Professional Documents
Culture Documents
Inالمكتبه
21/09/2010
صحيح كيف؟ كيف تسلل فعل الفرجة إلي نفوس كل هؤلء المليين
الذين يعمرون المحروسة من أسوانها إلي إسكندريتها ،ليتحول هذا
الفعل إلي سلوك ومدونة حياة وقاعدة وليس استثناء؟
كيف أصبح ذلك الشعب الذي تمتد جذوره إلي سبعة آلف سنة إلي
الخلف وربما أكثر ،إلي مجرد متفرج ،يشجع اللعبة الحلوة ول يشارك
في صنعها ،يوجه لعناته وسبابه لمن يضيع هدفا أو يصنع »فاول« من
لعبة عنيفة ،ول يقوم بالفعل الهم ..تغيير هذا اللعب أو إخراجه من
أرضية الملعب أصل؟
لكن الكتاب قبل أن يدخل في عمق الحالة أو الظاهرة يفرق أول بين
الشعب والجمهور »الشعب مجموعة من الفراد أو القوام يعيشون
في إطار واحد من الثقافة والعادات ضمن مجتمع واحد وعلي أرض
واحدة ،ومن المور المميزة لفراد كل شعب هي طريقة تعاملهم
وشكل العلقات الجتماعية التي تتكون في مجتمعات هذا الشعب
وتستمد أي حكومة شرعيتها من رضا شعبها وقبوله لها ،فإذا انتفي
هذا الرضا كانت الحكومة غير شرعية مهما فرضت نفوذها علي
المحكومين ..هذا هو تعريف الشعب كما نصت الدساتير ،أما تعريف
الجمهور فهو حشد من الناس مجتمع لمشاهدة حدث ما بطريقة
مباشرة وغالبا ما يكون هذا الحدث رياضيا ً أو فنيا ً ومن ثم خطابيا
ويتراوح عدد الجمهور عادة من بضع عشرات كما في برامج التليفزيون
ويصل إلي عشرات اللوف في مباريات كرة القدم«.
حسنا ،التعريف السابق يوضح بدون حاجة إلي شرح كيف أصبح شعب
بحاله يتجاوز تعداده الثمانين مليونا ً إلي جمهور محترف ،لكن الكتاب
يهتم بالتفاصيل أكثر ،والبداية تكون بالعودة إلي ثورة ،1919التي ثار
فيها الجميع ..الفلح الذي كانت حياته قد وصلت إلي ما دون الصفر،
والموظف الذي اكتشف أنه يعمل لدي النجليز وليس لدي بلده ،إضافة
إلي الغنياء أنفسهم الذين راحوا يبحثون عن امتيازات أكبر ،لفتا ً إلي
أن كل طبقة وفئة من هؤلء أفرزت زعماءها ،ورموزها مثل المثال
محمود مختار والكبير د.طه حسين ورواد المسرح محمد تيمور ويوسف
وهبي ،وهؤلء بدورهم ساهموا في صناعة وظهور رموز سياسية مثل
سعد زغلول ومصطفي النحاس ومحمد فريد ،وبعد ذلك بسنوات برز
جمال عبد الناصر كزعيم من طراز فريد ،ونمت في سنوات حكمه »
،«1970 -1954الطبقة الوسطي التي أفرزت رموزها بدورها ..القصد
أن في هذه السنوات الممتدة من 1919وحتي 1970كان المصريون-
رغم عوامل ضاغطة كثيرة وقاسية -شعبا ً حقيقيا ً له طموحات وأحلم
يسعي لتحقيقها ،ثار وانقلب وتغيرت في عهده حكومات وحكام ،ولهذا
كان من الطبيعي أن يكون نجوم هذه السنوات هم السياسيين والدباء
والفنانين علي شاكلة عبد الناصر وسعد زغلول وصلح جاهين ونعمان
عاشور وألفريد فرج ويوسف إدريس وصلح عبد الصبور وكمال
الطويل وبليغ حمدي ويوسف شاهين وصلح أبوسيف لكن المر اختلف
تماما بعد ذلك يقول الكتاب« ..وفي يوم 30سبتمبر 1970كتبت
شهادة وفاة تلك المرحلة بوفاة جمال عبد الناصر لن الناس بدأت
تبحث عن رمز جديد تتعلق به لكن الرئيس أنور السادات كان هو الخر
يبحث عن ذاته!«.
لم يكن في هذه الظروف أمام الشعب المصري سوي التصفيق لكل ما
يحدث أمامه علي المسرح السياسي فأصبحنا نصفق لكل شيء وفي
كل المناسبات ) دون اقتناع( نصفق للرئيس ..للوزير ..في مجلس
الشعب ..في المدارس ..في الجامعات ..في ملعب كرة القدم ..في
السينمات ..في المسارح ..في الندوات ..في الشوارع ..علي
المقاهي«.
هكذا المر إذن ،في البدء كان التصفيق ،الذي أصبح مهنة يمارسها
البعض -وربما كثيرون -الن في أهم مجالين وأخطرهما وأكثرهما
تأثيرا واستحواذا علي الجماهير ،السياسة والرياضة ،لذا فإن الكتاب ل
يجد فارقا ً كبيرا ً بين »الشيخ حسن« الذي يذهب ليشجع الهلي أو أي
فريق آخر يطلبه بالجبة والقفطان والعود ،وبين الهتيفة الذين يقوم
مرشحو النتخابات بتأجيرهم للهتاف بأسمائهم علي طريقة حرافيش
نجيب محفوظ وقد اكتست سوقية وابتذال »اسم الله عليه ..اسم الله
عليه«!
يربط الكتاب بين نزول الجماهير -وليس الشعب كما اتفقنا -إلي
الشوارع ابتهاجا وسعادة بعد فوز منتخب كرة القدم بمباراة مهمة أو
بطولة كبري ،وبين تحول لعب كرة القدم إلي »رمز« يسير خلفه
الناس معتبرين أن كرة القدم ذاتها قد تكون وسيلة للنقاذ من الفقر
ذلك لن »راتب ناشئ في النادي الهلي لم يصل عمره إلي 20سنة
يتجاوز ما يحصل عليه 100طبيب في السنة" ،معتبرا أن الحتفال في
الشارع ل يكلف الفقراء شيئا ،بل إنه التجمع الجماهيري الوحيد الذي
يتم برضا وربما بتنسيق أجهزة المن.
إل أن المر اختلف كثيرا مع الرئيس السادات الذي كان منشغل بمعارك
في الداخل والخارج ل تقل ضراوة عما كان ينغمس فيها عبد الناصر،
لكن اختلف الشخصيات وطرق التفكير هنا الذي جعل عبد الناصر يهتم
بالرياضة من منظور سياسي ،فيما ل يعطيها الرئيس السادات أي
اهتمام مماثل ،حتي لما أقنعته السيدة جيهان السادات بإقامة مباراة
كرة قدم تجمع بين فريقي الهلي والزمالك ويخصص إيرادها لصالح
جمعية الوفاء والمل -وقد أمر عبد الناصر بإجراء مباراة مشابهة عام
1955لكن إيرادها الذي بلغ 1200جنيه تم تخصيصه لدعم الجيش،-
وافق الرئيس السادات قبل أن ينتبه الفريق مرتجي رئيس النادي
الهلي إلي أن فريقه يفتقد جهود 6من لعبيه الساسيين ،وهو ما
يعني ارتفاع احتمالية خسارة الهلي للمباراة ،فطلب تأجيلها أو
إلغاءها ،وقد كان له ما طلب ،وهو أمر يحمل دللة واحدة لكنها في
غاية الهمية :الرئيس السادات غير مهتم بالرياضة أو بكرة القدم من
الساس.
المفارقة أن الرئيس الذي لم يهتم مطلقا بكرة القدم ،عين نائبا له
مغرما ً بها ،حتي عندما يصبح محمد حسني مبارك رئيسا لمصر علي
خلفية لحظة اغتيال درامية للسادات ،يدرك الرجل مبكرا بريق وسطوة
كرة القدم علي الشعب أو الجمهور للدقة ،فيبدأ في الستفادة من
ذلك جيدا جدًا ،خاصة أنه -الرئيس مبارك -عرف عنه أنه يمارس لعبة
نخبوية وهي السكواش فقرر أن تكون لعبته الثانية شعبية مكتفيا
بمشاهدتها علي أن يمارسها أبناؤها ويشاركون في صناعة شئونها
لحقا.
بحسب الكتاب فإن أول ظهور للرئيس مبارك »الكروي« كان في
ديسمبر -1982أي بعد 15شهرا فقط من توليه منصبه الرفيع -في
مباراة نهائي بطولة أفريقيا للندية أبطال الكئوس بين المقاولون
العرب وباور دينامز الزامبي ،بعدها توالي ظهور مبارك في العديد من
المناسبات الكروية والرياضية ،مثل نهائي بطولة كأس المم عام
1986التي حصد كأسها المنتخب بعد تغلبه علي منتخب الكاميرون،
لكن المر لم يقف عند حدود الحضور في المدرجات ،بل تطور إلي
الذهاب إلي الندية الشعبية نفسها ،والبداية كانت بنادي الزمالك عام
1984عندما فاز ببطولة كأس أفريقيا ،وأتبعها بزيارة مماثلة للنادي
الهلي عام ،1987وفي الزيارتين بدا واضحا أن مبارك أدرك أن كرة
القدم مدخل مهم -وربما سهل -لقلوب الجماهير -حقا -وليس
الشعب ،وإن كانت فكرة استمرار الرئيس في قلوب الشعب منذ تاريخ
هذه الزيارات الكروية وحتي الن مثارا للشك!
لكن الكتاب يقف عند زيارة مبارك للهلي عام 1987وتحديدا عند
تصريحه للعبي الفريق بأنه »عندما يلعب الهلي والزمالك أو ناد آخر
مباراة دولية فهو يلعب باسم مصر والفوز هنا لمصر أول« ويعتبر
محمد توفيق مؤلف كتاب »مصر بتلعب« أن هذا المصطلح »الفوز
لمصر« كانت نقطة التحول في المفاهيم ،وقد عرفت الجماهير منذ
هذه اللحظة عبارة »مصر فازت« وليس »الفريق المصري
فاز«..واختلف المعني واضح بكل تأكيد .وكزملكاوي متعصب ل يترك
المؤلف مقولة مثل »الهلي فوق الجميع« ،تمر هكذا دون أن يرصدها
ويقف أمامها محاول ً تحليلها وتحليل نفسية مردديها ،مسجل أن
صاحبها وأول من رددها هو الكابتن مختار التتش قاصدا من ورائها أن
مصلحة الهلي فوق أي اعتبار ،قبل أن يستخدم المصطلح ذاته النجم
الشهير »صالح سليم« كشعار لقائمته في انتخابات النادي عام ،1992
لكن المصطلح بمرور السنوات ،ومع تزايد صفات الجماهير وغلبتها
علي صفات الشعوب تحول من دليل من شعار انتخابي براق إلي عبارة
استعلئية يستخدمها المتعصبون -ومن هم أقل منهم -للتدليل علي أن
ناديهم الذي يشجعونه العلي من أي قيمة في هذا البلد.وبذكاء شديد
يربط الكتاب بين العالمين الكثر وهوجا وأضواء ..الفن وكرة القدم،
راصدا بألمعية »اللعب« الذي يمارسه فنان بحجم وشعبية عادل إمام
علي جمهوره ،إذ إنه حينما سأله الناقد الرياضي الكبير »نجيب
المستكاوي« في منتصف السبعينيات ومع بداية انطلقته عقب النجاح
المدوي لمسرحية »مدرسة المشاغبين« عن النادي الذي يشجعه أجاب
عادل إمام» :أنا زملكاوي بشدة ،لم أفكر في أسباب حبي للزمالك ،
فقد وجدت نفسي من ثانوي أحب الزمالك ،ربما لنه أقوي الندية في
الستينيات ،ولنني أكره »العنطزة« وقد أعجبتني في الزمالك
البساطة« ،إل أن الكتاب يتصيد الزعيم عبرالسطور التالية» :لكن
عندما تم توجيه إليه السؤال نفسه بعد أن أصبح الزعيم في أواخر
التسعينيات ،أجاب »من شروط حصولك علي الجنسية المصرية ثلثة
أشياء الول :أن تحب جمال عبد الناصر والثاني :أن تشاهد أفلم عادل
إمام والثالث :أن تشجع النادي الهلي«! هذا هو عادل إمام عبقري
التمثيل الذي يجيد أداء كل الدوار ،فتجده في مشهد يعشق جمال عبد
الناصر ،وفي مشهد آخر يساند جمال مبارك ويتمني وصوله للحكم..
تجده زملكاويا ً عندما يكون الزمالك علي القمة ،وعندما يسقط تجده
أكبر مشجعي الهلي في الوطن العربي ! لكن الحقيقة أن عادل إمام
ل يشجع سوي عادل إمام ول يشاهد إل أفلمه وهذا سر نجاحه
واستمراره في كل العصور«.
ويمر »مصر بتلعب« علي زاوية قليل ما اهتم بها أحد وهي العلقة بين
الدباء والكتاب من جهة والرياضة وكرة القدم تحديدا من جهة أخري،
لفتا إلي أنه في الوقت الذي كاد فيه الكبير توفيق الحكيم يموت من
الحسرة عندما عرف أن أحد اللعبين دون العشرين دفع له ثلثة مليين
جنيه ،فإن أنيس منصور يري كرة القدم »لعبة نبيلة« فيما كف الساخر
العظيم »أحمد رجب »عن« التزملك« بعد أن مني الخير بهزائم مشينة
علي أيدي أندية صغيرة مثل »فابريكة المكرونة« وشركة »النداغة«
المر الذي كاد يصيبه بكل أمراض العصاب والضغط ،ولعب الكاتب
العالمي نجيب محفوظ في خط الهجوم بفريق المدرسة الثانوية،
وتمسك شيخ الساخرين »محمود السعدني« بإسمعلويته حتي آخر يوم
في عمره ،فيما ظل فذ القصة القصيرة العربية يوسف إدريس يري
كرة القدم -مستنكرا ومستاء من الهتمام بها» -المولد الحياني«.
ومن الدب إلي الدين الذي لم تقف كرة القدم علي محرابه تأدبا
وتهذبا ،وإنما اخترقته اختراقا ،حتي إن أحدهم -كما يرصد الكتاب-
اتصل ببرنامج الفتاوي علي قناة الناس الفضائية وسأل الشيخ» :هل
يعتبر بيع لعبي كرة القدم مثل بيع العبيد قبل السلم«؟! وكأن
السائل اعتبر أبي لهب رئيسا لنادي قريش لللعاب الرياضية ،لكنها
مفارقة تكشف بوضوح عن كيف أن كرة القدم لم تترك مجال إل
وتسللت إليه حتي الدين بكل جلله ووقاره ،ويعتبر المؤلف أن العيب
هنا ليس في الجمهور فحسب وإنما في بعض الشيوخ أيضا الذين
حولوا علمهم -إن تواجد -إلي سلعة مثلها مثل العلنات التي يتم بثها
أثناء لعب كرة القدم.
انتظرونا قريبا جدا نحن نعد لكم نسخة للتحميل شكرا علي انتظاركم