Professional Documents
Culture Documents
***************************
مة
مة و الّتذك َِرة العا ّ
دعوة الّتا ّ
ال ّ
***************************
تأليف:
المام شيخ السلم قطب الدعوة والرشاد
عبد الله بن علوي بن محمد بن أحمد الحداد
الحسيني الحضرمي الشافعي
رحمه الله تعالى
)1044-1132هـ(
ن{
مِني َ
ؤ ِ ع ال ْ ُ
م ْ ن الذّك َْرى َتن َ
ف ُ وذَك ّْر َ
فإ ِ ّ } َ
ول تجعله حجة علينا ،ول سبيل إلى سخطك ول إلى النار
التي هي دار عقوبتك .اللهم انفعنا بما علمتنا ،وعلمنا ما
ينفعنا .والحمد لله على كل حال ،ونعوذ بالله من أحوال
مينا هذا التأليف:س ّ
أهل النار .وقد َ
.....الدعوة التامة والتذكرة النافعة.....
ورّتبناه على مقدمة ،وذكر ثمانية أصناف ،وخاتمة.
فأما المقدمة:
فنذكر فيها شرح الدعوة إلى الله وإلى دينه وسبيله.
وأما الصناف:
...فالصنف الول -العلماء.
...والصنف الثاني -أهل الزهد والعبادة.
...والصنف الثالث -أهل الملك والسلطنة ونحوهم.
...والصنف الرابع -أهل التجارات والصناعات ونحوهم.
...والصنف الخامس -أهل الفقر والضعف والمسكنة.
) (1/14
) (1/16
المقدمة
*****
… ونذكر فيها الدعوة إلى الله تعالى وإلى دينه وسبيله،
والمر بذلك وفضله والحث عليه .وفيها التنبيه على
مسائل مهمة ،وفوائد جمة.
***
… قال الله العلي العظيم ،القوي المتين في كتابه العزيز
ك ل َرب ّ َ سِبي ِ المبين ،لرسوله الصادق المين } :اد ْعُ إ ِِلى َ
َ
نن إِ ّ س ُ ح َ يأ ْ جادِل ُْهم ِبال ِّتي هِ َ سن َةِ وَ َح َ عظ َةِ ال ْ َ مو ْ ِمةِ َوال ْ َ حك ْ َ ِبال ْ ِ
َ َ
ن {، دي َ مهْت َ ِ م ِبال ْ ُ سِبيل ِهِ وَهُوَ أعْل َ ُ عن َ ل َ ض ّ من َ م بِ َ ك هُوَ أعْل َ ُ َرب ّ َ
ة
صيَر ٍ عو إ َِلى الل ّهِ عََلى ب َ ِ سِبيِلي أ َد ْ ُ ل هَذِهِ َ وقال تعالى } :قُ ْ
َ أ َن َا ْ
ن {، كي َ شرِ ِ م ْ ن ال ْ ُ ما أن َا ْ ِ
م َ ن الل ّهِ وَ َ حا َ سب ْ َ ن ات ّب َعَِني وَ ُ ِ م
َ َ و
ملَ ّ َ ً َ َ
عا إ ِلى اللهِ وَعَ ِ من د َ َ م ّ ن قوْل ّ س ُ ح َ نأ ْ م ْ وقال تعالى } :وَ َ
كن ن { ،وقال تعالى } :وَل ْت َ ُ مي ْ َسل ِ ِم ْ ن ال ْ ُ م َ ل إ ِن ِّني ِ صاِلحا ً وََقا َ َ
ف ْ ْ َ ُ ُ
معُْرو ِ ن ِبال َ مُرو َ خي ْرِ وَي َأ ُ ن إ ِلى ال َ عو َ ة ي َد ْ ُم ٌمأ ّ منك ْ ّ
) (1/17
ن {.حو َ م ال ْ ُ
مْفل ِ ُ منك َرِ وَأ ُوْل َئ ِ َ
ك هُ ُ ن ال ْ ُ
ن عَ ِ
وَي َن ْهَوْ َ
فالدعاء إلى الله وإلى سبيله ودينه وطاعته ،وصف النبياء
والمرسلين ودأبهم وبه وله بعثهم الله وأمرهم وأوصاهم،
وعليه حثهم وحرضهم ،وعلى ذلك اتبعهم واقتدى بهم
ورثتهم من العلماء العاملين والولياء والصالحين من عباد
الله المؤمنين؛ فلم يزالوا على كل حال وفي كل زمان
وحين يدعون الناس إلى سبيل الله وطاعته ،بأقوالهم
وأفعالهم ،على غاية من التشمير والجد في ذلك؛ ابتغاء
لمرضاة الله ،وشفقة على عباد الله ،ورغبة في ثواب
الله ،واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم .وقد قال
عليه الصلة والسلم ) :من دعا إلى هدى كان له من
الجر مثل أجور من اتبعه ل ينقص ذلك من أجورهم شيئا،
ومن دعا إلى ضللة كان عليه من الثم مثل آثام من اتبعه
ل ينقص ذلك من آثامهم شيئا () (1وقد قال عليه الصلة
والسلم ) :الدال على الخير كفاعله ().(2
__________
) - (1رواه ابن ماجه عن أبي هريرة.
) - (2رواه البزاز عن ابن مسعود ،والطبراني عنه ،وعن
سهل بن سعد.
) (1/18
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) :من سئل عن
علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار ().(1
والسؤال بلسان المقال ظاهر جلي ،ول يبعد أن يكون
السؤال بلسان الحال مثله أو قريبا ً منه ،وقد قيل ) :لسان
الحال أفصح من لسان المقال(.
فإذا رأى ونظر العالم بدين الله ،المذكر بأيام الله،
الداعي إلى سبيل الله إلى الجاهلين بالعلم ،الغافلين عن
الخرة ،المقبلين على الدنيا ،لم يسعه إل أن يبين لهم ما
يجب عليهم من حق الله ،ويلزمهم من طاعته وإقامة
أمره ،واجتناب معصيته وركوب نهيه.
صرون ،الذين قد غلب عليهم التفريط فأما العلماء المق ّ
والتخليط فليس يهمهم ذلك ،وربما لم يخطر لهم على
بال؛ لنهم قد شاركوا الجهال في الضاعة والهمال،
وسيئ العمال والقوال .فليسوا يتميزون عليهم إل
بصورة العلم ورسومه ،التي على ألسنتهم وظواهرهم
فليس أولئك من
__________
) - (1رواه أحمد عن أبي هريرة.
) (1/20
أئمة الهدى ،ول من دعاة الخير ،ول أدلء الطريق إلى الله
الملك العظيم .بل قد يكون من يكون هو السبب في
جراءة العامة وتجاسرهم ،واسترسالهم فيما ل خير فيه
من القوال والفعال التي تسخط الله ورسوله .وذلك أن
العامة إذا رأوا المنسوبين إلى العلم والدين ،يتهاونون
ويتساهلون في إقامة أمر الله وفرائضه ،ول يسارعون
في طاعته بما حملهم ذلك على الهمال والضاعة لمور
الدين؛ بل ربما جرأهم ذلك على الوقوع في المهلكات
والجرائم الموبقات؛ فصار العلماء الكائنون بهذه المثابة
من دعاة الشر وأئمة الضللة ،من حيث يعلمون أو من
حيث ل يعلمون .فنعوذ بالله من النعكاس والنتكاس،
ونسأله العافية من كل محذور وباس لنا ولحبابنا
وللمسلمين ،والعاقبة للمتقين ،ول عدوان إل على
الظالمين.
ثم إنه ليس يسع أهل الحق والدين من العلماء الراسخين،
الناصحين لله ورسوله وللمسلمين ،بعد ما قد رأوا
وشاهدوا بالعيان من إعراض العامة عن العلم والهدى،
وعن إقامة المور اللهية ،والفرائض الدينية ،وركوب
المحرمات الشرعية والرضا بالجهل بدل ً من العلم،
والضللة عوضا ً عن الهدى،
) (1/21
ن مؤي ّد ٌ بتأييد الله ،وظاهٌر بإظهار الله ،كما قال فإن الدي َ
َ
ن
دى وَِدي ِ ه ِبال ْهُ َسول َ ُل َر ُ س َذي أْر َ عز من قائل } :هُوَ ال ّ ِ
ن {. كو َشرِ ُ م ْ ن ك ُل ّهِ وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ ُ حقّ ل ِي ُظ ْهَِرهُ عََلى ال ّ
دي ِ ال ْ َ
ثم إنه ل عذر للجاهل في ترك طلب ما فرض الله عليه
من العلم؛ كما قال صلوات الله وسلمه عليه) :طلب
العلم فريضة على كل مسلم( ،ول عذر لعالم في ترك
تعليم ما علمه الله من العلم المفروض تعلمه ،إما على
العين وإما على الكفاية.
والعلم الذي في ذكره ونشره النفع للخاص والعام :هو
العلم الذي يدعو من الدنيا إلى الخرة ،ومن المعصية إلى
الطاعة ،ومن الغفلة إلى اليقظة .ويكون ذكر ذلك وإيراده
مقرون بالوعظ والتذكير ،والتخويف والتحذير ،وبيان الوعد
والوعيد ،وما أعد الله من أنواع المثوبات لهل الطاعات
والحسان ،ومن أنواع العقوبات لهل الساءة والعصيان،
على نحو ما شرحه الله وبينه في آيات القرآن ،وعلى
لسان رسوله المبعوث بالهدى و البيان؛ فبمثل ذلك ترق
القلوب وتخشع ،وتنقاد النفوس وتخضع؛ قال الله تعالى:
من ك ُ ّ
ل فِْرقَةٍ ة فَل َوْل َ ن ََفَر ِ كآفّ ًن ل َِينِفُروا ْ َمُنو َمؤ ْ ِن ال ْ ُ كا َما َ }و َ َ
جُعوا ْ م إِ َ
ذا َر َ مه ُ ْن وَل ُِينذُِروا ْ قَوْ َ ة ل ّي َت ََفّقُهوا ْ ِفي ال ّ م َ
دي ِ طآئ َِف ٌ من ْهُ ْ ّ
ن {، حذ َُرو َ م يَ ْ ّ َ
م لعَلهُ ْ َ
إ ِلي ْهِ ْ
) (1/28
وفي حديث حنظلة رضي الله عنه قال لرسول الله صلى
الله عليه وسلم :نكون عندك فت ُذ َك َّرنا بالجنة والنار ،حتى
كأنا نراها رأي عين ما ي ُن َّبه على ذلك.
فترى كتاب الله وسنة رسوله مشحونين بذكر الترغيب
والترهيب ،والتبشير والتحذير في خلل اليات والحاديث
التي فيها ،وشرح الحكام وبيانها.
وكانت مجالس العلماء العاملين والئمة المهتدين معمورة
بذلك ،وكان منهم جماعة يقعدون على الكراسي ويجتمع
عليهم الجم الغفير من المسلمين ،فيعظونهم ويذكرونهم
بأيام الله وبآلئه ،ويحثونهم على إقامة أوامره واجتناب
نواهيه .وكان الناس ينتفعون بذلك ،وتظهر عليهم الثار
المحمودة من الخوف والبكاء ،والمسارعة إلى التوبة
والرجوع إلى الله ،و ذلك معروف ومشهور من سيرهم
سلفا وخلفا؛ مثل :الجنيد بن محمد ) (1سيد الطائفة في
زمنه ،وأبي جمرة البغدادي ،ويحيى بن معاذ الرازي )(2
-من المتقدمين .-
__________
) - (1المتوفى ببغداد سنة 297ه.-
) - (2المتوفى بنيسابور سنة 258ه.-
) (1/29
حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهال ،إذا سئلوا
أفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا( ).(1
فانظر كيف صار نطق هؤلء الجهال المترسمين أضر
على الناس من سكوتهم! تعرف به فرقا بين علماء الدين
الذين هم ورثة النبياء وأئمة الهدى ،وبين الجهال
المتشبهين بهم والمترسمين برسومهم في رأي العين
وظواهر الحوال هؤلء ينفعون الناس بعلمهم ،ويهدون
الناس بهديهم ،ويبينون للناس سبيل ربهم وما فيه فوزهم
ونجاتهم في معادهم ومماشهم .والخرون يضلون الناس
بفتواهم ،ويلبسون عليهم أمرهم.
وسيأتي فيما بعد مزيد شرح في أحوال الجهال
المترسمين المتشبهين بالعلماء في ظواهر أحوالهم مع
إفلسهم عن حقائق العلم والتقوى ،وإخفاقهم من بضائع
الدين والهدى من طوائف المغرورين الذين غرتهم الحياة
الدنيا ،وغلي عليهم اتباع الهوى المشار إليه بقوله عز من
خسري َ َ
ض ّ
ل ن َ ذي َ مال ً ال ّ ِ م ِباْل ْ َ ِ َ
ن أعْ َ ل ن ُن َب ّئ ُك ُ ْ قائل } :قُ ْ
ل هَ ْ
صْنعا ً سعيهم في ال ْحياة الدنيا وهُم يحسبو َ
ن ُ
سُنو َ
ح ِ م يُ ْ ن أن ّهُ َْ َ ِ َّْ َ ْ َ ْ َ ُ َ َ ُُْ ْ ِ
{
__________
) - (1رواه أصحاب السنن عن ابن عمر.
) (1/31
وأمور الدنيا كلها إنما هي تابعة أعني المهم منها ،وأما ما
ليس بمهم فمنهي عنه ومزهد فيه .فانظر كيف يعكس
الجاهل الغافل المور بجهله ،ويرد الرأس ذنبا والذنب
رأس ،والتابع متبوع ،والمزهود فيه والمرغوب عنه مرغوبا
فيه تعرف بذلك شؤم الجهل ومضرته ،وكونه بلء وخزيا
على أهله في الدنيا والخرة؛ ولذلك قيل:
ما يبلغ العداء من جاهل ...ما يبلغ الجاهل من نفسه
وقيل أيضا:
وفي الجهل قبل الموت موت لهله ...فأجسادهم قبل
القبور قبوُر
وقد غلب الجهل ،واستولى على أهل هذا الزمان السيئ
حاله ،وذهب بهم كل مذهب؛ حتى صار الكثير منهم أو
الكثر ل يعلم ول يدري بالحق والدين ما هو ول بالخرة
والمصير إلى الله كيف هو .فصارت تلك بلية عظيمة عم
ضررها الجاهل والعالم ،والعام والخاص.
فأما تضّرر الجاهل بها فليس بخفي؛ لنه قد أضاع بسببها
ما فرض الله عليه من معرفة دينه وتعلم أحكامه.
) (1/40
****************
الصنف الول
دعوة العلماء بالدين
****************
) (1/51
) (1/52
الصنف الول
العلماء بالدين والقول في نصيحة العلماء
وتذكيرهم وتخويفهم وتحذيرهم
***
اعلم أن العلماء هم الرؤوس من الناس والوجوه فيهم،
ومثلهم منهم مثل الملح من الطعام ،يصلح الطعام
بصلحه ،ويفسد بفساده ،ولذلك قيل:
يامعشر القراء ياملح البلد ما يصلح الملح إذا الملح فسد
فالقراء هم العلماء ،وقد كان يطلق هذا السم عليهم في
الزمنة السالفة ،فإن حملة القرآن كانوا هم العلماء بدين
الله وبأمره وأحكامه حيث كانوا إذا قرأوا القرآن تفقهوا
فيه ،وعلموا آمره وناهيه ،وواعظه وزاجره ،وما ينبغي
الوقوف عنده منه ،ولذلك عز من جمع القرآن من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حتى أنه قبض
صلوات الله وسلمه عليه عن ألوف كثيرة من الصحابة.
لم يجمع القرآن منهم إل نفر قليل،
) (1/53
قيل :أربعة ،وقيل :سبعة على خلف في ذلك .وكان من
يحفظ سورة )البقرة( وسورة )آل عمران( يعد من
علمائهم وفقهائهم ،وفي الحديث )من استظهر القرآن
فقد أدرجت النبوة بين جنبيه ،غير أنه ل يوحى إليه(،
ومعنى استظهر القرآن :أي حفظه عن ظهر قلب ،وهو
الحفظ بالغيب .فالقرآن تنزيل عظيم من رب عظيم،
على رسول كريم قد جمع الله فيه علم الولين والخرين،
وأخبار السابقين واللحقين ،كما قال عليه الصلة
والسلم) :فيه نبأ من قبلكم ،ونبأ من بعدكم ،وحكم ما
بينكم ،من قال به صدق ،ومن حكم به عدل ،ومن التمس
الهدى من غيره أضله الله( الحديث.
فقد آل المر إلى أقوام يقرأ القرآن أحدهم من فاتحته
إلى خاتمته ل يدري ما هو ،ول فيم أنزل ،ول لي شيء
أنزل ،ثم إنه ل يهمه أنه ل يعلم ول يدري حتى تنبعث منه
داعية لن يطلب علم ذلك ومعرفته؛ وذلك من فرط
غفلته ،وشدة انصراف قلبه عن فهم كتاب ربه استغراقا
بالدنيا ،ورغبة في شهواتها ،واغترارا بزخارفها؛ فمن أضل
ممن هذا الوصف وصفه ؟ وهذا الشأن شأنه؟ } أ ُوْل َئ ِ َ
ك
م ال َْغافُِلو َ
ن {. ل أ ُوْل َئ ِ َ
ك هُ ُ ض ّ ل هُ َ
مأ َْ كال َن َْعام ِ ب َ ْ
َ
) (1/54
وإذا كنت ممن حفظ القرآن وتله ،ثم لم تعد ولم تذكر
في علماء الدين :فلست تحفظه ولست تتلوه حقيقة،
وإنما ذلك مجاز ل ِل ّهِ أو صورة تقوم به عليك الحجة فقط
ل ِل ّهِ فإن القراء هم العلماء مهما كانوا ،يقرأون القرآن كما
أمروا ويتلونه كما وصفوا؛ حسبما تقدم من البيان .والله
الهادي إلى الصواب.
وقد طال الكلم وامتد في شأن حملة القرآن ,وأنهم كانوا
هم العلماء فيما قد مضى من العمار والزمان حيث كانوا
يحملونه مع العلم به والعمل بما فيه ,إلى أن صاروا
بحيث ل يعدون من أهل العلم ول يوصفون به ل ِل ّهِ فانظر
رحمك الله تفاوت ما بين من مضى ومن بقي.
ثم اعلم أنه قد غلب على أهل العلم الغرور والفتن ,
واستولى عليهم العراض والغفلة ,وتركوا العمل بالعلم ,
وصار العلم على ألسنتهم دون قلوبهم ,وفي أقوالهم
دون أفعالهم ,فصار العلم بذلك حجة الله عليهم ,كما
قال عليه الصلة والسلم) :العلم علمان :علم في القلب
فذلك هو العلم النافع .وعلم على اللسان وذلك حجة الله
على ابن آدم ( .وفي دعائه عليه الصلة والسلم ) :الّله ّ
م
إني أسألك علما نافعا ً (
) (1/57
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) :من طلب
علما مما يبتغي به وجه الله ل يطلبه إل لينال به عرضا
من الدنيا لم يجد عرفا من الجنة يوم القيامة( وعرف
الجنة :ريحها؛ وهو كما في الحديث):يوجد من مسيرة
خمسمائة عام(.
وقال عليه الصلة والسلم) :من طلب العلم ليجادل به
العلماء ويماري به السفهاء ،ويصرف به وجوه الناس إليه
أدخله الله النار(.
وذكر في بعض الخبار :أن رجل صحب موسى عليه
السلم ،ولزمه حتى أخذ عنه العلم ،ثم جعل يقول :حدثنا
موسى كليم الله ،حدثنا موسى صفي الله؛ حتى أثرى،
وكثر ماله ،ثم فقده موسى ،فجعل يسأل عنه فل يسمع
له بخبر ،إلى أن جاءه رجل وفي يده خنزير ،وفي عنقه
حبل أسود؛ فسأله موسى عنه هل رآه؟ فقال له :نعم!
هو هذا الخنزير .فسأل موسى عليه السلم ربه أن يعيده
إلى صورته ليسأله عما أصابه فأوحى الله إليه :لو سألتني
بما سألني به آدم فمن بعده لم أعده إلى صورته ،ولكن
أخبرك عن هلم صنعت به هذا؟ إنه كان يطلب الدنيا
بالدين.
وأغلظ من هذا ما روي عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه-
موقوفا ً
) (1/65
****************
الصنف الثاني
دعوة العباد والزهاد
*****************
) (1/85
) (1/86
الصنف الثاني
هاد ،وأهل الجد ّ والجتهاد ،والمتبّتلون إلى الله، العّباد والز ّ
والمتفّرغون لطاعته وعبادته ،وخدمته وحسن معاملته
والقول في نصيحتهم وتذكيرهم وتنبيههم وتحذيرهم
***
اعلم أن هذا الصنف من الناس هم صفوة الله من عباده،
وموضع نظره من خلقه ،ومعادن أنواره وخزائن أسراره،
وكثيرا ما يوجد منهم ويعرف فيهم أولياء الله وأصفياؤه
من الوتاد والبدال ،والنقباء والنجباء من الرجال ،وفيهم
ومنهم تتعرف وتؤخذ حقائق الخلص والصدق ،والتوكل
والزهد ،وأشباهها من مقامات اليقين ،وأسرار معاملت
الدين .أولئك هم الصوفية الصفياء ،البرياء التقياء ،أهل
الحق والحقيقة ،العالمون السالكون ،الذائقون لسرار
ن بركاتهم
م ِ
الطريقة ،وأرباب الولية والرعاية ،الذين بي ُ ْ
سَتكفى الذّيات، دفع البليات ،وت ُ ْ
ومستجاب دعواتهم ُتست َ ْ
) (1/87
__________
) - (1هو أبو سليمان عبد الرحمن بن عطية الداراني.
و)داريا( :قرية من قرى دمشق كان كبير الشأن في علوم
الحقائق والورع ،توفي سنة 215ه.-
) (1/101
وعن معاذ رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم) :اليسير من الرياء شرك ,ومن عادى أولياء
الله فقد بارز الله بالمحاربة .إن الله يحب من عباده
البرار التقياء الخفياء ,الذين إذا غابوا لم يفقدوا ,وإن
حضروا لم يعرفوا ,قلوبهم مصابيح الهدى ,يخرجون من
كل غبراء مظلمة( .وقال عليه الصلة والسلم) :أغبط
الناس عندي مؤمن خفيف الحاذ ,ذو حظ من صلة ,وكان
رزقه كفافا وصبر عليه حتى لقي الله ,وأحسن عبادة ربه,
ل ُتراثه ,وقّلت وكان غامضًا) (1في الناس عجلت منيته,وق ّ
بواكيه( وفي مثله أنشدوا:
أخص الناس باليمان عبد ...خفيف الحاذ مسكنه القفاُر
له بالليل حظ من صلة ...ومن صوم إذا طلع النهاُر
عّفة وبه خمو ٌ
ل ...إليه بالصابع ل ُيشاُر وفيه ِ
وقل الباكيات عليه لما ...قضى َنحبا ً وليس له يساُر
قال الشيخ المام عبد الله بن أسعد اليافعي اليمني)(2
رحمه الله تعالى
______________
) - (1خفيف الحاذ :خفيف الظهر غامصا :محتقرا مهانا.
) (2نسبة إلى بني يافع من حمير .ولد ونشأ في عدن.
وتوفي سنة 768ه.-
) (1/105
)في كتابه روض الرياحين في الحكاية الخامسة والربعين
بعد المائة منه( :روي أن أويسا ً القرني) (1رضي الله عنه,
كان يقتات من المزابل ويكتسي منها ,فنبحه كلب على
مزبلة؛ فقال له أويس :كل مما يليك ،وأنا آكل مما يليني
ت الصراط فأنا خير منك ،وإل فأنت ول تنبحني .فإن جز ُ
خير مني .وكان أهله يقولون :هو مجنون .وأقاربه به
يستهزئون ،والصغار به يتولعون ،وبالحجارة يرمون ،وفيه
أقول:
سقى الله قوما ً من شراب وداده ...فهاموا به ما بين بادٍ
ر
وحاض ِ
ب على ح ّ
ن سوى ُ جّنوا وما بهم ...جنو ٌ
يظنهم الجهال ُ
ر
القوم ظاه ِ
سقوا بكوؤس الحب راحا ً من الهوى ...فراحوا سكارى
ر
بالحبيب المسام ِ
يناجونه في ظلمة الليل عندما ...به قد خلوا منهم أويس
ر
بن عام ِ
__________
) (1هو ابن عامر بن جزء .من بني قرن )بفتحتين ،بطن
من مراد( من سادات التابعين ،ومن أكابر الزهاد رث
البيت قليل المتاع .يرجح أنه قتل في وقعة صفين مع
علي كرم الله وجهه سنة 37ه.-
) (1/106
ضرب بدرته الرض .ثم نادى بأعلى صوته :أل ليت عمر
لم تلده أمه! أل ليتها كانت عقيما ً لم تعالج حملها! أل من
يأخذها بما فيها ولها )يعني الخلفة( .ثم قال :يا أمير
المؤمنين ،خذ أنت ههنا حتى آخذ أنا ههنا .فولى عمر
ناحية مكة ،وساق أويس إبله فوافى القوم فأعطاهم إّياها
وخلى الرعاية ،وأقبل على العبادة حتى لحق بالله تعالى.
وفي صحيح مسلم :أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
)يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من
مراد ،ثم من قرن ،كان به برص فبرأ منه إل موضع درهم،
له والدة هو بها بّر ،لو أقسم على الله لبّره ،فإن
ت أن يستغفر لك فافعل( وساق الحديث ..إلى أن استطع َ
ذكر اجتماع عمر به وقوله :فاستغفر لي فاستغفر له،
فقال له أين تريد؟ قال الكوفة ،قال :أل أكتب لك إلى
ي ..وهذا بعض ب إل ّ
عاملها؟ قال أكون في غبراء الناس أح ّ
الحديث.
وفي رواية مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) :إن
خير التابعين رجل يقال له أويس ،وكان له والدة هو بها بّر
مروه فليستغفْر لكم(.
وكان به بياض ف ُ
) (1/110
وأنا وأنت في الموتى ،ثم صّلى على النبي صلى الله عليه
خَفاف.
وسلم ودعا بدعوات ِ
ثم قال :هذه وصيتي إياك :كتاب الله ،ونعي المرسلين،
ونعي صالحي المؤمنين؛ فعليك بذكر الموت ،ول يفارقن
قلبك طرفة عين ما بقيت ،وأنذر قومك إذا رجعت إليهم،
وأنصح المة جميعا .وإياك أن تفارق الجماعة فتفارق
دينك وأنت ل تعلم فتدخل النار ،وادع لي ولنفسك .ثم
قال :اللهم إن هذا زعم أنه يحبني فيك ،وزارني من
أجلك؛ فعرفني وجهه في الجنة ،وأدخله علي دارك دار
السلم ،واحفظه ما دام في الدنيا حيا ،وأرضه في الدنيا
باليسير ،واجعله لما أعطيته من نعمتك من الشاكرين،
واجزه عني خيرا ،ثم قال :السلم عليك ورحمة الله
وبركاته ،ل أراك بعد اليوم -يرحمك الله -تطلبني؛ فإني
أكره الشهرة وأحب الوحدة ،لني كثير الغم ما دمت مع
هؤلء الناس حيا ،فل تسأل عني ول تطلبني .واعلم أنك
على بال وإن لم أرك وترني ،واذكرني وادع لي فإني
سأدعو لك وأذكرك إن شاء الله تعالى فخذ أنت ههنا حتى
آخذ أنا ههنا .فحرصت أن أمشي معه ساعة فأبى علي،
وفارقته يبكي وأبكي! وجعلت أنظر إليه
) (1/115
حتى دخل بعض السكك .ثم سألت عنه بعد ذلك وطلبته
فلم أجد أحدا ً يخبرني عنه ،وما أتت علي جمعة إل وأنا
أراه في منامي مرة أو مرتين.
وروي عن أصبغ رضي الله عنه قال :كان أويس رضي
الله عنه إذا أمسى يقول :هذه ليلة الركوع ،ويركع حتى
يصبح ،ويقول :هذه ليلة السجود فيسجد حتى يصبح ،كان
إذا أمسى يتصدق بما في بيته من الطعام والثياب ثم
يقول :اللهم من مات جوعانا فل تؤاخذني به ،ومن مات
عريانا فل تؤاخذني به.
وروي عن النضر بن شميل) (1رحمه الله تعالى .قال:
كان أويس يلتقط الكسر من المزابل فيغسلها فيتصدق
ببعضها ويأكل بعضها ويقول اللهم إني أبرأ إليك من كل
كبد جائع.
وروي عن عبد الله بن سلمة رضي الله عنه قال :غزونا
أذربيجان زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأويس
القرني معنا فلما رجعنا مرض فحملناه فلم يستمسك
فمات،
__________
) (1النضر بن شميل بن خرشه المازني التميمي .أحد
العلم بمعرفة أيام العرب ورواية الحديث وفقه اللغة.
ولد بمرو من بلد خراسان واتصل بالمأمون العباسي
فأكرمه وقربه .وتوفي بمرو سنة 203ه-
) (1/116
وقال لي :يا أبا محمد ،أتراني أرجع إلى تلك الخربة وقد
فقدت ذلك السيد ثم أنشأ يقول:
ووا أسفي من فراق قوم ...هم المصابيح والحصون
والمدن والمزن والرواسي ...والخصب والمن والسكون
لم تتغير لنا الليالي ...حتى توفتهم المنون
فكل جمر لنا قلوب ...وكل ماء لنا عيون
ثم قال :غاب عّنا ،ذلك آخر العهد به رحمة الله عليهم.
وقال بعض العلماء :رأيت المام الغزالي رضي الله عنه
في البرية وعليه مرقعة وبيده عكاز وركوة ،فقلت له :يا
ي
إمام ،أليس التدريس ببغداد أفضل من هذا؟ فنظر إل ّ
شزرا ً وقال :لما بزغ بدر السعادة في فلك الرادة،
وظهرت شمس أصول الوصول.
ل ...وعدت إلى مصحوب تركت هوى ليلى وسعدى بمعز ِ
ل
أّول منز ِ
ونادت بي الشواق مهل ً فهذه ...منازل من تهوى رويدك
ل
فانز ِ
وقال أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه في وصف رجال
الله
) (1/120
***
) (1/121
) (1/122
***********************
الصنف الثالث
دعوة المراء والسلطين
وولة أمور المسلمين
**********************
) (1/123
) (1/124
الصنف الثالث
وهم المراء والسلطين والملوك والولة لمور المسلمين
القول في نصيحتهم وتذكيرهم ،وتنبيههم وتحذيرهم
***
اعلم أن الولة ل بد منهم ،ول غنى للناس عنهم ،والولية
أمر خطير والولة في غاية الخطر؛ فإنهم إن قاموا بما
يلزمهم من حق عباده تعبوا ونصبوا ،وإن ضيعوا ذلك
هلكوا وعطبوا ،وقد قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم) :كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته( الحديث.
وقال عليه الصلة والسلم) :إنكم ستحرصون على
المارة ،وإنها ستكون ندامة يوم القيامة( وقال عليه
الصلة والسلم) :اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق
عليهم فاشقق عليه ،ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق
لبهم فارفق به( .وقال عليه الصلة والسلم) :ما من وا ٍ
على الناس إل جيء به يوم القيامة مغلولة يداه إلى
ه(، كه عدل ُ ُ
ه أو أوبقه جوُر ُ عنقه ،ف ّ
) (1/125
ل لو أن ذوائبهم ن رجا ٌ
وقال عليه الصلة والسلم) :لي َوَد ُ ّ
معلقة بالثريا ولم يلوا من أمر الناس شيئًا(.
وض في مال الله وقال عليه الصلة والسلم) :كم من متخ ّ
تعالى بغير حقّ له النار يوم القيامة(.
والوعيد الوارد في حق من ولي أمر الناس ،ثم لم يأخذ
بالعدل والنصاف ،ويجتنب الظلم والجور شديد ،هائل،
ولذلك زهد فيها المتقون .وفر منها المشمرون الذين هم
من خشية ربهم مشفقون ،ومن ابتلي منهم بذلك ولم يجد
بدا مما هنالك ،كان على غاية من الخوف والشفاق،
والتحفظ والحتياط ،حتى قال عمر بن الخطاب رضي الله
عنه مع ما كان عليه من كمال العدل ونهاية الحتراز :من
يأخذها بما فيها )يعني المارة( وددت أن أنجو منها كفافًا،
ي ول لي ،وكان من شدة خوفه من الضاعة لشيء ل عل ّ
من أمور المسلمين وحسن النظر فيها ل ينام إل خفقانا ً
ت بالنهار ضّيعت أمور المسلمين، وهو قاعد ويقول :إن نم ُ
ت بالليل ضّيعت نفسي؛ فكيف لي بالنوم بين وإن نم ُ
هاتين؟!
وكان علي -رضي الله عنه -إذا اجتمع في بيت
المسلمين المال؛
) (1/126
-رضي الله عنه) (1):-يا أبا ذر ،إني أراك ضعيفًا ،وإني
أحب لك ما أحب لنفسي ،ل تأمرن على اثنين ،ول تولين
مال يتيم( وقد عليه الصلة والسلم أكل مال اليتيم من
ما َ
ل الكبائر الموبقات؛ وقال الله تعالى } :وَل َ ت َْقَرُبوا ْ َ
َ
ن
ذي َ ن ال ّ ِن { ،وقال تعالى } :إ ِ ّ ُ س
ح َ
يأ ْ َ ال ْي َِتيم ِ إ ِل ّ ِبال ِّتي هِ
م َنارا ً ن ِفي ب ُ ُ ْ يأ ْك ُُلو َ
طون ِهِ ْ ما ي َأك ُُلو َ
مى ظ ُْلما ً إ ِن ّ َ ل ال ْي ََتا َ
وا َ
م َ نأ ْ َ َ
سِعيرا ً {. ن َ صل َوْ َ سي َ ْ
وَ َ
وأما الوقاف والصدقات فينبغي للشفيق على دينه أن
يتباعد عنها ،وأل يتولى على شيء منها؛ فإن بلي بشيء
من ذلك فليتق الله فيه ،وليبالغ في حفظها وحسن القيام
والنظر عليها أول .ثم يصرفها في مصارفها ،ويضعها في
مواضعها؛ فإنه قد يأثم من المتمولين لنحو الوقاف
والصدقات من ل يخون فيها ول يأخذ منها شيئا ،ولكنه
يضيعها ول يحسن الحفظ لها؛ فل بد في ذلك مع المانة
من حسن الحفظ والكفاية ،فالمضيع والخائن سيان في
الثم والتعدي.
__________
) - (1أبو ذر الغفاري كان يظل نهاره أجمع يتفكر فيما هو
صائر إليه .وكان يرى تحريم ادخار ما زاد على نفقة اليوم.
توفي رضي الله عنه بالربذة سنة 31ه -أو 32ه.-
) (1/146
************************
الصنف الرابع
دعوة التجار والزراع والصناع
************************
) (1/151
) (1/152
الصنف الرابع
وهم التجار والزراع ،والصناع والمحترفون ،وأشباههم من
المباشرين لحوال المعاش والمشغولين بالسعي له،
وبعض هذه الشياء تعد في فروض الكفايات المعاشية
والمعادية؛ سيما ما هو منها بمثابة الصول كالزراعة
والحياكة ونحوهما ،القول في نصيحتهم وتذكيرهم
وتنبيههم وتحذيرهم.
***
جعَل َْنا َ
ض وَ َم ِفي الْر ِ مك ّّناك ُ ْ قال الله تبارك وتعالى } :وَل ََقد ْ َ
ن
ح ُ ن { ،وقال تعالى } :ن َ ْ شك ُُرو َ ش قَِليل ً ّ
ما ت َ ْ مَعاي ِ َ م ِفيَها َ ل َك ُ ْ
م حَياةِ الد ّن َْيا وََرفَعَْنا ب َعْ َ
ضه ُ ْ م ِفي ال ْ َ مِعي َ
شت َهُ ْ مَنا ب َي ْن َُهم ّ
س ْقَ َ
ت { الية؛ فسعي النسان على نفسه جا ٍض د ََر َفَوْقَ ب َعْ ٍ
وعلى من يلزمه السعي عليه من أهل وولد لطلب الحلل
مأمور به ،وفي الحديث) :طلب الحلل فريضة بعد
الفريضة( وفيه أيضا) :من أمسى كال ّ من عمل الحلل
أمسى مغفورا ً له( وفي الخبر أو الثر) :إن الله يحب
ل الذي ل هو في عمل سب َهْل َ َ
المؤمن المحترف ،ويبغض ال ّ
الدنيا ول في عمل الخرة(.
) (1/153
وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم السعي على
نفسه ليكفها عن مسألة الناس وعلى أهله وأولده
الضعفاء كالمجاهد في سبيل الله ،وفي الحديث):التاجر
الصدوق المين يحشر مع النبيين والصديقين(.
ولكن على التاجر في تجارته ،والصانع في صناعته
وظائف يلزمه القيام بها؛ إما فرضا وإما ندبا متأكدا.
فأول ذلك أن يتعلم من العلم ما يعرف به ما فرض الله
عليه وندبه إليه في تجارته أو حرفته وصناعته ،وإل وقع
في المحرمات والشبهات،وصار بذلك في سبيل الشيطان
وليس في سبيل الرحمن.
فعلى التاجر أن يتعلم من أحكام البيع والشراء ،والربا
والسلم ،والقرض والرهن ،والجارات ونحوها ،والمعاملت
التي تقع له كثيرا ما ل بد له من علمه ،ول يباشر شيئا من
المعاملت حتى يعلم حكم الله فيه.
وكذلك يجب على الصانع المحترف أن يتعلم حكم الله
في صناعته وحرفته ،وما يجب عليه فيها من النصيحة
للمسلمين؛ وإل أثم ووقع في الحرج.
) (1/154
َ
سُهمن إ ِل ّ أنُف َ عو َ خد َ ُ ما ي َ ْش وخدع }وَ َ فإن فعل ذلك فقد غ ّ
ن{. شعُُرو َ ما ي َ ْ وَ َ
وأما المعاملت الباطلة فأقبحها وأفحشها المعاملة بالربا؛
فإن المعامل به متعرض لحرب الله ورسوله ،كما قال عز
َ
ي
ما ب َِق َ ه وَذ َُروا ْ َ مُنوا ْ ات ُّقوا ْ الل ّ َ نآ َ َ من قائلَ } :يا أي َّها ال ّ ِ
ذي
ْ
ن
م َب ّ حْر ٍ م ت َْفعَُلوا ْ فَأذ َُنوا ْ ب ِ َ ن،فَِإن ل ّ ْ َ مِنيمؤ ْ ِكنُتم ّ ن الّرَبا ِإن ُ م َِ
ْ
ن الّرَبا ل َ ن ي َأك ُُلو َ ذي َ سول ِهِ { ،وقال تعالى } :ال ّ ِ الل ّهِ وََر ُ
مس ن ال ْ َ م َ ن ِ طا ُ شي ْ َ ه ال ّ خب ّط ُ ُ ذي ي َت َ َ م ال ّ ِ ما ي َُقو ُن إ ِل ّ ك َ َمو َ ي َُقو ُ
صد ََقا ِ
ت ه ال ّْرَبا وَي ُْرِبي ال ّ حقُ الل ّ ُ م َ ّ { إلى قوله تعالى } :ي َ ْ
ل ك َّفارٍ أ َِثيم ٍ { .وقد لعن رسول الله صلى ب كُ ّ ح ّ ه ل َ يُ ِ َوالل ّ ُ
الله عليه وسلم) :آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده(،
وقال عليه الصلة والسلم) :الربا بضع وسبعون شعبة
أدناها مثل أن يأتي الرجل أمه( الحديث .وما ورد في الربا
من التشديد والتغليظ كثير منتشر.
والربا من الكبائر .وجملة القول فيه ،أنه ل يحل بيع النقد
بالنقد ،ول الطعام بالطعام الذي هو نوعه إل يدا بيد ،سواء
بسواء؛ فإن اختلف النوع كالذهب بالفضة ،والحنطة
بالذرة ،جازت المفاضلة ،ووجب التقابض في الحال من
غير تأخير ول نسيئة.
) (1/161
ب {.سا ٍ
ح َ من ي َ َ
شاُء ب ِغَي ْرِ ِ ضل ِهِ َوالل ّ ُ
ه ي َْرُزقُ َ من فَ ْ
هم ّ
زيد َ ُ
وَي َ ِ
وقد قال عليه الصلة والسلم) :التاجر المين الصدوق
المسلم مع الشهداء يوم القيامة(.
***
وأما الزراع وأهل الحرث المشغولون بذلك فإنهم على
خير من ربهم وسعي لحوال معاشهم إذا أصلحوا في ذلك
نياتهم ،واتقوا الله ربهم ،ولم يشتغلوا بما هم فيه من ذلك
عن إقامة صلواتهم ،واجتناب ما حرم الله عليهم من
المعاملت المحظورة عليهم في دينهم من الربا ونحوه؛
فإن الزراعين كثيرا ما يأخذون بالمعاملة التي ل تصح،
يحوجهم إلى ذلك حضور الحاجة في إقامة أنفسهم
وعيالهم ومؤن زرائعهم ،ثم إن الذي يحصل لهم من
الزرائع ل يحضر إل بعد وقت متراخ؛ لن حين الحصاد
يتأخر مدة عن حين إقامة الزرائع ،وحاجة الزراع حاضرة
إلى المؤن التي يقيمون بها أمر زراعتهم من البذر وغيره،
فيرجعون إلى أهل التجارات ونحوهم يطلبون منهم ما
يحتاجون إليه إلى أجل تحضرهم فيه فوائد زرائعهم ،فل
يعطونهم إل بالربا المحرم ،حرصا على أرباح الدنيا
وزياداتها ،ومنافعها التي تضرهم في دينهم
) (1/168
ت ل ِل ُْفَقَراء
صد ََقا ُ
ما ال ّ
يقول سبحانه وتعالى } :إ ِن ّ َ
ن { الية ،وليعمهم بها إن اتسع لهم القدر الذي كي ِ
سا ِ َوال ْ َ
م َ
يخرجه ،وإل فل يخرجها عنهم ويعطيها لغيرهم ممن ليس
من الصناف المذكورة في الية الكريمة ،فإن المتعدي
في الصدقة كمانعها كما ورد.
وعلى أرباب الثمار والمواشي والنقود من الذهب والفضة
والتجارات أن يخرجوا زكواتهم التي أوجبها الله عليهم في
أوقاتها ،وأن يفرقوها على المستحقين لها الذين سماهم
الله في كتابه ،وأن يقصدوا بذلك امتثال أمر الله وابتغاء
وجه ثوابه الذي وعدهم به في الخرة ،ول يقصروا عن
ذلك ،ول يتساهلوا فيه بترك الخراج رأسا والعياذ بالله! أو
بإخراج البعض منها أو بإعطائها غير أهلها؛ فكل ذلك من
الثام والمحظورات المتعرض متعاطيها للوقوع في سخط
الله وسخط رسوله وإن تفاوتوا في ذلك بحسب ما وقعوا
فيه من تلك المهالك .فإن المقصر في الخراج رأسا ً إثمه
عظيم ،وعصيانه لله فاحش فظيع!.
وقد قرن الله بين الصلة والزكاة في غير موضع في كتابه
العزيز :وقاتل أبو بكر الصديق رضي الله عنه العراب
الذين منعوا الزكاة.
) (1/170
****************************
الصنف الخامس
دعوة الفقراء والضعفاء وأهل البلء
***************************
) (1/177
) (1/178
الصنف الخامس
وهم أهل الفقر والضعف والمسكنة ونحوهم من أهل
المراض والبلء
القول في نصيحتهم وتذكيرهم وتنبيههم وتحذيرهم
***
اعلم أن الفقر والضعف والمسكنة من المور التي جعل
الله فيها ابتلء واختبارا لعباده؛ لينظر صبرهم عليها
ورضاهم بقضائه فيها ،فمن صبر كان له أجر الصابرين،
ومن سخط وجزع كان عند الله من الخاطئين ،قال الله
ن
م َ ص ّ جوِع وَن َْق ٍ ف َوال ْ ُ خو ْ ن ال ْ َ م َيٍء ّ ش ْ م بِ َ تعالى } :وَل َن َب ْل ُوَن ّك ُ ْ
َ
ن { إلى قوله ري َ صاب ِ ِ شرِ ال ّ ت وَب َ ّ مَرا ِ س َوالث ّ َ والنُف ِ ل َ وا ِ م َ ال َ
ن { .وقال تعالى: دو َ مهْت َ ُ م ال ْ ُ ك هُ ُ تعالى } :وَُأول َئ ِ َ
ن وَن َب ْل ُ َ
و ري َصاب ِ ِ
م َوال ّ منك ُ ْ ن ِدي َ جاهِ ِ م َ م ال ْ ُ حّتى ن َعْل َ َ م َ } وَل َن َب ْل ُوَن ّك ُ ْ
م { فالصبر على البلء من الشدائد ،والثواب عليه خَباَرك ُ ْ أَ ْ
ن
صاب ُِرو َ ما ي ُوَّفى ال ّ لمن صبر عظيم ،كما قال تعالى } :إ ِن ّ َ
ب {. َ
سا ٍ ح َ هم ب ِغَي ْرِ ِ جَر ُ أ ْ
) (1/179
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) :من يرد الله به
خيرا ً يصب منه().(1
ب قوما ً
وقال عليه الصلة والسلم) :إن الله إذا أح ّ
ابتلهم ،فمن رضي فله الرضا ،ومن سخط فله السخط(.
وقال عليه الصلة والسلم) :الدنيا سجن المؤمن وجنة
الكافر( وإنما جعلها الله سجن المؤمن ليزهد فيها ول
يرغب في طول القامة بها.
قال ابن عطاء الله)(2رحمه الله :إنما جعل الله الدنيا
محل للكدار ،ومعدنا لورود الغيار تزهيدا لك فيها علم
أنك ل تقبل النصح المجرد فذوقك من ذواقها ما يسهل
عليك وجوه فراقها انتهى.
مّري لوليائي ،ل َتحِلي ومما ورد عن الله تعالى) :يا دنيا ُ
لهم فتفتنيهم( وورد أيضًا) :إن الله إذا أقبل على عبده
بوجهه كله صرف عنه الدنيا كلها(.
__________
) (1رواه البخاري عن أبي هريرة.
) (2هو الشيخ تاج الدين بن عطاء اله السكندري ،الزاهد
الكبير ،تلميذ أبي العباس المرسي والشيخ يلقوت .كان
ينفع الناس بإشارته ،ولكلمه حلوة في النفوس وجللة.
له الكثير من المؤلفات :توفي سنة 707ه.-
) (1/180
وأوحى الله إلى موسى عليه السلم) :يا موسى ،إذا رأيت
الغنى مقبل فقل ذنب عجلت عقوبته ،وإذا رأيت الفقر
مقبل فقل مرحبا بشعار الصالحين(.
وقال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم :إني أحبك،
فقال له) :إن كنت كما قلت فأعد للفقر تجفافًا) (1فإن
الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه(.
فالفقر مع الصبر حلية النبياء ،وزينة الصفياء.
وفي الحديث) :الفقراء الصبراء جلساء الله يوم القيامة(.
وقال عليه الصلة والسلم) :الله يذود عبده المؤمن عن
الدنيا كما يذود الراعي الشفيق إبله عن مراتع العرة().(2
وورد أيضا) :أن الله يحمي عبده المؤمن من الدنيا كما
يحمي أحدكم مريضه الطعام والشراب( ومعناه :أن أهل
المريض قد يمنعونه بعض الطعمة وبعض الشربة خشية
أن تضره .وفي الحديث )الحمية أصل الدواء(.
__________
) - (1التجفاف -بكسر أوله :-ما جلل به الفرس من
سلح وآلة تقيه الجراح.
) - (2العرة والعر بضم العين المهملة وتشديد الراء:
الجرب .والمراد بمراقع العرة :مواضع الهلكة.
) (1/181
دم ،وما كان يجمع بين عشاء حتى جعل يرقع إزاره بال َ َ
ل ،صّلى الله
وغداء ثلثة أيام ِولء حتى لحق بالله عّز وج ّ
عليه وسّلم وزاده شرفا ً وكرامة لديه.
***
) (1/195
) (1/196
***************************
الصنف السادس
دعوة التباع
من الولد والنساء والمماليك
**************************
) (1/197
) (1/198
الصنف السادس
وهم التباع من الولد والباء ,والنساء مع الزواج,
والمماليك مع المالكين لهم
القول في نصيحتهم وتذكيرهم وتنبيههم وتحذيرهم
***
اعلم أن هؤلء يكونون في الجملة في تبعية غيرهم,
وتكون الحقوق اللهية المتوجهة عليهم أكثر وآكد من
الحقوق التي لهم على الذين يكونون في تبعيتهم من
الباء والزواج والملك ,وإن كانت أيضا لهم حقوق في
الجملة على ا لمتبوعين لهم.
***
أما الولد مع الوالدين من الباء والمهات فقد قال الله
عز وجل } :وقَضى رب َ َ
ن دوا ْ إ ِل ّ إ ِّياهُ وَِبال ْ َ
وال ِد َي ْ ِ ك أل ّ ت َعْب ُ ُ َ ّ َ َ
َ َ ْ
ما فَل َ ت َُقل ما أوْ ك ِل َهُ َ حد ُهُ َك الك ِب ََر أ َ عند َ َ ن ِ ما ي َب ْل ُغَ ّ سانا ً إ ِ ّ ح َ إِ ْ
ض ل َهُ َ
ما خِف ْ ريمًاَ .وا ْ ما قَوْل ً ك َ ِ ما وَُقل ل ّهُ َ ف وَل َ ت َن ْهَْرهُ َ ما أ ُ ّ ل ّهُ َ
ما َرب َّياِني ما ك َ َمه ُ َ ح ْ ب اْر َ مةِ وَُقل ّر ّ ح َ
ن الّر ْ م َ ل ِ ح الذ ّ ّ جَنا َ َ
شْيئا ًكوا ْ ب ِهِ َ شرِ ُ ه وَل َ ت ُ ْ دوا ْ الل ّ َصِغيرا ً { ،وقال تعالىَ } :واعْب ُ ُ َ
ً
سانا {، ح َ ن إِ ْ ْ
وال ِد َي ْ ِ
وَِبال َ
) (1/199
َ
صيُر {، م ِ ي ال ْ َ
ك إ ِل َ ّ شك ُْر ِلي وَل ِ َ
وال ِد َي ْ َ نا ْ وقال تعالى }:أ ِ
ه وقال تعالى }:ووصينا اْلنسان بوال ِديه إحسانا ً حمل َت ُ
م ُهأ ّ َ َ ْ ُ ِ َ َ ِ َ َْ ِ ِ ْ َ َ َ ّ َْ
كت إ ِل َي ْ َ
ه ك ُْرها ً { إلى قوله تعالى } :إ ِّني ت ُب ْ ُ ك ُْرها ً وَوَ َ
ضعَت ْ ُ
ن {. مي َ
سل ِ ِم ْ ن ال ْ ُ
م َ
وَإ ِّني ِ
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال :سألت رسول الله
صلى الله عليه وسلم :أي العمال أحب إلى الله؟ قال:
)الصلة على وقتها( قلت :ثم أي؟ قال) :بر الوالدين(
قلت :ثم أي؟ قال) :الجهاد في سبيل الله( ،وقال عليه
الصلة والسلم) :ل يجزي ولد والده إل أن يجده مملوكا
فيشتريه فيعتقه( ،وقال عليه الصلة والسلم) :رضا الله
في رضا الوالدين ،وسخطه في سخط الوالدين(.
ويروى عنه تبارك وتعالى أنه قال) :من أصبح مرضيا
لوالديه مسخطا لي فأنا عنه راض ،ومن أصبح مرضيا لي
مسخطا لوالديه فأنا عنه ساخط(.
وقال عليه الصلة والسلم) :الوالد وسط أبواب الجنة؛
فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه(.
وقال رجل :يا رسول الله ،ما حق الوالدين على ولدهما؟
فقال عليه الصلة والسلم) :هما جنتك ونارك(.
) (1/200
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) :لو كان ينبغي
لبشر أن يسجد لبشر لمرت المرأة أن تسجد لزوجها إذا
دخل عليها لما فضله الله عليها( الحديث.
وقال عليه الصلة والسلم) :إذا صلت المرأة خمسها
وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها
ادخلي من أي أبواب الجنة شئت( ،وقال عليه الصلة
والسلم) :أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت
الجنة(.
وجاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالت :يا رسول الله ،إني رسولة النساء إليك ،وما منهن
امرأة علمت أو تعلم إل وهي تهوى مخرجي إليك ،الله
رب الرجال والنساء ،وأنت رسول الله إلى الرجال
والنساء ،كنب الله على الرجال الجهاد فإن أصابوا أجروا
وأثروا ،وإن استشهدوا كانوا أحياء عند ربهم يرزقون؛ فما
يعدل ذلك من أعمالهم من الطاعة؟ قال) :طاعة
أزواجهن والمعرفة بحقوقهم .وقليل منكن من يفعله(.
وقال عليه الصلة والسلم) :والذي نفس محمد بيده ،ل
تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ،ولو سألها
نفسها وهي على ظهر قتب بعير لم تمنعه(.
وقال عليه الصلة والسلم) :ل ينظر الله تبارك وتعالى
) (1/206
ومما يحرم على المملوك الباق على سيده ،وقد ورد فيه
وعيد شديد ،قال صلى الله عليه وسلم) :إذا أبق العبد لم
تقبل له صلة( وفي رواية )فقد كفر حتى يرجع إليه( أي
إلى سيده .وقال عليه الصلة والسلم ) :أيما عبد مات
في إباقة دخل النار وإن كان قتل في سبيل الله( .وقال
عليه الصلة والسلم) :أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر
حتى يرجع إليهم(.
وذكر الشيخ العلمة أحمد بن حجر الهيتمي رحمه الله في
كتابه )الزواجر عن اقتحام الكبائر( قال :قد روى المام
أحمد بن حنبل رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها) :أن
رجل ً قعد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال :إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني،
وأشتمهم وأضربهم ،فكيف أنا منهم؟ فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم) :إذا كان يوم القيامة يحسب ما
خانوك وعصوك وكذبوك ،فإن كان عقابك إياهم بقدر
ذنوبهم كان كفافا ل لك ول عليك .وإن كان عقابك إياهم
حى الرجل وجعل فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل فتن ّ
يهتف ويبكي .فقال له النبي صلى الله عليه وسلم) :أما
ن ال ِْق ْ َ ضع ُ ال ْ َ
سط ل ِي َوْم ِ واِزي َ
م َ تقرأ قول الله تعالى } :وَن َ َ
ن{ سِبي َ حا ِمةِ { الية إلى قوله تعالى } :وَك ََفى ب َِنا َ ال ِْقَيا َ
فقال الرجل :يا رسول الله ،ما أجد ُ لي ولهم خيرا ً من
مفارقتهم ،أشهدك أنهم أحرار.
***
) (1/215
***
) (1/222
*********************
الصنف السابع
دعوة المشغولين بطاعة الله
ودعوة الملبسين لمعصية الله
*********************
) (1/223
) (1/224
الصنف السابع
وهم المشغولون بطاعة الله تعالى والملزمون لها من
عامة المسلمين،
وكذلك الملبسون لمعاصي الله والواقعون فيها من
العامة أيضا ً
***
القول في تذكير المشغولين بطاعة الله من العامة
***
…اعلم أنه قد تقدم في ذكر الصنف الثاني الذين هم
الخاصة من عباد الله نبذة من التعريفات والتنبيهات
اللئقة بأحوال تلك الخاصة من أولياء الله والمنقطعين
إليه ،نفعنا الله بهم وبارك لنا ولكافة المسلمين فيهم ،ول
حرمنا بركاتهم ومستجاب دعواتهم.
…فعلى العامي الملزم لطاعة الله تعالى والمداوم عليها،
أن يتعلم ما ل بد منه من العلم الذي ل يصح ول تتم
طاعته إل به من العلوم الظاهرة :مثل أحكام الطهارة
والصلة والصيام وما في معنى ذلك.
…وعليه أيضا أن يعرف من علوم اليمان العتقادية ما
يحصن به معتقده من العلم بالله وصفاته وملئكته وكتبه
ورسله،
) (1/225
ن { .وقد قيل: ن ال ْ ُ
مت ِّقي َ م َ ل الل ّ ُ
ه ِ ما ي َت ََقب ّ ُ
لقوله تعالى } :إ ِن ّ َ
العبادة مع أكل الحرام كالبناء على السرجين) ،(1وقال
عليه الصلة والسلم) :كل لحم نبت من سحت فالنار
أولى به( .فليكن في غاية من التحري والحتياط والحتراز
في مطعمه وملبسه ،وسائر ما يحتاجه عن الحرام
والشبهات ،وإل كانت عبادته مدخولة معلولة وغير مرضية
ول مقبولة.
…وعلى المتعبد أن يصلح نيته ويتفقدها من أول أمره
ومبتدأ تعبده ،فتكون نيته في ذلك مقصورة على إرادة
وجه الله تعالى والدار الخرة ،وقصد التقرب إلى الله
والخدمة له دون غرض آخر من الغراض الدنيوية،
والحظوظ النفسانية :من حصول جاه أو مال ،أومحبة عند
الناس ،أو تعظيم أو ثناء منهم.
…وليحذر كل الحذر من مراءاة الناس بعلمه ،والتصنع
لهم بعبادته فيحبط بذلك عمله ،ويخيب سعيه ،ويبطل
أجره وثوابه ،وربما حصل له مع ذلك من الله العقاب
وأليم العذاب؛ فإن الرياء من أعظم الجرائم الموبقات،
__________
) - (1السرجين -بكسر السين :-الزبل.
) (1/227
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) :لن يدخل الجنة
أحد بعمله ،قيل :ول أنت يا رسول الله؟ قال :ول أنا إل أن
يتغمدني الله برحمته هذا مع ما كان عليه صلى الله عليه
وسلم من نهاية الجد والتشمير ،والجتهاد في عبادة الله
حتى قام من الليل إلى أن تورمت قدماه ،مع ما له من
المكانة والمنزلة عند الله التي ل يساويه فيها أحد من
عباد الله المكرمين ،وأصفيائه المقربين ،صلوات الله
وسلمه عليه وعليهم أجمعين .وحديث الرجل العابد الذي
عبد الله خمسمائة سنة في الجزيرة ،وأنه يوقف بين يدي
الله ،فيقول له سبحانه وتعالى) :يا عبدي ادخل الجنة
برحمتي ،فيقول بل بعملي يا رب ،فيأمر الله به ،فيحاسب
بنعمة البصر فتستغرق جميع عباداته خمسمائة عام وتبقى
نعم الله عليه كثيرة ،فيأمر الله به سبحانه إلى النار،
فيقول :يا رب ،أدخلني الجنة برحمتك فيأمر
الله به سبحانه إلى الجنة برحمته( وفي الحديث طول.
***
…فليعلم العبد المتعبد لله ،أن الفضل لله عليه أول
وآخرا ،وباطنا وظاهرا ،وعلى كل حال وفي كل موطن،
وكيفما تقلبت به الحوال فليحمد الله ويشكره ،وليعترف
بالمنة له والنعمة،
) (1/231
ب
وقال أبو عبيدة عامر بن الجراح -رضي الله عنه :-أل ُر ّ
رم لنفسه وهو لهامك ْ ِ
ب ُس لدينه ،أل ُر ّ
مبّيض لثيابه مدن ّ ٌ
مهين .بادروا السيئات القديمات بالحسنات الجديدات؛ فلو
أن أحدكم عمل من السيئات ما بينه وبين السماء ،وعلم
حسنة َلعَلت فوق سيئاته حتى تقهرها.
وقال الحسن البصري -رحمه الله :-إن أماني المغفرة
قد لعبت بأقوام حتى خرجوا من الدنيا مفاليس ) يقول:
من العمال الصالحة ( .وقال أيضًا :وإياكم وهذه الماني
فإنها أودية الّنوكى أي ) الحمقى (.
واعلم أن الله تعالى لم يذكر الرحمة والمغفرة في وصفه
لنفسه بذلك ،إل ّ وقّيد ذلك بقيود وشرطه بشرائط .مثل
صاِلحا ً ل َ م َ ن وَعَ ِ م َ ب َوآ َمن َتا َ قوله تعالى } :وَإ ِّني ل َغَّفاٌر ل ّ َ
مُنوا ْنآ َ ذي َ ن ال ّ ِ دى { ] طه ،[82 :وقوله تعالى } :إ ِ ّ م اهْت َ َ ثُ ّ
ُ
ل الل ّهِ أوْل َئ ِ َ
ن
جو َ ك ي َْر ُ دوا ْ ِفي َ
سِبي ِ جاهَ ُجُروا ْ وَ َ ها َن َ ذي َ َوال ّ ِ
م { ] البقرة [218 :ونحو ذلك حي ٌه غَُفوٌر ّر ِ ت الل ّهِ َوالل ّ ُ م َ ح َ َر ْ
من اليات ،وما وجد منها مطلقا ً فيحمل على المقيد منها،
ً
حوا جت ََر ُ نا ْ ذي َ ب ال ّ ِ س َ ح ِ م َ وقد قال عّز من قائل كريم } :أ ْ
ّ
ت{ حا ِ صال ِ َمُلوا ال ّ مُنوا وَعَ ِنآ َ ذي َكال ّ ِ
م َ جعَل َهُ ْ ت أن ن ّ ْ سي َّئا ِ ال ّ
] الجاثية [21:الية،
) (1/239
َ
تحا ِ مُلوا ال ّ
صال ِ َ مُنوا وَعَ ِ نآ َ ذي َ ل ال ّ ِجع َ ُ
م نَ ْ وقال تعالى } :أ ْ
َ دين ِفي اْل َ
جارِ { ]ص: كال ُْف ّ
ن َ ل ال ْ ُ
مت ِّقي َ جع َ ُم نَ ْ ضأ ْ ِ ر
ْ س ِ َ
مْف ِكال ْ ُ
َ
م وَتبّين أن الرجاء بل عمل ول سعي غرور ،[28فقد عُل ِ َ
وأماني .ومع ذلك العمل والسعي رجاء وحسن ظن.
ثم إنا وقد بسطنا الكلم في بيان هاتين المسألتين:
الحتجاج بالقدر عند الضاعة لمر الله ،وأماني المغفرة
مع ركوب المخالفة وتسويف التوبة في الكتاب المسمى
ب ) -النصائح الدينية ( فينظره من أراد المزيد على ما
هنا ،والكل شاف كاف بعون الله وبركات رسوله لمن اّتبع
الهدى واجتنب الردى ،وما توفيقي إل ّ بالله عليه توكلت
وإليه أنيب.
وكذلك ينبغي للنسان أل ّ يحدث نفسه بالتوبة من الذنب
قبل الوقوع فيه؛ فإن ذلك يسّهل عليه الوقوعَ فهي ن
ب له؛ فيكون مثاله مثال الذي ون على قلبه الرتكا َ ويه ّ
يتناول الطعام المسموم اعتمادا ً على أنه يتناول الدواء
الشافي منه ،فيكون ذلك سبب هلكه أو مرضه؛ لن
الدواء ربما يتناوله من غير استجماع لشرائط التناول له،
وربما تعرض عوارض ُأخر تمنعه من تناول الدواء من
تسويف وتأخير ،وقصد معاودة وغير ذلك.
) (1/240
واعلم أن الجتناب للذنب والتباعد عن المعاصي أسهل
وأيسر من التوبة منها بعد الوقوع فيها من وجوه كثيرة.
وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بالتوبة من الذنوب إذا
وقعوا فيها ،ورغبهم في ذلك ووعدهم بقبولها فضل ً منه،
و
ووصف نفسه بذلك في كتابه العزيز ،فقال تعالى } :وَهُ َ
مام َ ت وَي َعْل َ ُسي َّئا ِ
ن ال ّ
عَبادِهِ وَي َعُْفو عَ ِ
ن ِ
ة عَ ْ
ل الت ّوْب َ َذي ي َْقب َ ُ ال ّ ِ
ب
ذن ِ غافِرِ ال ّ ن { ] الشورى [42/25 :وقال تعالىَ } : ت َْفعَُلو َ
ب { ] غافر [40/3 :الية. ل الت ّوْ ِ وََقاب ِ ِ
…ثم إن للتوبة شرائط ل تتم إل ّ بها ،ول تصير أهل ً لن
ُتقَبل إل ّ باجتماعها ،والتيان بها على وجهها.
فأّول ذلك وأوله الندم الصادق على ما سلف منه من
الذنوب ،قال عليه الصلة والسلم ) :الندم توبة ( المعنى:
أنه إذا صح الندم وكان صادقا ً كاد أن يتضمن ويجمع
شرائط التوبة كلها.
…ومن شرائطها :أن يعزم على أن ل يعود إلى الذنب
الذي تاب منه ما عاش ،وأن ل يكون في حال توبته
ملبسا ً ول مصرا ً على شيء من الذنوب التي تاب عنها.
) (1/241
وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم ) :-أل أنبئكم
بأكبر الكبائر ؟ قالوا :بلى يا رسول الله قال :الشراك
بالله ،وعقوق الوالدين ،وقول الزور وشهادة الزور (
الحديث ،وقال عليه الصلة والسلم ) :اجتنبوا السبع
الموبقات :الشرك بالله ،والسحر ،وقتل النفس التي حرم
الله إل ّ بالحق ،وأكل مال اليتيم ،وأكل الربا والتولي يوم
الزحف ،وقذف المحصنات الغافلت ( والحاديث بنحو
ذلك كثيرة.
…وقد ألف الشيخ المام أحمد بن محمد بن حجر الهيتمي
ماه ) الزواجر عن -رحمه الله تعالى -كتابا ً حافل ً س ّ
اقتحام الكبائر ( فعَد ّ فيه منها ما يزيد على الربعمائة
ولكنه قد يقّيد في أول تراجمها بقيود وينّبه في آخرها
بتنبيهات يكاد يسلم بذلك من العتراض عليه في عد ّ ذلك
من الكبائر.
…وقد ذكر الشيخ أبو طالب المكي -ر حمه الله تعالى -
في كتاب ) قوت القلوب( أن الكبائر سبع عشرة ،ثم
دها فقال :الكبائر سبعُ عشرة ،أربع في القلب :الشرك ع ّ
بالله ،والصرار على المعصية ،والقنوط من رحمة الله،
والمن من مكر الله .وأربع في اللسان :القذف ،وشهادة
ن أو شيئا ً من
الزور ،والسحر -وهو كل كلم يغّير النسا َ
أعضائه -
) (1/244
***
) (1/246
***********************
الصنف الثامن
مشركين وأهل الكفردعوة ال ُ
***********************
) (1/247
) (1/248
دله على الله ) :هو وقال عليه الصلة والسلم لخر وهو ي ّ
دها
هر ّالذي إذا ضّلت راحلتك وأنت بأرض فلة فد َعَوْت َ ُ
ه أ َن ْب َت ََها لك (.
سنة فد َعَوْت َ ُ
م َ
عليك .وإذا أصابك عا ُ
…وما أحسب أن أحدا ً يعقل إل ّ وهو متأّله إلى إله ،تقضي
عليه بذلك فطرته التي فطره عليها ،وتشهد له بربوبيته
ه التي خلق عليها ،أصاب في ذلك من أصاب ،وأخطأ خل َْقت ُ ُ
ِ
من أخطأ وما من إله الله العزيز الحكيم.
…فمصنوعاته سبحانه ،ومخلوقاته ومبتدعاته التي مل بها
ضه وسمواِته ،شاهدة له باللوهية ،وناطقة له أر َ
بالوحدانية ،وقد أجاد وأحسن القائل الذي يقول:
ه ...أم كيف يجحدهُ الجاحد ُ أيا عجبا ً كيف َيعصي الل َ
ولله في كل تحريكة ...وتسكينة أثٌر شاهد ُ
وفي كل شيء له آية ...تدل على أنه واحد ُ
عي أصحاب الكهف إلى عبادة غيره سبحانه ولما د ُ ِ
وتعالى ،وأن يعترفوا بالربوبية للعبد المربوب ،الذي ليس
ما قذف الله بأهل لذلك أنكروا ولم ي ُِقّروا ،ولم يعترفوا ،ل ِ َ
في قلوبهم من النور ،وألقى فيها من التصديق و اليمان
َْ
ض َلن ن ّد ْعُ َ
و ت َوالْر ِ ماَوا ِ
س َ به تعالى}:فََقاُلوا َرب َّنا َر ّ
ب ال ّ
دون ِهِ إ َِلها ًمن ُ ِ
) (1/253
***
) (1/262
****************
الخاتمة
مواعظ ومذكرات
****************
) (1/263
) (1/264
الخاتمة
ض الَغافِ ُ
ل معر ُ ظ بَها ال ُ ست َْيق ُ ت يَ ْ كرا ٍ مذ ّ ظ وَ ُ واع َ م َفي َ
مل على ه تعالى َتشت َ ِ شاَء الل ُ ن َ ب الَعاِقل إ ِ ْ َويَتذك ُْر ب َِها اللبي ُ
حديث رسول الله - ب الله وأحاديث من َ ت من ك َِتا ِ آيا ٍ
بحا َ ص َ ن ال ّ صلى الله عليه وسلم ،-وعلى آثار تؤثر م َ
صالحين. ن ،وَعََباد الله ال ّ ملي َ ماء الَعا ِ عن الُعل َ ن .وَ َ َوالّتابعي َ
***
لسِبي ِ …قال تبارك وتعالى لرسوله المين } :اد ْعُ إ ِِلى َ
سن َةِ { ] النحل [125:وقال ح َ عظ َةِ ال ْ َ مو ْ ِمةِ َوال ْ َ حك ْ َ ك ِبال ْ ِ َرب ّ َ
فسل َ َ ما َ ه َ ى فَل َ ُ من َّرب ّهِ َفانت َهَ َ ة ّ عظ َ ٌ مو ْ ِ جاءهُ َ من َ تعالى } :فَ َ
ُ
عاد َ فَأوْل َئ ِ َ َ
م ِفيَها ب الّنارِ هُ ْ حا ُ ص َ
كأ ْ ن َ م ْ مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ وَأ ْ
نذي َ ك ال ّ ِ ن { ] البقرة ،[275:وقال تعالىُ } :أول َئ ِ َ دو َ خال ِ ُ َ
َ
م وَُقل ل ّهُ ْ
م عظ ْهُ ْ م وَ ِ ض عَن ْهُ ْ م فَأعْرِ ْ ما ِفي قُُلوب ِهِ ْ ه َ م الل ّ ُ ي َعْل َ ُ
َ
م قَوْل ً ب َِليغا ً { ] النساء [63:وقال تعالى } :وَل َ ْ
و سه ِ ِْفي أنُف ِ
شد ّ ت َث ِْبيتا ً - م وَأ َ َ خْيرا ً ل ّهُ ْ ن َ كا َ ن ب ِهِ ل َ َ ظو َ ما ُيوعَ ُ م فَعَُلوا ْ َ أن ّهُ ْ
َ
صَراطا ً َ
م ِ ظيما ً -وَل َهَد َي َْناهُ ْ جرا ً عَ ِ من ل ّد ُّنا أ ْ هم ّ وَِإذا ً ّلت َي َْنا ُ
ست َِقيما ً { ]النساء.[ 68 - 66: م ْ ّ
) (1/265
وقال عليه الصلة والسلم ) :يا أيها الناس ،توبوا إلى الله
قبل أن تموتوا ،وبادروا بالعمال الصالحة قبل أن ُتشغلوا،
صلوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له (. و ِ
وقال عليه الصلة والسلم ) :إن روح القدس نفيث في
ُروعي :عش ما عشت فإنك ميت ،وأحِبب من أحببت
فإنك مفارقه ،واعمل ما شئت فإنك مجزيّ به (.
وقال عليه الصلة والسلم ) :كن في الدنيا كأنك غريب أو
سك من أهل القبور (. عابر سبيل ،وعُد ّ نف َ
وقال عليه الصلة والسلم ) :اغتنم خمسا ً قبل خمس:
شبابك قبل هََرمك ،وصحتك قبل سقمك وغناك بل فقرك،
وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك (.
طعوقال عليه الصلة والسلم ) :بادروا بالعمال فِت ًَنا كق َ
الليل المظلم ،يصبح الرجل فيها مؤمنا ً ويمسي كافرًا،
ويمسي مؤمنا ً ويصبح كافرًا ،يبيع دينه بعََرض يسير من
الدنيا (.
وقال عليه الصلة والسلم ) :كفى بالموت واعظًا ،كفى
باليقين ِغًنى ،وكفى بالعبادة شغل ً ( .
وقال عليه الصلة والسلم ) :لو تعلمون ما أعلم َلضحكتم
قليل ً وَلبكيتم كثيرًا ،وما تلذذتم بالنساء على الفرش،
دات تجأرون إلى الله ( .والصعدات: صع ُ َ
ولخرجتم إلى ال ّ
هي الطرق .وتجأرون :أي تتضرعون.
) (1/267
أو مركب ركبته ،أو امرأة أصبَتها !؟ وقال -رحمه الله :-
ظمه كان لي صاحب وكان عظيما ً في عيني ،وكان الذي ع ّ
في عيني صغر الدنيا في عينه.
ل والضجَر، ي ،إياك والكس َ وقال -رحمه الله -لبنه :يا ُبن ّ
فإنهما مفتاح كل شر؛ فإنك إذا كسلت لم تؤد حًقا ،وإذا
ضجرت لم تصبر على حق.
وقال سفيان الثوري رحمه الله تعالى لجعفر الصادق
دثنا ،فقال :إذا أنعم عليك بنعمة رضي الله عنه :ح ّ
فأحببت بقاءها فأكثر من الحمد والشكر عليها لله عّز
َ ل؛ قال الله تعالى } :ل َِئن َ
م{ م لِزيد َن ّك ُ ْ شك َْرت ُ ْ وج ّ
] إبراهيم .[7 :وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الستغفار؛
ل
س ِ ن غَّفاًرا * ي ُْر ِ ه َ
كا َ ست َغِْفُروا َرب ّك ُ ْ
م إ ِن ّ ُ قال الله تعالى } :ا ْ
َ
جع َ ْ
ل ن وَي َ ْ
ل و ب َِني َ
وا ٍ م َ
م ب ِأ ْمدِد ْك ُ ْمد َْراًرا * وَي ُ ْ م ِ ماَء عَل َي ْك ُ ْ
س َال ّ
َ
م أن َْهاًرا { ] نوح .[ 12 -10:وإذا ل ل َك ُ ْ
جع َ ْت وَي َ ْ جّنا ٍ
م َل َك ُ ْ
أحزنك أمر من السلطان أو غيره فأكثر من ) ل حول ول
قوة إل ّ بالله العلي العظيم ( فإنها مفتاح الفرج ،وكنز من
جب ُ
كنوز الجنة وقال -رضي الله عنه :-عجبت لمن أع ِ
بأمر نفسه ،كيف ل يقول ما شاء الله ل قوة إل بالله ؟
ه َل شاء الل ّ ُ ما َ ت َك قُل ْ َ جن ّت َ َ
ت َ خل ْ َ والله يقول } :وَل َوَْل إ ِذ ْ د َ َ
قُوّةَ إ ِّل ِبالل ّهِ { ] الكهف [18/39 :وعجبت لمن خاف قوما ً
كيف ل يقول :حسبنا الله ونعم الوكيل،
) (1/280
س قَد ْ ن الّنا َ س إِ ّ م الّنا ُ ل ل َهُ ُ ن َقا َ ذي َ والله تعالى يقول } :ال ّ ِ
م { ] آل عمران [ 173:إلى قوله شوْهُ ْ خ َ م َفا ْ مُعوا ْ ل َك ُ ْ ج َ َ
سوٌء { ] آل عمران.[ 174: م ُ سه ُ ْ س ْ م َ م يَ ْ ّ
تعالى } :ل ْ
ري إ َِلى َ ُ
م ِضأ ْ كر به كيف ل يقول } :وَأفَوّ ُ م ِ وعجبت لمن ُ
صيٌر ِبال ْعَِباد ِ { ] غافر [44:إلى قوله تعالى: ه بَ ِ ن الل ّ َ الل ّهِ إ ِ ّ
مك َُروا { ] غافر.[ 45: ما َ ت َ سي َّئا ِ ه َ } فَوََقاهُ الل ّ ُ
َ
ت ه إ ِّل أن َ م كيف ل يقولّ } :ل إ ِل َ َ وعجبت لمن أصابه غ ّ
ن { ] النبياء [ 87:إلى مي َ ن ال ّ
ظال ِ ِ م َ ت ِ كن ُ ك إ ِّني ُ حان َ َسب ْ َ ُ
ن{ مِني َ مؤ ْ ِجي ال ْ ُ ك ُنن ِم وَك َذ َل ِ َ ن ال ْغَ ّ م َجي َْناهُ ِ قوله تعالى } :وَن َ ّ
] النبياء.[88 :
وقال رجل لعمَر -رحمه الله تعالى :-أوصني ،فقال:
ل التي ل يقبل غيرها ،ول يرحم أوصيك بتقوى الله عّز وج ّ
ب إل ّ عليها ،فإن الواعظين بها كثير، إل ّ أهلها ،ول يثي ُ
والعاملين بها قليل .وقال -رحمه الله :-في خطبته :أما
ب الهالكين ،وسيتركها بعد ،فإن ما في أيديكم أسل ُ
الباقون كما تركها الماضون ،أل ترون أنكم في كل يوم
وليلة تشيعون غاديا ً ورائحا ً إلى الله تعالى ،وتضعونه في
سد ،قد خلع السباب صدع من الرض غير ممهد ول مو ّ َ
وفارق الحباب،
) (1/281
ي ُ
كن التراب وواجه الحساب ،فقير لما قدم أمامه ،غن ّ وأس ِ
عما ترك بعدن .أما والله إني لقول لكم هذا وما أعرف
من أحد من الناس مثل ما أعرف من نفسي .ثم قال
بطرف ثوبه على عينيه وبكى؛ فكانت هذه آخَر خطبة
خطبها.
وام
وقال الحسن البصري -رحمه الله :-إن المؤمن ق ّ
ف الحساب ل ،إنما خ ّ على نفسه يحاسب نفسه لله عّز وج ّ
يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا ،وإنما
يشق الحساب على قوم أخذوا هذا المر من غير
محاسبة .إن المؤمن يفجؤهُ الشيء يعجبه فيقول :والله
إني لحبك وإني محتاج إليك ،ولكن والله ما من ُوصلة
إليك ،وهيهات ،حيل بيني وبينك .ويفُرط منه الشيء
فيرجع إلى نفسه فيقول :ما أردت بهذا ،مالي ولهذا؛ والله
ل أعود إلى مثل هذا أبدا ً إن شاء الله تعالى ،وإن
المؤمنين قد أوثقهم القرآن وحال بينهم وبين هل َك َِتهم،
وإن المؤمن أسيٌر في الدنيا يسعى في فكاك رقبته ،ل
يأمن شيئا ً حتى يلقى الله تعالى ،يعلم أنه مأخوذ عليه في
سمعه وبصره ،ولسانه وجوارحه.
وقال -رحمه الله :-إنك ل تصيب حقيقة اليمان حتى ل
تعيب الناس بعيب هو فيك ،وحتى تبدأ بصلح ذلك العيب
من نفسك فتصلحه،
) (1/282
وقال ابن أبي داود :دخلت يوما ً على السري وهو يبكي
ودورقه مكسور ،فقلت له :ما لك ؟ فقال :انكسر
الدورق ،فقلت له :أنا أشتري لك بدله ،فقال له :من أين
تشتري لي بدله وأنا أعرف الدانق الذي اشُتري به
من أين ُأخذ طينه ،وأيّ شيء أكل مله و ِ
من عَ ِ الدورق ،و َ
عامُله حتى فرغ من عمله ؟ ل ِل ّ ِ
ه.
وسئل ذو النون المصري عن المحبة ل ِل ّهِ فقال :أن تحب
ما أحب الله ،وُتبغض ما أبغض الله ،وتفعل الخير كله،
شغَُلك عن الله ،وأن ل تخاف في الله لومة وترفض ما ي َ ْ
لئم ،مع العطف للمؤمنين ،والغلظة للكافرين ،واّتباع
رسول الله -صلى الله عليه وسلم -في الدين .وقال -
رحمه الله :-قال تعالى ) :من لي مطيعا ً كنت له وليًا،
ي فوعّزتي وجللي لو سألني زوال فليثق بي وليحكم عل ّ
الدنيا لزلتها ( .وقال -رحمه الله :-كان الرجل من أهل
العلم يزداد بعلمه بغضا ً للدنيا وتركا ً لها ،فاليوم يزداد
الرجل بعلمه للدنيا حبا ً لها وطلبًا .وكان الرجل ينفق ماله
ل ،وكان ُيرى على على علمه ،ويكسب اليوم بعلمه ما ً
طالب العلم زيادة في باطنه وظاهره فاليوم ُيرى على
كثير من أهل العلم فساد الباطن والظاهر .وقال :النس
بالله نور ساطع ،والنس بالخلق غم واقع.
) (1/291
وقال سهل بن عبد الله التستري -رحمه الله :-إن الله
ل قال لدم عليه الصلة والسلم :يا آدم ،أنا الله ل عّز وج ّ
إله إل ّ أنا ،فمن رجا غيَر فضلي وخاف غير عدلي لم
ل على يعرفني .وقال سهل :البلوى من الله عّز وج ّ
وجهين :بلوى رحمة ،وبلوى عقوبة؛ فبلوى الرحمة تبعث
صاحبها على إظهار فقره وفاته إلى الله سبحانه وتعالى،
وترك تدبير نفسه واختيارها ،وبلوى العقوبة تبعث صاحبها
على اختيارات نفسه وتدبيرها ،وقال سهل :استجِلب
حلوة الزهد بُقصر المل ،واقطع أسباب الطمع بصحة
اليأس ،وتعّرض لرقة القلب بمجالسة أهل الذكر ،وتزّين
ف
ل بالصدق في الحوال كلها ،وإياك والتسوي َ لله عّز وج ّ
رق الهلكى ،وإياك والغفلة ل ِل ّهِ فإنل ِل ّهِ فإن التسويف ُيغ ِ
فيها سواد القلب واستجلب زيادة النعم بُعظم الشكر
ت بالغا ً منه شيئًا.
ولس َ
وقال سهل :الغضب أشد على البدن من المرض؛ لنه إذا
غضب دخل عليه من اللم أكثر مما يدخل من المرض،
ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم )) :-لتغضب(( وكّرر
مرارًا.
وقال سهل :يأتي على الناس زمان يذهب الحلل من
أيدي أغنياءهم ،وتكون أموالهم من غير حلها ،فيسلط الله
بعضهم على بعض فتذهب لذة عيشهم ويلزم قلوَبهم
ف فقر الدنيا، خو ُ
) (1/292
جعُ الماضي إل َ ّ
ي ...ول من الباقين غاب ِْر ل َير ِ
ة ...حيث صاَر القوم صائْر حال َ َ
ت أني ل م َأيَقن ْ ُ
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم :-رحم الله قُ ّ
سا
ل ِل ّهِ إني لرجو أن يبعه الله أمة وحده.
***
) (1/296
خاتمة الخاتمة
***
خِتمت بهاكة بالحاديث التي ُ مَبار َ
ة ال ُم ُ
خات َ
خِتم هذهِ ال َ َولن َ ْ
الك ُُتب السبعة
شريعةمهات ال ّ دين َوالسلم َوأ ّ صول ال ّ يأ ُ التي ه َ
والحكام ِ
سول الله -صلى الله عليه وسلم ،- مًنا َوتبّركا ً بحديث َر ُ تي ّ
ي:
من الله حسن الختام ،وَهِ َ جًيا ََوتَفاؤُل ً وَتر ّ
كتاب )) الموطأ (( للمام مالك بن أنس ) (1رحمه الله،
وكتاب ) الجامع الصحيح ( للمام محمد بن إسماعيل
البخاري رحمه الله ) ،(2وكتاب )الجامع الصحيح( للمام
مسلم بن الحجاج النيسابوري رحمه الله تعالى )(3
__________
) (1إمام دار الهجرة ،مالك بن أنس الصبحي ،ولد
بالمدينة وتوفي بها سنة 179ه.-
) (2إمام الئمة وأمير المؤمنين في الحديث .ولد ببخارى
سنة 194ه -وتوفي ليلة الفطر سنة 256ه.-
) (3كتابه أصح الكتب بعد البخاري .أخذ عن البخاري
وشاركه في كثير من الحاديث من شيوخه ،ولد بنيسابور،
ورحل إلى القطار السلمية ،وتوفي بظار نيسابور سنة
261ه.-
) (1/297
أن النبي -صلى الله عليه وسلم -كان إذا خرج من بيته
ل أوض ّ َ ُ
قال ) :باسمك ربي أعوذ بك أن أِزل أو أَزل ،أو أ ِ
ُ ُ
جَهل علي (. ل ،أو أظِلم أو أظَلم ،أو أجهل أو ي ُ ْ ض ّ
أ َ
...خاتمة ) سنن ( ابن ماجه ،عن يزيد بن أبي مريم عن )
(1أنس -رحمه الله -قال :قال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم ) :-من سأل الله الجنة ثلث مرات ،قالت
الجنة :اللهم أدخله الجنة .ومن استجار من النار ثلث
مرات ،قالت النار :اللهم أجره من النار (.
…وعن أبي صالح ) (2عن أبي هريرة -رضي الله عنه -
قال :قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم ) :-ما
منكم من أحد إل ّ له منزلن :منزل في الجنة ومنزل في
النار ،فإذا مات الرجل ودخل النار ورث أهل الجنة منزله؛
ن { ]المؤمنون: وارُِثو َم ال ْ َ فذلك قوله تعالى } :أ ُوْل َئ ِ َ
ك هُ ُ
.[23/10
***
_______________
) (1في الصل ) :يزيد عن أبي مريم ( هو خطأ .مولى
سهل بن الحنظلية النصاري ،كان إمام الجامع بدمشق.
قال أبو حاتم :من ثقات أهل الشام .مات سنة 44هـ.
وقيل بعد سن 45هـ.
) (2أبو صالح :هو ذكوان أبو صالح السمان المدني .وثقه
أحمد بن حنبل .مات سنة 101هـ.
) (1/301
***
) (1/302