Professional Documents
Culture Documents
وتشكل هذا من خالل منظومة جدلية خبيثة ..فتكريس التحدي ال يتم إال بقيام إسرائيل وقيام األخرية
يستدعي إسقاط الخالفة واستمرارها يستدعي أن تكون أنظمة الحكم يف الوطن اإلسالمي عميلة
لالستعمار وتابعة له ،فهي إفرازه الطبيعي واملنطقي وهي وجه العملة اآلخر عندما تكون إسرائيل
وجه العملة األول.
هكذا بدأت األمور وحتى سنوات قليلة مضت كان التحدي الغربي يظن أنه يوجه ضرباته النهائية..
القاتلة للحضارة اإلسالمية املنهارة(!) حتى وجهت الثورة اإلسالمية يف إيران أول سهامها للغرب وحققت
أول انتصار لإلسالم يف العصر الحديث .لقد عادت الحياة إىل هذا الجسد الذي ظنوه قد أصبح جثة
هامدة ..فها هو يستفيق من جديد وينهض رائعاً وفتياً ..ومن أين؟ من حيث كان تأثريهم الشيطاني
أشد وأقوى وأشرس ما يكون ..لقد اكتشفنا ذاتنا وها نحن ننهض بعد قرنني من املهانة والذل وبعد
قرون من التخلف والجهل.
ولكن هل يرتك الغرب وعمالؤه الثورة لتمضي يف طريقها ..تتصدى له وتكسر شوكته؟ هل سيسكتون
عن الفرحة التي سكنت األمة وكأنها الغيث الذي يصيب األرض الجدباء بعد طول انتظار؟ وهل يسمحون
لهذا الشوق اإلسالمي الذي فجرته الثورة أن يأخذ مداه؟
لقد هالتهم انتفاضة هذا الشعب املسلم وثورته املستحيلة فحاولوا جاهدين أن يحولوا بني اإلسالميني
الثوريني وبني وصولهم للسلطة ،وعندما فشلوا تحركوا على عدة محاور مختلفة ومتشابكة ،منها-:
1
)1بدأوا يف إثارة األقليات املختلفة مستغلني ما أسموه مرحلة الفوضى التي تمر بها الثورة.
)2دعم املجموعات اإليرانية املعارضة ..سواء الشراذم امللكية والسافاكية أم بعض التنظيمات
العلمانية التي حملت السالح ملحاربة الثورة.
)3الحصار االقتصادي والسياسي الذي تزعمته أمريكا وأوروبا الغربية وبرز بوضوح أثناء أزمة
الجواسيس الرهائن.
)4شن الغزو الخارجي عن طريق استخدام صدام حسني والجيش العراقي املغلوب على أمره.
)5إثارة الفتنة بني جناحي األمة املسلمة ـ السنة والشيعة ـ يف محاولة أخرية ملحاصرة املد الثوري
ومنع تأثريه من الوصول إىل املناطق السنية سواء الغنية بالبرتول أم تلك التي تواجه إسرائيل.
واستمرت املؤامرات ..يف حني تم سحق تمرد األقليات بحزم وتم القضاء على شراذم امللكيني وفلول
املعارضة العلمانية ويف حني واجهت الثورة الحصار إىل الحد الذي يستبشر اإلمام به خرياً ويقول
للطلبة السائرين على نهجه «إننا لم ننهض للثورة من أجل أن نمأل بطوننا» .ولهذا فإنهم لن يستطيعوا
أن يسكتونا عندما يهددون بفرض املجاعة علينا .لقد نهضنا من أجل اإلسالم كما فعل محمد (صلى
اهلل عليه وسلم) يف صدر الحركة األوىل .ولم نعان شيئاً باملقارنة بما عاناه وواجهه الرسول (صلى اهلل
عليه وسلم) ثم يقول( :طاملا أنكم لستم معزولني فإن أدمغتكم لن تعمل).
أما الغزو الخارجي فقد ارتد إىل صد منفذيه أملاً وحسرة وهزيمة ساحقة .لكن البد من االعرتاف أنه
رغم كل هذا ،فإن املحور الخامس للمؤامرة املتمثل يف إثارة الفتنة بني السنة والشيعة قد حقق بعض
النجاح وإن كان إىل حني ،ألن األمة ستدرك سريعاً أي شيطان هذا الذي ينفخ يف نار الفتنة ،وستدرك
أنها مفتعلة وأن االستعمار يريد عزل الشعوب املسلمة بحيث تواجه جالديها يف النهاية منفردة.
لقد بدأ بعضهم يشن حملة مشبوهة ومفاجئة ضد الثورة اإلسالمية التي اكتشفوا أخرياً أنها (ثورة
شيعية) وأن (الشيعة فرقة ضالة أو كافرة) وأن آية اهلل الخميني الذي قالوا أنه هز العروش وهو يجلس
فوق سجادته أصبح ايضاً (ضا ً
ال كافراً) (!) وبدأ يتكرر أمامنا مشهد الشاب املسلم (!) الذي يحمل كتاباً
سعودياً مليئاً باملغالطات واالفرتاءات .يحمله من مسجد إىل مسجد يشرحه للناس ويبشر بما به من
أضاليل ..أدرك أن بعض هؤالء الشباب يتحرك بحسن نية متوهماً أنه يعمل هلل تماماً كما أُدرك أن
الطريق إىل جهنم مليء بمثل هذه النوايا الحسنة ..فمتى يكتشف هؤالء الشباب أنهم وبحسن نية
ينفذون مخططاً استعمارياً وأن عليهم أن ينقذوا أنفسهم قبل فوات األوان.
إن موقف بعض اإلسالميني املعادي للثورة يفرض على األمة أن تقف منهم موقف الشك والريبة ..من
منطلقاتهم ،من دوافعهم ومن أعراضهم.
بل إن موقفهم الغريب هذا يضع الحركة اإلسالمية أمام مأزق خطري لم تتعرض له من قبل ألن أداء
الثورة داخل صفوف الحركة اإلسالمية يفقدهم مربر وجودهم وليس أمام الحركة الحقيقية إال أن
تلفظهم إن آجالً أم عاجالً.
2
إن الذين يريدون أن يقتلوا النموذج اإليراني الفذ داخل الشخصية املسلمة ويف هذا الوطن املحتل
بالذات لن يقتلوا إال أنفسهم ،فهم يقفون أمام حركة التاريخ املتقدم ويتصدون لثورة إسالمية يقودها
إمام هو (فخر لإلسالم واملسلمني) كما جاء يف أحد بيانات التنظيم الدولي لإلخوان املسلمني.
وال أدري إن كان غريباً أم ال ما حدثني به أحد الشباب املسلم الذي زار أكثر من بلد إسالمي فلم يجد
أبشع من هذا الهجوم الذي يشنه بعض (اإلسالميني) يف هذا الوطن املحتل ضد الثورة ،يف حني أنه لم
يجد شعباً اكثر ترحيباً وحماساً للثورة من الشعب الفلسطيني.
بعد هذه املقدمة فإنني أسعى يف هذا البحث القصري إىل أن أضع أمام املسلمني بشكل عام وقواعد
الحركة اإلسالمية بشكل خاص ،بعض الحقائق املهمة .لن أحاول أن اجتهد يف رأيي ألقول إن الشيعة
والسنة إخوة يف اإلسالم فرقتهم اجتهادات يف فهم الكتاب والسنة ال تمس إخوتهم وال تخرج أحدهما
يف نظر اآلخر عن ملة اإلسالم .لن أحاول أن أسوق األدلة الشرعية التي ال تنتهي على صدق هذه
املقولة الواضحة األكيدة فهذا مجال بحث آخر أصبحنا نضطر إليه يف هذا الزمن الذي عم فيه الجهل
والتعصب الحزبي املقيت ..ولكني سأتناول املوضوع من زاوية أخرى مكملة وهي محاولة سرد مواقف
وآراء لقادة ومفكرين وزعماء مسلمني تجمع الحركات اإلسالمية على إمامة الكثري منهم.
إنني أفهم جيداً أن موقف بعض قواعد الحركة اإلسالمية املعادي للثورة واملثري للضجة املفتعلة حول
السنة والشيعة ليس موقفاً جذرياً أصيالً ولكنه موقف طارئ فرضه آخرون(!) على هذا الشباب املخلص
الطاهر بعد أن وضعوه يف دوامة الشك واليأس وهو يكتشف أخرياً أن الثورة التي أوقدت آماله وأشعلتها
ليست ثورة إسالمية ولكنها شيعية وأن الشيعة (كفار) ..وهذا هو محب الدين الخطيب صاحب الكتاب
السعودي سيئ السمعة الذي أعيدت طباعته مرة أخرى يف هذا الوطن ( 5000نسخة!!!) ها هو يورد
الدليل تلو الدليل على كفرهم وضاللهم وخروجهم عن اإلسالم ( :إن لهم قرآناً غري الذي بني أيدينا) وغري
ذلك من األضاليل والرتهات.
إن السيد الخطيب ،الذي ينشر البعض أفكاره املغلوطة الضالة املضلة يف حني يتناسون أفكاره املضادة
إلسالميني أعالم يف حركاتهم ..هو الذي حارب دولة الخالفة اإلسالمية فعمل مع إحدى الحركات
القومية ـ طالئع الشباب العربي ـ وعندما انكشف أمره أثناء وجوده يف اآلستانه للتعليم عام 1905
فر إىل اليمن وعندما أعلن الشريف حسني الثورة العربية التحق بها ثم حكمت عليه دولة الخالفة
باإلعدام .ولم يعد إىل دمشق إال بعد هزيمة األتراك ودخول الجيش العربي (!) إىل دمشق فتوىل إدارة
أول جريدة عربية فيها (العاصمة).
نعود اآلن ملحاولة استعراض مواقف وآراء الحركات اإلسالمية واملفكرين اإلسالميني من هذه الفتنة
الحرام والضجة املفتعلة املؤسفة.
اإلمام الشهيد حسن البنا ..رائد الحركة اإلسالمية املعاصرة هو واحد من الرواد الذين عايشوا فكرة
3
التقريب بني الشيعة والسنة فكان من املساهمني يف أعمال (جماعة التقريب بني املذاهب اإلسالمية)
التي ظن البعض أنها مستحيلة ،وظن البنا وثلة من رجال اإلسالم ومشايخه العظام أنها ممكنة قريبة
واتفقوا أن يلتقي املسلمون جميعاً (سنيهم وشيعيهم) حول العقائد واألصول املتفق عليها وأن يعذر
بعضهم بعضاً فيما وراء ذلك من أمور ال تكون شرطا من شروط اإليمان وال ركناً من أركان الدين وال
إنكاراً ملا هو معلوم من الدين بالضرورة.
ويقول عبد الكريم الشريازي يف كتاب الوحدة اإلسالمية ـ وهو عبارة عن مقاالت لعلماء من الشيعة
والسنة قد نشرت يف مجلة رسالة اإلسالم التي كان يصدرها األزهر ـ يقول األستاذ الشريازي عن
جماعة التقريب ص :7لقد اتفقوا على أن املسلم هو من يعتقد باهلل رباً وبمحمد نبياً ورسو ً
ال ال نبي وال
رسول بعده ،وبالقرآن كتاباً وبالكعبة قبلة وبيتاً ومحجوبا وباألركان الخمسة املعروفة وباإليمان بالبعث
وبالعلم بما هو ضروري يف الدين ..وكانت هذه األركان ـ التي ذكرنا على سبيل الحصر ـ هي موضع اتفاق
بني املجتمعني من ممثلي السنة بمذاهبهم األربعة املعروفة وبني ممثلي الشيعة بمذهبيها اإلمامية
والزيدية .وقد شارك يف هذه الجماعة شيخ األزهر واملرجع األعلى لالفتاء وقتها اإلمام األكرب عبد
املجيد سليم واالمام مصطفى عبد الرزاق والشيخ شلتوت.
وليس أمامنا معلومات دقيقة عن الدور الخاص الذي قام به اإلمام الشهيد يف هذا الشأن ولكن أحد
مفكري اإلخوان املسلمني ـ األستاذ سالم البهنساوي ـ يقول يف كتابه (السنة املفرتى عليها) ص 57
(منذ أن تكونت جماعة التقريب بني املذاهب اإلسالمية والتي ساهم فيها اإلمام البنا واالمام القمي
والتعاون قائم بني اإلخوان املسلمني والشيعة وقد أدى ذلك إىل زيارة اإلمام نواب صفوي سنة 1954
للقاهرة).
ثم يقول يف نفس الصفحة أيضاً (وال غرو يف ذلك فمناهج الجماعتني تؤدي إىل هذا التعاون) .كما أنه
من املعروف أن اإلمام البنا قد قابل املرجع الشيعي آية اهلل الكاشاني أثناء الحج عام 1948وحدث
بينهما اتفاق تشري إليه إحدى شخصيات اإلخوان املسلمني املهمة اليوم وأحد تالمذة اإلمام الشهيد
وهو األستاذ عبد املتعال الجربي الذي ينقل يف كتاب (ملاذا اغتيل حسن البنا ـ الطبعة األوىل ـ دار
االعتصام) ص ( 32ينقل عن روبري جاكسون) قوله (ولو طال عمر هذا الرجل ـ يقصد حسن البنا ـ لكان
يمكن أن يتحقق الكثري لهذه البالد خاصة لو اتفق حسن البنا وآية اهلل الكاشاني الزعيم اإليراني على أن
يزيال الخالف بني الشيعة والسنة ..وقد التقى الرجالن يف الحجاز عام 48ويبدو أنهما تفاهما ووصال
إىل نقطة رئيسية لوال أن عوجل حسن البنا باالغتيال) ..ويعلق األستاذ الجربي قائال (لقد صدق روبري
وشم بحاسته السياسية جهد اإلمام يف التقريب بني املذاهب اإلسالمية فما باله لو أدرك عن قرب دوره
الضخم يف هذا املجال ..مما ال يتسع لذكره املقام).
4
امللتزمة.
-قام اإلمام الشهيد حسن البنا بجهد ضخم على هذا الطريق.
ويروي الدكتور إسحق موسى الحسيني يف كتابه (اإلخوان املسلمني ..كربى الحركات اإلسالمية الحديثة)
أن بعض الطالب الذين كانوا يدرسون يف مصر قد انضموا للجماعة.
ومن املعروف أن صفوف اإلخوان املسلمني يف العراق كانت تضم الكثري من الشيعة وعندما زار نواب
صفوي سوريا وقابل الدكتور مصطفى السباعي املراقب العام لإلخوان املسلمني هناك اشتكى إليه
األخري من أن بعض شباب الشيعة ينضمون إىل الحركات العلمانية والقومية ،فصعد نواب إىل أحد
املنابر وقال أمام حشد من الشيعة والسنة (ومن أراد أن يكون جعفريا حقيقيا فلينضم إىل صفوف
اإلخوان املسلمني).
ولكن من هو نواب صفوي؟ إنه زعيم منظمة (فدائيان إسالم) اإلسالمية الشيعية .وينقل األستاذ محمد
علي الضناوي يف كتابه (كربى الحركات اإلسالمية يف العصر الحديث) ص 150عن الصفوي قوله:
ال :اإلسالم نظام شامل للحياة.أو ً
ثانيا :ال طائفية بني املسلمني ..أي بني السنة والشيعة.
ثم ينقل عن نواب قوله أيضا (لنعمل متحدين لإلسالم ولننس كل ما عدا جهادنا يف سبيل عز اإلسالم
..أما آن للمسلمني أن يفهموا ويدعوا االنقسام إىل شيعة وسنة؟).
ويف كتاب (املوسوعة الحركية) ص 163يتحدث األستاذ فتحي يكن عن زيارة نواب صفوي للقاهرة
والحماس الشديد الذي قابله به اإلخوان املسلمون ثم يتكلم عن صدور حكم اإلعدام عليه من قبل
الشاه قائال (كان لهذا الحكم الجائر صدى عنيف يف البالد اإلسالمية وقد اهتزت الجماهري املسلمة التي
تقدر بطولة نواب صفوي جهاده وثارت على هذا الحكم وطريت آالف الربقيات من أنحاء العالم اإلسالمي
تستنكر الحكم على املجاهد املؤمن البطل الذي يعترب القضاء عليه خسارة كربى يف العصر الحديث).
وهكذا يصبح مسلم شيعي يف نظر األستاذ فتحي يكن كأحد أعظم شهداء اإلخوان بل إنه يعترب نواب
وصحبه باستشهادهم ،قد انضموا إىل قافلة الشهداء الخالدين الذين سيكون دمهم الزكي الشعلة
التي تنري لألجيال القادمة طريق الحرية والفداء ..وهذا الذي كان ..فما أن دار الزمان دورته حتى
قامت الثورة اإلسالمية يف إيران ودكت عرش الطاغية (الشاه) الذي تشرد يف اآلفاق وصدق اهلل تعاىل
حيث يقول( :ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا املرسلني { }171إنهم لهم املنصورون { }172وإن جندنا لهم
الغالبون) الصافات.
ويف كتابه (اإلسالم فكرة وحركة وانقالب) يقول األستاذ فتحي يكن بعد أن أعلنت إيران الشاه اعرتافها
بإسرائيل ص( 56البد للعرب أن يتلمسوا يف إيران نوابا وإخوانا نوابا ..لكن الدول العربية لم تدرك
هذا حتى اآلن ..ولم تعلم بأن الحركة اإلسالمية هي وحدها التي تدعم قضايا خارج العالم العربي..
5
فهل إليران اليوم من نواب؟) ..إذن األستاذ يكن ينتظر نوابا فلماذا ـ باهلل ـ تورمت أنوف واحمرت أنوف
عندما جاء نواب ومن هم أعظم من نواب؟
أما مجلة (املسلمون) التي كان يصدرها اإلخوان املسلمون ..فهي العدد األول املجلد الخامس ـ ابريل
1956ص 73تقول تحت عنوان (مع نواب صفوي) :والشهيد العزيز ـ نضر اهلل ذكره ـ وثيق الصلة
(باملسلمون) وقد نزل ضيفاً يف دارها بالقاهرة أيام زيارته مصر يف كانون الثاني سنة .1954
ثم تنقل املجلة ص 76رأي نواب يف اعتقال اإلخوان الذي يقول فيه (إنه حني يضطهد الطغاة رجال
اإلسالم يف كل مكان يتسامى املسلمون فوق الخالفات املذهبية ويشاطرون إخوانهم املضطهدين آالمهم
واحزانهم .وال شك يف أننا بكفاحنا اإليجابي اإلسالمي نستطيع إحباط خطط األعداء التي ترمي إىل
التفريق بني املسلمني إذ إنه ال ضري يف وجود الفرق املذهبية وليس بوسعنا إلغاؤها ..إنما الذي يجب أن
نعمل على إيقافه ومنعه هو استغالل هذا الوضع لصالح املغرضني) .ويف نهاية املقال تنقل املجلة عن
نواب قوله (إننا متأكدون أننا نقتل إن لم يكن اليوم فغداً ولكن دماءنا وتضحياتنا سوف تحيي اإلسالم
وتحفزه إىل النهوض .إن اإلسالم بحاجة إىل هذه الدماء والتضحيات اليوم ولن ينهض بدونها أبداً).
وقبل أن نرتك هذا الجانب من عالقة اإلخوان املسلمني بالشيعة نشري إىل أن املراقب العام لإلخوان
املسلمني يف اليمن الشمالي وحتى عامني مضيا كان شيعيا وهو األستاذ عبد املجيد الزنداني ،وأن
عدداً كبريا من اإلخوان يف اليمن الشمالي هم من الشيعة .واآلن نعود مرة أخرى إىل موضوع جماعة
التقريب لنستمع إىل عضو بارز يف الجماعة هو اإلمام األكرب محمد شلتوت شيخ الجامع األزهر الذي
يقول (لقد آمنت بفكرة التقريب كمنهج قويم وأسهمت منذ أول يوم يف جماعتها) (الوحدة اإلسالمية
ص )20ثم يقول ص ( 23وها هو األزهر الشريف ينزل على حكم مبدأ التقريب بني أرباب املذاهب
املختلفة فيقرر دراسة فقه املذاهب اإلسالمية سنيها وشيعها دراسة تعتمد على الدليل والربهان وتخلو
من التعصب لفالن أو فالن) ويواصل حديثه ص( 24وكنت أود لو أستطيع أن أتحدث عن االجتماعات
يف دار التقريب حيث يجلس املصري إىل جانب اإليراني أو اللبناني أو العراقي أو الباكستاني أو غري هؤالء
من مختلف الشعوب اإلسالمية ،وحيث يجلس الحنفي واملالكي والشافعي والحنبلي بجانب اإلمامي
والزيدي حول مائدة واحدة تدوي بأصوات فيها علم وفيها تصوف وفيها فقه وفيها مع ذلك كله روح
األخوة وذوق املودة واملحبة وزمالة العلم والعرفان).
ويشري الشيخ شلتوت إىل أن هناك من حارب فكرة التقريب ظانني أنها تريد إلغاء املذاهب أو إدماج
بعضها يف بعض ،فيقول :حارب هذه الفكرة ضيقوا األفق كما حاربها صنف آخر من ذوي األغراض
الخاصة ..السيئة وال تخلو أية أمة من هذا الصنف من الناس ،حاربها من يجدون يف التفرق ضماناً
لبقائهم وعيشهم وحاربها ذوو النفوس املريضة وأصحاب األهواء والنزعات الخاصة ..هؤالء وأولئك ممن
يؤجرون أقالمهم لسياسات مفرقة لها أساليبها املباشرة وغري املباشرة يف مقاومة أية حركة إصالحية
والوقوف يف سبيل كل عمل يضم شمل املسلمني ويجمع كلمتهم.
6
وقبل أن نرتك األزهر نستمع إىل الفتوى التي أصدرها بخصوص املذهب الشيعي وتقول يف جزء منها (إن
مذهب الجعفرية املعروف بمذهب الشيعة اإلثني عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب
أهل السنة فينبغي للمسلمني أن يعرفوا ذلك وأن يتخلصوا من العصبية بغري حق ملذاهب معينة ..فما
كان دين اهلل وما كانت شريعته بتابع ملذهب معني أو مقصورة على مذهب فالكل مجتهدون مقبولون
عند اهلل تعاىل).
ومن جماعة التقريب إىل موكب ال ينتهي من املفكرين اإلسالميني نبدأهم بالشيخ محمد الغزالي الذي
يقول يف كتابه (كيف نفهم اإلسالم) ص ( 143ولم تنج العقائد من عقبى االضطراب الذي أصاب
سياسة الحكم ذلك أن شهوات االستعالء واالستئثار أقحمت فيها ما ليس منها ..فإذا املسلمون قسمان
كبريان شيعه وسنة مع أن الفريقني يؤمنان باهلل وحده وبرسالة محمد (صلى اهلل عليه وسلم) وال يزيد
أحدهما على اآلخر يف استجماع عناصر االعتقاد التي يصلح بها الدين وتلتمس النجاة).
ثم يقول يف نفس الصفحة (ومع أني أذهب يف كثري من إحكامي على األمور مذاهب غري ما يرى الشيعة
فلست أعد رأيي ديناً يأثم أي مخالف له وكذلك موقفي بالنسبة لبعض اآلراء الفقهية الشائعة بني
السنة).
ويف ص 143يقول (وكانت خاتمة املطاف أن جعل الشقاق بني الشيعة والسنة متصالً بأصول العقيدة!
ليتمزق الدين الواحد مزقتني وتتشعب األمة الواحدة إىل شعبتني كالهما يرتبص باآلخر الدوائر بل
يرتبص به ريب املنون! إن كل امرئ يعني على هذه الفرقة بكلمة فهو ممن تتناولهم اآلية( :إن الذين
فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم يف شيء إنما أمرهم إىل اهلل ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون) «األنعام
..»159وأعرف أن املسارعة بالتكفري ميسورة يف باب الجدل وأن إلزام الخصم بالكفر نتيجة رأي
يقول به أمر سهل يف حمى النقاش) .ثم يقول الشيخ الغزالي ص144ـ( 145فإن الفريقني يقيمان
صلتهما باإلسالم على اإليمان بكتاب اهلل وسنة رسوله ويتفقان اتفاقاً مطلقاً على األصول الجامعة
يف هذا الدين ،فإن اشتجرت اآلراء بعد ذلك يف الفروع الفقهية والتشريعية فإن مذاهب املسلمني
كلها .سواء يف أن للمجتهد أجره أخطأ أم اصاب) .ثم يواصل قائالً (وعندما ندخل مجال الفقه املقارن
ونعيش الشقة التي يحدثها الخالف الفقهي بني رأي ورأي أو بني تصحيح حديث وتضعيفه نجد أن
املدى بني الشيعة والسنة كالذي بني املذهب الفقهي ألبي حنيفة واملذهب الفقهي ملالك أو الشافعي)..
(نحن نرى الجميع سواء يف نشدان الحقيقة وإن اختلفت األساليب) .أما يف كتاب (نظرات يف القرآن)
ال ألحد علماء الشيعة يف هامش ص 79يقول عنه :من للشيخ الغزالي أيضاً فإننا نجده يورد أقوا ً
فقهاء الشيعة وأدبائهم الكبار .وقد تعمدنا إيراد كالمه كله ألن بعض القاصرين يفهمون أن الشيعة
قوم غرباء عن اإلسالم منحرفون عن صراطه .وسيأتي يف باب اإلعجاز ما يزيد معرفة (بالقوم).ويقول
يف هامش ص 158عند تعريفه بعالم آخر (هبة الدين الحسيني) :من علماء الشيعة األجالء وقد
تعمدنا نشر الخالصة كاملة ليستبني القارئ املسلم مبلغ فقه هذا العالم بطبيعة اإلعجاز وبالتالي مبلغ
تقديس الشيعة لكتاب اهلل).
7
إذن هكذا يتحدث الشيخ الغزالي ـ واحد من أهم مفكري اإلخوان املسلمني ـ عن الشيعة طارداً كل
األوهام الساذجة ليبدد بنور الحقيقة ظالم الجهل والحقد واملصالح األنانية .أما الدكتور صبحي الصالح
فيقول :يف كتابه (معالم الشريعة اإلسالمية) ص( 52ويف أحاديث أئمة الشيعة أيضاً أنهم لم يرووا إال
ما يوافق السنة مكانة عظمى تلي كتاب اهلل بني مصادر 283النبوية) ثم يقول (وأن السنة لديهم لها
التشريع).
أما األستاذ سعيد حوى فيتحدث يف كتاب اإلسالم ج 2ص 165عن التقسيمات اإلدارية يف دار
اإلسالم حال اتساعها فيقول :إن الواقع العملي للعالم اإلسالمي أنه مؤلف من مذاهب فقهية كل
مذهب يغلب على بقعة ..وأمام هذا الواقع هل هناك مانع شرعي يمنع من مالحظة هذه املعاني
يف التقسيمات اإلدارية فاملنطقة ذات اللسان الواحد يكون لها والية ،واملنطقة الشيعية تكون لها
والية ،واملنطقة ذات املذهب الفقهي الواحد يكون لها والية وتختار كل والية حكامها منها مع الخضوع
للسلطة املركزية املتمثلة يف الخليفة.
وهذا اعرتاف واضح صريح من أحد أعالم اإلخوان املسلمني اليوم بأن تعدد املذاهب ـ بما فيها الشيعة
ـ ال يمس إسالم الناس وال دينهم وأن الشيعة يكون عليهم أمري منهم يف ظل دار اإلسالم.
ويف كتاب (إسالم بال مذاهب) يقول الباحث اإلسالمي الدكتور مصطفى الشكعة ص ( 183اإلمامية
اإلثنا عشرية هم جمهور الشيعة الذين يعيشون بيننا هذه األيام وتربطهم بنا نحن أهل السنة روابط
التسامح والسعي إىل تقريب املذاهب ألن جوهر الدين واحد وله أصل وال يسمح بالتباعد) .ثم يتحدث
عن هذه الطائفة التي تشكل أغلبية سكان إيران اليوم وعن اعتدالهم فيقول ص ( 187فهم يربأون
من املقاالت التي جاءت على لسان بعض الفرق ويعدونها كفراً وضال ً
ال).
أما الشيخ الجليل اإلمام محمد أبو زهرة فيقول يف كتابه (تاريخ املذاهب اإلسالمية) ص ( 39ال شك
أن الشيعة فرقة إسالمية إذا استبعدنا مثل السبئية الذين ألهوا علياً ونحوهم ـ من املعروف أن السبئية
كفار يف نظر الشيعة ـ وال شك أنها يف كل ما تقول تتعلق بنصوص قرآنية أو أحاديث منسوبة إىل النبي
(صلى اهلل عليه وسلم) وهم يتوددون إىل من يجاورونهم من السنيني وال ينافرونهم).
ويف كتاب (املدخل لدراسة الشريعة اإلسالمية) يقول الدكتور عبد الكريم زيدان أحد أهم اإلخوان
املسلمني يف العراق ص( 128ويوجد املذهب الجعفري يف إيران والعراق والهند وباكستان ويف لبنان
وله أتباع يف الشام أيضا وغريها من البالد .وليس بني الفقه الجعفري واملذاهب األخرى من االختالفات
أكثر من االختالفات بني أي مذهب وآخر).
واألستاذ املستشار سالم البهساوي واحد من مفكري اإلخوان الذين تعرضوا لهذا املوضوع بإسهاب يف
كتابه املهم (السنة املفرتى عليها) يقول ص 60رداً على الذين يزعمون أن للشيعة مصحفا غري مصحفنا
(إن املصحف املوجود بني أهل السنة هو نفسه املوجود يف مساجد وبيوت الشيعة) ويف ص 263يقول..
8
(أن الشيعة الجعفرية (اإلثنى عشرية) يرون كفر من حرف القرآن الذي أجمعت عليه األمة منذ صدر
اإلسالم) .ويواصل يف مجال رده على محب الدين الخطيب وإحسان ظهري يف موضوع تحريف القرآن
فيورد رسالة على الصفحات من 68ـ 75تحمل آراء للعديد من علماء ومجتهدي الشيعة حول هذه
املزاعم ،فينقل عن اإلمام السيد الخوئي ص :69املعروف بني املسلمني عدم وقوع التحريف يف القرآن
وأن املوجود بني أيدينا هو جميع القرآن املنزل على النبي االعظم (صلى اهلل عليه وسلم) .وينقل عن
الشيخ محمد رضا املظفر :وهذا الذي بني أيدينا نتلوه هو نفس القرآن املنزل على النبي ومن ادعى فيه
غري ذلك فهو محرتق او مغالط أو مشتبه وكلهم على غري هدى فإن كالم اهلل (ال يأتيه الباطل من بني
يديه وال من خلفه) .ثم ينقل قول اإلمام كاشف الغطاء (وأنه ال نقص فيه وال تحريف وال زيادة وعلى
هذا إجماعهم).
وهناك آراء كثرية يمكن الرجوع إليها على الصفحات املذكورة .أما الروايات غري الصحيحة التي قد
يستند إليها البعض فهي مدانة ومرفوضة ويوجد مثيلها عند أهل السنة وهي عندهم أيضاً مرفوضة
ومدانة (ارجع ص )74ويف صفحة 61يناقش األستاذ البهناوي قضية العصمة فيقول:
(إن العصمة التي ينكرها أهل السنة لو فهمها الفريقان على أساس ما كان عند األئمة اإلثنى عشر ما
وجد بني الفريقني ما يؤدي إىل أن يكفر كل منهما اآلخر ..ألن ما عنده هؤالء األئمة ليس خروجاً عن
اإلسالم يف معتقدات أهل السنة .فإن اإلقرار بالعصمة إنما أنكرها نظرياً ألنها لم ترد يف النصوص التي
يعتقد بصحتها واملعلوم أن الكفر إنما يرتتب على إنكار الثابت من القرآن والسنة مع علم املنكر بذلك..
فإن جهل أو اعتقد بعدم صحة الرواية ال يكون قد كفر إذا لم تقم عليه الحجة الشرعية).
ومن األستاذ البهناوي إىل األستاذ أنور الجندي وكتابه (اإلسالم وحركة التاريخ) حيث يقول ص 420
(وقد كان تاريخ اإلسالم حافالً بالخالفات واملساجالت الفكرية وبالصراع السياسي بني السنة والشيعة..
وقد حرص الغزو الخارجي املمتد منذ الحروب الصليبية إىل اليوم على أن يغذي هذا الخالف وأن يعمق
آثاره حتى ال تلئم وحدة عالم اإلسالم.وكانت حركة التغريب وراء اإليقاع بني السنة والشيعة وتفريق
كلمتهم وإذكاء الخصومة بينهم وقد تنبه السنة والشيعة جميعاً لهذه املؤامرات وعملوا على تضييق
شقة الخالف).
هل فهمنا إذاً من يثري هذه الفتنة الحرام ..من الذي يستفيد منها ..هل فهمنا أن الشيطان هو الذي
يدعو لفرقتنا وأن نكفر بعضنا بعضاً بينما الخالف أقل بكثري مما يتصور بعض الذين وقعوا يف حبائل
هذا الشيطان .يقول األستاذ الجندي ص( :421والحق أن الخالف بني السنة والشيعة ال يزيد عن أن
يكون خالفاً بني املذاهب األربعة) وحتى ال نقع يف وهم أن السنة والشيعة شيء واحد وإنه لم يوجد يف
تاريخهم غالة نقرأ ص 421لألستاذ الجندي (ومن الحق أن يكون الباحث يقظاً يف التفرقة بني الشيعة
والغالة ،هؤالء الذين هاجمهم أئمة الشيعة أنفسهم وحذروا مما يدسونه).
أما األستاذ سميح عاطف الزين صاحب كتاب اإلسالم وثقافة اإلنسان فقد كتب كتاباً اسمه (املسلمون..
9
من هم) يناقش فيه موضوع السنة والشيعة ويقول يف مقدمته ص( 9وال أخفي عليك أيها القارئ
الكريم أن الذي دعانا لتأليف هذا الكتاب هو التفرقة العمياء الحاصلة يف مجتمعنا اليوم وأخصها
التفرقة الواقعة بني املسلم الشيعي واملسلم السني والتي يجب أن تكون قد تبخرت مع تبخر الجهل..
ولكن مع األسف مازال لها بعض الجذور يف النفوس املريضة ألن غرسها كان محكماً من قبل الفئة
التي حكمت العالم اإلسالمي على أساس من التفرقة وممن هم أعداء هذا الدين ومن املنتفعني الذين
أبوا أن يعيشوا إال كما تعيش الطفيليات على دماء الغري ،وسأسرد لك يف هذا الكتاب يا أخي املسلم
الشيعي ويا أخي املسلم السني أهم حقائق االختالف على فهم الكتاب والسنة والشيعة والتي لم تكن
يوماً من األيام اختالفاً على الكتاب والسنة بل كانت اختالفاً على فهم الكتاب والسنة) ويف نهاية الكتاب
يقول األستاذ سميح عاطف الزين ص98ـ( 99بعد أن اطلعنا على أهم األسباب التي عصفت بهذه
األمة نختم هذا الكتاب بقولنا :إنه من الواجب علينا كمسلمني ـ وخاصة يف عصرنا هذا ـ أن نرد زيغ
الذين اتخذوا املذاهب اإلسالمية سبيالً للتضليل واللعب بالعقول وزيادة الشك .وعلينا أن نمحو روح
الطائفية البغيضة ،وأن نقطع السبيل على الذين يروجون الخصومة يف الدين حتى يعود املسلمون
كما كانوا جماعة واحدة متعاونة متحابة ال جماعات متعددة متنابذة متباغضة وعليهم أن يتشبهوا
بتسامح وتعاون الخلفاء الراشدين).
هذا وقد كان أبو الحسن الندوي يتمنى إحداث تقارب بني الشيعة والسنة وهو يقول ملجلة االعتصام
اإلسالمية املصرية (محرم 1398هـ) (وإذا تم هذا العمل ـ يقصد التقريب ـ سوف يحدث انقالباً ال
يوجد له نظري يف تاريخ تجديد الفكر اإلسالمي).
ويف كتاب (تحديات أمام العروبة واإلسالم) يتحدث األستاذ صابر طعيمة ص 208قائالً (ومن الحق أن
يقال أنه ليس بني الشيعة والسنة من خالف يف األصول العامة فهم جميعاً على التوحيد وإنما الخالف
يف الفروع ..وهو خالف يشبه ما بني مذاهب السنة نفسها (الشافعية والحنفية) فهم يدينون بأصول
الدين كما وردت يف القرآن الكريم والسنة املطهرة .كما يؤمنون بكل ما يجب اإليمان به ويبطل اإلسالم
بالخروج منه يف األحكام املعلومة من الدين بالضرورة ..ومن الحق أن السنة والشيعة هما مذهبان من
مذاهب اإلسالم يستمدان من كتاب اهلل وسنة رسوله).
أما علماء أصول الفقه فيعتربون أنه ال إجماع ان لم يوافق مجتهدو الشيعة تماماً ،كما أنه ال إجماع
إذا لم يوافق مجتهدو السنة .يقول األستاذ عبد الوهاب خالف يف كتاب (علم أصول الفقه ـ الطبعة 14
ص « :)46إن لإلجماع أربعة أركان ال ينعقد شرعاً إال بتحققها وتأتي هذه األركان:
أن يتفق على الحكم الشرعي يف الواقعة جميع املجتهدين من املسلمني يف وقت وقوعها بصرف النظر
عن بلدهم أو جنسهم أو طائفتهم ،فلو اتفق على الحكم الشرعي يف الواقعة مجتهدو الحرمني فقط
أو مجتهدو آل البيت أو مجتهدو أهل السنة دون مجتهدي الشيعة ال ينعقد االتفاق العام بني جميع
مجتهدي العالم اإلسالمي يف عهد الحادثة وال عربة بغري املجتهدين».
10
فإذا كانت موافقة الشيعة ضرورية لحصول إجماع املسلمني فهل يبقون بعد ذلك فرقة ضالة ويف
النار؟!!
ويقول األستاذ أحمد إبراهيم بك يف كتابه (علم أصول الفقه وتاريخ التشريع اإلسالمي ـ طبعة دار
األنصار) يقول يف الجزء الخاص بتاريخ التشريع ص( 21والشيعة اإلمامية مسلمون يؤمنون باهلل
ورسوله وبالقرآن وبكل ما جاء به محمد صلى اهلل عليه وسلم ومذهبهم هو السائد على البالد الفارسية).
ثم يقول ص( 22ومن الشيعة اإلمامية قديماً وحديثاً فقهاء عظام جداً وعلماء من كل علم وفن وهم
عميقو التفكري واسعو االطالع ومؤلفاتهم تعد بمئات األلوف ،وقد اطلعت على الكثري منها) ويقول
يف هامش نفس الصفحة (يوجد يف الشيعة غالة خرجوا بعقيدتهم من دائرة اإلسالم ولكن هؤالء غري
ملتفت إليهم من جمهور الشيعة اإلمامية).
وبعد كل هذا السيل من الشهادات التي ال تنتهي لعلماء األمة أود أن أشري إىل أولئك الذين حاولوا
ترديد فتوى ابن تيمية ضد الرافضة ـ والتي تضم العديد من فرق الشيعة ـ وحاولوا سحب هذه الفتوى
على الشيعة اإلمامية اإلثني عشرية ـ وبالتالي استغاللها ضد الثورة اإلسالمية يف إيران ـ لقد وقع
هؤالء يف عدة أخطاء هامة:
)1لم يتساءلوا ملاذا لم يجدوا يف تاريخ اإلسالم قبل ابن تيمية مثل هذه الفتوى رغم أن ابن تيمية جاء
يف القرن السابع الهجري ..أي بعد أكثر من ستة قرون لظهور الشيعة.
)2لم يستوعبوا ابن تيمية والتناقضات التي واجهها املجتمع املسلم وهو يواجه الغزو الخارجي.
)3لم يحاولوا يف غمرة حقدهم على الثورة اإلسالمية يف إيران وموقفهم السياسي منها ..لم يحاولوا
تقصي إذا ما كانت كلمة (الرافضة) التي ذكرها ابن تيمية تنسحب على الشيعة اإلمامية اإلثني عشرية
أم ال ؟ يقول األستاذ أنور الجندي يف كتابه اإلسالم وحركة التاريخ ص( 422والرافضة غري السنة
والشيعة) .ويستعرض اإلمام محمد أبو زهرة يف كتابه (ابن تيمية) بعض فرق الشيعة من الزيدية
واإلثنى عشرية دون أن يشري إىل أي موقف سلبي البن تيمية منها ولكنه عند ذكر اإلسماعيلية يقول
ص ( 170وهذه الفرقة هي التي كان البن تيمية منها مواقف ضد بعض املنتمني إليها ..فقد حاربهم
بعلمه ولسانه وسيفه…)ولهذا نجد اإلمام أبو زهرة يسهب يف دراسة هذه الفرقة بسبب موقف ابن
تيمية منها كما يقول.
كان هذا موقف بعض الحركات والقيادات اإلسالمية من هذه الضجة املفتعلة حول قضية الشيعة
والسنة ..أما الثورة اإلسالمية االيرانية التي اشتعلت مع مطلع عام 1978فقد أيقظت روح األمة
املسلمة على طول املحور املمتد من طنجة إىل جاكرتا وتطلعت الجماهري املسلمة إىل طهران وقم ويف
ذاكرتها انتصارات صدر اإلسالم املذهلة ..ومع تقدم الثورة كان استقطابها للجماهري يزداد ،هذه
الجماهري التي كانت تعرب عن بهجتها وفرحتها يف شوارع قاهرة املعز ودمشق الشام ويف كراتشي
والخرطوم ويف استامبول ومن حول بيت املقدس ويف كل مكان تواجد فيه االسالميون .يف أملانيا الغربية
كان األستاذ عصام العطار أحد الزعماء التاريخيني لحركة اإلخوان املسلمني واملعروف بإخالصه طول
11
جهاده وطهارته الثورية ..كان الرجل الذي قضى عمره لم يهادن حاكماً ولم يقرتب من قصر أمري يكتب
كتاباً كامال يتناول تاريخ الثورة وجذورها ،ويقف بجانبها مؤيداً ويربق أكثر من مرة لإلمام الخميني مهنئاً
ومباركاً ومؤازرا .وانتشرت أحاديثه املسجلة على أشرطة الكاسيت املؤيدة للثورة بني الشباب املسلم.
كذلك قامت مجلة (الرائد) التي يصدرها بدور مهم يف تأييد الثورة وشرح موقفها .ويف السودان كان
موقف حركة اإلخوان املسلمني وموقف شباب جامعة الخرطوم اإلسالميني من أروع املواقف التي
شهدتها العواصم اإلسالمية حيث خرجوا بمظاهرات التأييد ،وسافر الدكتور حسن الرتابي ـ زعيم
الحركة يف السودان والذي اشتهر بسعة ثقافته وحنكته السياسية ـ إىل إيران حيث قابل اإلمام معلناً
تأييده للثورة وزعيمها.
ويف تونس كانت مجلة الحركة اإلسالمية (املعرفة) تقف بجانب الثورة ..تباركها وتدعو املسلمني
جميعاً ملناصرتها ووصل األمر إىل أن كتب زعيم الحركة اإلسالمية هناك األستاذ راشد الغنوشي يف
نفس املجلة مرشحاً اإلمام الخميني إلمامة املسلمني ،مما أدى إىل إغالق املجلة بعد ذلك واعتقال
زعماء الحركة على يد حكومة بورقيبة .ويعترب األستاذ الغنوشي أن االتجاه اإلسالمي الحديث (تبلور)
وأخذ شكالً واضحاً على يد اإلمام البنا واملودودي وقطب والخميني ممثل أهم االتجاهات اإلسالمية يف
الحركة اإلسالمية املعاصرة (كتاب الحركة اإلسالمية والتحديث ـ راشد الغنوشي ـ حسن الرتابي) ص
،16ويعترب يف ص :17أنه بنجاح الثورة يف إيران يبدأ اإلسالم دورة حضارية جديدة.
ويقول يف ص 17من نفس الكتاب تحت عنوان ماذا نعني بمصطلح (الحركة اإلسالمية ) :ولكن الذي
عنينا من بني ذلك االتجاه الذي ينطلق من مفهوم اإلسالم الشامل مستهدفا إقامة املجتمع املسلم
والدولة اإلسالمية على أساس ذلك التصور الشامل :وهذا املفهوم ينطبق على ثالثة اتجاهات كربى:
(اإلخوان املسلمون ،الجماعات اإلسالمية بباكستان وحركة اإلمام الخميني يف إيران).
ويف ص 24يقول (لقد بدأت يف إيران عملية لعلها من أهم ما يمكن أن يطرأ يف مسرية حركات التحرر
يف املنطقة كلها وهي تحرير اإلسالم من هيمنة السلطات العاملة على استخدامه يف وجه املد الثوري
يف املنطقة).
أما يف لبنان فقد كان تأييد الحركة اإلسالمية للثورة من أكثر املواقف وضوحاً وعمقاً ووقف األستاذ
فتحي يكن زعيم الحركة ومجلته الفذة (األمان) من الثورة موقفاً إسالمياً ثورياً مشرقاً .وزار األستاذ
يكن إيران اكثر من مرة وشارك يف احتفاالت وألقى املحاضرات يف تأييدها.
ويف األردن أعلن األستاذ محمد عبد الرحمن خليفة املراقب العام لإلخوان املسلمني تأييده للثورة قبل
وبعد زيارته إليران ..كما طالب إبراهيم زيد الكيالني امللك حسني بأن يتنكب طريق الثورة(!) وأنشد
األستاذ يوسف العظم قصيدته الشهرية التي نشرت يف أكثر من مجلة ومنها (االمان) ودعا فيها إىل
مبايعة اإلمام الخميني.
12
أما يف مصر فقد وقفت مجالت (الدعوة) و(االعتصام) و(املختار اإلسالمي) إىل جانب الثورة مؤكدة
إسالميتها ومؤيدة لها ولزعيمها وعندما بدأ غزو صدام إليران كتبت االعتصام على غالفها (عدد ذو
الحجة 1400هـ ـ أكتوبر ( )1980الرفيق التكريتي ..تلميذ ميشيل عفلق الذي يريد أن يصنع
قادسية جديدة يف إيران املسلمة) ويف ص 10من نفس العدد كتبت االعتصام تحت عنوان (أسباب
املأساة):
(الخوف من انتشار الثورة اإلسالمية يف العراق) ثم قالت (ورأى صدام حسني أن فرتة االنتقال التي يمر
بها جيش إيران وتحوله من جيش إمرباطوري إىل جيش إسالمي هي فرصة ذهبية ال تتكرر للقضاء على
هذا الجيش قبل أن يتحول إىل قوة ال تقهر بفضل العقيدة اإلسالمية يف نفوس ضباطه وجنوده) .ويف
عدد (محرم 1401هـ ـ ديسمرب )1980كتب األستاذ جابر رزق أحد أبرز صحفيي اإلخوان املسلمني
يف االعتصام ص 26معلالً أسباب الحرب يقول (إن الوقت الذي اندلعت فيه هذه الحرب هو ذاته
الوقت الذي فشلت فيه كل الخطط األمريكية التآمرية على ثورة الشعب اإليراني املسلم) ويقول ص
( 27وقد نسي صدام حسني أنه سيقاتل شعباً تعداده أربعة أضعاف الشعب العراقي وهذا الشعب هو
الشعب املسلم الوحيد الذي استطاع أن يتمرد على اإلمربيالية الصليبية اليهودية) ثم يواصل حديثه
(والشعب اإليراني بكامل هيئاته ومنظماته مصمم على مواصلة الحرب حتى النصر وحتى إسقاط
البعث الدموي ..كما أن التعبئة الروحية والنفسية بني كل أفراد الشعب اإليراني لم يسبق لها مثيل
والرغبة يف االستشهاد تأخذ صورة التسابق واإلقدام ،والشعب اإليراني واثق تماماً يف أن النصر يف
النهاية سيكون للثورة اإليرانية املسلمة).
ال إسقاط الثورة فيقول ( ..وبسقوطثم يشرح األستاذ جابر رزق هدف االستعمار من الحرب محاو ً
النظام الثوري اإليراني يزول الخطر الذي يتهدد هذا النوع من الطواغيت الذين يرتجفون من تصورهم
احتمال ثورة شعوبهم ضدهم وإسقاطهم مثلما فعل الشعب اإليراني املسلم ضد الشاه العميل) .ويف
نهاية املقال يقول( :ولكن حزب اهلل غالب ..ولكن ال بد من الجهاد واالستشهاد ولينصرن اهلل من ينصره
إن اهلل لقوي عزيز).
إذاً هذا هو جوهر الحرب وليس ما يردده أبناء الحقبة السعودية وبعض الطيبني الذين ال يدرون عن هذا
العالم شيئاً قائلني إن إيران الشيعة تريد االنقضاض على النظام السني يف العراق ..كم هو محزن هذا
العمى وكم هو مجرم من يزرع هذا الجهل والحقد يف قلوب الناس.
ويف عدد (صفر 1401هـ ـ يناير )1981كتبت االعتصام على غالفها (الثورة التي أعادت الحسابات
وغريت املوازين) ويف ص 29تساءلت املجلة (ملاذا تعترب الثورة اإليرانية أعظم ثورة يف العصر الحديث)
ويف نهاية املقال الذي كتب بمناسبة الذكرى الثانية لالنتصار اإليراني وبعد أن تكلم الكاتب عن قوة
الجيش اإلمربطوري ووسائله القمعية قال (ومع ذلك انتصرت الثورة اإليرانية بعد أن سقط آالف
الشهداء ..وكانت بذلك أعظم ثورة يف التاريخ الحديث بفعاليتها ونتائجها اإليجابية وآثارها التي
أعادت الحسابات وغريت املوازين).
13
ومن مصر إىل موقف التنظيم الدولي لإلخوان املسلمني الذي وجه بياناً (إىل املسؤولني عن الحركات
اإلسالمية يف كافة أنحاء العالم) وذلك أثناء أزمة الجواسيس الرهائن ،جاء فيه (ولو كان األمر يخص
إيران وحدها لقبلت حالً وسط بعد أن تبينت ما حولها ،ولكنه اإلسالم وشعوبه يف كل مكان وقد أصبحت
أمانة يف عنق الحكم اإلسالمي الوحيد يف العالم الذي فرض نفسه بدماء شعبه يف القرن العشرين
لتثبيت حكم اهلل فوق حكم الحكام وفوق حكم االستعمار والصهيونية العاملية) ويشري البيان إىل رؤية
الثورة اإليرانية ملن يحاول أن يفت يف عضدها على أنه واحد من أربعة ( :إما مسلم لم يستطع أن
يستوعب عصر الطوفان اإلسالمي ومازال يعيش يف زمن االستسالم ،فعليه أن يستغفر اهلل ويحاول
أن يستكمل نقص فهمه بمعاني الجهاد والعزة يف اإلسالم ..وإما عميل يتوسط ملصلحة أعداء اإلسالم
على حساب اإلسالم متشدقاً باألخوة والحرص عليها ..وإما مسلم إمعة يحركه غريه بال رأي وال إرادة..
وإما منافق يراهن بني هؤالء وهؤالء.
وعندما بدأ الغزو الصدامي إليران املسلمة أصدر التنظيم الدولي لإلخوان املسلمني بيانا وجهه إىل
الشعب العراقي هاجم فيه حزب البعث امللحد الكافر ،على حد تعبري البيان الذي قال أيضا (إن هذه
الحرب أيضاً ليست حرب تحرير للمستضعفني من الرجال والنساء والولدان الذين ال يملكون حيلة وال
يهتدون سبيالً ،فشعب إيران املسلم قد حرر نفسه من الظلم واالستعمار األمريكي الصهيوني يف جهاد
بطولي خارق وبثورة إسالمية عارمة فريدة من نوعها يف التاريخ البشري وتحت قيادة إمام مسلم هو
دون شك فخر لإلسالم واملسلمني) ثم يتكلم البيان عن أهداف العدوان الصدامي قائال:
(ضرب الحركة اإلسالمية وإطفاء شعلة التحرير اإلسالمية التي انبعثت من إيران) ويف نهاية املقال
يقول مخاطباً الشعب العراقي (اقتلوا جالديكم فقد حانت الفرصة التي ما بعدها فرصة .ألقوا أسلحتكم
وانضموا إىل معسكر الثورة ،الثورة اإلسالمية ثورتكم) ..أما موقف الجماعة اإلسالمية يف باكستان
فقد تمثل يف فتوى موالنا أبو األعلى املودودي التي نشرت يف مجلة الدعوة ـ القاهرة عدد 29
أغسطس (أب) 1979ـ رداً على سؤال وجهته إليه املجلة حول الثورة اإلسالمية يف إيران ،حيث
أجاب العالم املجتهد الذي أجمعت الحركة اإلسالمية على أنه واحد من أبرز روادها يف هذا القرن قائال:
(وثورة الخميني ثورة إسالمية والقائمون عليها هم جماعة إسالمية وشباب تلقوا الرتبية يف الحركات
اإلسالمية وعلى جميع املسلمني عامة والحركات اإلسالمية خاصة أن تؤيد هذه الثورة وتتعاون معها
يف جميع املجاالت).
إذن هذا املوقف الشرعي من الثورة كما يطرحه املودودي :وجوب التأييد والتعاون إن كنا نريد أن نلتزم
باإلسالم ..أما معاداة الثورة وشن حرب صليبية مشبوهة ضدها ومِن مَن؟ من مجموعات محسوبة
على الحركة اإلسالمية ..فهذه مختلفة شرعية لفتوى املجتهد الكبري..
أما موقف األزهر فقد أعلنه شيخ األزهر السابق يف حديث مع صحيفة (الشرق األوسط) التي تصدر
يف لندن وجدة (عام )76قائالً (اإلمام الخميني أخ يف اإلسالم ومسلم صادق) ثم يقول (إن املسلمني
باختالف مذاهبهم إخوة يف اإلسالم والخميني يقف تحت لواء اإلسالم كما أوقف أنا).
14
ويف كتابه األخري الذي يتداوله شباب الحركة اإلسالمية (أبجديات التصور الحركي للعمل اإلسالمي)
يستعرض األستاذ فتحي يكن مؤامرات االستعمار والقوى الدولية ضد اإلسالم فيقول ص( 48ويف
التاريخ القريب شاهد على ما نقول أال وهو تجربة الثورة اإلسالمية يف إيران ..هذه التجربة التي هبت
ملحاربتها وإجهاضها كل قوى األرض الكافرة وال تزال بسبب أنها إسالمية وانها ال شرقية وال غربية).
ترى ملن يستمع الشباب املسلم اليوم :إىل أبي األعلى املودودي و األستاذ فتحي يكن أم إىل أنصاف
املتعلمني ومدعي اإلسالم وأحيانا ذوي االغراض املشبوهة!!
وآخر ما بني أيدينا ما قالته مجلة (الدعوة) املهاجرة إىل النمسا ـ العدد 73رجب 1402ـ مايو 1982ـ
ص ( 20ويف العالم اليوم اليقظة اإلسالمية الشاملة التي كان من آثارها الثورة اإلسالمية يف إيران
التي استطاعت ـ رغم عثراتها ـ أن تقوض أكرب اإلمرباطوريات عراقة وأشدها عتواً وعداء لإلسالم
واملسلمني).
وهكذا فإن مجلة (الدعوة) ويف عدد من آخر أعدادها تعترب أن الثورة اإليرانية هي ثورة إسالمية ،وأنها
أثر من آثار اليقظة اإلسالمية الشاملة التي أشرنا إليها يف بداية هذا البحث ..أما العثرات فهي يف
نظري الصعاب التي يحاول االستعمار أن يضعها يف طريق الثورة للتأثري على مسريتها والتي من واجب
املسلمني امللتزمني العمل على إزالتها.
هذا موقف علماء ومفكري الحركات اإلسالمية السنية ..أما على الطرف اآلخر فنكتفي بكلمات لإلمام
الخميني قالها بعد وصوله إىل باريس إجابة على سؤال يتعلق بأصول الثورة قال ( :إن السبب الذي قاد
املسلمني إىل سنة وشيعة يوماً ما لم يعد قائماً ..كلنا مسلمون ..هذه ثورة إسالمية ..نحن جميعاً
إخوة يف اإلسالم).
ويف كتاب (الحركة اإلسالمية والتحديث) ينقل األستاذ الغنوشي ص 21قولة اإلمام الخميني (إننا
نريد أن نحكم باإلسالم كما نزل على محمد (صلى اهلل عليه وسلم) ال فرق بني السنة والشيعة ألن
املذاهب لم تكن موجودة يف عهد رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم)).
ويف امللتقى الرابع عشر للفكر اإلسالمي الذي عقد يف الجزائر قال ممثل اإلمام الخميني السيد خسرو
شاهي (األعداء أيها االخوة ال يفرقون بني سني وشيعي إنهم يريدون القضاء على اإلسالم كفكرة
وأيدولوجية عاملية ولذا فإن أي دعوة أو عمل لتفريق الصفوف باسم السنة والشيعة تعني الوقوف
إىل جانب الكفر وضد اإلسالم واملسلمني ،وهي بالتالي كما أفتى اإلمام الخميني حرام شرعا وعلى
املسلمني التصدي لها).
هل يمكن بعد كل هذا أن نفهم جوهر الثورة ومهماتها التاريخية وواجبها اإللهي ..إن اإلسالم ينبعث من
جديد يف مواجهة التحدي الغربي الحديث ويتوىل اإلسالميون اإليرانيون اليوم بجانب كل اإلسالميني
الواعني امللتزمني حمل راية االنبعاث من أجل تحقيق انتصار اإلسالم يف األرض ومن أجل تحقيق
15
الغاية القصوى من حياتنا :مرضاة اهلل عز وجل .ولنستمع إىل املفكر املصري النصراني واملاركسي غالي
شكري الذي يف هجومه على الثورة اإلسالمية يوضح جزءا من مهمتها اإللهية يقول يف مقال نشرته
(دراسات عربية ) ونقلته عنها مجلة البيادر السياسي الصادرة يف القدس ـ عدد 11يف 1982/2/1
ص( 36وكان من املفارقات ـ وبعضها ال يزال واضحاً أمام العيون ـ مفكرون عرفوا بتاريخهم املاركسي
يتحولون يف غمضة عني إىل إسالميني عتاة..مفكرون ينتمون بحكم شهادة امليالد إىل املسيحية يتحوالن
يف لحظة إىل مسلمني متطرفني ،مفكرون ينتمون بحكم ثقافتهم إىل الغرب وحداثته يتحولون بال قيد
أو شرط إىل شرقيني متعصبني).
(وهكذا تحت راية الخميني تجمهرت صفوف من املثقفني العرب باسم إعادة النظر إىل املسلمات وباسم
العودة إىل األصالة بعد طول غربة وتغريب واغرتاب وباسم (الفشل الذريع الذي منيت به املاركسية أو
العلمنة أو الليربالية أو القومية) .انتهى كالم غالي شكري الذي استطاع يف معرض هجومه وسخريته
من املد الخميني أن يفهم جوهر الثورة أكثر من دعاة مسلمني!!.
ويف نهاية املقال ال يسعنا إال أن نردد مع اإلمام الخميني كلمة قالها منذ أمد بعيد يف خطبة له يف
جمادى األول 1384هـ:
(األيدي القذرة التي بثت الفرقة بني الشيعي والسني يف العالم اإلسالمي ال هي من الشيعة وال
من السنة ..إنها أيدي االستعمار التي تريد أن تستولي على البالد اإلسالمية من أيدينا والدول
االستعمارية ،الدول التي تريد نهب ثرواتنا بوسائل مختلفة وحيل متعدد هي التي توجد الفرقة باسم
التشيع والتسنن).
16