Professional Documents
Culture Documents
المنهجي
على مذهب المام الشافعي
رحمه الله تعالى
الجزء السابع
في المعاملت
تأليف
الدكتور الدكتور مصطفى الخن
مصطفى البغا
على الشربجي
دار القلم
دمشق
)( 1
بسم الله الرحمن الرحيم
ةةةةةةة
الحمد لله رب العالمين ،والصلة والسلم على سيدنا
محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين.
أما بعد ،فهذا الجزء السابع من كتابنا )الفقه المنهجي(
نقدمه لطلب العلم ورواد الفقه في دين الله عز وجل ،ولكل من
اراد ان تستقيم معاملته في الدنيا ليكون ناجيا يوم القيامة ،بينا
فيه احكام المعاملت التي تكثر في حياة الناس ،والتي كثيرا ما
يؤدي الجهل في احكامها الى نزاعات وخلفات ،تجر الى دور
القضاء ،وربما كان ذلك في كثير من الحيان سببا لراقة الدماء
او ضياع الحقوق ،فتناولنا في هذا الجزء المواضيع التالية:
اللقطة. -7 الشفعة. -1
الرهن. -8 المساقاة وما يلحق بها من -2
المزارعة ونحوها.
الكفالة والضمان. -9 العارية. -3
الوكالة. -10 الشركة -4
الكراه. -11 المضاربة ]القراض[. -5
الغصب. -12 الوديعة. -6
وكانت طريقتنا في بحث هذه الموضوعات كما اعتدنا في
الجزاء السابقة ،من بسط الحكم وبيان دليله وتعليله ،من غير
تعقيد ول مناقشات لفظية ،مع كثرة التقسيمات وتعداد الفقرات،
كي ل تتداخل الحكام بعضها في بعض.
ومعلوم أن سلسلتنا هذه في فقه المام الشافعي رحمه
الله تعالى ،ولما كانت المعاملت متشعبة الوجوه ،فقد يضيق
حكم المذهب بتصرفات الناس احيانا ،وهي احيانا قليلة ،ولذا فقد
اشرنا في بعض المواضع الى رأي المذاهب الخرى تسهيل
وتيسيرا ،ل إعراضا عن حكم المذهب ول نقدا او تضعيفا.
والله تعالى نسأل ان يمن بالقبول ،ويجزل الجر والمثوبة
ويجعل ذلك حسنة في سجل اعمالنا ،واعمال والدنيا ومعلمينا ،
انه اكرم مسؤول.
المؤلفون
)( 2
الباب الول
الشفعـة
)( 3
الشفعة
تعريفها:
الشفعة – بضم الشين وسكون الفاء – هي في
اللغة :من الشفع بمعنى الضم.
وفي اصطلح الفقهاء :حق تملك قهري ،يثبت
للشريك القديم على الحادث ،فيما ملك بِعوض ،بما ملك
به ،لدفع الضرر.
فالشفعة حق اثبته الشرع ،يتملك به الشريك الول
ما باعه شريكه لغيره ،كما اذا كان اثنان شريكين في دار،
فباع احدهما حصته لغير شريكه ،فلشريكه الحق ان يأخذ
هذه الحصة من المشتري – الذي صار شريكا جديدا له –
بغير رضاه ،بمثل الثمن الذي دفعه وهذا خلف الصل
الثابت في التملك شرعا :ان يكون برضا المالك.
وسمى هذا الحق شفعة لن الشريك يضم به نصيب
شريكه الى نصيبه .
مشروعيتها:
الشفعة جائزة ومشروعة ،دل على مشروعيتها
احاديث كثيرة ،منها:
ما رواه جابر بن عبدالله النصاري رضى الله عنه
قال :قضي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في
كل ما لم يقسم ،فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فل
شفعة ) .اخرجه البخاري :اول كتاب الشفعة ،باب:
الشفعة في ما لم يقسم ، ..رقم ،2138 :ومسلم:
المساقاة ،باب :الشفعة ،رقم .(1608 :
)( 4
]ومعنى وقعت الحدود :صارت الرض مقسومة
وحددت القسام .صرفت الطرق :ميزت وبينت[.
وسيأتي خلل البحث احاديث في هذا المعنى.
وما دل عليه الحديث اجمع على العمل به علماء
المسلمين في كل عصر .
حكمة المشروعية:
ان التشريع السلمي يهدف الى تحقيق مصالح
الناس بجلب النفع له ودفع الضرر عنهم ،والمرء قد يكون
على وفاق وتعاون مع من كان يشاركه في دار او ارض،
وقد يحتاج احد الشريكين الى بيع نصيبه ويكون في ذلك
تحقيق مصلحته ،فل يحول الشرع بينه وبين ذلك ،وانما
يحوط تصرفه وتحقيق نفعه بما ل يضر بشريكه ،وانما
يصون مصلحته ايضا ويحميه من الضرر الذي قد يلحق
به ،من جراء البيع الى اجنبي عن الشركاء ،فقد يبادر هذا
الشريك الجديد الى طلب القسمة ،او يكون منه سوء
خلق ومعاملة ،فيضطرهم الى ذلك اوطلبه فينال شركاءه
بذلك ضرر احداث مرافق جديدة ونحو ذلك ،ويكلفهم
اعباء القسمة ونفقتها ،فيحل محل الوئام الشقاق والنزاع
بين الجيران ،وتفوت المصالح ويكثر الضرر بين النام.
ولذا وجه شرع الله عز وجل هذا الراغب ببيع نصيبه
ان يعرض هذا اول على شركائه ،فإن رغبوا بشرائه كانوا
هم اولى واحق ،فإن لم يرغبوا بذلك كان له الحق ان
يبيعه لمن يشاء.
فعن جابر رضى الله عنه قال :قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم" :من كان له شريك في ربعة او نخل
فليس له ان يبيع حتى يؤذن حتى يؤذن شريكه ،فإن رضى
اخذ وإن كره ترك") .اخرجه مسلم في المساقاة ،باب:
الشفعة ،رقم .(1608 :
)( 5
وعن عمرو بن الشريد رضى الله عنه قال :وقفت
على سعد بن ابي وقاص – رضى الله عنه – فجاء المسور
بن مخرمة – رضى الله عنه – فوضع يده على احدى
منكبي اذ جاء ابو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم
– رضي الله عنه – فقال :يا سعد ،ابتع مني بيتي في
دارك ،فقال سعد :والله ل ازيدك على اربعة الف منجمة
او مقطعة.
فقال ابو رافع :لقد اعطيت بها خمسمائة دينار ،ولوا
اني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول" :الجار
أحق بسبقه" ما اعطيتكها بأربعة آلف ،وأنا اعطي بها
خمسمائة دينار .فأعطاها إياه) .البخاري :الشفعة ،باب:
عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع ،رقم.(2139:
]منجمة :مؤجلة ومفرقة تعطى جزءا بعد جزء.
اربعة آلف :أي درهم ،وكانت تساوي اربعمائة دينار.
بسبقه :ما قرب من داره[.
وهكذا نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسم
الطريق واضحا لحفظ الود والوئام بين الناس ،ويوجه الى
أمثل خلق في التعامل ،ونجد اصحابه – رضوان الله تعالى
عليهم اجمعين – يلتزمون هديه فل يحيدون عنه ،ولو كان
في ذلك خسارة مادية ظاهرة ،فيأبون إل ان يقولوا:
سمعنا واطعنا.
فإذا ما خالف المرء ما وجه اليه ،ولم ينظر في
مصلحة غيره ولم يبادر الى استشارة شركائه ،فباع الى
اجنبي عنهم ،بادر الشرع لدفع ما قد يكون من خطر وما
قد يقع من ضرر ،فانتقل من التوجيه الى التشريع ،فجعل
الحق لهؤلء الشركاء :ان يتملكوا حصة شريكهم رغما عن
المالك الجديد لها ،بمثل ما قامت عليه من ثمن .وبهذا
تحقق مصالح الجميع ،وتلبي حاجات الناس ،ويندفع
الضرر عنهم ،وتتلشى اسباب البغضاء والشحناء ،ويكون
المسلمون مثل الجسد الواحد في الوئام والوفاق
وكالبنيان في التماسك والتعاون والحسان.
)( 6
أركان الشفعة:
للشفعة اركان نبينها فيما يلي:
الشفيع )أي الذي له حق الشفعة(: -1
علمنا من حكمة التشريع ان الشفعة شرعت لدفع
الضرر المتوقع ،وهذا المعنى قد يكون في الشريك ،وقد
يكون في غيره كالجار الملصق مثل ،ولكن الشرع خصه
في الشريك الذي لم يقاسم ،وهو الذي يشترك مع غيره
في الصل وملحقاته ،كأن يكون شريكا في الدار – مثل –
ومرافقها وطريقها ،او في الرض وحق شربها وحظائرها
ونحو ذلك ،كما صرح به الحديث" :في كل ما لم يقسم".
وصاحب الحق هذا يسمى :الشفيع.
فإذا قسمت الدار او الرض ،واصبح كل من الشركاء
مستقل بنصيبه ،فباع احدهم ما يملكه لجنبي ،أي غير
واحد من الشركاء السابقين ،فليس لهم ان يأخذوا هذا
النصيب بحق الشفعة ،حتى ولو كانت المرافق – كالممر
وحق الشرب ونحو ذلك – مشتركة ،لما جاء في الحديث:
"فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فل شفعة" وهؤلء
المستقلون بحصصهم ،والمشتركون بالمرافق ،يسمى
كل منهم بالشريك المخالط.
واذا لم تثبت الشفعة للشريك المخالط فل تثبت
للجار الملصق وغيره من باب أولى .ولم تثبت الشفعة
لغير الشريك الذي لم يقاسم – مع ان المعنى الذي
شرعت من اجله ،وهو دفع الضرر المتوقع ،قد يوجد في
غيره – لنها شرعت كما علمت على خلف الصل ،اذ
الصل ان ل يتملك احد شيئا قهرا عمن ملكه ،وقد علمت
ان الشفيع يتملك الحصة قهرا عن المشترى الذي ملكها
بالشراء من الشريك القديم الشفيع.
)( 7
والمراد بالصل هنا :المعنى الذي يراعيه التشريع في
غالب احكامه ،وهو الذي يسميه العلماء :علة الحكم ،
وقد يطلقون عليه كلمة :القياس.
والقاعدة في التشريع السلمي :ان كل ما ثبت على
خلف الصل يقتصر فيه على ما ورد بالنص ،ول يلحق به
غيره ،وقد يعبرون عن هذا بقولهم :ما ثبت على خلف
القياس فغيره عليه ل يقاس .وقد ورد النص الصحيح
الصريح هنا بثبوت الشفعة للشريك الذي لم يقاسم ،فل
يلحق به غيره من شريك مقاسم اوجار ول يقاس عليه.
وما جاء من قوله صلى الله عليه وسلم " :الجار احق
بسبقه" ليس صريحا في ثبوت حق الشفعة ،انما هو من
باب الحث على تحصيل النفع للجار وانه اولى بالحسان
من غيره .على ان كلمة الجار عامة في اللغة ،فتشمل
الشريك وغيره .والولى تفسيرها في الحديث بالشريك
الذي ذكرناه ،لن ابا رافع رضى الله عنه اورده بهذا
المعنى حين طلب من شريكه ان يشتري بيتيه – أي
غرفتيه – اللتين في داره ،وواضح ان الدار لم تكن
مقسومة ،والله تعالى اعلم.
)( 8
ثلثيها ،لن سبب الستحقاق هو الملك وهم متفاوتون
فيه ،فيتفاوتون في الستحقاق.
)( 9
المشفوع عليه: -2
وهو الذي انتقل اليه ملك نصيب الشريك القديم،
والذي هو محل الشفعة.
ويشترط ان يكون انتقل الملك اليه بعوض :وقد
يكون هذا العوض مال ،كما اذا انتقل الملك اليه بالشراء،
او بالصلح عن جناية موجبة للمال ،كما اذا صالحه من
الدية التي تثبتت عليه على نصف العقار الذي يملكه ،
شقص بالشفعة. فلشريك المصالح ان يأخذ هذا ال ّ
وقد يكون العوض غير مال ،كما اذا جعل نصيبه من
خلع ،ونحو ذلك ،فللشريكالعقار مهرًا ،او جعلته بدل ال ُ
ايضا اخذ هذا النصيب ممن انتقل اليه بالشفعة .وذلك
لنه مملوك بعقد معاوضة فأشبه البيع.
ويأخذ الشفيع هذا الشقص بالثمن الذي ملك به اذا
كانا مثليا ،وبقيمته يوم البيع ان كان قيميا كثوب مثل ،
وبمهر المثل في النكاح والخلع يوم النكاح ويوم الخلع
سواء أنقص عن قيمة النصيب او زاد.
فإذا انتقل الملك الى الشريك الجديد بغير عوض لم
يكن للشريك القديم ان يأخذ الشقص بالشفعة ،وذلك كما
انتقل الملك اليه بهبة بغير عوض ،او صدقة ،او وصية ،او
انتقل اليه بواسطة الرث ،ونحو ذلك.
المشفوع فيه: -3
وهو الشئ الذي يريد الشفيع ان يتملكه بالشفعة.
ويشترط فيه ان يكون غير منقول ،كالدور والراضي
ونحوها ،ول تثبت في المنقول كالحيوان والمتعة ونحو
ذلك.
ودليل هذا:
)(10
ما رواه جابر رضى الله عنه :ان رسول الله صلى -1
شْرك :في
الله عليه وسلم قال" :الشفعة في كل ِ
ارض او ربع او حائط) "..اخرجه مسلم في
المساقاة ،باب :الشفعة ،رقم.(1608 :
]شرك :شئ مشترك .ربع :دار .حائط :بستان[
ان الخذ بالشفعة ثبت بالنص على خلف القياس -2
في العقار ،فل يلحق به غيره ول ُيقاس عليه ما ليس
في معناه ،لن الشفعة شرعت لدفع ضرر سوء
جوار على الدوام ،وما ينقل ويحول ل يدوم الضرر ال ِ
فيه.
ويلحق بالعقار البناء والشجر اذا بيعا مع الرض تبعا
للرض.
ويشترط في العقار ونحوه حتى تثبت فيه الشفعة:
ان يكون قابل للقسمة.
والعقار القابل للقسمة هو الذي إذا قسم كان قسم
منه صالحا لتحقيق المنفعة المقصودة منه ،فإذا ابطلت
القسمة منفعته كان غير قابل للقسمة ،وبالتالي ل يثبت
فيه حق الشفعة ،وذلك كحمام صغير وطاحون صغيرة
ونحو ذلك.
ودليل ذلك:
انه صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل ما
لم يقسم ،فاذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فل شفعة.
وهذا يدل على ان الشفعة فيما يمكن ان يقسم ما دام لم
يقسم.
وكذلك :الشفعة انما ثبتت لدفع ضرر مؤنة القسمة
واستحداث المرافق ،وذلك ل يوجد ال فيما يقبل القسمة.
وقيل :تثبت الشفعة في العقار ونحوه فيما لم
يقسم ،ولو كان غير قابل للقسمة ،لعموم قوله :قضى
)(11
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم،
شرعت لزالة ضرر المشاركة ،وهذا ولن الشفعة ُ
المعنى في الذي ل يقسم آكد ،لن الضرر فيه يتأبد عند
ذلك.
شروط الخذ بالشفعة:
علمت اركان الشفعة وما يشترط في كل ركن منها،
ونذكر لك الن بعض الشروط الخرى التي لبد منها حتى
يثبت حق الخذ بالشفعة ،وهي:
مْلك الشريك الول عن المشفوع فيه ان يزول ِ -1
ويزول حقه فيه ،فلو باع الشريك حصته لغير شريكه
،وشرط لنفسه الخيار ،فل تثبت الشفعة مدة
الخيار ،وكذلك لو شرط الخيار للبائع والمشتري ،لن
المبيع لم يخرج من ملك البائع في هذه المدة ،فإذا
انتهت المدة ولم يختر فسخ البيع فقد تم البيع وثبتت
الشفعة.
اما لو شرط الخيار للمشتري وحده فإن الشفيع له
ان يأخذ الشقص بالشفعة فور عقد البيع ،لن البيع قد
خرج من ملك الشريك الول بمجرد العقد وعدم شرط
الخيار لنفسه.
وكذلك ل يثبت الخذ بالشفعة اذا تبين فساد عقد
التمليك وبطلنه ،لن ملك البائع ايضا لم يزل عن البيع.
ان يكون الشفيع مالكا لما يشفع به عند عقد تمليك -2
الشريك الجديد ،وان يستمر مْلكه ذلك الى ان
يقضي له بالشفعة على الصح.
فلو اخرج الشفيع الشقص عن ملكه ببيع او هبة او
نحو ذلك ،قبل ان يقضي له بالشفعة ،بطل حقه ،سواء
اكان عالما بهذا ام جاهل وسواء اطالب بالشفعة ام لم
يطالب ،لزوال سبب الخذ بالشفعة وهو الشركة.
)(12
وفي هذه الحالة لو طالب الشريك الجديد – وهو
المتملك من الشفيع – ان يأخذ هو بالشفعة ما كان
للشفيع ان يأخذه ،فليس له ذلك ،لنه لم يكن مالكا لما
يشفع به عند عقد التمليك الول.
ويستثنى من هذا :ما اذا مات الشفيع قبل القضاء له
بالشفعة ،فإن لوارثه ان يأخذ بها ،مع انه لم يكن مالكا لما
يشفع به عند البيع ونحوه ،لن الشفعة من الحقوق التي
تورث وسواء اكان ذلك قبل طلب المورث الشفيع
للشفعة ام بعدها.
ان ل يظهر من الشفيع ما يدل على اعراضه عن -3
الخذ بالشفعة ،وذلك بأن يعلن رضاه بتمليك
الشريك الجديد ،او يكون منه ما يدل على عدم
رغبته بالشفعة من قول او فعل او سكوت ،كأن
يحصل عقد البيع امامه ،فيقوم ويغادر المجلس دون
ان يطالب بالشفعة ،او يبلغه خبر التمليك فل يطالب
بالشفعة زمنا طويل من غير عذر ففي هذه الحالت
ليس له ان يعود ويطالب بالشفعة.
إل ان هناك حالت له ان يطالب فيها بالشفعة رغم
ظهور العراض منه ،وهي:
ان ل ُيخبر بحقيقة العوض الذي حصل به التمليك، أ-
كما لو اخبر انه مائة الف مثل ،فأعرض عن الطلب
ثم تبين له بعد ذلك انه تسعون مثل ،لن اعراضه اول
لم يكن عن رضا منه ،وانما لرتفاع العوض فلم يكن
اعراضه دليل الرضا بالشريك الجديد.
ب -ان يخبر ان المشتري فلن ،فل يطالب بالشفعة ،ثم
يتبين له انه غير ،فله ان يطالب بها ،لنه قد يرغب
في مشاركة انسان ول يرغب بمشاركة آخر ،ولهذا
لم يطلب اول ،ولم يكن ذلك بتقصير منه.
)(13
ج -ان يخبر بأن العوض معجل ،ثم يتبين له انه مؤجل،
فله ان يطالب بالشفعة ولو ظهر منه إعراض اول ،اذ
قد يقدر على اخذ الشقص بمؤجل ،ول يقدر على
اخذه بمعجل.
د -ان ل يخبر بقدر المبيع حقيقة ،كما لو اخبر ان المبيع
نصف الشقص فتبين انه جميعه ،او ان المبيع
الشقص كله فتبين انه جزء منه ،فإذا ظهر منه
العراض اول حق له ان يطالب بعد تبين الحقيقة،
لنه قد يرغب بتملك قدر معين ول يرغب بتملك قدر
غيره.
ان يبادر الشفيع الى الطلب بالشفعة بحسب -4
المكان ،وذلك ان حق الشفعة حق فوري ،لنه ثبت
على خلف القياس كما علمت ،فهو حق ضعيف وقد
جاء في الحديث" :الشفعة كحل العقال" )اخرجه ابن
ماجه في الشفعة ،باب :طلب الشفعة ،رقم:
.(2500
ومعناه :انها تفوت ان لم يبادر الى طلبها ،كما ان
البعير يشرد فورا اذا حل عقاله ،أي رباطه ،ولذا يجب
على الشفيع المبادرة الى الطلب بها عند علمه بانتقال
الملك من شريكه الى غيره حسب العادة وقدر المكان،
فلو علم ليل كان له تأخير ذلك الى النهار ،وان كان مريضا
او غائبا عن البلد فليوكل بذلك او ليشهد على طلبه ،فإن
قصر فيما هو قادر عليه سقط حقه على الظهر.
ول يشترط لثبوت الحق حكم حاكم ول حضور
المشتري ول رضاه ،واحضار الثمن ،وانما يشترط طلبها
بلفظ يدل على الخذ بها ،كتملكت او اخذت بالشفعة.
ويشترط تسليم العوض الى المشتري ،او رضاه بأن
يكون في ذمة الشفيع ،واذا لم يحصل هذا وقضى له
القاضي بالشفعة ملك بها في الصح.
)(14
أحكام الشفعة:
سقوط حق الشفعة: -1
شفعة حق ضعيف ،ولذا يتعرض علمنا أن حق ال ُ
للسقوط بأقل السباب ،ومن هذه السباب ما علم مما
مر :كالعراض عن الطلب بها ،وكذلك عدم المبادرة اليها،
وخروج الشقص عن ملكه قبل الحكم بها ،ونحو ذلك.
ومن ذلك ايضا :الصلح عن الشفعة على عوض ،كما
لو صالح الشفيع المشتري على شئ من مال ليترك له
الشقص الذي اشتراه ،فإن الصلح باطل ،ول يستحق شيئا
من العوض ،وبالتالي سقط حقه في الشفعة.
)(15
شفعةواما اذا كان التصرف الجديد مما تثبت به ال ُ
ايضا ،كالبيع مثل ونحوه من التمليك بعوض ،كان له
شفعة بناء على التصرف الخيار :بين ان يأخذ الشقص بال ُ
الجديد ،وبين ان ينقضه ويأخذ بالحق الثابت له اول.
وفائدة هذا التخيير :ان العوض قد يكون في أحدهما
اقل او ايسر في جنسه عليه ،فيختار ما فيه مصلحته.
ولو تصرف المشتري في الشقص تصرفا
يزيد فيه او ينقص منه:
كما لو زرع الرض او غرس فيها او بنى ،كان للشفيع -
ان يكلفه قلع ما فعل وتسوية الرض ،لنه متعد في
فعله ،وله ان يأخذ الغراس او البناء بقيمته مقلوعا.
ولو كان في الرض بناء او شجر ،فهدم البناء او قطع -
الشجر ،فللشفيع اخذ الشقص بما يخصه من الثمن ،
بعد نقص قيمة البناء او الشجر يوم العقد ،لنهما –
وان كانا تابعين للرض – صارا مقابلين بشئ من
الثمن لنه قصد اتلفهما.
وكذلك الحال لو تلف بعض الرض بغرق أوانهيار ،فإنه
يسقط من الثمن ما يقابل القسم التالف منها ،لنه بعض
الصل.
اما لو تلف البناء او الشجر بغير صنع احد :كان
للشفيع ان يأخذ الرض بكل الثمن او يدعها ،ول يسقط
شئ من الثمن ،لن البناء والشجر تابع للرض ،ويدخلن
معها في البيع ولو لم يذكر في العقد ،فل يقابلهما شئ
من الثمن بخصوصهما.
نقص الثمن على المشتري او الزيادة فيه: -3
إذ حط البائع بعض الثمن عن المشتري او زاد فيه،
وأراد الشفيع الخذ بالشفعة ،فهل يستفيد من هذا النقص
او تلزمه تلك الزيادة؟ والجواب:
)(16
اذا كانت الزيادة او النقص بعد لزوم البيع واستقراره، -
كما اذا كان البيع باتا ل خيار فيه ،وتفرق العاقدان من
المجلس ،او كان ذلك بعد انتهاء مدة الخيار ان كان
مشروطا ،لم يلحق ذلك الشفيع ،لن نقص الثمن
في هذه الحال يكون بمثابة هبة من البائع للمشتري،
والزيادة فيه بمثابة هبة من المشتري للبائع ،ول صلة
لهذا بالثمن لن العقد قد تم قبل ذلك.
واذا كانت الزيادة او النقص قبل لزوم البيع -
واستقراره ،كما لو كانت في مجلس العقد وقبل
التفرق ،او كانت في مدة الخيار ان كان مشروطا،
لحق ذلك الشفيع ،فينحط عنه من الثمن ما حطه
البائع ،كما يلزمه ما زاد فيه المشتري ،لن ذلك يعتبر
لحقا للعقد وجزءا منه ،طالما انه وقع قبل لزوم
العقد واستقراره.
أخذ ما بيع مؤجل: -4
اذا باع الشريك نصيبه بثمن الى اجل ،وطلب الشفيع
ان يأخذ بالشفعة ،فهل يستفيد من تأجيل الثمن؟
والجواب:
ان الشفيع في هذه الحالة يخير :بين ان يأخذ
بالشفعة في الحال ويعجل الثمن ،وبين ان يؤجل الخذ
بالشفعة الى حلول الجل ،فإذا حل الجل ،دفع الثمن
وأخذ المبيع ،ول يسقط حقه بهذا التأخير لنه معذور به،
لننا لو ألزمناه الخذ في الحال مع تعجيل الثمن كان في
ذلك إضرار به ،لن الجل غالبا ما يقابل بقسط من الثمن،
فما بيع مؤجل يغلب ان يكون ثمنه اكثر مما بيع حال .ولو
اجزنا له ان يأخذ الشقص المبيع في الحال بالثمن
المؤجل كان في ذلك إضرار وقد ل يرضى المشتري –
الذي سيدفع هو الثمن للبائع ،ويأخذ الثمن من الشفيع –
قد ل يرضى ان يبيعه الى اجل باختياره ،فإذا الزمناه بذلك
اضررنا به ،فكان في تخييره على ما ذكر دفع للضرر عن
الجانبين.
)(17
ولو رضى المشتري ان ياخذ الشفيع الشفعة في
الحال ،وان يؤجل الثمن الى وقت حلوله ،فأبى الشفيع ال
ان يؤجل الخذ الى وقت الحلول ،بطل حقه في الشفعة
على الصح.
اختلف المشتري والشفيع: -5
قد يختلف الشفيع والمشتري في قدر الثمن ،فيقول
الشفيع :اشتريته بألف مثل ،ويقول المشتري :اشتريته
بألف ومائة ،ول بينة على ذلك ،يصدق المشتري بيمينه،
لنه اعلم بما باشره من الشراء وما دفعه من الثمن ،ولن
الشفيع يدعي عليه الستحقاق بالقل وهو ينكر ذلك،
والقول دائما قول المنكر بيمينه ،فإذا نكل المشتري في
اليمين – أي امتنع من الحلف – حلف الشفيع على مدعاه،
واخذ الشقص بما حلف عليه.
واذا اختلفا في البيع اصل ،فأنكر المشتري الشراء
والشفيع يدعيه ،فيصدق المشتري بيمينه ،لن الصل عدم
الشراء ،إل اذا اعترف الشريك القديم بالبيع.
وكذلك الحال لو انكر المشتري كون الشفيع الطالب
شريكا ،فيحلف على نفي العلم بشركته ،لن الصل
عدمها والقول قول من يتمسك بالصل.
**********
)(18
الباب الثاني
)(19
الـمســـا َ
قـــاة
تعريفها:
سْقي.
هي – في اللغة – مأخوذة من ال ّ
وشرعا :هي ان يتعاقد صاحب الشجر مع غيره ،على
ان يقوم بإصلحه وتعهده وما يحتاج إليه من عمل ،ويأخذ
جزءا معينا مما يخرج منه من ثمر.
وسميت مساقاة :لن هذا العمل يحتاج الى السقي
بالماء ونضحه ونقله أكثر من غيره ،فهو أكثر العمال
مشقة على العامل ،وأنفعها للمتعاقد من اجله وهو
الشجر.
وتسمى معاملة ،وتسميتها مساقاة أولى ،لما ذكر.
مشروعيتها:
المساقاة مشروعة وجائزة ،وقد دل على
مشروعيتها:
-1السّنة :ومن ذلك ما رواه عبدالله بن عمر رضى
الله عنهما :ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
أعطى خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر او زرع،
وفي رواية :عامل اهل خيبر) ..اخرجه البخاري:
المزارعة ،باب :المزارعة بالشطر ونحوه ،رقم:
،2203ومسلم :المساقاة ،باب :المساقاة والمعاملة
بجزء من الثمر والزرع ،رقم.(1551 :
-2إجماع الصحابة رضى الله عنهم ،فقد استمروا
على ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفة
ابي بكر وعمر رضى الله عنهما ،ولم ينكر ذلك احد
منهم) .انظر البخاري ومسلم الموضع المذكور قبل(.
)(20
حكمة مشروعيتها:
إن الحكمة من مشروعية المساقاة هي تلبية الحاجة
الداعية الى ذلك ،والتيسير على الناس في تحقيق
مصالحهم المشتركة من غير ضرر ول ضرار ،فقد يكون
للرجل الرض والشجر ول قدرة له على تعهدها والنتفاع
بها ،ويكون غيره ل ارض له ول شجر ،ولديه القدرة
البدنية والخبرة العملية لصلح الشجر واستثماره .وفي
استئجار من يقوم بالعمل احتمال ضرر بالغ بالمالك ،فقد
يهمل الجير العمل ،فل يخرج شئ من الثمر ،او يخرج
قليل منه ل يقابل الجر الذي غرمه المالك ،وربما غرمه
فور التعاقد على العمل .فبهذا العقد ينشط العامل ويندفع
للعمل ،فربما كان الثمر كثيرا ،فينتفع هو مقابل جهده،
وينتفع المالك من ثمرة ملكه دون ان يقع عليه ضرر،
فتتحقق مصلحة الطرفين ،بل مصلحة المجتمع بالنتفاع
برزق الله عز وجل ،الذي يكون ثمرة الكسب والعمل
والبذل ،مع الصدق والمانة والحفظ.
أركانها:
للمساقاة أركان ستة :مالك ،وعامل ،وصيغة ،ومورد،
وعمل ،وثمر ،ولكل منها شروط ،وسنبينها مع شروطها
بعون الله تعالى.
-1المالك:
ويشترط فيه أن يكون كامل الهلية ،إن قام بالتعاقد
لنفسه ،فإن كان المالك غير اهل للتعاقد – كالصبي
والمجنون والمحجور عليه لسفه – ودعت الحاجة
والمصلحة الى هذا التعاقد ،قام بالتعاقد من له ولية
مْلك كأن كان المالكعلى المالك ،او من له ولية على ال ِ
غير معين – كمال بيت المال والوقف – قام بذلك ناظر
الوقف والحاكم او نائبه.
-2العامل:
)(21
ويشترط فيه ما يشترط في المالك من الهلية ،فل
تصح اذا كان صبيا او مجنونا.
-3الصيغة:
لبد في المساقاة من ايجاب وقبول ،فاليجاب قد
يكون بلفظ صريح :كأن يقول ساقيتك على هذا النخيل –
مثل – بكذا من الثمرة ،وبلفظ الكناية :كقوله سلمت
اليك هذا الشجر لتتعهده بكذا ،او اعمل على هذا الشجر
بكذا ،ونحو ذلك من اللفاظ التي يتعارفها الناس في هذا
التعاقد ،فإذا قبل العامل بلفظ يدل على رضاه بما اوجبه
المالك صحت المساقاة.
ول تنعقد بلفظ الجارة على الصح ،فلو قال:
استأجرتك لتقوم بتعهدها بكذا من ثمرتها ،لم تنعقد
مساقاة ،لن لفظ الجارة صريح في عقد آخر ،ولم تنعقد
إجارة لجهالة الجرة في هذه الحالة.
ول بد لصحة النعقاد من القبول على ما ذكرنا ،وان
يكون لفظا متصل باليجاب عرفا ،وتقوم الشارة والكتابة
من الخرس مقام اللفظ.
-4موردها:
أي ما ترد عليه صيغة المساقاة ،وما يصح ان يحصل
التعاقد على اصلحه وتعهده من الشجر ،وهو شجر النخيل
والعنب.
وذلك لن النص قد ورد في النخيل صراحة ،فقد جاء
في رواية من حديث ابن عمر رضى الله عنهما" :دفع الى
اهل خيبر نخلها وارضها."..
وقيس شجر العنب على النخيل لنه في معناه ،لن
ثمر كل منهما تجب فيه الزكاة باتفاق الفقهاء ،ويتأتي فيه
الخرص – أي تقدير ما يكون في رطبه من يابس – ولكل
منهما رطب ويابس يدخر ويقتات به ،فالنخيل يؤكل ثمره
)(22
ُرطبا ويصير تمرا ،وشجر العنب يؤكل ثمره عنبا كما يصبح
زبيبا.
واختار بعض أئمة المذهب ومرجحيه صحة ورودها
على جميع الشجار المثمرة ،قياسا على النخيل والعنب ،
ولعموم قوله "من ثمر."..
ولعل هذا الذي اختاره هو الرجح والوفق لحكمة
التشريع ،من رعاية المصالح والتيسير على الناس،
ولسيما في هذه الزمان التي كثر فيها تنوع الشجار
المثمرة ،فصارت الحاجة ملحة لصحة المساقاة في كل
شجر ،ولعل سبب ورود النص على النخيل انه كان الكثر
والغالب في بلد العرب ولسيما الحجاز ،وخصوصا خيبر،
يدل على هذا اختلف روايات الحديث ،وان الكثر منها لم
يذكر فيه النخيل ،والله تعالى اعلم.
وصحتها في كل الشجار المثمرة هو قول الشافعي
رحمه الله تعالى القديم ،ومذهب اكثر الفقهاء غير
الشافعية
-5العمل :
وهو ما يقوم به العامل من جهد لرعاية الشجر
واصلحه.
وعلى العامل ان يقوم بكل عمل يحتاج اليه لصلح
الثمر واستزادته،مما يتكرر كل سنة:
فعليه السقي وما يتعلق به :من اصلح طرق الماء، -
وفتح رأس الساقية وسدها عند السقي ،وتنقية مجرى
الماء من طين وعشب ونحوه ،واصلح الحفر حول
اصول الشجر ليستقر فيها الماء.
وعليه تلقيح الشجار ونحوه. -
وكذلك إزالة قضبان مضّرة وتنحية اعشاب وحشائش -
قد تؤثر على الشجر.
)(23
وعليه – ايضا – تعريش ما جرت العادة بتعريشه من -
الشجار في تلك البقاع ،ووضع حشائش ونحوها على
الثمار لصيانتها من الشمس ،حسب العادة والحاجة.
والصح أن عليه حفظ الثمر وصيانته من السّراق، -
وكذلك عليه حفظه من الحشرات بالرش بالمبيدات
ونحو ذلك ،كما ان عليه قطعه وتجفيفه إن كان مما
يجفف ،كثمر النخيل والعنب والتين.
فإن عجز عن بعض هذه العمال – لكثرة الشجر مثل
او كبر البستان – استعان عليها ،وكانت نفقتها عليه.
وليس عليه ان يقوم بأي عمل يقصد به حفظ الشجر،
ول يتكرر كل سنة.
فليس عليه بناء حيطان ،ول حفر نهر جديد او بئر،
ول نصب باب ،ول ادوات حراثة ،ول ما يستخرج به الماء
كمحّرك ،ونحو ذلك ،بل ذلك كله ونفقاته على المالك.
ولو شرط المالك على العامل القيام بما ليس عليه
ح المساقاة ،وكذلك لو شرط العامل على المالك لم تص ّ
القيام بما هو من واجب العامل.
ويشترط في صحة المساقاة:
ان ينفرد العامل بالعمل وباليد ،أي في التخلية بينه -
وبين المعقود عليه وان يسلم اليه ،ليتمكن من العمل
متى شاء .فلو شرط بقاء البستان في يد المالك ،او
اشتراكهما في اليد لم تصح المساقاة ،ولو شرط
المالك وجود اجير له ،ليقوم عنه بما يترتب عليه
ح.
ويخصه من اعمال ،ص ّ
كما يشترط معرفة قدر العمل إجمال ،وذلك بذكر مدة -
تثمر فيها الشجار المعقود عليها غالبا وتبقى صالحة
للستغلل.
ح مطلقة عن المدة ،أو مقيدة بزمن ل تثمر فل تص ّ
وها عن العوض بالنسبة فيه تلك الشجار غالبا ً ،لخل ّ
)(24
للعامل ،ول مّقيدة بزمن ل تبقي فيه الشجار صالحة
للستغلل .
ول يصح توقيتها بإدراك الثمر على الصح ،لجهالة
المدة ،لن إدراكه قد يتقدم وقد يتأخر.
-6الثمرة:
أي ثمرة الشجار التي ورد عقد المساقاة على
تعهدها ،ويشترط في هذا:
صة بهما ،أي المالك والعامل ،فل يجوز -1أن تكون مخت ّ
ان يشترط جزء منها لغيرهما ،فلو شرط شئ من
ذلك فسد عقد المساقاة.
-2ان يشتركا في الثمر ،فلو شرط ان كون الثمر كله
لواحد منهما كانت مساقاة فاسدة.
-3ان يكون نصيب كل منهما معلوما بالجزئية ،كربع
وثلث ونصف ونحو ذلك ،فلو قال :على ان الثمر
بيننا ،كان مناصفة ،فلو شرط لواحد منهما نصيب
معين – كألف صاع مثل ،أو الف رطل من الثمرة –
لم يصح ،لنه ربما ما أثمرت ذلك ،او لم تثمر غيره،
فيخلو العاقد الثاني عن العوض ،ومثل هذا لو شرط
لواحد منهما قدر معين من النقد.
ويثبت حق العامل في الثمرة بظهورها ،فإذا اطلعت
قبل انقضاء المدة – أي ظهر اول حملها ولو لم يظهر
تماما – ثبت حقه فيها.
ويصح عقد المساقاة قبل ان يكون الثمر بالكلية ،كما
تصح بعد وجوده وظهوره – لكن قبل بدء صلحه – على
الظهر ،لبقاء اكثر العمل.
وصف عقد المساقاة:
)(25
ذلك قبل العمل ام بعده ،لن العمل المعقود عليه يكون
في أعيان قائمة بحالها ،فيلزمه إتمام أعمالها ولو تلفت
الثمرة كلها بآفة ونحوها.
ووجه لزومها مراعاة مصلحة العاقدين:
يد العامل:
)(26
انتهاء المساقاة:
)(27
وكذلك الحال فيما لو هرب العامل – او حبس
او مرض -قبل تمام العمل والفراغ منه ،فل تنفسخ
المساقاة ،بل يستأجر عليه الحاكم من يقوم بالعمل
ويتمه ،ال اذا تبرع عنه المالك وغيره ،فيبقى استحقاقه
فيما اتفق عليه من نصيب من الثمر.
وفي حال عدم التمكن من الرجوع الى الحاكم – او
عدم استجابته لذلك – يستأجر المالك من يقوم بالعمل،
ويشهد في ذلك على ما ينفقه من اجله ،وانه ينفق ليرجع
على العامل ،فإذا اشهد كان له الرجوع على العامل بما
انفق ،وال كان متبرعا.
واذا لم يجد الحاكم ول المالك من يقوم بالعمل عن
العامل – ولم يشأ المالك التبرع عنه – كان للمالك ان
يفسخ المساقاة ،لتعذر استيفاء المعقود عليه وهو العمل.
وكان للعامل اجرة مثل ما سبق من عمله ان لم تظهر
الثمرة ،وقيمة نصيبه على تلك الحالة ان كانت قد
ظهرت.
اختلف العامل والمالك:
اذا اختلف العامل وصاحب الشجر في العوض المشروط،
فقال المالك :شرطت لك ثلث الثمرة ،وقال العامل :شرطت لي
نصفها ،يحلف كل منهما على اثبات دعواه ونفي دعوى خصمه،
لن كل منهما منكر لدعوى الخر ،فإذا تحالفا انفسخ عقد
المساقاة ،وكان الثمر كله للمالك ،وللعامل اجرة مثله.
************
)(28
المزارعة والمخابرة
تعريفهما:
المزارعة – في اللغة – على وزن مفاعلة من الزرع.
وهي في الصطلح :ان يتعاقد مالك الرض مع غيره ليقوم
بزراعة الرض وتعهد الزرع ويكون الخارج بينهما حسب التفاق،
والبذر على المالك.
والمخابرة – في اللغة – من الخبار ،وهو الرض اللينة ،ومن
قولهم خبرت الرض اذا شققتها للزراعة ،واصطلحا :هي مثل
المزارعة ،وانما البذار فيها على العامل.
مشروعيتهما :
وكل من المزارعة والمخابرة باطلة اذا كانت هي
المقصودة بالعقد ،كأن كانت الرض ل شجر فيها ،او كان فيها
شجر وجرى التعاقد على زراعة الرض دون المساقاة على
الشجر.
ودليل بطلنهما :حديث رافع بن خديج رضى الله عنه
قال :كنا نحاقل الرض على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم ،فنكريها بالثلث والربع والطعام المسمى ،فجاءنا ذات
يوم رجل من عمومتي فقال :نهانا رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن امر كان لنا نافعا ،وطواعية الله ورسوله انفع لنا ،نهانا
ان نحاقل بالرض فنكريها على الثلث والربع والطعام المسمى،
وامر رب الرض ان َيزرعها اوُيزرعها ،وكره كراءها وما سوى
ذلك ) .البخاري :المزارعة ،باب :ما كان اصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم يواسي بعضهم بعضا في الزراعة والثمرة .مسلم :
البيوع ،باب :كراء الرض بالطعام(.
]نحاقل :من الحقل وهي الرض التي ل شجر بها .الطعام:
دد قدره[.
القمح ونحوه .المسمى :المعين والمح ّ
وروى جابر رضى الله عنه :ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم نهى عن المخابرة )البخاري :المساقاة ،باب :الرجل يكون
له ممر او شرب في حائط او في نخل ،رقم .2252 :ومسلم
في البيوع ،باب :النهي عن المحاقلة والمزابنة ،رقم.(1536 :
جواز المزارعة تبعا للمساقاة:
)(29
حت المزارعة
إذا كان بين الشجار ارض ل شجر فيها ص ّ
عليها مع التعاقد على مساقاة الشجر تبعا ،لما جاء في حديث
ابن عمر رضى الله عنهما :انه صلى الله عليه وسلم دفع ارض
خيبر الى اهلها بشطر ما يخرج من ثمر او زرع.
ويشترط في هذا :
-1اتحاد العامل ،أي أن يكون من تعاقد معه المالك على
مساقاة الشجر هو الذي تعاقد معه على مزارعة الرض.
-2ان يعسر إفراد الشجر بالسقي ونحوه عن الرض ،فإذا كان
هذا ممكنا لم تصح المزارعة.
-3أن ل تكن اصل ً مقصودا ً في التعاقد ،وذلك بأن يحصل
التعاقد على المساقاة والمزارعة معا ،فلو تعاقدا على
المساقاة ،ثم تعاقدا على المزارعة ،لم تصح ،لن تعدد
القصد ينفي التبعية.
دم المزارعة في العقد
ولذا يشترط – في الصح – ان ل تق ّ
على المساقاة ،فلو قال :زارعتك على هذه الرض وساقيتك
على هذا الشجر ،لم يصح ،لن ،المزارعة يجب ان تكون تبعا،
والتبع ل يكون متقدما على متبوعه.
ول فرق – في الصح – بين ان تكون الرض بين الشجار
قليلة او كثيرة ،لن السبب عسر إفرادها بالتعهد ،فالحاجة الى
جوازها تبعا ل تختلف بين القليل والكثير.
ول يشترط ايضا ان يكون الجزء المخصص لكل منهما
متساويا في المزارعة والمساقاة ،بل يمكن ان يختلف ،فيكون
في المساقاة – مثل ً – شطرين ،وفي المزارعة اثلثًا :لن
المزارعة – وان كانت تابعة – فهي في حكم عقد مستقل.
المخابرة باطلة مطلقا:
هذا ول تصح المخابرة مطلقا ولو كانت تبعا للمساقاة ،لنها
لم يرد بها الشرع ،بخلف المزارعة ،بالضافة الى ان المزارعة
في معنى المساقة ،لن كل منهما ليس فيها على العامل ال
العمل ،بينما في المخابرة عليه البذر إلى جانب العمل.
حكم المخابرة والمزارعة الفاسدة:
علمنا ان المخابرة فاسدة مطلقا ،وكذلك المزارعة اذا لم
تتحقق شروط صحتها ،فإذا تعاقد صاحب الرض مع العامل
مزارعة او مخابرة ،وقام العامل بالعمل وسّلم الزرع:
)(30
فإن كانت مزارعة :كان الحاصل ملكا لصاحب الرض، -
لنه نماء ملكه وهو البذار الذي بذله في ارضه .وعليه
للعامل اجرة مثل عمله ودوابه وآلته ان كانت منه.
وان كانت مخابرة :كان الحاصل للعامل ،لن البذر -
منه ،والغّلة تبع للبذر .وعليه لصاحب الرض او
مستحقها اجرة مثلها.
فإن كان البذار منهما :كان الحاصل بينهما ،بنسبة ما
لكل منهما من البذر .ويرجع كل منهما على الخر بأجرة ما
صرفه من المنافع على حصته فلو كان البذر مناصفة منهما :رجع
صاحب الرض بنصف اجر مثلها على العامل ،ورجع العامل على
صاحب الرض بنصف اجر مثل عمله ،وهكذا.
ل المحصول في المزارعة والمخابرة مشتركا ً بين
طريقة ح ّ
المالك والعامل:
لما كان شرع الله تعالى يسرا ً ل عسر فيه ول حرج،
والحكمة من احكامه ضمان الحقوق وإبعاد الناس عن الضرر
والمنازعة وما الى ذلك ،جهد الفقهاء في ان يجدوا مخرجا
للناس ،حين توقعهم ظواهر النصوص في شئ من الحرج ،ول
سيما عندما يؤمن الضرر وتنتفي الجهالة وتصان الحقوق ،حرصا ً
على هيبة الشرع وإبقاء الناس تحت سلطان احكامه ،مع تحقيق
مصالحهم وتيسير امورهم ،طالما ان ذلك ممكن ولو بوجه من
الوجوه.
وتحقيقا ً لهذا المعنى وجد الفقهاء طريقة لتحقيق ما في
المزارعة والمخابرة من مصلحة في بعض الحيان ،إذ قد توجد
الرض لدى من ل ُيحسن استخدامها او ل يستطيع الستفادة
منها ،ويفقدها من لديه الخبرة على استخراج ما أودعه الله تعالى
فيها من خيرات ،وفي نفس الوقت ليس لديه المال ليستأجرها
ويستثمرها.
وذلك :بأن يستأجر المالك العامل بجزء معلوم من البذر
وشائع فيه ،أي كربعه او نصفه دون تمييز له ،ليزرع له النصف
الخر في الرض ،ويعيره – في نفس الوقت – جزءا شائعا ً من
الرض بقدر ما استأجره به من البذر ،وهكذا يقوم العامل بالعمل
في الرض ،ويكون الحاصل بينهما بنسبة ما ملك كل منهما من
البذر.
)(31
او يستأجره بنصف البذر شائعا ً – مثل – ونصف منفعة الرض
كذلك ،ليزرع له النصف الخر من البذر في النصف الخر من
الرض.
وهكذا يشتركان في الغلة ،ول يكون لحدهما ُأجرة على
الخر ،لن العامل يستحق من منفعة الرض بقدر نصيبه من
الزرع ،والمالك يستحق من منفعة العامل بقدر نصيبه من الزرع
ايضا.
وهذا اذا كان البذر من المالك.
فإذا كان البذر من العامل :استأجر من المالك جزءا
معينا شائعا من الرض كنصفها – مثل – بنصف شائع من البذر
وبعمله في النصف الخر منها .او يستأجر نصفها بنصف البذر،
ويتبرع له بالعمل بنصفها الخر.
وهكذا ايضا يملك كل منهما من الغلة بنسبة ما ملك من
البذر ومنفعة الرض ،ول يكون لحدهما اجر على الخر.
هذا على أن كثيرا ً من الفقهاء غير الشافعية – رحمة الله
تعالى على الجميع – قالوا بجواز المزارعة استقلل ً ،بدليل
معاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر ،واعتبروا
المخابرة في معنى المزارعة ،لن كل ّ منهما وارد على منفعة ،
فإذا كن البذر من صاحب الرض فالمنفعة عمل العامل ،وإن كان
البذر من العامل فالمنفعة هي منفعة الرض.
)(32
الباب الثالث
عارّيـة
ال َ
)(33
العارية
تعريفها:
العارّية – بتشديد الياء أفصح من تخفيفها – وهي في اللغة :
اسم لما يعطيه الرجل لغيره لينتفع به ثم يرده عليه ،كما تطلق
على العقد الذي يتضمن هذا .مشتقة من التعاور وهو التداول
وانتقال الشئ من يد الى يد.
وهي في الصطلح الشرعي :إباحة النتفاع بما يحل
النتفاع به مع بقاء عينه.
فعقد العارّية يتضمن اباحة النتفاع للمستعير ،فهو ل يملك
المنفعة وانما يباح له ان ينتفع بالعين ،أي الشئ المستعار على
ما سيأتي ،ولذا ل يملك ان يؤجر العين المستعارة لحد ،كما ل
يملك ان يعيرها لغيره.
ح اعارة خنزير او ح اعارة ما يح ّ
ل النتفاع به ،فل تص ّ وإنما تص ّ
آلت لهو ،كما ل تصح اعارة مصحف لحائض ونفساء ،لنه ل يجوز
سه والقراءة فيه.لهما م ّ
والعارة تكون في العيان التي ل تستهلك بالستعمال ،كما
سيأتي بيانه عند الكلم عن أركان العارية ،فإذا كانت تستهلك
بالستعمال – كالصابون مثل – فل تصح اعارتها.
مشروعيتها:
ل على مشروعيتها نصوص من العارة مشروعة ،وقد د ّ
الكتاب والسّنة ،وانعقد على ذلك الجماع.
أما الكتاب :فقوله تعالى" :فويل للمصّلين .الذين هم عن
صلتهم ساهون .الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون" "الماعون:
."6-4
فقد ذكر الله تعالى ان منع الماعون من صفات المكذب
دد بالويل – وهو العذاب والهلك – يوم القيامة، بيوم الدين والمه ّ
ن بذل الماعون امر مشروع ومطلوب .وجمهور ل ذلك على ا ّفد ّ
المفسرين على ان المراد بالماعون ما يستعيره الجيران بعضهم
در ونحو ذلك ،ويلحق به كل ما في ق ْ
من بعض ،كالدلو والبرة وال ِ
معناه.
وأما السّنة -:فما رواه انس رضى الله عنه ،ان النبي
صلى الله عليه وسلم استعار فرسا ً من ابي طلحة فركبه.
)(34
)اخرجه البخاري في الهبة ،باب :من استعار من الناس الفرس،
رقم .2484 :ومسلم في الفضائل ،باب :في شجاعة النبي
صلى الله عليه وسلم وتقدمه للحرب ،رقم.(2307 :
-وما رواه جابر بن عبدالله رضى الله عنه قال :سمعت
من كانت له ارض فليهبها أو
النبي صلى الله عليه وسلم يقولَ " :
لُيعْرها" )اخرجه مسلم في البيوع ،باب :كراء الرض ،رقم:
.(1536
وسيأتي معنا احاديث ُأخرى خلل البحث ،فيها دللة على
مشروعية العارّية مع بيان احكامها.
ل عليه القرآن والسّنة من مشروعية العارة عامة: وما د ّ
انعقد عليه اجماع علماء المسلمين في كل العصور.
حكمة مشروعيتها:
إن حكمة التشريع في العارّية هي تحقيق التعاون الذي ندب
الله تعالى المسلمين اليه اذ قال) :وتعاونوا على البر والتقوى ول
تعاونوا على الثم والعدوان( )المائدة . (2 :فكثير من الناس ل
يتمكن من اقتناء كل ما يحتاج اليه من متاع او ملبس او مسكن
او عقار :إما لقلة ذات يده ،او لفقدانه في السواق ،أو ندرة
وجوده ،او لكثرة مشاغل بعض الناس التي تنسيهم بعض
حاجاتهم ،وعندها قد يجد المرء نفسه في ساعة من ليل او نهار
في حاجة ماسة لن يطرق باب جيرانه ،فيطلب منهم استعارة
بعض الشياء ،او يتوجه بالطلب الى صديقه في سفر او حضر ان
يستعين ببعض متاعه لقضاء حاجته ،ول سيما اولئك الكثيرات من
ن في سفر ،او غائبين عن رّبات البيوت ،اللواتي قد يكون رجاله ّ
البيت لنهماكهم في العمل ،والمرأة مضطرة لن تهيئ الطعام او
تقوم بشؤون الولد ،فتحتاج الى اشياء كثيرة ل تتمكن من تهيئتها
بنفسها ،فل بد من ان تستعين بمتاع من يساكنها في دارها او
يجاورها .ولما كان السلم دين التيسير والتعاون – كما ذكرنا –
سر على الناس وشرع لهم ان ينتفع بعضهم بأمتعة بعض ،بإذن ي ّ
منه ورضا ،جلبا للمصلحة ودفعا للمضرة ،ورفعا للحرج ،وحفظا
من الرهاق والعنت ،كي تسود اللفة والمودة ،ويكون الله عز
وجل في عون الجميع ،طالما ان كل منهم يسعى ان يكون في
عون غيره ،مستجيبين لتوجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
اذ يقول" :والله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه".
وبهذا يحمون أنفسهم من العقاب والعتاب ،في يوم عصيب
دم من احسان في هذه الدار ،ورعاية
ل ينفع المرء فيه ال ما ق ّ
)(35
للحقوق واداء للواجب .روى جابر بن عبدالله رضى الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول" :ما من صاحب
ابل ول بقر ول غنم ل يؤدي حقها ،ال ُأقعد لها يوم القيامة بقاٍع
ه ذات القرن بقرنها، ف بظ ِْلفها ،وتَنط ُ
ح ُ ر ،تطؤه ذات الظ ّل ْ ّ قَْرقَ ٍ
ماء ول مكسورة القرن" .قلنا :يا رسول الله ، ليس فيها يومئذ ً ج ّ
قها؟ قال" :اطراقُ فحلها ،واعارة دلوها ،ومنيحُتها ،وحلبها وما ح ّ
ل عليها في سبيل الله" ).اخرجه مسلم في على الماء ،وحم ٌ
الزكاة ،باب :اثم مانع الزكاة ،رقم.(988 :
]قاع قرقر :ارض مستوية .تطؤه :تدوسه .الظلف :ما
يكون في نهاية القدم من البقر والغنم ونحوها ،جماء :ل قرن لها.
اطراق فحلها :اعارة الذكر منها لينزو على اناثها .منيحتها:
المنيحة هي الشاة او البقرة او الناقة ،يعطيها مالكها لغيره لينتفع
بلبنها ونحوه زمانا ،ثم يردها لمالكها[.
حكم العارّية:
العارّية مستحبة ومندوب اليها ،لما سبق من أدلة في بيان
مشروعيتها وحكمة التشريع ،وقد كانت واجبة في اول التشريع،
للتهديد الشديد لمانعها كما علمت ،ولكن هذا الوجوب نسخ
بالجماع ،وبقى الحكم على الستحباب ،وهذا هو الصل في
حكمها الن.
وقد تصبح واجبة ،اذا توقف عليها انقاذ حياة انسان معصوم،
أي غير حربي ،كإعارة ثوب لدفع حّر او برد ّ شديدين مهل ِك َْين،
واعارة حبل لنقاذ غريق ،واعارة ضماد لعصب جرح بليغ ونحو
ذلك.
ومن الواجب اعارة ما فيه حفظ مال محترم ايضا ،كإعارة
س ّ
كين لذبح حيوان مأكول اللحم يخشى موته اذا لم يذبح ،لن
عدم ذبحه إضاعة مال ،وهو منهي عنه شرعا.
وقد تكون العارّية محرمة ،كإعارة آلة قاتلة لمن غلب على
ظنه انه سيقتل بها ،وكإعارة مصحف لحائض او نفساء كما
علمت.
وقد تكون مكروهة ،كما لو كان فيها مساعدة على مكروه.
)(36
أركان عقد العارة
معير ،والمستعير ،والصيغة، للعارة أركان اربعة ،وهي :ال ُ
ل منها شروط ،واليك بيانها: والشئ المستعار ،ولك ّ
المعير: -1
وهو الذي يبيح لغيره النتفاع بالعين التي في حوزته ،
ويشترط فيه:
معارة ،سواء أكان يملك أ -أن يكون مالكا ً للمنفعة في العين ال ُ
العين ام ل يملكها ،كالمستأجر – مثل -والموصى له او
الموقوفة عليه ،فكل منهم له ان يعير العين المستأجر لها او
الموصي له بمنفعتها او الموقوفة عليه ،لنه يملك منفعتها،
والعارة ترد على المنفعة ل على العين ،ولذا ليس للمستعير
ان يعير العين التي استعارها ،لنه ل يملك منفعتها ،وانما
ابيح له النتفاع بها.
ب -أن يكون ممن يصح تبرعه ،فل تصح العارة من الصبي ول
ح من المحجور عليه بسفه أو فلس من المجنون ،كما ل تص ّ
وض ،وذلك لن العارة تّبرع اذا كانت المنفعة تقابل بع َ
بالمنفعة ،وهؤلء ليسوا من اهل التبرع.
مكَره عليها ،لن
ح العارة من ُ ج -أن يكون مختارا ً ،فل تص ّ
المنفعة المبذولة مال ،لنها تقابل بعوض ،ورسول الله صلى
ل مال امرئ مسلم ال عن الله عليه وسلم يقول" :ل يح ّ
طيب نفس" )اخرجه الدارقطني في البيوع ،الحديث.(91 :
المستعير: -2
معارة ،ويشترط فيه ُ
وهو الذي أبيح له النتفاع بالعين ال ُ
شرطان:
ح عبارته شرعا ويعتد ّ
أ – ان يكون أهل للتبرع عليه بعقد ،أي تص ّ
ح العارة لصبي او مجنون ،لن بها وهو البالغ العاقل ،فل تص ّ
كل ّ منهما ل يعتبر قوله شرعا ،فإذا احتيج الى اعارتهما تولى
ذلك عنهما ولّيهما.
ت احدكما كتابي ،او قال ب -ان يكون معّينًا ،فلو قال لثنين :أعر ُ
ح العارة ،لن
لجماعة :اعرت احدكم كتابي ،لم تص ّ
المستعير غير معين.
-3صيغة عقد العارّية:
)(37
وهي العبارة التي تدل على هذا العقد من اليجاب والقبول،
ول ُيشترط اللفظ من المعير والمستعير ،بل يكفي اللفظ من
أحدهما والفعل من الخر ،بما يدل على إذن مالك المنفعة
بإباحتها لغيره ،فلو قال المالك :خذ هذا الكتاب واقرأ به ،او:
حت العارة ،وكذلك اعرتك هذا الكتاب ،فاستلمه المستعير ،ص ّ
لو قال المستعير :اعرني كذا ،فسّلمه اليه المالك ،ص ّ
ح العقد.
ولبد فيها من اللفظ من احد المتعاقدين ،فلو اخذ المستعير
المتاع دون كلم ،وسكت المعير ،لم تصح العارة ،ولم يترتب
عليها إباحة النتفاع للمتسعير.
ول يشترط التتابع بين طرفي الصيغة ،فلو قال :اعرني كذا،
ودفعه اليه بعد زمن ،صح ذلك ،ما لم يوجد ما يدل على الرجوع
من المعير او الرد من المستعير.
وتصح العارة مطلقة عن الوقت والشرط ،كما تصح معلقة
على شرط ومقيدة بوقت ،كما لو قال له :اعرتك داري هذه
لتسكنها سنة ،او ان خرج منها فلن الذي يسكنها ،وذلك لن
العارة ليست بعقد تمليك حتى ل تقبل التعليق والتوقيت ،وانما
هي اباحة انتفاع كما علمت.
المستعار: -4
وهو العين التي ُتباح منفعتها للمتسعير ،ويشترط فيها:
ح اعارة أ -ان تكون منفعتها مْلكا ً لل ُ
معير كما علمت ،فل تص ّ
المستعير لغير.
ح اعارة ثياب ل تقي منب -ان تكون يمكن النتفاع بها ،فل تص ّ
حّر ول برد او ل تستر عورة ،كما ل تصح اعارة داّبة مريضة
مرضا ً مزمنا ً للركوب ،وكذلك سيارة ل محّرك فيها ،لن عقد
العارّية يرد على المنفعة ،ول منفعة في مثل ذلك ،فيكون
عقدا على غير معقود عليه.
ول يشترط وجود النفع عند العقد على الصحيح ،فلو اعاره
مهرا صغيرا للركوب صح ذلك ،ان كانت العارة مطلقة ،او
مقيدة بزمن يمكن ان يصبح المهر فيه صالحا للركوب.
وكذلك لو اعاره ثوبا غير صالح للبس ولكن يمكن اصلحه،
ونحو ذلك.
ج -ان يكون النتفاع بها مباحا شرعا ،فل تصح اعارة آلت اللهو،
ول اعارة حلي لمرأة تتزين به امام الجانب ،ول اناء ليصنع
فيه خمر ،او سكين ليذبح بها خنزير للكل ،او سلح لمن
)(38
يعتدي به على معصوم الدم ،ونحو ذلك ،لن ،مثل هذا
النتفاع حرام وممنوع شرعًا.
د -ان يكون النتفاع بها ل ينقص عينها ،كالثياب والدور والواني
ونحو ذلك .فإذا كان النتفاع بها ينقصها لم تصح اعارتها،
وعليه :فل اعارة لشمعة ليستضاء بها ،او صابون للتنظيف
ونحو ذلك ،لن النتفاع بها يكون باستهلكها وتلف عينها شيئا
فشيئا.
)(39
بالعارية
ّ أحكام تتعلق
حدود النتفاع بالعين المستعارة: -1
للمستعير ان ينتفع بالعين المستعارة ضمن الحدود التي أذن
فيها المالك ،لرضاه بهذا ،وليس له ان ينتفع بغير ما اذن به ،لنه
لم يرض بذلك ،ال اذا كان اقل تأثيرا على العين من الذي اذن به،
فإن اطلق الذن بالنتفاع ،بأن اعاره مطلقا دون التقييد بوجه من
وجوه النتفاع ،كان له ان ينتفع من العين بما ينتفع بها عادة ،وان
نهاه عن النتفاع بوجه من الوجوه امتنع عليه ذلك الوجه ،ولو
كان اقل تأثيرا على العين ،وذلك كله لن المعير مالك للمنفعة
ومتبرع بها ،فله تحديد وجه النتفاع بما شاء ،وعليه:
فلو اعاره ارضا لينتفع بها ،جاز له ان يبني فيها وأن يغرس -
شجرا ً أو يزرع زرعا ،لنه اطلق الذن بالنتفاع ،فلو قال:
اعرتك هذه الرض ،دون ان يقول لتنتفع بها ،فالصحيح ان
العارة غير صحيحة.
وان أعاره للبناء او الغراس جاز له ان يزرع ،لن الزرع اقل -
ضررا من الغراس او البناء ،فرضاه بالشد دليل رضاه
بالقل ،ال ان نهاه عن ذلك فليس له فعله.
وإن أعاره للزرع فليس له ان يبني او يغرس ،لن البناء -
والغراس كل منهما اكثر ضررا على الرض من الزرع،
ورضاه بالقل ل يدل على رضاه بالشد.
وان اعاره للزراعة مطلقا زرع ما شاء ،فإن اعاره لزراعة -
نوع معين كان له زرعه وزرع ما هو مثله او اقل منه تأثيرا ،
وليس له زراعة ما هو اشد منه ضررا على الرض.
وهكذا القول في كل عين مستعارة:
فلو استعار سيارة للركوب فليس له ان يستعملها لحمل
المتعة مثل ،وان استعارها لحمل امتعة خفيفة – كخشب مثل
ونحوه – فليس له ان يحمل فيها اشياء ثقيلة كحديد او اسمنت
ونحو ذلك.
وللمستعير ان يستوفي المنفعة او بمن ينوب منابه – كوكيله
مثل – لن النتفاع يعود عليه ويرجع اليه ،شريطة ان يكون مثله
او دونه في استيفاء المنفعة من حيث التأثير على العين
المستعارة ،فلو استعار دراجة وأراد ان يركب عليها أجيره أو
)(40
وكيله للقيام بعمله لمصلحته ،كان له ذلك ،ال اذا كان يزيد عنه
في وزنه وثقله ،وهكذا.
)(41
إذا كان للمستعار نفقة – كما لو كان دابة فتحتاج الى علف ،
او مسكنا فيحتاج الى ترميم – فهذه النفقة على مالك العين،
سواء أكان المعير هو المالك للعين أم المستأجر لها ،لن النفقة
تبع للملك ،والعارة تبرع بالمنفعة من مالكها لينتفع بها
المستعير ،فل يجب عليه في مقابلها شئ.
فإذا انتهت العارة او فسخت ،ووجب على المستعير رد
العين المستعارة الى المعير ،وكان لردها عليه مؤونة ونفقة،
كأجرة دابة او سيارة نقل مثل ،كان ذلك على المستعير ،لن الرد
واجب عليه ،إذ انه قبض العين لمنفعة نفسه ،وما ل يتم الواجب
إل به فهو واجب ،والرد الواجب عليه ل يتم ال بالنفقة ،فهي
واجبة عليه.
وقد دل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم " :على اليد ما
أخذت حتى تؤديه".
وجاء في رواية من حديث صفوان بن امية رضى الله عنه:
داة") .الترمذي:انه صلى الله عليه وسلم قال له" :عارّية مؤ ّ
البيوع ،باب :ما جاء في أن العارية مؤداة ،ابو داود :البيوع ،باب:
ما جاء ان العارية مؤداة .ابن ماجة :الصدقات ،باب :العارية(.
وهذا اذا رد العين المستعارة الى المعير نفسه ،فإذا استعار
من مستأجر ،ورد العارية الى المالك المؤجر ،فالمؤونة حينئذ
على المالك ،لن المستعير يقوم في هذا مقام المستأجر في رد
العين المستأجرة الى المؤجر ،ومؤونة الرد في الجارة على
المالك ل على المستأجر.
دها:
الرجوع بالعارّية ور ّ -4
كل منعقد العارّية عقد جائز من الطرفين ،أي يحقّ ل ّ
المعير والمستعير فسخه متى شاء ولو بغير علم الخر ول رضاه،
فيحق للمعير ان يرجع بالعارية ويسترد العين المستعارة متى
شاء ،حتى ولو كانت العارة مؤقتة بوقت لم ينته بعد .وكذلك
يحق للمستعير ان يردها ايضا متى شاء .ول يلزم أي منهما
باستمرار العارة ،لنها مبرة من المعير وارتفاق من المستعير،
فل يناسبها اللزام لي منهما.
ويستثنى من ذلك ما اذا استعار ارضا ً لدفن ميت ،فليس
لحدهما فسخ العارة في الرض المدفون فيها ،فل يحق للمعير
استرداد الرض ول للمستعير ردها ،حتى يبلى المدفون ويندرس
أثره ،بأن يصير ترابا ول يبقى منه شئ ظاهر .وذلك لن الدفن
)(42
كان بإذن .وفي النبش هتك حرمة النسان ،ول يلزمه اجرة على
أي حال في هذا.
وكذلك يستثنى ما إذا أذن المعير في شغل المستعار بشئ
يتضرر المستعير بالرجوع فيه ،كما لو اعاره سفينة لنقل بضاعة
جة البحر ،او أعارة سيارة لذلك وطالبه بها في
وطالبه بها في ل ّ
موضع ل يستطيع فيه تحصيل غيرها ،كالصحراء مثل ،ففي هذه
الحوال ل يلزم المستعير رد العين المستعارة ،وله ان يستمر
بالنتفاع بها حتى يتمكن من ردها بغير ضرر ،ولكن يلزمه في هذا
وامثاله اجرة المثل من حين الطلب الى حين الرد.
)(43
-2ان يقلع الغراس او يهدم البناء ،ويضمن للمستعير ما ينقص
من قيمة ذلك ما بين حاله قائما وحاله مقلوعا ،كما انه يلزم
بأجرة القلع او الهدم.
-3ان يتمّلك البناء او الغراس بقيمته مستحق القلع ،ول بد ّ ان
يكون ذلك بعقد مشتمل على إيجاب وقبول.
محسن ،ولنه هو مالك وانما كان التخيير للمعير لنه هو ال ُ
الرض التي هي الصل ،فإن اختار واحدة منها اجبر المستعير
عليها.
وان لم يختر المعير واحدة منها :فالصح ان القاضي يعرض
عنهما حتى يصطلحها او يختار امعير ،وقيل :ان الحاكم يبيع
الرض وما فيها ،ويقسم الثمن بينهما بنسبة قيمة ما لكل منهما،
فصل للخصومة.
ول فرق في كل ما سبق :بين ان تكون العارة مطلقة او
مقيدة بوقت على الصح ،ال انه في العارة المطلقة :اذا بنى
او غرس ثم قلع فليس له ان يبني او يغرس ال بإذن جديد ،فإن
فعل ذلك بل اذن كان للمعير ان يجبره على القلع وتسوية الرض
مطلقا ،والله تعالى أعلم ،واما في العارة المؤقتة :فله ان يبني
او يغرس مرة بعد اخرى ،طالما ان المدة لم تنته ولم يرجع
المعير في العارة ،وعند الرجوع تطبق الحكام المذكورة اول.
وإن اعاره للزراعة :ثم رجع المعير عن العارة قبل ان
يدرك الزرع :فالصحيح ان للمستعير ان يبقيه الى ان يدرك ان
كان ينقص قيمته بالقلع قبله ،لنه مال محترم ،وله امد يدرك
فيه بالعادة فينتظر ،وللمعير اجرة المثل في هذه الحال على
الصحيح.
ول فرق في هذا بين ان تكون العارة مطلقة او مقيدة
بمدة ،ال انه في حال التقييد بمدة :اذا لم يدرك الزرع قبل
انتهائها ،لتقصير المستعير :كأن يتأخر بالزراعة ،او يكون هناك
مانع منها من ثلج او سيل ونحو ذلك ،ثم يزرع في الرض بعد
زوال المانع ما ل يدرك غابا في المدة المتبقية ،او يزرع غير ما
استعار من اجله مما يبطئ اكثر منه ،ففي هذه الحالت :للمعير
ان يجبر المستعير على قلع الزرع وتسوية الرض ،وان نقص
بسبب ذلك ،لنه متعد وظالم بفعله ،ورسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول" :ليس لعرق ظالم حق" )اخرجه ابو داود في
الخراج والمارة والفئ ،باب :في احياء الموات ،رقم،3073 :
والترمذي في الحكام ،باب :احياء ارض الموات ،رقم.(1378 :
)(44
كيفية رد العين المستعارة: -5
يكون رد العين المستعارة الى المعير بحسب الشئ
المستعار عرفا وعادة :فالشياء المنقولة لبد من نقلها وتسليمها
للمعير ،ولسيما اذا كانت نفيسة ،فيختلف التسليم باختلف
نفاستها ،كالجواهر والمعادن الثمينة ،فربما اشترط تسليمها ليد
المعير بنفسه ،وربما اكتفى بردها الى منزله وتسليمها الى من
ينوب منابه في قبضها ،كالوعية ونحوها.
واذا كانت العين المستعارة غير منقولة ،كالرض والدور
ونحو ذلك ،كفى فيها التخلية وازالة الموانع من استلمها والنتفاع
منها.
الختلف بين المعير والمستعير: -6
قد يختلف المعير مع المستعير في ُأمور ،من ذلك:
أ -الختلف في الرد :كأن يدعي المستعير انه رد العين على
المعير ،وينكر المعير ذلك ويقول :لم تردها على ،فُيحّلف
دق بيمينه ،لنه المنكر ،والقاعدة في
المعير على قوله ويص ّ
هذاّ :أن البّينة – أي الشهود – على المدعي واليمين على من
انكر .لن الصل عدم الرد اذ ثبت كون العارية في يد
المستعير ،فالصل انها ل تزال في يده ،فالمعير متمسك
بالصل بقوله ،والقول المصدق هو قول من يتمسك بالصل.
ب -الختلف في حال التلف :لو تلفت العين المستعارة ،وادعى
المستعير انها تلفت بالستعمال المأذون فيه ،وانكر المعير
ذلك وقال :بل تلفت بغير الستعمال ،او باستعمال غير
مأذون فيه،يصدق هنا المستعير بيمينه ،لنه من الصعب عليه
ان يقيم بينة على قوله ،اذ ليس من العادة ان يستعمل
المستعار على مل من الناس حتى يشهدهم على التلف.
ولن الصل براءة ذمته من الضمان ،والمعير هنا يدعي
الضمان وهو ينكره تمسكا بالصل ،والقول قول المنكر
والمتمسك بالصل بيمينه كما علمت ،فيحلف المستعير على
قوله ويبرأ من الضمان.
ج -الختلف في اصل العقد :كأن يدعي المالك الجارة ،ويدعي
المنتفع الستعارة .او ان يقول المنتفع :اعرتني ،ويقول
المالك :بل غصبته مني .فالصح انه يصدق المالك بيمينه.
فيحلف انه ما اعاره وانما اجره ،او يحلف انه ما اعاره وانما
غصب منه.
)(45
وانما كان القوم قول المالك لن الصل ان ل يأذن بالنتفاع
فيما يملك ال بمقابل .فإذا حلف استحق اجرة المثل ان مضت
مدة لها اجرة .فاذا كانت العين قائمة ردها ،وان تلفت قبل الرد
ضمنها المنتفع في دعوى الغصب .فإن كان ما يدعيه المالك من
التضمين اكثر مما يدعيه المنتفع حلف المالك على الزيادة .وبيان
ذلك ان العارية تضمن بقيمتها يوم التلف ،والمغصوب يضمن
بأعلى قيمه من يوم الغصب الى يوم التلف ،فإذا كانت القيمة
متساوية فقد اتفقا ،وال حلف المالك على الزيادة ،لنهما لم
يتفقا عليها.
انتهاء عقد العارّية: -7
ينتهي عقد العارة بأمور ،وهي:
أ – طلب المعير للعارّية ورجوعه عن العارة ،سواء اكان ذلك
قبل انتهاء مدة العارة ام بعدها ،لنها عقد جائز من طرفه
كما علمنا.
ب -رد المستعير للعين المستعارة على المعير ،بعد انتهاء مدة
العارة ام قبلهان لنها عقد جائز ايضا من طرفه.
ج -جنون احد المتعاقدين او اغماؤه ،لختلل شروط المعير
والمستعير على ما علمت ،اذ يشترط في المعير اهلية
التبرع وفي المستعير اهلية التبرع عليه ،والمجنون والمغمى
عليه ليسا اهل لذلك.
د -موت المعير او المستعير ،لنها عقد اباحة النتفاع بالذن ،
وبموت المعير لم يبق صاحب الذن ،وبموت المستعير لم
يبق المأذون له.
هـ -الحجر بالسفه على المعير او المستعير ،لنه لم يبق
المحجور عليه اهل للتبرع ،فل تصح العارة ،فتفسخ.
و -الحجر بالفلس على المالك ،لنه يمتنع عليه التبرع بمنافع
امواله ،حفظا لمصحلة دائنيه.
)(46
الباب الرابع
الشركة
)(47
الشركة
تعريفها:
ح بفتح
الشركة :بكسر الشين وسكون الراء هو الفصح ،ويص ّ
الشين وكسر الراء او سكونها.
وهي في اللغة :الختلط بعقد أم بغير عقد.
ن
وتطلق على الختلط في الموال ،ومنه قوله تعالى" :وإ ْ
ت فلك ّ
ل واحد ٍ منهما ُ ة او امرأة ٌ وله ا ٌ كان رج ٌ
خ او أخ ٌ ث كلل ً
ل ُيوَر ُ
دس فإن كانوا اكثَر من ذلك فهم شركاُء في الثلث" س ُ
ال ّ
)النساء .(12 :
]يورث كللة :أي يرثه كللة ،وهم الورثة غير الفروع مطلقا ً
وغير الصول من الذكور .والمراد بهم هنا اخوة الميت من ُأمه[.
كما ُتطلق على الخلطة في غير الموال ،ومنه قوله تعالى:
كه في امري") .طه (32 : ن اخي .اشد ُد ْ به أ َْزري .وأ َ ْ
شرِ ْ "هارو َ
وهي في اصطلح الفقهاء :ثبوت الحق في شئ واحد،
لثنين فأكثر ،على جهة الشيوع ،ل على جهة التعيين ،كأن يملك
اثنان فأكثر ارضا ،دون ان تّعين منها حصة كل واحد منهم ،وهذا
تعريف الشركة بمعناها العام ،الذي يتناول ما كان منها بعقد وما
كان بغير عقد .واما تعريفها بالمعنى الخاص:
فهي عقد يحدث بالختيار بقصد التصرف وتحصيل الربح.
اقسامها:
من التعريف يتبين لنا ان الشركة قد تكون بقصد الربح ،وقد
تكون لغير ذلك ،ولهذا جعلها العلماء قسمين :شركة املك ،
وشركة عقد.
فشركة الملك :ان يملك اثنان فأكثر شيئا ً واحدًا ،وقد
يكون ذلك قهرا ً عنهما ،أي بغير فعلهما ول إرادتهم ،كما لو ورثاه
معًا ،وقد يكون اختياريا ً ،أي بفعل منهما ورغبتهما ،كأن يشتريا
شيئا واحدا معا ،او يقبل هبته لهما من احد ونحو ذلك.
وحكم هذه الشركة :ان كل واحد من الشريكين اجنبي في
نصيب الخر ،فل يجوز له ان يتصرف فيه ال بإذنه ،اذ ل ولية
لحدهما على مال الخر.
)(48
وهذه الشركة ليست هي المقصودة بالكلم في باب
الشركة لدى الفقهاء ،وانما تبحث كل صورة منها في موضعها
من الباب الفقهي المتعلقة به ،من هبة او إرث أو وصية ونحو
ذلك.
وأما شركة العقد :فهي المقصودة بالبحث في باب
الشركة هنا ،وقد مّر بك تعريفها ،وهي أنواع ،منها ما هو مشروع
ومنها ما ليس بمشروع ،وسنتكلم عن هذا بالتفصيل – ان شاء
الله تعالى – بعد الكلم عن مشروعية الشركة وحكمة
مشروعيتها.
مشروعيتها:
الشركة على العموم مشروعة وجائزة ،ود َ
ل على هذه
المشروعية:
القرآن :ومن ذلك آية الميراث التي مَرت بك ،وفيها:
"فهم شركاُء في الثلث" في صريحة في جواز الشركة ،اذ ن الله
تعالى جعل الخوة للم شركاء في الثلث ،يقتسمونه بينهم
بالسوية ،ويستأنس لها ايضا بما جاء على لسان داود عليه السلم
ضهم على خَلطاء ل ََيبْغي بع ُ
من قوله تعالى" :وإن كثيرا ً من ال ُ
بعض" )ص (44:والخلطاء هم الشركاء ،وقلنا يستأنس ولم نقل
يستدل لن هذا وارد ٌ في شرع من قبلنا ،والصح انه ليس بشرع
لنا.
السنة :وفي ذلك احاديث كثيرة ،منها:
-1ما رواه ابو هريرة رضى الله عنه ،عن النبي صلى الله عليه
ن
خ ْوسلم قال" :يقول الله تعالى :انا ثالث الشريكين ما لم ي ُ
ت من بينهما" )ابو داود في
احدهما صاحبه ،فاذا خانه خرج ُ
البيوع والجارات ،باب :في الشركة ،رقم.(3383 :
ومعنى الحديث :ان الله تعالى يشمل الشريكين – او
دهما بالبركة في أموالهما
الشركاء – بالحفظ والمعونة فيم ّ
وتجارتهما ،طالما أنهما على الصدق والمانة فاذا زاغا عن الصدق
وعدل عن المانة رفعت البركة من تجارتهما ،وحجبت العانة
عنهما ،فيكون النزاع والخصام والفشل والخسران.
-2حديث السائب بن ابي السائب رضى الله عنه :انه كان
شريك النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة في التجارة ،
فلما جاء يوم الفتح قال" :مرحبا بأخي وشريكي ،ل يداري
ول يماري" )اخرجه ابو داود في الدب ،باب :في كراهية
)(49
المراء ،رقم .(4836 :فقوله " :شريكي" اقرار منه صلى
الله عليه وسلم لمشروعية الشركة ،وان كان من قوله
صلى الله عليه وسلم ،وان كان من قول السائب رضى الله
عنه فسكوته صلى الله عليه وسلم اقرار منه له.
]يداي :اصله يدارئ بالهمز ،وجاء بالياء تسهيل ليوافق لفظ
يماري ،ويدارئ من درأ بمعنى دفع ،ويماري :من المراء وهو
الجدال[.
ومعنى الحديث :كنت شريكا متسامحا ،توافقني في عملي ،
فل تخالفني ول تنازعني.
-3ما رواه البراء بن عازب رضى الله عنه :انه كان وزيد بن
ارقم رضى الله عنه شريكين ،فاشتريا فضة بنقد ونسيئة ،
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فأمرهما " :ان
ما كان بنقد بأجيزوه ،وما كان نيسئة فردوه" )مسند احمد:
. (4/371
]نسيئة :أي الى اجل[.
وهذا ايضا اقرار منه صلى الله عليه وسلم لجواز الشركة.
كما كان الناس يتعاملون بالشركة فيما بينهم ،ولم ينكر
عليهم صلى الله عليه وسلم وعلى هذا جرى التعامل بين
المسلمين في كل العصور دون انكار من احد فكان ذلك اجماعا.
حكمة تشريع الشركة:
الناس متكاملون في قدراتهم ومواهبهم وامكانياتهم خلقهم
الله عّز وجل متفاوتين في هذا كله ،ل يستطيع احد منهم ان
يتسقل بكل ما تتطلبه الحياة ،ولكنه يكمل ذلك بالتعاون مع
غيره ،ليستقيم العيش ،ويكون الرزق الحلل ،وصدق الله عز
وجل اذ قال" :نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا
ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا
ورحمة ربك خير مما يجمعون" )الزخرف .(32 :
فقد يوجد من لديه المال الوفير ،ولكن ليس لديه الخبرة
الكافية في إدارة المور ،ويوجد من لديه الخبرة ،ولكن ليس
عنده القدرة الجسدية اللزمة ،اول يلك المال الكافي للقيام
بعمل ما ،فيضم بعضهم ما لديه من قدرات الى ما عند غيره،
فتتوفر دعائم العمل ،وتتيسر اسباب التجارة التجارة الرابحة ،
فيكون التكامل ،ويتحقق التعاون .وهذا ما تحققه الشركة بين
الشركاء فتقدم للمجتمع منافع جمة ربما حرم منها لو بقى كل
)(50
فرد مستقل بجهوده ومواهبه وممتلكاته ،فكانت الحاجة ماسة
والمصحلة ملحة لتشريع الشركة ،وشرع الله تعالى الذي جاء
للتيسير على الناس ورفع الحرج عنهم ،على اسس سليمة
وقواعد اخلقية قويمة ،ما كان ليقف دون تلبية تلك الحاجة او
تحقيق هذه المصلحة ،فكان من سمو تشريعه وكمال تقنينه ان
شرع الشركة واجزها ،ووضع لها الضوابط والحكام التي من
شأنها ان تجلب ما فيها من نفع وخير ،وتدفع ما قد يكون فيها من
مفسدة وشر.
)(51
أنواع الشركة
والمشروع منها
شركة العقد يمكن ان تحصل على صور متعددة يحصرها
الفقهاء في اربعة انواع ،وهي :شركة العنان ،وشركة
المفاوضة ،وشركة البدان ،وشركة الوجوه.
اما شركة العنان :فهي ان يشترك شخصان او اكثر -1
في التجارة بأموال لهم ،على ان يكون الربح بينهم .وهذا
النوع من الشركة جائز ومشروع باتفاق الفقهاء ،وسنتكلم
عنه بالتفصيل بعد الكلم عن النواع الثلثة الخرى.
واما شركة المفاوضة :فهي أن يشترك اثنان -2
فأكثر في اموالهم عامة ،ويكونوا شركاء في كل ما لدي كل
منهم ،وكل منهم وكيل عن الخر وكفيل له ،يشاركه في كل
مغنم وعليه ما يصيبه من كل غرم.
وهذا النوع من الشركة باطل عند الشافعية رحمهم
الله تعالى ،لما تنطوي عليه من الغرر الكبير ،لما فيها من الوكالة
بالمجهول والكفالة به ،وكل منهما باطل لو انفرد فكيف اذا
اجتمعا؟ ولذا قال الشافعي رحمه الله تعالى :إن لم تكن شركة
المفاوضة باطلة ،فل باطل أعرفه في الدنيا.
وقد اجازها غير الشافعية رحمهم الله تعالى بقيود وشروط
تكاد تجعلها ل وجود لها اصل في الواقع ،والله تعالى أعلم.
وأما شركة البدان )وتسمى شركة العمال( -3
:فهي أن يشترك اثنان أوأكثر – ل مال لهم – على أن يتقبلوا
حْرفة أم
أعمال ويوقوموا بها ،سواء أكانوا متفقين في ال ِ
مختلفين – على أن يكون الربح بينهم متساويا ً او متفاوتا ً ،
مالين والخّياطين وغيرهم من اصحاب الصناعات وذلك كالح ّ
حَرف المشروعة. وال ِ
وهذا النوع من الشركة باطل ايضًا ،لما فيه من الضرر
المنهي عنه شرعًا ،لنه ربما قام بعضهم بأعمال تفوق ما قام به
غيره بكثير ،وربما قام أحدهم بالعمل كله ولم يقم غيره بشئ ،
)(52
فيكون في ذلك غبن حين يتقاسم الشركاء ثمار العمل ،ول
من قام بالجهد ان يبذل نتاج جهده لغيره بدون
تطمئن نفس َ
مقابل.
وقد أجازها الئمة غير الشافعية – رحم الله تعالى الجميع –
للحاجة الداعية اليها ،إذ إن الحكمة من مشروعية الشركة تنمية
المال كما علمت ،وهذا النوع من الشركة يكون به تحصيل أصل
المال للشركاء ،وربما كانت الحاجة لتحصيل أصل المال فوق
الحاجة إلى تنمية ما هو موجود منه ،والله تعالى أعلم.
وأما شركة الوجوه :فهي ان يشترك اثنان فأكثر -4
سن سمعة ،على أن يشتروا ح ْمن لهم وجاهة عند الناس و ُم ّ
كين أم منفردين ،ويكونالسلع في الذمة إلى أجل ،مشترِ ِ
المشتري مشتركا ً بينهم ،ثم يبيعوا تلك السلع ،فما كان من
ربح كان بين الشركاء ،يقتسمونه بالسوّية او حسب التفاق.
ايضا ،لعدم وجود المال المشتركً وهذا النوع باطل
بينهم ،والصل في الشركة المال ،ولوجود الضرر فيها ايضا ،لن
كل من الشركاء يعاوض صاحبه بكسب غير مقابل بعمل او صنعة
او ما الى ذلك ،فلم يكن الربح هنا نماء للمال ،ول مقابل للعمل ،
فل يستحق.
وكذلك اجاز هذه الشركة غير الشافعية رحمهمالله تعالى
جميعا ،للحاجة اليها على ما سبق في التي قبلها ،والله تعالى
اعلم.
)(53
شركة العِنان
علمنا مما سبق ان شركة الِعنان هي النوع المشروع من
الشركة باتفاق الفقهاء ،وهي – في الحقيقة – النوع الشائع
والمتعارف لدى الناس في الشركات ،وهو الصل فيها ،لما فيه
من معنى الشتراك فعل ،إذ إن مال الشركة في الصل مشترك
بين الشركاء ،وهذا هو الصل في الشركة ،سواء اكان الشتراك
بالعمل ام لم يكن ،وان كان الغالب هو الشتراك به ايضًا.
وقد علمت أنها اتفاق اثنين فأكثر على ان يشتركوا بمال من
الجميع ،يتاجرون به ،على أن يكون الربح لهم.
ل من الشركاء براكب الدابة، عنان تشبيها ً لك ّ
ميت شركة ِ
وس ّ
ُ
الذي يمسك بإحدى يديه عنانها ويعمل بالخرى ،وذلك أن كل
شريك يجعل للشركاء غيره أمر التصّرف – الذي يشبه بالعنان –
في بعض ماله ،بينما يستقل هو بالعمل في بعضه الخر ،او لن
كل من الشركاء يملك بها ان يتصرف بمال شريكه في الشركة
كما يملك الراكب التصّرف بالدابة بواسطة عنانها.
شروطها:
ُيشترط لصحة هذا النوع من الشركة شروط هي:
ل من الشركاء للخرين، -1الصيغة :وهي لفظ صريح من ك ّ
يدل على الذن في التصرف بالبيع والشراء ونحوهما من
متعلقات التجارة ،ويكفي في ذلك ما يد ّ
ل على هذا المعنى
ويشعر به ،مما تعارفه التجار فيما بينهم من ألفاظ.
والصح أنه ل يكفي القتصار على قولهم اشتركنا ،لحتمال
ما حصل لهما من الشركة في المال ان يكون هذا إخبار ع ّ
كشركة الملك ،كما لو ورثا مال من موّرث واحد ،فل يلزم
من ذلك جواز التصّرف.
وقيل يكفي ذلك ،لدللته على الشركة وفهم المقصود منه
عرفا.
-2أهلية الوكالة في الشركاء :بأن يكون كل منهما عاقل ً
بالغا ً غير محجوز عليه التصّرف في ماله ،لن كل واحد من
الشركاء يتصرف بمال الشركة :أصالة في ماله ووكالة – أي
بالذن – في مال غيره ،فكل منهم وكيل وموكل.
)(54
-3أن يكون مال الشركة مثليا :بحيث إذا خلطت الموال ل
يتميز بعضها عن بعض ،كالعملت المتعارفة اليوم،
وكالموزونات والمكيلت اذا كان مال كل من الشركاء من
جنس مال الخرين ،كالبّر والشعير والحديد اذا كانت الموال
على صفة واحدة.
فإذا كان رأس مال الشركة – او مال احد الشركاء –
عروضًا ،أي اعيانا ً متميزة غير مثلية لم تص ّ
ح الشركة ،لنها ل
يمكن خلطها بحيث ل تتميز ،وقد يتلف مال أحدهم او ينقص فل
يمكن ان يعوض عنه من مال الخرين.
وطريقة تصحيح الشركة في حال كون راس مالها عروضا:
ان يبيع كل منهم جزءا من عروضه للخر بجزء من عروضه،
فيصيرا شركاء في العروض كلهم ،فيأذن كل منهم للخر
بالتصّرف ،فاذا باعها كان الثمن بينهما.
وكذلك اذا كان مال أحدهما نقدا ً ومال الخر عروضا :باع
صاحب العروض جزءا ً منها بجزء من نقد الخر واشتركا في
الجميع.
وعلى هذا لو ملكا عرضا ً – إرثا ً أو شراًء أو غيرهما – واذن
ل منهما للخر بالتصرف في نصيبه تجارة تمت الشركة بينهما. ك ٌ
-4خلط اموال الشركة :بعدما يتفق الشركاء على الشركة،
ل بد ّ وان يحضروا الموال التي تصح فيها الشركة على النحو
الذي سبق ،وأن تخلط هذه الموال – إن لم تكن مشتركة –
بحيث ل يتميز بعضها عن بعض ،ثم يجري عقد الشركة بعد
ذلك ،فإن جرى العقد قبل خلط المال لم تصح الشركة ولو
خطلت الموال في مجلس العقد بعد اجرائه ،ولبد ّ من ُ
ح الشركة.إعادة التعاقد بعد الخلط لتص ّ
ل من الشركاء مال ً وحصل العقد على ذلك، وهذا إذا أخرج ك ٌ
فإذا ملك الشركاء قبل عقد الشركة مال ً بالشتراك بينهم – إرثا
او شراء او هبة او نحو ذلك – ثم حصل عقد الشركة فإنه يصح،
ول يشترط اقتسامهم له ثم خلطه ،لن المقصود من الخلط –
ل منهم على حدة – حاصل. وهو عدم تمييز مال ك ّ
-5أن يكون الربح والخسران على قدر المال :لن الربح
نماء المال ،وكذلك الخسارة نقصان له بمقابل الربح .فل
يصح ان يشرط لحد الشركاء زيادة في الربح عن قدر نسبة
ماله من رأس المال ،كما ل يصح ان يشرط عليه زيادة في
الخسارة أو نقص عن ذلك ،ول يشترط التساوي في المال
)(55
لكل الشركاء ،فلو اشترك أحدهم بالربع والخر بالنصف
والثالث بالربع صح ،وكان الربح ربعه للول ونصفه للثاني
وربعه للثالث ،وكذلك توزع الخسارة ،سواء أشترك الجميع
بالعمل أم لم يشترك بعضهم ،وسواء تساوَْوا في العمل حين
الشتراك أم اختلفوا.
رط تفاوت في الخسارة كانت الشركة باطلة باتفاق فإن ُ
ش ِ
الفقهاء ،وان اشترط تفاوت في الربح عن قدر رأس المال لم
ح الشركة ايضًا ،فلو حصل البيع والشراء من الشركاء نفذتتص ّ
تصرفاتهم لوجود الذن منهم بالتصّرف ،وكان لكل منهم الربح
بقدر نسبة رأس ماله ،ويرجع على الخرين بأجرة المثل.
وأجاز الحنفية والحنابلة رحمهم الله تعالى ان يكون للشريك
ربح اكثر من نسبة ماله من رأس مال الشركة ،وذلك في الصور
التالية:
أن تتساوى اموال الشركاء ،كأن يكون من ك ّ
ل منهم الثلث -1
ح أن يشرط مثل ،ويكونوا جميعا قائمين بالعمل ،فيص ّ
لحدهم زيادة في الربح عن نسبة رأس ماله ،لنه قد يكون
مهارة في عمله من غيره ،فتكون الزيادة مقابل عمله
ومهارته.
أن يتساوى الشركاء في المال ويكون العمل على بعضهم ، -2
ويكون للقائمين بالعمل زيادة في نسبة الربح عن نسبة
أموالهم.
ان يتفاوت الشركاء في نسبة الشتراك بالمال ،كأن يكون -3
من احدهم الثلث ومن الخر الثلثان مثل ،ويشتركا في
العمل ،جاز ان يكون لحدهما زيادة في نسبة الربح عن
نسبة ماله ،كأن يتساويا في الربح او يزيد احدهما عن الخر،
لحتمال ان يكون عمله اكثر ومهارته افضل ،فتكون الزيادة
مقابل ذلك.
ان يتفاوتا في رأس المال كما سبق في الصورة قبلها، -4
من كان رأس ماله أقل ،على ان يتساويا ويكون العمل على َ
في الربح او تزيد نسبة ربح من كان قائما في العمل ،
فيصح ايضا ،وتكون الزيادة مقابل عمله.
حت له اذا كانتح لمن ص ّوينبغي ان ينتبه الى ان الزيادة تص ّ
صصة له ،كأن يكون نصيبه كله نسبة في ضمن نسبة الربح المخ ّ
مئوية من الربح العام ،خمسين بالمائة مثل او ستين او اكثر او
)(56
ل ،أما أن يعطي نسبة مستقلة من الربح مقابل عمله ،او ان اق ّ
يعطي قدرا ً معينا ً – كألف مثل كل شهر ونحو ذلك – فل يصح
باتفاق الفقهاء.
وعلى هذا يتبين لنا فساد الكثير من عقود الشركات التي
صصون فيها لبعض الشركاء – سواء يقوم بها الناس ،والتي يخ ّ
أكان مستقل ً بالعمل أم شريكا مع غيره من الشركاء – راتبا ً
شهريا ً مقطوعا ً من الشركة غير نصيبه من الربح ،او نسبة
متميزة من الربح ،كالربع – مثل – او النصف مقابل عمله ،ثم
يقاسم بعد ذلك الشركاء فيما تبقى بنسبة رأس ماله .وليحذر
هؤلء المخالفون من عقاب الله تعالى ،وليعلموا ان الكسب من
عقد فاسد كسب خبيث ل يبارك الله تعالى فيه.
هذا ول نرى مانعا من العمل بما قاله الحنفية والحنابلة
رحمهم الله تعالى ،لسيما في هذه الزمان التي اصبح الناس ل
يرضون فيها بالقليل ،ول يقنعون بربح يتوافق وما آتاهم الله
تعالى من مال ،وان كان الورع ان يكون العمل متفقا عليه لدى
فقهاء المة ،وهو الحوط في دين الله عّز وجل.
)(57
علمنا ان للشركة شروطا اذا تحققت كان العقد صحيحا،
ل شئ منها كانت الشركةوترتبت عليه آثاره السابقة ،واذا اخت ّ
فاسدة.
فإذا علم فسادها قبل البدء بأعمال الشركة لم يترتب على
ذلك شئ من آثار العقد وينبغي تجديد العقد على وجه صحيح اذا
اريد الستمرار بالشركة.
واذا تبين الخلل بعد البدء بأعمال الشركة وجب التوقف عن
الستمرار بذلك ،وتجديد العقد على وجه صحيح إذا أريد
الستمرار بها وترتب على تبين فساد الشركة فيما مضى المور
التالية:
-1يقسم ما ظهر من ربح على الشركاء بمقدار ما لكل من
رأس المال ،لن الربح استفيد من المال ،وقد تبين بطلن
الشركة ،فيرجع الى الصل وهو المال ،فتكون نسبة ربح ك ّ
ل
من الشركاء بنسبة مشاركته بالمال.
-2يرجع كل شريك على الشركاء الخرين بُأجرة عمله من
اموالهم الخاصة ،لنه تّبين انه كان اجيرا لهم وليس شريكا.
ل ما قام به الشركاء من تصرفات تعتبر نافذة ،لن كل ً -3ك ّ
منهم تصرف بإذن من الخرين.
)(58
وبقيت قائمة بين الشركاء الخرين ،لن الوكالة في حقهم
باقية ،وتصرفهم جائز وصحيح.
ويكون الفسخ والنتهاء من تاريخ وفاة الشريك ولو لم يعلم
الشركاء الخرون ،لن الموت عزل حكمي عن الوكالة بالتصرف
-3الجنون او الغماء :فإذا جن احد الشركاء او اغمي عليه
فقد انفسخت الشركة في حقه وانتهت ،لزوال العقل الذي
هو مناط التكليف ،لكن يشترط في الغماء ان يستغرق
وقت فرض صلة حتى تنفسخ به الشركة ،فإن لم يستغرق
ذلك لم يؤثر.
ي :فإن شاء اختار
وفي حال الجنون ينتقل الحكم الى الول ّ
قسمة المال ،وان شاء اختار استئناف الشركة بعقد جديد.
واما في حال الغماء :فإن ُرجي زواله عن قرب لم ينتقل
الحكم الى وليه ،لنه ل يولي عليه في هذه الحالة .فإذا افاق :
فإن شاء اختار القسمة ،وان شاء استأنف الشركة بعقد جديد ولو
بلفظ التقرير .فإن ُأيس من افاقته عن قرب ،او استمر اغماؤه
ثلثة ايام فأكثر انتقل الحكم الى ولّيه كما في الجنون ،فإن شاء
اختار قسمة المال ،وان شاء استأنف الشركة.
)(59
الباب الخامس
القراض
"المضاربة"
)(60
القراض
تعريفه:
القراض :مشتق من القرض وهو القطع ،سمى به هذا
العقد لن مالك المال يقطع من ماله جزءا ً يعطيه للعامل
يتصرف فيه ،كما يقطع له جزءا ً من ربح هذا المال ،ويسمى
مقارضة ،وهو المساواة ،لتساويهما في الربح.
مشروعيته:
دل على مشروعيته
هذا النوع من الشركة جائز ومشروعّ ،
السّنة ،وانعقد عليه إجماع المسلمين.
فقد روي عبدالله بن عباس رضى الله عنهما عن أبيه -
العباس بن عبدالمطلب رضى الله عنه :أنه كان إذا دفع
مال ً مضاربة اشترط على صاحبه :أن ل يسلك به بحرا ً ،ول
ينزل به واديًا ،ول يشترى به دابة ذات كبد رطبة ،فإن فعل
ذلك ضمن .فبلغ شرطه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأجازه ) .اخرجه البيهقي في كتاب القراض.(6/111 :
وعن صهيب رضى الله عنه :أن النبي صلى الله عليه -
ن البركة :البيع إلى أجل ،والمقارضة،
وسلم قال" :ثلث فيه ّ
وخلط الب ُّر بالشعير للبيت ل للبيع") .اخرجه ابن ماجه في
التجارات ،باب :الشركة والمضاربة ،رقم.(2289 :
وهذه الحاديث وان كان في سند كل منها ضعف ،لكنها
بمجموعها تقوي فتصبح مقبولة صالحة للحتجاج بها ،ولسيما وقد
ايدها عمل الصحابة رضى الله عنهم وإجماعهم على مشروعية
هذا العمل.
)(61
وإليك نماذج من هذا العمل:
روى زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال :خرج عبدلله وعبيد الله
ابنا عمر بن الخطاب – رضى الله عنهم – في جيش الى العراق ،
فلما قفل مّرا على ابي موسى الشعري رضى الله عنه – وهو
أمير البصرة – فرحب بهما وسّهل ،ثم قال :لو أقدر لكما على
أمر أنفعكما به لفعلت .ثم قال :بلى ،هاهنا مال من مال الله
أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين ،فأسلفكماه ،فتبتاعان به
متاعا ً من متاع العراق ،ثم تبيعانه بالمدينة ،فتؤديان رأس المال
الى أمير المؤمنين ويكون الربح لكما .فقال :وددنا ذلك .ففعل ،
وكتب الى عمر بن الخطاب أن يأخذ منهما المال .فلما قدما باعا
فأربحا ،فلما دفعا ذلك الى عمر قال :أكل الجيش أسلفه مثل ما
أسلفكما؟ قال :ل ،فقال عمر بن الخطاب :أبنا أمير المؤمنين
ديا المال وربحه .فأما عبدالله فسكت ،واما عبيد فأسلفكما ،أ ّ
الله فقال :ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا ،لو نقص هذا المال
دياه ،فسكت عبدالله وراجعه او هلك لضمناه .فقال عمر :أ ّ
عبيدالله ،فقال رجل من جلساء عمر :يا أمير المؤمنين لو
جعلته قراضا ً ،فقال عمر :قد جعلته قراضًا ،فأخذ عمر رأس
المال ونصف ربحه ،واخذ عبدالله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب
نصف ربح المال.
ده :ان عثمان –
وعن العلء بن عبدالرحمن عن ابيه عن ج ّ -
رضى الله عنه – اعطاه مال قراضا ً يعمل فيه ،على أن
الربح بينهما.
)اخرجهما مالك في الموطأ :اول كتاب القراض ،باب :ما
جاء في القراض .2/687 :والبيهقي في السنن :كتاب القراض:
.(6/111
وعن حكيم بن حزام رضى الله عنه :أنه كان يشرط على -
الرجل إذا اعطاه مال ً مقارضة يضرب له به :ان ل تجعل
مالي في كبد رطبة ،ول تحمله في بحر ،ول تنزل به بطن
مسيل ،فإن فعلت شيئا من ذلك فقد ضمنت مالي) .اخرجه
البيهقي في السنن :القراض.(6/111 :
فهذه الثار عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
تدل على تعاملهم بالقراض ،وجرت منهم على علم ومسمع من
)(62
غيرهم ،ولم ينقل عن أحد منهم إنكار لها ،فصار ذلك إجماعا ً على
مشروعيته.
وعلى هذا أجمعت المة في جميع العصار.
حكمة مشروعيته:
علمنا ان حكمة مشروعية الشركة عامة هو تنمية المال،
وتحقيق التعاون بين أفراد المجتمع ،وتحقيق التكامل بين
من لديه المالالقدرات والمكانيات والكفايات ،بالستفادة م ّ
من لديه الخبرة
الكثير وقد تكون الخبرة لديه قليلة ،والستفادة م ّ
ل ،الى غير ذلك من الصور.الواسعة وربما كان المال لديه قلي ً
م
وهذا المعنى في الشركة عامة يوجد في المضاربة على ات ّ
وجه وأعلى نسبة ،لما فيها من تحصيل المال اصل ً لمن ل يوجد
لديه غالبا ،وتحقيق الفائدة لمن عنده المال ول خبرة عنده اص ً
ل،
فكانت الحاجة ماسة الى هذا النوع من الشركة ،لتحقيق التعاون
والنفع بين هذين الصنفين من الناس ،ورعاية للمصلحة العامة
في الستفادة من وظيفة المال التي هي قوام معاش الناس،
والخبرة التي وهبها الله عز وجل لتسخر في أمور الناس:
"ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا".
)الزخرف.(32 :
)(63
أركان عقد المضاربة:
أركان عقد المضاربة ثلثة :صيغة ،وعاقدان ،ورأس مال.
)(64
ح
(2ويشترط أن يكون رأس المال معلوم المقدار ،فل تص ّ
المضاربة على مال مجهول القدر ،كي ل يكون الربح
مجهو ً
ل.
مة،
ح المضاربة على مال في الذ ّ ان يكون معينًا ،فل تص ّ (3
إل إذا أخرجه في مجلس العقد وعينه ،وكذلك ل تصح على
دين له في ذمة العامل ،إل إذا نقده في المجلس ايضًا.
(4ان يكون مسّلما ً الى العامل ،أي أن يكون في يد العامل
وهو وحده الذي يتصرف فيه ،فل يصح اشتراط أن يكون
المال في يد المالك أو غيره ،ليعطى العامل منه ثمن ما
يشتريه في كل صفقة ،كما ل يصح ان يشترط عليه مراجعة
صاحب المال في كل تصرف ،لنه قد ل يجده عند الحاجة
الى ذلك ،فيكون في ذلك تضييق عليه وإضرار به.
)(65
لحدهما خاصة فسدت الشركة ،لمخالفة هذا الشرط لمقتضى
العقد.
ولو شرط ان يكون الربح كله للعامل فسد العقد ،وكان
الربح كله لصاحب المال ،واستحق العامل اجرة مثله ،لنه عمل
طامعا ً في المنفعة والربح.
ولو شرط ان يكون الربح كله لصاحب المال فسد العقد
ايضًا ،ولم يكن للعامل شئ ،لنه يعتبر متبرعا ً في هذه الحالة
بالعمل ،إذ لم يكن لديه طمع في أن يحصل على شئ من الربح.
ويشترط ان يكون نصيب كل منهما من الربح
معلوم القدر بالجزئية ،أي ان يكون نصيبا شائعا معلوما،
كالربع مثل ،او خمسين في المائة ،او اكثر او اقل.
فل يصح العقد اذا لم يكن نصيب كل منهما من الربح
معلوما ،لن الربح في هذا العقد هو المقصود ،فهو محل العقد،
أي المعقود عليه ،وجهالة المعقود عليه توجب فساد العقد،
كجهالة المبيع في البيع.
ح العقد إذا كان الربح المشروط لحدهما قدرا ً
وكذلك ل يص ّ
معينا بالعدد ،كأن يشرط ان يكون لحدهما ألف مثل من الربح ،او
اكثر او اقل ،لحتمال ان ل يكون الربح كله اكثر من هذا المقدار،
فيختص به من شرط له ،فل يتحقق اشتراكهما في الربح ،فل
تكون شركة ،ول يكون التصّرف قراضا او مضاربة ،فيفسد العقد،
وفي هذه الحالة يكون الربح كله لصاحب المال ،ويكون للعامل
اجرة مثله.
وكذلك الحال لو شرط للعامل نصيب جزئي من الربح
ومقدار معين منه ،كأن يشرط له راتب شهري قدره الف – مثل
– وخمسة في المائة من الربح ،للمعنى المذكور قبله ،واحتمال
أن ل يكون الربح أكثر مما عّين له.
وعليه يتّبين فساد الكثير من تصرفات الناس في هذا
الزمن ،حيث يتعاقدون مع من يعمل بأموالهم ،على ان يتقاضى
راتبا شهريا معينا ،ويكون له نسبة معينة من الرباح عند الجرد
السنوي او غيره.
وكذلك يشترط أن يكون الربح خاصا بهما ،أي بصاحب المال
والعامل ،ول يجوز ان يشرط جزء منه لغيرهما ،ال اذا شرط عليه
)(66
مل َْين أو
ان يعمل مع العامل ،فيكون قراضا بين صاحب المال وعا ِ
أكثر.
استقلل العامل بالتصّرف والعمل: -3
ح المضاربة إذا شرط فيها ان أيشارك صاحب المال فل تص ّ
العامل ي العمل والتصرف ،لن شرط ذلك يعني بقاء المال
على يد صاحب المال ،وقد علمنا انه يشترط ان يكون المال في
يد العامل.
فإذا لم يشرط ذلك ،واستعان العامل بصاحب المال في
العمل ،جاز ذلك ،لن الستعانة به ل توجب خروج المال من
العامل إليه.
يد العامل المضارب:
)(67
-2ل يسافر بالمال إل بإذن من صاحبه ،لن السفر يغلب فيه
الخطر على المال ،فإن اذن له جاز بحسب الذن ان قّيده،
وإن أطلق الذن سافر الى البلد المأمونة بحسب ما جرت
به عادة التجار.
-3ل يبيع بالنسيئة ،أي بتأجيل الثمن الى أجل ،إل إذا أذن له
المالك بذلك ،لحتمال تلف المال في هذا.
-4ل يجوز له ان يقارض عامل ً آخر ليشاركه في العمل والربح
على الصح ،حتى ولو أذن له صاحب المال بذلك ،لن
موضوع القراض :أن يكون أحد العاقدين مالكا ً ل عمل له،
والخر عامل ً ل ملك له ،ومقارضة العامل لخر على خلف
ذلك ،إذ إنه يجري بين عاملين ل ملك لهما.
فإذا حصل مثل ذلك كان العقد الثاني باط ً
ل ،وبقى العقد
الول على صحته ،فإن تصّرف العامل الثاني بما دفع له من مال
كان له ُأجرة مثله من صاحب المال ،وكأن ربح المال الذي دفع
له كله لصاحب المال ،وليس للعامل الول منه شئ لنه لم يعمل
شيئا لتحصيله.
-5ل ينفق على نفسه مال المضاربة حال القامة في بلده قول ً
واحدًا ،لن العرف ل يقضي بذلك ،ولن النفقة قد تستغرق
الربح كله ،فيلزم من ذلك انفراد العامل به دون صاحب
المال ،وهذا ينافي شروط هذا العقد ،وإذا لم تستغرقه لزم
ص بجزء معين من الربح ،وهذا ينافيه ايضًا.
أن يخت ّ
والظهر أنه ليس له النفاق ايضا حال السفر ،للمعنى
المذكور .وقيل :له ان يأخذ ما يزيد على النفقة بسبب السفر إذا
أنفق بالمعروف.
وقال الحنفية رحمهم الله تعالى :له ان يأخذ جميع نفقته من
مال المضاربة إذا سافر ،لنه اصبح بالسفر محبوسا ً لها ،فاستحق
النفقة مقابل احتباسه.
ول نرى مانعا ً من ا لخذ بهذا الرأي إذا دعت الحاجة إليه ،
على أن يشرط ذلك في العقد ،لن شرط مثل ذلك في العقد
يفسده.
)(68
ما على العامل فعله:
على العامل ان يقوم بكل عمل يلزم للمضاربة إذا كان من
جار ونحوهم القيام بهعادة أمثاله القيام به ،أو كان من عادة الت ّ
بأنفسهم ،حتى ولو لم يعتد هو بالذات فعل ذلك.
لجرة فيفإذا استأجر على القيام بما يلزمه عرفا ً كانت ا ُ
ماله خاصة ،ل في مال القراض ولو شرط على المالك الستئجار
ح العقد ،لنه شرط ينافي مقتضى عليه من مال المضاربة لم يص ّ
العقد ،إذ أن مقتضاه أن غير المالك للمال هو الذي يقوم
بالعمل ،وما ل يلزمه القيام به من العمل حسب العُْرف له ان
يستأجر عليه من مال المضاربة ،لنه من تتمة التجارة ومصالحها،
والعُْرف ل يلزمه بالقيام به ،حى ولو اعتاد فعله ،ولكن لو قام
به بنفسه كان متبرعًا ،ولم يجز له ان يأخذ اجرة مثله من مال
المضاربة ،لنه يكون قد استأجر نفسه ،وذلك غير صحيح.
متى يملك العامل حصته من الربح؟
من
إذا طرأ على رأس مال المضاربة بعد العقد نقص ،ف ّ
يتحمل هذا النقص؟
للجواب على ذلك نقولُ :ينظر:
)(69
فإن كان النقص قد طرأ قبل تصرف العامل به ودون تّعد -
منه أو تقصير :فالصح أنه يكون من رأس المال ،ويتحمله
المالك ،لن عقد المضاربة يتأكد بالعمل والتصرف ،وذلك لم
يحصل بعد.
وان طرأ النقص بعد التصرف ُينظر: -
فإن كان ذلك بسبب رخص السعار بعد الشراء به ،او عيب •
حدث كمرض في الحيوان او فساد في الثمار مثل ،فهو
محسوب من الربح ومجبور به ما امكن قول ً واحدًا ،لقتضاء
العُْرف ذلك ،ولن الربح وقاية للمال كما علمنا.
وان كان ذلك النقص حصل بسبب آفة سماوية كحريق او •
غريق ونحو ذلك ،او غصب او سرقة ،فالصح – أيضا ً – أنه
يحسب من الربح وُيجبر به.
انتهاء عقد المضاربة:
)(70
الربح .بخلف ما لو مات العامل ،فإنه ليس لورثته تنضيض
المال ال بإذن المالك ،لنه لم يرض بتصرفهم ،وانما رضى
بتصرف مورثهم.
-3جنون أحد العاقدين أو إغماؤه ،وإن زال ذلك عن
قرب ،لن كل منهما لو قارن العقد لم يصح ،فكذلك اذا طرأ
عليه قطعه .ويقوم العامل بتنضيض المال لو كان الذي جن
أو أغمى عليه المال ،وولى العامل بإذن المالك لو كان الذي
جن أو أغمي عليه العامل.
-4هلك رأس مال المضاربة :لنه محل العقد ،فإذا هلك
لم يبق معنى للعقد ،وسواء أكان ذلك التلف بآفة سماوية
كالحريق والغريق ،ام بإتلف المالك ،ام العامل ،ولكن
مت ِْلف هو المالك.
يستقر نصيب العامل فيما اذا كان ال ُ
فإذا كان المتلف هو العامل :فإذا لم ُيؤخذ منه البدل انتهت
المضاربة ،وأن ُأخذ منه البدل استمرت .وكذلك المر إذا اتلفه
غيرهما :إن لم يؤخذ منه بدل انتهت المضاربة ،وإن ُأخذ منه بدل
لم تنته.
والمطالب بالبدل في هذه الحالة :المالك إن لم يكن ربح،
فإن كان ربح كانت المطالبة للمالك والعامل ،لنهما مشتركان
في البدل.
اختلف العامل والمالك:
)(71
-4ولو أختلفا في دعوى تلف رأس المال :فقال المالك :تلف
دق
بتعد ّ او تقصير ،وقال العامل :بل بل تعد ّ ول تقصير ،ص ّ
العامل بيمينه ،لنه مؤتمن ،والصل عدم الخيانة والضمان.
ده ،والمالك
دعى العامل ر ّ -5ولو اختلفا في رد ّ رأس المال :فا ّ
ده ،صدق العامل بيمينه ،لنه مؤتمن ،وكل امين عدم ر ّ
صدق بيمينه. ادعى الرد على من ائتمنه ُ
-6ولو ادعى المالك بعد تلف المال انه قرض ،وادعى العامل انه
قراض ،صدق المالك بيمينه ،لن العامل اعترف بالقبض
وادعى سقوط الضمان ،والصل عدم سقوطه.
ومثله :لو ادعى العامل القراض ،وادعى المالك التوكيل ،
صدق المالك بيمينه ،لنه اعلم بقصده .ول اجرة للعامل ،
لنه مقر بعدم استحقاق الجر.
-7ولو اختلفا في المشروط له :أهو الربع أم الثلث ونحو ذلك؟
دعاه ،لختلفهما في تحالفا ،أي حلف كل منهما على ما ا ّ
وض العقد مع اتفاقهما على صحته ،فكل منهما مد ٍّع ع َ
ِ
دعى عليه ،فيحلف كل منهما على إثبات دعواه ونفى وم ّ
دعوى الخر ،فإذا حلفا كان للمالك جميع الربح لنه نماء
مْلكه ،وللعامل اجرة مثل عمله ،لنه ل يمكن رجوعه بعمله،
فيرجع بقيمته ،وهي ُأجرة المثل.
)(72
الباب السادس
الوديعة
)(73
عة
الوَدي َ
تعريفها:
هي – في اللغة – ترك الشئ عند غير صاحبه ليحفظه،
دع وهو الت َْرك ،ورد
وتطلق على الشئ المتروك .مشتقة من الوَ ْ
ن الله
معات ،او ليختم ّ ج ُ
ن أقوام عن ودعهم ال ُ في الحديث" :لينتهي ّ
ن من الغافلين") .مسلم :في الجمعة، على قلوبهم ،ثم ليكون ُ ْ
باب :التغليظ في ترك الجمعة ،رقم.(865:
والمراد بقوله" :ودعهم الجمعات" أي صلة الجمعة ،وتكرار
ذلك منهم.
وهي في الصطلح الشرعي :تطلق ويراد بها الشئ
المودوع ،كما تطلق بمعنى العقد وهو اليداع ،وهذا هو المقصود
في الباب غالبًا ،وهي بهذا المعنى :توكيل في حفظ مملوك ،او
محترم مخصوص ،على وجه مخصوص.
ح تملكه شّرعا ،كالعيان الطاهرة والمراد بالمملوك :ما يص ّ
ح تمّلكه
والمباحة الستعمال ،وبالمحترم المخصوص :ما ل يص ّ
شرعًا ،ولكن يصح وضع اليد عليه والختصاص به ،كالكلب
المعّلم ،ومعنى محترم :أي غير مأمور بإتلفه.
وسنوضح هذا عند الكلم عن أركان الوديعة.
مشروعيتها:
الوديعة مشروعة ،وقد د ّ
ل على مشروعيتها القرآن والسنة
والجماع:
)(74
يكون المؤتمن موضع حسن ظن من ائتمنه ،فيحفظ ما استودع
عنده او اؤتمن عليه ،ويرده على صاحبه.
والمر برد ّ المانات وحفظها يتضمن الخبار بمشروعيتها.
)(75
وقد يكون أحدهم يريد سفرا ً لقضاء مصالحه ،ول يأمن أن
يترك ماله وما لديه دون رعاية أو اشراف.
وكذلك قد يكون المرء في السوق ،فيشتري من السلع ما
ددة ،ول يتمكن من حمل هذه المتعة يحتاج اليه من مواضع متع ّ
من يحفظها له ألى أن
ول بها من مكان لخر ،فيستودعها َ والتج ّ
يقضي عمله.
وكثيرا ما يقتني الناس سلعا ،قد ل يحتاجونها الن ،وإنما
يحتاجون اليها في مستقبل اليام ،ول يجدون المكان الذي
يحفظونها فيه في دورهم ونحوها.
فالحاجة داعية في كل ما سبق الى اليداع والستيداع،
والله تعالى يقول" :يريد الله بكم اليسر ول يريد بكم العسر"
)البقرة . (185:فمشروعية الوديعة تيسير ومنعها عسر ،وهو
سبحانه يقول) :وتعاونوا على البر والتقوى ول تعاونوا على الثم
والعدوان( )المائدة . (2:وفي مشروعيتها تعاون على البر ،ومنع
من الثم والعدوان ،والله تعالى أعلم.
حكمها:
يتناول الوديعة الحكام الخمسة ،وهي:
الستحباب :فالصل في الوديعة انها مستحبة ،أي -1
مندوبة ،وذلك إذا كان الوديع قادرا ً على حفظها ،واثقا من
من هو مثله في المانة أمانة نفسه ،وكان يوجد غيره م ّ
والقدرة على الحفظ ،وذلك لما فيها من عون المسلم
لخيه ،ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :والله في
عون العبد ما دام العبد في عون اخيه" ) .مسلم :الذكر
والدعاء ،باب :فضل الجتماع على تلوة القرآن ،..رقم:
.(2699
الوجوب :ويصبح قبول الوديعة واجبا ً على الوديع ،اذا -2
عرضت عليه وكان امينا واثقا من امانة نفسه وقدرته على ُ
حفظها ،ول يوجد غيره مثله ،لن في عدم قبوله لها تضييعا
للمال ،وفي قبولها صيانة لمال غيره ،ورسول الله صلى الله
عليه وسلم نهى عن اضاعة المال ،وبّين حرمة مال المسلم
فقال" :حرمة مال المؤمن كحرمة دمه" .فكما يجب على
)(76
المسلم ان يدافع عن اخيه ويصونه من ان يسفك دمه كذلك
يجب عليه ان يحافظ على ماله ان خاف ضياعه.
الكراهة :وقد يكون قبول الوديعة مكروها في حق الوديع، -3
وذلك اذا كان امينا وقت عرضها عليه ،ولكنه ل يثق ان يبقى
امينا في المستقبل ،فيكره له قبولها خشية الخيانة فيها
وتضييعها على مالكها.
التحريم :أي يحرم على الوديع قبول ايداع ما عرض عليه -4
ايداعه ،وذلك اذا كان يعلم من نفسه العجز عن حفظها ،لن
في قبوله للوديعة – والحالة هذه – تضييعا لها ،وتعريضها
للتلف ،فيدخل تحت النهي عن اضاعة المال.
الباحة :بمعنى ان للوديع ان يقبل اليداع وله ان ل يقبل ، -5
ويستوى الحال بالنسبة اليه ،وذلك في حال انه ل يثق
بأمانته في المستقبل ،او كان عاجزا عن حفظ الوديعة ،
وعلم المالك المودع بحاله ،ورضى بإيداعها عنده.
)(77
ح استيداع غير المسلم مصحفًا ،لنه ل يم ّ
كن وكذلك ل يص ّ
سه ،فلو أود َع َ أحد شيئا عند واحد من هؤلء فتلف،
من حمله وم ّ
صر فيصر الوديع في الحفظ ،لن الموِدع قد ق ّ لم يضمن ،وإن ق ّ
اليداع عنده.
-2الصيغة :وهي اليجاب والقبول :وذلك بأن يقول المالك
الموِدع :أودعتك هذا الثوب ،ويقول الوديع :قبلت ،ويمكن
دم كلم الوديع على كلم الموِدع ،كأن يقول :أوِدع
ان يتق ّ
عندي ثوبك هذا ،فيقول :أودعت.
ول يشترط ان يكون لفظ من العاقدين ،بل يكفي ان يكون
لفظ من أحدهما وفعل من الخر .فلو قال المودع :أودعت
كتابي هذا عندك ،فأستلمه الوديع كفى .وكذلك لو قال الوِديع:
أودع عندي متاعك هذا ،فدفعه إليه المودع المالك ولم يتكلم ،
حت الوديعة.
ص ّ
ول يشترط ايضا ً أن يكون صريحا ً في الوديعة ،بل يكفي ان
يكون اللفظ كناية ،مع نّية الوديعة ووجود قرينة تدل عليها .كأن
يقول :ضع لي هذا عندك ،او خذه أمانة ،او أن َب ُْتك في حفظه ،
ويقبضه الوديع.
دع :ويطلق عليه لفظ الوديعة في اكثر
-3الشئ المو َ
الحيان.
ويشترط فيه أن يكون محترما ً ،أي مملوكا ً أو محرزا ً ،ولو
ول شرعًا ،كحبات قليلة من الحنطة لم يكن ما ً
ل ،أي غير متم ّ
ل ،أو كان نجسًا ،ككلب صيد أو زبل. مث ً
فلو كان غير محترم شرعًا ،كخنزير او آلة لهو ،فل يجوز
إيداعه ول استيداعه ،ول تنطبق عليه أحكام الوديعة.
)(78
الحكام ،باب :ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الصلح ،..رقم.(1352 :
وعلى الوديع أن يحفظ الوديعة في حرزِ مثلها ،في مكان
ة .وكذلك عليه ان يحفظها بنفسه ،وليس له امين ُتحفظ فيه عاد ً
أن يحفظها بغيره كولده أو زوجته أو أجيره ،لن الموِدع قد
ض بأمانة غيرهرضى بأمانته وان يجعل متاعه تحت يده ،ولم ير َ
ويده .فإذا أذن له المالك بحفظه بغيره جاز له ذلك ،وكذلك إذا
كان له عذر في هذا ،كما اذا طرأ له سفر او وقع حريق ،ولم
يستطع رد ّ الوديعة إلى المالك ،أو وكيله أو القاضي ،فله ان
يدفعها الى من يحفظها.
-2عقد الوديعة عقد جائز :أي لك ّ
ل من العاقِد ِْين فسخه
متى شاء دون إذن العاقد الخر ،فللموِدع ان يسترد ّ
دها عليه ايضا متى شاء. الوديعة متى شَاء ،وللوديع ان ير ّ
دها له عند طلبه قدرفإذا طلبها المالك وجب على الوديع ر ّ
المكان ،لقوله تعالى" :إن الله يأمركم ان تؤدوا المانات
دها حمَلها إلى صاحبها،الى اهلها" )النساء (58 :ول يعني ر ّ
وانما المراد ان يخلي بينه وبينها.
-3صفة يد الوديع :يد الوديع على الوديعة يد امانة ،أي ل
يضمنها اذا تلفت عنده ل اذا فرط في حفظها او تعدى عليها
،ودليل ذلك:
دع غير
قوله صلى الله عليه وسلم " :ليس على المستو َ -
ل ضمان") .اخرجه الدارقطني في البيوع ،رقم.(167 :مغِ ّ
ال ُ
ولنه لو كان ضامنا ً لمتنع الناس عن قبول الودائع ،فيكون -
في ذلك حرج على المة.
سن – وان كان قد التزمه –
مح ِ
ولن الوديع متبرع بالحفظ و ُ -
والله تعالى يقول) :ما على المحسنين من سبيل( )التوبة:
.(91
ولن يده على الوديعة تقوم مقام يد المالك ،فكان هلكها -
من يد المالك.
وعلى هذا :لو أودعه على انه ضامن مطلقًا ،أو أنه غير
ضامن مطلقًا ،لم يص ّ
ح اليداع.
)(79
متى ُتضمن الوديعة؟
علمنا أن الوديعة أمانة في يد الوديع ،ل يضمنها اذا تلفت
بدون تعد ّ منه عليها ،او تقصير في حفظها ،هذا هو الصل ،وقد
تصبح مضمونة عليه في الحالت التالية:
.1إذا أودعها عند غيره ،بل اذن من المودع ول عذر ،كما
سبق ،فإنها تصبح مضمونة عليه.
ح إيداعها
من ل يص ّفإذا أودعها – في هذه الحالة – عند َ
منمن أيهما شاء ،فإن ض ّعنده ،فهلكت ،كان للمالك ان ُيض ّ
الثاني وكان جاهل ً بالحال رجع على الول بما ضمن ،لنه وديع
د ،فل يضمن .وأن كان عالما ً أن الذي أودع عنده ليس غير متع ّ
بمالك ،وإنما يودع عنده وديعة غيره وبدون إذنه ،لم يرجع عليه
بما ضمن ،لنه في هذه الحلة غاصب ل وديع.
.2ترك الحفظ :علمنا أن واجب الوديع حفظ الوديعة،
فإذا ترك ذلك ،ثم هلكت الوديعة كان ضامنا ً لها،
ويكون ترك الحفظ بما يلي:
بنقل الوديعة من مكان الى مكان آخر دونه في الحرز ،لن أ-
في ذلك تعريضا لها للتلف ،فإذا كان ما نلت اليه مساويا ً
لما نقلت منه في الحرز ،او أحرز منه ،فل ضمان عليه ،لن
من رضى بحرز رضي بمثله ،ورضى بما هو احرز منه من َ
باب أولى ،إل إذا نهاه المودع عن نقلها ،أو كان الطريق
فيه خطر عليها ،فإنه يضمن في الحالتين ان نقلها وتلفت ،
لن ذلك تعد ّ منه وتقصير.
ب -ويكون ترك الحفظ ايضًا :بترك دفع الخطار عنها وما يتلفها،
لن دفع مثل ذلك عن الوديعة واجب ما أمكن ،لنه من
جملة حفظها ،وذلك كما لو أودعه حيوانًا ،فترك علفه أو
دة يموت مثله فيها ،فمات فإنه يضمنه ،سواء أمره سقيه م ّ
المالك بعلفه وسقيه أم سكت ،لن ذلك واجب عليه حقا لله
تعالى ،وبه يحصل الحفظ الذي التزمه بقبوله اليداع.
وكذلك لو كانت الوديعة مما يحتاج الى تعريض للشمس
والريح كالصوف مث ً
ل ،او وضع عقاقير لتحفظه .فإن نهاه المالك
عن دفع ما يسّبب إتلف الوديعة ،فترك ذلك وتلفت ،فإنه ل
يضمن على الصحيح ،لن المالك هو الذي أذن في إتلف ما
)(80
يملك .واذا كانت الوديعة حيوانا أثم بدفع التلف عنه ان امره
حرمة الروح ولم يضمن . المالك بهذا ،ل ُ
.3استعمال الوديعة والنتفاع بها :بأيّ وجه من وجوه
الستعمال والنتفاع ،فيضمنها إذا تلفت ولو بعد ترك
دى باستعماله مْلك غيره بغيرالستعمال والنتفاع ،لنه تع ّ
دي ارتفع الحكم الصلي للوديعة وهو كونها أمانة إذنه ،وبالتع ّ
في يده ،فل يعود ال بتجديد للعقد ،فإذا تلفت قبل تجديد
العقد كانت مضمونة عليه.
.4السفر بالوديعة :اذا طرأ للوديع سفر من بلد اليداع فليس
له أن يسافر بالوديعة ،لن واجبه حفظها في الحرز والسفر
دها
ليس من مواضعه ،فيجب عليه – في هذه الحالة – ر ّ
على مالكها أو وكيله إن كان غائبا ً ،فإن كانا غائب َْين وجب
عليه ان يدفعها الى الحاكم ان كان يؤتمن عليها ،وال دفعها
الى أمين يحفظها.
ذكر كانمن ُمن يمكن دفعها اليه م ّ فإن سافر بها مع وجود َ
ضامنا ً لها ،وإن لم يجد احدا منهم كان معذورا أن يسافر بها ،لن
ً
من ل يؤتمن عليها. السفر بها أحوط في حفظها من تركها عند َ
من من طرأ له السفر هو حكم َ وهذا الذي ذكر في حق َ
ه أسباب الوفاة ،فإن ضَرت ْ ٌ مرض مرضا ً يخاف منه الموت ،ومن َ
ح َ
من يدفعها إليه أوصى بها ،وإل كان ضامنا ً لها إذا تلفت لم يجد َ
بعد الموت لنه يعّرضها للفوات على مالكها بترك ما ذكر ،إذ قد
دعي الوارث أنها ملك موّرثه ،اعتمادا ً على الظاهر ،لنها تحت ي ّ
وزته. ح ْ
يده وفي َ
.5انكار الوديعة بغير عذر :فإذا طلب المودع الوديعة ،فأنكر
الوديع أن له وديعة عنده ،ثم تلفت ،فإنه يضمنها حتى ولو
عاد فاعترف بها بعد النكار ،لنه بإنكاره صار غاصبا ً لها،
ويد الغاصب يد ضمان ،وقد ارتفع عقد الوديعة بالنكار ،فل
يعود ال بالتجديد.
فإن كان له عذر بالنكار فإنه ل يرتفع به عقد الوديعة ،
وتبقى امانة في يده ،فإذا تلفت ل يضمنها ،وذلك كما إذا أجبر
المالك على طلبها غاصب او ظالم ،وعلم الوديع أنه إن اعترف
دها الملك وانتزعها منه غير المحق بأخذها ،فأنكرهابها استر ّ
)(81
ظاهرا ً دفعا ً للضرر عن المالك ،ثم تلفت بعد هذا ،فإنه ل
د.
يضمنها ،لنه غير متع ّ
دها بعد الطلب :علمنا ان الوديعة عقد .6المتناع من ر ّ
جائز ،ويترتب على ذلك :أن المودع له ان يفسخه ويطلب
دها
رد ّ الوديعة ،وفي هذه الحالة يجب على الوديع ان ير ّ
عليه فورًا ،أي أن يخّلي بينه وبينها كما علمنا .فإن امتنع عن
دى بحبس ملك خره من غير عذر ضمن ،لنه تع ّ دها او أ ّ
ر ّ
خر ذلك لعذر: ،كأن طلبها غيره بغير عذر ول رضا ّ منه فإن أ ّ
دها عليه أند ،او خشى إن ر ّ في وقت ل يتمكن فيه من الر ّ
يغصبها منه متسّلط ،ونحو ذلك ،فإنه ل يضمن.
.7خلط الوديعة بغيرها :على الوديع أن يحفظ الوديعة في
حرز مثلها ،دون أن يخلطها بماله او متاعه الذي ل تتميز
عنه إذا خلطت به ،فإذا خلطها -او اختلطت بنفسها دون
دى بخلطها ،والمالك لم قصد منه – فإنه يضمنها ،لنه تع ّ
ما اختلطت به او ض باختلطها بغيرها .فإذا كانت تتمّيز ع ّ ير َ
خلطت ،كأن كانت دراهم فاختلطت بدنانير ،او نقود
سورية اختلطت بغيرها ،فإنه ل يضمنها ،لسهولة تمييزها ،
فإن كان تمييزها صعبًا -كما لو كانت قمحا فاختلطت بشعير
– فإنه يضمنها ،لعسر تمييزها ،فهو في حكم عدم التمييز.
وفي حال الضمان :يضمن مثلها ان كانت مثلية ،أو قيمتها
إذا لم تكن مثلية ،ولكن يضمنها بأغلى القيم من يوم اليداع الى
وقت التلف كالمغصوب ،وتصبح ملكا ً له.
.8مخالفة شرط الموِدع :كما إذا أمره أن يحفظ الوديعة
بمكان معين أو بطريقة معينة ،فخالف في هذا وحفظها في
مكان غيره ،أو بطريقة ُأخرى ،فتلفت بسبب هذا التغيير ،
فإنه يضمنها ،لن التلف حصل من جهة مخالفته.
ومن ذلك ما إذا خالف ما هو المعتاد في الحفظ ،كما لو
سرقت ،وضع على الصندوق قفلين ،وقد كان يضع قفل ً واحدا ً ،ف ُ
فقيل :إنه يضمن ،لنه بذلك اغرى السارق بنفاسة ما فيه ،
والصح أنه ل يضمن ،لن ما فعله مزيد احتياط في الحفظ.
)(82
إذا أودع رجل وديعة عند اثنين:
فإن كانت مما ُيقسم – كالنقود مثل ً – فلهما أن يقسماها،
ويأخذ كل واحد منهما نصفه ويحفظه عنده ،فإن دفعها أحدهما
ن نصفها ،لن المالك رضى بحفظهما للجميع ولم م َ
ض ِ
للخر كاملة َ
يرض بواحد منهما ،وقيل :ل يضمن لن المالك رضى بأمانتهما،
فكان لكل واحد منهما ان يدفعها للخر.
وإن كانت مما ل يقسم :جاز لكل واحد منهما أن يدفعها الى
الخر ،ول ضمان عليه قول ً واحدًا ،لنه ل يمكن حفظها ال في
مكان واحد ،والمالك يعلم أنهما ل يجتمعان على حفظها دائمًا،
فكان دفعه لها دليل على رضاه بحفظ احدهما.
إيداع الثنين عند واحد:
ة عند وديع واحد ،ثم جاء أحدهما يطلبإذا أودع اثنان وديع ً
استردادها ،او استرداد نصيبه منها ،فهل للوديع ان يجيبه الى
طلبه؟
والجواب :انه ليس للوديع ان يدفع اليه شيئا منها ،لنهما
اتفقا على اليداع ،فينبغي ان يتفقا في السترداد ،فإذا اراد ان
يسترد نصيبه خاصة رفع المر الى القاضي ،ليقسم الوديعة ويرد
اليه نصيبه.
انتهاء الوديعة:
دع للشئ المودع ،كما تنتهي
تنتهي الوديعة باسترداد المو َ
برد ّ الوديع له على المودع ،وان كان يحرم على الوديع ردها حيث
وجب القبول ولم يرد المالك الرد ،كما يكره حيث ندب القبول
ولم يرد المالك الرد.
كما تنتهي بموت المودع او الوديع ،لن العقد جرى بينهما.
جر على
ح ْ
وكذلك تنتهي بجنون احدهما او اغمائه ،وبال َ
المودع لسفه ،وكذلك بالحجر على الوديع لفلس.
وتنتهي ايضا ً بنقل المالك ملكيتها إلى غيره ببيع او هبة او
نحو ذلك.
)(83
وبانتهاء الوديعة يرتفع حكمها ،وفي حال انتهائها بغير
الرد او السترداد تصبح أمانة شرعية في يده كالضّالة ،فيجب
كنه من ذلك، دها لمالكها او ولّيه – ان عرفه – فورا عند تم ّعليه ر ّ
ّ
وان لم يطلبها ،والمراد بالرد ّ هنا العلم بها أو بمحلها ،فإن غاب
صر في هذا ضمنها ،ان دها للقاضي المين ،فإن ق ّ ذكر ر ّمن ُ
تلفت في يده بعد إنتهاء الوديعة.
)(84
الباب السابع
َ
اللقطة
)(85
اللقطَة
تعريفها: ♦
اللقطة في اللغة – بضم اللم وفتح القاف – هي الشئ
قط أي المأخوذ من الرض ،قال تعالى في شأن موسى الملت َ َ
عليه السلم) :فالتقطه آل فرعون) (...القصص(8:
وفي اصطلح الشرع :هي مال أو اختصاص محترم ،وجد
في مكان غير مملوك ،لم يحرز ول عرف الواجد مستحقه.
فقولنا) :اختصاص( أي شئ ل يملك شرعًا ،ولكن يمكن أن
ل. ص به مكل ّ ٌ
ف ما ،كالكلب مث ً يدخل تحت اليد ويخت ّ
وقولنا) :محترم( صفة للمال والختصاص ،أي أن يكون
المال محترمًا ،أي معتبرا ً شرعًا ،فنحو آلت اللهو والخمر
والخنزير ليس بمال محترم ،وكذلك مال الحربي .والختصاص
المحترم نحو كلب صيد او حراسة ،فإذا لم يكن كذلك فليس
بمحترم.
وقولنا) :لم يحرز( أي ليس عليه علمات الحفظ والحراز،
وأنه وضع في هذا المكان لحفظه ،أو أن المكان غير محرز ،أي
محاطا ً ولم يتخذ لحفظ الشياء فيه.
ليس ُ
)(86
وهناك أحاديث أخرى تأتي خلل البحث.
حكمها: ♦
إذا وجد المسلم لقطة – أي شيئا ساقطا ً على النحو الذي
عرفت – فهل يلتقطه او يتركه ؟ والجواب:
ب له اللتقاط إذا كان واثقا ً من أمانة نفسه ،ويخشى
يستح َ
ان يضيع هذا الشئ على صاحبه إن لم يلتقطه ،حفظا ً لمال أخيه
كما علمت.
فإن لم يخف عليها الضياع كان التقاطها مباحًا ،له أن يأخذها
وله ان يدعها.
)(87
وإن تيقن ضياعها ،لمعرفته بعدم وجود أمين غيره في ذاك
الموضع ،وجب عليه التقاطها ،لن حفظ مال المسلم واجب.
ول لهل ،وخشي ان تس ّوإن لم يثق بأمانة نفسه مستقب ً
نفسه أكلها ،كره له التقاطها ،وإن علم من نفسه الخيانة ،وأنه إن
التقطها سيلتقطها لنفسه ،ل ليحفظها على مالكها ومستحقها،
حرم عليه التقاطها .وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم " :ل
يأوى الضالة إل ضال ،ما لم يعرفها" )مسند احمد ،4/360 :من
حديث جرير بن عبدالله رضى الله عنه(.
]والضالة :هي الشئ الضائع ،وإيواؤها التقاطها[.
)(88
ان يحفظها على صاحبها ،ل ليتملكها ولو بعد تعريفها المدة
المطلوبة.
وان وجدها في بنيان من مدينة او قرية جاز له التقاطها
مطلقا ً ،لختلف حالها في البنيان عن الصحراء ،إذ لم يعتد
الناس إرسالها في القرى والمدن لترعى وحدها ،ولن من يمر
بها هنا كثير فيخشى عليها ،بخلف الصحراء فإن المجتازين فيها
قلة.
وقد دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " :ترد الماء
ل على ان ذلك وتأكل الشجر حتى يجدها رّبها" فإن سياقه يد ّ
يكون في الصحراء ،حيث يوجد الماء والشجر ول يوجد من الناس
من يتعرض لها ،وهذا المعنى ل يتحقق في المدن والقرى.
-2وإن كان الحيوان ل يمتنع بنفسه :إما لضعف ذاتي فيه
كالغنم ونحوها ،وإما لعجز طارئ كبعير مريض او فرس
مكسور ،جاز التقاطه في الصحراء وغيرها ،وللتمّلك
وغيره.
ل على ذلك :ما جاء في حديث خالد بن زيد رضى وقد د ّ
ل عن ضالة الغنم؟ فقال: سئ ِ َ
الله عنه انه صلى الله عليه وسلم ُ
"خذها ،فإنما هي لك ،أو لخيك ،أو للذئب" أي إما أن تأخذها
أنت وإما أن يأخذها غيرك وإما أن يأكلها الذئب.
س على الغنم غيرها مما في معناها من الحيوان الذي ل
وقي َ
يمتنع بنفسه.
)(89
حول" فعرفتها حول فلم اجد من يعرفها ،ثم أتيته فقال" :عرفها
حول" فعرفتها فم اجد ،ثم اتيته ثلثا فقال" :احفظ وعاءها
وعددها ووكاءها ،فإن جاء صاحبها وال فاستمتع بها " فاستمتعت.
)البخاري :اول كتاب اللقطة ،باب :واذا اخبره رب اللقطة
بالعلمة دفع اليه ،رقم .2294:ومسلم في اوائل كتاب اللقطة ،
رقم.(1723:
لُ ّ
قطة الحرم: ♦
المراد بالحرم :مكة وما حولها من الماكن التي ُتعَرف
ل الصيد فيها ول قطع شجرها ونحو ذلك. بالحرم ،والتي ل يح ّ
فإذا وجد المسلم فيها شيئا ً ساقطا ً – ينطبق عليه تعريف
ل له التقاطه ال بقصد الحفظ على مالكه ،ول اللقطة – لم يح ّ
ل له تمّلكه ابد الدهر ،لن الغالب ان يعود صاحبه الى مكة ولويح ّ
بعد حين.
ل على ذلك :قوله صلى الله عليه وسلم في مكة يوم وقد د ّ
ل لقطتها ال لمنشد" أي معّرف على الدوام.الفتح" :ول تح ّ
)البخاري :اللقطة ،باب :كيف تعرف لقطة اهل مكة ،رقم:
.2301ومسلم :الحج ،باب :تحريم مكة وصيدها ...ولقطتها،
رقم.(1355:
وتلزمه القامة لتعريفها ،فإن أراد الرتحال عن مكة دفعها
من ينوب منابه ،ليقوم بتعريفها ويحفظها لمالكها.
الى الحاكم او َ
)(90
ويذكر للشهود بعض صفاتها ول يستوعبها ،ويكره له ان
يزيد في البيان ،وإن خشي من الشهاد ان يعلم بها غير أمين،
فيأخذها منه ظلما ً ،امتنع عليه الشهاد .
)(91
ل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " :اعرف وكاءها د ّ
سئل عن لقطة الذهب والفضة ،ومن دتها" وذلك انه ُ
وعفاصها وع ّ
شأنها أن تكون في وعاء مربوط ولها عدد ،فيقاس على ذلك
غيره من الصفات التي تتميز بها الشياء وتّتضح.
ثانيًا :إذا عرف صفاتها ومّيزاتها نادى عليها ،ذاكرا ً بعض
صفاتها التي من شأنها ان تنّبه فاقدها إليها ،ول يتوسع بذلك كي
دعيها ،وربما اخذها ظلما ً
من ل يستحقها في ّل يعرف صفاتها َ
وباط ً
ل.
ثالثًا :إذا كان الشئ ذا بال كبير ،يتأسف عليه فاقده زمنا ً
ل ،عرفه سنة كما ثبت في النص ،لنها لو كانت لمسافر طوي ً
يغلب أن ل يغيب عن مكان فقده اكثر من سنة .يعرفه كل يوم
مرتين لمدة أسبوع ،ثم كل يوم مرة اسبوعا ً آخر ،ثم كل اسبوع
م سبعة اسابيع ،ثم في كل شهر مرة. مرة ليت ّ
وزيد في اليام الولى لن الطلب يكون فيها أشد ،وهذا
التحديد اجتهاد استحّبه العلماء ،وإل فالمطلوب تعريف حسب
العادة ،بحيث ينتبه صاحب الحق الى حقه ويصل إليه.
فإذا كان الشئ ليس ذا بال كبير :فإنه ُيعّرف فترة يغلب
ل على ذلك قرائن ف عن طلبه ،د ّ على الظن أن صاحبه يك ّ
الحوال التي وردت فيها الحاديث ،فسؤال عن صّرة فيها مائة
دينار ،وسؤال عن ذهب وفضة ،وسؤال عن ضالة الغنم والبل
ونحو ذلك ،فكلها اشياء ذات قيمة ،ل يكف فاقدها عن طلبها غالبا
في اقل من سنة ،والله تعالى اعلم.
رابعًا :يكون التعريف في الماكن العامة والسواق وعلى
أبواب المساجد ونحوها حيث يجتمع الناس ،ويكثر منه في موضع
وجودها ،لن الغالب ان يطلبها فاقدها فيه.
ويكره ان يعرفها في المسجد ،لما فيه من رفع الصوت
والتشويش على المصّلين والذاكرين فيه ،وقد ورد الزجر عن
من سمع رجل ً ينشد ضالة في هذا بقوله صلى الله عليه وسلم َ " :
دها الله عليك ،فإن المساجد لم ت ُُب ّ ْ
ن لهذا" . المسجد فليقل :ل ر ّ
)اخرجه مسلم :في المساجد ،باب :النهي عن نشد الضالة في
المسجد ،...رقم.(568 :
)(92
ويستثنى من هذا المسجد الحرام ،فإنه يجوز فيه ،لن من
ينشدها في غيره مّتهم انه يفعل ذلك من اجل ان يتملك اللقطة
بعد تعريفها ،وهذا المعنى غير موجود فيمن ينشد لقطة المسجد
الحرام ،لن تعريفها لمصلحة مالكها وحفظها ،اذ ان الملتقط
ليس له تمّلكها كما علمت.
هذا والذي نراه أن هذا الكلم ل ينطبق على النداء على
الضالة بالمكبرات الصوتية في هذه اليام ،التي ينادي بها
للصلوات ،لن الصوت ل يكون في المسجد ،وكل ما هنالك هو
استعانة بهذه المكبرات لنها توصل النداء الى أمكنة ل تصل إليها
أصوات الناس ،ولعل الحاجة داعية الى ذلك ولسيما في المدن
التي اّتسعت رقعتها ،وكثر ساكنوها ،مع كثرة النتقال بين احيائها
وبقاعها .فل داعي لستنكار هذا النداء وان كان الْولى الستغناء
م إل إذا كان نداًء من أجل ضياع طفل او طفلة ،فإننا عنه ،الّله ّ
نرى أنه قد يكون واجبًا ،لما فيه من إحياء النفس ،ودفع ترويع
اهله عليه ،وكفكفة دمعه الذي قد يطول حتى يعثر عليه اهله لول
هذا النداء ،والله تعالى أعلم.
)(93
وإن شاء باعه بإذن الحاكم وحفظ ثمنه.
وله – إن أخذه في مكان ل يتسير فيه البيع – أن يتملكه حال ً
ثم يأكله ،ويغرم قيمته – يوم تملكه – لصاحبه إن ظهر.
-2وإن كان غير حيوان مما يسرع اليه الفساد :فهو
مخّير بين أن يأكله ويغّرم قيمته ،أو يبيعه بإذن الحاكم
ويحفظ ثمنه.
-3وإن كان يبقى بعلج - :كتجفيف ونحوه – كرطب
فف ،ولبن يصنع أقطًا :وجب على الملتق أن يفعل ما هو يج ّ
الصلح للمالك والنفع من المور التالية :أن يبيعه كله بإذن
الحاكم ويحفظ ثمنه ،أو يعالجه ليبقى متبّرعا ً بعلجه ،فإن
لم يتبرع بذلك بيع بعضه – بإذن الحاكم – بقدر ما يعالج به
الباقي.
-4وان كان مما يبقى ابدا ً بدون علج :وجب عليه حفظه
مدة التعريف اللزمة .ويبنغي ان ينتبه الى انه :في الحالت
التي ُتباع فيها العين الملتقطة ،ويحفظ فيها ثمنها ،لبد من
استمرار التعريف بها المدة اللزمة ،ويكون التعريف للعين
الملتقطة ل للثمن.
)(94
فهي غير مضمونة عليه خلل مدة التعريف وكذلك بعده إن
لم يتملكها ،فإذا تملكها أو تملك ثمنها صار ضامنًا ،وعليه – كما
سبق – ان يغّرم قيمتها يوم التملك إن ظهر صاحبها.
دعيها:
دفع اللقطة الى م ّ ♦
دعي اللقطة وأنها ملكه سأله الملتقط عن من ي ّ
إذا جاء َ
أوصافها ،فإن وصفها وأحاط بجميع أوصافها ،وغلب على ظن
الملتقط صدقه جاز له أن يدفعها إليه عمل ً بقوله صلى الله عليه
وسلم " :فإن جاء صاحبها ،وعرف عفاصها ووكاءها وعددها،
فأعطها إياه" ) .مسلم :في اوائل كتاب اللقطة ،في رواية من
حديث زيد بن خالد رضى الله عنه(.
فإذا دفعها اليه برئت ذمته ،ول يضمن فيما لو ظهر كاذبا.
والصح أنه ل يجب عليه أن يدفعها إليه حتى ولو وصفها
بدقة ،وغلب على ظنه صدقه ،إل إذا أقام بّينة عند القاضي وحكم
بها على الملتقط ،لقوله صلى الله عليه وسلم " :لو يعطي
دعى رجال اموال قوم ودماءهم ،لكن البيّنة الناس بدعواهم ل ّ
من أنكر") .البخاري :التفسير /آل دعي واليمين على َعلى الم ّ
عمران ،باب" :ان الذين يشترون بعهد الله "..رقم .4277:
ومسلم :القضية ،باب :اليمين على المدعي عليه ،رقم:
.(1711
فل يعطي أحد شيئا ً بمجّرد دعواه أنه ل ،حتى يثبت ذلك
بالبّينة أو ما يقوم مقامها حسب الدعوى.
تنبيه :في كل موضع ذكر إذن القاضي أو إخباره وما إلى
ذلك :في حال إمكان ذلك ،وعدم خوفه اخذها ظلما ً وضياعها
على مالكها ،فإن خاف شيئا من ذلك لم يرجع إليه ،والله تعالى
أعلم.
)(95
الباب الثاني
الّرهن
)(96
الرّهن
تعريفه:
س بما هو – في اللغة – الحبس ،ومنه قوله تعالى" :ك ّ
ل نف ٍ
دثر : (38 :أي محتسبة وممنوعة من دخول ت رهينة" )الم َ
كسب ْ
الجنة يوم القيامة ،بسبب ما كسبته في الدنيا ،حتى تحاسب
عيه.
ويأتي أيضا ً بمعنى الثبوت والدوام ،جاء في مختار الصحاح:
ت لهم الطعام والشراب أدمته لهم ،ويقال :الحوال الراهنة، أرهن ُ
أي الحاضرة والدائمة.
وهو في الصطلح الشرعيُ :يطلق على عقد الرهن ،وهذا
هو الصل والغالب في إطلق الفقهاء ،وقد ُيطلق وُيراد به الشئ
المرهون ،ومن ذلك قوله تعالى) :وان كُنتم على سفرٍ ولم تجدوا
ن مقبوضة( )البقرة .(283:فرهان هنا جمع رهن ،لنها كاتبا ً فرها ٌ
وصفت بأنها مقبوضة ،والقبض يكون في الشياء ول يكون في
المعاني ،والعقد معنى فل يتأّتى فيه القبض.
فالرهن بمعنى العقد :هو جعل عين متمولة وثيقة بد َْين،
ُيستوفى منها عند تع ّ
ذر الوفاء.
فالجعل يكون بالعقد ،والجاعل هو الراهن ،والمجعول عنده
هو المرتهن ،والمجعول هو العين المرهونة ،والعين تطلق على
عرف كل ذي حجم ،وكون هذه العين متمولة أي تعتبر مال في ُ
الشرع ،وهذا الجعل انما هو للتوّثق ،أي ليستوثق الدائن من ان
د َْينه لن يذهب ويضيع ،بل يطمئن إلى انه سيعود اليه ،فالعين
ذر – أي صعب او تجعل مرهونة مقابل الد ّْين ،بحيث اذا تع ّ
استحال – على المدين إن يوفى د َْينه في أجله ،استطاع الدائن
أن يستوفي د َْينه من هذه العين ،بأن ُتباع ويأخذ د َْينه من ثمنها.
وهكذا نجد أن التعريف قد شمل بإيجاز أركان عقد الرهن
واحكامه وحكمته ،التي سنتعّرض لبيانها بالتفصيل ان شاء الله
تعالى.
)(97
مشروعية الرهن:
الرهن جائز ومشروع ،بإجماع المسلمين في كل العصور
والزمان ،ومستند هذا الجماع ما ثبت من نصوص صريحة في
كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم تدل على ذلك:
أما الكتاب :فقوله تعالى" :وان كنُتم على سفر ولم تجدوا
ن مقبوضة" )البقرة . (283:جاء ذلك بعد قوله تعالى: كاتبا ً فرها ٌ
مى فاكتبوه".. "يا أيها الذين آمنوا اذا تداينُتم بد َْين الى اجل مس ّ
ل على أن الرهان تقوم مقام الكتابة في التوثيق للد َْين ،وذلك فد ّ
عنوان المشروعية.
وأما السنة :فأحاديث كثيرة ،منها حديث عائشة رضى
الله عنه قالت" :توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه
مرهونة عند يهودي بثلثين صاعا ً من شعير".
)البخاري :الجهاد ،باب :ما قيل في درع النبي صلى الله
عليه وسلم والقميص في الحرب ،رقم.(2759 :
وسيأتي معنا مزيد من الدلة على المشروعية خلل البحث
ان شاء الله تعالى.
)(98
وأجاب العلماء عن حكمة ذكر السفر وعدم الكاتب في
الية :بأنه بيان للغالب في واقع المر ،إذ الغالب أن يحتاج إلى
الرتهان في السفر ،الذي كثيرا ً ما ُيعدم فيه الشهود ويفتقد
الكاتب ،لسيما في تلك الزمان التي كانت فيها القراءة والكتابة
قليلة ،وذلك من اسلوب الكلم العربي الذي جاء القرآن على
ارقى مستوى منه.
حكم الرهن:
ظاهر الية التي تدل على مشروعيته ان ذلك واجب ،اذ
صِيغ المر ،إذ المعنىقالت " :فرهان مقبوضة" وهذه صيغة من َ
فليكن منكم رهان ، ...والمر للوجوب ،ولكن العلماء اتفقوا على
أن الرهن ليس بواجب ،وأنه أمر جائز ،للمكّلف ان يفعله وان ل
يفعله ،لنه شرع لتوثيق الحق ،وللنسان ان يوّثق حقه وأن ل
منيوثقه ،وقد أكد معنى الجواز قوله تعالى في الية" :فإن أ َ
ضكم بعضا ً فليؤد ّ الذي اؤتمن امانته" :أي فليكن المدين بع ُ
المؤتمن على الد ّْين دون توثق اهل ً لهذا الئتمان ،وليؤد ّ المانة
دون اساءة ،وواضح ان الئتمان ل يكون إل إذا لم يكن ارتهان ،
لن طلب الرتهان دليل الشك في المانة.
وقال العلماء ايضًا :إن الرهن بدل عن الكتابة ،فيأخذ
سأمو انحكمها ،والكتابة ليست واجبة ،بدليل قوله تعالى " :ول ت َ ْ
م
ط عند الله وأقو ُ تكتبوه صغيرا ً او كبيرا ً إلى أجله ذلكم أقس ُ
لترتابوا " أي ل تمّلوا من كتابة الد ّْين ق ّ
ل أو كثر، للشهادة وأدني أ ّ
فإن كتابته أقرب إلى العدل وعدم ضياع الحقوق ،واسهل لقامة
الشهادة عند الختلف ،وابعد عن الشك في قدر الد ّْين أو صفته
أو اجله.
قالوا :هذه المعاني تدل على ان المر بالكتابة أمر إرشاد
وتوجيه ،وليس امر إيجاب وتحتيم.
على أننا نقول :إذا لم تكن الكتابة أو الرهن واجبًا ،فذاك ل
دور القضاء،يعني ان نتساهل في المر ،ثم يجّر بعضنا بعضا ً الى ُ
او يتخذ ذلك بعض من رق دينهم ذريعة الى أكل اموال الناس
بالباطل ،فأقل ما قاله العلماء انه امر ارشاد وذلك يعني الندب
والستحباب ،فالولى الكتابة على أيّ حال ،والرهن اذا لم تتيسر
الكتابة ،كي ل يترك الناس فعل الخير خشية ضياع اموالهم
)(99
وذهاب حقوقهم ،اللهم ال اذا كانت الثقة بالمانة والدين والخلق
اقرب الى اليقين ،والله تعالى الموفق.
حكمة مشروعية الرهن:
ة التيسير ورفع الحرج مل ّ
تكرر معنا ان شرع الله تعالى ِ
ورعاية مصالح الناس ،والناس يتعاملون فيما بينهم ،وكثيرا ً ما
يحتاجون الى النقد فل يجدونه ،وهم محتاجون الى بعض السلع،
منفيحتاجون الى استقراض النقد أو تأجيل الثمن ،ول يجدون َ
يثق بهم ليعطيهم المال أو السلعة دون وثيقة ،ويرغب صاحب
المال أو السلعة بما يوّثق حقه ويطئمنه الى أنه سيعود اليه كامل ً
موفورًا ،ول يرغب ان يقع في مخاصمات ومرافعات ،فل يرضى
بالكفالة ول يكتفي بالكتابة والشهاد ،فيطلب سلعة تكون وثيقة
في يده مقابل حقه ،ويرضى صاحب الحاجة الى النقد او تأجيل
الثمن بهذا التوثيق ،فيدفع متاعا ً يستطيع ان يستغنى عن منفعته
لطالب الوثيقة ،وهنا تتحقق مصلحة الطرفين ،ويسهل التعامل
بين الناس.
)10
(0
وهما الراهن والمرتهن :فالراهن هو المدين ،أي الذي عليه
الد ّْين ،وذمته مشغولة به تجاه المرتهن ،والمرتهن :هو الدائن
الذي له الد ّْين في ذمة الراهن ،والذي توضع العين المرهونة
تحت يده وسلطانه.
ويشترط في ك ّ
ل منهما:
)10
(1
وذلك لن الرهن من التصرفات الشرعية النشائية ،والكراه
عليها يؤثر فيها ويذهب أثرها ،كما ستعلم ذلك مفصل في )باب
الكراه( ان شاء الله تعالى.
-3ان يكون من أهل التبّرع فيما يرهنه أو يرتهن
به :كأن يكون مالكا للعين التي يرهنها مثل ،وان يكون مالكا
للدين الذي يرتهن به.
رهن الولي والوصي وارتهانهما:
والمراد بهذا الشرط بيان :أنه ليس لحد أن يرهن شيئا ً من
ي والوصي ،كما انه ليس له ان ن له عليه ولية مالية كالول ّ
م ْ
مال َ
يرتهن شيئا لهم بشئ من اموالهم ،لن الولي والوصي – كل ّ
من تحت وليته أو وصايته ، منهما – ليس اهل ً للتبّرع من أموال َ
ل منهما فيه معنى التبرع. والرهن والرتهان ك ّ
فالبرهن ُيمنع الراهن من التصّرف في المرهون – إل
بشروط كما سيأتي – وذلك حبس لمال القاصر وتفويت للمنفعة
بغير عوض ،فهو تبرع.
وبالرتهان تأجيل للمال الذي يستحقه القاصر ،وذلك تفويت
لمنفعة التعجيل بغير عوض ،إذ ليس للمرتهن أن ينتفع بالعين
ي
المرهونة كما ستعلم ،وذلك تبرع ولذا قال الفقهاء :ليس لول ّ
القاصر أن يبيع شيئا ً من ماله – في الحوال العادية – إل بحا ّ
ل
مقبوض قبل أن يسلم المبيع ،وبالتالي فل ارتهان بماله.
ي
على أن الفقهاء قد استثنوا حالتين ،يجوز فيهما للول ّ
والوصي الرهن والرتهان ،لما في ذلك من مصلحة ظاهرة لمن
كان تحت وليتهما ،وهما:
-1حالة الضرورة:
من تحت وليته ،ول يكن له مال كأن يحتاج إلى النفقة على َ
ينفق عليه منه ،فيرهن شيئا ً من أمتعتهم مقابل مال يأخذه
لينفقه عليهم ،وهو يرجو أن يوفيه من غّلة ينتظر خروجها لهم ،او
جله ،او بيع متاع لهم كاسد الن يرجى نفاقه. د َْين لهم سيح ّ
لأ َ
وكذلك له أن يرتهن بمال لهم ،يخشى عليه السرقة أو
النهب فيبيعه الى أجل أو يقرضه ،ويرتهن بذلك متاعا ً لهم حفظا ً
واستيثاقا ً لد َْينهم.
)10
(2
-2أن يكون الرهن والرتهان لمصلحة ظاهرة:
)10
(3
الركن الثالث :المرهون:
)10
(4
حصته مقابل ما عليه من الد ّْين ،وهذا ما يسمى عند الفقهاء:
من كان يملك رهن المشاع ،وذلك لن المشاع قابل للبيع ،ف ّ
حصة شائعة في شئ – أي غير مقسومة ول معزولة – له ان
يبيعها ،فكذلك يصح له ان يرهنها ،لن الغاية من الرهن الستيثاق
والتمكن من الستيفاء منه عند تعذر وفاء الد ّْين ،وذلك يحصل
برهن المشاع ،لنه يمكن بيعه عند حلول الجل واستيفاء الد ّْين
من ثمنه.
وسيأتي بيان كيفية قبض المرهون المشاع عند الكلم عن
القبض في الرهن إن شاء الله تعالى.
الركن الرابع :المرهون به:
)10
(5
على ان الرهن انما شرع وذكر في كتاب الله تعالى في
الدين – كما علمت عند الكلم عن مشروعيته – فل يثبت في
غيره.
مة الراهن للمرتهن :كثمن -2ان يكون الدّْين ثابتا ً في ذ ّ
مبيع بعدما أبرم البيع ولو قبل تسليم المبيع ،أو نفقة زوجة
عن زمن مضى ،أو مال اقترضه الراهن وقبضه أو قبل
ح الرهن.
قبضه ،ونحو ذلك ،فيص ّ
ح الرهن في هذه الحالت لن الحق قد ثبت، وإنما ص ّ
فصارت الحاجة داعية لخذ الوثيقة به ،فصار الرهن ضمانا ً للد ّْين،
فجاز أخذه به.
ح الرهن لو وقع مع العقد الموجب للد ّْين ،كما لو وكذلك يص ّ
قال :ب ِْعني هذا الثوب بمائة إلى شهر ،وأرهنك بها هذه الساعة،
فقال البائع :قبلت ،أو بعتك وارتهنت ،أو قال :أقرضني ألفا ً الى
سنة ،وأرهنك بها هذه السجادة ،فقال :قبلت ،أو أقرضتك
وارتهنت ،لن الحاجة تدعو الى ذلك ،فلو لم يعقد ذلك ويشترطه
مع ثبوت الد ّْين ربما لم يتمكن من إلزام المشتري أو المقترض
بعقد الرهن بعد ثبوت الد ّْين ،فيفوت حقه في التوّثق من د َْينه.
أما إذا حصل عقد الرهن قبل ثبوت الحق أو العقد الذي
ح ،كما لو ارتهنت الزوجة متاعا ً مقابل ما
يوجبه فإنه ل يص ّ
سيثبت لها من نفقة في ايام مقبلة ،او ارتهن شيئا ً بما سيقرضه
إياه ،أو بثمن ما سيشتريه منه ،فإن الرهن في هذه الحالت ل
ح ول ينعقد.
يص ّ
وذلك لن الرهن وثيقة بالحق فل تقدم على ثبوته ،وتابع فل
دم قبل ثبوت المشهود عليه ول تسبقه. يسبقه ،كالشهادة فل تق ّ
قدَْين قدرا ً وصفة :فلو -3أن يكون الدّْين معلوما ً للعا ِ
ثبت أن للمرتهن د َْينا ً في ذمة الراهن ،لكنه يجهل ما هو:
أليرات سورية ام غير ذلك؟ أو يجهل قدرها ،أهي الف ام
الفان؟ فارتهنه شيئا ً بها ،فإن الرهن ل يصح ،سواء أعلم
العاقد الثاني قدرها وصفتها أم ل .وذلك لتع ّ
ذر استيفاء هذا
الد ّْين المجهول من ثمن العين المرهونة إذا بيعت عند عدم
الوفاء.
لزوم عقد الرهن:
)10
(6
إذا وجدت أركان عقد الرهن بشروطها فقد انعقد صحيحًا،
ولكن هل لزم العقد؟ بمعنى أنه ليس للراهن أن يرجع عنه ،
ويلزمه دفع العين المرهونة للمرتهن ،ام ل يزال له الخيار في
ذلك ،ان شاء دفع وان شاء رجع؟
والجواب :أن عقد الرهن عقد جائز قبل القبض ،وأن القبض
من تمامه ،وشرط ل يلزم إل به ،فما دامت العين المرهونة بيد
الراهن كان له الرجوع عن رهنها ،فإذا دفعها للمرتهن ،وقبضها
المرتهن قبضا ً صحيحا لزم العقد ،وصار من حق المرتهن
احتباسه ،وليس للراهن واسترداد العين المرهونة إل برضاه.
ودليل ذلك:
قوله تعالى" :وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كتابا فرهان
مقبوضة" .فالفاء المقرونة بكلمة رهان هي جواب للشرط "وإن
كنتم" وجزاء له ،ومثل هذه الصيغة من صيغ المر ،فهو أمر إذن
بالرهان التي وصفت بأنها "مقبوضة" والمر بالشئ الموصوف
بصفة يقتضي أن يكون ذلك الوصف من تمامه وشرطا ً فيه ،لن
ل ذلك على المشروع بصفة ل يوجد إل إذا ُوجدت تلك الصفة ،فد ّ
أن عقد الرهن لم يتم إذا لم يحصل القبض ،فإذا حصل القبض
م فقد لزم.
م ،وإذا ت ّ
ت ّ
وكذلك :لو كان الرهن يلزم بدون قبض لم يكن لقوله :
"مقبوضة" أية فائدة ،وكلم الشارع ُيصان عن اللغو وعدم
الفائدة ،فكان لبد ّ من إعتبار هذا الوصف الذي قّيدت به الرهان
ليلزم العقد.
وأيضا ً :عقد الرهن فيه معنى التبّرع من جهة الراهن – كما
مّر معنا عند الكلم عن شروط العاقِد َْين – لنه ل يستوجب على
المرتهن بمقابلة حبس العين شيئا ،وعقد التبّرع ل ُيجبر عليه
القائم به ،فلو كان الرهن يلزم بمجرد انعقاده لكان مجبرا ً على
إمضائه ،ولذا لبد ّ من إمضائه باختياره ،وذلك يكون بالقباض منه
والقبض من المرتهن ،فإذا حصل إمضاء العقد باختياره صار
ملزما ً به ،وامتنع عليه الرجوع عنه.
كيفية قبض الرهن:
)10
(7
إذا كان القبض شرطا ً لتمام عقد الرهن ولزومه ،فكيف
يكون هذا القبض؟ نقول :إن العين المرهونة قد تكون غير منقولة
كالرض والعقار ،وقد تكون منقولة كالسيارة وغيرها من السلع.
فإذا كانت غير منقولة :كفى فيها ان يخّلى الراهن بينها وبين
المرتهن ،والتخلية تكون برفع الموانع التي تحول دون استلمها،
من يسكن الدار مث ً
ل ،وما إلى كما لو كانت مشغولة بأمتعة ،او ب َ
ذلك ،فإقباضها وقبضها يكون بتفريغها وعدم الحيلولة دون
استلمها.
وإذا كانت العين المرهونة منقولة :فل يكفي فيها التخلية ،بل ل
بد ّ فيها من التناول والنقل حسب العُْرف بالنسبة للشئ المنقول،
وما يسمى قبضا ً له في العادة ،فإذا لم يحصل ذلك ل يعتبر
القبض.
وهذا إذا كانت العين المنقولة أو غير المنقولة كلها رهنًا ،فإذا
كان بعضها هو المرهون ،وهو رهن المشاع الذي أشرنا إليه عند
الكلم عن المرهون ،فكيف يكون القبض فيه؟
والجواب :أنه إن كانت العين منقولة كان قبضها بتسليمها
كلها للمرتهن ،وذلك بعد إذن الشريك بالقبض ،لنه ل يحصل إل
بالنقل كما علمت ،فإن أبى الشريك ذلك ولم يأذن بالنقل :فإما
أن يرضى المرتهن بوضعها في يد الشريك كلها ،ويعتبر الشريك
نائبا ً عن المرتهن في قبض الحصة المرهونة ،فيجوز ذلك ويت ّ
م
ض المرتهن بذلك رفع المر الى القضاء ،وعندها العقد ،وإذا لم ير َ
ينصب الحاكم عدل ً تكون العين في يده لهما ،أي للمرتهن
والشريك.
وللشريك ان ينتفع بالعين المرهونة بنسبة مْلكه منها ،وبإذن
من المرتهن او القاضي.
)10
(8
أحكام عقد الرهن
علمنا ان لكل عقد من العقود الشرعية احكامًا ،وهي الثار
التي يرتبها الشارع على وجود ذلك التصرف بين المتعاقِد َْين ،
قق شروطه ،وعقد الرهن وانعقاده صحيحا ً بوجود أركانه وتح ّ
ت،
ح ولزم ،على المعنى الذي علم َ مثل غيره من العقود :إذا ص ّ
ترّتبت عليه آثاره وثبتت له أحكامه ،فما هي هذه الحكام؟
سنتكلم عن هذه الحكام ،ولتسهيل البحث نجعلها
اقساما ً أربع ً
ة:
أو ً
ل :حبس المرهون: •
علمنا أن عقد الرهن ل يتم ول يلزم إل بقبض العين المرهونة
،فإذا قبضها المرتهن تم العقد ولزم ،وليس للراهن الرجوع عنه
)10
(9
واسترداد المرهون إل بفكاكه بوفاء الد ّْين ،وبالتالي صار للمرتهن
حق في ان يحتبس العين المرهونة عنده ،وليس للراهن ان
ُيخرجها من يده.
ويكفي لتمام الرهن القبض الول ،فل يشترط استدامة هذا
القبض ،كما ل يشترط أن تبقى العين المرهونة محبوسة على
الستمرار لدى المرتهن حتى يبقى عقد الرهن مستمرًا ،ولذا كان
للمرتهن ان يخرج المرهون من يده برضا ً منه وإذن ويدفعه
للراهن ،ول يبطل بذلك الرهن ول ينقطع ،ويبقي حق المرتهن
متعلقًا ،بالمرهون له أن يعيده إلى يده ويحتبسه متى شاء.
وذلك :لن القصد من الرهن الستيفاء ،وذلك ممكن بدون
استمرار الحبس ،ولن الراهن يملك منافع الرهن كما سيأتي
بيانه ،فله ان يستوفى هذه المنافع بإذن المرتهن ،وذلك ل يكون
إل باستخراج المرهون من يده.
)11
(0
باب :ضمان الرهن .3/147 :والدارقطني :البيوع ،رقم الحديث:
.(133
)11
(1
منافعه ،ولكنه محجوز عنها لحق المرتهن طالما أن المرهون
محبوس عنده ،فإذا أذن للراهن باسترداده والنتفاع به جاز له
ذلك.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم " :الظهر يركب بنفقته إذا
كان مرهونا ً ،ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا ً ،وعلى
الذي يركب ويشرب النفقة" والذي يركب يشرب هو المالك
للمنفعة وهو الراهن ،فله النتفاع وعليه النفقة.
ولكن يشترط في ذلك:
أن يكون النتفاع بالعين المرهونة ل ُيلحق بها ضررا ً من
نقص او تلف.
)11
(2
ينبغي ان نفّرق هنا بين أن يكون الذن بالنتفاع لحقا ً لعقد
الرهن وبعد تمامه ودون شرط له ،وبين أن يكون مع العقد
ومشروطا ً فيه:
فإن كان مع العقد ومشروطا ً فيه كان شرطا ً فاسدًا ،ويفسد
معه عقد الرهن على الظهر ،وذلك لنه شرط يخالف مقتضى
العقد ،إذ مقتضى العقد التوّثق – كما علمت – ل استباحة
المنفعة ،وكذلك هو شرط فيه منفعة لحد المتعاقِد َْين وإضرار
بالخر ،إذ به منفعة للمرتهن وإضرار بمصلحة الراهن.
ومقابل الظهر :أن الشرط فاسد ل ُيلتفت إليه ،والعقد
صحيح ،وقول ضعيف.
)11
(3
ح التصّرف الذي ُيزيل المْلك ل يصح التصّرف وكما ل يص ّ
منى ،كأن يعيره الى َ سا ً أو َ
مّعن ً ح ّ الذي ينقص العين المرهونة ِ
جره الى مدة يح ّ
ل الد ّْين قبل يستعمله استعمال ً ي َْبليه ،أو يؤ ّ
ل في شراء ى ،إذ أن الرغبة تق ّ مْعن ً
انتهائها ،فإن ذلك ينقصه َ
العين المؤجرة ،وعندها إذا احتيج الى بيع العين لوفاء الد ّْين :إما
أن ل ُتباع ،وإما أن ُتباع بأبخس من قيمتها ،فإذا كانت المدة
ح ،لنه ل ضرر فيه. تنتهي مع حلول الد ّْين أو قبله جاز ذلك وص ّ
ح له رهنه عند مرتهن آخر ،لنه ُينشئ له بذلك
وكذلك ل يص ّ
حقا ً يزاحم فيه حق المرتهن الول ،فيفوت مقصود الرهن.
فإذا كان التصّرف ل يتحقق فيه ما سبق كان صحيحا ً ونافذا ً ،
كالعارة ونحوها.
ل ذلك إذا كان التصّرف بغير إذن المرتهن كما علمت ،فإذا ك ّ
حت ك ّ
ل تلك التصّرفات ونفذت ،وترتبت كان التصّرف بإذنه :ص ّ
عليها آثارها المعتبرة شرعًا ،لن المنع من صحتها لحقْ المرتهن ،
وقد تنازل عن حقه بإذنه فيها.
لكن للمرتهن حق الرجوع عن إذنه قبل تصّرف الراهن ،لن
ق طالما أن التصرف المأذون فيه لم يحصل.
قه با ٍ
ح ّ
فإذا لم يرجع عن إذنه وتصّرف الراهن نفذ التصّرف ،وبطل
الرهن إذا كان التصّرف ُيزيل المْلك كالهبة ونحوها ،وإذا لم يكن
كذلك – كالجارة ونحوها مما ل يزيل المْلك – بقى الرهن على
حاله.
ب -تصّرف المرتهن:
ل يعدو تصّرف المرتهن بالعين المرهونة :أن يكون بإذن
الراهن ،أو بغير إذنه:
فإذا كان تصّرف المرتهن بغير إذن الراهن ،كان تصّرفه باطل ً
ل يترتب عليه أيّ أثر شرعي ،مهما كان نوع ذلك التصّرف،
وإذا سلم العين المرهونة بسبب تصّرفه كان في ذلك
ديًا ،وصارت العين المرهونة مضمونة عليه،وذلك لنه متع ّ
تصّرف بغير ملكه وبغير إذن المالك ،لن المرتهن ل يملك
العين المرهونة ،كما أنه ل يملك منفعتها.
)11
(4
ح
وإذا كان تصّرف المرتهن بالعين المرهونة بإذن الراهن :ص ّ
تصّرفه ونفذ ،لنه تصرف بإذن المالك في ملكه ،وإنما ينظر:
• فإن كان التصّرف ُيزيل المْلك كالهبة والبيع بطل الرهن ،
لن الوثيقة قد ذهبت .
)11
(5
ل أجل الد ّْين ،ولم يكن عند الراهن وفاء له ،وطالبإذا ح ّ
المرتهن به ِ ،بيع المرهون لُيستوفى الد ّْين من قيمته.
والذي له حق بيعه هو الراهن أو وكيله ،لنه هو المالك له
ووكيله نائب عنه ،وأنما ُيشترط في هذا إذن المرتهن ،لن له حقا ً
في مالّيته ،أي في قيمته ،ليستوفى د َْينه منها.
فإن لم يأذن المرتهن في بيعه ُرفع المر إلى القضاء ،وامره
القاضي بالذن ببيعه او إبراء الراهن من الد ّْين ،فإن لم يفعل
شيئا ً من ذلك باعه الحاكم رغما ً عنه ،ووفاه دينه من ثمنه ،دفعا ً
للضرر عن الراهن.
وكذلك لو امتنع الراهن من بيع المرهون في هذه الحالة :
ن أبي باعه
فإن القاضي يلزمه بقضاء الد ّْين أو بيع المرهون ،فإ ْ
الحاكم رغما ً عنه ،ووّفى المرتهن د َْينه من ثمنه ،دفعا ً للضرر
عنه.
فإذا كان للراهن متاع آخر يمكن ان ُيباع ويوّفى الد ّْين من
ثمنه لم ُيجبر على بيع المرهون ،إذا رغب ببيع غيره والوفاء منه،
لن المرهون لم يتعّين للوفاء ،لن الواجب وفاء الد ّْين من مال
المدين ،فل فرق بين المرهون وغيره ،كما لو لم يكن بالد ّْين
رهن ،فإنه ل يتعين لوفائه مال دون مال.
ن الراهن للمرتهن أن يبيع العين المرهونة :فالصح أنه وإذا أذ ِ َ
ح ذلك ،لن الراهن يستطيع ان إذا باعها في حضرة الراهن ص ّ
يرجع عن الذن قبل إبرام العقد إذا وجد أن في البيع عبنا ً له .أما
ح البيع ،لن بيعه لغرض إذا باع المرتهن في غ َْيبة الراهين فل يص ّ
نفسه ،وهو استيفاء د َْينه ،فيّتهم حال غ َْيبة الراهن بالستعجال
فظ لمصلحة الراهن ،مما ل يحصل في حال وعدم الترّوي والتح ّ
حضوره.
)11
(6
هلكها بنفسها: .1
وذلك ل يخلو من ان يكون الهلك بتعدّ أو تقصير او
ل يكون بتعدّ او تقصير:
فإن كان الهلك بتعد ّ أو تقصير :كانت العين المرهونة
صر ،سواء أكان الراهن أو المرتهن
دي أو المق ّ مضمونة على المتع ّ
صر ضامن على أيّ حال ،والضمان دي والمق ّ أو غيرهما ،لن المتع ّ
يكون بمثلها إن كانت لها مثل ،أو بقيمتها إن لم يكن لها مثل،
ويكون المثل أو القيمة رهنا ً بدلها في يد المرتهن.
وإن كان الهلك بل تعد ّ أو تقصير :فل ضمان على المرتهن
إن كانت في يده وإنما تهلك من مال الراهن ،ول يسقط شئ
دين بهلكها ،لن يد المرتهن عليها يد أمانة.
من ال ّ
ودليل ذلك:
قوله صلى الله عليه وسلم " :ل يغلق الرهن ،الرهن من
صاحبه الذي رهنه ،له غ ُْنمه وعليه غ ُْرمه") .اخرجه الشافعي
في الم :كتاب الرهن ،باب :ضمان الرهن.(3/147 :
ومعنى أن الرهن من صاحبه أن هلكه يكون من ماله ،بدليل
قوله" :له غنمه وعليه غرمه" .وغنمه :سلمته وزيادته ومنافعه،
وغرمه :نفقته ونقصه وهلكه .فكان هلكه من مال مالكه وهو
الراهن ،ولكن ل يضمن بدله ليوضع رهنًا ،لنه لم يتعد ّ بهلكه.
)11
(7
-1فإذا كان المستهلك هو الراهن ترتبت الحكام التالية:
أ – إذا كان الد ّْين قد ح ّ
ل أجله يطالب الراهن بالد ّْين ،ول
يطالب بالضمان ،أي بقيمة المرهون لتكون رهنا ً جديدًا،
إذ ل فائدة في ذلك طالما أن الجل قد انتهى.
ه بعد طولب بالمثل أول أجل ُب -فإذا كان الد ّْين لم يح ّ
القيمة ،ليكون ذلك رهنا ً في يد المرتهن بدل العين
جل الد ّْين ،لقيام الضمان مقام العين
الهالكة حتى يحل أ َ
المضمونة.
ج -الذي يخاصم الراهن في التضمين ويرافعه لدى القضاء
هو المرتهن ،لنه صاحب الحق في مالية العين
المرهونة ،اذ من حقه حبسها ليستوفى منها دينه عند
حلول الجل اذا تع ّ
ذر على الراهن وفاؤه.
-2وإن كان المستهلك هو المرتهن :ترتب ما يلي من الحكام:
أ – فهو ضامن لمثله أو قيمته يوم قبضه له ،لن قبضه هو
المعتبر في ضمانه ،إذ به دخل في ضمانه ،لنه قبض
لمصلحته لستيفاء الد ّْين منه.
وإنما كان ضامنا ً – رغم أن يد المرتهن على الرهن يد أمانة –
لنه أتلف مال غيره بغير حق.
جله بعد ُ كان المثل أو القيمة ب -فإن كان الد ّْين لم يح ّ
لأ َ
ل الجل ،لن ذلك بدل رهنا ً في يد المرتهن حتى يح ّ
العين المرهونة فيأخذ حكمها.
ل أجله ،وكان الضمان من جنس ج -وإن كان الد ّْين قد ح ّ
الد ّْين استرد ّ المرتهن منه حقه ،ورد ّ الزيادة إن فضل
شئ عن الد ّْين ،وإن كان الد ّْين أكثر رجع على الراهن
صة ،ول شئبالنقص ،وإن كانا متساوِي َْين حصلت المقا ّ
على واحد منهما.
-3وإن كان المستهلك أجنبيا ً ترتب ما يلي من الحكام:
أ -يضمن قيمة الرهن يوم الستهلك إن لم يكن له مثل ،
فإن كان له مثل ضمن مثله ،ويكون المثل أو القيمة
رهنا ً عند المرتهن بدل العين المستهلكة.
)11
(8
ب -الذي يخاصم في الضمان هو الراهن ،لنه هو المالك
للعين المستهلكة ومنفعتها ،وللمرتهن أن يحضر
قه بالبدل الذي سيكون رهنا ً عنده،
الخصومة لتعّلق ح ّ
فإن لم يخاصم الراهن فليس للمرتهن أن يخاصم على
الصح.
ماء الرهن:
القسم الثالث :ما يتعلق بن َ •
ماء الرهن هو ثمرة المرهون وغّلته وزيادته ،متصل ً كان ن َ
من أو منفصل ً كالولد ،وسواء أكان متوّلدا ً من الصل س َكال ّ
من ،أم غير متول ّد ٍ منه كأجرة الدار وكسب
س َ
كالثمرة والولد وال ّ
السيارة.
إذا حصل هذا النماء للعين المرهونة كان ملكا ً للراهن ،لنه
نماء مْلكه ،فهو تبع للصل في المْلك ،ولكن هل يدخل هذا النماء
في عقد الرهن تبعا ً للصل ،ويكون للمرتهن حق احتباسها معه
حتى يف ّ
ك المرهون ،أم للراهن أخذها ،لنها لم يجرِ عليها عقد
الرهن؟
من
س ْ
والجواب :أنه من الواضح دخول الزيادة المتصلة كال ّ
ونحوه في الرهن ،لنه ل يمكن انفصالها او تمييزها عن الصل.
وأما الزيادة المنفصلة :كالولد واللبن والثمرة وما أشبه
ذلك ،فل تدخل في الرهن ،وليس للمرتهن أن يحبسها عن
ل على ذلك :الراهن ،لنها مْلكه ولم يجر عليها عقد الرهن ،د ّ
قوله صلى الله عليه وسلم " :له غنمه "..ومن غنمه :زوائده
ونماؤه.
)11
(9
فالعدل :هو الثقة المين الذي يرضى به كل من الراهن
والمرتهن ،ليضعا عنده العين المرهونة.
وحكم ذلك :أنه جائز ومشروع إذا شرطاه أو اتفقا عليه ،فإذا
م عقد الرهن ،وكان في ذلك ح قبضه وت ّ
قبض العين بالمرهونة ص ّ
وكيل ً عن المرتهن في القبض.
ويتعلق بوضع المرهون على يد العدل أحكام ،
وهي:
-1ليس للعدل أن يدفع العين المرهونة إلى الراهن أو المرتهن
بل إذن الخر ،لن كل ّ منهما لم يرض بوضعه في يد صاحبه
ل ،ولن كل واحد منهما قد تعّلق حقه بالمرهون :فحق او ً
الراهن حفظ مْلكه في يد َ
من ائتمنه ،وحق المرتهن التوّثق
من أجل استيفاء الد ّْين ،فليس له ان يبطل حق واحد منهما
بدفعه الى الخر بغير إذنه ،فإذا اذن في ذلك جاز.
ديًا ،وصار
فإذا دفعه الى أحدهما بدون إذن الخر كان متع ّ
ضامنا ً للعين المرهونة ،يضمن قيمتها إذا تلفت.
-2إذا هلكت العين المرهونة في يده بل تعد ّ ول تقصير لم
يضمن ،لن يده يد المرتهن هنا ،ويد المرتهن يد أمانة كما
صر ضمن ،كالمرتهن. دى أو ق ّعلمت ،فإذا تع ّ
جل الد ّْين
-3ليس للعدل أن يبيع العين المرهونة عند حلول أ َ
ذر وفائه ،لنهما جعل له حق المساك ل التصّرف ،إل إذا وتع ّ
سّلطاه على ذلك ،أو شرطا في العقد أن يبيعه العدل،
وعندها يجوز له بيعه ،ول يجب عليه مراجعة الراهن في
ح عزله ،ولم يملك البيع الصح ،فإن عزله الراهن عن البيع ص ّ
عندئذ .وكذلك للعدل ان يعزل نفسه عن ذلك ،ويترك أمر
البيع لهما.
ديه في إتلفه ،أو
-4إذا ضمن العدل قيمة الرهن – بسبب تع ّ
دفعه إلى أحد المتراهنين بدون إذن الخر وتلف في يده –
أخذت منه القيمة ثم جعلت رهنا ً من جديد عنده ،أو جعلت
عند غيره.
ثانيًا :رهن العين المستعارة للرهن:
)12
(0
مر معنا عند الكلم عن شروط المرهون أنه ل يشترط قد ّ
ح أن يستعير عينا ً
أن يكون الراهن مالكا ً للعين المرهونة ،بل يص ّ
ليرهنها.
وإنما جاز ذلك :لن الرهن توثيق للد ّْين ،وهو يحصل بما يملكه
المدين وما ل يملكه كالشهود والكفالة ،وكذلك الرهن بمعنى
وفاء الد ّْين وقضائه ،والنسان يملك أن يقضي دينه بمال غيره إذا
أذن له بذلك.
ويتعلق بذلك أحكام:
تقييد العارة :بمعنى أنه يشترط في ذلك ان يبّين -1
الراهن المستعير للمعير :جنس الد ّْين وقدره وصفته
والمرهون عنده ،لن الغراض تختلف باختلف هذه الشياء ،
فقد يرضى برهن متاعه عند شخص ول يرضى بذلك عند آخر،
سن المعاملة وعدمها ،وقد يرضى برهن ح ْ لختلف الناس في ُ
متاعه بد َْين معّين من اليسير على الراهن وفاؤه ،بينما ل
ذر عليه وفاؤه ،فُيباع في ذلك يرضى برهنه مقابل د َْين قد يتع ّ
متاعه ،وهكذا.
موافقة الراهن المستعير شروط المعير -2
ومخالفته لها :اذا وافق الراهن شروط المعير في رهن
العين التي استعارها منه كان الرهن صحيحًا ،فإذا قبض
م عقد الرهن ولزم ،وليس للمعير المرتهن العين المرهونة ت ّ
ول للراهن المستعير الرجوع عنه ،وترتبت على ذلك جميع
أحكام الرهن السابقة التي من جملتها :أنه إذا هلكت العين
دول تقصير فل ضمان عليه كما أن المرهونة في المرتهن بلتع ّ
الراهن المستعير ل يضمن شيئا ً لنه لم يسقط عنه بهلكها
شيء من الد ّْين الذي في ذمته ،وهو لم يخالف ما شرط
عليه.
أما إذا خالف الراهن المستعير شروط المعير ،كأن أعاره
ليرهنه عند شخص معين فرهنه عند غيره ،بطل الرهن .وكذلك
لو خالف في جنس الد ّْين كأن يرهنه بنقد سوري فرهنه بغيره
ف فرهنه مث ً
ل ،ومثله المخالفة في القدر : ،كأن أعاره ليرهنه بأل ٍ
بألفين .أما لو كانت المخالفة في القدر الى أقل ،كأن اعاره
ليرهنه بألفين فرهنه بألف ،لنه أيسر في الوفاء ،فهي مخالفة
لمصحلة المعير.
)12
(1
هلك العين المستعارة للرهن في يد -3
المستعير :قد علمنا أنه إذا هلكت العين المستعارة في يد
المرتهن بل تعد ّ أو تقصير فل ضمان ،أما إذا هلكت أو تعّيبت
في يد المستعير فإنه ضامن لها ،سواء أكان ذلك قبل دفعها
دى في ذلك أم لم للمرتهن أم بعد فكاك الرهن ،وسواء تع ّ
د ،لنها تلفت في غير الستعمال الذي استعارها من أجله، يتع ّ
ً
وهو الرهن هنا ،والعارّية مضمونة مطلقا اذا هلكت بغير
الستعمال ،كما علمت في باب العارّية.
فك المعير للعين المستعارة للرهن :إذا عجز -4
الراهن عن وفاء الد ّْين وافتكاك العين المرهونة عند حلول
اجل الد ّْين ،وأراد المعير مالك العين وفاء الد ّْين ليفتك مْلكه
كان له ذلك ،وُأجبر المرتهن على قبول الوفاء منه ،لنه غير
متبّرع بقضاء د َْين الراهن ،لنه يسعى في تخليص مْلكه ،فل
مّنة له في ذلك ،ولذا ُيجبر الدائن على القبول ،بخلف ما لو ِ
كان الذي يقضي الدين متبرعا ً ،فإن الدائن ل يجبر على
مّنة.
القبول ،لما في ذلك من ال ِ
وفي هذه الحالة يرجع المعير على الراهن المستعير بجميع
ما قضي عنه من الدين.
موت المعير أو المستعير :إذا مات الراهن -5
دي منه الد ّْين ،بقى الرهن على المستعير ،ولم يترك مال ً يؤ ّ
حاله ،ول يباع المرهون المستعار إل برضا المعير لنه ملكه،
فإذا رضى ببيعه – وكان في ثمنه وفاء للد ّْين – بيع ولو لم
يرض المرتهن ،لن حقه – وهو استيفاء الد ّْين – يحصل بالبيع
.وإذا لم يكن في ثمنه وفاء الد ّْين لم يبع إل برضا المرتهن ،
لن في حبسه منفعة له ،فقد يحتاجه المالك المعير فيسعى
ل ،كما أنه قد ترتفع قيمته فيكون لتخليصه بوفاء الد ّْين كام ً
في بيعه عندها وفاء دينه.
وإذا مات المعير وكان عليه دين ،ولم يترك ما يفي به إل
العين المستعارة للرهن ،أمر الراهن المستعير بفكاك الرهن،
ل ذي حقّ إلى ليعود الى ورثة المعير فيفوا منه د َْينه ،ويصل ك ّ
حقه .فإن عجز الراهن عن فك الرهن بقى على حاله ،ولورثة
المعير عندها أن يأخذوا العين المرهونة إن قضوا ما عليه من
د َْين ،فإن لم يقضوا د َْين المعير ،وطالبوا هم والغرماء أصحاب
الديون ببيع العين المرهونة بيعت إن كان في ثمنها وفاء لدين
)12
(2
المرتهن ولو بغير رضاه ،فإن لم يكن فيها وفاء ل ُتباع ال برضاه ،
لمصلحته في حبسه ،فلعّلهم يف ّ
كوه بوفاء الدين أو يزداد السعر.
ثالثا ً :الزيادة في المرهون أو الد ّْين بعد تمام عقد الرهن:
أ – الزيادة في المرهون :لو رهن شخص شيئا ً ما بد َْين،
وبعد قبض المرتهن المرهون أراد الراهن أن يزيد في المرهون
ويضع عينا ً ُأخرى ،لتكون رهنا ً مع العين الولى بذلك الد ّْين نفسه
ح ذلك ،لنه زيادة توثيق لحق المرتهن ،كما لو كان له عليه ص ّ
د َْين بل رهن ،ثم رهنه شيئا ً به.
فإذا قبض المرتهن تلك الزيادة صارت مرهونة قصدا ً ل تبعا ً ،
وجرت عليها جميع أحكام الرهن كما تجرى على المرهون الول،
وصارت معه رهنا ً واحدًا.
ب -الزيادة في الدّْين :وذلك بأن يرهن شخص متاعا ً
ل ،ويتم عقد الرهن بالقبض ،ثم يرغب أن يأخذ الفا ً بألف مث ً
ثانية ،على أن يكون المتاع المرهون رهنا ً باللفين .فإن ذلك ل
ح ،لنه نقص في الوثيقة ،على خلف ما سبق من الزيادة في يص ّ
ً
المرهون ،لن بعض المرهون الول هنا جعل رهنا بالد ّْين الثاني،
فنقصت الوثيقة بالد ّْين الول.
وكذلك فإن العين المرهونة مشغولة بالد ّْين الول ،فالزيادة
في الد ّْين شغل لما هو مشغول ،فل يصح ،بخلف الزيادة في
المرهون ،فإنها شغل لما هو غير مشغول ،وهو المرهون الثاني
فإنه فارغ من الشغل بد َْين ،فتصح.
رابعا :تعدد اطراف الرهن:
يمكن ان يجري عقد الرهن اول مع اكثر من عاقدين ،وان
يكون على مرهونين فأكثر ،واليك بيان ذلك:
دد الراهنين:
-1تع ّ
وذلك بأن يكون لرجل واحد د َْين على شخصين او اكثر،
فيرهن هؤلء جميعا ً عنده شيئا ً ما ،سجادة او دارا ً أو نحو ذلك،
بهذا الد ّْين كله في عقد واحد ،ول فرق أن يكون الد ّْين ثبت على
الجميع في صفقة واحدة ،أم كان ثبوت كل جزء منه على كل
واحد منهم على حدة.
)12
(3
ان هذا الرهن صحيح ،لن المرتهن كالمشتري والراهن
كالبائع ،ويصح ان يشتري انسان واحد سلعة واحدة من عدة
بائعين.
وهل اذا دفع احدهم نصيبه من الدين انفك قسطه الذي
يقابله من المرهون ،ام يبقى كله رهنا حتى يؤدي الجميع؟
والجواب :ان الصفقة متعددة لتعدد العاقدين ،فصار عقد
الرهن كأنه متعدد والعين المرهونة كأنها متعددة ،ولذا ينفك من
الرهن نصيب كل منهم اذا وفى ما عليه من الدين.
-2تعدد المرتهنين:
وذلك بأن يكون لثنين أو أكثر ديون على شخص ،فيرهن
عندهم جميعا ً متاعا ً ما أو دارا ً مثل ً بتلك الديون ،ويقبل هؤلء.
ان هذا الرهن صحيح ،سواء أكان هؤلء شركاء في الديون
التي عليه ،أم لم يكونوا كذلك.
وإذا وفي الراهن دين أحد المرتهنين انفك من المرهون
قسطه الذي يقابله من الدين ،وذلك لتعدد الصفقة بتعدد
المستحقين ،وهم الدائنون ،فصار كأنه عقد مع كل واحد منهم
على حدة.
-3تعدد العين المرهونة:
وذلك بأن يقول الراهن للمرتهن :رهنتك هاتين السيارتين –
مثل ً – بمائتي ألف ،ويقبل المرتهن ويقبض السيارتين .ان هذا
الرهن صحيح.
وهل ينفك احد الرهنين إذا أدى قسطه من
المال؟ ينظر:
فإن كان رهن العينين مقابل الد ّْين بدون تفريق :لم يكن له
الحق بقبض شئ من العيان المرهونة حتى يوفى الد ّْين
كله ،لن العيان المرهونة رهن بكل الد ّْين ،فتكون جميعها
دي
ك شئ منها حتى تؤ ّ محبوسة بكل جزء من اجزائه ،فل ينف ّ
جميع الجزاءن ويصير ذلك كحبس كل المبيع في يد البائع
حتى يقبض كل الثمن.
)12
(4
ل ،كان وإن كان فّرق عند الرهن فقال :كل واحدة بألف مث ً
دى ما عّين لها من الد ّْين،
له الحق أن يقبض إحداهما إذا أ ّ
لن العقد صار في حكم عقدين حين عّين حصة كل من
المرهونين.
)12
(5
الباب التاسع
الكفــالــة والضمــان
)12
(6
فالة
الك َ
تعريفها:
فلها
هي – في اللغة – اللتزام والضم ،ومنه قوله تعالى ":وك ّ
مها إليه والتزم برعايتها.
زكريا" "آل عمران :"37:أي ض ّ
وقوله صلى الله عليه وسلم " :أنا وكافل اليتيم في الجنة
هكذا" وأشار بالسّبابة والوسطى وفّرج بينهما شيئًا) .اخرجه
البخاري في الطلق ،باب :اللعان ،رقم .(4998
مه إليه ويلتزم رعايته والنفقة
وكافل اليتيم :هو الذي يض ّ
عليه.
)12
(7
)البخاري :الحوالت ،باب :ان احال دين الميت على رجل جاز،
رقم(2168 :
مل عن رجل عشرة
ومنها :انه صلى الله عليه وسلم تح ّ
دنانير ) .اخرجه الحاكم(.
وسيأتي معنا مزيد من النصوص خلل فقرات البحث.
وُيستأنس لمشروعيتها أيضا ً بقوله تعالى – على لسان
م ُ
ل بعير وأنا به زعيم" ح ْ
من جاء به ِ
يوسف عليه السلم" :ول َ
)يوسف .(72:قال ابن عباس رضى الله عنهما :الزعيم :الكفيل.
من
وقلنا يستأنس ولم نقل ُيستدل ،لن هذا وارد في شرع َ
من قبلنا ليس بشرع لنا.
قبلنا ،والصحيح أن شرع َ
ت عليه النصوص موضع إجماع المسلمين في
وهذا الذي دل ّ
كل الزمان والعصور.
حكمة مشروعيتها:
هي التيسير على المسلمين وتحقيق التعاون فيما بينهم ،فقد
يشتري إنسان سلعة هو في حاجة إليها ،ول يجد الثمن ،ول
يطئمن البائع إليه فل يرضى بإنظاره به ،ول يتيسر له رهن يضعه
به ،وقد ل يرضى البائع بالرهن ،فيحتاج في هذه الحالة الى
كفيل ،وقد يستقرض مال ً هو في حاجة إليه ،ويطلب المقرض
ل ،وقد يقع في جناية يعاقب عليها ،وهو بعيد عن بلده ،وعليه كفي ً
من يكفلهل للقيام بها ،فيحتاج الى َ
ج ٍ
حقوق وت َِبعات يضطر الى أ َ
حتى يذهب ويعود .وقد يضطر إنسان إلى استعارة عين ،ول
دها سالمة .وقد يرضى صاحبها بإعارتها له إل بكفيل يضمن له ر ّ
تكون في يده عين مغصوبة ،يحتاج إلى أجل لحضارها ،فيأبى
صاحبها أن يفلته إل بكفيل ،وهكذا ،فالمصلحة في تشريع الكفالة
واضحة ،والحاجة إليها أكيدة ،وشرع الله تعالى إنما جاء لرعاية
مصالح العباد ،وتخليصهم من الحرج.
سر" سر ول يريد بك ُ ُ
م العُ ْ قال الله تعالى" :يريد ُ الله بك ُ ُ
م الي ُ ْ
حَرج" ل عليكم في الد ّْين من َ جعَ َ
)البقرة (185:وقال" :ما َ
)الحج.(78:
سروا
سر" وقال" :ي ّ
وقال صلى الله عليه وسلم " :إن الد ّْين ي ُ َ
سروا".
ول تع ّ
)12
(8
)اخرجهما البخاري :في اليمان ،باب :الدين يسر ،رقم :
،39وفي العلم ،باب :ما كان النبي صلى الله عليه وسلم
يتخولهم بالموعظة والعلم ، ..رقم.(69 :
أنواع الكفالة:
الكفالة نوعان:
مة إنسان ،يلتزم الكفيل
فهي إما أن يتكفل بد َْين ثبت في ذ ّ
من هو عليه في أجله ،وتسمى :الكفالة ده َاداءه اذا لم يؤ ّ
بالد ّْين ،كما تسمى :الضمان.
من لزمه حق ،من د َْين أو غيرهفل باحضار َ وإما أن يتك ّ
فل بأداء الد ّْين ،وتسمى :كفالة كقصاص مث ً
ل ،دون أن يتك ّ
بالنفس.
أركان الكفالة
للكفالة أركان خمسة ،سواء أكانت كفالة مال أم كفالة
نفس ،وهي :الكفيل ،والمكفول له ،والمكفول عنه ،والمكفول
به ،والصيغة ،ولك ّ
ل منها شروط نبّينها فيما يلي إن شاء الله
تعالى.
الركن الول :الكفيل:
وهو الضامن الذي يلتزم بأداء الحق المضمون ،أو إحضار
الشخص المكفول ويشترط فيه:
أن يكون اهل ً للتبّرع ،بأن يكون عاقل ً بالغا ً رشيدًا ،لن
ح كفالة الكفالة تّبرع ،فيشترط أن يكون الكفيل أهل ً له ،فل تص ّ
المجنون ول الصبي ،لنهما ليسا من أهل التبّرع ،ول سلطان
لهما على أنفسهما ومالهما ،فل سلطان لهما على غيرهما من
من كان محجورا ً عليه ح الكفالة بالمال م ّ
باب أولى ،وكذلك ل تص ّ
بسفه ،لنه تصّرف مالي ،وهو محجور عليه في التصرفات
المالية ،لنه ل يحسنها.
من كان مريضا ً مرضا ً يخاف معه
ويتفّرع على ذلك :انه َ
موته ليس له ان يكفل ال في حدود ثلث ما يملك ،لنه محجور
)12
(9
عليه التصرفات المالية التي هي من قبيل التبّرع في أكثر من
ثلث ماله ،أما في حدود الثلث فجائز.
الركن الثاني :المكفول له:
وهو مستحق الحق ،الذي يلتزم الكفيل بما التزم به حفظا ً
لحقه ،ويشترط أن يكون معروفا ً لدى الضامن معرفة عينية ،أي
أن يعرف شخصه ،فل يكفي أن يعرف نسبه مثل ً ،واشُترطت
معرفته لنه هو صاحب الحق الذي سُيطالب الكفيل به ،والناس
دة وُيسرا ً ،فل بد ّ لمن يلتزم
يتفاوتون في المطالبة بحقوقهم ش ّ
من سيطالبه وكذلك إذا كان مجهول ً ل يتحقق ما بالداء أن يعرف َ
شرعت له الكفالة ،وهو التوّثق لصاحب الحق .واكتفى بمعرفة
شخصه لن الظاهر غالبا ً عنوان الباطن.
وُيشترط معرفة وكيله إن كان له وكيل ،لن الغالب في
من هو اشد ّ منه في المطالبة ،ولهذا تغنى الناس أن يو ّ
كل َ
معرفة الوكيل عن معرفة الصيل.
ول ُيشترط حضور المكفول له ،كما ل ُيشترط قبوله الكفالة
أو رضاه بها ،لنها التزام وضمان لصالحه ل يرتب عليه شيئًا،
ودليله حديث أبي قتادة رضى الله عنه ،إذ لم يتعّرض فيه إلى
فظ بقبوله.
المكفول له ،وقيل :يشترط رضاه دون التل ّ
الركن الثالث :المكفول عنه:
وهو المطاَلب بالحق من قَِبل المكفول له ،ويعّبر عنه أحيانا ً
بالصيل مقابل الكفيل ،ويشترط فيه أن يكون ث ََبت في ذمته ح ّ
ق
ح ضمانه. ن د َْين أو نحوه ،مما يص ّ
م ْ
ِ
ول يشترط رضا المضمون عنه في المال قول ً واحدًا ،لن
قضاء د َْين غيره بغير إذنه جائز ،فالتزامه جائز من باب أولى ،
ح الضمان عن الميت وإن ولم يخلف وفاًء وكذلك ضمانه ولذا ص ّ
من ل يعرفه ، من يعرفه و َ
عنه معروف ،والمعروف ُيصنع مع َ
وسواء أكان اهل ً له أم ل .ول تشترط معرفته في الصح ،لنه
ليس هناك معاملة بين الكفيل والمكفول عنه.
الركن الرابع :المكفول به:
وهو الحق الذي وقع عليه الضمان والكفالة من د َْين أو غيره،
ويشترط فيه:
)13
(0
ح ضمان ما لم -1أن يكون حقا ً ثابتا ً حال العقد ،فل يص ّ
يثبت ،سواء أجرى سبب وجوبه كنفقة الزوجة المستقبلة،
أم لم يجر كضمان ما سيقرضه لفلن ،لن الضمان وثيقة
بالحق فل يتقدم عليه ،كالشهادة.
ويكفي في ثبوت الحق اعتراف الضامن به وإن لم يثبت
على المضمون شئ .فلو قال :لزيد على عمرو مائة دينار وأنا
ضامن لها ،فأنكر عمر الد ّْين ،فلزيد مطالبة الضامن به.
)13
(1
بأن كان يستطيع من هو عليه فسخه بدون سبب كجعل الجعالة
– وهو ان يلتزم دفع مال معين لمن يأتي له بضالته – فهو يملك
الرجوع عن ذلك قبل ان يأتيه احد بها ،فهو دين غير لزم ول آيل
ح ضمانه ،لنه ل يثبت ال بعد الفراغ منالى اللزوم ،فل يص ّ
العمل ،كما علمت في باب الجعالة.
-3أن يكون معلوما ً للضامن ،جنسا ً وقدرا ً وصفة ،فالجنس
كأن يكون دراهم أو دنانير أو غيرهما ،والقدر كألف أو أكثر أو
أقل ،والصفة كجيد أو ردئ فيما لو كان يوصف بذلك ،وأن
يعلم عينه إذا كان ضمان عين كالمغصوب.
وإنما اشترط العلم به لنه إثبات مال في الذمة لدمي بعقد،
كالثمن في البيع والجرة في الجارة ،فل بد ّ من العلم به ،أو
ل على هذا ما جاء في حديث أبي قتادة تعيينه إن كان عينًا ،وقد د ّ
رضى الله عنه حيث بّين الد ّْين وأنه ثلثة دنانير.
ح ضمان المجهول ،كضمنت مالك عليه من وعليه فل يص ّ
دين ،أو أحد الد ّْينين ،أو أحد المغصوب َْين ،وهكذا.
-4أن يكون الحق المضمون قابل ً للتبّرع به ،أي أن يكون
من هو له بغير عوض ،كالحقوق التي قابل ً للنتقال لغير َ
ح
ذكرت أمثلة فيما مضى ،فلو كان غير قابل لذلك فل يص ّ
ل ،فهو حق للشفيع ،أي الضمان به ،كحق الشفعة مث ً
للشريك الذي يملك حصة مع البائع ،فإذا باع شريكه حصته
لغيره كان له الحق ان يأخذها بالثمن ،ولكن ليس له أن
ينقل هذا الحق لغيره ،فل يصح الضمان به.
الركن الخامس :الصيغة:
وهي اليجاب من الضامن الكفيل ،والقبول من المكفول له.
ويكفي في تحقيق الكفالة إيجاب الكفيل الضامن ،ول
يشترط فيها قبول المكفول له ول رضاه ،كما مّر معنا عند الكلم
عن المكفول له.
ويشترط فيها:
ل على اللتزام ،صريحا ً كان أم
-1أن تكون بلفظ يد ّ
كناية:
)13
(2
فمن الصريح أن يقول :ضمنت د َْينك على فلن ،أو تحملته ،
فلت به ،أو تكفلت ببدن فلن ،أو أنا كفيل أو ضامن بإحضارأو تك ّ
فلن ونحو ذلك.
ومن الكناية أن يقول :خ ّ
ل عن فلن والدين الذي لك عليه
ي ،ونحو ذلك. هو عل ّ
ح الكفالة ،كما لوفإن كان اللفظ ل يدل على اللتزام فل تص ّ
ً
قال :أؤدي المال الذي على فلن ،أو :أحضر فلنا ،ونحو ذلك.
فإن مثل هذه الصيغة ل يدل على اللتزام ول يشعر به ،فهو وعد
ل يلزم الوفاء به ،إل إن صحبه قرينة تصرفه إلى ذلك ،كما إذا
رأى صاحب الحق يريد حبس المدين ،فقال :أنا أؤدي المال الذي
عليه ،فهذا قرينة على أنه يريد الضمان ،فكأنه يقول :أنا ضامن
له ،فدعه ول تتعرض له.
ويقوم مقام اللفظ من الناطق ما يدل عليه من كتابة
الخرس أو إشارته المفهمة والمعهودة.
-2التنجيز في العقد ،أي عدم التعليق على الشرط ،سوءا
أكانت كفالة مال أم كفالة بدن ،فالصح أنه لو قال :إن قَد ِ َ
م
ح الضمان ،وكذلك زيد فأنا كفيل لك بما على فلن ،لم يص ّ
حفلت لك بإحضار فلن ،لم تص ّ لو قال :إن فعلت كذا تك ّ
الكفالة ،لن الكفالة عقد ،والعقود ل تقبل التعليق.
-3عدم التوقيت في كفالة المال قول ً واحداً ،لن
ح تأقيته ،وكذلك كفالة البدن على
المقصود منه الداء ،فل يص ّ
الصح ،لن المقصود الحضار ايضًا.
فلو نجز الكفالة وشرط تأخير إحضار المكفول إلى أجل
معين جاز ،كما لو قال :ضمنت إحضاره ،ولكن أحضره بعد شهر
مثل ،لنه التزم بعمل في الذمة ،فصار كالجارة على عمل ،
يجوز حال ّ ومؤج ً
ل.
ديه بعد أجلح ان يضمن الد ّْين الحال على ان يؤ ّ
وكذلك يص ّ
معلوم ،لن الضامن متبرع ،وقد ل يكون متيسرا ً له الداء حا ً
ل،
والحاجة داعية إلى الضمان ،فيكون على حسب ما التزمه ،
ويثبت الجل في حق الضامن وحده ،بمعنى ان المكفول له ليس
له حق مطالبته الن ،وأما المكفول عنه – وهو الصيل – فل يثبت
الجل في حقه ،ويبقى لصاحب الحق ان يطالبه بالوفاء الن.
)13
(3
دل على ذلك :ما رواه ابن عباس رضى الله عنهما :إن رجل ً
لزم غريما ً له بعشرة دنانير على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم ،فقال :ما عندي شئ اعطيكه ،فقال :والله ل افارقك
حتى تقضيني او تأتيني بحميل ،فجره الى رسول الله صلى الله
عليه وسلم ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم " :كم
تستنظره؟" قال :شهرا ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"فان احمل له" .فجاءه في الوقت الذي قال النبي صلى الله
عليه وسلم " :من اين اصبت هذا؟" .قال :من معدن .قال" :ل
خير فيها" وقضاها عنه) .اخرجه ابن ماجه في الصدقات .باب :
الكفالة ،رقم .(2406 :
وكذلك له أن يضمن الد ّْين المؤجل حال ،لنه تبرع بالتزام
ح ذلك منه ،ولكن ل يلزمه التعجيل على الصح ،بل التعجيل ،فص ّ
ً
يثبت في حقه الجل تبعا للصيل الذي عليه الد ّْين.
وإذا قضاه حال ً ل يرجع بما قضاه على الصيل قبل حلول
الجل ،لن تعجيله تبرع به ،ل يسقط حق الصيل في الجل.
)13
(4
جّز رأسه .ثم شاور أصحاب ُ
فأبى ،فأمر به فأخرج الى السوق ف ُ
محمد صلى الله عليه وسلم في بقية القوم ،فقال عديّ بن حاتم
رضى الله عنه :ثؤلول كفر ،قد أطلع رأسه ،فاحسمه ،وقال
جرير بن عبدالله والشعث بن قيس رضى الله عنهما :استتبهم ،
فإن تابوا كفلهم عشائرهم ،فاستتابهم فتابوا ،وكفلهم
عشائرهم) .اخرجه البيهقي في كتاب المرتد ،باب :من قال في
المرتد يستتاب مكانه فإن تاب وال قتل .8/206 :وذكر البخاري
جزءا منه تعليقا في صحيحه :الكفالة ،باب :الكفالة في القرض
والديون بالبدان وغيرها(.
ل .بغلس :الغلست لي ً
]إحنة :حقد او بغض .استطرقت :أتي ُ
ظلمة آخر الليل .كففت فرسي :منعته عن الجري .تواطؤوا :
توافقوا واجتمعوا في قولهم .فجز :فقطع .ثؤلول كفر :الثؤلول
حّبات زائدة عنه ،فشّبه به لشذوذههو ما يخرج على الجلد من َ
وخروجه عن الستقامة .أطلع رأسه :أظهر كفره .فاحسمه:
فاقطعه واقطع به دابر الشّر[.
وقد يستأنس لها بقوله تعالى على لسان يعقوب عليه
ن الله لتأُتيّني به( وثقا ً ِ السلم) :لن ارسله معكم حتى ت ُ ُْ
م َ م ْ
ؤتوني َ
)يوسف .(66 :
من عليه مال ،وقد
-2والكفالة بالبدن قد تكون كفالة ببدن َ
من عليه عقوبة.تكون كفالة ببدن َ
من عليه مال :فهي صحيحة مطلقا ً إذا كانت أما كفالة بدن َ
ن عليه مال ،سواء أعلم بمقدار المال ام ل ،لنه فل ً بإحضار َ
م ْ تك ّ
فل بالبدن ولم يتكفل بالمال ،ولهذا ل ُيطاَلب بالمال ،وإنما تك ّ
يطالب بإحضار المكفول ،وإنما يشترط أن يكون المال الذي في
ح ضمانه على ما علمت عند الكلم عن مة المكفول مما يص ّ ذ ّ
المكفول به.
)13
(5
عنه – فإنها صحيحة ،لنها كفالة بحق لزم ،فأشبهت الكفالة
بالمال.
وإن كانت العقوبة حقا ً لله تعالى ،كحد ّ الخمر والسرقة
ح ،لن الحدود مبناها على الدرء – أي الدفع – والزنا ،فل تص ّ
والسقاط ،طالما أنها حقوق لله تعالى ،فالمطلوب مّنا سترها
والسعي في دفعها ما أمكن ،وقطع الوسائل المؤدية إليها،
ح.
والكفالة بها إظهار لها وسعي في تأكيدها وتوسيعها فل تص ّ
-3أحكام ُأخرى تتعلق بالكفالة بالبدن ،منها:
=1مكان تسليم المكفول ووقته :فإذا شرط الكفيل وقتا ً معينا ً
لتسليم المكفول لزمه احضاره فيه اذا طالب المكفول له
بإحضاره ،وفاء بما التزمه ،فإذا احضره فقد وفى ما عليه،
وان لم يحضره حبسه الحاكم لمتناعه عن إيفاء ما استحق
عليه.
فإن غاب المكفول – وجهل الكفيل مكانه – لم يلزمه
إحضاره ،لعذره في ذلك ،ويقبل قوله في دعوى جهالة مكانه
بيمينه.
ن على نفسه في
م َ
وإن علم مكانه لزمه إحضاره ،إن أ ِ
الطريق وغلبت السلمة ،وُيمهل مدة الذهاب والياب حسب
العادة والمكان.
فإن مضت المدة التي أمهله إياها ولم يحضر المكفول حبسه
صر في ايضا ً إل إذا أ ّ
دى ما على المكفول من الد ّْين ،لنه مق ّ
تسليم ما وجب عليه تسليمه وهو المكفول.
وإذا حبسه استمر بحبسه إلى أن يتعذر إحضار الغائب،
من يحميه ويمنعه من أنبموت أو جهل بموضعه أو بإقامته عند َ
يصل إليه أحد.
وإذا أدى الدين حتى ل ُيحبس ،ثم جاء الغائب المكفول ،
داه إن كان باقيا ً على حاله ،أو بدله إن كان
كان له استرداد ما أ ّ
قد استهلك ،لنه ليس متبرعا ً بأدائه ،هذا من حيث الزمان.
وأما من حيث مكان التسليم :فإن كان الكفيل قد ع َّين
مكانا ً لتسليم المكفول تعّين إن كان صالحا ً للتسليم ،تبعا ً
حمل على لشرطه ،فإن لم يكن صالحا لذلك ،أو كان له مؤونة ُ
)13
(6
اقرب مكان اليه ،ويشترط في هذا إذن المكفول ،فإن لم يأذن
فسدت ،وإذا لم يعّين مكانا ً للتسليم فمكانه مكان الكفالة إن
كان صالحا ً لذلك ،وإن لم يكن صالحا ً تعّين أقرب مكان لمكان
الكفالة يصلح لهذا.
=2يبرأ الكفيل إذا سلم المكفول في مكان التسليم على ما
علمت ،وُيشترط أن ل يكون هناك حائل يمنع المكفول له
من الوصول الى حقه ،لقيام الكفيل بما التزمه ،فإذا سّلمه
في موضع التسليم ،وكان هناك حائل يمنعه من الوصول الى
حقه ،كذى منعة يمنعه منه ،فل يبرأ الكفيل ،لعدم حصول
المقصود بتسليمه.
)13
(7
=6يشترط في الكفالة بالنفس رضا المكفول على الصح ،لن
الكفيل فيها ل يغرم المال عند العجز ،فل فائدة لها إذن إل
احضار المكفول ول يلزمه الحضور مع الكفيل إذا لم يكن
راضيا ً بكفالته له.
ح
والصح أنه ل يشترط رضا المكفول له ،لنها وثيقة له فتص ّ
من غير رضاه كالشهادة ،وكذلك هي التزام حق له من غير
عوض يدفعه ،فل يعتبر رضاه فيها.
)13
(8
أحكام الكفالة بالمال
*=*=*=*=*=*=
الكفالة بالمال هي ما يسمى بالضمان ،وهي :أن يلتزم
ده المدين .وهي أحد
إنسان أداء ما في ذمة من مال إذا لم يؤ ّ
نوعي الكفالة كما سبق.
وهي مشروعة كما علمنا ،لما ذكرنا من الدلة عند الكلم
عن مشروعية الكفالة العامة ،فيدخل فيها الضمان دخول ً أولياً،
وقد أجمع المسلمون في كل العصور على مشروعيتها.
ولقد علمت الصيغة التي تنعقد بها هذه الكفالة ،كما علمت
أركانها وشروطها فيما سبق ،وإليك الن بعض أحكامها:
-1مطالبة الكفيل والمكفول عنه:
إذا ضمن شخص ما في ذمة غيره ثبت لصاحب هذا الد ّْين
حق مطالبته به ،ول يعني ذلك براءة ذمة المدين الصيل
المكفول عنه ،بل لصاحب الحق مطالبته أيضًا ،لن ذمته هي
ل ،وانضم إليها انشغال ذمة الضامن به ،المشغولة بالد ّْين أص ً
مة
ولن الضمان وثيقة للد ّْين كالرهن والصك ،فل يتحول من ذ ّ
المدين الى الوثيقة إذا وجدت.
ولهذا لو شرط في عقد الضمان أن يبرأ الصيل من الدين
ح الضمان ،لن الضمان توثيق للد ّْين ،وهذا الشرط ينافيه،
لم يص ّ
مة الصيل ،ل ببراءتها. ُ
مة أخرى إلى ذ ّ مذ ّ
لن التوثيق يحصل بض ّ
ل على هذا ما جاء في حديث أبي قتادة رضى الله وقد د ّ
عنه :فتحملهما أبو قتادة ،ثم قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم بعد ذلك بيوم" :ما فعل الديناران؟" قال :إنما مات امس،
ثم أعاد عليه بالغد ،قال :قد قضيته .قال" :الن بردت عليه
جلده") .اخرجه احمد في مسنده 3/330 :من حديث جابر رضى
الله عنه(.
فقوله " :الن بردت عليه جلده" يدل على ان الد ّْين لم
ول عن المدين ولم تبرأ منه ذمته بمجرد الضمان ،ولو كان يتح ّ
كذلك لبردت عليه جلده من حين الضمان .وإذا لم تبرأ ذمة
المدين الصيل من الدين فلصاحبه مطالبته به ،كما يطالب
)13
(9
الضامن لنه التزم ذلك ،فإذا حضر الكفيل الضامن والصيل
المضمون عنه ،وكلهما موسر ،فلصاحب الد ّْين أن يطلبه
ويأخذه من أّيهما شاء ،لن الصيل الد ّْين ثابت في ذمته أص ً
ل،
وأما الكفيل :فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " :الزعيم
غارم" .والزعيم هو الكفيل ،فيغرم الدين ويطالب به اذا لم
ده المدين) :الحديث اخرجه الترمذي في البيوع ،باب :ما جاء يؤ ّ
في ان العارية مؤداة ،رقم 1265:وغيره(.
-2براءة الكفيل ببراءة الصيل:
إذا أبرأ صاحب الحق المدين الصيل من الد ّْين برئ الضامن
من المطالبة به ،لنه تبع للصيل ،وضمانه توثيق للد ّْين ،فإذا
سقط الد ّْين بالبراء فقد سقطت الوثيقة.
وأما إذا أبرأ صاحب الحق الكفيل من ضمانه ،أو من الد ّْين
والمطالبة به ،فإنه ل تبرأ بذلك ذمة المدين الصيل ،وإنما تبرأ
ذمة الضاضمن وحده .لن إبراء الكفيل إسقاط لوثيقة الدين من
غير قبض له ،فل يسقط الد ّْين بإسقاط الوثيقة ،كتمزيق الصك
وفسخ الرهن.
ويتعلق بهذا ما إذا ضمن الضامن ضامن آخر ،وهو ضمان
ح
صحيح ،لن الدين المضمون لزم وثابت في ذمته ،فص ّ
ضمانه ،وعليه :يعتبر الدين ثابتا ً في ذمم ثلثة :الصيل والضامن
الول والضامن الثاني ،ولصاحب الحق أن يطالب أّيهم شاء.
فإذا أبرأ الصيل برئت ذمم الجميع ،وإذا أبرأ الضامن الول
برئت ذمة الضامن الثاني أيضا ً معها ولم تبرأ ذمة الصيل ،وإذا
أبرأ الضامن الثاني برئ وحده ،ولم تبرأ ذمة الضامن الول ول
مة الصيل.ذ ّ
-3مطالبة الكفيل الصيل بتخليصه:
ن صاحب الحق الكفي َ
ل بالد ّْين ،فهل للكفيل إذا طالب الدائ ُ
أن يطالب الصيل المكفول بأداء الدين ،ليخلصه من المطالبة ؟
ُينظر:
فإن كان الضمان بإذن الصيل المضمون عنه كان للكفيل
الحق في أن يطالبه بتخليصه من المطالبة بأداء الد ّْين ،لنه
لزمته المطالبة والداء عنه بإذنه وأمره ،فكان له حق مطالبته
بتبرئة ذمته.
)14
(0
وإن كان الضمان بغير إذن الصيل لم يكن للضامن الكفيل
حق مطالبته بذلك ،لنه لم يلتزم ما غّرم به بإذنه ،فل يلزمه
تبرئته وتخليصه منه.
هذا إذا طالب صاحب الحق الكفيل بالد ّْين ،فأما إذا لم
يطالبه به :فالصح أنه ليس له مطالبة الصيل بتخليصه من
التزاه طالما أنه لم يطالب بذلك.
)14
(1
أ -فإن كان الضمان والداء بإذن المضمون عنه رجع الكفيل
عليه ،لنه ضمن وغرم بإذنه.
ب -وإن كان الضمان بإذن من المضمون عنه ،والداء بغير إذنه:
داه عنه ،لن الضمان فالصح – ايضا ً – أنه يرجع عليه بما أ ّ
سبب الداء ،وقد أذن فيه.
ج -وإن كان الضمان والداء بغير إذن المضمون عنه لم يرجع
داه عنه ،لنه قضى د َْين غيره بغيرالكفيل عليه بشئ مما أ ّ
إذنه ،فهو متبّرع ،والمتبّرع ل يرجع مبما تبّرع به.
د -وإن كان الضمان بغير إذن من المضمون عنه ،وكان الداء
دى
بإذن منه :فالصح أنه ل يرجع الكفيل على الصيل بما أ ّ
عنه ،لن سبب وجوب الداء هو الضمان ،وهو لم يأذن فيه ،
فكان في معنى المتبّرع بوفاء د َْين غيره.
وفي حال الرجوع على المكفول عنه ،فبماذا يرجع
عليه؟
ل شك أنه لو أدى عنه الد ّْين الذي كان في ذمته بنفس صفته
مة المكفول عنه ،
فإنه يرجع به عليه ،لنه هو الذي برئت به ذ ّ
وهو الذي غرمه الكفيل في نفس الوقت.
دى عنه غير ما ثبت في ذمته :فالصح أنه يرجع عليه وإذا أ ّ
داه إذا كان أقل من الد ّْين ،لنه هو الذي غرمه وبذله ،فإن بما أ ّ
كان أكثر من الد ّْين رجع بمقدار الد ّْين ،لنه هو الذي كان ثابتا ً في
ذمة الصيل ،وبرئت منه بالداء عنه ،فلو كان له في ذمته ألف
ل ،فأدى عنها ألفا ً معيبة ،رجع بالمعيبة ،ولو صالح عن صحيحة مث ً
اللف بخمسمائة رجع بخمسمائة فقط.
ولو صالح عن اللف بسلعة تساوي ثمانمائة رجع بها أيضًا.
ولو كان الشئ الذي صالح عليه يساوي الفا ً ومائة – مثل ً –
رجع باللف وحده.
-6دعوى الضامن قضاء الد ّْين:
دعى الكفيل الضامن قضاء الد ّْين عن الصيل ،فإما أن إذا ا ّ
يقّر بذلك المكفول له أو ينكر ذلك:
)14
(2
داه على الصيل فإن أقّر المكفول له بذلك رجع الضامن بما أ ّ
المكفول عنه ،لتبرئته لذمته وسقوط المطالبة عنه بإقرار صاحب
الحق ،ولو أنكر المضمون عنه ذلك لم ُيلتفت إلى إنكاره ،لن
ما في ذمته حق للمضمون له ،فإذا اعترف بالقبض من الضامن
فقد اعترف بأن الحق الذي كان له قد صار حقا ً للضامن ،فيقبل
إقراره لكونه في حق نفسه.
وإن أنكر المكفول له ذلك ينظر:
فإن كان للضامن بّينة على الداء قضى بها ،ورجع على •
داه.
المضمون عنه بما أ ّ
وإن لم يكن له بّينة على الداء فالقول قول المكفول له •
صر
بيمينه ،لنه منكر للقبض ،والصل عدمه ،والكفيل مق ّ
من شاء من بترك الشهاد ،فإذا حلف كان له أن يطالب َ
متهما ،فإذا طالب
الضامن أو الصيل ،لن حقه ثابت في ذ ّ
الكفيل وقضاه الد ّْين ُينظر:
فإن كان قضاه في غ َْيبة المكفول عنه :فل رجوع له على •
ذبه في دعواه ،لنه منكر للداء ، الصيل قول ً واحدا ً إ ْ
نك ّ
دقه ،فل رجوع له عليه في نص ّ والصل عدمه ،وكذلك إ ْ
الصح ،لنه لم ينتفع بأدائه عنه ،ولم تسقط المطالبة ،فل
صر فيرجوع عليه طالما أنه لم ُيبرئ ذمته ،لنه هو المق ّ
عدم إشهاده على القضاء.
وإن كان قضاءه في حضور المكفول عنه رجع عليه في •
الصح ،وإن كان قضاء الكفيل لم يبرئ ذمته من الد ّْين ولم
صر في يسقط المطالبة عنه ،لنه في هذه الحالة هو المق ّ
فظ لحقه وطلب الشهاد على الدفع ،فكان عليه ترك التح ّ
صر إذن دون الضامن. ان يحتاط لنفسه ،فهو المق ّ
ضمان العيان
إذا ضمن شخص لخر ان يردّ له العين التي يملكها من
يد غيرهُ ،ينظر:
)14
(3
من هي بيده – كالوديعة – لم
فإن كانت العين أمانة في يد َ -
يصح ضمانها ،لنها إذا لم يجب ضمانها على من هي عنده
فمن باب أولى أن ل يجب ضمانها على غيره الذي يضمنها.
من هي في يده – كالعين وإن كانت العين مضمونة على َ -
المغصوبة ،والمستعارة ،والمقبوضة على سوم الشراء ،
ح ضمانها.والمبيع قبل قبض المشتري له من البائع – ص ّ
من كانت العين ويشترط في هذا الضمان :أن يأذنه فيه َ -
تحت يده ،أو أن يكون الضامن قادرا ً على انتزاع العين منه.
ح الضمان :برئت ذمة الضامن برد ّ العين للمضمون
فإذا ص ّ -
له.
ح الضمان،وإن ضمن أن يرد ّ القيمة إن تلفت العين لم يص ّ -
لنه ضمان لد َْين لم يثبت ،وقد علمت أن من شرط صحة
الضمان أن يكون المضمون دينا ً ثابتًا ،وقيمة العين ل تثبت إل
ح ،لنها لم تثبت
بهلك العين ،فإذا ضمنها والعين قائمة لم يص ّ
بعد ،فكان ضمانا ً لد َْين لم يثبت ،فلم يصح.
الباب العاشر
َ
الوكـــالــــة
)14
(4
14)
(5
الـوك َاَلـة
تعريفها:
ن،
الوكالة – في اللغة – بفتح الواو وكسرها ،وتطلق على معا ٍ
منها:
الحفظ ،ومن ذلك قوله تعالى " :حسُبنا الله ونعم الوكيل" -
)آل عمران : (173:أي الحافظ.
التفويض ،ومنه قوله تعالى ) :وتو ّ
كل على الله( )النفال : -
وض أمرك إليه. (61أي ف ّ
وفي اصطلح الفقهاء :هي تفويض شخص ما له فعله ،مما
يقبل النيابة ،إلى غيره ،بصيغ ،ليفعله في حياته.
وض
ف ّ
وض المرء غيره بالقيام بتصّرف يملك هذا الم َ أي ان يف ّ
القيام به بنفسه ،ليقوم به عنه في حال حياته ،أي حياة
ح النيابة فيه ،وسيتضح وض ،على أن يكون هذا الفعل تص ّ المف ّ
معنا التعريف على وجهه الكامل من خلل الكلم عن أركان
الوكالة وشروطها وأحكامها.
مشروعية الوكالة:
الوكالة مشروعة ،وقد ثبتت مشروعيتها بالكتاب والسّنة
وحصل على ذلك الجماع:
شقاقَ بينهما فابعثوا
خفُْتم ِأما الكتاب :فقوله تعالى ) :وإن ِ
كما ً من أهلها( )النساء (35:أي إذا حصل نزاع كما ً من أهله و َ
ح َ ح َ
َ
كمان يكونان وكيلين ح َ
بين الزوجين واشتد ّ ،ولم يتوافقا ،فُيعّين َ
عنهما ينظران في المر ،وهذا النص وإن كان خاصا ً بشأن
الزوجين – فهو عام في مشروعية الوكالة.
كم ب ِوَرِقِ ُ
كم حد َ ُوُيستأنس لهذا أيضا ً بقوله تعالى" :فأبعثوا أ َ
ق منه" م برز ٍ هذه إلى المدينة فلينظر أّيها أزكى طعاما ً فليأت ِك ُ ْ
ث واحد من الجماعة توكيل له منهم. "الكهف : "19:فبع ُ
]ِبورِِقكم :هي الفضة المصكوكة .أزكى :أطيب وأمتع .برزق
:بطعام ونحوه[.
)14
(6
وكذلك قوله تعالى" :اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه
ابي يأت بصيرا" )يوسف (93 :فقد وكلهم بالذهاب بالقميص
والقائه على وجه ابيه.
وقلنا :يستأنس بهاتين اليتين لنهما واردتان في القرآن
حكاية عن شرع من قبلنا ،وقد تكرر منا القول :ان شرع من
قبلنا ليس بشرع لنا.
وأما السّنة :فأحاديث كثيرة ،منها:
سَير :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رواه أصحاب ال ّ
ُ
كل عمرو بن أمية الضمري رضى الله عنه في قبول نكاح و ّ
أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضى الله عنهما.
ما رواه رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة حلل ً ،وبنى
بها حلل ،وكنت السفير بينهما) .اخرجه الترمذي في ابواب
الحج ،باب :ما جاء في كراهية تزويج المحرم ،رقم.(841:
]حلل ً :أي غير محرم بحج أو عمرة ،بنى بها :أي دخل.
السفير :هو الذي يقوم بالصلح وتحقيق الوفاق بين اثنين
ونحوهما[.
ى رسول الله وما رواه عروة البارقي رضى الله عنه قال :دفع إل ّ
صلى الله عليه وسلم دينارا ً لشتري له شاة ،فاشتريت له
شاتين ،فبعت إحداهما بدينار ،وجئت بالشاة والدينار الى
النبي صلى الله عليه وسلم ،فذكر له ما كان من أمره ،
فقال له " :بارك الله لك في صفقة يمينك") .أخرجه
البخاري في المناقب ،باب :سؤال المشركين ان ُيريهم
النبي صلى الله عليه وسلم آية ،..رقم .3443 :والترمذي
في أبواب البيوع ،باب :حدثنا ابو كريب ،رقم.(1258:
وسيأي مزيد من الحاديث خلل البحث.
ت عليه اليات والحاديث هو موضع إجماع
وهذا الذي دل ّ
علماء المة في كل عصر من العصور.
حكمة تشريع الوكالة:
)14
(7
إن الله تعالى خلق الناس متفاوتين في المواهب والقدرات ،
ل منهم سبيل ً أو أكثر من سبل
سر لك ّ
وفتح لهم أبوب الرزق ،وي ّ
الكسب والمعاش.
من أوتي القدرة والكفاءة التي تجعله على فمن الناس َ
استعداد لن يباشر جميع أعماله بنفسه ،إل أنه قد تتوالى عليه
الشواغل وتتزاحم عليه العمال ،فيضطر إلى مساعدة الخرين
والستعانة بهم.
ت من القدرة والكفاءة ما يؤهله للقيام من لم يؤ َومن الناس َ
س الحاجة إليها.
بأعمال قد يكون و بأم ّ
وقد تكون لديه القدرة والكفاءة ،ولكن تنقصه الخبرة في
عمل من العمال أو مصلحة من المصالح.
ت من الحجةمن يكون صاحب حق ،ولكنه لم يؤ َ ومنهم َ
ً
واللسن ،والفصاحة والبيان ،ما يجعله قادرا على أن يظهر حقه
ويدافع عن نفسه ،وقد يكون خصمه الحن منه في حجته ،فيقلب
باطله حقًا.
من اجل ذلك كله كانت الحجة ماسة لكثير من الناس ان
يعتمد على غيره ،ويستفيد من خبراته في بعض اعماله ،قليلة
كانت ام كثيرة ،فكانت المصلحة في تشريع الوكالة ،سدا
للحاجة وتيسيرا للمعاملة ،ورفعا للحرج الذي جاء شرع الله
تعالى برفعه اذ قال" :ما جعل عليكم في الدين من حرج"
)الحج .(78 :
حكمها:
قلنا :إن الوكالة جائزة ومشروعة ،والصل فيها الباحة.
وقد تكون مندوبة :إن كانت إعانة على مندوب.
وقد تكون مكروهة :إن كان فيها إعانة على مكروه.
وقد تكون حراما :إن كان فيها إعانة على أمر محرم.
وقد تكون واجبة :إن توقف عليها دفع ضرر عن الموكل ،كما إذا
وكله بشراء طعام مضطر إليه ،وهو عاجز عن
شرائه.
)14
(8
14)
(9
أركان الوكالة
)15
(0
ح للب الفاسق أن يوكل في تزويج ابنته ،لنه ل يملك ول يص ّ
مباشرة ذلك بنفسه ،وكذلك غيره من الولياء.
ح منها أن تباشر عقد زواجها بنفسها ،فكذلك ل
والمرأة ل يص ّ
ح توكيلها فيه.
يص ّ
والمحرم بحج أو عمرة ل يجوز له أن يعقد زواج لنفسه،
من يعقد له ذلك حال إحرامه ،فلو و ّ
كله كل َح أن يو ّ
فكذلك ل يص ّ
ح.
ليعقد له بعد الحرام ص ّ
ويستثنى من هذا الشرط:
ح أن يباشر البيع والشراء ونحوهما مما العمى ،فإنه ل يص ّ
كل في ذلك يتوقف على الرؤية كما علمت ،ويصح أن يو ّ
ح
ح توكيله فيها – والحال أنه ل تص ّ
للضرورة ،لنه لو لم يص ّ
مباشرته لها – لكان في ذلك حرج عليه شديد.
الركن الثاني :الوكيل:
وهو الذي يقوم بالتصّرف نيابة عن غيره ،بإذن منه وتوكيل.
ح مباشره للتصّرف المأذون ويشترط فيه ايضًا :أن تص ّ
ح أن يباشرهكل فيه ل يص ّفيه لنفسه :فإذا كان التصّرف المو ّ
ح توكيله فيه ،لن تصّرف النسان لنفسه أقوى من لنفسه لم يص ّ
تصرفه لغيره ،لنه يتصّرف لنفسه بطريق الصالة ،ويتصرف
لغيره بطريق النيابة ،والصالة أقوى من النيابة ،فإذا كان غير
قادر على التصّرف بالقوى ،فهو غير قادر عليه بالضعف من باب
أولى.
وبناءا ً عليه:
ح الوكالة للصبي والمجنون والمغمى عليه ،لعدم
فل تص ّ
ح توكيل الصبي
صحة مباشرتهم التصرفات كما علمت ،ويص ّ
الممّيز في حج تطوع وذبح ُأضحية وتفرقة زكاة ،لن هذه
ح منه لنفسه.
التصرفات تص ّ
والسفيه ،ل يكون وكيل ً في التصرفات المالية.
ح أن يكون وكيل ً في تصّرف تتوقف صحته
والعمى ،ل يص ّ
على الرؤية.
)15
(1
والمحرم بحج أو عمرة ل يصح أن يو ّ
كل في عقد نكاح،
ح منهما مباشرة ذلك لنفسهما.وكذلك المرأة ،لنهما ل تص ّ
ويستثنى من هذا :توكيل الصبي المميز المأمون في الذن
بدخول الدار وإيصال هدية ونحوها على الصحيح ،لتسامح السلف
في ذلك ،فيعتمد قوله فيها.
وكذلك يعتمد قوله في إخباره بدعوة صاحب الوليمة ،
والفاسق وغير المسلم في هذا كالصبي ،قال النووي رحمه الله
تعالى :ل أعلم في جواز اعتمادهما خلفًا.
وُيشترط في الوكيل أيضًا :أن يكون معّينا ً ،فلو قال لثنين :
كلت أحدكما ببيع داري ،لم يصح ،وكذلك لو قال :و ّ
كلت ببيع و ّ
داري ك ّ
ل من أراد بيعها.
ويشترط في الوكيل أيضا ً أن يكون عدل ً ،إذا كان وكيل ً عن
من كان تحت ى في بيع مال َ القاضي ،أو كان وكيل ً عن الول ّ
وليته.
الركن الثالث :صيغة عقد الوكالة:
وهي اليجاب والقبول ،ويشترط فيها شرطان ،وهما:
-1أن يكون من المو ّ
كل لفظ يدل على رضاه بالتوكيل ،صراحة
أو كناية ،لن المكّلف ممنوع من التصّرف في حق غيره ال
برضاه.
وضت إليك أمر فالصريح :كقوله :و ّ
كلتك ببيع داري ،أو ف ّ
بيعه.
والكناية :كقوله :أقمتك مقامي في ببيعه ،أو أنبتك.
وينوب في الوكالة الكتابة والرسالة مناب النطق.
ويكفي من الوكيل ما يدل على القبول ،ول يشترط فيه
اللفظ ،بل يكفي الفعل ،لن التوكل إباحة للتصّرف ورفع للحجر
الذي كان قبلها ،فأشبه إباحة الطعام للضيف ،فل يشترط فيها
القبول لفظًا.
-2عدم تعليقها بشرط على الصح ،كأن يقول :إن جاء زيد من
سفره فأنت وكيلي بكذا ،أو :إذا جاء شهر رمضان فقد
)15
(2
ح و ّ
كلتك بكذا ،وذلك لن في التعليق جهالة فاحشة ،فل تص ّ
الوكالة معه.
ح
فإذا تصّرف الوكيل في هذه الحالة عند وجود الشرط ص ّ
تصّرفه ،لوجود الذن في التصّرف .
ول مانع من تعليق التصّرف إذا كانت الوكالة منجزة ،كما إذا
كلتك في بيع داري ،على أن تبيعه عند قدوم فلن ،أو قال له :و ّ
إذا جاء شهر كذا.
وكذلك ل مانع من تقييدها بوقت ،كأن يقول له :أنت وكيلي
ح الوكالة ،وتنتهي بانتهاء الشهر ،وليس للوكيل
لمدة شهر ،فتص ّ
أن يتصرف بعده.
الركن الرابع :المو ّ
كل فيه:
وهو التصرف الذي يقوم به الوكيل نيابة عن المو ّ
كل.
ويشترط فيه شروط هي:
أن يكون حق التصرف فيه ثابتا ً للموكل عند -1
كله ببيع ما يملكه عند التوكيل ،أو و ّ
كله التوكيل ،كما لو و ّ
بما ل ولية عليه كتأجير دار الصبي الذي تحت وليته ،والتي
يملكها الصبي عند عقد الوكالة ،فإن الولي يملك التصّرف في
كل بالتصّرف فيما ل يملكه ،أو ح أن يو ّذلك .وعليه :فل يص ّ
كل ببيع دار صديقه – مثل ً – وهو ل فيما سيملكه ،كما لو و ّ
كل ببيع دار زيد التي سيشتريها منه ،أو و ّ
كل يملكها ،أو و ّ
بطلق فلنة التي سيتزوجها ،فإن الوكالة غير صحيحة في
ذلك كله ،لنه ل يحقّ له ان يباشر ذلك بنفسه حين التوكيل ،
فكيف يستنيب غيره فيه.
كله في التصّرف فيما سيملكه بعد التوكيل تبعا ً لما أما لو و ّ
كله ببيع مايملكه حال التوكيل :فإن الوكالة صحيحة ،كما لو و ّ
ح ذلك ،لنه يملك الصل وهي الشجار ، ستثمره أشجاره ،فيص ّ
كله ببيع ما عنده من أثواب وما سيشتريه أيضا ً منها، وكذلك لو و ّ
ح توكيله في بيع ما لم يملكه عند التوكيل تبعا ً لما كان يملكه . ص ّ
ح التوكيل كله ببيع متاع ،وأن يشتري له بثمنه شيئا ً ،ص ّ ولو و ّ
ر. بالشراء على ال ْ
شه َ ِ
)15
(3
كل فيه معلوما ً ولو من بعض أن يكون المو ّ -2
ل والجهالة ترتفع نوعا ً ما .ول
الوجوه ،فإن الضرر بذلك يق ّ
يشترط العلم به من كل الوجوه ،لصعوبة ذلك ،ولن الوكالة
شرعت للحاجة ،وذلك يقتضي المسامحة فيها.
كلتك في بيع أموالي ،واستيفاء ديوني ،واسترداد فلو قال :و ّ
من هي ح ذلك ،وإن جهل الموال ،والديون و َودائعي – مثل ً – ص ّ
كلمن هي عنده ،لن الضرر فيها قليل ،والمو ّ عليه ،والودائع و َ
فيه صار معلوما ً من بعض الوجوه.
كلتك في كل قليل وكثير من ُأموري ،أووأما لو قال :و ّ
وضت إليك كل شئ ،أو أنت وكيلي فتصرف كيف شئت ،لم ف ّ
ح التوكيل ،لكثرة الضرر ،وجهالة المو ّ
كل فيه من كل وجه. يص ّ
ح ما يسمى اليوم بالوكالة العامة ،وإن أضرارها
وعليه فل يص ّ
كل ً
ظاهرة ،حيث يتصرف الوكيل احيانا في أشياء ل يرغب المو ّ
تصرفه فيها.
وكذلك لو قال :و ّ
كلتك ببيع بعض مالي ،دون أن يعّين هذا
البعض ،لكثرة الجهالة وفحش الغرر.
)15
(4
الوكالة في حقوق الله تعالى:
وحقّ الله تعالى :هو ما شرع حكمه للمصلحة العامة ل
لمصلحة فرد معين ،فهو من النظام العام الذي يتعلق به حقّ كل
فرد من الناس ،ولذلك نسب لرب الناس جمعيهم ،لعظم
خطره وشموله نفعه ،وسمى حق الله تعالى لنه هو المستحق
له وحده ،فل يملك أحد من الناس إسقاطه.
ومن حقوق الله تعالى العبادات المحضة ،وقد علمنا انه ل
ح التوكيل فيها.
يص ّ
ومنها العقوبات الكاملة وهي الحدود ،والوكالة
فيها:
إما في إثباتها وإما في استيفائها.
ح ،لن مبنى الحدود على فإذا كانت الوكالة في إثباتها فل تص ّ
جح فيه جانب الدفع والسقاط، الدرء ،أي إن الشارع ير ّ
ة ،والتوكيل في إثباتها يخالف ذلك لنهفيسقطها لقل شبه ٍ
يوصل إلى إيجابها وتنفيذها.
وإذا كانت في استيفاء الحدود فهي جائزة وصحيحة ،لما ثبت أنه
من
من ثبت زناه ،وجلد َ كل في رجم َ صلى الله عليه وسلم و ّ
ثبت شربه المسكر) .انظر البخاري :الوكالة ،باب :الوكالة
في الحدود(.
الوكالة في حقوق العباد:
حقوق العباد هي كل ما يتعلق بأفرادهم على أنهم أفراد ل
جماعة ،كالبيع والشراء والزواج والطلق والشركة والصلح ونحو
ذلك.
ح الوكالة فيها باتفاق العلماء ،وقد مّر
فمثل هذه الحقوق تص ّ
معنا عند الكلم عن مشروعية الوكالة أدلة ذلك.
ومن هذه الحقوق الخصومة في إثبات هذه الحقوق ،
والوكالة فيها جائزة أيضًا.
ودليل ذلك:
)15
(5
كل عقيل ً عند أبي بكر – رضى الله أن عليا ً رضى الله عنه و ّ
ي،
عنهما – وقال :ما قضى له فلي ،وما قضى عليه فعل ّ
كل عند عثمان رضى الله عنه عبدالله بن جعفر رضى الله وو ّ
حما ً وإن الشيطان ليحضرها ، عنهما ،وقال :إن للخصومة قُ َ
وإني لكره أن أحضرها) .البيهقي :الوكالة ،باب :التوكيل
في الخصومات(6/81 : ..
]قحما ً :جمع قُ ْ
حمة ،وهي المر الشاقّ الذي ل يكاد يحتمل ،
وقحم الخصومات ما يحمل النسان على ما يكرهه[.
الوكالة في القصاص:
ح الوكالة في إثبات القصاص واستيفائه ،لن الغالب فيه
تص ّ
حق العبد ،وهم أولياء المقتول ،ولذا يملكون إسقاطه ،كما
يملكون استبداله بالدية.
الوكالة في الشهادة والْيمان والنذور:
كلتك أن تشهد ح الوكالة في الشهادة ،كأن يقول له :و ّ
ل تص ّ
عّني بكذا ،لن حكمها متعّلق بعلم الشاهد ،لنها إخبار عما رآه أو
سمعه ،وهذا غير حاصل للوكيل ،فتعلقت الشهادة بعين الشاهد ،
كل فيها كان الوكيل شاهدا ً على
فل تقبل التوكيل ،فإن و ّ
الشهادة.
ح الوكالة في النذور واليمان ،كأن يقول: وكذلك ل تص ّ
و ّ
كلتك أن تحلف عّني أو تنذر عّني ،لن فيها تعظيم الله تعالى ،
فأشبهت العبادة المحضة ،وتعلقت بعين الحالف والناذر.
الوكالة في اليلء واللعان والقسامة والظهار:
ح الوكالة في اليلء واللعان والقسامة ،لنها
وكذلك ل تص ّ
ل من الشهادة واليمان ل أيمان ،وقيل :إن اللعان شهادة ،وك ّ
ح فيه الوكالة.
تص ّ
ح في الظهار ،لن الغالب فيه معنى
والصح أن الوكالة ل تص ّ
اليمين ،لتعّلقه بألفاظ وخصائص كاليمين.
ح الوكالة فيه ،لنه ملحق بالطلق ،لن الغاية فيه
وقيل :تص ّ
تحريم الستمتاع بزوجته ،وهذا ما يثبت بالطلق ،وصورته أن
)15
(6
كلي مظاهرا ً
ت مو ّ ُ ت على مو ّ
كلي كظهر أمه ،أو جعل ُ يقول :أن ِ
منك.
الوكالة في القرار:
وذلك بأن يقول له :و ّ
كلتك لتقّر عّني لفلن بألف دينار له
ى ،ونحو ذلك .فالصح أن الوكالة في ذلك غير صحيحة ،ولو عل ّ
أقّر عنه ل يلزمه ما أقّر به عليه ،لن القرار إخبار عن إثبات حق
– كالشهادة – فل يقبل التوكيل.
الوكالة في تمّلك المباحات كالصطياد والحتطاب:
كله أن يحتطب له أو أن يصطاد له :فالصح صحة فلو و ّ
الوكالة ،وأن ما يجمعه الوكيل من الحطب أو يمسك به من
كل ،لن تمّلك المباحات أحد
كل ،يكون ملكا ً للمو ّ
الصيد ،بنّية المو ّ
حت الوكالة به.أسباب المْلك ،فأشبه الشراء ونحوه ،فص ّ
الوكالة في المحّرم:
كله في غصب شئ أو سرقته ،أو فعل جناية وذلك بأن يو ّ
،فإن الوكالة غير صحيحة ،وإن فعل الوكيل شيئا ً من ذلك كان هو
ص بمرتكبها ،ولن
الضامن والثم عليه ،لن حكم المحّرمات مخت ّ
الشارع قصد بالمتناع عنها كل شخص بعينه.
حدود تصرفات الوكيل
إذا وقعت الوكالة مستوفية لركانها وشروطها ثبت للوكيل
حق التصّرف فيما و ّ
كل فيه ،ولكن ما هي حدود هذا التصّرف؟
هذا ما سنبّينه فيما يلي بحسب موضوع الوكالة التي أسندت إليه.
-1الوكالة في الخصومة:
وهي توكيل بالدعوى والمرافعة أمام القضاء وهي المشهور
كل المحامي وغيره بالخصومة في أيامنا بعمل المحاماة ،فإذا وُ ّ
فهو يملك أن يتصرف بكل ما يتعلق بإثبات الحق لمو ّ
كله أو دفعه
دعيه.عنه إذا كان خصمه ي ّ
وهل يملك القرار بالحق على مو ّ
كله؟
)15
(7
والجواب :هو أنه ل يملك ذلك ،لنه وكيل في المنازعة
والقرار بخلف ذلك لنه مسالمة ،فل يتناوله التوكيل بالخصومة ،
فل يملكه الوكيل.
وإذا أثبت الوكيل بالخصومة بالمال الحق لمو ّ
كله وُقضى له
به ،فهل يملك قبضه؟
والجواب :أنه ل يملك ذلك ،لن الذن في إثبات الحق
ليس إذنا ً في قبضه ،ل من جهة النطق ول من جهة العُْرف ،إذ
من يرضاه لتثبيت الحق يرضاه لقبضه ،بل ليس في العُْرف أن َ
الغالب أن يختار لتثبيت الحق ألد ّ الناس خصومة .وأكثرهم حيلة
منودهاًء ،وقد يكون أقل الناس ِدينا ً وحياًء ،بينما يختار للقبض َ
من يصلح للخصومة قد ل هو أوفى الناس أمانة وأكثرهم ورعًا ،ف َ
ل على الرضا به للقبض. يصلح للقبض ،وتوكيله بالخصومة ل يد ّ
-2الوكيل بالقبض:
كل إنسان آخر بقبض حق له من فلن ،فأنكر فلن أن إذا و ّ
كل عليه حقًا ،فهل يملك الوكيل بالقبض المخاصمة في للمو ّ
دعيه المو ّ
كل؟ فيه وجهان: إثبات ذلك الحق الذي ي ّ
أحدهما :يملك ذلك لنه بالمخاصمة يتوصل إلى إثبات الحق
وقبضه ،فيكون الذن بالقبض إذنا ً في المخاصمة.
والثاني :أنه ل يملك المخاصمة في تثبيت الحق ،لن الذن
من يرضاهفي القبض ليس إذنا ً في التثبيت ،ل لفظا ً ول ع ُْرفا ً ،و َ
من كان
في قبض حقه قد ل يرضاه في تثبيته ،لنه يختار للقبض َ
ذا أمانة ودين وورع ،وقد يكون أقل الناس حيلة وأضعفهم حج
ومخاصمة ،وعليه لو رافع في المر إلى القضاء ،وقضي على
ل هذا الوجه هو الرجح ، كله ،فل يمضي عليه هذا القضاء ،ولع ّ مو ّ
والله تعالى أعلم.
-3الوكيل بالبيع والشراء:
-1الوكالة بالبيع:
كله ببيع شئ له ،فل يخلوا من أن تكون هذه الوكالة إذا و ّ
مطلقة أو مقّيدة ،ولك ّ
ل منهما حكم يتعلق بها:
)15
(8
وهي أن يوك َّله ببيبع شئ دون أيّ تقييد ،ففي هذه الحالة
يتقيد الوكيل بما يلي:
-1ل يبيع بغير نقد البلد ،لن العُْرف يقيده به عند الطلق ،فإن
كان فيه نقدان يتعامل بهما أهله باع بالغالب منهما ،فإن
استويا في التعامل باع بأنفعهما للمو ّ
كل ،وإن استويا بالنفع
باع بأّيهما شاء.
-2ل يبيع بالنسيئة أي بتأجيل الثمن إلى زمن معين ،وإن كان
ل ،لن مقتضى الطلق الحلول، البيع بأكثر من ثمن مثله حا ّ
إذ هو المعتاد في البيع غالبًا.
جل ً معينا ً جاز أن يبيع إلى
در له أ َ فلو و ّ
كله ليبيع مؤج ً
ل :فإن ق ّ
ذلك الجل ول يزيد عليه ،فإن نقص عنه أو باع حال ّ ص ّ
ح البيع ،
كل -كنقص ثمن أو خوف فإن كان في التعجيل ضرر على المو ّ
ح.
على الثمن ونحو ذلك – لم يص ّ
ح التوكيل على الصح ،وحمل الجل على وإن أطلق الجل ص ّ
المتعارف في مثله ،فإن لم يكن فيه ع ُْرف راعي النفع للموكل.
-3ول يبيع بغبن فاحش ،وهو ما ل ُيحتمل غالبًا ،وضبطوه بما
درون بما بين
دره المق ّ
درين ،كأن يق ّ
يخرج عن تقدير المق ّ
ل ،فيبيعه بخمسة أو ستة. السبعة والعشرة مث ً
فإن قّيده بشخص ،كأن قال :ب ِعْ هذا لفلن ،تعّين عليه البيع
له ،لن تخصيصه قد يكون لغرض يقصده ،كأن يكون ماله
أبعد عن الشبهة ،فإن دّلت قرينة على أن مراده الربح ،وأنه
)15
(9
ل غرض له في التعيين إل ذلك ،جاز بيعه لغير ذلك الشخص
الذي عّينه.
وإن لم يكن في التعيين غرض صحيح ،كأن يكون الثمن فيه
وفي غيره واحدًا ،فالراجح أن له البيع فيه وفي غيره ،لن
مقصوده يتحقق في أيّ مكان ،فكان الذن بالبيع بمكان إذنا ً
بالبيع في غيره.
)16
(0
لنفسه ،وبيعه لولده الصغير ومن في حجره كبيعه لنفسه ،فلم
كل ،لتعارض أغراض ح ذلك كله ،حتى ولو أذن له فيه المو ّ
يص ّ
البائع والمشتري ،فالمشتري يرغب السلعة بأرخص الثمان ،
ووكيل البائع عليه ان يحصل لموكله اغلها واعلها ،وهنا
المشتري والبائع واحد ،فل تتحقق اغراض البيع.
من يتهم في محاباتهم من ذوي قرباه – واما غير هؤلء – م ّ
فل مانع من بيعهم ،فيبيع لزوجته واخوته ونحوهم ،لن العاقد
ليس واحدا ،فالغراض غير متنافية.
والصح انه يبيع لبيه وسائر أصوله ،كما أنه يبيع لبنه البالغ
وسائر فروعه المستقّلين عنه ،طالما أنه يبيعهم بالثمن الذي لو
ح البيع ،كما لو باع
ح ،فتنتفي التهمة ويص ّ
باع به لجنبي لص ّ
لصديق له ،ليس بينه وبينه قرابة.
)16
(1
وقع الشراء له ولم يقع للموكل ،حتى ولو كان المشتري
يساوي الثمن الذي اشترى به مع العيب على الصح ،لنه لم يأذن
كل منصر بشرائه ،وقد ل يتمكن المو ّ
له بشراء المعيب ،فهو مق ّ
ده لهروب البائع فيتضرر بذلك ،ول سيما حين يكون ل يساوي ر ّ
الثمن.
)16
(2
كله أن يشتري له شيئا ً ،وقّيده بنوع أو ثمن ،لزمه
إذا و ّ
مراعاة القيد ،فإذا خالف الوكيل في هذا وقع الشراء للوكيل ،
ولم يقع للموكل إل إذا خالف إلى خير.
ومثال التقييد بالنوع من المشتري أن يقول له :اشتر لي
سيارة من نوع كذا صنع سنة كذا ،فإذا اشتراها مع هذا الوصف
كل ،وإن خالف في هذا فاشتراها من نوع آخر كان الشراء للمو ّ
أو من صنع سنة غير المذكورة في العقد ،كان الشراء للوكيل
وليس للموكل ،لنه خالف قيدا ً معتبرا ً قد يكون للموكل مصلحة
فيه.
ومثال التقييد في الثمن ،أن يقول :اشتر لي سيارة – مثل ً –
أو دارا ً بمائة ألف ،فاشتراها بمائتي ألف ،فل يلزم هذا الشراء
كل ،وإنما يلزم الوكيل لمخالفة قيد الثمن.المو ّ
)16
(3
المراد بحقوق العقد :التصرفات التي ل بد ّ منها للحصول
على الغاية والقصد من العقد ،مثل تسليم المبيع وقبض الثمن
في البيع ،والمطالبة بالمهر في النكاح ،ونحو ذلك .وحكم العقد :
هو الغرض منه والمقصود ،كثبوت الملكية في المبيع للمشتري ،
وحل الستمتاع بالزوجة في عقد النكاح ونحو ذلك .وبحثنا الن :
لمن تثبت حقوق العقد وحكمه ،للوكيل أم للموكل؟ والجواب هو:
أما حكم العقد:
كل ل للوكيل ،لنفقد اتفق الفقهاء على أنه يقع ويثبت للمو ّ
كل ويعقدالوكيل واسطة وسفير في هذا ،وهو يتكلم باسم المو ّ
ن العاقد في الحقيقة هودة منه فكأ ّ
له ،فوليته على العقد مستم ّ
كل ،ولذلك يثبت حكم العقد له مباشرة ،بمجرد تمام العقد المو ّ
وصحته من قَِبل الوكيل.
وأما حقوق العقد:
فهي نوعان بحسب العقود التي تترتب عليها ،فإن العقود
التي يمكن ان يقوم بها الوكيل نوعان:
عقود يضيفها الوكيل إلى نفسه.
)16
(4
وأما العقود التي يضيفها الوكيل للمو ّ
كل:
-1توكيل الوكيل:
إذا كان الوكيل يمكنه القيام بما وُ ّ
كل فيه ،وكان مما يليق
كل غيره بدون إذن المو ّ
كل، بأمثاله القيام به ،فليس له أن يو ّ
ض بتصّرف غيره ،ول ضرورة كل رضى بتصرفه ولم ير َ لن المو ّ
لذلك.
كل فيه ،إما لنه ل يحسنهفإن كان ل يتأتى منه القيام بما وُ ّ
كل غيره بالقيام بذلك ،لن وإما لنه ل يليق به ،فله عندئذ أن يو ّ
كل بقصد منه إنابته عنه في توكيل تفويض مثل ذلك إليه من المو ّ
من يقوم بما أسنده إليه.
َ
وإذا كان الموكل فيه مما يحسنه ويليق به ،ولكنه كثر حتى
كل فيما زاد منعجز الوكيل عن التيان بكله ،جاز له أن يو ّ
قدرته على الصح ،لن الضرورة دعت إليه.
كل – عن نفسه أو عن المو ّ
كل – جوزنا للوكيل أن يو ّ وحيث ّ
كل ،إل إن عينكل امينا ً رعاية لمصلحة المو ّ اشترط أن يو ّ
كل أحدا ً غير أمين ،فله توكيله اتباعا ً لتعيين المو ّ
كل. المو ّ
وهل الوكيل الثاني وكيل المو ّ
كل ،أو وكيل الوكيل الول؟
والجواب:
)16
(5
كل عن نفسك ،فالثاني وكيل الوكيل ،فللول أن إذا قال :و ّ
يعزله ،كما أنه ينعزل بعزل الموكل للوكيل الول ،أو بعزل
الوكيل الول لنفسه ،لنه تبع له.
كل عّني ،أو أذن له بالتوكيل مطلقا ً ،فالوكيل
وإن قال :و ّ
عل:
ج ْ
-2التوكيل ب ُ
كل شيئا ً مقابل ذلك أم لمالوكالة صحيحة سواء أجعل المو ّ
كل ولم يعط شيئا ً يجعل .فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم و ّ
سعاة بجمع الزكاة ويعطيهم على العمل ،كما أنه كان يو ّ
كل ال ُ
على ذلك أجرا ً يجعله لهم مقابل عملهم .وفي حال كونها بجعل
يشترط أن يكون الجعل معلومًا ،فل يصح ما يفعله الناس اليوم
من إعطاء المحامين نسبة مئوية من مال القضية التي يربحونها
كأتعاب لهم .كما ل يصح اعطاء جباة الجمعيات ونحوها نسبة
مئوية مما يجبونه من اموال ،وكذلك إعطاء أصحاب المكاتب
العقارية نسبة مئوية من قيمة ما يبيعونه .والمشروع في ذلك
جْعل ي ُّتفق عليه قبل بدء العمل وعند التوكيل .
كله تحديد ُ
ويستحق هذا الجعل عند النتهاء من العمل الموكل فيه.
-3صفة يد الوكيل:
دي ، يد الوكيل على ما و ّ
كل فيه يد أمانة ،فل يضمن إل بالتع ّ
كل في جْعل ،لن الوكيل نائب عن المو ّ حتى ولو كانت الوكالة ب ُ
التصّرف فيما تحت يده ،فكانت يده كيده ،فكما ان المالك ل
يضمن ما تلف في يده من ملكه فكذلك وكيله.
وأيضا ً فإن الوكالة إرفاق وتعاون من الوكيل ،والضمان
فر عنه ،ويجعل الناس يمتنعون عنها ،فيكون في ينافي ذلك وين ّ
دى – كأن استعمل ما وكل ببيعه او شرائه ،او
ذلك حرج ،فإذا تع َ
ضاع منه ولم يدر كيف ضاع ،او وضعه في مكان ثم نسيه ،او
خالف الموكل – فإنه يضمن في ذلك كله.
-4دعوى الوكالة:
دعى أنه وكيل
من عليه حق لخر ،وا ّ إذا جاء إنسان ألى َ
من عليهدقه َ
كله في قبض الحق منه ،وص ّ صاحب الحق ،وأنه و ّ
الحق في ذلك ،فهل يجب دفع الحق إليه؟
)16
(6
والجواب :إنه ل يجب عليه ذلك ،لن هذا الدفع ل يبرئه من
الحق ،فل يؤمر به ل أن أقام بينة على دعواه.
فإذا دفع اليه وقبضه جاز ،فإذا حضر صاحب الحق وصدقه
بالوكالة فقد ظهر انه كان وكيل له ،وان قبضه صحيح ،فتبرأ ذمة
من كان عليه الحق منه.
دق بيمينه أنه ما و ّ
كل ،لن ص ّ
وإن أنكر صاحب الحق التوكيل ُ
الصل عدم التوكيل ،فإذا حلف ُينظر:
فإن كان الحق عينا ً :أخذها إن كانت باقية أو أخذ بدلها إن
من كان عليه الحق كانت تالفة .وله أن يطالب أّيهما شاءَ :
منمن أدعى الوكالة وقبض .لن الدافع دفع إلى َ ودفعه ،و َ
لم يثبت له إذن صاحب الحق له بالقبض ،والقابض قبض ما
لم يكن له حق في قبضه.
من واحد ً منهما لم يكن له أن يرجع بما ضمنه على
وإذا ض ّ
الخر ،لن كل ّ منهما يرى أن ما يأخذه صاحب الحق منه ظلم،
فليس له أن يرجع على غيره لدفع الظلم عن نفسه.
وإن كان الحق دَْينا ً :فله أن يطالب به الذي كان عليه ،
لن حقه – على رأيه – ل يزال في ذمته ولم ينتقل الى ذمة
غيره .وليس له أن يطالب القابض على قول الكثر ،لن ما
قبضه لم يتعين حقا له ،فليس له أن يطالب به.
-5الوكالة في قضاء الدّْين:
إذا و ّ
كل رجل ً في قضاء دينه لزم الوكيل أن يشهد على
كل ،ومن القضاء ،لنه مأمور بما هو الحوط لمصلحة المو ّ
مصلحته أن يشهد على قضاء دينه ،كي ل يرجع عليه الدائن وينكر
القضاء.
فإذا دفع الوكيل الد ّْين دون إشهاد ،وأنكر صاحب الد ّْين
الوفاء ،لم ُيقبل قول الوكيل عليه ،وبقى دينه في ذمة المو ّ
كل.
من الوكيل ما دفعه إليه؟ والجوابُ :ينظر: كل ان يض ّوهو للمو ّ
كل ضمن للموكل ما دفعه فإن كان دفع إليه في غ َْيبة المو ّ
)16
(7
وإن كان في حضوره ل يضمن ،لن المفّرط هو اْلمو َِ
كل ،إذ
الد ّْين والنكاح والطلق على مال ،لم ينفرد أحدهما عن
الخر ،ولو تصّرف توقف تصّرفه على إجازة الخر ،لن هذه
كل رضى التصرفات تحتاج الى مزيد من الرأي ،والمو ّ
ض برأي أحدهما ،واجتماعهما ممكن ،فل برأيهما ولم ير َ
ينفذ تصّرف أحدهما دون الرجوع الى الخر ،لن المو ّ
كل لم
يأذن به.
وإن كان التصّرف ل يتعلق بأمرٍ فيه بدل مالي ،كالطلق على
غير مال وتسليم الهبة وقضاء الد ّْين ونحو ذلك ،فلكل واحد
منهما أن ينفرد بالتصّرف ،لن هذه التصرفات ل تحتاج الى
مزيد نظر ورأي ،فتكون إضافة التوكيل إليهما تفويضا ً
بالتصّرف إلى كل واحد منهما على انفراده .وكذلك التوكيل
بالخصومة لثنين ،لن القصد منها إعلم القاضي بحق
كل والمرافعة أمامه ،وقد يكون في حضورهما معا ً المو ّ
إخلل بذلك.
-7اختلف المو ّ
كل مع الوكيل:
كل مع الوكيل في بعض المور ،فما هو قد يختلف المو ّ
الحكم عند الختلف؟ وأبرز هذه المور الحوال التالية:
أ-الختلف في تلف ما في يد الوكيل:
)16
(8
علمنا أن الوكيل أمين ،وأنه ل يضمن ما تلف في يده إل إذا
دعى الوكيل أنه تلف في يده ما و ّ
كله ببيعه دى .فإذا ا ّفّرط أو تع ّ
كله بالشراء به ،أو الثمن الذي قبضه له ل ،أو الثمن الذي و ّ مث ً
كل بدعواه وقال :لم يتلف شئ في يدك، ذبه المو ّ ونحو ذلك ،فك ّ
دق الوكيل بدعواه مع يمينه ،لنه أمين ،والصل عدم فيص ّ
تضمينه ،والتلف مما يتعذر إقامة البّينة عليه فل يكّلف بها.
دعى أن التلف حصل بأمر ظاهر ل يخفى ،كحريق أو إل إذا ا ّ
غرق أو نهب ،فيكّلف إقامة البّينة على هذا المر ،لنه ليس مما
ذر إقامة البّينة عليه ،فإن لم يقم بّينة على ذلك كان ضامنا ً لما يتع ّ
كان في يده.
دي أو التفريط:
ب -الختلف في التع ّ
كل والوكيل في دعوى التلف ،ولكن اختلفا إذا توافق المو ّ
كل مخالفة الوكيل شروطه، دعى المو ّ
دي وعدمه ،كأن ي ّ في التع ّ
أو التقصير في الحفظ ،أو الستعمال لنفسه ونحو ذلك ،مما
دعيديا ً من الوكيل أو تقصيرا ً منه ،والوكيل ينكر ذلك وي ّ ُيعتبر تع ّ
صر ،فالمعتبر قول الوكيل مع يمينه ،لن دى ول ق ّ أنه ما تع ّ
دعى عليه الضمان وهو ينكره ،والقول دائما ً قول كل ي ّ المو ّ
المنكر مع يمينه ،فإذا حلف فل ضمان عليه.
ج -الختلف في التصرف:
كل البيع،كل ببيعه وينكر المو ّ
دعي الوكيل أنه باع ما وُ ّكأن ي ّ
كل :ت الثمن وتلف ،ويقول المو ّ ت وقبض ُ أو يقول الوكيل :بع ُ
ت ولم تقبض الثمن .فالقول – أيضا ً – قول الوكيل مع يمينه، بع َ
من ملك تصرفا ً ملك لنه يملك التصّرف بالبيع والقبض بالذن ،و َ
القرار به.
د:
د -الختلف في الر ّ
دعى الوكيل أنه رد ّ ما في يده من حقوق المو ّ
كل إليه، أي ا ّ
دعى رد ّ العين التي و ّ
كله ببيعها ،أو رد ّ الثمن الذي باع به، كما لو ا ّ
كل ذلك: وأنكر المو ّ
جْعل فالقول قول الوكيل بغير جعلفإن كانت الوكالة بغير ُ -
فالقول قول الوكيل بيمينه ،لن قبضه للمال كان لصالح
ده.
مالكه ،فُيقبل قوله في ر ّ
)16
(9
جْعل :فوجهان :قيل :ل يقبل قوله ،لن وإن كانت الوكالة ب ُ -
قبضه للمال كان لصالح نفسه ،وقيلُ :يقبل قوله ،لن منفعته
كل ،وهذا القول هو الرجح. كانت بعمله ل بقبضه لمال المو ّ
فإن كان قبل التصّرف :فل خصومة ،أي ي َُرد ّ ترافعهما أمام -
كل في هذه القضاء ،إذ ل فائدة من ذلك ،لن إنكار المو ّ
الحالة الوكالة عزل للوكيل لو حصل التوكيل.
كل بيمينه ،لنوإن كان بعد التصّرف :فالقول قول المو ّ -
دعيه والمو ّ
كل كيل ي ّالصل عدم الذن وعدم التوكيل،والو ّ
كر بيمينه.ينكره ،والمعتبر – كما علمنا – قول المن ِ
وتسمية الطرفين هنا وكيل ً وموك ّل ً مجاز ،حسب دعوى
دعي التوكيل.
م ّ
و -الختلف في صفة الوكالة:
كل والوكيل على الوكالة ،ولكن اختلفا في إذا توافق المو ّ
كلتني بالبيع إلى أجل ،وقال ل :و ّ
صفتها ،كأن قال الوكيل مث ً
كلتني أن أشتري لك كذا كل :بل نقدا ً ،أو قال الوكيل :و ّالمو ّ
كل :بل بخمسمائة ،أو قال الوكيل :و ّ
كلتني بألف ،فقال المو ّ
كل :بل بشراء دار ،وهكذا. بشراء سيارة ،فقال المو ّ
فالقول قول المو ّ
كل مع يمينه ،لنه أعرف بحال الذن
الصادر منه ،وأعلم بالعبارة التي نطق بها.
-1الفسخ:
)17
(0
عقد الوكالة عقد جائز من الطرفين:
خ عقد الوكالة وعزل الوكيل عن أي إن الموك ّ َ
ل له فس ُ
التصرف متى شاء ،لنه قد يرى أن مصلحته في ترك التوكيل،
أو يرى مصلحته في توكيل شخص آخر ،والتوكيل إذن منه
للتصّرف في مْلكه ،فله أن يرجع عنه متى شاء.
وكذلك للوكيل أن يفسخ الوكالة ويعزل نفسه عن التصّرف
كل به ،أو قد يكون متى شاء ،لنه قد ل يتفّرغ للقيام بما وُ ّ
التوكيل في غير مصلحته ،فلو كان ملَزما ً بها لكان في ذلك
إضرار به.
جْعل.
جْعل أم بغير ٌ
ول يختلف الحال سواء أكانت الوكالة ب ُ
وبناءً عليه:
كل الوكيل فقد انتهت الوكالة ،ويكون ذلك فلو عزل المو ّ
بقوله :رفعت الوكالة ،أو أخرجتك منها ،أو عزلت وكيلي عن
التصّرف ،أو أرسل إليه رسول ً يخبره بذلك ،أو كتب إليه بعزله ،
ونحو ذلك.
كل فقد انعزل الوكيل في الحال ، وإذا وقع العزل من المو ّ
وخرج عن الذن السابق له بالتصّرف ،سواء أكان حاضرا ً أم
غائبًا ،وبلغة خبر العزل أم لم يبلغه ،لن العزل رفع للعقد فل
ُيشترط فيه الرضا ،ول يحتاج إلى العلم.
فلو تصّرف بعد العزل وقبل العلم به فتصّرفه باطل.
وكذلك الحال إذا عزل الوكيل نفسه ،بأن قال :عزلت نفسي
ت الوكالة ونحو ذلك ،فإنه ينعزل للحال عن الوكالة ،أو :ردد ٌ
كل غائبا ً ولم يبلغه علم العزل.
وتنتهي الوكالة ،ولو كان المو ّ
)17
(1
وكذلك تنتهي الوكالة بموت أحدهما :الوكيل أوالمو ّ
كل ،
كل يخرج عن أهلية سواء أعلم الخر بموته أم لم يعلم ،لن المو ّ
الذن بالتصّرف بموته ،وكذلك الوكيل يفقد بالموت أهلية
التصّرف.
خروج محل التصّرف عن ملك المو ّ
كل أو وليته: -3
ومما تنتهي به الوكالة خروج محل التصّرف – أي مح ّ
ل
التوكيل – عن مْلك المو ّ
كل أو وليته ،فينعزل الوكيل.
ومثال خروجه عن مْلكه :ما لو باع العين التي و ّ
كله ببيعها أو
وهبها ،ونحو ذلك.
كل :بما لو و ّ
كله ببيع ومثال خروج محل الوكالة عن ولية المو ّ
مال للصبي الذي تحت وليته ،ثم بلغ الصبي رشيدًا ،فيرتفع عنه
كل عليه ،فيبطل إذنه في التصرف جر ،وتنتهي ولية المو ّ
ح ْ
ال َ
بأمواله بعد بلوغه ،فتبطل الوكالة.
كل أو وليته هلكه ،ومثل خروج محل الوكالة عن مْلك المو ّ
سرقت ،أو دار فُهدمت ،أو و ّ
كله بنكاح كما لو و ّ
كله ببيع سيارة ف ُ
ابنته فماتت ،فينعزل الوكيل في كل هذه الصور وتنتهي الوكالة،
لن محل التصرف لم يبق.
)17
(2
الباب الحادي عشر
الإكـــَـــراه
)17
(3
الكــــــَـــراه
حقيقته ومعناه:
ة فهو كريه، في المصباح المنير :ك َُره المُر والمنظُر كراه ً
ى ،وكرهته أكرهه كرها ً – ً
مثل ُقبح قباحة فهو قبيح ،وزنا ومعن ً
بضم الكاف وفتحها – ضد أحببته ،فهو مكروه.
وال َ
كره – بالفتح – المشقة ،وبالضم :القهر ،وقيل :بالفتح
الكراه ،وبالضم المشقة.
وأكرهته على المر إكراها ً حملته عليه قهرًا ،يقال :فعلته
كرها ً – بالفتح – أي إكراهًا ،وعليه قوله تعالى ) :طوعا ً أوك َْرهًا(
َ
دين.
صلت (11 :فقابل بين الض ّ )ف ّ
والخلصة :أن الكراه في اللغة :حمل الغير على أمر
يكرهه ،أي إثبات الكره في نفس المكَره ،أي قيام معنى في
نفسه ينافي المحبة والرضا ،فالكره ضد لهما ويستعمل في
هوا شيئا ً وهو خيٌر لكم
مقابليهما ،قال تعالى ) :وعسى أن ت َك َْر ُ
شٌر لكم( )البقرة .(216 : حّبوا شيئا ً وهو َ
وعسى أن ت ِ
ويسمى الغلق ،فكأن المكَره ُأغلق عليه باب ومنع من
الخروج منه إل بما ُأكره عليه.
وفي الصطلح :هو اللجاء إلى فعل الشئ قهرًا.
وعرفه الشافعي رحمه الله تعالى في "ا ُ
لم" بقوله :أن يصير ّ
من ل يقدر على المتناع عنه. ي
َ ْ َ د ي في الرجل
ويحصل ذلك بالتخويف بمحذور كضرب وحبس وإتلف مال،
ويختلف ذلك باختلف أحوال الناس:
فالتهديد بالستخفاف للوجيه بين المل ،والحبس القصير له،
)17
(4
والمعتبر بالتهديد بإتلف المال التضييق على المكره في
)17
(5
النبي صلى الله عليه وسلم .ومسلم في الفضائل ،باب:
مباعدته صلى الله عليه وسلم للثام واختياره من المباح أسهله(.
أن يترتب على فعل المكَره به الخلص من المهدد به: -6
فلو قال انسان لخر :اقتل نفسك وإل قتلتك ،ل ُيعد هذا
إكراها ً ،لنه ل يترتب على قتل النفس الخلص مما ه ّ
دد به.
دد بقطع يده ما لم يقطعها بنفسه. وكذلك لو ه ّ
ح للمستكَره أن يقدم على ما ُأكره عليه لنه ل يسمى فل يص ّ
دد به بالقدام مكَرها ً حقيقة ،لن المكره حقيقة هو ما ينجو مما ه ّ
طلب منه .بل هو اذا قتل نفسه او قطع يده كان الخطر على ما ُ
قنا ً
قنا ً ،لنه يفعله بنفسه .ولو لم ُيقدم على ذلك لم يكن متي ّمتي ّ
ققه.وفه بما ل يح ّ
دد به ،فربما كان الكره يخ ّ
مما ه ّ
ل :فلو كان آجل ً لم يتحقق الكراه،دد به عاج ً
أن يكون المه ّ -7
دد به بالستغاثة والحتماء ّ
لن التأجيل مظنة التخلص مما ه ّ
بالسلطان ،وما إلى ذلك.
أن ل يخالف المستكَره المكره بفعل غير ما ُأكره عليه ،أو -8
بالزيادة عليه أو النقصان ،لنه في هذه الحوال الثلثة يكون
طائعا ً فيما أتى به ،فل يكون مكرهًا.
فلو أكره إنسان شخصا ً على طلق امرأته ،فباع داره ،أو
أكرهه على طلقة واحدة رجعية فطّلقها ثلثًا ،أو أكرهه على
طلق امرأته ثلثًا ،فطّلقها واحدة ،فهذه الصور الثلثة نافذة ،أي
تترتب أحكامها على المكّلف كما لو فعلها باختياره ،لنها ليست
من الكراه في شئ.
-9أن يكون المكَره عليه معّينًا ،بأن يكون شيئا ً واحدًا ،فلو ُأكره
إنسان على طلق إحدى امرأتيه ،أو على قتل زيد أو عمرو ،
فل يعد ّ هذا إكراهًا.
قا ً عليه :كما لو
ح ّ -1 0أل ّ يكون المكره عليه أو المخوف به مست َ
مولىدد ال ُ س المحجوُر عليه ببيع ماله ،أو ه ّ
دد المفل ُ
هُ ّ
بالتطليق عليه ،أو القاتل عمدا ً بالقصاص ،فليس هذا
قه على المستكره. ح ّ
دد بها مست َ
بإكراه ،لن هذه المور المه ّ
)17
(6
دد به حقا ً للمكره ،يتوصل به إلى ما ليس حقا ً -1 1أل ّ يكون المه ّ
له ول واجبا ً ،كتهديد الزوج زوجته بطلقها إن لم ُتبرئه من
د َْينها ،فل يكون إكراها ً ،فإذا أبرأته فقد سقط الد ّْين من
ذمته ،وليس لها أن تطالبه بعد ذلك.
وقال بعضهم ُ :يعتبر إكراهًا ،لن الزوج سلطان زوجته،
فيتحقق منه الكراه ،وعلى هذا القول :لو أبرأته لتخلص من هذا
التهديد ل تبرأ ذمته من الد ّْين ،وكان لها أن تطالبه به بعد ذلك.
)17
(7
ما يقع عليه الكراه من التصرفات وأثره فيها
التصرفات التي يمكن أن يقع الكراه على فعلها أو تركها
نوعان:
تصرفات حسّية :أي ُأمور ُتعرف بالحواس ،قولية كانت أم
)17
(8
خذا ً ،لنه
فلو امتنع من تعاطيها حتى ناله الذى كان مؤا َ
بامتناعه ُيلقي بنفسه الى التهلكة ،وقد نهى الله تعالى عن ذلك
إذ قال" :ول ت ُْلقوا بايديكم الى التهلكة" )البقرة(195 :
هذا من حيث المؤاخذة ا ُ
لخروية.
وأما من حيث الحكام الدنيوية :فقد بحث الفقهاء في
حد ّ شاربه أوْ ل؟ وما حكمأثر الكراه على شرب الخمر :هل ي ُ َ
من أكره على شرب الخمر ل ُ
تصّرفاته حال سكره؟ فقالوا :إن َ
شرع زجرا ً عن فعل هذه الجناية في د ،لن الحد ّ ُُيقام عليه الح ّ
المستقبل ،والمستكره على شرب الخمر لم يكن فعله جناية ،
لنه ُأبيح له ،بل صار واجبا ً عليه ،طالما أنه يأثم إذا لم يفعله
دد به.
حتى وقع عليه ما ه ّ
وكذلك قالوا :ل تنفذ تصرفات من ُأكره على الشرب حال
سكره ،لن نفاذ تصرفات السكران تكون حال إثمه بسكره –
مسكر باختياره دون عذر – تغليظا ً عليه وزجرا ً له أي عند شربه ال ُ
كر ،لن س ْ
عن فعله ،ول معنى لهذا التغليظ حال الكراه على ال ُ
قق ،إذ لم يقدم المستكَره على الفعل الغرض منه غير متح ّ
باختياره ،وهو غير آثم به كما علمت.
والعمدة في هذا والذي سبقه :عموم قوله صلى الله عليه
وسلم " :إن الله وضع عن ُأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا
عليه" ) .اخرجه ابن ماجه في الطلق ،باب :طلق المكَره
والناسي ،وقد جاء الحديث من طرق عند غيره ،مع اختلف في
بعض اللفاظ(.
والمعنى :وضع عنهم حكم ذلك وما يترتب عليه ،ل نفس
هذه المور ،لنها واقعة.
وعليه :فما يترتب على الكراه موضوع ،أي غير معتبر ،
لخروي.والحديث يشمل الحكم الدنيوي والحكم ا ُ
)17
(9
خص له القدام
عبادة وتقديس ،فمثل هذه القوال أو الفعال ير ّ
عليها – وقلبه مطمئن باليمان – بسبب الكراه.
منن كفر بالله من بعد إيمانه إل َم ْ
ودليل ذلك قوله تعالىَ " :
ً
شَرح بالكفر صدرا فعليهمن َ ُ
م ْ
ن باليمان ولكن َ ه مطئم ّ
أكره وقلب ُ ُ
ب من الله ولهم عذاب عظيم" "النحل."106 : غض ٌ
مار بن ياسر ،عن أبيه رضى وروى الحاكم عن محمد بن ع ّ
مار بن ياسر ،فلم يتركوه حتى الله عنه قال :أخذ المشركون ع ّ
ب النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير ،ثم تركوه ، س ّ
فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" :ما وراءك؟ .
ت آلهتهم
ت منك وذكر ُ قال :شٌر يا رسول الله ،ما ُتركت حتى نل ُ
ن باليمان .قال" :إنبخير .قال" :كيف تجد قلبك؟" .قال :مطئم ّ
عادوا فعد" قال الحاكم :هذا حديث صحيح على شرط الشيخين
ولم يخرجاه) .المستدرك :كتاب التفسير – تفسير سورة النحل –
باب :حكاية اسارة عمار بن ياسر بيد الكفار.(2/357 :
ح لن الكفر ل يحتمل الباحة بحال، خص بذلك ولم ي ُب َ ْ
وإنما ُر ّ
َ
حرمة قائمة ،إل أن المؤاخذة سقطت بسبب الكراه ،فأث َُر فال ُ
الرخصة في تغّير حكم الفعل – أي ما يترتب عليه من المؤاخذة
وغيرها – ل في تغّير وصفه وهو الحرمة.
خصا ً
ولما كانت الحرمة قائمة ،وكان التصّرف في هذا مر ّ
فيه وليس مباحًا ،كان المتناع عن ذلك أفضل.
وإن أدى امتناع المستكَره عنها الى قتله ُأثيب ثواب المجاهد
في سبيل الله تعالى ،لنه جاد بنفسه في سبيل إعلء كلمة الله
عّز وجل ،وإظهارا ً لعزاز دينه.
وقد د ّ
ل على ذلك:
ت رضى الله عنه قال:
ما روى البخاري عن خباب بن الر ّ
سد ٌ
ونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو متو ّ شك َ ْ
بردة له في ظل الكعبة – قلنا له :أل تستنصر لنا؟ أل تدعو الله
لنا؟ قال" :كان الرجل فيمن قبلكم ُيحفر له في الرض فُيجعل
ده
فيها ،فُيجاء بالمنشار فُيوضع على رأسه فيشقّ باثنين ،وما يص ّ
ط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم ش ُذلك عن دينه .ويم َ
ن هذا المُر حتى ده ذلك عن دينه ،والله ل َي َت ّ ّ
م ّ او عصب ،وما يص ّ
يسير الراكب من صنعاء الى حضرموت ل يخاف إل الله ،أو
)18
(0
الذئب على غنمه ،ولكنكم تستعجلون" ) .اخرجه البخاري في
المناقب ،باب :علمات النبوة ،رقم.(3416:
ووجه الستدلل بالحديث :أنه صلى الله عليه وسلم وصف
لمم السالفة بالصبر على المكروه في ذات الله تعالى حتى ا ُ
أصابهم ما أصابهم ،وأنهم لم يتظاهروا بالكفر ليدفعوا عن
أنفسهم العذاب والقتل ،وصفهم بذلك على سبيل المدح لهم
ل ذلك على أنوبيان فضيلتهم ومقامهم عند الله عّز وجل ،فد ّ
الصبر والحتمال أفضل من التخّلص بالرخصة.
ذاب أخذ اثنين من أصحاب رسول الله وروى ان مسيلمة الك ّ
)18
(1
إذا ُأكره إنسان على السلم فأسلم اعُتبر إسلمه صحيحًا،
وعومل معاملة المسلمين ،لنه إكراه بحق ،ول سيما في المرتد
والحربي ،وإن احتمل الكفر في قلبه ،ترجيحا ً لجانب السلم ،لن
في ذلك إعلًء للدين الحق ،وإعلء الدين الحق واجب.
ب-إتلف مال المسلم أو الن ّْيل من عرضه:
فلو ُأكره على إتلف مال المسلم ُرخص له بذلك ،ول يأثم
بالقدام عليه ،لن مال غيره يرخص له باستهلكه حال الضطرار
إليه ،لدفع الهلك عند شدة الجوع ونحوه ،فكذلك حال الكراه
لنه نوع اضطرار.
وكذلك لو ُأكره على شتم المسلم والطعن في عرضه وما
إلى ذلك.
ولو امتنع المستكَره على التلف أو الطعن كان أفضل ،وإذا
حرمة مال المسلم ُ
أصابه أذى في سبيل ذلك أثيب عليه ،لن ُ
وعرضه ثابتة بقوله صلى الله عليه وسلم " :كل المسلم على
المسلم حرام :دمه وماله وعرضه" ) .اخرجه مسلم في البّر
والصلة والداب ،باب :تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه
وماله وعرضه ،رقم .(2564 :فل يجوز التعّرض لها على كل
حال ،إل أنه رخص بذلك بسبب الكراه ،والرخصة – كما سبق
وعلمنا – تؤثر في سقوط المؤاخذة ل رفع الحرمة ،فإذا امتنع
حرمة أخيه المسلم على عن الرخصة كان ذلك إيثارا ً لحفظ حق ُ
حق نفسه ،فكن مأجورا ً غير مأزور.
من قتل دون ماله ويؤكد هذا قوله صلى الله عليه وسلم َ " :
قتل كان له أجرمن قاتل دفاعا ً عن ماله ف ُ
فهو شهيد" :أي َ
الشهيد) .اخرجه أبو داود في كتاب السّنة ،باب :في قتال
اللصوص ،رقم .4771 :والترمذي في أبواب الديات ،باب :ما
جاء فيمن ُقتل دون ماله فهو شهيد ،رقم.(1418 :
وهذا يدل على أنه إذا ُأكره على إتلف مال نفسه فامتنع
كان أفضل ،وإذا كان المتناع في حق مال نفسه أفضل ،كان في
حق مال غيره من باب أولى.
ومن حيث الحكم الدنيوي:
فقد قال الفقهاء :إذا ُأكره إنسان على اتلف مال غيره
ره أو المستكَره ،بمعنى
فأتلفه ،كان لصاحب المال تضمين المك ِ
)18
(2
ره تسبب بالتلف ، أن له أن يطالب أّيهما شاء ،لن المك ِ
والمستكَره هو الذي باشره ،والتسّبب بالفعل ومباشرته سواء.
ره ،أي إذا ضمن
ولكن الضمان يستقر في النهاية على المك ِ
المستكَره رجع بما غرمه على المكره في الصح.
خص فيه بالكراه من
النوع الثالث :ما ل ُيباح ول ير ّ
التصرفات الحسّية:
هناك تصرفات محظورة شرعًا ،وحرمتها ثابتة بالعقل كما
ل منخص بها في حا ٍ هي ثابتة بالشرع ،ولذلك ل ُتباح ول ير ّ
الحوال ،من ذلك:
أ-قتل المسلم بغير حق:
لن القتل حرام محض ،ول ُيستباح للضرورة ول يرخص فيه.
ه إل بالحق"
قال تعالى" :ول تقتلوا النفس التي حّرم الل ُ
)النعام .(151 :
ل دم امرٍء مسلم ،يشهد وقال صلى الله عليه وسلم " :ل يح ّ
أن ل إله إل الله وأني رسول الله ،إل بإحدى ثلث :النفس
بالنفس ،والَثيب الزاني ،والمفارق لدينه التارك للجماعة".
)أخرجه البخاري في الديات ،باب :قوله تعالى" :وأن النفس
بالنفس" ،رقم .6484 :ومسلم في القسامة ،باب :ما ُيباح به
دم المسلم ،رقم.(1676:
]النفس بالنفس :أي القاتل عمدا ً وعدوانا ً يقتل .الّثيب
الزاني :المتزوج الذي ارتكب الفاحشة ،المفارق لدينه :المرتد
عن السلم .التارك للجماعة :الخارج على جماعة المسلمين
متهم ،والمخالف لمنهجهم وطريقتهم[. وعا ّ
ومثل القتل من حيث الحرمة وعدم الترخيص بالكراه قطع
عضو من أعضائه ،أو الضرب المهلك الذي ُيلحق به أذىً شديدًا،
لنه اعتداء ،والعتداء حرام.
ذون المؤمنين والمؤمنات بغيرِ ما قال تعالى" :والذي ي ُؤ ْ ُ
اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا ً وإثما ً مبينًا" )الحزاب .(58 :
)18
(3
من ُأكره على شئ مما سبق فأقدم عليه كان آثما ً وعليه :ف َ
عند الله عّز وجل باتفاق الفقهاء ،سواء أكان الكراه تاما ً أم
ناقصًا.
وأما من حيث الحكام الدنيوية:
ره والمستكَره ،
فالصح عند الفقهاء :أنه ُيقتص من المك ِ
ره
لن المستكره باشر القتل وُوجد منه حقيقة ،والمك ِ
متسّبب بالقتل وحامل عليه ،والمتسّبب كالمباشر ،فُيقتص
منهما ،تغليظا ً لمر الدماء وزجرا ً عن العتداء.
ب-الزنا:
خص في حال من فهو من المحّرمات التي ل ُتباح ول ُتر ّ
الحوال ،لتفاق الشرائع والعقل على حرمتها ،لفحشها
ونكارتها.
ة وساء سبي ً
ل( قال تعالى) :ول تقربوا الزنا إنه كان فاحش ً
)السراء.(32 :
خص له بالقدام عليه ،رجل ً فإذا ُ
لكره إنسان على الزنا لم ير ّ
كان أم امرأة ،فإن أقدم عليه كان آثما ً ومؤاخذا ً عند الله عّز
وجل.
وأما من حيث إقامة الحد ّ على المستكَره على الزنا:
فقد قال الفقهاء :ل حد ّ على المستكَره على الزنا ،رجل ً
كان أم امرأة ،لوجود الشبهة ،والحدود تدرأ بالشبهات ،أي ُتدفع
سْتها شبهة ،والشبهة هنا قائمة بسبب الكراه.
وُتسقط إذا لب َ َ
)18
(4
د :كالبيع والشراء ،والجارة ،
ونوع يحتمل الفسخ والر ّ
والهبة ،ونحو ذلك .فإنها تصرفات ل تلزم بمجرد انعقادها ،فهي
تقبل الفسخ أو الرد.
أثر الكراه في التصرفات النشائية التي ل تحتمل
الفسخ:
قال الفقهاء :إن الكراه على إيقاع شئ من هذه
التصرفات يفسدها ويجعلها غير معتبرة ،فل يترتب عليها شئ من
آثارها المعتبرة شرعًا ،فالكراه يجعلها كأنها لم تكن ،ولو وقعت
من المستكَره عليها.
فظ بالكفر حالة واستدلوا على ذلك عمومًا :بأن التل ّ
الكراه لم يعتبره الشرع ،ولم يترتب عليه أثرا ً من الثار ،وهو
أشد من أيّ قول شرعًا ،وإذا سقط حكم الشد سقط حكم
الخف من باب أولى ،فل يترتب أثر على أيّ تصّرف قولي مع
الكراه.
فلو أكره على النكاح :فإن العقد ل يثبت ،ول يترتب
ح ّ
ل الستمتاع وما الى ذلك، عليه آثاره :من وجوب المهر ،و ِ
لما ذكرناه.
وذلك على هذا أيضًا :ما رواه البخاري عن خنساء بنت
خذام النصارية رضى الله عنها :أن أباها زّوجها وهي ّثيب ،
فكرهت ذلك ،فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فرد ّ
نكاحها) ،أخرجه البخاري في النكاح ،باب :إذا زّوج الرجل ابنته
وهي كارهة فنكاحه مردود ،رقم .4845 :واخرجه النسائي ايضا
في النكاح ،باب :الثيب يزوجها ابوها وهي كارهة.(6/86 :
ويؤيده ايضًا :ما رواه النسائي عن عائشة رضى الله عنها:
أن فتاة دخلت عليها فقالت :إن أبي زّوجني ابن أخيه ليرفع بي
خسيسته وأنا كارهة ،قالت :اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى
الله عليه وسلم .فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخبرته :فأرسل إلى أبيها فدعاه ،فجعل المر إليها) .أخرجه
النسائي في النكاح ،باب :البكر يزّوجها أبوها وهي كارهة:
.(6/86
]ليرفع بي خسيسته :لُيزيل بسب تزويجي منه دناءته[.
وكذلك لو ُأكره على الطلق ،فإنه ل يقع طلقه.
)18
(5
روى ابو داود عن عائشة رضى الله عنها قالت :سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول" :ل طلقَ ول عتاقَ في
سر الغلق غلق" وعند ابن ماجه والحاكم" :في إغلق" وفُ َّ
ره كأنه أغلق عليه أمره وتصرفه) .ابو داود في
بالكراه ،لن المك ِ
الطلق ،باب :في الطلق على غلط ،رقم .2193 :وابن ماجه
في الطلق ،باب :طلق المكره والناسي ،رقم.2046 :
والحاكم في المستدرك :الطلق ،باب :ل طلق ول عتاق في
الغلق.(2/198 :
وهكذا سائر هذه التصرفات ل ُتعتبر مع الكراه ،ول يترتب
عليها أيّ أثر من آثارها الشرعية ،للدلة الخاصة والعامة ،ومنها
ما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم " :وما اسُتكرهوا عليه"
ل على رفع حكم الكراه ،ورفعه ل يكون إل بانعدام ما الذي د ّ
يتعلق بالتصّرف المكَره عليه من أحكام.
وُيستثنى مما سبق :ما لو ُأكرهت المرأة على الرضاع،
أو ُأكره الرجل على الوطء ،فإنه ل أثر للكراه هنا ،بل يترتب
على ذلك ما يتعلق به من أحكام شرعية :فتثبت بالرضاع
حرمة ،إذا ُوجدت شروطها ،كما يترتب على الوطء كامل المهرال ُ
بعد العقد وغير ذلك من أحكام.
أثر الكراه في التصرفات النشائية التي تحتمل
الفسخ:
قال الفقهاء :إذا وقع الكراه على شئ من هذه التصرفات
أبطلها ،فل يترتب عليها شئ من آثارها المعتبرة شرعًا ،لن
شرط صحة هذه التصرفات الرضا ،وهو معدوم حالة الكراه ،
قق شرطها .قال في ]مغني ح ولم ُتعتبر شرعًا ،لعدم تح ّ
فلم تص ّ
ح عقد مكَره في ماله بغير حق ،لقوله تعالى: المحتاج[ :فل يص ّ
ض منكم" )النساء.(9 :ن تجارة ٌ عن ترا ٍ"إل أن تكو َ
والعقد المالي يشمل البيع والجارة والهبة والحوالة
والوكالة ،وغير ذلك من العقود التي لها علقة بالمال.
أثر الكراه على القرارات من التصرفات الشرعية:
اتفق الفقهاء على أن الكراه على القرار ُيلغيه ،ول يرتب
عليه أي اثر ،سواء أكان المقّر به:
)18
(6
تصرًفا حسي ًّا ،كمن ُأكره ليقّر بالزنا ،أو شرب الخمر ،أو
ونحوهما.
أو كان تصرفا ً إنشائيا ً يحتمل الفسخ ،كالبيع والجارة
ونحوهما.
والعمدة في هذا:
ي
-1أن القرار بالكفر لم ُيعتبر حال الكراه ،ولم يترّتب عليه أ ّ
أثر ،فمن باب أولى أن ل ُيعبتر القرار بغيره ول يترتب عليه
أثر ما.
-2عموم قوله صلى الله عليه وسلم " :وما اسُتكرهوا عليه"
فإنه يدل على رفع حكم كل تصرف ُأكره عليه ،والقرار
تصّرف من التصرفات ،فالكراه عليه يرفع حكمه ،فل
يترتب عليه أيّ أثر من آثاره.
جح جانب الصدق -3القرار خبر يحتمل الصدق والكذب ،وُر ّ
ح القرار ،لن النسان ل ي ُّتهم بالكذب علىة الختبار وص ّ
حال َ
نفسه.
ة الكراه يترجح جانب الكذب بسبب التهديد القائم ،فل
وحال َ
ح القرار.يص ّ
-4القرار من باب الشهادة ،قال تعالى" :ياأّيها الذين آمنوا
وامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم" )النساء كونوا ق ّ
. (135 :والشهادة على النفس ليست إل إقرارًا ،فكان
القرار في حكم الشهادة ،والشهادة ترد ّ بالتهمة ول تصح،
والمقّر حالة الكراه متهم في شهادته على نفسه ،فل يقبل
إقراره.
أثر الكراه على التصرفات المخير فيها:
ما سبق من كلم عن أثر الكراه في التصرفات إنما هو حال
كون المكَره عليه أمرا ً واحدا ً معينًا.
فإذا كان الكراه على امر غير معين ،كأن يكرهه على شرب
الخمر او إتلف المال ،او يكرهه على الطلق او اليلء ،أو يكرهه
)18
(7
على البيع أو الجارة ،ثم يقدم المستكره على أحد المرين ،
ويوقعه ،فما هو أثر الكراه على هذا التصرف؟
قق الكراه أن والجواب :أنك قد علمت أن من شروط تح ّ
يكون المكره عليه معينًا ،فإذا كان مخّيرا ً فيه لم يتحقق الكراه،
وبالتالي ل أثر للكراه على التصرف المخير فيه ،أي على احد
ف ما في هذه أمرين دون تعيين ،فإذا أقدم المستكَره على تصّر ٍ
الحالة كان تصرفه صحيحًا ،وترتبت عليه آثاره المعتبرة شرعا ً
كما لو فعله مختارًا ،لن إقدامه عليه مع التخيير بينه وبين غيره
على أنه فعله مختارا ً غير مستكره.
ويستوي في هذا ما إذا كان المران من التصرفات الحسّية
أو الشرعية أو غيرها.
)18
(8
الباب الثاني عشر
ص ـب
َ ـ غ
َ لـا
)18
(9
صب
الغَ َ
تعريفه:
الغصب – في اللغة – أخذ الشئ ظلمًا.
دوانًا.
وشرعًا :هو الستيلء على حق غيره ع ُ ْ
والمراد بحق غيره :ما كان عينا ً كدار ونحوها ،أو منفعة
كسكنى الدار بغير رضاه ،أو اختصاصا ً ككلب صيد ونحوه ،وكحق
الشرب ونحوه.
تحريمه:
الغصب حرام شرعًا ،وهو من الكبائر ،لما ورد من زجر عن
دي على الموال ،ووعيد على أخذها بغير حق ،ومن ذلك آياتالتع ّ
في القرآن وأحاديث من السنة.
)19
(0
أما آيات القرآن:
فمنها قوله تعالى" :ول تأكلوا امواَلكم بينكم بالباطل وت ُ ْ
دلوا
وأما الحاديث:
فمنها قوله صلى الله عليه وسلم" :إن دمائكم وأموالكم
)19
(1
أحكام الغصب
يترتب على الغصب حكم ُأخروي وحكم دنيوي:
لخروي :فهو الثم واستحقاق المؤاخذة والعقاب أما الحكم ا ُ
في الخرة ،إذا تعدى على حقوق غيره عالما ً متعمدًا ،لن ذلك
معصية كبيرة كما علمت ،وفعل المعصية عالما ً متعمدا ً يستوجب
العقاب والمؤاخذة عند الله عّز وجل إذا لم يتب منها قبل فوات
أوان التوبة.
وأما الحكم الدنيوي :فإنه يتناول ما يلي:
-1تأديب الحاكم للغاصب:
وتعزيره بما يراه رادعا ً له ولغيره عن مثل هذه المعصية ،
بالضرب أو السجن ونحو ذلك ،حتى ولو عفا المغصوب منه عن
الغاصب .لن ذلك حق لله تعالى ،وحسم للشّر ،وإغلق لباب
الظلم والعتداء.
-2الكف عن الغصب فورًا:
وذلك برد ّ المغصوب – إذا كان عنيا ً – ما دام قائمًا ،لن
الغصب معصة كما علمنا والخروج عن المعصية واجب فوري قدر
المكان.
ن أحدكم ودليل ذلك :قوله صلى الله عليه وسلم " :ل يأخذ ّ
متاع أخيه جاد ّا ً ول لعبًا ،وإذا أخذ أحدكم عصا أخيه فلير ّ
دها
ل لمسلم عليه" )أخرجه الترمذي في الفتن ،باب :ما جاء ل يح ّ
منأن يرّوع مسلمًا ،رقم .2161 :و أبو داود في الدب :بابَ :
يأخذ الشئ على المزاح ،رقم.(5003 :
وترد العين المغصوبة إلى مكان غصبها ،وكلفة الرد ونفقته
إنما كون على الغاصب ،لن الرد ّ واجب عليه ،وإذا كان ل يتم إل
بالنفقة كانت النفقة واجبة ،إذ ما ل يتم الواجب إل به فهو
واجب ،كما هو معلوم.
وإنما يحصل الرد ّ في العين المغصوبة بوضعها بين ي َد َيْ من
غصبت منه ،بحيث يتمكن من أخذها وإثبات يده عليها ،ويخرج ُ
)19
(2
لخرى بتمكين صاحب الحق مما غصب عن الغصب في الحقوق ا ُ
منه ،وإزالة الموانع من إثبات يده عليه والستفادة منه.
وإذا حصل الرد للمغصوب خرج الغاصب من حكم الغصب
وبرئ من الضمان.
-3ضمان المغصوب إذا تلف في يد الغاصب:
إذا تلف المغصوب في يد الغاصب ضمنه ،سواء أتلفه هو أم
تلف بنفسه أو بآفة سماوية أو غير ذلك ،لنه متعد ّ في إثبات يده
عليه ،ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول" :على اليد ما
ديه" .وهذا صريح في أنه مسؤول عن أداء ما أخذت حتى تؤ ّ
ً
ده لهلكه كان ضامنا له ده ،فإذا عجز عن ر ّ
أثبت يده عليه ور ّ
،وعليه أن يرد ّ بدله من مثل أو قيمة.
)19
(3
وكذلك السيارات والدور وغيرها من المتعة التي تختلف
قيمتها باختلف مزاياها وصفاتها.
ذر رد ّ المثل في المثليات :إذا انقطع المثل منوإنما يتع ّ
السواق ،فلم يوجد بعد البحث عنه والسعي لتحصيله ،أو وجد
بثمن يزيد زيادة فاحشة عن مثله عادة ،فل يكّلف شراءه في
هذه الحالة ،وإنما يتوجب عليه رد ّ القيمة.
القيمة الواجب ردّها:
قيميا أو لتعذّر
ً إذا حكِم على الغاصب بقيمة المغصوب ،لكونه
المقدرة؟ والجواب:
ّ المثل ،فما هي القيمة
)19
(4
ده إلى المغصوب منه ،لن الصل أن يملكه بضمانه ،بل عليه ر ّ
عدل الى البدل ، الواجب رد ّ عين المغصوب ،فحين تع ّ
ذر ذلك ُ
ده ،وبهذا يتبين
كن من رد ّ الصل ل يعدل عنه ،فيجب ر ّ وحيث تم ّ
أنه لم يملكه.
)19
(5
فإن كان تغّيرها بنفسها – كما لو غصب بيضا ً فصار
فرخا ً ،أو غصب زرعا ً فصار حب ّا ً – فللمغصوب منه الرجوع
به ،لنه عين ماله ،وإن نقصت قيمته بالتغّير كان له أن
يطالب الغاصب بقيمة هذا النقص ،لنه حدث في يده ،وإن
زادت القيمة فليس للغاصب شئ ،لن الزيادة نماء الصل
وتبع له ،فهي مْلك لمالك الصل.
)19
(6
وإن زادت القيمة عن قيمة المغصوب والمضاف إليه – كما
ل منهمالو صارت القيمة ثلثمائة في المثال السابق – كان لك ّ
من الزيادة – بالضافة إلى قيمة عينه – بنسبة مْلكه .فإذا كان
ل منهما مائة كانت الزيادة مناصفة بينهما ،وإن كانت قيمةمْلك ك ّ
مْلك أحدهما ضعف قيمة مْلك الخر مث ً
ل ،كانت الزيادة بينها
اثلثًا ،وهكذا.
وإن كان التغّير في ذات المغصوب واسمه بفعل – كما لو
كان حنطة فطحنها ،أو شاة فذبحها – لم ينقطع مْلك المالك عنه،
وكان له استرداده ،فإن نقصت قيمته بذلك كان له أن يطالب
بأرش النقص ،لنه نقصان في عين المغصوب حصل في يد
الغاصب وفعله ،فوجب ضمانه.
ولو طالب المغصوب منه ببدله لم يكن له ذلك ،لن عين
ماله باقية ،فل يملك المطالبة ببدلها.
-6نقص المغصوب:
النقص في المغصوب قد يكون نقصا ً حسيًا ،وقد يكون
معنويًا:
در يضمن به ،كنقص فالنقص الحسي :إن كان له بدل مق ّ
جزء من العين فإنه مضمون على الغاصب حتى ولو لم تنقص
قيمة العين ،كما لو غصب أشياء مثلية فتلف بعضها ،وكانت قيمة
ما بقى تساوي قيمة الجميع ،أو غصب شاة فذهبت عينها ،ولم
تنقص قيمتها بذلك ،فعليه رد ّ مثل ما تلف أو قيمة ما نقص.
در يضمن به،
ي بدل مق ّوإن لم يكن للنقص الحس ّ
ول يضمن إل بنقص القيمة ،كما لو كانت الشاة
سمينة فهزلت ،فإن نقصت قيمتها ضمن ذلك النقص،
وإن لم تنقص قيمتها لم يلزمه شئ.
والنقص المعنوي :أن تنقص القيمة دون أن تنقص العين،
ذلك بسبب انخفاض السعار ،فإن الغاصب ل يضمن هذا النقص
إذا رد ّ العين المغصوبة كما غصبها ،لبقاء المغصوب على حاله،
والذي فات هو رغبات الناس .أما لو تلفت أو تلف جزء منها :فإنه
يضمن قيمتها أو قيمة ما تلف منها بأرفع ما وصلت إليه القيمة
كما علمت.
-7زوائد المغصوب:
)19
(7
إذا زادت العين المغصوبة في يد الغاصب كانت تلك الزيادة
ملكا ً للمغصوب منه ،لنها نماء ملكه ،ودخلت تلك الزيادة في
حكم الغصب كالصل ،وكانت مضمونة على الغاصب كأصلها،
لنها تبع له ،والتابع في الوجود تابع في الحكم.
من ،أو
س َ
ول فرق في ذلك بين أن تكون الزيادة متصلة كال ّ
منفصلة كالثمرة للشجر والولد للحيوان.
فإذا تلفت الزيادة المنفصلة في يد الغاصب ضمنها كما
يضمن أصلها لو تلف ،وكذلك لو هزلت الدابة بعدما سمنت عنده
ضمن الفرق بين قيمتها سمينة وقيمتها هزيلة.
-8منافع المغصوب:
إذا كان للعين المغصوبة منفعة ،كسكنى الدار وركوب الدابة
أو السيارة ونحو ذلك ،فإنها تدخل في ضمان الغاصب ،سواء
استوفاها بنفسه أم بغيره أم لم يستوفها ،فيلزمه ُأجرة المثل
أقصى ما كانت ،من حين الغصب إلى حين رد ّ العين المغصوبة،
أو تلفها في يده ،إذا كانت المدة مما يقابل بُأجرة عادية ،وذلك
لن المنافع أموال ،وقد عطلها على مالكها بغصبه لصلها ،فهو
غاصب لها أيضًا ،فيلزمه رد ّ بدلها وهو ُأجرة المثل ،ويلزمه أقصى
وتها على المالك حين ارتفع ُ
أجرة لها لنه معتد ٍ وغاصب ،وقد ف ّ
جرها وهو غاصب لها. أ ْ
لجرة التي تلزمه هي بدل المنافع ،فإذا تلفت العين وهذه ا ُ
في يده لزمه ضمانها أيضًا.
-9البناء على الرض المغصوبة وغرسها أو زرعها:
إذا غصب أرضا ً وبنى عليها بناًء أو غرس فيها أشجارا ً كّلف
بنقض البناء وقلع الغراس ،وتسوية الرض كما كانت ،ووجب
عليه أرش نقص قيمة الرض إن نقصت بذلك ،وُأجرة مثل
الرض إن مضت مدة لمثلها ُأجرة ،لنه متعد ّ في ذلك كله،
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول" :ليس لعرق ظالم
حق") .انظر تخريجه صفحة.(51 :
ولو أراد المالك تملك البناء أو الغراس بقيمته لم ُيلزم
الغاصب بذلك ،لن البناء والغراس ملكه ،فل يتملك منه بغير
ح.
رضاه ،فإن توافقا على ذلك ص ّ
)19
(8
ولوكان البناء والغراس مغصوبين أيضا ً من صاحب الرض،
ورضى المالك ببقائهما ،لم يكن للغاصب هدم البناء أو قلع
الغراس ،ول شئ له على عمله لنه لم يؤذن له به ،ول شئ عليه
أن لم تنقص قيمة الجميع بفعله ،وإل لزمه النقص.
وإذا زرع الغاصب الرض كان للمالك أن يجبره على إخراج
البذر وتسوية الرض ،ويلزمه أرش النقص وُأجرة المثل.
وإذا رضى المالك بإبقاء البذر في الرض بقيمته امتنع على
الغاصب إخراجه ،لنه ل ينتفع به في الغالب.
خلط المغصوب بغيره: -10
إذا اختلط المغصوب بغيره أو خلط :فإن أمكن تمييزه وجب
ذلك على الغاصب وإن شقّ عليه ،وإن لم يكن تمييزه فقد تع ّ
ذره
ده أبدًا ،فأشبه التالف ،فللمالك تغريمه بدله من مثل أو قيمة
ر ّ
على النحو الذي علمت.
وللغاصب أن يعطيه من المخلوط ،إن خطله بجنسه وكان
المخلوط به مثله أو أجود منه ،فإن خلطه بأقل منه فليس له
ذلك إل أن رضى المالك به.
-11ردّ المغصوب وإن تضرر الغاصب:
علمنا أن الواجب على الغاصب رد ّ العين المغصوبة فورًا،
عهدة الضمان إل بالرد ،فلو كان يترتبوأنه ل يبرأ من الثم و ُ
ده العين المغصوبة ضرر بالغ به كّلف بذلك ،ول يلتفت إلى على ر ّ
ما يناله من ضرر ،لنه ظالم ومتعد ّ بغصبه.
فلو غصب خشبة ،فوضعت في بناء أو سفينة ،وجب نزعها
دها ،وإن تهدم البناء أو غرقت السفينة ،ويلزم الغاصب أرشور ّ
النقص للمغصوب منه ولصاحب البناء أو السفينة إن كان غير
الغاصب ويجهل الغصب ،كما يلزمه ُأجرة المثل إن كان لمثلها
ُأجرة.
ده هلك آدمي معصوم الدم ،أو فإن كان يترتب على ر ّ
حيوان محترم أي غير مأمور بقتله شرعا ً ويجوز تملكه أو
ده ،فيعدل
مي ،فإنه ل يجب ر ّ حيازته ،أو إتلف مال مسلم أو ذ ّ
الى تضمين البدل من مثل أو قيمة.
)19
(9
اختلف الغاصب والمغصوب منه: -12
قد يقع اختلف بين الغاصب والمغصوب منه في ُأمور ،هي:
دعي الغاصب أن العين
أ -تلف المغصب وبقاؤه :كأن ي ّ
دعي المغصوب منه أنها لالمغصوبة قد تلفت فعليه بدلها ،وي ّ
دها.
تزال قائمة عنده فعليه ر ّ
فالصحيح أنه يصدق الغاصب بيمينه ،لحتمال صدقه وعجزه
عن إقامة البّينة على دعواه – إذ الغالب عدم البّينة على التلف –
دى ذلك إلى تخليده في الحبس. دق أ ّفإذا لم يص ّ
فإذا حلف غرم للمالك بدل المغصوب من مثل أو قيمة على
الصح ،لعجز المالك عن الوصول إلى عين ماله بيمين الغاصب.
ب -قيمة المغصوب :وذلك يعني أنهما اتفقا على تلفه ،
ولكنهما اختلفا في قيمته ،فقال المالك :قيمته ألف ،وقال
الغاصب :قيمته ثمانمائة ،صدق الغاصب بيمينه ،لن المالك
ما اتفقا عليه – فقد اتفقا في قولهما في دعي عليه الزيادة ع ّي ّ
المثال المذكور على الثمانمائة واختلفا في الزيادة ،فالمالك
دعيها والغاصب ينكرها – والصل براءة ذمته منها ،فيكون القول ي ّ
دق قوله بيمينه.
المص ّ
فإذا أقام المالك بّينة على أن القيمة أكثر مما قاله الغاصب
دعاه هو إلى حد ّ ل سمعت بّينته ،وكّلف الغاصب الزيادة ع ّ
ما ا ّ
تقطع البّينة بالزيادة عليه بأن تجوز الزيادة عليه وعدمها ،كأن
تفيد البّينة أن قيمته – مثل ً – ألف أو تسعمائة ،مع احتمال أن
تكون أكثر أو أقل.
دعي المغصوب منه ج -صفة المغصوب أو قدره :كأن ي ّ
دعي الغاصب أنها لم أن الدار المغصوبة كانت مطلّية مث ً
ل ،وي ّ
دعي المالك أنه غصبه عشرين رطل ً قمحًا، تكن كذلك ،أو ي ّ
ويقول الغاصب :بل عشرة أرطال .ونحو ذلك من الختلف في
القدر أو الصفة التي هي صفة زيادة.
دق هو الغاصب بيمينه في ذلك ،لنه هو الذيفالمص ّ
سيغرم ،والصل براءة ذمته ،وهو منكر لشغلها ،فالقول قوله
بيمينه.
)20
(0
ب حادث :وهو الختلف في صفة نقص، وإن اختلفا في عي ٍ
دعى المالك أن المغصوب كان سليما ً من العيوب ،وأدعى كأن ا ّ
الغاصب أنه كان معيبًا.
دق المالك بيمينه على الصحيح ،لن
فإن كانت اليعن تالفة ص ّ
من يتمسك الصل والغالب السلمة من العيوب ،والقول قول َ
بالصل.
دعى ،دها الغاصب معيبة كما ا ّ
وإن كانت العين باقية ،ور ّ
دق الغاصب بيمينه ،لن الصل براءة ذمته من ضمان ما يزيد ص ّ
ُ
على تلك الصفة القائمة.
د -ردّ العين المغصوبة :فلو اّدعى الغاصب أنه رد ّ العين
المغصوبة على المغصوب منه ،وأنكر المغصوب منه ذلك،
دق انه ما رد ّ عليه المغصوب، فالقول قول المالك بيمينه ،فيص ّ
دق
لن العين المغصوبة كانت في يده ،والصل عدم الرد ّ ،فيص ّ
ده الغاصب عليه، من يتمسك به وهو المغصوب منه ،فإما أن ير ّ َ
وإما أن يضمن له بدله.
تم الجزء السابع من كتاب الفقه المنهجي بعون الله تعالى
وتوفيقه ،
ويليه – ان شاء الله تعالى –
الجزء الثامن في الجنايات والجهاد والقضاء وما يتعلق بها،
والله تعالى ولي التوفيق.
****** ****************
*****
=== =====
=================
)20
(1
الفهرس
الباب الثالث :العارية 5 مقدمة
39 تعريفها – مشروعيتها الباب الول :الشفعة
40 حكمة مشروعيتها 9 تعريفها – مشروعيتها
41 حكم العارية 10 حكمة المشروعية
43 اركان عقد العارة 11 اركان الشفعة
احكام تتعلق بالعارية: 15 شروط الخذ بالشفعة
حدود النتفاع بالعين
46 18 احكام الشفعة
المستعارة
يد المستعير على
47 الباب الثاني:
العين المستعارة
نفقة المستعار
48 المساقاة والمزراعة والمخابرة
ومؤونة رده
الرجوع بالعارية
49 25 المساقاة :تعريفها – مشروعيتها
وردها
الرجوع بالرض
49 26 حكمتها – اركانها
المعارة واستردادها
كيفية رد العين
51 29 شروط صحتها
المستعارة
الختلف بين المعير
51 30 وصف عقد المساقاة
والمستعير
53 انتهاء عقد العارية 31 انتهاء المساقاة
الباب الرابع :الشركة 32 اختلف العامل والمالك
المزارعة والمخابرة :تعريفهما
57 تعريفها – اقسامها 33 ومشروعيتهما
58 مشروعيتها 34 جواز المزارعة تبعا للمساقاة
59 حكمة تشريع الشركة 35 المخابرة باطلة مطلقا
طريقة حل المحصول فيهما
61 انواع الشركة والمشروع منها 35
مشتركا
)20
(2
لقطة الحيوان ولقطة غير
شركة العنان
الحيوان
لقطة الحرم شروطها
الشهاد على اللتقاط ما يترتب على صحتها من آثار
تعريف اللقطة فساد الشركة وما يترتب عليه
كيفية التصرف بما يلتقط انتهاء عقد الشركة الصحيحة
تملك اللقطة الباب الخامس :القراض )المضاربة(
يد الملتقط وحفظ اللقطة تعريفه – مشروعيته
دفع اللقطة الى مدعيها حكمة مشروعيته
حكم عقد القراض
الباب الثامن :الرهن
أركانه
تعريفه شروط المضاربة
مشروعيته انتهاء عقد لمضاربة
الرهن في الحضر وحال وجود
انتهاء عقد المضاربة
الكاتب
حكم الرهن اختلف العامل والمالك
حكمة مشروعيته الباب السادس :الوديعة
أركان عقد الرهن تعريفها – مشروعيتها
رهن الولي والوصي وارتهانهما حكمة مشروعيتها
لزوم عقد الرهن حكمها
كيفية قبض الرهن اركانها وشروطها
أحكام عقد الرهن ما يترتب على عقد الوديعة
ما يتعلق بالمرهون حال بقائه متى تضمن الوديعة
حبس المرهون – الوديعة عند اثنين
حفظ الرهن ومؤونته – إيداع الثنين عند واحد
يد المرتهن – انتهاء الوديعة
النتفاع بالمرهون – الباب السابع :اللقطة
التصرف بالمرهون – تعريفها – مشروعية اللتقاط
فكاك الرهن وتسليمه ورده – حكمة التشريع
بيع المرهون – حكمها
)20
(3
الوكالة في اليلء واللعان والقسامة ما يتعلق بهلك العين المرهونة
والظهار واستهلكها
الوكالة في القرار – هلكها بنفسها
الوكالة في تملك المباحات استهلك العين المرهونة –
الوكالة في المحرم ما يتعلق بنماء الرهن
حدود تصرفات الوكيل احكام فرعية تتعلق بالرهن
الوكالة في الخصومة – وضع المرهون على يد عدل –
الوكيل بالقبض – رهن العين المستعارة للرهن –
الزيادة في المرهون او –
الوكيل بالبيع والشراء –
الدين
حقوق العقد بالوكالة وحكمه تعدد أطراف الرهن –
أحكام تتعلق بالوكالة – الباب التاسع :الكفالة والضمان
توكيل الوكيل – تعريفها – مشروعيتها
التوكيل بجعل – حكمة المشروعية
صفة يد الوكيل – انواع الكفالة
دعوى الوكالة – أركان الكفالة
الوكالة في قضاء الدين – احكام الكفالة بالنفس
كفالة بدن من عليه مال ،وكفالة
الوكالة لثنين –
بدن من عليه عقوبة
اختلف الموكل مع الوكيل – احكام الكفالة بالمال
انتهاء عقد الوكالة ضمان العيان
الباب الحادي عشر :الكراه الباب العاشر :الوكالة
حقيقته ومعناه تعريفها – مشروعيتها
شروط تحقق الكراه حكمة تشريع الوكالة
ما يقع عليه الكراه من
حكمها
التصرفات
– التصرفات الحسية اركان الوكالة وشروطها
ما يباح بالكراه الوكالة في حقوق الله تعالى
ما يرخص فيه بالكراه الوكالة في حقوق العباد
ما ل يباح ول يرخص فيه الوكالة في القصاص
الوكالة في الشهادة واليمان
التصرفات الشرعية –
والنذور
)20
(4
التصرفات النشائية التي ل
الكف عن الغصب
تحتمل الفسخ
التصرفات النشائية التي تحتمل
ضمان المغصوب
الفسخ
تصرفات الغاصب بالمغصوب أثر الكراه على القرارات
)20
(5
الفقه
المنهجي
على مذهب المام الشافعي
رحمه الله تعالى
الول
:في الزكاة والصوم والحج. الجزء
الثاني
:في اليمان والنذور والكفارات والطعمة والشربة الجزء
الرابع
:في الوقف والوصية والفرائض. الجزء
الخام
س
:في البيع والهبة والجارة والصلح والحوالة وما يلحق الجزء
بها. الساد
س
:في فقه المعاملت. الجزء
)20
(6
الساب
ع
:في الجنايات ،الجهاد ،الفتوة ،القضاء وأمور أخرى. الجزء
الثامن
)20
(7