You are on page 1of 528

‫‪1‬‬

‫في مواجهة العتباطية‬

‫كتاب في‬
‫نقد المباحث العتباطية لللفاظ ومنهج‬
‫البلغة‬
‫) ويليه كتاب الردّ على الجرجاني (‬

‫‪2‬‬
‫تأليـــــــــف‬
‫عالم سبيط النيلي‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫المقدمة‬

‫أخذت مباحث اللفاظ حيزا ً كبيرا ً في‬


‫اللغة وكانت تفرعاتها مشتركة بين علم‬
‫الكلم من جهة وأصول الفقه من جهة أخرى‬
‫واستعملت على نطاق واسع في التفسير‬
‫سواءً كان للنص القرآني أو غيره كشرح‬
‫الحديث ودراسة متون المرويات ونصوص‬
‫الصحابة ونصوص وخطب الئمة عليهم السلم‬
‫ملت‬
‫كشروح نهج البلغة وغيرها‪ .‬وقد استع ِ‬
‫ق وبمصطلحات مختلفة في‬
‫ق أضي ٍ‬‫على نطا ٍ‬
‫علم البيان أو البلغة ‪.‬‬
‫ي (‬
‫دث عن ) نظام ٍ قرآن ّ‬
‫ولما كنت أتح ّ‬
‫وإعجاز للقرآن من خلل هذا النظام ‪ ،‬ولما‬
‫م ّثل في صورته‬
‫كانت روح هذا النظام تت ّ‬
‫الظاهرة لنا – حاليا ً في القل – في القواعد‬
‫المذكورة في ذلك الكتاب ) النظام القرآني –‬
‫للمؤلف (‪ .‬ولما كانت تلك القواعد تلغي‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪3‬‬
‫ر‬
‫آخ ٍ‬ ‫و‬‫المترادفات وتعيد تفسير اللغة على نح ٍ‬
‫ة‬
‫عام ٍ‬ ‫ة‬
‫ي في الصوت وحرك ٍ‬ ‫ى ذات ّ‬‫هو وجود معن ً‬
‫ة إجمال ً في ك ّ‬
‫ل تعاقب‬ ‫دد ٍ‬
‫ة ( ومح ّ‬
‫) معين ٍ‬
‫م شرح القس م ِ الكبر منه‬ ‫ي – وهو ما ت ّ‬
‫صوت ّ‬
‫م تفنيد‬ ‫في كتاب )اللغة الموحدة ( ‪ ،‬وت ّ‬
‫ونسف العتباطية في اللغة ووحداتها الصلية‬
‫خلفا ً لمزاعم البنيوية الغربية أو الشكّلية‬
‫النظمية العربية بقيادة دي سوسير في‬
‫ولى وعبد القاهر الجرجاني في الثانية‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫م فقد رأيت من‬
‫أقول لما كان ذلك قد ت ّ‬
‫الضروري أن أباشر بنفسي البدء بإلغاء‬
‫م تأسيسها على‬‫ونسف البنى الفوقية التي ت ّ‬
‫هذه النظرية العتباطية لّلغـة ‪.‬‬
‫ة من ثلثة أقسام ٍ ‪ ،‬القسم‬
‫ت رسال ً‬
‫فوضع ُ‬
‫ول منها هو في تفنيد مباحث السلف في‬ ‫ال ّ‬
‫اللفاظ والقسم الثاني هو في إبطال بلغة‬
‫الجرجاني ) أسرار البلغة ( والقسم الثالث‬
‫هو في دلئل إعجازه ‪ .‬وهذان القسمان‬
‫ملت هذا الكتاب حيث‬
‫الخيران هما من مك ّ‬
‫ة كنماذج‬
‫ة عشوائي ً‬
‫اخترنا من كتابيه أمثل ً‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪3‬‬
‫للعتباط ‪.‬‬
‫ن الغاية من ذلك هو المساعدة‬
‫ومعلوم أ ّ‬
‫ء فورا ً بتأسيس البنى الفوقية على‬
‫في البد ِ‬
‫القواعد التي وضعناها في ) قصدية اللغة (‬
‫ر‬
‫ي ونظام ٍ آخ ٍ‬
‫وما يترتب عليها من نظام ٍ قرآن ّ‬
‫للحديث النبوي في نصوصه ‪ ،‬وما يترتب على‬
‫ة للنظر في جميع المشاريع‬
‫ذلك من إعاد ٍ‬
‫السابقة المتعّلقة بشرح وتفسير النصوص‬
‫الدينية والعقائدية وبالشكل الذي يعيد جزءا ً‬
‫من حقائقها الخافية الى الذهان ‪.‬‬
‫صل‬ ‫ة اللغة قد ُ‬
‫ف ّ‬ ‫إن موضوع إثبات قصدي ِ‬
‫ف في كتابنا ) اللغة الموحدة ( ‪.‬‬ ‫وبشك ّ‬
‫ل وا ٍ‬
‫ما هذه الرسالة فهي بمثابة النتائج المترّتبة‬
‫أ ّ‬
‫على ذلك ‪ .‬فهي تقوم بتفنيد هذه المباحث‬
‫وفروعها وتطبيقاتها من خلل تناقضاتها‬
‫وإلغاءها لنفسها ‪.‬‬
‫م التعّرف على‬
‫في كتاب اللغة الموحدة ت ّ‬
‫معاني الحروف وإبطال الجزافية في الوحدات‬
‫الصوتية نفسها ) عمليا ً ( ‪ ،‬علوة على إبطال‬
‫العتباطية ذاتها من خلل تناقضاتها‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪3‬‬
‫الداخلية ‪.‬‬
‫على أن ) مظاهر ( العتباطية في اللغة‬
‫ي‬
‫ت التأسيس النظر ّ‬
‫ق من وق ِ‬
‫هي فكرةٌ أسب ُ‬
‫دد بين ما‬
‫لها ‪ .‬والفارقُ أن التأسيس جعل التر ّ‬
‫ول الى‬
‫هو صحيح وبين ما هو خاطئ يتح ّ‬
‫قواعد أكيدة لما هو خاطئ ‪.‬‬
‫وقد ظهرت الثار السيئة للعتباطية في‬
‫اللغة على كافة مستويات الفكر سواء أكان‬
‫منطقيا ً محضا ً كعلم الكلم أو فقهيا ً في‬
‫الصول أو لغويا ً في المعاجم وعلوم اللغة‬
‫والصرف والنحو والبلغة وفروعها أو فلسفيا ً‬
‫محضا ً كما في الفلسفة عموم ا ً والسلمية‬
‫منها خصوصا ً أو في الشروح والتفاسير‬
‫دت ثمارها في‬‫للنصوص المختلفة ‪ ،‬مثلما أ ّ‬
‫الدب عموما ً ‪ .‬و ُترى تلك الثار واضح ً‬
‫ة من‬
‫خلل إفساد هذه البحوث وتشتيت المعارف‬
‫ة لدرجة‬
‫عب ٍ‬
‫المستحصلة الى فروع كثيرة ومتش ّ‬
‫فقدان الرابط بينها ‪ ،‬وكذالك ضياع طاقات‬
‫ة ل‬
‫إضافية في ملحقة ) مواضيع ( وهمي ٍ‬
‫ة ‪ ،‬بالضافة إلى‬
‫ء أساسي ٍ‬
‫وجود لها وترك أشيا ٍ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪6‬‬
‫‪3‬‬
‫التشويه المرعب للسس المنطقية نفسها –‬
‫ء ُيقال يمكن أن يأخذ حيزا ً‬
‫ي شي ٍ‬‫بحيث أن ا ّ‬
‫من الفكر والعناية ولو كان وهما ً من‬
‫الوهام ‪.‬‬
‫وقد اعترف الجميع أن الحقيقة ضائعة‬
‫ر شتى ‪ ،‬بما‬ ‫وقد ظهرت تلك العترافات بصو ٍ‬
‫في ذلك أدب الرواية ‪ .‬علوة على أ ّنك من‬
‫اليسير جدا ً أن تجدها في نصوص أكثر العلماء‬
‫ة في التفسير – ول أعني هنا علماء‬
‫دي ً‬
‫ج ّ‬
‫السلم فقط أو علماء الديان بشك ّ‬
‫ل خاص‬
‫بل ك ّ‬
‫ل نشاط تفسيري ‪ ،‬بما في ذلك النقد‬
‫الدبي في الغرب ‪.‬‬
‫ولما كنت أعتقد أن الكثير من هذه‬
‫النشاطات في هذه الجوانب مشتركة وإنها‬
‫ة الى أخرى وإن لم تعترف‬
‫تتحرك من جماع ٍ‬
‫الخيرة بفضل الولى ) في تضليلها ( ‪ ،‬ولما‬
‫كنت اعتقد أن الجزء الكبر من أسس وأبنية‬
‫م ) إحكامه ( في‬ ‫هذا الهيك ّ‬
‫ل الوهمي قد تـ ّ‬
‫ن نسف مباحث‬
‫المشرق السلمي ‪ ،‬فإ ّ‬
‫اللفاظ هو أحد الطرائق التي اعتبرتها نافعة‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪7‬‬
‫‪3‬‬
‫إن شاء الله تعالى في تأسيس علم لغوي‬
‫ونقدي يؤّثر في جميع النشاطات المذكورة‬
‫لتعيد الجماعات المختلفة نظرها في كافة ما‬
‫تعتقده من مسّلمات أو قواعد ثابتة ‪.‬‬
‫وسأجعل صورة هذه الرسالة على شك ّ‬
‫ل‬
‫ة جدا ً على طريقتهم في‬
‫ث مختصر ٍ‬
‫مباح ٍ‬
‫ذكرها بمثل ذلك ‪ ،‬سوى أني سأضع العنوان‬
‫لك ّ‬
‫ل منها لتيسير المر على القارئ ‪ ،‬ولكني‬
‫دث بأسلوب جديد يمكن فهمه‬
‫بالطبع سأتح ّ‬
‫بخلف أساليبهم ‪.‬‬

‫القسم الول‪ :‬نقد المباحث العتباطية‬


‫لللفاظ‬
‫المبحث ال ّول ‪ :‬دللـة اللفـظ‬
‫في هذا الفرع مباحث فرعية كثيرة جدا ً ‪،‬‬
‫ولهم فيها مجادلت واسعة جدا ً ‪ ،‬وإذا أردنا‬
‫جمعها فهي ترجع الى أصل واحد ومسألة‬
‫واحدة ‪ .‬ذلك أن مباحث هذا الفرع هي في‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪8‬‬
‫‪3‬‬
‫الدللة وطبيعتها من حيث كونها كّلية يمكن‬
‫تجزئتها أو ل يمكن ؟ وسأوضح المقصود بذلك‬
‫‪ .‬ول يمكن الخوض في تفاصيلهم ‪ :‬ذلك ل ّنهم‬
‫دثوا عن الدللة بلغة وألفاظ كانت هي‬‫تح ّ‬
‫الخرى ورغم ا ً عنهم موضوع البحث ‪ .‬وأعني‬
‫بذلك ‪ :‬أن هناك خلط في المثال المضروبة‬
‫للمناقشات فقد كانت تلك المثال تحمل في‬
‫ذاتها نفس المشكلة ‪ ،‬ولهذا فل يقدر فرد‬
‫واحد ول مجموعة أيضا ً على تصحيح هذا الكم‬
‫الهائل من المجادلت إل ّ بمعرفة قضية‬
‫م بموجبها نسف‬
‫حقيقية وأساسية يتـ ّ‬
‫الموضوع من أصله وتحويل وجهته الى اتجاه‬
‫آخر ‪.‬‬
‫فمفردة مثل ) الشمس ( ل تحمل عندهم‬
‫ن دللتها تأتي من‬
‫في ذاتها أّية دللة ‪ ،‬وإ ّ‬
‫الستعمال والتفاق ‪ .‬وهنا يظهر سؤال آخر‬
‫عندهم هو ‪ :‬هل تحمل المفردة في النص‬
‫جميع المعاني التي تستعمل لهذه المفردة ؟‬
‫ددة من حيث شموليتها –‬
‫ن المعاني متع ّ‬
‫فإ ّ‬
‫فالشمس المعلومة ) في السماء ( ‪ ،‬و لكن قد‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪9‬‬
‫‪3‬‬
‫يقول زيد ) جلست في الشمس ( ‪ ،‬ويقصد‬
‫ضوء الشمس وبالتالي فهو يعني ) جزء ( من‬
‫المعنى الشمل ‪ ،‬أو الكّلي ‪ .‬لكننا نلحظ‬
‫إغفال أمور أخرى ‪ ،‬ففي مثل هذا البحث‬
‫توجد ثلث مشاكل أغفلت ‪:‬‬
‫ىىىىىى ‪ :‬ل يوجد لديهم ) نص ( مفروغ من‬
‫صحته أصل ً لكي يكون مصدرا ً للمثال‬
‫المضروبة – إذ قد أقول بل أجزم أن القول‬
‫) جلست في الشمس ( هو تركيب خاطئ‬
‫لغويا ً – إذ يتوجب مثل ً أن يقول ) جلست‬
‫متعرضا ً للشمس ( و ) عّرضت ثوبي للشمس‬
‫ليجف ( ‪ ..‬الخ ‪ .‬و معلوم أنه بغير أمثال‬
‫) صحيحة ( مفروغ من صحتها ل يمكن‬
‫استمرار المناقشة ‪ .‬وفي الجملة الجديدة ل‬
‫مشكلة من هذا النوع ‪.‬‬
‫ىىىىىىى ‪ :‬إن النص المفروغ من صحته )‬
‫إن وجد ( مثل ) القرآن ( فإنه قد استعمل‬
‫ولكن بصورة معكوسة ‪ .‬أي أن المباحث‬
‫استعملت الشواهد والعبارات المشكوك في‬
‫حتها أو التي يجب أن تكون موضع التصحيح‬
‫ص ّ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪10‬‬
‫‪3‬‬
‫اللغوي جنبا ً إلى جن ٍ‬
‫ب مع عبارات القرآن ‪ ،‬ثم‬
‫ص المفروغ من‬
‫استعملت النتائج لفهم الن ّ‬
‫ي ‪.‬‬ ‫حته أي القرآن !! وهذا عم ٌ‬
‫ل اعتباط ّ‬ ‫ص ّ‬
‫ددت على هذا التناقض في كتاب‬ ‫وقد ش ّ‬
‫النظام القرآني ‪.‬‬
‫ن موضوع البحث هو دللة‬
‫ىىىىىىى ‪ :‬إ ّ‬
‫اللفظ في عمومها ‪ :‬هل هي فردّية أم مر ّ‬
‫كبة‬
‫دد أم يمكن‬
‫من أجزاء؟ وهل لها أصل مح ّ‬
‫إطلقها على أشياء أكثر ؟ ‪ .‬في حين أن‬
‫ة ‪ .‬أي‬
‫ظ ع دّ ٍ‬ ‫الشواهد هي ) مر ّ‬
‫كبات ( من ألفا ٍ‬
‫أن أخذ مفردة مثل ) الشمس ( لدراسة‬
‫دللتها ل يمكن أن يكون داخل جمل وتراكيب‬
‫مؤ ّلفة من وحدات أخرى مع لفظ الشمس‬
‫ل ّنهم إنما يبغون أصل ً فهم دللة اللفظ‬
‫مجّردا ً من أي تركيب ‪ .‬وبهذا يمكن القول أن‬
‫و بنفسه ول قيمة له ولو‬
‫مبحث الدللة متها ٍ‬
‫لم تعرف له بديل ً ‪.‬‬
‫لكننا في المنهج اللفظي أدركنا البديل ‪.‬‬
‫ة ( ‪.‬‬
‫م ٌ‬
‫ة عا ّ‬
‫ظ مجّر ٍد ) حرك ٌ‬ ‫فقد أصبح لك ّ‬
‫ل لف ٍ‬
‫ويمكنك من خلل هذه الحركة الحكم على ما‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪11‬‬
‫‪3‬‬
‫يمكن أن يطلق عليه اللفظ وهو ل زال مجّردا ً‬
‫من أي تركيب ‪ .‬ففي هذا المنهج ل تظهر أّية‬
‫ة من تلك المشاكل النفة الذكر ‪.‬‬
‫واحد ٍ‬
‫ما الفروع الخرى ‪ :‬الدللة المطابقة ‪،‬‬
‫أ ّ‬
‫منية فهي‬
‫الدللة اللتزامية ‪ ،‬الدللة التض ّ‬
‫ساقطة عن العتبار لتناقضها في نفسها ‪.‬‬
‫ه البحث إلى‬
‫جب توجي ُ‬
‫وفي المنهج الجديد يتو ّ‬
‫ة أخرى وهي البحث عن الخطاء‬
‫وجه ٍ‬
‫وتصحيحها في عملية التصحيح الخاص‬
‫و ل ً واستعمال الحركة العا ّ‬
‫مة لفهم ٍ‬ ‫بالنصوص أ ّ‬
‫ق لتلك الحركة من خلل النصوص‬ ‫أعم ٍ‬
‫المفروغ من صحتها عند امتحانها بالمنهج‬
‫نفسه ثانيا ً ‪ .‬فهذا التأسيس هو تأسي ٌ‬
‫س‬
‫ي للمعرفة‬ ‫د كم ّ‬
‫دي إلى تصاع ٍ‬
‫ي ويؤ ّ‬
‫منطق ّ‬
‫بخلف التأسيس العتباطي تماما ً ‪ ،‬وسنو ّ‬
‫ضح‬
‫هذه الفكرة أكثر في ما يلي من المباحث ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪12‬‬
‫‪3‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬المفرد والمر ّ‬
‫كب في اللفظ‬
‫ومدلوله‬
‫القسام المعتمدة عندهم للعلقة بين‬
‫اللفظ ) المفرد والمركب في مدلوله ( وبين‬
‫المعنى هي أربعة أقسام ‪ ،‬لن مدلول ك ّ‬
‫ل‬
‫لفظ أما مفرد أو مركب وكلهما أما يدل على‬
‫معنى أو ل يـدل على معنى وهذه القسام‬
‫هي ‪:‬‬
‫ى مفرٍد ‪ :‬كلـفظ ‪:‬‬
‫ل على معن ً‬ ‫‪ .1‬مفردٌ دا ّ‬
‫ل ‪ ،‬اسم ‪ ،‬كّلم ٌ‬
‫ة ‪.‬‬ ‫فع ٌ‬
‫ِ‬
‫‪ .2‬مفردٌ دا ّ‬
‫ل على لفظ آخر مركب هو بدوره‬
‫دا ّ‬
‫ل على معنى مركب مثل ‪ :‬الخبر ‪ ،‬الكلم ‪،‬‬
‫القول ‪ .‬فالخبر مثل زيد كاتب ـ مر ّ‬
‫كب من‬
‫ألفاظ وهي دا ّلة على معنى مركب من زيد‬
‫والكتابة أو فعل الكتابة‪.‬‬
‫ر )والخر غير‬
‫ظ مفرٍد آخ ٍ‬ ‫‪ .3‬مفردٌ دا ّ‬
‫ل على لف ٍ‬
‫دال على معنى( مثل حروف المعجم‪ :‬ألف ‪،‬‬
‫باء ‪...‬‬
‫ر مركب‬ ‫ظ آخ ٍ‬
‫ل على لف ٍ‬ ‫‪ .4‬لف ٌ‬
‫ظ مفردٌ دا ّ‬
‫ل كلفظ الهذيان والهذر ‪..‬‬ ‫والخير غير دا ّ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪13‬‬
‫‪3‬‬
‫الخ ‪.‬‬
‫نلحظ في التقسيم عدة مشاك ّ‬
‫ل وتناقضات‬
‫‪:‬‬
‫ول ‪ :‬إن التقسيم لم يكن مطابقا ً‬
‫ال ّ‬
‫دمات ‪ :‬ك ّ‬
‫ل مدلول إما مفرد أو مركب من‬ ‫للمق ّ‬
‫ألفاظ ‪ .‬وهذان هما نوعا اللفظ ‪ ,‬وهذان‬
‫النوعان أما يدل على معنى أو ل يدل‬
‫فالحتمالت المتكونة للفظ الصلي ‪ 6‬ل ‪4‬‬
‫ل على مفرد دا ّ‬
‫ل بدوره‬ ‫ومنها المفرد الدا ّ‬
‫على معنى ‪ ،‬والمفرد الدا ّ‬
‫ل على معنى مركب‬
‫حيث لم يذكرا‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬إن التقسيم لم يلتزم ظروفا ً‬
‫حدة لدراسة الوحدة اللغوية ‪ .‬فلو قال ‪:‬‬
‫مو ّ‬
‫ول أسوة‬
‫الفعل – بأل التعريف في النوع ال ّ‬
‫بالنوع الثاني ) الخبر ( لكان لهذا الفعل‬
‫ى مركبا ً – لن الفعل الحقيقي‬
‫بالمعنى معن ً‬
‫هو ما ل يعبر عنه إل بجملة مركبة أو عدة‬
‫جمل ‪ .‬و من جهة أخرى لو قال ) خبر ( بغير‬
‫أل التعريف في النوع الثاني لكان المفهوم‬
‫ول – أي الخبر في النحو‬
‫هو من النوع ال ّ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪14‬‬
‫‪3‬‬
‫ومن غير ذلك ك ّله يمكنك نقل المفاهيم من‬
‫المفرد الى المركب في المثال المضروبة –‬
‫فلفظة ) كلمة ( مثل ً قد تعني خطبة طويل ً‬
‫ة أو‬
‫قصيرةً ل مفردة وهكذا ‪.‬‬
‫إذن تبرز نفس المشكلة المراد وضع‬
‫حلول لها خلل محاولة الح ّ‬
‫ل ‪ .‬إذ يستحيل‬
‫) اعتباطية (‬ ‫التخّلص من‬
‫التأسيس لمبادئ لغوية تعتقد سلفا ً أنها لغة‬
‫ح تجاهلوه‬
‫ي واض ٌ‬
‫اعتباطية !! و هذا امٌر منطق ٌ‬
‫‪ .‬وهذه المناقضة المذهلة وقع فيها جميع‬
‫علماء اللغة في الغرب والشرق بل استثناء ‪،‬‬
‫ولكنهم استمروا في تأسيس مبادئ اعتباطية‬
‫بل أقّر سوسير بما سماه بـ ) المبدأ‬
‫ت في كتاب ) اللغة‬
‫العتباطي ( ‪ .‬وقد أشر ُ‬
‫الموحدة ( الى التناقض في نفس العبارة بين‬
‫مفردتي ) مبدأ – واعتباطي ( حيث ل يمكن‬
‫وصف العتباط بالمبدئية أو المبدأ بالعتباط ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬هناك مشاكل أخرى ‪ :‬فمثل ً إن‬
‫ل ضمنا ً‬
‫النوع الرابع ) الهذيان ( هو لفظ يد ّ‬
‫على وجود ألفاظ أخرى – قالوا ل يدل على‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪15‬‬
‫‪3‬‬
‫معنى ‪ .‬و هذا غير صحيح لن الذي ل يد ّ‬
‫ل على‬
‫معنى – إذا سلمنا أن الهذيان خال تماما ً من‬
‫ك ّ‬
‫ل معنى– هو الجمل والتراكيب ل الوحدات‬
‫المركبة منها وهي موضوع البحث!‬
‫وفي النوع الثالث ل تجد اللفظ الثاني‬
‫في حروف المعجم إل ّ أن يكون المقصود ‪ :‬أ –‬
‫ب – ج من النظام الكتابي الى نظام صوتي‬
‫بنطق التسمية هكذا ألف – باء ‪ ،‬جيم ‪ .‬و هذا‬
‫بالطبع خلف المنهجية في البحث ول قيمة له‬
‫بهذا المعنى ‪.‬‬
‫إذن فالتقسيم متناقض في داخله ول‬
‫يؤدي الى نتائج علمية ‪ .‬ومعلوم أننا أظهرنا‬
‫القيمة الفعلية للوحدات الصوتية وليس‬
‫للمفردات ) اللفاظ ( فقط في كتاب ) اللغة‬
‫الموحدة ( وبالتالي فل قيمة لهذا التقسيم‬
‫في منهجنا ‪ .‬ومع أني أعتمد في هذه البحاث‬
‫ة لـ) لكمال الدين ميثم بن علي‬
‫على خلص ٍ‬
‫دمته‬
‫البحراني ( – ت سنة ‪ 679‬هـ – في مق ّ‬
‫لشرح نهج البلغة ‪ ،‬إل ّ أن المسائل المذكورة‬
‫ي‬
‫وحلولها العتباطية ل تختلف بشيء جوهر ّ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪16‬‬
‫‪3‬‬
‫ة على مبدأ‬
‫ة قائم ٍ‬
‫ة حديث ٍ‬
‫ث لغوي ٍ‬
‫عن أّية أبحا ٍ‬
‫ة بين‬
‫العتباطية في الغرب فيما يخص العلق ُ‬
‫الدال والمدلول ‪.‬‬
‫ن اللفاظ‬
‫و قد ذكر سوسير أن العتقاد بأ ّ‬
‫ل قيمة ذاتية لها هو أمر ل يختلف حوله‬
‫ن العتقاد بوجود‬
‫إثنان ‪ ،‬وأما الصوات فإ ّ‬
‫قيمة لها هو ضرب من الخيال وشيء ل يخطر‬
‫على بال ‪ .‬وهو بهذا ل يختلف عن) ميثـم (‬
‫بشيء في نظرته للصوات إذ اعتبرها غير‬
‫ة على شيء ‪ ،‬وكذلك اللفاظ ل تدل على‬
‫دال ٍ‬
‫المعاني إ ل ّ بعد التركيب كما سيأتيك ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪17‬‬
‫‪3‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬الدللت المختلفة للفظ‬
‫هذا العنوان من وضعنا لنجمع فيه عدة‬
‫أبحاث لعلماء العتباط كّلها تدور في فلك‬
‫واحد ‪ ،‬ومن الواضح أن منشأه المترادفات‬
‫أيضا ً ‪ ،‬ولكنهم كثيرا ً ما كان يعجبهم تفريع‬
‫ة ‪.‬‬
‫ة واحد ٍ‬
‫د ومشكل ٍ‬
‫ل واح ٍ‬
‫أبحاث عديدة لص ٍ‬
‫فالمشكلة نفسها ل تحسم بحل منطقي ـ أما‬
‫التفرعات فيحاولون إيجاد حلول لها !! ‪.‬‬
‫ومن تلك المشاكل الفرعية أن اللفظ قد‬
‫يعطي دللت مختلفة فما هي الدللة‬
‫الحقيقية له من بين تلك الدللت ‪ .‬مثل ً‬
‫) الصلة ( في قوله تعالى ‪:‬‬
‫] إن الله وملئكته يص ّلون على النبي يا‬
‫أيها الذين آمنوا صّلوا عليه وسّلموا تسليما ‪‬‬
‫) الحزاب ‪( 56‬‬ ‫‪/‬‬
‫فالصلة من الله ) رحمة ( ومن الملئكة‬
‫ومن الناس ) استغفار ( ‪ .‬وكقوله تعالى ‪:‬‬
‫] ألم تر أن الله يسجد له من في‬
‫السماوات ومن في الرض والشمس والقمر‬
‫)الحج ‪( 18‬‬ ‫والنجوم ‪/ ‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪18‬‬
‫‪3‬‬
‫فالسجود من الملئكة ) خشوع ( ومن‬
‫الناس وأمثالهم هو المتصور من وضع الجبهة‬
‫على الرض ومن الجمادات هو قسّرية الحركة‬
‫واحتياجها الى الصانع ‪.‬‬
‫وهذا الصل دخل أبحاثا فرعية مختلفة ـ‬
‫مثل اللفظ المشترك هل يستعمل في معانيه‬
‫على الجمع أم ل ؟ أجاز ذلك الباقلني‬
‫والجبائي والقاضي عبد الجبار والشافعي‬
‫ومنع منه أبو هاشم وأبو الحسن البصري‬
‫والكرخي وغيرهم ‪.‬‬
‫الملحظ أن المدخل الى المبحث متناقض‬
‫منذ البدء في المسألة شأنه شأن جميع‬
‫تفرعات ) علم اللغة ( العتباطي ‪ .‬وقد‬
‫أوضحت المسألة في كتاب اللغة الموحدة‬
‫لغرض آخر ـ وأشرت في الختام الى أن نتائجه‬
‫ستلغي جميع تفرعات المسائل العتباطية ‪.‬‬
‫فأصل البحث هو عن مدلولت ) أو مدلول (‬
‫اللفظ ـ ومن ثم التراكيب مجتمعة من ألفاظ‬
‫وليس اشتراك اللفاظ في المدلول ‪ .‬ولكننا‬
‫نلحظهم وكما فعل علماء اللغة في الغرب‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪19‬‬
‫‪3‬‬
‫منذ سوسير يعتبرون اللفاظ الخرى ـ والتي‬
‫هي مدلولت المفردة الولى من معاني‬
‫ى آخر ‪ :‬أنت تبحث عن‬
‫ول ‪ .‬بمعن ً‬
‫اللفظ ال ّ‬
‫معاني اللفاظ ومدلولتها فاللفظ رقم ) ‪( 1‬‬
‫مثل ً تعطيه ثلثة مدلولت ‪ .‬ولكن هذه‬
‫المدلولت استعملت لظهارها ثلثة ألفاظ‬
‫أخرى ‪ ،‬وهذه اللفاظ هي جزء من أبحاثك‬
‫يفترض أّنك تبحث عن مدلولتها أيضا ً فهذا‬
‫العمل ل يقوم به شخص عاقل مطلقا ً لنه إذا‬
‫كان يؤمن بـ ) المترادفات ( ـ فليؤمن ولكن‬
‫يتوجب عليه أن يكون منطقي ا ً فيبحث في‬
‫المرادفات نفسها ول يبحث عن الدللة‬
‫ل لفظ مادام يبدأ فورا ً‬
‫الصلية أو الفعلية لك ّ‬
‫ب وتدمير تلك الدللة‬
‫من المثلة بتخري ِ‬
‫المبحوث عنها ؟!‬
‫في المثال السابق وجميع المثلة عدة‬
‫مشاك ّ‬
‫ل منهجية ‪:‬‬
‫‪ .1‬الصلة من الله ) رحمة ( ‪ :‬هو معنى‬
‫للصلة صيغ بلفظ جديد هو ) رحمة ( ـ وهو‬
‫لفظ يحتاج هو الخر الى دللة وبحث كما‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪20‬‬
‫‪3‬‬
‫ة (‬
‫ة إعتباطي ً‬
‫أشرت ‪ .‬فالبحث ل يفسر ) لغ ً‬
‫وحسب وإنما اسلوب البحث نفسه اعتباطي‬
‫الشكل والمضمون ‪.‬‬
‫‪ .2‬إن هذا التحديد تدمير ) لنظام‬
‫المترادفات ( حتى حينما يؤمن المرء بها ـ إذ‬
‫المفروض وجود حدود معينة للمترادفات‬
‫فتحديد الصلة من الله على أنها رحمة هو‬
‫منتهى التعسف بحق ) المترادفات ( التي هي‬
‫في الصل تعسف بحق اللغة ‪ .‬وهذا يعني أن‬
‫مباحث اللفاظ ل تقوم ال بالمزيد من‬
‫التخريب أو التدمير للنظام اللغوي ‪.‬‬
‫يمكن للمرء أن يقول ‪ :‬إن الصلة من الله‬
‫هي ) لطف ( ‪ ،‬أو ) مودة ( أو ) تأييد ( أو‬
‫‪ ‬اذكروني‬ ‫) عناية ( أو ) ذكر ( ـ كما قال‬
‫أذكركم ‪ ‬أو أّية ألفاظ أخرى ذات صلة‬
‫بالموضوع وما أكثرها ‪ .‬فالتحديد بكونها رحمة‬
‫هو هتك لمجموعة اللفاظ المشتركة في‬
‫نفس موضوع ) اللفظ المشترك ( وفتح‬
‫لمحدود للمترادفات ‪.‬‬
‫وإذا كان النص القرآني أو أي نص آخر ـ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪21‬‬
‫‪3‬‬
‫د لهذا البحث ـ‬
‫ن واح ٍ‬
‫هو الغاية والوسيلة في آ ٍ‬
‫ن عملية التخريب لنفس النص قد بدأت منذ‬
‫فإ ّ‬
‫أن ابتدأ البحث ‪ .‬فعلى سبيل المثال نلحظ‬
‫ة بين الصلة والرحمة في استعمال‬
‫غيري ّ ً‬
‫]‬ ‫) مر ّ‬
‫كب ( واحد من النص القرآني مثل ‪:‬‬
‫أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة ‪/ ‬‬
‫)البقرة ‪ .( 157‬وهو دلي ٌ‬
‫ل أكيدٌ على أن الصلة‬
‫ة ‪.‬‬
‫ف عن الرحم ِ‬
‫شيءٌ مختل ٌ‬
‫وكذلك المر في معناها أي الصلة ـ من‬
‫الملئكة ومن الناس ‪ .‬إذن فالباحث بدأ‬
‫بتخريب ) النصوص ( كّلها منذ بداية البحث ‪.‬‬
‫‪ .3‬دخل هذا المبحث الى الفقه التشريعي‬
‫أيض ا ً ‪ :‬فاختلفوا في ) مبحث الوامر( حول‬
‫] أقيموا الصلة ‪ ‬مثل ً‬ ‫القصدية في المر ‪:‬‬
‫ـ هل المقصود تلك العبادة الخاصة التي‬
‫تتضمن حركات وقراءة معينة أم المعنى العم‬
‫المرتبط بالصلة ؟‬
‫ومن جراء ذلك كانت النتيجة هي ) عدم‬
‫ي مصدُره الكتاب بشك ّ‬
‫ل‬ ‫ه إسلم ّ‬
‫وجود ( فق ٍ‬
‫ن الكتاب هو أحد‬
‫ي ـ وما يقال من أ ّ‬
‫فعل ّ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪22‬‬
‫‪3‬‬
‫ء ـ‬
‫مصادرهم في التشريع فهو مجّرد إدعا ٍ‬
‫ففي أوضح آيات التقسيم في الرث مثل ً ل‬
‫ء معتمد وحاسم ٍ لفهم‬‫يمكن الركون الى شي ٍ‬
‫ددتها‬‫آيات التشريع بصورة دقيقة كما ح ّ‬
‫)السّنة( ـ والتي ظنوا أن ) نصوصها ( قطعية‬
‫الدللة غير قطعية الصدور ـ بعكس الكتاب‬
‫ي الدللة‬
‫ي الصدور غير قطع ّ‬
‫الذي هو قطع ّ‬
‫وهذا مج ّرد احتيال على الموضوع ‪ .‬إذ أن‬
‫النص النبوي هو نص بك ّ‬
‫ل ما يتضمنه معنى‬
‫النص من إحكام وقد أكد الرسول ) صلى الله‬
‫عليه وآله وسلم ( على أنه أوتي جوامع الكلم‬
‫ـ وإن في كلمه شبها ً من كلم الله ‪ ،‬من حيث‬
‫أفاد نص آخر للمام علي ) ‪ ( υ‬أن كلمهم‬
‫) يفسر بعضه بعضا ً ( ـ وهذا يعني وجود نظام‬
‫لفظي في كلمهم كما هو الحال في القرآن‬
‫مع اختلف جوهري ذكرناه سابقا ً ‪.‬‬
‫دي ذلك الى‬
‫وكان من المفترض أن يؤ ّ‬
‫ة‬
‫س علمي ٍ‬
‫) بحث لغوي ( قائم على أس ٍ‬
‫ة ‪ ،‬لكن ذلك لم يحدث ـ واعترف‬
‫ومنطقي ٍ‬
‫ش ّراح نهج البلغة ـ مثلما اعترف مفسروا‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪23‬‬
‫‪3‬‬
‫القرآن بعجزهم عن الفصل في المشترك‬
‫المعنوي أو اللفظي من قبيل قول المام‬
‫علي ) ‪ ( υ‬في خلق الكون ‪:‬‬
‫) أنشأ الخلق إنشاءا ً وابتدأه ابتداءا ً ‪ ..‬الخ (‬
‫قال أحد الشّراح ميثم بن علي البحراني ‪ /‬شرح‬
‫النهج ‪ /‬ج ‪ ) : 132 / 1‬لم أجد لهل اللغة فرقا ً‬
‫بين النشاء والبتداء ( ‪ .‬واعتبر الشارح غياب‬
‫التفريق )مشكلة ( ـ بخاصة إذا أردنا صون‬
‫كلمه ) ‪ ( υ‬عن التكرار !! وهذه نتيجة ل مفّر‬
‫ة لعتباطية اللغة واليمان‬
‫منها ومحتوم ٌ‬
‫بالمترادفات ‪.‬‬
‫ولو أردنا استعمال معاني الصوات وقصدية‬
‫حدة ( وإخضاع‬
‫اللغة في كتاب ) اللغة المو ّ‬
‫ة‬
‫ء نظري ٍ‬
‫هذه الفقرة فقط لها ـ فسنكون بإزا ِ‬
‫ة عن خلق العالم ل علقة لها بك ّ‬
‫ل ما‬ ‫متكامل ٍ‬
‫ت ـ مع‬
‫ذكرته الميتافيزيقيا من أطروحا ٍ‬
‫التأكيد على ترتيب ونسق اللفاظ في هذه‬
‫الجملة ‪.‬‬
‫ل وسأم ٍ (‬
‫وقد أدى ذلك الى حالة ) مل ٍ‬
‫ح لتفسير التراكيب القرآنية والنصّية‬‫واض ٍ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪24‬‬
‫‪3‬‬
‫الخرى والتي ) ظهرت لهم ( على صورة‬
‫ة جدا ً في‬
‫ة وصريح ً‬
‫مكررات وكانت واضح ً‬
‫التفاسير التي أحالت تفسير بعضها على‬
‫ق رغم الختلف في النسق ـ والذي‬ ‫ض ساب ٍ‬ ‫بع ٍ‬
‫زعموا أنه يغّير المعنى الك ّلي للجملة ومع ذلك‬
‫فلم يلتزموا بما ألزموا أنفسهم به من دراسة‬
‫النساق ‪.‬‬
‫وحاول أحد شراح النهج في العصر الحديث‬
‫تجاوز هذا السأم الذي وقع فيه جميع شراح‬
‫النهج قبله وهم علماء سنة ومعتزلة وشيعة‬
‫مختلفون ‪ ،‬ولكنه اعترف في النهاية وبخاصة‬
‫في ما يتعلق بوصف الدنيا والخرة قائل ً‬
‫) حتى مللت ( أو عبارة أشبه بذلك ‪ .‬علما ً أن‬
‫) انساق ( هذه المكررات مختلفة اختلفا ً‬
‫شديدا ً ‪.‬‬
‫ن ) المباحث ( الخاصة‬
‫وعلى ذلك فإ ّ‬
‫ة لها‬
‫ج علمي ٍ‬
‫باللفاظ لم تؤدي الى أّية نتائ ٍ‬
‫ي نشاط‬
‫قيمة تذكر على الصعيد العملي في أ ّ‬
‫فكري ‪.‬‬
‫‪ .4‬إذا أخذنا مثال السجود – نلحظ علوة‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪25‬‬
‫‪3‬‬
‫على الية النفة – السجود لدم في آية ) ‪( 1‬‬
‫– و سجود الظلل في آية ) ‪ – ( 2‬و غير ذلك‬
‫كما في آية ) ‪ ( 3‬و ) ‪ ( 4‬وتكون الحصيلة أن‬
‫السجود كلفظ يحل محل ألفاظ أخرى على‬
‫محوراللفاظ أو ) المعاني ( التي هي ألفاظ‬
‫على الشكل التي ‪:‬‬
‫خشوع‬
‫سجو‬
‫احترام‬ ‫حركة‬
‫د‬
‫إذعان‬ ‫انكباب‬

‫ل مرة ليح ّ‬
‫ل‬ ‫فاللفظ ) سجود ( ‪ :‬يقفز ك ّ‬
‫ل ) لفظ ( آخر ـ كّلما تغير الفاعل‬
‫مح ّ‬
‫وموضوعه المكتوب أسفل المحور ‪.‬‬
‫فهو من الجمادات إذعان ومن النسان‬
‫الوضع الخاص المعروف ومن الملئكة‬
‫خشوع ‪ ..‬الخ ‪.‬‬
‫هذه العملية هي عبارة عن ) تقريب‬
‫للمعاني ( ويقوم بها أدنى الناس معرفة‬
‫بالشياء واللغة وهي في النهاية ليست سوى‬
‫) جعل ( اللفاظ الخرى تدل على معاني‬
‫) ذهنية ( للفظ ) سجود ( ل غير ـ ودخولها‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪26‬‬
‫‪3‬‬
‫بصورتها البدائية الساذجة في متون الشروح‬
‫المتعلقة بدللة اللفظ ـ ل يعني شيئا سوى‬
‫أن علماء اللغة يرغبون في تأسيس مبادئ‬
‫ثابتة لهذه العتباطية والفهم البدائي لللفاظ‬
‫والذي يّتسم باللمنطقية والسذاجة ‪.‬‬
‫مثل هذا الرسم وضعته في كتاب اللغة‬
‫حدة وأمكن التخ ّلص من هذه المشكلة‬
‫المو ّ‬
‫بالكشف عن معاني الصوات ‪ ،‬فالتعاقب ) س‬
‫ـ ج ـ د ( له حركة عامة ويمتلك قيمة أصلية ل‬
‫تتغير ‪ ،‬وهو ما كان ولن يكون بحركة‬
‫التعاقبات الخرى مثل ) خ ـ ش ـ ع ( أو )ا –‬
‫ن – ك – ب ( … الخ ‪..‬‬
‫وتؤدي الذوات المختلفة هذه الحركة ك ّ‬
‫ل‬
‫بحسب طبيعتها وقدراتها وهذه الحركة‬
‫مطلقة فل يمكن أداء ) سجود ( بمعناه‬
‫المطلق ال من المجموعة كّلها أي الموجودات‬
‫بأسرها ـ فهي في حالة سجود فعلي مطلق‬
‫دائم ا ً كمجموع ويمكن للذات ـ حال كونها‬
‫مختارة وحرة أن تسجد بالصورة المرضية‬
‫فليس هناك حدود للحركة في التعاقبات ال‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪27‬‬
‫‪3‬‬
‫حدود نفس التعاقب من حيث أن حركته‬
‫الصلية محددة بوجوده وهذا شيء عام ينطبق‬
‫على ك ّ‬
‫ل تعاقب ذكرت منه مئات المثلة في‬
‫حدة ( ‪.‬‬
‫كتاب ) اللغة المو ّ‬
‫ل ) لفظ ( ألفاظا ً‬
‫وبدل ً من أن نجعل لك ّ‬
‫أخرى للدللة على معناه ـ يتوجب بدل ً من ذلك‬
‫دراسة حركة ك ّ‬
‫ل لفظ لمعرفة المزيد من‬
‫نفس الحركة فهذا يؤدي الى معرفة صحيحة‬
‫للغة والشياء ويجنبنا العبث بالنظام اللغوي‬
‫ويقضي على مشاكله جميعا ً ‪.‬‬
‫وبالطبع يحتاج هذا المر الى معرفة أولية‬
‫م‬
‫بقيمة الصوات ومن ثم التعاقبات وقد تـ ّ‬
‫ذلك ـ وبموجبه يمكن تمييز النظام اللغوي‬
‫المطلق من الكلم عن غيره من الكلم وقد‬
‫م اكتشاف أن القرآن هو كذلك فكان‬
‫تـ ّ‬
‫ولية في محاولة‬
‫) المنهج اللفظي ( مقدمة أ ّ‬
‫الدخول الى ذلك النظام ‪.‬‬
‫‪ .5‬إذن يمكن القول أن البحث اللفظي‬
‫) الكلسيكي ( المتعلق باستعمال اللفظ على‬
‫الجمع هل يجوز أو ل يجوز هو مبحث ساقط‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪28‬‬
‫‪3‬‬
‫عن العتبار ومثاله قوله ) يصّلون ( هل‬
‫المقصود مجموع صلة هؤلء لك ّ‬
‫ل ذات منهم‬
‫وزين مثل ً ‪:‬‬ ‫وك ّ‬
‫ل نوع أو غير ذلك ؟ فقول المج ّ‬
‫أن ضمير الجمع في الفعل ) يصّلون ( بمنزلة‬
‫ددة –‬
‫الضمائر المتعددة المقتضية لفعال متع ّ‬
‫هو محاولة لتبرير المرادفات على المحور وهو‬
‫شيء ل يمكن لهم تحقيقه ‪ .‬أما الذين منعوا‬
‫من ذلك فليس هو بسبب ) قصدية اللغة ( –‬
‫وإنما هو محاولة للجمع بين العتباط و‬
‫د – وهو عين ما يفعله دي‬
‫ن واح ٍ‬
‫القصدية في آ ٍ‬
‫سوسير في علم اللغة العام ‪.‬‬
‫قال ميثم ‪ ) :‬وإن أريد أنه يجوز استعمال‬
‫ح مع‬
‫اللفظ على الجميع كيفما اتفق فهو يص ّ‬
‫دللتها على الفراد فردا ً فردا ً تضمنا ً ( ‪.‬‬
‫ماه‬
‫وهذا التضمن القصدي هو نفس ما س ّ‬
‫سوسير ) الشارة المحفزة ( داخل التركيب‬
‫والموجودة ) ضمنا ً ( في النظام اللقصدي‬
‫أوالعتباطي ومعلوم أن هذا هو الهراء بعينه ‪.‬‬
‫وبالنسبة للتنظير اللغوي في الشرق‬
‫السلمي فهو مخالف للسس المنطقية في‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪29‬‬
‫‪3‬‬
‫ل‪ .‬فالك ّ‬
‫ل هنا اعتباطي‬ ‫خصائص الجزء والك ّ‬
‫كيفما اتفق والجزء قصدي وهو مقلوب المبدأ‬
‫المنطقي مرتين ل مرة واحدة‪.‬‬
‫الصورة النهائية للحل القصدي تتوضح‬
‫بالرسم التي المختلف في التجاه فقط عن‬
‫م‬
‫الرسم في كتاب اللغة الموحدة ‪ ،‬وهو رس ٌ‬
‫ج دَ ( لمجرد‬
‫س َ‬
‫ة مثل ) َ‬
‫ة واحد ٍ‬
‫ة لغوي ٍ‬
‫لوحد ٍ‬
‫التوضيح ‪:‬‬
‫سجد‬ ‫سجد‬
‫سجد‬ ‫سجد‬
‫ج دد‬
‫سج‬‫س‬

‫ملئكة‬ ‫المعنى المطلق) سجد (ظلل‬


‫جماد‬ ‫إنسان‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪30‬‬
‫‪3‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫التخصيص والجمال‬

‫وهذا المبحث يخص اللفظ المشترك ‪.‬‬


‫ذكروا أن اللفظ إذا كان موضوعا ً لمعنيين أو‬
‫صص أحد‬
‫اكثر فإن اقترنت به قرينة تخ ّ‬
‫المعاني فهو ذلك المعنى وإن لم تقترن به‬
‫قرينة من هذا النوع بقي مجمل ً ‪ .‬وهنا اكثر‬
‫من أشكال ‪:‬‬
‫ول ‪ :‬أن القرينة هي لفظ أيضا ً‬
‫ال ّ‬
‫ومشكلته في العموم ) الجمال ( والتخصيص‬
‫هي نفس مشكلة اللفظ موضوع البحث !! ‪.‬‬
‫ة عن الساس المنطقي‬ ‫وهذا تغاف ٌ‬
‫ل أو غفل ُ‬
‫للبحث ‪ .‬وهذا التغافل هو من طبيعة‬
‫العتباطية ولها منه أهداف معينة كما سترى ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬إن القرينة مع وضوحها الكافي ل‬
‫تخرج عن المعنى الذهني أو الصطلحي وهي‬
‫بذلك تقوم بمزيد من اليهام حول اللفظ‬
‫موضوع البحث ‪ .‬وستلحظ في المواضيع‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪31‬‬
‫‪3‬‬
‫اللحقة أن ) اليهام ( هدف من أهداف‬
‫العتباطية أيضا ً وليس أسلوبا ً في البحث‬
‫فقط ‪.‬‬
‫وبسبب هذين الشكالين المنطقيين فقد‬
‫تف ّرع البحث اللفظي هنا الى فروع رئيسية‬
‫أربعة بحيث ُأدخلت المرادفات والمجاز‬
‫والكناية والستعارة وأدوات النفي وعلم‬
‫المنطق كّله للتخلص من اللتباسات الواقع ِ‬
‫ة‬
‫ع‬
‫ة واللفظ بحيث يمكنك جم َ‬
‫بين القرين ِ‬
‫ت من كلمهم في هذا المبحث ‪.‬‬
‫مجلدا ٍ‬
‫ن‬‫ل فرع ‪ ،‬كان الخذل ُ‬‫وفي النهاية ولك ّ‬
‫واضحا ً والفشل ظاهرا ً حينما تلحظ عبارات‬
‫من هذا النوع كما في النصوص الختامية آلتية‬
‫‪:‬‬
‫) فإن كان الراجح من تلك المجازات هو مجاز‬
‫الحقيقة الراجحة ـ علما ً أن الحقيقة الراجحة‬
‫هنا مجازيه وتخمينية ل غير ـ تعّين الحم ُ‬
‫ل‬
‫عليه أو مجاز الحقيقة المرجوحة فيقع‬
‫التعارض بينه وبين مجاز الحقيقة الراجحة‬
‫لختصاص ك ّ‬
‫ل منهما بنوع ترجيح الى أن يظهر‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪32‬‬
‫‪3‬‬
‫جح آخر(‪.‬‬
‫مر ّ‬
‫ونعلق على ذلك بالقول ‪ :‬من أين ومتى‬
‫جح الخر وموضوع البحث هو‬
‫سيأتي المر ّ‬
‫تركيب لغوي ـ جملة مفيدة هي بين أيدينا ؟؟ ‪.‬‬
‫نص آخر ‪:‬‬
‫) وأما إذا تساوت الحقائق فإن اختلفت‬
‫مجازاتها بالقرب والبعد منها حمل اللفظ‬
‫على المجاز القرب وإن لم تختلف في القرب‬
‫والبعد بقي التعارض بينهما متساويا ً لتساوي‬
‫جح ‪!! ( ..‬‬
‫حقائقها الى أن يظهر مر ّ‬
‫ة‬ ‫وهكذا ينتهي الح ّ‬
‫ل العتباطي الى نتيج ٍ‬
‫ة بعد البحث والعناء مفادها النتظاُر الى‬
‫أخير ٍ‬
‫حين ظهور الح ّ‬
‫ل !! ‪.‬‬
‫ة ‪،‬‬
‫ة حتمي ٍ‬
‫ة بصور ٍ‬ ‫ومث ُ‬
‫ل هذه النتائج متوقع ٌ‬
‫يحتمها الساس المتناقض لمبدأ الح ّ‬
‫ل والذي‬
‫ة تخصيص معنى اللفظ في يد‬ ‫جعل ح ّ‬
‫ل معضل ِ‬
‫صص‬‫ر ـ كان هو بدوره ينتظر من يخ ّ‬
‫ظ آخ ٍ‬
‫لف ٍ‬
‫له معناه !! ـ ‪ .‬وهذا خلف مبدأهم المنطقي‬
‫ل ) فاقد الشيء ل يعطيه – أو المفتقر‬
‫القائ ِ‬
‫للشيء ل يعطيه ( ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪33‬‬
‫‪3‬‬
‫ومن الواضح أن الح ّ‬
‫ل القصدي يلغي‬
‫الموضوع مباشرة كما رأيت فل يبقى موضوع‬
‫لهذا البحث وينتقل التخصيص و الجمال الى‬
‫ة العامة للتسلسل أو حركات التعاقب ‪.‬‬
‫الحرك ِ‬
‫وبالتالي تحتاج اللفاظ المجاورةُ – فاعلة‬
‫الحركة مثل ً الى كش ٍ‬
‫ف لحركتها لمعرفة كيفية‬
‫قيامها بهذا الفعل – ففي الح ّ‬
‫ل القصدي‬
‫ة جميعا ً هي‬
‫ة في الجمل ِ‬
‫تصبح اللفاظ الداخل ِ‬
‫موضوع البحث – وعلى خلف الح ّ‬
‫ل العتباطي‬
‫الذي يؤدي الى مزيد من التخريب والعبث –‬
‫يقوم الح ّ‬
‫ل القصدي بتقوية عناصره بعضها‬
‫ببعض ‪.‬‬
‫ي‬
‫ول ّ‬ ‫ل على ذلك اسلوب الح ّ‬
‫ل ال ّ‬ ‫لحظ كمثا ٍ‬
‫في بحث الفقرة ‪ ‬وجعلنا فيها رواسي من‬
‫فوقها ‪ ‬من مجموعة التراكيب في فص ٍ‬
‫ل‬
‫ص من كتاب ) النظام القرآني ( ‪ .‬علما ً أن‬
‫خا ٍ‬
‫ي لنه لم يتضمن‬‫ل الكل ّ ّ‬
‫ل ليس هو الح ّ‬
‫هذا الح ّ‬
‫ي‬
‫ف ابتدائ ٌ‬
‫معاني الصوات وإنما هو كش ٌ‬
‫ص‬
‫ة بالتعاقب من خلل ) ن ّ‬
‫ة الخاص ِ‬
‫للحرك ِ‬
‫غ من صحته ( وغايتي من السلوبين ‪:‬‬
‫مفرو ٍ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪34‬‬
‫‪3‬‬
‫النظام القرآني وقصدية اللغة هو إثبات خطأ‬
‫المباحث اللغوية على جميع المستويات ‪،‬‬
‫ب الثغرةَ الوحيدة في الح ّ‬
‫ل البتدائي‬ ‫وتجن ُ‬
‫ة بالسؤال الشكلي لمن ل يؤمن‬
‫مثل ِ‬
‫والمت ّ‬
‫بوحي القرآن وهو ‪:‬‬
‫ي هو‬
‫ص القرآن ّ‬
‫) من أين لنا أن نعلم أن الن ّ‬
‫ي ؟ (‬
‫ص اله ّ‬
‫ن ّ‬
‫ي ليجيب على هذا‬ ‫فيأتي الح ّ‬
‫ل القصد ّ‬
‫ول مرة في التاريخ النساني‬
‫التساؤل ل ّ‬
‫حينما يكشف عن قيمة الصوات وبالتالي‬
‫دللة المفردة وأخيرا ً عن الن ّ‬
‫ص المفروغ من‬
‫ة من خلل التطبيق ‪.‬‬
‫ة مطلق ً‬
‫صحته صح ً‬
‫وهذا الح ّ‬
‫ل هو الوحيد المنطقي لن الجابة‬
‫ي إلهي بسبب التواتر‬ ‫القديمة ) إن القرآن وح ٌ‬
‫ة‬
‫ة للنبو ِ‬
‫ة ومناقض ٌ‬
‫عن النبي ( هي إجابة مخالف ٌ‬
‫ت كونه رسول ً‬ ‫والرسالة ذلك لن الرسو َ‬
‫ل أثب َ‬
‫من خلل القرآن فل يمكن إثبات القرآن من‬
‫خلل الرسول – وقد كشفت عن هذا التناقض‬
‫في ذلك الكتاب أيضا ً ‪ .‬أما الجابة الخرى‬
‫وهي كونه ) بليغ ( أو فيه أخبار بالمغيبات‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪35‬‬
‫‪3‬‬
‫ة عند الجميع لنها عبارةٌ عن‬
‫فهي غير معتمد ٍ‬
‫ن ( حول العجاز ‪ ،‬أما العجاز نفسه‬
‫) دورا ٍ‬
‫فلم يكشف قبل ظهور الح ّ‬
‫ل القصدي ‪ ،‬وهذا‬
‫ح جدا ً ‪.‬‬
‫أمٌر واض ٌ‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪36‬‬
‫‪3‬‬
‫المبحث الخامس‬
‫وقت ظهور دللة المفردة‬
‫احتال دي سوسر لبراز وقت ظهور دللة‬
‫م تفنيدها في كتاب اللغة‬
‫ة تـ ّ‬
‫المفردة بطريق ٍ‬
‫حدة ‪ ،‬وهي ل تختلف مطلقا ً عن ظهورها‬ ‫المو ّ‬
‫عند قدامى المسلمين فالمعنى يظهر بعد‬
‫الطلق أي إطلق المفردة على الشيء‬
‫وليس قبله ‪ .‬ومثلما أشكل سوسير على ذلك‬
‫ن عكسه يستلزم وجود السماء قبل‬
‫بأ ّ‬
‫ة‬
‫ة غامض ٍ‬
‫ميات ‪ ،‬فقد صاغ العبارات بصور ٍ‬
‫المس ّ‬
‫مرير القصدية من خلل اللقصدية ‪ ،‬لنه‬ ‫لت ّ‬
‫وجد إشكال ً في ذلك فأقّر بالمرين معا ً في‬
‫موضعين مختلفين ‪.‬‬
‫أما ميثم البحراني ) ت ـ ‪ 679‬هـ ( فكان‬
‫ة على هذا‬ ‫واضحا ً في تأسيس مبدأ العتباطي ِ‬
‫الشكال والذي هو غير منطقي متابعا ً الرازي‬
‫ة في الذهن عند‬
‫والجرجاني ‪ .‬وإنطباع الشار ِ‬
‫سوسير يسم ّيه ميثم ) ارتسام ( ومثل هذا‬
‫الشكال في السبقية عند أهل المشرق‬
‫مى في الصطلح ) الدور ( وبقية‬
‫يس ّ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪37‬‬
‫‪3‬‬
‫المفاهيم هي نفسها بل هناك تشابه في‬
‫ة لك ّ‬
‫ل منهما بهذا المعنى ‪.‬‬ ‫اللفاظ المستعمل ِ‬
‫وميثم البحراني هو أحد شراح العتباطية ‪،‬‬
‫ما المؤسس الفعلي فهو عبد‬
‫أ ّ‬
‫القاهرالجرجاني ‪.‬‬
‫ولما كنت قد أوضحت ذلك بالنسبة لسوسير‬
‫فاكتفي بإيراد نص ميثم الذي يقول ‪:‬‬
‫ول من وضع اللفاظ‬
‫) ليس الغرض ال ّ‬
‫المفردة إفادتها لمسمياتها المفردة ( وبذلك‬
‫ولى للتعاقب‬
‫يلغي ميثم وجود القصدية ال ّ‬
‫الصوتي من خلل التعبير عن هذه القصدية بـ‬
‫) المفردة ( لللفاظ المفردة ‪ .‬ثم شرح ذلك‬
‫موضحا ً إشكال السبقية فقال‪:‬‬
‫ة‬
‫) بيان ذلك يستلزم أن إفادتها لها موقوف ٌ‬
‫على العلم بكونها موضوعة لها وهذا يستلزم‬
‫العلم بها قبل الوضع ( ‪ .‬والضمير في ) بها (‬
‫الخير راجع بالطبع الى اللفاظ ل المسميات‬
‫ميها سوسر أحيانا‬
‫) الشياء ( والتي يس ّ‬
‫) الفكار ( ‪ .‬ومعنى العبارة أن الواضع لو كان‬
‫يضع اللفظ خصيصا ً للمعنى أو الفكرة لكان‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪38‬‬
‫‪3‬‬
‫ذلك يعني أنه يدرك معنى محددا ً لك ّ‬
‫ل لفظ‬
‫فهذه هي قصدّية اللفظ ـ وهي شيء رفضوه‬
‫رفضا ً قاطع ا ً ‪ .‬وهنا قال ميثم ‪ ) :‬فلو توقفت‬
‫إفادتها ـ أي تلك الفكار ـ على الوضع لزم‬
‫الدور (‬
‫ولكن ميثم تجاهل أمرا ً آخرا ً هو أن‬
‫م فيه‬
‫الستمرار بالعتقاد أنه ل يوجد زمان ت ّ‬
‫الوضع هو الخر دور ‪ .‬وهذا المر اقّره‬
‫ة‬
‫ة خاص ٍ‬
‫سوسير واعترف به ولكنه اعترف لغاي ٍ‬
‫وهو إدخال ) اللاعتباط ( داخل العتباط‬
‫ة ماكرة ‪.‬‬
‫بطريق ٍ‬
‫ة هي أنه ل يوجد هنا دوٌر إذا‬‫والحقيق ُ‬
‫ول يعلم جيدا ً الرموز‬
‫افترضنا أن الواضع ال ّ‬
‫الحركية والقيمة الفعلية للصوات ‪ .‬وحينما‬
‫أطلق تعاقبات معينة حتى لو كانت بعدٍد‬
‫محدوٍد على الشياء فقد أدخل الشارة الى‬
‫الذهان ضمنا ً وحدث بعد ذلك الشتقاق‬
‫ونت اللغات بالطريقة التي‬
‫وع وتك ّ‬
‫المتن ّ‬
‫حدة ( والتي‬
‫أوضحُتها في كتاب ) اللغة المو ّ‬
‫ت‬
‫م تشكيل تكوينا ٍ‬
‫مرجعها الى المترادفات فت ّ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪39‬‬
‫‪3‬‬
‫ة مستقلة تدريجيا ً لهداف أوضحتها‬
‫لغوي ٍ‬
‫وميول ذكرتها في ذلك الكتاب ‪ ،‬ولها جميعا ً‬
‫ة حيث‬ ‫م ٍ‬ ‫ة في ك ّ‬
‫ل أ ّ‬ ‫بقايا ظاهرةٌ وواضح ٌ‬
‫ة‬
‫ظ عدةٌ في نفس اللغة الواحد ِ‬ ‫ل ألفا ٌ‬
‫ُتستعم ُ‬
‫د‬
‫د حسب المناطق ‪ ،‬فلم يستف ْ‬‫ى واح ٍ‬
‫لمعن ً‬
‫ة لفهم طريقة نشوء‬‫سوسير من هذه الظاهر ِ‬
‫اللغات وتجاهل هذا النشوء تماما ‪ .‬وإنما‬
‫ة ‪.‬‬
‫استعمل الظاهرة كدليل على العتباطي ِ‬
‫وقد أوضحت أن هذا هو تغاف ٌ‬
‫ل شديدٌ ـ لن‬
‫ول والخير هو صياغة دللة اللفظ‬
‫الشكال ال ّ‬
‫ظ أخرى تحتاج هي بدورها الى‬
‫عن طريق ألفا ٍ‬
‫ددة ‪.‬‬‫ح لدللتها المتع ّ‬
‫إيضا ٍ‬
‫وقد أعلن ميثم أن الدللة تظهر متأخرة بعد‬
‫الطلق وهو ما زعمه سوسير فيما بعد ‪ .‬قال‬
‫ميثم ‪:‬‬
‫ول منها ـ أي اللفاظ ـ‬
‫) بل الغرض ال ّ‬
‫هم ما يتركب من تلك‬
‫تمكن النسان من تف ّ‬
‫المسميات بواسطة تركيب تلك اللفاظ‬
‫المفردة( ‪ .‬وفي هذا النص إشكال منطقي‬
‫تخّلص منه سوسير بتجاهله وباستعمال‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪40‬‬
‫‪3‬‬
‫أساليب ملتوية وهو ‪ :‬إن النسان ل يمكنه‬
‫التفهم مما يتركب من المسميات ما لم يدرك‬
‫سلفا ً لما هي موضوعة له من المعاني‬
‫المفردة ‪.‬‬
‫أما ميثم ـ فقد ترك هذا العتراض‬
‫ة تخص المركبات‬
‫الجوهري ليصوغه بطريق ٍ‬
‫الكّلية ـ ليتجاوز مشكلة العلقة بين الدال‬
‫والمدلول فاعترض على نفسه قائل ً ‪:‬‬
‫م بعينه في‬
‫) ل يقال ‪ :‬ما ذكرتموه قائ ٌ‬
‫المركبات إذ المركب ل يفيد مدلوله إل عند‬
‫العلم بكون اللفاظ موضوعه لتلك المعاني ( ‪.‬‬
‫) ل نس ّلم بذلك ـ فمتى علمنا وضع ك ّ‬
‫ل واحد‬
‫من تلك اللفاظ المفردة لك ّ‬
‫ل واحد من تلك‬
‫المعاني المفردة فإذا توالت اللفاظ المفردة‬
‫بحركاتها المخصوصة على السمع ارتسمت‬
‫المعاني المفردة في الذهن مستلزمة للعلم‬
‫بنسبة بعضها الى بعض ( ‪.‬‬
‫إذن فالقيمة الصلية للمفردة غير موجودة‬
‫وإنما تظهر من خلل نسبة اللفاظ بعضها‬
‫الى بعض أي خلل الجملة ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪41‬‬
‫‪3‬‬
‫والشكال الخير على هذا النص هو إذا كان‬
‫المر كذلك فل يوجد شيء اسمه ) الهذيان (‬
‫وهو القسم الرابع من أقسام اللفظ والذي‬
‫مركباته ل تعني شيئ ا ً ‪ ،‬إذ أن النسبية يفترض‬
‫أن تعمل دائما ً فتعطي اللفاظ مدلولت‬
‫كيفما اتفق الكلم وهو أمٌر ل يقّر هُ علماءُ‬
‫اللغة جميع ا ً ـ ولكنه استنتاج حتمي ـ وسوف‬
‫نلحظه واضح ا ً في بلغة الجرجاني حيث أصبح‬
‫الهذيان ـ عملي ا ً عنده من احسن البلغات !! ‪.‬‬
‫م نسف هذا المبحث‬ ‫وفي الح ّ‬
‫ل القصدي يتـ ّ‬
‫من جذوره إذ يتناقض المفهوم البسيط‬
‫والبدائي عن المترادفات وهو وجود حدود‬
‫معينة لللفاظ المترادفة حتى وفق النظرة‬
‫العتباطية العامة فل يمكن أن يقفز لفظ‬
‫) بحر ( ليكون أحيانا بمعنى ) تفاح ( ‪ .‬وهذه‬
‫الحدود وفق نفس المبدأ العتباطي تقوم‬
‫بإلغاء أصول هذا المبحث ) أي أن هذه الحدود‬
‫المعترف بها حتم ا ً في العتباطية تستلزم‬
‫وجود قصدية أولى ( ‪ .‬فكيف إذا تسّنى لنا‬
‫معرفة القيمة الفعلية للصوات وبالتالي‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪42‬‬
‫‪3‬‬
‫القيمة الحركية لك ّ‬
‫ل لفظ على حدة ؟‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪43‬‬
‫‪3‬‬
‫المبحث السادس‬
‫المجــاز والحقيقــة‬
‫ف‬
‫دة تعاري ٍ‬
‫عّرفوا المجاز والحقيقة بع ّ‬
‫ة ‪ .‬والكثرية‬
‫ة واحد ٍ‬
‫ولكنها تؤدي الى نتيج ٍ‬
‫على أن المجاز هو ‪ ) :‬إذا عدل باللفظ عن‬
‫من جازه إذا‬
‫ه مجاٌز ِ‬
‫ف بأن ّ ُ‬
‫ص َ‬
‫و ِ‬
‫وضعه اللغوي ُ‬
‫داه بمعنى أن الذهن إذا انتقل باللفظ الى‬
‫تع ّ‬
‫ر معناه الذي وضع له فهو مجاز ( ‪.‬‬ ‫ى غي ِ‬
‫معن ً‬
‫ل كلمة ُأفيد بها ما‬
‫ما الحقيقة فقالوا ‪ ) :‬ك ّ‬‫أ ّ‬
‫وضعت له في أصل الصطلح الذي وقع‬
‫التخاطب به ( ‪.‬‬
‫ن ميثم ـ وهذه هي عبارته ـ حذٌر‬
‫ح أ ّ‬
‫واض ٌ‬
‫جدا ً في تعريف الحقيقة ‪ ،‬لنه أدرك أن‬
‫تعريف المجاز مناقض لفكرة العتباطية حينما‬
‫وضع له وإذن فل‬ ‫دد أن لك ّ‬
‫ل لفظ معنى ُ‬ ‫ح ّ‬
‫اعتباطية ‪ .‬وأراد التخلص من ذلك عند تعريف‬
‫الحقيقة فجعلها تظهر خلل التخاطب تخلصا ً‬
‫ة لك ّ‬
‫ل لفظ ‪.‬‬ ‫ة مستقل ٍ‬
‫من القرار بوجود قيم ٍ‬
‫وهذا هو عين ما حاول اللغويون في الغرب‬
‫إبرازه من بعده بل هو جوهر ما قامت وتقوم‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪44‬‬
‫‪3‬‬
‫به البنيوية الحديثة والتفكيكية الخيرة ‪ .‬ولكن‬
‫هنا مشكلة أخرى هي أن تغّير الدللة خلل‬
‫التراكيب المختلفة كانت هي الظاهرة التي‬
‫أثبتوا من خللها مبدأ ظهور الدللة بعد‬
‫الستعمال – وهي بالتالي دللة متغيرة حسب‬
‫التراكيب – وهو أيضا ً مبحث اقّروه ) تعدد‬
‫المعاني للمفردة ( – فكيف يمكن بعد ذلك‬
‫ي من تلكم الدللت هو المقصود في‬
‫معرفة أ ّ‬
‫عبارته ) أصل الصطلح الذي وقع به‬
‫ض المبادئ‬
‫التخاطب ( ؟ ‪ .‬إذن فالتعريف يناق ُ‬
‫ة قبل المباشرة بالتطبيق الفعلي ‪.‬‬
‫الموضوع ِ‬
‫وقد رضي علماء اللغة بهذه الحال –‬
‫س من استعماله‬
‫ل ّنهم ظنوا أن ما أكثر النا ُ‬
‫ى للفظ هو ذلك الصطلح الصلي وهو‬‫كمعن ً‬
‫خطأ شنيع ‪.‬‬
‫وأقول أيضا ً ‪ :‬إن ميثم قد احتاط بصور ٍ‬
‫ة‬
‫ة في انتقاء العبارات وهو يدرك جيدا ً‬
‫مشدد ٍ‬
‫أن المؤسسين لهذه الفكار أعني الجرجاني‬
‫ت‬
‫والرازي وغيرهم قد ظهرت لديهم التناقضا ُ‬
‫ة في‬
‫ة وميثم هو أكثرهم رغب ً‬
‫ة مكشوف ٍ‬
‫بصور ٍ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪45‬‬
‫‪3‬‬
‫إحكام القضية وإن كان اقّلهم شهرةً في‬
‫المشرق والمغرب ‪.‬‬
‫ومعلوم أن التأكيد على أن الصل هو‬
‫ة‬
‫اصطلح والعتراف بهذا المر يناقض من جه ٍ‬
‫) الحقيقة ( بما هي حقيقة‬ ‫أخرى تعريف‬
‫في علم الكلم العام ‪ .‬لن الستعمال‬
‫الصطلحي عرضة للتغّير زيادة على كونه‬
‫دد بنفسه – ل ُيعلم ما هو ) حقيقة ( على‬
‫متع ّ‬
‫التعريف وما هو ) مجاز ( وإذن فنحن بازاء‬
‫حقيقة متغيرة دوما ً – وهو المر الذي اقّره‬
‫دي سوسير في علم اللغة وأجاب على‬
‫ة تثير العجب حيث زعم أن‬
‫تناقضاته بطريق ٍ‬
‫التغير نفسه اعتباطي ولكن نظام اللغة يعيد‬
‫توازنه كّلما حدث التغير وقد سألنا عند ذلك ‪:‬‬
‫ما فائدة علم اللغة إذا كانت اللغة تقوم‬
‫تلقائيا ً بتعديل الوضع وإعادة التوازن ؟ ‪ .‬كما‬
‫سألنا أسئلة عدة عن ) العلقة بين التغير‬
‫ي‬
‫العتباطي والتوازن النتظامي ( بما يؤد ّ‬
‫م وهو أن هذه الفكار ل تمت الى‬
‫الغرض الها ّ‬
‫العلم بصلة تذكر ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪46‬‬
‫‪3‬‬
‫وفي الح ّ‬
‫ل القصدي ل توجد مشكلة من‬
‫هذا النوع لنه ببساطة ل يوجد مجاز وحقيقة‬
‫دد لمدلول اللفظ ومثلما ل‬
‫– مثلما ل يوجد تع ّ‬
‫خ بين مدلول ك ّ‬
‫ل لفظ والدوال‬ ‫يوجد خلط فاض ٌ‬
‫الخرى من اللفاظ ‪.‬‬
‫المبحث السابع‬
‫أقســـام المجــــاز‬
‫القسم ال ّول من المجاز ‪ :‬وقوعه في اللفظ‬
‫المفرد ‪.‬‬
‫مثل لفظ السد إذا أطلق على الشجاع ‪.‬‬
‫ولفظ الحمار على البليد ‪.1‬‬
‫وفي هذا مشاكل أخرى غير ما ذكر سابقا ً ـ‬
‫فالمشاكل السابقة لزالت قائمة أما المشكلة‬
‫الجديدة فهي أن التراكيب المذكورة هي‬
‫ح ـ‬
‫ح وقد ل تص ّ‬‫) مقولت ( مستعملة قد تص ّ‬
‫فالستعمال حتى لو كان كثيرا ً فل علقة له‬
‫بصحة الستعمال وخطأه على نفس الفهم‬
‫العتباطي ـ إذ المفروض أن الغاية هي‬
‫ح من الكلم ـ‬
‫ح وما ل يص ّ‬
‫معرفة ما يص ّ‬
‫‪1‬‬ ‫‪ 1‬انظر البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن للزملكاني‪ /‬المجاز والمثل نفسه ُيكّرُر في المباحث‬
‫‪2‬‬ ‫العتباطية في جميع أو اكثر المؤلفات ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪4‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪47‬‬
‫‪6‬‬
‫والبحاث تبدأ بدللت اللفاظ أول ً وخلل ما‬
‫هي تبحث عن الدللة تستعمل النص العام‬
‫والعادي جدا ً في حين أن اق ّ‬
‫ل ما ُيفترض أن‬
‫در ولو‬‫ة ممن يـق ّ‬‫ص مختار ٍ‬‫تفعله هو أخذ نصو ٍ‬
‫ة ‪ .‬فيمكن للمرء‬‫ة صحيح ٍ‬ ‫إجمال أنه يتحدث بلغ ٍ‬
‫أن يقول أن السم الصطلحي نفسه متغي ٌّر‬
‫وإنه كان يوما ما غير السد مثل الليث أو‬
‫الضيغم أو غير ذلك ‪ ،‬مثلما يمكن القول أن‬
‫هذا الطلق نفسه ) السد على الشجاع ( ل‬
‫ح ‪ .‬كذلك يمكن القول أن إطلق الحمار‬
‫يص ّ‬
‫ح ‪ .‬ومن جهة أخرى فإن‬
‫على البليد ل يص ّ‬
‫المدلولت لم يتم استعراضها لمعرفة ما هو‬
‫الصل في الصطلح وتجد نفسك فورا ً أمام‬
‫ور معانيها الصلية ‍ ! ‪.‬‬
‫مدلولت فرغوا من تص ّ‬
‫وهذه العملية بمجموعها ل تمت الى العلم‬
‫ة ‪.‬‬
‫بصل ٍ‬
‫ففي النص القرآني نلحظ أنه تجنب إطلق‬
‫لفظ الحمار على النسان البليد ‪ .‬لماذا ؟ لنه‬
‫إذا كان المجاز هو تجاوز ) الحقيقة (‬
‫والحقيقة هي الصحيح فالمجاز إذن خطأ ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪48‬‬
‫‪3‬‬
‫ة في المنطق أهملوها رغم‬
‫ة هام ٌ‬
‫وهي مسال ٌ‬
‫كثرة ما تفاخروا بدقة منطقهم‪.‬‬
‫ث عما هو صحيح‬
‫وعلم اللغة ُيفترض أن يبح َ‬
‫ويمّيزه عما هو خطأ في الستعمال فالتعريف‬
‫إذن للمجاز والحقيقة يحمل ضمنا ً إقرارا ً‬
‫بجواز الستعمال الخاطئ‪ ،‬والتشابه بين‬
‫المقولت ل يحل الشكال‪.‬‬
‫ة لهذا‬
‫ة مختلف ً‬
‫استعمل القرآن معادل ً‬
‫الطلق ‪ ،‬وذلك بالقيام بأربع عمليات لتبرير‬
‫إطلق لفظ الحمار على النسان إذا اعتبرنا‬
‫أن ما فعله نوعا ً من الطلق مع أنه ليس‬
‫كذلك كما سترى ‪ .‬وذلك في الية الكريمة ‪:‬‬
‫] مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها‬
‫كمثل الحمار يحمل أسفارا ‪ ‬آية ‪/ 5‬‬
‫الجمعة ‪.‬‬
‫وهذه العمليات هي ‪:‬‬
‫ن وهو‬
‫ل كائ ٍ‬
‫ىىىىىى ‪ :‬أنه قام بتسمية فع ٍ‬
‫ل محدّ دٌ من أفعال النسان كما قام‬‫فع ٌ‬
‫ل من أفعال الحمار هو حمُله‬
‫بتسمية فع ٍ‬
‫ر ‪.‬‬
‫السفا ِ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪49‬‬
‫‪3‬‬
‫ىىىىىىى ‪ :‬أنه جعل لهذا الفعل مثل ً ‪ ‬مثل‬
‫ملوا التوراة ثم لم يحملوها ‪. ‬‬
‫ح ِ‬
‫الذين ُ‬
‫ىىىىىىى ‪ :‬أنه جعل لفعل الحمار مثل ً ‪.‬‬
‫] ‪ ..‬كمثل الحمار يحمل أسفارا ‪. ‬‬
‫ىىىىىىى ‪ :‬أنه عقد التشابه بين مثلي‬
‫الفعلين ل بين الفعلين ول بين الكائنين ‪.‬‬
‫ملوا [ التوراة ] ك [‬
‫] مثل [ الذين ] ح ّ‬
‫] مثل [ الحمار] يحمل [ أسفارا ً‬
‫وك ّ‬
‫ل ما فعله هو عقد التشابه وليس‬
‫الطلق المباشر ‪ .‬فابتعد بذلك عن إطلق‬
‫لفظ الحمار على النسان بخمس خطوات‬
‫كمجموع ‪.‬‬
‫وكذلك فعل حينما أراد عقد الشبه بين فعل‬
‫ن وفعل الكلب ‪ ،‬ولكنه هنا ابتعد‬
‫ن معي ٍ‬
‫إنسا ٍ‬
‫ظاهريا ً ثلث خطوات بيد أنه أحاط الخطوتين‬
‫ل منهما بمث َ ٍْ‬
‫ل ( بالفعل‬ ‫ل ك ّ‬
‫مثيل فع ِ‬
‫) وهما ت ّ‬
‫نفسه ولم يذكر أنه م َثل للفعل فاكتفى بعقد‬
‫الشبه بين مثليهما ـ ولكن العدد يبقى نفسه ‪.‬‬
‫إذا لحظنا بداية الية حيث أمر الرسول أن‬
‫يتلو نبأه ) وفعله جزء منه ( ثم قام بعقد‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪50‬‬
‫‪3‬‬
‫الشبه بين المثلين ‪:‬‬

‫] وات ُ‬
‫ل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ‬
‫منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ‪ .‬ولو‬
‫شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد الى الرض واّتبع‬
‫هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث‬
‫العراف ‪. 176‬‬ ‫أو تتركه يلهث ‪‬‬
‫فالشبـه ـ إذا تركنا أّية محاولة للتدخل ـ‬
‫بعيد بثلثة مراحل لنه تشبيه ل إطلق هذا‬
‫أول ً ‪ .‬وثاني ا ً هو تشبيه بين مثلي ك ّ‬
‫ل منهما ـ‬
‫ل واحد منهما مث ْ‬
‫ل والشبه هو بين‬ ‫فلك ّ‬
‫المثلين ونحن بالطبع ل نعلم المثلين ‪.‬‬
‫وفي آيات أخرى كان السياق يبدأ بقوله ‪‬‬
‫[ ثم يذكر المثل‬ ‫واضرب لهم مثل ً ‪..‬‬
‫ويفترض أن يقوم الرسول ) صلى الله عليه‬
‫وآله وسلم ( لو سألوه بأخبارهم بالمثل‬
‫ح للتشبيه ولكن يبدو‬
‫المجهول لفهم أدق وأص ّ‬
‫انهم فهموا أن هذا هو المثل واستمر العلماء‬
‫يذكرون أمثال القرآن ـ في حين أن المثال‬
‫م فيه‬ ‫نفسها ظّلت خافية في ك ّ‬
‫ل سياق ت ّ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪51‬‬
‫‪3‬‬
‫التشبيه بين الشيء ومثله أو بين المثلين ‪.‬‬
‫بينما كان التشبيه مباشرا ً في آيات أخرى ‪.‬‬
‫وعلى ذلك يظهر جلي ا ً أن إطلق لفظ على‬
‫معنى لفظ آخر للدللة عليه أو نقله من أصله‬
‫لمعنى آخر لم يحدث في القرآن مطلقا ً ‪.‬‬
‫وقد عالجنا بعض المجازات والكنايات‬
‫والستعارات الخرى في كتاب "النظام‬
‫م توضيح ذلك ‪.‬‬
‫القرآني" وت ّ‬
‫ىىى ىىى ىىىىىى ىىىىىى ىىىىىىىىى ىىى‬
‫ىىىىىى ىىىىىىىى ‪.‬‬

‫القسم الثاني ‪ :‬هو أن يقع المجاز في‬


‫المركب فقط ‪.‬‬
‫ومعناه أن ك ّ‬
‫ل لفظ وقع على الصل ولكن‬
‫د‬
‫الجملة المتكونة غير مطابقة للوجود على ح ّ‬
‫تعبير ميثم وهو ينقل اختصارات عبد القاهر ‪.‬‬
‫] وأخرجت الرض أثقالها ‪‬‬ ‫ومثاله ‪:‬‬
‫الزلزلة ‪.2 /‬‬
‫وهنا أيضا ً إشكال وتناقض في تعريف‬
‫ح‬
‫المجاز ل يمكن السكوت عليه لنه فاض ٌ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪52‬‬
‫‪3‬‬
‫للغاية ‪ .‬لننا إذا رجعنا الى مسألة ظهور‬
‫المعنى – نلحظ أنه يظهر بعد وجود اللفظ‬
‫في التركيب وهو كذلك عند سوسير في‬
‫ول والثاني‬
‫الغرب ‪ .‬وهذا يعني أن اللفظ ال ّ‬
‫والثالث … الخ في المركب ل يعلم مدلول ك ّ‬
‫ل‬
‫منهما إل من خلل الستعمال والمركب منهما‬
‫بالطبع فكيف أصبح مجموع الجزاء والتي ك ّ‬
‫ل‬
‫منها حقيقي في موضعه – أجزاء المركب –‬
‫كيف اصبح المجموع مجازيا ً والمفروض أّنك ل‬
‫تعلم الصل إل ّ من الستعمال ؟ ‪ .‬قد يجاب‬
‫دد سابقا ً‬
‫ن الستعمال الكثر ح ّ‬
‫على ذلك بأ ّ‬
‫ى معينا ً أطلق عليه الصل ‪ .‬ولكن‬
‫معن ً‬
‫الملحظ أن هذا يناقض السلوب والغاية من‬
‫د ‪ ،‬ثم نسأل‬
‫ت واح ٍ‬
‫إنشاء علم اللغة في وق ٍ‬
‫من أين جاء الصل ونحن نبحث عنه ؟ لن‬
‫دعى أنه يدرس النساق وهو كذلك‬
‫السلوب ا ّ‬
‫عند سوسير فإذا كان ثمة تحديد سابق للدللة‬
‫ن دراسة النساق ل فائدة منها ‪ ،‬إذ ل‬
‫فإ ّ‬
‫تسمح الدللة السابقة بتغيير المعنى في‬
‫التراكيب المتجددة وإذا كانت تسمح بحدوث‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪53‬‬
‫‪3‬‬
‫دة‬
‫ن معايير المجاز ليست متجد ّ‬
‫المجاز فإ ّ‬
‫وإنما محددة والنتيجة واحدة – إذ يبقى السد‬
‫يطلق على الشجاع ولن يطلق على ) الكريم (‬
‫دد مطلقًا‪.‬‬
‫ول على ) الرض ( ول يتج ّ‬
‫أما المثال فإني ل استحي أن أقول أنه‬
‫يدل على الحمق وقد ذكرت سابقا ً أن القول‪:‬‬
‫ن ) الثمرات التي تخرج من أكمامها ( مجاز‬
‫بأ ّ‬
‫وكل فعل منسوب الى غير فاعله الصلي أو‬
‫صفة لشيء غير فاعل فيها مثل سيف ضارب‬
‫وزورق غارق هي مجازات – وقد ذكروا هذه‬
‫المثال نفسها في متون الشروح – ذكرت‬
‫سابقا ً أننا إذا سرنا بهذا الطريق في تحديد‬
‫ة أن الغلب‬
‫ة الواضح ُ‬
‫المجاز المركب فالنتيج ُ‬
‫هو المجاز وليس الحقيقي ‪.‬‬
‫ول يمكن أن نتصور أن أحدا ً ما لن يعبأ‬
‫بهذه النتيجة قائل ً ‪ :‬فليكن ‪ .‬لن النتيجة‬
‫تخالف أصول المبحث في التعاريف – إذ يفهم‬
‫منه أن لكل لفظ أصل اصطلحي وضع له –‬
‫ول يمكن بالطبع هنا القيام بأية محاولة‬
‫للحتيال على المر ‪ ،‬لنك إذا قلت أن هناك‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪54‬‬
‫‪3‬‬
‫لفظ واحد فقط لم يوضع في الصطلح‬
‫خ إذ يسقط فورا ً‬
‫ت في الف ّ‬
‫لمعنى ما وقع َ‬
‫موضوع المجاز برمته ‪.‬‬
‫أثبتنا في كتاب النظام القرآني بحدود‬
‫ثلثين استعما ل ً مختلفا ً للـفظ ) ذاق ( وقد‬
‫أخذ منه العلماء موردين فقط لثبات أو شرح‬
‫مجازات معّينة في حين أن الموارد الثلثين‬
‫كلها يبنبغي أن تكون مجازات وفقا ً لتلك‬
‫ت هناك ‪:‬‬
‫ددت الصل وتساءل ُ‬
‫القاعدة التي ح ّ‬
‫أين هو الستعمال الصلي ؟ فإذا لم يرد في‬
‫جميع الموارد القرآنية وهي كثيرة فأين‬
‫هو ؟ ‪.‬‬
‫في حين أن الفكرة العامة هي أن المجاز‬
‫ل ) جزئي ( هو دوما ً اقل عددا ً من‬
‫استعما ُ‬
‫الستعمال الحقيقي لكل لفظ – وإذا تم وضع‬
‫ثبت بكافة اللفاظ في كتاب مثل القرآن‬
‫فالنتيجة هي مثل النتيجة في لفظ ) ذاق ( ‪.‬‬
‫وفي مثال الرض – وجميع الجمادات‬
‫مشاكل وقعوا فيها ففي قوله تعالى ‪:‬‬
‫) ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪55‬‬
‫‪3‬‬
‫وللرض اتيا طوعا ً أو كرها ً قالتا أتينا‬
‫طائعين (‪ ...‬فصلت ‪11‬‬
‫برهنت على نحو واضح ومن خلل‬
‫الستعمال القرآني المحكم النظام أن‬
‫) القول ( هو غير ) الكلم ( وأنه ممكن أن‬
‫يصدر منهما ) أي السماء والرض ( قول‬
‫حقيقي ‪ ،‬وهذا يدل دللة أكيدة على أن الصل‬
‫الصطلحي هو الخر اعتباطي ولكن المؤسف‬
‫أنه هنا ليس اعتباطا ً في الستعمال بل‬
‫اعتباطي في أذهان علماء اللغة بينما هو ليس‬
‫كذلك عند العوام ‍ !! ‪.‬‬

‫القسم الثالث من المجاز ‪ :‬ما وقع في‬


‫اللفظ والمركب مع ا ً ) على حد تعبيرهم (‬
‫وفيه بالطبع جميع الشكالت النفة الذكر ‪.‬‬
‫ولكنه السوء فيها جميع ا ً من حيث اعتبار‬
‫الستعمال الخاطئ صحيحا ً ومحاولة تأسيس‬
‫قواعد لستيعاب هذا الستعمال الخاطئ ‪.‬‬
‫ه ‪:‬‬
‫ومثاله على حد تعبيرهم قولك لمن ُتحب ّ ُ‬
‫أحياني اكتحالي بطلعتك )من أمثلة عبد‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪56‬‬
‫‪3‬‬
‫القاهر نقلوه جميع ا ً في كتبهم ( ‪.‬‬
‫والخطاء هنا متراكبة ‪.‬‬
‫ة أن الستعمال الحقيقي ليس‬ ‫فمن جه ٍ‬
‫واضحا ً وإنما هو من تصورات الباحث الذهنية‬
‫– لنه من الممكن القول أن ) الحياء ( هو‬
‫ة وأن عملية إحياء الموتى‬
‫ة عام ٍ‬ ‫لف ٌ‬
‫ظ بحرك ٍ‬
‫ح قول‬
‫هي أحد مصاديق هذا المعنى فيص ّ‬
‫القائل ‪) :‬أحياني ( إذ الحياة هي مراتب‬
‫متنوعة للحيوية وعند ذلك فهذا القول داخل‬
‫في ) المبالغة ( وليس إخراج ا ً للفظ عن معناه‬
‫ة أخرى يمكن القول عن‬
‫‪ .‬ومن جه ٍ‬
‫) اكتحالي ( نفس الشيء مع ملحظة الخطأ‬
‫الذي وقع فيه القائل إذ يتوجب القول‬
‫ي بطلعتك ( حينما يكون‬
‫) اكتحال عين ّ‬
‫الكتحال حركة غير ممكنة الصدق على تمام‬
‫الجسم ومقصورة على العين فقط مثل ً ‪.‬‬
‫ومثال الحالة الولى قوله تعالى ‪:‬‬
‫] اعلموا أن الله يحي الرض بعد موتها قد‬
‫بّينا لكم اليات لعّلكم تعقلون ‪ ‬الحديد ‪/‬‬
‫‪.17‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪57‬‬
‫‪3‬‬
‫في مثل هذا النص ل يمكن لحد القول أنه‬
‫مجاز – إذ أن إحياء الرض ورد في النص‬
‫ر من المّرات ‪ .‬ونلفت‬‫القرآني في عدٍد كبي ٍ‬
‫دم في هذا‬‫هنا أنظار القراء ألى أنه قد تق ّ‬
‫] اعلموا ‪ ، ‬وعقب بعده‬ ‫النص أمٌر بالعلم ‪:‬‬
‫فورا ً ‪ ] :‬قد بينا لكم اليات لعلكم تعقلون ‪‬‬
‫‪ .‬فالعلم والتبيين ل يقعان وبينهما استعمال‬
‫غير حقيقي ‪.‬‬
‫الكيد هو أن الصطلح الذهني الساذج‬
‫والعام جدا ً غلب في أذهانهم على ما ارتكز‬
‫من مفاهيم ودللت لللفاظ – فحسبوا أن‬
‫ذلك يمك َّنهم من تأسيس علم ٍ فعل ّ‬
‫ي للغة ‪.‬‬
‫ول حاجة لن نذكر مرة أخرى بإسهاب‬
‫موضع هذا البحث في الح ّ‬
‫ل القصدي ‪ ،‬إذ‬
‫الواضح أن المبحث ل موضوع له في الح ّ‬
‫ل‬
‫القصدي لنه موضوع ل أصل له سوى‬
‫العتباطية التي قضى عليها هذاالحل ‪ .‬إّنما‬
‫في الح ّ‬
‫ل القصدي يتحول مفهوم المجاز الى‬
‫ع من المبالغة – حينما يكون اللفظ‬
‫نو ٍ‬
‫المستعمل واقعا ً ضمن الحركة الصلية أو‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪58‬‬
‫‪3‬‬
‫يكون استعمال ً خاطئا ً حينما ل يقع فيها ‪.‬‬
‫فمث ل ً لفظ ) البحر ( – ففي الح ّ‬
‫ل القصدي‬
‫يتم السؤال عن سبب تسمية ) البحر (‬
‫المعروف بهذا اللفظ بالذات وليس بلفظ‬
‫) الحرب ( الذي يتألف من نفس الحروف ‪.‬‬
‫والعتباطية تبالغ في الكذب حينما تدعي أن‬
‫سق ( الحروف هكذا لكل‬
‫) ن ّ‬ ‫الواضع‬
‫منهما اعتباطا ً ‪.‬‬
‫إذ في الح ّ‬
‫ل القصدي يتم كشف الحركة‬
‫العامة ضمن الحركة الخاصة بالتعاقب‬
‫) حرب ( ‪ .‬وفي هذه الحالة نفهم أن التعاقب‬
‫) بحر ( ليس مقصورا ً على البحر الذي نعلمه‬
‫بل يشمل ك ّ‬
‫ل من يتميز بهذه وكل ما يتميز‬
‫بها أيضا ً ‪.‬‬
‫إن هذا التكوين المستقل القائم بنفسه‬
‫والذي هو مصدر الماء ومصدره الحياة بعد ذلك‬
‫والزاخر بالتكوينات الجزئية الخرى – أعني‬
‫البحر المعروف – يمكن أن نطلقه على‬
‫الشخص إذا تمّيز بهذه الخصال ‪ ،‬ومعلوم أن‬
‫مثل هذا الشخص كائن رّباني وهو مصدر‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪59‬‬
‫‪3‬‬
‫للحياة والمعرفة مثل النبي ) صلى الله عليه‬
‫وآله و سلم ( أو المسيح )ع ( ‪ .‬ول يمكن أن‬
‫يكون ) ممدوحا ً لحد الشعراء ( مثل ً ‪ .‬فالقائل‬
‫مادحا ً ‪ ) :‬أنت بحر ندي‪ ( ..‬لحد الخلفاء ‪ ،‬إنما‬
‫قوله هذا هو نوع من المبالغة وليس هو‬
‫إخراجا للفظ عن معناه ‪ ،‬بل هو قو ٌ‬
‫ل ل‬
‫ينطبق في الخارج فقط ‪ .‬وهذه المبالغة هي‬
‫بطبيعة الحال ) كذب ( وافتراء لمخالفتها‬
‫الحقيقة ) والمقصود مخالفتها الحقيقة‬
‫الواقعية للممدوح ل الحقيقة اللغوية ( ‪.‬‬
‫وحينما يقول المام علي ) ع ( في الدعاء ‪:‬‬
‫] وقفت على ساحل بحر جودك وكرمك ‪‬‬
‫فانه ل يستعمل هنا أي نوع من المجاز‬
‫المذكور ‪ ،‬وإنما هو استعمال حقيقي لن‬
‫البحر المعهود لنا إنما سمي بذلك لوقوعه في‬
‫الحركة العامة لتعاقب البحر ‪ .‬ومعلوم أن‬
‫) جود الله ( له وجود حقيقي وهو يشتمل‬
‫على استقلل وتكوينات جزئية وهو مصدر‬
‫للحياة بل هو مصدر ) البحر ( المعهود نفسه ‪.‬‬
‫وبهذا نلحظ أن الح ّ‬
‫ل القصدي يتعمق في‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪60‬‬
‫‪3‬‬
‫مفهوم اللفظ نفسه بخلف الح ّ‬
‫ل العتباطي‬
‫الذي يقوم بالعمل العبثي المستمر في نقل‬
‫معنى اللفظ الى معنى لفظ آخر ‪.‬‬
‫ومن هنا تلحظ مثل ً ‪ :‬أننا وجدنا أن لفظ )‬
‫بحر ( في القرآن يستعمل للكون الفسيح‬
‫الذي يتضمن تكوينات أخرى وأفلك ونظم‬
‫ت‬
‫ة ليا ٍ‬
‫ل شامل ٍ‬
‫متحركة وأمكن بذلك وضع حلو ٍ‬
‫ة كانت بالنسبة لهم تشكل معضلة ل حل‬
‫كثير ٍ‬
‫لها – حيث عبر عن ) الفضاء ( كما نسميه‬
‫بلفظ البحر ‪.‬‬
‫كذلك نلحظ أن الشخاص المعتدين‬
‫بأنفسهم والعارفين بأسرار اللغة لم‬
‫يستعملوا أ ّية عبارة أو لفظ بدللة لفظ آخر‬
‫واقصد بهم النبي ) صلى الله عليه وآله و‬
‫سلم ( أو من يعلم عنه معاني وحركات‬
‫الصوات ‪ .‬ففي مقام التحدي يمكنني أن‬
‫دعي أن أحدا ً ل يمكنه أن يأتي بمثال واحد‬
‫أ ّ‬
‫ت فيها مبالغة أو كذب فضل ً‬
‫صحيح لستعمال ٍ‬
‫عن المجاز وردت عن أحد هؤلء الرجال‬
‫العارفين ‪ .‬على أن ) دللة ( اللفظ شيء‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪61‬‬
‫‪3‬‬
‫وانطباقه على موضوعه الخارجي شيء آخر –‬
‫وفي هذا الموضوع بالذات تتخبط العتباطية‬
‫كما سيأتيك في أمثلة أخرى ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪62‬‬
‫‪3‬‬
‫المبحث الثامن‬
‫أصنــــاف المجـــــاز‬
‫ة نهائية على يد‬
‫ددت أصناف المجاز بصور ٍ‬
‫ح ّ‬
‫فخر الدين الرازي ) الملقب عندهم بالمام (‬
‫باثني عشر صنفا ً ‪ .‬ويمكننا أن نلحظ أن‬
‫الشكالت السابقة تجتمع أو تفترق في جميع‬
‫هذه الصناف ‪ .‬وبالطبع توجد خصائص ذاتية‬
‫أخرى في المثلة لن لك ّ‬
‫ل تعاقب حركته‬
‫الخاصة به كما أسلفت وبالتالي فلك ّ‬
‫ل مثال‬
‫ف في النظام القصدي ‪ .‬ولذلك‬ ‫ح ّ‬
‫ل مختل ٌ‬
‫فالمثلة المضروبة ل تستوعب جميع‬
‫الحتمالت المتوقع أن تدخل فيها ‪ .‬ولكن‬
‫م ح ّ‬
‫ل إشكالتها‬ ‫يكفي تفنيد المثلة ومن ث ّ‬
‫كشواهد على طريقة وأسلوب الح ّ‬
‫ل القصدي‬
‫في معالجتها ‪ .‬فلنمض قدما ً في هذا العمل ‪.‬‬

‫ول ‪ :‬ىىىىى ىىىىى ىىى ىىىىىى ‪.‬‬


‫الصنف ال ّ‬
‫وهذا الصنف يتفّرع إلى أربعة أنواع ‪:‬‬
‫ول ‪ :‬المجــاز الفاعلي ‪:‬‬
‫ال ّ‬
‫مثل إطلق النظر على الرؤية ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪63‬‬
‫‪3‬‬
‫قالوا ‪ ) :‬يقال نظرته أي رأيته ( ‪.‬‬
‫ويبدوا أن هذا الخلط في العتباطية هو‬
‫سبب ظهور المشكلة الكلمية التي ظهرت‬
‫في الفلسفة بين المتكّلمين والمتعّلقة بـ‬
‫دعى أن الله ُيرى‬
‫) رؤية الله ( ‪ .‬فبعضهم ا ّ‬
‫دعى أنه ُيرى في الدنيا‬
‫في الخرة وبعضهم ا ّ‬
‫ه في كليهما ‪ .‬وقد استعمل‬
‫وبعضهم أنكر رؤيت ُ‬
‫ه ‪ .‬ولكن‬
‫د قول ِ‬ ‫ك ّ‬
‫ل منهم النص القرآني لتأيي ِ‬
‫يوجد إشكال لغوي في هذا المثال ‪:‬‬
‫فقوله ) نظرته ( أي ) رأيته ( هو استعمال‬
‫خاطئ لن ) َنظَر ( فعل ل يعمل ال ّ بواسطة‬
‫والسبب في ذلك أن الحركة العامة فيه ذاتية‬
‫وداخلية ‪ ،‬فحينما يكون هدف الحركة خارجيا ً‬
‫) نظرت‬ ‫تحتاج الى واسطة فتقول ‪:‬‬
‫كتابك لي ( ‪.‬‬ ‫إليه ( أو تقول ) نظرت في‬
‫ولم يستعمل في القرآن ال ّ بواسطة ‪:‬‬
‫الى ربها ناظرة ‪‬‬ ‫] وجوهٌ يومئذ ناظرة‬
‫‪ /‬القيامة ‪23‬‬
‫] أرني انظر إليك ‪ / ‬العراف ‪134‬‬
‫] وتراهم ينظرون إليك وهم ل يبصرون‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪64‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ /‬العراف ‪198‬‬ ‫‪‬‬
‫]أو لم ينظروا في ملكوت السماوات‬
‫والرض ‪ ‬العراف ‪185 /‬‬
‫]ول يكلمهم الله ول ينظر إليهم ‪ ‬آل‬
‫عمران ‪77 /‬‬
‫] فلينظرالنسان الى طعامه ‪ ‬عبس ‪/‬‬
‫‪24‬‬
‫إلى آيات أخرى كثيرة ‪.‬‬
‫وحينما يكون هدف الحركة داخليا ً ـ وغاية‬
‫الناظر هي الفحص أو التأمل وانتظار النتائج‬
‫فأنه ل يحتاج الى واسطة ‪.‬‬
‫قال تعالى ‪:‬‬
‫]ما ينظر هؤلء ال صيحة واحدة ‪ ‬ص ‪/‬‬
‫‪15‬‬
‫] فالقه إليهم ثم تو ّ‬
‫ل عنهم فانظر ماذا‬
‫يرجعون ‪ / ‬النمل ‪28‬‬
‫] ينظرون من طرف خفي ‪ ‬الشورى‪45 /‬‬
‫قال سننظر أصدقت أم كنت من‬ ‫]‬
‫الكاذبين ‪ ‬النمل ‪27 /‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪65‬‬
‫‪3‬‬
‫] ولو انهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع‬
‫وانظرنا ‪ ‬النساء ‪46 /‬‬
‫والرباعي ) أنظَر ( ـ يعمل نفس العمل‬
‫سوى أن الفاعل يخرج ) النظر ( منه ويعطيه‬
‫الى من وقع عليه الفعل ‪ ،‬فهو يعطيه مهلة‬
‫لمدة كافية للنظر مثل ‪:‬‬
‫]انظرني الى يوم يبعثون ‪ ‬العراف ‪/‬‬
‫‪.14‬‬
‫نلحظ كذلك أن ) رأى ( ل يحتاج الى‬
‫واسطة دوم ا ً لن حركته خارجية في نفس‬
‫التعاقب فهو يقع على مفعوله مباشرة ‪ .‬فإذا‬
‫أردت بالنظر المعنى الخارجي فيجب أن تقول‬
‫) نظرت الى فلن ( ول تقول ) نظرت فلنا (‬
‫فالخير معناه أ ّنك تأملت مجيئه أو رجوعه‬
‫متمهل ً عليه ‪.‬‬
‫إذن فالستعمال ) نظرته ( بمعنى ) رأيته (‬
‫لوجود له ال ّ في أذهان علماء اللغة‪.‬‬
‫ويمكنك ملحظة ما يقرب من ) ‪( 90‬‬
‫استعمال ً للفعل ) نظر ( في القرآن لتعلم أن‬
‫القاعدة النفة صحيحة ‪ .‬وأهل اللغة‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪66‬‬
‫‪3‬‬
‫العتباطيون ل يمكنهم بعد ذلك أن يأتونا‬
‫د على هذا الصنف ممن يعتقدون‬
‫د واح ٍ‬
‫بشاه ٍ‬
‫أنه ينطق بلغة سليمة فالتحدي قائم على‬
‫التيان بشاهد نبوي أو علوي من النهج أو‬
‫صحائف الدعاء أو الرسائل أو غيرها ‪ ،‬بل‬
‫الشواهد كلها بخلف ما ذكروه ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬المجـــاز الغائي ‪:‬‬


‫) كتسميتهم العنب‬
‫بالخمر (‬
‫نلحظ في هذا الصنف ضعف الشاهد‬
‫ة ‪ .‬ذلك لن هذا الستعمال لم‬
‫ة جلي ٍ‬
‫بصور ٍ‬
‫يذكر عن أحد قط سوى علماء اللغة ‪ .‬فل أحد‬
‫يسمي العنب خمرا ً لمجّرد أن غاية العنب أن‬
‫يكون خمرا ً في النهاية ! بل تسمى الخمرة‬
‫أحيانا للولعين بها ) بنت الك َْرم ( وهذا‬
‫الستعمال شمل عملية التوليد بلفظ‬
‫) بنت ( ‪ .‬وتسمى عند الشعراء ) بنت العنب (‬
‫ول في الصحة ‪.‬‬
‫وهو على مثال ال ّ‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪67‬‬
‫‪3‬‬
‫وليس في الشعر ا ل ّ من مثل ) صهباء‬
‫ب ( وهو يشير الى الصل ول يجعل‬
‫أصلها العن ُ‬
‫اللفظ بديل للخر ‪ .‬ولم يكتف الخر بقوله‬
‫ة ( لن الكرمة‬
‫م ٍ‬
‫ت فادفني بأصل كَر ْ‬ ‫) إذا ما م ّ‬
‫ل أن يتخمر في عروقها‬ ‫ليست خمرا ً لكنه أ ِ‬
‫م َ‬
‫فقال ) تروي عظامي بعد موتي عروقها ( ‪.‬‬
‫والسؤال الخير ‪ :‬من هم الذين نسب إليهم‬
‫التسمية بقوله ) تسميتهم ( ؟‬

‫الثالث ‪ :‬المجــاز الصوري ‪:‬‬


‫) كتسميتهم‬
‫القدرة يد (‬
‫وفي هذا النوع من المجازات يتسائل الح ّ‬
‫ل‬
‫القصدي عن اليد نفسها لماذا سميت يدا ً ؟‬
‫وعند ذلك يكشف لك عن قيمة التعاقب ) يد (‬
‫مجردا ً عن أي استعمال ‪ .‬فالتعاقب نفسه‬
‫يحمل صفة حركية تفيد في معنى ) القوة (‬
‫والسيطرة المباشرة أو التحكم وما شابه ‪،‬‬
‫ذ تكون تسمية اليد ) المعلومة ( جزءا ً‬
‫وحينئ ٍ‬
‫من الحركة تنطبق عليها حركة التعاقب ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪68‬‬
‫‪3‬‬
‫فبهذه الحركة العامة يمكن القول أن ) لله‬
‫يد ( لكنها ليست ذراعا مجسم ا ً وللشمس يد‬
‫أيضا ً ولكل قوة فاعلة يد ‪ ،‬وهذه اليد هي‬
‫القوة المتصلة بين الفاعل والواقع عليه‬
‫] يد الله فوق أيديهم ‪. ‬‬ ‫الفعل ‪.‬‬
‫ل مكان إذن لستشهاد ) المجسمة ( بمثل‬
‫ن هذا‬
‫هذه الية ول مكان كذلك للرادّ عليهم بأ ّ‬
‫مجاز بل هو استعمال حقيقي ‪ .‬ويد النسان‬
‫هي استعمال حقيقي أيضا ً ‪.‬‬

‫الرابع ‪ :‬المجــاز القابلي ‪:‬‬


‫وهو قولهم ) سال‬
‫الوادي ( ‪.‬‬
‫وفي هذا الستعمال إشكال خاص به ‪.‬‬
‫فالقابلي اسم لهذا النوع يقصد به أنه قابل‬
‫لطلق اللفظ عليه واستيعاب الحركة مثل‬
‫الوادي فهو قابل للسيلن ‪ .‬ولكن إذا كان‬
‫كذلك فالستعمال حقيقي فلماذا يدخل في‬
‫صنف المجاز ؟‬
‫وهذا الشكال المنطقي يتعلق بالرابطة‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪69‬‬
‫‪3‬‬
‫بين النوع وتعريف المجاز وهو كما ترى‬
‫إشكال معقول ‪.‬‬
‫وقد يقال أن سيلن الوادي ل يلغي وجوده‬
‫ي كذلك‬
‫فالوادي يبقى لكن من قال أنه سم ّ‬
‫مجردا ً بغض النظر عن القابلية للسيلن ؟‬
‫القابلية ذاتية في الوادي وإذن فهي‬
‫موجودة على نحو ما في لفظ الوادي نفسه ‪.‬‬
‫ل القصدي يجعل الوادي اسما ً عاما ً ـ‬
‫والح ّ‬
‫والوادي المعهود هو أحد مسميات هذا اللفظ‬
‫ـ وقد ينطوي على نوع من المجازفة ـ بمعنى‬
‫أن الوادي الحقيقي ليس هو الوادي في‬
‫الذهان ولكن الذي في الذهان ) ظرف (‬
‫لمعنى هذا اللفظ من ظروفه المختلفة ـ‬
‫ففي الفكر والخلق يوجد ) وادي ( حقيقي‬
‫مطابق للحركة وهو انحدار الفكر والخلق‬
‫بجري سريع من العالي الى الهاوية ‪.‬‬
‫وقد ظهر ذلك في التعبير القرآني ) في‬
‫ك ّ‬
‫ل واد يهيمون ( ـ إذ المعلوم أن الشعراء‬
‫ليسوا هائمين في الوديان‬
‫) الصطلحية ( ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪70‬‬
‫‪3‬‬
‫وللحركة العامة في الح ّ‬
‫ل القصدي قدرة‬
‫فائقة في استيعاب الستعمالت المتنوعة مع‬
‫الحفاظ على أصل الحركة وتجنب الخلط بين‬
‫الدللت ‪.‬‬
‫فإذا كان اللطف اللهي مثل ً في العلى‬
‫ن المنحدر هو موضع لتجمع فيوض هذا‬ ‫فإ ّ‬
‫اللطف ويمكن تسميته واديا ً ولكنه سيل من‬
‫الفيوضات أو العنايات اللهية ‪.‬‬
‫ويمكن أن يكون له موضع جغرافي أيضا ً‬
‫في بقعة ما مباركة ومثل هذا الوادي ذكر في‬
‫القرآن أيضا ً ‪.‬‬
‫ر أشار الى سيولة‬‫ي آخ ٍ‬
‫ل قرآن ّ‬
‫وفي مث ٍ‬
‫الوادي بل الودية على الجميع ‪ .‬وإذا لحظت‬
‫ة على طريقة الح ّ‬
‫ل القصدي علمت‬ ‫ذلك بد ّ‬
‫ق ٍ‬
‫أن الدللة هنا ل تخص ) الوديان ( المعهودة ‪،‬‬
‫ولكن تلك الوديان هي ظرف لها وذلك في‬
‫قوله تعالى ‪:‬‬
‫] وسالت أودية بقدرها ‪‬‬
‫فهذا الستعمال هو الخر استعمال حقيقي‬
‫‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪71‬‬
‫‪3‬‬
‫في الح ّ‬
‫ل القصدي تلحظ بوضوح أن‬
‫المعاني المختلفة في مناهج البحث المختلفة‬
‫مثل ) الدبية ‪ ،‬الفقهية ‪ ،‬العرفانية ‪ ،‬الباطنية‬
‫‪ ،‬الكشفية والتاريخية ( وغيرها تتجمع في‬
‫دللة الح ّ‬
‫ل القصدي ـ بخلف التبعثر والضياع‬
‫في الح ّ‬
‫ل العتباطي ‪.‬‬

‫الصنف الثاني ‪ :‬ىىىىى ىىىىىى ىىى‬


‫ىىىىى ‪.‬‬
‫مثاله عندهم إطلق اسم الموت على‬
‫المرض الشديد ‪ .‬وكما تلحظ فهنا ضعف‬
‫شديد في اختيار المثال المناسب ‪.‬‬
‫لنه إذا كانت الستعمالت في ذلك‬
‫بسبب ترابط العلل مع بعضها البعض فهو‬
‫بمثابة ) التوقع ( أو ) الحدس ( أو اليأس من‬
‫الحياة ‪ ،‬على أن لفظ ) الموت ( نفسه ل‬
‫يعني شيئا ً سوى ) انقطاع الحركة ( وهذا‬
‫المعيار صحيح قبل الح ّ‬
‫ل القصدي ‪.‬‬
‫إذ لو لحظت الستعمالت القرآنية في‬
‫موت الرض أو كما في قوله ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪72‬‬
‫‪3‬‬
‫] أومن كان ميتا ً فأحييناه وجعلنا له نورا ً‬
‫يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات‬
‫ليس بخارج منها كذلك زّين للكافرين ما كانوا‬
‫يعملون ‪‬‬
‫النعام ‪/‬‬
‫‪122‬‬
‫ول للخروج‬
‫لوجدت حركة دؤوبة في ال ّ‬
‫من الظلمات ‪ ،‬في حين تقوم الظلمات‬
‫ن إطلق‬
‫نفسها بإعاقة الحركة ‪ ،‬ومن هنا فإ ّ‬
‫لفظ الموت ممكن حقيقية في ك ّ‬
‫ل حالة‬
‫تنقطع فيها الحركة الحيوية النشيطة مهما‬
‫كان نوع الحركة ـ وأهمها حركة الفكر أو‬
‫حركة النسان ‪.‬‬
‫والمرض الشديد المعقد والقاطع للحركة‬
‫هو بأية صورة ) موت ( ‪ ،‬فاللفظ ليس‬
‫مقصورا ً على أهل القبور بالمعنى‬
‫الصطلحي للقبور أيضا ً ‪ .‬وعلى ذلك معنى‬
‫قوله تعالى في الية ‪:‬‬
‫] وكنتم أمواتا فأحياكم ‪‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪73‬‬
‫‪3‬‬
‫وغيرها الكثير جدا ً بحيث أن العمل‬
‫الحصائي ينتج كما في لفظ ) ذاق ( كما ً اكبر‬
‫من المجازات وقد يندر أو ينعدم وجود‬
‫الستعمال الحقيقي وفق التعريف العتباطي‬
‫‪ ،‬وعليه فالتعريف خاطئ بنفسه ومخالف‬
‫للنظام اللغوي ‪.‬‬

‫الصنف الثالث ‪ :‬ىىىى ىىىىى ىىى ىىىىى‬


‫ىىى ىى ىىىىىى ‪:‬‬
‫كإطلق لفظ الحمار على البليد وهو‬
‫الستعارة ‪.‬‬
‫ويمكن مناقشة هذه الفقرات على أساس‬
‫اللغة المستعملة للحل العتباطي قبل معرفة‬
‫أي حل آخر ‪ .‬فهو يقول إطلق اسم الشيء‬
‫على ما يشابهه ‪.‬‬
‫فإذا قال المرء ) فلن كالحمار ( ‪.‬‬
‫فهو عندهم تشبيه وقد يعلم السامع بماذا‬
‫هو كالحمار إذ المفروغ منه أنه ل شبه بينهما‬
‫ال إذا أراد نوعا ً من السلوك كق ّ‬
‫وة الحتمال‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪74‬‬
‫‪3‬‬
‫أو البلدة ـ فهو كالحمار في تلك الصفة‬
‫وحسب ‪.‬‬
‫ولكن إذا قال المرء ) هذا الرجل حمار( ـ‬
‫فهذا الستعمال هو المجاز والذي هو من نوع‬
‫الستعارة ‪.‬‬
‫وهذا تهاون في الحدود المسموح بها‬
‫للمجاز في نفس الفكار العتباطية ومخالف‬
‫للجملة المنطقية في مباحثهم حيث ل يكون‬
‫الرجل حمارا ً قط ـ وهو ل يختلف بشيء عن‬
‫عبارة مثل ) الفعى كلبة ( ‪ ) ،‬السفرجل‬
‫يقطين ( ‪ ... ،‬أو ماشاكله من عبارات ل‬
‫منطقية ‪.‬‬
‫علما أنه لم يؤثر عن الفصحاء أمثال ذلك‬
‫ن‬
‫وإنما يؤثر عنهم التشبيه ومع ذلك فإ ّ‬
‫الحمار سمي كذلك لوقوعه في الدللة العامة‬
‫للتعاقب الصوتي وهذا هو الح ّ‬
‫ل القصدي لمثل‬
‫هذه المسألة ‪.‬‬

‫الصنف الرابع ‪ :‬مجاز تسمية الشيء باسم‬


‫ضده ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪75‬‬
‫‪3‬‬
‫عقاب بسبب الجريمة بالجزاء‬
‫كتسمية ال ِ‬
‫المختص بمقابلة الحسان بمثله ‪ .‬والمناقشة‬
‫ن اختصاص الجزاء‬
‫هنا بسيطة للغاية ‪ ،‬فإ ّ‬
‫بالحسان هو من مبتكراتهم اللغوية وجزء من‬
‫اعتباطيتهم ل من اعتباطية النظام اللغوي ‪.‬‬
‫صص الجزاء‬ ‫إذ ل يوجد وما وجد عربي خ ّ‬
‫بالحسان فقط ‪ ،‬والجزاء ليس عقابا ً ول ثوابا ً‬
‫وإنما هو نفسه مقابلة الشيء بما هو من‬
‫جنسه ـ ولو كان مخصصا ً لما قال العربي‬
‫) جزاك الله خيرا ً ( ولكان اكتفى بقوله‬
‫) جزاك الله ( ‪ ،‬ول يستطيع العربي قول هذه‬
‫العبارة مطلقا ً لنه يتحّرج من انتظار السامع‬
‫لتكملة العبارة بنوع الجزاء إذ يمكن أن يكون‬
‫خيرا ً أو شرا ً ‪.‬‬
‫ومن ناحية الستعمال فقد استعمله نفس‬
‫أهل اللغة بهذا العموم في جواب الشرط إذ‬
‫سموه ) الجزاء ( ـ ولول إفادته عموم الفعال‬
‫لما كان يصلح لعموم أجوبة الشرط ‪ :‬إن تفعل‬
‫كذا فعلت كذا ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪76‬‬
‫‪3‬‬
‫والزعم أن النص القرآني هو مصدر مباحث‬
‫اللفاظ هو أكذوبة ‪ .‬وقد ألمحت بتحفظ الى‬
‫أن المر قد يكون مختلفا ً أو معكوسا ً ل في‬
‫المنهجية بل في الهداف أي أن النص‬
‫القرآني هو الهدف من تكريس العتباطية في‬
‫اللغة ‪.‬‬
‫وامتلك وثيقة سرية سأعلن عنها يوما ما‬
‫تد ّ‬
‫ل على نحو قاطع على هذا المر ‪.‬‬
‫فهذا هو استعمال النص القرآني ِللفظ‬
‫الجزاء ‪:‬‬
‫) ذلك جزيناهم ببغيهم (‬
‫‪6 / 146‬‬
‫) وكذلك نجزي المفترين (‬
‫‪7 / 152‬‬
‫) وكذلك نجزي الظالمين (‬
‫‪12 / 75‬‬
‫) وكذلك نجزي المجرمين (‬
‫‪7 / 40‬‬
‫) فذلك نجزيه جهنم (‬
‫‪21 / 29‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪77‬‬
‫‪3‬‬
‫) ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون (‬
‫‪41 / 27‬‬
‫) كذلك نجزي ك ّ‬
‫ل كفور (‬
‫‪35 / 36‬‬
‫) اليوم تجزون عذاب الهون (‬
‫‪6 / 93‬‬
‫) جزاؤهم أن عليهم لعنة الله (‬
‫‪3 / 87‬‬
‫) ذلك جزاؤهم بأ ّنهم كفروا (‬
‫‪17 / 98‬‬
‫) ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا (‬
‫‪18 / 106‬‬
‫) فجزاؤه جهنم خالدا فيها (‬
‫‪4 / 93‬‬
‫) جزاءُ سيئة بمثلها (‬
‫‪10 / 27‬‬
‫) جزاءً لمن كفر (‬
‫‪54 / 14‬‬
‫‪26‬‬ ‫) وذلك جزاء الكافرين (‬
‫‪9 /‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪78‬‬
‫‪3‬‬
‫وعشرات أخرى من الموارد التي ذكر فيها‬
‫لفظ الجزاء مقترنا ً بالعقاب وليس مختصا‬
‫بالثواب وحده ‪.‬‬
‫وكذلك نلحظ المعنى العام للجزاء في‬
‫القرآن أيضا ً ـ فإذا زعموا وكثيرا ً ما نعتقد‬
‫ن جميع تلك‬
‫انهم يجرءون على الزعم بأ ّ‬
‫ن موارد العموم ـ‬
‫الموارد هي ) مجازات ( فإ ّ‬
‫بالعقاب والثواب سوية ـ هي من النوع الذي‬
‫ل تتمكن العتباطية من تفسيره لنه يتضمن‬
‫العقاب والثواب ‪ .‬ومثل هذه الموارد هي في‬
‫اليات ‪:‬‬
‫ـ ) ك ّ‬
‫ل أمة تدعى الى كتابها اليوم تجزون‬
‫‪45 / 28‬‬ ‫ما كنتم تعملون (‬
‫ـ ) إن الساعة آتية أكاد أخفيها فيها لتجزى‬
‫‪20 / 15‬‬ ‫ك ّ‬
‫ل نفس بما تسعى (‬
‫ـ ) اليوم تجزى ك ّ‬
‫ل نفس بما كسبت (‬
‫‪40 / 17‬‬
‫فهذه الموارد مثل ـ يستحيل تصور مجاز‬
‫فيها وهي تجمع في الجزاء باعتباره لفظا ً‬
‫يفيد مقابلة العمل بجنس جزاء من جنسه إن‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪79‬‬
‫‪3‬‬
‫خيرا ً فخيرا ً وان شرا ً فشرا ً ‪ ،‬وهي تجمع‬
‫العقاب والثواب فل تكون مجازا ً من جهة‬
‫وحقيقة من جهة أخرى ‪.‬‬
‫ول يتوقف المر على ذلك ففي خطوة‬
‫ثالثة نلحظ تخصيصا ً غريبا في القرآن وكأنه‬
‫يتنبأ بمحاولت لتدمير اللغة مستقبل ً فيتم‬
‫في إحدى اليات حصر الجزاء بهذا المعنى‬
‫حصرا ً ‪ .‬أي كونه مقابلة من جنس العمل وذلك‬
‫في قوله ‪:‬‬
‫) ومن جاء بالسيئة فل يجزى الذين عملوا‬
‫السيئات ال ما كانوا يعملون ( ‪28 / 84‬‬
‫فقد تر َ‬
‫ك التصريح بنوعه وحصره بأداة‬
‫الحصر ) ا ل ّ ( بـ ) العمل ( وذلك لكون الجزاء‬
‫عام في العقاب والثواب وليس مختصا ً‬
‫بالعقاب ‪.‬‬
‫وهناك مناقشات أخرى ‪:‬‬
‫ن إظهار المعنى بلفظ عن طريق لفظ‬
‫فإ ّ‬
‫مضاد تحتاج الى تفسير ‪ ،‬فهو في هذه الحالة‬
‫نوع من التورية ـ وفي هذا اللفظ ل توجد‬
‫دد بالعذاب والخزي ل‬
‫تورية ما ‪ .‬إذ المه ّ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪80‬‬
‫‪3‬‬
‫يراعى في استعمال لفظ ما ـ كما لو قال أحد‬
‫أن المر يحتاج الى إظهار العقاب كما لو كان‬
‫مثوبة بل الواقع خلفه ‪ .‬وفي كتاب ) اللغة‬
‫حدة ( إذا راجعت التسلسل ) ع ـ م ـ ا (‬‫المو ّ‬
‫فانك تجد بحثا ً لطيفا ً عن لفظي ) العمى ( و‬
‫) البصر ( وكذلك ) الرؤية ( ـ بحيث أن إطلق‬
‫لفظ ) بصير ( على أعمى النظر هو استعمال‬
‫حقيقي يراد به مراعاة كونه غير أعمى في‬
‫مجموع الصفات إنما هو أعمى العينين ومن‬
‫المحتمل أن يكون بصيرا ً ‪ ،‬لن البصار من‬
‫أفعال القلب ل من أفعال العين ‪.‬‬
‫م التفريق هناك بين اللفاظ الثلثة‬
‫وقد ت ّ‬
‫وعلقاتها بآلتها ‪ :‬فالنظر الخارجي للحاسة‬
‫والبصر للقلب والرؤية للعقل ‪ ،‬وبذلك يسقط‬
‫البحث الكلمي المسمى ) رؤية الله ( سقوطا ً‬
‫لغويا ً ويصبح الستناد الى اليات القرآنية‬
‫استنادا ً عشوائيا ً لخل ّ‬
‫وه من هذا التفريق ‪.‬‬

‫الصنف الامس ‪ :‬مجاز إطلق اسم الجزء‬


‫على الكل ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪81‬‬
‫‪3‬‬
‫ود على الزنجي ‪.‬‬
‫مثل إطلق لفظ الس َ‬
‫وعند ملحظة تعريف المجاز نجد افتراقا ً‬
‫بين التعريف وهذا الصنف ‪.‬‬
‫والسؤال الول هو ‪ :‬أليس الزنجي أسود‬
‫اللون ؟ والجواب ‪ :‬نعم ‪ .‬فهذه الصفة‬
‫مشتركة لكافة الزنوج ‪.‬‬
‫والسؤال الثاني ‪ :‬هل السواد في الزنجي‬
‫حقيقة ؟ والجواب ‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫إذن فالستعمال من نوع ) الحقيقي ( ل‬
‫) المجازي ( لن التعريف ذكر الحقيقي وفي‬
‫بعض شروحهم لم يذكر ما هو المجازي إذ‬
‫اكتفى بالقول ) ما هو عكس ذلك ( ‪.‬‬
‫ود إذن صفة لم تنقل من معناها الى‬
‫الس َ‬
‫معنى لفظ آخر ـ بل بقيت عاملة وهي مثل‬
‫أن يقول المرء ) الرازي ( مرة ويقول مرة‬
‫أخرى ) فخر الدين ( ـ فإذا قال القائل ‪:‬‬
‫ود ( فإنه لم يجعله محل الزنجي أو‬
‫) الس َ‬
‫بمعناه حيث يشير الى الصل أو السللة أو‬
‫الجنس بل استعمل صفة عامة أخرى ‪ ،‬وهذه‬
‫الصفة هي شيء عام لكل من كان له اسم‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪82‬‬
‫‪3‬‬
‫ولقب وكنية وصفة يعرف بها ـ ك ّ‬
‫ل منها‬
‫حقيقي في موضعه ‪.‬‬
‫إذن فهذا الصنف من المجاز هو مجرد وهم‬
‫مثل باقي أصنافه ل وجود له ال ّ في‬
‫ددة بنوع من‬
‫التصورات الذهنية المح ّ‬
‫الصطلحات الضّيقة المعنى في أذهان علماء‬
‫اللغة ‪.‬‬

‫الصنف السادس ‪ :‬مجاز إطلق تسمية الكل‬


‫على الجزء ‪:‬‬
‫كإطلق لفظ العام على الخاص ‪.‬‬
‫اكتفى بهذا المثال ول أعلم ما هي‬
‫مقاصده من ذلك إذ ل نجد أحدا ً يطلق لفظ‬
‫ده‬
‫العام على الخاص ـ بل التفريق على أش ّ‬
‫في علم الكلم أو الفلسفة أو أصول الفقه أو‬
‫النقد الدبي مع اختلف المصطلحات ‪.‬‬
‫علما ً أن هناك التباس في المر لن العام‬
‫ن كان‬
‫هو الكل والخاص هو الجزء ‪ ،‬فإ ّ‬
‫المقصود ما يحدث في النشاءات المتنوعة‬
‫مثل قولي ‪ ) :‬وهذا بشكل عام هو كذا ( ـ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪83‬‬
‫‪3‬‬
‫والمر خاص فنحن بازاء نسبية يقرر فيها ما‬
‫هو خاص وعام الموضوع والمنشأ ـ لن ما هو‬
‫عام في فرع فقهي مثل ً ‪ ،‬هو خاص بالنسبة‬
‫لبحاث الفقه ـ عند المراقب الخارجي وهذه‬
‫النسبية ل علقة لها بموضوع المجاز‬
‫والحقيقة مطلقا ً ‪.‬‬

‫الصنف السابع ‪ :‬مجاز إطلق ما بالفعل‬


‫على ما بالقوة ‪:‬‬
‫كإطلق لفظ المس ّ‬
‫كر على الخمر في‬
‫دن ‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫هنا التباس في اللفاظ ـ حّتمه فقدان‬
‫ألفاظ ملئمة للمثال لعدم وجود موضوع‬
‫حقيقي له في الخارج ‪.‬‬
‫لن ) الخمر ( هو مس ّ‬
‫كر فعل ً ولكنه اختاره‬
‫على أمل أن نفهم منه أنه ل زال في طريقه‬
‫للتخمر فهو خمر بالقوة أيضا ً وهذا أقصى ما‬
‫نستطيع به الدفاع عن المثال‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪84‬‬
‫‪3‬‬
‫والمثلة بهذا الصدد ل حصر لها فهي في‬
‫ك ّ‬
‫ل فعل مستمر كبناء الدور والزرع وطبخ‬
‫الطعام وخياطة الثياب وصنع الثاث ‪ ...‬الخ ‪.‬‬
‫فالزارع يقول ‪ ) :‬الحنطة جيدة هذا‬
‫العام ( ‪ .‬إذ مع أنه في أول الموسم فقد أشار‬
‫الى الزرع أنه بحالة جيدة ‪ ،‬والنجار يسمي‬
‫الخشب المق ّ‬
‫طع المعد لصنع سرير لزيد ‪:‬‬
‫) سرير زيد ( ويقول للصانع هيئ سرير زيد‬
‫مع أنه ليس سريرا ً بالفعل وإنما بالقوة‬
‫والملحظ هنا أن ذلك اقرب الى البحث‬
‫الفلسفي منه الى اللغوي ولكن عند الرجوع‬
‫الى تعريف المجاز والحقيقة نلحظ في جميع‬
‫المثلة المحتملة أن الستعمال هنا حقيقي‬
‫ول يطابق تعريف المجاز ‪.‬‬
‫فالخشب المق ّ‬
‫طع ـ هو حقيقة لصنع سرير‬
‫وليصلح لصنع دولب والزرع هو زرع الحنطة‬
‫ل شعير ول باقلء مثل ً وكذلك مافي الدن هو‬
‫خمر أو مسكر وليس شيئا ً آخر والصل أن تلك‬
‫التسميات مميزة فلم تذكر العبارات كامل‬
‫) زرع الحنطة ( أو‬ ‫لوضوح المطلب مثل‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪85‬‬
‫‪3‬‬
‫) الخشب المعد لسرير زيد ( ـ فهذا اختصار ل‬
‫مجاز ‪.‬‬
‫وليمكن للنجار اختصار العبارة الى‬
‫) الخشب المعد ( لن في المحل خشب كثير‬
‫عد لشياء كثيرة ـ فالختصار الغى مفردة‬
‫م ّ‬
‫زرع والغى عبارة ) الخشب المعد ( واكتفى‬
‫بمآل وهدف الحركة والفعل ـ وبالتالي فهو‬
‫لم يتجاوز باللفظ من موضعه الى معنى لفظ‬
‫آخر على تعريف المجاز ‪.‬‬
‫ولنا أن نسال الح ّ‬
‫ل العتباطي عن اللفظ‬
‫الخر الذي نقل أن اللفظ الول في مثال‬
‫الزرع والخشب المعد ـ فهذه اللفاظ عامة‬
‫المعنى واللفظ الخر هو كما تلحظ نفس‬
‫اللفظ الول حنطة وسرير ‪ ...‬الخ ‪.‬‬
‫فليجد ولن يجد العتباط اللفظ المنقول‬
‫أن معنى الول ‪.‬‬
‫الصنف الثامن ‪ :‬ىىىى ىىىىى ىىىىىى ىىى‬
‫ىىىى ىىىىىى ىىى ‪:‬‬
‫مثل ضارب على من فرغ من الضـــرب ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪86‬‬
‫‪3‬‬
‫في هذا النوع تكفل ميثم البحراني بالغاءه‬
‫حينما قال ‪ ) :‬وقد عرفت أن ذلك هل هو‬
‫مجاز أم حقيقة ؟ ( ‪.‬‬
‫ويقصد بهذه العبارة ماذكره في المقدمات‬
‫من أن ذلك هو من النوع الحقيقي وخّرج‬
‫المسألة بطريقة ذكية في قوله تعالى ‪:‬‬
‫) باسط ذراعيه بالوصيد ( ‪.‬‬
‫خلصته أن مثل قوله ‪:‬‬
‫) من إله غير الله يرزقكم من السماء‬
‫والرض (‬
‫الفعل المستمر ) يرزقكم ( يشتمل على‬
‫الزمان كلها أي يرزقكم دوما ً ‪.‬‬
‫ولكن حينما ل يريد المتكلم إبراز الزمن‬
‫فانه يأتي بصيغة الفاعل مثل ‪ ) :‬باسط‬
‫ذراعيه ( ـ أي أن حاله هو كذلك بغير اشارة‬
‫الى الزمان ‪.‬‬
‫و ل ً مع واضع هذا الصنف‬
‫والمناقشه هنا أ ّ‬
‫ل اسم فاعل هو بالنهاية‬ ‫فعلى رأيه أن ك ّ‬
‫مجاز لن ك ّ‬
‫ل فاعل قد يفرغ من الفعل مثل‬
‫كاتب ‪ ،‬عامل ‪ ،‬راحل ‪ ،‬ساكن ‪ ...‬الخ !!‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪87‬‬
‫‪3‬‬
‫اليس ذلك أمرا ً غريبا ً ؟ لكنه اختاره في‬
‫) الضرب ( لعتقاده أن الضرب فعل ل يكون‬
‫إل مرة واحدة ! وهو خطأ شنيع لن الضارب‬
‫صفة ملزمة متلبسة حتى لو كان مرة واحدة‬
‫لما يستلزم بعدها تبعة من نوع ما مثل ) قاتل‬
‫) القاتل ( و‬ ‫( ـ فالحاكم إذ يسأل عن‬
‫) الضارب ( لمحاكمته ـ فانه يسأل لغويا ً عن‬
‫تلّبس الفعل بالفاعل ولو مرة واحدة لكنه‬
‫اتصف بهذه الصفة وكونه موصوف بها ل‬
‫تنفك عنه ‪.‬‬
‫والى أن تتوضح مناقشة الح ّ‬
‫ل القصدي مع‬
‫ن عدم ظهور‬
‫ميثم في تخريجه لـ ) باسط ( فإ ّ‬
‫الزمان في صيغة الفاعل ليس لن المتكلم‬
‫ليريد التنويه عن الزمان بل لظهوره التام‬
‫في نفس الصيغة من حيث أن الفاعل متصف‬
‫بها فل ضرورة لذكر زمان آخر ‪.‬‬
‫وعند المناقشة على أصل التعريف تلحظ‬
‫المخالفة مع التعريف ـ زيد ضرب عمرو ـ فهو‬
‫الضارب ‪ :‬هل هذا حقيقة أم اخراج لمعنى‬
‫ضرب الى معنى آخر ؟‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪88‬‬
‫‪3‬‬
‫والسؤال الخر ماهو اللفظ الخر المنقول‬
‫إليه معنى اللفظ وفق تعريف المجاز ؟‬
‫يلحظ الح ّ‬
‫ل القصدي أن الفعال التي ل‬
‫تتضمن التكرار على نحو ما أو الملزمة‬
‫الزمنية المستمرة ـ يلحظ فيما إذا كانت‬
‫كالصنف الول تحتاج الى اختصار أم ل ‪ ،‬خلل‬
‫التركيب ‪:‬‬
‫يقول القاضي ‪ ) :‬أين الرجل الضارب‬
‫عمرا ً ؟ (‬
‫ويقول ‪ ) :‬أين الرجل الذي كان ضاربا‬
‫لعمرو ؟ (‬
‫وإضافة كان هنا لتاسيس الفكرة عن‬
‫الفراغ من العمل ‪.‬‬
‫ل تتضمن هذه الحال اختصارا ً من نوع ما‬
‫كالحالة السابقة ‪ ،‬لن هذا التركيب مقصود‬
‫وغايته ابقاء التبعة على الضارب فهي مرافعة‬
‫له فلو قال ) كان ضاربا ً ( ‪ ،‬فالعبارة تشير‬
‫الى التهاون في المسألة من حيث الشارة‬
‫الى انتهاء الفعل ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪89‬‬
‫‪3‬‬
‫لكن اللغة ليست جامدة ‪ ،‬وانما تعّبر عن‬
‫المعايير الفكرية والخلقية بما تمتلكه من‬
‫قدرة على التعبير ‪ ،‬فقوله ) اين الرجل‬
‫الضارب ( إنما هو استعمال حقيقي وإن مّر‬
‫زمانه ـ أي اتصف بهذه الصفة الملزمة وهي‬
‫تشير ) فلسفيا ً الى أن فاعل الشيء مرة ـ له‬
‫القدرة على فعله مرات أخرى وهذه القدرة ل‬
‫علقة لها بنوع الفعل فالمر سواء في‬
‫الصانع والعامل والكاتب ‪ ...‬الخ مع الختلف‬
‫في حركة التعاقب ‪.‬‬

‫الصنف التاسع ‪ :‬ىىىى ىىىىى ىىى‬


‫ىىىىىىى ىىىىىىى ىىى ىىىىى ‪:‬‬
‫كاطلق لفظ الداّبة للفرس على الحمار‬
‫وغيره مجازا ً عرفيا ً ‪.‬‬
‫اعتقد أن بطلن هذا الصنف هو من‬
‫الوضوح بحيث ليحتاج الى مناقشة ‪ .‬إذ لم‬
‫يخصص أحد لفظ ) الدابة ( للفرس ‪ .‬وهذه‬
‫العرب لزالت في جميع المناطق القروية‬
‫تطلق اسم الدابة على الجاموس والبقر‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪90‬‬
‫‪3‬‬
‫والخيل والحمير بغير تخصيص لصنف منها كما‬
‫هو أصل اللفظ في اللغة ‪.‬‬
‫وقد امتلت كتب التراث باستعمال صيغة‬
‫الجمع ) الدواب ( للشارة الى مختلف‬
‫الكائنات المتحركة حركة انتقالية ‪.‬‬
‫وفي الفقرة التي تعّرف هذا النوع من‬
‫المجاز تناقض أيضا ً مع أصل التعريف إذ‬
‫التعريف أصل ً للمجاز والحقيقة في اللغة ل‬
‫كون اللفظ حقيقه عرفية ) وبخاصة إذا لم‬
‫يعرف هذه الحقيقة أحد ( ‪ .‬ولفظة ) الدواب (‬
‫ل القصدي تشير إلى ك ّ‬
‫ل متحرك ولو‬ ‫في الح ّ‬
‫بغير انتقال فيشمل النبات ) انظر اللغة‬
‫حدة ( ـ لفظ ) دب ( ‪.‬‬
‫المو ّ‬

‫الصنف العاشر ‪ :‬المجاز بسبب النقصان‬


‫والزيادة ‪:‬‬
‫قال فخر الدين ‪:‬‬
‫) وتحقيقه أن الكلمة كما أنها توصف‬
‫بالمجاز لنقلها عن معناها فقد توصف بالمجاز‬
‫لنقلها عن حكم كان لها الى حكم ليس هي‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪91‬‬
‫‪3‬‬
‫بحقيقة منه كقوله تعالى ‪ ) :‬واسئل القرية (‬
‫والتقدير واسأل اهل القرية (‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫ة ما سابقا ً غير ما‬
‫نوقشت القضية من جه ٍ‬
‫نريد مناقشته ‪ ،‬وهي كون العراب والحكم‬
‫النحوي ل عـــلقة له بصدق أو كذب العبارة‬
‫في النسب الداخلة بين اللفاظ وضرب‬
‫البحراني لذلك مثل قال ‪ :‬لو قلت ) لمست‬
‫السماء ( ـ فالسماء مفعول به ويستحق‬
‫النصب حقيقة وكذلك القرية في المثال ‪.‬‬
‫ثم ناقش النسبة في نفسها فادعى أن‬
‫المجاز في النسبة والتراكيب ‪.‬‬
‫إما نحن فقد فّندنا هذا المجاز بأدلة واضحة‬
‫من النظام القرآني في الكتاب المتضمن هذا‬
‫العنوان ومّر هناك تفصي ٌ‬
‫ل أظهر جزء من‬
‫دقائق هذا النظام في استعمال ) أهل‬
‫القرية ( في موارد واستعمال ) القرية ( في‬
‫موارد أخرى بغير لفظ ) أهل ( ‪.‬‬
‫وقد علق أحدهم على ذلك الشرح قائل أنه‬
‫يبرهن على جهل وتخبط السلف واعتباطيتهم‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪92‬‬
‫‪3‬‬
‫في تفسير التراكيب القرآنية وعدم النتفاع‬
‫بها في النحو والبلغة ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪93‬‬
‫‪3‬‬
‫المبحث التاسع‬
‫الفرق بين الحقيقــة والمجـــاز‬

‫الغاية من هذا العنوان ليست هي مناقشة‬


‫م فيما مضى من‬
‫الموضوع نفسه فقد تـ ّ‬
‫أبحاث التحقـق من غياب المجاز من أصله في‬
‫التعريف الصلي له مرة ومن خلل نصوص‬
‫التفرعات والصناف مرة أخرى ـ ومرة ثالثة‬
‫من خلل عدم انطباق المثلة المضروبة على‬
‫التعاريف الصلية والفرعية عدا الكشف عن‬
‫قيمة الصوات ‪ .‬إن الغاية هي مناقشة فقرة‬
‫وردت في هذا المبحث وهي قولهم ‪:‬‬
‫) في ما تنفصل به الحقيقة عن المجاز ‪ ،‬أنه‬
‫أما أن يقع بالتنصيص أو الستدلل ‪ .‬إما‬
‫التنصيص فمن وجوه ‪ :‬أحدها أن يقول الواضع‬
‫‪1‬‬
‫هذا حقيقة وهذا مجاز (‬
‫وليمكن للمرء هنا ال ّ التوقف ـ لن البحاث‬
‫اللفظية كانت قد بدأت دوما ً ) بدللة (‬
‫اللفظ ‪ .‬وقد ظهرت في بحث الدللة‬

‫‪1‬‬ ‫البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪94‬‬
‫‪4‬‬
‫مشكلتان لم ُتحل ّ بعد وهما الدللة نفسها ـ‬
‫لرتباطها بالوضع ـ والوضع ‪.‬‬
‫ومعلوم إننا ل يمكن لنا الوصول الى الواضع‬
‫لنسأله عن طريقته في الوضع ‪ .‬ولكن المثير‬
‫للدهشة أن الباحث يزعم بعد ذلك أن هناك‬
‫) نص ( على كون اللفظ كذا للمعنى كذا هو‬
‫حقيقة والخر في المعنى كذا هو مجاز وأن‬
‫هذا النص هو من الواضع !!! بل يدعي أن‬
‫الواضع ) يقول ( هذا حقيقة وهذا مجاز ؟‬
‫ح‬‫ومن ثم ُتركت العبارة هكذا بغير شر ٍ‬
‫إضافي كما لو كان الخلق بلهاء والسامعون‬
‫والقراء قد فقدوا العقل والذكاء !!‪.‬‬
‫ولم يكتف بذلك بل نسب الى الواضع أشياء‬
‫أخرى فقال ‪:‬‬
‫) أو يذكر واحدا ً منهما وثالثا ً أن يذكر‬
‫خواصهما وأما الستدلل ‪( ...‬‬
‫وهكذا فهو قد ترك الناس في حيرة من‬
‫أمرهم إذ ل يعلمون إن كان ) المام الباحث (‬
‫يلتقي بواضع اللغة سرا ً في مكان ما أو يراه‬
‫في الحلم !!‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪95‬‬
‫‪3‬‬
‫ك ّ‬
‫ل ما أستطيع قوله هنا ‪ :‬إن هذا هو‬
‫منتهى التخّبط والتدليس ‪ ..‬لن البحث عن‬
‫الدللة قاد الى البحث عن الحقيقة والمجاز‬
‫والفرق بينهما وخلل البحث عن الفرق‬
‫يفترض الباحث أنه فرغ من معرفة الفرق !!‬
‫وهذه الطريقة الملتوية لعلقة لها بالعلم‬
‫والبحث العلمي ‪.‬‬
‫وإذا أردنا مناقشة الطريقة الخرى لتمييز‬
‫الحقيقة عن المجاز والتي هي ) الستدلل (‬
‫كما عبر عنها نلحظ المزيد من التخبط‬
‫والتناقض ‪ .‬فقد قال ‪:‬‬
‫) واما الستدلل فالحقيقة تعرف من‬
‫وجهين أحدهما أن يسبق المعنى من ذلك‬
‫اللفظ الى فهم بعض السامعين من أهل تلك‬
‫اللغة فيحكم أنه حقيقة في ذلك المعنى ( ‪.‬‬
‫والمناقشة هنا على شيئين ‪:‬‬
‫ىىىىى ‪ :‬إن هذا العمل ليس استدل ل ً ول‬
‫يمت الى الستدلل بعلقة ما ـ لن مايسبق‬
‫الستدلل هو ) استقراء ( لجميع الموارد ومن‬
‫بينها ) المجاز ( لذلك اللفظ عينه ‪ .‬فإذا‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪96‬‬
‫‪3‬‬
‫افترضنا أن الجماعة المذكورة ـ ل تنطق‬
‫بالمجاز ـ فهناك من يستعمل نفس اللفظ في‬
‫جح لصحة‬
‫المعنى الخر ـ فما هو المر ّ‬
‫استعمال تلك الجماعة دون الخرى واعتبار‬
‫هذا الستعمال حقيقة دون الخرى ؟ ‪.‬‬
‫ومعلوم أن افتراضنا هذا محال وإنما نقوله‬
‫جدل ً ‪ ،‬إذ أن أهل اللغة أنفسهم يستعملون‬
‫اللفظ في تلك المعاني جميعا ً على قدم‬
‫المساواة ‪.‬‬
‫ل القصدي تتغير المسأله تغيرا ً‬
‫وفي الح ّ‬
‫جذريا ً ‪.‬‬
‫فالحل القصدي لم يلغ مصطلح ) المجاز (‬
‫وله بصورة جذرية ‪ ،‬إذ أصبح أحد‬
‫ولكنه ح ّ‬
‫مصاديق الحركة العامة للتعاقب وهو يقترب‬
‫ويبتعد عنها بنسب متفاوتة ‪ ،‬ولكنه ليخرج‬
‫مطلقا ً عن ذلك التسلسل المعّين لحروف‬
‫اللفظ وليشارك لفظ ا ً آخر في تلك الحركة‬
‫أبدا ً ‪.‬‬
‫ىىىىىى ‪ :‬أن الذي يسبق من المعاني‬
‫متغيـر بين الحقيقة والمجاز ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪97‬‬
‫‪3‬‬
‫وتوضيح هذا المر كالتي ‪:‬‬
‫لقد أثبتوا وكما فعل سوسير بعد ذلك أن‬
‫المعنى ـ أو الدللة ـ ل تظهر ال ّ بعد التركيب‬
‫وقد رأيت أقوالهم في البحاث السابقة ‪ .‬إذن‬
‫فما يسبق الى ) فهم السامعين ( حسب‬
‫فكرتهم هو الدللة التي تظهر خلل الجملة ‪.‬‬
‫فاللفظ نفسه عديم القيمة قبل التركيب ‪،‬‬
‫ومعلوم أن السامعين يسبق الى فهمهم‬
‫المعنيين أو المعاني الكثيرة باطراد كلما‬
‫تغيـر نسق التركيب ‪ ،‬وسوف تظهر المعاني‬
‫جميع ا ً بالنسبة لهم خلل التراكيب ‪ .‬فكيف‬
‫يتم ّ‬
‫كن السامعون من الحكم على أحدها فقط‬
‫على أنه هو الستعمال الحقيقي دون‬
‫غيره ؟ ‪.‬‬
‫ومن الواضح أن هذا الشكال على الطريقة‬
‫التي تسمى ) الستدلل ( هو إشكال حقيقي‬
‫ل يمكن لحد تفنيده أو الجابة عليه بما‬
‫يطابق إطروحات النظرية العتباطية‪.‬‬
‫أما الطريق الخر للستدلل فقد قال ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪98‬‬
‫‪3‬‬
‫ن أهل اللغة إذا أرادوا‬
‫) واما ثانيهما فإ ّ‬
‫إفهام غيرهم اقتصروا على عبارات مخصوصة‬
‫(‬
‫في حين أنهم على رأيه إذا لم يقصدوا‬
‫الفهام عّبروا بعبارات أخرى ‪ ،‬فنعلم من‬
‫الفرق أن الول حقيقة ‪.‬‬
‫إما النص فلم يذكر المر على هذا النحو‬
‫تخلص ا ً من مشكلة أن يتكلم المرء بكلم ل‬
‫يقصد منه الفهام فقال ‪:‬‬
‫) وإذا قصدوا بالتعبير الحسن بعد الفهم‬
‫عبروا عبارات أخرى (‬
‫وهذه واحدة من طرائقهم الملتوية التي‬
‫لحصر لها ‪.‬‬
‫وفي هذا الطريق الستدللي الغريب نطرح‬
‫أسئلة ل ح ّ‬
‫ل لها في العتباطية ‪:‬‬
‫السؤال الول ‪ :‬إن البحث هو عن تمييز‬
‫دللة المفردة بين الحقيقة والمجاز فما‬
‫دة؟‪.‬‬
‫علقة العبارات التي تتضمن مفردات ع ّ‬
‫السؤال الثاني ‪ :‬من هم أهل اللغة ؟ وكيف‬
‫ددهم ؟ ‪.‬‬
‫نح ّ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪99‬‬
‫‪3‬‬
‫السؤال الثالث ‪ :‬كيف يعبرون أول ً لغرض‬
‫) الفهام ( ويعبرون ثاني ا ً لمجرد الكلم‬
‫الحسن ) بعد الفهم ( ؟ ولماذا يكّررون‬
‫كلمهم بعد الفهم ؟ ومن منهم كان يقوم‬
‫بذلك وأين ومتى ؟‬
‫السؤال الرابع ‪ :‬كيف يعلم السامع أن‬
‫العبارات الولى ) للفهام ( والتي بعدها هي‬
‫الكلم الحسن ؟ وهل عبارات‬
‫) الفهام ( تختلف في الحسن عن العبارات‬
‫الخرى ؟ ولماذا ل يكون العكس متوقعا ً ؟ ‪.‬‬
‫ويمكنك أن تضع اسئلة غريبة أخرى‬
‫ولكنها لن تكون أغرب من الح ّ‬
‫ل العتباطي‬
‫بأّية صورة ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪100‬‬
‫‪3‬‬
‫المبحث العاشر‬
‫دواعـــــي المجــــــــاز‬
‫دة‬
‫دد العلماء ـ في التفسير العتباطي ـ ع ّ‬
‫ح ّ‬
‫عوامل اعتبروها دواعي لذكر المتكلم المعنى‬
‫المجازي للـفظ بدل ً عن اللفظ الحقيقي ‪ .‬ول‬
‫تسلم تلك الدواعي من المناقشة لنها لم‬
‫تقم على أسس علمية ‪ ،‬ولم توضع لها جداول‬
‫لستقراء النصوص بدقـة لفهم مراد المتكلم ‪،‬‬
‫وإنما ُأعلنت تلك الدواعي استنادا ً للحدس‬
‫والتخمين والظن ل غير ‪.‬‬
‫والسباب الداعية لذكر المجاز عندهم هي ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن يكون اللفظ الدال بالحقيقة‬
‫ثقي ل ً على اللسان إما لثقل أجزاءه أو لتنافر‬
‫المجاز‬ ‫تركيبه أو لثقل وزنه ويكون‬
‫عذبًا‪.‬‬
‫وهذا مجّرد ادعاء ل يستند الى أّية معطيات‬
‫لغوية ‪ .‬ويفترض هنا أن يأتوا بمئات إن لم‬
‫ف من الشواهد لجل إيضاح لفظ‬
‫نقل بآل ٍ‬
‫المعنى الحقيقي والذي هو متنافر التركيب أو‬
‫ثقيل الجزاء ويضعوه بدل ً عن اللفظ المجازي‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪101‬‬
‫‪3‬‬
‫المزعوم ويبرهنوا على نحو واضح على أن‬
‫اللفظ المعدول عنه هو الحقيقي من خلل‬
‫استعمالت أخرى مشهود لها أنها قيلت‬
‫بصورة عفوية ـ ل إنشائية لغراض البحث ـ ‪.‬‬
‫ولكن ذلك لم يحدث ل بهذه الشروط‬
‫العلمية القاسية للبحث ول بغيرها ول بدون‬
‫شروط ‪ .‬علما ً أ ّنك ادركت أن المجاز وفق‬
‫الصناف المذكورة سابق ا ً قد طال أغلب‬
‫الستعمالت اللغوية حسب اعتقادهم ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن يكون لجل المعنى إذا قصد‬
‫التعظيم لما هو ليس كذلك أو إذا قصد‬
‫التحقير وهو كائن في الحقيقة ‪ .‬مثال الول‬
‫قول القائل ‪ ) :‬سلم على المجلس السامي (‬
‫ومثال الثاني التعبير عن قضاء الحاجة‬
‫بالغائط ‪.‬‬
‫في هذا الداعي ل تتم ّ‬
‫كن العتباطية من‬
‫ح ّ‬
‫ل الشكال الهام حول ظهور ) التحقير (‬
‫ضحه‬
‫من خلل المجاز ‪ .‬وهو إشكال منطقي نو ّ‬
‫كالتي ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪102‬‬
‫‪3‬‬
‫إذا أراد المتكلم تحقير المجلس من خلل‬
‫اطلق لفظ ) السامي ( فكيف يفهم السامع ‪،‬‬
‫أو اللغوي ‪ ،‬أن اللفظ للتحقير وليس للحقيقة‬
‫إذا لم يكن لفظ ) سامي ( بالمعنى‬
‫الحقيقي ؟ لننا إذا اعتبرناه مجازا ً وفق‬
‫التعريف انصرف المعنى ـ معنى هذا اللفظ ـ‬
‫الى معنى آخر فل يظهر التحقير ‪ !!...‬فتأمل‬
‫في ل منطقية العتباط اللغوي ‪.‬‬
‫ومعنى ذلك أن الستعمال لعلقة له‬
‫بانطباق أو عدم انطباق الدللة على الموضوع‬
‫الخارجي لن لديك دللة لهذا اللفظ‬
‫) سامي ( فالدللة لم تتغير وعدم مطابقتها‬
‫لصفة المجلس هو قصد المتكلم من التحقير‬
‫فلو كانت مطابقة لصفة المجلس لم يكن ثمة‬
‫تحقير ـ بل لكان مدحا ً يم ّ‬
‫جد المجلس ! ومثل‬
‫هذا الذهول في العتباطية هو صفة دائمة‬
‫فيها ‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى فهناك خلل فاضح ‪:‬‬
‫فالمجاز على التعريف هو ليس التيان بلفظ‬
‫بدل لفظ ) الول الداخل على الجملة هو‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪103‬‬
‫‪3‬‬
‫المجازي والمتروك هو الحقيقي ( وإنما هو‬
‫العدول عن معنى اللفظ الحقيقي الى معنى‬
‫دل‬
‫آخر مجازي ‪ .‬فلو كان التعريف هو تب ّ‬
‫ح ‪ ،‬إذ نتصور أن‬
‫الفاظ مع بعضها لكان يص ّ‬
‫المتكلم يريد في الصل أن يقول ) المجلس‬
‫الحقير ( فعدل الى لفظ ) السامي ( ‪ ،‬ولكنه‬
‫لم يغير معنى السامي بل أبقاه على معناه‬
‫وهذا هو منشأ التحقير من حيث أنه مخالف‬
‫للواقع ‪.‬‬
‫فالستعمال له حقيقتان ‪ :‬داخلية في‬
‫التركيب وخارجية في النطباق على الموضوع‬
‫الخارجي ‪ .‬والعتباطية من الجرجاني الى‬
‫سوسير ل تفتأ تخلط بينهما خلطا ً فاضحا ً بل‬
‫ومخزي ا ً ‪ .‬وهذا الخلط يهتك عملية ) التعبير (‬
‫وفي النهاية يح ّ‬
‫طم النظام اللغوي ‪ .‬وهو‬
‫مخالف ومناقض لسس العتباطية نفسها‬
‫ومن بينها أن اللغة رموز من الشارات ـ فهي‬
‫إذن مستقلة عن الموضوع ـ ولول هذا‬
‫الستقلل لما كانت هناك قدرات متفاوتة‬
‫على ) التعبير ( عن نفس الفكرة بتراكيب‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪104‬‬
‫‪3‬‬
‫مختلفة قربا ً وبعدا ً في النطباق على‬
‫الموضوع الخارجي ولول ذلك لكانت الشارات‬
‫والمشار إليه شيئا ً واحدا ً ولكانت اللغة جامدة‬
‫جمود الصخر ‪.‬‬
‫دى الى‬
‫وهذا التصور في العتباطية قد أ ّ‬
‫تجميد اللغة ‪ .‬حيث اعترف بذلك العشرات من‬
‫الباحثين ‪ ،‬بحيث ادعى ) فصحاء وبلغاء ( أنهم‬
‫لم يقدروا بعد بلغة الجرجاني والسكاكي من‬
‫) إنشاء جملة واحدة بشجاعة تامة ( ـ لنها قد‬
‫دى‬
‫تكون مخالفة لشروط بلغتهما ‪ .‬وكذلك أ ّ‬
‫ور الى نفس النتيجة في الغرب ـ‬
‫هذا التص ّ‬
‫وقد عّلقنا باسلوب قصصي ول ّ‬
‫ما نزل في‬
‫مرحلة الدراسة الثانوية على هذا العمل‬
‫بالقول الذي كّنا نتهّيب من إعلنه ‪:‬‬
‫) وسيقوم الجيش اللغوي اللجب بقيادة‬
‫الفارس المغوار ليفي شتراوس بشن هجوم‬
‫تكتيكي بنيوي مع الضياء الول على الجبهة‬
‫الشعرية للويت فيحيلها عند طلوع الشمس‬
‫الى ركام من الحروف المبعثرة وأكوام من‬
‫جثث اللفاظ الميتة ‪ ،‬وسيقوم بتوزيع غنائم‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪105‬‬
‫‪3‬‬
‫المعركة الكثيرة والتي هي "لشيء" على‬
‫جميع المشاركين في الهجوم ك ّ‬
‫ل حسب‬
‫شجاعته ‪. ( ..‬‬
‫وهذا هو المسار الذي تتحرك فيه‬
‫العتباطية الى هذا اليوم ـ فاللغة عندها‬
‫و شديد‬
‫ليست ال هياكل أثارية تحفرها بتر ٍ‬
‫بحثا ً عن القبية المطمورة والهياكل العظمية‬
‫النخرة ولو كانت من إحدى النصوص‬
‫والحل القصدي كما رأيت في ) اّللغة‬
‫حدة ( يعطي الشارة اللغوية ـ قيمة‬
‫المو ّ‬
‫حركية عليا ل حدود لستعمالها ولكن ل عبثية‬
‫فيها ول اعتباط ‪.‬‬
‫وفي الحل القصدي ينفصل الستعمال عن‬
‫موضوعه وبذلك يمكن تبرير نشوء أو إنشاء‬
‫علم للغة حيث يكون واجب هذا العلم‬
‫) تقييم ( الستعمال وهو ما تفتقر إليه‬
‫العتباطية ‪ ،‬وقد وضعنا هذا التساؤل الكبير‬
‫في ) اّللغة المو ّ‬
‫حدة ( أمام علماء العتباطية ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬الداعي الثالث من دواعي‬
‫استعمال المجاز ‪ .‬قال ‪ :‬وهو حصول اللذة ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪106‬‬
‫‪3‬‬
‫فإذا عبر عن الشيء باللفظ الدال عليه على‬
‫سبيل الحقيقة حصل تمام العلم به فل تحصل‬
‫اللذة ‪.‬‬
‫إن هذا التفسير السايكولوجي الغريب هو‬
‫الخر ل علقة له بالمجاز‪ .‬فالمرء حال القيام‬
‫بمثل ذلك أشبه بمن يقوم بمداعبة المتلقي‬
‫والمتلقي يعلم جيدا ً إن كان الستعمال في‬
‫موضوعه ام أنه يرمز له برموز أبعد في‬
‫التعبير؟ ‪ .‬وهذا لعلقة له بالستعمال‬
‫اللفظي للتراكيب ـ حال كونها بعيدة أو قريبة‬
‫في التعبير ‪ ،‬فكل منها حقيقة في موضوعه‬
‫والختلف هو أنه ل يعبـر عن الموضوع نفسه‬
‫وإنما يعبـر عما هو ) بجواره ( أو ما يحيط به‬
‫من ) مواضيع ( فكل منها حقيقي في‬
‫موضوعه ‪ .‬وهو كما تلحظ ذهول آخر غريب‬
‫عن موضوع البحث ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬وهو السبب الخير من أسباب‬
‫الدواعي ‪ :‬ان يكون صالحا ً للشعر وللسجع‬
‫وأصناف البديع دون الحقيقي ‪.‬‬
‫ليختلف هذا الداعي بشيء عما سبقه فإننا‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪107‬‬
‫‪3‬‬
‫نتصور عددا ً من الحتمالت ‪:‬‬
‫أ ‪ .‬أن يكون الستعمال مقحما ً لتنظيم‬
‫الشكل مع إغفال المضمون فهذا التزويق‬
‫اللفظي ـ لعلقة له بالمجاز فاذا ابتعد بعدا ً‬
‫كبيرا ً وخرج عن المضمون كان استعمال ً‬
‫خاطئا ً ‪.‬‬
‫ر هام ٍ هو ‪ :‬إن‬
‫ونود ان ننبـه هنا الى أم ٍ‬
‫طئ أي استعمال وبالتالي ل‬ ‫العتباطية ل تخ ّ‬
‫تجيب على السؤال ‪ :‬لماذا اذن علم اّللغة ؟ ‪.‬‬
‫ب ‪ .‬أن يكون متلئما ً مع المقصود ‪ :‬فهذا‬
‫حقيقي ل مجازي وهو اذا تم ّ‬
‫كن من‬
‫المحافظة على إبراز الفكرة مع العتناء‬
‫باللفاظ ‪ ،‬فهذا الحتمال لعلقة له بالمجاز‬
‫المذكور في التعريف ‪.‬‬
‫ج ‪ .‬أن يقصد ذلك ‪ :‬أي أنه يقصد البتعاد‬
‫عن التصريح بالفكرة ويكتفي بالتلميح الى ما‬
‫حولها ـ وهو أوسع بكل تأكيد ـ وموضوعه‬
‫يساعده في ذلك كأن يكون عدم التصريح‬
‫ف اجتماعي ا ً أو دينيا أو غير‬
‫مبررا ً على نحو كا ٍ‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪108‬‬
‫‪3‬‬
‫وإذن فالقصدية في البتعاد تختار ألفاظا ً ـ‬
‫تصلح لما هو حول الموضوع ول تصلح‬
‫للموضوع المكتوم ـ فهي حقيقية في‬
‫موضوعها فأين هو المجاز ؟ ‪.‬‬
‫نعم ‪ .‬هنا أيضا يظهر المجاز إذا أصرت‬
‫العتباطية على الخلط بين الشارة ودللتها‬
‫وبين الموضوع الذي تنطبق أو ل تنطبق عليه‬
‫وقد لحظت فساده الشنيع ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪109‬‬
‫‪3‬‬
‫المبحث الحادي عشر‬
‫العتباطيــة و مجــاز القرآن‬

‫دم علماء العتباطية في اّللغة تفسيرهم‬


‫ق ّ‬
‫العتباطي ليجدوا الحلول المناسبة للظواهر‬
‫اللغوية فكانت النتيجة هي خلو العتباطية من‬
‫أية قواعد شاملة تتمكن من تفسير تلك‬
‫الظواهر ‪ ،‬سوى العتباط نفسه ـ ولما كان‬
‫العتباط يرتكز على الستعمال ـ ويخلط أول ً‬
‫بين الشياء الثلثة ‪ :‬الواقع الخارجي والدللة‬
‫واللفظ ‪ ،‬ويخلط ثانيا ً بين الدللة المستقلة‬
‫للفظ وبين ظهورها في التركيب ويخلط ثالثا ً‬
‫في الشواهد ‪ :‬هل هي موضوع لستنباط‬
‫القواعد أم هي موضوع لنقد تطبيقات نتائج‬
‫المباحث ؟ فكان من المحتوم ظهور )‬
‫العتباطية ( في نفس التفسير العتباطي ‪.‬‬
‫وفي موضوع المجاز لم تكتف العتباطية‬
‫بالصناف العشرة المار ذكرها فانبرى علماء‬
‫عن ) مجاز‬ ‫العتباط لفراد كتب خاصة‬
‫القرآن ( ‪ .‬ولما كان ) النظام القرآني ( غائبا ً‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪110‬‬
‫‪3‬‬
‫عنهم أو كانوا هم غائبين عن ) النظام‬
‫القرآني ( أصل ً فمن المتوقع أن يجد ) المجاز‬
‫( ضالته في القرآن خصوصا ً ‪.‬‬
‫وإذا أردنا جمع النواع الصلية للمجاز‬
‫القرآني فإنها بلغت عندهم ما يربو على‬
‫دة‬
‫ع ّ‬ ‫الربعين نوع ا ً ! وتحت ك ّ‬
‫ل نوع منها فروع ِ‬
‫‪ :‬سبعة أو ثمانية أو ثلثة حسب اختلف النوع‬
‫وتحت ك ّ‬
‫ل فرع عدد كبير من الشواهد ‪.‬‬
‫وإذا أردنا استعمال نظام إحصائي أو‬
‫عشوائي لعشر صفحات أو ) حزب كامل من‬
‫القرآن ( لبيان ظهور تلك المجازات في‬
‫) النموذج ( تكون النتيجة أن الحاسب‬
‫اللكتروني يحتاج الى استعراض القرآن كله‬
‫بحثا ً عن الستعمال الحقيقي الذي قد يندر‬
‫وجوده لدرجة أنه لن يكون في مجموعه آية‬
‫كاملة !! ‪ .‬ويبدو أن التفسير العتباطي كان‬
‫يسعى الى تحقيق هذه الغاية ‪.‬‬
‫ومع أنهم اقّروا بوجود ) اتجاه ( مضاد ذكر‬
‫ر أو سطرين في مؤلفاتهم كقول‬
‫بسط ٍ‬
‫السيوطي في التقان ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪111‬‬
‫‪3‬‬
‫] وأنكر المجاز جماعة منهم ابن القاص‬
‫من الشافعية وابن خويز منداد ) ؟ ( من‬
‫هتهم أن المجاز أخو الكذب‬ ‫المالكية و ُ‬
‫شب َ‬
‫والمتكلم ل يعدل إليه إل إذا ضاقت به‬
‫الحقيقة وهو على الله محال والقرآن منّزه‬
‫عنه [‬
‫أقول ‪ :‬مع ذلك فإن هذا التجاه غاب عن‬
‫الساحة اللغوية ولم يصلنا منه ال ّ سطر هنا‬
‫كهذا أو سطر آخر هناك ومثل هذا المر واضح‬
‫جدا ً إذا علمنا أن التهام مو ّ‬
‫جه الى هذا‬
‫التجاه في ذلك السطر الوحيد أيضا كونه‬
‫اتجاه يحمل ) شبهات ( ـ ل فكرة معينة يجب‬
‫احترامها ول أطروحة يتوجب الوقوف عليها ‪.‬‬
‫ويكتفي السيوطي بالرد على ) الشبهة ( ـ‬
‫بسطر واحد قائل ً ‪:‬‬
‫) وهذه شبهة باطلة لو سقط المجاز من‬
‫القرآن سقط منه "شطر الحسن" فقد اتفق‬
‫‪1‬‬
‫البلغاء على أن المجاز أبلغ من الحقيقة (‬
‫وبمثل هذه العبارة تم القضاء على ذلك‬

‫‪1‬‬ ‫التقان في علوم القرآن ‪ /‬ج ‪.77 / 2‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪112‬‬
‫‪4‬‬
‫التجاه في مهده ‪ .‬وبالطبع يتجنب علماء‬
‫العتباط الجابة على الشكالت المنطقية‬
‫للتجاه والمتضمنة علقة تعريفه بما يجوز أو‬
‫ل يجوز على الخالق عّز وجل ‪ .‬وذلك لن هذا‬
‫ح‬
‫و واض ٍ‬
‫هو موضوعهم ‪ ،‬وقد برهنت على نح ٍ‬
‫جدا ً أن هدف الحل العتباطي هو القرآن‬
‫وليس القرآن هو ) الموضوع ( الذي يستقي‬
‫منه الحل العتباطي ركائزه ‪ .‬وصورة هذه‬
‫الفكرة قد توضحت لدى مناقشة بلغة‬
‫الجرجاني وخلصتها أنه إذا كان ل يمكن‬
‫للخلق أن يأتوا بمثل القرآن ‪ ،‬فان الحل الخر‬
‫هو أن يكون القرآن مثل كلم الخلق ‪ .‬ول‬
‫ك مطلقا ً في قصدية الحل العتباطي لهذا‬
‫نش ّ‬
‫الهدف وهو ما يظهر جليا ً عند دراسة كتاب‬
‫"إعجاز القرآن" للجرجاني حيث النتيجة‬
‫المحتومة من الدراسة والتي تستعمل‬
‫ح أن‬
‫و واض ٍ‬
‫السلوب الحصائي تبيـن على نح ٍ‬
‫الغاية هي أن يفهم المتلقي بالنتيجة ) الوجه‬
‫العجازية ( للشواهد جميع ا ً والتي حضى‬
‫القرآن الكريم بالنصيب الدنى منها ـ أو خلت‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪113‬‬
‫‪3‬‬
‫أحيانا ً من الشاهد القرآني ‪.‬‬
‫وفي كتاب ) أسرار البلغة ( تم تأسيس‬
‫مبادئ للبلغة على الحل العتباطي تتضمن‬
‫في الجزء الكبر ) الستعمال الحقيقي ( في‬
‫حين تقدم الخرون للجهاز على النص‬
‫القرآني بالمجاز ‪ .‬وذلك عدا الفئات الفلسفية‬
‫التي أدخلت القواعد المنطقية الفلسفية ـ‬
‫وبـاللغة العتباطية ـ الى مبادئ الصول ‪.‬‬
‫وكانت العمال متكاتفة ومتلحمة من أجل‬
‫الهدف المشترك وكانت الضحايا بالطبع كثيرة‬
‫أيضا إذ ل يمكن وصف الجميع بقصدية هذا‬
‫العمل ‪.‬‬
‫وإذا عدنا الى سطر السيوطي الذي يقمع‬
‫به التجاه المضاد ـ فانك تلحظ الهدف بجلء‬
‫سم القرآن بطريقة غير مباشرة‬
‫م حينما ق ّ‬
‫تا ّ‬
‫ر‬
‫ر آخ ٍ‬
‫سن ( وشط ٍ‬
‫ح ْ‬
‫الى شطرين ) شطر ال ُ‬
‫عليك أن تفهم ما هو بمفردك !‪.‬‬
‫وطبيعي أن ) البلغاء ( الذين اتفقوا عنده‬
‫على أن المجاز أبلغ من الحقيقة وأن ) شطر‬
‫الحسن ( في القرآن هو في هذا المجاز هم‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪114‬‬
‫‪3‬‬
‫جماعة يعلمهم هو ـ إذ ليس منهم البلغاء‬
‫الذين نعلمهم كالنبي ) ص ( أو علي بن أبي‬
‫طالب ) ع ( ول حتى معاصريهما ‪ ،‬لن المجاز‬
‫ح إل ّ في وق ٍ‬
‫ت متأخر بعد‬ ‫لم يظهر كمصطل ٍ‬
‫ظهور السلم ‪.‬‬
‫وذلك لن النبي محمد ) ص ( والمام علي‬
‫)ع ( والئمة )ع ( كانوا يؤكدون بصورة‬
‫مستمرة على أن القرآن ) ماء واحد ( يجري‬
‫أوله على آخره وأنه ) واحد من عند واحد (‬
‫وأنه ) ل يختلف ول يخالف ( ‪ ،‬وأن ) باطنه‬
‫عميق وظاهره أنيق ( ‪ ،‬وأن ) الرجال قصرت‬
‫عقولهم عن إدراك مراميه ( ‪ ،‬وهي عبارات‬
‫كثيرة جدا ل أحسب أن ) الشاطر ( الذي‬
‫يشطره الى شطرين بعيد عنها أو بعيدة عنه‬
‫وهو مختص بعلوم القرآن ‪ ،‬فان غابت عنه‬
‫فليست العبارات القرآنية التي تتناغم معها‬
‫وتشير إليها تلك الحاديث بغائبة عنه وهي‬
‫جزء من النص القرآني كقوله تعالى‪:‬‬
‫) متشابها مثاني (‬
‫وقوله ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪115‬‬
‫‪3‬‬
‫) ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه‬
‫(‬
‫وقوله ‪:‬‬
‫) كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن‬
‫حكيم خبير (‬
‫‪ ..‬الى غيرها من اليات التي تؤكد وحدته‬
‫اللغوية العجيبة ونظامه المحكم ومصاديقه‬
‫اللمتناهية والتي يكون ادعاء المجاز فيها‬
‫على التعريف نوع من عدم القرار بهذه‬
‫الخصائص بطريقة غير مباشرة اكتنفتها‬
‫واحتضنتها عبارات ) التبجيل والحترام (‬
‫والتعظيم للقرآن والتي كان هدفها تمرير‬
‫العتباطية الى هذا الكتاب بأية صورة ‪.‬‬
‫م قمع التجاه المضاد وقتله في‬
‫ومثلما تـ ّ‬
‫دعائه ) الشبهات ( في التيار السّني‬
‫مهده ل ّ‬
‫فقد ُ‬
‫قمع نفس التجاه في الفكر الشيعي‬
‫ت أطول‬‫بصورة حاسمة ‪ .‬ولكنه احتاج الى وق ٍ‬
‫زمنيا ً لتكتـل التلمذة الوائل للمام الثاني‬
‫عشر ) ع ( مع بعضهم على قلـتهم ووقوفهم‬
‫بوجه التأسيس العتباطي لمباحث اللفاظ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪116‬‬
‫‪3‬‬
‫الخاص بعلم الصول عندما افتقدت القواعد‬
‫زعيمها الذي أوصى باعتماد الخبار المروية‬
‫في السّنة المؤ ّ‬
‫كدة فقط لمعرفة حقائق‬
‫الدين لحين مجيء ) أمر الله ( ‪ .‬فأحاطت‬
‫الكثرية العتباطية بهذه القّلة وأجهضت‬
‫متها بأسماء غريبة‬
‫محاولتها في مهدها وس ّ‬
‫لعل أهونها هو ) جماعة الخباريين ( ‪ ،‬حيث‬
‫اعتبرتها جماعة ل تمت في فكرها الى العلم‬
‫الحقيقي بصلة مستغلة ضرورة ) التحقق من‬
‫ة تشهرها ضدها تدل على‬
‫سند الخبر ( ورق ً‬
‫ضرورة ) التح ّ‬
‫قق ( من اللفاظ والسس‬
‫المنطقية للعملية الجتهادية برمتها ‪ .‬وهكذا‬
‫دخلت جميع المبادئ السنية التي ل تؤمن‬
‫بضرورة لوجود ) معصوم ( يحمل علم الكتاب‬
‫الزلي واللمتناهي الى دور وأقبية ودراسات‬
‫ومساجد التيار الشيعي الذي يؤمن بهذه‬
‫الضرورة جامعا ً بين تناقضاتها ـ بين القرار‬
‫بوجود المام الفعلي وبين ضرورة البحث‬
‫العتباطي ـ ‪.‬‬
‫ويبدو أن جميع البحاث كانت جاهزة على‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪117‬‬
‫‪3‬‬
‫يد التيار السني وإن كان التيار العتباطي‬
‫للتشيع ينكر هذا ) الفضل ( أحيانا ً ‪ ،‬وكل ما‬
‫احتاجه هذا التيار هو إدخال هذه البحاث في )‬
‫قالبها المامي ( وإضفاء طابع التشيـع عليها‬
‫ومن ثم كانت الزعامة المطلقة للتيار‬
‫الصولي العتباطي على جميع القواعد‬
‫المامية للقرون العشرة الماضية ‪.‬‬
‫ولكن الحق يقال أن التيار القصدي‬
‫) الخباري ( الذي استطاع أن يحدس بذكاء‬
‫منقطع النظير ) يظهر من دراسة مجادلته‬
‫القليلة جدا التي وصلتنا ( استطاع أن يحدس‬
‫ما ستؤول إليه العملية الجتهادية من جمود ‪،‬‬
‫يبلغ درجة أن توضع اللغة نفسها في قوالب‬
‫جامدة تعزل القرآن والفقه عن المة ـ هذا‬
‫التيار لم يمت نهائيا ً في الفكر الشيعي ‪ .‬لكن‬
‫يمكن القول أنه عاش ) طالبا ً المان ( بجوار‬
‫التيار الخر بشروط ضمنية يعرفها الطرفان‬
‫دعي المرجعية والفتوى ويكتفي‬ ‫أهمها أل ّ ي ّ‬
‫بتسجيل الخبار بعيدا ً عن الب ّ‬
‫ت بالمسائل‬
‫الفقهية ـ وقد انتفع كل الطرفان بهذا‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪118‬‬
‫‪3‬‬
‫التفاق فأبقى الخباري على وجوده على‬
‫النحو المعلوم من العيش في الظل في وقت‬
‫انتفع فيه التيار الخر من تلك الخبار ليختار‬
‫منها ما يلئم أصوله ويهجر ما ل يلئمه منها‬
‫بعملية انتقاء محضة ‪ .‬وقد خضع هذا ) النتقاء‬
‫( الى شروط إطارها العام هو ) التحقيق (‬
‫ولكن جوهرها هو تكريس النتقاء خدمة‬
‫للصول العتباطية ‪.‬‬
‫وقد تم تكريس الجهود في العملية‬
‫الجتهادية وحصرها في نطاق العبادات‬
‫والمعاملت وفتح باب الجتهاد وهما خطوتان‬
‫حاول فيها الصوليون تجّنب المشاكل التي‬
‫تنجم عن العتباط والمتمثلة بالتصادم بين‬
‫أصول العملية الجتهادية والصول العامة‬
‫للدين على طريقة المذهب المامي في‬
‫الخطوة الولى وحالة الجمود والتحجر كصفة‬
‫دائمة للعتباط في الثانية ‪ .‬وحاول التيار‬
‫الصولي بإصدار الكراسات بين الحين والخر‬
‫تبرير العملية الجتهادية كلما سمع بدقات‬
‫نبض يصدرها قلب التجاه الخباري المضاد‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪119‬‬
‫‪3‬‬
‫والذي ربما يظهر بشكل مفاجئ داخل مجلس‬
‫ب قاده‬
‫المرجعية نفسه فيما إذا تقدم شا ّ‬
‫حدسه العميق الى كشف التناقض بين‬
‫المرين وتساءل بشغف عن مبررات‬
‫الجتهاد ‪.‬‬
‫وعلى الطرف الخر للفكر العتباطي تم‬
‫التخلص من هذه المشكلة بإيقاف العمل‬
‫الجتهادي واختيار ) أربعة أئمة ( من بين‬
‫عشرات المجتهدين واعتبارهم أرباب المذاهب‬
‫التي يمكن لبراءة الذمة أن تلحق المكلف‬
‫باتباعهم وهؤلء هم الذين اتخذتهم الدولة‬
‫القائمة على الفكر السّني في أوج قوتها‬
‫ممثلين لها في باب الفتيا والقضاء ‪ ،‬فاّتبعهم‬
‫أكثرية الناس مثلما يتبعون أي تشريع جديد‬
‫تضعه الدولة وتجعله موضع التنفيذ في‬
‫ت‬
‫المحاكم والجامعات ومؤسسات الدولة للب ّ‬
‫في شؤون الناس وإنجاز معاملتهم حيث‬
‫لمحيص للجمهور من اتباعهم ‪.‬‬
‫ولم يقم التيار القصدي بنقض التفاق فلم‬
‫يزاحم الصوليين على مقاعدهم ولم يفسر‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪120‬‬
‫‪3‬‬
‫ت بشيء يذكر ‪ .‬ولكن رجال‬
‫القرآن ولم يف ِ‬
‫هذا التيار كانوا بالقرب من الصوليين دائما ً ـ‬
‫وغالبا ً ما كانوا رجال ً زاهدين منتهى الزهد‬
‫في الدنيا وغالبا ً ما تذكر أسماؤهم تحت‬
‫عنوان ) الفاضل الجل ( وغالبا ً ما تفتقر‬
‫جل الصوليين‬
‫تراجمهم الى العبارات التي تب ّ‬
‫د منهم ‪ ) :‬فلن ـ‬
‫ويكتفى بالقول عن أي واح ٍ‬
‫كان فاضل ً جليل ً وله آراء عجيبة ورؤى صادقة‬
‫مثل فلق الصبح رأيته في سنة كذا … له‬
‫تصانيف كثيرة نافعة (!‬
‫لم يفعل التيار القصدي شيئا ً من ذلك ولم‬
‫يحض بالحترام اللزم والشهرة ولكنه فعل ما‬
‫هو افضل من ك ّ‬
‫ل ذلك ‪ .‬فقد حافظ هذا التيار‬
‫على القصدية وكان ل يسأم من تسجيل ك ّ‬
‫ل‬
‫شاردة وواردة ‪ ،‬وكان يقطع الجبال ويخوض‬
‫المستنقعات والهوار لعادة استنساخ جملة‬
‫واحدة أو حديثا ً مفردا ً وكان صادقا ً ك ّ‬
‫ل الصدق‬
‫فل يكذب أبدا ً ‪ .‬وما درى التيار الصولي أنه‬
‫حينما كان ينتقي الحديث حسب هواه فيأخذ‬
‫ويترك ‪ ،‬وأنه حينما يأخذ بغيته ويترك غيرها ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪121‬‬
‫‪3‬‬
‫ما درى أن مقتله ونهايته على يد هذا‬
‫المتروك ‪.‬‬
‫ويبدو أن التيار العتباطي قد شعر بالخطر‬
‫عند ظهور الطباعة الميكانيكية واستقرارها‬
‫وانتشار كتب الحديث للتيار القصدي لخدمة‬
‫الصولية الرائجة فوقعت بأيدي الجماهير‬
‫وإزاء ذلك حاول الصوليون مغازلة التيار‬
‫القصدي بادعاء أو ) تبني ( العرفانية والعلن‬
‫عن أسماء أصولية عرفانية في ذات الوقت ‪،‬‬
‫حيث يفهم من ) العرفاني ( أنه الرجل الذي‬
‫يتم ّ‬
‫كن من معرفة الحقائق الدينية بأسلوب‬
‫بعيد عن المنطق الرسطي والنحو البصري‬
‫والكوفي وشقاقهما مع بعضهما والبلغة‬
‫الجرجانية أو السكاكية وبعيدا ً عن الجدل‬
‫الهيجلي والوجودية السارتريه والبنيوية‬
‫السوسرية والصوفية الغزالية والفلسفة‬
‫الفيضية ـ إسلوب يتميز بالتأمل في النص‬
‫القرآني مجردا ً عن أية تأويلت سابقة أو‬
‫أصول موضوعة ويبدأ دائم ا ً من ألف لم ميم ـ‬
‫ل يمكنني أن اعرف ك ّ‬
‫ل شيء ) ذلك الكتاب ل‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪122‬‬
‫‪3‬‬
‫ى للمتقين ( ـ حيث يفهم منه أن‬
‫ريب فيه هد ً‬
‫) الهدى ( معرفة من ) النوع المتعالي ( وهو‬
‫ل يحتاج ا ل ّ الى التقوى ـ وان الفكرة‬
‫الصولية القائلة بان المرء إذا كان مشغول ً‬
‫بحاجات الدنيا وغير متفرغ لمعرفة الدين فان‬
‫هذه المعرفة تسقط عنه باتباعه أحد المذاهب‬
‫ـ تبدو للمتأمل في هذا النص غير صحيحة ـ‬
‫لن الهدى معرفة وليس ثمة من يسقط عنه‬
‫التكليف بالهدى أو يحتكره لنفسه ـ وليس ثمة‬
‫أيضا من يزعم أن على الجميع ترك مشاغلهم‬
‫والتوجه لمعرفة حقائق الدين وبناء على ذلك‬
‫فل بد أن يكون طريق معرفة الدين هو طريق‬
‫آخر غير الصولية القائمة على العتباط ‪.‬‬
‫لكن من يزعم أن هناك من استطاع‬
‫التوصل فعل الى الهدى بهذا الطريق السهل‬
‫الذي ل يمر بالبصرة أو الكوفة ول يحتاج الى‬
‫دعون كثيرون بيد‬
‫حفظ ألفية ابن مالك ؟ ‪ .‬الم ّ‬
‫أننا إذا افترضنا أن أحدا ً ما قد وصل بهذا‬
‫الطريق فأنه سيصبح ) مفارقا ً ( للعالم بأسره‬
‫وسيحاول جاهدا ً أن ل يعرفه أحد بهذه الصفة‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪123‬‬
‫‪3‬‬
‫فضل عن أن يدعيها ‪ .‬وكل ما يمكنه أن يفعله‬
‫هو أن يحاول تمرير القصدية بطريقة ما ـ كما‬
‫فعل أهل التيار القصدي في مؤلفاتهم‬
‫فالخرون قد يزعمون بعد موت أحدهم‬
‫) ربما كان من‬ ‫معترفين أو مخمنين أنه‬
‫الولياء أو البدال ( ‪ .‬فليس من المعقول أن‬
‫دث المفسر بالمجاز ويشرح اليات‬
‫يتح ّ‬
‫القرآنية بطريقة الحذف والستعارة ويكون‬
‫أيضا من الولياء !! ملمحا ً أو مصرحا ً أو يترك‬
‫) المريدين ( يفعلون هذه الدعاية‬
‫لصالحــه !! ‪.‬‬
‫فقد آن الوان للمة أن تعلم أنه ليس من‬
‫أولياء الله واحد من التيار العتباطي ‪ ،‬وإذا‬
‫) الولية (‬ ‫كان يصلح أحد منهم لتلك‬
‫فان الشيخ ) دي سوسير ( يصلح لها إذ هو‬
‫أعلهم كعبا ً وأكثرهم عمل ً في تأسيس‬
‫العتباطية في الفكر اللغوي العام مع أن‬
‫الشيخ لم يتعرض ) لمجاز ( القرآن كما‬
‫تعرضوا بصورة مباشرة ولم يشطره الى‬
‫شطرين شطر الحسن وهو ما فيه المجاز‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪124‬‬
‫‪3‬‬
‫وشطر آخر ‪ ....‬ولم تكن له غاية مما فعل‬
‫ة‬
‫سوى ) مباركة ( ما فعلوا وتثبيته في نظري ٍ‬
‫تنشر في الغرب خشية أن ) يصحو ( يوما ً ما‬
‫فيعيد النظر في نصوص العهدين ‪.‬‬
‫حق ا ً ‪ ..‬لقد انتفع الفلسفة ) المؤمنون ( أو‬
‫) المحبـون ( للمسيح ) ع ( في الغرب من‬
‫الشيخ وصدق ظنـه ‪ .‬فحينما أدخل ) سبينوزا (‬
‫اللحاد بجلباب اليمان الى المسيحية وراجع‬
‫فلسفتها انتفع بما فعله الشيخ من مبادئ‬
‫اعتباطية لتفسير النصوص بطريق ) الستعارة‬
‫( على طريقة الشيخ الجرجاني حينما وجدها‬
‫تصطدم مع فلسفته ‪. 1‬‬
‫وإزاء هذا الكم الهائل من التراث‬
‫العتباطي فليس بالمكان مناقشة جميع‬
‫تفاصيله فكان ل بد من استعمال أسرع وأنجح‬
‫الطرق وقد تم ذلك بالعلن عن ) النظام‬
‫القرآني ( وقصدية اللغة في ) اللغة‬
‫حدة ( والكتب اللحقة ومنها هذا الكتاب‬
‫المو ّ‬
‫المكّرس لهدم مبتنيات العتباطية في مباحث‬

‫‪1‬‬ ‫قصة الفلسفة ‪ /‬وول ديورانت ـ سبينوزا ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪125‬‬
‫‪4‬‬
‫اللفاظ ومناقشة جملة من التفاصيل خلل‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫ولما كان المجاز القرآني وهو الجزء الهام‬
‫من تطبيقات العتباطية واحد أهم نتائج‬
‫المرادفات والقائم بأكبر قدر من التخريب‬
‫اللغوي وإخفاء معالم النظام القرآني فاني‬
‫ساذكر أهم ما تفتقت عنه عقلية الفكر‬
‫العتباطي من أنواع المجاز القرآني‬
‫وشواهدها مع التعليق السريع عليها ‪ .‬وسبب‬
‫ذلك أن التفصيل غير ممكن في مثل ذلك ‪،‬‬
‫لن من طبيعة اللفظ في القصدية أن ُيلحق‬
‫في ك ّ‬
‫ل القرآن وُتلحظ جميع موارده لغرض‬
‫التفنيد التام للمجاز ‪ .‬وهذا يعني أن ك ّ‬
‫ل‬
‫صفحة في كتب العتباطية وشواهدها تحتاج‬
‫الى كتاب بأكمله لهذا الغرض ‪ .‬ويكفي أننا‬
‫فندنا أسس مباحث اللفاظ ‪ .‬وستستخدم‬
‫إشارات ورموز النظام القرآني هنا لتنبيه‬
‫القارئ إلى مكمن الخطأ ‪ .‬ومعنى ذلك أننا‬
‫نطلب من القارئ الكريم الطلع بل دراسة‬
‫كتاب "النظام القرآني" قبل دراسة هذه‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪126‬‬
‫‪3‬‬
‫المباحث ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪127‬‬
‫‪3‬‬
‫أصناف أخرى للمجاز المزعوم‬
‫في القرآن‬
‫‪ .1‬إطلق واحد من المفرد والمثنى والجمع على آخر‬
‫الشواهد ‪:‬‬
‫أ ‪ ) .‬وجعل القمر فيهن نورا ً (‬
‫قالوا وهو في إحداهن ‪ / .‬أ‪.‬هـ ‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬بل فيهن جميع ا ً لما أثبتـه علم‬
‫ر لحركة النور‬
‫الفيزياء المعاصر من استمرا ٍ‬
‫في أنحاء الفضاء بغير انقطاع فالنور في‬
‫السماوات جميع ا ً ‪ .‬فيتحقق المعنى من لفظ )‬
‫فيهن ( ‪.‬‬
‫لحظ بنفسك العتباطية في التطبيق أيضا ً‬
‫ـ وكأنما ارتقوا السباب ورأوا السبع الطباق ‪.‬‬

‫ب ‪ ) .‬فمن تعجل في يومين (‬


‫قالوا ‪ :‬والتعجيل في اليوم الثاني ‪ /‬أ‪.‬هـ‬
‫أقول ‪ :‬ولذلك قال في يومين ـ حيث أن‬
‫) في ( تعمل كظرف زمان فاليومان زمان‬
‫جل ‪ .‬ويصح هذا الزعم لو‬
‫أصبحا ظرفا للتع ّ‬
‫قال ) ليومين ( ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪128‬‬
‫‪3‬‬
‫جـ ‪ ) .‬ولمن خاف مقام ربه جّنـتان (‬
‫قالوا ‪ :‬والمعنى جنة واحدة ‪ /‬ا‪.‬هـ‬
‫أقول ‪ :‬بل جنتان ومن دونهما جنتان فبأي‬
‫آلء ربكما تكذبان ؟؟‬
‫انظر بنفسك الى التعسـف ـ انظر الى‬
‫ادعاء معرفة الملكوت ممن ل يحسنون ‪.‬‬

‫د ‪ ) .‬وإذ قتلتم نفسا ً فا ّ‬


‫دارئتم فيها (‬
‫قالوا ‪ :‬والقاتل واحد ‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬بل الجمع مقصود وهو مساوق‬
‫للفعل قتلتم لنهم أخفوا القاتل وتدافعوا‬
‫التهمة بعضهم على بعض فكانوا راضين بفعل‬
‫الواحد والراضي بفعل قوم مشارك معهم‬
‫لذلك قال ‪ ) :‬والله مخرج ما كنتم تكتمون (‬
‫وهي صيغ جموع متعددة في الية ‪ .‬فإذا أخذنا‬
‫بزعمهم أن ) قتلتم ( مجاز ظهرت مجازات‬
‫دارئتم ‪ ،‬كنتم ‪،‬‬
‫أخرى في الية في اللفاظ ) ا ّ‬
‫تكتمون ( ‪ ،‬ولم تقتصر على مجاز واحد ‪ .‬إذن‬
‫فالية في إشارتها الى المجموع كانت تقصد‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪129‬‬
‫‪3‬‬
‫أن تتهم المجموع بالقتل فل مجاز ‪.‬‬
‫والقصة على خطأ التفسير مثبتة كذلك في‬
‫شروح القصص أن إحياء القتيل كان لجل أن‬
‫يحدد القاتل الذي رفضوا الكشف عنه ولذلك‬
‫ع ّ‬
‫قب بالقول ) والله مخرج ما كنتم‬
‫تكتمون ( ‪.‬‬

‫هـ ‪ ) .‬فان كان له أخوة فلمه السدس (‬


‫قالوا ‪ :‬المقصود إخوان ‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬هو ل يحسن الفرق فما باله لم‬
‫يسكت ؟ وأخذوها عنه ودخلت التفاسير ‪.‬‬
‫والخوان والخوة كلهما جمع ) أخ ( ‪ .‬لحظ‬
‫الفارق في ) النظام القرآني ( تجد العجاز‬
‫بأجلى صورة ‪.‬‬
‫و ‪ ) .‬قال رب ارجعون (‬
‫قالوا ‪ :‬والمعنى أرجعني لن الرب واحد ‪.‬‬
‫بل "ارجعون" فالخطاب مع الرب ليأذن‬
‫بإرجاعه من قبل الكثرة المنفذة للوامر‬
‫والتي يكره العتباطيون معرفة أسماءها أو‬
‫ذكرها ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪130‬‬
‫‪3‬‬
‫ز ‪ ) .‬فناظرة بم يرجع المرسلون (‬
‫قالوا ‪ :‬والرسول واحد بدليل قوله ) ارجع‬
‫إليهم ( !‬
‫أقول ‪ :‬بل "المرسلون" وهم رسل الملكة ـ‬
‫أرسلتهم بهدية الى سليمان ) ع ( وتنظر بم‬
‫يرجعون ‪ .‬و) ارجع إليهم ( خطاب منه الى‬
‫الهدهد يحمل الجواب المنتظر ـ والمر واضح‬
‫في القرآن وإذا كان الخطاب لهم فيصح أيضا‬
‫لن الملك ل يخاطب ال ّ الرسول الفعلي‬
‫) رئيس الوفد ( ‪.‬‬

‫ح ‪ ) .‬قالوا ل تخف خصمان (‬


‫قالوا ‪ :‬وإنما هو خصم واحد ‪ ،‬فهو عندهم‬
‫مفرد جاء بصيغة المثنى ‪.‬‬
‫لحظ العتباط ‪ .‬المتكلم واحد وهو يتحدث‬
‫عن نفسه وعن خصمه فيصوغ الجملة على‬
‫صيغة المثنى فكيف إذا كان ك ّ‬
‫ل منهما يتكلم‬
‫كما يدل عليه لفظ "قالوا" ‪ .‬أي أن ك ّ‬
‫ل واحد‬
‫منهما كان يقول أنه خصم للخر ‪ .‬علما أن‬
‫الخصم ل بـد له من خصم آخر يقابله فهذا‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪131‬‬
‫‪3‬‬
‫اللفظ مثل لفظ الزوج إذ أن ك ّ‬
‫ل فرد من‬
‫الزوج يدعى زوجا ً ‪.‬‬

‫ط ‪ ) .‬نسيا حوتهما (‬
‫قالوا ‪ :‬والناسي واحد هو يوشع ) ع ( ‪.‬‬
‫بل نسيا ـ إذ لو كان موسى ذاكرا ً لقيل لم‬
‫ل يذ ّ‬
‫كره ؟!‬
‫ولو قال ) نسي حوته ( لعترضت‬
‫العتباطية بهذا العتراض أو قالت المعنى‬
‫) نسيا ( وهو مجاز لنها مولعة بقلب الشياء‬
‫بخاصة في القرآن ‪ .‬أما قول يوشع بعد ذلك‬
‫لموسى ) ع ( ‪ ) :‬أني نسيت الحوت ( فما أراد‬
‫إشراكه فيما كان هو مسؤول ً عنه وذلك لتأدبه‬
‫مع الرسول ) ع ( ـ فالنسيان من موسى‬
‫وفتاه والمسؤولية على الفتى لن الحوت معه‬
‫‪.‬‬

‫ي ‪ ) .‬الطلق مرتان (‬
‫قالوا ‪ :‬وإنما هو مره واحدة ‪.‬‬
‫بل هو مرتان وفي الثالثة ُتبان ‪. .‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪132‬‬
‫‪3‬‬
‫والعتباطية ل تدافع عن المذهب بل هي‬
‫مصدر المذاهب المتعددة ‪ .‬وهو ل يلتبس مع )‬
‫الطلقات الثلثة ( ـ لن هذه المسألة كيفية‬
‫فقد اختلفوا في كون لفظ الطلق ثلث‬
‫مرات في مجلس واحد أم مجالس متفرقة‬
‫وإنما ُيحل الشكال بهذه الية لنها تحدد‬
‫المرات الفعلية للطلق ل صيغة الطلق‬
‫المكررة في ك ّ‬
‫ل مرة ‪.‬‬

‫ك ‪ ) .‬فنادته الملئكة (‬
‫قالوا ‪ :‬وإنما هو واحد جبرائيل )ع( ‪.‬‬
‫بل الملئكة ‪ .‬إنهم يختلفون في الواضحات‬
‫ويزعمون معرفة الخفيات فما أدراهم أن‬
‫المنادي واحد ؟‬
‫ل تأكلون لحما ً طريا ً‬
‫ل ‪ ) .‬ومن ك ّ‬
‫ة (‬
‫وتستخرجون حلي ً‬
‫قالوا ‪ :‬وإنما الحلية من المالح ! ) أي ليس‬
‫من العذب ( ‪.‬‬
‫معرفة واسعة للعتباطية بأسرار البحار‬
‫أيضا ! علما أن القدامى من الغواصين أعلنوا‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪133‬‬
‫‪3‬‬
‫أن اللؤلؤ من المحار والمرجان من شواطئ‬
‫المرجان والدر من نوع من الحيوان البحري ‪،‬‬
‫وأسرار البحار لزالت غامضة في احدث‬
‫التقنيات العلمية فمن أين للعتباطية هذا‬
‫التحديد ؟ هناك غرائب عن البحار كوجود ماء‬
‫عذب داخل الماء المالح وغيرها ‪.‬‬

‫م ‪ ) .‬القيا في جهنم (‬
‫ق ( ‪ .‬فعدل عن المفرد الى‬
‫قالوا ‪ :‬أي ) أل ِ‬
‫المثنى ‪.‬‬
‫إ ّ‬
‫طلع آخر للعتباطية على الغيب !‬

‫ن ‪َ ) .‬يخُرج منهما اللؤل ُ‬


‫ؤ والمَرجان (‬
‫قالوا ‪ :‬يخرج من أحدهما وهو ا ُ‬
‫لجاج ‪.‬‬
‫بل يخرج منهما والعتباطية ل تفهم شيئا ً‬
‫في اللغة العامة فكيف تفهم لغة النظام‬
‫القرآني ؟ وهي ل تعلم ما في البحار‬
‫المعلومة فضل عن ) البحرين ( !‬

‫خسر (‬
‫س ‪ ) .‬أن النسان لفي ُ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪134‬‬
‫‪3‬‬
‫قالوا ‪:‬أي الناسي لوجود الستثناء ‪.‬‬
‫بل النسان ) ال الذين آمنوا وعملوا‬
‫الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ( ‪.‬‬
‫والمستثنى ل يشترط أن يكون من جنس‬
‫المستثنى منه ‪. 1‬‬

‫‪ .2‬إطلق الماضي على المستقبل وعكسه‪:‬‬

‫أ ‪ ) .‬أتى أمر الله فل تستعجلوه (‬


‫قالوا ‪ :‬أي سيأتي ‪.‬‬
‫دعي العتباطية ذلك وهي ل‬
‫وطبيعي أن ت ّ‬
‫تف ّرق بين ) جاء ( و ) أتى ( وتؤمن‬
‫بترادفهما ‪ ،‬وإنما يكمن النظام القرآني‬
‫والعجاز كله في هذا التفريق وفي القضاء‬
‫على المرادفات وهي المهمة التي ستقوم بها‬
‫القصدية وتجابه من خللها العالم بأسره في‬
‫المشرق والمغرب ‪ .‬يأتي الشرح الوافي‬
‫لمثال ذلك في مباحث ألفاظ الطور المهدوي‬
‫حيث سنرى أن التي لم يجيء بعد فيصح‬

‫‪ 1‬انظر القرافي في كتابه "الستغناء في أحكام الستثناء " في قوله تعالى ‪ ) :‬ما كان استغفار إبراهيم لبيه إل ّ ‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫عن موعدة وعدها إّياه ( ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪135‬‬
‫‪5‬‬
‫الماضي ) أتى ( مع المر ) فل تستعجلوه ( ‪.‬‬

‫ب ‪ ) .‬ونفخ في الصور (‬
‫قالوا ‪ :‬أي سُينفخ ‪.‬‬
‫تتجاهل العتباطية النتقال الزمني للذهن‬
‫في السياقات القرآنية الى المستقبل لتقرير‬
‫الحوال التي تسبقها بالماضي ـ لن غايتها‬
‫البحث عن شواهد للمجاز ل تفسير اّللغة ول‬
‫تفسير القرآن ‪ .‬ومثل ذلك جميع اليات‬
‫المشابهة في ) الزمن ( والتي لن اذكرها‬
‫هنا ‪.‬‬

‫ج ‪ ) .‬أتأمرون الناس بالبر (‬


‫قالوا ‪ :‬أي أمرتم ‪.‬‬
‫مة ( من أهل‬
‫لو كان كذلك والمخاطبون ) أ ّ‬
‫الكتاب لكان المقصود أسلفهم فقط ـ إنما‬
‫هو مضارع يفيد استمرار قيامهم بهذا العمل !‬
‫وما يدريك لعلهم أصحاب الفكر العتباطي‬
‫الفعليين والمخططين له من وراء الستار ! ؟‬
‫‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪136‬‬
‫‪3‬‬
‫د ‪ ) .‬واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك‬
‫سليمان ( ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬أي) تلت ( بالماضي ‪.‬‬
‫دفاع آخر للعتباطية عن الشياطين‬
‫واتباعهم فقد ) تلو ( بالماضي ول يتلون الن‬
‫وليس ثمة الن من ) سحرة ( !!‬

‫م تقتلون أنبياء الله (‬


‫هـ ‪ ) .‬فل َ‬
‫قالوا ‪ :‬أي ) قتلتم ( ‪.‬‬
‫بل تقتلون لن الراضي بفعل قوم مشارك‬
‫لهم ‪ .‬وذلك إذا اعتبرنا القتل وسفك الدماء‬
‫شيئا ً واحدا ً ‪ .‬فكيف إذا كان القتل يأخذ معن ً‬
‫ى‬
‫م بكثير ؟‬ ‫اع ّ‬

‫ذبتم وفريق ا ً تقتلون (‬


‫و ‪ ) .‬فريقا ً ك ّ‬
‫قالوا ‪ :‬قتلتم ‪.‬‬
‫لحظ إصرار العتباطية على تفسيرها رغم‬
‫اتفاق الموارد في الصيغة ومثل هذا كثير جدا ً‬
‫كان يمكن له أن يكشف عن النظام القرآني‬
‫لول أن النوايا والهداف مختلفة ‪ ،‬فلحظ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪137‬‬
‫‪3‬‬
‫دفاع العتباطية عن ) المكذبين ( رغم وضوح‬
‫صيغة الفعل المستمر علم ا ً أن القتل غير‬
‫مرتبط بإهراق الدم على الصل ولذلك قال‬
‫جعفر بن محمد )ع( ‪:‬‬
‫) والله ما ضربوهم بسيف ول طعنوهم‬
‫برمح ولكن أحّلوا حرامهم وحّرموا حللهم ( ‪.‬‬

‫ز ‪ ) .‬ويقول الذين كفروا لست مرسل ً (‬


‫قالوا ‪ :‬أي) قالوا ( ؟‬
‫انظر الى سلوك العتباطية ! وأهدافها ! ‪.‬‬
‫غياب تام للذين كفروا بعد نزول القرآن !!‬
‫وكأن المم تخلوا اليوم ممن يقول للنبي‬
‫)ص( لست مرسل ً ! ‪.‬‬

‫ح ‪ ) .‬ذلك يوم مجموع له الناس (‬


‫قالوا ‪ :‬سيجمعون ‪ .‬وهذا فعل وليس صفة‬
‫مثل لفظ ) مجموع ( والذي يش ّ‬
‫كل مع جملة‬
‫) مجموع له الناس ( صفة لذلك اليوم ‪.‬‬
‫انظر إلى العتباطية وهي ل تفرق بين‬
‫الصفة باسم المفعول كونها حقيقة في‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪138‬‬
‫‪3‬‬
‫) الحال ( وصفة لليوم وبين الفعال !! ذلك‬
‫أن اسم المفعول حقيقة في الحال حيث‬
‫وصف به اليوم وليس فعل ً فأين ) مجمو ٌ‬
‫ع له‬
‫الناس ( من الفعل ) سُيجمعون ( ؟‪.‬‬

‫ط ‪ ) .‬إن الدين لواقع (‬


‫ده السيوطي من لواحق‬
‫قالوا ‪ :‬سيقع ‪ .‬ع ّ‬
‫المجاز !‬
‫بينما هو تعبير عن صفة اليوم باسم‬
‫الفاعل وحقيقته في الستعمال ‪.‬‬

‫‪ .3‬إطلق الطلب على الخبر وعكسه ‪:‬‬


‫ا ‪ ) .‬اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم (‬
‫قالوا ‪ :‬ونحن حاملون ‪ ،‬بدليل ) وانهم‬
‫لكاذبون ( والكذب إنما على الخبر‪.‬‬
‫لحظ تعسف العتباطية فما قالوه بمجمله‬
‫هو خبر والكذب يرد عليه فما علقة ذلك‬
‫بالجزاء ) ولنحمل ( ؟ ‪ .‬فانهم ل يعلمون تلك‬
‫الخطايا ومقدارها وإنما يقولون ولنحمل‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪139‬‬
‫‪3‬‬
‫عنكم خطاياكم في الدنيا ويوم القيامة أي‬
‫مستقبل ً ـ ولكنهم كاذبون الن بهذه المقالة !‬
‫فالحمل مشروط بالتباع فل يقولون "نحن‬
‫حاملون" ‪ .‬هل تظن أن ذلك من معضلت‬
‫المسائل اللغوية ؟ أم أنه ديدن العتباطية ؟‬

‫هرون (‬
‫سه ال المط ّ‬
‫ب ‪ ) .‬ل يم ّ‬
‫سه ) بمعنى المر ( ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬أي ل يم ّ‬
‫وهو من أعجب مبتدعات العتباط ‪ .‬فحينما‬
‫ل تختلف صيغة المضارع عن الطلب في مثل‬
‫هذا التركيب تجتهد العتباطية في اليحاء الى‬
‫أنه ) أمر ( وذلك لصرف النظار عن تمييز‬
‫المجموعات في النظام القرآني ‪ ،‬وتحويل‬
‫الطهارة من المعنى العقائدي الى المعنى‬
‫الفقهي وتحويل المـس من المعنى العـلمي‬
‫الى المـادي !! ‪.‬‬
‫وبالطبع فل أذكى من العتباطية حينما‬
‫يتعلق المر بالتخريب ! ‪.‬‬

‫ج ‪ ) .‬ل تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم (‬


‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪140‬‬
‫‪3‬‬
‫قالوا ‪ :‬أي اللهم اغفر لهم ‪.‬‬
‫بل يغفر الله لهم وهو ما يعلمه ) يوسف (‬
‫من قواعد وسنن للغفران وما عّلمه الله من‬
‫تأويل الحاديث ـ وهي جميع الوقائع وليست‬
‫تلك التي في الرؤى فقط ‪.‬‬
‫فلمـا خّروا له سجدا ً علم أنهم أقّروا‬
‫حقيقة بخلفته ورسالته وآمنوا وتابوا فقال‬
‫مستيقنا ً ) يغفر الله لكم ( ‪.‬‬
‫غايات العتباط من ذلك صرف هذه‬
‫الفضائل عن الرسل وإخفاء السنن الخاصة‬
‫بالمغفرة ‪.‬‬

‫د ‪ ) .‬والوالدات يرضعن أولدهن (‬


‫قالوا ‪ :‬هي أمر بصيغة المضارع ‪.‬‬
‫هذا بالرغم من أن آخر الية معّلـق بإرادة‬
‫النسان ) يرضعن أولدهن حولين كاملين ـ‬
‫م الرضاعة ( ‪ .‬والعتباطية‬
‫لمن أراد أن يتـ ّ‬
‫تحارب حرّية النسان أيضا ‪ ،‬تحاربها في كافة‬
‫الجبهات! ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪141‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ .4‬وضع جمع القلة موضع الكثرة ‪:‬‬
‫قبل ذكر الشواهد أنّبـه القارئ الكريم إلى‬
‫أن جمع القلة الذي زعموا أنه لما دون‬
‫العشرة وجمع الكثرة لما هو أكثر ليس سوى‬
‫مجرد بدعه لغوية ل تمت الى الحقيقة بصلة ‪.‬‬
‫علما ً أن الخلل في الجموع المتعددة من‬
‫المور العجيبة حيث دخل المعاجم ولم يفّرقوا‬
‫بين تلك الجموع ومعانيها التي تقتضيها‬
‫دوها شيئا ً واحدا ً رغم التعدد في الصيغ ‪.‬‬
‫فع ّ‬
‫مر في كتاب النظام القرآني مثال عن‬
‫) العباد والعبيد ( وآخر عن ) الخوة‬
‫والخوان ( بتفصيل فراجعه لتدرك أن الجموع‬
‫تحكمها قواعد الدللة اللفظية نفسها ول‬
‫تحكمها قواعدهم ‪.‬‬

‫أ ‪ ) .‬وهم في الغرفات آمنون (‬


‫قالوا ‪ :‬وغرف الجنة أكثر من عشرة ! ‪.‬‬
‫مع أن جمع المؤنث السالم ) غرفة ـ‬
‫غرفات ( وهو غير محدد بعدد كالعشرة ـ إنما‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪142‬‬
‫‪3‬‬
‫غرف ـ استعمال‬
‫التحديد في أصل اللفظ ‪ ) :‬ال ُ‬
‫لحال بناءها المستمر والذي هو غير محدد‬
‫بعدد ( و ) غرفات ـ لما هو موجود فعل ً ولو‬
‫كان ألف غرفة ( ‪ .‬فلما أراد وصف حالهم في‬
‫الغرفات كونهم ) آمنون ( جاء بالجمع الذي‬
‫يفيد ) الموجود الفعلي ( ـ لن النظام‬
‫القرآني يكشف أن الجنة نفسها في توسع‬
‫دائم ‪.‬‬
‫وإذا رأيت بناءا ً يـبنى ول تعلم عدد الغرف‬
‫فيه فيجوز لك بل يتوجب أن تقول ‪ ) :‬ما هذه‬
‫الغرف ؟ ( حتى لو كانت ثلثة لن البناء‬
‫مستمر وقد يضاف عليه غرف أخرى ‪ .‬ولكن ل‬
‫تقول ‪ ) :‬انتم تسكنون هذه الغرف ( بل‬
‫) الغرفات ( ‪.‬‬
‫نعم ‪ .‬وجدوا العرب تقول للموجود الفعلي‬
‫) غرفات ( ولما ل يعلم عدده ) غرف ( فظنوا‬
‫قلـة لما دون العشرة والخر لما هو‬
‫أن الول ِ‬
‫أكثر !! ‪.‬‬

‫ب ‪ ) .‬أياما ً معدودات (‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪143‬‬
‫‪3‬‬
‫قالوا ‪ :‬جعله لما دون العشرة لليحاء‬
‫بسهولة الصيام ! ‪.‬‬
‫سبحان ربك رب العزة عما يصفون ‪ .‬يظنون‬
‫أو يوحون أن الله ) يخالف الحقيقة (‬
‫لسبابهم العتباطية ‪.‬‬
‫لو قال ) معدودة ( على جمع التكسير لما‬
‫كانت محدودة ‪ .‬ولما قال معدودات فكما في )‬
‫غرفات ( ـ موجودة فعل ً في شهر معلوم ل‬
‫يزيد على ثلثين يوما ً ‪ .‬فانظر بنفسك الى‬
‫قيمة الحلول العتباطية ‪.‬‬

‫د ‪ ) .‬الله يتوفى النفس (‬


‫قالوا ‪ :‬والمعنى ) نفوس ( فعدل عنه ‪.‬‬
‫بل ) النفس ( لغرض تحديد المجموعة التي‬
‫يتو ّ‬
‫فاها الله ‪.‬‬
‫فبعض النفوس يتو ّ‬
‫فاها ملك الموت ) قل‬
‫يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ( ‪.‬‬
‫والبعض الملئكة ) الذين توفاهم الملئكة ( ‪.‬‬
‫والبعض تتو ّ‬
‫فاه الرسل ) توفته رسلنا (‬
‫والجميع يتو ّ‬
‫فاه الله في الليل ) وهو الذي‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪144‬‬
‫‪3‬‬
‫يتوفاكم بالليل ( ‪.‬‬
‫فالتو ّ‬
‫في الذي يقع إذا جاء الموت هو‬
‫بحسب الطبقات والمجموعات والصناف‬
‫وبأنظمة محددة ولكل نوع منها عدد من‬
‫الموارد ‪ .‬فلو قال ) الله يتوفى النفوس حين‬
‫موتها ( ـ فهو حق لنه هو المتوفي الفعلي‬
‫وهذا المر الواضح ل يحتاج الى بيان مخصوص‬
‫له ‪ ،‬ولكنه يحدث إرباكا في جميع الموارد‬
‫الخرى وخلل ً في النظام العام واختلفا ً ‪:‬‬
‫) ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه‬
‫اختلفا كثيرا ( ‪.‬‬
‫والنفس التي يتوفاها الله هنا في هذا‬
‫المورد هي مجموعة خاصة جدا ً ‪.‬‬

‫هـ ‪ ) .‬إن رحمة الله قريب من المحسنين (‬


‫قال "الجوهري" ‪ :‬أي إحسان الله قريب‬
‫فهي على هذا المعنى ‪ .‬ذكر ذلك تخلصا ً من‬
‫عدم تأنيث ) قريب ( وهو غير صحيح ‪ .‬لن‬
‫القرآن لم يستعمل ) فعيلة ( تأنيثا ً لفعيل‬
‫مطلقا ً في الظرفين ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪145‬‬
‫‪3‬‬
‫ومثله ) وما يدريك لعل الساعة قريب ( ‪.‬‬
‫لن هذه المفردات ) قريب ‪ ،‬بعيد ( ليست‬
‫صفات لتؤنث وإنما هي ظروف ولو كانت‬
‫مشتقة من أفعال متصرفة ‪ .‬ومعلوم أن‬
‫الظرف ل يحتاج الى تحويلت لنه ظرف‬
‫يستوعب الحركة الفاعلة سواء كان الفاعل‬
‫مذكرا ً أم مؤنثا ً ‪ .‬ولكن المفردة ترجع الى‬
‫تصرفها حينما ل تسلك سلوك الظرف فإذا‬
‫اقترنت بنكرة تحولت الى صفة وأعربت‬
‫) فتحا ً قريبا ً ( ‪ ) ،‬عرضا ً قريبا ً ( ‪ ) ،‬عذابا ً‬
‫قريبا ً ( ‪ .‬في حين أنها كانت في اليات موضع‬
‫الشاهد بمثابة الظرف وليس الظرف كالصفة‬
‫وليس لحد أن يجعل ) رحمة الله ( بنفس‬
‫معنى ) إحسان الله ( بصورة اعتباطية ‪.‬‬

‫‪ .5‬إعطاء الشيء حكم غيره ‪:‬‬


‫موه بالتغليب أو الترجيح ـ وهو كما‬
‫وس ّ‬
‫ترى خلف الحقيقة فهو عندهم مجاز ‪.‬‬

‫أ ‪ ) .‬وكانت من القانتين (‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪146‬‬
‫‪3‬‬
‫قالوا ‪ :‬والصل القانتات ‪.‬‬
‫إذا أخذنا قولهم على محمل الجد فان‬
‫اللفاظ ) الكافرون ( ‪ ) ،‬المؤمنون ( وما‬
‫أكثرها في القرآن إما ل تشتمل على النساء‬
‫أو تكون كلها مجازات خلف الستعمال‬
‫الحقيقي ‪.‬‬
‫فقل لهؤلء المتفيقهين ـ ماذا يطلق على‬
‫المجموعة من الذكور وبينهم إناث ـ لفظ‬
‫الذكور أم لفظ الناث ؟‬
‫إن لفظ الناث خاص لن النثى لحقة‬
‫بالذكر من أول الخلق وأن السجود كان لدم‬
‫دون حواء بينما الذكر عام يشمل على الناث‬
‫بهذا اللحاق ‪ ) :‬وألحقنا بهم أزواجهم ( ‪.‬‬
‫وهم يتحدثون عن ) الحقيقة ( العرفية‬
‫كنوع من أنواع الحقيقة فإذا جاء وفد يضم‬
‫النساء بل لتكن النساء أغلبية فهل يقال مثل ً‬
‫) في الحقيقة العرفية ( ‪ :‬جاءت بنات تميم أم‬
‫بنو تميم ؟ ‪ .‬وهل يقول المرء في العرف إذا‬
‫خرج الناس من الجامعة عند انتهاء الدوام‬
‫الرسمي ) خرج الطلب ( أم خرجت‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪147‬‬
‫‪3‬‬
‫الطالبات ؟‬
‫خرت الحقيقة العرفية للعتباط خلل‬
‫لقد تب ّ‬
‫بحثه الدؤوب عن مجاز القرآن! ‪.‬‬

‫ب ‪ ) .‬بل أنتم قوم تجهلون (‬


‫الصل كما قالوا ) يجهلون ( ‪.‬وجاء بالتاء‬
‫لتغليب أنتم على قوم ـ لن الياء أصل ً صفة‬
‫للقوم ‪ / .‬أ هـ ‪.‬‬
‫هل سمعت بفلسفة لغوية مثل فلسفة‬
‫العتباط ! المتكلم يخاطب قوما ً بطريقة‬
‫حاضرة ويقول ‪ ) :‬بل أنتم قوم تجهلون (‬
‫والعتباط يقول كان عليه أن يقول ‪ ) :‬بل‬
‫أنتم قوم يجهلون ( ـ غير مدركين أن الياء‬
‫ستحول الخطاب من الحاضر الى الغائب في‬
‫التفات ل يصح مطلقا ً في جملة خبرية كهذه ‪.‬‬
‫وهي مثل أن يقول المرء لصاحبه ) أنت يعلم‬
‫أني أحبك ( !! ذلك لن الوضع كله وضع‬
‫خطاب ومجيء مفردة "قوم" ل يسمح بذلك ‪.‬‬

‫ج ‪ ) .‬إذهب فمن تبعك منهم فان جهنم‬


‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪148‬‬
‫‪3‬‬
‫جزاؤكم (‬
‫قالوا ‪ :‬الصل جزاؤهم ‪.‬‬
‫اعترفت العتباطية أن هذا ) العدول ( من‬
‫الغائب ) جزاؤهم ( الى المخاطب من محاسن‬
‫المجاز لنهم لما كانوا تبعا ً للمخاطب في‬
‫المعصية جعلهم تبعا ً في اللفظ ‪ ،‬لكن‬
‫العتباطية توهمت فليس ثمة عدول عن لفظ‬
‫أصلي بالغائب لن الحال حال خطاب مباشر‬
‫وحينما ذكر ) التباع ( ذكرهم خلل الخطاب‬
‫ولو قال ‪ ) :‬جزاؤهم ( فهذا يعني أن إبليس‬
‫ليس معهم !! ‪ .‬فهذا هو مقدار فهم‬
‫العتباطية ّللغة ! ‪.‬‬
‫إنما أبقى الخطاب مستمرا ً وج َ‬
‫مع الكل فلم‬
‫يقل له ‪ ) :‬جزاؤك ( فيخرج التباع أيضا ـ‬
‫فالنظام القرآني يقرر دوما ً صيغة واحدة‬
‫لمحيص عنها ‪ .‬وبالتالي فل عدول ول مجاز ‪.‬‬

‫د ‪ ) .‬فسجد الملئكة كلهم أجمعون ال ّ‬


‫إبليس ( ‪.‬‬
‫ده منهم بالستثناء تغليبا ً لكونه‬
‫قالوا ‪ :‬ع ّ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪149‬‬
‫‪3‬‬
‫كان بينهم ‪.‬‬
‫ده منهم بالستثناء ـ لننا رأينا أكثر‬
‫لم يع ّ‬
‫من مرة أن المستثنى ل يشترط أن يكون من‬
‫جنس المستثنى منه كما في قوله تعالى ‪:‬‬
‫) ما كان استغفار إبراهيم ‪ ( ..‬الية ‪ .‬وهو‬
‫رأي القرافي أيضا ً المتخصص بشؤون‬
‫الستثناء ‪.‬‬
‫وأما المر بالسجود فقد شمله هذا المر‬
‫لكونه بينهم لكنه ليس منهم لقوله تعالى في‬
‫الموضع الخر ‪ ) :‬ال ّ إبليس كان من الجّنة‬
‫ففسق عن أمر ربه ( ‪ .‬وهو ما في سورة‬
‫الكهف ‪.‬‬
‫ف العتباطية ل تهتم لظهور ) الختلف (‬
‫في القرآن ‪ ،‬بل رأيت في ) مبحث التناقض (‬
‫أنها هي مصدر الترويج لهذا الختلف ‪.‬‬

‫هـ ‪ ) .‬يا ليت بيني وبينك ُبعد المشرقين ( ‪.‬‬


‫قالوا ‪ :‬أي المشرق والمغرب وسماهما‬
‫مشرقين لن المشرق أشهر !! فغلب على‬
‫المغرب !!‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪150‬‬
‫‪3‬‬
‫لحظ مرة أخرى مقدار فهم العتباطية‬
‫وشرحها للنصوص ‪ .‬وقد نست تماما ً أن‬
‫ص‬
‫المشرقين والمغربين ذكرا سوية في ن ٍ‬
‫د ـ بل الولى أن نقول ) تناست ( ـ لنه‬
‫واح ٍ‬
‫مما ل ينسى ‪:‬‬
‫ب المشرقين ورب المغربين ( ‪/‬‬
‫) ر ّ‬
‫الرحمن ‪. 17 /‬‬
‫هاله ‪:‬‬
‫وإني لسال العالم بأسره علماءه وج ّ‬
‫هل حقا ً أن المشرق أشهر من المغرب ؟‬

‫و ‪ ) .‬ولكل درجات ( ‪.‬‬


‫قالوا ‪ :‬أي درجات ودركات للمؤمنين‬
‫والكفار فالدرجات للعلو والدركات للسفل‬
‫غ ّلب الشرف ‪.‬‬
‫ف َ‬
‫لحظ مرة أخرى العتباطية بأجلى صورها ‪.‬‬
‫فتغليب الدرجات لنه أشرف ـ لغويا ً ـ أهم من‬
‫التناقض الذي ينتج من تسمية مراتب أهل‬
‫النار بنفس المراتب الشريفة لهل الجنة‬
‫فهذا هو فهم العتباطية ‪ .‬ومعلوم أن التحديد‬
‫المذكور هو تحديد اعتباطي ل أصل له عند‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪151‬‬
‫‪3‬‬
‫العرب ول العجم ـ فالدرجات هي درجات‬
‫سالبة كانت أم موجبة ‪.‬‬
‫فهذا يشبه النف من قولهم أن المشرق‬
‫أشهر من المغرب !!‬

‫‪ .6‬تأنيث المذكر ‪:‬‬


‫أ ‪ ) .‬الذين يرثون الفردوس هم فيها (‬
‫قالوا ‪ :‬الصل هم فيه ‪.‬‬
‫بل فيها لن الفردوس جنات وهي جمع‬
‫مؤنث ‪ ،‬والعوام أعلم منهم بالسليقة إذ‬
‫جعلوها اسما ً للناث الى هذا اليوم ‪.‬‬

‫ب ‪ ) .‬من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها (‬


‫قالوا ‪ :‬الصل عشرة ) لن القاعدة في‬
‫العداد العشرة أن يكون جنس العدد خلف‬
‫المعدود ‪ :‬عشرة رجال ‪ ،‬عشر أمهات ( ‪ .‬وقال‬
‫آخرون لمراعاة المعنى لن ما هو مثل‬
‫الحسنة المؤنثة يكون مؤنثا ً !! وكل ذلك كأن‬
‫المثال عندهم مذكر ! وهكذا تنسى‬
‫العتباطية أن صيغ الجمع على وزن ) أفعال (‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪152‬‬
‫‪3‬‬
‫كلها مؤنثة فأنت بل هم يقولون ‪ :‬هذه‬
‫) وليس هذا ( الشياء وهذه العمال ‪،‬‬
‫الحكام ‪ ،‬النهار ‪ ،‬السماء ‪ ،‬وتلك القدار ‪،‬‬
‫العداد ‪..‬الخ ‪ .‬فل تشذ "المثال" عنها وقد‬
‫أنثت ) بمفردها ( بمعزل عن الحسنات في‬
‫القرآن فقال تعالى ‪:‬‬
‫) وتلك المثال نضربها للناس وما يعقلها‬
‫ال العالمون ( العنكبوت ‪43 /‬‬
‫وكذلك ‪:‬‬
‫) وتلك المثال نضربها للناس لعلهم‬
‫يتفكرون ( الحشر ‪10 /‬‬
‫لكن العتباطية ل تتدبر القرآن بل تبحث‬
‫عن الشواهد ‪.‬‬
‫كذلك قال في الحالت التي اقترنت فيها‬
‫عشر بالجمع المؤنث ‪ ) :‬وليال عشر ( ‪،‬‬
‫) ثلثين ليلة وأتممناها بعشر ( والمقصود‬
‫ليال ) وإن أتممت عشرا ً فمن عندك ( ـ‬
‫والمقصود حجج ‪ ) ،‬فأتوا بعشر سور من‬
‫مثله ( ‪.‬‬
‫فهل المجاز في جميع تلكم التراكيب‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪153‬‬
‫‪3‬‬
‫والمعدود فيها مؤنث ؟‬

‫إسناد الفعل الى غير ما هو له أصالة ‪ ) .‬أي‬ ‫‪.7‬‬

‫الى غير فاعله الصلي ( ‪.‬‬


‫لحظت أمثال ذلك في النظام القرآني ‪،‬‬
‫م تفنيد هذا النوع المزعوم وهذه شواهد‬
‫وت ّ‬
‫أخرى للعتباطية ‪:‬‬
‫أ ‪ ) .‬وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا (‬
‫قالوا ‪ :‬وهو مجاز لن الزيادة من الله ل من‬
‫اليات ‪.‬‬
‫وقد تذكر أخي القارئ مثال ) شجرة تؤتي‬
‫أكلها ( وغيرها في كتاب النظام القرآني ‪.‬‬
‫فبصفة عامة نسبت العتباطية جميع الفعال‬
‫الى الله تعالى مباشرة وتركت المسببات‬
‫المذكورة في القرآن لتحقيق المجاز وإذا‬
‫أخذنا آراءهم بجدية فليس ثمة فعل يصلح لن‬
‫يكون حقيقيا ً ‪.‬‬
‫وفرعون نفسه تخّلص من التهم القرآنية‬
‫بفضل مجاز العتباطية ففي قوله ) يذّبح‬
‫أبناءهم ( ـ قالوا ‪ :‬هو مجاز لن الفاعل‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪154‬‬
‫‪3‬‬
‫العوان ل فرعون ! ‪.‬‬
‫بالطبع ل يقدر علماء العتباط أن يقولوا‬
‫خلع‬
‫) للخلفاء ( الذين يكرمونهم أن ) ال ِ‬
‫والجوائز ( ليست من الخليفة وأنه إذا قال ‪) :‬‬
‫أعطوا لفلن كذا درهم ( فالخالع الحقيقي‬
‫هو ) الخادم ( الذي يسّلمهم الدراهم ‪..‬‬
‫صحيح أنه مجاز ولكن العلن عنه خطر للغاية‬
‫!! ‪.‬‬
‫ما هي غاية العتباطية من ذلك ؟ واضحة ‪:‬‬
‫آيات القرآن إذا تليت ل تزيد اليمان ! وليست‬
‫مشكلة أن تنسب الزيادة الى ) الله ( إذا‬
‫كانت آيات الله ل تتلى لنه ل تزيد اليمان‬
‫فلماذا تتلى ؟ ‪.‬‬

‫ب ‪ ) .‬واحّلوا قومهم دار البوار (‬


‫قالوا ‪ :‬مجاز لنهم تسببوا في كفرهم‬
‫لنهم أمروهم به ـ وهذا يعني أنهم ) لم يحّلوا‬
‫( على الحقيقة ‪.‬‬
‫لكن شرح المجاز هو بخلف المجاز ـ لنهم‬
‫يقولون أنهم تسببوا في كفرهم حيث‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪155‬‬
‫‪3‬‬
‫أمروهم فالذي اح ّ‬
‫ل قومه دار البوار هم ‪،‬‬
‫ويكون الستعمال حقيقيا ً فأين المجاز ؟‬
‫محاولة أخرى فاشلة للعتباطية للدفاع عن‬
‫جماعات محددة أحبطتها بنفسها خلل الشرح‬
‫وذلك لستعصاء صدر الية على هذه‬
‫المحاولة ‪.‬‬
‫دلوا نعمة الله كفرا‬
‫) ألم تر الى الذين ب ّ‬
‫واحّلوا قومهم دار البوار ( ‪/‬إبراهيم ‪28‬‬
‫ومعلوم أن القادة والتباع هم في النهاية‬
‫مجموعة واحدة ‪.‬‬

‫ج ‪ ) .‬عيشة راضية ( ‪ ) ،‬فإذا عزم المر ( ‪،‬‬


‫) فما ربحت تجارتهم ( ‪ ) ،‬تؤتي أكلها ك ّ‬
‫ل‬
‫حين ( ‪ ،‬مجازات مختلفة عندهم ‪.‬‬
‫وقد نوقشت بوضوح في كتاب ) النظام‬
‫القرآني ( ‪.‬‬

‫‪ .8‬إطلق اسم الكل على الجزء وعكسه ‪.‬‬


‫مرت مناقشة هذا القسم وشواهده وهذه‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪156‬‬
‫‪3‬‬
‫جملة من الشواهد الخرى ‪.‬‬
‫أ ‪ ) .‬فوّلوا وجوهكم شطره (‬
‫قالوا ‪ :‬أي ذواتكم إذ الستقبال يجب‬
‫بالصدر ‪.‬‬
‫ربما تعتقد العتباطية أن هناك ) ذوات (‬
‫وجوههم في جهة معاكسة لجهة صدورهم ‪ ،‬أو‬
‫ذوات يصّلون ورؤوسهم تنظر الى الوراء !! ‪.‬‬
‫ك ّ‬
‫ل ذلك إذا كان الوجه على الصطلح ! أما‬
‫إذا كان الوجه على المعنى العم في القصدية‬
‫فالمصيبة أعظم ‪ .‬فلماذا عدلت العتباطية‬
‫بالتوجه من الوجوه الى الصدور ؟‬
‫على ذلك كان يجب على إبراهيم )ع( أن‬
‫جهت‬
‫جهت صدري ( ل ) و ّ‬
‫يقول ) و ّ‬
‫وجهي ( ! ‪.‬‬
‫) إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات‬
‫والرض حنيف ا ً وما أنا من المشركين (‬
‫النعام ‪79 /‬‬

‫ب ‪ ) .‬ويبقى وجه ربك ذو الجلل‬


‫والكرام (‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪157‬‬
‫‪3‬‬
‫قالوا ‪ :‬أي ذاته ‪.‬‬
‫نست العتباطية أن ) ذاته ( تعالى منزهة‬
‫من حيث أرادت التنزيه ـ فل يضع نفسه‬
‫الزلية مقابل الموجودات الفانية فل يقول‬
‫) ك ّ‬
‫ل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو‬
‫الجلل والكرام ( ـ ليكون جزءً ممن عليها ‪.‬‬
‫فالتفسير العتباطي لم يفعل شيئا سوى‬
‫تأكيد ) اللتنزيه ( من خلل محاولة ظاهرها‬
‫التنزيه ‪.‬‬
‫أما الوجه فهو كما هو في اّللغة لم يتغير‬
‫ولم يتبدل معناه ‪ ،‬ول يفنى مثل بقية‬
‫الموجودات لنه ارتبط به من جهة الربوبية ـ‬
‫وهي الكائنات التي عبدته مقرة بفنائها ‪ .‬اقرأ‬
‫البحث الحادي عشر‪.‬‬

‫ج ‪ ) .‬وجوه يومئذ ناعمة ( و ) وجوه يومئذ‬


‫خاشعة (‬
‫قالوا ‪ :‬الصل ‪ :‬الجساد وعدل عنه الى‬
‫الوجوه ‪.‬‬
‫لحظ كيف تجعل العتباطية الوجوه مرة‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪158‬‬
‫‪3‬‬
‫أجسادا ً ومرة ذواتا ً ! أو ليس ظهور النعيم‬
‫والخشوع على الوجوه خصوصا ً ؟ وإذا لقى‬
‫المرء صديقه وقال ‪ ) :‬قد تغّيرت بعدي ( ـ‬
‫أنفهم منه أنه أدرك التغيير بالنظر الى قدمي‬
‫صديقه أو بطنه أم عند النظر الى وجهه ؟! ‪.‬‬
‫لذلك قال في موضع آخر ‪ ) :‬تعرف في‬
‫وجوههم نظرة النعيم ( ـ حيث لم تأت به‬
‫العتباطية كشاهد على المجاز لنها ل تقدر‬
‫على إبداله الى ) أجساد ( ‪.‬‬
‫ومثله قوله تعالى ‪ ) :‬يد الله فوق أيديهم (‬
‫حيث زعموا أنها قوة وسلطان أو سلطان‬
‫والغاية من ذلك صرف اليد على الصطلح‬
‫عن أن تكون له تعالى ‪ .‬وهذا وهم آخر أو‬
‫تحريف ظاهره التنزيه ‪ .‬أول ً ‪ :‬لن اليد ليست‬
‫مقصورة على اليد على الصطلح بل هي في‬
‫نفس الصطلح ليست محددة بالذراع في‬
‫الستعمال لكن لن تكون بأية حال هي عين‬
‫السلطان والقوة ‪ .‬فاللفظ له أصل ويمكنك‬
‫حدة ‪.‬‬
‫ملحظة الصول في كتابنا اللغة المو ّ‬
‫وثانيا ً ‪ :‬هل هذه هي محنتهم بالفعل ؟ ل‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪159‬‬
‫‪3‬‬
‫وربك ليست هي ! لن لله تعالى يدٌ فعلية‬
‫مثل يد النسان وأنها ليده ! وليست يد‬
‫عدوه ! ذلك لن الضافة ل تعني الجزئية فمن‬
‫أين جاء هذا القانون ؟ بل هي لفظة مضافة‬
‫مثل أية لفظة أخرى ‪ ) :‬أرض الله ( ‪ ) ،‬ناقة‬
‫الله ( ـ فما العجب في أن تكون لله يد غير‬
‫متصلة كما له أرض ليس سكناه فيها ؟ وناقة‬
‫ل يشرب منها ؟! ‪.‬‬
‫د ‪ ) .‬ولبّيـن لكم بعض الذي تختلفون فيه (‬
‫الزخرف ‪63 /‬‬
‫قالوا ‪ :‬أي كّله ‪.‬‬
‫ول العتباطية اللفظ الى‬
‫لحظ كيف تح ّ‬
‫آخر ولو كان عكسه ‪.‬‬
‫ويشير النص القرآني إلى أنهم اختلفوا بعد‬
‫المسيح )‪...‬ولكن اختلفوا فمنهم من آمن‬
‫ومنهم من كفر( ‪.‬‬
‫فمن أين تعلم العتباطية وجه الختلف‬
‫دد أنه ) كله ( ل‬
‫) في الذين من بعدهم ( لتح ّ‬
‫بعضه ؟ وهي ل تعلم القرآن أيضا ً والذي يق ّ‬
‫ص‬
‫على بني إسرائيل ) أكثر ( ل ك ّ‬
‫ل الذي‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪160‬‬
‫‪3‬‬
‫يختلفون فيه ؟!‬
‫والعتباطية ل تفّرق بمرادفاتها بين‬
‫) الكتاب ( و ) القرآن ( و ) ما أنزل (‬
‫كالقصدية ؟!‬

‫‪ .9‬إطلق المصدر على المفعول ‪.‬‬


‫من بعض شواهده ‪:‬‬
‫أ ‪ ) .‬ول يحيطون بشيء من علمه (‬
‫قالوا ‪ :‬أي من معلومه ‪.‬‬
‫ل أشك أنك تلحظ ـ أيها القارئ النبيه أن‬
‫العتباطية ترغب في إيجاد مجازات أكثر من‬
‫رغبتها بأي شيء آخر ‪ ،‬فالمجاز والعتباطية ـ‬
‫في الجانب اللغوي يظهران كما لو كانا هما‬
‫الغاية وبالطبع هناك هدف نهائي ولكنه قطعا ً‬
‫ليس فهم اّللغة ‪.‬‬
‫رأيت في كتاب النظام القرآني أن‬
‫العتباطية جعلت ) ل يحيطون ( مجازا ً ‪،‬‬
‫وتلحظ هنا أنها جعلت ) من علمه ( مجازا ً‬
‫آخر ‪ ،‬والمتكلمون أخذوا ) الشيء ( بالنسبة‬
‫للذات والعلم ـ وهو عند بعضهم مجاز ثالث ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪161‬‬
‫‪3‬‬
‫والنتيجة ثلث مجازات متجاورة في تركيب‬
‫من أربع مفردات من آية الكرسي ! ‪.‬‬
‫ثلث مفردات ليست حقيقة في الستعمال‬
‫من آية تعد ) أعظم ( آية نزل بها الوحي‬
‫اللهي في التاريخ البشري ‪.‬‬
‫وإذا أخذنا معنى ) الية ( بمعناها المطلق‬
‫وفسرنا الحديث النبوي الشريف بهذا الطلق‬
‫فهي أعظم آية كونية أيضا ً ـ لنه ل فرق في‬
‫منطق النبي ) ص ( بين اليات الكونية‬
‫والكلمية سوى التفاضل في العظمة والكبر ـ‬
‫والقرآن سمى الجميع آيات ‪.‬‬
‫هل تعتقد أيها القارئ أن العلم بالشيء هو‬
‫والشيء المعلوم سواء ؟‬
‫إذا كنت ل تعتقد أن علم الفلك هو نفس‬
‫الفلك فان تحويل العلم الى المعلوم هو نوع‬
‫من التحريف والذي ل تخفى عليك أهدافه‬
‫المتعلقة بالذات اللهية وصفاتها المستقلة‬
‫عن الكائنات بوجودها ـ وهي نفس الخصائص‬
‫التي تؤكدها عبارات ) حي ـ قيوم ـ ل تأخذه‬
‫سنة ـ ول نوم ـ له ما في السماوات والرض (‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪162‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬‬
‫أما ) الحاطة فقد فنـدنا المجاز المذكور‬
‫في هذا اللفظ سابقا فراجعه ( ‪.‬‬
‫ب ‪ ) .‬صنع الله (‬
‫قالوا ‪ :‬الصل ‪ :‬المصنوع ‪.‬‬
‫من المعلوم أن الصنع غير المصنوع ‪.‬‬
‫فالصنع مفرده تشير الى فاعلية الصانع‬
‫وغاياته والمصنوع نتاج للصانع ‪.‬‬
‫والعتباطية ل تتأمل بالمفردات المجاورة‬
‫ول شأن لها بها والتي توضح القصدية في‬
‫اختيار اللفظ ) صنع الله الذي أتقن ك ّ‬
‫ل‬
‫شيء ( ‪.‬‬

‫و لي ال رب العالمين (‬
‫ج ‪ ) .‬فإنهم عد ّ‬
‫قالوا ‪ :‬الصل ‪ :‬أعداء‬
‫وهذا ليس داخل ً ضمن هذا الباب ولكنهم‬
‫وضعوه فيه لعدم وجود باب خاص به ‪.‬‬
‫لن ) عدو ( في الية ليس مصدرا ً ـ فالعدو‬
‫يمكن أن يكون فردا ً أو أفرادا ً كثيرين‬
‫ر ما ‪.‬‬
‫مجتمعين على أم ٍ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪163‬‬
‫‪3‬‬
‫وقال بعضهم ‪ ) :‬ولذلك أفردوه ( ـ‬
‫والمصدر هو ما في قوله تعالى على صورة‬
‫دوا ً وظلما ً ( فعبارة ) ولذلك أفردوه‬
‫الحال ) ع ْ‬
‫دو هو‬
‫( هي من أوهام العتباطية ـ لن الع ّ‬
‫دوا ً‬
‫صفة بمعنى كثير العداء ‪ ) .‬عدا ـ يعدو ـ ع ْ‬
‫و ( والعرب تقول هؤلء‬
‫ـ فهو عاد)ي( وعد ّ‬
‫و لنا ـ أي كثيرو العداء ‪ ،‬ويستعمل‬
‫الناس عد ٌ‬
‫للجمع والمفرد سواء لوجود الكثرة في داخله‬
‫كحركة ) انظر اّللغة المو ّ‬
‫حدة ( ‪.‬‬

‫د ‪ ) .‬وجاءوا على قميصه بدم كذب (‬


‫قالوا ‪ :‬الصل مكذوب فيه لن الكذب من‬
‫صفات القوال والجسام ‪.‬‬
‫لكن إذا كان الجسم يشير الى واقعة أو خبر‬
‫ـ أفل يوصف الجسم بالكذب لتعّلقه بهذه‬
‫الشارة مثل الدم المسفوك يمكن أن يكون‬
‫صدقا ً أو كذبا ً ؟ ذلك لن الكذب صفة ل اسم ‪.‬‬
‫لقد لحظت أمثلة كثيرة في ) النظام‬
‫القرآني ( استعمل في تخريجها ) الصطلح‬
‫الذهني ( ‪ ،‬وهو شيء ل علقة له بعلم اّللغة‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪164‬‬
‫‪3‬‬
‫من حيث أن الصطلح هو ) الموضوع (‬
‫النقدي لهذا العلم ‪ .‬وقد أشكلنا على ذلك‬
‫باشكالت كثيرة والكذب هنا ليس مصدرا ً إنما‬
‫هو صفة يوصف بها ما هو غير حقيقي جسما ً‬
‫كان أو قو ل ً ) فإذا رأيت دمية على هيئة أسد‬
‫يجب أن تقول ) هذا أسد كذب ( لن اللفظ‬
‫صفة مثل ‪ ) :‬خشن ( تصلح لوصف الجسام‬
‫وغيرها ( ‪.‬‬

‫هـ ‪ .‬آيات متفرقة ) ويوم يعرض الذين‬


‫كفروا على النار ( ‪ ) ،‬وحّرمنا عليه‬
‫المراضع ( ‪ ) ،‬ماء دافق ( ‪ ) ،‬حجابا مستورا ( ‪.‬‬
‫لوحظت جميعا ً في كتاب النظام القرآني ‪.‬‬
‫‪ .10‬استعمال الحروف في غير معانيها ‪.‬‬
‫في هذا الصنف ل يمكن الحاطة بالموارد‬
‫فهي بالمئات ‪ .‬وقد جاءك أمثلة منها في‬
‫كتاب النظام القرآني ـ ونناقش القسم الكبر‬
‫في أجزاء من كتاب ) اّللغة المو ّ‬
‫حدة ( حيث‬
‫يتوجب إعادة المعاني المختلفة للحروف الى‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪165‬‬
‫‪3‬‬
‫أصل الحركة ونمر كذلك ببعض الموارد‬
‫القرآنية ‪.‬‬
‫الحذف ‪:‬‬ ‫‪.11‬‬
‫دوه من المجاز وهو أسوأ منه في تدمير‬
‫وع ّ‬
‫اّللغة والتجاوز على النصوص بأنواعها وليس‬
‫على النص القرآني فقط وهو ما تلحظه في‬
‫الموضوع اللحق ) المبحث الثالث عشر ( ‪.‬‬
‫موارد الحذف بالمئات ول يمكن الحاطة بها‬
‫وقد سقنا نماذج منها في كتاب النظام‬
‫القرآني ‪.‬‬

‫‪ .12‬التشبيه ‪:‬‬
‫ده بعض العتباطيين من المجاز ـ وعارض‬
‫ع ّ‬
‫ذلك الكثرية ‪ .‬ونقل السيوطي عن عز الدين‬
‫أنه قال إذا كان بحرف ) أي حرف تشبيه (‬
‫فهو حقيقة وان حذف فهو مجاز ‪ .‬وهو كثير‬
‫در ( فيه مفردات من‬
‫أيضا ‪ .‬ويبدو أن من ) ق ّ‬
‫ده من المجاز ومن لم يفعل‬
‫عنده فهو يع ّ‬
‫اعتبره حقيقة ‪ .‬وتأتي أمثلة في سلسلة‬
‫النظام القرآني من غير حرف تشبيه نثبت‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪166‬‬
‫‪3‬‬
‫فيها أنه حقيقية فيها ‪.‬‬

‫‪ .13‬الموضوعات الشرعية ‪ :‬مثل الصلة ‪ ،‬الصوم ‪،‬‬


‫الحج ‪ ،‬الزكاة ‪ ،‬الصدقة ‪.‬‬
‫أرادوا اعتبارها مجازات واختلفوا فيها ثم‬
‫استقر الرأي على اعتبارها حقائق في الشرع‬
‫‪ ،‬مجازات في نظر اّللغة فم ّ‬
‫كن هذا‬
‫) التفاق ( الضمني الفقهاء من الجتهاد في‬
‫الحكام وم ّ‬
‫كن علماء الكلم من الستفادة‬
‫منها لتأكيد مذاهبهم المختلفة ما دامت‬
‫مجازات لغوية ‪.‬‬
‫وبهذا استطاع العتباط من خلل المجاز‬
‫تحقيق الجزء الكبر من غاياته وأهدافه وهو‬
‫تقطيع القرآن وإسقاط الحتجاج به من خلل‬
‫التداخل بين الحقيقة والمجاز وتجزئة العقيدة‬
‫الى أصول وفروع ل تنسجم مع بعضها البعض‬
‫ـ وذلك عدا الطرق الخرى مثل البهام وتعدد‬
‫الوجوه والتقديم والتأخير وغيرها والتي أدت‬
‫ل منها ما كان مخططا ً لها من أهداف في‬
‫ك ّ‬
‫العتباطية ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪167‬‬
‫‪3‬‬
‫المبحث الثاني عشر‬
‫قيمة النص عند العتباطية‬

‫هذا العنوان من مباحثنا الضافية ‪ ،‬ليضاح‬


‫القيمة التي تراها العتباطية في النص ‪ .‬إذ‬
‫جه الى نفس النص ) علماء ( كثيرون‬
‫يتو ّ‬
‫ي لتفسيره‬
‫ق ضمن ّ‬
‫باتفاق أو بدونه أو باتفا ٍ‬
‫فيكشف أحدهم نوع ا ً من المجاز ويكشف‬
‫الخرون أنواع ا ً أخرى وقد يتحول النص بكامله‬
‫الى مجاز في نهاية المر ‪ .‬فالعمل التطبيقي‬
‫للعتباطية هو الخر اعتباطي الشكل ـ لن‬
‫التفسيرات تتصادم فل ينتبـه علماء العتباط‬
‫الى التصادم وإنما يذكرها المتأخرون على‬
‫أنها ) أقوال ( أو ) آراء ( قد تجتمع ‪ ،‬وقد‬
‫يأتي المجاز اللحق ليصحح السابق ‪.‬‬
‫فمثل ً ‪ :‬رأيت أنهم في النص القرآني ‪:‬‬
‫) ول يحيطون بشيء من علمه ( قرروا في‬
‫النحو فقط مجازين ‪ :‬من علمه أي معلومه و )‬
‫يحيطون ( قالوا ‪ :‬الحاطة مجازية وحسب‬
‫عباراتهم ) ليست كإحاطة السوار بالمعصم ( ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪168‬‬
‫‪3‬‬
‫المجاز الثاني جاء لصلح التخريب الذي فعله‬
‫الول ‪ .‬لن المعلومات بعلمه كالشمس‬
‫والنجوم ل يمكن الحاطة المادية بها ـ إذ‬
‫الحاطة المادية عندهم هي الستعمال‬
‫الحقيقي ‪ ،‬بينما المسألة من الصل أن‬
‫المعلوم غير العلم ‪.‬‬
‫وحينما يأتي المفسرون لشرح النص فك ّ‬
‫ل‬
‫حسب ما يقع في يده من الراء اللغوية ـ‬
‫يقوم بتفسير النص معتمدا ً على تلك الراء‬
‫والتي ستختلف حتم ا ً عند ورود مثل ألفاظها‬
‫في نص آخر لنفس المتكلم ‪.‬‬
‫فالنتائج العتباطية ل تتراكم فوق بعضها‬
‫البعض وتعلو بل تتكدس متجاورة مثل أي‬
‫بحث اعتباطي كالفكر الفلسفي مثل ً ـ وحينما‬
‫ُتحرج في بعض الموارد والنتائج المتناقضة‬
‫فإنها تحاول تبريرها بالطرق ) الذرائعية ( أو‬
‫الساليب السوفسطائية وتقوم بتقدير جمل‬
‫أو مركبات أو حروف أو ألفاظ من عندها‬
‫إتماما ً لنتائج العمل العتباطي ‪.‬‬
‫إن العتباطية ل تحترم النص أبدا ً ول تنظر‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪169‬‬
‫‪3‬‬
‫ك المتكلم أو القائل بل تنظر‬
‫مل ِ‬
‫إليه على أنه ُ‬
‫إليه على أنه ) ملكها هي ( ـ وتلك في‬
‫الحقيقة ليست مشكلة لغوية وإنما هي‬
‫مشكلة فكرية وأخلقية ‪ .‬ذلك لن رجال‬
‫العتباطية أنفسهم يرغب ك ّ‬
‫ل منهم أن يؤتيه‬
‫الله ) دينا ً ( على حسب مطالبه وهو يريد أن‬
‫يختار في داخل ) الدين ( الواحد دينا ً آخر‬
‫صه وينسجم مع تطلعاته وقد عّبر القرآن‬
‫يخ ّ‬
‫عن ذلك بالقول ‪:‬‬
‫ل امرئ منهم أن يؤتى صحفا ً‬
‫)بل يودّ ك ّ‬
‫المدثر ‪52 /‬‬ ‫منشرة (‬
‫ويخبرنا النظام القرآني ـ كما سوف ترى‬
‫في مؤلفات لحقة بإذنه تعالى أنه ليس من‬
‫أحد يشك في الله نفسه كما ل يشك أحد أن‬
‫الله يرسل رسل ً وإنما أكثر الناس ل يؤمنون‬
‫لسبب آخر هو الذاتية التي ل تتطابق مع‬
‫متطلبات الذعان للرسل والتسليم لمرهم ‪.‬‬
‫فالحيلة النسانية حاولت التخلص من هذا‬
‫الشكال من خلل الجمع بين المرين ‪:‬‬
‫اليمان بالرسل بشكل عام إذا اقتضت‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪170‬‬
‫‪3‬‬
‫الضرورة وتفسير مقولتهم وكتبهم بطريقه‬
‫ذاتية ‪ .‬ولذلك فإننا نجد عند المقارنة أن‬
‫العتباطية نفسها تحرص حرصا ً شديدا ً على‬
‫د‬
‫المحافظة على نصوص بعضها البعض لح ّ‬
‫ساخ بحرف أو حرفين وإطالة‬
‫ضبط أخطاء الن ّ‬
‫الكلم حول لفظ غامض في أحد السياقات ‪.‬‬
‫وحينما يعجبها تكثير ) قراءات ( النص‬
‫القرآني الى أقصى حدّ فهي ل تتلعب بالنص‬
‫در في هذا‬
‫النساني ول تقدم أو تؤخر أو تق ّ‬
‫النص ‪ ،‬بل الرجوع الى النص الشعري وضبط‬
‫حروفه هو أحد الطرائق المستعملة عند نحاة‬
‫البصرة والكوفة لبطال قواعد بعضهم البعض‬
‫كما هو الحال في شواهد كثيرة تلحظها في‬
‫كتب الخلف ‪ .‬في حين أنها ل تتعامل مع‬
‫النص القرآني بحذر كهذا ‪ ،‬بل تبحث عن‬
‫قراءة شاذة أو سياق شاذ وتبتكر من نفسها‬
‫قراءة معينة لتبرير الوجه النحوي ‪ .‬وما ذلك‬
‫ال ّ لن القرآن هو الهدف النهائي من العملية‬
‫اللغوية برمتها ‪.‬‬
‫وهذا يعني أن العتباطية تدرك جيدا ً أن‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪171‬‬
‫‪3‬‬
‫) النص ( أثر من الثار يدل على مقاصد‬
‫المتكلم وهو مح ّرم على التلعب حرمة النص‬
‫الثري ) الثر المادي ( ‪ ،‬وإن التقديم والتأخير‬
‫وتقدير ألفاظ معينة داخل السياق إنما هو‬
‫محاولة لمشاركة القائل في وضع النص ‪.‬‬
‫ويفترض أننا إذ نحاول تقييم العمل اللغوي‬
‫أن ندرك مسبقا ً أن علم اّللغة تتداعى فيه‬
‫كافة التيارات والتجاهات المختلفة ـ لن‬
‫الفكر بمختلف فروعه إنما يعتمد على اّللغة‬
‫كأداة وحيدة لظهور الفكار ‪.‬‬
‫وعلى ذلك فان تقييم العمل اللغوي ليس‬
‫أمرا ً يسيرا ً وفي اعتقادي أن أعلى العلماء‬
‫رتبة ل يستطيع القيام بذلك ما لم يتصف‬
‫ل شيء لن اّللغة وأسرارها‬
‫بالحكمة قبل ك ّ‬
‫أكبر من العقل العادي بكثير ‪ ،‬أو كما قال‬
‫الشافعي ل يدركها ال ّ نبي ‪ ،‬أي أن التقسيم‬
‫يجب أن يتوافر على ارتباط الفكر عموما ً‬
‫بعلوم اّللغة المتنوعة وهذا عمل عسير للغاية‬
‫ما لم يعتمد على ) مسلمات ( يتم ّ‬
‫كن المرء‬
‫من الحصول عليها بطريقة مستقلة ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪172‬‬
‫‪3‬‬
‫ربما أكون قد أوضحت شيئ ا ً من هذه الفكرة‬
‫في ) النظام القرآني ( والذي يحدد لنا‬
‫بطريقه صارمة تختلف عن المتعارف عليه‬
‫العلقة بين الخالق والمخلوق وبهذه الطريقة‬
‫وبهذا النظام يمكن السير قدم ا ً في استخراج‬
‫الحقائق بعضها من بعض ‪.‬‬
‫فمن تلك الحقائق ‪ :‬إن العتباطية فكر عام‬
‫في ك ّ‬
‫ل فرع من فروع المعرفة النسانية‬
‫باستثناء علم الطبيعة والذي ل يسمح بعد‬
‫تكّرر التجارب وظهور الحقائق الصارمة بفوز‬
‫الذاتية ‪ ،‬فهي تأخذ طريقها الخاص بها في‬
‫ك ّ‬
‫ل فرع من فروع المعرفة الخرى ‪.‬‬
‫فاعتباطية اللغة هي من المصادر الساسية‬
‫التي تعمل بها كافة الفروع ‪.‬‬
‫إن إصرار العتباطية على تكثير المجاز‬
‫والمبهم والستعارة في النص القرآني دون‬
‫سواه ـ إل ّ ما أريد به مهاجمة النص القرآني‬
‫في النتيجة ـ وبلوغها حدا ً أن تعتقد أن عبارة‬
‫) ل إله إل الله ( هي عبارة مجازية ‪1‬ينطوي‬

‫‪1‬‬ ‫) لحظ دفاع السيوطي في التقان عن مجازية العبارة ‪ /‬ج ‪ / 89 / 2‬دار الكتب العلمية (‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪173‬‬
‫‪4‬‬
‫على مسألة فلسفية ل لغوية وحسب ‪ .‬فمثل ً‬
‫كان إنكار المادية التاريخية ) للحقيقة‬
‫المطلقة ( واعتبارها الحقائق نسبية هو ناتج‬
‫حتمي للتفكير المادي ينسجم مع مقدماته ‪.‬‬
‫والعتباطية تحاول الستقلل عن التسليم‬
‫للرسل بطريقتها فهي تجعل عبارة الحقيقة‬
‫المطلقة نسبية في المعنى والنتيجة واحدة ‪.‬‬
‫فالمجاز على التعريف هو غير الحقيقة ‪.‬‬
‫وما المفاجآت التي تحدث يوم القيامة ال من‬
‫هذا النوع ) يوم ندعو ك ّ‬
‫ل أناس بإمامهم ( ـ‬
‫فمن المحتمل أن يأتي السيوطي مفسـر‬
‫القرآن خلف ماركس أو يأتي ماركس صاحب‬
‫رأس المال خلف السيوطي ـ والذين ل‬
‫يفاجئون بمثل هذه الحوادث حسب النظام‬
‫القرآني هم فقط ) الذين أوتوا العلم (‬
‫وتعريف العلم هنا بأل التعريف مقصود إذ‬
‫المراد منه العلم الذي يجمع العلوم ويوصل‬
‫الى نوع من الحكمة لن هذا النوع هو الوحيد‬
‫المرتبط بالنوايا والتسليم بالمر الواقع‬
‫والوحيد الذي يمكن أن نعر ّ‬
‫فه على أنه هو‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪174‬‬
‫‪3‬‬
‫) العلم ( ! فمعرفة ) المافوق ( شيء وطاعته‬
‫شيء آخر وهذا أمر متعارف عليه ‪ ،‬ولكنه في‬
‫) الدين ( بصفة خاصة أصبح معكوسا ً أو‬
‫مختلف ا ً حيث حاولت العتباطية الربط بين‬
‫كمية المعلومات والطاعة ‪ ،‬فالكافر عند‬
‫العتباطية هو المنكر لوجود الله أو الذي ل‬
‫يعرفه أو المنكر للنبوة في حين أن النص‬
‫القرآني ينبـهنا الى أن الكفر هو قضية ذاتية‬
‫واليمان قضية ذاتية ل عقلية وأن هناك نوعا ً‬
‫واحدا ً فقط من الشرك هو الشرك العقلي‬
‫المنحى ‪ .‬لذلك خاطب هذا الشرك بالقضايا‬
‫العقلية وضرب المثال وساق له الدلة ‪ ،‬لنه‬
‫عبارة عن خطأ عقلي يغفر ثم يبدأ المرء‬
‫بعقل جديد ويحاسب على المعرفة العقلية‬
‫الجديدة بعد اتخاذه هذا الموقف ‪.‬‬
‫أما الكفر واليمان فليس فيهما ذلك‬
‫التجاه العقلي لن مصدرهما الرادة الذاتية ‪.‬‬
‫فالذي يؤمن بالله ورسله وكتبه ولكنه في‬
‫فقرة واحدة من مئات الفقرات يحاول‬
‫التشريع فيها ومشاركة الله على أي نحو كان‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪175‬‬
‫‪3‬‬
‫لغويا ً أو فقهي ا ً أو كلميا ً فقد كفر بتلك‬
‫الفقرة من التشريع ‪ .‬وإذا بقي على هذا‬
‫ن‬
‫الحال فهو عند الله كافر لن الله قد س ّ‬
‫قاعدة ذكر فيها أن الكفر بالبعض كفر بالكل‬

‫وجعل إبليس مثل ً لذلك حينما قام بتفسي ٍ‬


‫ر‬
‫ص وذاتي المنحى لعملية خلقه وخلق آدم ‪،‬‬ ‫خا ٍ‬
‫في حين كانت غايته تحقيق ) وجوده الذاتي (‬
‫مقابل ) الوجود الذاتي ( للله ‪ .‬قال تعالى ‪:‬‬
‫) ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض أولئك‬
‫النساء ‪.150 /‬‬ ‫هم الكافرون حقا (‬
‫فمثل هذا المخلوق يكشف عن طبيعته‬
‫الخاصة من خلل تجربة ذاتية مع الوامر‬
‫اللهية ‪.‬‬
‫وإذن فمعرفة الله شيء وطاعته شيء آخر‬
‫‪ .‬فيظهر من ذلك أن اليمان الفعلي ل يبدأ ال‬
‫حين التخلص من تلك الذاتية ‪ .‬أي من لحظة‬
‫التسليم والتي تعني القرار باللشيئية‬
‫والفناء ‪ .‬وهذا الفهم هو الذي حاولت‬
‫العتباطية القضاء عليه ‪.‬‬
‫ومن المعروف أن هذه العملية ليست‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪176‬‬
‫‪3‬‬
‫عمد ّية على مستوى الفراد فردا ً فردا ً بصوره‬
‫دائمة ‪ .‬فالعتباطية وهي ) فكر عام ( وعقيدة‬
‫معينة تجّند لنفسها أعدادا ً كثيرةً تقوم بخدمة‬
‫الفكرة بصورة غير واعية أحيانا ً ‪ .‬وتقوم‬
‫العتباطية بمداعبة اللوعي والرغبات الكامنة‬
‫في النفس لتحقيق ذاتها بخدعة كبيرة تؤمن‬
‫بها مثلما يفعل الشيطان تماما ً ‪ .‬والناس‬
‫ينجرفون في الفكر بطريقة أسهل وأسرع‬
‫من النجراف في السلوك الذي ينعكس عن‬
‫الفكر ـ فالنجراف في الفكر هو البداية لكل‬
‫سلوك خارجي يظهر على الساحة ‪.‬‬
‫أما التناقضات التي أفرزتها العتباطية‬
‫والمشاكل التي وقعت فيها فل يمكن‬
‫إحصاؤها لن العتباطية تيارات محدودة‬
‫تجتمع في هذه الصفة أي في النظرة‬
‫العتباطية للغة وبالتالي العتباطية في‬
‫الفكر والسلوك ‪ .‬فمحاولة جمع آثارها مرة‬
‫واحدة هو ضرب من الخيال ‪ ،‬فهي تضم على‬
‫مستوى المذاهب المجموعات المذهبية كلها‬
‫وعلى مستوى الفلسفة التجاهات الفلسفية‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪177‬‬
‫‪3‬‬
‫جميع ا ً وعلى مستوى اّللغة والنقد المدارس‬
‫اللغوية والنقدية كلها ‪.‬‬
‫أما القصدية فإنها تظهر بصورتها الفردية‬
‫المنعزلة دائم ا ً ـ والعزلة هي ) سلوك ( جميع‬
‫النبياء ) ع ( والولياء قبل صدور المر‬
‫اللهي بوجوب القيام بالتبليغ ‪ .‬فهي تظهر‬
‫في إبراهيم )ع( ‪:‬‬
‫) واعتزلكم وما تعبدون (‬
‫وفي مريم )ع( ‪:‬‬
‫) فاتخذت من دونهم حجابا (‬
‫وفي عيسى )ع( في الفترة الواقعة بين‬
‫تكليمهم في المهد وكهل ً ‪:‬‬
‫) ويكلم الناس في المهد وكهل (‬
‫وفي يوسف )ع( من غيابت الجب الى‬
‫السجن وفي أصحاب الكهف )ع( ‪:‬‬
‫) وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون (‬
‫وفي صالح )ع( ‪:‬‬
‫) قد كنت فينا مرجوا (‬
‫وفي رسول الله محمد )ص( ‪:‬‬
‫)فقد لبثت فيكم عمرا ً من قبله أفل‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪178‬‬
‫‪3‬‬
‫تعقلون (‬
‫وبصفة عامة في جميع الرسل والولياء‬
‫مثل الساكن في ) مجمع البحرين ( ومؤمن‬
‫آل يس الذي جاء يسعى من أقصى المدينة ـ‬
‫وهي عبارة تدل على السكن بعزلة في‬
‫الطراف ـ واللفظ الخير موجود في تفسير‬
‫للية عن المام علي ) ع ( حيث قال ‪:‬‬
‫) كان قد اعتزل قومه قبل مجيء‬
‫الرسل ( ‪.‬‬
‫فالقصدية إذن فردّية في وجودها ‪.‬‬
‫ضح القصدية فكرتها‬
‫وقد يقال ‪ :‬لماذا لم تو ّ‬
‫وتحاول تعميمها كما تفعل العتباطية ؟ ‪.‬‬
‫ن‬
‫والجابة على ذلك واضحة وعسيرة في آ ٍ‬
‫د فهي واضحة من حيث أن القصدية قامت‬
‫واح ٍ‬
‫بما يجب عليها من التوضيح فهذا بشكل‬
‫عام ‪ ،‬ولكنها عسيرة من حيث أن العتباطية‬
‫قامت بما هو مناسب من العمل المضاد‬
‫لخفاء هذا التوضيح باعتبارها قّيمة على تراث‬
‫وأرث القصدية فاحتوته وفّرقته ثم في‬
‫الخطوة الثالثة أجهزت عليه أو ألبسته لباسا ً‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪179‬‬
‫‪3‬‬
‫آخرا ً فالجابة تكون عسيرة من جهة أنها‬
‫تحتاج الى تفصيل وإعادة لرث الجماعات‬
‫كلها ‪.‬‬
‫ويقوم مبدأ العتباطية على فكرة تحويل ما‬
‫هو يقيني الى مشكوك فيه ‪ .‬فإن من طبيعة‬
‫العتباطية أنها تنكر الحقائق المطلقة وتحمل‬
‫الناس على هذا النكار الذي تزرعه في‬
‫النفوس زرع ا ً وإن لهجت اللسن بالقرار‬
‫بالحقائق فهذا القرار ل أهمية له وهو‬
‫الشيء الوحيد الصحيح منطقيا ً في ك ّ‬
‫ل الفكر‬
‫العتباطي ‪.‬‬
‫ويشير القرآن بوضوح الى الرث المشكوك‬
‫فيه عند العتباطية بقوله ‪:‬‬
‫) وان الذين أورثوا الكتاب لفي شك منه‬
‫مريب ( الشورى ‪14 /‬‬
‫ومعلوم أنه يتحدث عن الكتاب باعتباره‬
‫حقيقة من الحقائق ل شك فيها وأن الذين‬
‫يشكون هم الذين أورثوا الكتاب وهم بالطبع‬
‫الجماعات القّيمة عليه ظاهريا ً والتي تتبنى‬
‫ضحها ‪ ،‬فالقرآن يتهم بصراحة‬
‫اطروحاته وتو ّ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪180‬‬
‫‪3‬‬
‫واضحة علماء الديان كونهم أول الناس شكا ً‬
‫في الكتاب وعملهم بالتالي هو تعميم هذا‬
‫الشك ‪ .‬وفي لفظ ) أورثوا ( بالبناء للمجهول‬
‫قضية من قضايا النظام القرآني المهولة في‬
‫إعجازه ل تتوضح ال ّ باستعراض القترانات‬
‫فموضعها ليس هنا ‪.‬‬
‫وقد تسأل سؤال ً آخرا ً ‪ :‬إذا كانت القصدية‬
‫فردية في وجودها وغريبة عن هذا العالم بما‬
‫تتميز به من حكمة وترى أن الفكر النساني‬
‫ما خل القصدي فيه هو فكر اعتباطي ‪ ،‬وأن‬
‫التوجه الى أحد التجاهين ) الكفر أو اليمان (‬
‫هو أمر ذاتي المنشأ مرتبط بالدرجة الولى‬
‫بنظرة النسان الى نفسه والى الله والى‬
‫العالم فإذا كان مسّلما للخالق تسليما ً كامل ً‬
‫فهو قصدي وإذا كان غير ذلك بدرجة ما فهو‬
‫اعتباطي ـ إذا كان المر كذلك فما الداعي‬
‫لمثل هذه البحاث ؟‬
‫والجواب قريب جدا ً من الذهن فالداعي هو‬
‫استدعاء أكبر عدد من الفراد القصديين الذين‬
‫يعملون بل وعي منهم ول إدراك في خدمة‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪181‬‬
‫‪3‬‬
‫العتباطية ليعودوا الى اتجاههم الول‬
‫وينتموا الى ما يرغبون في النتماء إليه‬
‫والذي احتوته العتباطية بكثرة تآليفها وتنوع‬
‫اتجاهاتها المختلفة ظاهري ا ً فقط ‪ .‬ذلك لنهم‬
‫إذا كانوا مقّرين بالعبودية لله فعل ً فليس ثمة‬
‫عند الله إل انتماءين مصير أحدهما الجنة‬
‫وأفراده هم ‪:‬‬
‫) ثلة من الولين وقليل من الخرين (‬
‫الواقعة ‪13 /‬‬
‫ومصير الخر النار وهو النتماء الذي يضم‬
‫أمما ً وشعوبا ً كاملة ‪:‬‬
‫) كلما دخلت أمة لعنت أختها ( العراف ‪/‬‬
‫‪38‬‬
‫فهؤلء الفراد على ق ّلتهم هم في منتهى‬
‫الهمية من ثلث نواح ‪ :‬الولى حرمان‬
‫العتباطية من جهودهم واستغلل قدراتهم‬
‫والثانية استحقاقهم الشخصي لبذل أي جهد‬
‫ممكن لرجاعهم وانتفاع القصدية بهم‬
‫ولهذين المرين أهمية في سير الحداث‬
‫وحركة التاريخ ‪ ،‬لن المر الثالث وهو ) إرضاء‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪182‬‬
‫‪3‬‬
‫الرب ( تفسيره الوحيد هو إتمام الشروط‬
‫المتعلقة بفعل النسان لتمام تحقيق إرادته‬
‫من وجود هذا العدد القليل ‪ ،‬فما دام الخلط‬
‫مستمرا ً تبقى مشيئة تحقيق الرادة وتغير‬
‫العالم معلـقة الى اجل غير مسمى تسمية‬
‫محتومة ‪ .‬إذن فغاية هذه البحاث هي السراع‬
‫بهذا التغيير المنشود ‪.‬‬
‫والفكر القصدي هو أصل ً لهذه الغاية التي‬
‫تحقق له الهدف البعد ) عالم آخر ( أي تمييز‬
‫القصدي عن العتباطي فيتوجب على‬
‫القصدي أن يعرف نفسه ويميزها عن التيار‬
‫العتباطي ‪ .‬وقد أكد القرآن على ذلك في‬
‫مواضع عديدة ‪ .‬فالفرز بين التجاهين هو‬
‫المدخل الى الجنة وهذا المدخل هو بداية‬
‫التغيير ‪:‬‬
‫) أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله‬
‫الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين (‬
‫النعام ‪142‬‬
‫وهذا فرز بين المجموعة المتصفة بذلك‬
‫والخرى والتي لم تذكر باللفاظ لنها واضحة‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪183‬‬
‫‪3‬‬
‫فهي الضد والنقيض للولى وقد ذكرت في‬
‫الية السابقة لن هذه الية جاءت عقب إرادة‬
‫التمحيص ‪:‬‬
‫) وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق‬
‫الكافرين ( ‪.‬‬
‫فالفئة الخرى مذكورة لفظ ا ً في ما قبلها‬
‫مباشرة ‪ .‬وكذلك في موضع اخر حيث الهدف‬
‫هو إخراج المجموعه المقصودة من هذا الكل ‪:‬‬
‫) ماكان الله ليذر المؤمنين على ماانتم‬
‫عليه حتى يميز الخبيث من الطيب (‬
‫آل عمران ‪. 179‬‬
‫فلو تأملت لفظ "المؤمنين" ثم اللتفات‬
‫الى الخطاب "ماأنتم عليه" لدركت علقات‬
‫الك ّ‬
‫ل بالمجموعة المقصودة ‪.‬‬
‫في الية السابقة كان دخول الجنة‬
‫مشروط ا ً بهذا التمييز ‪ .‬وطبعا ً المفهوم هو‬
‫المفهوم القصدي ل العتباطي للجنة ‪ .‬لنه‬
‫ثمة جنتان ‪ .‬فالبدية بعد إلغاء النظام الكوني‬
‫الحالي والمعروف لدينا ل نعلم موضعها ول‬
‫يدخلها ا ل ّ من ذاق الموت ‪ .‬والخرى قبل‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪184‬‬
‫‪3‬‬
‫الغاء النظام ولعلقة لها بالموت من هذه‬
‫الجهة ‪.‬‬
‫اما عند العتباطية فهذا الفهم ل يحمل‬
‫خطورة وحسب بل هو الشيء الذي تحاربه‬
‫في حقيقة المر ـ لن الجّنة السابقة باب‬
‫للدخول إلى الجّنة اللحقة ‪ ،‬وكلهما لهما‬
‫مدخل واحد هو ) العبودية ( المتصفة‬
‫بالتسليم الطوعي والذي هو مضاد لطبيعة‬
‫وتوجهات العتباطية القائمة على الذاتية‬
‫‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫وتفخيم ) النا (‬
‫وهذه الشياء ل يمكن توضيحها هنا‬
‫ة على السؤال‬ ‫بالتفصيل ولكني سقتها كإجاب ٍ‬
‫النف الذكر ـ فالتفاصيل تأتي تباعا ً خلل‬
‫البحاث القصدّية‪.‬‬
‫وقد تلحظ ـ إذا كنت ممن يطالع هذه‬
‫السلسلة كلها ـ أننا نحاول التحدث عن أشياء‬
‫متشابهة كلما سنحت الفرصة بأساليب‬
‫مختلفة وسبب ذلك هو إدراكنا أن الفراد‬
‫المقصودين بها موزعين بشكل غير من ّ‬
‫ظم في‬

‫‪1‬‬ ‫‪ 1‬لحظ محاولت العتباطية جعل الجنتين جنة واحدة من خلل المجاز وهي واحدة من عشرات المحاولت فيما‬
‫‪2‬‬ ‫يخص الجنات والعذاب ومايتعلق بهما ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪185‬‬
‫‪5‬‬
‫ب‬ ‫تيارات العتباطية والتي لك ً‬
‫ل منها اسلو ٌ‬
‫ن في الكتابة لذلك توزعت هذه السلسلة‬
‫معي ٌ‬
‫بين السلوب الدبي النقدي الحديث والكلمي‬
‫والفلسفي والديني السلفي ‪ ،‬في حين كان‬
‫حدة ( قد روعيت‬
‫الجزء الول من ) اللغة المو ّ‬
‫فيه مصالح الترجمة ‪.‬‬
‫واذا كانت العتباطية بمثل هذا التنوع‬
‫والسعة فهذا ل يعني أن المرء يعجز عن‬
‫ة من خلل الخصائص‬
‫ة موحد ٍ‬
‫النظر اليها بنظر ٍ‬
‫المشتركة لها ‪ ،‬بل يمكنه ذلك لن تلك‬
‫الخصائص تظهر بصور متعددة في الفكر‬
‫والسلوك العتباطي ‪ ،‬على حد سواء ‪ .‬وقد‬
‫رأيت في المؤلفات السابقة وفي أبحاث‬
‫اللفاظ وأنواع المجاز في هذا الكتاب مدى‬
‫التخ ّبط واللعقلنية في تلك البحاث والذي‬
‫دد‬
‫هو سمتها المشتركة وبذلك يمكن لنا ان نح ّ‬
‫الخصائص المشتركة للفكر العتباطي ‪ .‬وإن‬
‫فهم المور بصورة شاملة أفضل من مناقشة‬
‫الحالت الجزئية ولذلك وضعت هذا البحث‬
‫العام عن العتباطية بين شطرين من‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪186‬‬
‫‪3‬‬
‫التفاصيل الجزئية ليتمكن القارئ من الربط‬
‫بين السلوك العملي للعتباط وبين خططه‬
‫وأهدافه الشاملة ‪ .‬فمن الخصائص المشتركة‬
‫للفكر العتباطي ‪:‬‬

‫‪ ‬ىىىىىىى ىىىىىىىىىى ‪:‬‬


‫واقصد بذلك أن الفكر العتباطي يقوم‬
‫بالمرين في ذات الوقت لن ذلك جزءٌ من‬
‫طبيعته ‪ .‬ولكن هذا ل يعني أنه بنفس معنى‬
‫) إفعل ول تفعل ( من غير قاعدة ‪ ،‬فالقاعدة‬
‫متضمنة في المقول ـ أي إفعل اعتباطا ً ل‬
‫قصدا ً ‪.‬‬
‫دد السس والقواعد‬
‫فالعتباطية تح ّ‬
‫العتباطية وبعد ذلك فإن للمرء حرية كاملة‬
‫في أن يفعل مايحلو له ضمن هذا الطار ـ‬
‫وينصب غضب العتباط على المرء اذا خرج‬
‫عن الطار الموضوع ‪ ،‬أما في داخله فليفعل‬
‫من المتناقضات ما شاء ‪.‬‬

‫فمث ل ً على الصعيد الفلسفي وفي أم ٍ‬


‫ر‬
‫ن يحدد العتباط بشأن ) مايصدر عن‬ ‫معي ّ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪187‬‬
‫‪3‬‬
‫) ل‬ ‫الخالق الواحد ( قاعدة اعتباطية هي‬
‫يصدر عن الواحد ال واحد ( ‪ .‬والقاعدة مقبولة‬
‫ظاهريا ً ‪ ،‬لن التعدد من خصائص الناقص‬
‫والله كامل ول يصدر عن الكامل ال كامل‬
‫والكمال في ) الوحدة ( واذن فل يصدر عن‬
‫الواحد ال ّ واحد ‪.‬‬
‫وبعدما حدد العتباط القاعدة ‪ :‬فيمكنك أن‬
‫تفترض ما شئت لهذا الواحد الصادر عن الله‬
‫من وجوه وصور كالهيولى على طريقة‬
‫مثال على اسلوب ارسطوا أو‬
‫افلطون أو ال ِ‬
‫الماهية الولى على طريقة الكلمّيين أو‬
‫عال على طريقة الفارابي أو‬
‫العقل الف ّ‬
‫الشيء الذي ليتصف بصفات المادة على‬
‫طريقة بعض الغربيين في فرضية النفجار‬
‫الكوني الول ‪.‬‬
‫فالح ّ‬
‫ل العتباطي في الصل واحد والتعدد‬
‫إنما هو إطار هذا الحل ‪ ،‬وهو دوما ً ح ّ‬
‫ل‬
‫دد لنه المؤدي الى العتباطية‬
‫) يستلزم ( التع ّ‬
‫‪.‬‬
‫ولكن لو نظرت الى القاعدة مليا ً وبتأم ٍ‬
‫ل‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪188‬‬
‫‪3‬‬
‫ف محدّ ٍد وهو ضرب‬
‫تجدها موضوعة لهد ٍ‬
‫د‬
‫الوحدة اللهية نفسها من خلل صدور واح ٍ‬
‫ر ‪ .‬لن الواحد منفرد ولول ذلك لما قلنا أنه‬
‫آخ ٍ‬
‫واحد ـ أي أن أقل ما يصدر عنه هو ) إثنان ( ل‬
‫واحد ‪ .‬بينما العتباطية تسعى الى إزالة‬
‫صفته كونه ) واحد ( لتجعله واحدا ً أحدَ إثنين ‪.‬‬
‫واذا كان الواحد الول أسبق فليست تلك‬
‫مشكلة ‪ ،‬المهم أن يتصف غيره ) بالوحدة (‬
‫فإن الذين اتخذوا آلهة متعددة ما قالوا أن ك ّ‬
‫ل‬
‫منها مستقل بنفسه بل مخلوقة بعضها من‬
‫بعض وهناك كبير لللهة الذي خلقها هو‬
‫الواحد الول ‪.‬‬
‫ولتهتم العتباطية بمخالفة المنطق‬
‫الرياضي الصارم بعد ذلك ‪ .‬فإنك اذا قلت ‪:‬‬
‫‪ 3 ، 2 ، 1‬فان الرقم ) ‪ ( 2‬هو غير الرقم ) ‪( 1‬‬
‫الول وهو يدل على أن الواحد مستقل وأقل‬
‫ما يصدر عنه ) اثنان ( في البدء ‪.‬‬
‫مها أن تخالف النص المنّزل حيث‬ ‫كما ل يه ّ‬
‫سره تفسيرا ً فلسفي ا ً ‪ ،‬لن النص واضح‬ ‫أنها تف ّ‬
‫في بيان هذه المسألة وهي ان الواحد هو‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪189‬‬
‫‪3‬‬
‫واحد دوما ً وأن غيره ل يكون ال ّ زوجا ً ‪ .‬والذي‬
‫يتصف بالوحدة دوما ً ل بد ان يتصف غيره‬
‫بالكثرة دوم ا ً فليس هناك من واحد غيره ‪.‬‬
‫وتظهر الفكرة في نصوص قرآنية كثيرة مثل‬
‫قوله تعالى ‪:‬‬
‫) جعل لكم من انفسكم ازواج ا ً ومن‬
‫النعام ازواجا ً يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء‬
‫وهو السميع البصير ( ‪ /‬الشورى ‪. 11‬‬
‫فأعلن عن الوحدة وانعدام المثلية عند ذكر‬
‫الزوجية العامة والتي هي المنشأ الذي ذرأ‬
‫الكثرة فيه أو كقوله تعالى ‪:‬‬
‫) ومن ك ّ‬
‫ل شيء خلقنا زوجين (‬
‫ي سواه ‪.‬‬‫د حقيق ّ‬
‫وإذن فليس من واح ٍ‬
‫فالعتباطية إذن ل تهتم لذلك لنها تعتقد‬
‫أن الله صادق حينما يقول أن أكثر الناس‬
‫جهلء وغافلون فهي تستغل هذه الخاصية‬
‫فيهم ‪.‬‬
‫ومن التجاه اللغوي تجد أمثلة لحصر لها ‪.‬‬
‫فالمجاز قاعدة عامة لتفسير اّللغة والتراكيب‬
‫من بين قواعد عديدة ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪190‬‬
‫‪3‬‬
‫وحينما يؤمن المرء بذلك فهو حّر في‬
‫استخراج المجازات المتنوعة أو اكتشاف أنواع‬
‫جديدة غيرها ‪ .‬ويفخر علماء العتباطية‬
‫بعضهم على بعض في ) اكتشاف ( المزيد من‬
‫النواع العتباطية في ) استخدام الحروف‬
‫) البهام ( في‬ ‫في غير معانيها ( أو‬
‫القرآن أو ) المجاز ( في النصوص المختلفة ‪.‬‬
‫والشياء الهامة في نظر العتباط تقوم‬
‫بصياغتها على صورة قصائد شعرية أو‬
‫) ملحم ( لتأكيد أهميتها ‪.‬‬
‫ففي البدء كانت اللفاظ التي‬
‫) اكتشفتها ( العتباطية في القرآن والتي‬
‫دتها من لغات أخرى غير العربية كانت قد‬
‫ع ّ‬
‫مت‬
‫اقتصرت على ثلثين مفردة ‪ .‬ولكن ت ّ‬
‫د‬
‫ي جدي ٍ‬ ‫زيادة العدد ك ّ‬
‫ل مرة على يد اعتباط ّ‬
‫فيضيفها شعرا ً على القصيدة الولى بنفس‬
‫الوزن والروي حتى بلغت مئتي مفردة أو‬
‫مئتي أصل لغوي ‪.‬‬
‫وحينما اعترضت ) فكرة قصدّية ( على هذا‬
‫العمل لم يعبأ بها احد وغالبا ً ما ل تذكر أسماء‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪191‬‬
‫‪3‬‬
‫المعترضين وإنما يجمل الكلم على صورة خبر‬
‫من قبيل ) وقال بعضهم أو زعم البعض ( ‪.‬‬
‫وتم إهمال النصوص القرآنية التي تؤ ّ‬
‫كد عربية‬
‫لسانه ‪.‬‬
‫فالحدود المسموح بها للعمل الجزافي‬
‫والكيفي ل نهاية لها في إطار العتباط ما لم‬
‫تخرج من هذا الطار الى القصدية ‪.‬‬

‫ىىىىىىى ىىىىىىىىى ىى ىىىى‬ ‫‪‬‬

‫ىىى‪:‬‬
‫ىىىىى ى‬
‫يقوم الفكر العتباطي من أجل نشر‬
‫افكاره باستعمال أساليب متنوعة أحدها ما هو‬
‫مستعمل في وسائل العلم والدعاية ـ وهي‬
‫جزء من المؤسسة العتباطية ـ ولكن هذا‬
‫السلوب هو في جميع النشاطات الفكرية ‪،‬‬
‫أعني حشر الفكرة المراد نشرها من خلل‬
‫نقيضها القصدي ‪ ،‬وهذا السلوب يستعمل‬
‫صل الى الفكرة بطريقة‬ ‫عادة حينما يكون التو ّ‬
‫أخرى عمل ً عسيرا ً أو مكشوفا ً ‪ .‬فمثل ً حينما‬
‫تريد إيصال فكرة عن ) ل إعجاز القرآن ( ـ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪192‬‬
‫‪3‬‬
‫وهي فكرة تحمل خطورة في العلن عنها‬
‫تستعمل من أجل ذلك السلوب المذكور‬
‫فتوحي للمتلقي بعدم العجاز من خلل‬
‫مؤلفات أو كتب تتحدث عن العجاز وتدافع‬
‫عنه ‪.‬‬
‫مثال ذلك ‪ :‬كتاب ) البرهان الكاشف عن‬
‫إعجاز القرآن ( للزملكاني الذي هو أحد‬
‫مة لهذا الموضوع في التراث أو‬
‫المراجع الها ّ‬
‫كتاب ) دلئل العجاز ( الشهير للجرجاني ‪.‬‬
‫فإذا أخذنا كتاب البرهان فسنجد في الفصول‬
‫م الدفاع عن العجاز بطرائق‬
‫الولى أنه يت ّ‬
‫توحي للمتلقي أن المر مختلف فيه وأن‬
‫العجاز غير ظاهر ولو كان ظاهرا ً لما اختلفوا‬
‫‪.‬‬
‫وحينما يقترح حل ً للمعضلة ويدافع عنه‬
‫فالح ّ‬
‫ل هو باب لدخال العتباطية وأساليبها ‪.‬‬
‫ففي هذا الكتاب وغيره ـ كما سوف ترى‬
‫لحقا ً ـ ت ّ‬
‫م تبّني فكرة ) النظم ( ـ اي أن‬
‫العجاز هو في نظم كلمه ل في المفردات‬
‫ول عوارض الحركات أو المدلولت أو المجموع‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪193‬‬
‫‪3‬‬
‫الكلي أو أمر خارج عن ك ّ‬
‫ل ذلك ـ وهي‬
‫احتمالت حاول الزملكاني تفنيدها ‪ .‬وبعد ما‬
‫) النظم (‬ ‫أبطل كافة الوجوه لم يبق غير‬
‫أي الشكل النهائي لتركيب الجمل ‪ .‬والمتلقي‬
‫وضح‬
‫في هذه اللحظة ينتظر من المؤلف أن ي ّ‬
‫له كيف يمكنه أن يفرق بين ماهو معجز وغير‬
‫معجز من خلل النظم ؟ ‪ .‬وهذه لحظة حاسمة‬
‫في الفتراق بين القصدية المفتعلة‬
‫والعتباط لن الغاية الولى هي إيصال‬
‫مح له‬
‫المتلقي الى هذه النتيجة ‪ ،‬ومع أنه ل ّ‬
‫مرات عديدة قبل ذلك ما هو بمعنى ) إذا بلغنا‬
‫تلك النتيجة فل تسألني عن التفريق ( ‪ .‬فقد‬
‫ينسى المتلقي ذلك إذا كان مشغوفا ً بح ّ‬
‫ب‬
‫القرآن فعل ً ولذلك يحشر هنا قصة خيالية‬
‫يفتعلها لتذكير القارئ بأن المر هو كذلك‬
‫وهذه القصة هي ‪:‬‬
‫) ‪ ..‬وحكي أن إعرابي ا ً حضر صلة جماعة‬
‫دم فقرأ في الولى ‪ " :‬أل يامهلك الفيل‬ ‫ف ُ‬
‫ق ّ‬
‫ومن سار مع الفيل وكيد القوم في تب‬
‫وتضليل بطير صّبه الله على الفيل ابابيل‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪194‬‬
‫‪3‬‬
‫ى من طين سجيل فصار القوم في قاع‬ ‫ضح ً‬
‫م مأكول " ‪ .‬وقرأ في الثانية ‪ " :‬قد‬
‫كعصف ث ّ‬
‫أفلح من هينم في صلته وأطعم المسكين من‬
‫مخلته واجتنب الرجس وفعلته بورك في‬
‫ع في أن‬
‫جم ُ‬
‫بقره وشاته " ‪.‬ولم يشك ال َ‬
‫‪1‬‬
‫ماقرأه سورتان من القرآن ‪( .‬‬
‫وهذا النص واضح في اليحاء الى المتلقي‬
‫أن المؤلف أو ) العرابي ( لو قال مثل هذا‬
‫وأشباهه فان الناس ل تشك أنه من القرآن‬
‫ومن ثم فإن التمييز بين المعجز وغيره ليس‬
‫ال ّ في النظم ول ّ‬
‫ما كان نظم هذا الكلم حسن‬
‫للغاية ويؤدي المعنى المطلوب فذلك هو‬
‫العجاز ‪.‬‬
‫وهدف العتباط من ذلك هو تعميم العجاز‬
‫الى جميع ما هو حسن النظم كما ستلحظه‬
‫في كتاب ) اعجاز القرآن ( للجرجاني أيضا ً ‪.‬‬
‫والمؤلف لم يعّلق بشيء على القصة فيما‬
‫اذا كانت عبارة ) لم يشك الجمع ‪ ...‬الخ ( هي‬
‫جزء من الحكاية ل من كلمه ‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫البرهان ‪ / 56 /‬بغداد ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪195‬‬
‫‪4‬‬
‫ومثل هذا اليحاء تجده في ك ّ‬
‫ل صفحة‬
‫تحدثت بها العتباطية عن إعجاز القرآن ـ‬
‫والقصديون السائرون في ركاب العتباط‬
‫لينتبهون لذلك وتنطلي عليهم العبارات‬
‫جد‬
‫المجاورة لليحاء العتباطيي التي تم ّ‬
‫القرآن والنص سواء بسواء ‪ .‬وقد تستغل‬
‫العتباطية اعجاز القرآن للتقليل من شأن‬
‫النبي )ص( ‪ ،‬فابتداعها فكرة ) أمية النبي (‬
‫وتفسيرها العتباطي للنص القرآني ‪:‬‬
‫) الرسول النبي المي ( منحها طريقة فذة‬
‫لليحاء بذلك وكمثال انظر عبارة الزملكاني‬
‫في البرهان المذكور ‪:‬‬
‫) هذا وإنه لصادر على لسان من لم يمارس‬
‫در من‬
‫الخط والخطب وينافس في معرفة ال ّ‬
‫ون‬
‫المخشلب ( ‪ .‬وهذا إيحاء للمتلقي ليك ّ‬
‫‪2‬‬

‫صورة غير محترمة عن صاحب الرسالة )ص( ‪،‬‬


‫وهو يناقض فكرة النظم ‪ .‬ذلك لن العجاز اذا‬
‫كان في ذات القرآن فليكن صاحب الرسالة ما‬
‫يكون من العلم والمعرفة فما هي علقته‬

‫‪1‬‬ ‫نفس المصدر السابق ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪196‬‬
‫‪4‬‬
‫بالمعجز اللهي المطلق ؟ ‪.‬‬
‫لكن إدراج هذه العبارات وهو يتحدث عن‬
‫اعجاز النص القرآني له مدلولن ‪ :‬الول‬
‫الساءة للنبي )ص( ‪ ،‬والثاني هو ضمن‬
‫الفكرة نفسها ‪ ..‬بمعنى أن ) النظم ( هو‬
‫موضع العجاز ولكن مع حكايات العرابي‬
‫وغيره فإن التفريق بين ما هو معجز وغير‬
‫معجز شيء غير ممكن ‪ .‬وإذن فيجب البحث‬
‫عن دليل آخر وهذا الدليل هو أن الصادر عنه‬
‫در والمخشلب ول‬
‫هذا الكتاب ل يمّيز بين ال ّ‬
‫يحسن الخطابة ول يعرف الخط فمن أين له‬
‫هذه البلغة والطلع ؟! وإذا بلغ الموضوع‬
‫هذه الغاية فالمؤلف يتخذ واديا ً يهرب فيه من‬
‫وجه القارئ ‪ ..‬ففي تلك النقطة هرب‬
‫ح‬ ‫ً‬
‫الزملكاني تاركا الموضوع الرئيسي لشر ٍ‬
‫ب ل طائل من وراءه للحروف المق ّ‬
‫طعة‬ ‫مسه ٍ‬
‫في أوائل السور واتخاذها سّلما ليحاءات‬
‫أخرى ‪ .‬ومن ذلك العدول عن فكرة المّية الى‬
‫فكرة أخرى ضمنية مفادها أن الحرف‬
‫المق ّ‬
‫طعة هي ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪197‬‬
‫‪3‬‬
‫) للتنبيه على أن تعداد هذه الحروف ممن‬
‫لم يمارس الخط ولم يعان النظر فيه متنزل‬
‫منزلة القاصيص عن المم السالفة ممن ليس‬
‫له إطلع على ذلك ( ‪.‬‬
‫وبهذا أثبت مقولة ) للذين كفروا ( !‪.‬‬
‫عن‬ ‫ويتوجب على القصدي التو ّ‬
‫قف والتم ّ‬
‫في المراد من هذه النتقالة ‪ ،‬إذ يفهم منها‬
‫أن إعلن النبي )ص( عن النص القرآنى هو‬

‫مثل إعلن الرجل عن أقاصيص من أمم ٍ‬


‫ة لم ي ّ‬
‫طلع على أحوالها لنه لم يعش‬ ‫سالف ٍ‬
‫تلك الزمان‪.‬‬
‫وهذه الفقرة هي نهاية المقالة الموضوعة‬
‫للعجاز وهي الهدف من وراء البحث الكلي ‪.‬‬
‫فالمخبر عن شيء لم يطلع عليه إنما يخبر‬
‫عنه سماع ا ً وجمع ا ً للحداث من السماع وهي‬
‫الفكرة القديمة نفسها التي ذكرها القرآن ‪:‬‬
‫) وقالوا اساطير الولين اكتتبها فهي‬
‫‪ /‬الفرقان ‪5‬‬ ‫تملى عليه بكرة واصيل (‬
‫جلها بالرمز‬
‫ومعلوم أن اكتتبها ل تعني س ّ‬
‫الكتابي بل طلب أن تكون كتابا ً ويمكن للمرء‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪198‬‬
‫‪3‬‬
‫الحسن الحفظ أن يكتب الشياء في ذاكرته ‪،‬‬
‫لن القائلين مثل المؤلف يعلمون أن النبي‬
‫)ص( ل يكتب بالرمز الكتابي ‪.‬‬
‫هـد لهذه الفكرة وقبولها قبيل ذلك‬ ‫وقد م ّ‬
‫بعبارة يمكنك التأمل فيها مليا ً قال ‪:‬‬
‫ل عليه مهابة‬
‫) لسيما وهي صادرة عن رج ٍ‬
‫وجللة قد قام مقام أولي الرسالة ‪. ( ..‬‬
‫فانظر الى عبارات التنكير في اللفاظ ‪:‬‬
‫رجل ‪ ،‬عليه مهابة ‪ ،‬وجللة وانظر الى قوله )‬
‫قام مقام أولي الرسالة ( ‪.‬‬
‫وهكذا يقوم العلماء بإعادة ) تأسيس (‬
‫دين ‪.‬‬
‫الكفر داخل مقولت ال ّ‬
‫وهذه مجرد نماذج ففي ك ّ‬
‫ل صفحة من‬
‫صفحات الفكر العتباطي تجد مخططا ً‬
‫) للشك ( وتحويل الحقائق الى أشياء نسبية ‪.‬‬
‫وعلى ذلك يمكنك القول أن العتباطية التي‬
‫حاربت النبي )ص( هي التي استولت على‬
‫كتابه المعجز وتراثه وجميع إرثه وقامت‬
‫بتقديمه للناس بالصورة التي أرادتها فيما بعد‬
‫‪ .‬فالعتباطية التي حاربها النبي )ص( هي‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪199‬‬
‫‪3‬‬
‫الن الجزء الكبر والشهر من فكره الذي‬
‫وصلنا ‪.‬‬
‫وفي نصوص متفرقة للقصدية المطمورة‬
‫ة تجد إشارات للنبي )ص(‬
‫ب قديم ٍ‬
‫في كت ٍ‬
‫مته وغربة كتابه‬
‫نفسه يحكي فيها غربته في أ ّ‬
‫وجهل الناس به وهجرها له رغم زخرفتهم‬
‫المساجد وتزيينهم المصاحف في آخر‬
‫الزمان ‪ .‬فهل هذا هو آخر الزمان يا ترى ؟ ! ‪.‬‬

‫ىىىىىىى ىىىىىىىى‬ ‫‪‬‬

‫وهو أحد أركان العتباطية ومبدأ أساسي‬


‫من مبادئها ولذلك اجتهدت في إدخاله على‬
‫صورة قوانين بلغية أو تركيبية في اّللغة ‪.‬‬
‫فاّللغة أداة للتفاهم والرقي والتطور الفكري‬
‫وهي الشيء الوحيد الذي تحتفظ ) الذاكرة (‬
‫عن طريقه بالمعلومات ‪.‬‬
‫فليس عجبا ً أن تتص ّ‬
‫دى العتباطية بكل ما‬
‫أوتيت من قوة لدخال البهام واليهام الى‬
‫) الذاكرة‬ ‫القرآن الكتاب الذي يرد فيه لفظ‬
‫( لهميتها القصوى في بلوغ غاية الله من‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪200‬‬
‫‪3‬‬
‫و من ) ‪ ( 370‬مورد بمختلف‬
‫الخلق بنح ٍ‬
‫الشتقاقات عن هذا اللفظ ‪.‬‬
‫وحاولت تبرير هذا البهام واليهام بمختلف‬
‫الوسائل والطرق ‪ .‬إذ مع أن القرآن يذكر عن‬
‫) بّينات ( و‬ ‫نفسه أنه ) مبين ( وآياته‬
‫صلت ( ومع أنه على عمقه وغزارته فهو‬
‫) مف ّ‬
‫من نوع السهل الممتنع الذي يفي بجميع‬
‫متطلبات المعرفة ومع كثرة النصوص النبوّية‬
‫بهذا الصدد ال ّ أن العتباط حاول تأويل هذه‬
‫النصوص تأويل ً اعتباطيا ً لصرفها عن مؤداها‬
‫الذي يعبر عن سمة الوضوح فيها ‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى ابتعدت في خصائص البهام‬
‫من كونه وسيلة للمتكلم ـ يرمي من وراءها‬
‫الى هدف معّين ـ الى اعتباره غاية في ذاته ‪.‬‬
‫إن الفكر العتباطي هو نفسه ركام من‬
‫المتناقضات ‪ ،‬ولذلك فل بد أن يكون البهام‬
‫في نظره غاية في ذاته ‪.‬‬
‫لحظ مثل ً نص الزملكاني التي والذي‬
‫ينقل ويشرح فيه أفكار استاذه الجرجاني ‪:‬‬
‫) إن البهام يلقي في النفس تشوقا ً الى‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪201‬‬
‫‪3‬‬
‫ما هو المراد ويعظم لتكثير الموارد الوهمية‬
‫ويعلقه الوهم معرضا ً عن المذكور بما لم يذكر‬
‫تعليق ا ً وهميا ً من غير أن يخّلصه لمعنى ذهني‬
‫أو خارجي فيرجع الذهن متقاصرا ً عن إدراكه‬
‫عاجزا ً عن مرام صيده بشباكه وآيسا ً عن‬
‫اعتلقه بإشراكه فعند ذلك يعظم شأنه ويعلو‬
‫في النفس مكانه ( ‪. 1‬‬
‫مده المتكلم لجل أن‬‫إذن فالبهام الذي يتع ّ‬
‫يترك المتلقي معّلق ا ً بأمله في اصطياد المراد‬
‫هو هدف بحدّ ذاته يعطي للمتكلم ميزة هي‬
‫علو كلمه في نفس المتلقي ‪ .‬وهذه الفكرة‬
‫كلها هي نقيض لفكرة ) الكتاب المبين ( ‪.‬‬
‫وإذا رجعنا الى أنواع اللفاظ والتراكيب‬
‫نجد أن هذه الصفة موجودة في ) الهذيان (‬
‫لنه تراكيب مترابطة ل يفهم المتلقي المراد‬
‫دها المتلقي هذيانا ً ؟ ‪.‬‬
‫منها فلماذا يع ّ‬
‫إذن فالعتباطية تعدّ الكلم الذي يوهم‬
‫المتلقي هو الكلم الذي يعلو ‪ ،‬وبالتالي فما‬
‫الكلم البليغ إل ذاك الموهم والمبهم ‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫البرهان ـ ) ‪. ( 239‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪202‬‬
‫‪4‬‬
‫ومعلوم أن النتيجة هذه تخالف تعريف البلغة‬
‫‪ ،‬لن البلغة هي أن يبّلغ المتكّلم مراده من‬
‫المعاني من خلل الكلم ‪ ،‬وتناقض كذلك‬
‫أبحاث الدللة اللفظية وغاياتها ‪ ،‬وهي نقيض‬
‫للهدف من اّللغة وغاياتها ‪ .‬فالحركات‬
‫الصورية أكثر إبهاما ً وإيهاما ً ويتوجب إذ ذاك‬
‫ترك اللغة الصوتية لجل علو تلك الحركات‬
‫ق في النفوس لمعرفة‬‫وما تفعله من شو ٍ‬
‫الحقيقة ‪ ) ،‬صم بكم عمي ( ‪ .‬وتلك هي‬
‫فلسفة العتباطية وذلك هو مقدار حرصها‬
‫على العقل البشري وتطوره واّللغة وغاياتها ‪.‬‬

‫ىىى‬
‫‪ ‬ىىىىىىىىى ىىىى ى‬
‫إن العتباط فكٌر مستبدٌ في خصائصه‬
‫الذاتية على مستوى أفراده وبالتالي تنعكس‬
‫ة في نشاطاته‬
‫ة جلي ٍ‬
‫استبداديته بصور ٍ‬
‫المختلفة ‪ .‬ويظهر الستبداد على جميع‬
‫المستويات ـ السلوب وصياغة العبارات‬
‫واستعمال وسائل التهديد غير المباشر‬
‫لحتمال ولوج الحل القصدي والتلويح‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪203‬‬
‫‪3‬‬
‫دعاء الولية والقرب من الرضا‬
‫بالعلمية وا ّ‬
‫دعاء الولوية في اكتشاف الحلول‬
‫اللهي وا ّ‬
‫وعدم ذكر أصحاب الفكرة الولى وإعادة‬
‫النصوص العتباطية والفكار بل والشواهد‬
‫نفسها والصياغات نفسها مئات المرات في‬
‫ة‬
‫ة من غير اشار ٍ‬
‫ب طويل ٍ‬
‫مؤلفات عديدة وحق ٍ‬
‫الى أنها مزبورة جميعا ً في مؤلفات السابقين‬
‫‪ ..‬الخ وهي خصائص كثيرة جدا ً تجمع السلوك‬
‫العتباطي ‪.‬‬
‫فالعتباطية ل تسأم من التكرار والجترار‬
‫ة لنفس الفكار ويعجبها دوما ً أن‬
‫قرونا ً طويل ً‬
‫حلّ ً‬
‫ة جديدةً فهي مثل كائن عتيق‬ ‫تضفي عليها ُ‬
‫دل زينته كلما رأى أن ملبسه مختلفة عن‬
‫يب ّ‬
‫ملبس الخرين ‪.‬‬
‫وذلك لن العتباطية وهي فكر عام تغفو‬
‫أحيان ا ً لعتمادها على نشاط في جانب معين‬
‫فتأخذ ) راحة أو إجازة ( من العمل في‬
‫ما تصحو تجد أن ملبسها‬
‫الجانب المقابل ـ ول ّ‬
‫ة وتخرج من‬
‫ة جديد ٍ‬
‫حل ٍ‬
‫غدت ناشزة فتكتسي ب ُ‬
‫مخدعها ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪204‬‬
‫‪3‬‬
‫والعتباطية تّتصف كذلك ـ ونتيجة‬
‫لستبدادها ـ بالعجلة والحكم السريع على‬
‫دية وحينما تقع‬
‫الشياء بغير رؤية أو دراسة ج ّ‬
‫في مشاكل معينة فإنها تحّلها بطريقة أسرع‬
‫ر من وقوعها فيها والنتيجة هي المزيد‬
‫بكثي ٍ‬
‫والمزيد من العتباط ‪ ،‬وهي تتصف بالغرور‬
‫والعنجهية من جهة تعاملها مع الحلول‬
‫دية والذّلة والتمّلق من جهة تعاملها مع‬
‫القص ّ‬
‫بعضها البعض حيث تكيل المديح والثناء لهؤلء‬
‫وتكيل الشتائم والسباب لولئك ‪ ،‬وتفعل ذلك‬
‫حتى في لحظات الهدنة مع التيار القصدي‬
‫وقيام الحرب بين اتجاهاتها !!‬
‫والعتباطية بعد ذلك هي مصدر الفقر‬
‫المادي والفكري وعنوان البؤس والتباؤس‬
‫على مّر التاريخ وهو ما ستلحظه فيها خلل‬
‫أبحاثنا وفي الواقع الفعلي المعاش ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪205‬‬
‫‪3‬‬
‫المبحث الثالث عشر‬
‫الحــــذف‬

‫إن العتباطية تؤكد على موضوع الحذف‬


‫وما الشواهد الكثيرة جدا ً من الشعر والقوال‬
‫المأثورة والمكذوبة أو المبتدعة منها ووضعها‬
‫بجوار اليات القرآنية ال ّ تأكيد على شمول‬
‫الثنين بنفس التقييم البلغي والنحوي ومنه‬
‫الحذف ‪.‬‬
‫فإنك تلحظ في جميع المؤلفات ظاهرة‬
‫سع للشواهد الشعرية والمقولت‬
‫الشرح المو ّ‬
‫وإظهار بلغتها وحسنها ومن بعد ذلك يأتي‬
‫الشاهد القرآني بصيغ متقاربة مثل ‪ ) :‬ومن‬
‫هذا الفن قوله تعالى ‪ ...‬كذا ( ‪ .‬ول تشرح‬
‫المحاسن الخاصة بالنص ‪ ،‬ول تطابق المتون‬
‫صصة‬‫المذكورة وعناوين الكتب ‪ .‬وهي مخ ّ‬
‫أصل ً كما ُيفهم منها لظهار العجاز القرآني ـ‬
‫والذي يحدث هو العكس ـ اليحاء للقارئ أن‬
‫القرآن نظم من هذا النظم وفن من تلك‬

‫الفنون ويبلغ اليحاء احيانا ً تفضيل ً غير مباش ٍ‬


‫ر‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪206‬‬
‫‪3‬‬
‫للنصوص البشر ّية على النص القرآني من‬
‫وجوه ـ ولكن هذا العمل يكتنفه عادة العبارات‬
‫الغامضة وثناء على القرآن في غير موضعه ـ‬
‫ثناءٌ بل موضوع ومديح بل استخراج لمحاسنه‬
‫وينّبهك الى محاولت العتباطية لتمرير‬
‫اهدافها وخططها من خلله ‪.‬‬
‫فالحذف مثل ً هو موضوع هام عند‬
‫العتباطية لنه يمنحها إمكانية ) التقدير (‬
‫النتقائي للجملة أو اللفاظ المحذوفة وهذا‬
‫المر يمنحها الحرية في العراب والتفسير‬
‫العتباطي ‪.‬‬
‫وهم يبدأون دوم ا ً بالسلوب ) الستبدادي (‬
‫ـ لصرف المتلقي عن التفكير بح ّ‬
‫ل آخر ـ هذا‬
‫السلوب الذي يظهر في عبارات مثل ‪:‬‬
‫) عساك تقول الحذف مخ ّ‬
‫ل بفائدة‬
‫المحذوف وتغفل عما للبهام واليهام من‬
‫ب صمت أفصح من‬
‫التفخيم والعظام ‪ ،‬ور ّ‬
‫الكلم ورمز آلم من لذع الحسام ( ‪.1‬‬
‫فهذا اتهام مباشر للمتلقي أنه اذا قال ذلك‬

‫‪1‬‬ ‫البرهان ـ ‪ 237‬ـ بغداد ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪207‬‬
‫‪4‬‬
‫فهي غفلة ومن ثم فالمبررات هي البهام‬
‫واليهام ‪.‬‬
‫ومعلوم أن الرمز والصمت ل علقة له‬
‫بموضوع الحذف ـ فالشواهد مثل تخالف المبدأ‬
‫والغاية من الحذف ‪ .‬لن الشواهد قد بّرر‬
‫المؤلفون لموارد للحذف فيها على أنه لظهور‬
‫ما في الجملة السابقة أو في نهاية‬
‫المراد إ ّ‬
‫الجملة ‪ .‬والعتباطية هي الغافلة ‪ ،‬لن ذلك‬
‫يجب أن يكون موضوعه هو التقديم والتأخير‬
‫ل الحذف ‪.‬‬
‫مثل ً قوله تعالى‪:‬‬
‫) وإن أحد من المشركين استجارك ( ‪/‬‬
‫‪6‬‬ ‫النعام‬
‫التقدير ‪ :‬وإن استجارك أحد من المشركين‬
‫استجارك ‪.2‬‬
‫فلماذا يك ّرر لفظ "استجارك" بعد نقله الى‬
‫موضعه الصلي على الزعم ؟‬
‫في النظام القرآني لحظنا أن هذا الشاهد‬
‫نفسه عند البصرة والكوفة في خصامهما‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬البرهان ـ ‪.241‬‬


‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪208‬‬
‫‪4‬‬
‫المفتعل تحت موضوع ) هل يجوز تقديم‬
‫الفاعل على فعله أم ل ( ؟ ‪ .‬هذا في موضوع‬
‫النحو ‪ ،‬وأما في البلغة فقد أوتي به تحت‬
‫عنوان ) الحذف ( ‪.‬‬
‫وقد ذكرنا هناك أن المتكلم له حريته في‬
‫دمه‬
‫الختيار فإذا أراد التنبيه الى الفاعل ق ّ‬
‫دمه ‪ .‬فالنص‬
‫واذا أراد الهتمام بالفعل ق ّ‬
‫يحمل في ذاته مراد القائل ‪ ،‬والتقدير إنما هو‬
‫محاولة لمشاركته في أقواله ‪ .‬فالمستجير‬
‫والمرأة الخائفة من بعلها نشوزا ً في قوله‬
‫تعالى ‪:‬‬
‫) وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا ً أو‬
‫‪28‬‬ ‫اعراضا ً ( ‪ /‬النساء‬
‫دموا لهذا الغرض ‪،‬‬ ‫وهو شاهد آخر لنا ُ‬
‫ق ّ‬
‫وفي الصل ل يوجد قانون يقول بتأخير‬
‫الفاعل حتى نبحث عن تقديمه ‪ ،‬إنما دراسة‬
‫النص تلحظ ترتيب اللفاظ لمعرفة غايات‬
‫المتكلم ‪ .‬فاذا ر ّتب المتلقي ألفاظ المتكلم‬
‫ترتيبا ً جديدا ً فهو يكفر بالنص وقائله ‪.‬‬
‫بل تزعم العتباطية أن هناك ما هو دائر‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪209‬‬
‫‪3‬‬
‫بين الحذف والذكر مثل ‪ ) :‬والسماء رفعها ( ‪،‬‬
‫دعي أن‬
‫) إذا الشمس كورت ( ‪ .‬فالعتباطية ت ّ‬
‫ع السماء ( و‬
‫لهذه العبارات أصل هو ) َرف َ‬
‫ورت الشمس ( ‪ .1‬وهي أشياء تحاول بها‬
‫) ك ّ‬
‫تفكيك النص بخلف مراد وغايات القائل ‪.‬‬
‫در العتباطية جمل ً أو‬
‫وفي أمثله أخرى تق ّ‬
‫أفعال ً أو ألفاظا ً محذوفة مثل قوله تعالى ‪:‬‬
‫) وعندهم قاصرات الطرف اتراب ‪ .‬هذا‬
‫‪52‬‬ ‫ماتوعدون ليوم الحساب ( ‪ /‬ص‬
‫قال ‪ :‬المحذوف تقديره ‪ :‬يقال لهم هذا ما‬
‫توعدون ليوم الحساب ‪.‬‬
‫در‬
‫م ل تكون الية المق ّ‬
‫والقصدّيه تسأل ‪ :‬ل ِ َ‬
‫لها هي جملة جديدة ؟ ‪ .‬وهي بالفعل آية‬
‫جديدة في المصحف والقائل المباشر هو الله‬
‫تعليقا ً بعد الوصف ‪ ) :‬هذا ما توعدون ليوم‬
‫الحساب ( مع وجود اللم الدالة على الغاية‬
‫المستقبلية ‪ .‬فما أدرى العتباطيين أن الصل‬
‫هو ‪ :‬يقال لهم هذا ؟ ‪.‬‬
‫در العتباط جملة بعد جملة مثل ‪:‬‬
‫وكذلك يق ّ‬

‫‪1‬‬ ‫‪1.‬نفس المصدر ـ ‪. 241‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪210‬‬
‫‪4‬‬
‫الله أكبر قال ‪:‬‬
‫) وكذا الله أكبر لنها أبلغ من قولك الله‬
‫أكبر من ك ّ‬
‫ل كبير ( ‪ ، 2‬وذلك لبناء المسألة على‬
‫الوهم والبهام فهو إذن أبلغ ‪ .‬بينما المر في‬
‫القصدية عكس ذلك تماما ً ‪.‬‬
‫فعبارة ) الله أكبر من ك ّ‬
‫ل كبير ( هي‬
‫مفهوم من مفاهيم ) الكفر ( حسب نص عن‬
‫المام علي ) ع ( ‪ .‬ومعلوم أن هؤلء ل يبلغون‬
‫بلغته ومعرفته باسرار ا ّللغة ‪ .‬حيث ُ‬
‫ذكر أنه‬
‫سمع رجل ً يقول ذلك فقال ‪ ) :‬إذن ح ّ‬
‫ددته ( ‪.‬‬
‫وهذا واضح ‪ :‬لن ك ّ‬
‫ل كبير غير الله فهو‬
‫محدود مهما بلغ فاذا كان الله أكبر الجميع‬
‫فهو محدود أيضا ً بالنتيجة لنه قد قيس إلى‬
‫غيره ! ‪ .‬والرجل قد فهم المر بسرعة‬
‫فسأل ‪ ) :‬فكيف أقول جعلني الله فداك ؟ (‬
‫قال ‪ :‬تقول ) الله أكبر من أن يعرف ( ‪.‬‬
‫وهذا التعميم هو السبب في ترك المفضول‬
‫في صيغة التفضيل ‪ .‬بمعنى أن عبارة " الله‬
‫اكبر " هي عبارة مستمرة دوم ا ً مهما جاء ما‬

‫‪1‬‬ ‫البرهان ‪.240‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪211‬‬
‫‪5‬‬
‫ما كان أقصى ما يمكن أن يكون‬ ‫بعدها ‪ .‬ول ّ‬
‫كبيرا ً هو المتخّيل أو المعروف إجمال ً‬
‫فالعبارة مطلقة ‪ ،‬فهو أكبر من القدرة على‬
‫ددة‬ ‫معرفته ـ لن ك ّ‬
‫ل محدود له معرفة مح ّ‬
‫ي معرفة ‪.‬‬
‫والله تعالى أكبر من أن تناله أ ّ‬
‫فإذا تخّيلت السموات والفلك تقول ‪ :‬بل‬
‫همه أو تصوره أو تخّيله‬
‫الله أكبر وإذا أردت تو ّ‬
‫قلت الله أكبر واذا أردت معرفة ما كان قبل‬
‫الخلق قلت الله أكبر ‪ .‬واذن فالصيغة متروك‬
‫آخرها لنها مطلقة غير متضمنة لحدود ‪ ،‬ولكن‬
‫العتباطية ل تتورع عن التخريب في ك ّ‬
‫ل جزء‬
‫ومكان وهي تقّرر بعبارات ملؤها الزهو‬
‫والفتخار وستأتيك نماذج منها في بلغة‬
‫الجرجاني ‪.‬‬
‫وفي الشواهد الخرى مثل ذيول اليات ‪:‬‬
‫) لقوم يشكرون ( قال أي يشكرون الله وقد‬
‫حذف لظهوره ‪.‬‬
‫ترى اذا كان المحذوف ظاهرا ً عند المتلقي‬
‫ومعلوما ً فما فائدة أن تخبره العتباطية به ؟‬
‫ولماذا ل تسكت وتتـرك المتلقي يستمع‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪212‬‬
‫‪3‬‬
‫للمقول الظاهر الذي يفهمه جيدا ً ؟ ‪.‬‬
‫إذ يفترض أن يعطي علم اللغة للمتلقي‬
‫معلومة جديدة عن النص ‪ .‬أما أن يخبره‬
‫درة ويقول له أيضا ً ‪ ) :‬إنها‬
‫) بمحذوفات ( مق ّ‬
‫حذفت لنك تفهمها ( ‪ .‬فهذا مثل ما يفعله‬
‫ل ظنه أحد الملئكة ناسكا ً إذ رآه يبكي‬
‫رج ٌ‬
‫ل ! وذلك في حكاية قديمة فسأل‬
‫على قمة جب ٍ‬
‫الله أن يريه مكانه في الجنة فرآه في أدنى‬
‫مرتبة فقال الملك ‪ :‬لم ذلك يارب ؟ فقال له‬
‫م‬
‫ة عقله إذهب فانظر م ّ‬
‫الله تعالى ‪ :‬لقل ِ‬
‫بكاؤه ؟ ‪ .‬فلما جاء الملك وسأله قال ‪ :‬إني‬
‫أنظر الى هذا الحشيش فأقول ما أكثره فلو‬
‫أن حمارا ً جائعا ً يأكله ‪ ،‬ثم إني رأيت أن الحمار‬
‫قد ل يقدر على ارتقاء الجبل وكلما بلغ‬
‫موضع ا ً تدحرج فما زلت على هذا الحال حتى‬
‫أبكاني امره !! ‪.‬‬
‫وقد يكون الناسك معذورا ً إذ الحمير الجائعة‬
‫لها وجود حقيقي على الرض وربما لدى‬
‫عقدة ( نفسية قديمة من جوع‬
‫الناسك ) ُ‬
‫حماره خاصة ! أما محذوفات العتباطية فلم‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪213‬‬
‫‪3‬‬
‫يرها أحد موجودة حتى تدعونا العتباطية‬
‫للبحث عنها والتباكي عليها ‪ .‬فهي تقول‬
‫للمتلقي بقوة ) خذها ! ( وبعد هنيهة تقول‬
‫وبضعف ‪ :‬ل تأخذها لنها عندك وتعلمها ! ‪.‬‬
‫وأمثلة الحذف بعد ذلك ل تحصى عددا ً‬
‫وليمكن لمنهجنا ذكر هذه الكثرة والبحث عنها‬
‫مت النص القرآني من أوله الى‬
‫فإنها قد ع ّ‬
‫آخره وما نستطيع ذكره هو ما أمكننا جمعه أو‬
‫ما وجدناهم قد جمعوه في مقدماتهم أو‬
‫شروحهم البلغية والنحوية فهذه نماذج أخرى‬
‫غير ما مّر عليك ‪:‬‬

‫) وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا‬ ‫‪/1 /‬‬

‫خيرا (‬
‫والجماع على وجود حذف تقديره ‪ :‬أنزل خيرا ً‬
‫‪.‬‬
‫قبل أن نذكر الحل القصدي بإمكاننا أن نرى‬
‫أنه ليس ثمة حذف ‪ .‬فهذا مستعمل في العادة‬
‫في جميع المخاطبات والخبار مثل ‪ :‬سألته ‪:‬‬
‫أين كنت ؟ قال ‪ :‬في السوق ‪ .‬فهل ترى أن‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪214‬‬
‫‪3‬‬
‫من الضروري أن يقول ) كنت ( في‬
‫السوق ؟ ‪.‬‬
‫إذ السائل يسأل عن المكان والجابة‬
‫تضمنت المكان ‪ .‬أما الكينونة فمعلومة‬
‫لكليهما ‪ .‬والسائل يعلم أنه ) كان ( ولكنه ل‬
‫يعلم ) أين ( ‪.‬‬
‫لكن العتباطية ما فتأت تخطئ وتتوهم أن‬
‫) ما ( أداة استفهام و ) ذا ( اسم إشاره‬
‫أنزل ـ‬ ‫وحينما يقال للذين اتقوا ‪ :‬ماذا‬
‫جه اسم الشارة إلى المنزل فهو ملحظ‬
‫يتو ّ‬
‫للسائل ‪ .‬ولول أنه ملحظ لما سأل عنه‬
‫باسمه فهو ل يسأل عن ) حادث النزول ( بل‬
‫يسأل عن واقع ما نزل وطبيعته وهو ما تفيده‬
‫) ما ( الستفهامية ‪ .‬فماذا يكون الجواب ؟‬
‫الجواب بالطبع يبدأ باعطاء السائل مراده فل‬
‫يقال له ) أنزل ( ثم يقال له ) خيرا ً ( ‪ .‬فهذا‬
‫هو مثل ما يفعله ) الطالب الكسول ( عندما‬
‫دد ويريد استنفاذ الوقت فيقول ‪:‬‬ ‫ُيسأل فيتر ّ‬
‫أنزل أنزل ‪ ..‬نعم أنزل خيرا ً ‪ . .‬الخ ‪ .‬وهذا‬
‫يحدث في المخاطبات ‪ ،‬ولكن هل يقاس‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪215‬‬
‫‪3‬‬
‫القرآن الكريم على المخاطبات الشاذة‬
‫والخاطئة ؟ وهل يقاس ) الذين اتقوا (‬
‫بالطلب الكسالى ؟‬
‫هبهم لم ينتفعوا من القرآن في تصحيح‬
‫المخاطبات أفيكون البديل هو حكم القرآن‬
‫بالمخاطبات الخاطئة واعتمادها لتبرير وجود‬
‫الحذف ؟ ‪.‬‬
‫ة ـ‬
‫ة جلي ٍ‬
‫إن المثال النف يكشف لك بصور ٍ‬
‫دية ـ يكشف لك‬
‫ي مثال آخر تناقشه القص ّ‬
‫كأ ّ‬
‫جر الذي طال العتباط بحيث أن‬
‫عن مدى التح ّ‬
‫الموارد التي ل تح ّ‬
‫قق له غاياته ول ترتبط‬
‫بأهدافه لم يحسن توجيهها ليحيط افكاره‬
‫بأكبر قدر من الحيطة كما هو مفروض بل‬
‫عاملها بعشوائية أيضا ً ‪ .‬وهذا كله تحقيق‬
‫لقوله تعالى ‪:‬‬
‫)إأن الله ليهدي من هو مسرف ك ّ‬
‫ذاب ( ‪/‬‬
‫غافر ‪28‬‬
‫أو قوله ‪:‬‬
‫ضل الله من هو مسرف مرتاب ( ‪/‬‬
‫) كذلك ي ّ‬
‫غافر ‪34‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪216‬‬
‫‪3‬‬
‫ويمكنك أن تتأكد في مثل هذه الموارد‬
‫بوضع صيغة ملئمة للسؤال ـ فالتقدير‬
‫العتباطي ) أنزل خيرا ً ( ليس سؤاله ‪ ) :‬ماذا‬
‫انزل ؟ ( بل سؤاله ‪) :‬ماذا فعل ؟ ( والجواب ‪:‬‬
‫أنزل خيرا ً ‪ ،‬لجل إدخال الفعل في الجواب‬
‫ب من أن الستفهام هو عن الفعل‬ ‫بسب ٍ‬
‫تحديدا ً ـ وهو أمٌر تعلمه جميع المم اللغوية ال ّ‬
‫أمتنا !! ‪.‬‬
‫واذا كان ذلك عجيبا ً فالعجب منه تسالم‬
‫من جاء بعدهم على هذه الخطاء حدّ أن بلغ‬
‫المر في العصور اللحقة أن الدارسين صاروا‬
‫ينظرون الى أبحاث السلف نظر الجاهل الى‬
‫ما فعله العالم ولسان حالهم يقول ‪ :‬إذا كانت‬
‫اللغة لغتهم والفصحى كلمهم فأّنى لنا ونحن‬
‫نتحدث باللهجات العامّية أن نبلغ ما بلغوه من‬
‫معرفتها ؟ ‪ .‬وماعلموا أنهم لن يبلغوا ما بلغوا‬
‫من تدميرها وهذا هو منتهى التراجع وانعدام‬
‫الثقة بالنفس ‪.‬‬
‫فالعتباط قد أعلن عن نفسه وأهدافه في‬
‫مواضيع ومؤلفات ل حصر لها ـ وليس كشفها‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪217‬‬
‫‪3‬‬
‫عسيرا ً على المبتدئين فضل ً عن ذوي‬
‫الدراسات المتخصصة ‪.‬‬
‫وقد قالت العتباطية بشأن الحذف‬
‫واختلف من ّ‬
‫ظريها حول اللفاظ المحذوفة ‪:‬‬
‫دد المحذوف بين الحسن والحسن‬
‫) ومهما تر ّ‬
‫وجب تقدير الحسن لن الله وصف كتابه بأنه‬
‫أحسن الحديث فليكن محذوفه أحسن‬
‫‪1‬‬
‫المحذوفات (‬
‫وبهذه المناسبة تشكر القصدية جماعات‬
‫العتباط على إصدارهم هذا القانون‬
‫الحتياطي ‪ ،‬ولكنها تسأل أيضا ً ما هو الح ّ‬
‫ل اذا‬
‫دد بين القبيح وما هو أقبح منه من‬
‫كان التر ّ‬
‫وجهة نظر جماعة لغوية أخرى ؟ ! ‪.‬‬

‫قوله تعالى ‪ ) :‬جعل الله الكعبة البيت‬ ‫‪/2 /‬‬

‫الحرام قياما ً للناس ( ‪ /‬المائدة ‪97‬‬


‫هذه الية استخدمت كتطبيق للقانون‬
‫السابق ‪ .‬فالية هي جملة مكونة من فعل‬
‫وفاعل ومفعول به وإيضاح للمفعول ومفعول‬

‫‪1‬‬ ‫التقان ـ ‪ 129‬ـ ج ‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪218‬‬
‫‪5‬‬
‫ثان وشبه جملة من جار ومجرور ‪ ...‬والتركيب‬
‫كله بالترتيب القياسي البسيط ليس فيه‬
‫تقديم ول تأخير ! ‪ .‬فلماذا تصّر العتباطية‬
‫على تقدير لفظ محذوف قبل لفظ ) الكعبة (‬
‫دره ) أبو علي ( أو‬
‫هو ) نصب ( على ما ق ّ‬
‫دره غيره!‪.‬‬
‫) حرمة ( على ماق ّ‬
‫ثم وجدوا أن ) حرمة ( أحسن من ) نصب (‬
‫دروه بهذا اللفظ ‪.‬‬
‫فق ّ‬
‫فما فائدة ) حرمة ( وهناك تمييز أو بدل‬
‫ضح للكعبة كونها ) البيت الحرام ( ؟ فقالوا‬
‫مو ّ‬
‫) نصب ( …‬ ‫‪ :‬لن ) حرمة ( أفصح من‬
‫وتركوا الية وتجادلوا حول الحرمة والنصب‬
‫مع غياب تلكم اللفاظ فيها! ‪.‬‬
‫وتلك فصاحة العتباطية ‪ ) :‬حرمة الكعبة‬
‫البيت الحرام ( !‬
‫در العتباطية اسما ً‬
‫وعلى ذلك لماذا لم تق ّ‬
‫ل فعل أو بعد ك ّ‬
‫ل جعل !؟‪.‬‬ ‫آخر بعد ك ّ‬
‫مثل ‪ ) :‬وجعل الشمس سراج ا ً ( فتقول ‪:‬‬
‫وجعل ) فلك ( أو ) ضوء ( أو ) وجود ( أو‬
‫) شأن ( ‪ ..‬الخ ‪.‬ولنستمر في المناقشة حول‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪219‬‬
‫‪3‬‬
‫در‬
‫المقدرات ونترك اليات لننا يمكن أن نق ّ‬
‫أي شيء ملئم في ك ّ‬
‫ل تركيب قرآني بل‬
‫استثناء إذا أخذنا بقوانين العتباطية‬
‫وفذلكاتها ! ‪.‬‬

‫قوله تعالى ‪ ) :‬ولئن سألتهم من خلقهم‬ ‫‪/3 /‬‬

‫ليقولن الله ( ‪ /‬الزخرف ‪87‬‬


‫ُأنّبـه القارئ الكريم الى مسألة لها دللتها‬
‫في مناقشات العتباط ‪ .‬فإنهم تجادلوا في‬
‫در‬
‫) المكان ( الذي يضعون فيه اللفظ المق ّ‬
‫المحذوف وهذا بالنسبة للقصدية ل يعني ال ّ‬
‫شيئا ً واحدا ً وحسب ! وهو ‪ ) :‬أن العتباطية‬
‫تريد دائم ا ً وضع لفظ مق ّ‬
‫در من عندها ( ‪ .‬فهذا‬
‫ف آخر‬
‫هو الهدف وليس ذلك غاية لهد ٍ‬
‫كالتفسير ونحوه ـ إذ المفروض أن المحذوف‬
‫يعلن عن نفسه ويحدد موضعه بنفسه لن‬
‫المحذوف أصل في الجملة والجملة نسق‬
‫متكامل واذا حذفت منها شيئا ً لي سبب‬
‫فيفترض أن ) الموضع ( الذي خل من اللفظ‬
‫يحكي داخل النسق ويعلن عن نفسه ‪ .‬لكن لما‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪220‬‬
‫‪3‬‬
‫كان المر ليس كذلك عند العتباط ‪ ،‬فالنتيجة‬
‫الوحيدة هي أن اللفظ ) غريب ( عن النسق‬
‫ويحاول العتباط أن يجد لهذا الغريب موضعا ً ‪.‬‬
‫ومثال ذلك الية الكريمة السابقة ‪.‬‬
‫در عندهم هو ) خلقهم ( ثان‬
‫فاللفظ المق ّ‬
‫يجب أن يضاف إلى الية ! ولكن أين يضعوه ؟‬
‫قال قوم ‪ :‬بعد لفظ الجللة ‪ .‬وقال آخرون‬
‫بل قبل لفظ الجللة ‪ . 1‬والخير اختاره‬
‫السيوطي ‪.‬‬
‫وكما ترى فهذا مثل الفقره ) ‪ ( 1‬لن‬
‫السؤال ) من ( يسأل عن الفاعل ) فاعل‬
‫فالجواب‬ ‫الخلق المتعلق بهم (‬
‫عليه ‪ ) :‬الله ( ‪.‬‬
‫وتقديرهم سؤاله ‪ :‬كيف وجدتم ؟ يصح أن‬
‫يكون جوابه الكيفية التي تحتاج الى فاعل‬
‫فيقولون ‪ :‬خلقهم الله ‪.‬‬
‫العتباطية اذن ل تفرق بين الصيغ‬
‫المتعددة للستفهام والجوبة الملئمة لكل‬
‫منها ول تدري كيف تعمل أدوات الستفهام ‪،‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪1‬انظر التقان ـ ‪130‬‬


‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪221‬‬
‫‪4‬‬
‫لنها في الواقع ل تريد أن تدري ‪.‬‬

‫) والذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلة (‬ ‫‪/4 /‬‬

‫‪ /‬البقرة ‪3‬‬
‫قالت العتباطية اي ) بالغيب والشهادة (‬
‫والخير حذف ‪. 2‬‬
‫خلطت العتباطية بين هذه الية وبين قوله‬
‫) عالم الغيب والشهادة ( ـ بين الله العالم‬
‫والنسان ) المؤمن بالغيب ( ـ إذ كيف يؤمن‬
‫المرء بالشهادة والشهادة حضوره الني ولكل‬
‫كائن حي شهادته وحضوره ! فخلطت بين‬
‫العلم واليمان وبين اليتين ‪ .‬وفي هذا تلحظ‬
‫العتباط غارقا ً في الوحل الى أذنيه ! ‪.‬‬
‫) ورب المشارق ( ‪ /‬الصافات ‪5‬‬ ‫‪/5 /‬‬

‫قالوا ‪ :‬أي والمغارب فحذف المغارب !‬


‫حاولوا استجلب نسق سورة المعارج ‪:‬‬
‫) فل أقسم برب المشارق والمغارب ( ـ‬
‫لتقديره في نسق الصافات ‪ .‬ولئن سألتهم ‪:‬‬
‫هل نسي المتكلم ) المغارب ( ؟ ليقولن ‪:‬‬

‫‪1‬‬ ‫في التقان ـ ‪ 130‬ـ وفي مؤلفاتهم الخرى ـ باب الحذف ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪222‬‬
‫‪5‬‬
‫معاذ الله ‪ ،‬ولئن سألتهم ‪ :‬هل كان عجل ً‬
‫فتركه هنا ؟ ليقولن ‪ :‬سبحان الله ‪ ،‬قل ‪:‬‬
‫فأِذن لكم أن تأخذوا لفظ ا ً من موضع فتجعلوه‬
‫في موضع آخر ؟ سيقولون ‪ :‬ل ! ‪ ،‬قل ‪ :‬فهل‬
‫تعلمون مافي نفسه كما يعلم مافي‬
‫انفسكم ؟ سيقولون ‪ :‬ل ‪ ،‬قل ‪ :‬فهل ترك‬
‫لفظ ) المغارب ( هنا لغاية يقتضيها المعنى‬
‫أم اعتباطا ً ؟ ‪ ) ...‬فسينغضون اليك رؤوسهم‬
‫ويقولون ‪. ( ...‬‬
‫ويتضح لك من هذه التساؤلت المفترضة‬
‫طبيعة الحل القصدي وعلقته بالنص مقابل‬
‫العتباطية التي تحاول إغفال الغايات‬
‫ددة للنص بحسب مراد القائل ‪.‬‬
‫المح ّ‬

‫) ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق ( ‪/‬‬ ‫‪/6 /‬‬

‫البقرة ‪171‬‬
‫ص ل ً في كتاب النظام القرآني‬
‫لحظناه مف ّ‬
‫حيث جعلوا المثل للرسول ) ص ( والناعق هو‬
‫بينما المثل للذين كفروا ‪ ،‬وهذا يظهر من‬
‫نظام المجموعات والعلقات اللفظية‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪223‬‬
‫‪3‬‬
‫المشتركة ‪ .‬والغاية منه واضحة ! فشخصية‬
‫المتلقي للكتاب هي الهدف الثاني من أهداف‬
‫العتباط ‪.‬‬

‫) وله ماسكن في الليل والنهار ( ‪ /‬النعام‬ ‫‪/7 /‬‬

‫‪13‬‬
‫قالوا ‪ :‬أي وما تحّرك فحذف ‪.‬‬
‫ومناقشته شبيهه بمناقشة ) ورب المشارق‬
‫( في الفقرة ‪ . 5 /‬وهذا على العموم لبطال‬
‫مقولت العتباطية ‪ .‬اما مناقشة النص نفسه‬
‫فهي كباقي النصوص غير ممكنة في هذا‬
‫المختصر ‪.‬‬

‫) قالوا الن جئت بالحق ( ‪ /‬البقرة ‪71‬‬ ‫‪/8 /‬‬

‫قالوا ‪ ) :‬الحق الواضح ( وحذف الواضح ‪.‬‬


‫وهذا طبيعي بالنسبة للعتباطية ‪ .‬فالحق‬
‫عندها نوعان واضح وغير واضح تمام ا ً مثل‬
‫القائلين في النص ) تشابهت قلوبهم ( ‪.‬‬
‫لحظ أساليب العتباط للدفاع عن‬
‫إخوانهم في قصة ذبح البقرة على اعتبار أن‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪224‬‬
‫‪3‬‬
‫ما ذكره موسى ) ع ( لهم من الصفات كان‬
‫حقا ً ولكنه غير واضح !! ‪.‬‬

‫وهذه جمله من ) الكنوز ( التي كانت‬ ‫‪/9 /‬‬

‫محذوفة في النص القرآني واستخرجتها‬


‫العتباطية للمة المرحومة ‪:‬‬
‫أ ‪ ) .‬لم يلبثوا ال ّ ساعة من نهار بلغ ( ‪/‬‬
‫الحقاف ‪35‬‬
‫أي هذه أو هذا بلغ !!‬
‫ب ‪ ) .‬أيها المؤمنون ( ‪ /‬النور ‪315‬‬
‫أي أيها القوم المؤمنون !!‬
‫ج ‪ ) .‬فل خوف عليهم ( ‪ /‬البقرة ‪38‬‬
‫أي فل خوف ) شيء ( عليهم !‬
‫د ‪ ) .‬قالوا أساطير الولين ( ‪ /‬الفرقان ‪5‬‬
‫قالوا أي هي أساطير الولين !‬
‫هـ ‪ ) .‬إذا بلغت التراقي ( ‪ /‬القيامة ‪26‬‬
‫أي الروح علما ً أن الروح مذكر في ك ّ‬
‫ل‬
‫الموارد القرآنية !‬
‫و ‪ ) .‬ل يستوي منكم من أنفق من قبل‬
‫الفتح وقاتل ( ‪ /‬الحديد ‪10‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪225‬‬
‫‪3‬‬
‫أي ومن أنفق بعده ‪ .‬علما أن الية تذكر ذلك‬
‫في سياقها ) أنفقوا من بعد وقاتلوا ( فما‬
‫هذه الكتشافات العظيمة !‬
‫ز ‪ ) .‬فل نقيم لهم يوم القيامة وزنا ( ‪/‬‬
‫الكهف ‪105‬‬
‫أي نافعا ً وحذف ‪ ،‬علم ا ً أن من ليقيم له وزنا‬
‫ل وزن له وأسوأ ممن ) خفت موازينه ( !‬
‫فانظر الى مدى فهم العتباطية ‪.‬‬
‫ح ‪ ) .‬من عمل صالحا ً فلنفسه ( ‪ /‬فصلت‬
‫‪46‬‬
‫أي عمله لنفسه فحذف العمل ! اكتشاف‬
‫آخر للعتباط ‪.‬‬
‫ط ‪ ) .‬الحج أشهر معلومات ( ‪ /‬البقرة ‪197‬‬
‫ج أشهر!‬
‫أي أشهر الحج أشهر ‪ .‬أو الحج ح ُ‬
‫ي ‪ ) .‬لو نعلم قتال ً لتبعناكم ( ‪ /‬آل عمران‬
‫‪167‬‬
‫أي مكان ا ً للقتال ! ويبدو أن العتباط يعتقد‬
‫بإمكانية القتال في ) اللمكان ( !‬
‫ك ‪ ) .‬حّرمت عليكم الميتة ( ‪ /‬المائدة ‪3‬‬
‫قالوا ‪ :‬العقل يدل على انها ليست محّرمة‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪226‬‬
‫‪3‬‬
‫لن التحريم يتعلق بالفعال ل بالجسام !‬
‫فيعلم من ذلك وجود لفظ محذوف نحو ) أكل‬
‫( مثل ً لنهم لم يذكروا اللفظ المحذوف هذه‬
‫المرة في أي مصدر ‪ .‬ويبدو أن السبب هو‬
‫وجود ) التاء ( المتعلقة بالميتة نفسها فهي‬
‫المحّرمة ‪ .‬فاذا قالوا ) أكل ( يجب تغيير‬
‫حرمت الى ) حرم ( وهذا غير ممكن ‪.‬‬
‫دروا الجملة ) أن تاكلوا ( مثل ً يجب‬
‫واذا ق ّ‬
‫أن يقول ) حرم عليكم أن تاكلوا ( والنتيجة‬
‫واحدة فهذه التاء بالنسبة لهم مشكلة‬
‫حرمتهم من تحديد أي تقدير ! ‪.‬‬
‫يلحظ الحل القصدي أن هذا الحكام‬
‫مقصود فالميتة كلها محّرمة وليس المحرم‬
‫هو أكلها فقط ـ دمها وعظمها وشعرها ـ أو‬
‫صوفها أو وبرها ـ … الخ ‪ .‬فأي تقدير يجعل‬
‫التحريم جزئي ا ً ‪ .‬فلحظ بنفسك الفرق بين‬
‫القصدية والعتباط ‪.‬‬
‫علم ا ً أن الموارد التي تركت العتباطية‬
‫الستشهاد بها مع أنها داخلة في أحد أقسام‬
‫الحذف هو لهذا السبب فأكثر التراكيب‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪227‬‬
‫‪3‬‬
‫القرآنية ل يمكن إدخال لفظ غريب عليها ما‬
‫لم يحدث تغييرا ً آخرا ً في اللفاظ المجاورة‬
‫فتجنبت العتباطية ذكرها ‪.‬‬
‫ل ‪ ) .‬قالوا سلما ً ( ‪ /‬هود ‪69‬‬
‫أي سّلمنا سلما ً ‪.‬‬
‫مع أن ) المسّلم ( على شخص ل يأتي‬
‫بالفعل بل يقول سلم عليكم أو السلم‬
‫عليكم ول يقول ‪ :‬أسّلم سلما ً عليكم وقد‬
‫فات العتباط أن ) سلم ا ً ( هنا ليس المقول‬
‫نفسه وانما هو مفعول به لـ ) قالوا ( وسلما ً‬
‫ل زال من أخبار المتكلم وليس صيغة‬
‫السلم ‪ .‬فالقرآن يخبرنا انهم قالوا سلما ً‬
‫معينا ً تحية لبراهيم بلغة متعارفة بينهم يوجب‬
‫الشعار ) بالسلم ( نفسه بمعناه ل مجرد‬
‫التحية ‪.‬‬
‫وسبب ذلك أنهم يشعرون أنه يوجس منهم‬
‫خيفة فحققوا معنى ) السلم ( بما هو ) سلم‬
‫( ل بما هو تحية خلل التحية ‪.‬‬
‫م ( بالرفع وهذه المرة هو‬
‫فلذلك قال ) سل ٌ‬
‫ة‬
‫مقول ابراهيم اقتصر على كلمة واحده تحي ً‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪228‬‬
‫‪3‬‬
‫وردّ ا ً على السلم وظهر فيها التوجس واضحا ً‬
‫لنه لم يزد على ذلك ولذلك جاء بالرفع على‬
‫البتداء فهو مقول ‪.‬‬
‫أل ترى كيف أسرع بعدها بالعلن عن‬
‫م منكرون ( ‪.‬‬
‫التوجس ) سلم ! قو ٌ‬
‫م ‪ ) .‬سلم قوم منكرون ( قالوا المحذوف‬
‫) أنتم ( قوم منكرون وأخطأ العتباط هنا‬
‫أيضا ً لعدم فهم الشطر الول ‪.‬‬
‫إذ حسبوا أنه قال لهم ذلك في وجوههم ـ‬
‫إنما القرآن يخبرنا بطريقة العرض الحيوي‬
‫للوقائع أنه قال سلم وفي نفس الوقت قال‬
‫) في نفسه ( قوم منكرون ـ فجعلها جملة‬
‫واحدة لنها في لحظة واحدة ولو كانوا قد‬
‫سمعوا منه هذه المقالة لجابوه فورا ً ) ل‬
‫تخف إنا رسل ربك ( أو ) ل توجل ( ‪ .‬وهذه‬
‫الجابة تأخرت لما بعد دخولهم الدار وتقديم‬
‫الطعام ‪ .‬فحينما قال لهم ) إنا منكم وجلون (‬
‫أجابوه فورا ً ) ل توجل ( وهذه المقالة غير‬
‫تلك ومختلفة عنها زمانا ً خلل الحدث فالقرآن‬
‫يفّرق أجزاء الحدث ول يكّرره كما تدعي‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪229‬‬
‫‪3‬‬
‫العتباطية عند دراستها ما تسميه بالتكرار ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪230‬‬
‫‪3‬‬
‫المبحث الرابع عشر‬
‫تقديم الخبر على المبتدأ‬

‫دم العتباط تأويلته للنصوص على انها‬


‫يق ّ‬
‫مسّلمات يتوجب أخذها بغير مناقشة‪ .‬على أن‬
‫مبادئ تلك التأويلت هي العتباط نفسه ‪،‬‬
‫ذلك لن هذا التجاه العام في الفكر ل ناقد‬
‫له ال ّ نفسه فكما أسلفت أن القصد ّية ـ‬
‫خصمه الوحيد ـ هي حالة فردية ومنعزلة ‪.‬‬
‫فالسلطان والصولجان والفكر والنشر‬
‫والعلن والحل والعقد هي جميعا ً في يد‬
‫العتباطية ‪ .‬فمثل إن ) المعنى الذاتي (‬
‫للمفردة غائب دوما ً ول يظهر ال ّ عند التركيب‬
‫أي أن المعنى تابع للفظ دوما ً ـ فهذا مبدأ‬
‫اساسي في علم ا ّللغة العتباطي ‪.‬‬
‫ويقوم العتباط بتأسيس هذه الفكرة‬
‫المتناقضة ويبذل الجهد لجعلها حقيقة في‬
‫فصل كامل أو فصول وهي المتعلقة بالدللة‬
‫ولكنه حينما يبتعد قليل ً وفي نفس الكتاب‬
‫فيلتقي بالشواهد يتحول الى الفكرة‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪231‬‬
‫‪3‬‬
‫المناقضة لهذا المبدأ كلما دعته حاجة التفسير‬
‫الى ذلك ‪ .‬ففي موضوع تقديم الخبر قال‬
‫ع يناديه باسم‬
‫الزملكاني بشان الشاهد ) دا ٍ‬
‫م ( قال ‪:‬‬
‫الماء مبغو ُ‬
‫) أي بالماء ‪ ،‬فإذا ثبت أن اللفظ تبع‬
‫المعنى وجب أن يقضى على ) بنونا ( في‬
‫قوله ‪:‬‬
‫بنوهن‬ ‫بنونا بنو أبنائنا وبناتنا‬
‫(‬ ‫د‬
‫أبناء الرجال الباع ِ‬
‫فتلحظ أن العتباط يفاجأك دوما ً‬
‫بالتناقضات فبعد ) ثبوت تبعية المعنى للفظ (‬
‫في بحث الدللة المتقدم ) يثبت فجأة العكس‬
‫تبعية اللفظ للمعنى ( خلل التطبيق ‪..‬‬
‫فالعتباطية واحدة ـ الحاكم المستبد المتغّير‬
‫الهواء واللغوي المستبد تيار واحد وفكر واحد‬
‫‪ .‬ثم قال ‪ ) :‬إذا ثبت ذلك فإن ) بنونا ( هو‬
‫الخبر و ) بنو أبنائنا ( هو المبتدأ إذ المعنى‬
‫على جعل بني البنين بنين وليس على جعل‬
‫‪1‬‬
‫البنين بني البنين !! (‬

‫‪1‬‬ ‫البرهان ـ ‪. 228‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪232‬‬
‫‪5‬‬
‫وأريد من القارئ هنا التوقف لملحظة‬
‫مد والتلعب باللفاظ في مثل‬
‫) الكذب ( المتع ّ‬
‫هذا النموذج ‪ .‬فالشاعر يقول ‪ :‬بنونا ـ على‬
‫الحقيقة ـ هم بنو أبنائنا ـ أما البنات فأبنائهن‬
‫من ذرية رجال أباعد ‪ .‬فالجملة ل يمكن‬
‫تغييرها ل تركيبا ً ول معن ً‬
‫ى )بنونا بنو أبناءنا (‬
‫ـ وبنونا مبتدأ وبنو أبناءنا خبر ـ وهو تعريف‬
‫للبنين ‪ ،‬وإجابة على السؤال ‪ :‬من هم بنونا ؟‬
‫الجواب ‪ :‬بنونا بنو أبناءنا ‪.‬‬
‫وإنما جمال البيت هو في تقديم المبتدأ ـ‬
‫فلنه معلوم إذ ل أحد ل يدرك من هم ) البنون‬
‫( كان ذلك بمثابة الثارة للسامع ليسمع‬
‫تعريفا ً جديدا ً للبنين مقصورا ً على بني‬
‫البناء ‪ .‬إذن المعنى هو على جعل البنين بني‬
‫البنين تحديدا ً ‪ .‬فليست غاية الشاعر أصل ً‬
‫تعريف بني البناء وإنما هو التعريف بالبناء‬
‫الذين يراهم ) هو ( أبناءً فعليين ! فهو يجعل‬
‫البنين الفعليين بني البنين دون بني البنات ‪.‬‬
‫ول يعزب هذا الفهم عن العتباطيين‬
‫المولعين بالنساب والحساب ‪ ،‬والذين‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪233‬‬
‫‪3‬‬
‫وة لبني البناء الذكور تملقا ً‬
‫يقصرون البن ّ‬
‫للتيار العباسي الذي يجابه التيار العلوي بمثل‬
‫هذه الفكار باعتبارهم بني البناء وأولئك بني‬
‫البنات إشارة الى الزهراء ) ‪ ( υ‬بنت النبي‬
‫) ص ( ـ ل تعزب هذه المفاهيم عن التيار‬
‫العتباطي ـ والبيت إنما هو من وسائل‬
‫الدعاية لهذه المسألة ‪.‬‬
‫ول الى بني‬
‫ولكن ما دام التعريف يتح ّ‬
‫البناء ـ وهم أكثر أهمية لنهم المقصودون‬
‫بذلك وما دام ذلك ليس فيه إل ّ مزيد شرف‬
‫للممدوحين ويحل اشكال ً في التقديم وتأخذه‬
‫الناس على أنه شاهد لتقدم الخبر فلماذا ل‬
‫تحاوله العتباطية ؟ بل تحاوله حتى لو ناقض‬
‫مباحث الدللة وناقض المنطق اللغوي وناقض‬
‫مراد الشاعر ـ لن التناقض ليس اسلوبا ً في‬
‫العتباطية ـ بل التناقض هو هدفها من‬
‫العملية كلها ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪234‬‬
‫‪3‬‬
‫المبحث الخامس عشر‬
‫تقديم بعض السماء على بعض‬
‫في القرآن‬

‫تقّر العتباطية أن ‪:‬‬


‫) تقديم وتأخير السماء قد يقلب المعنى‬
‫‪1‬‬
‫ده (‬
‫الى ض ّ‬
‫وهي إذ تقرر ذلك ‪ ،‬فهي ل تدرس النص‬
‫كما هو ‪ ،‬وبما يوجبه هذا القرار من المتناع‬
‫عن التلعب بالنص تقديرا ً أو تخمينا ً ‪ ،‬بل ترى‬
‫أن التقديم والتأخير إذا كان يغير المعنى‬
‫العام للعبارة ‪ ،‬فهو أمر بالغ المنفعة للعتباط‬
‫لن غايته التناقض والبهام واليهام ! وهذا‬
‫يمثل سر البلغة في نظرها ‪.‬‬
‫وبإمكانك أن تقّيم فلسفة العتباطية‬
‫بكاملها من خلل هذا السلوك وحده ولها في‬
‫هذا الموضوع أسلوبان ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬ففيما يخص النصوص التي ل يمكن‬
‫تبديلها تقديرا ً أو حذف ا ً والتي هي عبارة عن‬

‫‪1‬‬ ‫‪1‬البرهان ـ ‪ 229‬الفن الثالث ‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪235‬‬
‫‪5‬‬
‫أجزاء تعبيرية أو ما أطلقنا عليه في النظام ‪:‬‬
‫) مركّبات ( مثل ‪ ] :‬وهو العزيز الغفور ‪ ،‬‬
‫‪ ‬الرحمن الرحيم ‪  ، ‬العلي العظيم ‪ ،‬‬
‫‪ ‬وليا ً ول نصيرا ً ‪. ‬‬
‫في مثل هذه المركّبات ل تقدر العتباطية‬
‫ر فيها ولذلك فهي تكتفي هنا‬
‫على إحداث تغيي ٍ‬
‫دم أحد اللفاظ على‬
‫بمحاولة إبراز سبب تق ّ‬
‫غيره ‪ .‬وهي تختار الموارد الواضحة وضوحا ً‬
‫كافيا ً ـ ول تبحث عن الموارد التي يتغّير فيها‬
‫هذا الترتيب ‪ .‬وتكتفي عند التغّير بذكر شاهد‬
‫واحد ويستمر العتباط بذكر الشواهد نفسها‬
‫ألف سنة وأربعمائة سنة أخرى بعد اللف ! ‪.‬‬
‫دد التقديم والتأخير عندهم هو‬
‫والذي يح ّ‬
‫الرتبة المتعلقة هنا بمفهوم أو معنى اللفظ‬
‫وهذا مثال متكرر للعتباط ‪:‬‬
‫] الغفور الرحيم ‪ : ‬المغفرة سلمة‬
‫والرحمة غنيمة والسلمة مطلوبة قبل‬
‫الغنيمة ‪.1‬‬
‫ت في سورة سبأ تغّير الترتيب‬
‫ج دَ ْ‬
‫ما و َ‬
‫ول ّ‬

‫‪1‬‬ ‫‪1‬رة في اكثر التفاسير المطولة ‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪236‬‬
‫‪4‬‬
‫) وهو الرحيم الغفور ( قالت العتباطية‬
‫ة فوجدت أن‬
‫بضرورة قراءة اليات كامل ً‬
‫الحديث فيها هو عن الكائنات كلها والرحمة‬
‫دم على‬
‫مة والمغفرة خاصة والعام مق ّ‬
‫عا ّ‬
‫الخاص ‪.‬‬
‫إذن فمنهج العتباطية متغي ٌّر وظروف‬
‫ضل‬
‫و ليست الكائنات تف ّ‬
‫الدراسة متغيرة ‪ .‬أ َ‬
‫السلمة قبل الغنيمة كما في اليات الخرى ؟‬
‫و ليس النسان من الكائنات ؟‬
‫أ َ‬
‫ففي المرة الولى المقياس هو معنى‬
‫اللفظ وموضوعه المتلقي ! ‪.‬‬
‫وفي المرة الثانية المقياس هو سياق‬
‫الحديث وموضوعه فيما هو خاص وعام من‬
‫جهة الصدور أي صدور المغفرة والرحمة من‬
‫الله !! ‪.‬‬
‫وهذا يعني أن استعمال اللفظ في القرآن‬
‫اعتباطي ول يقع ضمن قاعدة محددة ـ فهذا‬
‫هو مرادها من البحاث ‪ .‬وحينذاك ل تستطيع‬
‫العتباطية الجابة على ترتيب اللفاظ في‬
‫التغيرات بالصورة الشاملة في تراكيب‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪237‬‬
‫‪3‬‬
‫متنوعة جدا ً مثل ارتباط ) العزيز ( بألفاظ‬
‫عديدة تقديما ً وتأخيرا ً ‪ ..‬بل اكتفى العتباط‬
‫بذكر شرح الزملكاني هذا متفاخرا ً به منذ ألف‬
‫عام في جميع المصادر والكتب والدراسات‬
‫قديمها وحديثها ! لحظ الموارد المتنوعة‬
‫التي تركها العتباط والمرتبطة بلفظ )العزيز‬
‫( فقط ‪:‬‬

‫] وهو العزيز الحكيم ‪ /  4‬إبراهيم‪/ 10 ،‬‬


‫النفال … الخ‬
‫] وهو العزيز العليم ‪ /  78‬النمل‪ ..‬الخ‬
‫‪ / ‬الشعراء‬ ‫] لهو العزيز الرحيم ‪9‬‬
‫والكلي فيها ‪ 9‬موارد‬
‫‪ / ‬الحشر‬ ‫] العزيز الجبار ‪23‬‬
‫‪ / ‬الحج‬ ‫] لقوي عزيز ‪40‬‬
‫‪/‬‬ ‫] وهو القوي العزيز ‪19‬‬
‫الشورى ‪ ...‬الخ‬
‫‪ / ‬الدخان‬ ‫] العزيز الكريم ‪49‬‬
‫‪ / ‬القمر‬ ‫] عزيز مقتدر ‪42‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪238‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ /‬ص‬ ‫] العزيز الغفار ‪66‬‬
‫‪ / ‬المائدة ‪..‬‬ ‫] عزيز ذو انتقام ‪95‬‬
‫الخ‬
‫] العزيز الحميد ‪‬‬
‫‪ / 8‬البروج ‪ / 1 ،‬إبراهيم ‪.‬‬

‫كذلك يتناوب اللفظ رحيم وغفور مع‬


‫غيرهما كما في التراكيب ‪:‬‬

‫) غفورا ً رحيما (‬ ‫)عفوا ً غفورا (‬


‫) حليما غفورا (‬ ‫) رؤوف رحيم (‬
‫) عزيز غفور (‬ ‫) الغفور الشكور (‬
‫) غفور حليم (‬ ‫) غفور رحيم (‬
‫) تواب حكيم (‬ ‫) تواب رحيم (‬
‫‪ ..‬الخ ‪.‬‬ ‫) عفوا ً قديرا (‬

‫ب متباينة جدا ً في الترتيب ‪.‬‬


‫وهي تراكي ٌ‬
‫وحينما تعجز العتباطية عن تقديم الحلول‬
‫وتكتفي بشاهد واحد من ألف مورد متنوع‬
‫تزعم فيه أنها اكتشفت العّلـة السببية‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪239‬‬
‫‪3‬‬
‫للستعمال فأنها ل تعجز وهي من هي في‬
‫التنوع وكثرة التجاهات عن تقوية نفسها‬
‫أحاديث‬ ‫بمختلف الوسائل فتم وضع‬
‫) نبوية( حول ذيول اليات ـ ففي التفسير‬
‫المنسوب لبن عباس عن رواة كلهم ) ثقاة (‬
‫بالطبع أن النبي قال ) بصدد حدوث تقديم‬
‫وتأخير في آيات القرآن ( قال ‪ ) :‬كّله كلم‬
‫الله العلي العظيم ‪ ،‬العزيز العليم ل فرق ما‬
‫لم تجعلوا آية رحمة آية عذاب أو آية عذاب آية‬
‫رحمة ( ‪.‬‬
‫وحينما يسأل المرء أين العجاز إذن إذا لم‬
‫يكن في ألفاظه وألفاظه عربية ول هو في‬
‫نظمه والنظم ليس هاما ً فأين هو العجاز وما‬
‫سببه ؟‬
‫وتستطيع العتباطية أن تجيب من خلل‬
‫اتجاهاتها المتعددة إجابات مختلفة مثل أن‬
‫العجاز ليس فيه إنما هو في‬
‫) صرف ( الخلق عن التيان بمثله ! ) وقد‬
‫أشكلنا على هذه الفكرة في كتاب " النظام‬
‫القرآني " في فصل خاص بالعتباط في‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪240‬‬
‫‪3‬‬
‫مسألة العجاز (‪ .‬أو أن العجاز مثل ) الملحة‬
‫س ول ُيفهم ! وهي من أفكار الجرجاني‬
‫ح ّ‬‫( يُ َ‬
‫أول من ّ‬
‫ظري العتباط اللغوي ‪.‬‬

‫ص المتكونة من جملة‬
‫الثاني ‪ :‬في النصو ُ‬
‫طويلة نسبيا ً يمكن إحداث ) تقديرات (‬
‫للتقديم والتأخير فيها ‪.‬‬
‫وضربنا لذلك مثال ً في كتاب " النظام‬
‫القرآني " وهو واحد من مئات التقديرات‬
‫وكما مّرت عليك في فصوله الخرى تقديرات‬
‫مماثلة لتراكيب متوسطة وحروف ‪ .‬وفي هذا‬
‫النوع يجد العتباط لنفسه ) مرتعا ً ( غنيا ً‬
‫بأنواع التأويلت والتقديرات من التقديم‬
‫والتأخير ـ متناسيا ً إقراره باحتمال تح ّ‬
‫ول‬
‫) المعنى الى ضده ( ـ ولكن النا المتعاظم‬
‫ه في تحويل‬
‫في ذات العتباطية يجد بغيت َ ُ‬
‫المعنى الى ضده في مقابل المتكلم!‬
‫وللتأكد من ذلك ماعليك ا ل ّ أن تفتح أي‬
‫كتاب تفسيري أو نحوي من أي موضع تشاء‬
‫م فيها‬
‫لتعثر هناك على نصوص قرآنية وأدبية ت ّ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪241‬‬
‫‪3‬‬
‫تحريف النص ) عن قصد ( عن سياقه الذي‬
‫وضعه القائل فيه ! وسأذكر لك الن المثال‬
‫الذي أمامي للزملكاني ‪:‬‬
‫ففي قوله تعالى ‪ ) :‬وجعلوا لله شركاء‬
‫الجن ( ـ فهذا النص ل يحتاج الى تقدير وإنما‬
‫الى شرح ـ ولكن هل يمر العتباط ليشرح‬
‫النص من غير أن يلقي عليه ظلله وذاتيته ؟‬
‫ف أن الله في موضع‬
‫قال ‪ ) :‬وليس بخا ٍ‬
‫مفعول ثان لـ ) جعل ( وشركاء مفعول‬
‫أول ( ‪.‬‬
‫وأنت تلحظ جيدا ً أن الفعل ) جعل ( يعمل‬
‫بصورة متنوعة فيأخذ مفعول ً واحدا ً مثل‬
‫) جاعل الظلمات والنور ( أو مفعولين اذا كان‬
‫الجعل على الصطلح بمعنى ) التحويل (‬
‫للشيء من هيئة الى هيئة مثل ‪ ) :‬جعلت الماء‬
‫ثلجا ً ( ‪ .‬وبحسب النحو فإن هذا يمكن أن يع ّ‬
‫د‬
‫حال ً ولكنه يعرب كمفعول ‪.‬‬
‫ولكن حينما تقول ‪ ) :‬جعلت لك حارسا ً أو‬
‫راتبا ً ‪ ..‬الخ ( فالمفعول واحد والصل جعلت‬
‫حارس ا ً ولكن السامع يسأل ‪ :‬لمن ؟ فتقول ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪242‬‬
‫‪3‬‬
‫جعلت لك حارسا ً ‪.‬‬
‫وفي الية ‪ :‬أنهم جعلوا الجن شركاء لله ‪،‬‬
‫فلفظ الجللة لم يقع عليه فعل وإنما لزمه‬
‫تمليك شركاء لم ينزل بهم سلطان ‪ .‬والجعل‬
‫منصب على الشركاء الذين هم الجن ‪.‬‬
‫ثم زعم أن هذا التخريج هو الذي يجعل‬
‫النكار على إطلقه قال ‪ :‬كأنه قيل ‪ :‬فمن‬
‫جعلوا شركاء ؟ قيل ‪ :‬الجن ‪.‬‬
‫د ‪ :‬إن المر لو كان‬
‫ه شدي ٍ‬
‫لحظ معي بانتبا ٍ‬
‫على هذا التقدير لما كان هناك إنكار على‬
‫مطلق الشركاء بل على نوعهم فقط ‪ :‬من‬
‫جعلوا شركاء لله ؟ الجواب ‪ :‬الجن ‪ .‬هذا‬
‫مستنكر جدا ً يجب أن يجعلوا غيرهم شركاء !!‬
‫فهل فهمت الن ما تبغيه العتباطية ؟ ‪.‬‬
‫في حين أن السؤال المصاغ على النص‬
‫القرآني هو ‪ :‬ماذا جعلوا لله ؟ السؤال نفسه‬
‫الن تهتز له الجبال وتنشق الرض لنه ليس‬
‫ثمة مخلوق يجعل لله شيئا ال ّ أن يكون فداءً‬
‫قب وهو خائف‬ ‫أو حمدا ً أو نذرا ً ‪ .‬فالسائل يتر ّ‬
‫أن يجعلوا شيئا آخر ‪ .‬أما سؤال الزملكاني‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪243‬‬
‫‪3‬‬
‫فهو خلف الترتيب ويجعل موضوع الشركاء‬
‫مفروغ ا ً منه والسائل يستفهم فقط عن‬
‫نوعهم ! إذ يبدو أنه يريد أن يكون أحدهم !‬
‫السؤال القصدي هو ‪ :‬ماذا جعلوا لله ؟‬
‫الجواب ‪ :‬جعلوا لله شركاء ! يا للهول ! ومن‬
‫ذا يشارك الله !؟ فيقوم السياق بتهويل جديد‬
‫للسامع فيقول كما هو في ) مسرح ( وكلم‬
‫حي مستمر ‪ :‬الجن ! فيصعقه الن بلفظ‬
‫دد نوع الشركاء كونهم مخلوقات فانية‬
‫يح ّ‬
‫خلقها الله ‪.‬‬
‫ثم قال وكأنه مسروٌر لكتشافه قانونا ً في‬
‫اللغة تعليقا ً على شرحه الية ‪:‬‬
‫ن الصفة إذا ذكرت مجردة عن‬
‫) ل ّ‬
‫الموصوف كان الذي تعلق بها من النفي عاما ً‬
‫في ك ّ‬
‫ل ما يجوز أن تكون له تلك الصفة ( ‪.‬‬
‫وأطلب من جميع السادة القراء في العالم‬
‫السلمي التح ّ‬
‫قق معي في هذه العبارة‬
‫دث‬
‫وأمثالها والتي جاءت بعد نص قرآني يتح ّ‬
‫عن ) التوحيد ( و ) اتخاذهم شركاء لله (‬
‫وعلى المة المتابعة للجرجاني وتلمذته‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪244‬‬
‫‪3‬‬
‫الجابة على السئلة التية ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬كيف تذكر الصفة مجردة عن‬
‫الموصوف ومع ذلك يكون النفي عاما ً في ك ّ‬
‫ل‬
‫ما يجوز أن تكون له تلك الصفة ؟‬
‫فالجواز يعني إمكان التصاف بتلك الصفة‬
‫والنفي في هذه الحالة ل يكون حقيقيا ً !‬
‫فضل ً عن أن يكون مطلقا ً ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬هل هناك من مثال لتجريد الصفة‬
‫ن‬
‫عن الموصوف مع هذا الجواز والنفي في آ ٍ‬
‫ة أو استعمال ً أو منطقا ً سوى الية‬
‫د لغ ً‬
‫واح ٍ‬
‫موضوع البحث من خلل تقدير أن لفظ‬
‫الجللة مفعول ثان وأن السؤال هو ‪ ) :‬فمن‬
‫جعلوا لله شركاء ؟ ( ‪.‬‬
‫ل َلغو‬
‫كل ‪ .‬لن يجد العتباط مثال ً من ك ّ‬
‫م ! ناهيك عن لغاتها ‪.‬‬
‫م َ‬
‫ال ُ‬
‫الثالث ‪ :‬هل الجملة تلك متعلقة بالتقدير‬
‫والشرح والمراد أن نفهم أن صفة الشركاء‬
‫جائزة ولكنها ل تجوز للجن وحدهم من جميع‬
‫الوجوه ! فالطلق منحصر بهم وحدهم ؟‬
‫الرابع ‪ :‬إذا كان المر كما ذكرنا فلماذا‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪245‬‬
‫‪3‬‬
‫تراجع بعد هذه السطور فقال ‪ ) :‬لو قال‬
‫وجعلوا الجن شركاء لله كان الجن مفعول ً‬
‫أول والشركاء مفعول ثان ولتوجه النكار الى‬
‫خصوص الجن ( وهو كلم صحيح الن ولكن‬
‫هذا التركيب هو جواب السؤال المقدر ‪:‬‬
‫) فمن جعلوا شركاء لله ( ؟ الجواب ‪ :‬جعلوا‬
‫سر‬
‫الجن ! والذي جعله لتركيب الية ‪ .‬هل تف ّ‬
‫هذا التصرف على أنه اعتباط محض أم أنه‬
‫شعر بتجاوز الحدود المسموح بها فأضاف هذه‬
‫الفقرة ‪ ،‬والتي غفل إنها قد أبطلت السؤال‬
‫در الذي وضعه قبيل ذلك وأثبتت بدل ً عنه‬
‫المق ّ‬
‫السؤال القصدي ؟ ! ‪.‬‬
‫وحينما أراد شرح هذا المر قال ‪:‬‬
‫) إذا قلت ) ما في الدار كريم ( كنت قد‬
‫نفيت الكينونة في الدار عن ك ّ‬
‫ل من يكون‬
‫الكرم صفة له وحكم النكار أبدا ً حكم النفي (‬
‫‪ .‬وتتوجه هنا أسئلة أخرى ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬إن الجملة في المثال منفية فما‬
‫علقتها بالجملة القرآنية التي تفيد الثبات‬
‫حيث أثبت عليهم جعلهم شركاء لله ‪ .‬والنكار‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪246‬‬
‫‪3‬‬
‫إنما هو ضمني لكون الشركاء محال بينما‬
‫وجود كريم في الدار ) للجملة المنفية ( ليس‬
‫محال ً !‬
‫الثاني ‪ :‬المتعلقات الخاصة باللفاظ ـ‬
‫فالدار تتصف بوجود كريم أو انتفاء هذه‬
‫الصفة عنها من خلل جملة خبرية فهنا‬
‫طرفان فقط ‪.‬‬
‫اما الية فالطراف ثلثة ـ الجاعلون ‪،‬‬
‫ولفظ الجللة ‪ ،‬والشركاء فأين المتصف جوازا ً‬
‫بصفة نفيت عنه بالنكار الذي حكمه حكم‬
‫النفي فليس ثمة نفي أو إنكار بالمعنى‬
‫اللغوي في الية ـ بل النكار أمر يخص‬
‫السامع وهو تحصيل حاصل من إثباتهم شركاء‬
‫‪ .‬واذا قال هو ) الله ( فذلك غايته ‪.‬‬
‫وقد ذكرت في كتاب سابق أن أي تمثيل‬
‫للنص القرآني من قول الخلق هو تحجيم‬
‫للنص القرآني وعمل اعتباطي يقلب معنى‬
‫النص الى ضده ‪.‬‬
‫وفي الجمل الطويلة أيضا ً يقوم العتباط‬
‫بتقدير مفردات والفاظ يضعها هو مثل وضع )‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪247‬‬
‫‪3‬‬
‫يقولون ( في سياق آيتين فيتحول المقول‬
‫من كونه مقول لله الى مقول للكافرين ويتم‬
‫بذلك تمرير افكار فلسفية في الجبر والقدر‬
‫وغيرها وهي جزء من الفكر العتباطي مّر‬
‫عليك مثال لها في آية ‪ ‬وما أصابك من‬
‫مصيبة فمن نفسك ‪ ‬ـ في كتاب النظام‬
‫القرآني ‪.‬‬
‫وبامكانك ملحظة التقدير العتباطي لقوله‬
‫تعالى ‪:‬‬
‫] إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون‬
‫والنصارى من امن بالله واليوم الخر فل‬
‫‪ /‬المائدة‬ ‫خوف عليهم ولهم يحزنون ‪‬‬
‫‪58‬‬
‫قال العتباطيون ‪ :‬الصل إن الذين آمنوا‬
‫والذين هادوا والنصارى حكمهم هو كذا ‪،‬‬
‫والصابئون كذلك على حد ما قاله الشاعر ‪:‬‬
‫بغاة مابقينا‬ ‫أل فاعلموا إ ّنا وأنتم‬
‫‪1‬‬
‫في شقاق‬

‫‪1‬‬ ‫البرهان ـ ‪ ، 231‬وانظر تأويلت أهل السنة للماتريدي ‪158/‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪248‬‬
‫‪4‬‬
‫قال ‪ :‬أي فاعلموا إّنا بغاة وكذلك أنتم لن‬
‫الخبر يجب أن يأتي أول ً فتع ّ‬
‫جل الشاعر‬
‫ذكرهم لنهم أكثر بغي ا ً من قومه ‪.‬‬
‫وهكذا ترك العتباط الية وعّلقها على ما‬
‫هو مثل معنى بيت الشعر ‪ .‬وأود من القارئ‬
‫أن ينتبه معي الن ويراجع نص الية فان‬
‫المجموعات المعطوف بعضها على بعض هي‬
‫بالترتيب اربع مجموعات ‪ ) :‬إن الذين آمنوا ‪،‬‬
‫والذين هادوا ‪ ،‬والصابئون ‪ ،‬والنصارئ ( ‪.‬‬
‫والعتباط أخرج الصابئين فقط من النص‬
‫دم الخبر وتم تزحيف النصارى مع أن‬
‫وق ّ‬
‫) الصابئين ( قبل النصارى في الترتيب‪.‬‬
‫لماذا ؟ لن المؤلف أراد اعتبار ) الصابئين (‬
‫أشرارا ً بما يكفي لبعادهم وتأخيرهم ‪ .‬مّرة‬
‫أخرى أؤكد أنه قد قام بذلك بالرغم من أن‬
‫ترتيبهم هو الثالث والنصارى هو الرابع ‪.‬‬
‫انظر ما قال ‪ ) :‬ذلك لن الصابئين أبين‬
‫هؤلء المعدودين ضل ل ً وأشدهم غيا ً وما‬
‫سموا صابئين ال ّ لنهم صبئوا عن الديان‬
‫ُ‬
‫كلها ( !!‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪249‬‬
‫‪3‬‬
‫وذكر الماتريدي في وجوه التفسير الشيء‬
‫نفسه وأبعد الصابئين قال‪:‬‬
‫) وقيل فيه تقديم وتأخير كأنه قال أن‬
‫الذين هادوا والنصارى من آمن منهم بالله‬
‫واليوم الخر والذين آمنوا ( ‪ . 2‬والوجوه‬
‫مذكورة في أكثر التفاسير المطولة ‪ .‬وخل‬
‫هذا الوجه تماما ً من الصابئين كما ترى ‪.‬‬
‫ولكن العتباط ينسى أنه حينما يريد تعريف‬
‫الملل ‪ ،‬فقريبا ً جدا ً يقول عن الصابئة ‪:‬‬
‫) إنهم قوم يعبدون الكواكب ويذهبون‬
‫مذهب الزنادقة ويقولون بإثنين ل كتاب لهم‬
‫ول علم لنا بهم (‬
‫ومعلوم أن هذه العبارة متناقضة فالزنادقة‬
‫شيء وعبدة الكواكب شيء وأهل اللهين قوم‬
‫القول ) ل علم لنا‬ ‫غيرهم وكلها تناقض‬
‫بهم ( فمن أين جاءوا إذن بهذه المعلومات ؟‬
‫وكما تلحظ في العمل التفسيري فان‬
‫) رائحة ( الترويج لليهود والنصارى دون‬
‫الفئات الخرى واضحة وظاهرة ‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫التأويلت ـ ج ‪ 1‬ـ ‪159‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪250‬‬
‫‪4‬‬
‫والعتباط ل يدرك بالطبع أن هناك آيتين‬
‫) متشابهتين ( في هذا السياق وأنه يقوم‬
‫بعمل مختلف عند شرح ك ّ‬
‫ل منهما في موردها‬
‫‪ .‬ففي آية البقرة ‪:‬‬
‫] إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى‬
‫والصابئين من آمن بالله واليوم الخر وعمل‬
‫صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ول خوف عليهم‬
‫ولهم يحزنون ‪‬‬
‫حيث جاء ترتيب الصابئين رابعا ً استبعدوهم‬
‫من الجر والمان من الخوف وفي آيه المائدة‬
‫خروهم مع‬
‫حيث جاءوا بالترتيب الثالث أ ّ‬
‫) خبرهم ( في جملة مقدرة الى الترتيب‬
‫ل ذلك ل نجد شيئا ً له علقة‬
‫الرابع وفي ك ّ‬
‫بالتفسير ‪ ..‬إنما له علقة بالهداف‬
‫والصراعات المّلية ‪ .‬فكيف تريد من الفكر‬
‫العتباطي اللغوي أن يخبرك عن سبب التغّير‬
‫في الترتيب بين النصارى والصابئين دون‬
‫الفئتين الخريين في النص القرآني بين‬
‫المائدة والبقرة والعتباط مشغول بالبحث‬
‫صه هو مقابل النص ؟؟ ‪.‬‬
‫عن ترتيب جديد يخ ّ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪251‬‬
‫‪3‬‬
‫وانظر الن من هو الذي صبأ فعل ً عن‬
‫الديان كلها ؟‬
‫فإن هذين النصين قد فضحا الفكر‬
‫العتباطي من جهة أخرى ‪ .‬فالمجموعات‬
‫الربعة جمعها الله في مّلة واحدة بمواصفات‬
‫حدة هي ) اليمان بالله واليوم الخر‬
‫مو ّ‬
‫والعمل الصالح ( ـ ولم يشترط شروط ا ً أخرى‬
‫صص اليمان برسول معين وذلك هو ماتمّيز‬
‫تخ ّ‬
‫به ) السلم المحمدي ( ‪ ،‬فإذا آمنوا بشريعة‬
‫النبي ) ص ( فقد خرجوا من تسمية ) نصارى‬
‫وصابئين وهادوا ( ـ والنص القرآني أبقاهم‬
‫جم‬ ‫في مّلتهم مع تلك الشروط ف َ‬
‫ش ْتمهم والته ّ‬
‫عليهم ل يتجزأ أي أنه شتيمة للسلم‬
‫) الذين آمنوا ( به‬ ‫المحمدي وللصحابة‬
‫ولكل مؤمن بالله يعمل صالحا من ك ّ‬
‫ل الماكن‬
‫والزمان حيث هم إحدى المجموعات الربعة ‪.‬‬
‫ب‬
‫فأقرا الية لترى أن العتباطية وهي تس ّ‬
‫رج بهذا السب‬‫إحدى المجموعات إنما ُتخ ِ‬
‫نفسها من المجموعات الربعة ‪ .‬فالعتباطية‬
‫تشتم ) الصحابة والتابعين والتابعين لهم‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪252‬‬
‫‪3‬‬
‫باحسان ( وكل مؤمن الى يوم الدين ‪.‬‬
‫ولربما تدرك جيدا أن المجموعات الربعة‬
‫هي التجاه القصدي وهي مجموعات فردّية‬
‫متفرقة في الملل ‪ ،‬وان العتباط هو الكثرية‬
‫وغاية العتباط بالطبع هو تأجيج الصراعات‬
‫والحروب وإثارة الفتن وهو نقيض الغايات‬
‫التي جاء بها السلم من الجمع والتوحيد ‪.‬‬
‫والعتباطية لم تستخدم هذين الموردين‬
‫فقط لتحقيق أهدافها في الصراعات وتفريق‬
‫الملل والشعوب وإنما استخدمت ك ّ‬
‫ل النصوص‬
‫ذات العلقة ‪.‬‬
‫دية‬
‫والسلوب هو نفسه اي شتم القص ّ‬
‫وحرف الناس عنها من خلل القصدية‬
‫ونصوصها ـ فحيث ل يمكن للعتباط من الجهر‬
‫بمحاربة الدّين يقوم بمحاربته من داخله ـ‬
‫والعتباط في الملل الخرى يؤدي الدور‬
‫مصطلح‬ ‫نفسه ‪ .‬ففي الغرب يستخدم‬
‫) المحمديون الوثنيون ( ‪ ،‬والعتباط‬
‫) المسيحي واليهودي ( يتمّلق الدين بشتم‬
‫نفس الدين من خلل تسمية أخرى ـ تماما ً‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪253‬‬
‫‪3‬‬
‫مثلما يفعل العتباط في ) السلم ( حينما‬
‫يقوم بمحاربة السلم من خلل عناوين أخرى‬
‫‪.‬‬
‫فمن النصوص المستخدمة جميع النصوص‬
‫المتعلقة بالتسميات ‪ :‬النصارى ‪ ،‬أهل‬
‫النجيل ‪ ،‬اليهود ‪ ،‬الذين هادوا ‪ ،‬بني‬
‫إسرائيل ‪ ،‬الذين أوتوا الكتاب ‪ ،‬الذين آتيناهم‬
‫الكتاب ‪ ..‬الخ ‪ .‬ومعلوم أن هذه اللفاظ‬
‫والمركبات المتنوعة في القرآن تحمل دللتها‬
‫المستقّلة ‪ ،‬فكانت المرادفات هي السلح‬
‫المكين للعتباطية لخلط المور وتمرير‬
‫أفكارها ـ ومثال ذلك أنها استعملت اليات‬
‫التي تهاجم فئات معينة لتفسير آيات أخرى‬
‫تتحدث عن القصدية ووحدتها العامة في‬
‫القرآن ـ واشاعت أن العهدين القديم والجديد‬
‫ليس فيه شيء من كلم الله ‪ ،‬وإن وجد فهو‬
‫منسوخ وذلك لفراغ القرآن من محتواه‬
‫الشمولي باعتباره ) مهيمنا ً ( على الكتاب و‬
‫دقا ً ( لما بين يديه من الكتاب وشارحا ً‬
‫) مص ّ‬
‫لغوامضه بما فيه من نظام محكم وصارم‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪254‬‬
‫‪3‬‬
‫فكانت تلك الفكرة التي هاجمت ظاهريا ً أهل‬
‫الكتاب هي بغية العتباطية في أهل الكتاب‬
‫وهدفها ـ كما في قوله تعالى ‪ ):‬كلما أوقدوا‬
‫نارا للحرب اطفأها الله ( ـ إذ التفريق وتأجيج‬
‫الحروب هو طبيعة من طبائع العتباط ‪ .‬لحظ‬
‫بعض النصوص ‪:‬‬
‫ه فيه‬ ‫ل النجيل بما أنز َ‬
‫ل الل ُ‬ ‫] وليحـكم أه ُ‬
‫ه فأولئك هم‬ ‫م يحكم بما أنز َ‬
‫ل الل ُ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م ْ‬
‫و َ‬
‫الفاسقون ‪. ‬‬
‫ويدل النص على أن ما أنزل الله في‬
‫النجيل موجود والقرآن يطالبهم بالحكم به‬
‫أو‬ ‫بينما يشيع العتباط أنه ل وجود له‬
‫) منسوخ ( أو ) محّرف ( !!‬
‫] إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونوٌر يحكم‬
‫بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا‬
‫والربانيون والحبار بما اسُتحفظوا من كتاب‬
‫الله وكانوا عليه شهداء فل تخشوا الناس‬
‫واخشون ولتشتروا بآياتي ثمنا ً قليل ومن لم‬
‫يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون ‪‬‬
‫‪44‬‬ ‫المائدة ‪/‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪255‬‬
‫‪3‬‬
‫ويشير النص بوضوح الى التيار القصدي‬
‫الذي يدرك ما استحفظ من الكتاب والذي‬
‫يخشى الحكم به من الناس فيطالبه القرآن‬
‫ال ّ يخشى الناس ‪ .‬ول ّ‬
‫ما أشار النص الثالث‬
‫المتعلق بهذا الترابط بين الكتب في تصديق‬
‫بعضها لبعض وطالب النبي ) ص ( بالحكم لم‬
‫يذكر الحكم بما أنزل الله في القرآن خصوصا ً‬
‫ه‬
‫ة مطلق ٍ‬
‫بل طالبه بالحكم بما انزل الله بصف ٍ‬
‫وشمول الكتب كلها بالحكم لحظ النص ‪:‬‬
‫دقا ً لما‬
‫] وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مص ّ‬
‫بين يديه من الكتاب ومهيمنا ً عليه فاحك ْ‬
‫م‬
‫بينهم بما أنزل الله ول تتبع أهوائهم عما‬
‫ل جعلنا شرعة ومنهاجا ولو‬
‫جاءك من الحق لك ٍ‬
‫ة واحدةً ولكن ليبلوكم في‬
‫شاء الله لجعلكم أم ً‬
‫المائدة ‪48 /‬‬ ‫ما آتاكم ‪‬‬
‫فالشرعة والمنهاج شيء واليمان بالله‬
‫واليوم الخر والعمل الصالح شيء آخر ‪ .‬إن‬
‫الشرعة والمنهاج هي اسلوب العمل الصالح ‪.‬‬
‫ولك أن تلحظ أن النص اشار الى إنزال‬
‫الكتاب وهو في منهجنا القرآني قطعا ً ليس‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪256‬‬
‫‪3‬‬
‫القرآن فقط ‪ .‬وإنما هو الكتاب الكلي الذي‬
‫يشتمل على ك ّ‬
‫ل الكتب السابقة ويزيد عليها‬
‫فلحظ دخول ) من ( البعضية على الكتاب‬
‫دق لجميع‬
‫الثاني ـ فالكل مهيمن ومص ّ‬
‫الجزاء ‪ .‬والعتباطية ل تدرك بل ل تريد أن‬
‫تدرك الفوارق اللفظية ول تمّيز بين الوحي‬
‫والتنزيل والنزال ‪ ،‬ول تفّرق بين الكتاب‬
‫والقرآن وما هو من الكتاب ول تعلم ول تريد‬
‫أن تعلم الفرق بين اهل الكتاب والذين أوتو‬
‫الكتاب ‪ ..‬الخ فعملها وغايتها هو العتباط ‪.‬‬
‫ن الفكر العتباطي يحاول‬
‫وبصفة عامة ‪ :‬فإ ّ‬
‫ضل الخوض في‬
‫تجّنب النظام القرآني ويف ّ‬
‫المجازات والحتمالت ‪ .‬وحينما يبّرر هذه‬
‫العملية فإنه يرد على نفسه ـ فالمبرر الذي‬
‫تكرره العتباطية هو أن القرآن ل يعلم تأويله‬
‫إ ل ّ الله ‪ .‬فهنا مناقشتان تص ّ‬
‫حان لسكاته ‪.‬‬
‫الولى ‪ :‬إن التأويل المطلق ل يعلمه إل الله ـ‬
‫لن الفاظ هذا النص مطلقة فل يمنع ذلك من‬
‫دخول التأويل الممكن معرفته والذي هو جزء‬
‫من المطلق ‪ ،‬إذ لو كان المعنى ل يعلم أحد‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪257‬‬
‫‪3‬‬
‫د من الحدود فإنزاله عبث‬ ‫تأويله مطلقا ً بأ ّ‬
‫ي ح ٍ‬
‫وإذا كان يعلمه أفراد على الخصوص فِلم ل‬
‫تّتبع العتباطية أولئك الفراد ؟‬
‫والثانية ‪ :‬إن تأويله ) أي حقيقة مطابقة‬
‫معانيه للفاظه ( إذا لم يكن ممكنا ً فمن أجاز‬
‫دي لتأويله ؟! إذ السكوت أولى‬
‫للعتباط التص ّ‬
‫بها ! ‪.‬‬
‫لكن العتباطية شأنها التناقض أبدا ً في‬
‫المبادئ والسلوك فوجود الفراد القصديين‬
‫القادرين على تأويله يمنعها من القيام‬
‫بتأويله وبهذا الخصوص تقّرر أن ل أحد يعلم‬
‫تأويله ‪ .‬وعند غيابهم تقّرر إمكانية تعديد‬
‫الحتمالت والوجوه لتأويله ‪ ،‬فأخذ القليل‬
‫خير من ترك الكثير ! ‪ .‬لكن القليل من‬
‫العتباط هو شر فما بالك بالكثير !‬
‫فالعتباطية حصرت التأويل بنفسها وهذا هو‬
‫المطلوب‪.‬‬
‫وحينما يقوم الفراد بمتابعة تأويل‬
‫العتباطية فإنما يقومون بمتابعة من هو‬
‫) مثل الحمار ( لن ذلك هو المثل القرآني‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪258‬‬
‫‪3‬‬
‫ة‬
‫مل المانة لشخوص ل يحملوها ) أمان َ‬
‫لمن يح ّ‬
‫هم النص اللهي ( ‪:‬‬ ‫َ‬
‫ف ْ‬
‫م‬
‫ملوا التوراة ثم لـ َْ‬ ‫] مثل الذين ّ‬
‫ح ّ‬
‫ل أسفارا ‪. ‬‬‫ر يحم ُ‬
‫ل الحما ِ‬
‫يحملوها كمث ِ‬
‫والتابع أدنى رتبة من المتبوع فيلزمه‬
‫انطباق المثل عليه بصورة أشمل ‪.‬‬
‫ومعلوم أن العتباط يحتال على هذا النص‬
‫كما يحتال على غيره لنه يشعر أن النص‬
‫يتحدث عن العتباط ‪.‬‬
‫بيد اننا نكشف في النظام القرآني‬
‫الفوارق الكبيرة بين ) الذين آتيناهم الكتاب (‬
‫و ) الذين أوتوا الكتاب ( ‪ .‬فالمجموعة الولى‬
‫نسب فيها التيان الى السماء والسماء ل‬
‫تختار ال ّ رجال ً صالحين يؤتيهم الله علما ً لدني ّ ا ً‬
‫لمعرفة الكتب المنزلة وأنظمتها ‪ .‬أما الذين‬
‫أوتوا الكتاب بالبناء للمجهول فهم مذمومون‬
‫في جميع الموارد بعكس المجموعة الولى ‪،‬‬
‫لن هؤلء سّلمتهم المم مهمة الكتاب ولم‬
‫يسّلمهم الله هذه المهمة وقبلوا بذلك‬
‫مل‬
‫لحمقهم وغباءهم فلم يقدروا على تح ّ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪259‬‬
‫‪3‬‬
‫المانة وخانتهم اللغة ونظامها ففضحوا‬
‫أنفسهم‪.‬‬
‫ملوا التوراة إنما هم مجموعة‬
‫ح ّ‬
‫والذين ُ‬
‫فرعية من أولئك ‪.‬‬
‫لكن العتباط حاول الحتيال على هذا‬
‫النظام الدقيق للستعمال القرآني فزعم أن )‬
‫الذين آتيناهم الكتاب ( هم ) أهل الكتاب (‬
‫حسب المرادفات وهم اليهود والنصارى ‪.‬‬
‫والعتباط دوما ً يصنع ألفاظا ً يف ّ‬
‫سر بها‬
‫ألفاظ ا ً أخرى ‪ .‬من اجل ذلك تميز كتاب‬
‫"النظام القرآني" بوضع قواعد قاسية‬
‫لمجابهة العتباط وسلك منهجا ً محددا ً في‬
‫قصدية اللفاظ القرآنية سميناه هناك‬
‫) المنهج اللفظي ( ‪ ،‬ومثل هذه المباحث قد‬
‫ة ‪ .‬لكننا‬
‫ب لحق ٍ‬
‫صلة في كت ٍ‬
‫تأتي بإذن الله مف ّ‬
‫ن‬
‫ح إذا قرأت ما ذكرته بتأ ٍ‬
‫نعتقد أن المر واض ٌ‬
‫وراجعت الموارد القرآنية بخصوص تلك‬
‫اللفاظ ‪ ،‬وعليك أن تعلم أن النص اذا كان‬
‫يقصد ) اليهود والنصارى ( فقط جاء بمركب‬
‫يم ّيز به هذا الستعمال هو ) من قبلكم ( ـ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪260‬‬
‫‪3‬‬
‫وعند غيابه فالمقصود بالطبع ) الحمير (‬
‫العتباطيين من جميع الملل على التمثيل‬
‫القرآني ) مع العتذار للقصدية هنا في‬
‫استعمال اللفظ مجردا ً عن أدوات التشبيه‬
‫وعلى الطريقة العتباطية ( ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪261‬‬
‫‪3‬‬
‫المبحث السادس عشر‬
‫دم‬
‫في أسباب التق ّ‬

‫دم اللفاظ على‬


‫السباب الموضوعة لتق ّ‬
‫بعضها جعلتها العتباط ّية على صورة مسّلمات‬
‫ودخلت كقواعد أساسية في البلغة ‪ ،‬مع‬
‫العلم المسبق أنها ل تفسر الستعمالت‬
‫اللغوية العامة فضل ً عن النصوص المميزة ‪.‬‬
‫ولم يكن شيء يصلح منها لتفسير ما يتكلم به‬
‫وام الناس فضل ً عن الدباء ناهيك عن‬
‫ع ّ‬
‫ُ‬
‫الستعمال القرآني ‪.‬‬
‫وسأذكر لك نماذج اعتباطية عديدة ‪:‬‬
‫ىىىىىىى ىىىىى ‪ :‬بشأن ترتيب العداد ‪:‬‬
‫ع للرتبة‬
‫دعي العتباطية أن ذلك خاض ٌ‬
‫ت ّ‬
‫دم على الثنين والثنين مقدم‬
‫فالواحدُ مق ّ‬
‫دم على الكثر‬
‫على الثلثة وهكذا القل مق ّ‬
‫وتسوق لذلك شواهد من القرآن واللغة ‪.‬‬
‫ولكنك تعلم أنك إذا وصفت بخيل ً فتقول ‪) :‬‬
‫‪ ...‬ل يعطي السائل عشرة دنانير بل ل يعطي‬
‫دينارا ً ول دون ذلك ( ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪262‬‬
‫‪3‬‬
‫فأنت بصدد البخيل تنزل بالعداد مقدما ً‬
‫د‬
‫الكثرة على القلة ‪ .‬والذي يفعل العكس ُيع ّ‬
‫جاهل ً تماما ً ‪ .‬وهو أمٌر يحسنه الميون بإتقا ٍ‬
‫ن‬
‫تام ٍ ‪ ،‬لنك حاشاك لو قلت ) ل يعطي دينارا ً (‬
‫فمن الولى أن ل يعطي عشرة دنانير ‪.‬‬
‫ولكنك إذا قلت لخيك المحتاج ) ل‬
‫يهمك ‪..‬فأني أعطيك عشرة دنانير ومئة دينار‬
‫بل أعطيك ألفا ً ( فأنت ترّتب العداد ترتيبا ً‬
‫تصاعدي ا ً ـ وكذلك تفعل إذا وصفت كريما ً ‪.‬‬
‫ومن هذا المثال البسيط تدرك جيدا ً أن‬
‫) اللفاظ ( تمتلك قيمة بالمعنى كالعداد‬
‫وأنها تخضع في التقديم والتأخير لمغزى‬
‫الكلم وغاياته فل يحكمها قانون ) الرتبة ( ـ‬
‫ومعنى ذلك أن اللفاظ كلها على هذا النحو‬
‫مت‬
‫وليس العداد فقط ‪ .‬ولكن العتباطّية قس ّ‬
‫المر الى أقسام ورتب في العداد واللفاظ ‪.‬‬
‫والمثال الذي يؤكد لك ما ذكرته الن هو‬
‫ن‬
‫أحدُ النصوص القرآنية الذي قدم وأخر في آ ٍ‬
‫ة هي قوله‬
‫ة واحد ٍ‬
‫د بين لفظين في آي ٍ‬
‫واح ٍ‬
‫تعالى ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪263‬‬
‫‪3‬‬
‫] وإذا رأوا تجارةً أو لهوا ً انفضوا أليها‬
‫وتركوك قائما ً قل ما عند الله خير من اللهو‬
‫الجمعة ‪11 /‬‬ ‫ومن التجارة ‪‬‬
‫ما كانت التجارة مصدرا ً لجمع المال‬
‫إذ ل ّ‬
‫فعند اقترانها باللهو الذي يستهلك المال‬
‫دم في معرض القبال عليها ـ ولكن عندما‬
‫تتق ّ‬
‫تريد من السامع العراض فانه يبدأ بالعراض‬
‫من الدنى الى العلى فيتقدم اللهو على‬
‫التجارة ‪.‬‬
‫د ما ‪ ) :‬ل تغّرنك اللف‬
‫وكذلك إذا قلت لح ٍ‬
‫دينار والعشرة آلف فان العلم أفضل من‬
‫اللف ومن العشرة آلف ( ‪.‬‬
‫فالتقديم والتأخير خاضع إذن لقوانين‬
‫متحركة غير ثابتة ‪ .‬فما يتقدم في حال يتأخر‬
‫في حال آخر وما يتقدم مع لفظ معين يتأخر‬
‫مع لفظ آخر في نفس الحال ‪ .‬واحتمالت‬
‫تقدم وتأخر اللفظ ل حدود لها ‪ .‬إذ ل حدود‬
‫لقترانه باللفاظ الخرى ول حدود لمراد‬
‫المتكلم في اللغة ‪ .‬وما يحدده هو ) دراسة (‬
‫ك ّ‬
‫ل نص على حدة باعتباره قضية مستقلة‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪264‬‬
‫‪3‬‬
‫تحمل تفسيرها في ذاتها ‪.‬‬
‫لكن انظر الى العتباطّية وهي تحدد‬
‫التقدم بقوانين صارمة حيث قالوا ‪:‬‬
‫) الثاني من السباب هو التقدم بالذات‬
‫كتقدم الواحد مع الثنين ومنه قوله تعالى‪:‬‬
‫‪ /‬النساء ‪3 -‬‬ ‫] مثن ً‬
‫ى وثلث ورباع ‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪:‬‬
‫] ما يكون من نجوى ثلثة ال هو رابعهم‬
‫‪ /‬المجادلة ‪7 -‬‬ ‫‪.‬‬
‫وكذلك مراتب العـدد فكل مرتبة أدنى من‬
‫‪1‬‬
‫الخرى فهي متقدمة على ما فوقها(‬
‫دم العلى على الدنى خلفا ً‬
‫وقد تق ّ‬
‫للقاعدة في ألوف أو مليين الستعمالت‬
‫البشرية مثلما تقدم القنطار على الدينار في‬
‫النص القرآني ‪:‬‬
‫] مــن أهل الكتاب م ْ‬
‫ن إن تأمنه بقنطار‬
‫ن إن تأمنه بدينار ل يؤده‬
‫يؤده إليك ومنهم م ْ‬
‫إليك ‪ / ‬آل عمران ـ ‪75‬‬

‫‪1‬‬ ‫البرهان ـ ‪290‬ـ ‪. 291‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪265‬‬
‫‪4‬‬
‫ىىىىىىى ىىىىىى ‪ :‬أرادت العتباطية وضع‬
‫قواعد الرتبة لللفاظ أيضا ً أسوةً بالعداد ! ‪.‬‬
‫فزعمت أن قوله تعالى ‪:‬‬
‫‪/‬‬ ‫] إنما أموالكم وأولدكم فتنة ‪‬‬
‫التغابن ‪15 -‬‬
‫) تقديم الموال من تقديم السبب فإنما‬
‫يشرع في النكاح عند قدرته فهو سبب‬
‫التزويج والنكاح سبب التناسل فالمال سبب‬
‫للتنعم بالولد وفقده سبب للشقاء به ( ‪.‬‬
‫ولكن العتباطّية وليس بعيدا ً عن هذا‬
‫الموضع بل في نفس الصفحة وما يتلوها‬
‫ذكرت سبب تقدم اللفاظ والمسميات في‬
‫قوله تعالى ‪:‬‬
‫] ُز ّين للناس حب الشهوات من النساء‬
‫والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب‬
‫ومة والنعام والحرث‬
‫والفضة والخيل المس ّ‬
‫‪/‬آل عمران‪14 /‬‬
‫دم البنين هنا على المال !‬
‫فقد تق ّ‬
‫ب (‬
‫درت الية بذكر ) الح ّ‬
‫قالت ‪ ) :‬فلما ص ّ‬
‫دم ما هو الهم‬
‫اقتضت حكمة الترتيب أن يق ّ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪266‬‬
‫‪3‬‬
‫فالهم في رتبة المحبوبات فأ َ ّ‬
‫خ َر ذكر الذهب‬
‫والفضة عن النساء والبنين لنهما أقوى في‬
‫الشهوة الجبلّية من المال فان الطبع يحث‬
‫على بذل المال لتحصيل النكاح والولد ( ‪.‬‬
‫ويمكن للقصدية أن تسأل ‪ :‬إذا كان المر‬
‫ب أن يقول في الية الولى ) إنما‬
‫كذلك وج َ‬
‫أولدكم ( لن الولد أقوى في الشهوة وأهم‬
‫من المال الذي يبذل ) بالطبع ( لهما وبالتالي‬
‫تكون ) الفتنة ( بهما أشد وهي موضوع الية‬
‫الولى !‬
‫ففي نفس الصفحة يقدم العتباط المال‬
‫على الولد ثم يقوم بتقديم الولد على المال‬
‫د‬ ‫لتفسير آية أخرى بناءا ً على سب ٍ‬
‫ب واح ٍ‬
‫متلعبا ً باللفاظ !‬

‫مت العتباطية‬
‫ىىىىىىى ىىىىىى ‪ :‬لقد س ّ‬
‫الموارد النفة ) التقدم الذي يقع في محل‬
‫التعارض ( ‪.‬‬
‫وقال الزملكاني ‪ :‬فحينئذ ـ أي عندما تكون‬
‫في ك ّ‬
‫ل من الشيئين صفة تقتضي تقدمه ـ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪267‬‬
‫‪3‬‬
‫مها في ذلك المحل !! ‪.‬‬
‫يكون الترجيح له ّ‬
‫فالنص المذكور متناقض من حيث أنه ل‬
‫صفة ثابتة للشيء تقتضي تعارضا ً مع الخر ـ‬
‫لمتابعة ) المحل ( ـ‬ ‫لكنه اضطر اضطرارا ً‬
‫وعند التطبيق كما لحظت جعل السبب نفسه‬
‫ينعكس ولم ُيسعفه المحل بشيء لنه ل غاية‬
‫له حقيقية في تدبره ‪ .‬فكذلك فعل في‬
‫) السماء والرض ( قال ‪ ) :‬وأما تقديم‬
‫السماء على الرض فلنها أكمل شرفا ً‬
‫ومستقرا ً ( ‪.‬‬
‫وإن تأخيرها في آية أخرى ) آية يونس ‪61 /‬‬
‫( هو بسبب المحل إذ يتحدث وبحسب ما‬
‫تقدمه من آيات عن شهادته تعالى لعمال‬
‫الخلق ‪.‬‬
‫ولما كانت آية سبأ تتحدث عن نفس‬
‫الموضوع ومع ذلك تقدم فيها ذكر السماء‬
‫على الرض فانه حاول إظهار المر وإخفاءه‬
‫د بعبارة غامضة حيث قال ‪ ) :‬وهذا‬
‫ن واح ٍ‬
‫في آ ٍ‬
‫بخلف الية في سبأ فأنها منتظمة في سياق‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪268‬‬
‫‪3‬‬
‫علم الغيب ( ‪1‬مع أن اليتين تذكران المر بصيغ‬
‫متشابهة وعلى النحو آلتي ‪:‬‬
‫آية يونس ‪:‬‬
‫] وما يعز ُ‬
‫ب عن ر ّبك من مثقال ذرة في‬
‫الرض ول في السماء ‪ / . ‬يونس ‪61 -‬‬

‫آية سبأ ‪:‬‬


‫ت‬
‫ة في السماوا ِ‬
‫ل ذر ٍ‬ ‫] ل يعز ُ‬
‫ب عنه مثقا ُ‬
‫ول في الرض ‪ / ‬سبأ ‪3 -‬‬
‫فكلهما يتحدث في البدء عن هذا العلم‬
‫فانظر الى كذب العتباط ومكره !‬
‫ومعلوم أن العتباطّية أبعد ما تكون عن‬
‫فهم هذا التقديم والتأخير وهي بهذا التخّبط ‪.‬‬
‫ومع ذلك فان تقديم ) السماء على الرض (‬
‫ـ لنها أكمل شرفا ً ومستقرا ً ـ على حدّ تعبيره‬
‫مع مورد ) فصلت (‬ ‫يتناقض هو الخر‬
‫الذي لم يذكره والذي يتقدم فيه الرض على‬
‫السماء ـ مع أن الموضوع متصل بـ ) الشرف‬
‫دث عن مراحل‬
‫والستقرار ( ـ لن المورد يتح ّ‬
‫‪1‬‬ ‫البرهان ـ ‪. 295‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪269‬‬
‫‪5‬‬
‫درة تقديرا ً ‪.‬‬
‫الخلق وما تعلق به من أرزاق مق ّ‬

‫ىىىىىىى ىىىىىى ‪ :‬قالوا ‪ ) :‬ومن نوع‬


‫دم بالرتبة ) سميع عليم ( لن ذلك‬
‫التق ّ‬
‫من التهديد !! ولتعلقه بالصوات ‪ ،‬فمن‬
‫يتض ّ‬
‫سك قد يكون أقرب إليك في العادة‬
‫ح ّ‬
‫يسمع ِ‬
‫ممن يعلم ( ‪.1‬‬
‫إذن فالعتباطية تزعم أن سميع أعظم في‬
‫التهديد من عليم فالرتبة هي من العلى الى‬
‫الدنى ‪.‬‬
‫وفي هذا ثلث مناقشات ‪:‬‬
‫ىىىىىى ‪ :‬إن الصفات المذكورة بهذا‬
‫الترتيب ليست في موضع التهديد ‪ .‬وإن هذا‬
‫الرجل العتباطي ليتخّبط ‪ .‬لحظ بعض هذه‬
‫الموارد ‪:‬‬
‫] رحمة من ربك إنه هو السميع العليم‬
‫‪ / ‬الدخان ‪6‬‬
‫] من كان يرجو لقاء الله فان أجل الله‬
‫لت وهو السميع العليم ‪ / ‬العنكبوت ‪5‬‬

‫‪1‬‬ ‫البرهان ‪.295 /‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪270‬‬
‫‪4‬‬
‫] فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع‬
‫العليم ‪ / ‬يوسف ‪34‬‬
‫] وتوكل على الله إنه هو السميع العليم‬
‫‪ / ‬النفال ‪61‬‬
‫] فسيكفيكهم الله إنه هو السميع العليم‬
‫‪ / ‬البقرة ‪137‬‬
‫] ذرّية بعضها من بعض والله سميع عليم‬
‫‪ / ‬آل عمران ‪34‬‬
‫] رّبنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ‪‬‬
‫‪ /‬البقرة ‪127‬‬
‫بل يمكن القول إن هذا المر ّ‬
‫كب ) سميع‬
‫عليم ( مختص بالرحمة ‪ ،‬وإذا ورد في حالت‬
‫التجاوز فالمقصود به والمخاطب به أولئك‬
‫المبرءون من التجاوز مثل ‪:‬‬
‫] فإنما إثمه على الذين يب ّ‬
‫دلونه إن الله‬
‫‪ /‬البقرة ‪181‬‬ ‫سميع عليم ‪‬‬
‫) فالسميع العليم ( مر ّ‬
‫كب ) الطمئنان (‬
‫ونزول الرحمة وتبديل السيئات الى حسنات‬
‫فلحظ بنفسك بقية الموارد ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪271‬‬
‫‪3‬‬
‫ىىىىىىى ‪ :‬إن الترتيب التنازلي هذا يقتضي‬
‫أن تكون صفاته تعالى متفاوتة وهي مشكلة‬
‫در العتباطية على حّلها إذا‬
‫كلمية ل تق ِ‬
‫افترضنا أنها لم تكن تنوي أصل ً أثارتها ‪.‬‬
‫ي موضع بلغي يكون‬
‫ىىىىىىى ‪ :‬في أ ّ‬
‫الترتيب تنازليا ً في مسألة خصائص وصفات‬
‫للمتكلم ؟ فهذا خلف البلغة إذ يجب أن‬
‫تتصاعد الصفات ليسمع المتلقي ما هو أعلى‬
‫ل ما هو أدنى ‪.‬‬
‫فلحظ أن المتنبي لو قال ‪ ) :‬القلم‬
‫والقرطاس يعرفني ( قبل الخيل والليل‬
‫والسيف والرمح لكان هناك خلل ل ينجبر ‪.‬‬
‫ذلك لن الشجاعة في الحرب أكبر من الخروج‬
‫في الظلمة وهي عامة غير مخصوصة بعالم أو‬
‫م إليها المعرفة بالقلم‬
‫جاهل فلما ض ّ‬
‫والقرطاس وهي صفة أكبر زادت من خصائص‬
‫الشجاعة ـ إذ فهم السامع أن الرجل ليس‬
‫متهورا ً أو شجاعته شجاعة الجاهل بل شجاعة‬
‫معها معرفة وعلم وهذا يندر حصوله ‪ .‬ويبقى‬
‫الحل القصدي سائرا ً في نظام القرآن خاصة‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪272‬‬
‫‪3‬‬
‫ونظام اللغة ‪) :‬فالسميع( صيغة تفيد أنه‬
‫سامع لكل ما يقال ويفهم جيدا ً ما يسمعه‬
‫ولكن لما كان المركب بخصوص الرحمة‬
‫وعصمة المؤمنين من مصائب العتباطية‬
‫وقولها الزور فيحتاج الى ) علم ( بالذوات‬
‫ه مع‬
‫ونواياهم ـ وهذا هو السبب في استخدام ِ‬
‫الرسل والولياء لنه سميع للدعاء ولكل كلم‬
‫سرا ً وجهرا ً وعليم بنوايا ومصادر وموارد هذا‬
‫الكلم ‪.‬‬
‫وحينما ل يتعلق المر بالذوات ونواياهم‬
‫يقترن مع السميع لفظ البصير حيث موارده‬
‫الخاصة تحتاج الى رؤية الحوادث والوقائع‬
‫والحركات فيجتمع هنا ) الفعل النساني (‬
‫بكامله لن فعل النسان الخارجي هو عبارة‬
‫عن ) قول وحركة ( فالصفات متعلقة‬
‫بالمخاطبين وترتيبها هو للمخاطبين ‪ .‬لحظ‬
‫الموارد ‪:‬‬

‫أ ‪ ) .‬لنريه من آياتنا أنه هو السميع‬


‫‪1‬‬ ‫‪ /‬السراء‬ ‫البصير (‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪273‬‬
‫‪3‬‬
‫فالنية لم تذكر ـ لنه يعلمها ول ضرورة‬
‫لذكرها تشريف ا ً للنبي ) ص ( وبقى الفعل‬
‫الخارجي فجمعه في مركب ) السميع‬
‫البصير ( ‪ ،‬على أن النية ظاهرة في أول الية‬
‫أيضا ‪.‬‬
‫ما يعضكم به إن الله كان‬‫ب ‪ ) .‬إن الله نع ّ‬
‫سميعا ً بصيرا ً ( ‪ /‬النساء ‪58 -‬‬
‫فالنية خوطبت بالوعظ وللفعل الخارجي‬
‫) سميع بصير ( ‪.‬‬

‫ج ‪ ) .‬إنا خلقنا النسان من نطفة أمشاج‬


‫نبتليه فجعلناه سميعا ً بصيرا ً ( ‪ /‬النسان ‪2 -‬‬
‫فالنية ابتليت بقوله نبتليه وظهور فعلها‬
‫في الخارج فلم يجعله أصم ا ً وأعمى ) بالمعنى‬
‫القصدي ( بل جعله سميعا ً بصيرا ً ‪.‬‬
‫وهكذا بقية الموارد ‪ ،‬وقد يقال إذا كان‬
‫م ل يكفي لفظ ) عليم ( في‬
‫المر كذلك فل َ‬
‫موارد ) السميع العليم ( ؟‬
‫وهذا مجرد وهم لن السميع ليس هو‬
‫السامع لن السامع يسمع حين ا ً دون حين ـ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪274‬‬
‫‪3‬‬
‫والسميع عند الله صفة فيه ل علقة لها‬
‫بإرادته للسماع فليس ثمة شيء ل يريد‬
‫سماعه في ملكه فإذا انفردت صفة ) عليم ( ‪،‬‬
‫اقتصرت على المعرفة والعلم فإذا كان العلم‬
‫بالشياء يتأخر بعد حصول المعلوم في‬
‫الوقائع فالسميع يتقدم لحصول النية‬
‫والطلق في العلم ‪ .‬وهو خلف الرأي‬
‫العتباطي القائل بان الله يعلم بالشياء بعد‬
‫دم‬
‫وقوعها ‪ .‬ولو كان لفظ ) عليم ( قد تق ّ‬
‫على السميع في موارد الرحمة لكان هذا‬
‫الرأي صحيحا ً ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪275‬‬
‫‪3‬‬
‫ىىىىىىى ىىىىىى ‪ :‬في قوله تعالى ‪:‬‬
‫] واسجدي واركعي مع الراكعين ‪ / ‬آل‬
‫عمران ‪43 -‬‬
‫وقوله ‪:‬‬
‫] للطائفين والقائمين والركع السجود ‪‬‬
‫‪ /‬آل عمران ‪26 -‬‬
‫تخّبطت العتباطّية في تخريج تقدم‬
‫السجود على الركوع في الولى وانعكاسه‬
‫في الثانية ‪ .‬فلم تتمكن بواسطة الرتبة من‬
‫ح ّ‬
‫ل هذا الشكال ولذلك قدمت ) متواضعة (‬
‫هذه المرة بعض القتراحات العتباطية وذلك‬
‫حينما جوبهت بالسؤال ‪:‬‬
‫دم على السجود بالزمان‬
‫) إن الركوع مق ّ‬
‫والرتبة ومساس الرض ( !‬
‫فمن تلك المقترحات ‪:‬‬
‫ن ) اركعي ( بمعنى ) اشكري ( ! وهكذا‬
‫أ ‪.‬إ ّ‬
‫تتخلى العتباطية عن الدللة الشرعية‬
‫والعرفية والقتضائية والتضمنية وجميع‬
‫الدللت ! ‪.‬‬
‫ي ـ كي‬
‫ب ‪ .‬إن ) اسجدي ( بمعنى صل ّ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪276‬‬
‫‪3‬‬
‫تتقدم الصلة في عمومها على الركوع وهو‬
‫مثل الول ‪.‬‬
‫ج ‪ .‬إن اسجدي ‪ :‬صلي في بيتك واركعي ‪:‬‬
‫ة ‪.‬‬
‫ي جماع ً‬
‫صل ّ‬
‫وهي محاولة للستفادة من عبارة ) مع‬
‫الراكعين ( وذلك بالرغم من أن المأمور امرأة‬
‫الجماعة ) أفضل (‬ ‫‪ .‬ولما كانت الصلة في‬
‫دوما ً في الحل العتباطي فقد انتقض الحل‬
‫واختل الترتيب ‪ .‬فقالوا ‪ :‬بل يبقى لن صلة‬
‫المرأة منفردة أفضل من صلتها في جماعة )‬
‫في جميع التفاسير المطولة ( ‪.1‬‬
‫ديقة‬
‫والقصدية تسأل ‪ :‬ما ذنب هذه الص ّ‬
‫فيحرمها الله من الصلة الفضل ولماذا ل‬
‫يمنحها الحرية كي ل تحتسب حسناتها مّرة‬
‫أق ّ‬
‫ل ومرة أكثر ما دامت صلة الجماعة جائزة‬
‫لها وليست محرمة ؟ ‪.‬‬
‫وكان المفروض أن الية الولى سائرة في‬
‫ن ) السجود مقدم بالرتبة على الركوع‬ ‫الح ّ‬
‫ل ل ّ‬
‫دم الركوع في الثانية وفي‬
‫( فلما وجدوا تق ّ‬

‫‪1‬‬ ‫انظر أصل هذه الوجوه في البرهان ‪. 296 /‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪277‬‬
‫‪4‬‬
‫كعا ً سجدا ً ( ووجدوا‬
‫قوله تعالى ) تراهم ر ّ‬
‫تقدم الركوع في الزمان ومساس الرض في‬
‫الصلة انعكس المر فأصبحت الية الولى هي‬
‫المخالفة للحل العتباطي ‪.‬‬
‫ل القصدي فواضح ـ إذ أنه ل يقّرر‬‫أما الح ّ‬
‫ل لفظ بل التقديم‬‫وجود رتبة محددة لك ّ‬
‫دده المتكلم لغاياته النية خلل‬
‫والتأخير يح ّ‬
‫الواقعة وموضوعها ومثلما أوضحناه في بداية‬
‫هذا الموضوع في العداد ‪.‬‬
‫جه لمريم ) ‪ (υ‬وهي امرأة ‪،‬‬
‫فالخطاب المو ّ‬
‫أجاز لها الشرع أشياء لم يجزها للرجل‬
‫وتسامح في عبادتها في مواضع عديدة‬
‫معلومة ـ في مثل هذا الخطاب يتوجه المر‬
‫من الحركة الدنى الى الحركة العلى ‪ .‬مثلما‬
‫ن ما ‪ ) :‬تحّرك قليل ً ( ثم تقول ‪:‬‬
‫تقول لنسا ٍ‬
‫أمش ثم تقول ‪ :‬بل اركض إن قدرت ( ـ ولو‬
‫بدأت بالركض أول ً لما كانت هناك فرصة‬
‫لستئناسه وتطمينه على موافقتك إذا اقتصر‬
‫على المشي أو الحركة ‪ .‬فهذا الترتيب يمنحه‬
‫العزيمة على فعل الشياء كما رّتبتها له وهذا‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪278‬‬
‫‪3‬‬
‫واضح ‪ .‬فالحركة بشأن مريم ) ع ( انتقلت من‬
‫) اقنتي ( حيث القنوت مناجاة ل تحتاج الى‬
‫حركة الى ) اسجدي ( وهو أمر أعلى حركة‬
‫وصرف للطاقة وانتقلت بعد ذلك الى ) اركعي‬
‫( وهو أعلها حركة فقال ) مع الراكعين ( كي‬
‫ل يفوتها الركوع الذي يفعله الرسل والولياء‬
‫فليس ثمة صلة مفردة وصلة جماعة ـ إنما‬
‫هي معية لمثالها من الولياء في ك ّ‬
‫ل الزمان‬
‫‪.‬‬
‫أما اليات الخرى فهي بحركة معكوسة‬
‫لختلف المخاطبين والموضوع ‪.‬‬
‫المر اللهي لبراهيم وإسماعيل هو تطهير‬
‫البيت ) وطهرا بيتي ( والسؤال المفترض‬
‫هو ) للطائفين‬ ‫الن هو ‪ :‬لمن ؟ والجواب‬
‫( ومعلوم أن الطائف ـ يطوف ويخرج فالحركة‬
‫الن تصاعدية ‪ :‬بل للقائمين أيضا ً ! وهؤلء‬
‫زمنهم أطول والخدمة التي يحتاجونها أكبر‬
‫ول زالت الحركة تتصاعد ) والر ّ‬
‫كع السجود (‬
‫وهؤلء بقاءهم أطول وخدمتهم أكثر فأعطى‬
‫) السجود ( دللة وصفية ووصف به الر ّ‬
‫كع‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪279‬‬
‫‪3‬‬
‫وذلك لمكانية أن يقوم الر ّ‬
‫كع بالسجود وتجّنب‬
‫ذكر طائفة رابعة وأوحى للر ّ‬
‫كع بضرورة‬
‫السجود مثلما أوحى للقائمين بضرورة الركوع‬
‫ومثلما أوحى للطائفين بضرورة القيام ‪.‬‬
‫فبالنسبة للزائرين كان الترتيب تنازليا ً‬
‫وبالنسبة للمأمور بالتطهير وهو مركز هذا‬
‫الترتيب كان تصاعديا ً ) إذا خدمت الطائفين‬
‫فاخدم القائمين ( فكيف ل يخدم والعبادة‬
‫تتصاعد ؟ ) وإذا خدمت القائمين فاخدم الركع‬
‫السجود ( فكذلك يفعل ‪.‬‬
‫أما الرتبة الذاتية للمفردة فهي موضوع‬
‫آخر في العبادة وتلك مسألة شرعية ‪،‬‬
‫فالترتيب نفسه أعلن أن القيام مع الطواف‬
‫أفضل ) لنفس الشخص ( من الطواف وحده ‪.‬‬
‫وبالطبع فليس ثمة قيام بل طواف ! والقيام‬
‫أسهل والمثوبة أعظم ‪.‬‬
‫وكذلك أعلن أن الركوع مع القيام أفضل‬
‫وليس ثمة ركوع بل قيام ! وكذلك المر في‬
‫السجود ـ وليست هناك أفضليات قائمة في‬
‫اللفاظ والرتب فالمر هنا عام للخلق كلهم ـ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪280‬‬
‫‪3‬‬
‫ديقة ‪ ،‬فيحكم‬
‫وهناك خطاب خاص لمرأة ص ّ‬
‫ترتيب اللفاظ موضوعها والمخاطب بها‬
‫ومراد المتكلم وأحوال المتلقي وعلقته به ـ‬
‫شأنه شأن أ ّية عبارة يرتبها المتكلم في‬
‫موضوعها وأحواله ‪ .‬وفي القرآن تكون‬
‫المشكلة أكبر بكثير بل ل يمكن تقدير حجمها‬
‫لن الية ليست منتظمة في ذاتها فقط وإنما‬
‫هي متصلة لفظيا ً بجميع اليات بالقتران‬
‫المباشر وغير المباشر ـ فتحديد رتبة للفظ‬
‫إنما هو خروج تام عن هذا النسيج وفرار من‬
‫نظامه ‪.‬‬
‫ى محددٌ في المنهج‬ ‫نعم للمفردة معن ً‬
‫اللفظي يتم بموجبه إلغاء المترادفات وهذا ل‬
‫علقة له بالرتبة المذكورة في العتباطية وقد‬
‫ضح لكم كما ينبغي ‪.‬‬
‫تو ّ‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪281‬‬
‫‪3‬‬
‫المبحث السابع عشر‬
‫همزة الستفهام‬

‫يقوم الحل العتباطي بتقرير وضع الدللة‬


‫الخاصة بكل لفظ خلل ) معاناته ( تجربة‬
‫الجابة على الشكالت اللغوية ‪ ،‬فيضع الحل‬
‫خلل العملية ل قبلها ‪ ،‬وهذا يعني أن موضوع‬
‫ن على الحل ـ‬
‫ر معي ٍ‬
‫الشكال ينعكس نفسه بأث ٍ‬
‫ل حالة من حالت‬ ‫فكأن العتباطية وفي ك ّ‬
‫الشكال ليس عليها إل التخلص من ذلك‬
‫المورد وحسب سواء كان أدبيا ً أو خطابيا ً أو‬
‫قرآنيا ً أو غير ذلك ‪ .‬وهي تكره أيضا ً وضع‬
‫دد لن ذلك يقّيدها ويغاير أهدافها ‪.‬‬
‫منهج مح ّ‬
‫حينما تدخل همزة الستفهام على اللفاظ‬
‫ـ فل حدود معينة لهذا الدخول إذ يمكن ترتيب‬
‫نفس الجملة بصور مختلفة ك ّ‬
‫ل منها يؤدي‬
‫غرض ا ً ما ‪ .‬وحاول معي الن أن تجرب‬
‫بطريقتك وبالستعمالت العامية جدا ً كيفية‬
‫طرح سؤال عن قيام شخص معين وخروجه‬
‫من عندك ‪ .‬فمرةً أنت تطلب قيام زيد في‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪282‬‬
‫‪3‬‬
‫حاجة ما والن فأنت ل تراه أمامك وعندئذ‬
‫تسأل ‪َ ) :‬أقام زيد ؟ ( ليذهب في الحاجة ؟‬
‫وبالطبع فيتوجب الن على المجيب إن أراد‬
‫الدقة أن يقول ‪ :‬ل أو نعم ‪ .‬فإذا كان عمرو‬
‫قد ذهب بدل ً عنه يقول ‪ :‬ل بل قام عمروا ‪.‬‬
‫فلنفرض الن فرضا ً آخر ‪:‬‬
‫قام أحدهما ليذهب في الحاجة ولكنك ل‬
‫تعلم من هو ‪ :‬زيد أم غيره ؟ فكيف تصوغ‬
‫السؤال ‪ :‬مثل الول أم بصورة أخرى ؟ ‪.‬‬
‫وام وعلى السليقة يصوغونه بطريقة‬
‫ع ّ‬
‫ال ُ‬
‫د‬
‫مختلفة حيث يقدمون السم فيقولون )أزي ٌ‬
‫قام ( ؟ والمجيب الن يعلم أنك تسأل عن‬
‫الفاعل ‪ .‬أما الفعل فإنك تعلم أن أحدا ً ما‬
‫فعله ‪ .‬في هذه الحالة إذا كان هو فيقول ‪:‬‬
‫نعم ‪ .‬زيد قام ‪ .‬وإذا كان غيره يقول ‪ :‬بل‬
‫عمرو قام ‪ .‬ول يتوجب عليه أن يقول ‪ :‬ل ‪.‬‬
‫لماذا ؟ لن السؤال السابق كان عن الفعل‬
‫ول بديل للفعل لنه ثابت وهو) القيام ( ‪ ،‬أما‬
‫في هذا السؤال فالبديل موجود وهو عمرو‬
‫لن السؤال عن الفاعل فإذا قال لك ‪ :‬بل‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪283‬‬
‫‪3‬‬
‫عمرو ‪ .‬علمت أنه يريد عمرو ل زيد فل يحتاج‬
‫أن يبدأ بنفي قيام زيد ‪ .‬ولكن المجيب إذا‬
‫ع ِلم أنك ل تبحث عن الخبر مجردا ً بل تبحث‬
‫َ‬
‫عمن فعل أي قيام فيجب عندئذ أن يبدأ‬
‫الجابة بالنفي ‪ :‬ل ‪ .‬لم يقم زيد بل عمرو ‪.‬‬
‫ليخّلص زيدا ً من القيام مطلقا ً ‪ .‬كذلك إذا كان‬
‫يريد الوشاية على زيد وتذكيرك بعدم تنفيذ‬
‫المر ‪ .‬وهذا موضوع خارج عما نحن بصدده‬
‫الن ـ إذ سيقوم بالوشاية أو بالتذكير لغرض‬
‫آخر واحتمالت ذلك ونبرة إطلق الكلم كثيرة‬
‫جدا ً ‪ ،‬ونحن نتحدث الن في صياغة الجملة‬
‫لغويا ً خالية من ك ّ‬
‫ل غرض سوى الخبار‬
‫المجّرد عن قيام أحدهما ‪.‬‬
‫لكن العتباطّية تـزعم أن جواب الهمزة هو‬
‫دوم ا ً بـ ) نعم (أو ) ل ( وأن ) بل ( ل تصلح‬
‫لتصدير الكــلم ‪ . 1‬والعتباطية ليست غافلة‬
‫ن السؤال وجوابه هو محاورة‬
‫بالطبع عن أ ّ‬
‫متصلة دوما ً وأن المخاطبات في المحاورات‬
‫تجري دائم ا ً على أن الكلم مستمٌر وليس‬

‫‪1‬‬ ‫البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن ـ ‪170‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪284‬‬
‫‪4‬‬
‫متجددا ً ـ وأن المجيب والمحاور يكمل أحدهما‬
‫للخر جمل ً وعبارات ك ّ‬
‫ل ذلك ليس بغائب عن‬
‫العتباط ‪.‬‬
‫فلماذا فعلت ذلك ومتى ؟‬
‫قررت العتباطية هذه القاعدة بصورة‬
‫مفاجئة خلل بحث الية ‪:‬‬
‫] أأنت فعـلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ‪.‬‬
‫هم هذا فاسألوهم أن كانوا‬
‫ه كَبير ُ‬ ‫قال بل َ‬
‫فعل ُ‬
‫ينطقون ‪ / ‬النبياء – ‪.63‬‬

‫أما لماذا فعلت ذلك ؟ ‪ ،‬فلن المجيب إذا‬


‫قال ‪ ) :‬ل ‪ .‬لم افعله بل فعله فلن ( يكون قد‬
‫أنكر وقوع الفعل منه بصفة مطلقة وحينما ل‬
‫يأتي بـ ) ل ( فهو يشير الى الفاعل وحسب‬
‫ويمكن في هذه الحالة أن يكون هو فاعل‬
‫أيضا ً بالمشاركة أو بالتبع ّية ولكنه يجيب عن‬
‫الفاعل الحقيقي ‪.‬‬
‫مثال ذلك ‪ :‬إذا عاتبت موظفا ً حكومي ا ً فقلت‬
‫‪ :‬أأنت فعلت هذا ؟ فإذا قال ‪ ) :‬ل بل فعله‬
‫القاضي ( فمعناه أن القاضي قام بنفسه‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪285‬‬
‫‪3‬‬
‫بالعمل كامل ً وإذا قال ‪ ) :‬بل فعله القاضي (‬
‫يكون المعنى أنه فعله ولكن الفعل الحقيقي‬
‫والمر صادر من القاضي ‪.‬‬
‫غاية العتباط هو تثبيت ) ل ( كإجابة‬
‫درة على الستفهام وبذلك يكون إبراهيم‬
‫مق ّ‬
‫قد أنكر وقوع التكسير منه بصورة مطلقة‬
‫وهو خلف الواقع إذ يخبرنا القرآن أنه قام‬
‫بفعل التكسير قبيل ذلك ‪.‬‬
‫وحينما وصل العتباط الى هذه النتيجة بلغ‬
‫غايته من السرور لحدوث التناقض الذي يحتاج‬
‫الى حل ‪ ،‬وقد تخّيل المؤلف أن ) رجل ً ( محبا ً‬
‫للقرآن يحاوره ويعرض عليه حلول ً لتقدير‬
‫الجملة والعتباطي يأبى ويفّند تلك الحلول‬
‫وعندئذ قال ) القصدي ( المسكين ‪ ) :‬يلزم‬
‫على ما ذكرت أن يكون الخلف واقعا ً ‪ ( ..‬أي‬
‫التناقض !‬
‫فيقول المؤلف العتباطي مسرورا ً ‪ ) :‬وانه‬
‫م أن يكون التقديَر ‪ ) :‬ما أنا فعلته بل‬ ‫لز ٌ‬
‫هم هذا ( مع زيادة الخلف عما‬ ‫فعله كبير ُ‬‫َ‬
‫أفادته الجملة الولى من التعريض إذ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪286‬‬
‫‪3‬‬
‫منطوقها نفي الفعل وحصول التكسير من‬
‫غيره ( !‬
‫والن وقد بلغ القصدي غايته من الحباط‬
‫قال ) متوسل ً ( للعتباطي ‪ ) :‬فل بد من ذكر‬
‫ما يكون مخّلصا ً من الخلف ( !‬
‫فقال العتباطي مسرورا ً لقرار القصدي‬
‫بوجود التناقض وتوسله أن في تخليص ) المة‬
‫) ليكن على‬ ‫السلمية والقرآن منه ( قال ‪:‬‬
‫خاطرك ‪.1 ( ...‬‬
‫ض‬
‫ثم يبدأ بسرد أربعة حلول مقترحة لتناق ٍ‬
‫ه ‪.‬‬
‫ع ُ‬
‫ده ومبتد َ‬
‫كان هو رائ َ‬
‫فانظر الى عبارة ) ليكن على‬
‫خاطرك ‪ ، ( ...‬فانه يتوجب على ) المثقف (‬
‫ا ل ّ تفوته فرصة التحليل النفسي للعبارات‬
‫في ذات الوقت ـ فالمحاور هنا وإن كان رمزا ً‬
‫لشخص ولكنه في حقيقته يمثل القرآن نفسه‬
‫فالقرآن هو الذي يطلب من العتباطي‬
‫تخليصه من مشكلة التناقض ـ وهذا هدف هام‬
‫من أهداف العتباطّية ـ أن يكونوا قّيمين على‬

‫‪1‬‬ ‫المحاورة من البرهان ـ ‪. 172‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪287‬‬
‫‪4‬‬
‫الكتب المنزلة ويبّينوا بطريقتهم ) اليات‬
‫البّينات ( ‪.‬‬
‫وقد تقول أن المناقشة ل زالت قائمة مع‬
‫وجود هذا العرض الواضح لحيثياتها فما الذي‬
‫انتفعت به العتباطّية من الصرار على تضمن‬
‫الجواب ) ل ( ؟ إذ بدونها يبقى التناقض قائما ً‬
‫لنه يقول ‪ ) :‬بل فعله كبيرهم ( ؟ ونحن نعلم‬
‫أنه هو الفاعل ‪.‬‬
‫والجواب على ذلك أن هناك فائدة ‪،‬‬
‫فالفائدة التي جنتها العتباطية هي جعل‬
‫التناقض شديدا ً بحيث يستحيل حّله بأي مقترح‬
‫لغوي مع وجود ) ل ( ‪.‬‬
‫أما هكذا وعلى ألفاظ الية فالمر يأخذ‬
‫اتجاها ً آخر إذ أن إبراهيم ) ‪ ( υ‬لم ينف الفعل‬
‫عن نفسه وإنما نسبه الى ) كبيرهم (‬
‫فالمناقشة في صحة هذه النسبة فقط ‪.‬‬
‫وسأوضح هذا المر ‪:‬‬
‫إن ) بل ( تفيد ) الضراب ( دوما ً ‪ .‬وهي‬
‫في الحل القصدي كأي لفظ آخر ل تتغير في‬
‫المعنى لحظ الية التية مثل ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪288‬‬
‫‪3‬‬
‫مهم في الخرة بل هم في‬ ‫] بل أدار َ‬
‫ك عل ُ‬
‫‪ /‬النحل ‪66‬‬ ‫ون ‪‬‬
‫عم ُ‬ ‫ك منها ب ْ‬
‫ل هم منها َ‬ ‫ش ٍ‬
‫فالضراب من صفة الى أخرى أو فعل الى‬
‫آخر ل يلغي كون السابق حقيقة فإذا كانوا‬
‫دارك‬
‫في شك منها فل يعني أن علمهم لم ي ّ‬
‫في الخرة وإذا كانوا منها ) عمون ( فل يعني‬
‫أنهم ليسوا في شك منها بل هناك تدّرج في‬
‫تحديد وتخصيص وتشخيص حالتهم ـ أي ليسوا‬
‫في شك فقط إنما هم منها عمون أيضا ً ‪.‬‬
‫والن انقل هذا المعنى للفظ ) بل (‬
‫وطريقته في العمل الى المحاورة ‪:‬‬
‫أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ؟‬
‫الجواب ‪ :‬بل فعله كبيرهم ‪.‬‬
‫وهذا إضراب عن الفعل بمعنى فعلته أنا بل‬
‫فعله كبيرهم ـ تدّرج من ذكر المسبب الفرعي‬
‫الى المسبب الصلي الكثر تخصيصا ً ‪.‬‬
‫إذن فهذا الحل هو نقيض التقدير‬
‫العتباطي الذي ل يفوته معنى ) بل (‬
‫وفائدتها في إكمال المحاورة من حيث انتهت‬
‫والنتقال الى فاعل اكثر تخصيصا ً ‪ .‬فان لفظ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪289‬‬
‫‪3‬‬
‫) بل ( ل يلغي ما كان قبله من وقائع ‪.‬‬
‫هكذا فإبراهيم ) ‪ (υ‬لم يكذب في هذه‬
‫الجابة بل اقّر بالفعل مع نسبته الى‬
‫كبيرهم ‪ ،‬وهو يدرك جيدا ً أن القضية متلبسة‬
‫فيه والدلة قائمة عليه ‪1‬ويبقى فقط مناقشة‬
‫صحة النسبة الى كبيرهم ‪.‬‬
‫فلنلحظ الن التوقعات ‪ :‬ماذا يتوقع‬
‫السائلون أن يجيبهم إبراهيم ) ‪ (υ‬؟‬
‫إن للقضية أوليات معلومة ‪:‬‬
‫هم‬ ‫ى يذ َ‬
‫كر ُ‬ ‫الولى ‪ :‬إنهم سمعوا ‪ ‬فت ً‬
‫ه إبراهيم ‪. ‬‬
‫ُيقال ل ُ‬
‫الثانية ‪ :‬إن محاورة شديدة اللهجة حصلت‬
‫بينه وبينهم قبل تكسير الصنام كانت الصنام‬
‫موضوعها ـ انظر الصافات ‪ 85 /‬ـ ‪. 95‬‬
‫الثالثة ‪ :‬إن إبراهيم هو الوحيد الذي‬
‫يذكرهم ‪.‬‬
‫سر الصنام وضع‬
‫الرابعة ‪ :‬أنه حينما ك ّ‬
‫جيد كبيرهم ‪.‬‬
‫الفأس على ِ‬

‫‪1‬‬ ‫‪ ) 1‬إشارة الى المنهج اللفظي الذي يحدد أن عبارة ) فتولهم ضربا باليمين فاقبلوا ‪ ..‬الخ ( هي لواقعة‬
‫‪2‬‬ ‫) فجعلهم جذاذا ً ال كبيرا ً لهم ( والتي صمموا فيها على إحراقه بالنار وهي غيرها من حيث‬ ‫غير واقعة‬
‫‪3‬‬ ‫ترتيبها الزمني ( ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪5‬‬
‫‪6‬‬ ‫‪290‬‬
‫‪7‬‬
‫إذن فالمتهم الوحيد ) هو ( والدلة كلها‬
‫ضده وليس هناك من سبيل لنكار ما فعله‬
‫دة مجادلته معهم ‪.‬‬
‫وهو في أي غضبه وش ّ‬
‫والتوقع هو أن ينكر إبراهيم ) ‪ (υ‬الفعل‬
‫وينسبه الى غيره أو ل ينسبه فلم يجب‬
‫بالجابات المتوقعة وإنما أجاب بـ ‪:‬‬
‫ه كبُيرهم هذا فاسألوهم إن‬ ‫] بل َ‬
‫فعل ُ‬
‫كانوا ينطقون ‪‬‬
‫إذ يتوجب ملحظة ترابط هذه الجابات في‬
‫ألفاظها بصورة شاملة ‪.‬‬
‫وقد علمنا أن ) بل ( ل تنفي ما سبقها من‬
‫أفعال وهي تظهر في المحاورات بخلف‬
‫ظهورها في الكلم المتصل من غير محاورة ‪.‬‬
‫بمعنى أن ) بل ( ل تتصدر الكلم مطلقا ً ما لم‬
‫ور ‪ .‬والكلم‬
‫يكن هناك كلم سابق من المحا ِ‬
‫السابق هو ‪َ ‬أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا‬
‫إبراهيم ‪ ‬؟‬
‫والجواب بل فعله كبيرهم ‪ .‬إذن فلفظ ) بل‬
‫( يبني عمله على ما سبقه وهو ل يلغي أو‬
‫ينفي التهام إنما يضيف إليه فاعل ً آخر هو‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪291‬‬
‫‪3‬‬
‫كبيرهم ‪.‬‬
‫بيد أنه يضيفه بشرط موجود في العبارة‬
‫ن كانوا ينطقون ‪ ، ‬والتي يكمن‬
‫وهو ‪ ‬إ ْ‬
‫فيها الحل القصدي ‪.‬‬
‫ومعلوم أن العتباط ل يرضى بهذا التخريج‬
‫لنه سيزعم أن جواب هذا الشرط هو‬
‫) فاسألوهم (‬
‫وهذا خطأ لن إبراهيم ) ‪ (υ‬ل يعّلق المر‬
‫بسؤال الصنام على الشرط ‪‬إ ْ‬
‫ن كانوا‬
‫ينطقون ‪‬‬
‫وإنما يمكن أن يعلق الفعل المرتبط بهم‬
‫فقط أي بالصنام ل بالناس ‪.‬‬
‫أي أن كبيرهم فعل هذا إن كانوا ينطقون‬
‫وجملة ) فاسألوهم (جملة معترضة ‪.‬‬
‫كيف أوضح هذه المسالة الدقيقة ؟‬
‫إن إبراهيم ) ‪ (υ‬يعلم أنهم يعلمون أن‬
‫الصنام ل ينطقون ‪ .‬لذلك فل يعلق السؤال‬
‫على هذا الشرط ‪ .‬لن السائل ل بد أن يسأل‬
‫ناطقا ً ل جامدا ً يستحيل نطقه ‪ .‬وقد ظهر ذلك‬

‫في عبارتهم لبراهيم ) ] ‪ υ ) :‬لقد عـلم َ‬


‫ت‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪292‬‬
‫‪3‬‬
‫ن هؤلء ل ينطقون ‪ ! ‬فل يعلق السؤال‬
‫أ ْ‬
‫على النطق ‪.‬‬
‫فلماذا ربط بين النطق والفعل ؟ من‬
‫الواضح أنه ) ‪ (υ‬ل يأمرهم بشيء يدركونه‬
‫جيدا ً ‪ .‬أنه يثير فيهم تساؤل ً آخرا ً ويوضح‬
‫علقة أخرى هي العلقة بين ) الفعل‬
‫والنطق ( ‪.‬‬
‫وهو ليس كأي فعل فلو دخل حيوان‬
‫سر أحد الصنام أو بعضها لما‬ ‫كالعجل مثل ً وك ّ‬
‫كان فعله مقصودا ً ‪ .‬أما أن يجدوا الجميع‬
‫سروا ال كبيَر الصنام فهو فعل ينطوي‬
‫تك ّ‬
‫ن ذي عقل ‪.‬‬ ‫على تخطيط من كائ ٍ‬
‫ومعلوم أن العاقل أو المخ ّ‬
‫طط للفعل هو‬
‫ناطق بأّية صورة ‪.‬‬
‫مخ ّ‬
‫طط له ل بد أن تتقدم‬ ‫ذلك لن الفعل ال ُ‬
‫عليه الفكرة المحمولة في اللغة فالنطق جزء‬
‫ل يتجزأ من الفعل العقلي ‪.‬‬
‫واذن فالشرط ‪ ‬إن كانوا ينطقون ‪‬‬
‫تقدم عليه في السياق جوابه الذي تضمن عدم‬
‫إنكار فعله عن طريق اللفظ بل ونسبة الفعل‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪293‬‬
‫‪3‬‬
‫الى كبيرهم شرط أن يكونوا ناطقين وهي‬
‫جملة ‪ ‬بل فعله كبيرهم هذا ‪. ‬‬
‫إن هذا ل يعني ال ّ شيئا ً واحدا ً وهو أنه ) ‪(υ‬‬
‫نسب الفعل لنفسه فقط وأنكر إنكارا ً تاما ً أن‬
‫هم قد فعله لنه ل ينطق شأنه‬ ‫يكون َ‬
‫كبير ُ‬
‫شأنهم ‪ .‬أما لماذا استعمل هذه الطريقة‬
‫هم فهناك‬ ‫ولماذا فعلها عن طريق إبقاء َ‬
‫كبير ُ‬
‫ملحظتان ‪:‬‬
‫مت‬
‫سر الجميع لما ت ّ‬
‫الولى ‪ :‬أنه لو ك ّ‬
‫المحاورة ولما أمكن الربط بين الفعل‬
‫والنطق ‪ .‬لن النسان فاعل فإذا قتل نفسه‬
‫مثل ً فلن يقدر على النطق بعد ذلك فل بد من‬
‫إبقاء نموذج واحد من الصنام لتحقيق هذه‬
‫المحاججة إذ قد يقال أنهم فعلوا ذلك‬
‫بأنفسهم ولم يقدروا على النطق بعد إن‬
‫سروا أنفسهم لثبات قدرتهم على الفعل ‪.‬‬
‫ك ّ‬
‫الثانية ‪ :‬إن هذه النسبة والمشاركة في‬
‫غر‬
‫ه وبين كبيرهم هي نموذج مص ّ‬
‫الفعل بين ُ‬
‫لبطال الشرك ‪ .‬فكما ل يجوز نسبة هذا‬
‫الفعل لهم بل حتى لكبيرهم والذي هو بحاجة‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪294‬‬
‫‪3‬‬
‫ماسة للنفراد بالعبادة والتخّلص من مجموعة‬
‫شركاء فكذلك ل تجوز من باب أولى نسبة‬
‫الفاعلية لهم بأية صورة ‪ .‬بمعنى أنه إذا‬
‫بطلت فاعليُتهم في تجربة عملية مع إنسان‬
‫هو إبراهيم ) ‪ (υ‬فمن المحال أن تثبت لهم‬
‫فاعلية كونية مع الله الواحد‪.‬‬
‫ومعنى هذا أن إبراهيم ) ‪ ( υ‬في هذه‬
‫المحاورة اثبت الفع َ‬
‫ل لنفسه وجاء بجميع‬
‫اللفاظ للتأكيد على فعله هو لتمام‬
‫المحاججة وهو كما ترى نقيض الحل‬
‫العتباطي الذي يجعل إبراهيم منكرا ً لفعل‬
‫التكسير ملقيا ً بالتبع ِ‬
‫ة على كبيرهم ـ لن ذلك‬
‫يستلزم انعكاس النتائج كلها ومن بينها إثبات‬
‫الفاعلية للصنام !‬
‫إذا فالشرط ‪ ‬إن كانوا ينطقون ‪ ‬جوابه‬
‫عبارة ‪ ‬بل فعله كبيرهم هذا ‪ ‬المتقدمة‬
‫وليست عبارة ) فاسألوهم ( المتقدمة على‬
‫الشرط ـ فيسقط فعل كبيرهم لعدم تحقق‬
‫الشرط ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪295‬‬
‫‪3‬‬
‫أمثلة متنوعة للعتباطية‬

‫] أألله أذن لكم أم على الله تفترون ‪‬‬ ‫أ ‪.‬‬


‫ـ السؤال عن الذن هل هو الله ؟‬
‫لكن العتباط يزعم أن السؤال عن الفعل ‪.‬‬
‫وحينما شرح ذلك جاء بفعل الكينونة حشرا ً ‪،‬‬
‫فانتبه جيدا ً الى اسلوب الشرح قالوا ‪:‬‬
‫) فإنه إنكار إن يكون من الله إذن ( ‪.‬‬
‫وهذا التغيير وإلتواء العبارة وإدخال ) أن‬
‫يكون ( هو لجعل السؤال عن الفعل عن‬
‫طريق فعل الكينونة وهو دليل أكيد على‬
‫التخبط ‪.‬‬
‫والحل القصدي يقول وعلى غرار ذلك‬
‫عبارة واضحة إذا أراد هي ‪:‬‬
‫) أي أن الله لم يأذن ( ـ فالستفهام عن‬
‫الفاعل ‪.‬‬

‫ب ‪ ) .‬أأنت بنيت هذه الدار؟ ( السؤال عن‬


‫الفاعل أيضا ً ‪.‬‬
‫وقال العتباط هنا ‪ :‬فأنت شاك في الباني‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪296‬‬
‫‪3‬‬
‫إذ إشارتك نحوه تغنيك عن الخبار ‪.‬‬
‫وهذا صحيح الن ـ فلماذا خالفها العتباط‬
‫في نفس الموضوع في ) أزيد قائم ؟ ( ـ حيث‬
‫دعى أن السؤال عن القيام ؟ بينما الهمزة‬
‫ا ّ‬
‫دخلت على الفاعل فالسؤال عن زيد والقيام‬
‫معلوم كما في المثال السابق وقد أوضحنا أن‬
‫هذا التغّير هو لعلقته بالية ـ آية إبراهيم ) ‪υ‬‬
‫( ‪.‬‬
‫فلما انتهى بحث الية سها العتباط فجاء‬
‫بمثال على الضمير ) أنت ( وكأنه يحكي لك‬
‫) أأنت بنيت‬ ‫التخبط والتناقض ـ لن المثال‬
‫‪ ( ..‬شبيه جدا ً بصيغة الية ‪:‬‬
‫) أأنت فعلت هذا بآلهتنا ‪. ( ..‬‬

‫ج ‪ .‬جـعـلت العتباطية لهـمزة الستفهام‬


‫استعمالين أحدهما حقيقي ولهذا الخير‬
‫ثمانية معاني هي ‪:‬‬
‫التسوية ‪ ،‬النكار البطالي ‪ ،‬النكار‬
‫التوبيخي ‪ ،‬التقرير ‪ ،‬التهكم ‪ ،‬المر ‪،‬‬
‫التعجب ‪ ،‬الستبطاء ‪ ،‬وبعضهم ذكر أنواعا ً‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪297‬‬
‫‪3‬‬
‫أخرى ) ل صحة لها ( حسب تعبير ابن‬
‫هشام ‪. 1‬‬
‫حدة أن هذه‬
‫وقد ذكرنا في كتاب اللغة المو ّ‬
‫المعاني ليست للهمزة ومثلها مثل أي حرف‬
‫جعلوا معاني ما بعده في الستعمالت‬
‫المتنوعة معاني تخص هذا الحرف أو ذاك ‪.‬‬
‫فالحرف مهما كان ـ ل معنى له سوى معناه‬
‫الذي فيه حركته ‪ .‬ومثال ذلك ‪ :‬إن نوع المر‬
‫هو مثل ‪ ) :‬أأسلمتم ( ؟ ‪.‬في حين أن هذا‬
‫استفهام أيضا ً لقوله بعد ذلك ‪ ‬فان أسلموا‬
‫فقد اهتدوا ‪. ‬‬
‫ومثال التعجب ‪ :‬هو قوله تعالى ‪ ‬ألم تر الى‬
‫ربك كيف مدّ الظل ‪ .  ‬بينما مثال التقرير‬
‫] ألم تعلم أن الله على ك ّ‬
‫ل‬ ‫قوله تعالى ‪:‬‬
‫شيء قدير ‪. ‬‬
‫فالمفهوم عندهم من التعجب راجع الى‬
‫الجملة والمفهوم من التقرير كذلك ول علقة‬
‫له بالهمزة التي تدخل الصيغ والتراكيب‬
‫المتنوعة التي تفيد معاني ل حصر لها‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫مغني اللبيب ‪ /‬ج ‪.18 / 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪298‬‬
‫‪4‬‬
‫ففي القصدية تجتمع ك ّ‬
‫ل المعاني المذكورة‬
‫د لكل حرف وتفصيل ذلك تجده‬
‫وح ٍ‬
‫ى م ّ‬
‫في معن ً‬
‫) باب‬ ‫في الكتاب المذكور‬
‫الهمزة ( ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪299‬‬
‫‪3‬‬
‫المبحث الثامن عشر‬
‫أحـكام غيـر‬

‫دعي العتباطية أن الية ‪:‬‬


‫ت ّ‬
‫] الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت‬
‫‪5‬‬ ‫‪ /‬الفاتحة‬ ‫عليهم ‪‬‬
‫هي جملة نكرة !‬
‫وبغض النظر عن أ ّية مؤثرات دينية مسبقة‬
‫يمكن القول أن للعتباط أفكاره الخاصة التي‬
‫ة تذكر ـ ولول‬
‫ل تمت الى اللغة ونظامها بصل ٍ‬
‫ذلك لما أعلنوا تنكير هذه الجملة الطويلة‬
‫المؤلفة من مفردتين معّرفتين ك ّ‬
‫ل منها بأل‬
‫و) المستقيم (‬ ‫التعريف ) الصراط (‬
‫وإضافة صفة المستقيم الى الصراط وهو‬
‫تعريف آخر اسمه عندهم )النعت ( ـ ولو خلتا‬
‫من أل التعريف لكانتا معرفتين ببعضهما‬
‫) صراط مستقيم ( كصفة وموصوف ‪ ،‬ثم عاد‬
‫فعّرف الصراط نفسه بإعادته وإضافته الى‬
‫‪ ‬صراط الذين أنعمت‬ ‫أخرى‬ ‫معرفة‬
‫عليهم ‪ ‬ـ وتاء المخاطبة تشير الى أعظم‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪300‬‬
‫‪3‬‬
‫معروف في الذهن وهو الله ‪.‬‬
‫وكل هذه الضمانات لتعريف الصراط لم‬
‫تمنع العتباطية من اعتباره نكرة مخالفة‬
‫بذلك قواعدها اللغوية التي وضعتها ‪.1‬‬
‫والسبب الذي دعاها الى ذلك ظاهريا ً هو‬
‫) حكم غير ( التي تأتى بعد ذلك في عبارة‬
‫دعت العتباطية أن‬ ‫) غير المغضوب ( ـ حيث ا ّ‬
‫) غير ( أشد اللفاظ إبهاما ً ‪ .‬وهي لشدة‬
‫إبهامها ل تتعرف حتى ) بالضافة ( ‪ ،‬وأن‬
‫) غير ( المضافة لفظ ا ً تستعمل على جهتين‬
‫إحداهما أن تكون صفة للنكرة أو ما شابه‬
‫النكرة وأن ما قبلها في سورة الحمد هو نكرة‬
‫أو قريب من النكرة ‪ .‬ويمكننا أن نناقش‬
‫الحكم نفسه وهو ) إبهام غير ( فهذا البهام‬
‫هو تصور اعتباطي ل غير ‪.‬‬
‫وفي عبارتي الخيرة حينما قلت ) ل غير (‬
‫فهمت أيها القارئ أنني قصدت أنه ل شيء‬
‫غير العتباط وليس من شيء غير العتباط‬
‫سوى القصدية وإذن فإن ) غير ( أشارت الى‬

‫‪1‬‬ ‫مغني اللبيب ‪ /‬ج ‪ 2‬ـ ‪ 155‬فقرة أحدهما‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪301‬‬
‫‪4‬‬
‫الخر من خلل المذكور وعرفت المتروك من‬
‫خلل المخبر عنه فكيف قالوا أنها شديدة‬
‫البهام في ما تشير إليه ؟‬
‫وقد اق ّروا أن ) غير ( إذا وقعت بين ضدين‬
‫) ضعف إبهامها ( ـ وحينما قال ) ابن‬
‫دوه بقوله تعالى‬
‫السّراج ( أنها حينئذ تتعرف ر ّ‬
‫‪ ) :‬نعمل صالحا ً غير الذي كنا نعمل ( من غير‬
‫أن يقوموا بشرح البهام المزعوم ‪.‬‬
‫فلحظ بنفسك أليس العمل الصالح معروفا ً‬
‫ومعلوما ً للسامع ؟ وانظر ‪ :‬أليس الذي هو‬
‫غيره من العمل ل يكون إل عمل ً طالحا ً ؟ ‪ ،‬إذ‬
‫ليس ثمة تصنيف للعمال في مثل هذا‬
‫العموم ال ّ هذا التصنيف فكل عمل أما أن‬
‫يكون صالحا ً أو طالحا ً وهو ما نعبر عنه‬
‫اختصارا بقولنا ‪ ) :‬صالحا ً أو غير ذلك ( ‪.‬‬
‫فإن ) غير ( هنا تشير الى ) الخر (‬
‫المتروك ذكره من العمل وقد تم تعريفه من‬
‫خلل ذكر الول ـ فأين البهام في لفظ‬
‫) غير ( ؟ بل لفظ ) غير ( هو أشد اللفاظ‬
‫وضوحا ً ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪302‬‬
‫‪3‬‬
‫وحينما قرأ بعض القصديين ـ بناءا ً على‬
‫الخبر ـ قوله تعالى ‪:‬‬

‫] ل يستوي القاعدون من المؤمنين غي ِ‬


‫ر‬
‫أولي الضرر ‪. ‬‬
‫ر ( بالجر واعتبرها مضافة‬
‫حينما قرأها ) غي ِ‬
‫للمؤمنين وبذلك تصبح معّرفة استعملت‬
‫العتباطية معه ) أساليب الرهاب ( حينما‬
‫قالت أن قراءته ) خارج القراءات السبع ( ! ‪.‬‬
‫وأود أن أذكرك أن ) القراءات السبع ( و‬
‫) القراءات الشاذة ( وهو السم الذي أطلق‬
‫ن‬
‫على غير السبع تستخدمها العتباطية في آ ٍ‬
‫د ‪ :‬فإذا لم يعجبها تخريج اليات والنصوص‬
‫واح ٍ‬
‫على قراءة معينة قالت ‪ :‬هذه القراءة خارج‬
‫السبع المتواترة!‪.‬‬
‫وإذا لم تجد في السبع المتواترة ما يؤيد‬
‫قواعدها قالت عبارة مشهورة يعلمها ك ّ‬
‫ل‬
‫الق ّراء من المختصين والمطلعين هي ‪:‬‬
‫) ‪ ..‬وما يؤيد ذلك ورود قراءة على هذا‬
‫النحو ‪ ( ...‬ـ والقراءة المذكورة هنا بالطبع‬
‫خارج السبع ! ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪303‬‬
‫‪3‬‬
‫وإذا رجعنا للقراءات السبع وتضارب‬
‫القوال فيها والخلط بينها وبين ) الحرف‬
‫السبعة ( فل نشك أن هذه الـ ) السبع ( كانت‬
‫استغلل بشعا ً ‪ 1‬للعتباطية لمرويات لعلقة‬
‫لها بالقراءات الموضوعة لتكريس العتباط ‪.‬‬
‫ك ّ‬
‫ل ما في المر أن ) السبع( تمكنت من‬
‫استيعاب أكــبر قـدر من العتباط وعند حدوث‬
‫شذوذ يستعان بالشاذة وعند حدوث مجابهات‬
‫يستعان بالسبع ! ‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪ ) 1‬كانت استغلل ً ‪ :‬العبارة مقصودة وليست خاطئة أي طلبا للغ ّ‬


‫ل وهي على قوله تعالى ‪ ‬ومن يغلل يأت بما‬
‫‪2‬‬ ‫غل يوم القيامة ‪‬‬
‫‪3‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪304‬‬
‫‪5‬‬
‫المبحث التاسع عشر‬
‫نماذج من الحلول العتباطية للمشكلت القرآنية‬

‫لحظنا أو ل ً في كتاب "النظام القرآني"‬


‫تناقض العتباطية في ) فهم التناقض ( بين‬
‫اليات القرآنية ولحظنا ثانيا ً فهمها لية الزيغ‬
‫المح ّ‬
‫ذرة من أهل الفتنة الذين يجتهدون في‬
‫افتعال التناقض القرآني ولحظنا ثالثا ً نماذج‬
‫من الحلول العتباطية هناك ونماذج متفرقة‬
‫في هذا الكتاب ‪ .‬وتأتيك نماذج كثيرة إن شاء‬
‫الله في هذه السلسلة من المؤلفات والتي‬
‫غايتها القضاء على العتباطية وتأسيس‬
‫المنهج القصدي ‪ .‬وسأذكر هنا نماذج أخرى‬
‫متفرقة من حلول العتباطية للمشكلت‬
‫القرآنية ‪:‬‬

‫النموذج الول‬
‫) التعارض بين آيات الخلق (‬

‫قال القاضي أبو بكر ‪:‬‬


‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪305‬‬
‫‪3‬‬
‫) ل يجوز تعارض آي القرآن والثار وما‬
‫يوحيه العقل فلذلك لم يجعل قوله تعالى ‪:‬‬
‫ل شيء ( معارضا ً لقوله‬
‫) الله خالق ك ّ‬
‫) وتخلقون إفك ا ً ( وقوله ) وإذ يخلق من‬
‫الطين ( ـ لقيام الدليل العقلي أنه ل خالق له‬
‫ول‬
‫غير الله فتعّين تأويل ما عارضه ‪ ،‬فيؤ ّ‬
‫) تخلقون ( على ) تكذبون ( و ) تخلق ( على )‬
‫صور ( ‪1 (..‬انتهى ‪.‬‬
‫ت ّ‬
‫ف بجعل‬
‫فلحظ تعسف العتباطية إذ لم تكت ِ‬
‫ون‬
‫يصنع ‪ ،‬يعمل ‪ ،‬يفعل ‪ ،‬يذرأ ‪ ،‬يبدع ‪ ،‬يك ّ‬
‫لمفردة ) يخلق (‬ ‫ويوجد وغيرها مرادفات‬
‫حتى ابتدعت مفردتين أخريين هما يكذب‬
‫صور وجعلتهما معاني أخرى لمفردة يخلق ـ‬ ‫وي ّ‬
‫فالعتباطية تجد الحل دوما ً من خلل‬
‫المرادفات التي تضعها كيف شاءت لتتخلص‬
‫بها من المشاكل اللغوية حيثما واجهتها تلك‬
‫المشاكل ‪ .‬وكأن الله تعالى شاء لها أن تبقى‬
‫سادرة في ضللها حتى في أوضح الواضحات ‪.‬‬
‫لقد رأيت في قوله تعالى ‪ ‬فتبارك الله‬

‫‪1‬‬ ‫) معترك القرآن ‪. ( 107/ 1 /‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪306‬‬
‫‪5‬‬
‫احسن الخالقين ‪ ‬ـ رأيت كثرة الخالقين فل‬
‫تنافي بين نسبة الخلق الى المخلوق لتعدد‬
‫الخالقين في النص القرآني ـ ل تنافي ول‬
‫تعارض بينه وبين وحدة خالق الشياء كلها‬
‫فالمرين يقرهما النص القرآني نفسه وقوله‬
‫تعالى ‪ ‬الله خالق ك ّ‬
‫ل شيء ‪ ‬ـ هو الذي‬
‫يجّنب المتلقي من الوقوع في أي وهم من‬
‫هذا النوع فأبت العتباطية ال ّ التوهم ! ‪.‬‬
‫لن ك ّ‬
‫ل الخالقين مشمولين بالشيئية فهم‬
‫أشياء وما خلقوه أشياء فقوله ‪ ‬الله خالق‬
‫ك ّ‬
‫ل شيء ‪ ‬ـ يعني أنه خالق لهؤلء الخالقين‬
‫ممن هم سواه إذ هو أحسن الخالقين وخالق‬
‫ك ّ‬
‫ل شيء ‪.‬‬
‫فأين التعارض لتقول العتباطية أن‬
‫) تخلقون ( هنا بمعنى تكذبون ؟ وكيف تصح‬
‫الجملة عند البدال بهذا اللفظ ؟ فهل يصح‬
‫القول ) أنتم تكذبون إفكا ً ( ؟ ‪ .‬فالفك نفسه‬
‫شيءٌ وهمي لوجود له مرموز بشيء له وجود‬
‫يخلقه ال ّ‬
‫فاك ‪.‬‬
‫ولم تلحظ العتباطية في النص الخر ‪‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪307‬‬
‫‪3‬‬
‫وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني ‪ ‬ـ‬
‫لم تلحظ أن المخاطب مخلوق وهو المسيح )‬
‫‪ ( υ‬والطين الذي استعمله كمادة للخلق‬
‫مخلوق أيضا ً مع التحوط بعبارة ) بإذني (‬
‫] فيكون طيرا ً بإذني ‪. ‬‬ ‫المكررة مرتين ‪:‬‬
‫لحظ أن الحل القصدي يعتمد على الحكام‬
‫في ) النظام القرآني ( وثبات الدللة اللفظية‬
‫بينما الحل العتباطي يعتمد على إثارة‬
‫التناقضات من خلل اعتباطية الدللة ـ فهذه‬
‫هي قيمة النظرية العتباطية بدءا ً بالجرجاني‬
‫وانتهاءا ً بعلم اللغة المعاصر مرورا ً بشيخ‬
‫العتباط دي سوسر ‪ .‬وإني إذ أسوق هذه‬
‫النماذج فإنما أذ ّ‬
‫كر القارئ بحقيقة أن ك ّ‬
‫ل‬
‫موضوع لغوي وكل لفظ وكل نص أدبي أو‬
‫ديني أو روائي قد نال قسطه الوفر من‬
‫التعسف على أيدي العتباطيين فهذه‬
‫الفصول نماذج جزئية ليدرك القارئ ما حصل‬
‫للكل من أشباهها وهي جميع النصوص بل‬
‫استثناء ـ فعلم اللغة الحقيقي سوف ينبثق‬
‫صدي وحده ‪.‬‬ ‫من الحل ال َ‬
‫ق ّ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪308‬‬
‫‪3‬‬
‫لقد كان على العتباطية بدل ً من ذلك إثارة‬
‫سؤال وجيه حول النص لنه قال ‪ ‬إنما‬
‫تعبدون من دون الله أوثانا ً وتخلقون إفكا ً ‪ ‬ـ‬
‫لن الوثان عند العتباط مرادف للصنام فهم‬
‫يخلقونها لنها من الحجارة ويعبدون الفك‬
‫الذي ابتدعوه فيتوجب على قواعد العتباط‬
‫أن يقول عبارة معكوسة في الترتيب‬
‫والفعال مثل ) إنما تخلقون أوثانا ً وتعبدون‬
‫إفكا ( فهو أولى من الترتيب الول وفق‬
‫قواعدهم وأبلغ في التقريع إذ يجعل ما‬
‫يخلقون معبودا ً لهم ‪.‬‬
‫لم تفعل ذلك لنها لن تقدر على الجابة ‪.‬‬
‫والحل القصدي بإنكاره المرادفات هو وحده‬
‫القادر على تفسير هذا الترتيب ‪ .‬فالوثان‬
‫غير الصنام ‪ ،‬الوثان شخوص يتبعهم‬
‫المخاطبون فل يجوز أن يقول ) تخلقون‬
‫أوثان ا ً ( لنهم خلق من خلق الله لكنهم طغاة‬
‫وجبابرة ‪ .‬والفك ‪ :‬هو الوهم الذي يتجسد‬
‫بصورة من الصور ‪ :‬كلم ‪ ،‬عمل ‪ ،‬شعر ‪ ،‬تمثال‬
‫‪ ،‬صورة ‪ .... ،‬الخ ويقوم ال ّ‬
‫فاك بخلق الصورة‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪309‬‬
‫‪3‬‬
‫التي تجسد هذا الوهم ـ وهو هنا يشير الى‬
‫ورة والمنحوتة‬
‫جميع المعبودات المص ّ‬
‫والمرموزات المبتدعة عندهم للله ـ فهذا‬
‫الفك مخلوق لهم وسببه وعلته هو عبادتهم‬
‫للطغاة ) الوثان ( لذلك قدم العبادة على‬
‫خلق الفك فقال ‪ ‬إنما تعبدون من دون الله‬

‫أوثانا وتخلقون أفكا ‪ ‬ـ تنفيذا ً لم ِ‬


‫ر من‬
‫تعبدون ‪.‬‬

‫النموذج الثاني‬
‫آيات ) ومن أظلم ‪( ..‬‬

‫قالوا ‪ :‬ومما أستشكل قوله تعالى ‪:‬‬


‫] ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا ‪‬‬
‫‪ /‬هود ـ ‪18‬‬
‫[‪/‬‬ ‫] ومن اظلم ممن ذ ّ‬
‫كر بآيات ربه ‪..‬‬
‫الكهف ـ ‪57‬‬
‫] ومن اظلم ممن منع مساجد الله ‪/ ‬‬
‫البقرة ـ ‪114‬‬
‫ووجه الشكال أن المراد بالستفهام هنا‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪310‬‬
‫‪3‬‬
‫النفي والمعنى ل أحد اظلم فيكون خبرا ً وإذا‬
‫كان خبرا ً وأخذت اليات على ظاهرها أدى الى‬
‫التناقض ‪.1‬‬
‫ه فأحصى‬ ‫ُ‬
‫ثم قال ‪ :‬وأجيب على ذلك بأوج ٍ‬
‫منها ثلثة هي ‪:‬‬
‫ىىىىى ىىىىى ‪ :‬تخصيص ك ّ‬
‫ل موضع بمعنى‬
‫أي ل أحد من المفترين أظلم ممن افترى‬
‫على الله ‪ .‬ول أحد من المانعين أظلم ممن‬
‫منع المساجد وكذا باقيها فإذا تخصص‬
‫بالصلت زال التناقض ! ‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬إن العتباطية ل تستحي مطلقا ً من‬
‫أية إجابة مهما كانت ل منطقية فكأن‬
‫المفترين للكذب أنواع وأظلم هؤلء هم من‬
‫افترى على الله ‪ ،‬وكأن الحق أجزاء وصور‬
‫شتى ! ‪ .‬لقد فات العتباط أن الله هو الحق‬
‫وأن ) الفتراء‬ ‫ومن أسماءه ) الحق (‬
‫( ـ عمل واحد في تجاوز الحق فليس ثمة‬
‫افتراء فيه ظلم أقل من افتراء آخر ! ‪ .‬مثلما‬
‫ل يوجد سارق سيء وآخر أسوأ منه فسارق‬

‫‪1‬‬ ‫‪ 11‬معترك القرآن ‪ /‬ج ‪. 105 / 1‬‬


‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪311‬‬
‫‪4‬‬
‫الدينار وسارق المليون حكمه واحد في‬
‫الشريعة ‪.‬‬
‫هؤلء هم الفقهاء الذين جعلوا ) القرآن‬
‫عضين ( ـ قطعا ً متنافرةً ومتناقض ً‬
‫ة مع بعضها‬
‫ـ هؤلء هم الذين مّزقوا العقائد والفكار‬
‫والقيم ‪ .‬ول تعزب عنك وأنت بهذا الذكاء‬
‫غايات العتباطية من وراء ذلك كله وما يجنيه‬
‫المفترون من هذه ) النسبية في الفتراء (‬
‫ضحه الوجوه الخرى ‪.‬‬
‫وهو أمر تو ّ‬

‫ىىىىى ىىىىىى ‪ :‬أن هذا التخصيص هو‬


‫ما لم يسبق أحد الى‬
‫بالنسبة الى السبق ! ل ّ‬
‫مثله حكم عليهم بأنهم أظلم فتأويله في ما‬
‫سبق من المانعية والفتراء ‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬أخرجت العتباطية نفسها من‬
‫الظلم أو الظلمية بهذا الوجه لنها إذ تفتري‬
‫الكذب على الله بجعل مراده في شيء خلف‬
‫ما يعنيه النص فهي تعالج مشكلتها خلل شرح‬
‫النص ‪ .‬فأول مانع للمساجد أظلم وأول‬
‫مفتري أظلم ‪ ..‬ولما كان التدرج في الظلم‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪312‬‬
‫‪3‬‬
‫أصبح زماني ا ً وحسب السبقية فان ) المّلة‬
‫الخرة ( ـ وهي آخر الملل زمانا ً لم تتصف إل‬
‫بأقل الجزاء من الظلم ومن يدري لعله‬
‫ينتهي ولعل الفتراء لم يعد يتصف بهذه‬
‫الصفة أصل ً إذا اعتبرنا ) قابيل ( أول ظالم‬
‫على الرض ! فما زال الظلم يقل عن‬
‫المفترين كلما تقادمت الزمان !! ‪.‬‬
‫لكن العتباطية تحلم بهذه النتائج ـ‬
‫فالعتباط يجهل أو يتجاهل النظام القرآني‬
‫لن تفاصيل الموارد الثلثة موجودة في سور‬
‫غير تلك الموارد والنتائج فيها بخلف ما تحلم‬
‫به العتباطية فهذه مثل ً نتائج ) الفتراء ( في‬
‫سياق متصل من سورة العراف‪:‬‬
‫داركوا فيها جميعا قالت ُأخراهم‬
‫] حتى إذا أ ّ‬
‫ونا فآتهم عذابا ضعفا ً‬
‫ء أضل ُ‬
‫لولهم رّبنا هؤل ِ‬
‫ل ضعف ولكن ل تعلمون ‪‬‬
‫من النار قال لك ٍ‬
‫‪38‬‬ ‫العراف‬
‫] وقالت أولهــم لخراهم فما كان لكم‬
‫علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم‬
‫‪39‬‬ ‫‪ /‬العراف‬ ‫تكسبون ‪‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪313‬‬
‫‪3‬‬
‫] ولقد جئناهم بكتاب ف ّ‬
‫صلناه على علم ‪‬‬
‫‪52‬‬ ‫‪ /‬العراف‬
‫ه‬ ‫] هل ينظرون إل تأويل ُ‬
‫ه يوم يأتي تأويل ُ‬
‫ل قد جاءت رس ُ‬
‫ل‬ ‫سوهُ من قب ُ‬
‫ن ن َ‬
‫يقول الذي َ‬
‫ربنا بالحق فهل لنا من شفعاءَ فيشفعوا لنا‬
‫وا‬
‫خسر ِ‬
‫ل قد َ‬‫عم ُ‬‫ل غَير الذي كّنا ن َ‬ ‫أو ن ُّر دُ فنعم َ‬
‫‪/‬‬ ‫ون ‪‬‬‫هم ما كانوا َيفتر ُ‬ ‫ظل عن َ ُ‬‫سهم و ّ‬ ‫ف َ‬ ‫أن َ‬
‫‪53‬‬ ‫العراف‬
‫وانت تلحظ في هذا السياق المتصل‬
‫وبخاصة إذا راجعته كامل ً في القرآن وتم ّ‬
‫عنت‬
‫في تمام المحاورات والموضوع ـ تلحظ أربعة‬
‫نتائج هامة ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬إن هؤلء المتحاورين والمتلعنين‬
‫في النار هم المفترون على الله الكذب ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬إن موضوع افتراءهم هو اليات‬
‫بأنواعها وتفاصيلها ومنها آيات الكتاب‪.‬‬
‫الثالثة ‪ :‬إن التفاصيل موجودة في اليات‬
‫نفسها فهي ل تحتاج إليهم لتوضيحها لنه‬
‫صل على علم ـ لكنهم أرادوا تمرير‬
‫كتاب مف ّ‬
‫أفكارهم من خلله ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪314‬‬
‫‪3‬‬
‫الرابعة ‪ :‬إن السابق في الفتراء واللحق‬
‫واتباعهم مشتركون في العذاب وهم بنفس‬
‫الدرجة من الظلم ‪.‬‬
‫ومن هنا يظهر الحل القصدي تلقائيا ً‬
‫فالصفات الثلثة أو الفعال الثلثة ـ الفتراء ‪،‬‬
‫منع المساجد والعراض عن اليات ـ هي من‬
‫أفعال نفس الشخوص ‪ ،‬فالمتصف بالظلمية‬
‫هو نفسه في اليات الثلثة لن من يفتري‬
‫يعرض عن ) التفصيل الذاتي للكتاب ( ويحاول‬
‫أن يأتي بتفصيل من عنده وبالتالي فهو يمنع‬
‫مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ويسعى في‬
‫خرابها ـ فهي خراب من اليمان الحقيقي‬
‫وليست خرابا ً من البناء ! وفي ذلك نص نبوي‬
‫عن حوادث الزمان التي تجري بعده في أمته‬
‫قال ) ص ( ‪:‬‬
‫) ‪ ..‬فمساجدهم يومئذ عامرة من البنيان‬
‫خراب من اليمان ‪ .1 ( ..‬فالفتراء والعراض‬
‫ومنع المساجد وتخريبها ـ بالفكر المخالف‬
‫للعقيدة اللهية ـ هي عملية واحدة متعددة‬

‫‪1‬‬ ‫‪ 11‬انظر السليلي وأبي نعيم في الفتن ‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪315‬‬
‫‪4‬‬
‫الجوانب يقوم بها تيار واحد وهذا التيار هو‬
‫نفسه الذي يقدم لك الدين بطريقته الخاصة‬
‫ويفسر لك القرآن ‪ ..‬ومن هنا فالقصدية‬
‫ة‬
‫ة عظيم ٍ‬
‫تؤمن أن المة قد وقعت في محن ٍ‬
‫أعظم ما فيها أنها ل تدري أنها واقعة‬
‫فيها ! ‪.‬‬
‫فقد مهدت العتباطية للفراد جميعا ً‬
‫) دينا ً ( متعدد الوجوه ويلئم جميع الذواق‬
‫والمطالب ويم ّ‬
‫كن الجميع من تحقيق أهدافهم‬
‫الذاتية وتحقيق ) انواتهم ( ـ إذ المعلوم أن‬
‫مشكلة اليمان والكفر هي مشكلة ) ألنا (‬
‫ـ إذ يود ‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫في النسان‬
‫]ك ّ‬
‫ل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة‬
‫‪ /‬المدثر ‪52‬‬ ‫‪‬‬
‫وإذن فاليات الثلثة تتحدث عن شخصية‬
‫واحدة تقوم بالعمال سوية ‪.‬‬

‫ىىىىى ىىىىىى ‪ :‬قال ‪ :‬وقال بعض‬


‫المتأخرين ) هذا استفهام مقصود به التهويل‬

‫‪1‬‬ ‫‪ 21‬انظر الحل الفلسفي للمؤلف ‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪316‬‬
‫‪4‬‬
‫والتفضيع من غير قصد إثبات الظلمية‬
‫للمذكور حقيقة ول نفيها عن غيره ! ( ‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬وأي شيء هو الفتراء سوى ما‬
‫يقوله العتباط في هذا الوجه ؟ وهل هناك‬
‫سر الفتراء‬
‫من حاجة الى دليل ليبرهن أن مف ّ‬
‫هو المفتري ؟‬
‫ها هم نقلوا المعنى بطريقتين تخدمان‬
‫العتباطية فيما سبق ـ وها هم قد بلغوا من‬
‫دوا على قائل النص كلمه‬
‫الجرأة أن ير ّ‬
‫يقولون له ‪ :‬أنت تكذب ‪ ..‬أنت تهول المر ‪..‬‬
‫ضع الوصف ‪ ..‬أنت ل تثبت الظلمية‬
‫أنت تف ّ‬
‫للمذكور حقيقة ول تنفيها عن غيره ‪ ..‬كلمك‬
‫إذن ليس حقيقيا ً … أنه ل يطابق المعنى الذي‬
‫فيه !! ‪.‬‬
‫لو قال هذا القول أعلى الناس مقاما‬
‫دوا ذلك إهانة وتجاوزا ً عليه واتهاما ً‬
‫لدناهم لع ّ‬
‫له بالكذب ‪ .‬لكن علماء العتباطية تجاوزوا‬
‫الجرأة التي امتلكها إبليس على الرب ‪ ..‬لنه‬
‫] لغوينهم أجمعين ‪ ‬ثم تذكر أن هذا‬ ‫قال ‪:‬‬
‫تجاوز منه على مقام الربوبية فاستثنى‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪317‬‬
‫‪3‬‬
‫] ا ل ّ عبادك منهم المخلصين ‪ ‬ـ أما‬ ‫قائل ً ‪:‬‬
‫جنوده فمن الطبيعي أن يكونوا أكثر جرأة‬
‫فيقولوا للرب وجها ً لوجه ‪ ) :‬أنت كاذب ! أنت‬
‫تبالغ … ( تعالى الله عن ذلك علوا ً كبيرا ً ول‬
‫حول ول قوة ال ّ بالله العلي العظيم ‪.‬‬
‫فهذا الذي أسوقه من أمثلة في هذا الكتاب‬
‫إن هو ال ّ نماذج يسيرة جدا ً من ظلمات البحر‬
‫العتباطي ‪ ..‬فل تغرّنك عبارات التبجيل‬
‫والكرام للقرآن التي اكتنفت أمثال تلك‬
‫الشروح والتفاسير لن الغاية منها التغطية‬
‫على مؤامرة التحريف الشامل لجوهر الفكر‬
‫من خلل النفاذ الى أصوله ـ فما فائدة‬
‫اليمان الذي يخاطب الرب بالربوبية ويكذبه‬
‫ويعانده ويعصيه في التفاصيل وتنفيذ‬
‫الوامر ؟ ‪ .‬فإبليس يخاطبه بالربوبية أيضا ً‬
‫وهو ل يشك مطلقا في كونه ربه وخالقه إنما‬
‫جعل من نفسه ذاتا ً مقابل ذات الله لنه‬
‫يفسر فعل الله كما يشاء هو ‪ .‬ومن هنا كان‬
‫كفره …‪:‬‬
‫] أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪318‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ /‬العراف ‪12 -‬‬ ‫طين ‪‬‬
‫وزعموا أن هناك وجها ً رابعا ً نتيجته أن‬
‫هؤلء متساوون في الظلمية ول يدل على أن‬
‫أحدهم أظلم من الخر ‪ .‬ولكنه في الحقيقة‬
‫نفس الوجه الول ‪.‬‬
‫فانظر الى وجوه التفسير فإنك ل تجد‬
‫بينها الحتمال الوحيد المتبقي وهو أن يكون‬
‫الموصوف بالظلمية هو نفس الموصوف وله‬
‫أفعال متعددة ـ فل يفعل أحد الفعال الثلثة‬
‫إل ويفعل الفعلين الخرين للترابط النفسي‬
‫والغائي في الفعال عند الفاعل ) فالمعرض‬
‫المانع المفتري ( صفات ثلثة ل تتفرق إنما‬
‫هي مجتمعة دوما ً حتى لو لم يظهر لك إل‬
‫أحدهما ‪ .‬لم يذكر العتباط هذا الحتمال لنه‬
‫يترتب عليه معرفة قضايا نفسية وعقائدية بل‬
‫ونبوءات وقوانين اجتماعية وسنن إلهية كونية‬
‫ـ وهي أشياء تلحق بالعتباطية ضررا فادحا ً ‪.‬‬
‫والن فلنفتح بصورة عشوائية من أي‬
‫موضع لنجد نموذجا ً ثالثا ً للعتباط ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪319‬‬
‫‪3‬‬
‫النموذج الثالث‬
‫حول الستعارات القرآنية‬
‫قالوا في تقسيم الستعارات القرآنية ‪:‬‬
‫) وينقسم باعتبار آخر الى مؤكد وهو ما‬
‫حذفت فيه الداة نحو ‪ ‬وهي تمر مر السحاب‬
‫و ‪ ‬وجنة‬ ‫‪  ، ‬وأزواجه أمهاتهم ‪‬‬
‫عرضها السماوات والرض ‪ . ‬ومرسل وهو‬
‫ما لم تحذف فيه الداة كاليات السابقة ‪،‬‬
‫والمحذوف الداة ابلغ لنه نزل فيه الثاني‬
‫وزا ً ( ـ انتهى‬
‫منزلة الول تج ّ‬
‫أقول ‪ :‬يريد بالداة أداة التشبيه نحو‬
‫) الكاف ( و ) مثل ( و ) كأن ( و ) ُيخّيل ( و‬
‫] يحسبه الضمآن‬ ‫) يحسب ( كقوله تعالى ‪:‬‬
‫ماء ‪ ، ‬وقوله ‪ ‬يخيل إليه من سحرهم أنها‬
‫تسعى ‪ ، ‬أو ‪ ‬كرماد اشتدت به الريح ‪.. ‬‬
‫وأمثال ذلك ‪ .‬فقوله والمحذوف الداة أبلغ‬
‫يستلزم منه قطع ا ً اختلف القرآن في درجة‬
‫البلغة من آية الى أخرى ومن تشبيه الى آخر‬
‫ونتيجته أن هذا الكلم ليس من كلم الله‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪320‬‬
‫‪3‬‬
‫لقوله تعالى ‪:‬‬
‫] ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه‬
‫اختلفا كثيرا ‪ / ‬النساء ‪82 -‬‬
‫فالتمايز في البلغة بين التشبيهات هو من‬
‫الختلف الكثير فانظر الى تخبط العتباطية‬
‫إذ ل يكاد يمر سطر حتى تناقض أقوالها علما ً‬
‫أن هذه الفقرة وردت تحت عنوان ) من وجوه‬
‫إعجاز القرآن تشبيهاته واستعاراته ( في‬
‫كتاب مخصص لعجاز القرآن ‪.1‬‬
‫وانظر مرة أخرى الى ما فعله العتباط في‬
‫هذا التقسيم ! إذ دخل في التشبيه ما خل من‬
‫] وجنة عرضها‬ ‫الداة فقوله تعالى ‪:‬‬
‫السماوات والرض ‪ ‬وضعها العتباط في‬
‫التشبيهات التي حذفت فيها الداة ـ بينما هي‬
‫حقيقة ل تشبيه فالسماوات والرض معروضة‬
‫لمتلكها لنها الوضع الفعلي للجنة والذي ل‬
‫يدرك لحين نزول المر اللهي وهذه مسألة‬
‫كبيرة جدا ً وهي الغاية من خلق الملكوت ـ‬
‫تحولت بفضل العتباط الى تشبيه استعاري ـ‬

‫‪1‬‬ ‫النص في القسم الرابع من ـ معترك القرآن في إعجاز القرآن ـ ج ‪. 273 / 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪321‬‬
‫‪4‬‬
‫وقد أشرنا إليها في كتاب النظام القرآني‬
‫بصورة ملخصة إما تفاصيل الموضوع ودخول‬
‫هذه الية في نظام اليات التي تتحدث عن‬
‫الستخلف فستجده مفصل ً في كتاب ) طور‬
‫الستخلف ( وفيه تفصيل الفوارق بين‬
‫الجنتين ‪.‬‬

‫النموذج الرابع‬
‫آيات القسم‬

‫أشكل على العتباط قوله تعالى ‪ ‬ل‬


‫م بهذا البلد ‪ ‬ـ قالوا ‪ :‬نفي القسم‬
‫أقس ُ‬
‫ولكنه أقسم بالبلد في موضع آخر فقال ‪:‬‬
‫] وهذا البلد المين ‪. ‬‬
‫وأجاب العتباط على ذلك متفاخرا ً بقوله ‪:‬‬
‫) سأل رجل بعض العلماء عن ذلك فقال ‪ :‬أيما‬
‫احب إليك أجيبك ثم اقطعك أو أقطعك ثم‬
‫أجيبك ؟ فقال الرجل اقطعني ثم اجبني !‬
‫فقال ‪ :‬إعلم أن هذا القرآن نزل على‬
‫رسول الله ) ص ( بحضرة رجال كانوا أحرص‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪322‬‬
‫‪3‬‬
‫الخلق على أن يجدوا فيه مغمزا ‪ ..‬الى‬
‫قوله ‪ ..‬ولكن القوم علموا وجهلت فلم‬
‫ينكروا ما أنكرت ثم قال له ‪ :‬أن العرب قد‬
‫تدخل ) ل ( في أثناء كلمها وتلغي معناها‬
‫وأنشد فيه أبياتا ‪! 1‬‬
‫وللحل القصدي هنا مناقشات أربعة ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬إن هذا التعارض مفتعل مرتين أي‬
‫على قواعد العتباط ‪ ) :‬ل أقسم ( هو بمعنى‬
‫) أقسم ( ـ وقد مر عليك هذا النموذج وتجد له‬
‫تفصيل ً في كتاب "اللغة الموحدة" حيث‬
‫أظهرنا الجرأة فيه على الخالق تعالى ‪ .‬فأين‬
‫التعارض المزعوم لنهم لم يذكروا لمعنى ) ل‬
‫ُأقسم ( سوى هذا المعنى أي ) ُ‬
‫لقسم ( ‪.‬‬
‫وقالوا أيضا ً أن ) ل ( تفيد توكيد القسم !! ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬إن قطع السائل كان عمل ً إرهابيا ً‬
‫ل غير ـ لن العتباط إذا زعم أن السلوب‬
‫القرآني هو السلوب العربي فل إعجاز فيه !‬
‫لن ألفاظه عربية ونظامه الصوتي عربي فل‬
‫يبقى إل ّ طريقة تأليف اللفاظ في الجمل‬

‫‪1‬‬ ‫المعترك ‪ / 109 / 1 /‬والتقان ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪323‬‬
‫‪4‬‬
‫فإذا كان هذا التأليف هو الخر عربيا ً وجاريا ً‬
‫على أساليب العرب فلم ل يقدر الخلق على‬
‫التيان بمثله ؟ ‪ .‬أشكلنا عليهم ذلك وأثبتنا‬
‫أيضا ً أنهم بهذه الدعوى كانوا مصدر التشكيك‬
‫في إعجازه لذلك ابتدعوا طرقا ً ملتوي ً‬
‫ة لثبات‬
‫العجاز من حيث قاموا بنفيه كالصرفة أو‬
‫باستعمال أساليب الرهاب كقوله هنا ) علموا‬
‫وجهلت ولم ينكروا ما أنكرت ( ‪.‬‬
‫الثالثة ‪ :‬إن المجيب يكذب والذي يكذبه‬
‫القرآن ـ فالقرآن لعّلوه لم ينكر أنهم أنكروا‬
‫منه ذلك بل ذكره وذكره مفصل ً أيضا كقوله‬
‫تعالى ‪:‬‬
‫] بل أضغاث أحلم بل افتراه بل هو شاعر ‪‬‬
‫‪ /‬النبياء ـ ‪5‬‬
‫وقوله ‪:‬‬
‫] ويقولون أإننا لتاركوا آلهتنا لشاعر‬
‫مجنون ‪ / ‬الصافات ـ ‪36‬‬
‫والشاعر عندهم يجوز له ما ل يجوز لغيره‬
‫فيخالف أساليبهم المعتادة ‪.‬‬
‫إنما أمرهم أن يتد ّبروه فقال ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪324‬‬
‫‪3‬‬
‫]أفل يتدبرون القرآن أم على قلوب‬
‫أقفالها ‪ / ‬محمد – ‪24‬‬
‫وذلك لن فيه سرا ) نظاما ً ( يثبت أنه كلم‬
‫الله فالعجاز ل يثبته شيء خارج المعجز‬
‫نفسه ‪ ،‬ل يثبته عدم إنكارهم حتى لو صح‬
‫تاريخيا ً ول يثبته استخدامه أساليبهم العربية‬
‫بل ذلك هو المبطل للعجاز من الناحية‬
‫المنطقية ‪.‬‬
‫فقوله ‪ :‬ولم ينكروا ما أنكرت إنما هو‬
‫تكذيب للواقع الذي ينقله القرآن ـ علوة على‬
‫التاريخ ) ذكرنا نماذج من عيبهم على القرآن‬
‫) اللحن ( لجهلهم بنظامه اللغوي في كتاب‬
‫النظام القرآني ـ الباب الثالث ( ‪.‬‬
‫الرابعة ‪ :‬إن الجابة تضمنت الخلط‬
‫العتباطي بين عبارة ) ل أقسم بهذا البلد ( و‬
‫عبارة ) وهذا البلد المين ( ‪ .‬إما نحن فنفرق‬
‫بين العبارتين فالولى في الحل القصدي‬
‫) نفي القسم ( والثانية ) إثبات الحلف ( وفي‬
‫هذا الحل نف ّرق بين القسم الذي يعني البراءة‬
‫من الموجودات والعتماد على المقسم به في‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪325‬‬
‫‪3‬‬
‫مجابهة الفناء وبين الحلف الذي يعني‬
‫التحالف مع المحلوف به ‪ .‬فالول ل يجوز‬
‫بحق الخالق الموجد للشياء ول يجوز للمخلوق‬
‫القسم ال بالخالق بينما الثاني يجوز في حق‬
‫الخالق والمخلوق إذ يجوز لهما التحالف مع أي‬
‫موجود ـ وهو تفريق نفيس ومبحث ظريف لم‬
‫يذكره أحد قبل اليوم تجد تفصيله في كتاب‬
‫اللغة الموحدة في بابي اللم والواو ‪ .‬وقد‬
‫برهنا فيه أن القسم ) براءة ( و ) اعتماد (‬
‫على المقسم به ) براءة من الموجودات (‬
‫لذلك لم يجز القسم بغير الله ولذلك ل يجوز‬
‫في حقه تعالى أن يقسم فقال ) ل اقسم (‬
‫في جميع الموارد القرآنية فهو نفي حقيقي‬
‫ل كما زعم العتباط أنه يفيد توكيد القسم !!‬
‫وعلى ذلك تلحظ أن العتباطية تخبط خبط‬
‫العشواء في الليلة الظلماء ل يصدها عن ركم‬
‫المتناقضات بعضها فوق بعض صاد ‪.‬‬
‫إما قول المجيب ‪ ) :‬العرب تدخل في‬
‫كلمها ل وتنفي معناها ( ! فهو هراء وإذا صح‬
‫فهو اعتباط في الستعمال مخالف لصول‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪326‬‬
‫‪3‬‬
‫اللغة ورموزها ل في الحل القصدي وحده بل‬
‫مخالف لها من حيث هي ) نظام اعتباطي (‬
‫في العتباطية نفسها ‪ ..‬لكن ذلك لم يصح‬
‫س ا ً ووعيا‬
‫ولن يصح مطلقا فالجماعات اكثر ح ّ‬
‫لنظام اللغة من علماء اللغة فهل ذكر لنا‬
‫العتباط تلكم الشعار التي انشدها المجيب‬
‫للسائل ولماذا سكت عنها والعتباطية مولعة‬
‫بذكر الشعار ولع قيس بليلى؟‬
‫لقد سكت عنها لنها أكذوبة ‪ ..‬مثلما سكت‬
‫عن اسم المجيب الذي هو ) بعض العلماء ( !‬
‫مثلما سكت عن اسم السائل الذي هو‬
‫) رجل ( ! ‪.‬‬

‫النموذج الخامس‬
‫الفواصل في القرآن الكريم‬

‫من مشكلت الفواصل في القرآن ‪ :‬وضع‬


‫العتباط تساؤل ً حول قوله تعالى ‪:‬‬
‫ن تغفر لهم‬
‫دك وا ْ‬ ‫] إن تعذبهم فان ّ‬
‫هم عبا ُ‬
‫ت العزيُز الحكيم ‪. ‬‬
‫فاّنك أن َ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪327‬‬
‫‪3‬‬
‫فقوله ) تغفر لهم ( يقتضي أن تكون‬
‫الفاصلة ‪ :‬انك أنت ) الغفور الرحيم ( فلماذا‬
‫كانت ) العزيز الحكيم ( ؟‬
‫أجاب العتباط ‪ :‬أنها وردت كذلك في‬
‫ي وبها قرأ ابن شنبوذ !‬ ‫ُ‬
‫مصحف أب ّ‬
‫وأضافوا ‪ :‬وفي وصف الحكيم احتراس وإن‬
‫تغفر لهم مع استحقاقهم العذاب فل يعترض‬
‫عليك أحد والحكمة فيما فعلته ‪ .‬انتهى ‪.1‬‬
‫أقول ‪ :‬والحل القصدي يشهد أن الفاصلة‬
‫هي ) العزيز الحكيم ( ولن تكون الغفور‬
‫الرحيم مطلقا ً ! وذلك أن هذه الية كانت من‬
‫جملة آيات اختبر فيها المنهج اللفظي طرائقه‬
‫في كشف النظام القرآني بأخذ أول اليات‬
‫ومحاولة وضع الفاصلة الملئمة وفق النظام ـ‬
‫وقد عرض المؤلف النظمة على بعض‬
‫الصدقاء وطلب منهم وضع الفواصل المتفقة‬
‫مع النظام القرآني فنجحوا أيض ا ً في وضع‬
‫هذه الفاصلة خلفا ً للمتبادر وت ّ‬
‫م بذلك التأكد‬
‫من صحة قوانين المنهج ‪ .‬وهو أمر ل أحسبكم‬

‫‪1‬‬ ‫البرهان ‪ & 89 / 1 /‬والمعترك ‪. 46 / 1 /‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪328‬‬
‫‪4‬‬
‫ل تدركون أهميته وخطورته ‪.‬‬
‫ونلحظ أن الحل العتباطي لم يجب على‬
‫سر ) الحكيم ( في علقته‬
‫المسألة أي ف ّ‬
‫بالمغفرة في لفظ الفعل ) تغفر لهم ( ـ ولم‬
‫يذكر سبب العدول عن المتبادر وهو ) الغفور‬
‫الرحيم ( الى العزيز الحكيم وهذا أول ً ‪.‬‬
‫وثانيا ً ‪ :‬لم يذكر الحل سببا ً لمجيء‬
‫) العزيز ( ـ وأهمل هذا اللفظ تماما ً ‪.‬‬
‫وثالثا ً ‪ :‬أوحى للمتلقي أن الفاصلة يمكن‬
‫أن تكون ) الغفور الرحيم ( وأكد على ورودها‬
‫هكذا في مصحف ُأبي معتمدا ً على رواية لم‬
‫يذكر مصدرها وقراءة لبن شنبوذ ! وإذن‬
‫فأصل المسألة ساقط عن العتبار عندهم ‪.‬‬
‫فالجابة بمجموعها خليط اعتباطي ل يمت‬
‫الى علم اللغة بأية صلة فضل ً عن نظامه‬
‫المحكم ـ فلماذا وضعوا السؤال أصل ً ؟ ‪.‬‬
‫ل يمكن شرح النظام المتعلق بهذا المركب‬
‫ولكننا نشير الى أن مركب ) العزيز الحكيم (‬
‫مركب مستقل مرتبط بموضوع معين هو‬
‫) الستخلف ( في الرض ‪ ،‬فحيثما وجدت‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪329‬‬
‫‪3‬‬
‫أفعال أو وقائع أو دعوات مرتبطة بالمهال‬
‫والحلم على العباد للوصول الى هذا الطور‬
‫يأتي مركب ) العزيز الحكيم ( ـ لرتباطه‬
‫بالعزة اللهية التي ل تضر معها ذنوب العباد‬
‫وظهور عزة الدين وأهله في هذا الطور ‪،‬‬
‫والمرتبط من جهة أخرى بالحكمة التي خلق‬
‫العالم بها حيث تتجلى أهداف الخلق في هذا‬
‫الطور وهو بالطبع مختلف تماما ً عن‬
‫المركبات المتشابهة ‪ ) :‬القوي العزيز ( ‪،‬‬
‫) العزيز الغفور ( ‪ ) ،‬التواب الحكيم ( ‪،‬‬
‫) العزيز العليم ( ‪ ) ،‬العزيز الغفار ( ‪،‬‬
‫) الحكيم الخبير ( ‪ ) ،‬حكيم عليم ( ‪...‬الخ ‪.‬‬
‫أن تناوب هذين اللفظين مع غيرهما من‬
‫اللفاظ تقديما ً وتأخيرا ً يشكل ) مركبات(‬
‫مختلفة لكل منها استعمالها الخاص ونظامها‬
‫الخاص ضمن النظام القرآني الشامل ‪.‬‬
‫نعم تأتي إن شاء الله أمثال تلك التفاصيل‬
‫إذا تفرغنا لدراسة النظام القرآني بصورة‬
‫مستقلة بعد النتهاء من تدمير العتباطية‬
‫على كافة مستوياتها ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪330‬‬
‫‪3‬‬
1
2 331
3
‫المبحث العشرون‬
‫نماذج من التفسير العتباطي المخالف‬
‫للنص القرآني‬

‫ذكرنا أنه يتوجب احترام النص بما هو نص‬


‫خلل تفسيره ‪ ،‬والعتباطية ل تجهل هذه‬
‫الحقيقة بدليل اهتمامها بالنصوص وألفاظها ـ‬
‫ولكنها من جهة أخرى تقوم بتغيير النص خلل‬
‫التفسير ‪ .‬وفي البدء كانت العملية مقصودة‬
‫والذين قاموا بها يدركون آثارها وبعد أن‬
‫اصبح للعتباط مبادئ ثابتة وراسخة كان‬
‫المتأخرون يتابعون أسلفهم وربما بصورة‬
‫غير مقصودة أحيانا ً ‪ .‬لكن ذلك ل يعني أنهم‬
‫معذورون ـ فالتقليد والمتابعة العمياء إنما‬
‫هي العدو اللدود للطروحة الدينية في جميع‬
‫العصور ‪.‬‬
‫وفيما يلي نماذج سريعة للتفسـير‬
‫العتباطي فيما يخص النص القرآني ‪:‬‬

‫ة يم ُ‬
‫شون‬ ‫ض ملئك ٌ‬ ‫]ل ّ‬
‫و كان في الر ِ‬ ‫‪.1‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪332‬‬
‫‪3‬‬
‫مطمّئنين ‪ / ‬السراء – ‪95‬‬
‫قالوا ‪ :‬معناه لو كان أهل الرض ملئكة‬
‫لكان الرسول إليهم ملكا ‪ ..‬الخ ‪.1‬‬
‫لحظ التغيير بين الشرح والنص فالنص‬
‫يقول لو كان ) في الرض ( ملئكة والشرح‬
‫يقول لو كان أهل الرض ) الناس ( ملئكة ‪...‬‬
‫فالقرآن ل يفترض مثل هذه الفروض‬
‫العتباطية ـ لن الناس لو كانوا ملئكة لما‬
‫كانوا ناسا ً ـ فالمخلوق في نظام ل يمكن أن‬
‫يكون مخلوقا ً في نظام آخر فالسـنن ل تتغير‬
‫] ولن تجد‬ ‫ول يتم افتراض تغّيرها منطقيا ً ‪..‬‬
‫لسنة الله تبديل ولن تجد لسنة الله تحويل‬
‫‪ / . ‬فاطر ‪43‬‬

‫ي‬
‫ة َرب ّ‬ ‫و انتم تمَلكون خزائ َ‬
‫ن رحم ِ‬ ‫] قل ل َ‬ ‫‪.1‬‬

‫ة النفاق ‪‬‬ ‫سكتم خشي َ‬ ‫أذن لم َ‬


‫‪100‬‬ ‫السراء‬
‫أي لو ملكتم الخزائن لمسكتم عن العطاء‬
‫خشية الفقر ـ فالمراد بالنفاق عاقبة النفاق‬

‫‪1‬‬ ‫معترك القرآن ‪. 200 / 2 /‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪333‬‬
‫‪4‬‬
‫وهو الفقر ومفعول أمسكتم محذوف ‪. 1‬‬
‫والعتباط في هذا يغ ّير النص ويقلبه رأسا ً‬
‫على عقب ‪ .‬لن النص يقول إنهم يمسكون‬
‫خشية ) النفاق ( ـ ل خشية عاقبة النفاق ‪.‬‬
‫فالنص منسجم مع النظام القرآني تماما ً ـ‬
‫لن خزائن الّرب ل نفاذ لها فل يخشى مالكها‬
‫فقرا ً وإنما هو يكره النفاق‬
‫على هذا الفرض َ‬
‫نفسه ول تقوى عليه نفسه لشدة حّبه لذاته‬
‫ورغبته في التمّيز عن الخلق وإبقاءهم تحت‬
‫سطوته ‪.‬‬
‫وكذلك قال ‪ ‬وما أنفقتم من شيء فهو‬
‫يخلفه ‪ / ‬سبأ – ‪ ، 39‬فمع هذا القانون ل‬
‫يحصل فقر ولو لم يمتلك الخزائن فكيف مع‬
‫امتلكها ؟‬
‫الخطاب في الية موجه الى مجموعة‬
‫) تحسد الناس ( على ما آتاهم الله من فضله‬
‫وهي تعرقل نزول البركات فأظهر النص‬
‫حقيقة مشاعرهم فهم يرفضون النفاق حتى‬
‫لو امتلكوا الخزائن ـ بينما الشرح أعطاهم‬

‫‪1‬‬ ‫معترك القرآن ‪. 200 / 2 /‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪334‬‬
‫‪4‬‬
‫عذرا ً مشروع ا ً وهو خوفهم من الفقر!! ‪.‬‬
‫ولذلك يبدو لك واضحا ً أن غياب هذه الشروح‬
‫كان أفضل للمة واللغة والفكر من وجودها ـ‬
‫وهذا هو في الواقع حال التراث الديني كله‬
‫ونحن ل نختار أية نماذج بصورة انتقائية وإنما‬
‫نفتح أي كتاب قريب منا من أي موضوع‬
‫لنسجل لكم هذه النماذج كأمثلة فإن الجزء‬
‫ينبئ عن الكل والكل هو مجموع الجزاء ـ‬
‫لننا إذا أردنا إظهار العتباط في التراث كله‬
‫فانه يتوجب كتابة عدد كبير جدا ً من المؤلفات‬
‫ـ ومثل هذا العمل ل ضرورة له بعد التأكد من‬
‫أن القسم الكبر منه هو الخبيث ‪:‬‬
‫ب ولو‬ ‫] قل ل يسَتوي الخبي ُ‬
‫ث والطي ّ ُ‬
‫أعجَبك كَثرةُ الخبيث ‪ / . ‬المائدة ‪100 -‬‬
‫نعم ربما تجّنب الزمخشري أو حاول تجّنب‬
‫هذا الشرح ولكنه جاء بكلم هو خليط من‬
‫القصدية والعتباط في قوله ‪:‬‬
‫) أمسكتم ل مفعول له لن معناه بخلتم‬
‫ومعنى الية وصف النسان بالشح وخوف‬
‫الفقر ‪!! ( ..‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪335‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ .3‬خلطت العتباطية في موضوع ) اللغات (‬
‫الخاصة بالقبائل بين ألفاظ القرآن مما‬
‫ي إحساس بالحكام‬ ‫أفقدها وأفقد المتلقين أ ّ‬
‫القرآني العام فضل ً عن نظامه الصارم الذي‬
‫تؤكده القصدية ‪.‬‬
‫في البدء حدثت ترجمة اللفاظ القرآنية من‬
‫اللغات مثل هذيل وكنانة واليمن وحمير‬
‫وغيرها الى لغة قريش بحجة أن هذه اللفاظ‬
‫كانت من لغات تلك القبائل ولم تكن قريش‬
‫تستعملها ! ‪.‬‬
‫وفيما بعد ذلك والى اليوم أصبحت تلك‬
‫الترجمة شروحا ً ومعاني وترسخ بذلك المبدأ‬
‫العتباطي القائم على العبث باللغة ونظامها‬
‫من خلل المرادفات ‪.‬‬
‫ومن القوائم المرفقة أدناه والنماذج التي‬
‫اذكرها الن سوف تدرك أن هذه العملية كانت‬
‫مدروسة منذ البداية إذ ل يمكننا أن نتصور أن‬
‫لفظ ا ً مثل ) تفشلوا ( ـ ل تستعمله سوى‬
‫حمير وأن قريشا ً تستعمل بدل ً عنه‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪336‬‬
‫‪3‬‬
‫) تجبنوا ( ! إذ يمكننا أن نسأل عن مرادفات‬
‫نفس اللفاظ في القبائل الخرى ل عند‬
‫قريش وحدها ! وعندئذ ل تستطيع العتباطية‬
‫أن تجيب على ذلك بإجابة واضحة ضرورة أن‬
‫الفشل شيء والجبن شيء آخر ‪.‬‬
‫وهذه الترجمة كما تعلم ل زالت مستعملة‬
‫سر أن اللفظ‬
‫في التفسير فتارة يذكر المف ّ‬
‫معناه كذا وهو في لغة كذا قبيلة أو منطقة‬
‫وتارة يذكر المعنى المرادف من غير إشارة‪.‬‬
‫يكمن الرد القصدي في أن اللفظ ومقابله‬
‫مل في القرآن مثل ) الرجز ( في لغة‬
‫قد اسُتع ِ‬
‫هذيل بمعنى ) العذاب ( ـ لكن الرجز والعذاب‬
‫استعمل في القرآن فإذا افترضنا تساوي‬
‫المعنيين فقدنا النظام القرآني والحكام وإذا‬
‫افترضنا اختلفهما فذلك هو الحل القصدي ‪.‬‬
‫لكننا أبطلنا المرادفات في كتاب ) اللغة‬
‫الموحدة ( وإذن فهذه النماذج هي لغرض‬
‫التأكد من تخبط العتباطية ‪.‬‬
‫نعم ربما سألوا بعض العارفين عن ألفاظ‬
‫معينة فأجابوهم أنها مستعملة في حمير أو‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪337‬‬
‫‪3‬‬
‫اليمن أو هوازن كثيرا ً وقّربوا لهم معانيها‬
‫لكن كثرة هذه اللفاظ واستعمال القرآن لما‬
‫ى لها يجعل الموضوع خارجا ً عن هذا‬‫هو معن ً‬
‫التعليل الى تعمد العتباط السير به قدما ً‬
‫لتدمير اللغة والحيلولة دون كشف النظام‬
‫القرآني ‪.‬‬

‫هذه بعض النماذج ‪:‬‬

‫في لغة تميم ‪:‬‬


‫ُأمة ‪ :‬نسيان‬
‫بغيا ً ‪ :‬حسدا ً‬
‫القصدية ‪ :‬المفردات الربعة مستعملة كلها‬
‫في القرآن !‬

‫في لغة أنمار ‪:‬‬


‫طائره ‪ :‬عمله‬
‫أغطش ‪ :‬أظلم‬
‫القصدية ‪ :‬نفس التعليق ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪338‬‬
‫‪3‬‬
‫في لغة الخزرج ‪:‬‬
‫ضوا ‪ :‬يذهبوا‬
‫ينف ّ‬
‫القصدية ‪ :‬كلهما مستعمل في القرآن ‪.‬‬

‫في لغة جرهم ‪:‬‬


‫شقاق ‪ :‬ضلل‬
‫خيرا ً ‪ :‬مال ً‬
‫تعدلوا ‪ :‬تميلوا‬
‫لفيفا ‪ :‬جميعا‬
‫محسورا ‪ :‬منقطعا‬
‫شرذمة ‪ :‬عصابة‬
‫الخلل ‪ :‬السحاب‬
‫َيغنوا ‪ :‬يتمتعوا‬
‫أراذلنا ‪ :‬سفلتنا‬
‫سور ‪ :‬الحائط‬
‫ينسلون ‪ :‬يخرجون‬
‫القصدية ‪ :‬نحن ل نصدق أن لفظ ) خير ( لم‬
‫يستعمل في قريش وأنهم استعملوا بدل عنه‬
‫لفظ ) مال ( ‪ ..‬نعم ‪ .‬نحن نك ّ‬
‫ذب العتباط لن‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪339‬‬
‫‪3‬‬
‫قريش بحاجة الى لفظ للخير غير المال‬
‫شأنها شأن جميع المم ـ فثمة فرق بين‬
‫اللفظين وكذلك المر في جميع قائمة‬
‫) جرهم ( والتي استعمل القرآن منها‬
‫العمودين بجميع ألفاظهما باستثناء ) عصابة‬
‫وحائط ( !! ‪.‬‬

‫في لغة غسان ‪:‬‬


‫طفقا ً ‪ :‬عمدا ً‬
‫بئيس ‪ :‬شديد‬
‫سيء بهم ‪ :‬كرههم‬
‫في لغة مزينة ‪:‬‬
‫ل تغلوا ‪ :‬ل تزيدوا‬

‫في لغة قيس عيلن ‪:‬‬


‫ِنحلة ‪ :‬فريضة‬
‫حرج ‪ :‬ضيق‬
‫لخاسرون ‪ :‬مضّيعون‬
‫تفّندون ‪ :‬تستهزءون‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪340‬‬
‫‪3‬‬
‫صياصيهم ‪ :‬حصونهم‬
‫يلتكم ‪ :‬ينقصكم‬
‫رجيم ‪ :‬ملعون‬
‫تحبرون ‪ :‬تنعمون‬

‫في لغة كندة ‪:‬‬


‫فجاجا ‪ :‬طرقات‬
‫ست ‪ :‬فتت‬
‫بُ ّ‬
‫تبتئس ‪ :‬تحزن‬

‫في لغات ك ّ‬
‫ل من ‪:‬‬
‫عذرة ‪:‬‬
‫إخسئوا ‪ :‬إخزوا‬
‫حضرموت ‪:‬‬
‫رّبيون ‪ :‬رجال‬
‫مرنا ‪ :‬أهلكنا‬
‫د ّ‬
‫لغوب ‪ :‬إعياء‬
‫منسأته ‪ :‬عصاه‬
‫بني حنيفة ‪:‬‬
‫العقود ‪ :‬العهود‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪341‬‬
‫‪3‬‬
‫جناح ‪ :‬اليد‬
‫ال َ‬
‫الرهب ‪ :‬الفزع‬
‫مير ‪:‬‬ ‫ح َ‬
‫ِ‬
‫و ا ً ‪ :‬حقيرا ً !!‬
‫مرج ّ‬
‫السقاية ‪ :‬الناء ـ الوعاء !‬
‫مسنون ‪ :‬منتن‬
‫إمام ‪ :‬كتاب !‬
‫عتيا ً ‪ :‬نحول ً‬
‫مآرب ‪ :‬حاجات‬
‫محشورة ‪ :‬مجموعة‬
‫جّبار ‪ :‬مسّلط‬
‫معكوفا ‪ :‬محبوسا‬
‫مرض ‪ :‬زنا !‬
‫ينغضون ‪ :‬يحّركون‬
‫عل ً‬ ‫جا ً ‪ُ :‬‬
‫ج ْ‬ ‫خر ْ‬
‫غراما ً ‪ :‬بلء‬
‫أنكر ‪ :‬اقبح‬
‫قطر ‪ :‬النحاس‬
‫ال ِ‬
‫يتركم ‪ :‬ينقصكم‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪342‬‬
‫‪3‬‬
‫مدلج ‪:‬‬
‫رفث ‪ :‬جماع‬
‫الوصيد ‪ :‬الفناء‬
‫حقبا ً ‪ :‬دهرا ً‬
‫الخرطوم ‪ :‬النف‬
‫مقيتا ‪ :‬مقتدرا‬

‫سعد العشيرة ‪:‬‬


‫حفدة ‪ :‬أختان‬
‫ك ّ‬
‫ل ‪ :‬عيال‬

‫كنانة ‪:‬‬
‫السفهاء ‪ :‬الجهال‬
‫موئل ‪ :‬ملجأ‬
‫مبلسون ‪ :‬آيسون‬
‫أسفارا ً ‪ :‬كتبا ً‬
‫الخّراصون ‪ :‬الك ّ‬
‫ذابون‬
‫ملوكا ً ‪ :‬أحرار‬
‫معجزين ‪ :‬سابقين‬
‫خاسئين ‪ :‬صاغرين‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪343‬‬
‫‪3‬‬
‫شطر ‪ :‬تلقاء‬
‫ل خلق ‪ :‬ل نصيب‬
‫يعزب ‪ :‬يغيب‬
‫هذيل ‪:‬‬
‫فرقانا ً ‪ :‬مخرجا ً‬
‫صلدا ً ‪ :‬نقيا ً‬
‫آناء ‪ :‬ساعات‬
‫الّرجز ‪ :‬العذاب‬
‫شروا ‪ :‬باعوا‬
‫عزموا ‪ :‬حققوا‬
‫مدرارا ‪ :‬متتابعا‬
‫عيلة ‪ :‬فاقة‬
‫ِ‬
‫ببدنك ‪ :‬بدرعك‬
‫رجما ‪ :‬ظنا‬
‫دلوك ‪ :‬زوال‬
‫فور ‪ :‬وجه‬
‫وليجة ‪ :‬بطانة‬
‫انفروا ‪ :‬إغزوا‬
‫السائحون ‪ :‬الصائمون‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪344‬‬
‫‪3‬‬
‫إن تعقيب الحل القصدي على هذه القائمة‬
‫وغيرها مما تركناه وهو كثير جدا ً هو نفس‬
‫التعقيب ‪ .‬فالقرآن استعمل اللفاظ المذكورة‬
‫وما قبلها من المعاني ‪ ،‬وهذا يستلزم أن‬
‫تكون مختلفة ويبدو أن العتباط يحاول ذلك‬
‫رغم ظهور الصيغ المقابلة في القرآن ظهورا ً‬
‫واضحا ً للغايات التي ذكرناها للعتباط مثل ‪:‬‬
‫موئل ‪ :‬ملجأ ‪ ‬لو يجدون ملجأ ‪‬‬
‫شطر ‪ :‬تلقاء ‪ ‬ولما توجه تلقاء مدين‬
‫‪ ... ‬وغيرها‬
‫حيث ظهرت في القرآن بنفس الصيغة في‬
‫آيات أخرى ‪.‬‬
‫تضم قائمة العتباط خمسين لغة للعرب‬
‫وردت بها مفردات قرآنية ترجمت الى لغة‬
‫قريش ونحو خمس لغات أعجمية وردت بها‬
‫مفردات أخرى كثيرة ‪.‬‬
‫ولم تهتم العتباطية لمخالفة النص القرآني‬
‫حيث قال ‪:‬‬
‫] ولو جعلناه قرآنا ً أعجميا ً لقالوا لول‬
‫‪44‬‬ ‫فصلت آياته ‪ / ‬فصلت‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪345‬‬
‫‪3‬‬
‫فهذه الية مرتبطة بآيات ) التفصيل(‬
‫ارتباطا ً وثيقا ً ـ لن التفصيل ظهوٌر للحقائق‬
‫المتطابقة المؤيدة بعضها لبعض والكاشفة‬
‫عن حقائق خفية ‪ .‬فهذا نظام ‪ .‬ومعلوم أن‬
‫النظام في نسق الكلم ل يمكن أن يتم‬
‫باستعمال أكثر من لسان لن النظام اللغوي‬
‫جزء ل يتجزأ من النظام الصوتي ‪ .‬فإذا حدث‬
‫تغّير في النظام اللغوي وابتعد عن النظام‬
‫الصوتي حدث تغ ّير متبادل مماثل على النظام‬
‫ون لسان مختلف‬
‫الصوتي نفسه يؤدي الى تك ّ‬
‫تدريجيا ً ) لحظ تفاصيل الموضوع في اللغة‬
‫الموحدة ( وهذه النتيجة ل تقرها العتباطية‬
‫بما في ذلك العتباطيون الجدد حيث إجماعهم‬
‫على أن القرآن حفظ للعربية نظامها وإن‬
‫كانوا يجهلون أنه حفظ النظام الصوتي للسان‬
‫العربي أيضًا‪.‬‬
‫واذن فإذا أمكن قبول بدعة العتباطية‬
‫القائلة أن القرآن استعمل مفردات من‬
‫خمسين لغة عربية من لغات القبائل ـ على‬
‫اعتبار أن مرجعها الى لسان واحد بنظام‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪346‬‬
‫‪3‬‬
‫صوتي واحد وفق الحل القصدي ـ فل يمكن‬
‫قبول البدعة الخرى وهي استعمال مفردات‬
‫من لسان آخر ـ ال بتخريج معقد على الحل‬
‫القصدي تذعن فيه العتباطية لهذا الحل وهي‬
‫راغمة ‪ .‬وخلصة هذا التخريج أن المستعمل‬
‫هو من التعاقبات الصوتية التي يقع انتظامها‬
‫في تلكم المفردات خصوصا ً وفق النظام‬
‫الصوتي للسان العربي ‪.‬‬
‫نعم هذا يثبت أمومة اللسان العربي لللسن‬
‫كافة ولكننا ل نحتاج لثبات ذلك لمثل هذا‬
‫التخريج لثبوته بنفسه في معاني الصوات‬
‫ومطابقتها في مئات التعاقبات لنظام اللسان‬
‫العربي الذي أظهره البحث في كتاب ) اللغة‬
‫الموحدة ( ـ والذي وقعت فيه النسبة الكثر‬
‫استعما ل ً على المعاني الحركية الصلية‬
‫للصوات ـ علوة على النظام الكتابي المتمّيز‬
‫جدا ً الذي حافظ على روح العلقة بين‬
‫الصوات وبين حرف اللف ومظاهره الربعة ‪.‬‬

‫تنبيــــه ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪347‬‬
‫‪3‬‬
‫إن ما ذكرناه في هذا الكتاب وفي كتبنا‬
‫الخرى حول العتباطية ل يعني أن‬
‫العتباطية في تراثها الواسع قد خلت تماما ً‬
‫من أي ح ّ‬
‫ل قصدي ‪.‬‬
‫د في ك ّ‬
‫ل مائة‬ ‫ي واح ٍ‬ ‫ولكن ظهور ح ّ‬
‫ل قصد ّ‬
‫شاهد مثل ً أو ظهور إشارة قصدية واحدة في‬
‫ل فصل من فصول العتباط ل يعني شيئا ً‬
‫ك ّ‬
‫بالنسبة لنا ‪ .‬ذلك لن الذي يرمي الحصى في‬
‫بركة ماء اعتباطا ً آلف المرات ل بد أن يقع‬
‫بعضها ) اتفاقا ً ( أيضا ً على الهدف المغمور‬
‫في ركن ما من الركان تحت الماء ـ فليس‬
‫دد‬
‫من العدل والنصاف مساواته بمن يح ّ‬
‫الهدف ول يرمي ال ّ فيه ‪.‬‬
‫وجميع تلك الشارات والحلول إنما كانت‬
‫مسروقة من القصدية أصل ً وقد ُأخذت تحت‬
‫ظروف خاصة جدا وحشرت في ركام العتباط‬
‫ـ تحت شروط قاسية أهمها أنها ل تكشف‬
‫شيئا ً عما يحيط بها من العتباط ‪ ،‬والهم من‬
‫ذلك أنها ل ترتبط بحقيقة بالغة الخطورة‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪348‬‬
‫‪3‬‬
‫يمكن أن تجّر الى معرفة حقائق أخرى ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪349‬‬
‫‪3‬‬
‫ىىىى ىىى ىىىىىىى ىىى‬
‫ىىىىىىىىىى‬

‫نأخذ مثال ً واحدا ً من مترادفات العتباطية‬


‫لنلحظ من خلله مدى التخريب الذي ح ّ‬
‫ل‬
‫بالدللة وبالمعرفة المتحصلة من النص في آن‬
‫واحد ‪:‬‬
‫فلنأخذ مثال ً لذلك ما في قائمة ) حمير ( ‪:‬‬
‫مسنون = منتن ‪.‬‬
‫حيث تزعم العتباطية أن مسنون في لغة‬
‫حمير هو منتن في لغة قريش ! بينما نلحظ‬
‫بالفحص الدقيق أن مسنون ل علقة له‬
‫باللفظ ) منتن ( مطلقا ً ‪ .‬لن المسنون اسم‬
‫ن فهو مسنون ـ ومعنى‬
‫ن يس ّ‬
‫مفعول من س ّ‬
‫الفعل ‪ :‬وضع الشيء في شرعة ومنهاج ـ‬
‫يقال سن فلنا ً سنة شّرع شرع ا ً ونهج منهاجا ً‬
‫ـ أنظر المعاجم ‪.‬‬
‫س ِنه ‪ :‬تغّير‬
‫والفعل القريب من ) منتن ( هو َ‬
‫س ِنه الطعام‬
‫طعمه ولونه أو تغير حاله ‪ ،‬يقال َ‬
‫إذا تغّير وتعفن ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪350‬‬
‫‪3‬‬
‫واستعمل الخير في القرآن في قوله‬
‫تعالى ‪:‬‬
‫] وانظر الى طعامك وشرابك لم يتسّنه ‪‬‬
‫البقرة ‪259 /‬‬
‫بينما استعمل مسنون مكررا ً لوصف المادة‬
‫الولية التي خلق منها النسان ‪:‬‬
‫] ولقد خلقنا النسان من صلصال من حمأ‬
‫مسنون ‪26 / 15 ‬‬
‫واذن فمادة الخلق الولى كانت ) مسنونة (‬
‫ـ موضوعة في شرعة ومنهاج وليست متعفنة‬
‫أو منتنة ‪.‬‬
‫لقد وجدت القصدية أن هناك تغييرا ً مماثل ً‬
‫للعتباط في لفظي ) صلصال ( و ) حمأ ( مما‬
‫يستلزم العتقاد لحد اليقين أن هناك‬
‫) قصدية في هذا العمل ( غايتها إخفاء‬
‫المعلومات عن قصة الخلق وتحويل وجهتها ‪،‬‬
‫لتأكيد صاحب الرسالة ) ص ( على أهمية‬
‫الموضوع في مواقف عديدة ‪.‬‬
‫لقد ثبت في جميع التفاسير أن المسنون‬
‫هو المنتن في وقت ذكرت فيه المعاجم‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪351‬‬
‫‪3‬‬
‫ن ( في باب مختلف ومعنى مختلف‬
‫اللفظ ) س ّ‬
‫س ِنه ( القريب من المنتن ‪.‬‬
‫عن اللفظ ) َ‬
‫يكفي أن نخبرك الن أن قصة خلق آدم )‬
‫‪ ( υ‬هي من الهمية بمكان بحيث أن مث َ‬
‫ل‬
‫المام علي ) ‪ ( υ‬يرى أن ‪:‬‬
‫] الناس لو عرفوا كيف خلق آدم لما‬
‫اختلف رجلن ‪‬‬
‫ولم نفهم مغزى ما فعله العتباط وأهميته‬
‫ا ل ّ بعد إن اكتشفنا العلقات اللفظية المحكمة‬
‫بين هذه القصة وجميع أركان الدين في‬
‫النظام القرآني والتي ربما تأتيك مفصلة في‬
‫ق بإذن الله تعالى ‪.‬‬
‫ب لح ٍ‬
‫كتا ٍ‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪352‬‬
‫‪3‬‬
‫المبحث الحادي والعشرون‬
‫ور الدللــة‬
‫تطـ ّ‬

‫ور ( في ذهن السامع‬ ‫قد تعني مفردة ) تط ّ‬


‫نوعا ً من التغّير اليجابي أو الترقي ‪،‬‬
‫واستعملت المفردة لوصف التغير في اللغة‬
‫الذي يؤدي الى تحولها بنسبة معينة أو تحولها‬
‫التام الى لغة مغايرة للصل على سبيل‬
‫الفرض ـ وهكذا استعملت مفردة‬
‫) التطور ( في كتابات علماء اللغة المعاصرين‬
‫م‬
‫في الغرب وانتقلت الى المشرق ‪ .‬وقد تـ ّ‬
‫نقد قدامى العرب على إهمالهم التطور‬
‫الحتمي الذي يحصل في هيكل اللغة بسبب‬
‫التغّير في دللة اللفاظ ‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى أثنـوا على قدامى العرب‬
‫لتأكيدهم على ما يجوز في اللغة وما ل يجوز‬
‫دوا ذلك واجبا ً نافعا ً ‪.1‬‬
‫وع ّ‬
‫وأول شيء نلحظه هنا هو التناقض أو‬
‫التضاد بين هذين الهدفين ـ إذ من المعلوم أن‬

‫‪1‬‬ ‫التطور النحوي للغة العربية ‪ /‬برجستر اسر ‪. 127 /‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪353‬‬
‫‪4‬‬
‫ده ) غير جائز ( ـ هو بداية‬
‫ما يمكننا أن نع ّ‬
‫الستعمال الذي يقوم بنقل الدللة ‪ ،‬أي أنه‬
‫بداية التطور فإذا آمن المرء بالتطور فعليه‬
‫وز وما ل يجوز ‪،‬‬
‫أن يتوقف عن الحكم فيما يج ُ‬
‫وإن آمن بضرورة تحديد الستعمال فعليه أن‬
‫يتو ّ‬
‫قف عن اليمان بالتطور بهذا المعنى في‬
‫القل ‪.‬‬
‫وهذه المشكلة الدللية ل زالت غير مكتشفة‬
‫عند علماء العتباط الغربيين وتابعهم على‬
‫هذا الخلط بين المرين علماء اللغة في العالم‬
‫وفي العالم العربي ‪ .‬فجمعوا بين هذين‬
‫الهدفين المتضادين في وقت واحد ذاهلين‬
‫) برجستر‬ ‫عن تعارضهما حتى أثبت‬
‫د ‪.‬‬
‫ع واح ٍ‬
‫اسر ( المرين في موض ٍ‬
‫وبصدد هذه المشكلة التي يثيرها الحل‬
‫القصدي تبرز إشكالت عديدة أخرى ل يمكن‬
‫للعتباطية تفسيرها ناهيك عن حّلـها ول تجد‬
‫لها تفسيرا ً وحل ً مرضيا ً ال ّ في المشروع‬
‫القصدي للغة ‪.‬‬
‫فمن تلك الشكالت ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪354‬‬
‫‪3‬‬
‫ما ذكرناه في كتاب اللغة الموحدة وهو أن‬

‫العتباط ل يملك المبّرر الكافي لتأسيس علم ٍ‬


‫ة الستعمال‬ ‫للغة فضل ً عن مبر ٍ‬
‫ر آخر لمراقب ِ‬
‫ما دام يؤمن بالتغّير )التطور( الذاتي للغة كما‬
‫وضعه دي سوسير وسار الجميع من بعده على‬
‫تلك الفكرة وهي ] أن الدللة جزافية َبيـد أن‬
‫تغيرها ليس جزافيا ً [ كما في هذا النص ‪:‬‬
‫) وهذا التطور ل يحدث اتفاقا ً ول يتم‬
‫بطريقة عشوائية فمن وجهة نظر علم اللغة‬
‫الحديث أن التطور ينجم عن عوامل كامنة في‬
‫ك ّ‬
‫ل لغة ما تزال بها حتى تخرج بها من حال‬
‫الى حال ( ‪.1‬‬
‫وقد ذكر شيخ العتباط ) دي سوسير ( أنه‬
‫ليس ثمة من قوة قادرة على تحويل الدللة‬
‫أو إلغاء الدللة ما لم يحدث ذلك بصورة‬
‫تلقائية من داخل الجماعة التي تستعمل تلك‬
‫الدللة ‪.‬‬
‫وقد أشكلنا على ذلك بالسؤال ‪ :‬ما فائدة‬
‫علم اللغة إذن ؟ وما معنى ثناؤهم على الذين‬

‫‪1‬‬ ‫لحن العامة والتطور اللغوي ‪ @ 33 /‬التطور اللغوي التاريخي ‪.41 /‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪355‬‬
‫‪4‬‬
‫وضعوا فكرة ما يجوز وما ل يجوز أو قل ول‬
‫تقل ؟ وبعبارة أخرى كيف تجتمع فكرة‬
‫التطور مع فكرة التصحيح إذا كان التصحيح‬
‫محال ً في ذاته ؟ إذ ل واجب لعلم اللغة سوى‬
‫التصحيح في نهاية المطاف ‪.‬‬
‫قد تجيب العتباطية على ذلك بالقول ‪:‬‬
‫إن الفائدة في ذلك هو المعرفة المجردة ‪.‬‬
‫معترفة بأن الذين امتدحوا التصحيح كانوا‬
‫واهمين وأنهم أقلية في علماء العتباط‬
‫مثل ً ؟!! ‪.‬‬
‫ولكن هذه الجابة تتضمن أمرا ً آخر يّتسم‬
‫باللمنطقية فنحن ننكر كما ينكر جميع العقلء‬
‫وجود معرفة في موضوع ل أثر لها بالمرة‬
‫على ذلك الموضوع ـ وهذا ل يحدث عادة ال ّ‬
‫إذا كانت تلك المعرفة وهما ً أي أنها في‬
‫الواقع ليست معرفة ‪.‬‬
‫وقد تجيب على ذلك بالقول ‪:‬‬
‫أن التغّير والتطور يطرأ على الدللة الخاصة‬
‫باللفظ وعلم اللغة يلحظ التركيب ل الدللة‬
‫وحدها وبذلك يمكنه تصحيح التراكيب بما يتفق‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪356‬‬
‫‪3‬‬
‫والدللة المتطورة ‪.‬‬
‫ولكن هذه الجابة متناقضة في داخلها‬
‫ومخالفة لما عليه العتباطية من أفكار حول‬
‫الدللة وعلقتها بدللة التركيب كله ‪ ..‬فليس‬
‫هناك فصل بين تغّير دللة اللفظ والتغيرات‬
‫المماثلة في التركيب بل العكس تماما ً ‪..‬‬
‫) فإعادة التوازن ( ـ الذي وضعه دي سوسر‬
‫والذي مثل له بالنظام الشمسي الذي يعيد‬
‫توازنه كلما حدث حادث يغ ّير من أوضاع أفراد‬
‫المجموعة ـ يمثل جوهر النظرية العتباطية‬
‫في تطور اللغة ـ لن اللغة نظام وهو يشتمل‬
‫على المركبات فقط دون اللفاظ فل يحدث‬
‫أي تغّير في الدللة ما لم يحدث فورا ً تعديل‬
‫في التركيب والمركبات ‪.‬‬
‫ت ظهورها على‬ ‫إذن فالجابة وإن تو ّ‬
‫قع َ‬
‫لسان أحد علماء العتباط فهي واقعة ضمن‬
‫طرقهم الملتوية للجابة على الشكالت‬
‫والتي تمّيزت بها العتباطية في جميع‬
‫إجاباتها قديمها وحديثها والتي تهدم فيها ما‬
‫وضعته من أسس ومبادئ ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪357‬‬
‫‪3‬‬
‫معلوم أن الحل القصدي يؤمن بالتغير‬
‫ويؤمن بضرورة علم اللغة والمراقبة‬
‫والتصحيح ولكنه يجمع بين المرين بطريقته‬
‫الخاصة التي تنسجم مع مبادئه وتقوم بتقوية‬
‫عناصر منهجه بخلف ما يفعله العتباط ‪.‬‬
‫وخلصة الحل القصدي لهذا الشكال أوضحه‬
‫فيما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ .‬إن الحل القصدي يلحظ التغّير ل‬
‫باعتباره واقعة ل مفر منها وإنما باعتباره‬
‫ظاهرة اجتماعية فعل ً ‪ .‬ولكنه يلحظ أيضا ً أن‬
‫هذا التغير ليس بالضرورة أن يكون تطورا ً بل‬
‫قد يكون تقهقرا ً للغة ‪ ،‬وقد يبقى بنسبة‬
‫مقاربة للصل ‪ .‬فهو ل يختلف مطلقا ً من هذه‬
‫الناحية عن النسان نفسه فالجيل اللحق أما‬
‫أكثر وعيا ً وتطورا ً من الجيل السابق وأما أقل‬
‫تطورا ً أو هو متطور في جهة ومتقهقر في‬
‫جهة أخرى ‪ .‬وبصفة عامة فكل الكائنات تتغير‬
‫أفرادها جميعا ً من حقبة الى أخرى وما يصدق‬
‫على تلك الكائنات في التغير يصدق على اللغة‬
‫ـ وإذن فهناك تغير في اللغة وواجب علم‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪358‬‬
‫‪3‬‬
‫اللغة هو رسم الخط البياني لهذا التغير‬
‫لملحظة اتجاه التغير ورصده ومن خلله يتم‬
‫تأشير مستوى تدني أو تنامي الوعي اللغوي‬
‫وبالتالي المعرفي العام للمجموعة اللغوية –‬
‫و بهذا يربط الحل القصدي المعرفة و التطور‬
‫العام بالمعرفة اللغوية وتطورها سلبا ً وإيجابا ً‬
‫ويعتبرهما دالتين متبادلتين في تأثر إحداهما‬
‫بالخرى ‪ .‬فهو يرفض أن يكون التغير واقعا ً ل‬
‫مفر منه ويرفض كذلك أن يكون تلقائيا ً‬
‫بالمعنى السلبي التام ويرفض ثالثا ً عدم‬
‫إمكانية التأثير في الستعمال وبذلك يعطي‬
‫لنفسه الحق في تأسيس علم اللغة خلفا ً‬
‫ى وهدفا ً‬
‫للعتباط ويجعل لهذا العلم مغز ً‬
‫يسعى إليه ‪.‬‬

‫ب ‪ .‬أما كيف يتمكن الحل القصدي من ذلك‬


‫ولماذا يمتلك وحده حق تأسيس علم اللغة‬
‫ي واضح ‪:‬‬
‫فالمر أوضح من أ ّ‬
‫) ىى ىىىىى ىىىىىىى ىىىىىىى ىى ىىىى‬
‫ىىىىىى ىى ىىىى ىىى ىىىى ىىىىىى (‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪359‬‬
‫‪3‬‬
‫فأنك إذا قلت ‪ :‬أن اللفظ ل يمتلك أّية دللة‬
‫مسبقة وإنما هو اتفاق وتؤكد مرة أخرى أن‬
‫هذا التفاق اعتباطي الصورة وأن النكليز‬
‫اتفقوا جزاف ا ً على مثل لفظ ) ‪( sister‬‬
‫والعرب اتفقوا على لفظ ) أخت ( وانه ليس‬
‫من علقة بين اللفظين ول دللة فيهما على‬
‫الخت الفعلية ـ فليس من حقك بعد ذلك‬
‫العتراض على أي تغير يجري جزافا ً في هذين‬
‫اللفظين أو عند ظهور لفظين آخرين يحلن‬
‫محلهما لن تلك التغيرات واقعة في القاعدة‬
‫العتباطية للستعمال التي آمنت بها‪.‬‬
‫ول تمتلك حق التصحيح والمراقبة ال ّ إذا‬
‫اعتقدت بوجود علقة فعلية بين اللفظ‬
‫والفكرة بحيث أن اللفظ يمتلك دللة مسبقة‬
‫على ك ّ‬
‫ل استعمال ‪ .‬ففي هذه الحالة تستطيع‬
‫ت في صحة أو خطأ الستعمال الدللي‬
‫الب ّ‬
‫مثلما يمكنك مراقبة وتصحيح التراكيب‬
‫المتنوعة التي تتضمن تلك الدللة ‪.‬‬
‫ومعنى ذلك أن النحو والصرف والبلغة‬
‫) وليس المعاني وحدها ( في العتباطية ل‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪360‬‬
‫‪3‬‬
‫تتجاوز كونها وصف ا ً للكلم كما هو ولن يكون‬
‫بمقدورها النفاذ الى جوهر علم اللغة‬
‫لتفسيرها فض ل ً عن مراقبتها وتصحيح‬
‫استعمالتها ‪.‬‬
‫هذا يعنى أن القصدية ترى أن ما فعله‬
‫السلف من التصحيح وتحديد ما يجوز وما ل‬
‫يجوز فضل ً عن كونه نقيض العتباطية فهو‬
‫قائم على فهم الدللة فهم ا ً اعتباطيا ً ‪ .‬فكان‬
‫هذا التحديد هو ما يخص حقبة زمنية معينة‬
‫وملحظة استعمالتها فمن الطبيعي بل‬
‫والحتمي أن ل يعتني بتطور اللغة ‪ ،‬بل ل‬
‫يعتني بالتغيرات العامة ‪ ،‬بل هو في طبيعته‬
‫ي ل يقوم على أية قاعدة‬
‫وصورته نقدٌ جزاف ّ‬
‫ثابتة ‪.‬‬
‫إن هذا المر هو الوحيد الذي يفسر لنا‬
‫الختلف النحوي والصرفي والبلغي وظهور‬
‫الوجه العديدة لعراب الجملة ‪ .‬وذلك‬
‫لنعكاس المر كله خلفا ً لسس العلم‬
‫الحقيقي فالمعنى الذهني للمتلقي ينعكس‬
‫على رأيه في تركيب الجملة وإعرابها ـ بينما‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪361‬‬
‫‪3‬‬
‫واجب العراب تحديد مواضع ومحال اللفاظ‬
‫بما يؤدي الى تحديد المعنى العام للجملة ‪.‬‬
‫ويفسـر لنا كذلك جميع الشكالت الواردة في‬
‫الصرف والنحو والبلغة وحالة التخبط‬
‫المستديمة فيها كما يفسر لنا سببا ً من‬
‫أسباب تجاوز النصوص وعدم احترامها على‬
‫أيدي العتباطيين حيث أسقطوا عليها‬
‫معانيهم الذهنية والصطلحية حذفا ً وتقديرا ً‬
‫وتقديما ً وتأخيرا ً ‪.‬‬

‫ج ‪ .‬إن الحل القصدي يمتلك الدللة‬


‫المسبقة لكل لفظ في أ ّية لغة في العالم من‬
‫خلل تحديده لمعاني الصوات وبالتالي فك ّ‬
‫ل‬
‫تعاقب صوتي هو كائن مستقل قائم بذاته إذ‬
‫ل يشبهه أي تسلسل آخر للصل ول يحل‬
‫محله أي عضو آخر وهو بمجموعه يمثل حركة‬
‫سدة ذات صورة حركية ‪.‬‬
‫مج ّ‬
‫وتبرز من ذلك نتائج عديدة أهمها هنا ‪:‬‬

‫ل استعمال أما يكون جزءا ً من‬


‫الولى ‪ :‬إن ك ّ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪362‬‬
‫‪3‬‬
‫تلك الحركة العامة أو خارجها ‪ .‬فإن كان‬
‫م ‪ ،‬إذ هو يريد حركة‬
‫خارجها فالمتكلم واه ٌ‬
‫لفظ آخر غير هذا اللفظ ـ ومن هنا يمتلك‬
‫الحل القصدي أحقّية التصحيح ‪ .‬وإما إذا كان‬
‫ضمن تلك الحركة فهو استعمال حقيقي سواء‬
‫كان يحاكي الحركة تشبيها ً أو تمثيل ً أو في‬
‫تسلسل الصوات أو في نتائجها فليس في‬
‫الحل القصدي أي صورة من صور المجاز الذي‬
‫تذكره العتباطية ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬إن الحركات ) أو العلمات ( ـ‬


‫الفتحة والضمة والكسرة ـ هي صور وأجزاء‬
‫من أحرف العلة تفعل فعل تلك الحرف في‬
‫توجيه الحركة فكل لفظين تشابها في‬
‫التعاقب واختلفا في العلمات فالحركة العامة‬
‫واحدة ولكن النتائج المتحصلة من تلك الحركة‬
‫وأهدافها وغاياتها مختلفة بمعنى آخر أن هذه‬
‫العلمات تتحكم في ) زمان ومكان ( الحركة‬
‫العامة ‪.‬‬
‫وبناءا ً على ذلك يرفض الحل القصدي رفضا ً‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪363‬‬
‫‪3‬‬
‫قاطع ا ً وجود ) مثلث ( مختلف العلمات متفق‬
‫جذوة ‪،‬‬
‫) ال َ‬ ‫المعنى مثل ‪:‬‬
‫جذوة ( ـ بالفتح والكسر والضم‬
‫جذوة ‪ ،‬ال ُ‬
‫ال ِ‬
‫على الترتيب ‪.1‬‬
‫حيث زعمت العتباطية في عشرات من تلك‬
‫اللفاظ اتفاق المعنى فيها ‪ .‬فالحل القصدي‬
‫ل يؤمن ال ّ بالمثلث المختلف المعاني وهو‬
‫قادر على تحديد تلك المعاني المختلفة على‬
‫دده من قيمة مسبقة للصوات‬
‫ما ح ّ‬
‫والعلمات ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬إن أكثر ما تذكره العتباطية من‬


‫أمثلة على تطور الدللة كان تغّيرا ً واقعا ً‬
‫ضمن الحركة العامة للتعاقبات وليس خروجا ً‬
‫عليها ‪ .‬وقد ذكرت بهذا الصدد حقيقتين‬
‫لمستهما من سلوك العتباطية ‪ :‬أما الولى‬
‫وام أكثر صوابا ً‬
‫ع ّ‬
‫فهي أن الحس اللغوي عند ال ُ‬
‫ودقة من قوانين العتباط ـ لن العتباط‬
‫يفسر المر بالجزافية بينما الحس اللغوي‬

‫‪1‬‬ ‫المثلث ‪ /‬ابن السّيد البطليوسي ـ ‪. 393‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪364‬‬
‫‪4‬‬
‫متمسك بما يشعر أنه قيمة ذاتية في‬
‫ما الحقيقة الثانية فهي أن‬
‫التعاقب ‪ .‬وا ّ‬
‫العتباط يتوهم مرتين ‪ ،‬مرة حينما يتصور‬
‫المعنى الذهني المتبادر إليه من استعمال‬
‫واحد أنه هو الصل في دللة اللفظ ومرة‬
‫أخرى حينما ل يتحّرى بصورة جدّية عن‬
‫الستعمالت المتنوعة للتعاقب تاريخيا ً ‪.‬‬
‫مثال ذلك زعمه أن ) ‪ ( hard‬كانت تستعمل‬
‫لما هو صلب من المادة كالحجر والجوز ثم‬
‫استعمل لما هو صلب معنويا ً ‪ .1‬لكن الصل في‬
‫) الهاء ( فيه هو ) الحاء( ومصدره الول‬
‫التعاقب العربي ) حرد ( الذي يعني الخشونة‬
‫والصلبة في ك ّ‬
‫ل شيء ـ فحركة التعاقب‬
‫دد الستعمال وفي هذا التعاقب ل‬
‫الداخلية تح ّ‬
‫تحديد بالماديات فقط ويكمن الوهم في عدم‬
‫صي الستعمالت القديمة والعتماد على‬
‫تق ّ‬
‫الثار المادية ومخلفات القوام التي ورد فيها‬
‫ص الحجر والجوز ‪.‬‬
‫استعمال جزئي وهو ما يخ ّ‬
‫و مثال آخر من اعتباط العرب ‪:‬‬

‫‪1‬‬ ‫الترادف في اللغة ‪ /‬حاكم مالك ـ ‪.23‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪365‬‬
‫‪4‬‬
‫م ّلة ( بفتح الميم في الصل‬ ‫قالوا أن ) ال َ‬
‫هي الرماد الحار ثم قالوا ‪ ) :‬أكلنا مّلة (‬
‫ويعنون به نوع من الخبز يوضع على النار ل‬
‫في التنور ‪.‬‬
‫أقول هذا وهم عجيب فالناس في قرانا ل‬
‫زالوا يقولون ‪ ) :‬أكلنا خبز مّلة ( ول يقولون ‪:‬‬
‫) أكلنا ملة ( ‪.‬‬
‫دعي أن القائل كاذب لنه إن‬
‫ول أريد أن أ ّ‬
‫سيءٌ‬‫صح فل نقل للدللة وإنما هو اختصاٌر ّ‬
‫ك في ذلك فاذهب الى‬ ‫للكلم فان كنت تش ّ‬
‫الشيوخ في العراق وحادثهم عن خبز المّلة‬
‫م ّلة بغير ما ذكر‬
‫فان رأيتهم يقولون نأكل َ‬
‫لمفردة الخبز فإ ّنا نبرأ من كتبنا كلها ‪.‬‬
‫وهذا مثال آخر ‪ :‬زعم أن قولهم ) هذا يوم‬
‫ت ( هو للدللة على أنه مطير فتنقل دللة‬
‫شا ٍ‬
‫أحد اللفظين الى الخر للعلقة بينهما ‪ .‬وهذه‬
‫أكذوبة فإننا ل زلنا نستعمل هذه الجملة كلما‬
‫حل الشتاء فإذا حدث برد مفاجئ وريح بعد‬
‫دفئ قلنا هذا يوم شات أو هذا من أيام الشتاء‬
‫ول نريد به المطير بل نريد به يوما ً من أيام‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪366‬‬
‫‪3‬‬
‫الشتاء في مطره وبرده وهبوط شمسه سواء‬
‫بسواء ‪ .‬بل سمعنا أحدهم يقول لنا ‪ :‬أنظر‬
‫هذا اليوم كأنه من أيام الشتاء وكان صحوا ً‬
‫دافئا ً قبل الموسم فانتبهنا لذلك ونظرنا فإذا‬
‫هو يريد به هبوط الشمس وطول الظل وكان‬
‫الشتاء بمطره وبرده قد تأخر فلما تذكرنا أنه‬
‫أول شهر من الشتاء فعل قلنا له ‪ :‬لقد‬
‫صدقت ! وذلك لن الصورة صورة شتاء ‪.‬‬
‫وهذا مثال آخر ‪ :‬زعم صاحب الضداد أن‬
‫ده صاحب‬
‫لفظ الدنيا أصله الحياة الدنيا وع ّ‬
‫الترادف من أسباب ظهور الترادف وهو حذف‬
‫المضاف فإن صح فهو اختصار ل نقل للدللة‬
‫وكيف يصح وقد أثبتنا في أحد البحاث أن‬
‫القرآن استعمل الدنيا والحياة الدنيا بنظام‬
‫صارم وفّرق بينهما تفريقا ً بّينا ً ؟ ووجدنا أمرا ً‬

‫عظيما ً في هذا التفريق يأتيك في موضع ِ‬


‫ه أن‬
‫شاء الله ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬ومن نتائج ذلك أن فهم الصول‬


‫اللغوية سوف يتغّير في الحل القصدي‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪367‬‬
‫‪3‬‬
‫فالحركة العامة للصوات واحدة وعند محاولة‬
‫فهم لفظ مثل ) ‪ ( maker‬وما يقابله في‬
‫العربية فليس المقابل هو ) صانع ( بل‬
‫القرب في أداء ذلك التعاقب بين الميم‬
‫والكاف والراء وسوف تجده في العربية في‬
‫) مكر ( أو ) ماكر ( وهو الذي يجد لكل أمرا ً‬
‫مخرجا ً ـ لن المكر ليس صفة ذميمة بل براعة‬
‫وإتقان وسعة معرفة سلبا ً وإيجابا ً سواء‬
‫بسواء لقوله تعالى ‪ ) :‬والله خير الماكرين( ـ‬
‫ه عند العرب بأهل‬
‫وإن كان قد تحدد استعمال ُ‬
‫المخادعة فهنا يبرز دور علم اللغة في تصحيح‬
‫وتوضيح الستعمال تعميما ً أو تقييدا ً أو حسب‬
‫التعاقب ‪.‬‬
‫فكذلك يختلف المر عند ترجمة المفردات‬
‫من نظام الى آخر إذ ُيوجب الحل القصدي‬
‫البحث عن تسلسل الصوات ذاته في اللغة‬
‫الخرى فل يصح ترجمة )نجيب( من العربية‬
‫الى ) ‪ ( noble‬النجليزية والفرنسية بل يصح‬
‫ترجمة ) نبيل ( إليها وذلك بالمحافظة على‬
‫تعاقب الصوات الساسية من غير أحرف علة‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪368‬‬
‫‪3‬‬
‫في القل أي مجيء الباء بعد النون ومجيء‬
‫اللم بعد الباء بهذا الترتيب ذاته ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬يتوجب في الحل القصدي‬


‫ملحظة التغ ّيرات من لغة الى أخرى وضبطها‬
‫وتفسيرها ـ فقد تستعمل أمم مختلفة نفس‬
‫التعاقب الصوتي بتمثلت مختلفة لحركته‬
‫فيتوهم البعض أنها مفردات مختلفة كما‬
‫يتوجب ملحظة النحراف البياني في‬
‫الستعمال مثال ذلك ‪:‬‬
‫أننا إذا أخذنا أي تعاقب مثل ) ر ـ د ( فيمكن‬
‫إدخال أكثر من حركة بينهما مثل راد ‪ ،‬رود ‪،‬‬
‫ريد ) بياء مخففة على زنة يقرأ في‬
‫َريد ‪ِ ،‬‬
‫النجليزية ( ‪.‬‬
‫فالمعجم المسمى مجمع اللغات اثبت لـ‬
‫‪‬في‬
‫‪‬‬ ‫هو‬
‫ى ‪ ‬‬
‫) راد ( العربية معن ً‬
‫الفرنسية ومثل له بارتياد القمر ‪.‬‬
‫ولكن يتوجب التفتيش عن هذا التعاقب‬
‫بعينه في الفرنسية والنجليزية فنحن نلحظ‬
‫‪  ‬في الفرنسية وقد أعطاه‬ ‫في مثل ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪369‬‬
‫‪3‬‬
‫و‪ ‬في الفرنسية ولكننا‬
‫‪‬‬ ‫معنى ‪    ‬‬
‫نلحظ أنه أعطاه معنى ‪ ‬وكذلك‬
‫‪‬في النجليزية ميناء أو مرفأ ‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫أما التعاقب المشابه في النجليزية فهو‬
‫‪ ( ‬في‬ ‫‪ ‬وقد أعطاه معنى )‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫الفرنسية ومرادف هو )‬
‫( والمعنى هو إغارة أو غارة ‪.‬‬
‫‪    ‬في‬ ‫ولكنه أعطى للباب‬
‫النجليزية معنى ‪     ‬في الفرنسية ‪.‬‬
‫ويدخل الشكال هنا في نفس سطورنا‬
‫حينما نريد توضيح المر في اللغة العربية لننا‬
‫بازاء اعتباط يجعل تعاقب الصوات مقلوبا ً‬
‫ويؤدي بالنهاية الى نفس الدللة وهو ظاهر‬
‫في تقدم الدال على الراء في ‪ ‬حيث‬
‫ساوى اللفظ الذي انعكس فيه التسلسل‬
‫وتقدم الراء على الدال في ‪ ‬من‬
‫‪.‬‬ ‫خلل مرادف لكليهما هو ‪    ‬‬
‫أن سبب ذلك هو حدوث ) إزاحة ( تدريجية‬
‫لستعمال اللفظ على المحور والذي أوضحته‬
‫بأمثلة في كتاب اللغة الموحدة ـ وهو نوع من‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪370‬‬
‫‪3‬‬
‫التسامح الشديد في استعمال المرادفات‬
‫والذي هو نوع من العتباط شارك فيه علماء‬
‫اللغة وطرائق الترجمة ‪.‬‬
‫ل نرى في الحل القصدي أن اللغة نظام ل‬
‫سيطرة عليه مطلق ا ً مثل ما تراه العتباطية‬
‫في موضوع ) تغّير اللغة ( الذي ابتدعه دي‬
‫سوسر فنحن نرى العكس من ذلك وهو أن‬
‫التغ ّير في النظام اللغوي هو نتاج صراع بين‬
‫القصدية والعتباط وبين العلم والجهل‬
‫فالصراع بين أول طرفين ينتج عنه تغّير نوعي‬
‫وبين الطرفين الخرين ينتج عنه تغّير كمي‬
‫فالعتباط له أثر سيء في التغّير النوعي‬
‫بينما ل نجد ال الثر الحسن نوع ا ً وكما ً‬
‫للقصدية ‪.‬‬
‫فالعتباط باعتباره أهم مشتغل في علم‬
‫اللغة والدب حافظ على اللغة من الناحية‬
‫الكمية فقط بوجه الجهل الذي ل يحتاج ال ّ‬
‫الى العدد الدنى من اللفاظ ولكنه أساء الى‬
‫نظام اللغة من جهة النوع باستعماله الترادف‬
‫بطريقة تعسفية واعتباطية كان من نتائجها‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪371‬‬
‫‪3‬‬
‫على منهجنا جميع الخلفات الفكرية وضياع‬
‫الحقائق بل وخلق الفئات المتنافرة ومن ثم‬
‫الحروب الفعلية ‪ .‬فنحن ل نفصل مطلقا ً بين‬
‫الوجوه المتعددة للعتباط ونعتبره منهجا ً‬
‫واحدا ً يعمل في كافة النشاطات الجتماعية‬
‫والعتباط اللغوي هو أحد أسلحته الفتاكة ‪.‬‬
‫إن اكتشاف الحركة العامة للصوات وقيمتها‬
‫المسبقة أدى الى تأكيد وتوحيد القيمة‬
‫المسبقة لكل تعاقب وبالتالي فقد سقط‬
‫الترادف والمجاز تلقائيا ً ‪ .‬واذن فيتوجب الن‬
‫التمييز بين الستعمال القصدي للتعاقب‬
‫والستعمال العتباطي ‪ .‬ومع ذلك فأننا‬
‫سنناقش موضوع الترادف في البحث اللحق‬
‫لنبرهن أن هذا الموضوع ساقط عن العتبار‬
‫قبل كشف أية قيمة مسبقة للتعاقبات ‪.‬‬
‫المبحث الثاني والعشرون‬
‫إبطال الترادف‬

‫لحظت في بحث سابق كيف أدت المساواة‬


‫بين لفظ ) مسنون ( و ) منتن ( الى تشويه‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪372‬‬
‫‪3‬‬
‫قصة خلق النسان في القرآن بحيث أصبحت‬
‫ِ‬
‫مير‬
‫ح ّ‬
‫تشبه الساطير وذلك في قائمة ألفاظ ِ‬
‫ومرادفاتها من لغة قريش ‪ .‬ومثل هذا‬
‫التخريب تجده في ك ّ‬
‫ل آية قرآنية وكل مقطع‬
‫من آية فليس بأيدينا اليوم أي تفسير منهجي‬
‫للقرآن سوى التفسير العتباطي ‪.‬‬
‫ول أريد الخوض في مجادلتهم عن الترادف‬
‫وحقيقته فقد تكفل كتاب "اللغة الموحدة"‬
‫بنسف موضوع الترادف من أصله بكشفه عن‬
‫قيمة الصوات ‪ .‬أريد فقط أن ُأبين وكما جرت‬
‫العادة في هذا المنهج بأن العتباط غيُر‬
‫ر في إيمانه بالترادف ولو كانت القيمة‬
‫معذو ٍ‬
‫السابقة للصوات خافية لديه لن أبحاثه عن‬
‫الترادف ومسوغاته كانت متناقضة في ذاتها ‪.‬‬
‫ويكفي لفهم هذه النقطة بصورة عامة أمٌر‬
‫واحدٌ وهو أن مبررات الترادف هي عينها‬
‫مبررات اعتباطية الشارة اللغوية وإذن‬
‫فسقوط هذه عن العتبار يعني سقوط‬
‫مبررات الترادف ‪.‬‬
‫دعت العتباطية‬
‫وأما على التفصيل فقد ا ّ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪373‬‬
‫‪3‬‬
‫أن أدلة المنكرين للترادف تقوم على‬
‫) التوقيف ( الذي يراد به وقف اللفظ على‬
‫معنى محدد وبالتالي فل ألفاظ متعددة تشير‬
‫الى ذات المعنى ول لفظ واحد يشير إلى‬
‫معاني متعددة لن ذلك بخلف الحكمة من‬
‫الوضع فكل لفظ موقوف على معنى واحد ‪.‬‬
‫وهذا كما ترى هو نفس فكرتنا القصدية‬
‫القائلة بوجود دللة واحدة لكل لفظ سوى أننا‬
‫اكتشفنا أن اللفظ والدللة شيء واحد لوجود‬
‫القيمة الكامنة في الصوات وتعاقباتها وهو‬
‫الذي جعل الفكر العتباطي يسقط دفعة‬
‫واحدة بكامله ‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬زعم العتباط أن هذا الدليل ل يقوم‬
‫على أساس متين بدعوى أن أصل اللغة ل زال‬
‫موضع خلف بين العلماء ‪ ،‬وثانيا ً لن الترادف‬
‫ل يرجع الى أصل اللغة وإنما المقصود به بعد‬
‫ما تجاوزت اللغة ذلك العهد وتطورت وتوسعت‬
‫فصار الترادف ظاهرة لغوية قائمة ‪.‬‬
‫دان سوية في النص التالي ‪:‬‬
‫وقد ظهر الر ّ‬
‫) وأما قول هؤلء بدفع جواز الترادف‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪374‬‬
‫‪3‬‬
‫وإنكاره وذلك باعتبار أن اللغة توقيف وأن‬
‫واضعها عز وجل حكيم عليم ل يمكن أن يضع‬
‫أكثر من لفظ على معنى واحد وهو أمر تج ّ‬
‫ل‬
‫دة ل‬
‫عنه اللغة فإن في أصل اللغة نظريات ع ّ‬
‫يمكن القطع بأحدها وما تزال موضع خلف‬
‫بين العلماء ومثار قول كثير ‪ .‬فابن جّني مثل ً‬
‫حين عرض القوال بشأنها تردد فيها ولم‬
‫يقطع بشيء ‪.‬‬
‫أما المحققون من المحدثين فيستبعدون‬
‫هذه المسألة من دائرة البحث اللغوي ويرون‬
‫أن ل جدوى من البحث فيها لعدم تو ّ‬
‫فر الدلة‬
‫للبت فيها ولتصالها بالتاريخ البدائي للبشرية‬
‫‪ .‬ونحن ل ننظر الى الترادف تبعا لصل اللغة‬
‫ونشأتها وإنما بعد أن تجاوزت طـــور نشأتها‬
‫ور وصارت‬
‫سع والتط ّ‬
‫هدها الستعمال بالتو ّ‬
‫ع ّ‬
‫وت َ‬
‫ظاهــرة اجتماعية متطورة ‪.1 (..‬‬
‫ويشمل ردنا القصدي على هذا النص على‬
‫تنبيه القارئ الكريم أن هذا النص هو نص‬
‫اعتباطي في منطقه وأغراضه ‪ .‬فالعتباطية‬

‫‪1‬‬ ‫الترادف في اللغة ـ حاكم مالك ‪. 206 /‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪375‬‬
‫‪4‬‬
‫وكما أسلفت وكررت مرارا ً تخلط الشياء‬
‫ببعضها وميزتها الساسية أنها بل منطق ول‬
‫أهداف ‪.‬‬
‫لننا نقول أن علم اللغة هو في الساس‬
‫للبحث عن الدللة وأصل اللغة ودللتها‬
‫الصلية هي موضوع علم اللغة فكيف نستمر‬
‫في دراسة اللغة ونتجنب في عين الوقت هذه‬
‫الدللة بحجة أن هناك نظريات غير مقطوع‬
‫بها ‪ ..‬فتلك النظريات إنما ظهرت كنتيجة‬
‫للبحث عن الدللة وأقل ما يمكن أن يقال‬
‫منطقيا ً هو استمرار المناقشة عن الصل‬
‫ليجد العتباط به مسوغا ً لستمراره بالحديث‬
‫عن اللغة ـ أما أن يريد الستحواذ على‬
‫الموضوع برمته وقطع المناقشة والبت‬
‫بموضوع الدللة من حيث ل يدري ما هي‬
‫الدللة فذلك هو استبداد العتباطية‬
‫عرفت به منذ القدم‪.‬‬
‫واستكبارها الذي ُ‬
‫دعى النص أن ) ابن جّني ( وابن‬
‫لقد ا ّ‬
‫درستويه والعسكري وابن فارس كانوا من‬
‫القائلين بالتوقيف أو كانوا ممن لم يقطع‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪376‬‬
‫‪3‬‬
‫بشيء في جواز الترادف وعدمه فالعتباط‬
‫يستعمل سكوتهم للبرهنة على جواز الترادف‬
‫ـ بينما سكوتهم ل يعني سوى استمرار الحوار‬
‫بشأن الصل وذلك إذا غضضنا الطرف عن‬
‫) ميلهم ( الى التوقيف أي الى القصدية في‬
‫اللغة ‪.‬‬
‫فالعتباط ل يكتفي بأفراده العتباطيين‬
‫على كثرتهم وإنما يحاول استعمال مقولت‬
‫القصديين لصالحه مثل أي جبار في الرض‬
‫دعي أن الذين يعارضونه على قّلتهم إنما‬
‫ي ّ‬
‫يؤيدونه من وجه آخر ‪.‬‬
‫دعاء الخر فهو اعتباطي أيضا ً نصا ً‬
‫وأما ال ّ‬
‫وروحا ً لنه يزعم أن الترادف المقصود هو‬
‫بعدما توسعت اللغة وتطورت فكأنه يقول أن‬
‫اعتباطية الشارة أصبحت واقعا مفروغ ا ً منه ‪،‬‬
‫فحتى لو ثبت رأي المانعين من الترادف على‬
‫أصل اللغة فعليهم أن يتنكروا لهذه الحقيقة‬
‫ويكونوا اعتباطيين لضياع هذا الصل وغياب‬
‫القصدية فيه !‬
‫والحجة في ذلك هو ) عدم توفر الدلة للبت‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪377‬‬
‫‪3‬‬
‫في أصل اللغة لتصالها بالتاريخ البدائي‬
‫القديم ( ‪.‬‬
‫ترى ما الفائدة من ذكر هذه الحجة والنص‬
‫يرفض الذعان لصل اللغة حتى لو ثبت فيها‬
‫عدم جواز الترادف ؟‬
‫كما تلحظ فأني أقوم بتفكيك عبارات‬
‫لبّين لك نموذجا ً من‬
‫) اللغو العتباطي ( ُ‬
‫نماذج نصوصه المعاصرة ولترى بعينك‬
‫العتباط في المنطق العام ل في الشارة‬
‫اللغوية وحدها ـ لن اعتباطية الشارة يقود‬
‫الى اعتباط فكري عام ل محالة ـ فكل صفحة‬
‫من الكتب المعاصرة والقديمة للعتباط تتصف‬
‫بهذه الصفة المشتركة ‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى أهمل العتباط النظر في‬
‫تاريخ النظام الكتابي وتطور الكتابة وتأثرها‬
‫في ترسيخ الترادف خلفا ً للصل ‪.‬‬
‫فالعتباط يتغاضى عن البحاث الثارية‬
‫والحقائق العلمية لنه ل يجد فيها بغيته ـ فهو‬
‫يدعي زورا ً أن ذلك التاريخ البعيد ل يعطي أية‬
‫معلومات عن أصل اللغة ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪378‬‬
‫‪3‬‬
‫فهذا ) جورج كونتينو ( ـ الثاري الفرنسي ـ‬
‫في كتابه ) الحياة اليومية لبلد بابل وآشور (‬
‫ـ يخصص موضوعا ً لتطور الكتابة من حالتها‬
‫المصورة الى المقطعية ويظهر فيها وبصورة‬
‫جلية الثر السّيئ الذي تركته الكتابة على‬
‫الدللة ـ بل يظهر منه أن الترادف حدث‬
‫بسبب مشكلة العلمات الكتابية ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫) لقى هذا التبديل عونا ً كبيرا ً من التغيير‬
‫الساسي في الكتابة وكما قلنا فان العلمة‬
‫كانت تمثل في الصل شيئا ً واحدا ً ولم تكن‬
‫هناك طريقة للتعبير عن الفعال والصفات‬
‫والضمائر وتصريفات السماء كما لم تكن‬
‫هناك إمكانية لنجاز مثل هذه المور دون‬
‫وجود نوع من التفاق العام بين الكتبة الذين‬
‫كان بإمكانهم إضافة معاني ثانوية الى‬
‫العلمات ‪.‬‬
‫فمثل ً صورة الحصان كانت تقرأ ـ حصان ـ‬
‫فإن الصورة إياها يمكن أن تعطي معنى ـ‬
‫السرعة أو الحركة أو المسافة التي يشملها‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪379‬‬
‫‪3‬‬
‫السفر ‪.1‬‬
‫لم يكن هذا العالم الثاري يقصد تفسير‬
‫الترادف مطلقا ً وإنما جاء هذا النص عرضا ً‬
‫خلل بحثه عن تطور الكتابة ومشاكلها ولكنه‬
‫كما ترى مخالف لعتباطية دي سوسر وأتباعه‬
‫‪ .‬فالعلمة كانت تشير الى شيء واحد في‬
‫الصل في نظام الكتابة كما يقول النص وهذا‬
‫غير ممكن أبدا ً ال ّ إذا كانت العلمة تشير الى‬
‫ذلك الشيء عينه في الواقع ـ ولو كانت هناك‬
‫مترادفات في الصل لظهرت المشكلة منذ‬
‫البدء إنما ظهر الترادف لول مرة ليحل‬
‫مشكلة الشارة الى الفعال وبقية التصاريف‬
‫ومعلوم أن ذلك سينعكس بالتدريج على‬
‫الدللة حينما تحولت الكتابة الى صورتها‬
‫المقطعية ومن ثم الى المسمارية وبخاصة‬
‫وهو يعتبر ) الكّتاب ( نخبة المجتمع القديم‬
‫بحيث أن ) آشور بانيبال ( ـ في إحدى سجلته‬
‫الفتخارية يفتخر أنه يتقن الكتابة اتقانا ً‬
‫تاما ً ‪.2‬‬

‫‪1‬‬ ‫الحياة اليومية لبلد بابل وآشور ‪ /‬جورج كونتينو ـ ‪. 310‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬ ‫الحياة اليومية لبلد بابل وآشور ‪ /‬جورج كونتينو ـ ‪. 300‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪380‬‬
‫‪5‬‬
‫لقد عثرنا على نصوص ) كونتينو ( هذه‬
‫حدة موضوع العلقة‬
‫بعدما أكدنا في اللغة المو ّ‬
‫بين تعدد المعاني للمفردة وتعدد المفردات‬
‫للمعنى الواحد واعتبرنا الظاهرتين من منشأ‬
‫ة واحدةً في الصل‬ ‫د وتش ّ‬
‫كلن مشكل ً‬ ‫واح ٍ‬
‫وأنهما من المقبول بل الواجب اعتبارهما‬
‫مشكلة واحدة حدثت بسبب أنظمة كتابية‬
‫معقدة خلل حقب التاريخ أو لجهل وضياع‬
‫الدللة من خلل تفرق واجتماع القوام‬
‫وخلل الترجمة ‪ .‬وها نحن اليوم نعثر على‬
‫نص آخر قريب لكونتينو يؤكد الظاهرتين حيث‬
‫قال ‪:‬‬
‫) ونتيجة لذلك فان علمة أو رمز مفرد‬
‫يمكن أن يكون لها أو له في هذه المرحلة عدة‬
‫معاني ‪ .‬وعلى نقيض هذا نجد أن معنى واحد‬
‫يمكن أن يكون له عدد من العلمات ‪ .‬وهكذا‬
‫أصبحت المجموعة بأكملها من اختصاص‬
‫الخبراء وتحولت الى مهارة علمية راقية‬
‫وشديدة التعقيد الى درجة أن الرجل العادي ل‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪381‬‬
‫‪3‬‬
‫يمكن أن يدركها ( ‪.1‬‬
‫أقول إن هذا الحال هو حال اللغة اليوم ـ‬
‫ولكن أليس من الغريب أن يكون هذا هو حال‬
‫اللغة اليوم ـ ل الكتابة ـ مع أن الكتابة أصبحت‬
‫ميسورة للجميع بفضل التحول الى رموز‬
‫للصوات نفسها ) الحروف ( بدل ً من‬
‫اللفاظ ؟‬
‫فبماذا تجيب العتباطية على مشكلة‬
‫النفصال بين الجماعة وإدراك اللغة وبقاء‬
‫علم اللغة موضوعا ً خاصا ً ـ ومع ذلك يختلف‬
‫حوله وفيه المختصون اختلفا ً شديدا ً ؟‬
‫ذلك لن غياب الدللة القصدية للشارة قد‬
‫استمر الى اليوم ولم يتمكن الرمز الكتابي‬
‫الجديد من إنقاذ الدللة ولكنه تمكن فقط من‬
‫تثبيت العتباط في الستعمال إلى حدوده‬
‫التي بلغها ـ أما الترادف فهو اعتباط تفسيري‬
‫ل لغوي فالناس يدركون جيدا ً الفرق بين‬
‫دعي العتباط تساويها‬
‫المترادفات والتي ي ّ‬
‫في الدللة ‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫نفس المصدر ‪. 311 /‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪382‬‬
‫‪4‬‬
‫إشكالت العتباط حول إنكار الترادف ‪:‬‬
‫ومن الشياء التي آثارها العتباط واعتبرها‬
‫حجة على وقوع الترادف نلحظ ما يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬إن حجة المنكرين للترادف القائمة على‬
‫العقل والحكمة ) نرى فيها نظرة منطقية‬
‫محضة وحجة عقلية بحتة مبعثها القول‬
‫بالتوقيف ‪ .‬والخذ بالمنطق العقلي والحكمة‬
‫في النظر الى الظواهر اللغوية فيه إجحاف‬
‫وبعد عن طبيعة اللغة ‪ ...‬فاللغة في كثير من‬
‫جوانبها لها منطقها الخاص الذي يبدو في‬
‫اكثر الحيان على جانب كبير من الغرابة ( ‪.1‬‬
‫لقد بلغت الجرأة بالعتباط أن يجعل‬
‫) العتباط ( أمرا ً منطقيا ً وأن المنطق‬
‫والحكمة إجحاف بحق اللغة وبعد عن‬
‫طبيعتها !‬
‫ولك أن تسأل إذا كان المر كذلك فما هو‬
‫الضابط لعلم اللغة وكيف يمكن للعتباط‬
‫نفسه إثبات شيء ما دامت اللغة ل تمت‬
‫بطبيعتها الى أي منطق ؟‬

‫‪1‬‬ ‫الترادف ‪. 207 /‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪383‬‬
‫‪4‬‬
‫ة ل‬
‫بل ما هو المبرر إذن لضبط حرك ٍ‬
‫تنضبط ؟ وما هو المبرر لتع ّ‬
‫قل ما ل يعقل ؟‬
‫وما هو المبرر لتقعيد ما ل تضبطه قاعدة ؟ ‪.‬‬
‫إنه هنا ينقل عبارات دي سوسر القائلة أن )‬
‫اللغة نظام لمنطقي ( وقد ذكرنا أكثر من‬
‫مرة أن العبارة نفسها "لمنطقية" لنها تجمع‬
‫بين مفردتي ) نظام ( الذي يعني وجود منطق‬
‫على نحو ما وبين الوصف ) لمنطقي ( في‬
‫حيلة ماكرة مكشوفة لتبرير الشتغال بعلم‬
‫دعونه‬
‫اللغة من حيث أن ) اللمنطق ( الذي ي ّ‬
‫في اللغة يوجب عدم الشتغال بها !! ‪.‬‬
‫فهل تجعل عبارة ) منطق يتسم بالغرابة (‬
‫أو عبارات دي سوسر مثل ) وهذا المر‬
‫المتناقض في اللغة ( ـ هل تجعل تلك‬
‫العبارات اللغة منطقية أم أنها وصف للغة ؟‬
‫إذا كانوا صادقين في وصف اللغة بهذا‬
‫الوصف فعليهم التخّلي فورا ً عن قول أي‬
‫شيء في اللغة وترك أي بحث فالقصدية‬
‫تلزمهم بهذا العتراف وتعلن للمل أن ك ّ‬
‫ل ما‬
‫كتبه العتباط عن علم اللغة هو محض هراء‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪384‬‬
‫‪3‬‬
‫بإقرار من العتباط نفسه ـ لعلهم يريحوا‬
‫ويستريحوا ‪.‬‬

‫‪ .2‬قال أيضا ً ‪:‬‬


‫) لو كان منطق اللغة كمنطق العقل لوجب‬
‫ال ّ يكون للفظ الواحد سوى معنى واحد( ‪.1‬‬
‫أقول ‪ :‬هذا هو موضوع البحث هل للفظ‬
‫الواحد معنى واحد على الصل أم كثرة ؟ فل‬
‫يمكن استعمال ) فرض اعتباطي ( يقول‬
‫بتعدد الدللة برهانا ً على ل منطقية اللغة ‪ .‬بل‬
‫العتباط هو اللمنطقي وهو يسمي هذه‬
‫العملية في جداله ) بالمصادرة على المطلوب‬
‫( أو ) الدور ( ولكنه يستعملها دوما ً خلفا ً‬
‫لسسه المنطقية ‪.‬‬

‫‪ .3‬وقال أيضا ً ‪:‬‬


‫) وإذ ينكر هؤلء الترادف نجدهم يروون‬
‫طائفة من اللفاظ المختلفة ويذكرون أنها‬
‫بمعنى واحد ‪ ...‬وهو يدل على عجزهم عن‬

‫‪1‬‬ ‫الترادف ـ ‪. 207‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪385‬‬
‫‪4‬‬
‫بيان الفروق ‪ ...‬ثم قال ‪ :‬وفي مسلك هؤلء‬
‫تسليم بالواقع اللغوي وهو ما يعزز مذهب‬
‫القائلين بالترادف الى حدّ كبير ( ‪. 1‬‬
‫أقول ‪ :‬قد أوضحت سابقا ً مغالطات‬
‫العتباط وخلطه بين موضوع البحث ـ ودللة‬
‫المفردة وبين الستعمال الخارجي على شاهد‬
‫وحيد أو مبتدع أو مكذوب أو موضوع لغراض‬
‫البحث ‪.2‬‬
‫وأما عدم التفريق فقد أشار الكاتب وغيره‬
‫الى أنهم اعترفوا بأن الفروق قد تكون‬
‫مجهولة وهذا مرتبط بالستعمال ‪ .‬إنما‬
‫موضوع علم اللغة هو بيان قيمة اللفظ‬
‫الدللية ليكون رقيبا ً على الستعمال فلماذا‬
‫أثنى العتباط على علماء عرب اهتموا بما‬
‫يجوز وما ل يجوز إذا كان الستعمال هو‬
‫المصدر الوحيد للدللة ؟ ومن هو الذي يقدر‬
‫على رد عبارة يقولها أي قائل ) ويتعمد (‬
‫فيها استعمال الدللة بصورة عشوائية ؟ ‪.‬إذ‬
‫ك ّ‬
‫ل عبارة تقال ستكون من ) الستعمال (‬

‫‪1‬‬ ‫الترادف ـ ‪.209‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬ ‫راجع هذا الخلط في المبحث العاشر من هذا الكتاب‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪386‬‬
‫‪5‬‬
‫ولذلك قلنا مرارا ً ل يحق للقائل بالترادف أن‬
‫يزيد شيئا ً على هذه العبارة ويتوجب عليه‬
‫بعدها الصمت مطلقا ً ول يسمح لنفسه في‬
‫إجراء أي بحث في اللغة ليبقى ) منطقيا ً (‬
‫بالحد الدنى ‪.‬‬

‫‪ .4‬وقال أيض ا ً ‪) :‬وتنبه حمزة الصفهاني‬


‫الى هذه الحقيقة ووجه قول المنكرين‬
‫للترادف توجيها ً سديدا ً حين قال ‪ " :‬وينبغي‬
‫حمل من منع على منعه في لغة واحدة فأما‬
‫في لغتين فل ينكره عاقل " ( ‪ .‬ثم قال ‪:‬‬
‫) على أننا ل ننفي الترادف في لهجة واحدة‬
‫البتة ( ‪.1‬‬
‫أقول يقصد بالترادف من لغتين ـ ترجمة‬
‫المفردة الى ما يقابلها وقد برهنا في اللغة‬
‫الموحدة أن لكل تعاقب صوتي قيمته الخاصة‬
‫به ولذلك فل يقع الترادف في جميع اللغات‬
‫في العالم بل هو محال في ذاته أما أن يكون‬
‫في ) اللهجة الواحدة ( حسب ما قال الكاتب‬

‫‪1‬‬ ‫الترادف ـ ‪. 208‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪387‬‬
‫‪4‬‬
‫فقد أعجبه السير في العتباط قدما ً ففاق‬
‫الولين وأراد أن يسبق الخرين ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪388‬‬
‫‪3‬‬
‫القسم الثاني‬
‫إبطال بلغة لجرجاني‬

‫مناقشة كتاب‬
‫) أسرار البلغة (‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪389‬‬
‫‪3‬‬
‫تنبيـــــــــه ‪..‬‬

‫يتغّير اسلوب المناقشة هنا عما مّر سابقا ً‬


‫حيث يّتسم بالقسوة واستعمال مفردات‬
‫هجومية لسببين الول ‪ :‬أننا سنبرهن إن شاء‬
‫ة من تأليف ) دلئل‬
‫الله أن الرجل كانت له غاي ٌ‬
‫العجاز ( هي عكس ما في العنوان فهو‬
‫يستحق في المناقشة من الساليب أقساها‬
‫لتن ّ‬
‫كره للمسلمات اللغوية والعرفية خدمة‬
‫لغراض العتباطية وثانيا ً أنه بدأ بالهجوم‬
‫ت قاسية واستعمل‬ ‫على القصدية بعبارا ٍ‬
‫ة واتهمها بأكثر مما تجده في هذه‬‫ألفاظا ً نابي ً‬
‫الصفحات من كلمنا وهو ما ذكرنا بعضه هنا‬
‫تنبيها للقارئ الى أننا ل نفعل ال ما ُامرنا ‪:‬‬
‫] وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به‬
‫‪ / ..‬النحل ‪126 -‬‬
‫ول حول ول قول ال بالله ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪390‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -1‬بلغة الجرجاني‬

‫مقدمــــــة‬

‫لسنا بحاجة الى التعريف بالجرجاني عبد‬


‫القاهر الذي أضيف الى اسمه لقب )المام ( ‪،‬‬
‫فقد اجمع المتأخرون والسابقون ممن جاء‬
‫بعده ‪ ،‬في شرق المة وغربها على أنه إمام‬
‫هذا الفن ‪ ،‬ورئيسه والمب ّ‬
‫شر به وواضع أسسه‬
‫ضح مسالكه ‪ .‬فليس للبيان من علم يذكُر‬ ‫ومو ّ‬
‫قبل الجرجاني وليست البلغة شيئا ً معلوما ً‬
‫قبل أن يوضح الجرجاني مسالكها وطرقها‬
‫وأنواعها فهو واضع أسس هذا العلم بل منازع‬
‫‪.‬‬
‫وتعدّ ُ‬
‫كتبه في هذا الشأن دستور البلغة‬
‫الول الذي أخذ منه ك ّ‬
‫ل من جاء بعده ‪،‬‬
‫وأصبحت محط أنظار الدارسين لعلوم اللغة‬
‫والقرآن والتفسير والفقه والدب والنقد‬
‫الدبي وش ّراح دواوين الشعر وغيرهم ممن‬
‫يتعاطى العلوم الدينية والنسانية ول تجد‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪391‬‬
‫‪3‬‬
‫أحدا ً في هذه الميادين ل يعرف من هو عبد‬
‫القاهر الجرجاني صاحب ) أعظم ( كتابين في‬
‫البلغة ) أسرار البلغة ( و ) دلئل العجاز ( ‪،‬‬
‫ول فرق في كونهم قدامى أو محدثين ‪،‬‬
‫فقهاء أو مفسرين ‪ ،‬شعراء أو نقاد ‪ ،‬كتـاب أو‬
‫مثقفين ومن جميع المذاهب والمشارب ‪.‬‬
‫درس‬
‫فالزهر والقيروان ومكة والمدينة ت ّ‬
‫درسه النجف وكربلء وبغداد‬
‫الجرجاني كما ت ّ‬
‫وقم ودلهي واستانبول ‪.‬‬
‫ذلك أن الجرجاني خرج من دائرة الصراع‬
‫المذهبي الض ّيق من الباب الخلفي الى دائرة‬
‫الصراع الممي محاو ل ً تأسيس البلغة وعلم‬
‫البيان وإظهار كنوز القرآن وأسراره وجمال‬
‫الدب عموم ا ً وفق مقاييس ومعايير لغوية‬
‫وتركيبية لم يسبقه أحد في كشفها فأظهر‬
‫محاسن اللغة وفّرق بين ما هو حسن وقبيح‬
‫في استعمالها ووضع فكرة النظم القرآني‬
‫وفسر سحر القرآن وجماله بكشفه عن‬
‫استعاراته وكناياته ورموزه وإشاراته وأمثاله‬
‫وتشبيهاته فاح ّبه الجميع لهذا وأخذ عنه هذا‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪392‬‬
‫‪3‬‬
‫الجميع ‪ .‬وإن كان تلمذته ومن جاء بعدهم قد‬
‫انحرفوا قليل ً عن بعض تلك القواعد ال ّ أنهم‬
‫دون عا ّلـة عليه فما تعّلم أحد هذا الفن ال‬
‫يع ّ‬
‫على يديه ‪.‬‬
‫ما كان المنهج اللفظي قد أنكر المجاز‬‫ول ّ‬
‫والستعارة في كتاب الله كاشفا ً عن النظام‬
‫القرآني ‪ ،‬وخالف بذلك ما أجمعت عليه المة‬
‫اللغوية كافة ‪ .‬وجاء بأمر جديد على بعض‬
‫القلوب شديد ‪ ،‬فقد ارتأى بعض الخوان‬
‫اقتلع الفساد من جذره أو اجتثاثه من أصله ‪،‬‬
‫لنهاك فرعه وبتر نسله وأبادة خيله ورجله‬
‫وكشف حبائله ومكره وذلك بإخضاع هذين‬
‫الكتابين لقواعد هذا المنهج ومحاكمتهما وفق‬
‫النظام القرآني والمذهب القصدي للغة الذي‬
‫خالف العتباطية من خلل تحديده قيمة‬
‫مسبقة للصوات واللفاظ ‪.1‬‬
‫فالجرجاني هو حقا ً واضع هذا الفن‬
‫ومؤسسه ويراه المنهج أول من أدخل كلم‬
‫الخالق مع كلم المخلوقين في نفس العبارة‬

‫‪1‬‬ ‫ي ) النظام القرآني ـ مقدمة في المنهج اللفظي ( و ) اللغة الموحدة ( للمؤلف ‪.‬‬
‫ظهر ذلك في كتاب ْ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪393‬‬
‫‪4‬‬
‫وأشار إليهما بنفس الشارة ووصمهما بنفس‬
‫الكناية أو الستعارة وأجرى عليهما معا ً‬
‫تقسيمه وشملهما بنفس القواعد لمحاسن‬
‫الكلم وسقيمه حتى صار يخرج من الية الى‬
‫الشعر ومن قول الجاحظ الى الية بل حرج‬
‫مذكور ‪ ،‬فانخدع بمكيدته علماء المة طوال‬
‫العصور ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪394‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ .2‬التأثيرات النفسية للجرجاني على القّراء‬

‫ل تحسب أخي القارئ أن الباحث في هذا‬


‫المنهج محبا ً للسجع من هذه المقدمة ! لكن‬
‫جرى القلم بذلك ربما لنه عاش لحظات وهو‬
‫ه في الكلم‬
‫يتصفح بلغة الجرجاني وأسلوب ُ‬
‫فأراد أن ينقلك الى تلك الجواء ‪ .‬فتلك‬
‫الجواء كانت مشحونة بالكلم المنمق‬
‫واللفاظ والتراكيب الشديدة الجرس الفارغة‬
‫المعنى والمباراة بين أولئك المتحذلقين في‬
‫فن النثر والكتابة ومنادمة الخلفاء أو الخطابة‬
‫جارية في الحلبة على قدم وساق ‪.‬‬
‫لكن الجرجاني تخلص من هذه التهمة بلباقة‬
‫دم لك ابتداءا ً طبقا ً من اللفاظ‬
‫حينما ق ّ‬
‫والستعمالت الجوفاء في مقارنات جميلة‬
‫لفتح شهيتك لقبول بلغته خشية أن يغص‬
‫النهم بتعبير قرآني ‪ ) :‬ل يأتي الجن والنس‬
‫سه لك وسط صحن‬
‫ولو تظاهروا بمثله ( د ّ‬
‫مليء بما لذّ وطاب من أصناف الشعر‬
‫الجاهلي والسلمي والموي والعباسي وقد‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪395‬‬
‫‪3‬‬
‫ز ّينت حاشيته بألوان مختلفة من القوال‬
‫المأثورة للسلف الصالح والطالح تتخلّله‬
‫عم‬
‫أقوال مأثورة لعهد ما قبل الصحابة ومط ّ‬
‫بأحاديث نبوية ‪.‬‬
‫وكان في الحسبان أن المرء إذا ازدرد‬
‫مقطعا ً من الية القرآنية مع ما يزدرد وهو‬
‫بعد لم يزل جائع ا ً وشرب عليه حديثا ً نبويا ً‬
‫فمن المؤمل أن يزدرد في الوجبات اللحقة‬
‫أطباق ا ً من التراكيب القرآنية ولو كانت خالصة‬
‫‪ ،‬باعتبار أن الفم الذي يتذوق المجاز‬
‫والستعارة فانه لن يفّرق بعد للعتياد عليهما‬
‫بين ما يقوله الملك الضليل وما يقوله الملك‬
‫الجليل ‪ ،‬إذا كان حكمهما في مطعم خان‬
‫البلغة واحدا ً ‪ ،‬ووضعا في قائمة أسعار‬
‫الكلت البديعة سوية ‪.‬‬
‫ول شأن للمنهج اللفظي بصاحب المطعم‬
‫ونواياه ) إنما حسابه عند ربه ( ول يقدر أن‬
‫يز ّ‬
‫كيه مثلما ل يقدر أن يبّريه وما كان ليدخل‬
‫المطعم ليأكل فهو ل يشعر بجوع لتلك‬
‫الكلت ‪ ،‬وإنما أراد إجراء ) الفحص الطبي (‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪396‬‬
‫‪3‬‬
‫غل ً‬
‫حي لهذه الطعمة مست ّ‬
‫وإظهار البيان الص ّ‬
‫شدة الزحام ‪ ،‬واضطرار الناس الى المضغ‬
‫وهم قيام وهو ل يدري بعد ماذا يصنع باللفتة‬
‫وكيف يعلقها وأين ‪ ،‬وهل يرفع الجياع‬
‫اللفتة التي‬ ‫رؤوسهم ليقرأوها أم ل ‪ ! ...‬؟‬
‫تقول ‪ ) :‬إحذروا … الطعام مسموم ! ( ‪.‬‬
‫قال الرسول )ص( ‪:‬‬
‫ب حامل‬
‫ب حامل فقه وما هو بفقيه ور ّ‬
‫)‪ ..‬ر ّ‬
‫فقه الى من هو أفقــــه منه ( ‪.‬‬
‫وتمر عشر صفحات وليس فيه شاهد من‬
‫كلم الوحي ال ّ حديثا ً واحدا ً للنبي )ص(‪ .‬ثم‬
‫تمر أربعون صفحة قبل أن يأتيك بشاهد‬
‫قرآني يرمي به شاهدا ً آخر من غير أن يو ّ‬
‫ضح‬
‫الول أو يذكر نص الثاني ! ‪.‬‬
‫وعلى النحو آلتي ‪:‬‬
‫) ثم انظروا في مخرج قوله تعالى‬
‫) ولتصنع على عيني ‪ .‬واصنع الفلك بأعيننا (‬
‫فلم يجدوا للفظة العين ما يتناوله على حد‬
‫تناول النور مثل للهدى والبيان ‪ ،‬ارتبكوا في‬
‫الشك وحاموا حول الظاهر وحملوا أنفسهم‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪397‬‬
‫‪3‬‬
‫على لزومه حتى يفضي بهم الى الضلل‬
‫البعيد وارتكاب ما يقدح في التوحيد ‪! ( . .‬‬
‫هد للمر ببطء شديد لم يظهر‬
‫وهكذا م ّ‬
‫) بلغة ( النص الول للتشويق والمح الى نص‬
‫لم يذكره آمل ً في أن يأتيك به بعد حين ‪ ،‬كمن‬
‫يمّرر من أنفك رائحة الشواء ليّرغب فمك‬
‫ومعدتك في اللحم ‪ ..‬مع شيء من التهديد‬
‫والترهيب من الضلل أو القدح في‬
‫التوحيد ! ‪.‬‬
‫مة من‬
‫وكل ذلك في حشد من شواهد عا ّ‬
‫الشعار والقوال ـ فراجع كتابه وليكن بين‬
‫يديك وأنت تطالع ما نذكره لك من نماذج‬
‫لتجري على ما بقى منها الحكم الذي تدلـك‬
‫عليه هذه الوراق ‪.‬‬
‫وتمر خمسة وأربعون صفحة ‪ ..‬فيعطيك‬
‫ق ( ‪ ،‬تمهيدا ً لقبول ) مّزق ( ‪..‬‬
‫لفظ ) ش ّ‬
‫تمهيدا لوضع ) ومزقناهم ك ّ‬
‫ل ممّزق ( في‬
‫طبق فيه قول الشاعر ‪ ) :‬صفاة الهدى من أن‬
‫تّرق فتحرقا ( وقول القائل ) خرق الحشمة (‬
‫وقول القائل ) تشقق الثوب ( بعد مقدمة عن‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪398‬‬
‫‪3‬‬
‫استعارة الصفاة رغم صلبتها لما يرق ويخرق‬
‫كالثوب ‪ ..‬وانت الن قد تهيأت نفسيا ً وروحيا ً‬
‫) مّزقناهم ( استعارة‬ ‫لقبول فكرة ‪ :‬أن‬
‫من تمزيق ) الثوب ( مع حذر شديد هو قوله‬
‫) أنه راجع الى الحقيقة من حيث أنه تفريق‬
‫على ك ّ‬
‫ل حال ( ‪..‬‬
‫فاسأله إذن ‪ :‬إذا كان راجعا ً الى الحقيقة‬
‫ل حال لن التمزيق تفريق ) ال ّ أنهم‬
‫في ك ّ‬
‫صوا ما كان مثل الثوب بالتمزيق ( على حد‬
‫خ ّ‬
‫عبارته فلماذا إذن الستعارة ومن هم الذي‬
‫صوا ( هذا بهذا وأنت البادئ بالتأسيس ؟‬
‫) خ ّ‬
‫وبهذا الحذر الشديد ‪ ..‬أرادك أن تعبر أو يعبر‬
‫إليك ‪:‬‬
‫طعناهم في الرض ّأمما ( ما دام‬
‫) وق ّ‬
‫التمـــــزيق في الحقيقة تفريق والتفريق في‬
‫الحقيقة ) تقطيع ( ‪. ! ..‬‬
‫وتلك لعمري أول وجبة دسمة جدا ً ومنقوعة‬
‫دمها الجرجاني للزبائن ‪ ،‬أكلوها ‪،‬‬
‫بالسموم يق ّ‬
‫بل شربوها من غير أن يشعروا ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪399‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ .3‬اعتباطية الجرجاني في شرح التمزيق‬
‫والتفريق‬

‫قال الجرجاني ‪ ) :‬ومّزقناهم ك ّ‬


‫ل ممزق ( ‪:‬‬
‫ُيعدّ استعارة من حيث أن التمزيق للثوب في‬
‫أصل اللغة ! وتمزيق الثوب تفريق بعضه عن‬
‫بعض ‪ .‬وقال ‪ ) :‬وقطعناهم في الرض‬
‫أمم ا ً ( ‪ِ :‬‬
‫شبه استعارة ولو كان المعنى في‬
‫الموضعين على إزالة الجتماع ونفيه ‪.‬‬
‫فهذا ) التمزيق ( في أصل اللغة للثوب‬
‫فلمن التقطيع في أصل اللغة ؟ لم يخبرنا‬
‫الجرجاني ولماذا صار التقطيع هو الخر‬
‫استعارة ؟‬
‫هو قال ‪ ) :‬أن التمزيق والتقطيع تفريق ( ‪،‬‬
‫فلماذا يكون التمزيق استعارة إذا قصد به‬
‫تمزيق قوم ومعناه تفريق ؟ ومن هو الذي‬
‫حدد أن التمزيق في الصل للثوب ؟ ماذا‬ ‫ّ‬
‫يقترح أن نضع بدل ) مّزقناهم ( و ) ق ّ‬
‫طعناهم‬
‫( على الصل ليفيد المعنى المذكور في‬
‫كليهما على الحقيقة تخلصا ً من المجاز ؟‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪400‬‬
‫‪3‬‬
‫أيضع ) فّرقناهم ( بدل ً عنهما جميعا ً ؟ في‬
‫هذا الحال تصح اللفاظ الثلثة سواء إذا آمن‬
‫بصحة المعنى أو إذا آمن أن المعنى صحيح‬
‫على الستعارة فقط ‪ .‬فما اللفظ الملئم إذا‬
‫لم يرغب المرء بتركيب هذا المعنى على‬
‫الستعارة وأراده على الحقيقة ؟ حسنا ً ‪.‬‬
‫لنحاول فهم ما يقوله الجرجاني ول نعجل في‬
‫الحكم ‪ :‬أيقول أن التحقيق ) وفر ّ‬
‫قناهم ك ّ‬
‫ل‬
‫مف ّرق ( هو الستعمال الحقيقي ؟ لكن الله‬
‫ل يريد أن يقول فرقناهم ‪ ،‬فرب مفّرقين‬
‫الحقيقي‬ ‫متنعمين وغير مع ّ‬
‫ذبين ! أم‬
‫ل مق ّ‬
‫طع ( ؟ غير معقول أن‬ ‫)ق ّ‬
‫طعناهم ك ّ‬
‫دعي الجرجاني أن التقطيع عين التفريق‬
‫ي ّ‬
‫ح منهما وأقرب للحقيقي ! ‪.‬‬
‫والتمزيق أو أص ّ‬
‫لكنه قال ‪ ) :‬وأنت تعلم أن تمزيق الثوب‬
‫تفريق بعضه عن بعض ( ! أهو قال ذلك ؟ أي‬
‫والله في نفس السطور ‪ .‬وماذا يعني بقوله‬
‫بعضه عن بعض ؟ البعض هذا هو الجزاء‬
‫صلة أصل ً مثل الكم والصدر أم القماش‬
‫المف ّ‬
‫نفسه لحمة وسدى ؟ ‪ .‬فإذا كان يريد به‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪401‬‬
‫‪3‬‬
‫الول فهو فصل للجزاء واسمه ) تفتيق ( !‬
‫ل تفريق ول تمزيق ‪ .‬وإذا كان بريد به الثاني‬
‫فهو إتلف القماش نفسه واسمه ) تخريق ( !‬
‫‪.‬‬
‫ومنه ما في الملحم ‪ ) :‬وتخريق الرايات‬
‫في السكك ( ‪.1‬‬
‫إذن التمزيق ل علقة له بالثوب ؟ أي‬
‫وربك !‬
‫فلم يقل أن الناس جعلوه للثوب خطأ ً ‪.‬‬
‫ولم يقل أن الناس جعلوه للثوب وهو صحيح‬
‫! على المجاز ‪.‬‬
‫ولم يقل أن الناس جعلوه للثوب ولكن الله‬
‫جعله لتمزيق الناس وما فعله الله أولى‬
‫بالتباع واصح !‬
‫ولم يسكت إذ لم يقل خيرا ً ‪ .‬بل قال ما هو‬
‫اعظم ‪ :‬الصل فيه للثوب ‪ ،‬والله جعله للناس‬
‫استعارة لن المفردات هربت منه ‪ ،‬وجاء‬
‫الجرجاني ليذ ّ‬
‫كره بالصل !‬
‫ك ّ‬
‫ل ذلك ول شاهد لديه من كلم العرب أو‬

‫‪1‬‬ ‫من النبوي ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪402‬‬
‫‪4‬‬
‫أشعارهم !‬
‫ل‬ ‫سه في بلغته ) ومز ّ‬
‫قناهم ك ّ‬ ‫أول شيء د ّ‬
‫ممزق ( ‪ .‬فمّر ولم يتطير منه فما أبلده! ‍‬
‫هد به من الحديث النبوي‬
‫وأول شيء م ّ‬
‫) الظلم ظلمات يوم القيامة ( فمّر ولم يتطّير‬
‫منه فما أبلده ! ‪.‬‬

‫تنبيـــه ‪ :‬سنبرهن لك أن الجرجاني في‬


‫كتاب ) دلئل العجاز ( كانت غايته إثبات‬
‫إعجاز عموم الكلم ل إعجاز القرآن خصوصا ً‬
‫بأدلـة وافية بأذن الله تعالى –إعجاز الكلم ل‬
‫إعجاز القرآن ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪403‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ .4‬قدرات الجرجاني في فهم التشبيه‬

‫قال الجرجاني ‪ ) :‬الضرب الثالث ( وهو‬


‫ده أن‬
‫الصميم الخالص من الستعارة ‪ .‬وح ّ‬
‫يكون الشبه مأخوذا ً من الصور العقلية وذلك‬
‫جة كما في‬
‫كاستعارة ) النور ( للبيان والح ّ‬
‫قوله تعالى ‪ ) :‬واّتبعوا النور الذي أنزل‬
‫معه ( ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬فأنت ل تش ّ‬
‫ك في أنه ليس‬
‫بين النور والحجة ما بين طيران الطائر وجري‬
‫الفرس من الشتراك في عموم الجنس ‪ ،‬لن‬
‫النور صفة من صفات الجسام المحسوسة‬
‫والحجة كلم وكذا ليس بينهما ما بين الرجل‬
‫والسد من الشتراك في طبيعة معلومة‬
‫كالشجاعة ‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ ) :‬فليس الشبه الحاصل من‬
‫النور في البيان والحجة ونحوها ال ّ أن القلب‬
‫إذا وردت عليه الحجة صار في حال شبيهة‬
‫بحال البصر إذا صادف النور ووجهت طلئعه‬
‫نحوه ‪. ( ..‬‬
‫وإذ لم يجد الجرجاني الى اليوم من ل‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪404‬‬
‫‪3‬‬
‫م نش ّ‬
‫ك ‪:‬‬ ‫يشك ‪ ،‬فأ ّنا اليو َ‬
‫ك أو ل ً في مفردة ) الحجة ( الغريبة عن‬ ‫نش ّ‬
‫النص ‪ ،‬فالنص لم يتضمن هذه المفردة وإنما‬
‫ذكر اتباع نفس ) النور الذي أنزل معه ( ‪.‬‬
‫ونشك ثانيا ً في قوله ‪ :‬ليس بين النور‬
‫والحجة ما بين الطائر والفرس في الحركة‬
‫والجري ‪.‬‬
‫ك ثالث ا ً في قوله ‪ :‬النور صفة من‬
‫ونش ّ‬
‫صفات الجسام المحسوسة ! ‪.‬‬
‫ك رابعا ً في قوله ‪ :‬والحجة كلم ! ‪.‬‬
‫ونش ّ‬
‫ك خامسا ً في قوله ‪ :‬أن القلب إذا‬
‫ونش ّ‬
‫وردت عليه الحجة صار شبه البصر إذا صادف‬
‫النور ‪! ..‬‬
‫دعي ما شاء ويزعم كيف شاء ونحن‬
‫وهو ي ّ‬
‫نش ّ‬
‫ك في ك ّ‬
‫ل ما يتناوله ‪.‬‬
‫فليس النور في الية استعارة للحجة وما‬
‫أدراه أن ل يكون استعارة للهدى أو اليمان أو‬
‫الحق أو غيرهم فلماذا زعم أنه استعارة‬
‫للحجة ؟ ‪.‬‬
‫وما أدراه أن الحجة كلم ‪ ..‬أم يزعم أن‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪405‬‬
‫‪3‬‬
‫) انفلق القمر ( وهو آية ومعجزة من معاجز‬
‫النبي ) ص ( ليست بحجة لنها ليست كلما ً ؟‬
‫وما أدراه أن النور ل ينصرف الى معاجز‬
‫صر‬
‫أخرى له ) ص ( غير القرآن ؟ فلماذا ق ّ‬
‫الحجة على الكلم ؟ ‪ .‬وما أدراه أن النور‬
‫صفة من صفات الجسام ؟ فنحن نقول له‬
‫أن ما تقصده هو ) الضوء ( وليس النور ‪ ،‬وما‬
‫سه البصر هو الضوء وليس النور ‪ ..‬وللنور‬
‫يح ّ‬
‫ى آخر مختلف عن المحسوسات المادية ‪.‬‬ ‫معن ً‬
‫وما الذي دفعه لهذا البحر اللجي ليخوض‬
‫غماره وهو ل يدرك الفرق بين الضوء والنور‬
‫ول يدري أن النار ) تضيء ( ول تنير وان‬
‫النهار ) مضيء ( ول يقال أن النهار منير ؟ ‪.‬‬
‫وما أبعده عن البلغة وهو ل يذكر قوله تعالى‬
‫] وداعيا ً‬ ‫] فلما أضاءت ما حوله ‪ ‬وقوله‪:‬‬ ‫‪:‬‬
‫الى الحق بأذنه وسراجا ً منيرا ‪ .. ‬فالتحقيق‬
‫في استعمال العرب وفي القرآن يثبت أن‬
‫المحسوس هو الضوء وان النور هو شيء‬
‫آخر ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪406‬‬
‫‪3‬‬
‫تنبيــــــــه ‪:‬‬
‫]‬ ‫ألم يلحظ هذا الرجل أنه تعالى قال ‪:‬‬
‫النور الذي أنزل معه ‪ ‬ليسأل إن كان أنزل‬
‫إليه أو أنزل عليه أو أنزل معه كلها سواء أم‬
‫بينها فرق يذكر ؟ ‪ .‬فإن النص القرآني قد‬
‫ذكر ) الكتاب ( و ) القرآن ( و ) كلم الله ( و‬
‫) الذي أوحينا ( عددا ً كبيرا ً جدا ً من المرات‬
‫ورد فيها جميعا ً أنه أنزل ) إليه ( أو ) عليه (‬
‫ال ّ هذا المورد الذي ورد فيه النور فقال‬
‫) أنزل معه ( وهذا كاف لثبات أنه هو نفسه )‬
‫ص ( قد أنزل وأن ) نورا ً ( أنزل معه يجب‬
‫) اتباعه ( ل ) تلوته ( أو )ستماعه(‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪407‬‬
‫‪3‬‬
‫فزعم أنها استعارة للحجة وزعم أن الحجة‬
‫كلم وزعم أن النور هو القرآن ولم يفسر لنا‬
‫لماذا ‪ .‬قال في هذا المورد وحده ) أنزل‬
‫معه ( ل إليه ول عليه كما في باقي الموارد ‪.‬‬
‫فيا لبلغة الجرجاني محّرف الكلم عن‬
‫مواضعه باستعارته ‪ ،‬جاعل النور الذي أنزل‬
‫معه الواجب اّتباعه القرآن الذي أنزل عليه‬
‫الواجب استماعه ‪..‬‬
‫] وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا‬
‫لعلكم ترحمون ‪. ‬‬
‫فلم يّتبع الجرجاني النور ولم يستمع‬
‫القرآن ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪408‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ .5‬استعارات أخرى للجرجاني‬

‫وزعم بعد خمسة أسطر قائل ً ‪ ) :‬هذا‬


‫والنور يستعار للعلم ولليمان أيضا ً (‬
‫فاسأله ‪ :‬لماذا جعلته في الية استعارة‬
‫للحجة وليس لحد هذين الجديدين ؟‬
‫لن له غاية جديدة ‪ ..‬فأضاف ) اليمان ( ‪.‬‬
‫وهذا هو حال العتباط ‪ ،‬أنه طاغوت فكري‬
‫أشرس من الطاغوت السياسي لنه أساس‬
‫الخير ومنبعه ودعامته ‪.‬‬
‫وبعد أسطر قال الجرجاني ‪:‬‬
‫) ومن ذلك استعارة القسطاس للعدل‬
‫ونحو ذلك من المعاني المعقولة ومنه‬
‫استعارة الجاحظ في علم الكلم إذ قال ‪" :‬‬
‫ل صناعة والزمام على ك ّ‬
‫ل‬ ‫وهو المعيار على ك ّ‬
‫عبارة والقسطاس الذي به يستبان نقصان‬
‫ك ّ‬
‫ل شيء ورجحانه " ( ‪.‬‬
‫وهكذا دخل كلم الله وكلم الجاحظ سوية‬
‫ق جدا ً وفي فرع واحد من‬
‫د ضي ٍ‬
‫ن واح ٍ‬
‫في مكا ٍ‬
‫ضرب واحد من ضروب بلغة الجرجاني ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪409‬‬
‫‪3‬‬
‫فتبا ً لهذا الجرجاني الذي جعل كلم الخالق‬
‫وكلم المخلوقين على حدّ من البلغة سواء ‪.‬‬
‫وانظر الن الى مدى فهمه ووعيه للنص‬
‫النبوي ‪:‬‬
‫قال الجرجاني ‪:‬‬
‫) ومثال الصل الثاني وهو أخذ الشبه من‬
‫المحسوس للمحسوس ثم الشبه عقلي قول‬
‫من ( ‪.‬‬
‫د ّ‬
‫النبي ) ص ( ‪ ) :‬إياكم وخضراء ال ِ‬
‫ده الجرجاني مث ل ً للمرأة الحسناء في‬
‫ع ّ‬
‫منبت السوء لنهم قالوا ‪ :‬وما ذاك يا رسول‬
‫الله فقال ) ص ( ‪ ) :‬المرأة الحسناء في‬
‫منبت السوء ( ‪ .‬لقد فات الجرجاني أن ليس‬
‫في المر تشبيه فالنص يحذر من ك ّ‬
‫ل خضراء‬
‫في الدمن ‪ .‬والمعاني هنا عامة جدا ً لمفردة‬
‫"خضراء" ولمفردة "دمن" وليست خاصة‬
‫بالشجرة لتكون تشبيها ً لشيء لم يذكره‬
‫) ص ( ‪ ..‬وكذلك اكتفى ولم يزد فلما سألوه‬
‫ولم يفهموا المراد ـ أو فهموا وأرادوا التحديد‬
‫للحراج والتض ّيق ضرب لهم مثل ً فقال‬
‫) المرأة الحسناء في منبت السوء ( فهذا مث ٌ‬
‫ل‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪410‬‬
‫‪3‬‬
‫لخضراء الدمن وليست خضراء الدمن مثل ً‬
‫للمرأة الحسناء في منبت السوء كما فهمه !‬
‫لنه قلب المر فجعل الممثل به مثل ً والمثل‬
‫ممثل ً به رغم وضوحه ‪.‬‬
‫وعلى ذلك فكل بدعة أو ضللة قالها الكابر‬
‫وأصلها منتن فهي من مصاديق خضراء‬
‫الدمن ‪.‬‬
‫قال تعالى على لسان هؤلء التباع الذين‬
‫لم يطيعوا أمر النبي ) ص ( ‪:‬‬
‫] وقالوا ربنا إننا أطعنا ساداتنا و ُ‬
‫كبرائنا‬
‫فأضّلونا السبيل ‪ .‬ربّنا وآتهم ضعفا ً من‬
‫العذاب والعنهم لعن ا ً كبيرا ‪. ‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪411‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ .6‬مدارك الجرجاني في آية‬
‫ملوا التوراة ( ـ‬
‫ـ ) مثل الذين ح ّ‬

‫ق في‬‫ث دقي ٍ‬
‫زعم الجرجاني أنه جاء ببح ٍ‬
‫خفايا التشبيه القرآني في قوله تعالى ‪:‬‬
‫ملوا التوراة ثم لم يحملوها‬ ‫] مثل الذين ُ‬
‫ح ّ‬
‫كمثل الحمار يحمل أسفارا ‪‬‬
‫دعى أن التشبيه في الية ل ينصرف الى‬
‫فا ّ‬
‫دي الحمل‬
‫) الحمل ( بل القصد ما يوجبه تع ّ‬
‫الى السفار مع اقتران الجهل بها ‪.‬‬
‫وقضى الكثير من الزمن لثبات شيء ل‬
‫وجود له في الية بأكثر من ثلث صفحات ‪.‬‬
‫ثم قال ‪ ) :‬فإن قلت ففي اليهود شبه من‬
‫الحمل من حيث هو حمل على أية حال وذلك‬
‫أن الحامل للشيء بقلبه يشبه الحامل للشيء‬
‫على ظهره ومنه ) يقال حملة الحديث وحملة‬
‫العلم ؟ ‪ .‬فالجواب ‪ :‬أن المر وان كان كذلك‬
‫فان هذا الشبه لم يقصد هنا وإنما قصد ما‬
‫دي الحمل الى السفار مع اقتران‬
‫يوحيه تع ّ‬
‫الجهل به ‪ .‬ومثله قولك لرجل يحمل في كمه‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪412‬‬
‫‪3‬‬
‫دفاتر علم وهو بليــد ول يفهم ‪ :‬إن كان‬
‫يحمل كتب العلم فالحمار أيضا قد يحمل ‪،‬‬
‫تريد أن تبطل دعواه أن له في حمله فائدة ( أ‬
‫‪ .‬هـ ‪ /‬نقلناه بتصرف يسير ‪.‬‬
‫ن الجرجاني أن التشبيه لليهود وإنما هو‬
‫ظ ّ‬
‫ملوا التوراة ( ‪ .‬وزعم أن التشبيه‬
‫ح ّ‬
‫للذين ) ُ‬
‫هنا معقود بين اليهود والحمار ! ‪ .‬وإنما هو‬
‫تشبيه مؤلف من أربعة أجزاء ‪ ،‬جزءان‬
‫ظاهران وجزءان خفيان كما سيأتيك ‪.‬‬
‫وزعم أن السفار هي دفاتر العلم من غير‬
‫ى ول كتاب منير ‪.‬‬
‫علم ول هد ً‬
‫وهكذا أخذها أهل التفسير وثبتت هذه‬
‫المعاني عند جميع المفسرين على مدى‬
‫قرون ! ‪.‬‬
‫وسنوضح الن هذه المزاعم الربعة فيما‬
‫يأتي ‪:‬‬

‫ملوا التوراة (‬
‫أ ‪ .‬اليهود والذين ) ح ّ‬
‫ملوا التوراة هم من اليهود ولكن‬
‫الذين ح ّ‬
‫ليس ك ّ‬
‫ل اليهود قد حملوا التوراة ! ‪ .‬فقوله‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪413‬‬
‫‪3‬‬
‫) تشبيه لليهود ( وهو يتحدث عن بلغة‬
‫القرآن خاطئ لن البلغة ل تظهر بالتعسف‬
‫وإنما تظهر بالنظر الدقيق في ألفاظ الية‬
‫والتفريق الشديد بين )المجموعات ( وهو أمر‬
‫أوضحناه مرارا ً في كتب أخرى ‪.‬‬
‫فهو يناقض نفسه بهذا القول ‪ :‬لنه زعم أن‬
‫السفار هي كتب العلم ومعروف للجميع أن‬
‫حملة العلم خواص اليهود ل اليهود كلهم ‪.‬‬
‫ولو كان التشبيه لليهود لقاله الله تعالى‬
‫على هذا اللفظ عينه وما كان يستدعي أن‬
‫حمّلوا التوراة ( ‪.‬‬
‫يأتي بهذا التركيب ‪ُ ) :‬‬
‫وقد أخطأ إذ قرن الحمل بالقلب وأقر به‬
‫بينما العلم ل يستقر في القلب إذا كان‬
‫قاسيا ً ‪ ..‬وهذا ظاهر في قوله تعالى عن تلك‬
‫] ثم قست قلوبكم من بعد ذلك‬ ‫المجموعة ‪:‬‬
‫فهي كالحجارة ‪. ‬‬
‫فلم ينتبه هذا الرجل الى أن الفعل بني‬
‫ملوا ( ولم يبن على المعلوم إذ‬
‫ح ّ‬
‫للمجهول ) ُ‬
‫لم يقل ) حملوا ( ‪ .‬لن القلب القاسي ل‬
‫حمل مرغما ً ( ‪ .‬وإذن‬
‫يحمل العلم وإنما ) ي ُ ّ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪414‬‬
‫‪3‬‬
‫فهم أكابر المحّرفين وساداتهم وليس‬
‫المقصود حملة العلم منهم لنهم ممدوحين‬
‫] والذين أوتوا العلم من قبله‬ ‫في القرآن ‪:‬‬
‫يعلمون أنه منزل من ربك بالحق ‪. ‬‬
‫وقد أوضحناه في كتاب النظام القرآني‬
‫مدعما ً بآيات عديدة ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪415‬‬
‫‪3‬‬
‫ب ‪ .‬حقيقة الشبه‬
‫زعم أن التشبيه بين اليهود والحمار !‬
‫ول يدري أن الله تعالى أج ّ‬
‫ل وأعظم من أن‬
‫يعقد مقارنة مباشرة بين النسان‬
‫والحــيوان ‪.‬‬
‫مثَ ٌ‬
‫ل ل نعلم ما‬ ‫ملوا التوراة ( َ‬
‫ح ّ‬
‫فللذين ) ُ‬
‫كان وللحمار يحمل أسفارا مث ٌ‬
‫ل ل نعلم ما‬
‫كان والشبه بين المثل الول والمثل الثاني‬
‫وليس بين اليهود والحمار !‬
‫وتلك لعمري هي البلغة ل ما زعمه‬
‫الجرجاني ‪.‬‬
‫فلو قال ) الذين حملوا التوراة كالحمار‬
‫يحمل أسفارا ( لختل التشبيه وتهاوى برمته‬
‫لنه ل شبه بينهما مطلقا ً فانتبه ‪ ،‬فان ذلك‬
‫من آيات الله ‪ ،‬حيث فصلت كاف التشبيه بين‬
‫المثل والمثل ل بينهما ‪.‬‬

‫مث‬
‫َ‬ ‫كـ‬ ‫مث‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫ل‬

‫الحمار‬ ‫الذين‬
‫‪1‬‬ ‫يحمل‬ ‫ملوا‬
‫ح ّ‬
‫ُ‬
‫‪2‬‬ ‫‪ 416‬اسفا‬ ‫التوراة‬
‫‪3‬‬
‫مل‬
‫ح ْ‬
‫ج ‪ .‬معنى ال َ‬
‫دي‬ ‫حم ْ‬
‫ل غير مقصود وإنما تع ّ‬ ‫وزعم أن ال َ‬
‫الحمل الى السفار هو الساس في التشبيه !‬
‫ملوا ـ َيحم ُ‬
‫ل (ـ‬ ‫ح ّ‬
‫وهو ل يرى أنه قال ) ً‬
‫للتأكيد على أن الساس في التشبيه هو‬
‫) الجبار ( على الحمل ‪ ..‬وإنما فّرق بينهما‬
‫بالبناء للمجهول في الول لنه ) إنسان وله‬
‫عقل وهو مسؤول عن ذلك ( وبنى الثاني‬
‫للمعلوم لنه ) بهيمة ( ـ فهو يحمل تلقائيا ـ‬
‫فهنا مركز البلغة ومركز التشبيه وليس‬
‫التعدي الى السفار ‪ .‬لنه لو قال يحمل أثقال ً‬
‫ـ لبقى أساس التشبيه واختل جزء منه وحسب‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪417‬‬
‫‪3‬‬
‫ول يتهاوى كما لو قال ) كمثل الحمار ل يعقل‬
‫( ! فانتبه فان الحمل في كليهما هو ميزان‬
‫مد هذه الية بالذات لعظمتها‬
‫التشبيه ـ وتع ّ‬
‫عند الله في تفنيد العتباطية ـ كما أشارت‬
‫إليه نصوص نبوّية جهل الناس مغزاها !‬

‫د ‪ .‬وزعم أن السفار هي دفاتر العلم وإنما‬


‫هي ) السفار ( كما هي في اللغة الى هذا‬
‫ل من أن يضرب مثل ً‬
‫اليوم ‪ .‬والخالق تعالى أج ّ‬
‫وه للسامع‬
‫بالحمار وهو يحمل دفاتر العلم لين ّ‬
‫أن الحمار ل يعلم ما فيها ! أنما أراد أن‬
‫الحمار يتحمل مشاق السفار لغاية راكبه‬
‫وسائقه ل لغايته هو فهو مسلوب الرادة‬
‫منزوع الختيار وأسفاره ليست بإرادته ول‬
‫ه عن نفسه‬ ‫لغاية في نفسه ‪ ،‬فهو بهيمة سا ٍ‬
‫دوما ً ‪ ،‬فكذلك مثل الذين ) نسوا الله فأنساهم‬
‫أنفسهم ( فإن حركتهم وفعلهم كله بإرادة‬
‫ملوهم علم التوراة‬
‫الطغاة والقادة فح ّ‬
‫دلوا ففعلوا ‪ ،‬وما‬
‫وأمروهم أن يحّرفوها ويب ّ‬
‫فعلوه عن جهل وجهالة بما في كتب العلم‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪418‬‬
‫‪3‬‬
‫وإنما فعلوه عن علم ودراية والذي فقدوه‬
‫كمثل الحمار إنما هو اختيارهم وإرادتهم وذلك‬
‫لكي يطابق هذا المعنى ما ذكر في مواضع‬
‫أخرى في القرآن عن قدراتهم في التحريف‬
‫وعن زيغهم بعد البيان وعن اختلفهم بعد‬
‫مجيء العلم ولو أخذنا بأقواله وبلغته‬
‫لتناقض القرآن مع بعضه ولما أمكن قط‬
‫الجمع بين اليات ول فهم معاني المفردات‬
‫ولحدث تخريب في اللغة ل مثيل له في تاريخ‬
‫المم ‪ .‬ولقد وقع ‪! ..‬‬
‫لقد حسب أن ) السفار ( هي ) أسفار (‬
‫التوراة فظن أنها كتب العلم وأن القرآن‬
‫يشّبه القوم بالحمار وهو يحمل كتب العلم !‬
‫تطبيق ا ً لترادف ) أسفار مع كتب ( في قائمة‬
‫كنانة ‪.1‬‬
‫؟! ‪ .‬والمعلوم أن الحمار ل‬
‫فأي شبه بينهما ‍‬
‫يدرك ما يحمل سواء كانت كتب علم أم‬
‫سج ّ‬
‫لت بيضاء غير مكتوبة أم غير ذلك ؟ ‪ .‬لقد‬
‫استعمل القرآن لفظ السفار ولفظ الكتب‬

‫‪1‬‬ ‫انظر ص ‪.144‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪419‬‬
‫‪5‬‬
‫في تغاير واضح ل ينكره ال ّ جاهل ‪.‬‬
‫ونسي أن مفردة ) أسفار ( التي يستعملها‬
‫القرآن إنما يستعملها على أصلها اللغوي ل‬
‫على سبيل المجاز كما سميت به أسفار‬
‫التوراة ‪ .‬علما ً أن هذا المجاز باطل عندنا إذ‬
‫القصد أنها كتب للسفار ‪ ،‬ل أسفارا ً بمعنى‬
‫الكتب فانتبــه ‪.‬‬
‫وهنا ندرك أن أساس التشبيه هو ) الحمل (‬
‫وليس التعدي الى السفار وإنما جاء بالسفار‬
‫لبيان توزع حركة الحمار في اتجاهات مختلفة‬
‫وأزمان مختلفة لماكن مختلفة بحسب الذين‬
‫يركبونه فالتشبيه في الصل بين مثليهما في‬
‫) الحمل ( وجاء بالتعدي الى السفار لتمام‬
‫الصورة وإكمال خطوطها من حيث أن الذين )‬
‫حمّلوا التوراة ( ‪ ..‬ألعوبة بيد الطغاة‬
‫ُ‬
‫والجبابرة في ك ّ‬
‫ل مكان وزمان ل ينتبهون من‬
‫دل القادة ‪ ،‬فكذلك مثل‬
‫غفلتهم مهما تب ّ‬
‫الحمار دائم السفار وراكبوه كثار ل يتبدل‬
‫شأنه في السفار بتبدلهم ‪.‬‬
‫نعم أنه مثل للعتباطية ل شك في ذلك‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪420‬‬
‫‪3‬‬
‫هوجمت هذه الية في جميع الماكن‬
‫ولهذا ُ‬
‫وعلى جميع المستويات لفراغها من محتواها‬
‫هوجمت في إعرابها وفي نحوها وفي‬
‫فقد ُ‬
‫تفسيرها ـ فانظر ماذا ستفعل يوم تأتى‬
‫شاكية الى ربها مما جرى لها ؟ !‬
‫وللعلم أن السورة كلها حول هذا الموضوع‬
‫وجمت اليات السابقة على هذه الية‬
‫وقد ه ُ‬
‫وعلى كافة المستويات وفي جميع المذاهب‬
‫السلمية ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪421‬‬
‫‪3‬‬
‫ع عن الك ّ‬
‫ذابين والكذب‬ ‫‪ .7‬دفا ٌ‬
‫جرجاني‬
‫ه ال َ‬
‫سس ُ‬
‫يؤ ّ‬

‫قام الجرجاني بالموازنة بين مقولتين هما )‬


‫خير الشعر أكذبه ( والمقولة المعارضة لها‬
‫) خير الشعر أصدقه ( ‪.‬‬
‫وانتهى من الموازنة الى ترجيح القول‬
‫الول !!‪.‬‬
‫فالشعر ليست فضيلته في ) المضمون (‬
‫وإنما في ) الشكل ( ‪ .‬انظر الى قوله ‪ ) :‬ومن‬
‫قال أن خير الشعر أكذبه فهذا مراده لن‬
‫الشعر ل يكتسب فضيلة ونقصا ً وارتفاعا ً‬

‫وانحطاطا ً بان ُين ِ‬


‫حل الوضيع رفعه أو يصف‬
‫الشريف بنقص وعار ‪ ،‬فكم من جواد نحله‬
‫الشعر وبخيل سخاه وشجاع وسمه بالجبن‬
‫وجبان ساوى به الليث وذي ضعة أمطاه‬
‫دعى‬
‫العيوق وغبي قضى له بالفهم وطائش ا ّ‬
‫له طبيعة الحكم ثم لم يعتبر ذلك في الشعر‬
‫حيث تنقد دنانيره وتنشر ديابيجه ويفتق‬
‫مسكه فيفوح أريجه ( ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪422‬‬
‫‪3‬‬
‫لقد رأيت الن ذلك الطراء والتمجيد للشعر‬
‫الكثر كذب ا ً فليست العبرة في ما قلبه الشعر‬
‫من موازين وعكس من أشياء ول فيما افتعله‬
‫من أباطيل ما دام في النهاية ينتشر كالدنانير‬
‫فيفتق مسكه ويفوح أريجه !‪.‬‬
‫ها هو يحكم خلل السرد نفسه قبل الدخول‬
‫في الموازنة المزعومة وقبل أن يأتي الى‬
‫شرح المقولة المناقضة ‪ ..‬وهو تمهيد نفسي‬
‫وتوطئة بقبول الحكم النهائي بترجيح مقولة‬
‫خير الشعر أكذبه ‪ .‬ومعلوم أن ) الشعر ( كلم‬
‫له أثر يترتب عليه كما يترتب على أي كلم‬
‫وإذا كانت غاية الشعر وضع الكلم في نسق‬
‫ون ويدخل الذن بل‬
‫جميل ليحفظ ويد ّ‬
‫استئذان فمن اقبح القبائح القول أن خير‬
‫الشعر أكذبه ـ لقبح القول العام ‪ :‬خير الكلم‬
‫ح ذاك ‪ ..‬فهل تظن‬
‫ح هذا لص ّ‬
‫أكذبه ‪ ..‬إذ لو ص ّ‬
‫أن مثل ذلك يخفى على الجرجاني أن ترى أنه‬
‫يعي ما يقول لغاية في نفسه ؟ ‪ .‬فلنتابع‬
‫أقواله في فقرات ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪423‬‬
‫‪3‬‬
‫أ ‪ .‬الموازنة ‪:‬‬
‫ثم جاء الى شرح المقولة المناقضة ) خير‬
‫الشعر أصدقه ( فقال ‪ :‬يجوز أن يكون‬
‫مراده ‪..‬‬
‫ومن أول مفردة يؤكد لك أسلوبه المريض‬
‫الكامن في نفسه لنه قال هناك ‪ ) :‬فهذا‬
‫مراده (‬ ‫مراده ( وقال هنا ‪ ) :‬يجوز أن يكون‬
‫!‬
‫وهذا الختلف في السلوب يد ّ‬
‫ل دللة‬
‫يقينية على صحة توقعك كون الرجل جاء‬
‫بالموازنة ل لغرض الموازنة بل لغرض تثبيت‬
‫المقولة الولى والجهاز على المقولة‬
‫الثانية ! بحيث ل يذكرها ذاكر ‪.‬‬
‫جد المقولة الثانية إل ّ بكل م ٍ أراد به‬
‫لم يم ّ‬
‫ن مقولتهم والتأكيد‬ ‫تضعيف حجتهم وتوهي َ‬
‫على أن الشعر ل يستحسن أن يكون كاذبا ً بل‬
‫يتوجب أن يكون كذلك !‬

‫ب ‪ .‬الحكم في الموازنة ‪:‬‬


‫قال الجرجاني ‪ ) :‬والول أولى لنهما‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪424‬‬
‫‪3‬‬
‫قولن متعارضان في اختيار نوعي الشعر‬
‫فمن قال خيره أصدقه كان ترك الغراق‬
‫وز الى التحقيق والتصحيح‬
‫والمبالغة والتج ّ‬
‫أحب إليه وآثر عنده ـ ل عند الجرجاني ! ول‬
‫عند البلغاء ـ إذ كان ثمره أحلى وأثره أبقى‬
‫وفائدته اظهر ‪ ،‬وحاصله أكثر ( ‪.‬‬
‫أتوقف هنا لسأل بلغاء العالم كله ‪ :‬كيف‬
‫تفسرون قوله أن الول أولى مع أن الثاني‬
‫أحلى وأبقى وأظهر وأكثر ؟؟‬
‫إن هذا الخلط من هذا المسكون بالفتراء ما‬
‫كان ليمّر من غير كشف إل ّ في أ ّ‬
‫مة بلغت من‬
‫الغباء أن يكون الجرجاني إمامها في البلغة –‬
‫و الخلط بين الحق و‬
‫ه َ‬ ‫لن أصل ك ّ‬
‫ل الشرور ُ‬
‫الباطل وخاصة في تقييم الكلم ! ‪.‬‬
‫ثم قال ‪ ) :‬ومن قال أكذبه فلن الصنعة‬
‫إنما يمد باعها ‪ ،‬وينشر شعاعها ‪ ،‬ويتسع‬
‫ميدانها ‪ ،‬وتتفرع أفنانها ‪ ( ..‬الى آخر كلماته‬
‫التي بلغت نصف صفحة في شرح المقولة‬
‫الولى وتأويل معانيها – أ ‪ .‬هـ ‪.‬‬
‫فاسأله ما هو الفضل في الموازنة على‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪425‬‬
‫‪3‬‬
‫نفس كلماتك ؟ ‪ .‬لقد أجابك الجرجاني حيث‬
‫س لك السم منذ البداية وأعلن في الوسط‬
‫د ّ‬
‫أن ) الولى أولى ( وجعل آخر الكلم في‬
‫أكذبه حيث بدأ في أصدقه ! ‪ .‬واسأل مترجمي‬
‫الجرجاني حيث وصفوه بالتقوى والورع ! ‪،‬‬
‫إسألهم لو عرضت المقولتان على النبي‬
‫) ص ( وهو سيد البلغاء من ولد آدم ) ‪ (υ‬رغم‬
‫أنف الجرجاني فهل سيؤيد المقولة الولى أم‬
‫الثانية ؟ ‪ .‬وإذا كان من المحال تصور أن يحكم‬
‫مثل النبي ) ص ( في هذه الموازنة بترجيح‬
‫مقولة خير الشعر أكذبه ‪ .‬فاسأل المة التابعة‬
‫للجرجاني من أين جاءته التقوى والورع‬
‫إذن ؟؟‬

‫ج ‪ .‬وانكشف القناع ‪:‬‬


‫ثم كشف الجرجاني عن قناعه وأعلن عن‬
‫طول باعه في تأييد الكاذيب حينما انضوى‬
‫تحت لواء الكذا ّبين حامل ً رايتهم فقال‪:‬‬
‫وما ذلك القبيل ) أي الشعر الصادق ( فهو‬
‫مداني قيده والذي ل تتسع‬
‫فيه كالمقصور ال ُ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪426‬‬
‫‪3‬‬
‫د‬
‫و في الكثر يور ُ‬ ‫م ه َ‬
‫كيف شاء َيدهُ وأيدهُ ‪ ،‬ث ّ‬
‫صورا ً‬
‫ن معاَني معروفة و ُ‬ ‫على السامعي َ‬
‫ل وإن كانت‬
‫صرف في أصو ٍ‬
‫مشهورةً ويت ّ‬
‫شريفة فل ُيرجى ازديادها‪ ،‬كالعيان الجامدة‬
‫ح ول تفيد ‪( ..‬‬
‫التي ل تَنمي ول تزيد ول َترب ُ‬
‫وإذن فالشعر الصادق ل يربح ول يفيد ! ول‬
‫يَنمو ول يزيد ‪ .‬فما أكذب الجرجاني إذ قال‬
‫ق‬
‫ذلك ولو كان المقصودُ سوقَ البلغة ل سو َ‬
‫الفكار والمبادئ ول سوقَ المعرفة والحقائق‬
‫ول سوقَ المشاعر والوجدان ول سوق الخرة‬
‫والحساب ! ول سوق المعاني والبيان ول‬
‫و قَ الخلق ‪ .‬ذلك لن الصور المتر ّ‬
‫كبة من‬ ‫س ُ‬
‫مفردات اللغة ل حدود لها ول نهاية لعدادها‬
‫وفيها من التساع لظهار طول الباع ما يفي‬
‫ويفي للصادقين والكاذبين على حدّ سواء ‪،‬‬
‫ولو شئنا أن نأتي لهذا الرجل من الصور التي‬
‫ذكرها شعراء ) الصوفية ( فضل ً عن غيرهم ما‬
‫تتضائل عنده بلغة شواهده التافهة التي كان‬
‫مبهورا ً بها ‪ .‬لكن ل مدعاة لها بعد أصدق‬
‫الكلم ـ كتاب الله ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪427‬‬
‫‪3‬‬
‫ى آخر ‪ ،‬لن‬
‫على أن فلسفة المر تأخذ منح ً‬
‫الكلم الفضل بلغة هو الكلم الفضل قدرة‬
‫على وصف الشيء بدقة والكثر قدرة على‬
‫رسم صورة له في الذهن اقرب ما تكون الى‬
‫ي‬
‫ه الحقيقية ! ول يبقى للبلغة أ ّ‬
‫صفت ِ‬
‫ش المقولة الغريبة عن‬
‫ع حينما ُتناق َ‬
‫موضو ٍ‬
‫البلغة من الصل ـ اعني مقولة ) خير الشعر‬
‫أكذبه ( ـ لن البلغة أخذت اسمها هذا من‬
‫بلوغ الكلم المراد منه ‪.‬‬
‫وإذا كان قصد القائل لهذا الشعار إعطاء‬
‫مساحة لحركة الشعر في مجال التشبيهات‬
‫فالمر سّيان ‪ ،‬فان أبلغ التشبيهات هي التي‬
‫ترسم صورة أدق للشبه من خلل المشّبه به ‪،‬‬
‫س‬
‫ي في نف ِ‬ ‫دق أمٌر ذات ّ‬
‫ن الص ّ‬
‫وهذا يعني ) أ ّ‬
‫صدق ( ‪.1‬‬
‫ة بغير ِ‬‫ة وجزءٌ منها فل بلغ َ‬‫البلغ ِ‬
‫في هذه الحالة يصبح الشعار شعارا ً صحيحا ً‬
‫صيغ بصياغة لغوية كاذبة ويكون الشعار نفسه‬
‫ليس بليغا ً ‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫تعتبر هذه العبارة إحدى القواعد الهامة في الحل القصدي للغة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪428‬‬
‫‪4‬‬
‫أل ترى أن أسم البلغة يد ّ‬
‫ل عليها ؟ فإذا لم‬
‫تبلغ بالكلم المراد الحقيقي منه ولن تبلغ‬
‫السامع بهذا المراد فليست من البلغة في‬
‫شيء ‪.‬‬
‫ح كلم الجرجاني الخالي من ك ّ‬
‫ل بلغة‬ ‫لو ص ّ‬
‫ة لنه أصدقه ‪،‬‬ ‫لكان كلم الله أق ّ‬
‫ل الكلم بلغ ً‬
‫ل المرادَ من الموازنة كّلها‬
‫وما أدراك لع ّ‬
‫إيصالك الى هذه النتيجة التي يحلم بتحقيقها‬
‫هذا الرجل ! ؟‬
‫بلى هي ل غيرها كما سيأتيك في مناقشة‬
‫نماذج من ) دلئل العجاز ( ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪429‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ .8‬ذوق الجرجاني في التشبيه‬

‫ة عموما ً‬
‫ل اللغ ِ‬
‫ة أه ِ‬
‫أفسد الجرجاني ذائق َ‬
‫وأفسد النقدَ الدّبي خصوصا ً وزادَ من فساد‬
‫ذائقة ) المبدعين ( من الشعراء والكّتاب‬
‫ل مرة منهاجا ً نقديا ً فاسدا ً ‪..‬‬
‫بتأسيسه لو ّ‬
‫وكان نتيجة ذلك أن المرض الذي استفحل‬
‫بسريانه في عروق الدب انتج أمة نقدية‬
‫متدنية للغاية في ذائقتها مثلما جعل الشعر‬
‫خصوصا ً والدب عموما يتجهان اتجاها ً مزيفا ً‬
‫فارغا ً من المحتوى الحقيقي إرضاء لبلغة‬
‫الجرجاني وأصحابه وتلمذته ‪ .‬فحيثما اّتجه‬
‫النقد اتجه الدب ‪ ..‬وتلك قاعدة مطردة دوما ً ‪.‬‬
‫هل ترى شاعرا ً يسلك سلوكا ً مغايرا ً لميزان‬
‫النقد المجمع عليه ؟ كل ‪ .‬ال ّ أن يكون أوحد‬
‫دو أقرانه والباني لنفسه أساس‬
‫زمانه وع ّ‬
‫بنيانه ‪ ..‬ومثل هؤلء ل يجود بهم الدهر ال‬
‫فعل الجواد ‪،‬‬
‫ل عصر أن فعل ِ‬‫مّرة في ك ّ‬
‫وقليل ً ما يفعل ‪.‬‬
‫تمادت هذه المة في التشبيه والتمثيل حتى‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪430‬‬
‫‪3‬‬
‫ه به ‪..‬‬
‫شبه والمشب ُ‬ ‫ش ّ‬
‫قة بين الم ّ‬ ‫َبعدت ال ُ‬
‫وكان عدم إدراك التشبيهات القرآنية بل‬
‫وعدم تدّبرها أصل ً قد زاد الطين بلة وجعلهم‬
‫يظنون أنهم جاءوا بما يؤنس النفوس ويزيد‬
‫الفهام وينمي الذائقة ‪.‬‬
‫د‬
‫تمادوا في ذلك الى حدّ مقرف ‪ ..‬والى ح ّ‬
‫أن لم تكن هناك أية علقة بين المشبه‬
‫والمشبه به ل في الفكرة ول المادة ‪ ،‬ل في‬
‫الصورة ول في الحركة بل ذهبوا أكثر من ذلك‬
‫الى ) خلق الصور اللمعقولة ( ‪ ..‬للتشبيه بها‬
‫وإدراجها ضمن التمثلت للمعقولت‬
‫والمحسوسات ‪.‬‬
‫أسألك الن أيها الرجل الواعي المثقف عن‬
‫رأيك بهذا التشبيه ‪:‬‬
‫فإنطباقا مرة‬ ‫وكأن البرق مصحف قار‬
‫وانفتاحا!‬
‫لحظ التعسف في التشبيه فالبرق كأنه‬
‫مصحف ! ثم يجعلك تتراجع عن ذلك لربطه‬
‫بالحركة ) انفتاح وانطباق ( وهذا الكلم أشبه‬
‫ي إذ يتوجب عليك صرف‬
‫بكلم المصابين بالع ّ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪431‬‬
‫‪3‬‬
‫طاقة كبيرة لجمع مفرداتهم وفهم ما يرمون‬
‫إليه ‪ .‬وفي التشبيه افتراقُ آخر في الحجوم‬
‫فإذا حجزت الن عقلك وأطلقت العنان‬
‫لمخيلتك لتتخ ّيل هذا المصحف ‪ ،‬وزعمت‬
‫مكرها ً أن حروفه بيضاء وأن انفتاحه ) السريع‬
‫ُ‬
‫( سيظهر منه بياض الحروف بلمعة سريعة‬
‫كالبرق ‪ ،‬فان خيالك سيبقى عاجزا ً عن‬
‫ور السماء مثل المصحف ! لنك أكبر من‬
‫تص ّ‬
‫المصحف والسماء أكبر منك ‪ ،‬اللهم ال أن‬
‫تغصب نفسك مرة أخرى لتتخيل أنك ـ حاشاك‬
‫ـ نملة في بطن مصحف ليسعك كما تسعك‬
‫السماء!‬
‫هذا التشبيه الذي ) ابتكره ( ابن المعتز هو‬
‫من الصور والتشبيهات التي أعجبت الجرجاني‬
‫! بل وأذهلته !‬
‫قال الجرجاني ‪ ) :‬ولم يكن إعجاب هذا‬
‫التشبيه لك وإيناسه إياك لن الشيئين‬
‫مختلفان في الجنس أشد الختلف فقط ! بل‬
‫لن حصل بإزاء الختلف في شدة في‬
‫ن وراقَ و َ‬
‫فتن ! ( ‪.‬‬ ‫س َ‬
‫ح ُ‬
‫الئتلف ـ حل و َ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪432‬‬
‫‪3‬‬
‫في أي شيء هو الئتلف أيها الناقد‬
‫العبقري ؟ فأين العلقة الزمنية بين البرق‬
‫والمصحف الذي يفتح بأزمان مختلفة وببطء‬
‫شديد ؟ ‪ .‬وأين هي الملئمة بين صورة الكتاب‬
‫المفتوح وخط البرق اللمع المتعرج في‬
‫سحب ؟‬
‫صفحة السماء الداكنة الملبدة بال ّ‬
‫وما العلقة بين صورة السطر بالمداد‬
‫السود على الورق البيض بصورة البرق‬
‫اللمع في السماء الداكنة ؟ إذا كان المداد‬
‫بهذا اللون والورق على لونه المعتاد ؟‬
‫ضحوا‬
‫إني أحيل المسألة الى أهل الفن ! ليو ّ‬
‫حسن والحلوة والملئمة والئتلف‬
‫لنا أين ) ال ُ‬
‫المقابل للختلف والذي جعل هذا التشبيه‬
‫يروق ويفتن كما يزعم الجرجاني( ؟ ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪433‬‬
‫‪3‬‬
‫تنبيــــــــه ‪:‬‬

‫مّر الجرجاني بقوله تعالى ‪:‬‬


‫قد نارا ً فّلما‬
‫ل الذي استو َ‬ ‫مثُلهم ك َ‬
‫مث ِ‬ ‫] َ‬
‫رهم ‪‬‬ ‫و ِ‬‫ت ما حو َله ذهب الله بن ُ‬
‫أضاء ْ‬
‫فلم يذكر عنه شيئا ً بل جعله مثل ً من أقسام‬
‫التشبيهات الثلثة التي ابتدعها واكتفى بأن‬
‫هذا التشبيه من هذا الضرب !‬
‫فاعتبروا يا أولي البصار ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪434‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ .9‬اختيار عشوائي‬

‫عند فتح كتاب الجرجاني عشوائيا ً ‪:‬‬


‫ظهرت الصفحة ) ‪ / 180‬العنوان ـ قلب‬
‫التشبيه ( ‪.‬‬
‫دم في‬
‫أول الصفحة ‪ ) :‬هذا فن غير ما تق ّ‬
‫الموازنة بين التشبيه والتمثيل (‬
‫المواضيع ‪:‬‬
‫شرح نصف صفحة ‪ ،‬شاهد شعري لبي‬
‫نؤاس ‪ ،‬شاهد آخر لبن المعتز ‪ ،‬شاهد‬
‫للتنوخي ـ بيتان ـ ‪ ،‬بيتان لبن المعتز يصف‬
‫سحابة ‪ ،‬ثلث أبيات أخرى في وصف النار‬
‫لشاعر آخر ‪ ،‬خمسة أبيات لعلي ابن محمد في‬
‫دمن ‪،‬أربعة أبيات أخرى له ‪ ،‬شاهد‬
‫وصف ال ِ‬
‫للبحتري ‪.‬‬
‫شاهد آخر ‪ ،‬شاهد آخر لبي فراس ثلث‬
‫أبيات ‪ ،‬بيتان آخران له ‪ ،‬ثلثة شواهد متفرقة‬
‫لبن المعتز ‪ ،‬شاهد آخر لكاتب المأمون في‬
‫وصف فرس أربعة أبيات ‪ ،‬بيت لبن نباتة ‪،‬‬
‫بيت آخر لبن المعتز ‪ ،‬بيتان آخران وشرح‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪435‬‬
‫‪3‬‬
‫نصف صفحة ‪.‬‬
‫ثلثة أبيات في تشبيه النساء لبن المعتز ‪،‬‬
‫بيت آخر لنفس الشاعر ‪ ،‬بيتان للمتنبي ‪،‬‬
‫بيتان لخر ‪ ،‬شاهد آخر في السيف لبن‬
‫المعتز ‪ ،‬شاهد لبن بابك ‪ ،‬ثلثة متفرقة أخرى‬
‫للسري ‪ ،‬بيت للبحتري وآخران لبن المعتز ‪،‬‬
‫تشبيه للكواكب لبن المعتز ‪ ،‬بيتان للناشئ‬
‫وآخران لبن الرومي ‪ .‬شاهد للبحتري وآخر‬
‫لبن المعتز في النرجس ‪ ،‬ثلثة أخرى لبن‬
‫المعتز ‪ ،‬أبو نؤاس يرثي خلف الحمر ‪ ،‬أبو‬
‫مة ‪ ،‬شرح صفحتان لشواهد‬ ‫العباس وذو الر ّ‬
‫ابن المعتز خصوصا ً ‪ ،‬وشرح صفحتين لشياء‬
‫متفرقة من الشواهد ‪ ،‬شواهد أخرى لبن‬
‫المعتز ‪ .‬شرح مماثل أربع صفحات ‪.‬‬
‫شرح لشاهد نثري لبن العميد يدعو فيه‬
‫على القمر ويظهر التظّلم من هلل شهر‬
‫رمضان ‪.‬‬
‫تمثيل المعقول بالمحسوس ‪ ،‬شاهد‬
‫للبحتري وشرح للنماذج ‪ :‬بيت لبن طباطبا‬
‫وآخر للتنوخي وقطعة أخرى له وأخرى فالمر‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪436‬‬
‫‪3‬‬
‫طالب المأموني ‪ ،‬شواهد لبن بابك وابن‬
‫المعتز ‪ ،‬شرح أخذت أربع صفحات لشواهد‬
‫مختلفة لنفس الموضوع ‪.‬‬
‫الخلصة ‪:‬‬
‫مجموع الصفحات ‪ 40 :‬صفحة‬
‫الشواهد الشعرية ‪ 117 :‬بيتا ً‬
‫الشواهد القرآنية ‪ :‬ل يوجد !!‬
‫شواهد من أقوال النبي ) ص ( ‪ :‬ل‬
‫يوجد !!‬
‫شواهد من أقوال الخطباء أصحاب النبي‬
‫) ص ( ‪ :‬ل يوجد !‬
‫شواهد من شعراء العصر النبوي ‪ :‬ل يوجد !‬
‫شواهد من الشعر الجاهلي ‪ :‬ل ُيوجد ‪.‬‬
‫شواهد من شعراء الطبقة اللحقة‬
‫كالفرزدق وجميل والحطيئة ومن هم في‬
‫طبقتهم ‪ :‬ل يوجد !‬
‫سؤال نوجهه للذين وصفوا الجرجاني‬
‫بالتقوى والورع ! سؤال أعلن عن نفسه ‪،‬‬
‫سؤال عن سبب غياب هذا التراث الضخم من‬
‫القرآن والدب في بلغة الجرجاني ؟!‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪437‬‬
‫‪3‬‬
1
2 438
3
‫س الدهم بالصبح أو‬ ‫‪ .10‬تشبيه ُ‬
‫غرة الفر ِ‬
‫العكس‬

‫ابن المعتز ‪:‬‬


‫كأنه‬ ‫مسفر‬ ‫ل ُ‬ ‫ح في ُ‬
‫طرة لي ٍ‬ ‫صب ُ‬
‫وال ُ‬
‫ر‬
‫ر أشق ِ‬‫مه ٍ‬ ‫ُ‬
‫غرة َ‬

‫أورده الجرجاني في ص ـ ‪ 182‬ودافع عن‬


‫التشبيه وأظهر محاسنه لحق ا ً في ص ـ ‪193‬‬
‫دعى أنه من‬
‫ده من التشبيهات المقلوبة وا ّ‬
‫وع ّ‬
‫محاسن التشبيه ‪.‬‬
‫من الواضح أن التشبيه يراد به تقريب‬
‫الصورة وحكايتها بطريقة مؤثرة كما رآها‬
‫الشاعر وإذا لم يمكنه ذلك وكان التصور العام‬
‫للصورة عند القارئ أحسن وأدق من تشبيه‬
‫الشاعر فقد سقط تشبيه الشاعر عن ك ّ‬
‫ل‬
‫اعتبار ‪.‬‬
‫إن ما يذكره ابن المعتز ل يحكي تصورا ً‬
‫صحيحا ً عن الصبح فضل ً عن أن يكون من‬
‫محاسن التشبيه ‪ .‬فهنا تنافر من جميع الوجوه‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪439‬‬
‫‪3‬‬
‫!‬
‫الول ‪ :‬ل علقة مطلقا ً بين صورة السماء‬
‫والفق أو الفضاء وصورة المهر لن الفضاء‬
‫يكتنف الرائي ويحويه بينما المهر حيوان له‬
‫حدود شاخصة أمام الرائي وهذه مشكلة‬
‫ُتسبب عسرا ً في تخّيل الصورة ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬إن لون المهر ) الشقر ( ل علقة‬
‫له ول شبه فيه مع الليل أو الفجر أو منظر‬
‫السماء ولونها ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬إن الصبح شيء مختلف عن الفجر‬
‫فالصبح طلوع الشمس وإذا طلعت الشمس‬
‫ذهب الليل فأين ) الليل المسفر ( ؟ وكيف‬
‫يجتمع الصبح مع الليل في صورة واحدة‬
‫ليكون في طرة الليل كما الغرة في المهر ؟‬
‫إني اسأل ك ّ‬
‫ل عارف بالعربية أو غيرها من‬
‫اللغات عن هذا التشبيه وعن وجود الصبح في‬
‫طرة الليل ! أهي جملة مركبة بصورة صحيحة‬
‫أم ل ؟‬
‫وأسألهم ثانيا ً عن علقة هذه ) الصورة‬
‫اللصورة ( بغّرة المهر الشقر ؟‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪440‬‬
‫‪3‬‬
‫وقال الجرجاني لحقا ً ‪:‬‬
‫) إن تشبيه غرة الفرس بالصبح لم يقع من‬
‫جهة المبالغة في وصفها بالضياء والنبساط‬
‫وفرط التلؤلؤ ‪ ،‬وإنما قصد أمرا ً آخر وهو‬
‫وقوع منير في مظلم وحصول بياض في‬
‫سواد ‪ ،‬ثم البياض قليل بالضافة الى السواد‬
‫وأنت تجد هذا التشبيه على هذا الحدّ في‬
‫الصل فإذا عكست فقلت ‪ :‬كأن الصبح عند‬
‫ظهور أوله في الليل غرة في فرس ادهم لم‬
‫تقع في مناقضة كما لو أنك شّبهت الصبح في‬
‫ض على ديباج اسود لم تخرج‬
‫الظلم بعلم بيا ٍ‬
‫عن الصواب ( ‪.‬‬
‫أقول ‪:‬‬
‫هل رأيتم صبحا ً يشبه العلم البيض على‬
‫الديباج السود ؟‬
‫هل رأيتم صبحا يشبه غرة الفرس الدهم ؟‬
‫والله ل أدري مم أعجب من الجرجاني أم‬
‫ددوا ألف سنة ذاهلين ذهول ً‬
‫من الذين ر ّ‬
‫منقطع النظير أن الجرجاني هو سّيد البلغة !‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪441‬‬
‫‪3‬‬
‫التشبيه في ‪ :‬وأدهم يستمد الليل منه‬

‫لقد كان قول ابن نباته أهون ‪:‬‬


‫وتطلع بين‬ ‫وادهم يستمد الليل منه‬
‫عينيه الثريا‬
‫وبالرغم من مساوئه ال ّ أنه تخلص من جملة‬
‫من التناقضات بقوله الثريا لنها تطلع في‬
‫بقعة مظلمة ‪ ..‬وتخلص ثانيا ً من الترابط في‬
‫التشبيه بالليل بقوله ) يستمد ( الليل منه‬
‫فلم يجعله كالليل ليحكم على السامع بتصور‬
‫نفسه نملة على جلد ذلك الدهم ‪ ،‬ويكون‬
‫الدهم فضاءً وافقا له !! بل قال يستمد الليل‬
‫منه ‪.‬‬
‫ومع ذلك لم ينتبه الجرجاني للفارق ‪ ..‬ولم‬
‫يذكر مقارنة لبيت ابن المعتز مع بيت ابن‬
‫نباته وكأنه ين ّ‬
‫فذ بالفعل مشروعه القائل ‪:‬‬
‫) خير الشعر أكذبه ( ـ فقارن روعة هذا‬
‫البيت مع بيت ابن المعتز ‪.‬‬

‫تنبيـــــــه ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪442‬‬
‫‪3‬‬
‫أصعب شيء على الرسام المحترف رسم‬
‫الفجر أو أول بزوغ الشمس لضطراره إلى‬
‫تدريج اللوان والضاءة على صفحة الفق‬
‫الواسع !‬
‫ولو درى الرسامون أنه كالعلم البيض على‬
‫الديباج السود لما أتعبوا أنفسهم والذنب هو‬
‫ذنبهم لنهم لم يقرأوا بلغة الجرجاني ! ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪443‬‬
‫‪3‬‬
‫القسم الثالث‬
‫نقد كتاب الجرجاني‬

‫) دلئـل العجاز (‬
‫إعجاز القرآن أم إعجاز الكلم؟‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪444‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ .1‬نظرية النظم وإعجاز القرآن عند‬
‫الجرجاني‬

‫ولع الرجل ولعا ً شديدا ً بافتراض أشياء من‬


‫عنده ليردّ عليها بنفسه فهو وحده المفترض‬
‫وهو وحده المعارض لهذا الفرض ‪ ..‬ولكنه‬
‫مة بل المم جميعا ً تؤمن‬
‫يوحي لك أن هناك أ ّ‬
‫وتعتقد ذلك الفرض ‪ ..‬وأّنه لتفّرده بالنقد‬
‫وتوقد ذكائه قد اكتشف خطأهم وسوء‬
‫طريقتهم ‪.‬‬
‫من هي المة التي آمنت قبل الجرجاني أن‬
‫الفصاحة هي في اللفظ الواحد وأي عاقل أو‬
‫جاهل صغيرا ً كان أم كبيرا ً آثروا عنه أنه ذكره‬
‫قبل ذلك ؟‬
‫وإذن فلمن كّرس الجرجاني سبعين صفحة‬
‫من صفحات بلغته في الردّ على من زعم أن‬
‫الفصاحة تكون في اللفظ خصوصا ً دون الكلم‬
‫؟‬
‫دث عن فصاحة اللفظ‬ ‫وإذا كان ثمة أحد يتح ّ‬
‫وحده فإنما يعني به كون اللفظ عربيا ً واقعا ً‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪445‬‬
‫‪3‬‬
‫على النطق الصحيح المتعارف عليه من غير‬
‫) لحن ( أو تشويه أو مما طاله من التأثر‬
‫بكلم العاجم ـ فذلك هو المقصود من فصاحة‬
‫اللفظ وهو أمر مختلف عن فصاحة الكلم‬
‫التي تعني فصاحة اللفظ وفصاحة التركيب‬
‫معا ً بما يؤدي الى بلوغ المعنى المقصود‬
‫للقائل ‪.‬‬
‫وفي ك ّ‬
‫ل مرة ينسى الجرجاني نفسه ‪،‬‬
‫وينسيه الله تعالى ما بدأ به فيقول عبارات‬
‫تنبأ الخبير وغير الخبير عن غياب المة التي‬
‫كان يصارعها الجرجاني مثل العبارات التية ‪:‬‬
‫ـ ول أظن أحدا ً يخالف ذلك ‪.‬‬
‫ن ظنا ً يؤدي الى خلفه ظ ّ‬
‫ن ما‬ ‫ـ فمن ظ ّ‬
‫يخرج به عن المعقول ‪.‬‬
‫ـ وهذا هو الفيصل لمن عقل ‪.‬‬
‫ـ ول أظن أحدا يشك في ذلك ‪.‬‬
‫ـ وهذا ما ل عذر لعاقل في خلفه ‪.‬‬
‫وتلك عبارات ختام الردود ‪ ..‬ولكن عبارات‬
‫بداية الردود هي الخرى مشابهة لتلك ‪:‬‬
‫ـ ل يتصور أن يتعلق الفكر بمعاني الكلم‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪446‬‬
‫‪3‬‬
‫إقرارا ً‬
‫ـ ليت شعري هل من يتصور وقوع قصد من‬
‫ذلك‬
‫وما شابهها من عبارات ‪.‬‬
‫وفي وسط الردود كان يكرر ‪ :‬وهذا كله فكر‬
‫في أمور معلومة ‪.‬‬
‫وهذا كله مما ل شك فيه ‪ ..‬الخ ‪.‬‬
‫ماهم‬
‫ترى من هم اؤلئك الذين س ّ‬
‫الجرجاني ‪ :‬الذين لهجوا بالباطيل والذين‬
‫عموا عن الطريق ‪ ،‬ومن هم الذين ) لم‬
‫يفّرغوا خواطرهم في تأمل ما‬
‫استخرجناه ( ‪ ،‬ومن هم الذين يريد الجرجاني‬
‫أن ) يزيدهم تبصيرا ً أنهم في عمياء من‬
‫أمرهم ( ‪ ..‬الى آخر عباراته وما أكثرها ؟‬
‫إني ل أتحدى الجرجاني وهو من الموتى‬
‫ولكني أتحدى المم كلها بعلمائها الذين اّتبعوا‬
‫الجرجاني حتى صار إماما ً لهم في البلغة ـ‬
‫دوا على هذه المقالت ردّ ا ً‬ ‫أتحداهم أول ً أن ير ّ‬
‫تأخذ به جماهير المة والمم كلها وثانيا ً أن‬
‫يأتوا بشاهد واحد على لسان رجل واحد قبل‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪447‬‬
‫‪3‬‬
‫الجرجاني ذكر شيئا ً مما ذكره الجرجاني عن‬
‫معنى ) الفصاحة ( ـ ليصح معه الرد عليه ‪.‬‬
‫لم يذكر الجرجاني من هم هؤلء الذين‬
‫و‬
‫دثون وفي أي كتاب ولم يذكر عن أي را ٍ‬
‫يتح ّ‬
‫اخذ ما قالوه عن الفصاحة ؟‬
‫إن الرجل يعمد الى المور التي ) ل يشك‬
‫فيها ( ـ فيزعم أن هناك من يشك فيها‬
‫ور لك جمعا ً من الناس يش ّ‬
‫كون في تلك‬ ‫ويص ّ‬
‫الحقيقة وينبري الجرجاني وحده لتفنيد‬
‫آراءهم !‬
‫ك ّ‬
‫ل ذلك من اجل أن تكون له قوة الرد‬
‫الحقيقية على ) المذاهب ( التي ليست‬
‫)حقيقية ( ول وجود لها ؟!‬
‫أما قوله ‪ :‬ل يتعلق الفكر بمعاني الكلم‬
‫أظن وان هذا غير متصور عنده فهو هراء‪ .‬لن‬
‫المفردات يتعلق بها الفكر قبل الجملة وإنما‬
‫تتحدد حركة اللفاظ وجهاتها من خلل نسبة‬
‫بعضها الى بعض في الجملة ‪.‬‬
‫لقد زعم دي سوسر نفس الزعم وقد سألنا‬
‫من قبل في اللغة الموحدة كيف تظهر‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪448‬‬
‫‪3‬‬
‫المعاني إذن إذا كانت الجزاء ) اللفاظ ( ل‬
‫تمتلك اية دللة قبل التركيب ؟ هل رأيت في‬
‫حياتك أشياء ل قيمة لها فإذا جمعتها ظهرت‬
‫للمجموع قيمة خلف ا ً للجزاء ؟‬
‫كل ‪ .‬إن القيمة الكلية إنما هي مجموع قيمة‬
‫الجزاء كلها وتناسب بعضها مع بعض وهو‬
‫قانون فيزيائي ومنطقي عام ‪ ..‬لذلك اضطر‬
‫خليفة الجرجاني الى تسمية اللغة ) بالنظام‬
‫اللمنطقي ( وحكمه بالمبدأ الذي سماه‬
‫) المبدأ العتباطي ( ‪.‬‬
‫فإذا كان الجرجاني يتحدث عن القيمة‬
‫المسبقة ويسميها ) الفصاحة ( فلقد قلب‬
‫المر كله رأس ا ً على عقب !‬
‫وإني لحسبه ل يتحدث ال عن ذلك ومن هنا‬
‫أصبح النظم عنده أساس المعنى المتحصل ‪.‬‬
‫ولكنه خالف فكرة النظم نفسها في جميع‬
‫المواضيع لن غايته أبعد من تفسير اللغة ‪.‬‬
‫لو كانت اللفاظ معدومة الدللة خارج‬
‫الجمل لكانت متساوية تماما ً ول فروق بينها‬
‫مطلق ا ً بل ولكانت مثل قطع ) الطوب (‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪449‬‬
‫‪3‬‬
‫المتشابهة فكيف تظهر قيمة ودللة للتركيب‬
‫مع غياب الدللة في ك ّ‬
‫ل جزء منه ؟‬
‫وهل صحيح أخي القارئ انك ل تمتلك أية‬
‫فكرة ول يعلق ذهنك بأي معنى حينما أتلو‬
‫عليك اللفاظ المجردة التية ‪ :‬بحر ‪ ،‬تفاح ‪،‬‬
‫سرور ‪ ،‬ألم ‪ ،‬موت ‪ ،‬جبل ؟‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪450‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ .2‬اختيارات عشوائية‬

‫نفتح كتاب دلئل العجاز بشكل عشوائي‬


‫س الجرجاني مقاطع اليات‬
‫لنبّين لكم كيف د ّ‬
‫القرآنية بين البيات والشواهد الشعرية‬
‫واللغوية وأنه اخرج الجميع مخرجا ً واحدا ً وأنه‬
‫أجرى على الجميع حكما ً واحدا ً بما يفهم منه‬
‫) نظم ( القرآن‬ ‫أن العجاز الذي هو في‬
‫إنما هو في ) نظم ( غير القرآن أيضا ً ‪:‬‬
‫الختيار الول ‪ :‬ص ـ ‪ / 286‬طبعة ‪/ 1969‬‬
‫القاهرة ‪ /‬الطبعة الولى ‪.‬‬
‫العنوان ‪ :‬فن من المجاز لم نذكره في ما‬
‫تقـدم ‪:‬‬
‫التسلسل على النحو التي ‪:‬‬
‫تمهيد نصف صفحة ـ آية ‪ ‬فما ربحت‬
‫تجارتهم ‪ ، ‬شرح لهذا المقطع من الية‬
‫ثلثة أسطر ‪ ،‬انتقال الى بيت الشعر الوارد‬
‫في التمهيد ‪.‬‬
‫شاهد آخر ‪ :‬فنام ليلي وتجّلى ه ّ‬
‫مي ـ مثال‬
‫) رأيت السد ( ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪451‬‬
‫‪3‬‬
‫شعر ‪ :‬يحمى إذا اخترط السيوف ‪ /‬شرح‬
‫للبيت كونه ) كنز من كنوز البلغة ( ‪ ،‬شعر‬
‫ي الباطح ‪ /‬شرح‬‫آخر ‪ :‬وسالت بأعناق المط ّ‬
‫نصف صفحة ثم عودة الى الية مما يظهر منه‬
‫بلغة ك ّ‬
‫ل قول في نفسه ونظمه وغايته ل‬
‫فرق بين الية والشعر ‪ ،‬شاهد آخر ‪ /‬بيتان‬
‫لحاجز بن عوف شرح لجهات اللطف في‬
‫البّيتين نصف صفحة ‪ .‬شاهد آخر ثلثة أبيات‬
‫لمجنون ليلى ‪ ،‬شرح لجماليات المجاز الحكمي‬
‫في شعر المجنون نصف صفحة ‪.‬‬
‫شاهد آخر ‪ /‬وصاعقة من نصله ينكفي بها ‪/‬‬
‫للبحتري ‪ .‬شرح لستعارة البحتري وأسرارها‬
‫الجمالية والبلغية ثلث صفحة ‪ /‬شاهد آخر‬
‫للبحتري ‪ :‬والبارقات كأنها‪...‬‬
‫تشبيه وشاهد آخر لحق للخنساء شرح‬
‫للشواهد نصف صفحة ‪.‬‬
‫ك ّ‬
‫ل هذا والن يمر مقطع من آية على النحو‬
‫التي ‪ :‬ول يعد هذا معد ما حذف منه المضاف‬
‫]‬ ‫وأقيم المضاف إليه مقامه كقوله تعالى ‪:‬‬
‫واسأل القرية ‪ ‬ومثل قول النابغة الجعدي ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪452‬‬
‫‪3‬‬
‫ه كأبي‬
‫خللت ُ‬ ‫وكيف تواصل من أصبحت‬
‫مرحب‬
‫وقول العرابي ‪ :‬حسبت بغام راحلتي عناقا‬
‫‪ ..‬الخ‬
‫شرح للبيتين نصف صفحة ‪ ،‬شاهد آخر‬
‫للمتنبي ‪ ،‬شرح للشاهد نصف صفحة ‪ ،‬مقارنة‬
‫مع حسبت بغام راحلتي ‪ /‬نهاية الفصل ‪.‬‬
‫المجموع ‪ 9 :‬صفحات‬
‫الشواهد الشعرية ‪ 19 :‬بين من الشعر‬
‫الشواهد المأثورة ‪ 4 :‬شواهد‬
‫الشواهد الفتراضية ‪ 7 :‬شواهد‬
‫الشواهد القرآنية ‪ :‬شاهد واحد هو ) فما‬
‫ربحت تجارتهم ( مقطوع عما قبله وبعده‪.‬‬
‫الشروح ‪ :‬ثلثة اسطر للشاهد القرآني‬
‫والباقي للشواهد الخرى ‪.‬‬
‫نتيجة الشرح والمقارنة ‪ :‬يوجد في الشاهد‬
‫القرآني مجاز لن التجارة ل تربح نفسها بل‬
‫يربح فيها وهو مجاز عادي جدا ً ‪ ،‬أما الشواهد‬
‫الشعرية والنثرية فهي آيات من آيات الفن‬
‫والفصاحة والبلغة !‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪453‬‬
‫‪3‬‬
1
2 454
3
‫تنبيــــــــــه ‪:‬‬

‫معلوم أننا في الحل القصدي وضعنا لول‬


‫م ّرة إعجاز القرآن في موضعه وكشفنا لول‬
‫مرة عن سّره الدفين الكائن في النظام العام‬
‫والمرتبط بإلغاء المترادفات وثبات المعنى‬
‫حد والدللة الصلية لكل لفظ مما يوجب‬
‫المو ّ‬
‫) جملة‬ ‫العجز التام عن التيان بأي تركيب‬
‫مفيدة ( من جنسه واقعة ضمن هذا النظام‬
‫ي النظام‬
‫الشامل ـ انظر لفهم الفكرة كتاب َ ْ‬
‫القرآني واللغة الموحدة في حين سعت‬
‫نظرية العتباطية ) ونظرية النظم ( الى‬
‫وله ‪.‬‬
‫إثبات أنه ) ص ( تق ّ‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪455‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ .3‬اختيار عشوائي آخر‬

‫الصفحة ـ ‪ / 216‬العنوان فروق في الحال‬


‫لها فضل تعّلق بالبلغة‬
‫تمهيد على طول صفحة ‪ ،‬شاهد شعري‬
‫لبشار ‪ :‬إذا أنكرتني بلدة ‪ .‬شاهد آخر لمية ‪:‬‬
‫فاشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا ً ‪ .‬شاهد آخر‬
‫لوائلة السدوسي أخذه عن الجاحظ ‪ ،‬شاهد‬
‫آخر لبن السكيت ‪ ،‬شاهد آخر للفارسي ‪،‬‬
‫شاهد آخر للخطل ـ شرح نصف صفحة ‪ .‬مثال‬
‫‪ :‬جاءني زيد يسعى غلمه بين يديه ‪ ،‬شاهد‬
‫آخر لعلقمة ‪ ،‬شاهد آخر لليادي ‪.‬‬
‫والن يأتي الجرجاني بثلثة مقاطع من ثلث‬
‫آيات ليبرهن أمر هذا النوع ) كله يستمر على‬
‫الغنى عن الواو وعليه التنزيل والكلم ( ‪.‬‬
‫وهذا هو بيت القصيد ‪ ...‬التنزيل والكلم‬
‫سواء في هذا المر ‪.‬‬
‫ل شرح ول إضافة على مقاطع اليات بل‬
‫تدافعت سوية في سطرين ‪.‬‬
‫ويستمر الجرجاني ‪ :‬شاهد آخر للسّلوي ابن‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪456‬‬
‫‪3‬‬
‫همام ‪ ،‬شاهد آخر للحنفي ‪ ،‬شاهد آخر من‬
‫قصة عبد الله بن عتيك حين دخل على أبي‬
‫رافع ‪ ،‬شاهد آخر للدارمي بعد شرح نصف‬
‫صفحة ‪ ،‬بيتان عن مصعب ابن الزبير لمالك بن‬
‫رفيع ‪ :‬أتاني مصعب وبنو أبيه ‪ ،‬شاهد مفترض‬
‫‪ ،‬شاهد من قول أبي السود ‪ ،‬شاهد آخر‬
‫لعكرشة ‪ ،‬شاهد آخر لرطاة الشاعر الموي‬
‫وصفه بأنه ) لطيف جدا ً ( ‪ ،‬شاهد آخر مثله‬
‫في ) الحسن واللطف ( لعشى همدان ‪،‬‬
‫شاهد آخر مفترض ‪ ،‬شاهد آخر لخالد بن يزيد‬
‫ابن معاوية فيه جماليات ل يهتدي الى وضعها‬
‫) بالموضع المرضي ال من كان صحيح الطبع (‬
‫حسب تعبير الجرجاني ‪ ،‬شاهد آخر بغير الواو‬
‫لجندح المّري ‪ ،‬شاهد آخر لبن عبد العّزي ‪،‬‬
‫شاهد آخر وصفه بأنه في غاية الحسن‬
‫والجمال لحد الخوارج يصف أصحابه كما في‬
‫الهامش ‪ ،‬بيتان للعرابي ‪ ،‬شاهد آخر‬
‫للفرزدق ‪ ،‬شاهد آخر لبن الرومي ‪ ،‬شرح‬
‫صفحة ونصف ‪ ،‬شاهد لعلقمة ‪ ،‬شرح للشواهد‬
‫المفترضة ثلث صفحات ‪ ،‬استشهاد بشطر اية‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪457‬‬
‫‪3‬‬
‫لثبات فرضيته بوضع الجملة من المبتدأ‬
‫والخبر موضع الفعل والفاعل ‪ ،‬شطر من‬
‫شعر بشار ‪ ،‬شرح صفحة ‪ ،‬شاهد آخر لسعد بن‬
‫ناشب ‪ ،‬شرح نصف صفحة ‪ ،‬نهاية الفصل ‪.‬‬
‫المجموع ‪ 16 :‬صفحة‬
‫الشواهد الشعرية ‪ 29 :‬بيتا وشطر بيت‬
‫الشواهد المأثورة ‪ :‬ثلثة شواهد‬
‫الشواهد المفترضة بجملة زيد وعمرو ‪6 :‬‬
‫ستة شواهد ‪.‬‬
‫الشواهد القرآنية ‪ :‬شاهدان ‪ .‬الول ثلثة‬
‫أسطر سوية لثبات أمر التنزيل والكلم سواء‬
‫في الغنى عن الواو كما رأيت ‪ .‬والثاني قبل‬
‫نهاية الفصل لثبات فرض جديد فرضه هو‬
‫جاءه بالشاهد القرآني وبسطر واحد على‬
‫النحو التالي ‪:‬‬
‫)‪ ..‬لن المعنى على النصب نحو اضرب زيدا ً‬
‫ووضعوا الجملة موضع الفعل والفاعل في‬
‫نحو قوله تعالى ‪ :‬أدعوتموهم أم أنتم صامتون‬
‫لن الصل في المعادلة أن تكون أدعوتموهم‬
‫م ّتم ( ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫ص َ‬
‫إليه َ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪458‬‬
‫‪3‬‬
‫فأين هو إعجاز القرآن في هذا الفصل ؟‬
‫م ّتم ( محل الحال‬
‫وكيف يحل الفعل ) ص َ‬
‫) وأنتم صامتون ( ـ وفرضية النظم تقتضي‬
‫الختلف بين القولين ) جاءني زيد مسرعا ً ( و‬
‫) جاءني زيد وهو يسرع ( وهما شاهدا‬
‫الجرجاني في أول ما بدأ بتأسيس الفكرة ؟‬
‫وكيف تحل دللة اشتقاق محل دللة‬
‫اشتقاق آخر فما فائدة الشتقاق إذن ؟ وما‬
‫فائدة التنوع في اشتقاق الصيغ المختلفة‬
‫على أصل واحد ؟ وكيف يكون مراد المتكلم‬
‫واحدا ً والصيغ مختلفة ؟ ولماذا ل نعثر على‬
‫مثل هذا التقدير والتغيير في الشواهد الخرى‬
‫ونجده دوما ً في الشواهد القرآنية وحدها ؟‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪459‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ .4‬اختيار عشوائي آخر‬

‫صفحه ـ ‪ 213‬الموضوع ‪ :‬فصل في ) الذي (‬


‫‪ .‬قال الجرجاني ‪:‬‬
‫إعلم أن لك في ) الذي ( علما ً كثيرا ً‬
‫وأسرارا ً جمة وخفايا إذا بحثت عنها وتصورتها‬
‫اطلعت على فوائد تؤنس النفس وتثلج الصدر‬
‫بما يفضي بك إليه من اليقين ويؤديه إليك من‬
‫حسن التبين ‪ ( ..‬انتهى ‪.‬‬
‫هكذا يبدأ الجرجاني هذا الفصل ـ وانت الن‬
‫تتشوق لمعرفة السرار الجمة والخفايا في‬
‫) الذي ( ‪ ،‬وتسال في أي نوع من الشواهد‬
‫سور ؟‬
‫من الولى وفي أي ال ّ‬
‫لكنك واهم ‪ .‬فالجرجاني يتحدث عن الجزاء‬
‫‪ ،‬الجزاء في الكلم وحسب !‬
‫وعنوان الكتاب هو ) دلئل الجزاء ( ‪ .‬وانت‬
‫واهم منذ البداية أدعوتموهم ظننت أنه يتحدث‬
‫عن إعجاز القرآن ‪:‬‬
‫)‪ ..‬ويؤديه إليك من حسن التبيين ‪ ،‬والوجه‬
‫ع‬
‫وض َ‬
‫م ُ‬
‫في ذلك أن تتأمل عبارات لهم فيه ل ِ َ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪460‬‬
‫‪3‬‬
‫ض ُأجتلب وأشياء وصفوه بها ( ‪.‬‬
‫ي غر ٍ‬
‫ول ّ‬
‫ويشرح الجرجاني تلك السرار الجمة‬
‫والخفايا بثلث صفحات فيها ثلث شواهد‬
‫مفترضة ‪ .‬وليأتي بأنه شاهد قرآني ويخلو‬
‫الفصل من أية إشارة ولو عابرة الى‬
‫الستعمالت القرآني لهذا السم‬
‫الموصول !! وما أظن في القرآن !‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪461‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ .5‬النظم والعجاز نتيجة وتناقض‬

‫نظرية النظم للجرجاني لم تفسر إعجاز‬


‫القرآن كما توهم الناس منذ قرون !‬
‫لسبب واضح هو أن النظم عند الجرجاني هو‬
‫تسلسل العرابي على نحو منتظم في العبارة‬
‫بحيث أن تغيير مواقعها يخ ّ‬
‫ل بالمعنى الذي‬
‫يقصده القائل ‪.‬‬
‫إذا فكل آية قرآنية هي معجزة ! وذلك‬
‫أدعوتموهم افترضنا مثل ما رأى الخرون أنه‬
‫حينما تحدث عن الشعر فقد تحدث عن القرآن‬
‫!‬
‫ولكن عندهم أن القرآن ما تحدى بآية واحدة‬
‫بل تحدى بسورة واحدة ومعلوم أن أقل سورة‬
‫بعدد الولى هي النصر وآياتها ثلثة ‪.‬‬
‫أن ولع الجرجاني بنظريته أعماه عن هذا‬
‫السؤال ولو كان سأل نفسه لعرض عن‬
‫نظريته العجيبة !‬
‫أن الجزاء أوسع واعظم مما تتصوره جميع‬
‫العقول فضل ً عن عقل الجرجاني وحده !‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪462‬‬
‫‪3‬‬
‫وتناقض الجرجاني مع نفسه !‬

‫فإذا كان النظم هو ترابط المفردات‬


‫بطريقة معينة ل يؤدي المعنى المقصود سواه‬
‫دمه‬
‫فما أحسنه من رأي ‪ ..‬لكن الجرجاني ه ّ‬
‫في جميع سطوره حينما قام بتأسيس‬
‫طريقته في تقدير الجملة بنظم آخر وحينما‬
‫دم وآخر كما يشاء فاسأله ‪ :‬أليس النظم‬
‫ق ّ‬
‫الجديد المفترض يؤدي الى معنى آخر غير‬
‫النظم الول فأين ذهبت نظريتك ؟ إم كان‬
‫طعما ً ( لزدراد المزيد من السموم ؟‬
‫ذلك ) ُ‬
‫وكيف جعلت النظمين أو الربعة بمعنى‬
‫درت قوله تعالى ) ل تقولوا‬
‫واحد حينما ق ّ‬
‫ثلثة ( بأكثر من صورة مختلفة ؟؟‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪463‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ .6‬تفسير الجرجاني لقوله تعالى‬
‫ل تقولوا ثلثة ـ‬

‫دروا هذه العبارة‬


‫ليته إذ قال أن الذين ق ّ‬
‫القرآني بقولهم إنها بمعنى ) ول تقولوا‬
‫آلهتنا ثلثة ( ـ ارتكبوا عظيما ً في إثبات وجود‬
‫آلهة ونفى عددها ‪ ..‬فتقديرهم خاطئ جدا ً لن‬
‫معناه آلهتنا عديدة لكنها ليست ثلثة !‬
‫ليته إذ قال هذا الكلم التزم به الى الخر‬
‫در كتقديرهم ‪..‬‬
‫والتزم بنظرية النظم فلم يق ّ‬
‫م في‬
‫لكنه أبى ال أن يفعل لن قوله هذا لح ٌ‬
‫سنارة صيده ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬ما استخرجناه أدى هذا التقدير الى‬
‫الفساد وجب العدول عنه الى غيره والوجه‬
‫والله اعلم أن تكون ثلثة صفة مبتدأ ويكون‬
‫التقدير ) ول تقولوا لنا ثلثة آلهة ( ثم حذف‬
‫الخبر ) لنا ( فبقى ول تقولوا آلهة ثلثة ثم‬
‫حذف الموصوف آلهة فبقى ثلثة !‬
‫فأنظر ماذا فعل فقد عاد الى ما بدأوا به‬
‫وفعل أسوأ مما فعلوا ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪464‬‬
‫‪3‬‬
‫ذلك لن النهي تعّلق مرة أخرى بالعدد ‪ :‬أي‬
‫ل تقولوا لنا ثلثة آلهة بل قولوا أربعة أو‬
‫عشرة أو ماءه ل فرق فالمنهي عنه هو الثلثة‬
‫فقط ‪.‬‬
‫وكأنه شعر بذلك فقال ‪ :‬الول يثبت والثاني‬
‫ل يثبت آلهة ‪.‬‬
‫فان قلت ‪ :‬أن كان ل يوجب آلهة فانه ل‬
‫تنفيه ؟ وأجاب على السؤال بقوله ‪:‬‬
‫قيل ينفيه ما بعده وهو قوله تعالى ‪:‬‬
‫أنكرتني الله إله واحد ؟‬
‫فاسأله أين هي المشكلة إذا ؟ حتى‬
‫أدعوتموهم أدرك الغرق تشبث بالمقطع‬
‫اللحق ‪ ..‬وقد كنت تناقش المقطع الول‬
‫منفصل ً ‪ :‬أن تقديره على هذا النحو خاطئ ‪..‬‬
‫فما شطت بك الرض ولكن نقلت من السواد‬
‫الى السواد !‬
‫ولكنه رغم ذلك رضي بالتقدير باعتباره ل‬
‫يثبت آلهة ول ينفيها ‪ ..‬ونحن نقول بل يثبتها‬
‫آيات مادام متعلقا بالعدد ل بوجود اللهة ‪.‬‬
‫لنك لو قلت لجماعة ‪ :‬ل تقولوا ثلثة ‪ :‬أن‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪465‬‬
‫‪3‬‬
‫تقديره ) ل تقولوا لنا ثلثة شعراء ( فالسامع‬
‫يفهم انهم ثلثة ما بدأ يأمر بالكتمان والتستر‬
‫عليهم فأصبح تقدير الجرجاني ل يثبت اللهة‬
‫وحسب بل ويثبت عددها آيات !‬
‫من خلل أن النهي تعلق بالثلثة فقط وكل‬
‫عدد غيره فوق الثلثة جائز لن الواحد‬
‫والثنين يستلزم تغييرا ً في صيغة الجمع آلهة‬
‫درون الجمل إذا اقتضى التقدير‬
‫وهم ل يق ّ‬
‫تغييرا ً في بقية اللفاظ !‬

‫تقدير آخر للجرجاني في قوله تعالى‬


‫ـ ل تقولوا ثلثـة ـ‬
‫قال الجرجاني ‪ :‬ول يمتنع أن تجعل‬
‫المحذوف في موضع التمييز دون الموصوف‬
‫ويكون التــقدير ‪ ) :‬ول تقولوا ثلثة آلهة (‬
‫وتقديره ‪ ) :‬ول تقولوا لنا أو في الوجود ثلثة‬
‫آلهة ( ‪.‬‬
‫فانظر الى هذا التقدير الذي انجب تقديرا‬
‫آخر هو عين التقدير الول والنتيجة ‪ :‬ل‬
‫تقولوا في الوجود ثلثة آلهة بل قولوا عددا ً‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪466‬‬
‫‪3‬‬
‫آخر أو يكون معناه ‪ :‬ل تذكروا العدد لنكم ل‬
‫تعرفونه المبدأ كثير ل يحصى أو متغّير ل يعلم‬
‫أو يكون ‪ :‬اكتموا العدد وأحفظوا السّر فانهم‬
‫ثلثة فعل ً !‬
‫قول المنهج القصدي في الية‬

‫ل يوجد هنا أي احتمال لي تقدير ‪ .‬لن‬


‫در موجود في نفس الية فهو لم‬ ‫اللفظ المق ّ‬
‫در مجددا ً ‪ .‬وذلك أن اليات مترابطة‬‫يحذف ليق ّ‬
‫ليمكن فصل جزء منها ‪.‬‬
‫] ول تقولوا ثلثة‬ ‫أليس قوله تعالى ‪:‬‬
‫انتهوا خيرا لكم أنكرتني الله اله واحد ‪‬‬
‫مترابط مع بعضه ومع ما يسبقه وما يلحقه ؟‬
‫در مفرد ل جمع هو نفس لفظ‬
‫فاللفظ المق ّ‬
‫الجللة ) الله ( والذي اصله ) الله ( فأدغمت‬
‫اللمان وأزيلت الهمزة واللف الثاني فصار‬
‫) الله ( ـ ) هذا تخريجهم للفظ الجللة ( ـ‬
‫ولفظ الله ل يطلق ال على الله الواحد كما‬
‫هو معلوم لوجود أل التعريف ‪.‬‬
‫ما استخرجناه كان لبد من تقدير على‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪467‬‬
‫‪3‬‬
‫عادتهم العجيبة فهو ‪ :‬ول تقولوا الله أمة‬
‫)الله ( ثلثة ‪ ..‬فيدخل نفي التعدد من أول‬
‫حه ‪ :‬أنكرتني الله أو )‬
‫العبارة الى آخرها ويوض ّ‬
‫الله ( إله واحد ‪ ..‬حيث يتعلق ) المحذوف (‬
‫المزعوم باللفظ المذكور لحقًا‪.‬‬
‫در هو وغيره المحذوف المزعوم‬
‫فكيف يق ّ‬
‫بصيغة الجمع وهم يريدون من الجملة أن تفيد‬
‫نفي التعدد ؟‬
‫فالجرجاني لم يمّيز شأنه شأن الجميع بين‬
‫المخاطبين والمقصودين من القولين ‪:‬‬
‫قوله تعالى ‪ ‬لقد كفر الذين قالوا أن الله‬
‫ثالث ثلثة ‪ / ‬المائدة ـ ‪73‬‬
‫وقوله ‪ ‬ول تقولوا ثلثة ‪ / ‬النساء ـ ‪171‬‬
‫إذ أن هناك طائفتين تمثلن أسوأ وأهون‬
‫القائلين بالتثليث من النصارى ‪ .‬وتقع بينهما‬
‫أكثر من تسعة اتجاهات في فهم هذا‬
‫التثليث ‪.‬‬
‫فالذين قالوا أن الله الذي هو إله ثالث ثلثة‬
‫هم للتثليث‬ ‫فقد اثبتوا ثلثة آلهة وهو أسوأ َ‬
‫ف ْ‬
‫وقولهم كفر ‪ .‬والذين قالوا ‪ :‬الله واحد لكنه‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪468‬‬
‫‪3‬‬
‫ثلثة ‪ .‬وهي طائفة في النصارى جمعت بين‬
‫القول بالتوحيد الخالص وبين التعدد في‬
‫القانيم في مفهوم غامض ومع ّ‬
‫قد للغاية ‪ .‬ل‬
‫يفهمه حتى قادة التجاه أنفسهم ـ وهؤلء لم‬
‫يكفروا مثل أولئك فقال ‪ :‬انتهوا خير لكم !‬
‫لن قولهم مخالف لعتقادهم فافهم ‪.‬‬
‫ال تراه قال عبارتين في التوحيد مختلفتين‬
‫مع ك ّ‬
‫ل منهما ‪:‬‬
‫] لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلثة ـ‬
‫بعدها ‪ :‬وما من إله إل إله واحد ‪‬‬
‫] ل تقولوا ثلثة انتهوا خير لكم ـ بعدها ‪:‬‬
‫[‬ ‫أنما الله إله واحد ‪..‬‬
‫فأوضح للذين كفروا بقولهم هو ثالث ‪ :‬أنه‬
‫ددوا الله‬
‫ليس من إله ال إله واحد لنهم ع ّ‬
‫نفسه !‬
‫وأوضح للذين قالوا الله الواحد ثلثة ‪ :‬أن‬
‫هذا الله الذي تؤمنون به هو الله وأنه واحد ‪.‬‬
‫فانتهوا عن القول ‪ .‬ولم ول فروق أن ينتهوا‬
‫عن الكفر لن الكافر ل ينتهي عن الكفر ‪.‬‬
‫] أن الذين كفروا سواء عليهم أءنذرتهم‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪469‬‬
‫‪3‬‬
‫إليه لم تنذرهم ل يؤمنون ‪‬‬
‫ثم انظر الى العجاز المذهل في ذكر‬
‫الفريق الثاني مع الول في مورد المائدة ‪:‬‬
‫] لقد كفر الذين قالوا أن الله ثالث ثلثة‬
‫وما من إله ال إله واحد ‪[ ..‬‬
‫فكأن السامع تذ ّ‬
‫كر الفريق الثاني الذي‬
‫يقول ثلثة ول يعني ال الواحد فسأل ‪:‬‬
‫والذين يقولون ذلك ويعنون أنه واحد هل‬
‫يكفرون ؟‬
‫] ولئن لم ينتهوا عما يقولون‬ ‫فقال ‪:‬‬
‫سن الذين كفروا منهم عذاب اليم ‪‬‬ ‫ليم ّ‬
‫فجمعهما معا ً في مورد المائدة فانتبه ‪.‬‬
‫فبعض هؤلء كفر وبعض لم يكفر فقال )منهم‬
‫( بينما ك ّ‬
‫فر الفريق الول كلهم ‪ ‬لقد كفر‬
‫الذين قالوا أن الله ثالث ثلثة ‪. ‬‬
‫فزعم آخرون من أمثال الجرجاني أن‬
‫) منهم ( في اليات مزيدة !!‬
‫فافهم وتأمل وأعد القراءة أن لم تفهم‬
‫لني أوضحت لك المر بطريقة تظهرك على‬
‫العجاز الفعلي في ك ّ‬
‫ل القرآن باعتباره‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪470‬‬
‫‪3‬‬
‫) نظام ا ً ( محكما ً ونسيجا ً واحدا ً ل )نظمًا( في‬
‫ك ّ‬
‫ل مقطع !‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪471‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ . 7‬التقديم والتأخير عند الجرجاني‬

‫الجرجاني هو الذي بنى أساس تخريب اللغة‬


‫بافتراضاته العجيبة التي انطلت على المل ‪،‬‬
‫ذلك أن هذه المة ولعت ولعا ً شديدا ً بكثرة‬
‫التأليف مع ضعف النظر والتدقيق وعلى‬
‫دثا عن‬
‫عكس ما تظن ‪ ..‬فإنها أكثر المم تح ّ‬
‫اللغة مفرداتها ونحوها وإعرابها ولكنها في‬
‫الواقع أبعد المم عن فهم لغتها الخاصة فضل ً‬
‫عن وضع نظرية حصيفة في علم اللسن ‪.‬‬
‫قال الجرجاني في ص ـ ‪ : 162‬ال ترى إنك‬
‫إذا قلت ) أتانا وقد طلعت الشمس( وذلك أذا‬
‫استبطأت أنسان ا ً وعكس هذا إذا قلت ) أتى‬
‫والشمس لم تطلع ( كان أقوى في وصفك له‬
‫ن أنه‬
‫بالعجلة والمجيء قبل الوقت الذي ظ ّ‬
‫يجيء فيه من قولك )أتى ولم تطلع الشمس‬
‫بعد ( ‪ ،‬هذا هو كلم ل يكاد يجيء ال نابيا ً‬
‫والكلم البليغ هو أن تبدأ بالسم وتبني الفعل‬
‫عليه‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫مى نظرية الجرجاني‬
‫كان الولى أن تس ّ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪472‬‬
‫‪3‬‬
‫) بالقضم ( ل ) النظم ( لنها قضمت اللغة‬
‫والتراكيب قضما ً ‪.‬‬
‫أيرى الجرجاني أن الجمل المبدوءة بفعل‬
‫وهي الجمل الفعلية ليست بليغة ؟‬
‫ماذا يرمي الجرجاني بقوله ‪ :‬ومثل ذلك‬
‫قوله ‪ ) :‬وقد اغتدي والطير لم تكّلم (‪ .‬أيرمي‬
‫الى أن الجمل الفعلية الكثيرة في القرآن‬
‫ليست بليغة ؟ وان أشعار الجاهلين ابلغ منها‬
‫؟‬
‫كيف وهناك الكثير في كلم الله تعالى ما‬
‫كان مبتدءً بالفعل ل السم ‪:‬‬
‫أتى أمر الله ‪ ،‬أتاهم العذاب ‪ ،‬قد جاء أمر‬
‫الله ‪ ،‬إذا جاء نصر الله والفتح ‪ ،‬وجاءت سّيارة‬
‫‪ ،‬وقال فرعون ‪ ،‬وقال الذين كفروا ‪ ،‬قل ل‬
‫أسألكم أجرا ‪ ... .‬الى مئات الموارد ؟‬
‫لقد ظن الجرجاني أن القائل ‪ :‬أتى ولم‬
‫تطلع الشمس بعد ‪ ..‬أمر يتكلم بكلم )ل يجيء‬
‫ال نابيا ً ( ‪ .‬بينما تكون هذه العبارة ذات معنى‬
‫مختلف عن العبارة الولى ‪) :‬أتى والشمس‬
‫لم تطلع بعد (‪ .‬لن تقديم طلوع الشمس‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪473‬‬
‫‪3‬‬
‫كفعل على اسمها ينبئ عن عجلة في المجيء‬
‫اكبر مما يتوقع القائل ‪ ..‬وخلف التفاق في‬
‫الوعد بينهما ‪ ،‬بينما العبارة الثانية تؤكد أن‬
‫مجيئه في عين الوقت المتفق عليه ! لماذا !‬
‫دم الفعل أوحى الى السامع أن‬
‫لنه حينما ق ّ‬
‫الموعد هو الطلوع بينما العبارة الثانية أوحى‬
‫إليه فيها أن الموعد قبل الطلوع !‬
‫ويمكنك التأكد من ذلك بالتأمل فيه أول ً‬
‫ووضع الستفهام المناسب لكل عبارة ثانيا ً‬
‫هكذا ‪:‬‬
‫هل أتى وقد طلعت الشمس ؟ الجواب ‪:‬‬
‫أتى ولم تطلع الشمس بعد‬
‫دم الفعل ‪ ،‬فالجواب على‬
‫لن السائل ق ّ‬
‫نفس الترتيب ‪.‬‬
‫والسؤال ينبئ أن الموعد هو الطلوع ‪.‬‬
‫المبدأ الثانية فالسؤال فيها ‪ :‬هل أتى‬
‫والشمس قد طلعت ؟ وهذا التغيير في‬
‫السؤال وتقديم الفاعل ) الشمس ( قد غّير‬
‫العبارة كلها وَأفهم السامع أن الموعد قبل‬
‫الطلوع وأنه يسأل عما إذا كان قد أتى‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪474‬‬
‫‪3‬‬
‫والشمس قد طلعت ‪ .‬وجوابه ‪ :‬أتى والشمس‬
‫لم تطلع بعد ‪ .‬فتم تقديم الشمس عن الفعل‬
‫في صيغة السؤال والجواب معا ً وهذا كله هو‬
‫عكس ما قاله الجرجاني تماما ً ‪ ..‬وليست‬
‫الثانية نابية كما زعم بل هو تركيب صحيح‬
‫لمعنى مختلف ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪475‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ .8‬اختيار عشوائي آخر‬

‫ص ـ ‪ . 424‬بعنوان ) فصل ( ليس تحته‬


‫ه‬
‫عنوان قال الجرجاني وبنفس نبرة كلم ُ‬
‫المليئة بالغرور وحيث قال ‪:‬‬
‫) قد بلغنا من مداواة الناس من داءهم ‪،‬‬
‫وعلج الفساد الذي عرض في آراءهم ك ّ‬
‫ل‬
‫مبلغ ‪ ،‬وانتهينا الى ك ّ‬
‫ل غاية ‪ ،‬وأخذنا بهم عن‬
‫سنن‬
‫المجاهل التي كانوا يتعسفون بها الى ال ّ‬
‫اللحب ‪ ،‬ونقلناهم من الجن المطروق الى‬
‫النمير الذي يشفي غليل الشارب ولم ندع‬
‫لباطلهم عرق ينبض ال كويناه ول للخلف‬
‫لسان ينطق ال أخرسناه ‪ ،‬ولم نترك غطاء‬
‫على بصر ذي عقل ال أحسرناه ‪. (..‬‬
‫ما انتهى من ديباجته قال ‪:‬‬
‫ول ّ‬
‫) اعلم أنه لما كان الغلط الذي دخل على‬
‫الناس في حديث اللفظ كالداء الذي يسري‬
‫في العروق ويفسد المزاج وجب أن يتوخى‬
‫دائب ا ً فيهم ما يتوخاه الطبيب في الناقة من‬
‫تعهده بما يزيد في منته ) أي قوته ( ويبقيه‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪476‬‬
‫‪3‬‬
‫على صحته ويؤمنه النكس في علته ( ‪.‬‬
‫قال مؤلف هذه الوراق ‪ :‬صدق القائل ‪،‬‬
‫خذوا الحكمة من أفواه المجانين فأن جماعة‬
‫اّتبعت الجرجاني وهو يهينها هذه الهانة‬
‫ويمثلها بالناقة الهزيلة المنكسة من علتها ‪..‬‬
‫المتداعية صحتها الخائرة قوتها ويمثل نفسه‬
‫فيها طبيبها ‪ ..‬المتّتبع للداء الذي يسري في‬
‫عروقها لهي جماعة بهذا الوصف فعل ً ‪ !. .‬بيد‬
‫أن الذين يؤمنون بوجود قيمة ذاتية في اللفظ‬
‫هم أمة أخرى بكل تأكيد ‪ .‬ونسجل لك الن‬
‫ثبتا ً بمواضيع هذا الفصل ‪:‬‬
‫ـ أربع صفحات لشرح الداء الذي ذكره‬
‫الجرجاني ‪ .‬امتلت بعبارات التبجح والتهكم‬
‫مع ا ً واصفا ً من ل يؤمن بأقواله بمختلف‬
‫الوصاف ‪ :‬شدة الغفلة ‪ ،‬خراب العقول ‪،‬‬
‫الغواية ‪ ،‬اّتباع الهوى ‪ ،‬تأسيس الفساد ‪،‬‬
‫التورط بالجهالت ‪ ..‬الى ما يصعب إحصاءه‬
‫ـ شواهد ‪ :‬ثلثة أبيات لبي ُنخيله وبيتان‬
‫لبي تمام ‪.‬‬
‫ـ مثال قديم ‪ ،‬بيت للهللي ‪ ،‬بيت للبيد وآخر‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪477‬‬
‫‪3‬‬
‫للبحتري وثالث لبراهيم بن المهدي وآخر‬
‫لبن أبي فنن ‪.‬‬
‫شرح صفحة وشاهد آخر ‪ :‬بيتان للحطيئة ‪،‬‬
‫شرح صفحة أخرى وبيت لحسان ‪ ،‬شرح آخر‬
‫وبيت للمتنبي وآخر للبحتري ‪.‬‬
‫ـ صفحة أخرى فيها سبعة شواهد شعرية‬
‫مختلفة ‪.‬‬
‫ـ صفحة أخرى ليس فيها شروح بل أبيات‬
‫وشواهد عددها عشرة ‪.‬‬
‫ـ صفحتان واثنان وعشرون بيتا ً لطبقات‬
‫مختلفة من الشعراء ‪.‬‬
‫ـ خمسة صفحات أخرى وشواهد شعرية ما‬
‫يقرب من خمسين بيت ا ً لشعراء مختلفين‬
‫يتخللها نماذج من الشعار وأبيات لبعض‬
‫الخوارج وأبي نؤاس مثلما يتخللها نماذج‬
‫لشعراء جاهليين ‪ ،‬شرح صفحة لشاهد أبي‬
‫نؤاس ‪.‬‬
‫ـ ثلث صفحات مع ستة وعشرين بيت ا ً آخر ‪.‬‬
‫شرح صفحة واحدة لشاهد المتنبي‪.‬‬
‫ـ شرح صفحتان مع شواهد شعرية ‪ ،‬ثلثة‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪478‬‬
‫‪3‬‬
‫عشر بيتا ً ‪.‬‬
‫ـ صفحتان أخريان واثنان وعشرون بيتا ً ‪.‬‬
‫ـ ثلث صفحات وخمسة وثلثين بيتا ً ‪.‬‬
‫دة الى الشرح ‪ :‬لثبات أن العجاز ليس‬
‫عو ّ‬
‫في الحروف ومذاقها ول في سلمتها مما‬
‫يثقل اللسان من حيث يرى الناظر أن كلمهم‬
‫ليس كلم من خطر ذلك منه ببال ‪..‬الى آخر‬
‫عباراته ‪.‬‬
‫تثبيت أن العجاز ليس في اللفظ !!!‬
‫وبالتالي فان إعجاز القرآن ليس في اللفظ‬
‫بل بالمعاني المتحصلة من اللفظ ‪ .‬لكن‬
‫قارئ الجرجاني سيدرك بل شك أن الشواهد‬
‫معجزة والقرآن ربما هو معجز أيضا ً وإل‬
‫فكيف تصح النتيجة من المقارنة ؟ لكن‬
‫الجرجاني آمن من انكشاف المر لنه يعلم أنه‬
‫ليس هناك قارئ حقيقي بل هي ) ناقة جرباء‬
‫ي وهاهو يعالجها !‬
‫( تحتاج الى ك ّ‬
‫الخلصة ‪:‬‬
‫عدد الصفحات ‪33 :‬‬
‫الشواهد الشعرية ‪ 199 :‬بيتا ً ) مائة وتسعة‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪479‬‬
‫‪3‬‬
‫وتسعين بيتا ً ! ( ‪.‬‬
‫المثال ‪ :‬واحد ‪.‬‬
‫اليات القرآنية ‪ :‬ل يوجد !‬
‫الحديث الشريف ‪ :‬ل يوجد ! ‪.‬‬

‫انتبــــــــــــــه !‬
‫اسم الكتاب ‪ :‬دلئل العجاز !! والمفروض‬
‫أن المقصود إعجاز القرآن ل سواه ولكن‬
‫أنظر ‪:‬‬
‫عدد المرات التي ذكر فيها لفظ الجللة أو‬
‫أسم من أسماء الله بما في ذلك الشعر ‪ :‬ثلثة‬
‫موارد‪ .‬موضوع البحث ‪ :‬إعجاز القرآن !!! أو‬
‫هكذا يفهم من عنوانه ) دلئل العجاز ( !‬
‫توزيع موارد ذكر أسماء الله ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬في البسملة في أول الفصل ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬في الجملة الخيرة في نهاية‬
‫صها ‪ :‬ونسأل الله التوفيق والعون‪.‬‬
‫الفصل ون ّ‬
‫الثالث ‪ :‬في شروح النتيجة في النص‬
‫التي ‪:‬‬
‫) ذلك أن شيء يؤدي الى اليات يكون‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪480‬‬
‫‪3‬‬
‫القرآن معجزا ً ل بما كان قرآنا ً وكلم الله عز‬
‫وجل ( ‪ /.‬ص ‪. 257‬‬
‫ومعنى ذلك ‪ :‬أنه ليس بمعجز لنه كلم الله‬
‫‪ . .‬بل للنظم الذي هو م ّ‬
‫طرد في ك ّ‬
‫ل كلم ‪!.‬‬
‫والدليل هو الشواهد ‪.‬‬

‫تنبيــــــــه ‪:‬‬

‫الدسيسة في هذه الفقرة هي ‪ :‬فص ُ‬


‫ل‬
‫العجاز عن القرآن ـ بتعميم أن العجاز ل‬
‫يعود الى القرآن من حيث هو ) كلم الله (‬
‫بل من حيث هو نظم للكلم ! والنظم عام‬
‫ل كلم وليس مقصورا ً على كلم الله ‪.‬‬
‫في ك ّ‬
‫ولذلك جمع الجرجاني القليل من كلم الله‬
‫مع الكثير جدا ً من كلم غيره في نسق واحد‬
‫وأجرى على الجميع حكما ً واحدا ً ـ مع التأكيد‬
‫المستمر على مزايا كلم الخلق والصمت‬
‫المستمر عن مزايا كلم الخالق ‪.‬‬

‫تنبيه آخر على حيلة الجرجاني ‪:‬‬


‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪481‬‬
‫‪3‬‬
‫دم‬
‫أن حيلة الجرجاني في الفصل المتق ّ‬
‫كانت على النحو التي ‪:‬‬
‫إذا كانت هذه المة ترفض أو فيها من‬
‫يرفض اليات ينكر أحد أن القرآن معجز فعند‬
‫الجرجاني طريقة فذة هي ‪ :‬ليكن معجزا ً ‪..‬‬
‫وليكن كلمنا هو الخر معجزا ً ‪! ..‬‬
‫فالنتيجة واحدة ‪ :‬ألستم تريدون إنكار‬
‫العجاز ليتساوى كلم الله مع كلمنا ؟ فإذا‬
‫عجزتم أن تنزلوا بالقرآن الى كلمنا فارفعوا‬
‫كلمنا ليساوي كلم الله ! ‪ .‬فهنيئا ً لمتنا‬
‫بإمامها الجرجاني ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪482‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ .9‬افتعال الجرجاني لحاديث بل موضوع‬

‫قال الجرجاني تحت عنوان ‪ :‬فصل في‬


‫مسائل ) إنما ( ‪:‬‬
‫أن ناسا من النحويين قالوا في نحو قوله‬
‫] قل إنما حّرم ربي الفواحش ما‬ ‫تعالى ‪:‬‬
‫ظهر منها وما بطن ‪ : ‬أن المعنى ‪ :‬ما حّرم‬
‫ربي ال الفواحش ‪.‬‬
‫جاج قوله في آية ‪ ‬إنما حّرم‬
‫وذكر عن الز ّ‬
‫عليكم الميتة والدم ‪‬أن معناه ما حّرم ال‬
‫الميتة والدم ‪.‬‬
‫وراح الجرجاني يحاول تخريج كلمهم في‬
‫كلم هو الغاية في السفسطة بالرغم من أن‬
‫كلم هؤلء هو أحد المعاول الهادمة لنظرية‬
‫الجرجاني في النظم ‪ .‬فكان يكدّ ويتعب‬
‫لثبات شيء ثم يعود الى نقضه فمثله كمثل )‬
‫التي نقضت غزلها من بعد قوة(‪.‬‬
‫كيف تكون ‪ :‬إنما حّرم الميتة مساوية لقوله‬
‫؟‬ ‫ما حّرم ال الميتة‬
‫لن العبارة الخيرة هي مؤلفة من ما‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪483‬‬
‫‪3‬‬
‫النافية وأداة الحصر والمعنى أنه ليس هناك‬
‫من مح ّرم سوى الميتة والدم ‪ ..‬والى آخر‬
‫الية ‪.‬‬
‫بينما العبارة الولى تضمنت أن التوكيد مع‬
‫ما الموصولة والمعنى أن الذي حّرم في هذا‬
‫الموضع من الحديث وما يدور حوله من‬
‫الطعمة والشربة هو الميتة والدم ‪ ..‬لن‬
‫هناك مح ّرمات أخرى في مواضيع أخرى ‪.‬‬
‫والدليل على ذلك آيات وآيات كان على‬
‫دوا ويصححوا بها كلم النحويين‬
‫الفقهاء أن ير ّ‬
‫لو كانوا يعلمون ‪ .‬فكم من محّرم من الصيد ما‬
‫داموا حرما ً وكم من محرم في وقت دون‬
‫وقت وكم من محّرم في باب دون باب ؟‬
‫فكيف اخرجوا العبارة القرآنية بطريق‬
‫الحصر ؟ أم كان هؤلء ل يصّلون ول يح ّ‬
‫جون‬
‫ول شأن لهم ببقية المحّرمات ؟‬
‫قال الجرجاني ‪ :‬ليس معنى كلمهم أن‬
‫المعنى في هذا هو المعنى في ذاك ؟‬
‫فل ادري كيف يقرأ الجرجاني سطورهم ؟‬
‫ألم يقرأ قولهم ‪ :‬معناه ما حّرم ال الميتة !‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪484‬‬
‫‪3‬‬
‫فكيف ل يعني أن المعنى في هذا ليس‬
‫المعنى في ذاك ؟‬
‫ويتخبط الجرجاني لتوضيح مقصودهم‬
‫بعبارات عجيبة وأمثلة اعجب فيقول ‪:‬‬
‫لنه ليس ك ّ‬
‫ل كلم يصلح فيه ) ما ( و ) ال (‬
‫يصلح فيه ) إنما ( !‬
‫فلماذا قلب الجرجاني المعادلة ؟ إذ‬
‫المفروض أن يأتي بشاهد لـ ) إنما ( ل يصلح‬
‫فيه ) ما و ال ( وليس العكس لن هذا هو‬
‫موضوعه المبحوث فيه !‬
‫وجاء بالشاهد ‪ :‬قوله تعالى ‪ :‬وما من إله ال‬
‫الله‬
‫در كذلك لكان ‪ :‬إنما من إله‬
‫وزعم أنه لو ق ّ‬
‫الله وهو بل معنى !‬
‫وعلى نفس تقديره المعكوس ومثاله‬
‫الغريب عن الموضوع فالتقدير ليس كذلك بل‬
‫هو ‪:‬‬
‫إنما الله إله !‬
‫لكن من الواضح أنه ل يفيد الحصر لن‬
‫المقارنة خاطئة من الصل ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪485‬‬
‫‪3‬‬
‫فالجمل المبحوث فيها تضمنت فعل ً ‪ :‬إنما‬
‫حّرم ربي ‪ ، ..‬إنما حّرم عليكم ‪ .‬وهذه‬
‫الجملة ‪ :‬ما من إله ال الله جملة مؤلفة من‬
‫نفي دخل على شبه جملة مع أداة الحصر فما‬
‫هي علقته بالجملة الفعلية ؟‬
‫ل ادري بأي شيء التزم هؤلء ‪ :‬بقواعدهم‬
‫الخاطئة من الصل أم بالمعاني أم‬
‫بالمنطق ‪ ..‬لشيء التزموا به ‪ ..‬وما هذا ال‬
‫موضوع اخترعته العتباطية من نفسها‬
‫اختراعا ً ‪.‬‬

‫تنبيــــــــــه ‪:‬‬

‫راح الجرجاني يسرد المثلة على النحو الذي‬


‫ل يدري ما هو جامعا ً بين اليات والشواهد‬
‫الشعرية في خلطة واحدة ‪:‬‬
‫ون ‪ ، ‬‬
‫سمع ُ‬ ‫] إّنما يستجي َ ُ‬
‫ب الذَين ي َ‬
‫منذٌر ‪ ، ‬مع إنما مصعب شهاب من‬
‫ت ُ‬
‫ما أن َ‬
‫وإن ّ‬
‫الله وإنما أنت والد ‪ :‬لبن قيس الرقّيات‬
‫والمتنبي ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪486‬‬
‫‪3‬‬
‫ميتة ‪ ، ‬مع إنما‬ ‫ما حّرم عَلي ُ‬
‫كم ال َ‬ ‫] إن ّ‬
‫يدافع عن أحسابهم أنا ومثلي للفرزدق ‪.‬‬
‫م ال ّ‬ ‫ما وجدت ال شهاب ‪ ،‬مع ‪ ‬إ ْ‬
‫ن أنت ُ‬
‫بشٌر مثُلنا ‪... ‬‬
‫طغياِنهم‬ ‫دهم في ُ‬ ‫ه يستهَزئ ِبهم وَيم ُ‬‫] الل ُ‬
‫هون ‪ ، ‬مع ‪ :‬زعم العواذل أنّني في‬
‫َيعم ُ‬
‫غمرة ‪ ...‬وهكذا دواليك ‪.‬‬
‫ل َلو‬ ‫وهذه المة تقرأ في كتاب الله ‪ُ ) :‬‬
‫ق ْ‬
‫ل هذا‬
‫وا بمث ِ‬‫ن يأت ُ‬
‫ن على أ ْ‬
‫س والج ّ‬ ‫ت الن ُ‬‫إجتمع ْ‬
‫ض‬
‫ضهم لبع ٍ‬ ‫ه وَلو كان َبع ُ‬‫ن بمثل ِ‬
‫القرآن ل يأتو َ‬
‫ظهيرا ( ‪ .‬ومع ذلك فقد جمعت ولزالت تجمع‬
‫هذا القرآن مع أقوال السفهاء من الجن‬
‫جري على‬
‫والنس في مكان ضيق واحد ت ُ‬
‫الجميع قواعدها التي ابتدعتها ! من غير أن‬
‫ل منهم ‪.‬‬
‫يثير ذلك غيرةَ رج ٍ‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪487‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ .10‬تقديرات الجرجاني العتباطية‬

‫درة‬
‫قال الجرجاني وهو يشرح السئلة المق ّ‬
‫للفعل ) قال ( ‪:‬‬
‫واعلم أن الذي تراه في التنزيل من لفظ‬
‫) قال ( مفصول ً غير معطوف هذا هو التقدير‬
‫ث ضيف‬ ‫ل أتا َ‬
‫ك حدي ُ‬ ‫فيه كقوله تعالى ‪ ‬ه ْ‬
‫سلما ً‬ ‫م الم َ‬
‫كرمين إذْ دخلوا عليه فقالوا َ‬ ‫إبراهي َ‬
‫ون ‪ ‬جاء على ما يقع‬
‫منكَر ُ‬
‫م ُ‬
‫م قو ٌ‬ ‫قا َ‬
‫ل سل ٌ‬
‫في انفس المخلوقين من السؤال فلما كان‬
‫في العرف إذا قيل لهم ‪ :‬دخل قوم على فلن‬
‫فقالوا كذا ‪ ،‬أن يقولوا ‪ :‬فما هو ؟ ويقول‬
‫المجيب قال كذا اخرج الكلم ذلك المخرج لن‬
‫الناس خوطبوا بما يتعارفونه ‪ ...‬الخ ‪.‬‬
‫در الجرجاني السئلة الملئمة هكذا ‪:‬‬
‫ثم ق ّ‬
‫فقربه إليهم قال ال تأكلون ؟‬
‫السؤال هو ‪ :‬فما قال حين وضع الطعام‬
‫بين أيديهم ؟‬
‫قال مؤلف هذا الكتاب ‪ :‬ما أدراه أن السؤال‬
‫على هذا النحو وما أدراه أن الضرورة العرفية‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪488‬‬
‫‪3‬‬
‫تقتضي خلفه ؟ إذ المتعارف أن الرجل إذا‬
‫وضع الطعام بين يدي قوم فالسامع للقصة‬
‫ننتظر منه أن يقول ‪ :‬فما قالوا حين وضع‬
‫الطعام ؟‬
‫ول يسأل السامع ‪ :‬ماذا قال الواضع للطعام‬
‫! فانتبه أيها القارئ النبيه !‬
‫ولذلك جاء الكلم بخلف المتعارف لمر‬
‫مقصود ترك ذكره وما تركه ال لن السؤال‬
‫در بخلفه ‪ ..‬لنه لما قال ‪ ) :‬ال تأكلون (‬
‫المق ّ‬
‫فهم السامع أمرا ً مضى وجاء بخلف توقعاته‬
‫ول‬
‫وهو انهم لم يأكلوا كما هو المتعارف فتح ّ‬
‫السامع الن لينظر الى إبراهيم ) ‪ ( υ‬لن‬
‫الصورة التي يعرضها القرآن هي بخلف اية‬
‫صورة يعرضها أي كلم للمخلوقين ‪ ..‬فهو‬
‫يعرض الصورة شاخصة حّية متحركة كما لو‬
‫كان السامع يشاهد الحدث واقعا ً أما َ‬
‫م عينيه ‪.‬‬
‫در الجرجاني‬
‫ونعود الى كلمه فنقول ‪ :‬هكذا ق ّ‬
‫جميع السئلة المضمرة بزعمه بحيث ل يبقى‬
‫دعي أن كلم‬
‫معها شيء يمكن فيه للمرء أن ي ّ‬
‫الخالق يختلف عن الكلم المتعارف بشيء ‪..‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪489‬‬
‫‪3‬‬
‫در !‬
‫در ثم قّتل كيف ق ّ‬
‫فقتل كيف ق ّ‬
‫درة وأجوبتها المنّزلة‬
‫انظر الى السئلة المق ّ‬
‫‪:‬‬
‫س ‪ :‬فما قالوا حين رأوه وقد تغّير ودخلته‬
‫الخيفة ؟‬
‫ج ‪ :‬قالوا ل تخف ‪.‬‬
‫وفي قصة موسى ) ‪ : ( υ‬فما قال موسى‬
‫له ؟‬
‫ت والرض‬
‫ب السموا ِ‬
‫ج ‪ :‬قال ر ّ‬
‫] فكذب ُ‬
‫وهما فعزّزنا‬ ‫وفي قصة مؤمن يس ‪:‬‬
‫بثالث ‪.‬‬
‫] قالوا‬ ‫سؤال الجرجاني ‪ :‬فما قالوا ؟ ج ‪:‬‬
‫ون ‪ ‬؟‬
‫سل ُ‬ ‫أنا إلي ُ‬
‫كم مر َ‬
‫بخ بخ للجرجاني ما هذه الكنوز البلغية التي‬
‫يستخرجها من التنزيل ؟‬
‫وكأن العقول البشرية عاجزة عن التيان‬
‫درة العجيبة لسياق حواري‬
‫بمثل أسئلته المق ّ‬
‫تام بين طرفين ل يحتاج الى أن تقدير مزعوم‬
‫؟!‬
‫على أنك تلحظ بوضوح كاف ‪ :‬أنه لما قال ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪490‬‬
‫‪3‬‬
‫فكذبوهما فعززنا بثالث ‪ ،‬فالمتوقع كلم‬
‫الثالث بعد تكذيب الثنين ! وإذا كان ثمة‬
‫سؤال مقدر فهو ‪ :‬فما قال الثالث ؟ وليس‬
‫فما قالوا ‪ ..‬ويفاجأك القرآن أن الجميع قالوا‬
‫وليس الثالث وحده وهنا تكمن البلغة وأسرار‬
‫علم النفس وعظمة النبياء والرسل وأشياء‬
‫أخرى في كلم الله ‪.‬‬
‫وهكذا يسترسل الجرجاني في تقدير‬
‫السئلة الملئمة لجميع نصوص ) الحكاية (‪:‬‬
‫سول ُ‬
‫كم‬ ‫] قا َ‬
‫ل أن ر َ‬ ‫فما قال فرعون ؟ ‪:‬‬
‫كم َلمجُنون ‪‬‬
‫ل إلي ُ‬
‫الذي أُرس َ‬
‫ق‬
‫ب المشر َ‬ ‫فما قال موسى ؟ ‪ ] :‬قا َ‬
‫ل ر ّ‬
‫كنتم تعقلون ‪‬‬ ‫ن ُ‬‫هما أ ْ‬
‫ب وما بين َ‬
‫والمغر ِ‬
‫ت إلها ً‬
‫] قال لئن اتخذ َ‬ ‫فما قال فرعون ؟ ‪:‬‬
‫سجونين ‪‬‬
‫غ َيري لجعلّنك من الم َ‬
‫و جئت ُ‬
‫ك‬ ‫] قا َ‬
‫ل أو ل ُ‬ ‫فما قال موسى ؟ ‪:‬‬
‫مبين ‪. ‬‬
‫ء ُ‬
‫بشي ٍ‬
‫ن كَنت‬ ‫] قال فأ ِ‬
‫ت به أ ْ‬ ‫فما قال فرعون ؟ ‪:‬‬
‫من الصادقين ‪‬‬
‫قال الجرجاني ‪ :‬جاء ذلك كله على تقدير‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪491‬‬
‫‪3‬‬
‫السؤال والجواب كالذي جرت به العادة بين‬
‫المخلوقيــن !‬
‫وقد رأيت أنه بخلف ما جرت به العادة بين‬
‫المخلوقين لنه بخلف كلم المخلوقين كونه‬
‫كلم معجز وكلم المخلوقين غير معجز ‪ ..‬فان‬
‫كان الجرجاني يريد إثبات أنه ككلم‬
‫المخلوقين ل فرق ‪ .‬فلعنة الله على بلغة‬
‫الجرجاني !‬

‫إنتبــــــــــــه ‪:‬‬

‫إذا وضعت طعاما ً لضيوفك فانك تقول ‪:‬‬


‫تفضلوا كلوا واشربوا ‪.‬‬
‫ول تقول ‪ :‬ال تأكوا ؟ فأنت ل تقول هذه‬
‫العبارة إل حينما يفعلون أمرين اثنين معا‬
‫الول ‪ :‬المتناع عن الكل والثاني الصمت لحد‬
‫تلك اللحظة ! لنه سؤال يتضمن إنكارا على‬
‫امتناعهم عن الكل ‪ ،‬فلم يفهم الجرجاني‬
‫المر من صيغة الكلم أيض ا ً مثلما لم يفهمه‬
‫من القصة ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪492‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ .11‬اكتشافات الجرجاني‬

‫ة أو إثما ً‬
‫] ومن يكسب خطيئ ً‬ ‫قال تعالى ‪:‬‬
‫ل بهتانا ً وإثما ً مبينا‬
‫ثم يرم ِ به بريئا ً فقد احتم َ‬
‫‪‬‬
‫قال الجرجاني ‪ ) :‬الشرط كما ل يخفى في‬
‫مجموع الجملتين ل في ك ّ‬
‫ل واحدة منهما على‬
‫انفراد ول في واحدة دون الخرى لننا أن‬
‫قلنا ‪ :‬أنه في ك ّ‬
‫ل واحدة منها على النفراد‬
‫وجعلناهما شرطين ‪ ،‬وإذا فعلنا ذلك اقتضتا‬
‫جزاءين وليس معنا إل ّ جزاءً واحدا ً وان قلنا‬
‫أنه في واحدة منهما دون الخرى لزم منه‬
‫إشراك ما ليس بشرط في الجزم بالشرط‬
‫وذلك مال يخفى فساده ( ‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬أن الذي ل يخفى فساده هو كلم‬
‫الجرجاني ‪ .‬فهذه الية فيها هندسة هي أبعد‬
‫شيء عن عقل الجرجاني ‪ .‬ال يلحظ هذا‬
‫المتعسف وجود شرطين فعل ً في جملة‬
‫الشرط وجزاءين في جملة الجزاء ؟‬
‫ال يلحظ هذا المتعسف أن أحد الشرطين‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪493‬‬
‫‪3‬‬
‫تضمن شرطين آخرين تفرعا ً على الشرط‬
‫س الشرط‬
‫الول ؟ وان أحدَ الجزاءين هو نف ُ‬
‫د فروعه مع إضافة )مبينا( ؟‬
‫الول بأح ِ‬
‫فهذه الية العجيبة تضمنت جميع الحتمالت‬
‫المؤلفة من الشرط والجزاءات المتعددة في‬
‫آن واحد ‪.‬‬
‫الشرط الول ‪ :‬يكسب خطيئة أو أثما ً ‪.‬‬
‫الشرط الثاني ‪ :‬يرم به بريئا ً ‪.‬‬
‫الجزاء العام ‪ :‬احتمل بهتانا ً ) بالرمي ( و‬
‫) أثما ( كان خافي ا ً فأصبح ) مبينا ( بالرمي‬
‫أيديهم ‪.‬‬
‫هذا يعني إذا رجعنا للشرط الول والثاني‬
‫وجزاءيهما ‪:‬‬
‫أ ‪ .‬أن من يكسب خطيئة ـ ولم يرم بها بريئا ً‬
‫فل تصل تلك الخطيئة الى درجة الثم بل‬
‫تبقى خطيئة ‪.‬‬
‫ب ‪ .‬ومن يكسب إثما ً ول يرم به بريئا ً ـ فقد‬
‫اكتسب إثم ا ً وحسب ‪.‬‬
‫ج ‪ .‬ومن يكسب خطيئة ويرم بها بريئا ً فقد‬
‫احتمل بهتانا ً وإثما ً ) بالرمي ( ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪494‬‬
‫‪3‬‬
‫د ‪ .‬ومن يكسب أثما ً ويرم به بريئا ً فقد‬
‫احتمل بهتانا ً وإثم ا ً مبينا ً ‪.‬‬
‫وهذه الحتمالت المتكونة من الية ‪ ..‬والتي‬
‫ل يعقلها الجرجاني وأمثاله !‬
‫فالخطيئة تتحول الى اثم بالرمي ‪ ،‬والثم‬
‫يتحول الى إثم مبين بالرمي وكل من‬
‫العمليتين هو بهتان ‪.‬‬
‫جود ) أو ( في الشرط‬
‫وسبب ذلك هو ‪ :‬و ُ‬
‫ء !‬ ‫يقابُله العط ُ‬
‫ف بالواو في الجزا ِ‬

‫ووجودُ الثم ِ في الشرط وتحوله الى إثم ٍ‬


‫ن في الجزاء ‪.‬‬ ‫مبي ٍ‬
‫ُ‬
‫ن في الجزاء وغيابه في الشرط‬
‫ووجود بهتا ٍ‬
‫‪.‬‬
‫قال في آخر كلمه بشأن الوصاف السابقة ‪:‬‬
‫" أنا نعلم أن الجزاء أمر يتعلق إيجابه‬
‫بمجموع ما حصل من الجملتين فليس هو‬
‫لكتساب الخطيئة على انفراد ول لرمي‬
‫البريء على الطلق بل لرمي البريء بخطيئة‬
‫كانت من الرامي " !‬
‫د‬ ‫أقول ‪ :‬فكيف زعم أول ً أن الشر َ‬
‫ط واح ٌ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪495‬‬
‫‪3‬‬
‫والجزاء واحدٌ ؟ فهذا اعتراف بوجود‬
‫شرطين ؟‬
‫وما علقة هذه النتيجة الواضحة ك ّ‬
‫ل الوضوح‬
‫بالتخريج النحوي الذي انبهرت به المة اللغوية‬
‫؟‬
‫سب‬
‫ن يك ْ‬ ‫]و َ‬
‫م ْ‬ ‫أليس الله هو القائل ‪:‬‬
‫خطيئة أو أثما ثم َيرم به بريئا ‪ ‬؟‬
‫ن‬
‫ب أخوه أو اب ُ‬
‫س ْ‬
‫لن الله ما قال ‪ :‬ومن يك َ‬
‫عمه خطيئة أو أثما ثم يرم به بريئا ‪ ،‬ليأتي‬
‫ب ( أن‬
‫ضح لنا أن الخطيئة ) َيج ْ‬
‫الجرجاني ويو ّ‬
‫تكون من الرامي ؟ نعم لو رمى عن أخيه‬
‫مه بريئا فهو كالرامي الول ل فرق ‪.‬‬
‫وابن ع ّ‬
‫انتبهوا يا أمة اللغة والنحو ! انتبهوا قبل‬
‫فوات الوان !‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪496‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ .12‬اختيار عشوائي آخر‬

‫ص ـ ‪ . 251‬فصل تحت عنوان ‪ :‬هذه فصول‬


‫شتى في أمر اللفظ والنظم ‪ .‬قال‪:‬‬
‫ذ للبصيرة وزيادة كشف‬ ‫) فيها فض ُ‬
‫ل شح ٍ‬
‫فيها من السريرة وغلط الناس في هذه الباب‬
‫كثير ( !‬
‫شرح الجرجاني علقة اللفظ بالمعنى‬
‫لثبات شيئين متناقضين ‪ ،‬ويبدو أن هدفه‬
‫هدم المعاني الحكمية لتراكيب اللغة عموما ً‬
‫وتحويلها الى لغة ) سوفسطائية وخالية من‬
‫المعنى المحدد الذي ترمي ) البلغة ( كعلم‬
‫الى نقده من جهة المعنى وجهة اللغة‪ .‬فقد‬
‫تحامل على اللغة من حيث هي لغة ‪ ،‬وعلى‬
‫معنى اللفظ من حيث هو لفظ مجّرد‪ ..‬وأذا‬
‫ل ذلك وظننت أن‬‫تنزلت عن مناقشة ك ّ‬
‫الجرجاني يعتني بالنظم فاجأك أيضا ً أن‬
‫النظم ليس هو النظم الذي هدفه إبراز‬
‫المعنى لنه من هذه الجهة يحاول تسخيف‬
‫أولئك الذين يعتنون بالمعنى الحاصل من‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪497‬‬
‫‪3‬‬
‫النظم فماذا يريد الجرجاني إذن ؟ ل يريد‬
‫سوى هدم اللغة كلها وهذا من أوضح المور‬
‫إذا قارنت كتابه ) دلئل العجاز ( بما ذكرته‬
‫لك في القسم الول من كلماته في البلغة‬
‫واعتداءه على ) الصدق ( وتأييده للكذب في‬
‫الفصل المعنون بعنوان ) دفاع عن الكذابين (‬
‫وهو الفصل )‪. (7‬‬
‫وهاهو في هذا الكتاب يحتال لذلك بوسيلة‬
‫أخرى ‪:‬‬
‫قال بعد أن جاء بشواهد شعرية متضادة في‬
‫المعنى وهي ) متقاربة في قوة النظم(‬
‫استعملها كتمهيد للوصول الى غايته ‪:‬‬
‫) ومعلوم أن سبي َ‬
‫ل الكلم التصوير‬
‫ن سبيل المعنى سبيل ال َ‬
‫شيء‬ ‫والصياغة وأ ّ‬
‫الذي يقع التصوير والصوغ فيه ‪. ( ...‬‬
‫حد الن ولكن انظر ما‬
‫وهذا الكلم صحيح ل ّ‬
‫قال بعده ‪:‬‬
‫) فالفضة والذهب يصاغ منهما خاتم أو‬
‫سوار فكما أن محال ً إذا أن أردت النظر في‬
‫صوغ الخاتم وفي جودة العمل ورداءته أن‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪498‬‬
‫‪3‬‬
‫تنظر الى الفضة الحاملة لتلك الصورة‪ ،‬كذلك‬
‫محال إذا أردت أن تعرف مكان الفضل‬
‫د‬
‫والمزية في الكلم أن تنظر في مجر ّ‬
‫معناه ( ‪.‬‬
‫قل لي بربك أتعد هذا الرجل معتوها ألم‬
‫جال ً ؟‬
‫د ّ‬
‫ألم يمثل المفردات كونها ) أداة ( لصياغة‬
‫المعنى كما الذهب مادة لصياغة الخاتم؟‬
‫أليس الخاتم في هذا المثال هو مث ٌ‬
‫ل‬
‫للمعنى ؟‬
‫فكيف يعرف الناظر العمل ورداءته ؟ أليس‬
‫الجرجاني هو الذي يطالبه أن ل ينظر الى‬
‫الذهب بل ينظر الى صياغته ؟‬
‫بالطبع الجرجاني ما كان يحسب أن أحدا ً‬
‫سينظر في عباراته كلمة كلمة ويحاسبه كما‬
‫افعل المثلة ! أليس هو الذي شّبه الخاتم‬
‫بالمعنى ؟‬
‫واذن فعليه أن ينظر للخاتم ل للذهب أو‬
‫الفضة ؟‬
‫واذن فالناظر في الكلم يجب على هذا‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪499‬‬
‫‪3‬‬
‫التشبيه أن ينظر للمعنى ل للمفردات لن‬
‫مثل المعنى هو مثل الخاتم ‪ ،‬فكما ينظر‬
‫للخاتم ينظر للمعنى ؟‬
‫فكيف يأمره الجرجاني في نفس العبارة أل‬
‫ينظر للمعنى ‪ ،‬ويأمر الصائغ أن ينظر‬
‫للخاتم ؟‬
‫نعم أن الجرجاني ليس غبيا ً الى هذا الحد‬
‫جال اكثر من هذا الحد ‪.‬‬
‫ولكنه د ّ‬
‫ضلنا خاتما ً على‬
‫ثم قال ‪ ) :‬وكما إننا لو ف ّ‬
‫صه انفس‬‫خاتم بان تكون فضة هذا أجود أو ف ّ‬
‫لم يكن ذلك تفضيل ً له من حيث هو خاتم ( ‪.‬‬
‫نعم سيكون تفضيل ً له من حيث أن مادته‬
‫انفس ثمن ا ً ل من حيث صياغته ‪.‬‬
‫ومادة الكلم هي المفردات والمفردات عند‬
‫الجرجاني ليس واحدة من حديد والخرى من‬
‫ذهب لن الصياغة والنظم يعطيان للمفردة‬
‫رونقها ! بماذا ؟‬
‫بكونها تتر ّ‬
‫كب لداء المعنى الواضح الجلي‬
‫المقبول والمعقول ‪ ..‬فما علقة المثل‬
‫المضروب بنظرية النظم ! إذا كان الجرجاني‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪500‬‬
‫‪3‬‬
‫في النهاية ل يؤمن بتمايز المفردات ول‬
‫يؤمن بالمعنى معا ً ؟ ثم قال ‪:‬‬
‫) كذلك إذا فضلنا بيتا ً ) أو كلما ً ( من اجل‬
‫معناه أن ل يكون تفضيل ً له من حيث هو شعر‬
‫أو كلم وهذا قاطع فاعرفه ( ‪.‬‬
‫ماهو القاطع ؟ وما هو الذي عرفناه من‬
‫قبل حتى يمكننا أن نعرف هذا ؟‬
‫ضل كلما ً على كلم إذا لم‬
‫كيف إذن نف ّ‬
‫ننظر للمعنى المتحصل من الكلم ؟‬
‫ما هي في الساس فائدة الكلم أهي لداء‬
‫المعنى ألم لمجرد الهذيان ؟‬
‫إذا لم ننظر للمعنى فهل يقترح الجرجاني‬
‫أن ننظر الى المفردات كيف تتر ّ‬
‫كب مع بعضها‬
‫فإذا كانت متلئمة نكتفي بذلك ولو لم تؤدي‬
‫الى أي معنى ؟‬
‫أني ل اسأل الجرجاني بل اسأل أولئك‬
‫الذين عبدوه ولزالوا يعبدونه ‪ :‬من منكم يرفع‬
‫رأسه ليشرح لنا نظرية الجرجاني فيقدر‬
‫دي وفق تلك‬‫حكم ٍ نق ّ‬
‫المرءُ على إصداَر ُ‬
‫الترهات التي أسميتموها نظرية النظم ؟‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪501‬‬
‫‪3‬‬
‫تنبيــــه ‪:‬‬

‫حيلة الجرجاني في المثل السابق تر ّ‬


‫كزت‬
‫في تلبيس المر على القارئ بسابق علم منه‬
‫وقصد الى ذلك ـ فأني قد دعوتك مرارا ً أن‬
‫تقرأ كتابي هذا بتأن وتف ّ‬
‫كر وتركيز ذهن ‪:‬‬
‫لن الخاتم فيه شيئان منفصلن ‪ :‬مادته‬
‫ونفاستها وصياغته المتمثلة في نقشه فرب‬
‫مادة نفيسة بنقش رديء وبالعكس ‪.‬‬
‫أما الكلم فصياغته من مادته الصلية وهي‬
‫المفردات ل ينتج منه شيئان كالخاتم بل شيء‬
‫واحد هو ) عبارة ذات معنى ( ‪ .‬فالمعنى‬
‫والصياغة في الكلم هي شيء واحد بخلف‬
‫الخاتم الذي صياغته شيء ومادته شيء آخر‬
‫لكل منهما قيمته ‪ ..‬فافهم ذلك فهو المر‬
‫القاطع قطع الله رقاب الكذابين ‪.‬‬
‫لن الصياغة الرديئة في الكلم تؤدي الى‬
‫رداءة المعنى بخلف الخاتم فالصياغة الرديئة‬
‫ل تؤثر على قيمة الذهب ‪ ،‬فتأمل في حيلته‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪502‬‬
‫‪3‬‬
‫هذه ‪ ،‬إذ جعل الذهب مثل ً للمعنى‪.‬‬

‫تنبيـــه آخــر ‪:‬‬

‫أراد الجرجاني من الفصل السابق أن ُيعّلم‬


‫القارئ النظر الى التراكيب من حيث هي‬
‫تراكيب ل معاني !‬
‫ول فائدة من ذلك بالطبع إل ّ ما يحلم به‬
‫الجرجاني من هجر الكل للقرآن وترك التدبر‬
‫في معانيه ‪ ،‬ولذلك اكثر ما استطاع من‬
‫الشواهد الشعرية العتباطية المعنى وأنهى‬
‫الفصل بدسيسة حيث قال ‪:‬‬
‫) ‪ ..‬ليس كلمنا يفهم من مفردتين نحو‬
‫) قعد وجلس ( ولكن فيما يفهم من مجموع‬
‫كلم ومجموع كلم آخر ‪ ،‬نحو أن تنظر في‬
‫قوله تعالى ‪ ‬ولكم في القصاص حياة ‪‬‬
‫وقول الناس ) قتل البعض إحياء للجميع (‬
‫فأنه وأن جرت عادة الناس أن يقولوا في‬
‫مثل هذا أنهما عبارتان معبرهما واحد فليس‬
‫هذا القول قول ً يمكن الخذ بظاهره إذ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪503‬‬
‫‪3‬‬
‫المفهوم من أحد الكلمين غير المفهوم من‬
‫الخر ( ‪ .‬انتهى !‬
‫وهكذا ينتهي الفصل من غير أن يوضح‬
‫الجرجاني ما هي ميزة أحدهما على الخر ‪...‬‬
‫وهكذا يودع الجرجاني في خلد القارئ أن‬
‫تساوي العبارتين هو ) مما جرت عليه عادة‬
‫الناس ( !‬
‫فمن هم الناس قبل الجرجاني الذين من‬
‫عادتهم تساوي العبارتين ـ عبارة الخالق‬
‫وعبارة المخلوق ؟‬
‫اللهم غفرانك ‪ :‬نعم هناك فعل ً من قال ) …‬
‫ن هذا إل ّ أساطيُر‬ ‫و شِئنا ل ُ‬
‫قلنا مث َ‬
‫ل هذا إ ْ‬ ‫ل ّ‬
‫الو ّلين ( ‪ ..‬لكن الجرجاني جعلها من عادة ك ّ‬
‫ل‬
‫الناس !‬

‫قول القصدية‬
‫في العبارة القرآنية والعبارة الجرجانية‬

‫أوحى الجرجاني للقارئ في المقارنة الخر‬


‫أن العبارة القرآنية كلم وكلم الناس كلم ـ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪504‬‬
‫‪3‬‬
‫ومن يدري لعله لول الخوف أعلن أن عبارة‬
‫الناس افضل من العبارة القرآنية ‪ ..‬وكأنه‬
‫يدفع القارئ دفعا ً ليؤمن بذلك ‪.‬‬
‫ومن هنا نعلن للمل أن هذه العبارة ما‬
‫وجدت لها أثرا ً ول عينا ً في أي مصدر تاريخي‬
‫أو معجمي أو لغوي وإنها من وضع الجرجاني‬
‫نفسه ! لن عبارتهم الجاهلية هي ) القتل‬
‫أنفى للقتل ( ‪.‬‬
‫ومن يدري لعل البعض ممن أغواه شيطان‬
‫الجرجاني يظن فعل ً أن العبارة يمكن‬
‫مقارنتها بالعبارة القرآنية ؟! وهي قوله‬
‫ض إحياءٌ للجميع ( ‪.‬‬
‫ل البع ِ‬ ‫) َ‬
‫قت ُ‬
‫لذلك نقول أن عبارة الجرجاني أو ) الناس (‬
‫هي عبارة خاطئة ول تساوي نقيرا ً ل في‬
‫عالم المعاني ول في عالم البلغة !‬
‫لن قوله ) قت ُ‬
‫ل ( بدأ بالقتل ‪ ..‬والقتل ظلم‬
‫حكم ‪..‬‬
‫عظيم والبدء به جهل في ال ُ‬
‫والعبارة القرآنية ذكرت ) القصاص (‬
‫والقصاص عقوبة على القتل ل ابتداء في‬
‫القتل فالفارق بينهما هو الفارق بين الحق‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪505‬‬
‫‪3‬‬
‫والباطل ‪.‬‬
‫وقوله ) قتل البعض ( من هو هذا البعض ؟‬
‫في حين خلت العبارة القرآنية من ذلك فهل‬
‫تنصح العبارة بقتل نسبة من الناس في ك ّ‬
‫ل‬
‫زمان لكي يعيش الخرون ؟!‪.‬‬
‫وقوله ) إحياء ( للجميع ‪ ،‬هل الجميع موتى‬
‫فيكون في قتل الحياء إحياءً للموتى؟‬
‫وقوله ) للجميع ( أن كان يقصد الجميع من‬
‫الحياء الباقين فكيف يحييهم وهم إحياء أصل ً‬
‫؟ وما علقة ) الجميع ( بقتل البعض ؟ إنما‬
‫العلقة مع البعض وإن كان القصد يحييهم‬
‫دوما ً فهو باطل لنهم ل بد أن يموتوا !‬
‫بينما ذكرت العبارة القرآنية أن ‪ ‬لكم في‬
‫القصاص حياة ‪ ‬ـ وحياةٌ نكرة غير معّرفة ول‬
‫معلومة والمعنى زيادة معينة في آجال بعضكم‬
‫من جهة قتل القاتل ـ فيقل لذلك القتل بهذا‬
‫الردع ومن جهة قلة عدد القتلة بالقصاص‬
‫ومن جهة تطبيق العدل والحكم اللهي ‪ .‬وقال‬
‫) لكم ( ولم يقل إحياء الجميع !‬
‫فأي أحمق في هذا العالم يقارن العبارة‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪506‬‬
‫‪3‬‬
‫القرآنية المحكمة من جميع جهاتها لغة‬
‫ومعاني وألفاظ ا ً ونسقا ً وجمال ً بالعبارة‬
‫الجرجانية الكاذبة في ك ّ‬
‫ل لفظ من ألفاظها‬
‫المخزية بمعانيها المتناقضة في داخلها ؟!‬
‫وإن كنت تشك فتأمل وإن كنت تشك فترجم‬
‫العبارتين الى ) ك ّ‬
‫فار ( من قوم آخرين ول‬
‫تخبرهم بل سلهم فقط أيهما المحكمة البليغة‬
‫وأيهما الهذيان ؟‬

‫ل غيرة على القرآن ول غيرة على البلغة‬

‫فأين غيرة الجرجاني على الدين وعلى‬


‫القرآن وقد ختم الفصل النف بمثل هذا‬
‫اليحاء الى تساوي العبارتين عند الناس ؟‬
‫أين هي َ‬
‫غير ُته على القرآن وقد اكتفى‬
‫بالقول أن هذا العتقاد ليمكن أن يؤخذ به‬
‫على ظاهره ‪ ،‬فلم يطلعنا على ظاهره فضل ً‬
‫عن باطنه ؟‬
‫وقبل ذلك أين هي غيرته على البلغة ‪..‬‬
‫وفي هذا المر مجال واسع لظهار البراعة‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪507‬‬
‫‪3‬‬
‫في البلغة ؟‬
‫كل ‪ ..‬إن المدافع عن أكذب الكلم وعن‬
‫مقولة ) أحسن الشعر أكذبه ( لن تطيعه‬
‫نفسه للدفاع عن أصدقه ‪ !.‬ولو كان أبلغ‬
‫الكلم ‪.‬‬
‫ومرت ألف سنة ولم يرفع أحد من تلمذة‬
‫الجرجاني وما أكثرهم عقيرته للدفاع عن‬
‫الية أو للدفاع عن البلغة أو للدفاع عن‬
‫الصدق !‬
‫ومات سنة‬ ‫]‪‬الجرجاني ولد سنة ‪ 400‬هـ‬
‫[‬ ‫‪ 471‬هـ‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪508‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ .13‬زيد المنطلق وعمرو‬

‫يتلخص كلم الجرجاني في الفروق بين‬


‫منطلق(‬
‫العبارتين ‪ ) :‬زيدٌ منطِلق ( و ) زيدُ ال ُ‬
‫في أن الولى تفيدُ الخبار عن انطلق زيد ‪،‬‬
‫والثانية تفيدُ الخبار عن أن المنطلق المعلوم‬
‫انطلقه للسامع هو زيدٌ دون غيره ـ فتأمل‬
‫تجد هذه الجملة وافية وإن هذا المر واضح‬
‫بهذا السطر الذي كتبناه وغني عن شرح‬
‫صفحتين كاملتين أبى الجرجاني ال ّ أن‬
‫يجعلهما بخصوص العبارتين ‪ !..‬فهو هنا‬
‫يسهب ليوضح الواضحات وهناك يصمت حينما‬
‫يتعلق المر بالمقارنة بين الترهات واليات‬
‫البّينات ‪.‬‬
‫لكنه ختم الشرح بواحدة من مسوداته حينما‬
‫أعلن أن العبارة التالية ) زيد المنطلق‬
‫ي حال من الحوال ‪ .‬هذا‬
‫ح بأ ّ‬
‫ص ُ‬
‫وعمرو ( ل ت ّ‬
‫نص كلمه ‪:‬‬
‫) ذلك لنك أردت أن تثبت انطلقا ً مخصوصا ً‬
‫قد كان من واحد فإذا أثبته لزيد لم يصح إثباته‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪509‬‬
‫‪3‬‬
‫لعمرو ثم إذا كان النطلق من إثنين فإنه‬
‫ينبغي أن تجمع بينهما في الخبر فتقول زيد‬
‫وعمرو هما المنطلقان ل أن تفرق فتثبته أول ً‬
‫لزيد ثم تجيء فتثبته لعمرو‪ (.‬انتهى كلمه ‪.‬‬
‫إذن فالعبارة الصحيحة هي إحدى عبارتين‬
‫) زيد منطلق وعمرو ( للمعنى الول أو ) زيد‬
‫وعمرو هما المنطلقان ( للمعنى الثاني أما‬
‫عبارة ) زيد المنطلق وعمرو ( فهي خاطئة‬
‫من جميع الجهات ‪ ...‬ل تصح خبرا ً عن الفاعل‬
‫الذي هو إثنين كما تصح الولى ول تصح خبرا ً‬
‫عن الحال كما تصح الثانية ‪.‬‬
‫هذه هي براعة الجرجاني ! وهذه هي‬
‫قدراته اللغوية !‬
‫ما درى أن السائل لو سأل ‪ :‬من المنطلق‬
‫من الناس وأجابه المجيب ‪ :‬زيدٌ المنطلق ‪ ..‬ثم‬
‫قال ‪ :‬وعمرو لصحت العبارة من جميع الوجوه‬
‫!‬
‫ب قد أثبت أن النطلق‬
‫ولكان المجي ُ‬
‫المعلوم وقع من اثنين الول زيد والثاني‬
‫م على‬
‫عمروا فأي ابله في هذا العالم يحك ُ‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪510‬‬
‫‪3‬‬
‫الجملة بالخطأ وللجملة مجال واسع‬
‫للستعمال؟‬
‫فما أدراه أن المجيب ل يرى ال واحدا ً‬
‫والناس في سباق مثل ً فقال ‪ :‬زيدُ المنطلق‬
‫ثم بعد لحظة رأى الخر فقال وعمرو ثم رأى‬
‫بعد ذلك الجرجاني منطلقا ً في غّيه وغروره‬
‫وتبجحه فقال ‪ ..‬والجرجاني ‪ ..‬فلماذا ل تقع‬
‫إجابته صحيحة ؟‬
‫بل يصح أي عدد آخر معطوفا ً على‬
‫دم الحال أو‬
‫) المنطلق ( الول ‪ ،‬بل يصح لو ق ّ‬
‫الخبر ‪ ..‬إذ لو سأل السائل ‪ :‬من المنطلق من‬
‫الناس وقال المجيب ‪ :‬المنطلق زيد وعمرو‬
‫ومالك ‪ ..‬وسعيد ‪ ..‬الخ لصحت العبارة ‪.‬‬
‫فانتبهوا يا أرباب العربية الى ) إمام‬
‫بلغتكم ( ‪.‬‬
‫انتبهوا الى مقاصده الخرى من وراء ذلك‬
‫والتي تجدونها في الفصول فأن إيضاح هذا‬
‫الكم الهائل من العتباط من قبل رجل واحد‬
‫هو أمر غير معقول ‪ ،‬وإنما أذكر لكم نماذج‬
‫وأوضح لكم المسالك ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪511‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ .14‬نموذج آخر من لغويات الجرجاني‬

‫زعم الجرجاني في قول الشاعر ‪:‬‬


‫ضراه‬
‫وجدته حا ِ‬ ‫ه‬
‫ن تسأل ُ‬
‫ت أبا مروا َ‬
‫إذا أتي َ‬
‫م‬
‫الجودُ والكر ُ‬
‫ة عن الواو ) وجدُته‬
‫غنى الجمل ِ‬
‫زعم أن ِ‬
‫وحاضراه الجود والكرم ( له سببان ‪:‬‬
‫َ‬
‫الول ‪ :‬أن وجدته هنا ليست مما تأخذ‬
‫مفعولين ولكنها المتعدية الى مفعول واحد‬
‫ت الضالة ( ‪ .‬والثاني أن‬
‫كقولك ‪ ) :‬وجدّ ُ‬
‫لتقديم الخبر الذي هو حاضراه تأثيرا ً في‬
‫الغنى عن الواو ‪.‬‬
‫وشرح ذلك بقوله ‪ :‬أنه لو قال ‪ :‬وجدته‬
‫الجود والكرم حاضراه لم يحسن حسنه الن‬
‫وكأن السبب في حسنه مع التقديم أنه يقرب‬
‫في المعنى من قولك ‪ :‬وجدته حاضره الجود‬
‫والكرم !‬
‫إّنا نسأل المة اللغوية العربية‬
‫والستشراقية معا ً عن معنى هذا الهذيان ؟‬
‫كيف يكون الفعل ) وجدت ( هنا بمفعول‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪512‬‬
‫‪3‬‬
‫واحد ؟ وهل يتم المعنى بقوله ) وجدته (‬
‫حيث الضمير هو المفعول الول ؟ أم أنه ل‬
‫يكتمل ال بالجملة الخبرية التي هي موضع‬
‫نصب على الحال تقوم مقام المفعول‬
‫الثاني ؟‬
‫وقارنه بقوله ‪ :‬وجدت الضالة ‪ :‬في حين أن‬
‫الجملة مختلفة تماما ً ‪ :‬فهنا وجد الضالة‬
‫نفسها ل على حال معين والصحيح هو‬
‫المقارنة مع قولك ‪:‬‬
‫وجدت الضّالة غارق ً‬
‫ة في النهر ‪ .‬فأنظر الى‬
‫حيله ومكره وخداعه لنه من المحال أن تخفي‬
‫على الرجل هذه المور الظاهرة ‪.‬‬
‫وأفرد حاضراه الى ‪ ) :‬حاضره الجود‬
‫والكرم ( لثبات حسنه وغناه عن الواو فما‬
‫دث‬
‫علقة المفرد والمثنى بالموضوع المتح ّ‬
‫عنه ؟ أليس التقدير بالواو أو الغنى عنه يبقى‬
‫هو نفسه ‪ :‬وجدته وحاضره الجود والكرم أو‬
‫وجدته حاضره أو وجدته وحاضراه أو كما في‬
‫ة عن الواو‬
‫البيت بغير واو ؟ ليست الجملة غني ً‬
‫بل هي مع الواو ذات دللة وبغيرها ذات دللة‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪513‬‬
‫‪3‬‬
‫أخرى ‪ ،‬ومع الفراد لها دللة ومع التثنية لها‬
‫أخرى‪ !..‬وإنما البراعة هي في إيضاح هذه‬
‫الفروق الدللية المعلومة بالسليقة والتي ل‬
‫يمكن للعوام التعبير عنها بالرغم من‬
‫و أمٌر لم يفعله‬
‫ه َ‬
‫شعورهم بالفوارق و ُ‬
‫الجرجاني ول تلمذته ‪ ،‬ول أسلف العتباط‬
‫ول أخلفهم ‪ .‬إن وجود الواو يفيد في إيقاع‬
‫الوجدان على الجود والكرم عطفا ً على‬
‫وجدان الممدوح ‪ ،‬وغياب الواو إنما يشعر‬
‫بوجدان الجود والكرم حال وجدانه بغير عطف‬
‫وكأنهما أصبحا جزءً منه وحال ً متلبسا ً فيه ك ّ‬
‫ل‬
‫حين ل ينتظر حضورهما أو وجدانهما بعد‬
‫وجدانه ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪514‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ .15‬مقارنة أخرى غريبة‬

‫في ص ـ ‪: 219‬‬
‫جهه ( ـ قال‬
‫صك و َ‬
‫في قولهم ) قمت ‪ ..‬وأ ّ‬
‫الجرجاني ‪ :‬ليست الواو فيها للحال وليس‬
‫المعنى قمت صاك ا ً وجهه ولكن ‪ :‬أصك وجهه !‬
‫ومن الذي قال أن الواو هنا للحال ليرد عليه‬
‫الجرجاني ؟ ومن هو الذي يشك أن المتحدث‬
‫يريد وصف حدث مضى بتجسيده في الحاضر‬
‫وعطف الحركة على قمت فيبدأ بالمر الواضح‬
‫وينتهي دوما ً بالخطأ الفاضح ‪:‬‬
‫فأراد أن يثبت هذا ) الجديد ( المكتشف‬
‫ويبطل مزاعم قوم ) وهميين ( ل وجود لهم‬
‫فقال ‪ :‬هو مثل قوله ‪:‬‬
‫فمضيت ثم‬ ‫مر على اللئيم يسبني‬
‫ولقد أ ّ‬
‫قلت ل يعنيني‬
‫مر ( ههنا بمعنى مررت‬
‫قال وكما أن ) أ ّ‬
‫فكذلك ) وأصك ( بمعنى صككت !‬
‫ما علقة هذا بذاك ؟ وما هذا التناقض حيث‬
‫قال ليس هو صاكا ً ولكن أصك ثم يقول‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪515‬‬
‫‪3‬‬
‫بمعنى صككت !!؟‬
‫ث وقع بالماضي‬
‫ت ‪ :‬حد ٌ‬
‫فان قوله ‪ :‬قم ُ‬
‫وقوله وأصك ‪ :‬نقل من الماضي الى الحاضر‬
‫لتجسيد الحركة بحادث معين وقع سلفًا‪.‬‬
‫أما البيت فمراده في المضارع وهو صفة‬
‫مستمرة للشاعر ‪ .‬كونه يمر على اللئيم دوما ً‬
‫وحاله أنه يسّبه ‪ ..‬وحال الشاعر دوما ً أنه‬
‫يمضي يقول ل يعنيني !‬
‫وكان بمقدوره أن يقول ‪ :‬ولقد مررت على‬
‫اللئيم يسبني ـ أي وهو يسبني ولكنه كان‬
‫سيحصر ذلك بواقعة واحدة معينة في الماضي‬
‫بينما هو يريد أن هذا الفعل يتكرر من اللئيم ـ‬
‫وإن حاله دائم ا ً أنه يمضي ويقول ل يعنيني ‪.‬‬
‫نحن نناقش الجرجاني على قواعده وعلى‬
‫مسّلمات القوم النحوية والبلغية وأسرار فإن‬
‫لجملة ) قمت ‪ .‬وأصك وجهه ( ‪ ..‬تفسيرا ً آخر‬
‫على منهجنا ‪.‬‬
‫هذه العبارة وأمثالها ل زالت مستعملة يوميا ً‬
‫ر مختلفة فيقول المعجب‬‫باللهجة العامية بصو ٍ‬
‫بنفسه مثلها كقولهم ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪516‬‬
‫‪3‬‬
‫) فقمت وأضربه على رأسه ( ـ ول يقول‬
‫وضربته ! ومعناها ‪ ) :‬فقمت "وحالي في‬
‫القيام" أني أضربه على رأسه ( ‪ .‬وهذا على‬
‫تقديرنا الذي ينطوي على جملة ل ضرورة‬
‫لذكرها تفسيرا ً للفعل المضارع ‪.‬‬
‫وكما ذكرت لك يحاول القائل نقل الذهن‬
‫بالفعل المضارع لتصوير الحال في الزمن‬
‫الحاضر بدل ً من الماضي الذي أكده الفعل‬
‫ور‬
‫الماضي ) قمت ( ‪ .‬فكأن السامع تص ّ‬
‫المشهد ‪ ،‬وعاد المتكلم ينقل الحدث من‬
‫مشهد معاين في الزمن الحاضر وهذا هو‬
‫سبب اللتفات الزمني الكثير التداول‪.‬‬
‫ولكن فهم النحويين القدامى ومن جاء‬
‫بعدهم ) للحال ( أنه ل يجوز ال ّ عند النصب‬
‫مثل ) قمت ضاربا ً له على رأسه ( ـ استدعى‬
‫تفسير العبارة وتقدير زمن مغاير لزمنها‬
‫وصرفها عن الحال وهو خطأ ‪.‬‬
‫وحقيقة المر أن الواو هي واو الحال‬
‫بصوره المختلفة وهي تتقلب ما شائت في‬
‫التراكيب ‪ ..‬ومن هنا ذكرنا مرارا أن القواعد‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪517‬‬
‫‪3‬‬
‫النحوية وضعت جزاف ا ً وبتعسف حتى إذا‬
‫اسقط في أيديهم ورأوا أن الشواذ عن‬
‫القاعدة أصبحت اكثر من الجارية في القاعدة‬
‫وضعوا لها قواعد استثنائية أو تفسيرات‬
‫جزافية مثل هذه وغيرها بالمئات ‪.‬‬
‫وهذا واضح من سوء تقدير الجملة ‪ ،‬والفعل‬
‫دره الجرجاني بالماضي على‬
‫المضارع ـ حيث ق ّ‬
‫نسق قمت فقال ) قمت وصككت وجهه ( !‬
‫ترى فما الذي جعل القائل يقول وأصك بدل‬
‫من صككت ؟ وهل كان يعجزه أن يقول ‪:‬‬
‫در‬
‫) صككت ( ؟ وما الجديد الذي جاء به إذا ق ّ‬
‫زمنا ً مغايرا ً للزمن الذي قصده القائل ؟‬
‫سر العبارة‬‫إن هذا معناه أن الجرجاني لم يف ّ‬
‫‪ ..‬اللهم ال ّ كمن فسر الماء بعد الجهد بالماء !‬
‫لنه ناقض نظريته في النظم بتغيير نظم‬
‫اللفظ ‪.‬‬
‫فانظر الى تقديرنا للفعل وتقديره وقارن‬
‫المرين بنفسك ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪518‬‬
‫‪3‬‬
‫تنبيــــــــه ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪519‬‬
‫‪3‬‬
‫سقطت مرة أخرى نظرية الجرجاني في‬
‫النظم وأتلفها بنفسه حينما جعل نظم ) قمت‬
‫وأصك وجهه ( هو نفس معنى نظم ) قمت‬
‫وصككت وجهه ( !!‬
‫انظر ص ـ ‪ 117‬من دلئل العجاز ففيها‬
‫يعرض الجرجاني معنى النظم !‬
‫حيث قال ‪ ) :‬جاءني مسرعا ‪ ،‬وجاءني وهو‬
‫يسرع ‪ ،‬وجاء وهو يسرع ‪ ،‬وجاءني وقد‬
‫أسرع ‪ ،‬وجاءني قد أسرع ‪:‬‬
‫ل من ذلك موضعه ويجيء به حيث‬
‫فيعرف لك ٍ‬
‫ينبغي له ( ‪.‬‬
‫ومعنى ذلك أن لكل تركيب من هذه‬
‫التراكيب معناه وله موضعه !‬
‫فنسى الجرجاني ذلك كله وزعم أن أصك‬
‫هو صككت !‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪520‬‬
‫‪3‬‬
‫مثلما نساها في عشرات المواضع الخرى ‪..‬‬
‫مثلما نساها عشرات التلمذة المتحمسين‬
‫للجرجاني في مئات المواضع ‪ ،‬من شروحهم‬
‫في البلغة والخطابة والشعر وآيات القرآن‬
‫والحاديث ‪..‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪521‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ .16‬اختيار عشوائي‬

‫الصفحة ‪: 123‬‬
‫فصل بعنوان ) مزايا في النظم بحسب‬
‫المعاني والغراض ( ‪.‬‬
‫‪ .1‬شرح صفحتين في مزايا النظم ‪ ..‬بكلم‬
‫لطائل من وراءه مطلقا ً ‪.‬‬
‫‪ .2‬ثلثة أبيات من الشعر القديم ‪.‬‬
‫‪ .3‬بيت للعباس ابن الحنف ‪ :‬قالوا خراسان‬
‫أقصى ما يراد بنا ‪..‬‬
‫‪ .4‬شاهد ثلثة أبيات لبن الدمينة ‪ .‬إلفات‬
‫الى الفصل والستئناس في قوله ) تريدين‬
‫قتلي قد ضفرت بذلك ( ‪.‬‬
‫‪ .5‬شاهد آخر ثلثة أبيات للشطرنجي على‬
‫علية أخت الرشيد ‪.‬‬
‫لسان ُ‬
‫إلفات الى جملة قد احسب في قوله ‪:‬‬
‫قد كنت‬ ‫ما أعجب الشيء ترجوه فتحرمه‬
‫أحسب أني قد ملت يدي‬
‫‪ .6‬شاهد آخر ‪ :‬بيتان لبي داود ) هكذا (‬
‫وهو اليادي شاعر جاهلي ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪522‬‬
‫‪3‬‬
‫ولقد اغتدي يدافع ركني ‪..‬‬
‫واب ‪ :‬أربعة أبيات‬
‫‪ .7‬شاهد آخر لبن الب ّ‬
‫آخرها ‪:‬‬
‫فأني ذلك الرجل‬ ‫وان قتل الهوى رجل‬
‫إلفات الى العجز ‪.‬‬
‫‪ .8‬شاهد آخر لعبد الصمد ابن المعذل ) ت‬
‫‪ 240‬هـ ( ‪ :‬آخره‬
‫يدعو وفوق الكبد‬ ‫يرفع عيناه الى ربه‬
‫اليسرى‬
‫إلفات الى موضع يدعو‬
‫‪ .9‬شاهد آخر لجرير ‪ :‬آخره‬
‫صدع‬ ‫صدع الغواني إذ رمين فؤاده‬
‫ن‬
‫الزجاجة ما لذاك تدا ِ‬
‫إلفات الى ‪ :‬ما لذاك‬
‫خلصة الفصل ‪:‬‬
‫عدد الشواهد الشعرية ‪ 20 :‬بيت‬
‫عدد الشواهد القرآنية ‪ :‬ل يوجد‬
‫الموضوع ‪ :‬مزايا النظم بحسب المعاني‬
‫والغراض‬
‫اسم الكتاب ‪ :‬دلئل العجاز ‍‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪523‬‬
‫‪3‬‬
‫إعجاز ماذا وإعجاز من ؟‬

‫تنبيــــه ‪:‬‬

‫قد تقول أن قول الشاعر ‪ :‬وان قتل الهوى‬


‫فإني ذلك الرجل‬ ‫رجل ً‬
‫أجده كلما جميل ونظم ا ً حسن ًا‪ .‬ولكنك إذا‬
‫حاكمته على الحق والمنطق وجدته كلما ً كاذبا ً‬
‫فالمتكلم لم يقتل ومن هنا قال الجرجاني‬
‫احسن الشعر أكذبه !‬
‫فهو يقصد هذه الصناف وأشباهها ‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬سبحان ربك رب العزة عما‬
‫يصفون ! وماذا كنا نتكلم من أول ما ابتدأنا‬
‫دة‬
‫بكتاب النظام القرآني واللغة الموح ّ‬
‫والمعنى الفعلي لللفاظ والحل القصدي‬
‫والدللت العامة ؟‬
‫ألم نقل انظر في اللفاظ كلها لفظا ً‬
‫لفظ ا ً ‪ :‬فإذا نظرت في البيت وجدت شرطا ً‬
‫هو ‪ ) :‬إن قتل الهوى رجل ( ‪ .‬ثم جوابا ً‬
‫للشرط ‪ :‬فأني ذلك الرجل ‪ .‬فلم يقتل الهوى‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪524‬‬
‫‪3‬‬
‫رجل ً بعد وإنما هو محمول على الشرط فلم‬
‫يكذب الشاعر ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪525‬‬
‫‪3‬‬
‫ألم نقل ثم انظر الى اللفظ ومعناه الجذري‬
‫وقيمته قبل الستعمال ثم أنظره في‬
‫الستعمال ‪ ..‬فإذا فعلت وجدت ) قتل ( على‬
‫من وقع عليه‬
‫الصل هو إيقاف الحركة ع ّ‬
‫الفعل وليس هو ) إهلك القتل بإخراج‬
‫الدم ( ‪ ،‬ال ترى أن الله تعالى قال ) فلم‬
‫تقتلون أنبياء الله ( ـ وهم لم يقتلوا نبيا ً‬
‫منهم على المعنى الصطلحي ولكنهم أماتوا‬
‫سننهم وأوقفوا حركة شرائعهم فانظرلفظ "‬
‫قتل" في معاني الحروف ـ بل انظر الفعل )‬
‫‪   ‬في النكليزية والذي هو نفس اللفظ‬
‫بتغيير بسيط تجد أحد استعمالته الباقية هو )‬
‫أوقف ( ‪ ) . 1‬ثم انظر قوله ) الهوى ( وعمومه‬
‫فلو قال ) الحب ( أو ) الغرام ( أو ) العشق (‬
‫لختلف المعنى اختلفا ً شديدا ً وهي عندهم‬
‫مرادفات يحل بعضها محل البعض الخر ـ لكنه‬
‫قال ) الهوى ( ـ والهوى ـ والهواء من مصدر‬
‫واحد ومعناه الصلي التخّبط واتباع الخيالت‬
‫والوهام بل عقل أو روّية ـ ولكنه أطلق على‬

‫‪1‬‬ ‫أنظره في معاني الحروف من اللغة الموحدة ـ حرف القاف‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪526‬‬
‫‪4‬‬
‫المحب لتصافه بذلك ـ فقد صدق ك ّ‬
‫ل الصدق‬
‫في ذلك بل فلسفيا ً طابق الحكمة المعلومة‬
‫من التناقض بين الحرية والوجود ـ حيث‬
‫اللتزام وجود والتخبط فناء ـ أو اللتزام‬
‫بالعقل حركة وحياة ومجانبة العقل توقف‬
‫وموت فما تجده من جمالية وحسن في البيت‬
‫إنما مرجعه الى الصدق وصحة الوصف ودقة‬
‫اختيار اللفاظ والتناغم والتلئم بين السبب‬
‫والنتيجة بصورة منطقية ‪ .‬واعلم أن للمنهج‬
‫القصدي رأي في البلغة خلصته أن الصدق‬
‫خي الحقيقة بشغف وقوة‬
‫ودقة الوصف وتو ّ‬
‫ينتج ل محالة كلما ً بليغا ً فالبلغة ليست هدفا ً‬
‫ة لبلوغ أمر ـ بل‬ ‫ول قصدا ً ول غاي ً‬
‫ة ول وسيل ً‬
‫هي تحصيل حاصل للصدق عند المتكلم ‪ ..‬وقد‬
‫ذكرنا أن بلغة القرآن هي تحصيل حاصل‬
‫لصدقه المطلق وانطباقه على حقائق‬
‫الموجودات بأسرها ‪ ،‬بحيث أن المعنى الذي‬
‫يشير الى حقيقة ل يمكن أن يشار إليه بدقة‬
‫وصدق ال بعبارة واحدة فقط فلسفيا ً‬
‫ومنطقيا ً وكل عبارة غير تلك ستكون كاذبة‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪527‬‬
‫‪3‬‬
‫في جزء معين ولذلك صار القرآن ابلغ الكلم‬
‫لنه أصدقه ‪ .‬هذا هو خلصة الرأي القصدي‬
‫وهو نقيض البلغة الجرجانية القائمة على‬
‫الكذب والخلط بين المفردات بالمرادفات‬
‫والجمود على المعنى الذهني الصطلحي‬
‫للمفردة ‪.‬‬

‫والحمد لله رب العالمين وصلى الله على‬


‫سيدنا ونبينا‬
‫محمد النبي المختار وعلى آله الطّيبين‬
‫الطاهرين البرار‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪528‬‬
‫‪3‬‬

You might also like