Professional Documents
Culture Documents
ح ّ
سلسلة كتب المام ال َ
***************************
النصائح الدينية و الوصايا اليمانية
***************************
تأليف:
المام شيخ السلم قطب الدعوة والرشاد
عبد الله بن علوي بن محمد بن أحمد الحداد
الحسيني الحضرمي الشافعي
رحمه الله تعالى
)1044-1132هـ(
*************
*************
مبحث التقوى
*************
*************
) (1/25
************
************
************
************
************
************
************
) (1/26
مبحث التقوى
***********
قال الله تعالى ) :وم َ
ديًثا( ]النساء: ح ِ ن الل ّهِ َ م َ صد َقُ ِ نأ ْ َ َ ْ
َ
ل(]النساءَ) ،[122:يا أي َّها ن الل ّهِ ِقي ً ) ،[87وم َ
م َ صد َقُ ِ
نأ ْ َ َ ْ
َ ّ
م
ن ِإل وَأن ْت ُ ْ ّ موت ُ
حقّ ت َُقات ِهِ َول ت َ ُ ه َ مُنوا ات ُّقوا الل َ نآ َ
َ ال ّ ِ
ذي
ْ مسل ِمون * ول ْتك ُن منك ُ ُ
ن
مُرو َ خي ْرِ وَي َأ ُ ن إ َِلى ال ْ َ عو َ ة ي َد ْ ُ
م ٌ
مأ ّ َ َ ْ ِ ْ ْ ُ ْ ُ َ
ُ
ن
حو َ م ال ْ ُ
مْفل ِ ُ ك هُ ُ من ْك َرِ وَأوْل َئ ِ َن ال ْ ُ ن عَ ِف وَي َن ْهَوْ َ ِبال ْ َ
معُْرو ِ
ة الل ّهِ ميًعا َول ت ََفّرُقوا َواذ ْك ُُروا ن ِعْ َ
م َ ج ِ ل الل ّهِ َ حب ْ ِ
موا ب ِ َ ص ُ*واعْت َ ِ
َ َ َ
ه
مت ِ ِم ب ِن ِعْ َ حت ُ ْ م فَ َأ ْ
صب َ ْ ن قُُلوب ِك ُ ْ ف ب َي ْ َ داًء فَأل ّ َ م أعْ َ م إ ِذ ْ ك ُن ْت ُ ْ عَل َي ْك ُ ْ
من َْها ك َذ َل ِ َ
ك م ِ ن الّنارِ فَأن َْقذ َك ُ ْ م َحْفَرةٍ ِ شَفا ُ م عََلى َ واًنا وَك ُن ْت ُ ْ خ َ إِ ْ
ن
ذي َ كال ّ ِ كوُنوا َ ن * و ل تَ ُ دو َم ت َهْت َ ُ م آَيات ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ ه ل َك ُ ْ ن الل ّ ُ ي ُب َي ّ ُ
ك ل َهُ ْ
م ت وَأ ُوْل َئ ِ َ م ال ْب َي َّنا ُجاَءهُ ُ ما َ ن ب َعْدِ َ م ْ خت َل َُفوا ِ ت ََفّرُقوا َوا ْ
م( ]آل عمران. [105-102: ظي ٌ ب عَ ِ ذا ٌ عَ َ
َ
حقّ ت َُقات ِهِ (( ه َ مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ نآ َ ذي َ فقوله تعالىَ)):يا أي َّها ال ّ ِ
]آل عمران[102:
ل لعباده المومنين بتقواه.وكأنه سبحانه قد أمر منه عّز وج ّ
جمع في التقوى جميع الخيرات العاجلة والجلة ،ثم أمر
عباده المؤمنين بها ليفوزوا ويظفروا بما جعله فيها من
الخير والصلح ،والسعادة والفلح؛ رحمة بعباده
المؤمنين .وكان بالمؤمنين رحيما ً .
ب العالمين للولين والخرين، ))والتقوى(( وصية الله ر ّ
27
) (1/27
وقيل أيضًا:
من عرف الله فلم تغنه ...معرفة الله فذاك الشقي
ما ضّر ذا الطاعة ما ناله ...في طاعة الله وماذا لقي
ل العّز للمتقي ما يصنع العبد بعّز الغنى ...والعّز ك ّ
قال العلماء رضوان الله عليهم :التقوى عبارة عن امتثال
أوامر الله تعالى ،واجتناب نواهيه ظاهرا ً وباطنا ً ،مع
استشعار التعظيم لله ،والهيبة والخشية والرهبة من
الله .
وقال بعض المفسرين رحمهم الله في قوله تعالى :
ه(]ال عمرن :[102:هو أن يطاعَ فل حقّ ت َُقات ِ ِ
ه َ )ات ُّقوا الل ّ َ
يعصى ،ويذكر فل ينسى ،ويشكر فل يكفر .انتهى
ولن يستطع العبد ولو كان له ألف ألف نفس إلى نفسه،
و ألف ألف عمر إلى عمره ،أن يتقي الله حق تقاته ولو
أنفق جميع ذلك في طاعة الله ومحابه ،وذلك لعظم حق
الله تعالى على عباده ،ولجلل عظمة الله ،و علو كبريائه
،و ارتفاع مجده ،و قد قال أفضل القائمين بحقّ الله،
وأكملهم ،محمد -صّلى الله عليه وآله وسّلم -في دعائه
،اعترافا ً بالعجز عن القيام بإحصاء الثناء على الله )):أعوذ
برضاك من سخطك ،وبمعافاتك من عقوبتك ،وأعوذ بك
منك ،ل أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ((.
وقد بلغنا أن لله ملئكة لم يزالوا منذ خلقهم الله في
ركوع
30
) (1/30
ل إ ِل َي ْهِ ِ
من ما ُأنزِ َ
ل بِ َ سو ُ ن الّر ُ م َفقالوا ذلك ،فأنزل الله ) :آ َ
سل ِهِ ل َ ملئ ِك َت ِهِ وَك ُت ُب ِهِ وَُر ُن ِبالل ّهِ وَ َ
م َلآ َن كُ ّ مُنو َ مؤ ْ ِّرب ّهِ َوال ْ ُ
كمعَْنا وَأ َط َعَْنا غُْفَران َ َ س ِ سل ِهِ وََقاُلوا ْ َ
من ّر ُ حدٍ ّ
نَفرقُ بي َ
نأ َ َْ َ ُ ّ
صيُر (]البقرة.[285: م ِ ْ
ك ال َ َ
َرب َّنا وَإ ِلي ْ َ
فحكى ذلك عنهم وما بعده من دعائهم :بأن ل يؤاخذهم
بالنسيان والخطأ, ،أن ل يحمل عليهم الصر ،إلى آخر ما
أخبر به عنهم .فاستجاب لهم وخفف ويسر ورفع الحرج،
فله الحمد كثيرا ً .
وبّين ذلك عليه السلم بقوله )) :تجوز لي عن أمتي الخطأ
والنسيان وما استكبر هوا عليه ،وما حدثوا به أنفسهم ما
لم يقولوا أو يعلموا(( الحديث
***
َ
ن(]ال عمران : مو َ سل ِ ُم ْ ن إ ِل ّ وَأنُتم ّ موت ُ ّ وقوله تعالى ):وَل َ ت َ ُ
.[102أمر منه سبحانه بالموت على السلم ،وهو دين
الله الذي أخبر في كتاب أنه الدين عنده ،وأنه ل يقبل من
أحد سواه ،وأنه الدين الذي رضيه لرسوله ولعباده
م (]ال سل َ ُ عند َ الل ّهِ ال ِ ْ ن ِ دي َ ن ال ّ المؤمنين ،فقال تعالى ) :إ ِ ّ
عمران.[19:
َ َ
مت عَل َي ْك ُ ْ م ُم ْم وَأت ْ َ م ِدين َك ُ ْت ل َك ُ ْ مل ْ ُم أك ْ َ وقال تعالى) :ال ْي َوْ َ
م ِديًنا (]المائدة،[3: سل َ َم ال ِ ْ ت ل َك ُ ُ ضي ُمِتي وََر ِ
ن ِعْ َ
32
) (1/32
34
) (1/34
35
) (1/35
وفعل ما أمره به من التصدق على الصبيان .وحكاياتهم
في ذلك كثيرة مشهورة .
واعلم أنه كثيرا ً ما يختم بالسوء للذين يتهاونون بالصلة
المفروضة ،والزكاة الواجبة ،والذين يتتعبون عورات
المسلمين ،والذين ينقصون المكيال والميزان ،والذين
يخدعون المسلمين ويغشونهم ويلبسون عليهم
ذبون أولياء الله، في أمور الدين والدنيا ،والذين ي ُك َ ّ
دعون أحوال الولياء وينكرون عليهم بغير حق ،والذين ي ّ
ومقاماتهم من غير صدق ،وأشباه ذلك من المور الشنيعة
.
ومن أخوف ما يخاف منه على صاحبه سوء الخاتمة،
ك في الله ورسوله البدعة في الدين ،وكذلك إضمار الش ّ
واليوم الخر .فليحذر المسلم من ذلك غاية الحذر ،ول
عاصم من أمر الله إل من رحم.
م يا أرحم الرحمين ،نسألك بنور وجهك الكريم ،أن الّله ّ
تتوفانا مسلمين ،وأن تلحقنا بالصالحين في عافية يا رب
العالمين .
***
36
) (1/36
37
) (1/37
ن ن(وَأ َل ّ َ
ف ب َي ْ َ مِني َ مؤ ْ ِصرِهِ وَِبال ْ ُ قوله تعالى) :هُوَ ال ّذِيَ أ َي ّد َ َ
ك ب ِن َ ْ
م ](...النفال.[63-62: قُُلوب ِهِ ْ
وقد كانوا من قبل أن يبعث الله إليهم رسوله على شفا
حفرة من النار ،وذلك بما كانوا عليه من الكفر بالله
وعبادة الصنام ،فأنقذهم الله منها بما شرعه لهم من
توحيده ،والعمل بطاعته ؛ فطلب منهم سبحانه أن
يشكروه على ذلك ،ويعرفوا حقّ نعمته عليهم في إنقاذهم
ذرهم في ضمن من الضللة ،واجتماعهم بعد الفرقة وح ّ
ذلك من موجبات الفرقة ،والختلف بعد الجتماع
ن( ]آل دو َ م ت َهْت َ ُم آَيات ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ
ه ل َك ُ ْ
ن الل ّ ُ والئتلف )ك َذ َل ِ َ
ك ي ُب َي ّ ُ
عمران.[103:
ن
ذي َ أي تزدادون هدى إلى هداكم ،كما قال الله تعالىَ):وال ّ ِ
م(
م ت َْقواهُ ْدى َوآَتاهُ ْ م هُ ًاهْت َد َْوا َزاد َهُ ْ
]محمد.[17/47:
***
ن إ َِلى ُ وقوله تعالى):وَل ْت َ ُ
عو َ
ة(أي جماعة )،ي َد ْ ُ م ٌ
مأ ّ منك ُ ْ
كن ّ
ر(]ال عمران[104/3: ال ْ َ
خي ْ ِ
وهو أغني الخير على الجملة -المان والطاعة .والدعوة
إلى ذلك منزلة عند الله رفيعة ،
وقربة إلى الله عظيمة .
قال -صّلى الله عليه وآله وسّلم)): -من دعا إلى هدى
كان له من الجر مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص
يء ومن دعا إلى ضللة كان عليه من الثم من أجورهم ش ْ
مثل آثام من تبعه من غير أن ينقص من آثامهم شيء ((
38
) (1/38
39
) (1/39
ة في ذلك ن السياس َ س ِ
نهيته أو نصحته من المسلمين ،وأح ِ
ن له جناحًا ،فإن الرفق ما كان في ،وكّلمه خاليا ً ،ول ِ ْ
شيء إل زانه ،ول ن ُزِعَ من شيء إل شانه؛ كما قال عليه
الصلة والسلم ،وكما قال الله تعالى لرسوله) :فَب ِ َ
ما
بظ ال َْقل ْ ِ
ظا غَِلي َ ت فَ ّ م وَل َوْ ُ
كن َ ت ل َهُ ْ ن الل ّهِ ِلن َ م َ مة ٍ ّ ح َ
َر ْ
ك ( ]آل عمران.[159: حوْل ِ َ
ن َ م ْضوا ْ ِ لنَف ّ َ
***
من ب َعْدِ خت َل َُفوا ْ ِن ت ََفّرُقوا ْ َوا ْ كال ّ ِ
ذي َ كوُنوا ْ َوقوله تعالى ) :وَل َ ت َ ُ
ت (]ال عمران[105: م ال ْب َي َّنا ُ جاءهُ ُ ما َ َ
نهي من الله لعباده المؤمنين عن التشّبه بالمتفّرقين
ك( الذين المختلفين في دينهم من أهل الكتاب )وَُأوَلئ َ
م( فاستعظم -رحمك ظي ٌ
بع ِ
ذا ٌ اختلفوا في دينهم )ل َهُ ْ
م عَ َ
ماه الله العظيم عظيمًا ،وتفك ّْر فيه، الله -جدا ً عذابا ً س ّ
ج بنفسك منه ،وذلك بملزمة الكتاب والسنة ،و مجانبة وان ُ
الزيغ والبدعة ،والراء المختلفة ،والهواء المتفرقة.
***
واعلم أنه كما تفّرق أهل الكتاب واختلفوا في دينهم ،فقد
تفّرقت هذه المة واختلفت أيضا ً على وفق ما أخبر به
رسول الله -صّلى الله عليه وآله وسّلم -في قوله:
)) افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ،وافترقت
النصارى على اثنتين وسبعين فرقة ،وستفترق
44
) (1/44
و قال عليه الصلة والسلم )) :من قال حين يصبح وحين
يمسي ثلث مرات :رضيت بالله ربا ً وبالسلم دينًا،
وبمحمد نبيًا ،كان حقا ً على الله أن يرضيه((.
***
واعلموا معاشر الخوان أنه من رضي بالله ربًا :لزمه أن
يرضى بتدبيره واختياره له ،وبمّر قضائه ،وأن يقنع بما
قسمه له من الرزق ،وأن يداوم على طاعته ،ويحافظ
على فرائضه ،ويجتنب محارمه ،ويكون صابرا ً عند بلئه،
شاكرا ً لنعمائه ،محب ّا ً للقائه ،راضيا ً به وكيل ً ووليا ً وكفي ً
ل،
مخلصا ً له في عبادته ،ومعتمدا ً عليه في غيبته وشهادته.
ليفزع في المهمات إل إليه ،ول يعول في قضاء الحاجات
إل عليه سبحانه وتعالى .
ظم حرماِته وشعائ َِرهُ ،ولم ومن رضي بالسلم دينًا :ع ّ
كده ويزيده رسوخا ً واستقامة من يزل مجتهدا ً فيما يؤ ّ
العلوم والعمال ،ويكون به مغتبطًا،ومن سلبه خائفًا،
ولهله متحرما ً ،ولمن كفر به مبغضا ً ومعاديًا.
ومن رضي بمحمد صّلى الله عليه وآله وسّلم نبيا ً :كان به
متقديا ً ،و بهديه مهتديًا ،ولشرعه متبعا ً ،وبسنته متمسكا ً
ولحقه معظمًا ،ومن الصلة و السلم عليه مكثرًا ،ولهل
بيته وأصحابه محبًا ،وعليهم منرضيا ً ومترحمًا ،وعلى أمته
مشفقا ً ولهم ناصحًا.
46
) (1/46
49
) (1/49
وقال علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه : -إن لله في
الرض آنية أل وهي القلوب ،فخيرها أصفاها وأصلبها
سر ذلك فقال :أصفاها في اليقين ،وأصلبها وأرّقها ،ثم ف ّ
في الدين ،وأرّقها على المؤمنين .
ن اليمان من القلب قلت :واليقين عبارة عن تمك ّ ِ
واستيلئه عليه ،وهو الطمأنينة التي سألها إبراهيم عليه
السلم ربه فيما أخبر عنه بقوله َ) :قا َ َ
لمن َقا َ م ت ُؤْ ِل أو َ ل َ ْ ّ
ن قَل ِْبي(]البقرة . [260: كن ل ّي َط ْ َ
مئ ِ ّ ب ََلى وَل َ ِ
فبان من هذا أن اليقين غاية اليمان ونهايته .وفي
الحديث )):اليقين هو اليمان كله(( ،وما نزل من السماء
أشرف من اليقين ،وكفى باليقين غنى .وقال أيضا ً عليه
الصلة والسلم )):سلوا الله اليقين والعافية ،فإنه ما
ل من العافية ((. ُأوتي أحد ٌ بعد اليقين أفض َ
وأما الصلبة في الدين فهي القوة فيه ،والثبات عليه،
والغيرة له حتى يقول الحقّ وإن كان مرًا ،ول يخاف في
الله لومة لئم .وبذلك وصف الله أحّباءه في قوله َ) :يا
ْ َ
ف ي َأِتي الل ّ ُ
ه سو ْ َ عن ِدين ِهِ فَ َ م َ منك ُ ْ من ي َْرت َد ّ ِ مُنوا ْ َنآ َ ذي َ أي َّها ال ّ ِ
عّزةٍ عََلى ن أَ ِمِني َ مؤ ْ ِ ه أذِل ّةٍ عََلى ال ْ ُ
حبون َ
م وَي ُ ِ ّ َ ُ حب ّهُ ْب َِقوْم ٍ ي ُ ِ
ة لئ ِم ٍ م َ ن ل َوْ َخاُفو َ ل الل ّهِ وَل َ ي َ َ سِبي ِن ِفي َ دو َ جاهِ ُن يُ َ ري َ كافِ ِال ْ َ
م( سعٌ عَِلي ٌ ه َوا ِ شاء َوالل ّ ُ من ي َ َ ل الل ّهِ ي ُؤِْتيهِ َ ض ُ ك فَ ْ ذل َ َ
]المائدة.[54:
53
) (1/53
54
) (1/54
نبي الله -صّلى الله عليه وآله وسّلم -قدمتهم إلى الله
وقربتهم إليه لفضلها وشرفها أكثر من غيرها من بقية
أعمالهم الصالحة ل نهما من أعمال القلوب ،وأوصاف
السرائر ..فافهم .
واعلم أنها ل توزن أعمال القلوب بأعمال الجوارح في
الخير والشر إل وترجح أعمال القلوب رجحانا ً بّينا ً على
أعمال الجوارح ،وتزيد عليها زيادة كثيرة .ومن هذه
ل التصوف ،المعتنون بتزكية القلوب، ل أه ُ الحيثية فَ َ
ض َ
والمهتمون بما يخصها من الوصاف والعمال الصالحة،
ف المسلمين من العُّباد والعلماء الذين غيَرهم من طوائ ِ
ليس لهم من العناية بأمر الباطن مثل ما لهل التصوف،
والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم .
والرحمة بالمسلمين أمر واجب وحقّ لزم ،وهي
بالضعفاء والمساكين وأهل البليا والمصائب أولى
وأوجب .ومن لم يجد في قلبه عند مشاهدة ضعفاء
والمسلمين وأهل البلء منهم ،رقة ورحمة فهو غليظ
القلب ،قد غلبت عليه القسوة ،ونزعت منه الرحمة ،ول
تنزع الرحمة إل من شقي ،كما قال عليه الصلة
والسلم .
جد َ مع ذلك -أعني هذا القاسي -في نفسه تكّبرا ً فإن وَ َ
ة واستنكافا ً من مخالطة أهل الضعف والمسكنة من وأ ََنف ً
ل به ما مْقتا ً من الله ،قد ح ّ
حقا ً له وب ُْعدا ً و َ
س ْ
المسلمين ف ُ
استوجب الطرد عن باب الله ،ويكون في جملة المتكبرين
المنازعين لله
55
) (1/55
تعالى ،وقد قال عليه الصلة والسلم )) :ل يدخل الجنة
من في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر((.
***
ومن الرقة :خشوع القلب ،وكثرة البكاء من خشية الله،
وذلك وصف شريف ،ومسعى حميد ،به وصف الله
ذا ت ُت َْلى
أنبياءه ،والصالحين من عباده؛ فقال تعالى ) :إ ِ َ
دا وَب ُك ِّيا( ]مريم.[58: ج ًس ّ
خّروا ُ من َ ح َ ت الّر ْ عَل َي ْهِ ْ
م آَيا ُ
ن ي َب ْ ُ خرو َ َ
عا ( شو ً خ ُ م ُ زيد ُهُ ْ
ن وَي َ ِ
كو َ ن ل ِلذ َْقا ِ وقال تعالى ) :وَي َ ِ ّ
]السراء.[109:
وقد عد ّ عليه الصلة والسلم في السبعة الذين يظلهم
ل إل ظّله )) :رجل ً ذكر الله خاليا ً الله في ظّله يوم ل ظ ّ
ل عين ففاضت عيناه (( ،وقال عليه الصلة والسلم )) :ك ّ
باكية يوم القيامة إل عين بكت من خشية الله ،وعين
باتت تحرس في سبيل الله (( يعني في الجهاد ،وكان
البكاء الخالص من خشية الله عزيزا ً جدا ً حتى صار بهذه
المنزلة من الله مع كثرة من يبكي من الناس ،حتى ورد
عنه عليه الصلة والسلم )):ل يلج النار من بكى من
خشية الله ،حتى يعود اللبن في الضرع ،وحتى يلج
خياط ،وفي رواية )) :من خرج من م ال ِ
س ّ
الجمل في َ
عينه مثل رأس الذباب من خشية الله ((
وى عليه الصلة والسلم بين الدمع من خشية الله وقد س ّ
وبين الدم يهراق في سبيل الله .وورد)) :لو أن باكيا ً بكى
في أمة لرحمهم الله ببكائه(( ،فتبين
56
) (1/56
57
) (1/57
ماء رِْزًقا وَ َ
ما س َ ن ال ّ م َ كم ّ ل لَ ُ م آَيات ِهِ وَي ُن َّز ُ ريك ُ ْ ذي ي ُ ِ )هُوَ ال ّ ِ
ب(]غافر ،[13:وقال تعالى) :فَذ َك ّْر ِإن من ي ُِني ُ ي َت َذ َك ُّر إ ِّل َ
شى(]العلى ،[9-10:وقال خ َ من ي َ ْ سي َذ ّك ُّر َ ت الذ ّك َْرى* َ ن َّفعَ ِ
ن(]الذاريات.[55: مِني َ ن الذ ّك َْرى َتنَفعُ ال ْ ُ
مؤ ْ ِ تعالى ) :وَذ َك ّْر فَإ ِ ّ
فشرع التذكر وأمر به رسوله عمومًا ،وخص بنفعه
المؤمنين من عباده،وكان ذلك لهم حجة عنده ومحجة
إليه ،وكما كان على الخرين حجة قائمة مدحضة لحججهم
الباطلة ،فإنهم أعرضوا بعد العلم ،وأنكروا بعد المعرفة،
َ
مام ّولم يستجيبوا لله ورسوله) ،وََقاُلوا قُُلوب َُنا ِفي أك ِن ّةٍ ّ
م ْ
ل ب َفاعْ َ جا ٌ ح َك ِ من ب َي ْن َِنا وَب َي ْن ِ َ ذان َِنا وَقٌْر وَ ِ عوَنا إ ِل َي ْهِ وَِفي آ َ ت َد ْ ُ
ن(]فصلت،[5: مُلو َ عا ِ إ ِن َّنا َ
َ ذيٌر ل ّي َ ُ َ َ
دىن أه ْ َ كون ُ ّ م نَ ِ جاءهُ ْ م ل َِئن َ مان ِهِ ْ جهْد َ أي ْ َ موا ِبالل ّهِ َ س ُ )وَأقْ َ
م إ ِّل ن ُُفوًرا( ُ
ما َزاد َهُ ْ ذيٌر ّ م نَ ِجاءهُ ْ ما َ مم ِ فَل َ ّ دى اْل َ ح َ ن إِ ْ م ْ
ِ
]فاطر . [42:فهذا وصف من دعاه رّبه إلى توحيده
وطاعته على لسان رسوله فأبى واستكبر ،وجحد وكفر .
ومن آمن بلسانه وصدق بظاهره ،وأنكر بقلبه فهو
المنافق ،والذي له ما للكافر وعليه ما عليه من غضب
الله ولعنته.
ومن آمن بقلبه ولسانه ،وضّيع ما فرض الله عليه من
طاعته ،وارتكب ما حرم الله عليه من معصيته ،فأمره في
غاية الخطر ،ويخشى عليه إن لم يتداركه الله بالتوفيق
لتوبة خالصة
58
) (1/58
59
) (1/59
60
) (1/60
61
) (1/61
62
) (1/62
63
) (1/63
64
) (1/64
65
) (1/65
َ
ما
خِبيٌر ب ِ َ جل َُها َوالل ّ ُ
ه َ جاء أ َ سا إ ِ َ
ذا َ خَر الل ّ ُ
ه ن َْف ً )وََلن ي ُؤَ ّ
ن(]المنافقون.[11-9: مُلو َت َعْ َ
وقد بلغنا أن ملك الموت عليه الصلة والسلم يظهر
ي يسير فيخبره به فيقول للنسان عندما يبقى من أجله ش ْ
له :يا ملك الموت ،أخرني قليل لتوب إلى ربي وأستغفر
ه فيقول له الملك :قد طالما أخرت وعمرت فلم تتب
ولم ترجع إلى ربك حتى الن .وقد أنقضت المدة وبلغت
الجل الذي كتبه الله لك ،فل سبيل إلى التأخير.
قال بعض العلماء -رحمة الله عليهم :فلو كانت الدنيا
بأسرها لهذا النسان وأمكنه أن يشتري بها ساعة واحدة
يزيدها في العمره ،ويعتذر فيها إلى ربه ،لفعل .
ثم إن الغفلة عن الخرة والعراض عنها بالكلية إقبال ً
على الدنيا واشتغال بها قد يكون سببه طول المل كما
ذكرناه ،وقد يكون سببه شكا ً في الخرة وترددا ً في كونها
حقا ً -والعياذ بالله من ذلك -فإن من الكفر بالله ورسوله
.والعلمة المميزة للغافل عن الخرة بين أن يكون سبب
غفلته طول المل أو الشك ،هي أن الغافل الذي يكون
سبب غفلته طول المل إذا مرض أو حصل له شيء
يتوقع عنده قرب الموت يكثر ذكر الخرة ،ويتحسر على
ترك العمل لها ،ويتمنى أن يعافى ليعمل صالحا ً .
ك ل يظهر عليه عند و الذي تكون غفلته عن الش ّ
66
) (1/66
سف المرض ونحوه شيء مما ذكرناه ،بل يظهر عليه التأ ّ
وف على أولده وأمواله أن تضيع على فراق دنياه ،والتخ ّ
ل على قصور النظر والرغبة من بعده ،وأشباه ذلك مما يد ّ
في أحوال الدنيا .فاعتبر هذا -رحمة الله -في نفسك ،
وفي غيرك؛ حتى تعظه وتنصحه إن شممت منه روائح
ك في الخرة في ك في الدار الخرة .فليس الش ّ الش ّ
م والخطر بمنزلة طول المل وإن كان طول المل الذ ّ
المنسي للخرة مذموما ً جدا ً .
***
واعلم أن الكثار من ذكر الموت مستحب ومرغب فيه ،
وله منافع و فوائد جليلة منها :قصر المل ،والتزهيد في
الدنيا ،والقناعة منها باليسير ،والرغبة في الخرة ،والتزود
لها بالعمال الصالحة ،وقد قال رسول الله -صّلى الله
عليه وآله وسّلم)) : -أكثروا من ذكر هاذم اللذات (( يعني:
الموت .
وكان عليه الصلة والسلم يقوم من الليل فينادي )) :جاء
الموت بما فيه ،جاءت الراجفة) (1تتبعها الرادفة ((..
الحديث .
ولما سئل صلوات الله عليه من الكياس من الناس من
هم؟ قال)) :أكثرهم للموت ذكرًا ،واحسنهم له استعدادًا،
أولئك الكياس ذهبوا بشرف الدنيا ونعيم الخرة ((.
------------------------
) (1الراجفة نفخة الصعق .والرادفة نفخة البعث .
67
) (1/67
69
) (1/69
71
) (1/71
73
) (1/73
76
) (1/76
***
78
) (1/78
79
) (1/79
80
) (1/80
81
) (1/81
82
) (1/82
83
) (1/83
ما ه َ شاء الل ّ ُ كوا ْ ل َوْ َ
شَر ُ ن أَ ْ ل ال ّ ِ
ذي َ وفي الية الخرى ) :وََقا َ
ه
دون ِ ِ من ُ مَنا ِ ن َول آَباؤَُنا وَل َ َ
حّر ْ ح ُ يٍء ن ّ ْ ش ْ من َ دون ِهِ ِ من ُ عَب َد َْنا ِ
ل
س ِ ل عََلى الّر ُ م فَهَ ْ من قَب ْل ِهِ ْ ن ِ ذي َل ال ّ ِ يٍء ك َذ َل ِ َ
ك فَعَ َ ش ْ من َ ِ
ن(]النحل.[35: مِبي ُ إ ِل ّ ال َْبلغُ ال ْ ُ
بفإياك والقتداء بالمشركين في الحتجاج على الله ر ّ
العالمين .
سك ف نف َ وحسُبك من القدر اليمان به خيره وشّره ،ثم كل ّ ْ
ب على الدوام من ب لنهيه ،وت ُ ْ ل لمر الله والجتنا َ المتثا َ
تقصيرك عن القيام بحقه تعالى ،واستعن بالله تعالى،
وتوكل عليه ،وقد قال عليه الصلة والسلم )) :إذا ذ ُك َِر
القدُر فإمسكوا (( فنهى عن الخوض فيه ،لما في ذلك من
الخطر وكثرة الضرر.
وسأل رجل عليا ً رضي الله عنه ،عن القدر؟ فقال له في
جوابه :هو بحر عميق فل تلجه ،وطريق مظلم فل تسلكه،
شهِ . سّر الله تعالى قد خفي عليك فل ت ُْف ِ
وسأل رجل من ولة المور محمد بن واسع -رحمه الله
عن القدر ؟ فقال له :جيرانك من أهل القبور ،لك في
ل شاغل عن القدر. كر فيهم شغ ٌ التف ّ
وقد مضى عمل السلف والخلف من أهل الحق على
اليمان
84
) (1/84
) (1/88
***********
***********
مبحث العلم
***********
***********
) (1/89
************
************
***
************
************
) (1/90
مبحث العلم
***********
واعلموا معاشر الخوان من الله علينا وعليكم بالعافية
واليقين ،وسلك بنا وبكم مسالك المتقين أنه ل بد لكل
مسلم ومسلمة من معرفة العلم ،ول رخصة لحد من
المسلمين في تركه أبدًا ،أعني العلم الذي ل يصح اليمان
والسلم بدون معرفته .
وجملته :العلم بالله ورسوله واليوم الخر ،والعلم بما
أوجب الله فعله من الفرائض ،وبما أوجب تركه من
المحارم ،وقد قال رسول الله -صّلى الله عليه وآله
وسّلم)) :-طلب العلم فريضة على كل مسلم((.
وقال عليه الصلة والسلم )) :اطلبوا العلم ولو بالصين((.
والصين :إقليم بعيد من أبعد المواضع ،وقيل من الناس
الذين يصل إليه لبعده .فإذا وجب على المسلم أن يطلب
العلم وإن كان في هذا المحل البعيد ،فكيف ل يحب عليه
إذا كان بين العلماء ول يلحقه في طلبه كثير مئونة ،ول
كبير مشقة؟ فأما علوم السلم فترجع جملتها إلى قول
رسول الله -صّلى الله عليه وآله وسّلم -حين سأله جبريل
عليه السلم في الحديث المشهور فقال له :أخبرني عن
السلم؟ قال )) :السلم أن يشهد أن ل إله إل الله وأن
محمدا ً رسول الله ،وتقيم الصلة،
91
) (1/91
93
) (1/93
94
) (1/94
95
) (1/95
96
) (1/96
وقال عليه الصلة والسلم )) :إن الله تكّفل لطالب العلم
برزقه((.
ه ت :وهذا تكّفل خاص بعد التكّفل العام الذي تكّف َ
ل الل ُ قل ُ
ض َ لك ّ
دآب ّةٍ ِفي الْر ِ
من َما ِ
ل دابة في الرض في قوله) :وَ َ
إ ِل ّ عََلى الل ّهِ رِْزقَُها(]هود .[6:فيكون معناه زيادة التيسير،
ورفع المئونة والكلفة في طلب الرزق و حصوله ،والله
أعلم .
وفي لحديث الطويل الذي ذكر فيه عليه الصلة والسلم
مه السعداء -يعني العلم فضل العلم قال في آخره )) :ي ُل ْهَ ُ
مه الشقياء((.حَر ُ
-وي ُ ْ
وليس من شيء يجمع جميع أنواع الخير غير السعادة،
وليس من شيء يجمع جميه أنواع الشر سوى الشقاوة .
فقد علمت -بما تقدم -أنه ل عذر لجاهل عند الله تعالى
في ترك العلم ،وكذلك ل عذر لعالم في العمل بعلمه.
***
ومثل الجاهل المقصر في طلب العلم الواجب عليه كمثل
عبد أرسل إليه سيده كتابا ً يأمره فيه بأشياء وينهاه فيه
عن أشياء ،فلم ينظر في ذلك الكتاب ولم يعرف ما فيه
كن منه. أصل ً مع القدرة على ذلك والتم ّ
ومثل العالم الذي لم يعمل بعلمه كمثل من نظر في
كتاب
97
) (1/97
98
) (1/98
102
) (1/102
***
110
) (1/110
************
************
مبحث الصلة
************
************
) (1/111
************
************
***
************
************
) (1/112
مبحث الصلة
***********
واعلموا معاشر الخوان -فقهنا الله وإياكم في الدين،
وألهمنا رشدنا ،وأعاذنا من شر أنفسنا ،أن الصلة عماد
الدين ،وأجل مباني السلم الخمس بعد الشهادتين.
ومحلها من الدين محل الرأس من الجسد ،فكما أنه ل
حياة لمن ل رأس له ،فكذلك ل دين لمن ل صلة له،
كذلك ورد في الخبار.
جعلنا الله وإياكم من المحافظين على الصلة ،المقيمين
لها ،الخاشعين فيها ،الدائمين عليها ،فبذلك أمر الله عباده
المؤمنين في كتابه ،وبه وصفهم فقال عز من قائل:
موا ْ ل ِل ّ ِ
ه س َ
طى وَُقو ُ صل َةِ ال ْوُ ْ
ت وال ّ
وا ِصل َ َ
ظوا ْ عََلى ال ّ
حافِ ُ ) َ
ن (]البقرة.[238: َقان ِِتي َ
فالصلوات هي المكتوبات الخمس :الظهر ،والعصر،
والمغرب ،والعشاء ،والصبح .فتلك هي الصلوات التي ل
يسع أحدا ً من المسلمين ترك شيء منها في حال من
الحوال ما دام يعقل ،ولو بلغ به العجز والمريض إلى
أقصى غاياته.
والصلة الوسطى :هي العصر كما ورد به الحديث
113
) (1/113
116
) (1/116
)) :أول الوقت رضوان الله ،وأخره عفو الله ،وإن العبد
ليصلي الصلة ولم يخرجها من وقتها ،ولما فاته من أول
الوقت خير له من الدنيا وما فيها(( .وقبيح بالمؤمن أن
يدخل عليه وقت صلته وهو على شغل من أشغال الدنيا
فل يتركه ،ويقوم إلى فريضته التي كتبها الله عليه
فيؤديها ،ما ذلك إل من عظم الغفلة وقلة المعرفة بالله،
ومن ضعف الرغبة في الخرة.
***
وأما تأخير الصلة حتى وقتها أو يقع بعضها خارجه فغير
جائز وفيه إثم .والذان والقامة من شعائر الصلة تتأكد
المحافظة عليهما ،وفيهما طرد للشيطان ،لقوله عليه
الصلة والسلم )):إذا نودي للصلة أدبر الشيطان((
الحديث.
***
ومن المحافظة على الصلة والقامة لها :حسن الخشوع
فيها،وحضور القلب وتدبير القراءة ،وفهم معانيها،
واستشعار الخضوع والتواضع لله عند الركوع والسجود،
وامتلء القلب بتعظيم الله وتقديسه عند التكبير،
والتسبيح ،وفي سائر أجزاء الصلة ،ومجانبة الفكار
والخواطر الدنيوية ،والعراض عن حديث النفس في ذلك،
بل يكون
118
) (1/118
121
) (1/121
122
) (1/122
125
) (1/125
خره حتى الصف الول أولى به .ثم يلوم نفسه على تأ ّ
يسبقه الناس إلى أوائل الصفوف .وفي الحديث )) :ل
خرهم الله((. خرون حتى يؤ ّ يزال أقوام يتأ ّ
***
ومن السنن المهمة المغفول عتها :تسوية الصفوف
والتراص فيها ،وقد كان عليه الصلة والسلم يتول فعل
لك بنفسه ،ويكثر التحريض عليه والمر به ويقول:
))لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم(( ،ويقول:
))أني لرى الشياطين تدخل في خلل الصفوف((،ومعنى
بها الفرج التي تكون فيها .فيستحب إلصاق المناكب مع
التسوية ،بحيث ل يكون أحد متقدما ً على أحد ول متأخرا ً
عنه فذلك هو السنة .ويتأكد العتناء بذلك ،والمر به من
الئمة وهم به أولى من غيرهم من المسلمين ،فإنهم
أعوان على البر والتقوى ،وبذلك أمروا ،قال تعالى:
ْ َ )وَت ََعاوَُنوا ْ عََلى اْلبّر َوالت ّْق َ
وى وَل َ ت ََعاوَُنوا عَلى ال ِث ْم ِ
ن(]المائدة.[2/5: َوال ْعُد َْوا ِ
فعليك -رحمك الله تعالى -بالمبادرة إلى الصف الول،
وعليك برص الصفوف وتسويتها ما استطعت ،فإن هذه
سنة ميتة من سنن رسول الله -صّلى الله عليه وآله
وسّلم، -ومن أحياها كان معه في الجنة .كما ورد.
***
128
) (1/128
130
) (1/130
132
) (1/132
َ
حاِرس َن *وَِبال ْ
جُعو َ
ما ي َهْ َ
ل َن الل ّي ْ ِ
م َكاُنوا قَِليل ً ّوقال تعالى َ ) :
ن(]الذاريات.[18-17: ست َغِْفُرو َ
م يَ ْهُ ْ
وقال -صّلى الله عليه وآله وسّلم)) : -أفضل الصلة بعد
المكتوب صلة الليل ((.
وقال عليه الصلة والسلم )) :عليكم بقيام الليل ،فإنه
دأب الصالحين قبلكم وقربة لكم إلى ربكم ،ومكفرة
للسيئات ،ومنهاة عن الثم ،ومطردة للداء عن الجسد((.
وقال عليه الصلة والسلم )) :أيها الناس :أفشوا السلم،
صّلوا بالليل والناس صلوا الرحام ،و َ و أطعموا الطعام ،و ِ
نيام ،تدخلوا الجنة بسلم(( ،وقال عليه الصلة والسلم :
ل من الليل ولو كحلب شاة(( ،وقال عليه الصلة ))ص ّ
ف المؤمن قيام الليل ،وعّزه استغناؤه عن والسلم )):شر ُ
الناس(( ،وقال عليه الصلة والسلم )):من قام بعشر
ت لم يكتب من الغافلين ،ومن قام بمائة آية كتب من آيا ٍ
القانتين ،و من قام بألف آية كتب من المقنطرين(( .وفي
الحديث الخر :القنطار اثنتا عشرة ألف أوقية ،الوقية
خير مما بين السماء والرض.
ملك إلى آخر القرآن ألف ك ( ال ُ قال العلماء :من )ت ََباَر َ
آية.
وفي الحديث الصحيح )) :إن في الليل لساعة ل يوافقها
م يسأل الله خيرا ً من أمر الدنيا والخرة إل عبد ٌ مسل ٌ
ل ليلة .فلو لم ي َرِد ْ في فضل الليل أعطاه إّياه(( وذلك ك ّ
وفضل قيامه سوى هذا الحديث لكفى.
وقال عليه الصلة والسلم )) :ينزل رّبنا إلى سماء الدنيا
حين يبقى ثلث الليل الخر ،فيقول :هل من
139
) (1/139
142
) (1/142
143
) (1/143
ر
خ ِن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل ِ مُنو َ ما ي ُؤْ ِ جد ُ قَوْ ً قال تعالى ) :ل ت َ ِ
َ َ ه وَل َوْ َ
م
م أوْ أب َْناءهُ ْ كاُنوا آَباءهُ ْ سول َ ُ ه وََر ُ حاد ّ الل ّ َ ن َ م ْن َ دو َ وا ّ يُ َ
ن
ما َ لي َماِْ ب ِفي قُُلوب ِهِ ُ ك ك َت َ َم أ ُوْل َئ ِ َ شيَرت َهُ ْ
خوانه َ
م أو ْ ع َ ِ أو ْ إ ِ ْ َ َ ُ ْ
َ
حت َِها اْل َن َْهاُر من ت َ ْ ري ِ ِ ج
ت تَ ْ جّنا ٍم َ خل ُهُ ْ ه وَي ُد ْ ِ من ْ ُ
ح ٍّ هم ب ُِرو وَأ َي ّد َ ُ
ب الل ّهِ حْز ُ ك ِ ه أ ُوْل َئ ِ َ
ضوا عَن ْ ُ م وََر ُ ه عَن ْهُ ْ ي الل ّ ُ ض َ ن ِفيَها َر ِ دي َ خال ِ ِ َ
َ
ن(]المجادلة.[22: حو َ مْفل ِ ُ م ال ْ ُ ب الل ّهِ هُ ُ حْز َ ن ِ أَل إ ِ ّ
دين له ولرسوله وإن دين للمحا ّ فنفى اليمان عن الموا ّ
كانوا من أقرب القربين.
وغاية ما يسمح به للعامي الغافل المستغفر مهما فاتته
الصلة :أن يقضيها مع التوبة عن العود إلى مثل ذلك :فأما
الضاعة فل! كيف وعليه في إخراج الصلة عن وقتها إثم
عظيم وإن بادر بقضائها .وليس بعذر الشتغال بالدنيا ول
بغيرها عن الصلة حتى تفوت .ول عذر إل النوم أو
النسيان فقط.
***
وعلى ولة المور أن يحملوا العامة على فعل لصلة
المكتوبة .وعليهم أن يعاقبوا من تركها كسل ً بالقتل ،وذلك
بعد الستتابة إن لم يتب .
وعلى الولة إثم عظيم وحرج ،إذا سكتوا عن ذلك مع
العلم وقصروا في القيام به.
ول رخصة لهم في ترك ذلك وما يجري مجراه من أمور
الدين.
والحمد لله رب العالمين.
144
) (1/144
*************
*************
مبحث الزكاة
*************
*************
) (1/145
) (1/146
مبحث الزكاة
***********
واعلموا معاشر الخوان -جعلنا الله وإيكم ممن تزكى
وذكر اسم ربه فصلى ولم يؤثر الحياة الدنياعلى الخرة،
التي هي خير وأبقى -أن الزكاة أحد مباني السلم
الخمس ،وقد جمع الله تعالى بينهما وبين الصلة في كتابه
صل َةَ َوآُتوا ْ الّز َ َ
كاةَ موا ْ ال ّ العزيز فقال عز من قائل ) :وَأِقي ُ
وما ت َُقد ّموا ْ َ
ماه بِ َ ن الل ّ َ عند َ الل ّهِ إ ِ ّ دوهُ ِ ج ُخي ْرٍ ت َ ِ ن َ م ْ كم ّ س ُ لنُف ِ ُ َ َ
صيٌر(]البقرة.[110: ن بَ ِ ملو َ ُ ت َعْ َ
ن
مُنو َ ن ي ُؤْ ِ ذي َ وقال تعالى في وصف عباده المؤمنين) :ال ّ ِ
ن(]النفال-3: فُقو َ م ُين ِ ما َرَزقَْناهُ ْ م ّصلةَ وَ ِ ن ال ّ مو َ ب وَي ُِقي ُ ِبال ْغَي ْ ِ
.[4
َ
ض
م أوْل َِياء ب َعْ ٍ ضه ُ ْ ت ب َعْ ُ مَنا ُ مؤ ْ ِ ن َوال ْ ُ مُنو َ مؤ ْ ِ وقال تعالى َ) :وال ْ ُ
يأ ْ
صل َةَ ن ال ّ مو َ منك َرِ وَي ُِقي ُ ن ال ْ ُ ِ َ ع ن
َ ْ و َ هْ ن َ ي َ و ف
ِ روُ ْ ع م
َ ن ِبال ْ َ رو ُ م
ُ َ
ُ
ه أوْل َئ ِ َ
ممه ُ ُ ح ُ سي َْر َ ك َ سول َ ُ ه وََر ُ ن الل ّ َ طيُعو َ كاةَ وَي ُ ِ ن الّز َ وَي ُؤُْتو َ
م(]التوبة.[71: كي ٌ ح ِ زيٌز َ ه عَ ِ ن الل ّ َ ه إِ ّ الل ّ ُ
إلى غير ذلك من اليات.
وقال رسول الله -صّلى الله عليه وآله وسّلم)) : -من كان
يؤمن بالله واليوم الخر فليؤد زكاة ماله(( .فأفهم عليه
الصلة والسلم أن من لم يؤد ّ الزكاة فليس بمؤمن.
147
) (1/147
150
) (1/150
151
) (1/151
كان بذلك مسيئًا ،وربما ل يقبل منه زكاته .وإن كان الذي
ما إذا أعطاه لكونه من أهل أعطاه مع ذلك مستحقًا ،فأ ّ
ل مع ذلك أكان ينفعه ،ويعرفه أم ل ، الزكاة فقط ،ولم يبا ِ
فل يضّر ذلك .وإن كانت له فيه منفعة وبه حاجة -أعني:
المستحق -؛ نّبهنا على ذلك لتساهل بعض الغنياء فيه،
وقّلة تمييزهم له .
ي الفقير شيئا ً من الزكاةومن المشكل أن يعطي الغن ّ
ويريه في الظاهر أن ذلك صلة له أو هدية أو نحو ذلك.
وكذلك من يعطي زكاته لقاربه المحتاجين الذين تجب
لهم عيه النفقة ،مثل الوالدين والولد ،وأما بقية القارب
الفقراء الذين ل تجب عليهم نفقتهم فيجوز له إعطاؤهم
زكاته ،وهي عليهم أفضل منها على غيرهم ،لمكان
القرابة ،وأستشراف نفوسهم إليه منه.
***
وأما زكاة الفطر فتجب في كل شهر رمضان على كل
كبير وصغير ،وحّر وعبد من المسلمين القادرين عليها.
ومن وجبت عليه النفقة لحد وجبت عليه فطرته .
ده عليه الصلة والسلم من التمر والفطرة أربعة أمداد بم ّ
أو الب ُّر أو الذرة أو الشعير ،أو من أي قوت يقتاته الناس
في حال الختيار.
ن منهمن أحس َ والخراج من النوع الذي يقتاته المخرج أو ِ
ن وأفض ُ
ل. أحس ُ
152
) (1/152
155
) (1/155
158
) (1/158
161
) (1/161
162
) (1/162
*************
*************
مبحث الصوم
*************
*************
) (1/167
) (1/168
مبحث الصوم
*************
واعلموا معاشر الخوان -يسرنا الله وإياكم لليسرى،
وجنبنا العسرى ،وغفر لنا في الخرة والولى :-أن شهر
رمضان شهر عظيم القدر والمنزلة عند الله وعند رسوله،
وهو سيد الشهور .فرض الله صيامه على المسلمين
َ
ب عَل َي ْك ُ ُ
م مُنوا ْ ك ُت ِ َنآ َ ذي َ وكتبه عليهم ،فقال تعالىَ) :يا أي َّها ال ّ ِ
ن(م ت َت ُّقو َم ل َعَل ّك ُ ْمن قَب ْل ِك ُ ْ ن ِ ب عََلى ال ّ ِ
ذي َ ما ك ُت ِ َ
م كَ َ
صَيا ُ
ال ّ
]البقرة.[183:
وفيه -أعني :شهر رمضان -أنزل الله كتابه ،وجعل من
لياليه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر .واللف شهر
أكثر من ثلث وثمانين سنة .فتأمل حساب ذلك ،وتفكر
في نفسك أي ليلة هذه الليلة! التي صارة عند الله خيرا ً
وأفضل من هذه المدة الطويلة.
نل ِفيهِ ال ُْقْرآ ُ ن ال ّذِيَ ُأنزِ َ ضا َم َ شهُْر َر َ وقال الله تعالىَ ) :
ن (]البقرة.[185: دى َوال ُْفْرَقا ِ ن ال ْهُ َ
م َ ت ّس وَب َي َّنا ٍ ِ دى ّللّنا هُ ً
َ َ
ما ك َ ما أد َْرا َ ثم قال سبحانه) :إ ِّنا أنَزل َْناهُ ِفي ل َي ْل َةِ ال َْقد ْرِوَ َ
مَلئ ِك َ ُ خير م َ
ة ل ال ْ َ شهْرٍ ت َن َّز ُ ف َ ن أل ْ ِة ال َْقد ْرِ َ ْ ٌ ّ ْ ة ال َْقد ْرِل َي ْل َ ُل َي ْل َ ُ
مط ْل َِع والروح فيها بإذ ْن ربهم من ك ُ ّ َ
حّتى َ ي َ م هِ َ سَل ٌمرٍ َ لأ ْ َ ّ ُ ِ َ ِِ ِ َ ِّ ّ
ر(]القدر.[5-1: ال َْف ْ
ج ِ
فعرفنا سبحانه أنه أنزل القرآن في رمضان ،ثم أنه أنزله
في ليلة القدر منه بالخصوص.
وهذا النزال من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من
السماء الدنيا،
169
) (1/169
) (1/184
*************
*************
مبحث الحج
*************
*************
) (1/185
) (1/186
مبحث الحج
**********
واعلموا معاشر الخوان -جعلنا الله وإياكم من الذين
سبق لهم منه الحسنى ،ومن الذين قالوا ربنا الله ثم
استقاموا :-أن الحج إلى بيت الله الحرام أحد مباني
السلم ،وهو فرض لزم محتوم على كل مسلم مستطيع
في العمر مرة وكذلك العمرة.
ست َ َ
طاعَ نا ْ ج ال ْب َي ْ ِ َ ّ
م ِت َ ح ّ س ِ قال الله تعالى) :وَل ِلهِ عَلى الّنا ِ
ل(]آل عمران.[97: سِبي ً إ ِل َي ْهِ َ
سذن ِفي الّنا ِ وقال الله لخليله إبراهيم عليه السلم) :وَأ َ ّ
ْ جاًل وَعََلى ك ُ ّ ج ي َأ ُْتو َ
ل فَ ّ
ج من ك ُ ّ ن ِ مرٍ ي َأِتي َ ضا ِ ل َ ك رِ َ ح ِّبال ْ َ
َ س َ ّ
م اللهِ ِفي أّيام ٍ م وَي َذ ْك ُُروا ا ْ مَنافِعَ ل َهُ ْ دوا َ شه َ ُق* ل ِي َ ْ ٍ مي
عَ ِ
من َْها مةِ اْل َن َْعام ِ فَك ُُلوا ِ من ب َِهي َ ما َرَزقَُهم ّ ت عََلى َ ما ٍ معُْلو َ ّ
م وَل ُْيوُفوا َ
ضوا ت ََفث َهُ ْ م ل ْي َْق ُ س ال َْفِقيَر * ث ُ ّ موا ال َْبائ ِ َ وَأط ْعِ ُ
من ي ُعَظ ّ ْ
م ك وَ َ ق * ذ َل ِ َ م وَل ْي َط ّوُّفوا ِبال ْب َي ْ ِ ْ
ت العَِتي ِ ذوَرهُ ْ نُ ُ
ه(]الحج.[22: عند َ َرب ّ ِ ه ِ خي ٌْر ل ّ ُ
ت الل ّهِ فَهُوَ َ ما ِ حُر َ ُ
ّ
وقال رسوله الله -صلى الله عليه وآله وسلم)) : -بني ّ
السلم على خمس:
187
) (1/187
188
) (1/188
192
) (1/192
193
) (1/193
) (1/198
****************************
****************************
مبحث تلوة القرآن العظيم و الذكر
****************************
****************************
) (1/199
) (1/200
201
) (1/201
وقال علي كرم الله وجهه :من قرأ القرآن وهو قائم في
الصلة كان له بكل حرف مائة حسنة ،ومن قرأه وهو
قاعد في الصلة كان له بكل حرف خمسون حسنة ،ومن
قرأه خارج الصلة وهو على طهارة كان له بكل حرف
خمس وعشرون حسنة ،ومن قرأه وهو على غير طهارة
كان له بكل حرف عشر حسنات.
واعلموا :أن للتلوة آدابا ً ظاهرة وباطنة ،ول يكون العبد
من التالين حقيقة ،الذين تزكو تلوتهم ،ويكون من الله
بمكان حتى يتأدب بتلك الداب ،وكل من قصر فيها ولم
يتحقق بها لم تكمل تلوته ،ولكنه ل يخلو في تلوته من
ثواب ،وله فضل على قدره.
فمن أهم الداب وآكدها :أن يكون التالي في تلوته
مخلصا ً لله تعالى ومريدا ً بها وجهه الكريم ،والتقرب إليه
والفوز بثوابه ،وأن ل يكون مرائيا ً ول متصنعًا ،ول متزينا ً
للمخلوقين ،ول طالبا ً بتلوته شيئا ً من الحظوظ العاجلة
والغراض الفانية الزائلة ،وأن يكون ممتلئ الير والقلب
والجوارح ،حتى كأنه من تعظيمه وخشوعه واقف بين يدي
الله تعالى يتلون عليه كتابه الذي أمره فيه ونهاه .وحق
لمن عرف القرآن وعرف المتكلم به ،أن يكون كذلك
وعلى أتم من ذلك ،كيف وقد قال الله تعالى) :ل َوْ َأنَزل َْنا
َ
ة
شي َ ِخ ْ ن َ م ْعا ّ صد ّ ً مت َ َ
شًعا ّ خا ِه َل ل َّرأي ْت َ ُ ن عََلى َ
جب َ ٍ ذا ال ُْقْرآ َ هَ َ
َ
ن( ]الحشر: س ل َعَل ّهُ ْ
م ي َت ََفك ُّرو َ ضرِب َُها ِللّنا ِ ل نَ ْمَثا ُ
ك ال ْالل ّهِ وَت ِل ْ َ
.[21
202
) (1/202
مَتاُزوا
وقام سعيد بن جبير رحمه الله ليلة بقوله تعالىَ) :وا ْ
ال ْيو َ
ن(]يس [59:يرددها. مو َ
جرِ ُ م أي َّها ال ْ ُ
م ْ َ ْ َ
وما يحكى عن السلف الصالح في هذا المعنى كثير
منتشر.
وكان الخوف والبكاء يغلب عليهم عند قراءة القرآن من
شدة
معرفتهم بالله وفهمهم في كتابه ،وتدبر هم له .وكان
يغشى على كثير منهم عند قراءته وسماعه ،وربما مات
بعضهم.
وذلك معروف في أخبارهم وسيرهم ،رحمهم الله ونفعنا
بهم.
فإذا قرأت القران فتدبر وتفهم وتفكر ،وتوقف عند كل
آية يكون فيها أمر من أوأمر الله تعالى ،أو نهي من نهيه،
أو وعد أو وعيد ،ثم أنظر ،فإن وجدت نفسك ممتثل ً لذلك
االمأمور ،مجتنبا ً لذلك المنهي ،ومصدقا ً موقنا ً بذلك الوعد
والوعيد ،فاحمد الله ،واعلم أن ذلك حصل لك بتوفيقه
ومعونته ،وزد في الجد والتشمير ،واحتز من التساهل
والتقصير .وإن وجدت نفسك غير ممتثل لذلك المأمور،
وغير مجتنب لذلك المنهي ،وغير قوي اليقين بالوعد
والوعيد ،فاستغفر ربك ،وتب إليه من تقصيرك ،واعزم
على امتثال أمره واجتناب نهيه ،وألزم قلبك اليقين
الكامل بوعده ووعيده.
وكذلك إذا تلوت آيات التوحيد لله والتقديس له عز وجل،
واليات التي فيها من معاني جلله ،ورفيع مجده وكماله،
206
) (1/206
ْ
ن ال ْ ُ
منك َ ِ
ر ن عَ ِف وَي َن ْهَوْ َ
معُْرو ِن ِبال ْ َ مُرو َخرِ وَي َأ ُ ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ
ن(]آل حي َصال ِ ِ ن ال ّم َ
ك ِت وَأ ُوْل َئ ِ َ
خي َْرا ِ ن ِفي ال ْ َ عو َ سارِ ُوَي ُ َ
عمران[114-113:
فيتأكد على القارئ للقرآن أن يقوم من الليل ،وأن يقرأ
سر من القرآن ،وكما قال تعالى: في صلته بالليل ما تي ّ
ه (]المزمل.[20: من ْ ُ
سَر ِ
ما ت َي َ ّ )َفاقَْر ُ
ؤوا َ
وقال عليه الصلة والسلم )) :من قام بعشر آيات لم
ُيكتب من الغافلين ،ومن قام بمائة آية ك ُت ِ َ
ب من القانتين،
ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين((.
قال العامري رحمه الله في ))بهجته(( :ينبغي لقارئ
القرآن أن يقرأ في كل شهر ختمتين ،ختمة بالليل في
القيام من الليل ،وختمة بالنهار.
قال :وهذا شيء سهل ،والمداومة عليه متيسرة .وصدق
رحمه الله ،والموفق من وفقه الله تعالى.
***
وينبغي لمن أراد أن يخنم القرآن :أن يختمه من أول الليل
أو من أول النهار ،حتى يتسع وقت صلة الملئكة عليه ،
فإنه ورد في بعض الثار :أن من ختم القرآن أّية ساعة
من الليل صّلت عليه الملئكة حتى يصبح ،وأّية ساعة من
النهار صّلت
215
) (1/215
وقال عليه الصلة والسلم )) :ما عمل ابن آدم عمل ً أنجى
له من عذاب الله من ذكر الله((.
وقال عليه الصلة والسلم )) :لذكر الله بالغداة والعشي
أفضل من حطم السيوف في سبيل الله تعالى ،ومن
حًا(( ).(1 إعطاء المال س ّ
وقال عليه الصلة والسلم )) :مثل الذي يذكر الله والذي
ل يذكره مثل الحي والميت ،ومثل الشجرة الخضراء بين
الشجر اليابس .وذاكر الله في الغافلين كالمقاتل بين
الفاّرين((.
وما ورد في المر بالذكر وفي فضله من اليات والخبار
ذر حصره. يطول ذكره ويتع ّ
***
قال العلماء رحمهم الله :أفضل الذكر ما كان بالقلب
واللسان جميعًا .وذكر القلب على انفراده أفضل من ذكر
اللسان على انفراده .انتهى.
قلت :ومعنى ذكر القلب :أن يكون صورة الذكر الجاري
على اللسان حاضرة فيه وجارية عليه ،مثل :ما إذا قال
الذاكر بلسانه :ل إله إل الله ،يكون معنى الذكر الجاري
على اللسان حاضرا ً فيه.
مثل :أن يقول بلسانه :ل إله إل الله،
------------------------------
ب والسيلن من فوق. ح :الص ّ) (1الس ّ
224
) (1/224
ثم اعلموا رحمكم الله :أن للذكر آدابًا ،وأن حضور القلب
اللسان حال الذكر هو أهمها وآكدها ،فعليكم به .فإن اكر
ل يكاد يصل إلى شيء من فوائد الذكر وثمراته المقصودة
بالحضور.
ومن آداب الذكر :أن يكون الذكر لله على أكمل الداب
وأحين الهيئات ظاهرا ً وباطنا ً ،وأن يكون على طهارة
ونظافة تامة ،وأن يكون في حال ذكره خاشعا ً لله ،
معظما ً لجلله ،مستقبل ً للقبلة ،مطرقا ً ساكن الطراف
كأنه في الصلة.
ثم إن المطلوب من العبد :أن ل يزال ذاكرا ً لله في جميع
أحواله وعلى دوام أوقاته ،فإن أمكنه الدوام على هذه
الداب التي ذكرناها ،من الطهارة والستقبال وغيرهما في
دوام أحواله ،كما هو شأن أرباب الخلوة و النقطاع إلى
الله تعالى فعل وداوم.وإن لم يمكنه الدوام على ذلك -
وهو الكثر والغلب -فينبغي له أن يجعل له وقتا ً معينا ً
يجلس فيه للذكر ،متأدبا ً بهذه الداب التي ذكرناها ،وبما
في معناها مما لم نذكره ،ثم ل يزال في بقية أوقاته ذاكرا ً
لله :قائما ً وقاعدا ً ومضطجعا ً من غير حد ول تقييد ،كما
م( دا وَعََلى ُ
جُنوب ِك ُ ْ ما وَقُُعو ً قال تعالىَ:فاذ ْك ُُروا ْ الل ّ َ
ه قَِيا ً
]النساء.[103:
***
وليحذر من الغفلة عن الذكر في وقت من الوقات ،فإن
الغفلة عن ذكر الله كثيرة الضرر ،قال النبي -صّلى الله
عليه وآله وسّلم)) : -من قعد
226
) (1/226
مقعدا ً لم يذكر الله تعالى فيه إل كانت عليه من الله ترة ،
ومن اضطجع مضطجعا ً لم يذكر الله تعالى فيه إل كانت
عليه من الله ترة ،ومن مشى ممشى ل يذكر الله تعالى
فيه إل كانت عليه من الله ترة(( .انتهى .ومعنى الترة:
الحسرة ،وقيل :التبعة.
وُرّبما تسّلط الشيطان على الغافل ،واستولى عليه بسبب
عن ش َ من ي َعْ ُ غفلته عن ذكر موله ،كما قال تعالى) :وَ َ
ن(]الزخرف: ري ٌ ه قَ ِطاًنا فَهُوَ ل َ ُ شي ْ َ ه َض لَ ُ ن ن َُقي ّ ْ م ِ ذِك ْرِ الّر ْ
ح َ
.[36
َ
م ذِك َْر الل ّ ِ
ه( ساهُ ْ ن فَأن َ طا ُ شي ْ َ
م ال ّ حوَذ َ عَل َي ْهِ ُست َ ْ
وقال تعالى) :ا ْ
]المجادلة.[19:
ومن شأن المؤمن أن يذكر ربه كثيرًا .كما أن وصف
ل ،قال الله تعالى في وصف المنافق أن ل يذكر ربه إل قلي ً
ل( ن الل ّ َ
ه إ ِل ّ قَِلي ً س وَل َ ي َذ ْك ُُرو َ ن الّنا َ ؤو َ المنافقين) :ي َُرآ ُ
]النساء.[142:
وفي ملزمة الذكر والمداومة عليه طرد للشيطان ،وقطع
لوسوسته ،كما ورد )) :إن الشيطان جاثم على قلب
العبد ،فإذا ذكر الله خنس ،وإذا غفل وسوس له((.
فينبغي وتتأكد المواظبة والملزمة لذكر الله على دوام
الوقات ،وفي عموم الحوال ،قال عليه الصلة والسلم
للرجل الذي قال له :يا رسول الله ،قد ك َُثرت عل ّ
ي
شرائع السلم ،فمرني بشيء به .فقال له )) :ل يزال
لسانك رطبا ً من ذكر الله((.
227
) (1/227
وقال عليه الصلة والسلم )) :ما قعد قوم يذكون الله
لئكة ،وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهمتعالى إل حفتهم الم ً
السكينة ،وذكرهم الله فيمن عنده((.
وقال عليه الصلة والسلم )) :إذا مررتم برياض الجنة
فارتعوا (( قيل :وما رياض الجنة؟ قال)) :حلق الذكر(( .
وفي رواية ))مجالس الذكر((،
وورد في الحديث الطويل الذي أّوله)) :إن لله ملئكة
سيارة في الرض يطلبون مجالس الذكر(( ثم ساق
الحديث إلى أن قال في آخره )):فيقول الله للملئكة:
أشهدكم أني قد غفرت لهم -أي للذاكرين -وأعطيتهم
ما يسألون ،وأعذتهم مما يستعيذون ،فتقول الملئكة:
طاء وأنما مّر فجلس معهم ،فيقول فيهم فلن عبد خ ّ
تعالى :هم القوم ل يشقى بهم جليسهم((..الحديث ،وهو
مشهور.
***
وقد اختار جماعة من أهل طريق التصوف الجهر بالذكر،
والجتماع لذلك ،ولهم في ذلك طرائق معروفة .واختار
آخرون السرار به ،والجميع على خير من ربهم ،وسداد
من طرائقهم رحمهم الله ونفع بهم .
ثم إن أهل هذه الطريق أعني طريقة التصوف ل يعدلون
بالذكر لله شيئًا ،وعليه تعويلهم ،وفيه شغلهم بعد إقامة
الفرائض واجتناب المحارم ،وبه يأمرون المريد والسالك
لطريقهم ،ويأخذون عليه العهد بالمداومة
230
) (1/230
235
) (1/235
وأما الدعاء :فقد أمر الله به وحث عليه ورغب فيه ،فقال
ب ه ل َ يُ ِ
ح ّ ة إ ِن ّ ُخْفي َ ً عا وَ ُ ضّر ً م تَ َعوا ْ َرب ّك ُ ْ
عز من قائل كريم):اد ْ ُ
َ س ُ ْ
عوهُ حَها َواد ْ ُ صل َ ِ ض ب َعْد َ إ ِ ْدوا ِفي الْر ِ ن*وَ ل َ ت ُْف ِ دي َ ال ْ ُ
معْت َ ِ
ن(سِني َ ح ِ م ْن ال ْ ُم َ ب ّ ت الل ّهِ قَ ِ
ري ٌ م َ ح َ
ن َر ْ
مًعا إ ِ ّخوًْفا وَط َ َ َ
]العراف[56-55:
ماء ال ْ ُ َ
عوهُ ب َِها( سَنى َفاد ْ ُ ح ْ س َ وقال تعالى) :وَل ِل ّهِ ال ْ
]العراف.[180:
َ
م (]غافر: ب ل َك ُ ْ ج ْ ست َ ِ
عوِني أ ْ م اد ْ ُ ل َرب ّك ُ ُ وقال تعالى) :وََقا َ
[60
ن لَ ُ
ه صي َخل ِ ِ
م ْعوهُ ُ ه إ ِّل هُوَ َفاد ْ ُي َل إ ِل َ َ ح ّ وقال تعالى) :هُوَ ال ْ َ
ن(]غافر.[65: مي َ ب ال َْعال َ ِ مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ ن ال ْ َ
ح ْ دي َ
ال ّ
وقال النبي -صّلى الله عليه وآله وسّلم)) :-الدعاء هو
العبادة((.
وقال عليه الصلة والسلم )) :الدعاء سلح المؤمن،
وعماد الدين ،ونور السموات والرض(( .
وقال عليه الصلة والسلم)) :ل يرد القضاء إل الدعاء ،ول
يزيد في العمر إل البر((.
خ العبادة((. وقال عليه الصلة والسلم)) :الدعاء م ّ
وقال)) :ل يهلك مع الدعاءأحد .والدعاء ينفع مما نزل
ومما لم ينزل(( ،وقال عليه الصلة والسلم)) :ادعوا الله
وأنتم موقنون بالجابة .وأعلموا أن الله ل يستجيب دعاء
ه((. من قلب غافل لهٍ سا ٍ
وأمر عليه الصلة والسلم بتعظيم المسألة وبجزمها .وأن
ة،
ت .بل يعزم المسأل َ م اغفر لي إن شئ َ ل يقول العبد :الّله ّ
240
) (1/240
243
) (1/243
ثم إنه قد ورد عن رسول الله صّلى الله عليه وآله وسّلم
من الذكار والدعية المطلقة والمقيدة بالوقات
المتعاقبة ،والحوال المتغايرة ما كثر وانتشر ،وقد رتبها
عليه لمته ،ورغبهم فيها ،لتكون سببا ً لهم إلى نيل الخير
والخيرات ،والسلمة من الشر والفات الواقعة بمشيئة
الله تعالى في تلك الحوال والوقات .فمن حافظ عليها
نجا وسلم ،وفاز وغنم .ومن فرط فيها وأهمل العمل بها
فل يلومن إل نفسه .وما ربك بظلم للعبيد.
وقد جمع المام النووي -رحمه الله -في ))كتاب
م إليها من
الذكار(( له ،جملة مستكثرة من ذلك ،وض ّ
اليضاح والبيان ،ونفائس الحكام ،ومهمات الفوائد ما
يطمئن به القلب ،وينشرح له الصدر شكر الله سعيه،
وجزاه عن المسلمين خيرًا.
وذكر أيضا ً صاحب ))عدة الحصن الحصين(( فيها من ذلك
طرفا ً صالحا ً رحمه الله .وقد جمعنا لصحابنا من أذكار
الصباح والمساء خاصة نبذة مختصرة مباركة إن شاء الله
تعالى .والله يقول الحقّ وهو يهدي السبيل.
***
244
) (1/244
*******************************
*******************************
مبحث المر بالمعروف والنهي عن المنكر
*******************************
*******************************
) (1/245
) (1/246
وقال رسول الله -صّلى الله عليه وآله وسّلم)) :-من رأى
منكن منكرا ً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ،فإن
لم يستطع فبقلبه ،وذلك أضعف اليمان((وقال عليه
الصلة والسلم)) :يا أيها الناس ،مروا بالمعروف وأنهوا
عن المنكر قبل أن تدعوا فل يستجاب لكم ،وقبل أن
تستغفروا فل يغفر لكم(( ،إن المر بالمعروف والنهي عن
ل ،وأن الحبار منالمنكر ل يدفع رزقًا ،ول يقرب أج ً
اليهود ،والرهبان من النصارى لما تركوا المر بالمعروف
والنهي عن المنكر لعنهم الله على لسان أنبيائهم ،ثم
موا بالبلء .وقال عليه الصلة والسلم)) :أفضل الجهاد عُ ّ
كلمة حق عند سلطان جائر((.
وسئل صلوات الله عليه عن خير الناس فقال)) :أتقاهم
للرب ،وأوصلهم للرحم ،وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن
المنكر((.
***
ذب قرية فيها ثمانية عشر ألفًا، ن الله تعالى ع ّوبلغنا أ ّ
أعمالهم كأعمال النبياء غير أنهم كانوا ل يغضبون لله.
فقد تبين واتضح أن المر بالمعروف والنهي عن المنكر ل
رخصة لحد في تركهما عند القدرة والمكان ،وأن من
أضاع ذلك وتساهل فيه فهو متهاون بحق الله ،وغير
ل من الله معظم لحرماته كما ينبغي ،وقد ضعف إيمانه وق ّ
خوفه وحياؤه .فإن كان
248
) (1/248
***********
***********
***
***********
***********
) (1/258
***********
***********
مبحث الجهاد
***********
***********
) (1/259
***********
***********
***
***********
***********
) (1/260
مبحث الجهاد
***********
وقد رأينا أن نذكر طرفا ً مما ورد في الجهاد من اليات
والخبار في المر بالجهاد في سبيل الله وفي فضله،
تتميما ً للفائدة.
وهذا الموضع من أنسب المواضع لذكر ذلك ،لن الجهاد
من أقسام المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وهو
أعلها،
وأشرفها وأفضلها ،لنه أمر برأس المعروف الذي هو
التوحيد والسلم ،ونهي عن أفحش المنكرات والثار،
الذي هو الكفر والشراك بالله.
وأول الجهاد الدعوة إلى السلم ،ثم القتال بالسيف .وقد
ورد في الجهاد من اليات والخبار ما يطول ذكره ،ويتعذر
حصره ،ونحن نذكر
من ذلك شيئا ً يسيرا ً تبركا ً بذكر هذا الصل الشريف من
أصول الدين ،الذي أعز الله به السلم والمسلمين ،وأذل
به الشرك والمشركين ،قال
َ
سى أن م وَعَ َ ل وَهُوَ ك ُْرهٌ ل ّك ُ ْ م ال ِْقَتا ُ ب عَل َي ْك ُ ُ الله تعالى) :ك ُت ِ َ
حّبوا ْ َ
شي ًْئا وَهُوَ َ
شّر سى َأن ت ُ ِ م وَعَ َ خي ٌْر ل ّك ُ ْ شي ًْئا وَهُوَ َ هوا ْ َ ت َك َْر ُ
َ
ن(]البقرة.[216: مو َ م ل َ ت َعْل َ ُ م وَأنت ُ ْ ه ي َعْل َ ُ
م َوالل ّ ُ ل ّك ُ ْ
261
ن
دي ُ
ن ال ّكو َة وَي َ ُ ن فِت ْن َ ٌ حّتى ل َ ت َ ُ
كو َ م َ وقال تعالى):وََقات ُِلوهُ ْ
ه(]البقرة.[193: ل ِل ّ ِ
) (1/261
عدي َ
جًرا نأ ْ ن عََلى ال َْقا ِ ِ َ دي َ جاهِ ِ م َ ه ال ْ ُ ل الل ّ ُ ض َ وقال تعالى) :وَفَ ّ
ه غَُفوًرا ن الل ّ ُ كا َ ة وَ َ م ً ح َ مغِْفَرةً وََر ْ ه وَ َ من ْ ُ ت ّ جا ٍ ما * د ََر َ ظي ً عَ ِ
ما(]النساء[96-95: حي ً ّر ِ
م
ذوهُ ْ خ ُ م وَ ُ موهُ ْ جدت ّ ُ ث وَ َ حي ْ ُ ن َ كي َ شرِ ِ م ْ وقال تعالىَ) :فاقْت ُُلوا ْ ال ْ ُ
موا ْ َ
صدٍ فَِإن َتاُبوا ْ وَأَقا ُ مْر َ ل َ م كُ ّ دوا ْ ل َهُ ْ م َواقْعُ ُ صُروهُ ْ ح ُ َوا ْ
م( حي ٌ ه غَُفوٌر ّر ِ ن الل ّ َ م إِ ّ سِبيل َهُ ْ خّلوا ْ َ كاةَ فَ َ صل َةَ َوآت َوُا ْ الّز َ ال ّ
]التوية.[5:
ل الل ّ ِ
ه سِبي ِ دوا ْ ِفي َ جاهَ ُ جُروا ْ وَ َ ها َ مُنوا ْ وَ َ نآ َ ذي َ وقال تعالى) :ال ّ ِ
عند َ الل ّهِ وَأ ُوْل َئ ِ َ بأ َموال ِهم وَأنُفسه َ
مك هُ ُ ة ِ ج ً م د ََر َ م أعْظ َ ُ ِ ِ ْ ِ ْ َ ِ ْ َ
م ّ
ت لهُ ْ جّنا ٍ ن وَ َ وا ٍ ض َ ه وَرِ ْ من ْ ُ مة ٍ ّ ح َ م َرب ُّهم ب َِر ْ شُرهُ ْ ن * ي ُب َ ّ ال َْفائ ُِزو َ
َ َ
جٌر عند َهُ أ ْ ه ِ ن الل ّ َ دا إ ِ ّ ن ِفيَها أب َ ً دي َ خال ِ ِ م* َ مِقي ٌ م ّ ِفيَها ن َِعي ٌ
م(]التوبة.[22-20: ظي ٌ عَ ِ
َ
وال ِك ُ ْ
م م َدوا ْ ب ِأ ْ جاهِ ُ خَفاًفا وَث َِقال ً وَ َ وقال تعالى) :ان ِْفُروا ْ ِ
َ
ن(مو َ م ت َعْل َ ُ كنت ُ ْ م ِإن ُ خي ٌْر ل ّك ُ ْ م َ ل الل ّهِ ذ َل ِك ُ ْ سِبي ِ م ِفي َ سك ُ ْ وَأنُف ِ
]التوبة.[41:
َ ُ
ن الل ّ َ
ه موا وَإ ِ ّ م ظ ُل ِ ُ ن ب ِأن ّهُ ْ ن ي َُقات َُلو َ ذي َ ن ل ِل ّ ِ وقال تعالى) :أذِ َ
ديٌر(]الحج.[39: م ل ََق ِ صرِهِ ْ عََلى ن َ ْ
شترى من ال ْمؤْمِني َ
م سه ُ ْ ن أنُف َ ُ ِ َ ِ َ ها ْ ََ ن الل ّ َ وقال تعالى) :إ ِ ّ
َ َ
ن ل الل ّهِ فَي َْقت ُُلو َ سِبي ِ ن ِفي َ ة ي َُقات ُِلو َ جن ّ َ م ال َ ن ل َهُ ُ وال َُهم ب ِأ ّ م َ وَأ ْ
ن م ْ ن وَ َ ل َوال ُْقْرآ ِ جي ِ لن ِ حّقا ِفي الت ّوَْراةِ َوا ِ دا عَل َي ْهِ َ ن وَعْ ً وَي ُْقت َُلو َ
َ
ه
ذي َباي َعُْتم ب ِ ِ م ال ّ ِ شُروا ْ ب ِب َي ْعِك ُ ُ ست َب ْ ِن الل ّهِ َفا ْ م َ أوَْفى ب ِعَهْدِهِ ِ
م(]التوبة.[111: ك هُوَ ال َْفوُْز ال ْعَ ِ
ظي ُ وَذ َل ِ َ
262
) (1/262
وقال -صّلى الله عليه وآله وسّلم )) :-ل يلج النار رجل
بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ،ول يجتمع
غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري مسلم
أبدًا((.
وقال عليه الصلة والسلم)) :كل عين باكية يوم القيامة
إل عينا ً بكت من خشية الله ،وعينا ً باتت تحرس في سبيل
الله((.
وقال عليه الصلة والسلم)) :من رمى بسهم في سبيل
الله كاان له كعدل محرر(( ).(1
وقال -صّلى الله عليه وآله وسّلم)): -من احتبس فرسا ً
في سبيل الله إيمانا ً بالله وتصديقا ً بوعده ،فإن شبعه وريه
وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة(( ،يعني :حسنات.
***
وللنفقة في سبيل اللع وإعانة الغزاة فضل وثواب عظيم،
قال -صّلى الله عليه وآله وسّلم)): -من جهز غازيا ً في
سبيل الله فقد غزا ،ومن خلف غازيا ً في أهله بخير فقد
غزا((.
وجاء رجل إلى رسول الله -صّلى الله عليه وآله وسّلم-
بناقة مخطومة وقال :هذه في سبيل الله .فقال له عليه
الصلة والسلم)) :لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها
مخطومة((.
وقال -صّلى الله عليه وآله وسّلم)): -من أنفق نفقة في
سبيل الله ك ُت َِبت له سبعمائة ضعف((.
---------------------------------
) (1أي :كمثل عبد محّرر من الرق ،والمراد كمثل أجر
عتقه.
265
) (1/265
صر .ومن لم مر ،ول يتكاسل ول ي َُق ّ فليجاهد وليبادر ويش ّ
كن ،فعليه بحسن النية في الجهاد ،وكثرة يستطع ولم يتم ّ
الدعاء للمجاهدين ،وإعانتهم بما يقدر عليه ،وليشتغل
بمجاهدة نفسه وهواه في طاعة رّبه وموله ،فإن ذلك من
أقسام الجهاد ،قال -صّلى الله عليه وآله وسّلم: -
)) المجاهد من جاهد هواه ،والمهاجر من هجر ما نهى الله
عنه((.
وبلغنا أنه عليه الصلة والسلم :قال لبعض أصحابه وقد
قدموا من الجهاد النفس((.
***
ثم إن من أكبر الكبائر الموبقات ،وأعظم الجرائم
المهلكات :قتال المسلمين بعضهم بعضا ً على الرياسة
والملك ،وحظوظ الدنيا والحمية والعصبية التي هي من
مًنامؤ ْ ِ
ل ُ من ي َْقت ُ ْ أمور الجاهلية ،وقد قال الله تعالى) :وَ َ
ه عَل َي ْهِ وَل َعَن َ ُ
ه ب الل ّ ُض َدا ِفيَها وَغَ ِ
خال ِ ً
م َ جَزآؤُهُ َ
جهَن ّ ُ دا فَ َ م ً مت َعَ ّّ
َ
ما(]النساء.[93: ظي ً ه عَ َ
ذاًبا عَ ِ وَأعَد ّ ل َ ُ
وقال عليه الصلة والسلم)) :إذا التقى المسلمان
بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار .قالوا :هذا القاتل
ل المقتول؟ قال :إنه كان حريصا ً على قتل فما با ُ
صاحبه((.
وقال عليه الصلة والسلم في خطبة يوم النحر في حجة
271
) (1/271
) (1/274
277
) (1/277
وقد قال -صّلى الله عليه وآله وسّلم)): -أسرع الخير ثوابا ً
وصلة الرحم ،وأسرع الشر عقابا ً البغي وقطعية الرحم((.
وقال عليه الصلة والسلم)) :ما من ذنب أجدر أن يعجل
الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الخرة
من البغي وقطيعة الرحم((.
قلت :فثواب البر والصلة معجل ومؤجل ،وعقاب العقوق
والقطيعة كذلك .نسأل الله العافية.
وينبغي للنسان أن يصل أرحامه وإن لم يصلوه ،ويحسن
إليهم وأن لم يحسنوا إليه.
قال عليه الصلة والسلم)) :ليس الواصل بالمكافئ،
ولكن الواصل هو الذي إذا قطعت رحمه وصلها((.
وينبغي له أيضا ً أن يصبر على أذاهم إن آذوه ،ول يكافئهم
بإساء تهم إن أساؤوا إليه ،بل يعفو ويصفحو ،ويصل
ويحسن ،وكلما آذوه وأساؤوا في حقه كانت الصلة لهم
آكد ،وكانت الصدقة عليهم أفضل.
قال عليه الصلة والسلم)) :أفضل الصدقة على ذي
الرحم الكاشح(( .وهو الذي يضمر العداوة لقربيه
المحسن إليه .وفي حديث الرجل الذي قال للنبي -صّلى
الله عليه وآله وسّلم)) : -إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني!
فذكر الحديث قال في آخره)) :ول يزال معك من الله
ظهير ما دمت على ذلك (( يعني :على برهم وصلتهم وإن
قطعوا وأساؤوا.
***
288
) (1/288
وكف الذى عنهم إلى الغاية والنهاية ،حتى بلغنا أنه كثر
الفأر في دار بعضهم فقيل له :لو اقتنيت هرًا؟ فقال
أخاف أن يهرب الفأر منه إلى الجيران ،فيكون ذلك من
الذى لهم.
وأما الحسان إلى الصحاب :فهو مأمور به ،ومرغب فيه،
ومندوب إليه .وللصحاب حقوق تجب مراعاتها وتتأكد
كوا ْ
شرِ ُ ه وَل َ ت ُ ْدوا ْ الل ّ َ المحافظة عليها ،قال الله تعالىَ):واعْب ُ ُ
مى ذي ال ُْقْرَبى َوال ْي ََتا َ ساًنا وَب ِ ِ
ح َن إِ ْ شي ًْئا وَِبال ْ َ
وال ِد َي ْ ِ ب ِهِ َ
ب ح ِصا ِ ب َوال ّ جن ُ ِ جارِ ال ْ ُجارِ ِذي ال ُْقْرَبى َوال ْ َ ن َوال ْ َ كي ِ سا ِم َ َوال ْ َ
ب (]النساء.[36: جن ِ ِبال َ
وروي عنه عليه أفضل الصلة والسلم أنه قال)) :مامن
صاحب يصحب صاحبا ً ولو ساعة من نهار إل سئل عن
صحبته يوم القيامة هل أقام فيها حق الله أو أضاعه؟((.
وقال عليه الصلة والسلم)) :خير الصحاب خيرهم
لصاحبه ،وخير الجيران خيرهم لجاره(( .وقال عليه الصلة
دهما والسلم)) :ما تحاب اثنان إل كان أحبهما إلى الله أش ّ
حب ّا ً لصاحبه(( وفي رواية ))أرفقهما بصاحبه((
***
وأصل الصحبة صدق المحبة وصفاء المودة ،ومهما كان
ذلك في الله ولله فثوابه عظيم .وقال عليه الصلة
ي،والسلم)) :قال الله تعالى :وجبت محبتي للمتاحبين ف ّ
ي((. ي ،والمتباذلين ف ّ ي ،والمتزاورين ف ّ والمتجالسين ف ّ
303
) (1/303
وقال عليه الصلة والسلم)) :يقول الله تعالى يوم
القيامة :أين المتحابون بجللي ،اليوم أظّلهم في ظّلي
ل إل ظ ِّلي((. يوم ل ظ ّ
وقال عليه الصلة والسلم)) :من سّره أن يجد حلوة
حّبه إل الله(( .وقال عليه الصلة ب المرَء ل ي ُ ِح ّ
اليمان فلي ُ ِ
والسلم)) :سبعة يظلهم الله في ظله يوم ل ظل إل ظله،
فذكرهم حتى قال:ورجلن تحابا في الله ،اجتمعا عليه
وتفرقا عليه((...الحديث.
ب اللهه لنه يح ّ
حب َ ُ
صا َ
هو َن وأل َِف ُن النسا َ ب النسا ُ فإذا أح ّ
ويعمل بطاعته كان ذلك من المحبة في الله تعالى.
وإذا أحّبه وصحبه لنه يعينه على دينه ويساعده على
طاعة رّبه فقد أحّبه في الله.
وإذا أحّبه وصحبه لنه وجد طبعه يميل إليه ونفسه تأنس
به ،أو لنه يعينه على دنياه وأسباب معاشه التي يتمتع بها
فتلك محّبة طبعية ليست من المحّبة لله في شيء ،وتلك
صحبة نفسانية اقتضاها ميل الطبع ولكنها مباحة ،ولعّلها ل
تخلو من خير إن شاء الله تعالى.
وأما إذا أحّبه وصاحبه لنه يعينه على المعصية والظلم،
ويساعده على أسباب الفسق والمنكر فتلك محبة وصحبة
304
) (1/304
ثم اعلم :أنه ينبغي لك إذا قصدت صحبة أحد ومصادقته ،
ليكون لك جليسا ً ومعاونا ً على أمور آخرتك ودنياك أن
ن النظر والختبار،دم قبل عقد الصحبة واختيار ها حس َ تق ّ
والتفتيش عن أحوال من تريد أن تصحبه وتتخذه صديقًا،
فإن كان يصلح لذلك صحبته وإل تركت ،فليس كل أحد
يصلح للصحبة والمعاشرة ،ورب صحبة لم تتقدمهاالخبرة
وحسن النظر تعود وحشة وعداوة في أسرع وقت.
***
وقد قال حجة السلم رحمه الله تعالى :إذا أردت صحبة
سن، خُلق ال َ
ح َ أحد فراِع فيه خمس خصال :العقل ،وال ُ
صلح ،وأن ل يكون حريصا ً على الدنيا ،وأن ل يكون وال ّ
كذابا ً .انتهى كلمه مختصرًا ،وهو الغاية في ذلك والكفاية.
مت المودة بينك وبين صاحب ثم إذا انعقدت الصحبة ،وت َ ّ
فقد توجهت عليك له حقوق ل بد ّ لك من القيام بها ،وإل
كانت الصحبة صورة بل حقيقة ل نفع فيها ول طائل لها.
***
ب
ب له ما تح ّ وحقوق الصحبة كثيرة ،وجملتها :أن تح ّ
لنفسك من الخير ،وأن تكرهَ له ما تكرهه لنفسك من
الشّر ،وأن تنزله منزلة نفسك في الهتمام بأموره،
سعي في مصالحه ،وقضاء حوائجه ،والسرور بمساّره وال ّ
والغتمام بمكارهه.
309
) (1/309
****************
****************
مبحث المهلكات
****************
****************
) (1/313
****************
****************
***
****************
****************
) (1/314
مبحث المهلكات
**************
واعلموا معاشر الخوان أغنانا الله وإياكم بحلله عن
حرامه ،وبطاعته عن معصيته ،وبفضله عمن سواه:
أن الورع عن المحرمات والشبهات ،وطلب الحلل والكل
منه مع اجتناب الحرام رأسا ً اكتسابا ً وأكل ً وغير ذلك ،وكل
ذلك من أهم المهمات في الدين ،ومن أفضل ما يتقرب
به العباد إلى الله رب العالمين،قال الله تعالىَ) :يا أ َي َّها
َ
توا ِ خط ُ َ حل َل ً ط َّيبا ً وَل َ ت َت ّب ُِعوا ْ ُض َ ما ِفي الْر ِ م ّس ك ُُلوا ْ ِ الّنا ُ
ن(]البقرة.[168: مِبي ٌم عَد ُوّ ّ ه ل َك ُ ْن إ ِن ّ ُ شي ْ َ
طا ِ ال ّ
حل َل ً ط َي ًّبا َوات ُّقوا ْ الل ّ َ
ه ه َ م الل ّ ُ
ما َرَزقَك ُ ُم ّوقال تعالى) :وَك ُُلوا ْ ِ
َ
ن(]المائدة.[88: مُنو َ مؤ ْ ِال ّذِيَ أنُتم ب ِهِ ُ
َ ْ َ
م وال َك ُ ْ
م ب َي ْن َك ُ ْ م َمُنوا ْ ل َ ت َأك ُُلوا ْ أ ْنآ َ ذي َ وقال تعالىَ) :يا أي َّها ال ّ ِ
م وَل َ ت َْقت ُُلوا ْ منك ُ ْ ض ّ ل إ ِل ّ َأن ت َ ُ ِبال َْباط ِ ِ
عن ت ََرا ٍ جاَرةً َ ن تِ َكو َ
َ
ما* حي ً م َر ِ ن ب ِك ُ ْكا َه َ ن الل ّ َ م إِ ّسك ُ ْأنُف َ
نكا َصِليهِ َناًرا وَ َ ف نُ ْ سو ْ َ ما فَ َ ك عُد َْواًنا وَظ ُل ْ ً ل ذ َل ِ َمن ي َْفعَ ْ وَ َ
سيًرا(]النساء .[30-29 ك عََلى الل ّهِ ي َ ِ ذ َل ِ َ
وقال رسول الله -صّلى الله عليه وآله وسّلم)) : -خير
دينكم الورع((وقال عليه الصلة والسلم )) :يا أبا
هريرة،كن ورعا ً تكن أعبد الناس ((...الحديث.
315
) (1/315
319
) (1/319
دته! منح َ
دته وهذا على ِ ح َ
ت هذا على ِ لصاحبه )) :هل بع َ
ش المسلمين فليس منهم((. غ ّ
وقال عليه الصلة والسلم )):البيعان بالخيار مالم
يتفرقا،فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ،وإن كذب
وكتما محقت بركة بيعهما(( .فل يحل لحد أن يبيع المعيب
إل ويبين ما فيه من العيب ،فإن لم يبين وكان من
الحاضرين من يعلم ذلك وجب عليه أن يبين ،وقد ورد
الحديث بذلك ،وهو من النصح تاواجب .ومن الغش
المحرم :خلط جيد المتاع يرديئه وبيعهمت على حدة
واحدة تلبيسا ً وخداعًا.
ومنه :إدخال الدرهم الزائف في الدراهم الجيدة ،وذلك
مما ل يجوز.
فإن أعطاه الزائف بنقصان وجده بين الدراهم مسامحة،
وكان يعرف من حاله أنه سيروجه على المسلم آخر في
بيع ثان ام يحل ذلك.
فل خلص من النقد الرديء الذي يخالف نقد البلد إل بأن
يرميه في بئر ونحوها ،كما كان يفعل ذلك بعض السلف
الصالح.
أو يذهب به إلى الصائغ ليخرج ما فيه من الفضة الخالصة،
فيكون نقدا ً صالحًا ،ويكون الغش الذي فيه نحاس ونحوه
نافعا ً على قدره ،ومن لم تمسح نفسه بذلك فليحترز من
أخذ الدراهم الزائف التي ل تجوز النمعاملة عليها ،وإذا
وقع في يده الدرهم الزئف وكان يعرف صاحب الذى
عامله عليه فليرده على صاحب إن لم تسمح نفسه
بإتلفة ،ول ي َُرّوجه على مسلم آخر فيأثم بذلك.
***
330
) (1/330
335
) (1/335
وقال عليه الصلة والسلم )) :من حلف على مال امرئ
مسلم بغير حقه لقي الله تعالى وهو عليه غضبان((.
قال عبد الله بن مسعود رصي الله عنه :ثم قرأ رسول
الله -صّلى الله عليه وآله وسّلم -مصداقة من كتاب
َ
مًنا قَِليل ًم ثَ َ
مان ِهِ ْن ب ِعَهْدِ الل ّهِ وَأي ْ َ شت َُرو َ ن يَ ْذي َ ن ال ّ ِ
تعالى ) :إ ِ ّ
ه وَل َ َينظ ُُر م الل ّ ُمه ُ ُخَرةِ وَل َ ي ُك َل ّ ُ م ِفي ال ِ خل َقَ ل َهُ ْ ك لَ َ أ ُوْل َئ ِ َ
َ
م(]آل ب أِلي ٌ ذا ٌ م عَ َ م وَل َهُ ْ
كيهِ ْمةِ وَل َ ي َُز ّ م ال ِْقَيا َ م ي َوْ َإ ِل َي ْهِ ْ
عمران.[77:
وقال عليه الصلة والسلم )) :الكبائر :الشراك بالله،
وعقوق الوالدين ،واليمين الغموس((.
ن الغموس ميت اليمي ُ س ّ قال الحافظ المنذري رحمه الله ُ :
غموسا ً لنها تغمس صاحبها في الثم في الدنيا ،وتغمسه
في النار في الخرة.انتهى .واليمين الغموس :هي التي
يقتطع بها النسان شيئا ً من مال أخيه المسلم وإن كان
ذلك شيئا ً يسيرًا ،حتى قال عليه الصلة والسلم )) :ولو
قضيبا ً من أراك((.
***
وأما القتطاع من أموال الناس بشهادة الزور فأن يشهد
به له غيره بشهادة باطلة وهو يعلم ذلك ويريده فيأثم
المشهود له والشاهد ،فيكون الشاهد على مثل ذلك ممن
باع آخرته بدنيا
339
) (1/339
349
) (1/349
353
) (1/353
وقد قال عليه الصلة والسلم )) :ما مل ابن آدم وعاء
شرا ً من بطنه ،حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ،فإن
كان ل محالة ،فثلث بطعامه ،وثلث لشرابه ،وثلث
لنفسه((.
وروي عنه عليه الصلة والسلم أنه قال)):شرار أمتي
الذين غذوا بالنعيم ونبتت عليه أجسامهم ،ولنما همة
أحدهم ألوان الطعام وألوان الثياب ،ويتشدقون في
كلم(( .وقال عليه الصلة والسلم )):أطول الناس شبعا ً
في الدنيا أطولهم جوعا ً في الخرة(( .وقال علي كرم الله
وجهه :من كان همته ما يدخل بطنه كان قيمته ما يخرج
منها.
فعلى المؤمن أن يكف نفسه عن الشهوات عفه وقناعة،
وزهادة في الدنيا ،وإذا أكل فليقتصر على ما دون الشبع،
وليأكل ما وجد من الحلل من غير قصد لما كان ألذ
وأوفق للطبع ،وإن تحرى الخشن الدنى كان أقرب
للتقوى ،وأقل للكلفة ،وأبعد عن الشهوات ،وأشبه بهدي
السلف الصالح.
وقد كان أكثر طعمام رسول الله -صّلى الله عليه وآله
وسّلم -من الشعير ،وكان يمكث هو وأهله عليه الصلة
والسلم الشهر على التمر والماء،ل توقد لهم نار لطعام
ول غيره.
وعلى المؤمن إذا أكل أن يأكل بالدب ،واتباع السنة في
ذلك ،ومن التسمية عند البتداء ،والحمد لله في الخر،
354
) (1/354
ل ذ َل ِ َ
ك من ي َْفعَ ْ ن وَ َ حقّ وََل ي َْزُنو َ ه إ ِّل ِبال ْ َم الل ّ ُ س ال ِّتي َ
حّر َ الن ّْف َ
َ
خل ُد ْ ِفي ِ
ه مةِ وَي َ ْ م ال ِْقَيا َب ي َوْ َ ذا ُ ه ال ْعَ َ ف لَ ُ
ضاعَ ْ ما* ي ُ َي َل ْقَ أَثا ً
ل حا فَأ ُوْل َئ ِ َ
ك ي ُب َد ّ ُ مًل َ
صال ِ ً ل عَ َ م َ ن وَعَ ِ م َب َوآ َ من َتا َ مَهاًنا* إ ِّل َ
ُ
ما(]الفرقان: حي ًه غَُفوًرا ّر ِ ن الل ّ ُ ت وَ َ
كا َ سَنا ٍ
ح َ م َسي َّئات ِهِ ْ
ه َ الل ّ ُ
.[70-68
وقال رسول الله -صّلى الله عليه وآله وسّلم )): -ل يزني
الزاني حين يزني وهو مؤمن((.
وقال عليه الصلة والسلم )) :المقيم على الزنا كعابد
وثن((.
وقال عليه الصلة والسلم )) :إن الزناة يأتون تشتعل
فروجهم نارًا(( .أي :يأتون يوم القيامة.
وقال عليه الصلة والسلم )):ثلثة ل يكلمهم الله يوم
القيامة ،ول يزكيهم ،ول ينظر إليهم ،ولهم عذاب أليم
،شيخ زان ،وملك كذاب ،وعائل مستكبر((.
وقال عليه الصلة والسلم)) :إن الزنا يجلب الفقر((.
وورد )) :أنه يأتي على أهل الموقف ريح منتنة تؤذي كل
ب َّر وفاجر غاية الذى؛ فيقال لهم :هذه رائحة فروج
الزناة((.
وفي الحديث الصحيح :أنه -صّلى الله عليه وآله وسّلم-
رأى الزناة والزواني في مثل التنور ،يأتيهم لهب النار من
أسفله فيصيحون ويرتفعون ،وذلك من أنواع تعذيب الله
أياهم في البرزخ ،وقال الله تعالى في ذكر إهلك قوم
جاء ما َ لوط ،وحين عملوا بالفاحشة وأصروا عليه ) :فَل َ ّ
مط َْرَنا عَل َي َْها ِ َ َ
من جاَرةً ّ ح َ سافِل ََها وَأ ْ جعَل َْنا َ
عال ِي ََها َ مُرَنا َ أ ْ
ن
مي َ ن ال ّ
ظال ِ ِ م َ ي ِ ما هِ َ ك وَ َعند َ َرب ّ َة ِ م ًسو ّ َ
م َضوٍد* ّ من ُ ل ّ جي ٍس ّ ِ
د(]هود.[83-82: ب ِب َِعي ٍ
256
) (1/356
357
) (1/357
359
) (1/359
366
) (1/366
السّر ،حيث ل يطلع عليه الناس ،فبذلك أحوط وأسلم،
وهو أفضل مطلقا ً أعني العمل في السر حتى لمن لم
يخف على نفسه الرياء إل للمخلص الكامل ،والذي يرجو
إذا ظهر العمل أن يقتدي به الناس فيه .نعم ،ومن
العمال ما ل يتمكن النسان من فعله إل ظاهرًا ،كتعلم
العلم وتعليمه ،وكالصلة في الجماعة والحج والجهاد،
ونحو ذلك .فمن خاف من الرياء حال فعله شيئا ً من هذه
العمال الظاهرة ،فليس ينبغي له أن يتركه ،بل عليه أن
يفعله ،ويجتهد في دفع الرياء عن نفسه ،ويستعين بالله
تعالى ،وهو نعم المولى ونعم المعين.
ومن المهلكات :الحسد للمسلمين ،ومحبة الشر لحد
منهم ،وإضمار العداوة والغش والحقد لهم .وقلة الرحمة
بهم والشفقة عليهم ،وسوء الظن بهم ،فكل ذلك من
الصفات المهلكة.
أما الحسد :فحسبك به ذما ً وقبحا ً أن الله تعالى أمر
رسول الله -صّلى الله عليه وآله وسّلم -بالستعاذة من
شر الحاسد ،كما أمره بالستعاذة من شر الشيطين فقال
د(]الفلق.[5: س َ
ح َ
ذا َسدٍ إ ِ َ
حا ِ من َ
شّر َ تعالى):وَ ِ
وقال عليه الصلة والسلم )):إياكم والحسد ،فإن الحسد
يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب(( .وقال عليه
الصلة والسلم )):ل يجتمع في جوف عبد اليمان
والحسد(( وهذا شديد فتأمله .وقال عليه الصلة
والسلم )):ل تحاسدوا ول
367
) (1/367
368
) (1/368
شاء ما ن َ َ ه ِفيَها َ جل َْنا ل َ ُ ة عَ ّ جل َ َ ريد ُ ال َْعا ِ ن يُ ِ كا َ من َ وقال تعالىّ ) :
ن
م ْ حوًرا*وَ َ مد ْ ُ ما ّ مو ً مذ ْ ُ ها َ صل َ ْ م يَ جهَن ّ َ ه َ جعَل َْنا ل َ ُ م َ ريد ُ ث ُ ّ من ن ّ ِ لِ َ
ُ
نكا َ ك َ ن فَأول َئ ِ َ م ٌ مؤ ْ ِ سعْي ََها وَهُوَ ُ سَعى ل ََها َ خَرةَ وَ َ أ ََراد َ ال ِ
كوًرا(]السراء.[19-18: ش ُ م ْ سعْي ُُهم ّ َ
وقال تعالى مزهدا ً لعباده في الدنيا ومذكرا ً لهم بذهابها
َ
نم َ ماء أنَزل َْناهُ ِ حَياةِ الد ّن َْيا ك َ َ ل ال ْ َ مث َ َ ب ل َُهم ّ ضرِ ْ وفنائهاَ) :وا ْ
َ َ ط ب ِهِ ن ََبا ُ ْ خت َل َ َ
ما ت َذ ُْروهُ شي ً ح هَ ِ صب َ َ ض فَأ ْ ت الْر ِ ماء َفا ْ س َ ال ّ
مْقت َدًِرا(]الكهف.[45: يٍء ّ ش ْ ل َ ه عََلى ك ُ ّ ن الل ّ ُ كا َ ح وَ َ الّرَيا ُ
ب وَل َهْوٌ وَِزين َ ٌ َ
ة حَياةُ الد ّن َْيا ل َعِ ٌ ما ال ْ َ موا أن ّ َ وقال تعالى) :اعْل َ ُ
َ َ
ل غَي ْ ٍ
ث ل َواْلوَْلدِ ك َ َ
مث َ ِ وا ِ م َكاث ٌُر ِفي اْل ْ م وَت َ َ خٌر ب َي ْن َك ُ ْ وَت ََفا ُ
ح َ َ
ماطا ً ن ُ كو ُ م يَ ُ صَفّرا ث ُ ّ م ْ ج فَت ََراهُ ُ م ي َِهي ُ ه ثُ ّ ب ال ْك ُّفاَر ن ََبات ُ ُ ج َ أعْ َ
مان وَ َ وا ٌ ض َ ن الل ّهِ وَرِ ْ م َ مغِْفَرةٌ ّ ديد ٌ وَ َ ش ِ ب َ ذا ٌ خَرةِ عَ َ وَِفي اْل ِ
مَتاعُ ال ْغُُروِر(]الحديد.[20: حَياةُ الد ّن َْيا إ ِّل َ ال ْ َ
َ
نحَياةَ الد ّن َْيا*فَإ ِ ّ من ط ََغى*َوآث ََر ال ْ َ ما َ وقال تعالى ):فَأ ّ
مأ َْوى(]النازعات.[39-37: ي ال ْ َ م هِ َ حي َ ج ِ ال ْ َ
ب الدنيا رأس وقال نبي الله عليه الصلة والسلم )) :ح ّ
كل خطيئة((.
وقال عليه الصلة والسلم )):لو كانت الدنيا تزن عند الله
جناح بعوضة ما سقى كافرا ً منها شربة ماء(( .وقالص:
))الدنيا دار من ل دار له ،ومال من ل مال له ،ولها يجمع
من ل عقل له((.
371
) (1/371
وقال عليه الصلة والسلم )) :الدنيا ملعونة ،ملعون ما
فيها إل ذكر الله ،وعالمًاأو متعلمًا((.
وقال عليه الصلة والسلم )) :من أخذ من الدنيا فوق ما
يكفيه أخذ حتفه وهو ل يشعر((.
وقال عليه الصلة والسلم )) :ليكن بلغ أحدكم من الدنيا
كزاد الراكب((.
وقال عليه الصلة والسلم )):من أصبح وهمه الدنيا شتت
الله عليه أمره ،وفرق عليه ضيعته ،وجعل فقره بين
عينيه ،ولم يأته من الدنيا إل ما كتب له((الحديث.
وقال عليه الصلة والسلم )):الزهادة في الدنيا تريخ
القلب والبدن ،والرغبة في الدنيا تكثر الهم والحزن،
والبطالة تقسي القلب((.
وقال عليه الصلة والسلم )):نجا أول هذه المة بالزهد
واليقين ،وسيهلك آخرها بالحرص وطول المل((.
وما ورد من اليات والخبار والثار ،في ذم الدنيا وذم
المحبين لها ،والراغبين فيها ،وذم الحرص عليها خارج عن
الحصر.
وتصانيف العلماء -رحمة الله عليهم -من السلف
والخلف مشحونة بذلك.
ثم إن الدنيا عبارة عن كل ما على وجه الرض من
372
) (1/372
377
) (1/377
َ َ
مُر الل ّ ِ
ه جاء أ ْ
حّتى َ
ي َ م اْل َ
مان ِ ّ م وَغَّرت ْك ُ ُوقال تعالىَ) :واْرت َب ْت ُ ْ
كم ِبالل ّهِ ال ْغَُروُر(]الحديد.[14: وَغَّر ُ
وقال عليه الصلة والسلم )) :الكيس من دان نفسه
وعمل لما بعد الموت ،والعاجز من أتبع نفسه هواها
وتمنى على الله الماني ((.
وأنواع الغرور كثيرة ،وأصناف المغترين من المطيعين
ومن العاصين كثيرة .ومن أمثال الغرور في أهل
الطاعات :أن يطلب النسان العلم ويسوف العمل ،ثم
يحتج لنفسه بما ورد في فضل العلم وفضل طلبه ،ويغفل
عما ورد من الذم والوعيد الشديد في حق من ل يعمل
بعلمه.
ومنها :أن يتعلم ويعلم للرياسة والطمع في الناس ،ويظن
بنفسه أنه يتعلم ويعلم لله ،ول يناقش نفسه ول يختبرها
بأحوال أهل الخلص.
ومنها :أن يكثر الصلة والضصيام وأفعال الخير ،ثم يعجب
بنفسه ،وينظر إلى حوله وقوته ،وينسى منة الله عليه في
توفيقه وهدايته ،والعجب محبط للعمال ،أو يرائي بعبادته
ويطلب بها المنزلة عند الناس ،ويظن بنفسه الخلص
وإرادة التقرب إلى الله.
وقد قال أبو الدرداء رضي الله عنه :حّبذا نوم الكياس
وفطرهم! كيف يغبنون سهر الحمقى وصومهم ،ولذرة من
صاحب يقين وتقوى أفضل من أمثال الجبال من أعمال
المغترين.
378
) (1/378
380
) (1/380
*************
*************
مبحث المنجيات
*************
*************
) (1/381
*************
*************
***
*************
*************
) (1/382
مبحث المنجيات
*************
وأما المنجيات التي يجب تحلية القلب واتصافه بها
فكثيرة ،فنذكر شيئا ً من أمهاتها ،وننبه عليها بكلم مجمل
وجيز ،إن شاء الله تعالى.
فمن أعظم المنجيات التوبة إلى الله تعالى :من جميع
الذنوب .وقد أمر الله عز وجل عباده بالتوبة ،ورغبهم
ميًعاج ِ فيها ،ووعدهم بقبولها فقال تعالى) :وَُتوُبوا إ َِلى الل ّهِ َ
َ
ن(]النور.[31: حو َ م ت ُْفل ِ ُ ن ل َعَل ّك ُ ْ مُنو َ أي َّها ال ْ ُ
مؤ ْ ِ
مُنوا ُتوُبوا إ َِلى الل ّهِ ت َوْب َ ً َ
حاصو ً ة نّ ُ نآ َ ذي َ وقال تعالىَ) :يا أي َّها ال ّ ِ
(]التحريم.[8:
ن( ري َمت َط َهّ ِ ب ال ْ ُ ح ّ ن وَي ُ ِ واِبي َ ب الت ّ ّ ح ّ ه يُ ِ ن الل ّ َ وقال تعالى) :إ ِ ّ
]لبقرة.[222:
َ
ن الل ّ َ
ه ح فَإ ِ ّ صل َ َ
مهِ وَأ ْ من ب َعْدِ ظ ُل ْ ِ ب ِ من َتا َ وقال تعالى) :فَ َ
م(]المائدة.[39: حي ٌ ه غَُفوٌر ّر ِ ن الل ّ َ ب عَل َي ْهِ إ ِ ّ ي َُتو ُ
نعَبادِهِ وَي َعُْفو عَ ِ ن ِ ة عَ ْ ل الت ّوْب َ َ ذي ي َْقب َ ُ وقال تعالى) :وَهُوَ ال ّ ِ
ن( ]الشورى.[25: ما ت َْفعَُلو َ م َ ت وَي َعْل َ ُ سي َّئا ِ
ال ّ
383
) (1/383
386
) (1/386
وحسبك في فضل الستغفار ومنافعه وفوائده قوله
َ
ن الل ّ ُ
ه ما َ
كا َ م وَ َ ت ِفيهِ ْ م وَأن َ ه ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ ن الل ّ ُ كا َما َ تعالى) :وَ َ
ن(]النفال.[33: ست َغِْفُرو َ م يَ ْ م وَهُ ْ معَذ ّب َهُ ْ ُ
ت ْ
وقوله تعالى مخبرا عن نبيه نوح عليه السلم ) :فَُقل ُ ً
كم ماء عَل َي ْ ُس َل ال ّ س ِ ن غَّفاًرا * ي ُْر ِ كا َ ه َ م إ ِن ّ ُ ست َغِْفُروا َرب ّك ُ ْ ا ْ
َ
تجّنا ٍ جَعل ل ّك ُ ْ
م َ ن وَي َ ْل وَب َِني َ وا ٍ م َ م ب ِأ ْ مدِد ْك ُ ْ مد َْراًرا * وَ ي ُ ْ ّ
م أن َْهاًرا(]نوح.[12-10: َ ُ ّ
جَعل لك ْ وَي َ ْ
فالتوبة والستغفار من كنوز الخيرات ،ومن أعظم أبواب
القربات والبركات ،ومن أوصل الوسائل إلى جميع خيرات
الدنيا والخرة.
فعليكم -رحمكم الله -بلزوم التوبة والستغفار آناء الليل
والنهار .ثم إن الشيطان لعنه الله قد يخدع بعض الغبياء
من المسلمين فيقول له :كيف تتوب وأنت ل تعرف من
نفسك الثبات على التوبة؟! وكم تتوب ثم تعود إلى
الذنب؟! ويلقي عليه وساوس من هذا الجنس؛ فليحذره
المسلم ول يغتّر ،ول يأخذ بتزويره وتلبيسه ،وقد قال عليه
الصلة والسلم )) :ما أصّر من استغفر ولو عاد في
اليوم سبعين مرة((.
وعلى العبد أن يتوب ،ويسأل من ربه العانة والتثبيت .ثم
إن غلبته نفسه على العود إلى الذنب فليغلبها على العود
إلى التوبة .والله الموفق والمعين.
ومن المنجيات الرجاء في الله والخوف من الله :والرجاء
والخوف من المقامات الشريفة ،وقد وصف الله بهما
أنبياءه
387
) (1/387
389
) (1/389
392
) (1/392
ويحتاج المؤمن إلى الصبر حاجة شديدة عند فعل
الطاعات ،بأن ل يكسل عنها ،وبأن يؤديها كما أمره الله
من كمال الحضور مع الله فيها ،والخلص لله ،وأن ل
يكون بها مرائيًا ،ول متصنعا ً للخلق .ومن شأن النفس
التثاقل عن الطاعة ،والتكاسل عنها ،فيحتاج العبد إلى
إكراهها على ذلك بحسن الصبر.
ويحتاج المؤمن إلى الصبر حاجة شديدة في كف نفسه
عن المعاصي والمحرمات ،لن النفس قد تدعو إليها،
وتتحدث بالوقوع فيها ،فيمنعها بحسن صبره عن فعل
المعاصي ظاهرًا ،وعن التحدث بها والميل إليها باطنًا.
ويحتاج المؤمن حاجة شديدة إلى الصبر عن الشهوات
المباحات ،التي يكون رغبة النفس فيها مقصورة على
التلذذ والتمتع بالدنيا المجرد ،فإن النهماك في ذلك،
والستر سال معه يجر إلى الشبهات والمحرمات ،ويكثر
الرغبة في الدنيا ويهيج الحرص عليها ،ويحمل على اليثار
للدنيا والنس بها ،وعلى نسيان الخرة والغفلة عنها ،فقد
عرفت -رحمك الله -بما ذكرناه حاجة المؤمن بكل خير،
وتظفر بكل سعادة.
...وأما الشكر :فهو من المقامات الشريفة ،والمنازل
م ت الل ّهِ ِإن ُ
كنت ُ ْ شك ُُروا ْ ن ِعْ َ
م َ الرفيعة ،قال الله تعالىَ) :وا ْ
ن(]النحل.[114: دو َ
إ ِّياهُ ت َعْب ُ ُ
293
) (1/393
ه(]سبأ.[15: شك ُُروا ل َ ُ م َوا ْق َرب ّك ُ ْ من ّرْز ِ وقال تعالى) :ك ُُلوا ِ
ي
عَبادِ َ
ن ِم ْل ّ شك ًْرا وَقَِلي ٌداُوود َ ُ ل َمُلوا آ َ وقال تعالى) :اعْ َ
كوُر(]سبأ.[13: ش ُ
ال ّ
ن(]آل عمران.[145: ري َ شاك ِ ِزال ّ
ج ِسن َ ْوقال تعالى) :و َ
وقال رسول الله -صّلى الله عليه وآله وسّلم)): -من
أعطي فشكر ،وابتلي فصبر ،وظلم فغفر ،وظلم
فاستغفر ،ثم سكت عليه الصلة والسلم ،فقالوا :ما له
يارسول الله؟ قال :أولئك لهم المن وهم
مهتدون((.وقال عليه الصلة والسلم )):ليتخذ أحدكم
لسانا ً ذاكرا ً وقلبا ً شاكرًا(( الحديث .وقال عليه الصلة
والسلم )):أول من يدعى إلى الجنة الحمادون ،الذين
يحمدون الله على كل حال(( .وما ورد في فضل الشكر
وفي المر به كثير.
وأصل الشكر :معرفة العبد بأن جميع ما به من النعم ،وما
عليه منها في ظاهره وباطنه من الله تعالى ،تفضل ً منه
سبحانه وامتنانًا.
ومن الشكر :الفرح بوجود النعم من حيث إنها وسيلة إلى
العمل بطاعة الله ،ونيل القرب منه.
ومن الشكر :الكثار من الحمد لله ،والثناء عليه تعالى
باللسان ،وقال -صّلى الله عليه وآله وسّلم)): -لو ُأعطي
رجل من أمتي الدنيا بأسرها،
394
) (1/394
ثم قال الحمد لله ،كان قوله الحمد لله ،أفضل من ذلك
كله(( الحديث .وقال عليه الصلة والسلم)) :الحمد لله
تمل الميزان((.
وقال )) :إن الله ليرضى عن العبد يأكل الكلة فيحمده
عليها ،ويشرب الشربة فيحمده عليها((.
ومن الشكر :العمل بطاعة الله ،وأن يستعين بنعم الله
على طاعته ،وأن يضع نعم الله في مواضعها التي يحبها
الله ،وذلك هو غاية الشكر ونهايته ،وأن ل يتكبر بالنعم،
ول يفتخر بها على عباد الله ،ول يبغى ول يطغى ،ول
يتعدى على العباد ،ومن فعل شيئا ً من ذلك فقد كفر
النعمة ولم يشكرها ،والكفران سبب لسلب النعم وتبدلها
ك مغَيرا نعم ً َ بالنقم ،قال تعالى):ذ َل َ َ
مَها
ة أن ْعَ َ م يَ ُ ُ ّ ً ّ ْ َ ه لَ ْ
ن الل ّ َ
ك ب ِأ ّ ِ
َ َ
م(ميعٌ عَِلي ٌ س ِ ن الل ّ َ
ه َ م وَأ ّ سه ِ ْ حّتى ي ُغَي ُّروا ْ َ
ما ب ِأنُف ِ عََلى قَوْم ٍ َ
]النفال[53:أي :بتركهم الشكر عليها.
فالتارك للشكر متعرض للسلب والهلك ،والشاكر
َ
من َرب ّك ُ ْمتعرض للخير والمزيد ،قال الله تعالى) :وَإ ِذ ْ ت َأذ ّ َ
َ ل َِئن َ
م (]إبراهيم.[7: م لِزيد َن ّك ُ ْ شك َْرت ُ ْ
ومن الشكر :تعظيم النعمة وإن كانت صغيرة ،نظرا ً إلى
عظمة المنعم بها تبارك وتعالى .ثم إن لله على عبده نعما ً
كثيرة ل تعد ّ ول ُتحصى ،والعبد عاجز عن إحصائها فضل ً
ة الل ّ ِ
ه م َدوا ْ ن ِعْ َعن القيام بشكرها ،قال الله تعالى) :وَِإن ت َعُ ّ
م(]النحل.[18: ه ل َغَُفوٌر ّر ِ
حي ٌ ن الل ّ َ ها إ ِ ّ صو َ ح ُل َ تُ ْ
395
) (1/395
398
) (1/398
ن(]المائدة: مؤ ْ ِ
مُنو َ ل ال ْ ُ
وقال الله تعالى) :وَعََلى الل ّهِ فَل ْي َت َوَك ّ ِ
.[11
ن( مؤ ْ ِ
مِني َ كنُتم ّ وقال الله تعالى) :وَعََلى الل ّهِ فَت َوَك ُّلوا ْ ِإن ُ
]المائدة.[23:
كيًل(]النساء: ل عََلى الل ّهِ وَك ََفى ِبالل ّهِ وَ ِ وقال تعالى) :وَت َوَك ّ ْ
.[81
ق
كلتم على الله ح ّ وقال عليه الصلة والسلم )) :لو تو ّ
كله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا ً وتروح تو ّ
بطانًا((.
وفي المأثور)) :حسبنا الله ونعم الوكيل(( قالها إبراهيم
عليه الصلة والسلم حين قذف به في النار ،وقالها محمد
-صّلى الله عليه وآله وسّلم -والمؤمنون حين قيل لهم :
مانا ً وََقاُلوا ْ
م ِإي َ م فََزاد َهُ ْ م َفا ْ
خ َ
شوْهُ ْ مُعوا ْ ل َك ُ ْ ج َ س قَد ْ َ ن الّنا َ )إ ِ ّ
ل(]آل عمران.[173: كي ُ م ال ْوَ ِ سب َُنا الل ّ ُ
ه وَن ِعْ َ ح ْ َ
وقال بعض السلف الصالح رحمه الله :من رضي بالله
ل.وكيل ً وجد إلى كل خير سبي ً
وأصل التوكل :يقين القلب بأن المور كلها بيد الله وفي
قبضته ،وأنه ل ضار ول معطي ول مانع غير الله ،ثم
طمأنينة القلب وسكونه إلى وعد الله وضمانه ،حتى ل
يضطرب ول يتزلزل عند ورود الشدائد والفاقات ،وحتى ل
يفزع ول يرجع في المهمات والملمات إل إلى الله تعالى،
399
) (1/399
400
) (1/400
401
) (1/401
نّبهنا على هذا ،لن بعض العامة الذين ل محبة الله ،قد
تسبق إلى قلوبهم وأفهامهم وساوس وأوهام عظيمة
الخطر ،شديدة الضرر.
ثم إن من صدق في محبة الله تعالى دعاه ذلك إلى إيثار
الله على ما سواه ،وإلى التشمير لسلوك سبيل قربه
ورضاه ،وإلى الجد في طاعنه ،وبذل الستطاعة في
خدمته ،وترك ما يشغل عن ذكره ،وحسن معاملته من
كل شيء.
ومن أعظم ما يدل على محبة الله :حسن التباع لرسول
الله -صّلى الله عليه وآله وسّلم. -
حب ِب ْك ُ ُ
م ه َفات ّب ُِعوِني ي ُ ْ ن الل ّ َ حّبو َ
م تُ ِ ل ِإن ُ
كنت ُ ْ قال الله تعالى):قُ ْ
م(]آل عمران: حي ٌ ه غَُفوٌر ّر ِ م َوالل ّ ُم ذ ُُنوب َك ُ ْه وَي َغِْفْر ل َك ُ ْالل ّ ُ
.[31
...وأما الرضا عن الله تعالى :فهو حال شريف عزيز ،قال
ه(]البينة.[8: ضوا ْ عَن ْ ُ م وََر ُه عَن ْهُ ْي الل ّ ُ ض َ الله تعالىّ) :ر ِ
وقال عليه الصلة والسلم)) :إن الله إذا أحب قوما ً
ابتلهم ،فمن رضي فله الرضا ،ومن سخط فله
السخط((.
وقال عليه الصلة والسلم)) :إن الله بحكمته جعل الروح
والفرح في اليقين والرضا ،وجعل الضيق والحرج في
الشك والسخط ((...الحديث.
والراضي عن الله :هو الراضي بقضائه ،فمهما قضى عليه
402
) (1/402
403
) (1/403
وقال عليه الصلة والسلم)) :من غزا ولم ينو إل عقال ً
فله ما نوى(( .وقال عليه الصلة والسلم)) :نية المؤمن
خير من عمله(( ،وذلك لن النية عمل القلب ،والقلب
أشرف من الجوارح ،فكان عمله خيرا ً من عملها ،ولن
النية تنفع بمجردها ،وأعمال الجوارح بدون النية ل نفع لها.
وفي الحديث)) :من هم بحسنة ولم يملها كتبها الله عنده
حسنة كاملة((.
فعليك -رحمك الله -بحسن النية وبإخلصها لله ،ول
تعمل شيئا ً من الطاعات إل أن تكون نتويا ً بها التقرب إلى
الله وابتغاء وجهه وطلب رضاه ،وإرادة الثواب الخروي
الذي وعد به سبحانه على تلك الطاعة من باب الفضل
والمنة.
ول تدخل في شيء من المباحات حتى الكل والشرب
والنوم ،إل وتقصد بذلك الستعانة على طاعة الله،
وحصول التقوي به على عبادته تعالى ،فبذلك تلحق
المباحات بالطاعات ،فإن للوسائل أحكام المقاصد.
والمغبون من غبن في حسن النية.
واجعل لك في طاعاتك ومباحاتك نيات كثيرة صالحة،
يحصل لك بكل واحدة منها ثواب تام من فضل الله ،وما
عجزت عنه من الطاعات والخيرات ،ولم تتمكن من فعله
فانوه واعزم على عند الستطاعة ،وقل بصدق وعزم
وصلح نية :لو استطعته لفعلته ،فقد يحصل لك بذلك
ثواب الفاعل ،كما بلغنا أن رجل ً من بني إسرائيل مر في
وقت مجاعة على
404
) (1/404
406
) (1/406
408
) (1/408
وسماواته .ومن أحسن التفكر في ذلك أثمر له زيادة
المعرفة بالله ،وهي الكسير الكبر.
ومن أنواعه :التفكر فيما لله عليك من النعم واللء
الدينية والدنيوية .وحسن التفكر في ذلك يثمر زيادة الحب
لله ،ويحث على الشكر لله.
ومن أنواعه:أن تتفكر في عظيم حق الله عليك ،وكثرة
تقصيرك عن القيام بحقوق ربوبيته .وحسن التفكر في
ذلك يثمر الخوف والخشية والحياء من الله تعالى ،ويبعث
على التشمير والجد في طاعته وإقامة حقه تعالى.
ومن أنواعه :التفكر في الدنيا وسرعة زوالها ،وكثرة
أكدارها وأشغالها .وحسن التفكر في ذلك يثمر الزهد في
الدنيا ،والتجافي عنها وقلة الرغبة فيها.
ومن أنواعه :التفكر في الخرة وبقائها ،وصفاء نعيمها
ودوام لذاتها وسرورها .وحسن التفكر في ذلك يثمر إيثار
الخرة وكثرة الرغبة فيها ،والتشمر في العمل لها.
ومجاري الفكر كثيرة ،وكلما كانت بصيرة العبد أنفذ،وكان
علمه أغزر وأوسع ،كان تفكره أعظم وأكثر.
...وأما قصر المل ،وكثرة ذكر الموت والستعداد له :
ن من قصر أمله ،وكثر فنفع ذلك عظيم ،وفضله كثير .فإ ّ
للموت ذكره ،جد ّ في صالح العمل ،وترك التسويف
والكسل،
409
) (1/409
************
************
خاتمة الكتاب
************
************
) (1/413
************
************
***
************
************
) (1/414
خاتمة الكتاب
**********
سّنة و الجماعة في عقيدة أهل ال ّ
في عقيدة وجيزة جامعة نافعة إن شاء الله تعالى على
سبيل الفرقة الناجية ،و هم أهل السنة و الجماعة و
السواد العظم من المسلمين .
الحمد لله وحده ،و صّلى الله على سيدنا محمد و آله و
صحبه و سّلم.
د :أنن ،ونشه ُ
ن ونوق ُ
د ،ونؤم ُ
م ونقّر ونعتق ُوبعد :فإّنا نعل ُ
ل إله إل الله وحده ل شريك له .إله عظيم ،ملك كبير ،
ب سواه ،و ل معبود إل إّياه .قديم أزلي ،دائم أبدي ، لر ّ
لابتداء لوليته ،ول انتهاء لخريته .أحد صمد ،لم يلد ولم
يولد ،ولم يكن له كفوا ً أحد .لشبيه له ول نظير وليس
كمثله شئ وهو السميع البصير.
دس عن الزمان والمكان ،وعن مشابهة وأنه تعالى مق ّ
الكوان ،و ل تحيط به الجهات ،ول تعتريه الحادثات .
415
) (1/415
416
) (1/416
417
) (1/417
***
419
) (1/419
خاتمة الخاتمة
حكم جامعة ،وو تشتمل على سبعة أحاديث ،تحتوي على ِ
مواعظ نافعة من حديث رسول الله صّلى الله عليه
وسّلم
* الحديث الول :عن جاب ر بن عبدالله رضي الله عنهما
ت رسول الله -صّلى الله عليه وآله وسّلم-
:قال :سمع ُ
ما خلق له ،إن الله عّز يقول )):إن ابن آدم لفي غفلة ع ّ
مَلك " :اكتب رزقه ،اكتب أثره، ه قال لل َخل َْق ُ
ل إذا أراد َ وج ّ
اكتب أجله ،اكتب شقيا ً أم سعيدًا] ،ثم يرتفع ذلك الملك
ويبعث الله ملكا ً فيحفظه حتى يدرك[ ،ثم يرتفع ذلك
ن حسناته وسيئاته، ن يكتبا ِ مل َ َ
كي ِ كل الله به َ م يو ّ
الملك ،ث ُ ّ
مل َ ُ
ك ن ،وجاءه َفإذا حضره الموت ارتفع ذاِنك الملكا ِ
الموت ليقبض روحه ،فإذا دخل قبره ُرد ّ الروح في
جسده ،وجاءه ملكا القبر ،فامتحناه ثم يرتفعان ،فإذا
مَلك الحسنات ،وملك السيئات، ط عليه َ قامت الساعة انح ّ
فانتشطا كتابا ً معقودا ً في عنقه ،ثم حضرا معه واحد
سائق ،وآخر شهيد(( ،ثم قال رسول الله صلى الله عليه
دامكم لمرا ً عظيمًا ،ما تقدرونه فاستعينوا وسلم)) :إن ق ّ
بالله العظيم((.
ذكره الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى في "شرح
الصدور".
420
) (1/420
ب ي ُذِّله(( . ضّله ! بئس العبد ُ عبد ُ َرغَ ٍ بئس العبد عبد ُ هوىً ي ُ ِ
رواه الترمذي و قال :حديث غريب ل نعرفه إل من هذا
الوجه .
* الحديث الخامس :عن علي بن أبي طالب -رضي الله
ل الله -صلى الله عليه وسلم» :- عنه -قال :قال رسو ُ
صَلة ح ّ ُ
ل بها البلُء (( .قيل خ ْ س عشَرةَ َ متي خم َ تأ ّ إذا فعل َ ْ
م د ُوَل ً ، ل الله ؟ قال :إذا كان المغن ُ :وما هي يا رسو َ
ه، ل زوجت َ ُ مغَْرما ً ،وأطاع الرج ُ ما ً ،والّزكاةُ َ مْغن َة َ والمان ُ
ت ُ
ت الصوا ُ ه ،وجفا أباه ،وارتفع ِ مه ،وبّر صديَق ُ وعقّ أ ّ
ُ
م الّرج ُ
ل م القوم ِ أرذ ََلهم ،وأكرِ َ في المساجد ،وكان َزعي ُ
تخذ َ ِ س الحريُر ،وات ّ ِ ت الخمُر ،ول ُب ِ َ شرِب َ ْة شّره ،و ُ مخاف َ
خُر هذه المة أوَّلها ، نآ ِف ،ول َعَ َ ت ،والمعاز ُ الَقّينا ُ
فل ْي َْرت َِقُبوا عند ذلك ريحا ً حمراَء ،أوخسفا ً أو مسخا ً «.
رواه الترمذي و قال :حديث غريب ل نعرفه إل من هذا
ي.
الوجه عن عل ّ
* الحديث السادس :عن أبي ذر رضي الله عنه قال :قلت
:يا رسول الله ما كانت صحف إبراهيم عليه السلم ؟
ك المسّلط المبتلى مل ِ ُقال )) :كانت أمثال ً كّلها :أيها ال َ
المغرور ،إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض،
دها ولو ولكني بعثتك لترد ّ عّني دعوة المظلوم فإني ل أر ّ
كانت من كافر .وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا ً على
عقله أن تكون له ساعات :
424
) (1/424
كانوا على أت َْقى قلب رجل واحدِ منكم ،ما زاد ذلك في
سكم ن أوَّلكم وآخَركم ،وإن َ مْلكي شيئا ً .يا عبادي :لو أ ُّ
جّنكم ،كانوا على أفجرِ قلب رجل واحد منكم ،ما نقص و ِ
ن أّولكم وآخَركم ،ذلك من ملكي شيئا ً .يا عبادي :لو أ ّ
جّنكم ،قاموا في صعيد واحد ؛ فسألوني ، سكم و ِ وإن َ
ه ،مانقص ذلك مما ل إنسان منهم مسألت َ ُ ت كُ ّ فأعطي ُ
ل البحَر .ياعبادي: ط إذا أ ُِدخ َ خي َ ُم ْ عندي إل كما ي َن ُْقص ال ِ
إنما هي أعماُلكم ُأحصيها لكم ،ثم أوّفيكم إّياها ،فمن
ُ
ن إل م ّ مدِ الله ،ومن وجد غير ذلك فل ي َُلو َ ح َ جد َ خيرا ً فلي َ ْ وَ َ
ه «. س ُ ن َْف َ
رواه مسلم و الترمذي و ابن ماجه.
وقد ختمنا الكتاب بهذه الحاديث من حديث رسول الله
-صّلى الله عليه وآله وسّلم ، -كما افتتحناه بشيء منها،
تبركا ً وتيمنا ً بكلم رسول الله -صّلى الله عليه وآله وسّلم-
.ونرجو بذلك أن يجعل الله الكلم المؤلف بين ذلك
مقبول ً لديه ،ومقربا ً إلى رضاه ،وفي سبيل طاعته وقربه.
وأن يغفر لنا ويتجاوز عّنا ما وقع فيه من خطأ أو تخليط،
وما داخلنا فيه من رياء أو تصّنع للناس ،أو مباهاة أو
إعجاب .ونستغفر الله من جميع ذلك ،ومن سائر الذنوب
ه ( )َرب َّنا ت ََقب ّ ْ
ل ب إ ِل ّ الل ّ ُ من ي َغِْفُر الذ ُّنو َ ونتوب إليه منها )وَ َ
َ ب عَل َي َْنآ إ ِن ّ َ منا إن َ َ
بوا ُ ت الت ّ ّ ك أن َ ميعُ ال ْعَِليم( )وَت ُ ْ س ِ
ت ال ّ ك أن َ ِ ّ ِّ
ل عَل َي َْنا ْ َ َ
م ْ ح ِ خط َأَنا َرب َّنا وَل َ ت َ ْ سيَنا أوْ أ ْ خذ َْنا ِإن ن ّ ِ ؤا ِ م( )ل َ ت ُ َ حي ُ الّر ِ
ما ل َ مل َْنا َ ح ّمن قَب ْل َِنا َرب َّنا وَل َ ت ُ َ ن ِ ذي َه عََلى ال ّ ِ مل ْت َ ُ
ح َ صًرا ك َ َ
ما َ إِ ْ
َ
موْل ََنا ت َ مَنآ أن َ ح ْ ف عَّنا َواغِْفْر ل ََنا َواْر َ ة ل ََنا ب ِهِ َواعْ ُ طاقَ َ َ
ن( ري َكافِ ِ صْرَنا عََلى ال َْقوْم ِ ال ْ َ َفان ُ
427
) (1/427
428
) (1/428
الفهرس
...خطبة الكتاب
...مبحث التقوى
أقوال العلماء في التقوى
إصلح القلب
القسوة والغفلة
الرقة على المؤمنين
طول المل
أصناف الناس في المل
ذكر الموت
طول العمر
أماني المغفرة
اليمان بالقضاء والقدر
...مبحث العلم
العلم الواجب
فضل طلب العلم
آداب العالم و وظائفه
...مبحث الصلة
فضائل الصلة
المحافظة على الصلة والقامة لها
فضيلة الجماعة
صلة الجمعة
صلة النفل
قيام الليل
خطر ترك الصلة
...مبحث الزكاة
منع الزكاة
من آداب المزكي
زكاة الفطر
صدقة التطوع
آداب التصدق
آداب الفقير
...مبحث الصوم
فضل شهر رمضان
آداب الصائم
صلة التراويح
فضل العشر الواخر من رمضان
صيام النفل
...مبحث الحج
الستطاعة في الحج
آداب الحج
...مبحث تلوة القرآن العظيم و الذكر
آداب التلوة
الكثار من قراءة القرآن الكريم
فضائل سور و آيات معينة
فضل ذكر الله
آداب الذكر
أنواع الذكر
فضل الستغفار
فضل الصلة على النبي
فضل الدعاء و آدابه
...مبحث المر بالمعروف والنهي عن المنكر
...مبحث الجهاد
آداب المجاهد في سبيل الله
) (1/429