You are on page 1of 3

‫خطبة – السحر وشؤمه‬

‫السحر وشؤمه‬
‫الخطبة الولى‬
‫أما بعد‪. .‬‬
‫فاتقوا الله عباد الله فإنه من يتق الله يجعل له من أمره يسرًا‪ .‬أل‬
‫وإن من تقوى الله أيها المؤمنون شكره سبحانه وتعالى في السراء‬
‫والصبر على قضائه وقدره في الضراء وعند البلء فإن الله جل‬
‫وعل يبتليكم بما ُتحبون وبما تكرهون ليرى شكركم فيما ُتحبون‬
‫وصبركم على ما تكرهون ثم بعد ذلك إليه ترجعون فينادى‬
‫الصابرون والشاكرون أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون‪.‬‬
‫أيها المؤمنون إن مما يبتلي الله به بعض عباده المراض والسقام‬
‫والعلل على اختلف ألوانها وأنواعها إل أن أشدها وأعظمها البلء‬
‫بالسحر فإنه داء عظيم وبلء مبين وشر مستطير يفسد العقول‬
‫واللباب وينكس الراء والذواق يفرق بين الحباب ويفسد عيش‬
‫ء‬
‫مْر ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ه ب َي ْ َ‬‫ن بِ ِ‬ ‫قو َ‬ ‫فّر ُ‬ ‫الصحاب وصدق الله حيث قال فيه‪ ﴿ :‬ي ُ َ‬
‫َ‬
‫ه ﴾)‪.(1‬‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫د ِإل ب ِإ ِذْ ِ‬ ‫ح ٍ‬‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن بِ ِ‬‫ضاّري َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ج ِ‬ ‫و ِ‬‫وَز ْ‬ ‫َ‬
‫جرم خطير قرنه‬ ‫أيها المؤمنون إن السحر ذنب عظيم ووزر كبير و ُ‬
‫ن‬
‫طي َ‬‫شَيا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ول َك ِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ما ُ‬ ‫سل َي ْ َ‬ ‫فَر ُ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫الله تعالى بالكفر والشك‪﴿ :‬و َ‬
‫عَلى ال ْ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫ملك َي ْ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ز َ‬ ‫ِ‬ ‫ما أن ْ‬ ‫و َ‬ ‫حَر َ‬ ‫س ْ‬ ‫س ال ّ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫مو َ‬ ‫عل ّ ُ‬
‫فُروا ي ُ َ‬ ‫كَ َ‬
‫َ‬
‫قول‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫د َ‬ ‫ح ٍ‬‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫عل ّ َ‬‫ما ي ُ َ‬ ‫و َ‬
‫ت َ‬ ‫ماُرو َ‬ ‫و َ‬‫ت َ‬ ‫هاُرو َ‬ ‫ل َ‬ ‫ب َِباب ِ َ‬
‫فْر﴾)‪ (2‬وقد جعله صلى الله عليه وسلم‬ ‫فل ت َك ْ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫فت ْن َ ٌ‬‫ن ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫رديف الشرك فقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه البخاري‪:‬‬
‫)) اجتنبوا الشرك بالله والسحر (()‪.(3‬‬
‫أيها المؤمنون إن من السحر ما هو كفر بالله العظيم قال الله‬
‫تعالى‪﴿ :‬ويتعلمون ما يضرهم ول ينفعهم ولقد علموا لمن‬
‫اشتراه ماله في الخرة من خلق ولبئس ما شروا به‬
‫أنفسهم لو كانوا يعلمون ﴾ هذا جزاؤه في الخرة‪ ،‬وأما جزاؤه‬
‫في الدنيا فضربة بالسيف تبين رأسه عن جسده تقطع شره وُتبطل‬

‫‪1‬‬
‫)( سورة‪ :‬البقرة ‪ :‬آية )‪.(102‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سورة‪ :‬البقرة ‪:‬آية )‪.(102‬‬
‫‪3‬‬
‫)( أخرجه‪ :‬البخاري )‪ (5764‬من طريق ثور بن يزيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة‬
‫‪.‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴿ ﴾‬ ‫‪1‬‬
‫خطبة – السحر وشؤمه‬

‫سعيه وتحذر من غيه‪ .‬أيها المؤمنون إن من أعظم الجناية على‬


‫المسلم عمل السحر له أو السعي في ذلك والتسبب فيه فإن ذلك‬
‫ظلم عظيم وبغي مرتعه وخيم‪ .‬فإن من ضعاف اليمان بالله واليوم‬
‫الخر من يلجأ إلى السحر أو أهله لتحقيق مآربه الفاسدة ونيل‬
‫أغراضه المنحرفة وتحصيل أهدافه الرديئة فيذهب إلى السحرة‬
‫ليسحروا له فلنا ً أو فلنة بغيا ً وعدوا ً وظلمًا‪ ،‬إفساد في الرض‬
‫وإيذاء للخلق وإسخاط للرب‪ .‬أيها المؤمنون إن هؤلء البغاة الجناة‬
‫المفسدين في الرض الذين يسحرون الناس أو يتسببون في ذلك‬
‫قد تبرأ منهم النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه فقال صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ )) :‬ليس منا من تطير أو ُتطير له‪ ،‬أو تكهن‬
‫سحر له (()‪ (4‬فيا خيبة من تبرأ منه‬ ‫أو تكهن له‪ ،‬أو سحر أو ُ‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنون‪ .‬فاتقوا الله عباد الله‬
‫وإياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة‪.‬‬
‫أيها المؤمنون إن السحر ضرر ل نفع فيه بوجه من الوجوه كما قال‬
‫م ﴾ كما أن من‬ ‫ه ْ‬‫ع ُ‬‫ف ُ‬‫ول ي َن ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ضّر ُ‬‫ما ي َ ُ‬‫ن َ‬ ‫مو َ‬‫عل ّ ُ‬
‫وي َت َ َ‬‫جل وعل‪َ ﴿ :‬‬
‫سحر مسلما ً أو سعى في سحره فإنه ل يحصل مقصوده مهما‬
‫ن‬
‫فعل؛ لن الله جل وعل تكفل بإبطال سعي المفسدين فقال‪ ﴿ :‬إ ِ ّ‬
‫ح‬
‫فل ِ ُ‬‫ول ي ُ ْ‬ ‫ن﴾ وقد قال سبحانه‪َ ﴿ :‬‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬‫ف ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬‫ع َ‬‫ح َ‬ ‫صل ِ ُ‬‫ه ل يُ ْ‬ ‫الل ّ َ‬
‫)‪(5‬‬

‫ث أ ََتى﴾)‪ (6‬فاتقوا الله عباد الله وذروا ظاهر الثم‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫حُر َ‬
‫سا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫وباطنه وإياكم ودروب الشقاء ومسالك الردى‪.‬‬
‫أيها المؤمنون إن من أعظم أسباب الوقاية من هذا البلء المبين‬
‫كثرة ذكر الله تعالى فإن القلب إذا كان ممتلئا ً بذكره جل وعل لم‬
‫يضره شيء فحافظوا عباد الله على الذكار الشرعية والوراد‬
‫النبوية والرقى اللهية كقراءة أم الكتاب وآية الكرسي وخواتيم‬
‫سورة البقرة وسورة الخلص والمعوذتين وغير ذلك من الدعية‬
‫والذكار‪ ،‬ومن أسباب الوقاية أيضا ً صدق العتماد على الله تعالى‬
‫و‬
‫ه َ‬ ‫ه َ‬
‫ف ُ‬ ‫عَلى الل ّ ِ‬‫ل َ‬ ‫وك ّ ْ‬‫ن ي َت َ َ‬‫م ْ‬‫و َ‬ ‫والتوكل عليه في جميع المور‪َ ﴿ :‬‬
‫ه ﴾)‪ (7‬أي كافيه‪ .‬فعليه توكلوا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون‪.‬‬ ‫سب ُ ُ‬ ‫ح ْ‬‫َ‬
‫‪4‬‬
‫)( أخرجه ‪ :‬الطبراني فككي "الكككبير" )‪ (355‬مككن طريككق أبككي حمككزة العطككار عككن‬
‫الحسن عن عمران بن حصين وهو صحيح ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫)( سرة‪ :‬يونس‪ :‬آية )‪.(81‬‬
‫‪6‬‬
‫)( سورة‪ :‬طه ‪ :‬آية )‪.(69‬‬
‫‪7‬‬
‫)( سورة‪ :‬الطلق ‪:‬آية )‪.(3‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴿ ﴾‬ ‫‪2‬‬
‫خطبة – السحر وشؤمه‬

‫الخطبة الثانية‬
‫أما بعد‪. .‬‬
‫أيها المؤمنون إن الواجب على من ابتلي بالسحر أو بغيره من‬
‫المراض والسقام الصبر على قضاء الله وقدره فإن الصبر‬
‫فى‬ ‫و ّ‬‫ما ي ُ َ‬
‫والحتساب مكسب لحظوظ جزيلة وأجور كثيرة‪ ﴿ :‬إ ِن ّ َ‬
‫ب﴾)‪ (8‬فاصبر يا عبد الله فإن مرض‬ ‫َ‬
‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ر ِ‬ ‫غي ْ ِ‬‫م بِ َ‬ ‫ه ْ‬‫جَر ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫صاب ُِرو َ‬ ‫ال ّ‬
‫المؤمن وبلءه يجعله الله برحمته كفارة له ومستعتبا ً وعليك‬
‫بالدعاء والتضرع إلى الله وسؤاله الشفاء فإنه ل شفاء إل‬
‫ن ﴾)‪ (9‬واصدق الله في الدعاء‬ ‫في ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫و يَ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ت َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ر ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫وإ ِ َ‬ ‫شفاؤه‪َ ﴿ :‬‬
‫وأظهر الحاجة والفاقة فإن الدعاء الصادق عدو البلء يرفعه‬
‫)‪(10‬‬
‫سوءَ﴾‬ ‫ف ال ّ‬ ‫ش ُ‬ ‫وي َك ْ ِ‬‫عاهُ َ‬‫ذا دَ َ‬‫ضطَّر إ ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫جي ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ويعالجه‪ّ ﴿ :‬‬
‫اسلك السباب الشرعية في رفع هذا البلء الكبير وإياك ثم إياك ثم‬
‫إياك وملحقة السحرة والمشعوذين أو تتبع الدجالين والمخرفين‬
‫فإن هؤلء يفسدون القلوب ويخربون البدان ويوقعون في غضب‬
‫ن‬ ‫عو ُ‬ ‫م َ ْ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫الله الملك الديان‪َ ﴿ :‬‬
‫ذو َ‬ ‫س يَ ُ‬ ‫ن ال ِن ْ ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫ر َ‬‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫وأن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ً )‪(11‬‬
‫هقا﴾ فل خير عندهم بل والله‬ ‫م َر َ‬ ‫ه ْ‬ ‫دو ُ‬ ‫فَزا ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫جا ٍ‬
‫ر َ‬‫بِ ِ‬
‫هم منبع الشرور وسيئ المور وقد حذر النبي صلى الله عليه‬
‫دقه‬ ‫وسلم من إتيانهم فقال‪)) :‬من أتى كاهنا ً أو ساحرا ً فص ّ‬
‫فقد كفر بما أنزل على محمد (()‪ (12‬فاتق الله أيها المؤمن‬
‫فلن تموت مريضا ً مؤمنا ً موحدا ً خيٌر لك والله من أن تموت صحيحا ً‬
‫ى مشركًا‪ .‬اللهم إنا نعوذ بك من الشرك كله‪.‬‬ ‫معاف ً‬

‫‪8‬‬
‫)( سورة‪ :‬الزمر ‪ :‬آية )‪.(10‬‬
‫‪9‬‬
‫)( سورة‪ :‬الشعراء‪ :‬آية )‪.(80‬‬
‫‪10‬‬
‫)( سورة‪ :‬النمل ‪ :‬آية )‪.(62‬‬
‫‪11‬‬
‫)( سورة‪ :‬الجن‪ :‬آية )‪.(6‬‬
‫‪12‬‬
‫)( أخرجه‪ :‬أحمد )‪ (9252‬من طريق عككوف بككن أبككي جميلككة عككن خلس عككن أبككي‬
‫هريرة ؛ وأبو داود )‪ (3904‬من طريق حكيم الثككرم عككن أبككي تميمككة طريككف بككن‬
‫مجالد عن أبي هريرة ‪ .‬والحديث صحيح ‪.‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴿ ﴾‬ ‫‪3‬‬

You might also like