You are on page 1of 8

‫تحميل كتاب مصر بتلعب‬

‫‪ In‬المكتبه‬
‫‪21/09/2010‬‬

‫كيف تحول ‪ 80‬مليونا ً »بحالهم« من شعب إلى ‪ -‬ل مؤاخذة‪ -‬جمهور؟!‬

‫صحيح كيف؟ كيف تسلل فعل الفرجة إلي نفوس كل هؤلء المليين‬
‫الذين يعمرون المحروسة من أسوانها إلي إسكندريتها‪ ،‬ليتحول هذا‬
‫الفعل إلي سلوك ومدونة حياة وقاعدة وليس استثناء؟‬

‫كيف أصبح ذلك الشعب الذي تمتد جذوره إلي سبعة آلف سنة إلي‬
‫الخلف وربما أكثر‪ ،‬إلي مجرد متفرج‪ ،‬يشجع اللعبة الحلوة ول يشارك‬
‫في صنعها‪ ،‬يوجه لعناته وسبابه لمن يضيع هدفا أو يصنع »فاول« من‬
‫لعبة عنيفة‪ ،‬ول يقوم بالفعل الهم‪ ..‬تغيير هذا اللعب أو إخراجه من‬
‫أرضية الملعب أصل؟‬

‫عن كل هذه الـ»كيفات« ومحاولة البحث عن إجابات له‪ ،‬اجتهد‬


‫الستـــــــاذ »محمد توفيق«‪ ،‬وأنجز كتابا ‪ -‬فريد ومغاير ومهم ‪ -‬بعنوان‬
‫رئيسي جاذب »مصر بتلعب« وعنوان فرعي يزيد من شغف المعرفة‬
‫»كيف تحول الشعب المصري إلي جمهور«‪ ،‬وهو الكتاب الصادر حديثا‬
‫جدا من دار المصري للنشر‪.‬‬

‫ينطلق الكتاب وصاحبه من قناعة أصيلة مفادها أن المصريين تحولوا‬


‫من شعب محترم إلي جمهور محترم أيضا‪ ،‬وتنساب صفحات الكتاب‪-‬‬
‫المبذول فيه جهد لفت يظهر بعض منه في قائمة المراجع التي‬
‫استعان بها وقد وصلت لكثر من ‪ 30‬كتابا ً ودراسة معظمها لعتاولة‬
‫مثل جلل أمين ويوسف القرضاوي وأحمد عكاشة والكواكبي ومحمود‬
‫عوض وهيكل ونجيب محفوظ‪ -‬لتأكيد تلك الحقيقة ومن أول السطور‬
‫»أيوه مصر بتلعب! منذ تحولت مباريات كرة القدم إلي معارك حربية«‪،‬‬
‫وأصبحت »الهواية« احترافًا‪ ..‬و»الفوز« انتصارا ً تاريخيًا‪ ..‬و»الخسارة«‬
‫ل‪ ..‬و»اللعب« رمزًا‪ ..‬و»المدرب«‬ ‫هزيمة مدوية‪ ..‬و»الهدف« قات ً‬
‫فيلسوفًا‪ ..‬و»المحلل« مفكرًا‪ ..‬و»المعلق« إعلميًا‪ ..‬و»حارس‬
‫المرمي« السد العالي‪ ..‬و»خط دفاع الفريق« الحصن المنيع‪ ..‬و»خط‬
‫الوسط« منطقة المناورات‪ ..‬و»خط الهجوم« قوة ل تقهر‪..‬‬
‫و»اللعبون البدلء« الحتياطي الستراتيجي‪ ..‬و»ضربة الجزاء« عدالة‬
‫السماء‪ ..‬و»هداف الفريق« بطل ً قوميًا‪ ..‬و»البطولة الكروية« إنجازا ً‬
‫حكوميًا‪ ..‬و»التدريبات« معسكرات ل يجوز اختراقها‪ ..‬و»المنافسون«‬
‫أعداء‪ ..‬و»الملعب« ساحة معركة‪ ..‬و»الشعب« جمهورًا‪.‬‬

‫لكن الكتاب قبل أن يدخل في عمق الحالة أو الظاهرة يفرق أول بين‬
‫الشعب والجمهور »الشعب مجموعة من الفراد أو القوام يعيشون‬
‫في إطار واحد من الثقافة والعادات ضمن مجتمع واحد وعلي أرض‬
‫واحدة‪ ،‬ومن المور المميزة لفراد كل شعب هي طريقة تعاملهم‬
‫وشكل العلقات الجتماعية التي تتكون في مجتمعات هذا الشعب‬
‫وتستمد أي حكومة شرعيتها من رضا شعبها وقبوله لها‪ ،‬فإذا انتفي‬
‫هذا الرضا كانت الحكومة غير شرعية مهما فرضت نفوذها علي‬
‫المحكومين‪ ..‬هذا هو تعريف الشعب كما نصت الدساتير‪ ،‬أما تعريف‬
‫الجمهور فهو حشد من الناس مجتمع لمشاهدة حدث ما بطريقة‬
‫مباشرة وغالبا ما يكون هذا الحدث رياضيا ً أو فنيا ً ومن ثم خطابيا‬
‫ويتراوح عدد الجمهور عادة من بضع عشرات كما في برامج التليفزيون‬
‫ويصل إلي عشرات اللوف في مباريات كرة القدم«‪.‬‬

‫حسنا‪ ،‬التعريف السابق يوضح بدون حاجة إلي شرح كيف أصبح شعب‬
‫بحاله يتجاوز تعداده الثمانين مليونا ً إلي جمهور محترف‪ ،‬لكن الكتاب‬
‫يهتم بالتفاصيل أكثر‪ ،‬والبداية تكون بالعودة إلي ثورة ‪ ،1919‬التي ثار‬
‫فيها الجميع‪ ..‬الفلح الذي كانت حياته قد وصلت إلي ما دون الصفر‪،‬‬
‫والموظف الذي اكتشف أنه يعمل لدي النجليز وليس لدي بلده‪ ،‬إضافة‬
‫إلي الغنياء أنفسهم الذين راحوا يبحثون عن امتيازات أكبر‪ ،‬لفتا ً إلي‬
‫أن كل طبقة وفئة من هؤلء أفرزت زعماءها‪ ،‬ورموزها مثل المثال‬
‫محمود مختار والكبير د‪.‬طه حسين ورواد المسرح محمد تيمور ويوسف‬
‫وهبي‪ ،‬وهؤلء بدورهم ساهموا في صناعة وظهور رموز سياسية مثل‬
‫سعد زغلول ومصطفي النحاس ومحمد فريد‪ ،‬وبعد ذلك بسنوات برز‬
‫جمال عبد الناصر كزعيم من طراز فريد‪ ،‬ونمت في سنوات حكمه »‬
‫‪ ،«1970 -1954‬الطبقة الوسطي التي أفرزت رموزها بدورها‪ ..‬القصد‬
‫أن في هذه السنوات الممتدة من ‪ 1919‬وحتي ‪ 1970‬كان المصريون‪-‬‬
‫رغم عوامل ضاغطة كثيرة وقاسية‪ -‬شعبا ً حقيقيا ً له طموحات وأحلم‬
‫يسعي لتحقيقها‪ ،‬ثار وانقلب وتغيرت في عهده حكومات وحكام‪ ،‬ولهذا‬
‫كان من الطبيعي أن يكون نجوم هذه السنوات هم السياسيين والدباء‬
‫والفنانين علي شاكلة عبد الناصر وسعد زغلول وصلح جاهين ونعمان‬
‫عاشور وألفريد فرج ويوسف إدريس وصلح عبد الصبور وكمال‬
‫الطويل وبليغ حمدي ويوسف شاهين وصلح أبوسيف لكن المر اختلف‬
‫تماما بعد ذلك يقول الكتاب«‪ ..‬وفي يوم ‪ 30‬سبتمبر ‪ 1970‬كتبت‬
‫شهادة وفاة تلك المرحلة بوفاة جمال عبد الناصر لن الناس بدأت‬
‫تبحث عن رمز جديد تتعلق به لكن الرئيس أنور السادات كان هو الخر‬
‫يبحث عن ذاته!«‪.‬‬

‫علي عكس المتوقع ل يوجه الكتاب السهام القاتلة نحو الرئيس‬


‫ط«‬‫السادات محمل إياه المسئولية الكاملة لتحويل الشعب كامل و»ل ُ ّ‬
‫واحد إلي جمهور‪ ،‬بل إن سطور الجزء الثاني من الفصل الول‬
‫المعنون بـ»البحث عن ملهم« يظهر فيه إعجاب بشخص السادات‬
‫وذكائه‪ ،‬لكن ذلك ل يمنع بكل تأكيد وجود اختلف كبير علي سياسته‬
‫وتطبيقاته لها‪ ،‬وخاصة سياسة النفتاح التي غيرت من موازين‬
‫»الرموز« و»النجوم« في مصر ووضعت الشعب علي أول طريق‬
‫الجمهور‪» ..‬مع سياسة النفتاح التي أقرها الرئيس الراحل في كل‬
‫شيء بدأت تتسلل إلي الشعب المصري مبادئ جديدة لم يكن يعرفها‪،‬‬
‫فالمصري المشهود له في الستينيات بالخلص في العمل سيطرت‬
‫عليه ثقافة الستهلك التي جلبت معها منطق »الفهلوة« وانتشرت‬
‫مقولت أصبحت مأثورة مثل " الجنيه غلب الكارنيه" أي أن صاحب‬
‫المال أهم من صاحب السلطة‪ ،‬وانتشرت أيضا ً الشخصية التي يسميها‬
‫علماء النفس الستهوائية وتتميز تلك الشخصية بالتفخيم في الذات‬
‫والداء المسرحي والتعبير المبالغ فيه عن المشاعر والتأثر السهل‬
‫بالخرين وعدم وضع الخرين موضع العتبار‪ ،‬هنا نضع أيدينا علي‬
‫الحلقة الهم في تحول الشعب المصري إلي جمهور لن تلك الصفات‬
‫انتشرت نتيجة وجود قدوة ومثل أعلي‪ ،‬فالرئيس السادات كان مهتما‬
‫بذاته ونشر هذه الثقافة بين الناس بل إنه كان رجل المتناقضات دون‬
‫منازع تلك الصفة التي انتشرت بين المصريين كالنار في الهشيم‬
‫فالرجل الذي كان صاحب قرار العبور العظيم هو نفسه الذي ذهب‬
‫لسرائيل لذلك علي الرغم من كل ماكتب مازال شخصية مثيرة‪،‬‬
‫ومحيرة‪ ،‬فالبعض أحبه ووصفه بالرئيس المؤمن‪ ،‬والبعض الخر كرهه‬
‫واتهمه بالخيانة ربما لن أفعاله وقراراته المفاجئة تسببت في صدمات‬
‫للجميع ‪ :‬مؤيديه ومعارضيه‪ ..‬فتشتتت الجماهير لنها تبحث دائما عن‬
‫زعيم ملهم ‪.‬‬

‫لم يكن في هذه الظروف أمام الشعب المصري سوي التصفيق لكل ما‬
‫يحدث أمامه علي المسرح السياسي فأصبحنا نصفق لكل شيء وفي‬
‫كل المناسبات ) دون اقتناع( نصفق للرئيس‪ ..‬للوزير ‪..‬في مجلس‬
‫الشعب‪ ..‬في المدارس‪ ..‬في الجامعات‪ ..‬في ملعب كرة القدم‪ ..‬في‬
‫السينمات‪ ..‬في المسارح‪ ..‬في الندوات‪ ..‬في الشوارع‪ ..‬علي‬
‫المقاهي«‪.‬‬

‫هكذا المر إذن‪ ،‬في البدء كان التصفيق‪ ،‬الذي أصبح مهنة يمارسها‬
‫البعض‪ -‬وربما كثيرون‪ -‬الن في أهم مجالين وأخطرهما وأكثرهما‬
‫تأثيرا واستحواذا علي الجماهير‪ ،‬السياسة والرياضة‪ ،‬لذا فإن الكتاب ل‬
‫يجد فارقا ً كبيرا ً بين »الشيخ حسن« الذي يذهب ليشجع الهلي أو أي‬
‫فريق آخر يطلبه بالجبة والقفطان والعود‪ ،‬وبين الهتيفة الذين يقوم‬
‫مرشحو النتخابات بتأجيرهم للهتاف بأسمائهم علي طريقة حرافيش‬
‫نجيب محفوظ وقد اكتست سوقية وابتذال »اسم الله عليه‪ ..‬اسم الله‬
‫عليه«!‬

‫يربط الكتاب بين نزول الجماهير‪ -‬وليس الشعب كما اتفقنا‪ -‬إلي‬
‫الشوارع ابتهاجا وسعادة بعد فوز منتخب كرة القدم بمباراة مهمة أو‬
‫بطولة كبري‪ ،‬وبين تحول لعب كرة القدم إلي »رمز« يسير خلفه‬
‫الناس معتبرين أن كرة القدم ذاتها قد تكون وسيلة للنقاذ من الفقر‬
‫ذلك لن »راتب ناشئ في النادي الهلي لم يصل عمره إلي ‪ 20‬سنة‬
‫يتجاوز ما يحصل عليه ‪ 100‬طبيب في السنة"‪ ،‬معتبرا أن الحتفال في‬
‫الشارع ل يكلف الفقراء شيئا‪ ،‬بل إنه التجمع الجماهيري الوحيد الذي‬
‫يتم برضا وربما بتنسيق أجهزة المن‪.‬‬

‫ورغم أن الكتاب يعتبر أن الشعب تحول إلي جمهور في بداية‬


‫السبعينيات‪ ،‬فإنه يلفت إلي أن الكرة كانت سياسية جدا في عصر عبد‬
‫الناصر‪ ،‬مستعينا بكتاب نادر بعنوان »الثورة والرياضة« صادر عام‬
‫‪ 1966‬يرصد ما أسماه بـ"الزحف الثوري الرياضي"‪ -‬تخيل زحفا ً ثوريا ً‬
‫أول ثم رياضيا ً بعد ذلك!‪ -‬ويسجل الكتاب قائمة بأسماء المسئولين عن‬
‫التحادات الرياضية في ذلك الوقت وستكون المفارقة المدهشة جدا‬
‫أن جميعهم بل استثناء »رتب عسكرية« من أول المشير عامر الذي‬
‫كان رئيسا لتحاد كرة القدم وصول إلي السيد زكريا محيي الدين‬
‫رئيس التحاد العربي للتجديف مرورا بالفريق مرتجي رئيس الهلي‬
‫والسيد حسن عامر رئيس الزمالك‪ ،‬وهو أمر يفسره الكتاب نقل عن‬
‫الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل بقوله ‪»:‬عبد الناصر كان مهتما‬
‫بالندية أو بالرياضة من وجهة نظر السياسة ورأي أن هذا جزء مكمل‬
‫وضروري لبلد يتصارع سياسيا مع قوي كثيرة في عدة مجالت بما فيها‬
‫الرياضة«‪.‬‬

‫إل أن المر اختلف كثيرا مع الرئيس السادات الذي كان منشغل بمعارك‬
‫في الداخل والخارج ل تقل ضراوة عما كان ينغمس فيها عبد الناصر‪،‬‬
‫لكن اختلف الشخصيات وطرق التفكير هنا الذي جعل عبد الناصر يهتم‬
‫بالرياضة من منظور سياسي‪ ،‬فيما ل يعطيها الرئيس السادات أي‬
‫اهتمام مماثل‪ ،‬حتي لما أقنعته السيدة جيهان السادات بإقامة مباراة‬
‫كرة قدم تجمع بين فريقي الهلي والزمالك ويخصص إيرادها لصالح‬
‫جمعية الوفاء والمل‪ -‬وقد أمر عبد الناصر بإجراء مباراة مشابهة عام‬
‫‪ 1955‬لكن إيرادها الذي بلغ ‪ 1200‬جنيه تم تخصيصه لدعم الجيش‪،-‬‬
‫وافق الرئيس السادات قبل أن ينتبه الفريق مرتجي رئيس النادي‬
‫الهلي إلي أن فريقه يفتقد جهود ‪ 6‬من لعبيه الساسيين‪ ،‬وهو ما‬
‫يعني ارتفاع احتمالية خسارة الهلي للمباراة‪ ،‬فطلب تأجيلها أو‬
‫إلغاءها‪ ،‬وقد كان له ما طلب‪ ،‬وهو أمر يحمل دللة واحدة لكنها في‬
‫غاية الهمية‪ :‬الرئيس السادات غير مهتم بالرياضة أو بكرة القدم من‬
‫الساس‪.‬‬

‫المفارقة أن الرئيس الذي لم يهتم مطلقا بكرة القدم‪ ،‬عين نائبا له‬
‫مغرما ً بها‪ ،‬حتي عندما يصبح محمد حسني مبارك رئيسا لمصر علي‬
‫خلفية لحظة اغتيال درامية للسادات‪ ،‬يدرك الرجل مبكرا بريق وسطوة‬
‫كرة القدم علي الشعب أو الجمهور للدقة‪ ،‬فيبدأ في الستفادة من‬
‫ذلك جيدا جدًا‪ ،‬خاصة أنه ‪-‬الرئيس مبارك‪ -‬عرف عنه أنه يمارس لعبة‬
‫نخبوية وهي السكواش فقرر أن تكون لعبته الثانية شعبية مكتفيا‬
‫بمشاهدتها علي أن يمارسها أبناؤها ويشاركون في صناعة شئونها‬
‫لحقا‪.‬‬
‫بحسب الكتاب فإن أول ظهور للرئيس مبارك »الكروي« كان في‬
‫ديسمبر ‪-1982‬أي بعد ‪ 15‬شهرا فقط من توليه منصبه الرفيع‪ -‬في‬
‫مباراة نهائي بطولة أفريقيا للندية أبطال الكئوس بين المقاولون‬
‫العرب وباور دينامز الزامبي‪ ،‬بعدها توالي ظهور مبارك في العديد من‬
‫المناسبات الكروية والرياضية‪ ،‬مثل نهائي بطولة كأس المم عام‬
‫‪ 1986‬التي حصد كأسها المنتخب بعد تغلبه علي منتخب الكاميرون‪،‬‬
‫لكن المر لم يقف عند حدود الحضور في المدرجات‪ ،‬بل تطور إلي‬
‫الذهاب إلي الندية الشعبية نفسها‪ ،‬والبداية كانت بنادي الزمالك عام‬
‫‪ 1984‬عندما فاز ببطولة كأس أفريقيا‪ ،‬وأتبعها بزيارة مماثلة للنادي‬
‫الهلي عام ‪ ،1987‬وفي الزيارتين بدا واضحا أن مبارك أدرك أن كرة‬
‫القدم مدخل مهم ‪ -‬وربما سهل ‪ -‬لقلوب الجماهير‪ -‬حقا‪ -‬وليس‬
‫الشعب‪ ،‬وإن كانت فكرة استمرار الرئيس في قلوب الشعب منذ تاريخ‬
‫هذه الزيارات الكروية وحتي الن مثارا للشك!‬

‫لكن الكتاب يقف عند زيارة مبارك للهلي عام ‪ 1987‬وتحديدا عند‬
‫تصريحه للعبي الفريق بأنه »عندما يلعب الهلي والزمالك أو ناد آخر‬
‫مباراة دولية فهو يلعب باسم مصر والفوز هنا لمصر أول« ويعتبر‬
‫محمد توفيق مؤلف كتاب »مصر بتلعب« أن هذا المصطلح »الفوز‬
‫لمصر« كانت نقطة التحول في المفاهيم‪ ،‬وقد عرفت الجماهير منذ‬
‫هذه اللحظة عبارة »مصر فازت« وليس »الفريق المصري‬
‫فاز«‪..‬واختلف المعني واضح بكل تأكيد‪ .‬وكزملكاوي متعصب ل يترك‬
‫المؤلف مقولة مثل »الهلي فوق الجميع«‪ ،‬تمر هكذا دون أن يرصدها‬
‫ويقف أمامها محاول ً تحليلها وتحليل نفسية مردديها‪ ،‬مسجل أن‬
‫صاحبها وأول من رددها هو الكابتن مختار التتش قاصدا من ورائها أن‬
‫مصلحة الهلي فوق أي اعتبار‪ ،‬قبل أن يستخدم المصطلح ذاته النجم‬
‫الشهير »صالح سليم« كشعار لقائمته في انتخابات النادي عام ‪،1992‬‬
‫لكن المصطلح بمرور السنوات‪ ،‬ومع تزايد صفات الجماهير وغلبتها‬
‫علي صفات الشعوب تحول من دليل من شعار انتخابي براق إلي عبارة‬
‫استعلئية يستخدمها المتعصبون‪ -‬ومن هم أقل منهم‪ -‬للتدليل علي أن‬
‫ناديهم الذي يشجعونه العلي من أي قيمة في هذا البلد‪.‬وبذكاء شديد‬
‫يربط الكتاب بين العالمين الكثر وهوجا وأضواء‪ ..‬الفن وكرة القدم‪،‬‬
‫راصدا بألمعية »اللعب« الذي يمارسه فنان بحجم وشعبية عادل إمام‬
‫علي جمهوره‪ ،‬إذ إنه حينما سأله الناقد الرياضي الكبير »نجيب‬
‫المستكاوي« في منتصف السبعينيات ومع بداية انطلقته عقب النجاح‬
‫المدوي لمسرحية »مدرسة المشاغبين« عن النادي الذي يشجعه أجاب‬
‫عادل إمام‪» :‬أنا زملكاوي بشدة‪ ،‬لم أفكر في أسباب حبي للزمالك ‪،‬‬
‫فقد وجدت نفسي من ثانوي أحب الزمالك‪ ،‬ربما لنه أقوي الندية في‬
‫الستينيات‪ ،‬ولنني أكره »العنطزة« وقد أعجبتني في الزمالك‬
‫البساطة«‪ ،‬إل أن الكتاب يتصيد الزعيم عبرالسطور التالية‪» :‬لكن‬
‫عندما تم توجيه إليه السؤال نفسه بعد أن أصبح الزعيم في أواخر‬
‫التسعينيات‪ ،‬أجاب »من شروط حصولك علي الجنسية المصرية ثلثة‬
‫أشياء الول‪ :‬أن تحب جمال عبد الناصر والثاني‪ :‬أن تشاهد أفلم عادل‬
‫إمام والثالث‪ :‬أن تشجع النادي الهلي«! هذا هو عادل إمام عبقري‬
‫التمثيل الذي يجيد أداء كل الدوار‪ ،‬فتجده في مشهد يعشق جمال عبد‬
‫الناصر‪ ،‬وفي مشهد آخر يساند جمال مبارك ويتمني وصوله للحكم‪..‬‬
‫تجده زملكاويا ً عندما يكون الزمالك علي القمة‪ ،‬وعندما يسقط تجده‬
‫أكبر مشجعي الهلي في الوطن العربي ! لكن الحقيقة أن عادل إمام‬
‫ل يشجع سوي عادل إمام ول يشاهد إل أفلمه وهذا سر نجاحه‬
‫واستمراره في كل العصور«‪.‬‬

‫ويمر »مصر بتلعب« علي زاوية قليل ما اهتم بها أحد وهي العلقة بين‬
‫الدباء والكتاب من جهة والرياضة وكرة القدم تحديدا من جهة أخري‪،‬‬
‫لفتا إلي أنه في الوقت الذي كاد فيه الكبير توفيق الحكيم يموت من‬
‫الحسرة عندما عرف أن أحد اللعبين دون العشرين دفع له ثلثة مليين‬
‫جنيه‪ ،‬فإن أنيس منصور يري كرة القدم »لعبة نبيلة« فيما كف الساخر‬
‫العظيم »أحمد رجب »عن« التزملك« بعد أن مني الخير بهزائم مشينة‬
‫علي أيدي أندية صغيرة مثل »فابريكة المكرونة« وشركة »النداغة«‬
‫المر الذي كاد يصيبه بكل أمراض العصاب والضغط‪ ،‬ولعب الكاتب‬
‫العالمي نجيب محفوظ في خط الهجوم بفريق المدرسة الثانوية‪،‬‬
‫وتمسك شيخ الساخرين »محمود السعدني« بإسمعلويته حتي آخر يوم‬
‫في عمره‪ ،‬فيما ظل فذ القصة القصيرة العربية يوسف إدريس يري‬
‫كرة القدم‪ -‬مستنكرا ومستاء من الهتمام بها‪» -‬المولد الحياني«‪.‬‬

‫ومن الدب إلي الدين الذي لم تقف كرة القدم علي محرابه تأدبا‬
‫وتهذبا‪ ،‬وإنما اخترقته اختراقا‪ ،‬حتي إن أحدهم‪ -‬كما يرصد الكتاب‪-‬‬
‫اتصل ببرنامج الفتاوي علي قناة الناس الفضائية وسأل الشيخ‪» :‬هل‬
‫يعتبر بيع لعبي كرة القدم مثل بيع العبيد قبل السلم«؟! وكأن‬
‫السائل اعتبر أبي لهب رئيسا لنادي قريش لللعاب الرياضية‪ ،‬لكنها‬
‫مفارقة تكشف بوضوح عن كيف أن كرة القدم لم تترك مجال إل‬
‫وتسللت إليه حتي الدين بكل جلله ووقاره‪ ،‬ويعتبر المؤلف أن العيب‬
‫هنا ليس في الجمهور فحسب وإنما في بعض الشيوخ أيضا الذين‬
‫حولوا علمهم‪ -‬إن تواجد‪ -‬إلي سلعة مثلها مثل العلنات التي يتم بثها‬
‫أثناء لعب كرة القدم‪.‬‬

‫ويختتم الكتاب المهم‪ -‬الذي يجمع بين السياسة والجتماع والدين‬


‫والرياضة في موازييك وتناغم لفت‪ -‬فصوله بالتركيز علي ظاهرة‬
‫الرياضي العلمي‪ ،‬وكيف أن حوتا ً إعلميا ً مثل شوبير‪ -‬قبل أن يحدث‬
‫له ما حدث‪ ..‬والذي قد يعود منه فجأة مثلما دخله فجأة‪ -‬بدأ حياته‬
‫العلمية بعد اعتزاله لكرة القدم مذيعا علي مباريات كرة القدم في‬
‫التليفزيون المصري في مقابل ‪ 75‬جنيها ً للمباراة الواحدة‪ ،‬وأن أول‬
‫أجر تقاضاه عن أول برنامج رياضي قدمه علي شاشة القناة السادسة‬
‫القليمية‪ -‬وهي الن قناة تسكن في متحف التليفزيون‪ -‬كان ‪ 50‬جنيها ً‬
‫فقط‪ ،‬ثم تطور المر إلي ألف جنيه في الحلقة الواحدة علي شاشة‬
‫دريم‪ ،‬قبل أن تدخل العلنات والعلقات في الموضوع‪ -‬ومعها دأب من‬
‫الرجل‪ -‬ليصل أجره إلي المليين‪ ،‬ويدخل معه في القائمة آخرون‪،‬‬
‫لتزيد الهوة بين ناس يجمعون المليين وناس ل يملكون غير الفرجة‪...‬‬
‫جماهير ل أكثر وقد تم شطب لفظ »الشعب« من بطاقتهم الشخصية‬
‫الرقمية التي تتعامل معهم باعتبارهم أرقاما ً فحسب‪ ..‬يعني جماهير‬
‫برضه!‬

‫انتظرونا قريبا جدا نحن نعد لكم نسخة للتحميل شكرا علي انتظاركم‬

You might also like