‬
‫عن إرادة املجتمع والجماهري‪ ،‬وفشله ونجاحه ال يخضع فقط لعبقريته‬
‫وحدسه بل وأيضا لعالقته مع الجماهري واملجتمع ‪ ،‬فالبطل الذي يصنع‬
‫التّاريخ هو نتيجة لصنع التّاريخ واإلنسان» [‪ ]120‬لذالك تكثر األيات الدّالة‬
‫عىل عالقة اإلنسان باآلخر وتأثري ذلك يف فعلهم‪ ،‬قال تعاىل‪َ « :‬كلاَّ إ ِ َّن الإْ ِ َ‬
‫نس َ‬
‫ان‬
‫همَ َز ٍة ُّلمَ َزةٍ»[‪]122‬‬ ‫ط َغ ٰى أَن َّرآ ُه ْ‬
‫استَ ْغن َ ٰى » [‪ ]121‬وقال أيضا ‪َ « :‬ويْ ٌل ِّل ُك ِّل ُ‬ ‫َليَ ْ‬

‫إن املزيد من االستقطاب واملزيد من امتالك وسائل اإلنتاج تدفع نحو‬


‫املزيد من اإلمكانات اإلغرائية واالستغالل والظلم‪ ،‬ويأتي اإلنسان ليخرج‬
‫الظلم من حيّز القوّة إىل حيّز الفعل «فالفرق بني التفسري اإلسالمي وبني‬
‫املادّية التّاريخيّة هو أنها اعتقدت بأن اآللة هي التي تصنع االستغالل‬
‫وهي التي تصنع النّظام املتناسب لها‪ ،‬ولكنّنا نحن ال نرى دور اآللة هو‬
‫الصانع الذي يترصّ ف إجابا وسلبا ‪ ،‬أمانة وخيانة‪ ،‬صمودا وانهيارا‪،‬‬ ‫دور ّ‬
‫إنّما هو اإلنسان وفقا ملحتواه الدّاخيل ملثله األعىل ومدى التحامه به»[‪]123‬‬
‫ّ‬
‫والحق‬ ‫إنّه ك ّلما ّ‬
‫جسدت العالقات اإلجتماعيّة قيم العدل والخري والكرامة‬
‫طبيعة فكشف عن محتواها‬ ‫والتّضامن ك ّلما ازدهرت عالقة اإلنسان بال ّ‬

‫[‪ ]120‬فتحي الرتيكي ‪ ،‬العقل والنقد يف فلسفة التاريخ عند العرب ص ‪ 35‬ذ‬
‫[‪ ]121‬القرآن الكريم ‪ ،‬سورة العلق األيتان ‪ 6‬و‪7‬‬
‫[‪ ]122‬القرآن الكريم‪ ،‬سورة اللمزة األية ‪1‬‬
‫[‪. ]123‬محمد باقر الصدر‪ ،‬مقدمات يف التفسري املوضوع للقران ‪ ،‬ص‪172‬‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪65‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫وفسحت عن مجهولها وفق التعبري القرآني الوارد يف عديد اآليات ‪ .‬قال‬
‫مساء عدقا» [‪]124‬‬ ‫تعاىل « وألو استقاموا عىل الطريقة ال سقيناهم‬

‫طبيعة يف الفعل‬ ‫أن عالقة املجتمع بال ّ‬ ‫من خالل ما قدّمنا يتّضح ّ‬
‫التاريخي خاضعة هي األخرى لنواميس التّاريخ التي بيّناها يف بداية هذا‬
‫السنة يف املجتمع عىل قدر ما يحصل لهم النّتاج‪.‬‬
‫البحث‪.‬فعىل قدر ما تتّخذ ّ‬

‫ولعّ ه تجدر اإلشارة إىل رضورة أو حتمية املعايشة اليوميّة للسن‬


‫التاريخيّة حتى يتم ّكن أن يصل املجتمع‪ ،‬عىل غرار اإلنسان‪ ،‬إىل تحقيق‬
‫كلمة ال ّله يف األرض‪.‬‬

‫[‪ ]124‬القرآن الكريم ‪ ،‬سورة الجن ‪،‬اآلية ‪.16‬‬

‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 66‬اإلصالح‬
‫‪- VII -‬‬
‫هـل ينتفي الصراع يف الزمن‬
‫اإلسالمي‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪67‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫قال تعاىل «ولوال دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت األرض لكن‬
‫وقال أيضا « ولوال دفع الله الناس‬ ‫[‪]125‬‬ ‫الله ذو فضل عىل العاملني»‬
‫بعضهم ببعض لعدمت وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيا اسم الله» [‪]126‬‬

‫ّ‬
‫«فقصة قابيل‬ ‫فالصرّ اع جوهر الحياة البرشيّة وتميّزها من أوّل لحظة‬
‫وهابيل تمثّل مصدر فلسفتنا يف التّاريخ مثل ما كانت قصة آدم مصدر‬
‫فلسفة اإلنسان لدينا ‪...‬الرصاع الذي دار بني قابيل وهابيل هو رصاع‬
‫جبهتني متناقضني تموضعتا عىل امتداد التّاريخ يف شكل جدليّة تاريخيّة‪.‬‬
‫إن التّناقض بدأ‬
‫فالتّاريخ إذن مثل اإلنسان ينطوي عىل فاعليّة جدليّة‪ّ .‬‬
‫أن قابيل يمثّل العرص الذي ساد فيه النّمط‬
‫بقتل هابيل قابيل‪ ،‬إني أعتقد ّ‬
‫االقتصادي الرعوي الذي قامت عليه االشرتاكيّة البدائيّة ّ‬
‫السابقة للملكيّة‬
‫يف حني يمثّل قابيل النّمط الفالحي أو امللكيّة الفرديّة االحتكاريّة‪ ،‬وعىل‬
‫هذا األساس نشأ الصرّ اع واستم ّر متّخذا من التّاريخ مرسحا للصرّ اع بني‬
‫جبهة هابيل القاتل وجبهة قابيل املقبول أو بعبارة أخرى جبهة الحاكم‬
‫وجبهة املحكوم‪]127[ ».‬‬

‫[‪ ]125‬القرآن الكريم ‪ ،‬سورة البقرة ‪ ،‬اآلية ‪251‬‬


‫[‪ ]126‬القرآن الكريم ‪ ،‬سورة الحج ‪ ،‬األياتني ‪41-40 ،‬‬
‫[‪Dr.Shariati Ali On the Sociologie of Istlan .p.98 ]127‬‬

‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 68‬اإلصالح‬
‫ويظل هذا الصرّ اع كما يصوّره القرآن امتدادا وعمقا محور التاريخ وال‬
‫إمكانية للحركة خارج دائرة الصرّ اع والتّدافع والجهاد والتّحدي‪.‬‬

‫طبيعي يظ ّل الكون لغزا ك ّلما اتسع علمنا به وك ّلما‬ ‫فعىل املستوى ال ّ‬


‫طبيعة ألخذها قال‬ ‫اتسع جهلنا له ‪ ،‬ممّ ا يحتّم تواصل عملية التح ّرر بال ّ‬
‫تعاىل‪« :‬وَمَ ا أُوتِيتُم مِّ َ‬
‫ن ا ْلعِ ْل ِم إِلاَّ َق ِليلاً » [‪]128‬‬

‫وعىل املستوى اإلنساني االجتماعي واملعريف‪ ،‬فعمليّة التّحرر تتواصل بل‬


‫ألن ال ّله يمثّل مستقبل حركة املجتمع‪،‬‬
‫تتكثّف عند سيادة الفعل اإلسالمي‪ّ ،‬‬
‫أنذاك‪ ،‬ومثلها األعىل‪ ،‬لذا ق ّرر القرآن الكريم استمراريّة الحركة نحو ال ّله‬
‫قال تعاىل‪ « :‬يَا أَيُّهَ ا الإْ ِ َ‬
‫نسا ُن إِن َّ َك َكادِحٌ إِلىَ ٰ َربِّ َك َكدْحً ا َف ُملاَ قِ ِ‬
‫يه»[‪]129‬‬

‫لهذا ق ّرر النّبي صلىّ ال ّله عليه وس ّلم حتميّة الحركة الجهاديّة فقال‪:‬‬
‫«الجهاد ماض إىل يوم القيامة»[‪ ]130‬وهو املعنى الذي أراده أبو بكر بقوله‬
‫« والله لو لم تجاهدوا لس ّلط عليكم ال ّذل» [‪ «]131‬لقد بنى اإلسالم دولة‬
‫ولكنّه أبقى جذوة الثّورة متّقدة يف داخلها ومن حولها‪ ...‬فلم يتحوّل الثّوار‬
‫واملنترصون إىل ح ّكام يجنون ثمرات أتعابهم ّ‬
‫السابقة بل أمروا أن يستم ّروا‬
‫ثوّارا مجاهدين» [‪]132‬‬

‫[‪ ]128‬القرآن الكريم‪ ،‬سورة اإلرساء ‪ ،‬اآلية ‪85‬‬


‫[‪ ]129‬القرآن الكريم ‪ ،‬سورة االنشقاق ‪ ،‬اآلية ‪6‬‬
‫[‪ ]130‬أخرجه أبو داود يف «سننه» ويف «الجهاد ‪ -‬باب يف الغزو مع أئمة الجور» ص ‪ - 343‬ج ‪1‬‬
‫[‪ ]131‬إبن هشام ‪ ،‬سرية النبي صـلـى الله عليه وسلم ‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪129‬‬
‫[‪ ]132‬منري شفيق‪ ،‬اإلسالم يف معركة الحضارة‪ ،‬ص‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪69‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫ّ‬
‫إن نهوض العقل اإلسالمي وسيادة مرشوعه ال يكفي املؤمنني رشّ القتال‬
‫بل ّ‬
‫يوفر لحركة التّاريخ والتّحرر واالنعتاق والتّوحيد مجالها اإليجابي‬
‫والسانح للنّمو واالمتداد‪ « ،‬فلع ّلها من األمور التي تميّزت بها تجربة الثّورة‬
‫اإلسالميّة األوىل أنّها حني انترصت وانبثقت عنها دولة طلبت من الدّولة أن‬
‫تواصل الثّورة وهذا ما جعل الدّولة اإلسالميّة األوىل دولة ثورة وليست دولة‬
‫ما بعد الثورة‪ ،‬ممّ ا فرض عليها فيما بعد إحدى حالتني أساسيتني ‪ :‬إمّ ا‬
‫اإلندماج يف الثّورة اإلسالميّة وإمّ ا الخروج عليها» [‪.]133‬‬

‫إنّه ال حياة للمسلم خارج املعركة والثّورة والتّحرر ولكن يف دائرة التّوق‬
‫نحو األسمى وباصطحاب القرآن يف كل مراحل الرصاع «فالنسخ يف القرآن‬
‫يد ّل عىل وجود الوحي يف ال ّزمان وتغيرّ ه طبقا لألهلية والقدرة وتبعيته ملدى‬
‫ال ّرقي الفردي واالجتماعي يف التّاريخ‪ .‬الوحي ليس خارج ال ّزمان‪ ،‬ثابتا‬
‫ال يتغيرّ بل داخل ال ّزمان يتطوّر بتطوّره‪ ،‬ليس هدف الوحي هو مج ّرد‬
‫اإلعالن عنه كشعار بال مضمون أو تحقيقه دون وعي بال ّزمان فيفشل‪ ،‬بل‬
‫تطبيقه يف ال ّزمان بخاصة يف التّاريخ طبقا لقدرات الفرد والجماعة»[‪]134‬‬

‫هكذا يعرض الفعل التاريخي بسلطته التي تتقاسم مساحاته تكامال‬


‫أو تناقضا وهي سلطة القوانني االجتماعيّة وسلطة الطبيعة وسلطة‬
‫اإلنسان ‪.‬‬

‫[‪ ]133‬منري شفيق ‪ ،‬اإلسالم يف معركة الحضارة ‪،‬‬


‫[‪ ]134‬د ‪ .‬حسن حنفي ‪ ،‬دراسات إسالمية ‪ ،‬ص ‪59‬‬

‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 70‬اإلصالح‬
‫خاتمة‬

‫إن املقصد من طرح املسألة التّاريخية يف القرآن ‪ ،‬إشكالها ‪ ،‬خصائصها‬


‫ّ‬
‫عالقتها بالله‪ ،‬باإلنسان‪ ،‬هو التأكيد عىل أهمّ ية هذا الجانب من حيث‬
‫عالقته املبارشة بالفعل اإلسالمي التّغيريي والحضاري ضمن حركة‬
‫املجتمع والتّاريخ وكذلك من حيث عالقته املبارشة بصياغة األنا اإلسالمي‬
‫الفاعل‪.‬‬

‫فالوعي باملسألة التّاريخية هو تأسيس لتح ّركات وآليات ذهنيّة ونفسيّة‬


‫يجد املسلم نفسه بأمس الحاجة إىل امتالكها ‪.‬‬

‫ما دور اإلنسان يف عملية التّاريخية من زواية النظر القرآني ؟ ما هو‬


‫دور اإلنسان يف العمليّة االجتماعيّة ؟‬

‫طبيعة ضمن العالقة االجتماعيّة ؟ هل يطرح اإلسالم طرفا‬‫ماهو دور ال ّ‬


‫آخر يف العمليّة التّاريخيّة ؟ من هو ؟ ما موقعه من الفعل التّاريخي ؟‬

‫إدراك املح ّرك األسايس للعمليّة التّاريخيّة وإدراك عالقة األطراف املختلفة‬
‫الحارضة يف الفعل التّاريخي وكيفيّة تقاسم مساحته وإدراك نتائج هذا‬
‫الفهم يف مستوى الوعي واملمارسة التّاريخية‪ ،‬تلك هي إرادتنا من جملة‬
‫األسئلة التي طرحناها‪.‬‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪71‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫إن حركة التّاريخ متميّزة عن ك ّل الحركات األخرى إذ أنّها حركة غائيّة ال‬
‫سببيّة فقط‪ ،‬إن املستقبل بإعتبار الغاية تطلع إليه هو املحرك ألي نشاط‬
‫ّ‬
‫متجسد يف أطراف موجودة يف الذهن لها جانب‬ ‫تاريخي ‪ ....‬هذا املستقبل‬
‫فكري وجانب إرادي ‪ ...‬الجانب الفكري يض ّم تصوّرات الهدف‪ ،‬أمّ ا اإلرادي‬
‫ّ‬
‫تحفز اإلنسان نحو هذا الهدف ‪.‬‬ ‫فيمثل ال ّ‬
‫طاقة واإلرادة التي‬

‫إن فاعلية املستقبل تتمثّل يف التقاء الفكرة واإلرادة عىل محتوى داخيل‬
‫لإلنسان‪ ،‬هذا املحتوى الداخيل هو األساس لحركة التّاريخ‪ ،‬قال الله تعاىل‬
‫« إ ِ َّن ال َّل َه لاَ ي َُغيرِّ ُ مَ ا ِب َق ْو ٍم حَ تَّ ٰى ي َُغيرِّ ُوا مَ ا ِبأ َ ُ‬
‫نف ِ‬
‫س ِهمْ» [‪]135‬‬

‫ولكن ما هو األساس يف هذا املحتوى الدّاخيل نفسه؟ ما هي نقطة البدء‬


‫يف بناء هذا املستوى؟ وماهو املحور الذي يستقطب عمليّة بناء املحتوى ؟‬

‫إنه املثل األعىل‪ ،‬فاملستقبليّة كمميز أسايس نوعي لحركة اإلنسان‬


‫تتضمّ ن غايات يحدّدها املثل األعىل إذ هي منبثقة عن وجهة نظر رئيسيّة‬
‫إىل املثل األعىل لإلنسان يف حياته وللجماعة البرشيّة يف وجودها‪.‬‬

‫[‪ ]135‬القرآن الكريم‪ ،‬سورة الرعد‪ ،‬اآلية ‪11‬‬

‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 72‬اإلصالح‬
‫املصادر واملراجع‬
‫* كتب التفسري‬

‫(‪ )1‬القرآن الكريم‬

‫(‪ )2‬العالمة محمد الشيخ محمد الطار بن عاشور ‪ ،‬لتحرير والتنوير‬


‫طبعة ‪ ، 1984‬الدار التونسية للنرش ‪ ،‬تونس‬

‫(‪ )3‬أبو القاسم جار الله محمود مر الزمخريش ‪ ،‬الكشف ن حقائق التنزيل‬
‫وعيون األقاويل يف وجوه التأويل ‪ .‬طبعة بدون تاريخ ‪ ،‬الدار العاملية للنرش‬
‫‪ ،‬بيوت – لبنان ‪.‬‬

‫(‪ )4‬الشيخ األكرب محيي الدين بن عربي ‪ ،‬تفسري القرآن الكريم ‪ ،‬الطبعة‬
‫الثالثة ‪. 1981‬دار األندلس بريوت – لبنان‬

‫(‪ )5‬الشهيد سد قطب ‪ ،‬يف ظالال القرىن ‪ ،‬ط‪ .‬بدون تاريخ ‪ ،‬دار الرشوق ‪،‬‬
‫القارة – مرص‬

‫* املراجع العربية العامة‪:‬‬

‫(‪ )1‬فواد عبد الباقي‪ ،‬املعجم املفهرس أللفاظ القرآن‪.‬‬

‫(‪ )2‬عبد الرحمان بن خلودون‪ ،‬املقدمة ج ‪ ،2+1‬طبعة ‪ 1984‬الدار التونسية‬


‫للنرش‪ ،‬تونس‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪73‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫(‪ )3‬د‪ .‬محمد باقر الصدر‪ ،‬سنن التاريخ يف القرآن الطبعة األوىل ‪ 1402‬هـ‬
‫موسسة البعثة ‪ ،‬طهران – إيران‬

‫(‪ )4‬د‪ .‬محمد باقر الصدر‪ ،‬مقدمات يف التفسري ملوضوعي للقرآن الطبعة‬
‫الثالثة ‪ ، 1982‬دار التوحيد إلسالمي بريوت – لبنان‬

‫(‪ )5‬د ‪.‬عماد الدين خليل‪ ،‬حول إعادة تشكيل العقل املسلم ‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫‪ 1403‬هـ رئاسة الشؤون الدينية ‪ .‬بقطر‬

‫(‪ )6‬د ‪.‬عماد الدين خليل‪ ،‬التفسري اإلسالمي للتاريخ الطبعة الثالثة‪.‬يونيو‬
‫‪ ، 1981‬دار العلم للماليني ‪ ،‬بيوت – لبنان ‪.‬‬

‫(‪ )7‬د‪.‬عيل رشيعتي‪ ،‬العودة إىل الذات‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬يونيو ‪ ، 1981‬دار العلم‬
‫للماليني‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‬

‫(‪ )8‬د‪ .‬محمد عابد الجباري‪ ،‬الخطاب العربي املعارص الطبعة الثانية‬
‫أكتوبر ‪ ، 1985‬دار الطليعة بريوت – لبنان‬

‫(‪ )9‬د ‪.‬حسن حنفي‪ ،‬من العقيدة إىل الثورة (خمسة اجزاء)‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫‪ ، 1988‬دار التنوير ‪ ،‬بريوت – لبنان‬

‫ج ‪ :1‬املقدمات النظرية‬ ‫ ‬

‫ج ‪ :2‬اإلنسان الكامل (التوحيد)‬ ‫ ‬

‫ج‪ :3‬اإلنسان املتعني (العدل)‬ ‫ ‬

‫ج ‪ : 4‬التاريخ املتعني (اإليمان والعمل واألمامة)‬ ‫ ‬

‫ج ‪ :5‬التاريخ املتعني ( اإليمان والعمل واألمامة )‬ ‫ ‬

‫‪18‬‬ ‫كتاب‬

‫‪2017‬‬ ‫‪ 74‬اإلصالح‬
‫(‪ )10‬د‪ .‬حسن حنفي‪ ،‬دراسات إسالمية‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،1982‬دار التنوير‪،‬‬
‫بريوت – لبنان‬

‫(‪ )11‬األستاذ منري شفيق ‪ ،‬اإلسالم يف معركة الحضارة ‪ .‬الطبعة األوىل‬


‫‪ ،1983‬الرشكة الساحلية للنرش ‪ ،‬تونس‬

‫(‪ )12‬األستاذ منري شفيق‪ ،‬اإلسالم وتحديات االنحطاط املعارص‪ ،‬الطبعة‬


‫األوىل ‪1983‬‬

‫كتاب‬ ‫‪18‬‬
‫‪75‬‬ ‫‪ 2017‬اإلصالح‬
‫المؤ ّلف‬

‫لطفي البكوش ـ من مواليد ‪ 6‬جوان ‪ 1955‬بمدنني ( تونس )‪.‬‬

‫* إمام مسجد الرحمة بمدنية دنسالكن األملانية‪.‬‬

‫ّ‬
‫مؤسيس التجمع األوروبي لألئمة واملرشدين وعضو مجلس األمناء‪.‬‬ ‫* من‬

‫ّ‬
‫مؤسيس هيئة الدّعاة والعلماء بأملانيا‪.‬‬ ‫* من‬

‫* داعية وكاتب يف مواقع إلكرتونية كثرية من مثل ‪« :‬تونس نيوز» و «الحوار‪.‬نت»‬


‫و«اإلصالح» وغريها‪.‬‬

‫* عضو مجلس الشورى بحركة النهضة التونسية‪.‬‬

‫* نائب رئيس جمعية مرحمة اإلغاثية‪.‬‬

‫* متزوج وأب لستة من الولد وسبعة من الحفدة‪. .‬‬

‫لالتصال باملؤ ّلف عرب الربيد االلكرتوني‪:‬‬

‫‪brikhedi@yahoo.de‬‬

‫الكتاب الثامن عشر ‪ -‬مارس ‪2017‬‬ ‫‪ISBN:‬‬ ‫ر‪.‬د‪.‬م‪.‬ك‪:‬‬

You might also like