You are on page 1of 140

¦منتدى منيرة الملحم لخدمة‬


‫المجتمع‪ :‬ريادة األعمال‬
‫النسائية‪ :‬الواقع والتطلعات‪.‬‬
‫ ¦لطيفة السديري‪ :‬سيرة وحياة‪.‬‬
‫ ¦زياد السالم‪ :‬حصة األدب‬
‫والتاريخ‪.‬‬
‫ ¦البولوفونية والكرنفالية في‬
‫رواية «نزل الظالم»‪.‬‬
‫ ¦التشكيلي نصير السماره أمكنة‬
‫الماضي بصورة جديدة‪.‬‬
‫ ¦مخاطر ترجمة اآلداب‪.‬‬

‫أهالي الجوف يحتفلون بصاحب السمو الملكي األمير‬


‫بدر بن سلطان بن عبدالعزيز‬
‫ووصوله للمنطقة أمير ًا عليها‬

‫‪59‬‬
‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية‬
‫يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬

‫‪ 1-‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‬


‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة‬
‫اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬
‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬
‫مجاالت النشر‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة الجوف في أي مجال من المجاالت‪.‬‬
‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬
‫ج‪ -‬الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬
‫شروطه‪:‬‬
‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية‬
‫العلمية‪.‬‬
‫‪ -٢‬أن تُكتب المادة بلغة سليمة‪.‬‬
‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق‪.‬‬
‫‪ -٤‬أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬
‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة‬
‫للنشر‪.‬‬
‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية‬
‫فصيحة‪.‬‬
‫‪ -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬
‫‪ -‬الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور‪.‬‬
‫‪ -‬البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز‪ :‬تخضع لقواعد النشر في‬
‫تلك المجالت‪.‬‬
‫‪ -‬الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬تحتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬
‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات‬
‫منطقة الجوف‪ ،‬إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج)‬
‫فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬
‫‪ -٩‬يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره‪ ،‬إضافة إلى‬
‫مكافأة مالية مناسبة‪.‬‬
‫‪ -١٠‬تخضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬
‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬
‫يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف‪،‬‬
‫ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها وأفكارها‪.‬‬
‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬
‫‪ -١‬يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات‬
‫واملراكز البحثية والعلمية‪ ،‬كما يشمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مبؤسسات غير‬
‫أكادميية‪.‬‬
‫‪ -٢‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف‪.‬‬
‫‪ -٣‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬
‫‪ -٤‬أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬
‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث‪.‬‬
‫‪ -٦‬تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي‪.‬‬
‫‪ -٧‬للمركز حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل‪.‬‬
‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير‬
‫وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمركز‪.‬‬
‫‪ -٩‬يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية‪.‬‬
‫(ب) الشروط اخلاصة بالبحوث‪:‬‬
‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء يف الشروط العامة(البند «أ»)‪.‬‬
‫‪ -٢‬يشمل املقترح ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬توصيف مشروع البحث‪ ،‬ويشمل موضوع البحث وأهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪،‬‬
‫واملدة املطلوبة إلجناز العمل‪.‬‬
‫‪ -‬ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع‪ ،‬تشمل األجهزة واملستلزمات‬
‫املطلوبة‪ ،‬مصاريف السفر والتنقل والسكن واإلعاشة‪ ،‬املشاركني يف البحث من‬
‫طالب ومساعدين وفنيني‪ ،‬مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬
‫‪ -‬حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى‪.‬‬
‫(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬
‫إضافة لكل ما ورد يف الشروط اخلاصة بالبحوث(البند «بـ«) يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬
‫‪ -١‬أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬
‫‪ -٢‬أن يُق ّدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬

‫‪info@alsudairy.org.sa‬‬ ‫هاتف‪ 014 6245992 :‬فاكس‪014 6247780 :‬‬ ‫الجـوف ‪ 42421‬ص‪ .‬ب ‪ 458‬‬
‫هاتف‪ 016 4422497 :‬فاكس‪016 4421307 :‬‬ ‫الغ ـ ـ ــاط ‪ 11914‬ص‪.‬ب ‪ 63‬‬
‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬ ‫الرياض ‪ 11614‬ص‪ .‬ب ‪ 94781‬هاتف‪ 011 2015494 :‬فاكس‪011 2015498 :‬‬
‫مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري‬
‫رئيساً‬ ‫فيصل بن عبدالرحمن السديري ‬
‫عضواً‬ ‫سلطان بن عبدالرحمن السديري ‬
‫د‪ .‬زياد بن عبدالرحمن السديري العضو المنتدب‬
‫ملف ثقايف ربع سنوي يصدر عن‬
‫عضواً‬ ‫عبدالعزيز بن عبدالرحمن السديري ‬
‫عضواً‬ ‫د‪ .‬سلمان بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬
‫عضواً‬ ‫د‪ .‬عبدالرحمن بن صالح الشبيلي ‬
‫هيئة النشر ودعم األبحاث‬
‫عضواً‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬
‫رئيساً‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬
‫سلمان بن عبدالمحسن بن محمد السديري عضواً‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬خليل بن إبراهيم المعيقل ‬
‫طارق بن زياد بن عبدالرحمن السديري عضواً‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬ميجان بن حسين الرويلي ‬
‫سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السديري عضواً‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضواً‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضواً‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬علي دبكل العنزي ‬
‫عضواً‬ ‫محمد بن أحمد الراشد ‬
‫قواعد النشر‬ ‫أسرة التحرير‬

‫‬‪ -1‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬أصيلة‬ ‪.‭‬‬ ‫املشرف العام‬ ‫إبراهيم بن موسى احلميد‬
‫محرر ًا‬ ‫ ‬‫محمود الرمحي‬
‫‪ ‭‬-2‬لم‬ ‪‭‬يسبق‬ ‪‭‬نشرها‬ ‪‭‬ورقيا‬ً ‪‭‬أو‬ ‪‭‬رقميا‬ً‪‭.‬‬
‫محرر ًا‬ ‫ ‬ ‫محمد صوانة‬
‫‪ ‭‬-3‬تراعي‬ ‪‭‬اجلدية‬ ‪‭‬واملوضوعية‬‪‭.‬‬ ‫اإلخراج الفني ‪ :‬خالد الدعاس‬
‫‬‪ -4‭‬تخضع‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬للمراجعة‬ ‪‭‬والتحكيم‬ ‪‭‬قبل‬ ‪‭‬نشرها‬‪‭.‬‬ ‫هاتف‪)+966()14(6263455 :‬‬ ‫املراســــــالت‪ :‬‬
‫‬‪ -5‭‬ترتيب‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬يف‬ ‪‭‬العدد‬ ‪‭‬يخضع‬ ‪‭‬العتبارات‬ ‪‭‬فنية‬‪‭.‬‬ ‫فاكس‪)+966()14(6247780 :‬‬ ‫ ‬
‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬
‫‬‪ -6‭‬ترحب‬ ‪‭‬اجلوبة‬ ‪‭‬بإسهامات‬ ‪‭‬املبدعني‬ ‪‭‬والباحثني‪‭‬‬
‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬
‫‬والكتّاب‪‭ ‬،‬على‬ ‪‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬باللغة‬ ‪‭‬العربية‬‪‭.‬‬ ‫‪aljoubahmag@alsudairy.org.sa‬‬
‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬
‫‮«‬اجلوبة‬‪‭‬‮»‬ من‬‪‭‬األسماء‬‪‭‬التي‬‪‭‬كانت‬‪‭‬تُطلق‬‪‭‬على‬‪‭‬منطقة‬‪‭‬اجلوف‬‪‭‬سابقً‬ا‪‭.‬‬ ‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت ‪ -‬تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬
‫املقاالت املنشورة ال تعبر بالضرورة عن رأي املجلة والناشر‪.‬‬ ‫االشتراك السنوي لألفراد ‪ 50‬ريا ًال واملؤسسات ‪ 60‬ريا ًال‬

‫يُعنى بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط‪ ،‬ويقيم املناشط املنبرية الثفافية‪،‬‬
‫ويتبنّي برنامجاً للنشر ودعم األبحاث والدراسات‪ ،‬ويخدم الباحثني واملؤلفني‪ ،‬وتصدر عنه مجلة‬
‫(أدوماتو) املتخصصة بآثار الوطن العربي‪ ،‬ومجلة (اجلوبة) الثقافية‪ ،‬ويضم املركز ك ً‬
‫ال من‪( :‬دار‬
‫العلوم) مبدينة سكاكا‪ ،‬و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط‪ ،‬ويف كل منهما قسم للرجال وآخر‬
‫للنساء‪ .‬وتصرف على املركز مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‪.‬‬

‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪Alsudairy1385‬‬ ‫‪0553308853‬‬


‫الـمحتويــــات‬ ‫العدد ‪ - ٥٩‬ربيع ‪١٤٣٩‬هـ (‪٢٠١٨‬م)‬
‫االفتتاحية ‪ -‬إبراهيم بن موسى الحميد‪٤ ............................‬‬
‫تعيين أمير الجوف‪ :‬أهالي الجوف يحتفون بصاحب السمو الملكي‬
‫األمير بدر بن سلطان بن عبدالعزيز ووصوله للمنطقة أميراً عليها‪٦ ...‬‬
‫ملف العدد‪ :‬منتدى منيرة بنت محمد الملحم لخدمة المجتمع‪ ..‬ريادة‬
‫األعمال النسائية‪ :‬الواقع والتطلعات المستقبلية ‪١٤ ........................‬‬
‫سيرة وإنجاز‪ :‬ندوة لطيفة بنت عبدالرحمن السديري‪ :‬سيرة وحياة ‪٢٤ ...‬‬
‫محور خاص‪ :‬زياد السالم حصة األدب والتاريخ ‪ -‬شارك فيه كل من‪:‬‬
‫د‪ .‬هناء بنت علي البواب‪ ،‬راشد عيسى‪ ،‬عبداهلل السفر‪ ،‬محمد جميعان‪،‬‬
‫شاهر إبراهيم ذيب ‪٣٢ ......................................................‬‬
‫دراسات ونقد‪ :‬البولوفونية والكرنفالية في رواية «نزل الظالم» لماجد‬
‫الجارد ‪ -‬إيمان عبدالعزيز المخيلد ‪٤٨ .....................................‬‬
‫المحتوى الفلسفي في رواية «نزيف الحجر» ‪ -‬صالح المطيري‪٥٤ ...‬‬
‫أنواع الصور البالغية في قصص طاهر الزارعي ‪ -‬جميل حمداوي ‪٦٣ ...‬‬
‫«ذروة الحياة» لـ «عيد الناصر» جولة في روايات خليجية وعربية‬
‫وعالمية ‪ -‬زكريا العباد‪٦٩ ..........................................‬‬
‫جماليات التوظيف االستعاري «في شعر جاسم الصحيح» ‪ -‬سعيد‬
‫‪٧٢‬‬ ‫سهمي ‪...........................................................‬‬
‫‪٧٧‬‬ ‫قصص قصيرة‪ :‬حفل استقبال ‪ -‬مريم الحسن ‪...................‬‬ ‫‪14.............................‬‬
‫‪٧٩‬‬ ‫البرهان ‪ -‬فهد المصبح‪...........................................‬‬
‫‪٨١‬‬ ‫نو ٌم في ليلةِ الزفاف ‪ -‬محمد الرياني ‪............................‬‬ ‫دار الرحمانية ‪ -‬الغاط تستضيف‬
‫‪٨٢‬‬ ‫فوبيا الجغرافيا ‪ -‬أحمد طوسون‪.................................‬‬ ‫الدورة العاشرة ملنتدى منيرة امللحم‬
‫‪٨٦‬‬ ‫قصتان قصيرتان ‪ -‬حضيه عبده خافي ‪..........................‬‬
‫‪٨٧‬‬ ‫شعر‪ :‬رسُ و ُل الشِّ عْر ‪ -‬موسى الشافعي ‪.............................‬‬
‫‪٨٨‬‬ ‫في معيّةِ القمرِ ‪ -‬عبدالهادي الصالح‪.............................‬‬
‫‪٩٠‬‬ ‫تجمعنا معا يكفينا ‪ -‬أحمد المتوكل بن علي النعمي ‪.............‬‬
‫‪٩٢‬‬ ‫الحُ ّ ُب على شروط ‪ -‬خالد البهكلي‪...............................‬‬
‫‪٩٦‬‬ ‫وقال في صباه ‪ -‬مجدي الشافعي‪.......................................‬‬ ‫‪32........................‬‬
‫‪٩٩‬‬ ‫زامر الحي ‪ -‬موسى غلفان واصلي‪......................................‬‬
‫‪١٠٠‬‬ ‫لوعة غياب! ‪ -‬حسين صميلي ‪...........................................‬‬ ‫زياد السالم‬
‫‪١٠٢‬‬ ‫نصوص شعرية ‪ -‬نويّر العتيبي ‪..........................................‬‬
‫حصة األدب والتاريخ‬
‫‪١٠٥‬‬ ‫ترجمة‪ :‬مجتمع الخطر ‪ -‬ترجمة‪ :‬المهدي مستقيم‪.....................‬‬
‫‪١٠٩‬‬ ‫مواجهات‪ :‬الشاعر المصري عالء جانب ‪ -‬أحمد الالوندى‪.......‬‬
‫‪١١٣‬‬ ‫الشاعرة اعتــدال ذكـر اهلل ‪ -‬عمر بوقاسم ‪.............................‬‬
‫نوافذ‪ :‬مخاطر ترجمة اآلداب‪ :‬فاليري منوغ وترجمة زوال ‪ -‬تركية‬
‫العمري ‪١٢٤ ............................................................‬‬
‫الوعي الفكري واالنسالخ الثقافي ‪ -‬مالك الخالدي‪١٢٦ ....................‬‬
‫فنون‪ :‬التشكيلي السعودي نصير السماره العودة ألمكنة الماضي‬ ‫‪113............................‬‬
‫بصورة جديدة ‪ -‬محمد العامري ‪١٢٧ .................................‬‬
‫قراءات ‪١٣٢ .............................................................‬‬ ‫الشاعرة اعتــدال ذكـر اهلل‬
‫فعاليات ‪١٣٥ ............................................................‬‬
‫الصفحة األخيرة‪١٣٦ .................................................‬‬
‫■ إبراهيم بن موسى احلميد‬

‫رايات خضرا َء وزغاريد‪ ،‬مُجدِّدة عهدها‪ ،‬وفا ًء‬


‫ٍ‬ ‫ازدانت منطقة الجوف‬
‫ووال ًء لقيادتها الرشيدة التي أهدتها أميرها الجديد‪ ،‬مؤمِّل ًة أن تكون‬
‫الجوف في عهده أكثر إشراقًا وتنمي ًة وتطورًا‪ ،‬وأن تكون هذه المنطقة‬
‫التي بدت وقد لبست ألوان الفرح باألمير بدر بن سلطان‪ ،‬وبدا أن البهجة‬
‫بتعيينه قد أدخلت السرور على كل بيت وشارع في كل مدينة وقرية في‬
‫هذه المنطقة العزيزة من بالدنا‪ ،‬من سكاكا إلى القريات‪.‬‬
‫إن من يتجوّل في ربوع منطقة الجوف يلحظ أن لونها قد كساه ما‬
‫يحتاج إلى التنمية والتطوير‪ ،‬وإنه لمن مباهج الحظ أن تستقبل الجوف‬
‫ال معه‬
‫سقف لها سوى السماء‪ ،‬حام ً‬‫َ‬ ‫طموحات ال‬
‫ٍ‬ ‫أميرًا شاباً‪ ..‬في جعبته‬
‫رؤىً ومشاري َع نرجو من اهلل العلي القدير أن يوفّقه لتحقيقها‪.‬‬
‫أمام األمير منطقة تعد من أبرز مناطق المملكة‪ ،‬فهي تحمل عمقًا‬
‫تاريخياً‪ ،‬وإنسانيًا‪ ،‬حيث الثقافة المتجذرة في أعماق التاريخ‪ ،‬وهي‬
‫المنطقة األقــدم استيطانًا في الجزيرة العربية‪ ،‬حيث كانت الملكات‬
‫ذكر للعرب في المدونات التاريخية‪،‬‬‫العربيات أبرز ماضيها‪ ،‬وحيث أقد ُم ٍ‬
‫وحيث البلد الذي خرج منه بِشر بن عبدالملك معلِّمًا لقريش الكتابة؛‬
‫إذ يقول الدكتور عبدالرحمن االنصاري عن أهلها في سالف الزمان‪..‬‬
‫وكأنه ال عمل لديهم سوى الكتابة‪ ،‬فقد نشروا كتاباتهم في أنحائها‪،‬‬
‫وهي المنطقة التي وجَّ ه رسول اهلل  إحدى رسائله ومواثيقه ألهلها‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪4‬‬


‫اف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫والتي بينت حقوقهم وما لهم وما عليهم بعد فتحها ودخولها اإلسالم‪،‬‬
‫كما أنها المنطقة التي تحوي أقدم مئذنة في تاريخ االسالم‪ ،‬وهي مئذنة‬
‫تاريخية في المملكة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫قلعة‬
‫مسجد عمر بن الخطاب ‪ ،‬كما تضم أقدم ٍ‬
‫والتي يزيد عمرها عن ثالثة أالف عام‪ ،‬وهي قلعة مارد‪ ،‬كما أنها تضم‬
‫مئات الشواهد التاريخية التي تؤكد عراقتها واستحقاقها لكل اهتمام‬
‫من جانب الدولة التي ترتكز رؤيتها الحالية على إبراز مؤهالت المناطق‬
‫الثقافية والتاريخية‪ ،‬وتشجيع االستثمار‪ ،‬واستقطاب السياحة لتنويع‬
‫مصادر الدخل‪ ،‬حيث المنطقة مؤهلة لتضم هيئ ًة عليا لتطويرها أسوة‬
‫بالمناطق التي سبقتها في ذلك‪..‬‬
‫كما أن المنطقة غنية بالموارد الكامنة فيها‪ ،‬من مياه وأراض خصبة‪،‬‬
‫وموارد معدنية ونفطية نفيسة‪ ،‬وهي بذلك منطقة تعد من أكثر مناطق‬
‫المملكة غنىً وتنوّعاً‪ ،‬وفيها من مكنونات المستقبل ما ينتظر الكثير من‬
‫اإلنجاز‪ .‬واليوم تقف منطقة الجوف اليوم بانتظار استكمال مشاريعها‬
‫أمس الحاجة لها‪ ،‬في‬‫التنموية‪ ،‬وإقرار المشاريع الجديدة التي هي في ِّ‬
‫المجاالت التنموية والثقافية كافة‪ ،‬التي تؤهلها لتكون من أبرز مناطق‬
‫المملكة في استقطاب التنمية والمشاريع‪ ،‬كما أنها مؤهلة الستقطاب‬
‫المشاريع الثقافية القائمة على مداميك الماضي الراسخة‪ ،‬ومخططات‬
‫المستقبل الواعدة‪ ،‬للحاضر والمستقبل‪ ،‬وتأهيل المواقع األثرية‪ ،‬وإعادة‬
‫تأهيل المشاريع الخدمية وتطويرها بأن تكون ذكية وخضراء مبنية على‬
‫أحدث فلسفات التخطيط العالمية‪.‬‬
‫وحق ألهل الجوف التفاؤل بالمستقبل‪ ،‬وأن يُشعلوا قناديل األمل‬
‫بأميرهم‪ ،‬خاصة وقد أكد سمو األمير بدر بن سلطان أمير منطقة‬
‫الجوف أنه «سيعمل بمشيئة اهلل تعالى على إكمال مسيرة العطاء التي‬
‫بذلها صاحب السمو الملكي األمير فهد بن بــدر بن عبدالعزيز في‬
‫المنطقة مع أخي صاحب السمو الملكي األمير عبدالعزيز بن فهد بن‬
‫تركي بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة الجوف‪ ،‬وسنسخر أنفسنا لخدمة‬
‫أبناء الجوف األعزاء لكل ما فيه خير المنطقة والوطن»‪.‬‬

‫‪5‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫أهالي الجوف يحتفون‬
‫بصاحب السمو الملكي األمير‬

‫بدر بن سلطان‬
‫بن عبدالعزيز‬
‫أمير ًا على الجوف‬
‫■ احملرر الثقايف‬

‫أق ــام أهــالــي منطقة الـجــوف حفال الستقبال أمـيــر منطقة ال ـجــوف‪ ،‬صاحب‬
‫السمو الملكي األمير بدر بن سلطان بن عبدالعزيز‪ ،‬مساء االثنين ‪ ٢‬إبريل ‪2018‬‬
‫‪ 16 -‬رجب ‪1439‬هـ‪ ،‬ترحيبًا بقدوم سموه إثر صدور األمر الملكي الكريم بتعيينه‬
‫أميرً ا لمنطقة الجوف‪ ،‬وذلك في صالة االستقبال الكبرى بمدينة سكاكا‪.‬‬
‫وفور وصول سموه مقر الحفل‪ ،‬صافح الحضور من المواطنين وشيوخ القبائل‬
‫وعمد وأعيان ومديري اإلدارات الحكومية من مدنيين وعسكريين والمواطنين‪.‬‬

‫أيها الحفل الكريم‬ ‫وانطلق الحفل الخطابي الذي أُقيم بهذه‬


‫السالم عليكم ورحمة اهلل وبركاتُه‬ ‫المناسبة بتالوة آيات من القرآن الكريم‬
‫لألستاذ هشام الربيع‪ ،‬ثم ألقى نائب وزير‬
‫يشرفني‪ ،‬ياصاحب السمو‪ ،‬بالنيابةِ‬
‫العمل سابقًا وعضو الهيئة االستشارية في‬
‫عن أهالي منطقة الجوف أن أرحبَ بكم‬
‫المجلس األعلى لمجلس التعاون‪ ،‬معالي‬
‫في ربوعِ هذه المنطقة التي يتطل ُع أهل ُها‬
‫الدكتور عبدالواحد بن خالد الحميد‪ ،‬كلمة‬
‫إلى لقاءِ سموكم‪ ،‬مستبشرين بمقدَمِ كم‬
‫أهالي الجوف‪ ،‬قال فيها‪:‬‬
‫الــمــيــمــون‪ ،‬وبــمــا تحملونه مــن بشائر‬
‫صاحب السمو الملكي األمير بدر بن الخير والنماء للمنطقةِ وسكانِها إن شاء‬
‫ال بكم بين أبنائكم وإخوانكم‬ ‫سلطان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه اهلل‪ ،‬فأه ً‬
‫وأهلكم‪.‬‬ ‫اهلل‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪6‬‬
‫ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬
‫ـوف‬ ‫تنـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنـ ـ ـأـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ‬
‫ـواـيفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرـ ـ ـاـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫صاحب السمو‬ ‫يا صاحب السمو‬


‫تعلمو َن ما حبا اهللُ بِهِ هذه المنطق َة من‬ ‫تعتز منطق ُة الجوف بانتمائها إلى هذا‬
‫إمكانات طبيعية وبشرية واسعة ومتنوعة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫الوطن الغالي منذ الدولةِ السعوديةِ األولى‪،‬‬
‫مقومات‬
‫ٍ‬ ‫حيثُ امتد ظـ ُل هــذه الــدولــةِ المباركة إلى فعلى سبيل المثال‪ ،‬تمتلك المنطق ُة‬
‫زراعية هائلة اشتهرت بها مِ نْ ُذ القدم‪ ،‬سواءٌ‬
‫ٍ‬ ‫منطقة الجوف منذ عام ‪ 1208‬للهجرة‪ ،‬في‬
‫عهد اإلمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود‪ ،‬في ثرواتها المائية العذبةِ الغزيرة‪ ،‬أو في‬
‫ثم في الــدولــة السعودية الثانية في عهد‬
‫طقسها‬‫ِ‬ ‫خصوبةِ أراضيها‪ ،‬أو في مالءمةِ‬
‫اإلمام فيصل بن تركي بن عبداهلل‪ ،‬ثم شملها‬
‫للكثيرِ مــن المحاصيل الــزراعــيــة‪ .‬وهــي‬
‫االستقرا ُر واألم ُن والنماء بانبثاقِ فجرِ الدولةِ‬
‫اليوم في مُقدِ مَةِ مناطقِ المملكة في زراعةِ‬
‫الملك المؤسس‬ ‫ِ‬ ‫السعوديةِ الثالثة على يدِ‬
‫ال عن شهرتِها التاريخية في‬ ‫الزيتون‪ ،‬فض ً‬
‫جاللة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن‬
‫طيب اهلل ثــراه‪ .‬وقد كانت هذه المحطاتُ إنتاج التمور‪ ،‬ومحاصيلِها الزراعية المتنوعة‬
‫ـات ب ــارزة فــي التاريخ الحديث لهذه األخرى‪ .‬وهذا القطاع يمك َن أن يكو َن رافداً‬ ‫عــامـ ٍ‬
‫المنطقة الموغلةِ في القدم والتي طالما كبيراً ومهماً القتصاد المنطقة من خالل‬
‫كان لها موقعُها المميز في تاريخِ الجزيرة مشاريع التصنيع الــزراعــي الحديث التي‬
‫تتطل ُع المنطق ُة إليها‪.‬‬ ‫العربية‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫معالي الدكتور عبدالواحد خالد الحميد يلقي كلمة األهالي‬

‫بإمكانات منذ زمنِ تجار ِة القوافلِ القديمة التي كانت‬


‫ٍ‬ ‫كما أن منطقة الجوف تتمتع‬
‫سياحية وثقافية كبيرة‪ ،‬فهي تضم مواقع تم ُر بها وهي في طريق الذهاب واإلياب بين‬
‫أثرية عديدة تعود إلى أقدمِ العصور‪ ..‬حتى مناطق الهالل الخصيب والجزيرة العربية‪.‬‬
‫بعض الدراسات األثارية الرصينة تشير وكانت المنطق ُة مهداً ألحــدِ أشهرِ األســواق‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫إلــى أن هــذه المنطق َة شهدت أقــد َم أشكالِ العربية القديمة‪ ،‬وهي سوق دومة الجندل‪،‬‬
‫االستيطانِ الــبــشــري‪ .‬وقــد كانت المنطق ُة التي كانت مكاناً للتبادل التجاري والثقافي‪.‬‬
‫حاضر ًة عبر فصول التاريخ في مشهدِ الفعلِ ويمك ُن أن تستفي َد منطق ُة الجوف تجارياً من‬
‫والتأثير من خالل الممالك التي تعاقبت على موقعها الجغرافي المميز‪ ،‬وأن تكون همزةَ‬
‫وصل كما كانت سابقاً‪ ،‬وبخاصة مع التوسعِ‬
‫ٍ‬ ‫أرضها والتي ما تزال أثارُها باقي ًة حتى اليوم‪،‬‬
‫سياحي في قطاع النقل والمواصالت‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫بقطاع‬
‫ٍ‬ ‫تنهض‬
‫َ‬ ‫وهي بثرائها يمك ُن أن‬
‫يا صاحب السمو‬ ‫وثقافي يسه ُم فــي نموِ اقتصاد المنطقة‪،‬‬

‫هذه اإلمكاناتُ وغيرُها مما ال يخفى على‬ ‫وبــخــاصـ ٍـة عندما تــضــافُ إليها المقوماتُ‬

‫سموكم الكريم ليست هي األهم رغم ثرائها‬ ‫السياحي ُة األخرى‪.‬‬

‫وقد اكتسبت الجوفُ شهر ًة تجاري ًة واسعة وتنوِّعِ ها‪ ،‬وإنما اإلنسان هو األهم‪ ،‬وهو الثروة‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪8‬‬
‫تنـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنـ ـ ـأـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ‬
‫الحقيقية‪ ،‬وهذا ما أكدتْ عليه الرؤي ُة التنموية والمؤسسات التعليمية والتدريبية األخــرى‬
‫آالف الشباب مــن الــذكــور‬ ‫َ‬ ‫للمملكة (رؤية ‪ ،)2030‬والتي أصبحت برنام َج تُــخَ ــ ِّر ُج ك ـ َل عــام‬
‫عمل وطني تتبناه وترعاه الدولة‪ .‬وقد كان واإلناث المتسلحين بالعلم والمعرفة‪ .‬هؤالء‬ ‫ٍ‬
‫ـواـيفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرـ ـ ـاـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫أه ُل هذه المنطقة ينتجو َن ما يحتاجو َن إليه هم ثروتُنا الحقيقية يا صاحب السمو‪ ،‬وهم‬
‫المنتجات مع األقاليمِ والمناطق يتطلعو َن إلى خدمة منطقتِهم ووطنِهم‪ ،‬ويمدون‬ ‫ِ‬ ‫ويتبادلون‬
‫ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫المجاورة في زمــنِ ما قبلِ النفط‪ ،‬و ُعــرِ َف أيدِ يَهُم إلى سموكم مرحبين بكم‪ ،‬ويُقدِّمو َن‬
‫ـوف‬

‫إنسا ُن هــذه المنطقة عبر التاريخ بحيويته أنفسَ هم لخدمة مشروعِ كم التطويري‪ ،‬يملؤهم‬
‫مستقبل‬
‫ٍ‬ ‫ـاس‪ ،‬ويــحــدوهــم األمـ ـ ُل نحو‬ ‫ونشاطه وحبه للعمل‪ .‬وفي الزمن الحديث‪ ،‬الــحــمـ ُ‬
‫ـرص وظيفية منتجة‪ ،‬وسيكونون‬ ‫استثمرت حكومتُنا الرشيدة مليارات الرياالت مشرق‪ ،‬وفـ ٍ‬
‫عون إن شاء اهلل لكم بعد توفيق اهلل‪.‬‬ ‫في تطوير الموارد البشرية الوطنية؛ فنشرت خي َر ٍ‬
‫التعلي َم وقضت على األمية‪ ،‬وصار المواط ُن‬
‫صاحب السمو‬
‫مهي ًأ للعملِ واإلنتاج وفق مقتضيات ومتطلبات‬
‫إن منطق َة الجوف المستبشرةَ بمقدَمِ كم‪،‬‬ ‫العصر ومــا وصلت إليه التقنية من أحدث‬
‫األســالــيــب‪ .‬وقــد كــان للمنطقةِ نصيبٌ من تتطل ُع إلــى استكمال مــشــروعــات التنمية‬
‫ذلك وهلل الحمد‪ ،‬واليوم نرى جامعة الجوف الــتــي أقــامــتــهــا حــكــومـتُــنــا الــرشــيــدة‪ ،‬وإلــى‬

‫‪9‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫شكر ووفــاء لسلفكم صاحب السمو الملكي‬ ‫تطوير المشروعات القائمة‪ ،‬وبخاصة في‬
‫األمير فهد بن بدر بن عبد العزيز‪ ،‬و ِلكُلِ من‬ ‫القطاعات الخدمية التي تتص ُل بحياة الناس‪.‬‬
‫أسه َم في خدمة هذه المنطقة متمنين لسموه‬ ‫ويتطلع الشبابُ إلى إيجاد المزيد من فرص‬
‫التوفيق والسداد‪.‬‬ ‫العمل للنهوض بمنطقتهم وبناء مستقبلهم‪،‬‬
‫حياكم اهلل يــا سمو األمــيــر بين أهلِكم‬ ‫وهــم يدركون أن خــادم الحرمين الشريفين‬
‫الجوف التي تزدان وتبتهج بكم‪ ،‬وتتفاءل‬
‫ِ‬ ‫في‬ ‫الملك سلمان بــن عبدالعزيز حفظه اهلل‬
‫بمستقبل مشرق تحت قيادة خادم الحرمين‬ ‫إنما اصطفاكم لهذا الموقع إدراك ـاً منه لما‬
‫وولي‬
‫ِ‬ ‫الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز‬ ‫ومهارات إدارية‬
‫ٍ‬ ‫قدرات قيادية‬
‫ٍ‬ ‫تمتلكونه من‬
‫عهده األمين صاحبْ السمو الملكي األمير‬ ‫ومعرفة وعلم‪ .‬وقد سَ عِ د أهالي منطقة الجوف‬
‫ٍ‬
‫محمد بن سلمان بن عبد العزيز حفظهما‬ ‫واستبشروا خيراً وهم يتابعون أخبار زيارات‬
‫اهلل‪.‬‬ ‫سموكم الكريم لعدد من الــوزراء وحواراتكم‬
‫معهم‪ ،‬بشأن مشاريع المنطقة ومتابعتها‪،‬‬
‫أســأل اهلل أن يوفقكم ويــســدد خطاكم‪،‬‬
‫ومعرفة تفاصيلها س ــواءٌ المتعثر منها أو وأن يحقق على يديكم االزدها َر والنماء لهذه‬
‫المنطقةِ وأهلِها‪ ..‬والسالم عليكم ورحمة اهلل‬ ‫الناجز‪ ،‬وذلك حتى قبل قدومكم للمنطقة‪.‬‬
‫ختاماً‪ ،‬يا صاحب السمو‪ ،‬ال بد من كلمة وبركاته‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪10‬‬


‫تنـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنـ ـ ـأـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ‬
‫بعد ذلــك ألقى الدكتور بــدر بن محمد‬
‫طراد المعيقل قصيدة قال فيها‪:‬‬
‫ـواـيفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرـ ـ ـاـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫قصيدة سطرتها في أربعة عشر بيتا‪،‬‬


‫حيث يكتمل القمر بدرا ليلتها‬
‫ـاب تـلـيــدُ‬
‫م ـج ــدٌ ع ـلــى ه ـ ــامِ ال ـس ـح ـ ِ‬
‫ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫ـدروب مشيد‬
‫وشـ ـم ــوخُ ع ـ ـ ٍّز ف ــي الـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـوف‬

‫ـراث اإلب ـ ـ ـ ـ ــاء ونـ ـبـ ـع ــهِ‬


‫أه ـ ـ ـ ـ ًـا بـ ـ ـمـ ـ ـي ـ ـ ِ‬
‫ـوف فــي هــذا الـمـســاءِ سعيدُ‬ ‫وال ـجـ ُ‬
‫ف ــي عـ ـه ـ ِـد س ـل ـم ــان اإلبـ ـ ـ ــاءِ ب ــادن ــا‬
‫ع ـ ـ ـ ــزمٌ وح ـ ـ ـ ـ ــزمٌ وال ـ ـ ـف ـ ـ ـعـ ـ ــالُ ش ـ ـهـ ــودُ‬
‫الشاعر د‪ .‬بدر محمد طراد المعيقل يلقي قصيدة‬ ‫***‬

‫مـ ــن زع ـ ـبـ ـ ٍـل أو مـ ـ ـ ــاردٍ أو مـ ــن هـنــا‬ ‫هـ ـ ــذا ولـ ـ ــي الـ ـعـ ـه ـ ِـد سـ ـي ـ ٌـف صـ ـ ــارمٌ‬
‫ـاروق وهـ ــو سـعـيــدُ‬
‫أو م ـس ـجـ ِـد ال ـ ـفـ ـ ِ‬ ‫ب ـ ـت ـ ـ َر الـ ـ ـفـ ـ ـس ـ ــادَ‪ ،‬ول ـ ـ ــأن ـ ـ ــاةِ ح ـ ـ ــدودُ‬
‫تـ ـج ــدي ــدُ عـ ـه ــد لـ ـ ـل ـ ــوالءِ وص ــدق ــه‬ ‫ولـ ـ ـ ـك ـ ـ ــلّ خ ـ ـ ـ ـ ٍّـب أو ع ـ ـ ـ ـ ــد ٍّو قـ ــال ـ ـهـ ــا‪:‬‬
‫لـ ـ ـ ـ ـ ــوالةِ أمـ ـ ـ ـ ــرٍ شـ ــرع ـ ـهـ ــم ت ــوحـ ـي ــدُ‬ ‫بـ ــإعـ ــانـ ــة الـ ـ ـ ـب ـ ـ ــاري‪ ،‬لـ ـك ــم س ــنٌ ـب ـي ــدُ‬

‫***‬
‫ـارك‬
‫وه ـنــاك فــي ح ــدّ الـجـنــوب مـعـ ٌ‬
‫ف ـي ـهــا الـ ـجـ ـن ــودُ ع ــن الـ ـب ــاد تـ ــذودُ‬
‫وال ـ ـن ـ ـخـ ــلُ وال ـ ــزيـ ـ ـت ـ ــونُ ردد ق ــائ ـ ًـا‬
‫***‬
‫أه ـ ـ ـ ــا ب ـ ـكـ ــم ون ـ ـع ـ ـيـ ــدهـ ــا و َن ـ ـ ــزي ـ ـ ــدُ‬
‫ـذاك مـمـلـكـتــي ب ـك ــلِّ شـمــوخـهــا‬ ‫وكـ ـ ـ َ‬ ‫أه ـ ـ ًـا ب ـكــم ي ــا ب ـ ــد َر م ـ ــل َء شـفــاهـنــا‬
‫م ــن جــوف ـنــا هـ ــذا ال ـق ـص ـيــدُ بــريــدُ‬ ‫ه ــي ب ـي ـع ــةٌ ف ــي ال ـ ـشـ ــرعِ آل س ـع ــودُ‬

‫ف ــي م ـح ـفـ ٍـل ي ـ ــروي ح ـك ــاي ـ َة بـيـعــةٍ‬ ‫ـأي فـ ـخ ــرٍ نـحـتـفــي‬ ‫مـ ـ ــاذا نـ ـق ــول بـ ـ ـ ٍّ‬
‫ع ـ ـ ـ ــزمٌ وح ـ ـ ـ ـ ــزمٌ وال ـ ـ ـف ـ ـ ـعـ ـ ــالُ ش ـ ـهـ ــودُ‬ ‫ـاض ت ـ ـل ـ ـيـ ــدُ وح ـ ـ ــاض ـ ـ ــرٌ غـ ـ ـ ّري ـ ــدُ‬‫مــــ ٍ‬

‫***‬
‫أعقبها قصيدة شعرية للشاعر منصور‬
‫الرويلي‪ ،‬وبعدها تناول الجميع طعام العشاء‬ ‫ـوف ف ـ ــي أركـ ـ ــانـ ـ ــه ورمـ ـ ـ ـ ــوزهِ‬
‫والـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ُ‬
‫ـوف يـشـيــدُ الذي أقيم بهذه المناسبة‪.‬‬‫رفـ ـ ـ َع ال ـت ـح ـي ـ َة ب ــال ـض ـي ـ ِ‬
‫‪11‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫سمو امير منطقة الجوف يؤدي القسم‬

‫بدر بن سلطان‬ ‫أمر ملكي‬


‫تعيين األمير بدر بن سلطان أميرا‬
‫يرفع الشكر لخادم الحرمين‬
‫لمنطقة الجوف‬
‫بمناسبة تعيينه أميرً ا للجوف‬
‫أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك‬
‫رفع صاحب السمو الملكي األمير بدر بن‬
‫سلمان بن عبدالعزيز مساء اليوم االثنين‬
‫سلطان بن عبدالعزيز أمير منطقة الجوف‪،‬‬
‫عدداً من األوامر الملكية التي تضمنت إعفاء‬
‫أسمى آيات الشكر والعرفان لخادم الحرمين‬
‫مسؤولين من مناصبهم وتعيين مسؤولين‬
‫الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل‬
‫سعود‪ ،‬وإلــى صاحب السمو الملكي األمير‬ ‫آخرين بمراكز أخرى‪.‬‬

‫وصدر أمر ملكي بإعفاء األمير فهد بن محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد‬
‫بدر بن عبدالعزيز أمير منطقة الجوف من نــائــب رئــيــس مجلس الـ ــوزراء وزي ــر الــدفــاع‬
‫منصبه بناء على طلبه‪ ،‬وتعيين األمير بدر بن ‪-‬حفظهما اهلل‪ -‬بمناسبة صـــدور األمــر‬
‫سلطان بن عبد العزيز أميراً لمنطقة الجوف الملكي الكريم بتعيينه أميرًا لمنطقة الجوف‪.‬‬
‫وعـ ّبــر سموه فــي تصريح لوكالة األنباء‬ ‫بمرتبة وزيــر‪ ،‬وذلك يوم االثنين ‪10‬جمادي‬
‫الــســعــوديــة عــن فــخــره بــهــذه الثقة الملكية‬ ‫الثاني ‪1439‬هـ ‪ 26 -‬فبراير ‪2018‬م‪.‬‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪12‬‬
‫تنـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنـ ـ ـأـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ‬
‫ال المولى عز وجــل أن يوفّقه تتطلبه منطقة الجوف من إمكانات تعزز من‬ ‫الغالية‪ ،‬سائ ً‬
‫لكل ما فيه خدمة الدين ثم الملك والوطن‪ ،‬نهضتها التنموية في ظل النهضة الشمولية‬
‫ال سيما أبناء منطقة الجوف‪ ،‬تحت قيادة التي تعيشها البالد وفق رؤية المملكة ‪.2030‬‬
‫ـواـيفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرـ ـ ـاـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن‬


‫وصول األمير‬
‫عبدالعزيز آل سعود‪ ،‬وسمو ولي عهده األمين‬
‫بدر بن سلطان إلى مطار الجوف‬
‫‪ -‬أيدهما اهلل ‪.-‬‬
‫ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫وكان األمير بدر بن سلطان بن عبدالعزيز‪،‬‬


‫ـوف‬

‫وق ــال ســمــوه‪ :‬ســوف أعــمــل بمشيئة اهلل‬


‫أمير منطقة الجوف‪ ،‬قد وصل عصر االثنين‬
‫تعالى على إكمال مسيرة العطاء التي بذلها‬
‫‪ ٢‬إبــريــل ‪ 16 - 2018‬رج ــب ‪ 1439‬إلــى‬
‫صاحب السمو الملكي األمير فهد بن بدر بن‬
‫عبدالعزيز فــي المنطقة مــع أخــي صاحب المنطقة إثــر صــدور األمــر الملكي الكريم‬
‫السمو الملكي األمير عبدالعزيز بن فهد  بن بتعيينه أميرًا للمنطقة‪.‬‬
‫وقــد استقبله في المطار مدير جامعة‬ ‫تركي بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة الجوف‪،‬‬
‫ال ــج ــوف الــدكــتــور إســمــاعــيــل ب ــن محمد‬ ‫وسنسخر أنفسنا لخدمة أبناء الجوف األعزاء‬
‫البشري‪ ،‬ووكيل إمارة منطقة الجوف الدكتور‬ ‫لكل ما فيه خير المنطقة والوطن‪.‬‬
‫حامد بن مالح الشمري‪ ،‬وأصحاب الفضيلة‬ ‫ودعــا سموه اهلل العلي القدير أن يوفق‬
‫رؤســاء المحاكم بالمنطقة ووكــاء اإلمــارة‬ ‫خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن‬
‫المساعدون ومديرو اإلدارات الحكومية من‬ ‫عبدالعزيز آل سعود‪ ،‬وسمو ولي عهده األمين‬
‫مدنيين وعسكريين‪ ،‬وشيوخ القبائل وأعضاء‬ ‫‪ -‬رعاهما اهلل ‪ -‬لما يحبه ويرضاه‪ ،‬وأن يعينه‬
‫مجلس المنطقة‪.‬‬ ‫على تحمل األمانة وخدمة الوطن‪ ،‬وتلبية ما‬

‫‪13‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫■ محمد صوانة ‪ -‬جهاد أبو مهنا‬

‫افتُتح هذا المنتدى ‪ -‬الذي يقيمه مركز عبدالرحمن السديري الثقافي سنوي ًا‬
‫بدار الرحمانية بالغاط ‪ -‬بكلمةٍ لرئيسة هيئة المنتدى أ‪.‬د مشاعل بنت عبدالمحسن‬
‫ال ـســديــري‪ ،‬الـتــي قــالــت إن ه ــذه الـ ــدورة تعقد بــالـتـعــاون مــع مــركــز بـحــوث الــدراســات‬
‫اإلنسانية في جامعة الملك سعود‪ ،‬لتفعيل المشاركة المجتمعية مع الجهات العاملة‬
‫في مجال موضوع المنتدى‪ .‬وقالت إن هذا المنتدى‪ ،‬من األنشطة الثقافية لمركز‬
‫عبدالرحمن السديري الثقافي‪ ،‬يقام سنوي ًا ويهدف الى تسليط الضوء على موضوع‬
‫ذي أهمية بين القطاع النسائي في المملكة‪ ،‬كما يعمل على تشجيع تبادل الخبرات‪،‬‬
‫وإتاحة المجال للمشاركات بلقاء المتخصصات وذوات الخبرة في موضوع المنتدى‪.‬‬
‫وذكرت السديري أن المنتدى لهذا العام يتناول موضوع ريادة األعمال النسائية‬
‫بمشاركة نخبة من األكاديميات والمتخصصات من الجامعات والمؤسسات الوطنية‬
‫المختلفة‪ ،‬وأن الحوار الذي يجري بين المشاركات يثري الخبرات المكتسبة‪ ،‬ويزيد‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪14‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد‬
‫من إطالع المشاركات على تجارب جديدة وقيّمة‪ ،‬من شأنها تحقيق األهداف المنشودة من‬
‫هذا المنتدى‪.‬‬
‫وقدمت السديري شكرها لجميع المشاركات والمدربات اللواتي نفذن أربع ورش عمل في‬
‫مجال المنتدى‪ ،‬حضرها ما يزيد على مائة وعشرين من فتيات وسيدات الغاط والمحافظات‬
‫المجاورة‪ ،‬وقدمت شكر ًا خاص ًا لمركز البحوث والدراسات اإلنسانية بجامعة الملك سعود‬
‫إلسهامه في إثراء فعاليات المنتدى‪ ،‬وللجهات الراعية للمنتدى‪ ،‬وفريق العمل‪.‬‬

‫وتسعى إلى تطويرها‪ .‬وهذا الحراك يتطلب‬ ‫تــحــظــى ريــــــادة األعـ ــمـ ــال الــنــســائــيــة‪،‬‬
‫أن يكون مؤطراً برؤى واقعية تمكّن رائدات‬ ‫والمشروعات الصغيرة والمتوسطة باهتمام‬
‫األعمال من المنافسة والنمو‪ ،‬وال يتم هذا إال‬ ‫كبير من قبل الجهات االقتصادية‪ ،‬لما تمثله‬
‫من خالل التأصيل األكاديمي المتوافق مع‬ ‫هذه المشروعات من رافعة مهمة لالقتصاد‬
‫الواقع الممارس الناجح‪.‬‬ ‫الوطني‪ ،‬بالنظر للمدخالت والمخرجات‬
‫التي تــرافــق هــذا القطاع اإلنــتــاجــي‪ ،‬الــذي‬
‫وقــد هــدف المنتدى إلــى إشــراك المرأة‬ ‫تملكه وتعمل فيه نسبة كبيرة من المواطنين‬
‫العاملين في القطاع الخاص‪ ،‬يسعون إلى الــســعــوديــة فــي ح ــدود الــنــطــاق الجغرافي‬
‫تطوير مشروعاتهم والنهوض بها من النطاق لمحافظة الغاط ومــا حولها‪ ،‬الراغبة في‬
‫االستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة‪،‬‬ ‫المحلي الى اإلقليمي والدولي‪.‬‬
‫وإطالعها على التجارب الناجحة‪ ،‬وإتاحة‬
‫ومن خالل القراءة االقتصادية واالجتماعية‬
‫لواقع ريــادة األعــمــال النسائية‪ ،‬نلحظ أن المجال أمامها لمعرفة الجهات العاملة‬
‫هناك حراكاً إيجابياً تمثل في إسهام المرأة في مجال ريــادة األعمال والفرص الممكنة‬
‫بالمشاركة في النمو االقتصادي من خالل لإلفادة منها وتنفيذ مشاريع ريادية مناسبة‬
‫زيادة إقبالها على تأسيس المشاريع الصغيرة للمنطقة‪ ،‬تتوافق مــع مــؤهــات وإمكانات‬
‫والمتوسطة الخاصة بها‪ ،‬فتديرها وتعمل بها الراغبات في خوض هذا المجال‪.‬‬

‫دار الرحمانية ‪ -‬بمحافظة الغاط‬

‫‪15‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫جلسة الحوار األولى‬
‫محاور الجلسة‪:‬‬
‫‪ -‬واقع ريادة األعمال والتطلعات المستقبلية‪.‬‬
‫‪ -‬أهم التحديات التي تواجه العنصر النسائي في ريادة األعمال في السوق السعودية‪.‬‬
‫‪ -‬الجهات الداعمة والفرص المتاحة لالستثمار‪.‬‬
‫‪ -‬اتجاهات السوق العالمي والمحلي في ريادة األعمال‪.‬‬

‫المتحدثات ‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬وفاء املبيريك‪ ،‬د‪ .‬مليا العبدالكرمي‪ ،‬أ‪ .‬مها النحيط‪ ،‬أ‪ .‬عالية الشلهوب‪.‬‬
‫أدارت الجلسة ‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬اجلوهرة فهد الزامل‬
‫ (أستاذ اخلدمة االجتماعية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة امللك سعود)‪.‬‬
‫افتتحت أ‪ .‬د‪ .‬الـجــوهــرة الــزامــل الجلسة متحدثة عــن أهمية ري ــادة األع ـمــال‪ ،‬وكيفية‬
‫االستفادة من الفرص المتاحة والمنظورة‪ ،‬واالستثمار الصحيح الذي من شأنه أن تكون له‬
‫مخرجات إيجابية على صاحبة المشروع والمجتمع على السواء‪ ،‬كما استعرضت الخدمات‬
‫التي تقدمها المؤسسات الخدمية واألكاديمية والمجتمعية غير الربحية المتخصصة‬
‫للراغبات في االستثمار‪.‬‬
‫ثم بدأت الحوار مع المشاركات‪ ،‬ووجهت أسئلة تساعد على تقديم معلومات تثري النقاش‪،‬‬
‫وتعرض واقع ريادة األعمال النسائية والتطلعات المستقبلية بوجه عام أمام الجمهور‪.‬‬
‫المجتمع؛ ما يعزز مشاركتهم في مجتمع‬ ‫المتحدثة األولى‪:‬‬
‫ريادي‪.‬‬ ‫ا‪ .‬د‪ .‬وفاء ناصر المبيريك‬
‫(دكتوراة من جامعة نوتنجهام البريطانية‪،‬‬
‫وأشــارت إلــى أن من عوامل نجاح ريــادة‬ ‫‪1998‬م‪ ،‬ريادة األعمال‪-‬جامعة الملك سعود)‬
‫األعــمــال هــو إدراك أهمية كــل عنصر من‬
‫عناصر منظومة ريادة األعمال‪ ،‬والتي تعرّف‬ ‫واقع ريادة األعمال‬
‫واآلفاق المستقبلية‬
‫بأنها «عناصر وأف ــراد ومنظمات وجهات‬
‫تحدثت عن واقع ريادة األعمال‪ ،‬وأشارت محيطة برائد األعمال‪ ،‬تعين أو تعيق توجُّ ه‬
‫إلى أن مدلولها المباشر هو إنشاء مشروع الفرد نحو ريادة األعمال»‪ ،‬وفقا للشميمري‬
‫استثماري مبتكر‪ ،‬وهو بهذا المعنى يسهم والمبيريك (‪2016‬م)‪ .‬إذ يسهم كل عنصر من‬
‫بشكل مباشر في التنمية االقتصادية‪ .‬كما هذه العناصر في بناء ريادة األعمال ودعمها؛‬
‫أن تبنّي ريادة األعمال كاستراتيجية يسهم ابتداء برائد األعمال نفسه‪ ،‬ومرورا بعناصر‬
‫بفاعلية في بناء الفكر الريادي لدى أفراد البيئة الخاصة المحيطة به‪ ،‬وانتهاء بعناصر‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪16‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد‬
‫البيئة العامة ذات الصلة الوثيقة بريادة ملحوظاً في نسب رائدات األعمال‪ ،‬إذ بلغت‬
‫نسبة النمو بين عامي ‪2017 - 2007‬م ما‬ ‫األعمال‪.‬‬
‫ومــن هــذا المنطلق‪ ،‬فــإن ريــادة األعمال نسبته ‪ ،%39‬بينما كانت ‪ %4‬فقط في السابق‪.‬‬
‫ثــم تــنــاولــت تــطــور ريــــادة األع ــم ــال في‬ ‫تعد من أبرز االستراتيجيات التي يمكن من‬
‫خاللها النهوض باقتصاد المملكة‪ ،‬خاصة المملكة‪ ،‬وأشــارت إلــى ما ورد في الكتيب‬
‫وأنها تتمتع بالعديد من الخصائص التي التعريفي لرؤية ‪« ،2030‬أن المرأة السعودية‬
‫تؤهلها لتبنّي هذه االستراتيجية‪ ،‬والتي منها‪ :‬تعد عنصراً مهماً‪ ،‬إذ تشكل ما يزيد على‬
‫المجتمع السعودي اليافع‪ ،‬وأن المملكة عضو‬
‫‪ %50‬من إجمالي عدد الخريجين الجامعيين‪،‬‬
‫في منظومة الدول العشرين العظمى ‪،G2o‬‬
‫وسنستمر فــي تنمية مواهبها واستثمار‬
‫والحاجة لعالج مشكلة ارتفاع نسبة البطالة‪،‬‬
‫طاقاتها وتمكينها من الحصول على الفرص‬
‫والتطور الكبير في البنية التحتية‪ ،‬إضافة‬
‫المناسبة لبناء مستقبلها واإلسهام في تنمية‬
‫إلى برنامج التحول الوطني ‪ ،2030‬وغيرها‬
‫مجتمعنا واقتصادنا»‪.‬‬
‫من العوامل األخرى‪.‬‬
‫وأضــافــت أن المملكة تتجه حالياً إلى‬
‫وفــي الختام استعرضت قصص نجاح‬
‫مــخــتــارة لمجموعة مــن رائــــدات األعــمــال خفض مــعــدالت البطالة عند الــمــرأة‪ ،‬من‬
‫السعوديات الالتي تمكنَّ من االستثمار في خــال فتح مــجــاالت وفــرص عمل‪ ،‬وإيجاد‬
‫وظائف مناسبة في بيئة عمل آمنة‪ ،‬وتشجيع‬ ‫الفرص التي تهيأت لهن‪.‬‬
‫ابتكار وإبــداع رائــدات األعمال‪ ،‬واالستفادة‬ ‫المتحدثة الثانية‪:‬‬
‫مــن أفكارهن التي لها دور كبير فــي دعم‬ ‫أ‪ .‬مها بنت سليمان النحيط‬
‫االقتصاد الوطني وتطويره‪ .‬وأن من أهداف‬ ‫(رائدة أعمال)‬
‫رؤية المملكة العربية السعودية ‪ ،2030‬زيادة‬ ‫أهمية ريادة األعمال في السعودية‬
‫مشاركة المرأة في سوق العمل من ‪ %22‬إلى‬
‫وق ـ ــد ت ــح ــدث ــت عـ ــن أه ـ ــم الــتــحــديــات‬
‫والمعوقات التي تواجه العنصر النسائي في ‪.%30‬‬
‫وذكــرت أن هناك العديد من القطاعات‬ ‫ريادة األعمال‪ ،‬وقالت إنها تحديات نظامية‪،‬‬
‫وتحديات علمية ومهنية‪ ،‬وتحديات اجتماعية الــتــي تميزت بها الــمــرأة الــســعــوديــة مثل‪:‬‬
‫األزيـ ــاء‪ ،‬والتعليم‪ ،‬والسياحة والضيافة‪،‬‬ ‫ونفسية‪.‬‬
‫وأش ــارت إلــى أنــه وعلى الرغم من تلك والبيئة والتدوير‪ ،‬إضافة إلى قطاع التغذية‬
‫التحديات التي تواجه المرأة السعودية في والــمــشــروبــات‪ ،‬واالس ــت ــش ــارات والتنظيم‬
‫ريادة األعمال‪ ،‬إال إن المملكة سجلت ارتفاعاً والترفيه والتجزئة‪.‬‬
‫‪17‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫المتحدثة الرابعة‪ :‬د‪ .‬لميا‬ ‫المتحدثة الثالثة‪:‬‬
‫العبدالكريم‬ ‫أ‪ .‬عالية الشلهوب‬
‫(دكتوراه من جامعة ماسانشوستش‬ ‫(مستشارة اقتصادية)‬
‫األمريكية ‪ -‬جامعة الملك سعود)‬
‫بـــدأت حديثها عــن الــجــهــات الــداعــمــة‬
‫تحدثت عــن اتجاهات الــســوق العالمي‬ ‫والفرص المتاحة لالستثمار‪ ،‬وتناولتها من‬
‫والمحلي‪ ،‬واستعرضت قصص نجاح عمالقة‬ ‫ثالثة محاور‪:‬‬
‫السوق العالمية المتجهة للتقنية مثل‪ :‬علي‬
‫بــابــا وأمــــازون مــن بداياتهما المتواضعة‬ ‫األول‪ ،‬الدعم اإلداري واللوجستي‪ ،‬إذ‬
‫وتخطي التحديات إلى النجاح الذي تحقق‬ ‫أشارت إلى أن أي مشروع في البداية يحتاج‬
‫في منافسة السوق العالمي‪ .‬كما أوضحت‬ ‫دراسة جدوى اقتصادية وتراخيص مزاولة‬
‫ما يميز هذه الشركات التقنية الحديثة مثل‬ ‫الــنــشــاط‪ ،‬والــتــي تــصــدرهــا وزارة التجارة‬
‫أمازون وأوبر واير بي اند بي بأنها أحدثت‬
‫واالستثمار (السجل التجاري) ووزارة الشئون‬
‫طفرة تنافسية تجاوزت النماذج التقليدية‬
‫للشركات السابقة بــاالبــتــكــار‪ ،‬والــوصــول‬ ‫البلدية (رخص البلدية)‪.‬‬
‫للعالمية‪ .‬كما تميزت هذه الشركات بالتركيز‬ ‫الثاني هو الدعم المالي والقروض‪ :‬فقالت‬
‫على إرضاء العمالء فوراً والسماح لعمالئها‬ ‫إن أي مشروع يحتاج إلى تمويل سواء كان‬
‫بتعديل المنتَج‪ ،‬ومن أهم االبتكارات لهذه‬ ‫ال ذاتياً أم حكومياً من جهات اإلقراض‪،‬‬
‫تموي ً‬
‫الشركات تعزيز وتحسين الكفاءة عن طريق‬
‫بنك التنمية (التسليف سابقاً) والصندوق‬
‫استخدام األتمتة‪ ،‬وفي أثناء شرح تطورات‬
‫السوق الحالية وبعيدة األجــل أوردت كيف‬ ‫الصناعي‪ ،‬وغيرها الكثير من طرق التمويل‬
‫أن رواد أعمال لمنشآت صغيرة استفادوا‬ ‫والتي أخطرها القروض التجارية من البنوك‬
‫من فــرص ســوق العمالقة في مجال أتمتة‬ ‫نظراً الرتفاع الفوائد‪.‬‬
‫التسوق في السوبرماركت كما تفعل أمازون‪.‬‬
‫ثــالــث مــحــاور ورقتها الــفــرص المتاحة‬
‫ثم قارنت اتجاه السوق المحلي بعد عرض‬
‫إحصاءات عن وضع سوق التقنية‪.‬‬ ‫لالستثمار‪ :‬كالفرص اإلبداعية واالبتكارية‬
‫الجديدة‪ ،‬وهذه مصدرها التفكير واإلبداع‪،‬‬
‫وأظ ــه ــرت أن أفــضــل خمسين منشأة‬
‫وأكــدت أن المجتمع بحاجة إلــى مثل هذه‬
‫صغيرة تركز على التطبيقات فقط‪ ،‬وأن‬
‫هناك فرصاً كبيرة لنقل ابتكارات السوق‬ ‫وج ـدّة‪ ،‬وهناك‬ ‫الفرص لما فيها من ابتكار ِ‬
‫العالمي محليا للشابات والشباب السعودي‪،‬‬ ‫ال ــف ــرص الــتــقــلــيــديــة ومــصــدرهــا الــغــرف‬
‫كما شرحت نماذج لمنشآت صغيرة بدأت‬ ‫التجارية وهيئة االستثمار ومكاتب ترويج‬
‫تــعــمــل مــن الــمــنــزل ثــم تــطــورت وانتقلت‬ ‫فرص االستثمار‪.‬‬
‫إلــى العالمية‪ .‬وتحدثت عــن مــصــادر دعم‬
‫وختمت بأن كل ما هو متاح للرجل متاح المنشآت الصغيرة من حكومية وجامعات‬
‫للمرأة‪ ،‬وأكدت على ضرورة البعد عن التقليد ومراكز ربحية‪ ،‬وختمت بتوصية الحاضرات‬
‫العشوائي‪ ،‬وضرورة دراسة أي مشروع دراسة بتعلم اللغة اإلنجليزية لتمكنهن من االطالع‬
‫على االتجاهات العالمية‪.‬‬ ‫وافية قبل البدء بالتنفيذ‪ ،‬لضمان نجاحه‪.‬‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪18‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد‬
‫ورش تدريبية على هامش المنتدى‬
‫نظمت هيئة المنتدى أربع ورش عمل تدريبية‪ ،‬شارك فيها ما يزيد عن مائة وعشرين من‬
‫سيدات المجتمع المحلي‪ ،‬وقد شملت أربعة موضوعات‪:‬‬
‫تكن معروفة سابقا‪ ،‬كما وضحت الفرق بين‬ ‫‪ -1‬ورشة (اصنعي فكرتك الريادية)‬
‫اإلبداع واالبتكار في التطبيق‪.‬‬ ‫قدمتها‪ :‬د‪ .‬ريما بنت سعيد‬
‫تخلل هذه الورشة عدة تمارين تطبيقية‬ ‫(دكتوراه في إدارة األعمال الدولية ‪-‬‬
‫تهدف إلى تنمية جوانب معينة لدى الحضور‬ ‫جامعة الملك سعود)‪.‬‬
‫وه ــي‪ :‬التفكير خ ــارج الــصــنــدوق‪ ،‬واألخــذ‬ ‫تضمنت الورشة عدة محاور‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫باآلراء‪ ،‬والعمل الجماعي بين أعضاء الفريق‪.‬‬
‫‪ -‬من أين تنبع الفكرة للمشروع‪.‬‬
‫كما أكــدت على أن مــن واجبنا السعي‬
‫‪ -‬كيف نقيم فكرة المشروع؟‬
‫للنهوض بوطننا وبمجتمعنا‪ ،‬لذا علينا البدء‬
‫‪ -‬تقييم وضع المشروع بالنسبة للمنافسين‪ .‬في االبتكار والعمل على أن تكون منشآتنا‬
‫ومشاريعنا قائمة بأيدي أبنائنا بأفكارهم‬ ‫‪ -‬خطوات تحويل الفكرة إلى الواقع‪.‬‬
‫وجهدهم‪ ،‬كما تطرقت إلى عدة محاور مهمة‪:‬‬
‫وبعد استعراض أهــم المحاور‪ ،‬وتقديم‬
‫الشرح عن كل محور‪ ،‬تشاركت المشاركات ‪ -‬رؤية ‪ :2030‬األفكار اإلبداعية تساعدنا‬
‫على تحقيق رؤية وطننا الملهمة‪ ،‬وكيف‬ ‫بالندوة في حوار ثري حول صناعة الفكرة‬
‫نصل إلى اقتصاد مزدهر‪ ،‬ومجتمع حيوي‬ ‫الــريــاديــة‪ ،‬وأثــيــر الــعــديــد مــن األســئــلــة من‬
‫ووطن طموح وذلك بالخروج عن األفكار‬ ‫الــمــشــاركــات‪ ،‬وش ــارك الجميع فــي اقتراح‬
‫التقليدية‪ ،‬والــنــظــر فــي تنويع مصادر‬ ‫اإلجابات في حوار رسّ خ الفائدة من الورشة‬
‫الدخل‪ ،‬بعيدا عن االعتماد على إيرادات‬ ‫لدى المتدربات‪ ،‬كما تولت المدربة اإلجابة‬
‫النفط‪.‬‬ ‫عن استفسارات وتساؤالت رائدات األعمال‪.‬‬
‫‪ -2‬ورشة (االبتكار في ريادة األعمال) ‪ -‬الــبــعــد االقــتــصــادي‪ :‬ينهض االقــتــصــاد‬
‫بإيجادنا لحلول مبتكرة وذات كفاءة عالية‬
‫قدمتها‪ :‬أ‪ .‬جواهر سعد بن جوهر‬
‫لمشاكل عدة مثل الفقر والبطالة‪ ،‬وتتيح‬
‫(ماجستير من جامعة ميامي ومدربة في مجال‬
‫لنا تطوير برامجنا‪.‬‬
‫إدارة األعمال والمشاريع)‪.‬‬
‫‪ -‬البعد البيئي‪ :‬تؤثر إيجابا على اهتمامنا‬
‫بــدأت الــورشــة بتعريف لمعنى االبتكار‬
‫بالبيئة بإيجاد طرق إبداعية للسيطرة‬ ‫أو اإلبـــداع كمفهوم علمي‪ ،‬واســتــنــاداً إلى‬
‫على التلوث وترشيد االستهالك‪.‬‬ ‫تعريف العلماء لــه على أنــه عملية عقلية‬
‫هــادفــة ونــشــطــة فــي اســتــخــدام الــخــبــرات ‪ -‬البعد االجتماعي‪ :‬تجعل المجتمع على‬
‫تواصل مستمر مع بعضه بعضاً‪ ،‬وأكثر‬ ‫والمعلومات‪ ،‬تصحبها رغبة شديدة إليجاد‬
‫تالحماً‪.‬‬ ‫حلول لمشكالت ومواجهة معوقات بطرق لم‬
‫‪19‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫‪ -‬الــبــعــد الــخــدمــي‪ :‬تسهيل الــكــثــيــر من توجيه المنتج أو الخدمة له؟‬
‫كما تم تقديم شرح تفصيلي لكل عنصر‬ ‫الــخــدمــات بــطــرق إبــداعــيــة‪ ،‬فتختصر‬
‫الوقت والجهد والتكلفة مثل التطبيقات من عناصر نموذج العمل التجاري والــذي‬
‫اإللكترونية‪.‬‬
‫يشمل‪ :‬الشريحة المستهدفة‪ ،‬وقيمة العرض‪،‬‬
‫‪ -‬البعد الشخصي‪ :‬ترفع المستوى المعرفي والــقــنــوات‪ ،‬والعالقة مع العمالء‪ ،‬والمهام‬
‫لألشخاص‪ ،‬وتزيد ثقتهم بأنفسهم وتحقق األســاس‪ ،‬والشركاء الرئيسيين‪ ،‬والمصادر‬
‫األساس‪ ،‬وهيكل التكاليف‪ ،‬ومصادر الدخل‪،‬‬ ‫الرضى الذاتي‪.‬‬
‫كما تناولت المدربة العناصر الداعمة كما تم التركيز على آليات التسعير وضريبة‬
‫للتفكير اإلب ــداع ــي مــن حــيــث الــمــهــارات القيمة المضافة‪.‬‬
‫وختمت الورشة أن ثقافة ريادة األعمال‬ ‫ال منها لها‬
‫والسلوك والحوافز‪ ،‬وكيف أن ك ً‬
‫أثــره فــي طــرق تفكيرنا وأخــذنــا إلــى عالم تتطلب اهتماماً كبيراً لما تتضمنها من‬
‫األفــكــار الجديدة التي تالمس احتياجات فــوائــد‪ :‬كــإقــامــة مجموعة مــن الملتقيات‬
‫المستفيدين‪ ،‬ولخصت األدوات التي نحتاج الخاصة بالريادة‪ ،‬ونشر قصص نجاح لرواد‬
‫إليها لنبدأ بالفكرة اإلبداعية بثالثة عناصر أعــمــال سعوديين‪ ،‬وطالبت بــإدخــال ريــادة‬
‫هي‪ :‬الرغبة‪ ،‬والخبرات والمعرفة‪ ،‬والبحث‪ .‬األعــمــال كمقرر دراس ــي لــلــمــدارس‪ ،‬إذ إن‬
‫واختتمت الورشة بشرح الخطوات المتبعة كل ذلك من شأنه دفع الشباب والمجتمع‬
‫لالنطالق بالمشروع التجاري من الفكرة بشكل عام للتوجه إلى عالم ريادة األعمال‪،‬‬
‫االعتيادية إلى الفكرة اإلبداعية‪ ،‬ثم األداء التي ستسهم في تحقيق أحد أهداف رؤية‬
‫الوطن ‪ ،2030‬بالنظر لما تستهدفه الرؤية‬ ‫ثم التقييم إلى التنفيذ‪.‬‬
‫من رفع نسبة إسهام المؤسسات الصغيرة‬ ‫‪ -3‬ورشة‬
‫والمتوسطة في الناتج المحلي اإلجمالي‪،‬‬
‫(من الفكرة إلى العمل التجاري)‬
‫إضافة إلى تخفيض نسبة البطالة وتوفير‬
‫فرص عمل‪.‬‬ ‫قدمتها أ‪ .‬لما النمي‬
‫(بكالوريوس في مجال ريادة األعمال ‪ -‬معهد‬
‫‪ -4‬ورشة (اإلجراءات القانونية‬
‫الملك سلمان لريادة األعمال)‪.‬‬
‫للمنشآت الصغيرة والمتوسطة ‪ -‬شركة‬
‫تمكّ ن لالستشارات اإلدارية)‬ ‫تضمنت الــورشــة توضيح مفهوم ريــادة‬
‫واستعراضا لنماذج‬
‫ً‬ ‫األعمال واستراتيجياتها‪،‬‬
‫قدمتها أ‪ .‬لمياء القاضي‬
‫مشاريع ريادية سعودية‪ ،‬وشرحاً لعناصر‬
‫(مدربة معتمدة في مجال تأسيس وإدارة المشاريع)‪.‬‬
‫نموذج العمل التجاري‪ ،‬الذي يهدف إلعطاء‬
‫كــل رائــد أعــمــال فــي بــدايــة تأسيس أي‬ ‫صورة أوضح للفكرة عند تطبيقها على أرض‬
‫الواقع‪ ،‬إذ يقدم إجابات مهمة لمجموعة من مشروع ينبغي أن يكون على معرفة عالية‬
‫األسئلة من بينها ما هو المنتج أو ما هي بالسوق المستهدفة لمشروعه مــن حيث‬
‫الخدمة التي يرغب رائد األعمال أو صاحب آلياته وإجراءاته ومتطلبات العمل فيه وفرص‬
‫الــمــشــروع فــي تقديمها؟ ولــمــن ســوف يتم النجاح المتاحة؛ وبالتالي يجب أن يبحث عن‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪20‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد‬
‫عمالة ذات مهارات عالية فنية أو تقنية‪،‬‬ ‫الــطــرق الصحيحة واألســـاس ليتمكن من‬
‫ومن الممكن عدم توافرها في المملكة‪،‬‬ ‫العمل في مشروعه بطريقة سليمة تضمن‬
‫لذا ينبغي وضع خطة واضحة لإلمكانات‬ ‫نجاحه وتساعده في تجاوز الصعوبات وتبعد‬
‫المتوافرة والمهارات المطلوبة تساعد‬ ‫عنه أسباب الفشل‪ .‬ويبدأ كل ذلك بمعرفة‬
‫صاحب المشروع على اتــخــاذ قــرارات‬ ‫اإلجراءات القانونية والحكومية في المملكة‬
‫سليمة عند بدء مشروعه بالتوظيف‪.‬‬ ‫العربية السعودية لبدء أي مشروع تجاري‬
‫والتي يمكن تلخيصها بشكل مبسط بمعرفة‬
‫ ‪ -‬التفرغ‪ ،‬عند اختيار المشروع المناسب‬ ‫الجوانب اآلتية‪:‬‬
‫يــجــب م ــراع ــاة الــوقــت والــجــهــد الــذي‬
‫‪ )1‬األشكال القانونية للمشاريع والتزاماتها‪:‬‬
‫سيتطلبه الــمــشــروع مــن صــاحــبــه‪ ،‬في‬
‫حال كان التفرغ إلزامياً لدقة المشروع‬ ‫ من حيث معرفة الفروقات بين المؤسسات‬
‫ومتطلباته العالية وصاحب المشروع غير‬ ‫الفردية والشركات والتزاماتها القانونية‪،‬‬
‫قادر على الموازنة بين عمله والمشروع‬ ‫وما تم استحداثه في النظام السعودي‪،‬‬
‫الخاص‪ ،‬فيجب عليه تعيين مدير بدوام‬ ‫كــنــظــام شــركــة الــشــخــص الــواحــد التي‬
‫تــســاعــد فــي تنمية االقــتــصــاد وزيـــادة‬
‫كامل إلدارة المشروع‪ ،‬أو اختيار مشروع‬
‫االستثمارات الشخصية لقلة المخاطرة‪.‬‬
‫آخر يتناسب مع جدوله بشكل أفضل‪.‬‬
‫‪ -‬المعرفة الفنية والتقنية‪ ،‬إن المهارات‬ ‫‪ )2‬آلية البحث عن اإلجراءات الحكومية‪:‬‬
‫الفنية والتقنية لتنفيذ المشاريع هي جزء‬ ‫ والتي تتلخص في البحث عن النشاط‬
‫ال يتجزأ مــن الــمــشــروع‪ ،‬فمن استطاع‬ ‫الــصــحــيــح لــلــفــكــرة ال ــم ــراد تنفيذها‪،‬‬
‫اتقانها استطاع إنجاح مشروعه؛ لذا يجب‬ ‫ومــن ثــم تحديد الجهات ذات العالقة‬
‫على صاحب المشروع أن يكون صادقا‬ ‫واشتراطاتها‪.‬‬
‫مع نفسه بالنسبة لمعرفته ومهاراته في‬ ‫‪ )3‬اختيار المشروع المناسب‪:‬‬
‫المجال التخصصي لمشروعه‪ ..‬حتى‬
‫ تم التطرق إلى اآللية الصحيحة الختيار‬
‫يعرف ما هي النواقص التي لن يستطيع‬ ‫المشروع‪ ،‬وبالتالي تقليل فــرص فشل‬
‫تنفيذها‪ ،‬وبالتالي توظيف فريق عمل‬ ‫المشروع وذلك من خالل‪:‬‬
‫مكمل لمهاراته ومعرفته‪.‬‬
‫‪ -‬التمويل‪ ،‬فبعض المشاريع تتطلب رأس‬
‫كما استعرضت األستاذة لميا القاضي في‬ ‫عال (مثل تأسيس مقر ‪ -‬استقدام‬ ‫مال ٍ‬
‫الورشة‪ ،‬الجهات الحكومية ذات العالقة على‬ ‫عمالة ‪-‬أجهزة ‪-‬نظام تقني‪ ..‬الخ)؛ لذا‬
‫حسب نشاطاتها‪ .‬وكذلك الجهات الداعمة‬ ‫يجب على صاحب المشروع األخذ بعين‬
‫االعتبار القدرة المادية المتاحة لديه في‬
‫للمشاريع الــصــغــيــرة والــمــتــوســطــة وطــرق‬
‫دعمها‪ ،‬وعمل دليل بأهم الجهات الداعمة‬ ‫وقت التنفيذ أو الحلول التمويلية التي‬
‫وحاضنات األعــمــال والــمــبــادرات الخاصة‬ ‫يستطيع الحصول عليها‪.‬‬
‫‪ -‬التوظيف والعمالة‪ ،‬هناك مشاريع تحتاج بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة‪.‬‬
‫‪21‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫في محافظة الغاط‬
‫عراقة التاريخ وعبق الثقافة*‬

‫■ د‪ .‬هيا بنت عبدالرحمن السمهري**‬


‫عندما يكون االرتحال لمحافظة الغاط من التوق والشوق للثقافة‪ ،‬وعندما يكون تأطير ًا‬
‫حافز ًا في صياغة التنمية‪ ،‬وعندما يكون دعم ًا للمعرفة وتحقيق ًا لممكنات النهوض فحتم ًا‬
‫سيكون االرتحال مختلف ًا في أصوله وشكوله‪ .‬فهناك في الغاط حكايات للكرم األصيل‪،‬‬
‫وتلويحة زمانية تخترق القلوب؛ وشــواهــد مكانية تحمل دالالت التنوير؛ وهـنــاك أحــام‬
‫عربية بيضاء تكوّنت في دار الرحمانية ومكتبتها ذات الصفوف الملوَّ نة من أوعية المعرفة‬
‫ال يستغلق على زائرها التقاط متغيراتها وتجدّ دها الدؤوب‪.‬‬

‫يرعى المناشط الثقافية‪ ،‬ويقدم التمويل‬ ‫أمــا الــبــدايــات‪ ،‬فقد ومــضــتْ هــنــاك في‬
‫للبحوث‪ ،‬وينشر الدراسات والكتب ويصدر‬ ‫الــجــوف لتدفعنا لــاســتــفــاضــة فــي شــرح‬
‫دوريتين تعنيان باآلثار والثقافة واألدب‪ ..‬كما‬ ‫تفاصيل المشروع الثقافي‪ ،‬الذي امتد من‬
‫يرعى المركز جائزة األمير عبدالرحمن بن‬ ‫الجوف في تأسيس صــادق لتغذية العقول‬
‫أحمد السديري للتفوق العلمي في كل من‬ ‫بالمعرفة‪ ،‬ليستقبل مجتمع الــجــوف منذ‬
‫الجوف والغاط؛ وهناك خطة ممتدة البتعاث‬ ‫نحو نيّف وخمسين عاماً مكتبة «دار العلوم»‬
‫المتفوقات لــلــدراســات التخصصية العليا‬ ‫«‪1383‬هـــ» التي أسسها األمير عبدالرحمن‬
‫تمخضت عن عدد محفز منذ عام ‪1425‬هـ‪.‬‬ ‫ابن أحمد السديري ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬إبَّان إمارته‬
‫هُناك؛ وأصبحت منارة ثقافية تحمل وجيب‬
‫أمــا المنتدى السنوي المكتنز «منتدى‬
‫مجتمعها ووطنها الكبير؛ وتعمّق من الجوف‬
‫منيرة الملحم لخدمة المجتمع» فهو منصة‬
‫العطاء اإلنساني لمؤسس المركز الثقافي‬
‫إشــراق مجتمعية‪ ،‬ومجيء مدهش توشحه‬
‫الموسوم باسمه ‪ -‬رحمه اهلل‪ -‬فتراسلت‬
‫اسمها (رحمها اهلل) ليصبح جزءاً من الثقافة‬
‫المثاقفة مع الغاط‪ ،‬إذ عزم (رحمه اهلل) أن‬
‫الوطنية وأتمت عائلتها رسم لوحاته النامية‪،‬‬
‫يترك مساحة لتاريخ الثقافة في مرابع الغاط‬
‫فعبر ذلك المنتدى المجتمعي مدارجه العشر‬
‫الجميل؛ فنهضت ثقافة الــغــاط‪ ،‬فاقتربتْ‬
‫حتى هذا العام ‪1439‬هـ وما يزال يستضيف‬
‫الرؤى واستدارت الزوايا؛ فكانت مكتبة منيرة‬
‫نخبة مــن عقول بــادنــا النسائية لتتصدر‬ ‫الملحم ‪ -‬رحمها اهلل‪ -‬وكان المنتدى السنوي‬
‫طروحاته وتفيض بما يعزِّز معلومات المشهد‪.‬‬ ‫األب ــرز فــي دعــم الــمــرأة‪ ..‬فالمكتبتان في‬
‫ولــكــل دورة تــخــطــيــط مــحــكــم وعــنــايــة‬ ‫سكاكا والغاط تشكالن مركزاً ثقافياً بفرعين‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪22‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد‬
‫في الجامعة؛ وطرحاً تنظيمياً محفزاً من‬ ‫بالتفاصيل لتحقيق األهداف المتوخاة؛ ودائماً‬
‫متخصصات مــن الــقــطــاعــات المعنية في‬ ‫ما يحصد المنتدى نجاحات تذكر وتشكر‪،‬‬
‫بالدنا؛ وورش عمل مصاحبة كانت إضاءات‬ ‫تأسيساً على جــدارة االنتقاء للموضوعات‬
‫لتحفيز االستعداد لريادة األعمال‪.‬‬ ‫التي تمس وجيب المجتمع؛ وَمِ ما طرح في‬
‫المنتديات السابقة «أساليب كسب األبناء‬
‫نــعــم‪ُ ،‬هــنَ ــاك فــي الــغــاط شــعــور جميل‬ ‫وتوجيه سلوكهم‪« »،‬ذوو االحتياجات الخاصة‬
‫بين التحدي والحقوق»‪« ،‬العنف األســري»‪ ،‬بالمغامرة المحمودة لفتح بوابات الثقافة‬
‫«دور األسرة في انحراف األبناء»؛ و«الصحة وخدمة المجتمع على مصراعيها لتمتد من‬
‫النفسية ضمن الحياة األسرية»‪ ،‬وموضوعات الغاط الجميلة إلى كل أرجاء بالدنا؛ فهنيئاً‬
‫أخرى في الشأن الصحي العام‪ ،‬وهذا العام للغاط ِحراكَها الثقافيّ المثمر‪ ،‬وهنيئاً لها‬
‫كانت دورة المنتدى في موضوع حيويّ يتصدر ازدهارها المجتمعيّ المشهود الذي صنعته‬
‫تلك العقول العظيمة‬ ‫تــظــاهــرتــنــا الــوطــنــيــة‬
‫أرض تختال في حضن نجد‬ ‫أي ٍ‬ ‫ُّ‬
‫دوحــةُ الفكر والفضاءُ الجميلُ ‪-‬رحمهم اهلل وحفظ‬ ‫الجديدة وهــو (ريــادة‬
‫األع ــم ــال الــنــســائــيــة‪:‬‬
‫امــتــدادهــم‪ -‬ليكملوا‬
‫الـــواقـــع والــتــطــلــعــات ت ـس ـك ـ ُـب الـ ـ ـ ــو َّد ل ـل ـح ـي ــاة غ ــزي ــرً ا‬
‫ف ـ ــي دنـ ـ ـ ــان رحـ ـيـ ـقـ ـه ــا مـ ـعـ ـس ــولُ الــمــســيــرة الــتــنــمــويــة‬
‫المستقبلية)‪ ،‬فكان‬
‫الثقافية‪.‬‬
‫الـ ــمـ ــوضـ ــوع حــفــيّــا‪ ،‬ذاك ربــع شــاقـ ْـت مغانيه نفسي‬
‫ويــســتــحــق الــمــركــز‬ ‫تـ ـتـ ـه ــادى ف ـي ــه الـ ـ ـم ـ ــزونُ ت ـس ـيــلُ‬ ‫فكل مــشــارِ كــة جــاءت‬
‫راك‬‫وما ينتج عنه من ِح ٍ‬ ‫لــتــبــحــث ع ــن ضــمــان‬
‫الغاط موئل الحسن صاغوا‬ ‫ُ‬ ‫إنها‬
‫ف ـ ــي ث ـ ــراه ـ ــا حـ ـك ــاي ــة س ـت ـط ــولُ ثقافيّ تنمويّ مجتمعيّ‬ ‫ريادة األعمال وطريقة‬
‫تصدّر مصادر التنوير‬ ‫إعـ ــدادهـ ــا وال ــش ــروع‬
‫فيها‪ ،‬واستمعنا ُهنَاك ه ـ ـ ــي ح ـ ـ ـ ـ ٌّـب ورح ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــةٌ وت ـ ــآخ ـ ــي‬
‫الثقافي تأسيساً في‬
‫وبـ ـه ــا الـ ـعـ ـ ّز والـ ـشـ ـم ــوخُ ش ـك ــولُ‬ ‫لنخبة مختارة باقتدار‬
‫بــادنــا‪ ،‬ومــنــح الــمــرأة‬
‫أول نوافذ الثقافة في‬ ‫لمثاقفة الحاضرات وهـ ـ ــي م ــاش ـئ ــت ف ــرح ــة وض ـي ــاء‬
‫وه ـ ـ ــي لـ ـ ـل ـ ــواردي ـ ــن ظ ـ ـ ـ ٌّـل ظ ـل ـي ــلُ‬ ‫حــول كيفية الصعود‬
‫مــشــروع ثقافي كبير‪،‬‬ ‫وص ــن ــاع ــة ال ــن ــج ــاح؛‬
‫وتبنّى مفهوم الشراكة‬ ‫وهـ ــي ن ـب ــعٌ ل ـم ــن ي ــاق ــي ث ــراه ــا‬
‫فكان طرحاً أكاديمياً‬
‫وهـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ــرع ودوحـ ـ ـ ـ ـ ــة وأصـ ـ ـ ـ ــولُ ال ــم ــج ــت ــم ــع ــي ــة قــبــل‬ ‫معرفياً من خالل نخبة‬
‫صياغاتها الحديثة؛‬ ‫مــن أســتــاذات جامعة ليت شعري في الغاط فكر وفير‬
‫والثقافةُ تنثالُ منها الحقولُ ي ــس ــت ــح ــق ال ــم ــرك ــز‬ ‫الملك سعود‪ ،‬إذ كان‬
‫تكريماً وطنياً في أرفع‬ ‫الــمــنــتــدى بــالــتــعــاون إن عشقنا المُ قام في الغاط يوم ًا‬
‫ـوق وب ـ ـه ـ ـجـ ــةٌ وقـ ـ ـب ـ ــولُ مستوياته‪.‬‬ ‫ف ـ ـهـ ــو ش ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫مـ ـــع مــــركــــز ب ــح ــوث‬
‫الــدراســات اإلنسانية‬

‫ * المصدر‪ :‬صحيفة الجزيرة‪ ،‬العدد ‪ 16572‬األحد ‪ 25‬جمادى األولى ‪1439‬هـ (‪2018/2/11‬م)​‪.‬‬


‫** شاعرة وكاتبة سعودية‪.‬‬
‫ ‬
‫‪23‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫دار العلوم بالجوف تعقد ندوة بعنوان‪:‬‬
‫لطيفة بنت عبدالرحمن السديري‬
‫سيرة ‪ ..‬وحياة‬
‫■ فاطمة يوسف العلي و محمد جميل أحمد‬

‫عقد مركز عبد الرحمن السديري‪ ،‬بمدينة الجوف‪ ،‬ندوة حول رائدة التعليم‬
‫في منطقة الجوف السيدة لطيفة بنت عبدالرحمن السديري رحمها اهلل‪ ،‬وذلك‬
‫يوم الخميس ‪ ١٩‬رجب ‪١٤٣٩‬هـ ( ‪ ١٥‬إبريل عام ‪٢٠١٨‬م)‪ ،‬استضاف فيها األستاذات‪:‬‬
‫السطام‪ ،‬وعفراء الذباح‪ ،‬ونوارة العرسان‪،‬‬
‫َّ‬ ‫هيا الملحم‪ ،‬وفاطمة العدوان‪ ،‬و مريم‬
‫وفاطمة القاضي‪ .‬وأدارت الـنــدوة الــدكـتــورة هيا السمهري‪ ،‬التي ابـتــدرت الندوة‬
‫بقولها‪ :‬نتحدث اليوم في هذه الندوة عن رائــدة من رائــدات التعليم في منطقة‬
‫الجوف هي السيدة لطيفة بنت عبدالرحمن السديري‪ ،‬رحمها اهلل‪ .‬فقد كان لها‬
‫دور محوري وريــادي في تعليم البنات بالمنطقة على مدى سنوات طويلة بدعم‬
‫ومــؤازرة من والدها معالي األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري خالل توليه‬
‫إمارة الجوف لنحو خمسة عقود‪ .‬وستسعرض فارسات هذه الندوة بعض إنجازاتها‬
‫التأسيسية في التعليم وكذلك في المجتمع‪.‬‬
‫لقد كانت لطيفة السديري إحدى منسوبات مدرسة الجوف االبتدائية وترقت‬
‫في السلم التعليمي وممارسة مهنة التعليم إلى أن تولت «التوجيه التربوي» في‬
‫تعليم البنات بمنطقة الجوف (اإلش ــراف التربوي حالياً)‪ .‬وكانت أبــرز صفاتها‬
‫رحمها اهلل قـيــادة المجتمع النسائي بكل أطيافه عبر االسـتـفــادة القصوى من‬
‫المعرفة والتعليم‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪24‬‬


‫س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرة وإن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاز‬

‫ولقد بــدأت في ظــروف صعبة وأسست كان مولدها في مدينة الغاط بنجد‪ ،‬وجاءت‬
‫دورهــا التعليمي عبر مسيرة تربوية شاقة إلى الجوف طفلة مع والدتها وتلقت تعليمها‬
‫ومشرّفة‪ .‬كانت السيدة لطيفة السديري االبتدائي في البيت على يد معلمة خاصة‪،‬‬
‫شغوفة بتعليم بنات وطنها وبخاصة في واخــتــبــرت الــصــف الــســادس مــع أخــواتــهــا‬
‫الجوف‪ .‬وكان لها دور مميز في تحفيزهن في مدرسة األوالد‪ ،‬ضمن غرفه مستقلة‪.‬‬
‫على التعليم مــن خــال العمل الجماعي كما درســت المرحلة المتوسطة عن طريق‬
‫والعالقات االجتماعية الناجحة والشخصية المنازل‪ ،‬ثم المرحلة الثانوية في مــدارس‬
‫القيادية الــــودودة‪ ،‬كما ســنــرى فــي حديث «دار الحنان» بجده ونالت الشهادة الثانوية‬
‫الضيفات الكريمات خالل حديثهن الشيّق منها‪ .‬وفيما هي تهم بالسفر إلــى بيروت‬
‫عــن الــرائــدة لطيفة الــســديــري فــي مجال لــلــدراســة فــي الجامعة األمريكية مرضت‬
‫المجتمع والتعليم‪.‬‬
‫والدتها فجأة قبيل سفرها‪ ،‬فاضطرت إلى‬
‫مالزمة والدتها‪ .‬ولم يتيسر لها السفر إلى‬ ‫الجانب اإلنساني عند لطيفة السديري‬
‫تناولت األســتــاذة هيا الملحم الجانب بيروت‪.‬‬

‫لقد تميزت السيدة لطيفة السديري بأنها‬ ‫اإلنساني عند لطيفة الــســديــري‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫‪25‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫كانت بــارة بوالدتها‪ ،‬ومتواضعة مع الكبير تعليمهن وتربيتهن‪ ،‬مع حزم ووقار جعل من‬
‫والصغير إلى جانب شخصيتها القيادية التي ريادتها في التعليم بالجوف عالمة مضيئة‬
‫في تاريخ تعليم البنات بمنطقة الجوف حين‬ ‫كان يش ّع منها الوقار‪.‬‬
‫وأضافت هيا الملحم أنه في جميع مراحل كان المجتمع متردداً في تعليم البنات‪ ،‬لكن‬
‫حياتي عاشرت السيدة لطيفة السديري‪ ،‬بصبرها وحكمتها وأسلوبها المقنع اللطيف‬
‫ومهاراتها وقدراتها ودعم والدها المستنير‬
‫فقد كانت مديرة مدرستي االبتدائية‪ ،‬ورغم‬
‫األمير عبدالرحمن السديري استطاعت أن‬
‫القرابة التي تربطني بها فقد كانت معي في‬
‫تتغلب على العقبات‪.‬‬
‫المدرسة معلمة صارمة‪ ،‬وكذلك كان الحال‬
‫كــانــت تمتلك مــؤهــات مثيرة بالنسبة‬ ‫حين كانت مديرتي في المرحلتين المتوسطة‬
‫والثانوية‪ .‬كما استفدت كثيرا من فكرها لطالباتها؛ فهي بمثابة األم واألخت الكبرى‬
‫التربوي عند عملي مشرفة بالمدرسة معها‪ .‬والمعلمة والمرشدة والصديقة‪ ،‬وبكل تلك‬
‫الصفات تمكّنت من ممارسة الــريــادة في‬
‫ومن صفاتها التي تدل على شخصيتها‬
‫مجال التعليم‪.‬‬
‫التربوية العظيمة أنها كانت تحس بمعاناة‬
‫وم ــن مــواقــفــهــا الــخــالــدة؛ أول مــدرســه‬ ‫الناس وتحفظ أسرارهم‪ ،‬وتظل قريبة منهم‪،‬‬
‫مهتمة بشؤونهم‪ ،‬مخلصة في العمل ووفية تــم افــتــتــاحــهــا بــالــجــوف عــبــارة عــن غــرف‬
‫فــي اهتمامها بالعمل الخيري واإلنساني وساحة وبركة مكشوفة بال حواجز‪ .‬فكانت‬
‫في خدمة الفقراء والمساكين واألق ــارب‪ .‬السيدة لطيفة أثناء فسحة الطالبات تقف‬
‫لقد تركت أستاذة لطيفة لنا سيرة إنسانية كــالــحــارس حــول البركة خــوفـاً مــن سقوط‬
‫عطرة‪ ،‬وتاريخاً حافال باإلنجازات ومناقب إحدى الطالبات‪ ،‬وترشد الطالبات وتتابعهن‬
‫أثناء الفسحة‪ ،‬تحمل على عاتقها مسؤولية‬ ‫كثيرة تدل عليها‪ ،‬رحمها اهلل‪.‬‬
‫رعايتهن وتربيتهن‪ .‬ومن مواقفها التربوية‬
‫الجانب التربوي‬
‫الجميلة أنها ساعدت طالبة قصيرة القامة‬
‫وتحدثت األســتــاذة فاطمة الــعــدوان عن في الصف األول ابتدائي فحملتها بيديها‬
‫الجوانب التربوية للسيدة لطيفة السديري‪ ،‬لتتمكن مــن الكتابة على الــســبــورة‪ ،‬وظلت‬
‫فقالت‪ :‬كانت لها عالقة وطيدة وسامية مع تشجعها عــلــى الــمــشــاركــة الــصــفــيــة‪ .‬ومــن‬
‫طالباتها وأولياء األمور؛ إذ كانت قريبة من مواقفها التربوية البليغة أن إحدى الطالبات‬
‫طالباتها تشعرهن باللطف والمودة؛ فكانت كانت تسكن مع أخيها وزوجاته األربع وكنَّ‬
‫كالشمعة التي تنير لهن الظالم وتسهر على يشغلّنها في خدمتهن باستمرار‪ ،‬ولما جاء‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪26‬‬
‫س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرة وإن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاز‬
‫مــوعــد االمــتــحــان حــاولــت الطالبة تأجيل في أول مدرسة ابتدائية للبنات في منطقة‬
‫أعمال زوجات أخيها للمساء بعد أن تفرغ من الجوف عام ‪1381‬هـ مكونة من سبعة فصول‬
‫اختبار الصباح لكن زوجات أبيها أخبرنه بما تضم (‪ )157‬طالبة في ذلك الزمن المبكر‬
‫فعلت وحرّضنه‪ ،‬فمنعها من المدرسة‪ ،‬وحين كان للريادة حقوقها التي استوفتها لطيفة‬
‫سألت السيدة لطيفة عن الطالبة علمت الــســديــري استيفا ًء كــام ـاً‪ ،‬فكانت كذلك‬
‫بالخبر‪ ،‬فأخبرت والدها األمير عبدالرحمن مديرة ألول مدرسة ابتدائية عام ‪1382‬هـ‪،‬‬
‫السديري فنصح أ َخ الطالبة وحثه على حسن وهو ما يدل بوضوح على أياديها البيضاء في‬
‫معاملتها‪ ،‬حتى تمكنت الطالبة من االختبار‪ ،‬خدمة المرأة بمنطقة الجوف عبر كثير من‬
‫المسارات االجتماعية والتعليمية‪.‬‬ ‫والحقاً عينت معلمة في المدرسة نفسها‪.‬‬

‫ظــل هدفها األول‪ :‬النهوض بالمستوى‬ ‫واختتمت األستاذة فاطمة العدوان حديثها‬
‫بالقول‪ :‬كان حرص السيدة لطيفة السديري التعليمي والثقافي لبنات الجوف‪ ،‬فجاءت‬
‫على تعليم طالباتها أكبر دعم لهن‪ .‬وكانت إسهاماتها وبصماتها بارزة في التعليم منذ‬
‫أكثر حرصا على دروس القراءة والكتابة‪ ،‬بداياته المبكرة‪.‬‬
‫ف ــإذا رأت مستوى متدنياً لــدى إحــداهــن‬
‫بعد تخرج الدفعة األولــى من المرحلة‬
‫فإنها تظل تتابع معها حتى يتحسن مستواها‬
‫االبتدائية‪ ،‬واصلت جهودها إلى أن تم افتتاح‬
‫وتحقق النجاح‪.‬‬
‫معهد المعلمات المتوسط سنه ‪1388‬هـ‪.‬‬

‫كان حضورها أبرز ما ميز عالقاتها مع‬ ‫الجانب اإلداري‬

‫وعــن الجانب اإلداري تحدثت كــلٌّ ؛ من طالباتها‪ .‬وعند تخرج الطالبات من كفاءة‬
‫األســتــاذة مريم السطام في جانب التعليم المعلمات لعبت دورا كبيراً في افتتاح المعهد‬
‫العام‪ ،‬واألســتــاذة عفراء الذباح في جانب الــثــانــوي للبنات بالجوف عــام ‪1391‬هــــ ‪-‬‬
‫‪1392‬هـــ‪ ،‬وقد كانت لهن في المعهد بمثابة‬ ‫اإلشراف التربوي‪.‬‬
‫بــدأت األســتــاذة مريم السطام حديثها‪ .‬األم واألخـــت والــمــديــرة والــمــربــيــة‪ ،‬تشمل‬
‫وقالت‪ :‬في هذه الليلة نتذكر جميعاً سيرة الجميع بعطائها وإخالصها وعطفها رحمها‬
‫عطرة وتاريخاً مشرفاً لمربية فاضلة في اهلل‪.‬‬
‫عند تخرجي من الجامعة عملت معها‬ ‫مــدرســة اإلنسانية‪ .‬فالسيدة لطيفة بنت‬
‫مساعدة ألكثر مــن عشر ســنــوات‪ .‬عرفت‬
‫ِ‬ ‫عبدالرحمن السديري رائدة للتعليم ومنارة‬
‫للتوجيه في منطقة الجوف‪ .‬كانت أول معلمة أسلوبها في التدريس عن قرب‪ ،‬كان كل شيء‬
‫‪27‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫فيها متفرداً‪ ،‬فأسلوب إدارتها وتعاملها مع الرائدة لطيفة السديري استهلت األستاذة‪:‬‬
‫الــظــروف اإلنسانية واالجتماعية األسرية عفراء الذباح حديثها قائلة‪ :‬حين نتحدث‬
‫للطالبات كان تعبيراً عن رقيها وإنسانيتها اليوم عن رائدة كبيرة‪ ،‬إنما نتقدم بالتقدير‬
‫عبر مسارعتها لمد يد العون إلــى كل من والعرفان للرائدة صاحبة القامة التربوية‬
‫تحتاج إليه من الطالبات‪ ،‬اهتمامها وشغلها الكبيرة التي افتقدناها‪ ،‬فيما نحن نحتاج‬
‫الشاغل ارتبط بمصلحة بناتها الطالبات أشــد الــحــاجــة إلــى إخــاصــهــا ومثابرتها‪،‬‬
‫واألخــــذ بــأيــديــهــن إلكــمــال دراســتــهــن في‬
‫فقد كانت مثاالً يحتذى في كل ذلك وأكثر‪.‬‬
‫المراحل الدراسية كافة‪.‬‬
‫لقد نهلنا من خبراتها في مواصلة العملية‬
‫تواضعها‪ ،‬نظرتها البعيدة‪ ،‬تغافلها عن التعليمية وظلت بصماتها وأفكارها باقية في‬
‫الصغائر‪ ..‬كل ذلك جعل من تركيزها على اإلدارة واإلشراف والسلّم التعليمي‪.‬‬
‫طريق النجاح والوصول إلى الغايات بأسهل‬
‫لقد تشرفت بمعاصرة الــرائــدة لطيفة‬
‫الطرق‪ ،‬هو السبيل إلى وصول غاياتها في‬
‫السديري منذ أن كانت مديرة ألول مدرسة‬
‫الحياة وتحقيق أهدافها النبيلة والمشروعة؛‬
‫فقد كانت تحرض طالباتها باستمرار على أن ابتدائية في حي المطر‪ ،‬إلــى أن أصبحت‬
‫يكون اإلنجاز والتفاني في العمل هو معيار مشرفة وبعد تقاعدها‪ ،‬ومــا أزال أتشرف‬
‫التقدير ومؤشر التكريم‪ ،‬رحمها اهلل رحمة بتلك الصحبة الطيبة‪.‬‬

‫كانت طيبة الخلق مع موظفاتها تقدرهن‬ ‫واسعة على ما قدمته من جهود طيبة‪.‬‬
‫وفـــي هـــذه األمــســيــة ال يــســعــنــا إال أن وتــحــتــرمــهــن‪ ،‬وتــســأل عــنــهــن فــي غيابهن‬
‫نستحضر ســيــرة والــدهــا ووالــدنــا جميعاً مــع أنــه نـ ــادراً مــا تتغيب إحــداهــن لتحمل‬
‫المرحوم األمير عبدالرحمن السديري الذي الــمــســؤولــيــة وألهــمــيــة الــعــمــل‪ .‬ولــلــســيــدة‬
‫مأل السمع والبصر في هذه المنطقة‪ ،‬وال الرائدة لطيفة السديري رحمها اهلل ذكرى‬
‫يزال أهل الجوف يذكرون موافقة اإلنسانية معطرة باإلخالص في أداء واجبها والبذل‬
‫وخلقة الرفيع طوال فترة بقائه بينهم لمدة طوال عمرها الوظيفي‪ ،‬إذ كانت مثاالً في‬
‫(‪ )48‬عــام ـاً‪ ،‬فقد كــان أبــاً وصــديــقـاً ولكل االنضباط واإلنسانية‪ ،‬في بشاشتها الدائمة‬
‫مــواطــن رحــمــه اهلل رحــمــة واســعــة وأدخــلــه‬
‫لنا‪ ،‬وسؤالها الدائم عن الزميالت الالتي ال‬
‫فسيح جناته‪.‬‬
‫تعرف أخبارهن‪ ،‬فقد كانت أختاً ووالــدة ال‬
‫تعوّض‪.‬‬ ‫اإلشراف التربوي‬

‫ولطالما تميزت رحمها اهلل برجاحة الرأي‬ ‫فيما يتصل بجانب اإلشراف التربوي لدى‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪28‬‬
‫س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرة وإن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاز‬
‫ومــن المواقف التعليمية التي ال تنسى؛‬ ‫والمشورة‪ ،‬حين نسألها ونلجأ إليها في بعض‬
‫األمور التعليمية والحياة األسرية‪ .‬كرمها كان عندما كانت مديرة في مدرسة المطر كانت‬
‫مفعماً‪ ،‬وطيبتها غامرة‪ .‬كانت تحضر معها هــنــاك طفلة عمرها أرب ــع ســنــوات متعلّقة‬
‫للموظفات اللبن والزبدة والتمر‪ ،‬وتدعوهن بأختها التي تــدرس بالصف األول فتحضر‬
‫وتجلس عند بــاب المدرسة‪ .‬لكن األستاذة‬ ‫إلى منزلها أو المزرعة‪.‬‬
‫كما كانت رحمها اهلل نزيهة في تعاملها لطيفة لم تتركها‪ ،‬بل حببت إليها المدرسة؛‬
‫وال تقبل الواسطة‪ .‬وكادت أن تتسبب بعض فكانت تأخذ الطفلة إلدارة المدرسة وتجلسها‬
‫التعيينات بالواسطة‪ ،‬في استقالتها‪ ،‬مما حز فترة الشتاء عند المدفأة وتسكب لها الحليب‬
‫في نفوسنا فذهبنا اليها نطلب منها العودة وتطعمها من الكعك‪ .‬فكانت الطفلة تقول‪:‬‬
‫للتعليم واستجابت لطلبنا ‪-‬جزاها اهلل عنا كنت أحلم متى أكبر وأدرس مثل أختي وتكون‬
‫كل خير‪ .‬رحم اهلل أم عبداهلل‪ ،‬وجمعنا بها مديرتي لطيفة‪ ،‬فمن حبها لها تقول أتمنى‬
‫أن أكون مثلها بتعاملها الراقي وبشخصيتها‬ ‫في مستقر رحمته‪.‬‬
‫الهادئة ومع ذلك مهابة لدى الجميع‪.‬‬ ‫لطيفة السديري الشخصية المؤثرة‬
‫كــانــت‪ ،‬رحــمــهــا اهلل‪ ،‬تــحــب كــل مــن تتلو‬ ‫وفي هذا المحور تحدثت كل من األستاذة‪:‬‬
‫القرآن وتجوّده‪ .‬تروي إحدى المتعلمات أنها‬ ‫نوارة العرسان واألستاذة‪ :‬فاطمة القاضي‪.‬‬
‫كانت تتلو باإلذاعة «وكلما أتلو تالوة مرتلة‬
‫استهلت األستاذة نوارة العرسان حديثها‬
‫قبلتني الــســيــدة لطيفة على رأســـي‪ .‬وفي‬
‫بالقول‪ :‬كانت المنطقة متعطشة للمعرفة‪،‬‬
‫اليوم التالي أحضر حافظة لآليات وأنافس‬
‫وبريادة األستاذة لطيفة السديري السباقة‬
‫فــي الــجــوف لعبت دوراً كبيراً فــي إحــداث زميالتي ألحظى بقبلة من لطيفة السديري؛‬
‫نهضة ناجحة في مجال تعليم البنات‪ ،‬فقد فلها كل األجر رحمها اهلل‪ ،‬وأنا اآلن أحفظ‬
‫كانت حريصة جداً لدعم من تكمل تعليمها أكثر من نصف القرآن مع الترتيل والتجويد‬
‫من أثر تحفيزها لي بهذه القبلة»‪.‬‬ ‫في العاصمة الرياض‪.‬‬
‫كانت تستقطب الموهوبات لكي تنهض‬ ‫شعرت باألمومة قبل أن تكون أ ّمــاً‪ ،‬من‬
‫خالل تعاملها مع األطفال وحبها لهم‪ ،‬تحملت بمستوى تعليمهن وتطوير أفكارهن من أجل‬
‫المسؤولية‪ ،‬رغم صغر سنها‪ ،‬فتربيتها هي خلق بيئة متكاملة للمبدعات والموهوبات‪.‬‬
‫التي ساعدتها على تحمّل المسؤولية وجسدت وكانت تشجعهن على مواصلة التعليم بالدعم‬
‫الكامل للطالبة من سفر وسكن ومواصالت‪.‬‬ ‫حب والدها للجوف من خالل إخالصها‪.‬‬
‫‪29‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫وقــد أقــامــت السيدة لطيفة السديري‪ ،‬معي المستخدمة وأوصلتني البيت ورجعت‬
‫يرحمها اهلل‪ ،‬دورات مسائية للمعلمات‪ ،‬ولكنني وجدت أبي يرحمة اهلل قد توفي‪.‬‬

‫الــمــواقــف والمناقب اإلنسانية للسيدة‬ ‫لتطوير مهاراتهن التعليمية‪ ،‬وتبادل الخبرات‬


‫فيما بينهن‪ ،‬رغبة منها فــي تطوير آليات لطيفة السديري رحمها اهلل عــديــدة‪ ،‬ومن‬
‫التدريس‪ ،‬وكانت تجري لهن اختباراً في نهاية أبرزها‪ :‬تفقد أحوال الطالبات‪ ،‬والتعرف على‬
‫ظروفهن ومساعدتهن‪ ،‬وكانت حريصة على‬ ‫الدورة‪.‬‬
‫إلى جانب إسهاماتها النشطة في إقامة كل ما يفيد الطالبات في تعليمهن ودينهن‬
‫المعارض والمسابقات العملية بين المدارس وحياتهن المستقبلية كانت ركناً وركيزة من‬
‫للنهوض وتحقيق المراكز المتقدمة‪ .‬وأخيراً ركــائــز التعليم فــي منطقة الــجــوف وشمعة‬
‫كانت زياراتها المفاجئة للمدارس تترك أثراً مضيئة لــدروب للتعليم والتربية الصالحة‪،‬‬
‫رحمها اهلل وأسكنها فسيح جناته‪.‬‬ ‫طيباً في جميع مدارس المنطقة‪.‬‬
‫المداخالت‬ ‫وأخيراً‪ ،‬تحدثت األستاذة فاطمة القاضي‪،‬‬
‫مداخلة األستاذة بتالء مناحي‪:‬‬ ‫قائلة‪ :‬أهال وسهال ومرحبا بزائراتنا الكريمات‬
‫وأخواتنا العزيزات‪ .‬أود أن أتحدث عن بعض‬
‫وكانت مداخلتها عبر قصيدة نبطية في‬
‫المواقف والممارسات اإلنسانية‪ ،‬لمن كانت‬
‫مديح السيدة لطيفة السديري رحمها اهلل‪.‬‬
‫ركنا ودعامة متينة للعلم والتعليم والتربية‬
‫مداخلة األستاذة مشخص الــدرزي‪ :‬كنت‬
‫الحسنة والقيادة الحكيمة واإلخالص بالعمل‬
‫في المرحلة المتوسطة واتصلت األستاذة‬
‫بأمانه وحزم‪ ،‬علماً بأن مناقبها وممارستها‬
‫لطيفة رحمها اهلل على والدتي تسألها قائلة‪:‬‬
‫اإلنسانية ال تحصى‪ ،‬ولكن سأذكر منها حادثة‬
‫متي يكبرون بناتك؟ كم أود تسليمهن مناصب‪.‬‬
‫شخصية‪ :‬كنت في الصف الثالث بالمعهد‪،‬‬
‫مداخلة أخرى قصيدة نبطية في مناقب‬ ‫وكــان والــدي رحمه اهلل مريضاً‪ ،‬وكنت كل‬
‫صباح أقبّل راسه قبل ذهابي للمدرسة‪ .‬وفي صــاحــبــة الــســيــرة‪ ،‬مــن األخـــت رســيــل فهد‬
‫يوم وفاته منعوني من الدخول عليه ألنه كان صاهود النمش‪.‬‬

‫مداخلة األســتــاذة نادية السالمة‪ ،‬تقول‬ ‫يحتضر‪ ،‬رحمه اهلل‪ ،‬وأص ــروا على ذهابي‬
‫للمدرسة فعرفت أنه سيفارق الحياة فذهبت فيها‪ :‬كنت طالبة لــدى األســتــاذة القديرة‬
‫لها وأنا أبكي بحرارة وأخبرتها بأنني أرغب لطيفة السديري وكــان لديها هيبة عظيمة‬
‫بالعودة للبيت فضمتني وهدأتني‪ ،‬وأرسلت امتزجت برقة وحنان وحب! وكانت األستاذة‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪30‬‬
‫س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرة وإن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاز‬
‫مداخلة الدكتورة رحاب الملحم‪:‬‬ ‫لطيفة تكافح من أجل تعليم بنات الجوف‪.‬‬

‫كانت خالتي لطيفة تتشبت بيدي وعندما‬ ‫مداخلة أ‪ .‬لطيفة الرويلي‪ ،‬قالت فيها‪:‬‬
‫وددت لو أكتب كتاباً عن هذه الشخصية نقترب من بــاب المدرسة تفلتها قائلة! أنا‬
‫العظيمة‪ .‬وألول مــرة أجــد المتعة والفائدة خالتك بالبيت‪ ،‬هنا تدخلين من باب الطالبات‪،‬‬
‫وثمرة في أمسية عن شخصية تمنيت واهلل لو وانا أدخل من باب أعضاء هيئة التدريس‪.‬‬

‫يا أستاذة لطيفة! أي عدل هذا وأي سياسة‬ ‫ألتقيت بحضرتها‪ ،‬أنا أبحر بشخصية عظيمة‬
‫عظيمة كانت هي مسيرتك!‬ ‫تميزت بهمة وطموح‪.‬‬

‫ليلة حافلة بالحب واالمتنان لسمو أخالقك‬ ‫كما ألقت فيها األستاذة فاطمه العدوان‬
‫قصيدة نبطية فــي مديح ومناقب السيدة ورحمة تغشاك دومــاً‪ ،‬شكراً بحجم العلم‪،‬‬
‫لــطــيــفــة ال ــس ــدي ــري‪ ،‬اس ــت ــذك ــرت مناقبها شكراً بحجم الهواء الذي ارتشفناه بالحديث‬
‫عن سيرتك الطيبة‪.‬‬ ‫وإنجازاتها خالل عملها بالتعليم‪.‬‬

‫إطالق جائزة‬
‫«لطيفة السديري للبحث العلمي»‬
‫أع ـل ـنــت أ‪ .‬د‪ .‬م ـشــاعــل ب ـنــت ع ـبــداحمل ـســن ال ـســديــري‬
‫مساعدة املــديــر الـعــام لـشــؤون القسم النسائي يف مركز‬
‫«األم ـيــر عـبــدالــرحـمــن الـســديــري ال ـث ـقــايف»‪ ،‬خ ــال ال ـنــدوة‪،‬‬
‫إحياء‬
‫ً‬ ‫عن إطالق جائزة باسم «لطيفة السديري للبحث العلمي»‪،‬‬
‫جلهودها وإجنــازاتـهــا بوصفها إح ــدى رائ ــدات التعليم يف‬
‫منطقة اجلــوف؛ لتحفيز طالبات مــدارس الرحمانية‬
‫األهلية‪ ،‬وتطوير مهاراتهن يف مجال البحث‬
‫العلمي‪.‬‬

‫‪31‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫زياد السالم‬
‫حصة األدب والتاريخ‬
‫ألنه ابن الجوف‪ ،‬ومن عرار الصحراء وبيدائها‪ ،‬وألن التاريخ ال يسجل سوى‬
‫العظماء أد ًبــا وشـعــرً ا ولهفةً روحـيــة؛ كــان لزياد السالم ككل بني آدم نصيبه من‬
‫الحياة‪..‬‬
‫فكيف لك أن تقرأ الحروف التي تتوه بين جنبات اللغة وآدابها الفذّ ة‪ ،‬وأنت‬
‫وفرحا بأن وجدت بين ثنايا الروح األدبية شاعرً ا من طراز‬
‫ً‬ ‫تسعى ألكل النص نهمً ا‬
‫مختلف ومن زمن مختلف‪..‬‬
‫إنه زياد السالم‪..‬‬
‫صاحب الورقة البيضاء التي تخربش عليها أرواحنا لهفةً وفرحا‪ ..‬فهو يرسمنا‬
‫بألوان مختلفة وروح عذبة‪..‬‬
‫فال يضيف نفسه إلى نفسه فقط‪..‬‬
‫بل يضيفنا معه إلى نفسه الثاقبة في عصور الورد الزعفران‪ ،‬لتزهر أرواحنا بين‬
‫ثنايا كتب ال ندرك منها سوى الشبق المعمّ ى للهفة الروح‪ ،‬المشتاقة المتعطشة‬
‫لبلع الجفاف الممتلئة به أرواحنا‪..‬‬
‫قوي‪ ،‬وجدلك لن يفيد‪،‬‬
‫فحين ترى وجوهً ا تمحوها العزلة فأنت صاحب نف ٍَس ّ‬
‫ونقدك لن يسعفك لتكتب فيه ما تريد‪..‬‬
‫لذلك‪ ،‬أنصحك أن تقرأ وتستمتع فقط‪.‬‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪32‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫زياد عبدالكريم السالم‪..‬‬


‫حجل باأللوان‬
‫الم ّ‬
‫آدم ُ‬
‫ُ‬
‫‪1‬‬
‫■ د‪ .‬هناء بنت علي البواب ‪ -‬األردن‬

‫المبدع أن يجي َد‬


‫ِ‬ ‫ألنَّ بؤرة اإلبداع األدبي هي تَحقيق التأثير في المتلقِّ ي؛ كان لزامً ا على‬
‫استعمال لغته األدبيَّة‪ ،‬وأن تكون منه كفاءة اإلرســال‪ ،‬وتكون من المتلقِّ ي كفاية التأويل؛‬
‫كي تَكون عمليَّة التواصل بينهما ناجحة‪ .‬السالم الكاتب الــذي سلمت روحــه من الكتابة‬
‫ليتنشق روح النص الحداثي؛ ليصل بنا إلــى ما بعد الفضاء الميتافيزيقي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫التقليدية‪،‬‬
‫وليدمجنا في عالم من الغربة الروحية؛ لنكتشف أننا نبحث عن منافذ للهواء‪ ..‬من خاللها‬
‫نتحدث إلى أنفسنا‪.‬‬
‫الجماعية؛ وهــذا مــا يَجعل هذه‬ ‫البداية هي «المحجّ ل باأللواح»؛‬
‫الغرب َة غربة ال كك ِّل الغربات‪ ،‬بل‬ ‫لتلف هــذه األل ــواح حــبــا َل الرؤية‬
‫َّ‬
‫فيها جانب يعلّقك بالسماء لتبحث‬ ‫والــرؤى حــول أعناق الكلمات‪ ،‬ال‬
‫ما بين األرض والسماء عن روحك‪،‬‬ ‫لتشنق معانيها؛ بل لترفعها إلى‬
‫لتجدك تائها في فلوات األرض‪،‬‬ ‫علياء الرمزيَّة والرسائل المشفَّرة‬
‫تالوات‬
‫ٍ‬ ‫باحثا عن منفى يقيك من‬ ‫المسكوبة في دالالت عديدة تتعدَّ د‬
‫توالت في أرواحنا‪ ،‬لتقول لنا دوما‬ ‫وتتشظَّ ى كما تتشظى تلك الذَّ ات‪..‬‬
‫طــأطــؤوا رؤســكــم لــذلــك الــتــراث‬ ‫الــكــلــمــات تفيض بــأنــيــن الحجل‬
‫المتراكم ما بين عفنيات النصوص‬ ‫المتراكم بين كلماته حين يقول‪:‬‬
‫«ذهبت مع البدو‪ ،‬شاهدت شموسهم تنهض وقدرات التخلص من ركام الماضي‪.‬‬
‫الــســالــم المتفتّح فــي نصوصه ينتقل بنا‬ ‫من الدم والنوم‪ .‬النساء سادرات يصعدن إلى‬
‫مستوى المؤانسة‪ ،‬وطيور القطا تبني أعشاشها إلــى نــص‪( :‬سقط آدم فــي الــعــراء الوحشي‪،‬‬
‫في ثياب الــبــدويــات‪ .‬مياه تنحت الظل تحت كــان سقوطاً في التورية والــلــون‪ ،‬تحت سماء‬
‫ال عليه‪ .‬يضيق‬ ‫ال ثقي ً‬ ‫السواد‪ ،‬ليف كثيف يتخلل الخُ ضرة الخائفة‪ .‬تكتنز بالفحم يجرجر ظ ً‬
‫بالينابيع الــزجــاجــيــة مــن حــولــه‪ ،‬يصنع من‬ ‫ذهبت مع البدو‪ ،‬تبوأت نصيباً من البرية»‪.‬‬
‫فالغربة الروحية ظاهرة بارِ زة في نصه منذ ضلعه ناياً ويغني‪ ..‬فتتدفق الينابيع‪ ،‬وتندلع‬
‫النفس األول وأنت تتنشق تلك العبارات‪ ،‬فال الكنايات‪ .‬آدم أرهقه الوقت‪ ،‬يمضي على غير‬
‫تَخلو جملة ما من وجود هذه الظَّ اهرة اإلنسانيَّة هدي أو دليل‪ .‬يضمر سراجاً وهّ اجاً في روحه‬
‫التي عبَّر عنها السالم عبر كتابه المتفرّد كي يحرس الــدم والطريق‪ ،‬كي يحرس الليل‬
‫(حصة آدم من النار)‪ ،‬لكن غربة الشاعر هنا والمعرفة‪ .‬ها هو يالمس شجرة سروٍ مُسنة‪،‬‬
‫ليست غربة «األنــا» وحدها؛ بل غربة الــذَّ ات فإذا بكهرباء الخشب تسري في جسده‪ .‬قمر‬
‫‪33‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫التأثر والقلق الــوجــودي‪ ،‬يرسم السالم موقع‬ ‫أرعــن يــدحــرج منازله الشحيحة مفلوتة من‬
‫الذات في هذا العالم‪ ،‬ويبدو كأن الكالم موجه‬ ‫زجاجات لها لزوجة الغسق‪ ،‬تحت سماء مدربة‬
‫إلــى ذاتــه الذكورية المتفطرة في عالم مليء‬ ‫يجس‬
‫ّ‬ ‫على الوقاية والتخلية‪ .‬يحدث هذا وآدم‬
‫بالقوة‪ ،‬فيرى أن على اإلنــســان أن يهز كيان‬ ‫ال تتدلى عليه أعشاش عالية من الذهب‪.‬‬ ‫جب ً‬
‫الموروث البالي والمتحجر‪ ،‬ويفرض نفسه كقوة‬ ‫يا لهذا المصير‪ .‬ليل أشعث تتخبطه وعــورة‬
‫للتغيير في طريقه إلى الحداثة والثورة على كل‬ ‫الريح»‪.‬‬
‫ما هو قار وقديم‪ .‬كما يتوجب على اإلنسان‬ ‫ظلم‬
‫صدمة ه ـزَّت الكاتبَ لِما سمعه من ٍ‬
‫الفرد أن يسعى ليكون النداء ال الصدى مبدعاً‬ ‫وهوان‪ ..‬انعدام الثِّقة في الواقع المعيش‪ ،‬إنَّه‬
‫وليس مبتدعاً‪ ،‬قائداً وليس مقوداً‪ .‬والسالم‬ ‫يعاني من التِّيه والغربة في خندق القلق‪ ..‬ها‬
‫يثبت لنا في نصه متكامال وأثبت أ ّن هناك دوماً‬ ‫هو يوجِّ ه الخطابَ إلــى ذلــك السقوط الذي‬
‫من يعدك تابعاً وآخرون يعدونك مبدعاً‪ ،‬ولكن‬ ‫أتى به بحياة مختلفة تتوه به في وديان الحياة‬
‫المهم هو التحليق في سماء اإلبداع والعوم في‬ ‫متشردًا ال يعرف مصيره‪ ،‬كيف يحرس الليل‬
‫فضاءات البصر والبصيرة‪ ،‬وأن ترتسم فوق‬ ‫والمعرفة؛ كيف لمن يقف بين سطور المعرفة‬
‫جبينك هــاالت من نــور وشعاع ميثرائي‪ ،‬وأن‬ ‫أال يشقى‪ ،‬فالمعرفة شقاء!‬
‫تكون كفؤاً في الشدة والضيق والظلمة والنور‪.‬‬
‫ثم تتناوبه المشاعر‪ ،‬فتجد السالم يخرج‬
‫ثم يعصف بنا في روحه وأرواحنا حين يقول‪:‬‬ ‫باحثا عن ذاته حين يكتب‪:‬‬
‫«سأعود من موتي‪ ،‬شبّت القيامة في نومي‪،‬‬ ‫« خراب الدم‪ ،‬خرجت من خراب الدم وسورة‬
‫كنت عالقاً في النزوة الالمعة‪ ،‬يجذبني ماء‬ ‫النار‪ ،‬خفيفاً لم أتهيأ لبديهة ما‪ ،‬ولم تسكنني‬
‫أسود وينزف الفحم مني‪ ،‬أدرّب حلزوناً يرعى‬ ‫العادة‪ .‬تحت ظالل التماثيل الثقيلة كنت للدم‬
‫بــجــوار البراكين‪ ،‬سرقتني نــار ترتعش تحت‬ ‫ذي الهيئة المعتمة‪ ،‬أز ّيــن والدتــي المزدوجة‬
‫الــزهــور‪ ..‬كان البهلوان الليليّ ينف ُخ في رماد‬ ‫باأللعاب البذيئة‪ ،‬حيث الزواحف المتحوّلة عن‬
‫المدينة‪ ،‬وأنا أتنكّب الهباء وأبكي‪».‬‬ ‫الحجر تقذف مشيمتها وبولها البرتقالي على‬
‫وبهذه القدرة المتفلسفة يعرض السالم رأيه‬ ‫العالم‪ .‬أتلمّس األشكال المشعّة‪ ،‬فأقرأ روحاً‬
‫بصراحة ووضوح‪ ،‬ويدعو إلى فضح المسكوت‬ ‫تسكن المسافة بين المصير والــرمــاد‪ .‬ليس‬
‫عنه والثورة على البالي والقديم‪ ،‬واإلقبال على‬ ‫وراء النهار مرمى كي يخبئ الطرائد عن صعيد‬
‫مــا هــو األجــمــل فــي هــذه الحياة‪ ،‬وأن يصبح‬ ‫استوى عليه الــصــيــادون‪ .‬يا لساللة الطقس‬
‫المرء رائــداً من رواد الحداثة والتحديث كما‬ ‫مسكوناً باختبارات كثيرة عن الوقت والحيوان‪،‬‬
‫هو حال الشاعر ومآله‪ .‬ونالحظ من الناحية‬ ‫حيث مساة العدم تتدحرج بال جدوى بين البحر‬
‫الفنية االبتداء بالضمير المخاطب‪ ،‬ثم التحول‬ ‫والنهار‪ .‬هو الوقت ينش ُّق عني فتسفر الروح عن‬
‫المفاجيء نحو الضمير الغائب‪ ،‬ثم المخاطب‬ ‫نعناعها الناعم تجاه األشياء‪ .‬إذ أر ّبــي البرق‬
‫مــرة أخــرى‪ ،‬وفــي القدرة نفسها‪ ،‬وهــو ما ينم‬ ‫على الحبر لعله يرفعني نحو مقامه الالمع‪ .‬ها‬
‫عن مقدرة شاعرية كبيرة‪ ،‬وبوح خلجات قلب‬ ‫أرعن يخرب براءة‬‫مطر ٍ‬ ‫حرشفتي تشققت تحت ٍ‬
‫السالم الــذي ينطق بالفلسفة والحكمة‪ ،‬وقد‬ ‫النظر»‪.‬‬
‫بهذه السطور المليئة فلسفة وحكمة‪ ،‬وبهذا استعمل قدرته اللغوية للتأكيد على الفكرة‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪34‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫زياد السالم أثناء لقاء في يوم الكتاب العالمي بنادي الجوف األدبي‬

‫فقد كــان السالم أكثر جــرأة من غيره في‬ ‫واإللتفات والتفريق بين الفكرة واألخرى‪ ،‬كما‬
‫أن له فيها مــآرب أخــرى كفسحة يجول فيها وصف المشهدية التراثية حول الحياة الواقعة‪.‬‬
‫إن (حــصــة آدم مــن الــنــار) تــتــحــدث بلغة‬ ‫المتلقي ويجول‪.‬‬
‫صريحة عــن الــمــوت وأشــكــال التعذيب التي‬ ‫لكنَّ السالم ال يَستطيع أن يصمتَ حيال ما‬
‫يتعرض لها اإلنــســان بشكل صريح وواضــح‪،‬‬ ‫ظلم وخنوع في المجتمع‪ ،‬إنَّه يحاول‬ ‫يراه من ٍ‬
‫ويصاحبنا الموت واأللم والمعاناة ونحن ندخل‬ ‫البحث عن حَ ٍّل لألزمة‪ ،‬يبحث عن الح ّل لتتفتح‬
‫في تفاصيل عملية السرد التي ال تتوقف عند‬ ‫آفــاق الذكورية تجاه الموقف الصارم للرجل‬
‫زمان أو مكان معينين‪ ،‬ولذلك كان السالم قويًا‬ ‫ضد المرأة؛ إنه يبحث عن نورٍ ينير الظُّ ل ْمةَ‪،‬‬
‫في تعبيره عن الموقف الراهن‪ ،‬مفترضا أن‬ ‫وفر ٍَج يزيح ستائ َر الكربة‪ ،‬إنه يحاول من خالل‬
‫تكون الشذرات التي بثّها في آخر كتابه تعبيرًا‬ ‫الضائعة‪ ،‬والكينونة‬ ‫كتابه الوصول إلى العزَّة َّ‬
‫حقيقيًا عن الوضع المؤلم‪ ،‬ويمكن القول إن‬
‫الــمــفــقــودة؛ فالسالم يَبكي الهزيمة الذاتية‬
‫الزمان والمكان هنا و ْهــم ال يمكن أن تتحدد‬
‫لمواقف المجتمع من حوله‪ .‬فالموقف المجتمعي‬
‫أبعادهما بسنين معينة‪ ،‬أو بحدود جغرافية‬
‫يقيِّد رغبتَه‪ ،‬وموقف األمة يقيِّد عزيمتَه؛ أمَّة ال‬
‫واضحة‪.‬‬
‫تَعرف معنى التالحم والتعاوُن من أجل النُّهوض‬
‫إن التشكيل الداللي عند السالم أعطى بُعدًا‬ ‫من جديد‪ ..‬أمَّة بنَتْ صر َح حضارتها العلميَّة‬
‫معمقًا في رسم أبعاد الصورة التي أصبحت‬ ‫والمعرفيَّة على تراث قديم نَخَ َر فيه السوس‪ ،‬ال‬
‫مترابطة تركيبًا وداللة‪ ،‬ولكن نهاية الشذرات ال‬ ‫يقدر الواحد منا الخروج عن تلك اآلراء خوفا‬
‫تقدم فسحة مضاء ًة يمكن أن تشكّل نهاي ًة لكل‬ ‫من الهجوم‪ ،‬وكان يَخشاها القاصي والدَّ اني‪،‬‬
‫تلك العذابات‪.‬‬
‫اآلن تَقبع في قاع الــذ ِّل والهوان واالستسالم‬
‫يقول السالم‪:‬‬ ‫لألمر الــواقــع‪ ..‬وحــال أفكارنا هي اإلشكاليَّة‬
‫«لكي تقترب من الفردوس‬ ‫المطروحة في الكتاب (حصة آدم من النار)‪،‬‬
‫ال بد أن تجرّب نوم الحيوان‬ ‫فهل يستطيع الكالم اإلسهام في تحريك عجل َة‬
‫لم أربح من العمر سوى ساعتين‪:‬‬ ‫اإلصالح‪ ،‬ومحاولة النُّهوض وإعادة التَّفكير في‬
‫ساعةً سكنني بها الشعرُ‬ ‫واقع الهزيمة الثقافية‪ ،‬والعودة إلى الجذور التي‬
‫سكنت بها ما َء األنثى‬
‫ُ‬ ‫وساعةً‬ ‫ومتراصا؟‬
‫ًّ‬ ‫تغذِّي الهويَّة وبناء الذات بنا ًء محكمًا‬
‫‪35‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫الـ ـم ــرآة قــاط ـعــة ط ــري ــق‪ ،‬ت ـس ــرق ال ـق ـمــر وال لم يكن أكثر من مزبلة للذهب والذباب‪».‬‬
‫وقــد انــطــوت البنية االستراتيجية للنص‬
‫ترتوي من األسرار غير أنّها عاقر»‬
‫عــلــى الــحــيــرة والــقــلــق وع ــب ــارات الــتــســاؤالت‬ ‫هذه صورة مبدئية ألسلوب سينمائي يحيلنا‬
‫اللطيفة الصادرة عن عواطف إنسانية مؤثرة؛‬ ‫عليه الكاتب من خــال تجديد رمزية النص‬
‫وتوثيقه بتسلسل األحداث في كتابه‪ ،‬فيبدو لنا‬
‫فالتساؤالت الضمنية تشكل تتابعات مركزية‬
‫النص نواة فكرية متالحمة ظاهريا‪ ،‬ومتشظية‬
‫وحــراكـاً انفعالياً وإم ــداءات داللية في جسد‬ ‫باطنيًا تش ّد القارئ نحو ما خفِ يَ من الوقائع‪،‬‬
‫النص‪ ،‬وأفضت إلى نوع من جمالية التلقّي‪،‬‬ ‫ومعان أخرى؛‬‫ٍ‬ ‫وما استبطنه الكاتب من مقاصد‬
‫أي هناك ما يمكن أن نسميه بتوتر مؤثر بين‬ ‫إنّها قضيّة جوهرية في ا ّل ـذّاكــرة اإلنسانية‪،‬‬
‫األطــراف الثالثة‪ :‬المبدع‪ ،‬والمتلقي‪ ،‬والنص‪.‬‬ ‫والــكــاتــب هنا يــنــزع هــذا الــخــوف عــن الــكـلّ‪،‬‬
‫كما أق َد َم السالم على استخدام تقنية تراسل‬ ‫ويسقط أحد أقنعة المجتمع العربي من خالل‬
‫طرحه لهذه القضيّة‪.‬‬
‫الحواس من السمعية إلى البصرية‪ ،‬مترافقاً‬
‫مــع لــوحــة شــاعــريــة تجسّ د الــحــالــة المتقلبة‬ ‫ولو انتقلنا للحديث عن الحركة الداخلية‬
‫لسيكولوجية الــذات ما بين السكون والهدوء‬ ‫لــنــصــوص الــكــتــاب‪ ،‬ســنــجــد حــركــة األفــعــال‬
‫المضارعة تتنامى وتمتدُّ‪ ،‬ويتسارع إيقاعها‬
‫النفسي‪ ،‬وإلــى حالة من اإلنتشاء بين أجفان‬
‫على نَغمات ما يموج ويهيّج في أعماق السالم‬
‫الحياة‪.‬‬ ‫الغضب‪ ،‬إنَّها أفعال مليئة بديمومة‬ ‫َ‬ ‫من مشاعر‬
‫وألنَّ بؤرة اإلبداع األدبي هي تَحقيق التأثير‬ ‫الحركة‪ ،‬إنَّها حركة الغليان المتكرِّر والمستمر‪..‬‬
‫في المتلقِّي؛ كان لزامًا على المبدِ ع ‪ -‬سواء‬ ‫ومــ ّد الــصــوت ‪ -‬الــحــرف ‪ -‬بحركة الصائت‬
‫«الــواو»؛ وهي حركة طويلة يَــزداد معها إيقا ُع‬
‫أكان شاعرًا أم كاتبًا ‪ -‬أن يجي َد استعمال لغته‬
‫الغضب والثورة تسارعً ا‪ ،‬إذ تطويل الحركات‬
‫األدبيَّة‪ ،‬وأن تكون منه كفاءة اإلرسال‪ ،‬وتكون من‬ ‫أداة من األدوات المتوافرة بين يدَي المتكلِّم‬
‫المتلقِّي كفاية التأويل؛ كي تَكون عمليَّة التواصل‬ ‫للتعبير عن أغراض شتَّى‪ ،‬ونقل حالته النفسيَّة‬
‫بينهما ناجحة‪ ،‬وهذا يلمسه القارئ من أول وهلة‬ ‫وانفعاالته الداخليَّة والــخــارجـ َّيــة‪ ،‬وتضمين‬
‫يقرأ فيها الشخص نصوص الكتاب‪ ،‬فيُذهلك‬ ‫العبارات دالالت متعددة‪.‬‬
‫ثم يختم كتابه بشذرات وهي شفرات البرق‪ :‬العنوان بما يتضمنه من عناوين داخلية‪ ..‬فتجد‬
‫«الجنة التي كنا نعيش على ضفافها حين نفسك محتارًا أين تتوه في هذا الكتاب‪.‬‬
‫فمعمار الــكــتــاب يــعـ ُّد أيــقــونــة سيميائية‪،‬‬ ‫كنا أطفاالً‪ ،‬اكتشفتُ في ما بعد أنها لم تكن‬
‫أكثر من مزبلة عشوائية ترعاها الحشرات‪ ...‬وموسيقا الشَّ كل البصري يتالحَ م مع اإليقاع‬
‫اآلن بعد أن تقدم بي العمر صاحبت أطلس‪..‬‬
‫والصورة النصيّة؛ ليرسم لنا مقصديَّة النص‪،‬‬
‫وصـ ــرت أكــثــر مــن ســنــدبــاد‪ ،‬ضــربــت البحر‬
‫بعصاي‪ ،‬ومضيت في األرض بعيداً مثل حيوان والتعبير عن القصد يع ُّد ركيزة الخطاب‪ ،‬وهذا‬
‫الــخــرائــط‪ .‬نضجت البصيرة‪ ..‬وانبثقت في نخاع الفاعليَّة الشعريَّة الرائعة التي تضمنها‬
‫الرأس بؤرة مشعة‪ ،‬فاكتشفت أن الكوكب بأكمله كتاب (حصة آدم من النار)‪.‬‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪36‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫زياد السالم‬
‫و البالغة الفتاكة‬ ‫‪2‬‬
‫■ راشد عيسى‪ -‬األردن‬

‫أراني مغتبط ًا ممنون ًا لما كتبه األديب عبداهلل السفر في مقدمته لألديب زياد السالم‪،‬‬
‫فقد استطاع عبداهلل بنباهة شجاعة ان يقدم بانوراما نقدية دقيقة وعالية في تقنيات‬
‫الكتابة عند زياد ومعانيها المتشظية‪ ،‬بلغة أدبية فائقة ال تقل إبداع ًا وامتياز ًا عن أسلوبية‬
‫زياد‪ .‬قال عبداهلل «زياد السالم هذا الشاعر يتكئ على السرد ويطيل في خيطه‪ ،‬ينظم فيه‬
‫ما فات على العين‪ ،‬واستدخلته الذاكرة من تربة تغوص إلى الباطن‪ .‬األراضــي المنسية‬
‫المحجوبة المتروكة في وداعتها‪ ،‬يحركها زيــاد فيما يشبه الحمى‪ ،‬ال يرتب المشهد وال‬
‫يعيد تأهيله إلى ما نألف»‪.‬‬

‫أدهشني زياد فوق ما ينبغي حين رأيته السعيد!‬


‫أزعــم أن مــا قــرأتــه لــزيــاد مــن سرديات‬ ‫يكتب مــرائــيــه ويــرســم مــراقــيــه بــفــذوذيــة‬
‫تعبيرية‪ ،‬قلّما وقفتُ على مثلها عند ال ُكتّاب منسوبة للقصة‪ ،‬أو نصوص منسوبة للشعر‪،‬‬
‫الــمــعــاصــريــن‪ .‬فهو طــيـ ٌر مــوهــوبٌ لمنافي هو كتابة إبداعية تستعصي على األجناس‬
‫الخلقة التي األدبــيــة‪ ،‬ال بــل مــن الظلم تحديد هويتها‬ ‫ّ‬ ‫الكتابة النارية وانزياحاتها‬
‫تشوّش الــمــدارك‪ ،‬وتبعثر الــحــواس بلذاذة الشكلية تحديداً حاسماً مطمئناً‪ ،‬فالتجنيس‬
‫سامية واحــتــراف رحيب في إدارة سجايا األدبي هنا ال يليق بالكتابة التي تتفلت من‬
‫نصه ماهيتها ووظيفتها وسجاياها المتجددة‬ ‫اللغة وشمائل الــدالالت‪ ،‬حتى ليبدو ّ‬
‫تطريزاً جن ّياً على قماش الدهشة‪ ،‬أو خريطة النافرة من كل طمأنينة توصيفية محتملة‪.‬‬
‫ساحرة آلثار نمل يلتهم سحابة حُ بلى!‬
‫كــمــا أنــنــي ال أجـ ــرؤ عــلــى وص ــف هــذه‬
‫هكذا‪ ،‬تسوقني الكتابة إلــى التوصيف النصوص بقصائد نثر؛ فهي نائية متعالية‬
‫الــمــجــازي المرتبك ال ــذي ال يــكــاد يمسك عــن ه ــذا الــتــأطــيــر‪ ،‬فــمــا قــرأتــه وعــرفــتــه‬
‫الكلمات من أعنتها ليوجّ هها صوب طريق من قصائد النثر المعاصرة ال يرقى إلى‬
‫ناقد يتناول األخاييل االنفعالية الباذخة في نصوص‬ ‫كاتب أو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫النقد‪ .‬وأتصور أنّ أيّ‬
‫ال ال بُ ّد واق ٌع في ما زياد وملهاته‪ ،‬وال إلى آفاق لغته الحاردة عن‬ ‫نص زياد تفكيكاً أو تنخي ً‬
‫وقعت فيه أنا من شهقات في وادي الذهول أخالقها؛ سواء بالمفهوم النثري أم المفهوم‬
‫‪37‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫الشعري‪ ،‬إال لكوكبة نخبوية من األدباء؛ من وراح يراقب أحــزان اإلنسان ببراعة صقر‬
‫أمثال سليم بــركــات‪ ،‬ونــوري الــجــراح‪ ،‬ومن أسطوري حزين‪.‬‬
‫قبلهما الماغوط‪.‬‬
‫وتتسامى تلظيات المضاف إلــى نفسه‬
‫لذلك‪ ،‬اسمحوا لي أن أعترف أنني هنا من صومعة ناسك زاهد بالرغيف‪ ،‬وبالماء‪،‬‬
‫تخليت عن دور الناقد األكاديمي‪ ،‬أو ذلك وبالوردة‪ ،‬مؤتنس باغترابات حنينه وبكسور‬
‫العرّاف النقدي المنمط الزاعم بأنه مهندس خاطره‪ ،‬ال يثق بقدرة الجبل على ص ّد الريح‪،‬‬
‫زراعــي في حقول األدب‪ ،‬فقد رأيتني في فيشكك بحاجة النحلة إلى الرحيق‪ .‬لكنه‬
‫مكتف بمكابداته الجوانية التي حوّلها‬ ‫ٍ‬ ‫نص زياد (قارئاً)‪ ،‬وإذا أنصفت نفسي‪ ،‬أنا مكتمل‬
‫هنا قارئ خبيرٌ‪ ..‬أو من ِصن ِْف القارئ الذي إلى أغاريد عصافير‪.‬‬
‫وصفه جاك ريفادير بالقارئ العمدة‪.‬‬
‫المضاف إلى نفسه هو المتوحّ د عند ابن‬
‫هذه النصوص تملك طغوى باهرة على باجة األندلسي‪ ،‬وهو الشنفرى‪ ،‬وهو الغريب‬
‫متلقيها‪ ،‬تــقــوده إلــى متعة االستيحاش أو الالمنتمي عند كولون ويلسون (‪،)Outsider‬‬
‫وحشة اإليناس‪ ،‬على حد سواء‪ .‬وأتوقع أنّ وهو الغريب (مرسو) عند ألبير كامو‪.‬‬
‫سبب هــذه الجدلية المتفردة هو أنّ زياد‬
‫فــالــنــصــوص فــي الــمــضــاف إل ــى نفسه‬
‫مسكو ٌن بتعددية المبدع‪ ،‬وتنوّع الشخوص‬
‫في كائنه الفرد‪ ،‬على غرار منطق الطير حين خصيبة في تربتها الثقافية التي تستدعي‬
‫يطير عالياً في السماء‪ ،‬فتتوحّ د وتتضام إلى كــل مــا لــه عــاقــة باحتجاج الــشــاعــر على‬
‫أن تصبح طائراً واحــداً لسرب متخيّر من واقــعــه‪ ،‬بــدءاً من دمــوع النملة‪ ،‬واستمراراً‬
‫بنواح أشجار الرصيف‪ ،‬وصوالً إلى المكياج‬ ‫الطيور‪.‬‬
‫الزائف على وجــوه المدن الملوثة بضجيج‬
‫يــمــتــاح «الــمــضــاف إل ــى نــفــســه» ســرائــر‬
‫القبح‪.‬‬
‫كلماته من شفافية فلسفية جسورة تنتصر‬
‫(المضاف إلــى نفسه) وهــو قرين زيــاد‪،‬‬ ‫لجماليات العبث التأملي اللذيذ في سيرورة‬
‫اإلنسان المتاخمة لصيرورة األبد‪ ،‬من بداءته زائ ــر مــؤثــث بمياسم الــوحــشــة واالغــتــراب‬
‫إلى مآله يقول‪« :‬أيها المتصدع في الصلصال والغموض‪ ،‬كتابته نقوش برية‪ ،‬كتلك النقوش‬
‫على مرمى حجر مــن الفاكهة المحرمة‪ ،‬التي كان يتركها جوّابو اآلفاق‪ ،‬حاملو األفكار‬
‫إلــى أيــن تسري بــأهــلــك؟» فــالــذات نموذج الصعبة في أوروبا‪ ،‬على الصخور والحجارة‬
‫للكينونة البشرية المتشظية عن ماهيتها والكهوف في القرون الوسطى‪ ،‬وتسمى تلك‬
‫المفترضة‪ ،‬وعن عقدها االجتماعي بشجن الكتابة (‪ )Epigrama‬إبــجــرامــا‪ ..‬نصوص‬
‫ِسرّاني باهظ‪ ،‬يحتمي بغابات المجاز‪ .‬كأن تنهش فيها المعاني‪ ،‬كلماتها متراني ًة إلى‬
‫الكاتب بنى له خيمة بجوار الكرة األرضية‪ ،‬مطلق التأويل وشرفات الحكمة‪.‬‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪38‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬
‫الــشــعــراء بــاإلجــمــال أطــفــال غــربــاء عن الديني‪ ،‬ويؤالفها مع الواقعية السحرية في‬
‫أمومة المكان وأب ـوّة الزمان‪ ،‬غير متآلفين كابوس شعري يمتاز بالتفرّد الوقور‪.‬‬
‫مع السياق االجتماعي أو األُســري‪ ،‬لكنهم‬
‫ليس ختاماً‪..‬‬
‫منتمون إلــى الكبرياء بصفتها أعلى قيمة‬
‫أحسب أن زيــاد السالم صوت أدبــي ف ّذ‬ ‫إنسانية تنصر اإلنسان على واقعه األليم‪.‬‬
‫من هنا يتأتى خروجهم على أشكال القبح بامتياز‪ .‬ونجم إبداعي ال يدور إال في هالته‪،‬‬
‫نصه ألي صــدى من أديــب آخر‬ ‫واالستالب‪ ،‬فيرتقون بكتابتهم إلى فضاءات ال أثــر في ّ‬
‫الصعلكة بمعناها الجليل السامي‪ ،‬ويأنسون يكتب من مخيال فائق النباهة والشجاعة‪.‬‬
‫بعزلتهم‪ ،‬ويــصــبــح الــواحــد منهم كــثــرة ال يناصص الكائنات أحــزانــهــا‪ ،‬ويــديــر نوايا‬
‫المفردات كما تدير النحلة أسباب العسل‬ ‫تحصى‪.‬‬
‫بمراق برّاني عنيف النعومة‪ .‬ومع أنّي شاعر‬ ‫كذلك تتحافز الهمة الشعرية لدى زياد‬
‫غنائي منحاز الــى اإليــقــاع الموسيقي في‬ ‫إلى النأي عن أخــاق المدن‪ ،‬واللجوء إلى‬
‫الشعر؛ غير أنني مع نص زياد أرى اإليقاع‬ ‫أحــضــان الطبيعة بكائناتها البريئة التي‬
‫غير ضروري البتة‪ ،‬وربما كما حمولة زائدة‬ ‫تمارس حياتها بعفوية حميمة‪ .‬وهذا النأي‬
‫على النص‪ ،‬أدهشني هذا الشاب الموهوب‬ ‫النفسي إنما هو رحيل الفارس الذي يحمل‬
‫بانمياز ابتكاري فريد‪ .‬وأراني مطمئناً إلى‬ ‫هموم الكون على كتفيه في تصوير سوريالي‬
‫القول بأنه فيما قدّم من أعمال قليلة‪« :‬وجوه‬ ‫غــرائــبــي منسجم مــع فــتــوحــات الــحــداثــة‬
‫تمحوها الــعــزلــة»‪ ،‬و«حــصــة آدم مــن نــار»‪،‬‬ ‫الرمزية المعاصرة‪:‬‬
‫منجز‬
‫ٍ‬ ‫و«المضاف إلى نفسه»‪ ..‬أعُده صاحبَ‬ ‫«سأرتب هذه المدينة وأرحل‬
‫أدبي أخّ اذِ مرشوق بالفكرنة ومعارج الرؤى‬ ‫غير أنكم لن تروني مرة أخرى‬
‫الطليعية‪ ،‬ومستعصم بأعلى منائر المجاز‪،‬‬ ‫يكفي أن أعلّق ثكنة سوداء على شفاهكم‬
‫وأجمل تحوّالت االستعارة في األدب العربي‬ ‫وأمضي‬
‫الجديد‪ .‬وعليه‪ ،‬فليغفر الحساد حماستي‬ ‫معي كالب بيضاء تصعد الجبل‬
‫هذه لمكائد اإلبداع في نصوص زياد‪ ..‬هذا‬ ‫وقواقع ملوّنة ترشح باألمس‬
‫الفتى المضيء‪ ،‬الذي يذكرنا بحماسة طرفة‬ ‫ألوذ بظالل النائمين حتى دلوك الشمس‬
‫بن العبد‪ ،‬واغــتــراب الشنفرى‪ ،‬وإشراقات‬ ‫هـ ــا م ــدي ـن ـت ـك ــم ان ـش ـق ــت ف ـ ـ ــإذا هـ ــي وردة‬
‫رامبو‪ ،‬عبر شخصية أدبية متجاوزة لألنماط‬ ‫كالدهان‪،‬‬
‫الكتابية السائدة‪ .‬فهنيئاً لنا ولألدب العربي‬ ‫يحزمها طفل بدمه ويموت»‬
‫بهذا الصوت الذي أراه إضافة بالغة النوع‬ ‫فــفــي ه ــذا المقطع تــصــويــر ذاهـــل من‬
‫لإلبداع المعاصر‪.‬‬ ‫الــامــعــقــول ال ــذي يستدعي ذاكـــرة النص‬
‫‪39‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫يند عن التشابه‬
‫زياد السالم‪ّ ..‬‬
‫ويمعن في االختالف‬ ‫‪3‬‬
‫■ عبداهلل السفر ‪ -‬السعودية‬

‫في فاتحة كتابه «وجــوه تمحوها العزلة» (‪2001‬م) يضع زيــاد السالم ثالثة مقتطفات‬
‫من «يوميات ريلكه»؛ األولــى منها‪« :‬ليست لي أي عالقة مع الناس‪ ،‬ال أُشَ كِّ لُ جــزءً ا من أي‬
‫مجموعة‪ ،‬من أي حركة‪ :‬مجموعتي أنــا وأنــا حركة تذهب باتجاه الــداخــل‪ ،‬هكذا أعيش»‪.‬‬
‫والصنيع ذاته يقوم به السالم في فاتحة كتابه «المضاف إلى نفسه» (‪2007‬م) حيث يعلّق‬
‫جملة الشاعر نوري الجراح‪« :‬نحاول أن ال يتعرّف علينا أحد‪ .‬نحاول أن ال يكون لنا أهل»‪.‬‬
‫مصباحان ال يشيان بتجربة الكاتب في حقل هذين الكتابين وحسب‪ ،‬إنما يمتدّ ضوءُ هما‬
‫إلى مجمل التجربة التي تابعها قارئ زياد إلى هذه اللحظة‪..‬‬

‫أثر أو إشــارة»‪ .‬وهذه الشذرة وغيرها من‬ ‫بال ٍ‬


‫‪ ..‬النافر مــن القيد ومــن السياج؛ البريّ‬
‫وكتابات مقطعيّة لزياد‪ ،‬تأتي تطبيقاً‬ ‫ٍ‬ ‫ـذرات‬
‫شـ ٍ‬
‫حدَّ التوحّ ش؛ النائي عن الخطوط المرسومة‬
‫إبداعيا مدهشاً لمفهوم الريزوم أو الجذمور‬ ‫والبعيد عن أن يترسّ م الخطوات؛ تغريه الكهوف‬
‫عــنــد دولـ ـ ــوز‪ ،‬حــيــث االت ــص ــال واالنــفــصــال‪،‬‬
‫معتكَفاً ويلبّي نداء الصحراء معت َزالً‪ .‬لن تجد‬
‫واالنــفــات وعــدم التحدّد‪ ،‬والتعدد «المتعدّد‬
‫الكاتب‪ .‬لن تعثر على الشاعر‪ .‬ثمّة ما يجتذبه؛‬
‫يزدا ُد ويضيء»‪ ..‬والهروب عن ك ّل ما هو نَسَ قي‬
‫يحضه على االختفاء‪ .‬تبتلعه الشقو ُق ويتبدّد في‬‫ّ‬
‫تعاقبي يأخذ كياناً منتظمًا له أول وآخر؛ بداي ٌة‬
‫المسافات‪ .‬ال ضو َء يترك وال دليل يقود إليه‪.‬‬
‫ونهاية‪ .‬زياد يعلَق ويعلّق؛ ينغلق وينفتح؛ ينسرب‬
‫العــبُ المتاهات ومحترفُ أســرارِ هــا‪ .‬نقرأ له‬
‫ويظهر؛ يغيب ويبغت بحضوره‪ .‬كتاب ٌة روّاغــة؛‬ ‫شذر ًة وردت تحت عنوان «طريق البيت ال ينتهي»‬
‫مغرية ومغوية‪ .‬كأنها الصحراء‪ ،‬كأنها الواحة‪،‬‬ ‫(مجلة الجزيرة الثقافية‪ ،‬جريدة الجزيرة‪14 ،‬‬
‫كأنها الغابة‪ .‬هي واحدة ذلك وهي جميعه في‬ ‫فبراير ‪2015‬م) هي أقرب إلى بطاقةٍ شخصيّة‬
‫الــوقــت نفسه‪ ،‬ال يمسّ كها إال منطق التحوّل‬ ‫وهــو ّيــة ثقافية وإبداعية ال ينفكّ عنها أب ـدًا‪،‬‬
‫غير القارّ؛ أبديّة الرحلة التي ال تعرف نقطة‬ ‫ويستعيدها مرارًا بطريقةٍ أو أخرى على سبيل‬
‫توقّف؛ تعرِّج‪ ..‬تتعرَّج ثم تمضي ممسوس ًة مرّة‬‫التأكيد وتجلية المالمح وبيان خارطة عالمه؛‬
‫بالبراكين وأخرى بالشهب‪« :‬ال أزال أبحث عن‬ ‫الخارطة المموّهة الراغبة عن كل أحــد‪ ،‬فال‬
‫أسلوب يشابه حياة الغجر»‪« ..‬نفضتُ يدي من‬ ‫ٍ‬
‫تمنح مفاتيح وال تعيّن نقاط اعتالم‪« :‬مذ عرفتُ‬
‫العين واللون ومتاع العالم»‪« ..‬أنا جوّا ٌل وحيد»‪..‬‬
‫نفسي لم أكن خيطاً في نسيج‪ ،‬ولم أدخل في‬
‫لكن‪ ،‬لــمــاذا يتبدّى زيــاد السالم فــي غاية‬ ‫جماعةٍ قط‪ ،‬أسلك من الدروب أكثرها وعورةً‪،‬‬
‫تلك التي يكون حظّ ها شحيحاً من العابرين‪ ،‬الحرص على س ّل نفسه ّ ً‬
‫سل من النظام الذي‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪40‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫السالم وسط مجموعة من األصدقاء في النادي األدبي بالجوف‬

‫ولع ّل ما يلفت هنا ربط فاعلية الكتابة وجدواها‬ ‫تتهيكل فيه الجماعة‪ ،‬فتمثّل صوتاً واحدا وإن‬
‫بأن تكون نقشاً ال نظير له وغير قابل للتكرار‪،‬‬ ‫تعددت صياغاته‪ ،‬إال إن الرنين ذاته يشير إلى‬
‫وقد يكون موتُ الكتابة اشتراكَ أكثر من حنجرةٍ‬ ‫كتلة مصمتة يحكمها النسق والرتبة‪ !..‬لماذا هذا‬
‫قلم في إعــادة‬ ‫في ترجيع إنتاجها‪ ،‬وأكثر من ٍ‬ ‫الفرار الجاد والتمادي في التخفي‪ ،‬كأنما عدوى‬
‫ابتكارها بالصيغة نفسها‪ .‬وهذا ما يتحرّز منه‬ ‫ستناله جـرّاء القرب واالنــدراج في جماعة‪..‬؟‬
‫زيــاد المبدع «مهندس المتاهات» ويضحي له‬ ‫هذا الوجه من النفور‪ ،‬إذا جاز لنا أن نفهمه على‬
‫هاجساً يتردّد فيعود إليه في واحدةٍ من شذراته‬ ‫أنه تعبي ٌر صارم عن رفض المطروق والمستهلك‬
‫الباهرة التي اعتا َد نشرها في حسابه بـ «تويتر»‬ ‫والعادي المعاد حتى االهتراء؛ فإنه أيضاً ترجم ٌة‬
‫وسعي ال يركن إلى هدأةٍ للعثور‬
‫ٍ‬ ‫بحث دؤوب‬‫عن ٍ‬
‫فيفصل في‬ ‫ّ‬ ‫بين العامين «‪ ٢٠١٥‬و ‪2017‬م»؛‬
‫على أرضه البكر العذراء التي ما تزال في أول‬
‫المسافة الثابتة بينه وبين «الشبيه» الذي يج ّد‬
‫خصبها وفي بدء عطائها؛ السمة التي تقول‬
‫في طلب صورة الكاتب واكتساب هيئته‪ ،‬بل إنه‬
‫الفرادة والتميّز‪ ،‬وإ ّن هذا المبدع ال يفري فَرِ يّه‬
‫يوسّ ع ويعمّق من هذه المسافة بانخالعه من‬
‫أحد‪ .‬وربما في تركيب هذه الجملة الدال على‬
‫الهيئة التي هو عليها بوصفها «أثــراً» ال ينبغي‬ ‫القطع واإلنشاء ما يفسّ ر هذه الوجه على نحوٍ‬
‫أن ينطبع مرتين‪ ،‬كما تصرّح بذلك شذرة أخرى‬ ‫أكثر جالءً‪ ،‬حيث «القطيعة» التي تفصل وتبني‬
‫مكان آخر‪ .‬هي مطاردة ال يُك ّل منها وتتجدّد‬
‫في ٍ‬ ‫في ٍآن معاً‪ .‬تحت عنوان «نــار الــحـدّاد وعين‬
‫كلّما وقع الحرفُ على الورقة‪« :‬الشبيه ال يصعد‬ ‫الــفــراشــة» (مجلة الجزيرة الثقافية‪ ،‬جريدة‬
‫إليَّ وال أهبط إليه؛ لئن أوشك على االقتراب‬ ‫الجزيرة‪ 4 ،‬أبريل ‪2015‬م) تطالعنا شذرة مفعمة‬
‫مــنــي‪ ،‬أو تشكلت هيئته بما يــوهــم اآلخــريــن‬ ‫بالمناخ الذي ينشده السالم‪« :‬الكتابة الجذرية‬
‫بالشبه‪ ،‬فإني أتغيّر قبل أن يسقط على ما كنتُ ُه‬ ‫محاول ٌة للفرار من األشياء‪ .‬إنها مح ٌو للشبهِ‬
‫منذ لحظة؛ أتوقّع أشباهي‪ ،‬غير أنهم لن يتوقعوا‬ ‫وإمعا ٌن في القطيعة‪ .‬ما جدوى الكتابة إذا لم‬
‫ما ين ّد عن التشابه ويمعن في االختالف»‪.‬‬ ‫تبتكر دروباً للتيه‪ ،‬يتعثّر في مسالكها النظراء»‬
‫‪41‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫ركبة‪ ..‬في‬ ‫الم َّ‬
‫العزلة ُ‬
‫الع ُ‬
‫زلة» لـ «زياد السالم»‬
‫ُ‬
‫«وجوه تمحوها ُ‬
‫ٌ‬
‫‪4‬‬
‫■ محمد سالم جميعان‪ -‬األردن‬

‫في عتبة الكتاب األولى (فاتحة) ثالث عبارات مُ قتبسة من يوميات ريلكة‪ ،‬الشاعر األلماني‪ ،‬وهو‬
‫اقتباس غير اعتباطيّ ‪ ،‬لجأ إليه القاص‪ .‬فهذه االقتباسات هي دوالّ جامعة على المنحى العام الذي‬
‫يسيطر على أجواء المجموعة القصصية «وجو ٌه تمحوها العزلةُ لـ «زياد السالم»‪ .‬ففي االقتباس‬
‫والمجموعة مع ًا «تبرير نظري معقول بامتياز لنزعة دفينة للسيطرة على الجموع‪ ،‬واإلعالء من‬
‫حرية الذات الفردية على نحو استثنائي‪ ،‬بالرغم من االنخراط في هذه الجموع‪ ،‬مع بقاء الجدار‬
‫النفسي السميك بينه وبينها‪ ،‬ألنَّ الحرية أمرٌ ال يمكن استئصاله‪ .‬فالمؤلِّف ينتخب عزلة ريلكة‬
‫متوحد ًا في اآلن نفسه مع ذاته‪،‬‬
‫ّ‬ ‫على المستوى السلوكي‪ ،‬فيكتب وحيد ًا في زمن الكثرة الغثائيّة‪،‬‬
‫وفق ًا لنصيحة «فــردريــك نيتشه‪« :‬ســارع الــى عزلتك‪ ،‬يا صديقي»‪ .‬وفــي عزلته هــذه يبدو الكاتب‬
‫عصية على استشعار ذاتها االجتماعية‪ ،‬راضخة للمُ حبطات‬ ‫متسلِّح ًا بقوة األنا الفاعلة في بيئة ّ‬
‫وكل أشكال االستالب المادي والمعنوي‪ .‬فبدت لذلك المجموعة صرخة تنويرية ترمي إلى غسل‬
‫أدران التقاعس على المخذولين والمتخاذلين‪ ،‬نتيجة انهزام الذات أمام قواهر الذات واآلخر‪.‬‬

‫بما تحمله من مجازات وتكثيف‬ ‫وتلخّ ص الكلمة الموجزة على‬


‫ليحقق اســتــقــالــيــتــه وحــقــه في‬ ‫الغالف األخير ما يسكن اإلنسان‪/‬‬
‫التفكير الحرّ‪ ،‬كون التجربة التي‬ ‫المؤلف من هواجس مُغترِ بة عن‬
‫يعالجها زي ــاد ذات طــابــع فاجع‬ ‫ذاتــهــا وعــن الــعــالــم‪ ،‬ودخــولــه في‬
‫تتطلب الصراخ في وجه الوحشة‬ ‫النص‬
‫عُزلة المكان والزمان‪ .‬فهذا ّ‬
‫الــتــي تكتنفه مــن كـ ـ ِّل الــجــهــات‪.‬‬ ‫االستقصائي المكثَّف يُع ُّد كافياً‬
‫فالعزلة التي تسعى الذات المثالية‬ ‫إلزاحة ستائر الريبة التي يمكن أن‬
‫إلى االنفكاك من أسرها القاهر‬ ‫تُعكِّر مزاج المتلقي في اصطياد‬
‫إنما هي عُزلة مركّبة‪.‬‬ ‫المغزى الداللي لغرائبية النص‪.‬‬
‫فالتضاد قائم بين الــذات العارفة والوعي‬ ‫وبلغة سينمائية‪ :‬يضيء صالة العرض السردي‬
‫حتى ال يلتبس الخيال بالوهم الذي يمكن أن المتعالي فيها‪ ،‬فهي تسعى إلــى الخروج من‬
‫تبخيس ال ــذات‪ ،‬فالشخصية المحورية في‬ ‫يأخذ المتلقي في سرداب العتمة الداللية‪.‬‬
‫فــالــخــيــال القصصي فــي مجموعة زيــاد النصوص األربعة التي تتضمنها هذه المجموعة‬
‫السالم خيال فعّال‪ ،‬يجعل شفافية السَّ رد جزءاً تعيش حالة صراعية بين الحرية المبتغاة والقوة‬
‫من الفن‪ .‬فالسارد اتكأ على اللغة الشعرية الممكنة واإلرادة المعطّ لة‪ .‬ولعدم قدرة الذات‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪42‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬
‫على حسم الموقف‪ ،‬فقد خسر الوعي الذاتي في بؤس الواقع المظلم‪.‬‬
‫وثالث العزالت المركّبة هو مكان االجتماع‬ ‫معركته في القدرة على التعايش مع الواقع‬
‫الموضوعيّ المخت ّل الذي يحول دون أن يكون اإلنساني‪ .‬ويبدو من النصوص مكاناً منبوذاً‪،‬‬
‫على ما هو عليه في الواقع‪ ،‬فآث َر العزلة التي مطروداً من الجغرافيا السعيدة‪ .‬ولذلك محت‬
‫كتبت عليه أخيراً التوحُّ د مع ذاته متعالياً أكبر ّياً وجوهها العزلة‪ ،‬وحين ينمحي الوجه تندثر‬
‫على كل السرخسيات والهالميات (عالم غريب المعالم الــدالــة على الــوجــود العيني للذات‬
‫يقف بينك وبين البشر‪ .‬علّمتك قوقعة التوحُّ د والموضوع‪ .‬وهو ما تريد النصوص قوله حين‬
‫كيف تمنع نفسك عن األحالم‪ ،‬بيد أنَّ المقرّبين نستشف من عمق رؤية الكاتب أهمية التفريق‬
‫يعرفون قصتك المحزنة‪ ،‬وإن كانوا يتواطأون بين وجه الحياة ووجــه الوجود‪ ،‬فهو ال يعني‬
‫على إهالة الرماد عليها ألسباب معيّنة‪ ،‬ربما الحياة بما هي دا ّل على البُعد البيولوجي‪،‬‬
‫تقودهم إلــى التهلكة كما يزعمون) ص‪ -45‬وإنما الوجود الكلّي بما هو دال على البُعد‬
‫‪ .46‬فهذه العزلة الذاتية هــي ولــيــدة ناشئة األنتولوجي‪.‬‬
‫عن شــروط خارجية تتميز بالقهر واستالب‬
‫من المه ّم االنتباه أنَّ الشخصيات في هذه‬
‫الذات الواعية‪ ،‬وخالصة هذه الشروط تبدو‬
‫المجموعة ذات أبعاد دالــة على ِصفَةِ حالة‪،‬‬
‫في مكوث السارد‪ /‬في «حضوضا»‪ :‬وهي أرض وليست شخصيات متعيّنة في الواقع أو نماذج‬
‫رملية تبتلع الناس وال ــدواب‪ ،‬تقع في الجزء تختزل التمثيل له‪ .‬وهي ذات إشاريات ترميزية‬
‫المهجور من الشمال‪ ،‬غامضة كمثلث برمودا‪ ،‬ألشكال من القوى الحاكمة للفعل اإلنساني‬
‫بحسب حاشية المؤلف‪ .‬فأش ّد ألــوان العزلة وتوجيه مساراته نحو السّ لب والعطالة (حارس‬
‫أن يُــدرك الــوعــيُّ الشَّ قيّ وجــوده في المكان الفضيلة؛ العسس‪ ،‬الهاربين‪ ،‬المقرود‪.)...‬‬
‫واللحظة الخطأ‪ .‬وهو ما يؤشر من جانب آخر‬
‫والــروائــي إذ يحشد شخصياته ويطعّمها‬ ‫على األبعاد الصراعية بين البادية والحضر‪،‬‬
‫برموز الحيوان‪ ،‬إنما يستوحي داللة الحيوان‬
‫أو بصورة أدقّ بين المركز والهامش‪ ،‬في كل‬
‫فــي (كليلة ودمــنــة) ليستعين بها فــي تقديم‬
‫الــعــاقــات الــتــي تــبــدو مــن خــال النصوص‪،‬‬
‫الذات اإلنسانية المتوارية بالشر واألذى‪ .‬وإذا‬
‫مرتبكة ومُختلّة الموازين واألبعاد واألحجام‪.‬‬
‫كــان كتاب كليلة ودمنة يحقق هــدف التسلية‬
‫والجانب اآلخــر من هذه العزلة المركّبة‪ ،‬والتربية وسياسة الرعيّة‪ ،‬فإنَّ استعارة الحيوان‬
‫هو عزلة الــذوات األخــرى التي تمارس على ورمــوزه في (وجــوه تمحوها العزلة) تأتي في‬
‫ذاتــهــا أشــكــال الــقــصــور الــذاتــي الــك ـلّــي‪ ،‬فال إطار تثويري تحريضي‪ ،‬قوامه نبذ الش ِّر وتخلية‬
‫تكتفي فقط بالتلذُّذ باستبعادها واستدخال الفساد والتهميش؛ فثمة قوى مهيمنة تتصارع‬
‫الــتــصــورات والــمــقــوالت التبريرية المألوفة‪ ،‬وتتنابذ ضمن منظومة من الجهل واالنــزواء‬
‫فيستحيل وجودها العيني إلى عدم‪ .‬وهي إذ والخوف الذي يعتري إنسان القضية‪ ،‬ال إنسان‬
‫ال تكتفي بتلذُّذ مصادرة وعيها فإنما تتجاوز العيش‪ .‬فحين تتحول الذات اإلنسانية وتنزل‬
‫هذا لِمصادرة وعي الذات األكبرية المتعالية من مستوى القضية إلى مستوى العيش فإنها‬
‫بالوعي المُفارِ ق للسائد؛ الوعي الذي يمتلك عندئذ تتحوّل إلــى شــيء يخلو مــن المعنى‪،‬‬
‫عين زرقاء اليمامة‪ ،‬ويرى البشاعة متجسّ دة وذلك يعني أنهم ينحدرون إلى هاوية اليأس‪،‬‬
‫‪43‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫ألنه ليس بإمكانهم القدرة على الصعود؛ فهم عن ضحايا اإلبــادة‪ ،‬ونــوال وقعت تحت وطأة‬
‫مقيدون ِبـ ِـشــراك خفية قوامها الوهم الذي هذا الفعل‪ ،‬ووقعت في هاوية الموت‪.‬‬
‫يسيطر على قواهم النفسية‪.‬‬
‫واللغة في الرواية تأخذ نصيباً موفوراً من‬
‫وتــبــدو إدانــــة ال ــواق ــع ب ــاإلش ــارة إل ــى أن الــحــدس الشعري‪ ،‬وقرائنه االستداللية في‬
‫الحيوانات والحشرات‪( :‬الجرذان‪ ،‬البراغيث‪ ،‬استقراء الدال والمدلول في أبعاده المتعددة‬
‫النمل‪ ،‬الضباع‪ ،‬الصراصير‪ ،‬الدبابير‪ )...‬التي (تــهــمــيــش‪ ،‬إق ــص ــاء‪ ،‬اس ــت ــاب‪ ،‬حــنــيــن‪ ،‬قلق‪،‬‬
‫تستخدم مدركاتها لالستدالل وتلمس طريق رفض‪ .)...‬وهذا الحدس يتطلب من القارئ أن‬
‫خالصها؛ في حين أن قوى الناس معطلة‪ ،‬فهم يركز االنتباه على (تحوّالت الحدث) ال على لغة‬
‫ال يستخدمونها على نحو استخدام الحيوان صياغة النص القصصي‪ ،‬فالذهاب مع فتنة‬
‫اللغة الفاتنة‪ ،‬سيقود القارئ انفالت الخيط‬ ‫لها‪ ،‬للتأسيس لوجودهم المستقبلي‪.‬‬
‫تبصر‬‫الرئوي منه‪ ،‬ذلك الخيط الذي يقود إلى ُّ‬ ‫ولكن شخصية (المقرود) على نحو مختلف‪،‬‬
‫اليأس المفجع وتخاذلية المتن للهامش‪ ،‬كما‬ ‫إذ إنها قادرة على الخالص والتحلل من دناءة‬
‫النص المكثّف التالي‪ ،‬الذي يكشف‬‫ّ‬ ‫يتبدّى في‬ ‫الهزائم والمؤامرات‪ ،‬إذ تسمو هذه الشخصية‬
‫عن انسحاقيَّة الذات أمام قواهرها المُعطّ لة‬ ‫الواعية على واقعها المزري في عالم ضحل‬
‫لــــإرادة‪ ،‬ولــيــاحــظ الــقــارئ طبيعة التوالي‬ ‫مستسلم‪ ،‬وتستمر في رفضها وعنادها‪ ،‬وتنجو‬
‫والتعاقب اللغوي فــي التعبير عــن فجائعيّة‬ ‫من فخ الواقع البئيس باستخدام وتفعيل وعيها‪،‬‬
‫الحالة‪« :‬تمتص حزناً ح ــا ّداً يلوب في دمي‬ ‫وبهذا يقول لنا الكاتب إن الخالص بالجنون‬
‫الفاسد الملوث بجلسات الكهرباء والقطران‬ ‫والتمرد الوجودي أمر ملحّ وضروري لكي يحقِّق‬
‫الزفت المتفسخ‪ ،‬والعثّ والخيبات والنجاسات‬ ‫اإلنسان إرادته الحرة‪.‬‬
‫الطافحة كبلغم هالمي له ذيل رفيع ما يني‬ ‫ومن هنا‪ ،‬فإن في المجموعة سعياً حثيثاً‬
‫يلغ في وعاء سطحه‪ ،‬يكسوه الرجس والغرين‬ ‫الخلق‪،‬‬
‫ّ‬ ‫إلى دفع اإلنسان إلى التفكير النقيِّ‬
‫والفطر والزبد والزرنيخ والبكتيريا الخضراء‬ ‫رغــبـ ًة فــي خــاصــه‪ ،‬لهذا يــقـدّم زيــاد السالم‬
‫المتعفنة‪ ،‬والبثور والدمامل المفقوءة يسيل‬ ‫أنساقا فكرية تنأى باإلنسان عــن أن يكون‬
‫قيحها فيشوخ الطين‪ ،‬وتتدفق العصارة كبيض‬ ‫ضحية‪ :‬ضحية خوفه‪ ،‬ووهمه‪.‬‬
‫ممري) ص‪.19-18‬‬
‫ومما يقع أيضاً في دائرة الرغبة في تنمية‬
‫كثي ٌر الــذي يمكن أن يُقال في تخصيبات‬ ‫الوعي‪ ،‬تحويل قيمة الحب إلى معادل موضوعي‬
‫هذه المجموعة‪ ،‬ولكن حين يُط ِب ُق الف ُم على‬ ‫للحياة‪ ،‬فليس عسيراً على المتلقي التقاط‬
‫الصمت‪ ،‬فإنَّه يقول ما ال يُقا ُل كذلك‪ ،‬فعبارة‬ ‫طرافة المفارقة بين «نــوال» وبطل القصص‬
‫(فسروا مثل ما تِبغون) ص‪ 46‬التي وردت في‬ ‫ّْ‬ ‫األربــع‪ ،‬حتى في اللحظة التي يستشعر فيه‬
‫خاتمة قصة (حضوضا) تفصح عن المعنى‬ ‫القارئ أن هذه العالقة تعتمد على ما تفجره‬
‫الثاوي في بطن الشاعر‪ ،‬حين يكون (بين الغار‬ ‫الــحــواس‪ .‬لكنها بالمقابل تقوم على الخيال‬
‫والنار) ص‪ ،20‬فللمكان (شُ بهته التي ال تُشبهها‬ ‫الف ِّذ الذي يجعل الحبيب َة مشتهاة ومُمجّ دة‪ ،‬ألن‬
‫شُ بهة أخرى) ص‪.15‬‬ ‫وظيفة الحب إعادة تكوين الحياة‪ ،‬والتعويض‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪44‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫نص «المجنون»‪،‬‬
‫السعودي زياد السالم‬
‫ّ‬
‫ٌ‬
‫قراءة في ِّ‬
‫والقاص‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫للشاعر‬ ‫‪5‬‬
‫■ شاهر إبراهيم ذيب ‪ -‬اجلوف‬

‫الصادرة عام ‪2008‬م عن‬


‫اخترت هذا النص من مجموعته الشعريَّة‪ :‬المضاف إلى نفسه‪َّ ،‬‬
‫نصا‪ ً،‬تقع في (‪ )80‬صفحة من الحجم الوسط‪.‬‬
‫دار أزمنة بعمَّ ان ‪ -‬األردن‪ ،‬التي تضمنت (‪َّ )31‬‬
‫موغ ًال في فضح تفاصيل الحياة‪ ،‬برمزيَّةٍ فائقةٍ ؛ جعل َْت من‬‫الكاتب في مجموعته ِ‬
‫ُ‬ ‫َبدَا‬
‫مقاربة القارئ للنصوص متعة وقلق ًا واستفزازاً‪ .‬فالنّص عند السالم يَسبح في مجموعة‬
‫بحرَفيّة تجعل للقارئ‬ ‫ُبدعت صياغتها ِ‬
‫الجمل والرُّ موز التي أ ْ‬
‫متراكبة ‪ -‬معقدة أحيان ًا ‪ -‬من ُ‬
‫نفسه‪ ،‬أو باألحرى لدارس النَّص‪ ،‬إسهام ًا كبير ًا في تكوينه! في الوقت الذي يعمل به على‬
‫تفكيك رموزه وإيحاءاته الشعريّة الغنيّة‪ ،‬ليجد نفسه في نهاية النّص أمام مفترق طرق‪،‬‬
‫تجعل من النّص نفسه تكوين ًا يحتمل تأويالت عديدة‪.‬‬

‫هــــذا ال ــك ــات ــب بــهــواجــســه‬ ‫إنّ قـــــــــراءة ن ــص ــوص‬


‫المتموِّجة‪ ،‬وبقلقه الطافي‬ ‫المجموعة تُشعر مُقاربَها‬
‫على تضاريس حياته‪ ،‬فإنَّ‬ ‫بـــمـــدى ت ــج ــرب ــة الــكــاتــب‬
‫َــبــش‬
‫دراســـــة نــصــوصــه ون ِ‬ ‫الحياتيّة وعمقها‪ ،‬بما تفرزه‬
‫دالالتها وتحليل رموزها على‬ ‫ه ــذه الــنــصــوص مــن رمــوز‬
‫الصعيد الحياتي واإلنساني‬ ‫َكثُرتْ مدلوالتها وتشابكت‬
‫ناقصا كثيراً؛ لذلك‬ ‫ً‬ ‫سيكون‬ ‫بــطــريــقــة تمنحها نسيجاً‬
‫أدّعــي أنَّ معرفتي لتجربة‬ ‫مــحــبــوك ـاً‪ ،‬يَــجــبُ التدقيق‬
‫الشاعر هي محاولة صغيرة‬ ‫بتفاصيله وســب ـ ُر دقائقه‬
‫جداً ال تنطبق إ َّال على هذا‬ ‫الختراق مكنوناته وفهمها‪.‬‬
‫الصغير بما يحتله‬ ‫الـ َّنــص َّ‬ ‫ومن مالحظة كثرة الرُّموز‬
‫الحيوانيّة والنباتيّة الموظَّ فة في أجساد من مساحة ورقيّة في المجموعة‪.‬‬
‫النصوص‪ ،‬فإنَّ دراسة هذه الرُّموز تحتاج إلى المجنون‬
‫خاصة‪ ،‬ال تهدف هذه القراءة لتناولها أنا أطفالي‬ ‫َّ‬ ‫وقفة‬
‫اهلل كتاب‬ ‫وتحليلها‪.‬‬
‫مِ ْن شبه المؤكد لي أنّه إ ْن لم نعرف طبيعة ساعة وينتهي العالم‬
‫‪45‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫ربَّما ال أكــون مبالغا كثيرًا عندما أقول بكثير من الموت؛ ألنّنا ال نستطيع أ ْن نكون‬
‫إنَّ هــذا النّص ملعو ٌن وخبيثٌ ‪ ،‬فقد حقق مجانين‪ ،‬هكذا بسهولة ودون أي ثمن‪.‬‬
‫ربَّما أراد الشَّ اعر أ ْن يربط بين الموت‬ ‫انتصاره في اللّحظة األولى التي قرأه فيها‬
‫والــحــيــاة بــكــل تفاصيلها‪ ،‬وأ ْن يجعلهما‬ ‫شخص ما‪ ..‬فهل يكفيه ذلك؟‬
‫استمراريّة لكينونة واحدة‪ ،‬فهو يدرك أهميّة‬ ‫كاف لي ُه َّز القارئ‬
‫الِّلقاء األول مع النّص ٍ‬
‫العنوان بالنسبة للنَّص تمام اإلدراك‪ ..‬ألم‬ ‫بل ليَرُجَّ هُ‪ ،‬وإذا كان مِ ن ألــقِ النُّصوص أ ْن‬
‫يقل جــاك دري ــدا إنّ الــعــنــوان يعلو النَّص‬ ‫تُباغتَ القارئ‪ ،‬فهذا النَّص يباغتُ مقاربه‬
‫ويمنحه النور الــازم لتتبعه! فكيف لنا أن‬ ‫مباغت ًة حقيق َّي ًة وبامتياز دون أ َّيــة ضرورة‬
‫نتَّبع مجنونا!‬ ‫للقارئ أ ْن يدخل حَ رم النّص ويسبر أغواره‪.‬‬
‫استخدام للتضاد والتناقض بشكل يدخل‬
‫بصرف النَّظر عن ردة الفعل لدى قراءة‬
‫القارئ في حيرة تهدف لدمج الحياة بالجنون‬
‫النَّص إيجابيّة كانت أم سلبيّة‪ ،‬فالنَّص يترك‬
‫والــمــوت‪ ،‬وهــذا التتابع اإليقاعي المذهل‬
‫أثراً ال محالة في ذهن القارئ‪ ،‬ربَّما لشذوذه‬
‫هو في حد ذاته حكيما؛ فالجنون والموت‬
‫بسبب الــظــروف التاريخيّة لطريقة كتابة‬
‫يُطبِقان على الحياة ك ٌل من طرف‪ ،‬وال سبيل‬
‫الشِّ عر‪ ..‬ولطريقة استقبالنا له‪.‬‬
‫لنا إال أ ْن نعيشهما بين روعتيهما‪.‬‬
‫ال ـ ّنــص بخصوصيته وب ـ ُعــر ِيــهِ الغامض‬ ‫إذاً بــصــرف الـ ّنــظــر عــن ال ـرَّجَّ ــة األولــى‬
‫يُحرّض على التفكير‪ ،‬فكلماته قليلة تضم‬ ‫الناتجة عن تحسّ س النّص وما يرافقها من‬
‫األقــانــيــم األربــعــة‪ :‬اهلل واإلنــســان والــزمــان‬ ‫تعابير إيحائيّة‪ ،‬فالتَّمعن في النّص يستنهض‬
‫والمكان‪.‬‬ ‫العديد من األفكار والتساؤالت‪ ،‬ابتدا ًء من‬
‫عنوانه ومرورًا بتفاصيله‪.‬‬
‫يحتوي الـ َّنــص على سبع كلمات فقط‪،‬‬
‫مَن يقرأ النَّص يظن أنَّه مجدِّف‪ ،‬ولك ْن وكلُّنا يعرف مدلوالت الرَّقم سبعة في القرآن‬
‫ما أ ْن يعود القارئ للنّص مـرّة أخــرى حتى الكريم‪.‬‬
‫فبماذا يشي الشَّ اعر؟ هل اختصر الحياة‬ ‫يتراجع عن هــذه الفكرة‪ ،‬إذ إنَّ النص قد‬
‫عُنوِ َن بالمجنون وقد رُف َع القلم عن المجنون‪ .‬وبارءَها على لسان مجنون ال يمكن مقاضاته‬
‫ولــكـنْ‪ ..‬أيّ مجنون ذلــك؟ فما جــاء بعد في حال ثبوت تهمة التَّجديف عليه؟‬
‫بالولوج إلــى التفاصيل فــإنّ جملة (أنا‬ ‫العنوان ال يمكن اعتباره جنوناً‪.‬‬
‫يدرك السَّ الم أنّ أمرين اثنين ربما يتوق أطفالي) تحمل معنى الصيرورة الرتيبة بال‬
‫لهما الكثير من المبدعين‪ ..‬الموت والجنون‪ .‬انقضاء‪ .‬تواصل الحياة من األب عبر أبنائه‬
‫األول قد يستطيع الكاتب أ ْن يدخله بإرادته بفطرة ال يقف في وجهها أيُّ حاجز‪.‬‬
‫ثم هناك تلك الغريزة التي تُحرّك دوافع‬ ‫‪ -‬إن شاء ‪ -‬دون أن ي َِحدَّ أيُّ شيء من حركته‬
‫نحوه‪ ،‬أما الثَّاني ‪-‬أي الجنون‪ -‬فهو أصعب اإلنسان فيضحّ ي في سبيل أطفاله دون ثمن‪،‬‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪46‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬
‫وتكثر األسئلة‪ ،‬ونشعر بضيق الحياة وحرجها‬ ‫ويشعر أنّهم استمراره وحياته بعد موته‪ .‬ال‬
‫أمام سبر مجاهيلها‪ ،‬وبالفعل كل شيء يوحي‬ ‫شيء يفصل بين األنا وأطفالها كالهما كو ٌن‬
‫بالفناء‪ ،‬وكل عمل ينتهي ويصبح في الماضي‬ ‫واحد‪ ..‬صيرورةٌ واحدةٌ متواصل ٌة من بداية‬
‫ال ينطبق عليه تأثير فعل الحاضر‪ ،‬فيصبح‬ ‫الخلق دون انتهاء‪.‬‬
‫كإحساس لشيء عابر ال غير‪.‬‬ ‫(اهلل كتاب)‪ ..‬جملة قاسية في مظهرها‬
‫الزمان والمكان هما العنصران األساسان‬ ‫وشائكة عند مقاربتها‪ ،‬ومع ذلك فباطنها‬
‫يفيض باالتساع والشفافية‪ ،‬فمن لم يقل أنّ‬
‫للحياة‪ ،‬وهما اللَّذان يحددان حركات أيدينا‬
‫اهلل معرفة فقد خاب‪ ،‬بل هو كتاب مفتوح‬
‫ويموضعان أفكارنا‪.‬‬
‫يحثّ اإلنسان ويستدرجه؛ لدراسته والتعمق‬
‫الزمان والمكان إبــداع حقيقي‪ .‬معجزة‬ ‫في أسمائه وصفاته‪ ،‬وأيضاً هو طريق يتالزم‬
‫فريدة راقيّة ال يمكن فصلهما دون أ ْن يفقد‬ ‫جبراً مع البحث والمعرفة‪.‬‬
‫ألم تكن (إقرأ) الكلمة األولى في اتصال المكان قيمة وجوده‪.‬‬
‫على الرغم من كينونة الزمان والمكان‬ ‫الصالة والسَّ الم؟‬
‫اهلل بنبيه عليه وعلى آله َّ‬
‫(اهلل كتاب) جملة تؤكّد أ ْن ال شيء يقرِّبنا المستقلَّة عنَّا‪ ،‬إال إنّه ال تجسيد ألهميتهما‬
‫ويوصلنا إلــى اهلل كالمعرفة‪ ،‬فمن خاللها بعيداً عن حواسنا ومشاعرنا وأغراضنا‪.‬‬
‫المكان أقــرب إلــى تصورنا من الزمان‪،‬‬ ‫تتبدد جهاالتنا وتعصبنا وضيق انتمائنا‪..‬‬
‫تلك المعرفة الحقَّة التي يحثُّ اهلل عليها‬
‫وذلــك إلمكانيّة الشعور به بطرق عــدة‪ ،‬إال‬
‫ويدعونا إلــى االنــدمــاج بها‪ .‬فمن خاللها‬
‫أنّ الزَّمان ينطوي على كثير من الغموض‪،‬‬
‫نستكشف الرموز ونستبين الدالالت‪ ..‬نقفو‬
‫ولذلك فمن الصعب فهمه بكل تفاصيله‪..‬‬
‫أثر اهلل في ملكوته‪ ،‬فيتجَّ لى لنا بكل دالالته‪.‬‬
‫على الــرغــم مــن سعي الكثير مــن العلماء‬
‫ال شيء يقرِّبنا إلى اهلل أكثر من الكتاب‪ .‬لمحاولة التعرف عليه على مدى العصور‪.‬‬
‫والقرآن الكريم كتاب اهلل والمعجزة التي‬
‫يوحي النَّص بفكرة الشَّ اعر بعدم ارتباط‬ ‫حملها نبيُّنا األكرم‪ ،‬ومن قبله من الرسل من‬
‫الزَّمان والمكان‪ ،‬فبعد انتهاء العالم سيستم ُّر‬ ‫أصحاب الكتب‪.‬‬
‫الزَّمان بصيرورته إلى ما شاء اهلل‪ ،‬ولن يؤثّر‬
‫بعد ذلــك يقول الشاعر (ساعة وينتهي‬
‫عليه انتفاء المكان‪ ،‬فساعة وينتهي العالم‪،‬‬ ‫العالم)‪:‬‬
‫ولكن الساعة التالية قادمة ال ريب‪.‬‬
‫هنا ينتاب القارئ إحساس حقيقي مُرهص‬
‫هــذه محاولة قــراءة في نص المجنون‪،‬‬ ‫بضيق الحياة مهما امتدَّ ت‪ ،‬وشعور بتضاؤل‬
‫الــفــرد فــي بحثه عــن الــخــلــود‪ .‬ومتى يأتي وإضــاءة ال تتعدى كونها أنَّها ال تهدف إلى‬
‫هذا اإلحساس؟ بعد المعرفة أي بعد (اهلل التقليل من تجربة الشاعر أو تحميل النص‬
‫كتاب)‪ ،‬عندما تزداد المعرفة يزداد القلق‪ ،‬أكثر مما يحتمل‪.‬‬
‫‪47‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫البولوفونية والكرنفالية‬
‫في رواية «نزل الظالم» لماجد الجارد‬
‫■ إميان عبد العزيز املخيلد*‬

‫إنَّ الرواية البولوفونية هي إحدى تجليّات التجديد في السرد‪ ،‬فقد يعمد الروائي‬
‫إلى أن يتخفّ ى وراء األصوات المتعددة؛ كي يتحرر السرد من الهيمنة األحادية‪،‬‬
‫ويترك بذلك مجاال للتأويل بما يسمح بتعدّ د الـقــراءات والــرؤى والمواقف من‬
‫أبطال الرواية وأحداثها‪ ،‬وبذلك تتعزّز فنيّتها‪ ،‬وأوجه الجمال والمتعة فيها‪ ،‬وهو‬
‫ما يتيحه التعدد في مستويات الخطاب في النص‪ ،‬أو ما يسمى بالكرنفالية‪ ،‬وهي‬
‫السمة التي يتيحها تعدد األصــوات في السرد‪ ،‬وهي سمة وصفت بها ما يُسمّ ى‬
‫نقديا بالرواية الجديدة؛ إذ‪« :‬تنهض لغة الكتابة في الرواية الجديدة على التنوع‪،‬‬
‫وتعدد مستويات اللغة؛ فاللغة في الروايات لغات‪ ،‬واألسلوب أساليب‪ .‬وللتعدّ د في‬
‫الفن الروائي أوجــه شتى؛ منه أن الروائي يستقبل داخــل عمله األدبــي التعددية‬
‫اللسانية والصوتية للغة األدبـيــة وغير األدبـيــة‪ ،‬دون أن يضعف عمله من جراء‬
‫ذلك‪ ،‬بل يصير أكثر عمقا‪ .‬وترسم هذه الكرنفالية للغات المنحدرة من انتماءات‬
‫ثقافية مختلفة‪ ،‬ومن طبقات اجتماعية متعددة صورة الرواية النموذجية حسب‬
‫التصور الباختيني‪ ،‬لذلك ال يتردد بعض النقاد في إطالق صفة الديمقراطية‬
‫عليها‪ ،‬وهم يقصدون بذلك الحوارية التي يمنحها العمل الروائي للشخصيات‬
‫حتى تعبّر بأصواتها عن همومها»(‪.)١‬‬

‫وقد عرّف ميخائيل باختين الرواية بعضها في مواجهة بعضها اآلخر‪ ،‬مثلما‬
‫البوليفونية بأنها‪« :‬الــروايــة المتعددة يحدث عند المزج بين مختلف األلحان‬
‫األصـــــوات ذات طــابــع ح ـ ــواري على في عمل موسيقي‪ .‬حقًا إن العالقات‬
‫نطاق واسع‪ .‬وبين جميع عناصر البنية الــحــواريــة هــي ظــاهــرة أكــثــر انــتــشــارًا‬
‫الروائية‪ ،‬توجد دائما عالقات حوارية‪ ،‬بكثير من العالقات بين الردود الخاصة‬
‫فنجد «أن هــذه العناصر جــرى وضع بالحوار الذي يجري التعبير عنه خالل‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪48‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫التكوين‪ ،‬إنها ظاهرة شاملة تقريبا‪ ،‬تتخلّل‬
‫كل الحديث البشري وكــل عالقات الحياة‬
‫اإلنسانية وظواهرها‪ ،‬تتخلل تقريبا كل ما له‬
‫فكرة ومعنى»(‪.)٢‬‬
‫ويــجــب أن تــتــحــدث كــل ه ــذه األص ــوات‬
‫التي يستخدمها الكاتب في فضائه السردي‬
‫بزوايا رؤية مختلفة‪ ،‬لكنها في عمومها تنتمي‬
‫للمؤلف‪ ،‬وتنطق باسمه‪.‬‬
‫وقـــد يــســتــخــدم بــعــض الــ ُكــ ّت ــاب تقنية‬
‫«الكرنفالية» مــن دون الــوعــي بأهمية أن‬
‫يختلف الــصــوت الــســردي عــن اآلخ ــر في‬
‫سرد الحدث الواحد؛ فلو افترضنا أن كاتبًا‬
‫استخدم تعدداً في ضمائر السرد المختلفة‬
‫ومجال اشتغال البوليفونية التي قصدها‬
‫والمتنوعة لسرد الحدث الواحد‪ ،‬من زاوية‬
‫باختين هي الرواية‪ ،‬فالرواية هي الجنس‬
‫الرؤية ووجهة النظر نفسها‪ ،‬مهما اختلف‬
‫األدبــــي األكــثــر قـ ــدرة عــلــى تجسيد هــذا‬
‫عدد الــرواة الذين سيروونه؛ فهل يعد هذا‬
‫المصطلح الــذي أتــى من حقل فني مغاير‬
‫تعددًا في األصــوات؟ «إن الكرنفالية التي‬
‫هو حقل الموسيقى؛ ليمارس اشتغاله في‬
‫أطلقها باختين في تقديري ليست مجرد تعدد‬
‫النصوص الروائية؛ ليعكس وجوداً تعددياً في‬
‫في اللغات المستخدمة‪ ،‬أو في الرواة داخل‬
‫النصوص األدبية‪ ،‬وال سيما الروائية منها‪،‬‬
‫النص الواحد‪ ،‬بقدر ما هي عرض لوجهات‬
‫مثل‪ :‬تعددية فــي األســالــيــب‪ ،‬وتعددية في‬
‫النظر المتنوعة‪ ،‬سواء كان العمل الروائي‬
‫اللغات‪ ،‬وتعددية في األصوات والشخصيات‪،‬‬
‫فيها مبنيا على شكل فصول متفرقة‪ ،‬يروي‬
‫وتعددية في الــرؤى والمنظورات السردية‪،‬‬
‫كلَّ فصل فيها أح ُد الشخصيات‪ ،‬وبذلك يقع‬
‫وتعددية في الضمائر‪ ،‬وتعددية في الرؤى‬
‫تقويمه من خالل وجهة نظر مفردة‪ ،‬أم تُقدَّ م‬
‫األيديولوجية‪.‬‬
‫وجهات النظر المتنوعة في هــذه الصورة‬
‫الــروايــة البوليفونية تتيح لكاتبها أن‬ ‫ـوات أيديولوجي ًة متساوي ًة في‬ ‫بوصفها أصـ ٍ‬
‫يستعرض كل وجهات النظر والرؤى المفارقة‬ ‫األس ــاس‪ ،‬وهــي الــصــورة التي أطلق عليها‬
‫في الحياة‪ .‬وهي التي تقدم أنماطً ا متنوعة من‬ ‫ميخائيل باختين (البوليفونية) أي الرواية‬
‫الوعي والتصورات األيديولوجية المختلفة‪،‬‬ ‫ذات األصوات المتعددة»(‪.)٣‬‬
‫‪49‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫رواتــه‪ ،‬في ثمانية عشر فصال‪ ،‬وزعها بين‬ ‫دون أن يفرضها المؤلف على المتلقّي‪ ،‬بل‬
‫أصواته السردية المختلفة‪ ،‬ما بين صوت‬ ‫يترك له الحرية في اختيار األنسب‪.‬‬
‫األب وص ــوت األم وص ــوت محمد البطل‬
‫إذاً‪ ،‬تعدد األص ــوات يعني تعدد الــرؤى‬
‫الرئيس‪ ،‬ثم صوت صديقيه في «نزل الظالم»‬
‫والمنظورات األيديولوجية التي تعبّر عنها‬
‫خالد وإبراهيم‪ .‬في الفصول االثني عشر‬
‫الشخصيات داخل الرواية‪ ،‬فـ «عندما نتحدث‬
‫األولى‪ ،‬راوح الكاتب تنويعاته السردية ما بين‬
‫عن المنظور األيديولوجي ال نعني منظور‬
‫صوت «محمد» السارد الرئيس وصوت األب‬
‫ال عن عمله‪ ،‬ولكن‬ ‫الكاتب بصفة عامة منفص ً‬
‫وصوت األم‪ ،‬يقول على لسان محمد‪« :‬إنني‬
‫نعني المنظور الذي يتبنّاه في صياغة عمل‬
‫حين ولــدت نظر والــدي لتقلب لــون عيني‬
‫محدد‪ ،‬وإضافة إلى هذه الحقيقة‪ ،‬يجب أن‬
‫من األسود إلى األبيض‪ ،‬ومن يومها تحولت‬
‫نذكر أن الكاتب قد يختار الحديث بصوت‬
‫الــعــاقــة بيني وبينه إلــى عــاقــة صامتة‪،‬‬
‫مخالف لصوته‪ ،‬وقد يغير منظوره‪ -‬في عمل‬
‫أشعر به يلحظني ويتابعني من بعيد دون أن‬
‫واحــد‪ -‬أكثر من مــرة‪ ،‬وقد يقـيّم (بتشديد‬
‫يتدخل في تصرفاتي‪ .‬والدي لم ينسج لنفسه‬
‫الياء) من خالل أكثر من منظور»(‪.)٤‬‬
‫حلمًا ورديًا يعيش به ويتطلع إليه‪ ،‬ولم يلجأ‬
‫لألطباء‪ ،‬ويطارد سراب الشفاء وعودة نور‬ ‫ويرى أوسبنسكي أن الرواية البوليفونية‬
‫البصر لعيني‪ .‬كنت في قلب لوحة الحياة‪،‬‬ ‫يجب أن تتميز بعدة شروط هي‪ :‬أن توجد‬
‫وكــان وال ــدي خــارج لوحتي التي أرسمها‪.‬‬ ‫في الفضاء الروائي «عدة منظورات مستقلة‬
‫لــجــأت أمــي إلــى الــقــرويــة‪ ،‬لكل مــا يصفه‬ ‫داخــل العمل‪ ..‬ويجب أن ينتمي المنظور‬
‫لها عجائز القرية من وصفات‪ ،‬تبيت على‬ ‫مباشرة إلــى شخصية ما من الشخصيات‬
‫عيني كل ليلة قطعة من القماش المحشو‬ ‫المشتركة في الــحــدث‪ .‬أي بعبارة أخــرى‪،‬‬
‫عجينة دبــقــة أو عشبة لها رائــحــة عفنة‪،‬‬ ‫أال يــكــون موقفا أيــديــولــوجـ ًيــا مــجــردًا من‬
‫وحين أستيقظ ال أستطيع فصل رمشَ يَّ عن‬ ‫خارج كيان الشخصيات النفسي‪ .‬وأن يتضح‬
‫بعضهما لما قد أطبق عليها من كل ما يثير‬ ‫التعدد المبرز على المستوى األيديولوجي‬
‫شهية الذباب»(‪.)6‬‬ ‫فقط‪ ،‬ويبرز ذلك في الطريقة التي تقيّم بها‬
‫هكذا يتحدث محمد عن رد فعل األب‬ ‫الشخصية العالم المحيط بها»(‪.)٥‬‬
‫وسوف تقرأ الباحثة رواية «نزل الظالم» واألم تجاه ما أصاب عينيه من عماء‪ ،‬لكن‬
‫لماجد الجارد؛ لتكشف عن االستراتيجية كيف يــرى األب واألم األمــر؟ من أي زاويــة‬
‫السردية التي اتخذها الجارد؛ لعرض وجهة رؤية ينقالن لنا ذات الحدث؟‬
‫يُنوّع مؤلف «نــزل الظالم» في الضمائر‬ ‫نظره‪ ،‬وزاويــة الرؤية التي يرى من خاللها‬
‫العالم‪ .‬حــرص الجارد على تعدّد أصــوات الــســرديــة‪ ،‬حــيــث يــشــغــل ضــمــيــر الــغــائــب‪،‬‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪50‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫فضمير المتكلم‪ ،‬ثم ضمير المخاطب‪ .‬أو البوليفونية لجعل األب يقوم بالسرد دون أن‬
‫ينتقل بين ســارد حاضر وســارد غائب‪ ،‬أو يلجأ لهذا الحوار الطويل‪.‬‬
‫وكذلك فعل حين أراد أن يسمع القارئ‬ ‫بين ســارد مــشــارك وس ــارد محايد‪ .‬وكلما‬
‫تعددت وجهات النظر‪ ،‬واختلفت المنظورات صوت األم‪ ،‬لتقوم بدورها في إضاءة جانب‬
‫كف بصر «محمد»‪ ،‬بدأ‬ ‫السردية‪ ،‬وتعددت الضمائر‪ ،‬وتنوّع الــرواة من الحكاية‪ ،‬حكاية ّ‬
‫والــسُّ ـرّاد‪ ،‬كانت الرواية أقــرب إلى الرواية السرد على لسان محمد‪ ،‬وهو بدوره أسلم‬
‫الحوارية منها إلى الرواية التقليدية ذات‬
‫زم ــام الحكي ل ــأم‪ ،‬لتقوم بــســرد جوانب‬
‫الصوت الواحد‪.‬‬
‫مخفية من الحكاية على هيئة حوار طويل‬
‫لــكــن الــكــاتــب يــواجــه مشكلة فنية في بين السارد واألم‪ ،‬لكن الحوار كان من جانب‬
‫االنــتــقــال مــن ضمير إلــى ضمير فــي سرد واحد على لسان األم‪ ،‬وطال أيضا أكثر من‬
‫الــنــص‪ ،‬ففي الفصل الــرابــع يــبــدأ السرد الالزم‪( :‬حدثتني أمي بصوتها الدافئ «كنت‬
‫بضمير األنا على لسان محمد‪ ،‬الشخصية أنفق ج ّل وقتي في حجرتك‪ ،‬ومع هذا لم‬
‫الرئيسة‪ ،‬وبدون مبرر فنيّ أو دراميّ يسلم أستطع ردم الفجوة‪ .‬أشعر أنك بحاجة ألخ‬
‫السرد لألب؛ ليكمل الحكاية‪« :‬هَ م أبي عن يقاسمك اللعب والشجار والطعام والمنزل‪.‬‬
‫مقعد أقتعده بمدرسة‪ ،‬ولكن ابنه األعمى بــذلــت جــهــدي لــيــزورنــا أطــفــال الــجــيــران‪،‬‬
‫قد ضاقت به مدارس الطائف‪ ..‬وفي إحدى فــابــتــكــرت الــمــغــريــات مــن دم ــى ومكعبات‬
‫المساءات كــان والــدي يتحدث إلــى جدي‪ :‬وصنوف الحلوى‪ ،‬لتتحول غرفتك إلى قاعة‬
‫«ذهبت إلى مكة المكرمة‪ ،‬كنت طوال الطريق لعب مزدانة بشرائط متدلية من السقف‪،‬‬
‫أمنّي نفسي‪ ،‬أوقف سيارتي عند الباب‪ ،‬ثم وتتطاير فيها أحجام متعددة من البالونات‪،‬‬
‫لكن كل حيلي فشلت في تبديد وحدتك‪،‬‬ ‫أطفأت المحرك‪ ..‬يا األخو‪ ..‬وين رايح؟‬
‫فأوالد الجيران ال يمكثون طوال النهار‪.)8(»..‬‬ ‫أريد أن أسجل ابني‪،‬‬
‫وه ــك ــذا ف ــي ك ــل األصــــــوات الــســرديــة‬ ‫طيب أنت تريد المدير‬
‫المتعددة أو كرنفالية السرد التي أراد أن‬
‫ومشى إلى الداخل»(‪.)7‬‬
‫يوظفها الجارد في نصه‪ ،‬كلها فقدت شروط‬
‫تستمر الحكاية على شكل حوار بين األب الحوارية والكرنفالية التي وضعها النقاد‬
‫والجد‪ ،‬ألربع صفحات كاملة‪ ،‬ألن الكاتب لم وعلى رأسهم باختين‪.‬‬
‫يستطع توظيف تقنية تعدد األصوات‪ ،‬فبدأ‬
‫غياب فلسفة الزمن في الرواية‬
‫السردية‪ ،‬ثم أسلم األب الحكي على هيئة‬
‫فــي «ن ــزل الــظــام» لــم ينشغل الــجــارد‬ ‫حوار بينه وبين الجد‪ .‬فطال الحوار أكثر من‬
‫الالزم‪ ،‬فلو أن الكاتب يدرك أبعاد توظيف كثيرًا بفلسفة الزمن وتأمله‪ ،‬إال في مواضع‬
‫‪51‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫نادرة من النص‪ ،‬فقد كتب على لسان والدة البطل الريفية التي لم تنل حظا من التعليم‬
‫البطل رؤيته للزمن‪ ،‬وما يفعله في اإلنسان‪ ،‬أسهمت بثقافتها الشعبية الريفية في ازدياد‬
‫وكيف يكون قــادرًا على إلهائه عن العقبات عاهة إبراهيم‪ ،‬ينطلق الكاتب من مفهوم‬
‫النفسية الــتــي تــواجــهــه‪« :‬أســنــدت ذقنها أن البيت القديم‪ ،‬بيت الطفولة‪ ،‬هو مكان‬
‫الصغير على كتفي العريض‪ ،‬شعرت بدفء األلفة‪ ،‬ومركز تكيّف الخيال‪ .‬وعندما نبتعد‬
‫أنفاسها المختلطة بفحيح كلمات خافتة‪ .‬يا عنه نظل دائــم ـاً نستعيد ذكـــراه‪ ،‬ونسقط‬
‫كف عن الحزن‪ ،‬فذاك على الكثير مــن مظاهر الــحــيــاة المادية‬ ‫أبا إبراهيم ال أقول ّ‬
‫أمــل مستحيل‪ .‬إنــمــا ألجئه للتابع الزمن ذلــك اإلحــســاس بالجمالية واألمــن اللذين‬
‫والليالي فهما القادران على تحويل كل جرح كان يوفرهما لنا البيت‪ ،‬فال شك أن مفهوم‬
‫غائر ونزيف هادر لندبة متحجّ رة متصلّبة‪ ،‬البيت «يــركــز الــوجــود داخ ــل ح ــدود تمنح‬
‫الحماية»(‪ ،)١١‬ويمثل ذلــك في النص‪ ،‬قول‬ ‫نتلمسها بين الفينة والفينة»(‪.)٩‬‬
‫الجارد على لسان إبراهيم‪« :‬أمــي القروية‬ ‫المكان في الرواية‬
‫لجأت لكل ما يصفه لها عجائز القرية من‬
‫يُع ُّد المكان في «نزل الظالم» بنية أساس‬
‫وصفات‪ ،‬فتُبيّت على عينيّ كل ليلة قطعة من‬
‫في العنوان‪ ،‬المكان الضيق (نزل)‪ ،‬كما يع ُّد‬
‫القماش المحشو عجينة دبقة أو عشبة لها‬
‫كذلك بنية أساس من البنى الجمالية التي‬
‫رائحة عفنة‪ ،‬وحين أسيقظ ال أستطيع فصل‬
‫يتكون منها النص‪ ،‬فالكاتب يكتب سيرة بطله‬
‫رمشيّ عن بعضهما لما قد أطبق عليها من‬ ‫إبراهيم مع الظالم‪ ،‬مع فقدان البصر‪ ،‬بل‬
‫كل ما يثير شهية الذباب العنيد»(‪.)١٢‬‬ ‫سيرة كل زمالء النزل الذين فقدوا أبصارهم‬
‫يجيد الكاتب استخدام المكان لتصوير‬ ‫مبكرًا أو وُلــدوا فاقدي البصر‪ ،‬فجميعهم‬
‫ووصف ما يعانيه البطل طوال حياته‪ ،‬فبعض‬ ‫ضمهم هذا المكان‪ ،‬الذي خصص للعميان‪:‬‬
‫األماكن بالنسبة إليه هي السكن واألمــان‪،‬‬ ‫«أوقفتنا األقــدار على أول عتبة من عتبات‬
‫وبعضها اآلخر هي الخوف والتشتت والقلق‪.‬‬ ‫نزل الظالم ودفعتنا إلى الداخل دفعاً‪ ،‬حيث‬
‫فمكان فيه أمــه يمثل بالنسبة إليه األمــان‬ ‫وجدنا أيامنا تنساب مع تيار ال ينتهي إال في‬
‫واالطــمــئــنــان‪ ،‬ومــكــان يفتقد وجــودهــا فيه‬ ‫قرار دير العتمة القسري»(‪.)١٠‬‬
‫تتنوع األماكن في الرواية ما بين المكان يمثل بالنسبة إليه الخوف والــفــزع‪« :‬منذ‬
‫الواسع المفتوح‪ ،‬حيث يعيش البطل إبراهيم ميالدي لم أنم إال في غرفتي التي صممتها‬
‫فــي قريته‪ ،‬والمكان الضيق المغلق حيث على ذوقها‪ ،‬ولم تلقمني إال يدها‪ ،‬تتابعني‪،‬‬
‫الــنــزل‪ ،‬وقــد انعكست ثقافة المكان على تالحقني في كل مكان‪ ..‬أيسهل أن أ ُودَع في‬
‫تشكيل الخطوط الدرامية في النص‪ ،‬فأم سكن داخلي يحول نزيله إلى رقم يحتل خانة‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪52‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫بين الــســجــات‪ ،‬تُــصــرف لــه ثــاث وجبات محروم من الضوء والمنافذ‪« :‬منذ البارحة‬
‫أتمدد في غرفتي الرطبة المكتومة‪ ،‬أغفو‪،‬‬ ‫محددة الكمية والزمن»(‪.)١٣‬‬
‫يمر الزمن بطيئا‪ ،‬أغــوص في جب عميق‬
‫الكرونوتوب أو الزمكانية في الرواية‬
‫جهنمي‪ ،‬أستيقظ‪ ،‬أتكئ‪ ،‬أجلس‪ ،‬أتقلّب من‬
‫من الممكن أن يكون الكرونوتوب وسيلة من جنب إلى جنب‪ ،‬والصمت يخيم في كل زاوية‪،‬‬
‫وسائل الروائي الفنية لتلمّس انعكاس الزمان وال يبدده إال طقطقة سريري من تحتي‪،‬‬
‫على الــمــكــان‪ ،‬وتــغـ ّيــر إحــســاس الشخوص ونافذة قديمة الطراز تسرب شرائح دفتيها‬
‫بالمكان نتيجة للمتغيرات الزمانية؛ ففي الخشبية أصوات المارة‪ ،‬لكنها تحرمني لذة‬
‫رواي ــة «نــزل الــظــام» كــان إحــســاس البطل اإلطــالــة على الــحــارة مــن تحتي‪ ..‬ألصق‬
‫بالمكان متسعا بَرَاحَ ا‪ ،‬لكن بتغير اللحظة أذنــي على الجدار لعلّي أستأنس بأنين أو‬
‫الزمانية من االنتقال من عالم الرحابة‪ ،‬حيث تنهيدة وحيد مثلي‪ .‬أين الذين كانوا معي‬
‫البيت وحميميته واألم وعطفها وحنانها إلى البارحة حينما جمعتنا الحمى؟! عندما وقف‬
‫ال ـنُــزل‪ ،‬ساعتها يتحول المكان إلــى مكان المشرف الصحي في الصالة المتوسطة‬
‫مغلق‪ ،‬وفضاء ضيق‪ ،‬حيث انعكاس اللحظة لشقتنا‪ ،‬ونادى عليّ ثم صعدنا ألسرة الكبار‪،‬‬
‫الزمنية على الفضاء المكاني‪ ،‬ويصير النزل ونادى على طالبين ال أعرفهما‪ .‬كنا مسرورين‬
‫كمتغير (من متغيرات) كرونوتوب أكثر قتامة على الرغم من مرضنا‪ ،‬ألننا ألول مرة نغادر‬
‫وعتمة على روح البطل‪ ،‬حيث انغالق وفضاء النزل في المساء»(‪.)١٤‬‬

‫ * كاتبة من السعودية‪.‬‬
‫(‪ )١‬هويدا صالح‪ ،‬صورة المثقف في الرواية الجديدة‪ ،‬دار رؤية للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪2011،‬م‪،‬ص‪.50‬‬
‫(‪ )٢‬ميخائيل باختين‪ :‬شعرية دويستفسكي‪ ،‬ترجمة‪ :‬جميل نصيف التكريتي‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط‪1‬ـ‬
‫‪1986‬م‪ ،‬ص‪.59:‬‬
‫(‪ )٣‬هويدا صالح‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.50‬‬
‫(‪ )٤‬بوريس أوسبنسكي‪ ،‬شعرية التأليف‪ :‬بنية النص الفني وأنماط الشكل التأليفي‪ ،‬ترجمة سعيد الغانمي‬
‫وناصر حالوي‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.30‬‬
‫(‪ )٥‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.29‬‬
‫(‪ )6‬ماجد الجارد‪ ،‬نزل الظالم‪،‬مصدر سابق‪،‬ص‪،66‬‬
‫(‪ )٧‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫(‪ )٨‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫(‪ )٩‬ماجد الجارد‪ ،‬نزل الظالم‪ ،‬مصدر سابق‪،‬ص‪.28‬‬
‫(‪ )١٠‬ماجد الحارد‪ ،‬نزل الظالم‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫(‪ )١١‬جاستون باشالر‪ ،‬جماليات المكان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.60‬‬
‫(‪ )١٢‬ماجد الحارد‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫(‪ )١٣‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.33‬‬
‫(‪ )١٤‬ماجد الجارد‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.56‬‬
‫‪53‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫المحتوى الفلسفي في رواية‬
‫«نزيف الحجر»‬
‫■ صالح محمد املطيري*‬

‫تجوال في إحدى المكتبات على رواية رصينة هي (نزيف الحجر)‬ ‫ٍ‬ ‫وقعت ذات‬
‫ُ‬
‫للروائي الليبي إبراهيم الكوني‪ ،‬ولكوني على صلة قرائية بهذا الروائي الملحمي‬
‫ـدت يــدي تمتد لتستحوذ على هذا‬‫ال ــذي يـقــارن حقا بعبدالرحمن منيف‪ ،‬وج ـ ُ‬
‫الكتاب‪ ،‬ومن ثم تشرع في قراءته‪.‬‬
‫وإبراهيم الكوني كاتب معروف بأعماله الروائية ذات الطابع الملحمي مثل‪:‬‬
‫رباعية (الخسوف)‪ ،‬وثنائية (المجوس)‪ ،‬و(التبر)‪ ،‬و(السحرة)‪ ،‬وغيرها من أعمال‬
‫روائية وقصصية‪ .‬المؤلف ذو صيت ذائع بين أوساط النقاد داخل الوطن العربي‬
‫وخارجه‪ ،‬وقد ترجمت أعماله إلى عدة لغات أوروبية وشرقية‪.‬‬

‫وغالبا ما يختار ابراهيم الكوني حياة الرواية ويدور الصراع بين شخوصها‪.‬‬
‫الصحراء مسرحا لرواياته وقصصه‪ ،‬وكان المؤلف قد أصدر هذه الرواية في‬
‫خاصة في الشمال اإلفريقي‪ ..‬حيث طبعتها األولــى عام ‪1990‬م‪ ،‬ثم توالت‬
‫الصحراء الكبرى تفترش مساحة هائلة طبعاتها بعد ذلك التاريخ‪ ،‬وبين يدي‬
‫اآلن طبعة الدار المصرية اللبنانية في‬ ‫من عدة أقطار عربية وأفريقية‪.‬‬
‫وهكذا كانت روايــة (نزيف الحجر) القاهرة وتاريخها ‪1434‬هـ ‪2013 -‬م‪.‬‬
‫والــروايــة في مجملها تحكي قصة‬ ‫أيضا‪ ،‬حيث اتخذت من الصحراء الليبية‬
‫في الغرب حيزاً تتحرك فيه أحــداث (أســـوف)‪ ،‬ذلــك الفتى الــطــوارقــي من‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪54‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫بدو الصحراء‪ ،‬الذي آثرت أسرته أن تنعزل‬
‫عــن بقية ســكــان الــصــحــراء؛ فانتبذت لها‬
‫مكاناً قصياً عن اآلخرين‪ .‬وتعرض أحداث‬
‫ُالرواية تقاطعات وتجاذبات لحياة هذا الفتى‬
‫الصحراوي الذي دأب على رعي معيزه في‬
‫بطون األودي ــة وعــروق الــرمــال‪ ،‬وبين ثنايا‬
‫الصخور الضخمة وشعاف الجبال؛ وظل‬
‫الفتى طوال عمره يتجاوب مع رموز المكان‬
‫الموحش‪ ،‬ويناغي مالمحه القاسية‪ ،‬ويتماهى‬
‫مع إيحاءاته وأصــواتــه العميقة‪ .‬لكن هذه‬
‫تلف في طياتها قدرًا‬
‫العزلة المكانية التي ّ‬
‫من العافية والطمأنينة والسكون ال تستمر‬
‫لألسف (وأي نعيم يستمر؟)‪ ،‬إذ تتقاطع‬
‫أحــداث هذا الراعي المتأمل في صفحات‬
‫والذي ال يبيت على غير لحم‪ ،‬وال يصبر على‬
‫الصخور ومــا تحويه من رســوم مع آخرين‬
‫حيوان واحــد‪ ،‬ثم يظهر معه على المشهد‬
‫غرباء طارئين‪ ،‬أقلقوا سكينة الصحراء‪،‬‬
‫أيضا المغامرون من السياح واألجانب‪ ،‬مثل‬
‫وخدشوا وتيرة الهدوء‪ ،‬وبعثروا نظام الحياة‬
‫األوروب ــي جــون بــاركــر‪ ،‬مدجّ جين بالبنادق‬ ‫لإلنسان والحيوان على حدٍّ سواء‪.‬‬
‫الحديثة والسيارات السريعة؛ فيكدرون بغبار‬
‫إن ذلك النظام الطبيعي في الصحراء ظل‬
‫سياراتهم األفق‪ ،‬ويجرحون أديم األرض بوقع‬
‫يسير على طبيعته المتوازنة أحقابا وقروناً‬
‫العجالت؛ وهكذا يــدردر في بطون األودية‬
‫طويلة‪ ،‬حتى ظهر على المسرح هذا اإلنسان‬
‫هدي ُر المُحَ رِّك ألول مرة‪ ،‬ويلعل ُع بين جنبات‬
‫الحديث؛ وهكذا يتغير رتم الحياة لدى الفتى‬
‫الصخور صوتُ الرصاص‪ ،‬حتى يصبح (ال‬
‫ولــدى الصحراء مع مجيء الطارئين إلى‬
‫صــوت يعلو فــوق صــوت الــرصــاص)‪ ،‬الذي‬
‫حوزة الصحراء‪ ،‬حيث تتحول هذه الحياة من‬
‫يخنق الحياة فــي رشقة أو رشقتين على‬
‫الهدوء إلى االضطراب‪ ،‬ومن النظر والتأمل‬
‫قطيع كامل من الغزالن‪.‬‬
‫والسكون إلى المطاردة والمالحقة واللهاث؛‬
‫وتــتــعــالــى غـ ــارات الــصــيــد الــتــي يشنُّها‬ ‫يحدث ذلك خاصة عندما يظهر على المشهد‬
‫(قابيل)‪ ،‬ذلك الرجل الذي ُغذِّيَ منذ نعومة الطارئون على حرم الصحراء‪ ،‬وتُبا ُد قِ طعا ٌن‬
‫أظفاره على لحوم الغزالن ولحوم (الودّان)‪ ،‬بكاملها في غزوة أو غزوتين على متن إحدى‬
‫‪55‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫العربات‪ ،‬حتى تتناقص الغزالن وتتداعى إلى مركزًا ومكثفا‪ ،‬حتى غدت هذه الرواية ‪-‬في‬
‫الهرب واللجوء إلى شعاف الجبال‪ ..‬وتختبئ نظري‪ -‬عمال أقرب رحمًا إلى الفلسفة منه‬
‫بين أنياب الصخور‪ ،‬وتصل الحال إلى أن إلــى الــروايــة‪ ،‬أو قل إنها روايــة تحتاج إلى‬
‫يُقال إنه رُؤيَ في تلك الرملة غزالة وبنتها قارئ من نوع خاص‪ ،‬قارئ متريث يتكئ على‬
‫ترعيان مع الفجر‪ ،‬بعد أن كانت قطعانا رصيد سابق في الفلسفات القديمة على‬
‫تجوس خالل الصحراء كيف تشاء؛ وهكذا الخصوص‪.‬‬
‫يكمل الوافد المخرّب باركر ما كــان بدأه‬
‫وأنا أؤمن أن القراءة السطحية لمثل هذه‬
‫(المواطن) قابيل‪ ،‬فيقضيان معاً على البقية‬
‫األعمال ال يخرج منها القارئ بطائل‪ ،‬ألن‬
‫الباقية من الحياة الفطرية في الصحراء‬
‫مثل هذه األعمال تتطلب قــدرًا من التؤدة‬
‫الوادعة‪ ،‬وبخاصة الغزالن والودان‪.‬‬
‫الستبطان المعاني الفكرية التي يمهّد لها‬
‫ومـــدار الحكاية فــي ال ــرواي ــة‪ ،‬ومــا دار النص‪ ،‬إن النص الــروائــي‪ ،‬خاص ًة الموغل‬
‫بين شخوصها وما هو واقعي منها وما هو في طرحه الفلسفي مثل الذي بين أيدينا ال‬
‫متخيّل ليس في نظري ما يش ُّد الناقد هنا‪ ،‬يكشف عن مكنونه‪ ،‬إال إذا أصخت له السمع‬
‫ألن مثل هذه الشخوص (الصحراوية) سواء فيما يريد أن يفاتحك به‪ ،‬وها نحن نعرض‬
‫اإلنسانية منها أم الحيوانية قد تنولت من هنا لبعض المكاشفات الفلسفية التي تجلت‬
‫قبل وعولجت في أعمال أ ُخر‪ ،‬كما أن تركيب لي بعد قراءتي لرواية (نزيف الحجر)‪.‬‬
‫الواقع بالمتخيل وتلبيس الممكن بالمعجز‪..‬‬
‫الهروب نحو العزلة‬
‫هــو مــن األدوات المخيالية (الــفــنــتــازيــة)‬
‫إن أول فكرة يلتقي بها الــقــارئ وجهاً‬ ‫التي يتوسّ ل بها الروائي كما هو معروف‪،‬‬
‫وإنما الــذي يشد الناقد حقا هنا هو هذه لوجه في الرواية هي فكرة (الهروب نحو‬
‫الحموالت الفلسفية والمضامين العرفانية العزلة)‪ ،‬أو ما يُعبّر عنه أحيانا بـ(الفلسفة‬
‫واإليــمــاءات الفكرية التي تتغلغل فــي كل العالئية)‪ .‬حيث تشيع في الفصول األولى‬
‫حدث من أحداث الرواية‪ ،‬وتتهادى على كل من الرواية األحداث والمقوالت التي تبشر‬
‫حدث ما‪ ،‬بالعزلة وتباركها‪ ،‬بوصفها طريقة سامية‬ ‫ٍ‬ ‫سطر يخطه المؤلف معلقا على‬
‫أو ملخصاً نهاية إحــدى الشخصيات‪ ..‬أو لتحقيق الطمأنينة النفسية والتخلّص من‬
‫أذى اإلنسان‪.‬‬ ‫واصفاً ما آلت إليه الحال في اإلجمال‪.‬‬
‫إن المرء المعتزل يختار هــذا المسلك‬ ‫وهمّنا اآلن فــي هــذا المقال أن نجلو‬
‫الغشاء عــن كيفية توظيف هــذه الحمولة ليحيا بعيدًا عن أوضار االختالط بالبشر‪،‬‬
‫الفلسفية الزائدة في أعطاف الرواية توظيفا وما ينجم عنه من تكالب على الحطام‪ ،‬وقد‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪56‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫ـدس‬
‫وح ـن ـ ٍ‬ ‫ـصــر يـهــم ن ـه ــارٍ ِ‬ ‫رأينا في الرواية أن عائلة الفتى (أسوف) ف ـ ـ ٍ ّ‬
‫ـأف ل ـ َعـ ْ‬
‫ـال مـ ـنـ ـه ــمُ ون ـ ـسـ ــاءِ‬
‫وجـ ـنـ ـس ــي رج ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫قد انتبذت لها مكانا قصيًا في الصحراء‬
‫إيثاراً للعزلة‪ ،‬وأن الوالد‪ -‬أي رب األسرة‪-‬‬
‫ف ـل ـيــت ول ـ ـيـ ــد ًا م ـ ــات س ــاع ــة يــومــه‬
‫ما فتىء يلحّ على العزلة ويحبّذها مصبحاً‬
‫ولـ ــم يــرت ـضــع م ــن أمـ ــه ال ـن ـف ـســاءِ !‬
‫وممسياً‪ ،‬حتى أنه لما نزل قطي ٌن من البدو‬
‫الحمية النباتية‬
‫ِ‬ ‫على مقربة من مضارب األســرة‪ ..‬نرى أن‬
‫ويرتبط بفلسفة أبي العالء هنا وبالفلسفة‬ ‫الوالد لم يهدأ له بال حتى أمر األسرة بشد‬
‫القديمة عموما نظام أو حمية المذهب‬ ‫الرحال من الغد‪ ،‬نائياً عن المكان‪ ،‬ومتخلصاً‬
‫من جوار اإلنسان‪ ،‬كان األب يوحي إلى ابنه‬
‫النباتي (‪ ،)vegetarianism‬وهو نظام يتمذهب‬
‫يفضل الخير ال بد له‬
‫قائال‪( :‬اإلنسان الذي ّ‬
‫به (أسوف) بطل الرواية هنا‪ ،‬ألن هذا الرجل‬
‫أن يهرب من أذى اإلنسان)‪ .‬وعندما عذلته‬
‫الصحراوي قد حرّم على نفسه أكل اللحم‬
‫زوجته على الرحيل عن المكان صاح فيها‬
‫بعد حادثة الودان المهيب‪ ،‬وقد رأيناه بعدها‬
‫قائال‪( :‬أجاور الجن وال أجاور اإلنس‪ ،‬أعوذ‬
‫يصرخ فــي وجــه قابيل‪ ،‬الــذي مــا أتــى إلى‬
‫باهلل من شر الناس) ص ‪.25‬‬
‫عمق الصحراء إال لكي يأكل الغزالن ويقتات‬
‫وال ننسى أن أحد فصول الرواية معنون بشراهة عجيبة على اللحم قائال‪:‬‬
‫بعبارة صريحة تقول (ش ٌر اسمه اإلنسان)‪.‬‬
‫(أنــا لم أذق اللحم‪ ..‬أنا ال آكل اللحم!)‬
‫طبعا فلسفة العزلة هذه تذكرنا بال ريب (ص‪)39‬‬
‫بفلسفة أبي العالء المعري؛ إن أبا العالء‬
‫والمذهب النباتي الذي قيّد (أسوف) به‬
‫فيلسوف اختار أن يعبر عن منهجه شعرًا‪،‬‬
‫والمسلك الذي اختاره طريق ًة للعيش إنما نفسه‪ ،‬وقبله أبو العالء‪ ،‬يستند إلى فلسفة‬
‫ينبعث من رؤيته الفلسفية للعالم والمخلوقات‪ ،‬شرقية (هندية قديمة) تحرّم االعتداء على‬
‫اخــتــار أبــو الــعــاء كما هــو مشهور العزلة الحيوان وإزهاق روحه من أجل الغذاء‪ ،‬هذه‬
‫واالنــطــواء‪ ،‬وان ــزوى فــي بيته منقطعا عن الفلسفة تُعلي من شأن وجود الروح الحية‬
‫قليل يعدون على األصابع في الحيوان؛ فمن هنا‪ ،‬تحرّم سلبه هذه‬ ‫نفر ٍ‬
‫الناس‪ ،‬إال عن ٍ‬
‫من تالمذته الذين كانوا يأتونه ليأخذوا مما الهبة اإللهية من أجل الزاد والطعام‪ ،‬الذي‬
‫لديه من علم واسع باللغة والشعر والعروض‪ ،‬يمكن أن يجده اإلنسان في غير الحيوان‪.‬‬
‫وراح أبو العالء يبرر مسلكه هذا في أشعار طبعا الى هذا الح ّد تبدو لنا هذه الفلسفة‬
‫كثيرة بثها في ديوانه اللزوميات‪ ،‬نذكر منها نزع ًة إنساني ًة نحو الحيوان قوامها الشفقة‬
‫والــرحــمــة وال ــح ــرص عــلــى إرادة الــحــيــاة‬ ‫قوله منددًا بجنس البشر‪:‬‬
‫‪57‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫للكائنات‪ ،‬لكني أرى من طرف خفي أن هذه ومثل شخصية الزاهد (جلّولي) أحد شيوخ‬
‫الفلسفة الهندية القديمة تنطوي على أثر الواحات ال تفتأ تتألم على تناقص الغزالن‬
‫من مــادة تناسخ األرواح‪ ،‬وبــاد الهند كما في نواحي الصحراء‪ ،‬فأسوف يكره جدا أن‬
‫هو معروف هي المنشأ العريق لهذه الفكرة يستعبده جشع قابيل ليرغمه على مالحقة‬
‫القديمة‪ ،‬أعني تناسخ األرواح‪ ،‬وعلى هذا الــصــيــد فــي بــطــن الـ ـ ــوادي‪ ،‬وبــيــن حــواف‬
‫فال تعجب أن وُلد كتاب كليلة ودمنة‪ -‬وهو الصخور الضخمة المنغرزة فــي الــرمــال‪.‬‬
‫عبارة عن شخوص حيوانات تتحاور فيما والشيخ الزاهد في الواحة يتجهّم في وجه‬
‫بينها ‪ -‬في بالد الهند على وجه الخصوص‪( .‬جــون بــاركــر) الــذي مــا هبط هــذه الديار‬
‫واآلن وقد رأينا توجّ ه بطل الرواية نحو المقفرة إال لمالحقة الغزالن‪ ،‬وما هي إال‬
‫المذهب النباتي‪ ،‬وامتناعه عن إيذاء الحيوان أن يعرف عنه غزوته التي أسفرت عن مقتل‬
‫بأي شكل من األشكال أو سلب شعلة الحياة الغزالن حتى يشيح بوجهه عنه ثم يجابهه‬
‫منه؛ لنا إذاً‪ ،‬أن نتفهّم تشقيق المعنى الذي بألم‪( :‬كيف تدعي الديانة بدين المسيح‬
‫أراد الكاتب إيصاله عند العتبة األولى في وهو بريء منك؟ ال أنت منه وال هو منك!)‬
‫طائر ص‪.111‬‬
‫ٍ‬ ‫األرض وال‬
‫ِ‬ ‫الرواية‪( :‬وما من داب ٍّة في‬
‫إن الــروايــة بمجموعها تعد حقا بمثابة‬ ‫يطير بجناحيه إال أم ٌم أمثالكم)؛ لقد صدَّ ر‬
‫(منشور) صارخ يفضح جناية (اإلنسان) على‬ ‫الكاتب عمل َه بهذه اآلية الكريمة‪.‬‬
‫طبيعة الصحراء على األخص‪ ،‬وعلى إرادة‬ ‫االتجاه البيئي‬
‫الحياة بوجه عــام‪ .‬إن اإلنسان الحديث ما‬
‫تــكــاد الـــروايـــة أن تــكــون ف ــي مجملها‬
‫فتىء يعيث فسادًا في عالم الصحراء وعالم‬
‫بياناً أول ينعي ضياع الحياة الفطرية في‬
‫الطبيعة كــكــل‪ ،‬حتى تبدلت األرض غير‬
‫عالم الــصــحــراء‪ ،‬أعني (البيئة الطبيعية‬
‫األرض والسماء غير السماء‪.‬‬
‫الصحراوية) ومــا فيها مــن مخلوقات من‬
‫ثنائية قابيل وهابيل‬ ‫الحيوان والنبات‪ ،‬وما فيها أيضا من معالم‬
‫ولــهــذا الــغــرض ‪-‬جــنــايــة اإلنــســان على‬ ‫وآثــار وتضاريس‪ ،‬إنها حقا بكائية الفقد‬
‫والــثــكــان‪ ،‬على تدمير طبيعة الصحراء الطبيعة‪ -‬فإن الكاتب إبراهيم الكوني يعيد‬
‫واستئصال رمــوزهــا األســاس من الحيوان إنتاج قصة قابيل وهابيل هنا‪ ،‬وهي قصة‬
‫معروفة في الكتب السماوية لألديان الثالثة‪،‬‬ ‫والنبات‪.‬‬
‫والشخوص التي تحمل الهاجس اإلنساني قوامها حسد قابيل ابن آدم ألخيه هابيل‪..‬‬
‫في الرواية مثل شخصية البطل (أسوف)‪ ،‬ثم قتله جراء ذلك‪ ،‬وأما كيف وظّ ف الكاتب‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪58‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫هذه القصة؟ فإنه قام بإعادة إنتاجها هنا قابيل وشهواته اللحمية في االزديــاد حتى‬
‫على نحو تمثيلي رمزي‪ ،‬فاإلنسان الحديث تطمح عيناه إلى صيد (الودّان) بين شعاف‬
‫في الرواية يمثل شخصية قابيل‪ ،‬والحيوان الجبال‪ ،‬وال ــودان هو وعــل الجبل أو تيس‬
‫الذي يرتع في عالم الصحراء يمثل شخصية الجبل المعروف عند اإلغريق بـ (‪ ،)ibex‬وهو‬
‫هابيل‪ ،‬وقد رأينا أن اإلنسان الحديث قد صيد عزيز ومطلب عسير‪ ،‬ألنه يتسلق على‬
‫هبط إلى مراتع الحيوان الــذي كان يعيش الحواف الصخرية بزاوية تسعين درجة بكل‬
‫بسالم فــي الــصــحــراء‪ ،‬وجعل ينغّص عليه رشاقة ِ‬
‫وخفَّة‪ ،‬وكأنه ليس من ذوات األربع‬
‫العيش ويــزعــجــه ويــاحــقــه مــن مــكــان إلى بل من الزواحف والحشرات‪ ،‬ولتحقيق هذا‬
‫مــكــان‪ ،‬ويسلب منه شعلة الــحــيــاة بالقتل المطلب العسير يح ّل قابيل ورفيقه مسعود‬
‫والصيد‪ ،‬ليكون في النهاية لقمة سائغة تشبع ضيفا ثقيال على أس ــوف ابــن الصحراء‪،‬‬
‫نهم قابيل‪ ،‬حتى وصلت الحال الى حد الفناء ويلحّ ان عليه ويتهددانه لداللتهما على آثار‬
‫والتالشي والعدم‪ ،‬أي محا جنس الحيوان في الــودان ومساكنه بين شعاف الجبال‪ ،‬فيقع‬
‫أسوف‪ -‬الذي عقد نذرًا بينه وبين الودان‪-‬‬ ‫الصحراء بالقتل على يد اإلنسان (قابيل)‪.‬‬
‫ولهذا الغرض جعل المؤلف أحد أبطال في حرج عظيم وعنَت شديد‪ ،‬فكيف يدلّهما‬
‫الرواية تحت اسم (قابيل)‪ ،‬وهو يقوم بدور على مدارج الودان وقد قطع عهدًا معه‪ ،‬وقد‬
‫شخص من أهل البلد؛ لكنه يعاني من نهم أخذ منه ميثاقا غليظا؟‬
‫وال يكتمل دور (قابيل) في الــروايــة إال‬ ‫شديد عجيب إلى اللحم منذ والدتــه‪ ،‬فقد‬
‫ُغـذّي على دم غزالة وهو لمّا يزل رضيعا‪ ،‬بانضمام (جــون بــاركــر) إليه‪ ،‬وظهور هذه‬
‫وعــنــدمــا كبر جعل ديــدنــه أن يقتات على الشخصية األجنبية فــي الــروايــة هــو في‬
‫اللحم كل يــوم حتى قيل إن في فمه دودة نظري نو ٌع من تلوين الفسيفساء الشخوصية‬
‫ال تفتأ تطلب اللحم‪ ،‬وهكذا درج هــذا الـ ألبطال الرواية‪ ،‬و(باركر) هذا شخصي ٌة تبعث‬
‫(قــابــيــل) عــلــى هــبــوط األوديــــة مــع رفيقه على االهتمام حقا‪ ،‬فهو قد جاء في األصل‬
‫مسعود (الدباشي) الذي له من اسمه أجزل ضابطا في القاعدة العسكرية في الشمال‪،‬‬
‫النصيب‪ ،‬ألنــه ليس له شخصية مستقلة‪ ،‬غير أنه مثل بعض الغربيين الذين تشرئب‬
‫وإنما هو يتابع ويوافق ويواتي على الدوام‪ ،‬أعناقهم إلــى مــعــارج الفلسفة والتصوف‪،‬‬
‫ويــقــوم ه ــذان الــرجــان بمالحقة الــغــزالن وقد استغرق في قراءة الفلسفات الصوفية‬
‫وصيدها وقتلها بأعداد كثيرة‪ ،‬ففي كل آن والشرقية القديمة حتى تأثر بمقوالتها‪،‬‬
‫لهما صولة وجــولــة فــي الــصــحــراء‪ ،‬يذهب ومــن تلك الــمــقــوالت مقولة حلولية تقول‬
‫ضحيتها أعداد من الغزالن‪ ،‬وتستمر أطماع (إن الس ّر في األنعام) وإن الس َّر في الغزال‬
‫‪59‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫على وجــه الخصوص‪ ،‬فَتولّع عندها هذا الشيطانية تدور كالطاحونة‪ .‬تسكع الجندب‬
‫الضابط الوافد بصيد الغزالن في النواحي اللئيم عبر سفح السلسلة متفقدا التجويفات‬
‫المجاورة ومالحقتها بالبنادق والسيارات‪ ،‬والصخور والمنحدرات العارية حتى بدا عن‬
‫وشــرع يالحق ذلــك (الــسـرّ)‪ ،‬وجعل يطوف بعد مثل صقر في بحثه العنيد عن فريسة‪.‬‬
‫بين القرى والواحات في الشمال‪ ،‬فسمعهم‬
‫حطوا عند حذاء الجبل‪ .‬بحثوا عن مأوى‬
‫يرددون مقولة شعبية تقول (الزيت غريان‪،‬‬
‫يحميهم من شر الشمس‪ ،‬الكهوف الظليلة‬
‫والتمر ف ـزّان‪ ،‬واللحم ودان!) وما أن وصل‬
‫تعتلي أعالي الجبل‪ .‬الطريق إليها يمر عبر‬
‫إلى واعيته هذا المفهوم‪ ،‬حتى بدأ يطلب‬
‫صخور ملساء وأخ ــرى متوحشة‪ ،‬مسلحة‬
‫الودان أيضا‪ ،‬ويا له من صيد عزيز!‬
‫بــأحــجــار كــأنــيــاب ال ــوح ــوش‪ ..‬على الرمل‬
‫ويتفق جون هذا وقابيل ابن البلد على الناعم ارتسمت آثــار األفــاعــي والسحالي‬
‫غزو الصحراء طلبا للصيد‪ ،‬ويقتفيان أثر والعظاءات وجرذان الصحراء‪.‬‬
‫الصيد بين الوهاد والسهول والجبال‪ ،‬وتُباد‬
‫فوق الرمال الذهبية‪ ،‬عثر قابيل على آثار‬
‫إثر ذلك قطعا ٌن من الغزالن‪ ،‬وتهرب البقية‬
‫أخرى‪ :‬الغزالن!) ص ‪114‬‬
‫الباقية من الصيد إلى الرمال البعيدة أو‬
‫وبهذه الغارة الجوية على صهوة الجندب‬ ‫تعتصم بالظالل الخافتة بين أنياب الصخور‪.‬‬
‫ويُــســخّ ــر جــون بــاركــر أقــصــى إمكانياته اللعين يختفي من السهول جنس الغزال‪،‬‬
‫المادية لتمشيط الجبال بحثا عن الغزالن‪ ،‬زينة الصحراء وحليتها األزلية‪ ،‬وهكذا تفقد‬
‫فــيــأخــذ ط ــائ ــرة اســتــطــاع مــروحــيــة من الــصــحــراء (ســرهــا) األثــيــر على يــد قابيل‬
‫الــقــاعــدة العسكرية‪ ،‬ويــركــب وإل ــى جانبه وشريكه باركر األثيم‪.‬‬

‫وأما الغزالة وابنتها ومعها بالطبع حيوان‬ ‫قابيل‪ ،‬ويشرعان في تعقب أي أثر يدل على‬
‫الغزالن‪ ،‬ويقصدان (جبل الحساونة)‪ ،‬ذلكم الصحراء فيقومان في الرواية بدور شخصية‬
‫المعقل النهائي واألخير للبقية الباقية من هابيل‪ ،‬وكــانــت الــغــزالــة تقص على ابنتها‬
‫قصة المكان منذ البدء أو (أمثولة الوطن)‬ ‫الغزالن‪:‬‬

‫(حــلــق الــجــنــدب الــخــرافــي فــي الفضاء كما يقول الكاتب‪ ،‬وتخبرها فيها كيف خلق‬
‫الــصــافــي وعــبــر ســهــول الــحــمــادة الخالية اهلل الــروح أول مــرة وكيف حــدَّ لها حــدودا‬
‫الصامتة‪ .‬في متاهة العراء تتناثر أشجار ثالثة‪ :‬الزمان والمكان والجسد‪ ،‬وقد حقت‬
‫اللعنة وهلك كل من حاول أن يخرج من هذه‬ ‫سدر وطلح ورتم‪ ،‬تنمو متباعدة‪.‬‬
‫ســاد صمتٌ كئيب‪ .‬استمرت المروحة الحدود‪( .‬ص ‪.)99-98‬‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪60‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫العالء نفسه في رسائله المتبادلة مع داعي‬ ‫الروح‪..‬‬
‫إن السرد الروائي لحكاية الوطن أو حكاية الدعاة في مصر إلى مثل هذه العلة‪ ،‬لكنه‬
‫الروح بحسب ما ترويه الغزالة البنتها يوحي ‪-‬وهــو في معرض الدفاع‪ -‬لم يرجعها الى‬
‫هنا بعدة إيماءات؛ طبعاً وبنا ًء على معطيات معتقدات فلسفية يتأثرها‪ ،‬وإنما قال إنه‬
‫التفسير اإلشــاري‪ ..‬فإن كون الخطاب من فقط يمتنع عن أن يعرض للحيوان بسوء‬
‫نــوع اإلش ــارة واإليــمــاء فــإن ذلــك ال يضفي رغم إيمانه‪-‬دينيا‪ -‬بإباحة أكله‪ .‬والغريب‬
‫عليه قطعية الــداللــة؛ لــذا‪ ،‬فــإن الناقد هو أن أتــبــا َع الديانات الشرقية اآلسيوية مع‬
‫في فسحة من األمر ليذكر ما يبدو له من أنهم يتحرجون من قتل الحيوان‪ ،‬إال أنهم‬
‫إيماءات بال مشاحة في االصطالح‪ .‬فمن يبيحون ألنفسهم قتل اإلنسان‪ ،‬كما حدث‬
‫تلك اإليماءات التي تبدو للقارئ من حكاية في الصراعات التي شهدتها بورما مؤخرا‪.‬‬
‫الحقيقة أن الرواية مفعمة بالتوجهات‬ ‫الغزالة وابنتها هــو فكرة (وح ــدة ال ــروح)‪،‬‬
‫بمعنى أن الــروح الحية هي نفسها نفسها‪ ،‬الفلسفية المتشعبة‪ ،‬وفيها مادة مركزة من‬
‫وإنما الوعاء الذي تتشكل فيه يختلف ما بين الموروث الشرقي القديم‪ ،‬وال يسعنا في هذه‬
‫إنسان أو حيوان أو نبات (هناك خالف قديم المعالجة أن نبسط كل فكرة‪ ،‬لكن لعل ما‬
‫وعقيم هل للنبات روح أم ال)‪ ،‬أي أن الروح ألمحنا إليه هو أهم األفكار الفلسفية التي‬
‫مثلها مثل المادة الغذائية التي تراها أنت وُظفت في الرواية‪.‬‬
‫في المتجر‪ :‬فقد تكون المادة نفسها مغلّفة‬
‫رموز وتشخيص‬
‫في علبة أو زجاجة أو كيس‪ ..‬إلخ‪ ،‬فالمادة‬
‫بقي أن أشير إلــى ناحية مهمة أسبغت‬ ‫الداخلية هي من نــوع واحــد‪ ،‬لكن األوعية‬
‫فيضا من الحركة والحياة على رموز الرواية‬
‫ً‬ ‫الحاوية مختلفة‪ .‬وهذا في نظري ما تومئ‬
‫إليه حكاية الغزالة في الــروايــة‪ .‬فالمؤلف وشخوصها‪ ،‬وهي أسلوب (التشخيص)‪ ،‬أي‬
‫هنا يؤسس خطاب الغزالة على فكرة وحدة تشخيص الرموز في الرواية من حيوان أو‬
‫الــروح بين المخلوقات‪ .‬وهــذه الفكرة هي نبات أو جماد‪ ..‬ووصف تصرفاتها وتحوالتها‬
‫من الفلسفة الشرقية القديمة؛ ومن هنا‪ ،‬وكأنها شخصيات عاقلة‪ ،‬فالودّان‪ ،‬رغم أنه‬
‫تنبثق فكرة تحريم االعــتــداء على الــروح‪ ،‬مجرد حيوان جبلي نَفور‪ ،‬إال أنه يبدو في‬
‫سواء أكانت هذه الروح حالّة في إنسان أم ال ــرواي ــة شخصية كــامــلــة الــشــروط حقا‪،‬‬
‫في حيوان‪ ،‬وهــذه هي العلة األســاس التي وتظهره تصرفاته وانفعاالته فــي أحــداث‬
‫يرتكز عليها الفالسفة النباتيون‪ ،‬مثل أبي الرواية ذا إرادة وذا عزيمة وذا إصرار؛ فهو‬
‫العالء المعري كما ذكرت آنفا‪ ،‬وقد لمّح أبو إذاً‪ ،‬شخصية (مناضل) من الطراز األول؛‬
‫‪61‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫ال يقبل أنصاف الحلول‪ ،‬وال يمسك العصا أال إال ت ـ ـ ـكـ ـ ــن إبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلٌ ف ـ ـ ِـمـ ـ ـع ـ ــزى‬
‫ك ـ ـ ـ ــأنّ ق ـ ـ ـ ــرون ِجـ ـ ّلـ ـتـ ـه ــا ال ـ ـع ـ ـصـ ـ ُّـي ّ!‬ ‫من الوسط كما يقال‪ ،‬وال يؤمن بالموادعة‬
‫يفضل أن‬
‫والمهادنة مع جنس اإلنسان‪ ،‬إنه ّ‬
‫أما الغزالن فلها شأ ٌن آخر‪ :‬إنها أسطورة‬
‫يتصوّب من عـ ٍـل‪ ..‬وتندقّ عنقه في الهاوية‬
‫و(سرّ) الصحراء!‬
‫الرمال بل أيقونة الجمال‪ِ ،‬‬
‫ليغيظ اإلنــســان ويــزيــده حسرة‪ ،‬ال أن يقع‬
‫تــص ـوّر الــروايــة الــغــزال وكــأنــه (مــواطــن‬
‫أسيرًا أو صيدًا سهال في يد اإلنسان‪ ،‬أي‬
‫أصــلــي) مــوطــنــه الــصــحــراء‪ ،‬وه ــو مرتبط‬
‫أنــه مــأخــوذ عاطفيا بمقولة ذلــك الشاعر‬
‫بموطنه أش ـ ّد االرتــبــاط‪ ،‬ال يبغي به بدال‪،‬‬
‫المناضل القديم‪:‬‬
‫ومع ذلك يصادر اإلنسان حق هذا (المواطن‬
‫األصــلــي) فــي العيش فــي موطنه األثــيــر‪،‬‬
‫ف ـ ـ ــإمّ ـ ـ ــا ح ـ ـ ـيـ ـ ــاة ت ـ ـ ـس ـ ـ ـ ّر ال ـ ـصـ ــديـ ــق‬
‫ويضطره بالمطاردة والتقتيل إلى أن يتشرد‬
‫ـات يـ ـغـ ـي ــظ ال ـ ـ ــعِ ـ ـ ــدا!‬‫وإمّ ـ ـ ـ ـ ـ ــا مـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ٌ‬
‫وك ــذل ــك تــســري آلـــة الــتــشــخــيــص على فــي اآلف ــاق‪ ،‬ويــمــوت مــن جــراء الــفــراق‪ .‬إن‬
‫حيوانات الصحراء كافة؛ كالسحالي واإلبل الغزال يبدو لنا هنا مخلوقا بريئا له قضية‬
‫والماعز والــغــزالن‪ ،‬فأما أمــة الماعز فهي عادلة سوف يحتكم بها إلى رب السماء‪ .‬كان‬
‫شعب يجنح إلــى خــرق قواعد النظام‪ ،‬لذا األب كثيرا ما يردد‪( :‬هذا يحيرني‪ ..‬لماذا‬
‫راع حــازم متيقظ‪ ،‬وتبدو على اإلنسان المجرم أن يطارد مالكاً كهذا‬
‫فهي تحتاج إلــى ٍ‬
‫ذكور الماعز في رغبة دائمة إلى إثارة الشغب ليقتله ويحشو به جوفه؟) ص ‪.51‬‬
‫وختاماً أقــول‪ ،‬استطاع الكاتب أن يُعمِ ل‬ ‫والــفــوضــى‪ ،‬وتتنقل المعيز بين الصخور‬

‫وكأنها فرقة من سالح المهندسين؛ تفتش آلة التشخيص في كل الرموز األخــرى في‬
‫وتمشط الثنايا بحثًا عن األعشاب الخضراء الــروايــة‪ ،‬مثل الشمس والسهول والصخور‬
‫والــرمــال واألشــجــار‪ ،‬فكل ذلــك يسبغ عليه‬ ‫النابتة بين ألسنة الصخور‪.‬‬
‫وأنا أزعم أن من يقرأ هذه الرواية سوف الكاتب بواسطة لغته االستعارية العالية ثوبا‬
‫فضفاضا من الحياة والحركة واالنفعال‪.‬‬‫ً‬ ‫يتفهّم حقا رغبة الشاعر أحمد الصافي‬
‫النجفي التي تغناها في قصيدته (راعــي ولعل هذا ما يشد القارئ الذي يعجب باللغة‬
‫الــغــنــم)‪ ،‬كما سيتفهم أيــضــا تلك الرغبة الشاعرية في السرد‪ ،‬خاصة مع كاتب يفضل‬
‫القديمة الــتــي أبــداهــا ذات يــوم الشاعر االعتماد على تلوين النص بأطياف تتماهى‬
‫الجاهلي أمرؤ القيس‪ ،‬ألم يقل ذلك الملك بين الحقيقة والمجاز‪ ،‬هذا وباهلل التوفيق‬
‫وهو المستعان في كل األحوال‪.‬‬ ‫الضليل في مقطوعة تنسب إليه‪:‬‬
‫* كاتب من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪62‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫البالغية‬
‫ِ‬ ‫الص َو ِر‬
‫أنواع ُ‬
‫ُ‬
‫في قصص طاهر الزارعي‬
‫■ جميل حمداوي*‬

‫المقدمة‬
‫تشتمل مجموعة (زبــد وثمة أقفال معلّقة) للمبدع السعودي طاهر الزارعي‬
‫على مجموعة مــن الـصــور القصصية الـســرديــة ذات الطابع الـبــاغــي‪ .‬وهـنــا‪ ،‬لن‬
‫نتوقف عن البالغة البيانية الكالسيكية التي تحوي صور المشابهة (التشبيه‪،‬‬
‫واالستعارة)‪ ،‬وصور المجاورة (المجاز المرسل‪ ،‬والمجاز العقلي‪ ،‬والكناية)‪ ،‬بل‬
‫ـوســعُ موضوعنا ليشمل ص ــورا بالغية أخ ــرى تستنبط مــن داخ ــل المجموعة‬ ‫نـ ِّ‬
‫القصصية‪ ،‬بمراعاة دالالت الموضوعات‪ ،‬واإلنصات إلى جوانبها الشكلية‪ ،‬ورصد‬
‫وظائفها الفنية والجمالية والرؤيوية‪ ،‬على النحو اآلتي‪:‬‬

‫فنية جمالية داللية وحجاجية‪ ،‬تقوم على‬ ‫المطلب األول‪ :‬صــــورة النقيضـــة‬
‫التطابق الذهني والفكري والجمالي‪.‬‬
‫تعتمد صــورة النقيضة‪ ،‬أو صــورة‬
‫بمعنى أن الطباق صورة فكرية وذهنية‬
‫الطباق‪ ،‬على إيراد لفظتين متطابقتين‬
‫قائمة على منطق الحجاج واالستدالل‬
‫أو متعاكستين أو متناقضتين إيجابًا‬
‫والبرهنة‪ .‬وتحضر هــذه الــصــورة في‬
‫وســلـ ًبــا‪ .‬وقــد أدرج البالغيون العرب قصة (احتفاء على تخوم الحشرجة)‬
‫الــقــدامــى الــطــبــاق ضمن المحسّ نات للكاتب السعودي طاهر الزارعي‪ ،‬حينما‬
‫البديعية‪ ،‬ولكنه ‪ -‬في الحقيقة‪ -‬صورة يشير إلى مربي الحمام داخــل السوق‬
‫‪63‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫األســبــوعــي‪ ،‬وهــم يقارنون بين الحمامات القصصي السعودي بوصفها الصورة األكثر‬
‫الجميلة ذات القيمة الكبيرة‪ ،‬وحمامات انتشارًا في الشعر العربي إلى جانب صورة‬
‫منافسيهم الــتــي يصفونها بشتى العيوب االستعارة وصــورة التشخيص‪ .‬ويعني هذا‬
‫والعاهات والنقائص؛ محاولين إقناع زبائن أن الــســرد القصصي الــســعــودي مــا يــزال‬
‫الــســوق بــجــودة بضاعتهم‪ ،‬مــع ذكــر رداءة يتكئ على التصوير البالغي الشعري في ما‬
‫يخص توظيف بالغة المشابهة‪ .‬ومن أمثلة‬ ‫بضاعة منافسيهم‪:‬‬
‫« كنت أطعمها جيدا‪ ،‬وأبلل ريشها بالماء‪ ،‬ذلك صورة التشبيه لدى الطاهر الزارعي‪،‬‬
‫بــل أح ــرص جــيــدا على تنظيف منقارها‪ ،‬فهي تتأرجح بين أداة الكاف وأداة مثل‪:‬‬
‫«نهضت مــن سفرة الطعام كالمفزوع‪،‬‬ ‫وأختار منها األجــود‪ :‬كالحمام الحساوي‪،‬‬
‫والقالبي‪ ،‬حتى أتمكن من بيعها بثمن جيد تتخبط قدماي بثوبي‪ ،‬صعدت بخفة غزال‬
‫في ســوق الخميس الــذي يمثل لي خروجا متجهًا نحو السطح‪ ،‬رأيت حماماتي تتطاير‬
‫عن روتين القرية المم ّل حينما انطلق إليه في القفص الكبير والخوف يحتضن أعينها‪.‬‬
‫صباحا‪ ،‬حتى إذا ما وصلت هناك فسأجد تلك القطط الشاردة طالما تتلذذ بحمامة‬
‫المنافسة الكبيرة مع نخبة من مربي الحمام‪ ،‬أو حمامتين كل أسبوع‪ ،‬فقد كانت ترتكب‬
‫يمتلئ بهم الــســوق‪ ،‬كــل واحــد منهم يزعق خطيئة كبيرة بحق هذه الحمامات!»(‪.)٢‬‬
‫بصوته الــمــألــوف‪ :‬الــزويــن عندنا والشين‬
‫ترصد صــورة التشبيه في هذا المقطع‬
‫حولنا‪.)١(».‬‬
‫السردي حالة خوف السارد على حماماته‬
‫تؤشر صورة الطباق (الزين عندنا والشين الوديعة فــوق السطح‪ ،‬وتصور أيضا مدى‬
‫حولنا) على تناقض الــمــواقــف‪ ،‬واختالف استعداده الكامل للدفاع عنها‪ ،‬حينما يحدق‬
‫وجهات النظر‪ ،‬وصــراع القيم التي تتحكم بها خطر القطط‪ .‬وكــان دفــاع الــســارد هو‬
‫فيها المصالح والمنافع واألهواء على حساب الردع والطرد ليس إال‪:‬‬
‫الحقيقة والمصداقية واليقين‪ ،‬واختالف‬
‫«أمي تقول لي‪ :‬انتبه ال تموت القطط راح‬
‫معيار التقويم من شخص إلى آخر إيجابًا‬
‫تسكن في نارها‪ .‬هذا التحذير جعلني خائفا‬
‫وسلبًا‪ .‬عالو ًة على سلبية صورة اآلخر في‬
‫جــدا‪ ،‬وحينما أجــد القطط تعتلي السطح‬
‫منظور األنــا‪ ،‬في فــضــاءات القيم المادية‬
‫لشن هــجــوم مباغت على الــحــمــام أكتفي‬
‫والكمية والتبادلية‪.‬‬
‫بردعها وطردها»(‪.)٣‬‬
‫وهكذا‪ ،‬تحضر صورة الخوف من خالل‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬صـــورة التشبيـــه‬
‫تستعمل صورة التشبيه بكثرة في السرد تجليات ص ــورة التشبيه‪ ،‬لتبين لنا مدى‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪64‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫إحــســاس الشخصية الرئيسة بحماماته خوفي واشمئزازي‪ ،‬فكيف إذا كان يسيل من‬
‫الوديعة التي كان يهتم بها فوق سطح المنزل حماماتي التي أرهقت نفسي في تربيتها‪،‬‬
‫اهتماما عاطفيًا كبيرًا‪ ،‬تــدل على رحابة لكن يبقى هذا قدرها اللعين‪ ،‬قدرها القادم‬
‫ـضــا على نحو الموت والفناء‪.)٤(».‬‬
‫إنسانيته األخــاقــيــة‪ ،‬وتــؤشــر أيـ ً‬
‫هكذا‪ ،‬يصبح طقس التضحية وإسالة‬ ‫مروءته العملية والسلوكية‪.‬‬
‫الدم من الظواهر األنتروبولوجية التي تعوَّد‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬الصـــورة األسطورية‬
‫عليها اإلنسان منذ القِ دَم في التعامل مع‬
‫تنبني الــصــورة األســطــوريــة‪ ،‬أو الصورة‬
‫ظواهرالطبيعة‪ ،‬ومواجهة الكوارث واألمراض‬
‫الميثولوجية‪ ،‬على التخريف واألســطــرة‬
‫واألوبئة‪ .‬واآلتي‪ ،‬أن هذه الطقوس أصبحت‬
‫والتخييل المجنّح في التجريد والطقوسية‪.‬‬
‫ظواهر اجتماعية وإنسانية وثقافية‪ ،‬تعبر‬
‫ومن ثم‪ ،‬تكشف كثيراً من القصص القصيرة‬
‫عــن مرحلة األســطــورة مــن جهة‪ ،‬ومرحلة‬
‫بالمملكة العربية السعودية‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫الالهوت من جهة أخرى‪ ،‬لينتقل اإلنسان ‪-‬‬
‫صورها الميتية الفكرية والتخييلية والعملية‪،‬‬
‫بعد ذلك‪ -‬إلى مرحلة الوضعية القائمة على‬
‫طبيعة الذهن اإلنساني العربي في التعامل‬
‫العلم والعقل والتجربة‪.‬‬
‫مــع الــواقــع الــمــوضــوعــي‪ ،‬وتكشف طريقة‬
‫المطلب الرابع‪ :‬صــــورة االستعـــارة‬ ‫تفسير األمــور وتحليلها ومعالجتها‪ .‬لذا‪،‬‬
‫تستعين القصة القصيرة السعودية بصورة‬ ‫يتداخل الالهوت مع الميثولوجيا واألسطورة‬
‫والخرافة في التعامل مع الظواهر الحياتية االستعارة مثل القصيدة الشعرية؛ نظرًا لكون‬
‫لــدى اإلنــســان الــســعــودي‪ ،‬وخــاصــة البدوي االستعارة من أقــدم الصور البالغية التي‬
‫منه‪ .‬وهذا إن دل على شيء‪ ،‬فإنما يدل على عرفها اإلنسان‪ ،‬فقد ارتبطت هذه الصورة‬
‫مدى تشبث اإلنسان بالتفكير الخرافي في باألسطورة والنزعة اإلحيائية في تجسيد‬
‫التفاعل مع كثير من أمور الحياة‪ ،‬وخاصة الطبيعة أنسنة وإحياء وتشخيصا‪ .‬ومن ثم‪،‬‬
‫فيما يتعلق بمداواة األمراض‪ ،‬كما يتبين ذلك تتخطى صــورة االستعارة عوالم الحقيقة‬
‫الكائنة إلى عوالم مجازية خيالية وافتراضية‬ ‫جلياً في هذه الصورة الخرافية‪:‬‬
‫«بعد أيــام تأتي إلــيّ أمــي تبشرني بأن قائمة على المشابهة‪ ،‬والتقاط ترسبات‬
‫إحـ ــدى مــعــارفــهــا ق ــد طــلــبــت مــنــهــا ش ــراء الذاكرة والالشعور والتناص األنتروبولوجي‪.‬‬
‫حمامتين لتذبحهما على ابنتها التي تشتكي وقلما نجد كاتبًا قصصيًا ال يشغل صورة‬
‫من آالم رأسها المتواصل‪ ،‬وكنت أرضخ لهذا االستعارة ذات البعد االنزياحي والتضميني‪،‬‬
‫الطلب بصعوبة بالغة‪ ،‬فمظهر الــدم يثير كما يظهر لنا ذلك واضحا في هذه الصور‬
‫‪65‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫غريزة الرغبة‪ ،‬ســواء أكــان ذلــك في عالم‬ ‫االستعارية الموحية‪:‬‬
‫«القرية هذا اليوم تنقش الفرح على كل الذكورة أم األنوثة‪:‬‬

‫«كلما أنظر إلى وجه أمي اختلس منها‬ ‫شبر فيها‪ ،‬على ترابها وجدرانها ونخيلها‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وتسيل من فمي ضحكات كثيرة كنت أفتقدها دمعة هاربة من عينيها‪ ،‬كانت أمي تحرص‬
‫منذ مدة‪ ،‬وعريس القرية صديق لي سأكافئه على أن أكون تاجرًا كبيرًا في سوق الحمام‬
‫كما كافأت كل العرسان من قبله‪ ،‬سأهدي حتى أمحو تلك الــصــورة التي الزمــت أبي‬
‫له خمس حمامات وثالثة أكياس صغيرة من الرقاص‪ ،‬فقد اشتهر بهذا اللقب بعدما كان‬
‫الشعير‪ ،‬وسأحرص كعادتي على أن أفرج يؤدي دور الرقص في زواجات القرية أثناء‬
‫عن كل حماماتي في صباح زواجه‪ ،‬وأطيرها تأدية العرضة‪ ،‬ويكسب من ذلك رزقه‪ ..‬لكن‬
‫لتحتفل في السماء‪ ،‬حتى إذا ما قرب المساء هذه التسمية الزمته وأوقعتني في حرج دائم‪.‬‬
‫أفتح لها قفصها الكبير لتدخل مطمئنة تلملم‬
‫كان أبي ماهرًا جدًا في أداء الرقصة مع‬
‫ما تبقى من حريتها»(‪.)٥‬‬
‫طبول العرضة التي تسخن على نار هادئة‪،‬‬
‫يبدو أن هذا المقطع السردي يعج بالصور رأيته بنفسي‪ ،‬كان يربط عجيزته الممتلئة‬
‫المجازية‪ ،‬وال سيما الصور االستعارية منها‪ ،‬بالشماغ المتهالك ويتمايل بها‪ ،‬وأحيانا‬
‫مثل‪ :‬تسيل من فمي ضحكات‪ -‬لتحتفل في يهزها هزًا كبيرًا حتى إن الناظر إليها يخمن‬
‫السماء ‪ -‬تلملم ما تبقى من حريتها‪ .‬وتقوم بــأن تــيــارًا كهربائيًا التمس بتلك العجيزة‬
‫كــل هــذه الــصــور على خاصية التشخيص ونفضها‪ .‬وبقدر جمال الرقص ومدته يحصل‬
‫والحركة والنزعة اإلحيائية اإلنسانية؛ بمعنى على رزقه من فئة الرياالت والعشرات التي‬
‫أن الطبيعة بكل تجلياتها تشارك عريس غالبا ما يتم وضعها في فمه أو تتناثر عليه‬
‫من فوق‪.‬‬ ‫القرية فرحته وسعادته العارمة‪.‬‬

‫أصعد إلى سطح البيت مع بداية كل يوم‪،‬‬ ‫المطلب الخامس‪ :‬الصـــورة الشبقيـــة‬
‫تــحــمــل بــعــض الــمــقــاطــع الــســرديــة في وأقف هناك مثل فزاعة ال أتحرك‪ ،‬أتذكر أبي‬
‫القصة السعودية صورا شبقية تتأرجح بين وأجهش ببكاء يهتك هدوء الصباح‪ ،‬وحينما‬
‫اإلثارة والشهوة واإليحاء بالعوالم الجنسية أصحو من هذه النوبة‪ -‬نوبة البكاء‪-‬أتأمل‬
‫تخييال وممارسة‪ ،‬كما يظهر ذلك جليًا في ذكور الحمام وهي تالحق إناثها حينما تقوم‬
‫هذا المقطع السردي الــذي يغص بالصور بمزاحمتها وتنظيفها من بقايا ريش متسخ‪،‬‬
‫اإليروسية والشبقية التي توحي باشتداد وتشرع بعد ذلك تسفدها بهيجان كبير‪.‬‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪66‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫يتضمن هذا المقطع السردي مجموعة من رأسه وحوقل كثيرا‪ ،‬أما بقية الحضور فكانوا‬
‫الصور الشبقية التي تتضح بالغتها الجنسية يتهامسون فيما بينهم؛ وش يقصد بوتأشيرة‬
‫من خالل هذه الملفوظات السردية التالية‪ :‬من هالكالم»(‪.)٧‬‬

‫وهكذا‪ ،‬تحيل هذه الصورة التناصية على‬ ‫الــرقــص‪ -‬يــهــزهــا ه ــزا‪ -‬يــربــط عجيزته‪-‬‬

‫إشكال المفارقة بين القول والفعل‪ .‬ويعني‬ ‫يهتك‪ -‬ذكور الحمام تالحق إناثها‪ -‬هيجان‪.‬‬

‫هذا أن ما يقوله الشيخ من كالم ونصائح‬ ‫المطلب السادس‪ :‬الصورة التناصية‬


‫مــعــتــادة ح ــول ضــــرورة الــصــبــر واالبــتــاء‬
‫تعتمد الــصــورة التناصية على اإلحالة‬
‫يتناقض مع ما يفعله من سلوكيات ال يقوم‬
‫المرجعية‪ ،‬والمعرفة الخلفية‪ ،‬واستدعاء‬
‫بها الشيطان‪ .‬أي‪ :‬ليس هناك تطابق عملي‬
‫الــذاكــرة الواعية وغير الواعية‪ ،‬في شكل‬
‫وسلوكي بين الفعل والعمل الممارس واقعيا‪.‬‬
‫ترسبات ثقافية ومعرفية من أجــل تطعيم‬
‫إن البطل يدين تصرفات الشيوخ ويسخر‬
‫النص السردي تعضيدًا وإسنادًا وتقوي ًة له‪،‬‬
‫منها مــا دام ــت ال تتناسب مــع نصائحهم‬
‫كما يبدو ذلك جليًا في هذه الصورة التناصية‬
‫وأقوالهم الدينية‪.‬‬
‫التي تسترجع قصة النبي أيوب عليه السالم‪،‬‬
‫المطلب السابع‪ :‬الصورة الوصفية‬ ‫وقد استحضر المؤلف السارد هذه الصورة‬

‫تــقــوم الــصــورة الــوصــفــيــة عــلــى تشغيل‬ ‫التناصية للتأشير على الصبر واالبتالء الذي‬

‫الــمــوصــوفــات النعتية والــحــالــيــة والــصــور‬ ‫قدّره اهلل على أيوب‪:‬‬

‫«بــدأ الشيخ بسرد قصة نبي اهلل أيوب المجازية لتتبع الموصوف خارجيًا أو داخليًا‪،‬‬
‫إذ ســرد قصته وكيف أن اهلل ابتاله‪ .‬لكنه وتتعدى الصورة الوصفية طابعها التزييني أو‬
‫صبر على بلواه‪ ،‬كانت عينا كل واحــد من التقبيحي إلــى طابعها الــداللــي والوظيفي‬
‫المستمعين تتوجه إلى الشيخ كعيني بومة والحجاجي‪ ،‬كما في هذه الصورة الوصفية‬
‫حادة أثناء ذكره لقصة هذا النبي‪ .‬وحينما االستهاللية التي ترصد لنا شخصية الخراز‬
‫أراد هــذا الشيخ أن يختم حديثه بنصائح المشعوذ ال ــذي فشل فــي حــرفــة الــخــرازة‬
‫معتادة قام «أبــو تأشيرة الخبل» كما يحب ليصبح طبيبًا شعبيًا يداوي النساء والرجال‬
‫أن يطلق عليه أصدقاؤه األطفال‪ ،‬ورفع ثوبه‪ ،‬على حد ســواء من أجل كسب القوت‪ ،‬إلى‬
‫ووجه حديثه للشيخ‪ :‬أقول القيامة قامت‪ ..‬أن عجز عــن مـ ــداواة نفسه بــذلــك الطب‬
‫قامت‪ ..‬اتركوا الشيطان وعلم روحك القصة الذي مارسه وامتهنه عن جهل وغباوة وسوء‬
‫مو تعلمنا» ذهل الشيخ من هذا الكالم‪ ،‬فهز تصرف‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يصف السارد شخصيته‬
‫‪67‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫وتتميز الــصــورة الوصفية باستخدام‬ ‫بــاســتــعــمــال الــتــشــابــيــه والــنــعــوت والــصــور‬
‫التخييلية الدالة على غرابة هذه الشخصية النعوت (اليومية‪-‬الشاي المنعنع‪ ،)-‬والصورة‬
‫التشبيهية (كالقطن يلتصق‪ -‬ككرة تتدحرج‪-‬‬ ‫وفشلها في الحياة المهنية‪:‬‬
‫يصفه بالجني)‪.‬‬
‫« تناول وجبة إفطاره اليومية في المحل‬
‫خاتمة‬ ‫الذي يمتلكه لخرازة النعل وتعديل الشنط‬

‫خــاصــة الــقــول؛ يتبين لــنــا‪ ،‬مما سبق‬ ‫وتخييط المحفظات‪ ،‬وغيرها‪ .‬ارتشف عدة‬

‫رشــفــات مــن كــأس الــشــاي المنعنع بعد أن ذكــره‪ ،‬أن المبدع والكاتب السعودي طاهر‬
‫أضاف إليه المزيد من السكر‪ ،‬ثمة زبادي الزارعي‪ ،‬في مجموعته القصصية القصيرة‬
‫كالقطن يلتصق على شفته السفلى يثير (زبد وثمة أقفال معلقة)‪ ،‬قد وظّف مجموعة‬
‫ضحك الخراز الهندي الذي بجانبه‪ ،‬فأصبح من الصور السردية ذات الطاقة البالغية‪،‬‬
‫من شدة الضحك ككرة تتدحرج‪..‬أخذ خرقة مثل‪ :‬الصورة الوصفية‪ ،‬والصورة النقيضة‪،‬‬
‫ومسح بها الزبادي المتبقي وهو يشتم ذاك والــصــورة التناصية‪ ،‬والــصــورة الشبقية‪،‬‬
‫وصورة االستعارة‪ ،‬وصورة التشبيه‪ ،‬والصورة‬ ‫العامل ويصفه بالجني لشدة سواده‪.)٨(».‬‬
‫تنضح هــذه الــصــورة بــأوصــاف إنسانية االستعارية‪.‬‬

‫وثــمــة ص ــور بــاغــيــة وســرديــة أخــريــات‬ ‫حية‪ ،‬وتزخر بنبضات اللقطة السينمائية‬
‫المتحركة‪ .‬بمعنى أن هذه الصورة الوصفية لم نتوقف عندها لضيق المقام كالصورة‬
‫لقطة سينمائية تتكئ على الحركة المعبّرة‪ ،‬الــمــفــارقــة‪ ،‬والــصــورة الــســاخــرة‪ ،‬والــصــورة‬
‫وتحمل في طياتها دالالت نفسية وأخالقية الرمزية‪ ،‬وصــورة التدرج‪ ،‬وصــورة التقبيح‪،‬‬
‫وصورة التزيين‪ ،‬والصورة الحجاجية‪.‬‬ ‫واجتماعية وإنسانية متميزة‪.‬‬

‫ * كاتب من المغرب‪.‬‬
‫(‪ )١‬طاهر الزارعي‪ :‬زبد وثمة أقفال معلقة‪ ،‬فراديس للنشر والتوزيع‪ ،‬البحرين‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2010‬م‪،‬‬
‫ص‪.11:‬‬
‫(‪ )٢‬طاهر الزارعي‪ :‬زبد وثمة أقفال معلقة‪ ،‬ص‪.11:‬‬
‫(‪ )٣‬طاهر الزارعي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.11:‬‬
‫(‪ )٤‬طاهر الزارعي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.12-11:‬‬
‫(‪ )٥‬طاهر الزارعي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.12:‬‬
‫(‪ )٦‬طاهر الزارعي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.13-12 :‬‬
‫(‪ )٧‬طاهر الزارعي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.66 :‬‬
‫(‪ )٨‬طاهر الزارعي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.55 :‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪68‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫ُ‬
‫«ذروة الحياة» لـ «عيد الناصر»‬
‫ٌ‬
‫جولة في روايات خليجية وعربية وعالمية‬
‫■ زكريا العباد*‬

‫عن دار مسعى‪ ..‬أصدر القاص والناقد عيد الناصر مؤخرً ا كتابه «ذروة الحياة‪..‬‬
‫قراءة في روايات عربية وعالمية مختلفة»‪ ،‬يضم بين دفتيه خالصة خبرة الكاتب‬
‫في استجالء عوالم الرواية وقضاياها واهتماماتها؛ ولكن الالفت في الكتاب هو‬
‫محاولة الكاتب االرتفاع بمستوى القارئ العادي‪ ،‬من خالل تقريب مفاهيم نقدية‬
‫مبسط وسلس وممتع‪ ،‬يعتمد أسلوب الحوار‬ ‫وفنية تتعلق بعالم الرواية‪ ،‬بأسلوب ّ‬
‫مــع ال ــذات مــن خــال ســؤال وج ــواب؛ ولكنه فــي اآلن ذاتــه أسـلــوب بعيد كــل البعد‬
‫تلخص‬ ‫غني بالمعلومات والمعارف التي ّ‬ ‫عن السطحية والشكالنية؛ فالكتاب ٌّ‬
‫خبرة الكاتب وتجربته‪ ،‬وكــأن الناصر أراد من خــال هــذا األسـلــوب أن يستجوب‬
‫ذاته‪ ،‬ويستحثها على إبراز مكنوناتها المعرفية‪ ،‬إضافة إلى الهدف األساس وهو‬
‫تسهيل الوصول إلى القارئ الــذي يشكو كثيرً ا من تعالي عالم الثقافة وترفّ عها‬
‫على لغة اإلنسان البسيط‪ ،‬وعزلها نفسها في سياج من المصطلحات واألسماء‬
‫واللغة المقعّ رة واالشتقاقات المعقّ دة‪.‬‬

‫يحتوي الكتاب على عشر قراءات ما بعد طفرة النفط؛ وبعضها يتناول‬
‫ومــنــاقــشــات لعشر رواي ـ ــات‪ ،‬بعضها هموما عربية؛ أمــا الشق الثالث من‬
‫يتناول قضايا وهموم إنسان الخليج المناقشات‪ ..‬فقد تناول روايات عامية‬
‫وتغيّراته االجتماعية والدينية في فترة تتسم برؤية فلسفية‪ ،‬وكأن الكاتب قد‬
‫‪69‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫وفــي الجزء الثالث من الكتاب يقترب‬ ‫أراد بهذا التقسيم االرتــفــاع بالقارئ في‬
‫سلس وشي ٍّق من الحالة المحلية إلى الــنــاصــر م ــن ال ــط ــرح الــثــقــافــي الــنــقــدي‬
‫ٍ‬ ‫تدرّج‬
‫الهموم اإلنسانية الفلسفية المشتركة‪ ،‬التي النخبوي‪ ،‬بعد أن درّب قارئه على قراءات‬
‫تشكل «ذروة الحياة» وعمقها المشترك بين متنوعة ترفع من قدرته واستعداده لتلقي‬
‫أطــروحــة نــقــديــة‪ ..‬تتناول أهمية الرؤية‬ ‫بني البشر حسبما يشي عنوان الكتاب‪.‬‬
‫تتحدث رواي ــات «دق الــطــبــول»‪« ،‬ســاق الفلسفية في البناء الــســردي‪ ،‬وذلــك من‬
‫البامبو»‪ ،‬و «شارع العطايف»‪ ،‬عن المآزق خالل ثالث روايات عالمية هي «المسخ»‪،‬‬
‫التي يعيشها اإلنسان العربي في الخليج و«خزي»‪ ،‬و«نداء البراري»‪ ،‬وهو مقولة يرى‬
‫بعد طفرة النفط‪ ،‬وما جلبته من تغيرات الكاتب أنها جديرة بالتأمل والحوار‪.‬‬

‫وسأقتصر هنا على طرح نموذج مختصر‬ ‫في بنية المجتمع‪ .‬وتأتي روايــة «ال تشته‬
‫امرأة جارك» في ذات السياق‪ ،‬فهي تسلط مــن ه ــذه األن ـ ــواع الــثــاثــة الــتــي تناولها‬
‫ما أصــاب شخصية إنسانها من انشراخ‪ .‬الكاتب‪ ،‬والنموذج األول هو روايــة «شارع‬
‫أما رواية «زمبوه»‪ ،‬فهي تتحدث عن نفس العطايف» للسعودي عبداهلل بخيت‪ ،‬فهي‬
‫األجواء‪ ..‬إال أنها تقاربها بطريقة مختلفة‪ .‬تتناول مرحلة تاريخية مهمة من الناحية‬
‫وينفتح الكتاب على أفق أوسع‪ ،‬وهو األفق االجتماعية في تاريخ المملكة‪ ،‬وانطلقت‬
‫العربي‪ ..‬حيث خطورة األوضاع االجتماعية حبكة النص من العاصمة الرياض كمكان‬
‫والدينية في الوطن العربي كما في رواية ونقطة تجمع للشخصيات‪ ،‬وص ــوال إلى‬
‫«طيور الجنوب»‪ ،‬وهي تشير إلى ما تحدثه البحرين والــعــراق فــي رح ــات محمومة‬
‫الطائفية من شرور ودمار فردي وجماعي‪ ،‬بحثًا عن بيوت بيع األجساد في شارع (أبي‬
‫أما رواية «اليهودي الحالي» فهي تؤشر إلى صرة) أو (الكوواوله)‪ ،‬أو بيوت المتعة في‬
‫أن الحياة المشتركة لشعب واحد دائما ما عبدان بإيران‪ .‬الموت هو مفتتح الرواية في‬
‫تكون مهددة بالتمزق في أي لحظة لمجرد لحظة وفاة والدة البطلة في بيت متهالك‪.‬‬
‫االختالف في المعتقد‪ ،‬حتى وإن كانت هذه يصور النص حياة القاع في المجتمع من‬
‫الديانات سماوية‪« ،‬بل إن ما تحمله هذه طبقة العبيد التي تم عتقها‪ ،‬والصراع بين‬
‫الديانات من مقوالت متوارثة تصبح هي طبقات المجتمع على خلفية بــث الــروح‬
‫األعلى من كل عالقة أخــرى‪ ،‬وكأننا في الدينية‪ ،‬وبداية األندية الرياضية‪ ،‬والخمر‪،‬‬
‫وتربية الحمام‪ ،‬والجنس بصور مختلفة‪.‬‬ ‫األمم التاريخية نعيش نقيض المستقبل»‪.‬‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪70‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫ويــســتــشــهــد الــنــاصــر بــكــام ال ــروائ ــي اليهود مشكلة ألنها (كافرة)‪ ،‬وصارت تربية‬
‫البخيت عن روايته إذ يقول‪« :‬البسطاء فقط المولود معضلة ليس لها حل سوى حبيبين‬
‫هم الذين ال يشاهدون في الرواية سوى شبيهين بفاطمة وسالم‪ ،‬هما صبا اليهودية‬
‫الجنس‪ ..‬ألن خيالهم وإدراكهم الفلسفي وعلي المؤذن اللذين تزوجا وتركا قريتهما‬
‫ال يأخذانهم ألبعد من ذلــك»‪ ،‬وعليه يبني‬
‫إلى صنعاء‪.‬‬
‫الناصر رؤيته التي تقول بأن الجنس في‬
‫أمــا الجزء الثالث من الــروايــات التي‬ ‫الرواية هو تعبير عن بعد فلسفي يبتني على‬
‫رؤية محددة ألسباب التحوالت والتغيرات تناولها الكتاب‪ ،‬فنختار نموذجا لها رواية‬
‫«المسخ» لفرانز كافكا‪ ،‬إذ يفيق البطل من‬ ‫التاريخية في المجتمعات‪.‬‬
‫أمــا روايــة «اليهودي الحالي» للروائي نومه ليجد نفسه قد «انمسخ» إلى حشرة‬
‫اليمني علي المقري‪ ،‬فهي رواية أجيال‪ ..‬لها مواصفات الــصــرصــار‪ .‬بــاب الغرفة‬
‫ويحكي الجزء األكبر والرئيس منها قصة مغلق‪ ،‬يتأخر البطل عن العمل‪ ،‬فيأتي كبير‬
‫فــاطــمــة‪ ،‬ابــنــة مفتي الــقــريــة الــتــي أحبت الموظفين في الشركة‪ .‬يعرف القارئ قبح‬
‫الصبي الــيــهــودي ســالــم‪ ،‬الــذي كــان كثير البيروقراطية والتسلط الذي تمارسه هذه‬
‫التردد على منزل العائلة؛ ألنه كان يقضي الشركة على عمالها وحتى على عوائلهم‬
‫حوائج منزلهم من الحطب وغيره‪ ،‬أحبته بما في ذلــك هــذه العائلة الفقيرة‪ ،‬بعد‬
‫فعلّمته الــقــراءة والكتابة باللغة العربية‪ ،‬مــنــاورات ســرديــة وحــواريــة يفتح الباب‪،‬‬
‫هذه الخطوة التي صــارت أشبه بالحرب‬
‫فيهرب مسؤول الشركة بعد أن يــرى ما‬
‫في حارة اليهود الذين قرروا إثرها تعليم‬
‫حدث لموظفهم‪ .‬يعالج هذا النص الذي‬
‫أوالدهم القراءة والكتابة بالعبرية‪ ،‬فتمكن‬
‫تقع معظم أحداثه داخل غرفة صغيرة في‬
‫سالم من تعلّم العبرية وتعليمها لفاطمة‪..‬‬
‫شقة ضيقة‪ ..‬كيف يتغير اإلنسان فيتغير‬
‫ليتحقق بذلك مشهد التبادل والتكامل‬
‫الفكري بينهما‪ ،‬تخطب فاطمة سالم بعد المكان‪ ،‬وتتغير نظرة البشر المحيطين‬
‫بلوغه لنفسها‪ ،‬ويتزوجان سرًا‪ ،‬ويخرجان فيتحول الحب إلى كــره‪ ،‬والشجاعة إلى‬
‫من القرية إلى صنعاء‪ ،‬توفيت فاطمة أثناء جبن‪ ،‬والرأفة إلى قسوة‪ ،‬هذه الصورة التي‬
‫ال ــوالدة فصارت قضية دفنها في مقابر يطلق عليها النقاد «الواقعية السوداوية»‪.‬‬
‫* كاتب من السعودية‪.‬‬

‫‪71‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫ُ‬
‫جماليات التوظيف االستعاري‬
‫«في شعر جاسم الصحيح»‬
‫■ سعيد سهمي*‬

‫كانت االستعارة وما تزال أداة الشاعر للتعبير الصادق عن مشاعره وعن رؤيته‬
‫للعالم والوجود؛ فاالستعارة هي القناة اللغوية التي يقرّب بها الشاعر المعنى من‬
‫المتلقي‪ ،‬فتقوم بوظيفة التوصيل والتبليغ‪ ،‬وفي الوقت نفسه اآللية التي ينزاح‬
‫بها عن الواقعي‪ ..‬لينقلنا إلى عوالم الخيال في أوسع نطاقاته‪ ،‬فتكون وظيفتها‬
‫من جانب آخر‪ ،‬فنيّة جمالية‪.‬‬
‫لقد رأى القدماء أن الشاعر ال يكون قويًا (أو فحالً) إال إذا أحسن استعمال‬
‫االستعارة وتوظيفها في المقامات المناسبة توظيفً ا جيدً ا‪ ،‬وذلك ما دفع اآلمدي‬
‫مثال‪ ،‬إلى عدِّ ها أحد أركان عمود الشعر‪« :‬أن تكون االستعارات والتمثيالت الئقة‬
‫بما استعيرت له وغير منافرة لمعناه»‪ ،‬كما أن المرزوقي أكد في تحديده لعمود‬
‫الشعر على ضرورة «مناسبة المستعار منه والمستعار له»‪.‬‬

‫على أسس أسطورية وإحــاالت رمزية‪،‬‬ ‫ورغم أن الشعر الحديث قد حاول‬


‫وعلى شعرية االنزياح واإليحاء‪ ،‬إال إن‬ ‫تجاوز النمطي في التصوير البالغي‪،‬‬
‫الشاعر لم يستطع الفكاك من االستعارة‬ ‫م ــن خــــال مــحــاولــتــه االب ــت ــع ــاد عن‬
‫كــأداة فنية‪ ،‬بل إنه استطاع أن يرتقي‬ ‫االســتــعــارة التقليدية‪ ،‬واالنــتــقــال إلى‬
‫بها لتخدم المعاني الجديدة‪ ،‬فنقلها‬ ‫صور جديدة تنسج مقوماتها من ثقافة‬
‫من عالم القرية والصحراء إلى عالم‬ ‫الشاعر المشحوذة بــالــتــراث والفكر‬
‫اإلنسان الذي صار محور االشتغال في‬ ‫والفلسفة والتاريخ واألسطورة‪ ،‬فصارت‬
‫األدب المعاصر‪.‬‬ ‫القصيدة كلها صورة شعرية معبرة تقوم‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪72‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫ويمكن اعتبار الشاعر السعودي جاسم‬
‫الصحيح واحدًا من الشعراء الذين اتخذوا‬
‫االستعارة وسيلتهم للتعبير المجازي عن‬
‫الحياة وهو يمتطي متن اللغة‪ ،‬وما تتيحه‬
‫من إمكانات بالغي ٍّة ال حصر لها‪ ،‬ليدافع عن‬
‫القيم النبيلة في مجتمعه وفي األمة العربية‬
‫من قبيل الحب والحرية والحياة والموت‪.‬‬

‫الشاعر جاسم الصحيح‬


‫أوال‪ :‬االستعارة المكنية والتعدد الداللي‬
‫تطغى في الشعر عامة االستعارة المكنية‬
‫أ ْم ملكتَ أ َِع ّن َة الرؤياَ‬ ‫التي يتم فيها حذف المستعار منه‪ ،‬بوصفها‬
‫الصمت‪..‬‬‫ِ‬ ‫فض َيّقتَ العبار َة ح ّ َد هذا‬ ‫أبلغ في التعبير من االستعارة التصريحية‪.‬‬
‫ـوك‬
‫ـرض الـ ـت ــي ت ـك ـسـ َ‬ ‫فـ ــاحَ ـ ـ ْـت ُجـ ـ ـ ّ َب ـ ــةُ ال ـ ـمـ ـ ِ‬ ‫وإذا كــانــت االســتــعــارة فــي الشعر القديم‬
‫باالشعارِ‬ ‫تقوم على بيئة صحراوية تتخلق مما يلمسه‬
‫وارتبك الشذَى‪:‬‬ ‫َ‬ ‫الــشــاعــر فــي مــا يحيط بــه‪ ،‬فــإن الشاعر‬
‫ـرض ال ـش ـع ــراءُ إال ح ـيــن تـبـتــدئُ‬ ‫ه ــلْ ي ـم ـ ُ‬ ‫الحديث سيعمد إلى تطويع االستعارة لخدمة‬
‫القصيدةُ‪..‬‬ ‫المعاني الجديدة؛ وفي هذا الصدد سنجد‬
‫الصفات‬
‫ِ‬ ‫فالقصيد ُة ِع َلّةٌ خضراءُ ‪ ..‬فاقعةُ‬ ‫الشاعر جاسم يميل أكثر إلى االستعارات‬
‫ـص ـرَتْ شرايينَ الـحــروف وعَ ـ ّ َذ َب ـ ْـت مُ هَجَ‬ ‫عَ ـ َ‬ ‫المكنية‪ ،‬وذلك ما نلحظه في جُ ِّل قصائده‪،‬‬
‫اللغات‬
‫ِ‬ ‫وقد وظفها توظيفا سمح بتنويع الــدالالت‬
‫ففي هــذه القصيدة تحضر االستعارة‬ ‫من خالل الوقوف على ثيمات متعددة نذكر‬
‫المكنية بكثافة‪ ،‬كما نلحظ فــي عــبــارات‪:‬‬ ‫بعضها‪.‬‬
‫«للنطق ذوق‪ ،‬أم ملكت أعنة الــرؤيــا‪ ،‬جبة‬
‫ثيمة القلق‬
‫المرض‪ ،‬شرايين الحروف‪ ،‬مهج اللغات»‪،‬‬
‫فقد أسهمت االســتــعــارة هنا فــي التعبير‬ ‫يطغى القلق على قصائد كثيرة من شعر‬
‫عن ألــم الشاعر من خــال تصوير معاناة‬ ‫جاسم‪ ،‬وهــو ناتج عن تأثره بما حوله من‬
‫القصيدة‪ ،‬وهو ما جعل الصفات المستعارة‬ ‫قالقل تعيشها األمــة العربية واإلسالمية‪،‬‬
‫تنتقل من عالم الشاعر لترتديها القصيدة‬ ‫مما يرقى به إلى المثقف العضوي المنخرط‬
‫التي صارت بدورها تحس وتتألم وتعاني‪.‬‬ ‫في االجتماعي والمعيش‪ ،‬ومن ذلك قوله في‬
‫قصيدة «في حضرة السيد الوجع»‪:‬‬
‫هذه المعاني نجدها أيضا في قصيدته‬
‫«جــرح مفتوح على نهر الكالم»‪ ،‬إذ تحضر‬ ‫ذوق‪..‬‬
‫هَ لْ (وصلتَ ) فلم يعدْ للن ُْط ِق ٌ‬
‫‪73‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫االستعارة المكنية للتعبير عن معنى القلق المساء؟‬
‫منذ المطلع‪:‬‬
‫إلى قوله‪:‬‬
‫ب ـم ـل ـع ـق ــة م ـ ــن الـ ـقـ ـل ــق ال ـم ـح ـل ــى‬
‫تلد البنفسج فــوق قــارعــة الفناء‬
‫أح ـ ـ ــرك فـ ــي دمـ ـ ــي ض ـ ـجـ ــرً ا مُ ـ ِـم ــا‬
‫ع ـ ـمـ ــر الـ ـبـ ـنـ ـفـ ـس ــج س ـ ــاع ـ ــة زرقـ ـ ـ ــاء‬
‫فنلمس منذ مطلعها استعارة مكنية «القلق‬
‫إذ نلحظ االستعارة في عبارات «المساء‬
‫المحلى» مشبها القلق بسائل تتم تحليته‪،‬‬
‫بال مآزر»‪« ،‬الفتنة السمراء»‪« ،‬تلد البنفسج»‪،‬‬
‫قبل أن يحذف المشبه به ويبقي القرينة‬
‫«قارعة الفناء»؛ وفي قصيدة «آخر مقامات‬
‫«المحلى» على سبيل االستعارة المكنية‪،‬‬
‫العشق» يقترب الشاعر إلى المعنى الغزلي‬ ‫ومنه كذلك قوله‪ ،‬وفيها يقول‪:‬‬
‫التقليدي‪ ،‬وتأتي االستعارة لخدمة المعنى‬
‫ولـ ـ ـ ــي أمـ ـ ـ ـ ــلٌ ت ـ ــول ـ ــى ح ـ ـكـ ــم ق ـل ـبــي‬
‫كما نلحظ في مطلع القصيدة‪:‬‬
‫ف ـ ــرح ـ ـ ُـت ُأ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوّج األمـ ـ ـ ــل الـ ـم ــول ــى‬
‫لغتي سفرجلة تفوح بأبجديات الغرام‬
‫إذ يــشـ ّبــه األمـــل بملك يــتــوج‪ ،‬ليحذف‬
‫وأنا وأنت غوايتان سخيّتان‬
‫المشبه بــه (المستعار مــنــه) ويبقي على‬
‫فما اكتفى الشوق الحالل من الهوى‬
‫القرينة «أتوج»‪.‬‬
‫إال هفا الشوق الحرام‬
‫هل يُ عرف الشوق الحالل من الحرام؟‬ ‫ثيمة الحب‬
‫فتتجسد االستعارة المكنية واضحة في‬ ‫على أن الحب يشكل إحدى الموضوعات‬
‫الــبــارزة فــي شعر جاسم رغــم القلق الــذي عبارات «غوايتان سخيتان»‪« ،‬اكتفى الشوق‬
‫يسيطر على بعض قصائده‪ ،‬ويشكل هذا من الهوى»‪.‬‬
‫الــحــب رهــا ًنــا تبحث عنه القصيدة بغية‬
‫ثيمة الموت‬ ‫تحقيق األمن والسالم؛ إذ يشتغل على هذه‬
‫يحضر الموت في مواقف محددة ليبرز‬ ‫الموضوعة بالطريقة نفسها التي نجدها في‬
‫الشعر الصوفي‪ ،‬ويمكن االستدالل على ذلك الوجه اآلخــر الــذي يقابل األمــل والحياة‪،‬‬
‫بقصيدته «شهيق الالزورد» التي يقول فيها‪ :‬وتحتفي قصيدته ومرثيته «موسيقى مؤجلة»‬
‫بهذه الثيمة منذ المطلع‪:‬‬ ‫من غابة التفاح خلف الغيب‬
‫ال ــري ــح ت ـن ــأى عـ ــزاء أي ـه ــا الـقـصــب‬ ‫ينحدر المساء بال مآزر‬
‫لن نسمع الناي بعد اليوم ينتحب‬ ‫صارخا بالعري‬
‫حيث العري شاعر نفسه‪..‬‬
‫ويقول في آخرها‪:‬‬
‫والفتنة السمراء ترسم في المدى شكل‬
‫ال ـيــوم أمـسـكــت بــالـمـعـنــى وطــائــره‬ ‫النساء؟‬
‫وانطش فوق يديك الريش والزغب‬ ‫ّ‬ ‫ماذا لو القمر انتشى بالحسن في جسد‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪74‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫المعاني المجردة أو الكائنات الجامدة‪،‬‬ ‫كـفــاك فــي الـمــوت ســرٌّ أنــت كاشفه‬
‫فاهنأ بكشفك واستمتع بما يهب من ذلك ما نجده في قصيدته «جائع يأكل‬
‫أسنانه»‪ ،‬إذ يصور هول الحياة وقد انتهى‬
‫هنا يصور فجيعته من خالل االستعارة‬
‫الربيع وأشرف العمر على نهايته‪:‬‬
‫المكنية «الريح تنأى عزاء»‪« ،‬الناي ينتحب»؛‬
‫الش ِّك‬
‫وفي قصيدته «زيارة إلى شعور هرم» يحضر أقلم أسئلة َّ‬
‫الموت في تأمل نهاية الجسد وسفر العمر قبل تصلُّب أظفارها في دمائي‬
‫كأني في مشهد البدءِ‬ ‫نحو نهايته‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫مــا أكـثــر مــا توجعني األفـ ــراح فــي العمر وحشية روضتها الفنون‬
‫لقد كنت أحمل جرحي إلى عيد ميالده‬ ‫المعاق‬
‫األلف‪.‬‬ ‫دت كي أبحث عما مات مني‬ ‫عُ ُ‬
‫مرعبة‬
‫ٍ‬ ‫إنسانية‬
‫ٍ‬ ‫صفات‬
‫ٍ‬ ‫فشاعرنا يستعير‬ ‫واألســاط ـيــر ال ـتــي خلّفتها ت ــذرع أط ــوال‬
‫يخلعها عــلــى األفــكــار الــمــجــردة‪ ،‬فيجعل‬ ‫الرواق‬
‫لألسئلة أظفارًا وللجرح احتفاالً وعيدًا‪ ،‬كما‬ ‫عدت يا (دار)‪..‬‬
‫يخلع على أعضائه صفات الوحشية‪ ،‬ويقلب‬ ‫لعلي ألتقي فيك شعورا هرما‬
‫المفاهيم فيغدو اآلكل مأكوال‪:‬‬ ‫قد فر من قلبي وناداني‪ :‬اللحاق‬
‫فتتجسد االستعارة معبّرة عن هذه الرحلة فمي اآلن يأكل آخر أسنانه!‬
‫نحو الفناء في عــبــارات‪« :‬العمر المعاق»‪ ،‬غارقا في خضم السكون‪.‬‬
‫«شعورًا هرما»‪.‬‬
‫ويظل البعد اإلنساني حاضرًا بقوةٍ في‬
‫شعر جــاســم‪ ،‬مــن خــال التشخيص الــذي‬ ‫ثانيا‪ :‬التوظيف االستعاري وبالغة‬
‫يخلعه على الجمادات والــمــجــردات‪ ،‬ومنه‬ ‫التشخيص‬
‫ما جاء في قصيدته «غواية في المحطة»‪،‬‬
‫استطاع الشاعر أن يبني استعاراته على‬
‫يقول‪:‬‬
‫أنساق متعددة تتخلق من رحم المعاني التي‬
‫تستنضجُ العابرين على لهب‬ ‫ِ‬ ‫يصبو إليها‪ ،‬وفي هذا الصدد كان التوظيف والمحطة‬
‫االستعاري متعددًا بتعدد المواقف التي تتبأر االنتظار‬
‫حول رؤيا تجعل اإلنسان أبرز اهتماماتها‪ ،‬وتطعمهم للقطار‬
‫وك ــان مــن نتائج ذلــك توظيف التشخيص وثمة فوضى تمارس مهنتها بامتياز‬
‫قبالة نافذة للتذاكر مخنوقة بالشجار‬ ‫بشكل الفت في جُ ِّل قصائد الشاعر‪.‬‬
‫نسجل توظيفًا قويًا للتشخيص من خالل‬ ‫ويأتي التشخيص حين يستعير الشاعر‬
‫صفات إنسانية أو جسد اإلنسان‪ ،‬لتشكيل استعارة صفات اإلنسان في كل المعاني‪،‬‬
‫‪75‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫طــالــمــا أن «االنــتــظــار‪ ،‬اإلط ــع ــام‪ ،‬ممارسة يتمظهر التشخيص كذلك في تأملنا لهذه‬
‫المهنة‪ ،‬الخنق» تحيلنا على اإلنسان‪ ،‬وكأن األسطر‪:‬‬
‫الشاعر يرى في اإلنسان المسؤول األول عن فجأة هطلت عليك الريح‬
‫كل تحوالت الطبيعة وأفعالها وحركاتها‪.‬‬
‫وارتطم الهواء بجبهة القنديل‪..‬‬
‫فاندلع الظالم على الزجاجة‬ ‫ولم يسعف الشاعر غير التشخيص في‬
‫وانزوى عنق الفتيلة فوق أكتاف الجهات‬ ‫تصوير فجيعته بعد رحيل صديقه محمد‬
‫ودخلت في غيبوبة الضوء الطويلة‬ ‫الــثــبــيــتــي‪ ،‬الـــذي رثـــاه بقصيدة لــه بعنوان‬
‫مثل خاطرة معلقة بأهداب الحياة‬ ‫«مــوســيــقــى مــؤجــلــة»‪ ،‬وه ــي مــن القصائد‬
‫العمودية التي احتفت باالستعارة وخاصة‬
‫تلعب الصورة الشعرية‪ ،‬فضال عن البعد‬
‫التشخيص‪ ،‬منذ مطلعها‪:‬‬
‫الجمالي‪ ،‬وظيفة أخــرى تتمثل فــي أنسنة‬
‫األشــيــاء عبر التشخيص‪ ..‬وذلــك جليٌّ في‬ ‫ال ــري ــح ت ـن ــأى عـ ــزاء أي ـه ــا الـقـصــب‬
‫العبارات (جبهة القنديل‪ ،‬عنق الفتيلة‪ ،‬أكتاف‬
‫لن نسمع الناي بعد اليوم ينتحب‬
‫فيصور الشاعر أنين الكائنات وألمها الجهات‪ ،‬غيبوبة الــضــوء‪ ،‬أه ــداب الحياة)‬
‫تضخيما للمصاب الجلل‪ :‬فالريح تعزي‪ ،‬وكلها اســتــعــارات صفات إنسانية للمجرد‬
‫والــمــحــســوس‪ ،‬ووظــفــت التشخيص الــذي‬ ‫والناي ينتحب‪ ،‬ويضيف في المقطع نفسه‪:‬‬
‫أضفى الحياة على المستعار له‪.‬‬ ‫أقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداره كـ ـلـ ـم ــا زلـ ـ ـ ــت س ــال ـم ـه ــا‬
‫هكذا‪ ،‬تتضح وظيفة االستعارة في رسم‬ ‫في األفق تسندها الغيمات والسحب‬
‫جمالية الــقــصــيــدة الــحــديــثــة‪ ،‬ودورهــــا في‬ ‫يــقــوم الــتــشــخــيــص هــنــا بوظيفة‬ ‫ ‬
‫التوصيل وفي تجديد المعاني كذلك‪ ،‬وهكذا‬ ‫التوصيل من خالل المبالغة الداللية في قلب‬
‫أيضا تظهر قــدرة الشاعر جاسم الصحيح‬ ‫عناصر المشخّ ص‪ ،‬حيث تزل الساللم عوض‬
‫على استنطاق االستعارة‪ ،‬كأسلوب بالغي‬ ‫اإلنسان الذي يصعدها‪ ،‬وفي عبارة «تسندها‬
‫تقليدي‪ ،‬لخدمة المعاني الجديدة؛ ما يحيل‬ ‫الغيمات والسحب» نسجل تعبيرًا مجازيًا آخر‬
‫على قدرتها على أن تبث الحياة في األشياء‬ ‫قام على التشخيص‪ ،‬طالما أن الذي يسند هو‬
‫والمجردات‪ ،‬وقد أحسن الشاعر استخدامها‬ ‫اإلنسان ال الغيمات‪.‬‬
‫لتقريب المعاني التي طرقها‪ ،‬وللتعبير عن‬ ‫وفي «حضرة السيد الوجع»‪ ،‬نجد الشاعر‬
‫مختلف الموضوعات التي تناولها‪ ،‬فجمعت‬ ‫منذ العنوان يعمد إلى االستعارة التي يزيّنها‬
‫االســتــعــارة عنده بين الوظيفتين الجمالية‬ ‫التشخيص‪ ،‬فهو يخلع على الــوجــع صفة‬
‫والداللية‪.‬‬ ‫اإلنسان من خالل القرينة «في حضرة»‪ ،‬كما‬
‫ * كاتب من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪76‬‬


‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫ُ‬
‫حفل استقبال‬
‫■ مرمي احلسن*‬

‫وســاوس كثيرة تنتاب أم قاسم في مشوار حياتها الصعب‪ ،‬بعد أن تقدّ م بها‬
‫العمر‪ ،‬وصارت األدوية رفيقة لها بعد وفاة زوجها‪ ،‬الذي فارق الحياة وتركها تعاني‬
‫المرض والفقد‪ ،‬ومخاوف تعاودها كل حين‪ ،‬تشعر أنها غير قادرة على تخيّل أن‬
‫يداهمها الموت هكذا‪ ،‬بال استعداد!‬
‫كانت مطمئنة إلى تناول العالج المستمر‪ ،‬وكان عالج وحدتها صعب المنال‪.‬‬

‫كثير من المرات يرهقها الموضوع‬ ‫لديها ابنتان متزوجتان تسكنان بعيدا‬


‫عنها‪ ،‬ويسكن بالقرب منها حبيب القلب وتشعر باإلعياء يسيطر على جسدها‬
‫ويصل الى أعماق روحها‪.‬‬ ‫ابنها قاسم ومعه أسرته‪.‬‬
‫في هذه اللحظات تنتزع نفسها من‬ ‫وجمل‬
‫ٍ‬ ‫بعبارات متعثرة على لسانها‪،‬‬
‫الشعور بالموت ومفارقة الحياة‪.‬‬ ‫مفككة تتردد في توصيل قلقها إليه‪.‬‬
‫مع الــوســاوس المستبدة‪ ..‬ابتعدت‬ ‫في بحثها عن السلوى تحب أن تقرأ‬
‫عــن ســعــادةٍ كــان يمكن لها أن تحصل‬ ‫وتشاهد األفالم‪ ،‬وتمضي وقتها بمتعة‪،‬‬
‫قدر منها‪ ..‬بإمكانها أن ترى الراحة‬
‫على ٍ‬ ‫لكنها تفشل كلما حاولت إخفاء هوسها‬
‫واالطمئنان‪ ،‬وتراقب سنيّ عمرها اليانعة‬ ‫وخوفها من الوحدة‪.‬‬
‫كشجرة عامرة تهتز طربا‪ ،‬وتشعر بحياة‬ ‫ما إن تلتقط أخبار الوفاة من هنا أو‬
‫جديدة‪ ،‬يحصل ذلك عندما يفسح لها‬ ‫هناك‪ ،‬ال تتمالك نفسها وترتمي منهارة‬
‫ابنها قاسم مساحة واسعة بين أسرته‬ ‫على كرسيها‪ ،‬وتغرق في دموعها‪ ،‬وحين‬
‫في شقته التي يقطنها قريبا من منزلها‪.‬‬ ‫تنجلي عنها عاصفة الحزن واألســى‪،‬‬
‫يدعوها إلى مشاهدة فيلم مشارك ًة مع‬ ‫تجلس وحيدة في غرفتها‪ ،‬وال ترغب أن‬
‫زوجته وطفليه‪.‬‬ ‫يتحدث إليها أحد‪.‬‬
‫‪77‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫تشعر باإلجهاد من أثر االنتظار‪ ،‬يلفحها‬ ‫تستقبلها المرأة بمشاعر تكشف عن مدى‬
‫االحتفاء بها‪ ،‬تحيل أجواء المنزل إلى أنفاس برد النافذة وترتجف‪.‬‬
‫نوم عميق‪،‬‬
‫وتغط في ٍ‬‫ّ‬ ‫تتدثر في سريرها‬ ‫معطرة منعشة برائحة الالفندر من خالل‬
‫شموعها المفضلة‪ ،‬وأنغام الموسيقى تترنم وال يــزال قلبها مــتــأثـرًا بشهقات صدرها‬
‫حولهم‪ .‬تصافح أذنيها كلمات لطيفة من‬
‫الخائفة‪.‬‬
‫زوجة ابنها فتسعدها‪.‬‬
‫***‬
‫بينما تشرح صــدرهــا كلمات حفيديها‬
‫كبتت حزنها في الليلة الثانية من غياب‬ ‫بلثغتهما المحببة‪ ،‬تتوالى زقزقة عصافير‬
‫قاسم بقوة إرادة منها‪ ،‬متأملة ظهوره في أي‬ ‫الحب من حولهما‪.‬‬
‫كل تلك الحركة تعطيها شعورًا باالنشراح‪ ،‬لحظة‪ ..‬وفي عينيها نظرات قاتمة تحمل ه ّم‬
‫القلق والوحدة المميتة‪.‬‬ ‫وأمل في الحياة بعمر متجدد‪.‬‬
‫ً‬
‫تحدق مــن خــال الــنــافــذة بــعــيـدًا‪ ،‬تركز‬ ‫لكن غياب ابنها يطول‪ ،‬وتمضي الليالي‬
‫واحد باهتمام‪ ،‬ترى من‬ ‫ٍ‬ ‫نظراتها في اتجاه‬ ‫رتيبة ما بين محادثة ابنتيها والقراءة‪.‬‬
‫بعيد قاسم متجها نحو منزلها‪.‬‬
‫الليلة كــانــت تفكر فــي تــلــك الطقوس‬
‫هناك شيء ما يحمله إليها‪ ،‬تنتظره بفرح‪:‬‬ ‫المحببة إلــى قلبها بشكل ملح‪ ،‬ترغب لو‬
‫يتصل بها قاسم اآلن ليدعوها إليها من «ما هو هذا الشيء يا ترى؟»‬
‫ل ــم تــكــن تـــــدري‪ ،‬بــلــغــت مــنــهــا الــحــيــرة‬ ‫جــديــد‪ ،‬وتتخلص مــن هــذا السكون الــذي‬
‫ا مــا استطاع‬ ‫يسيطر على المكان‪ ،‬وهذا الشعور بالسماء والغموض وهــو يدخل حــامـ ً‬
‫الملبدة بالغيوم الــســوداء المتراكمة ككتلة حمله‪ ،‬لدرجة أنها بحماسة أخذت تساعده‬
‫سواد في قلبها الحزين‪ ،‬تثير هذه األجواء على تمزيق الكراتين لتخرج منه القطع‬
‫كآبتها أكــثــر‪ ،‬وتذكرها بحزن فــي زمــن ما الكبيرة والصغيرة‪.‬‬
‫مضى‪.‬‬
‫ال يمكن وصف شعورها في هذه اللحظة‪،‬‬
‫زحف هائل من الصدمات انهال مع زخات‬ ‫ٌ‬ ‫تسند رأســهــا إل ــى الــخــلــف عــلــى درفــة‬
‫النافذة المفتوحة بهدوء‪ ،‬ودونما أي حركة المطر التي انهمرت إزاء دخوله المنزل‪،‬‬
‫كأنها تصيخ السمع إلى شهقات قريبة منها‪ ،‬واشتدت وهــو يتحدث إليها‪« :‬يمه‪ ،‬أنــا ما‬
‫وأنفاس اعتادت أن تسمعها‪ ،‬أحست بتلك بغيت أتعبك كل يوم تجين شقتي وتشاهدين‬
‫الشهقة تخرج مــن صــدرهــا وتمأل حلقها األفـــــــام‪ ،‬جــبــت لـــك كـــل شـــــيء‪ ،‬مشغل‬
‫االســطــوانــات‪ ،‬وتلفزيون حــديــث‪ ،‬وعشرة‬ ‫بجفاء‪.‬‬
‫احتجت راح أزودك‬ ‫ِ‬ ‫تهتز مرتهبة من شعورها‪ ،‬يختلج قلبها أفــام جــديــدة‪ ،‬وكلما‬
‫بالجديد‪!..‬‬ ‫وتهمهم‪« :‬ما بال ابني تأخر؟»‬
‫* قاصة من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪78‬‬


‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫البــــرهــــــــان‬
‫ُ‬
‫■ فهد املصبح*‬

‫حدثني صديق شغف بــاألنـثــى‪ ..‬جــلّ حديثه عنها‪ ،‬وهــاجــس الجسد يحتل مخيلته‪..‬‬
‫أطلقنا عليه ألقابًا كثيرة‪ ،‬من بينها الطيب والبسيط وأحيانا الغبي‪ ،‬والحق أنه يتقبل كل‬
‫ذلك وال يعترض؛ فنحار أمام نظراته البريئة‪ ،‬وننخرط معه في وجدانياته‪ ،‬وهو يؤكد أنه‬
‫لم يجد بغيته عند امرأة ليتزوجها‪ .‬كنا نستمع إليه بولهٍ يسيل اللعاب‪ ..‬ذات مرة انتحى‬
‫بي جانبًا ليخبرني بحادثة‪ ،‬ال أدري حتى هذه اللحظة لِ َم اختارني لها‪ ،‬فبعد أن اطمأن إلى‬
‫انفرادنا قال‪:‬‬
‫ســوف أســرد عليك حادثة وقعت لي مع فرحب بال تــردد‪ ..‬كــان وقتها يتلقى وليده‬
‫األول‪ ،‬وزوجته في بيت أهلها‪ ..‬كان فرحً ا‬ ‫المرأة‪.‬‬
‫بي‪ ،‬وهو يزف إليّ بشرى قدوم مولوده األول‪،‬‬ ‫ففتحت أذني له‪:‬‬
‫فقررت أن نبدأ برؤية الصغير‪.‬‬
‫في السبعينيات مع بداية تفتحنا على‬
‫حملتنا سيارة أجرة إلى الزقازيق‪ ..‬باركت‬ ‫األسـ ــفـ ــار‪ ،‬ســألــت الــعــارفــيــن ع ــن مــوطــن‬
‫الجمال‪ ،‬فقالوا عليك بالخارج‪ ..‬وقتها كنت للمدام‪ ،‬ودسست في لفافة الصغير مبلغًا من‬
‫أنــوي الــذهــاب إلــى لبنان‪ ،‬غير أن ظــروف المال كما هي عادتنا في اإلحساء‪ ،‬وقبل أن‬
‫الحرب حالت دون ذلك‪ ،‬فوصفوا لي أرض يحمل الطفل من حجري كنت محموالً على‬
‫الكنانة‪ ،‬فشددت العزم إلى قاهرة األحباب أكــف الــراحــة من أهــل ال ــدار‪ ،‬ثم عدنا إلى‬
‫واألعداء على حد سواء‪ ..‬تزودت بكل شيء‪ ،‬القاهرة‪ ،‬وأنا أتلمظ شوقًا لشوارع القاهرة‪،‬‬
‫وقد دلني األصدقاء على شخص سيحقق حيث البشر والــبــاعــة والــنــســاء المتأنقات‬
‫لي كل مطالبي‪ ،‬وقــد سبقتني إليه رسالة بمالبس تفضح أجسادهن‪ ،‬وتريح الناظر‬
‫توصية منهم‪ ..‬وصلت المطار وكان هو في إليها‪ .‬الحظ صاحبي ما أنا عليه ونظراتي‬
‫استقبالي‪ ..‬كنت وقتها أحمل معي كل شيء التي تثقب مالبسهن‪ ،‬فأخذني إلــى شارع‬
‫حتى جوعي للجمال‪ ،‬وبدأت لقاءه بسخائي عدلي وشــواربــي‪ ،‬وأنــا اشترى الهدايا‪ ،‬ثم‬
‫المعهود مشترطً ا ومذكرًا على ما ورد في فاجأني بترتيب حفلة (بارتي) على شرفي‬
‫خطاب األصدقاء أن يلبي لي ما أطلبه‪ ،‬ويدع في شقته‪ ..‬اتفق مع أصدقائه أن تكون حفلة‬
‫كألف ليلة‪.‬‬ ‫ما ال أطلبه فاتفقنا‪.‬‬
‫بعد العشاء اكتمل حضورنا في حفلة لم‬ ‫كان الحذر يتلبسه من نظراتي المتلصصة‬
‫والغريبة‪ ،‬لم أتمكن من الصمود طويالً‪ ،‬حيث أشهد مثلها حتى في أفالم السينما‪ ..‬كانت‬
‫كانت األنثى نقطة ضعفي‪ ..‬والجمال سر التصرفات حــذرة تجاهي‪ ،‬فما أريــده يكون‬
‫سخائي‪ ،‬فطاشت يــدي بــذالً‪ .‬لم يشأ ذلك حاالً‪ ،‬وافتتحت الحفل مقررًا أن نبدأ بتقديم‬
‫الصديق أن يتركني نهبًا لمن هب ودب‪ ،‬فقرر الــهــدايــا‪ ،‬أخــرجــت مــا عــنــدي ووزعــتــه على‬
‫بأريحية أن يضعني في عينيه بدءاً بالسكن الحضور حسب الموقف‪ ،‬ثم تواصلت فقرات‬
‫معه‪ ،‬فوافقت على أن أدفــع أجــرة سكني‪ ،‬الحفل من رقــص وغناء ونــكــات‪ ..‬وتناولنا‬
‫‪79‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫ده بيؤول عاوز ماما‪.‬‬ ‫المسبك والمشبك‪ ،‬وشربنا العصائر‪ ..‬كنت‬
‫في كامل وعيي ألنني اشترطت أن ال يدار‬
‫نعم كنت وقتها أريد أمي‪ ،‬بعد ما سمعت‬ ‫المسكر في الحفل‪ ،‬وما عداه فهم فيه أحرار‪،‬‬
‫العرافة تقطع بالقول أنني سافرت من غير‬ ‫ونفذت رغبتي‪ ،‬وبدأت فقرات (التقشيط)‪،‬‬
‫رضاها‪ ،‬فذكرتني بها‪ ..‬وأخذت أبكي‪.‬‬ ‫ريال‪ ،‬وأنا حقًا‬
‫دفعت أكثر من عشرة آالف ٍ‬
‫بعضهم أعاد إليّ نقودي والهدايا الغالية‪،‬‬ ‫سعيد‪ ،‬حتى ثمل الحضور من كرمي في حفل‬
‫انقضى ربعه‪ ،‬وبقيت فيه فقرات‪ ،‬وحركات‬
‫بزعم أنني أبكي عليها دون فائدة‪ ،‬وكان في‬ ‫بدأت تبدر‪ ،‬بانتظار إشارة البداية من يدي‬
‫الحفل سمسار قرر بثقة إيصالي إلى أمي‪،‬‬ ‫السخية‪ ،‬وفجأة قطع علينا أحدهم الحديث‪،‬‬
‫قمت معه إلى سيارته في حركة منه لعلّي‬ ‫وأدار األنظار إليه وهو يقول‪:‬‬
‫هناك فقرة خاصة لضيفنا العزيز له أعاني عقدة نفسية تجاه األم‪ ،‬وبالفعل صرنا‬
‫وح ــده؛ إن أراده ــا بقربنا‪ ،‬أو أراده ــا على في طريق المطار‪ ،‬وهو يقول‪:‬‬
‫حاالً تركب الطائرة وتعود إلى أمك‪.‬‬ ‫انفراد منعًا للحرج‪.‬‬

‫كنت أحمل معي جواز سفري‪ ،‬وبالمصادفة‬ ‫قائل‪:‬‬


‫تساءل الحضور عنها‪ ،‬ومع من؟ فرد ً‬
‫توفرت لي رحلة على وشــك اإلق ــاع‪ ،‬قلت‬ ‫مع امرأة تنتظر‪.‬‬
‫ثــم نــادى عليها‪ ،‬فحضرت ام ــرأة كأنها للرجل‪:‬‬
‫تلوك شيئاً‪ ..‬تنظر في الوجوه نظرات خارقة‪،‬‬
‫سوف أذهب فماذا تطلب مني إزاء هذه‬
‫تعدت الخمسين على ما أظن‪ ،‬تقدمت مني‬
‫الخدمة؟‬ ‫والرجل يقول‪:‬‬
‫فردّ‪:‬‬ ‫اآلن يا ضيفنا تعرف شيئًا عن مستقبلك‪،‬‬
‫سالمتك‬ ‫فــهــذه أشــهــر عــرافــة فــي الــبــلــد‪ ،‬وستقوم‬
‫بالواجب وأكثر‪.‬‬
‫ألححت عليه فقال‪:‬‬
‫أداروا شريطً ا غنى فيه عبدالحليم حافظ‬
‫عقد عمل تحضر به إلينا في زيارة أخرى‪.‬‬ ‫قارئة الفنجان‪ ،‬وحام الرقص من حولي‪ ،‬وهي‬
‫تقعد أمامي‪ ،‬قرأت كفي‪ ،‬ونثرت أحجارها‬
‫قبلته وودعته‪ ،‬وما هي إال ساعتين ونصف‬ ‫أمامي‪ ،‬وأنا أتابع مشدودًا إليها‪ ،‬كان كالمها‬
‫مجرد تعميمات عن الحياة والمستقبل‪ ،‬لم إال وأنا في مطار الظهران الدولي‪ ،‬أخذت‬
‫تحرك فيَّ ساكنًا‪ ،‬حتى خرجت منها كلمة سيارتي إلى المنزل‪ ،‬وهناك شاهدتها تجلس‬
‫طعنت فــؤادي‪ ،‬فانخرطت في بكاء لذيذ لم كما وعدت بعباءتها حتى أعود‪ ..‬قبلت رأسها‪،‬‬
‫ال سهرتي البكائية‬
‫وارتميت في حضنها مكم ً‬ ‫أرد أن أوقفه‪ ،‬وعال صوتي‪.‬‬
‫اقترب الحاضرون مني دون أن أكف عن تحت أقدامها‪ ،‬وهي تمسح على رأسي‪ ،‬وتتلو‬
‫البكاء‪ ،‬أحسست أن دموعي تغسلني‪ ،‬أطفئوا المعوذات‪ ،‬حتى أخذني نوم عميق وهادئ‪،‬‬
‫المسجل‪ ،‬وانعفس الحفل‪ ،‬وتكدرت الوجوه‪ ،‬رأيت فيه وجهًا مشرقاً يقول لي‪:‬‬
‫أخذتني إحــداهــن بين ذراعــيــهــا البضين‪،‬‬
‫هــذا وقــد رأيــت بــرهــان أمــك‪ ،‬فكيف لو‬ ‫والذت بي على جنب‪ ،‬ثم تركتني بعدما تفاقم‬
‫رأيت برهان ربك؟‬ ‫بكائي‪ ،‬سألوها ماذا أريد فردت‪:‬‬
‫ * قاص من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪80‬‬


‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫الزفاف‬
‫ِ‬ ‫ليلة‬
‫نوم في ِ‬
‫ٌ‬
‫■ محمد الرياني*‬

‫جميلةٌ ؛ بل فاتنة‪ ،‬لو وضعت الحنا َء على كفيها‪ ..‬لرأيتَ أجمل كفين‪ ،‬يصف ّر ثم‬
‫يحم ّر لون الحناء حتى يقترب من السواد‪ ،‬يتألق مع لون كفيها‪ ،‬تزين مع كفيها‬
‫كل األلوان‪،‬‬
‫جميلةٌ‪ ..‬تنام وعيناها إلــى أعلى‪ ،‬لون الحناء‪ ،‬اقترب الليل‪ ،‬جاءها العتاب‬
‫والشعر يتدلى للناظرين‪ ،‬نامتْ في ليلة عن عدم الحضور‪ ،‬مدّت يديها ليراها‬
‫الزفاف‪ ،‬ليست ليلة الزفاف لها‪ ،‬هي الــداعــون‪ ،‬عرفوا سبب تخلفها‪ ،‬كتبوا‬
‫مدعوة وال تزين الليالي إال بها؛ ليالي براءتها‪ ،‬أشاعوا بين الناس أن هناك‬
‫الزفاف‪ ،‬نامت والحناء على يديها‪ ،‬تريده ليلة أخــرى‪ ،‬أعــادوا ليلة الفرح‪ ،‬كانت‬
‫أن يَيْبس‪ ،‬يتألق‪ ،‬تريد أن تكون كفاها‬
‫ليلة فاتنة‪ ،‬تسامع الناس‪ ،‬تكاثروا أكثر‬
‫أجمل كفين في ليل الفرح‪ ..‬ولكن للنوم‬
‫من الليلة الحقيقية‪ ،‬كل الحاضرات‬
‫رأيًا آخر‪ ،‬نامت ولم يحركها أحد‪ ،‬غابت‬
‫أدهشهن الجمال‪ ،‬كان لون الحناء في‬
‫عن ليل الفرح‪ ،‬كانت ليلة فر ٍَح ناقصة‪،‬‬
‫استيقظت صباحً ا على تفاصيل الفرح‪ ،‬غاية الجمال‪ ،‬وكانت الساحرة النائمة‬
‫على أحاديث الساهرات‪ ،‬كاد القهر أن في غاية الجمال‪ .‬غادر الليل‪ ،‬أشرقت‬
‫يقتلها من الداخل‪ ،‬نظرت في كفيها‪ ،‬لم الشمس والساهرات يتحدثن عن الليلة‬
‫تلمس شيئا ذلك اليوم‪ ،‬لم تأكل بيدها‪ ،‬الثانية وعن الفاتنة التي نامت لتجعل‬
‫وضعت حول كفيها غطاءين كي يبقى من ليلة الزفاف ليلة ثانية‪.‬‬

‫ * قاص من السعودية‪.‬‬

‫‪81‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫فوبيا الجغرافيا‬
‫■ أحمد طوسون*‬

‫تالشت المسافة ما بين الواقع والخيال حين توقف الباص الذي حملني من‬
‫المطار وأشــار المرافق لي بالنزول‪ ،‬ورأيتني أقف أمــام واجهة منزل يشبه كثيرً ا‬
‫المنزل الذي اخترته سكنا لبطل قصتي‪.‬‬
‫كان مرافقي عربيًا لكنني بالكاد كنت أستطيع التقاط بعض الكلمات من بين‬
‫شفتيه اللتين اعتادتا المزج ما بين أكثر من لغة‪.‬‬
‫مسحت بقايا ابتسامة علقت بوجهي حين وجدتني أمــام المنزل ذات ــه‪ ،‬ولم‬
‫يصطحبني إلى أحد فنادق البلدة كما اعتدت في إقامتي القصيرة بالبالد التي‬
‫زرتها‪ ،‬وقلت ردًا على سؤال ظننته سأله‪ :‬ال شيء!‬

‫نظر إليّ باستنكار وقال‪:‬‬ ‫سبقني إلى باب المنزل وفتحه بينما‬
‫قليال‪..‬‬ ‫حملت حقيبتي ولحقت به‪ ..‬كان يثرثر‬
‫بكلمات كثيرة وهو يتجول بي في أرجاء‬
‫كنت أعــرف أن مرافق بطل قصتي‬
‫المنزل‪.‬‬
‫كــان حانقًا عليه حين سأله السؤال‬
‫ذاتــه‪ ،‬فهو ســؤال يشعر معه بالمهانة‬ ‫استوقفته وقلت‪:‬‬
‫والتشكيك فــي هويته العربية‪ ،‬رغم‬ ‫أال تجيد العربية؟‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪82‬‬


‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬
‫ـات على موعد‬
‫كــان أمــامــي بضع ســاعـ ٍ‬ ‫معرفة الكافة أن كثيرين من أهل بلده لغتهم‬
‫األولى الفرنسية خاصة بالنسبة للمتعلمين الــبــاص الــذي سيأتيني‪ ،‬فكرت أن أرتــدي‬
‫الذين سافروا مبكرًا إلــى أورب ــا‪ ..‬أمــا من مالبسي وأخرج ألتعرف على المكان‪ ،‬طافت‬
‫برأسي صورة الفتيات الشقراوات‪ ،‬فأصابني‬ ‫بقوا في بالدهم فلهجاتهم المحلية خليطٌ‬
‫من لغات القبائل والمستعمرين والفاتحين خدر‪ ،‬وتحمست للفكرة رغم فوبيا الجغرافيا‬
‫التي تصيبني وتجعلني ال أحفظ األماكن‬ ‫العرب‪.‬‬
‫التي أرتادها جيدًا‪ ،‬ساعتها كيف سأعود‬ ‫قاطعت شرودي وصمته وقلت‪:‬‬
‫إلى سكني‪..‬؟ ال أحمل ه ّمًا إذا كنت برفقة‬
‫ال تتعب نفسك معي‬
‫أحدهم‪ ،‬أو في بلد عربي أستطيع االستفسار‬
‫سأتعرف على المنزل بنفسي‬
‫دون عائق اللغة‪ ،‬أما هنا فالكلمات اإلنجليزية‬
‫التي عرفتها بحكم دراستي تضيع مني في‬ ‫المهم أين أجد الحمام؟!‬
‫أشار إلى ممر معتم بالجهة المقابلة وقال‪ :‬سرعة حديثهم ولن تسعفني اللغة!‬
‫نحيت هواجسي جانبًا وقــررت المضي‬ ‫هناك‪..‬‬
‫قدمًا في فكرتي‪..‬‬
‫ثــم أعــطــانــي بطاقة بها أرقـــام هواتف‬
‫وأنا أرتدي مالبسي وخزني الجوع‪ ..‬كانت‬ ‫الستخدامها وقــت الــحــاجــة‪ ،‬خمنت أنها‬
‫ستساعدني في طلب الطعام‪ ،‬أو االتصال عادة تالزمني في سفرياتي عكس حالي في‬
‫البيت‪ ،‬حيث أ ُصبح زاهدًا في الطعام!‬ ‫بالمؤسسة!‬
‫كنت لم أتناول شيئا منذ أكلت بالطائرة‪،‬‬ ‫قبل أن يغادرني قال إن الباص سيأتي في‬
‫وفكرت أنني ربما وجدت شيئا بالثالجة‪..‬‬ ‫المساء ليأخذني إلى الحفل!‬
‫ذهــبــت إلــى المطبخ ووجــدتــهــم وضعوا‬ ‫***‬
‫بثالجتي الوجبات التي تكفي مدة إقامتي‬
‫المنزل كان يشبه الكثير من بيوتنا‪ ،‬له‬
‫كاملة‪ ..‬ال يحتاج األمر مني إال بعض الجهد‬
‫طابع شرقي‪ ،‬ولــم يكن ذلــك مستغربًا في‬
‫اليسير في إعدادها!‬
‫بالد سكنها العرب لقرون طويلة‪.‬‬
‫كان للمطبخ جانب زجاجي يكشف مطبخ‬
‫أخــذت حما ًمًا ساخنا ألستعيد نشاطي‬
‫المنزل المقابل‪ ،‬ويكشف الشارع الفاصل‬
‫ووقــفــت فــي الــنــافــذة أتطلع إلــى األشــجــار‬
‫الخضراء النضرة وأزهارها الملونة بألوان بينهما وأشجاره النضرة‪.‬‬
‫صــمــت مــوحــش شــعــرت مــعــه بــالــوحــدة‬ ‫قوس قزح التي مألت الشارع‪.‬‬
‫‪83‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫والــعــطــش الــشــديــديــن‪ ،‬تــنــاولــت عــصــيـرًا مغادرًا الحجرة باحثًا عنها في حجرة أخرى‪.‬‬
‫وشربته‪ ..‬وقع نظري ناحية المطبخ المقابل‬
‫***‬
‫قميصا أرجوانيًا‬
‫ً‬ ‫فوجدت شقراء ترتدي‬
‫من حجرة إلــى أخــرى طفت بال جدوى‬
‫فضفاضا يكشف ما فوق ركبتيها تدخل إلى‬
‫ً‬
‫أثر لها‪ ،‬شعرت باليأس‬
‫دون أن أحصل على ٍ‬
‫المطبخ وتفتح ثالجتها‪.‬‬
‫وباألسى على الفرصة التي أضعتها بالتعرف‬
‫ســرت سخونة في جسدي وظــلَّ نظري على المدينة والتسكع فــي شوارعها بين‬
‫عالقا ناحيتها حتى وقع نظرها ناحيتي‪..‬‬
‫العديد من الشقراوات‪ ..‬لكنني عدت وقلت‬
‫ابتسمتُ وربما أشرت لها بكفي محييًا‪ ،‬لكنها‬
‫لنفسي‪ :‬لم تضع الفرصة بعد‪ ،‬وأسرعت إلى‬
‫انصرفت عني وتركت مطبخها!‬
‫مغادرة المنزل إلى الشارع‪.‬‬
‫أســرعــت مــغــادرًا مطبخي إلــى الــردهــة‬
‫كــان الــشــارع نظيفًا ولــه رائــحــة ربيعية‬
‫الواسعة‪ ،‬لمحتها تمر من ردهتها وضبطها‬
‫محملة بأريج األزهار‪ ..‬سرتً ببطء متفحصا‬
‫تلتفت ناحية شرفتي في التفاتة عابرة‪.‬‬
‫واجــهــة العمائر القصيرة والــبــيــوت التي‬
‫ازداد حــمــاســي وســــرت ف ــي الــطــريــق ارتاحت في حضن األشجار‪ ،‬متأمال وجوه‬
‫المفترض الــذي قــادنــي إلــى حجرة مكتب الناس القليلين الذين قابلوني بالطريق‪.‬‬
‫صغيرة‪ ،‬فتحت شرفتها‪ ،‬لكنها كانت تطل‬
‫ال أع ــرف ِلــ َم ل ـ ْم أشــعــر بغربة مــع تلك‬
‫على شــارع جانبي صغير لم يكن مواجهًا‬
‫بعيد كثيرًا‬
‫ٍ‬ ‫الــوجــوه‪ ..‬كانت تشبه إلــى حــدٍّ‬
‫لمنزل الشقراء!‬
‫مــن الــوجــوه التي أراه ــا فــي ب ــادي‪ ،‬فقط‬
‫أصبت بخيبة أمــل‪ ،‬لكنني كنت صرفت‬
‫ينقصها بعض الغضب الــذي يقطب جباه‬
‫النظر عــن فــكــرة الــخــروج تحاشيًا لفكرة‬
‫بعضهم عندنا بسبب ضيق المعيشة وصعوبة‬
‫فوبيا جغرافيا الشوارع‪ ..‬أخرجت سيجارة‬
‫األحوال والرطوبة الخانقة والغبار‪.‬‬
‫وأشعلتها وتفحصت المكتبة التي تراصت‬
‫خطر ببالي أن يكون أحد أجــدادي جدًا‬ ‫بعدد من المجلدات األجنبية‪ ..‬وقع نظري‬
‫على كتاب أو أكثر باللغة العربية عن اآلثار مشتركا ألحــد ه ــؤالء فابتسمت‪ ،‬وعــادت‬
‫صورة جارتي الشقراء تخايلني من جديد!‬ ‫األندلسية في أسبانيا والبرتغال!‬
‫عندها خبطت بكفي فوق جبهتي وقلت‬ ‫م ّنيْتُ نفسي بتصفحها حين يفترس الليل‬
‫المدينة وأبقى وحيدًا في الفراش‪ ،‬وخطر لنفسي متعجبا‪ :‬هل يمكن للواقع أن يطابق‬
‫ببالي أن أذ ّكــر مرافقي أن يصطحبني إلى الخيال مستعيدًا صــورة بطل قصتي حين‬
‫قصر الحمراء وزيارة معالم قرطبة‪ ،‬وأسرعت اخــتــرت لــه أن يــرى جــارتــه الــشــقــراء وهي‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪84‬‬
‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬
‫لم أفهم شيئا‪ ،‬وظللت أتعثر في الكلمات‬ ‫تستحم فــي حــمــام الــســبــاحــة مــن غرفة‬
‫نومه‪..‬؟! حينها هرولت عائدًا إلى المنزل‪ ،‬األجنبية الــتــي أستدعيها وفــي خطواتي‬
‫ولم يخطر ببالي أن فوبيا الجغرافيا اللعينة المتراجعة للخلف‪ ،‬حتى استجمعت نفسي‬
‫ستفعل فعلتها معي (وربما رغباتي الدفينة‬
‫وقلت‪:‬‬
‫التي أجهلها) وأجدني داخل منزل آخر لم‬
‫‪it is my home‬‬ ‫أكن أتخيل أنه منزلها‪ ،‬إال عندما وجدتني‬
‫مبهوتًا أمــام حمام السباحة‪ ،‬حين رأيتها‬
‫افتعلت ضحكة كبيرة ساخرة وظلت تردد‬
‫تسبح على ظهرها وتتأمل السماء الصافية!‬
‫بعصبية‪:‬‬
‫طــافــت بــرأســي خــيــاالت استعرتها من‬
‫‪Demente‬‬
‫قراءاتي في الليالي األلف ومشاهدة األفالم‬
‫‪Savages‬‬ ‫األجنبية‪ ،‬وطافت برأسي أفكا ٌر مجنونة عن‬
‫‪Bárbaro‬‬ ‫جرأتها التي جعلتها تقتحم سكني وتبدد‬
‫‪Crazy y brutal‬‬ ‫المسافة التي كنت أحتاج سنين ألقطعها‪..‬‬
‫تقمصت دور دونجوان‪ ..‬وحاولت تنشيط ما‬
‫كنت مرتبكا‪ ،‬أشعر بالتضاؤل والخزي‬
‫أعــرف من كلمات باإلنجليزية وقلت برقة‬
‫وأنا أفر من أمامها وأقف في الشارع أبحث‬
‫ساذجة‪:‬‬
‫عن المنزل الذي أسكن فيه‪ ،‬ولم أقم بحسبة‬
‫‪hello‬‬
‫بسيطة تساعدني في الوصول إلى سكني‬
‫لكنها أثارت موجات غاضبة بتدافع يديها الذي يقطن منزل جارتي الشقراء في ظهره‪.‬‬
‫المرمريتين للماء‪ ،‬وظلت تتفوه بكلمات لم‬
‫ظللت أتسكع بين الــشــارعــيــن‪ ،‬أخشى‬ ‫أفهمها حتى خرجت من حمام السباحة وهي‬
‫االقــتــراب من أبــواب المنازل التي تتشابه‬ ‫تصرخ وتكرر في‪:‬‬
‫حتى لمحت الباص الذي جاء في الموعد‬
‫‪mirr a otro lado‬‬
‫المحدد ليحملني إلى حفل استالم الجائزة‪.‬‬
‫ولم أعِ شيئا مما تقول حتى ارتدت روبها‬
‫حينها تمنيت في نفسي لو كــان عنوان‬ ‫وهرولت ناحيتي وهي تزيحني بعيدًا وتصيح‬
‫قصتي الفائزة‬ ‫فيّ ‪:‬‬
‫‪.It is your home, my friend‬‬ ‫¡‪Fuera de mi casa‬‬

‫ * قاص من مصر‪.‬‬

‫‪85‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫قصتان قصيرتان‬
‫■ حضيه عبده خايف*‬

‫تنقّلنا في أحيائها‪ ،‬شوارعها‪ ،‬أزقتها‪.‬‬ ‫عزاء‬


‫‪ ‬لم أرغــب بالحضور ذاك المساء‪ ،‬عالم ال نعرف عنه شيئاً‪ ..‬أثناء تلك‬
‫تــفــوه بــكــل‪  ‬مصطلحات الــشــتــائــم‪   .‬التنقالت رأيت مَن هم من بالدي‪ ،‬يقفون‬
‫حانت مراسيم الــوداع؛ تقدمت وخلفي متسولين أمــام اإلشــارات‪ ..‬نــاظــرتــهــم‬
‫بعض النسوة‪ ،‬بــدأت أرتجف‪ ،‬أتعرق‪ ،‬بحزن‪ ..‬انتابتني نوبة غريبة‪ ..‬لم أشعر‬
‫ثقلت خطاي؛ اقترب رفع الغطاء عن‬
‫بنفسي إال وأنــا بجانب برميل نفايات‬
‫وجهها‪ ،‬نظرت إليها ثم أدرت ظهري‪.‬‬
‫قريب‪ ..‬تركتني أمي وانطلقت لتحضر‬
‫ناداني صوت من خلفي‪ :‬ودعيها‪ .‬‬
‫لي الماء‪ ..‬كنت أفتح عيني تارة‪ ..‬وأغَ يِّبُ‬
‫لم أعرف ماذا أفعل‪ :‬قلت لها‪ :‬ربما‬
‫تارة أخرى‪ ،‬كانت تتنقل بين السيارات‪..‬‬
‫في وقت آخر‪.. ‬‬
‫بين المارة‪ .‬تبحث عن مساعدة‪ ،‬ث ّم تعود‬
‫عـــا صــوتــهــا مــــرة أخــــــرى‪ :‬وهــل‬
‫علي‪..‬‬
‫لتطمئن ّ‬
‫ستجدينها؟‪ ‬‬
‫ســـقـــطـــتُّ أرضــــــــــــاً‪ ..‬ال أع ـ ــرف‬ ‫كانت آخر كلمة سمعتها قبل ثالث‬
‫ساعات مضت من حالة التشنج التي ســــبــــب ســــقــــوطــــي أكــــــــان ألـ ــم ـ ـاً‬
‫أم جـــــوعـــــاً‪ ..‬حــــزنــــاً أم خــــوفــــاً‪ .‬‬ ‫انتابتني‪ ..‬‬
‫كل ما أذكــره‪  ‬لحظة فتحتً عيني أني‬ ‫وطن‬
‫عــنــدمــا وصــلــنــا‪ ،‬شــعــرت بــالــغــربــة رأيتُ أناساً تركض‪ ..‬وسمعتُ صراخاً‪ ..‬‬
‫تــتــلــبــســنــي‪ ،‬س ــرن ــا ف ــي شــــــوارع تلك رحلتْ ‪ ،‬رحلتْ ‪ ..‬كما رحلتْ من بالدي‬
‫ال ــب ــاد دون أن نــعــرف مــصــيــرنــا؟‪  ‬ولن تعود‪ ..‬فهل يا ترى ستعود أرضي؟‬

‫* قاصة من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪86‬‬


‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫ول ِّ‬
‫الش ْعر‬ ‫رس ُ‬
‫ُ‬
‫‪ρρ‬موسى الشافعي*‬

‫ـوع ـ ـ ـ ـ ــي‬
‫أ ُِع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــذُ ِك ِم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ ُب ـ ـ ـ ـ ـ ـ َكـ ـ ـ ـ ـ ــايَ َو ِم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ دُ مُ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ وَجَ ـ ـ ـ ـ ــعِ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـذي َتـ ـ ـ ـ ـ ْـحـ ـ ـ ـ ــتَ الـ ـ ـ ـ ُّـض ـ ـ ـ ـ ُل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوعِ !!‬
‫ِ‬

‫ُوح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‪..‬‬
‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ ِح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْبـ ـ ـ ـ ـ ــرِ ي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـذي أ ُْسـ ـ ـ ـ ـ ِـق ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــهِ ر ِ‬
‫فـ ـ ـ ـ َي ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ِـص ـ ـ ـ ُـف بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‪َ ..‬ويـ ـ ـ ـ ــفْ ـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ـ ُـك بـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ُـجـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ــوعِ !!‬

‫ـش‪ ..‬و َُجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوعٌ سَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرْمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد ٌّي‬


‫أنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــطَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬
‫ـوعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي!!‬
‫وال َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ ريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا عَ ـ ـ ـ ـ ــطَ ـ ـ ـ ـ ـ ِـشـ ـ ـ ـ ــي و َُجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬

‫ـس‬
‫ا َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـب َو شَ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬
‫أَ َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ٌر بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاَ وَهَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـج‪ ..‬سَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْن ـ ـ ـ ـ ـ ِـذ ُر بـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ُّـط ـ ـ ـ ـ ـ ُلـ ـ ـ ـ ــوعِ !!‬

‫ُص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‪َ ..‬كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيْ َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـج ـ ـ ـ ـ ـ ــي َء الـ ـ ـ ـ ـ ِّـشـ ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ــرُ عَ ـ ـ ـ ـ ــذْ ب ـ ـ ـ ـ ـ ًا‬
‫أ َ‬
‫ـوعـ ـ ـ ــي!!‬
‫َفـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـأْتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ــنِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‪ ..‬وَيُ ـ ـ ـ ـ ــفْ ـ ـ ـ ـ ـ ِـسـ ـ ـ ـ ــدُ لِ ـ ـ ـ ـ ــي ُخـ ـ ـ ـ ُـشـ ـ ـ ـ ِ‬

‫َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّ بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيَ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ َقـ ـ ـ ـ ـ ــوافِ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْثـ ـ ـ ـ ــلَ عُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــود ٍ‬
‫ـوعـ ـ ـ ــي!!‬
‫ِم ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ ال ـ ـ ــكِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْب ـ ـ ــرِ ي ـ ـ ـ ِـت يُ ـ ـ ـ ـ ْـشـ ـ ـ ــعُ ـ ـ ـ ــلُ لِ ـ ـ ـ ـ ــي ُشـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ِ‬

‫ـات َب ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ِـض ـ ـ ــي‬


‫أخـ ـ ـ ـ ـ ُّـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ـ ــا‪َ ..‬ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقْ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫و َِحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ ُ‬
‫ـوع ـ ـ ـ ــي!!‬
‫ـوض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َء َة ِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ ُس ـ ـ ـ ـ ُـط ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ل ـ ـ ـ َتـ ـ ــكْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ِـسـ ـ ــبَ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬

‫ر َُس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ًال ِجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْئ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت َم ـ ـ ـ ـ ـ ْن ـ ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ـ ـ ُـجـ ـ ـ ـ ــهُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ َقـ ـ ـ ـ ـ ـوَافِ ـ ـ ـ ـ ــي‬
‫ا ر ُُج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوعِ !!‬
‫وآ َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ال ـ ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـض ـ ـ ـ ـ ـ ُّـي ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ َ‬

‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــإنْ آمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـت بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وسَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـم ـ ـ ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـت ِشـ ـ ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ ي‬
‫سَ ـ ـ ـ ـ ـ َقـ ـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ـ ِـك َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْو َث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر ْيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـن ِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوعِ !!‬
‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫‪87‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫القمر‬
‫ِ‬ ‫معي ِة‬
‫في ّ‬
‫‪ρρ‬عبدالهادي الصالح*‬

‫شيب وزيّنَ‬
‫بالعارضين من ٍ‬
‫ِ‬ ‫سامرت ما عال وال َح‬
‫ُ‬ ‫وفي معيّةِ القمرِ ‪...‬‬
‫فقلت‪:‬‬
‫ُ‬ ‫حديث وأفولُ ؛‬
‫ٌ‬ ‫كريات‬
‫ِ‬ ‫أيّام ًا لها بالذّ‬
‫أب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروٍ إذا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانَ شـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ٌـب‬
‫ـاب‬
‫ـأخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْر غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًـا مـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـش ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫فـــــــ ْ‬
‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــرُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلَ ن ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ــعُ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ن ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ّنـ ـ ـ ــي‬
‫ـصـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ــي‬
‫ـدح ل ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــا ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانَ ال ـ ـ ـ ـ ـ ّتـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫وفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـات مـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا؟‬ ‫أش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوى أ ْم ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيَ اآلهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫ـاب‬
‫رف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـب ِغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌّـل بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّر َقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ّض‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـأَقْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْر ال ُتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحْ ِسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّر ًا وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـو ْ‬
‫ـاب‬
‫ـاح ال ـ ـ ـ ـ ـ َي ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ج ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــلَ األمْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ فـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫وضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ ُسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤلَ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ت ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ــو ونـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـغ ـ ـ ــي‬
‫ـاب‬
‫ّوح فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أحـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــى انـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َء ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر ِ‬
‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلْ دوم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذا رِ ْي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعُ ن ـ ـ ـف ـ ـ ـسـ ـ ــي‬
‫ـاب‬
‫ـاب هـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫وهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫دار ًا سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا أ ْو لـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـن ـ ـ ــا‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫ـاب‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرو َر الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َر ال ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫حـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزرنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ِسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيّ ِ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ زهْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ًا‬
‫ـراب‬
‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانَ األم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ أطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا َر ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـات‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ّدع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـراب‬
‫وأع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت ا ّلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ــي ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫وقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت أزو ُر م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن أه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوى ويـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــوى‬
‫ـاب‬
‫رأس الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫َ‬ ‫وأل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى بـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪88‬‬
‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬
‫ون ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ــي ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـك ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ذكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى رأي ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫ـواب‬
‫ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـاط الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ‬
‫حـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ َم األم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـس مـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأطـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـت ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدامـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعُ يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـن ـ ـ ـف ـ ـ ـسـ ـ ــي‬
‫ـاب‬
‫ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذلُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ‬
‫وأغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا َر وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت مـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ًـا‬
‫ـاب‬
‫وُ ر ِّْي ب ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوادُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ‬
‫رويـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ًا ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ن ـ ـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروي‬
‫ـاب‬
‫ـاح ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ ُره ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫وت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك أي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ظ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــا‬
‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ًا ك ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّ ض ـ ـ ـ ـ ـ ــاب‬
‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َن الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرخُ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء كـ ـ ـ ـ ـ ّن ـ ـ ـ ــا‬
‫ـاب‬
‫ن ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــرُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر قـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ إه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْر يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواد ًا ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالَ مـ ـ ـ ـ ـ ّن ـ ـ ـ ــا‬
‫ـاب‬
‫وبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا رمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َم ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـاق‬
‫فـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــا غُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ًا ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـظـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنّ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــلَ بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـاب‬
‫وع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر َة األولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى بـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫وي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا عُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ًا نـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ أ ّنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫ـاب‬
‫ذك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا سـ ـ ـ ـ ـ ـ ُن ـ ـ ـ ـ ــفْ ـ ـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـ ــي ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن تـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودع م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـظـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنِّ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـش ُط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّر ًا‬
‫ـراب‬
‫ـأس بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫وع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْر كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلَّ ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫درس عُ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ـ ــرٍ‬
‫ُ‬ ‫ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيَ اآلجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالُ مـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا‬
‫ـاب‬
‫ـض الـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـش ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ــرِ أك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانُ الـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫وبِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫ * شاعر وأكاديمي بجامعة الجوف‪.‬‬

‫‪89‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫معا يكفينا‬
‫تجمعنا ً‬
‫‪ρρ‬أحمد املتوكل بن علي النعمي*‬

‫م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال إنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد أض ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ــت سـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـيـ ـ ـن ـ ــا‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــه حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــى أض ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــا؟‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال إن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن أالق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫د ب ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة أو اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــح ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـن ـ ـ ــا؟‬
‫م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال إن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ــت ب ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ــده‬
‫عـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــا أروم وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد احـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــرق ـ ـ ـ ـ ــت ظ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــونـ ـ ـ ــا؟‬
‫أو ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدت ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاق ـ ـ ــة‬
‫ح ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراء م ـ ـ ـ ـ ـ ــا وهـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــت ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـن ـ ــا‬
‫م ـ ـ ـ ـ ـ ــن ق ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا واغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ــاظ واتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ــع الـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــوى‬
‫و ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأنـ ـ ـ ـ ــه حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــب الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرام م ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ــونـ ـ ــا‬
‫ال شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك أن ال ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــس فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوائ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا‬
‫عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ــر ال ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدى تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ــرق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ــزيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـنـ ـ ــا‬
‫و ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأن ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــا ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ألس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرع ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذة‬
‫كـ ـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ـ ــت س ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ــوطـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـي ـ ـ ــض م ـ ـه ـ ـي ـ ـنـ ــا‬
‫***‬
‫أم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال أبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ــي شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـئ ـ ـ ـ ـ ـ ــا يـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ــذ‬
‫ب غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادت ـ ـ ـ ــي ويـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا تـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـنـ ــا‬
‫إنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي يـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواك م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن أعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ــاق ـ ـ ــه‬
‫و ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذوب عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ــل يـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ــم جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ــونـ ـ ــا‬
‫أسـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــو عـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى طـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـع ـ ـ ــي لـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـي ـ ـ ــا أت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرك ال ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫مـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــوب يـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـك ـ ـ ــو الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـ ــوف وال ـ ـ ـت ـ ـ ـخ ـ ـ ـم ـ ـ ـي ـ ـ ـنـ ـ ــا‬
‫و بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ــرب ف ـ ـ ـ ــاتـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــي تـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــر ج ـ ـ ـ ـ ـ ــوارح ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ــرح ـ ـ ـ ـ ـ ــا وتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــض أن أك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون ح ـ ـ ــزيـ ـ ـ ـن ـ ـ ــا‬
‫فـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــي أسَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرت ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادي حـ ـ ـيـ ـ ـنـ ـ ـم ـ ــا‬
‫ن ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــت ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدرب ال ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــام كـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـن ـ ــا‬
‫فـ ـ ـ ـ ـ ُأصـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــت ف ـ ـ ـ ـ ــي األضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاع ح ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــن ت ـ ـ ـم ـ ـ ـك ـ ـ ـنـ ـ ــت‪..‬‬
‫م ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــي وكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــت م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع ال ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ــاب سـ ـ ـجـ ـ ـيـ ـ ـن ـ ــا‬
‫يـ ـ ـ ـ ـ ــا درة ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدن ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــي م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ح ـ ـسـ ـ ـ ـ ـن ـ ـهـ ــا‬
‫أغـ ـ ـ ـ ـ ــرق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعـ ـ ـ ـ ـ ــات ال ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ــاء لـ ـ ـ ـح ـ ـ ــون ـ ـ ــا‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪90‬‬
‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬
‫ف ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــن ال أل ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ــى ل ـ ـهـ ــا‬
‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــآي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ال ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال مـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ــا‬
‫م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءنـ ـ ـ ـ ــي أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي بـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ــت ب ـ ـعـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـهـ ــا‬
‫وغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ح ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ــى غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدوت رهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــا‬
‫أيـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول ضـ ـ ـ ـ ـ ــاعـ ـ ـ ـ ـ ــت ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــى وك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأنـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا‬
‫غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرزت بـ ـ ـ ـ ـ ــوس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــط ض ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ــوعـ ـ ـ ـ ـ ــه س ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـنـ ـ ــا‬
‫حـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــى وإن ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت فـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــس ي ـ ـ ـ ـ ــردن ـ ـ ـ ـ ــي‬
‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيء فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ــب ظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل م ـ ـكـ ـ ـ ـ ـي ـ ـنـ ــا‬
‫فـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ال ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء وأنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ت ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ــم ظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاف ـ ـ ــرا‬
‫بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤاده وتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ال ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـنـ ـ ــا؟‬
‫إنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أعـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــش مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع ال ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــب سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــادة‬
‫أج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرت ل ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر الـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ــيَّ م ـ ـعـ ـ ـ ـ ـي ـ ـنـ ــا‬
‫م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاذا أؤمِّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدم ـ ـ ـ ـ ـ ــا ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت أن ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫لـ ـ ـ ـ ـ ــك فـ ـ ــان ـ ـ ـت ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ــت ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ط ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ــت يـ ـ ـمـ ـ ـيـ ـ ـن ـ ــا؟‬
‫كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وال واص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ض ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ــط م ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ــاعـ ـ ـ ــر‬
‫لـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدت م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع ال ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد حـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـيـ ـ ـن ـ ــا‬
‫ومـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــت أسـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ــب مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن مـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ــك غـ ـ ـيـ ـ ـم ـ ــة‬
‫ب ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ــم ال ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــاح وأقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـس ـ ـ ــريـ ـ ـ ـن ـ ـ ــا‬
‫مـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـم ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ــت لـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي تـ ـ ـ ـظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ب ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـبـ ـ ــي‬
‫عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــرا س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ــى ي ـ ـ ـ ـ ـ ــا ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواي م ـ ـ ـ ـ ـ ــدي ـ ـ ـنـ ـ ــا‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ــاهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ــأ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــإنـ ـ ـ ــي ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي يـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــك ح ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ــم‬
‫وأرى تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ــا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا يـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـن ـ ــا‬
‫ولـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ــت ولـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــاب ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذاذة‬
‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــي دق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وال تـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ــويـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ــا‬
‫أنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال أري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوى ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك دائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات وال أري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد خ ـ ـ ـ ـ ـ ــدي ـ ـ ـنـ ـ ــا‬
‫حـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ــأن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ــل ب ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي‬
‫أرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو وأن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك تـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــث ال ـ ـ ـت ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـنـ ـ ــا‬
‫حـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـب ـ ـ ــي بـ ـ ـ ـ ــأنـ ـ ـ ـ ــي مـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـل ـ ـ ــص مـ ـ ـ ـ ـ ــن لـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـظ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـ ـ‬
‫لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــومٍ صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرت فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــه دفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـنـ ـ ــا‬
‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫‪91‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫الح ُّب على شروط‬
‫ُ‬
‫‪ρρ‬خالد البهكلي*‬

‫‪1‬‬
‫َص َف ال َقل ْْب‬
‫اسكُ نِ ي مُ ْنت َ‬
‫ْ‬
‫اليمینْ‬
‫ال تَكُ وْنِ ي فِ ي ِ‬
‫أو تَكُ وْنِ ي فِ ي الیَسَ ا ْر‬
‫الحب‬
‫َود َِعینَا َن ْب َد ُأ ُ‬
‫َهج الوَسَ ِطية‬
‫بِ ن ِ‬
‫الجنُونْ‬
‫الح ِ ّب ُ‬
‫َفأَنَا جَ ّ َرب ُْت في ُ‬
‫َو َت َع ّ َقل ُْت كَثِ ْی َر ًا‬
‫وَآمَ ن ُْت قَلِ ْی ًال‬
‫َو َك َفرْتْ‬
‫إحدَى ال َتّجارِ ْب‬
‫الح ّ َب فِ ي ْ‬
‫َودَخَ ل ُْت ُ‬
‫َوأَنَا أ َْح ِملُ ِم ْیرَاثَ القَبِ یْلة‪َ ..‬و َتقَالِ ْی َد القَبِ ْیلَة‬
‫فَخَ ِسرْتْ‬
‫الح ّ َب بِ شَ كْ ٍل وَسَ ِطيْ‬
‫وَلِ َهذَا أ َْطلُب ُ‬

‫‪2‬‬
‫ل َْس ِت ‪ -‬یَا سَ ِ ّیدَتِ ي ‪ -‬مُ ْضطَ ّ َر ًة‬
‫أَنْ تَقْ بَلِ ي ُح ِبّي‬
‫وَال مُ ْضطَ ّ َر ًة أَنْ َت ْتبَعِ ینِ ي‬
‫ال فَاتْرُ كِ یْنِ ي‬
‫ف ِ َّكرِ ي فِ ي األمْ ر إنْ ِشئ ِْت‪ ..‬وَإ ّ َ‬
‫إِ َنّنِ ي أَهْ وَى عَ لَى شَ رْطيْ وَدِ یْنِ ي‬

‫‪3‬‬
‫ال َت ْند َِه ِشيْ‬
‫أَقْ َر ُأ ال ّ َدهْ شَ َة فِ ي عَ ْی َنی ِْك ِمنْ َقوْلِ ي‪َ ..‬ف َ‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪92‬‬
‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬
‫ُر َبّمَ ا أ َْخطَ أ ُْت فِ ي ُح ِبّي الق َِدیْمْ ‪..‬‬
‫وضي‪..‬‬
‫ُر َبّمَ ا كُ ن ُْت َضعِ ْی َف ًا فِ ي فُ رُ ِ‬
‫ُر َبّمَ ا حَ ا َول ُْت أَنْ أَمْ ُح ْو ِسنِ ْی َن ًا‬
‫ُر َبّمَ ا مَ ار َْس ُت دِ ْی َن ًا غَ ْی َر دِ یْنِ ي‬
‫الح ِ ّب‪..‬‬
‫ُر َبّمَ ا عَ ْربَدْ ُت فِ ي ُ‬
‫َض َیّعْ ُت‬
‫و َ‬
‫و َِضعْ ْت‬

‫‪4‬‬
‫أجمَ لَ عَ ی ٍْن‬
‫ال ُأنْكِ رُ یَا ْ‬
‫أَنَا َ‬
‫أ َن ِّك األ َْحلَىْ ِمنَ الالتِ ي عَ رَفْ ْت‬
‫أل ْنقَىْ ‪ ..‬و َِمن و َْح ٍي سَ مَ اوِ ٍ ّي ُخلِ قْ ِت‬
‫أل ْروَعُ وَا َ‬
‫ألكْمَ ل وَا َ‬
‫أَ َن ِّك ا َ‬
‫ْض ًا‬
‫َوأَنَا أعْ رِ ُف أَی َ‬
‫أَ ّ َن فِ ي عَ ْی َنی ِْك ملیُ وْنَ جَ زِ ْیرَة‬
‫لِ مَ الیِ ی ِْن ا ْل َفرَاشَ ِات الخَ جَ الَىْ‬
‫الهن ِْد ّي فِ ي كُ ِ ّل الفُ ُصوْلْ‬
‫وَعَ لَى ثَغْ رِ ِك َینْمُ ْو ال َك َر ُز ِ‬
‫و َْجهُ ِك المُ ْختَالُ ُح ْس َن ًا‬
‫یَفْ تَحُ الجَ ّ َن َة لِ يْ ‪ ..‬وَیُ عِ یْدُ ال ُّن ْو َر وَا ْأل ْلوَانَ‬
‫یُ هْ ِدیْنِ ي ُشمُ وْسَ ا‬
‫الد ْنیَا‬
‫َوأَرَانِ ي مَ الِ َك ُّ‬
‫َولَكِ نْ اقْ بَلِ یْنِ ي حَ ْسبَ شَ ر ِْطي‬

‫‪5‬‬
‫ال تَقُ وْلِ ي إ َنّنِ ي أ َْختَلِ قُ األَعْ ذَا َر‬
‫كَي أَهْ رُ بَ ِمن ِْك‬
‫ال تَقُ وْلِ ي إ َنّنِ ي أَفْ ت َِعلُ األ َْشیَاء ِمنْ دُ و ِْن سَ ب َْب‬
‫َصافِ یرُ ُتغ َِنّي ِحیْنَ یَكْ ُسوهَ ا ال ّ َتع َْب‪..‬‬
‫الع َ‬
‫‪93‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫‪6‬‬
‫الح ِ ّب‬
‫مُ ْت َع َب ًا أَمْ ِشي بِ َذن ِْب ُ‬
‫َنیْسَ انَ یُ ع ِ َّریْنِ ي َكبَدْ رِ البَادِ یَة‬
‫َص َضوْئِ يْ‬
‫وَان ِْحنَاءَات الكَالمِ الهَمَ ِجيْ تَمْ ت ُّ‬
‫الذ ِ ّل ِمنْ ُح ِبّي الق َِدیْمْ‬
‫َو َبقَایَا ُّ‬
‫َور ُُسوْمَ ات ال ُن ُّجوْمِ ال ّ َذ ِاهبَة‬
‫فاسمعيني‬
‫كُ َلّمَ ا حَ ّ َدقْ ُت فِ ي ت َْجرِ بَةٍ ‪..‬‬
‫ت َْخنُقُ َصوْتِ ي‬
‫عندها‬
‫أَبْكِ ي ‪ -‬عَ لَى ال َت ّْطوِ ی ِْق ‪ -‬وَقْ َت ًا‬
‫وَعَ لَى ال ّ َتوْدِ ی ِْع ِح ْینَا‬
‫النفَاقْ ‪ ..‬وابْتِ سَ امَ ِات ِشفَاهٍ كَاذِ بَة‬
‫َوأَرَى ِمنْ خَ ل ِْفهَا َك ْو َم ِ ّ‬

‫‪7‬‬
‫الفكْ رَةِ ‪-‬‬
‫حَ اوِ لِ ي ‪ -‬سَ ارِ حَ َة ِ‬
‫َاك ُظ ُنوْنِ ي‬
‫إ ْدر َ‬
‫حَ اوِ لِ ي أَنْ ت ُْخرِ ِجیْنِ ي‬
‫ِمنْ دَهَ الِ یْز ُج ُنوْنِ ي‬
‫استَطَ عْ ْت‬
‫أخ َر َج ِم ِنّي مَ ا ْ‬
‫َفأَنَا حَ ا َول ُْت أنْ ْ‬

‫‪8‬‬
‫كُ َلّمَ ا َف ّ َكر ُْت فِ ي ُح ِبّك‬
‫أَغْ دُ ْو َبیْنَ حَ ا َلی ِْن‪..‬‬
‫َو َل ْی َلی ِْن‬
‫وَال یُ مْ كِ نُنِ ي ال َتّمْ یِ ْی َز‬
‫َبیْنَ األ َْصفَرِ المُ مْ ت ِ َّد حَ وْلَ ال َنّهْ ِد‬
‫أَ ْو َبیْنَ ُخ ُطو ِْط (المَ ْندَلِ ْینَا)‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪94‬‬
‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬
‫َوأَرَانِ ي فِ ي ذُ هُ وْلِ ي غَ ارِ َق ًا ِح ْی َن ًا‬
‫وَبِ ال َتّفْ كِ یْرِ ِح ْینَا‬
‫َوأَرَى ُح َب ِّك َیر ِْمیْنِ ي قَتِ یْال‬

‫‪9‬‬
‫أَنَا ال أَقْ َر ُأ فِ نْجَ انَ الغُ یُ و ْْب‬
‫ال أَعْ لَمُ مَ نْ َتأَتِ ي غَ َد ًا‬
‫ال َو َ‬
‫َ‬
‫الح ُّب سَ َیأْتِ ي مَ ّ َر ًة أ ُْخرَى‬
‫وَمَ تَى ُ‬
‫الذ ْي َیوْمَ ًا عَ َلیْه سَ أَمُ وْتْ‬
‫وَال ال َنّهْ َد ِ‬
‫أ ْو مَ تَى أَقْ ِط ُف مَ ْو َج الب َْحرِ‬
‫أُهْ ِدي شَ هْ َو ًة لِ لْكِ بْرِ یَاءْ‬

‫‪10‬‬
‫أَنَا یَا سَ ِ ّی َد َة ال ّ َروْعَ ةِ‬
‫ِمنْ أَ َو ِّل َیوْمٍ‬
‫الشمْ ِس ِمنْ عَ تْمَ تِ هَا‬
‫الِ غْ تِ سَ ِال ّ َ‬
‫أَبْحَ ُث عَ نْ فَاتِ نَةٍ َتأَتِ ي عَ لَى قَدْ رِ ُج ُنوْنِ ي‬
‫وَعَ لَى شَ ر ِْطي وَدِ یْنِ ي‬
‫السمَ اءْ‬
‫َوأَرَى فِ ي عَ یْنِ هَا سَ ْح َر ّ َ‬
‫إِ َنّنِ ي أَبْحَ ُث عَ نْ سَ ِ ّیدَةٍ‬
‫تَفْ هَمُ نِ ي دُ وْنَ كَال ْم‬
‫الصغِ یْرة‬
‫والح ْل َم َوأ َْشیَائي ّ َ‬
‫اض َر ُ‬
‫تَقْ َر ُأ الحَ ِ‬
‫باختصار‬
‫ت ُْشبِ هُ أ ِ ُّميْ‬
‫وَفِ ي َض ْحكَتِ هَا‬
‫نَغْ مَ ةُ أ ِ ُّمي‬
‫َالسال ْم‬
‫و َّ‬
‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫‪95‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫وقال في صباه‬
‫‪ρρ‬مجدي الشافعي*‬

‫يـ ـ ـ ـ ــا حـ ـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ـ ـ َر ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرأي بـ ـ ـ ـي ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ـ ــوص ـ ـ ـ ـ ـ ِـل والـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد‬


‫ـش ف ــي ُضـ ـح ــى الـ ــقُ ـ ـ ـ ـ ـر ِْب أو مُ ـ ـ ـ ْـت ف ــي دج ـ ــى ال ـ ُب ـع ـ ِـد‬ ‫ِعـ ـ ـ ْ‬
‫ِصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلْ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــود ُه أو ِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلْ ع ـ ـ ـ ـ ــن م ـ ـ ـ ـ ـ ــودَتِ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ‬
‫إن الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ّد َد مـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـم ـ ـ ــا ط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالَ ال يُ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ــدي‬
‫ـوف أرى‬
‫يـ ـ ـ ــا مَ ـ ـ ـ ـ ــن تـ ـ ـ ـق ـ ـ ــول غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ًا فـ ـ ـ ــي األمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ س ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫ـاح مـ ـ ـ ـ ــن الـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـس ـ ـ ــوي ـ ـ ــف ت ـ ـس ـ ـت ـ ـج ـ ـ ـ ــدي‬ ‫أي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ُّ‬
‫ـردّدِ هِ‬
‫م ـ ـ ـ ـ ــا زلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ وال ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ُـب ي ـ ـ ـش ـ ـ ـقـ ـ ــى ف ـ ـ ـ ـ ــي تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫ذك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرتَ بـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ َورْدِ‬
‫ْك إنْ ِ ّ‬ ‫تـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ــذك ـ ــرُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ــشَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـو َ‬
‫ت ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــى بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزمٍ إن أردتَ ب ـ ــه‬ ‫أراك‬
‫َ‬
‫تـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـم ـ ـ ــو ف ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـوَهْ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد أ ْو تـ ـ ـ ـ ــدنـ ـ ـ ـ ــو فـ ـ ـلـ ـ ـلـ ـ ـنـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ِـد‬
‫ي ـ ـ ـ ـ ــا أيـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـب الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر َوّاحُ ف ـ ـ ـ ـ ــي َك ـ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ٍـل‬
‫وأي ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـب ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َداءُ ب ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ِ ّـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـد‬
‫ـاك اعـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ــادٌ ال يـ ـ ـ ـخ ـ ـ ــالِ ـ ـ ـ ُـط ـ ـ ــهُ‬ ‫هـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلْ فـ ـ ـ ـ ــي ُت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫_ إذا ن ـ ـ ـ ــوي ـ ـ ـ ــت جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادً ا‪ ..‬شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـك مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْر َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـد‬
‫ف ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــا انـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ــاعُ أخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ــدنـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــا بـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــاظ ـ ـ ـ ــرِ هِ‬
‫ـض بـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ َو ِّد‬ ‫إذا اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ــوى ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ ّ‬
‫قـ ـ ـ ـ ــد ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َر طـ ـ ـ ـ ـ ــرفُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـك فـ ـ ـ ـ ــي أَمْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـن بـ ـيـ ـنـ ـهـ ـم ــا‬
‫ـس الـ ـ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـ ـ ـرْقَ بـ ـ ـي ـ ــن الـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ِ ّـي والـ ـ ـ ــرُ ْش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد‬
‫مـ ـ ـ ــا يـ ـ ـطـ ـ ـم ـ ـ ُ‬
‫ـك عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َـمـ ـ ـ ـ ــا ت ـ ـ ــرتـ ـ ـ ـج ـ ـ ــي رَهَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـب‬
‫فـ ـ ـ ـك ـ ـ ــم َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـأَى بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫ـوق ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوِ رْدِ‬
‫ـك دواع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ــازَعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْتـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫ـاك إل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى م ـ ـ ـ ـ ــا ت ـ ـ ـ ـ ّ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ــي رَغَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـب‬ ‫و َكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ دَعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫ـوف ب ـ ـ ــال ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ِ ّـد‬
‫ـك ن ـ ـ ـ ــواه ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ــا َنـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ْت ـ ـ ـ ـ َ‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪96‬‬
‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬
‫ـف ال ـ ــمَ ـ ـ ـ ْن ـ ــعُ ِم ـ ـ ـ ــنْ زُهْ ـ ـ ـ ـ ِـد‬
‫ف ـ ــا ‪ -‬عـ ـل ــى الـ ـ ـ ُب ـ ــعْ ـ ـ ِـد ‪ -‬خَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َ‬
‫ـف ال ـ ـ ـ ـ َدفـ ـ ـ ــعُ مـ ـ ــن و َْجـ ـ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫وال‪ -‬ع ـ ـلـ ــى الـ ـ ـ ــقُ ـ ـ ـ ـرْب ِ‪َ -‬كـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َ‬
‫وأنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت بـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـم ـ ـ ــا إنْ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـك بـ ـ ـيـ ـ ـنـ ـ ـهـ ـ ـم ـ ــا‬
‫َو َددْتَ أنْ ت ـ ـ ـج ـ ـ ـم ـ ـ ـ َع الـ ـ ـسـ ـ ـيـ ـ ـفـ ـ ـي ـ ـ ِـن ف ـ ـ ـ ــي ِغ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ِـد‬
‫ـك ق ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــي ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرت ـ ـ ـ ــهِ‬
‫بـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــى ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان ع ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــده مـ ـ ـ ـ ـ ــا يُ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ــي وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــردِ ي‬
‫ـأن حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــر َت ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ أع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت ب ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ َر َتـ ـ ـ ـ ــهُ‬
‫كــــــــــــــ َّ‬
‫حـ ـ ـ ـت ـ ـ ــى ب ـ ـ ـ ـ ـ ــدا لـ ـ ـ ـ ــه مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ ي ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ــوي َك ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ــنْ َيـ ـ ـ ـه ـ ـ ــدي‬
‫ومَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ لـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ــهِ س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعٍ بـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ــهِ‬
‫فـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـي ـ ـ ــس ي ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــمُ مـ ـ ـ ـ ـ ــا يـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـف ـ ـ ــي ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا يُ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــدي‬
‫ي ـ ـ ــالـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـل ـ ـ ــو ُة ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َر ُة الـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ُّـر ق ـ ـ ــاص ـ ـ ــدُ ه ـ ـ ــا‬
‫ركـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوبَ كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـل عـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرٍ مُ ـ ـ ـ ـ ـ ــهْ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـك مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودي‬
‫مَ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـل ـ ـ ــي إل ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ِـك كـ ـ ــمَ ـ ـ ـي ـ ـ ـلـ ـ ــي عـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ِـك لـ ـ ـ ـ ــي سـ ـ ـكـ ـ ـ ًب ـ ــا‬
‫حـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــوً ا م ـ ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ـ ِـصـ ـ ـ ـ ـ ْب ـ ـ ـ ــرِ أو مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًّرا م ـ ـ ـ ــن الـ ـ ـشـ ـ ـه ـ ـ ِـد‬
‫ـوى‬
‫م ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـيـ ـ ــن ذاك وذا ل ـ ـ ـ ــي ف ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ــرادِ ه ـ ـ ـ ـ ً‬
‫ـض ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـد‬
‫إذا هَ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت ب ـ ـ ـ ـ ـ ــأم ـ ـ ـ ـ ـ ــرٍ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالَ لـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّ‬
‫ـاك ي ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــحُ ب ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــن الـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ــرق ـ ـ ـ ــدي ـ ـ ـ ــن فـ ــا‬‫مـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـأي سـ ـ ـ ـن ـ ـ ــا ال ـ ـ ـن ـ ـ ـج ـ ـ ـم ـ ـ ـيـ ـ ــن يـ ـ ـسـ ـ ـتـ ـ ـه ـ ــدي‬
‫يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدري ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّ‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـك أل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُه تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــردده‬
‫ـوج ف ـ ـ ـ ـ ــي ح ـ ـ ــالـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـي ـ ـ ــهِ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ــزرِ والـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـد‬ ‫ك ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزمُ يـ ـ ـ ـ ـ ــدفـ ـ ـ ـ ـ ــعُ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزمُ يـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـن ـ ـ ــعُ ـ ـ ــهُ‬
‫ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــازعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُه كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا األمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن بـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ــشَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـد‬
‫ـش يـ ـ ـ ـ ــأمـ ـ ـ ـ ــرُ ُه‬
‫ـرص ي ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا ُه عـ ـ ـ ـ ـ ّ َـمـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ُ‬
‫الـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوى طـ ـ ـ ـ ــاعـ ـ ـ ـ ــة ال ـ ـ ـح ـ ـ ـك ـ ـ ـم ـ ـ ـيـ ـ ــن مـ ـ ـ ـ ـ ــن ُب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـد‬
‫َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـزْمُ رَهْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ ن ـ ـ ـ ــاهـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــهِ ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ عُ ـ ـ ـ ـ ـ َقـ ـ ـ ـ ـ ٍـد‬
‫وعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـزْمُ رَغْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ داعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ ل ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ــقْ ـ ـ ـ ـ ِـد‬
‫‪97‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ سَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َر ُه ِمـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ِـك م ـ ـ ـ ــا قـ ـ ـ ـ ـ ــدْ س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َء ُه فـ ـشـ ـك ــى‬
‫ط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــولَ اإلق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةِ ب ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــنَ األخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـذ وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر ِ ّّد‬

‫ـك مـ ـ ـ ـ ـ ــا قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َر ُه ف ـ ـب ـ ـكـ ــى‬


‫وسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َء ُه ِم ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫ـصـ ـ ـ ِـد‬
‫م ـ ـ ــن ح ـ ـ ـيـ ـ ــرة ال ـ ـ ـق ـ ـ ـلـ ـ ـ ِـب بـ ـ ـي ـ ــن الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ ـر ِْط وال ـ ـ ـ َقـ ـ ـ ْ‬

‫َكـ ـ ـ ــمْ َص ـ ـ ـ ّ َي ـ ـ ـ َر ْتـ ـ ــهُ االمـ ـ ــانـ ـ ــي _ حـ ـي ــن ِطـ ـ ـ ـ ـ ـرْنَ ب ـ ــه يـهـفــو‬
‫ـصـ ـ ـ ـ ـ ِـد!!‬
‫ـض ال ـ ـ ـ ـ ـ َقـ ـ ـ ـ ـ ْ‬
‫لـ ـ ـ ـم ـ ـ ــا ع ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــهُ ي ـ ـ ـج ـ ـ ـفـ ـ ــو ‪ -‬غـ ـ ـ ـ ــامـ ـ ـ ـ ـ َ‬

‫ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ مـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ِـك ف ـ ـ ـ ـ ــي دنـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــامِ س ـ ـ ــوى‬
‫ُب ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ــدٌ عـ ـ ـل ـ ــى ال ـ ـ ـ ـ ــقُ ـ ـ ـ ـ ـ ـر ِْب أو قُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر ٌْب عـ ـ ـل ـ ــى ال ـ ـ ـ ُبـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ِـد‬

‫***‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ــأسـ ـ ـ ـ ـ ــو ُر ُحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـك َيـ ـ ـ ـ ْـش ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ــى دونَ غـ ـ ـ ــا َيـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ــهِ‬
‫ـط وال شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـد‬
‫يـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـق ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـر ِّح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاْلُ ب ـ ـ ـ ـ ــا حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍّ‬

‫بـ ـ ـ ـي ـ ـ ــن الـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــى وال ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــايـ ـ ـ ــا ال َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َزاْلُ َل ـ ـ ـ ـ ــهُ‬
‫ـوت ف ـ ــي ال ـ ــمَ ـ ــهْ ـ ـ ِـد مـ ـث ــل الـ ـ ـ َعـ ـ ـ ْي ـ ـ ِـش ف ـ ــي الـ ـ ـ ّ َل ـ ـ ْـح ـ ـ ِـد‬
‫ال ـ ـ ـمـ ـ ـ ُ‬

‫ول ِك إمْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ‬


‫وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي ّ َ‬ ‫ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ‬
‫ـصـ ـ ـ ـ ـ ِـد‬
‫ال ي ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـ ِـقـ ـ ـ ـ ـ ُّـر بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ ُح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمٌ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى َقـ ـ ـ ـ ـ ْ‬

‫ـوعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدٌ بـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ــردى ف ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ َن ـ ـ ـ ـ ـ ْـح ـ ـ ـ ـ ـ ِـس ي ـ ـ ــرقـ ـ ـ ـ ُب ـ ـ ــهُ‬
‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ‬
‫ومـ ـ ـ ـ ـ ــوعـ ـ ـ ـ ـ ــدٌ بـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــدى يـ ـ ـ ـ ـ ــرجـ ـ ـ ـ ـ ــو ُه ف ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ِـد‬

‫ـوت أص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد َر فِ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــهِ م ـ ـ ـ ـ ــا َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـو ّ ََع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد ُه‬


‫ال ال ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫وال ال ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ــى أ ْنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــجَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـز َْت مـ ـ ـ ــا كـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانَ ِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ وَعْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد‬
‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪98‬‬


‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫الحي‬
‫ِّ‬ ‫زامر‬
‫ُ‬
‫‪ρρ‬موسى غلفان واصلي*‬

‫ذُ بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت ب ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــاب ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا ك ـ ـب ـ ـشـ ــا‬ ‫ع ـ ـ ـلـ ـ ــى ُنـ ـ ـ ـس ـ ـ ــك الـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــوى أع ـ ـشـ ــى‬
‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه إن ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاق لـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـل ـ ـ ــي رغَ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــا‬
‫ب ـ ـ ـ ــرغ ـ ـ ـ ــم الـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـق ـ ـ ــل مـ ـ ـ ـ ــا يـ ـخـ ـش ــى‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذاك الـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــب ق ـ ـ ــدّ مـ ـ ـ ـن ـ ـ ــي‬
‫أسـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــر الـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــاء كـ ــال ـ ـع ـ ـط ـ ـشـ ــى‬ ‫يُ ـ ـ ـ ــطَ ـ ـ ـ ـ ـوِّعُ ـ ـ ـ ــنِ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـخ ـ ـ ـطـ ـ ــا ولـ ـ ـه ـ ــا‬
‫إلـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا ك ـ ـ ـ ـ ـ ــل م ـ ـ ـ ـ ـ ــا يُ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ــشَ ـ ـ ـ ــى‬ ‫إال‬ ‫الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدى‬ ‫أدري‬ ‫وال‬
‫ش ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــرات الـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـش ـ ـ ــا الـ ـ ـهـ ـ ـش ـ ــا‬ ‫فـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـب ـ ـ ــك ب ـ ـ ــالـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـظ ـ ـ ــى ي ـ ـس ـ ـقـ ــي‬
‫ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأن ق ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ــاف ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا (بـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـش ـ ـ ــا)‬ ‫لـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـم ـ ـ ــر مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ل ـ ـ ــواعـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـج ـ ـ ــي‬
‫وك ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ــح جـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــره ـ ـ ـ ــا يـ ـ ـغـ ـ ـش ـ ــى‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ــرقـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ــأش ـ ـ ـ ـ ــواق ـ ـ ـ ـ ــي‬
‫رش ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫ـاب مـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــك ل ـ ـ ـ ـ ـ ــو ّ‬
‫سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫لـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا أسـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــت فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـل‬
‫ع ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى ن ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــد الـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــوى رع ـ ـ ـشـ ـ ــا‬ ‫بـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا ي ـ ـ ـط ـ ـ ـفـ ـ ــي الـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـن ـ ـ ــى وطـ ـ ـ ـ ــرا‬
‫ـأرض ورده ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ــرشـ ـ ـ ــا‬
‫بـــــــــــــــ ٍ‬ ‫ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـل ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان يـ ـ ـجـ ـ ـمـ ـ ـعـ ـ ـن ـ ــا‬
‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد أخـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــه غـ ـ ـ ـش ـ ـ ــا‬ ‫ك ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــا وع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدً ا وف ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــت ب ـ ــه‬
‫ب ـ ـ ــا رق ـ ـ ـ ــص ع ـ ـلـ ــى الـ ـ ــمَ ـ ـ ــعْ ـ ـ ــشَ ـ ـ ــى!؟‬ ‫أي ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ــو زام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر الـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ــي‬
‫عـ ـ ـ ـل ـ ـ ــى نـ ـ ـ ـف ـ ـ ــس الـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـط ـ ـ ــا ربـ ـ ـش ـ ــا‬ ‫فـ ـ ـ ـ ــهُ ـ ـ ـ ـ ـ ّبـ ـ ـ ـ ــي واج ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ــي ص ـ ـفـ ــي‬
‫وزامـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ ح ـ ـ ـي ـ ـ ـنـ ـ ــا أفـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ــى!!؟‬ ‫أن ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ــى ل ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــوى س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرً ا‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫‪99‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫غياب!‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫لوعة‬
‫‪ρρ‬حسني صميلي*‬

‫ـاب ي ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ُّـف ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــي ويـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ؟!‬


‫‏م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا لِ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫‏أبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدً ا يـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ــاف ـ ـ ـ ـ ــرُ ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي خـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ــي طـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــفُ ـ ـ ـ ــهُ !‬

‫‏و يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدو ُر ب ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ــدن ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــا ربـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َع م ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ــاتـ ـ ـ ـ ٍـن‬
‫روض عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزفُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ !‬
‫ٍ‬ ‫‏ َي ـ ـ ـ ـ ـ ــزه ـ ـ ـ ـ ـ ــو بـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـل‬

‫‏أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي هَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا ُه عـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى شَ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــرٍ س ـ ـ ـ ــاح ـ ـ ـ ـ ٍـق‬


‫‏م ـ ـ ـ ـ ـ ــن أي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن أج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـذ ُب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه وكـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــف أَكُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ؟!‬

‫‏أ َْشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاقُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ‪ ،‬أدري جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر َة مُ ـ ـ ـه ـ ـ ـج ـ ـ ـتـ ـ ــي‬


‫ـذاب يـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ُّـفـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــي وي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـف ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ !‬
‫‏حـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــن الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬

‫ـذوب ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي َز َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ‬


‫‏ َويـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ــي ع ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــهِ ‪ ،‬ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫‏و َْج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدا‪ ،‬و َيـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ِـح ـ ـ ـ ـ ُـف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َدي ـ ـ ـ ـ ــاج ـ ـ ـ ـ ــي نـ ـ ـ ـ ــزفُ ـ ـ ـ ـ ــهُ !‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪100‬‬


‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫ُخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ الـ ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ْـجـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى إلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ِمـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ــادِ هِ‬
‫‏نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ ‪ ،‬و َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ّ َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحَ َض ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــفُ ـ ـ ـ ــهُ‬
‫‏ َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـق ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعُ بـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ُـض ـ ـ ـ ــهُ‬
‫‏ب ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـ ـاً‪ ،‬وأشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواقُ الـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ــاءِ ُتـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـفـ ـ ـ ـ ـ ــهُ !‬
‫ـدروب ب ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ــرِ هِ‬
‫‏وافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‪ ،‬فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأزهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرت ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫ألنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامِ وه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزُ ُّف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ !‬
‫‏و بِ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ــةِ ا َ‬
‫‏و أَن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ع ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـد ال ـ ـ ـ ـ ـ ُـحـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ــامِ أ َُض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ‬
‫ـام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُنـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ‪ ،‬ف ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــكُ ـ ـ ـ ــنُ خـ ـ ـ ـ ـ ــوفُ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ !‬
‫‏قُ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ُت ـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫‏و أظـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـل أَلـ ـ ـ ـ ـ ــثُ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ــهُ َف ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــعِ ـ ـ ـ ــلُ الـ ـ ـ ـ ـ ّـشـ ـ ـ ـ ــذا‬
‫‏و يـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــو ُر م ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـب عَ ـ ـ ـ ـ ـ ــرفُ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ !‬
‫ـض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ ًـا بـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــا َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءتْ ب ـ ـ ـ ــهِ‬
‫‏فـ ـ ـ ـ ــأغ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ُـب مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫‏ َلـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـظ ـ ـ ـ ــا ُت ـ ـ ـ ــهُ مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـاً‪ ،‬وأفْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـ ـ ــى ُلـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ــفُ ـ ـ ـ ــهُ !‬
‫أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى بِ ـ ـ ـنـ ـ ــا‬
‫‏هـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلْ كـ ـ ـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت األحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامُ مـ ـ ـ ـ ـ ــا ْ‬
‫‏مُ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ّوهـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــنَ أم ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّزمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانُ و َزيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــفُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ؟!‬
‫ـان ف ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــا جَ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى‬
‫‏هـ ـ ـ ـ ـ ــي سـ ـ ـ ـ ـ ــاعـ ـ ـ ـ ـ ــةٌ أو سـ ـ ـ ـ ـ ــاعـ ـ ـ ـ ـ ــاتـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫وصـ ـ ـ ـ ـ ــفُ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ !‬
‫‏أح ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ــا ُر ف ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــهِ ‪َ ..‬و َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ َتـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــاي ـ ـ ـ ــنَ ْ‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫‪101‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫ٌ‬
‫شعرية‬ ‫نصوص‬
‫ٌ‬
‫نوير العتيبي*‬
‫‪ّ ρρ‬‬
‫‪١‬‬
‫غسق الليلة األولى‪..‬‬
‫في الثلث األخير ‬
‫من الذكرى‬
‫أقيس قامة الزمن‬
‫أتلو في المساءات زبورك‪ ..‬وأشياء أخرى‬
‫فأصير قديسة معك‪..‬‬
‫وغسق الليلة األولى في ذاكرتي طاهر‪ ..‬كما يد أم‪..‬‬
‫ينفض عني كل الخطايا‪..‬‬
‫ويعصمني إذا ما شرعت‬
‫انتظر الحكايا أن تجيء بك‬
‫والزمن اآلثم‪ ..‬يخادعنا‪ ..‬يماطلنا‬
‫فيطول وال يجمعنا‪..‬‬
‫أغادر صوتي كرها‬
‫وأكون صوتهم وصورتهم وخرافتهم التي ال تموت‪..‬‬
‫وفي داخلي أتجلى بك‪..‬‬
‫أخبئ طهرك عنهم وأعيد لون صوتك الفضيّ‬
‫اغتسل بقداستك‪ ،‬وأرتل أسئلتي عنك بصوت خفيض‪..‬‬
‫أحلم بالغناء‪ ..‬وبزبيب أيلول المعتق‬
‫يقلقني الضياع‪..‬‬
‫والضياع هوية العاشقين‬
‫أخاتل شهوة الصمت‬
‫و أرجو غيمة‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪102‬‬
‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬
‫تعتاد خلق الدهشة في الظلمات‪..‬‬
‫أن تمر سماءنا‬
‫وتغرقنا بال نجوى‪..‬‬
‫‪٢‬‬
‫قتيلها‬
‫تهزه عيونُ النساءِ‬
‫وتمنحه السكين َة ابتسامتها‬
‫يمتلئ بالعراء وتزيده زادً ا من جفاء‬
‫ينادم دربًا تهاوت عليه خطواتها‬
‫ويقض الذكرى الغافية‬
‫ُّ‬
‫فيرتلها قافية قافيةً‬
‫إني قتيلها!‬
‫مسترسل‪..‬‬
‫ً‬ ‫يقولها‬
‫جئت ألستريح في ظاللك يا امرأة‬
‫هاربًا من الحلم للحلم‬
‫قادمً ا من عوالم تُزجي الرزايا والمنايا بال عدد‬
‫جئتك مستنصرً ا وما معي إال غمدٌ منكسرٌ وأغنية‪..‬‬
‫وفرحة عتيقة دسستها عن بؤس الحياة‬
‫ألخلق منها جنة أنت فردوسها‪..‬‬
‫يرهقني هذا العمر الضالل‬
‫وتراكم األصفاد في يدي والنشيد الباهت في صباحات تبحث فيك‬
‫عن نورها‪..‬‬
‫أعرج للحلم‬
‫البين‬
‫ِ‬ ‫وتُسرفين في‬
‫وتسكنين ظهر سحابة ال تمطر إال موسمين‬
‫صفصافة هذا العمر‬
‫‪103‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫يا جمارتي تسقط أيامنا‬
‫وتُلوّن النواصي ببرق ال نُحبّه ويحبنا‪..‬‬
‫والسؤال الكهل‬
‫يفيض بي كل مساء‪:‬‬
‫كيف أمضي‪ ..‬والوراء يجرني لالنتهاء؟‬
‫وأنت تكتبين هدا التاريخ الذي ال ينتهي‬
‫عمق فيَّ لك االنتماء‬
‫ويُ ِ ّ‬
‫كيف أرسم للروح بسمةً وداخل الروح توابيت لم أركنها في القبر منذ‬
‫أربعين شتاء؟‬
‫ما م َرّني نسوة إال وذكرتك‬
‫فمسختهن بنورك‬
‫قديسا ال يعرف النساء‬
‫ً‬ ‫وعكفت في الذكرى‬
‫يا امرأة‪..‬‬
‫ما كان غيابك إال تمائم نزعتُ ها كفرً ا بكفرك‬
‫واغتسلت بصمتِ ِك القدسي‬
‫ُ‬
‫ألعيدك لمسارات األوردة المتيبسة‬
‫وأعيد للّيالي أقمارهن البيضاء‬
‫عصي أنا على االنكسار‬
‫ٌّ‬
‫وتعرفين‬
‫كم خلقت من طحين الحياة األسود خبزً ا‬
‫أطعمه النهارات الماضيات‪..‬‬
‫هل أَ ْنك َِسرُ وأنت جبيرة‬
‫وبك الدواء‪..‬؟!‬

‫ * شاعرة من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪104‬‬


‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫الخطر‬
‫ِ‬ ‫مجتمع‬
‫ُ‬
‫■ ترجمة‪ :‬املهدي مستقيم*‬

‫فــي ح ــوار مــع الفيلسوف الـفــرنـســيّ ل ــوك فـيــري ‪1952( Luc Ferry‬م)‪ ،‬الــذي‬
‫شغل منصب وزيــر التربية الوطنيّة في عهد رئيس الــوزراء جون بيار رافــاران ما‬
‫بين العا َميْن ‪ 2002‬و‪2004‬م‪ ،‬وال ــذي أج ــراه كلود كابليي ‪ ،Claude Capelier‬وتــمّ‬
‫استنباطه بتصرّف من كِ تاب «تاريخ الفلسفة األجمل» ‪La Plus belle histoire de‬‬
‫‪ ،la philosophie‬الصادر في العام ‪2014‬م عن دار روبير الفون الفرنسيّة‪ ،‬دا َر الحوا ُر‬
‫بشكل أساس حول السؤال اآلتي‪« :‬كيف انتهى بنا األمر إلى هذا الوضع الجديد؟‬ ‫ٍ‬
‫قريب ركائ َز‬
‫وقت ٍ‬ ‫لماذا أصبحنا نرتاب من مُ ثُ ٍل كانت العقول المُ ستنيرة تعدُّ ها إلى ٍ‬
‫الحضارة األوروبيّة؟‬

‫فيري‪ ،‬الذي هو من أشهر الفالسفة ل ــوك فــيــري إل ــى كــفــاءة وحــنــكــة على‬
‫الفرنسيّين فــي عــصــرنــا إل ــى جانب مستوى البحث واإلنجاز األكاديميَّين‪،‬‬
‫نخص بالذكر منها كِ تاب «الفلسفة‬
‫ّ‬ ‫ميشال أونفري وأندري كونت سبونفيل‪ ،‬والتي‬
‫يجيب بأنّ في هذا السؤال يكمن مربط السياسيّة» (في ثالثة أجزاء باالشتراك‬
‫مع أالن رونو (‪1985-1984‬م)‪ ،‬و«مقال‬
‫الفرس‪ ،‬ويسأل بدَوره عمّا إذا كان األمر‬
‫ـاصــرة»‬
‫فــي ُمــنــاهــضــة األنــســنــة ال ـ ُمــعـ ِ‬
‫بنتيجة‬
‫ٍ‬ ‫يتعلّق بتنك ٍّر للمُثل‪ ..‬أو أنّه يتعلّق‬
‫(‪1985‬م)‪ ،‬و«لــمــاذا لسنا نتشيويّين»‬
‫غير متوقَّعة لما يُمكن أن ينج ّر عن‬
‫(‪1991‬م)‪ ،‬و«اإلنسان اإلله أو في معنى‬
‫مبادئ كهذه؟‬
‫الحياة» (‪1996‬م)‪ ،‬وصوالً إلى «هايدغر‪،‬‬
‫أوهــام التقنيّة» (‪2013‬م)‪ ،‬و«االبتكار‬ ‫تُشير أعمال الفيلسوف الفرنسيّ‬
‫‪105‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫الهدّام» (‪2014‬م)‪ ،‬و«تاريخ الفلسفة األجمل»‪ ،‬بها‪ ،‬نتيجة تسارع وتيرة العَولمة التي يعرفها‬
‫التقدّم العلميّ والتقنيّ ‪ ،‬بحيث نتجت عن‬ ‫باالشتراك مع كلود كابليي (‪2014‬م)‪.‬‬
‫من سؤال كلود كابليي األمّ‪ ،‬يجترح لوك هاتَين الحداثتَين تصادمات وتناقضات عدّة‪،‬‬
‫تكتنفها في اآلن نفسه عالقات خفيّة‪ .‬ومن‬
‫فيري األسئلة ال األجوبة‪ ،‬فيتساءل َبــدوره‬
‫أجل استيعاب هذا الوضع الجديد الذي بات‬
‫قــائ ـاً‪ :‬هــل يرجع خوفنا إلــى ذلــك الخلل‬
‫يرخي بظالله على الغرب المتقدِّم‪ ،‬و ُِجب‬
‫بشكل واسع‪،‬‬‫ٍ‬ ‫النَّاتج عن المرض المعروف‬
‫أ ّوالً فهم كال الحداثتَيْن على حدة‪.‬‬
‫والذي عهدنا على نعته بـ«مقاوَمة التغيير»‪،‬‬
‫كتملة ودوغمائيّ ة‬
‫حداثة أولى غير مُ ِ‬ ‫أو أنّ األمــر يتعلّق‪ ،‬على العكس من ذلك‪،‬‬

‫تــتــفـرّد الــحــداثــة األولـــى بحسب فيري‬ ‫بمرحلة جديدة في تاريخنا‪ ،‬منفصلة ك ّل‬
‫االنفصال عن أيّ مخلَّف رجعيّ ‪ ،‬ومرتبطة بمجموعة مــن الــمــمـ ّيــزات الرئيسة التي‬
‫بأقصى مُنتجات الحداثة التي بإمكانها أن تفضي كـ ّل واحــدة منها إلــى األخــرى‪ .‬فهي‬
‫لمستقبل أجمل؟ إنّها أسئلة حاسمة‪ ..‬أ ّوالً‪ ،‬تتأسَّ س على تصو ٍّر سلطويّ ودوغمائيّ‬
‫ٍ‬ ‫تؤهّ لنا‬
‫بيد أنّ مــا يُمكن أن تــقـدّمــه مــن أجــوبــة‪ ،‬للعِ لم؛ إذ كان العِ لم واثقاً من نفسه‪ ،‬وذلك‬
‫ستجعل سيناريوهات المستقبل مختلفة تمام بإحكام قبضته على موضوع دراسته الرئيس‪،‬‬
‫الذي هو الطبيعة‪ ،‬ما دفعه إلى التمادي في‬ ‫االختالف‪.‬‬
‫ومــن أجــل اإلجابة عن هــذه األسئلة‪ ،‬أو الدعاية لقدرته على تحقيق التناغم‪ ،‬وتحرير‬
‫بشكل أوضــح‪ ،‬يجدر بنا البشر‪ ،‬والحرص على إسعادهم‪ ،‬من دون‬ ‫ٍ‬ ‫على األقـ ّل تأمّلها‬
‫‪-‬والــكــام لفيري‪ -‬أن نــشـدِّد على تقديم إخضاع ذاته لمحكّ النقد‪ .‬كما كان يتعهّد‬
‫الــنــصــح لــلــقــارئ الــكــريــم بــقــراءة «مجتمع بتخليص الناس من أتون الظالمية الدينية‬
‫الــخــطــر»‪ ،‬بوصفه أهـ ـ ّم كِ ــتــاب أ ّلــفــه عالِم التي سيطرت على القرون الوسطى‪ ،‬وذلك‬
‫االجــتــمــاع األلــمــانــي إيــلــريــش بيك ‪ Ulrich‬بمنحهم المسوّغات التي من شأنها‪ ،‬بحسب‬
‫‪ ،Beck‬ويُمكننا بسط الخطوط المركزية التعبير الــديــكــارتــي الشهير‪ ،‬أن تجعلهم‬
‫ألطروحته كما يلي‪ :‬بعد الحداثة األولى التي كـــ«أســيــاد وأصــحــاب ملكية» لــعــالَــم يُمكن‬
‫نمت بذورها في القرن الثامن عشر‪ ،‬والتي توظيفه واستثماره في ك ّل ما من شأنه أن‬
‫هَ يمنت على القرن التاسع عشر بأكمله‪ ،‬يخدم انتعاشهم المادّي‪.‬‬
‫لقد تجذَّ رت فكرة التقدّم بعد التفاؤل‬ ‫والتي ال تزال لم تكتمل إلى يومنا هذا‪ ،‬تكون‬
‫مجتمعاتنا الغربية قد أقبلت على مرحلة الكبير الــذي روَّج له الِعلم‪ ،‬وت ـ ّم تركيزها‬
‫جديدة‪ ،‬تتّسم بالوعي بالمخاطر المُحدقة فــي عــبــارة دالّـــة على الــحـرّيــة والــســعــادة‪،‬‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪106‬‬
‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫يمس‪ ،‬على الرّغم من‬
‫ّ‬ ‫اللمع والمنطقي في إطار كانت ذرعـاً منيعاً ال‬
‫وجدت تجلّيها ّ‬
‫الديمقراطية البرلمانية والدولة األ ّمــة؛ ما هشاشتها الظاهرة بما هي مبدأ‪ ،‬كما أثير‬
‫أدّى إلى زواج العِ لم بالديمقراطية الوطنية‪ :‬الحديث آنــذاك‪ ،‬عن مسألة الحضارة في‬
‫ألــم يحدث أ ْن كــان من البدهي القول إنّ شكلها المفرد‪ ،‬وكأنّها أوروبيّة األصل بيضاء‬
‫المتوصل إليها مــن قبل األولــى ذكوريّة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫الحقائق‬
‫إنّ مجموع ما ِجئنا على ذكره أعاله من‬ ‫تُع ُّد صورة تعكس المبادئ التي تؤسِّ س لها‬
‫مسخرة لنا من حيث األصل؟ نقاط‪ ،‬سيُمهِّد النبجاس الحداثة الثانية‪ ،‬هذه‬
‫ًّ‬ ‫الثانية‪ ،‬وهي‬
‫إنّ ما ينطبق على حقوق اإلنسان بما هي األخيرة التي ستركن إلى الدخول في قطيعة‬
‫نــزو ٌع َكــونــيّ صالح‪ ،‬من حيث المبدأ على مع الحداثة األولى‪ ،‬ليس كنتيجة لمفعولِ ٍ‬
‫نقد‬
‫األقلّ‪ ،‬لك ّل الكائنات البشرية‪ ،‬بصرف النظر خارجي‪ ،‬يعتمد نموذجاً اجتماعياًّ سياسياًّ‬
‫عن عرقها وطبقتها وجنسها‪ ،‬ينطبق على جــديــداً‪ ،‬بــل على العكس مــن ذلــك تماماً‪،‬‬
‫وأعني بذلك استنادها الجذريّ على مبادئها‬ ‫القوانين العِ لمية بالسواء‪.‬‬
‫الخاصة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ولــع ـ ّل هــذا مــا جعل مــن هــاجــس إنتاج‬
‫الحداثة الثانية‪ :‬من االعتقاد في‬ ‫الثروات وتقاسمها‪ ،‬بؤرة اهتمام الدول العلمية‬
‫التقدم إلى مجتمع الخطر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الديمقراطية‪ .‬ومن ثمّة كانت إيقاعاتها كما‬
‫سبق وأعلن توكفيل‪ ،‬مؤسَّ سة على المساواة‪،‬‬
‫وعــن هــذه الـ ُمــفــارَقــة الهائلة‪ ،‬الــتــي ما‬
‫أو باقتباسنا للصيَغ الماركسية‪ ،‬إيقاعات‬
‫تزال مكسوّة بااللتباس إلى اللّحظة‪ ،‬يسأل‬
‫اللمساواة‪ .‬وفي هذا‬
‫الصراع ض ّد أشكال ّ‬
‫كلود كابليي‪ ،‬كيف باإلمكان تفسير انتهاء‬
‫المخاض الصعب والحاسم في آن‪ ،‬كان من‬
‫الحال باألنسنة الديمقراطية‪ ،‬المنبجسة‬
‫الـ ّـازم وضع الثقة في المستقبل‪ ،‬إذ غالباً‬
‫شكل جديد من‬
‫ٍ‬ ‫عــن األنـــوار‪ ،‬إلــى تقمّص‬
‫ما كــان يت ّم إرجــاء المصاعب إلــى المرتبة‬
‫الــحــداثــة‪ ،‬أعــقــبــه ان ــق ــابٌ عــلــى مستوى‬
‫الثانية‪.‬‬
‫المنظورية‪ .‬فيجيب فيري قائالً‪ :‬أ ّوالً‪ ،‬في‬
‫يخص عالقة العِ لم بالطبيعة‪ ،‬نحيل على‬
‫ّ‬ ‫وفــي نهاية األمــر نجد الجمود قد بدأ ما‬
‫يطبع األدوار االجتماعية والعائلية‪ ،‬بل إنها الثورة الحقيقة التي شهدتها نهاية القرن‬
‫تــحـوّلــت إلــى مــا يشبه «الطبيعة»؛ ومثال العشرين‪ ،‬إذ منذ ذلك الحين لم نعُد نميل‬
‫ذلك أنــواع التمييز الطبقي والجنسي‪ ،‬من إلى إرجــاع األخطار الجسيمة التي تحدق‬
‫دون أن نتحدّث عــن االخــتــافــات اإلثنية‪ ،‬بنا إلى الطبيعة‪ ،‬وإنّما (لألسف) إلى البحث‬
‫التي استم ّر الواقع في التعامل معها كما لو العِ لمي‪ ،‬حيث لم نعُد نراهن على الهَيمنة‬
‫‪107‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫على الطبيعة‪ ،‬بقدر مراهنتنا على إحكام تزايد وتيرة هذا النموّ‪ .‬هنا بك ّل تأكيد يظهر‬
‫قبضتنا على البحث العِ لمي‪ ،‬ذلك أنّ العِ لم‪ ،‬س ـ ّر نجاح أولــئــك الــذيــن يــريــدون إقناعنا‪،‬‬
‫وألوّل مرّة في تاريخه‪ ،‬أصبح ينتج للجنس شأن جمهوريّينا الجدد‪ ،‬بأنّه تمّت إمكاناتٌ‬
‫البشري مسوّغات دماره وأفوله‪ ،‬وهذا غير للرجوع إلى الوراء‪ ،‬وأنّ التحالف القديم بين‬
‫وارد بالنسبة إلى المجتمعات الحديثة التي العِ لم واألمّة والتقدّم مسألة ينحصر تحقّقها‬
‫باتت تعاني من مخلّفات االستثمار الصناعي في «المدنية» و«اإلرادة السياسية»‪ ..‬كم‬
‫للتكنولوجيات الحديثة‪ ،‬بل يحصل أيضاً‪ ،‬بودّنا تصديق ذلك!‪ ،‬وخصوصاً أنّ شحنة ال‬
‫عندما يت ّم توظيف هذه التكنولوجيا من قِ بل بأس بها من التعاطف تُرافِ ق حتماً أقوالهم‬
‫غيرنا‪ .‬وإذا كنّا اليوم نشعر بالتهديد أكثر المفعمة بالحنين‪.‬‬
‫من أيّ وقت مضى‪ ،‬فذلك يرجع ِلوَعينا بأنّ‬
‫أمــام هذا التطوّر الــذي شهدته البلدان‬
‫اإلرهاب بإمكانه أن يمتلك من اليوم ‪ -‬أو في‬
‫األكثر تقدّماً‪ ،‬تنتصب مسألة توزيع الثروات‬
‫وقت قريب ‪ -‬األسلحة الكيماوية‪ ،‬بل وحتّى‬
‫إلى أن تُرجأ إلى مخطَّ ط ثانوي‪ ،‬هذا ال يعني‬
‫النووية المروّعة‪ .‬لقد بات العِ لم الحديث‬
‫أنّها قيد األفول‪ ،‬وإنّما يعني أنّها تضعف إلى‬
‫بفروعه وتفعيالته كلّها متملِّصاً منّا‪ ،‬وقوَّته‬
‫ح ّد االندثار أمام حتميّات التضامن الجديدة‪،‬‬
‫الماحقة صارت تبعث فينا الدهشة‪.‬‬
‫نظراً لتفاقُم أخطار ترتفع وتيرتها بموازاة‬
‫بنا ًء على ما سبق‪ ،‬وأمام هذه «السيرورة‬
‫تعولمها وانفالتها من قبضة الدولة‪ /‬األمّة‪،‬‬
‫نحس أنّه ما‬
‫ّ‬ ‫َولمة تجعلنا‬
‫فاقدة الــذات» لع ٍ‬
‫ومن أساليب العمل الديمقراطي المعهودة‪.‬‬
‫من حَ وْكمة عالمية بإمكانها التحكّم فيها‪،‬‬
‫أخــيــراً‪ ،‬ونتيجة نــقـ ٍـد ذاتـــي‪ ،‬أو بتعبير‬ ‫فــإنّ مجال الدولة‪ /‬األ ّمــة ومجال األشكال‬
‫التقليدية للديمقراطية البرلمانية بدأ يضيق‪ ،‬أفضل نتيجة تأمّل ذاتــيٍّ ذي طابع معمّم‪،‬‬
‫حتّى ال نقول إنّه فقد قيمته‪ .‬لم تقف سحابة توضع األدوار االجتماعية القديمة على‬
‫تشيرنوبيل بفعل معجزة جمهورية اخترقت محكّ السؤال؛ فتتوقّف‪ ،‬نتيجة اختاللها‪،‬‬
‫بشكل ين ّم عن تعرّضها لالختراق‬
‫ٍ‬ ‫ح ــدود فرنسا‪ .‬كما أنّ الــســيــرورات التي عن الظهور‬
‫تحكم النم ّو االقتصاديّ ‪ ،‬أو األسواق المالية‪ ،‬من قبل طبيعة خــالــدة‪ ،‬وتشهد على ذلك‬
‫لــم تعُد هــي األخ ــرى تخضع ألوام ــر ن ـوّاب األوجه العديدة التي تتقمّصها حركة التحرّر‬
‫الشعب الذين توقّفوا عن إخفاء عجزهم عن النسوية‪ ،‬وغيرها من الحركات المُطالَبة‬
‫االلتزام بالوعود التي يودّون تقديمها‪ ،‬أمام بالمصادقة على مطالبها الجديدة‪.‬‬

‫ * أستاذ‪ /‬باحث‪ -‬المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪108‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫المصري عالء جانب‬


‫ُّ‬ ‫الشاعر‬
‫ُ‬
‫المرأة معنى الحياة والحب والنماء واإلشراق‪،‬‬
‫وحبيبة ومشروعُ حياة‬
‫ٌ‬ ‫والوطن امرأة بمعنى من المعاني‪ ،‬والقصيدة أمٌ‬

‫عــاء أحمد السيد الشهير بعالء جانب‪ ،‬شاعر مصري‪ ،‬ولــد في ‪ 25‬ديسمبر‬
‫عام ‪1973‬م في قرية عرابة أبو دهب التابعة لمحافظة سوهاج‪ ،‬حصل على المركز‬
‫األول ولقب أمير الشعراء في جائزة أمير الشعراء من هيئة أبــي ظبي للثقافة‬
‫والتراث بدولة اإلمارات العربية المتحدة عام ‪2013‬م‪.‬‬
‫حصل على ليسانس اللغة العربية من كلية اللغة العربية ‪ -‬جامعة األزهــر‬
‫بأسيوط بتقدير ممتاز عام ‪1996‬م‪ ،‬والماجستير في األدب والنقد الحديث عن‬
‫موضوع‪ :‬شعر الدكتور سعد ظالم دراسة تحليلية نقدية‪ ،‬من كلية اللغة العربية‬
‫جامعة األزهــر بالقاهرة بتقدير ممتاز عام ‪2002‬م‪ ،‬كما نال درجــة الدكتوراه في‬
‫األدب القديم عن موضوع (الصورة الفنية في قصيدة المدح بين ابن سناء الملك‬
‫والبهاء زهير‪ ..‬تحليل ونقد وموازنة) بمرتبة الشرف األولى مع التوصية بطبع‬
‫الرسالة وتبادلها بين الجامعات‪ ،‬ويعمل حاليا أستاذًا مساعدً ا بكلية اللغة العربية‬
‫‪ -‬قسم األدب والنقد‪ -‬بجامعة األزهر‪.‬‬
‫صدر له أربعة دواوين شعرية هي «أنا وحدي» عن دار كاسل للطباعة عام ‪2002‬م‪،‬‬
‫و«ولد ويكتب بالنجوم» عن دار التالقي بمصر عام ‪2011‬م‪ ،‬و«القط التوت» عن دار‬
‫روعة بمصر عام ‪2013‬م‪ ،‬و«متورط في الياسمين» عن أكاديمية الشعر بأبي ظبي‬
‫عام ‪2015‬م‪ ،‬كما له تحت الطبع‪ :‬ديوان «لم يفهموك»‪.‬‬
‫شــارك فــي كثير مــن المهرجانات‪ ،‬وحصل على العديد مــن ال ــدروع والجوائز‬
‫واألوسمة وشهادات التقدير‪ ،‬وكُ رِّم من عدة بلدان عربية منها‪ :‬الكويت واإلمارات‬
‫والسعودية والـعــراق ولبنان وسلطنة عـمــان‪ ،‬وهــو عضو لجنة الشعر بالمجلس‬
‫األعلى للثقافة‪ ،‬وعضو مؤتمر أدباء مصر منذ عام ‪2013‬م وحتى اآلن‪.‬‬
‫■ حاوره‪ :‬أحمد الالوندى‬

‫حافيًا في الطريق‪ ،‬وربيت الحيوانات‪،‬‬ ‫ ¦حدثنا عــن نشأتك وم ــدى عالقتك‬


‫وركبت الجمل‪ ،‬والفرس‪ ،‬والحمارة‪،‬‬ ‫بقريتك عرابة أبو دهب؟‬
‫ومشيت على جسر الزراعة‪ ،‬غير أن‬
‫‪ρ ρ‬نشأت نشأة أي طفل ريفي‪ ،‬مشيت‬
‫‪109‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫والــقــصــيــدة‪ ،‬الــمــرأة‬ ‫األكثر تأثيرًا في‬
‫راض عن تطوري وخطواتي التي‬‫أنا ٍ‬
‫معنى الحياة والحب‬ ‫روح ــي هــو منظر‬
‫طامح في‬
‫ٌ‬ ‫أحسبها جيدة‪ ،‬لكني‬
‫والــنــمــاء واإلشــــراق‪،‬‬ ‫تحقيق قصيدة تسكن وجدانات‬ ‫الــغــروب‪ ،‬ومنظر‬
‫والـــــــوطـــــــن امـــــــرأة‬ ‫الناس‪.‬‬ ‫الــقــمــر‪ ،‬الــطــريــق‬
‫بمعنى من المعاني‪،‬‬ ‫إلى بيوت أخوالي‬
‫والقصيدة أم وحبيبة‬ ‫قصيدة النثر أقبلها‪ ،‬وال أنكرها‬ ‫فــي نــجــع مــجــاور‬
‫أدبيا جميال‪ ،‬مع‬
‫بوصفها شكال ًّ‬
‫وم ــش ــروع حــيــاة‪ ،‬كل‬ ‫كان طريقًا جبل ّيًا‬
‫اختالفي على تسميتها‪.‬‬
‫ش ــع ــري أو جُ ـ ـلّ ــه ال‬ ‫ب ــي ــن ال ــم ــق ــاب ــر‪،‬‬
‫يــبــتــعــد ع ــن ال ــم ــرأة‬ ‫الدراما نضج في الشعر‪ ،‬يبتعد به‬ ‫وقبل الكهرباء كنا‬
‫والوطن‪.‬‬ ‫عن الخطابية والمباشرة‪ ،‬ويرتفع‬ ‫نذهب بعد العشاء‬
‫به إلى الخيال اإلنساني الحساس‬ ‫أنــا وأبــي أو أحد‬
‫ ¦هـ ـ ـ ـ ـ ــل ت ـ ـ ـك ـ ـ ـبـ ـ ــرت‬
‫عليك القصيدة يومً ا‬ ‫إخــوتــي أو أبــنــاء‬
‫وصارت عصية وممتنعة عنك؟‬ ‫عــمــي م ــن خــال‬
‫هذا الطريق الذي كان مليئًا بالعفاريت‪،‬‬
‫واألساطير في عقلي وفي مخيلتي طبعًا‪ρ ρ .‬هـ ــذا يــحــدث م ــع أي شــاعــر حقيقي‪،‬‬
‫فالمسألة لو كانت إقامة وزن وإعــراب‬
‫ ¦م ــا ه ــو ال ـش ـعــر م ــن وج ـه ــة ن ـظ ــرك؟ وهــل‬
‫وقافية وصــورة كيفما اتفقت أسهل من‬
‫لــه ضـ ــرورة فــي حـيــاتـنــا؟ وك ـيــف أصبحت‬
‫التنفس بالنسبة لي‪ ،‬لكن الشأن في أن‬
‫شاعرً ا؟‬
‫تجد في نفسك حاجة إلى قول الشعر‪،‬‬
‫بحيث يصبح الكتمان مــراد ًفــا للوأد‪ ،‬ثم‬ ‫‪ρ ρ‬قلت ذات قصيدة‪:‬‬
‫تجد عندك من لغتك ما يعبر عنك كما‬ ‫الـشـعــر أن تـلــد الـقـصـيــدة ربـهــا‬
‫تريد‪ ،‬ال كما يريد لك الــوزن أو تسوقك‬ ‫في سكرة الشبق المعتق في األلم‬
‫إلــيــه اللغة‪ ،‬وهــنــا تكمن صعوبة الشعر‬ ‫والعشق أن تجد العشيقة نفسها‬
‫وتأبيه‪.‬‬ ‫صنم ًا فتعبد من تعبد للصنم‬
‫أحلى القصيدة أن تكون عشيقة‬
‫ ¦لـمــاذا تكتب الشعر العمودي فقط؟ وما‬
‫حـتــى تلقنك الـفـنــاء فــمً ــا لفم‬
‫هو موقفك من قصيدة النثر وهل يمكن‬
‫فاغرس حروفك في البياض وروّها‬
‫أن تكتبها؟‬
‫ال موت للحرف الذي يسقى بدم‬
‫‪ρ ρ‬أنا أكتب الشعر بكل أنواعه‪ ،‬حتى القصيدة‬
‫ ¦حدثنا عن تجلي صورتي المرأة والوطن‬
‫العامية أكتبها‪ ،‬إال المسرح الشعري فلم‬
‫في قصائدك؟‬
‫يخطر لي أن أكتبه‪ ،‬مع حبي الشديد لهذا‬
‫الفن‪ ،‬أما قصيدة النثر فأنا أقبلها‪ ،‬وال‬ ‫‪ρ ρ‬ثالثة تتماهى حتى تتحد‪ :‬المرأة والوطن‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪110‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬
‫تتفاوت أشعارنا إذاً؟ دائمًا هناك افتراضي‬ ‫أنكرها بوصفها شكال أدب ّيًا جميال‪ ،‬مع‬
‫يجلس عن كثب يترقب مــاذا نكتب‪ ،‬قد‬ ‫اختالفي على تسميتها قصيدة‪.‬‬
‫يكون هذا االفتراضي أنا ذاتي‪ ،‬وقد يكون‬ ‫ ¦ال ـعــالــم بـ ــدون ال ـش ـعــر خ ــراب‪..‬ك ـي ــف تــرى‬
‫غــيــري‪ ،‬الــقــارئ عفريت يسكن اإلب ــداع‪،‬‬ ‫ذلك؟‬
‫والفنان نفسه ينشطر أثناء الكتابة إلى‬
‫ناقصا بدونه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫‪ρ ρ‬كل مهتم بشيء يرى العالم‬
‫أصل ومرآة‪.‬‬
‫ويرى أن فنه وصنعته ستسد النقص في‬
‫بناء العالم‪ ،‬وال شك أن الشعر بالنسبة ¦حـصـلــت عـلــى ال ـمــركــز األول ول ـقــب أمير‬
‫ال ـش ـع ــراء م ــن هـيـئــة أبـ ــي ظ ـبــي لـلـثـقــافــة‬ ‫لي أمر مهم ج ّدًا‪ ،‬وفي المقابل قد يكون‬
‫والـتــراث عــام ‪2013‬م‪ ،‬صــف لنا إحساسك‬ ‫لغيري شيئًا ترفيه ّيًا وتافهًا‪ ،‬لكن العقالء‬
‫بـعــد ف ــوزك بــالـجــائــزة؟ وه ــل كـنــت تتوقع‬ ‫قد اتفقوا على أن الشعراء أبعاض أنبياء‪.‬‬
‫ذلك؟‬
‫ ¦اذكر لي موقفً ا أثر فيك وما تزال تذكره؟‬
‫‪ρ ρ‬أما التوقع فقد كنت أتوقع لكن ليس بنسبة‬
‫‪ ،%100‬ألن ذلك أمر غيبي ال يعلمه أحد‬ ‫‪ρ ρ‬المواقف كثيرة‪ ،‬المؤلم منها والمفرح‪،‬‬
‫إال اهلل‪ ،‬أمّا وقد صارت األمور إلى الخير‬ ‫الدامع‪ ،‬والمبتسم‪ ،‬والباكي فرحً ا‪ ،‬والصارخ‬
‫فقد كنت فرحً ا ج ـ ّدًا بفوزي بالجائزة‪،‬‬ ‫جزعً ا‪ ،‬الوتر مشدود دائمًا‪ ،‬لذلك كل نقرة‬
‫فمن ناحية مثلت شعراء بلدي تمثيال يليق‬ ‫بريشة الزمن تحدث نغمًا ما‪ ،‬لكني أحب‬
‫كما أظن‪ ،‬ومن ناحية أخرى حققت حُ لمًا‬ ‫ذكرى هبَّة الشعب المصري في يناير‪.‬‬
‫راودني منذ انطالق المسابقة‪.‬‬ ‫ ¦ف ــي ق ـصــائــدك درامـ ـ ــا‪ ..‬ه ــل ه ــذه ال ــدرام ــا‬
‫ ¦م ــاذا تـمـثــل لــك الـقـصــائــد ال ـتــي ألقيتها‬ ‫تجذب القارئ أو المستمع؟‬
‫‪ρ ρ‬الــدرامــا نُضج في الشعر‪ ،‬يبتعد به عن‬
‫آنذاك على مسرح شاطئ الراحة؟‬
‫الخطابية والــمــبــاشــرة‪ ،‬ويــرتــفــع بــه إلى ‪ρ ρ‬تمثل مرحلة من مراحل نضج القصيدة‬
‫عندي‪ ،‬لكنها تبقى قصائد كغيرها‪ ،‬وقد‬ ‫الــخــيــال اإلنــســانــي الــحــســاس‪ ،‬فاللفتة‬
‫قلت من قبل إن البرنامج لم يُخرج أفضل‬ ‫الدرامية الــواحــدة خير من خطابة مئة‬
‫مــا لــديّ مــن الشعر‪،‬‬ ‫صفحة‪.‬‬
‫وإنما اخترت له من‬ ‫القارئ شريك في نتاج النص‪ ،‬ولذا‬ ‫ ¦ه ــل ت ـضــع ال ـق ــارئ‬
‫القصائد ما يناسبه‪.‬‬ ‫تتفاوت أشعارنا‬ ‫فــي اعتبارك وأنــت‬
‫ ¦مـ ـ ـ ـ ــا هـ ـ ـ ـ ــي أه ـ ـ ــم‬ ‫المعارف النقدية إذا طغت في‬ ‫تكتب القصيدة؟‬
‫الكتب التي أثرت في‬ ‫ناقدا‪ ،‬وإذا كانت تقف‬
‫ً‬ ‫تأثيرها كنت‬ ‫‪ρ ρ‬بالطبع‪ ..‬فالقارئ‬
‫ذائقتك وأسهمت في‬ ‫خاشعة لموهبة الشعر بحيث ال‬ ‫شــريــك ف ــي نــتــاج‬
‫تتغلب عليها فأنت الشاعر!‬
‫نمو تجربتك؟‬ ‫الـــــنـــــص‪ ،‬لـ ــمـ ــاذا‬
‫‪111‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫يذكرني بالموت دائمًا مع علمي أنه يفتح‬ ‫‪ρ ρ‬سؤالك صعب‪ ..‬ألن المؤلف الواحد له‬
‫للحياة نافذة جديدة‪ ،‬ال شك أن السفر‬ ‫عدة كتب‪ ،‬وأنا مفتون بكثير من الكتَّاب‪،‬‬
‫والقراءة هما وسيلتا الخروج من كل ضيق‬ ‫كمحمود شــاكــر‪ ،‬وطــه حسين‪ ،‬والعقاد‪،‬‬
‫ومــحــمــد ع ــب ــده‪ ،‬والــشــيــخ مــحــمــد زكــي‬
‫إلى متسعات مذهلة‪.‬‬
‫إبراهيم‪ ،‬ومئات غيرهم‪.‬‬
‫ ¦ه ــل أنـ ــت راض ع ـم ــا وصـ ـل ــت إلـ ـي ــه؟ وم ــا‬
‫ ¦أنت تعمل في جامعة األزهر بقسم األدب‬
‫الجديد الذي أضفته للشعر؟‬
‫والـنـقــد أس ـت ــا ًذا م ـســاعــدً ا‪ ..‬إل ــى أي مــدى‬
‫‪ρ ρ‬الرضا بمعنى اكتمال المشروع ال‪ ،‬لكني‬ ‫أفادتك معارفك النقدية في الكتابة؟‬
‫راض عن تطوري وخطواتي التي أحسبها‬
‫ٍ‬ ‫‪ρ ρ‬المعارف النقدية إذا طغت في تأثيرها‬
‫جيدة‪ ،‬لكني طام ٌح في تحقيق قصيدة‬ ‫كــنــت ن ــاقــدًا‪ ،‬وإذا كــانــت تــقــف خاشعة‬
‫تسكن وجدانات الناس‪.‬‬ ‫لموهبة الشعر بحيث ال تتغلب عليها فأنت‬
‫الشاعر‪ ،‬أنا دائمًا في قلق على موهبتي من‬
‫ ¦م ــا ال ـ ــذي ي ـن ـقــص عـ ــاء ج ــان ــب ال ـشــاعــر‬
‫طابع األكاديمية‪ ،‬فاألكاديميون يحسبون‬
‫واإلنسان؟‬
‫كل شــيء‪ ،‬والشعراء ال يحسبون حساب‬
‫ش ــيء‪ ،‬ه ــؤالء علميون ونــحــن شعريون‪ρ ρ ،‬وقت لقراءة األدب العالمي بلغاته األصلية‪.‬‬
‫والشعر ضد العلم كما يقول ريتشاردز في‬
‫ ¦هل لك جمهور أم قرَّ اء؟‬
‫كتابه القيم «العلم والشعر»‪.‬‬
‫‪ρ ρ‬أفهم تفرقتك بينهما بالطبع مع أنهما‬
‫ ¦ما الذي يقلقك؟‬
‫واحد‪ ،‬لكن بناء على فهمي لسؤالك‪ ..‬نعم‬
‫‪ρ ρ‬الوطن ومستقبله‪ ..‬أكبر قلق‬
‫عندي جمهور يأتي ألمسياتي بالمئات‪،‬‬
‫وجـ ـه ــي ل ــوج ــه اهلل ي ـش ـكــو بـثــه‬
‫وعــنــدي ق ـ ـرَّاء فــي شــتــى بــقــاع األرض‪،‬‬‫وبمصر شعب في انتظار مصيره‬
‫ومتابعين لليوتيوب والفيس بوك والتويتر‪.‬‬ ‫وط ـ ـ ــن وح ـ ـ ــق اهلل ل ـ ــم أر ق ـب ـلــه‬
‫وط ـن ــا ي ـج ــدّ ب ـن ــوه ف ــي تــدم ـيــره ¦رســالــة توجهها إل ــى صعيد م ـصــر‪ ..‬مــاذا‬
‫تقول له؟‬ ‫ ¦هــل يمكن للكتاب اإللـكـتــرونــي أن يكون‬
‫بديال للكتاب الورقي؟‬
‫تمسَّ ك بقيمك‪ ،‬فأنت هويتنا أيها الجنوب‪،‬‬
‫يا مصدر الحضارة‪ ،‬وواضع الحجر األول‬ ‫‪ρ ρ‬بالنسبة لنا ال‪ ،‬وسوف تسأل هذا السؤال‬
‫معكوسً ا ألوالدنا بعد ذلك‪.‬‬
‫في معابد الحب‪ ،‬يا أبا النهر‪ ،‬والشمس‪،‬‬
‫والجباه العنيدة‪ ،‬كن ظهيرًا لمصر أظهرها‬ ‫ ¦ماذا يمنحك السفر وماذا يأخذ منك؟‬
‫اهلل على عدوها‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬أحب السفر ج ّدًا‪ ،‬وأكره مواعيده‪ ،‬السفر‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪112‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫الشاعرة‬
‫اعتــدال‬
‫ِذكـر اهلل‬
‫تمخضت تجربتي الكتابيَّ ة‪،‬‬
‫لوال النقد لما َّ‬
‫انتباهَ القارئ الفَ ِطن‬
‫وج‪ ،‬وال لفتت ِ‬
‫وما دخلت طورَ النُّ ُض ِ‬

‫اعتدال موسى ذكراهلل‪ ..‬شاعرة سعودية من مواليد األحساء‪ ،‬الهفوف‪1976 ،‬م‪..‬‬


‫أثرت المكتبة الشعرية العربية بعدد من الدواوين الشعرية‪ ،‬من دواوينها‪« :‬تراتيل‬
‫الــروح في زمــن الغربة‪1424 -‬ه ــ» و« أينعت األش ــواق‪1427 -‬ه ــ» و«أغــاريــد البالبل‪/‬‬
‫ُك عشقاً‪1432 -‬هــ»‪ ،‬وصدر لها مؤخرا‬ ‫ديوان شعر لألطفال‪1428 -‬هـ» و«استمطرت َ‬
‫الديوان الخامس بعنوان «وإنني في الحب ال أتعفف!!» عن الدار العربية للعلوم‬
‫‪ -‬بـيــروت‪ ،‬ولها الكثير مــن المشاركات فــي األمسيات الشعرية على المستويين‬
‫المحلي والـعــربــي‪ ..‬وعندما تحضر فــي منبرٍ شـعــري‪ ،‬دائـمـ ًا توثق هــذا الحضور‬
‫وتميزه بثقة وإضافة جديدة‪ ،‬وطموحها ليس له حدود مع القصيدة‪« ،‬قصيدتها‬
‫صوتها‪ ..‬صوتها قصيدتها»‪ ،..‬رأيها وموقفها نابع من إيمانها الــذي يتكئ على‬
‫حي‪ ،‬بهيكليةٍ‬
‫الشع َر كائنٌ ٌّ‬‫ثقافة تتسلح بعمق أصالتها‪ ،‬تقول‪ ...« :‬كلي يقين أن ِّ‬
‫الشعُ ور‪،‬‬
‫وأساسه ُّ‬
‫ُ‬ ‫أسه‬
‫عُ ضويَّة ٍ مُ تكاملة‪ ،‬ينمو‪ ،‬ويتطوَّ ر‪ ،‬ويمرض وال يموت! ما دام ُّ‬
‫والح ُّس‪ ،‬واإلحساس‪ ..‬ووفق معاييره التنظيميَّة المُ حافِ ظة فيه على‬ ‫والعاطفة‪ِ ،‬‬
‫تفرُّ دِ ه من بين فُ نون األدب‪ ،»!..‬هذه الديباجة‪ ،‬نافذة لحواري مع «شاعرة األحساء»‪..‬‬

‫■ حاورها‪ :‬عمر بوقاسم‬

‫لــدواويـنــك الـشـعــريــة‪ ،‬منها مــا نشر‬ ‫لوال النقد‪ ..‬يظل العمل األدبي ناقصاً‪!..‬‬
‫عـلــى الـصـحــف الـمـحـلـيــة والـعــربـيــة‬ ‫ ¦هناك قراءات نقدية قام بها عدد من‬
‫أي ـ ـض ـ ـاً‪ ،‬ف ـم ــن ه ـ ــذه ال ـ ـ ـقـ ـ ــراءات ك ــان‬ ‫النقاد واألكاديميين محليا وعربيا‬
‫‪113‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫أع ــرجــاً‪ ،‬وال يمكنه‬ ‫بمثابة االحتفاء‬
‫الموهوب في إمكانه أن يكتُ َب‬ ‫َ‬ ‫الشاعرَ‬
‫َّ‬
‫التَّحلي َق فــي فضاءِ‬ ‫ب ــاس ـم ــك ك ــام ــرأة‬
‫قصة‪ ،‬ولكن الروائي النَّ اثر‬ ‫رواية‪ ،‬أو َّ‬
‫الـ ـ ــوجـ ـ ــودِ ‪ ،‬وعـــالـــمِ‬ ‫الشعر‬
‫ال يمكنه أن يمتطي صهوة ِّ‬ ‫اسـ ـ ـتـ ـ ـط ـ ــاع ـ ــت أن‬
‫اإلمــــــكــــــان‪ !..‬وف ــي‬ ‫وباألخص العمودي الخليلي‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ت ــرس ــم ح ـضــورهــا‬
‫أعماق ك ِّل مُبدِ ٍع يكم ُن‬ ‫بتميز في الساحة‬
‫ود ِّي‬ ‫السعُ ِ‬ ‫التربية والتعليم ُّ‬ ‫ِ‬ ‫إقرارَ وزارةِ‬
‫نــاق ـدٌ‪ .‬يــقــرأ ُ‪ ،‬يُــق ـ ِّومُ‪،‬‬ ‫الشعريَّ ة‬ ‫نصين من نُ صوصي ِّ‬ ‫تدريس َّ‬‫َ‬ ‫الـ ـشـ ـع ــري ــة‪ ،‬وم ــن‬
‫يُشذِّبُ ‪ ،‬ويُهذِّب! ومن‬ ‫في مناهج التعليم الرسمية في‬ ‫ه ـ ـ ــذه ال ـ ـ ـقـ ـ ــراءات‬
‫هنا تستطيع أن تج َد‬ ‫ناه َضةٌ وتعزيز دور‬ ‫الدولة‪ ..‬خطوةٌ ِ‬ ‫أي ـض ـ ًا م ــا حــاولــت‬
‫اعــتــدا َل الــشَّ ــاعــرة‪..‬‬ ‫السعودي في تشكيل واقعنا‬ ‫األديب ُّ‬ ‫أن ت ــدخ ــل عــالــم‬
‫حيثُ إضاءاتُ التَّأثُّـرِ‬ ‫ثقةً‬ ‫أشبعتني‬ ‫ها‬ ‫نُّ‬‫وأظ‬
‫ُ‬ ‫المحلي‪،‬‬ ‫التربوي‬ ‫ال ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ــاعـ ـ ـ ــرة م ــن‬
‫من بين ثنايا النَّقدِ ‪،‬‬ ‫أكتب‪.‬‬ ‫ما‬ ‫ة‬ ‫ِ‬ ‫بواقعيَّ‬
‫خـ ــال الـقـصـيــدة‬
‫والـــــرَّد‪ !..‬وأظـــنُّ أنَّ‬ ‫وعـ ـ ـ ـ ــوال ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــا‬
‫الشَّ اعرَ‪ ،‬أو الكاتبَ الذي ال يأبَـ ُه بالنَّقدِ ‪،‬‬ ‫وفنياتها‪ ..‬هــل اسـتـطــاع النقد أن يصل‬
‫واالنتِقاد‪ ،‬ويتجاه ُل الرأيَ ‪ ،‬وال يهت ُّم بوقعِ‬ ‫أو يضيء للشاعرة اعتدال ذكــراهلل زاوية‬
‫ـص لــدى المُتلقِّي‪ .‬ويخشى األثــرَ‪..‬‬ ‫الـ َّنـ ِّ‬ ‫«ما» في فضاء الشعر‪ ،‬أم أنك ال تهتمين‬
‫مَعتُوهاً إبــداعـ َّيـاً!! يحتا ُج إلــى مُعالجة‬ ‫بالنقد وال تخشينه؟‬
‫فِ عليَّة يتشفى فيها من وَعَ ـ ِـك التَّوجُّ ِس‪،‬‬
‫ـص ال ـنُّ ـ َّقــاد‪ ،‬وت ــذ ُّو ُق‬‫‪ρ ρ‬لــوال النَّـقدُ‪ ،‬وتــفــحُّ ـ ُ‬
‫الل مُباالة!‬ ‫ونرجسيَّةِ َّ‬ ‫ِ‬
‫الفنِّيين المُحترِ فين‪ ،‬وال ُقرَّاءِ المُجيدِ ين‬
‫جوهر التواصل‪!..‬‬ ‫ِّراسات‬‫ِ‬ ‫وصي الشِّ عريَّة في تلك الد‬ ‫ُص ِ‬ ‫لن ُ‬
‫النقدِ يَّة‪ ،‬والــقِ ــراءات الف ِّنيَّة‪ ،‬واإلشــارات ¦أق ـ ـمـ ـ ِـت أمـ ـسـ ـي ــات ش ـع ــري ــة فـ ــي ع ـ ــدد مــن‬
‫المنابر كاألندية األدبـيــة والمهرجانات‬ ‫االنــطــبــاع ـ َّيــة‪ ،‬لــمــا تــمــخَّ ــضــت تجربتي‬
‫الثقافية‪ ،‬طبعا هــذا التواصل المباشر‬ ‫ـضــوجِ‬ ‫الــكــتــاب ـ َّيــة‪ ،‬وم ــا دخــلــت طـــو َر ال ـنُّـ ُ‬
‫م ــع الـ ـق ــارئ «ال ـج ـم ـهــور» ل ــه الـكـثـيــر من‬ ‫اإلبداعي‪ ،‬وال لفتت انتبِاهَ القارئ الف َِطن‪،‬‬
‫األه ـم ـيــة ل ـل ـشــاعــر‪ ،‬ف ـهــو ي ـت ـعــرف كيفية‬ ‫ونالت استحسانكم عن بُعد لنكو َن هنا‬
‫وص ــول قصيدته لــآخــريــن‪ ،‬وم ــدى األثــر‬ ‫معاً في هذا الحوار!!‬
‫ال ــذي تركته القصيدة مــن خــال درجــة‬ ‫فالنَّق ُد مِ حو ُر العَمليَّةِ اإلبداعيَّة‪ ،‬ومدا ُر‬
‫ال ـ ـت ـ ـفـ ــاعـ ــل‪ ،..‬الـ ـش ــاع ــرة اع ـ ـ ـتـ ـ ــدال‪ ..‬هــل‬ ‫اإلنتاجيَّةِ الجماليَّةِ الفاعلة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫تكامُليَّةِ‬
‫تؤيد وتــؤكــد أهمية مثل هــذه األمسيات‬ ‫بديناميكيَتِها ذات األثــرِ ‪ ،‬والتَّأثير‪ .‬ومن‬
‫الشعرية؟‬ ‫باهتاً‪،‬‬
‫دونها يظ ُّل العم ُل األدبيُّ ناقِ صاً‪ِ ،‬‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪114‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬
‫لــتــتــش ـ َّك ـ َل واق ــعِ ـ ـ َّيـ ـ ُة‬ ‫‪ρ ρ‬مــــمــــا ال شَ َّ‬
‫ــــــك‬
‫أدعو لالنتباه إلى المسرح‪ ،‬هذا‬
‫الـــحَ ـــد َِث بــتــكــا ُمـ ِلـ َّيــةِ‬ ‫الفن الجماهيري الحضاري النَّ اهض‬
‫ِّ‬ ‫فـــيـــه! وأظُ ـ ـ ـنُّ ـ ــكَ‬
‫العَالقة!‬ ‫واالهتمام فيه في ظل تطور البلد‬ ‫س ــأل ــتَ وأج ــب ــتَ‬
‫في االتجاهات كافَّ ة‪!..‬‬ ‫ه ـ ــن ـ ــا!! فــيــبــقــى‬
‫تعزيز دور األديب‬
‫ومنصاتُ‬ ‫َّ‬ ‫المِ نبرُ‪،‬‬
‫السعودي‪!..‬‬ ‫معزل عما‬ ‫ٍ‬ ‫المرأةُ المبدعة ليست في‬
‫اإللـــــقـــــاء‪ ..‬عــبــر يُ حيطها من أحداث‪ ،‬وشؤون البلد‪..‬‬
‫ ¦اع ـت ـمــد م ـشــروع‬ ‫الـ ــمـ ــلـ ــتـ ــقـ ــيـ ــات‬
‫واستطاعت أن تترجم تمازجها‬
‫الـ ـتـ ـط ــوي ــر ال ـش ــام ــل‬ ‫بالحدث عبر كتاباتها وبحوثها‬ ‫ال ــج ــم ــاه ــي ــري ــة‪،‬‬
‫لـلـمـنــاهــج الــدراس ـيــة‬ ‫وحضورها على كافَّ ة األصعدة‪.‬‬ ‫ومـــــبـــــاشـــــريَّـــــة‬
‫ل ـطــال ـبــات الـمــرحـلــة‬ ‫ال ـ ُمــتــلــق ـيَ ـيْــن من‬
‫أعدها‬ ‫الشخصيَّ ة‪..‬التي ُّ‬ ‫مكتبتي َّ‬
‫االب ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــدائ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــة ف ــي‬ ‫ُــرتــكــزات‬
‫ِ‬ ‫أهــــ ِّم م‬
‫نوات‪،‬‬
‫الس ِ‬ ‫وخزائن َّ‬
‫َ‬ ‫ثروتي العُ ُم ِريَّ ة‬
‫الـ ـ ـسـ ـ ـع ـ ــودي ـ ــة ال ـ ـ ــذي‬ ‫وعلُومَ‬ ‫الدنيا‪ُ ،‬‬ ‫معارف ُّ‬
‫َ‬ ‫أنهل‬
‫منها ُ‬ ‫َّواصل اإلنتاجي‬ ‫الت ُ‬
‫ت ـعــده وت ـن ـفــذه وكــالــة‬ ‫المجل ََّد‬ ‫الثُّ قاة‪ ..‬أتصفَّ ُح فيها ُ‬ ‫النَّاهض للكاتب‪..‬‬
‫التخطيط والتطوير‬ ‫وصغارَ الكُ تيِّ بات‪.‬‬ ‫خم‪ِ ،‬‬ ‫الض َ‬
‫َّ‬ ‫شــاعــراً كـــان‪ ،‬أم‬
‫ف ــي وزارة ال ـت ـع ـل ـيــم‪،‬‬ ‫أديــبـاً في أيٍّ من‬
‫ون األدب‬ ‫فن من فُ نُ ِ‬ ‫ألي ٍّ‬ ‫أنا ال أتنكَّ ر ِّ‬
‫الشعر الحديث ن ـ ـص ـ ـيـ ــن ل ـ ـل ـ ـشـ ــاعـ ــرة‬ ‫نوف ِّ‬
‫وكل ُص ِ‬ ‫ُف ـ ـنُـ ــون األدب‪ ..‬العربي‪ُّ ..‬‬
‫اعـتــدال ذك ــراهلل‪ ،‬هما‬ ‫(حر ‪/‬‬ ‫جميلة بكافَّ ة مسمَّ ياته ُ‬ ‫فــمــن خـــالِ تلك‬
‫«وطـنــي» و«معلمتي»‪،‬‬ ‫مُ رسل ‪ /‬تفعيلة ‪ /‬مُ طلق ‪ /‬حديث ‪/‬‬ ‫الــلــقــاءات يتم َّك ُن‬
‫ـص ـ ـ ــان م ــن‬ ‫ـص مُ عاصر)‪ ..‬ولكن ال تقل قصيدة نثر!! وه ـ ـ ـمـ ـ ــا ن ـ ـ ـ ّ‬ ‫ال ـ ُمــرس ـ ُل ال ـ َّنـ َّ‬
‫مـ ـجـ ـم ــوع ــة اع ـ ـتـ ــدال‬ ‫م ــن الــطُّ ــمــأنــيــنــة‬
‫الـ ـشـ ـع ــري ــة «أغ ـ ــاري ـ ــد‬ ‫الـــشُّ ـــعُـــورِ يَّـــة من‬
‫البالبل»‪ ،‬هل سيكون لهذه الخطوة من‬ ‫جوهر التَّواصل‪ ،‬وكُنهِ العَالقةِ بينه وبين‬
‫قبل الوزارة صدى على تجربتك الشعرية‬ ‫اآلخر من محاور لغة الجسد‪ ،‬والتلوين‬
‫موضوعيً ا وفنيً ا؟‬ ‫ـصــوتــي‪ ،‬وتمثيل الــمــعــانــي‪ ،‬ودرام ـ َّيــة‬ ‫الـ َّ‬
‫نصين من‬ ‫تدريس َّ‬ ‫َ‬ ‫َّص‪ ..‬وبالطبعِ ك ُّل هذا يتطلبُ المزي َد ‪ρ ρ‬إنَّ إقرا َر وزارة التعليم‬ ‫الن ِّ‬
‫نُصوصي الشِّ عريَّة في مناهج التعليم‬ ‫أدوات مُقابلة الجمهُور‪ ،‬واعتالء‬ ‫ِ‬ ‫مــن‬
‫صها‬ ‫الرسمية في الدولة ‪ -‬بعد تفحُّ ُ‬ ‫ـواصــل! ومــث ـ ُل هذه‬ ‫المِ نبر‪ ،‬و ُقـ ــدرة ال ـ َّتـ ُ‬
‫مــن اللجنة العلميَّة لمشروع الملك‬ ‫اللقاءات تفت ُح العدي َد من النَّوافذ للمُرسل‬
‫عبداهلل لتطوير المناهج‪ -‬هي خطوةٌ‬ ‫(الشَّ اعر) والمُتلقي (الجمهور)‪ .‬وتخل ُق‬
‫األدب السُّ عودي من‬ ‫ِ‬ ‫ض ٌة في تمكين‬ ‫ناه َ‬
‫ِ‬ ‫ج َّواً من التَّفاعُليَّةِ اإلبداعيَّةِ المُشتركة‪.‬‬

‫‪115‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫فن المسرح‪!..‬‬
‫ ¦وأنــا أقــرأ سيرتك الــذاتـيــة «اإلبــداعـيــة»‪..‬‬
‫ه ـنــاك م ــا يـشـيــر إل ــى ح ـصــدك لـلـجــائــزة‬
‫األول ــى للتأليف المسرحي مــن جامعة‬
‫ال ـم ـلــك ف ـي ـصــل‪ ،‬ه ــل ل ـل ـشــاعــرة اع ـت ــدال‬
‫أن ت ـبــوح لـنــا عــن تـجــربـتـهــا فــي الـفـضــاء‬
‫المسرحي؟‬
‫األدب‬
‫ِ‬ ‫‪ρ ρ‬يُع ُّد فنُّ المسرح من أرقى ُفنُون‬
‫وبرؤية‬
‫ٍ‬ ‫العالميَّة والتي من شأنها أن تسهم‬
‫بائِنة‪ ،‬مُستبانة‪ ،‬جليَّة األثر في تهذيب‬
‫ُوك البشري‪ ،‬وتأدُّم الفِ علِ ‪ ،‬وتأنسُ نِ‬ ‫السُّ ل ِ‬
‫األطباع‪ ،‬ومن خاللِ مشاهده الدَّ رامِ يَّة‬
‫ال ُمتَّصلة بالواقع المُعاش يتم ّك ُن من‬
‫َّحضر‪ ،‬والتَّمدُّن الفكري‬ ‫تأدية رسالة الت ُّ‬
‫الــ َّن ــاه ــض‪ ..‬ولــقــد أجــــدَت ُمــحــاوالتــي‬
‫اإلنتاجية في التأليف المسرحي نفعاً‪،‬‬ ‫مناهجنا التعليميَّة‪ ،‬وتعزيز لدور األديب‬
‫ُختصين في هذا‬ ‫ونالت استحسا َن الم ِّ‬ ‫السُّ عودي في تشكيل واقعنا التربوي‬
‫شغف بكل ما هو جميل‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫الفنِّ في لحظةِ‬ ‫المحلي‪ ،‬وأظُ نُّها أشبعتني ثق ًة بواقعيَّةِ‬
‫حيث كنتُ حينها مُشتتة الكتابات ما بين‬ ‫وتواصليَّةِ العمليَّةِ اإلنتاجيَّة‬
‫ُ‬ ‫ما أكتب!‬
‫وشــعــراً‪..‬‬ ‫فنون األدب‪ ،‬وأطيافه نــثــراً‪ِ ،‬‬ ‫الفكريَّة بِهدفيَّةِ التَّعاطي مع الكلمةِ‬
‫فكتبتُ نصوصاً مسرحية اجتماعية‪،‬‬ ‫ـاعــلــة‪ ،‬وأ َّنــهــا لتجرب ٌة عميق ٌة في‬
‫الــفـ ِ‬
‫وتوعويَّة‪ ،‬ووطنيَّة‪ ،‬وفي الطبيعةِ والتَّناغُم‬ ‫الملموس‬
‫ِ‬ ‫الولوجِ لِعالمِ اإلنجازِ الفعلي‬
‫وجــمــال الــصــانــعِ عـ ـ َّز جــالــه! وكــانــت‬ ‫واقِ عاً‪ ،‬ولِترداد الكلمات الشِّ عريَّة على‬
‫إسهاماً جا َّداً في تفعيل هذا الفن األدبي‬ ‫الطالب والطالبات في مدارس‬ ‫ِ‬ ‫ألسن‬
‫شبه الغائب عــن أدبــنــا المحلي‪ ..‬وقد‬ ‫وهــجَ ــر مناطق المملكة‬ ‫قــرى ومُـــدُن ِ‬
‫بعض نصوصي المسرحيَّة تلك‬ ‫ُ‬ ‫نُفِّذت‬ ‫األث ــر األعــظــم فــي مراقبة مسؤوليَّة‬
‫على مــســارح (جــامــعــة الملك فيصل‪/‬‬ ‫الكتابة‪ ،‬والتَّعامُل مع اللُّغةِ ‪ ،‬والحرف‪..‬‬
‫وكلية التربية‪ /‬ومركز التعليم المستمر‬ ‫وإن جــاءت ببساطة الفكر الطفولي‪،‬‬
‫بمستشفى الملك فهد بالهفوف أثناء‬ ‫وسالسة األسلوب المُنتقى وقتها‪.‬‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪116‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫الشعريَّ ة‬
‫ُغة ِّ‬
‫وج الفَ نِّ ي لل ِ‬
‫النُّ ُض ِ‬ ‫حمالت التوعية بأمراض الدم الوراثية‪.‬‬
‫وفي إدارة التربية والتعليم‪ /‬ودار الرعاية ¦«تراتيل الروح في زمن الغربة‪1424 -‬هــ»‪،‬‬
‫و«أي ـن ـعــت األش ـ ــواق‪1427 -‬ه ـ ـ ــ»‪ ،‬و«أغ ــاري ــد‬ ‫االجــتــمــاعــيــة) م ــع مــســرحــيــة شــعــر َّيــة‬
‫البالبل‪ /‬ديوان شعر لألطفال‪1428 -‬هـ»‪،‬‬ ‫إنــشــاد َّيــة لــأطــفــال بــعــنــوان «ســوســن»‬
‫ـك عـشـقـاً‪1432 -‬ه ـ ــ»‪ ،‬وصــدر‬
‫و«اسـتـمـطــر ُتـ َ‬ ‫و«بستان األحالم» التي أجازتها مُؤخَّ راً‬
‫مؤخر ًا الديوان الخامس بعنوان «وإنني‬ ‫وزارة الثقافة واإلعالم للعرض بالتعاون‬
‫في الحب ال أتعفّ ف!!» عن الدار العربية‬ ‫مع الجمعية السعودية للثقافة والفنون ‪-‬‬
‫للعلوم ‪ -‬بيروت‪ ..‬طبعاً‪ ،‬مالمح تجربتك‬ ‫فرع األحساء‪ .‬وأرجأتها الحقا ألسبقيَّة‬
‫الشعرية بدت تتشكل من ديوانك األول‬ ‫نصوص مسرحية‪ ،‬وتعذُّر التَّمويل المادي‬
‫بخصوصية البوح وتميزه‪ ..‬ولكن أجد أن‬ ‫إلنتاجها درام َّياً!!‬
‫شاعرتنا خصت ديوانها األخير بوصفه‬ ‫َهيب‬
‫َّاب ذلك الفنِّ الم ِ‬
‫وال أنسبُ نفسي ل ُكت ِ‬
‫م ــرآة لـلـتـجــارب الـســابـقــة‪ ،‬وبخصوصية‬ ‫ومُرتاديه‪ ..‬غير أنني كتبته‪ ،‬وحَ قَّقتُ من‬
‫مغايرة عنها على المستويين الموضوعي‬ ‫خالله أهدافاً فكريَّة‪ ،‬اجتماعيَّة‪ ،‬تربويَّة‪،‬‬
‫والفني‪ .‬هل نحظى منك ببوح خاص عن‬ ‫إبــداع ـ َّيــة‪ ،‬جماليَّة سامية‪ .‬وإ َّنــنــي هنا‬
‫هذه التجربة؟‬ ‫ألجدها فرصة للدعو ِة لالنتباه إلى هذا‬
‫الفنِّ الجماهيري الحضاري النَّاهض‪ρ ρ ،‬المتت ِّب ُع تجربتي الشِّ عريَّة عبر مساري‬
‫الــكــتــابــي اإلنــتــاجــي مــع دي ــوان ــي األول‬ ‫واالهــتــمــام فــيــه فــي ظــل تــطــور البلد‬
‫«تراتيل ال ـرُّوح في زمــن الغُربة ‪2004‬م‬ ‫المنعكس في االتجاهات كافَّة‪.‬‬
‫‪117‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫وت ــنـ ـوُّع هــيــكــلــة الــقــصــائــد ف ــي بُنيتِها‬
‫التَّكوينيَّة‪ ،‬بعد أن اقتصرت في الدواوين‬
‫األربــعــة السابقة على الشكل البيتي‬
‫العمودي‪ ،‬التقليدي‪ ،‬الخليلي‪ ،‬الكالسيكي‬
‫القديم‪ ،‬وشيءٍ من التفاعيل المتناثرة في‬
‫قصيدة األشطر‪ !..‬فمع ديمومة القراءات‬
‫المتنوّعة لتجارب الشُّ عراء المبدعين‬
‫ـواصــل‬ ‫وتــتـ ُّبــع أساليبهم ال ـلُّــغــو َّيــة‪ ،‬وال ـ َّتـ ُ‬
‫المباشر الفوري معهم وبخاصة الشُّ عراء‬
‫المغاربة المُعاصرين‪ ،‬الذين صاغوا حبائل‬
‫سبائك قصائدهم بمونتاجيتهم الف ِّنيَّة‬
‫الفريدة في نوعها في قصائد التفاعيل‬
‫المتكررة‪ ،‬وفق نظام موسيقي مُمنتج في‬
‫منأى عن عمودِ يَّة القصيدة الكالسيكيَّة‪،‬‬
‫وأشطر التفعيلة‪ ،‬وعدم التنازل عن الوزن‬
‫َّص‪ ،‬وقافيَّته‪ ..‬وفي طليعتهم‬ ‫العروضي للن ِّ‬
‫العلمة‬ ‫مُعلِّمي األوَّل لهذا الفنِّ الشَّ اعر َّ‬
‫محمَّد علي الـ ـ َّر َّب ــاوي والــشَّ ــاعــر الف ِّذ‬
‫محمَّد بنيِّس والشَّ اعرة المَجيدة أمينة‬
‫المريني‪ ..‬الذين استقيتُ من تفرُّدهم‬
‫ما يشفي غليل الراغب تطوراً‪ ،‬والقاصد‬
‫إبــداع ـاً في فــضــاءات الشِّ عر الظَّ ريف‪،‬‬
‫وحاولتُ تجديداً فيه‪ ،‬واستمتاعاً بالكتابة‬
‫الصوت‬ ‫التَّفاعليَّة أن أوظِّ َ ــف مصطلح َّ‬
‫(حــس‪ ،‬حسيس‪ ،‬همس) في‬ ‫ومرادفاته ِ‬ ‫حتى إصــداري الحديث ‪ 2017‬م «وإنَّني‬
‫لحاالت‬
‫ٍ‬ ‫ُترجمة‬
‫خلق تجربة ِشــعــر َّيــة م ِ‬ ‫َّف»‪ ،‬ووفق إطار زمني‬ ‫في الحُ بِّ ال أتَ َعف ُ‬
‫صور ِعدَّ ة‪ .‬وتنوَّعت القصائد‬ ‫انفعاليَّة في ٍ‬ ‫قابل للتغيير‪ ،‬والتطوَّر‪ ..‬حتمًا سيالحظ‬
‫في الديوان ما بين الوجدانيَّة‪ ،‬والعاطفيَّة‪،‬‬ ‫تقاسيم المُغايرة في األخير‪ ،‬إذ امتألت‬
‫والفلسفيَّة‪ ،‬الصوفيَّة وأيدولوجيا الفِ كر‬ ‫ُّضوجِ ال َفنِّي لل ُغةِ الشِّ عريَّة؛‬ ‫نوعا ما بالن ُ‬
‫المعرفي‪ ،‬والقصائد القوميَّة العربيَّة في‬ ‫قياساً على مستوى المحاوالت السَّ ابقة‪،‬‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪118‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬
‫تونس‪ ،‬والجزائر‪ ،‬ومصر والعراق‪ .‬ومن‬
‫مُكاشفات الشُّ عُور الشِّ عري االنفعالي‬
‫فــيــه‪ ،‬وإطـ ــاق حُ ــ ِّر َّي ــة ال ـبَــوح النَّفسي‪،‬‬
‫ووجدانيِّة المونولوج التعبيري جاء عنوان‬
‫الديوان!! فالعُرف السَّ ائد أن العِ فَّة من‬
‫َّحضر البشري المُتأدِّمِ‬
‫أسمى مفاهيم الت ُّ‬
‫سُ لوكاً ظاهراً عَ يناً وعياناً؛ غير أننا في‬
‫حــاجـ ٍـة شُ ــعــور َّيــة للتَّعري عــن مُالبسات‬
‫التعبير االنفعالي ألحبابنا‪ ،‬ومواقفنا‬
‫الحياتيَّة‪ ،‬وفي تعابيرنا‪ ،‬وصور تعايشنا‬
‫معاً وتعاشرنا المُؤنسن حياةً‪ ،‬وشُ عُورا‪..‬‬
‫أمناً‪ ،‬وأماناً‪ِ ،‬سلماً‪ ،‬وسالماً‪ ..‬وإن ُقدِّر‬
‫صــوره مع‬ ‫وعشنا الحُ بَّ بال تعفُّف في ُ‬
‫َمــن نُــحــب‪ ،‬ومــن دون حــواجــز التَّوجُّ س‬
‫واللمُباالة بلحظة انتشاء‪ ،‬وساعة ِعرفان‬ ‫َّ‬
‫مع الوصل وتوابِعه فلنعلم جيداً‪ ،‬ونتيقَّن‬
‫أننا في النَّعيمِ الخالد!‬

‫خصخصة الفنون‪!..‬‬
‫أميل إلى َّ‬
‫ُ‬
‫ ¦أن ي ـك ـتــب ش ــاع ــر «مـ ـ ــا» رواي ـ ـ ــة أو ع ـم ـ ًا‬
‫سردياً‪ ،‬لم يعد شيئًا غريباً؛ فهذه الحالة‬
‫أصبحت منتشرة في الساحات الثقافية‬
‫العربية؛ فمن الكتّاب مَ ن يرفض وصف‬
‫هــذه الحالة بالتحوّل‪ ،‬بل يعده تواص ًال‬
‫طبيعيً ا بين فضاءات الكتابة‪ ،‬ومــن حق‬
‫الشاعر أن يحضر في أي فضاء إبداعي‪،‬‬
‫وأن هــذه الحالة ليست بالجديدة على‬
‫ال ـش ــاع ــر‪ ..‬وم ـن ـهــم مَ ــن ي ــرى أن ـهــا عـقــدة‬
‫الـتـصـنـيــف‪ ،‬ولـهــا سلبياتها الـتــي تعاني‬
‫منها الساحة الثقافية‪ ،‬الشاعرة اعتدال‬
‫‪119‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫وأمتعنا‪ ،‬كــلٌّ حسب ما يجد متعته في‬
‫ُفضلة لديه‪ ..‬غير‬ ‫نقوشه‪ ،‬وزركشاته الم َّ‬
‫خصخصة الفنون‪ ،‬والتَّفرغ‬ ‫إنِّني أمي ُل إلى َّ‬
‫لفروعها‪ ،‬والتَّفنُّن فيها فــي منأى عن‬
‫شتات الموهبة‪ ،‬وبخاصة عند متوسطي‬ ‫ِ‬
‫اإلبداع!! فقديما ً قالوا‪« :‬الفَنُّ لن يعطيكَ‬
‫بعضه إذا لم تعطه ُك ـلَّــك‪ .»!..‬وأعتقد‬ ‫َ‬
‫أنَّ الشَّ اع َر الموهوبَ إبداعا في إمكانه‬
‫قصةً‪ ،‬ولكن الروائي‬ ‫أن يكتُبَ روايـةً‪ ،‬أو َّ‬
‫النَّاثر ال يمكنه أن يمتطي صهوة الشِّ عر‪،‬‬
‫وبخاصة العمودي الخليلي‪ ،‬أو التقليدي‪،‬‬
‫وربما هنا تتضح أفضليَّة سيِّدنا الشِّ عر‬
‫على ُفنُون األدب‪ ..‬وإن كــان هناك مَن‬
‫يــنــادي ب ــأنَّ العص َر الـزَّمــنــي هــو عص ُر‬
‫الرِّواية!!‬ ‫ذكراهلل‪ ،‬ماذا تقول في هذا االتجاه؟‬
‫ال تقل قصيدة نثر!!‬ ‫‪ρ ρ‬ال أج ـ ُد هناكَ ما يمنع من الغوص في‬
‫فنون األدب كتاب ًة ِشعراً أم نثراً ما دامت ¦«ال اعترف بــأن الشعر الحديث شعرا‪»..‬‬
‫ه ــذه ال ـع ـب ــارة قــرأت ـهــا ف ــي س ـيــاق حــديــث‬ ‫الموهبة حاضرة‪ ،‬والقدرة على التَّعبير‬
‫مـ ـنـ ـس ــوب لـ ـ ـ ِـك ف ـ ــي إحـ ـ ـ ــدى ال ـت ـغ ـط ـي ــات‬ ‫قائمة بعناصرها المتباينة األطــيــاف!‬
‫الصحفية‪ ..‬ما بُعْ دُ أو اتجاه هذه العبارة؟‬ ‫فلدينا العديد من األسماء الالمعة في‬
‫أعوام خلت‪!..‬‬
‫ٍ‬ ‫أدبنا المحلي‪ ،‬والعربي ممن صــاغ من ‪ρ ρ‬العبارةُ منشورةٌ منذ ثمانيةِ‬
‫ومن الطبيعي أنَّ الفِ كر البشريَّ للفرد‬ ‫موهبته اإلبداعية أجمل عقود الجمال‪،‬‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪120‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬
‫قــصــيــدة‪ ..‬مــا درســنــاه مــن فــنــون النثر‬ ‫المُنتِج في حالة نمو‪ ،‬وتطور‪ ،‬وتغيُّر!! وال‬
‫(المسرحية‪ ،‬المقال‪ ،‬القصة‪ ،‬الخاطرة‪،‬‬ ‫أعني هنا االنفالت من تبعيَّة تلك العبارة‪،‬‬
‫الحكم‪ ،‬الوصايا) وال‬ ‫الخطابة‪ ،‬األمثال‪ِ ،‬‬ ‫أو نفيها‪ ..‬ولكن للعبار ِة أبعا ٌد استقرائ َّي ٌة‬
‫يمكن للجنسين األدبيين أن يجتمعا معاً‪،‬‬ ‫تخص قائل ُها في حينها!! فالعِ بارةُ‬ ‫ُّ‬ ‫فردِ َّي ٌة‬
‫وتصعب المقارنة بينهما‪ ،‬فمن الممكن أن‬ ‫نُشرت مفتوح ًة مُطل َقةً!! ومصطل ُح الشِّ عر‬
‫نطلق عليها نُصوصاً جماليَّة مفتوحة‪ ..‬أو‬ ‫الحديث مصطل ٌح واســع مُتشعِّبٌ عند‬
‫وجدانيَّات ِغنائيَّة لطيفة أو نثريَّات َف ِّنيَّة‬ ‫دارسي الشِّ عر‪ ،‬فلربما كنتُ أعني وقتها‬
‫ُصوصاً تماز ُِجيَّة تناغميَّة‬ ‫بــارِ قــة‪ !!.‬أو ن ُ‬ ‫النَّثر المُستشعِ ر!! أو ما تسمى بنصوص‬
‫إبداعيَّة جميلة‪.‬‬ ‫الومضة‪ ،‬أو الخطفة المطلقة‪ ،‬أو البارقة‬
‫الــمــنــثــورة‪ ..‬وربــمــا قــصــائــد (الــهــايــكــو)‬
‫ترجمة سقيمة لثقافة أجنبية‬ ‫الــمــتــأثــريــن كـ َّتــابــهــا بــتــجــارب الــشــعــراء‬
‫الفرنسيين واإلنكليز‪ ،‬إبَّان عصر النهضة‪¦ ،‬مــن المالحظ أن قصيدة النثر هــي من‬
‫تتصدر المشهد الشعري في الكثير من‬ ‫وثورة األفكار‪ ،‬أو انبثاق اإلبداع‪ ..‬أو سمِّها‬
‫المحافل الثقافية في الوقت الحالي‪..‬‬ ‫ما شئت!! فموقفي منها واض ٌح بائِـ ٌن جليٌّ‬
‫فماذا تقولين؟‬ ‫ال تنازل عنه!! فالشِّ ع ُر ِشعر‪ ،‬والنَّث ُر نثر‪..‬‬
‫ولُكلٍّ منهما جمالياتُه الخاص ُة فيه؛ ف ِل َم‬
‫‪ρ ρ‬تس ُّي ُد هــذا الفنِّ في المشهدِ الشِّ عري‬
‫خلطُ الحابلِ بالنابل!! وأنا هنا أعترف‬
‫ـضــرور ِة أن يكون هو الظَّ اهرة‬ ‫ليس بــالـ َّ‬ ‫بهيكلية‬
‫ٍ‬ ‫وكلي يقين أن الشِّ ع َر كائ ٌن حيٌّ ‪،‬‬
‫التَّكوينيَّة اإلبداعيَّة الجماليَّة األصحّ !! أو‬ ‫عُضويَّة ٍ مُتكاملة ينمو‪ ،‬ويتطوَّر‪ ،‬ويمرض‬
‫بالتعبير التقليدي المتداول بيننا حسب‬ ‫وال يموت! ما دام أ ُسُّ ه وأساسُ ه الشُّ عُور‪،‬‬
‫األعراف الشِّ عريَّة الثابتة أنها شرعيَّة في‬ ‫س‪ ،‬واإلحساس‪ ..‬ووفق‬ ‫والح ُّ‬
‫ِ‬ ‫والعاطفة‪،‬‬
‫معاييره التنظيميَّة المُحافِ ظة فيه على‬
‫تفرُّدِ ه من بين فُنون األدب عالميَّا ً‪!..‬‬
‫وأنا هنا ال أتنكَّر أليِّ فنٍّ من ُفنُونِ األدب‬
‫نوف الشِّ عر الحديث‬ ‫ص ِ‬‫العربي‪ ..‬وك ـ ُّل ُ‬
‫جميلة بكافَّة مسمَّياته (حُ ر ‪ /‬مُرسل ‪/‬‬
‫تفعيلة ‪ /‬مُطلق ‪ /‬حديث ‪ /‬مُعاصر)‪..‬‬
‫فالتناقض‬
‫ُ‬ ‫ولكن ال تقل قصيدة نــثــر!!‬
‫بائ ٌن من المُسمى!! كيف قصيدة!! وكيف‬
‫نثر!‪ !.‬ال يوجد في فنون النثر فنٌّ بمسمى‬
‫‪121‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫كــا َّفــة األصــعــدة‪ ،‬وبمختلف مستويات‬ ‫رؤية الشِّ عر العربيِّ األصيل!! وإ َّال ماذا‬
‫التعاطي مع الحدث‪ ..‬فللشِّ اعرة هدى‬ ‫يعني خروجها عــن أس ــوار المسابقات‬
‫الدغفق‪ ،‬وهند المطيري‪ ،‬وأشجان هندي‬ ‫اإلبداعية للمؤسسات الثَّقافيَّة المحليَّة‬
‫النخراط المرأة‬
‫ِ‬ ‫من النُّصوص المُعبِّرة‬ ‫والدُّوليَّة‪ ،‬وخارج أسوار المناهج التعليمية‬
‫األنثى في الشِّ ارع المحلي‪ ،‬ولألستاذتين‬ ‫وال ُّدرُوس األكاديميَّة إ َّال ما ندر!! وال تزال‬
‫األكــاديــمــيــتــيــن لــمــيــاء بــاعــشــن‪ ،‬وأمــيــرة‬ ‫في طور الصراع المحتدم عرب َّياً!! وبيتُ‬
‫كشغري مع د‪ .‬سُ هيلة زين العابدين حمَّاد‬ ‫القصيد هنا خالصة ما أشار إليه الناقد‬
‫الصحفيَّة والبحوث الورقيَّة‬
‫من المقاالت َّ‬ ‫د‪ .‬سلطان القحطاني في إحدى حواراته‬
‫المالمسة للواقع المُعاش ما يشفي ظمأ‬
‫«قصيدة النثر ترجمة سقيمة لثقافة‬
‫الكثير من عطشى المعرفة‪ ،‬وقاصدي‬
‫أجنبية»‪ .‬وإن كان لها مُروجون وداعمون‪،‬‬
‫الــحــقــائــق‪ ..‬إضــافــة إل ــى اإلعــامــيــات‬
‫خاصة‬
‫َّ‬ ‫وأصبح لها ملتقيات ومسابقات‬
‫الـ َّنــاهــضــات الــنــاقــات الــظــروف بشتى‬
‫فــيــهــا!! (ولــســنــا هــنــا فــي ص ــدد ســيــادة‬
‫تحوالتها عبر اإلعالم المرئي والمكتوب‬
‫الفنون وصدارتها)‪.‬‬
‫منى أبو سليمان وبدرية البشر‪ ،‬وسمر‬
‫المقرن وحليمة مظفر وبلقيس الملحم‪.‬‬ ‫تتناغم تلقائيَّ ا‪!..‬‬
‫ُ‬ ‫المبدعة‬
‫المرأة ُ‬

‫كر‪!..‬‬
‫الف ِ‬
‫حي ِ‬
‫مهبَ ُط وَ ِّ‬ ‫ ¦ه ـ ــل خ ـ ـطـ ــاب ال ـ ـ ـمـ ـ ــرأة اإلب ـ ـ ــداع ـ ـ ــي ت ــأث ــر‬

‫ ¦ه ــل ل ـل ـق ــارئ أن ي ـت ـعــرف ع ـلــى مـحـتــوى‬ ‫بالظروف السياسية واالقتصادية؟‬

‫مكتبة الشاعرة اعتدال ذكراهلل؟‬ ‫‪ρ ρ‬مــن الطبيعي أنَّ العمليَّة اإلبــداعــيــة‪،‬‬
‫يخص الخطاب التعبيري‪ρ ρ ..‬مكتبتي الشَّ خصيَّة هي مُستَقَــ ُّر ال ُّــروُحِ ‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫وبالذات فيما‬
‫ـس‪ ،‬ومهبَطُ وَح ــيِّ الفِ كرِ ‪،‬‬ ‫ومَلجأُ الـ َّنــفـ ِ‬ ‫هي عمليَّة دِ يناميكيَّة ذات أثر وتأثير‪..‬‬
‫فاف‬
‫واصط ُ‬
‫ِ‬ ‫س‪،‬‬
‫الح ِّ‬
‫اصطفاءات ِ‬
‫ِ‬ ‫و َمــدا ُر‬ ‫وأنَّ الــمــرأة الـ ُمــبــدعــة تتناغ ُم تلقائيَّا‬
‫األُم ــن ــي ــات‪ ...‬فيها تستكي ُن اللَّحظ ُة‬ ‫وظـ ــروف بيئتها‪ ،‬وتــحــوالت مجتمعها‬
‫ـات األمــلِ‬
‫بِطُ مأنينةِ الــقــلـ ِـب‪ ،‬واسـ ِتــفــاقـ ِ‬ ‫المحلي لتتشب َع بكافة تقاسيمه‪ ،‬وأدق‬
‫القابعِ على جَ فنِ الحياة‪ ..‬فيها ُكتُبي‬ ‫تفاصيله وتتمازج معها فكراً‪ ،‬ونتاجاً‪..‬‬
‫المُتباين ُة االتِّجاهات‪ ،‬والتي أعدُّها ثروتي‬ ‫معزل عما‬
‫ٍ‬ ‫والمرأةُ اإلبداعية ليست في‬
‫نوات‪ ،‬منها انه ُل‬
‫ال ُعمُرِ يَّة‪ ،‬وخزائ َن السَّ ِ‬ ‫يُحيطها مــن أحـــداث‪ ،‬وش ــؤون للبلد‪..‬‬
‫معارف الدُّنيا‪ ،‬و ُعل ُو َم الثُّقاة‪ ..‬أتص َّف ُح‬
‫َ‬ ‫واستطاعت أن تترجم تمازجها بالحدث‬
‫وصغا َر الكُتيِّبات‪،‬‬
‫الضخمَ‪ِ ،‬‬
‫فيها المُجلَّ َد َّ‬ ‫عبر كتاباتها وبحوثها وحضورها على‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪122‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬
‫ـس ال ـلُّــغــةِ ‪ ،‬و َمــعــاج ـ َم ال ـ ُمــفــردات‪¦ ،‬مــن المهم ج ــد ًا أن أســألــك هــذا الـســؤال‬
‫قــوامــيـ َ‬
‫التقليدي‪ ،‬ما هو جديدك؟‬ ‫مــســائـ َل الــفِ ــقــه‪ ،‬وبُــحُ ــوثَ االع ـ ِتــقــادَات‪،‬‬
‫دواويــ َن الشِّ عر‪ ،‬وشــرح المُعلَّقات‪ُ ،‬كتُبَ‬
‫‪ρ ρ‬ص ـ ــدور ديـــوانـــي ال ــشِّ ــع ــري ال ــسَّ ــادس‬
‫ـداءات‬
‫ِ‬ ‫الفلسفة‪ ،‬و ُفنُو َن الحَ ضارات‪ ،‬إهـ‬
‫المتزامن وصــدور الخامس من بيروت‬
‫ـف الــمــكــانــات‪ُ ،‬د ُر ُو َع‬
‫الــمــؤ ِّلــفــيــن‪ ،‬وتُ ــحَ ـ َ‬
‫بــعــنــوان «مــزامــيــر الــحــيــاة فــي الحكم‬
‫أسطوانات‬
‫ِ‬ ‫وص ُو َر المُشارَكات‪،‬‬
‫التكاريم‪ُ ،‬‬
‫والــمــواعــظ واألمــثــال»‪ ،‬وهــو عــبــارة عن‬
‫ـرب‪ ،‬وفناجي َن‬
‫ُوس الــشُّ ـ ِ‬
‫الموسيقى‪ ،‬و ُكــؤ َ‬
‫نظم الكلِمات القِ صار لإلمام علي بن أبي‬
‫ال ـ َقــهــوات‪َ ،‬مــبــخَ ـ َرةُ ال ـ ُع ـوُدِ هنا‪ ،‬وهناك‬
‫طالب ِشعراً‪ .‬مع توثيق عدد من األماسي‬ ‫الحبرِ على الورقِ ‪،‬‬
‫قِ نِّين ُة عطُ وُرات‪ ،‬بقايا ٍ‬
‫الشِّ عريَّة المحليَّة والدُّوليَّة‪ ،‬والحوارات‬ ‫أرشيف األعمال‬
‫ُ‬ ‫و ُمــســودَّاتُ كِ تابات‪!!..‬‬
‫الفضائيَّة‪ ،‬واللَّقاءات الثَّقافيَّة‪ ،‬واألناشيد‬ ‫ضجيجاً‪،‬‬
‫أل المكا َن َ‬
‫الصحفيَّة الورقي يم ُ‬
‫َّ‬
‫التَّمثيليَّة على موقع الويب للتسجيالت‬ ‫وشَ تاتُ الذِّكريات!! ومِ حرابُ الذِّكرِ يبدو‬
‫المرئية الدولية (‪ )you tube‬بقناة خاصة‬ ‫زاهــراً عذباً فُراتا‪ ..‬هُنا ُقــرآ ٌن تجلَّى‪...‬‬
‫باسم اعتدال ذكراهلل حفظاً لإلنجازات‬ ‫الصلوات‪ُ !..‬كلُّها جَ َّن ُة عُمرِ ي‪،‬‬
‫َّ‬ ‫وهُناكَ‬
‫من شتات الزَّمن‪ ،‬وأماناً لها من التلف‪،‬‬ ‫َملَكُوتُ الحَ يَوَات‪ ..‬فيها اشراقاتُ نفسي‪،‬‬
‫وتوثيق مسيرة وسيرة دوليَّا‪ .‬مع إجازة‬ ‫وضياءُ األُمنيات!!‬
‫ِ‬
‫كتاب نثري في الخواطر والوجدانيَّات‬ ‫ال تقيُّ دني الصفحات‪!..‬‬
‫ال ــذَّ اتـ ـ َّي ــة إعــامــيَّــا لــلــطــبــاعــة بــعــنــوان‬
‫ ¦وم ــا الـمــواقــع الـتــي تـتـصــدر اهتماماتك‬
‫(الزوردِ َّيــات تتدلَّى)‪ .‬واستمراريَّة العمل‬
‫على الشبكة العنكبوتية؟‬
‫في كتاب نقدي لقراءات ف ِّنيَّة انطباعيَّة‬
‫لرغبة‬
‫ٍ‬ ‫أتلمَّـس فيها تلبي ًة‬
‫ُ‬ ‫‪ρ ρ‬المواقِ ع التي‬
‫لــعــدد مــن ال ـ َّتــجــارب الــشِّ ــعــر َّيــة لشُ عراء‬
‫وغواية هناك تستدرجني‬
‫ٍ‬ ‫هنا تعتريني‪،‬‬
‫سُ عوديين وخليجيين وعرب‪.‬‬
‫نحو انتشاء!! ال تقيُّدني الصفحات‪ ،‬وال‬
‫والــجــدي ـ ُد األجَ ـــــ ُّد أ َّنــنــي أحــــاو ُل ج ــا َّد ًة‬ ‫تحتكرني االهتمامات‪ ..‬أينما استشعرتُ‬
‫التَّجدي َد في تجاربي اإلنشائية‪ ،‬وتكويناتي‬ ‫الـ ُمــتــعــة‪ ،‬والــفــائــدة‪ ،‬وعــلــمـاً‪ ،‬ومــعــرفــة ً‪،‬‬
‫ُّهوض بمواهب قد تتالشى‬
‫اإلنتاجية‪ ،‬والن َ‬ ‫وإضاف ًة للمخزونِ المعرفي والتَّعارفي‪..‬‬
‫لوال تكفُّلها بالتجديد الدائم‪ ،‬والتَّطوير‬ ‫كان االصطفاء‪ ..‬والصدارة‪ ..‬وفي منأى‬
‫المُستمِ ّد من خزائن الحياة‪ ،‬ومكامن‬ ‫عن التبويبات الخاوية والتي ال تُسمِ ُن وال‬
‫العلوم‪ ،‬ومعارف األمنيات‪!..‬‬ ‫تُغنِي من جوع!‬
‫‪123‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫اآلداب‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ترجمة‬
‫ِ‬ ‫مخاطر‬
‫ُ‬
‫فاليري منوغ وترجمة زوال‬
‫■ تركية العمري*‬

‫ـردي بــأمــريــن مـهــمّ ـيــن‪ ،‬أولهما‬


‫ينشغل الـمـتــرجــم األدب ــي عـنــد تــرجـمــة نــص س ـ ّ‬
‫شخصية النص‪ ،‬وثانيهما كاتبه‪ .‬تتمثل شخصية النص في لغته وفكرته ونبرته؛‬
‫فالجمَل وتراكيبها تفتح آفاقا شاسعة نحو اللغة؛ أما المصطحات‪ ،‬فإنها تأخذ‬ ‫ُ‬
‫المترجم إلى جذور اللغة‪ .‬وتأتي نبرة النص التي تطلُّ على أسلوب الكاتب وأفكاره‪،‬‬
‫عبر حــوارات الشخصيات وإيماءاتهم وتعبيراتهم التي تعطي صورة واضحة عن‬
‫حياتهم وأسلوب تفكيرهم‪ ،‬كما تقدّ م للقارئ تاريخهم وتراث أرضهم وجغرافيتها؛‬
‫في الجانب اآلخر ‪ ،‬يأتي كاتب النص األصلي‪ ،‬والذي يمثل انشغاال آخ َر للمترجم‪.‬‬

‫وأسلوبها‪ ،‬وثقافتها وخلفيتها التاريخية‬ ‫فالمترجم يتتبع ســيــرة الكاتب‪،‬‬


‫والثقافية‪ ،‬وتحدثت في مقالها عن‬ ‫واهتماماته‪ ،‬وأفكاره‪ .‬وهذان األمران‬
‫تجربتها في ترجمة روايتين للكاتب‬ ‫ُعرضان المترجم األدبــي لمشكالت‬ ‫ي ّ‬
‫الفرنسي الشهير إميلي زوال؛ ورغم أن‬ ‫ومــخــاطــر أثــنــاء ترجمته للنصوص‬
‫منوغ فرنسية األصل‪ ،‬إال إنها وجدت‬ ‫األدبية‪ ،‬وقد ذكرت المترجمة األدبية‬
‫صــعــوبــات فــي ترجمة روايــتــي زوال‪:‬‬ ‫الفرنسية فاليري منوغ هذه المشكالت‬
‫«المال» و«ذنب القس موريه» إلى اللغة‬ ‫والــمــخــاطــر فــي مــقــالــهــا (الــتــرجــمــة‬
‫اإلنجليزية‪.‬‬ ‫األدبية‪ :‬مشكالت ومخاطر)‪ ،‬والذي‬
‫نشرته في مدونة أكسفورد‪ ،‬إذ تناولت‬
‫ومن المشكالت التي واجهتها منوغ‬ ‫مشكالت الترجمة األدبية ومخاطرها‪،‬‬
‫عبر ترجمتها لــروايــة الــمــال‪1890‬م‪،‬‬ ‫وفسّ رت مهمة المترجم بأنه يحمل‬
‫التعامل مــع الــمــفــردات االقتصادية‬ ‫إيقاعات العمل‪ ،‬والشخصية ونبرة‬
‫والــســيــاســيــة والــمــالــيــة‪ ،‬والــعــمــات‬ ‫العمل‪ ،‬ومجازاته‪ ،‬ونقاط التركيز فيه‬
‫الفرنسية في تلك الحقبة وهي القرن‬ ‫إلى اللغة األخرى‪ ..‬وهي لغة مختلفة‬
‫التاسع عشر‪.‬‬ ‫تماما‪ ،‬لغة تمتلك فضاءها‪ ،‬وإيقاعاتها‪،‬‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪124‬‬
‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬
‫والحقيقية في كلتي الروايتين‬ ‫أمــا في ترجمتها لرواية‬
‫ك ــان ــت أن أج ــع ــل ال ــق ــراء‬ ‫«ذنــب القس مــوريــه» والتي‬
‫ُكــتــبــت ع ــام ‪1875‬م‪ ،‬فقد‬
‫المعاصرين يقرؤونها بكل‬
‫بدأت مشكالتها من العنوان‪،‬‬
‫سهولة‪ ،‬بينما تحافظان على‬ ‫عــتــبــة ال ــن ــص األولــــــى‪ ،‬إذ‬
‫نكهة عصرهما‪ ،‬ومكانهما‪،‬‬ ‫احــتــارت فــي الــعــنــوان‪ ..‬هل‬
‫وعـــــــاوة ع ــل ــى ذلــــــك‪ ،‬أن‬ ‫تــتــرجــمــه خــطــيــئــة الــقــس‬
‫تحتفظ باإليقاع‪ ،‬والنبرات‬ ‫موريه أم ذنب القس موريه؟‬
‫فــاخــتــارت الــعــنــوان الثاني؛‬
‫والحيوية‪ ،‬والمتانة‪ ،‬وبالبعد‬
‫ألنه يناسب وضع موريه في‬
‫الشاعري لكتابات زوال»‪.‬‬ ‫الرواية‪ .‬كما الحظت وجود‬
‫فـــي رأيــــــي‪ ،‬أن كـــل ما‬ ‫م ــف ــردات كــنــائــســيــة كثيرة‬
‫مثل بيت الــقــس‪ ،‬واألث ــواب‬
‫ذكرته منوغ في مقالها يمثل‬
‫الكهنوتية‪ ،‬والمستلزمات‪،‬‬
‫المشكالت ذاتها التي تواجه‬ ‫واألواني والطقوس الدقيقة‬
‫المترجم األدبي‪ ،‬والمخاطر‬ ‫لشعائر الكنيسة‪ ،‬وهنا‪ ..‬كان‬
‫الــحــقــيــقــيــة ال ــت ــي تحيط‬ ‫ال بد من العودة إلــى بيوت‬
‫بترجمة النصوص األدبية؛‬ ‫القساوسة‪ ،‬وحياتهم في تلك‬
‫الفترة‪.‬‬
‫لذلك تتطلب ترجمة العمل‬
‫أما من ناحية اللغة‪ ..‬فقد‬
‫األدبــــي مــتــرج ـ ًمــا مــوهــو ًبــا‬
‫وجدت منوغ تحديات أخرى‪،‬‬
‫مفعمًا بــالــخــيــال‪ ،‬ورهــافــة‬ ‫وهـ ــي أن بــعــض الــكــلــمــات‬
‫اللغة‪ ،‬واتساع الفكر‪ ..‬حتى‬ ‫الفرنسية عندما تترجم إلى‬
‫يمنح النص ظــاالً جمالي ًة‬ ‫اللغة اإلنجليزية حرفيا‪ ،‬فإن‬
‫زاهي ًة تتمثل في اإلحساس‬ ‫قــارئ اللغة الــهــدف‪ ..‬وهي‬
‫اللغة اإلنجليزية‪ /‬ال يفهمها‬
‫بــكــل مــا حــولــه مــن أمكنة‪،‬‬
‫كــمــا يفهمها الــفــرنــســيــون‪،‬‬
‫وأنــاس‪ ،‬وكائنات‪ ،‬وطبيعة‪،‬‬ ‫لتختم فاليري منوغ مقالها‬
‫وكون خالق‪.‬‬ ‫قائلة‪« :‬المشكلة الجوهرية‬
‫ * فاليري منوغ‪ ،‬بروفيسور فخري‪ ،‬قامت بتدريس األدب الفرنسي في عدد من الجامعات البريطانية‪ ،‬كما‬
‫أنها تشغل منصب رئيس جمعية إميلي زوال بلندن منذ عام ‪2005‬م‪ .‬نشرت الكثير عن األدب الفرنسي‬
‫في القرنين التاسع عشر والعشرين‪ ،‬وفي عام ‪2014‬م ترجمت رواية زوال إلى اللغة اإلنجليزية‪ ،‬وفي عام‬
‫‪2017‬م‪ ،‬ترجمت رواية «ذنب القس موريه»‪ ،‬وكالهما لمنشورات أكسفورد العالمية لألعمال الكالسيكية‪.‬‬
‫المرجع‪/http://blog.oxforddictionaries.com/2016//literary-translation :‬‬ ‫ ‬
‫** كاتبة ومترجمة من السعودية‪.‬‬

‫‪125‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫الثقافي‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫واالنسالخ‬ ‫الفكري‬
‫ُّ‬ ‫الوعي‬
‫ُ‬
‫■ مالك اخلالدي*‬

‫أدّى التمدّ د المذهل لوسائط التواصل االجتماعي في أوساط مجتمعاتنا العربية‪ ،‬إلى‬
‫نمط سلوكي ملتبس وغير واعٍ لدى عدد كبير من الناشئة والشباب‪ ،‬يعود هذا النمط إلى‬
‫الخلط بين االنفتاح الفكري الواعي واالنسالخ الثقافي؛ فكثير ًا ما نجد فئة شابّة تؤكد‬
‫نمط وفكرٍ‬
‫على انفتاحها عبر التخلّي عن اللغة والهويّة والثقافة المحليّة‪ ،‬والتباهي بكل ٍ‬
‫نقد أو تفكيرٍ أو تمحيص‪.‬‬
‫وافد‪ ..‬دون أدنى ٍ‬
‫ٍ‬

‫فمثل هذا النمط في الفكر والتفكير‪ ،‬جدير‬ ‫إن االنفتاح الفكري الواعي الذي يحتاجه‬
‫المجتمع‪ ،‬يتمثل في قبول اآلخر دون النظر‬
‫بالكبح والــرفــض االجــتــمــاعــي؛ ألنــه نمط‬
‫إقصائيّ متراجع يمضي بالبُنية الفكرية‬ ‫لمحدداته القبلية من ِعرق أو فكرة أو معتقد‬
‫والثقافية للمجتمع إلى التآكل واالنهيار‪.‬‬‫أو طــيــف» بــل واالســتــفــادة مــن رؤى ذلــك‬
‫إن المسألة تحتاج لشيء مــن الــتــوازن‬ ‫المختلف عنّا‪ ،‬واالستفادة من تجاربه العلمية‬
‫والمعرفية‪ ،‬والقبول به‪ ،‬واالعتقاد أن الفضاء والعقالنية‪ ،‬فال التجرّد من الهوية والثقافة‬
‫ُجد‪ ،‬وال رفــض اآلخــر وإقصائه‬‫المحلية م ٍ‬ ‫يتسع للجميع‪.‬‬
‫هذا هو االنفتاح الذي يخلق مجتمعاً راقياً مقبول‪.‬‬
‫على النخبة المثقفة والمفكِّرة‪ ..‬الخروج‬ ‫فيّاضاً معطاءً‪.‬‬
‫مــن الهالة النخبوية‪ ،‬ومخاطبة الجمهور‬ ‫أما االنسالخ الثقافي القائم على التخلي‬
‫وفكر أكثر قبوالً‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫الشابِّ بلغة أكثر وصوالً‪،‬‬ ‫عن الذات بكل مقوماتها الثقافية واألخالقية‪،‬‬
‫لتصحيح المسار‪ ،‬ومِ لء الفوضى التي خلّفها‬ ‫عبر االنصهار في اآلخر‪ ،‬والتماهي التام مع‬
‫بعض الفارغين من «أبطال» وسائط التواصل‬ ‫رؤيته‪ ،‬فهذا هو المِ عوَل الذي يه ُّز النسيج‬
‫االجتماعي‪.‬‬ ‫الفكري والمعرفي واالجتماعي‪ ،‬ويقود إلى‬
‫فالجيل الناشئ بحاجة إلى تنشئة عقلية‪،‬‬ ‫جيل سطحيٍّ غير واثق؛ فال هو الراسخ في‬ ‫ٍ‬
‫انتمائه الثقافي‪ ،‬وال الحاذق في علوم زمانه لبناء مستويات عالية من التفكير‪ ،‬تمكّنه من‬
‫التعاطي مع الحالة الثقافية الجديدة تعاطياً‬ ‫وفنونه‪.‬‬
‫ـاب عبر‬ ‫وفي المقابل‪ ،‬قد نجد تطرفاً فكرياً رافضاً خـ ّـاقـاً‪ ،‬نحن بحاجة لبناء ٍ‬
‫فكر شـ ٍّ‬
‫لآلخر المختلف‪ ،‬ومُلغياً لحضوره الثقافي‪ ،‬شباب يفكر بوعي‪.‬‬
‫ * كاتبة وشاعرة وقاصة من الجوف‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪126‬‬


‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون‬

‫السعودي نصير السمارة‬


‫ُّ‬ ‫التشكيلي‬
‫ُّ‬
‫جديدة‬
‫ٍ‬ ‫بصورة‬
‫ٍ‬ ‫ألمكنة الماضي‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫العودة‬
‫■ محمد العامري*‬

‫التقيت الـفـنــان الـسـعــودي نصير الـسـمــارة فــي عــمّ ــان‪ ،‬بـمـعــرض لــه فــي رابـطــة‬
‫التشكيليين األردنـيـيــن‪ ،‬عرفته شغوفا بالرسم والتلوين؛ فهو يتغذى مــن مــادة‬
‫بصرية مدهشة هي الجوف‪ ،‬بتاريخها العريق؛ تلك المنطقة التي سكنتها حضارات‬
‫متعددة عبر التاريخ‪ ،‬بل كانت جزءً ا من أهداف الرحالة‪ ،‬ويعدُّ «جون فيلبي» أول‬
‫مدهشا للفنانين‬‫ً‬ ‫أوروبــي يقطع الربع الخالي‪ ،‬وقد شكلت الجزيرة العربية لغزً ا‬
‫األوروبيين والرحالة على حدٍّ سواء‪ .‬من هذه األهمية انتصر نصير السمارة إلى‬
‫موطنه األصلي‪ ،‬ليقدم له مجموعة من األعمال الفنية األقرب إلى التسجيلية‪،‬‬
‫وأعما ًال أخرى تمتزج بين خصوصية العمائر القديمة والموروث الشعبي‪ ..‬وصو ًال‬
‫إلــى بعض الـ ِّرقــم الـتــي تركتها الـحـضــارات محفورة على الـحـجــارة؛ فقد أخلص‬
‫السمارة لطبيعة المحيط والحيّز الذي يعيش فيه‪ ،‬بل شكّ ل مؤونته الفنية عبر‬
‫توظيف العناصر الشعبية والمناظر الطبيعية‪ ..‬خاصة األمكنة واألوابد‪.‬‬

‫تمظهرات المحيط والحيّ ز‬ ‫المتأمل ألعــمــال الــســمــارة يلتقط‬


‫في العمل الفني‬ ‫مباشرة شغفه الهائل بالمكان والتراث‬
‫السعودي‪ ..‬وخاصة تراث أهل الجوف؛‬
‫يُشكِّل المكان بكل جمالياته العنصر‬
‫إذ نرى اعتماده الشديد في بناء لوحته‬
‫األهم في أعمال السمارة؛ إذ سجل في‬
‫عــلــى مــقــطــعــات تنتظم فــي سايقات‬
‫أكثر من لوحة مجموعة من العمائر‬ ‫المتواليات الهندسية المسكونة برموز‬
‫األقــرب إلى القِ الع‪ ،‬وهي تعد ميزات‬ ‫تــراثــيــة‪ ،‬وزخـ ــارف شعبية تنتمي إلى‬
‫مكانية لــلــجــوف؛ تــلــك الــعــمــائــر التي‬ ‫طبيعة األلبسة والرقوش الموجودة على‬
‫حملت في مفاهيمها الجمالية طبيعة‬ ‫األبنية واألدوات التراثية‪.‬‬
‫‪127‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫الفنان نصير السمارى في أحد المعارض‬

‫الهندسة ذات الوظيفة الدفاعية‪ ..‬كانت‬


‫تشكل الدهشة األكــبــر للفنان؛ فقد أعــاد‬
‫صياغة تلك المشاهد بعاطفته الفنية‪ ،‬من‬
‫خــال اعــتــمــاده على السطوح التصويرية‬
‫الخشنة ذات الطبقات المتعددة‪ ،‬كونه يكثر‬
‫من استخدام سكين األلوان التي تحتاج إلى‬
‫كثافات لونية تتراكم فوق سطوح أعماله‪،‬‬
‫ما أعطاها غنىً خاصاً وعمقاً في طبيعة‬
‫الحيوية اللونية‪ ،‬فالسطح التصويري لديه‬
‫عبارة عن مساحات طبوغرافية تتراكم باتجاه‬
‫إظهار الشكل‪ ،‬وفي الغالب نجد انحسارات‬
‫اإلنسان في تلك األمكنة واالنتصار للقيم‬
‫الجمالية العليا لتلك األوابد‪.‬‬
‫ومن المعروف‪ ،‬أن صورة المكان كموضوع‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪128‬‬
‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون‬

‫مع نائب أمير منطقة الجوف األمير عبدالعزيز بن فهد‬

‫فني‪ ..‬هي إحدى الوسائط للفنون التشكيلية‪،‬‬


‫كونه يلعب دوراً أساسً ا في طبيعة بنائية‬
‫العمل الفني‪.‬‬
‫فنجد التشكيلي نصير الــســمــارة قد‬
‫أضحى المكان بكل إيقاعاته أحد األعمدة‬
‫الرئيسة في توصيفات عمله الفني‪ ،‬وقد‬
‫حقق أكثر من ذلك في إضافة عامل الزمن‬
‫ال ــذي تمظهر فــي طبيعة تعتيق السطوح‬
‫التصويرية‪ ،‬كما لو أنها تلك الصخور المتآكلة‬
‫تحتمل ثقوبًا وحزوزًا كجزءٍ من صور عوامل‬
‫التعرية الطبيعية‪ ،‬وهــذا األمــر أضــاف إلى‬
‫عمله الفني عمقًا جديدًا يتناسب وطبيعة‬
‫الموضوع الذي يتناوله‪.‬‬
‫فالمنحى الجمالي غايتة في إيصال رسالة‬
‫الفعل الجمالي المبثوث في العمل الفني‪ ،‬في‬
‫طبيعة المكان وتجلياته في المحيط والحيز‪.‬‬
‫فالفنان ي ــدرك أمكنته‪ ،‬ويــتــعــرف على‬
‫‪129‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫رائحتها وطبائعها الجمالية‪ ،‬بل يصل األمر‬
‫إلى طبيعة أعمق‪ ،‬تتمثل في عالقة الفنان‬
‫السمارة بتلك األمكنة التي رافقت طفولته‬
‫وذكرياته‪ ،‬بل شكلت خزّانًا بصريًا فيما بعد‬
‫لتلحَّ عليه‪ ،‬فيخرجها من كونها ذكريات‪ ..‬إلى‬
‫مناخات جديدة عبر إعادة تسجيلها بوسائط‬
‫مختلفة‪ .‬فالمدرك بالنسبة لنصير هو مدركٌ‬
‫أقرب إلى استعادة تلك الطفولة وخياالتها‬
‫الساكنة في دواخله‪.‬‬
‫فهي المكان األكثر حميمية في طبيعة‬
‫ـرع يقيه من‬
‫التعامل معها‪ ،‬أقــرب إلــى ضـ ٍ‬
‫عطش المشهد‪ ،‬ومغذيات ثقافية وماضوية‬
‫تصبح حاضرة في اللوحة‪.‬‬
‫مجسم لحجارة الرجاجيل ‪ -‬موقع أثري بالجوف‬
‫من أعمال الفنان نصير السمارى‬ ‫فهو يــولــي تلك الــمــوضــوعــات األهمية‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪130‬‬


‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون‬
‫الــقــصــوى‪ ..‬كونها أيضا تتناسب وقــدراتــه‬
‫في التعامل معه‪ ،‬وهي جزء أساس من لذه‬
‫الــرســم والتلوين‪ ،‬الــرســم ب ــأداة أقــرب إلى‬
‫أدوات البناء‪ ،‬سكين األلوان؛ لذلك بدت تلك‬
‫العمائر مجسّ دة تجسيدًا حسيًا وزمانيًا‪،‬‬
‫فهو هنا يتحاور مع المكان والــزمــان معًا‪،‬‬
‫يدخل فــي تجريبه كــذاكــرة متخيلة وواقــع‬
‫ماثل في العيان‪ ،‬فهي امتدادات تكشُ ط عنها‬
‫الغياب لتعيد لنفسها أزماناً متعددة‪ ،‬الزمن‬
‫الذي نبتت فيه‪ ،‬وزمن التأويل الجمالي في‬
‫حضورها الجديد‪ ،‬هذا االمتداد يدخل في‬
‫بــاب طبيعة التداخل بين المكان وحركة‬
‫اإلنسان وأنفاسه‪ ،‬فالمكان يعيش عبر ناسه‪،‬‬
‫وعبر طبيعة التعامل معه‪ ،‬وطبيعة تضميده‬
‫فــي أعــمــال فنية ذات هــواس مختلفة في‬
‫بعديها النفسي والميثولوجي‪.‬‬

‫ولكننا أم ــام تجربة كــان الــمــكــان فيها‬


‫البطل‪ ..‬دون أن يغفل الفنان ما علقت به‬
‫ذاكــرتــه مــن تطريزات تراثية فــي األثــواب‬
‫والتعاويذ والـ ُر ُقــم الميثولوجية؛ إذ أعطت‬
‫تلك المفردات مناخً ا عميقًا في طبيعة فهم‬
‫المكان وتجليّاته في الحياة والناس‪.‬‬

‫يبقى الفنان نصير السمارة واحــداً من‬


‫الفنانين الذين التحموا بالمكان كوجاء من‬
‫خسارة الذات‪.‬‬ ‫من أعمال الفنان نصير السمارى‬

‫ * كاتب من األردن‪.‬‬

‫‪131‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫الذاكرة‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫فيض‬
‫النفس‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وحديث‬

‫‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬نادر أحمد أبو شيخة‪.‬‬ ‫املؤلف‬


‫‪ :‬املؤلف نفسه‪.‬‬ ‫الناشر‬
‫‪2015 :‬م‪.‬‬ ‫السنة‬

‫ولــد المؤلف في بلدة ميثلون بمنطقة أزهار األدب‪ ،‬ويقف على شيء من عادات‬
‫جنين فــي فلسطين‪ ،‬وغــادرهــا وهــو في األهـ ــل فــي فلسطين‪ ،‬وكــذلــك الــعــادات‬
‫الثامنة عشرة من عمره‪ ،‬ليغدو في عنفوان‬
‫المألوفة والمعروفة في منطقة أبها في‬
‫رجولته واحـدًا من كتّاب اإلدارة والخبراء‬
‫اإلداريــيــن في الوطن العربي‪ .‬ومــن القلة المملكة العربية السعودية التي عمل فيها‬
‫الذين وصلوا إلى أعلى الدرجات العلمية مــدرسً ــا لعدة ســنــوات عــاد بعدها ليكمل‬
‫الماجستير والدكتوراه‪.‬‬ ‫والمراتب األكاديمية والمهنية‪.‬‬
‫في هذا الكتاب‪ ،‬الذي يعد بمثابة سيرة‬
‫وفي الكتاب أيضا رصد وتحليل بصير‬
‫ذاتية للمؤلف‪ ،‬والذي يؤمل أن يحمل صدقا‬
‫لــخــبــرة أكــاديــمــي مـ ــدرك ألب ــع ــاد مهنته‬ ‫فــي الخبر‪ ،‬وعــدال فــي الحكم‪ ،‬وإنصافا‬
‫ودروس‬
‫ٌ‬ ‫وتــخــصــصــه‪ .‬وفــيــه كــذلــك عــب ـ ٌر‬ ‫في القول‪ ،‬يــروي المؤلف تفاصيل رحلته‬
‫استخلصها من لقاءاته العديدة مع رجال‬ ‫العلمية والعملية‪ ،‬فيأتي على حياة الغُربة‪،‬‬
‫لكن مع صعوبة هذه الحياة فإنها ال تخلو‬
‫الفكر والمسؤولين اإلداريين العرب‪.‬‬
‫من متعة وإثارة‪.‬‬
‫تضمن الكتاب مقدمة وعشرة فصول‬ ‫وفي الكتاب‪ ،‬سياحة للقارئ في رحاب‬
‫بستان يس ّر الناظرين‪ ،‬ويقطف فيه من جاءت في (‪ )460‬صفحة من القطع الكبير‪.‬‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪132‬‬
‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراءات‬

‫املتحفية‬
‫ِ‬ ‫املجموعات‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫دليل‬
‫مبركز عبدالرحمن‬
‫السديري الثقايف‬‬‬‬‬‬

‫‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬خليل بن ابراهيم املعيقل البراهيم‪،‬‬ ‫املؤلف‬


‫أ‪ .‬عبدالهادي خليف املعيقل‪ ،‬أ‪ .‬أحمد عتيق القعيد‪.‬‬
‫‪ :‬مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‪.‬‬ ‫الناشر‬
‫‪2015 :‬م‪.‬‬ ‫السنة‬

‫تنبع أهمية المجموعات التراثية واألثرية جلب أغلبها من وادي السرحان‪ ،‬كما تضم‬
‫من أبعادها الثقافية التاريخية والتربوية بعض هذه الصخور وسوماً لبادية شمالي‬
‫واالجتماعية واالقتصادية‪ .‬ولآلثار والتراث الجزيرة العربية؛ بينما تتمثل المجموعة‬
‫والتي تمثل تراكماً ثقافياً دور في تعزيز الثالثة‪ ،‬في أدوات ومصنوعات تراثية شعبية‬
‫محلية بمنطقة الجوف‪ ،‬كما تضم أسلحة‬ ‫الهوية الوطنية‪.‬‬

‫تــعــد الــمــجــمــوعــة الــمــتــحــفــيــة بــمــركــز تقليدية عثمانية‪ ،‬وب ــن ــادق‪ ،‬ومــســدســات‪،‬‬
‫عــبــدالــرحــمــن ال ــس ــدي ــري الــثــقــافــي من ورشــاشــات مستوردة من مختلف األقطار‬
‫المجموعات التراثية المهمة على مستوى األوروبية‪.‬‬
‫منطقة الجوف‪ ،‬فقد جُ معت على مدى فترة‬
‫فــي هــذا الــدلــيــل‪ ،‬تصنيفٌ يُــيــسِّ ـ ُر على‬
‫طويلة؛ وهي تضم ثالث مجموعات؛ األولى‪،‬‬
‫تحوي متحجرات أحيائية لبقايا أسماك‪ ،‬المُطّ لع الوصول إلى صورة ولو جزئية عن‬
‫وقواقع‪ ،‬ورخويات‪ ،‬وشُ عَباً مرجانية بحرية‪ ،‬تراث منطقة الجوف‪ ،‬ويتعرف على التواصل‬
‫وعظاماً‪ ،‬وأجــزا ًء من جــذوع األشجار؛ أما الحضاري بين الجوف والمناطق المحيطة‬
‫الثانية‪ ،‬فتحوي مواد أثرية‪ ،‬ونقوشاً‪ ،‬وكتابات بها‪ ،‬والتبادل الثقافي الذي كان يميّز تاريخ‬
‫صفوية‪ ،‬ونصوصاً من المسند الشمالي‪ ،‬وقد الجوف في عصورها المختلفة‪.‬‬
‫‪133‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬
‫مال‬
‫الر ِ‬
‫فوق ِّ‬
‫من ِ‬
‫(ديوان شعر)‬

‫‪ :‬محمود عبداهلل الرمحي‪.‬‬ ‫املؤلف‬


‫‪ :‬النادي األدبي باجلوف‪.‬‬ ‫الناشر‬
‫‪2018 :‬م‪.‬‬ ‫السنة‬

‫صاح قلْ لي مَ ن أكونُ ومَ ن أنا‬ ‫يا ِ‬ ‫ص ــدر حــديــثــا عــن ال ــن ــادي األدبــــي في‬
‫فــالـقـلـ ُـب مـنــي لــم ي ـعــدْ قـلـبــي أنــا‬ ‫الجوف ديــوان «مــن فــوق الــرمــال» للشاعر‬
‫محمود عبداهلل الرمحي‪ ،‬وقد تضمن نحواً أنـ ــا م ــذ ت ــرك ـت ـ ِـك ض ــائ ــعٌ ومـ ـشـ ـرّدٌ‬
‫تركتك لم أذقْ طعم الهنا‬ ‫ِ‬ ‫أنا مُ ذْ‬ ‫من ثالثين قصيدة ومقطوعة‪ ..‬جــاءت في‬

‫ويختم الشاعر ديوانه ِب ِن َّيتِه في الرحيل‬ ‫(‪ )88‬صفحة من القطع المتوسط‪ ..‬وقد‬
‫قــدم للديوان الدكتور محمود الــبــادي من عن الجوف التي أمضى فيها ما يزيد على‬
‫الخمسين عامًا‪ ،‬وقلبه ممز ٌق بين مَن عاش‬ ‫جامعة الجوف والذي جاء فيه‪:‬‬
‫«نحن أمــام ديــوان صغير الحجم يشمل معهم عقودًا‪ ،‬وبين أهله وعشيرته التي ال بد‬
‫أن يكون معهم فيقول‪:‬‬
‫أكثر من ثالثين قصيدة ومقطوعة‪ ،‬يدور‬
‫معظمها حول األرض وحبه إياها‪ ،‬والتعلق ش ـ ـ ـ ّـد الـ ـ ــرحـ ـ ــالَ وج ـ ــهّ ـ ــزِ ال ــركـ ـب ــا َن‬
‫ـان‬
‫وان ـ ـثـ ــر ع ـل ـي ـهــم ب ــاق ــة ال ــريـ ـح ـ ِ‬ ‫بأسلوب مُعب ٍّر‬
‫ٍ‬ ‫بها‪ ،‬والبكاء عليها‪ .‬ص ّو َر ذلك‬
‫ـوف عـشــقً ــا زان ــهُ‬
‫شعرية عذبة‪ ،‬إن ــي عـشـقـ ُـت ال ـج ـ َ‬
‫ٍ‬ ‫وبسالسة‬
‫ٍ‬ ‫واضح ال تعقيد فيه‪،‬‬
‫ٍ‬
‫ـال وصـحـبــةُ ال ـخ ـاّن‬ ‫ط ـيـ ُـب ال ـف ـعـ ِ‬ ‫سهلة عكست مشاعر الحزن واأللم في‬
‫ٍ‬ ‫ولغة‬
‫ٍ‬
‫تصوير المأساة الفلسطينية ومعاناة أهلها لـ ـكـ ـنـ ـه ــا الـ ــدن ـ ـيـ ــا وذلـ ـ ـ ـ ــك ح ــال ـه ــا‬
‫ه ـ ــل دام فـ ـ ـ ــرحٌ أو أسـ ـ ـ ــىً ب ـم ـك ــان‬ ‫النفسية على وجه الخصوص‪ ..‬فيقول‪:‬‬
‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪134‬‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬ ‫سـباق الرحمانية العاشر للجري بالغاط‬

‫نظم مركز عبدالرحمن السديري الثقافي في دار الرحمانية بالغاط سباق الرحمانية العاشر‬
‫للجري تحت شعار (الرياضة ثقافة) وذلك يوم األربعاء ‪1439/07/18‬هـ (‪2018/04/04‬م)‪ .‬شارك في‬
‫السباق (‪ )131‬متسابق ًا من أبناء الغاط والمحافظات المجاورة؛ وأشرف على السباق ثمانية حكام‬
‫بمشاركة معلمي التربية الرياضية‪ ،‬ومدربي نادي الحمادة الرياضي بالغاط‪ .‬انطلق المتسابقون‬
‫بعد عصر ذلك اليوم من أمام متحف الغاط بالقرية التراثية‪ ،‬وانتهى عند دار الرحمانية‪ ،‬لمسافة‬
‫(‪ )٤‬كلم تقريبا ً‪ ،‬قطعها الفائز األول في ‪ 13‬دقيقة و ‪ 55‬ثانية‪.‬‬
‫وبرعاية مدير التعليم وعضو المجلس الثقافي ‪ -‬المركز الــرابــع‪ ،‬المتسابق محمد فهد‬
‫الفهد‪.‬‬ ‫لدار الرحمانية أقيم حفل توزيع الجوائز في قاعة‬
‫األمــيــر سلطان بــن عبد العزيز آل ســعــود بــدار ‪ -‬المركز الخامس‪ ،‬المتسابق سالم محمد‬
‫الوادعي‪.‬‬ ‫الرحمانية‪.‬‬

‫كما تم تكريم الجهات المشاركة في السباق‬ ‫الفائزون بالمراكز الخمسة األولى‪:‬‬


‫‪ -‬المركز األول‪ ،‬المتسابق حسين مقبل بشهادات شكر وتقدير‪ :‬وهي مركز شرطه الغاط‪،‬‬
‫ودوريات االمن‪ ،‬وشعبة المرور في الغاط‪ ،‬والهالل‬ ‫سهيل‪.‬‬
‫األحمر‪ ،‬والبلدية‪ ،‬وإداره التعليم‪ ،‬ونادي الحمادة‪،‬‬
‫‪ -‬الــمــركــز ال ــث ــان ــي‪ ،‬الــمــتــســابــق محمد وشركه حافل للنقل‪.‬‬
‫عبدالوهاب آدم‪.‬‬
‫حــضــر حــفــل تــوزيــع الــجــوائــز بــعــض ممثلي‬
‫‪ -‬المركز الثالث‪ ،‬المتسابق سلطان جمال الدوائر الحكومية وجمع غفير من أهالي الغاط‬
‫والمتسابقون‪.‬‬ ‫عبد الهادي‪.‬‬

‫‪135‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫األعزاء‬
‫ُ‬ ‫المترجمون‬
‫َ‬

‫الـ ـ ـصـ ـ ـفـ ـ ـح ـ ــة األخـ ـ ـ ـي ـ ـ ــرة‬


‫■ صالح القرشي*‬
‫نـحــن الــذيــن ال نـتـقــن ال ـق ــراءة س ــوى بــالـلـغــة الـعــربـيــة‪ ،‬نـحـمــل الـكـثـيــر مــن االم ـت ـنــان والـعــرفــان‬
‫للمترجمين األعــزاء‪ .‬نحن مدينون لهم‪ ..‬وال خالف حول هذا األمر‪ ،‬وبفضلهم قُ دِّ ر لنا أن نطالع‬
‫األدب العالمي‪ ،‬وكأنما نتملك القدرة على القراءة بعشرات اللغات‪ ،‬ولقد ترسّ خت أسماء المترجمين‬
‫الكبار في أذهاننا كما هي أسماء الكُ تّاب الكبار تماما‪ ،‬هكذا ارتبط األدب الروسي في أذهاننا غالبا‬
‫بسامي الدروبي‪ ،‬واألدب الفرنسي بسهيل إدريس‪ ،‬واألدب اإليطالي بأحمد الصمعي‪ ،‬واألدب الالتيني‬
‫بصالح علماني‪ .‬ولعل ما قاله الروائي الكبير (سارماغو) يختصر ما يمكن أن يُقال حول الترجمة‬
‫والمترجمين (إن أدب كل أمة يصنعه كتابها بلغاتهم‪ ،‬أما أدب العالم فيصنعه المترجمون)‪.‬‬
‫كأخشاب التابوب‪ ،‬فخذاها شبيهان ببوابة برج‪،‬‬ ‫لكننا ال نملك‪ ،‬ونحن نقرأ ألع ــداد متزايدة‬
‫وأثــار الحزام على خاصرتها كالبحيرات الجافة‬ ‫من المترجمين الجدد‪ ،‬إال أن نتحدث قليال عن‬
‫الممتلئة بالحصى‪ ..‬إن لمستها في هذا المكان‪،‬‬ ‫اإلتقان‪ .‬نــو ُّد أن يصنع المترجمون األعــزاء أدب‬
‫تظن أنك تلمس مبردًا‪ ..‬وهي شبيهة بقنطرة بناها‬ ‫العالم كما قال سارماغو‪ ..‬ال أن يشوِّهوه‪.‬‬
‫إغريقي‪ ،‬وغطاها بالقرميد)‪ .‬انتهى نقل كازنتزاك‬ ‫ويبدو لي أن العائق األول الذي يواجهه بعض‬
‫للقصيدة العربية‪ .‬لكن ممدوح عــدوان يعلق في‬ ‫المترجمين الجدد‪ ،‬ليس هو مدى معرفتهم باللغة‬
‫الهامش قائال‪ :‬لنا أن نتصور من هذه الترجمة ما‬ ‫التي يترجمون منها‪ ،‬بل هو مدى معرفتهم باللغة‬
‫يصيب الشعر عند نقله عبر لغتين‪ ،‬فالكالم هنا‬ ‫التي يترجمون إليها‪.‬‬
‫هو عن ترجمتي للترجمة اإلنجليزية‪ ،‬ولكي يكون‬ ‫فمن استخدام كلمات عامية هي أقرب للركاكة‬
‫القارئ العربي في الصورة الصحيحة‪ ،‬نشير إلى‬ ‫إلى ضعف في األسلوب‪ ..‬يذكرنا بترجمة متصفح‬
‫أن كازانتزاكيس يقصد أبيات طرفة بن العبد وهي‪:‬‬ ‫(قوقل) إلى ترجمة حرفية ألسماء أعالم معروفة‪..‬‬
‫كمن يترجم (يحيى) إلى (يايا)‪.‬‬
‫وإنـ ـ ــي ألمـ ـض ــي الـ ـه ــم ع ــن اح ـت ـض ــاره‬
‫وأتذكر هنا ما أشار له الناقد المعروف حسين‬
‫ب ـ ـعـ ــوجـ ــاء مـ ـ ــرقـ ـ ــال ت ـ ـ ـ ــروح وتـ ـغـ ـت ــدي‬
‫بافقيه عبر حسابه في (تويتر) قائال‪« :‬قرأت في‬
‫أمـ ـ ـ ـ ـ ــون كـ ـ ـ ــألـ ـ ـ ــواح األران نـ ـص ــاتـ ـه ــا‬ ‫كتاب مترجم‪ :‬وادي نومان والقصد وادي نعمان‪،‬‬
‫ـرج ـ ـ ِـد‬
‫الح ـ ـ ـ ـ ٍـب َك ـ ـ ـ ـأَ ّ َنـ ـ ـ ــهُ ظَ ـ ـ ـه ـ ــرُ ُب ـ ـ ُ‬
‫عـ ـل ــى ِ‬ ‫وجبل قورا والقصد جبل كرا»‪.‬‬
‫ل ـهــا فـ ـخ ــذان أك ـم ــل ال ـن ـحــض فيهما‬
‫وال يتوقف األم ــر عند اإلتــقــان اللغوي رغم‬
‫كـ ـ ــأن ـ ـ ـه ـ ـ ـمـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ــاب م ـ ـ ـن ـ ـ ـيـ ـ ــف مـ ـ ـ ـم ـ ـ ــردِ‬
‫أهميته البالغة‪ ..‬ولكنه يتعدى إلى الثقافة نفسها‪،‬‬
‫ل ـ ـ ـهـ ـ ــا م ـ ـ ــرفـ ـ ـ ـق ـ ـ ــان أفـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــان كـ ــأن ـ ـمـ ــا‬ ‫ومن البديهي القول إن الخبرات المعرفية والثقافية‬
‫ت ـ ـ ـمـ ـ ــر ب ـ ـس ـ ـل ـ ـمـ ــي دالـ ـ ـ ـ ـ ـ ــج م ـ ـ ـت ـ ـ ـشـ ـ ــدد ِ‬ ‫للمترجم‪ ..‬تلعب دورًا كبيرًا في الوصول لإلتقان‬
‫ك ـ ـق ـ ـن ـ ـطـ ــرة ال ـ ـ ـ ــروم ـ ـ ـ ــي أق ـ ـ ـسـ ـ ــم ربـ ـه ــا‬ ‫المنشود‪.‬‬
‫لـ ـتـ ـكـ ـتـ ـنـ ـف ــن حـ ـ ـت ـ ــى ت ـ ـ ـشـ ـ ــاد بـ ـق ــرم ــد‬
‫في (تقرير إلى غريكو) السيرة الذاتية والفكرية‬
‫ماذا لو سألنا‪ :‬كم من المترجمين األعزاء في‬ ‫لـ(نيكوس كازانتزاكيس)‪ ،‬والتي ترجمها األديب‬
‫(ممدوح عدوان) يقول كازانتزاكيس‪ :‬هناك قصيدة هذا الزمن يمكن له أن ينتبه لما انتبه له ممدوح‬
‫عدوان‪ ،‬هنا نكتشف قيمة الثقافة والمعرفة بآداب‬ ‫عربية قديمة تمتدح رفيق البدوي المحبوب‪:‬‬
‫(تمشي الــنــاقــة فــي الــصــحــراء وتــتــقــدم قوية اللغة العربية وتاريخها‪.‬‬

‫* كاتب وقاص من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬ ‫‪136‬‬


‫من إصدارات اجلوبة‬
‫من إصدارات برنامج النشر في‬

‫صدر حديثا‬

You might also like