Professional Documents
Culture Documents
رسائل المام
الشهيد حسن البنا
بـــراءة
ونحب مع هذا أن يعلم قومنا – و كل المسلمين قومنا – أن دعوة
الخوان المسلمين دعوة بريئة نزيهة ،قد تسامت في نزاهتها
حتى جاوزت المطامع الشخصية ،واحتقرت المنافع المادية ،
وخلفت وراءها الهواء والغراض ،ومضت قدما في الطريق التي
رسمها الحق تبارك وتعالى للداعين إليه :
َ سِبيِلي أ َد ْ ُ
ن ات ّب َعَِنيم ِ عو إ َِلى اللهِ عََلى ب َ ِ
صيَرةٍ أَنا وَ َ ل هَذِهِ َ)ق ُ ْ
ن( )يوسف. (108: م ْ ْ َ
كي َشرِ ِ ن ال ُم َ
ما أَنا ِ ن اللهِ وَ َ
حا َ
سب ْ َ
وَ ُ
فلسنا نسأل الناس شيئا ،و ل نقتضيهم مال ول نطالبهم بأجر ،
ول نستزيد بهم وجاهة ،ول نريد منهم جزاء ول شكورا ،إن أجرنا
في ذلك إل على الذي فطرنا.
عـاطــفة
و نحب أن يعلم قومنا أنهم احب إلينا من أنفسنا ،و أنه حبيب
إلى هذه النفوس أن تذهب فداء لعزتهم إن كان فيها الفداء ،و
أن تزهق ثمنا لمجدهم و كرامتهم و دينهم و آمالهم إن كان فيها
الغناء ،و ما أوقفنا هذا الموقف منهم إل هذه العاطفة التي
استبدت بقلوبنا و ملكت علينا مشاعرنا ،فأقضت مضاجعنا ،و
أسالت مدامعنا ،و إنه لعزيز علينا جد عزيز أن نرى ما يحيط
بقومنا ثم نستسلم للذل أو نرضى بالهوان أو نستكين لليأس ،
فنحن نعمل للناس في سبيل الله أكثر مما نعمل لنفسنا ،فنحن
لكم ل لغيركم أيها الحباب ،و لن نكون عليكم في يوم من اليام.
أصناف أربعة
و كل الذي نريده من الناس أن يكونوا أمامنا واحدا من أربعة :
مؤمـن :
إما شخص آمن بدعوتنا و صدق بقولنا و أعجب بمبادئنا ،و رأى
فيها خيرا اطمأنت إليه نفسه ،و سكن له فؤاده ،فهذا ندعوه أن
يبادر بالنضمام إلينا و العمل معنا حتى يكثر به عدد المجاهدين و
يعلوا بصوته صوت الداعين ،و ل معنى ليمان ل يتبعه عمل ،و ل
فائدة في عقيدة ل تدفع صاحبها إلى تحقيقها و التضحية في
سبيلها ،و كذلك كان السابقون الولون ممن شرح الله صدورهم
لهدايته فاتبعوا أنبيائه و آمنوا برسالته و جاهدوا فيه حق جهاده ،
و لهؤلء من الله أجزل الجر و أن يكون لهم مثل ثواب من
اتبعوهم ل ينقص ذلك من أجورهم شيئا.
متـردد :
نفـعي :
وإما شخص ل يريد أن يبذل معونته إل إذا عرف ما يعود عليه من
فائدة و ما يجره هذا البذل له من مغنم فنقول له :حنانيك ليس
عندنا من جزاء إل ثواب الله إن أخلصت ،و الجنة إن علم فيك
خيرا ،أما نحن فمغمورون جاها فقراء مال ،شأننا التضحية بما
معنا و بذل ما في أيدينا ،و رجاؤنا رضوان الله سبحانه و تعالى و
هو نعم المولى و نعم النصير ،فإن كشف الله الغشاوة عن قلبه
و أزاح كابوس الطمع عن فؤاده فسيعلم أن ما عند الله خير و
أبقى ،و سينضم إلى كتيبة الله ليجود بما معه من عرض الحياة
الدنيا لينال ثواب الله في العقبى ،و ما عندكم ينفد و ما عند الله
باق ,و إن كانت الخرى فالله عني عمن ل يرى لله الحق الول
في نفسه و ماله و دنياه و آخرته و موته و حياته ,و كذلك كان
شأن قوم من أشباهه حين أبوا مبايعة رسول الله صلى الله عليه
و سلم إل أن يجعل لهم المر من بعده ,فما كان جوابه صلى
الله عليه و سلم إل أن أعلمهم أن الرض لله يورثها من يشاء من
عباده ,و العاقبة للمتقين
متحامـل :
و إما شخص أساء فينا ظنه و أحاطت بنا شكوكه ،فهو ل يرانا إل
بالمنظار السود القاتم ،و ل يتحدث عنا إل بلسان المتحرج
المتشكك ،و يأبى إل أن يلج في غروره و يسدر في شكوكه و
يظل مع أوهامه ،فهذا ندعو الله لنا و له أن يرينا الحق حقا و
يرزقنا اتباعه و الباطل باطل و يرزقنا اجتنابه ،و أن يلهمنا و إياه
الرشد ،ندعوه إن قبل الدعاء و نناديه إن أجاب النداء و ندعو
الله فيه و هو أهل الرجاء ،و لقد أنزل الله على نبيه الكريم في
صنف من الناس :
ك ل تهدي م َ
ن يَ َ
شاُء( )القصص: م ْ
دي َ
ه ي َهْ ِ ت وَل َك ِ ّ
ن الل َ حب َب ْ َ
نأ َْ ْ َْ ِ )إ ِن ّ َ
. (56
وهذا سنظل نحبه و نرجو فيئه إلينا و اقتناعه بدعوتنا ،و إنما
شعارنا معه ما أرشدنا إليه المصطفى صلى الله عليه و سلم من
قبل ) :اللهم اغفر لقومي فإنهم ل يعلمون(.
وضــوح
نحن ندعو الناس إلي )مبدأ( ..مبدأ واضح محدود مسلم به منهم
جميعا ً ،هم جميعا ً يعرفونه ويؤمنون به ويدينون بأحقيته ويعلمون
أن فيه خلصهم وإسعادهم وراحتهم ...مبدأ أثبتت التجربة وحكم
التاريخ صلحيته للخلود وأهليته لصلح الوجود .
إيمانان
والفرق بيننا وبين قومنا بعد اتفاقنا في اليمان بهذا المبدأ أنه
عندهم إيمان مخدر نائم في نفوسهم ل يريدون أن ينزلوا علي
حكمه ول أن يعملون بمقتضاه ،علي حين أنه إيمان ملتهب
مشتعل قوي يقظ في نفوس الخوان المسلمين .ظاهرة نفسية
عجيبة نلمسها ويلمسها غيرنا في نفوسنا نحن الشرقيين أن نؤمن
بالفكرة إيمانا يخيل للناس حين نتحدث إليهم عنا أنها ستحملنا
علي نسف الجبال وبذل النفس والمال واحتمال المصاعب
ومقارعة الخطوب حتى ننتصر بها أو تنتصر بنا ،حتى إذا هدأت
ثائرة الكلم وانفض نظام الجمع نسي كل إيمانه وغفل عن فكرته
،فهو ل يفكر في العمل لها ول بحدث نفسه بأن يجاهد أضعف
الجهاد في سبيلها ،بل إنه قد يبالغ في هذه الغفلة وهذا النسيان
حتى يعمل علي ضدها وهو يشعر أو ل يشعر ؟ أولست تضحك
عجبا ً حين تري رجل ً من رجال الفكر والعمل والثقافة في ساعتين
اثنتين متجاورتين من ساعات النهار ملحدا ً مع الملحدين وعابدا ً
مع العابدين ! .
دعــــوات
وإذن سأعود إلي أول كلمتي فأقول إن دعوة الخوان المسلمين
دعوة مبدأ ،وفي الشرق والغرب اليوم دعوات ومبادئ وفكر
ومذاهب وآراء ومنازع كلها تتقسم عقول الناس وتتنازع ألبابهم ،
وكل منها يزينه أهله ويقوم بالدعاية له أبناؤه وأتباعه وعشاقه
ومريدوه ،ويدعون له المزايا والمحاسن ويبالغون في هذا الدعاء
ما يبرزه للناس جميل ً خلبا ً رائعا ً .
دعاة
والدعاة اليوم غيرهم بالمس فهم مثقفون مجهزون مدربون
أخصائيون -ول سيما في البلد الغربية -حيث تختص بكل فكرة
كتيبة مدربة توضح غامضها وتكشف عن محاسنها وتبتكر لها
وسائل النشر وطرائق الدعاية ،وتتلمس لها في نفوس الناس
أيسر السبل وأهونها وأقربها إلي القتناع والتباع .
وســـائـل
و وسائل الدعاية الن غيرها بالمس كذلك ,فقد كانت دعاية
المس كلمة تلقى في خطبة أو اجتماع أو كلمة تكتب في رسالة
أو خطاب ,أما الن فنشرات و مجلت و جرائد و رسالت و
مسارح و خيالت و حاك و مذياع ,و قد ذلل ذلك كله سبل
الوصول إلى قلوب الناس جميعهم ,نساء و رجال في بيوتهم و
متاجرهم و مصانعهم و مزارعهم
إســلمـنا
اسمع يا أخي :دعوتنا دعوة أجمع ما توصف به أنها ) إسلمية ( و
لهذه الكلمة معنى واسع غير ذلك المعنى الضيق الذي يفهمه
الناس ،فإنا نعتقد أن السلم معنى شامل ينتظم شؤون الحياة
جميعا ،و يفتي في كل شأن منها و يضع له نظاما محكما دقيقا ،و
ل يقف مكتوفا أمام المشكلت الحيوية و النظم التي ل بد منها
لصلح الناس .فهم بعض الناس خطأ أن السلم مقصور على
ضروب من العبادات أو أوضاع من الروحانية ،و حصروا أنفسهم و
أفهامهم في هذه الدوائر الضيقة من دوائر الفهم المحصور.
و لكنا نفهم السلم على غير هذا الوجه فهما فسيحا واسعا
ينتظم شؤون الدنيا و الخرة ،و لسنا ندعي هذا ادعاء أو نتوسع
فيه من أنفسنا ،و إنما هو ما فهمناه من كتاب الله و سيرة
المسلمين الولين ،فإن شاء القارئ أن يفهم دعوة الخوان
بشيء أوسع من كلمة إسلمية فليمسك بمصحفه و ليجرد نفسه
من الهوى و الغاية ثم يتفهم ما عليه القرآن فسيرى في ذلك
دعوة الخوان.
الوطنية
افتتن كثير من الناس بدعوة الوطنية تارة و القومية تارة أخرى و
بخاصة في الشرق حيث تشعر الشعوب الشرقية بإساءة الغرب
إليها إساءة نالت من عزتها و كرامتها و استقللها و أخذت من
مالها و من دمها و حيث تتألم هذه الشعوب من هذا النير الغربي
الذي فرض عليها فرضا ,فهي تحاول الخلص منه بكل ما في و
سعها من قوة و منعة و جهاد و جلد ,فانطلقت ألسن الزعماء و
سالت انهار الصحف ,و كتب الكاتبون و خطب الخطباء و هتف
الهاتفون باسم الوطنية و جلل القومية
وطنية الحنين
وطنية المجتمع
وطنية الفتح
وإن كانوا يريدون بالوطنية فتح البلد وسيادة الرض فقد فرض
ذلك السلم ووجه الفاتحين إلى أفضل استعمار وأبرك فتح،
ن
دي ُ
ن ال ّ ة وَي َ ُ
كو َ ن فِت ْن َ ٌ حّتى ل ت َ ُ
كو َ فذلك قوله تعالى) :وََقات ُِلوهُ ْ
م َ
ه( )البقرة.(193:
لل ِ
وطنية الحزبية
حدود وطنيتنا
أما وجه الخلف بيننا وبينهم فهو أننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة
وهم يعتبرونها بالتخوم الرضية والحدود الجغرافية ,فكل بقعة
فيها مسلم يقول ) ل إله إل الله محمد رسول الله ( وطن عندنا
له حرمته و قداسته و حبه و الخلص له و الجهاد في سبيل خيره
,و كل المسلمين في هذه القطار الجغرافية أهلنا و إخواننا نهتم
لهم و نشعر بشعورهم و نحس بإحساسهم .
غاية وطنيتنا
أفرأيت بعد كيف أننا متفقون مع أشد الناس غلوا في الوطنية في
حب الخير للبلد و الجهاد في سبيل في سبيل تخليصها و خيرها و
ارتقائها ,و نعمل و نؤيد كل من يسعى في ذلك بإخلص ,بل
أحب أن تعلم أن مهمتهم إن كانت تنتهي بتحرير الوطن و
استرداد مجده فإن ذلك عند الخوان المسلمين بعض الطريق
فقط أو مرحلة منه واحدة و يبقى بعد ذلك أن يعملوا لترفع راية
الوطن السلمي على كل بقاع الرض و يخفق لواء المصحف في
كل مكان .
القـومـية
و الن سأتحدث إليك عن موقفنا من مبدأ القومية :
قومية المجد
القومية الجاهلية
خواص العروبة:
رباط العقيدة
ن وَل َ ْ
م دي ِم ِفي ال ّ قات ُِلوك ُ ْ ن لَ ْ
م يُ َ ن ال ّ ِ
ذي َ ه عَ َ ِ م الل ُ ) – 2ل ي َن َْهاك ُ ُ
ب
ح ّ
ه يُ ِ ن الل َ م إِ ّ طوا إ ِل َي ْهِ ْ س ُ ق ِم وَت ُ ْن ت َب َّروهُ ْ
مأ ْ ن دَِيارِك ُ ْ م ْم ِ جوك ُ ْ خرِ ُ يُ ْ
ن ُ ُ
ن َقات َلوك ْ ّ ُ ال ْ ُ
دي ِ م ِفي ال ّ
َ
ذي َن ال ِ ه عَ ِم الل ُ ما ي َن َْهاك ُ ن ,إ ِن ّ َ طي َ س ِ ق ِ م ْ
م( ن ت َوَل ّوْهُ ْمأ ْ جك ُ ْ خَرا ِ ظاهَُروا عََلى إ ِ ْ م وَ َ ن دَِيارِك ُ ْ م ْم ِ جوك ُ ْ خَر ُ وَأ َ ْ
)الممتحنة. (9-8:
نجمع ول نفرق
اعلم ـ فقهك الله ـ أول :أن دعوة الخوان المسلمين دعوة عامة
ل تنتسب إلى طائفة خاصة ،ول تنحاز إلى رأي عرف عند الناس
بلون خاص ومستلزمات وتوابع خاصة ،وهي تتوجه إلى صميم
الدين ولبه ،وتود أن تتوحد وجهة النظار والهمم حتى يكون العمل
أجدى والنتاج أعظم وأكبر ،فدعوة الخوان دعوة بيضاء نقية غير
ملونة بلون ،وهي مع الحق أينما كان ،تحب الجماع ،وتكره
الشذوذ وإن أعظم ما مني به المسلمون الفرقة والخلف،
وأساس ما انتصروا به الحب والوحدة .ولن يصلح آخر هذه المة
إل بما صلح به أولها ،هذه قاعدة أساسية وهدف معلوم لكل أخ
مسلم ،وعقيدة راسخة في نفوسنا ،نصدر عنها وندعو إليها.
الخلف ضروري
ونحن مع هذا نعتقد أن الخلف في فروع الدين أمر ل بد منه
ضرورة ،ول يمكن أن نتحد في هذه الفروع والراء والمذاهب
لسباب عدة :منها اختلف العقول في قوة الستنباط أو ضعفه،
وإدراك الدلئل والجهل بها والغوص على أعماق المعاني ،وارتباط
الحقائق بعضها ببعض ،والدين آيات وأحاديث ونصوص يفسرها
العقل والرأي في حدود اللغة وقوانينها ،والناس في ذلك جد
متفاوتين فل بد من خلف.
ومنها سعة العلم وضيقه ،وإن هذا بلغه ما لم يبلغ ذاك والخر
شأنه كذلك ،وقد قال مالك لبي جعفر :إن أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم تفرقوا في المصار وعند كل قوم علم،
فإذا حملتهم على رأي واحد تكون فتنة.
ومنها اختلف تقدير الدللت فهذا يعتبر عمل الناس مقدما على
حبر الحاد مثل ،وذاك ل يقول معه به ،وهكذا..
الجماع على أمر فرعي متعذر
كل هذه أسباب جعلتنا نعتقد أن الجماع على أمر واحد في فروع
الدين مطلب مستحيل ،بل هو يتنافى مع طبيعة الدين ،وإنما يريد
الله لهذا الدين أن يبقى ويخلد ويساير العصور ،ويماشي الزمان،
وهو لهذا سهل مرن هين ،لين ،ل جمود فيه ول تشديد.
نعتذر لمخالفينا:
نعتقد هذا فنلتمس العذر لمن يخالفوننا في بعض الفرعيات،
ونرى أن هذا الخلف ل يكون أبدا حائل دون ارتباط القلوب
وتبادل الحب والتعاون على الخير ،وأن يشملنا وإياهم معنى
السلم السابغ بأفضل حدوده ،وأوسع مشتملته ،ألسنا مسلمين
وهم كذلك؟ وألسنا نحب أن ننزل على حكم اطمئنان نفوسنا
وهم يحبون ذلك؟ وألسنا مطالبين بأن نحب لخواننا ما نحب
لنفسنا؟ ففيم الخلف إذن؟ ولماذا ل يكون رأينا مجال للنظر
عندهم كرأيهم عندنا؟ ولماذا ل نتفاهم في جو الصفاء والحب إذا
كان هناك ما يدعو إلى التفاهم؟
هؤلء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخالف
بعضهم بعضا في الفتاء فهل أوقع ذلك اختلفا بينهم في القلوب؟
وهل فرق وحدتهم أو فرق رابطتهم؟ اللهم ل وما حديث صلة
العصر في قريظة ببعيد.
وثم أمر آخر جدير بالنظر ،إن الناس كانوا إذا اختلفوا رجعوا إلى
)الخليفة( وشرطه المامة ،فيقضي بينهم ويرفع حكمه الخلف،
أما الن فأين الخليفة؟ وإذا كان المر كذلك فأولى بالمسلمين أن
يبحثوا عن القاضي ،ثم يعرضوا قضيتهم عليه ،فإن اختلفهم من
غير مرجع ل يردهم إل إلى خلف آخر.
يعلم الخوان المسلمون كل هذه الحيثيات ،فهم لهذا أوسع الناس
صدرا مع مخالفيهم ،ويرون أن مع كل قوم علما ،وفي كل دعوة
حقا وباطل ،فهم يتحرون الحق ويأخذون به ،ويحاولون في هوادة
ورفق إقناع المخالفين بوجهة نظرهم .فإن اقتنعوا فذاك ،وإن لم
يقتنعوا فإخوان في الدين ،نسأل الله لنا ولهم الهداية.
إلـى العـلج
يا أخي :اعلم و تعلم أن مثل المم في قوتها و ضعفها و شبابها و
شيخوختها و صحتها و سقمها مثل الفراد سواء بسواء ,فالفرد
بينما تراه قويا معافى صحيحا سليما ,فإذا بك تراه قد انتابته
دت بنيته القوية المراض و اللم , العلل و أحاطت به السقام و ه ّ
و ل يزال يشكو و يئن حتى تتداركه رحمة الله تبارك و تعالى
بطبيب ماهر و نطاسي بارع يعلم موطن العلة و يحسن
تشخيصها حتى و يتعرف موضع الداء و يخلص في علجه ,فإذا
بك بعد حين ترى هذا المريض و قد عادت إليه قوته و رجعت إليه
صحته ,ربما كان بعد هذا العلج خيرا من قبله .
قل مثل هذا في المم تماما ,تعترضها حوادث الزمن بما يهدد
كيانها و يصدع بنيانها و يسري في مظاهر قوتها سريان الداء ,و
ل يزال يلح عليها و يتشبث بها حتى ينال منها فتبدو هزيلة ضعيفة
يطمع فيها الطامعون و ينال منها الغاصبون فل تقوى على رد
غاصب و ل تمنع من مطامح طامح ,و علجها إنما يكون بأمور
ثلثة :معرفة موطن الداء ,و الصبر على آلم العلج ,و
النطاسي الذي يتولى ذلك حتى يحقق اله على يديه الغاية و يتمم
الشفاء و الظفر .
العــراض
و قد علمتنا التجارب و عرفتنا الحوادث أن داء هذه المم
الشرقية متشعب المناحي كثير العراض قد نال من كل مظاهر
حياتها ,فهي مصابه في ناحيتها السياسية بالستعمار من جانب
أعدائها ,و الحزبية و الخصومة و الفرقة و الشتات من جانب
أبنائها ,و في ناحيتها القتصادية بانتشار الربا بين كل طبقاتها و
استيلء الشركات الجنبية على مواردها و خيراتها ,و هي مصابة
من الناحية الفكرية بالفوضى و المروق و اللحاد يهدم عقائدها و
يحطم المثل العليا في نفوس أبنائها ,و في ناحيتها الجتماعية
بالباحية في عاداتها و أخلقها و التحلل من عقدة الفضائل ورثتها
عن الغر الميامين من أسلفها و بالتقليد الغربي يسري في
مناحي حياتها سريان لعاب الفاعي فيسمم دمائها و يعكر صفو
هنائها و بالقوانين الوضعية التي ل تزجر مجرما و ل تؤدب معتديا
و ل ترد ظالما ,و ل تغني يوما من اليام غناء القوانين السماوية
التي وضعها خالق الخلق و مالك الملك و رب النفوس و بارئها ,و
بفوضى في سياسة التعليم و التربية تحول دون التوجيه الصحيح
لنشئها و رجال مستقبلها و حملة أمانة النهوض بها ,و في ناحيتها
النفسية بيأس قاتل و خمول مميت و جبن فاضح و ذلة حقيرة و
خنوثة فاشية و شح و أنانية تكف اليدي عن البذل و تقف حجابا
دون التضحية و تخرج المة من صفوف المجاهدين إلى اللهين
اللعبين .
إن داء واحدا من هذه الدواء يكفي لقتل أمم متظاهرة ,فكيف و
قد تفشت جميعا في كل أمة على حدة ؟ لول مناعة و حصانة و
جلدة و شدة في هذه المم الشرقية التي جاذبها خصومها حبل
العداء من بعيد ,و دأبوا على تلقيحها بجراثيم هذه المراض زمنا
طويل حتى باضت و أفرخت ,لول ذلك لعفت آثارها و لبادت من
الوجود ,و لكن يأبى الله ذلك و المؤمنون .
لهذا لسنا يائسين أبدا ,و آيات الله تبارك و تعالى و أحاديث
رسوله صلى اله عليه و سلم وسنته تعالى في تربية المم
وإنهاض الشعوب بعد أن تشرف على الفناء ,و ما قصه علينا
في كتابه ,كل ذلك ينادينا بالمل الواسع ,و يرشدنا إلى طريق
النهوض و لقد علم المسلون – لو يتعلمون . -
سى مو َ ن ن َب َأ ِ ُم ْ ك ِ ن ,ن َت ُْلو عَل َي ْ َ مِبي ِ ب ال ْ ُ ت ال ْك َِتا ِ ك آَيا ُ )طسم ,ت ِل ْ َ
جع َ َ
ل ض وَ َ َ قوْم ٍ ي ُؤْ ِ ن ِبال ْ َ
عل ِفي الْر ِ ن َ ن فِْرعَوْ َ
َ
ن ,إِ ّ مُنو َ حق ّ ل ِ َ وَفِْرعَوْ َ
َ
م
ساءَهُ ْ حِيي ن ِ َ ست َ ْ م وَي َ ْ ح أب َْناَءهُ ْ م ي ُذ َب ّ ُ من ْهُ ْ ة ِ ف ً طائ ِ َ ف َ ضع ِ ُ ست َ ْ شَيعا ً ي َ ْ أهْل ََها ِ
َ
فوا ِفي ضع ِ ُست ُ ْنا ْ ذي َ ن عََلى ال ّ ِ م ّن نَ ُ ريد ُ أ ْ ن ,وَن ُ ِ دي َ س ِ ف ِ م ْن ال ْ ُ م َ ن ِ ه َ
كا َ إ ِن ّ ُ
ض َ َ ّ ْ َ َ َ َ
م ِفي الْر ِ ن لهُ ْ مك َ ن ,وَن ُ َ وارِِثي َ م ال َ جعَلهُ ُ ة وَن َ ْ م ًم أئ ِ ّ جعَلهُ ْ ض وَن َ ْ الْر ِ
ن(حذ َُرو َ كاُنوا ي َ ْ ما َ م َ من ْهُ ْما ِ جُنود َهُ َ ن وَ ُ ما َ ها َ ن وَ َ وَن ُرِيَ فِْرعَوْ َ
)القصص. (6-1:
أما الوسيلة التي وعدتك الكلم عليها فهي أركان ثلثة تدور عليها
فكرة الخوان:
المقياس
و أنا أريد في هذه الكلمة أن أكشف للناس عن دعوة الخوان
المسلمين و غايتها و مقاصدها و أساليبها و وسائلها في صراحة و
وضوح و في بيان و جلء ,و أحب أول أن أحدد المقياس الذي
نقيس به هذا التوضيح ,و سأجتهد في أن يكون القول سهل
ميسورا ل يتعذر فهمه على قارئ يحب أن يستفيد ,و أظن أن
أحدا من المة السلمية جميعا ل يخالفني في أن يكون هذا
المقياس هو كتاب الله نستقي من فيضه و نستمد من بحره و
نرجع إلى حكمه .
إن القرآن الكريم كتاب جامع جمع الله فيه أصول العقائد و
أسس المصالح الجتماعية ,و كليات الشرائع الدنيوية ,فيه
أوامر وفيه نواه ,فهل عمل المسلمون بما في القرآن فاعتقدوا
و أيقنوا بما ذكر الله من المعتقدات ,و فهموا ما أوضح لهم من
الغايات ؟ و هل طبقوا شرائعه الجتماعية و الحيوية على
تصرفاتهم في شؤون حياتهم ؟ إن انتهينا من بحثنا أنهم كذلك
فقد وصلنا معا إلى الغاية ,و إن تكشف البحث عن بعدهم عن
طريق القرآن و إهمالهم لتعاليمه و أوامره فاعلم أن مهمتنا أن
نعود بأنفسنا و بمن تبعنا إلى هذا السبيل
غاية الحياة في القرآن
إن القرآن حدد غايات الحياة و مقاصد الناس فيها فبين أن قوما
غايتهم من الحياة الكل و المتعة
ر
طي ِ
قَنا ِ ن َوال ْ َ
ساء َوال ْب َِني َ ن الن ّ َ م َت ِ وا ِ ب ال ّ
شهَ َ ح ّس ُ ن ِللّنا ِ )ُزي ّ َ
ْ َ ْ ْ ْ َ
ثحْر ِ
مةِ َوالن َْعام ِ َوال َ سوّ َم َ ل ال ُ خي ْ ِ
ضةِ َوال َ ف ّ ب َوال ِ ن الذ ّهَ ِ م َقنطَرةِ ِ م َ ال ْ ُ
ب( )آل عمران(14: مآ ِ ن ال ْ َ س ُ
ح ْ عند َهُ ُه ِ مَتاعُ ال ْ َ
حَياةِ الد ّن َْيا َوالل ُ ك َ ذ َل ِ َ
م َوافْعَُلوا ال ْ َ َ
خي َْر دوا َرب ّك ُ ْ دوا َواعْب ُ ُ ج ُ س ُ مُنوا اْرك َُعوا َوا ْ نآ َ ذي َ )َيا أي َّها ال ّ ِ
ما م وَ َ جت ََباك ُ ْ
جَهادِهِ هُوَ ا ْ حقّ ِ دوا ِفي اللهِ َ جاهِ ُ ن ,وَ َ حو َ فل ِ ُ
م تُ ْ ل َعَل ّك ُ ْ
ل عَل َيك ُم في الدين من حرج مل ّ َ َ
مماك ُ ُ س ّ م هُوَ َ هي َم إ ِب َْرا ِة أِبيك ُ ْ ّ ِ ِ ْ َ َ ٍ ّ ْ ْ ِ جعَ َ َ
مو دا عَل َي ْك ُْ ِ ًهي َ
ش لُ سو ر
َ ّ ُ ال ن كوُ َ يِ ل َ
ذا َ ه في و
ْ َ ِ ُ
ل ب َ ق من َ ِ ن لميِ س ال ُ ْ
م ْ
صلةَ َوآُتوا الّز َ َ َ َت َ ُ
موا ص ُ كاةَ َواعْت َ ِ موا ال ّ س فَأِقي ُ داء عَلى الّنا ِ شه َ َ كوُنوا ُ
صيُر( )الحج.(78-77: موَْلى وَن ِعْ َ
م الن ّ ِ م ال ْ َم فَن ِعْ َ ولك ُ ْ م ْ ِباللهِ هُوَ َ
و ومن ذلك نرى المسلم يجعل دنياه وقفا على دعونه ليكسب
آخرته جزاء تضحيته
و صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ) :تعس عبد الدينار ,
تعس عبد الدرهم ,تعس عبد القطيفة(
الغاية أصل العمال
و بما أن الغاية هي التي تدفع إلى الطريق ,و لما كانت الغاية
في أمتنا غامضة مضطربة كان لبد من أن نوضح و نحدد ,و
أظننا وصلنا إلى كثير من التوضيح و اتفقنا على أن مهمتنا سيادة
الدنيا و إرشاد النسانية كلها إلى نظم السلم الصالحة و تعاليمه
التي بغيرها أن يسعد النسان .
مصادر غايتنا
تلك هي الرسالة التي يريد الخوان المسلمون أن يبلغوها للناس
و أن تفهمها المة السلمية حق الفهم ,و تهب لنفاذها في عزم
و في مضاء ,لم يبتعها الخوان ابتداعا ,و لم يختلقوها من
أنفسهم ,و إنما هي الرسالة التي تتجلى في كل آية من آيات
القرآن الكريم ,و تبدوا في غاية الوضوح في كل حديث من
أحاديث الرسول العظيم صلى الله عليه و سلم و تظهر في كل
عمل من أعمال الصدر الول الذين هم المثل العلى لفهم
السلم و إنفاذ تعاليم السلم ,فإن شاء المسلمون في أن يقبلوا
هذه الرسالة كان ذلك دليل اليمان و السلم الصحيح ,و إن رأوا
فيها حرجا أو غضاضة فبيننا و بينهم كتاب الله تبارك و تعالى ,
حكم عدل و قول فصل يحكم بيننا و بين إخواننا و يظهر الحق لنا
أو علينا
ْ َ ْ
حين( )العراف: فات ِ ِ
خي ُْر ال َ
ت َ
حقّ وَأن َ ن قَوْ ِ
مَنا ِبال َ )َرب َّنا افْت َ ْ
ح ب َي ْن ََنا وَب َي ْ َ
.(89
استطراد
يتساءل كثير من إخواننا الذين أحببناهم من كل قلوبنا و وقفنا
لخيرهم و العمل لمصلحتهم الدنيوية و الخروية جهودنا و أموالنا و
أرواحنا ،و فنينا في هذه الغاية ،غاية إسعاد أمتنا و إخواننا ،عن
أموالنا و أنفسنا.
و إني أجيب هؤلء بأن الدعوات الدينية عمادها اليمان قبل المال
،و العقيدة قبل العراض الزائلة ،و إذا وجد المؤمن الصحيح و
جدت معه وسائل النجاح جميعا ،و إن في مال الخوان المسلمين
القليل الذي يقتطعونه من نفقاتهم و يقتصدونه من ضرورياتهم و
مطالب بيوتهم و أولدهم ،و يجودون به طيبة نفوسهم سخية به
قلوبهم ،يود أحدهم لو كان له أضعاف أضعاف فينفقه في سبيل
الله ،فإذا لم يجد بعضهم شيئا تولوا و أعينهم تفيض من الدمع
حزنا أل يجدوا ما ينفقون .في هذا المال القليل و اليمان الكبير و
لله الحمد و العزة بلغ لقوم عابدين و نجاح للعاملين الصادقين ,
و إن الله الذي بيده كل شيء ليبارك في القرش الواحد من
صد ََقا ِ
ت( )البقرة: ه الّربا وَي ُْرِبي ال ّ
حقُ الل ُ
م َ
قروش الخوان ,و )ي َ ْ
.(276
ن(
فو َ
ضع ِ ُ م ال ْ ُ
م ْ ه اللهِ فَُأول َئ ِ َ
ك هُ ُ ج َ
ن وَ ْ
دو َ
ري ُ ن َز َ
كاةٍ ت ُ ِ م ْم ِ
ما آت َي ْت ُ ْ
)و َ َ
)الروم. (39:
نحن و السياسة
و يقول قوم آخرون إن الخوان المسلمين قوم سياسيون و
دعوتهم سياسية و لهم من وراء ذلك مآرب أخرى .و ل ندري إلى
متى تتقارض أمتنا التهم و تتبادل الظنون و تتنابز باللقاب ،و
تترك يقينا يؤيده الواقع في سبيل ظن توحيه الشكوك.
أجل أجل يا أخي :هذا نداء ربك إليك ,فلبيك اللهم لبيك ,و حمدا
و شكرا لك لنحصي ثناء عليك ,أنت ولي المؤمنين و نصير
العاملين و المدافع عن المظلومين الذين حوربوا في بيوتهم و
أخرجوا من ديارهم ,عز من لجأ إليك و انتصر من احتمى بحماك
أجل أجل يا أخي :تعال نستمع معا إلى صوت القرآن الكريم ,و
نطرب بتلوة اليات البينات ,و نسجل جمال هذه العزة في
صحائف ذلك الكتاب المطهر .
ن(
حي َ ب وَهُوَ ي َت َوَّلى ال ّ
صال ِ ِ ل ال ْك َِتا َ ه ال ّ ِ
ذي ن َّز َ ي الل ُ
ن وَل ِي ّ َ
) – 4إ ِ ّ
)لعراف.(196:
لهذا أيها الخ الكريم فضل السلف الصالح أن يرفعوا نسبتهم إلى
الله تبارك و تعالى ,ويجعلوا أساس صلتهم ومحور أعمالهم
تحقيق هذه النسبة الشريفة فينادي أحدهم صاحبه قائل:
وكل شعب فقد هذه الصفات الربعة ،أو على القل فقدها قواده
ودعاة الصلح فيه ،فهو شعب عابث مسكين ،ل يصل إلى خير،
ل ،وحسبه أن يعيش في جو من الحلم والظنون ول يحقق أم ً
شْيئا ً( )يونس. (36: ن ال ْ َ
حق ّ َ م َ ن الظ ّ ّ
ن ل ي ُغِْني ِ والوهام) :إ ِ ّ
هذا هو قانون الله تبارك وتعالى وسنته في خلقه ولن تجد لسنة
الله تبدي ً
ل:
بين القوتين
يظن كثير من الناس أن الشرق تعوزه القوة المادية من المال و
العتاد و آلت الحرب و الكفاح لينهض و يسابق المم التي سلبت
حقه و هضمت أهله ,ذلك صحيح و مهم ,و لكن أهم منه و
ألزم :القوة الروحية من الخلق الفاضل و النفس النبيلة و
اليمان و معرفتها و الرادة الماضية ,و التضحية في سبيل
الواجب و الوفاء الذي تنبني عليه الثقة و الوحدة ,و عنهما تكون
القوة .
لو آمن الشرق بحقه و غير من نفسه و اعتنى بقوة الروح و عني
بتقويم الخلق ,لتته وسائل القوة المادية من كل جانب و عند
صحائف التاريخ الخبر اليقين
أرأيت كيف اعتبر السلم تطلع هذا الشخص إلى الثناء و المدح و
هما من طبائع النفوس شركا خفيا يجب أن يتنزه عنه و يسمو
بشرف الغاية النبيلة عنه ؟ و هل هناك أخلص من أن ينسى
النسان نفسه في سبيل غايته ؟ و هل تظن أن رجل يشترط عليه
دينه أن يتجرد من نفسه و يكبت عواطفها و ميولها و أهواءها
حتى يكون جهاده خالصا لله وحده ,يفكر بعد هذا في أن يجاهد
لعصبية أو يغزو لجنس أو قومية ؟ ..اللهم ل .
طريق طويلة
أرجو أن تكون هذه الكلمات المتتاليات في بيان دعوة الخوان
المسلمين قد كشفت للقراء عن غايتهم ,و أبانت لهم و لو إلى
حد ما عن مناهجهم في السير إلى هذه الغاية ,و قد تحدثت من
قبل إلى إخواننا الغيورين على السلم و مجده حديثا طويل هو
أشبه بهذه الكلمات التي رآها القراء تحت عنوان ) :إلى أي
شيء ندعو الناس (
و لقد أصغى إلى من حدثتهم إصغاء مشكورا ,و كنا نتفهم القول
تباعا أول فأول ,حتى خرجنا من المحادثة مقتنعين تماما بشرف
الغاية و نجاح الوسيلة ,و كم كانت دهشتي عظيمة حين رأيت
منهم شبه إجماع على أن هذه السبيل مع التسليم بنجاحها طويلة
,و أن التيارات الجارفة الهدامة في البلد قوية ,مما يجعل اليأس
يدب إلى القلوب و القنوط يستولي على النفوس ,و حتى ل يجد
القراء الكرام هذا الشعور الذي وجده أولئك المتحدثون من قبل ,
أحببت أن تكون هذه الكلمات مفعمة بالمل ,فياضة باليقين في
النجاح إن شاء الله ,و لله المر من قبل و من بعد ,و سأحصر
الموضوع في نظرتين إيجابيتين :
نظرة اجتماعية
يقول علماء الجتماع إن حقائق اليوم هي أحلم المس ,و أحلم
اليوم هي حقائق الغد ,و تلك نظرة يؤيدها الواقع و يعززها
الدليل و البرهان ,بل هي محور تقدم النسانية و تدرجها مدارج
الكمال ,فمن ذا الذي كان يصدق أن يصل العلماء إلى ما وصلوا
إليه من المكتشفات و المخترعات قبل حدوثها ببضع سنين ,بل
إن أساطين العلم أنفسهم أنكروها لول عهدهم بها ,حتى أثبتها
الواقع و أيدها البرهان ,و المثل على ذلك كثيرة ,و هي من
البداهة بحيث يكفينا ذلك عن الطالة بذكرها .
نظرة تاريخية
وإن نهضات المم جميعًا ،إنما بدأت على حال من الضعف يخّيل
للناظر إليها ،أن وصولها إلى ما تبتغي ضرب من المحال.
ومع هذا الخيال ،فقد حدثنا التاريخ أن الصبر والثبات والحكمة
والناة وصلت بهذه النهضات الضعيفة النشأة ،القليلة الوسائل،
إلى ذروة ما يرجوه القائمون بها ،من توفيق ونجاح ،ومن ذا الذي
دق أن الجزيرة العربية وهي تلك الصحراء الجافة المجدبة كان يص ّ
تنبت النور والعرفان ،وتسيطر بنفوذ أبنائها الروحي والسياسي
على أعظم دول العالم؟ ومن ذا الذي كان يظن أن أبا بكر
صاحب القلب الرقيق اللّين ،وقد انتقض الناس عليه ،وحار
أنصاره في أمرهم ،يستطيع أن يخرج في يوم واحد أحد عشر
وم المعوج ،وتؤدب الطاغي وتنتقم من جيشًا ،تقمع العصاة وتق ّ
المرتدين ،وتستخلص حق الله في الزكاة من المانعين؟ .ومن ذا
الذي كان يصدق أن هذه الشيعة الضئيلة المستترة من بني علي
و العباس تستطيع أن تقلب ذلك الملك القوي الواسع الكناف ما
بين عشية وضحاها ,و هي ما كانت في يوم من اليام إل عرضة
للقتل و التشريد و النفي و التهديد ؟ .ومن ذا الذي كان يظن أن
صلح الدين اليوبي يقف العوام الطوال ،فيرد ّ ملوك أوروبا
على أعقابهم مدحورين ،مع توافر عددهم وتظاهر جيوشهم ،حتى
اجتمع عليه خمسة وعشرون ملكا ً من ملوكهم الكابر؟
ذلك في التاريخ القديم ،وفي التاريخ الحديث أروع المثل على
ذلك ،فمن كان يظن أن الملك عبد العزيز آل سعود ،وقد نفيت
سلب ملكه ،يسترد هذا الملك ببضعة أسرته وشّرد أهله و ُ
ً
ل ،ثم يكون بعد ذلك أمل من آمال العالم السلمي وعشرين رج ً
في إعادة مجده وإحياء وحدته؟ ومن كان يصدق أن ذلك العامل
اللماني) هتلر ( يصل إلى ما وصل إليه من قوة 1النفوذ و نجاح
الغاية ؟
هل هناك طريق أخرى؟
و ثم نظرتان سلبيتان تحدثان النتيجة بعينها و توجهان قلب الغيور
إلى العمل توجيها صحيحا .
أولهما :أن هذه الطريق مهما طالت فليس هناك غيرها في بناء
النهضات بناء صحيحا و قد أثبتت التجربة صحة هذه النظرية .
الواجب أول
و ثانيتهما :أن العامل يعمل لداء الواجب أول ,ثم للجر الخروي
ثانيا ,ثم للفادة ثالثا ,و هو إن عمل فقد أدى الواجب ,و فاز
بثواب الله ما في ذلك من شك ,متى توفرت شروطه ,و بقيت
الفادة و أمرها إلى الله ,فقد تأتي فرصة لم تكن في حسابه
تجعل عمله يأتي بأبرك الثمرات ,على حين إنه إذا قعد عن
العمل فقد لزمه إثم التقصير ,و ضاع منه أجر الجهاد و حرم
الفادة قطعا ,فأي الفريقين خير مقاما و أحسن نديا ؟ و قد
أشار القرآن الكريم إلى ذلك في صراحة و وضوح في الية
الكريمة :
َ م ت َعِ ُ ُ
م معَذ ّب ُهُ ْم أو ْ ُ مهْل ِك ُهُ ْ ه ُ ما الل ُ ن قَوْ ً ظو َ م لِ َ من ْهُ ْة ّ م ٌتأ ّ )وَ إ ِذ َ َقال َ ْ
سوا ْ َ
ما ما ن َ ُ ن ,فَل َ ّ قو َ م ي َت ّ ُ م وَل َعَل ّهُ ْمعْذَِرةً إ َِلى َرب ّك ُ ْ دا َقاُلوا ْ َ دي ًش ِ ذاًبا َ عَ َ
موا ْ َ َ
ن ظ َل َ ُ ذي َخذ َْنا ال ّ ِ سوِء وَأ َ ن ال ّ ن عَ ِ ن ي َن ْهَوْ َ ذي َ جي َْنا ال ّ ِذ ُك ُّروا ْ ب ِهِ أن َ
ن( )العراف.(165-164: قو َس ُف ُ كاُنوا ْ ي َ ْما َ س بِ َ ب ب َِئي ٍ ذا ٍ ب ِعَ َ
قصة أمة تتكون
ضعف
نحن الن أمام جبار متكبر يستعبد عباد الله و يستضعفهم و
يتخذهم خدما و حشما و عبيدا و خول ,و بين شعب من الشعوب
الكريمة المجيدة استعبده ذلك الطاغية الجبار ,ثم أراد الله تبارك
تعالى أن يعيد لهذا الشعب المجيد حريته المسلوبة و كرامته
المغصوبة و مجده الضائع و عزه البائد ,فكان أول شعاع من
فجر حرية هذا الشعب إشراق شمس زعيمه العظيم )موسى (
على الوجود طفل رضيعا :
ن
ن ,إِ ّ مُنو َ قوْم ٍ ي ُؤْ ِ حق ّ ل ِ َ ْ
ن ِبال َ سى وَفِْرعَوْ َ مو َ من ن ّب َإ ِ ُ ك ِ )ن َت ُْلوا عَل َي ْ َ
ف َ عل في ال َرض وجع َ َ
م
من ْهُ ْ
ة ّ ف ًطائ ِ َ ضع ِ ُ ست َ ْ شي ًَعا ي َ ْل أهْل ََها ِ ْ ِ َ َ َ ن َ ِ فِْرعَوْ َ
َ يذ َب َ
ريد ُ أن ن ,وَن ُ ِ دي َ س ِف ِ ن ال ْ ُ
م ْ م َ
ن ِ ه َ
كا َ م إ ِن ّ ُ ساءهُ ْ حِيي ن ِ َ ست َ ْ م وَي َ ْ ح أب َْناءهُ ْ ُ ّ ُ
م ه َ لع ج ن و ة م ئ َ أ م ه َ لع ج ن و ض ر َ ل ا في فوا ُ ع ض ت س ا ن ذي ّ لا لى َ ع ن
ْ ِ ََ ْ َ ُ ْ ِ ّ ً ََ ْ َ ُ ُ ِ ِ َ ْ ُ ْ ِ َ م ّ نّ ُ
َ
ض( )القصص.(5-3: م ِفي الْر ِ ن ل َهُ ْ مك ّ َوارِِثين وَن ُ َ ال ْ َ
زعامة
و نحن بعد هذا أمام هذا الزعيم و قد بلغ أشده و استوى ,و تولته
العناية اللهية ,بعد أن أنفت نفسه الظلم و عافت الضيم ,ففر
بنفسه و هرب بحريته ,حيث اصطنعه الله لنفسه و حمله عبء
رسالته ,و أسند إليه خلص شعبه ,فآب مملوءا باليمان مؤيدا
باليقين ,يواجه ذلك الجبار فيطلب إليه أن يعيد إلى شعبه حريته
و يترك له كرامته و يؤمن به و يتبعه .و ما أروع ذلك التهكم المر
اللذع حين يحكي القرآن الكريم قول الرسول العظيم
ل( )الشعراء.(22: سَراِئي َ ة تمنها عَل َ َ )وَت ِل ْ َ
ت ب َِني إ ِ ْ ن عَّبد ّ يأ ْ ّ م ٌ َ ُ َّ ك ن ِعْ َ
أيها الجبار المتحكم في عباد الله ل عبادك ,هل من النعمة التي
تذكرنا بها و الجميل الذي تسديه إلي أن تستعبد شعبي و تحقر
أمتي و تمتهن قومي ؟ إنها صيحة الحق دوت من فم النبي
الكريم فزلزلت عرش الجبار و هزت ملكه :
َ َ ْ
معََنا ب َِني ل َس ْن أْر ِ ن,أ ْ مي َ ب ال َْعال َ ِ ل َر ّ سو ُ قول إ ِّنا َر ُ ن فَ ُ )فَأت َِيا فِْرعَوْ َ
ل َ ,قا َ َ
ن, سِني َ ك ِ مرِ َن عُ ُ م ْ ت ِفيَنا ِ دا وَل َب ِث ْ َ ك ِفيَنا وَِلي ً ل أل َ ْ
م ن َُرب ّ َ سَراِئي َ إِ ْ
ذا وأناَ َ
ل فَعَل ْت َُها إ ِ ً َ َ ن َقا َ ري َ كافِ ِ ن ال ْ َ م َ ت ِ ت وَأن َ ك ال ِّتي فَعَل ْ َ ت فَعْل َت َ َ وَفَعَل ْ َ
ماحك ْ ًب ِلي َرّبي ُ م فَوَهَ َ فت ُك ُ ْ خ ْما ِ م لَ ّمنك ُ ْ ت ِ فَرْر ُ ن ,فَ َ ضاّلي َ ن ال ّ م َِ
ن( )الشعراء.(21-16: لي س
ُ ْ َ ِ َ ر مْ ل ا ن
ِ َ م ني َ
وَ َ َ ِ
ل ع ج
صراع
و نحن الن نشهد غضبة القوة على الحق كيف تثور عليه و تنتقم
منه و تعذب أهله و تقهر مناصريه ,ثم كيف يصبر أهل الحق على
كل ذلك ,و كيف يعللهم رؤساؤهم بالمال الحلوة و الماني
العزبة حتى ل يجد الخور إلى نفوسهم سبيل :
عو َ
دوا ْ ِفي
س ُف ِ ه ل ِي ُ ْم ُسى وَقَوْ َ مو َ ن أت َذ َُر ُ من قَوْم ِ فِْر َ َ مل ُ ِ ل ال ْ َ
)وََقا َ
م وَإ ِّنا َ قت ّ ُ ك َقا َ ك َوآل ِهَت َ َض وَي َذ ََر َ َ
ساءهُ ْ حِيـي ن ِ َ ست َ ْم وَن َ ْ
ل أب َْناءهُ ْ سن ُ َل َ الْر ِ
صب ُِروا ْ إ ِ ّ
ن ست َِعيُنوا ِباللهِ َوا ْ مهِ ا ْقوْ ِ
سى ل ِ َمو َل ُ ن َ ,قا َ م َقاهُِرو َفَوْقَهُ ْ
ْ ْ َ
ن(
قي َمت ّ ِ
ة ل ِل ُ
عَبادِهِ َوالَعاقِب َ ُ
ن ِ م ْ من ي َ َ
شاء ِ ض للهِ ُيورِث َُها َالْر َ
)العراف. (128-127:
إيمان
و ما أروع أن نشهد ذلك النموذج الخالد من الثبات و الصبر ,و
الستمساك بعروة الحق ,و الستهانة بكل شيء حتى الحياة في
سبيل اليمان و العقيدة من أتباع هذا الزعيم الذين آمنوا بدعوته ,
و قد تحدوا هذا الجبار في استهانة و استماتة :
َ
مّنا ب َِرب َّنا ضي هَذِهِ ال ْ َ
حَياةَ الد ّن َْيا ,إ ِّنا آ َ ق ِ
ما ت َ ْض إ ِن ّ ٍَ ت َقاما أن َ )َفاقْ ِ
ض َ
قى( َ
خي ٌْر وَأب ْ َ ه َ َ ْ َ َ فَر ل ََنا َ
حرِ َوالل ُ س ْن ال ّ م َ
ما أكَرهْت ََنا عَلي ْهِ ِ خطاَياَنا وَ َ ل ِي َغْ ِ
)طه. (73-72:
انتصار
فإذا رأينا كل ذلك رأينا عاقبته في القسم الخامس و ما أدراك ما
هي ؟ فوز و فلح و انتصار و نجاح و بشرى تزف إلى المهضومين
,و أمل يتحقق للحالمين ,و صيحة الحق المبين تدوي في آفاق
الرض :
َ
ن عَد ُوّك ُ ْ
م( )طه. (80: م ْ جي َْنا ُ
كم ّ ل قَد ْ أن َ
سَراِئي َ
)َيا ب َِني إ ِ ْ
منزلة الصــلة
قد علمت ـ أعزك الله ـ أن الخوان المسلمين رأوا في السلم
أفضل الوسائل لتهذيب نفوسهم وتجديد أرواحهم وتزكية
أخلقهم ،فاقتبسوا من نوره عقيدتهم واغترفوا من فيضه
مشربهم .وأنت جد عليهم بأن منزلة الصلة من السلم منزلة
الرأس من الجسد ,فهي عماده ودعامته وركنه وشعيرته
ومظهره الخالد وآيته الباقية ,وهى مع ذلك قرة العين وراحة
الضمير وأنس النفس وبهجة القلب والصلة بين العبد والرب ,
والمرفأة تصعد برقيها أرواح المحبين إلى أعلى عليين فتنعم
بالنس وترتع في رياض القدس وتجتمع لها أسباب السعادة من
عالمي الغيب والشهادة .
وتلك بارقة تسطع في نفس من قدح زنادها ،وحلوة يستشعرها
من تذوق شهدها ،وهل رأيت بربك أعزب وأحلى وأروع وأجلى
من مظهر ذلك الخاشع العابد الراكع الساجد القانت آناء الليل
يحذر الخرة ويرجو رحمة ربه وقد نامت العيون وهدأت الجفون
واطمأنت الجنوب في المضاجع وخل كل حبيب بحبيبه ونادى
منادى العارفين من المحبين :
وبكاؤهن لغير فقدك باطل سهر العيون لغير وجهك ضائع
آه يا أخي ،إن موقفا ً واحدا ً من هذه المواقف أنفع للقلب وأفعل
في النفس وأذكى للروح من ألف عظة قولية وألف رواية تمثيلية
وألف محاضرة كلمية ،وجرب تر ،ولمر ما كان ذلك في لسان
كاُنوا قَِليل ً نَ , سِني َ
ح ِ م ْ ك ُ ل ذ َل ِ َ م َ
كاُنوا قَب ْ َ القرآن آية الحسان ) ,إ ِن ّهُ ْ
َ
ن( )الذريات-16: فُرو َ ست َغْ ِ م يَ ْ حارِ هُ ْس َ ن ,وَِبال ْ جُعو َ ما ي َهْ َ ل َ ن الل ّي ْ ِم َِ
. . (18
َ ُ َ ً ً
م
ي لهُ ْ ف َخ ِ ما أ ْ س َف ٌ م نَ ْ ولمر ما كان أجر هؤلء سنيا خفيا َ) ,فل ت َعْل ُ
َ
ن( )السجدة ، (17:ألم يكن مُلو َ
كاُنوا ي َعْ َ ما َ جَزاًء ب ِ َ ن َ ن قُّرةِ أعْي ُ ٍ م ْ ِ
عملهم خفيا كذلك ،وهل تصلح الخلوات في حضرة الرقباء؟ وهل ً
يلذ لمحب في غير خلوة نجاء ؟ وهل جزاء الحسان إل
الحسان ؟ ولقد حدثوا أن أبا القاسم الجنيد رؤي بعد وفاته فقيل
له :ما فعل الله بك ؟ فقال :طاحت الشارات وفنيت العبارات
وغابت العلوم وضاعت الرسوم وما نفعنا إل ركيعات كنا نركعها
في جوف الليل .
ل تستغرب ـ أيها القارئ الكريم ـ فما نفع القلب خير من خلوة
يدخل بها ميدان فكره ،وما تزكت النفس بأفضل من ركعات
خاشعات تجلو القلوب وتقشع صدأ الذنوب وتغسل درن العيوب
وتقذف في القلب نور اليمان وتثلج الصدر ببرد اليقين .
والمسلمون في هذا العصر أمام الصلة طرائق قدد وطوائف
بدد :فمنهم قوم أضاعوها وأهملوها وتركوها وجهلوها ،وإذا
ووا رؤوسهم ورأيتهم ذكرتهم بأمرها أو خضت معهم في شأنها ل ّ
يصدون وهم مستكبرون ويحسبونه هينا ً وهو عند الله عظيم .
داها ويصفه ول أحب أن أقول أن منهم من ينهي عنها ويحقر من أ ّ
بالرجعية والتأخر والجمود والتقهقر ،وانك لتسمع من هؤلء
وأشباههم أذى كثيرا ً ومزاعم غريبة وكلما تعجب منه وتندهش له
من هُ ْ ذي َن ,ال ّ ِ صّلي َ
م َ ل ل ِل ْ ُ وكأنهم لم يسمعوا قول الله تعالى ) :فَوَي ْ ٌ
ن( )الماعون.(5-4: هو َسا ُ م َ صلت ِهِ ْ ن َ عَ ْ
وإنه ليزداد عجبك ويتضاعف اندهاشك حين تعلم أن من الذين
يعملون لدعوة السلم ،ويتصدرون كراسي الدفاع في القضية
السلمية ،من يهمل أمر الصلة ويصغر من شأنها كأن النبي لم
يصرح بأنها عماد الدين وفريضة المؤمنين ،وكأنهم لم يسمعوا
قوله صلى الله عليه وسلم )ليس بين العبد والشرك إل ترك
الصلة فإذا تركها فقد أشرك( .
ولسنا نحاول أن نقنع هؤلء بما هو أوضح من الصبح وأجلي من
الضوء وأظهر من الشمس ،ولكنا نسأل الله لنا ولهم كمال
الهداية وتمام التوفيق .
ونحن بعد هؤلء أمام صنفين من المسلمين :
الغالبية العظمي والكثرة الساحقة ،وهؤلء يؤدون صلة آلية
ميكانيكية ورثوها عن آبائهم واعتادوها بمرور اليام وكر العوام ل
يتعرفون أسرارها ول يستشعرون آثارها ،وحسب أحدهم أن
يلفظ الكلمات ويأتي بالحركات ويسرد الهيئات ثم ينصرف معتقدا ً
أنه أدي الفريضة وأقام الصلة وخلص من العقوبة ونال الثواب ..
هذا وهم ل حقيقة له .وليست هذه القوال والفعال من الصلة
إل جسما روحه الفهم وقوامه الخشوع وعماده التأثر ،وقد ورد
في الحديث )إنما الصلة تمسكن وتواضع وتضرع وتأوه..الخ (
)ورد من رواية الترمذى والنسائي(.
ولهذا رأيت أكثر الناس ل ينتفعون بصلتهم ول ينتهون بها عن
الفحشاء والمنكر ،مع أنها لو كملت لثمرت تزكية النفس
وتطهير القلب ولمنعت صاحبها اقتراف الثام وغشيان المحارم .
وصنف ثاني من الناس ـ وهو قليل نادر ـ فهم هذه المعاني من
أسرار الصلة فهو جاد في تحقيقها عامل علي استكمالها ،يصلي
بخشوع وتدبر واطمئنان وتفكر ،ويخرج من صلته وقد تذوق
حلوة العبادة وتأثر بمشاعر الطاعة واستنار بنور الله الذي يتجلى
به علي من وصلوا نفوسهم بجلل معرفته .وفي الحديث ) :من
صلي صلة لوقتها وأسبغ وضوءها وأتم ركوعها وسجودها
وخشوعها عرجت وهي بيضاء مصفرة تقول حفظك الله كما
حفظتني ومن صلها لغير وقتها ولم يسبغ وضوءها ولم يتم
ركوعها ول سجودها ول خشوعها عرجت وهي سوداء مظلمة
تقول ضيعك الله كما ضيعتني ،حتى إذا كانت حيث شاء الله لفت
كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجهه(.
ولهذا تفاوتت درجات الناس واختلفت ثوابهم وإن اتحدت الصلة
شكل ومظهرا ً وقول وفعل ً .
ولهذا كانت عناية السلف الصالحين رضوان الله عليهم عظيمة
بإحضار قلوبهم في صلواتهم وتمام خشوعهم في عباداتهم .
م ِفي
ن هُ ْ ولهذا كان أول وصف وصف به المؤمنون ) :ال ّ ِ
ذي َ
ن( )المؤمنون. (2: شُعو َخا ِ
م َ
صلت ِهِ ْ
َ
علم الخوان المسلمون هذا فأخذوا أنفسهم به وحاولوا أن
يدرجوا عليه وكان أهم مظهر من مظاهرهم العملية :أن يحسنوا
الصلة ،وهم يعتقدون أنهم بهذا يسلكون أقرب السبل إلى تجديد
َ
ر
صب ْ ِ
ست َِعيُنوا ِبال ّ
مُنوا ا ْ
نآ َ
ذي َالنفوس وتطهير الرواح َ) ,يا أي َّها ال ّ ِ
ن( )البقرة. (153: ري َ
صاب ِ ِ
معَ ال ّ
ه َ
ن الل َ
صلةِ إ ِ ّ
َوال ّ
ً
فيا أيها الخ المسلم :تفهم ذلك جيدا ،وكن مثال الحسان في
صلتك ،واعتقد أن أول الخطوات العملية فيها بيننا أن نحسن
الصلة والزكاة.
هما فريضتان ،جعلهما الله سياج الملة ومظهر الشريعة ,وقرن
بينهما في كثير من آيات كتابه الكريم تنبيها ً علي عظيم فضلهما
وإظهارًالجللة قدرهما :هما الصلة والزكاة ..فبالولي صلح ما
بينك وبين الله ،وبالثانية صلح مابينك وبين الخلق .وهل في
الوجود إل خالق ومخلوق ؟ فإذا صلح شأنه معهما فقد بلغت غاية
الصلح ووصلت إلى ذروة السعادة .
الــزكاة
ولئن كانت الصلة مطهرة النفس وتصفية الروح ،فإن الزكاة
صد َقَ ً
ة خذ ْ م َ
م َ وال ِهِ ْم َنأ ْ مطهرة المال وتصفية الكسب ْ ِ ُ ) :
م( )التوبة: َ
ن لهُ ْسك َ ٌ ك َ صلت َ َن َم إِ ّ ل عَل َي ْهِ ْ
ص ّم ب َِها وَ َكيهِ ْ ت ُط َهُّرهُ ْ
م وَت َُز ّ
(103
ولقد جعل الله تبارك وتعالى الصلة والزكاة مظهر اليمان ودليل
ن َتاُبواصحة العقيدة ،وأشار القرآن في الية الكريمة ) :فَإ ِ ْ
َ
ن( )التوبة, (11: دي ِ م ِفي ال ّ وان ُك ُ ْخ َ وا الّز َ
كاةَ فَإ ِ ْ صلةَ َوآت َ ُ موا ال ّ وَأَقا ُ
وهو بمفهومه يدل علي أن من قصر في أداء الصلة والزكاة
فليس من الخوان في الدين .
وكان هذا المعني هو الذي فهمه أبو بكر رضي الله عنه حين قاتل
مانعي الزكاة وأقره عليه صحابة رسول الله وأطلق علي كثير
ممن منعوا الزكاة )المرتدون( :روي الستة عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال ) :لما توفي النبي ،وكفر من كفر من العرب ،قال
عمر لبي بكر رضي الله عنهما :كيف تقاتل الناس وقد قال
رسول الله ) :أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ل إله إل الله ،
فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إل بحقه وحسابه علي الله
تعالى(؟ فقال أبو بكر :والله لقاتلن من فرق بين الصلة والزكاة
،فإن الزكاة حق المال .والله لو منعوني عقال ًً كانوا يؤدونها إلى
رسول الله لقاتلتهم علي منعها .قال عمر :فوالله ما هو إل أن
رأيت أن الله شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق( .وفي
رواية عقال ً )والعناق النثي من ولد المعز ،والعقال الحبل الذي
تقيد به الدابة( .
فانظر يا رعاك الله كيف عبر أبو هريرة رضي الله عنه عن مانعي
الزكاة بقوله ) :كفر من كفر( ،وكيف رأي أبو بكر أن منع الزكاة
هدم للدين يستوجب قتال مانعها وأن شهد أن ل إله إل الله ،
وكيف أقر عمر رأي أبي بكر وعرف أنه الحق .
ولقد توعد الله ورسوله مانعي الزكاة أشد الوعيد ،فقال تبارك
لسِبي ِ قون ََها ِفي َ ف ُة َول ي ُن ْ ِ ض َف ّب َوال ْ ِ ن الذ ّهَ َ ن ي َك ْن ُِزو َذي َ وتعالى َ) :وال ّ ِ
َ
وى م فَت ُك ْ َجهَن ّ َمى عَل َي َْها ِفي َنارِ َ ح َ م يُ ْ
ب أِليم ٍ ,ي َوْ َ ذا ٍ م ب ِعَ َشْرهُ ْ اللهِ فَب َ ّ
ماذوُقوا َ م فَ ُ ُ
سك ْف ِ م لن ْ ُ َ
ما كن َْزت ُ ْ ذا َ م هَ َ ُ
م وَظُهوُرهُ ْ جُنوب ُهُ ْ م وَ ُجَباهُهُ ْ ب َِها ِ
ن( )التوبة ، (35-34:وفي الحديث أن رسول الله ْ
م ت َكن ُِزو َ ك ُن ْت ُ ْ
صلي الله عليه وسلم قال ) :من آتاه الله مال ً فلم يؤد زكاته مثل
له يوم القيامة شجاعا ً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة يأخذ
بلهزمتيه يقول أنا كنزك ( ,والشجاع القرع هو الثعبان الخطر
واللهزمتان هما الشدقان .
وفي الحديث كذلك ):ويل للغنياء من الفقراء يوم القيامة ،
يقولون :ربنا ظلمونا حقوقنا التي جعلت لنا فيقول الله تبارك
وتعالى وعزتي وجللي لدنينكم ولبعدنهم(.
وإنما كان ذلك كذلك لن الزكاة نظام المشروعات وقوام
العمال النافعة وتقويم الفطرة الشحيحة ..تعود السخاء وتدرب
علي القصد وتطبع القلوب علي الحب وتدعو النفوس إلى اللفة
وتنزع الغلل والحقاد ،وتدعو إلى التعاون والتساند في الخيرات
وتجنب أصول الشرور والمفاسد ،وتخمد نار الثورات والفتن
..وكل امرئ يولي الجميل محبب ،ومن وجد الحسان قيدا
تقيدا .
والزكاة مهمة من مهمات الحاكم :عليه القيام بجمعها ،وتنظيم
تحصيلها والشراف علي إنفاقها في مصارفها التي جعل الله لها .
ولو أن الحكومات السلمية عنيت بشأن الزكاة لكانت لها موردا ً
حلل ً طيبا ً يغنيها عن الضرائب الجائرة والمكوس الظالمة ولحيت
بذلك فريضة ضائعة وركنا ً مهمل من أركان السلم .فأما إذا
نسيت الحكومات السلمية واجبها حيال الزكاة جمعا ً وإعطاًء ،
فإن على الفراد أن يقوموا بإحياء هذه الشعيرة وإعادة هذه
الفريضة وإخراج حق الله لعيال الله ،فمن قصر في ذلك فإثمه
على نفسه وجريرته على عنقه وجزاؤه أليم عند ربه .
وها أنت ترى أن أفراد المسلمين تغافلوا عن حق الله في
أموالهم ولم يخروا نصيب الفقراء من إيرادهم ،مما قطع العلئق
وأكثر الجرائم ولوث النفوس وزاد أحقادها وأضغانها .
رأى الخوان المسلمون ذلك فأرادوا أن يكونوا الرعيل الول
يضربون للناس المثل عمليا ً في إحياء هذا الركن ،ويبدءون
بأنفسهم فيخرجون زكاة أموالهم طيبة بها نفوسهم ،فإذا نجحوا
في ذلك كانوا حجة على المقصرين ودليل ً للراغبين ودعاة
للقاعدين .
وقد سبقت إلى الخير في هذا الشأن برمبال القديمة من
أعمال مديرية الدقهلية بالقطر المصري ،فجمعت الزكاة
وصرفتها في مصارفها التي جاءت بها الية الكريمة :
فةِمؤَل ّ َن عَل َي َْها َوال ْ ُ ن َوال َْعا ِ
مِلي َ كي ِ
سا ِ
م َ قَراِء َوال ْ َف َت ل ِل ْ ُ
صد ََقا ُما ال ّ )إ ِن ّ َ
ل
سِبي ِ ن ال ّ ْ م وَِفي الّرَقا ِ قُُلوب ُهُ ْ
ل اللهِ َواب ْ ِ سِبي ِن وَِفي َ مي َ ب َوالَغارِ ِ
م( )التوبة.(60: كي ٌح ِ
م َ ه عَِلي ٌن اللهِ َوالل ُ م َة ِ
ض ًري َ فَ ِ
ولقد كنت عظيم الشفاق شديد الخوف من انقسام الوحدة
وانصداع الكلمة ،لن في المسلمين الن خصال تحول دون
اجتماعهم على مثل هذا الخير ،ول سيما إذا اتصل بالمادة والمال
فما بالك إذا كان المشروع من أساسه ماليا ً ؟ كنت أخشى على
إخوان برمبال شح الغنياء وغلهم أيديهم عن العطاء ..وتهم
الظنيين الذين يخلقون لكل شيء عيبا ً ولو كان هو الكمال
مجسما ً ،فيلمزون المطوعين بالرياء ويلمزون الجامعين
بالمحاباة ..وجشع الخذين الذين يود أحدهم أن لو كان ما جمع
له كله ليس من غيره من منصب ..والعادات المتوارثة التي
درجنا عليها والتي تجعل كل بيت ممن بقيت فيهم بقية من
المحافظة على إخراج الزكاة يفضل أن يشرف بنفسه على
صرف زكاة ماله ول يؤثر بذلك غيرة مهما كان في هذا اليثار من
فائدة .
كنت أخشى على إخوان برمبال هذه المعوقات الربعة وهي
واضحة ملموسة في مجتمعاتنا مما يبكي ويؤسف ولكن إخوان
برمبال وأهل برمبال كانوا أرفع من ذلك وأسمي فقرت بهم
العين وسعدت بهم النفس واطمأن بعملهم القلب وأثبتوا للناس
أن الطهارة ـ إن خالطت نفوسهم ـ والثقة ـ إن تبودلت بينهم ـ
كفيلتان بتذليل كل عقبة .
لقد كان أغنياء برمبال أرفع من أن يمتنعوا عن أداء حق الله إذ
داعي الزكاة بهم أهابا ..ولقد كان فقراء برمبال أرفع من أن تمتد
أعينهم إلى حقوق إخوانهم فما هو إل أن وصل إلى كل منهم ما
قسم له من الزكوات المجموعة حتى سرت نفسه ولهج لسانه
بالدعاء للمزكين وللمنظمين ..ولقد كان إخوان برمبال أحكم
وأحزم بتوفيق الله تعالى من أن يدعو للتهم مجال وللظنة شبهة .
فتكونت منهم لجنة أولي لعمل الكشوف بالمستحقين أخذ عليها
العهد والميثاق أل تحابي ول تجامل ول تفشي سرا ول تظهر
عورة ثم تلتها لجنه أخرى للفحص عن هذه الكشوف ومراجعتها
والتثبت من صحتها ثم لجنه ثالثة لتقدير النصبة المستحقة لكل
من تثبت حاجته واستحقاقه ثم لجنه رابعه لمراجعة هذا التقدير
وإقراره ثم لجنه خامسه للقيام بالتوزيع عمليا .وكان هذا النظام
الدقيق الموفق مدعاة إلى العجاب والفرح من كل من شاهدوه
أو علموا به أو رأوا آثاره الرضية في نفوس برمبال وجيران
برمبال ..وكان أهل برمبال بعد ذلك أكبر من العادات وأسمي من
القيود فاتبعوا الرشد وأثاروا التعاون وضربوا في ذلك أروع المثل
في تحقيق أمنية كنا نحلم بها من زمن بعيد .
أفلست ترى أيها القارئ بعد هذا البيان أن الخوان المسلمين
قوم عمليون ...وأفل يري الخوان المسلمون في ذلك تحقيقا ً
لمالهم فيعملوا علي أن نسمع في القريب عن هذه الخطوات
صلةَ َوآُتوا الّز َ َ
كاةَ موا ال ّ الموفقة في بقية الشعب النشيطة )فَأِقي ُ
صيُر( )الحج: موَْلى وَن ِعْ َ
م الن ّ ِ م ال ْ َ ولك ُ ْ
م فَن ِعْ َ م ْ
موا ِباللهِ هُوَ َ
ص ُ
َواعْت َ ِ
.(78
الجهـاد عّزنــا
مر السبوع الفائت ولم أناج القراء الكرام فيه بهذه الخطرات
التي تمليها العاطفة ويفيض بها القلب عن جهود الخوان
المسلمين .ول أكتم القراء الكرام أني وجدت لذلك ألم الحرمان
ووخز الضمير ل لننا نحب أن نرائي الناس بعملنا أو نظهرهم
علي جهودنا ,فقد يعلم الله أن الخوان المسلمين يعملون وهم
يبتغون وجه الله ويريدون بذلك رضوانه ول ينتظرون من أحد
جزاء ول شكورا ,ويعتقدون أنهم إنما يقومون ببعض ما يوجبه
السلم علي أبنائه ول يزالون بعد مقصرين .وإنما نحب أن نبلغ
الناس دعوتنا ونحدد لهم وجهتنا ونكشف عن حقيقتنا ،لعلنا نجد
منهم أعوانا على الخير وهداة إلى البر فيتضاعف النفع ويقرب
المدى وتدنو الغاية ويتحقق ما نرجو من إصلح شامل وإنقاذ
عاجل .
وإن كل يوم يمضي ل تعمل فيه المة عمل ً للنهوض من كبوتها
يؤخرها أمدا ً طويل ً .وإن في دعوة الخوان لو فقهها الناس لمنقذا ً
،وإن في منهاجهم لو اتبعته المة لنجاحا ً ,وإن في جهودهم لو
أعينوا عليها لمل ً ،وما النصر إل من عند الله العزيز الحكيم .
وبعد فقد ورد في الصحيح ما معناه أن معاذا ً tكان يسير مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ) :إن شئت يا معاذ
حدثتك برأس هذا المر وذروة السنام منه .إن رأس هذا المر ل
إله إل الله وحده ل شريك له وأن محمدا ً عبده ورسوله ،وإن
قوام هذا المر إقامة الصلة وإيتاء الزكاة وإن ذروة السنام منه
الجهاد في سبيل الله .إنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقيموا
الصلة ويؤتوا الزكاة ويشهدوا أن ل إله إل الله وحده ل شريك له
وأن محمدا ً عبده ورسوله ،فإذا فعلوا ذلك فقد اعتصموا وعصموا
دماءهم وأموالهم إل بحقها وحسابهم علي الله عز وجل ,والذي
نفس محمد بيده ما شحب وجه ول أغبرت قدم في عمل تبتغي
به درجات الجنة بعد الصلة المفروضة كجهاد في سبيل الله ،ول
أثقل ميزان عبد كداّبه تنفق )أي تموت( في سبيل الله أو يحمل
عليها في سبيل الله(.
ذلك تعريف النبي صلى الله عليه وسلم للسلم وهو أعرف
الناس بالسلم وإن الخوان المسلمين ل يحملون الناس علي
غير السلم ومبادئ السلم ،ول ينهجون إل مناهج السلم
وشعاب السلم .
وقد حدثتك عنهم في الصلة والزكاة وما يريدون من أنفسهم
ومن الناس حيالها ،وهي قوام المر ودعامته .فلتحدث إليك
الن عن الخوان المسلمين المجاهدين ،وماذا يريدون من
أنفسهم ومن الناس حيال الجهاد في سبيل الله وهو من السلم
ذروة السنام .
من الجهاد في السلم أيها الحبيب :عاطفة حيه قويه تفيض حنانا ً
إلى عز السلم ومجده ،وتهفو شوقا ً إلى سلطانه وقوته ،وتبكي
حزنا ً علي ما وصل إليه المسلمون من ضعف وما وقعوا فيه من
مهانة ،وتشتعل ألما ً علي هذا الحال الذي ل يرضي الله ول
يرضي محمدا ً عليه الصلة والسلم ول يرضي نفسا ً مسلمة وقلبا ً
مؤمنا ً .و)من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم( كما ورد في
الحديث الصحيح .
إن كان في القلب لمثل هذا يذوب القلب من كمد
إسلم وإيمان
ومن الجهاد في سبيل الله أيها الحبيب :أن يحملك هذا الهم
الدائم والجوى اللحق علي التفكير الجدي في طريق النجاح
وتلمس سبيل الخلص وقضاء وقت طويل في فكرة عميقة
تمحص بها سبل العمل وتتلمس فيها أوجه الحيل لعلك تجد لمتك
منفذا أو تصادف منقذا ً ،ونية المرء خير من عمله والله يعلم
خائنة العين وما تخفي الصدور .
ومن الجهاد في سبيل الله أيها الحبيب :أن تنزل عن بعض وقتك
وبعض مالك وبعض مطالب نفسك لخير السلم وبني
المسلمين ..فإن كنت قائدا ً ففي مطالب القيادة تنفق ،وإن كنت
تابعا ً ففي مساعدة الداعين تفعل ،وفي كل خير ,وكل وعد الله
كا َ َ
ن
م ْ دين َةِ وَ َ م ِل ال ْ َ ن له ْ ِ ما َ الحسني ,والله تبارك وتعالى يقول ) َ
خل ّ ُ َ ن ال َعَْرا
َ
ل اللهِ َول ي َْرغُبوا ِ سو ن َر ُ ْ فوا عَ ن ي َت َ َ بأ ْ ِ م َ م ِ حوْل َهُ ْ َ
ٌ َ َ َ َ
ب َول ص ٌ مأ َول ن َ َ مظ َ صيب ُهُ ْ م ل يُ ِ سهِ ذ َل ِك ب ِأن ّهُ ْ ف ِ ن نَ ْم عَ ْ سه ِ ْ ف ِ ب ِأن ْ ُ
ن ُ ُ ْ ُ ً ُ َ
فاَر َول ي ََنالو َ طئا ي ُِغيظ الك ّ موْ ِ ن َ ل اللهِ َول ي َطأو َ سِبي ِ ة ِفي َ ص ٌ م َ خ َ م ْ َ
جَر َ ٌ َ ُ ً
ضيعُ أ ْ ه ل يُ ِ َ الل نّ ِ إ حٌ ِ ل صا
َ ل م
َ َ ع ِ ه ب
ُ ْ ِ م ه ل ب
َ ِ ت ك إلِ لْ يَ ن ّ و ُ د َ ع ن
ِ ْ م
ن َواِديا ً قطُعو َ َ صِغيَرةً َول ك َِبيَرةً َول ي َ ْ ة َ ق ً ف َ ن نَ َ قو َ ف ُ ن َ ,ول ي ُن ْ ِ سِني َ ح ِ م ْ ال ْ ُ
إل ك ُت ِب ل َهم ل ِيجزيهم الل َ
ن( )التوبة-120: مُلو َ كاُنوا ي َعْ َ ما َ ن َ س َ ح َ هأ ْ ُ َ ُ ْ َ ْ َُِ ُ ِ
. (121
ومن الجهاد في سبيل الله أيها الحبيب :أن تأمر بالمعروف وأن
تنهي عن المنكر ،وأن تنصح لله ورسوله ولكتابه ولئمة
المسلمين وعامتهم ،وأن تدعوا إلى سبيل ربك بالحكمة
والموعظة الحسنه وما ترك قوم التناصح ال ذلوا وما أهملوا
ن ذي َ ن ال ّ ِالتآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر ال خذلوا ) ,ل ُعِ َ
كم ذ َل ِ َ مْري َ َ ن َ سى اب ْ ِ عي َ داوُد َ وَ ِ ن َ سا ِ ل عََلى ل ِ َ سرائي َ ن ب َِني إ ِ ْ م ْ فُروا ِ كَ َ
سمن ْك َرٍ فَعَُلوهُ ل َب ِئ ْ َ ن ُ ن عَ ْ كاُنوا ل ي َت ََناهَوْ َ نَ , دو َ كاُنوا ي َعْت َ ُ وا وَ َ ص ْ ما عَ َ بِ َ
ن( )المائدة. (79-78: فعَلو َ ُ ما كاُنوا ي َ ْ َ َ
و من الجهاد في سبيل الله ايها الحبيب :ان تتنكر لمن تنكر لدينه
وان تقاطع من عادي الله ورسوله فل يكون بينك وبينه صله ول
معامله ول مؤاكله ول مشاربه وفي الحديث ) :إن أول ما دخل
النقص علي بني اسرائيل انة كان الرجل يلقى الرجل فيقول :يا
هذا اتق الله ودع ما تصنع فانه ل يحل لك ثم يلقاه من الغد وهو
علي حاله فل يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما
فعلو ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض(.
ومن الجهاد في سبيل الله أيها الحبيب :أن تكون جنديا ً لله تقف
له نفسك ومالك ل تبقي علي ذلك من شئ .فإذا هدد مجد
السلم وديست كرامة السلم ودوي نفير النهضه لستعادة مجد
هن الل َ السلم كنت أول مجيب للنداء وأول متقدم للجهاد ) ,إ ِ ّ
َ َ ن أ َن ْ ُ
ة( )التوبة: جن ّ َ م ال ْ َ ن ل َهُ ُ م ب ِأ ّ وال َهُ ْ م َ م وَأ ْ سهُ ْ ف َ مِني َ مؤْ ِ ن ال ْ ُ م َ شت ََرى ِ ا ْ
, (111وفي الحديث) :من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه
مات علي شعبة من النفاق( رواه مسلم وأبو داود والنسائي
.وبذلك يتحقق ما يريد الله من نشر السلم حتى يعم الرض
جميعا ً .
ومن الجهاد في سبيل الله أيها الحبيب :أن تعمل علي إقامة
ميزان العدل وإصلح شئون الخلق وانصاف المظلوم والضرب
علي يد الظالم مهما كان مركزه وسلطانه .
وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي
صلي الله عليه وسلم قال ) :أفضل الجهاد كلمة حق عند
سلطان أو أمير جائر( رواه أبو داود والبخاري بمعناه ،وعن جابر
رضي الله عنه :قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ) :سيد
الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره
ونهاه فقتله( رواه ابن ماجه باسناد صحيح .
ومن الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى ان لم توفق إلى شئ
من ذلك كله :أن تحب المجاهدين من كل قلبك وتنصح لهم
بمحض رأيك وقد كتب الله لك بذلك الجر وأخلك من التبعة .ول
تكن غير ذلك فيطبع علي قلبك ويؤاخذك أشد المؤاخذة ) :ل َي ْ َ
س
ما ن َ دو َ ج ُ ن ل يَ ِ ذي َ ضى َول عََلى ال ّ ِ مْر َ فاِء َول عََلى ال ْ َ ضعَ َ عََلى ال ّ
ل
سِبي ٍ ن َ م ْ ن ِ سِني َ ح ِ م ْ ما عََلى ال ْ ُ سول ِهِ َ حوا للهِ وََر ُ ص ُ ذا ن َ َ ج إِ َ حَر ٌ ن َ قو َ ف ُي ُن ْ ِ
َ
تل م قُل ْ َ مل َهُ ْ ح ِ ك ل ِت َ ْ ما أت َوْ َ ذا َ ن إِ َ ذي َ م َ ,ول عََلى ال ّ ِ حي ٌ فوٌر َر ِ ه غَ ُ َوالل ُ
َ َ َ َ
دوا ج ُحَزنا ً أل ي َ ِ مِع َ ن الد ّ ْ م َ ض ِ في ُْ م تَ ِ وا وَأعْي ُن ُهُ ْ م عَل َي ْهِ ت َوَل ّ ْ مل ُك ُ ْ ح ِ ما أ ْ جد ُ َ أ ِ
ك وه ُ َ
ضوا م أغْن َِياُء َر ُ ست َأذُِنون َ َ َ ْ ن يَ ْ ذي َ ل عََلى ال ّ ِ سِبي ُ ما ال ّ ن ,إ ِن ّ َ قو َ ف ُ ما ي ُن ْ ِ َ
ن( َ َ ُ ُ َ َ ْ ُ َ
مو َ م ل ي َعْل ُ م فهُ ْ ه عَلى قلوب ِهِ ْ ف وَطب َعَ الل ُ وال ِ ِ خ َ م ع َ ال َ ن ي َكوُنوا َ ب ِأ ْ
)التوبة. (93-91:
وبعد فهذه بعض مراتب الجهاد في السلم ودرجاته فأين الخوان
المسلمون من هذه الدرجات؟
فأما أنهم محزونون لما وصل اليه المسلمون آلمون ،فعلم الله
أن أحدهم يجد من ذلك ما يذيب لفائف قلبة وينال من أعماق
نفسة ويحز في قرارة فؤادة ويمنعة في كثير من الحايين النس
بأهله وإخوانه والمتعة بكل ما في الوجود من لذة وجمال .
وأما انهم يفكرون في سبيل الخلص ،فعلم الله أنه ما من فكرة
تحتل أفكارهم وما من خطة تستهوى عواطفهم وما من شان
يشغل عقولهم كهذا الشان الذي ملك عليهم رؤوسهم وقلوبهم
واستبد منهم بشعورهم وتفكيرهم.
وأما أنهم يبذلون في هذا السبيل وقتا ومال ،فحسبك أن تزور
ناديا من أنديتهم لترى عيونا أذبلها السهر ووجوها أشحبها الجلد
وجسوما أضناها النصب وأخذ منها العياء على أنها فتّية بإيمانها
قوية بعقيدتها ،وشبابا يقضون ليلهم إلى ما بعد انتصافه مكبين
على المكتب أو عاكفين على المناضد وأترابهم في لهوهم
وأنسهم ومتعتهم وسمرهم .ورب عين ساهرة لعين نائمة وإنما
ن نحتسب ذلك عند الله ولنمتن به ) ,بل الله يمن عَل َيك ُ َ
مأ ْ ْ ْ ُ َ ُ ّ َ ِ
ن( )الحجرات. (17: صادِِقي َ ن ك ُن ْت ُ ْ
م َ ن إِ ْ
ما ِ
لي َ
م لِ ِداك ُ ْهَ َ
فإذا سألت عن المال الذي ينفق علي دعوتهم فما هو إل مالهم
القليل يبذلونه في سخاء ورضاء وراحة وطمأنينة .وإنهم
ليحمدون الله إذ ترقت تضحيتهم بالمال من درجة السخاء
بكماليات العيش إلى درجة القتصاد من ضرورياته وإنفاق ما
مك هُ ُ سهِ فَُأول َئ ِ َف ِح نَ ْ
ش ّ ن ُيوقَ ُ م ْ يقتصد في سبيل الدعوة ) ,وَ َ
ن( )الحشر , (9:ما أسعدنا أن يقبل الله منا ذلك وهو حو َفل ِ ُ ال ْ ُ
م ْ
منه وإليه .
وأما أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر :فقد بدأوا في
ذلك بأنفسهم ثم بأسرهم وبيوتهم ثم بإخوانهم وأصدقائهم وهم
يتذرعون في ذلك بالصبر والناه والحكمة والموعظة وهل تري
جريدتهم هذه إل مظهرا ً من مظاهر المر بالمعروف والنهي عن
المنكر؟ وهل تري عظاتهم وأقوالهم إل سبيل ً في هذه السبيل ؟
وأما ما بقي من درجات الجهاد فواجب الجماعة فعلي الجماعة
أن تجيب ,وإن الخوان المسلمين في ذلك الرعيل الول ل
يدخرون وسعا ً ول يحتجزون جهدا ً ،وهم يعلمون منزلة ذلك من
السلم ويعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ) :من لقي
الله بغير اثر من جهاد لقي الله وفيه ثلمة( رواه الترمذي وابن
ماجه .وهم يسألون الله أن يوفقهم إلى لقائه وليس بهم ثلمات .
ن( مؤْ ِ
مِني َ ض ال ْ ُ حّر ِ س َ
ك وَ َ ف َ وقد قال الله تعالى لنبيه ) :ل ت ُك َل ّ ُ
ف ِإل ن َ ْ
)النساء ، (84:وإنا لنرجوا أن نكون بذلك قد أبلغنا الجماعة ،وأن
يكون هذا الصوت قد وصل إلى نفوسهم فوجد منها خصوبة يزداد
دوا
جاهَ ُ
ن َ بها عدد العاملين وتنتظم معها صفوف المجاهدين )َوال ّ ِ
ذي َ
ن( )العنكبوت.(69: سِني َ
ح ِ معَ ال ْ ُ
م ْ ه لَ َ سب ُل ََنا وَإ ِ ّ
ن الل َ ِفيَنا ل َن َهْدِي َن ّهُ ْ
م ُ
حــق القرآن
ما رأيت ضائعا ً أشبه بمحتفظ به ول مهمل ً أشبه بمعني بشأنه من
القرآن الكريم في أمتنا هذه :أنزل الله القرآن الكريم كتابا ً
محكما ً ونظاما ً شامل ً وقواما ً لمر الدين والدنيا ) ,ل ي َأ ِْتيهِ ال َْباط ِ ُ
ل
ميدٍ( )فصلت. (42: ح ِ
كيم ٍ َ
ح ِ
ن َ
م ْ زي ٌ
ل ِ خل ْ ِ
فهِ ت َن ْ ِ ن َ
م ْ
ن ي َد َي ْهِ َول ِ
ن ب َي ْ ِ
م ْ
ِ
وأعتقد ان أهم الغراض التي تجب علي المة السلمية حيال
القرآن الكريم ثلثة مقاصد :
تلك أهم المقاصد والغراض التي أنزل الله لها كتابه وأرسل به
نبيه وتركه فينا من بعده واعظا ً مذكرا ً وحكما ً عدل ً وقسطاسا ً
مستقيما ً .ولقد فهم السلف رضوان الله عليهم هذه المقاصد
فقاموا بتحقيقها خير قيام ,فكان منهم من يقرأ القرآن في ثلث
ومنهم من يقرأه في سبع ومنهم من يقرأه في أقل من ذلك أو
أكثر .ولقد كان بعضهم إذا شغل عن ورده من القرآن نظر في
المصحف وقرأ بعض اليات الكريمة وقال :حتى ل أكون ممن
اتخذوا هذا القرآن مهجورا ً .فكان القرآن ربيع قلوبهم وورد
عباداتهم يتلونه آناء الليل وأطراف النهار .ورضي الله عن الخليفة
الثالث الذي لم يسل المصحف والحصار علي بابه والسيف علي
عنقه
وأنت إذا رجعت إلى سيرهم لم تجد واحدا منهم هجر كتاب الله
أو ترك تلوته أسبوعا ً واحدا فضل
عن شهر كامل فضل عن السنين والعوام .ول أحب أن أطيل
عليك بما أشرقت به كتب السير واستنارت بضوء سناه صحائف
كتب التاريخ .وهم حينما أرادوا أن يستنبطوا أحكام دين الله كان
القرآن أول المصادر ،وما الول إذن ان لم يكن كتاب الله ؟ وها
أنت ترى أن المصطفي صلى الله عليه وسلم قد أقر معاذا حين
سأله بم يحكم ،فقال بكتاب الله وبدأ به ثم ثنا بالسنة المطهرة.
وقد علمت أن عمر رضي الله عنه حظر علي كثير من الصحابة
الكرام أن يحدثوا الناس ـ وهم حديثوا عهد بالسلم ـ بالحاديث
والوقائع حتى يفقهوهم في كتاب الله أول ويقفوهم علي حلله
وحرامه .وقد علمت كذلك أن الئمة من صدور التابعين وتابعيهم
بإحسان أمثال سعيد بن المسيب ما كانوا يسمحون للناس بتدوين
فتاويهم حذر النصراف بأقوالهم عن كتاب الله .ولقد مزق سعيد
الصحيفة من يد من دّون إفتاءه وقال :تأخذ كلمي وتدع كتاب
الله ثم تذهب تقول قال سعيد قال سعيد ! عليك بكتاب الله
وسنة رسوله .
كذلك كان ،يوم كان السلم غضا ً طريا ً ،وثمر الدين بالغا ً جنيا ً ،
ويوم فهم المسلمون حكمة وجود القرآن بينهم كما علمهم رب
ه مَباَر ٌ
ك ل ِي َد ّب ُّروا آَيات ِ ِ ب أ َن َْزل َْناهُ إ ِل َي ْ َ
ك ُ القرآن ونبي القرآن ) ,ك َِتا ٌ
َ ُ
ص.(29: ب( ) ّ وَل ِي َت َذ َك َّر أوُلو الل َْبا ِ
ثم دالت تلك الدولة ،وذهب ماكان للقرآن علي عقول الناس
وألبابهم من صولة ،وسرت في ألسنتهم وعقولهم لوثة العجمة ،
فإذا هم في ناحية والقرأن في ناحية أخرى وبين الناحيتين بعد
المشرقين :
فأما التعبد بتلوة القرآن وقرائته آناء الليل وأطراف النهار فالنذر
اليسير منا من عني بذلك وعمل عليه ..وأما بقية المتعبدين فلهم
فيما وضعوا لنفسهم ووضع لهم شيوخهم من أوراد وأحزاب
ً
ووظائف وصلوات ما تركوا به كتاب الله وأحلوه محله حفظا و
اهتماما ً وتعبدا ً وتلوة ً وترديدا ً وتكرارا ً .
وما نحرم تلوة الوراد الصحيحة ،ول نحول بين الناس والدعية
والحزاب التي ل تخالف ظاهر الشريعة .ولكن نقول لهم :كتاب
الله أولى أول ً ،رتبوا على أنفسكم منه أحزابا ً تصل قلوبكم به
وتربط أرواحكم بفيضه وإشراقه ،ثم اذكروا الله بعد ذلك بما
شئتم من الصيغ التي تنطبق علي أحكام الدين .أما أن تهملوا
القرآن جملة وتجعلوا عبادتكم كلها مما وضعتم لنفسكم أو وضع
غيركم لكم فترك لكتاب الله ،وإهمال لحقوقه .
وأما استنباط الحكام منه فقد وقع الناس في جهالة بكتاب الله
تجعل بينهم وبين ذلك حجابا ً كثيفا ً وسدا ًُ منيعا ً ،مما اضطرهم إلى
القناعة بالملخصات والرضا بالتعليقات وقصر هممهم عن السمو
إلى ما هو أرقي من ذلك من الغايات .
هذا كلم أعتقد أن القراء فيه قسمان :قسم درس تاريخ المم
وأطوار نهوضها فهو مؤمن به معتقد له ،وقسم لم تتح له هذه
الفرصة فإن شاء ليعلم أني لم أقل إل الحق وإن شاء وثق فما
أريد إل الصلح ما استطعت .
والمر الثاني :أن الصلة منقطعة تماما ً بين السابق اللحق ..
يصل السابق إلى نصف الطريق فإذا جاء اللحق لم يتبعه لنقطاع
الصلة بينهم ،فيبدأ طريقا ً جيدا ً قد يصل فيه إلى مقدار ما وصل
سابقه وقد يقصر عنه وقد يسبق قليل ً ،ولكنه على كل حال ل
يصل بالمانة إلى النهاية لن أعمار الفراد قصيرة بالنسبة لعمار
النهضات والشعوب .
فالمسلم مطالب بأداء هذه الوجبات ,و النهوض بها كما فصلها
النظام القرآني ,و عليه أل يقصر في شيء منها ,و قد ورد ذكرها
جميعا في القرآن ,و بينتها بيانا شافيا أعمال النبي و أصحابه و
الذين اتبعوهم بإحسان في بساطة و وضوح ,كل عمل فيها أو
عدة أعمال تقوي و تركز أو عدة مبادئ من النظريات السابقة التي
جاء هذا النظام لتحقيقها و إفادة الناس بنتائجها و آثارها .
- 1بلد بلغ هذا التأثر مبلغا عظيما يصل إلى القلوب و المشاعر ,
كما غير الوضاع و المظاهر ,و من هذه البلد تركيا و مصر ,فقد
انحسر ظل الفكرة السلمية في هذه البلد عن كل الوضاع
الجتماعية ,و طوردت الفكرة السلمية لتقبع في المساجد و
الزوايا و الربط و التكايا .
- 2بلد تأثرت بهذه الحضارة في أوضاعها و مظاهرها الرسمية ,و
لكنها لم تتغلب فيها على المشاعر القلبية كإيران و بلد المغرب و
شمال أفريقيا .
- 3بلد لم تتأثر بهذه الحضارة فيها إل طبقة خاصة من المثقفين و
الحكام دون العامة و الدهماء كسوريا و العراق و الحجاز و كثير من
أجزاء الجزيرة العربية و بقية ممالك السلم .
نستطيع بعد ذلك أن نقول :إن الحضارة الغربية بمبادئها المادية ،قد
انتصرت في هذا الصراع الجتماعي على الحضارة السلمية،
بمبادئها القويمة الجامعة للروح والمادة معا ً في أرض السلم
نفسه ،وفي حرب ضروس ،ميدانها نفوس المسلمين ،وأرواحهم
وعقائدهم وعقولهم ،كما انتصرت في الميدان السياسي
والعسكري ،و ل عجب في هذا ،فإن مظاهر الحياة ل تتجزأ ،والقوة
م قوة فيها جميعًا ،والضعف ضعف فيها جميعا ً كذلك) :وت ِل ْ َ َ
ك الّيا ُ َ
س( )آل عمران , (140:وإن كان مبادئ السلم ن الّنا ِ داوِل َُها ب َي ْ َنُ َ
وتعاليمه ظلت قوية في ذاتها فياضة بالخصب والحياة ،جذابة أخاذة
بروعتها وجمالها ،وستظل كذلك ،لنها الحق ولن تقوم الحياة
النسانية كاملة فاضلة بغيرها ،ولنها من صنع الله وفي حياطته:
ْ حافِ ُ
ه ِإل
ن( )الحجر) , (9:وَي َأَبى الل ُ ظو َ ه لَ َ
ن ن َّزل َْنا الذ ّك َْر وَإ ِّنا ل َ ُ ح ُ)إ ِّنا ن َ ْ
ن( )التوبة. (32: َ ْ َ َ َ
م ُنوَرهُ وَلوْ كرِهَ الكافُِرو َ ن ي ُت ِ ّ
أ ْ
10ـ وصـــيـة
أيها الخوان المسلمون ،اسمعوا :
أردت بهذه الكلمات أن أضع فكرتكم أمام أنظاركم فلعل ساعات
عصيبة تنتظرنا يحال فيها بيني وبينكم إلي حين ؛ فل أستطيع أن
أتحدث معكم أو أكتب إليكم ،فأوصيكم أن تتدبروا هذه الكلمات
وأن تحفظوها إذا استطعتم وأن تجتمعوا عليها ،وإن تحت كل كلمة
لمعاني جمة.
ً ً
أيها الخوان :أنتم لستم جمعية خيرية ول حزبا سياسيا ول هيئة
موضعية لغراض محدودة المقاصد .ولكنكم روح جديد يسري في
قلب هذه المة فيحييه بالقرآن ،ونور جديد يشرق فيسدد ظلم
المادة بمعرفة الله ،وصوت داو يعلو مرددا ً دعوة الرسول صلي
الله عليه وسلم ومن الحق الذي ل غلو فيه أن تشعروا أنكم
تحملون هذا العبء بعد أن تخلي عنه الناس .
إذا قيل إلم لكم تدعون ؟ ...فقولوا ندعو إلي السلم الذي جاء به
محمد صلي الله عليه وسلم والحكومة جزء منه والحرية فريضة
من فرائضه ،فإن قيل لكم هذه سياسة ! فقولوا هذا هو السلم
ونحن ل نعرف هذه القسام .
وإن قيل لكم أنتم دعاة ثورة ،فقولوا نحن دعاة حق وسلم نعتقده
ونعتز به ،فإن ثرتم علينا ووقفتم في طريق دعوتنا فقد أذن الله
أن ندفع عن أنفسنا وكنتم الثائرين الظالمين .وإن قيل لكم إنكم
حد َهُ وَك َ َ
فْرَنا مّنا ِباللهِ وَ ْ
تستعينون بالشخاص والهيئات فقولوا ) :آ َ
جوا في عدوانهم فقولوا : ن( )غافر , (84:فإن ل ّ كي َ م ْ
شرِ ِ ما ك ُّنا ب ِهِ ُ
بِ َ
ن( )القصص. (55: جاهِِلي َ ْ
م ل ن َب ْت َِغي ال َ َ
م عَلي ْك ُ ْسل ٌ ) َ
واجــبات
أيها الخوان ..
ـ آمنوا بالله واعتزوا بمعرفته والعتماد عليه والستناد إليه ،فل
تخافوا غيره ول ترهبوا سواه .وأدوا فرائضه واجتنبوا نواهيه .
ـ وترقبوا بعد ذلك نصر الله وتأييده .والفرصة آتية ل ريب فيها ,
شاُء وَهُوَ ال ْعَ ِ
زيُز ن يَ َ
م ْ
صُر َ
صرِ اللهِ ي َن ْ ُ
ن ,ب ِن َ ْ
مُنو َ ح ال ْ ُ
مؤْ ِ فَر ُ
مئ ِذٍ ي َ ْ
)وَي َوْ َ
م( )الروم. (5-4: حي ُ الّر ِ
وفقنا الله وإياكم لما يحبه و يرضاه ،وسلك بنا وبكم مسالك
الخيار المهتدين ،وأحيانا ً حياة العزاء السعداء وأماتنا موت
المجاهدين والشهداء إنه نعم المولي ونعم النصير .
مقدمــة
حيـم ِ
ن الّر ِ
مـ ِ
ح َ
ســم ِ اللهِ الّر ْ
ِبـ ْ
أيها الخوان :
كنت أود أن نظل دائما نعمل ول نتكلم ,وأن نكل العمال وحدها
الحديث عن الخوان وخطوات الخوان ,وكنت أحب أن تتصل
خطواتكم اللحقة بخطواتكم السابقة في هدوء وسكون من غير
هذا الفاصل الذي نحدد به جهاد عشر سنوات مضت لنستأنف
مرحلة أخرى من مراحل الجهاد الدائب في سبيل تحقيق فكرتنا
السامية .
ولكنكم أردتم هذا ,وأحببتم أن تسعدونا بهذا الجتماع الشامل
فشكرا لكم ,و ل بأس أن ننتهز هذه الفرصة الكريمة فنستعرض
نتائجنا ,ونراجع فهرس أعمالنا ,ونستوثق من مراحل طريقنا
ونحدد الغاية والوسيلة فتتضح الفكرة المبهمة ,و تصحح النظرة
الخاطئة ,و تعلم الخطوة المجهولة ,وتتم الحلقة المفقودة ,
ويعرف الناس الخوان المسلمين على حقيقة دعوتهم ,من غير
لبس ول غموض .
ل بأس بهذا ,ول بأس بأن يتقدم إلينا من وصلته هذه الدعوة و
من سمع أو قرا هذا البيان ,برأيه في غايتنا و وسيلتنا و خطواتنا
فنأخذ الصالح من رأيه ,و ننزل على الحق من مشورته ,فإن
الدين النصيحة لله و لرسوله ولكتابه ولئمة المسلمين وعامتهم .
اعتقدت هذا و اعتقدت إلى جانبه أنه ليست هناك نظم و ل تعاليم
تكفل سعادة هذه النفوس البشرية و تهدي الناس إلى الطرق
لهذه السعادة كتعاليم السلم الحنيف الفطرية الواضحة ,و ليس
هنا مجال تفصيل هذه التعاليم هذه التعاليم ,و ل مجال التدليل
على أنها تتضمن هذه النتيجة ,و تكفل سعادة البشرية جميعا
فلذلك مجال آخر ,فضل عن أننا كلنا فيما أعتقد شركاء في
التسليم بصحة هذه النظرية ,على أن كثيرا من غير المسلمين
يقر بها و يعترف بما في السلم من جمال و كمال .
و لهذا وقفت نفسي منذ نشأت على غاية واحدة هي إرشاد
الناس إلى السلم حقيقة و عمل ,و لهذا كانت فكرة الخوان
المسلمين إسلمية بحتة في غايتها و في وسائلها ,ل تتصل بغير
السلم ي شيء .
ظلت هذه الخواطر حديثا نفسانيا ومناجاة روحية بها في نفسي
لنفسي ,و قد أفضي بها إلى كثير ممن حولي ,و قد تظهر في
شكل دعة فردية أو خطابة وعظية أو درس في المساجد إذا
سنحت فرصة التدريس ,أو حث لبعض الصدقاء و العلماء على
بذل الهمة و مضاعفة المجهود ,في إنقاذ الناس و إرشادهم إلى
ما في السلم من خير .
ثم كانت في مصر و غيرها من بلدان العالم السلمي حوادث
عدة ألهبت نفسي و أهابت كوامن في قلبي ,و لفتت نظري إلى
وجوب الجد و العمل ,و سلوك طريق التكوين بعد التنبيه ,و
التأسيس بعد التدريس ,و ل أطيل عليكم بتفصيل حوادث انتهى
أمرها و عفت آثارها ,و فاء إلى الرشد أو بعض الرشد أصحابها .
- 4التدرج في الخطوات
وأما التدرج والعتماد على التربية ووضوح الخطوات في طريق
الخوان المسلمين ،فذلك أنهم اعتقدوا أن كل دعوة لبد لها من
مراحل ثلث :مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة وإيصالها
إلى الجماهير من طبقات الشعب ،ثم مرحلة التكوين وتخير
النصار وإعداد الجنود وتعبئة الصفوف من بين هؤلء المدعوين،
ثم بعد ذلك كله مرحلة التنفيذ والعمل والنتاج ،وكثيرا ً ما تسير
هذه المراحل الثلث جنبا ً إلى جنب نظرا ً لوحدة الدعوة وقوة
الرتباط بينها جميعًا ،فالداعي يدعو ،وهو في الوقت نفسه يتخير
ويربي ،وهو في الوقت عينه يعمل وينفذ كذلك .
في حدود هذه المراحل سارت دعوتنا ول تزال تسير ،فقد بدأنا
بالدعوة فوجهناها إلى المة في دروس متتالية وفي رحلت
متلحقة وفي مطبوعات كثيرة وفي حفلت عامة وخاصة ،وفي
جريدة الخوان المسلمين الولى ثم في مجلة النذير السبوعية،
ول زلنا ندعو ،وسنظل كذلك ،حتى ل يكون هناك فرد واحد لم
تصله دعوة الخوان المسلمين على حقيقتها الناصعة ،وعلى
وجهها الصحيح ،ويأبى الله إل أن يتم نوره ،وأظن أننا وصلنا في
هذه المرحلة إلى درجة نطمئن عليها وعلى اطراد السير فيها،
وصار من ألزم واجباتنا أن نخطو الخطوة الثانية ،خطوة الختيار
والتكوين والتعبئة .
مصارحة
أيها الخوان المسلمون وبخاصة المتحمسون المتعجلون منكم :
اسمعوها مني كلمة عالية داوية من فوق هذا المنبر في مؤتمركم
هذا الجامع :إن طريقكم هذا مرسومة خطواته موضوعة
حدوده .ولست مخالفا ً هذه الحدود التي اقتنعت كل القتناع بأنها
أسلم طريق للوصول ،أجل قد تكون طريقا ً طويلة ولكن ليس
هناك غيرها .إنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل
الدائب ،فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها أو يقتطف
زهرة قبل أوانها فلست معه في ذلك بحال ،وخير له أن ينصرف
عن هذه الدعوة إلي غيرها من الدعوات .ومن صبر معي حتى
تنمو البذرة وتنبت الشجرة وتصلح الثمرة ويحين القطاف فأجره
في ذلك علي الله ،ولن يفوتنا وإياه أجر المحسنين :إما النصر
والسيادة ،وإما الشهادة والسعادة .
الواقع أيها الخوان :أن الباحث حين ينظر إلى مبادئ الحكم
الدستوري التي تتلخص في المحافظة على الحرية الشخصية
بكل أنواعها ,وعلى الشورى واستمداد السلطة من المة وعلى
مسئولية الحكام أمام الشعب و محاسبتهم على ما يعملون من
أعمال ,وبيان حدود كل سلطة من السلطات هذه الصول كلها
يتجلى للباحث أنها تنطبق كل النطباق على تعاليم السلم
ونظمه وقواعده في شكل الحكم .
بقي بعد ذلك أمران :أولهما النصوص التي تصاغ في قالبها هذه
المبادئ ,و ثانيهما طريقة التطبيق التي تفسر بها عمليا هذه
النصوص ,إن المبدأ السليم القويم قد يوضع في نص مبهم
غامض فيدع مجال للعبث و بسلمة المبدأ في ذاته ,و إن النص
الظاهر الواضح للمبدأ السليم القويم قد يطبق و ينفذ بطريقة
يمليها الهوى و توحيها الشهوات ,فيذهب هذا التطبيق بكل ما
يرجى من فائدة .
وإذا كان الله ورسوله قد حرم الزنا وحظر الربا ومنع الخمور
وحارب الميسر وجاء القانون يحمى الزانية و الزاني ويلزم بالربا
ويبيح الخمر وينظم القمار فكيف يكون موقف المسلم بينهما ؟
أيطيع الله ورسوله ويعصى الحكومة وقانونها والله خير وأبقى ؟
أم يعصى الله ورسوله ويطيع الحكومة فيشقى في الخرة
والولى ؟ نريد الجواب على هذا من رفعة رئيس الحكومة و
معالي وزير العدل و من علمائنا الفضلء الجلء .
أما الخوان المسلمون فهم ل يوافقون على هذا القانون أبدا ول
يرضونه بحال وسيعملون بكل سبيل على أن يحل مكانه التشريع
السلمي العادل الفاضل في نواحي القانون ولسنا هنا في مقام
الرد على ما قيل في هذه الناحية من شبهات أو ما يعترض
سبيلها من توهم العقبات ولكننا في مقام بيان موقفنا الذي عملنا
وسنعمل عليه متخطين في سبيله كل عقبة موضحين كل شبهة
حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله لله .
إن السلم قد فرضها فريضة لزمة ل مناص منها وأن يعمل كل
إنسان لخير بلده وأن يتفانى في خدمته ,و أن يقدم أكثر ما
يستطيع من الخير للمة التي يعيش فيها وأن يقدم في ذلك
القرب فالقرب رحما وجوارا حتى أنه ل يجز أن تنقل الزكوات
أبعد من مسافة القصر – إل لضرورة – إيثارا للقربين بالمعروف
فكل مسلم مفروض عليه أن يسد الثغرة التي هي عليها وأن
يخدم الوطن الذي نشأ فيه ومن هنا كان المسلم أعمق الناس
وطنية لن ذلك مفروض عليه من رب العالمين وكان الخوان
المسلمون بالتالي أشد الناس حرصا على خير وطنهم وتفانيا في
خدمة قومهم ,وهم يتمنون لهذه البلد العزيزة المجيدة كل عزة
ومجد وكل تقدم ورقى ,وكل فلح ونجاح ,و قد انتهت إليها
رياسة المم السلمية بحكم ظروف كثيرة تضافرت على هذا
الوضع الكريم ,و إن حب المدينة لم يمنع رسول الله أن يحن
إلى مكة و أن يقول لصيل ,و قد أخذ يصفها )يا أصيل دع
القلوب تقر( و أن يجهل بلل يهتف في قرارة نفسه :
ومن هنا كانت وحدة العرب أمرا لبد منه لعادة السلم وإقامة
دولته وإعزاز سلطانه ,ومن هنا وجب على كل مسلم أن يعمل
لحياء الوحدة العربية وتأييدها ومناصرتها ،وهذا موقف مجموعة
البحث من الوحدة العربية .
وطنا الشام فيها و وادي النيل ولست أدرى سوى السلم لي
سيان
يقول بعض الناس :إن ذلك يناقض تيار الفكرة السائدة في
العالم فكرة التعصب للجناس و اللوان ,و العالم الن تجربة
موجة القوميات الجنسية ,فكيف تقفون أمام هذا التيار ,و كيف
تخرجون على ما اتفق عليه الناس ؟
و يقول آخرون :إن ذلك غير ممكن و العمل له عبث ل طائل من
تحته و مجهود ل فائدة منه ,و خير للذين يعملون لهذه الجامعة
أن يعملوا لقوامهم يخدموا أوطانهم الخاصة بجهودهم .
يهتف بعض الناس بعد هذا بالوحدة الشرقية ,و أظن أنه لم يثر
هذه النعرة في نفوس الهاتفين بها إل تعصب الغربيين لغربهم و
سوء عقيدتهم في الشرق و أبنائه ,و هم في ذلك مخطئون ,و
إذا استمر الغربيون على عقيدتهم هذه فستجر عليهم الوبال و
النكال ,و الخوان المسلمون ل ينظرون إلى هذه الوحدة
الشرقية إل من خلل هذه العاطفة فقط ,و الشرق و الغرب
عندهم سيان إذا استوى موقفهما من السلم ,و هم ل يزنون
الناس إل بهذا الميزان .
خـاتـمـة
أيها الخوان المسلمون :
تقدمت إليكم في هذا البيان بخلصة وافية موجزة عن فكرتكم
في مظهرها الخاص ,و اليوم كنت احب أن استعرض معكم بعض
المشاكل الجتماعية و القتصادية القائمة في المجتمع المصري ,
و إن شئتم فقولوا السلمي فإن الداء يكون واحدا في الجميع ,
لول ضيق الوقت ,و لول أن ينحصر في واحدة هي :ضعف
الخلق و فقدان المثل العليا ,و إيثار المصلحة الخاصة على
المصلحة العامة ,و الجبن عن مواجهة الحقائق ,و الهروب من
تبعات العلج ,و الفرقة قاتلها الله ,هذا هو الداء ,و الدواء كلمة
واحدة أيضا هي ضد هذه الخلق ,هي علج النفوس أيها الخوان
و تقويم أخلق الشعب :
َ
ها( )الشمس. (10-9: سا َ
ن دَ ّ
م ْ
ب َ ها ,وَقَد ْ َ
خا َ ن َز ّ
كا َ م ْ )قَد ْ أفْل َ َ
ح َ
إلـي العمـــل
أيها الخوة ..
والثاني :أن غير المسلمين حينما جهلوا هذا السلم ،أو حينما
أعياهم أمر وثباته في نفوس اتباعه ،ورسوخه فت قلوب
المؤمنين به ،واستعداد كل مسلم لتفديتة بالنفس والمال ،لم
يحول أن يجرحوا في نفوس المسلمين اسم السلم ول مظاهره
وشكلياته ،ولكنهم حاولوا يحصروا معناه في دائرة ضيقة تذهب
بكل مافية من نواح قوية عملية ،وان تركب للمسلمين بعد ذلك
قشور من اللقاب والشكال والمظهريات ل تسمن ول تغنى من
جوع ....فافهموا المسلمين أن السلم شئ والجتماع شيء أخر
،وان السلم شيء والقانون شئ غيره ،وان السلم شئ
ومسائل القتصاد ل تتصل به ،وان السلم شئ والثقافة العامة
سواه ،وان السلم شئ يجب أن يكون بعيدا ً عن السياسة .
فحدثوني بربكم أيها الخوان ،إذا كان السلم شيئا غير السياسة
وغير الجتماع ،وغير القتصاد ،وغير الثقافة ...فما هو إذن ؟ ....
أم هذا اللفاظ التي هي كما تقون رابعة العدوية :استغفار يحتاج
إلى استغفار ..
ألهذا أيها الخوة نزل القران نظاما كامل محكما مفصل ):ت ِب َْيانا ً
ن( )النحل. (89:مي َ
سل ِ ِ شَرى ل ِل ْ ُ
م ْ ة وَب ُ ْ
م ً
ح َ
هدىً وََر ْ
يٍء وَ ُ
ش ْ ل ِك ُ ّ
ل َ
السـلم الشـامـل
أنا أعلن أيها الخوان من فوق المنبر بكل صراحة ووضوح وقوة ،
أن السلم شئ غير هذا المعنى الذي أراد خصومة والعداء من
أبنائه أن يحصرون فيه ويقيدون به ،وأن السلم عقيدة وعبادة ،
ووطن وجنسية ،وسماحة وقوه ،وخلق ومادة ،وثقافة وقانون ,
وأن المسلم مطالب بحكم إسلمه أن يعني بكل شؤون أمته ،
ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم .
السـياسـة الداخـليـة
دعوني أيها الخوة أسترسل معكم في تقرير هذا المعني ،فأقول
إن كان يراد بالسياسة معناها الداخلي من حيث تنظيم أمر
الحكومة وبيان مهماتها وتفصيل حقوقها وواجباتها ومراقبة
الحاكمين والشراف عليهم ليطاعوا إذا أحسنوا وينقدوا إذا أساءوا
...فالسلم قد عني بهذه الناحية ،ووضع لها القواعد والصول ،
وفصل حقوق الحاكم والمحكوم ،وبين مواقف الظالم
والمظلوم ،ووضع لكل حدا ً ل يحدوه ول يتجاوزه .
وقد قرر السلم سلطة المة وأكدها ،وأوصي بأن يكون كل
مسلم مشرفا ً تمام الشراف علي تصرفات حكومته ،يقدم لها
النصح والمعونة ويناقشها الحساب ،وهو كما فرض علي الحاكم
أن يعمل لمصلحة المحكومين بإحقاق الحق وإبطال الباطل فرض
كذلك أن يسمعوا ويطيعوا للحاكم ما كان علي المحكومين
كذلك ،فإذا انحرف فقد وجب عليهم أن يقوموه علي الحق
ويلزموه حدود القانون ويعيدوه إلي نصاب العدالة ،هذه تعاليم
ن
ما ب َي ْ َ دقا ً ل ِ َ ص ّ م َ حق ّ ُ ب ِبال ْ َ ك ال ْك َِتا َ كلها من كتاب الله ):وَأ َن َْزل َْنا إ ِل َي ْ َ
ع
ه َول ت َت ّب ِ ْ ل الل ُ ما أ َن َْز َ م بِ َ م ب َي ْن َهُ ْ حك ُ ْ منا ً عَل َي ْهِ َفا ْ مهَي ْ ِ ب وَ ُ ن ال ْك َِتا ِ م َ ي َد َي ْهِ ِ
وَ ً ُ ْ ُ
حقّ ل ِك ّ ْ َ َ
من َْهاجا وَل ْ ة وَ ِ شْرعَ ً م ِ من ْك ْ جعَلَنا ِ ل َ ن ال َ م َ جاَءك ِ ما َ م عَ ّ واَءهُ ْ أه ْ َ
شاَء الله ل َجعل َك ُ ُ
قوا ست َب ِ ُم َفا ْ ما آَتاك ُ ْ م ِفي َ ن ل ِي َب ْل ُوَك ُ ْحد َةً وَل َك ِ ْ ة َوا ِ م ً
مأ ّ ُ َ َ ْ َ
ن, فو َ خت َل ِ ُ م ِفيهِ ت َ ْ ُ
ما كن ْت ُ ْ م بِ َ ُ ً
ميعا فَي ُن َب ّئ ُك ْ ج ِ م َ ُ
جعُك ْ مْر ِ ت إ ِلى اللهِ َ َ خي َْرا ِ ال ْ َ
َ َ َ َ
ن
مأ ْ حذ َْرهُ ْ م َوا ْ واَءهُ ْ ه َول ت َت ّب ِعْ أهْ َ ل الل ُ ما أن َْز َ م بِ َم ب َي ْن َهُ ْ حك ُ ْ نا ْ وَأ ِ
ك فَإن تول ّوا َفاعْل َ َ ما أ َن َْز َ
هريد ُ الل ُ ما ي ُ ِ م أن ّ َ ْ ه إ ِل َي ْ َ ِ ْ َ َ ْ ل الل ُ ض َ ن ب َعْ ِ ك عَ ْ فت ُِنو َ يَ ْ
َ س لَ َ َ
حك ْ َ
م ن ,أف َ ُ
قو َس ُفا ِ ن الّنا ِ م َن ك َِثيرا ً ِ ض ذ ُُنوب ِهِ ْ
م وَإ ِ ّ ِ م ب ِب َعْ
صيب َهُ ْ
ن يُ ِ
أ ْ
ن( كما ً ل ِ َ
ح ْ ال ْجاهل ِية يبُغون وم َ
قوْم ٍ ُيوقُِنو َ ن اللهِ ُ م َن ِ س ُح َنأ ْ َ َ َ ْ َ ِ ّ ِ َْ
)المائدة ، (50-48:إلي عشر من اليات الكريمة التي تناولت
كل ما ذكرنا بالبيان والتفصيل .
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في تقرير سلطة المة
وتقرير الرأي العام فيها ) :الدين النصيحة( .قالوا :لمن يا رسول
الله ؟ قال ) :لله ولرسوله ولكتابه ولئمة المسلمين و عامتهم( ..
ويقول أيضا ً )إن من أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر( ،
ويقول كذلك )سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام
إلي إمام جائر فأمره ونهاه فقتله( ..وإلي مئات الحاديث التي
تفصل هذا المعني وتوضحه ،وتوجب علي المسلمين أن يأمروا
بالمعروف وأن ينهوا عن المنكر ،وأن يراقبوا حكامهم ويشرفوا
علي مبلغ احترامهم للحق وإنفاذهم لحكام الله .
فهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يأمر بهذا
التدخل ،أو الشراف أو التناصح ،أو سمه ما شئت ،وحين يحض
عليه ،ويبين أنه الجهاد الكبر ،وأن جزاءه الشهادة العظمي ..
يخالف تعالىم السلم فيخلط السياسة بالدين ،أم أ ،هذه هي
طبيعة السلم الذي بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم ،وأننا
في الوقت الذي نعدل فيه بالسلم عن هذا المعني نصور لنفسنا
إسلما ً خاصا ً غير الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن ربه .
ومن هنا أيها الخوان كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم يتكلمون في نظم الحكم ،ويجاهدون في مناصرة الحق ،
ويحتملون عبء سياسة المة ،ويظهرون علي الصفة التي
وصفوا أنفسهم بها )رهبان بالليل فرسان بالنهار( حتى كانت أم
ديقة تخطب الناس في دقائق السياسة ، المؤمنين عائشة الص ّ
وتصور لهم مواقف الحكومات في بيان رائع وحجة قوية ،ومن
هنا كانت الكتيبة التي شقت عصا الطاعة على الحجاج وحاربته
وأنكرت عليه بقيادة ابن الشعث تسمي كتيبة الفقهاء ،إذ كان
فيها سعيد بن جبير وعامر الشعبي وأضرابهما من فقهاء التابعين
وجلة علمائهم.
ومن هنا رأينا من مواقف الئمة رضوان الله عليهم في مناصحة
الملوك ومواجهة المراء والحكام بالحق ما يضيق بذكر بعضه
فضل ً عن كله المقام .
ومن هنا كذلك كانت كتب الفقه السلمي قديما ً وحديثا ً فياضة
بأحكام المارة والقضاء والشهادة والدعاوى والبيوع والمعاملت
والحدود والتعزيزات ،ذلك إلي أن السلم أحكام عملية وروحية ،
إن قررتها السلطة التشريعية فإنما تقوم علي حراستها وإنفاذ
السلطة التنفيذية والقضائية ،ول قيمة لقول الخطيب كل جمعة
َ َ
ب
صا ُسُر َوالن ْ َ مي ْ ِمُر َوال ْ َ خ ْما ال ْ َ
مُنوا إ ِن ّ َ
نآ َذي َعلي المنبر)َيا أي َّها ال ّ ِ
َ
ن(
حو َ فل ِ ُ جت َن ُِبوهُ ل َعَل ّك ُ ْ
م تُ ْ ن َفا ْ طا ِ شي ْ َل ال ّم ِن عَ َ م ْ س ِ ج ٌ م رِ ْ
َوالْزل ُ
)المائدة ، (90:في الوقت الذي يجيز فيه القانون السكر وتحمي
الشرطة السكيرين وتقودهم إلي بيوتهم آمنين مطمئنين ،ولهذا
كانت تعاليم القرآن ل تنفك عن سطوة السلطان ،ولهذا كانت
السياسة جزءا ً من الدين ،وكان من واجبات المسلم أن يعني
بعلج الناحية الحكومية كما يعني بعلج الناحية الروحية .
السـياسـة الخـارجـية
فإن أريد بالسياسة معناها الخارجي ،وهو المحافظة علي
استقلل المة وحريتها ،وأشعارها كرامتها وعزتها ،والسير بها
إلي الهداف المجيدة التي تحتل بها مكانتها بين المم ومنزلتها
الكريمة في الشعوب والدول ،وتخليصها من استبداد غيرها بها
وتدخله في شؤونها ،مع تحديد الصلة بينها وبين سواها تحديدا ً
يفصل حقوقها جميعا ً ،ويوجه الدول كلها إلي السلم العالمي
العام وهو ما يسمونه )القانون الدولي( ..فإن السلم قد عني
بذلك كل العناية وأفتي فيه بوضوح وجلء ،وألزم المسلمين أن
يأخذوا بهذه الحكام في السلم والحرب علي السواء ،ومن قصر
في ذلك وأهمله فقد جهل السلم أو خرج عليه .
ومن هنا أيها الخوة رأينا أخلء المسجد ،وأنضاء العبادة ،وحفظة
الكتاب الكريم ،بل وأبناء الروابط والزوايا من السلف رضوان
الله عليهم ،ل يقنعون باستقلل بلدهم ،ول بعزة قومهم ،ول
بتحرير شعوبهم ،ولكنهم ينسابون في الرض ،ويسيحون في
آفاق البلد فاتحين معلمين ،يحررون المم كما تحرروا ،ويهدونها
بنور الله الذي اهتدوا به ،ويرشدونها إلي سعادة الدنيا والخرة ،
ل يغلون ول يغدرون ،ول يظلمون ول يعتدون ،ول يستعبدون
الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا.
ومن هنا رأينا عقبة بن نافع يخوض الطلسي بلبة جواده قائل ً :
)اللهم لو علمت وراء هذا البحر أرضا ً لمضيت في البلد مجاهدا ً
في سبيلك( ،في الوقت الذي يكون فيه أبناء العباس الشقاء قد
دفن أحدهم بالطائف إلي جوار مكة ،والثاني بأرض الترك من
أقصي الشرق ،والثالث بأفريقيا من أقصي المغرب ،جهادا ً في
سبيل الله وابتغاء لمرضاته .وهكذا فهم الصحابة والتابعون لهم
بإحسان أن السياسة الخارجية من صميم السلم .
الحـقوق الـدولــية
وأحب قبل أن أختم هذا السترسال أن أؤكد لحضراتكم تأكيدا ً
قاطعا ً أن سياسة السلم داخلية أو خارجية تكفل تمام الكفالة
حقوق غير المسلمين ،سواء أكانت حقوق دولية أم كانت حقوق
وطنية للقليات غير المسلمة ،وذلك لن شرف السلم الدولي
ما أقدس شرف عرفه التاريخ ،والله تبارك وتعالى يقول ):وَإ ِ ّ
بح ّ ه ل يُ ِ ن الل َ واٍء إ ِ ّ س َم عََلى َ ة َفان ْب ِذ ْ إ ِل َي ْهِ ْخَيان َ ًن قَوْم ٍ ِ م ْ ن ِ خافَ ّ تَ َ
ن
كي َ
شرِ ِ م ْ ْ
ن ال ُ م َم ِ عاهَد ْت ُ ْ ن َ ذي َ ّ
ن( )لنفال ، (58:ويقول ِ):إل ال ِ خائ ِِني َ ال ْ َ
َ ظاهروا عَل َيك ُ َ
مموا إ ِل َي ْهِ ْ حدا ً فَأت ِ ّ مأ َ ْ ْ م يُ َ ِ ُ شْيئا ً وَل َ ْ م َ صوك ُ ْ ق ُ م ي َن ْ ُم لَ ْ ثُ ّ
ن( )التوبة ، (4:ويقول قي َ مت ّ ِ ْ
ب ال ُ ح ّ ه يُ ِ ن الل َ م إِ ّ مد ّت ِهِ ْ َ
م إ ِلى ُ عَهْد َهُ ْ
و
ه هُ َ ل عَلى اللهِ إ ِن ّ ُ َ ح لَها وَت َوَك ّ َْ جن َ ْسلم ِ َفا ْ ْ حوا ِلل ّ جن َ ُن َ تعالى ):وَإ ِ ْ
م( )لنفال.(61: ميعُ ال ْعَِلي ُ س ِال ّ
وقد كفل السلم حقوق القليات بنص قرآني هو قول الله تبارك
ن وَل َ ْ
م دي ِ
م ِفي ال ّ قات ُِلوك ُ ْ
م يُ َن لَ ْذي َن ال ّ ِ
ه َ عَ ِ
م الل ُ وتعالى ):ل ي َن َْهاك ُ ُ
بح ّ ه يُ ِ
ن الل َ طوا إ ِل َي ْهِ ْ
م إِ ّ س ُ ق ِم وَت ُ ْ
ن ت َب َّروهُ ْ
مأ ْ ن دَِيارِك ُ ْ م ْ م ِجوك ُ ْخرِ ُ يُ ْ
ن( )الممتحنة. (8: طي َ
س ِ ق ِ ال ْ ُ
م ْ
هذه معان أحب أيها السادة أن تذيع بيننا وأن نذيعها في الناس ،
فإن كثيرين لزالوا يفهمون من معنى النظام السلمي ما ل يتفق
بحال مع الحقيقة ،وهم لهذا ينفرون منه ويحاربون الدعوة إليه ،
ولو فقهوه علي وجهه لرجعوا به ولكانوا من أوائل أنصاره
وأشدهم تحمسا ً له وأعلهم صوتا ً في الدعوة إليه .
الحـزبيـة السـياسـية
أيها الخوة الكرام ..
الحزبيـة والتدخل
وأعتقد أيها السادة أن التدخل الجنبي في شؤون المة ,ليس له
من باب إل التدابر والخلف ,وهذا النظام الحزبي البغيض ,وأنه
وحون لهمهما انتصر أحد الفريقين فإن الخصوم بالمرصاد ,يل ّ
بخصمه الخر ,ويقفون منهما موقف القرد من القطتين ,ول
يجني الشعب من وراء ذلك إل الخسارة من كرامته واستقلله
وأخلقه ومصالحه .
إننا يا إخوان أمة لم نستكمل استقللنا بعد استكمال تاما ,ول زلنا
في الميزان ,ول زالت المطامع تحيط بنا من كل مكان ,ول
سياج لحماية هذا الستقلل والقضاء على تلك المطامع إل الوحدة
والتكلف .
وإذا جاز لبعض المم التي استكملت استقللها وفرغت من تكوين
نفسها أن تختلف وتتحزب في فرعيات المور ,فإن ذلك ل يجوز
في المم الناشئة أبدا ,على أننا نلحظ أن الحوادث العالمية قد
ألجأت المم جميعا إلى التجرد من الحزبية مطلقا ,أو البقاء
على حزبية صورية تقليدية مع الوحدة في كل التجاهات
ل أحـزاب في مصـر
وأعتقد كذلك أن هذه الحزاب المصرية الحالية أحزاب مصنوعة
أكثر منها حقيقية ,وأن العامل في وجودها شخصي أكثر منه
وطني ,وأن المهمة والحوادث التي كونت هذه الحزاب ويجب
أن ينتهي هذا النظام بانتهائها.
ون الوفد المصري من المة كلها للمطالبة بالستقلل على لقد تك ّ
أساس المفاوضة وتلك هي مهمته ,ثم تفرع منه حزب الحرار
الدستوريين للخلف في أسلوب المفاوضات ,وقد انتهت
المفاوضة بأساليبها ونظمها وقواعدها فانتهت مهمتها بذلك , ,
ون حزب الشعب ليجاد نظام خاص ودستور خاص ,وقد وتك ّ
انتهى ذلك الدستور وذلك النظام بأشكاله وأوضاعه فانتهت مهمته
هو الخر ,وتكون حزب الشعب لموقف خاص بين السراي
والحزاب ,لقد انتهت هذه الظروف جميعا ,وتجددت ظروف
أخرى تستدعي مناهج وأعمال ,فل معنى أبدا لبقاء هذه
الحزاب ,ول معنى أبدا للرجوع على الماضي والمستقبل يلح
إلحاحا صارخا بالعمل والسير بأسرع ما يمكن من الخطوات.
حـرية الـرأي
وفرق أيها الخوان بين الحزبية التي شعارها الخلف والنقسام
في الرأي والوجهة العامة وفي كل ما يتفرع منها ,وبين حرية
الراء التي يبيحها السلم ويحض عليها ,وبين تمحيص المور
وبحث الشؤون والختلف فيما يعرض تحريا للحق ,حتى إذا وضح
نزل على حكمه الجميع سواء أكان ذلك اتباعا للغلبية أو
للجماع ,فل تظهر المة إل مجتمعة ول يرى القادة إل متفقين.
أيها الخوان لقد آن الوان أن ترتفع الصوات بالقضاء على نظام
الحزبية في مصر ,وأن يستبدل به نظام تجتمع به الكلمة وتتوحد
به جهود المة حول منهاج إسلمي صالح تتوافر على وضعه
وإنفاذه القوى والجهود .
هذه نظرات يرى الخوان المسلمون أن واجبهم السلمي أول
والوطني ثانيا والنساني ثالثا يفرض عليهم فرضا ل مناص منه أن
يجهروا بها وأن يعرضوها على الناس و في إيمان عميق وبرهان
وثيق ,معتقدين أن تحقيقها هو السبيل الوحيد لتدعيم النهضة
َ
ه
جيُبوا لل ِ ست َ ِ
مُنوا ا ْنآ َذي َ على أفضل القواعد والصول َ),يا أي َّها ال ّ ِ
َ
مْرِءن ال ْ َ
ل ب َي ْ َحو ُ ه يَ ُ
ن الل َموا أ ّ م َواعْل َ ُحِييك ُ ْ
ما ي ُ ْ عاك ُ ْ
م لِ َ ذا د َ َ ل إِ َسو ِ وَِللّر ُ
َ َ
ن( )لنفال. (24: شُرو َ ح َ ه إ ِلي ْهِ ت ُ ْوَقَل ْب ِهِ وَأن ّ ُ
خـاتمــــة
وبعد أيها الخوان ,فهذه نظرات سيضحك لها كثير من الناس
حين يستمعون إليها ,وأولئك هم الذين يئسوا من أنفسهم وغفلوا
عن تأييد الله لعباده المؤمنين ,وجهلوا أن هذا الذي تجهرون به
اليوم ليس شيئا جديدا ولكنه دعوة السلم التي جاء بها رسول
الله eوجاهد في سبيلها وعمل لها أصحابه من بعده ,والتي يجب
على كل مسلم يؤمن بالله وبرسوله وكتابه أن يعمل لها كما
عملوا ويجاهد في سبيلها كما جاهدوا.
ما أنتم أيها الخوان فتؤمنون بذلك كله و وتعتقدون أن الله غالب أ ّ
على أمره ,وان الله معكم على ذلك البرهان العلمي والتطور
التاريخي والوضع الجغرافي والتأييد الرباني ,وتجدون البشرى
َ
فوا ِفي
ضع ِ ُ
ست ُ ْ
نا ْ ن عََلى ال ّ ِ
ذي َ م ّن نَ ُريد ُ أ ْالعالمين ):وَن ُ ِ في قول رب
َ َ
ن( )القصص , (5:واعلموا وارِِثي َم ال ْ َ
جعَل َهُ ُة وَن َ ْ
م ً جعَل َهُ ْ
م أئ ِ ّ ض وَن َ ْ
الْر ِ
أن الله معكم ,ول أطيل عليكم في بيان واجبكم فإنكم
لتعلمونه ,فآمنوا وأخلصوا واعملوا وانتظروا ساعة الفوز وترقبوا
ح
فَر ُ
مئ ِذٍ ي َ ْ ن قَب ْ ُ َ
ن ب َعْد ُ وَي َوْ َم ْل وَ ِ م ْ
مُر ِ
وقت النتصار ..و)للهِ ال ْ
م( )الروم: حي ُ زيُز الّر ِ شاُء وَهُوَ ال ْعَ ِ ن يَ َ
م ْ
صُر َصرِ اللهِ ي َن ْ ُ
ن ,ب ِن َ ْ مؤْ ِ
مُنو َ ال ْ ُ
. (5
حسـن البنــا
دعوة للشباب
حيـم ِ
ن الّر ِ
مـ ِ
ح َ
ِبســــــم ِ اللهِ الّر ْ
الحمد لله والصلة والسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
ومن واله .
َ ما أ َ ِ
مث َْنى موا للهِ َ قو ُ ن تَ ُ حد َةٍ أ ْ وا ِ م بِ َعظ ُك ُ ْ ل إ ِن ّ َ }قُ ْ
و
ن هُ َجن ّةٍ إ ِ ْ ن ِ م ْ م ِ حب ِك ُ ْ صا ِ ما ب ِ َ فك ُّروا َ م ت َت َ َ دى ث ُ ّ وَفَُرا َ
ما ل َ ديد ٍ ,قُ ْ ش ِ ب َ ذا ٍ ن ي َد َيْ ع َ َ م ب َي ْ َ ذيٌر ل َك ُ ْ ِإل ن َ ِ
َ َ َ
جرِيَ ِإل ع ََلى اللهِ نأ ْ م إِ ْ جرٍ فَهُوَ ل َك ُ ْ نأ ْ م ْ م ِ سأل ْت ُك ُ ْ َ
ف
قذ ِ ُ ن َرّبي ي َ ْ ل إِ ّ شِهيد ٌ ,قُ ْ يٍء َ ش ْ ل َ وَهُوَ ع ََلى ك ُ ّ
ما ي ُب ْد ِ ُ
ئ حقّ وَ َ جاَء ال ْ َ ل َ ب ,قُ ْ م ال ْغُُيو ِ عل ُ حقّ َ ِبال ْ َ
ل ع ََلى َ
ض ّ ما أ ِ ت فَإ ِن ّ َ ضل َل ْ ُ ن َ ل إِ ْ ما ي ُِعيد ُ ,قُ ْ ل وَ َ ال َْباط ِ ُ
ه
ي َرّبي إ ِن ّ ُ حي إ ِل َ ّ ما ُيو ِ ت فَب ِ َ ن اهْت َد َي ْ ُ سي وَإ ِ ِ ف ِ نَ ْ
ب{ ري ٌ ميعٌ قَ ِ س ِ َ
عـوامـل النجــاح
أيها الشباب :
أيها الشباب:
ففكرتنا لهذا إسلمية بحتة ،على السلم ترتكز ومنه تستمد وله
تجاهد وفي سبيل إعلء كلمته تعمل ,ل تعدل بالسلم نظاما ،ول
ترضى سواه إماما ،ول تطيع لغيره أحكاما.
إن العالم كله حائر يضطرب ،كل ما فيه من النظم قد عجز عن
علجه ول دواء له إل السلم ،فتقدموا باسم الله لنقاذه ،فالجميع
في انتظار المنقذ ،ولن يكون المنقذ إل رسالة السلم التي
تحملون مشعلها وتبشرون بها.
مــاذا نريــد؟
أيها الشباب :
-3ونريد بعد ذلك الشعب المسلم في ذلك كله أيضا ونحن لهذا
نعمل على أن تصل دعوتنا إلى كل بيت ،وأن يسمع صوتنا في
كل مكان ،وأن تتيسر فكرتنا وتتغلغل في القرى والنجوع والمدن
والمراكز والحواضر والمصار ،ل نألو في ذلك جهدا ول نترك
وسيلة.
-4ونريد بعد ذلك الحكومة المسلمة التي تقود هدا الشعب إلى
المسجد ،وتحمل به الناس على هدى السلم من بعد كما
حملتهم على ذلك بأصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أبي
بكر وعمر من قبل .ونحن لهذا ل نعترف بأي نظام حكومي ل
يرتكز على أساس السلم ول يستمد منه ،ول نعترف بهذه
الحزاب السياسية ،ول بهذه الشكال التقليدية التي أرغمنا أهل
الكفر وأعداء السلم على الحكم بها والعمل عليها ،وسنعمل
على إحياء نظام الحكم السلمي بكل مظاهره ،وتكوين الحكومة
السلمية على أساس هذا النظام.
ولئن كان الرايخ اللماني يفرض نفسه حاميا لكل من يجري في
عروقه دم اللمان ،فإن العقيدة إسلمية توجب على كل مسلم
قوي أن يعتبر نفسه حاميا لكل من تشربت نفسه تعاليم القرآن .
فل يجوز في عرف السلم أن يكون العامل العنصري أقوى في
الرابطة من العامل اليماني .والعقيدة هي كل شيء في السلم،
وهل اليمان إل الحب والبغض؟
-6ونريد بعد ذلك أن تعود راية الله خافقة عالية على تلك البقاع
التي سعدت بالسلم حينا من الدهر ودوى فيها صوت المؤذن
بالتكبير والتهليل ،ثم أراد لها نكد الطالع أن ينحسر عنها ضياؤه
فتعود إلى الكفر بعد السلم .فالندلس وصقلية والبلقان وجنوب
إيطاليا وجزائر بحر الروم ،كلها مستعمرات إسلمية يجب أن
تعود إلى أحضان السلم ،ويجب أن يعود البحر البيض والبحر
الحمر بحيرتين إسلميتين كما كانتا من قبل ,ولئن كان السنيور
موسوليني يرى من حقه أن يعيد المبراطورية الرومانية ،وما
تكونت هذه المبراطورية المزعومة قديما إل على أساس
المطامع والهواء ،فإن من حقنا أن نعيد مجد المبراطورية
السلمية التي قامت على العدالة والنصاف ونشر النور والهداية
ببن الناس.
-7نريد بعد ذلك ومعه أن نعلن دعوتنا على العالم وان نبلغ الناس
جميعا ،وأن نعم بها آفاق الرض ،وأن نخضع لها كل جبار ،حتى
ل تكون فتنة ويكون الدين كله لله ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر
الله ،ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم .
لستم أضعف ممن قبلكم ممن حقق الله على أيديهم هذا المنهاج
فل تهنوا وتضعفوا ،وضعوا نصب أعينكم قوله تعالى:
مشوْهُ ْ مُعوا ل َك ُ ْ
م َفا ْ
خ َ ج َ س قَد ْ َ ن الّنا َ س إِ ّم الّنا ُل ل َهُ ُ
ن َقا َ )ال ّ ِ
ذي َ
ل( )آل عمران. (173: م ال ْوَ ِ
كي ُ ه وَن ِعْ َ
سب َُنا الل ُ
ح ْمانا ً وََقاُلوا َ فََزاد َهُ ْ
م ِإي َ
سنربي أنفسنا ليكون منا الرجل المسلم ،وسنربي بيوتنا ليكون
منها البيت المسلم ،وسنربى شعبنا ليكون منه الشعب المسلم؟
وسنكون من بين هذا الشعب المسلم ،وسنسير بخطوات ثابتة
إلى تمام الشوط ،والى الهدف الذي وضعه الله لنا ل الذي
وضعناه لنفسنا ،وسنصل بإذن الله وبمعونته ،ويأبى الله إل أن
يتم نوره ولوكره الكافرون.
ن الّرْزقِ(
م َ ج ل ِعَِبادِهِ َوالط ّي َّبا ِ
ت ِ ة اللهِ ال ِّتي أ َ ْ
خَر َ م ِزين َ َحّر َ
ن َ
م ْ )ق ُ ْ
ل َ
)لعراف. (32:
أيها الشباب:
حســن البنــا
متنـا
مـهـ ّ
حيـم ِ
ن الّر ِ
مـ ِ
ح َ
ســم ِ اللهِ الّر ْ
بِ ْ
الحمد لله ,وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
.
أحييكم بتحية السلم تحية من عند الله مباركة طيبة ,فسلم الله
عليكم ورحمته وبركاته.
أيها الخوان المسلمون ...
أيها الناس أجمعون ...
في هذا الصخب الداوي من صدى الحوادث الكثيرة المريرة ,
التي تلدها الليالي الحبالى في هذا الزمان ,وفي هذا التيار
المتدفق الفياض من الدعوات التي تهتف بها أرجاء الكون ,
وتسري بها أمواج الثير في أنحاء المعمورة ,مجهزة بكل ما
يغري و يخدع من المال والوعود والمظاهر .
نتقدم بدعوتنا نحن الخوان المسلمون ...
هادئة ...
لكنها أقوى من الزوابع العاصفة ...
متواضعة ...
لكنها أعز من الشم الرواسي ...
محدودة ...
ً
لكنها أوسع من حدود هذه القطار الرضية جميعا ..
خالية من المظاهر والبهرج الكاذب ...
ولكنها محفوفة بجلل الحق ،وروعة الوحي ،ورعاية الله ...
مجردة من المطامع والهواء والغايات الشخصية والمنافع الفردية
،ولكنها تورث المؤمنين بها والصادقين في العمل لها السيادة في
الدنيا والجنة في الخرة .
مل ْ ُ َ
ك ه ُ ذي ل َ ُ ميعا ً ال ّ ِج ِم َ ل اللهِ إ ِل َي ْك ُ ْ سو ُس إ ِّني َر ُ ل َيا أي َّها الّنا ُ )ق ُ ْ
َ
ه
سول ِ ِ
مُنوا ِباللهِ وََر ُ ت َفآ ِمي ُحِيي وَي ُ ِ ه ِإل هُوَ ي ُ ْ ض ل إ ِل َ َ ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َ ال ّ
ن(
دو َ م ت َهْت َ ُ ُ ّ َ َ ذي ي ُؤْ ِ ّ ُ
مات ِهِ َوات ّب ُِعوهُ لعَلك ْ ن ِباللهِ وَكل ِ َ م ُ ي ال ِم ّ ي ال ّ الن ّب ِ ّ
)لعراف(158:
متنـا
مـهـ ّ
ما مهمتنا إذا ً نحن الخوان المسلمين؟
تضـحية
واذكروا جيدا ً أيها الخوة أن دعوتكم أعف الدعوات ،وأن
جماعتكم أشرف الجماعات ،وأن مواردكم من جيوبكم ل من
جيوب غيركم ،ونفقات دعوتكم من قوت أولدكم ومخصصات
بيوتكم وأن أحدا ً من الناس أو هيئة من الهيئات أو حكومة من
الحكومات ,أو دولة من الدول ..ل تستطيع أن تجد لها في ذلك
منة عليكم ,وما ذلك بكثير على دعوة أقل ما يطلب من أهلها
النفس والمال :
ْ َ َ َ َ َ ْ
ة(
جن ّ َ
م ال َ
ن لهُ ُ
م ب ِأ ّ
والهُ ْ
م َ
م وَأ ْ
سهُ ْ
ف َ
ن أن ْ ُ مؤْ ِ
مِني َ ن ال ُ
م َ ها ْ
شت ََرى ِ ن الل َ
)إ ِ ّ
)التوبة. (111:
إخـلص
اذكروا هذا جيدا ـ أيها الخوان ـ ل للفخر و ل للمباهاة ,ولكن
لتعلموا أن الله قد كتب لدعوتكم من اليمان والخلص والفهم
والوحدة والتأييد والتضحية ما لم يكتبه لكثير من الدعوات الرائجة
السوق ,العالية البوق ,الفخمة المظاهر ,وتلك الصفات هي
دعائم الدعوات الصالحة .فاجتهدوا أن تحرصوا عليها كاملة ،وأن
تزيدوها في أنفسكم ثباتا ً وقوة ،واعلموا أنه ليس لكم في ذلك
فضل ول منة ) ,بل الله يمن عَل َيك ُ َ
ن ك ُن ْت ُ ْ
م ن إِ ْ
ما ِ
لي َ داك ُ ْ
م لِ ِ ن هَ َ
مأ ْْ ْ ُ َ ُ ّ َ ِ
صادِِقينَ( )الحجرات.(17:
َ
نحن و السياسة
وقد يقول بعض الناس :وما للخوان والبرلمان والخوان جماعة
دينية وهذه سبيل الهيئات السياسية؟ أليس هذا يؤيد ما يقول
الناس من أن الخوان المسلمين قوم سياسيون ل يقفون عند حد
الدعوة للسلم كما يدعون؟
وأقول لهذا القائل في صراحة ووضوح :أيها الخ ..أما أنا
سياسيون حزبيون نناصر حزبا ونناهض آخر فلسنا كذلك ولن
نكونه ,ول يستطيع أحد أن يأتي على هذا بدليل أو شبه دليل.
وأما أننا سياسيون بمعنى أننا نهتم بشئون أمتنا ،ونعتقد أن القوة
التنفيذية جزء من تعاليم السلم تدخل في نطاقه وتندرج تحت
أحكامه ،وأن الحرية السياسية والعزة القومية ركن من أركانه
وفريضة من فرائضه ،وأننا نعمل جاهدين لستكمال الحرية
ولصلح الداة التنفيذية فنحن كذلك ،ونعتقد أننا لم نأت فيه
بشيء جديد ،فهذا المعروف عن كل مسلم درس السلم دراسة
صحيحة ونحن ل نعلم دعوتنا ولنتصور معنى لوجودنا إل تحقيق
هذه الهداف .ولم نخرج بذلك قيد شعرة عن الدعوة إلى السلم
،والسلم ل يكتفي من المسلم بالوعظ والرشاد ولكنه يحدوه
سب ُل ََنا
م ُ دوا ِفيَنا ل َن َهْدِي َن ّهُ ْ
جاهَ ُ
ن َ دائما إلى الكفاح والجهاد )َوال ّ ِ
ذي َ
ن( )العنكبوت.(69: سِني َ
ح ِ معَ ال ْ ُ
م ْ ه لَ َ
ن الل َ
وَإ ِ ّ
أما موقفنا من الهيئات في مصر فصريح واضح نتحدث به ونكتب
عنه في كل الظروف والمناسبات......
نحن والحكومات
فأما موقفنا من الحكومات المصرية على اختلف ألوانها فهو
موقف الناصح الشفيق ,الذي يتمنى لها السداد والتوفيق ,وأن
يصلح الله بها الفساد ,وإن كانت التجارب الكثيرة كلها تقنعنا بأننا
ي.
ي من الخل ّ
في واد وهي في واد ,ويا ويح الشج ّ
لقد رسمنا للحكومات المصرية المتعاقبة كثيرا من مناهج الصلح
,وتقدمنا لكثير منها بمذكرات إضافية في كثير من الشؤون التي
تمس صميم الحياة المصرية ..
لقد لفتنا نظرها إلى وجوب العناية بإصلح الداة الحكومية نفسها
باختيار الرجال وتركيز العمال وتبسيط الجراءات ومراعاة
الكفايات و القضاء على الستثناءات ..
وإلى إصلح منابع الثقافة العامة بإعادة النظر في سياسة التعليم
ومراقبة الصحف والكتب والسينما والمسارح والذاعة ,
واستدراك نواحي النقص فيها وتوجيهها الوجهة الصالحة.
وإصلح القانون باستمداده من شرائع السلم ,ومحاربة المنكر
ومقاومة الثم بالحدود وبالعقوبات الزاجرة الرادعة ..
وتوجيه الشعب وجهة صالحة بشغله بالنافع من العمال في
أوقات الفراغ.
فماذا أفاد كل ذلك؟ ..ل شيء ,ولقد قامت وزارة الشؤون
الجتماعية لسد هذا الفراغ فماذا فعلت وقد مضى عليها أكثر من
عام ونصف عام؟
ماذا أنجزت من العمال ؟ ..ل شيء ,وستظل "ل شيء" هي
الجواب لكل المقترحات مادمنا ل نجد الشجاعة الكافية للخروج
من سجن التقليد والثورة على هذا الروتين العتيق ,وما دمنا لم
نحدد المنهاج ولم نتخير لنفاذه الكفاء من الرجال ,ومع هذا
فسنظل في موقف الناصحين يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق
وهو خير الفاتحين.
نحن و الحزاب
أما موقفنا من الحزاب السياسية فلسنا نفاضل بينها ول ننحاز
إلى واحد منها ولكننا نعتقد أنها تتفق جميعا في عدة أمور :
تتفق في أن كثيرا ً من رجالها قد عملوا على خدمة القضية
السياسية المصرية ،واشتركوا فعل ً في الجهاد في سبيلها ،وفي
الوصول إلى ما وصلت إليه مصر من ثمرات هذا الجهاد الضئيلة
أو الجليلة ،فنحن في هذه الناحية ل نبخس هؤلء الرجال حقهم.
جا دقيقا ً لما يريد
وتتفق كذلك في أن حزبا ً منها لم يحدد بعد ُ منها ً
من ضروب الصلح ،ولم يضع هدفا ً يرمي إليه ،وهي لهذا ل
تتفاوت في المناهج والغراض والغايات.
وتتفق كذلك في أنها جميعا ً لم تقتنع بعد ُ بوجوب المناداة بالصلح
الجتماعي على قواعد السلم وتعاليم السلم ،ول زال أقطابها
جميعا ً يفهمون السلم على أنه ضروب من العبادات والروحانيات
ل صلة لها بحياة المم والشعوب الجتماعية والدنيوية.
وتتفق بعد ذلك في أنها تعاقبت على حكم هذا البلد فلم تأت
بجديد ،ولم يجد الناس في ظل حكمها ما كانوا يأملون من تقدم
ي ,ولقد كان لهذا أثر العملي ,فقامت في مصر دي أو أدب ّ ما ّ
الحكومات غير الحزبية في أحرج الظروف وأدق المواقف ,ومنها
الحكومة الحالية.
وإذا ً فل خلف بين الحزاب المصرية إل في مظاهر شكلية ،
وشؤون شخصية ،ل يهتم لها الخوان المسلمون ،ولهذا فهم
ينظرون إلى هذه الحزاب جميعا ً نظرة واحدة ،ويرفعون
دعوتهــم ـ وهي ميراث رسول الله ـ فوق هذا المستوى الحزبي
كله ،ويوجهونها واضحة مستنيرة إلى كل رجال هذه الحزاب
دون أن لو أدرك حضراتهم هذه الحقيقة ، على السواء ،ويو ّ
دروا هذه الظروف الدقيقة ،ونزلوا على حكم الوطنية وق ّ
الصحيحة ،فتوحدت كلمتهم ،واجتمعوا على منهاج واحد ،تصلح
به الحوال وتتحقق المال ،وليس أمامهم إل منهاج الخوان
ما ِفي ه َ ذي ل َ ُ ط اللهِ ال ّ ِ صَرا ِالمسلمين ،بل هدى رب العالمين ) ِ
ُ َ َ
موُر( )الشورى: صيُر ال ُض أل إ َِلى اللهِ ت َ ِ ما ِفي الْر ِ ت وَ َ
ماَوا ِس َال ّ
(53
ونحن ل نهاجم لننا في حاجة إلى الجهد الذي يبذل في الخصومة
والكفاح السلبي لننفقه في عمل نافع وكفاح إيجابي وندع
َ
بما الّزب َد ُ فَي َذ ْهَ ُ حسابهم للزمن معتقدين أن البقاء للصلح )فَأ ّ
َ مك ُ ُ َ
ض( )الرعد.(17: ث ِفي الْر ِ س فَي َ ْ
فعُ الّنا َ
ما ي َن ْ َما َ
فاًء وَأ ّ ج َ
ُ
نحن والهيئات السلمية
وأما موقفنا من الهيئات السلمية علي اختلف نزعاتها ،فموقف
حب و إخاء وتعاون وولء ،نحبها ونعاونها ،ونحاول جاهدين أن
نقرب بين وجهات النظر ونوفق بين مختلف الفكر توفيقا ً ينتصر
به الحق في ظل التعاون والحب .ول يباعد بيننا وبينها رأي
فقهي أو خلف مذهبي ،فدين الله يسر ،ولن يشاد الدين أحد إل
غلبه .ولقد وفقنا الله إلى خطة مثلي ،إذ نتحري الحق في
أسلوب لين يستهوي القلوب وتطمئن إليه العقول ،ونعتقد أنه
سيأتي اليوم الذي تزول فيه السماء واللقاب والفوارق الشكلية
والحواجز النظرية وتحل محلها وحدة عملية تجمع صفوف الكتيبة
المحمدية حيث ل يكون هناك إل إخوان مسلمون ،للدين عاملون
ن ه َوال ّ ِ
ذي َ سول َ ُ
ه وََر ُ ن ي َت َوَ ّ
ل الل َ م ْوفي سبيل الله مجاهدون ) :وَ َ
ن( )المائدة. (56: م ال َْغال ُِبو َ
ب اللهِ هُ ُ
حْز َ مُنوا فَإ ِ ّ
ن ِ آ َ
كلمة حــق
نحب بعد هذا أن نقول كلمة صريحة لولئك الذين ل زالوا يظنون
أن الخوان يعملون لحساب شخص أو جماعة :اتقوا الله أيها
الناس ،ول تقولون ما ل تعملون .واذكروا قول الله تعالي :
ُ
ملوا حت َ َ
قدِ ا ْ سُبوا فَ َ ما اك ْت َ َ ت ب ِغَي ْرِ َ مَنا ِ مؤْ ِن َوال ْ ُمِني َ مؤْ ِ ن ال ْ ُذو َ ن ي ُؤْ ُ
ذي َ )َوال ّ ِ
مِبينا ً( )الحزاب ، (58:وقول رسول الله : r ب ُهَْتانا ً وَإ ِْثما ً ُ
)وإن أبغضكم إلى وأبعدكم مني مجلسا ً يوم القيامة المشاؤون
بالنميمة المفرقون بين الحبة الملتمسون للبرءاء العيب( ،
وليعلموا تماما ً أن اليوم الذي يكون فيه الخوان المسلمون مطية
لغيرهم أو أداة لمنهاج ل يتصل بمنهاجهم لم يخلق بعد .و أذكر
أنني كتبت في إحدى المناسبات خطابا ً لحد الباشوات جاء في
آخره :
)والخوان المسلمون يا رفعة الباشا ل يقادون برغبة ول برهبة ،
ول يخشون أحدا ً إل الله ،ول يغريهم جاه ول منصب ،ول
يطمعون في منفعة ول مال ،ول تعلق نفوسهم بعرض من
أعراض هذه الحياة الفانية ،ولكنهم يبتغون رضوان الله ويرجون
ثواب الخرة ،ويتمثلون في كل خطواتهم قول الله تبارك
ن( )الذريات(50: مِبي ٌ ذيٌر ُ ه نَ ِ
من ْ ُ
م ِ فّروا إ َِلى اللهِ إ ِّني ل َك ُ ْ وتعالي ) :فَ ِ
فهم يفرون من كل الغايات والمطامع إلى غاية واحدة ومقصد
واحد هو رضوان الله ،وهم لهذا ل يشتغلون في منهاج غير
منهاجهم ول يصلحون لدعوة غير دعوتهم ،ول يصطبغون بلون
ة( )البقرة: صب ْغَ ً ة الله وم َ
ن اللهِ ِ م َ ن ِ س ُ ح َ نأ ْ ِ َ َ ْ صب ْغَ َغير السلم ِ ) :
... (138فمن حاول أن يخدعهم خدع ،ومن أراد أن يستغلهم
خسر ،ومن طمع في تسخيرهم لهواه أخفق ...ومن أخلص
معهم في غايتهم ووافقهم على متن طريقهم سعد بهم وسعدوا
به ،ورأى فيهم الجنود البسلء والخوة الوفياء ،يفدونه بأرواحهم
ويحوطونه بقلوبهم وجهودهم ،ويرون له بعد ذلك الفضل
عليهم........
أكتب لكم هذا يا رفعة الباشا ل رجاء معونة مادية لجماعة
الخوان المسلمين ول رغبة في مساعدة نفعية لحد أعضائها
العاملين ،ولكن لدعوكم إلى صف هؤلء الخوان بعد دراستهم
دراسة جدية صحيحة تقنعكم بمنهاجهم وتنتج تعاونكم معهم في
إصلح المجتمع المصري على أساس متين من الخلق السلمي
ح
فَر ُمئ ِذٍ ي َ ْ ن قَب ْ ُ َ
ن ب َعْد ُ وَي َوْ َ م ْ ل وَ ِ م ْمُر ِ وتعاليم السلم ..و )للهِ ال ْ
م( )الروم: حي ُ زيُز الّر ِ شاُء وَهُوَ ال ْعَ ِ ن يَ َ م ْ صُر َ صرِ اللهِ ي َن ْ ُ ن ,ب ِن َ ْ مُنو َ مؤْ ِ ال ْ ُ
. (5-4
بمثل هذا السلوب نخاطب الناس ,ونكتب لرفعة النحاس باشا
ومحمد محمود باشا وعلي ماهر باشا وحسين سري باشا ,
وغيرهم مما نريد أن نعذر إلى الله بإبلغهم الدعوة وتوجيههم إلى
ما نعتقد أن فيه الخير والصواب لهم وللناس ..
أفيقال بعد هذا أن الخوان المسلمين يعملون لحساب شخص أو
نموهُ ظ َ ّ معْت ُ ُ
س ِ هيئة كبر ذلك أم صغر َقل أم كثر ) ..ل َ ْ
ول إ ِذ ْ َ
ن( )النور: مِبي ٌ
ك ُ خْيرا ً وََقاُلوا هَ َ
ذا إ ِفْ ٌ م َ
سهِ ْ
ف ِ
ت ب ِأن ْ ُ
مَنا ُ ن َوال ْ ُ
مؤْ ِ مُنو َ ال ْ ُ
مؤْ ِ
. (12ومعاذ الله أن نكون في يوم من اليام لغير السلم
وتعاليم السلم .
وكان أجل تلك الحوادث وأشدها خطرا وأعمقها أثرا إعلن الحرب
وامتداد لهيبها إلى مصر ,ووقوف أوربا معسكرين متناحرين يعمل
كل منهما على إفناء الخر وإبادته ,حتى أخفقت وسائل التهدئة
وسل الحسام بعد أن خرس الكلم .
وإما أنها تثق بنا وتعتبرنا حلفاء لها وتقدر حسن نيتنا وصدق
معونتنا ,وقد قدمنا البرهان على ذلك فعل ,فمنذ نشبت الحرب
إلى الن والحكومة المصرية ل تدخر وسعا في مشاركتها سراء
الحرب وضرائها ,فعليها حينئذٍ أن تطمئنا على مستقبلنا في هذه
الحوادث وبعدها ,فتعلن الن بصفة رسمية المحافظة على
استقلل مصر والسودان ,وأن بققاء القوات البريطانية في
مصر موقوت بالحرب ,وتشمل هذا العلن بالمساعدة الفعلية
لنا ,فتسمح لنا بزيادة عدد جيشنا وبتقوية سلحنا وبإعداد شعبنا ,
وحينئذ ٍ نتعاون تعاونا صادقا ونحمل أعباء الحرب معا ونتقاسم
العمال العسكرية والمدنية ,فيحمل الجيش المصري عبء
الحرب في السودان مثل حتى يطهره الله من العدو المغير ,
وتحرس الجيوش البريطانية الحدود الغربية حتى تضع الحرب
أوزارها .هذا كلم صريح نعتقد أنه من الخير أن يكون واضحا ,ول
يغني مصر شيئا أن تسمع ثناء الجرائد والمجلت النجليزية
وعبارات المجاملة التي يحييها بها الساسة البريطانيون ,ول
عبارات التقدير التي يشكرون بها المساعدة المصرية الجليلة ,
وإنما ينفعها الكلم الرسمي والعمل المنتج .إن مصر ستفي من
جانبها بالتزاماتها التي سجلتها عليها المعاهدة ,لنها ل تملك إل
هذا ول تستطيع غيره ماديا وأدبيا ,ولكن تمسك الحكومة
البريطانية تمسكا جامدا بروح المعاهدة ونصها في وقت واحد
تفسر فيه هذه النصوص لمصلحة طرف واحد ,وفي ظروف
تعصف بالدول والشعوب والموال والرواح والمم والحكومات
والنظم والمعاهدات ,فهو تمسك إن رضيه الفقه السياسي فلن
يرضاه الشعب البي ,ولقد جاهدت مصر في سبيل استقللها ,
وستجاهد في سبيل ذلك إن أعوزها الجهاد ,وهي ضنية بهذا
الستقلل أن يسلب قبل أن يكتمل ,ويزول قبل أن يتم ,ول تريد
أن تكون في حمى غيرها ,أو أن تظل تحت رحمة سواها مهما
كلفها ذلك من التضحيات ,وإذ كانت الحكومة البريطانية تسمع
من الحكومة المصرية أو الساسة المصريين كلما غير هذا فإنما
هي المجاملة الدبلوماسية .
أما نحن فنصور عقائد الشعب الحقيقية على صورتها الطبيعية ,ل
نبتغي من وراء ذلك إل تعاونا سليما على أساس سليم .
بل إننا نريد أن ننتهز هذه الفرصة ,فنتقدم مخلصين إلى الساسة
الغربيين فنلفت أنظارهم إلى فرصة سانحة لعلها إن أفلتت منهم
اليوم فلن تعود إل بعد حين ل يعلم إل الله مداه ,وإن وفقوا إلى
النتفاع بها فهو الخير لهم وللعالم أجمع .
لقد ردد الساسة جميعا كلمة " النظام الجديد " ...فهتلر يريد أن
يتقدم للناس بنظام جديد ،وتشرشل يقول إن إنجلترا المنتصرة
ستحمل الناس على نظام جديد ،وروزفلت يتنبأ ويشيد بهذا
النظام الجديد ،والجميع يشيرون إلى أن هذا النظام الجديد
سينظم أوروبا ويعيد إليها المن والطمأنينة والسلم ،فأين حظ
الشرق والمسلمين من هذا النظام المنشود ؟
إن حكم الجبروت والقهر قد فات ،ولن تستطيع أوروبا بعد اليوم
أن تحكم الشرق بالحديد والنار .وأن هذه النظريات السياسية
البالية لن تتفق مع تطور الحوادث ورقى الشعوب ونهضة المم
السلمية ،ول مع المبادئ والمشاعر التي ستطلع بها هذه
الحرب الضروس على الناس .
وما أجل أن يهتدي أولئك الساسة يومئذ بنور الله ,ويكشفوا عن
قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم غشاوة التعصب الممقوت ,ويتخذوا
السلم الحنيف الذي أخذ من كل شيء أحسنه أساسا لنظمهم
السياسية والمدنية والجتماعية ,فتتحقق الوحدة النسانية
الروحية التي طال عليها المد والتي ل يحققها إل سماحة السلم
ه
دي ب ِ ِ ن ,ي َهْ ِ مِبي ٌ
ب ُن اللهِ ُنوٌر وَك َِتا ٌ م َ جاَءك ُ ْ
م ِ وهدي السلم ) ,قَد ْ َ
َ
ت إ ِلى ما ِ ُ ّ
ن الظل َ م َم ِ جهُ ْ
خرِ ُسلم ِ وَي ُ ْ ل ال ّ سب ُ َ
ه ُ وان َ ُ
ض َ
ن ات ّب َعَ رِ ْ م ِ ه َالل ُ
قيم ٍ( )المائدة. (16-15: ست َ ِ
م ْ ط ُصَرا ٍ م إ ِلى َِ الّنورِ ب ِإ ِذ ْن ِهِ وَي َهْ ِ
ديهِ ْ
حسـن البنــا
ولعل طورا آخر ينتظر هذه الدعوة حين توضع موضع التجربة
العملية ،وحينئذ يتم هذا الهيكل الذي تجهز له هذه اللبنات ،
وحينئذ يرى الناس أي خير سينالون من تطبيق هذه المبادئ
السامية وتحقيق هذه الهداف العالية.
ربانية عالمية
أخص خصائص دعوتنا أنها ربانية عالمية :
أ ـ أما أنها ربانية فلن الساس الذي تدور عليه أهدافنا جميعا ،أن
يتعرف الناس إلى ربهم ،وأن يستمدوا من فيض هذه الصلة
روحانية كريمة تسموا بأنفسهم عن جمود المادة الصماء
وجحودها إلى طهر النسانية الفاضلة وجمالها .نحن الخوان
المسلمين لنهتف من كل قلوبنا:
"الله غايتنا" فأول أهداف هذه الدعوة أن يتذكر الناس من جديد
هذه الصلة التي تربطهم بالله تبارك وتعالى والتي نسوها
َ َ
م ُ
قك ْ خل َ ذي َ م ال ّ ِ دوا َرب ّك ُ ُ س اعْب ُ ُ فأنساهم الله أنفسهم )َيا أي َّها الّنا ُ
ن( )البقرة . (21:وهذا في الحقيقة قو َ م ت َت ّ ُم ل َعَل ّك ُ ْ
ن قَب ْل ِك ُ ْم ْ ن ِ ذي ََوال ّ ِ
هو المفتاح الول لمغاليق المشكلت النسانية التي أوصدها
الجمود والمادية في وجوه البشر جميعا ً فلم يستطيعوا إلى حلها
سبيل ً ،وبغير هذا المفتاح فل إصلح .
ب ـ وأما أنها عالمية فلنها موجهه إلى الناس كافه لن الناس في
حكمها إخوة :أصلهم واحد ،وأبوهم واحد ،ونسبهم واحد ،ل
يتفاضلون إل بالتقوى و بما يقدم أحدهم المجموع من خير سابغ
خل َ َ َ
س
ف ٍ ن نَ ْ م ْ م ِقك ُ ْ ذي َ م ال ّ ِ قوا َرب ّك ُ ُ س ات ّ ُ وفضل شامل )َيا أي َّها الّنا ُ
ه
قوا الل َ ساًء َوات ّ ُ جال ً ك َِثيرا ً وَن ِ َ ما رِ َ من ْهُ َث ِ جَها وَب َ ّ من َْها َزوْ َ خل َقَ ِ حد َةٍ وَ َ َوا ِ
م َرِقيبا ( )النساء(1: ً ُ َ َ َ ُ ال ّ ِ
ن عَلي ْك ْ ه كا َ ن الل َ م إِ ّ حا َ ن ب ِهِ َوالْر َ ساَءلو َ ذي ت َ َ
.فنحن ل نؤمن بالعنصرية الجنسية ول نشجع عصبية الجناس
واللوان ،ولكن ندعو إلى الخوة العادلة بين بنى النسان .
قرأت لحد زعماء الغرب أنه يقسم الجنس البشرى إلى مبتكرين
ومحافظين ومخربين ،وهو يعتبر قومه مبتكرين ويعتبر قوما
آخرين من الغربيين محافظين ،ويعتبرنا نحن الشرقيين وما إلينا
عدا هذين مخربين ومدمرين ,هذا التقسيم ظالم جائر فضل عن
أنه غير صحيح بأصله ،فالجنس البشرى كله مرده إلى دم واحد
وطينه واحدة وإن اختلفت البيئات والوسائط والمدارك والثقافات
.وإذا هذب النسان استطاع أن يرتقي من رتبته إلى أعلي منها
بدرجة ما يصل إليه من تهذيب .وليس هناك جنس من بني آدم ل
يمكن إصلحه في حدود ظروفه وبيئته الخاصة به .هذا من جهة ,
ومن جهة أخري فإن هذا الشرق الذي وضع في صف المخربين
والمدمرين هو مبعث المدنيات ومشرق الحضارات ومهبط
الرسالت ،وهو مفيض ذلك كله علي الغرب ،ل ينكر هذا إل
جاحد مكابر .ومثل هذه المزاعم الباطلة إنما هي نزوات من
غرور النسان وطيش الوجدان ل يمكن أن تستقر علي أساسها
نهضات أو تقوم على قاعدتها مدنيات ,وما دام في الناس من
يشعر بمثل هذا الشعور لخيه النسان فل أمن ول سلم ول
اطمئنان حتى يعود الناس إلى علم الخوة فيرفعونه خفاقا ً ،
ويستظلون بظله الوارف المين ،ولن يجدوا طريقا ً معبدة إلى
س إ ِّنا َ
ذلك كطريق السلم الذي يقول كتابه َ) :يا أي َّها الّنا ُ
شُعوبا ً وَقََبائ ِ َ ُ
ل ل ِت ََعاَرُفوا إ ِ ّ
ن م ُ جعَل َْناك ُ ْ
ن ذ َك َرٍ وَأن َْثى وَ َم ْ م ِ خل َ ْ
قَناك ُ ْ َ
َ َ
م( )الحجرات . (13:ويقول نبيه ) : rليس قاك ُ ْ
عن ْد َ اللهِ أت ْ َم ِمك ُ ْ
أك َْر َ
منا من دعا إلى عصيبة ،وليس منا من مات علي عصيبة( رواه
أحمد من حديث جبير بن مطعم . t
ولهذا كانت دعوة الخوان المسلمين ربانية إنسانية .
بين العقلية الغيبية والعقلية العلمية
ولقد تذبذب العقل البشري منذ وجد النسان علي ظهر الرض
إلى يومه هذا ـ وأغلب الظن كذلك حتى تتداركه هداية من الله ـ
بين أطوار ثلثة ،وإن شئت قلت بين ألوان ثلثة من ألوان
التفكير والتصوير :
1ـ طور الخرافة والبساطة والتسليم المطلق للغيب المجهول
والقوي الخفية البعيدة عنه .فهو ينسب إليها كل شيء ويفسر بها
كل شيء .ول يري لنفسه معها عمل ً ول فكرا ً ،وكثيرا ً ما استبد
هذا الطور بالنسان في أدوار حياته الولي يوم عاش علي هذه
الرض يجهلها وتجهله ،ولعل أقواما ً من بني النسان ل يزالون
يعيشون علي هذا النحو إلى الن .
2ـ وطور الجمود والمادية والتنكر لهذا الغيب المجهول ،
والخروج علي هذه القوي البعيدة علي حس النسان والتمرد علي
كل ما يتصل إليها بسبب ،ومحاولة تفسير مظاهر الكون جميعا ً
محاولة مادية صرفة وفق قوانين تجريبية اهتدي إليها النسان
بطول تجاربه ودوام بحثه وتفكيره .وكثيرا ً ما طغى هذا التفكير
علي العقل النساني في هذه العصور الحديثة ،التي وصل فيها
النسان إلى الكشف عن كثير من مجهولت الطبيعة ،وعرف
فيها الكثير من خواص الكائنات ،فظن أنه واصل ل محالة بهذا
السلوب إلى معرفة ما هناك ،وإن كان الذي يعرفه بالنسبة إلى
ما يجهله كالذرة من الرمال في الفلة الواسعة الفسيحة .
وفي هذا الدور أنكر النسان المادي اللوهية وما يتصل بها
والنبوات وما يمت إليها والخرة والجزاء والعالم الروحي بكل ما
فيه ،ولم ير شيئا ً إل هذا العالم الدنى المحدود يفسر ظواهره
بحسب قوانينه المادية الصرفة .
كل هذين اللونين من ألوان التفكير خطأ صريح وغلو فاحش
وجهالة من النسان بما يحيط بالنسان .
3ـ ولقد جاء السلم الحنيف يفصل القضية فصل ً حقا ً ،فيقرر
حق العالم الروحي ويوضح صلة النسان بالله رب الكائنات جميعا ً
وبالحياة الخرة بعد هذه الحياة الدنيا ،ويجعل اليمان بالله
أساس إصلح النفس التي هي من عالم الروح فعل ً والتي ل
سبيل إلى صلحها إل بهذا اليمان ,ويصف ذلك العالم الغيبي
المجهول وصفا ً يقربه إلى الذهان ول يتنافى مع بدهيات العقول ،
وهو مع هذا يقرر فضل هذا العالم المادي وما فيه من خير للناس
لو عمروه بالحق وانتفعوا في حدود الخير ،ويدعو إلى النظر
السليم في ملكوت السماوات والرض ،ويعتبر هذا النظر أقرب
إلى معرفة الله العلي الكبير .هذا الموقف من السلم الحنيف
ألزم العقل البشري لونا ً من ألوان التفكير ،هو أكملها وأتمها
وأكثرها انطباقا ً علي واقع الحياة ومنطق الكون ،وأعظمها نفعا ً
لبني النسان :ذلك هو الجمع بين اليمان بالغيب والنتفاع بالعقل
.فنحن نعيش في عالمين فعل ً ل في عالم واحد ،ونحن عاجزون
عن تفسير كثير من ظواهر الكون فعل ً ،عاجزون عن إدراك كل
الحقائق الولية التي تحيط بنا .ونحن في إدراكها ننتقل من
مجهول إلى مجهول حتى ينتهي بنا العجز إلى القرار بعظمة
الله ،ونحن نشعر من أعماق قلوبنا بعاطفة اليمان قوية مشبوبة
،لن اليمان من فطرة نفوسنا وهو لها ضرورة من ضرورات
حياتها كالغذاء والهواء والماء للجسام سواء بسواء .ونحن بعد
ذلك نلمس أن المجتمع النساني لن يصلحه إل اعتقاد روحي
يبعث في النفوس مراقبة الله والتعزي بمعرفته ،ومن هنا كان
لزاما ً علي الناس أن يعودوا إلى اليمان بالله والنبوات وبالروح
قا َ
ل مث ْ َ
ل ِم ْ
ن ي َعْ َ وبالحياة الخرة ،وبالجزاء فيها علي العمال )فَ َ
م ْ
شّرا ً ي ََرهُ( )الزلزلة. (8-7: قا َ
ل ذ َّرةٍ َ مث ْ َ م ْ
ل ِ ن ي َعْ َ خْيرا ً ي ََرهُ ,وَ َ
م ْ ذ َّرةٍ َ
كل هذا في الوقت الذي يجب عليهم فيه أن يطلقوا لعقولهم
العنان لتعلم وتعرف وتخترع وتكتشف وتسخر هذه المادة الصماء
ب زِد ِْني وتنتفع بما في الوجود من خيرات وميزات ) :وَقُ ْ
ل َر ّ
عْلما ً( )طـه , (114:وإلي هذه اللون من التفكير الذي يجمع بين ِ
العقليتين الغيبية والعلمية ندعو الناس .لقد عاش الغرب أخريات
أيامه مادي النزعة ل يشعر بغير المادة ول يعترف بغير المادة ول
يحس بوجود غيرها حتى ماتت في نفوس أبنائه عواطف الرحمة
النسانية ،وخبت أنواع الروحانية الربانية .وهيمن الغرب علي
الدنيا بأسرها بعلومة ومعارفه ومباهجه وزخارفه وكشوفه
ومخترعاته وجنوده وأمواله ,وصبغ الفكر البشري في كل مكان
بصبغته هذه .
والن والدنيا كلها تكتوي بهذه النيران تنبثق الدعوة من جانب
جديد لتهيب بالناس في الشرق والغرب معا ً أن يمزجوا المادة
بالروح ,وأن يؤمنوا بالغيب والشهادة ،وأن يعترفوا من جديد إلى
ن( )الذريات. (50: مِبي ٌ
ذيٌر ُ
ه نَ ِ
من ْ ُ فّروا إ َِلى اللهِ إ ِّني ل َك ُ ْ
م ِ الله ) :فَ ِ
إننا مصريون بهذه البقعة الكريمة التي نبتنا فيها ونشأنا عليها .
ومصر بلد مؤمن تلقي السلم تلقيا ً كريما ً وذاد عنه العدوان في
كثير من أدوار التاريخ وأخلص في اعتناقه و طوى عليه أعطف
المشاعر وأنبل العواطف ،وهو ل يصلح إل بالسلم ول يداوى إل
بعقاقيره ول يطب له إل بعلجه .وقد انتهت إليه بحكم الظروف
الكثيرة حضانة الفكرة السلمية والقيام عليها فكيف ل نعمل
لمصر و لخير مصر ؟ وكيف ل ندفع عن مصر بكل ما نستطيع ،
وكيف يقال إن اليمان بالمصرية ل يتفق مع ما يجب أن يدعو إليه
رجل ينادي بالسلم ويهتف بالسلم! إننا نعتز بأننا مخلصون لهذا
الوطن الحبيب عاملون له مجاهدون في سبيل خيره ،وسنظل
كذلك ما حيينا معتقدين أن هذه هي الحلقة الولي في سلسلة
النهضة المنشودة ،وأنها جزء من الوطن العربي العام ،وأننا
حين نعمل لمصر نعمل للعروبة والشرق والسلم .
الحمد لله والصلة والسلم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه
ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين ..
أي معنى جليل ,وأي شعور نبيل يثيره اجتماعكم في نفس من
يراكم ,إذا اتصل شعوره بشعوركم ,ونفذت بصيرته إلى أعماق
نفوسكم ,فرأى أي دافع كريم استولى عليكم فدفع بكم إلى هذا
المكان ،ورأي أي تفكير سام بريء طهور تزدحم به في هذه
الساعات خواطركم ،وأي جلل ووقار ورحمة وسكينة ورضوان
تحف الن بمجلسكم هذا وتتغشاكم في أماكنكم.
أمة جديدة :
جديدة في قلوبها النقية البيضاء التي يغمرها اليمان واليقين
جديدة في عقولها المشرقة المستنيرة بتعاليم القرآن الكريم ,
وهداية رب العالمين .
جديدة في آمالها وأمانيها التي ل تمت إلى النانية بسبب ،ولكنها
تبقي الخير والسعادة للناس أجمعين.
جديدة في وسائلها الواضحة الصريحة العادلة الرحيمة التي تبدأ
بالحكمة والموعظة الحسنة وتنتهي بالنصاف والعدالة الرحمة ،
جعَل َُها
خَرةُ ن َ ْ داُر ال ِ ك ال ّ وتنتظر مثوبة ذلك في قوله تعالى ) :ت ِل ْ َ
َ
ن( قي َ ة ل ِل ْ ُ
مت ّ ِ سادا ً َوال َْعاقِب َ ُض َول فَ َ دو َ ُ ً
ن عُلوّا ِفي الْر ِ ري ُن ل يُ ِ ل ِل ّ ِ
ذي َ
)القصص.(83:
أيها الخوة الفضلء ..
اذكروا نعمة عليكم واقدروا أنفسكم واقدروا دعوتكم ،وأبشروا
فالمستقبل لكم والله معكم ولن يتركم أعمالكم ،وثقوا بأنكم
تمثلون تمثيل حقيقيا أمة وادي النيل التي يفوق عددها ثلثين
مليونا ،ومعها بقية المة العربية التي تناهز سبعين مليونا ،ومن
ورائها العالم السلمي الذي يبلغ ثلثمائة مليونا من المسلمين ،
أنتم تمثلون هذه المجموعة من الناس تمثيل حقيقيا صحيحا قد
تنكره عليكم الجهات الرسمية والشكليات العملية ،ولكن هل
يشك منصف عادل في أنكم هنا في اجتماعكم هذا تختلج
نفوسكم بما تختلج به هذه النفوس جميعا من المشاعر؟ وتمتلئ
رؤوسكم بما تمتلئ به هذه الرؤوس جميعا من الفكار؟ وتنطلق
ألسنتكم بما تردده تلك اللسن من الكلمات؟
خّلي بين هؤلء وبين حريتهم لصافحت أيديهم أيديكم في ولو ُ
حرارة وشوق ،وضمت صدورهم صدوركم في حب ولهف ،
ودّوى هتافهم عاليا قويا مع هتافكم :الله اكبر ولله الحمد ،وهي
الخوة التي ل تنفصم والتي جمع عليها القرآن قلوب المؤمنين به
خوَةٌ(
ن إِ ْ
مُنو َ ما ال ْ ُ
مؤْ ِ جلها لهم إذ يقول ) :إ ِن ّ َ
في كل مكان ،وس ّ
)الحجرات. (10:
فيا أيها الممثلون الحقيقيون لخير أمة أخرجت للناس اسمعوا ..
أول ً ـ ما هي دعوتكم؟
لقد أعلنتم من أول يوم أن دعوتكم "إسلمية صميمة" على
السلم تعتمد ومنه تستمد ،وهتفتم بها من كل قلوبكم )الله
غايتنا ،والرسول قدوتنا ،والقرآن دستورنا ،والجهاد سبيلنا ،
الموت في سبيل الله أسمى أمانينا (..ولكنكم مع هذا فهمتم
السلم فهما شامل :
1ـ فآمنتم به نظاما اجتماعيا كامل يصحح للناس أوضاع مجتمعهم
في كل شئ ،فل يدع صغيرة ول كبيرة من شؤون الحياة إل
تناولها ،وأوضح ما فيها من خير ليقبل الناس عليه ،وما فيها من
شر ليجتنبوه .
2ـ وآمنتم كذلك بأن من واجب المسلم الحق أن يجاهد في
سبيل هذا السلم حتى يهيمن على المجتمع كله ،ويحتل مكانه
الذي هيأه الله له في دنيا البشر.
3ـ وآمنتم كذلك بأن ذلك أمر ممكن ميسور لو أراده المسلمون
واجتمعوا عليه .
ل خلف بينكم وبين فريق من وقد تكون هذه المور الثلثة مح ّ
المسلمين أنفسهم ،فل زال كثيرون ل يرون السلم إل في صور
من العقائد الصحيحة أو الفاسدة ,والعبادات الكاملة أو
الناقصة ..ول يزال الكثيرون يرون أن الجهاد في سبيل هذا
السلم أمر قد انقضى وقته ومضى زمنه ..ول يزال الكثيرون
يرون أن العقبات أمام المجاهدين في سبيل هذه الغاية أكبر من
أن يزيلها شئ .
ولهذا القصور في الفهم والصغر في الهمم واليأس في النفوس
استسلم كثير من الناس للمر الواقع ،وظنوا أن ذلك يرفع عنهم
اللوم في الدنيا والعذاب في الخرة ،ونسوا قول الله تبارك
م َقاُلوا ِفي َ
م سهِ ْ ف ِ مي أ َن ْ ُ ظال ِ ِ ة َ ملئ ِك َ ُ م ال ْ َن ت َوَّفاهُ ُ ذي َن ال ّ ِوتعالى ) :إ ِ ّ
َ َ َ ُ َ
ه
ض الل ِ ن أْر ُ ُ
م ت َك ْ ض قالوا أل ْ َ ن ِفي ا ْلْر ِ في َ ضع َ ِ
ست َ ْ
م ْ م َقاُلوا ك ُّنا ُ ك ُن ْت ُ ْ
صيرا ً( ُ
جُروا ِفيَها فَأول َئ ِ َ
م ِ ت َ ساَء ْ م وَ َ جهَن ّ ُ م َ مأَواهُ ْ ك َ ة فَت َُها ِ
سع َ ًَوا ِ
)النساء ، (97:فقمتم أنتم أيها الخوان المسلمون تنفضون عنكم
وعن الناس أوضار القصور والضعف واليأس ،وتنتظرون موعود
ي
قوِ ّ ه لَ َ
ن الل َ صُرهُ إ ِ ّ ن ي َن ْ ُ م ْه َ ن الل ُ صَر ّ الله تبارك وتعالى ) :وَل َي َن ْ ُ
َ م ِفي ال َْر
وا الّز َ
كاةَ صلةَ َوآت َ ُموا ال ّ ض أَقا ُ
ِ مك ّّناهُ ْن َ ن إِ ْ
ذي َزيٌز ,ال ّ ِعَ َ ِ
موِر( )الحج-40: ُ َ ْ ْ
ة ال ُ
عاقِب َ ُ
من ْكرِ َوللهِ َ ن ال ُ
وا عَ ِ
ف وَن َهَ ْمعُْرو ِ مُروا ِبال َ وَأ َ
. (41
بين دورين
لقد جاء السلم الحنيف يقرر للدنيا أعدل المبادئ وأقوم الشرائع
الربانية ،ويسمو بالنفس النسانية ويقدس الخوة العالمية ،
ويضع عقيدة الخلود والجزاء دافعا إلى العمال الصالحة ومانعا
من الفساد في الرض ،ويرسم الطريق العملي لذلك كله في
حياة الناس اليومية ثم في أوضاعهم المدنية ،ويحيى على ذلك
القلوب ،ويجمع عليه المة ،ويقيم على أساسه الدولة ،ويوجب
الدعوة إليه في الناس كلهم حتى ل تكون فتة ويكون الدين كله
لله.
ومضت على هذا حياة المسلمين حينا من الدهر ،علت فيها
دعوتهم ،وامتدت دولتهم ،وتمكن سلطانهم ،وسادوا أمم الدنيا ،
وكانوا أساتذة الناس ،ووعدهم الله على ذلك أجمل المثوبة ،
بوا ِن ثَ َ
س َ
ح ْب الد ّن َْيا وَ ُ ه ثَ َ
وا َ وحقق لهم هذا الوعد َ) :فآَتاهُ ُ
م الل ُ
ن( )آل عمران.(148: سِني َح ِ ب ال ْ ُ
م ْ ح ّ
ه يُ ِ
خَرةِ َوالل ُ
ال ِ
ثم اختلط عليهم بعد ذلك المر ،فاتخذوا الدين طقوسا وأشكال ،
والعلم والمعرفة جدل ومراء ،ووزعوا مهمة الصلح لتكون أداة
للدنيا ووسيلة للجاه والمال ،ففسدت النفوس أول وتفرقت
الكلمة بعد ذلك ،ودالت الدولة تبعا لهذا ،وطمع في المسلمين
من ل يدفع عن نفسه ،فوقعوا تحت حكم غيرهم وسلطانه ،
وتّغيرت تبعا لذلك كل أوضاع حياتهم الدبية والعلمية.
وأراد المصلحون الغيورون أن يتداركوا المر ،فقامت طائفة
تحاول إصلح النفوس ،وقامت أخرى تحاول خدمة الشعوب ،
واختصت ثالثة نفسها بتقويم أداة الحكم ،وأطلق كل على نفسه
اسما يرضاه ووصفا يعجبه ،انتصر لمهمته ،وانتقص مهمة غيره ،
وى كل وكان شرط هذا الختصاص ـ ليكون نافعا مفيدا ـ أن تق ّ
ناحية الخرى وتكون سنادا لها ،فيدفع من يهيمنون على تربية
النفوس أتباعهم إلى خدمة المجتمعات ،وهؤلء ينبهون من معهم
إلى أن صلح المجتمع بصلح الحكم ،حتى يتآزر الجميع على
الصلح العام .وكان شرط هذا الختصاص كذلك أن تقوم هناك
الهيئة الجامعة التي تأخذ بأطرافه وتجمع بين حواشيه ،وكان
شرط هذا الختصاص أخيرا أن به الكفاء المخلصون ،ولكن هذا
كله لم يتوفر إل نادرا ،والنادر ل حكم له .
مقاصد الدعوة ووسائلها العامة
وظهرت دعوتكم أيها الخوان في ثنايا هذه السحب المتراكمة
جميعا ً ,فلمعت كما يلمع البرق الوامض ,ثم أنارت كما تنير
الشمس المشرقة ,تبعث في القوم النور والحياة واليقظة بعد
طول نوم وخمود ,فكانت أغراضكم وأهدافكم هي أغراض
السلم الحنيف ومقاصده .
1ـ تصحيح فهم المسلمين لدينهم وشرح دعوت القرآن الكريم
شرحا وضحا ،وعرضها عرضا كريما يوافق روح العصر ،ويكشف
عما فيها من روعة وجمال ،ويرد عنها الباطيل والشبهات.
2ـ ثم جمع المسلمين عمليا على مبادئ كتابهم الكريم بتجديد
أثره البالغ القوى في النفوس .
3ـ ثم خدمة المجتمعات وتنقيتها بمحاربة الجهل والمرض والفقر
والرذيلة ،وتشجيع البر والنفع العام في آية صورة .
4ـ ولن يستشعر أحد العزة والكرامة ويتذوق طعم الحياة
الكريمة إل إذا شبع بطنه واستغني عن غيره ،وتوفرت له
ضروريات حياته ،وإلي ذلك نظر السلم فلم يهمل المعاني
القتصادية ولم يتغافل عن الصلح المالي ،بل إنه وضع لذلك
أفضل القواعد التي تنمي وحدة المة أفرادا ً وجماعات ,وترفع
مستوي المعيشة وتقرب بين الطبقات ،وتؤمن الجميع أنفسهم
وزراريهم وأولدهم ،وتضمن لهم العدالة الجتماعية الصحيحة ،
وتوفر الفرص المتكافئة للجميع علي السواء .
لم يحتقر السلم المال ،ولم يزهد في الثروة ولم يحرم الطيبات
,بل اعتبر المال من نعم الله الواجبة الشكر ،وقال النبي : r
)نعم المال الصالح للرجل الصالح( ،واستعاذ من العوز والفقر
وقرنه بالكفر فقال ) :اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر( ،
وحث بعد ذلك علي العمل والكسب ،واعتبر ذلك قربة إلي الله
تؤدي إلي حبه ومثوبته ومغفرته .فقال رسول الله ) : rإن الله
يحب المؤمن المحترف( كما قال ) :من أمسي كال ً من عمل يده
أمسي مغفورا ً له( ،وحرم السؤال والستجداء لما في ذلك من
مذلة وهوان .
ثم أوصي بعد هذا بالمحافظة علي هذا المال والعتدال في
إنفاقه وابتغاء أفضل السبل به فقال القرآن الكريم َ) :ول ت ُؤُْتوا
م قَِياما ً( )النساء ، (5:وقال : َ
ه ل َك ُ ْل الل ُ جع َ َم ال ِّتي َ وال َك ُ ُ م َفَهاَء أ ْ س َ ال ّ
واما (ً َ َ َ َ ُ َ َ ّ
ن ذ َل ِك ق َ ن ب َي ْ َقت ُُروا وَكا َ
م يَ ْ سرِفوا وَل ْ م يُ ْ
قوا ل ْ ف ُذا أن ْ َ ن إِ َ ذي َ)َوال ِ
)الفرقان. (67:
ثم لفت النظر إلي منابع الثروة وأصول طرائق الكسب من
التجارة والزراعة والصناعة والثروات الحيوانية والمعدنية والمائية
والهوائية والقوي الكونية ،وكل ذلك واضح في كتاب الله العلي
الكبير ،وحث المسلمين علي استغللها وتثميرها والنتفاع بها
َ
م ت ََرْوا وعدم الغفلة عنها ،جمع لهم ذلك في إشارة واضحة ) ,أل َ ْ
َ َ َ
سب َغَ عَل َي ْك ُ ْ
م ض وَأ ْ
ما ِفي الْر ِ ت وَ َ ماَوا ِ س َ
ما ِفي ال ّ م َ خَر ل َك ُ ْ س ّ ه َ ن الل َ أ ّ
ة( )لقمان.(20: ظاهَِرةً وََباط ِن َ ً ه َ م ُ ن ِعَ َ
ثم حرم الكسب الحرام كله إلي البغضاء والشحناء وفساد
المجتمعات ،لن السلم حين أراد لن يوفر للفرد وسائل الحياة
والرفاهية أراد كذلك أن يوفر للمجتمع حياة التكافل والطمأنينة ,
ويقضي فيه علي فحش الثرة والنانية ،فحرم الربا وحرم
النصب وحرم الحتيال ,ووضع في ذلك القاعدة المعروفة من
تقديم المنفعة العامة علي المنفعة الخاصة دائما ً ،فإذا تعارضت
حقوق الفرد مع حقوق الجماعة أهدرت الحقوق الفردية وعوض
عنها أصحابها ،وأقيمت حقوق الجماعة بما يوصل للخير العام .
ولم يقف أمر النظام القتصادي السلمي عند هذا الحد ,ولكنه
رسم الخطط الساسية للتقريب بين الطبقات فانتقص من مال
الغني بما يزكيه ويطهره وينقيه ويكسبه القلوب والمحامد ,
غبه في الصدقة والحسان ,وأجزل هده في الترف والخيلء ور ّ وز ّ
ً ً
له في ذلك المثوبة والعطاء وقرر للفقير حقا معلوما وجعله في
كفالة الدولة أول ً وفي كفالة القارب ثانيا ً وفي كفالة المجتمع بعد
ذلك .ثم قرر بعد هذا صور التعامل النافع للفرد الحافظ للجماعة
تقريرا ً عجيبا ً في دقته وشموله وآثاره ونتائجه ،وأقام الضمير
النساني مهيمنا ً عليها من وراء هذه الصور الظاهرية .كل هذا
بعض ما وضع السلم من قواعد ينظم بها شأن الحياة القتصادية
للمؤمنين ،وقد فصلت الحياة القتصادية الممسوخة التي يحياها
الناس في هذه العصر بين القتصاد والسلم ،فقمتم أنتم ومن
أهدافكم وأغراضكم الصلح القتصادي بتنمية الثروة القومية
وحمايتها ،والعمل علي رفع مستوي المعيشة ،والتقريب بين
الطبقات ،وتوفير العدالة الجتماعية ،والتأمين الكامل
للمواطنين جميعا ً ،وإقرار الوضاع التي جاء بها السلم في ذلك
كله .
ً
5ـ وإذا كانت هذه الهداف جميعا ل تتحقق إل في ظل الدولة
الصالحة وقد عرفتنا اليام ألوان الحكومات التي تقوم علي غير
النظام السلمي ,فإذا هي جميعا ً ل تزيد المر إل شدة ،مع أن
دستور بلد الذي ارتضته نظاما ً لنفسها يعلن في المادة )(149
منه ) :أن دين الدولة السلم ولغتها الرسمية اللغة العربية ( ،
فكان لبد أن تطالبوا بحق السلم في إقامة الحكومة التي ترتكز
علي أصوله وأحكامه وتعاليمه ,وشرط ذلك الحرية والستقلل
الكامل فكان طبيعيا ً أن يكون من أهدافكم ـ كدعوة إسلمية
صحيحة كاملة ـ تحرير وادي النيل والبلد العربية والوطن
السلمي بكل أجزاؤه من كل سلطان أجنبي .
6ـ ودعوة السلم الحنيف ليست قاصرة علي شعب دون شعب
ك ِإل َ
كافّ ً سل َْنا َ َ
ة ما أْر َأو قطر دون قطر فإن الله يقول لنبيه ) : rوَ َ
ذي ن َّز َ
ل ذيرا ً( )سـبأ ، (28:ويقول )ت ََباَرك ال ِ
ّ َ شيرا ً وَن َ ِس بَ ِ
ِللّنا ِ
ذيرا ( )الفرقان، (1: ً ن نَ ِ
مي َ َ ْ
ن ل ِلَعال ِ ُ
ن عَلى عَب ْدِهِ ل ِي َكو ََ فْرَقا َال ْ ُ
ت إ َِلى الّنوِر( )إبراهيم، (1: ما ِ ن الظ ّل ُ َم َ
س ِج الّنا َ خرِ َ
ويقول ) :ل ِت ُ ْ
وذلك أول أساس روحي وعملي ،وضع في هذه الرض للوحدة
العالمية التي يهتف بها الزعماء وتمهد لها المخترعات وتتجمع
عليها أفكار الرض وتتهيأ لها الشعوب والمم في هذه اليام ,
فمن دعواتكم أيها الخوة الحبة أن تساهموا في السلم العالمي
وفي بناء الحياة الجديدة للناس بإظهارهم علي محاسن دينكم
وتجليه مبادئه وتعاليمه لهم وتقديمها إليهم بعد هذا الظمأ القاسي
الذي التهبت به أكبادهم في هذه الحياة المادية الميكانيكية
القاسية .
تلك هي مقاصد دعوتكم وأغراض هيئتكم ،كلها من السلم
ما
ذا وَ َداَنا ل ِهَ َ مد ُ للهِ ال ّ ِ
ذي هَ َ الحنيف ل تخرج عنه قيد شعرة و )ال ْ َ
ح ْ
َ
ه( )لعراف.(43: داَنا الل ُ
ن هَ َ
ول أ ْ ك ُّنا ل ِن َهْت َدِيَ ل َ ْ
أما وسائلكم من هذه الغاية فهي وسائل الدعوة الولي :
1ـ نشر الدعوة للتبليغ وتربية النفوس علي هذه التعاليم عمليا ً
للتكوين.
2ـ ووضع المناهج الصالحة في شؤون الحياة للتوجيه والتقدم
إلي الئمة والهيئات النيابية والتنفيذية والدولية.
3ـ وفي أثناء ذلك من مهمتكم إسداء الخير والمعروف للناس .
هكذا كنتم منذ وضع الساس الول لدعوتكم في شهر ذي القعدة
1347هـ 1928 ،م ,وعلي هذا ظللتم وثبتم وستظلون وتثبتون
حتى يحقق الله وعده إن شاء الله .
وصفنا
وسيقول الناس ما معني هذا وما أنتم أيها الخوان ؟ أننا لم
نفهمكم بعد ،فأفهمونا أنفسكم وضعوا لنفسكم عنوانا ً نعرفكم
به كما تعرف الهيئات بالعناوين .
هل أنتم طريقة صوفية ؟ أم مؤسسة اجتماعية ؟ أم حزب
سياسي ؟ كونوا واحدا ً من هذه السماء والمسميات لنعرفكم
بأسمائكم وصفتكم .
فقولوا لهؤلء المتسائلين :نحن دعوة القرآن الحق الشاملة
الجامعة :
ـ طريقة صوفية نقية :لصلح النفوس وتطهير الرواح وجمع
القلوب علي الله العلي الكبير .
ـ وجمعية خيرية نافعة تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر وتواسي
المكروب وتبر بالسائل والمحروم وتصلح بين المتخاصمين .
ـ ومؤسسة اجتماعية قائمة :تحارب الجهل والفقر والمرض
والرذيلة في أية صورة من الصور .
ـ وحزب سياسي نظيف يجمع الكلمة ويبرأ من الغرض ويحدد
الغاية ويحسن القيادة والتوجيه .
وقد يقولون بعد هذا كله لزلتم غامضين فأجيبوهم :لنه ليس في
يدكم مفتاح النور الذي تبصروننا علي ضوئه ...نحن السلم أيها
الناس فمن فهمه على وجهه الصحيح فقد عرفنا كما يعرف نفسه
فافهموا السلم أو قولوا عنا بعد ذلك ما تريدون !.
نحن ووزارة الشؤون الجتماعية
أيها الخوة الحبة ..
على هذا الوضع الواضح الكريم نشأت دعوتكم ودرجت ،ثم
أنشئت خلل ذلك وزارة الشؤون الجتماعية وكان من مهمتها
تنشيط أعمال البر وتشجيع الهيئات الشعبية والجمعيات الخيرية
وإعانتها ماديا وأدبيا على ما هي بسبيله من عمل الخير ،ورأينا
أن ل مانع من أن نتعاون معها في ذلك في الناحية التي تخصها
من نشاطنا واتصالنا بها على هذا الساس وأذّنا لشعب الخوان
أن تتصل بها كذلك ،واستمرت صلتنا بوزارة الشؤون على هذا
النحو من التفاهم والتعاون إلى الن ،حتى صدر القانون رقم
49لسنة 1945م الخاص بتنظيم الجمعيات الخيرية والمؤسسات
الجتماعية والتبرع للوجوه الخيرية وفيه تحديد لمعنى الجمعية
والمؤسسة .وبتطبيق هذا التحديد على هيئة الخوان المسلمين
نراه ل ينطبق عليها بحال فل هي جمعية خيرية ول هي مؤسسة
اجتماعية وإن كانت تعمل الخير وتخدم المجتمع فإنها تعتمد في
ذلك أول على مال أعضائها وعلى ما يجمع من الجمهور.
هذا من جهة ومن جهة أخرى فان هذا ليس كل أغراضها ولم تنشأ
له خاصة .ولسنا نأبى أن نتعاون مع وزارة الشؤون في الخير
وخدمة الناس فإننا نرحب بذلك ونوده ولكننا نريد أن توضع المور
في وضعها الصحيح وأل نضع أنفسنا ودعوتنا التي وقفنا لها الدم
والمال والحياة والبناء وهي عندنا أمل المال في موضع يغل يدها
ويحول بينها وبين العمل لتحقيق أغراضها والوصول إلي أهدافها .
هل يتوهم إنسان أن دعوة الخوان وجماعتهم تكون في عرف
القانون ومنطق الوضاع السليمة الصحيحة ـ وهي الهيئة التي
تعمل لتنشر في الدنيا دعوة القرآن وتحيي أمته وتقيم دولته
وتواجه الدنيا بتعاليمه لينعم الناس في ظله بما يحلمون به من
ه
دي ب ِ ِ ن ,ي َهْ ِ مِبي ٌ
ب ُن اللهِ ُنوٌر وَك َِتا ٌ م َ جاَءك ُ ْ
م ِ سعادة وسلم ) ,قَد ْ َ
ت إ َِلىما ِ ن الظ ّل ُ َ
م َم ِ جهُ ْ
خرِ ُسلم ِ وَي ُ ْ ل ال ّ سب ُ َ
ه ُ وان َ ُ
ض َ
ن ات ّب َعَ رِ ْ م ِ ه َالل ُ
قيم ٍ( )المائدة ، (16-15:هذه ست َ ِ
م ْ ط ُ صَرا ٍ م إ ِلى َِ الّنورِ ب ِإ ِذ ْن ِهِ وَي َهْ ِ
ديهِ ْ
الهيئة أيها الخوان وهذا مقصدها ـ هل يتوهم أحد أن تكون في
عرف القانون وفي منطق الوضاع كجماعة لتكفين موتي الفقراء
؟ وجماعة قطرة الحليب ؟ وجماعة أنصار الحسان ؟ وعلم الله
أننا ل نستصغر ناحية من نواحي البر ول ننتقص عمل ً من أعمال
الخير مهما كان ،ولكن لكل مقام مقال .
لهذا رأي مكتب الرشاد أن يعدل النظام الساسي تعديل ً يوضح
أهداف الدعوة ووسائلها وضوحا ً ينص علي انفصال ناحيتي البر
والرياضة في إداراتهما وحساباتهما عن الهيئة الرئيسية لها تسهيل ً
لمهمة التعاون مع وزارة الشؤون الجتماعية ـ إن شاء الله ـ من
جهة ومع كل الهيئات التي تعمل لهاتين الناحيتين من جهة أخري .
وسيعرض عليكم مشروع التعديل وقرار المكتب في هذا الشأن
دي ل ال ْ َ
حقّ وَهُوَ ي َهْ ِ قو ُ
ه يَ ُ
كله في نهاية هذا الجتماع َ) ,والل ُ
ل( )الحزاب. (4: سِبي َ
ال ّ
ومن هنا كان واجبكم أكبر الواجبات وكانت تبعتكم أثقل التبعات .
انتهاز الفرصة
ثم تأكدوا بعد ذلك أنها الفرصة السانحة التي ل تعوض ،وماذا
تنتظرون بعد ذلك ،ولقد انتهت هذه الحرب الضروس وخرج منها
الحلفاء بنصر لم يكونوا يتوقعونه ،وسلم لهم أعداؤهم بغير قيد
ول شرط ،وعرفت حكوماتهم وهيئاتهم وشعوبهم قيمة الوقت ،
فلم يضيعوه سدي ولم ينفقوه هباء في الجدل الفارغ والخصومة
القاتلة والنوم العميق ،ولكنهم كانوا يحاربون ويرتبون ،حتى إذا
وضعت الحرب أوزارها ،كان مؤتمر سان فرانسيسكو ومؤتمر
بوتسدام ومؤتمر وزراء الخارجية في لندن ولم تبق عليه إل ليال
وأيام ،وفي خلل ذلك مقابلت واجتماعات وتصريحات
وقرارات ،وخطب ومقالت ،وحكومات أثر حكومات ،وهكذا
تسير الدول الكبرى وتتأهل الدول الخرى ،في سرعة ويقظة
واهتمام ،ويقرر مصائر العالم ويحدد مستقبل المم والشعوب
في هذه الساعات الفاصلة في تاريخ الناس ،فإذا وقع المر
فقلما يتغير إل بالمجهود العنيف والدأب المخيف فما الذي
تنتظرون ؟ والمر أمركم وأنتم موضع البحث والتقرير ،علي
مصالحكم يشتد الجدل والخلف ،وإليها تتجه المطامع والمال ،
أفل ترون بعد هذا كله أنها ساعات لها ما بعدها بل أنها أحرج
الساعات في تاريخنا الحديث .؟
* البلد العربية
رابعا ً ـ وســائلنـا
أيها الخوة الكرام ..
ويقول الناس كذلك :وما وسائلكم أيها المغلوبون علي أمركم
لتحقيق مطالبكم والوصول إلي حقكم ؟ ونقول نحن في سهولة
ويسر :وماذا يريد منا الناس ؟ ولو أننا مغلوبون علي أمرنا
مدفوعون عن حقنا ؟ وهل يليق بكريم أن يذل و يستخزى
والرسول rيقول ) :من أعطي الذلة من نفسه طائعا ً غير مكره
ن
مِني َ مؤْ ِ سول ِهِ وَل ِل ْ ُ فليس مني( ؟ والله يقول َ) :وللهِ ال ْعِّزةُ وَل َِر ُ
ن( )المنافقون. (8: مو َ ن ل ي َعْل َ ُ قي َ مَنافِ ِ ن ال ْ ُ وَل َك ِ ّ
إن لنا سلحا ً ل يفل ول تنال منه الليالي واليام هو )الحق (
ل حقّ عََلى ال َْباط ِ ِ ف ِبال ْ َ قذِ ُ ل نَ ْ والحق باق خالد والله يقول ) :ب َ ْ
ن( )النبياء. (18: فو َ ص ُ ما ت َ ِ م ّ ل ِ م ال ْوَي ْ ُ ذا هُوَ َزاهِقٌ وَل َك ُ ُ ه فَإ ِ َ مغ ُ ُفَي َد ْ َ
َ ْ ْ َ َ
ما الّزب َد ُ فَي َذ ْهَ ُ
ب ل فَأ ّ حقّ َوالَباط ِ َ ه ال َ ب الل ُ ضرِ ُ ويقول) :كذ َل ِك ي َ ْ
َ َ َ ُ َ
ه
ب الل ُ ضرِ ُ ض كذ َل ِك ي َ ْ ث ِفي الْر ِ مك ُ س فَي َ ْ فعُ الّنا َ ما ي َن ْ َ ما َ فاًء وَأ ّ ج َ ُ
ن
ل إِ ّ ْ
حقّ وََزهَقَ الَباط ِ ُ ْ
جاَء ال َ ل َ ل( )الرعد ، (17:ويقول ) :وَقُ ْ مَثا َ َ
ال ْ
هوقا ( )السراء. (81: ً ن َز ُ كا َ ل َ ال َْباط ِ َ
ولنا سلح آخر بعد ذلك وهو )اليمان( .واليمان كذلك سر من
أسرار القوة ل يدركه إل المؤمنون الصادقون ،وهل جاهد
العاملون من قبل وهل يجاهدون من بعد إل باليمان ،وإذا فقد
اليمان ؟ فهل تغني أسلحة المادة جميعا ً عن أهلها شيئا ً ؟ .وإذا
وجد اليمان فقد وجدت السبيل إلي الوصول ،وإذا صدق العزم
ن( )الروم، (47: مِني َ مؤْ ِ صُر ال ْ ُ قا ً عَل َي َْنا ن َ ْ ح ّ
ن َ وضح السبيل ) ,وَ َ
كا َ
كحي َرب ّ َ ولئن تخلي عنا جند الرض فإن معنا جند السماء )إ ِذ ْ ُيو ِ
َ
مُنوا( )لنفال. (12: نآ َ ذي َ م فَث َب ُّتوا ال ّ ِ معَك ُ ْ ملئ ِك َةِ أّني َ إ َِلى ال ْ َ
والمل بعد ذلك سلح ثالث فنحن ل نيأس ول نتعجل ول نسبق
الحوادث ول يضعف من همتنا طول الجهاد والحمد لله رب
العالمين ،لننا نعلم أننا مثابون متي حسنت النية وخلصت
الضمائر وهي خالصة بحمد الله ،فكل يوم يمضي تبنا فيه ثواب
سِلي جديد والنصر من وراء ذلك ل يتخلف )ك َتب الله ل َغْل ِب َ
ن أَنا وَُر ُ َ َّ ُ َ َ
س ُ
ل س الّر ُ
ْ ست َي ْأ َ ذا ا ْ حّتى إ ِ َ زيٌز( )المجادلةَ ) , (21: ه َقَوِيّ عَ ِ ن الل َ إِ ّ
سَنا شاُء َول ي َُرد ّ ب َأ ُ ن نَ َ م ْ ي َ ج َ صُرَنا فَن ُ ّ م نَ ْ جاَءهُ ْ م قَد ْ ك ُذُِبوا َ وَظّنوا أن ّهُ ْ َ
ن( )يوسف , (110:ففيم اليأس و فيم القنوط مي َ جرِ ِ قوْم ِ ال ْ ُ
م ْ ن ال ْ َ
عَ ِ
ن َروِْح َ ً
م ْس ِ
ه ل ي َي ْأ ُ
.لن يجد اليأس إلى قلوبنا سبيل بإذن الله )إ ِن ّ ُ
ن( )يوسف. (87: كافُِرو َ م ال ْ َقوْ ُ اللهِ ِإل ال ْ َ
وسنعمل علي ضوء هذه المشاعر وسنعمل بالحق يدفعنا اليمان
ويحدونا المل ،فنذيع النشرات والبيانات ونوضح للناس ما خفي
عنهم من حقوقهم ونكشف لهم ما ستر من ألعيب المخادعين
لهم والمغررين بهم في الداخل والخارج وسنجمع كلمة الناس
علي هذا في مؤتمرات جامعة في كل مكان وسندعو إلي عقد
مؤتمر عربي إسلمي جامع لتوحيد الجهود وتنسيق الخطط ،
وسنبعث بإخواننا في كل مكان من البلدان الجنبية يثيرون
الشعوب والحكومات في القضية السلمية الوطنية فإذا لم يفد
ذلك كله ولم نجد النصفة من العالم الجديد الذي يريد أن تتركز
الحياة فيه علي الطمأنينة والسلم فسنعرف كيف نضبط أنفسنا
ونضع حاجزا ً حصينا ً قويا ً بيننا نحن المؤمنين وبين هؤلء الظالمين
المفترين ،وسيرون أن هذا السلح السلبي سيفوت عليهم
قصدهم ويعكس عليهم عدوانهم ويرد عليهم كيدهم في نحورهم
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ولنا النصر في النهاية
م( )آل عمران.(160: ب ل َك ُ ْ ه َفل َ
غال ِ َ صْرك ُ ُ
م الل ُ ن ي َن ْ ُوالله معنا ) .إ ِ ْ
أيها الخوة الفضلء ..
إنها الساعات الفاصلة في تاريخكم ففكروا وقرروا واعملوا
واثبتوا واصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون والله
أكبر ولله الحمـد .
والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته ،حسـن البنـا
حيـم ِ
ن الّر ِ
ِ َ
مـ
ح َ
ســم ِ اللهِ الّر ْ
بِ ْ
شدا ً
مرَِنا َر َ
نأ ْ ئ ل ََنا ِ
م ْ ة وَهَي ّ ْ
م ً
ح َ ن ل َد ُن ْ َ
ك َر ْ م ْ
َرب َّنا آت َِنا ِ
القاهرة عاصمة الديار المصرية في رجب 1366هـ
حضرة صاحب ...
السلم عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد ,فإنما حملنا على التقدم بهذه الرسالة إلى مقامكم الرفيع
رغبة أكيدة في توجيه المة التي استرعاكم الله أمرها ,ووكل
إليكم شأنها في عهدها الجديد ,توجيها صالحا يقيمها على أفضل
المسالك ,ويرسم لها خير المناهج ,ويقيها التزلزل والضطراب ,
ويجنبها التجارب المؤلمة الطويلة .
ولسنا نبغي من وراء ذلك شيئا إل أن نكون قد أدينا الواجب
وتقدمنا بالنصيحة ...وثواب الله خير وأبقى .
تبعة الراعي
يا صاحب ...
إن الله وكل إليكم أمر هذه المة ,وجعل مصالحها وشؤونها
وحاضرها ومستقبلها أمانة لديكم ووديعة عندكم ,وأنتم مسؤولون
عن ذلك كله بين يدي الله تبارك وتعالى ,ولئن كان الجيل
الحاضر عدتكم ,فإن الجيل التي من غرسكم ,وما أعظمها
أمانة وأكبرها تبعة أن يسأل الرجل عن أمة ) :كلكم راع وكلكم
مسؤول عن رعيته( .
وقديما قال المام العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ) :لو
عثرت بغلة بالعراق لرأيتني مسؤول عنها بين يدي الله تبارك
وتعالى ِلم َلم أسوّ لها الطريق؟( .
ور المام عمر بن الخطاب عظم التبعة في جملة فقال : وص ّ
)لوددت أن أخرج منها كفافا ل لي ول علي(.
مـقدمــات
) أ ( عهد النتقال :
وإن أخطر العهود في حياة المم وأولها بتدقيق النظر عهد
النتقال من حال إلى حال ,إذ توضع مناهج العهد الجديد وترسم
خططه وقواعده التي يراد تنشئة المة عليها والتزامها إياها ,فإذا
كانت هذه الخطط والقواعد والمناهج واضحة صالحة قويمة فبشر
هذه المة بحياة طويلة مديدة وأعمال جليلة مجيدة ,وبشر قادتها
إلى هذا الفوز ,وأدلتها في هذا الخير ,بعظيم الجر وخلود الذكر
وإنصاف التاريخ وحسن الحدوثة .
ق ,اقَْرأ ْ وََرب ّ َ
ك م ْ َ
ن عَل ٍ ن ِ خل َقَ ال ِن ْ َ
سا َ خل َقَ َ , ذي َ ك ال ّ ِ سم ِ َرب ّ َ ْ
)اقَْرأ ِبا ْ
َ
م( )العلق(5-1: م ي َعْل َ ْ
ما ل َ ْ
ن َسا َ م ال ِن ْ َقل َم ِ ,عَل ّ َ
م ِبال ْ َذي عَل ّ َ م ,ال ّ ِالك َْر ُ
ولم يفرق القرآن بين علم الدنيا وعلم الدين ،بل أوصى بهما
جميعا َ ،وجمع علوم الكون في آية واحدة ،وحث عليها وجعل
العلم بها سبيل خشيته وطريق معرفته ،فذلك قول الله تعالى :
و ـ السلم والخلق
والمة الناهضة أحوج ما تكون إلى الخلق ..الخلق الفاضل القوي
المتين والنفس الكبيرة العالية الطموحة ،إذ أنها ستواجه من
مطالب العصر الجديد مال تستطيع الوصول إليه إل بالخلق
القوية الصادقة النابعة من اليمان العميق والثبات الراسخ
والتضحية الكثيرة والحتمال البالغ ,وإنما يصوغ هذه النفس
الكاملة السلم وحده ،هو الذي جعل صلح النفس و تزكيتها
َ
ن
م ْ
ب َ
خا َها ,وَقَد ْ َ ن َز ّ
كا َ م ْ أساس الفلح ،فقال تعالى ) :قَد ْ أفْل َ َ
ح َ
ها( )الشمس. (10-9: سا َ
دَ ّ
وجعل تغيير شئون المم وقفا على تغير أخلقها وصلح نفوسها
م( )الرعد:
سهِ ْ ما ب ِأ َن ْ ُ
ف ِ حّتى ي ُغَي ُّروا َ
قوْم ٍ َ
ما ب ِ َ
ه ل ي ُغَي ُّر َ
ن الل َ
فقال ) :إ ِ ّ
. (11
ز ـ السلم والقتصاد
والمة الناهضة أحوج ما تكون إلى تنظيم شؤونها القتصادية ,
وهي أهم الشؤون في هذه العصور ,ولم يغفل السلم هذه
الناحية بل وضع كلياتها ولم يقف أمام استكمال أمرها ,وها أنت
ذا تسمع قول الله تبارك وتعالى في المحافظة على المال وبيان
م ال ِّتي َ
وال َك ُ ُ
م َ
فَهاَء أ ْ قيمته ووجوب الهتمام به َ) :ول ت ُؤُْتوا ال ّ
س َ
م قَِياما ً( )النساء. (5:
ه ل َك ُ ْ جعَ َ
ل الل ُ َ
ة إ َِلى
مغُْلول َ ً ل ي َد َ َ
ك َ جع َ ْ
ويقول في موازنة النفاق والدخل َ) :ول ت َ ْ
ط( )السراء. (29: س ِل ال ْب َ ْ
سط َْها ك ُ ّ ق َ
ك َول ت َب ْ ُ عُن ُ ِ
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ) :ما عال من اقتصد(
وهو كما يصدق في الفرد يصدق في المة مع قوله صلى الله
عليه وسلم ) :نعم المال الصالح للرجل الصالح( ,وأي نظام
اقتصادي فاضل يرحب به السلم ويدعو المة إلى تشجيعه ول
يقف أبدا في سبيله ,والفقه السلمي مملوء بأحكام المعاملت
المالية ,وقد فصلها تفصيل ل يدع زيادة لمستزيد .
وبعد فإن المة إذا توفرت لها هذه الدعائم من المل والوطنية
والعلم والقوة والصحة والقتصاد فهي بل شك أقوى المم
والمستقبل لها ,ول سيما إذا أضيف إلى ذلك أنها قد طهرت من
الثرة والعدوان والنانية والطغيان ,وأصبحت تتمنى الخير للعالم
كله ,وإن السلم قد كفل ذلك فل حجة لمة تريد النهوض في
النكول عنه والعدول عن طريقه.
عي َ
ل ما ِ س َم وَإ ِ ْ هي َ ل إ َِلى إ ِب َْرا ِ ما أ ُن ْزِ َ ل إ ِل َي َْنا وَ َ ما أ ُن ْزِ َ مّنا ِباللهِ وَ َ )ُقوُلوا آ َ
ي ُ ُ َ
ما أوت ِ َ سى وَ َ عي َ سى وَ ِ مو َ ي ُ ما أوت ِ َ ط وَ َ سَبا ِ ب َوال ْ قو َ حاقَ وَي َعْ ُ س َ
وَإ ِ ْ
ن َ َ َ
ن ,فإ ِ ْ مو َ سل ِ ُم ْ ه ُ نل ُ ح ُم وَن َ ْ من ْهُ ْ حدٍ ِ نأ َ فّرقُ ب َي ْ َ م ل نُ َ ن َرب ّهِ ْ م ْ ن ِ الن ّب ِّيو َ
ققا ٍ ش َ م ِفي ِ ما هُ ْ وا فَإ ِن ّ َ ّ
ن ت َوَل ْ قدِ اهْت َد َْوا وَإ ِ ْ م ب ِهِ فَ َ من ْت ُ ْ ما آ َ ل َ مث ْ ِ مُنوا ب ِ ِ آ َ
َ ْ َ ْ
ن
م َ ن ِ س ُ ح َ نأ ْ م ْ ة اللهِ وَ َ صب ْغَ َمِ , ميعُ العَِلي ُ س ِ ه وَهُوَ ال ّ م الل ُ فيكهُ ُ سي َك ِ فَ َ
ة( )البقرة. (138-136: صب ْغَ ً اللهِ ِ
ثم قدس بعد ذلك الوحدة الدينية الخاصة في غير صلف ول
عدوان فقال تبارك وتعالى :
َ
ه ل َعَل ّك ُ ْ
م قوا الل َ
م َوات ّ ُ ن أَ َ
خوَي ْك ُ ْ حوا ب َي ْ َ خوَةٌ فَأ ْ
صل ِ ُ ن إِ ْ
مُنو َ ما ال ْ ُ
مؤْ ِ )إ ِن ّ َ
ن( )الحجرات. (10: مو َ ح ُت ُْر َ
هذا السلم الذي بني على هذا المزاج المعتدل والنصاف البالغ ل
يمكن أن يكون أتباعه سببا في تمزيق وحدة متصلة ,بل بالعكس
إنه أكسب هذه الوحدة صفة القداسة الدينية بعد أن كانت تستمد
قوتها من نص مدني فقط .
ن
م ْ م ِ جوك ُ ْخَر ُ ن وَأ َ ِْ دي
م ِفي ال ّ ن َقات َُلوك ُ ْ َ ن ال ّ ِ
ذي ه عَ ِ
م الل ُما ي َن َْهاك ُ ُ )إ ِن ّ َ
ُ
م فَأول َئ ِ َ َ
ك ن ي َت َوَل ّهُ ْ
م ْ م وَ َن ت َوَل ّوْهُ ْ مأ ْ جك ُ ْ
خَرا ِظاهَُروا عََلى إ ِ ْ م وَ َ دَِيارِك ُ ْ
ن( )الممتحنة. (9: مو َ م ال ّ
ظال ِ ُ هُ ُ
وليس في الدنيا منصف واحد يكره أمة من المم على ترضى
بهذا الصنف دخيل فيها وفسادا كبيرا بين أبنائها ونقضا لنظام
شؤونها .
ذلك موقف السلم من القليات غير مسلمة ,واضح ل غموض
فيه ول ظلم معه ,وموقفه من الجانب موقف سلم ورفق ما
استقاموا وأخلصوا ,فإن فسدت ضمائرهم وكثرت جرائمهم فقد
حدد القرآن موقفنا منهم بقوله :
ْ َ
خَبال ً
م َ م ل ي َأُلون َك ُ ْ دون ِك ُ ْن ُ م ْة ِ ذوا ب ِ َ
طان َ ً خ ُمُنوا ل ت َت ّ ِنآ َ )َيا أي َّها ال ّ ِ
ذي َ
ودوا ما عَن ِتم قَد بدت ال ْبغْضاُء م َ
م
دوُرهُ ْ ص ُ في ُ خ ِ ما ت ُ ْ م وَ َ واهِهِ ْ ن أف ْ َ ِ ْ َ َ ّ ْ ْ َ َ ِ َ َ ّ
ُ َ ُ ُ َ َ
م َولحّبون َهُ ْم أولِء ت ُ ِ ها أن ْت ُ ْ نَ , قلو َ م ت َعْ ِن كن ْت ُ ْ ت إِ ْ م اليا ِ أك ْب َُر قد ْ ب َي ّّنا لك ُ
ُ َ
م( )آل عمران. (119-118: حّبون َك ُ ْيُ ِ
وكل هذه المعاني تزداد بمرور اليام ،وتتضاعف ساعة بعد ساعة
,وتنذر ببلء محيط وشر مستطير ,إن لم يتداركها العقلء قبل
فوات الوان ...
وأما النظرة الثالثة :فإلى ما انحدر إليه التفكير بين زعماء العالم
وساسة الشعوب والذين أتاحت لهم المقادير أن يكونوا قادة
الدنيا في هذه اليام بعد الحرب العالمية الثانية .
تسود مجتمعنا اليوم حيرة ...و إذا دامت هذه الحيرة فليس
وراءها إل الثورة ,و الثورة الهوجاء التي ل غاية لها ,ول ضابط
ول نظام ول حدود ,ول تعقيب إل الهلك و الدمار والخسارة
البالغة ,وبخاصة في هذا العصر الذي ل يرحم والذي تتجارى
بأهله الهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه ،وفى وطن كمصر
تتطلع إليه النظار وتتقاذفه المطامع في الداخل والخارج .
هذا الكلم متفق عليه بين كل من يعنيهم أمر هذا الوطن ,وإنك
لتسمعه من الزعماء و المفكرين كما تسمعه من العامة في
مجالسهم و المجتمعين في أنديتهم وذوى العمال في أماكن
عملهم ،ومن سائق العربة إذا ركبت معه ,ومن بائع الخضر إذا
تحدثت إليه ..وإذا أنكرنا ذلك أو تغافلنا عن أثره ,أو استصغرنا
نتائجه كنا كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمل وتظن أنها بذلك
تخدع الصياد .
ومن هذه الثغرة وتطبيقا لهذا القانون الجتماعي الذي ل يتخلف ,
تأمل المبادئ الجديدة والدعوات الجديدة أن تنفذ إلى مصر ,
وتكافح في سبيل استيلئها على النفوس المصرية والقلوب
المصرية أشد الكفاح وتسلك إلى ذلك كل سبيل مستطاع وغير
مستطاع ومن هنا سمعنا كثيرا من هذه الصوات يتردد في
الصحف السيارة وفى المجالس والمنتديات ,فالشيوعية جادة
في فرض تعاليمها على أبناء هذا المجتمع ,والديمقراطية
الستعمارية الهزيلة تحاول من جانبها أن تقاوم هذا التيار ,
ويتوسطهم قوم داعون للشتراكية ,ويقف السلم العتيد
المستقر في هذه القلوب أربعة عشر قرنا ,المستولى عليها ,
المؤثر فيها بجماله وجلله وسموه وروعته ,يأبى على الجميع أن
ينزل عن مرتبته أو يتخلى عن هذه القلوب التي أمنت به
وجاهدت أكرم الجهاد في سبيل إعلئه وبقائه ورفعته وردت عنه
بهذا الجهاد غارات الصليبيين وهجمات التتار ومكايد الصهيونية :
غال ِب عََلى أ َمره ول َك َ
ن( )يوسف(21: س ل ي َعْل َ ُ
مو َ ن أك ْث ََر الّنا ِ
ْ ِ ِ َ ِ ّ ه َ ٌ )َوالل ُ
.
ولك إلى متى هذا التطاحن بين هذه الراء و الوضاع ,وهو إن
كان اليوم صغيرا فهو لن يظل كذلك ؟!
و إلى متى ينظر أهل الرأي في مصر إلى هذا الصراع في غفلة
وبله وانصراف كأن المر ل يعنيهم ,وكأنه يتناول بلدا غير بلدهم
وأشخاصا غير أشخاصهم ؟! ..ل مناص لنا من أن نختار .
فهل تصيخ الذان المغلقة إلى هذا النذير ,فتعود إلى حجر
حّتى ن َمُنو َك ل ي ُؤْ ِ السلم قول وعمل وتطبيقا ؟؟ )َفل وََرب ّ َ
َ
ما حَرجا ً ِ
م ّ م َسهِ ْ ف ِ دوا ِفي أن ْ ُ ج ُ م ثُ ّ
م ل يَ ِ جَر ب َي ْن َهُ ْ
ش َ ما َك ِفي َ مو َحك ّ ُيُ َ
سِليما ً( )النساء. (65: سل ّ ُ
موا ت َ ْ ت وَي ُ َ
ضي ْ َقَ َ
اعتراضـــات
م ن ِفيهِ ْ عو َ سارِ ُ
ض يُ َمَر ٌ م َ ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ ) فَت ََرى ال ّ ِ
ذي َ
ْ َ َ
ي
ن ي َأت ِ َ
هأ ْ سى الل ُ دائ َِرةٌ فَعَ َ
صيب ََنا َ ن تُ ِ شى أ ْ خ َ ن نَ ْقوُلو َ يَ ُ
سّروا ِفي َ َ َ َ َ ْ
ما أ َ حوا عَلى َ صب ِ ُ
عن ْدِهِ في ُ ْ ن ِ م ْمرٍ ِ فت ِْح أوْ أ ْ ِبال َ
ن( َ
مي َم َنادِ ِ سهِ ْف ِأن ْ ُ
دعوت قومي إلى أن يختاروا ،أو بعبارة أصح و أوضح ,إلى أن
يبروا بعهدهم مع الله ومع أنفسهم فيقيموا دعائم حياتنا
الجتماعية في كل مظاهرها على قواعد السلم الحنيف ,وبذلك
يسلم مجتمعنا من هذا القلق والضطرابات و البلبلة التي شملت
كل شيء ,والتي وقفت بنا عن كل تقدم ,والتي حالت بيننا وبين
أن نتعرف الطريق السوي إلى علج أية قضية من قضايانا
الكثيرة المعلقة في الداخل و الخارج ,وقلت إنه ل سبيل إلى
النجاة إل هذا التجاه عقيدة وعمل بكل ما نستطيع من حزم
وسرعة .
وقد يقال :كيف ذلك والحياة العصرية في العالم كله ل تقوم
على أساس الدين في أية ناحية من نواحيها ,وقد اصطلحت أمم
العالم ,التي بيدها اليوم مقاليد المور وتوجيه مقدرات المم
والشعوب ,على فصل الحياة الجتماعية عن العقائد الدينية ,
وإقصاء الدين عن كل مرافق الحياة وحصره بين الضمير
والمعبد ،وهى وحدها نافذة المؤمن التي يتصل منها بالله .
والذين يقولون هذا القول لم يعرفوا " السلم " ,ولم يدرسوا
تعاليمه وأحكامه ,ولم يفقهوه بعد على طبيعته الصحيحة ووضعه
السليم ..من أنه دين ومجتمع ,ومسجد ودولة ,ودنيا وآخرة ،
وأنه تعرض لشؤون الحياة الدنيوية العلمية بأكثر مما تعرض به
للعمال التعبدية ,وإن كان قد أقام الشطرين معا على دعامة
من سلمة القلب ،وحياة الوجدان ,ومراقبة الله ,وطهر
النفس .فالدين على هذا جزء من نظام السلم ,والسلم
ينظمه كما ينظم الدنيا تماما .ونحن كمسلمين مطالبون بأن يقوم
ن ديننا ودنيانا على أساس القواعد السلمية ) :وم َ
م َن ِ
س ُ
ح َنأ َْ َ ْ
ن( )المائدة. (50: كما ً ل ِ َ
قوْم ٍ ُيوقُِنو َ ح ْ
اللهِ ُ
ومن هنا فرق الفقهاء في النظرة التشريعية بين ما هو من قواعد
أحكام المعاملت وشؤون الحياة الجتماعية ,فأفسح للنظر
والجتهاد في الثانية ما ليس في الولى حتى ل يكون على الناس
ريد ُ ب ِك ُ ُ
م م ال ْي ُ ْ
سَر َول ي ُ ِ ه ب ِك ُ ُ
ريد ُ الل ُ
في ذلك حرج ول مشقة ) ,ي ُ ِ
سَر( )البقرة . (185:وتحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من ال ْعُ ْ
الفجور .
وقد يقال :إن هذا جمود ورجوع بالعالم إلى الوراء ألف عام أو
تزيد ،فكيف يعقل أننا نطبق اليوم نظما جاءت لمة عاشت قبلنا
بأربعة عشر جيل في أرض غير أرضنا وعلى لون من الحياة غير
ألوان حياتنا ؟! وأين سنة التطور وقوانين التقدم والرتقاء ؟
ونقول لهؤلء كذلك إنكم أيضا لم تفهموا طبيعة السلم الحنيف ,
الذي جاء للناس فكرة سامية تحدد الهداف العليا ,وتضع
القواعد الساسية ,وتتناول المسائل الكلية ,ول تتورط في
الجزئيات ,وتدع بعد ذلك للحوادث الجتماعية و التطورات
الحيوية أن تفعل فعلها وتتسع لها جميعا ول تصطدم بشيء منها .
وهذا تاريخ التشريع السلمي يحدثنا أن ابن عمر رضى الله عنه
كان يفتى في الموسم في القضية من القضايا برأي ,ثم تعرض
عليه في الموسم التالي من العام القابل فيفتى برأي آخر ..
فيقال له في ذلك ,فيقول :ذاك على ما علمنا وهذا على ما نعلم
أو كلم هذا نحوه .
كما يحدثنا أن الشافعي رضى الله عنه وضع بالعراق مذهبه
القديم ,فلما تمصر وضع مذهبه الجديد نزول على حكم البيئة ,
وتمشيا مع مظاهر الحياة الجديدة من غير أن يخل ذلك بسلمة
التطبيق على مقتضى القواعد الساسية الكلية الولى ...وأصبحنا
نسمع " :قال الشافعي في القديم .وقال الشافعي في الجديد
" ونرى تغير رأى الرجل الواحد في القضية بحسب الزمان تارة –
كما فعل بن عمر – وبحسب المكان تارة أخرى – كما فعل
الشافعي – أو بحسبهما معا كما سمعنا أن عمر رضى الله عنه
أمر بعدم القطع في السرقة عام المجاعة ,وجاءه رجل يشكو
سرقة خدمه فأحضرهم فأقروا وذكروا أن السبب ذلك أنه ل يقوم
بكفايتهم من طعام وملبس ...الخ .فتركهم عمر قائل ) :إذا
سرق خدمك مرة ثانية قطعت يدك أنت ( واعتبرها شبهة تدرأ
الحد ،ولحظ الظروف والملبسات ..
فهل يقال بعد هذا إن في الرجوع إلى النظام السلمي رجعية
وجمودا ,وليست في الدنيا شريعة تقبل التطور ,وتساير
مقتضيات التقدم ,وتتمتع بمعاني المرونة و السلسة والسعة
حَرٍج
ن َ
م ْ ل عَل َي ْك ُ ْ
م ِ جع َ َ
ه ل ِي َ ْ
ريد ُ الل ُ
ما ي ُ ِ
كشريعة السلم الحنيف َ ) ,
شك ُُرو َ
ن( م ل َعَل ّك ُ ْ
م تَ ْ ه عَل َي ْك ُ ْ
مت َ ُ
م ن ِعْ َ ريد ُ ل ِي ُط َهَّرك ُ ْ
م وَل ِي ُت ِ ّ وَل َك ِ ْ
ن يُ ِ
)المائدة. (6:
وقد يقال إن الجهر بالعودة إلى نظام السلم مما يخيف الدول
الجنبية و المم الغربية ,فتتألب علينا وتتجمع ضدنا ,ول طاقة لنا
بهم ول قدرة لنا عليهم ,وهذا منتهى الوهن وغاية الفساد في
التقدير وقصر النظر ..وها نحن أولء نرى هذه الدول وقد
سايرناها في نظمها ,وأخذنا بألوان حياتها ,واتبعناها في
تقاليدها ,فهل أغنى ذلك عنا شيئا ؟! وهل دفع من كيدها ؟ وهل
منعها من أن تحتل أرضنا ،وتسلب استقللنا وتستأثر بخيرات
بلدنا ،ثم تتجمع في كل مؤتمر أو مجتمع دولي ضد حقوقنا وتثير
المشكلت والصعاب والعقبات في وجوهنا ,ول تتأثر إل بشيء
واحد هو ظروفها ومصالحها فقط ،ول يعنيها بعد ذلك إل أنها
نصرانية ,فقد رأيناها في الحرب الماضية يحطم بعضها بعضا ,
وكلها مسيحية ,وتتملق مع هذا دول السلم وأممه وشعوبه ,
وتتزلف إليه بمعسول وحلو الحديث ,وهاهم أولء جميعا يناصرون
الصهيونية اليهودية وهى أبغض ما تكون إليهم لرتباط مصالحهم
المادية وأغراضهم الستعمارية بهذه المناصرة .وقد أصبح هذا
المعنى معلوما في تصرفات كل الساسة الغربيين.
إذن فلن يجدينا شيئا عندهم أن نتنصل من السلم ,ولن يزيدهم
فينا بغضا أن نعلن التمسك به والهتداء بهديه ,وبخاصة وهم الن
معسكران مختلفان متنافسان على المصالح المادية وحدها.
ولكن خطر التنصل من السلم والتنكر له عظيم على كياننا
نحن ,فما دمنا بعيدين عن تشرب روحه وتحقيق تعاليمه ,
فسنظل حائرين فتتحطم معنوياتنا .متفرقين فتضعف قوتنا .ولو
أخذنا بالحزم وأعلناها صريحة واضحة :أننا معشر أمم السلم ل
شيوعيون ول ديمقراطيون ول شئ من هذا الذي يزعمون ،ولكننا
بحمد الله مسلمون ،لرتسمت أمامنا توا طريق الهداية والنور ،
ولجمعتنا كلمة السلم ,ووحدت بيننا وبين إخواننا جميعا في
أقطار الرض ...وفى ذلك وحده – ول شئ غيره – القوة والمنقذ
أمام هذا العدوان الغربي الستعماري الجارف الذي يهددنا في كل
مكان .
وخلصة هذا الكلم في إيجاز :أننا إذا لحظنا غضب الغربيين
ورضاهم في تمسكنا بالسلم أو بعدنا عنه ،فليس لهذا من معنى
إل أننا إن لم نتمسك بالسلم فلن نكسب رضاهم وسنخسر
أنفسنا ،في حين أننا إذا تمسكنا به وتجمعنا من حوله واهتدينا
بهديه كسبنا أنفسنا ول شك .وكان هناك احتمال قوى أن
نكسبهم أيضا بتأثير قوة الوحدة فأي الرأيين أولى بالتباع يا أولي
اللباب ؟ !
أما اعتراض القليات الغير مسلمة فقد أشرنا إليه من قبل ول
نريد أن نطيل فيه القول اليوم ,فالمر أوضح من أن يكون موضع
مراء .
إنه ليس أمام المم السلمية اليوم إل هذه الفرصة ،وإن الدول
الغربية تدرك هذا تماما ،فهي تشغلنا بأنفسنا ،وتزيدنا حيرة على
حيرة .وليس في الوقت متسع للتردد ,وإن تبعة من ل يعلم في
عنق من يعلم ،ول يصلح الناس فوضى ل سراة لهم .
فيا رئيس الحكومة ...ويا رجال الزهر الشريف...
ويا أعضاء الجماعات والحزاب ويا ذوى الغيرة على هذا الوطن .
ويا أبناءه جميعا ...إليكم أقول :
ن إِ َ
ذا مِني َ مؤْ ِ ل ال ْ ُ
ن قَوْ َ ما َ
كا َ عودوا إلى السلم تغنموا وتسلموا ) :إ ِن ّ َ
َ َ
معَْنا وَأطعَْنا( ُ عوا إَلى الله ورسول ِه ل ِيحك ُم بينه َ
س ِقولوا َ ن يَ ُ مأ ِْ ََ ُ ِ َ ْ َ ََُْ ْ دُ ُ ِ
)النور. (51:
أل قد بلغت ...اللهم فاشهد
ويوم حمل الفاتح المسلم سيفه على عاتقه ،وانطلق غازيا ً في
أراضى الله لم يكن يرجوا من وراء ذلك مغانم دنيوية ،ولم يكن
يتطلع إلى خيرات المم والشعوب ليستأثر بها دونها وإن امتلت
يداه منها بغير قصد منه ..ولكن كان يؤمن بدعوته ويحمى
رسالته ،ويحمى في العالم مبادئ الحق والعدل والسلم وتاريخ
الصدر الول من أئمة المسلمين الراشدين المهديين – وهم
الحجة للسلم – يعطيك هذه الصورة بنية المعالم ،واضحة
الحدود .
والسلم مع هذا يعتبر المة السلمية أمينة على رسالة الله في
أرضه ،وله في العالم مرتبة الساتذة – ول نقول مرتبة السيادة –
بحكم هذه المانة ،فل يسمح لها أن تذل لحد ،أو تستعبد لحد ،
جعَ َ
ل أو تلين قناتها لغامز أو تخضع لغاصب معتدا ً أثيم ) :وَل َ ْ
ن يَ ْ
سِبيل ً( )النساء. (141:
ن َ
مِني َ ن عََلى ال ْ ُ
مؤْ ِ ري َ ه ل ِل ْ َ
كافِ ِ الل ُ
ويوم قرر السلم هذا ،قرر الطريق العلمي لحماية هذه الحرية .
فافترض الجهاد بالنفس والمال ،وجعله فرض كفاية لتأمين
الدعوة ،وفرض عين على كل أبناء المة لرد العدوان على
الوطن إذ واجهته قوات الغزاة من غير المسلمين ،وجعل
الشهادة أعلى مراتب اليمان ,ووعد المجاهدين النصر و التأييد
في الدنيا ,والخلود والبقاء والنعيم المقيم في الخرة ،وأعلن أن
جُروا ها َ مُنوا وَ َ نآ َ ذي َ الجهاد أفضل العمال بعد اليمان ) ,ال ّ ِ
َ م وَأ َن ْ ُ َ
ه
عن ْد َ الل ِ
ة ِ ج ً م د ََر َ م أعْظ َ ُ سهِ ْ ف ِ وال ِهِ ْ
م َ
ل اللهِ ب ِأ ْ سِبي ِدوا ِفي َ جاهَ ُ وَ َ
ت ن ,ي ُب َ ّ ْ َ َ ُ
جّنا ٍن وَ َ وا ٍض َ ه وَرِ ْ من ْ ُمةٍ ِ ح َ م ب َِر ْ م َرب ّهُ ْ شُرهُ ْ فائ ُِزو َم ال َ وَأولئ ِك هُ ُ
َ َ
م(
ظي ٌجٌر عَ ِ عن ْد َهُ أ ْ ه ِ ن الل َ ن ِفيَها أَبدا ً إ ِ ّ دي َخال ِ ِ مَ , قي ٌ م ِ
م ُ م ِفيَها ن َِعي ٌ ل َهُ ْ
)التوبة. (22-20:
فإذا فشلت هذه الجهود السلمية فإن رأى السلم صريح في
)النبذ( الذي يتضمن إعلن الخصومة ،ثم الخذ توا ً بكل وسيلة
م عََلى ة َفان ْب ِذ ْ إ ِل َي ْهِ ْخَيان َ ًن قَوْم ٍ ِم ْ ن ِخافَ ّ
ما ت َ َمن وسائل الجهاد ) :وَإ ِ ّ
قوا سب َ ُ
فُروا َ ن كَ َ ذي َ ن ال ّ ِ
سب َ ّ
ح َ
ن َ ,ول ي َ ْخائ ِِني َب ال ْ َ
ح ّ
ه ل يُ ِ
ن الل َ
واٍء إ ِ ّ
س َ
َ
ط
ن رَِبا ِ
م ْن قُوّةٍ وَ ِ
م ْ ست َط َعْت ُ ْ
م ِ ما ا ْ م َدوا ل َهُ ْ ن ,وَأ َ ِ
ع ّ جُزو َم ل ي ُعْ ِ إ ِن ّهُ ْ
م( )لنفال. (60-58: ُ
ن ب ِهِ عَد ُوّ اللهِ وَعَد ُوّك ْل ت ُْرهُِبو َ ال ْ َ
خي ْ ِ
وقد وعد الله المجاهدين للحق أن يدافع عنهم ،وينصرهم ل
محالة على أعدائهم مهما يكن عدوهم كامل الهبة ،عظيم
العدد ،مرموق العدة ،قوى الوسائل ،وعليهم أل يعبأوا بذلك ،
ن(مِني َ صُر ال ْ ُ
مؤْ ِ قا ً عَل َي َْنا ن َ ْ
ح ّ
ن َ وإن يعتمدوا على الله وحده ) ,وَ َ
كا َ
)الروم , (47:هذه الحكام جميعا ً مقررة في السلم يعرفها
بتفصيل أوسع واستدلل أقوى وأدق وأحكام كل من نهل من
معينه ,وأخذ بحظ من الفقه فيه ,وعلى ضوئها نستطيع أن نحل
قضيتنا الوطنية التي وصلت إلى حد من الرتباك ,واضطربت
الذهان ,وإليك بيان بذلك :
لم يبقى إذا ً إل )النبذ على سواء( بأن نعلنهم بالخصومة الصريحة
السافرة ،ونقرر في صراحة إلغاء ما بيننا وبينهم من معاهدات
واتفاقات ,ونعلن اعتبارا أمة وادي النيل معهم في حالة حرب -
ولو سلبية -وننظم حياتنا على هذا العتبار .
وعلميا ً :بتدريب الشعب كله تدريبا ً عسكريا ً حتى يأتى أمر الله.
وتهيأ نفوس الشعب لذلك بدعاية واسعة تامة كاملة ،كم تفعل
المم إذا واجهت حالة الحرب الحقيقية ،وتتغير كل الوضاع
الجتماعية على هذه الساس .
وهذا العمل ل يتسنى للفراد ول للهيئات ابتداء ,ولكن الحكومة
هي المسئولة عنه أول ً وأخيرا ً ،فأما الشعب نقولها في صراحة
ووضوح وثقة ،أنه على أتم استعداد لبذل كل شيء لو سلكت
الحكومة هذا السبيل ،إنه مستعد ليجوع ويعرى … وليموت
ويناضل ،ويكافح بأشد النضال والكفاح ..ولكن على شريطة أن
يكون ذلك في سبيل حريته واستقلله ل في سبيل ارتباك اللجان
الحكومية ،وضعف الوسائل الدارية والتخبط في السياسة
القتصادية والوقوف أمام مكائد النجليز وضغطهم موقف
المستسلمين العاجزين .
لقد سمعت عامل فقيرا يقول حين صدرت الوامر بخلط الخبز :
إنني مستعد أنا وأولدي أن نأكل كل يوم مرة واحدة ,إذا وثقنا
من أن هذا في سبيل الحرية والتخلص من النجليز ,ولكنني
ساخط كل السخط لني ل أفهم لماذا نلجأ إلى هذا الخلط ونحن
بلد زراعي أعظم محصوله المواد الغذائية؟!
حسـن البنــا
نظام الحكم
ل الله ول تتبع أ َهْواَءهُم واحذ َرهُ َ ما أ َن َْز َ َ
ن
مأ ْْ َ ْ ْ ْ َ ُ َ َِّ ْ م بِ َ حك ُ ْ
م ب َي ْن َهُ ْ نا ْ
وَأ ِ
ه إ ِل َي ْ َ
ك ما أ َن َْز َ
ل الل ُ ض َ
ن ب َعْ ِ
ك عَ ْ ي َْفت ُِنو َ
الحكومة في السلم
يفترض السلم الحنيف الحكومة قاعدة من قواعد النظام
الجتماعي الذي جاء به للناس ،فهو ل يقر الفوضى ،ول يدع
الجماعة المسلمة بغير إمام ،ولقد قال الرسول صلى الله عليه
وسلم لبعض أصحابه ) :إذا نزلت ببلد وليس فيه سلطان فارحل
عنه( ,كما قال في حديث آخر لبعض أصحابه كذلك ) :إذا كنتم
ثلثة فأمروا عليكم رجل( .
فالحاكم مسئول بين يدي الله وبين الناس ،وهو أجير لهم وعامل
لديهم ،ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ) :كلكم راع
وكلكم مسئول عن رعيته( ،وأبو بكر رضى الله عنه يقول :
عندما ولى المر وصعد المنبر) :أيها الناس ،كنت أحترف لعيالي
فأكتسب قوتهم ،فأنا الن أحترف لكم ،فافرضوا لي من بيت
مالكم( .وهو بهذا قد فسر نظرية العقد الجتماعي أفضل وأعدل
تفسير ،بل هو وضع أساسه ,فما هو إل تعاقد بين المة والحاكم
على رعاية المصالح العامة ,فإذا أحسن فله أجره ,وإن أساء
فعليه عقابه .
ونصت على ذاك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء
الراشدين المهدين من بعدهم ..إذا جاءهم ,أمر جمعوا أهل
الرأي من المسلمين واستشاروهم ونزلوا عند الصواب من آرائهم
،بل أنهم ليندبونهم إلى ذلك ويحثونهم عليه .فيقول أبو بكر
رضى الله عنه ) :فإن رأيتموني على حق فأعينوني وإن رأيتموني
على باطل فسددوني أو قوموني( ,ويقول عمر بن الخطاب:
ي اعوجاجا ً فليقومه( .
)من رأى ف ّ
)والنظام السلمي( في هذا ل يعنيه الشكال ول السماء متى
تحققت هذه القواعد الساسية التي ل يكون الحكم صالحا ً
بدونها ,ومتى طبقت تطبيقا ً يحفظ التوازن ول يجعل بعضها
يطغى على بعض ,ول يمكن أن يحفظ هذا التوازن بغير الوجدان
الحي والشعور الحقيقي بقدسية هذه التعاليم ،وإن في
المحافظة عليها وصيانتها الفوز في الدنيا والنجاة في الخرة ،
وهو ما يعبرون عنه فالصطلح الحديث )بالوعي القومي( أو
النضج السياسي أو )التربية الوطنية( أو نحو هذه اللفاظ ،
ومردها جميعا ً إلى حقيقة واحدة هي اعتقاد صلحية النظام ،
والشعور بفائدة المحافظة عليه … إذ أن النصوص وحداها ل
ض عادل
تنهض بأمة كاملة كما ل ينفع القانون إذا لم يطبقه قا ٍ
نزيه .
مسؤولية الحاكم
ن كما ً ل ِ َ
ح ْ أ َفَحك ْم ال ْجاهل ِية يبُغون وم َ
قوْم ٍ ُيوقُِنو َ ن اللهِ ُ
م َ
ن ِ
س ُ
ح َ
نأ َْ َ َ ْ َ ِ ّ ِ َْ ُ َ
وقال عمر بن عبد العزيز في خطبته ) :أما بعد ،فإنه ليس بعد
نبيكم صلى الله عليه وسلم نبي ,ول بعد الكتاب الذي أنزل عليه
كتاب ,أل ما أحل الله عز وجل إلى يوم القيامة ،وما حرم الله
حرام إلى يوم القيامة ،أل لست يقاض ولكنني منفذ ،أل إني
لست بخيركم ولكنى رجل منكم غير أن الله جعلني أثقلكم حمل (ً
.وقدمت إليه مراكب الخلفة بعد دفن سليمان بن عبد الملك
فأمر بتأخيرها ،وركب بغلته وعاد إلى منزله ،فدخل عليه موله
؟ فقال ) :بمثل هذا
مزاحم فقال :يا أمير المؤمنين لعلك مهتم
المر الذي نزل بي اهتممت ،إن ليس من أمة محمد في مشرق
ول مغرب أحد إل له قبلي حق يحق علي أداؤه إليه ،غير كاتب
إلي فيه ول طالبه مني( .
كما كانت إرادتها محترمة مقدرة ،فما كان أبو بكر يمضى في
الناس أمرا ً إل بعد أن يستشيرهم وخصوصا ً فيما ل نص فيه ،
وكذلك كان عمر بن الخطاب ،فقد جعل الخلفة من بعده شورى
في الستة اللذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
عنهم راض .
وقلت في الكلمة السابقة أيضا إننا نقلنا هذا النظام النيابي ،
الذي تعيش حكومتنا في ظله ،عن أوربا ،فإلى أي مدى ينطبق
على السلم ؟ وما الذي أفدناه منه منذ طبق في عهده الخير
في بلدنا إل الن ,وهي مدة تبلغ ربع قرن من الزمان تقريبا ؟
وأحب أن أنبه هنا إلى الفرق بين الدستور وبين القوانين التي
تسير عليها المحاكم إذ أن كثيرا ً من هذه القوانين يتنافى صراحة
مع ما جاء به السلم ،وذلك بحث أخر سنعرض له في موضعه
إن شاء الله .
الــوزارة
فأما عن مسؤولية الحاكم فإن الصل فيها في النظام السلمي
أن المسؤول فيها هو رئيس الدولة كائنا من كان ،له أن
يتصرف ،وعليه أن يقدم حساب تصرفه للمة ،فإن أحسن
أعانته ،وإن أساء قومته ،ول مانع في السلم في أن يفوض
رئيس الدولة غيره في مباشرة هذه السلطة وتحمل هذه
المسؤولية ،كما عرف ذلك في )وزارات التفويض( في كثير من
العهود السلمية ،ورخص الفقهاء المسلمون في ذلك وأجازوه ما
دام فيه مصلحة ،والقاعدة في مثل هذه المور رعاية المصلحة
العامة ،قال الماوردي في كتاب الحكام السلطانية ) :والوزارة
على ضربين ،وزارة تفويض ،ووزارة تنفيذ ،فأما وزارة التفويض
فهو أن يستوزر المام من يفوض إليه تدبير المور برأيه ،
وإمضاءها على مقتضى اجتهاده ،وليس يمتنع جواز هذه الوزارة ،
ل ِليجعَ ْ قال تعالى حكاية عن نبيه عليه الصلة والسلم َ) :وا ْ
ه ِفي شرِك ْ ُ شد ُد ْ ب ِهِ أ َْزِري ,وَأ َ ْ ن أَ ِ
خي ,ا ْ ن أ َهِْلي َ ,
هاُرو َ وَِزيرا ً ِ
م ْ
ري( )طـه . (32-29:فإذا جاز ذلك في النبوة كان في المامة َ
م ِ
أ ْ
أجوز .لن ما وكل إلى المام من تدبير المة ل يقدر على
مباشرة جميعها إل باستنابة ،ونيابة الوزير المشارك له في
التدبير أصح في تنفيذ المور في تفرده بها ليستظهر بها على
نفسه ،وبها يكون أبعد من الزلل وأمنع من الخلل( .
تلك تقريبا جملة النصوص المتصلة بهذا الموضوع ,ول نظن أن
فيها ما يكفي مطلقا لحل أي مشكل من المشاكل التي أشرنا
إليها .
وقد أفاضا بعد ذلك في الشرح والتمثيل بما يفصل ما تقدم من
هذه المعاني ..والمهم أن هذه النقطة وهي لب المر تحتاج على
إيضاح واستقرار ,وهي القاعدة الولى من قواعد )النظام
السلمي( أو النيابي على السواء ,و بغير ذلك ل يمكن أن
تستقيم المور أو تسلم .
وحـدة المـــة
َ ما أ َن َْز َ
ما
م عَ ّ واَءهُ ْه َول ت َت ّب ِعْ أهْ َ ل الل ُ م بِ َ م ب َي ْن َهُ ْحك ُ َْفا ْ
من َْهاجا ً
ة وَ ِشْرعَ ً م ِ من ْك ُ ْجعَل َْنا ِل َ حقّ ل ِك ُ ّ ن ال ْ َ م َ ك ِ جاَء ََ
ُ
حد َةًة َوا ِ م ًمأ ّ جعَل َك ُ ْه لَ َ شاَء الل ُ وَل َوْ َ
وأما عن وحدة المة فقد أبنت أن السلم الحنيف يفترضها
افتراضا ً ,ويعتبرها جزءا ً أساسيا ً في حياة المجتمع السلمي ل
يتساهل فيه بحال ,إذ أنه يعتبر الوحدة قرين اليمان )إنما
المؤمنون أخوةً( ,كما يعتبر الخلف والفرقة قرين الكفر كما
ن ُأوُتوا ن ال ّ ِ
ذي َ ريقا ً ِ
م َ طيُعوا فَ ِ
ن تُ ِ
مُنوا إ ِ ْنآ َ ذي َ
َ
فال تعالى َ) :يا أي َّها ال ّ ِ
ن( )آل عمران . (100:أي بعد ري َ م َ
كافِ ِ مان ِك ُ ْم ب َعْد َ ِإي َدوك ُ ْ ال ْك َِتا َ
ب ي َُر ّ
وحدتكم متفرقين كما قال رسول الله ) : eل ترجعوا بعدى كفارا ً
يضرب بعضكم وجوه بعض( فعبر بكلمة الكفر على الفرقة
والخلف وأن يضرب بعضهم وجوه بعض .
ومع هذا فإن الحكم النيابي في أعرق مواطنه لم يقم على هذه
الحزبية المسرفة ,فليس في إنجلترا إل حزبان هما اللذان
يتداولن فيها المر ,وتكاد تكون حزبيتهما داخلية بحتة ,وتجمعهما
دائما المسائل القومية المهمة ,فل تجد لهذه الحزبية أثرا البتة ,
كما أن أمريكا ليس فيها إل حزبان كذلك ل نسمع عنهما شيئا إل
في مواسم النتخابات ,أما فيما عدا هذا فل حزبية ول أحزاب ,
والبلد التي تطورت في الحزبية وأسرفت في تكوين الحزاب
ذاقت وبال أمرها في الحرب والسلم على السواء ,وفرنسا
أوضح مثال لذلك.
إن المر خطير ,ولقد حاول المصلحون أن يصلوا إلى وحدة ولو
مؤقتة لمواجهة هذه الظروف العصيبة التي تجتازها البلد ,
فيئسوا وأخفقوا ,ولم يعد المر يحتمل أنصاف الحلول ,ول
مناص بعد الن من أن تحل هذه الحزاب جميعا وتجمع قوى المة
في حزب واحد يعمل لستكمال استقللها وحريته ,ويضع أصول
الصلح الداخلي العام ,ثم ترسم الحوادث بعد ذلك للناس
طرائق في التنظيم في ظل الوحدة التي يفرضها السلم.
ولقد رتب النظام النيابي الحديث طريق الوصول إلى أهل الحل
والعقد بما وضع الفقهاء الدستوريون من نظام النتخابات
وطرائقه المختلفة ،والسلم ل يأبى هذا التنظيم ما دام يؤدى
إلى اختيار أهل الحل والعقد ،وذلك ميسور إذا لوحظ في أي
نظام من نظم تحديد النتخاب صفات أهل الحل والعقد ،وعدم
السماح لغيرهم بالتقدم للنيابة عن المة .
فكيف يقال بعد هذا إن ذلك تعبير عن رأي المة وتمثيل لها تمثيل
صحيحا؟!
تعديل وإصلح
ل بد من تعديل وإصلح لقانون النتخاب ،ومن وجوه هذا الصلح
الضرورة :
وعلى كل حال فأبواب الصلح والتعديل كثيرة ،هذه نماذج منها ،
وإذا صدق العزم وضح السبيل ،والخطأ كل الخطأ في البقاء
على هذا الحال والرضا به ،والنصراف عن محاولة الصلح.
الواقع الحالي
ما
س بِ َ
ن الّنا ِ حك ُ َ
م ب َي ْ َ حقّ ل ِت َ ْب ِبال ْ َ ك ال ْك َِتا َ إ ِّنا أ َن َْزل َْنا إ ِل َي ْ َ
صيما ً
خ ِ ن َخائ ِِني َن ل ِل ْ َ
ه َول ت َك ُ ْ ك الل ُ أ ََرا َ
عرضت في الكلمات السابقة لدعائم الحكم الصالح الثلث في
النظام السلمي أو النيابي على السواء ,وهي :
– 1مسؤولية الحاكم
– 2ووحدة المة
– 3واحترام إرادتها
ضعف الحكومات
ل يجادل أحد في أن الحكومات المتعاقبة قد ضعفت عن أداء
واجبها ،وفقد معظم هيبتها في النفوس كحكومة ,بسبب هذا
التجريح بالحق وبالباطل الذي تمليه الروح الحزبية البحتة ،
وبسبب هذا العجز الناتج عن عدم تحديد المسؤولية والضطلع
بها كاملة غير منقوصة ،ولول أن النفوس في مصر مطبوعة
بطابع الطاعة والستسلم ،والعمال تسير بطريق روتيني ل
تجديد فيه ول ابتكار ..لتعطل كل شئ ،ولعجز الدولب الداري
المضطرب عن أن ينهض بحاجات الشعب أو أن يؤدى للناس
عم ً
ل.
هيبة القانون
ول شك أن سلطان القانون قد تزعزع وفقد معظم احترامه
كذلك ،بسبب هذه الستثناءات والمحسوبيات والحيل المتكررة ،
والعتداء أحيانا ً بنسخ القانون لغرض شخصي ..ولو أن هذا
النسخ بقانون في ظاهر المر ,ولكن الدوافع تكون معروفة دائما ً
ول تخفي على أحد ،فيعمل ذلك عمله في النفوس وينال من
هيبة القانون واحترام النظام .
حزبية عمياء
ول شك أن نار الخصومة والحقد قد اضطرب في نفوس
الحاكمين والمحكومين على السواء ،بفعل هذه الحزبية
الخاطئة ,التي لم نفهمها نحن في مصر في يوم من اليام على
أنها خلف في الرأي ل يفسد للود قضية ,بل فهمناها عداوة
وبغضاء تتعدى النظر في المصالح العامة إلى المقاطعة في كل
الشؤون عامة وخاصة ,وإلى أن نرى الحق في جانب خصومنا
الحزبيين باطل ,والباطل في جانب أنصارنا الحزبيين حقا ,
ونصدر من هذا الشعور في كل تصرفاتنا وصلتنا ,ويستفحل هذا
الداء ويستشري حتى في أحرج المواقف ,فل نستطيع أن نوحد
صفوفنا في أي موقف قومي مهما يكن يتوقف عليه إصلح أمرنا
ومستقبل بلدنا .
حسـن البنــا
النظام القتصادي
تمـهـيد
كتبت تحت عنوان )مشكلتنا الداخلية في ضوء النظام السلمي(
عدة كلمات سالفة بينت فيها أن نظام الحكم السلمي يعتمد
على قواعد ثلث :
أ ـ مسؤولية الحاكم
غنى الطبيعة
إن هذا البلد ليس فقيرا ً ،بل لعله أغنى بلد الله تبارك وتعالى
بخيراته الطبيعية ،وثرواته المختلفة من زراعية ومائية وحيوانية
ومعدنية ،ونيله العجيب ،وواديه الخصيب ،وما شئت من فضل
طواالله تبارك وتعالى على مصر وأهل مصر منذ القدم ) :اهْب ِ ُ
َ
سأل ْت ُ ْ
م( )البقرة. (61: ما َ ن ل َك ُ ْ
م َ صرا ً فَإ ِ ّ
م ْ
ِ
فساد اقتصادي
ومنها أن الجانب الذين احتلوا هذا الوطن بغفلة من أهله ,
وتساهل من حكامه ,وظلم من غاصبيه ,أسعد حال من أهله
وبنيه ,وأنهم قد وضعوا أيديهم على أفضل منابع الثروات فيه,
شركات أو أفرادا ,فالصناعة والتجارة ,والمنافع العامة ,
والمرافق الرئيسية ,كلها بيد هؤلء الجانب حقيقة ,أو الجانب
الذين اتخذوا من الجنسية المصرية شعارا ومازالوا يحنون بعد
إلى أوطانهم ويؤثرونها بأكبر أرباحهم .. ,وإن كثيرا مازال ينظر
إلى المواطن المصري ,والعامل المصري ,والحاكم المصري
نظرة ل تقدير فيها ول إنصاف.
تخبط اقتصادي
ومنها وهو الهم ،أننا في وسط هذا المعترك الحاد الصاخب
العنيف بين المبادئ القتصادية ،من رأسمالية أو اشتراكية أو
شيوعية ،لم نحدد لونا ً نصبغ به حياتنا القتصادية ,في وقت تحتم
فيه التحديد ،وتعقدت فيه المور ،بحيث لم تعد تنفع فيها أنصاف
الحلول ،ولم يعد يجدي إل الوضوح الكامل ،وتحديد الهداف
تحديدا ً دقيقا ً ،والسير إليها في قوة وعزيمة .
وهذه الوضاع ،وإن امتزجت بها المعاني السياسية ،إل أنها في
أغلب صورها ودوافعها ونتائجها تعاليم وأوضاع اقتصادية ،ولهذا ل
بد لنا من أن نختار لونا ً من هذه اللوان أو من غيرها إن
استطعنا ،لنعيش في حدود وضع معلوم له خصائصه ومميزاته ،
يحدد أهدافنا الرئيسية ،ويرسم لنا طريق العمل للوصول إلى
هذه الهداف .
إلى الســلم
وأعتقد أنه ل خير لنا في واحد من هذه النظم جميعا ً ،فلكل منها
عيوبه الفاحشة ،كما له حسناته البادية ،وهى نظم نبتت في غير
أرضنا لوضاع غير أوضاعنا ،ومجتمعات فيها غير ما في
مجتمعنا ...فضل ً عن أن بين أيدينا النظام الكامل الذي يؤدى إلى
الصلح الشامل في توجيهات السلم الحنيف ،وما وضع
ً ً
للقتصاد قواعد كلية أساسية لو علمناها وطبقناها تطبيقا سليما ،
لنحلت مشكلتنا ،ولظفرنا بكل ما في هذه النظم من حسنات ،
وتجنبنا كل ما فيها من سيئات ،وعرفنا كيف يرتفع مستوى
المعيشة وتستريح كل الطبقات ،ووجدنا أقرب الطرق إلى الحياة
الطيبة .
والذي ينظر في تعاليم السلم ،يجد فيه هذه القواعد مبينة في
القرآن الكريم والسنة المطهرة وكتب الفقه السلمي بأوسع
بيان .
الضمان الجتماعي
وقرر الضمان الجتماعي لكل مواطن ،وتأمين راحته ومعيشته
كائنا ً من كان ،مادام مؤديا ً لواجبه ،أو عاجزا ً عن هذا الداء
بسبب قهري ل يستطيع أن يتغلب عليه .ولقد مر عمر على
يهودي يتكفف الناس ،فزجره واستفسر عما حمله على
السؤال ،فلما تحقق من عجزه رجع على نفسه باللئمة وقال
له ) :ما أنصفناك يا هذا ،أخذنا منك الجزية قويا ً وأهملناك
ضعيفا ً ،افرضوا له من بيت المال ما يكفيه(.
وهذا مع إشاعة روح الحب والتعاطف بين الناس جميعا ً .
مسؤولية الدولة
وأعلن مسؤولية الدولة عن حماية هذا النظام ,وعن حسن
التصرف في المال العام ,تأخذه بحقه وترفه بحقه ,وتعدل في
جبايته , ,ولقد قال عمر ما معناه ) :إن هذا المال مال الله ,وأنتم
عباده ,وليصلن الراعي بأقصى الرض قسمه من هذا المال وإنه ليرعى في
غنمه ,ومن غ َ ّ
لغ ّ
ل في النار(.
استقلل النقد
ذكرنا بعض الصول التي يقوم عليها النظام القتصادي السلمي ,
والروح التي تمليها علينا تلك الصول ,التي تنتج مع التطبيق
الصحيح وضعا اقتصاديا سليما ليس أفضل منه ,فهي توجب
استقلل نقدنا ,واعتماده على رصيد ثابت من مواردنا ومن
ذهبنا ,ل على أذونات الخزانة البريطانية ودار الضرب البريطانية
والبنك الهلي البريطاني – وإن كان مقره مصر – وتأمل الية
م قَِياما ً( َ
ه ل َك ُ ْ
ل الل ُ م ال ِّتي َ
جعَ َ وال َك ُ ُ
م َ
فَهاَء أ ْ الكريمة َ) :ول ت ُؤُْتوا ال ّ
س َ
)النساء. (5:
ومن أفظع التغرير بهذا الشعب ,أن يسلم جهوده ومنتجاته نظير
أوراق ل قيمة لها إل بالضمان النجليزي ,وإن مصر إذا حزمت
أمرها ,وأحكمت تصرفاتها ,ستصل ول شك إلى هذا
الستقلل ...ولقد انفصلنا عن الكتلة السترلينية ,وفكرنا في
تأميم البنك الهلي ,وطالبنا بالديون التي لنا على النجليز ,وكل
هذه ونحوها مشروعات تؤمن النقد المصري ...فماذا فعل الله
بها؟ وماذا أعددنا العدة لنقاذها؟
تمصير الشركات
كما توجب هذه الصول الهتمام الكامل بتمصير الشركات ,
وإحلل رؤوس الموال الوطنية محل رؤوس الموال الجنبية كلما
أمكن ذلك ,وتخليص المرافق العامة – وهي أهم شيء للمة –
من يد غير أبنائها ,فل يصح بحال أن تكون الرض والبناء والنقل
والماء والنور والمواصلت الداخلية والنقل الخارجي حتى الملح و
الصودا ..في يد شركات أجنبية تبلغ رؤوس أموالها وأرباحها
المليين من الجنيهات ,ل يصيب الجمهور الوطني ول العامل
الوطني منها إل البؤس والشقاء والحرمان .
كم كنا نربح لو أن مشروع خزان أسوان تحقق فعل منذ سنة
, 1937وكم كنا نحتاج ونعرى لو لم يلهم الله طلعت حرب -
عليه الرضوان – أن يتقدم بمشروعات )المحلة( .
الصناعـة
والتحول إلى الصناعة فورا ً من روح السلم الذي يقول نبيه : e
)إن الله يحب المؤمن المحترف( ) ,من أمسى كال ً من عمل يده
أمسى مغفورا ً له( .والذي أثنى كتابه على داود وسليمان بهذا
التقدم الصناعي ،وذكر لنا من دقائق الرقى فيه ما أعجز البشر ،
واستغل قوى الجن والشيطان ..
حرام على المة التي تقرأ في كتابها من الثناء على داود عليه
َ َ
ت وَقَد ّْر ِفي ال ّ
سْردِ ساب َِغا ٍل َم ْ ن اع ْ َ ديد َ ,أ ِ ه ال ْ َ
ح ِ السلم ) :وَأل َّنا ل َ ُ
صيٌر( )سـبأ ، (11-10:وتقرأ : ن بَ ِمُلو َ ما ت َعْ َ صاِلحا ً إ ِّني ب ِ َمُلوا َ َواعْ َ
َ ْ َ َ
م م فَهَ ْ
ل أن ْت ُ ْ ُ
سك ْ ن ب َأ ِ
م ْم ِ ُ
صن َك ْ ح ِم ل ِت ُ ْ ُ
س لك ْ ة لُبو ٍ صن ْعَ َ )وَعَل ّ ْ
مَناهُ َ
ن( )النبياء , (80:ثم ل يكون فيها مصنع للسلح . شاك ُِرو َ َ
شهٌْرحَها َ شهٌْر وََرَوا ُ ها َ ح غُد ُوّ َ ن الّري َ ما َ سل َي ْ َثم تقرأ في كتابها ) :وَل ِ ُ
ْ َ
ه
ن َرب ّ ِ ن ي َد َي ْهِ ب ِإ ِذ ْ ِل ب َي ْ َ م ُن ي َعْ َ م ْن َ ج ّ ن ال ِ م َ قط ْرِ وَ ِ ن ال ْ ِه عَي ْ َسل َْنا ل َ ُوَأ َ
ومن يزغْ منهم عَ َ
ما
ه َن لَ ُ مُلو َ سِعيرِ ,ي َعْ َ ب ال ّ ذا ِ ن عَ َ م ْ ه ِ مرَِنا ن ُذِقْ ُ نأ ْ ْ َ َ ْ َ ِ ِ ُْ ْ
ت سَيا ٍ دورٍ َرا ِ ب وَقُ ُ وا ِ ج َ ْ
ن كال ََ فا ٍ ج َ ل وَ ِ ماِثي َ ب وَت َ َ حاِري َ م َن َ م ْ شاُء ِ يَ َ
شكرا ( )سـبأ .. (13-12:ثم ل يكون فيها مسبك ً ْ داوُد َ ُ ل َملوا آ َ ُ اعْ َ
عظيم ,ول مصنع كامل للدوات المعدنية .
ْ َ
س( )الحديد:
مَنافِعُ ِللّنا ِ
ديد ٌ وَ َ س َ
ش ِ ديد َ ِفيهِ ب َأ ٌ ثم تقرأ ) :وَأن َْزل َْنا ال ْ َ
ح ِ
.. (25ثم تهمل ما عندها من هذا المعدن هذا الهمال ،وهو من
أجود النواع ويكفي العالم مائتي عام كما قدر الخبراء ...
تنظيم الضرائب
وتوجب علينا روح السلم في تشريعه القتصادي ،أن نبادر
بتنظيم الضرائب الجتماعية ،وأولها الزكاة ،وليس في الدنيا
تشريع فرض الضريبة على رأس المال ل على الربح وحده
كالسلم ،وذلك لحكم جليلة منها :محاربة الكنز وحبس الموال
عن التداول ،وما جعلت الموال إل وسيلة لهذا التداول الذي
يستفيد من ورائه كل الذين يقع في أيديهم هذا المال المتداول ..
وإنما جعل السلم مصارف الزكاة اجتماعية بحتة لتكون سببا ً في
جبر النقص والقصور الذي ل تستطيع المشاعر النسانية
والعواطف الطيبة أن تجبره ،فيطهر بذلك المجتمع ويزكو ،
خذ ْ م َ
ة ت ُط َهُّرهُ ْ
م صد َقَ ً
م َ
وال ِهِ ْ
م َ
نأ ْوتصفو النفوس وتسمو ْ ِ ُ ) :
م ب َِها( )التوبة. (103: وَت َُز ّ
كيهِ ْ
فل بد من العناية بفرض ضرائب اجتماعية على النظام التصاعدي
– بحسب المال ل بحسب الربح – يعفى منها الفقراء طبعا ً ،
وتجبى من الغنياء الموسرين وتنفق في رفع مستوى المعيشة
عمر رضى الله عنه ، بكل الوسائل المستطاعة ..ومن لطائف ُ
أنه كان يفرض الضرائب الثقيلة على العنب لنه فاكهة الغنياء ،
والضريبة التي ل تذكر على التمر لنه طعام الفقراء ,فكان أول
من لحظ هذا المعنى الجتماعي في الحكام والمراء رضى الله
عنه.
محاربة الربا
ويوجب علينا روح السلم أن نحارب الربا حال ً ،ونحرمه ونقضي
على كل تعامل على أساسه ) :أل وإن الربا موضوع ،وأول ربا
أبدأ به ربا عمى العباس بن عبد المطلب( وصدق رسول الله .
هذه كلها واجبات لبد أن تنهض بأعبائها حال ً ..فإلى العمل .
خـاتمـة
وبعد ...
فهنا نحن قد رأينا مما تقدم كيف أننا لم نسر على نظام اقتصادي
معروف ل نظريا ً ول عمليا ً ،وأن هذا الغموض والرتجال قد أ ّّ
ديا
بنا إلى ضائقة أخذت بمخانق الناس جميعا ً .
لقد أتاح الله لنا من أسباب اليسر القتصادي ،والنجاح المادي ما
لم يتجه لغيرنا من المم والشعوب ،فهذه الرابطة الوثيقة من
اللغة والعقيدة والمصلحة والتاريخ بيننا وبين أمم العروبة والسلم
،وهى بحمد الله أغنى بلد الله في أرضه ،أخصبها تربة ،وأعدلها
جوا ً ،وأكثرها خيرات ،وأثراها بالمواد الولية وبالخامات من كل
شئ ..
لقد صبر الشعب المصري صبرا ً طويل ً على هذه الحياة الجافية
القاسية ،وهذا الحرمان العجيب الذي ل يصبر عليه آدمي إل
بمعجزة من معجزات اليمان ،ومن نظر إلى العامل المصري
والفلح المصري ومن إليهما من عامة الشعب المصري ،أخذه
العجب مما يشاهد من فاقة وصبر .
لقد أخجلني أحد الخوان الهنود وقد قدم من إنجلترا ,حين عاد
من جولة قصيرة في القاهرة ،يقول لي :لقد كنا نظن أن ما
تنشره الصحف في إنجلترا من سوء حالة الشعب المصري ،
ط من وانخفاض مستوى معيشته ،مجرد دعاية يراد بها الح ّ
كرامته ولكنى قضيت هذه الفترة القصيرة في القاهرة وزرت
بعض أحياء عامتها فأسفت لما رأيت فخجلت لقوله هذا ,ولكنني
رددت عن نفسي وعن الشعب بقولي له :سل هذه الجرائد التي
تنشر ,أليس هذا البؤس من مظالم الحتلل؟
إن المر جد ٌ ل هزل فيه ،وقد بلغ غايته ،ووصل إلى مداه ،ول بد
من علج حاسم وسريع ،ولن نجده كما قلت إل في طب السلم
الحنيف وعلجه
حسـن البنــا
رسالة التعاليم
مـقـدمـة
الثبــات
وأريد بالثبات :
أن يظل الخ عامل مجاهدا في سبيل غايته مهما بعدت المدة
وتطاولت السنوات والعوام ,حتى يلقى الله على ذلك وقد فاز
ن
م َ
بإحدى الحسنيين ,فإما الغاية وإما الشهادة في النهاية ِ ) ,
ه
حب َ ُ
ضى ن َ ْ ن قَ َ م ْ
م َ ه عَل َي ْهِ فَ ِ
من ْهُ ْ دوا الل َ
عاهَ ُ ما َ صد َُقوا َ ل َ جا ٌ ن رِ َ مِني َمؤْ ِ ال ْ ُ
ديل ً( )الحزاب , (23:والوقت عندنا ما ب َد ُّلوا ت َب ْ ِ
ن ي َن ْت َظ ُِر وَ َ
م ْم َ من ْهُ ْوَ ِ
جزء من العلج ,والطريق طويلة المدى بعيدة المراحل كثيرة
العقبات ,ولكنها وحدها التي تؤدي إلى المقصود مع عظيم الجر
وجميل المثوبة .
وذلك أن كل وسيلة من وسائلنا الستة تحتاج إلى حسن العداد
نقوُلو َوتحين الفرص ودقة النفاذ ,وكل ذلك مرهون بوقته )وَي َ ُ
ريبا ً( )السراء. (51: ن يَ ُ َ
ن قَ ِ كو َ سى أ ْ ل عَ َ مَتى هُوَ قُ ْ َ
التجــرد
أريد بالتجرد:
والناس عند الخ الصادق واحد من ستة أصناف :مسلم مجاهد ,
أو مسلم قاعد ،أو مسلم آثم ،أو ذمي معاهد ،أو محايد ،أو
محارب ,و لكل حكمه في ميزان السلم ,وفى حدود هذه
القسام توزن الشخاص و الهيئات ،ويكون الولء أو العداء .
الخـوة
وأريد بالخوة :
أن ترتبط القلوب والرواح برباط العقيدة ،والعقيدة أوثق
الروابط وأغلها ،والخوة أخت اليمان ،والتفرق أخو الكفر ،
وأول القوة :قوة الوحدة ،ول وحدة بغير حب ,وأقل الحب:
م
سهِ ْ ف ِ ن عََلى أ َن ْ ُ سلمة الصدر ,وأعله :مرتبة اليثار ) ,وَي ُؤْث ُِرو َ
ن(
حو َ فل ِ ُ
م ْ م ال ْ ُ سهِ فَُأول َئ ِ َ
ك هُ ُ ف ِ
ح نَ ْش ّ ن ُيوقَ ُ م ْة وَ َ
ص ٌ
صا َ
خ َ
م َن ب ِهِ ْ وَل َوْ َ
كا َ
)الحشر. (9:
والخ الصادق يرى إخوانه أولى بنفسه من نفسه ،لنه إن لم يكن
بهم ،فلن يكون بغيرهم ،وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره ,
)وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية( ) ,والمؤمن للمؤمن
م
ضه ُ ْ ت ب َعْ ُمَنا ُمؤْ ِن َوال ْ ُ
مُنو َمؤْ ِكالبنيان ،يشد بعضه بعضا ً(َ) .وال ْ ُ
ض( )التوبة , (71:وهكذا يجب أن نكون . َ
أوْل َِياُء ب َعْ ٍ
الثقــة
و أريد بالثقة :
اطمئنان الجندي إلى القائد في كفاءته وإخلصه اطمئنانا عميقا
ن ك ل ي ُؤْ ِ
مُنو َ ينتج الحب والتقدير والحترام والطاعة َ) ,فل وََرب ّ َ
ما حَرجا ً ِ
م ّ م َ سهِ ْ
ف ِدوا ِفي أ َن ْ ُ
ج ُ م ثُ ّ
م ل يَ ِ جَر ب َي ْن َهُ ْ ما َ
ش َ ك ِفي َمو َ حك ّ ُ
حّتى ي ُ ََ
سِليما ( )النساء. (65: ً موا ت َ ْ ّ
سل ُت وَي ُ َ قَ َ
ضي ْ َ
والقائد جزء من الدعوة ،ول دعوة بغير قيادة ،وعلى قدر الثقة
المتبادلة بين القائد والجنود تكون قوة نظام الجماعة ،وإحكام
خططها ،ونجاحها في الوصول إلى غايتها ,وتغلبها على ما
م َ َ
ف( )محمد: معُْرو ٌ ل َ ة وَقَوْ ٌ طاعَ ٌ يعترضها من عقبات )فَأوَْلى ل َهُ ْ
. (21-20
وللقيادة في دعوة الخوان حق الوالد بالرابطة القلبية ,و الستاذ
بالفادة العلمية ,والشيخ بالتربية الروحية ,والقائد بحكم
السياسة العامة للدعوة ,ودعوتنا تجمع هذه المعاني جميعا ,
والثقة بالقيادة هي كل شيء في نجاح الدعوات .
ولهذا يجب أن يسأل الخ الصادق نفسه هذه السئلة ليتعرف
على مدى ثقته بقيادته :
– 1هل تعرف إلى قائده من قبل و درس ظروف حياته ؟
– 2هل اطمأن إلى كفايته وإخلصه ؟
– 3هله هو مستعد لعتبار الوامر التي تصدر إليه من القيادة في
غير معصية طبعا قاطعا ل مجال فيها للجدل ول للتردد ول
للنتقاص ول للتحوير مع إبداء النصيحة والتنبيه إلى الصواب؟
– 4هل هو مستعد لن يفترض في نفسه الخطأ وفي القيادة
والصواب ,إذا تعارض ما أمر به مع ما تعلم في المسائل
الجتهادية التي لم يرد فيها نص شرعي ؟
– 5هل هو مستعد لوضع ظروفه الحيوية تحت تصرف الدعوة ؟
وهل تملك القيادة في نظره حق الترجيح بين مصلحته الخاصة
ومصلحة الدعوة العامة .
بالجابة على هذه المثلة وأشباهها يستطيع الخ الصادق أن
يطمئن على مدى صلته بالقائد ,وثقته به ,والقلوب بيد الله
ض َ
ما ِفي الْر ِ ت َ ق َ ف ْ م ل َوْ أ َن ْ َن قُُلوب ِهِ ْ ف ب َي ْ َيصرفها كيف يشاء )وَأ َل ّ َ
م(
كي ٌ
ح ِزيٌز َه عَ ِ
م إ ِن ّ ُف ب َي ْن َهُ ْه أ َل ّ َن الل َ م وَل َك ِ ّ ن قُُلوب ِهِ ْ
ت ب َي ْ َ
ف َما أ َل ّ ْ
ميعا ً َ
ج ِ
َ
)لنفال. (63:
واجـبـات الخ العامــل
أيها الخ الصادق :
إن إيمانك بهذه البيعة يوجب عليك أداء هذه الواجبات حتى تكون
لبنة قوية في البناء :
– 1أن يكون لك ورد يومي من كتاب الله ل يقل عن جزء ,
واجتهد أل تختم في أكثر من شهر ,ول في أقل من ثلثة أيام .
– 2أن تحسن تلوة القرآن و الستماع إليه والتدبر في معانيه ,
وأن تدرس السير المطهرة و تاريخ السلف بقدر ما يتسع له
وقتك ,و أقل ما يكفي في ذلك كتاب )حماة السلم( ,و إن تكثر
من القراءة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ,وأن
تحفظ أربعين حديثا على القل ولتكن الربعين النووية ,وأن
تدرس رسالة في أصول العقائد و رسالة في فروع الفقه .
– 3أن تبادر بالكشف الصحي العام وان تأخذ في علج ما يكون
فيك من أمراض ,وتهتم بأسباب القوة و الوقاية الجسمانية
وتبتعد عن أسباب الضعف الصحي .
– 4أن تبتعد عن السراف في قهوة البن والشاي ,ونحوها من
المشروبات المنبهة ,فل تشربها إل لضرورة ,وأن تمتنع بتاتا عن
التدخين .
– 5أن تعني بالنظافة في كل شيء في المسكن و الملبس و
المطعم و البدن و محل العمل ,فقد بني الدين على النظافة .
– 6أن تكون صادق الكلمة فل تكذب أبدا .
– 7أن تكون وفيا بالعهد والكلمة و الوعد ,فل تخلف مهما كانت
الظروف .
– 8أن تكون شجاعا عظيم الحتمال ,وأفضل الشجاعة الصراحة
في الحق وكتمان السر ,والعتراف بالخطأ والنصاف من النفس
وملكها عند الغضب .
- 9أن تكون وقورا تؤثر الجد دائما ,ول يمنعك الوقار من المزاح
الصادق و الضحك في تبسم .
– 10أن تكون شديد الحياء دقيق الشعور ,عظيم التأثر بالحسن
و القبح ,تسر للول و تتألم للثاني ,و أن تكون متواضع في غير
ذلة ول خنوع ول ملق ,وأن تطلب أقل من مرتبتك لتصل إليها .
– 11أن تكون عادل صحيح الحكم في جميع الحوال ,ل ينسيك
الغضب الحسنات ول تغضي عين الرضا عن السيئات ,ول تحملك
الخصومة على نسيان الجميل ,وتقول الحق ولو كان على نفسك
أو على أقرب الناس إليك وإن كان مّرا .
– 12أن تكون عظيم النشاط مدربا على الخدمات العامة ,
تشعر بالسعادة والسرور إذا استطعت أن تقدم خدمة لغيرك من
الناس ,فتعود المريض وتساعد المحتاج و تحمل الضعيف
وتواسي المنكوب و لو بالكلمة الطيبة ,وتبادر دائما إلى الخيرات
.
– 13أن تكون رحيم القلب كريما سمحا تعفو وتصفح و تلين
وتحلم وترفق بالنسان و الحيوان ,جميل المعاملة حسن السلوك
مع الناس جميعا ,محافظا على الداب السلمية الجتماعية
فترحم الصغير وتوقر الكبير و تفسح في المجلس ,ول تتجسس
ول تغتاب ول تصخب ,وتستأذن في الدخول والنصراف ..الخ .
– 14أن تجيد القراءة و الكتابة ,وأن تكثر من المطالعة في
رسائل الخوان وجرائدهم و مجلتهم ونحوها ,و أن تكون لنفسك
مكتبة خاصة مهما كانت صغيرة ,وأن تتبحر في علمك و فنك إن
كنت من أهل الختصاص ,وان تلم بالشؤون السلمية العامة
إلماما يمكنك من تصورها و الحكم عليها حكما يتفق مع مقتضيات
الفكرة .
– 15أن تزاول عمل اقتصاديا مهما كنت غنيا ,وأن تقدم العمل
الحر مهما ضئيل ,وأن تزج بنفسك فيه مهما كان كانت مواهبك
العملية .
– 16أل تحرص على الوظيفة الحكومية ,و أن تعتبرها الضيق
أبواب الرزق ول ترفضها إذا أتيحت لك ,ول تتخل عنها إل إذا
تعارضت تعارضا تاما مع واجبات الدعوة .
– 17أن تحرص كل الحرص على أداء مهنتك من حيث الجادة
والتقان وعدم الغش و ضبط الموعد .
قك ,وأن تؤدي حقوق الناس – 18أن تكون حسن التقاضي لح ّ
كاملة غير منقوصة بدون طلب ,ول تماطل أبدا .
– 19أن تبتعد عن الميسر بكل أنواعه مهما كان المقصد من
ورائها ,وتتجنب وسائل الكسب الحرام مهما كان وراءها من ربح
عاجل .
– 20أن تبتعد عن الربا في جميع المعاملت وأن تطهر منه تماما
.
– 21أن تخدم الثروة السلمية العامة بتشجيع المصنوعات
والمنشآت القتصادية السلمية ,وأن تحرص على القرش فل
يقع في يد غير إسلمية مهما كانت الحوال ,ول تلبس ول تأكل
إل من صنع وطنك السلمي .
– 22أن تشترك في الدعوة بجزء من مالك ,تؤدي الزكاة
الواجبة فيه ,وان تجعل منه حقا معلوما للسائل والمحروم مهما
كان دخلك ضئيل .
– 23أن تدخر للطوارئ جزءا من دخلك مهما قل ,وأل تتورط
في الكماليات أبدا .
– 24أن تعمل ما استطعت على إحياء العادات السلمية و إماتة
العادات العجمية في كل مظاهر الحياة ,ومن ذلك التحية و
اللغة والتاريخ والزي والثاث ,ومواعيد العمل والراحة ,والطعام
و الشراب ,والقدوم والنصراف ,والحزن والسرور ..الخ ,وأن
تتحرى السنة المطهرة في ذلك .
– 25أن تقاطع المحاكم الهلية وكل قضاء غير إسلمي ,والندية
والصحف و الجماعات والمدارس والهيئات التي تناهض فكرتك
السلمية مقاطعة تامة .
– 26أن تديم مراقبة الله تبارك وتعالى ,وتذكر الخرة وتستعد
لها ,وتقطع مراحل السلوك إلى رضوان الله بهمة وعزيمة ,
وتتقرب إليه سبحانه بنوافل العبادة ومن ذلك صلة الليل وصيام
ثلثة أيام من كل شهر على القل ,والكثار من الذكر القلبي
واللساني ,و تحّري الدعاء في المذكور في كل الحوال .
– 27أن تحسن الطهارة وأن تظل على وضوء غالب الحيان .
– 28أن تحسن الصلة وتواظب على أدائها في أوقاتها ,وتحرص
على الجماعة والمسجد ما أمكن ذلك .
– 29أن تصوم رمضان و تحج البيت إن استطعت إليه سبيل ,
وتعمل على ذلك إن لم تكن مستطيعا الن ذلك .
– 30أن تستصحب دائما نية الجهاد و حب الشهادة وأن تستعد
لذلك ما وسعك الستعداد .
– 31أن تجدد التوبة والستغفار دائما وأن تتحرز من صغائر الثام
فضل عن كبارها ,وأن تجعل لنفسك ساعة قبل النوم تحاسبها
فيها على ما عملت من خير أو شر ,وأن تحرص على الوقت فهو
الحياة فل تصرف جزءا منه من غير فائدة ,وأن تتورع عن
الشبهات حتى ل تقع في الحرام .
– 32أن تجاهد نفسك جهادا عنيفا حتى يسلس قيادتها لك ,وأن
تغض طرفك وتضبط عاطفتك وتقاوم نوازع الغريزة في نفسك ,
وتسمو بها دائما إلى الحلل الطيب ,وتحول بينها وبين الحرام
من ذلك أيا كان .
– 33أن تتجنب الخمر والمسكر والمفتر وكل ما هو من هذا
القبيل كل الجتناب .
– 34أن تبتعد عن أقران السوء و أصدقاء الفساد و أماكن
المعصية و الثم .
– 35أن تحارب أماكن اللهو فضل عن أن تقربها ,وأن تبتعد عن
مظاهر الترف و الرخاوة جميعا .
– 36أن تعرف أعضاء كتيبتك فردا فردا معرفة تامة ,وتعرفهم
نفسك معرفة تامة كذلك ,وتؤدي حقوق أخوتهم كاملة من الحب
والتقدير والمساعدة واليثار وأن تحضر اجتماعاتهم فل تتخلف
عنها إل بعذر قاهر ,وتؤثرهم بمعاملتك دائما .
– 37أن تتخلى عن صلتك بأية هيئة أو جماعة ل يكون التصال
بها في مصلحة فكرتك وخاصة إذا أمرت بذلك .
– 38أتعمل على نشر دعوتك في كل مكان وأن تحيط القيادة
علما بكل ظروفك ول تقدم على عمل يؤثر فيها جوهريا إل بإذن ,
وأن تكون دائم التصال الروحي و العملي بها ,وأن تعتبر نفسك
دائما جنديا في الثكنة تنتظر الوامر .
خـاتمـة
أيها الخ الصادق :
هذه مجمل لدعوتك ,وبيان موجز لفكرتك ,وتستطيع أن تجمع
هذه المبادئ في خمس كلمات:
)الله غايتنا ,و الرسول قدوتنا ,و القرآن شرعتنا ,و الجهاد
سبيلنا ,و الشهادة أمنيتنا( .
و أن تجمع مظاهرها في خمس كلمات أخرى :
البساطة ,والتلوة ,والصلة ,والجندية ,والخلق .
فخذ نفسك بشدة بهذه التعاليم ,وإل ففي صفوف القاعدين
متسع للكسالى و العابثين .
وأعتقد أنك إن عملت بها وجعلتها أمل حياتك وغاية غايتك ,كان
جزاؤك العزة في الدنيا والخير والرضوان في الخرة ,وأنت منا
ونحن منك ,وإن انصرفت عنها وقعدت عن العمل لها فل صلة
بيننا وبينك ,وإن تصدرت فينا المجالس وحملت أفخم اللقاب
وظهرت بيننا بأكبر المظاهر ,وسيحاسبك الله على قعودك أشد
الحساب ,فاختر لنفسك ونسأل الله لنا ولك الهداية و التوفيق .
َ ) يا أ َيها ال ّذين آمنوا هَ ْ َ
ب أِليم ٍ ذا ٍ ن عَ َ م ْ م ِ جيك ُ ْ جاَرةٍ ت ُن ْ ِ م عََلى ت ِ َ ل أد ُل ّك ُ ْ ِ َ َ ُ َ َّ
:
ه
سول ِ ِ ن ِباللهِ وََر ُ مُنو َ ) ( 1ت ُؤْ ِ
َ َ
خي ٌْر ل َك ُ ْ
م م َ م ذ َل ِك ُ ْ سك ُ ْ ف ِ م وَأن ْ ُ وال ِك ُ ْ م َ ل اللهِ ب ِأ ْ سِبي ِ ن ِفي َ دو َ جاهِ ُ ) ( 2وَت ُ َ
ن: مو َ م ت َعْل َ ُ ن ك ُن ْت ُ ْ إِ ْ
م ذ ُُنوب َك ُ ْ
م فْر ل َك ُ ْ - 1ي َغْ ِ
ن ط َي ّب َ ً َ
ة ِفي ساك ِ َ م َ حت َِها الن َْهاُر وَ َ ن تَ ْ م ْ ري ِ ج ِ ت تَ ْ جّنا ٍ م َ خل ْك ُ ْ - 2وَي ُد ْ ِ
م
ظي ُ فوُْز العَ ِ ْ ْ
ن ذ َل ِك ال ََ ت عَد ْ ٍ جّنا ِ َ
ه ُ
ن الل ِ م َ صٌر ِ حّبون ََها ن َ ْ خَرى ت ُ ِ - 3وَأ ْ
ن. مِني َ مؤْ ِ ْ
شرِ ال ُ ب وَب َ ّ ري ٌ ح قَ ِ - 4وَفَت ْ ٌ
َ َ
م
مْري َ َ ن َ سى اب ْ ُ عي َ ل ِ ما َقا َ َ
صاَر اللهِ ك َ مُنوا كوُنوا أن ْ َ ُ نآ َ ذي َ َيا أي َّها ال ّ ِ
ه ل ال ْحواريون نح َ صاِري إ َِلى اللهِ َقا َ ل ِل ْحواريين م َ
صاُر الل ِ ن أن ْ َ َ َ ِ ّ َ َ َْ ُ ن أن ْ َ َ َ ِّ َ َ ْ
مُنوا نآ َ ذي َ ّ
ة فَأي ّد َْنا ال ِ ف ٌ َ
ت طائ ِ َ فَر ْ َ
ل وَك َ سرائي َ ن ب َِني إ ِ ْ م ْ ة ِ ف ٌ ت َ
طائ ِ َ من َ ْ َفآ َ
َ َ
ن( )الصف. (14-10: ري َ حوا ظاهِ ِ صب َ ُ م فَأ ْ عََلى عَد ُوّهِ ْ
والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته
نظام السر
حيم ِ
ن الّر ِ
م ِ
ح َ
سم ِ اللهِ الّر ْ
بِ ْ
الحمد لله والصلة والسلم على رسوله ومن واله
الســـرة
يحرص السلم على تكوين أسر من أهله يوجههم إلى المثل
العليا ويقوي روابطهم ,ويرفع أخوتهم من مستوى الكلم و
النظريات إلى مستوى الفعال والعمليات ,فاحرص يا أخي أن
تكون لبنة صالحة في هذا البناء السلم .
رسالة العقائد
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمـــات
- 1تعريف العقائد :
العقائد :هي المور التي يجب أن يصدق بها قلبك ,و تطمئن إليها
نفسك ,و تكون يقينا عندك ,ل يمازجه ريب ,و ل يخالطه شك .
ثالثا :كل من الفريقين يعلم أن اللفاظ توضع للتعبير عما يجول في النفوس ،
أو يقع تحت الحواس مما يتعلق بأصحاب اللغة وواضعيها ،وأن اللغات مهما
اتسعت ل تحيط بما ليس لهلها بحقائقه علم ،وحقائق ما يتعلق بذات الله
تبارك وتعالى من هذا القبيل ،فاللغة أقصر من أن تواتينا باللفاظ التي تدل
على هذه الحقائق ،فالتحكم في تحديد المعاني بهذه اللفاظ تغرير .
وإذا تقرر هذا فقد اتفق السلف والخلف على أصل التأويل ،وانحصر الخلف
بينهما في أن الخلف زادوا تحديد المعنى المراد حيثما ألجأتهم ضرورة التنزيه
إلى ذلك حفظا لعقائد العوام من شبهة التشبيه ،وهو خلف ل يستحق ضجة
ول إعناتا .
وقد رأيت للمام النووي رضي الله عنه ما يفيد قرب مسافة
الخلف بين الرأيين مما ل يدع مجال للنزاع والجدال ،ول سيما وقد
قيد الخلف أنفسهم في التأويل بجوازه عقل وشرعا ،بحيث ل
يصطدم بأصل من أصول الدين .
قال الرازي في كتابه ) أساس التقديس ( ) :ثم إن جوزنا التأويل
اشتغلنا على سبيل التبرع بذكر تلك التأويلت على التفصيل ،وإن
لم نجز التأويل فوضنا العلم بها إلى الله تعالى ،فهذا هو القانون
الكلي المرجوع إليه في جميع المتشابهات ،وبالله التوفيق ( .
ة
خَر ِ ن ال ْ َ
حَياةَ الد ّن َْيا ِبال ِ شُرو َ ن يَ ْ ل اللهِ ال ّ ِ
ذي َ سِبي ِل ِفي َقات ِ ْ) – 4فَل ْي ُ َ
جرا ً َ َ
ف ن ُؤِْتيهِ أ ْسوْ َ ب فَ َل أوْ ي َغْل ِ ْ ل اللهِ فَي ُ ْ
قت َ ْ سِبي ِ
ل ِفي َ قات ِ ْ ن يُ َ
م ْوَ َ
ظيما ً( سورة النساء اليات ابتداء من , 78 – 71فارجع إليها عَ ِ
في المصحف الكريم لترى كيف يحض الله المسلمين على الحذر
,وممارسة القتال في جيوش او عصابات فرادى كما يقتضيه
الحال ,وكيف يوبخ القاعدين والجبناء والمخلفين والنفعيين ,
وكيف يستثير الهمم لحماية الضعفاء وتخليص المظلومين ,وكيف
يقرن القتال بالصلة والصوم ويبين أن مثلهما من أركان السلم ,
وكيف يفند شبهات المترددين ويشجع الخائفين أكبر تشجيع على
خوض المعامع ومقابلة الموت بصدر رحب وجنان جريء ,مبينا
لهم أنالموت سيدركهم ل محالة وأنهم إن ماتوا مجاهدين
فسيعوضون عن الحياة أعظم العوض ول يظلمون فتيل من نفقة
أو تضحية .
– 5سورة النفال كلها حث على القتال وحض على الثبات فيه ,
وبيان لكثير من احكامه ,ولهذا اتخذها المسلمون الولون نشيدا
حربيا يتلونه إذا اشتد الكرب وحمي الوطيس ,وحسبك منها قول
ط
ن رَِبا ِ م ْ ن قُوّةٍ وَ ِ م ْ
م ِ ست َط َعْت ُ ْ ما ا ْ م َ دوا ل َهُ ْ ع ّ الله تبارك وتعالى ) :وَأ َ ِ
م( إلى قوله تعالى َ) :يا أ َي َّها ن ب ِهِ عَد ُوّ اللهِ وَعَد ُوّك ُ ْ ل ت ُْرهُِبو َ ال ْ َ
خي ْ ِ
ن
شُرو َ ع ْم ِ من ْك ُ ْن ِ ن ي َك ُ ْل إِ ْ قَتا ِ ن عََلى ال ْ ِ مِني َ مؤْ ِ ض ال ْ ُ حّر ِ ي َ الن ّب ِ ّ
َ
ن
ذي َ ن ال ّ ِم َة ي َغْل ُِبوا أْلفا ً ِ مائ َ ٌم ِمن ْك ُ ْن ِ ن ي َك ُ ْ ن وَإ ِ ْ مائ َت َي ْ ِ
ن ي َغْل ُِبوا ِ صاب ُِرو َ َ
َ
ن( . هو
َ ُ َ َ ق ْ ف ي ل م و َ
ِ ُّ ْ ْ ٌق مهن أ ب روا كَ ُ
َ ف
ما
ن َ مو َ حّر ُخرِ َول ي ُ َ ن ِباللهِ َول ِبال ْي َوْم ِ ال ِ مُنو َ ن ل ي ُؤْ ِ ذي َ )َقات ُِلوا ال ّ ِ
حرم الله ورسول ُه ول يدينون دين ال ْحق من ال ّذي ُ
بن أوُتوا ال ْك َِتا َ ِ َ َ ّ ِ َ ُ ََ ُ ُ َ َ ِ ُ َ ِ َ َ ّ َ
ن( ,ثم إعلن النفير العام صاِغُرو َ م َ ن ي َدٍ وَهُ ْة عَ ْ جْزي َ َ ْ ُ
حّتى ي ُعْطوا ال ِ َ
قال ً ً
فافا وَث ِ َ خ َ فُروا ِ في آيات داوية صارخة ختامها قوله تعالى ) :ان ْ ِ
م وَأ َن ْ ُ َ
ن
م إِ ْ خي ٌْر ل َك ُ ْ
م َ ل اللهِ ذ َل ِك ُ ْسِبي ِ م ِفي َ سك ُ ْف ِ وال ِك ُ ْ م َ
دوا ب ِأ ْ جاهِ ُ وَ َ
ن( ,ثم تنديد صارخ بموقف القاعدين الجبناء النذال , مو َ م ت َعْل َ ُك ُن ْت ُ ْ
وحرمان لهم من شرف الجهاد أبد البدين في قوله تعالى :
َ خل ّ ُ
دوا جاهِ ُ ن يُ َ هوا أ ْ ل اللهِ وَك َرِ ُ سو ِ ف َر ُ خل َ م ِ قعَدِهِ ْ م ْن بِ َ فو َ م َ ح ال ْ ُ )فَرِ َ
َ َ
لحّر قُ ْ فُروا ِفي ال ْ َ ل اللهِ وََقاُلوا ل ت َن ْ ِ سِبي ِ م ِفي َ سه ِ ْ ف ِ م وَأن ْ ُ وال ِهِ ْ م َب ِأ ْ
كوا ك َِثيرا ً كوا قَِليل ً وَل ْي َب ْ ُ ح ُ ض َ ن ,فَل ْي َ ْ قُهو َ ف َكاُنوا ي َ ْ حّرا ً ل َوْ َ شد ّ َ م أَ َ جهَن ّ َ َناُر َ
ممن ْهُ ْ فة ٍ ِ َ
ه إ ِلى طائ ِ َ َ َ
جعَك الل ُ ن َر َ َ
ن ,فإ ِ ْ سُبو َ ْ
ما كاُنوا ي َك ِ َ جَزاًء ب ِ َ َ
ُ َ ً َ َ خُروِج فَ ُ ْ َ ْ
ي
مع ِ َ قات ِلوا َ ن تُ َ ي أَبدا وَل ْ معِ َ جوا َ خُر ُ ن تَ ْ لل ْ ق ْ ست َأذ َُنوك ل ِل ُ َفا ْ
ْ َ ْ ُ ً
ن( اليات . في َ خال ِ ِ م ع َ ال َ دوا َ مّرةٍ َفاقْعُ ُ ل َ قُعودِ أوّ َ م ِبال ُ ضيت ُ ْم َر ِ عَد ُوّا إ ِن ّك ْ
ثم إشادة بموقف المجاهدين وعلى راسهم سيدهم الكريم صلى
الله عليه وسلم وبيان أن هذه هي مهمته المطهرة وسنة أصحابه
همعَ ُ مُنوا َ نآ َ ذي َ ل َوال ّ ِ سو ُ ن الّر ُ ِ الغر الميامين في قوله تعالى ) :ل َك ِ
ت وَُأول َئ ِ َ م وَُأول َئ ِ َ م وَأ َن ْ ُ َ
م
ك هُ ُ خي َْرا ُ م ال ْ َ
ك ل َهُ ُ سهِ ْ
ف ِ وال ِهِ ْ م َ دوا ب ِأ ْ جاهَ ُ َ
ن دي لخا ر ها َ
ن لا ها تح ت ن م ري ج ت ت نا ج م ه َ ل ه الل د عَ أ , ن ْ
َ ِ ِ َ َ ُ ْ ِ
ْ ْ َ َ ِ ْ ِ َ ٍ ّ ُ ُ ْ َ ّ َ ا ُ ُ َ
حو ِ لْ ف م ل
م( . ظي ُ فوُْز ال ْعَ ِ ك ال ْ َ ِفيَها ذ َل ِ َ
ثم بيعة بعد ذلك جامعة مانعة ل تدع عذرا لمعتذر في قوله
َ َ َ ن أ َن ْ ُ
م
ن لهُ ُ م ب ِأ ّ وال َهُ ْ
م َ م وَأ ْ سه ُ ْف َ مؤْ ِ
مِني َ ن ال ْ ُم َ شت ََرى ِ ها ْ ن الل َ تعالى ) :إ ِ ّ
قا ِفيً ح ّ َ
عدا عَلي ْهِ ًَ ن وَ ْ ُ
قت َلو َ ن وَي ُ ْ ُ
قت ُلو َ ل اللهِ فَي َ ْ سِبي ِ ن ِفي َ قات ُِلو َ ة يُ َ ال ْ َ
جن ّ َ
َ ل َوال ْ ُ
شُروا ست َب ْ ِن اللهِ َفا ْ م َ ن أوَْفى ب ِعَهْدِهِ ِ م ْن وَ َ قْرآ ِ جي ِ الت ّوَْراةِ َوال ِن ْ ِ
م( . ظي ُ ْ
فوُْز العَ ِ ْ
ك هُوَ ال َ م ب ِهِ وَذ َل ِ َذي َباي َعْت ُ ْ م ال ّ ِ ب ِب َي ْعِك ُ ُ
– 7سورة القتال ,وتصور سورة بأكملها تسمى سورة القتال
في كتاب الله الحكيم ,وأن أساس الروح العسكرية كما يقولون
أمران :الطاعة والنظام ,وقد جمع الله هذا الساس في آيتين
من كتابه ,فأما الطاعة ففي هذه السورة في قوله تعالى :
ل ال ّذين آمنوا ل َول نزل َت سورةٌ فَإ َ ُ
ة حك َ َ
م ٌ م ْ سوَرةٌ ُ ت ُ ذا أن ْزِل َ ْ ِ ْ ُّ ْ ُ َ ِ َ َ ُ قو ُ )وَي َ ُ
ن إ ِل َي ْ َ َ
ك ض ي َن ْظ ُُرو َمَر ٌ م َ ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ ت ال ّ ِ
ذي َ ل َرأي ْ َ قَتا ُ وَذ ُك َِر ِفيَها ال ْ ِ
مَ , َ
ف
معُْرو ٌ ل َ ة وَقَوْ ٌ طاعَ ٌ ت فَأوَْلى ل َهُ ْ ن ال ْ َ
موْ ِ م َي عَل َي ْهِ ِش ّ مغ ْ ِ ن َظ ََر ال ْ َ
َ
م( خْيرا ً ل َهُ ْ ن َ كا َه لَ َ
صد َُقوا الل َ مُر فَل َوْ َ م ال ْ ذا عََز َ فَإ ِ َ
ب
ح ّ
ه يُ ِ
ن الل َ
وأما النظام ففي سورة الصف في قوله تعالى ) :إ ِ ّ
َ
ص( . صو ٌ مْر ُ
ن َ فا ً ك َأن ّهُ ْ
م ب ُن َْيا ٌ ص ّ
سِبيل ِهِ َ قات ُِلو َ
ن ِفي َ ن يُ َ ال ّ ِ
ذي َ
– 8سورة الفتح ,وهي أيضا كلها في غزوة من غزوات رسول
الله صلى الله عليه وسلم ,وفي الشادة بموقف رائع من
مواقف الجهاد العزيز ,تحت ظل الشجرة المباركة ,حتى
أعطيت بيعة الثبات والموت ,فاثمرت السكينة السكينة والفتح
ن إ ِذ ْ ي َُباي ُِعون َ َ
ك مِني َ ن ال ْ ُ
مؤْ ِ ِ ه عَ ي الل ُ َ ض فذلك قوله تعالى ) :ل َ َ
قد ْ َر ِ
م َ
م وَأَثاب َهُ ْة عَل َي ْهِ ْ كين َ َ
س ِ ل ال ّ م فَأ َن َْز َما ِفي قُُلوب ِهِ ْ جَرةِ فَعَل ِ َ
م َ ت ال ّ
ش َ ح َ
تَ ْ
ريبا ً( .
فَْتحا ً قَ ِ
هذا يااخي بعض المواضع التي ورد فيها ذكر الجهاد ,وبيان فضله
وحث المؤمنين عليه وتبشير أهله بالثواب الجزيل والجزاء الجميل
,وكتاب الله مملوء بمثلها فتصفحه وتدبر ما جاء فيه من هذا
الباب ,تر العجب العجيب ,وتدهش لغفلة المسلمين عن اغتنام
هذا الثواب .
- 30عن أبي عمران قال :كنا بمدينة الروم فأخرجوا الينا صفا
عظيما من الروم فخرج اليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر،
وعلى أهل مصر عقبة بن عامر وعلى الجماعة فضالة بن عبيد
فحمل رجل من المسلمين على صف من الروم حتى دخل عليهم
فصاح الناس وقالوا سبحان الله يلقي بيده إلى التهلكة ،فقام أبو
أيوب النصاري فقال :ياأيها الناس إنكم لتأولون هذه الية هذا
التأويل؛ وانما نزلت هذه الية فينا معشر النصار لما أعز الله
السلم وكثر ناصروه .فقال بعضنا لبعض سرا دون رسول الله
صلى الله عليه وسلم :إن أموالنا قد ضاعت وان الله قد أعز
السلم وكثر ناصروه فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها،
فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم يرد علينا
ماقلنا )وأنفقوا في سبيل الله ول تلقوا بأيديكم إلى التهلكة(
فكانت التهلكة القامة على الموال واصلحها وتركنا الغزو .فما
زال أبو أيوب شاخصا في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم .
رواه الترمذي
ولحظ يا أخي أن أبا أيوب حين يقول هذا كان في سن كبيرة قد
جاوزت الشباب والكهولة ,ومع هذا فقلبه وروحه و إيمانه مثال
للفتوة القوية بتأييد الله وعزة السلم .
- 31وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه قال ) :من مات ولم يغز ،ولم يحدث به نفسه ،
مات على شعبة من النفاق( .رواه مسلم وأبو داود ونظائره
كثيرة .
كذلك وفي تفصيل أحكام القتال ,أكثر من أن يحيط به مجلد
كبير ,وندلك على كتاب )العبرة فيما ورد عن الله ورسوله في
الغزو والجهاد والهجرة( للسيد حسن صديق خان وهو خاص بذلك
البحث ,وكتاب )مشارع الشواق إلى مصارع العشاق مثير
الغرام إلى دار السلم( وما جاء في كتب الحديث كلها في باب
الجهاد ترى الكثير الطيب .
وفي كتاب البحر ) :امرأة مسلمة سبيت بالشرق وجب علي أهل
المغرب تخليصها ما لم تدخل حصونهم وحرزهم (.
والثاني -يدخلون بلدة لنا فيلزم أهلها الدفع بالممكن وإن أمكن
تأهب لقتال وجب الممكن حتى علي فقير وولد ومدين وعبد بل
إذن(.
ب ـ إذا نزل الكفار ببلدة تعين علي أهله قتالهم ودفعهم .
قال أبو عبد الله )يعني المام بن حنبل( ل أعلم شيئا ً من العمل
بعد الفرائض أفضل من الجهاد ،وغزوة البحر أفضل من غزوة
البر .قال أنس بن مالك ) : tنام رسول الله rثم استيقظ وهو
يضحك ،قالت أم حرام :فقلت :ما يضحكك يا رسول الله ؟
قال ) :ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله ،يركبون
ثبج هذا البحر ملوكا ً علي السرة أو مثل الملوك علي السرة (
متفق عليه ،ومن تمام الحديث أن أم حرام سألت النبي rأن
يدعو الله لها لتكون من هؤلء فدعا لها ،فعمرت حتى ركبت
البحر في أسطول المسلمين الذي فتح جزيرة قبرص وماتت بها
ودفنت فيها ،وهناك مسجد ومشهد ينسب إليها رحمها الله
ورضي الله عنها(.
فها أنت ذا تري من ذلك كله كيف اجمع أهل العلم مجتهدين
ومقلدين ،سلفيين وخلفيين ،علي أن الجهاد فرض كفاية علي
المة السلمية ،لنشر الدعوة ،وفرض عين لدفع هجوم الكفار
عليها .
كان المسلم يخرج للقتال وفي نفسه أمر واحد أن يجاهد لتكون
كلمة الله هي العليا ،وقد فرض دينه عليه أن بهذا المقصد غاية
أخري فحب الجاه عليه حرام ،وحب الظهور عليه حرام ،وحب
المال عليه حرام ،والغلول من الغنيمة عليه حرام ،وقصد الغلب
بغير الحق عليه حرام .والحلل أمر واحد أن يقدم دمائه وروحه
فداء لعقيدته وهداية للناس
وعن شداد بن الهادي رضي الله عنه :أن رجل ً من العراب جاء
فآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ،فكانت غزاة غنم فيها النبي
صلى الله علية وسلم شيئا فقسم وقسم له .فقال :ما هذا :
فقال ) :قسمته لك( .فقال :ما على هذا اتبعتك ،ولكنى اتبعتك
على إن أرمى إلى ههنا ـ وأشار بيده حلقه ـ بسهم فأموت فادخل
الجنة .قال ) :إن تصدق الله يصدقك( .فلبثوا قليل ثم نهضوا
في قتال العدو فأتى به النبي محمول قد أصابه سهم حيث اشار،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :اهو هو ؟ قالوا :نعم .قال
)صدق الله فصدقه( ,ثم كفن في جبه النبي صلى الله عليه
وسلم ثم قدمه فصلى عليه .فكن مما ظهر من صلته ) :اللهم
هذا عبدك خرج ما مهاجرا في سبيلك فقتل شهيدا وأنا شهيد على
ذلك( .أخرجه أبو داود .
وعن أبي هريرة ) tأن رجل ً قال :يا رسول الله رجل يريد
الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرضا ً من الدنيا فقال ) :ل أجر
له( .فأعادها عليه ثلثا ً كل ذلك يقول ) :ل أجر له( أخرجه أبو
داود .
وعن أبي موسى tقال ) :سئل رسول الله rعن الرجل يقاتل
شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله ؟
قال ) :من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله(
أخرجه الخمسة .
وأنت إذا قرأت وقائع الصحابة رضوان الله عليهم ومسالكهم في
البلد التي فتحوها ،رأيت مبلغ عزوفهم عن المطامع والهواء
وانصرافهم لغايتهم الساسية الصلية ،وهي إرشاد الخلق إلي
الحق حتى تكون كلمة الله هي العليا ورأيت مبلغ الخطأ في
اتهامهم رضوان الله عليهم بأنهم إنما كانوا يريدون الغلب علي
الشعوب والستبداد بالمم والحصول علي الرزاق .
عن بريدة رضى الله عنه قال ) :كان لرسول الله صلى الله عليه
و سلم إذا أمر المير على جيش أو سريره أوصاه في خاصاته
بتقوى الله تعالى ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال) :اغزوا
بسم الله في سبيل الله ،قاتلوا من كفر بالله ،أغزوا ولتغلوا ول
تغدروا ول تمثلوا ول تقتلوا وليدا( رواه مسلم .
وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ) :إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه( أخرجه الشيخان .
وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ) :أعف الناس قتلة أهل اليمان( أخرجه أبو داود .
وعن عبد الله بن يزيد النصاري رضى الله عنه قال ):نهى رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن النهب و المثله ( أخرجه البخاري .
خـاتمـة
أيهـا الخـوة :
إن المة التي تحسن صناعة الموت ،وتعرف كيف تموت الموتة
الشريفة ،يهب لها الله الحياة العزيزة في الدنيا والنعيم الخالد
في الخرة ,وما الوهن الذي أذلنا أل حب الدنيا وكراهية الموت ،
فاعدوا أنفسكم لعمل عظيم واحرصوا على الموت توهب لكم
الحياة .
حسـن البنــا
الرواية والسناد
ما السناد؟ ..وما المتن؟
تقرأ الحديث الشريف فيطالعك أول ما يطالعك "السند" وهو :سلسلة
الرواة الذين نقل عنهم هذا الحديث من لدن رسول الله إلى أن انتهى
إلى أحد الحفاظ المشهورين كمالك أو البخاري أو مسلم رضي الله
عنهم.
والسناد :رفع الحديث إلى قائله.
وقال ابن جماعة :المحدثون يستعملون السند والسناد لشيء واحد .
وأما المتن :فهو ألفاظ الحديث نفسها .
ومعرفة السند هي الساس عند المحدثين في الحكم على درجة
الحديث إذ إن عماد الصحة أو الضعف عندهم درجة الرازي من الصدق
،ودرجة روايته من الوضوح والثقة .
ولهذا كانت عنايتهم بالسانيد عظيمة ،نشأ عنها علم مصطلح الحديث
بلواحقه من علم الرجال والنساب والكنى والسماء والجرح
والتعديل .
السناد من خصائص المة السلمية:
ولم يؤثر عن أمة من المم العناية برواة أخبارها وكتبها ،ومأثورات
أنبيائها كما عرف ذلك عن هذه المة السلمية التي عنيت بهذه الناحية
أتم العناية ،حتى إن اهتمامها بالسانيد والرواة لم يقف عند حد
العلوم الشرعية ،بل تعداها إلى العلوم الدبية والخبار التاريخية
وغيرها ،وإن كان في الحديث النبوي وما إليه أدق وأوضح .
قال أبوعلي الجياني ) :خص الله تعالى هذه المة بثلثة أشياء لم
يعطها من قبلها :السناد ،والنساب ،والعراب(.
وقال ابن حزم :
)نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبي "صلى الله عليه وسلم" مع التصال
خص الله به المسلمين دون سائر الملل ،وأما مع الرسال والعضال
فيوجد في كثير من اليهود ،ولكن ل يقربون فيه من موسى قربنا من
محمد "صلى الله عليه وسلم" ،بل يقفون بحيث يكون بينهم وبين
موسى أكثر من ثلثين عصرا ..ول يمكن أن يبلغوا إلى صاحب نبي ول
إلى تابع له(.
وقد أثر عن السلف في الحث على العناية بالسناد أقوال كثيرة :
قال ابن المبارك) : .السناد من الدين ،لول السناد لقال من شاء ما
يشاء(.
دث الزهري يوما بحديث فقلت :هاته بل وقال سفيان بن عيينة ) :ح ّ
إسناد ،فقال الزهري :أترقى السطح بل سلم ؟(.
وقال الثوري ) :السناد سلح المؤمن(.
وقال أحمد بن حنبل ) :طلب السناد العالي سنة عن السلف ؟ لن
أصحاب عبد الله كانوا يرحلون من الكوفة إلى المدينة فيتعلمون من
عمر ويسمعون منه(.
وقال محمد بن أسلم الطوسي ) :قرب السناد قرب أو قربة إلى الله
تعالى(.
وقال محمد بن سيرين ) :إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون
دينكم( ..وقال) :لم يكونوا يسألون عن السناد ،فلما وقعت الفتنة
قالوا سموا لنا رجالكم ،فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم ،وينظر
إلى أهل البدع فل يؤخذ حديثهم(.
وحكى الوزاعي عن سليمان بن موسى قال) :لقيت طاووسا فقلت:
حدثني فلن كيت وكيت قال :إن كان صاحبك " "....فخذ عنه( .
أنواع التحمل ودرجاته:
وكما كانوا يتحرون حال الراوي كانوا يعنون كذلك بالطريقة التي تلقى
بها عن شيخه .
وطرق التلقي تختلف في السلوب وفى الرتبة .ومنها :
- 1السماع من لفظ الشيخ إملء من حفظه ،أو تحديثا من كتابه .
- 2قراءة الطالب على الشيخ .
- 3سماع الطالب على الشيخ بقراءة غيره.
- 4المناولة مع الجازة كأن يدفع له الشيخ أصل سماعه ،أو فرعا
مقابل به ويقول له :أجزت لك روايته عنى .
- 5الجازة المجردة عن المناولة ،ولها أنواع كثيرة مفصلة في كتب
الفن.
- 6المناولة من غير إجازة بأن يناوله الكتاب مقتصرا على قوله هذا
سماع ول يقول اروه عني ،ول أجزت لك روايته.
قيل :تجوز الرواية بهذه المناولة ..والصحيح عندهم عدم الجواز .
ومثلها:
- 7العلم :كأن يقول :هذا الكتاب من مسموعاتي من غير أن يأذن
له في روايته عنه.
- 8الوصية :كأن يوصى بكتاب عند سفره أو موته ..والرجح عدم
جواز الرواية به .
- 9الوجادة :كأن يجد حديثا أو كتابا بخط شيخ معروف ل يرويه
الواحد عنه بسماع ول إجازة فله أن يقول :وجدت أو قرأت بخط
فلن.
وفى مسند المام أحمد كثير من ذلك من رواية ابنه عنه.
قال النووي) :وأما بالوجادة فعن المعظم أنه ل يجوز وقطع البعض
بوجوب العمل بها عند حصول الثقة (..قال ) :وهذا هو الصحيح الذي ل
يتجه في هذه الزمان غيره(.
أقدم إجازتين مأثورتين :
ا -إجازة أبي خيثمة لزكريا بن يحيى :
جاء في شرح ألفية العراقي نقل عن المام أبي الحسن محمد بن أبي
الحسين بن الوزان قال ) :ألفيت بخط أبي بكر أحمد بن أبي خيثمة
زهير بن حرب الحافظ الشهير صاحب يحيى بن معين وصاحب التاريخ
ما مثاله" :قد أجزت لبى زكريا يحيى بن مسلمة أن يروي عنى ما
أحب من كتاب التاريخ الذي سمعه مني أبو محمد القاسم بن الصبح
ومحمد بن عبد العلى كما سمعاه منى ،وأذنت له في ذلك ولمن
أحب من أصحابه ،فإن أحب أن تكون الجازة لحد بعد هذا فأنا أجزت
له ذلك بكتابي هذا" وكتب أحمد بن خيثمة بيده في شوال سنة ست
وسبعين ومائتين(.
- 2إجازة حفيد بن شيبة للخلل
وكذلك أجاز حفيد يعقوب بن شيبة وهذه نسختها فيما حكاه الخطيب:
يقول محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة ) :قد أجزت لعمر بن أحمد
الخلل وابنه عبد الرحمن بن عمر ولختنه على بن الحسن جميع ما
فاته من حديثي مما لم يدرك سماعه من المسند وغيره ،وقد أجزت
ذلك لمن أحب عمر ،فليرووه عنى إن شاءوا .وكتبت لهم ذلك بخطى
في صفر سنة اثنتين وثلثين وثلثمائة(.
دقة التحري وسعة معرفة أئمة الفن بأحوال الرواة:
وإن ما أثر عن أئمة رواية الحديث في دقة تحريهم عن أقوال الرواة
وسعة معرفتهم بكل ما يتصل بهم من شئون خاصة أو عامة لمما
يقضي منه العجب.
ولقد كانوا يتحرجون من الرواية حتى عن الثقات لتوهم الشبهة في
بعض تصرفاتهم المتصلة بالرواية.
ول تثبت صفة التقدم والحفظ لحد من رجال الحديث حتى يكون قد
حفظ متن الحديث وألفاظه وسنده حفظا تاما ،ثم ألم بمعرفة رجاله
وأحوالهم فردا فردا ،ثم أضاف إلى ذلك العلم بطرق روايته
المختلفة .
وهذا المام مسلم بن الحجاج يحدثنا في مقدمة صحيحه عن شيء من
هذا فيقول شارحا منهاجه في الرواية :
)ثم إنا إن شاء الله مبتدئون في تخرج ما سألت وتأليفه على شريطة
سوف أذكرها لك وهو :
أنا نعمد إلى جملة ما أسند من الخبار عن رسول الله "صلىالله عليه
وسلم" ,فنقسمها على ثلثة أقسام وثلث طبقات من الناس ,فأما
القسم الول :فإنا نتوخى أن نقدم الخبار التي هي أسلم من العيوب
من غيرها ،وأنقى من أن يكون ناقلوها أهل استقامة في الحديث
وإتقان لما نقلوا .
فإذا نحن تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها أخبارا يقع في
أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والتقان كالصنف المقدم
قبلهم ،على أنهم وإن كانوا فيما وصفنا دونهم فإن اسم الستر
والصدق وتعاطى العلم يشملهم :كعطاء بن السائب ،ويزيد بن أبي
زياد ،وليث بن أبي سليم وأضرابهم من حمال الثار ونقال الخبار.
فهم وإن كانوا بما وصفنا من العلم والستر عند أهل العلم معروفين ،
فغيرهم من أقرانهم ممن عندهم ما ذكرنا من التقان والستقامة في
الرواية يفضلونهم في الحال والمرتبة ،لن هذا عند أهل العلم درجة
رفيعة ،وخصلة سنيه ,أل ترى أنك إذا وازنت هؤلء الثلثة الذين
سميناهم :عطاء ،ويزيد ،وليثا بمنصور بن المعتمر ،وسليمان
العمش ،وإسماعيل بن أبى خالد في إتقان الحديث والستقامة فيه
وجدتهم مباينين لهم ل يدانونهم ،ل شك عند أهل العلم بالحديث في
ذلك للذي استفاض عندهم من صحة حفظ منصور والعمش
وإسماعيل وإتقانهم لحديثهم ،وأنهم لم يعرفوا مثل ذلك من عطاء
ويزيد وليث.
وفي مثل مجرى هؤلء إذا وازنت بين القران كابن عون ،وأيوب
السختياني مع عوف بن أبي جميلة وأشعث الحراني وهما صاحبا
الحسن وابن سيرين ،كما أن ابن عون وأيوب صاحباهما إل أن البون
بينهما وبين هذين بعيد في كمال الفضل ,وصحة النقل ,وإن كان
عوف وأشعث غير مدفوعين عن صدق وأمانة عند أهل العلم..
فعلى نحو ما ذكرنا من الوجوه نؤلف ما سألت من الخبار عن رسول
الله "صلى الله عليه سلم".
فأما ما كان منها عن قوم هم عند أهل الحديث متهمون أو عند الكثر
منهم ،فلسنا نتشاغل بتخريج حديثهم كعبد الله بن مسور أبي جعفر
المدائني ،وعمرو بن خالد ،وعبد القدوس الشامي ،ومحمد بن سعيد
المصلوب ،وغياث بن إبراهيم ،وسليمان بن عمرو أبي داود النخعي ،
وأشباههم ممن اتهم بوضع الحاديث ،وتوليد الخبار ,وكذلك من
الغالب على حديثه المنكر أو الغلط ،أمسكنا أيضا عن حديثهم(.
ـ ومن أمثلة التورع في الرواية حتى عن الثقات ما رواه مسلم بعد
ذلك عن أبي الزناد عن أبيه قال) :أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون
ما يؤخذ عنهم الحديث ،يقال :ليس من أهله(.
وإذا رجعت إلى كتب الرجال والعلل والجرح والتعديل أدهشك ما ترى
من ذلك .
جودة الحفظ وسرعته ودقته وكثرته :
ولقد اشتهر الكثير من أئمة الحديث بسرعة الحفظ وجودته ،ودقته
وكثرته حتى كانوا أعاجيب الدنيا في هذه المعاني.
ومنهم أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الذي روي عنة في
ذلك الغرائب المدهشة منذ كان غلما حتى لقي ربه.
ولقد حدث عن نفسه فيما رواه الفريري :
)قال :ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب".
قلت :وكم أتى عليك إذ ذاك؟.
فقال :عشر سنين أو أقل ,ثم خرجت من الكتاب فجعلت أختلف إلى
الداخلي وغيره فقال يوما فيما كان يقرأ للناس :سفيان عن أبى الزبير
عن إبراهيم .فقلت :إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم ..فانتهرني .
فقلت له :ارجع إلى الصل إن كان عندك .
فدخل فنظر فيه ثم رجع فقال :كيف هو يا غلم ؟
فقلت :هو الزبير وهو ابن عدى عن إبراهيم.
فأخذ القلم وأصلح كتابه وقال لي :صدقت.
فقال له إنسان :ابن كم حين رددت عليه؟
فقال :ابن إحدى عشرة سنة.
قال :فلما طعنت في ست عشرة سنة حفظت كتب ابن المبارك
ووكيع .وعرفت كلم هؤلء ـ يعنى أصحاب الرأي(.
وقال حامد بن إسماعيل وآخر) :كان البخاري يختلف معنا إلى السماع
وهو غلم ،فل يكتب ،حتى أتى على ذلك أيام فكنا نقول له .فقال :
إنكما قد أكثرتما علي فاعرضا علي ما كتبتما ،فأخرجنا إليه ما كان
عندنا ،فزاد على خمسة عشرة ألف حديث ،فقرأها كلها عن ظهر
قلب حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه .ثم قال :أترون أني أختلف
هدرا وأضيع أيامي؟ فعرفنا أنه ل يتقدمه أحد(.
وقال محمد بن أبي حاتم :سمعت سليم بن مجاهد يقول ) :كنت عند
محمد بن سلم البيكندي فقال لي :لو جئت قبل لرأيت صبيا يحفظ
سبعين ألف حديث .قال :فخرجت في طلبه فلقيته ،فقلت :أنت الذي
تقول :أنا أحفظ سبعين ألف حديث؟
فقال :نعم وأكثر ،ول أجيئك بحديث عن الصحابة أو التابعين إل عرفت
مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم.
ولست أروي حديثا من حديث الصحابة أو التابعين إل ولي في ذلك
أصل أحفظه حفظا من كتاب الله أو سنة رسول الله "صلى الله عليه
وسلم"(.
ومن ذلك الحادثة المشهورة التي يرويها ابن عدي فيقول :
)سمعت عدة مشايخ يحكون أن البخاري قدم بغداد ،فاجتمع أصحاب
الحديث ،فعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها ،وجعلوا
متن هذا لسناد هذا ،وإسناد هذا لمتن هذا " ودفعوا إلى كل واحد
عشرة أحاديث ليلقوها على البخاري في المجلس ،فاجتمع الناس ،
وانتدب أحدهم ،فقام وسأله عن حديث .فقال :أل أعرفه .فسأله
عن آخر .فقال :ل أعرفه .حتى فرغ من العشرة .وفعل مثل ذلك مع
من بقي من المشايخ ،ل يزيدهم على قوله :ل أعرفه.
حتى إذا فرغوا ،التفت إلى الول فقال :أما حديثك الول فإسناده كذا
وكذا ،والثاني كذا وكذا ،والثالث إلى آخر العشرة ،فرد ّ كل متن إلى
إسناده .وفعل بالثاني مثل ذلك إلى أن فرغ ..فأقر له الناس بالحفظ
والتقدم(.
اختلف درجات الحديث باختلف مراتب الرواة:
وبهذا الختلف في درجات الرواة ،وقوة السانيد ،اختلفت مراتب
الحديث ،وقوة الحتجاج بها ،ووضع لكل منها اسم ووصف يكشف عن
درجته.
فالصحيح ،والحسن ،والضعيف ،وما إلى ذلك من أوصاف وألقاب
للحاديث ،إنما مرده وأصله هذا الختلف في طبقات الرواة.
ونرجو أن نوفق في الكلمة التالية إلى التعرض لهذه الناحية بالذات
حتى نضع بين يدي القراء الكرام من الذين لم يتصلوا بهذه الدراسات
خلصة موجزة واضحة لترجمة هذه الصطلحات ليسهل عليهم
التصال بهذه الكتب والفنون إذا وجدوا الوقت والرغبة.
الحديـث والخبـر والثـــر
تدور هذه اللفاظ الثلثة على ألسنة المحدثين ،والمشتغلين بهذا الفن
،والمتصلين به .
ـ ومنهم من يعتبرها بمعنى واحد :وأنها جميعا ما أضيف إلى النبي
"صلى الله عليه وسلم" قول أو فعل أو تقريرا أو صفة.
ـ وقيل :الحديث :ما جاء عن النبي "صلى الله عليه وسلم" خاصة ,
والخبر :ما جاء عن غيره ,والثر :ما روي عن صحابي أو تابعي.
ـ وقيل :بين الحديث والخبر عموم وخصوص مطلق ..فكل حديث
خبر ،وليس كل خبر حديث.
ولعل خير ما يقال في هذا الشأن :إن الحديث إذا أطلق هكذا انصرف
إلى ما أثر عن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" خاصة ،وأن الخبر
والثر ينصرفان إلى هذا المعنى بالقرينة المميزة مع صحة إطلقها
على غير الحديث من الخبار والمرويات عن الصحابة والتابعين رضوان
الله عليهم.
ومعلوم أن السنة هي فعل النبي "صلى الله عليه وسلم" أو قوله أو
إقراره.
الحديث القدسي:
أطال أهل الفن القول في تعريف الحديث القدسي ،والفرق بينه وبين
القران والحديث النبوي ,وخلصة ما ذكروه في ذلك ،وأوله بالصواب
إن شاء الله:
أن الحديث القدسي إلهام من الله تبارك وتعالى لنبيه في اليقظة أو
في النوم صورا من المعاني والمقاصد ،يشعر النبي"صلى الله عليه
وسلم" أن الله يأمره بتصويرها لعباده ،فيصورها لهم بعبارة من لفظه
هو "صلى الله عليه وسلم" على أنه يرويها عن ربه عز وجل.
ومثاله :حديث أبي ذر الغفاري المطول الذي رواه النووي في أربعينه ،
وهو الرابع والعشرون منها:
)يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ،وجعلته محرما بينكم ،فل
تظالموا( الحديث.
وهو بهذا التعريف غير معجز ،ولم يوح به إلى النبي "صلى الله عليه
وسلم" بواسطة جبريل عليه السلم ،وليست ألفاظه من عند الله
بداهة.
أما القرآن الكريم :فترتسم معانيه وألفاظه في نفس رسول الله
"صلى الله عليه وسلم" بإلقاء الملك ،وينتهي الوحي وقد وعى النبي
"صلى الله عليه وسلم" ما ألقي إليه بلفظه ومعناه ،ويبلغه الناس.
فيكون معجزا ،لن لفظه وتركيبه من عند الله .
وأما الحديث النبوي:
فهو تعبير عن الحقائق والمعاني والفكار التي تفيض بها نفس النبي "صلى
الله عليه وسلم" بلفظه هو عليه الصلة والسلم ..وهو صدق وحق لنه
"صلى الله عليه وسلم" ل ينطق عن الهوى أبدا.
قالوا :ورواية الحديث القدسي صيغتان:
إحداها :أن يقول :قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" فيما يرويه
عن ربه ,وهى عبارة السلف.
وثانيتها :أن يقول :قال الله تعالى فيما رواه عنه رسول الله "صلى
الله عليه وسلم" ..والمعنى واحد.
ول شك أن الولى أفضل لنها ل توهم التشبيه بالقران الكريم.
بين المتن والسناد:
عرفنا في الفصل السابق كيف أن أئمة هذا الفن -جزاهم الله خيرا -
بذلوا منتهى الجهد في تحري أحوال الرواة وشئونهم ،وأن هذا كان
مدار ترجيحهم لصدق الحديث وقوته أو ضعفه.
سؤال
ويقول بعض الباحثين) :إنه كان يجب أن تبذل العناية كذلك لتمحيص
المتن ،والحكم على قوة الحاديث وضعفها بما يسفر عنه التمحيص.
فقد يأتي بعض المتون وفيه مال يتفق مع نتائج البحث العلمي ,ففي
الوقت الذي تصرف فيه الهمة إلى الكشف عن أحوال الرجال ،
وتحري شئون الرواة ،يجب كذلك أن نعتني بتطبيق متن الحديث على
حقائق البحث العلمي ،والحكم بعد ذلك على الحديث بالميزانين معا
ل بميزان واحد(.
الجواب
وهذا قول له بعض المبررات ،وفيه كثير من الوجاهة .ويجب أن
يكون ذلك من عمل هذا الجيل الممحص النقاد الذي ارتقت فيه
وسائل النقد العلمي إلى حد كبير.
ولكن ل يجب أن تفوتنا مع ذلك هذه الملحظات:
- 1إن اتهام السلف رضوان الله عليهم بإهمال النظر في المتون
جملة غير صحيح ،فكثيرا ما كانوا يعنون بهذه النظرة ،ويردون بعض
المرويات لهذا السبب ،ويتخذون من عدم انطباق المتن على قواعد
الشرع الجلية دليل على ضعف إسناده ،وعدم نسبته إلى رسول الله
"صلى الله عليه وسلم" ،ووهم راويه ,كما رد ابن عباس حديث أبى
هريرة رضى الله عنه) :من حمل جنازة فليتوضأ(.
وعلل هذا الرد بقوله ) :ل يلزمنا الوضوء في حمل عيدان يابسة( ,
فروح النظر في المتون ،والستدلل بهاعلى درجة الحديث كانت
موجودة إذن.
- 2إن هذا الميزان ميزان اعتباري بحسب العقول والعصور كذلك ،
فما نعده نحن اليوم حديث خرافة ،كان يعتبر في بعض العصور
الماضية حقيقة من حقائق العلوم والمعارف الرسمية حينذاك.
والشواهد على هذا كثيرة.
وما نعتبره نحن اليوم حقيقة علمية مقررة ،لو ذكر لمن سبقونا
لعتبروا قائله مجنونا ،ولحكموا عليه بالعدام .وقد فعلوا ,وتلك
طبيعة التطور العلمي .يوما كنا لنكلف سلفنا فوق ما يطيقون ،
وجزاهم الله أفضل الجزاء بما جاهدوا.
أما الخذ بميزان تمحيص السناد ،ومعرفة حال الرواة ،والحكم على
درجة الحديث بهذا العتبار ،فهو أدق الموازين وأضبطها ,لنه يعتمد
على أمور حسية واقعية ،ل يختلف معها النقد الصحيح إل إذا تدخلت
الغايات والهواء .ومن حسن الحظ أنها لم تتدخل إل بعد أن تناولت
هذا الميزان أطهر النفوس ،وأنقى القلوب ،وأعف اليدي ،فنفت
عنه تحريف الغالين ،وتأويل المبطلين ,والحمد لله رب العالمين.
- 3ولهذا كان ما عرف من الحاديث التي حكم عليها أهل هذا الفن
بالصحة مخالف لبعض مقررات العلوم قليل جدا ،نادرا كل الندرة ،قد
أحصى وعرف ،فلم يتعد العشرات إلى المئات إن لم يكن الحاد ,
وكثير منها يمكن التوفيق بينه وبين هذه المقررات بضرب مقبول
ميسور من التأويل ،والباقي يحمل على أنه رواية بالمعنى لم يدقق
ن( )يوسف. (41: مُر ال ّ ِ َ فيها الراوي ,و )قُ ِ
فت َِيا ِ
ست َ ْ
ذي ِفيهِ ت َ ْ ي ال ْ
ض َ
وسنعرض لشيء من المثلة خلل هذا البحث إن شاء الله .
المتواتـر والحــاد
الحديث المتواتر:
هو ما نقل عن عدد من الرواة يحصل العلم بصدقهم ضرورة بأن
يكونوا جمعا ،ل يمكن تواطؤهم على الكذب ،يروونه عن مثلهم عن
مثلهم إلى رسول الله "صلى الله عليه وسلم".
ولهذا كان مفيدا للعلم الضروري ،ويجب العمل واختلفوا في تحديد
هذا العدد :فمن قائل أربعة ،ومن قائل سبعة ،ومن قائل عشرة ،
ومن قائل سبعين ,ولم يجمع أهل الفن على عدد معين.
والمتواتر قسمان:
لفظي :وهو ما تواتر لفظه.
ومعنوي :وهو ما تواتر القدر المشترك فيه .وللول أمثلة كثيرة منها:
ـ حديث )من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار( .رواه نحو
المائتين.
ـ وحديث المسح على الخفين .رواه سبعون.
ـ وحديث رفع اليدين في الصلة .رواه نحو الخمسين.
ومن أمثلة الثاني :أحاديث رفع اليدين في الدعاء .وقد روي عنه "صلى
الله عليه وسلم" نحو مائة حديث فيها :رفع يديه في الدعاء ,ولكنها
في قضايا ومواضع مختلفة ,فكل موضع منها لم يتواتر ،ولكن القدر
المشترك وهو :رفع اليدين في الدعاء تواتر باعتبار المجموع.
ـ والحاديث المتواترة قليلة طبعا لدقة هذا الشرط ،وتعسر توفره ،
خصوصا إذا بالغنا في العدد ،وأخذنا بقول من حددوه بالمائة أو
بالسبعين أو نحوها .ولهذا أثر عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه لم
يظفر من المتواتر إل بسبعة عشر حديثا ،فحرف هذا المعنى بعض
المغرضين الذين يريدون أن يهربوا من القول بحجية الحديث ،
ووجوب العمل به ،وزعموا أن أبا حنيفة مع جللة قدره في الفقه لم
يجد من الحاديث الصحيحة إل سبعة عشر حديثا ،فوضع الصحيح بدل
من المتواتر ،للستدلل على ما يريدون ،وهو زعم غير صحيح ،وقد
نبهنا عليه .
لواحـــق
- 1هل توجب صحة الحديث القطع به؟
للعلماء في هذه المسألة ثلثة أقوال:
أ -الوجوب مطلقا .وقد ذهب إلى ذلك ابن طاهر المقدسي .
ب -عدم الوجوب لجواز الخطإ والنسيان على الثقة ,وعزاه النووي
في التقريب للكثرين والمحققين ،وأنهم قالوا :إنه يفيد الظن ما لم
يتواتر.
قال في شرح مسلم) :أن ذلك شأن الحاد ،ول فرق في ذلك بين
الشيخين وغيرهما ,وتلقى المة بالقبول إنما أفاد وجوب العمل بما
فيهما من غير توقف على النظر فيه ،بخلف غيرهما ،فل يعمل به
حتى ينظر فيه ،ويوجد فيه شروط الصحيح ,ول يلزم من إجماع المة
على العمل بما فيهما القطع بأنه كلم النبي "صلى الله عليه وسلم"(.
جـ -تخصيص الوجوب بما رواه الشيخان أو أحدهما ,وهو اختيار ابن
الصلح .وأضاف إليه ابن حجر المشهور المسلسل بالئمة.
قال أبو إسحاق السفراييني :أهل الصنعة مجمعون على أن الخبار
التي اشتمل عليها الصحيحان مقطوع بصحة أصولها ومتونها ،ول
يحصل الخلف فيها بحال ،وإن حصل فذلك خلف في طرقها ورواتها.
قال :فمن خالف حكمه خبرا منها ,وليس له تأويل سائغ للخبر ،نقضنا
حكمه لن هذه الخبار تلقتها المة بالقبول.
واستثنى ابن الصلح من المقطوع بصحته في الصحيحين ما تكلم فيه
من أحاديثها.
وقال ابن حجر في شرح النخبة) :الخبر المحتف بالقرائن يفيد العلم
خلفا لمن أبى ذاك(.
قال ) :وهو أنواع :منها ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما مما لم يبلغ
التواتر ،فإنه احتف به قرائن منها :
ـ جللتهما في هذا الشأن ،وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما.
ـ وتلقى العلماء لكتابيهما بالقبول ,وهذا التلقي وحده أقوى في إفادة
العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر.
إل أن هذا مختص بما لم ينتقده أحد من الحفاظ ,وبما لم يقع التجاذب
بين مدلوليه حيث ل ترجيح ،لستحالة أن يفيد المتناقضان العلم
بصدقهما من غير ترجيح لحدهما على الخر ,وما عدا ذلك فالجماع
حاصل على تسليم صحته(.
- 2وإذا صح الحديث فقد وجب العمل به ،وإن لم يخرجه الشيخان ،
ول يترك العمل به لرأي ول تقليد إمام ول يوهم إجماع.
قال ابن القيم في إعلم الموقعين:
)والذي ندين الله عليه ،ول يسعنا غيره ،أن الحديث إذا صح عن
رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ،ولم يصح عنه حديث آخر ينسخه
،أن الفرض علينا وعلى المة الخذ بحديثه ،وترك ما خالفه ،ول
نتركه لخلف أحد من الناس ،كائنا من كان ،ل راويه ول غيره.
إذ من الممكن أن ينسى الراوي الحديث ،ول يحضره وقت الفتيا ،أو
يفطن لدللته على تلك المسألة ،أو يتأول فيه تأويل مرجوحا ،أو
يكون في ظنه ما يعارضه ول يكون معارضا في نفس المر ،أو يقلد
غيره في فتواه بخلفه لعتقاده أنه أعلم منه ،وأنه إنما خالفه لما هو
أقوى منه.
ولو قدر انتفاء ذلك كله ـ ول سبيل إلى العلم بانتفائه ول ظنه ـ لم يكن
الراوي معصوما ولم توجب مخالفته لما رواه سقوط عدالته حتى
تغلب سيئاته حسناته ،وبخلف هذا الحديث الواحد ل يحصل له
ذلك ...
كان المام أحمد إذا وجد النص أفتى بموجبه ،ولم يلتفت إلى ما
خالفه ،ول من خالفه كائنا من كان ،ولذا لم يلتفت إلى خلف عمر
رضي الله عنه في المبتوتة لحديث فاطمة بنت قيس ،ول إلى خلفه
في التيمم للجنب لحديث عمار ..وهذا كثير جدا ,ولم يكن يقدم على
الحديث الصحيح عمل ول رأيا ول قياسا ,ول قول صاحب ،ول عدم
علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعا ،ويقدمونه على
الحديث الصحيح(.
ـ وقال الشعراني في الميزان:
)فإن قلت :فما أصنع في الحاديث التي صحت بعد موت إمامي ولم
يأخذ بها؟..
فالجواب :ينبغي لك أن تعمل بها ،فإن إمامك إن ظفر بها ،وصحت
عنده لربما كان أمرك بها .فإن ،الئمة كلهم أسرى في يد الشريعة ,
ومن فعل ذلك فقد حاز الخير بكلتا يديه.
ومن قال :ل أعمل بالحديث إل إن أخذ به إمامي ،فاته خير كثير ،كما
عليه كثير من المقلدين لئمة المذاهب ،وكان الولى لهم العمل بكل
حديث صيح بعد إمامهم ـ تنفيذا لوصية الئمة ،فإن اعتقادنا فيهم أنهم
إن عاشوا وظفروا بتلك الحاديث التي صحت بعدهم ،لخذوا بها ،
وعملوا بها ،وتركوا كل قياس كانوا قاسوه ،وكل قول كانوا قالوه.
وقد بلغنا من طرق صحيحة أن المام الشافعي أرسل يقول للمام
أحمد بن حنبل :إذا صح عندكم حديث ,فأعلمونا به لنأخذ به ونترك
كل قول قلناه قبل ذاك ،أو قاله غيرنا ،فإنكم أحفظ للحديث ،ونحن
أعلم به(.
.وقال في الرد على من زعم أن المام أبا حنيفة رضى الله عنه يقدم
القياس على الحديث ما نصه:
)ويحتمل أن الذي أضاف إلى المام أبي حنيفة أنه يقدم القياس على
النص ،ظفر بذلك في كلم مقلديه الذين يلزمون العمل بما وجدوه
عن إمامهم من القياس ويتركون الحديث الذي صح بعد موت المام .
فالمام معذور ،وأتباعه غير معذورين .وقولهم :إن إمامنا لم يأخذ بهذا
الحديث ل ينهض حجة ،لحتمال أنه لم يظفر به أو ظفر به لكن لم
يصح عنده .
وقد تقدم قول الئمة كلهم :إذا صح الحديث فهو مذهبنا .وليس لحد
معه قياس ول حجة إل طاعة الله وطاعة رسوله ،بالتسليم له(.
ـ وقال ابن عابدين الدمشقي في شرح المنظومة المسماة بعقود
رسم المفتى) :صح عن أبي حنيفة أنه قال :إذا صح الحديث فهو
مذهبي( .
ونقل فيها عن العلمة قاسم أنه قال في رسالته المسماة "رفع
الشتباه عن مسالة المياه") :لما منع علماؤنا رضى الله عنهم من كان
له أهلية النظر من محض تقليدهم على ما رواه الشيخ المام العالم
العلمة أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف قال :حدثنا أبو يوسف عن أبي
حنيفة رحمه الله تعالى أنه قال :ليس لحد أن يفتى بقولنا ما لم
يعرف من أين قولنا؟ تتبعت مآخذهم ،وحصلت منها بحمد الله تعالى
على الكثير ،ولم أقنع بتقليد ما في صحف كثير من المحدثين(.
وقال في رسالة أخرى) :وإني ولله الحمد ،لقول كما قال الطحاوي
لبن حربويه :ل يقلد إل عصي أو غبي(.
- 3يجب أن تفهم ألفاظ الحديث على طبيعتها ودللتها من غير غلو
في التأويل ،ول تقصير دون المراد.
ـ قال ابن القيم في كتاب الروح:
)ينبغي أن يفهم عن الرسول "صلى الله عليه وسلم" من غير غلو ول
تقصير ،فل يحمل كلمه مال يحتمله ،ول يقصر به عن مراده ،وما
قصده من الهدى والبيان ,وقد حصل بإهمال ذلك والعدول عنه من
الضلل عن الصواب مال يعلمه إل الله ,بل سوء الفهم عن الله
ورسوله أصل كل بدعة وضللة نشأت في السلم ،بل هو أصل كل
خطإ في الصول والفروع ،ول سيما إذا أضيف إليه سوء القصد ,
فيتفق سوء الفهم في بعض الشياء من المتبوع مع حسن قصده ،
وسوء القصد من التابع ،فيا محنة الدين وأهله ,والله المستعان ..وما
أوقع القدرية والمرجئة ،والخوارج ،والمعتزلة ،والجهمية ،والروافض
،وسائر طوائف أهل البدع إل سوء الفهم عن الله ورسوله "صلى الله
عليه وسلم" حتى صار الدين بأكثر أيدي الناس هو موجب هذه
الفهام ..والذي فهمه الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم عن الله
ورسوله فمهجور ل يلتفت إليه ،ول يرفع هؤلء به رأسا(.
لني المالكي في كتابه "إيقاظ الهمم": ف ّ
ـ وقال الشيخ علم الدين ال ُ
)نرى بعض الناس إذا وجد حديثا يوافق مذهبه ،فرح به ،وانقاد له
وسلم ,وإن وجد حديثا صحيحا سالما من النسخ والمعارض ،مؤيدا
لمذهب غير إمامه ،فتح له باب الحتمالت البعيدة ،وضرب عنه
الصفح ،والعارض ،ويلتمس لمذهب إمامه أوجها من الترجيح مع
مخالفته للصحابة والتابعين والنص الصريح ,وإن شرح كتابا من كتب
الحديث ،صرف كل حديث خالف رأيه ,وإن عجز عن ذلك كله ادعى
النسخ بل دليل ،أو الخصوصية ،أو عدم العمل به ،أو غير ذلك مما
يحفر ذهنه العليل ,وإن عجز عن ذلك كله ادعى أن إمامه اطلع على
كل مروي أو جله ،فما ترك هذا الحديث الشريف إل وقد اطلع على
طعن فيه برأيه المنيف ,فيتخذ علماء مذهبه أربابا ،ويفتح لمناقبهم
وكراماتهم أبوابا ،ويعتقد أن كل من خالف ذلك لم يوافق صوابا ،وإن
نصحه أحد من علماء السنة اتخذه عدوا ولو كانوا قبل ذلك أحبابا ,
وإن وجد كتابا من كتب إمامه المشهورة ،قد تضمن نصحه ،وذم
الرأي والتقليد ،وحّرض على اتباع الحاديث المشهورة نبذه وراء
ظهره وأعرض عن نهيه وأمره ،واعتقده حجرا محجورا.(....
- 4ومن الحكمة والكياسة في التحديث تحري المصلحة والمناسبات
في الرواية فل يحدث بكل صحيح كل أحد.
ـ روى الشيخان عن معاذ رضي الله عنه قال) :كنت ردف النبي "صلى
الله عليه وسلم" على حمار .قال" :يا معاذ ،هل تدري ماحق الله على
عباده؟ وما حق العباد على الله؟" قلت :الله ورسوله أعلم ,قال:
"فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ول يشركوا به شيئا وحق العباد
على الله أل يعذب من ل يشرك به شيئا" .قلت :يا رسول الله ،أفل
أبشر به الناس .قال" :ل تبشرهم ،فيتكلوا".(..
ـ وفي رواية لهما عن أنس) :أن النبي "صلى الله عليه وسلم" وهو
ردفه قال" :ما من أحد يشهد أن ل إله إل الله ،وأن محمدا رسول
الله صدقا من قلبه ,إل حرمه الله على النار" ,قال :يا رسول الله ,
أفل أخبر به الناس فيستبشروا .فقال" :إذن يتكلوا" ...فأخبر بها معاذ
عند موته تأثما(
ـ وروى البخاري تعليقا عن علي رضي الله عنه قال) :حدثوا الناس بما
تعرفون ,أتحبون أن يكذب الله ورسوله(.
ـ وروى مسلم عن ابن مسعود قال) :ما أنت محدث قوما حديثا ل
تبلغه عقولهم كان لبعضهم فتنة(.
ـ وقال الحافظ ابن حجر) :وممن كره التحديث ببعض دون بعض :
أحمد في الحاديث التي ظاهرها الخروج على المير ,ومالك في
أحاديث الصفات ,وأبو يوسف في الغرائب..
ومن قبلهم أبو هريرة ,كما روي عن في الجرابين ...وأن المراد ما
يقع من الفتن ونحوه عن حذيفة.
وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجاج بقصه العرنيين ,لنه
اتخذها وسيلة إلى ما كان يتعمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله
الواهي(.
وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة ,وظاهره في
الصل غير مراد فالمساك عنه عند من يخشى عليه الخذ بظاهره
مطلوب.
وصلى الله علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
حسـن البنــا
المناجاة
َ
ب َلـك ُ ْ
م(... ج ْ
ســـت َ ِ
دعــوِنى أ ْ ل َرب ّك ُ ُ
ما ْ ) وََقـا َ
مـقدمـة
حيـم ِ
ن الّر ِ
مـ ِ
ح َ
سـم ِ اللهِ الّر ْ
بِ ْ
الحمد لله رب العالمين ،والصلة والسلم على سيدنا محمد إمام
المتقين ،وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم
الدين ..وبعد:
فلما كان من أوراد الخوان المسلمين أن يجتمعوا ليلة في السبوع
على تعارف وإخاء وذكر ودعاء ،أحببت أن أتقدم إليهم بهذه المذكرة
الموجزة في فضل القيام والدعاء والستغفار وما ينحو هذا المنحي..
وفى بعض أدعية مأثورة مختارة لعل فيها تذكرة بالداب المسنونة
وإرشادا إلى الكيفيات المطلوبة ،ولم أقصد بذلك الستيعاب
والحصر ،وإنما قصدت التذكير والتمثيل ،وما بين العبد وموله أدق
من أن يحصر في كتاب ,والله أسأل لي لهم كمال الخلص وحسن
الهداية والتوفيق وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
وسلم.
فضل قيام الليل ووقت السحر
يا أخي :لعل أطيب أوقات المناجاة أن تخلو بربك والناس نيام
والخليون هجع ،وقد سكن الكون كله وأرخى الليل سدوله وغابت
نجومه ،فتستحضر قلبك وتتذكر ربك وتتمثل ضعفك وعظمة مولك ،
فتأنس بحضرته ويطمئن قلبك بذكره وتفرح بفضله ورحمته ،وتبكى
من خشيته وتشعر بمراقبته ،وتلح في الدعاء وتجتهد في الستغفار ،
وتفضي بحوائجك لمن ل يعجزه شيء ،ول يشغله شيء عن شيء ،
إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ،وتسأله لدنياك
وآخرتك وجهادك ودعوتك وآمالك وأمانيك ووطنك وعشيرتك ونفسك
وإخوتك ،وما النصر إل من عند الله العزيز الحكيم.
ولهذا يا أخي وردت اليات الكثيرة والحاديث المتواترة في فضل
هذه الساعات وتزكية تلك الوقات وندب الصالحين من العباد إلى أن
يغتنموا منها ثواب الطاعات ،ولهذا يا أخي حرص السلف الصالحون
على أل يفوتهم هذا الفضل العظيم فهم في هذه الوقات تائبون
عابدون حامدون ذاكرون راكعون ساجدون يبتغون فضل من الله
ورضوانا ويزدادون يقينا وإيمانا ويسألون الله من فضله وهو أكرم
مسئول وأفضل مأمول.
فمن اليات القرآنية قوله تعالى:
ُ ن أ َهْ
مل وَهُ ْت اللهِ آَناَء الل ّي ْ ِْ
ة ي َت ُْلو َ
ن آَيا ِ ة َقائ ِ َ
م ٌ م ٌ
بأ ّ ِ ل ال ْك َِتاِ م ْـ ) ِ
ن ْ ْ ن ,ي ُؤْ ِ
ن عَ ِ
ف وَي َن ْهَوْ َ
معُْرو ِ ن ِبال َ
مُرو َخرِ وَي َأ ُن ِباللهِ َوالي َوْم ِ ال ِ مُنو َ دو َ ج ُس ُ
يَ ْ
فعَُلوا ما ي َ ْ ن ,وَ َ حي َ صال ِ ِ ن ال ّ م َ ك ِ ت وَُأول َئ ِ َ خي َْرا ِ ن ِفي ال ْ َ عو َ سارِ ُ من ْك َرِ وَي ُ َ ال ْ ُ
ن( )آل عمران. (115-113: قي َ مت ّ ِ م ِبال ْ ُ ه عَِلي ٌ فُروهُ َوالل ُ ن ي ُك ْ َ خي ْرٍ فَل َ ْ ن َ م ْ ِ
ن ِفيَها َ ّ
دي َ خال ِ ِ حت َِها الن َْهاُر َ ن تَ ْ م ْ ري ِ ج ِ ت تَ ْ جّنا ٌ م َ عن ْد َ َرب ّهِ ْ وا ِ ق ْ ن ات ّ َ ذي َ ـ )ل ِل ِ
ن ُ ّ ْ َ َ
قولو َ ن يَ ُ ذي َ صيٌر ِبالعَِبادِ ,ال ِ ه بَ ِ ن اللهِ َوالل ُ م َ ن ِ وا ٌ ض َ مطهَّرةٌ وَرِ ْ ج ُ وَأْزَوا ٌ
نصادِِقي َ ن َوال ّ ري َ صاب ِ ِ ب الّنارِ ,ال ّ ذا َ فْر ل ََنا ذ ُُنوب ََنا وَقَِنا عَ َ مّنا َفاغْ ِ َرب َّنا إ ِن َّنا آ َ
حاِر( )آل عمران. (17-15: س َ َ ْ ْ َوال ْ َ
ن ِبال ْ ري َ ف ِ ست َغْ ِ م ْ ن َوال ُ قي َ ف ِ من ْ ِ ن َوال ُ قان ِِتي َ
ن ال ْ َ َ
ن
جرِ إ ِ ّ ف ْ ل وَقُْرآ َ ق الل ّي ْ ِ ِ س إ َِلى غَ َ
س ِ م
ش ْ ك ال ّ صلةَ ل ِد ُُلو ِ ـ )أقِم ِ ال ّ
َ ة لَ َ جد ْ ب ِهِ َنافِل َ ً
ن
سى أ ْ ك عَ َ ل فَت َهَ ّ ن الل ّي ْ ِ م َ شُهودا ً ,وَ ِ م ْ ن َ كا َ جرِ َ ف ْ ن ال ْ َ قُْرآ َ
مودا ً( )السراء. (79-78: ح ُ م ْ قاما ً َ م َ ك َ ك َرب ّ َ ي َب ْعَث َ َ
َ
خاط َب َهُ ُ
م ذا َ ونا ً وَإ ِ َ ض هَ ْ ن عَلى الْر ِ
شو َ َ م ُ ن يَ ْ ذي َ ن ال ّ ِ م ِ ح َ عَباد ُ الّر ْ ـ )و َ ِ
جدا ً وَقَِياما ً( )الفرقان: س ّ م ُ ن ل َِرب ّهِ ْ ن ي َِبيُتو َ ذي َ سلما ً َ ,وال ّ ِ ن َقاُلوا َ جاهُِلو َ ال ْ َ
. (64-63
مدِ ح ْ حوا ب ِ َ سب ّ ُ جدا وَ َ ً س ّ خّروا ُ ذا ذ ُكُروا ب َِها َ ّ ن إِ َ ذي َ ّ
ن ِبآيات َِنا ال ِ م ُ ما ي ُؤْ ِ ـ )إ ِن ّ َ
م ن َرب ّهُ ْ عو َ جِع ي َد ْ ُ ضا ِ م َ ن ال َ ْ جاَفى ُ ْ
ُ م عَ ِ جُنوب ُهُ ْ ن ,ت َت َ َ ست َكب ُِرو َ م ل يَ ْ م وَهُ ْ َرب ّهِ ْ
نم ْ م ِ ي لهُ ْ َ ف َ خ ِ ما أ ْ س َ ف ٌ م نَ ْ َ
ن َ ,فل ت َعْل ُ قو َ ف ُ م ي ُن ْ ِ ما َرَزقَْناهُ ْ م ّ معا وَ ِ ً وفا وَط َ َ ً خ ْ َ
ُ َ َ
ن( )السجدة. (17-15: ملو َ ما كاُنوا ي َعْ َ جَزاًء ب ِ َ ن َ قُّر َةِ أعْي ُ ٍ
ة
م َ ح َ جو َر ْ خَرةَ وَي َْر ُ حذ َُر ال ِ جدا وََقاِئما ي َ ْ ً ً سا ِ ل َ ت آَناَء اللي ْ ِ ّ ن هُوَ َقان ِ ٌ م ْ ـ )أ ّ
ما ي َت َذ َك ُّر ُأولوُ ن إ ِن ّ َ مو َ ن ل ي َعْل َُ ذي َ ّ
ن َوال ِ مو َ ن ي َعْل ُ َ ذي َ وي ال ِّ ست َ ِ ل يَ ْ ل هَ ْ َرب ّهِ قُ ْ
ال َل َْبابِ( )الزمر. (9:
كاُنوا م َ م إ ِن ّهُ ْ م َرب ّهُ ْ ما آَتاهُ ْ ن َ ذي َ خ ِ ن,آ ِ ت وَعُُيو ٍ جّنا ٍ ن ِفي َ قي َ مت ّ ِ ن ال ْ ُ ـ )إ ِ ّ
َ
محارِ هُ ْ س َ ن ,وَِبال ْ جُعو َ ما ي َهْ َ ل َ ن الل ّي ْ ِ م َ كاُنوا قَِليل ً ِ نَ , سِني َ ح ِ م ْ ك ُ ل ذ َل ِ َ قَب ْ َ
ن( )الذريات. (18-15: فُرو َ ست َغْ ِ يَ ْ
ن مدِ َرب ّ َ َ ك فَإ ِن ّ َ حك ْم ِ َرب ّ َ
م َ م ,وَ ِ قو ُ ن تَ ُ حي َ ك ِ ح ْ ح بِ َ سب ّ ْ ك ب ِأعْي ُن َِنا وَ َ صب ِْر ل ِ ُ ـ )َوا ْ
جوم ِ( )الطور. (49-48: ه وَإ ِد َْباَر الن ّ ُ ح ُ سب ّ ْ ل فَ َ الل ّي ْ ِ
قص منه قَِليل ً ,أوَ َ ل ,قُم ِ الل ّي ْ َ َ
ْ ه أ و ِ ان ْ ُ ْ ِ ْ ُ ف ُ ص َ ل ِإل قَِليل ً ,ن ِ ْ م ُ مّز ّ ـ )َيا أي َّها ال ْ ُ
ل ال ْ ُ َ
ن ت َْرِتيل ً ,إ ِّنا قْرآ َ ن ت َْرِتيل ً ,أوْ زِد ْ عَل َي ْهِ وََرت ّ ِ قْرآ َ ل ال ْ ُ زِد ْ عَل َي ْهِ وََرت ّ ِ
َ َ
م ِقيل ً( طئا ً وَأقْوَ ُ شد ّ وَ ْ يأ َ ل هِ َ ة الل ّي ْ ِ شئ َ َ ن َنا ِ قيل ً ,إ ِ ّ ك قَوْل ً ث َ ِ قي عَل َي ْ َ سن ُل ْ ِ َ
)المزمل. (6-1:
َ ُ ّ ُ َ َ
ةف ٌ ه وَطائ ِ َ ه وَث ُلث َ ُ ف ُ ص َ ل وَن ِ ْ ي اللي ْ ِ ن ث ُلث َ ِ م ْ م أد َْنى ِ قو ُ م أن ّك ت َ ُ َ ك ي َعْل َ ُ ن َرب ّ َ ـ )إ ِ ّ
َ َ ّ َ ّ
صوهُ فََتا َ
ب ح ُ ن تُ ْ نل ْ مأ ْ ل َوالن َّهاَر عَل ِ َ قد ُّر اللي ْ َ ه يُ َ معَك َوالل ُ ن َ ذي َ ن ال ِ م َ ِ
ْ ُ ُ َ
ن( )المزمل. (20: قْرآ ِ ن ال ُ م َ سَر ِ ما ت َي َ ّ م َفاقَْرأوا َ عَلي ْك ْ
م
من ْهُ ْ ك َول ت ُط ِعْ ِ حك ْم ِ َرب ّ َ صب ِْر ل ِ ُ زيل ً َ ,فا ْ ن ت َن ْ ِ قْرآ َ ك ال ُ ْ ن ن َّزلَنا عَلي ْ َ َ ْ ح ُ ـ )إ ِّنا ن َ ْ
هَ ّ َ ً آِثما ً أ َوْ ك َ ُ
جد ْ ل ُ س ُ ل َفا ْ ن اللي ْ ِ م َ صيل ً ,وَ ِ ك ب ُك َْرةً وَأ ِ م َرب ّ َ س َ فورا َ ,واذ ْك ُرِ ا ْ
ويل ً( )النسان. (26-23: ه ل َي ْل ً ط َ ِ ح ُ سب ّ ْ وَ َ
ومن الحاديث الشريفة:
ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله "صلى الله عليه
وسلم" قال) :ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين
يبقى ثلث الليل الخر فيقول :من يدعوني فأستجيب له من يسألني
فأعطيه من يستغفرني فأغفر له( .رواه البخاري ومالك ومسلم
والترمذي وغيرهم.
وفي رواية مسلم) :أن الله يمهل حتى إذا ذهب الثلث الول من
الليل نزل إلى سماء الدنيا فيقول أنا الملك فمن الذي يدعوني(.
ـ وعن عمرو بن عنبسة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله "صلى
الله عليه وسلم" يقول) :أقرب ما يكون الرب عز وجل من العبد في
جوف الليل ،فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة
فكن( رواه أبو داود والترمذي واللفظ له وقال حديث حسن صحيح
والحاكم على شرط مسلم.
ـ عن أبي أمامة قال :قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟ ..قال
)جوف الليل الخير ودبر الصلوات( رواه الترمذي وقال حديث حسن
صحيح.
ـ عن بلل رضي الله عنه قال :قال رسول الله "صلى الله عليه
وسلم") :عليكم بقيام الليل ،فإنه دأب الصالحين قبلكم ,وقربة إلى
الله تعالى ,ومنهاة عن الثم ،وتكفير للسيئات ،ومطردة للداء عن
الجسد( .أخرجه الترمذي.
ـ وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال :قام النبي صلى الله
غفر لك ما تقدم من عليه وسلم حتى تورمت قدماه فقيل له :قد ُ
ذنبك وما تأخر ..قال) :أفل أكون عبدا شكورا( .أخرجه الخمسة إل أبا
داود.
ـ عن عائشة رضي الله عنها قالت) :كان رسول الله "صلى الله عليه
وسلم" ل يدع قيام الليل ،وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعدا(.
أخرجه أبو داود.
ـ وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال :ذكر عند النبي صلى الله
عليه وسلم رجل ،فقيل :ما زال نائما حتى أصبح ،ما قام إلى
الصلة ،فقال) :ذلك رجل بال الشيطان في أذنه(.أخرجه الشيخان
والنسائي.
ـ وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال) :نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي بالليل( ,فكان يداوم
بعده على قيام الليل ..قال نافع موله) :كان يصلي بالليل فيقول يا
نافع أسحرنا؟ فأقول ل ,ثم يقول يا نافع أسحرنا؟ فأقول نعم فيقعد
ويستغفر الله تعالى حتى يطلع الفجر( ..أسحرنا :دخلنا في وقت
السحر والظاهر أن ذلك بعد أن كبر وكف بصره رضي الله عنه.
ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال) :أفضل الصلة بعد المكتوبة
قيام الليل( .رواه مسلم.
ـ وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال رسول الله
"صلى الله عليه وسلم") :من قام بعشر آيات لم يكتب من
الغافلين ،ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ،ومن قام بألف آية
كتب من المقنطرين( رواه ابو داود.
وله في رواية أخرى عن عبد الله بن حبيش قال سئل رسول الله
صلى الله عليه وسلم أي العمال افضل؟ ..قال) :طول القيام(.
ـ وعن عائشة رضي الله عنها) :كانت صلة رسول الله صلى الله
عليه وسلم من الليل عشر ركعات ويوتر بسجدة ويركع بركعتي
الفجر فتلك ثلث عشرة ركعة( ..أخرجه الستة وهذا لفظ مسلم.
ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم) :إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلته بركعتين
خفيفتين( أخرجه مسلم وأبو داود وزاد أبو داود) :ثم ليطول بعد ذلك
ما شاء(.
وما روي أن عمر رضى الله عنه كان يمر بالية من ورده بالليل
فيتأثر بها ،ويحسب في المرضى . .
ـ وأن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان إذا هدأت العيون ،قام
فيسمع له بالقرآن دوي كدوي النحل ...وكان ذلك دأب الصحابة
جميعا رضوان الله عليهم . . .وسئل الحسن :ما بال المتهجدين من
أحسن الناس وجوها؟ قال لنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نورا من
نوره.
ل كثيرة فلم ت في منزل الشافعي رضي الله عنه ليا ٍ ـ وقال الربيع :ب ّ
يكن ينام من الليل إل يسيرا وكان ذلك دأب الئمة رضوان الله
م َ
عليهم كذلك ...وتل مالك بن دينار في ورده قول الله تعالى) :أ ْ
مُلوا َ
مُنوا وَعَ ِ
نآ َ كال ّ ِ
ذي َ م َ جعَل َهُ ْ
ن نَ ْ
تأ ْ سي َّئا ِ
حوا ال ّ جت ََر ُ
نا ْ ب ال ّ ِ
ذي َ س َ ح َِ
ن( )الجاثـية، (21: مو َحك ُ ُما ي َ ْساَء َ م َ مات ُهُ ْ
م َ
م وَ َ حَياهُ ْ
م ْواًء َ س َ
ت َ حا ِ صال ِ َال ّ
فأخذ يرددها حتى أصبح ...وقال المغيرة بن حبيب رافقت مالك بن
دينار ليلة فقام إلى الصلة فقبض على لحيته فخنقته العبرة فجعل
يقول :اللهم حّرم شيبة مالك على النار ،إلـهي قد علمت ساكن
الجنة من ساكن النار فأي الرجلين مالك وأي الدارين دار مالك؟ فلم
يزل ذلك قوله حتى طلع الفجر.
ـ ورئي الجنيد بعد موته فقيل له ما فعل الله بك يا أبا القاسم؟
فقال) :بليت الرسوم ،وغابت العلوم ،وانمحت العبارات ،وطاحت
الشارات وما نفعنا إل ركيعات ،كنا نركعها في جوف الليل(.
ـ ومن وصايا لقمان لبنه) :يا بني ..ل يكونن الديك أكيس منك ،
ينادى بالسحار وأنت نائم(.
ـ ولقد كانوا رضوان الله عليهم يجدون في كثرة القيام وحلوة
المناجاة أنسا وراحة تنسيهم عناء الجسام وتعب القدام ...قال أبو
سليمان الداراني رضي الله عنه) :أهل الليل في ليلهم أروح من أهل
اللهو في لهوهم ولول قيام الليل ما أحببت البقاء في الدنيا ،ولو
عوض الله أهل الليل من ثواب أعمالهم ما يجدون من اللذة لكان
ذلك أكثر من هذه العمال( .....
ـ وقال بعضهم) :ليس في الدنيا وقت يشبه نعيم الخرة إل ما يجده
أهل القيام في قلوبهم من حلوة المناجاة( ...وقال محمد بن
المنكدر رضى الله عنه) :ما بقي من لذات الدنيا إل ثلث :قيام الليل
ولقاء الخوان والصلة في الجماعة( ...وقال بعض الصالحين) :منذ
أربعين سنة ما أحزنني شيء إل طلوع الفجر( ...وقال بعضهم) :إن
الله تعالى ينظر بالسحار إلى قلوب المتيقظين فيملؤها نورا فترد
الفوائد على قلوبهم ثم تنتشر منها إلى قلوب الغافلين(.
ي كرم الله وجهه للمتقين) :أما الليل فصافون ـ ومن وصف عل ّ
أقدامهم تالون لجزاء القرآن يرتلونه ترتيل ،يحزنون به أنفسهم
ويستثيرون دواء دائهم ،إذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا
وتطلعت نفوسهم إليها شوقا ً وظنوا أنها نصب أعينهم ،وإذا مروا بآية
فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وظنوا أن زفير جهنم
وشهيقها في أصول آذانهم فهم حانون على أوساطهم مفترشون
لجباههم وأكفهم وأطراف أقدامهم ل يرضون من أعمالهم القليل ول
يستكثرون الكثير فهم لنفسهم متهمون ومن أعمالهم مشفقون(.
ـ قال ابن الحاج في المدخل) :وفى قيام الليل من الفوائد جملة-:
فمنها أنه يحط الذنوب كما يحط الريح العاصف الورق اليابس من
الشجرة ..ومنها أنه ينور القلب ..ومنها أنه يحسن الوجه ..ومنها أنه
يذهب الكسل وينشط البدن ..ومنها أن موضعه تراه الملئكة من
السماء يتراءى مثل الكوكب الدري لهل الرض ،ونفحة من نفحات
القيام من الليل تعود على صاحبها بالبركات والنوار والتحف التي
يعجز عنها الوصف ,قال صلى الله عليه وسلم "إن لله نفحات
فتعرضوا لنفحات الله"(.
كذلك كانوا -أيها الخ -فاسلك سبيلهم وانهج نهجهم أولئك الذين هدى الله
ممهفبهداهم اقتده ،ول تجعل قيامك قاصرا على ليلة الجتماع بإخوانك بل ع ّ
في جميع لياليك ما استطعت ،فإن أحب العمال إلى الله أدومها وإن قل ,
واعلم أنه مما يعينك على قيام الليل ،إخلص النية واستحضار العزيمة وتجديد
التوبة والبعد بالنهار عن المعصية والتبكير بالنوم والقيلولة إن استطعت ,
واستعن الله يعنك وتقرب إليه يقربك واسأله من فضله يعطك.
فضـل الدعـاء والسـتغفار
قد وردت اليات والحاديث بفضل الستغفار والدعاء ونحن نذكرك بطرف من
ذلك:
فأما اليات الكريمة فمنها قول الله تعالى:
جيُبوا ِلي ست َ ِ ن فَل ْي َ ْ عا ِ ذا د َ َ داِع إ ِ َ ب د َع ْوَة َ ال ّ جي ُ بأ ِ
ُ
ري ٌ عَباِدي ع َّني فَإ ِّني قَ ِ ك ِ سأ َل َ َ ذا َ ـ )وَإ ِ َ
ن( )البقرة. (186: دو َ ش ُ م ي َْر ُ ّ
مُنوا ِبي لعَلهُ ْ َ وَل ْي ُؤ ْ ِ
مفُروا ل ِذ ُُنوب ِهِ ْ ست َغْ َ ه َفا ْ م ذ َك َُروا الل َ سهُ ْ ف َ موا أ َن ْ ُ ة أوْ ظ َل َ ُ
ش ً َ ح َ ذا فَعَُلوا َفا ِ ن إِ َ ذي َ ـ )َوال ّ ِ
ُ
ن ,أول َئ ِ َ
ك مو َ م ي َعْل َ ُ ما فَعَُلوا وَهُ ْ صّروا ع ََلى َ م يُ ِ ه وَل َ ْ ب ِإل الل ُ فُر الذ ُّنو َ ن ي َغْ ِ م ْ وَ َ
َ َ
جُر مأ ْ ن ِفيَها وَن ِعْ َ دي َ خال ِ ِ حت َِها الن َْهاُر َ ن تَ ْ م ْ ري ِ ج ِ ت تَ ْ جّنا ٌ م وَ َ ن َرب ّهِ ْ م ْ فَرة ٌ ِ مغ ْ ِ م َ جَزاؤ ُهُ ْ َ
ن( )آل عمران. (136-135 : َ لي ِ م
ِ عا َ ْ ل ا
يٍء ع َِليما ً( )النساء. (32: ـ )وا َ
ش ْ ل َ ن ب ِك ُ ّ كا َ ه َ ن الل َ ضل ِهِ إ ِ ّ ن فَ ْ م ْ ه ِ سأُلوا الل َ َ ْ
حيما ً( فورا ً َر ِ َ
ه غَ ُ جد ِ الل َ ه يَ ِ ست َغْفِرِ الل َ م يَ ْ ه ثُ ّ س ُ ف َ م نَ ْ سوءا ً أوْ ي َظ ْل ِ ْ ل ُ م ْ ن ي َعْ َ م ْ ـ )وَ َ
)النساء.(110 :
َ
ض ب َعْد َ دوا ِفي الْر ِ س ُ ف ِ ن َ ,ول ت ُ ْ دي َ معْت َ ِ ب ال ْ ُ ح ّ ه ل يُ ِ ة إ ِن ّ ُ في َ ً خ ْ ضّرعا ً وَ ُ م تَ َ عوا َرب ّك ُ ْ ـ )اد ْ ُ
ن( )لعراف: َ ني ِ س
ِ حْ م
ُ ْ ل ا ن
َ م
ِ بٌ ريِ َ ق ِ ه الل ت
ِ َ َ َ م ح
ْ ر ن
ّ إ ً ا مع َ َ َ ط و ً ا وفُ ْ خ َ ه عو ُ ْ د واح َ َ ها صل ِ إِ ْ
. (56-55
ما َ َ ما َ
ن( فُرو َ ست َغْ ِ م يَ ْ م وَهُ ْ معَذ ّب َهُ ْ ه ُ ن الل ُ كا َ م وَ َ ت ِفيهِ ْ م وَأن ْ َ ه ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ ن الل ُ كا َ ـ )و َ َ
)لنفال. (33:
ش(ذو ال ْعَْر ِ ت ُ جا ِ ن َ ,رِفيعُ الد َّر َ كافُِرو َ ن وَل َوْ ك َرِه َ ال ْ َ دي َ ه ال ّ ن لَ ُ صي َ خل ِ ِ م ْ ه ُ عوا الل َ ـ )َفاد ْ ُ
)غافر.(15-14:
َ
خُلو َ
ن سي َد ْ ُ عَباد َِتي َ ن ِ ن عَ ْ ست َك ْب ُِرو َ ن يَ ْ ذي َ ن ال ّ ِ م إِ ّ ب ل َك ُ ْ ج ْ ست َ ِ عوِني أ ْ م اد ْ ُ ل َرب ّك ُ ُ ـ )وََقا َ
ن( )غافر. (60: ري َ خ ِ دا ِ م َ جهَن ّ َ َ
ـ )َفاع ْل َ َ
ه ي َعْل َ ُ
م ت َوالل ُ مَنا ِ مؤ ْ ِ ن َوال ْ ُ مِني َ مؤ ْ ِ ك وَل ِل ْ ُ فْر ل ِذ َن ْب ِ َ ست َغْ ِ ه َوا ْ ه ِإل الل ُ ه ل إ ِل َ َ م أن ّ ُ ْ
م( )محمد. (19: واك ُ ْ مث ْ َ م وَ َ قل ّب َك ُ ْ مت َ َ ُ
مد ِد ْك ُ ْ
م مد َْرارا ً ,وَي ُ ْ م ِ ماَء ع َل َي ْك ُ ْ س َ ل ال ّ س ِ فارا ً ,ي ُْر ِ ن غَ ّ كا َ ه َ م إ ِن ّ ُ ست َغْفُِروا َرب ّك ُ ْ تا ْ قل ْ ُ ـ )فَ ُ
م أن َْهارا ً( )نوح. (12: َ َ
ل ل َك ُ ْ جع َ ْ ت وَي َ ْ جّنا ٍ م َ ل ل َك ُ ْ جع َ ْ ن وَي َ ْ ل وَب َِني َ وا ٍ م َ ب ِأ ْ
وابا ً( )النصر. (3: ن تَ ّ كا َ ه َ ست َغْفِْره ُ إ ِن ّ ُ ك َوا ْ مد ِ َرب ّ َ ح ْ ح بِ َ سب ّ ْ ـ )ف َ َ
ومن الحاديث الشريفة:
ـ عن ابن عمر رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم) :من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة ،وما
سئل الله تعالى شيئا أحب إليه من أن يسأل العافية ،وإن الدعاء
ينفع مما نزل ومما لم ينزل ،ول يرد القضاء إل الدعاء ,فعليكم عباد
الله بالدعاء( .رواه الترمذي.
ّ
صلى سول اللهِ َ ه قال :قال َر ُ
عن ُ
ه َ
ضي الل ُ
ـ وعن عبادة بن الصامت َر ِ
سّلم) :ما على الرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إل ه عََليهِ وَ َ
الل ُ
آتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ،ما لم يدع بإثم أو
قطيعة رحم( رواه الترمذي.
ـ وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله
عوِنى م اد ْ ُل َرب ّك ُ ُ عليه وسلم قال) :الدعاء هو العبادة ثم قرأ }وََقا َ
َ
م ( {..أخرجه أبو داود. ب ل َك ُ ْ
ج ْست َ ِأ ْ
ه عََلي ِ
ه صّلى الل ُ سول اللهِ َ ه قال :قال َر ُ
عن ُ
ه َ ضي الل ُـ وعن أنس َر ِ
سّلم) :ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأل شسع نعله إذا وَ َ
نقطع ( أخرجه الترمذي.
وفي رواية عن ثابت البناني مرسل) :حتى يسأله الملح و شسع نعله
إذا نقطع(.
ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال) :من لم يسأل الله يغضب عليه( واه الترمذي.
ـ عن ابن مسعود رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم) :سلوا الله تعالى من فضله فإن الله يحب أن ُيسأل
وأفضل العبادة انتظار الفرج( .رواه الترمذي.
ـ عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم) :ما من عبد مسلم يدعو لخيه بظهر الغيب إل قال
الملك ولك بمثل( أخرج مسلم و أبو داود وزاد )إل قالت الملئكة
آمين ولك بمثل(.
ـ عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم) :ما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم سبعين
مرة( أخرجه أبو داود والترمذي.
ـ عن آخر رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم) :إنه ليغان عل قلبي حتى استغفر الله في اليوم مائة مرة(
أخرجه مسلم وأبو داود.
ـ وفي رواية لمسلم) :توبوا إلى ربكم فوالله إني لتوب في اليوم
مائة مرة(.
ـ وللبخاري والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) :والله إني لستغفر الله
وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة(.
ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال) :إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء
فإن هو جزع واستغفر وتاب صقل قلبه ،وإن عاد زيد فيها حتى تعلو
ن عََلى قُُلوب ِهِ ْ
م ل َرا َ على قلبه ،وهو الران الذي ذكر الله تعالىَ ) :
كل ب َ ْ
ن{( أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح والنسائي كاُنوا ي َك ْ ِ
سُبو َ ما َ َ
وغيرهما.
آداب الدعـاء
ومن آداب الدعاء ما جاءت به اليات الكريمة من التضرع والخشية والسكون
وحسن الدب مع الحق تبارك وتعالى ،وقد أشارت إلى ذلك الحاديث الصحيحة
فمن هذه الداب:
ـ رفع بطن اليدين حين الدعاء ...فعن ابن عباس رضى الله عنهما قال :قال
رسول الله "صلى الله عليه وسلم" )ل تستروا الجدر ومن نظر في كتاب أخيه
بغير إذنه فإنما ينظر في النار سلوا الله ببطون أكفكم ول تسألوه بظهورها
فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم( أخرجه أبو داود.
ـ وحضور القلب وتيقن الجابة ...فعن أبي هريرة رضي الله عنه
قال :قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" )ادعوا الله وأنتم
موقنون بالجابة واعلموا أن الله تعالى ل يستجيب دعاء من قلب
غافل له( رواه الترمذي.
ـ واستفتاح الدعاء بحمد الله والثناء عليه والصلة والسلم على رسول الله وأن
تتخلله الصلة والسلم على رسول الله ويختم بها كذلك ...فعن فضالة بن أبي
عبيد رضي الله عنه قال :سمع رسول الله "صلى الله عليه وسلم" رجل يدعو
ج َ
ل هذا( ثم دعاه فقال) :إذا صلى في صلته ولم يصل على النبي فقال) :ع َ ِ
أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبي ثم ليدع بعد بما شاء(
أخرجه أصحاب السنن.
ـ وعن عمر رضي الله عنه قال :قال رسول الله "صلى الله عليه
وسلم" )الدعاء موقوف بين السماء والرض ل يصعد حتى يصلى
علي فل تجعلوني كقدح الراكب صلوا علي أول الدعاء ووسطه
وآخره( أخرجه الترمذي موقوفا على عمر ورفعه رزين.
ـ ومنها أنه يختم دعاءه بآمين ...فعن أبي مصبح القرائي عن أبي
زهير النميري رضي الله عنه قال) :خرجنا مع النبي ذات ليلة فأتينا
على رجل قد ألح في المسألة فوقف رسول الله يسمع منه فقال:
"أوجب إن ختم" فقيل بأي شيء يختم يا رسول الله قال" :بآمين" ,
وانصرف فقيل للرجل يا فلن ,قل آمين ،وأبشر( رواه أبو داود.
ـ ومنها الهدوء وعدم رفع الصوت بالدعاء ....فعن أبي موسى رضي
الله عنه قال كنا في سفر فجعل الناس يجأرون بالتكبير ,فقال
النبي "صلى الله عليه وسلم") :أيها الناس أرفقوا على أنفسكم
فإنكم ل تدعون أصم ول غائبا إنكم تدعون سميعا بصيرا وهو معكم ،
والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته( رواه الخمسة إل
النسائي.
ـ ومنها أن يختار جوامع الكلم أي الدعوات الجامعات للخير ...فعن
عائشة رضي الله عنها قالت) :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يستحب الجوامع من الدعاء ،ويدع ما سوى ذلك(.
ـ ومنها التكرير ثلثا في الدعاء والستغفار ...فعن ابن مسعود رضي الله عنه
قال) :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه أن يدعو ثلثا ويستغفر ثلثا(.
وقد ورد أنه أمرهم في بعض الحوال أن يستغفروا سبعين مرة.
ـ ومنها أل يتعجل الجابة ...فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال :قال
رسول الله "صلى الله عليه وسلم") :يستجاب لحدكم ما لم يعجل ,
يقول قد دعوت ربى فلم يستجب لي( أخرجه الستة إل النسائي.
ـ ومنها أن ل يدعو على نفسه ول على ولده ول على ماله بسوء ...
فعن جابر رضي الله عنه قال :قال رسول الله "صلى الله عليه
وسلم") :ل تدعوا على أنفسكم ول تدعوا على أولدكم ول تدعوا
على خدمكم ول تدعوا على أموالكم ل توافق من الله ساعة نيل
فيها عطاء فيستجيب لكم( رواه أبو داود.
ـ ومنها أن يبدأ بنفسه إذا دعا لغيره ...فعن أبي بن كعب رضي الله
عنه قال) :كان النبي إذا دعا لحد بدأ بنفسه( رواه الترمذي.
أوقات الدعاء
ومن الوقات التي ترجى فيها إجابة الدعاء:
ـ بين الذان والقامة ...فعن أنس رضي الله عنه قال :قال رسول
الله "صلى الله عليه وسلم") :ل يرد الدعاء بين الذان والقامة( ,
قيل ماذا نقول يا رسول الله؟ قال) :سلوا الله العافية في الدنيا
والخرة( .أخرجه أبو داود والترمذي.
ـ وفي السجود ...ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن
رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال) :أقرب ما يكون العبد من
ربه وهو ساجد ،فأكثروا الدعاء( أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي.
ـ وفى السفر والمظلمة ...فعنه أيضا أن رسول الله "صلى الله
عليه وسلم" قال) :ثلث دعوات مستجابات ل شك في إجابتهن:
دعوة المظلوم ,ودعوة المسافر ،ودعوة الوالد على ولده( أخرجه
أبو داود والترمذي.
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال :قال رسول الله "صلى
الله عليه وسلم") :ما من دعوة أسرع إجابة من دعوة غائب لغائب(
رواه الترمذي وأبو داود أيضا.
ـ عند النداء والصف وتحت المطر ...فعن سعد رضي الله عنه قال:
قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم") :ثنتان ل تردان الدعاء :عند
النداء ،وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضا( أخرجه مالك وأبو داود ,
وزاد في رواية )تحت المطر(.
فاجتهد -يا أخي -أن تلح في الدعاء ،وأن تكثر في الستغفار في
كل وقت وبخاصة في هذه الوقات ،وفي جوف الليل ..ووقت
السحر فلعلك تصادف ساعة من رضوان الله وفيض نفحاته ،فتكون
من المفلحين في الدنيا والخرة.
نماذج من الدعوات
من القرآن الكريم:
ب الّناِر( )البقرة. (201: ذا َ ة وَقَِنا ع َ َ سن َ ً
ح َ خَرةِ َ ة وَِفي ال ِ سن َ ًح َ ـ )َرب َّنا آت َِنا ِفي الد ّن َْيا َ
ْ
ه ع ََلى مل ْت َ ُ
ح َ
ما َ صرا ً ك َ َ ل ع َل َي َْنا إ ِ ْم ْح ِ خط َأَنا َرب َّنا َول ت َ ْ سيَنا أ َوْ أ َ ْ ن نَ ِ خذ َْنا إ ِ ْ ـ )َرب َّنا ل ت ُ َ
ؤا ِ
َ َ َ َ ْ
تمَنا أن ْ َ
ح ْ فْر لَنا َواْر َ ْ
ف ع َّنا َواغ ِ ة لَنا ب ِهِ َواع ْ ُ ما ل طاقَ َ ملَنا َ ح ّ ن قَب ْل َِنا َرب َّنا َول ت ُ َ م ْ ن ِ ال ّ ِ
ذي َ
ن( )البقرة.(286: ري َ
كافِ ِ قوْم ِ ال ْ َ صْرَنا ع ََلى ال ْ َ ولَنا َفان ْ ُ م َْ
ت ال ْوَ ّ َ ن ل َد ُن ْ َ
ب( )آل ها ُ ك أن ْ َ ة إ ِن ّ َم ً
ح َ ك َر ْ ب ل ََنا ِ
م ْ ـ )َرب َّنا ل ت ُزِغ ْ قُُلوب ََنا ب َعْد َ إ ِذ ْ هَد َي ْت ََنا وَهَ ْ
عمران. (8:
صْرَنا ع ََلى ال ْ َ َ َ
قوْم ِ مَنا َوان ْ ُ دا َ ت أقْ َ مرَِنا وَث َب ّ ْ سَرافََنا ِفي أ ْ فْر ل ََنا ذ ُُنوب ََنا وَإ ِ ْ ـ )َرب َّنا اغ ْ ِ
ن( )آل عمران. (147 : ري َ كافِ ِ ال ْ َ
فْر ل ََنا ذ ُُنوب ََنا ـ )ربنا إننا سمعنا مناديا ً ينادي ل ِليما َ
مّنا َرب َّنا َفاغ ْ ِ م َفآ َ مُنوا ب َِرب ّك ُ ْ نآ ِ نأ ْ ِ َ ِ َ َّ َِّ َ ِ ْ َ ُ َ ِ َُ ِ
َ َ َ وَك َ ّ
م و ي نا
َ ُ َِ َ ْ َ ز خ
ْ ت ول ك ِ ل س
ُ ُ ر لى َ ع نا
مع َ ا ْ َ ِ َ ّ َ َ َ َ َ ْ َ َ
ت د َ ع و ما نا ِ توآ نا ب ر , ر را ب ل سي َّئات َِنا وَت َوَفَّنا َ فْر ع َّنا َ
ميَعاد َ( )آل عمران. (194-193 : ْ
ف ال ِ خل ِ ُ َ
مةِ إ ِن ّك ل ت ُ ْ قَيا َ ال ْ ِ
ن( )لعراف: ري َ س ِ خا ِ ن ال ْ َ م َ ن ِ كون َ ّ مَنا ل َن َ ُ ح ْ فْر ل ََنا وَت َْر َ م ت َغْ ِ ن لَ ْ سَنا وَإ ِ ْ ف َ مَنا أ َن ْ ُ ـ )َرب َّنا ظ َل َ ْ
. (23
ي
وال ِد َ ّ فْر ِلي وَل ِ َ عاِء َ ,رب َّنا اغ ْ ِ ل دُ َ قب ّ ْ ن ذ ُّري ِّتي َرب َّنا وَت َ َ م ْ صلةِ وَ ِ م ال ّ قي َ م ِ جعَل ِْني ُ با ْ ـ )َر ّ
ب( )إبراهيم. (41-40: سا ُ ح َ م ال ِْ قو ُ م يَ ُ ن ي َوْ َ مِني َ مؤ ْ ِ وَل ِل ْ ُ
طانا ًسل ْ َ ك ُ ن ل َد ُن ْ َ م ْ ل ِلي ِ جع َ ْ ق َوا ْ صد ْ ٍ ج ِ خَر َ م ْ جِني ُ خرِ ْ ق وَأ َ ْ صد ْ ٍ ل ِ خ َ مد ْ َ خل ِْني ُ ب أ َد ْ ِ ـ )َر ّ
صيرا ً( )السراء. (80: نَ ِ
شدا ً( )الكهف.(10: مرَِنا َر َ ة وهَيئ ل َنا م َ ن ل َد ُن ْ َ
نأ ْ م ً َ ّ ْ َ ِ ْ ح َ ك َر ْ م ْ ـ )َرب َّنا آت َِنا ِ
ن ال ّ َ َ
ن( )النبياء.(87 : مي َ ظال ِ ِ م َ ت ِ ك إ ِّني ك ُن ْ ُ حان َ َ سب ْ َ ت ُ ه ِإل أن ْ َ ن ل إ ِل َ َ ـ )أ ْ
ماما ً( )الفرقان: َ ـ )ربنا هَب ل َنا م َ
ن إِ َ قي َ مت ّ ِ جعَل َْنا ل ِل ْ ُ ن َوا ْ جَنا وَذ ُّرّيات َِنا قُّرة َ أع ْي ُ ٍ ن أْزَوا ِ ْ َ ِ ْ َ َّ
. (74
ق ِفي صد ْ ٍ ن ِ سا َ ل ِلي ل ِ َ جع َ ْ ن َ ,وا ْ حي َ صال ِ ِ قِني ِبال ّ ح ْ كما ً وَأ َل ْ ِ ح ْ ب ِلي ُ ب هَ ْ ـ )َر ّ
جن ّةِ الن ِّعيم ِ( )الشعراء. (85-83: ِ ْ ََ ِ َ ة َ ث ر و ن م ني ِ ْ ل ع ج
َ ْ َ وا , ن
ري َ خ ِ ال ِ
ن
ذي َ ل ِفي قُُلوب َِنا ِغل ً ل ِل ّ ِ جع َ ْ ن َول ت َ ْ ما ِ لي َ قوَنا ِبا ِ سب َ ُن َ ذي َ وان َِنا ال ّ ِ خ َ فْر ل ََنا وَل ِ ْ ـ )َرب َّنا اغ ْ ِ
م( )الحشر. (10: حي ٌ ف َر ِ ؤو ٌ َ
مُنوا َرب َّنا إ ِن ّك َر ُ آ َ
ت َول ت َزِدِ مَنا ِ مؤ ْ ِ ن َوال ْ ُ مِني َ مؤ ْ ِ منا ً وَل ِل ْ ُ مؤ ْ ِ ي ُ ل ب َي ْت ِ َ خ َ ن دَ َ م ْ وال ِد َيّ وَل ِ َ فْر ِلي وَل ِ َ ب اغ ْ ِ ـ )َر ّ
ن ِإل ت ََبارا ً( )نوح.(28: ظال ِ ِ َ
مي ال ّ
في التحميد والثناء على الله يبارك وتعالى:
ـ عن بريدة رضي الله عنه قال :سمع النبي صلى اله عليه وسلم رجل يقول:
)اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي ل إله إل أنت الحد الصمد الذي
لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد( ..فقال صلى الله عليه وسلم) :والذي
نفسي بيده لقد سأل الله باسمه العظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به
أعطى( أخرجه أبو داود والترمذي.
ـ وعن أنس رضي الله عنه قال :دعا رجل فقال :رجل فقال) :اللهم إني أسألك
بأن لك الحمد ل إله إل أنت المنان بديع السموات والرض ذو الجلل والكرام يا
حي يا قيوم( فقال النبي صلى الله عليه وسلم ) :أتدرون بما دعا الرجل؟(
قالوا :الله ورسوله أعلم ..قال) :لقد سأل الله باسمه العظم الذي إذا دعي به
أجاب وإذا سئل به أعطى( أخرجه أصحاب السنن.
في الصلة والسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم:
ـ عن أبي مسعود النصاري رضي الله عنه قال :أتانا رسول الله
صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة ,فقال له
بشير بن سعد :أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف
نصلي عليك؟ قال) :قولوا :اللهم صل على محمد وعلى آل محمد
كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما
باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلم كما قد
علمتم( .أخرجه الستة إل البخاري.
ـ وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال :إذا صليتم على رسول الله
فأحسنوا الصلة فإنكم ل تدرون لعل ذلك يعرض عليه فقالوا له:
فعلمنا قال) :قولوا اللهم اجعل صلواتك ورحمتك علي سيد
المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبين محمد عبدك ورسولك إمام
الخير وقائد الخير ورسول الرحمة اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه
به الولون والخرون ,اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما
صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ,اللهم بارك
على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل
إبراهيم إنك حميد مجيد( رواه ابن ماجه موقوفا بإسناد حسن.
ـ )اللهم داحي المدحوات وداعم الممسوكات ،وجابل القلوب على
فطرتها شقيها وسعيدها ,اجعل شرائف صلواتك ،ونوامي بركاتك
على محمد عبدك ورسولك الخاتم لما سبق والفاتح لما انغلق ،
والمعلن الحق بالحق( من نهج البلغة.
دعاء رسول الله في التهجد:
ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :كان رسول الله "صلى الله
عليه وسلم" إذا قام من الليل يتهجد قال) :اللهم ربنا لك الحمد أنت
قيوم السموات والرض ومن فيهن ،ولك الحمد أنت نور السموات
والرض ومن فيهن ،ولك الحمد أنت مالك السموات والرض ومن
فيهن ،ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ,ولقاؤك حق ،وقولك
حق ،والجنة حق ،والنار حق ،والنبيون حق ،ومحمد حق ،والساعة
حق ،اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت ،وإليك أنبت ,وبك
خاصمت ,وإليك حاكمت ،فاغفر لي ما قدمت وما أخرت ،وما
أسررت وما أعلنت ،وما أنت أعلم به منى ،أنت المقدم وأنت
المؤخر ،ل إله إل أنت( أخرجه الستة وهذا لفظ الشيخين.
ي كرم الله وجهه:
من مناجاة أمير المؤمنين عل ّ
أخبر أبو عبد الله منصور بن سكبان التستري قال :أخبرنا محمد بن
الحسن بن غراب قال :حدثنا القاضي موسى بن إسحاق قال حدثنا
أبو عبد الله محمد بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن فضيل عبد الله
ي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول في مناجاته: السدي كان عل ّ
)إلـهي :لول ما جهلت من أمري ،ما شكوت عثراتي ولول ما ذكرت
من الفراط ما سحت عبراتي ..إلـهي :فامح مثبتات العثرات
بمرسلت العبرات ،وهب كثير السيئات لقليل الحسنات ..إلـهي :إن
كنت ل ترحم إل المجد في طاعتك ،فأنى يلتجئ المخطئون؟ وإن
كنت ل تكرم إل أهل الحسان ،فأنى يصنع المسيئون؟ وإن كان ل
يفوز يوم الحشر إل المتقون فكيف يستغيث المذنبون؟ ..إلـهي:
أفحمتني ذنوبي وانقطعت مقالتي فل حجة لي ول عذر فأنا المقّر
بجرمي ،والمعترف بإساءتي والسير بذنبي المرتهن بعملي ..إلـهي:
فصل على محمد وعلى آل محمد وارحمني برحمتك وتجاوز عني ،
اللهم إن صغر في جنب طاعتك عملي فقد كبر في جنب رجائك
أملي ..إلـهي :كيف أنقلب بالخيبة عندك محروما ،وظني بجودك أن
تقبلني مرحوما ،فإني لم أسلط على حسن ظني بك قنوط اليسين
فل تبطل صدق رجائي لك بين الملين ..إلـهي :عظم جرمي إذ كنت
المتطالب به ..إلـهي :إن أوحشتني الخطايا من محاسن لطفك ،فقد
آنسني اليقين بمكارم عطفك ..إلـهي :إن أماتتني الغفلة عن
الستعداد للقائك ،فقد أنبهتني المعرفة بكريم آلئك ..إلـهي :لو لم
تهدني إلى السلم ،ما اهتديت ،و لو لم تطلق لساني بدعائك ما
دعوت .ولو لم تعرفني حلوة نعمتك ما عرفت ولو لم يتبين لي
شديد عقابك ما استجرت ..إلـهي :إن أقعدني التخلف عن السير مع
البرار ،فقد أقامتني الثقة بك على مدارج الخيار ..إلـهي :نفسي
أعززتها بتأييد إيمانك كيف تذلها بين أطباق نيرانك ..إلـهي :كل
مكروب فإليك يلتجئ وكل محزون فإليك يرتجي ..إلـهي :سمع
العابدون بجزيل ثوابك فخشعوا ,وسمع المذنبون بسعة غفرانك
فطمعوا حتى ازدحمت عصائب العصاة ببابك ،وعج منهم إليك
العجيج والضجيج بالدعاء في بلدك ..إلـهي :أنت دللتني على سؤالك
الجنة قبل معرفتها ،فأقبلت النفس بعد العرفان على مسألتها أفتدل
على خير بالسؤال ثم تمنعه؟ وأنت الكريم المحمود في كل ما
تصنعه يا ذا الجلل والكرام ..إلـهي :إن كنت غير مستأهل لما أرجو
من رحمتك فأنت أهل أن تجود على المذنبين بفضل سعتك ..إلـهي:
نفسي قائمة بين يديك ,وقد أظلها حسن التوكل عليك ,فاصنع بي
ما أنت أهله ،وتغمدني برحمة منك ..إلـهي :شهد جناني بتوحيدك
وانطلق لساني بتمجيدك ودلني القرآن على فضل جودك ،فكيف ل
يتحقق رجائي بحسن موعدك؟ ..إلـهي :كأني بنفسي وقد اضطجعت
في حفرتها وانصرف عنها المشيعون من عشيرتها ,ورحمها المعادي
لها في الحياة عند صرعتها ،ولم يخف على الناظرين إليها ذل فاقتها
،قالت الملئكة :غريب نأى عنه القربون ،وبعيد جفاه الهلون ،
وخذله المؤملون ،نزل بنا قريبا فأصبح في اللحد غريبا ،وقد كنت
في دار الدنيا داعيا ورحمتك إياي في هذا اليوم راجيا فأحسن
ضيافتي وكن أشفق علي من أهلي وقرابتي ..إلـهي :سترت علي
في الدنيا ذنوبا فلم تظهرها فل تفضحني يوم ألقاك على رءوس
العالمين بها ،واسترها علي يا أرحم الراحمين هنالك ..إلـهي:
مسكنتي ل يجبرها إل عطاؤك وأمنيتي ل يفيها إل نعاؤك ..إلـهي:
أستوفقك لما يدنيني منك ،وأعوذ بك مما يصرفني عنك ..إلـهي:
أحب المور إلى نفسي وأعودها علي منفعة ما استرشدتها بهدايتك
إليه ،ودللتها برحمتك عليه فاستعملها بذلك عني إذ أنت أرحم بها
مني ،يا أنيس كل غريب آنس في القبر وحشتي وارحم وحدتي ,ويا
عالم السر والخفى ،ويا كاشف الضر والبلوى ،كيف نظرك لي من
بين ساكني الثرى؟ وكيف صنيعك لي في دار الوحشة والبلى؟ قد
كنت بي لطيفا في حياتي ،فل تقطع برك عني بعد وفاتي ,يا أفضل
المنعمين في آلئه وأكرم المتفضلين في نعمائه كثرت عندي أياديك
فعجزت عن إحصائها وضقت ذرعا في شكري للمسائل بجزائها ،
فلك الحمد على ما أوليت ،ولك الشكر على ما أبليت ،يا خير من
دعاه داع وأفضل من رجاه راج ،يا حنان يا منان يا ذا الجلل
والكرام ،يا حي يا قيوم ،يا من له الخلق والمر ،تباركت يا أحسن
الخالقين ,يا رحيم يا قدير يا كريم صل على محمد وآله الطيبين..
آمين( ملخصا من كتاب لطائف أخبار الل.
من مناجاة ابن عطاء الله السكندري:
)إلـهي :كيف تكلني إلى نفسي ،وقد توكلت لي؟ وكيف أضام وأنت
الناصر لي ؟ أم كيف أخيب وأنت الحفي بي؟ ها أنا أتوسل إليك
بفقري إليك ..إلـهي :كلما أخرسني لؤمي أنطقني كرمك؟ كلما
أيستني أوصافي أطمعتني مننك ..إلـهي :من كانت محاسنه
مساوي ،فكيف ل تكون مساويه مساوي؟ من كانت حقائقه دعاوى ،
فكيف ل تكون دعاويه دعاوى؟ ..متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل
عليك؟ أو متى بعدت حتى تكون الثار هي التي توصل إليك ؟!..
عميت عين ل تراك عليها رقيبا ،وخسرت صفقة عبد لم يجعل له
من حبك نصيبا ..إلـهي :هذا ذلي ظاهر بين يديك ،وهذا حالي ل
يخفى عليك ،منك أطلب الوصول إليك ،وبك أستدل عليك ,اهدني
بنورك إليك ،وأقمني بصدق العبودية بين يديك ..إلـهي :عّلمني من
علمك المخزون ,وصّني بسر اسمك المصون ,بك أنتصر فانصرني ،
وعليك أتوكل فل تكلني ،وإياك أسأل فل تخّيبني ،وفى فضلك أرغب
فل تحرمني ،ولجنابك أنتسب فل تبعدني ،وببابي أقف فل تطردني..
إلـهي :تقدس رضاك أن تكون له علة منك ،فكيف تكون له علة
مني ،أنت الغني بذاتك عن أن يصل إليك النفع ،فكيف ل تكون غنيا
عني؟ أنت الذي أشرقت النوار في قلوب أوليائك حتى عرفوك
ووجدوك ،وأنت الذي أزلت الغيار عن قلوب أحبابك حتى لم يحبوا
سواك ،و لم يلجئوا إلى غيرك ,أنت المؤنس لهم حيث أوحشتهم
العوامل وأنت الذي هديتهم حتى استبانت لهم المعالم .فإذا وجد
من فقدك وما الذي فقد من وجدك؟ لقد خاب من رضي دونك بدل
ولقد خسر من بغى عنك متحول ..إلـهي كيف يرجى سواك ،وأنت
ما قطعت الحسان؟ وكيف يطلب من غيرك وأنت ما بدلت عادة
المتنان؟ يا من أذاق أحباءه حلوة مؤانسته فقاموا بين يديه متملقين
،ويا من ألبس أولياءه ملبس هيبته فقاموا بعزته مستعزين أنت
الذاكر من قبل الذاكرين ،وأنت البادئ بالحسان من قبل توجه
العابدين ،وأنت الجواد بالعطاء من قبل طلب الطالبين ،وأنت
الوهاب ثم أنت لما وهبتنا من المستعرضين ..إلـهي :اطلبني برحمتك
حتى أصل إليك واجذبني بمنتك حتى أقبل عليك ..إلـهي :إن رجائي ل
ينقطع عنك وإن عصيتك كما أن خوفي ل يزاملني وإن أطعتك..
إلـهي :قد دفعتني العوالم إليك وقد أوقفني علمي بكرمك عليك..
إلـهي :كيف أخيب وأنت أملي؟ أم كيف أهان وعليك متكلي؟ يا من
أحتجب في سرادقات عزه عن أن تدركه البصار يا من تجلى بكمال
بهائه فتحققت عظمة السرار كيف وأنت الظاهر؟ أم كيف تغيب
وأنت الرقيب الحاضر؟( انتهى بتصرف.
من دعوات السيد أحمد الرفاعي:
)اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم اللهم فارج
الهم كاشف الغم مجيب دعوة المضطرين ،رحمـن الدنيا والخرة
ورحيمهما ،أنت ترحمنا رحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك ل إله
إل أنت يا رب كل شيء ,سبحانك ل إله إل أنت ,يا وارث كل شيء
ي يا
يا حي يا قيوم يا ذا الجلل والكرام يا أرحم الراحمين يا عل ّ
عظيم يا صمد يا فرد يا واحد يا أحد يا من بيده الخير وهو على كل
شيء قدير ،نسألك توكل خالصا عليك ورجوعا في كل الحوال إليك
واعتمادا على فضلك واستنادا لبابك يا عالم السر والنجوى ،يا
كاشف الضر والبلوى ،يا من تضرع إليه قلوب المضطرين وتعول
عليه همم المحتاجين ،نسألك اللهـم بمعاقد العز من عرشك ،
ي العلى ،وبكلماتك وبمنتهى الرحمة من كتابك ،وباسمك العل ّ
التامات التي ل يجاوزهن بر ول فاجر ،وبإشراق وجهك ،أن تصلي
فنا بألطافك الخفية على سيدنا محمد وآله وصحبه وذريته ،وأن تح ّ
حتى نرفل بحلل المان من خوارق الحدثان ،وعلئق الكوان
وإشراك الحرمان وغوائل الخذلن ،ودسائس الشيطان وسوء النية
وظلمة الخطية ,اللهم امنحني قلبا ل ينصرف في آماله إل إليك ،
ولّبـا ل يعول في أحواله إل عليك ،وقلبني على بساط المعرفة بقوة
دت به عبادك الصالحين . التوحيد واليقين ،وأيدني بك لك بما أي ّ
اللهم اسلك بي طريق نبيك المصطفى سيد المقربين الحباب ،
وأوزعني أن أشكر نعمتك باتباعه عليه الصلة والسلم بطريقة الحق
والصواب ..اللهـم إني أعوذ بك من علم ل ينفع ،وعمل ل يرفع ،
وقلب ل يخشع ،ودعاء ل يسمع ..ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا
من أمرنا رشدا ..اللهـم حققني بحقيقته الصديقية ،وأذقني حلوة
اليقين بصدق النية ،وخالص الطوية ول تكلني لنفسي ،ول لحد من
خلقك طرفة عين يا أرحم الراحمين ،ول حول ول قوة إل بالله العلي
العظيم ،وسلم على المرسلين والحمد لله رب العالمين( .من
حزب الوسيلة بتصرف.
السباب :
ويزعج هذا التجاه كثيرا من الحكومات والدول الغربية التي عاشت
طوال القرون الماضية في عقلية الذي ل يعرف عن السلم إل
التعصب والجمود ,ول يرى في المسلمين إل شعوبا مستضعفة
للتسخير وأوطانا خصبة للستعمار ,وأخذوا يتوجسون من هذه
الحركة ويذهبون في تفسيرها وتأويلها كل مذهب ,فمن قائل أنها
نتيجة قيام الهيئات المتطرفة والجماعات المتعصبة ،ومن قائل أنها
رد فعل للضغط السياسي والقتصادي الذي شعرت به هذه المم
السلمية في هذه العصار ،ومن قائل إنها وسيلة يتوصل بها بعض
طلب الحكم والجاه إلى الظهور والمنصب ..وكل هذه السباب فيما
نعتقد بعيدة عن الحقيقة كل البعد ،وهذا التجاه ليس إل نتيجة
لعوامل ثلثة فيما نرى:
إفلس الغرب:
أولها ـ إفلس الصول الجتماعية التي قامت عليها حضارة المم
الغربية فحياة الغرب التي قامت على العلم المادي والمعرفة الولية
والكشف والختراع وإغراق أسواق العالم بمنتجات العقول واللت
لم تستطع أن تقدم للنفس النسانية خيطا من النور ،أو بصيصا من
المل أو شعاعا من اليمان .ولم ترسم للرواح القلقة أي سبيل
للراحة والطمئنان ،وليس النسان آلة من اللت ,ولهذا كان طبيعيا
أن يتبرم بهذه الوضاع المادية البحتة وأن يحاول الترفيه عن نفسه ،
ولم تجد الحياة الغربية المادية ما ترفه به عنه إل الماديات أيضا من
الثام والشهوات والخمور والنساء والحفال الصاخبة والمظاهر
المغرية التي تلهى بها حينا ,ثم ازداد بها بعد ذلك جوعا على جوع
وأحس بصرخات روحه تنطلق عالية تحاول تحطيم هذا السجن
المادي ,والنطلق في الفضاء واسترواح نسمات اليمان والعزاء.
كمال السلم:
وثانيها ـ وهو العامل اليجابي في الموضوع ـ اكتشاف المفكرين من
رجال السلم ما في أصوله وقواعده من سمو ورقي وصلحية
واكتمال ,وأنها أكمل وأدق وأفضل وأشمل وأجمع من كل ما كشفت
عنه الفلسفات الجتماعية والعقول المصلحة إلى الن ,وقد كان
المسلمون غفلوا عن ذلك حينا من الدهر فلما كشف الله عن بصائر
مفكريهم ،وقارنوا ما عندهم من قواعد دينهم الجتماعية بما يتحدث
عنه كبار الجتماعيين وأساطين وجهابذة المفكرين ،ووجدوا البون
شاسعا والفرق بعيدا عن كنوز هذا الميراث الضخم وبين ما يلهو به
هؤلء ,لم يملكوا أنفسهم من أن ينصفوا عقولهم وتاريخهم
وشعوبهم ،وأن ينادوا بنفاسة هذا الميراث ،وأن يهيبوا بهذه المم
الغافلة إسلمية وغير إسلمية أن تستفيد من هذا الرشاد الرباني
الكريم وأن تنهج نهج هذا الصراط السوي المستقيم.
طبيعة التطور:
وثالثها ـ طبيعة التطور الجتماعي بعد حربين طاحنتين اشتركت
فيهما دول العالم جميعا ،وتناولت النفوس والوضاع والشعوب
والفراد ،ونبتت بعدهما طائفة من المبادئ الصلحية والنظم
الجتماعية ،وقامت على أساسها دول ونهضت بتطبيقها ،ثم لم
يمض كبير وقت حتى تناولتها يد التبديل والتغيير أو الهدم والتدمير ،
والمفكرون من المسلمين ينظرون ويرقبون ويوازنون ويرجعون إلى
ما بين أيديهم من كتاب ربهم وهو مشرق ،ومن سنة نبيهم وهى بينة
،ومن تاريخهم وهو مجيد ،فل يرون لنظام من هذه النظم حسنة
من الحسنات إل وجدوا أنها مقررة في نظامهم السلمي
الجتماعي ,وأنهم سبقوا إليها فتحدثوا عنها أو عملوا بها ،ول يرون
لنظام من هذه النظم سيئة من السيئات إل وجدوا أن نظامهم
السلمي الجتماعي قد حذر منها واحتاط لها ووصف طريق الوقاية
من نتائجها وآثارها ,سادت العالم حينا من الدهر هذه النظم
الديمقراطية وانطلقت الحناجر في كل مكان تسبح وتقدس بما جاء
به هذا النظام الديمقراطي من حرية للفراد وللشعوب على
السواء ،ومن إنصاف للعقل النساني بحرية التفكير ،وللنفس
النسانية بحرية العمل والرادة ،وللشعوب بأن تكون مصدر
السلطات ،وجاء النصر في الحرب العالمية الولى معززا لهذه
الفكار متوجا إياها بإكليل الغار ،ثم لم يلبث الناس أن تبينوا أن
حريتها الجتماعية لم تسلم من الفوضى ,وأن حريتها الفردية لم
تأخذ الحيطة من الباحية ،وأن سلطة الشعوب لم تبرئ المجتمع
من كثير من الديكتاتوريات المستورة التي تضيع معها التبعات ول
تحدد فيها الختصاصات ،إلى غير ذلك من المثالب والعيوب التي
أدت إلى تفكك المم والشعوب ,وتخلخل نظام الجماعات والبيوت
ومهدت لقيام النظم ا لدكتاتورية.
فقامت النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا ,وأخذ كل من
موسوليني وهتلر بيد شعبه إلى الوحدة والنظام والنهوض والقوة
والمجد ,وسرعان ما خطا هذا النظام بهاتين المتين في مدارج
الصلح في الداخل والقوة والهيبة في الخارج ,وبعث في النفوس
المال الخالدة وأحيا الهمم والعزائم الراكدة ,وجمع كلمة المختلفين
المتفرقين على نظام وإمام ،وأصبح الفوهرر أو الدوتشي إذا تكلم
أحدهما أو خطب تفزعت الفلك والتفت الدهر.
ثم ماذا ؟ ..ثم تكشف المر عن أن هذا الجهاز القوي المتماسك
الذي فنيت فيه إرادات الفراد في إرادات الزعماء أخطأ حين أخطئوا
،فطغى بطغيانهم وانحرف بانحرافهم وهوى بسقوطهم ,وانتهى كل
شيء وأصبح حصيدا كأن لم يغن بالمس بعد أن بذل العالم في
حربه الثانية المليين من زهرة الشباب والقناطير المقنطرة من
الموال والعتاد.
ولمع نجم الشتراكية والشيوعية بعد ذلك ,وزاد في هذا البريق
واللمعان معني الفوز والنتصار ،وتقدمت روسيا السوفيتية إلى
الميدان الجتماعي تبشر بدعوتها ,وتدل على الدنيا بنظامها الذي
تبدل في ثلثين عاما عدة مرات ،وأخذت دول الديمقراطيات أو
بعبارة أدق دول الستعمار القديمة البالية أو الجديدة الطامعة تعد
العدة لتوقف هذا التيار ،والصراع يقوى ويشتد تارة في العلنية
وأخرى في الخفاء ،والدول والمم والشعوب الحائرة على مفترق
الطرق ل تدري أين السبيل ،ومنها أمم السلم وشعوب القرآن ,
والمستقبل في ذلك كله بيد الله والحكم للتاريخ والبقاء للصلح على
كل حال.
هذا التطور الجتماعي وهذا الصراع العنيف القوي أيقظ همم
المفكرين من المسلمين فأخذوا يوازنون
ويقارنون ,وانتهوا بعد الموازنة إلى نتيجة صحيحة سليمة هي
التخلص من كل هذه الوضاع ووجوب عودة شعوبهم وأممهم إلى
السلم.
النظم الثلثة في الصلة
قلت ذات مرة مداعبا للسامعين في إحدى المحاضرات ـ وكانت
خطوة موفقة كل التوفيق والحمد لله ـ إن هذه الصلة السلمية
التي نؤديها في اليوم خمس مرات ليست إل تدريبا يوميا على نظام
اجتماعي عملي ,امتزجت فيه محاسن النظام الشيوعي بمحاسن
النظام الديمقراطي بمحاسن النظام الدكتاتوري ،فعجبوا وقالوا:
كيف كان ذلك؟ ..فقلت :أفضل ما في النظام الشيوعي من حسنات
تدعيم معنى المساواة والقضاء على الفوارق والطبقات ,ومحاربة
العتزاز بالملكية التي يكون عنها هذا التفاوت ..وهذه المعاني كلها
يستحضرها المسلم ويشعر بها تماما ,وتتركز في نفسه إذا دخل
المسجد لنه يستشعر لول دخوله أن هذا المسجد لله ،ل لحد من
خلقه ،وأنه سواء العاكف فيه والباد ،ل صغير فيه ول كبير ول أمير
ول حقير ول فوارق ول طبقات ،فإذا صاح المؤذن) :قد قامت الصلة
..قد قامت الصلة( ,استوى هذا الجمع خلف إمامه كالبنيان
المرصوص ,فل يركع أحد حتى يركع المام ول يسجد حتى يسجد ول
يأتي بحركة أو سكون إل تابعا له ومقتديا به ومقلدا إياه ،وهذا هو
أفضل ما في النظام الدكتاتوري :الوحدة والنظام في الرادة
والمظهر على السواء ،ولكن هذا المام مقيد هو نفسه بتعاليم
الصلة ودستورها ،فإذا انحرف أو أخطأ في تلوة أو عمل كان
للصبي الصغير وللرجل الكبير وللمرأة المصلية خلفه ،كان لكل
واحد من هؤلء الحق كل الحق أن ينبهه إلى خطئه وأن يرده ،إلى
الصواب في أثناء الصلة ,وكان على المام كائنا من كان أن ينزل
على هذا الرشاد وأن يعدل عن خطئه إلى الحق والصواب ،وليس
في الديمقراطية أروع من هذه الحسنات ..فماذا بقى بعد ذلك لهذه
النظم من فضل على السلم؟! ..وقد جمع محاسنها جميعا واتقى
عن ْدِ غَي ْرِ الل ِ
ه ن ِ
م ْ
ن ِ بهذا المزج البديع كل ما فيها من سيئات )وَل َوْ َ
كا َ
خِتلفا ً ك َِثيرا ً( )النساء. (82:
دوا ِفيهِ ا ْ ل َوَ َ
ج ُ
ل مبرر للنزعاج:
والغربيون كما قلت ـ ومعهم الذين ل يعلمون ـ ينزعجون أشد
النزعاج لهذا التجاه ويرونه من الخطورة بحيث تجب عليهم محاربته
بكل سبيل ,لنه ليس أكثر في عرفهم من انتصار للمبادئ الرجعية ,
وتجميع للمم الهمجية حولها ضد مبادئ الحضارة والمدنية وشعوب
العلم والعرفان والنظام .وهذا وهم عريق في الخطأ ,وظلم صارخ
للحقائق الواضحة وضوح الشمس في وضح النهار ,ومهمتنا في هذه
الكلمات أن نصل معهم إلى أمرين:
أولهما:إثبات سمو أصول النظام الجتماعي السلمي وفضلها على
كل ما عرف الناس تلك الصول التي منها:
ا -الخاء النساني ـ والقضاء على روح الكراهية والتعصب.
- 2السلم ـ وخطأ الذين ل يعلمون في فهم مشروعية الجهاد.
– 3الحرية ـ وخطأ الذين يتهمون السلم بإباحة الرق ومصادرة
الحريات.
- 4العدل الجتماعي ـ وفيه بيان رأي السلم في نظام الحكم
والطبقات.
- 5الحياة الطيبة ـ وفيه بيان الخطأ في فهم حقيقة الزهد.
– 6السرة ـ وفيه الكلم على حقوق المرأة والتعدد والطلق.
- 7العمل والكسب ـ وفيه الكلم على أنواع الكسب والخطأ في
فهم التوكل.
- 8العلم ـ وفيه خطأ من يتهمون النظام السلمي بتشجيع الجهالة
والخمول.
- 9النظام وتقدير الواجب ـ وفيه خطأ من يظنون في طبيعة
السلم النقص والهمال.
- 10التدّين ـ وفيه حقيقة اليمان بالله والفضيلة والجزاء.
وثانيهما:إثبات أن من الخير للنسانية كلها أن يتجه المسلمون إلى
العودة لدينهم وأن ذلك سيكون أكبر دعائم السلم على الرض ,وأن
الدافع في ذلك ليس التعصب العمى ولكن القتناع التام بفضل ما
جاء به السلم وانطباقه تمام النطباق على أرقى ما كشف عنه
التفكير العقلي السليم من قواعد الجتماع الصالحة ,ودعائم نظمه
القوية الثابتة.
ل(سِبي َ
دي ال ّ
حقّ وَهُوَ ي َهْ ِ ْ قو ُ
ل ال َ ه يَ ُ
)َوالل ُ
وحري بمن يطرق سمعه لول مرة تلك الغاني الخليعة والترنيمات
الغثة التي يداعب بها أمهات هذا العصر أبناءهن أن ينشأ ماجنا خليعا
فاتر الهمة ضعيف النفس ..
الم أستاذ العالم والمرأة التي تهز المهد بيمينها تهز العالم بشمالها ،
فلجل أن نصلح المنزل يجب أن نصلح الم التي هي روحه وقوامه..
ثانيا ـأن يحرص البوان على أن يكونا خير قدوة لبنهما في احترام
شعائر الدين والمسارعة إلى أداء فرائضه وبخاصة أمامه وعند
حضوره يؤدون الصلة ويقصون عليه من نبإ الصالحين ،فأيقظ
غرائزه في هذه السن غريزة التقليد ،والمثل العلى أمامه أبواه
ومن يحيط به من ذويه ،فعليهم أن يكونوا كما كتب عمر بن عتبة
لمؤدب ولده) :ليكن أول إصلحك لولدي إصلحك لنفسك فإن
عيونهم معقودة بعينك فالحسن عندهم ما صنعت والقبيح عندهم ما
تركت(.
ثالثا ـأن يضع كل من الوالدين نصب عينه أن يشبع أبناءه بروح الدين
والشعور السلمي في كل الفرص المناسبة يتحدث إليهم عن
عظمته ورجاله وفائدته وأسراره ،ويصطحبهم إلى المساجد
والمنتديات الدينية ويشعرهم المخافة من الله تعالى وهيبته
باستخلص العبر من الحوادث ،وأن يعنى بتحفيظهم شيئا من كلم
الله وكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رابعا ـأن يحول البوان دون تسرب الكتب الهازلة والصحف الماجنة
إلى ابنهما ل بالمنع والتهديد فإن ذلك مما يزيد شغفه بها وإقباله
عليها ولكن بصرفه إلى كتب نافعة مغرية وإثارة الميل فيه إلى هذه
الناحية الصالحة..
وهنا أذكر شدة حاجتنا إلى كتب في القصص العام السلمي للطفال
تجمع بين تشويقهم إلى المطالعة وملءمتها لمداركهم وقواهم
العقلية وتزويدهم بالشعور السلمي ،والقصص السلمي غني بذلك
من سير الصحابة والتابعين وأمثالهم رضوان الله عليهم..
وأذكر كذلك ضرورة احتواء المنزل على مكتبة مهما كانت يسيرة إل
أن كتبها تختار من كتب التاريخ السلمي وتراجم السلف وكتب
الخلق والحكم والرحلت السلمية والفتوح ونحوها ..ولئن كانت
صيدلية المنزل ضرورية لدواء الجسام ،فالمكتبة السلمية في
المنزل ضرورية لصلح العقول..
وما أجمل أن أذكر هنا قول سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه) :إننا
لنرّوي أبناءنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نرّويهم
السورة من القرآن(
أما واجب جمعيات الشبان المسلمين في ذلك فهو إيجاد هذه الروح
في الشعوب السلمية وتشجيعها بكل وسائل المكان ،ومن هذه
الوسائل:
- 1درس نظام المنازل والسر السلمية لتعرف أوجه النقص
وأسبابه وأوجه الكمال ووسائلها وذلك من برنامج اللجنة الجتماعية
التي نصت عليها اللئحة الداخلية.
- 2حمل العضاء أول على ذلك وإقناعهم بأن هذا من أهم الغراض
التي ترمي إليها الجمعية والتي تؤدي إلى تكوين نشء إسلمي فاضل
،ثم هم بعد ذلك يقومون بدعوة غيرهم - 3 .الكثار من المحاضرات
في شئون السرة والطفل وتوزيع النشرات لترويج هذه الدعاية.
- 4تأليف اللجان لتصنيف الكتب القصصية اللزمة لخلق هذه الروح
في نفوس الطفال ،وفي الجمعيات بحمد الله من يمكنهم ذلك
بسهولة لو وجهوا له شيئا من عناياتهم ووهبوا له جزا من أوقاتهم
وهو من واجب اللجنة العلمية المذكورة في اللئحة.
5ـ مطالبة الوزارة بإصلح مناهج تعليم البنات ومدارس المعلمات
والكثار من التعليم الديني وتراجم شهيرات النساء المسلمات ونحو
ذلك مما يتصل به والهتمام بهذا المر اهتماما يتناسب مع جليل
خطره.
6ـ إنشاء مدارس لتعليم البنات وهذا يكون طبعا بعد أن يشتد ساعد
الجمعيات ويقوى ،وتجد المعاونة من أغنياء المة وسراتهم.
وأراني هنا مضطرا إلى القول بأن جمعيات الشبان المسلمين لم
تحقق هذه الغاية إلى الحد المأمول منها ،ولهذا يرجع ذلك إلى أنها
في بدء التكوين وإلى أن ماليتها محدودة ل تتسع لذلك إل أن الواجب
أن تهتم بكل وسيلة ممكنة حتى تتمكن في النهاية من كل الوسائل..
والله ولي التوفيق.
المدرســة
وهي العامل الثاني من عوامل التربية وهو أهمها وأبلغها أثرا في
حياة الطفل إذ تقوم بالقسم العظم من تربيته وهو التعليم والثقافة
العقلية ،فيجب أن نوجه إليها العناية بالصلح حتى تؤدي إلى الغاية
المنشودة.
وإذا قلنا المدرسة فإنما نعنى أمرين مهمين ل يفترق أحدهما عن
الخر:
أولهما :مناهج التعليم التي هي بمثابة الغذاء العقلي للتلميذ..
والثاني :المعلم الذي يقوم بتوصيل هذا النداء إلى العقل..
ولصلح المدرسة يجب العناية التامة بإصلح هذين..
ولصلح المعلم عدة وسائل:
أيسرها وأقربها إلى التحقيق مطالبة الوزارة بإصلح مناهج مدارس
المعلمين بأنواعها وجعلها غنية بالتعليم الديني والتاريخ السلمي
وفلسفة العقائد وأسرار التشريع ونحو ذلك..
يلي هذه الوسيلة أن تقوم جمعيات الشبان المسلمين بفتح فصول
ليلية وفى الجازات الطويلة كإجازة الصيف مثل لمن يحب من
المعلمين وطلبة مدارس المعلمين من العضاء وغيرهم أن يدرس
فيها هذه المواد على أيدي كبار حضرات العضاء المستطيعين لذلك.
يلي هذه الوسيلة وسيلة أخرى تحول دونها عقبات كثيرة وتغنى عنها
الوسيلة الولى إذا تحققت ..ذلك أن تقوم جمعيات الشبان
المسلمين بإنشاء مدارس لتخريج معلمي الدين والخلق واللغة
العربية ،والعقبات التي تحول دون ذلك قلة المال وعدم اعتراف
الحكومة بإجازات هذه المدارس وشهاداتها وحينئذ يكون هذا النوع
من المعلمين قاصرا على مدارس جمعيات الشبان على اختلف
أنواعها..
ويذكرني ذلك نظام اليسوعيين في مبدأ أمرهم ...فقد تألفت
جمعياتهم لنصرة البابا ،وبث الكثلكة في النفوس ،ورأوا أن خير
وسيلة لذلك هي إصلح التعليم فأنشأوا مدارسهم على طبقات
مختلفة :منها البتدائي والثانوي والعالي ,بهذين كان جل اعتنائهم ,
وانفصلوا عن كل نظام للتعليم إذ ذاك منفردين بنظم إدارية وفنية
خاصة ،واضطرهم ذلك إلى تكوين معلمي هذه المدارس تكوينا
خاصا ينتج ما ترمي إليه جماعاتهم من الغايات..
وقد لقوا في مبدأ أمرهم نجاحا عظيما ،وكانت مدارسهم تعد
بالمئين ،ول تزال آثارهم في الجهاد لدعوتهم باقية إلى الن.
فإذا لم توافق الحكومة على العناية بالتعليم الديني في مدارسها
طبق ما تريد جمعيات الشبان وطبق ما ينتج الغاية السلمية
المطلوبة ،وتمكنت جمعيات الشبان من سلوك هذا الطريق
الستقللي في شئون التعليم فإنها تكون أبرك وأنفع خطوة يتيمن
بها العالم السلمي ويرجو من ورائها الفتح والظفر والرجوع إلى
حظيرة دينه القويم..
وقريب من هذه الفكرة ما كان من إنشاء جماعة المصلحين في عهد
الستاذ المام رحمه الله لمدرسة دار الدعوة والرشاد ،فقد كانت
الغاية منها تخريج معلمين يعظون الشعب ويرشدونه مستقلين عن
سلطة الحكومة والقيود الرسمية ،فأماتها البخل من ناحية وخمود
الهمم وضعف الثبات من ناحية أخري ،ولسنا نريد بذلك أن نتعرض ـ
لنها حققت الغاية أو لم تحقق ـ فليس هذا من قصدنا على أنها لم
تطل مدتها حتى يتمكن الباحث من الحكم ،ولكن الذي نريد أن نصل
إليه أن فكرة الستقلل بالتعليم عن النظام الحكومي فكرة خامرت
الكثيرين من زعماء الصلح فليس بدعا أن نعرض لها اليوم وقد
تكون الظروف الن أشد ملءمة لهذه الغاية من ذي قبل..
فهل تتمكن جمعيات الشبان المسلمين من سلوك هذا السبيل؟
عجزت أل تحاول فكرة تخصيص المعلمين وطلبة المعلمين والوعاظ
بفصول يتزودون فيها بالعلوم السلمية التي تعينهم على تحقيق
الغاية؟ وهل تعجز مع ذلك عن السعي لدى ولة المور في إصلح
مناهج التعليم وبخاصة في مصر لما فيها من حركة الصلح العلمي
السانحة؟
نظنها ل تعجز عن هذين ،ونأمل أن نراها في سبيل تحقيقها قريبا..
كل ما تقدم سقناه بمناسبة وجوب إصلح المعلم الذي هو نصف
المدرسة ..أما إصلح المنهج وهو النصف الثاني فيجب أن يقرن
بتوفير الحصص الكافية لفروع الدين من الفقه وأسراره والعقائد
وأدلتها والتاريخ السلمي والسيرة واللغة العربية إذ هي وسيلة فهم
القرآن وتدبره وهو أساس هذا الدين وروحه وإظهار العناية بهذه
المادة عناية ظاهرة وجعلها مادة أساسية.
فإذا كانت المدارس مستقلة عن المدارس الحكومية أضيف إلى هذا
المواد مواد المنهج الحكومي حتى تحقق بذلك أمل التلميذ في
التقدم إلى الشهادات الرسمية ،ويكون مثلها في ذلك مثل مدارس
التبشير التي تباري مدارس الحكومة في العلوم الرسمية بعد حذف
مال لزوم له منها ،وتحقق مع هذا غايتها الدينية بإجبار التلميذ على
دراسة الدين والقيام بشعائره...
ولما كان للروح العام أبلغ الثر في نفس الطفل وتكوينه الخلقي ول
سيما في المدارس البتدائية والسنوات الولى من الثانوي حيث
يغلب على الناشئ التقليد ،وجب أن يكون هذا الروح دينيا فاضل ،
ووسائل ذلك :أن يكون الهتمام بالدين واحترامه وتشجيع من يبدو
عليهم حبه والعمل به شعار كل موظفي المدرسة من إداريين
وفنيين ،وإشعار التلميذ بذلك ,وإلزامهم أداء الفروض بدار
المدرسة ,وإعداد مسجد خاص بهم تقام به الشعائر كالذان والقامة
يقوم بها التلميذ أنفسهم ،ويقابلها أساتذتهم بالمتثال والحترام
والخشوع ،فيشب التلميذ على ذلك ويقلدهم فيه.
بعد هذا يمكننا أن نتصور المدرسة التي ننشدها في التعليم الولي أو
البتدائي مدرسة كاملة المعدات على طراز أبنية المدارس الميرية ،
يلحق بها مسجد يتناسب مع عددها وأهميتها وظروفها الخاصة ،
تدرس فيها المواد الرسمية زائدا عليها الدين وتوابعه يقوم بتدريس
ذلك معلم ومدير على قدم في الدين والخلق وضلعة في علومها
والتمسك بآدابها يسودها روح عام ديني فاضل..
ومثل ذلك قل في المدارس الثانوية والعالية والفنية والصناعية
ونحوها مع مراعاة الغاية الخرى في كل..
أما الذي يقوم بالشراف العام على هذه المدارس فهي جمعيات
الشبان المسلمين طبعا ،والحذر من أن تتحول الغاية تدريجا ويتغلب
العرف والتيار العادي على هذه المدارس المنشأة لغاية خاصة
فتجاري غيرها ويضيع المقصد من إنشائها..
فهذه "الجمعية الخيرية السلمية" كان القصد الول من إنشاء
مدارسها تحقيق هذه الغاية بنصها وبتوالي الزمان والدارات أصبحت
الن ول فرق بينها وبين المدارس الحكومية واندثر ذلك المقصد
الشريف الذي من أجله أنشئت هذه المدارس وله ألفت الجمعية
وعليه أسست ،والزمن قّلب ،ول يلدغ المؤمن من جحر مرتين..
وأما إذا لم تتمكن الجمعية من هذا فل أقل من أن تبذل الجهد لدى
الحكومات وجمعيات التعليم في تحقيق هذه الوسائل بعضها أو كلها
على قدر الممكن ،ويكون ذلك جهد المقل وحيلة العاجز والمر بيد
الله ويسرنا أن نرى فرع السكندرية يعلن عن فتح فصول جديدة
للتلميذ في عطلة الصيف ونرجو أن يكون المهم لديه انتهاز هذه
الفرصة في تشجيع الروح الدينية.
وكذلك أنشأ بعض فروع فلسطين مكاتب ومدارس للتعليم الديني
فكانت خطوة نرجو أن تستمر في طريق الرقي والكثرة والتشجيع..
البيئـة
وهي العامل الثالث من عوامل التربية ويجب أن نعني بشأنها لما لها
من عظيم الثر في نفس الطفل وخلقه كذلك ,وتشمل البيئة:
-1الخوان والصدقاء:
يجب أن نرشد الناشئ إلى مصاحبة الخيار ونبين له فضيلة ذلك
ونزعه ،ونحول بينه وبين مخالطة الشرار مع شرح ما يستهدف له
من الخطر إذا صاحبهم وعرف بصداقتهم ،وعلينا أن نفهم الباء ذلك
بالنشرات والمحاضرات والرشادات وبكل وسيلة ممكنة ..وقد
أرشد الرسول صلي الله عليه وسلم إلي ذلك بحديثه المشهور:
)مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك وكير
الحداد :ل يعدمك من صاحب المسك إما أن تشتريه أو تجد ريحه
وكير الحداد يحرق بيتك أو ثوبك أو تجد منه ريحا خبيثة(.
س َ
ك ف َ صب ِْر ن َ ْ
كما أرشد إليها القرآن الكريم في قول الله تعالىَ) :وا ْ
ه َول ت َعْد ُ عَي َْناكَ جه َ ُ ن وَ ْ دو َ ري ُ ي ي ُ َِش ّداةِ َوال ْعَ ِ
م ِبال ْغَ َ ن َرب ّهُ ْ عو َ ن ي َد ْ ُ ذي َ معَ ال ّ ِ َ
ن ذِك ْرَِنا َوات ّب َعَ ْ َ ع ه
ُ َ بْ لَ ق نا
َ ْ لَ ف ْ غ أ نَ ْم ْ عِ طُ ت ول
َ يا
َ ْ نّ دال ِ ةيا
َ ح
َ ْ ل ا ة
َ َ ن زي ُ د ري ُ ت
ُ ْ ِ م ه ْ نَ ع
مُرهُ فُُرطا ً( )الكهف. (28: كان أِ َ َ
ْ َ واهُ وَ هَ َ
حيـم ِ
ن الّر ِ
مـ ِ
ح َ
ِبســم ِ اللهِ الّر ْ
الحمد لله رب العالمين ,وصلى الله على سيدنا محمد أفضل
الذاكرين ،وسيد الشاكرين ،وإمام المرسلين وخاتم النبيين وقائد
الغر المحجلين ،وعلى آله وأصحابه أجمعين ،ومن سلك طريقهم
إلى يوم الدين..
- 1الذكر في كل حال:
وبعد :فاعلم يا أخي ـ رزقني الله وإياك حسن التوفيق ـ أن لكل
إنسان غاية أساسية من حياته تدور عليها أفكاره وتتجه نحوها أعماله
،وتتركز حولها آماله وهى التي يسمونها "المثل العلى" ومتى
سمت هذه الغاية وعلت صدرت بصورة من الجمال الروحي ،وحذت
به إلى الكمال دائما حتى يأخذ فيه بالنصيب الذي قدر له.
والسلم ،وقد جاء لصلح نفوس البشر وتزكيتها والعلو بها إلى
منتهى الكمال الممكن لها ،أوضح للنسانية جميعا الغاية القصوى ،
وحدا بها نحو المثل العلى ،وكان هذا المثل هو )قدس حضرة الله
ذيٌر
ه نَ ِ
من ْ ُ فّروا إ َِلى اللهِ إ ِّني ل َك ُ ْ
م ِ جل وعل( ،والية الكريمة تقول ) :فَ ِ
ن( )الذريات. (50:مِبي ٌ
ُ
وإذ عرفت هذا أيها الخ الكريم فل نستغرب بعد ,أن يكون المسلم
ذاكرا لله على كل حال ،وأن تؤثر عن النبي rوهو أعرف الخلق
بربه ـ تلك الصيغ الرائعة البليغة من الذكر والدعاء.
والشكر والتسبيح والتحميد في كل الحوال صغيرها وكبيرها
وعظيمها وحقيرها ،فقد كان النبي rيذكر الله على كل أحواله ,ول
تعجب إذا طالبنا الخوان المسلمين أن يستنوا بسنة نبيهم ويقتدوا به
ن
كا َ rفيحفظوا هذه الذكار ويتقربوا بها إلى العزيز الغفار) :ل َ َ
قد ْ َ
ُ
خَر
م ال ِ ه َوال ْي َوْ َ
جو الل َ
ن ي َْر ُ ن َ
كا َ م ْ
ة لِ َ
سن َ ٌ
ح َ
سوَةٌ َ
ل اللهِ أ ْ
سو ِ
م ِفي َر ُ ل َك ُ ْ
ه ك َِثيرا ً( )الحزاب. (21: وَذ َك ََر الل َ
- 2فضل الذكر والذاكرين:
وقد ورد المر بالذكر والكثار منه وبيان فضله وفضل الذاكرين في
كثير من آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول العظيم , rوحسبك
ت
ما ِسل ِ َ
م ْ ن َوال ْ ُ مي َ سل ِ ِم ْ ن ال ْ ُأن كان خاتمة المراتب في قوله تعالى) :إ ِ ّ
ت َ
صادِقا ِ ن َوال ّ صادِِقي َ ت َوال ّ قان َِتا ِ ن َوال ْ َ ت َوال ْ َ
قان ِِتي َ مَنا ِ ن َوال ْ ُ
مؤْ ِ مِني َ َوال ْ ُ
مؤْ ِ
نصد ِّقي َ مت َ َ ت َوال ْ ُ شَعا ِ خا ِ ن َوال ْ َ شِعي َ خا ِ ت َوال ْ َ صاب َِرا ِ ن َوال ّ ري َ صاب ِ ِ
َوال ّ
ت َ
حافِظا ِ ْ
م َوال َ جه ُ ْن فُُرو َ ظي َ حافِ ِ ْ
ت َوال َ ما ِ صائ ِ َن َوال ّ مي َصائ ِ ِ
ت َوال ّ صد َّقا ِمت َ ََوال ْ ُ
ظيما ً( َ َ
جرا ً عَ ِفَرةً وَأ ْمغ ْ ِم َه ل َهُ ْ
ت أعَد ّ الل ُذاك َِرا ِ ه ك َِثيرا ً َوال ّ
ن الل َ ري َ َوال ّ
ذاك ِ ِ
)الحزاب. (35:
ُ
مُنوا اذ ْكُروا ّ َ
نآ َذي َ وقد أمر الله به المؤمنين في قوله تعالىَ) :يا أي َّها ال ِ
َ
صيل ً( )الحزاب. (42-41: حوهُ ب ُك َْرةً وَأ ِسب ّ ُكرا ً ك َِثيرا ً ,وَ َه ذِ ْالل َ
وقد وردت الحاديث الكثيرة في فضل الذكر ..قال رسول الله r
فيما يرويه عن ربه )أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني ،فإن
ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ،وإن ذكرني في مل ذكرته في
مل خير منهم( متفق عليه من حديث أبي هريرة.
وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه أن رجل قال :يا رسول الله:
إن شرائع السلم قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به ،قال:
)ل يزال لسانك رطبا من ذكر الله عز وجل( .رواه الترمذي وقال:
حديث حسن.
- 3آداب الذكر:
واعلم يا أخي أن الذكر ليس المقصود به الذكر القولي فحسب بل
إن التوبة ذكر ،والتفكر من أعلى أنواع الذكر ،وطلب العلم ذكر ،
وطلب الرزق إذا حسنت فيه النية ذكر ،وكل أمر راقبت فيه ربك
وتذكرت نظره إليك ورقابته فيه عليك ذكر ,ولهذا كان العارف ذاكرا
على كل حالته.
ول بد ليكون للذكر أثره في القلب من مراعاة آدابه وإل كان مجرد
ألفاظ ل تأثير فيها .وقد ذكروا له آدابا كثيرة أهمها وأولها بالرعاية:
ا -الخشوع والتأدب ،واستحضار معاني الصيغ ،ومحاولة التأثر بها ،
وملحظة مقاصدها وأغراضها.
-2خفض الصوت ما أمكن ذلك مع اليقظة التامة والهمة الكاملة
حتى ل يؤثر على غيره.
وقد أشارت الية الكريمة إلى هذه الداب فقال تعالىَ) :واذ ْك ُْر َرب ّكَ
ل َول صا ِل ِبال ْغُد ُوّ َوال َ ن ال ْ َ
قوْ ِ م َ ن ال ْ َ
جهْرِ ِ دو َة وَ ُ
ف ً ضّرعا ً وَ ِ
خي َ ك تَ َ س َ
ف ِ ِفي ن َ ْ
ن( )لعراف. (205: ْ
ن الَغافِِلي َ م َ
ن ِ ت َك ُ ْ
- 3موافقة الجماعة إن كان الذكر مع جماعة فل يتقدم عليهم ول
يتأخر عنهم ول يبني على قراءتهم ،بل إن حضر وقد بدءوا ابتدأ
معهم من أول صيغة ثم قضى ما فاته بعد انتهائه ،وإن تأخر عنهم
في أثناء القراءة قرأ ما فاته وأدركهم ،ول يبني على قراءتهم أصل ،
لئل يكون بذلك قد حرف القراءة وغير الصيغ ،وذلك حرام اتفاقا.
- 4النظافة في الثوب والمكان ،ومراعاة الماكن المحترمة
والوقات المناسبة ،حتى يكون ذلك أدعى إلى اجتماع همته ،وصفاء
قلبه ،وخلوص نيته.
- 5النصراف في خشوع وأدب ،مع اجتناب اللغط واللهو الذي
يذهب بفائدة الذكر وأثره.
فإذا لحظ هذه الداب فإنه سينتفع بما قرأ ويجد أثر ذكره حلوة في
قلبه ،ونورا لروحه ،وانشراحا في صدره ،وفيضا من الله ،إن شاء
الله تعالى..
- 4الذكر في جماعة:
ورد في الحاديث ما يشعر باستحباب الجتماع على الذكر ففي
الحديث الذي يرويه مسلم ) :ل يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إل
حفتهم الملئكة وغشيتهم الرحمة ،ونزلت عليهم السكينة ،وذكرهم
الله فيمن عنده(.
وكثيرا ما ترى في الحاديث أنه rخرج على جماعة وهم يذكرون
الله في المسجد فبشرهم ولم ينكر عليهم .والجماعة في الطاعات
مستحبة في ذاتها ،ول سيما إذا ترتب عليها كثير من الفوائد مثل :
تآلف القلوب ،وتقوية الروابط وقضاء الوقات فيما يفيد ،وتعليم
المي الذي لم يحسن التعلم وإظهار شعيرة الله تعالى.
نعم إن الجماعة في الذكر تكره إذا ترتب عليها محظور شرعي
كالتشويش على مصل ،أو لغو وضحك ،أو تحريف للصيغ ،أو بناء
على قراءة غيره ،أو نحو ذلك من المحظورات الشرعية ،فحينئذ
تمنع الجماعة في الذكر لهذه المفاسد ل للجماعة في ذاتها ،
وخصوصا إذا كان الذكر في جماعة بالصيغ المأثورة الصحيحة كما
في هذه الوظيفة فحبذا لو اجتمع الخوان على قراءتها صباحا ومساء
في ناديهم أو في مسجد من المساجد مع اجتناب هذه المكروهات
ومن فاتته الجماعة فيها فليقرأها منفردا ول يفرط في ذلك.
الخاتمة:
وبعد :فإلى الخوان المسلمين نتوجه بهذه الوظيفة ،وما هي بخاصة
بهم ولكنها للمسلمين عامة ،لعل فيها إعانة لهم على طاعة الله
تبارك وتعالى ..وهى تقرأ صباحا من الفجر إلى الظهر ،ومساء من
العصر إلى ما بعد العشاء فرادى وجماعة ,ومن فاتته كلها فل يفوتنه
بعضها حتى ل يعتاد إهمالها وتضييعها.
والورد القرآني في الوقت المناسب ليل أو نهارا ،وما بعدهما من
الدعية والذكار يقرأ عند مناسباته.
ونسأل الله لنا ولهم حسن التوفيق وكمال الهداية ،ونسألهم أل
يحرمونا صالح دعواتهم في الخلوة والجلوة ،وصلى الله على سيدنا
محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
حسن البنـا،المرشد العام للخوان المسلمين
ثم يوصيه فيقول) :عليك بتقوى الله ،والتكبير على كل شرف ,
اللهم اطو له البعد ،وهون عليه السفر( رواه الترمذي والنسائي من
حديث أبي هريرة.
ثم يدعو له بقوله) :زودك الله التقوى ,وغفر ذنبك ,ويسر لك الخير
حيثما كنت( أخرجه الترمذي والنسائي من حديث أنس.
ويقول المسافر للمقيم) :أستودعك الله الذي ل تضيع ودائعه( .رواه
الطبراني من حديث أبي هريرة.
ثم يدعو الله بقوله) :اللهم بك أصول وبك أجول وبك أسير( ) ,اللهم
إنا نسألك في سفري هذا البر والتقوى ،ومن العمل ما ترضى ،
اللهم هون علينا سفرنا هذا ،واطو عنا بعده ,اللهم أنت الصاحب
في السفر والخليفة في الهل ,اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر
وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والهل والولد( .وإذا َرجع
ن وزاد فيهن) :آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون( رواه أحمد قاله ّ
والبزار ومسلم وغيرهم من حديث علي وابن عمر وعبد الله بن
سرجس وغيرهم.
فإذا بدأ الركوب قال) :بسم الله( ,فإذا استوى على مركبه قال:
)الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا
لمنقلبون( رواه أبو داود والترمذي من حديث علي رضي الله عنه.
رابعا ـ من أدعية الظواهر الكونية:
– 1إذا رأى المطر قال) :اللهم صيبا نافعا( مرتين أو ثلثة رواه ابن
أبي شيبة من حديث عائشة ,فإذا كثر المطر وخاف ضرره قال:
)اللهم حوالينا ول علينا ,اللهم على الكام والظراب وبطون الودية
ومنابت الشجر( رواه البخاري من حديث أنس.
– 2إذا سمع الرعد والصواعق قال) :اللهم ل تقتلنا بغضبك ول تهلكنا
بعذابك ,وعافنا قبل ذلك( رواه الترمذي والحاكم في المستدرك من
حديث عبد الله بن عمر.
– 3إذا رأى الهلل قال) :الله أكبر ,اللهم أهله علينا باليمن واليمان
والسلمة والسلم والتوفيق لما تحب وترضى ربي وربك الله( ,
)هلل خير ورشد( ثم يقول ثلثا) :اللهم أني أسألك من خير هذا
الشهر ,وخير القدر ,وأعوذ بك من شره( .رواه الدارمي والترمذي
والطبراني وغيرهم من حديث عبد الله بن عمر وغيره.
خامسا ـ من أدعية الزواج والولد:
– 1يقول لمن تزوج) :بارك الله لكما ,وبارك عليكما ,وجمع بينكما
في خير( رواه البخاري ومسلم والربعة من حديث انس وأبي هريرة.
ذن في أذنه حين ولدته ..رواه أبو داود – 2إذا أتي بمولود أ ّ
والنسائي.
– 3تعويذ الطفال) :أعيذك بكلمات الله التامة ,من كل شيطان
وهامة ,ومن كل عين لمة( رواه البخاري من حديث ابن عباس.
– 4إذا أفصح الصبي فليعلمه ل إله إل الله ,وإذا أثغر فليأمره
بالصلة .أخرجه ابن السني من حديث عبد الله بن عمر.
سادسا ـ من أدعية المرئيات:
– 1إذا رأى ما يحب قال) :الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات(.
وإذا رأى ما يكره قال) :الحمد لله على كل حال( .رواه الحاكم وابن
ماجة من حديث عائشة.
– 2إذا رأى وجهه في المرآة قال) :اللهم كما حسنت خلقي فحسن
خلقي وحرم وجهي على النار ,الحمد لله الذي سوى خلقي فعدله ,
وكرم صورة وجهي فأحسنها وجعلني من المسلمين( رواه ابن حبان
وابن مردوية ,والطبراني من حديث عبد الله بن مسعود وعائشة
وأنس.
– 3إذا رأى باكورة ثمرة أو فاكهة قال) :اللهم بارك لنا في ثمرنا ,
وبارك لنا في مدينتنا ,وبارك لنا في صاعنا ,وبارك لنا في مدنا ,
اللهم كما أريتنا أوله فأرنا آخره( ثم يعطيه أصغر ما يكون عنده من
الصبيان .رواه مسلم والترمذي من حديث أبي هريرة.
– 4إذا رأى أخاه المسلم يضحك قال) :أضحك الله سنك( رواه
البخاري ومسلم من حديث سعد بن أبي وقاص.
سابعا ـ من أدعية السلم والتحية:
– 1إذا ب ُّلغ عن أحد سلما رده على المبلغ والمسّلم معا .أخرجه
النسائي وابن القطان من حديث أنس في سلم خديجة.
– 2إذا قال له إنسان إني أحبك ,قال) :أحبك الله الذي أحببتني له(
رواه أبو داود والنسائي وابن حبان من حديث أنس.
– 3إذا قيل له كيف أصبحت ,قال) :أحمد الله إليك( أو قال) :بخير
أحمد الله( رواه أحمد والطبراني من حديث عبد الله بن عمر وأنس.
– 4إذا صنع إليه أحد معروفا قال) :جزاك الله خيرا( رواه الترمذي
من حديث أسامة.
ثامنا ـ من أدعية عوارض الحياة:
– 1إذا أصابه الكرب أو الهم أو الغم أو الحزن يقول) :ل إله إل الله
ظيم ،سبحانه تبارك الله رب العالمين( ) ,توكلت على الكريم الع ِ
الحي الذي يموت( ) ,الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له
شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكّبره تكبيرا( ) ,اللهم
رحمتك أرجو فل تكلني إلى نفسي طرفة عين ،وأصلح لي شأني
كله ,ل إله إل أنت( ) ,يا حي يا قيوم ،برحمتك أستغيث( ) ,ل إله إل
أنت سبحانك إني كنت من الظالمين( ) ,اللهم إني عبدك ،وابن
ي قضاؤك ،أسألك ي حكمك ،عدل ف ّ ضف ّأمتك ،ناصيتي بيدك ،ما ٍ
بكل اسم هو لك سميت به نفسك ،أو أنزلته في كتابك ،أو عّلمته
أحدا ً من خلقك ،أو استأثرت به في علم الغيب عندك ،أن تجعل
القرآن العظيم ربيع قلبي ،ونور بصري ،وجلء حزني ،وذهاب
همي( )ل حول ول قوة إل بالله( ...رواه النسائي وابن حبان من
حديث علي ,والحاكم من حديث أبي هريرة وعبد الله بن مسعود ,
والترمذي من حديث سعد بن أبي وقاص ,وأحمد والبزار من حديث
ابن مسعود.
– 2إذا وقع له ما ل يختاره فليقل) :قدر الله وما شاء فعل ,ول
يقول لو ,فإن لو تفتح باب الشيطان( رواه النسائي من حديث أبي
هريرة.
– 3إن غلبه أمر فليقل) :حسبنا الله ونعم الوكيل( .رواه أبو داود من
حديث عوف بن مالك.
– 4إن أصابته مصيبة قال) :إنا لله وإنا إليه راجعون ,اللهم عندك
أحتسب مصيبتي ,فأجرني فيها وأبدلني منها خيرا( .رواه الترمذي
والحاكم من حديث أبي سلمة.
– 5إذا استصعب عليه شيء قال) :اللهم ل سهل إل ما جعلته سهل ,
وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهل( رواه ابن حبان من حديث أنس.
– 6إذا غضب قال) :أعوذ بالله من الشيطان الرجيم( رواه البخاري
ومسلم من حديث سليمان بن صرد.
– 7إذا ابتلي بالدين قال) :اللهم اغنني بحللك عن حرامك ,واغنني
بفضلك عمن سواك( رواه الترمذي والحاكم من حديث علي.
تاسعا ـ من أدعية المرض والوفاة:
– 1إذا اشتكى وضع يده على موضع اللم من جسده ثم قال) :بسم
الله "ثلث مراث" ,أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد
وأحاذر"سبع مرات"( رواه مسلم من حديث عثمان بن أبي العاص.
– 2إذا عاد مريضا قال) :اللهم أذهب البأس رب الناس ,اشف وأنت
الشافي ,ل شفاء إل شفاؤك ,شفاًء ل يغادر سقما( ويمسح بيده
عليه ويطيب خاطره ..رواه البخاري من حديث عائشة.
– 3وفي العزاء يسلم ويقول) :إن لله ما أخذ وله ما أعطى ,وكل
شيء عنده بأجل مسمى ,فلتصبر ولتحتسب( رواه البخاري.
وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ يعزيه في ابنه:
)بسم الله الرحمن الرحيم ،من محمد رسول الله إلى معاذ بن
جبل :سلم عليك ،فإني أحمد الله إليك الذي ل إله إل هو .أما بعد:
فأعظم الله لك الجر ،وألهمك الصبر ،ورزقنا وإياك الشكر ،فإن
أنفسنا وأموالنا وأهلينا وأولدنا من مواهب الله عز وجل الهنية
وعواريه المستودعة ،نمتع بها إلى أجل معدود ,ويقبضها إلى وقت
معلوم ،ثم افترض علينا الشكر إذا أعطى ،والصبر إذا ابتلى ،وكان
ابنك من مواهب الله الهنية وعواريه المستودعة ,متعك الله به في
غبطة وسرور وقبضه منك بأجر كثير ،الصلة والرحمة والهدى إن
احتسبت ،فاصبر ،ول يحبط جزعك أجرك فتندم ،واعلم أن الجزع
ل يرد ميتا ول يدفع حزنا ،وما هو نازل فكان قد ،والسلم( .رواه
الحاكم وابن مردويه.
– 4وفي صلة الجنازة يدعو للميت بقوله) :اللهم اغفر له وارحمه ,
وعافه واعف عنه ,واكرم نزله ,ووسع مدخله ,واغسله بالماء
والثلج والبرد ،ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب البيض من
الدنس ،وأبدله دارا ً خيرا ً من داره ,وأهل ً خيرا ً من أهله ,وزوجا ً
خيرا ً من زوجه ,وأدخله الجنة ,وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب
النار( .رواه مسلم من حديث عوف بن مالك.
– 5في زيارة القبور يقول) :السلم على أهل الديار من المؤمنين
والمسلمين ,ويرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين ,وإنا إن
شاء الله بكم لحقون ,أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع ,اللهم ل تحرمنا
أجرهم ,ول تضلنا بعدهم( رواه مسلم والنسائي وابن ماجة وابن
السني.
– 3ورد المحاسبة:
وهو استعراض أعمال اليوم ساعة النوم ,فإن وجد الخ خيرا فليحمد
الله ,وإن وجد غير ذلك فليستغفر وليسأل ربه ثم يجدد التوبة وينام
على أفضل العزائم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
حسـن البنــا