You are on page 1of 53

‫مكتب النور‬

‫‪www.alnoorpub.com‬‬
‫‪alnoorpublisher@gmail.com‬‬

‫الطبعة الثانية‬
‫‪1431‬هـ ‪2010 -‬م‬

‫جميع احلقوق حمفوظة باتفاق‪ ،‬ال ي�سمح ب�إعادة �إ�صدار هذا الكتاب �أو �أي جزء منه‬
‫�أوتخزينة يف �أي نظام ال�سرتجاع املعلومات �أو نقله ب�أي �شكل من الأ�شكال‪.‬‬
‫مكتب النور‬
‫المحتويات‬

‫‪7‬‬ ‫�سلم الوراثة بتح�صيل التحقق باملقا�صد الثالثة ‬ ‫احلمد هلل املوفق اهلادي املعني ‪ ،‬وصىل اهلل عىل سيد‬
‫‪9‬‬ ‫مقدمة ‬ ‫املرسلني إمام اهلداة املهتدين ‪ ،‬وعىل آله الطيبني‬
‫‪11‬‬ ‫املقا�صد الثالث ‬ ‫الطاهرين ‪ ،‬وأصحابه الغر امليامني ‪ ،‬ومن تبعهم‬
‫‪43‬‬ ‫جل�سة توجيهية مع طالب دار امل�صطفى ‬ ‫بإحسان إىل يوم الدين ‪.‬‬
‫‪45‬‬ ‫من �أنتم ؟ من �أنتم ؟ ‬
‫وبعد ؛ فهذه توجيهات وارشادات مما تكلم به‬
‫‪69‬‬ ‫حما�ضرات العلم ‬ ‫احلبيب العالمة عمر بن حممد بن سامل بن حفيظ‬
‫‪71‬‬ ‫‪ .1‬حما�ضرة يف مدر�سة اخلريات ‬ ‫مع الطالب ‪ ،‬وهي من عظيم رمحته وشفقته عليهم‬
‫‪82‬‬ ‫‪ .2‬حما�ضرة يف مدر�سة الهدى مباليزيا ‬ ‫وحرصه عىل نفعهم وترقيهم ‪ ،‬نسأل اهلل أن ينفع هبا‬
‫‪92‬‬ ‫‪ .3‬حما�ضرة يف املدر�سة اجلنيدية باندوني�سيا ‬ ‫يف الدارين آمني ‪.‬‬

‫اعداد السيد ‪ :‬حممد بن عبدالرمحن السقاف‬


‫�سلم الوراثة بتح�صيل‬
‫التحقق بالمقا�صد الثالثة‬
‫‪9‬‬

‫مقدمة‬
‫احلمد هلل مثبت املقاصد العلية ‪ ،‬يف قلوب املتهيئني للمقاعد‬
‫الصدقية ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال رشيك َله الناظر‬
‫إىل قلب عبده والطوية ‪ ،‬وأشهد أن سيدنا وقرة أعيننا حممد ًا‬
‫عبده املصطفى ورسوله املجتبى داعينا إىل إخالص القصد‬
‫والنية‪ ،‬لتندرج يف رس نظر احلق إليها األعامل واألقوال املرضية‪،‬‬
‫اللهم صل وسلم وبارك عىل سيدنا وموالنا حممد خري الربية‪،‬‬
‫وآله وأهل بيته املطهرين أهل اخلصوصية ‪ ،‬وصحبه األكرمني‬
‫الصادقني املفلحني أهل املزية ‪ ،‬وتابعيهم بإحسان من أهل‬
‫املقاصد السامية واهلمم القوية‪.‬‬

‫أما بعدُ فإن من الواجب املؤكد ‪ ،‬عىل كل متعلق ومتصل بدعوة‬


‫يتبي ويستحرض ويتأمل مقاصده‬
‫سيدنا املصطفى حممد ‪ ،‬أن نّ‬
‫السامية التي هي أساس سريه وقاعدة فالحه ‪ ،‬ويرددها عىل باله‬
‫ويتدبر يف التحقق هبا مستوى حاله ‪ ،‬ويدفع بالتمسك بحبلها‬
‫‪11‬‬ ‫‪10‬‬

‫القواطع والعوائق ‪ ،‬والعوارض من دينء العالئق ‪.‬‬


‫ِ‬
‫رشيف‬ ‫ِ‬
‫آلخذها قو َة‬ ‫وهذه تذكر ٌة بسامي تلك املقاصد ‪ُ ،‬‬
‫جتمع‬
‫المقاصد الثالث‬ ‫املحامد ‪ ،‬وهت ِّيئُه لرفيع املقاعد ‪ ،‬فام أجدر املنتمي هلذه الدعوة‬
‫النبوية ‪ ،‬أن يأخذها بقوة ومهه علية ‪ ،‬وباهلل التوفيق وعليه‬
‫مهمتِكم خالل وجودكم يف هذا‬
‫املقصود من االجتامع َت َذ ُّك ُر َّ‬ ‫التكالن ‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل العيل العظيم ‪.‬‬
‫الدار ‪ ،‬وما يناط بكم من األعامل التي يمكن أن تقوموا هبا ‪ ،‬مع‬
‫علمكم أن يف هذا املجال ُج ْن ِد َّي ٌة مع احلق تعاىل‪ُ ..‬‬
‫فاهلل يرتضينا‬
‫* * *‬
‫وإياكم وجيعلنا من جنده ‪.‬‬

‫كل‬‫ثم دعو ُتكم هذه الليلة عىل أساس أن خالقكم قد َم ّن عىل ِّ‬
‫القيام‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫بنصيب من إدراك أنه عبدُ ه ‪ ،‬وأنه جيب عليه‬ ‫ٍ‬
‫واحد منكم‬
‫يقتفي َسن ََن نبيه صىل اهلل عليه‬
‫َ‬ ‫بأمره يف هذه احلياة ‪ ،‬وأن عليه أن‬
‫وآله وصحبه وسلم ‪.‬‬

‫السنن الدعو ُة إىل اهلل ‪ ،‬بمعنى أنكم‬


‫وكان من أقوى قواعد هذا َّ‬
‫وجود اإلحساس بمهمة هذه الدعوة ‪ ،‬فنحن‬ ‫ِ‬ ‫قطع ُتم مرحل ًة يف‬
‫أقل من أن نحيط بأبعاد هذه الدعوة‬ ‫وإياكم ومن يف الوجود ُّ‬
‫ٍ‬
‫واحد يف جماهلا بحسب ما َقدَّ َر‬ ‫وشؤوهنا كلها ‪ ،‬إنام يقسم ُ‬
‫اهلل ِّ‬
‫لكل‬
‫َله ‪ ،‬وما أعده َله من الفهم فيها واألداء ألمانتها والقيام بحقها‪.‬‬
‫‪13‬‬ ‫�سلم الوراثة بتح�صيل التحقق باملقا�صد الثالثة‬ ‫‪12‬‬

‫‪٣ .٣‬أمامكم جانب الدعوة إىل احلق تبارك وتعاىل وأول ما‬ ‫وخيتلف الناس يف ذلك اختالف ًا كثري ًا ‪ ،‬وهو يف احلقيقة بساط‬
‫يناط بكم اآلن فيها شأن الساكنني معكم واجلالسني‬ ‫اخلالفة والبعثة ‪ ،‬وبساط القيام بمهمة تبليغ الوحي الرشيف‬
‫معكم والقادمني إليكم يف هذا الدار من أوائلهم‬ ‫ال وني ًة ومقصد ًا وإراد ًة ووجه ًة ‪.‬‬ ‫قو ً‬
‫ال وفع ً‬
‫الطالب الساكنني يف الدار ‪.‬‬
‫فمقصود االجتامع أن تفهموا أن عملكم اآلن‬‫ُ‬ ‫إذا علمتم ذلك؛‬
‫من غري شك أن كل واحدة من هذه الثالثة املقاصد هلا أسس‬ ‫وسط الدار وأنتم ُت َش ِّك ُلون به جزء ًا من األمة املحمدية ‪ ،‬وجانب ًا‬
‫وقواعد وبدايات ثم ال هناية ملجاالهتا وال انتهاء لسعتها ‪ ،‬ولكن‬ ‫كبري ًا من أعامهلا القائمة يف العرص يف جمال جتديد أمر الرسالة ‪،‬‬
‫املقصود حتقيق جانب مهم يف كل من املقاصد الثالثة ‪:‬‬ ‫وربط األمة هبا ‪ ،‬وهتيئة الشأن لنفوذها فينا وفيمن حوالينا فع ً‬
‫ال‬
‫ف�أما مق�صد التعليم ‪ :‬حتصيل العلم ‪ ،‬وتعلمون أن الوارد إىل‬ ‫وواقع ًا وسلوك ًا ‪.‬‬
‫مثل هذا الدار تكون مهمته أن حيصل عىل نصيب من هذا العلم‬ ‫تعلمون هذا؛ ف َت َت َبصرَّ ون َمهماّ تِكم يف وجودكم يف هذا الدار‪.‬‬
‫زيادة عىل الواجب ‪.‬‬ ‫وهذه املهامت البد أن ُتلخص لكم لتستوعبوا يف كل جانب‬
‫أما الواجب فهو مهمة كل مسلم ومسلمة كام علمتم بالنص؛‬ ‫من جوانبها ما يتسنى لكم وما يتأتى لكم؛ كي يسعدَ الواحدُ‬
‫ِ‬
‫املناطة به متزن ًة ‪ ،‬بحيث ال يطغى‬ ‫ِ‬
‫املجاالت‬ ‫منكم بأداء جهده يف‬
‫لكن ما زاد عىل الواجب – بمعنى أن يصل إىل رتبة ينفع هبا من‬
‫جانب عىل آخر ‪ ،‬وال ٌ‬
‫جمال عىل جمال ‪ ،‬وهي ‪:‬‬ ‫ٌ‬
‫حواليه من املسلمني بحيث يساهم يف واقع األمة يف رد شبهات‬
‫وإشكاالت َت ِرد ‪ ،‬ويف اإلجابة عىل استفتاءات تحَ ْ ُصل ‪ ،‬ويف‬ ‫‪١ .١‬عندكم مهمة يف حتصيل العلم هي لكم ولكل الواردين‬
‫التبصري يف الكثري من وقائع األحوال يف املسائل يف جانب الفقه‬ ‫إىل الدار‪.‬‬
‫أو التفسري أو احلديث أو ما تعلق هبا من العلوم األخرى‪ -‬أما‬
‫‪٢ .٢‬مهمة يف الرقي والسمو بأرواحكم وأنفسكم طلب ًا‬
‫الزائد عىل الواجب فيحتاج الواحد منكم يف نفسه إىل أن يرتب‬
‫للوصول إىل النفوس املطمئنة والكاملة بعد ذلك‪.‬‬
‫‪15‬‬ ‫�سلم الوراثة بتح�صيل التحقق باملقا�صد الثالثة‬ ‫‪14‬‬

‫التي تلزمون أنفسكم هبا يف واقع حتركاتكم وخماطباتكم ‪ ،‬من‬ ‫أوقات دروسه ومطالعتها بام يتناسب معها ‪ ،‬مع كونه حيمل‬
‫خالل برناجمكم احلاصل يف اليوم والليلة ‪.‬‬ ‫أمهية لدروس خمصصة حيتاج إليها ويؤدي هلا حقها من املطالعة‬
‫والتحصيل والتلخيص والكتابة والتذاكر فيها مع أهل املستوى‬
‫مقصد أول ومقصد ثاين ومقصد ثالث ‪ ،‬فالذي ينقص عنده‬
‫الذي هو فيه ‪.‬‬
‫ري وا ٍع معنى حضوره إىل هذا‬
‫واحد من املقاصد الثالثة مقرصا غ َ‬
‫ٍ‬
‫متهيء للرتقيات التي تناسب‬ ‫ٍ‬
‫مدرك ملهامته وغري‬ ‫ري‬
‫املكان وغ َ‬ ‫هذا بالنسبة لكم ‪ ،‬وكذلك بالنسبة إلخوانكم احلارضين معكم‬
‫املوطن ‪ ،‬فال يكفي إكبابه عىل التحصيل العلمي واملسائل ‪ ،‬وال‬ ‫املشاركني لكم يف اجللوس يف هذا الدار واحلضور فيه ‪.‬‬
‫يكفي انتباهه من مسألة التزكية مع إمهاله جلانب العلم ‪ ،‬وال‬
‫املق�صد الثاين ‪ :‬مقصد ارتقائكم وسموكم يف قربكم من ربكم‬
‫يكفي أن يتعلم التزكية مع إمهاله للنقطة الثالثة ‪ ،‬وهي مهمتكم‬
‫واستنارة ضامئركم ‪ ،‬وتنور بصائركم ونقاء رسائركم ‪ ،‬وهتيئكم‬
‫مع احلارضين يف الدار معكم واملشاركني لكم ‪ ،‬إخوانكم كثري‪،‬‬
‫بالع ْن ِد عند‬
‫للمرافقة يف مقاعد الصدق التي قد أرشقت أنوارها ِ‬
‫ومنهم حمتاج إىل كلمة ‪ ،‬وكثري منهم حمتاج إىل مساعدة ‪ ،‬وكثري‬
‫مليك مقتدر ‪ ،‬هذا لكم فيه وسائل ‪ ،‬حضوركم يف الصلوات‬
‫منهم حمتاج إىل تنشيط ‪ ،‬وكثري منهم حمتاج إىل ترغيب ‪ ،‬وكثري‬
‫معظمني شأهنا ‪ ،‬وتكبريات إحرامها ‪ ،‬حمسنني لطهورها‪ ،‬حقيقي‬
‫منهم حمتاج إىل تفقد ‪ ،‬وكثري منهم حمتاج إىل مفامهة ‪ ،‬وكثري منهم‬
‫احلرص عىل حضور القلب فيها ‪ ،‬وقراءتكم ألذكارها التي فيها‬
‫حمتاج إىل مشاركة يف مهه ‪ ،‬و كثري منهم حمتاج إىل رفع من احلال‬
‫والتي بعدها ‪ ،‬وحرصكم عىل التدبر وحرصكم القوي عىل‬
‫الذي هو فيه إىل ما فوقه ‪ ،‬وكثري منهم حمتاج إىل حل إشكال‬
‫الس َحر واحلضور مع املستغفرين فيه ‪ ،‬ثم عىل‬‫االنكسار يف َّ‬
‫يسهل عىل أحدكم حله ‪.‬‬
‫األذكار املرتبة عليكم واملناطة بكم إىل جانب إذا اتسع املجال‬
‫يح‬ ‫وكثري منهم عنده نفسية من اليسري أن تزول لو َو َجدَ ْت ِر َ‬ ‫ألحدكم وأمكنه أن يأخذ أذكار ًا خمصوصة يف هذا اجلانب‪،‬‬
‫األ ُخ ّوة حواليها ‪ ،‬وبمجرد ما يشمها ستذهب؛ ولكن جيد أناس ًا‬‫ُ‬ ‫إىل جانب الروحة وما يدور فيها ‪ ،‬إىل جانب االطالع عىل‬
‫طيبنيَ يف أنفسهم ولكنهم مرصوفني عنه مشغولني بحاهلم ‪ ،‬هلذا‬ ‫مصطلحات القوم وقواعدهم يف السري ‪ ،‬وإىل جانب التطبيقات‬
‫‪17‬‬ ‫�سلم الوراثة بتح�صيل التحقق باملقا�صد الثالثة‬ ‫‪16‬‬

‫�أن مق�صودنا هو اهلل‪ّ � (( ..‬إن َ‬


‫اهلل ال ينظر �إلى ُ�ص َو ِر ُك ْم )) ‪.‬‬ ‫قد يدخل مبتدئ ًا فتمر عليه أشهر وهو ال زال مبتدئا ‪ :‬يف جمال‬
‫سلوكه ال يظهر فيه التلطف ‪ ،‬جمال فكره ال يظهر فيه التبرص ‪،‬‬
‫فلهذا نحن ما ننظر هلذه الصور ‪ ،‬نحن نريد حقائق العلم‪..‬‬
‫جمال علمه ال يظهر فيه االجتهاد ‪.‬‬
‫نريد حقائق التزكية والرتبية‪ ..‬ونريد حقائق الدعوة إىل اهلل‪ ..‬إنام‬
‫أهل القصور يف النظر ‪ ،‬أما أمر الشارع املبعوث‬ ‫الص َو ُر َ‬
‫تستوقف ُّ‬ ‫من أقوى األسباب أنه مل جيد الذي هيتم بتبصريه ‪ ،‬وال وجد‬
‫قائم عىل اعتبار الروح واحلقيقة‬
‫باحلقيقة والناطق باحلق فكل األمر ٌ‬ ‫الذي هيتم بحثه وترغيبه ‪ ،‬وال وجد الذي يالحظ فكره ونفسيته‬
‫إن َ‬
‫أول من‬ ‫‪ ،‬وهو الذي ُي َع ِّلم األم َة ذلك ويقول هلم يف العلم ‪ّ (( :‬‬ ‫وما يطرأ عليه ‪ ،‬ونحب أن تكون املشاركة منكم يف هذه‬
‫ُت َس َّعر هبم النار يوم القيامة عالمِ ٌ مل ينفعه اهلل بعلمه )) ويقول هلم يف‬ ‫الشؤون بجميع أحاسيسكم وبجميع مشاعركم ‪ ،‬وبحيث أن‬
‫والقرآن َي ْل َعنُه )) ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫للقرآن‬ ‫األعامل ‪ُ (( :‬ر َّب ٍ‬
‫تال‬ ‫يدرك الواحد أن األمر مناط به ومسؤوليته عليه ‪ ،‬فينشغل يف‬
‫هذه اجلوانب الثالثة التي ذكرناها فكره وعقله وحنكته وجتربته‬
‫وكم من مصل ليس َله من صالته إال السهر ‪ ،‬وليس َله من‬
‫وحماولته واجتهاده ‪ ،‬ويبدأ هذا الشعور يرسي فيمن حواليه‬
‫قيامه إال التعب ‪ ،‬وكم من صائم ليس َله من صيامه إال اجلوع‬
‫بحيث ال يبقى ساكن يف الدار إال وعنده هم بالدعوة ‪ ،‬وال‬
‫والعطش ‪ ،‬ويقول هلم ‪ :‬إن أول من تسعر هبم النار متصدِّ ٌق‬
‫يبقى ساكن يف الدار إال وله نصيب يف التدرب عىل الوعظ ‪ ،‬وال‬
‫وجماهدٌ يف الظاهر والصورة؛ ولكن احلقيقة ال ذاك عامل وال‬
‫يبقى ساكن يف الدار إال وله اهتامم بتحصيل املسائل ‪ ،‬وال يبقى‬
‫هؤالء متصدقني وال جماهدين ‪ ،‬فبطلت الصور وقامت احلقائق‪.‬‬
‫ساكن يف الدار إال وعنده التفات إىل وجوب السلوك والقرب‬
‫كذبت ‪ ،‬أي ‪ :‬ال حقيق َة للتصدق‬
‫َ‬ ‫تصدقت ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫وقال للذي قال ‪:‬‬ ‫من احلق‪.‬‬
‫‪:‬قرأت‬
‫ُ‬ ‫الصدَ َقة ‪ ،‬وقال للثاين الذي يقول‬
‫عندك ‪ ،‬أنت معك صورة َّ‬
‫علوم وال �صور ُة‬
‫درو�س وال �صور ُة ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ما �أَهَ َّمتْنا وال ُت ِه ُّمنا �صور ُة‬
‫كذبت ‪ ،‬أنت معك صورة العلم ما عندك حقيقته‪ .‬ويقول‬
‫َ‬ ‫القرآن ‪:‬‬
‫تربية وال �صور ُة‬
‫ٍ‬ ‫دعوة �إلى اهلل وال �صور ُة‬
‫ٍ‬ ‫أعمال وال �صور ُة‬ ‫� ٍ‬
‫جاهدت يف سبييل ‪،‬‬
‫َ‬ ‫كذبت ‪ ،‬ما‬
‫َ‬ ‫قاتلت ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫للثاين هذا الذي قال ‪:‬‬
‫أمر واحد ‪ ،‬وهو‬ ‫�شيء من ذلك ل ٍ‬ ‫تزكية للنف�س‪ ..‬ما �أهمنا ٌ‬ ‫ٍ‬
‫‪19‬‬ ‫�سلم الوراثة بتح�صيل التحقق باملقا�صد الثالثة‬ ‫‪18‬‬

‫ولكن يردها لك ‪ ،‬حتطها كذا ترده ‪ ،‬حيطها كذا ترده‪ ..‬واحدة‬ ‫أنت معك صورة اجلهاد ‪ ،‬فبطلت الصورة التي يغرت هبا من يغرت‪.‬‬
‫ثانية صحيحة خرجت من مصنعها يدخلها متيش كأمر عادي‪..‬‬
‫يا طالب‪ ..‬نريد حقيقة الطلب ‪ ،‬يا متعلمني‪ ..‬نريد حقيقة‬
‫وإيش الناس هؤالء وأجهزهتم لو ترى أجهزة احلكومة الربانية‪،‬‬
‫التعلم ‪ ،‬يا مع ِّلمني‪ ..‬نريد حقيقة التعليم ‪ ،‬يا طالبني للتزكية‬
‫هذه يمكن أن تتعطل وتتبطل لكن أجهزة حكومة الرب‪(:‬ﮑ‬
‫وتصفية القلوب‪ ..‬نريد حقائق التزكية‪ ..‬ويا متعلقني بالدعوة‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [احلاقة‪( ]18:‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫إىل اهلل تعاىل‪ ..‬نريد حقيقة الدعوة ‪ ،‬ما نريد أن نتعامل مع اجلبار‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ)‬
‫بصور ُي ْب ِط ُلها وال ينظر إليها ‪ ،‬فهذه أعامل غري نافقة يف سوق‬
‫[الزخرف‪]80:‬‬

‫صوت سرِ ُّ َك‬


‫ٌ‬ ‫وأين رسك يسمع وهو يش َله صوت ؟ هل َله‬ ‫القيامة ‪ ،‬وغري مقبولة يف حكومة اجلبار امللك اخلالق تعاىل‪ ،‬هي‬
‫هذا ؟ ما َله صوت ‪ ،‬قال اهلل ‪( :‬ﮂ ﮃ ﮄ ) كالمهم‪.‬‬ ‫مقبولة يف عامل الزور والغرور عند كل مغرور مصريه يسء‪ ،‬فام‬
‫سكت ‪ ،‬قال اهلل ‪ :‬نحن نسمع‪ ..‬نسمع ما سكت‬
‫َّ‬ ‫تكلمت وإن‬
‫َ‬ ‫إن‬ ‫نريد التعامل هبذه العملة الزائفة الباطلة الكذابة ‪ ،‬كم من الناس‬
‫سواء‬
‫ٌ‬ ‫سكت عنه‬
‫ّ‬ ‫نطقت به وما‬
‫َ‬ ‫عنه كام نسمع ما تكلمت به ‪ ،‬ما‬ ‫غشتهم صور العمالت الكذابة فلام اكتشفوا ندموا‪ ،‬وربام وقعوا‬
‫عند اهلل‪( ..‬ﯟ ﯠ) [التوبة‪ ]78:‬قال‪( :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬ ‫التحقيقات معهم مأخذ ًا حتى وصلوا إىل‬
‫ُ‬ ‫ت‬ ‫يف السجن ُ‬
‫وأ ِخ َذ ِ‬
‫ﮃ ﮅ) فيا صاحب الرس املسموع للرب العيل نظف رسك‪ ..‬نقِّ‬ ‫التعذيب ؛ ألهنم جاؤوا بصور الدوالرات أو بصور الرياالت‬
‫مسموع‬
‫ٌ‬ ‫صف رسك‪َ ..‬أ ْص ِل ْح سرِ َّ ك‪َ ..‬ط ِّي ْب سرِّ ك‪ ..‬فإنه‬
‫رسك‪ِّ ..‬‬ ‫أو بصور اجلنيهات ‪ ،‬كذبوا عىل الناس وغشوا ‪.‬‬
‫للرب‪( ..‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ)‬
‫وكذلك احلكومة العظمى دولة الرب الذي اسمه (اهلل) ال ُتقبل‬
‫‪.‬‬ ‫وفوق ذلك‪( :‬ﮇ ﮈ ﮉ)‬ ‫فيها عملة مزيفة وال جتيء بصورة صالة وال بصورة صوم وال‬

‫البد أن تعلموا مهمتكم يف هذا املكان ‪ ،‬مهمتكم متصلة‬ ‫بصورة زكاة ‪ ،‬هت حقيقة وإال سوف يظهر الشأن… هؤالء‬

‫بالرسالة الرمحانية الربانية العظمى ‪ ،‬امللقاة عىل حرضة النبوة‪،‬‬ ‫عملوا أجهزة حيطون فيها الورقة النقدية فإن كان فيها غش‬
‫تردها وإن كانت مزيفة ال تقبلها أبدا‪ ..‬هذا جهاز خملوقني‪..‬‬
‫‪21‬‬ ‫�سلم الوراثة بتح�صيل التحقق باملقا�صد الثالثة‬ ‫‪20‬‬

‫اهلل (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬ ‫التي ختمت النبوات والرسالة ‪ ،‬التي نسخت الرشائع ‪ ،‬اخلامتة‬


‫[املائدة‪]41:‬‬ ‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ)‬ ‫الكاملة الدائمة الشاملة الكاملة ‪ ،‬فمن كان ال زال يرى شيئ ًا يف‬
‫الوجود أحسن من هذه البضاعة فام هو من رجاهلا وال يصلح‬
‫مل يرد اهلل أن يطهر قلوهبم ؟ ! فاخلالصة عن حياهتم يا رب يف‬
‫أن يبقى معنا ‪ ،‬يبحث له عن قلوب عظمت غري اهلل يقعد معهم‬
‫احلياتني إيش ؟ ! (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ويرى منقلبهم ‪ ،‬يبحث له عن قلوب أحبت شيئا من املخلوقات‬
‫[املائدة‪]41:‬‬ ‫ﯿ ﰀ)‬
‫احلقرية أكثر من حبها للرب ‪ ،‬أكثر من حبها لرسوله املقرب ‪،‬‬
‫وإيش مظاهرهم يف الدنيا يا رب ؟ (ﮩﮪ)‬ ‫هذه قلوب تصلح ملن يرى أنه ليس يف الدنيا شيئا أغىل من هذه‬
‫قال‪ :‬راغبون يف الفانيات (ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬ ‫البضاعة ‪ ،‬أعظم من هذا األمر ‪.‬‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ)‬
‫واهلل ما عند أهل الظاهر وأهل الباطن أهل الرشق وأهل‬
‫ٌ‬
‫معرض عنه ‪ ،‬وإن‬ ‫كأن اهلل يقول َله ‪ :‬من أعرضنا عنه فأنت‬
‫الغرب أهل العرب وأهل العجم وأهل اجلنوب وأهل الشامل‬
‫اقتضت رمح ُتك َس ْع َي َك يف طهارة قلوهبم ‪ ،‬قال ‪( :‬ﯧ ﯨ‬
‫وأهل املالبس وأهل الثياب وأهل املناطق وأهل العلوم وأهل‬
‫ﯩ) [الرعد‪ ،]40:‬وقلنا لك‪ :‬ما منعناك عن تبليغهم وال عن‬
‫املباين وغريهم‪ ..‬ما عندهم أغىل وال عندهم أعظم وال عندهم‬
‫خماطبتهم وال عن البيان هلم ولكن أمرنا نافذ فيهم فاعلم ذلك ‪.‬‬
‫أحسن قط قط قط قط قط‪ ..‬واهلل العظيم‪ ..‬اسمع‪ ..‬فإن كان‬
‫َصدَ َق املصطفى‪ ..‬صدق اهلل ربنا‪ ..‬فلهذا قال لسيدنا عمر‬ ‫ري مصدق ‪ ،‬الذي يسمعه ربك ‪ ،‬هذا الرس حقك الذي‬
‫رسك غ َ‬
‫ُّ‬
‫ملا قال َله ‪َ :‬أ ْق ُت ُل الدّ ّجال ‪ْ (( :‬‬
‫إن َي ُك ْن ُه فلن ُت َس َّلط عليه ))‪ ،‬أما‬ ‫يسمعه ربك ال زال غري مصدق فنحن نريد لك مكانا ثانيا‬
‫حدثتكم أنه سيخرج وأنه سيعمل ويعمل ‪ ،‬األمر كام قلت‬ ‫مستشفى يعاجلونك فيها عسى تصلح للمكان ‪ ،‬ومن قد قىض‬
‫لك‪ (( :‬فإن يكنه فلن تسلط عليه ‪ ،‬وإن مل يكنه فال خري لك يف‬ ‫اهلل بوسخه فيه ودرنه فيه ال أحد يقدر يصقله ‪ ،‬وقدي ًام قد حاول‬
‫قتله)) مع أنه خبيث ‪ ،‬فواحد كابن صياد فتنة أتى به اهلل يف ذلك‬ ‫احلبيب صىل اهلل عليه وسلم برمحته يف هداية قوم النفاق فأنزل‬
‫‪23‬‬ ‫�سلم الوراثة بتح�صيل التحقق باملقا�صد الثالثة‬ ‫‪22‬‬

‫ُأ ْحيِيه لكم فتعلمون أين ربكم ‪.‬‬ ‫الوقت‪ ،‬وعانى منه ما عانى ‪ ،‬وإذا جاء وقت اخلبيث الدجال‬
‫ودوره فرجال الوراثة يعانون ما يشبه ذاك ‪ ،‬ويتذكرون ابن‬
‫خبيث‪ ..‬يقول ‪ :‬إين ربكم ‪ ،‬ولو قالوا َله ‪ :‬صلح عينك فلن‬ ‫ٌ‬
‫صياد الفتان فيص ِّلح للناس فتن ‪ ،‬خيرب الناس بيشء يف نفوسهم‬
‫يستطيع ‪ ،‬جيمع اجلثة ويقول ‪ :‬قم ‪ ،‬فيقوم ‪ ،‬قال ‪ :‬هيا‪َ ..‬أ َم ُّت َك‬
‫بلية وهو هيودي واآلن هذا اخلبيث مثله‪ ..‬فتنة كبرية‪..‬‬
‫علمت أين ربك ؟ فيقول ‪ :‬أنت األعور الدجال‬
‫َ‬ ‫وأحيي ُتك اآلن ‪،‬‬
‫اخلبيث الكذاب الذي حدثنا عنك رسول اهلل ‪.‬‬ ‫اهلل يعصمنا من فتنته ‪ ،‬ويعصم مجيع أوالدنا ‪ ،‬ويعصم مجيع‬
‫ٍ‬ ‫أصحابنا ‪ ،‬يا اهلل‪ ..‬يا اهلل‪ ، ..‬ويعصم مجيع أهل اخلري يف الرشق‬
‫سمعت‪ ..‬هو ما‬
‫َ‬ ‫مربوط بالنبي حممد‪..‬‬ ‫هذا ما َث َب َت إال بحبل‬
‫أتباعه هؤالء ‪ ،‬ال‬
‫كثري ُ‬‫والغرب وإال فسيتبعه كثري كثري كثري‪ٌ ..‬‬
‫هتيأ هلذا املكان إال باالنطواء يف ذلك احلبيب ‪ ،‬يقول َله قبل ما‬
‫تظن أهنم يف بلدة معينة أو يف مكان معني ‪ ،‬أتباعه حتى يف بالد‬
‫يقتله وبعد ما يقوم ‪ :‬وأنت الذي حدثنا عنك رسول اهلل ‪ . .‬ما‬
‫اخلري موجودون من اآلن ‪ ،‬هم يف احلرم وهم من أتباعه ‪ ،‬أمرنا‬
‫ازددت فيك إال بصرية‪ ..‬فرييد أن يقتله مرة أخرى فال يقدر ‪،‬‬
‫ُ‬
‫النبي أن نتعوذ منه يف كل صالة ‪ ،‬وصفه لنا وأخربنا عن عينه‬
‫فيعلم أنه انتهى وأن أيامه قد انتهت ‪ ،‬فيهرب نحو الشام ‪ ،‬فينزل‬
‫الطافية كأهنا العنبة ‪ ،‬وأنه أعور ‪ ،‬ومل خيرب األنبياء قبله أنه أعور ‪،‬‬
‫ابن مريم يريه ما يستحقه؛ ولكن بعد أن أدخل ماليني الناس يف‬
‫وهو أخربنا أنه أعور ‪ ،‬وأخربنا أنه مكتوب بني عينيه كافر ‪ ،‬ومع‬
‫النار ‪ ،‬قد ذهبوا إىل النار يف مدة أربعني يوما ‪ ،‬ما أقول لك مليون‬
‫ذلك يتبعه كثري من الرشق والغرب ‪.‬‬
‫وال مليونني وال ثالثة وال أربعة أكثر وأكثر وأكثر ‪ ،‬دخلوا النار‬
‫كلهم أعوذ باهلل من فتنة اخلبيث هذا ‪ ،‬هذه أكرب فتنة بيننا وبني‬ ‫اهلل يعصمنا من هذه الفتنة الشديدة التي األمة عىل مشارفها ‪،‬‬
‫الساعة ‪ ،‬رأيت كم مرة مرت عىل الناس فتن ‪ ،‬أناس كانوا يف‬ ‫اللهم اعصمنا وسلمنا ‪ ،‬اللهم احفظنا وكن لنا ‪ ،‬اللهم ثبتنا عىل‬
‫املساجد راحوا انتفضوا عىل أموال املساجد وأنكروا ودخلوا يف‬ ‫َ‬
‫فيقتل من‬ ‫اإليامن وال تنزعه منا إىل أن يدنو وقت انتهاء فتنته ‪،‬‬
‫الكفر برسعة ‪ .‬فتن عدت عىل الناس شفناهم كيف ‪.‬‬ ‫خيارنا رجال حتت املدينة املنورة ويقول الرجل عند قتله ‪ُ :‬ا ْث ُب ُتوا‬
‫يقول للجم‪:‬‬ ‫فإنه لن ُيسلط عىل أحد بعدي ‪ ،‬فيشقه نصفني ثم ُ‬
‫‪25‬‬ ‫�سلم الوراثة بتح�صيل التحقق باملقا�صد الثالثة‬ ‫‪24‬‬

‫األرض ويسلمها اهلل ويسلم هبا من حوالينا من فتنة الدجال‬ ‫فكيف إذا جاءت هذه الفتنة الكبرية ؟ يا اهلل ثبتنا‪ ..‬فلهذا أمرنا‬
‫ومن غريها من الفتن فكيف يتم هذا ؟ بضحكة ؟ وإال‬ ‫النبي أن ال نقرتب منه وال نقصده ‪ ،‬فإن فاجأنا التجأنا إىل اهلل‬
‫بلعبة ؟ وإال بإمهال ؟ وإال بغفلة ؟ وإال بنقص مهة ؟ هذا أمر‬ ‫تبارك وتعاىل وأقبلنا عليه وأعاننا ( ﯞ ﯟﯠﯡ ﯢ ﯣ)‬
‫عظيم حيتاج إىل عظمة يف اهلمة وعظمة يف اإلدراك والشعور‬ ‫اهلل يسلمنا واملسلمني‪ ..‬ما هي إال أربعني يوم ولكن إيش يعمل‬
‫واإلحساس وعظمة يف االجتهاد وعظمة يف اغتنام الوقت‬ ‫فيها اخلبيث هذا ‪.‬‬
‫وعظمة يف الفهم وعظمة يف الوعي وعظمة يف اإلدراك وعظمة‬
‫واخلالصة أن هذه فتنة أرادها اهلل وحذرنا وأنبأنا وأرسل إلينا‬
‫يف الشكر ‪ ،‬هذا أمر عظيم‪( ..‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ‬
‫األنبياء والرسل صلوات اهلل وسالمه عليهم وكلهم حذرونا‪..‬‬
‫ﮇ) [ص] ‪ ،‬اهلل يرزقنا اإلقبال وإياكم ويعيننا عىل القيام باملهام‪،‬‬
‫ما من نبي إال وأنذر قومه األعور الدجال اخلبيث هذا ‪ ،‬أنذرهم‬
‫ويبارك لكم يف دروسكم وتعلمكم وتعليمكم ‪ ،‬ويبارك لكم يف‬
‫الدجال ‪ ،‬النبي أنذر وز َّيد بيانات ‪ ،‬وهذا يظهر بأمر اهلل ‪ ،‬فتنة كام‬
‫عملكم وتزكيتكم وتطهريكم ‪ ،‬ويبارك لكم يف دعوتكم إىل اهلل‬
‫فتنة من قبلنا ‪ ،‬وهلذا يعذهبم ‪.‬‬
‫وتبليغكم ‪.‬‬
‫فرعون اخلبيث يق ّتل أبناءهم ويستحيي نساءهم ‪ ،‬واهلل يقول‬
‫يا رب حققنا بحقائق الصدق وحقائق اإلنابة وحقائق اخلشية‬
‫يف القرآن ‪( :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) ‪ -‬ما قال ‪ :‬من‬
‫وحقائق العلم وحقائق العمل وحقائق الدعوة إىل اهلل ‪ ،‬وينعم‬
‫[البقرة‪]49:‬‬ ‫فرعون ‪( -‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ)‬
‫عىل األمة بنرش اخلريات بينهم ويوقظهم من نومتهم وغفالهتم‬
‫بتذكريهم ورجعتهم إليه سبحانه وتعاىل وإدراكهم عظمة ما‬ ‫بالء من ربكم‪ ..‬معاده من فرعون‪ ..‬املسألة ال أحد حاكم‬ ‫ٌ‬
‫أوحاه إىل نبيه ‪ ،‬وما أرسله به وبعثه إليهم ‪ ،‬وأن حيول أحواهلم‬ ‫غريه تعاىل‪ ..‬اهلل يرزقنا كامل اإليامن واليقني وحيفظ علينا دين‬

‫إىل أحسن حال ‪ ،‬ويدفع عنهم مجيع الظلم والزيغ والضالل ‪،‬‬ ‫اإلسالم ‪.‬‬

‫ومجيع الرش والنفاق ومجيع الرياء والكرب والعجب والغرور‬ ‫فأنتم مطلوب منكم أن تكونوا دعائم تثبت اإليامن يف هذه‬
‫‪27‬‬ ‫�سلم الوراثة بتح�صيل التحقق باملقا�صد الثالثة‬ ‫‪26‬‬

‫هو من أهل هذا املحل ‪ ،‬وال هو من أهل هذا املكان ‪ ،‬جيب عليه‬ ‫واآلفات والعاهات والبليات والشتات واجلهاالت‪ ،‬ويصلح‬
‫أن يدري ويعرف نفسه ‪ ،‬ومن ال كان من أهل املحل يف الدنيا ما‬ ‫لنا وهلم الظواهر واخلفيات واملقاصد والنيات‪ ،‬ويقبلنا عىل ما‬
‫كان من أهله يف العقبى ‪ ،‬وهذه املقاصد الكبرية هي التي ترتكز‬ ‫فينا ويقبل بوجهه علينا ‪ ،‬وجيعلنا من أنفع أمة النبي ألمة النبي‬
‫عليها عامة شؤون الرسالة وبالغ الوحي الرشيف وتندرج فيها‬ ‫يف لطف وعافية ‪.‬‬
‫وتتصل هبا ‪ ،‬وكانت عىل ظهر هذه األرض وظائف أنبياء اهلل‬
‫إذ ًا فالدواعي كثرية جد ًا لكم ألن تحُ ْ ِسنُوا معاملتكم مع اهلل‪،‬‬
‫وأصفياء اهلل وصاحلي عباد اهلل ‪ ،‬ومن يعرف املطلوب حيقر ما‬
‫ُت ْقبِ ُلوا اآلن يف مجيع أعاملكم عىل وجه أحسن مما كان ‪ ،‬يف‬
‫بذل ‪ ،‬ومن كان يرى أن يف الوجود يشء أهم من هذه املقاصد‬
‫الدروس‪ ..‬يف املطالعات‪ ..‬يف تقييد املسائل‪ ..‬يف احلفظ‪ ..‬يف‬
‫فام هو من أهل هذا امليدان ‪ ،‬وال من أهل هذا املكان ‪.‬‬
‫األخالق والشامئل والتزكية‪ ..‬يف التناصح‪ ..‬يف الدعوة إىل اهلل‬
‫يا َّ‬
‫كل واحد منكم‪ ..‬يا صغري‪ ..‬ياكبري‪ ..‬يا أول‪ ..‬يا أخري‪ ..‬يا‬ ‫تعاىل‪ ..‬فهذه املقاصد الثالثة التي اجتمعتم هنا من أجلها وبنيت‬
‫صاحب األيام‪ ..‬يا صاحب األسابيع‪ ..‬يا صاحب األشهر‪..‬‬ ‫ألجلها املباين ‪ ،‬وأقيمت فيها احللقات والدروس؛ كلها البد أن‬
‫يا صاحب السنوات يف هذا املكان‪ ..‬إن كان يف عقيدتك ونظرك‬ ‫تأخذوها بقوة وبصدق ‪ ،‬وجتعلوا كل جهدكم وكل انطالقكم‬
‫وشعورك وإحساسك يشء يف الوجود أغىل من هذه املقاصد‬ ‫وكل حركاتكم يف الدار نحو هذه املقاصد الثالثة ‪:‬‬
‫فخف أن تنفى كام ينفي الكري خبث احلديد ‪ ،‬ما يف الوجود أغىل‬ ‫‪١ .١‬حتقيق العلم على وجهه ‪.‬‬
‫من هذه املقاصد ‪ .‬وخذ عىل ذلك يمين ًا باهلل الواحد ‪ ،‬وما يكون‬
‫‪٢ .٢‬وتزكية النف�س بتهذيبها ‪.‬‬
‫بال َأ َه ُّم منها إال خيال ووهم حمض ‪ ،‬إن تأخر مع صاحبه‬ ‫يف ٍ‬
‫ينكشف َله غيه وضالله وكذبه وخياله عند الغرغرة ‪ ،‬أما ساعة‬ ‫‪٣ .٣‬والن�صيحة والدعوة �إلى اهلل ‪.‬‬
‫الغرغرة وما بعدها فاخليال هذا كله يتالشى ويذهب ‪ ،‬وعزة‬ ‫هذا شغلكم‪..‬‬
‫ربكم إن مجيع من يف الربازخ يعلمون ويتيقنون حق اليقني أنه مل‬ ‫فأي واحد ال يقنع هبذا الشغل وال يرتيض وال يعرف قدره فام‬
‫‪29‬‬ ‫�سلم الوراثة بتح�صيل التحقق باملقا�صد الثالثة‬ ‫‪28‬‬

‫معلم مزكي داعي وهذا بالنصوص الرصحية جاءت يف القرآن‬ ‫يكن يف هذه الدنيا أعز من هذه املقاصد ‪ ،‬من أوهلم إىل آخرهم‬
‫نتلوها ‪( :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬ ‫‪ ،‬أهل الربزخ كلهم ‪ ،‬لكن ما نفعهم هذا اليقني إال الذين كانوا‬
‫ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ‬ ‫به موقنني يف الدنيا وهم اآلن يف برازخهم يستثمرونه ‪ ،‬فهيئوا‬
‫((إنام بعثت معلام)) ‪.‬‬ ‫[البقرة‪]151:‬‬ ‫ﯧ ﯨ)‬ ‫أنفسكم الستقبال أعامل الدار اآلن بوجه جديد ‪ ،‬من بعد‬
‫(ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬ ‫رمضان قبل مدة قد قلت لبعضكم ‪ :‬إنه يكون يف هذا العام‬
‫‪( ،‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬ ‫[األحزاب]‬ ‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ)‬ ‫تصفية للمقيمني والقائمني يف هذا املكان حتى ال يبقى يف عام‬
‫[يوسف‪]108:‬‬ ‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ)‬ ‫واحد وعرشين (‪ )1421‬إال متوجه راغب صادق طالب بحقٍّ ‪،‬‬
‫أحب املحبوبني فال واهلل ال‬ ‫ُ‬
‫شغل ِّ‬ ‫فحيث قد أبان القرآن أهنا‬ ‫ٌ‬
‫كاملة‪ ..‬هذا يصلح‪ ..‬فعسى اهلل‬ ‫ُم َقدِّ ٌم جهدَ ه وإمكانياتِه ووجه ُته‬
‫أعظم عند مواله الذي اختاره منها قط‪ ،‬إال‬
‫ُ‬ ‫ريه‬ ‫يوجد ٌ‬
‫شغل غ ُ‬ ‫يوفقنا وإياكم كام قد أكرمنا هبذا ‪ ،‬ألنه يف حقيقتنا ما عندنا تأهل‬
‫نبيه واختيا ِر الشغلِ لنبيه‬ ‫ٍ‬ ‫لرؤية هذا املكان ‪ ،‬إن أردت احلقيقة أمثالنا ما عندهم تأهل أن‬
‫منافق ا ّهتم احلقّ تعاىل يف اختيار َّ‬ ‫عند‬
‫واختيار الوظائف لنبيه ‪.‬‬ ‫يسمعوا عن مثل هذا املكان ولكن احلق تعاىل قد تكرم بجوده‬
‫وأسمعنا وأرانا وأوجدنا ‪ ،‬أفبعد هذا تعامله القلوب بتعظيم ما‬
‫اعلموا علم اليقني وقد وصلت األمة إىل حالة ال حتتمل تضييع‬
‫حقره وأهانه سبحانه وتعاىل وأمرنا باحتقاره فتنقص عظمته‬
‫الوقت مع سخافة النفوس وال تالبيس األباليس ‪ :‬من مل يزل يف‬
‫تعاىل ممثلة يف عظمة هذه املقاصد ‪ ،‬فكل من عظم اهلل علم أنه‬
‫اضطراب هو وإياهم َف ْليرَ َ له طريق ًة ووجه ًة أخرى ‪.‬‬
‫ليس يف الوجود من أعامل بني آدم أعظم من حتصيل العلم‬
‫وقت تمَ َ ُّهلٍ ‪ ،‬ونقول َله ‪ :‬خل امليدان لرجاله‬
‫لكن الوقت مل يعد َ‬ ‫النافع وهتذيب النفس بالعمل الصالح وتقويم الصفة والدعوة‬
‫وأهله ‪ ،‬فمتى احتاج إليك دين اهلل يا حمتاج ًا إليه ؟ ومتى افتقر‬ ‫إىل اهلل تعاىل ‪ ،‬فكل عامل بعظمة اهلل عامل بعظمة هذه املقاصد‬
‫إليك رشع اهلل يا مفتقر ًا إليه ؟ أنت املفتقر هلذا الرشع وهلذا‬ ‫الثالثة ‪ ،‬وكل عامل بعظمة الرسول عامل بعظمة هذه املقاصد ألنه‬
‫‪31‬‬ ‫�سلم الوراثة بتح�صيل التحقق باملقا�صد الثالثة‬ ‫‪30‬‬

‫أنا مشغول بليىل عن مجيع الكون مجل ْة‪..‬‬ ‫الدين ‪.‬‬


‫فإذا ما قيل ‪ :‬من ذا‪ - ..‬إيش هذا يرجع ؟ ‪ -‬قل ‪ :‬هو الصب‬ ‫خذوا املقاصد ورتبوا ترتيبكم اآلن ‪ ،‬البد بعد رمضان من‬
‫املوله‪..‬‬ ‫مواجهة هبذه املقاصد وعمل هبا ‪ ،‬يكفي تضييع ملعانيها ‪ ،‬كل‬
‫بمهمته وما لكم دخل فيه ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫حمب َس ِك َر‬ ‫ٌ‬
‫عاشق ٌّ‬ ‫يقول هلم ‪ :‬هذا‬ ‫كلمة بني الطالب والدارسني يف هذا الدار ووسطه وخارجه‬
‫خترج عن املقاصد الثالثة هذه من اللغو ومن اللهو ومن الغفلة‬
‫ال��راح حتى مل تبق فيه َف ْض َلة‪..‬‬
‫ُ‬ ‫َأ َخ� َ‬
‫�ذ ْت � ُه‬
‫ومن احلجاب ومن القطيعة ومن التأخري ومن البعد ‪ .‬وأهل‬
‫الراح املضلة‪..‬‬
‫ُ‬ ‫س ليست‬ ‫راح ُقدْ ٍ‬
‫ْس ُ‬‫راح ُأن ٍ‬
‫ُ‬
‫املقاصد هذه كالمهم فيها ليل وهنار يف الشارع يتكلمون فيها‬
‫أنا يف شغل عن الناس وعن كل ما هم فيه من خري ورش‪ ،‬عميل‬
‫‪ ،‬يف السيارة إن تكلموا تكلموا حوهلا ‪ ،‬يف صالة الطعام حوهلا‬
‫سواء الرصاط ما‬
‫ُ‬ ‫يل وهلم أعامهلم ‪ ،‬فليش خيلط املخلط منكم ‪،‬‬
‫‪ ،‬يف الدكان حوهلا ‪ ،‬يف املكتبة حوهلا ‪ ،‬يف املمر حوهلا ‪ ،‬يف الغرفة‬
‫حيتمل التخليط ‪( :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫‪ ،‬كل الكالم حول املقاصد هذه‪ ،‬ما ال يتعلق هبا ليس شغله ‪،‬‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ)‬
‫ليس شغله أبد ًا ‪ ،‬يفهمون أو ما يفهمون ‪ (( .‬كل كالم ابن آدم‬
‫[األنعام‪]79:‬‬

‫إن شاء اهلل بربكة رمضان يظهر علينا صدق مع الرمحن‬ ‫عليه ال َله إال ذكر اهلل وما وااله )) هذه املقاصد فقط‪ ..‬أنت‬
‫والوجهة بالكلية واإلقبال بالكلية عىل اهلل تبارك وتعاىل‪ ،‬حتى‬ ‫تنتهج هنج ًا أسمى فال تسقط إىل حالة الغافلني ‪(.‬ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫تبدؤوا وتذوقوا وتعرفوا أن احلق تعاىل ما أظهر هذه املظاهر وال‬ ‫[األعراف‪]160:‬‬ ‫ﭭ) [البقرة‪( ، ]148:‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ)‬
‫أقام هذه األماكن إال ليصطفي ولينجز وعد نبيه‪ ،‬ومل تعد حمتملة‬
‫روح هذه املقاصد من العلم والعمل والتزكية والدعوة إىل‬
‫للصفاط وال للخباط وال للخلط ‪.‬‬
‫اهلل تعاىل قد يطلقون عليها مسميات كليىل ولبنى وسعاد وفيها‬
‫إن شاء اهلل يرتضينا اهلل وال يبعدنا وال يطردنا وال يستبدل بنا‬ ‫يقول اإلمام احلداد ‪:‬‬
‫غرينا يف كل خري ‪ ،‬يا اهلل‪..‬‬
‫‪33‬‬ ‫�سلم الوراثة بتح�صيل التحقق باملقا�صد الثالثة‬ ‫‪32‬‬

‫والفوز واخلرسان والسعادة والشقاوة (ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ‬ ‫(ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ‬


‫ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ) [حممد] هذا حل اللغز (ﰃ ﰄ‬ ‫ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ‬
‫[حممد]‬ ‫ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ)‬ ‫[حممد‪]38:‬‬ ‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ)‬

‫�أما يكفيك هذا ؟ إن ما أفادك فإذ ًا إيش يف الوجود يفيدك؟‬ ‫وهذا خامتة سورة حممد‪ ..‬ال إله إال اهلل وصىل اهلل عىل سيدنا‬
‫هذا أغىل من أغىل ما ينزل من السامء ‪ ،‬هذا من أعىل ما كشفت‬ ‫سمعت ربك كيف يفهمك وخياطبك ويتنزل معك من‬
‫َ‬ ‫حممد‪..‬‬
‫حرضة الربوبية من األرسار للربية ‪ ،‬محلته أطهر لسان ألشفق‬ ‫أجل يدخل النور وسط أفكارك ومشاعرك ؟ ويقول لك‪ :‬بسم‬
‫ٍ‬
‫صاف كأن سيد األكوان نفسه يلقيه‬ ‫لسان بأحسن بيان ‪ ،‬وجاءك‬ ‫اهلل الرمحن الرحيم (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬

‫عليك فإن ما نفع نحن هذا الكالم إيش هو ينفعنا يف الوجود ‪،‬‬ ‫سمعت ربك قوله احلق والفصل (ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫َ‬ ‫[حممد‪]1:‬‬ ‫ﭙ)‬

‫هذا كالم اهلل بلغه رسول اهلل تلقيناه من أصفياء اهلل وسبحان‬ ‫ﮎ) [الطارق] هو الصدق هذا ما يش غريه‪ ،‬ال صدق فيام خيالفه‬
‫ربك رب العزة عام يصفون وسالم عىل املرسلني واحلمد هلل رب‬ ‫سواء إن كان يف صحف أو تقريرات أو إذاعات أو برامج أو‬
‫كل ما خالف هذا كذب‬‫خمابرات أو دول أو شعوب أو أحزاب‪ُّ .‬‬
‫العاملني‪ ..‬اهلل خري‪ ..‬اهلل خري‪ ..‬اهلل خري‪..‬‬
‫‪ ،‬وهذا الصدق قول اهلل‪ :‬بسم اهلل الرمحن الرحيم اهلل (ﭑ ﭒ‬
‫هذه أنواع الرشك تطاردنا إىل بلداننا ‪ ،‬هذا الرشك اخلفي‪ ،‬ذا‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫وإن كان ما خيرج من امللة ولكنه قباحة وسفاهة‪( ،‬ﰌ ﰍ ﰎ‬
‫ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ‬
‫ﰏ)‪( ،‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) ‪ ..‬شف الرشك اخلفي اآلن‬ ‫ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫أسمعت ‪-‬‬
‫َ‬ ‫رشك باملظاهر ‪ ،‬يرشكون بالزخارف‪ ..‬باألهواء ‪-‬‬ ‫[حممد]‬ ‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ)‬
‫بشهوات النفوس ‪ ،‬بالقوات املادية‪ ،‬مهيمنة عىل كثري ‪ ،‬إرشاكات‬
‫إىل أن قال يف خضم ما أبدى من حقائق يالطفنا بتفهيمها‬
‫وسط القلوب منها‪ ..‬هذه إرشاكات خفية (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫وإدخال أنوارها إىل بواطننا ‪ ،‬ثم حل الرمز يف النجاح والفشل‬
‫ﭸﭹﭺﭻ)[النمل‪ ]59:‬مل يعودوا خيافون غريه وال يلتفتون‬
‫‪35‬‬ ‫�سلم الوراثة بتح�صيل التحقق باملقا�صد الثالثة‬ ‫‪34‬‬

‫هذه األبواب وأعطانا املنح كلها بامذا ؟ بإيش ؟ بسوء أدبنا‬ ‫إىل هذه املظاهر ُ‬
‫اهلل خري ‪( .‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ)‬
‫؟ يقبح معاملتنا معه‪ ..‬بمخالفتنا ألوامره ! بإيش ؟ هذا فضله‬
‫هؤالء الذين اصطفاهم هم خري إذن ! نعم‪ ..‬اهلل يصطفينا‬
‫علينا عسى يتمه إن شاء اهلل ‪ ،‬إن كان يزيد إنعام فال تزيد أنت‬
‫وإياكم ‪ ،‬ويصفينا من هذا الرشك اخلبيث الدفني اخلفي الذي‬
‫(ﮆ ﮇ‬ ‫[الزمر‪]7:‬‬ ‫كفران‪ ..‬بعد ذلك (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ)‬
‫انترش يف قلوب األمة يف الرشق والغرب ‪.‬‬
‫[الزمر‪]7:‬‬ ‫ﮈ ﮉ ﮊ)‬
‫يقول لك ‪ :‬مسلم مؤمن ومصيل ومزكي وغري ذلك ‪.‬‬
‫(ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ‬ ‫عمرك كم ؟‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬
‫قال ‪ :‬يف عرشين ‪ ،‬وهذا يف الثالثني وهذا يف األربعني ‪.‬‬
‫ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ‬
‫ﰅﰆﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ‬ ‫هل هناك ساعة صفاء مع اهلل مرت معك ؟‬
‫[هود]‬ ‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ)‬ ‫وال واحدة ؟ إيش هذا ؟‬
‫سمعت هذا يف صدر سورة هود ‪ . .‬التي قال عنها سيد الوجود‪:‬‬
‫َ‬
‫أهذا هو مبدأ ؟ أهذا هو دين ؟ أهذا هو إيامن ؟ إيش هو هذا‬
‫(( َ�ش َّي َبتْني ُه ٌ‬
‫ود و�أخواتها )) ‪..‬‬
‫[احلجر]‬ ‫؟ ليس شاعر بنفسه‪( ..‬ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ)‬
‫حبيب الرمحن‬
‫ُ‬ ‫وأنت ماذا فعلت فيك هود ؟ تركتَها َت ِشيب ؟‬
‫اهلل يبرصنا وإياكم بعيوب أنفسنا إن شاء اهلل ويرزقنا االستعداد‬
‫عملت‬
‫ْ‬ ‫إمامك وهاديك فقط ؟ وأنت ليس لك دخل ! وأنت ما‬
‫ُ‬ ‫يا كريم ‪.‬‬
‫عملت فيك ؟ (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬ ‫ْ‬ ‫هود ؟ ما‬
‫فيك ٌ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ)‬ ‫ومع ربكم عطايا كبرية هيبها للصادقني وللمتوجهني إليه ‪ ،‬وقد‬
‫(ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬ ‫[هود]من هو ؟‬ ‫رأينا من كرم احلبيب علينا وعليكم باإليامن واإلسالم وفتح لنا‬
‫‪37‬‬ ‫�سلم الوراثة بتح�صيل التحقق باملقا�صد الثالثة‬ ‫‪36‬‬

‫ول��ك البقا ول��ن��ا الفنا‬ ‫فلك ِ‬


‫القدَ ْم ولنا احلدوث‬ ‫ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ‬
‫ح���اش���اك أن خت � ِّل��ن��ا‬ ‫ح���اش���اك أن هتملنا‬ ‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫وك������ل ن���ع���م���ة ب��ن��ا‬ ‫ف���م���ن���ك ك�����ل م��ن��ة‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫فإن ّ‬
‫وكلتنا فمن لنا ؟ فإن وكلتنا فمن لنا ؟ فإن وكلتنا فمن لنا؟‬
‫ﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ‬
‫فمن لنا ؟ فمن لنا ؟‬ ‫[هود]‬ ‫ﭢ ﭣ)‬
‫امل����ق��ص�ر ب��ال��ف��ن��ا‬ ‫ها أن��ا ذا عبيدك اجلاين‬ ‫صدق ريب صدق ‪ ،‬صدق ريب صدق ‪ ،‬صدق ريب صدق ‪،‬‬
‫م��س��ت��غ��ف��ر ًا مم���ا جنى‬ ‫أت���اك ه��ارب�� ًا م��ن ذنبه‬ ‫وصدق رسوله املصدق ‪ ،‬وفاز من حتقق ‪ ،‬وشقي من نافق ‪،‬‬
‫ـك عىل الدوام هو الغنى‬ ‫ي����رى اف���ت���ق���اره إل��ي��ـ‬ ‫وتثبط املتشككون فكأهنم ليسوا هنا ‪.‬‬

‫وت���وف���ه ب���ك م��ؤم��ن��ا‬ ‫ف��أح��ي��ه ل���ك م��س��ل� ً‬


‫ما‬ ‫ب���األح���دي���ة م��ع��ل��ن��ا‬ ‫إن ال���وج���ود ب���أرسه‬
‫م���ن ك���ل خ���وف آم��ن��ا‬ ‫واج��ع��ل��ه ي���وم ن��ش��وره‬ ‫وي���ا م��ل��اذ ًا ك���ن لنا‬ ‫ي����ا أم�����ل امل��ؤم��ل�ين‬
‫ماذا يقول ربكم ؟ ولكنا قد سمعنا عىل لسان نبيه يقول‪�(( :‬أنا‬ ‫ـ��ج��اين امل��ق�صر بالفنا‬ ‫ه��ا أن����ذا ع��ب��ي��دك ال��ـ‬
‫عند ظن عبدي بي ‪ ،‬و�أنا معه حني يذكرين ‪ ،‬و�أنا معه ما‬
‫ف��أن��ل��ه غ��اي��ات املنى‬ ‫ص��ف��ر ال��ي��دي��ن يمدها‬
‫ذكرين وحتركت بي �شفتاه ‪ ،‬فليظن بي ما �شاء))‪.‬‬
‫وت���وف���ه ب���ك م��ؤم��ن��ا‬ ‫ف��أح��ي��ه ل���ك مسلام‬
‫وأنت قد قلت هكذا ‪ ،‬وأنت احلق وقولك احلق ‪ ،‬وحممد حق‬
‫ي���ا ظ���اه���را ي���ا باطنا‬ ‫ي����ا أوال ي����ا آخ����را‬
‫‪ ،‬وبالغه حق ‪ ،‬وكالمه حق ‪ ،‬وداللته حق ‪ ،‬وإرشاده حق ‪،‬‬
‫ونبؤه حق ‪ ،‬وخربه حق ‪ ،‬وهو حق ‪ ،‬وحممد صىل اهلل عليه وآله‬ ‫م���ن ك���ل خ���وف آم��ن��ا‬ ‫واج��ع��ل��ه ي���وم ن��ش��وره‬
‫‪39‬‬ ‫�سلم الوراثة بتح�صيل التحقق باملقا�صد الثالثة‬ ‫‪38‬‬

‫ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫[الزمر]‬ ‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ)‬ ‫‪ -‬أي حممد ‪ -‬حممد حق ‪ ،‬قوله حق ‪ ،‬وفعله‬ ‫وسلم حق ‪،‬‬
‫حق ‪ ،‬وهديه حق ‪ ،‬ومنهجه حق ‪ ،‬وخالفته حق ‪ ،‬وهو حبيب‬
‫وسمعناه يقول‪ (( :‬يا عبادي إنكم ختطؤون بالليل والنهار‬
‫احلق ‪ ،‬قد بلغكم ‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫صل عليه وعىل آله ‪ .‬فسمعنا ربنا عىل‬
‫وأنا أغفر الذنوب مجيع ًا فاستغفروين أغفر لكم ‪ ،‬يا عبادي‬
‫لسانه يقول لنا هكذا ‪ ،‬ثم كان لنا من حرضة الربوبية خطاب‬
‫إنكم لن تبلغوا رضي فترضوين ولن تبلغوا نفعي فتنفعوين ‪،‬‬
‫خاص وإن شمل العباد ‪ ،‬فإن لنا فيه خصوصية معرش املرسفني‬
‫يا عبادي كلكم جائع إال من أطعمته فاستطعموين أطعمكم‬
‫ألست‬
‫ُ‬ ‫سمعناه يقول ‪( :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ )‬
‫‪ ،‬يا عبادي كلكم عار إال من كسوته فاستكسوين أكسكم ‪،‬‬
‫أنا وأنت منهم ؟ فلك خصوصية يف هذا اخلطاب إذ ًا ‪ ،‬واخلطاب‬
‫يا عبادي كلكم ضال إال من هديته فاستهدوين أهدكم ‪ ،‬يا‬
‫من حرضة ربك ‪:‬‬
‫عبادي لو أن أو لكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا عىل‬
‫أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك من ملكي شيئ ًا ‪،‬‬ ‫(ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ‬
‫يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا عىل‬
‫ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ‬
‫أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئ ًا‪،‬‬
‫ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ‬
‫يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا يف‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫صعيد واحد فسألوين فأعطيت كل واحد منكم مسألته ما‬
‫ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫نقص ذلك مما عندي إال كام ينقص املخيط إذا أدخل البحر ‪،‬‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫يا عبادي إنام هي أعاملكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫وجد خري ًا فليحمد اهلل ‪ ،‬ومن وجد غري ذلك فال يلومن إال‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ‬
‫نفسه )) ‪ ،‬فمن وجد خري ًا فليحمد اهلل ‪ ،‬ومن وجد غري ذلك‬
‫ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ‬
‫‪41‬‬ ‫�سلم الوراثة بتح�صيل التحقق باملقا�صد الثالثة‬ ‫‪40‬‬

‫ويحَ ُ ُّلون يف دائرته‪ ..‬ويسعدون بمرافقته‪ ..‬فإن ختلف متخلف‬ ‫فال يلومن إال نفسه ‪ ،‬صدق ريب‪ ..‬ويوم لقائه يفوز املصدق‬
‫عن ذلك فال نملك إال اإلحلاح عىل اهلل أن ال خيلفنا وال‬ ‫الصادق منكم فصدقوه بكل هذا الوحي ثم اصدقوا يف‬
‫خيلف منا أحد ‪.‬‬ ‫اتباعه والعمل به ‪.‬‬

‫���ل اهللُ خال ُقنا‬‫واألم�����ر هللِ َج� َّ‬


‫ُ‬ ‫أي يشء عند أهل الرشق والغرب أهم من املقاصد الثالثة‬
‫ِ‬ ‫ِش�يِ‬
‫ُم�نْ� ال�براي��ا ومحُ ْ� ِ�ي��ي ا َمل � ِّي��ت الفاين‬ ‫التي ذكرناها لكم ؟ مما يريدون أن يشغلوكم به ‪ ،‬إىل أين‬
‫العظيمة نفعنا اهلل هبا آمني ‪ ،‬وأكرمنا بحسن‬ ‫ُ‬ ‫النصائح‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫متت‬ ‫يريدون أن يسيرّ وكم ؟(ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫النظر يف حتقيق هذه املقاصد الثالثة يف عافية ظاهرة وخافية ‪.‬‬ ‫ﭼ ﭽ) [فاطر]‪.‬‬
‫بات نعمتِك ‪ . .‬فال جتعلنا َحصا َد نِ ْق َمتِك ‪ . .‬واقبلنا‬
‫اللهم إنا َن ُ‬ ‫(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫عىل ما فينا يا رب العاملني ‪.‬‬ ‫[البقرة‪]257:‬‬ ‫ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ )‬
‫(ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ)‬
‫* * *‬ ‫[الزخرف]‬

‫(ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ)‬
‫[الزخرف]‬

‫ُي ُ‬
‫غبط منكم من ُي َصدِّ ق‪ ..‬يلتقون يف زمرته‪ ..‬ينظرون إىل‬
‫غرته‪ ..‬ويتنعمون بمخاطبته‪ ..‬ويرشبون من حوضه‪..‬‬
‫جل�سة توجيهية مع‬
‫طالب دار الم�صطفى‬
‫‪45‬‬

‫من أنتم ؟ من أنتم ؟‬


‫حتى نخاطبكم بام يتناسب ‪ ،‬نوجه اخلطاب إليكم عىل أساس‬
‫من أنتم ؟‬

‫طالب بدار املصطفى ! هذه الكلمة حتمل معاين كبرية ‪ ،‬باعتبار‬


‫أين ُأحب الترشف باخلدمة يف دار املصطفى ‪ ،‬ويل رجاء يف موالي‬
‫وخالقي جل جال ُله أن يقبلني يف هذه اخلدمة ‪ ،‬وجيعلني يف خدام‬
‫مصطفاه مقبوال لعموم اخلدمة وخلصوصيتها يف داره بمعناه‬
‫أن أكثر أهل القلوب والنباهة من صلحاء األرض‬‫الذي ربام َّ‬
‫تصوروا منه من ذلك املعنى مبادئه ‪ .‬إن كان األمر كذلك أردنا‬
‫اجتامعكم هذه الليلة ولقاءنا وإياكم عىل وجه اخلصوص‬
‫ونحن يف استقبال الشهر الكريم لكبري املسؤولية بمعنى الصلة‬
‫التي بيننا وبينكم ‪ ،‬يف الوقت احلرج الشديد احلاجة الكثري‬
‫اخلطر جيتمع عدد من أتباع صاحب الرسالة يف دار إليه منسوبة‬
‫وبحبله معصوبة ‪ ،‬يقولون نحن أهل املقاصد الثالثة ( إحياء‬
‫‪47‬‬ ‫جل�سة توجيهية مع طالب دار امل�صطفى‬ ‫‪46‬‬

‫ذلك ؟ َأش ِهدَ بذلك منهجنا‪ ..‬حركاتنا‪ ..‬تعامالتنا‪ ..‬نظراتنا‪..‬‬ ‫علم الرشيعة ‪ ،‬وتزكية النفوس عىل ضوئه‪ ،‬والوفاء بعهد اهلل يف‬
‫كلامتنا‪ ..‬خطوات أقدامنا‪ ..‬نظرات أعيننا‪ ..‬أسامع آذاننا‪..‬‬ ‫نرصته ونرصة رسوله ) إن كان األمر كذلكم فنقول بام توجه‬
‫حقيقة مزاوالتنا ألعاملنا ؟ َأ َفترَ ون إن لقي أحدٌ منا ر َب َه يقول‬ ‫وتوجب علينا يف شأن هذه الصلة بيننا وبينكم التي احسب َّ‬
‫أن‬
‫اجتمعت يف مكان أن َْت ُتقصد فيه ‪ ،‬و ُيت ُ‬
‫َعامل معك‬ ‫ُ‬ ‫َله ‪ُ :‬ك ُ‬
‫نت‬ ‫أكثركم ال يدرك من معناها إال بعض ظلها ‪ ،‬اكرر لكم قول‬
‫عيت أين َتعاملت معك وقصدت وجهك‪،‬‬ ‫فيه ومن أجلك ‪ .‬فأ ّد ُ‬ ‫صاحب الرسالة صاحب هذه الدار املنسوبة إليه املحسوبة عليه‬
‫ومجيع حاله يشهد أنه يكذب يف ذلك ‪ .‬أترون تجُ زيء الدعوى‬ ‫حينام أراد أن يبلغ مجاعته و أصحابه الذين ضمته صلة هبم من‬
‫عند لقاء احلق ؟ أترون يكفي أننا َت ّ‬
‫قولنا فخادعنا أنفسنا عند‬ ‫عشريته يف مكة املكرمة قال هلم ‪(( :‬إن الرائد ال يكذب أهله ‪،‬‬
‫الذي ُيربز ما يف الصدور ‪ ،‬وهو عليم بذات الصدور ؟‬ ‫واهلل لو َكذ ْب ُت الناس مجيع ًا ما َكذ ْب ُتكم ‪ ،‬ولو َغششْ ُت الناس‬
‫مجيع ًا ما َغششْ ُتكم)) كذلك نقول لكم أنتم بانتامئكم وانتسابكم‬
‫عىل اختالف منازلكم ومراتبكم ودرجاتكم وفيكم أهل نور‬
‫هلذه الدار‪ ،‬وقيام هذه الصلة بيننا وبينكم وجب علينا أن نوجه‬
‫ووصلة وصدق ‪ ،‬وفيكم أهل ختبط وتساقط وتثبط ‪ ،‬فيكم من‬
‫إليكم خالص ًا من النصيحة ‪ ،‬وواجب ًا يف أداء األمانة‪ ..‬لو َك ْذ ْبنَا‬
‫ال يعرف معنى وصوله إىل هنا وال معنى كونه يف هذا املكان ‪،‬‬
‫عىل غريكم ما يمكن نكذب عليكم ‪ ،‬ولو َغششْ نا غريكم ما‬
‫وفيكم من لوال عناية اهلل لرمي به يف مكان بعيد‪ .‬عىل خمتلف‬
‫أمكننا أن نغشكم ‪ ،‬كيف و أمر الرسالة من أوله إىل منتهاه‬
‫تلك األصناف كلها وإليها نوجه اخلطاب ‪ :‬لن متر الليلة هذه من‬
‫منزوع عنه الغش والكذب أصال ‪.‬‬
‫دون خرب هلذا املجمع يف السامء ‪ ،‬لن يطلع فجر َغ ٍد يوم اخلميس‬
‫إال وقد طلع فجر قضاء يقضيه اهلل فينا وفيكم أليس اهلل بأحكم‬ ‫�أيها الطالب‪� ..‬أيها الإخوان‪ ..‬أهيا املجتمعون يف هذا املكان‪،‬‬
‫احلاكمني ‪ ،‬بىل ونحن عىل ذلك من الشاهدين ‪ ،‬أقىض القضاة‬ ‫مع من تتعاملون ؟ ووجه من تقصدون ؟ فإن نازلكم جواب‪:‬‬
‫يقيض نتائج ما نجتمع عليه ونتذاكر فيه ‪ ،‬ويدور بيننا إمهاالت‬ ‫مع اهلل عالم الغيوب نتعامل ‪ ،‬ووجهه الكريم نقصد ‪ ،‬فأقول‬
‫وإغفاالت ملا جيري يف الصدور ‪ ،‬وما تنطلق فيه اجلوارح ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫العالمة عىل صدقنا يف‬ ‫هذا الذي مجعناكم من أجله ‪َ .‬أ َق ْ‬
‫امت‬
‫‪49‬‬ ‫جل�سة توجيهية مع طالب دار امل�صطفى‬ ‫‪48‬‬

‫اإلنسان وهو يف صالته ويف صيامه أيضا وهو يقرأ القرآن ‪ ،‬فهو‬ ‫حاصل فينا ُب ُ‬
‫خل ‪ ،‬قادرين عىل نفع يف اآلخرين ببذل جهد‪..‬‬
‫يف مظاهر عبادة وهو يف نفس الوقت ٍ‬
‫عاص يف معصية هلل ‪ ،‬فمن‬ ‫وإعطاء نصح‪ ..‬والعمل بأسلوب يوصل خلدمة اآلخر ونفعه‬
‫الواجب العظيم تربئنا من هذه املعصية ختلصنا إقالعنا عنها‪..‬‬ ‫َدرع‬
‫وحتصيل املقصود فيه ‪ ،‬حاصل أيضا بيننا ‪ ،‬أن ما جيب أن َيت َ‬
‫معصية احلسد‪ ..‬معصية الشحناء‪ ..‬معصية البغضاء ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫والصادق منا من سعة املشهد ‪ ،‬وقوة اهلمة‬ ‫املشمر واملجتهدُ‬
‫ُ‬ ‫به‬
‫‪ ،‬ومتام االرتباط واالنطواء أيضا فيه نقص ‪ .‬إذن فمن أولنا إىل‬
‫وبهذا ال�صدد نحب �أن ننبهكم �إلى �أمور ‪:‬‬
‫آخرنا نحتاج إىل إصالحات ‪ .‬وإن كانت إصالحات أرباب‬
‫منها ما جيب أن تعلموا أن من مقاصد العمل يف هذا الدار‬ ‫االجتهادات والصدق فيكم ‪ ،‬والدرجات الرفيعة من بينكم‪،‬‬
‫ٍ‬
‫كلمة‬ ‫إحياء وحدة املسلمني واالخوة بينهم ‪ ،‬واجتامعهم عىل‬ ‫إصالحات مضاعفة عطاء وإمتام نِ ْعم ‪ ،‬فإن إصالحات أهل‬
‫منتم‬
‫سواء ‪ ،‬وتواددهم يف اهلل تبارك وتعاىل ‪ ،‬فيجب عىل كل ٍ‬ ‫التكاسالت و التخاذالت والغفالت إصالحات حتذير وإنذار‬
‫هلذا الدار أن يعرف دوره يف هذا املضامر ‪ ،‬وهذا بعيد جدا ممن‬ ‫وإقامة ُحجة ‪ ،‬وهي ملن كان ال يستشعر معنى الصلة بالعهد‬
‫ٍ‬
‫ألحد وسط الدار ‪ ،‬بعيد عن‬ ‫جيد يف نفسه استثقاال أو شحناء‬ ‫الذي بني اخللق ورهبم يف بناء هذا املكان ويف احلضور فيه أشد‬
‫هذه املهمة وعن القيام هبا وعن املشاركة فيها ‪ ،‬وهي أصل من‬ ‫وأقوى ‪ ،‬فهي متوجهة إليه بتلك الصورة القوية التي ما بعدها‬
‫أصول مهام هذا الدار ‪ ،‬فام أبعده عن الدار وجسده فيه ببعده‬ ‫إال خوف الطرد والعياذ باهلل تبارك وتعاىل ‪ .‬ال جمال ملعايص اهلل‬
‫عن مقصد الدار ومهمة الدار ‪ ،‬فليس الدار بمبنى من أسمنت‬ ‫يف هذه املواطن ‪ ،‬ال جمال خليانة أمانة اهلل يف هذه املواقع ‪ ،‬ال معنى‬
‫وال حديد وال أخشاب وال رسج وال هذه املفارش املعنى‬ ‫للتخاذالت وال للتأخرات وال للتكاسالت يف هذه املباين ‪ ،‬ومما‬
‫هلذا املبنى ٍ‬
‫عال وأسنى ‪ ،‬املعنى هلذا املبنى فتح أبواب احلسنى‬ ‫ينبغي أن نذكره يف جانب املعايص التي تتناىف مع املوطن معايص‬
‫ٍ‬
‫وعباد‬ ‫خلق وخالق‬‫‪ ،‬املعنى هلذا املبنى معاهدات اتفاقيات بني ٍ‬
‫القلوب بأمور كثرية‪ ..‬ومن أهم ما نرصح به التحاسد واستثقال‬
‫ٍ‬
‫رسالة شملت العاملني ختم اهلل‬ ‫ورب ‪ ،‬املعنى هلذا املبنى خدمة‬ ‫النعم وعدم الفرح بالتقدم لآلخرين‪ ..‬وهي ذنوب تصاحب‬
‫هبا الرساالت ملحمد املصطفى صىل اهلل عليه وعىل آله وصحبه‬
‫‪51‬‬ ‫جل�سة توجيهية مع طالب دار امل�صطفى‬ ‫‪50‬‬

‫بني اتباع ٍ‬
‫راية واحدة وإمام واحد ‪ .‬ومن هنا محلت قلوبنا إكبار‬ ‫وسلم ‪ ،‬إذن فال بد من معرفة وإدراك هذا األمر ‪ .‬ونحن بصدد‬
‫وإجالل أهل طرق التصوف ومذاهب أهل السنة وأهل اهلدى‬ ‫هذا حمتاجون إىل قاعدته األوىل من صفاء هذا الفؤاد ‪ ،‬وقوة‬
‫وسري املؤمنني ‪ ،‬ومن هنا َّنزهنا ِّ‬
‫بواطنا عن إضامر سوء الظن ‪،‬‬ ‫املحبة والرتابط والتآخي بينكم ‪ ،‬والتآلف يف اهلل تبارك وتعاىل‬
‫ونزهنا ألسنتنا عن إظهار سوء القول عن أحد ولو رأينا من‬ ‫‪ ،‬حيث تذاب مجيع الفوارق واحلواجز واملبعدات وتنزع وتقلع‬
‫ذلك اإلنسان اسواء كثرية ‪ ،‬فقد َع ِلمنا الرب يتعبدنا بكتم هذه‬ ‫من جذورها ‪ ،‬ال نفسيات تفرق بيننا ‪ ،‬ال جنسيات تفرق بيننا ‪،‬‬
‫املعايب وإظهار ما نعرف من املناقب والصفات الطيبة ‪ ،‬إذن‬ ‫ال ألوان تفرق بيننا ‪ ،‬ال مظاهر تفرق بيننا ‪ ،‬ال مصالح تفرق بيننا‬
‫فوجود ذكر املعايب ألي أحد كان من املسلمني ‪ ،‬وظهور أي‬ ‫‪ ،‬ال أسباب تفرق بيننا ‪ ،‬الآراء تفرق بيننا ‪ ،‬كل ذلك مرفوض‬
‫معنى الحتقار أي أحد يكون من كان يف هذا الدار خيانة يف‬ ‫أص عىل محله قل َله ابرش‬
‫ومردود القبول َله يف هذا امليدان ‪َ ،‬م ْن رَ َّ‬
‫مقصد الدار ‪ ،‬وخمالفة لذلك املقصد ‪ ،‬وخروج بالروح واملعنى‬ ‫إن مل ترسع إليك إغاثة إهلية باخلروج عن امليدان من أصله ‪،‬‬
‫عن الدار مع حضور اجلسد ‪ ،‬وما ينفع حضور اجلسد إن كانت‬ ‫واخلروج عن امليدان سوء خامتة عند املوت ‪.‬‬
‫روحك خارجة من الدار مرمية من الدار وباطنك خارج عن‬
‫افقهوا املقا�صد‪ ..‬نحن هبذا الصدد عند إقامة هذه القاعدة‬
‫ٍ‬
‫ألحد من املسلمني أن حيتقر منهم أحدا ‪ ،‬ال ُنجيز‬ ‫الدار ‪ ،‬ال ُنجيز‬ ‫من هذه املودة والتصفية للقلب ‪ ،‬نقيم قاعدة ُ‬
‫اخللق الكريم‬
‫ألحد أن ينقص مقدار أحد وال أن خيفف من مكانته ‪ ،‬ونقول‬ ‫ٍ‬
‫اجلميل مع الصغري والكبري ‪ ،‬مع من عرفنا ومن مل نعرف ‪ ،‬نحن‬
‫لعل الذي ظننته ناقص ًا هو سبب نجاتك يف القيامة وشفيعك‬ ‫ٍ‬
‫رسالة كان صاحبها يبدأ من لقيه بالسالم ‪ ،‬ثم إننا ندين اهلل‬ ‫اتباع‬
‫عند اهلل يوم اللقاء ‪ ،‬فتأدب مع ربك ‪ .‬ونقول َله لو كنت من‬
‫بمحبة أهل اإليامن به وبرسله من األمم كلها ‪ ،‬ومن هذه األمة‬
‫أهل الفتح األكرب ‪ ،‬وجعل اهلل تعاىل شيخك املبارش لك ومربيك‬
‫خاصة ‪ ،‬يف األعرص والقرون كلها ‪ ،‬ويف األقطار واجلهات كلها‬
‫مسلم يف الرشق أو الغرب‬
‫ٍ‬ ‫قطب الزمن كله ثم احتقرت أدنى‬ ‫ٍ‬
‫بوالية أو‬ ‫‪ ،‬ندين اهلل بمحبة أهل اإلسالم عامة ‪ ،‬ومن أظهره اهلل‬
‫فنحن قاطعون أن معك من الرش ما يكفيك ‪ .‬بشاهد قول سيد‬ ‫ٍ‬
‫وصالح خاصة ‪ ،‬ال نعرف تفريق ًا‬
‫ٍ‬ ‫رشد‬ ‫علم نافع أو‬
‫هدى أو ٍ‬
‫‪53‬‬ ‫جل�سة توجيهية مع طالب دار امل�صطفى‬ ‫‪52‬‬

‫يشء ‪ ،‬رسميات شكليات تقدمات اعتبارات آدمية برشية أرضية‬ ‫ٍ‬


‫امرئ من الرش‬ ‫الكل وإمامهم وصاحب رسالتهم ‪(( :‬بحسب‬
‫ليست الشان وال حمل نظر الرمحن ‪ ،‬إذا أحسوا فيها بالطلب هلا‬ ‫أن حيقر أخاه املسلم)) وال نعرف طريق ًة وال قطب ًا وال صالح ًا و‬
‫حتركت بواعث احلسد واحلقد والتباعد والتحامل عىل بعضهم‬ ‫فموضوع‬
‫ٌ‬ ‫ال والي ًة ختالف منهج حممد قط ‪ُ ،‬ك ُّل ما خالف منهجه‬
‫البعض ‪ ،‬وتعلمون أن من مهمتنا يف أداء حق التعليم والدعوة‬ ‫حتت أقدامنا ال مكانة َله عندنا ‪ ،‬ال نعرف والي ًة إال من طريق‬
‫إىل اهلل ونرش اخلري يف األمة أننا يف القيام هبذا ال نحتفل بيشء من‬ ‫حممد ‪ ،‬وال ِقطباني ًة إال من تبعية سيدنا حممد ‪ ،‬وال خري ًا وال‬
‫تلك املظاهر راجع إلينا قط ‪ ،‬بل نحب إعطاءها لغرينا وتسليمها‬ ‫األقطاب‬
‫ُ‬ ‫صالح ًا إال يف هدي سيدنا حممد ‪ ،‬وإنام تَشرَ َّف‬
‫ٍ‬
‫بدعوة لننازع أحد ًا عىل شكل وال عىل مظهر وال‬ ‫هلم ‪ ،‬فام قمنا‬ ‫والعلامء واملجاهدون بمحبته‬
‫ُ‬ ‫والنجباء‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واألبدال‬ ‫ُ‬
‫واألغواث‬
‫عىل صورة وال عىل كريس وال عىل مكان وال عىل تقدم‪ ..‬إنام‬ ‫وخدمته ومتابعته واالنطواء يف دائرته ‪ ،‬وذلك غاية رشفهم ‪،‬‬
‫قمنا لنخدم الكل ابتغاء مرضاة ربنا ‪ ،‬لنحوز رضاه بطهارة‬ ‫فإن الذي خلقه وخلقهم جعله موطن حمبته ومنه تتفرع املحبة‪،‬‬
‫قلوبنا وتنقية رسائرنا عن كل ما سواه ‪ ،‬وألجل هذا ال التفات‬ ‫ومنه متيش املنة ‪ ،‬مل حيب أحد ًا كام احبه ومل يفضل‬ ‫َ‬
‫وأصل منته ُ‬
‫لنا أص ً‬
‫ال يف قيامنا بأمر الدعوة إلن يقدِّ منا أحد أو يصدَّ رنا أحد‪،‬‬ ‫أحد ًا عليه ‪ ،‬ومل جيعل يف كائناته كلها مساوي ًا َله ‪.‬‬
‫أو نجلس يف أول املجلس أو وسطه أو آخره ‪ ،‬أو أن يقولوا‬ ‫���ب ال���ك� ِ‬
‫ٌ‬
‫رشي��ك‬ ‫م�ال ف�لا‬ ‫ح���وى رت� َ‬
‫ال وسه ً‬
‫ال ومرحب ًا ‪ ،‬أو أن يردوا علينا ويقول ابعدوا من‬ ‫لنا أه ً‬
‫ِ‬
‫امل��ث��ي��ل‬ ‫ل����ه ف��ي��ه��ا وج� َّ‬
‫�����ل ع����ن‬
‫عندنا ‪ ،‬كل ذلك ال يؤثر علينا ‪ ،‬ال ننتيش بإقباالت الناس وال‬
‫أن من دسائس إبليس عىل الناس – نذكر‬ ‫من هنا عرفنا أيض ًا َّ‬
‫بتعظيمهم وال بثنائهم ‪ ،‬فنحن َع ِلمنا أهنم البرش الذين ال ينجونا‬
‫هذا كام تسمعون يف دروسنا دائ ًام لنتنبه يف أنفسنا ال لنبيح إساءة‬
‫من عذاب اهلل ‪ ،‬وال ينفعونا إن سخط اهلل ‪ ،‬وال نكسل ونسأم‬
‫الظن بغرينا ‪ -‬من دسائس إبليس بني الناس أن حيرك فيهم‬
‫من أذاهم وكالمهم علينا وردهم إيانا ‪ ،‬بل نجتهد أن نكون‬
‫دواعي التخالف ودواعي التخاذل ودواعي التحامل بمظاهر‬
‫ٍ‬
‫صدق مع اهلل نستوي فيه يف اخلدمة ملن يثني علينا‬ ‫عىل وصف‬
‫يف جمتمعات الناس تأخذ عقوهلم وقلوهبم‪ ..‬مظاهر ليس حتتها‬
‫‪55‬‬ ‫جل�سة توجيهية مع طالب دار امل�صطفى‬ ‫‪54‬‬

‫فهل جتون أنتم تثريوهنا يف الناس ال واهلل ‪ ،‬ما مهمتكم إال إحثاء‬ ‫وملن يسبنا ويذمنا ‪ ،‬تستوي خدمتهم عندنا‪ ..‬وتكون لنا مطامح‬
‫الرتاب عليها وتكميل دفنها ‪ ،‬ال حتول بيننا أقاليم ‪ ،‬وال تقوم بيننا‬ ‫الرتقاء هذا املقام واعتالء هذا املكان ‪.‬‬
‫عصبيات ‪ ،‬قال أنا من بالد كذا‪ ..‬قال أنا من حمل كذا‪ ..‬قال أنا‬
‫إذن فأنتم تعلمون أنكم ما قمتم لتنازعوا أحد ًا يف هذه الشؤون‬
‫من طريقة كذا‪ ..‬قال أنا من مذهب كذا‪ ..‬أما تستحي من ربك‬
‫كلها ‪ ،‬ولكن لتبذلوها للناس وتزهدوا فيها وترتكوها‪ ،‬وتعلمون‬
‫ورسوله ‪ ،‬إن كنت تعتقد أن غري أهل طريقتك ‪ ،‬أو غري أهل‬ ‫فمحض ٍ‬
‫منة لستم هلا بأهل‪ ،‬ختشون‬ ‫ُ‬ ‫أنكم إن ُقبلتم عند ربكم‬
‫مذهبك عىل غري منهج اهلل ورسوله ‪ ،‬فأنت من أكرب املبتدعني‬
‫رده وحاشاه أن ِّخييب رجاء املتوجه منكم ‪.‬‬
‫يف األرض املتعرضني للعنة ربك سبحانه وتعاىل ‪ ،‬اخلائبني يف‬
‫أن هذه مذاهب أهل اهلدى‬ ‫الدنيا واآلخرة ‪ ،‬وإن كنت تعلم َّ‬ ‫هذا بع�ض الكالم فيما يتعلق مبق�صد الدار يف شأن نرش‬

‫واحلق وهؤالء أولياء اهلل املنترشين يف األرض أهل اخلري والنور‬ ‫االخوة واأللفة بني الناس واملحبة هلم ‪ ،‬البد أن يبدأ من‬
‫عندكم ‪ ،‬يا من جيد يف قلبه استثقا ً‬
‫ال أو شحناء ألحد من أهل‬
‫أتباع حممد فأستحي عىل نفسك‪ ،‬استحي من ربك استحي من‬
‫رسوله ‪َ ،‬من الذي حرص خري اهلل ‪َ ،‬من الذي حرص فضل اهلل‬ ‫الدار خصوص ًا ثم املسلمني عموم ًا‪ ..‬إن َّ‬
‫مرت ليلتك كلها ما‬

‫تعاىل ‪ ،‬إذن فيجب أن نقيم هذا األساس بيننا ونبدأ اآلن يف‬ ‫ثم بت آمنا‪ ..‬فإين أخشى أال‬
‫حرك الكالم هذا يف قلبك ساكنا َّ‬
‫َّ‬
‫إن عدوكم ُيشكل عليه أن يقابلكم‬ ‫أنفسنا بإجياده يف واقعنا ‪َّ ،‬‬ ‫تكون يف القيامة آمنا ‪ ،‬أمامك الروع األكرب هناك ‪ ،‬إال أن ختف‬
‫بالدعوة إىل معايص ظاهرة لكن جيد منكم قبو ً‬
‫ال يف الدعوة إىل‬ ‫هنا‪ ..‬فهو خوف هنا وأمن هناك ‪ ،‬أو أمن هنا من عدوك وقاطع‬
‫ٌ‬
‫الخوف عليهم وال‬ ‫ٌ‬
‫وخوف هناك ‪ ،‬فاحلق بركب قو ٍم‬ ‫طريقك‪..‬‬
‫هذه املعايص الدفينة يف القلوب ‪ ،‬ليهدم ما تحُ ِّصلونه من اخليور‬
‫يف هذه املواطن حتى ال يثبت أحدكم يف ديوان أهل النرصة هلل‬ ‫طهر هذا القلب ‪.‬‬
‫طهر هذا الفؤاد ِّ‬
‫هم حيزنون ‪ِّ ،‬‬
‫ورسوله ‪ ،‬حتى ال يلحق أحدكم بركب أهل الوراثة للمصطفى‬ ‫هل جئتم لتحيوا نعرة أقاليم أو مناطق أو جنسيات أو ألوان‬
‫حممد صىل اهلل وسلم وبارك عليه وعىل آله وأصحابه ‪ .‬إذن فلكم‬ ‫وقد دفنها نبينا ‪ ،‬صاحب الدار قد دفنها بني األمة َّ‬
‫وحذر منها ‪،‬‬
‫‪57‬‬ ‫جل�سة توجيهية مع طالب دار امل�صطفى‬ ‫‪56‬‬

‫وألسنة ‪ ،‬يكفي كلمة واحدة كيف قد سمعها كذا كذا مرة ‪،‬‬ ‫مع الليلة شأن يف أنفسكم ماذا حيرك هذا املجلس وهذا الكالم‬
‫سواء علينا أوعظت أم مل تكن من الواعظني ‪ ،‬يكون هذا ممن‬
‫ٌ‬ ‫من لواعجكم وزواعجكم ومشاعر قلوبكم وأحاسيسكم البد‬
‫ُي ْعدون إلصالح األمة ‪ ،‬إلحياء السنن يف األمة سبحان اهلل‪ ..‬ما‬ ‫ٍ‬
‫مقابلة حسنة لشهر رمضان من هذا العام لننطلق من أساس‬ ‫من‬
‫يصلح هذا من املؤمن العادي بمقتىض إيامنه فكيف بالذي ُيعد‬ ‫صحيح يكون به رمضان هذا كام نطلب ربنا رمضان مفتاح باب‬
‫ليكون مصلح ًا يف األمة وداعي ًا وهادي ًا! خرج من قلبه شعور‬ ‫الفرج للمسلمني ‪ ،‬رمضان ظهور خ ٍ‬
‫ري يف األمة من سلطان إرادة‬
‫العظمة ألمر اهلل وألمر رسوله ‪ ،‬وتساهل حتى يسمع ( اهلل اكرب‬ ‫القهار ُيعز به أهل اإليامن و ُيذل به الكافرين ‪ ،‬ولكن ُدعاءنا‬
‫اهلل اكرب اهلل اكرب اهلل اكرب ) نداء عظيم‪ ..‬واليزال يف الغرفه‪..‬‬ ‫هذا إن قابل استقبا ً‬
‫ال منكم هلذا الداعي يف القيام هبذا التطهري‬
‫واليزال مضطجع ًا ما أدري هو ذا يف أي حمل يف أي بالد يف أي‬ ‫للضامئر ‪ ،‬والوجهة إىل العيل القادر ‪ ،‬كان اقرب إىل القبول‬
‫دار يف أي غرفة ؟! ثم يسمع ( اللهم يا عظيم السلطان يا قديم‬ ‫واإلجابة والتحقيق‪.‬‬
‫اإلحسان) وقد صىل الناس الراتبة‪ ..‬وقت ُتفتح فيه أبواب‬
‫�أيها الطالب �آداب امل�صطفى حممد هي التي جيب أن تقوم‬
‫السامء وهو اليزال بغى وضوء ايش اآلدمي ذا ‪ ،‬من اين هو ذا‬
‫فيام بينكم عىل أحسن وجوهها إن صحت نسبة الدار إليه فكانت‬
‫‪ ،‬اين تربى ‪ ،‬أصله يف أي مكان جالس ؟! (سبحان اهلل سبحان‬
‫داره ‪ ،‬فالغرف التي أنتم ساكنون فيها ُغ َرفه ‪ ،‬فإن كانت غرفته‪..‬‬
‫اهلل) الصالة تكاد تقام وهو يريد اخلالء‪ ..‬فام كفاه ذاك النداء وال‬
‫أيف غرفته ختالف سنته ‪ ،‬أم يف غرفته يضيع أدبه ‪ ،‬أم يف غرفته‬
‫ذاك الوقت كله ‪ ،‬هذا الذي سيهدي األمة ؟! وسيحيي السنن‬
‫ُيعمل بضد منهجه ال واهلل ال يصلح ذلك‪ ،‬ال يصلح ذلك قط ‪.‬‬
‫فيهم ؟! أهذا الذي ُيعد إلنقاذ البرش ؟! فنقول إذا رأيت الرجل‬
‫كم سمعتم يف جمالس كثرية من ٍ‬
‫حث عىل هذه اآلداب ثم نأيت‬
‫ال حيرص عىل التكبرية األوىل مع اإلمام فانفض يديك منه يعني‬
‫ماجيي منه خري‪ ،‬ألن تعظيم اهلل ورسوله ما هو يف قلبه ‪ ،‬وإال ملا‬ ‫إىل أيامنا األخرية يف أواخر شعبان واملرتاخون واملتأخرون عن‬

‫السنة ؟‬ ‫تكبرية اإلحرام ليسوا بقليل وهم آدميون ليسوا هبائم ! أهم‬
‫تساهل بتضييع هذه ُ‬
‫يسمعون أو ما يسمعون صم بكم عمي‪ ..‬أو يش عقول وأبصار‬
‫‪59‬‬ ‫جل�سة توجيهية مع طالب دار امل�صطفى‬ ‫‪58‬‬

‫منا مسؤول ‪ ،‬هذا الرتتيب من أجل مساعدة الكل عىل إقامة‬ ‫واآلن يأتيكم برنامج رمضان وال نحب مثل هذه الظاهرة‬
‫مسئوليته فقط ‪ ،‬مساعدة لكل فرد منا ليؤدي دوره ومسئوليته‬ ‫تكون أبد ًا ‪ ،‬أنتم أول الناس للصلوات ما يسبقكم أحد عىل‬
‫‪ ،‬ماهي خمصوصة املسؤولية بمراقب وال بمرشف وال بمدير‬ ‫الصف األول ‪ ،‬ما يسبقكم أحد عىل الصف األول والثاين َّ‬
‫إن‬
‫وال بمدرس ‪ ،‬أنا مسؤول وأنت مسؤول واملدرس مسؤول ‪،‬‬ ‫اهلل ومالئكته يصلون عىل أهل الصف األول والثاين أما من‬
‫والطالب مسؤول ‪ ،‬واملرشف مسؤول ‪ ،‬و الزاير للدار مسؤول‬ ‫يستوي عنده الصف األول والثاين والثالث والرابع فلينتبه‬
‫‪ ،‬الكل مسؤول هذه بضاعة النبي حممد ‪ ،‬وتركته صىل اهلل عليه‬ ‫لنفسه ‪ ,‬وليخف النفاق ‪ ،‬ألن هذا األمر عند اهلل ما استوى ‪،‬‬
‫وعىل آله وصحبه وسلم الكل مسؤول عنها ‪ ،‬هذه األشياء‬ ‫وعند رسوله ما استوى ‪ ،‬فكيف عنده استوى ؟ لو مايش نفاق‬
‫والرتاتيب تقام ملساعدتنا عىل أداء املسؤولية فقط ‪ ،‬ما هو ليكون‬ ‫ما يستوي ‪.‬‬
‫واحد ما هو مسؤول ‪.‬‬
‫البد من تعظيم هذا األمر ‪ ،‬البد من ترسيخ قاعدة العظمة هلل‬
‫املرأة راعية يف بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ‪ ،‬اخلادم را ٍع‬ ‫ولرسوله يف قلوبكم وصدوركم ‪ ،‬أريدكم تتهيأون لنظرة موالنا‬
‫يف مال سيده ومسؤول عن رعيته ‪ (( ،‬أال فكلكم را ٍع وكلكم‬ ‫يف أول ليلة من رمضان ‪ ،‬لو نظر إليك والقذر يف قلبك والنية‬
‫مسؤول عن رعيته )) ‪.‬‬ ‫الفاسدة يف فؤادك أترجو أن يرمحك؟ أن يقربك؟ أم من يعفو‬
‫عنك؟ أم كيف أنت تتوقع حالتك معه؟ ال بد من االستعداد‬
‫إذن البد أن تدركوا عظمة ما أنتم جمتمعون عليه ‪ ،‬وأنه ُيراد‬
‫لنظر الرمحن يف أول ليلة من رمضان ‪ ،‬تطهر عن األدران ‪ ،‬و‬
‫ري لألمة املحمدية ُي َق َّوم هبا املعوج و ُي َعدَّ ل‬
‫بكم فتح أبواب خ ٍ‬
‫العزمة الصادقة لقيامنا وإياكم بالوفاء بعهد موالنا جل جالله‬
‫هبا املائل ‪ ،‬ما أعظم ذلك الذي نتحدث عنه ‪ ،‬واهلل هييئ من‬
‫وتعاىل يف عاله ‪ .‬نريد أن يعود صاحب الوسع فيكم عىل‬
‫عطاءه عظي ًام هلذه القلوب ‪ ،‬لتفقه و ُتقبل بصدقها عىل موالها ‪،‬‬
‫صاحب اإلمالق ‪ ،‬تعاونوا تكاتفوا تآلفوا ‪ .‬مسؤولية ماختتص‬
‫و ُنرتىض وإياكم لذلكم املن الكبري والعطاء األعظم يا معطي ال‬
‫ُبمراقب‪ ..‬أو ُمرشف‪ ..‬أو ُمسجل‪ ..‬أو مدرس‪ ..‬بل كل فرد‬
‫حترمنا فإنا نسألك فأقبلنا عىل مافينا برمحتك يا أرحم الرامحني ‪.‬‬
‫‪61‬‬ ‫جل�سة توجيهية مع طالب دار امل�صطفى‬ ‫‪60‬‬

‫واآلفات والفساد يا أكرم األكرمني ويارب العاملني ‪ ،‬اللهم إنا‬ ‫اخلال�صة يجب تدارك جميع الت�سيبات والرتاخيات‬
‫نسألك لنا وهلم القبول وتربطنا بحبيبك الرسول ‪ ،‬وأن جتعل‬ ‫والت�أخرات والتثبطات واحلواجز واملوانع التي حتجزكم‬
‫فينا أخالقه وآدابه وشامئله وفضائله ‪ ،‬وأن جتعلنا من أهل‬ ‫عن عطاء ربكم تبارك وتعالى وعن ف�ضله عليكم ‪.‬‬
‫االتباع َله ‪ ،‬وأهل االقتداء به ‪ ،‬أهل السري يف سبيله ‪ ،‬اللهم‬ ‫نريد يف األخالق‪ ..‬يف املعاملة‪ ..‬يف الدروس‪ ..‬يف املعلومات‬
‫الفرقت بيننا وبينه يف احلياة وال عند الوفاة وال يوم املوافاة ‪،‬‬
‫َّ‬ ‫يعود املتوسع منكم عىل املقل ‪ ،‬ورمضان شهر القرآن‪ ..‬نريد‬
‫اللهم امجعنا به يف دار الكرامة ويف مستقر الرمحة ‪ ،‬ثبتنا اللهم‬ ‫مجاعة من األقوياء منكم خيدمون إخواهنم يف عقد دروس هلم‬
‫عىل منهاجه ور ِّقنا بمعراجه ‪ ،‬واحفظنا به من مجيع اآلفات‬ ‫خاصة يف تقوية النطق بالقرآن وأداءه عىل وجهه ‪ ،‬نريد الذين‬
‫واألسواء ‪ ،‬وحققنا بحقائق التقوى ‪ ،‬وادفع عنا وعن االمة كل‬ ‫أدوه عىل وجهه‪ ..‬نريد الذين أتقنوا التجويد يعودوا عليهم‬
‫ٍ‬
‫حمنة وبلوى ‪ ،‬واجعلنا من املتواصني باحلق واملتواصني بالصرب‬ ‫بعقد املجالس واحللقات يف تقوية ذلك وسيأتيكم الربنامج‪..‬‬
‫‪ ،‬والصادقني يف اإلقبال عليك والوجهة إليك يا رب العاملني‬ ‫واملقصود أيض ًا من الدروس ثم مسامراتكم يف رمضان‬
‫ويا أكرم األكرمني ‪ .‬اللهم انظر إىل هذه القلوب وطهرها ون ِّقها‬ ‫مربوطة بام خ َّل َ‬
‫ف وترك‬ ‫ٌ‬ ‫واجتامعاتكم عليها فأعلموا أهنا كلها‬
‫وص ِّفها ‪ ،‬واجعلنا وأرباهبا من الذين يستمعون القول فيتبعون‬ ‫فينا حبيب الرمحن وصفيه حممد صىل اهلل وسلم وبارك عليه‬
‫أحسنه ‪ُ ،‬‬
‫حتق هلم البرشى من عندك عىل لسان حبيبك وعبدك‬ ‫وعىل آله ‪َّ ،‬‬
‫مكن اهلل لكم قواعد االرتباط به ‪ ،‬والسري عىل دربه ‪،‬‬
‫سيدنا املصطفى حممد صىل اهلل عليه وعىل آله وصحبه وسلم ‪،‬‬ ‫وجعلكم يف حزبه وإيانا أمجعني ‪ ،‬وجعلنا يف اهلداة املهتدين إنه‬
‫اللهم وبه عليك انظر إلينا ‪ ،‬وأعلِ درجات معلمينا ومشاخينا يف‬ ‫فرج كروب املسلمني‬
‫أكرم األكرمني وأرحم الرامحني ‪ ،‬ياربنا ِّ‬
‫الدين ‪ ،‬ووالدينا وسندنا إىل نبيك حممد صىل اهلل عليه وعىل آله‬ ‫‪ ،‬واجعلنا و هوالء من أسباب الفرج للمسلمني ‪ ،‬ومن‬
‫وصحبه وسلم ‪ ،‬وأعلِ درجات األولياء والعارفني واألقطاب‬ ‫أسباب النرص للمسلمني ‪ ،‬ومن أسباب الصالح للمسلمني ‪،‬‬
‫واألصفياء ومن أظهرت منهم سناه عىل أهل الوجود زدهم‬ ‫ومن أسباب مجع قلوب املسلمني‪ ،‬وادفع عنا الباليا واألنكاد‬
‫‪63‬‬ ‫جل�سة توجيهية مع طالب دار امل�صطفى‬ ‫‪62‬‬

‫أرسفنا وما أنت اعلم به منا أنت املقدم وأنت املؤخر ال اله‬ ‫اللهم رفعة ‪ ،‬وزدهم اللهم علوا ‪ ،‬وامجعنا هبم يف دار الكرامة‪،‬‬
‫إال أنت ‪ ،‬يا من هو عىل كل يشء قدير ‪ ،‬وبعباده لطيف خبري‪،‬‬ ‫وارزقنا حمبتهم وارزقنا األدب معهم وارزقنا املدد منهم ‪ ،‬اللهم‬
‫اجعلنا ممن يسري إليك عىل بصرية ‪ ،‬ث ِّبتنا عىل أقوم سرية ‪ .‬اللهم‬ ‫و إنا نسألك أن تدفع عنا وعن املسلمني مجيع الباليا واآلفات‪،‬‬
‫اجعلنا من أسعد اخللق برمضان وبام فيه وبام جتود به فيه عىل‬ ‫وأن تصلح لنا مجيع احلاالت ‪ ،‬اللهم اقبلنا عىل ما فينا وأقبل‬
‫أهليه برمحتك يا أرحم الرامحني ‪ .‬اللهم اجعلنا وإياهم يف ركب‬ ‫بوجهك الكريم علينا ‪ ،‬وتب علينا وعىل إخواننا فيك هؤالء‬
‫نبيك حممد ‪ ،‬ويف حزب نبيك حممد ‪ ،‬ويف دائرة نبيك حممد ‪،‬‬ ‫زكنا هبا قلب ًا وجس ًام‬
‫توب ًة نصوحا توب ًة نصوحا توب ًة نصوحا ‪ّ ،‬‬
‫ويف خواص أتباع نبيك حممد ‪ ،‬واملتحققني بمحبة نبيك حممد‪،‬‬ ‫وروحا ‪ ،‬يا عامل الظواهر واخلفايا نستغفرك ملا ظهر منا وما‬
‫واحسن اللهم عرضنا عىل نبيك حممد ‪ ،‬ووفر حظنا من حنان‬ ‫خفي‪ ،‬يا عامل الرس والعلن نستغفرك إلرسارنا وإعالننا ‪ ،‬يا حي‬
‫روح نبيك حممد ‪ ،‬وو ِّفر حظنا من عطف قلب نبيك سيدنا‬ ‫يا قيوم نستغفرك جلميع الذنوب واآلثام ‪ ،‬نستغفرك ملا تعلم‬
‫حممد ‪ ،‬ووفر حظنا من نرصة نبيك سيدنا حممد ‪ ،‬ووفر حظنا‬ ‫فاغفر لنا ما أنت به اعلم‪ ،‬وهب لنا ما أنت به اعلم يا رب يا‬
‫من رؤية نبيك سيدنا حممد ‪ ،‬ووفر اللهم حظنا من متابعة نبيك‬ ‫أكرم ‪ ،‬من كل خري نعلمه وال نعلم ‪ ،‬يا من أحاط علمه بكل‬
‫سيدنا حممد ‪ ،‬ووفر اللهم حظنا من مشاهدة نبيك سيدنا حممد‪،‬‬ ‫يشء اغفر لنا كل يشء‪ ،‬واصلح لنا كل يشء ‪ ،‬وال تسألنا عن‬
‫ووفر اللهم حظنا من رسور قلب نبيك سيدنا حممد ‪ ،‬ووفر‬ ‫يشء‪ ،‬وال تعذبنا عىل يشء برمحتك يا أرحم الرامحني وجودك‬
‫اللهم حظنا من فرح قلب نبيك سيدنا حممد ‪ ،‬ووفر اللهم حظنا‬ ‫يا أجود األجودين‪ ،‬نستغفر اهلل العظيم الذي ال اله إال هو احلي‬
‫يا موالنا من جرب خاطر نبيك سيدنا حممد ‪ ،‬اللهم وفر حظنا‬ ‫القيوم ونتوب إليه (ثالث ًا) نستغفر اهلل ذا اجلالل واإلكرام من‬
‫من االقتداء بنبيك سيدنا حممد ‪ ،‬اللهم وفر حظنا من االهتداء‬ ‫مجيع الذنوب واآلثام (ثالث ًا) نستغفر اهلل ملا يعلمه اهلل نستغفر‬
‫هبدي نبيك سيدنا حممد ‪ ،‬اللهم اجعلنا وهؤالء يف جندك وجند‬ ‫اهلل كام حيبه اهلل (ثالث ًا) ‪.‬‬
‫نبيك سيدنا حممد ‪ ،‬اللهم احرشنا يف زمرة نبيك سيدنا حممد ‪،‬‬
‫اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أرسرنا وما أعلنا وما‬
‫‪65‬‬ ‫جل�سة توجيهية مع طالب دار امل�صطفى‬ ‫‪64‬‬

‫صىل اهلل عليه وعىل آله وصحبه وسلم ‪ ،‬ولواءه املعقود لواء‬ ‫اللهم خلقنا بأخالق نبيك سيدنا حممد ‪ ،‬اللهم أدبنا بآداب نبيك‬
‫حي يا قيوم يا من خصصته بأسنى املجد برمحتك (يا‬‫احلمد ‪ ،‬يا ُّ‬ ‫سيدنا حممد ‪ ،‬اللهم عطف علينا قلب نبيك سيدنا حممد ‪ ،‬اللهم‬
‫أرحم الرامحني) (أربع ًا) ‪.‬‬ ‫حنن علينا روح نبيك سيدنا حممد ‪ ،‬اللهم اجعل لنا ذكر ًا مجي ً‬
‫ال‬
‫يف حرضة نبيك سيدنا حممد ‪ ،‬اللهم اجعل لنا عرض ًا مجي ً‬
‫ال عىل‬
‫مساؤنا ومساوي طالبنا هؤالء ومجيع أحبابنا ومعايبنا وذنوبنا‬
‫حرضة نبيك سيدنا حممد ‪ ،‬اللهم انظر إلينا بنبيك سيدنا حممد‪،‬‬
‫ومثالبنا ال تكدر هبا قلب حبيبك ‪ ،‬إنه هدانا ودلنا وعلمنا‬
‫اللهم ارعنا برعاية نبيك سيدنا حممد ‪ ،‬اللهم أمألنا بمحبتك‬
‫وأرشدنا وبلغنا فاجزه عنا خري ما جزيت نبي ًا عن أمته ‪ ،‬وخري‬
‫ما جزيت رسو ً‬
‫ال عن قومه ‪ِّ ،‬‬ ‫وحمبة نبيك سيدنا حممد حتى تكون ورسولك أحب إلينا مما‬
‫صل عليه يف األولني واآلخرين يف‬
‫سواكام ‪ ،‬يارب اقبلنا وهؤالء يف أنصاره ‪ ،‬يا رب اقبلنا وهؤالء‬
‫النبيني واملرسلني يف املأل األعىل إىل يوم الدين ‪ ،‬واجعلنا أهل‬
‫يف أتباعه ‪ ،‬يا رب اقبلنا وهؤالء يف القائمني بحق رشعه ‪ ،‬يا‬
‫رسور لقلبه ‪ ،‬واجعله يا رب ف ِرح ًا بنا ‪ ،‬اللهم اجزه عنا خري‬
‫رب اقبلنا وهؤالء يف أهل النرصة َله ‪ ،‬يا رب اقبلنا وهؤالء‬
‫اجلزاء ‪ ،‬وأفضل اجلزاء ‪ ،‬وأتم اجلزاء ‪ ،‬وأكمل اجلزاء ‪ ،‬اجعلنا‬
‫فرقت بيننا وبينه أبدا ‪ ،‬اللهم ِّ‬ ‫يف أهل الدفاع عن سنته ‪ ،‬يا رب اقبلنا وهؤالء يف أهل إحياء‬
‫رشف‬ ‫معه يوم اللقاء ‪ ،‬اللهم ال ّ‬
‫ملته وطريقته‪ ،‬يا رب اقبلنا وهؤالء يف أهل الوفاء بعهدك الذي‬
‫وغرته ‪ ،‬اجعلنا يف زمرته ‪،‬‬
‫عيوننا برؤية وجهه ‪ ،‬ورؤية طلعته َّ‬
‫عاهدتنا عليه‪ ،‬يا اله احلق يا باعث النبي باحلق اجعلنا عندك من‬
‫فحسن مني أن امسك أعنة األقالم يف هذا املقام وأقرأ السالم‬
‫ُ‬
‫أهل احلق‪ ،‬يا اهلل يا غوثاه يا رباه يا ارحم الرامحني يا اهلل‪ ..‬ولنا‬
‫عىل سيد األنام (السالم عليك أهيا النبي ورمحة اهلل وبركاته )‬
‫إخوان ولنا أصحاب ولنا موالون فيك يف الظاهر والباطن يف‬
‫(ثالث ًا) وعىل مجيع األنبياء واملرسلني واملالئكة املقربني وعباد‬
‫فاشمل اجلميع‬
‫ُ‬ ‫املشارق واملغارب يف الدنيا ويف الربزخ اللهم‬
‫اهلل الصاحلني ‪ ،‬وعىل املؤمنني واملؤمنات واملسلمني واملسلامت ‪،‬‬
‫بنظرة رمحانية يف ليلتنا هذه ‪ ،‬نرقى هبا أعىل مراتب القربية‬
‫املاضني واحلارضين ومن هو آت إىل يوم امليقات ‪ ،‬وعلينا معهم‬
‫واملعرفة بك والفهم عنك ‪ ،‬حتى ُنجمع حتت راية نبيك حممد‬
‫وفيهم برمحتك يا أرحم الرامحني ‪.‬‬
‫‪67‬‬ ‫جل�سة توجيهية مع طالب دار امل�صطفى‬ ‫‪66‬‬

‫ما يفوته الذي ما ينتبه هلذا الكالم منكم ‪ ،‬والذي ما يصدق يف‬ ‫(التحيات املباركات الصلوات الطيبات هلل (ثالث ًا) السالم‬
‫تصحيح خطأه وتوبته إىل ربه‪ ..‬لو َع ِل َم ما يفوته لكان أهون عليه‬ ‫عليك أهيا النبي ورمحة اهلل وبركاته (ثالث ًا) السالم عيلنا وعىل‬
‫قط َع قطعة قطعة وال يقع يف حاله هذا ‪ ،‬وال أن يكون يف ذاك‬ ‫أن ُي َّ‬
‫عباد اهلل الصاحلني (ثالث ًا) أشهد أن ال إله إال اهلل وأن حممد ًا‬
‫الشأن ‪ .‬هذا ما نستطيع أن نقوله لكم يف هذا املقام ‪ ،‬وأخبار‬
‫رسول اهلل (ثالث ًا) اللهم صل عىل سيدنا حممد عبدك ورسولك‬
‫هذه الشؤون وهذا الكالم هي أظهر وأقوى يوم القيام ‪ ،‬يوم‬
‫الوقوف بني يدي امللك الع َّ‬ ‫النبي األمي وعىل آل سيدنا حممد وأزواجه وذريته ‪ ،‬كام صليت‬
‫الم ‪ ,‬فاصدقوا وتوجهوا‪ ,‬كونوا من‬
‫الليلة غريكم باألمس ‪ ،‬غريكم يف اليوم املايض ‪ ،‬وإال فام شكر‬ ‫عىل سيدنا إبراهيم وعىل آل سيدنا إبراهيم ‪ ،‬وبارك عىل سيدنا‬
‫أداء حقها؟‬
‫كر هذه النعمة؟ ما ُ‬ ‫هبوب هذه النسامت ؟ ما ُش ُ‬ ‫حممد عبدك ورسولك النبي األمي وعىل آل سيدنا حممد وأزاجه‬
‫جتددون عهدكم مع اهلل بالرجوع إليه والتوبة ‪ ،‬وكونوا رجا ً‬ ‫وذريته ‪ ،‬كام باركت عىل سيدنا إبراهيم وعىل آل سيدنا إبراهيم‬
‫ال‬
‫يصدقون ما عاهدوا اهلل عليه ‪ ،‬جتددون عهد االخوة الصادقة ‪.‬‬ ‫يف العاملني إنك محيد جميد ‪.‬‬
‫هذا ما نريده بينكم يف هذه الساعه فتداركوه برسعه ‪ ،‬كل واحد‬ ‫َم ْن طلب العون عىل تزكية نفسه وتطهري أخالقه ‪ ،‬وقطع‬
‫منكم يمسك بيد أخيه ‪.‬‬ ‫جل جالله وتقريب ذلك عليه ‪ ،‬ومن‬ ‫مسافتة بالسري إىل ربه َّ‬
‫ولقنهم كلمة التوحيد (ال اله إال اهلل )(ثالث ًا) حممد رسول اهلل‬ ‫أعظم الدواعي يف ذلك ما جاءت به اإلشارة يف تع ُّلق القلوب‬
‫صىل اهلل عليه عدد خلقه ورىض نفسه وزنه عرشه ومداد كلامته‪،‬‬ ‫بالبضعة الطاهرة فاطمة الزهراء البتول‪ ..‬فهو حال وسبيل‬
‫اللهم إين استغفرك ما قدمت وما أخرت وأرسفت وما أنت‬ ‫قوي إىل التكميل والوصول ‪ ،‬جتددون عهدكم مع اهلل يف طاعته‬
‫اعلم به مني أنت املقدم وأنت املؤخر ال إله إال أنت وأنت عىل‬ ‫والقيام بأمره ‪ ،‬وجتددون هنا أخوة فيام بينكم نرجو أن نرى أثرها‬
‫يف لياليكم هذه القريبة ليايل الشهر املبارك ‪ ،‬ولو استشعرتم ما‬
‫كل يشء قدير (تبنا إىل اهلل) (ثالث ًا) وندمنا عىل مجيع ما كان منا ‪.‬‬
‫يحُ ِّصله املقبل الصادق منكم‪ ..‬لتفانيتم يف بذل اهلمم كلها‬
‫* * *‬ ‫واملستطاع كله يف طاعة اهلل تعاىل يف هذه األيام و الليايل يف هذا‬
‫املكان هبذا املنهاج ‪ ،‬فيا فوز املقبلني ويافوز الطائعني ‪ ،‬ولو َع ِل َم‬
‫محا�ضرات العلم‬
‫‪71‬‬ ‫حما�ضرات العلم‬

‫‪ .1‬محاضرة في مدرسة الخيرات‬


‫احلمد هلل الذي هيأ بيننا وبينكم هذا اللقاء حتت ظالل ألوية‬
‫طلب العلم والعمل به وتبليغه يف مدرسة اخلريات املباركة ‪ ،‬يف‬
‫امتداد جهاد السيد العارف املضحي الوارث لسلفه الصاحلني‬
‫الداعي إىل اهلل احلبيب عيدروس بن سامل اجلفري – عليه‬
‫وأقر عينه بكل ٍ‬
‫فرد‬ ‫رضوان اهلل – ومجعنا اهلل به يف أعىل جناته ‪َّ ،‬‬
‫منكم يدرس يف هذه املدرسة اللهم آمني يارب العاملني ‪.‬‬

‫يف ظل مقابلة أحفاده الذين ساروا هذا السبيل حبيبنا البقية‬


‫اخلليفة عندكم احلبيب سقاف وأخيه احلبيب عبد اهلل ومن معهم‬
‫من أهل املحبة‪ ..‬وأهل النرصة‪ ..‬وأهل التوجه‪ ..‬هتيأ اللقاء‬
‫بيننا وبينكم يف هذا الظل الظليل لننظر ما معنى انتسابنا هلذه‬
‫املدرسة؟ ما معنى اتصالنا هبذا املسلك؟ ما يقتيض حضورنا‬
‫ثم ما معنى هذا اللقاء يف هذه الساعة بيننا‬
‫يف هذه املدارس؟ َّ‬
‫جز وتعجزون‬ ‫رشيف عظيم َأ ْع ُ‬
‫ٌ‬ ‫كبري‬
‫وبينكم؟ املعنى لذلك ٌ‬
‫بوحي من اهلل‪ ..‬أوحاه إىل‬
‫ٍ‬ ‫معي عن اإلحاطة به ‪ ،‬ألنه ٌ‬
‫صلة‬
‫جل جالله وهذا‬‫مصطفاه‪ ..‬محله يف الربايا أصفيائه وأولياه‪َّ ..‬‬
‫زل التكريم من اهلل ملن عرف حقه‬‫االتصال بوحي اهلل يقتيض ُن َ‬
‫‪73‬‬ ‫حما�ضرات العلم‬ ‫‪72‬‬

‫هو تابع من أتباع النبي حممد ‪ ،‬لكن عرف معنى التبعية ‪ ،‬وأنه‬ ‫وقام به‪ ،‬ويقتيض ِع َظ ْم املسؤولية وعظيم املخاطبة عند ِّ‬
‫كل من‬
‫ًّملا استقبل الرسالة بالتصديق والتعظيم صار يف منزلة البعثة من‬ ‫ُأ ْكرم بنوره وسرِّ ه وحقيقته َ‬
‫وو َصل خطابه إىل سمعه وقلبه‪.‬‬
‫ألن الذي بعث حممد ًا أمره أن يب ِّلغ أتباعه أن‬
‫اهلل إىل اخللق ‪َّ ،‬‬
‫إذا كان األمر كذلك فأنا وإياكم يف هذا اللقاء جيب أن نمد النظر‬ ‫�إدراك املهمة‬
‫يقوموا بتبليغ هذه الرسالة فقال هلم ‪ (( :‬بلغوا عني ولو آية ))‬
‫منا إىل حقيقة هذه الصلة التي مجعتنا هنا ‪ ،‬وربطت بيننا صلة‬
‫فأستحرض هذا املعنى فقال ‪ :‬اهلل ابتعثنا‪ ..‬لنخرج العباد من عبادة‬
‫اإليامن‪ ..‬التصديق باملصطفى من عدنان س ِّيد األكوان ورسالته‬
‫العباد إىل عبادة رب العباد ‪ ،‬ومن جور األديان إىل عدل اإلسالم‬
‫عرفنا أننا عىل ظهر هذه األرض أهل‬ ‫العظيمة‪ ،‬وهذا اإليامن ُي ِّ‬
‫‪ ،‬ومن ضيق الدنيا إىل سعة الدنيا واآلخرة ‪ .‬فأنظر كيف عرف‬ ‫أن َّ‬
‫اهلدى (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [البقرة‪]120:‬وذلك َّ‬
‫كل َم ْن‬
‫املنزلة ‪ ،‬وكيف عرف الرسالة‪ ،‬وكيف َّ‬
‫شخص املهمة ‪ ،‬وكيف‬
‫مل يهُ ْ د إىل األخذ من هذا النور ‪ ،‬والسري يف هذا السبيل‪ ..‬فقد‬
‫أدى البيان عنها ‪.‬‬ ‫أتى بغري هدى اهلل ‪ ،‬ومشى يف غري سبيل اهلل ‪ ،‬وكل ذلك ٌ‬
‫باطل‬
‫العناية بالأدب‬ ‫كذلك كل ٍ‬
‫فرد منا جيب أن ُيدْ رك هذه املدارك ‪ ،‬وأن يعرف‬ ‫وضالل والذي هدانا إىل احلق‪َ ..‬أ َم َرنا بتعظيم هذا احلق وحسن‬
‫ٍ‬
‫درس‬ ‫هذه املعارف ‪ ،‬وأن ُيدْ رك أنه يف جلسته هذه‪ ..‬يف كل‬ ‫ثم ببيانه للناس أن نتحقق ‪ ،‬ووجب أن ُنثْبت يف قلوبنا‬ ‫تطبيقه ‪َّ ،‬‬
‫يتلقاه‪ ..‬ويف مشيته مابني هذه املباين‪ ..‬ويف صباحه ومساءه يف‬ ‫فإن استفادة ُك َّل مسلم ُ‬
‫وك َّل مؤمن‬ ‫معاين التعظيم ملا نحن فيه ‪َّ ،‬‬
‫هذا املكان‪ ..‬مت َّل ٍق لوحي اهلل الذي أوحاه إىل نبيه ومصطفاه‬ ‫كل عملٍ يقوم به يف رشيعة اهلل‪ ..‬تكون تلك االستفادة عىل‬ ‫من ِّ‬
‫ٌ‬
‫متصل باهلل‪ ..‬عامل عىل‬ ‫صىل اهلل عليه وعىل آله وصحبه وسلم ‪،‬‬ ‫حسب تعظيم قلبه ملا يقوم به ‪ ،‬وألجل هذا ملَّا سأل رستم قائد‬
‫الوفاء بعهد اهلل‪ٍ ..‬‬
‫مؤد ألسمى املهامت يف هذه احلياة‪ ..‬فيجب‬ ‫غركم عىل‬
‫الفرس سيدنا ربعي بن عامر قال ‪ :‬من أنتم؟ وما َّ‬
‫أن يكون يف مشيه مع اهلل ‪ ،‬ويف درسه مع اهلل ‪ ،‬ويف مطالعة‬ ‫قوم ابتعثنا اهلل ‪ .‬هل تعرف‬
‫الولوع بنا وبديارنا؟ قال ‪ :‬نحن ٌ‬
‫دروسه مع اهلل ‪ ،‬ويف أكله مع اهلل ‪ ،‬يف رشبه مع اهلل ‪ ،‬ألننا نستقي‬ ‫قوم ابتعثنا اهلل ‪ .‬نحن نعلم أنه ما من‬
‫إدراك احلقيقة‪ ..‬نحن ٌ‬
‫من هذه األماكن وهذه التعاليم أننا ملَّا نأكل األكلة نأكلها عىل‬ ‫وحي ينزل عىل ربعي ‪ ،‬وال من رشيعة توجهت إليه خاصة ‪،‬‬
‫‪75‬‬ ‫حما�ضرات العلم‬ ‫‪74‬‬

‫الروح اإلنسانية مودوع فيها توصلت إليها بالرياضات ‪ ،‬لكن‬ ‫آداب منه‪..‬‬ ‫ٍ‬
‫اتصال به‪ ..‬نأكلها عىل ٍ‬ ‫سنة نبينا حممد‪ ..‬نأكلها عىل‬
‫واهلل وجدت من القوة والنور يف أدب واحد من آداب الطعام‬ ‫نأكلها بسم اهلل‪ ..‬ونحمد اهلل عليها يف خامتتها ويف وسطها نتقيد‬
‫حصلت يف هذه السنني كلها‪،‬‬
‫التي تذكروهنا عند الطعام أكثر مما َّ‬ ‫بأنوار اآلداب ‪ ،‬ال ّ‬
‫نكرب اللقمة‪ ..‬وال نصغرها كثري ًا‪ ..‬ال ننظر‬
‫من أين هذه اآلداب ؟ قالوا ‪ :‬آداب حممد ‪ .‬قال ‪ :‬انتم ما تعرفون‬ ‫إىل أفواه اآلكلني‪ ..‬نأكل مما يلينا‪ ..‬كل عملٍ من هذا َله ٌ‬
‫نور يف‬
‫قدر حممد ‪ ،‬وال تعرفون قدر ما جاء به ‪ ،‬قال ‪ :‬وجدت يف األدب‬ ‫ٌ‬
‫رابطة بواسطته باهلل ‪ ،‬فنحن نأكل مع اهلل هلل سبحانه‬ ‫قلوبنا ‪ ،‬ولنا‬
‫الواحد من هذه اآلداب قوة معنوية روحية ونور ًا ما وجدته يف‬ ‫وتعاىل ‪ ،‬وكذلك نرشب َّ‬
‫وإن اهلل حيب من عبده أن يأكل األكلة‬
‫خالل السنني الطويلة يف هذه الرياضات كلها‪.‬‬ ‫فيحمده عليها‪ ..‬يرشب الرشبة فيحمده عليها‪ ..‬ذكر لنا بعض‬
‫الذين هيتمون بذكر آداب الطعام والرشاب أهنم كانوا يف بعض‬
‫فآداب سيدنا عظيمة‪ ..‬آداب سيدنا كبرية‪ ..‬لكن إن مل نفقه‬
‫بالد الكفار فأسلم بعض النصارى عىل يدهم ‪ ،‬ودخل معهم‬
‫نحن هذا كيف ندعوا الناس إىل اإلسالم ‪ ،‬كيف نرتجم هلم‬
‫وأخذ يتعلم ُث َّم قام يتكلم فيهم وقال أنتم ال تعرفون قدر ما‬
‫حقيقة هذه الرشيعة إذا كنا نحن ما نحمل هذه املشاعر عن هذا‬
‫أنتم فيه ‪ .‬قالوا ‪ :‬كيف ذلك ؟ قال هلم ‪ :‬أنا تعلقت بالروحانية‬
‫الدين ‪ ،‬وعن هذه العظمة يف هذا الرشع‪ ..‬وهذا الوحي‪ ..‬وهذه‬
‫يف النرصانية وأشتغلت بالرياضة الروحية ‪ ،‬حتى كلفت نفيس‬
‫اآلداب النبوية ‪.‬‬
‫السهر وتقليل الطعام وكذا وكذا فتوصلت من الروحانية إىل‬
‫الواحد منكم يف هذه املدرسة جيب أن يعيش مع اهلل‪ ..‬حتى‬
‫حد أين لو أشري عىل أي شخص من بعيد يسقط ‪ .‬قالوا ‪ :‬كيف‬
‫يف أكله ورشبه‪ ..‬حتى يف نومه‪ ..‬ولذا قالوا الذي يأخذ اآلداب‬
‫ذلك ؟ قال ‪ :‬انظروا ذاك الرجال‪ ..‬قال بيده كذا سقط الرجال‬
‫النبوية عند النوم فينام‪ ..‬هو يف مقابلة إنسان مستيقظ بغري‬
‫وهو بعيد هناك ‪ .‬قالوا ‪ :‬اصرب هذا رجل شايب‪ ..‬اصرب نجيء‬
‫آداب‪ ..‬هذا املستيقظ نايم وميت‪ ..‬وذاك النايم مستيقظ وحي ‪،‬‬
‫بواحد قوي ‪ .‬فأرسل واحد قوي يقوم قدامه شاب‪ ..‬قال كذا‬
‫فمن أمهل آداب النبي صارت يقظته نوما‪ ..‬حتى وهو مستيقظ‬
‫وإذا بالرجل يسقط يف حمله ‪ .‬قال ‪ :‬رأيتم قال هذا من خصوصية‬
‫نايم ‪ ،‬وحاله كام قال الشاعر‪:‬‬
‫‪77‬‬ ‫حما�ضرات العلم‬ ‫‪76‬‬

‫اخلريات أن خيرجوا جنود ًا هلل‪ ..‬مع اهلل‪ ..‬متصلني بمحمد بن‬ ‫ن��اي��ـ��م‬
‫ٌ‬ ‫خي��ِّب��رِّ ين ال����ب����واب أن����ك‬
‫عبد اهلل‪ ..‬يبينون احلقائق لعباد اهلل سبحانه وتعاىل ‪ ،‬وبذلك‬ ‫وأن���ت إذا استيقظت أي��ض�� ًا فنائم‬
‫ُيرس قلب شيخكم حبيبنا سقاف وإخوانه والقائمني معكم عىل‬ ‫قال إنت دائ ًام نائم ‪ ،‬ألنك ما عندك احلياة احلقيقية التي بعث هبا‬
‫التدريس يف هذه املدارس ‪ ،‬فاتصلوا هبذه املعاين‪ ..‬وقولوا نحن‬ ‫النبي حممد‪ ..‬وقلبك ما يستيقظ ‪ ،‬فأنت نائم سوا ًء بالفعل نمت‬
‫أمام وحي اهلل ‪ ،‬ورسالة حممد بن عبد اهلل ‪َ ،‬ندْ رس‪ ..‬ونتعلم‪..‬‬ ‫أو قمت متيش‪ ..‬أنت نايم ‪ ،‬لكن صاحب هذه اآلداب والصلة‬
‫ونتأدب‪ ..‬لنخرج أنوار ًا مشعة ُييضء بنا ما حولنا ويستيضء ‪،‬‬ ‫باهلل حتى وهو نايم يقظان القلب ‪ ،‬هلذا رأى بعض الصاحلني‬
‫فيرشق نور النبي حممد صىل اهلل عيه وسلم وبارك عليه وعىل‬ ‫شيطان ًا عىل باب مسجد ‪ .‬قال ‪ :‬عدو اهلل مالك هنا ؟ قال ‪ :‬يف‬
‫آله ‪ ،‬ونكون نحن حم ًال لذلك ندرك معنى قولِه ‪ (( :‬بلغوا عني‬ ‫املسجد واحد يصيل أريد أن أدنو منه فأوسوس َله ‪ ،‬لكن بجانبه‬
‫ولو �آية )) ما قال بلغوا بأنفسكم لكن قال عني ‪ ،‬املرتبطون يب‬ ‫نائم حيرقني َن َف ُسه فام استطعت أن أقرب من املصيل من أجل‬
‫نواب عني ‪ ،‬أنا حمل البالغ‪ ..‬أنا حمل البيان‪ ..‬أنا حمل الدعوة‪..‬‬ ‫هذا النائم ‪ .‬قال عجب ًا لنائم حيرس يقظان ‪ ،‬هذا النايم كان نايم‬
‫أنا داعي اهلل بإذنه‪ ..‬وأنتم باالتصال يب ادعوا عني نيابة ‪ ،‬فاملكان‬ ‫عىل اآلداب النبوية وكان من أهل القرب من اهلل ‪َ ،‬ن َف ُسه يحُ رق‬
‫يف األصل يل‪ ..‬أنا رسول اهلل‪ ..‬صىل اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ومن قام‬ ‫الشيطان ‪ ،‬وهذا يصيل ولكن ما عنده هذا النور ‪ ،‬فحتى وهو‬
‫منكم فعني يقوم ‪ ،‬وباالتصال يب يتكلم ‪ ،‬وبواسطة االرتباط‬ ‫يصيل يقدر عليه الشيطان ‪ ،‬لكن ذاك وهو نايم ما قدر الشيطان‬
‫يب ُيبلغ ‪ ،‬فبلغوا وال َت ْستقلوا بأنفسكم ‪ ،‬ولكن عني بلغوا ولو‬ ‫عىل القرب منه َف ُحفظ هذا املصيل بربكة هذا النايم ألن قلبه مع‬
‫آية ‪ ،‬أنا املبلغ وأنتم النواب عني يف هذا البالغ فصىل اهلل وسلم‬ ‫اهلل تبارك وتعاىل ‪.‬‬
‫وبارك عليه وعىل آله ‪ ،‬احلمد هلل الذي ريض بنا نواب ًا عن حبيبه‬
‫جيب يف هذه املدرسة أن تكونوا مع اهلل يف أكلكم‪ ..‬ويف رشبكم‪..‬‬ ‫البالغ عن‬

‫املصطفى حممد صىل اهلل وسلم وبارك عليه وعىل آله ‪ ،‬ويف هذا‬ ‫احلبيب‬
‫ويف نومكم‪ ..‬ويف استحضار العظمة لدينكم‪ ..‬حتى تصلحوا‬
‫قال ‪� (( :‬أال فليبلغ ال�شاهد منكم الغائب )) صىل اهلل وسلم‬
‫أن تكونوا كنِ ّية حبيبنا عيدروس بن سامل يف طالب مدارس‬
‫‪79‬‬ ‫حما�ضرات العلم‬ ‫‪78‬‬

‫�ور‬
‫�أن العــلــم ن� ٌ‬ ‫ب��ـ� َّ‬ ‫وأخـبـرنـي‬ ‫وبارك عليه وعىل آله ‪.‬‬
‫ون����ور اهلل ال ُي��ـ��ه��ـ��دى لـعـايص‬
‫إذا عرفتم أنكم مع اهلل‪ ..‬عرفتم تطالعون الدروس ال ألجل‬
‫قالوا وكان اثنان يدرسان مها عىل مستوى من الذكاء متقارب‪..‬‬ ‫املدرس وحده‪ ..‬وال ألجل االختبار و االمتحان الذي يأيت يف‬
‫واجتهاد متقارب‪ ..‬لكن أحدمها فتح اهلل عليه و َف ِه ْم كثري‪ ..‬ونفع‬ ‫الشهر‪ ..‬أو يف نصف العام‪ ..‬أو يف آخر العام‪ ..‬ولكن من أجل‬
‫كثري‪ ..‬قبل اآلخر ‪ ،‬فعجب ملاذا هذا يفتح اهلل عليه قبيل؟ وهو‬ ‫ملك عظيم‪ُ ..‬تطالعون من أجل‬‫حي قيوم‪ٍ ..‬‬ ‫رمحن رحيم‪ٍ ..‬‬
‫ماهو أحسن مني يف الذكاء ‪ ،‬وال أكثر مني يف االجتهاد‪ ،‬فرأى‬ ‫اهلل‪ ..‬تحُ َ ققون العلوم والدروس من أجل اهلل‪ ..‬وتتحذر من‬
‫يف النوم قائل يقول أتدري لمِ َ فتح اهلل عليه قبلك ؟ قال‪ :‬كان يف‬ ‫الذنوب بعينيك أو يدَ ك أو رجلك ‪ ،‬ألن العلم نور وال يتفق‬
‫املطالعة حيرص عىل أدب استقبال القبلة وأنت ال تبايل استقبلت‬ ‫مع العصيان ‪ ،‬وهلذا سيدنا الشافعي ملَّا شكى إىل شيخه – أحد‬
‫أم ال‪ .‬فبهذا األدب نال الفتح قبلك ‪ ،‬صحيح ليس أذكى منك‪..‬‬ ‫شيوخه وكيع – شكى تأخر احلفظ عليه ‪َ ،‬ت ْع ِرف كيف حفظ‬
‫وليس أكثر اجتهاد ًا منك‪ ..‬لكن كان أحسن أدب ًا منك‪ ..‬فلهذا‬ ‫الشافعي ؟‍ سيدنا الشافعي إذا فتح كتاب يريد حفظه يضع يده‬
‫زاد عليك ‪،‬‬ ‫عىل الصفحة الثانية خشية أن حيفظها قبل األوىل من قوة حافظته‬
‫ولهذا يقول �سيدنا ال�شافعي اجعل علمك ملح ًا‪ ..‬وأدبك‬ ‫ال حيتاج نظر أو ً‬
‫ال ‪ ،‬وتكرير‬ ‫‪ ،‬ففي يوم شعر بتأخر احلفظ قلي ً‬
‫دقيق ‪ ،‬الدقيق الذي حيصل به طبخ اخلبز ‪ ،‬دقيق كثري وقليل ملح‬ ‫فشكى إىل سيدنا وكيع شيخه ‪ .‬فقال ‪ :‬يا حممد بن إدريس احذر‬
‫يكفي‪ ..‬فيصري طيب ًا ‪ ،‬فإذا عكست وجيت بملح كثري ودقيق قليل‬ ‫املعايص والذنوب ‪َّ ،‬‬
‫فإن العلم نور والنور ال يعطيه اهلل للعصاة‬
‫ما تقدر تأكل هذا ‪ ،‬هذا مالح زايد عىل احلد ‪ ،‬ولذا قال بعض‬ ‫‪ .‬فأنشأ البيتني قال ‪:‬‬
‫تالمذة اإلمام مالك إين درست عىل اإلمام مالك عرشين سنة ‪،‬‬
‫ش��ك��وت إىل وك���ي��� ٍع س���وء حفظي‬
‫كان ثامين عرشه سنة يف األدب وسنتني يف العلم ‪ ،‬ثامين عرشه يف‬ ‫ف����أرش����دين إىل ت�����رك امل���ع���ايص‬
‫األدب وسنتني يف العلم ‪ ،‬قال فلام مات مالك ندمت وددت أين‬
‫‪81‬‬ ‫حما�ضرات العلم‬ ‫‪80‬‬

‫أن تعرفوا أنتم أين‪..‬؟ ومن أنتم‪..‬؟ وما املراد منكم‪..‬؟ وشدة‬ ‫جعلتها كلها يف األدب ‪ ،‬ألن العلم أجد من آخذه منه غري مالك‬
‫حاجة أهليكم وأرسكم وبلدانكم إليكم‪ ..‬وحاجة دولتكم‪..‬‬ ‫أحصله يعطي ‪ ،‬هذا نور األدب‪..‬‬
‫‪ ،‬لكن اآلداب مثل مالك من ِّ‬
‫وحاجة املسلمني اليوم‪ ..‬وحاجة أهل الرشق والغرب مسلمني‬ ‫ورس األدب‪ ..‬فلذلك قال سيدنا الشافعي عليه رضوان اهلل‬
‫وكفار كلهم واهلل حمتاجون للمسلك القويم‪ ..‬واملنهج العظيم‬ ‫الذي كان ِم ْن حرصه عىل األدب وزهادته يقول ‪ :‬أصفح الورق‬
‫‪ ،‬ومن يبينه هلم عىل الوجه الصحيح ‪ ،‬فقوموا بحق األمانة‪..‬‬ ‫بني يدي مالك صفح ًا رقيق ًا لئال ُيسمع وقعها ‪ ،‬قال ماحد يسمع‬
‫وحق هذه الرسالة ‪ ،‬أسأل اهلل أن يقذف يف قلوبكم أنوار العلم‬ ‫حس الورق ملَّا أفتحها قدَّ ام اإلمام مالك ‪ ،‬من أدبه يف جملس‬
‫‪ ،‬وأنوار الفهم ‪ ،‬وخيرجنا من ظلامت الوهم ‪ ،‬ويرزقنا اآلداب‬ ‫العلم مع اإلمام ريض اهلل تعاىل عنه وأرضاه ‪ ،‬ويقول ما تركت‬
‫الق ‪ ،‬ينظمنا يف سلك‬‫واألخالق ‪ ،‬وجيعلنا متبعني حلبيب اخل َّ‬ ‫ُغسل اجلمعة سفر ًا وال حرضا ‪ ،‬انظر احلرص عىل اآلداب ‪،‬‬
‫الصاحلني ‪ ،‬ويرعانا بام رعى به املقربني واحلمد هلل رب العاملني ‪.‬‬ ‫كان جيزِّ يء الليل ثالثة أجزاء جزء للقرآن‪ ..‬والقيام‪ ..‬وجزء‬
‫للعلم‪ ..‬وجزء للنوم‪ – ..‬ريض اهلل عنه – إذا جاء رمضان َله‬
‫* * *‬
‫ختمة بالليل‪ ..‬وختمة بالنهار ‪ ،‬ختمة بالليل‪ ..‬وختمة بالنهار‪..‬‬
‫ستني ختمة يف رمضان ‪ ،‬فكيف جيي طالب علم ماله َتد ْبر يف‬
‫القرآن يعدِّ ي أسبوع ما يقرأ القرآن‪ ..‬أسبوعني ما يقرأ القرآن‪..‬‬
‫ويقول أنا طالب علم ‪ ،‬كان شيخ شيوخنا احلبيب عبد اهلل بن‬
‫عمر الشاطري يقول للطلبة يف الرباط يف تريم ال ُيسمى طالب‬
‫علم من ليس َل ُه قيام يف الليل‪ ..‬ال ُيسمى طالب علم من ليس َله‬
‫قيام يف الليل ‪ ،‬الذي ما يقوم يف جوف الليل يبكي لربه‪ ..‬ما هذا‬
‫بطالب علم ‪ ،‬وال َيصح أن يسمى طالب العلم ‪ ،‬فهكذا ينبغي‬
‫‪83‬‬ ‫حما�ضرات العلم‬ ‫‪82‬‬

‫وجدوه ‪ ،‬هذا السبيل لتحصيل هذا العلم املقصود منه وراء‬


‫‪ .2‬محاضرة في مدرسة الهدى‬
‫املقصود من حتصيل هذا العلم قيام منهج السلوك والسري إىل‬
‫اهلل تبارك وتعاىل ‪ ،‬فام املقصود أن يحَ َ‬
‫صل جمرد العلم ‪ ،‬فإن العلم‬
‫بماليزيا‬
‫صناعة يتقنها الرب والفاجر ‪ ،‬العلم صناعة يحُ صلها من يقرب‬ ‫وجزى اهلل احلبيب مشهور بن حفيظ خري اجلزاء عىل ما نبهنا إىل‬
‫من اهلل ومن يبعد والعياذ باهلل تبارك وتعاىل ‪ ،‬لكن املقصود‬ ‫املقصود من إقامة املدرسة‪ ..‬وإقامة التدريس‪ ..‬وإقامة املناهج‪..‬‬
‫جناح العمل‬
‫متعلق‬
‫من هذا العلم ومن حتصيل هذا العلم أن توجد استقامة يف‬ ‫وإقامة هذه األعامل كلها‪ ..‬وإنام نجاح كل َعاِمل ونجاح كل‬ ‫باملق�صود منه‬
‫السري فيام يتعلق باآلداب ‪ ،‬وفيام يتعلق بتهذيب النفس يف‬ ‫ساعي يف مسعاه قائم عىل التفاته إىل املقصود ‪ ،‬وانتباهه واهتاممه‬
‫القيام هبذه التعاليم النبوية التي هي أحق أن ترى يف مدارس‬ ‫من مقصود هذا العمل واملسعى ‪ ،‬فإذا كان منتبه من القصد‪..‬‬
‫اإلسالم ‪ ،‬أحق أن ترى يف حمالت التعليم واضحة جلية ‪ ،‬فهناك‬ ‫وملتفت إليه‪ ..‬وعامل عىل حتصيله‪ ..‬أدى ذلك إىل النجاح‬
‫موطنها‪ ..‬وهناك حملها‪ ..‬وكل هذا املذكور مقصود إىل يشء آخر‬ ‫وحصول الثمرة وحصول النتيجة من ذاك العمل ‪ ،‬وإذا ضعف‬
‫سنستعرضه اآلن ‪.‬‬
‫التفاته إىل املقصود مضت األيام وربام َك ُث ْ‬
‫رت األعامل ومل حتصل‬
‫ثمرة العلوم‬
‫والأعمال‬ ‫وهذه العلوم كلها‪ ..‬ثم األعامل التي أرشنا إليها‪ ..‬يكون‬ ‫النتيجة كام ُي ْطلب ‪ ،‬ومل يصل إىل الثمرة كام ينبغي ‪ ،‬إذ ًا فال بد من‬
‫اخل�شية من‬ ‫املقصود منها أن ُتثمر صفات باطنية قلبية يف حمل نظر الرب إلينا‬ ‫االلتفات إىل املقصود واالنتباه منه ‪.‬‬
‫اهلل‬
‫‪ ،‬يمكن أن يكون لنا أي جمال بأي شكل من األشكال يف خمتلف‬ ‫ُ‬
‫وكلنا نعلم أن املباين ألجل املدارس‪ ..‬ثم املناهج فيها‪ ..‬ثم‬
‫األحوال لكن نظر اخلالق الكبري املتعال ماهو إال إىل هذا القلب‬ ‫املعلمني والدارسني القائمني عليها كل ذلك وسيلة إىل حتصيل‬
‫‪ ،‬فكل هذه العلوم واألعامل ُتثْمر نتيجة وسط القلوب واألفئدة‬ ‫حقيقة علم يف املتلقني والطالبني والدارسني ‪ ،‬كام أشار احلبيب‬
‫من صفات حمبوبات للرب مع التنزه عن الصفات املذمومة ‪،‬‬ ‫مشهور إىل أن غاية جهد املتربعني واملتصدقني واملدرسني‬
‫وإىل هذا اإلشارة بقول اهلل تعاىل يف قرآنه ‪( :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫والقائمني ينصب عىل الطالب‪ ..‬عىل املتلقني‪ ..‬ما حصلوا وما‬
‫‪85‬‬ ‫حما�ضرات العلم‬ ‫‪84‬‬

‫ال����ع����ل����م خ���ـ���ش���ي���ـ���ـ���ة ك��ل��ه‬ ‫ﯢ ﯣ) [فاطر‪ ]28:‬لو مل يكن املقصود من هذا العلم والعمل‬
‫ال������ع������ل������م ب�������األع���م���ال‬ ‫به حتصيل هذا الوصف القلبي الذي هو مظهر اخلشية من‬
‫ول�������ي�������س ب��������األق��������وال‬ ‫اهلل تبارك وتعاىل ‪ ،‬والتي إذا جاءت اجتمعت مجيع الصفات‬
‫ول�������ي�������س ب��������األق��������وال‬ ‫املحمودة الباقية ‪ ،‬لو مل يكن هذا املقصود ملا جاءت هذه اآلية‬
‫فتحصيل الصفات القلبية املحبوبة للرب هو مقصود العلم‬ ‫(ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) فكل عامل قدره يف العلم عىل‬
‫والعمل مع ًا ‪ ،‬مقصود العلم والعمل معا حتصيل هذه الصفات‬ ‫وجه الصورة والظاهر بحسب ما يتسع فيه ويطلع عليه ‪ ،‬لكن‬
‫وهلا مقصود سنذكره ‪.‬‬ ‫قدره يف العلم عىل وجه احلقيقة بحسب ما َي ْع َلق و َي ْر َسخ يف قلبه‬
‫من خشية اهلل تبارك وتعاىل ‪ ،‬ومن هنا جاءنا يف األثر ( ر� ُأ�س‬
‫ويف االهتامم بتحصيل هذا املقصود يقول لنا بعض تالمذة‬
‫خمافة اهلل ) ومن ُقطع منه الرأس ماذا يبقى عنده ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫احلكمة‬
‫اإلمام مالك – عليه رضوان اهلل – إين جلست مع اإلمام مالك‬
‫فرأس احلكمة خمافة اجلبار ‪ ،‬فإذا ذهب اخلوف فام عند الناس إال‬
‫عرشين سنة فكان منها ثامنية عرش سنة يف األدب وسنتان يف‬
‫صورة للعلم ال تنفع الرأس مقطوع منها ‪ ،‬فال بد من احلرص‬
‫العلم ‪ ،‬ثم قلت ليتني جعلت العرشين كلها يف األدب ألن‬
‫عىل هذا الرأس ‪ ،‬فإذا صلح الرأس فليس عىل اجلسد من بأس ‪،‬‬
‫العلم يتلقى عن مالك وغري مالك‪ ..‬ولكن اآلداب العظيمة‬
‫فالشأن شأن هذا الرأس‪ ،‬ومن هنا قال اإلمام عبد اهلل بن حسني‬
‫املورثة التي تتقدم يف القلوب تتلقى عن الرجال ‪ ،‬وتتلقى عن‬
‫بن طاهر عليه رمحة اهلل يف منظومته ‪:‬‬
‫خواص من أولئك أهل الصدق مع اهلل سبحانه وتعاىل ‪ ،‬فهذا‬
‫الشأن‪ ..‬وهلذا وجدنا اإلمام الشافعي – رمحة اهلل عليه – ملا‬ ‫ي�����ع�����رف ب����������ذاك أه���ل���ـ���ه‬
‫وصل عند اإلمام مالك إمام دار اهلجرة يف املدينة املنورة أخذ‬ ‫ي������زك������و وب���������األح���������وال‬
‫من أول يوم يستقي رشب اآلداب من مظهر اإلمام مالك‪ ..‬من‬ ‫وك����������ث����������رة اجل�������������دال‬
‫تعظيم اإلمام مالك للعلم‪ ..‬وهناك منصة يف املسجد النبوي ال‬ ‫وك����������ث����������رة اجل�������������دال‬
‫‪87‬‬ ‫حما�ضرات العلم‬ ‫‪86‬‬

‫املق�صود من‬ ‫ثم املقصود من وجود هذه اآلداب والصفات املحبوبة عند‬ ‫جيلس عليها إال حلديث النبي حممد صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬فإذا‬
‫العلم والعمل‬
‫وال�صفات‬
‫الرب تبارك وتعاىل ‪ ،‬ورسوخها يف القلب ‪ ،‬وثبات القدم عىل‬ ‫جلس كان احلال كام قال اإلمام الشافعي كنت أصفح الورقة‬
‫املحمودة هو‬ ‫االستقامة ‪ ،‬كل ذلك أيض ًا وسيلة إىل املقصود وهو رضوان‬ ‫بني يدي اإلمام مالك صفح ًا رقيق ًا لئال ُي ْس َمع وقعها ‪ ،‬ما ُيسمع‬
‫ر�ضوان اهلل‬
‫اهلل تبارك وتعاىل ‪ ،‬واحللول يف دار كرامته ‪ ،‬يف مرافقة أنبيائه‬ ‫ِح ُّس الورقة يف جملس اإلمام مالك عليه رضوان اهلل‪ ،‬كذلك‬
‫تعالى‬
‫ورسله ‪ ،‬ولن حيصل إال ملن حسنت خامتته ومن مات عىل‬ ‫كانت جمالسهم يف العلم ألهنا نتيجة عن جمالس قوم قبلهم‬
‫حسن اخلامتة ‪ ،‬وهذا املقصود األعظم املشار إليه بقول اهلل ملا أن‬ ‫وهم الصحب األكرمون ‪ ،‬إذا جلسوا بني يدي النبي كأنام‬
‫ذكر اجلنة (ﯰ ﯱ ﯲ) [آل عمران‪ ]15:‬هذا غاية ما يتأتى‬ ‫عىل رؤوسهم الطري‪ ..‬كأنام عىل رؤوسهم الطري‪ ..‬حتى يقول‬
‫إليه قصد اخلالئق وهو املقصد األسمى األعظم ‪ ،‬ولنا ألجل‬ ‫تلميذ اإلمام الشافعي الربيع – عليه رضوان اهلل – ما اجرتأت‬
‫حتصيله وسائل كبرية ‪ ،‬كام أننا ال نقدر عىل حتصيل العلم إال‬ ‫أرشب املاء والشافعي ينظر إيل هيبة َله‪ ..‬ما اجرتأت أرشب املاء‬
‫واألساس األول وجود املدرس‪ ..‬وجود املعلم‪ ..‬وجود املكان‬ ‫والشافعي ينظر إيل هيبة َله‪ ..‬رضـي اهلل تعاىل عنهم وأرضاهم‪،‬‬
‫للتدريس‪ ..‬وهذا قد حصل عندكم بحمد اهلل تبارك وتعاىل ‪،‬‬ ‫وملا كان يوم من األيام يقرأ احلديث سيدنا اإلمام مالك يلقيه‬
‫واملدرس‪ ..‬ومكان التدريس‪ ..‬يوجد بوسيلة وجود املتربع‪..‬‬ ‫امحر وجهه ‪ ،‬وبعد إلقاء احلديث ومتام الدرس قال‬
‫عىل الناس ّ‬
‫وجود املنفق‪ ..‬وجود الراغب يف هذا اخلري املهتم به‪ ..‬وهذا كله‬ ‫انظروا ماذا يلسعني ‪ ،‬فقاموا فوجدوا عقرب قد لسعه ستة‬
‫قد حصل بحمد اهلل تبارك وتعاىل ‪ .‬حتصيل اآلداب واألخالق‬ ‫عرش لسعة يف ظهره ‪ .‬قالوا ‪ :‬أال تنبئنا من أول ما أحسست به‪.‬‬
‫ما يحَ ُْصل إال باجتامع قلب املدرس والطالب عىل هذا املقصد‬ ‫قال‪ :‬كنت يف حديث رسول اهلل فال أقطعه ألجل هذا ‪ ،‬فانظر‬
‫واجلهة إليه ‪ ،‬ثم النتيجة احلاصلة لكل ذلك من ثبات ورسوخ‬ ‫ما وصل هبم من اآلداب واألوصاف القلبية التي ظهرت هبذا‬
‫الصفات الصاحلة يف القلب ال يتم إال إذا قمنا عىل قاعدة املحبة‬ ‫املظهر الرائق ريض اهلل تعاىل عنهم ‪.‬‬
‫الصادقة هلل ورسوله وللصحابة وأهل البيت الطاهر ‪ ،‬إذا متكنت‬
‫‪89‬‬ ‫حما�ضرات العلم‬ ‫‪88‬‬

‫اهلل القائمني‪ ..‬جزى اهلل املدرسني‪ ..‬جزى اهلل املعلمني‪ ..‬جزى‬ ‫ودرس املدرس عىل أساسها ‪ ،‬واستمع‬
‫املحبة من هذه القلوب ّ‬
‫اهلل املديرة‪ ..‬جزى اهلل املتربعني‪ ..‬جزى اهلل املهتمني‪ ..‬وأهل‬ ‫الطالب عىل أساسها تسارعت الصفات احلسنة إىل هذا القلب‬
‫القلوب التي هتتم هبذا اخلري ‪ ،‬ومجعنا وإياكم عىل املقصود‬ ‫وانحدرت إليه من كل جانب ورسخت وثبتت ‪ ،‬وإذا فقدنا‬
‫األعظم ‪ ،‬وهو طلب رضوانه األكرب جل جالله وتعاىل يف عاله‪،‬‬ ‫رابطة املحبة هذه انفصلنا عن املعدن‪ ..‬انفصلنا عن األصل‪..‬‬
‫فتهيؤوا لذلكم بالصدق واإلخالص والوجهة إىل احلق تبارك‬ ‫الذي ما انتقلت الصفات الصاحلة منه صىل اهلل عليه وسلم‬
‫وتعاىل ‪ ،‬وأن املقصود من الدرس الذي تدرسونه ومن املجيء‬ ‫إىل قلوب أصحابه ومن بعدهم إال به‪ ..‬بحبل املودة واملحبة‬
‫إىل هذه املدرسة اجتامعكم يف دار الكرامة‪ ..‬يف مستقر الرمحة‪..‬‬ ‫والرابطة ‪ ،‬وألجل هذا الرس نزل قول اهلل تعاىل ‪( :‬ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫يف الفردوس األعىل‪ ..‬ويف ظل عرش الرمحن يوم ال ظل إال ظله‬ ‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الشورى‪ ]23:‬احفظوا يا أمة نبيي مودة‬
‫هذا هو املقصود ‪ ،‬إذا التفتم هلذا املقصود وانتبهتم منه انساق‬ ‫قلوبكم آلل نبيي‪ ..‬وقربى نبيي‪ ..‬تبقون حمط ًا لورود الصفات‬
‫اخلري إليكم وحصلتم عىل املراد‪ ..‬فاحلمد هلل‪.‬‬ ‫الصاحلة إليكم‪ ،‬وال تنفصلوا عن املحبة َف ُت ْ‬
‫قطعوا عن حقائق‬
‫الصفات ‪ ،‬فال ينفعكم الصور بال أرواح ‪ ،‬وال تنفعكم األجسام‬
‫ومن املظاهر احلسنة الطيبة يف حتقيق هذه املقاصد وجود‬
‫بال أرواح ‪ ،‬وال تنفعكم الظواهر بال حقائق ‪ ،‬وال تنفعكم احلس‬
‫املصىل بينكم يف هذه املدرسة ‪ ،‬وختصيص مكان من أجل إقامة‬
‫بال معنى ‪ ،‬خذوا األمر بروحه وبمعناه وبحقيقته فبواسطة هذه‬
‫الصالة‪ ،‬ومن أجل أدائها عملي ًا ‪ ،‬ومالحظة املدرسني الطلبة‬
‫املحبة تقوم األمور كام ينبغي وكام يليق ‪ ،‬وإن شاء اهلل هذا‬
‫فيها ‪ ،‬ومالحظة املدرسات الطالبات فيها كيف يصلون ‪ ،‬وهي‬
‫حاصل لديكم‪ ..‬ونرتقب حصول الثمرات الكبرية والتعاون‬
‫عامد دينهم وإذا قام العامد قام بقية الدين ‪ ،‬حتى يف اآلخرة أول‬
‫عىل ذلك ‪ ،‬وأنتم أفراد من أمة عظيمة هي أمة النبي حممد ‪ ،‬بقيام‬
‫سؤال عن الصالة إن وجدت تامة ُقبلت وسائر العمل‪ ،‬وإن‬
‫هذه األشياء فيكم حيصل صالح يف األمة املحمدية‪ ،‬حيصل‬
‫وجدت ناقصة ُردت وسائر العمل بعد ذلك يكون مردود ‪ ،‬هذا‬
‫خري يف األمة املحمدية ‪ ،‬حيصل دفع لرشور ولباليا‪ ،‬فجزى‬
‫مظهر مبارك ‪.‬‬
‫‪91‬‬ ‫حما�ضرات العلم‬ ‫‪90‬‬

‫والتقوى‪..‬‬ ‫املظهر الثاين‪ ..‬املحافظة عىل الزي الالئق املناسب للبنات‪،‬‬


‫وهن من طفولتهن وصغرهن يأتني بزي يرمي إىل احلشمة‬
‫وبعد أن يرتجم لكم هذا‪ ..‬من أجل هذه الرابطة أيض ًا‪ ..‬نستمع‬
‫ُيشري إىل األدب‪ُ ..‬يشري إىل احلياء‪ ..‬يشري إىل أخالق اإلسالم‪..‬‬
‫من الطالب يقرؤون لنا مجيع ًا بصوت واحد فاحتة الكتاب ‪،‬‬
‫وإذا مل يرسخ هذا يف قلوب بناتنا وهن صغار كان ذلك سبب‬
‫والتشهد نسمعه أيض ًا منهم ‪ ،‬ويؤخذ هذا بالسند ففاحتة الكتاب‬
‫يف حصول رشور كبرية يف الكرب إذا َكبرُ ن ‪ ،‬ولكن من الصغر‬
‫والتشهد سمعها حبيبنا مفتي تريم احلبيب مشهور من كثري من‬
‫إن كان عندنا تشبه نحبه بأحد‪ ..‬فبفاطمة الزهراء‪ ..‬بخدجية‬
‫الشيوخ ممن قبله ‪ ،‬وهم سمعوا ممن قبلهم ‪ ،‬وهم سمعوا ممن‬
‫الكربى‪ ..‬بعائشة الرىض‪ ..‬بأولئك الصحابيات أما تكون بنت‬
‫قبلهم إىل أن ينتهي السمع إىل السامع من فم النبي حممد صىل اهلل‬
‫مسلم تتشبه بنرصانية‪ ..‬تتشبه بيهودية‪ ..‬تتشبه بكافرة‪ ..‬فهذا ال‬
‫عليه وسلم من ِق َب ْل الصحابة األكرمني ريض اهلل عنهم ‪.‬‬
‫يليق برشف اإلسالم ‪ ،‬ال يليق برشف االنتساب للكتاب العظيم‬
‫وال لسنة املصطفى صىل اهلل عليه وصحبه وسلم ‪ ،‬وهو القائل‬
‫* * *‬ ‫‪ (( :‬من ت�شبه بقوم فهو منهم )) فاهلل يبارك لكم يف هذه‬
‫املظاهر ‪ ،‬وحيفظ لكم ما فيها من جواهر ‪ ،‬وجيعلنا وإياكم من‬
‫أهل الصدق واإلخالص واحلقيقة واإلنابة ‪ ،‬ويبارك يف هذه‬
‫الصفات الروحية التي أشار إليها احلبيب مشهور يف تلقي العلم‬
‫وتلقي الدين ‪ ،‬وما كان بني القائمني وبني الواردين يف السابق‬
‫من حرضموت ومن غريها وما بينهم أيض ًا من سلسلة السند‬
‫وسلسلة النسب إىل املصطفى حممد صىل اهلل عليه وصحبه‬
‫وسلم فاهلل حيفظ علينا وعليكم حقائق اإليامن واليقني‪ ..‬والرب‬
‫‪93‬‬ ‫حما�ضرات العلم‬ ‫‪92‬‬

‫مشهور بن حممد بن سامل بن حفيظ ‪ ،‬يف هذه اللحظات التي‬


‫‪ .3‬محاضرة في المدرسة‬
‫التقينا وإياكم فيها يف هذه املدرسة مع هوالء والوفد الذين‬
‫جاءوا معهم ‪ ،‬نحب أن نلتفت إىل أصل من األصول التي‬
‫‪1‬‬
‫الجنيدية باندونيسيا‬
‫ننطلق عليها يف حياتنا‪ ،‬وعىل أساسها يف أخذ هذا العلم وفيام‬ ‫احلمد هلل الذي أكرمنا وإياكم باالنتامء لإلسالم‪ ،‬الذي هو دين‬
‫دعينا إليه من العمل به ومن تعليمه ‪ ،‬لنرى يف أي املواقع واملنازل‬ ‫احلق الذي ال حق سواه قال تعاىل (ﭸﭹﭺﭻﭼ)‬
‫نحن ويف هذه احلياة وهذا الكون الذي نعيش فيه ‪ ،‬لنكون ممن‬ ‫[آل عمران‪ ]19:‬وبذلك كنا يف مجلة هذا اخللق‪ ..‬وهذا الوجود‪ ..‬وهذا‬
‫يأخذ العلم عىل بصرية‪ ..‬ويعمل به عىل بصرية‪ ..‬ويدعو به إىل‬ ‫الكون ا ُملبدع‪ ..‬يف منزلة اتفقت مع احلكمة العظمى من خلق‬
‫اهلل عىل بصرية منرية (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫هذا الوجود وإنشاء هذا الكون‪ ،‬وبذلك يكون العلو وارتفاع‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [يوسف‪ُ ]108:‬م ْوجدُ هذا الوجود احلق املوجود جل‬ ‫الدرجة ‪ ،‬ونرجو يف هذه الساعة املباركة التي يرس اهلل تبارك‬
‫جالله يقول معظ ًام لذاته العلية ومنزه ًا لصفاته السنية ‪ :‬بسم اهلل‬ ‫وتعاىل فيها اللقاء بيننا وبينكم‪ ،‬ومعنا رموز العلم والصالح‪..‬‬
‫الرمحن الرحيم (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ)‬
‫واإلصالح والدعوة إىل اهلل‪َ ..‬منصب الشيخ أيب يكر بن سامل‬
‫[امللك‪ ]1:‬تبارك الذي بيده امللك‪ ..‬وهنا نقف عىل ميزان صحيح من‬ ‫وهو الذي يقوم يف مقام اخلدمة للمواريث التي خلفها صاحب‬
‫النظر إىل معاين ا ُمللكية ‪ ،‬وهيبة امللوك‪ ،‬لننزل األشياء يف منزهلا‬ ‫املقام جده اإلمام الشيخ أيب بكر بن سامل عليه رضوان اهلل ‪ ،‬فهو‬
‫ري ٍ‬
‫فان زائل‪ ،‬ونأخذ‬ ‫ونخرج من قلوبنا كل تعظيم ٍ‬
‫مللك حق ٍ‬
‫يف حرضموت رمز من رموز اإلصالح‪ ..‬والنفع والسعي يف‬
‫مسألة العظمة باالتصال بصاحب امللك القوي األبدي الدائم‪،‬‬ ‫التقريب والتأليف بني الناس‪ ..‬والكرم واألخالق والفضائل‪،‬‬
‫(ﮇ ﮈ‬ ‫(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ)‬
‫[امللك‪]1:‬‬
‫ورمز للعلم والعمل والدعوة إىل اهلل تبارك وتعاىل احلبيب املفتي‬
‫[آل عمران‪]26:‬‬ ‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ)‬
‫((( كانت هذه اجللسة بحضور احلبيب املنصب حسن بن أمحد بن عيل ابن الشيخ أيب‬
‫فام بقي شأن امللوك يف الدنيا واآلخرة إال مرصفني بيد قدرة‬ ‫بكر بن سامل من عينات واحلبيب العالمة مفتي تريم عيل املشهور بن حممد بن سامل بن‬
‫حفيظ – األخ األكرب للحبيب عمر بن حفيظ ‪.‬‬
‫‪95‬‬ ‫حما�ضرات العلم‬ ‫‪94‬‬

‫ﭦ ﭧ) إذا علمنا ذلك ألتفت نظرنا إىل أن ندرك من نحن يف‬ ‫امللك احلق وإذا أدركنا هذا وعرفنا هذا بدأنا نعرف من نحن ‪،‬‬
‫املدارس اإلسالمية ‪ ،‬من نحن يف أخذ علم اإلسالم والرشيعة‪،‬‬ ‫وما معنى الدراسات اإلسالمية ‪ ،‬وما معنى املدارس اإلسالمية‬
‫هنا مرتبة السفارة بني اخلالق واخللق‪ ..‬بني احلق والعباد‪ ..‬بني‬ ‫‪ ،‬وما معنى اللقاءات بالعلامء وبأهل الصالح ‪ ،‬ما موقعهم يف‬
‫واقع احلياة ونور الذي حيي ويميت‪ ..‬السفارة يف هذا كله هي‬ ‫احلياة‪ ..‬وما منزلتهم فيها‪ ..‬ما دورهم ما واجبهم‪ ..‬فإن جهد‬
‫مكانة أهل العلم إذا اخلصوا يف أخذهم العلم ونووا العمل به‬ ‫أعداء اهلل تبارك وتعاىل إبليس ومن وااله من الصادين عن‬
‫وتعليمه‪ ،‬مكانتهم مكانة هذه السفارة الكبرية ‪ ،‬ونعلم أن مكانة‬ ‫ينصب عىل قاعدة جتهيل أهل احلق بمنازهلم وأماكنهم‬
‫ُّ‬ ‫سبيل اهلل‬
‫كل سفري عىل حسب مكانة دولته ‪ ،‬ونعلم أن السفراء أيض ًا يف‬ ‫وأنفسهم ‪ ،‬وألجل هذا نسب اهلل كل ظامل عىل ظهر األرض أنه‬
‫جمال حياتنا يف جانب العلوم الطبيعية والدنيوية أحلوا أنفسهم‬ ‫(ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬ ‫ظامل لنفسه‬
‫وسيرّ وا ذلك إىل مواقفهم‪ ..‬ومواقف‬
‫منزلة اليرضون بدوهنا َ‬ ‫ﮂ) [األعراف‪ ]160:‬و َفرس نسياهنم لعظمة هذه األوامر‪ ..‬نسياهنم‬
‫يف الدولة ‪ ،‬ومواقفهم يف املجتمعات‪ ..‬ويف األمور الدائرة يف‬ ‫لعظمة هذا الدين واملنهج إىل نسيان أنفسهم‪ ،‬قال سبحانه‬
‫املجتمع ‪ ،‬لشعورهم باالعتزاز أهنم أصحاب سفارة بني الناس‬ ‫وتعاىل ‪( :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ)‬
‫وبني معلومات ‪ ،‬بني الناس وبني إرشادات يف مصالح األجساد‬ ‫وقال سبحانه وتعاىل‪( :‬ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬ ‫[احلرش‪]19:‬‬

‫ومصالح الدنيا ‪ ،‬ونقول إن كان األمر هكذا يف احلياة فيجب‬ ‫فبقي ظلم النفس ونسيان النفس‬ ‫[األعراف‪]51:‬‬ ‫ﰄ ﰅ ﰆ)‬
‫أن نرجع إىل اصل احلقيقة ‪ ،‬ونخرج من ظلامت الوهم هذه‬ ‫هو املرتكز الذي حييد به الناس عن سبيل اهلل ‪ ،‬ويقعون به يف‬
‫والتجهيل باألنفس والظلم هلا ونسياهنا‪ ..‬إىل نور إدراك أن أعىل‬ ‫ورطات الكفر والفسوق والعصيان‪ ،‬ولكن العلم ونور العلم‬
‫السفارات ما كان سفارة بني اخلالق واخللق ‪ ،‬وأعىل سفارات‬ ‫هو الذي يمزج هذه احلياة باحلقيقة التي ُخلقت احلياة من‬
‫العلوم ما كان سفارة بني العباد الذين ينشئون عىل ظهر األرض‬ ‫أجلها (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ‬
‫فيحتاجون إىل مناهج يمشون عليها‪ ..‬وبني أنوار املنهاج التي‬ ‫ﭞ) وخذ املراد واحلكمة (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫‪97‬‬ ‫حما�ضرات العلم‬ ‫‪96‬‬

‫سادة وقادة بدل سيادة وقيادة علم الرشيعة واحلق واهلدى ‪،‬‬ ‫اختارهتا هلم قدرة اإلله الذي خلق وأرسل هبا رسله وأنبياءه‬
‫إذا حصل هذا االختالل حصل فساد كبري عىل ظهر األرض ‪،‬‬
‫ول��و أن أه��ل العلم ص��ان��وه صاهنم‬
‫وحصل رش كبري يعاين الناس اليوم منه ما يعانون ‪ .‬فجدير بنا‬
‫ول��ـ��و عظموه يف ال��ص��ـ��دور لـعظام‬
‫يف هذه املدارس ويف هذه العلوم أن نرجع إىل إدراك من نحن ؟‬
‫أي لعظمهم وجعلهم معظمني بني الناس ‪ ،‬لكن إذا جاء‬
‫وما وظيفتنا ؟ وما مهمتنا؟ وما موقفنا إن جهل ذلك أعداء اهلل‬
‫جتهيل الناس بأنفسهم‪ ..‬ووصل من فئات املجتمع إىل القمة –‬
‫أو فئات يف املجتمع ‪ ،‬فلن ُنعذر نحن بجهل ذلك ‪ ،‬ولنكن نحن‬
‫التي هي السفارة العلمية بني الرسل وما بعثوا به‪ ..‬وبني االتباع‬
‫سبب ًا إلقامة هذه احلقيقة يف نفوس من حوالينا أيض ًا ‪ ،‬ونأخذ‬
‫هلم وبني من أرسلوا إليه ممن مل يتبعهم أيض ًا ومل يؤمن بعد –‬
‫جمال تعظيم الرشيعة وشعار (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫إذا وصلت إىل هذه القمة التجهيل بالنفس ونسياهنا وظلمها‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [احلج‪ ]32:‬وألجل ذلك جاء يف احلديث أن‬
‫فانحط ال َقدْ ُر صار كام ذكر الشيخ أبو احلسن الندوي عليه رمحة‬
‫وع ِل َم ُه فظن أن أحد ًا أويت خري ًا مما أويت فقد‬
‫من أخذ القران َ‬
‫اهلل يف عنوان كتاب َله ((ماذا خرس العامل بانحطاط املسلمني؟))‬
‫احتقر ما أنزل اهلل عىل حممد ‪ ،‬احتقر أعظم يشء يف الوجود ‪،‬‬
‫خرست البرشية‪ ..‬خرس العامل بام فيه‪ ..‬أوشكت عىل اهلالك‬
‫وألجل هذا ملا كان احلس واليقظة عند الناس رد املجتمع املؤمن‬
‫ُأسرَ وجمتمعات ودول إذا أصاب القمة ٌ‬
‫جهل بالنفس‪ ..‬وإدراك‬
‫معلم نيس نفسه فأرسل الطالب يقول ألبيه‪ ..‬إن اهلدية التي‬
‫عىل ٌ‬
‫للقيمة‪ ..‬ومعرفة من هم‪ ..‬ويف أي مكانة هم‪ ..‬وإذا جاء أهل‬
‫أرسلتموها يل بمناسبة ختم القران كبرية وكثرية يكفي بعضها ‪،‬‬
‫الدنايا ليقولوا نحن سادات العامل ‪ ،‬ونحن حمل اإلرشادات‬
‫فلام وصل الطالب إىل أبيه يقول األستاذ يشكرك ويقول لك إن‬
‫للخلق ‪ ،‬ونحن حمل التوجيه ‪ ،‬وابعدوا بأسامعكم عن توجيهات‬
‫اهلدية كبرية التي أرسلتها َله بمناسبة ختمي للقرآن عنده ‪ .‬قال‬
‫من يكونوا وصلة لكم بنور النبوة‪ ..‬ونور العلم‪ ..‬ونور‬
‫األستاذ يقول هكذا ؟ قال ‪ :‬يقول ‪ .‬األستاذ أرسلك هبذا؟ قال‪:‬‬
‫الرشيعة‪ ..‬ونور اإلله احلق‪ ..‬ليحل حمله مكان الوصلة بظلامت‬
‫أرسلني ‪ .‬هو كلمك هبذا ؟ قال ‪ :‬كلمني ‪ .‬قال ‪ :‬ظننت أنه كان‬
‫االنفصال عن احلق واالنقطاع عنه وعن مناهجه لنكون لكم‬
‫‪99‬‬ ‫حما�ضرات العلم‬ ‫‪98‬‬

‫القرآن ومنزلته‪ ،‬أي شئ من هذه املعاين حيصل ملن تعلم ما يعظم‬ ‫أه ً‬
‫ال ملكانته يف تعليم القرآن ‪ ،‬سأبحث لك عن معلم آخر أ ُي ْعظم‬
‫اليوم بغري حق من العلوم عىل ظهر األرض ‪ ،‬أي شئ حيصل من‬ ‫شيئا من متاع الدنيا مقابل حتفيظك القرآن ‪ ،‬واهلل لو بذلت مجيع‬
‫مت إىل صلة بذلك ‪ ،‬ال تبقى لنا يف بقية العلوم‬
‫ذلك ‪ ،‬أي شئ َي ُ‬ ‫ال مع القرآن ‪ ،‬لكن معلمك جاهل‬ ‫ما أملك ونفيس لكان قلي ً‬
‫إال النية الصاحلة يف تسخريها خلدمة هذا العلم األرشف ‪ ،‬إذا‬ ‫بقدر ما يعلم فسأبحث لك عن معلم آخر‪ ..‬ال تذهب عنده‬
‫ُسخرت تلك العلوم كلها خلدمة هذا العلم األرشف نازهلا من‬ ‫يف اليوم الثاين ‪ ،‬أريدك تتعلم من معلم يعرف قدر ما يعلمك‪،‬‬
‫رشفه هبجة ورونق ‪ ،‬وإال بقيت يف انقطاعها ال قيمة هلا وحاهلا‬ ‫يعرف قدر املكان الذي هو فيه ‪ ،‬يمتلئ قلبه بالتعظيم لترسي‬
‫كام ذكر ميزان القرآن (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ‬ ‫العظمة إىل قلبك أنت ‪ ،‬فتكون عىل ُخ ُلق عظيم وعىل دين عظيم‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) إذ ًا فهم ال يعلمون ثم قال اهلل (ﭣ ﭤ‬ ‫لتعظيمك هلذا الدين ‪ ،‬وتعظم إذ ًا ‪.‬‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الروم] إذ ًا فال علم عندهم ‪ ،‬وإنام ُ‬
‫ينال أي علم‬
‫هكذا احلس والشعور واليقظة عند املجتمعات املؤمنة بسبب‬ ‫منزلة العلوم‬

‫عىل ظهر األرض بأي صنف كان شيئا من الرشف إذا ُس ّخر‬ ‫ال�شرعية‬
‫تلكم الرتبية التي تلقوها ‪ ،‬ويف هذا أيضا يأيت عن بعض الصاحلني‬
‫خلدمة هذا العلم األرشف ‪ ،‬إذا سخرت هذه العلوم خلدمة‬
‫رؤية لرجل كان ُيرى يف قريته وقد مات يف حاالت سيئة فاشتهر‬
‫هذا العلم األرشف ‪ ،‬فأنعم هبا‪ ..‬وهلا من الثواب واملكانة بقدر‬
‫ذلك بني الناس ‪ ،‬ثم أن ذلك الصالح رآه يف حالة حسنه وحلة‬
‫ما تسخر خلدمة هذا العلم الذي َت َولىَ التقعيد َله والتبيني ُ‬
‫رب‬
‫من حلل اجلنة فعجب!! قال ‪ُ :‬يسمع عنك غري هذا يا فالن ‪،‬‬
‫العاملني ‪ ،‬ووكل بتفصيله املرسلني وخاتم النبيني سيدنا حممد‪،‬‬
‫ما فعل اهلل بك ؟ قال ‪ :‬ما سمعتم عني كان حق ًا قد كنت يف‬
‫لكن بقية العلوم وليدة ابتكار ألفكار برشية توىل الناس النظر‬
‫عذاب‪ ،‬ولكن باألمس ذهب ابني إىل معالمة القرآن فعلمه‬
‫فيها وتقعيدها وأصوهلا وبياهنا‪ ،‬فأين هي من العلم الذي توىل‬
‫املعلم بسم اهلل الرمحن الرحيم ‪ .‬قال ‪ :‬فلام نطق ابني هبا قال اهلل‬
‫بيانه رب العرش‪ ..‬والذي توىل تفصيله رسله وختمهم بسيدهم‬
‫للمالئكة ارفعوا العذاب عن عبدي فقد ذكرين ابنه بالرمحن‬
‫نبينا حممد صىل اهلل عليه وآله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫الرحيم ‪ ،‬قال ذكر اسمي وبالرمحن الرحيم فاعرف عظمة أخذ‬
‫‪101‬‬ ‫حما�ضرات العلم‬ ‫‪100‬‬

‫أو عمل أو رشكة أو جتارة أو صناعة فأنتم أوىل باإلرتباط من‬ ‫فوجب أن تعرفوا يف هذه املدارس‪ ..‬من انتم؟ وما يراد‬
‫سواكم ‪ ،‬فقد ارتبطتم برباط ال إله إال اهلل حممد رسول اهلل ‪،‬‬ ‫منكم؟ وما املطلوب وما املفروض عليكم؟ وأي حملة حتلون‬
‫لقد ارتبطتم برباط ؛ كل الرباطات دونه تتحول إىل إنفصاالت‪،‬‬ ‫يف هذا العامل الذي يضج هبذه األفكار والعجائب ؟ إذا عرفتم‬
‫ويبقى هو سبب دوام املودات (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬ ‫من أنتم ‪ ،‬وعن من أنتم سفراء ‪ ،‬وعن من أنتم رسل ‪َ ،‬أبرز ُتم‬
‫كل من اجتمع عىل غري هذه‬ ‫[الزخرف‪]67:‬‬ ‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ)‬ ‫إىل هذه احلياة نور ًا يف الوجود جيعل األفكار تلتفت وتنظر إىل‬
‫التقوى فهم بعضهم لبعض عدو يوم القيامة ‪ ،‬لكن هذا الرباط‬ ‫أن احلقيقة غري ما يتومهون وغري ما يظنون ‪ ،‬ويعلمون نربات‬
‫الذي جاء لكم بمنصب الشيخ أيب بكر من حرضموت ‪ ،‬وجاء‬ ‫الصدق واإلخالص واحلق فيام تدعوهنم إليه وتدلوهنم عليه ‪،‬‬
‫لكم بمفتي تريم من تريم وحرضموت إىل هذا املكان ‪ ،‬وأحرض‬ ‫ٍ‬
‫وحينئذ ننقذ األمة من‬ ‫كام ذكر احلبيب مشهور بالفعل وبالقول‬
‫عندكم أمثال الشيخ عبد املقصود‪ 1‬هبذا الشعور الرقيق‪ ..‬وهذه‬ ‫ورطات كبرية ‪ ،‬وقعوا فيها بعد َغ َي ْ‬
‫اب هذه املعاين من قلوهبم‬
‫الروح الفياضة يف معاين الوالء واملودة واملحبة ‪ُ ،‬‬
‫وأحب أن أختم‬ ‫ويعود إىل اإلسالم هبجته بعود البهجة‬
‫ُ‬ ‫ونفوسهم وصدورهم ‪،‬‬
‫كلمتي باإلشارة لكم والتنبيه القوي‪ ..‬أن أساس املعرفة هبذه‬ ‫إىل حمُ اله ‪ ،‬إذا عادت هبجته إىل حمُ اله عادت هبجته يف الوجود‬
‫العظمة واحتالل املنزلة التي جيب أن حيتلها املؤمنون والعلامء‬ ‫أمام أعداءه ومن يعانده‪ ،‬فهكذا هو السبيل ألن نعرف الواجب‬
‫قائمة عىل أساس هو املحبة الصادقة هلل ورسوله ‪ ،‬وبضعف هذه‬ ‫واملهمة العظمى علينا‪.‬‬
‫املحبة هلل ورسوله وأهل بيته والصحابة والصاحلني تضعف‬
‫فاحلمد هلل عىل هذا االجتامع وهذا اللقاء هبوالء القوم الكرام‬ ‫قوة الإرتباط‬
‫الروابط ‪ ،‬وإذا ضعفت الروابط مل تقم القيمة عىل وجهها ‪،‬‬ ‫بني �أهل ال �إله‬
‫وهذه الرموز – كام أرشنا – التي جاءت من حرضموت إىل هذا‬
‫ٍ‬ ‫ومل حيصل البناء عىل َأ ُشده وأسسه ‪،‬‬
‫�إال اهلل‬
‫وحينئذ حيصل االختالل‬
‫املكان تقول لكم‪ ..‬إن الرابطة التي ربطت بينكم يف سموها‬
‫الكبري‪ ..‬فاحلمد هلل عىل وجود هذا اخلري‪ ..‬واهلل يقوي لنا ولكم‬
‫وعلوها تأيت بالناس من أقىص املشارق واملغارب فإن ربطت‬
‫بني الناس رباطات من أجل االجتامع عىل أي مبدء أو فكرة‬
‫((( شيخ من مرص يدرس بتلك املدرسة ‪.‬‬
‫‪102‬‬

‫املحبة هلل ولرسوله (( وال ي�ؤمن �أحدكم حتى �أكون �أحب‬


‫�أليه من والده وولده والنا�س �أجمعني )) ومن أحب هلل‪..‬‬
‫وابغض هلل‪ ..‬وأعطى هلل‪ ..‬ومنع هلل‪ ..‬فقد استكمل حقيقة‬
‫اإليامن ‪.‬‬

‫اللهم ارزقنا استكامل حقيقة اإليامن ‪ ،‬وبارك يف هذه املدرسة‬


‫وزدها خريات وزدها بركات واجعل الطلبه فيها يف اقباالت‬
‫صادقات ‪ ،‬ويف قبول منك ويف توفيقات من عندك ملا حتبه‬
‫وترضاه حتى يكونوا نور ًا مرشق ًا بنور القرآن والسنة التي بعثت‬
‫هبا املصطفى املجتبى حممد صىل اهلل عليه وعىل آله وصحبه وسلم‪،‬‬
‫ترسخ قلوهبم يف املحبة‪ ..‬ويلحقون بركب األحبة‪ ..‬وينرشون‬
‫أنوارها بني اخلالئق‪ ..‬لتنجيل الظلمة‪ ..‬وترتفع النقمة‪ ..‬وحتل‬
‫الرمحة‪ ..‬وتبسط النعمة‪ ..‬برمحتك يا أرحم الرامحني وجودك يا‬
‫أجود األجودين ‪ ،‬وصىل اهلل عىل املجتبى املصطفى حممد وآله‬
‫وصحبه وسلم واحلمد هلل رب العاملني ‪.‬‬

‫* * *‬
‫مكتب النور‬
www.alnoorpub.com
alnoorpublisher@gmail.com

You might also like