You are on page 1of 48

‫إشكالية االختزالية في‬

‫فلسفة العقل وتبعاتها على‬


‫اإليمان بالله ومبدأ النفس‬
‫ة‬ ‫أ‬
‫املسأل من أجل ب�وث إسالمية إضافية‬ ‫ت� ي‬
‫ط�‬

‫جهاد هاشم براون‬

‫سلسلة ةباط ت اقرو‬


‫ر قم ‪2013 | 7‬‬
‫إشاكلية تز ف‬
‫االخ�الية ي� فلسفة العقل‬
‫ت‬
‫وتبعا�ا عىل إال ي�ان ب�هلل ومبدأ النفس‪:‬‬
‫ة‬ ‫أ‬
‫املسأل من أجل ب�وث إسالمية إضافية‬ ‫ط�‬‫ت� ي‬
‫إشاكلية‬
‫االخ� ف‬
‫تز الية ي� فلسفة العقل‬
‫ت‬
‫وتبعا�ا عىل‬
‫إال ي�ان ب�هلل ومبدأ النفس‬
‫ة‬ ‫أ‬
‫املسأل من أجل ب�وث إسالمية إضافية‬ ‫ت� ي‬
‫ط�‬

‫أ‬
‫ت�ليف‬

‫جهاد هاشــم براون‬

‫َمؤ َّس َســة َ‬


‫طابــة‬
‫سلسلة ةباط تاقرو ‪ /‬رقم ‪2013 / 7‬‬
‫‪20772072077 :ISSN‬‬

‫إشكالية االختزالية يف فلسفة العقل وتبعاهتا عىل اإليامن باهلل ومبدأ النفس‪ :‬تأطري املسألة من أجل بحوث‬
‫إسالمية إضافية‬
‫‪978-9948-20-273-8 :ISBN‬‬

‫© ‪ ،2013‬جهاد هاشم براون‬


‫مؤسسة طابة‬
‫ص‪.‬ب‪107442 .‬‬
‫أبو ظبي‪ ،‬اإلمارات العربية المتحدة‬
‫‪www.tabahfoundation.org‬‬

‫جميع الحقوق محفوظة‪ .‬يمنع إعادة إنتاج أو توزيع أي جزء من هذا الكتاب بأي وسيلة دون موافقة خطية‬
‫صريحة من المؤلف‪ ،‬إال في حاالت االقتباس المختصر مع االستشهاد الدقيق والكامل في المقاالت‬
‫النقدية أو المراجعات‪.‬‬

‫لنص كُ تِب يف األصل باللغة اإلنكليزية‪ ،‬وإذا ما ُأثري أي تساؤل حول قصد املؤ ّلف من عبارة‬
‫هذه الوثيقة ترمجة ّ‬
‫ما‪ ،‬فربام يرغب القارئ يف االطّ الع عىل النسخة األصلية اإلنكليزية‪.‬‬

‫صورة الغالف © حقوق الطبع ل‍ريكارد ستادلر ‍‍‪Rikard Stadler‬‬


‫ملخص‬
‫القصد من هذه الورقة البحثية حتديد نقاط دخول التفكري الكالمي اإلسالمي‬
‫يف حوارات يف جمال فلسفة العقل‪ .‬إذ نجد عن طريق مساواة املبدأ الكالمي‬
‫بم َلكتها الرئيسة‪ ،‬وهي التع ّقل‪ ،‬أن التفكري الكالمي اإلسالمي ذو صلة‬ ‫للنفس َ‬
‫مالئمة هبذه األنامط من البحث‪ .‬وبالنظر إىل أعامل سول كريبكه (‪)Saul Kripke‬‬
‫وهيالري ُبتنام (‪ )Hilary Putnam‬يتضح أن اهنيار «االختزالية» يفسح املجال‬
‫ٍ‬
‫لداللة عىل إمكانية إثبات معقولية‬ ‫وأيضا‬ ‫جمرد من املا ّدة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ملفهو ٍم يتع ّلق‬
‫ً‬ ‫بعقل ّ‬
‫اإليامن باهلل (اإلهلية) بصورة عا ّمة‪ .‬وتُثبت هذه الورقة أن العراقيل والتحديات‬
‫املعارصة أمام املبدأ الكالمي للنفس اإلنسانية يمكن جتاوزها‪ ،‬وهي تضيف إىل‬
‫دراسات الباحثني املتنامية‪ ،‬يف هذا املجال‪ ،‬التي تضع عالمة استفهام عىل التفسري‬
‫الفيزيائي للكون‪.‬‬

‫نبذة عن الكاتب‬
‫جهاد هاشم براون‪ ،‬زميل أبحاث أول يف مؤسسة طابة‪ .‬بعد حصوله عىل الشهادة‬
‫اجلامعية يف علم النفس‪ ،‬ويف الدراسات الرشق أوسطية من جامعة َرتغَ رز يف‬
‫انكب عىل أخذ العلوم اإلسالمية‬
‫ّ‬ ‫نيوجريس‪ ،‬واصل طلب العلم وحتصيله حيث‬
‫ثم إنّه‬
‫الرشعية من كبار العلامء املعتربين يف سورية واملغرب مدة عرش سنني‪ّ .‬‬
‫حصل عىل شهادة جامعية يف الالهوت الفلسفي من جامعة كمربدج‪ .‬وقد ظهر‬
‫مرارا يف منافذ إعالمية عديدة يف الرشق األوسط وأمريكا؛‬
‫جهاد هاشم براون ً‬
‫مستشارا حلكومات ومؤسسات خمتلفة بشأن قضايا تتع ّلق باإلسالم‬ ‫ً‬ ‫وعمل‬
‫والعالقات الدولية‪ .‬وهو يعيش اآلن مع زوجته وأوالده يف مدينة برنستون بوالية‬
‫نيوجريس‪.‬‬
‫احملتوى‬

‫‪1‬‬ ‫متهيد‪ :‬تأطري البحث‬


‫‪9‬‬ ‫ظاهرة الوعي من حيث عالقتها بالعقل والنفس واإليامن باهلل‬
‫‪11‬‬ ‫مسعى سوينربن يف تقديم دعم فلسفي لإليامن باهلل من إشكالية الوعي‬
‫‪18‬‬ ‫االستعصاء الظاهر للوعي‬
‫‪24‬‬ ‫الالاختزالية من ظاهرة دنيوية (‪ )saecularis‬إىل ظاهرة إهلية (‪)divinae‬‬
‫‪31‬‬ ‫مالحظات ختامية‬
‫متهيد‪ :‬تأطري البحث‬
‫عاد ًة ما يكون فاصل زمني‪ ،‬من عرشين إىل مخسني سنة‪ ،‬من حني تقديم نظرية‬
‫علمية أو فلسفية وما يدور حوهلا من نقاش ونظر إىل أن يتبنّاها الوعي العام؛‬
‫وغال ًبا ما يكون املجتمع األكاديمي قد ّ‬
‫ختل عن فكرة ما عىل الرغم من استمرارها‬
‫يف التأثري عىل اخلطاب السائد(((‪ .‬ومن بني هذه األفكار فكرة االختزالية التي‬
‫يزعم القائلون هبا أن َّ‬
‫كل الظواهر التي يدركها الوعي اإلنساين‪ ،‬يف العامل أو يف‬
‫النفس‪ ،‬يمكن اختزاهلا يف تفسريات فيزيائية(((‪ .‬فالنظرية االختزالية الفيزيائية‬
‫تزعم أنه ال وجود إال لألشياء املادية وأن كل احلوادث هلا ِع َل ٌل فيزيائية بحتة‪،‬‬
‫وهذه «العلل» هي التفسريات لوقوع احلوادث أو وجودها‪ .‬فاحلادث يف فلسفة‬

‫ال‪ ،‬مل تتمكن الوضعية املنطقية التي ظهرت يف مطلع القرن العرشين من االنتعاش بعد‬ ‫فمث ً‬ ‫‪ .1‬‬
‫انتقادات كل من كارل بوبر و و‪ .‬ف‪ .‬كواين يف مخسينيات القرن نفسه‪ .‬ومع هذا‪ ،‬فإن‬
‫الكثري من افرتاضاهتا األساسية‪ ،‬ال سيام مبدأ التحقق والوثوب من معطيات جتريبية إىل‬
‫مزاعم كلية غري جتريبية وشجب امليتافيزيقا‪ ،‬ال تزال تؤثر عىل اخلطاب العام‪ ،‬وبشكل غري‬
‫معقول‪ ،‬عىل اخلطاب «النخبوي» اإلسالمي ً‬
‫أيضا‪.‬‬
‫عىل سبيل املثال‪ :‬دانييل دينِّت‪( Consciousness Explained ،‬تفسري الوعي) (بوسطن‪:‬‬ ‫‪ .2‬‬
‫ليتِل وبراون ورشكاؤمها‪)1991 ،‬؛ بول ترششالند‪Matter and Consciousness: A ،‬‬
‫‪( Contemporary Introduction to the Philosophy of Mind‬املادة والوعي‪ :‬مدخل‬
‫معارص لفلسفة العقل) (كمربدج‪ ،‬ماساتشوستس‪ :‬مطبعة معهد ماساتشوستس للتقنية‪،‬‬
‫‪)1984‬؛ ديفيد بابينو‪( Philosophical Naturalism ،‬املذهب الطبيعي الفلسفي)‬
‫(أكسفورد‪ :‬باسيل بالكويل‪.)1993 ،‬‬

‫‪1‬‬
‫ورقات طابة‬

‫العقل قد يكون فيزيائ ًيا كمد يد شخص إىل مظلته بعد سامع تقرير إخباري عن‬
‫الطقس‪ ،‬وقد يكون ذهن ًيا مثل شعور بالتململ إزاء انتظار طويل يف طابور يف‬
‫«دائرة تسجيل املركبات»(((‪ .‬والعلل الفيزيائية املقدَّ مة يف هذه النظرية ترتاوح من‬
‫ردود أفعال جتاه حم ّفزات بيئية إىل إطالق اخلاليا العصبية يف املادة السنجابية يف‬
‫يوضع يف اعتبار جمال الوعي الكالمي‬
‫الدماغ البرشي‪ .‬وينبغي هلذا املفهوم أن َ‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ألن له تداعيات خطرية عىل مبدأ النفس‪ .‬وتبعات هذه املقاربة ليست‬
‫يف عدم إمكانية مبدأ نفس الما ّدية فحسب(((‪ ،‬بل وأهم من ذلك أن هذا املبدأ‬
‫ِ‬
‫مشكلة عىل‬ ‫ثم َّ‬
‫إن النزعة االختزالية هلا تداعيات‬ ‫من حيث التفسري ال حاجة إليه‪ّ .‬‬
‫صحيحا أنه ال وجود إال لألشياء املادية فإنه ال جمال‬
‫ً‬ ‫فكرة اإليامن باهلل‪ .‬وإذا كان‬
‫منز ٍه يف مثل هذه الرؤية للعامل‪.‬‬
‫إلله َّ‬
‫إن مبدأ النفس رضوري ال غنى عنه يف علم الكالم اإلسالمي‪ .‬قبل القرن‬
‫الثاين عرش امليالدي (السادس اهلجري) كان يميل مفهوما النفس والروح إىل‬
‫انطواء أحدمها يف اآلخر دون عالمات كثرية للتمييز املنهجي بينهام‪ .‬ولكن بعد‬
‫القرن الثاين عرش خضع املفهومان إىل يشء من املنهجية‪ ،‬إذ كان ُيفهم من النفس‬
‫واحلياة ّأنام يشكالن الدعم امليتافيزيقي للروح التي هي حمل التجربة الدينية‪.‬‬
‫وكانت عني هذه «التجربة الدينية» هي التنمية الروحية واملسؤولية األخالقية‬
‫والوصول إىل اهلل واحلياة بعد املوت‪.‬‬
‫ويف مفرتق طرق هذا التحول التارخيي‪ ،‬قدم الفقيه واملتكلم الكبري عبد‪ ‬امللك‬
‫لطيف ضمن‬
‫ٌ‬ ‫جسم‬
‫ٌ‬ ‫اجلويني (ت‪874 .‬هـ‪5801/‬م) تعري ًفا انتقال ًّيا للنفس بأهنا‬
‫اجلسم املــادي(((‪ .‬ثم جاء أبو حامد الغزايل (ت‪505 .‬هـــ‪1111/‬م)‪ ،‬تلميذ‬

‫أو «اعتقاد» ّ‬
‫بأن املطر سيهطل اليوم‪.‬‬ ‫‪. 3‬‬
‫عدم إمكانيتها ينشأ عن الزعم بأنه ال وجود إال لألشياء املادية‪.‬‬ ‫‪ .4‬‬
‫اإلمام اجلويني‪ ،‬كتاب اإلرشاد إىل قواطع األدلة يف أصول االعتقاد (القاهرة‪ :‬مطبعة‬ ‫‪ .5‬‬
‫السعادة‪ )1950 ،‬ص‪.377 .‬‬

‫‪2‬‬
‫إشكالية االختزالية في فلسفة العقل‬

‫اجلويني‪ ،‬فأضاف إىل تعريف أستاذه أن هذا اجلسم اللطيف أمر رباين عجيب‪.‬‬
‫وقد ُشبهت النفس ببخار شفاف‪ ،‬وبالضوء املنبعث من املصباح الذي يمأل‬
‫تضمن معنى‬
‫أرجاء البيت‪ ،‬وبانتشار ماء الورد يف بتالت الوردة‪ .‬وعىل الرغم من ّ‬
‫يتضمن حركة مقصودة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫«الوجود الفيزيائي» هلذه «اجلسمية»‪ ،‬إال ّ‬
‫أن هذا املفهوم‬
‫بعيدً ا عن املحسوس املادي‪.‬‬
‫أما يف الفرتة الكالمية املتأخرة‪ ،‬فقد وضع عضد الدين اإلجيي (ت‪.‬‬
‫‪756‬هـ‪1355/‬م) وآخرون((( تعري ًفا جديدً ا للنفس بأهنا جوهر جمرد من املادة‪:‬‬
‫«وهي كامل ّأول جلسم طبيعي آيل من جهة ما يتغذى وينمو‪ ،‬أو حيس ويتحرك‬
‫يفس‬
‫ّ‬ ‫باإلرادة‪ ،‬أو يعقل الكليات ويستنبط بالرأي»(((‪ .‬وهذا الرأي األخري‬
‫بوضوح ارتياح كثري من املتكلمني املسلمني بعد الغزايل لفكر ابن سينا‪ ،‬وإن كان‬
‫عم يدعو إىل النقد(((‪.‬‬
‫هذا االرتياح ال يغفل عاد ًة ّ‬
‫مكونًا إضاف ًّيا يف الفكر الكالمي اإلسالمي فيام خيص النفس أال‬ ‫ّ‬
‫وإن هناك ّ‬
‫وهو «الثنائية»‪ .‬إذ ينشأ تفضيل واضح هلذه الثنائية يف علم الكالم بغض النظر‬
‫تصور املتكلمني للنفس بأهنا جوهر جمرد أو جسم لطيف أو جوهر‬
‫عام إذا كان ّ‬
‫ِ‬
‫فرد‪ ،‬فهي يف كل األحوال جوهر له استعدادات وقوى‪ .‬ولكن ما ينبغي أخذه‬
‫بعني االعتبار هو أن املفاقمة يف الثنائية الديكارتية املتعلقة ببعض املشكالت‬
‫املوجهة إىل‬
‫األفالطونية‪ ،‬يف القرن السابع عرش‪ ،‬هي التي دفعت إىل التهم احلديثة ّ‬
‫معقولية الثنائية‪ .‬والثنائية اإلسالمية‪ ،‬عىل أي حال‪ ،‬ال يمكن أن تُفهم عىل نفس‬

‫كفخر الدين الرازي (ت‪606 .‬هـ‪1210/‬م)‪ ،‬املطالب العالية؛ وسيف الدين اآلمدي‬ ‫‪ .6‬‬
‫(ت‪631 .‬هـ‪1223/‬م)‪ ،‬أبكار األفكار؛ والقايض البيضاوي (ت‪685 .‬هـ‪1286/‬م)‪،‬‬
‫طوالع األنوار؛ وسعد الدين التفتازاين (ت‪793 .‬هـ‪1390/‬م)‪ ،‬رشح املقاصد‪.‬‬
‫عضد الدين اإلجيي‪ ،‬كتاب املواقف (بريوت‪ :‬عامل الكتب‪ ،)1970 ،‬ص‪.229 .‬‬ ‫‪. 7‬‬
‫لعل أحد التفسريات اجلديرة باالعتبار أن أعامل الغزايل النقدية هي التي جعلت حدوث‬ ‫‪ .8‬‬
‫أمرا ممكنًا لعلم الكالم الذي نشأ بعدها‪.‬‬
‫تعامل واثق وثابت وبارع مع الفلسفة ً‬

‫‪3‬‬
‫ورقات طابة‬

‫املنوال‪ ،‬إذ إهنا تقرتح مقاربة تركيبية للجسم والنفس عىل نحو يتخطى «مشكلة‬
‫االقرتان» التي تقف أمام الثنائية الديكارتية يف فلسفة العقل املعارصة‪.‬‬
‫وال تزال العادة املتبعة يف علم الالهوت املعارص يف التقليد الغريب‪ ،‬دون‬
‫استثناء تقري ًبا‪ ،‬هي اختزال كل كالم عىل النفس يف مناقشات حول مسائل إشكالية‬
‫يف فلسفة العقل‪ .‬ويعود هذا يف الغالب إىل مشكلة حديثة تتع ّلق بـ «اإلسهاب‬
‫ينسجم املفهوم الكالمي للنفس‬
‫َ‬ ‫التفسريي» املشار إليه آن ًفا‪ .‬ومع هذا فقد اتُّفق ْ‬
‫أن‬
‫مجيل‪ ،‬إذ إن العقل والتع ّقل مرتبطان‪ ،‬عىل املعتمد‪،‬‬
‫مع فلسفة العقل انسجا ًما ً‬
‫عرف الرشيف اجلرجاين (ت‪.‬‬ ‫ارتبا ًطا وثي ًقا باعتبارمها قو ًة معلوم ًة للنفس‪ .‬و ُي ِّ‬
‫َ‬
‫العقل بأنه‪:‬‬ ‫‪816‬هـ‪1413/‬م)‪ ،‬يف رشحه عىل املواقف يف علم الكالم لإلجيي‪،‬‬
‫جسم وال ً‬
‫حال فيه‪ ،‬وال جز ًءا منه‪ ،‬بل هو جوهر جمرد يف ذاته‬ ‫«موجود ممكن ليس ً‬
‫مستغن يف فاعليته عن اآلالت اجلسامنية»(((‪ .‬وهلذا السبب تتم ّيز النفس اإلنسانية‬
‫عن النفس احليوانية بكوهنا متطابقة مع النفس الناطقة‪.‬‬
‫وأزعم هنا أنه إذا ُو ِجدَ ت حلول للمشكالت التحليلية األساسية بام يؤ ّيد‬
‫مبدأ النفس فإنه يمكن معاجلة بناء ميتافيزيقي إضايف عىل مستوى أرفع وأكثر‬
‫أمهية‪ ،‬وهذا املستوى األرفع هو جمال علم الكالم امليتافيزيقي‪ ،‬وهو من جانبه‬
‫غري ُمق ّيد باخلاص ّية التحليلية (‪ )analyticity‬ما دام يمتثل لقاعدة «عدم التناقض»‬
‫املنطقية؛ وأعني بقاعدة عدم التناقض الدالل َة التي يثبتها العقل املحض فيام كان‬
‫ُيتداول قبل عهد الفلسفة الوضعية‪.‬‬
‫إطارا من أجل إجراء مزيد من البحث‬
‫ً‬ ‫وأبتغي يف هذه الورقة أن أقدّ م‬
‫اإلسالمي حول املشكالت التي تقف أمام مبدأ النفس يف فلسفة العقل‪ .‬وتُفهم‬
‫النفس هنا وفق العرف احلايل من حيث ارتباطها بالعقل والوعي‪ ،‬اللذين مها‬

‫الرشيف عيل اجلرجاين‪ ،‬رشح املواقف (القاهرة‪ :‬مطبعة السعادة‪1324 ،‬؛ أعيدت طباعته‪،‬‬ ‫‪ .9‬‬
‫طهران‪ :‬انتشارات الرشيف الرضا‪ ،1415 ،‬الطبعة الثانية)‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص‪.254 .‬‬

‫‪4‬‬
‫إشكالية االختزالية في فلسفة العقل‬

‫ُ‬
‫العقل بأنّه كيان مستقل‪ ،‬بأنه النفس‬ ‫تصور‬
‫قوتان معلومتان للنفس‪ ،‬أو حني ُي َّ‬‫ّ‬
‫الناطقة ذاهتا‪.‬‬
‫رتح يف هذه الورقة َّ‬
‫أن البدء من «عدم اختزالية الوعي (أو العقل) يف‬ ‫واملق َ‬
‫الفيزيائي» هو نقطة انطالق أفضل من حماولة إجياد براهني عىل الثنائية اجلوهرية‪،‬‬
‫حددت من‬
‫ُ‬ ‫أي ثنائية جوهر أقرب إىل الديكارتية منها إىل نموذج تركيبي‪ .‬وقد‬
‫(‪mind-brain‬‬ ‫بني شتى مظاهر االختزالية نظرية «التطابق بني العقل والدماغ»‬
‫‪ )identity‬باعتبار ّأنا األقوى حجة‪ .‬وأسعى هنا إلثبات أن اجلهو َد املبذولة من‬
‫افرتاض ال يقوم عىل‬
‫ٌ‬ ‫أجل اعتبار الظواهر الذهنية ليست إال حوادث دماغية هو‬
‫تأثريا‪ ،‬ال‬
‫أساس متني‪ .‬ومع عدم استمرارية االختزالية‪ ،‬حتى يف صورهتا األكثر ً‬
‫يبقى لدينا إال ثالثة اجتاهات بديلة لتفسري عدم قابلية الظواهر الذهنية لالختزال‪:‬‬
‫وإن‬ ‫أن « ّ‬
‫احلل» هو السبيل الوحيد‪ّ .‬‬ ‫إما اإلعراض أو التك ّيف أو احلل؛ وأقرتح َّ‬
‫اهلوة بني الفلسفة التحليلية‬
‫الالهوت الفلسفي‪ ،‬بقابليته الطبيعية الجتياز ّ‬
‫ً‬
‫حلول أكثر تأ ّن ًقا هلذه املعضالت‪ .‬وأعني بالتأنق هنا‬ ‫وامليتافيزيقا(‪ ،((1‬قد يقدم‬
‫كثريا يف املنهج العلمي احلديث‪.‬‬
‫مراعاة مبدأ «االختصار» (‪ )parsimony‬املح ّبذ ً‬
‫التفكري املتأ ّثر بالفلسفة الوضعية‪ ،‬متن ّك ًبا عن اجلادة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وكثريا ما يذهب بعيدً ا‬
‫ً‬
‫لتفادي النتائج املوصلة إىل اإليامن باهلل‪.‬‬
‫وقد جيد املرء أن معظم الكتابات املعارصة حول الالهوت هتدف إىل تكثيف‬
‫نرش املعاجلات التي تناولتها عن النفس والعقل باعتبار ّأنا تدافع عن اإليامن باهلل‬
‫أيضا إىل بعض الوجهات التي يمكن أن يأخذها‬
‫أومأت ً‬
‫ُ‬ ‫(أي عن وجود اهلل)‪ .‬وقد‬
‫هذا التفكري‪ .‬ويف هذا اخلصوص‪ ،‬أزعم أنه عند العمل ضمن مشهد احلدود التي‬

‫ولكن هناك فرق يف مفهوم‬ ‫ْ‬ ‫‪ .10‬من املس َّلم به أن الفلسفة التحليلية تعالج املسائل امليتافيزيقية‪،‬‬
‫العقالنية التي تصبغ تلك امليتافيزيقا يف مقابل العقالنية التي تصبغ الفلسفة امليتافيزيقية‬
‫وإن فهم العقالنية الذي تنتهجه الفلسفة التحليلية يميل إىل أخذ صبغته من‬ ‫التقليدية‪ّ .‬‬
‫أن عقالنية امليتافيزيقا التقليدية هي عقالنية العقل املحض‪.‬‬ ‫فلسفة وضعية كامنة‪ ،‬يف حني ّ‬

‫‪5‬‬
‫ورقات طابة‬

‫رسمتها الفلسفة التحليلية فإنه قد يكون من األجدى إثبات «معقولية» اإليامن باهلل‬
‫بدل من البحث عن براهني «ساحقة ماحقة»‪ .‬وما ُأملِ ُح إليه هبذا هو أن فرو ًعا من‬
‫ً‬
‫العلم (أو نامذج معرفية) خمتلفة هي أجدر بتحليل (ومعاجلة) مسائل متخصصة‬
‫أو خمتلفة‪.‬‬
‫وقد يرغب القارئ استحضار أربع أفكار يتخذها مؤونة له وهو يبحر يف‬
‫عظيم ٍّ‬
‫لكل من مبدأ‬ ‫ً‬ ‫املادة العلمية املبسوطة أمامه‪ً .‬‬
‫أول‪ ،‬تشكل االختزالية حتد ًّيا‬
‫تتعرض االختزالية‬
‫النفس واإليامن باهلل‪ ،‬ولكنه ليس حتد ًيا مستعص ًيا‪ .‬ثان ًيا‪ ،‬حني ّ‬
‫يف مسألة الوعي بأكثر صورها شمولية (أي نظرية التطابق) لنقد فلسفي (كنقد‬
‫ِ‬
‫وكريبكه) فإهنا تبدأ بفقد قوهتا‪ .‬ثال ًثا‪ ،‬سيكون لزا ًما عىل املؤ ّلفني املسلمني‬ ‫ُبتنام‬
‫بأنم عاملون هبذه املنعرجات‬ ‫املعارصين يف جمال علم الالهوت أن ُيثبتوا ّ‬
‫واملنعطفات يف أثناء املداولة واحلوار‪ ،‬وسيكون هذا رش ًطا لفعالية خطاهبم مع‬
‫القراء غري املسلمني أو حتى مع املفكرين املسلمني الناشطني يف سوق األفكار‬ ‫ّ‬
‫العاملي‪ .‬راب ًعا‪ ،‬يليق باملفكِّرين املسلمني واملفكِّرات اإلقرار بالصالحية واملال َءمة‬
‫املتأصلت َْي بني املفاهيم الناشئة من تراثهم الالهويت اخلاص واملواضيع ا ُملثارة‬
‫ُ‬
‫إحداث تقدي ِم مثل هذه‬ ‫يف املناقشات الفلسفية والالهوتية املعارصة‪ .‬ويتط ّلب‬
‫ً‬
‫شامل وأمينًا لفروع خاصة من العلوم الرشعية‬ ‫تقويم‬
‫ً‬ ‫ٍ‬
‫بنجاح‬ ‫املفاهيم اجلديدة‬
‫(مثل علم اجلدل والبالغة واملنطق ودالالت النصوص وعلم الكالم‪ ،‬إلخ)‪.‬‬
‫املتخوفون ما ُي َط ْم ِئن قلوهبم يف مالحظة ّ‬
‫أن استخراج نامذج نافعة‬ ‫ّ‬ ‫ويمكن أن جيد‬
‫بطريقة استكشافية من فلسفة العصور الوسطى يمتد اآلن إىل أبعد بكثري من‬
‫سعي الفالسفة التوماويني املعارصين‪ .‬‬
‫(‪Richard‬‬ ‫وتبدأ الورقة بتقدير جــدوى مــروع ريتشارد سوينربن‬
‫‪ )Swinburne‬يف الوفاء بتحقيق هذه األهداف ذاهتا‪ .‬ويسعى سوينربن للربهنة‬
‫‪ )radical‬عن طريق‬ ‫(‪substance dualism‬‬ ‫عىل الثنائية اجلوهرية الراديكالية‬

‫‪6‬‬
‫إشكالية االختزالية في فلسفة العقل‬

‫املوجهات (‪ )modal logic‬ومنه يضع برهانًا عىل اإليامن باهلل (‪.)theism‬‬


‫َّ‬ ‫منطق‬
‫وبالرجوع إىل الركائز التي تستند إليها احلجج املضادة ملعقولية مبدأ النفس‪،‬‬
‫نتناول باقتضاب نقد جايغوون كيم (‪ )Jaegwon Kim‬لالختزالية‪ .‬فبعد اعتبار‬
‫نظرية تطابق العقل والدماغ أقوى دليل عىل الفيزيائية االختزالية‪ ،‬سأحاول‬
‫اختبار متانة هذه النظرية بتطبيق حجج مضادة من أعامل سول كريبكه وهيالري‬
‫ُبتنام‪ .‬ولئن كانت حجة تشارلز تاليافريو (‪ )Charles Taliaferro‬يف نموذج ثنائي‬
‫تركيبي للنفس أكثر فاعلية من حجة سوينربن‪ ،‬فحجته البديلة يف اإليامن باهلل‬
‫تدل عىل ٍ‬
‫اجتاه نحو‬ ‫أقل فاعلية‪ .‬ويف النهاية‪ ،‬أقرتح ثالث «قواعد كلية» يمكن أن ّ‬
‫ٍ‬
‫نفس ناطقة)‬ ‫إثبات معقولية وجود إله ُمن ََّزه عن املا ّدة من معقولية وجود عقل (أو‬
‫جمر ٍد عن املا ّدة‪.‬‬
‫َّ‬

‫‪7‬‬
‫ظاهرة الوعي من حيث عالقتها‬
‫بالعقل والنفس واإليامن باهلل‬

‫إن القدرة عىل الفكر التأ ّميل الذايت ربام تكون أقىص مظهر اضطراري للوعي‬
‫اإلنساين‪ .‬فاإلنسان يف حلظات التأ ّمل الذايت غال ًبا ما جيد استثارة حيوية تدفع‬
‫به نحو الوصول إىل ما وراء الفيزيائي املا ّدي‪ .‬ومن املس َّلم به عمو ًما ّ‬
‫أن جتربتنا‬
‫احلدسية يف األصل حيال أنفسنا والعامل هي بطبيعتها جتربة ثنائية‪ .‬وإننا ندرك‬
‫بالبداهة أن عقولنا هلا حياة قائمة بصورة مستقلة عن أجسامنا املادية‪ ،‬وال ينشأ‬
‫التوتّر ّإل عند السؤال‪ :‬هل إثبات هذه «النفسية اجلامعية» (‪)folk psychology‬‬
‫من الناحية العلمية أو الفلسفية ممكن أم غري ممكن(‪((1‬؟ وال تزال آفة البحث‬
‫األكاديمي يف موضوع النفس تكمن يف إضفاء صيغة أدق عىل هذه النزعات‬
‫الذاتية‪.‬‬
‫ذاع‬
‫وإن الوعي‪ ،‬الذي تتَّضح أمهيته املركزية يف موضوعنا‪ ،‬أثبت عىل نحو َ‬ ‫ّ‬
‫وانترش أنّه مفهوم يستعيص عىل التعريف‪ .‬فكثري من ال ُكتّاب يذكرونه ولك ْن فعل ًّيا‬

‫‪« .11‬علم النفس اجلامعي» مصطلح يشري إىل نظرة احلس املشرتك للوعي القريبة من‬
‫‪The Future of Folk‬‬ ‫نظرة فلسفة احلس املشرتك‪ .‬انظر‪ :‬جون د‪ .‬غرينوود (حمرر)‪،‬‬
‫‪( Psychology: Intentionality and Cognitive Science‬مستقبل علم النفس اجلامعي‪:‬‬
‫القصدية والعلوم االستعرافية) (كمربدج‪ :‬مطبعة جامعة كمربدج‪.)1991 ،‬‬

‫‪9‬‬
‫ورقات طابة‬

‫ثلة منهم فقط يبذلون جهدً ا لتحديد املقصود منه‪ ،‬ويف غالب األحيان يميلون‬
‫عنه ويتكلمون عىل العقل والصفات العقلية واحلوادث الذهنية‪ .‬وقد تطرق‬
‫ديفيد تشاملرز (‪ )David Chalmers‬إىل هذه املالحظة بصورة مبارشة‪ ،‬وذكر أن‬
‫إن معظم املؤ ّلفني اكتفوا‬
‫وتوهه هو السبب يف ذلك‪ ،‬وقال ّ‬
‫ّ‬ ‫متاهة هذا املفهوم‬
‫فقط باحلديث عن «ظواهر» الوعي (كاالعتقادات واملشاعر واملقاصد والرغبات‪،‬‬
‫إلخ)؛ ويف الوقت ذاته سعى جاهدً ا إىل تقديم تعريف عميل لنا‪« :‬حني أتك ّلم عىل‬
‫الوعي فأنا ال أتك ّلم إال عىل الصفة الذاتية للتجربة‪ :‬ما الذي يعنيه أن أكون ذاتًا‬
‫مدركة»(‪ .((1‬ومع ّ‬
‫أن هذا ال يميض بنا إىل حدّ أبعد يف هذا السبيل‪ ،‬إال أنّه بداية‬
‫مرحب هبا‪ .‬ومن أجل األهداف املحددة هلذا البحث‪ ،‬فإننا عندما نتحدّ ث عن‬
‫َّ‬
‫الوعي‪ ،‬فإننا نتحدّ ث عن العقل اإلنساين بغية معاجلة املشكالت املتع ِّلقة به‪.‬‬
‫ربهن‬ ‫وسأحاول‪ ،‬يف هذا البحث‪ ،‬أن أبني َّ‬
‫أن معقولية اإليامن باهلل يمكن أن ُي َ‬
‫عليها انطال ًقا من مسألة الوعي‪ .‬وقد بارش ريتشارد سوينربن يف كتابه الرائد الذي‬
‫‪( The‬تطور النفس) هدفه يف إثبات‬ ‫‪Evolution of the Soul‬‬ ‫أ ّلفه عام ‪:1986‬‬
‫هذه املسألة بالذات‪ .‬واحلق أن هذه املسألة ما زالت شغله الشاغل إىل يومه هذا؛‬
‫ومن اجلَور القول إنّه قد أخفق يف سعيه‪ .‬فقد قدم سوينربن إسهامات مهمة ضمن‬
‫حماوالت إعادة تقويم الثنائية عمو ًما واملسألة الفلسفية املتع ّلقة بالعقل وبالنفس‬
‫خصوصا‪ .‬ومع هذا يمكن القول إن مرشوعه الفلسفي يسعى إىل تضمني أشياء‬
‫ً‬
‫كثرية يف مقدماته قبل الوقوف عىل الكثري من االعتبارات التأسيسية الرضورية‪.‬‬
‫ّ‬
‫وإن صورة الثنائية اجلوهرية التي يقدمها ليست ديكارتية وال توماوية‪ ،‬ولكن قد‬
‫تكون أكرب من أن يستوعبها مرشوعه‪ّ .‬‬
‫وإن مسألة عدم قابلية الوعي اإلنساين‬

‫‪ .12‬ديفيد تشاملرز‪( The Conscious Mind: In Search of a Fundamental Theory ،‬العقل‬


‫الواعي‪ :‬بحثًا عن نظرية أساسية) (أكسفورد‪ ،‬مطبعة جامعة أكسفورد‪ ،)1996 ،‬ص‪.6 .‬‬

‫‪10‬‬
‫إشكالية االختزالية في فلسفة العقل‬

‫لالختزال‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬قد تكون حصنًا فعاالً ضد الفيزيائية االختزالية‪ ،‬وإن‬
‫كانت أكثر تواض ًعا‪.‬‬
‫واليوم باتت النزعة الالاختزالية تتمتع بمستويات متنامية أكثر من ذي‬
‫قبل من املوافقني واملؤيدين هلا وإن كان يبدو أهنم غري مستعدين كلهم لتجاوز‬
‫الشعور باألمان الذي تقدمه نتائجها األوضح واألجىل‪ .‬وتصبو هذه الورقة إىل‬
‫طرح قضية للنظر‪ ،‬وهي َّ‬
‫أن عدم قابلية الوعي لالختزال ُيتيح الفرصة ملعقولية‬
‫نتائج ميتافيزيقية أخرى‪ .‬و ُيمكن اجلزم بأن هذه املعقولية املتأصلة يف «إشكالية»‬
‫الوعي هي التي بوسعها ْ‬
‫أن تقدم بنجاح بعض الدعم الفلسفي األو ّيل لإليامن‬
‫باهلل‪.‬‬

‫مسعى سوينبرن في تقدمي دعم فلسفي لإليمان بالله من‬


‫إشكالية الوعي‬
‫يرشع سوينربن بإنشاء مفهوم للحياة العقلية والنفس يمكن استخدامه للربهنة‬
‫عىل وجود اهلل‪ ،‬وهو يستعرض نظريته يف الوعي بإثارة تفسري خاص للثنائية‬
‫اجلوهرية‪ .‬فقد وضع سوينربن طريقته يف معاجلة قضية النفس والعقل والوعي يف‬
‫أهم األهداف الرئيسة هلذا الكتاب هو الربهنة عىل َّ‬
‫أن‬ ‫كتابه «تطور النفس»‪ .‬ومن ّ‬
‫متطابق مع نفس جمردة ترتبط بجسم مادي‪ .‬وهو حيتج‬
‫ٌ‬ ‫أي «شخص إنساين» فرد‬‫َّ‬
‫لِذلك بقوله‪« :‬ال استحال َة منطقية لشخص ما‪ ،‬هو وا ٍع اآلن‪ ]...[ ،‬أن يستمر‬
‫وجوده دون جسمه»(‪ .((1‬ويبني سوينربن حجته عىل ثالث مقدمات تأسيسية‬
‫املوجه بشأن الثنائية اجلوهرية‪.‬‬
‫َّ‬ ‫هي بمثابة املنصة التي يقدم منها دليله املنطقي‬

‫(تطور النفس)‪ ،‬ص‪.154 .‬‬


‫ّ‬ ‫‪ .13‬سوينربن‪The Evolution of the Soul ،‬‬

‫‪11‬‬
‫ورقات طابة‬

‫و ُأوىل هذه املقدمات هي تعريفه للشخص (‪ .)person‬فاإلنسان يف نظرية‬


‫سوينربن «مؤلف من نفس إنسانية متصلة بجسم إنساين»(‪ .((1‬وإن كان اجلسم‬
‫يزود بالقدرة عىل الفعل يف العامل اخلارجي َّ‬
‫فإن عالقته بالشخص مؤقتة و َع َرضية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫املتصل به‬ ‫«إن الشخص هو النفس مع اجلسم‪ ،‬أيًّا كان إن كان هناك جسم‪،‬‬ ‫ّ‬
‫اجلسم جزء إال أنه ليس إال جز ًءا‬
‫َ‬ ‫اتصاالً مؤقتًا»‪ ،‬بتعبري سوينربن(‪ .((1‬ومع َّ‬
‫أن‬
‫مؤقتًا‪ ،‬وهو ممكن االستغناء عنه للهوية اإلنسانية التي جماهلا النفس حتديدً ا‪ ،‬وهنا‬
‫بالضبط تكمن املفارقة‪ .‬إذ ال وجود لشخص إال بقدر ما لديه من قدرة عىل‬
‫اكتساب جتارب وحياة عقلية غن ّية(‪ ((1‬وعىل القيام بأفعال(‪.((1‬‬
‫واملقدمة التأسيسية الثانية يف برنامج سوينربن هي‪« :‬جيوز منطق ًّيا لألشخاص‬
‫االستمرار يف الوجود حني تفنى أجسامهم»(‪ .((1‬وأما املقدمة التأسيسية الثالثة‬
‫فهي‪ّ :‬‬
‫«إن استمرار وجود بعض األشياء املكونة جلوهر ما رضوري الستمرار‬
‫(‪quasi-‬‬ ‫وجود ذلك اجلوهر»(‪ .((1‬ويسمي سوينربن هذا باملبدأ الشبه‪-‬أرسطي‬
‫أهم ما يف وصف أرسطو للجواهر هو َّ‬
‫أن‬ ‫‪ .)Aristotelian principle‬وقد كان ّ‬
‫«استمرار املادة رضوري الستمرار وجود أي جوهر»(‪ .((2‬وتأيت كلمة «شبه»‬
‫بأن نعمد إىل «إضفاء نوع من التحرر عىل مفهوم‬ ‫ٍ‬
‫مسألة عند سوينربن ْ‬ ‫من‬
‫أرسطو»(‪ .((2‬فقد أكد أرسطو أن األشياء املكونة للجواهر ما هي إال مادة‪ ،‬ويريد‬

‫املصدر السابق‪ ،‬ص‪.26 .‬‬ ‫‪. 14‬‬


‫املصدر السابق‪ ،‬ص‪.146 .‬‬ ‫‪ .15‬‬
‫سوينربن‪( The Christian God ،‬اإلله املسيحي) (أكسفورد‪ :‬مطبعة جامعة أكسفورد‪،‬‬ ‫‪ .16‬‬
‫‪ ،)1998‬ص‪.31 .‬‬
‫مثله‪( »Personal Identity: The Dualist Theory« ،‬اهلوية الشخصية‪ :‬نظرية الثنائية)‪،‬‬ ‫‪ .17‬‬
‫يف ‪( Personal Identity‬اهلوية الشخصية)‪ ،‬حترير سيدين شوميكر وريتشارد سوينبورن‬
‫(أكسفورد‪ :‬بالكويل‪ )1984 ،‬ص‪.44 .‬‬
‫(تطور النفس)‪ ،‬ص‪.147 .‬‬
‫ّ‬ ‫سوينربن‪The Evolution of the Soul ،‬‬ ‫‪. 18‬‬
‫املصدر السابق‪ ،‬ص‪.153 .‬‬ ‫‪ .19‬‬
‫املصدر السابق‪.‬‬ ‫‪ .20‬‬
‫املصدر السابق‪.‬‬ ‫‪ .21‬‬

‫‪12‬‬
‫إشكالية االختزالية في فلسفة العقل‬

‫سوينربن أن حيتج بأنّه يمكننا القول َّ‬


‫إن استمرار وجود بعض األشياء املكونة‬
‫للجواهر رضوري الستمرار وجود اجلوهر‪ .‬ففي املفهوم اجلديد لـ «شبه» «بعض‬
‫اجلواهر تتكون جزئ ًيا من أشياء جمردة من املادة‪ :‬أشياء نفسية»(‪.((2‬‬
‫وإلضفاء مزيد من الوضوح والتأطري لالستدالل املذكور آن ًفا‪ ،‬يقدم‬
‫املوجه بالشكل التايل‪:‬‬
‫َّ‬ ‫سوينربن دليله‬

‫تعريفات‪:‬‬
‫‪« = p‬أنا شخص واع وموجود يف عام ‪»1984‬‬
‫ِ‬
‫ـي جسمي يف آخر حلظة من عام ‪»1984‬‬ ‫‪َ « = q‬فن َ‬
‫‪« = r‬لدي ن ْفس يف عام ‪»1984‬‬
‫‪« = s‬أنا موجود يف عام ‪»1985‬‬
‫نطاقها كل القضايا املتسقة واملتالئمة مع (‪ )p&q‬والواصفة‬ ‫‪x‬‬

‫حلاالت عام ‪1984‬‬

‫مقدمات‪:‬‬
‫‪p‬‬ ‫‪.1‬‬
‫‪)p&q&x&s( ◊ )x( .2‬‬
‫‪)p&q&~r&s( ◊ ~ .3‬‬

‫النتيجة‪:‬‬
‫أن لدي ن ْف ًسا يف ‪])»1984‬‬
‫[~ ‪«( r‬احلالة ليست َّ‬

‫‪ .22‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.154-153 .‬‬

‫‪13‬‬
‫ورقات طابة‬

‫ويمكن رشح هذه املقدمات كام ييل‪ :‬تستلزم املقدمة ‪ 2‬أنه بناء عىل مجيع حاالت‬
‫‪ ،)x( 1984‬ومنها حالة كوين واع ًيا يف ‪ )p( 1984‬وحالة فناء جسمي يف آخر‬
‫حلظة من ‪ )q( 1984‬فإنه من املمكن (◊) أن أستمر يف الوجود يف ‪.)s( 1985‬‬
‫وتستلزم املقدمة ‪ 3‬أنه من غري املمكن أن أكون واع ًيا يف ‪ )p( 1984‬وأن يفنى‬
‫جسمي يف آخر حلظة من ‪ ،)q( 1984‬وأن أستمر‪ ،‬مع هاتني احلالتني‪ ،‬يف الوجود‬
‫يف ‪ ،)s( 1985‬بينام يف الوقت ذاته ليس عندي نفس يف ‪.)r~( 1984‬‬
‫املوجه يف‬
‫َّ‬ ‫وخصوصا دليله‬
‫ً‬ ‫لقد ركز معظم منتقدي سوينربن عىل ثنائيته‪،‬‬
‫إثبات الثنائية اجلوهرية(‪ .((2‬فعىل سبيل املثال لفت ألستون (‪ )Altson‬وغريه‬
‫املوجه الذي استعمله سوينربن‪.‬‬
‫َّ‬ ‫النظر إىل مشكلة يف املقدمة الثانية للدليل‬
‫فباستبدال العبارات األصلية يمكن إثبات أن حجة سوينربن من املحتمل أن‬
‫تستلزم تناقضات تُسبب إشكاالت للنموذج الذي يقدمه(‪.((2‬‬
‫وعىل هذا النحو عمدت إلينور ستَمب (‪ )Stump‬وغريها إىل اختبار صحة‬
‫حجة سوينربن عن طريق تقديم أمثلة مضادة إلطاره املنطقي‪ ،‬وقد ب ّينت هذه‬
‫األمثلة أن بعض جمموعاته غري مقصورة بام فيه الكفاية مما يسمح بأمثلة مضادة‬
‫حيث تتناسب مع الرشوط التي وضعها ولكنها يف هناية املطاف تُفنّد النتائج‬
‫«‪Swinburne’s Argument‬‬ ‫‪ . 23‬كان يف طليعة هؤالء املنتقدين وليام ألستون وتوماس سميث‪،‬‬
‫‪( »for Dualism‬حجة سوينربن يف الثنائية)‪( Faith and Philosophy ،‬الدين والفلسفة)‪،‬‬
‫‪133-127 :)1994( 1/11‬؛ وإلينور ستَمب ونورمان ك ِرتسامن‪«An Objection ،‬‬
‫»‪( to Swinburne’s Argument for Dualism‬اعرتاض عىل حجة سوينربن يف الثنائية)‪،‬‬
‫‪( Faith and Philosophy‬الدين والفلسفة)‪412-405 :)1996( 13 ،‬؛ وغراهام‬
‫أويب‪( «Swinburne on ‹Mental› and ‹Physical›» ،‬سوينربن حول «العقيل» و«املادي»)‪،‬‬
‫‪( Religious Studies‬دراسات دينية)‪495-483 :)1998( 34 ،‬؛ ووليام َهسكر‪،‬‬
‫املوجه يف الثنائية)‪،‬‬
‫َّ‬ ‫»‪( «Swinburne’s Modal Argument for Dualism‬دليل سوينربن‬
‫‪( Faith and Philosophy‬الدين والفلسفة)‪370-366 :)1998( 3/15 ،‬؛ وكنت‬
‫ريمز‪«A Response to Swinburne’s Latest Defense of the Argument for Dualism» ،‬‬
‫(ر ّد عىل دفاع سوينربن األخري عن حجته يف الثنائية)‪( Faith and Philosophy ،‬الدين‬
‫والفلسفة)‪.97-90 :)1999( 1/16 ،‬‬
‫‪ .24‬ألستون وسميث‪« ،‬حجة سوينربن يف الثنائية»‪ ،‬ص‪.133-132 .‬‬

‫‪14‬‬
‫إشكالية االختزالية في فلسفة العقل‬

‫التي وصل إليها(‪ .((2‬ثم إن جمرد إدخال ٍ‬


‫قيد إضايف يف هذا اإلطار‪ ،‬حسب قول‬ ‫ّ‬
‫أيضا مع ‪ ،»s‬عالوة عىل القيدَ ين السابقني‬
‫ستَمب وكرتسامن‪ ،‬مثل «عدم التعارض ً‬
‫أيضا مع ‪ p‬و‪ ،q‬لن جيدي شي ًئا‬
‫[املتعلقني بـ ‪ ،]x‬وأحدمها كان (‪ )a‬عدم التعارض ً‬
‫ألن هذا سيجعل حجة سوينربن غري صحيحة‪ .‬والسبب يف ذلك هو أننا بمجرد‬
‫{~◊‬ ‫إضافة القيد (‪ )c‬إىل القيدَ ين اآلخرين بخصوص (‪ ،x((2‬سيجعل مالحظتنا‬
‫غري متناسبة مع كامل املجموعة (‪)p&q&s‬‬ ‫‪~r‬‬ ‫‪ })(p&q&~r&s‬تشري إىل ّ‬
‫أن‬
‫يف مقابل عدم مناسبة ‪ ~r‬فقط مع (‪َ )p&q‬و ْحدَ ها‪ .‬ويف هذه احلالة فإن (‪)p&q‬‬
‫َو ْحدَ ها ال تستلزم ‪ ،r‬وهذا االستلزام كان اهلدف األصيل لسوينربن(‪.((2‬‬
‫املوجه الذي‬
‫َّ‬ ‫الصحة» مع الدليل‬
‫ومهام يكن األمر بخصوص إشكاليات « ِّ‬
‫يستعمله سوينربن‪ ،‬فإنني أشعر أهنا إشكاليات ثانوية أمام خماوف أساسية بشأن‬
‫نوعية مقدماته‪ .‬وعمو ًما‪ ،‬حتى تشك َِّل حجة سوينربن يف الثنائية اجلوهرية قاعد ًة‬
‫كافية لنظرية يف الوعي‪ ،‬وللتوجه نحو اإليامن باهلل‪ ،‬عىل حدٍّ سواء‪ ،‬عليه أن ُيظهر‬
‫أنّه قد وضع يف اعتباره جمموعة خماوف جوهرية معينة تتع ّلق باملقدمات التي‬
‫تسعى حجته أن تبني عليها صحتها الالحقة‪.‬‬
‫املوجه عمو ًما ثالث ُة إشكاالت‪ً :‬‬
‫أول‪ ،‬تقوم عىل عدد من‬ ‫َّ‬ ‫تصيب الدليل‬
‫االفرتاضات غري املربهنة التي تدفع باملؤلف إىل افرتاض «قفزات وجودية‬
‫(أنتولوجية)» عديدة؛ ثان ًيا‪ ،‬هناك إشكاالت تتعلق بزعم وجود رضورة يف‬
‫حاالت ال توجد فيها صلة ملزمة بني قضية ما ونتائجها؛ ثال ًثا‪ ،‬ولعل هذا هو‬
‫املوجه هذا‪.‬‬
‫َّ‬ ‫اخللل الفادح‪ ،‬هناك مشكل الدور املزمن يف الدليل‬

‫‪ . 25‬عىل سبيل املثال‪« = x1 :‬اهلل س ُيفني نفيس يف آخر حلظة من عام ‪ »1984‬ال تناقض تقييد‬
‫سوينربن األصيل (‪ )a‬أي وجوب أن تكون بدائل ‪ x‬متوافقة مع (‪ )p&q‬أو (‪ )b‬أهنا تصف‬
‫فقط حاالت ‪.1984‬‬
‫أيضا متواف ًقا مع ‪.s‬‬
‫‪« .26‬الرتقيع» اجلديد‪ ،‬القيد ‪ ،c‬يقول إن أي إبدال لـ ‪ x‬ال بد أن يكون ً‬
‫‪ .27‬ستَمب وكرتسامن‪ ٍ‍‍،‬‏‪‎‬‏»‪«An Objection to Swinburne’s Argument for Dualism‬‬
‫(اعرتاض عىل حجة سوينربن يف الثنائية)‪ ،‬ص‪.406 .‬‬

‫‪15‬‬
‫ورقات طابة‬

‫إن مفهوم النفس املعقد ال يمكن بسهولة أن ُيفرتض من الوعي ّ‬


‫وإن القفز‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫وجود بعد املوت‪ ،‬من الناحية املنطقية‪ ،‬مل يكن موعو ًدا ألحد‪ .‬فكيف يمكن‬ ‫إىل‬
‫ٍ‬
‫أن نفرتض (يف الالهوت الطبيعي أو التحلييل) حدود وجود بعد املوت أو من‬
‫وجهة النظر هذه البقاء بعد املوت؟ ومن أجل أن يدعم سوينربن هذا االفرتاض‪،‬‬
‫كان عليه أن يقوم بأكثر من «إثارة» مبدئه الشبه‪-‬أرسطي(‪ ((2‬للربهنة عليه‪ ،‬وهذا‬
‫ما مل يفعله‪.‬‬
‫تتناول إشكاالت «الرضورة» استعامل سوينربن املتكرر لتجارب الفكر‬
‫النظرية (إىل جانب العديد من مجل «إذا» الرشطية) مما يقوده إىل ما سامه زمرمان‬
‫(‪ )Zimmerman‬مغالطات «التصور مستلزم لإلمكان»‪ .‬فمثلام يقرتح سوينربن‪،‬‬
‫من أجل دعم حجته‪ ،‬أنه يمكن التصور ً‬
‫عقل أنني غري مطابق جلسمي‪« ،‬يمكن‬
‫أيضا‪ ،‬وبنفس الطريقة‪ ،‬أنني مطابق جلسمي أو جلزء ما منه»(‪ .((2‬ويف‬
‫أن أتصور ً‬
‫مثال آخر‪ ،‬حتى نعود إىل املبدأ الشبه‪-‬أرسطي‪ ،‬الذي يقيض بلزوم صحة أنه ال‬
‫ٍ‬
‫فقدان كامل جلميع أجزائه‪ ،‬ويمكن أن ينتج من‬ ‫يمكن أن يدوم جوهر ما مع‬
‫أن األمر ليس أنّني باإلمكان أن أنجو من مويت‪ .‬ولذلك خال ًفا‬
‫ذلك بسهولة َّ‬
‫املوجه‪« ،‬أنا من املمكن أن ال أكون اآلن بحيث أنجو من فناء جسمي‬
‫َّ‬ ‫للدليل‬
‫فأبقى شي ًئا غري ممتد»(‪ .((3‬إذ يوجد الكثري جدًّ ا من اإلمكانات البديلة‪ ،‬والتصور‬
‫العقيل ال يستلزم بالرضورة اإلمكان الوجودي‪ .‬واألمر الفادح يف حجة سوينربن‬
‫عقل ْ‬
‫أن أنجو من املوت‬ ‫املتصور ً‬
‫َّ‬ ‫هو أنه «ينوي االنتقال مبارشة من واقع أنه من‬
‫أن إمكانية أن أكون تأيت من أنني أنجو من مويت»(‪.((3‬‬
‫إىل استنتاج َّ‬

‫(تطور النفس)‪ ،‬ص‪.154-153.‬‬ ‫ّ‬ ‫سوينربن‪The Evolution of the Soul ،‬‬ ‫‪ .28‬‬
‫دين زمرمان‪( «Two Cartesian Arguments for the Simplicity of the Soul» ،‬حجتان‬ ‫‪. 29‬‬
‫ديكارتيتان يف بساطة النفس(‪( American Philosophical Quarterly ،‬املجلة الفلسفية‬
‫األمريكية)‪.222 :)1991( 3/28 ،‬‬
‫املصدر السابق‪.‬‬ ‫‪. 30‬‬
‫املصدر السابق‪.‬‬ ‫‪ .31‬‬

‫‪16‬‬
‫إشكالية االختزالية في فلسفة العقل‬

‫املوجه الذي يقدّ مه سوينربن فهي‬


‫َّ‬ ‫أما الواقعة األكثر إشكالية يف الدليل‬
‫(‪((3‬‬
‫جمرد لـ «أنا» يف ‪ .1984‬ولكي‬
‫الدور املزمن ‪ .‬فهو يسعى إىل إثبات عنرص َّ‬
‫يقوم بذلك ال بد أن يفرتض املبدأ الشبه‪-‬أرسطي‪ ،‬أي لتحقيق هذا الربهان جيب‬
‫جمرد يف ‪ 1985‬بعد فناء جسمي‪ ،‬كي أستنتج بعض النتائج‬ ‫أن يكون لدي عنرص َّ‬
‫مكونًا جمر ًدا عن املادة‪ .‬وبتعبري آخر فإن‬ ‫ٍ‬
‫حاالت يف ‪ ،1984‬أي ّ‬
‫أن لدي ِّ‬ ‫بشأن‬
‫النتيجة التي يصل إليها سوينربن هي رشط لصحة برهانه‪ .‬ويبدو يل أن الدليل‬
‫املوجه الذي يستعمله ما هو إال مترين لتوضيح نمطه يف التفكري يف الثنائية‬
‫َّ‬
‫اجلوهرية ً‬
‫بدل من أن يكون برهانًا عليها‪.‬‬
‫إن االنتقال من الوعي إىل اإليامن باهلل أمر حموري يف مرشوع سوينربن‪.‬‬
‫‪The Existence of God‬‬ ‫وأوضح معاجلة له يف هذا الشأن قد ضمنها كتابه‬
‫(وجود اهلل)‪ .‬فهو يسعى يف هذه املعاجلة إىل إقامة حجة يف إثبات وجود اهلل من‬
‫الوعي حتديدً ا‪ .‬ولكن ُبنية هذه احلجة يف احلقيقة ما هي إال امتداد حلجته انطال ًقا‬
‫من التصميم الدقيق (‪.)fine-tuning‬‬
‫وترتكز هذه احلجة عىل مقدمة فرضية أن الوعي «غري حمتمل»‪ ،‬إذ ّ‬
‫«إن قيمة‬
‫بني آدم تكمن يف حياهتم الواعية‪ ،‬يف اكتساهبم معتقدات وأفكاراً وأحاسيس‬
‫ورغبات ويف حتقيق غايات (عن طريق حرية االختيار)‪ .‬وإذا كان اهلل غري‬
‫ً‬
‫حمتمل أن تؤدي أجسام برشية إىل احلياة الواعية املعهودة‬ ‫موجود فكيف يكون‬
‫إن هذا النطاق غري املق ّيد هلذه املقدّ مة يستلزم َّ‬
‫أن أي نظرية تقري ًبا‬ ‫للبرش(‪((3‬؟» َّ‬
‫أن تقيم حجة «التصميم الدقيق»‬ ‫واف من «التعقيد» تكفي ّ‬ ‫يف الوعي فيها قدر ٍ‬
‫من الوعي‪ .‬ولقد أراحنا سوينربن ً‬
‫فعل من بذل أي جهد حيال نموذجه للوعي‬
‫(والنفس) كام عرضه يف كتابه ‪( The Evolution of the Soul‬تطور النفس)‪.‬‬

‫‪ . 32‬سيتوىل كل من هسكر (‪ )1998‬وزمرمان (‪ )1991‬اإلشارة إىل إشكاليات أخرى للدور‬


‫املوجه‪.‬‬
‫يف الدليل ّ‬
‫‪ .33‬سوينربن‪( The Existence of God ،‬وجود اهلل)‪ ،‬ص‪.192 .‬‬

‫‪17‬‬
‫ورقات طابة‬

‫ٍ‬
‫عيوب واضحة يف صحته البنيوية‪ ،‬وأهم‬ ‫يعاين نموذج سوينربن للوعي من‬
‫املوجه الذي يستعمله ليس‬ ‫ثم ّ‬
‫إن تفاصيل الدليل َّ‬ ‫من ذلك‪ ،‬يف مقدماته اجلوهرية‪ّ .‬‬
‫هلا أي صلة بنموذجه اخلاص به إلثبات اإليامن باهلل من الوعي‪ .‬وهذه العيوب‬
‫أساسا لتقديم دعم فلسفي‬ ‫التي أملحنا إليها جتعل نموذجه هذا غري ٍ‬
‫كاف الختاذه‬
‫ً‬
‫ٍ‬
‫مقدمات كثري ًة يف نموذجه حتى‬ ‫لإليامن باهلل‪ .‬فقد حاول سوينربن أن ُيدخل‬
‫ح ً‬
‫ال تصعب إدارته دون تقديم تعليالت لفرضياته غري املربهنة يف البداية‪.‬‬ ‫جعله ِ ْ‬
‫وأجدين يف هذا املفرتق أميل‪ ،‬من أجل أغراضنا املعلنة‪ ،‬نحو اقرتاح ّ‬
‫أن برناجمًا‬
‫نجاحا‪ .‬وهذا الربنامج عليه أن يأخذ‬
‫ً‬ ‫أكثر تواض ًعا قد يؤدي بنا إىل نتائج أكثر‬
‫بعني االعتبار اإلشكاالت األساسية نفسها التي تعرتض مفهوم الوعي باإلضافة‬
‫إىل أي حماولة لتربير اإليامن باهلل من هذا الوعي‪.‬‬

‫االستعصاء الظاهر للوعي‬


‫للتو ثنائية طموحة جدًّ ا‪ ،‬ونقيضها الطبيعي هو الواحدية‬
‫الثنائية التي ألفيناها ّ‬
‫(‪ .)monism‬ولو أننا ُخ ّينا يف األمر فقد نجد أنفسنا إىل حدّ كبري نختار صورة‬
‫بديلة هلذه الثنائية‪ .‬ولكننا سنكتفي اآلن بمحاولة إثبات عدم قابلية اختزال الوعي‬
‫يف الفيزيائي‪ .‬ولعل أكرب مناوئ لإليامن باهلل الغيبـي امليتافيزيقي ولعدم قابلية‬
‫اختزال الوعي هو فرضية «الفيزيائية االختزالية» (‪ .)reductive physicalism‬وهي‬
‫فرضية «فيزيائية» ألهنا متنح الفيزياء سلطة تفسريية خاصة‪ ،‬أي أن علم الفيزياء‬
‫ثم ّ‬
‫إن الفيزيائية تدّ عي ما يسمى «اإلغالق‬ ‫ٍ‬
‫كاف لتفسري مجيع احلوادث والظواهر‪ّ .‬‬
‫السببي» (‪ )causal-closure‬للفيزيائي‪ .‬وقد ُع ِّب عن مفهوم اإلغالق السببي هبذه‬
‫سبب حلالة فيزيائية ما‪ ،‬فإن هذه احلالة هلا سبب‬
‫ٌ‬ ‫العبارة‪« :‬يف أي حلظة يكون فيها‬
‫فيزيائي ٍ‬
‫كاف متا ًما»(‪ .((3‬وأما االختزالية الوجودية (‪)ontological reductionism‬‬

‫‪ .34‬إي‪.‬ج‪ .‬لو‪( An Introduction to the Philosophy of Mind ،‬مدخل إىل فلسفة العقل)‬
‫(كمربدج‪ :‬مطبعة جامعة كمربدج‪ ،)2008 ،‬ص‪.27 .‬‬

‫‪18‬‬
‫إشكالية االختزالية في فلسفة العقل‬

‫املختزلة) عىل َّ‬


‫أن‬ ‫ٍ‬
‫أصلية (النظرية‬ ‫ٍ‬
‫نظرية‬ ‫عبارات‬ ‫ُعرض‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫رواجا حني ت َ‬
‫ً‬ ‫فإهنا تلقى‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫املختزلة)‪ ،‬أو حني يبدو ّ‬ ‫نظرية ٍ‬
‫ثانية (النظرية‬ ‫ٍ‬ ‫هلا مرادفات منطقية يف عبارات‬
‫املختزلة‪.‬‬
‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫املختزلة هي التي أحدثت عىل نحو واف التأثري التفسريي للنظرية‬ ‫النظرية‬
‫وهناك ظالل عديدة للنزعتني االختزالية والفيزيائية‪ ،‬منها نظرية الظاهرة‬
‫(‪Eliminative‬‬ ‫املصاحبة (‪ )Epiphenominalism‬ونظرية املادية اإلقصائية‬
‫‪ ،)Materialism‬ومها نظريتان جذريتان تستدعيان صالبة خاصة من جانب‬
‫املدافعني عنهام‪ ،‬وهو ما جيعلهام دون األولوية يف معاجلتنا هذه‪ .‬ويف الوقت نفسه‬
‫‪ )non-reductive‬ونظرية االنبثاق‬ ‫(‪physicalism‬‬ ‫فإن الفيزيائية الالاختزالية‬
‫‪ )dual-aspect‬وثنائية‬ ‫(‪theory‬‬ ‫(‪ )supervenience‬ونظرية اجلانب املزدوج‬
‫ُقوم نظرية‬
‫اخلاص ّية (‪ )property dualism‬ال يمكن معاجلتها معاجلة ناجعة حتى ت َّ‬
‫مستفيضا‪ .‬فهي إ ّما ّأنا تستند إىل نظرية التطابق أو جتد سبيلها إليها‬
‫ً‬ ‫تقويم‬
‫ً‬ ‫التطابق‬
‫بطريقة ما‪ .‬وهلذه األسباب فأنا أعتقد أن نظرية تطابق العقل والدماغ (‪mind-brain‬‬

‫‪ )identity theory‬تشكل أولوية أكثر أمهية بالنسبة إىل قضية إثبات اإليامن باهلل‪.‬‬
‫وتذهب نظرية تطابق العقل والدماغ إىل أن احلوادث الذهنية ال ترتبط‬
‫بحوادث الدماغ فحسب بل ّ‬
‫إن األحوال الذهنية نفسها متطابقة مع أحوال‬
‫خمتزل فعل ًيا يف الفيزيائي‪ .‬وهذا يشبه الدعوى‬
‫الدماغ املقرتنة هبا‪ .‬وعليه فالعقيل َ‬
‫وإن املاء مطابق لـ ‏‪.((3(H 2O‬‬
‫إن الربق مطابق للتفريغ الكهربائي ّ‬
‫التي تقول ّ‬
‫تقرر أن احلادث‬
‫إن نظرية التطابق ال تنكر وجود اخلصائص العقلية‪ ،‬فعندما ّ‬
‫مطابق للحالة الفيزيائية ‪ ،p‬أو هو نفسها‪ ،‬فهي مل تنكر وجود ‪.((3( m‬‬ ‫‪m‬‬ ‫الذهني‬

‫»?‪«Is Consciousness a Brain Process‬‬ ‫‪ . 35‬أول من قدّ م نظرية التطابق هو يو‪.‬ت‪ .‬ب َليس‪،‬‬
‫(هل الوعي عملية دماغية؟)‪( British Journal of Psychology ،‬املجلة الربيطانية لعلم‬
‫وأيضا ج‪.‬ج‪.‬ك‪ .‬سامرت‪«Sensations and ،‬‬ ‫ً‬ ‫النفس)‪ ،)1956( 47 ،‬ص‪50-44 .‬؛‬
‫»‪( Brain Processes‬املشاعر والعمليات الدماغية)‪ ،)1959( 68 ،‬ص‪.156-141 .‬‬
‫كرين‪Elements of Mind: An Introduction to the Philosophy of Mind ،‬‬ ‫‪ .36‬تيم َ‬
‫(مكونات العقل‪ :‬مدخل إىل فلسفة العقل) (أكسفورد‪ :‬مطبعة جامعة أكسفورد‪،)2001 ،‬‬ ‫ّ‬
‫ص‪.53 .‬‬

‫‪19‬‬
‫ورقات طابة‬

‫إن «جورج إليوت مطابق ملاري آن إفانز» ال ينفي َّ‬


‫أن‬ ‫فعىل سبيل املثال‪ ،‬القول َّ‬
‫ُقر باملظاهر (‪،)appearances‬‬
‫جورج إليوت موجود‪ .‬إذ يبدو أن نظرية التطابق ت ّ‬
‫فهي ال تقول ّ‬
‫إن «األشياء غري الفيزيائية يف احلقيقة فيزيائية‪ ،‬ولكن طاملا «يظهر»‬
‫أنه توجد أشياء غري فيزيائية فإن هذه األشياء فيزيائية»(‪ ،((3‬وإال ستكون مادية‬
‫إقصائية‪ ،‬وهذه نظرية تنفي العقيل يف األساس‪ .‬ولكن ما تنفيه نظرية التطابق‬
‫تتصورها إ ّما ثنائية اخلاص ّية أو‬
‫ّ‬ ‫هو اخلصائص العقلية واجلواهر العقلية التي‬
‫الثنائية اجلوهرية من حيث كوهنا غري قابلة لالختزال يف الفيزيائي‪ .‬فبالنسبة إىل‬
‫معرتف هبا‪ ،‬إال ّ‬
‫أن‬ ‫ٌ‬ ‫صاحب نظرية التطابق‪ ،‬عىل الرغم من ّ‬
‫أن احلوادث الذهنية‬
‫تفسريا فيزيائ ًيا‪ .‬فصاحب نظرية التطابق اختزايل بينام‬
‫ً‬ ‫األمر سيؤول إىل تفسريها‬
‫كل األشياء فيزيائية يف هناية‬‫املادي اإلقصائي ليس كذلك‪ ،‬وكالمها متفق عىل أن ّ‬
‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بعض األشياء الفيزيائية ذهني ٌة‪.‬‬ ‫أن صاحب نظرية التطابق يعتقد ّ‬
‫املطاف‪ ،‬غري ّ‬
‫أن َ‬
‫ثم إنّه من املناسب ألغراض بحثنا هذا أن نذكر أن نظرية التطابق تأخذ‬
‫ّ‬
‫إحدى صورتني‪ :‬نظرية تطابق النمط (‪ )type-identity‬أو نظرية تطابق الرمز‬
‫(‪ .)token-identity‬فأما نظرية تطابق النمط فهي تدّ عي أن كل نمط من احلوادث‬
‫الذهنية سيكون مطاب ًقا لنمط ما من احلوادث الدماغية‪ .‬فعىل سبيل املثال‪ُّ ،‬‬
‫أي‬
‫شخص يشعر بأمل‪ ،‬يف أي وقت ويف أي مكان‪ ،‬فإن الدماغ سيكون يف نمط معني‬
‫ومعممة فإن‬ ‫وبدل من التعامل مع أصناف عامة‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬
‫حالة فيزيائية‪ .‬ويف املقابل‪،‬‬ ‫من‬
‫َّ‬
‫نظرية تطابق الرمز هتتم بحاالت مع ّينة‪ .‬فوف ًقا هلذه النظرية‪ ،‬كل حالة ذهنية رمزية‬
‫ذات ما يف أي جزء من أجزاء بدهنا‪ ،‬مطابق ٌة حلالة فيزيائية‬
‫مع ّينة‪ ،‬كأملٍ تشعر به اآلن ٌ‬
‫رمزية‪ ،‬كحالة مع ّينة لنشاط عصبي قائم حال ًّيا يف دماغ هذه الذات‪.‬‬
‫ولقد سبق أن الحظنا أن نظرية التطابق تستند إىل االختزالية‪ ،‬ولك ْن صادف ّ‬
‫أن‬
‫كرين‬
‫بأنا مل َت ُعد رائجة‪ .‬فقد الحظ تيم َ‬
‫النزعة االختزالية معدودة بصورة عا ّمة اآلن ّ‬

‫‪ .37‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.54 .‬‬

‫‪20‬‬
‫إشكالية االختزالية في فلسفة العقل‬

‫إحساسا عا ًّما يف فلسفة العقل الراهنة َّ‬


‫بأن االختزالية يش ٌء‬ ‫ً‬ ‫(‪َّ )Tim Crane‬‬
‫أن «هناك‬
‫سيئ‪ ،‬ومن العقل أن يكون اإلنسان ضد االختزالية‪ ،‬حتى عندما جيري التفريق بني‬
‫االختزالية واإلقصائية»(‪ .((3‬ويتفق جايغوون كيم مع هذه النقطة فيقول‪:‬‬

‫مل تعد االختزالية بكل أنواعها منذ سنوات عديدة حمبذة‪ .‬وقليل منا اآلن‬
‫من يقبل بجدية احتامل أن تكون العبارات األخالقية قابلة للتعريف أو‬
‫من املمكن اختزاهلا بمعنى أوسع يف عبارات وصفية أو طبيعية(‪.((3‬‬

‫ويف تقدير كيم َّ‬


‫فإن اإلسرتاتيجيات االختزالية متيل إىل أن تكون جامدة وضيقة‪،‬‬
‫إذ قد تكون رغبتها الكامنة يف تك ُّلف الرتتيب والنظام نامجة ّ‬
‫عم ترتنّم به من‬
‫الكالم عىل «االختصار» (‪ )parsimony‬و«البساطة» و«االقتصاد»‪ .‬ويبدو أن‬
‫التعمق‬
‫ّ‬ ‫هذا ال ينسجم مع األسلوب الفكري لعرصنا احلارض‪ ،‬إذ إننا نتوق إىل‬
‫والتنوع‪ ،‬وننظر إىل العامل الواقعي عىل أنه غال ًبا متّسم بالفوىض‪ ،‬ومقاو ٌم‬
‫ّ‬ ‫النوعي‬
‫للتفسريات املوغلة يف التبسيط(‪« .((4‬يف واقع األمر تبدو االختزالية اليوم ّأنا قد‬
‫اكتسبت نكهة سلبية مع ٍ‬
‫قليل من الريبة املزرية‪ ،‬عىل األقل يف فلسفة العقل»(‪.((4‬‬
‫وكام رأينا فإن نظرية التطابق بني العقل والدماغ مرتكزة عىل مقدّ مات‬
‫متزعزعة غري ثابتة‪ ،‬أي باعتامدها عىل االختزالية‪ .‬فام نوع التشخيص الذي يمكن‬
‫تطبيقه لتقويم الرتابط املنطقي الداخيل لنظرية التطابق بني العقل والدماغ؟‬
‫ولنقرتح اختبارين للكشف عن صالحية اخلوض يف هذه النظرية‪ً .‬‬
‫أول‪ ،‬حتى‬

‫املصدر السابق‪ ،‬ص‪.55 .‬‬ ‫‪ .38‬‬


‫جايغوون كيم‪( «The Myth of Nonreductive Materialism» ،‬خرافة املادية الالاختزالية)‪،‬‬ ‫‪. 39‬‬
‫يف ‪( The Mind Body Problem: A Guide to The Current Debate‬إشكالية العقل‬
‫واجلسم‪ :‬دليل إىل النقاش الراهن)‪ ،‬حترير ريتشارد وارنر وتاديوس زوبكا (أكسفورد‪:‬‬
‫بالكويل‪ ،)1994 ،‬ص‪.242 .‬‬
‫املصدر السابق‪ ،‬ص‪.243 .‬‬ ‫‪. 40‬‬
‫املصدر السابق‪.‬‬ ‫‪ .41‬‬

‫‪21‬‬
‫ورقات طابة‬

‫يصح يف كل‬
‫ّ‬ ‫تظل نظرية التطابق قابلة لإلثبات جيب أن تثبت ّ‬
‫أن اختزاهلا التطابقي‬
‫حالة مع ّينة‪ ،‬وسنشري إىل هذا بالتشخيص الرمزي‪ .‬ثان ًيا‪ ،‬جيب أن تثبت النظرية‬
‫يصح يف كل العوامل املمكنة‪ ،‬وسنشري إىل هذا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أن اختزاهلا التطابقي رضوري‪ ،‬أي‬
‫بالتشخيص النمطي‪.‬‬
‫ففي االختبار األول‪ ،‬حيث جيب أن يكون اختزال الذهني يف الفيزيائي‬
‫صحيحا يف كل حالة مع ّينة‪ ،‬نجد ّ‬
‫أن النظرية تنهار حني نطبق عليها مبدأ التحقق‬ ‫ً‬
‫املتغي (‪ .)variable realizability‬وعىل نظرية التطابق أن تربهن أنه إذا اشرتك‬
‫ّ‬
‫كيانان يف حالة ذهنية ما فعندئذ جيب عليهام أن يكونا يف احلالة الفيزيائية نفسها‪.‬‬
‫فلو أمكن إظهار حالة واحدة‪ ،‬عىل األقل‪ ،‬حيث يشري فيها التصنيف البدهي إىل‬
‫اشرتاك حقيقي ملحمول ذهني بني كيانني‪ ،‬لكن الرتكيبة الفيزيائية هلام خمتلفة يف‬
‫احلالتني‪ ،‬فإن نظرية التطابق ستنهار‪.‬‬
‫ويقدم هيالري ُبتنام يف حجته‪ ،‬الشهرية اآلن‪ ،‬ضد نظرية حالة الدماغ حالتي‬
‫أخطبوط وحيوان ثديي‪ ،‬فكل من هذين الكيانني ال ريب أنّه يمر بتجربة «أمل»‬
‫و«جوع»‪ ،‬واألمل واجلوع من احلاالت الفيزيائية‪-‬الكيميائية‪ ،‬أو املحموالت النفسية‪.‬‬

‫ً‬
‫حممول نفس ًّيا واحدً ا عىل األقل يمكن أن ُيط ّبق‬ ‫فلو استطعنا أن نجد‬
‫بوضوح عىل حيوان ثديي وأخطبوط (ولنقل «جائع» مثالً) إال أن‬
‫«الرتابط» الفيزيائي‪-‬الكيميائي له خمتلف يف احلالتني فعندئذ ستنهار‬
‫نظرية حالة الدماغ(‪.((4‬‬

‫متغيا يف وص َفني‬
‫ًّ‬ ‫هنا لدينا مثال تكون فيه احلالة الفيزيائية قد حتققت حتق ًقا‬

‫‪ .42‬هيالري ُبتنام‪( «The Nature of Mental States» ،‬طبيعة األحــوال العقلية)‪ ،‬يف‬
‫‪( Philosophy of Mind: Classical and Contemporary Readings‬فلسفة العقل‪:‬‬
‫قراءات تقليدية ومعارصة)‪ ،‬حترير ديفيد تشاملرز (أكسفورد‪ ،‬مطبعة جامعة أكسفورد‪،‬‬
‫‪ ،)2002‬ص‪.77 .‬‬

‫‪22‬‬
‫إشكالية االختزالية في فلسفة العقل‬

‫خمتل َفني ملحمول نفيس واحد‪ .‬وما يطرحه ُبتنام هنا ليس َّ‬
‫أن الرتابط املنطقي‬
‫لنظرية حالة الدماغ غري ممكن‪ ،‬بل ّ‬
‫إن هذا الرتابط بعيد االحتامل‪.‬‬

‫ٍ‬
‫مواز‪ ،‬يف الكون كله‪،‬‬ ‫وعليه فمن املمكن عىل األقل أن يؤدي تطور‬
‫«دائم» إىل الرتابط الفيزيائي ذاته لألمل (أو اجلوع)‪ .‬لكن هذا الكالم بال‬
‫ً‬
‫شك فرضية طموح(‪.((4‬‬

‫وأما يف االختبار الثاين‪ ،‬فيجب أن تُظهر نظرية التطابق أنّه إذا أرادت أن يكون‬
‫حلا للبقاء فال بد أن تُثبت أهنا رضورية منطق ًّيا‪ .‬وإذا كانت‬
‫تطابقها النمطي صا ً‬
‫ً‬
‫(مثل‪ ،‬األمل = إرسال منبهات‬ ‫تقريرات التطابق النفيس‪-‬الفيزيائي صحيحة‬
‫عصبية نحو ألياف ‪ )c‬فيجب أن تترصف بنفس املنوال الذي تترصف به أسامء‬
‫ثم‬ ‫الع َلم‪ ،‬إذ تشري ً‬
‫دائم إىل األشياء املشار إليها ذاهتا يف كل العوامل املمكنة‪ ،‬ومن ّ‬
‫جيب أن تُعترب هذه التقريرات رضورية منطق ًّيا‪ .‬ولك َّن عباريت احلمل النفيس‪-‬‬
‫الفيزيائي‪ ،‬واحد ًة ذهنية واألخرى فيزيائية‪ ،‬ال اتصال بينهام بالرضورة‪ّ .‬‬
‫وإن‬
‫عرضية‪ ،‬كام هو متعارف عليه عمو ًما‪ ،‬لكوهنام تستندان‬
‫العالقة بني االثنتني عالقة َ‬
‫إىل حوادث مالحظة جتريب ًيا‪ .‬وهذا يعني أنه من املمكن بوضوح تصور حصول‬
‫إحدى العبارتني عىل نحو مستقل عن العبارة األخرى املقرتنة هبا‪ .‬وعليه ينتج ّ‬
‫أن‬
‫تقريرات التطابق تلك ليست رضورية منطق ًيا‪ ،‬والنزعة الفيزيائية ال تثبت يف كل‬
‫العوامل املمكنة‪ ،‬وهي بذلك غري صحيحة‪.‬‬
‫(التسمية‬ ‫‪Naming and Necessity‬‬ ‫يف املحارضة الثالثة من كتاب‬
‫(‪rigid‬‬ ‫والــرورة) ُيطبق مؤلفه سول كريبكه مفهومه للدالالت اجلامدة‬
‫‪ )designators‬عىل الذهني والفيزيائي‪ .‬ويف هذا الربنامج تُقدَّ م أطروحة التطابق‬
‫عرضية بطبيعتها‪ .‬ولكن بعض العالقات‪ ،‬اخلاصة باإلشارة‬
‫تقديم معياريًّا عىل أهنا َ‬
‫ً‬

‫‪ .43‬املصدر السابق‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫ورقات طابة‬

‫والتسمية‪ ،‬رضورية‪ ،‬كأسامء ال َع َلم ً‬


‫مثل‪ ،‬لكوهنا رضورية وحاصلة للغاية يف كل‬
‫العوامل املمكنة‪ .‬فريتشارد نيكسون الشخص‪ً ،‬‬
‫مثل‪ ،‬هو نفسه ريتشارد نيكسون يف‬
‫كل العوامل املمكنة‪ ،‬عىل العكس من «الرئيس السابع والثالثني للواليات املتحدة‬
‫األمريكية»‪ .‬فاألول هو ما يسميه كريبكه دالل ًة جامدة‪ ،‬بينام الثاين ليس كذلك‪.‬‬
‫َ‬
‫عمل الدالالت اجلامدة‪،‬‬ ‫وبعض الكلامت األخرى مثل أسامء ال َع َلم تعمل‬
‫كاحلاالت النفسية مثل «األمل» و«إرسال منبهات عصبية نحو ألياف ‪ .«c‬وينبغي‬
‫من حيث ّإنا دالالت جامدة أن تنطبق بالرضورة عىل األشياء ذاهتا متا ًما يف كل‬
‫العوامل املمكنة‪ .‬فإذا ثبت يف العامل الواقعي أن كلمة «أمل» متطابقة مع «إرسال‬
‫ٍ‬
‫ممكن‬ ‫أي َ‬
‫عالٍ‬ ‫منبهات عصبية نحو ألياف ‪ ،«c‬فوف ًقا هلذا االستنتاج‪ ،‬ال يوجد ُّ‬
‫يكون فيه هذا التقرير غري صحيح‪ ،‬وهذا يعني أنه صحيح يف كل َ‬
‫عالٍ ممكن‪،‬‬
‫عرض ًّيا‪ .‬ولك ّن كريبكه يلفت االنتباه إىل أنه‬
‫ومثل هذا التطابق رضوري وليس َ‬
‫من الواضح أن مثل تقريرات التطابق هذه ال يمكن أن تكون رضورية‪ .‬فعىل‬
‫سبيل املثال‪ ،‬من الواضح أنه يمكن أن يكون هناك إرسال ملنبهات عصبية نحو‬
‫أيضا إىل‬
‫أيضا‪ .‬ويشري كريبكه ً‬
‫ألياف ‪ c‬دون أن يكون هناك أمل‪ ،‬والعكس صحيح ً‬
‫أنه إذا أمكن تصور عدم تطابق األمرين يف َ‬
‫عالٍ ممكن ما فإنه يستلزم أهنام ال يمكن‬
‫أن يكونا متطابقني يف هذا َ‬
‫العال الواقعي(‪.((4‬‬
‫وإذا كانت نظرية التطابق ال يمكن أن تصمد أمام هذه االختبارات فهي‬
‫خاطئة‪ .‬وخطأ نظرية التطابق يستلزم ّ‬
‫أن احلوادث الذهنية غري متطابقة مع‬
‫احلوادث الدماغية‪« .‬ال جمال أبدً ا لتجنُّب هذه النتيجة‪ :‬فإذا كانت الكيانات غري‬
‫متطابقة فهي إذن متاميزة بغض النظر عن أي ارتباط آخر بينها‪ .‬فإذن هناك نوعان‬
‫من األشياء‪ ،‬وليس نو ًعا واحدً ا‪ ،‬وهذه هي الثنائية‪ِ ،‬شئنا أم أ َب ْينا»(‪.((4‬‬

‫(التسمية والرضورة) (أكسفورد‪ :‬بالكويل‪،‬‬ ‫‪Naming and Necessity‬‬‫‪ . 44‬سول كريبكه‪،‬‬


‫‪ ،)1981‬ص‪.151-148 .‬‬
‫(مكونات العقل)‪ ،‬ص‪.57 .‬‬
‫ّ‬ ‫كرين‪Elements of Mind ،‬‬
‫‪َ .45‬‬

‫‪24‬‬
‫إشكالية االختزالية في فلسفة العقل‬

‫الالاختزالية من ظاهرة دنيوية (‪ )saecularis‬إلى ظاهرة‬


‫إلهية (‪)divinae‬‬
‫مع اهنيار نظرية التطابق والعجز املؤثر للنظريات االختزالية عن ا ّدعائها‬
‫االستحقاق يف هذا املجال‪ ،‬نجد أنفسنا أمام ظاهرة غري قابلة لالختزال تستدعي‬
‫تفسريا هلا بإحلاح‪ .‬ولكن كيف ستُعا َلج مشكلة التفسري هذه؟ يبدو أن اخليارات‬
‫ً‬
‫التي تطرح نفسها يف هذا الشأن ثالثة‪ :‬اإلعراض أو التك ّيف أو ّ‬
‫احلل‪.‬‬
‫ً‬
‫فمثل‬ ‫أبدى بعض املؤلفني استعدا ًدا لقبول عدم قابلية الوعي لالختزال‪.‬‬
‫تساءل كولِن م ِ‬
‫كغن (‪ )Colin McGinn‬فيام اشتُهر عنه‪َ « :‬أنَّى يكون ملجرد املادة‬ ‫َ‬
‫أن ختلق الوعي؟ كيف استطاع التطور أن ُي ّول ماء النسيج البيولوجي إىل مخرة‬
‫الوعي؟ يبدو الوعي وكأنه بدعة جذرية يف الكون مل تتن َّبأ هبا اآلثار النامجة عن‬
‫االنفجار العظيم (‪ .)Big Bang‬فكيف متكّن هذا الوعي من الربوز إىل الوجود ممّا‬
‫قد سبقه»(‪((4‬؟ ويذهب م ِ‬
‫كغن إىل أن حقيقة الوعي بعيدة املنال متعذرة البلوغ‪،‬‬ ‫َ‬
‫(‪((4‬‬
‫ألن حواسنا ليست مه َّيأة ومؤهلة إال للعامل ذي األبعاد املكانية ‪ .‬أما ديفيد‬
‫تشاملرز فهو يرى أن النظريات الفيزيائية املتوفرة غري كافية لتفسري الوعي‪ ،‬ألن‬
‫نطاقها ال يتعدّ ى حدود البنية وحركة األجسام‪ ،‬والوعي يتجاوزها‪ ،‬فهو حيتاج‬
‫إىل مناهج جديدة(‪.((4‬‬
‫بيد ّ‬
‫أن املؤلفني الذين اكتفوا بـ «استعصاء» الوعي قد ال يكونون بالفعل‬
‫أنصارا مليتافيزيقا بديلة كام قد يفرتض البعض‪ .‬ففي حالة م ِ‬
‫كغن‪ ،‬عىل األقل‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫يبدو أنه يؤمن بأن املصدر الفيزيائي للوعي ليس إال أنّه فوق نطاق قدراتنا‬
‫صحيحا أننا لن نبلغ أبدً ا فهم هذه التفاصيل اخلفية‪ ،‬ولكن‬
‫ً‬ ‫املعرفية؛ وقد يكون‬

‫(التوهج اخلفي) (نيويورك‪ :‬الكتب األساسية‪،‬‬


‫ّ‬ ‫‪The Mysterious Flame‬‬ ‫‪ . 46‬كولِن َم ِ‬
‫كغن‪،‬‬
‫‪ ،)1999‬ص‪.14-13 .‬‬
‫‪ .47‬كولِن َم ِ‬
‫كغن‪( The Problem of Consciousness ،‬إشكالية الوعي) (أكسفورد‪ :‬بالكويل‪،‬‬
‫‪ ،)2004‬ص‪.12-11 .‬‬
‫‪ .48‬تشاملرز‪( The Conscious Mind ،‬العقل الواعي)‪ ،‬ص‪.121 .‬‬

‫‪25‬‬
‫ورقات طابة‬

‫م ِ‬
‫كغن ليس متيقنًا من وجود هذا التفاعل [آلية عقل وجسم] فحسب‪ ،‬بل هو‬ ‫َ‬
‫أيضا من أن للعامل خاصية عميقة بذاهتا جتعل الوعي يعتمد اعتام ًدا رضور ًّيا‬
‫متيق ّن ً‬
‫عىل الدماغ(‪ .((4‬وإىل أن يأيت الوقت الذي تطرح نفسها فيه هذه املناهج األكثر‬
‫تأثريا وفعالية‪ ،‬فإن املؤلفني الذين يتَّبعون هذا املنحى قد اكتفوا بـ «اإلعراض»‬
‫ً‬
‫عن البحث عن تفسريات أخرى‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مشهد جديد‬ ‫وهناك مفكرون آخرون يف فلسفة العقل أرادوا «التك ّيف» مع‬
‫كثريا جتاه االختزالية‪-‬الفيزيائية فبحثوا عن حلول يف نظريات‬
‫متحمسا ً‬
‫ً‬ ‫مل يعد‬
‫ٍ‬
‫نظريات‬ ‫تطرف املادية اإلقصائية والثنائية الراديكالية‪ .‬ومع هذا ّ‬
‫فإن‬ ‫وسط بني ّ‬
‫مثل اجلانب املزدوج وثنائية اخلاص ّية (الواحدية الالاختزالية) ونظرية االنبثاق‬
‫كلها يف النهاية نظريات فيزيائية‪.‬‬
‫أما املقاربة الثالثة فيمثلها املفكرون الذين يبحثون عن ٍّ‬
‫«حل» ميتافيزيقي‬
‫إلشكالية الوعي‪ .‬ومعظم املؤلفني الذين يكتبون يف هذا االجتاه ينترصون لثنائية‬
‫تفس اإلشكاليات املرتبطة بالثنائية الديكارتية‬
‫تركيبية (‪ّ )integrative dualism‬‬
‫تفسريا منهج ًّيا‪.‬‬
‫ً‬ ‫والثنائية األفالطونية‬
‫يفضله شخص ما هلذه اإلشكالية متأ ّثر‬
‫حل ّ‬‫أي ٍّ‬
‫أن َّ‬‫طر ُح ّ‬
‫ومن هنا‪ ،‬قد ُي َ‬
‫الزعم ّ‬
‫بأن اإلنسان الذي لديه استعدا ٌد‬ ‫ُ‬ ‫بميوله الشخصية‪ .‬وعىل هذا املنطق يمكن‬
‫يت لإليامن باهلل بالتأكيد سيبحث عن ٍّ‬
‫حل إلشكالية «استعصاء التفسري»‪،‬‬ ‫ذا ٌّ‬
‫فيام يتع ّلق بالوعي‪ ،‬يف جهة اإليامن باهلل‪ ،‬وقد يكون األمر كذلك ح ًّقا‪ ،‬فنحن‬
‫مصطبغون مجي ًعا بميول ذواتنا‪ .‬وللسبب ذاته يمكن أن ُيتو َّقع من الشخص الذي‬
‫صمم عىل أن ال يقبل اإليامن باهلل إطال ًقا مهام ك ّلف األمر أن يعارض أي‬
‫قد ّ‬
‫استنتاج قد ينحاز إىل اإليامن باهلل‪ .‬ولكن عندما يتعلق األمر بمسائل تتصل بعلم‬
‫يصح أن يكون بوسعه أن يقدم حلوالً‬
‫ّ‬ ‫امليتافيزيقا ّ‬
‫فإن علم الالهوت الفلسفي قد‬

‫(تطور النفس)‪.xii ،‬‬


‫ّ‬ ‫‪ .49‬سوينربن‪The Evolution of the Soul ،‬‬

‫‪26‬‬
‫إشكالية االختزالية في فلسفة العقل‬

‫ً‬
‫حلول من هذا النوع يمكن أن جتتاز مبدأ َش ْفرة‬ ‫أكثر عقالنية واتسا ًقا‪ .‬حتى ّ‬
‫إن‬
‫أوكام (‪ )Ockham’s razor‬بمهارة أفضل من عبء احلمل الثقيل الذي نحتاج‬
‫حتمله كي ندعم مفاهيم مثل الفيزيائية الالاختزالية ونظرية االنبثاق ونظرية‬
‫إىل ّ‬
‫اجلانب املزدوج‪ً ،‬‬
‫فضل عن نظرية التطابق واملادية اإلقصائية‪.‬‬
‫وبالتوجه نحو اإليامن باهلل من ظاهرة الوعي يسعى تشارلز تاليافريو‬
‫(‪ )Charles Taliaferro‬إىل تطبيق نموذجه للثنائية الرتكيبية عىل فه ٍم لوجود اهلل‪،‬‬
‫‪ ،)integrative‬ويقرتح‬ ‫(‪theism‬‬ ‫ويسمى هذا التطبيق‪« :‬اإليامن باهلل الرتكيبي»‬
‫تقديم صيغة لإليامن باهلل حيث «تنظر إىل تنزيه اهلل بجدية ولكن يف الوقت نفسه‬
‫أيضا عىل حلوله التقريبي يف العامل»(‪ .((5‬وهنا يذكر بعض اإلمكانات املتوفرة‬
‫ترص ً‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫«العال يشبه إىل حدّ كبري جسد اإلله‪ ،‬مع‬ ‫ليحتج بأن‬
‫ّ‬ ‫يف «اإليامن باهلل التقليدي»‬
‫أنّه جيب تقييد هذا التشبيه بحذر شديد»(‪ .((5‬وهو ُيربر هذا «التجسيم اإلهلي‬
‫اجلزئي» من ّ‬
‫أن التجسيم اإلنساين ينطوي عىل إرادة ومعرفة يمكن ربطهام بقدرة‬
‫عب عن قوة اهلل اخلالقة‬
‫اهلل املطلقة وعلمه املطلق من طريق القياس‪« .‬فالكون ُي ّ‬
‫واحلافظة وهي قائمة يف عقل اهلل بقدر ما يعلم اهلل من مظاهرها وجوانبها‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ووعي إهليني يشكّالن نو ًعا‬ ‫ٍ‬
‫قادرية‬ ‫ولذلك ال أعتقد أنه من غري الالئق بتاتًا رؤية‬
‫دائم‬
‫من التجسيم اجلزئي» ‪ .‬وحتى يساند هذا النموذج من اإليامن باهلل يقوم ً‬
‫(‪((5‬‬

‫بإحاطته ورفده بصيانة طارئة لوقايته بانتباه وحذر من «تسلل احللول»‪ ،‬فليس‬
‫سه ً‬
‫ال أبدً ا اجلمع بني انبثاق احللول (‪ )immanence‬واألزلية (‪ .)infinite‬والفائدة‬
‫املذكورة هلذا النموذج هي عناية تاليافريو باإلحساس اإلهلي بالعامل‪ ،‬فهو يويل‬
‫عناية خاصة «باحلضور اإلهلي املندمج والعاطفي يف الكون»(‪ .((5‬واملقصود من‬
‫تشارلز تاليافريو‪( Consciousness and the Mind of God ،‬وعي اإلله وعقله) (كمربدج‪:‬‬ ‫‪ .50‬‬
‫مطبعة جامعة كمربدج‪.248-247 ،)1996 ،‬‬
‫املصدر السابق‪ ،‬ص‪.248 .‬‬ ‫‪. 51‬‬
‫املصدر السابق‪ ،‬ص‪.249 .‬‬ ‫‪ .52‬‬
‫املصدر السابق‪.‬‬ ‫‪ .53‬‬

‫‪27‬‬
‫ورقات طابة‬

‫معنوي هلل» هو تأكيد «اهلوية‬


‫ٌّ‬ ‫العبارة املجازية التي تصف الكون وكأنه «جسم‬
‫التفاعلية» هلل املتعلقة بالعامل‪ ،‬بام ُي َمكِّن اهلل من التعاطف مع أفراح خلقه وأتراحهم‪.‬‬
‫َ‬
‫بالعال‪،‬‬ ‫وهنا ُيطرح سؤاالن‪ ،‬السؤال األول‪ :‬إىل أي مدى فكر ُة اإلحساس‬
‫ومتجسمة‪ ،‬ال ُت ِضع ذاتًا متصفة باألزلية والكامل‬
‫ّ‬ ‫التي تتط ّلب هوية تفاعلية‬
‫التغي الدائم للعامل املخلوق؟ والسؤال‬
‫ّ‬ ‫والعلم بكل يشء والقدرة املطلقة لتدفق‬
‫الثاين‪ :‬إذا كانت هناك مثل هذه احلاجة «للتقييد»‪ ،‬كالتح ّفظ باستمرار من‬
‫التجسيم «اجلزئي»‪ ،‬ألن تكون ُّ‬
‫كل غاية إحساسية تعاطفية‪ ،‬تتحقق بالتجسيم‬
‫الرتكيبي اجلزئي‪ ،‬ممكن َة التحقق‪ ،‬عىل حدّ سواء وبالقوة ذاهتا‪ ،‬بجامل العلم‬
‫اللطيف وبلطيف القدرة املتجاوبة؟‬
‫ولئن كان «نسق» تاليافريو املتع ّلق باحلضور اإلهلي ينساب ب ُي ْس مع نموذجه‬
‫يرص عىل كثري‬ ‫للثنائية الرتكيبية‪ ،‬فيام يتصل بإثبات اإلهلية‪ ،‬فإنني أشعر ّ‬
‫بأن نسقه ّ‬
‫من «اإلطار الزمني» إلله مطلق‪ .‬وإذا كان نظام التوصيل عند سوينربن (الثنائية‬
‫اجلوهرية السوينربنية) فيام يتع ّلق باإليامن باهلل من الوعي نظا ًما ًّ‬
‫هشا‪ ،‬إن مل يكن‬
‫فإن نموذجه إلثبات اإليامن باهلل كان مو ّف ًقا أكثر (حجته من التصميم‬
‫واه ًيا‪ّ ،‬‬
‫الدقيق)‪ ،‬وإن كانت حجته ال تكاد تقدّ م أي دور لثنائيته اجلوهرية‪ .‬ويف املقابل‬
‫سليم للتوصيل‪ ،‬ولكنه حني ينتقل إىل‬
‫ً‬ ‫تشكّل ثنائية تاليافريو الرتكيبية نظا ًما‬
‫وصعب االستعامل‪.‬‬
‫َ‬ ‫اإليامن باهلل فإن برناجمه يصبح شا ًّقا أكثر‬
‫واآلن إىل أين التوجه من كل هذا؟ ربام قد يمنحنا طموح حمدد بدقة أكثر‬
‫أساسا ثابتًا لنقيم عليه بنا ًء ميتافيزيق ًّيا إضاف ًّيا‪ .‬وأزعم أن التحدي األكرب أمام‬
‫ً‬
‫مهمة إقامة براهني‬
‫اإلهلية (‪ )theism‬ال يكمن يف أنّه يعتمد أو ال يعتمد عىل ّ‬
‫قاطعة بقدر ما يكمن يف معاجلة الدعوى التي تزعم أنه غري معقول أو معترب‪.‬‬
‫وهلذا السبب أعتقد ّ‬
‫أن أكثر حجة مقنعة ببساطة وحصافة ونجاح عىل نحو سليم‬
‫إلثبات اإلهلية (‪ )theism‬من الوعي هي حجة املعقولية‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫إشكالية االختزالية في فلسفة العقل‬

‫درك‬ ‫ّ‬
‫وإن إرساء عدم قابلية الوعي لالختزال له من القوة والتأثري أكثر مما ُي َ‬
‫بالعادة‪ ،‬فهو يزعزع األرض من حتت أقدام الفيزيائية واالختزالية واملذهب‬
‫الطبيعي (‪ )naturalism‬واإلغالق السببي‪ّ .‬‬
‫وإن حجة معقولية اإلهلية من عدم‬
‫قابلية الوعي لالختزال تشري إىل ثالث نتائج مهمة‪:‬‬
‫ٍ‬
‫لظاهرة غري اختزالية معينة تفسري فيزيائي فال بد أن‬ ‫األوىل‪« :‬إذا مل يكن‬
‫تفسري ميتافيزيقي»‪ .‬إذ ال يوجد واسطة بني الفيزيائي وامليتافيزيقي‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫يكون هلا‬
‫وكثري من مطالبات الدين التي يقابلها العقل احلديث بخالف صعب تستند إىل‬
‫مبادئ ميتافيزيقية ما وراء طبيعية‪.‬‬
‫الثانية‪« :‬إذا ثبتت المادية الوعي أو اجلوهر الواعي بالربهان فالتصديق‬
‫أيضا»‪ّ .‬‬
‫وإن إمكانية التنزيه اإلهلي تأيت نتيجة‬ ‫ّ‬
‫بأن اهلل كائن غري مادي أمر معقول ً‬
‫إلثبات وجود ظاهرة أو كيان غري قابل لالختزال يف الفيزيائي‪.‬‬
‫ّ‬
‫فستتجل‬ ‫الثالثة‪« :‬إذا أمكن برهان السببية العقلية عىل الفيزيائي املادي بنجاح‬
‫العال الطبيعي»‪ .‬ومع ما ُأحرز من تقدم يف نظرية الكم‬
‫أرجحية السببية اإلهلية عىل َ‬
‫(‪ّ )quantum theory‬‬
‫فإن الفكرة القديمة التي كانت تشرتط القرب والتجاور يف‬
‫ُبذت ُ ِ‬
‫وصف النظر عنها‪ .‬وإذا انتقلت حدود القياس من التصور إىل‬ ‫السببية قد ن َ‬
‫يصح‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اإلمكان ّ‬
‫فإن القياس‬
‫قياسا‪ ،‬عىل عدم قابلية الوعي لالختزال يف‬
‫ً‬ ‫تُبنى هذه املبادئ الثالثة‪،‬‬
‫الفيزيائي‪ ،‬وكل غايتها حماولة إرساء معقولية اإلهلية عىل أسس صلبة‪ .‬ويف هذا‬
‫الصدد مضيت يف هذا البحث عىل افرتاض أن املعقولية الكافية تفي بتكوين تأييد‬
‫(من أي نوع كان) لإلهلية‪ .‬وال أقصد بالتأييد هنا ذلك التأييد الذي تعززه براهني‬
‫نظامية‪ ،‬يف حد ذاهتا‪ ،‬بل أقصد تأييدً ا باجتاه معاكس متباين حيول دون غلق الباب‬
‫طموحا‪،‬‬
‫ً‬ ‫املهم واملعترب‪ ،‬وإن كان أقل‬
‫يف وجه املعقولية‪ .‬فهو يسعى هبذا األسلوب ّ‬
‫مفتوحا أمام اإلهلية‪.‬‬
‫ً‬ ‫إىل ضامن أن ّ‬
‫يظل هذا الباب‬

‫‪29‬‬
‫مالحظات ختامية‬

‫لقد ابتغيت من هذه الورقة البحثية أن أثبت أنه ال يوجد سبب اضطراري‬
‫لالستسالم للتفسريات الفيزيائية للكون؛ ّ‬
‫وإن احلجج املقدمة يف فلسفة العلوم‬
‫وفلسفة العقل ضد معقولية النفس اإلنسانية يمكن دحضها؛ ّ‬
‫وإن حدود احلوار‬
‫واملناقشة يف هذا املجال ال تزال حمل خالف شديد‪ .‬وتكثر مواقف علامنية‪ُ ،‬يدافع‬
‫احلس النقدي‪ .‬وعندما‬
‫ّ‬ ‫ُكون «منارصين» لإلهلية من ذوي‬ ‫رتف هبا‪ ،‬ت ّ‬
‫عنها و ُيع َ‬
‫تُساوى النفس بإحدى م َلكاهتا الرئيسة وهي التعقل (أي الوعي‪ ،‬العقل)‪ ،‬تفيض‬
‫احلجج املوجهة ضد قابلية اختزال العقل يف الدماغ املا ّدي إىل دعم مفهوم النفس‬
‫إن مقوالت عدم قابلية االختزال‬ ‫ثم ّ‬
‫من حيث ّإنا كيان مستقل عن اجلسم‪ّ .‬‬
‫وإمكانية الالفيزيائي ال تزال تؤيد معقولية وجود إله ُم َّنزه‪.‬‬
‫وسيكون لزا ًما عىل املعاجلات الكالمية اإلضافية يف املسائل املتعلقة هبذا‬
‫الشأن أن تُظهر بوضوحٍ وعيها بإشكالية االختزالية‪ .‬ويبقى رضور ًّيا أن ُيثبت‬
‫اخلطاب اإلسالمي قدرته عىل حتديد الفرضيات الكونية التي تأيت منها احلجج‬
‫املضادة‪ .‬فهل كان املوقف َيفرتض واحدية فيزيائية‪ ،‬أي ال وجود إال لألشياء‬
‫الفيزيائية (املادية)‪ّ ،‬‬
‫وأن الفيزياء تكفي لتفسري كل الظواهر؛ أم أنّه كان يقول إن‬
‫كل األشياء فيزيائية ولكن بعض األشياء الفيزيائية ذهنية (ثنائية اخلاص ّية)؛ أم إن‬

‫‪31‬‬
‫ورقات طابة‬

‫كان هذا اخلطاب يسمح ّ‬


‫بأن الفيزياء غري كافية لتفسري كل احلقيقة؟‬
‫ال يزال مفهوم اإلغالق السببي للفيزيائي رش ًطا متحد ًّيا لقبول النظريات‬
‫التي هلا وجه تقاطع مع مسائل السببية‪ .‬وهذا األمر وثيق الصلة بإشكالية كثرة‬
‫املحدِّ دات السببية (‪ .)causal overdetermination‬فإذا كان اإلغالق السببي‬
‫للفيزيائي غري قطعي (ال تزال صحته جمال ٍ‬
‫أخذ ور ٍّد يف األوساط العلامنية) فإنّه‬
‫ينبغي القيام بمجهود أكرب لتأسيس موقف كالمي إسالمي يف هذا الشأن‪.‬‬
‫ً‬
‫أعامل أكاديمية كثرية قائمة حول التطور التارخيي‬ ‫وال شك أن هناك‬
‫والوصفي ملذاهب «علم النفس اإلسالمي» (أي نظرية الــروح أو النفس‬
‫الناطقة)‪ ،‬ولكن ال بدّ من القيام بمزيد من اجلهد لتطوير تعريف عميل للنفس‬
‫الناطقة والعقل من أجل املناقشات الكالمية‪ .‬فهناك مفاهيم متعددة‪ ،‬ويف بعض‬
‫األحيان متعارضة‪ ،‬للنفس والعقل والروح يف مصادر علم الكالم عند أهل السنة‬
‫فأي صورة للثنائية (ولعل فينا َمن يميل إىل افرتاض أهنا ستكون ذات‬ ‫واجلامعة‪ّ .‬‬
‫نصت عليها املصادر‪ ،‬ويف الوقت نفسه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫صبغة تركيبية) ستم ِّثل‬
‫ئ التي ّ‬‫بأمانة املباد َ‬
‫ُكون وسيلة متينة للمشاركة يف حوارات معارصة؟‬ ‫ت ِّ‬
‫هذا‪َّ ،‬‬
‫وإن األمل معقود عىل أن يؤدي هذا البحث إىل إثارة حوارات جديدة‬
‫وأبحاث نقدية يف املجال اخلصب لعلم الكالم اإلسالمي‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫سلسلة ةباط ت اقرو ر قم ‪2013 | 7‬‬

‫القصد من هذه الورقة حتديد نقاط دخول التفكري الكالمي اإلسالمي‬


‫يف حوارات يف جمال فلسفة العقل‪ .‬إذ نجد عن طريق مساواة املبدأ‬
‫بم َلكتها الرئيسة‪ ،‬وهي التع ّقل‪ ،‬أن التفكري الكالمي‬ ‫الكالمي للنفس َ‬
‫اإلسالمي ذو صلة مالئمة هبذه األنامط من البحث‪ .‬وبالنظر إىل أعامل‬
‫سول كريبكه (‪ )Saul Kripke‬وهيالري ُبتنام (‪)Hilary Putnam‬‬
‫جمرد من‬ ‫ٍ‬
‫بعقل ّ‬ ‫يتضح أن اهنيار «االختزالية» يفسح املجال ملفهو ٍم يتع ّلق‬
‫ٍ‬
‫لداللة عىل إمكانية إثبات معقولية اإليامن باهلل (اإلهلية)‬ ‫وأيضا‬
‫ً‬ ‫املا ّدة‪،‬‬
‫بصورة عا ّمة‪ .‬وتُثبت هذه الورقة أن العراقيل والتحديات املعارصة‬
‫أمام املبدأ الكالمي للنفس اإلنسانية يمكن جتاوزها‪ ،‬وهي تضيف إىل‬
‫دراسات الباحثني املتنامية‪ ،‬يف هذا املجال‪ ،‬التي تضع عالمة استفهام‬
‫عىل التفسري الفيزيائي للكون‪.‬‬

‫جهاد هاشم براون زميل أبحاث أول يف مؤسسة طابة‪ .‬بعد حصوله‬
‫عىل الشهادة اجلامعية يف علم النفس‪ ،‬ويف الدراسات الرشق أوسطية‬
‫من جامعة َرتغَ رز يف نيوجريس‪ ،‬واصل طلب العلم وحتصيله حيث‬
‫انكب عىل أخذ العلوم اإلسالمية الرشعية من كبار العلامء املعتربين يف‬
‫ّ‬
‫ثم إنّه حصل عىل شهادة جامعية يف‬ ‫ّ‬ ‫سنني‪.‬‬ ‫عرش‬ ‫مدة‬ ‫واملغرب‬ ‫سورية‬
‫الالهوت الفلسفي من جامعة كمربدج‪ .‬وقد ظهر جهاد هاشم براون‬
‫مرارا يف منافذ إعالمية عديدة يف الرشق األوسط وأمريكا؛ وعمل‬ ‫ً‬
‫مستشارا حلكومات ومؤسسات خمتلفة بشأن قضايا تتع ّلق باإلسالم‬ ‫ً‬
‫والعالقات الدولية‪ .‬وهو يعيش اآلن مع زوجته وأوالده يف مدينة‬
‫برنستون بوالية نيوجريس‪.‬‬

You might also like