You are on page 1of 159

‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫المقدمة‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫الحمد لله وحده والصلة والسلم على من‬


‫وبعد ‪:‬‬ ‫ل نبي بعده‬
‫فهذا الكتيب يحوي بشرى للمستضعفين في‬
‫الرض المحتلة خاصة وللمسلمين عامة ‪.‬‬
‫ولكنه لم يكتب ليبشرهم فإن في كتاب اللــه‬
‫وسنة رسـوله ‪ ‬مـن المبشــرات الكـثير ‪ ،‬ومـا‬
‫عـــدا ذلـــك منــــها لــــه حـــدوده وضـــوابطه ‪،‬‬
‫فالمضــمون إذن ل يؤســس عقيــدة للمســلمين‬
‫‪-‬كما قــد يظــن بعــض القــراء مــن أهــل الكتــاب‬
‫ط أســلوبا ً‬
‫والمسلمين وغيرهم– وإنما كتب ليخت ّ‬
‫في التعامل مع السس الفكرية لعدو النســانية‬
‫اللدود "الصهيونية ‪ :‬بوجهيها اليهودي والصــولي‬
‫النصراني" ذلك العــدو الــذي أشــغل الــدنيا ومل‬
‫الفضاء والورق بالحديث عن النبــوءات الكتابيــة‬
‫‪-‬لسيما بعد النتفاضة الخيرة‪.-‬‬
‫ودراسة النبوءات هي أحد مــواد البحــث فــي‬
‫الدراسات المستقبلية إل أن النبــوءات كالفكــار‬
‫منها الصحيح ومنها الزائف ‪ ،‬ومــن حــق القــارئ‬
‫العالمي أن يجد الرأي الخر في هــذا الموضــوع‬
‫الخطير ‪ ،‬ومن حق القارئ المســلم أن يطــالب‬
‫باستدعاء الحتياطي في هذه المعركة الطويلــة‬
‫الشرســـة ‪ ،‬والحتيـــاطي هنـــا هـــو الدراســـة‬
‫الموضــوعية للصــول العقديــة للعــدو ولنفســيته‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫وســلوكه مــن خلل مصــادره وتراثــه الــتي هــي‬


‫عماد روحه المعنوي وإيمانه بقضيته ‪.‬‬
‫وحين نفعل ذلك فإننــا فــي الحقيقــة ل نــأتي‬
‫بجديد وإنمــا هـو امتثــال للمنهــج القرآنــي الــذي‬
‫علمنــا الرجــوع إلــى المصــادر الكتابيــة لقامــة‬
‫الحجة وإلزام المفتري ‪:‬‬
‫‪ ‬قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ‪‬‬
‫مثلمــا علمنــا أنهــم كتمــوا الحــق وألبســوه‬
‫بالباطل وهم يعلمون‪.‬‬
‫وإذا كانت عدالة القضية هــي أســاس الــروح‬
‫المعنوية للمقاتل فــإن التــوراة ل تــدل فحســب‬
‫على أن قضية الجندي الصــهيوني غيــر عادلــة ‪،‬‬
‫بل تدل على أن من الواجب عليه أن يقاتل في‬
‫الصف المقابل ‪ ،‬كما تفــرض علــى المســتوطن‬
‫أن يعلــم أن قــدومه إلــى هــذه الرض إنمــا هــو‬
‫لستنـزال عقوبة الله وإحلل غضــبه عليــه ‪ ،‬فل‬
‫أقل مــن أن يرحــل ! وإن كــان الحــب إلينــا أن‬
‫يهتدي لنور الله ويصبح أخا ً لنا في السلم الذي‬
‫هو ملة إبراهيم ‪ ‬ويشاركنا نعمة اليمــان بكــل‬
‫كتب الله ورسله بل تفريق بين أحد منهم‪.‬‬
‫ول ينبغــي أن ينتظــر )يضضوم الغضضب( لكــي‬
‫يرحل أو يؤمن فربما ضاعت الفرصــة العظمــى‬
‫قبل ذلك اليوم أو فيه‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫إنني أنصح كل يهودي في أرضــنا المحتلــة أل‬


‫يدع التوراة حكرا ً على محترفي الكهانة ‪ ،‬الــذين‬
‫يحصــلون علــى إعفــاء مجــاني مــن الخدمــة‬
‫العســكرية بينمــا هــو يقــدم نفســه مــن أجلهــا‬
‫وأجلهم ‪ ،‬إننــي أنصــحه أن يقرأهــا ولكــن بعقلــه‬
‫ووعيـــه ل بشـــروحاتهم وتـــأويلتهم وســـيرى‬
‫الحقيقــة الــتي لبــد للعــالم كلــه أن يراهــا عمــا‬
‫قريب !!‪.‬‬
‫وليعلم أنه مهما اعتدى علينــا وقتــل أطفالنــا‬
‫وأحرق مزارعنــا وأفســد علينــا حياتنــا فإننــا لــن‬
‫نعامله إل بما شرع الله ل بمــا تشــتهي أنفســنا‪.‬‬
‫وأننا ل نريد لـــه ول لحــد مــن البشــر إل الفــوز‬
‫برضى الله والسعادة في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫أما الحساب الكامل والقصاص العادل فإنمــا‬
‫يكون يوم القيامة بين يدي الله الذي سيحاســبنا‬
‫جميعا ً على ما عملنا من خيــر أو شــر وهنــاك ل‬
‫ي أهــل‬ ‫تنفع الدعاوى ‪  :‬ليس بأمانيكم ول أمان ّ‬
‫الكتاب من يعمل سوءا ً يجز به ول يجد لـــه مــن‬
‫دون الله وليا ً ول نصيرا ً ‪.‬‬
‫إنها كلمة سواء نلتزم بهــا مــن طــرف واحــد‬
‫ونأمـــل أن يكـــون لـــدى الطـــرف الخـــر مـــن‬
‫الشجاعة ما يجعله يلتزم بها أو يحاول ‪...‬‬

‫المؤلف‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫انتفاضة رجب‬ ‫‪1‬‬


‫بعد بضع سنين قليلة فــي عمــر الزمــن لكنهــا طويلــة‬
‫ثقيلة في ليل القهــر واليــأس مــا الــذي حــدث؟ القلــوب‬
‫واجفة ‪ ،‬والبصار مشــدودة ‪ ،‬والنفــاس لهثــة ‪ ،‬عنــد كــل‬
‫إشارة إلــى خــبر عاجــل أو حــدث طــاريء ‪ ،‬والتســاؤلت‬
‫على كل شفة ‪:‬‬
‫أين‪..‬؟ من‪..‬؟ كم‪..‬؟ يهود‪ !..‬أمريكان‪!..‬‬
‫انتفاضة شهداء ‪...‬‬
‫المشــاهد تتــوالى فــي الذهــان أكــثر ممــا فــي هــذه‬
‫الفضائيات المتطورة ‪-:‬‬
‫تهاوي أوراق المفاوضات واحتراقها في لهب الغضــب‬
‫وجحيم القهر‪.‬‬
‫خزي راعي السلم الذي يعاقب الحملن الوديعة كلما‬
‫هاجمتها الذئاب الشرسة‪.‬‬
‫ذهول أصحاب السيوف الخشبية الذين كلمــا داهمهــم‬
‫العدو هرعوا يحدون أطرافها على مبارد من الثلج‪.‬‬
‫انطلقــة مقلع داود الــذي نســجته اليــدي المغلولــة ‪،‬‬
‫ووقوفه في مواجهة صواريخ جالوت‪.‬‬
‫عربات عسكرية تــتراجع أمــام حجــارة ‪ ،‬ورجــل واحــد‬
‫يقـــاوم مئات الجنـــود المـــدججين بأحـــدث مـــا أنتجتـــه‬
‫التكنولوجيا المريكية‪.‬‬
‫وحشية إسرائيل التي فضــحت أصــدقاءها المــوالين ‪،‬‬
‫وأحرجت أخدانها المتســترين ‪ ،‬وقــذفت بــالمترددين إلــى‬
‫صفوف العداء الصرحاء‪.‬‬
‫إجماع إسلمي ل نظير له مضضن قبضضل علضضى أن‬
‫الحل هو الجهاد !!‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫ذلــك مــا نطــق بــه الرؤســاء والعلمــاء والمفكــرون‬


‫الســتراتيجيون والقــادة الشــعبيون والخطبــاء والعامــة‬
‫الميون الرجال والنساء والطفال‪.‬‬
‫الكل اجتمعوا على هذه الكلمــة الــتي مــا وقــرت فــي‬
‫الذن إل ونفذت إلى أعماق القلب ثــم تتبعهــا تســاؤلت ‪:‬‬
‫كيف‪..‬؟ ومن أيضضن‪..‬؟ ومضضع مضضن‪..‬؟ ومضضتى‪..‬؟‬
‫وهل الحكام‪...‬؟ وهل المريكان‪...‬؟‬
‫شضضضيخ أزهضضضري رسضضضمي يصضضضرخ ‪-‬فضضضي أكضضضثر‬
‫الفضائيات صخبا ً وأوسعها انتشارًا‪ -‬ل يجدي مضضع‬
‫اليهود إل قاعدة ‪  :‬اقتلوهم حيث ثقفتموهم ‪.‬‬
‫ويسأله المذيع ‪ :‬ولكن يا شضضيخ هضضل تعنضضي القتضضل‬
‫فعل ً )أي هل تعي ما تقول ؟( وهل الزهر معك؟ ويأتي‬
‫الجواب صريحا ً باليجاب‪.‬‬
‫غضب عـارم فـي كـل مكـان ‪ ،‬وأسـاليب جديـدة فـي‬
‫الرفــض ومحــاولت جديــدة للحــل ‪ ،‬فمــا الــذي حــدث‬
‫ولماذا ؟‬
‫بعد متاهة طويلة من المفاوضات العقيمة ‪ ،‬واللقاءات‬
‫الفارغة المضمون ظهر مفهوم "السلم" عند اليهود على‬
‫حقيقتــه ‪ ،‬وولــدت الزمــة الجديــدة بيــن تفاهــة تنــازل "‬
‫الحمــائم " وعنــف معارضــة "الصــقور" فــي حيــن كــان‬
‫المحاور الخر كالشاة العائرة بين الذئبين !!‬
‫)في إسرائيل صقور وحمــائم( ذلــك مــا قيــل لنــا منــذ‬
‫رحلة السادات المشؤومة !!‬
‫دقه بعضنا لن المعهود في خلق الله كلهــم ســواء‬ ‫وص ّ‬
‫السرة ‪ ،‬القبيلة ‪ ،‬الدولة ‪ ،‬أن يكــون فيهــم طرفــا نقيــض‬
‫في أي قضية !!‬
‫ف أغــرب وأعجــب‬ ‫لكن ليس في هذه الدنيا طرفا خل ٍ‬
‫من اليهود ‪ ،‬فأنت قد تسمع تصــريحات أو تقــرأ بيانــات ل‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫تستطيع أن تحكم علــى قائلهــا بــأنه مــن الحمــائم أو مــن‬


‫الصقور إل من اسمه أو حزبه !!!‬
‫فحين تسمع زعيمين يهوديين ‪-‬أحدهما سياسي والخر‬
‫كاهن‪ -‬يتوعدان الفلسطينيين ويرفضــان إعــادة النتشــار‬
‫فالمتبادر إلى فهمك أنهما من حزب الصقور ‪ ،‬لكنك حين‬
‫تعــرف مــن همــا ؟ تعلــم أنهمــا مــن المحســوبين علــى‬
‫الحمائم‪.‬‬
‫وحيــن تســمع أحــد الصــقور ينــادي بالبــادة التامــة‬
‫للفلســـطينيين فـــاعلم أن الحمامـــة ل تخـــالفه إل فـــي‬
‫الطريقة والوقت !!‬
‫وحضور مدريد أو أوسلو أو معسكر داود الثانية ل يدل‬
‫على أن الحاضرين حمائم‪ ،‬بل إنما يحضر من يصادف أن‬
‫يكون في السلطة حينئذ من هؤلء أو هؤلء ‪.‬‬
‫أسلوب غريب ل نظير له في سياسات خلق الله‬
‫الخرين ‪ .‬فالمنطق اليهودي يفترض أن يكون التنافس‬
‫بين من يجعلونه صقرا ً ومن يسمونه حمامة على التشدد‬
‫والمغالة واللتواء والمماطلة‪ .‬فهما متعارضان لكنهما‬
‫متوازيان ‪ ،‬وليسا وجهين لعملة واحدة فقط‪ ،‬بل كل‬
‫منهما يصلح وجها ً لكل جهة‪.‬‬
‫ورحم الله القائل ‪:‬‬
‫فل صقور ول حمائم‬ ‫إن اليهود هم اليهود‬
‫العلة قائمة دائمة في حال الحرب وحال السلم ‪ ،‬في‬
‫حال الحكومة وحال المعارضة‪ ،‬إنها العقيدة اليهودية‬
‫والنفسية اليهودية التي لم تفقد خصائصها منذ قديم‬
‫الزمان بشهادة أسفار التوراة المجموعة على مدى‬
‫قرون متعاقبة ‪-‬كما سنرى‪.-‬‬
‫فالحمائم تتحايل وتماطل من أجل التنازل عن شيء‬
‫أو شبه شيء ‪ ،‬والصقور تجادل وتناضل لكي ل يتم‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫التنازل عن شيء ‪ ،‬وبين تفاهة التنازل وعنف المعارضة‬


‫انكشفت تلك الطبيعة )طبيعة النفسية اليهودية والعقيدة‬
‫اليهودية( فتفجرت الزمة‪.‬‬
‫أول ً ‪ :‬التنازل ‪:‬‬
‫بعــد سلســلة طويلــة ومعقــدة مــن المفاوضــات ‪،‬‬
‫والوساطات والخلفات الجرائية والمماحكــات الجدليــة ‪،‬‬
‫وافق باراك أو كاد يوافق علــى مشــروع غريــب لتقســيم‬
‫المسجد القصى ‪ ،‬لكنه يليق بالعقلية اليهودية الملتويــة ‪،‬‬
‫وهو أن يكون التقسيم أفقيا ً على ثلث مستويات ‪:‬‬
‫‪ -1‬المسجد والساحات‪.‬‬
‫‪ -2‬مضضضا تحضضضت المسضضضجد والسضضضاحات مضضضن‬
‫الرض‪.‬‬
‫‪ -3‬ما فوق ذلك من الجو‪.‬‬
‫وأن تكــون إســرائيل مســيطرة تمامــا ً علــى القســم‬
‫الرضــي كلــه ‪ ،‬حيــث يحتمــل وجــود الهيكــل المزعــوم ‪،‬‬
‫وكذلك تسيطر على الجو ‪-‬وهذا ل يحتــاج لشــتراط فهــي‬
‫وحدها التي تملك المروحيات والطائرات والفلســطينيون‬
‫محــرم عليهــم ذلــك مطلقــًا‪ -‬وينحشــر نصــيب الســلطة‬
‫العرفاتيــة بينهمــا‪ .‬علــى أن يكــون عبــارة عــن صــلحية‬
‫وظيفية أو )إشراف وظيفي( على المســجد والســاحات ‪،‬‬
‫وهناك احتمال بنصر رمزي للسلطة يتمثل في رفع العلم‬
‫الفلسطيني على هذه المســاحة المحــدودة مــن المدينــة‬
‫المقدسة‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬المعارضة ‪:‬‬
‫هبت المعارضــة الدينيــة والحزبيــة فــي وجــه بــاراك ‪،‬‬
‫ونـــددت بهـــذا التنـــازل الرخيـــص ‪ ،‬وضـــجت جمعيـــات‬
‫ومؤسسات الهيكل ‪-‬وهي أكثر من اثنتي عشرة جمعية أو‬
‫مؤسســـة‪ -‬بالحتجـــاج وتوعضضدت بضضاراك والمسضضجد‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫القصضضضضى والفلسضضضضطينيين جميعضضضضا ً بضضضضالهلك‬


‫والتدمير‪.‬‬
‫ومما زاد الموقــف تأزمـا ً أن المفاوضــات وقعــت فــي‬
‫موسم الصوم قريبا ً من يوم الغفران‪ ،‬وقريبـا ً مــن ذكــرى‬
‫يوم خراب الهيكل على يد "تيتس" الروماني‪.‬‬
‫ومن هنا ربط المعارضون بين تيتس المجــرم وبــاراك‬
‫الخائن ‪ ،‬وقال أحد الحاخامات ‪:‬‬
‫))ل نبكي في هذا الذكرى خراب الهيكل قبل‬
‫ألفي عام بل نبكي خرابه اليوم((‪.‬‬
‫وتــم إنقــاذ الموقــف علــى يــد السضضفاح الشضضهير‬
‫"شارون " ‪-‬صاحب صضضبرا وشضضاتيل‪ -‬وكــانت زيــارته‬
‫المشؤومة للمسجد القصى ‪ ،‬فأجهزت على المشروع أو‬
‫أجلته إلى حين‪!‍!..‬‬
‫‪-‬بدون أي شك‪ -‬كانت زيارة شارون مدبرة أو معروفة‬
‫لدى الحكومـة اليهوديـة فهـي الـتي انتـدبت ألفـي جنـدي‬
‫لحراسته ‪ ،‬ولدى الســلطة العرفاتيــة حيــث كــان عرفــات‬
‫يراهن بردة الفعل الشعبية التي كان يتوقع انفجارها لكنه‬
‫لم يدرك أبعادها‪.‬‬
‫ولن القصى عزيضضز علضضى كضضل مسضضلم ‪ ،‬ولن‬
‫صضضضلف اليهضضضضود يسضضضتثير أحلضضضم النضضضاس‪ ،‬ولن‬
‫الشضضضعوب هضضضي الضضضتي تضضضدفع الثمضضضن ‪ ،‬تصضضضدى‬
‫الغيورون لشارون ‪ ،‬ورد اليهود بوحشية التضضوراة‬
‫المحرفضضة والتلمضضود ‪ ،‬فاشضضتعلت الرض المحتلضضة‬
‫كلها وتبعتها سائر القطضضار السضضلمية ‪ ،‬وكضضانت‬
‫انتفاضضضة رجضضب كالعصضضار وتخطضضت الحضضواجز‬
‫والسضضضوار وهتكضضضت كضضضثيرا ً مضضضن المضضضؤامرات‬
‫والسرار‪.‬‬
‫وكان ذلك باختصار تعبيرا ً عن ‪:‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫‪ – 1‬القهضضضر الضضضذي يعضضضاني منضضضه الفلسضضضطينيون‬


‫وانتفاضة المقهور ل يعدلها انتفاضة‪.‬‬
‫‪ – 2‬احتقان الغضب والرفض الصضضامت للشضضعوب‬
‫طوال هذه السنين العجاف‪.‬‬
‫‪ – 3‬شضعور الزعمضاء العضرب بالهانضة والتهميضش‬
‫حين أصضضبحت اللعبضضة ثلثيضضة الطضضراف ‪ :‬إســرائيل‬
‫تطــالب إلــى مــا ل نهايــة ‪ ،‬عرفــات يستســلم ويتنــازل‬
‫كم الجائر تريد منهم النسياق وراء‬ ‫ح َ‬
‫باستمرار ‪ ،‬أمريكا ال َ‬
‫ما تقرره ‪ ،‬والتوسط لرغام الفلســطينيين علــى قبــوله ‪،‬‬
‫وتفرض عليهم تمويــل المشــروعات ‪ ،‬وتمريــر القــرارات‬
‫إعلميــا ً ‪ ،‬وفــرض النتــائج علــى الشــعوب دون مراعــاة‬
‫للحساسية الدينية الخطرة للقضية‪.‬‬
‫بعــض العــرب نصــح أمريكــا قــائل ً ‪] :‬إذا أردت أن‬
‫تطضضاع فضضأمر بمضضا ُيسضضتطاع[ ‪ ،‬ولكنهــا مضــت فــي‬
‫غطرســـتها بل رادع‪ .‬وهـــذا مـــا شعــــر بـــه الوربيـــون‬
‫دم‬‫واليابانيون فضل ً عن الــروس الراعــي الخــر الــذي تهـ ّ‬
‫بيته عليه ؛ ولهذا كانت الغضبة عامة عارمة وإن اختلفــت‬
‫السباب‪.‬‬
‫على أن الملمح الجديد لنتفاضة رجب هـو البروز‬
‫الواضح للمصطلحات السلمية في لغة الخطاب لدى‬
‫الجميع ‪ ،‬وهو مؤشر للقوة المعنوية للصحوة المباركة ‪،‬‬
‫وأنها الطريق الخير والوحيد بعد انكشاف زيف‬
‫الشعارات العلمانية كلها‪.‬‬
‫وأقبلت تباشير الصباح ليوم سينتهي بغضب من الله‬
‫وانتقام يسلطه على طواغيت الكفر وجند التخريب‬
‫والجرام‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫منظور عقدي‬ ‫‪2‬‬


‫الغيب ل يعلمه إل الله تعالى ولكنه جل شأنه يطلع‬
‫بعض عباده على شيء منه لحكم عظيمة‪.‬‬
‫وأعظم وسائل الطلع ‪ :‬الوحي وهو خاص بالنبياء‬
‫صلوات الله وسلمه عليهم ‪ ،‬والرؤيا الصادقة وهي‬
‫للنبياء وحي ولغيرهم بشارة أو نذارة ‪ ،‬فهي تقع للمؤمن‬
‫والكافر والبر والفاجر ثم تأتي وسائل أخرى كالتحديث‬
‫واللهام والفراسة ‪.‬‬
‫وكل خبر عما يحدث مستقبل ً يحتاج لمرين ‪:‬‬
‫صحة الخبر‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫صحة التأويل‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫وأهل الكتاب هم أكــثر المــم اشــتغال ً بــالملحم وأحــداث‬
‫المستقبل ‪ ،‬وقد شــغلوا بهــا طائفــة مــن المســلمين منــذ‬
‫القدم ‪ ،‬والعلماء يعللون قلــة حــديث أهــل الشــام ومصــر‬
‫بالنســبة لهــل الحجــاز والعــراق باشــتغالهم بــالملحم‬
‫والسير‪ .‬وروي عن كعب الحبار في ذلك عجائب ل يتســع‬
‫المجــال لــذكرها‪ .‬ومصــدرهم فــي ذلــك كتبهــم المقدســة‬
‫وتأويلتهم وشروحهم عليها ولسيما الرموز والرقام ومــا‬
‫أكثرها في السفار وشروحها‪.‬‬
‫وتبعا ً لما جبــل عليــه النســان مــن التلهــف لكتشــاف‬
‫المستقبل اشتغلوا بذلك في العصــور كلهــا‪ .‬ولــم يقتصــر‬
‫ذلك على رجال اللهوت ‪ ،‬بل شـمل ول يــزال ‪ :‬مفكريــن‬
‫علمانيين وعلماء طبيعة مشهورين من أمثال "نيوتن" في‬
‫الماضي‪ .‬وطائفة من العلماء في الكمــبيوتر والرياضــيات‬
‫في العصر الحاضــر ‪ ،‬ومؤلفــاتهم فــي هــذا تصــعب علــى‬
‫الحصر وسيأتي بعضها ضمن مصادرنا‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫وكــان لتشــتت اليهــود وأســرهم واضــطهاد الرومــان‬


‫للنصارى الثــر الكــبير فــي اشــتغال أهــل الكتــاب بأخبــار‬
‫المخّلص أو المنقذ ‪ ،‬وافتعال النبــوءات عنــه ‪ ،‬وتأويــل أي‬
‫نــص ليــدل عليــه ‪ .‬ومــن أعظــم مــا فعلــوه بهــذا الشــأن‬
‫ســر‬‫تحريف البشارات والنبوءات لكي توافق عـــصر المف ّ‬
‫أو المؤول وحالة قومه حينئذ ‪ .‬ومن هنا اختلفت التأويلت‬
‫‪ ،‬وتناقضت فوق اختلف المذاهب والفرق‪ .‬ولكن أكثرهم‬
‫ارتكب جناية كبرى ‪ ،‬وهـي طمـس أو تحريـف أي بشـارة‬
‫لنبي آخر الزمان وأمته والتعسف في تأويلها وصرفها إلى‬
‫مسيح اليهــود المســمى "ملــك الســلم" أو إلــى المســيح‬
‫‪.‬‬
‫كمـــا أن اختلف النســـخ وتعـــاور الترجمـــات وتعـــدد‬
‫التفســيرات زاد الركــام ركام ـًا‪ ،‬حــتى أصــبحت الحقــائق‬
‫المطمورة تحتاج إلى عناء ضخم وصبر طويــل ‪ ،‬هــذا مــع‬
‫الستنارة بنور الوحي المحفوظ )القرآن والسنة(‪.‬‬
‫فبســبب تنكــب أهــل الكتــاب عــن هــذا النــور حرمــوا‬
‫أنفســهم مصــادر اليقيــن وظلــوا فــي ظلمــات ليســوا‬
‫بخارجين منها إل به‪.‬‬
‫وموقفنا من نبوءات أهل الكتــاب هــو نفــس الموقــف‬
‫من عامة أحاديثهم وأخبارهم فهي ثلثة أنواع ‪-:‬‬
‫أول ً ‪ :‬ما هو باطل قطعا ً ‪:‬‬
‫وهــو مــا اختلقــوه مــن عنــد أنفســهم أو حرفــوه عــن‬
‫مواضعه‪ ،‬كدعوى أن نبي آخر الزمان ســيكون مــن نســل‬
‫داود ‪ ،‬وأن المسيح الموعود يهــودي‪ ،‬وطمســهم للبشــارة‬
‫بالسلم ورســوله ‪ ، ‬وعموم ـا ً هــو كــل مــا ورد الــوحي‬
‫المحفوظ )الكتاب والسنة الصحيحة( بخلفه‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬ما هو حق قطعا ً ‪ ،‬وهو نوعان ‪:‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫أ (‪ -‬مــا صــدقه الــوحي المحفــوظ نص ـا ً ‪ ،‬ومــن ذلــك‬


‫إخبارهم بختم النبوة ‪ ،‬وإخبــارهم بنـــزول المســيح‬
‫‪ ، ‬وخروج المسيح الــدجال وإخبــارهم بــالملحم‬
‫الكبرى فــي آخــر الزمــان بيــن أهــل الكفــر وأهــل‬
‫اليمان‪ ،‬ومن هذا النوع ما قد يكون الخلف معهم‬
‫في تفصيله أو تفسيره‪.‬‬
‫ب(‪ -‬ما صدقه الواقع ‪،‬كما في صحيح البخاري عن‬
‫جرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال ‪:‬‬
‫كنت باليمن ‪ ،‬فلقيت رجلين من أهل اليمن ‪ :‬ذا‬ ‫)) ُ‬
‫كلع وذا عمرو‪ ،‬فجعلت أحدثهم عن رسول الله ‪‬‬
‫‪ ،‬فقال ذو عمرو ‪ :‬لئن كان الذي تذكره من أمر‬
‫صاحبك فقد مّر على أجله منذ ثلث ‪ .‬وأقبل معي‬
‫حتى إذا كنا في بعض الطريق ُرِفع لنا ركب من‬
‫ض رسول الله‬ ‫قبل المدينة ‪ ،‬فسألناهم ‪ ،‬فقالوا قُب ِ َ‬
‫‪ ‬واسُتخلف أبو بكر والناس صالحون ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫أخبر صاحبك أنا قد جئنا ولعلنا سنعود إن شاء الله‬
‫ورجعا إلى اليمن‪ .‬فحدثت أبا بكر بحديثهم‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫أفل جئت بهم‪ .‬فلما كان بعد ُ قال لي ذو عمرو ‪ :‬يا‬
‫ي كرامة ‪ ،‬وإني مخبرك خبرا ً ‪،‬‬ ‫جرير إن بك عل ّ‬
‫إنكم معشر العرب لن تزالوا بخير ما كنتم إذا‬
‫مرتم في آخر ‪ ،‬فإذا كان بالسيف‬ ‫هلك أمير تأ ّ‬
‫ب الملوك ويرضون‬ ‫كانوا ملوكا ً يغضبون غض َ‬
‫رضى الملوك(()‪.(1‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬ما ل نصدقه ول نكذبه ‪:‬‬
‫وهو ما عدا هذين النوعين كما قال ‪)) : ‬ل تصدقوا‬
‫أهل الكتاب ول تكذبوهم(()‪ ،(2‬ومن ذلك إخبارهم عن‬
‫الشوري ورجسة الخراب وأمثالها‪ .‬وكوننا ل نصدقه ول‬
‫‪ ()1‬البخاري ‪ ،‬المغازي حديث رقم ‪ 4359‬مع الفتح‪.‬‬
‫‪ ()2‬البخاري ‪ ،‬التفسير حديث رقم ‪.4485‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫نكذبه يعني خروجه عن دائرة العتقاد والوحي إلى دائرة‬


‫الرأي والرواية التاريخية التي تقبل الخطأ والصواب‬
‫والتعديل والضافة ‪ .‬أي أن النهي ل يعني عدم البحث‬
‫فيه مطلقا ً ولكنه بحث مشروط وضمن دائرة الظن‬
‫والحتمال‪.‬‬
‫واليضضوم والعضضالم كلضضه تقريبضضا ً يتضضابع الحضضداث‬
‫الجارية على أرض فلسطين فضي وسضائل العلم‬
‫نجد أن الناس فضضي أمريكضضا وبعضضض البلد الخضضرى‬
‫لهم شأن آخر ‪.‬‬
‫فها هنا سوق آخر غير سوق العلم المنظور‬
‫والمقروء ‪ ،‬إنه سوق النبوءات والتكهنضضات ‪ ،‬وهــو‬
‫ســوق ل يهــدأ ول ينقطــع ‪ ،‬بضاعته أسضضفار العهضضدين‬
‫القديم والجديد وشروحها ‪ ،‬وتجاره كهنة الصــوليين‬
‫حْرفيين ‪ ،‬أما زبائنه فهم من كل طبقات المجتمع ابتداًء‬ ‫ال َ‬
‫مــن حكمــاء الــبيت البيــض والبنتــاجون وانتهــاءا ً برجــل‬
‫الشارع ‪ ،‬وهذه الفئة طوائف شتى ‪ :‬فمنهم من ينتظر‬
‫نضزول المسيح !‬
‫ومنهم من ينتظر خروج الدجال !‬
‫ومنهم من يتوقع معركة هرمجدون !‬
‫ومنهم من يتنبأ بنهايضضة دولضضة إسضضرائيل تبع ضا ً‬
‫لقيام النتفاضة وانهيار عملية السلم !‬
‫وهذا هو المهم عندنا لن نهاية هذه الدولة هي أكثر‬
‫القضايا إلحاحا ً من حيث الواقع وأبعدها عن الغيب‬
‫المطلق والدخول في أمر القيامة التي ل يعلمها إل الله‬
‫تعالى‪.‬‬
‫وبالتالي فإن أي دراسة استراتيجية علمانية قــد تصــل‬
‫إلى مثل أو قريب من النتــائج الــتي تقــود إليهــا النبــوءات‬
‫الكتابية عن نهاية هذه الدولة‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫والعنصر الحاسم الذي تنفرد به النبوءات هضضو‬


‫تحديد نهاية دولة إسرائيل بالسنوات‪ ،‬المــر الــذي‬
‫يجعل ذلك عقيدة للمــؤمنين بــالتوراة والناجيــل ‪ ،‬وليــس‬
‫مجــرد رأي أو اجتهــاد لبــاحث مــن الدارســين ‪ ،‬ومــن هنــا‬
‫نأمل أن ينتفع كثير منهم بالحقيقة التي سنحاول الكشف‬
‫عنها خالصة لوجه الحق !!‪.‬‬
‫ولمــا كــانت الصــهيونية النصــرانية هــي أكــثر حركــات‬
‫العصر خطرا ً على الجنس البشري ! وكان الساس الذي‬
‫قــامت عليــه عقــائدهم وخططهــم الجهنميــة هــو تحقــق‬
‫النبوءة بقيام دولة إسرائيل ؛ كان لبد لكل محــب للعــدل‬
‫والسلم في الرض أن يعرف الحقيقة عن نبوءات هؤلء‪،‬‬
‫وأن يمد يده لمن ينسف بالحق والعقل الصول التي بنوا‬
‫عليها أصــوليتهم ‪ ،‬قبــل أن ينســفوا هــم الســلم العــالمي‬
‫ويحولوا كوكبنا المضطرب إلى كتلة من اللهب !!‪.‬‬
‫إننا في وضــع كــوني يــدرك فيــه كــثير مــن العقلء أن‬
‫منظمة إرهابيــة فــي أوربــا أو روســيا قــادرة علــى تهديــد‬
‫الســلم العــالمي كلــه ‪ ،‬فكيضضف نتغافضضل عضضن هضضذه‬
‫الحركة الكبرى التي تسضضتحوذ علضضى عقضضول ثلضضث‬
‫الشعب فضضي أقضضوى دولضضة فضضي العضضالم ‪ ،‬وتسضضعى‬
‫بكل إصرار للسضيطرة علضضى مقاليضضد المضضور فضضي‬
‫هذه الدولة ‪ ،‬وتضخ كل طاقتها وحماسها لتأييضضد‬
‫أكبر عصابة إرهابية فضضي الرض ‪-‬أل وهضضي دولضضة‬
‫صهيون‪ -‬؟!‪.‬‬
‫إننا نأمل –في حال قيام العقلء في أمريكا وغيرها‪-‬‬
‫بواجبهم أن يفيء هؤلء إلى رشدهم وأن يفيق كثير من‬
‫المخدوعين أو الغافلين‪ ،‬وحين نعمل معا ً من أجل تبصير‬
‫هؤلء بضلل تصوراتهم وخطأ نبوءاتهم فإننا نكون قد‬
‫واجهنا الباطل بالحق ‪ ،‬والعدوان بالعدل‪ ،‬والرهاب‬
‫بالمنطق ‪ ،‬وهذا أحد الغايات العظمى في دين السلم‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫كما قال تعالى في كتابه المجيد لرسول الرحمة و‬


‫))أركون السلم(( محمد ‪: ‬‬
‫‪ ‬وما أرسلناك إل رحمة للعالمين ‪. ‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫مسحاء كذابون‬ ‫‪3‬‬


‫أمريكا كما قال إدوارد سعيد – هـي أكـثر أمـم العـالم‬
‫انشغال ً بالدين !!‬
‫وفي أمريكا تيار أصــولي دينــي مهــووس إلـى الثمالــة‬
‫بعودة المسيح عاجل ً غير آجــل ومســتعد لن يرتكــب فــي‬
‫سبيل ذلك أكبر الحماقات !!‬
‫وأي حماقة أكــبر مــن محاولــة التســلل إلــى القواعــد‬
‫النووية وإطلق الدمار على العالم كله ؟‬
‫وعن أي دليل نبحث وقد رأيناهم ينتحرون بالمئات‬
‫والعشرات ‪ ،‬ويفجرون المؤسسات الفدرالية وينظمون‬
‫الجيوش والعصابات لليوم الموعود ‪.‬‬
‫والمصيبة أنهم يزيدون ول ينقصون ول يحتكمون إلــى‬
‫أي منطق أو عقل وإنما هي خيالت ومنامات ومخاطبات‬
‫من الشياطين يزعمون أنها من الروح القدس!!‬
‫بــل إن عــددا ً يصــعب حصــره منهــم يــدعي أنــه هــو‬
‫المسيح أو أن المسيح حل فيه أو خاطبه !!‬
‫ومن عقائد هؤلء ‪:‬‬
‫‪ -1‬قيام دولة إسرائيل تمهيد ضروري لنـزول المسيح ‪.‬‬
‫‪ -2‬مشروع السلم هو تأخير لوعد الله‪.‬‬
‫‪ -3‬القـــدس بكاملهـــا يجـــب أن تكـــون تحـــت ســـيطرة‬
‫إسرائيل‪.‬‬
‫‪ -4‬إسرائيل مباركــة ومبــارك مــن يباركهــا وملعــون مــن‬
‫يلعنها أو يعاديها‪.‬‬
‫‪ -5‬الفلســطينيون ‪-‬والمســلمون عامــة– رعــاع وثنيــون‬
‫وحزب يأجوج ومأجوج‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫‪ -6‬اللف سنة السعيدة يوشك أن تكون لكن بعد خطــف‬


‫المؤمنين إلــى الســحاب لملقــاة الــرب عنــد نـــزوله و‬
‫دماركل الوثنيين في معركة هرمجدون الكبرى‪.‬‬
‫وليس هؤلء جماعة رهبانية معتـزلة كمــا كــان الحــال‬
‫في القرون الولى‪ .‬بل هم أصحاب نفوذ اجتماعي بــارز ‪،‬‬
‫وترسانة إعلمية مؤثرة ‪ ،‬ومناصب عليا في الحكومة !!‪.‬‬
‫ونبوءات التوراة مضاف إليها الكهانة والتنجيم‬
‫وتحضير الجن هي أعظم طقوسهم ‪ ،‬واعتمادا ً عليها تقوم‬
‫نظرياتهم في السياسة والجتماع ‪ ،‬وقواعدهم في‬
‫التعامل مع سائر البشر‪.‬‬
‫والمفكرون العلمانيون في أمريكــا يعلمــون أن تغييــر‬
‫الفكار المنكوسة لهــؤلء القــوم شــبيه بالمحــال‪ ،‬فالبنيــة‬
‫العقلية مــدمرة مــن أصــلها والنفســية فــي غايــة التعقيــد‬
‫والغرابة‪.‬‬
‫والساسة العلمانيون ينافقونهم لما لهم من تأثير على‬
‫الرأي العام ونفوذ في عالم المال والعلم!!‪.‬‬
‫والعلم العربــي قليــل الحــديث عنهــم لنــه مشــغول‬
‫بمحاربة المتطرفين والرهابيين عـن الحـديث عـن هـؤلء‬
‫الــذين مهمــا فعلــوا وفكــروا فليســوا إرهــابيين مــا دامــوا‬
‫ليسوا مسلمين !!‬
‫هم والمفكرون العلمانيون على طرفي نقيض ‪ ،‬لكــن‬
‫المشكلة أن كتلة الوسط تقل تدريجيًا‪ ،‬والكثرون يميلون‬
‫إلى هؤلء ل إلى الفكر العلماني ‪ ،‬هربا ً من جحيم الحيــرة‬
‫والجفاف الروحي‪ ،‬ولــذلك تغلغلــت الصــولية المهووســة‬
‫في كل مجال واخترقت كل الحدود‪.‬‬
‫وقد هيأت القدار لفتنتهم في هذا العصر ما لــم يكــن‬
‫حكمـا ً عظامـًا‪ -‬اجتمـع‬ ‫من قبل ‪-‬ول شك أن لله في ذلـك ِ‬
‫ف في ذلك ‪-:‬‬ ‫لهم أمران كل منهما كا ٍ‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫‪ -(1‬وجود تجمع يهودي كبير في فلسطين وهو ما لـم ُيعهـد‬


‫من قبل‪.‬‬
‫يقول "هول ليندسي" في كتابه ‪ " :‬كوكب الرض ‪،‬‬
‫ذلك الراحل العظيم " ‪:‬‬
‫)) قبل أن تصبح إسرائيل دولة ‪ ،‬لم يكشف عن أي‬
‫شيء ‪ ،‬أما الن وقد حدث ذلك ‪ ،‬فقد بدأ العد‬
‫العكسي لحدوث المؤشرات التي تتعلق بجميع أنواع‬
‫النبوءات‪ ،‬واستنادا ً إلى النبوءات فإن العالم كله‬
‫سوف يتمركز على الشرق الوسط ‪ ،‬وخاصة‬
‫إسرائيل في اليام الخيرة (()‪.(3‬‬
‫‪ -(2‬حلول اللفية وبالصح عام ‪ 2000‬التي تعنــي عنــدهم‬
‫بداية النهاية للعالم المعهــود وبدايــة الــدخول إلــى العــالم‬
‫الخــر عــالم اللفيــة المســيحية الــذي هــو بمنـــزلة عــالم‬
‫الخرة أو الجنة عند المسلمين‪.‬‬
‫في غمرة الحماس الهائج لقتراب اللفية نشط‬
‫الصوليون في العقدين الخيرين من القرن العشرين‬
‫نشاطا ً هائل ً في كل المجالت ‪ .‬إل أن من أهمها مجال‬
‫الدراسات والتآليف والصخب العلمي عن نـزول‬
‫المسيح واقتراب اللفية السعيدة ‪ ،‬حيث استعجلوا‬
‫بتعسف ظاهر كل حوادث آخر الزمان وأشراط الساعة ‪،‬‬
‫وأعدوا لها تصورات )سيناريوهات( مرعبة للغاية ‪ ،‬تقوم‬
‫على افتراض واحد هو ‪ :‬حدوث المعجزات الخارقة بما ل‬
‫يمكن أن يتفق مع التتابع المنطقي لحداث التاريخ بأي‬
‫حال‪.‬‬
‫لقد وجد هؤلء أنه ل يمكنهــم تصــور أو تصــوير حلــول‬
‫اللفيــة الســعيدة وفــق الشــروط الموضــوعية كالزمــان‬
‫والمكان والظروف السياسية الحالية ‪ .‬فلبــد مــن إقحــام‬
‫خارقة عظمى تقلب النظام الكــوني رأس ـا ً علــى عقــب ‪.‬‬
‫)( حمى سنة ‪ 2000‬ص )‪.(146‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫ومن هنا كان أسهل الطرق لتحقيق ذلك هــو كارثــة نوويــة‬
‫تقضي على الحضارة ‪ ،‬وتعيد العالم إلى حالة شبيهة بحاله‬
‫عنــد المجيــء الول للمســيح ‪ ،‬وتمهــد للمجيــء الثــاني‬
‫الموعـــود ‪ ،‬ووجـــدوا ضـــالتهم المنشـــودة فـــي معركـــة‬
‫"هرمجـدون" المشـؤومة ‪ .‬ووافـق ذلـك شـعارات ريجـان‬
‫ونيكســـون عـــن تـــدمير إمبراطوريـــة الشـــر "التحـــاد‬
‫السوفيتي" فافترضــوا أن يـأجوج ومــأجوج هــم الــروس ‪.‬‬
‫وبسقوط التحاد السوفيتي وقيام حرب الخليــج افترضــوا‬
‫أن يكون الشوري هو صدام حسين وأن يــأجوج ومــاجوج‬
‫هــم العــرب أو العــرب والفــرس وغيرهــم وأن الحــرب‬
‫النووية ل مفر منها !!‬
‫وبعد اتفاقــات "أوســلو" خمــدوا قليل ً ‪-‬بــل اضــطربوا‪-‬‬
‫فلما قامت النتفاضــة الخيــرة تنفســوا الصــعداء لســيما‬
‫وقد وقعت في نفس عــام ‪ ! 2000‬ومــن هنــا يضــع كــثير‬
‫من المفكرين والدارسين في الغرب أيديهم على قلوبهم‬
‫‪ ،‬خشية أن يغامر أحد المهووســين هــؤلء بحماقــة تكــون‬
‫عاقبتها كوارث ل تحصى‪.‬حــتى أن الســلطات الســرائيلية‬
‫نفســها تتشــدد فــي دخــول المتطرفيــن مــن هــؤلء إلــى‬
‫إسرائيل خشية إقدامهم على شيء من هذا القبيــل‪ .‬أمــا‬
‫الكارثــة الكــبرى الــتي تقــض مضــاجع المراقــبين فهــي‬
‫احتمال تسلل هؤلء إلى أحدى القواعد النووية ‪ ،‬وإشعال‬
‫النار التي ل يستطيع العالم أن يطفئها !!‪.‬‬
‫وينبغــي أن يعلــم النــاس أن مــرور عــام ‪ 2000‬أو مــا‬
‫بعده دون حدوث شيء ل يعنــي نهايــة هــذه الفكــار فــإن‬
‫هؤلء تعودوا أن يعيــدوا النظــر فــي حســاباتهم ‪ ،‬وســوف‬
‫تــأتيهم الشــياطين وتــوحي إليهــم بســراب جديــد يلهثــون‬
‫وراءه ‪ ،‬ويــثيرون الرعــب فــي العــالم ‪ ،‬ويظلــون مصــدر‬
‫تهديد مستمر للبشرية كلها !!‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫ومع اقتناعي بأن هؤلء لعقــل لهــم أرى أنــه لبــد أن‬
‫يتصــدى لهــم العقلء بنسـف السـاس العقــدي لوهــامهم‬
‫وضللتهم‪ .‬وإذا كــان أهــل الكتــاب عــاجزين أو مقصــرين‬
‫فنحن ل يجوز لنــا أن نعجــز أو نقصــر وبيــن يــدينا الــوحي‬
‫المعصوم والحق الجلي ‪ ،‬الذي لــو عرضــناه علــى العــالم‬
‫لوضع الله له القبول عند الناس‪.‬‬
‫ومن هنا كان إثبات أن دولة إسرائيل القائمة ل علقة‬
‫لها بالمسيح من قريب ول بعيد‪ ،‬وأن اللفية الثانية ســتمر‬
‫كما مرت القرون الولى بل جديد ‪ ،‬هــو دفــع لشــر هــؤلء‬
‫ليس عن المسلمين وحدهم بل عن النسانية جميعا ً وهذا‬
‫هو أحد دوافع كتابة هذا البحث الموجز والدافع الخــر هــو‬
‫ما يختص بالمسلمين وسنعرض له ل حقًا‪.‬‬
‫ونحن ل نطالب من شك في أمر هؤلء من بني دينهم‬
‫إل بقــراءة جديــدة للفصــلين الثــالث والعشــرين والرابــع‬
‫والعشرين من إنجيل مّتى ‪-‬لسيما عند الحديث عن نبوءة‬
‫دانيال‪ -‬والتأمل جيدا ً في تحذير المسيح ‪ ‬من المســحاء‬
‫الكذبــة ‪ ،‬والمروجيــن للشــاعات عنــد قيــام " رجســة‬
‫الخراب " في أورشليم‪ ،‬ثم يسأل كــل منــا نفســه ؟ مــن‬
‫هؤلء يا ترى وكيف يجب أن يكون موقفنا منهم ؟‬
‫فــإن وصــلوا إلــى الحقيقــة –وهــذا مــا نعتقــده‪ -‬وإل‬
‫فليتابعوا المسير معنا حتى نجليها كاملة بإذن الله!!‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫شكل )‪(1‬‬
‫دوران التاريخ وفق النظرية النصرانية الصولية‬
‫العهد الجديد‬ ‫العهد القديم‬
‫)من ولدة المسيح إلى‬ ‫)من خلق العالم إلى‬
‫نهاية اللفية(‬ ‫ميلد المسيح(‬
‫‪ (5‬ميـلد المسيـح‬
‫) في منتصف‬
‫التاريخ (‬
‫آدم الثاني‬

‫‪ (4‬عصر‬
‫‪ (6‬عصر الكنيسة‬ ‫التوراة‬
‫‪49‬‬
‫‪(3‬‬
‫‪(7‬الفتنة‬ ‫الطوفان‬
‫‪(2‬‬
‫‪ (8‬اللفية‪/‬‬ ‫الجنة‪/‬آد‬
‫المسيح‬ ‫‪ (1‬م‬
‫خلق‬
‫‪ (9‬عالم‬
‫جديد‬ ‫العالم‬
‫‪ (9‬خلق عالم جديد‬ ‫يقابله‬ ‫‪ (1‬البدء ‪:‬خلق العالم‬
‫‪ (8‬عودة المسيح‬ ‫يقابله‬ ‫‪ (2‬آدم )النسان في الجنة (‬
‫)النسان في جنة على الرض (‬
‫‪ (7‬الذنوب تسبب‬ ‫يقابله‬ ‫‪ (3‬الذنوب تسبب الطوفان‬
‫الفتنة‬
‫‪ (6‬عصر الكنيسة‬ ‫‪ (4‬عصر التوراة )شريعة موسى ( يقابله‬
‫)شريعة المسيح(‬
‫‪ (5‬مجيء المسيح في منتصف التاريخ‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫شكل )‪(2‬‬
‫‪((1‬‬
‫تصورات النصارى عن اللفية ونزول المسيح‬

‫أ (‪ -‬تصور شيوخ الكنيسة القدامى )نزول‬


‫المسيح سابق لللف سنة ( ‪:‬‬

‫بعد رفع المسيح يبدأ عصر الكنيسة‪.‬‬ ‫‪-1‬‬


‫في نهايته يكون سبع سنوات من الفتنة‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫بعـــد الســـبع الســـنوات ينـــزل المســـيح ويرتفـــع‬ ‫‪-3‬‬
‫القديسون لستقباله في السماء ثم ينـــزلون إلــى‬
‫الرض‪.‬‬
‫بعد ذلك تبدأ اللفية السعيدة تحت حكم المسيح‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫ينتهي العالم وتأتي الرض الجديدة )الرض عندهم‬ ‫‪-5‬‬
‫تتبــدل مــرات فــالرض فــي عصــر آدم هــي غيــر‬
‫الرض في هذا العصر …وهكذا(‪.‬‬

‫ب(‪ -‬تصور الل ألفية ‪:‬‬


‫وهو رأي القــديس أوغســطين ومجمــع "أفســس" وعليــه‬
‫الكاثوليك والكنائس الكبرى البروتستانتية‪:‬‬
‫)‪DAVID REGAN : THE MASTER PLAN : HARVEST HOUSE ,EUGENE , OR‬‬ ‫‪(1‬المصدر‪:‬‬ ‫)‬

‫‪.PP)154-157‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫‪ -1‬عصر الكنيسة ‪ :‬هو اللف سنة والفتنة‬


‫معا ً ‪ ،‬فمن كان المسيح في قلبه فهو في اللفية‬
‫ومن لم يؤمن فهو في الفتنة والنبوءات كلها‬
‫رموز ))حتى اللف ل معنى لها هنا((‪.‬‬
‫‪ -2‬ينـزل المسيح ويرفــع القديســين ويعيشــون‬
‫كلهم في السماء‪.‬‬

‫ج(‪ -‬تصور ما بعد اللفية ‪:‬‬


‫تصــور بروتســتانتي مــن )ق‪ (17:‬إلــى )ق‪ (20:‬مؤســس‬
‫علـــى فكـــرة التطـــور والتقدميـــة ومضـــاد للكنيســـة‬
‫الكاثوليكية ‪ .‬وقد استمر حتى انهيار الفكرة بقيام الحرب‬
‫العالمية الولى ‪-:‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫‪ -1‬عصر الكنيسة = انتشار الكنيسة‪.‬‬


‫‪ -2‬العصــر الــذهبي = تمتلــك الكنيســة جميــع‬
‫الشعوب‪.‬‬
‫‪ -3‬نزول المسيح ورفع القديسين إلى السماء‪.‬‬
‫د( مذهب الصوليين في القرن العشرين ‪:‬‬
‫وهو تعديل للمذهب الول وفيه نزولن للمســيح ‪ ،‬ابتــدعه‬
‫بعض النجليز في )ق‪-: (19:‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫‪ -1‬عصر الكنيسة‪.‬‬
‫‪ -2‬ثــم نــزول المســيح فــي الســماء وارتفــاع‬
‫القديسين إليه وبقاؤهم في السماء مدة الفتنة‪.‬‬
‫‪ -3‬تقــع الفتنــة علــى المســلمين واليهــود فــي‬
‫الرض وأولئك في السماء‪.‬‬
‫‪ -4‬ينـزل المســيح والقديســون وتكــون اللفيــة‬
‫السعيدة لهم‪.‬‬
‫‪ -5‬ينتهـــي المـــر بتبـــدل الرض إلـــى أرض‬
‫جديدة !!‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫هل تغير شيء ؟‬ ‫‪4‬‬


‫حين أطلق الجنود الصهاينة الرصاص على المســلمين‬
‫فــي ســاحة القصــى كــان ذلــك إيــذانا ً بــإطلق رصاصــة‬
‫الرحمة على مشروع السلم ذلك الخداج الــذي تعســرت‬
‫ولدته بضع ســنين وحيــن كــانت المروحيــات الســرائيلية‬
‫تقصف بعض مباني إدارات السلطة العرفاتية فقـد كـانت‬
‫تقصف أوسلو وملحقاتها !!‬
‫فــاليهود إذن انقلبــوا علــى مــا صــنعوا وأحرقــوا مــا‬
‫زرعوا ‪ ،‬فما الـذي تغيـر ؟ ولمـاذا ؟ هـذا مـا يقتضـي منـا‬
‫العودة إلى مــبررات مدريــد وأوســلو ومشــروع الوليــات‬
‫المتحدة الشرق أوسطية في النهج الصهيوني ‪.‬‬
‫بعد مؤتمر مدريد المشؤوم قلنا ما ننقله الن حرفيا ً ‪- :‬‬
‫)) إن ما يسمى مشروع السلم لم يأت تبعا ً لتغير‬
‫الظروف الدولية ‪ ،‬وانحسار مرحلة الحرب الباردة ‪،‬‬
‫ووفقا ً لمقتضيات الوفاق الدولي ‪-‬كما يصور ذلك العلم‬
‫الغربي وذيله العلم العربي‪ -‬فهذه التغيرات نفسها‬
‫أعراض للمتغير الساسي ‪ ،‬وهو الخطة الصهيونية‬
‫للسيطرة على العالم كافة والمنطقة السلمية خاصة‪.‬‬
‫إن هــذه الخطــة ببســاطة ‪-‬قــد عــدلت عــن‬
‫فكرة إقامة دولــة إســـرائيل الكــبرى ‪ ،‬وبعبــارة‬
‫دلت هــذه الفكــرة لســباب ذاتيــة‬ ‫أصــح قــد ع ـ ّ‬
‫ضرورية ‪ ،‬أهمها أن دولة اليهــود وجــدت نفســها‬
‫بعد ‪ 40‬سنة من قيامها عبارة عــن مركــب مــن‬
‫المتناقضــات ‪ ،‬وكــائن غريــب فــي محيــط مــن‬
‫العداوات‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫فعلـــى المســـتوى المنـــي لـــم تنجـــح فـــي‬


‫السيطرة على مــا ابتلعتــه مــن أرض فلســطين‬
‫فكيف تسعى لمزيد مــن الراضــي ؟ وإن لبنــان‬
‫التي هي أضعف الجيران وأبعدهم عن العداوات‬
‫ظلت مصدر قلق وإزعاج ل نهاية له ‪ ،‬حتى بعــد‬
‫اجتياحهــا المعــروف )والن فضضي انتفاضضضة‬
‫رجب هي الجبهة الوحيدة الفاعلة(‪.‬‬
‫والمشكلة السكانية تشكل أعمق المشكلت‬
‫وأبعدها تأثيرا ً ‪ ،‬فكــثير مــن اليهــود لــم تخــدعهم‬
‫الوعود المعسولة ‪ ،‬والغراءات البراقة‪ ،‬للهجرة‬
‫إلى أرض تعج بالمساوئ الجتماعية‪ ،‬من اختلل‬
‫المـــن إلـــى الطبقيـــة المقيتـــة إلـــى التنـــاحر‬
‫الحزبي ‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫والفاعي عندما تجتمع ‪-‬علــى اختلف ألوانهــا‬
‫وأشــكالها‪ -‬لبــد أن يــذوق بعضــها ســم بعــض‪،‬‬
‫إضــافة إلــى الحجــارة الــتي تهشــم رؤوســها‬
‫باستمرار من أيدي أشبال الســلم ‪ ،‬فكيــف إذا‬
‫وصل المر إلى الرصاص ؟‪.‬‬
‫ولقد رعبت دولة اليهود من ارتفاع مؤشر الهجرة‬
‫المضادة ‪ ،‬وقلة استجابة السكان لدواعي تكثير النسل‬
‫وأظهرت الحصائيات الرسمية أنه مقابل كل شهيد من‬
‫أبناء فلسطين المسلمة يولد عشرات وعشرات‪.‬‬
‫ومن تجربة إســرائيل الــتي ل تقبــل النقــاش‬
‫أنهــا أعجــز مــا تكــون عــن استئصــال المقاومــة‬
‫بنفســها‪ ،‬فعملؤهــا هــم الــذين تولــوا ســحق‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫الفلســـطينيين فـــي لبنـــان والردن وســـورية‬


‫والكويت وغيرها‪.‬‬
‫فلماذا ل تضع يدها فــي أيــديهم ضــمن خطــة‬
‫أخــرى تتنــازل فيهــا عــن أوســع حــدود الرض‬
‫التوراتية إلى أضيقها ؟ ول غرابة في هــذا علــى‬
‫عقيدة اليهود الــتي تــؤمن بالبــداء وبــأن الحبــار‬
‫يصـــححون أخطـــاء الـــرب ‪-‬تعـــالى اللـــه عمـــا‬
‫يصفون‪.-‬‬
‫ثم إن إسـرائيل لكــي تقنـع النســان الغربــي‬
‫المفتون بدعوى الديمقراطية وحقــوق النســان‬
‫ل يمكن أن تظل ثكنــة عســكرية وســجنا ً كــبيرا ً‬
‫إلى البد‪.‬‬
‫كما أن المقاطعة العربية مهما بدت شكلية ‪،‬‬
‫توفر حاجزا ً نفسيا ً لشعوب المنطقة ‪ ،‬فلبد من‬
‫افتعال حركة ))تكتيكية(( يتراجع فيها اليهود‬
‫ويسلمون بما يسمى ))الحكم الذاتي‬
‫المحدود(( لكي يتم الهدف الكبر استراتيجيا ً‬
‫))التخلي عن التوسع الجغرافي مقابل‬
‫التغلغل السياسي والقتصادي‬
‫والثقافي(( وهو ما عبر عنه أكثر من مفكر‬
‫ومسؤول بمصطلح ))الوليات المتحدة‬
‫الشرق أوسطية(( !!‬
‫وهكــذا ســيؤدي فتضضح الحضضدود الثقافيضضة‬
‫والجتماعيضضة والقتصضضادية وإعلن فتضضح‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫القنوات السياسية إلضضى أن يصضضبح يهضضود‬


‫إسضضرائيل فضضي الشضضرق الوسضضط كيهضضود‬
‫نيويضضورك فضضي أمريكضضا ‪ ،‬وتصضضبح ثضضروات‬
‫المسضضضلمين ركضضضازا ً لهضضضم ‪ ،‬وجامعضضضاتهم‬
‫ومؤسساتهم الثقافية أوكارا ً لفكرهضضم ‪،‬‬
‫وحواضضضرهم التجاريضضة مراكضضز لبنضضوكهم‬
‫وتجضضارتهم وأسضضواقا ً لبضضضائعهم ويصضضبح‬
‫عامضضة الشضضعوب العربيضضة عمضضال ً كضضادحين‬
‫لخدمة البارون اليهودي الربوي !!‬
‫هذا هو هدف السلم المزعــوم مهمــا غلفــوه‬
‫أو قنعــوه ‪ ،‬والتخطيــط الصــهيوني لــم يتغيــر‬
‫ارتجال ً ول هو نتيجــة دراســات فكريــة وميدانيــة‬
‫بحتة كما يظهر ‪ -‬بــل إن أســبابه وجــذوره تمتــد‬
‫إلى ما هو أعمق من ذلك ‪ ،‬إلى خــبيئة النفســية‬
‫اليهودية وحقيقة الجبّلة اليهودية ‪ ،‬وواقع التاريخ‬
‫اليهودي القديم والحديث ‪ .‬فقيــام كيــان يهــودي‬
‫متميــز مســتقل كســائر الكيانــات السياســية أو‬
‫العقدية في العالم أمر يتنافى مع تلــك النفســية‬
‫والجبلة والتاريخ ‪ ،‬والخطأ الكبر الذي وقــع فيــه‬
‫مسطرو أحلم العودة منــذ الســر البــابلي إلــى‬
‫الضطهاد الوربي ‪ ،‬وخطط لـه أمثال هرتسل‬
‫وفيشضضمان ووايزمضضان هــو أنهــم غفلــوا أو‬
‫تغــافلوا عــن هــذه الحقيقــة ‪ ،‬فلمــا قــام الكيــان‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫المنشود خرجت الحقيقة كالشــمس مــن تحــت‬


‫الركام !!‬
‫وليس بخاف على اليهود ول على المطلعيــن‬
‫علــى الحركــة الصــهيونية الحديثــة أن جماعــات‬
‫وزعامات يهودية ) دينية وفكرية ( ترفــض قيــام‬
‫دولــة يهوديــة متميــزة بــل تعكــس النبــوءات‬
‫التوراتية ‪ ،‬على أهلها وتقول إن قيام الدولة هــو‬
‫نذير الهلك والفناء لليهود ‪ ،‬ولها على ذلك أدلــة‬
‫وشــواهد مــن الســفار والمزاميــر ومــن واقــع‬
‫التاريخ ‪.‬‬
‫لقد جسد قيام دولة إسرائيل المــأزق الكــبير‬
‫الذي وقع فيه اليهــود ‪ ،‬حيــن اصــطدمت الحلم‬
‫التلموديــة العنصــرية الــتي ل حــدود لهــا بواقــع‬
‫النفسية اليهودية العليلة ‪ ،‬التي لم تكن يوما ً من‬
‫اليام رأسا ً في قضية ولو كانت قضيتها الذاتية ‪،‬‬
‫فكيف تكون رأسا ً في قضية العالم كله ‪ ،‬ولذلك‬
‫فإنها تعلل نفسها بخروج المسيح الموعود الذي‬
‫يحمل عنها هذه التبعة‪.‬‬
‫فــاليهود لــم يكونــوا فــي حقبــة مــن أحقــاب‬
‫تاريخهم رأسا ً في قضية ولوكانت قضيتهم ‪ ،‬ولو‬
‫كانوا مرة واحدة لكانت في هذا العصر وهو مــا‬
‫لم يكــن!! فهــم كالشــجرة الطفيليــة ل تنمــو إل‬
‫على ســاق غيرهــا ‪ ،‬أو الــدودة المعويــة الــتي ل‬
‫تأكل إل قوت غيرها ‪ ،‬فمــن حادثــة بنــي قينقــاع‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫حيث كان المنــافقون هــم النــاطقين الرســميين‬


‫الظاهرين ‪-‬إلــى مــؤامرة الحــزاب‪ -‬حيــث كــان‬
‫الجنــد جنــد قريــش وحلفائهــا ل جنــد قريظــة‬
‫وأخواتها ‪-‬إلى الدارة المريكيــة‪ -‬حيــث ل يــزال‬
‫اليهود وهم يسـيطرون علـى الجـزء الكـبر مـن‬
‫القتصـــاد والعلم والتـــأثير السياســـي ‪..‬إلـــخ‬
‫يستخدمون أمثال نيكسون وكارتر وريجضضان‬
‫وبوش وهم جميعا ً نصارى !!‬
‫وقد عاشوا في أحشاء أوربا وتسلقوا شجرة‬
‫الحقــد الصــليبي فكــان لهــم حبــل مــن النــاس‪.‬‬
‫وعندما أصبح لهــم لول مــرة منــذ قرابــة ألفــي‬
‫ســنة دولــة وحكومــة ظهــرت الســنة الربانيــة‬
‫‪‬تحسبهم جميعا ً وقلوبهم شــتى ‪] ‬الحشــر ‪[14 :‬‬
‫فهــذه الدولــة تعــج بالمتناقضــات والصــراعات ‪،‬‬
‫وتتكفف العالم كله وتعصر اليهود وغيرهــم فــي‬
‫كل مكان عصرا ً لدرار التبرعــات ‪ ،‬ول تســتغني‬
‫في أي محفــل دولــي عــن المنــدوب المريكــي‬
‫ونظــرائه ‪ ،‬وإن كــانت فــي الظــاهر تمثــل مــع‬
‫أمريكا دور الثعلب مع النمر !!)‪.(4‬‬
‫إنهم دائما ً يحركون الــدمى مــن وراء الســتار‬
‫ولو ظهروا على المســرح لنكشــفت ســوءاتهم‬
‫وبطل سحرهم ‪ .‬إنهم يحرصــون علــى تبنــي أي‬
‫‪ ()4‬يقال في الساطير إن الثعلب زعم أن الوحوش تهابه كما تهاب النمر ‪ .‬فكذبه النمر في‬
‫هذا ‪ ،‬فقال الثعلب ‪ :‬إن لم تصدقني فتعال معي لترى بعينك كيف تفر كلها مني !! فسار النمر‬
‫معه وكلما مرا على حيوان هرب منه ل من الثعلب ‪ .‬والثعلب يقول ‪ :‬هل صدقت الن !!‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫رئيـــس أمريكـــي والطاحـــة بـــه ولكنهـــم ل‬


‫يستطيعون أو ل يفكرون في أن يجعلوه رئيســا ً‬
‫يهوديــا ً وحكــومته حكومــة يهوديــة صــريحة !!‬
‫)والن رشحوا يهوديا ً نائبا ً للرئيس(‪.‬‬
‫وأمر آخر يقض مضاجع يهود دولة إسرائيل ‪،‬‬
‫هو أنه ليس في وسع الشراهة اليهودية العمياء‬
‫أن تظل حبيسة الرض التي قالت عنها التــوراة‬
‫أنها تفيض لبنا ً وعسل ً ‪ ،‬مع أن المنطقة الكــبرى‬
‫حولهــا تفيــض نفطــا ً وذهبــا ً ‪ ،‬ثــم تظــل رهينــة‬
‫الفكــرة الداعيــة لقيــام دولــة مــا بيــن الفــرات‬
‫والنيــل وفــق النمــوذج النــازي العســكري الــذي‬
‫عجزوا عجزا ً واضحا ً عن السيطرة علــى مــا تــم‬
‫لهم منه‪.‬‬
‫بل إن ما تحقق من هذا الحلم كاف للعــدول‬
‫عن الفكرة الخرى التي أقام عليها "روتشــيلد"‬
‫وذريته مملكة ل نظير لها في التاريــخ " مملكــة‬
‫الربــا والعلم والجاسوســية " ‪ ،‬وهــي مملكــة‬
‫تتفــق تمام ـا ً مــع الجبلــة الطفيليــة ‪ ،‬وليكــن مــا‬
‫احتلــوه مــن الرض فــي حروبهــم المتعــددة ‪-‬أو‬
‫جزء منه‪ -‬منطلقا ً لهــذه المملكــة ‪ ،‬وتربــة لهــذه‬
‫الشجرة الطفيلية التي سوف تــترعرع وتخــترق‬
‫بثقافتها وفكرها ومناهجها سائر المنطقة ‪ ،‬التي‬
‫يسيل لعاب العالم كله لثروتها !‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫فإلى متى يظل وصولهم إلــى هــذه الــثروات‬


‫الهائلــة والكنــوز الســائلة ملتويــا ً يمــر بقنــاة‬
‫المريكــــان والوربييــــن !! وهــــم الجيــــران‬
‫الدنون ؟!‬
‫إن اليهود أكثر دهاًء وأكثر شراهة من أن‬
‫يظلوا موغلين في خطأ جسيم كهذا ‪-‬خطأ‬
‫التوسع الجغرافي غير المضمون حتى لو كان‬
‫هذا هو ما تخيله أحبار التلمود منذ سحيق‬
‫العهود ‪ ،‬وسواء خرج المسيح أو لم يخرج !! ((‬

‫أ‪.‬هـ)‪.(5‬‬
‫ذلك ما قلنا من قبل فما الثابت وما المتغيــر‬
‫في الوضع الراهن ؟!‬
‫لقــد صــدقت النبــوءة فــي جانبهــا الســلبي ‪،‬‬
‫لســبب واحــد واضــح هــو أن طبيعــة النفســية‬
‫اليهودية ثابتة ل تتغير بتغير استراتيجيات الحرب‬
‫والسلم ‪ ،‬وإل فكيف تخســر الدولــة الصــهيونية‬
‫مكاسب السلم الهائلة ؟ وكيــف يكــون الســلم‬
‫الذي تسعى إليه كل المم هو ســبب النهيــار أو‬
‫الضعف ؟ إن الدولة الصهيونية هي الن أضــعف‬
‫ما تكون مع أنه لم يحاربها أحد ‪ ،‬بــل ليــس فــي‬
‫نية أحد أن يحاربهــا ‪ ،‬فلمــاذا ؟ لبــد أن الســبب‬
‫ذاتي محض ‪ ،‬وإل فلو كــانت تلــك المشــروعات‬
‫موضوعة لشعب آخر ولو كانت تلــك التفاقــات‬
‫‪ ()5‬القدس بين الوعد الحق والوعد المفترى ص )‪.(13-9‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫معقـودة مـع طـرف آخـر لمكـن الوصـول إلـى‬


‫نتـــائج ثابتـــة ‪ ،‬باحتمـــالت معقولـــة للنقـــض أو‬
‫التحايل ‪،‬كما نرى في سائر النـزاعات بين سائر‬
‫البشر ‪ ،‬ولكن اليهود لهم طبيعــة خاصــة تخـالف‬
‫سائر البشر ‪ ،‬طبيعة خاصــة فــي المفاوضــات ‪،‬‬
‫وطبيعة خاصة في العهود ‪ ،‬وطبيعة خاصــة فــي‬
‫التملص والنكوص‪.‬‬
‫وباختصــار نقــول إن الحســابات الــتي بنيــت‬
‫عليها قرارات مدريد وأوسلو تقوم ‪:‬‬
‫علــى أســاس أن الســلم يكســر الحــواجز‬
‫النفسية ‪-‬وهذا معقول إل في المة الــتي تكــون‬
‫نفسيتها نسيجا ً معقدا ً من الحواجز ‪،‬وهــي المــة‬
‫المغضوب عليها "اليهود"‪.-‬‬
‫وعلى أساس أن السلم مطلب حيــوي لكــل‬
‫المم وهذا حق إل بالنسبة للمة الــتي ل تعيــش‬
‫إل علــــى العــــدوان والوحشــــية والعنصــــرية‬
‫الحاقدة !!‬
‫وحتى ل يتهمنا أحد بالعنصرية ‪-‬أو يحاكمونا‬
‫كما حاكموا جارودي !!‪ -‬لن نستدل على هذا‬
‫بكتاب الله العزيز ول بأقوال البشر من‬
‫المميين كافة ‪ ،‬بل من التوراة نفسها التي قام‬
‫الكيان الصهيوني على نبوءاتها ))وليسمع من له‬
‫أذنان(( !!‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫اليهود هم اليهود‬ ‫‪5‬‬


‫اليهود هم اليهود من عبدة العجل طــالبي اللهــة كمــا‬
‫للوثنيين آلهة ‪ ،‬وناقضي عهد الله في كل مرة والقــائلين‬
‫لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ‪ ، ‬والقــائلين لرســوله‬
‫الكريم ‪‬اذهب أنت وربك فقاتل إنا هاهنا قاعدون‪ ‬ومحرفي‬
‫الكلم عن مواضعه ‪ ،‬وأكلة السحت والربا ‪ ،‬والقــائلين يــد‬
‫اللــه مغلولــة ‪ ،‬وإن اللــه فقيــر ونحــن أغنيــاء ‪ ،‬وقــاتلي‬
‫النبياء ‪ ،‬وكاتمي الحق ‪ ،‬وتاركي المر بالمعروف والنهــي‬
‫عن المنكـر ‪ ،‬الملعـونين علـى لسـان داوود وعيسـى بـن‬
‫مريم‪ ،‬والممسوخين قردة وخنازير‪ ...‬و ‪ ...‬و ‪...‬إلخ‪.‬‬
‫ومن قينقاع والنضير وقريظة وخيــبر الجاحــدين النــور‬
‫في الظهيرة ‪ ،‬المتآمرين مع عُّباد اللت والعــزى ‪ ،‬الــذين‬
‫هموا بقتل خير البريـة أول مـرة ‪ ،‬ثـم وضـعوا لــه السـم‬
‫أخيرا ً ‪ ،‬الذين ل تحصى فضائحهم ول تعــد قبـائحهم ‪ ،‬إلـى‬
‫هرتسل وعصابته ‪ ،‬وبيجــن وشــرذمته ‪ ،‬وإلــى الســفاحين‬
‫الذين جاءوا مــن بعــدهم –وكلهــم ســفاحون‪ -‬ومــن لبــس‬
‫منهم جلد الضأن على قلــوب الــذئاب أو الثعــالب ‪ ،‬ومــن‬
‫كشر عن أنيابه وجاهر بإرهابه‪...‬‬
‫إلى العتــاة القســاة غلظ القلــوب ‪ ،‬الــذين اســتهدفوا‬
‫أعيــن الطفــال بالرصــاص المتفجــر ‪ ،‬وأحرقــوا قلــوب‬
‫المهــات ‪ ،‬وكشــفوا الــوجه الحقيقــي لرجســة الخــراب‬
‫"إسرائيل" بفظاعاتهم ووحشيتهم !!‬
‫من أولئك القدمين إلى هــؤلء المعاصــرين لــم تتغيــر‬
‫الطبيعة ‪ ،‬ولم يتهذب الخلق ‪ ،‬ولم تختلف العقوبة !!‬
‫زلوا‬ ‫َ‬
‫فاقرأوا معي ماذا قيل في تــوراتهم عنهــم ؟ وأْنـ ـ ِ‬
‫ما تقرأون على أي مرحلة شئتم‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫إما على عباد العجل ‪ ،‬وإما على خونة قريظــة ‪ ،‬وإمــا‬


‫على سفاحي إسرائيل اليوم ‪ ،‬بل أنـزلوه على الجميع فل‬
‫فرق ولهذا فسوف نسوقه بل شرح ول تعقيب‪.‬‬
‫اقــرأوا صــفات الرؤســاء ‪ ،‬وجبلــة الشــعب ‪ ،‬وطبــاع‬
‫الكهنة ‪ ،‬وملمح المجتمع الصهيوني ‪ ،‬وخلقه وتعــامله مــع‬
‫الخريــن بــل مــع اللــه خــالقه ‪ ،‬فــي مملكــتي إســرائيل‬
‫ويهوذا ‪ ،‬وفي الســبي البــابلي‪ ،‬وفــي الشــتات العــالمي ‪،‬‬
‫وفي دولة إسرائيل المعاصــرة ‪ ،‬لتجــدوا أن شــيئا ً مــا لــم‬
‫يتغير وأن ما صدق علــى زمــن يصــدق علــى كــل زمــن ‪،‬‬
‫وهذا الذي تقرأون إنما هو غيض من فيض وقطــرات مــن‬
‫بحــر ‪ ،‬مــن التــوراة وحــدها دع التلمــود ومــا أدراك مــا‬
‫التلمود؟! ‪:‬‬
‫‪ -1‬موسى ‪: ‬‬
‫))أمر موسى اللويين حاملي تابوت عهد الرب قائل ً ‪:‬‬
‫خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت الرب‬
‫ليكون هذا شاهدا ً عليكم ‪ ،‬لني عارف تمردكم‬
‫ورقابكم الصلبة هوذا وأنا بعد ُ حي معكم اليوم قد‬
‫صرتم تقاومون الرب فكم بالحرِيّ بعد موتي((‪.‬‬
‫]تثنية ‪[17،16 :31‬‬
‫‪ -2‬داود ‪: ‬‬
‫إن قارئ المزمور السادس بعد المائة يجد التشابه‬
‫بين ما ذكره الله تعالى عنهم في سورة البقرة وما‬
‫في هذا السفر ‪ ،‬من تعداد لنعم الله تعالى وآياته‬
‫التي أراهم ولكنهم كل مرة ينكصون وينكثون‬
‫ويعبدون غير الله وينكرون نعمة الله ‪ ،‬ولذلك كان‬
‫الوعيد عليهم من الله ))فرفع يده مقسما ً ليسقطنهم‬
‫في البرية ويسقطن ذريتهم في المم ويبددنهم في‬
‫البلد‪.((...‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫]‪[27 ، 26‬‬
‫))مرات كثيرة أنقذهم لكنهم تمردوا على تدبيره‬
‫وانحطوا بآثامهم((‪.‬‬
‫]‪[43‬‬
‫‪ -3‬بنفس السلوب تقريبا ً يوبخهم سفر ]نحميا ‪.[9 :‬‬
‫‪ -4‬وأما أشعياء فيسهب ويفصل ونحن نختار ونجمل ‪:‬‬
‫))استمعي أيتها السموات وأنصتي أيتها الرض فإن‬
‫الرب قد تكلم‪.‬‬
‫ي‪.‬‬
‫إني ربيت بنين وكّبـرتهم لكنهم تمردوا عل ّ‬
‫عــرف الثــور مــالكه والحمــار علــف صــاحبه لكــن‬
‫إسرائيل لم يعرف وشعبي لم يفهم‪.‬‬
‫ويل للمــة الخــاطئة الشــعب المثقــل بالثــام ‪ ،‬ذريــة‬
‫أشرار وبنين فاسدين‪.‬‬
‫دوس إسرائيل وارتدوا‬ ‫إنهم تركوا الرب واستهانوا بق ّ‬
‫على أعقابهم‪.‬‬
‫علم ُتضَربون أيضا ً إذا ازددتــم تمــردا ً ؟ الــرأس كلــه‬
‫مريض والقلب كله سقيم‪.‬‬
‫من أخمص القدم إلى الرأس ل صحة فيه بل جروح‬
‫ورضوض وقروح مفتوحة لم تعالج ولم تعصب ولم‬
‫ت ُل َّين بدهن((‪.‬‬
‫]‪[6 -1 : 1‬‬
‫))لول أن رب القوات تـرك لنا بقية يسيرة لصـرنا‬
‫مثل سدوم وأشبهنا عمورة ‪-‬يعني مدينتي قوم‬
‫لوط‪.((-‬‬
‫]‪[8 : 1‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫))اسمعوا كلمة الرب يا قواد سدوم أصِغ إلى تعليم‬


‫إلهنا يا شعب عمورة ما فائدتي من كثرة ذبائحكم‬
‫يقول الرب ؟…‬
‫أصبح دم الثيران والحملن والتيوس ل يرضيني ‪.‬حين‬
‫تأتون لتحضروا أمــامي مــن الــذي التمــس هــذه مــن‬
‫أيديكم حتى تدوسوا دياري ؟‬
‫رأس الشهر والسبت والدعوة إلى الحفل‪ ...‬إنما هي‬
‫إثــم واحتفــال ‪ ،‬رؤوس شــهوركم وأعيــادكم كرهتهــا‬
‫نفسي‪.‬‬
‫فحين تبسطون أيديكم أحجب عيني عنكم وإن‬
‫أكثرتم من الصلة ل أستمع لكم لن أيديكم مملوءة‬
‫من الدماء((‪.‬‬
‫]‪[9-15 : 1‬‬
‫واستمع إلى هذا التقريع لورشليم ‪-:‬‬
‫))كيف صارت المدينة المينة زانية ؟ لقد كانت‬
‫مملوءة عدل ً وفيها كان بيت الرب أما الن فإنما‬
‫فيها قََتلة‪.‬‬
‫ضتك صارت خبثا ً وشرابك مزج بماء ‪.‬‬ ‫فِ ّ‬
‫رؤســاؤك عصــاة وشــركاء للســراقين ‪،‬كــل يحــب‬
‫الرشــوة ويســعى وراء الهــدايا ‪ ،‬ل ينصــفون اليــتيم ‪،‬‬
‫ودعوى الرملة ل تبلغ إليهم ‪.‬‬
‫فلذلك قال السيد رب القوات عزيز إسرائيل ‪:‬‬
‫لثأرن من خصومي وأنتقمن من أعدائي‪.‬‬
‫وأرد يدي عليك ‪ ،‬وأحرق خبثك كما بالحرض وأنـزع‬
‫نفاياتك كلها((‪.‬‬
‫]‪[21-25 : 1‬‬
‫ويضرب لهم المثال ويهددهم بالويلت إلى أن يقول ‪:‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫))ويل للقائلين للشر خيرا ً وللخير شرا ً ‪ ،‬الجاعلين‬


‫الظلمة نورا ً والنور ظلمة ‪ ،‬الجاعلين المر حلوا ً‬
‫والحلو مرًا‪.‬‬
‫ويل للذين هم حكماء في أعين أنفســهم عقلء أمــام‬
‫وجوههم‪.‬‬
‫ويل للذين هم أبطال في شرب الخمــر ‪ ،‬وذوو بــأس‬
‫في مزج المسكرات‪.‬‬
‫شّرير لجل رشوة والحارمين الباّر بّرة‪.‬‬ ‫المبرئين ال ّ‬
‫فلذلك كمــا يلتهــم لهيــب النــار القــش ‪ ،‬وكمــا يفنــى‬
‫الحشيش الملتهب ‪ ،‬يكون أصــلهم كــالنتن وبرعمهــم‬
‫يتنــاثر كــالتراب ‪ ،‬لنهــم نبــذوا شــريعة رب القــوات‬
‫واستهانوا بكلمة قدوس إسرائيل‪.‬‬
‫فاضطرم غضب الرب على شعبه فمد يده عليه‬
‫وضربه ‪ ،‬فرجفت الجبال وصارت جثثهم كالزبل في‬
‫وسط الشوارع ‪ ،‬ومع هذا كله لم يرتد غضبه‬
‫ويده لتضزال ممدودة((‪.‬‬
‫]‪[20-25 : 5‬‬
‫وبعد هذا يتنبأ النبي بالعقوبة على هــؤلء ‪ -‬علم ـا ً بــأنه‬
‫حينئذ لم يكن لليهود دولة ول اجتماع وإنمــا كــانوا أســرى‬
‫في بابل !! فيقول ‪:‬‬
‫ة لمةٍ بعيدةٍ ويصفر لها من أقصى الرض‬ ‫))فيرفع راي ً‬
‫فإذا بها مقبلة بسرعة وخفة‪.‬‬
‫ليس فيها منهك ول عاثر ‪ ،‬ل تنعـس ول تنـام ول يحـل‬
‫حزام حقويها ول يفــك ربــاط نعليهــا‪ .‬ســهامها محــددة‬
‫وجميع قسيها مشدودة‪ .‬تحسب حــوافر خيلهــا صــوانا ً‬
‫ومركباتها إعصارًا‪.‬‬
‫لها زئير كاللبؤة وهي تزأر كالشبال وتزمجر وتمســك‬
‫الفريسة وتخطفها وليس من ينقذ‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫فتزمجر عليه في ذلك اليوم كزمجرة البحر‪ .‬وتنظر‬


‫إلى الرض فإذا بالظلم والضيق وقد أظلم النور في‬
‫غمام حالك((‪.‬‬
‫]‪[30 -26 : 5‬‬
‫وســوف نــأتي بمزيــد مــن صــفات هــذه المــة الــتي‬
‫يشرفها الله بحرب أعدائه مــن هــذا الســفر وغيــره‪ .‬ثــم‬
‫يقول ‪:‬‬
‫))آثامكم فرقت بينكم وبين إلهكم ‪ ،‬وخطاياكم حجبت‬
‫وجهه عنكم ‪ ،‬فل يسمع لن أكفكم تلطخت بالدم‬
‫وأصابعكم بالثم‪.‬‬
‫ليس مــن مــدع بــالبر ول محكــم بالصــدق ‪ ،‬يتكلمــون‬
‫علــى الخــواء وينطقــون بالباطــل ‪ ،‬يحبلــون الظلــم‬
‫ويلدون الثم ‪ ،‬ينقفون بيض الحيات وينسجون خيــوط‬
‫العنكبوت ‪ .‬وبيضهم من أكل منــه يمــوت ‪ ،‬ومــا كســر‬
‫منه انشق عن أفعى‪.‬‬
‫خيوطهم ل تصير ثوب ـا ً ول يكتســون ‪ ،‬بأعمــالهم إثــم ‪،‬‬
‫وفعل العنف في أكفهم‪.‬‬
‫أرجلهم تسعى إلــى الشــر وتســارع إلــى ســفك الــدم‬
‫البريء ‪ ،‬أفكارهم أفكار الثم ‪ ،‬وفــي مســالكهم دمــار‬
‫وتحطيم‪.‬‬
‫لم يعرفوا طريق السلم ول حق في سبيلهم‬
‫‪ ،‬قد جعلوا دروبهم معوجة‪ ،‬كل من سضضلكها ل‬
‫يعرف السلم‪.‬‬
‫لذلك ابتعد الحق عنا ‪ ،‬ولم يدركنا البر ‪ ،‬نترقب النور‬
‫فإذا بالظلم ‪ ،‬والضياء فإذا بنا سائرون في الديجور‪.‬‬
‫نتحســس الحــائط كالعميــان‪ ،‬وكمــن ل عينــي لـــه‬
‫نتحسس‪ ،‬نعثر في الظهيــرة كمــا فـي العتمــة‪ ،‬ونحــن‬
‫بين الصحاء كأننا أموات‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫نزأر كلنا كالدباب وننوح كالحمــام ‪ ،‬نــترقب الحــق ول‬


‫يكون والخلص وقد ابتعد عنا‪.‬‬
‫لن معاصينا قد كثرت تجاهك ‪ ،‬وخطايانا شاهدة علينا‬
‫‪ ،‬لن معاصينا معنا وآثامنا قد عرفنا‪.‬‬
‫العصيان والكذب على الرب ‪ ،‬والرتداد من وراء إلهنا‬
‫‪ ،‬والنطــق بــالظلم والتمــرد والحيــل بكلم الكــذب ‪،‬‬
‫والتمتمة به في القلب‪.‬‬
‫فارتد الحكم إلى الوراء ‪ ،‬ووقف البر بعيدا ً ‪ ،‬لن الحق‬
‫عثر في الساحة ‪ ،‬والسقامة لم تقدر على الدخول‪.‬‬
‫وصار الحق مفقودا ً ‪ ،‬والمعرض عــن الشــر مســلوبا ً ‪،‬‬
‫وقد رأى الرب فساء في عينيــه أن ل يكــون عــدل …‬
‫س الب ّــر كــدرع …وارتــدى ثيــاب النتقــام لباسـا ً ‪،‬‬
‫فَل َب ِـ َ‬
‫وتجلبب بالغيرة رداءًا‪.‬‬
‫على حسب العمال هكذا يجزي ‪ ،‬فالغضب بخصومه‬
‫والنتقام لعدائه ويجزي الجزر النتقام((‪.‬‬
‫]‪[18 – 2 : 59‬‬
‫‪ -5‬وفي سفر حزقيال نقرأ ‪:‬‬
‫))يا ابن النسان ‪ :‬إني مرسلك إلى بني إسرائيل إلى‬
‫ي‪ .‬فقد عصوني هم‬ ‫أناس متمردين قد تمردوا عل ّ‬
‫وآباؤهم إلى هذا اليوم نفسه‪ .‬فأرسلك إلى البنين‬
‫الصلب الوجوه‪ ،‬القساة القلوب ‪ ،‬فل تخف منهم ‪،‬‬
‫ول تخف من كلمهم ‪ ،‬لنهم يكونون معك عليقا ً‬
‫وشوكا ً ‪ ،‬ويكون جلوسك بين العقارب‪ .‬من كلمهم‬
‫لتخف ‪ ،‬ومن وجوههم ل ترتعب ‪ ،‬فإنهم بيت‬
‫تمرد((‪.‬‬
‫]‪[3 : 2‬‬
‫‪ -6‬وفي سفر ميخا نقرأ ‪:‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫))اسمعوا يا رؤساء يعقوب وقواد بيت إسرائيل أما‬


‫ينبغي لكم أن تعرفوا الحق ؟‬
‫أيها المبغضون الخير والمحبون الشر النازعون جلود‬
‫الناس عنهم ولحومهم عــن عظــامهم الــذين يــأكلون‬
‫لحــوم شــعبي ويســلخون جلــودهم عنهــم ويشــمون‬
‫عظامهم عنهم…‬
‫هكذا قال الرب على النبياء ) الدجالين ( الذين‬
‫يضلون شعبي ويعضون بأسنانهم وينادون‬
‫بالسلم ومن ل يلقمهم في أفواههم‬
‫يشنون عليه حربا ً مقدسة((‪.‬‬
‫وفي ترجمة أخرى ‪:‬‬
‫))ينهشون بأسنانهم وينادون سلم((‪.‬‬
‫))يا رؤساء بيت يعقوب ويا قواد بيت إسرائيل الذين‬
‫وجون كل استقامة الذين يبنون‬ ‫يمقتون الحق ‪ ،‬ويع ّ‬
‫صهيون بالدماء ‪ ،‬وأورشليم بالظلم((‪.‬‬
‫]‪[8-12 ، 1-5 : 3‬‬
‫‪ -7‬ومع دعوى أنهم شعب الله المختار تقول السفار ‪:‬‬
‫))لو أرسلتك إلى هؤلء )الشعوب غير بني إسرائيل(‬
‫لسمعوا لك ولكن بيت إسرائيل ل يشاء أن يسمع‬
‫لك ‪ ،‬لنهم ل يشاؤون أن يسمعوا لي‪ ،‬لن كل بيت‬
‫إسرائيل صلب الجباه وقساة القلوب‪ ...‬فل تخف ول‬
‫ترتعب من وجوههم ‪ ،‬لنهم بيت تمرد((‪.‬‬
‫]حزقيال ‪[7-6 : 3‬‬
‫وهذه العبارة ))لنهم بيت تمرد(( تتكرر في السفر‬
‫نفسه كاللزمة الشعرية‪.‬‬
‫‪ -8‬وأخيرا ً استمع إلى ما يقول سفر عاموس وكأنما هو‬
‫يخاطب أصحاب مشروع السلم‪:‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫))أتركض الخيل على الصخر أو يحرث الصخر بالبقر‬


‫حتى تحولوا الحق إلى سم وثمر البر إلى مرارة…‬
‫هاأنذا أقيم عليكم أمة يا بيت بني إسرائيل ‪-‬يقول‬
‫الرب إله القوات‪ -‬فيضايقونكم من مدخل حماة إلى‬
‫وادي العربة((‪.‬‬
‫]‪[12-14 : 6‬‬
‫وهذا غيض من فيض مما أسهبت فيه الســفار عــن‬
‫أوصافهم ‪ ،‬وقد تضمن أيضا ً نصائح للمتعــاملين معهــم ‪،‬‬
‫وأعظم مــن ذلــك تعــرض لكيفيــة عقــوبتهم ‪ ،‬وهــي مــا‬
‫سيأتي لـه فصل خاص به بإذن الله‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫شهادة قطعية‬ ‫‪6‬‬


‫مستقبل القــدس هــو أكــبر عقــدة فــي أخطــر قضــايا‬
‫الصراع العالمي ‪ ،‬هذا ما يتفق عليه الساسة والمراقبــون‬
‫والباحثون في الدنيا‪.‬‬
‫وعقدة قضية القدس هو وضع بيت الله‬
‫المقدس )المسجد القصى عندنا وفي التاريخ‬
‫النبوي كله – الهيكل المزعوم عند اليهود‬
‫والصوليين المستندين إلى النبوءات الكتابية(‪.‬‬
‫إن النبــوءات الكتابيــة تربــط بوضــوح بيــن‬
‫مستقبل من الجلل والبهاء والعظمة لبيت اللــه‬
‫وقبلته الجديدة ‪ ،‬وبين المة المقدسة المختــارة‬
‫التي تعبد الله فيه ‪ ،‬فحيثمــا وجــدنا ذلــك الــبيت‬
‫وجدنا تلك المــة الموعــودة بــأن يكثرهــا اللــه ‪،‬‬
‫ويمكنهــا فــي الرض ‪ ،‬ويظهــر دينهــا علــى كــل‬
‫الديان ‪ ،‬ويسلطها على ممالك الكفر إلى البد‪.‬‬
‫وحيــن نجــد تلــك المــة نجــد قبلتهــا وأعظــم‬
‫معالمهـــا هـــو بيـــت اللـــه ذو المجـــد والبهـــاء‬
‫والتقديس الذي ل يحظى به أي معبـد آخـر فـي‬
‫الوجود‪.‬‬
‫هذا التلزم بين المة والبيت لم يكن في يوم من‬
‫اليام أكثر منه إلحاحا ً ووضوحا ً في هذا العصر ‪ ،‬والسبب‬
‫ويا للعجب هم ‪ :‬الصوليون الصهاينة ؟!‬
‫فالمســلمون ‪-‬مــع غفلتهــم عــن كــثير مــن‬
‫خصائصهم ونعم اللــه عليهــم ومنهــا هــذا الــبيت‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫واستقباله‪ -‬ل يرون العلقــة بيــن مكــة والقــدس‬


‫علقة تضاد ول تنافس ‪ ،‬بل هــي نفــس العلقــة‬
‫بين محمد ‪ ‬وموسى وعيسى عليهما السلم ‪،‬‬
‫علقــة المحبــة والخــوة والغايــة الواحــدة وإن‬
‫اختلفــت مراتــب الفضــل بيــن الرســل وبيــن‬
‫المساجد !!‬
‫أمــا الصــوليون الصــهاينة فالقضــية عنــدهم‬
‫حاسمة قاطعة ‪:‬‬
‫القدس هي مدينة الله والهيكل هو بيت اللــه‬
‫المذكور في النبوءات ول خيـار ول تفكيـر بـل ل‬
‫وجود لخر !!‪.‬‬
‫وهكــذا وضــعوا أنفســهم فــي موقــف بــالغ‬
‫الخطورة فــي محكمــة الحقيقــة الــتي ل تحــابي‬
‫أحــدا ً فإمــا أن يصــح مــا قــالوا وإمــا أن يكونــوا‬
‫أكذب النــاس وأجــدرهم بالعقوبــة الرادعــة ‪ ،‬ول‬
‫مناص‪.‬‬
‫ومن هنا كان لبد مـن الحـديث المـوجز عـن‬
‫المســجد القصــى‪ ،‬وعلقتــه بالمســجد الحــرام‪.‬‬
‫والكشف عن البراهين من كتب أهــل الكتــاب ‪،‬‬
‫ومن الواقع الذي يــراه كــل إنســان فــي العــالم‬
‫كله على بطلن دعوى هؤلء وأن النبوءات كلها‬
‫عليهم ل لهم‪.‬‬
‫إن قصة المسجد القصـى طويلـة جـدا ً لكـن‬
‫أهم معالمها هو ‪-:‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫ثاني مسجد بني في الرض بعد‬ ‫‪-1‬‬


‫المسجد الحرام ‪ ،‬بنص الحديث الذي‬
‫رواه المام البخاري في صحيحه عن‬
‫أبي ذر رضي الله عنه قال ‪ :‬قلت يا‬
‫رسول الله ‪ :‬أي مسجد وضع في‬
‫الرض أول ؟ قال ‪ :‬المسجد‬
‫الحرام ‪ ،‬قال قلت ثم أي ؟ قال ‪:‬‬
‫المسجد القصى ‪ ،‬قلت كم كان‬
‫بينهما ؟ قال ‪ :‬أربعون سنة (()‪.(6‬‬
‫بعد أن جدد إبراهيم ‪ (7) ‬البيت الحــرام‬ ‫‪-2‬‬
‫جدد يعقوب ‪ ‬المســجد القصــى كمــا‬
‫ورد في بعض الثار ‪.‬‬
‫دخلــه قــوم موســى ‪ ‬بعــد الــتيه حيــن‬ ‫‪-3‬‬
‫جاهــدوا الكفــار فنصــرهم اللــه ودخلــوا‬
‫الرض المقدسة التي كتب الله لهم كما‬
‫فــي ســورة المــائدة وعبــدوه وحــده ل‬
‫شريك له)‪.(8‬‬
‫بلغ أوج عظمته في البنــاء حيــن أعطــى‬ ‫‪-4‬‬
‫الله تعالى ســليمان ‪ ‬الملــك العظيــم‪،‬‬
‫‪ ()6‬البخاري ‪ ،‬حديث رقم )‪.(3322‬‬
‫‪ ()7‬قلنا جدد لن الصحيح هو أن البيت قبل إبراهيم ‪ ،‬بناه آدم أو الملئكة وعلى ذلــك أدلــة منهــا‬
‫قوله تعالى ‪‬وإذ يرفع إبراهيم القواعد من الــبيت ‪ ‬روى الطــبري بســند صــحيح عــن ابــن عبــاس‬
‫قال ‪ :‬كانت القواعد قبل ذلك‪ .‬فإبراهيم ‪ ‬لم يؤسسها بل رفعها بالبناء فوقها‪.‬‬
‫‪ ()8‬هذا هو الصحيح وإن كان اليهود يزعمون أن يوشع إنما فتح أريحــا وأن القــدس لــم تفتــح إل‬
‫في زمن داود ‪ . ‬وظاهر القرآن يدل على أن دخول داود ‪ ‬كان بعد إخراجهــم منهــا )البقــرة‬
‫=‬ ‫آية ‪ (246‬وقد نص ابن كثير‬
‫= في التفسير )المائدة ‪ (26 :‬أن يوشع ومن معه دخلوا بيــت المقــدس ‪ ،‬وذكــر الحــديث فــي‬
‫حبس الشمس لـه حتى فتحها‪ ،‬وهذه الكرامة أليــق بالقــدس منهــا بغيرهــا ‪.‬فلعــل الخ محســن‬
‫محمد صالح يحرر القول في هذا ) انظر كتابه الطريق إلى القدس ص ‪ 28‬ط ‪.(3‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫فســـخر البنـــائين مـــن الجـــن والنـــس‬


‫لبنائه ‪ ،‬ليكــون بيت ـا ً لعبــادة اللــه وحــده‪،‬‬
‫وسأل ربه تعالى أنه أيما رجضضل خضضرج‬
‫مضضن بيتضضه ل يريضضد إل الصضضلة فضضي‬
‫هذا المسجد أن يخرج من خطيئته‬
‫كيوم ولدته أمه()‪.(9‬‬
‫سماه اليهــود " الهيكــل " وهــي تســمية‬ ‫‪-5‬‬
‫وثنية معروفــة ‪ ،‬مــع أن التــوراة تســميه‬
‫بيــت الــرب فــي مواضــع كــثيرة جــدا ً ‪،‬‬
‫وليس الشــكال فــي مجــرد الســم بــل‬
‫حرفـــوا وابتـــدعوا حـــتى صـــار دينهـــم‬
‫كالوثنيــة‪ .‬والتــوراة فــي مواضــع كــثيرة‬
‫تســجل عليهــم أنهــم عبــدوا " بعل ً " و "‬
‫تموز" و" مناة " وغيرها من الصنام‪.‬‬
‫تعرض لهجمات عدائيــة وأحــداث كــبرى‬ ‫‪-6‬‬
‫سيأتي بعضها في فقرة تالية‪.‬‬
‫أسري بالنبي ‪ ‬إليه قبل الهجرة‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫افتتح المسلمون بيــت المقــدس ودخلــه‬ ‫‪-8‬‬
‫أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه‪.‬‬
‫اســتولى عليــه اليهــود ســنة ‪ 1387‬هـــ‬ ‫‪-9‬‬
‫‪ 1967‬وأرادوا محـــوه مـــن الوجـــود ول‬
‫يزالون ‪ .‬وأخطر حدث يمكن أن يقع في‬
‫المرحلة اللحقة هو حرقه أو نسفه ‪ ،‬أو‬
‫‪ ()9‬أخرجه المام أحمد في المسند )‪ ، (176 /2‬والنسـائي فـي الســنن )‪ .(2/43‬وانظــر الفتــح‬
‫شرح الحديث السابق ‪ ،‬وابن كثير تفسير آية )‪ (35‬سورة ص‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫طمس معالمه وتحويله إلى جزء من بناء‬


‫مقترح يخطط اليهود لقامته‪.‬‬
‫‪ -10‬يزعم اليهود أن هيكل سليمان تحتــه‬
‫أو حواليه ‪ ،‬وقد نبشــوا الرض وجعلوهــا‬
‫سراديب وحللوا مئات الطنان من الثار‬
‫المطمــورة فمــا رأوا للهيكــل المزعــوم‬
‫من عين ول وقعوا له على أثر !!‪.‬‬
‫إنها آية من آيات الله ‪ ،‬الذي أرسل رسوله بالهدى‬
‫ودين الحق ‪ ،‬ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون‬
‫أن يبقى بيت الله الول ‪ ،‬الذي رفع قواعده إبراهيم ‪‬‬
‫ظاهرا ً معمورا ً محفوظا ً مقدسا ً ما يزيد على أربعة آلف‬
‫سنة بل أكثر ‪ ،‬فقد حج إليه النبياء قبل إبراهيم ‪، ‬‬
‫وكان مصونا ً مقصودا ً زمن عاد وثمود ‪ ،‬وفي الوقت‬
‫نفسه تندثر هياكل بابل ونينوى وأورشليم ‪ ،‬وتماثيل قوم‬
‫نوح وأصنام عاد وثمود !! وقرون بين ذلك كثير ‪..‬وأن‬
‫ُيسقط أهل الكتاب أنفسهم في الحفرة نفسها‪ ،‬مع أنهم‬
‫دعون النتساب إلى إبراهيم ‪ ، ‬فهم ينقبون ملفات‬ ‫يَ ّ‬
‫التاريخ المأثور والمطمور ‪ ،‬والنهاية إما أل يجدوا شيئا ً‬
‫وإما أن يجدوا ما يشهد لدين الله ل لدينهم‪.‬‬
‫إن كل ما أوتيته أمريكا وإسرائيل من زينة‬
‫م الحسرة ول يبل‬‫الحياة الدنيا ل يسّليهم من غ ّ‬
‫جمرة الحسد الذي يأكل قلوبهم ‪ ،‬حين يرون‬
‫هذه المة المية تملك ناصية الحقيقة ‪ ،‬وتتقلب‬
‫في نعيم النور ‪ ،‬هؤلء البائسون يحفرون في‬
‫تركية وشمال العراق وجنوب مصر وفي كل‬
‫مكان فل يجدون إل بواصل تشير باستمرار إلى‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫منبع الحضارة النسانية ‪ ،‬ومركز القيادة‬


‫العالمية ))جزيرة المة المية((‪ .‬هذا شأنهم‬
‫منذ قرون ومئات المليين من الجنيهات‬
‫والدولرات ينفقون لتنطق الشواهد كلها عليهم‬
‫! فهل رأيت من يستأجر محاميا ً لثبات دعوى‬
‫خصمه‪ .‬إنها حكمة الله !!‪.‬‬
‫نحن المســلمين ‪-‬تشــهد لنــا نصــوص الكتــب‬
‫خر‬ ‫ســـ ّ‬
‫المقدســـة وتخـــدمنا حقـــائق التاريـــخ وي ُ َ‬
‫أعداؤنا للشهادة لنا لماذا ؟‪.‬‬
‫لننا نؤمن برسل الله جميعا ً ونقدس كــل مــا‬
‫قدس الله بل عنصرية ول هوى ‪ ،‬وموقفنا واضح‬
‫كالشــمس ‪ :‬فالمســجد الحــرام هــو المســجد‬
‫الحرام سواًء حين بناه آدم وحيــن بنــاه إبراهيــم‬
‫وحيــن بنتــه قريــش ‪-‬علــى شــركها وجاهليتهــا‪-‬‬
‫وحين بناه المسلمون ومتى أعيد بنــاؤه ‪-‬كلــه أو‬
‫بعضه‪ -‬إلى قيام الساعة‪.‬‬
‫وكذلك المسجد القصى عندنا ‪-‬هــو المســجد‬
‫القصى‪ -‬حين ب ُِني أول مرة وحين بناه ســليمان‬
‫‪ ‬وحيـــن صـــلى فيـــه النـــبي ‪ ‬وحيـــن بنـــاه‬
‫المســلمون بعــد ومــتى أعيــد بنــاؤه إلــى قيــام‬
‫الساعة‪.‬‬
‫ونحن نعتقد صحة ما جاء فــي ســفر الملــوك‬
‫من قول الله لسليمان ‪ ‬بعد بناء المسجد وهو‬
‫‪:‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫ت هذا البيت الذي بنيته لجل وضع‬


‫))قدس ُ‬
‫اسمي فيه إلى البد((‬

‫]‪[2 : 9‬‬
‫فهذا حق ول زلنا ولله الحمد نقدس هذا البيت ونعبد‬
‫الله فيه‪.‬‬
‫أما اليهود الذين أبوا إل العنصرية والتلبيس –‬
‫فعن أي شيء يبحثون ؟‬
‫إن كانوا يريدون المكان المقــدس عنــد اللــه‬
‫فها هــو ذا قــائم ظــاهر فليعبــدوا اللــه فيــه كمــا‬
‫شرع على لســان خــاتم رســله وأنبيــائه ومجــدد‬
‫ملــة إبراهيــم ‪ . ‬ومــاذا عليهــم لــو أســلموا‬
‫فاهتدوا إلى الحق وعرفوا الحقيقة ‪.‬‬
‫وإن كانوا يريدون البنــاء ‪-‬مجــرد البنــاء‪ -‬فمــا‬
‫قيمة الحجارة في ذاتهــا إذا كــان مــا يتعلــق بهــا‬
‫من الشعائر منسوخا ً أو باطل ً ل يقبله الله ‪.‬‬
‫ولو قدرنا أن هــذا البحــث اســتمر إلــى قيــام‬
‫الســاعة ولــم يعــثروا علــى شــيء ذي بــال فمــا‬
‫النتيجة؟‬
‫إنها –بل ريب‪ -‬تكذيب وعد الله لســليمان ‪‬‬
‫ببقائه مقدسا ً إلى البد !‬
‫فلمــاذا التعــامي عــن حقيقــة شــرعية دينيــة‬
‫وحقيقة تاريخية واقعية ؟‬
‫إنه برسالة محمد ‪ ‬وحدها تطابق حكم الله‬
‫الشرعي مع حكمه الكوني القدري ‪ ،‬فالمســجد‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫المقدس دينا ً وشرعا ً يقدس علــى أرض الواقــع‬


‫حسا ً مشاهدًا‪.‬‬
‫أما الترتيب في الفضــل والقداســة فمســألة‬
‫أخــرى ولهــا حكــم عظيمــة ‪ ،‬أعظــم بكــثير مــن‬
‫وجود الهيكل أو عدمه ‪.‬‬
‫حينما كانت النبوة في ذرية إبراهيــم ‪ ‬كــان‬
‫المسجد القصى محور الحداث ومسجد النبياء‬
‫من ذرية إســحاق ‪ ،‬ولمــا أراد اللــه نـــزع النبــوة‬
‫والكتــاب منهــم ‪ ،‬وجعلهــا فــي فــرع إســماعيل‬
‫اقتضــت حكمتــه أن يولــد النــبي ‪ ‬فــي البلــد‬
‫الحرام نفسه ‪ ،‬حيث تعلم العرب قاطبة أنه من‬
‫ذرية إسماعيل وأن يولــد فــي العــام الــذي صــد‬
‫الله أصحاب الفيل النصارى عن بيته الحرام !‬
‫ما لم يجــدوا بيتهــم المزعــوم‬ ‫فأهل الكتاب لـ ّ‬
‫‪-‬وعجزوا عن تسخير القلوب للبيوت البديلة في‬
‫روما وصنعاء‪ -‬سعوا إلى هـدم بيــت اللــه نفســه‬
‫وســيظلون يســعون حــتى يهــدموه بيــن يــدي‬
‫الساعة!!‬
‫وشهد ‪ ‬بنــاء الــبيت قبــل النبــوة ‪ ،‬ثــم بعــد‬
‫بعثتــه حيــن أراد ربــه الكريــم أن يفــرض عليــه‬
‫أعظـــم شـــعائر الســـلم العمليـــة )الصـــلوات‬
‫الخمس( أسري بــه أول ً إلــى المســجد القصــى‬
‫)وفي ذلك من العلقة والرابطة ما فيه( وهنــاك‬
‫صلى بالنبياء الكرام ‪ ،‬ومن هناك عرج بــه إلــى‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫السماء‪ ،‬وظل ‪ ‬يصلي إلى المســجد القصــى‬


‫مع تشوقه إلــى أن يصــلي إلــى الكعبــة ‪ ،‬وكــان‬
‫المر في مكة لـه مخرج بأن يجعل الكعبــة بينــه‬
‫وبين القبلة ‪ ،‬وتعذر ذلك حين هاجر إلى المدينة‬
‫‪ ،‬وظــل ‪ ‬يســتقبل المســجد القصــى بضــعة‬
‫عشر شهرا ً ‪ ،‬لحكمة جليلة لو كان أهل الكتــاب‬
‫يعقلون‪ ،‬فإنه ‪ ‬إنما يتبع ما يوحى إليه من ربــه‬
‫ل مــا ترغبــه نفســه ‪،‬كمــا أن فــي اســتقباله‬
‫للمســجد القصــى مــا ينطــق بنبــوته وتعظيمــه‬
‫للنبياء ‪ ،‬وأنه على سنتهم ومنهاجهم ‪ ،‬ثم جــاءه‬
‫المر من ربه بالتحول ‪ ،‬فتحــول إلــى بيــت اللــه‬
‫الول ومقام أبيه إبراهيم ‪ ،‬فكان ذلــك تمحيصــا ً‬
‫لليمان ‪ ،‬واختيارا ً لهذه المــة الوســط ‪ ،‬وحكمـا ً‬
‫أبــديا ً علــى مــن لــم يســتقبل القبلــة الجديــدة‬
‫ببطلن دينه ‪ ،‬ورد عبـادته ‪ ،‬وحرمـانه مـن اتبـاع‬
‫ملة إبراهيم ‪ ، ‬وشهادة عظيمة على أن كفــر‬
‫ة‬
‫أهل الكتاب إنما هو عن حسد وبغي مع معرفــ ٍ‬
‫ن للحق‪.‬‬‫واستيقا ٍ‬
‫وهكــذا جــاءت آيــات القبلــة فــي كتــاب اللــه‬
‫المحفوظ في ســورة البقــرة مــن )‪(150-142‬‬
‫ومنها قوله تعالى ‪:‬‬
‫‪‬وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمــون أنــه الحـق‬
‫مــن ربهــم ‪ ‬وقــوله ‪  :‬الــذين آتينــاهم الكتــاب‬
‫يعرفونه كما يعرفــون أبنــائهم وإن فريق ـا ً منهــم‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫ليكتمون الحق وهــم يعلمــون‪ ‬بــل نجــد الســياق‬


‫يمهد لذلك من أول السورة ولسيما مــن قــوله‬
‫م رب ّــه‪ ..‬حيــث نــص‬ ‫تعالى ‪  :‬وإذ ابتلى إبراهيـ َ‬
‫علـــى إســـلم إبراهيـــم وإســـماعيل وإســـحاق‬
‫ويعقوب والسباط ‪ ،‬وأمــر هــذه المــة باليمــان‬
‫بما أنـزل إليهم وأبطل قول أهل الكتــاب بــأنهم‬
‫كانوا هودا ً أو نصارى‪.!!..‬‬
‫آية كالشمس أن يضل اليهود والنصارى عــن‬
‫ديــن إبراهيــم ‪ ‬وقبلتــه ومســجده المحجــوج‬
‫المعمور الذي ل نظير لـه في الدنيا كلهــا ‪ ،‬فلــو‬
‫أن كنيسـا ً لليهـود اجتمـع فيـه مـرة واحـدة فـي‬
‫السنة مثلما يجتمع في هذا المسجد الحرام من‬
‫المصــلين فــي فريضــة واحــدة مــن الصــلوات‬
‫الخمس اليومية لجعلوه حادثا ً تاريخيا ً !! ثم هــم‬
‫يبحثــون وينقبــون عمــا ل وجــود لـــه إل فــي‬
‫مخيلتهم التي أفسدتها الوثنيات منذ القدم‪.‬‬
‫وإذا جادل أهــل الكتــاب ‪ ،‬وعميــت أبصــارهم‬
‫عن هذه اليات البــاهرات ‪ ،‬فلــن يســتطيعوا أن‬
‫يكــابروا فيمــا هــو مســطور فــي نفــس كتــابهم‬
‫المقــدس عــن مكــة والقبلــة الجديــدة ‪ ،‬فلنــذكر‬
‫طرفا ً من ذلــك ليعلــم المريكــان واليهــود ومــن‬
‫ظ لهــم فــي اليمــان ‪ ،‬ول فــي‬ ‫حـ ّ‬‫وراءهم أنه ل َ‬
‫ميـــراث النبيـــاء إل الـــدعاوى والمـــاني ‪ ،‬وأن‬
‫الجري وراء ســراب الرض الموعــودة والهيكــل‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫لن يثمر لهم إل البعد عن الصــراط المســتقيم ‪،‬‬


‫والدخول في التيه الذي ل مخرج فيه‪.‬‬
‫فها هي ذي بعض صفات بيت اللــه "الكعبــة"‬
‫وبلده الحرام "مكة" من كتابهم المقــدس نــورد‬
‫أكثرها بالنص الحرفي وبعضها بالمعنى اختصارا ً‬
‫‪-:‬‬
‫‪ -1‬أورشليم الجديدة = أورشليم المشــيحية ‪...‬‬
‫)بالشين أي الخلصية التي في عهــد المشــيح‬
‫أي المخّلص الموعود(‪.‬‬
‫‪ -2‬في بريــة أوجبــال فــاران ‪.‬الــتي عــاش فيهــا‬
‫إسماعيل وأمه وأنبع الله لهم الماء فيها‪.‬‬
‫‪ -3‬المدينة التي كان إبراهيم يتطلع إليها بشوق‪.‬‬
‫‪ -4‬سكانها بنو قيدار ‪) .‬ذرية إسماعيل (‪.‬‬
‫‪ -5‬هي بلد المين الصادق رئيس الخليقة‪.‬‬
‫‪ -6‬ليس فيها هيكل‪.‬‬
‫‪ -7‬هيكل سليمان في كل عظمته ل يعتبر شــيئا ً‬
‫بالنسبة للبيت الجديد‪.‬‬
‫‪ -8‬البيت الجديد شكله مكعب‪.‬‬
‫‪ -9‬المكّعبة فيها حجر كريم‪.‬‬
‫تتـزين بالكليل والحلي كالعروس‪.‬‬ ‫‪-10‬‬
‫يهابهــا كــل مــن يناوئهــا ول يــدنو منهــا‬ ‫‪-11‬‬
‫الرعب‪.‬‬
‫عند الكعبــة نبــع مــاء الحيــاة مجان ـا ً فيــه‬ ‫‪-12‬‬
‫شفاء )زمزم(‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫تفتح أبوابها ليل ً ونهارا ً ل تغلق‪.‬‬ ‫‪-13‬‬


‫تجثو عندها كل ركبة في الكون‪.‬‬ ‫‪-14‬‬
‫تكــون هنــاك ســكة وطريــق يقــال لهــا‬ ‫‪-15‬‬
‫الطريق المقدسة ل يعبر فيها نجس‪.‬‬
‫ل يدخلها شيء نجس‪.‬‬ ‫‪-16‬‬
‫أبناؤها أكثر من أبناء القدس‪.‬‬ ‫‪-17‬‬
‫تضيق بسكانها والداعين فيها‪.‬‬ ‫‪-18‬‬
‫يســـجد الملـــوك أمامهـــا ويلحســـون‬ ‫‪-19‬‬
‫غبارها !!‪.‬‬
‫تزول الجبال والكام ول يـــزول إحســان‬ ‫‪-20‬‬
‫الله وسلمه عنها‪.‬‬
‫تتحول إليها ثروة البحر ويأتي إليها غنــى‬ ‫‪-21‬‬
‫المم‪.‬‬
‫يجتمع إليها الناس ويأتون من بعيد‪.‬‬ ‫‪-22‬‬
‫تضيق أرضها عن البــل والغنــم القادمــة‬ ‫‪-23‬‬
‫مــن الغــرب والشــرق ‪ ،‬ســبأ ومــدين وفــاران‬
‫وقيدار ويخدمها رجال مأرب‪.‬‬
‫لها جبل مبارك تسير إليه المــم ليعبــدوا‬ ‫‪-24‬‬
‫الله فيه )عرفات(‪.‬‬
‫الكل عند البيت سواء في حرية التقرب‬ ‫‪-25‬‬
‫إلى الله‪.‬‬
‫مكتوب اســم اللــه علــى جبــاه أهلهــا !!‬ ‫‪-26‬‬
‫)سيماهم في وجوههم من أثر السجود(‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫يمتنع العباد حــول الــبيت عــن مــا يصــدر‬ ‫‪-27‬‬


‫عن الطبيعة )البول والغائط(‪.‬‬
‫يكون رأس الرجل عاريا ً والمرأة تغطــي‬ ‫‪-28‬‬
‫رأسها ويلبسون مــن الحقــوين إلــى الفخــذين‬
‫ويجزون شعر رأسهم جزا ً )الحرام والتحلــل(‬
‫)‪.(10‬‬
‫لقد حار مفسرو التوراة بشأن هذه المدينة ‪-‬‬
‫لنهم ل يريدون القرار بالحقيقة‪.‬‬
‫صــفات جليلــة كالشــمس ولكــن مفســري‬
‫"البايبل" تعاموا عنهــا وتخبطــوا فــي تفســيرات‬
‫متناقضة‪.‬‬
‫فتــارة يزعمــون أن هــذه الوصــاف لمدينــة‬
‫سماوية ‪ ،‬وتارة يزعمون أنها " أورشليم رمزيــة‬
‫" وتـــارة يزعمـــون أنهـــا "أورشـــليم الكاملـــة‬
‫المشيحية" أي التي ستكون فــي العهــد اللفــي‬
‫السعيد‪.‬‬
‫ولم يعلموا أنهم بهذه التفسيرات قد شــهدوا‬
‫على أنفسهم أنها ليست هي أورشــليم القــدس‬
‫المعروفة وأن أهلها ليسوا بني إســرائيل هــؤلء‬
‫وهكذا أشــرق الصــبح لــذي عينيــن وللــه الحمــد‬
‫وأظهر الله الحقيقة ولو كره الحاسدون ‪.‬‬

‫‪ ()10‬انظر شروح الكتاب المقدس ولسيما شرح سفر الرؤيا لبيتـز ‪ ،‬فصل أورشــليم الجديــدة ‪.‬‬
‫وميثاق النبيين ‪ ،‬عبد السلم طويلــة ‪ .‬وهدايــة الحيــارى لبــن القيــم ‪ .‬والمســيح الــدجال لســعيد‬
‫أيوب‪ .‬والجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح الذي نرجو استكمال بحــث البشــارات فيــه عنــد‬
‫إخراجه كامل ً محققا ً بإذن الله‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫ومن شك في هــذا مــن مثقفــي الغــرب فمــا‬


‫عليه إل أن يشاهد النقل الحي لشعائر التراويــح‬
‫أو الحج على الفضــائيات ويقــارن بيــن مــا يقــرأ‬
‫من الصــفات ومــا يــرى بــأم عينــه ليعلــم لمــاذا‬
‫خــاطب اللــه علمــاء ملتــه بقــوله ‪  :‬يــا أهــل‬
‫الكتــاب لــم تلبســون الحــق بالباطــل وتكتمــون‬
‫الحق وأنتم تعلمون‪ ‬ويتذكر قول المسيح للمرأة‬
‫السامرية حين ســألته أي قبلــتي بنــي إســرائيل‬
‫أفضل ؟‬
‫))صدقيني أيتها المرأة تأتي ساعة فيها‬
‫تعبدون الرب ل في هذا الجبل )في‬
‫السامرة( ول في أورشليم((‪.‬‬
‫]يوحنا ‪[21 : 4‬‬
‫وإذا ثبت هذا فالمانة العلمية وحرية البحث توجب أن‬
‫يعيد النظر في كل النبوءات‪ ،‬ويشك في كل‬
‫التفسيرات ‪ ،‬ولن يجد حينئذٍ أي صعوبة في التمييز بين‬
‫المة المصطفاة الموعودة بنصر الله ‪ ،‬وبين المة‬
‫الملعونة التي تقيم رجسة الخراب على أرض النبياء ‪،‬‬
‫وليعلم أن هذا مثال واحد فقط ولو عرضنا عليه نبوءات‬
‫أخرى لكانت النتيجة نفسها ]ولكن توفيرا ً لوقتنا ووقته‬
‫سوف نقدم لـه المفاتيح الساس لحل رموز النبوءات‬
‫كلها من خلل هذه الهدية التي نرجو أن يحملها إلى‬
‫أقرب "رّبي" أو "قسيس"[‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫)هدية إلى أهل الكتاب(‬


‫يــا أهــل الكتــاب حــتى مــتى إضــاعة العمــار‬
‫وتبديــد الجهــود فــي تفســير نبــوءات كتــابكم ؟‬
‫وإلى متى تظلون غــارقين فــي تفكيــك الرمــوز‬
‫وحل المعــادلت ؟ وينــاقض بعضــكم بعضـا ً فــي‬
‫التأويلت بل يتناقض المفسر الواحد منكم فــي‬
‫الصفحة الواحدة أو الكتــاب الواحــد ؟ والعمليــة‬
‫كلها أسهل مــن حــل الكلمــات المتقاطعــة فــي‬
‫مسابقة للطفال !!‬
‫قــد كتبتــم عــن النبــوءات ول زلتــم ‪-‬مــا لــو‬
‫جمعت مجلــداته‪ -‬وفرشــت بهــا أرض فلســطين‬
‫لملتها فلماذا ل تختصرونه في مجلد واحــد غيــر‬
‫متناقض ‪ ،‬ونحن نقدم لكم مجانـا ً مفاتيــح الحــل‬
‫فتأملوا ‪:‬‬
‫‪ -1‬أورشليم الجديدة = مكة‪.‬‬
‫‪ -2‬الميـــن الصـــادق = رئيـــس الخليقـــة =‬
‫رئيس القديسين = الفــارقليط = محمــد‬
‫‪.‬‬
‫‪ -3‬ابن النسان التي في آخر الزمان = ابن‬
‫الرجل نبي آخر الزمان = محمــد ‪ ‬لن‬
‫المسيح ‪ ‬هو ابن المرأة وهو يخــبر عــن‬
‫الرسول العظيم التي من بعده بــأنه ابــن‬
‫الرجــل ‪ ،‬ول يســتقيم كــون عيســى ابــن‬
‫الرجل مـع حــاله ول مـع عقيـدتهم ‪ ،‬فهـم‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫يعتقــدون أنــه ابــن اللــه تعــالى اللــه عمــا‬


‫يقولون علوا ً كبيرًا‪.‬‬
‫‪ -4‬المسيح = المسيح عيسى بن مريم عبــد‬
‫الله ورسوله وأخو محمد ‪ ‬في الرســالة‬
‫وأولى النبياء به‪.‬‬
‫‪ -5‬المسيح الدجال = المسيح الدجال‪.‬‬
‫‪ -6‬الــوحش = الصــهيونية بوجهيهــا اليهــودي‬
‫والصولي‪.‬‬
‫‪ -7‬النــبي الكــذاب = بــولس والبــابوات مــن‬
‫بعده وكل مــن يــدعي أنــه المســيح أو أن‬
‫ل فيه ‪ ،‬أو أوحى إليه‪.‬‬ ‫المسيح ح ّ‬
‫‪ -8‬جوج = يأجوج ومأجوج‪.‬‬
‫‪ -9‬القرن الصغير = رجسة الخراب = دولــة‬
‫إسرائيل‪.‬‬
‫‪ -10‬بابـــل الجديـــدة = الحضـــارة الغربيـــة‬
‫المعاصرة عامة والمريكية خاصة‪.‬‬
‫‪ -11‬المبراطوريـــة الرومانيـــة الجديـــدة =‬
‫الوليات المتحدة‪.‬‬
‫ينبغي لمن يريــد الحــق ويبحــث عــن اليمــان‬
‫الصحيح والدين الذي يقبله اللــه منكــم أن يعيــد‬
‫قراءة "الكتاب المقدس " وفقـا ً لهــذه المفاتيــح‬
‫المجانيــة ويقــارن عملــه بمــا فــي أي كتــاب‬
‫للصــوليين والشــراح قــديما ً وحــديثا ً ثــم يــرى‬
‫النتيجة بنفسه مع وضع هامش احتياطي للخطــأ‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫سببه التحريف الواقع في الكتاب المقدس منــذ‬


‫القدم‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫عودة اليهود والفجوة الكبرى‬ ‫‪7‬‬


‫إن قارئ أسفار التــوراة ‪-‬لســيما أنبيـاء عهــد‬
‫السبي وما بعده‪ -‬يجد بوضوح تــام أنهــا تشــتمل‬
‫على نبوءات عن اليهود في آخــر الزمــان ‪ ،‬وأن‬
‫لهم بقية يكون لها اجتمــاع ومملكــة أخــرى فــي‬
‫فلسطين ‪ ،‬وأن الله سوف يسلط عليهم غضــبه‬
‫بواسطة أمة قديرة تجتمع عليهــم مــن أطــراف‬
‫الرض‪.‬‬
‫ولكن قارئ الشروح والتفاسير ســوف يحــار‬
‫ويتيه لكثرة الختلف والتناقض بينها فــي تأويــل‬
‫هذه النبوءات وتنـــزيلها علــى الواقــع ‪ ،‬وهــو مــا‬
‫يتـــزايد مــع الزمــن بظهــور فــرق جديــدة وآراء‬
‫جديدة‪.‬‬
‫لكننا نستطيع مساعدة القارئ بالقول إن جملــة‬
‫هذه الراء تنحو طريقتين ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن تكون تلك النبوءات قد حدثت فعل ً ‪ ،‬وهو‬
‫رأي قديم فاليهود في كل عصر ينـزلون تلك‬
‫النبوءات عليــه ترقب ـا ً للخلص ‪ ،‬وهــذا يشــبه‬
‫الــدول الــتي قــامت فــي التاريــخ الســلمي‬
‫باسم المهــدي المنتظــر ‪ ،‬كدولــة بنــي عبيــد‬
‫ودولة الموحــدين وغيرهــا‪ ،‬فــآمن بهــا أنــاس‬
‫مت ّــى"‬
‫‪-‬ول يزال لها أتباع‪ -‬وكما فـي إنجيــل " َ‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫الذي يجعل واضعه النبــوءات فــي المجيــء‬


‫الول للمسيح‪ .‬وبهــذا تــأثر الكاثوليــك فمــال‬
‫أكثرهم إلى هذا الرأي‪.‬‬
‫وهذا الرأي هو الساس الــذي بنــى عليــه‬
‫رواد مدرســـة النقـــد التـــاريخي للكتـــاب‬
‫المقــدس فــي عصــر التنــوير عملهــم‪ ،‬حــتى‬
‫تطرف بعضهم فـزعموا أن كلم النبياء إنما‬
‫هو تاريخ للماضي ل حديث عــن المســتقبل‪،‬‬
‫فهــم إذن مجــرد أخبــاريين نقلــة وليســوا‬
‫أنبياء !!‬
‫وهذا التجاه مناقض لتلك النبوءات نصا ً‬
‫وروحا ً ‪ ،‬إذ كيف يقول الله لنبي ))قم وتنبأ‬
‫على إسرائيل(( أو ))على مصر(( أو ))على‬
‫أدوم((‪ ...‬ويكون ذلك قد وقع فعل ً من‬
‫قبل ؟‪.‬‬
‫وما من دليل على تأخر عصر النبياء عــن‬
‫الحداث التي ذكــروا إل مجــرد التخميــن بــل‬
‫المجازفة‪.‬‬
‫ولهذا ل نجد مشقة في رد هذا الرأي مــن‬
‫أصله ‪ ،‬لسيما وقد أصبح التاريخ مكشوفا ً لنا‬
‫أكثر من ذي قبل بكثير ‪ ،‬ولم يعد لمنهج الرد‬
‫بالجملة من مبرر‪.‬‬
‫أن هذه النبوءات على ظاهرها حديث عن‬ ‫‪-2‬‬
‫المستقبل ‪ ،‬وهـو الحتمـال المنطقـي الصـحيح‪،‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫لسيما وأن تنـزيلها على المجيء الول للمسيح‬


‫غير معقول عقل ً وواقعا ً فهي تتحدث عــن دولــة‬
‫وممالك وحروب ‪ ..‬مما لم يكن قط فــي عصــر‬
‫المسيح‪ ،‬ولهــذا فــإن أكــثر الشــراح مــن اليهــود‬
‫والنصارى وخاصة في القرون الخيــرة ينـــزلون‬
‫مثــل هــذه النبــوءات علــى العهــد الخلصــي ‪-‬أو‬
‫"المشيحي" )بالشين( كما يسمونه‪ -‬أي أحــداث‬
‫آخر الزمان بين يدي الدينونة الكــبرى أو معهــا ‪،‬‬
‫والعهد الخلصي منوط عند النصــارى بــالمجيء‬
‫الثاني للمسيح‪ .‬في حين يعتقد اليهود أنه منوط‬
‫بالملك من نســل داود المســمى عنــدهم "ملــك‬
‫السلم"‪.‬‬
‫ومعنــى ذلــك أن كل الطرفيــن هنــا بــل كل‬
‫الطريقين في دراسة النبوءات يتفقان على أنــه‬
‫منذ عصر المسيح ‪ ‬أو بعــده بقليــل ‪ ،‬ل يوجــد‬
‫شيء من أحداث التاريخ تنطبق عليه النبــوءات‪،‬‬
‫وســيظل المــر كــذلك إلــى أحــداث الســاعة‬
‫الكبرى‪ .‬وهذا بل شك افــتراض جــائر ل يســوغه‬
‫إل سبب عظيم جدا ً !!‪.‬‬
‫إذن فل بــد أن هنــاك أمــرا ً مــا يتعمــد هــؤلء‬
‫تحاشيه بالهرب من إنـزال هذه النبــوءات علــى‬
‫المرحلة التاريخية الفاصلة بينهم وبين المسيح ‪.‬‬
‫فما هو هذا المــر ؟ ولمــاذا هــذا الصــرار علــى‬
‫ترك تلك الفجوة مفتوحة لتـزداد اتساعا ً بمــرور‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫الزمن ‪ ،‬فربما بلغت اللف من السنين والعلــم‬


‫عند الله تعالى وحده ؟‪.‬‬
‫ل شــك أن هــذا لــم يــأت صــدفة ‪ ،‬ولكنهــم‬
‫وجــدوا أن أعظــم حــدث تــاريخي فــي هــذه‬
‫المرحلة هو بعثــة محمــد ‪ ‬وظهــور دينــه علــى‬
‫الديــان كلهــا ‪ ،‬ولــم يكــن أمــامهم ســوى أحــد‬
‫احتمالين ‪-:‬‬
‫إما أن يؤمنوا بما جاء عنه من البشــارات‬ ‫‪-1‬‬
‫التي تضمنتها نبوءات النبياء ‪ ،‬أو على القل بما‬
‫ينطبق على أمته منها ‪ ،‬وهــذا فيــه إيمــان بــه أو‬
‫إقرار بأن بعض النبوءات قد جاء عنه‪ ،‬وهذا يجر‬
‫بتسلسل منطقي إلــى مــا بعــده ‪ ،‬وفــي النهايــة‬
‫يمكن بسهولة ووضوح وضــع اللبنـات المفقــودة‬
‫في بناء النبوءات ‪ ،‬وإذا بالبناء كله صورة ناطقة‬
‫بشهادة الحق للسلم ودولته وحضارته !!‬
‫وهذا السبيل قليل من سلكه مــن شـّراح‬
‫أهل الكتــاب لن الواقــع أن مــن ســلكه قــد‬
‫انتظم في سلك هــذه المــة المختــارة وهــم‬
‫أخرجوه أن يكون منهم !!‬
‫‪ -2‬وإما أن يضربوا صفحا ً عن كل ما يتعلق بهذا‬
‫الدين ويكتموه كتما ً يدهش لـــه كــل نــاظر ‪،‬‬
‫وهذا ما اختاروه إل قليل ً منهم ‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫ول بد هنا من الشارة إلى أن كفارهم الولين‬


‫خير منهم ‪ ،‬وأعني بهم باحثي العصور الوسطى‬
‫فإنهم لم يستطيعوا تجاوز تلك المرحلــة لكنهــم‬
‫اختلفوا طوائف ‪-:‬‬
‫‪ -1‬فمنهم من وجد أنه ل مناص من القرار‬
‫بنبوة محمد ‪ ، ‬وأن بعثته وملك أمته هو‬
‫أعظم حدث في التاريخ العالمي كله ‪ ،‬فل‬
‫يعقل أبدا ً أن تأتي النبوءات عن أحداث‬
‫محلية لعشيرة صغيرة ‪-‬كبني إسرائيل‪-‬‬
‫وتتجاهل الحدث الكبر الذي يتمثل في‬
‫تقويض المبراطوريات الوثنية العالمية ‪،‬‬
‫وقيام مملكة موحدة تعبد الله وتقدس‬
‫جميع رسله على أنقاضها ؟ وهي المملكة‬
‫التي بسطت نفوذها ونشرت العدل‬
‫والطمأنينة على الدين والنفس والمال‬
‫في معظم المعمورة ‪ ،‬وهؤلء تعارضت‬
‫عندهم هذه الحقيقة الصارخة مع تعصبهم‬
‫العمى لدينهم‪ ،‬فرأوا أن المخرج من‬
‫ذلك هو الدعاء بأنهم غير مخاطبين‬
‫بشريعة السلم ‪ ،‬وأن السلم دين خاص‬
‫بالعرب ‪ ،‬ومن أشهر هؤلء بولس الراهب‬
‫الذي رد عليه شيخ السلم في كتابه‬
‫))الجواب الصحيح لمن بدل دين‬
‫المسيح((‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫‪ -2‬ومنهم من كــبر عليــه إثبــات نبــوته صــلى‬


‫الله عليه وســلم ‪ ،‬فـــزعم أنــه ملــك مــن‬
‫الملــوك كمــا كــان بختنصــر وســنحاريب ‪،‬‬
‫وأن ملــــك أمتــــه هــــو امتــــداد لتلــــك‬
‫المبراطوريـــات الوثنيـــة ‪ .‬وهـــؤلء فـــي‬
‫الحقيقة ل للنبوءات اتبعــوا ‪ ،‬ول بالســلم‬
‫آمنوا ‪ ،‬ول لبني دينهم نفعــوا فكــانوا أقــل‬
‫ممن سبقهم عددا ً وأثرا ً ‪.‬‬
‫‪ -3‬ومنهم من غل وطغى ‪ ،‬وعكس الحقيقة ‪،‬‬
‫وجعل الليل نهارا ً والنهار ليل ً ‪ ،‬فـــزعم أن‬
‫رســول اللــه ‪ ‬هــو "الــدجال" أو "النــبي‬
‫الكـــذاب" أو "الـــوحش" المـــذكور فـــي‬
‫النبوءات ‪ ،‬وأن المحاربين لـه ولمتــه هــم‬
‫القديســون الطهــار والملئكــة البــرار ‪،‬‬
‫وعلى هذا التأويل الفــاحش اعتمــد دعــاة‬
‫الحملت الصليبية من البــابوات والرهبــان‬
‫فـــي تأجيـــج حمـــاس الجمـــاهير الغبيـــة‬
‫وسوقها إلى بلد السلم)‪.(11‬‬
‫إن النتـــائج الســـلبية الواضـــحة لهـــذه الراء‬
‫الثلثــة جعلــت خيــار الصــمت والتجاهــل هــو‬

‫)( انظر كتاب ‪ :‬الســعي وراء الفــترة اللفيــة الســعيدة ‪ ،‬تــأليف ‪:‬نورمــان‬ ‫‪11‬‬

‫كوهن ‪ ،‬ترجمة سهيل زكار ‪ ،‬وهو الجزء الرابــع مــن الموســوعة الشــامية‬
‫فــي تاريــخ الحــروب الصــليبية للمــترجم نفســه ‪ ،‬وبحــث الرويــة الوربيــة‬
‫للعرب والسلم خلل العصور الوسطى للستاذ الدكتور ‪ /‬على بن محمــد‬
‫بن عودة الغامدي ‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫المفضل لدى أكثر الباحثين لســيما المتســترين‬


‫بالموضوعية العلمية !!‪.‬‬
‫وهذه الراء القديمة كادت أن تختفي في‬
‫خضم الصراع العنيف في العصر الحديث بين‬
‫الكنيسة والعلم من جهة ‪ ،‬وبين الطوائف‬
‫النصرانية نفسها من جهة أخرى ‪ ،‬وصادف ذلك‬
‫خضوع المسلمين شبه الكامل – للغرب وخروج‬
‫اليهود من أحيائهم الخاصة ))الجيتو(( وجريهم‬
‫وراء الذهب والربا والحتكار متناسين أرض‬
‫الميعاد وعهد الخلص‪.‬‬
‫ولكن ولدة الحركــة الصــهيونية أعــادت هــذه‬
‫القضــايا إلــى ســاحة اليمــان الــديني والجــدل‬
‫الفكري‪.‬‬
‫والعجيــب أن الحركــة الصــهيونية لــم تولــد‬
‫يهوديــة بــل هــي نصــرانية الصــل والمنشــأ ‪،‬‬
‫والداعون لها من اليهود جاءوا تبع ـا ً وكــانوا مــن‬
‫العلمــانيين ‪ ،‬ول تخطيــء العيــن رؤيــة المــزارع‬
‫الصهيونية "كيبوتـز" نموذجا ً للتطبيق الشتراكي‬
‫‪ ،‬ول يحتاج الباحث إلى دليــل ليقــول إن كــثيرا ً‬
‫من اليهود يرون في قيــام هــذه الدولــة تجــاوزا ً‬
‫لحكــام اللــه ونــذيرا ً بهلك اليهــود ‪ .‬فالحركــة‬
‫الصــهيونية النصــرانية المتمثلــة فــي الصــولية‬
‫الســالف ذكرهــا هــي الــتي أعــادت المعركــة‬
‫جذعة ‪ ،‬وهــي الــتي روجــت ول تــزال للتــأويلت‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫الباطلــة للنبــوءات ‪ ،‬وهــي الــتي اعتــبرت قيــام‬


‫الدولـــة اليهوديـــة مقدمـــة لنــــزول المســـيح ‪،‬‬
‫وابتهجـــت بفشـــل مشـــروع الســـلم وقيـــام‬
‫النتفاضة الخيرة‪..‬‬
‫إن هؤلء هــم الــذين أظهــروا بصــورة عمليــة‬
‫جلية عمق تلك الفجــوة التاريخيــة ‪ ،‬وريبــة ذلــك‬
‫الصمت أو التجاهل ‪ ،‬ومن ثم ج ـّروا ســائر بنــي‬
‫ملتهم جرا ً إلى الخوض فيها بعد أن كانت خطرا ً‬
‫ممنوع القتراب !!‬
‫وهكذا وقع الفكر العالمي عامة والدراســات‬
‫المستقبلية خاصة في فوضــى صــاخبة ‪ ،‬وأزمــة‬
‫عنيفة سببها المفارقــة والتصــادم بيــن التســليم‬
‫بأن كل نبوءات الخلص والعدل والسلم والمة‬
‫التي يتخذها الله أداة لنتقامه ‪ ،‬ويســلطها علــى‬
‫قوى الكفر والظلم والفساد لن تتحقــق إل فــي‬
‫نهاية الزمان وعلى يــد المســيح عليــه الســلم ‪،‬‬
‫وبين الرفض العقلي المطلــق لــدعوى أن قيــام‬
‫دولة إســرائيل وحلــول اللفيــة هــو بدايــة نهايــة‬
‫الزمــان وأن ذلــك المســتقبل البعيــد هــو هــذا‬
‫الحاضر المشهود ‪ ،‬والسبب في هذا هــو الفكــر‬
‫الكتابي المتناقض الذي فتحت طائفة مــن أهلــه‬
‫الفجوة التاريخية الكبرى وجاءت أخرى لتســدها‬
‫بكل ما هو ل عقلي ول منطقي !!‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫وهكــذا ضــاع الحــق عنــد أهــل الكتــاب بيــن‬


‫تجاهل مقصــود وتحريــف متعمــد ‪ ،‬وصــدق اللــه‬
‫تعــالى ‪  :‬يــا أهــل الكتــاب لــم تلبســون الحــق‬
‫بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون ‪‬‬
‫وليس قلب الحقائق هو جريمة أهــل الكتــاب‬
‫هــؤلء فحســب ‪ ،‬بــل إن قطــع الرجــاء لــدى‬
‫البشرية بالخلص ‪ ،‬وإفقادها المــل فــي انتصــار‬
‫الحق والخير والسلم هو جريمة أخرى يجب أن‬
‫يتفق على إنكارها العقلء من كل ملة !!‬
‫إذ من البدهي أن عقلء العالم ‪-‬ومنهم عقلء‬
‫أمريكا نفسها‪ -‬لن يؤمنــوا قـط بالمســتقبل كمــا‬
‫يرسمه هؤلء ‪ ،‬وإذن فــأين الخلص والرجــاء‪..‬؟‬
‫أين حكمة الخالق العظيم ورحمته وعــدله الــتي‬
‫نطقت بها الكتب ودلت عليها الفطر واســتدلت‬
‫عليهــا العقــول وشــهد لهــا الواقــع التــاريخي‬
‫الطويل‪..‬؟ أتكون هذه هي النهايــة المحزنــة أو‬
‫المعتمة للجنــس الــذي كرمــه اللــه علــى ســائر‬
‫المخلوقات‪..‬؟‬
‫لن هذا غير ممكن أبدا ً ‪ ،‬ولنه ل يمكن إثبات‬
‫الحقيقــة وتنــوير البشــر إل البــاحث المســلم‬
‫وحده ‪ ،‬فهو الذي يمتلك النقل الصحيح والعقــل‬
‫الصريح معا ً ‪ ،‬لنــه ل يتمســك بالعــدل أو الحيــاد‬
‫العلمــي خوفــا ً مــن النقــاد ‪ ،‬بــل تقــوى للــه‬
‫واستجابة لمــره ‪ ،‬لــذلك كلــه نــدعو المســلمين‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫إلى القيام بواجبهم فــي هــذا الشــأن ونرجــو أن‬


‫يكون فيما نسطره هنا ذكرى لهم وتنبيه لمحبي‬
‫الخير والعدل من كل ملة وأمة ‪ ،‬ولســيما أهــل‬
‫الكتاب الذين نأمل أن تعيد طائفة منهــم النظــر‬
‫في النبوءات على ضوء القراءة الــتي ســنقدمها‬
‫لهم‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫نبوءة دانيال‬ ‫‪8‬‬


‫دانيال ‪ ‬نبي من أنبياء بنــي إســرائيل ‪ ،‬لـــه‬
‫سفر باسمه في كتاب أهــل الكتــاب يتميــز عــن‬
‫أكــثر الســفار بــأمور ‪ ،‬وإن كــان يشــاركها فــي‬
‫المشكلة العامة وهي وقوع التحريف أو التعديل‬
‫‪ ،‬ومن ميزاته ‪-:‬‬
‫‪ -1‬وضوح عقيــدة التوحيــد فهــو يســمي اللــه‬
‫تعالى بإله السموات خلفـا ً لتــك الســفار‬
‫التي تســميه رب القــوات )وهــي تســمية‬
‫يهودية تكشف عن النظــرة اليهوديــة للــه‬
‫وللناس(‪ .‬وهو يصف الله بما ل نظير لـــه‬
‫في غيره ‪ ،‬فهــو الحــي القيــوم الــذي لـــه‬
‫الحكمـــة والجـــبروت والعلـــم والتـــدبير‬
‫والقـــدرة ‪ ،‬وأنـــه رب الملـــوك وكاشـــف‬
‫الســـرار والمســـتحق وحـــده للســـجود‬
‫والعبادة ‪ ،‬وأن السحر والكهانــة والتنجيــم‬
‫باطل‪...‬الخ‪.‬‬
‫‪ -2‬تطابق ما فيــه مــن النبــوءات مــع الواقــع‬
‫المعلوم بالتواتر من أحداث التاريخ بحيث‬
‫ل يشك فيها إل مغرض‪.‬‬
‫‪ -3‬اشــتماله علــى بشــارات صــريحة بختــم‬
‫النبوة وظهور الرسالة البدية‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫‪ -4‬اشتمال نبوءته على أرقام محــددة ظلــت‬


‫مدار بحث وجدل طوال التاريخ‪.‬‬
‫أما دانيال نفسه فهــو أشــبه النبيــاء بيوســف‬
‫‪ ، ‬إذ هــو غريــب مضــطهد لكــن اللــه يرفعــه‬
‫بالعلم وتعـبير الرؤيـا لـدى الملـك ‪ ،‬وهـو داعيـة‬
‫توحيد ل تثنيه الفتن عن ذلك‪.‬‬
‫ولـه في السلم حادثة مشهورة رواها ابن‬
‫إسحاق وابن أبي شيبة والبيهقي وابن أبي الدنيا‬
‫وغيرهم ‪ ،‬عن التابعين الذين شهدوا فتح‬
‫"تستر" ومنهم أبو العالية ومطرف بن مالك‪،‬‬
‫وفيها مما يهم موضوعنا هنا أن الجيش‬
‫السلمي الفاتح وجدوا " دانيال وهو ميت على‬
‫سرير لم يتغير منه شيء إل شعيرات من‬
‫قفاه ‪ ،‬وعند رأسه مصحف فأخذوا المصحف‬
‫فحملوه إلى عمر ‪ ‬فدعا لـه كعب الحبار‬
‫فنسخه بالعربية ))قال أبو العالية فأنا أول رجل‬
‫قرأه ‪-‬قال الراوي عنه‪ : -‬فقلت لبي العالية ‪:‬‬
‫ما كان فيه ؟ قال ‪ :‬سيرتكم وأموركم ولحون‬
‫ن بعد ُ (()‪.!!(12‬‬
‫كلمكم وما هو كائ ٌ‬
‫فالنص إذن مترجم إلــى العربيــة ‪ ،‬وعلــى يــد‬
‫الماهر الخبير كعب الحبار ‪ ،‬وقرأه من قرأه فل‬
‫يستبعد أن يكون علماء الســلم المؤلفــون فـي‬
‫‪ ()12‬انظر ابن كثير ))البداية والنهاية(( ‪ (42-1/40) :‬؛ ))دلئل النبوة للبيهقي(( ‪، (1/381) :‬‬
‫))المصنف(( لبن أبي شيبة ‪ (7/4) :‬؛ و ))شفاء الصدور(( لمرعي الكرمي ص )‪ (336‬تحقيق‬
‫جمال حبيب‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫البشارة بمحمد ‪ ‬من الكتــب الســابقة " كـابن‬


‫قتيبة وابـن ظفــر " قــد اطلعــوا عليــه ‪ ،‬وإن لــم‬
‫يكن المر كذلك وكــان مصــدرهم نســخ التــوراة‬
‫في عصرهم فهو أبلغ وأقوى ‪ .‬فهم غير متهمين‬
‫في نقلهم وأهــل الكتــاب المعاصــرون لهــم لــم‬
‫يك ّ‬
‫ذبوهم فيه !!‬
‫بل قال ابن قتيبة كما نقل عنه شيخ الســلم‬
‫في الجواب الصحيح ‪:‬‬
‫))وهذه البشارة الن عند اليهود والنصارى‬
‫يقرأونها ويقولون لم يظهر صاحبها بعد((‪.‬‬
‫ومع ذلك فنحن هنا لن نعتمد علــى مــا ننقلــه‬
‫عن العلماء المسلمين بل علــى مــا هــو موجــود‬
‫بين أيدي أهل الكتاب اليوم‪.‬‬
‫نبوءة دانيال العظمى ‪:‬‬
‫رأى الملــك نبوخــذ نصــر )أو بختنصــر( رؤيــا‬
‫أزعجتــه اســتدعى الســحرة والعرافيــن لبيانهــا‬
‫وتأويلها فعجزوا كلهم ‪ ،‬ولكن دانيال تضرع إلــى‬
‫الله تعالى فألهمه الرؤيا وتفسيرها ‪ ،‬ولما دخــل‬
‫على الملك قال له ‪:‬‬
‫))السر الذي طلبه الملك ل تقدر الحكماء‬
‫ول السحرة ول المجوس ول المنجمون أن‬
‫يبينوه للملك ‪ ،‬لكن يوجد إله في السموات‬
‫ك ما‬‫ه[ المل َ‬‫كاشف السرار وقد عّرف ]اللـ ُ‬
‫يكون في اليام الخيرة((‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫وشرح ذلك قائل ً ‪:‬‬


‫))أنت أيها الملك كنت تنظر وإذا بتمثال‬
‫عظيم ‪ .‬هذا التمثال العظيم البهي جدا ً‬
‫وقف قبالتك ومنظره هائل ‪ .‬رأس هذا‬
‫التمثال من ذهب جيد‪ .‬صدره وذراعاه من‬
‫فضة ‪ .‬بطنه وفخذاه من نحاس ‪ .‬ساقاه‬
‫من حديد ‪ .‬قدماه بعضها من حديد والبعض‬
‫من خزف ‪ .‬كنت تنظر إلى أن قطع حجر‬
‫بغير يدين فضرب التمثال على قدميه‬
‫اللتين من حديد وخزف فسحقهما ‪.‬‬
‫فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس‬
‫والفضة والذهب معا ً وصارت كعصافة البيدر‬
‫في الصيف فحملتها الريح فلم يوجد لها‬
‫مكان ‪ .‬أما الحجر الذي ضرب التمثال فصار‬
‫جبل ً كبيرا ً ومل الرض كلها ‪ .‬هذا هو الحلم ‪.‬‬
‫فنخبر بتعبيره قدام الملك ‪-:‬‬
‫أنـــت أيهـــا الملـــك ملـــك ملـــوك لن إلـــه‬
‫السموات أعطاك مملكة واقتدارا ً وســلطانا ً‬
‫وفخرًا‪ .‬وحيثما يســكن بنــو البشــر ووحــوش‬
‫البر وطيــور الســماء دفعهــا ليــدك وســلطك‬
‫عليها جميعها‪ .‬فأنت هذا الرأس من ذهــب ‪.‬‬
‫وبعــدك تقــوم مملكــة أخــرى أصــغر منــك‬
‫ومملكــة ثالثــة أخــرى مــن نحــاس فتتســلط‬
‫على كل الرض ‪ .‬وتكون مملكة رابعة صلبة‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫كالحديد لن الحديد يدك ويسحق كل شــيء‬


‫وكالحديد الـذي يكسـر تسـحق وتكسـر كـل‬
‫هؤلء ‪ .‬وبما رأيت القدمين والصابع بعضــها‬
‫مــن خــزف الفخــار والبعــض مــن حديــد‬
‫فالمملكة تكون منقسمة ويكــون فيهــا قــوة‬
‫الحديد من حيث إنك رأيت الحديــد مختلط ـا ً‬
‫بخزف الطين ‪ .‬وأصابع القدمين بعضها مــن‬
‫حديد والبعــض مــن خــزف فبعــض المملكــة‬
‫يكــون قويــا ً والبعــض قصــما ً ‪ .‬وبمــا رأيــت‬
‫الحديـــد مختلطـــا ً بخـــزف الطيـــن فـــإنهم‬
‫يختلطون بنسل الناس ولكن ل يتلصق هــذا‬
‫بــذاك كمــا أن الحديــد ل يختلــط بــالخزف ‪.‬‬
‫وفي أيام هؤلء الملوك يقيم إلـه الســموات‬
‫مملكــة لــن تنقــرض أبــدا ً وملكهــا ل يــترك‬
‫لشــعب آخــر وتســحق وتفنــي كــل هــذه‬
‫الممالك وهي تثبت إلـى البـد ‪ .‬لنـك رأيـت‬
‫أنه قد قطع حجر من جبل ل بيدين فســحق‬
‫الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب‪.‬‬
‫ك ما ســيأتي بعــد‬ ‫الله العظيم قد عّرف المل َ‬
‫هذا ‪ .‬الحلم حق وتعبيره يقين‪.‬‬
‫حينئذ خر نبوخذ نصر على وجهه وسجد‬
‫لدانيال وأمر بأن يقدموا لـه تقدمة وروائح‬
‫سرور‪ .‬فأجاب الملك دانيال وقال ‪ .‬حقا ً إن‬
‫إلهكم إله اللهة ورب الملوك وكاشف‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫السرار إذ استطعت على كشف هذا‬


‫السر((‪.‬‬
‫)‪(48 – 21 : 2‬‬
‫هذا نص الرؤيا التي توصف دائما ً بأنها أشــهر‬
‫وأصــدق الــرؤى الكتابيــة التاريخيــة ‪ ،‬وتأويلهــا ل‬
‫يحتاج إلى ذكاء ول يصح فيــه الخلف لن النــبي‬
‫نفســه قــد أّولهــا ‪ ،‬ولكــن أهــل الكتــاب تعمــدوا‬
‫التلــبيس وافتعلــوا الختلف حســدا ً مــن عنــد‬
‫أنفسهم من بعدما تبين لهم الحــق‪ ،‬فقــد أقــروا‬
‫بهــذه الرؤيــا وتأويلهــا قرون ـا ً ‪ ،‬دون أن يــدخلهم‬
‫ريب في أنها على ظاهرها‪ ،‬وأن المملكة الولى‬
‫)الـــرأس الـــذهبي( هـــي مملكـــة بابـــل ‪ ،‬وأن‬
‫المملكــة الثانيــة )الصــدر الفضــي( هــي مملكــة‬
‫فارس ‪ ،‬التي قامت بعــد بابــل وســيطرت علــى‬
‫العراق وبلد الشام ومصر ‪ ،‬وأن المملكة الثالثة‬
‫)الفخذ من النحاس( هي مملكة اليونــان الــذين‬
‫اجتـــاحوا مملكـــة الفـــرس بقيـــادة الســـكندر‬
‫المقــــدوني ســــنة ‪ 333‬ق‪.‬م ‪ ،‬وأن المملكــــة‬
‫الرابعة )الرجلين مــن حديــد ثــم حديــد وخــزف(‬
‫هي المبراطورية الرومانية التي انقســمت إلــى‬
‫شــرقية عاصــمتها "بيزنطــة = القســطنطينية"‬
‫وغربية عاصمتها "روما"‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫لم يكن أحد من أهل الكتاب يشــك فــي هــذا‬


‫إطلقـا ً ‪ ،‬بــل كــانوا جميعـا ً ‪-‬لشــدة إيمــانهم بــه‪-‬‬
‫ينتظرون المملكة الخامسة )مملكة اللــه( الــتي‬
‫تدمر ممالك الشــرك والكفــر والظلــم ‪ ،‬لســيما‬
‫المملكــة الرابعــة الــتي اضــطهدتهم فهــي الــتي‬
‫أذاقت اليهود الخسف والهوان ودمرت القــدس‬
‫سنة ‪ 70‬م ‪ ،‬ونصبت الصنام في المســجد كمــا‬
‫اشــتهر عــدد مــن أباطرتهــا بتعــذيب النصــارى‬
‫بألوان من البشاعة والفظاعة قــل نظيرهــا فــي‬
‫التاريخ ‪ ،‬وليس "نيــرون" الطاغيــة المشــهور إل‬
‫واحدا ً منهم ‪ ،‬وظلوا مضطهدين لهم ثلثة قرون‬
‫حتى دخل قسطنطين في النصرانية المحرفــة ‪،‬‬
‫واســتمر الضــطهاد لليهــود والموحــدين مــن‬
‫النصارى وسائر الفرق المخالفة‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫الممالك الخمس الواردة في نبوءة دانيال التي‬


‫عبر فيها رؤيا بختنصر‬
‫)‪(13‬‬
‫وقد ذكرنا ما قبلها لليضاح‬
‫موقعها من‬ ‫أهم ملوكها‬ ‫الدولة‬
‫الرؤيا‬
‫قبل دانيال ‪‬‬ ‫داود ‪ ‬حكم من ‪ 973-1013‬ق‪.‬م ‪.‬‬ ‫الدولة‬
‫سليمان ‪ ‬حكم ‪ 933 -973‬ق ‪ .‬م ‪.‬‬ ‫السلمية التي‬
‫ثم انقسمت مملة بنــي إســرائيل إلــى مملكــة‬ ‫حكمت بكتاب‬
‫يهوذا وإسرائيل ‪.‬‬ ‫الله ))التوراة((‬
‫سرجون الثاني حكم ‪ 705 – 772‬ق ‪ .‬م ‪.‬‬ ‫مملكة‬
‫أخضع الراضي المقدسة لحكم الشوريين ‪.‬‬ ‫الشوريين‬
‫)بابل(‬
‫المملكـــــــــة‬ ‫مملكة الكلدان بختنصر حكم من ‪ 562 – 630‬ق ‪ .‬م ‪.‬‬
‫دمـر القـدس وأخـذ السـرائيليين أسـرى إلـى الولـــى فـــي‬ ‫)بابل(‬
‫بابل وعاصره دانيال وعبر رؤياه المشهورة ‪ .‬الرؤيــــــــــــا‬
‫)الـــــــــرأس‬
‫الذهبي(‬
‫المملكـــــــــة‬ ‫مملكة القدس قورش الذي قضى على الكلدان‬
‫الثانية )الصدر‬ ‫حكم من )‪ (529-550‬ق‪.‬م‪.‬‬
‫الفضي(‬
‫المملكـــــــــة‬ ‫مملكة اليونان السكندر الكبير الثالث‬
‫حكــم )‪ (323 – 336‬ق‪.‬م واســتولى علــى الثالثة )الفخذ‬
‫النحاسي(‬ ‫الراضي المقدسة )‪ (333‬ق‪.‬م ‪.‬‬
‫مملكة الروم ‪ -1‬المــبراطور أغســطين مؤســس النظــام المملكـــــــــة‬
‫المبراطوري الذي في أيامه ولــد المســيح الرابعــــــــــة‬
‫)الســـــــاقان‬ ‫‪.‬‬
‫‪ -2‬دقليــديانوس الــذي قســم المبراطوريــة الحديــــــديان‬
‫دولتين شرقية وغربيــة لكــل منهمــا قيصــر والقــدام مــن‬
‫خزف وحديد(‬ ‫مستقل ‪ .‬حكم من ‪ 305-248‬م‪.‬‬

‫‪ ()13‬المصدر ‪ :‬دوائر المعارف العالمية )حسب العلم( ومنها ))موسوعة كولومبيا(( ‪،‬‬
‫))موسوعة بارون(( ‪)) ،‬الموسوعة العربية الميسرة((‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫‪ -3‬قســطنطين الول مؤســس القســطنطينية‬


‫ومعتنق النصرانية توفي ســنة ‪ 327‬م بعــد‬
‫مجمع نيقية بسنتين‪.‬‬
‫‪ -4‬هرقل حكم سنة ‪ 610‬م وفتـح المسـلمون‬
‫الراضي المقدسة في عهــده وودعهــا إلــى‬
‫البد‪.‬‬

‫في ذلك الجو القاتم من الضطهاد كان أهل‬


‫الكتاب ينتظرون المملكة الخامسة بفارغ‬
‫الصبر‪ ،‬وكانوا يعلمون يقينا ً أنها ستقوم على يد‬
‫نبي آخر الزمان ‪ ،‬المسمى عندهم "أركون‬
‫السلم" ‪ ،‬الذي على كتفه خاتم النبوة ‪ ،‬والذي‬
‫بشر به النبياء كلهم ‪ ،‬حتى أن المهتدين من‬
‫علمائهم جمعوا من سفر أشعياء وحده ثلثين‬
‫بشرى به)‪ (14‬وكانوا يعرفون زمن بعثته بكثير‬
‫من الدلئل النصية ‪ .‬والعلمات الكونية ‪،‬‬
‫ويترقبون تلك الدلئل العلمات حتى جاء اليوم‬
‫الذي قال فيه المبراطور المتعبد العالم بدينهم‬
‫"هرقل" ‪)) :‬قد ظهر ملك أمة الختان(( وأيقن‬
‫بذلك وشهد وهو زعيم الكفر الكتابي لزعيم‬
‫الكفر المي –أبي سفيان– ))بأن ملكه سيبلغ‬
‫ي(( كما ثبت في الحديث الصحيح‬ ‫موضع قدم ّ‬
‫المشهور‪.‬‬
‫وفعل ً قامت المملكة الربانية الخامسة‬
‫وملكت موضع قدمي هرقل وغادر الشام وهو‬
‫‪ ()14‬انظر كتاب ‪)) :‬مسلمو أهل الكتاب‪ ((...‬ص )‪ (573–543‬للدكتور محمد بن عبد الله‬
‫السحيم‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫ك يا سورية ‪ ،‬سلم ل لقاء‬ ‫يقول ‪)) :‬سلم علي ِ‬


‫بعده(( !!‬
‫قــامت فســحقت ممالــك الوثنيــة وســيطرت‬
‫على معظم المعمورة بالعــدل والســلم وكــانت‬
‫مساحتها تزيد على مساحة القمر ودخــل تحــت‬
‫لوائها من كــل شــعوب الرض طــوائف عظيمــة‬
‫وهنا فقط تفرق أهل الكتاب واختلفوا !!‬
‫‪ ‬وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إل من بعــد‬
‫ة‪‬‬
‫ما جاءتهم البين ْ‬
‫‪ ‬وءاتيناهم بينات من المر فما اختلفــوا إل‬
‫من بعد ما جاءهم العلم بغيا ً بينهم ‪!! ‬‬
‫فمنهم –وهم كثير جــدًا– مـن آمـن واهتــدى ‪،‬‬
‫ومنهــم مــن كفــر وذهبــوا فــي كفرهــم شــيعا ً ل‬
‫حصر لها ول يزالون يتكــاثرون وينقســمون كمــا‬
‫تتكاثر الجراثيم !!‬
‫ويهمنا هنا الشارة إلى اختلفهم بشــأن رؤيــا‬
‫دانيال الواضحة ‪-:‬‬
‫لقد انقلبوا علــى أعقــابهم !فبعــد أن كــانوا ل‬
‫يختلفون أبدا ً في تأويل المملكة الرابعة )مملكة‬
‫الــروم( نراهــم يتعســفون تأويلهــا ‪ ،‬ويتعمــدون‬
‫تأجيلهـــا أو تحويلهـــا ‪ ،‬أو علـــى القــل التعـــتيم‬
‫عليهــا ‪،‬كــل ذلــك تخلصــا ً وهروبــا ً مــن القــرار‬
‫بالمملكة الخيرة ‪ ،‬على مــا ســبق إيضــاحه فــي‬
‫الفصل السابق‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫وبلــغ المــر ذروتــه وعنفــوانه فــي الحركــة‬


‫الصولية " الصهيونية النصرانية "‪.‬‬
‫وقبل أن نعرض تأويلهم ومــدى صــحته نــذ ّ‬
‫كر‬
‫بأن الرؤيا رسمت صـورة بليغــة لممالـك الكفــر‬
‫الــتي تعبــد الصــنام المنحوتــة مــن دون اللــه‬
‫تعالى ‪ ،‬إن هذه الممالــك هــي بــذاتها صــنم لـــه‬
‫رأس وصدر وفخذ ورجلن وأصابع ‪ ،‬صنم يجسد‬
‫الوثنيات كلها لكــي تتضــح فــي المقابــل صــورة‬
‫الجبل الذي ينتصب مكان الصنم‪.‬‬
‫رمز في منتهى البســاطة وصــورة فــي غايــة‬
‫الوضوح ‪ ،‬وما فعلــه هــؤلء هــو تشــويه هــائل ل‬
‫يتسق مع الصورة بحال ‪.‬‬
‫فهــم ‪-‬لكــي يجعلــوا الجبــل هــو اللفيــة عنــد‬
‫نـــزول المســيح الثــاني كمــا يعتقــد النصــارى أو‬
‫مملكــة داود العظمــى الــتي يرأســها المســيح‬
‫اليهــودي كمــا يعتقــد اليهــود– قــالوا ‪ :‬إن هنــاك‬
‫فجوة في نبوءة دانيال ‪ ،‬وجعلوها بين الســاقين‬
‫والقدمين !!! ومن المعلوم أن طــول المســافة‬
‫الزمنيــة بيــن رأس التمثــال وســاقيه أي بيــن‬
‫مملكتي بابل والــروم ]مــن وفــاة بختنصــر إلــى‬
‫استيلء تيطس علــى القــدس[ هــو ســتة قــرون‬
‫تقريبا ً ل أكثر‪.‬‬
‫وهــذه الفجــوة الــتي يفتعلونهــا بيــن الســاق‬
‫والقدم طولها ألفا سنة !!‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫والمصــيبة أنهــا ســتظل تطــول حــتى قيــام‬


‫الســاعة فلنتخيــل هــذا التمثــال الغريــب الــذي‬
‫تطول الفجوة بين أعله وأسفله كل يوم !!‬
‫إنها صــورة ل يصــدقها العقــل فض ـل ً عــن أن‬
‫يقبلها فنان أو يستحسنها ناظر‪.‬‬
‫وقــد عرفنــا لمــاذا افتعلــوا هــذه الفجــوة‬
‫فالسؤال إذن بماذا سدوا الفجوة ؟‬
‫لقد انتـزعوا " قطع غيار " شاذة مــن تمثــال‬
‫آخر وأرادوا إلحامها بالتمثال !!‬
‫إن هذا التـزوير لم ينجح ولكنه بل ريب ألقى‬
‫ظلل ً من الضباب حول الرمز لبد من تجليته‪.‬‬
‫وجد هؤلء أن لدانيال رؤيا أخرى – أو بالصح‬
‫في سفره رؤيا أخرى فــي الفصــل الســابع هــي‬
‫رؤيا الحيوانات الربعة ‪ ،‬فسرقوا الحيوان الرابع‬
‫وركبــوه فــي التمثــال ‪ ،‬ممــا يــذكرنا بأكذوبــة‬
‫"بلتداون " التي ارتكبها بعض الــداروينيين حيــن‬
‫أراد سد الحلقة المفقودة فــي سلســلة التطــور‬
‫كــب جمجمــة مــن أعضــاء إنســان وأعضــاء‬ ‫فر ّ‬
‫قرد !!‬
‫والفرق أن الغش في الدين أعظم منــه فــي‬
‫أي شيء آخر !!‬
‫تقــول الرؤيــا الخيــرة ‪ :‬إن دانيــال رأى أنــه‬
‫صعد من البحر المحيط أربعة حيوانات عظيمــة‬
‫مختلفــة ‪ :‬الول كالســد ولـــه جناحــا نســر‪...‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫والثاني كالدب وفي فمــه ثلثــة أضــلع‪ ،‬والثــالث‬


‫مثــل النمـر ولـه أربعـة أجنحــة وأربعـة رؤوس ‪،‬‬
‫والرابع حيوان هائل قوي لـه أســنان مــن حديــد‬
‫أكل وداس بقية الحيوانات برجليه ‪ ،‬وله عشــرة‬
‫قرون طلع بينها قرن صــغير قلعــت مــن قــدامه‬
‫ثلثة قرون ‪ ،‬وظهر لهــذا القــرن الصــغير عيــون‬
‫وفم إنسان فتكلم بإلحاد وكفر ‪ ،‬ثم تكون نهايــة‬
‫القرن الصغير هي الهلك على يــد قــديم اليــام‬
‫ذي العرش الذي تخدمه اللوف المؤلفة ؟؟ !!‬
‫وبقيت الحيوانات الخرى حية لكن نزع عنهم‬
‫سلطانهم‪.‬‬
‫)الصحاح السابع(‬
‫وقد فسرت الرواية نفسها الحيوان الرابع‬
‫بأنه )مملكة رابعة على الرض مخالفة لسائر‬
‫الممالك تأكل الرض كلها وتدوسها ‪ ،‬والقرون‬
‫العشرة من المملكة هي عشرة ملوك يقومون‬
‫ويقوم بعدهم آخر وهو مخالف الولين ويذل‬
‫ي((‪.‬‬
‫ثلثة ملوك ويتكلم بكلم ٍ ضد العل ّ‬
‫ي"‬‫وأخيرا ً يبيد ملكه علــى يــد "قديســي العلـ ّ‬
‫الذين تؤكد هــذه الرؤيــا مــرارا ً أن العاقبــة لهــم‬
‫وأنهم يمتلكون المملكة التي ل تزول !!‬
‫ربمــا لن للحيــوان الرابــع أســنانا ً مــن حديــد‬
‫والمملكــة الرابعــة تكــون مــن حديــد قــالوا إن‬
‫المملكــة الرابعــة هــي الحيــوان الرابــع لســيما‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫‪-‬وكل منهما هو ‍"الرابع" لمــا ســبقه‪ -‬وقــالوا إن‬


‫هــذه المملكــة رمــز لوربــا الــتي ســيكون فيهــا‬
‫عشر دول قومية يخضع لهــا العــالم قبــل نــزول‬
‫المسيح!!‪.‬‬
‫وعليه تكون المملكــة الخامســة هــي اللفيــة‬
‫السعيدة عند نـزول المسيح‪.‬‬
‫ومن الســهل إبطــال هــذا الــرأي مــن وجــوه‬
‫كثيرة ‪-:‬‬
‫‪ -1‬أن يقـــال مـــا تعـــبير الحيوانـــات الثلثـــة‬
‫الخرى إذن ؟ مع أنهم مهما فســروها فل‬
‫يصح أي تعــبير ينــاقض مــا فســره دانيــال‬
‫نفسه ‪ ،‬فكيف تظل الثلثــة الممالــك فــي‬
‫التمثــال هــي الممالــك القديمــة والرابعــة‬
‫هي أوربا الحديثة ‪ ،‬إنها مفارقة واضــحة ‪،‬‬
‫المنطــق الســليم يفــرض إمــا أن نحمــل‬
‫الرؤيــا علــى الرؤيــا كليــا ً وإمــا نجعلهمــا‬
‫منفصلتين كليا ً وهو الصحيح ‍!!‪.‬‬
‫‪ -2‬الحيوانات طلعت متجاورة وغلبهــا الرابــع‬
‫دفعــة واحــدة‪ .‬أمــا الممالــك فــي الرؤيــا‬
‫الولى فمتتابعة متوالية كل منها غلب مــا‬
‫قبله‪.‬‬
‫‪ -3‬الحيوانــات الربعــة طلعــت مــن البحــر‬
‫المحيــط والممالــك الربــع قــامت فــي‬
‫الشرق والخامسة )السلمية( قامت فـي‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫المنطقة نفسها ثم امتــدت شــرقا ً وغرب ـا ً‬


‫حتى وصلت في أيام المغول والترك إلى‬
‫شمال أوربا وسيطرت على شرقها كله‪.‬‬
‫‪ -4‬الحيوانات الثلثة تسلط عليها الرابع لكنها‬
‫بقيـــت حيـــة أمـــا الممالـــك الثلث فقـــد‬
‫اندثرت مطلقًا‪.‬‬
‫‪ -5‬تعبيرهم الرؤيا الخيرة باطــل فــي نفســه‬
‫فإنهــا ذكــرت حيوان ـا ً لـــه عشــرة قــرون‬
‫وفسرتها بــأنه مملكــة لهــا عشــرة ملــوك‬
‫فتفسيرهم بأنهــا عشــر ممالــك متجــاورة‬
‫باطل‪.‬‬
‫وهكذا فالقول بأن هذه الممالك العشــر هــي‬
‫التحالف الوربي أيام نابليون كما ذكر )بيــتز ص‬
‫‪ (251‬أو التحــاد الوربــي الحــالي كمــا يـــزعم‬
‫المعاصرون ل يصح تعبيرا ً ول واقعًا‪ ،‬فهو يناقض‬
‫كل الرؤيتين ويخــالف الواقــع ‪ ،‬فأمريكــا وحــدها‬
‫اليوم أقــوى مــن التحــاد الوربــي كلــه والتحــاد‬
‫الوربي ‪،‬لم يعد عشر دول بل زاد كثيرًا‪.‬‬
‫ونحن ل نريد أن نخوض في تعبير الرؤيا لكن‬
‫في إمكاننا أن نقول ‪ :‬إن الحيوانات الربع الــتي‬
‫طلعــت مــن وراء المحيــط هــي المبراطوريــة‬
‫البريطانية "السد" وروسيا الشيوعية "الدب"‪.‬‬
‫أما الثالث ‪ :‬شبيه النمر ذو الــرؤوس الربعــة‬
‫و الجنحة الربعة فقد يكون الــدول الكاثوليكيــة‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫الستعمارية الربــع " فرنســا وإيطاليــا وأســبانيا‬


‫والبرتغـــال " أو تحـــالف دول آســـيا المســـماة‬
‫النمور وهي ثمان !!‬
‫وبالطبع سيكون الحيوان الرابــع الــذي أكلهــا‬
‫وداسها هو الوليات المتحدة المريكية )أو حلف‬
‫الناتو عمومًا( ‪ ،‬أما القديسون الذين سيدوسون‬
‫أمريكـــا فل يحتـــاجون إلـــى تفســـير بـــل إلـــى‬
‫النتظار‪.‬‬
‫ونقول للصوليين ‪:‬‬
‫إن أعجبكم هذا التعبير فخذوه واستريحوا ‪ ،‬وإن‬
‫ن‪ .‬قلنا ‪ :‬نعم ولكن‬ ‫ن وتخمي ٌ‬ ‫رددتموه وقلتم ‪ :‬ظ ّ‬
‫أي الظنيــن أولــى ؟ ولمــاذا ظنكــم أنتــم يقيــن‬
‫وظننا نحن وهم !!‬
‫أما اليقين بهذا الشأن فهو أمران ‪-:‬‬
‫‪ -1‬أن الروم ذات قرون كما أخبر النبي ‪: ‬‬
‫))فارس نطحة أو نطحتان ثم يفتحها الله‬
‫ولكن الروم ذات القرون كلما هلك قرن‬
‫قام قرن آخر(()‪.(15‬‬
‫‪ -2‬أن المعركة بيننــا وبينهــم ســجال إلــى أن‬
‫يكون الفتح الخير لروما وينــزل المسـيح‬
‫‪ ، ‬وهذا ما ل يعلم زمان وقوعه إل اللــه‬
‫‪ ،‬وعليه فل يعلم عدد قرون الروم إل الله‬
‫‪ ()15‬أخرجه ابن أبي شيبة في ))المصنف(( ‪ ، (4/206) :‬والحارث ابن أبي أسامة كما في‬
‫))زوائد الهيثمي(( ‪ ،(2/713) :‬ونعيم بن حماد في ))الفتن( ‪.(2/479) :‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫تعالى وربما كانت العشرة المذكورة فــي‬


‫الرؤيا ل مفهوم لها بل مجــرد رمــز وهــذا‬
‫ب لهــم فــي العــداد المــذكورة فــي‬ ‫مــذه ٌ‬
‫الكتاب المقدس كله)‪ ،(16‬هذا إن لــم نقــل‬
‫إن في الرؤيا تحريفا ً وإضافة !!‬
‫وعلــى أي حــال نحــن نعلــم أن هــذه الرؤيــا‬
‫والخلف فيهــا قــد ل يــثير ثــائرة القــوم إل إذا‬
‫تعرفنا على القرن الصغير الملحد من هو ؟‬
‫فقــد ذهــب طائفــة منهــم إلــى أنــه دولــة‬
‫السلم ؟‬
‫وأن التجديف واللحــاد هــو إنكــار المســلمين‬
‫للوهية المسيح !!‬
‫وهذا عجيب إذ كيف تكون المملكة الخامسة‬
‫العظمى البدية قرنا ً صغيرا ً مــن قــرون حيــوان‬
‫من الحيوانات الربعة الذي له غيــر هــذا القــرن‬
‫عشرة قرون كبرى !!‬
‫وكيف تكــون المــة الســلمية الــتي شــملت‬
‫العرب والفرس والترك والبربر والزنج والهنــود‬
‫والتتار وغيرهم مجرد قرن مــن الــروم ؟ وقــرن‬
‫صغير أيضا ً !!‬
‫إن النـزول بــالبحث العلمــي إلــى هــذا الحــد‬
‫يوجب العراض والضرب صفحا ً عن هــذا اللغــو‬

‫‪ ()16‬انظر كلمة ) عدد ( في ‪ :‬دراسات في الكتاب المقدس ‪ ،‬تعريب معجم اللهوت الكتابي‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫لسيما وأنه ل علقــة للمســيح وألــوهيته بالرؤيــا‬


‫من قريب ول من بعيد بل السفر كله توحيد‪.‬‬
‫وذهبت طائفة منهم إلــى أن القــرن الصــغير‬
‫هو الوحش المذكور في سفر الرؤيا !!‬
‫وهنــا ينبغــي أن نعتــذر للقــارئ المســلم عــن‬
‫السترســال فــي ذكــر الغــرائب الحيوانيــة ‪ ،‬ول‬
‫يظن أننا سنورد فيلم الرعب الطويل المســمى‬
‫سفر الرؤيا !‬
‫ونرجو منه أن يتأمل معنــا هــذا الــوحش فــي‬
‫لقطة ل تتعدى الثواني من هذا الفيلم ‪ ،‬وليعلــم‬
‫أن القوم في الغرب أضاعوا ويضيعون في هــذا‬
‫ما يعد بالمليين من ساعات العمــل ‪ ،‬بــل ربمــا‬
‫من أيام العمل ‪ ،‬وأن الكتب المتعلقــة بهــا أكــثر‬
‫الكتب مبيعا ً في أمريكا !!‬
‫فمــاذا علينــا لــو تحملنــا دقــائق وصــفحات‬
‫لنردهــم إلــى الصــواب ‪ ،‬ونريحهــم مــن العنــاء‬
‫ونحمد الله على اليقين‪.‬‬
‫يقول سفر الرؤيا ‪:‬‬
‫))ثم وقفت على رمل البحر ‪ ،‬فرأيت وحشا ً‬
‫طالعا ً من البحر لـه سبعة رؤوس وعشرة‬
‫قرون ‪ ،‬وعلى قرونه عشرة تيجان ‪ ،‬وعلى‬
‫رؤوسه اسم تجديف )أي إلحاد وزندقة(‬
‫والوحش الذي رأيته كان شبه نمر ‪،‬‬
‫وقوائمه كقوائم دب ‪ ،‬وفمه كفم أسد‪،‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫وأعطاه التنين قدرته وعرشه وسلطانا ً‬


‫عظيما ً ‪ ،‬ورأيت واحدا ً من رؤوسه كأنه‬
‫مذبوح للموت وجرحه المميت قد شفي‪،‬‬
‫وتعجبت كل الرض وراء الوحش((‪.‬‬
‫]‪[3 – 1 : 13‬‬
‫لقـد حــاول "ت‪.‬ب‪.‬بيـتز" ‪-‬وهـو أجـود شــارح‬
‫لســفر الرؤيــا‪ -‬أن يصــيب كبــد الحقيقــة‪ ،‬ويــدل‬
‫قومه على القرن الصغير الملحد ‪ ،‬الــذي يخــرج‬
‫مــن بيــن قــرون الــروم ‪ ،‬ولكنــه لــم يســتطع‬
‫لسباب ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬مشــترك بيــن كــل البــاحثين وهــو‬
‫اختلط الحــق بالباطــل فــي الســفار‬
‫واســتحالة تمييــز المحـّرف مــن البــاقي‬
‫على أصله بله المضاف والمحذوف ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬مشترك بينه وبين أكثر باحثي أهل ملته كما‬
‫أسلفنا ‪ ،‬وهو جعل النبوات كلها ‍في زمن‬
‫المسيح القادم ‪ ،‬وتجاهله المطبق للسلم‬
‫رسالة وحضارة ومملكة !!‬
‫الثالث ‪ :‬يخصه ‪،‬وهو أنه هلك قبل قيام رجسة‬
‫الخراب "إسرائيل " فكان من الصعب عليه أن‬
‫يفسر الحداث بدقة‪.‬‬
‫لكن لما يتميز به شرحه ســوف نجعلــه نموذج ـا ً‬
‫لتصحيح المنهج‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫يقرر بيتز أن الوحش هو نظير القرن الصغير‬


‫في نبوة دانيال )مــع التنــبيه إلــى أن فــي ســفر‬
‫الرؤيا وحشين اثنين !!(‪.‬‬
‫وهو في الوقت نفسه الشــكل الجديــد الــذي‬
‫ســــتتخذه المبراطوريــــة الرومانيــــة ‪ ،‬الــــذي‬
‫ســيفاجئ العــالم قبــل نــزول المســيح لقامــة‬
‫ملكوته ‪-‬الذي هو المملكة الخيــرة البديــة فــي‬
‫نظره‪.‬‬
‫وهــو لمــا رأى أن الفجــوة كــبيرة ‪،‬وقرونهــا‬
‫الزمنية كثيرة ‪ ،‬ل يسدها عشرة ملوك ولو حكم‬
‫كل ملك قرنا ً ‪ ،‬جاء بتأويل جديــد هــو أن القــرن‬
‫ليس ملكا ً ! بل هــو شــكل مــن أشــكال الحكــم‬
‫كالشـــكل الجمهـــوري أو المـــبراطوري مثل ً ‪،‬‬
‫ولكل شكل ملوكه الكثيرون‪ ،‬لكنه لم يفصل لنا‬
‫كل الشكال بل جعل السادس هو المبراطوري‬
‫‪ ،‬وافترض أن الشكل السابع عتيد‪.‬‬
‫أن يقــوم أمــا الثــامن والنهــائي فهــو حكومــة‬
‫الوحش الذي هو القرن الصغير‪) .‬ص ‪.(186‬‬
‫ولول مرة ‪-‬بل من النادر‪ -‬أن تجــد فــي كلم‬
‫القــوم علــى كــثرته وإســهابه مثــل هــذا الكلم‬
‫الرصــين الــذي يشــبه فــي أولــه كلم فقهــاء‬
‫السلم ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫نلحظ وجه شبه بين هذا الوحش وبين قــرن‬


‫دانيــال الصــغير فقــد حــارب القــرن الصــغير‬
‫القديسين فغلبهم‪) .‬دا‪.(21 : 7 /‬‬
‫كمــا أعطــي للــوحش أن يصــنع حربــا ً مــع‬
‫القديسين ويغلبهم‪) .‬رؤ‪.(7 : 13 /‬‬
‫وكمــا فــي دانيــال يتكلــم القــرن بكلم ضــد‬
‫العلي‪.(25 : 7) .‬‬
‫هكذا في الرؤيا يفتح الوحش فمه بالتجــديف‬
‫على الله‪.(6 : 13) .‬‬
‫وكمــا أن ســلطة القــرن الصــغير تــدوم إلــى‬
‫زمان وأزمنة ونصف زمان )دا‪.(25 :7 /‬‬
‫كذلك سيبقى سلطان الوحش اثنين وأربعين‬
‫شهرًا‪) .‬رؤ‪.(5 : 13 /‬‬
‫وهي نفس المدة المذكورة فــي دانيــال ولــو‬
‫اختلف الصطلح‪.(190-189) .‬‬
‫وهنا لنا وقفة يسيرة فالقوم كالعادة لبــد أن‬
‫يتناقضوا ويحيروا العقل ‪ ،‬إذ كيــف يوجــد شــكل‬
‫سياســي يحكــم فيــه مجموعــة مــن الملــوك ‪،‬‬
‫ويكون مجموع حكمهم هذه المدة الوجيزة ؟ ثم‬
‫إنه لم يثبــت علــى رأي واحــد ‪ ،‬بــل جعلــه مــرة‬
‫شخصا ً حاكمـا ً وأخــرى هيئة أو جمعيــة تآمريــة ‪-‬‬
‫كما سنرى‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫فلنتــابع معــه الحــوال والحــداث المتعلقــة‬


‫بــالوحش لكــي نعــرف هــذا القــرن الصــغير‬
‫المشؤوم ؟!‬
‫عن هذا يقرر بيتز أمورا ‪-:‬‬
‫‪ -1‬أن الوحش سيكون في أورشليم )‪.(193‬‬
‫ويقرر ))إن أورشليم هي النقطة المركزية‬
‫التي تتجمع حولها الحوادث المذكورة هنا‬
‫كر القراء بأنه‬ ‫بلغة الرموز(( )‪) .(194‬ونذ ّ‬
‫كتب هذا والقدس شبه منسية عندهم إل‬
‫واح أو الزائرين(‪.‬‬ ‫س ّ‬
‫من قليل من ال ّ‬
‫وه‬‫‪ -2‬الوحش )إسرائيلي لكنه ل يبالي بي َهْ َ‬
‫يا ))الموعود المنتظر((‬ ‫إلـه المة ‪ ،‬ول بالمس ّ‬
‫رجاء المة ‪ ،‬ول حتى باللهة الباطلة التي‬
‫طالما مالت إليـها المة…((‪.‬‬
‫‪ -3‬يتحالف الوحش مـع ))رأس المبراطورية‬
‫الرومانية ومركز القوة والسلطة العالمية((‬

‫)‪.(200‬‬
‫‪ -4‬يجــزم )بيــتز( أن هــذا الرئيــس الرومــاني‬
‫ليس أحدا ً من الباطرة السابقين ‪ ،‬بل هــو‬
‫الذي ســيأتي عنــد قيــام رجســة الخــراب ‪،‬‬
‫كر بها المسيح‬ ‫التي تحدث عنها دانيال ‪ ،‬وذ ّ‬
‫مرة أخرى ‪ ،‬ويقول ‪:‬‬
‫)من مواضع كثيرة في كلمة الله ‪-‬أي‬
‫الكتاب المقدس‪ -‬يتبين أن العشرة السباط‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫سيجتمعون في أورشليم بعد خلصها‬


‫وعتقها ‪-‬أي قبل نزول المسيح‪ -‬وهناك‬
‫يحتملون نار الضيقة العظيمة في أشدها ‪،‬‬
‫بينما إسرائـيل الذين رفضوا المسيح‬
‫سيجتمعون إليها قبل ذلك(‪) .‬ص ‪ (217‬أي‬
‫في يوم غضب الرب على الدولة الرجسة‬
‫الذي سنعقد لـه فصل ً قادما ً بعنوان ))يوم‬
‫غضب الرب((‪.‬‬
‫كر أنــه هلــك قبــل‬ ‫مرة أخرى ينبغــي أن نتــذ ّ‬
‫قيام دولة إسرائيل بكثير‪.‬‬
‫‪ -5‬حكومــة الــوحش ســتكون ملحــدة علــى‬
‫النظام الغربي ‪ ،‬ل علــى هــدي الــوحي بــل‬
‫هي من أكبر أسباب اللحاد والظلم‪ .‬يقول‬
‫‪:‬‬
‫))في أوربا الغربية الوطن المختار للمدنية‬
‫والحرية والستنارة والتقدم كانت نتيجة‬
‫تفاعل تلك المبادئ البشرية هي قيام‬
‫حكومة الوحش ملتقى الطغيان والظلم‬
‫والتعاسة والتجديف(( )ص ‪.(238‬‬
‫‪ -6‬وتحت زعامة الــوحش يقــرر بيــتز اعتمــادا ً‬
‫على مفهومه لرؤيا دانيال ‪:‬‬
‫))سوف تتكون عصبة من الحكومات‬
‫المتحالفة مؤقتا ً(( )‪.(251‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫وصفة الحلف الــذي ســتعقده المبراطوريــة‬


‫الرومانية الجديدة هو أن ‪:‬‬
‫))العشرة ملوك الذين يحكمونها يصنعون‬
‫رأيا ً واحدا ً ويعطون الوحش ملكهم(( )ص‬
‫‪.(253‬‬
‫والعجب حقا ً هو أنه ))ليس الوحش هو الذي‬
‫يجبرهم على إطاعة أمره بل هو عمل‬
‫تطوعي يقومون به من جانبهم(( )ص ‪.(253‬‬
‫كما أنه ليس من شرط الوحش أن يحكم‬
‫كملك بل ))بواسطة نفوذه في مؤامرات و‬
‫مشورات على أرض المبراطورية الرومانية‬
‫القديمة أو على القل الجزء الغربي منها((!!‬
‫)ص ‪.(254‬‬
‫)وُنــذ َ ّ‬
‫كر بــأنه كتــب هــذا قبــل قيــام المــم‬
‫المتحدة وظهور الســيطرة الصــهيونية علــى‬
‫السياســــة الغربيــــة عامــــة والمريكيــــة‬
‫خاصة( !!‪.‬‬
‫‪ -7‬وعن عدو الوحش والمعركة بينهما يقول‬
‫بيتز ‪)) -:‬إن الحلف القائم بين المبراطور‬
‫الروماني واليهود غير المؤمنين ل يمنع‬
‫غزو الجيش الشمالي ‪ ،‬الذي ‪-‬بسبب‬
‫العبادة الوثنية القائمة في أورشليم في‬
‫ذلك الوقت‪ -‬سيباغتهم كسيل جارف ‪،‬‬
‫ويجلب الخراب على الرض(( )‪.(214‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫ولتفسير الجيش الشمالي نجده يقول ‪:‬‬


‫))يجمع ملوك المشرق قواتهم ليغيروا على‬
‫حدود أملك الوحش ومن الناحية الخرى‬
‫سيجمع الوحش باتفاقه مع ملوك الغرب‬
‫قواته ويزحف إلى معركة هرمجدون‬
‫المشؤومة(( )ص ‪.( 240‬‬
‫‪ - 9‬وأخيرا ً يحدثنا بيتز عن نتيجة المعركة ‪:‬‬
‫))قل أن يحلم الوحش ومساعده الثيم أنهما‬
‫سيؤخذان أسيرين من ساحة القتال التي‬
‫يعجلن إليها ! وأنه سيلقى بهما حيين إلى‬
‫عذابات بحيرة النار البدية ‪ ،‬وقل أن يجرؤ‬
‫القديسون المتألمون المختبئون بين الجبال‬
‫ملون بأنهم سيرفعون رؤوسهم‬ ‫والمغاير فيؤ ّ‬
‫آخر المر(( !!‪.‬‬
‫والن وقــد عرفنــا " الــوحش " نســأل ‪ :‬هــل‬
‫هذه النهاية ل تكون إل في "هرمجــدون" وعلــى‬
‫يد المسيح ؟‪.‬‬
‫إن افتراض ذلــك هــو الخطــأ المشــترك بيــن‬
‫هــؤلء وبيــن بعــض البــاحثين المســلمين أيضـا ً ‪،‬‬
‫والفــرق أن هـؤلء ل يحســبون حســابا ً للمنطــق‬
‫والعقل وسنة الله في التاريخ ‪ ،‬أمــا المســلمون‬
‫فيبحثــون غالبــا ً عــن ســنن طبيعيــة لتفســير‬
‫الحداث‪ ...‬المسلمون كمن يخطئ طريقه فــي‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫النهار أما هؤلء فكل ســيرهم فــي الظلمــات إل‬


‫بقايا من البصيص الباهت !!‬
‫لقد قلنــا إن بيتـــز كــاد أن يصــيب الحقيقــة ‪،‬‬
‫ولكــي نســاعد قــراءه علــى إصــابتها نــورد لهــم‬
‫تلخيصــه للحــداث كمــا ســطره )ص ‪ .(213‬مــع‬
‫حذف العناصر المشيحانية وإبقاء الموضوع فــي‬
‫حدود المألوف ‪ ،‬ونقرأ كلما ً بدونها فيكون هكذا‬
‫‪:‬‬
‫))سوف تعود المبراطورية الرومانية إلى‬
‫الوجود ‪ ..‬وستكون الكتلة اليهودية قد رجعت‬
‫إلى أورشليم غالبا ً في عدم اليمان )ونقول‬
‫نحن بل قطعًا(‪ ...‬وبينما هم في أورشليم إذا‬
‫بقوة عظيمة تهدد ذلك الشعب الراجع ‪ ،‬ولكي‬
‫تتقي الكتلة اليهودية شر تلك القوة فإنها‪...‬‬
‫تعقد عهدا ً مع الرئيس العظيم الذي سيكون‬
‫حاكما ً للمبراطورية الرومانية في عهدها‬
‫الجديد‪ ...‬إل أن الحلف القائم بين المبراطور‬
‫الروماني واليهود غير المؤمنين ل يمنع غزو‬
‫الجيش‪ ...‬الذي بسبب العبادة الوثنية القائمة‬
‫في أورشليم في ذلك الوقت سيباغتهم كسيل‬
‫جارف(( )‪.(214–213‬‬
‫ولــو أعــدنا نحــن كتابــة الموضــوع فســنقول‬
‫ببساطة ‪:‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫دولة إسرائيل قرن صغير خرج من الروم‬ ‫‪-1‬‬


‫من بين قرونهم الستعمارية الكبرى وقــد‬
‫رجع إلى الرض المقدسة غازيا ً مدنسًا‪.‬‬
‫الــوحش أو الوحشــان همــا ‪ :‬الصــهيونية‬ ‫‪-2‬‬
‫ذات الـــوجهين أحـــدهما يهـــودي والخـــر‬
‫نصراني‪.‬‬
‫اليهود عامة والصهيونيون خاصة هم دعاة‬ ‫‪-3‬‬
‫اللحاد والفساد في الرض وأكثر أصحاب‬
‫النظريــات اللحاديــة منهــم ‪ :‬مــاركس ‪،‬‬
‫وفرويــد ‪ ،‬ودوركــايم ‪ ،‬وفيشــتة وأرلــر ‪،‬‬
‫ســــــرل ‪ ،‬وشــــــيلر ‪،‬‬‫ومــــــاركوز ‪ ،‬وه ّ‬
‫وبرجسون ‪ ،‬ومارتن بوبر‪.‬‬
‫قيــام رجســة الخــراب فــي القــدس هــو‬ ‫‪-4‬‬
‫احتلل اليهـــود لهـــا واتخاذهـــا عاصـــمة‬
‫لحكمهم وهذا مما سنفصل الحــديث عنــه‬
‫لحقًا‪.‬‬
‫المبراطوريــة الرومانيــة الجديــدة هــي‬ ‫‪-5‬‬
‫الوليــات المتحــدة المريكيــة ويمكــن أن‬
‫يشتمل السم ‪ :‬الغرب كله وهنــا تتــداخل‬
‫مع بابل الجديدة المذكورة فــي النبــوءات‬
‫الخــرى ‪ ،‬وهــي التنــبين الــذي أعطــى‬
‫الــوحش القــدرة والســلطان !! وســنرى‬
‫نهاية هذا التنين مع نهاية رحســه الخــراب‬
‫في يوم غضب الرب‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫‪ -6‬الجيش التي من الشمال أومــن الشــرق‬


‫هم المجاهــدون المســلمون ولهــذا أيض ـا ً‬
‫ت مـــن نبـــوءات‬ ‫تفصـــيله فـــي فصـــل آ ٍ‬
‫أخرى !!‪.‬‬
‫وبقية القصة مـن التحــالف والحـرب وحلــول‬
‫غضب الرب ل إشكال فيها حينئذٍ !!‪.‬‬
‫إل أنــه ل بــد مــن الشــارة إلــى ســبب آخــر‬
‫يوجب تعديل كلم بيتـز ‪ ،‬وهو أن التثليــث الــذي‬
‫أفسد عقيدة هــؤلء قــد أفســد عقــولهم أيض ـا ً ‪،‬‬
‫فهو في ص ) ‪ ( 211‬ينسى كل مــا قـال ويؤكـد‬
‫أن الثلثة الشــخاص الملقــبين بــالقرن الصــغير‬
‫والــوحش والرئيــس المــبراطوري كلهــم فــي‬
‫الحقيقة شخص واحد !!!‪.‬‬
‫والمهم أن تغييــرا ً ذا شــأن لــم يمــس جــوهر‬
‫)السيناريو( وكل ما صــنعناه هــو تعــديل أســماء‬
‫شخصيات المسرحية !!‪.‬‬
‫والعنصر الساس في المسرحية هو ))عودة‬
‫اليهود إلى الرض المقدسة بل إيمان(( بل‬
‫بكفرهم القديم وإلحادهم الحديث ‪ ،‬ومن هنا‬
‫أقاموا على الرض المباركة الطاهرة دولتهم‬
‫التي سماها دانيال ))رجسة الخراب(( وهذا هو‬
‫موضوع الفصل التالي‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫رجسة الخراب‬ ‫‪9‬‬


‫رجسة الخراب مصطلح كتابي مهم جدا ً وهو واضح‬
‫لكن القوم كالعادة أحاطوه بهالة من الغموض في لفظه‬
‫وفي تأويله‪.‬‬
‫وهذا التركيب بصيغة المضاف والمضاف إليه‬
‫له مترادفــات أخــرى مثــل "وحشــة الخــراب" و‬
‫"شــناعة ‪-‬أو شــنيعة– الخــراب" ولــه ترجمــات‬
‫بــالمعنى مثــل ‪" :‬معصــية الخــراب ‪ ،‬والمعصــية‬
‫المدمرة" أو "الخطيئة المدمرة"‪ ...‬وجاء بمعنى‬
‫أوضح وهو "المملكة الخاطئة" !!‬
‫خّرب الشنيع"‬ ‫م َ‬
‫أما بيـتـز فقد حقق أنها ‪" :‬ال ُ‬
‫ويمكن ترجمتها بـ "المخّرب النجس أو‬
‫الرجس" ولعل الصح في الترجمة والوفق‬
‫لكلمات الله أن تسمى ))المفسد الرجس(( أو‬
‫))الرجس المفسد((‪.‬‬
‫فلنقرأ ما قال سفر "دانيال" عنها فهو الــذي‬
‫جعل لها هذه الهمية الكبرى في التاريخ‪:‬‬
‫مَلــك )مــن‬‫ونبــدأ ببيــان أنــه بعــد أن أّول ال َ‬
‫الملئكة( لدانيال رؤيا الحيوانات الربعة السابق‬
‫ذكرها ختم بخاتمة حاسمة فقال ‪:‬‬
‫))والمملكة والسلطان وعظمة المملكة تحت‬
‫كل السماء تعطى لشعب قديسي العلي‪،‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫ملكوته ملكوت أبدي ‪ ،‬وجميع السلطين إياه‬


‫يعبدون ويطيعون ‪ .‬إلى هنا نهاية المر ((‬

‫ولكن دانيال فزع كــثيرا ً ول يــزال فــي حاجــة‬


‫إلى معرفــة أكــثر وكأنمــا رأى أن رؤيــا التمثــال‬
‫مل ِــك" ورؤيــا الحيوانــات‬‫ة وتتعلق برائيها "ال َ‬ ‫عام ٌ‬
‫مه هو‪ .‬فأراد تفسيرا ً أوضح لما يجــري‬ ‫الربعة ت ُهِ ّ‬
‫في قريب الزمان وفــي نهــايته وهمــا الطرفــان‬
‫المهمــان عــادة لكــل إنســان ‪ .‬أمــا المســتقبل‬
‫القريب فكل إنسان يتطلــع إلــى معرفــة مصــير‬
‫هؤلء البشر ‪ ،‬وهذه الحداث الــتي يعيــش بينهــا‬
‫ول يكاد أحد ‪-‬جــاهل ً أو عالم ـًا‪ -‬يخلــو مــن هــذا ‪،‬‬
‫وأمــا المســتقبل البعيــد فالنهايــة دائم ـا ً موضــع‬
‫تساؤل واهتمام ‪:‬‬
‫نهاية العالم كله ‪ ،‬ونهاية المة التي ينتمي إليها نهاية‬
‫أهل اليمان وأهل الكفران لسيما لمن كان نبيا ً أو من‬
‫أتباع النبياء‪.‬‬
‫وهكذا كانت الرؤيا الثالثة ‪-:‬‬
‫))رأيت وإذا بكبش واقف عند النهر ‪ ،‬وله‬
‫قرنان والقرنان عاليان ‪ ،‬والواحد أعلى من‬
‫الخر‪ ،‬والعلى طالع أخيرا ً ‪ ،‬ورأيت الكبش‬
‫ينطح غربا ً وشمال ً وجنوبا ً ‪ ،‬فلم يقف حيوان‬
‫قدامه ول منقذ من يده‪ ...‬وإذا بتيس من‬
‫المعز جاء من المغرب على وجه كل‬
‫الرض ولم يمس الرض ‪ ،‬وللتيس قرن‬
‫معتبٌر بين عينيه وجاء إلى الكبش صاحب‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫القرنين‪ ..‬فاستشاط عليه وضرب الكبش‬


‫وكسر قرنيه ‪ ،‬فلم تكن للكبش قوة على‬
‫الوقوف أمامه وطرحه على الرض‬
‫وداسه‪ ..‬فتعظم تيس المعز جدا ً ‪ ،‬ولما‬
‫اعتـز انكسر القرن العظيم وطلع عوضا ً‬
‫عنه أربعة قرون معتبرة نحو رياح السماء‬
‫الربع ‪ ،‬ومن واحدٍ منها خرج قرن صغير‬
‫وعظم جدا ً نحو الجنوب ونحو الشرق ونحو‬
‫فخر الراضي ‪ ،‬وتعظم حتى إلى جند‬
‫السماوات وطرح بعضا ً من الجند والنجوم‬
‫إلى الرض ‪ ،‬وداسهم وحتى إلى رئيس‬
‫الجند تعظم ‪ ،‬وبه أبطلت المحرقة الدائمة‬
‫سه وجعل جند‬ ‫قد ِ ِ‬
‫م ْ‬
‫وهدم مسكن )بيت( َ‬
‫على المحرقة الدائمة بالمعصية فطرح‬
‫الحق على الرض وفعل ونجح((‪.‬‬
‫قال دانيال ‪:‬‬
‫))فسمعت قدوسا ً واحدا ً يتكلم ‪ ،‬فقال‬
‫ن المتكلم إلى متى الرؤيا‬ ‫قدوس واحد لفل ٍ‬
‫من جهة المحرقة الدائمة ومعصية الخراب‬
‫لبذل القدس والجند مدوسين ؟ فقال لي ‪:‬‬
‫إلى ألفين وثلث مئة صباح ومساء ‪ .‬فيتبرأ‬
‫القدس((‪.‬‬
‫]‪[3-14 : 8‬‬
‫وفي الطبعة الكاثوليكية ‪:‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫))إلى ألفين وثلث مئة مساء وصباح ثم ُترد‬


‫إلى القدس حقوقه((‪.‬‬
‫مَلك أن يعبر الرؤيا ‪ .‬فخاطبه‬
‫وهكذا طلب دانيال من ال َ‬
‫قائل ً ‪:‬‬
‫))يا ابن آدم إن الرؤيا لوقت المنتهى‪...‬‬
‫ها أنذا أعرفك ما يكون في آخر السخط‬
‫لن الرؤيا لميعاد النتهاء ‪ ،‬أما الكبش الذي‬
‫رأيته ذا القرنين فهو ملوك مادي وفارس‪،‬‬
‫مْلك اليونان ‪ ،‬والقرن‬‫والتيس العافي ُ‬
‫العظيم الذي بين عينيه هو الملك الول‪،‬‬
‫وإذا انكسر وقام أربعة عوضا ً عنه فستقوم‬
‫أربع ممالك من المة ليس في قوته)‪، (17‬‬
‫وفي آخر مملكتهم عند تمام المعاصي يقوم‬
‫ملك جافي الوجه وفاهم الحيل ‪ ،‬وتعظم‬
‫قوته ولكن ليس بقوته ‪ ،‬يهلك عجبا ً وينجح‬
‫ويفعل ويبيد العظماء وشعب القديسين‬
‫وبحذاقته ينجح أيضا ً المكر في يده ‪،‬‬
‫ويتعظم بقلبه وفي الطمئنان يهلك كثيرين‬
‫ويقوم على رئيس الرؤساء وبل يد ينكسر ‪.‬‬
‫فرؤيا المساء والصباح التي قيلت هي حق ‪،‬‬

‫‪ ()17‬هذا ما حدث فعل ً فبعد وفاة السكندر انقسمت مملكتهم أربعة أقسام أيام البطالمة‬
‫)واحدهم ‪ :‬بطليموس(‪.‬‬
‫تنبيه ‪ :‬ل شك عندي أن هنا إسقاطا ً من كلم دانيال تعمده أهل الكتاب ‪ ،‬لن قوله )في آخر‬
‫مملكتهم( ل علقة له بما قبله ‪ ،‬فهذا إنما يكون في آخر مملكة الفريسين ‪ ،‬كما هو ظاهر من‬
‫السياق ومن المدة التي حددها دانيال ونبه إلى أنها في آخر الزمان مرارًا‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫أما أنت فاكتم الرؤيا لنها إلى أيام ٍ‬


‫كثيرة((‪.‬‬
‫]‪[2-26 : 8‬‬
‫ولكن الشوق إلى المعرفة يزداد لسيما ودانيال‬
‫يعيش زمن أحداث كبرى بين إمبراطوريتي بابل‬
‫وفارس ‪ ،‬ويهمه جدا ً مصير شعبه البائس المسبي ‪،‬‬
‫ويهمه شأن القدس ومن يسيطر عليها ‪ ،‬فأخذ يتضرع‬
‫ويبكي ويصلي حتى أراه الله رؤيا أكثر دقة من جهة‬
‫الزمن والعدد ‪ ،‬ولكن تعبيرها مشكل جدا ً ول نشك أن‬
‫القوم حرفوها وأحالوا وضوحها ودقتها غموضا ً ‪ .‬إنها رؤيا‬
‫"السابيع" المشهورة وفيها يقول المَلك له ‪:‬‬
‫))سبعون أسبوعا ً قضيت على شعبك وعلى‬
‫مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم‬
‫الخطايا ولكفارة الثم وليؤتى بالبر البدي‬
‫ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس‬
‫القديسين ‪ ،‬فاعلم وافهم أنه من خروج‬
‫المر لتجديد أورشليم وبنائها إلى‬
‫المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان‬
‫وستون أسبوعًا‪ ((...‬إلى أن يقول ‪:‬‬
‫ت يخرب المدينة‬‫))وشعب رئيس آ ٍ‬
‫والقدس ‪ ،‬وانتهاؤه بغمارة )طوفان( وإلى‬
‫ب قضى بها ‪ ،‬ويثبت عهدا ً‬ ‫خَر ٌ‬
‫النهاية حرب و ِ‬
‫مع كثيرين في أسبوع واحد وفي وسط‬
‫طل الذبيحة والتقدمة ‪ ،‬وعلى‬ ‫السبوع يب ّ‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫خّرب حتى يتم ويصب‬ ‫م َ‬


‫جناح الرجاس ُ‬
‫القضاء على المخّرب((‪.‬‬
‫]‪[24-27 : 9‬‬
‫وفي الطبعة الكاثوليكية ‪:‬‬
‫))ويأتي رئيس فيدمروا المدينة والقدس‬
‫وبالطوفان تكون نهايتها ‪ ،‬وإلى النهاية يكون‬
‫ما قضى من القتال والتخريب ‪ ،‬وفي‬
‫أسبوع واحد يقطع عهدا ً مع كثيرين عهدا ً‬
‫ثابتا ً وفي نصف السبوع يبطل الذبيحة‬
‫والتقدمة ‪ ،‬وفي جناح الهيكل تكون شناعة‬
‫الخراب إلى أن ينصب القناء المقضي على‬
‫المخرب((‪.‬‬
‫إن هـــذا الغمـــوض يجعلنـــا نجـــزم بوقـــوع‬
‫التحريف وإن كان بعض البــاحثين بــذلوا جهــودا ً‬
‫حســنة لتفســير هــذه النبــوءة لتطــابق مولــد‬
‫المسيح أو بعثة محمد ‪.‬‬
‫وعلــى أي حــال عــرف دانيــال التسلســل‬
‫الزمنــي للحــداث ولكــن كيــف تقــع ؟ ل يــزال‬
‫النسان في شوق شديد إلــى المعرفــة والــرب‬
‫كريم يعطي كل مرة‪.‬‬
‫يعود دانيال إلى الصلة والضراعة فيأتيه الملك قائل ً ‪:‬‬
‫))جئت لفهمك ما يصيب شعبك في اليام‬
‫الخيرة لن الرؤيا إلى أيام بعد((‬
‫ٍ‬
‫]‪[14: 10‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫هنا نلحظ تكرار التنبيه إلى تأخر زمان وقوع التأويل‬


‫بهذه العبارة وما في معناها حتى ل يخطئ دانيال‪.‬‬
‫فقــد كــان دانيــال يريــد المســتقبل القريــب‬
‫والرؤيــا تحــدد الهــم وهــو النهايــات البعيــدة ‪،‬‬
‫والملك يوصي دانيــال أل ينســى هـذا فيظــن أن‬
‫هذا في القريب ‪ ،‬وهو مع ذلك يخبره بما ســيقع‬
‫مـن حروب بين ملــوك فــارس واليونــان وملــك‬
‫الشمال وملك الجنوب يهمنا منه قوله ‪:‬‬
‫))وتقوم منه ‪-‬أي من ملك الشمال‪ -‬أذرع‬
‫جس المقدس الحصين وتنـزع المحرقة‬ ‫وتن ّ‬
‫الدائمة وتجعل الرجس المخّرب((‪.‬‬
‫]‪[21 : 11‬‬
‫وهو يشير إلى حكومة وثنية تتسلط على بيت‬
‫المقدس وتقيم فيه عبادتها ‪ ،‬اختلف أهل الكتاب ما‬
‫هي ؟ وهذا ل يهمنا بل المهم هو أن هذا يوضح ماهية‬
‫الرجس المخرب الخر الذي سيأتي بعد ويقيمه الوحش‬
‫أو القرن الصغير في الرض نفسها وأنه دولة ‪ ،‬فالسم‬
‫واحد لكن المذكور هنا وثني أما الخر فقد سبق بيان أنه‬
‫إسرائيلي !!‬
‫ويختم الحديث عن تلك الحداث بقيام الساعة وبعث‬
‫الموات ويوصي دانيال قائل ً ‪:‬‬
‫ف الكلم واختم‬‫))أما أنت يا دانيال فأخ ِ‬
‫السفر إلى وقت النهاية((‪.‬‬
‫ولكن الملكين يخاطب أحدهما الخر ليسمع دانيال ويفهم‬
‫قائل ً ‪:‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫إذا تم تفريق الشعب المقدس تتم هذه ((‪.‬‬ ‫))‬

‫وعندها يقول دانيال ‪:‬‬


‫))وأنا سمعت وما فهمت فقلت يا سيدي ما‬
‫هي آخر هذه ؟ فقال ‪ :‬اذهب يا دانيال لن‬
‫الكلمات مخفية ومختومة إلى وقت‬
‫النهاية … من وقت إزالة المحرقة الدائمة‬
‫وإقامة رجس المخّرب )وفي ترجمة‬
‫أخرى ‪ :‬شناعة الخراب( ألف ومائتان‬
‫وتسعون يوما ً ‪ ،‬طوبى لمن ينتظر ويبلغ إلى‬
‫اللف والثلث مئة والخمسة والثلثين يوما ً ‪،‬‬
‫أما أنت فاذهب إلى النهاية فتستريح …((‪.‬‬
‫وانتهى السفر واستراح دانيال ولسيما وقد اطمأن‬
‫إلى أن القدس ستعود لـه حقوقه بعد ‪ 45‬سنة !!‬
‫ولكـــن أهــل الكتــاب لـــم يســتريحوا ولــن‬
‫يســتريحوا بشــأن هــذه الحــداث إل مــن تــرك‬
‫التعصب وفتح عينيه على الحقــائق – لقــد تعبــوا‬
‫وأتعبوا العالم وأتعبونا‪..‬‬
‫إن ما تقدم هو عرض مــوجز لهــم النبــوءات‬
‫في الكتاب المقدس كله "نبوءات دانيال" ومنــه‬
‫نلحظ أمورا ً كثيرة ‪ ،‬منها ‪-:‬‬
‫‪ -1‬زيادة توكيد لما سبق من الحديث عن "‬
‫القرن الصغير " فهو ماكر محتال زنديق‬
‫ل يقوم بقوته بل بالعتماد على غيره ‪،‬‬
‫وعدوه هم شعب القديسين أتباع خاتم‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫النبياء فهو يتعالى عليهم ويسقط رئيس‬


‫رؤسائهم ))الخليفة(( بل جيش وأخبث‬
‫أعماله أنه يدوس القدس ويهينها بجنده‬
‫ويبطل الصلة‪ 18‬ويهدم بيت الله فيها‬
‫ويقيم فيها دولته الموصوفة بالرجس‬
‫المخّرب‪.‬‬
‫‪ -2‬هذا القــرن الصــغير يفعــل ذلــك فــي أيــام‬
‫ســــلطان المملكــــة الخيــــرة مملكــــة‬
‫القديســين ل فــي أيــام فــارس والــروم ‪..‬‬
‫وقيام دولة الرجــس ل يــدل علــى انقضــاء‬
‫تلك المملكة البدية‪ ،‬وهذا ما أكده الســفر‬
‫مــرارا ً ‪ ،‬وإنمــا هــو حــدث عــارض محــدود‬
‫المدة والمكان ‪ ،‬فهو ليس مــن جنــس مــا‬
‫فــي رؤيــا التمثــال حيــث تســقط مملكــة‬
‫وتقوم أخرى مكانها ول من جنس مــا فــي‬
‫رؤيا الحيوانات الربعة حيث يتغلــب واحــد‬
‫ضخم هائل على الخرى ‪ .‬ل ‪ ،‬لشيء مـن‬
‫ذلك ‪ ،‬فهذا قرن صغير ‪ ،‬ومجال ســيطرته‬
‫محدود ‪ ،‬لكن مكــره كــبير ودهــاؤه عظيــم‬
‫ووراءه قوة عظمى تمده ‪ ،‬ويصادف ذلــك‬
‫حالة ضيق شديدة ]أشار إليها دانيال )‪:12‬‬
‫‪ [(1‬وضعف شديد لدى شعب القديسين ‪،‬‬
‫‪ ()18‬أصل كلم دانيال ) ويبطل اليومية ( أي العبادة اليومية ‪ ،‬وهي الصلة اليومية لكن العبادة‬
‫اليهودية مرتبطة بالمحرقة فذكروا الموصوف المحذوف وجعلوه " المحرقة " فأصبحت العبارة‬
‫= "المحرقة اليومية" أو " المحرقة الدائمة " والنسخ النجليزية واضحة في هذا‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫لكن الضيقة تـزول والقديســون ينتصــرون‬


‫مــن جديــد ويفرحــون بيــوم زوال رجســة‬
‫الخــراب وتطهيــر القــدس منهــا ‪ .‬أن هــذا‬
‫القــرن الصــغير الخــبيث المفســد يهــدم‬
‫ويقيــم ‪ ،‬يهــدم بيــت قــدس اللــه ويقيــم‬
‫الرجسة مكانه ومن هـنا قال بعض شــراح‬
‫أهل الكتاب ‪ :‬إن الرجسة هي "صنم يقوم‬
‫فــي الهيكــل" وبالصــح "هيكــل يقــام فــي‬
‫المسجد" وليــس هــذا الخلف فــي معنــى‬
‫ي‬‫الرجسة مؤثرا ً ‪ ،‬لنــه ل يقــام بنــاٌء أجنــب ّ‬
‫عدوٌ في معبــد أمــة مــا إل بجنــد وســلطة‪،‬‬
‫فالرجس مدلوله عام وخاص ‪ ،‬العام قيــام‬
‫الدولــة الرجســة نفســها والخــاص بناؤهــا‬
‫للصنم أو الرجس الذي تتعبد لـه أو فيه !!‬
‫كما أن إزالة الصنم من بيت الله ل تكــون‬
‫إل بجنــد وســلطة ‪ .‬هكــذا فعــل النــبي ‪‬‬
‫حين فتـح مكـة وهكـذا سـيفعل أتبـاعه إذا‬
‫دخلوا المســجد ووجــدوا فيــه بنــاًء رجس ـا ً‬
‫لدولة الرجس !! )وربما ل يكون الرجــس‬
‫الذي فيه إل علم الدولة الصهيونية( ولهــذا‬
‫كان أكثر الشراح ل يرتابون فــي أن قيــام‬
‫الرجسة هو قيام دولة رجسة مخربة على‬
‫أرض القدس ولكن ما هي هذه الدولــة ؟!‬
‫المم الثلث التي تعظم القدس كــل منهــا‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫قد أقام دولته عليها أو فتحها وغلب عليهــا‬


‫ول شك أن واحدة منها هي الرجســة دون‬
‫الخريين‪.‬‬
‫ومن هنا نستطيع معرفــة تلــك الدولــة ليــس‬
‫من كلم دانيال فحسب بل من شــهادة التاريــخ‬
‫والواقع‪ .‬والمر المهــم هنــا هــو أن هــذه الدولــة‬
‫ستكون بعد المسيح ‪ ‬لنه كما في إنجيل مّتى‬
‫وغيره أخبر عما قــاله دانيــال وأوضــح أن ذلــك‬
‫سيكون في آخر الزمان على ما سيأتي تفصيله‬
‫‪ ،‬وبهذا يظهر خطأ مــن قــال إن قيــام الرجســة‬
‫كان قبل المسيح وأن المقصود هو هيكل الصنم‬
‫" زيوس " وكذلك مــن قــال إنهــا فــي الحــداث‬
‫التي تلت وفاته بعدة عقود )سنة ‪ 70‬أو ‪(135‬‬
‫لسباب كثيرة ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن تلــك الحــداث عاديــة فــي قائمــة‬
‫أحــداث التاريــخ وقــد عــرف التاريــخ‬
‫اليهودي مثلها كــرات ومــرات كمــا فــي‬
‫عهود القضاة !!‬
‫‪ -2‬أن اليهــود حينئذ كــانوا كفــارا ً لكفرهــم‬
‫برســـالة المســـيح ‪ ‬والمعنـــ ّ‬
‫ي بتلـــك‬
‫الحداث هم المؤمنون برسالته‪.‬‬
‫‪ -3‬أن تلـــك الحـــداث تخـــالف الزمـــان‬
‫والشروط الخــرى الــتي حــددها دانيــال‬
‫والمســيح ‪ ،‬بــل تخــالف مــا جــاء فــي‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫معظم أسفار النبياء عــن عــودة اليهــود‬


‫ومحــاكمتهم وتجمعهــم النجــس وحلــول‬
‫غضـــب اللـــه عليهـــم بواســـطة المـــة‬
‫المختارة ‪ ،‬وغير ذلك ممــا ســوف يــأتي‬
‫الحديث عنه مفصل ً بحيث ل يبقى لــدى‬
‫القارئ شك‪.‬‬
‫إن الشراح اليهود بسبب كفرهم بالمسيح ‪ ‬ورسالته‬
‫ل‪ ،‬ومن هنا فسروا قيام الرجسة‬ ‫ل يعتدون بكلمه أص ً‬
‫بأنها وثن يقام مكان الهيكل ‪ ،‬ثم احتاروا واختلفوا متى‬
‫قام أو يقوم ‪ ،‬فبعضهم جعل ذلك قبل المسيح ‪ ،‬وبعضهم‬
‫بعده ‪ ،‬واضطربوا اضطرابا ً شديدا ً في الزمن الذي حدده‬
‫دانيال بدقة ولسيما من فهم منهم اليام على ظاهرها‬
‫المعروف ‪ .‬أما من فسرها بالسنين فقد لزمه يقينا ً أن‬
‫يعترف بأن ذلك لم يقع ولن يقع إل بعد مرور ألفين‬
‫وثلث مئة سنة ‪ ،‬وخاصة أنه لم يقع في التاريخ أن دولة‬
‫جاءت بعد ‪ 2300‬يوم وأقامت دولة لمدة ‪ 45‬يوما ً‬
‫ٍ‬
‫ورحلت !!‬
‫إن هــذا مــن التفاهــة بحيــث ل يســتحق أن‬
‫يدونه التاريخ إل عبورا ً !!‬
‫وذلك أن السفار نفسها تحدد اليوم بالسنة‬
‫كما في حزقيال ))قد جعلت لك كل يوم بسنة‪.‬‬
‫‪ ((6 : 4‬كما أن لفظ الرؤيا ))طوبى لمن‬
‫ينتظر‪ ((...‬ل يدل على ‪ 45‬يوما ً فالنتظار إنما‬
‫يكون لخمسة وأربعين سنة‪.‬‬
‫علــى أن لــدينا شــهادة مهمــة مــن اليهــود‬
‫أنفسهم ‪ ،‬فإن طائفــة عظيمــة منهــم كــانت ول‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫تـزال –تقول إن الكيان الصهيوني القــائم حالي ـا ً‬


‫هو الرجســة‪ -‬وهــم الــذين حــذروا أتبــاعهم مــن‬
‫الفكر الصهيوني قديما ً وحــديثا ً ‪ ،‬ولــديهم إيمــان‬
‫عميق بأن تجمع اليهود هــو لحلــول غضــب اللــه‬
‫عليهم وانتقامه منهم ‪ ،‬وهــم طائفــة كــبيرة فــي‬
‫أمريكا وغيرها ‪ ،‬ومنهم من يؤمن بهذه الحقيقــة‬
‫ولكنـــه يفســـرها تفســـيرا ً علمانيـــا ً وأشـــهرهم‬
‫المفكر اللغــوي العــالمي "نعــوم شومســكي" ‪،‬‬
‫ومنهــم مجموعــات فــي الرض المحلــة نفســها‬
‫ومنهم الحاخام "هيرش" وزير الشؤون اليهودية‬
‫فــي الســلطة العرفاتيــة ومجمــوعته تســمى‬
‫"ناتوريم كارتا" نواطير القرية )حراس القرية(‪.‬‬
‫فلنـــدع اليهـــود إذن ولننظـــر مـــاذا قـــال‬
‫النصارى ؟‬
‫إن الخطأ المشترك بين الطائفتين هو أن المقصود‬
‫بالرجسة شعب غير اليهود ‪ ،‬وغير اليهود هم عند‬
‫الطائفتين وثنيون ‪ ،‬ومن هنا كان من السهل وصف أي‬
‫دولة وثنية بالرجس حتى أن "بيتـز" نفسه مع إقراره بأن‬
‫اليهود سيكونون وثنيين في عبادتهم فسر الرجسة بأنها‬
‫"مملكة آشور" التي تغزو الرض المقدسة في آخر‬
‫الزمان )ص ‪.(209‬‬
‫وربما كان لـه العــذر لكــونه كتــب ذلــك قبــل‬
‫قيام دولة إسرائيل ومــا كــان أحــد يتخيــل قيــام‬
‫دولة لليهود ‪ ،‬ولهذا هو لم يسمهم ‪-‬عند عودتهم‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫إلى أورشليم‪ -‬دولــة بــل كتلــة أو مجموعــة كمــا‬


‫رأينا‪.‬‬
‫ثــم إنــه وأمثــاله كــانوا يتصــورون أن اليهــود‬
‫سيكونون مضطهدين تحت تأثير الحكم الممــي‬
‫)العربي( ولهذا فســوف يـــبادرون إلــى اليمــان‬
‫بالمســيح حــال حلــول اللفيــة أو حــال نزولــه‬
‫وســيكون ذلــك معجــزة كمــا عــبر "مــاكينتوش"‬
‫بقوله ‪:‬‬
‫))إن دهشة كل العالم في ذلك اليوم ستكون‬
‫كيف أن هذه المة النجسة قد أصبحت مقدسة‬
‫للرب(()‪.(19‬‬
‫ويعلل ذلك بأن ))الثلث فقط هم الذين سينقذون من‬
‫النار الكلة والضيقة(( وهذا إشارة منه إلى ما ورد في‬
‫ت‪.‬‬
‫لآ ٍ‬‫السفار عن نهاية دولة الرجس كما في فص ٍ‬
‫إذن فهؤلء لديهم نصــف الحقيقــة وهــو كفــر‬
‫اليهود ونجاستهم ‪ ،‬أما أن تكون لهـم دولـة فهـو‬
‫النصف المفقود ‪ ،‬وهم بل ريب أفضل حــال ً مــن‬
‫ســـائر ال ّ‬
‫شـــّراح والمـــؤرخين الـــذين اعتمـــد‬
‫الصــــوليون المعاصــــرون علــــى تفســــيرهم‬
‫الجرامــي لرجســة الخــراب ‪ ،‬ومنهــم "ســتيفن‬
‫رنسمان" مؤلف كتاب تاريخ الحــروب الصــليبية‬
‫المشهور الذي قال ‪:‬‬
‫))في أحد أيام شهر فبراير سنة ‪ 638‬دخل إلى بيت‬
‫المقدس الخليفة عمر بن الخطاب‪...‬‬

‫‪ ()19‬مجلة ))المراعي الخضراء(( ‪ ،‬يوليو ‪ 1934‬ص ‪ 16‬ملحق بشرح الرؤيا‪.‬‬


‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫وسار إلــى جــانب الخليفــة البطريــرك صــفر‬


‫ونيــوس باعتبــاره رأس رجــال الدارة فــي‬
‫المدينــة الــتي أذعنــت‪ ،‬علــى أن عمــر بــادر‬
‫بالتوجه رأسا ً إلى موقع هيكل سليمان )؟!!(‬
‫الذي صــعد منــه صــاحبه ســيدنا محمــد إلــى‬
‫السماء ‪ ،‬وبينمــا كــان البطريــرك ينظــر إليــه‬
‫أثناء وقوفه اســتذكر أقــوال المســيح ‪ ،‬وأخــذ‬
‫ينبس بها من خلل دموعه ‪:‬‬
‫))فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال‬
‫عنها دانيال النبي ‪......‬‬
‫كان هذا آخر ما قام به البطريرك من‬
‫العمال العامة وكان الذروة الفاجعة لحياة‬
‫طويلة أنفقها في سبيل الرثوذكسية ووحدة‬
‫العالم المسيحي(()‪.(20‬‬
‫وعلــى هــذا الــرأي أيض ـا ً المــؤرخ النصــراني‬
‫العربي "فيليب حتى")‪.(21‬‬
‫وقد تصدى المهتدون مــن أهــل الكتــاب للــرد‬
‫على هذا ‪ ،‬بل إن بعضهم ذكر نبوءة دخول عمر‬
‫رضي الله عنه إلى القدس من التــوراة دون أن‬
‫يعلم من قال هذا القــول الفــاحش ‪ ،‬وذلــك بمــا‬
‫جاء في سفر زكريا ‪:‬‬

‫‪)) ()20‬تاريخ الحروب الصليبية(( ‪ :‬ص )‪.(19 ، 17‬‬


‫‪)) ()21‬البشارة بنبي السلم(( ‪ ،‬أحمد السقا حجازي )‪ ، (2/208‬وقد وقع المؤلف في هذا‬
‫الخطأ الشنيع إذ أقر كلم هؤلء‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫))ابتهجي جدا ً يا بنت صهيون واهتفي يا بنت‬


‫أورشليم‬
‫هو ذا ملكك آتيا إليك‬
‫باّرا ً مخلصا ً متواضعـا ً ‪...‬‬
‫ويكلم المم بالسـلم‬
‫ويكون سلطانه من البحر إلى البحر‬
‫ومن النهر إلى أقاصي الرض ((‬

‫]‪[9-10 : 9‬‬
‫وهي النبوءة التي يفســرها النصــارى –رغم ـا ً‬
‫عنها– بأنها تعنــي دخــول المســيح إلــى القــدس‬
‫زائرا ً وحيدا ً !‪ ((3‬ولو لم يكن للفتح السـلمي أي‬
‫نبوءة ولو لم يكن الفاتح هــو عمــر بنفســه فــإن‬
‫وصف الرجس أبعد ما يكــون عــن أمــة التوحيــد‬
‫وفتوحاتهــا العظمــى الــتي أخرجــت النــاس مــن‬
‫الظلمات والرجس إلى النور والطهــارة ‪ ،‬وهــذا‬
‫ولله الحمد ما شهد به التاريــخ كلــه ‪ ،‬ول ينكــره‬
‫إل مكابر أسقمه التعصب وأعمى عينه الحقد‪.‬‬
‫ثم إنه ل ينطبق عليها بحــال أنهــا بعــد ‪2300‬‬
‫سنة سواء كان البتداء من وفـاة دانيـال أو مـن‬
‫التاريــخ الســكندري لن دانيــال تــوفي ســنة )‬
‫‪ (453‬ق‪.‬م ‪ ،‬ومـــا بيـــن هـــذه الســـنة والفتــــح‬

‫)‪ (3‬لم يسبق لحد ٍ من ملوك الفرس أو الروم أن تسلط على كامل الرض من بحر الفرس‬
‫إلى بحر الروم ومن نهر الفرات إلى عدن‪ ،‬وإنما حصل هذا لعمر ‪ ‬ثم سائر خلفات المملكة‬
‫البدية‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫الســلمي هــو ) ‪1091 ( = 638 + 453‬‬


‫سنة !!‬
‫وإن كان بالتقويم السكندري فهو ) ‪+ 333‬‬
‫‪ 971 ( = 638‬فقط !!‬
‫وهنا ل بد أن نعرج على أرقــام دانيــال ‪ ،‬وإن‬
‫كنــا نحــب تــأخير الحــديث عنهــا لن الوقــائع‬
‫والحقائق الثابتة تجعلنا في غنى عنها ‪ ،‬ولكن ما‬
‫من المر بد لستكمال الصورة ‪:‬‬
‫يقول دانيال إن قيام رجسة الخراب إلى‬
‫‪ 2300‬سنة أي سيكون بعد ‪ 2300‬سنة ‪-‬كما‬
‫أوضحنا ‪ -‬فهذا السلوب )) إلى متى ‪ ..‬إلى كذا‬
‫(( متكرر في الرؤيا نفسها وغيرها من السفار ‪،‬‬
‫وهو من الخطأ في الترجمة أو من الترجمة‬
‫الحرفية غالبا ً ‪ ،‬لسيما وقد رأينا التوكيد على‬
‫أنها في آخر الزمان وعند حلول السخط وبعيدة‬
‫الوقوع‪.‬‬
‫ول يخالفنا في هذا أحد مــن البــاحثين الــذين‬
‫يفســرون اليــوم بالســنة وقــد تــبين لنــا ســقوط‬
‫التفسير الحرفي بأنه اليوم المعروف‪.‬‬
‫ولكن الختلف والشكال هو من أين يبدأ ؟‬
‫يمكن معرفة القوال من شــرح " جانســي "‬
‫الذي جمعه حســب قــوله مــن خمســة وثمــانين‬
‫تفسيرا ً كتابيا ً وقال فيه كما لخصه الشيخ رحمة‬
‫الله الهندي ‪:‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫))تعيين زمان مبدأ هذا الخبر في غاية الشكال عند‬


‫العلماء من قديم اليام ومختار الكثر أن زمان مبدئه‬
‫واحد من الزمنة الربعة التي صدر فيها أربعة فرامين‬
‫)مراسيم( سلطين إيران ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬سنة ‪ 636‬قبل ميلد المسيح الــتي‬
‫صدر فيها فرمان قورش‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬سنة ‪ 518‬قبل الميلد الــتي صــدر‬
‫فيها فرمان دارا‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬سنة ‪ 458‬قبل الميلد التي حصــل‬
‫فيها فرمان اردشير لعزرا‪...‬‬
‫الرابع ‪ :‬سنة ‪ 444‬قبل الميلد التي حصــل‬
‫فيها لنحميا فرمان أردشير )الخير(‪..‬‬
‫والمراد باليام السنون ويكون منتهى هذا الخبر ]أي زمن‬
‫وقوعه كما سبق أن أوضحنا[ باعتبار المبادئ المذكورة‬
‫على هذا التفصيل ‪:‬‬
‫بالعتبار‬ ‫بالعتبار‬ ‫بالعتبار بالعتبار‬
‫الرابع‬ ‫الثالث‬ ‫الثاني‬ ‫الول‬
‫سنة‬ ‫سنة‬ ‫سنة‬ ‫سنة ‪1764‬‬
‫‪1856‬‬ ‫‪1843‬‬ ‫‪1782‬‬
‫يقول جانسي الذي ألف كتابه سنة ‪ 1838‬م ‪:‬‬
‫))ومضت المدة الولى والثانية وبقيت الثالثة‬
‫والرابعة والثالثة أقوى وعندي هي بالجزم((‪.‬‬
‫ونحن نقول عندنا كما عند العالم كلــه اليــوم‬
‫إن هذا خطأ فماذا بعد ؟‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫ويقول جانسي ‪:‬‬


‫))وعند البعض مبدؤه خروج السكندر‬
‫الرومي )الصحيح اليوناني( على ملك إيشيا‬
‫)آسيا( )يعني دارا الفارسي( وعلى هذا‬
‫منتهى هذا الخبر سنة ‪((1966‬أ‪.‬هـ)‪.(22‬‬
‫وعلق الشيخ "رحمة الله" المتوفى سنة ‪1891‬م على‬
‫هذا قائل ً ‪:‬‬
‫))إن كذب المبدأ الول والثاني كان قد ظهر‬
‫في عهده ‪ ،‬كما اعترف هو نفسه وقد ظهر‬
‫كذب الثالث الذي كان أقوى في زعمه‬
‫جازما ً به وكذا كذب الرابع ‪.. ،‬بقي المبدأ‬
‫الخامس(()‪.(23‬‬
‫ولما كان هم الشيخ متوجها ً إلى إبطال كل نبوءات‬
‫السفار لثبات أنها محرفة أو مشكوكا ً فيها فقد توقع‬
‫للخامس الكذب أيضا ً وقال ‪:‬‬
‫))ومن يكون في ذلك الوقت يرى أنه )يعني‬
‫الخامس( كاذب أيضا ً إن شاء الله(( بل إن‬
‫الشيخ لما نقل قول من قال منهم إن‬
‫الواقع هو الذي سيظهر حقيقة هذه النبوءة‬
‫رده بتهكم وعلل ذلك بأن هؤلء معذورون‬
‫لكون الكلم فاسدا ً من أصله(()‪.(24‬‬
‫ونحن نقول ‪:‬‬
‫‪)) ()22‬إظهار الحق(( الهندي رحمة الله ‪ ،‬ص )‪.(94-93‬‬
‫‪ ()23‬المصدر السابق ‪ ،‬ص )‪.(94‬‬
‫‪ ()24‬المصدر السابق ‪ ،‬ص )‪.(94‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫رحمة الله على الشيخ "رحمــة اللــه" لقــد كــان‬


‫في وسعه أن يعلق المر ‪ ،‬لن الجزم بنفي أمر‬
‫محتمــل الوقــوع عقل ً فيــه مجازفــة وإن كــانت‬
‫الغايــة إثبــات التحريــف ‪ ،‬إذ ليــس كــل شــيء‬
‫محرف ـا ً باتفــاق فل أقــل مــن أن نــدع للحتمــال‬
‫مجا ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ثم إن الشيخ لما كانت تلك غايته لم يلتفت إلى‬
‫ترجيح القول الخير أو تضعيفه في ذاته فاقتضى ذلك أن‬
‫نقول ‪-:‬‬
‫إن أصل الخطأ في القوال الربعة هو تحديد‬
‫المبدأ بصدور المرسوم بتجديد أورشــليم‪ ،‬وهــذا‬
‫ما ل ذكر لـه فــي الرؤيــا نفســها –رؤيــا الكبــش‬
‫والتيس‪ -‬وإنما ورد فــي رؤيــا الســابيع الســالف‬
‫ذكرهــا ‪ ،‬وهــي رؤيــا أخــرى ‪-‬والرجــح عنــدنا أن‬
‫العبارة نفسها مقحمــة فــي الرؤيــا )أي عبــارة ‪:‬‬
‫منــذ صــدور المــر‪ (...‬واللــه أعلــم‪ ، -‬فالــذين‬
‫فســروا المبــدأ بظهــور الســكندر أرجــح لنهــم‬
‫استنبطوه من الرؤيا نفسها ‪ .‬وبعد موت دانيــال‬
‫اتخــذ النــاس التاريــخ السـكندري‪ .‬ومبــدؤه مـن‬
‫حادثة استيلئه على آسيا وهــي ســنة ‪ 334‬عنــد‬
‫البعض ولكنها سنة ‪ 333‬على الصحيح المشهور‬
‫‪ ،‬وظــل هــو التاريــخ العــالمي حــتى وضــعت‬
‫الكنيسة التاريخ الميلدي ‪ ،‬وعليه فيكون ‪:‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫قيام رجسة الخراب هو )‪= (333-2300‬‬


‫سنة ‪!! 1967‬‬
‫وهضضو مضضا حضضدث فعل ً وكضضان وقعضضه أليم ضا ً‬
‫شديدا ً على أمة القديسين !!‬
‫وكضضضضضان فرحضضضضضا ً عظيمضضضضضا ً للصضضضضضهاينة‬
‫والصوليين !!‬
‫وهـــو فعل ً –بغـــض النظـــر عـــن الرقـــام‬
‫والنبــوءات– أعظــم حــدث تــاريخي لليهــود منــذ‬
‫قرابة ألفي سنة !!‬
‫والن وقــد رأينــا رجســة الخــراب قائمــة ‪،‬‬
‫برجســها وخرابهــا بوحشــيتها وشــناعتها بوثنيتهــا‬
‫وإلحادهــا ‪ ،‬بتعطيــل الصــلوات فــي المســجد‬
‫القصى وهدمه وحرقــه ‪-‬ونســأل اللــه أن يكــف‬
‫شرها فل تقضي على البقيــة الباقيــة منــه‪ -‬الن‬
‫نعود إلى قــول المســيح ‪ ‬عنهــا لنــرى حقيقــة‬
‫هؤلء الصهاينة النجيلييــن أهــم مســيحيون كمــا‬
‫يـــدعون أم أتبـــاع الـــوحش الصـــهيوني وهـــم‬
‫يشعرون أو ل يشعرون ؟‬
‫في إنجيل مّتى عن المسيح ‪:‬‬
‫))وفيما هو جالس على جبل الزيتون تقدم‬
‫إليه التلميذ على انفراد قائلين ‪:‬‬
‫قل لنا متى يكون هذا )) هدم الهيكل ((‬

‫وما هي علمة مجيئك وانقضاء الدهر ؟‬


‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫فأجــاب يســوع ‪ :‬وقــال لهــم ‪ :‬انظضضروا ل‬


‫يضلكم أحد فإن كــثيرين ســيأتون باســمي‬
‫قــائلين أنــا المســيح ‪ ،‬ويضــلون كــثيرين ‪،‬‬
‫وسوف تسـمعون بحـروب وأخبـار حـروب ‪.‬‬
‫انظروا ل ترتاعوا ‪ ،‬لنه لبــد أن تكــون هــذه‬
‫كلها ‪ ،‬ولكن ليس المنتهى بعــد ‪ .‬لنــه تقــوم‬
‫أمة على أمة ومملكة علــى مملكــة وتكــون‬
‫مجاعــات وأوبئة وزلزل فــي أمــاكن ولكــن‬
‫هذه كلها مبتدأ الوجاع‪ ...‬ويقوم أنبياء كذبــة‬
‫كثيرون ‪ ..‬ولكــن الــذي يصــبر إلــى المنتهــى‬
‫فهذا يخّلص ويكّرز )أي يذكر‬
‫ويعــظ( ببشارة الملكضضوت هضضذه فضضي‬
‫كل المسكونة شــهادة لجميــع المــم‪ .‬ثــم‬
‫يأتي المنتهى‪.‬‬
‫فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها‬
‫دانيــال النــبي قائمــة فــي المكــان المقــدس‬
‫‪-‬ليفهــم القــارئ‪ -‬فحينئذ ليهــرب الــذين فــي‬
‫اليهودية إلى الجبال ‪ ،‬والــذي علــى الســطح‬
‫فل ينـزل ليأخذ من بيته شــيئا ً ‪ ،‬والــذي فــي‬
‫الحقل فل يرجع إلى ورائه ليأخذ ثيابه‪...‬‬
‫وحينئذ إن قال لكم أحد هو ذا المسيح هنا‬
‫أو هناك فل تصدقوا ‪ .‬لنه سيقوم مسحاء‬
‫كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة‬
‫وعجائب حتى يضلوا لو أمكن المختارين‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫أيضا ً ‪ .‬ها أنا قد سبقت وأخبرتكم فإن قالوا‬


‫لكم ها هو في البرية فل تخرجوا ‪ ،‬ها هو‬
‫في المخدع فل تصدقوا ‪ .‬لنه كما أن البرق‬
‫يخرج من المشارق ويظهر إلى المغارب‬
‫هكذا يكون أيضا ً مجيء ابن النسان لنه‬
‫حيثما تكون الجثة فهناك تجتمع النسور((‪.‬‬
‫]‪[1-8،11-20،23-28: 24‬‬
‫كالعــادة‪ ..‬نصــوص عــن أحــداث هائلــة لكــن‬
‫غموضها محيــر واختلفهــم فيهــا شــديد ‪ ،‬وذلــك‬
‫بسبب التحريف بالزيادة والنقصــان ‪ ،‬ومــع ذلــك‬
‫فلها تفسير وحيد ل يصح غيــره ‪ ،‬وكلمــا نرجــوه‬
‫أن يستعين أهل الكتــاب بمفاتيــح الرمــوز الــتي‬
‫أهــديناها لهــم مجانــا ً ‪ ،‬وســيجدون التفســيرات‬
‫المقبولــة ‪-‬بشــرط افــتراض التحريــف دائمــًا‪-‬‬
‫والمفتاح هنا هو"ابن النسان" أو "ابــن الرجــل"‬
‫فهــو محمــد ‪ ‬وهــو مــذكور بهــذه الصــفة فــي‬
‫الناجيل لهدف واضـح وهـو التفريـق بينـه وبيــن‬
‫ابن العذراء عيسى ‪.‬‬
‫ورجســة الخــراب قــد عرفناهــا ‪ ،‬وإذا قــامت‬
‫فالذي سيأتي هو ابن النسان بجيوشه ل بذاته‪.‬‬
‫فالموضوع متحد بين ما في سفر دانيال وما‬
‫هنا فممالك تقوم على ممالك وخاتمتها في‬
‫كليهما هو قيام مملكة ابن النسان وتداعي‬
‫جيوشه للقضاء على الرجسة أو ))الجثة((‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫)دانيال ‪ (14-13 : 7 :‬و )مـّتى ‪(31-24 :‬‬


‫ورجسة الخراب هي هي ‪ .‬بل تصريح باسم دانيال‬
‫في متى ومرقص )‪ (15-13‬إل أن لوقا يشرح الرجسة‬
‫بما يؤيد ما قلنا فهو يقول ‪:‬‬
‫))متى رأيتم أورشليم محاطة بجيوش ‪ ...‬إلخ‬
‫‪ ((2 : 12‬فهو موضوع واحد ل أظن أن أحدا ً من‬
‫الصوليين وغيرهم يجادل فيه ‪ ،‬وعليه فما‬
‫وصية المسيح ‪ ‬وما أمره لمن أدرك ذلك‬
‫الزمان – زمان قيام رجسة الخراب ؟‬
‫لقد حذر أبلغ تحذير مــن المســحاء الكــذابين‬
‫في أول كلمه وفي آخره ‪ ،‬وحــذر مــن الغــترار‬
‫بقــولهم إن المســيح نـــزل أو موجــود هنــا أو‬
‫هناك ‪ ،‬وزجر عن البقاء مــع الرجــاس‪ ،‬مشــددا ً‬
‫على الهرب العاجل من بينهــم لن عقوبــة اللــه‬
‫الليمة ستنـــزل بهــم علــى يــد جيــوش المســيح‬
‫الخر ابن الرجل ل ابن العذراء ‪ ،‬الذي ســتهاجم‬
‫جيوشه دولة صهيون كما تهاجم النسور الجثــة ‪،‬‬
‫وكلتاهما رجس منتن !!‬
‫وصــية عظيمــة وقضــية واضــحة كالشــمس ‪،‬‬
‫فهل يعي ذلك جيري فولويل ‪ ،‬وبات روبنســون‪،‬‬
‫وجيمي سواجارت وأمثالهم وأشياعهم ؟!‬
‫وهل يســمع المختــارون ) أمــة الســلم ( فل‬
‫يضلون كما ضل أهل الكتاب ؟‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫ربما يجادل الصوليون في تفسير النص‬


‫كالعادة قائلين ‪)) :‬أن ابن النسان شخصية‬
‫سماوية(()‪.(25‬‬
‫فليكن ولكن ماذا يقولون في وصية المســيح‬
‫حين تقوم الرجسة ؟!‬
‫أتتفــق مــع الضــجة الكــبرى الــتي يفتعلونهــا‬
‫والصخب الهــائل الــذي يــثيرونه فرح ـا ً وابتهاج ـا ً‬
‫بقيام رجسة الخراب وتبشيرا ً للعالم بأن قيامها‬
‫هو تمهيد لنـــزول المســيح وحض ـا ً للتبــاع علــى‬
‫زيارتها والحــج إليهــا لملقــاته حيــن ينــزل فجــأة‬
‫وضغطا ً شديدا ً لكي تقف أمريكا والعــالم دائم ـا ً‬
‫مع دولة الرجس والعدوان ؟‬
‫أليس هــذا أعظــم المناقضــة والمعانــدة لمــا‬
‫قال المسيح ؟!‬
‫ثم أليست أناجيلهم كلها تنسب قتل ربهم المزعوم‬
‫والتآمر عليه إلى اليهود ‪ ،‬فهل رأى عقلء العالم أمة‬
‫تقدس قاتل معبودها ‪ ،‬وتعادي من يحب رسولها ويؤمن‬
‫به أشد الحب وأعظم اليمان !!‬
‫ألم يصف المسيح ‪ ‬اليهود بمثل ما ورد‬
‫في السفار )) ألد الفاعي‪ ،‬قتلة النبياء‪،‬‬
‫المراؤون ‪ ،‬القادة العميان ‪ ،‬الغشاشون ‪...‬‬
‫وحسبك بالفصل الثالث والعشرين من مّتى‪..‬؟!‬
‫فمــتى يفيــق الملييــن مــن الصــوليين أتبــاع‬
‫هؤلء المسحاء الكذابين‪..‬؟‬
‫‪ ()25‬حاشية مرقص ‪ ،‬ص )‪ (167‬العهد الجديد من الطبعة الكاثوليكية‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫السفار كلها تحدد "الرجسة"‬ ‫‪10‬‬


‫إذا كان الحديث عن صفات اليهود الجرامية‬
‫وسلوكهم المشين عداًء للسامية كما يدعي الصهيونيون‬
‫فإن أعظم كتاب على وجه الرض معاداة للسامية هو‬
‫التوراة نفسها‪ ،‬فلو جمعنا كل ما أصدرته الكنائس‬
‫النصرانية من لعنات على اليهود ‪ ،‬وأضفنا إليه ما صورته‬
‫الروايات العالمية عنهم كما عند "شكسبير" و"ديكنـز"‬
‫وغيرهما ثم جمعنا الشعراء العرب وطلبنا منهم ديوانا ً‬
‫في هجاء إسرائيل ‪ ،‬لو جمعنا هذا كله في كتاب واحد‬
‫فلن يكون مثل ما ورد في أسفار التوراة ول قريبا ً منه ‪،‬‬
‫ولكن المصيبة أن أكثر اليهود ل يقرأون ذلك فضل ً عن‬
‫المهووسين بحب إسرائيل من الصوليين النصارى بل إن‬
‫كثيرا ً من العرب والعالم ل يعلمون عنه شيئًا‪.‬‬
‫إن التوراة كلها ‪-‬وليس سفر دانيال وحده‪ -‬تحدد‬
‫المراد برجسة الخراب على مدى فصول طويلة وتبدئ‬
‫وتعيد في ذلك بأساليب متعددة في التعبير والبيان من‬
‫المثال والستعارات والمجازات ما بين تكرار وإسهاب‬
‫واختصار‪.‬‬
‫أما الصفات المذمومة فل حصر لها ‪ ،‬إنها تشمل كل‬
‫خلق ذميم بل استثناء ‪ ،‬إل أن وصفا ً واحدا ً يتكرر كقافية‬
‫الشعر العربي في كل سفر ‪،‬مما يدهش قارئ التوراة أيا ً‬
‫كان ‪ ،‬ويزيد الدهشة أن هذا الوصف خاصة يجب أن‬
‫يكون أبعد الوصاف عن شعب يدعي أنه شعب الله‬
‫المختار استنادا ً إلى هذا الكتاب نفسه ‪ ،‬هذا الوصف هو‬
‫النجاسة ‪ ،‬وهي نجاسة مركبة معجونة بدم الطمث‬
‫ومعصرة الوحشية والعنف ممزوجة بالغدر والصلف ‪،‬‬
‫نجاسة ذاتية ل يطهرها شيء‪..‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫))إنك لو اغتسلت بالنطرون وأكثرت من الشنان‬


‫ل تـزالين ملطخة بإثمك يقول السيد الرب ‪ :‬كيف‬
‫تقولين لم أتنجس ؟((‬
‫]أرميا ‪[22 : 2‬‬
‫))خطئت أورشليم خطيئة لذلك صارت نجسة((‪.‬‬
‫وفي الترجمة الخرى ‪)) :‬رجسة((‪.‬‬
‫]أرمياء ‪[8 : 1‬‬
‫وهي نجاسة زانية ‪)) :‬دنست الرض بزناها((‬
‫]أرمياء ‪[2 : 3‬‬
‫))بل تحت كل شجرة خضراء زنت(( وليس مع فاجر واحد‬
‫بل ‪)) :‬زنت مع أخلء كثيرين(( )ن‪.‬م( ل بل ‪)) :‬زنت مع‬
‫الحجر ومع الخشب((‪.‬‬
‫]أرمياء ‪[9 : 3‬‬
‫وقضى الله أن ل تطهر من نجاستها أبدًا‪.‬‬
‫))إن في نجاستك فجورا ً لني أردت أن أطهرك فلم‬
‫تطهري ولن تطهري بعد اليوم من نجاستك إلى أن‬
‫أريح فيك غضبي((‪.‬‬
‫]حزقيال ‪[13 : 24‬‬
‫ولهذا يذكر سفر أرمياء أن الرب قال له ‪:‬‬
‫))إني بسبب زنى المرتدة إسرائيل قد طلقتها‬
‫فأعطيتها كتاب طلق((‬
‫)‪(8:3‬‬
‫وسبب هذه العقوبة واضح متكرر‪.‬‬
‫))تدنست الرض تحت سكانها لنهم تعدوا الشرائع‬
‫ونقضوا الحكم ونكثوا العهد البدي فلذلك أكلت‬
‫اللعنة الرض(( ؟؟‪.‬‬
‫هذه اللعنات مسطورة في سفر التثنية يقول ‪:‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫))وإن لم تسمع لصوت الرب إلهك حافظا ً وصاياه‬


‫وفرائضه التي أنا آمرك بها اليوم ‪ ،‬ولم تعمل بها‬
‫تأتي عليك هذه اللعنات كلها وتدركك ؛ فتكون ملعونا ً‬
‫في المدينة‪ ،‬وملعونا ً في البرية‪ ،‬وتكون ملعونة‬
‫سلتك ومعجنك ‪ ،‬وملعونا ً ثمر بطنك وثمر أرضك‬
‫ونتاج بقرك وغنمك‪ ،‬وتكون ملعونا ً أنت في دخولك ‪،‬‬
‫وملعونا ً أنت في خروجك ‪ ،‬يرسل الرب عليك اللعنة‬
‫والضطراب والوعيد في كل ما تمتد عليه يدك وما‬
‫تصنعه ‪ ،‬حتى تبيد وتهلك سريعا ً بسبب سوء أعمالك‬
‫بعدما تركتني((‪.‬‬
‫وعلى مدى أربعة وعشرين فقرة تستمر هذه اللعنات‬
‫في أسلوب ل نظـير لـه ثم تختتم قائل ً ‪:‬‬
‫))هذه اللعنات كلها تأتي عليك وتطاردك وتدركك حتى‬
‫تبيد ‪ ،‬لنك لم تسمع لصوت الرب إلهك لتحفظ‬
‫وصاياه وفرائضه التي أمرك بها فتكون فيك آية‬
‫وخارقة وفي نسلك للبد((‪.‬‬
‫]‪[46 – 15 : 28‬‬
‫وكما أن تلك النجاسة مزيجها اللعنة فإن الخزي‬
‫قرينها ))كما يخزى السارق حين يضبط كذلك خزي‬
‫بيت إسرائيل هم وملوكهم ورؤساؤهم وكهنتهم((‪.‬‬
‫]أرمياء ‪[26 : 2‬‬
‫ونجاسة إسرائيل هذه تخرج من فوق كما تخرج من‬
‫أسفل ولذلك قال أشعياء في سفره ‪)) :‬أنا مقيم بين‬
‫شعب نجس الشفاه((‪.‬‬
‫]‪[5 : 6‬‬
‫وحتى بعد موتهم وطردهم من الرض المقدسة تلحقهم‬
‫النجاسة ‪ ،‬ففي عاموس ‪:‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫))على بيت إسحاق هكذا قال الرب ‪ :‬إن امرأتك‬


‫تـزني في المدينة وبنيك وبناتك يسقطون بالسيف ‪،‬‬
‫وأرضك تقسم بالحبل ‪ ،‬وتموت أنت في أرض‬
‫نجسة‪ ،‬وإسرائيل يطرد من أرضه طردا ً((‪.‬‬
‫]‪[17 : 7‬‬
‫لقد فاقت في رجاستها وفواحشها ومظالمها أكثـر المم‬
‫نجاسة في التاريخ‪:‬‬
‫))صار إثم بنت شعبي "أورشليم" أعظم خطيئة من‬
‫سدوم التي قُِلبت في لحظة ولم تمد إليها يد((‪.‬‬
‫]مراثي أرمياء ‪[6 : 4‬‬
‫))إن سدوم أختك لم تصنع هي وتوابعها مثلما صنعت‬
‫أنت وتوابعك((‪.‬‬
‫]المراثي ‪[48 : 16‬‬
‫ومن أعظمها الوحشية والفراط في سفك الدم ولهذا‬
‫فحين يسأل حزقيال ربه ))أتهلك جميع بقية إسرئيل في‬
‫صب غضبك على أورشليم ؟((‪.‬‬
‫)ل حظوا قوله بقية إسرائيل(‪.‬‬
‫يقول الرب ‪:‬‬
‫))إن إثم بيت إسرائيل ويهودا عظيم جدا ً جدا ً وقد‬
‫امتلت الرض دماءً وامتلت المدينة انحرافا ً((‪.‬‬
‫]‪[9 ، 8 : 9‬‬
‫وفي مراثي أرمياء يصور حالة الوحشية والفوضى‬
‫الصهيونية وكأنه يتحدث عن النتفاضة المعاصرة ‪:‬‬
‫))سفكوا في وسطها دم البرار ‪ ،‬تاهوا‬
‫كعميان في الشوارع ‪ ،‬تلطخوا بالدم حتى‬
‫لم يطق أحد أن يلمس ملبسهم ‪ ،‬نادوهم ‪:‬‬
‫تنحوا ‪ ،‬هناك نجس ‪ ،‬تنحوا تنحوا ول‬
‫تلمسوا((‪.‬‬
‫]‪[15 -13 : 4‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫واستمعوا إلى هذه التعبيرات ‪:‬‬


‫ك‬
‫ت أذيال ِ‬
‫ك –يعني أورشليم– كشف ْ‬ ‫))لكثرة إثم ِ‬
‫ك وظهر‬ ‫ك على وجه ِ‬ ‫ت‪ ...‬فأنا أيضا ً رفعت أذيال ِ‬
‫فاغتصب ِ‬
‫ك على التلل وفي‬ ‫ك وفحش زنا ِ‬ ‫ك وصهيل ِ‬ ‫عارك ‪ ،‬فسق ِ‬
‫كل‬ ‫ك يا أورشليم إن ِ‬ ‫ك ‪ ،‬ويل ل ِ‬‫الحقول رأيت أقذار ِ‬
‫تطهرين فإلى متى بعد((‪.‬‬
‫]أرمياء ‪[27 ، 26 ، 22 : 13‬‬
‫وأصبح من المعتاد أن يخاطبوا كما في أشعياء ‪:‬‬
‫))يا بني السامرة نسل الفاسق والزانية بمن‬
‫تسخرون وعلى من تفتحون أفواهكم وتدلعون‬
‫ألسنتكم ألستم أولد المعصية ونسل الكذب((‪.‬‬
‫]‪[4 : 57‬‬
‫ويقول سفر هوشع عن الرب ‪:‬‬
‫))رأيت في بيت إسرائيل ما يقشعر منه ‪ ،‬هناك زنى‬
‫أفرائيم وتنجس إسرائيل((‪.‬‬
‫]‪[10 : 6‬‬
‫وحرصا ً على وقتنا ووقت القارئ وخوفا ً من مقص‬
‫الرقيب الخلقي ل نفيض في ذكر هذه النجاسات‬
‫والرجاس ونكتفي بما قال حزقيال عن جرائم أفرائيم‬
‫كما في هذه اللفاظ‪.‬‬
‫ي كلمة الرب قائل ً ‪ :‬وأنت يا ابن النسان ‪،‬‬ ‫))وكانت إل ّ‬
‫هل تدين ‪ ،‬هل تدين ‪ ،‬مدينة الدماء وتعلمها بجميع‬
‫قبائحها ‪ .‬فقل ‪ :‬هكذا قال السيد الرب ‪ :‬المدينة‬
‫التي تسفك الدم في وسطها يأتي وقتها ‪،‬‬
‫فإنها تصنع قذارات لتتنجس بها ‪ .‬لقد أثمت بدمك‬
‫ت بقذاراتك التي صنعتها فأدنيت‬ ‫الذي سفكته ‪ ،‬ونجس ِ‬
‫ت إلى سنّيك ‪ ،‬فلذلك قد جعلتك عارا ً‬ ‫أيامك وبلغ ِ‬
‫للمم وسخرة لجميع الراضي ‪ .‬الدانيات منك‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫والقاصيات عنك يسخرن منك ‪ ،‬أيتها النجسة السم‬


‫الكثيرة الضطراب ‪ .‬ها إن رؤساء إسرائيل‬
‫كانوا فيك لسفك الدم ‪ ،‬كل واحد على ما أطاقت‬
‫ذراعه‪ .‬فيك أهانوا أبا ً وأما ً ‪ ،‬وفي وسطك عاملوا‬
‫النضزيل بالظلم ‪ ،‬وفيك جاروا على اليتيم‬
‫والرملة ‪ .‬لقد ازدريت أقداسي وانتهكت سبوتي ‪.‬‬
‫رجال نميمة كانوا فيك لسفك الدم ‪ ،‬وفيك أكلوا على‬
‫الجبال ‪ ،‬وفي وسطك صنعوا الفجور ‪ .‬فيك من‬
‫كشف عورة أبيه وفيك أ ُذ ِّلت المتنجسة بطمثها ‪.‬‬
‫واحد صنع مع امرأة قريبه ما هو قبيحة ‪ ،‬وواحد نجس‬
‫كنته بفجور ‪ ،‬وواحد أذل فيك أخته بنت أبيه فيك‬
‫أخذت الرشوة لسفك الدم‪ ،‬وأنت أخذت الفائدة‬
‫والربى ‪ ،‬واغتصبت قريبك بالكسب ‪ ،‬ونسيتني‪ ،‬يقول‬
‫السيد الرب‪.‬‬
‫فها أنذا أضرب كفي على كسبك الذي اتخذته‬
‫وعلى الدم المسفوك في وسطك‪ .‬فهل يثبت‬
‫قلبك أو تقوى يداك ‪ ،‬أيام أجري أمري معك ‪ .‬أنا‬
‫الرب تكلمت وسأفعل ‪ .‬أشتتك بين المم وأذريك‬
‫في الراضي وأزيل نجاستك منك‪ ،‬وأتدنس بك على‬
‫عيون المم ‪ ،‬فتعلمين أني أنا الرب((‪.‬‬
‫…………………‬
‫))هكذا قال السيد الرب ‪ :‬بما أنكم جميعا ً قد صرتم‬
‫خبثا ً ‪ ،‬لذلك هاءنذا أجمعكم في وسط أورشليم ‪،‬‬
‫جمع الفضة والنحاس والحديد والرصاص والقصدير‬
‫في وسط التون ‪ ،‬لنفخ عليها النار حتى أذيبها ‪.‬‬
‫هكذا أجمعكم في غضبي وسخطي وأدعكم هناك‬
‫وأذيبكم ‪ .‬احشدكم وأنفخ عليكم في نار سخطي‬
‫وأذيبكم في وسطها‪ .‬كما تسبك الفضة في وسط‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫التون ‪ ،‬كذلك تذابون في وسطها ‪ ،‬فتعلمون أني أنا‬


‫الرب صببت غضبي عليكم((‪.‬‬
‫))إنك أرض غير مطهرة ‪ ،‬لم تمطر في يوم الغضب ‪.‬‬
‫في وسطها مؤامرة أنبيائها )الدجالين( ‪ .‬كأسد زائر‬
‫مفترس فريسة قد التهموا النفوس وأخذوا المال‬
‫والنفيس‪ ،‬وكثروا الرامل في وسطها ‪ .‬كهنتها تعدوا‬
‫على شريعتي ودنسوا أقداسي ‪ ،‬ولم يميزوا بين‬
‫المقدس والحلل ‪ ،‬ولم ُيعِلموا الفرق بين النجس‬
‫والطاهر‪ ،‬وحجبوا عيونهم عن سبوتي ‪ ،‬فتدنست في‬
‫وسطهم ‪ .‬ورؤساءها في وسطها كالذئاب‬
‫المفترسة الفريسة ‪ ،‬سافكين الدم ‪ ،‬مهلكين‬
‫النفوس ‪ ،‬لكي يكسبوا كسبًا… جاروا جورا ً على‬
‫شعب الرض ‪ ،‬واختلسوا خلسة وظلموا‬
‫البائس والمسكين ‪ ،‬وجاروا على النـزيل بغير‬
‫حق((‪.‬‬
‫]حزقيال ‪[30 : 24‬‬
‫نعم لقد جاروا على شعب الرض جورا ً عظيما ً‬
‫واختلسوا أمنهم وراحتهم وبلدهم ومزارعهم !‪ .‬فهل‬
‫نستمر مع حزقيال في استعراض أرجاس رجسة الخراب‬
‫أم ننتقل إلى حديثه عن العقوبة ؟ !!‬
‫الجواب ‪ :‬يجب أن نقف ليس لننا خرجنا عن منهجنا‬
‫في الختصار بل حياًء من القارئ –وربما خوفا ً من مقص‬
‫الرقيب الخلقي‪ -‬فإن السفر ضرب بعد هذا مثل ً‬
‫للرجستين "السامرة" و"أورشليم " اليهوديتين بامرأتين‬
‫زانيتين سماهما ) أهله وأهليبه ( ‪ ،‬وفي التسمية تورية‬
‫لفظية عنهما ‪ ،‬وهما قصتان تليقان بما يكتبه العلم‬
‫المريكي عن جيمي سواجارت وأمثاله من قادة الصهيونية‬
‫النصرانية أصحاب السيرة الخلقية السيئة ‪ ،‬لكنها ل تليق‬
‫ببحثنا ونستحيي من إيرادها ‪ .‬ول أدري هل المتدينون‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫النصارى يسمحون لبنائهم وبناتهم بقراءة مثل هذه‬


‫الموضوعات في ))الكتاب المقدس ؟!! (( أم يقرأونها‬
‫وحدهم عند مشاهدة أفلم آخر الليل التي ل يراها من هم‬
‫دون الثامنة عشرة ؟!‬
‫أما عقوبة "أهله " وأختها فل بأس من ذكرها كما‬
‫أوردها السفر‪.‬‬
‫))هكذا قال السيد الرب لُتستدعَ عليهما جماعة‬
‫ولتسلما إلى الذعر والنهب فترجمهما الجماعة‬
‫بالحجارة وتقطعهما بسيوفهما ويقتلون بنيهما‬
‫وبناتهما ويحرقون بيوتهما بالنار فأبطل الفجور من‬
‫تلك الرض((‪.‬‬
‫فهنيئا ً لبطال الحجارة وهم يرجمون "أهله وأهليبه"‬
‫المعاصرتين !!‬
‫أما السيف والنار فعما قريب بإذن الله‪ ،‬فالفصل‬
‫التالي سوف يعرض لنا بالتفصيل ما هو مجمل هنا‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫محاكمة ل مصالحة‬ ‫‪11‬‬


‫يعتقد الصهيونيون بوجهيهم –اليهودي والنصراني‪ -‬أن‬
‫اجتماع بقية بني إسرائيل على أرض فلسطين هو تحقيق‬
‫لوعد الله بالمصالحة بينه وبين شعبه المختار ‪ ،‬ولذلك‬
‫نصرهم على العرب وبارك من يباركهم "أمريكا" ولعن‬
‫من يلعنهم‪!!..‬‬
‫والواقع أن أسفار التــوراة ل تخلــو مــن دعــوة لليهــود‬
‫إلى المصالحة مع الرب ولكن بماذا؟‬
‫إنها دعوة إلى التوبة وترك الكفر بالله ورســله ‪ ،‬ونبــذ‬
‫عبادة غير الله وحفظ فرائضــه والشــفقة علــى الضــعفاء‬
‫واليتام والحسان إلى الخلق‪.‬‬
‫هذا ما نجده بوضوح في معظم الســفار ‪ ،‬ومعــه فــي‬
‫الوقت نفسه الوعيد الشديد عليهــم إن هــم خــالفوا ذلــك‬
‫ونكثوا العهد ونقضوا الميثاق ‪ ،‬وهو ما ل علقة له ضرورة‬
‫بالنبوءات وأحداث آخر الزمان ‪ ،‬بل هو دعوة عامة للتوبة‬
‫واليمان للفــرد والجماعــة فــي كــل مكــان ‪ ،‬أمــا اجتمــاع‬
‫البقية الشريرة المطرودة‪ ،‬وعودتها إلى الرض المقدسة‬
‫ليحل عليها غضب الله ‪ ،‬فالنبوءات فيه صريحة وخاصــة ‪،‬‬
‫وهي من الكثرة والوضوح بحيث يصعب حصرها وإيرادهــا‬
‫إل من خلل أمثلة وإشارات فقط‪.‬‬
‫فلنبدأ بما يعتمد عليه الصهيونيون من نبوءات ‪:‬‬
‫سفر حزقيال ‪:‬‬ ‫يقول ِ‬
‫))ها أنذا آخذ بني إسرائيل من بين المم التي ذهبوا‬
‫إليها ‪ ،‬وأجمعهم من كل ناحية‪ ،‬وآتي بهم إلى أرضهم ‪،‬‬
‫ة واحدة في الرض ‪ ،‬على جبال إسرائيل ‪،‬‬ ‫وأصّيرهم أم ً‬
‫وملك واحد يكون ملكا ً عليهم ول يكونون أمتين ول‬
‫ينقسمون بعد إلى مملكتين((‪.‬‬
‫]‪[22،21: 37‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫ربما كان هذا أقوى دليل وأصرحه للصهاينة ‪ ،‬ول‬


‫بأس‪ .‬فلنكمل ما ورد في السفر نفسه ولنقرأ بقية‬
‫الكلم ‪:‬‬
‫))ل تنجسون بعد بأصنامهم ول برجاساتهم ول بشيء‬
‫من معاصيهم بل أخّلصهم من كل مساكنهم التي فيها‬
‫أخطأوا ‪ ،‬وأطهرهم فيكونون لي شعبا ً وأنا أكون لهم‬
‫إلها ً ‪ ،‬وداود عبدي يكون ملكا ً عليهم ويكون لجميعهم‬
‫راٍع واحد ‪ ،‬فيسلكون في أحكامي ويحفظون فرائضي‬
‫ويعملون بها((‪.‬‬
‫]‪[24 ، 23 : 37‬‬
‫ل ريب أن ذكر "داود" هنا ينفي أن يكون المقصود هو‬
‫دولة صهيون المعاصرة بــل إن حزقيــال نفســه كــان بعــد‬
‫داود ! ومن هنا يحق لنا أن نشك في أن العبارة محرفة ‪،‬‬
‫لكن الصهاينة يؤولون ذلك بأنه "رمز" لدولة إسرائيل‪.‬‬
‫فلنسّلم جدل ً ‪ ،‬ولنسأل ‪:‬‬
‫أهذا وعد مطلق أم مشروط ؟ وهل يتحقق في دولة‬
‫إسرائيل شيٌء من الشروط ؟ أليسوا إلى اليوم كافرين‬
‫برسالتي المسيح ومحمد ‪ ‬ودينهما الواحد ))السلم(( ؟‬
‫وهب أن المقصود أحكام التوراة المنسوخة فأين هم‬
‫منها ؟‪.‬‬
‫إن دولــة إســرائيل هــي مـن أكــبر مبـاءات الفـواحش‬
‫واللحاد والجرام فــي العــالم ‪ ،‬إنهــا تنــافس أمريكــا فــي‬
‫القمـــار والشـــذوذ والربـــا وارتكـــاب كـــل الموبقـــات‪،‬‬
‫والمؤسسون لها كانوا ملحدة اشتراكيين زعماء عصابات‬
‫إجرامية وإرهابية‪ .‬وكل الوصايا العشر الموسوية مهجورة‬
‫منكورة ‪ ،‬والشيء الوحيد الذي يحفظه اليهود من التوراة‬
‫هو أنهم شعب الله المختار ونسل إبراهيم ‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫فلنبحث إذن عن حال هذه الدولة التي أقامتهــا "بقيــة‬


‫بني إسرائيل" على حقيقتها لنجــده فــي الســفار واضــحا ً‬
‫كالنهار‪.‬‬
‫ولنبــدأ بــالملخص الــذي شــرح بــه ناشــرو الكتــاب‬
‫المقدس كلمــة "بقيــة" لــدى ورودهــا فــي ســفر أشــعياء‬
‫وهو ‪:‬‬
‫))سُيعاَقب إسرائيل )أي الشعب( على خيانته ‪ ،‬ولكن‬
‫بما أن الله يحب شعبه فهناك بقية صغيرة تنجو من‬
‫سيف المجتاحين((‪.‬‬
‫ثم أحال إلى مواضع كثيرة واستمر قائل ً ‪:‬‬
‫))ستبقى هذه البقية في أورشليم ‪ ،‬وت ُط َّهر وتصبح أمينة‬
‫فتصير أمة قديرة !! وبعد كارثة السنة ‪) 587‬يعني‬
‫السبي( ظهرت فكرة جديدة ‪ ،‬وهي أن البقية ستكون‬
‫بين المجلوين ‪ ،‬وتتوب في الجلء )وذكر مصادر(‬
‫فيجمعها الله عندئذٍ لحياء المملكة المشيحية‬
‫)وذكر مصادر( وبعد العودة من الجلء ستكون البقية‬
‫غير أمينة مرة أخرى وتطهر بالقضاء على قسم‬
‫منها‪.((..‬‬
‫هــذا هــو مجمــل الفكــرة حيــث يزعــم الصــوليون أن‬
‫المملكة المشيحية قد تمثلت بقيــام دولــة إســرائيل الــتي‬
‫سينـزل فيها المسيح‪.‬‬
‫أما كونها ستكون غيــر أمينــة وســوف تطهــر بالقضــاء‬
‫على قسم منها فيغضون الطرف عنه كأن لم يكن !!‬
‫وأما المة القديرة فإنهم أنفسهم ذكروا بعد ثلث‬
‫صفحات فقط أن الله يتخذ أمة قديرة للنتقام من بني‬
‫إسرائيل فهي إذن ستقضي على القسم المقضي عليه‬
‫بغضب الله وهلكه منهم‪ .‬فأداة النتقام هي المة القديرة‬
‫المطهرة المنية‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫ونحن سندلهم علـى القـراءة الحقيقيـة لمـا جـاء عـن‬


‫هذه البقية ونوردها على محاور ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن هذه البقية ل عهد لها مع الله فليس لله عهد ٌ‬
‫م مع أحدٍ إل باللتزام بتقواه وطاعته ‪:‬‬ ‫دائ ٌ‬
‫ت فــأتمهن قــال إنــي‬ ‫‪‬وإذ ابتلى إبراهيــم ربــه بكلمــا ٍ‬
‫جاعلك للناس إماما ً قال ومن ذريتي قــال ل ينــال عهــدي‬
‫الظالمين‪.‬‬
‫وتاريخ بني إسرائيل هــو دورات متعاقبــة مــن اليمــان‬
‫والكفر ‪ ،‬ل يفرقه عن تاريخ بقيـة المـم إل غلـظ كفرهـم‬
‫ة بكــثرة أنبيــائهم ‪ ،‬وتتــابع إمهــال اللــه لهــم‬
‫وزيادته مقارن ً‬
‫ونعمه عليهم لعلهم يرجعون‪.‬‬
‫ومـا مرحلــة القضــاة –الــذين هــم رؤسـاء عشــائر‪ -‬إل‬
‫نموذج جلي لهذا‪ .‬وقد ابتدأت هذه المرحلة من بعد يوشع‬
‫غلم موسـى ‪ ‬حـتى داود ‪ .‬وفـي كـل مـرة ينقضــون‬
‫عهد الله ويعبدون "بعل ً " و "عشتروت" و "تموز" وغيرها‬
‫من الرجاس ويذبحون لها أبناءهم ‪ ،‬فينذرهم الله وُيرسل‬
‫لهم نبيـا ً فيتــوب منهــم مــن شــاء اللــه ‪ ،‬ثــم ســرعان مــا‬
‫ة ممــن‬ ‫يعودون لشركهم ورجسهم فيسلط الله عليهم أم ً‬
‫حولهم تذيقهم سوء العذاب ‪ ،‬وهكذا مرات ومرات !!‬
‫وهذا ما عّبر عنه سفر الملوك الثاني بقوله ‪:‬‬
‫))وكان الرب قد أشهد على بني إسرائيل ويهوذا على‬
‫ألسنة جميع النبياء وكل راٍء قائل ً ‪ :‬توبوا عن طرقكم‬
‫السيئة ‪ ،‬واحفظوا وصاياي وفرائضي على حسب كل‬
‫الشريعة التي أوصيت بها آباءكم ‪ ،‬والتي بلغتكم إياها‬
‫عن يدي عبيدي النبياء ‪ ،‬فلم يسمعوا وصلبوا رقابهم‬
‫مثل رقاب آبائهم الذي لم يؤمنوا بالرب إلههم ‪ ،‬ونبذوا‬
‫فرائضه وعهده الذي قطعه مع آبائهم ‪ ،‬والشهادة التي‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫أشهدها عليهم وساروا وراء الباطل ‪ ،‬وساروا باطل ً‬


‫وراء المم التي حولهم مما أمر الرب أن ل يفعلوا‬
‫مثلها ‪ ،‬وتركوا جميع وصايا الرب إلههم ‪ ،‬وصنعوا لهم‬
‫عجلين )صنمين( من المسبوكات ‪ ،‬وأقاموا وتدا ً مقدسا ً‬
‫وسجدوا لجميع قوات السماء )يعني الكواكب( وعبدوا‬
‫مروا بنيهم وبناتهم بالنار ‪ ،‬وتعاطوا العرافة‬ ‫البعل‪ ،‬وأ َ‬
‫والفراسة )الكهانة(‪ ..‬فنبذ الرب جميع ذرية إسرائيل‬
‫وأذلهم وأسلمهم إلى أيدي الناهبين حتى رذلهم من‬
‫وجهه((‪.‬‬
‫]‪[20 ، 13-17 : 17‬‬
‫والبقية الباقية إنما تبقى للبتلء والمتحان فـإن وفّــت‬
‫وّفى الله معها ‪ ،‬وإن نقضت عاقبها اللــه ‪ ،‬وليــس بقاؤهــا‬
‫لنها طاهرة أمينــة طهــارة وأمانــة أبــديتين ‪ ،‬بــل إن هــذه‬
‫البقية تبقى لتكون عبرة للمم كلها وإمهال ً منه لهــا لكــي‬
‫تتوب ‪:‬‬
‫سفر حزقيال بعد أم أمره اللــه أن يتنبــأ عليهــم‬ ‫يقول ِ‬
‫ب وتطهيرٍ للرض من أرجاسهم ‪:‬‬ ‫ل وتخري ٍ‬
‫ل وقت ٍ‬ ‫بدمارٍ هائ ٍ‬
‫))لكن أبقي بقية ليكون لكم مفلتون من السيف بين‬
‫المم ‪ ،‬إذ ت ُذ َّرون في البلدان فيذكرني مفلتوكم بين‬
‫المم التي يسبون إليها ‪ ،‬إذ أسحق قلوبهم الزانية التي‬
‫حادت عني وعيونهم التي زنت في السير وراء‬
‫قذارات((‪.‬‬
‫]‪[8-10 : 6‬‬
‫ويصرح أرمياء بأكثر من هذا ‪ :‬فهو بعــد أن يخــبر عمــا‬
‫ينــالهم مــن دمــار وتنكيــل ‪ ،‬حــتى أن جثثهــم تطــرح فــي‬
‫المدن فتأكلها طيور السماء وبهائم الرض ‪ ،‬بــل حــتى أن‬
‫عظام ملوكهم ورؤسائهم ُتنبــش وُتنــثر وتكــون زبل ً علــى‬
‫وجه الرض يقول ‪:‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫ضل الموت على الحياة عند جميع البقية الباقين‬ ‫))وُيف ّ‬


‫من هذه العشيرة الشريرة الباقين في جميع الماكن‬
‫التي طردتهم إليها((‪.‬‬
‫]‪[3 : 8‬‬
‫ل وهــم الــذين‬ ‫أما التائبون العائدون إلى الله فهم قلي ـ ٌ‬
‫يسلمون فيكونون البقية المقدسة الــتي ســيأتي الحــديث‬
‫عنهــا فـي آخـر هــذا الفصـل ‪ ،‬ويكـون هــذا بعــد أن تفقــد‬
‫الصــهيونية القــوة الــتي تســندها فتســقط كــل عروشــها‬
‫وتخسر كل دعاواها‪.‬‬
‫يقول أشعياء بعد ذكــر الحريــق الهــائل الــذي يســلطه‬
‫الله عليهم ‪:‬‬
‫))وفي ذلك اليوم ل تعود بقيت إسرائيل والناجون من‬
‫بيت يعقوب يعتمدون على من ظربهم ‪ ،‬وإنما يعتمدون‬
‫على الرب قدوس إسرائيل حقا ً والبقية ترجع ‪-‬بقية‬
‫يعقوب‪ -‬إلى الله الجبار‪.‬‬
‫إنه وإن كان شعبك إسرائيل كرمل البحر إنما ترجع‬
‫بقية منه((‪.‬‬
‫]‪[20-22 : 10‬‬
‫وهذا يبين بل أدنــى شــك أن اليهــود ليســوا أبنــاء اللــه‬
‫وأحباؤه بل هم بشر ممن خلق !! وهو ما ُيصرح به ســفر‬
‫عاموس ‪:‬‬
‫))ألستم لي كبني الكوشيين "شعب النوبة" يا بني‬
‫إسرائيل يقول الرب ‪ :‬ألم ُأصعد إسرائيل من أرض‬
‫مصر ‪ ،‬والفلسطينيين من كفتور وآرام من قير‪ .‬ها إن‬
‫عيني السيد الرب على المملكة الخاطئة‬
‫سأبيدها عن وجه الرض إل أني ل أبيد بيت‬
‫يعقوب إبادة يقول الرب‪ .‬فإني ها أنذا آمر وأهز بيت‬
‫إسرائيل في جميع المم هز الغربال فل تسقط حصاة‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫على الرض ‪ ،‬وبالسيف يموت جميع خاطئي شعبي‬


‫القائلون ‪ :‬إن الشر ل يقترب منا ول يدركنا((‪.‬‬
‫]‪[10 : 7‬‬
‫وقد عرفنا أن المملكة الخاطئة هــي رجســة الخــراب‬
‫فسيدمرها إل مــن أســلم أو هــرب أمــا بقيــة اليهــود فــي‬
‫العالم فيهزهم هّزا ً ويغربلهم غربلة !!‬
‫الثاني ‪ :‬ل حق لها في وراثة إبراهيم ‪: ‬‬
‫يقول حزقيال في سفره ‪:‬‬
‫ي كلمة الرب قائل ً ‪ :‬يا ابن النسان إن‬ ‫))وكانت إل ّ‬
‫سكان تلك الخربة في أرض إسرائيل يتكلمون قائلين‬
‫‪ :‬كان إبراهيم وحده وورث الرض ‪ ،‬ونحن كثيرون‬
‫فقد أعطينا الرض ميراثًا‪ .‬لذلك قل لهم ‪ :‬هكذا قال‬
‫السيد الرب ‪ :‬إنكما تأكلون بدم‪ ،‬وترفعون عيونكم‬
‫إلى قذاراتكم وتسفكون الدم أفترثون‬
‫الرض ؟ إنكم اعتمدتم على سيوفكم‬
‫وصنعتم القبيحة )وفي الترجمة الخرى وفعلتم‬
‫ل امرأةَ قريبه أفترثون‬ ‫الرجس( ونجستم ك ّ‬
‫ل رج ٍ‬
‫الرض ؟((‪.‬‬
‫إنه خطاب لشــعب رجســه الخــراب‪ .‬وإل فقــد جــاءت‬
‫هذه النبوءة زمن النفــي وليــس لليهــود قــوة ول ســلطان‬
‫ودماؤهم هم مسفوكة ‪ ،‬أما الرجــاس المعاصــرون فكــل‬
‫ما قيل هنا صادقٌ عليهم‪.‬‬
‫ولهذا يقول بعد ذلك مباشرة ‪:‬‬
‫))هكذا تقول لهم ‪ :‬حي أنا ‪ ،‬إن الذين في الخربة‬
‫يسقطون بالسيف ‪ ،‬والذي على وجه الحقول أجعله‬
‫مأكل ً للوحوش ‪ ،‬والذين في الحصون والمغاور يموتون‬
‫بالطاعون‪ ،‬وأجعل الرض خربة ومقفرة ‪ ،‬وأزيل‬
‫الكبرياء عزتها فتصير جبال إسرائيل مقفرة ل عابر‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫فيها ‪ ،‬فيعلمون أني أنا الرب حين أجعل الرض خربة‬


‫مقفرة بسبب جميع قبائحهم التي فعلوها((‪.‬‬
‫وفي الترجمة الخرى ))على كل رجاستهم التي‬
‫فعلوها((‪.‬‬
‫]‪[23-29 : 33‬‬
‫بل إنه ينفي نسبهم إلى إبراهيــم ‪ ‬وهــو عمــاد دعــوى‬
‫الميراث المزعوم ‪ :‬يقول ‪:‬‬
‫))يا ابن النسان ‪ :‬أخبر أورشليم بقبائحها –وفي‬
‫الترجمة الخرى‪ -‬عّرف أورشليم برجاستها – وقل ‪:‬‬
‫هكذا قال السيد الرب لورشليم ‪ :‬أصلك ومولدك من‬
‫أرض الكنعانيين وأبوك أموري وأمك حثية((‪.‬‬
‫]‪[1-3 : 16‬‬
‫وبعد أن يفيض في نجاستها وزناها وفجورها جدا ً يعود‬
‫فيقول ‪:‬‬
‫مك التي عافت رجلها وبنيها ‪ ،‬وأنت‬ ‫ةا ّ‬
‫))إنما أنت ابن ٌ‬
‫مكن‬ ‫ُ‬
‫أخت أخواتك اللتي عفن رجالهن وبنيهن إن أ ّ‬
‫حثية وأبوكن أموري ‪ ،‬فأختك الكبرى هي‬
‫السامرة مع توابعها الساكنة عن يسارك ‪ ،‬وأختك‬
‫الصغرى الساكنة عن يمينك هي سدوم وتوابعها ‪،‬‬
‫وأنت لم تقتصري على القليل في سيرك في‬
‫طريقهن وصنعت مثل قبائحهن )في الخرى‬
‫رجاستهن( بل زدت عليهمن فسادا ً في كل سلوك ‪،‬‬
‫حي أنا‪ ،‬يقول السيد الرب ‪ :‬إن سدوم أختك لم تصنع‬
‫هي وتوابعها مثلما صنعت أنت وتوابعك((‪.‬‬
‫]‪[44-48 : 16‬‬
‫وسواء كان هذا من قبيل "إنه ليس من أهلــك" ومــن‬
‫قبيل قول المسيح ‪ ‬لهم ‪:‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫ب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن‬ ‫))أنتم من أ ٍ‬


‫تعملوا((‪.‬‬
‫]يوحنا ‪[44: 8‬‬
‫أو أنه حقيقة قد انقطعت صلتهم بإبراهيم ‪. ‬‬
‫ب‬‫ط غريـ ٌ‬‫والذي ل جدال فيه أن اليهود اليوم هــم خليـ ٌ‬
‫مــن حثــالت شــعوب كــثيرة ‪ ،‬إل أن أغلبهــم مــن الصــل‬
‫حث ّي ّــة ( إشــارة لهــذا‬
‫الخــزري ‪ ،‬وربمــا كــان فــي قــوله ) ِ‬
‫فالحثيون شعب مجهول ‪ ،‬كان يسكن فــي جهــة الشــمال‬
‫بالنسبة للرض المقدسة –في تركيــة اليــوم‪ -‬فل يبعــد أن‬
‫يكون الموطن الصلي للخــزر ‪ ،‬أو أن المقصــود الشــارة‬
‫إلى تلك الجهة التي سيكون منها معظــم اليهــود ل ســيما‬
‫عند قيام رجسة الخراب "دولة إسرائيل"‪.‬‬
‫لقد عجزت كل الحيل الصــهيونية عــن إثبــات النســب‬
‫السامي لليهود ولم يستطع أح ـد ٌ ممــن يوثــق بعلمــه مــن‬
‫دارسي السللت البشرية أن يشهد لهم بهذا !!‬
‫كيف وهم من الفلشا إلى المغاربة ومن الفرس إلــى‬
‫السبان ومن البولنديين إلى جنوب إفريقيه ؟!!‬
‫ومن هنا كان سفر "هوشــع" يقطــع كــل صــلة لهــؤلء‬
‫بالله ورسله ‪ ،‬حين رمز لهم بامرأة زانية تلد ولدا ً فيـأمره‬
‫الرب أن يسميه )ي َْزراعيل( وهو الوادي الــذي ســتقع فيــه‬
‫معركــة مجــدو أو هرمجــدون ‪ ،‬ثــم تلــد بنتــا ً فيــأمره أن‬
‫يسميها )غير مرحومة( ثم تلد ولدا ً فيقول الرب ســمه )ل‬
‫شعبي( أو )ليــس شــعبي( وهــذا الرمــز الخيــر هــو الــذي‬
‫يستخمه الكاثوليك ومن وافقهم في تسمية اليهود !!‬
‫فنسبهم باطل وأمهم غيــر مرحومــة وذريتهــم ليســت‬
‫شعب الله !!‬
‫الثضضضالث ‪ :‬أن اللـــه ســـيعيدها إلـــى الرض المقدســـة‬
‫للمحاكمة والعقوبة ل للصلح والمثوبة ‪:‬‬
‫يقول حزقيال ‪:‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫))يقول السيد الرب ‪ :‬إني بيد قوية وذراٍع مبسوطة‬


‫وغضب مصبوب أملك عليكم وأخرجكم من بين‬
‫شّتتم فيها بيد‬‫الشعوب وأجمعكم من الراضي التي ُ‬
‫ب مصبوب ‪ ،‬وآتي إلى برية‬ ‫قوية وذراٍع مبسوطة وغض ٍ‬
‫الشعوب وأحاكمكم هناك وجها ً لوجه كما حاكمت‬
‫آباءكم في برية مصر((‪.‬‬
‫]‪[33-36 : 20‬‬
‫وهذا إحالة إلى ما عاقبهم اللــه بــه مــن الــتيه أربعيــن‬
‫سنة وما حل بهم هناك من العقوبات المتتابعة‪.‬‬
‫ويوضحه ما في سفر صفينا ‪:‬‬
‫معي‬‫دسي ‪-‬في الترجمة الخرى ‪ :‬تج ّ‬ ‫دسي تك ّ‬ ‫))تك ّ‬
‫معي‪ -‬أيتها المة التي ل حياء لها قبل أن تطردوا‬ ‫تج ّ‬
‫كالعصافة العابرة في يوم واحد قبل أن يحل بكم‬
‫اضطرام غضب الرب قبل أن يحل بكم يوم غضب‬
‫الرب ! ((‪.‬‬
‫ثم يتوجه بالخطاب إلى المظلومين المستضعفين في‬
‫أرض فلسطين ‪:‬‬
‫))التمسوا الرب يا جميع وضعاء ‪-‬في الترجمة الخرى ‪:‬‬
‫يا بائسي‪ -‬الرب الذين نفذوا حكمه ‪ ،‬التمسوا البر ‪،‬‬
‫التمسوا الضعة فعسى أن تستتروا في يوم غضب‬
‫الرب((‪.‬‬
‫]‪[1-3 : 2‬‬
‫وهكذا فاجتماعها إنما هو لحلول غضب الــرب عليهــا ‪،‬‬
‫وحينئذٍ تطــرد وتــذاد عــن الرض المقدســة كمــا تكــون‬
‫العصافة في البيدر ‪ ،‬تذهب بها الرياح كل مكــان ‪ ،‬وينجــو‬
‫المستضعفون المتمسكون بحبل الله وتقواه‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫لكن الطرد ل يعني أنهم يســتطيعون الفــرار بــل يلــوذ‬


‫بعضهم بــه عــائدين إلــى مــواطنهم الولــى أو غيرهــا أمــا‬
‫الكثرون فمصيرهم كما في حزقيال ‪:‬‬
‫))من حيث إنكم صرتم زغل ً فلذلك ها أنذا أجمعكم في‬
‫وسط أورشليم جمع فضة ونحاس وحديد ورصاص‬
‫وقصدير ‪ ،‬إلى وسط كور ‪)-‬كير( )في الكاثوليكية ‪:‬‬
‫التون(‪ -‬لنفخ النار عليها لسبكها ‪ ،‬كذلك أجمعكم‬
‫بغضبي وسخطي وأطرحكم وأسبككم فأجمعكم فأنفخ‬
‫عليكم في نار غضبي ‪ ،‬فتسبكون في وسطها كما‬
‫تسبك الفضة في وسط الكور ‪ ،‬كذلك تسبكون في‬
‫وسطها ‪ ،‬فتعلمون أني أنا الرب سكب سخطي‬
‫عليكم((‪.‬‬
‫]‪[19-22 : 22‬‬
‫…وهذا ما سيكون في يوم الغضب التي ذكره قريبًا‪.‬‬
‫وهنا يأتي السؤال ‪:‬‬
‫ما مصــير البقيــة مــن بنــي إســرائيل الــتي تبقــى فــي‬
‫الرض بعد يوم الغضب ؟‬
‫ما مصير الشعب الصهيوني بعد يوم الغضب ؟‬
‫تحــدد الســفار مصــير شــعب إســرائيل حيــن حلــول يــوم‬
‫الغضب على النحو التالي ‪:‬‬
‫أشعياء يخبر عن أنهم يفنون ويعاقبون إل قليل ً منهم ‪:‬‬
‫))ها إن الرب يخرب الرض ويدمرها‪ ،‬ويقلب وجهها‪،‬‬
‫ويبدد سكانها‪ ،‬فيكون الكاهن كالشعب والسيد‬
‫كالعبد والسيدة كخادمتها‪ ...‬تدنست الرض تحت‬
‫سكانها لنهم تعدوا الشرائع ونقضوا الحكم ونكثوا‬
‫ة الرض وعوقب‬ ‫العهد البدي‪ ،‬فلذلك أكلت اللعن ُ‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫الساكنون فيها‪ ،‬ولذلك احترق سكان الرض فبقي‬


‫نفٌر قليل((‪.‬‬
‫]‪[5-6 ، 1 : 24‬‬
‫وفي زكريا تفصيل أكثر إذ يجعلهم أثلثا ً ‪:‬‬
‫))ثلثين منهما ُيقطعان ويموتان ‪ ،‬والثلث يبقى فيها ‪،‬‬
‫حصهم كمحص‬ ‫ُ‬
‫وأدخل الثلث ‪-‬الباقي‪ -‬في النار وأم ّ‬
‫الفضة وأمتحنهم امتحان الذهب((‪.‬‬
‫]‪[7-9: 13‬‬
‫أما في حزقيال فهم كما قال ‪:‬‬
‫))أحرق ثلثا ً بالنار … وخذ ثلثا ً واضرب عليهم‬
‫بالسيف … وذّر ثلثا ً للريح((‪.‬‬
‫ثم يقول ‪:‬‬
‫))وخذ من ذلك –)أي الثلث المشرد(‪ -‬عددا ً قليل ً‬
‫وصّره في ذيلك وخذ منه أيضا ً وألقه في وسط النار‬
‫وأحرقه بالنار ‪ ،‬من هناك تخرج نار على كل بيت‬
‫إسرائيل((‪.‬‬
‫]‪[2-4 : 5‬‬
‫ويقول صفنيا ‪:‬‬
‫))وأبقي في وسطك –)يعني إسرائيل(‪ -‬شعبا ً وضيعا ً‬
‫فقيرا ً ‪ ،‬فتعتصم باسم الرب بقية إسرائيل ل‬
‫يرتكبون الظلم ‪ ،‬ول ينطقون بالكذب ‪ ،‬ول يوجد في‬
‫أفواههم لسان مكر لنهم سيرعون ويربضون ول‬
‫أحد يفزعهم((‪.‬‬
‫]‪[12-13 : 3‬‬
‫هذه البقية المؤمنة يصفها أشعياء ‪:‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫))تصير المدن خرابا ً بغير ساكن والبيوت بغير إنسان‬


‫… وإن بقي فيها العشر من بعد فإنها تعود وتصير‬
‫إلى الدمار ولكن كالبطمة والبلوطة التي بعد قطع‬
‫أغصانها يبقى جذع فيكون جذعها زرعا ً مقدسا ً((‪.‬‬
‫]‪[13 : 6‬‬
‫ل خلف بيننا وبين الصوليين في أن ســكان إســرائيل‬
‫اليــوم مــن اليهــود كفــار ليــس بينهــم معتصــمب اللــه ول‬
‫دس ‪ ،‬ولكن الصوليين يقولون إنه وفقا ً لهذه النبوءات‬ ‫مق ّ‬
‫سوف يؤمن اليهود بالمسيح عند نزوله فتكون تلك البقية‬
‫المقدسة‪.‬‬
‫أما نحن فنقول ‪:‬‬
‫حيــن يســترد المســلمون القــدس ويــدمرون الرجــس‬
‫تتحقق هذه النبوءات ‪ ،‬فمن اليهود من ُيقتل‪ ،‬ومنهــم مــن‬
‫يفر ويتشتت في الرض ‪ ،‬ومنهم مــن يبقــى فيــدخل فــي‬
‫عهدنا وذمتنا ويرعى ول يفزعه أحــد ‪ ،‬ومنهــم مــن يســلم‬
‫وجهه لله ويهتدي وهو البقية المقدسة‪.‬‬
‫ومن البقية التي تفر ومن اليهود الذين لــم يــأتوا إلــى‬
‫فلسطين أصل ً تكون البقية الخيرة التي تتبع الدجال فــي‬
‫آخر الزمان ‪ ،‬وحين ينزل عيسى ‪ ‬ل يكــون هنــاك ثلثــة‬
‫ف ُيقتــل ضــمن المقتــولين مــن‬ ‫أثلث ‪ ،‬بل نصــفان ‪ :‬نص ـ ٌ‬
‫سِلم مع‬‫ف يُ ْ‬
‫جيش الدجال ‪ ،‬ونص ٌ‬
‫عيسى ‪ ‬لنه كما ثبت عندنا بالخبر الصادق يضع الجزية‬
‫ول يقبل إل السلم أو السيف‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫يوم غضب الرب‬ ‫‪12‬‬


‫كيف يحل يوم غضب الله وتنـزل العقوبة على دولة‬
‫الرجس والظلم والعدوان "إسرائيل" ‪:‬‬
‫تحدثنا السفار بوضوح عن هذه المور ‪-:‬‬
‫‪ -1‬صفات الجيش المنتصر‪.‬‬
‫‪ -2‬انهيار الجيش الصهيوني‪.‬‬
‫‪ -3‬مصير الحلفاء الستراتيجيين للدولة الصهيونية‪.‬‬
‫وفي ثنايا كل سياق تتكرر أسباب العقوبة والخراب ‪:‬‬
‫))الشرك بالله والكفر برسله والتمرد على أمره ‪،‬‬
‫سفك الدم البريء ‪ ،‬والظلم والعدوان ‪ ،‬المكر‬
‫والغش والغدر ‪ ،‬الفواحش ‪ ،‬اضطهاد البائس‬
‫والرملة((…إلخ‪.‬‬
‫يبدأ الزمن الجديــد بضضإعلن الجهضضاد والمرجــو أن‬
‫تكون هذه النتفاضة هي بدايته فإن لــم تكــن فهــي بل‬
‫شك تمهيد له‪ .‬فلبد أن يعلــن وأن تســقط الشــعارات‬
‫الخرى‪.‬‬
‫لقد وضع ناشرو الكتاب المقدس عنوان ))الزمن‬
‫الجديد ويوم الرب(( لما جاء في سفر يوئيل عن تصور‬
‫هذا اليوم العظيم ‪ ،‬الذي يبدأ بأن يتداعى جند الله‬
‫للجهاد ‪-‬بل إن السفر نفسه يدعو ويحض‪ -‬ولنه في‬
‫الغالب جهاد شعوب ل تملك الطائرات والعتاد‬
‫الثقيل ‪ ،‬بل أكثرهم ل يملك من الحديد إل أدوات‬
‫الفلحة ‪ ،‬ولن بعضهم أو أكثرهم من شعوب فقيرة ‪،‬‬
‫اصطلت بنير الحتكار الرأسمالي والربا اليهودي‬
‫والتسلط الستبدادي والحصار المريكي ‪ ..‬فهم‬
‫ضعاف البنية ‪ ،‬ويداخلهم لجل ذلك شيء من التخوف‬
‫‪ ،‬فالعدو جيش نووي قوي ووراءه بالطبع قوى عالمية‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫حاشدة – لن ذلك كله واقع تأتي البشرى لتنفض‬


‫الوهن وتشحذا لعزائم ‪:‬‬
‫))أعلنوا حربا ً مقدسة‬
‫وأنهضوا البطال‬
‫وليتقدم رجال القتال ويصعدوا‬
‫اطرقوا محاريثكم سيوفا ً‬
‫ومناجلكم رماحا ً‬
‫وليقل الضعيف ‪ :‬إني بطل‬
‫اسرعوا وهلموا‬
‫يا جميع المم من كل ناحية‬
‫واجتمعوا هناك((‪.‬‬
‫]‪[11 – 9 : 4‬‬
‫هكذا ‪ :‬جهــاد وتوكــل ‪ ،‬إعــداد بحســب الســتطاعة ‪ ،‬ل‬
‫استجداء للسلح من أعداء الله‪.‬‬
‫أما سفر أرمياء فيحــث علــى مســابقة الزمــن وتــدمير‬
‫دولة الترف ومجتمع العنف ‪:‬‬
‫))أعلنوا عليها حربا ً مقدسة‬
‫قوموا نصعد عند الظهيرة‬
‫ويل لنا فإن النهار قد مال‬
‫وظلل المساء قد امتدت‬
‫قوموا نصعد في الليل‬
‫ونهدم قصورها‬
‫فإنه هكذا قال رب القوات‬
‫إقطعوا خشبا ً واركموا على أورشليم مردوما ً‬
‫هذه هي المدينة التي ستفتقد‬
‫التي ليس فيها إل ظلم‬
‫كما أن البئر تنبع مياهها‬
‫فكذلك هي تنبع شرها‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫فيها يسمع بالعنف والنهب‬


‫وأمامي كل حين مرض وضربة((‬
‫]‪[7 – 4 : 5‬‬
‫))هوذا شعب مقبل من أرض الشمال‬
‫وأمة عظيمة ناهضة من أقاصي الرض‬
‫قابضون على القوس والحربة‬
‫قساة ل يرحمون‬
‫صوتهم كهدير البحر‬
‫وعلى الخيول راكبون مصطفون‬
‫كرجل واحد للمعركة‬
‫ك يا بنت صهيون((‬ ‫ضد ّ ِ‬
‫]‪[23 ، 22 : 6‬‬
‫ولن السؤال يظل واردا ً بإلحاح ‪ :‬أين الجيش الذي ل‬
‫يقهر ؟ أين جيش الخراب المتسمي بجيش الدفاع ؟!‬
‫يجيب سفر أشعياء جوابا ً قطعيا ً مختوما ً ناسخا ً ل‬
‫منسوخًا‪.‬‬
‫بأن الرب ناداه ‪:‬‬
‫م الن واكتب ذلك على لوح أمامهم‬ ‫))فهل ّ‬
‫وارسمه في سفر‬
‫ليكون لليوم الخير‬
‫دائما ً وللبد !‬
‫بما أنكم نبذتم هذه الكلمة‬
‫وتوكلتم على الظلم واللتواء !‬
‫واعتمدتم عليها‬
‫لذلك يكون هذا الثم لكم‬
‫ل‬
‫كصدع يحصل فيتضخم في سور عا ٍ‬
‫فيحدث انهدامه بغتة على الفور‬
‫فينهدم مثل إناء الخّزافين‬
‫الذي يسحق بغير رفق‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫فل يوجد في مسحوقه شقفة‬


‫لخذ نار من الموقد !!‬
‫أو لغرف ماء من الجب !!‬
‫‪......................‬‬
‫ألف معا ً تجاه تهديد واحد !!‬
‫وتجاه تهديد خمسة تهربون !!‬
‫حتى تتركوا كسارية على رأس الجبل‬
‫وكراية على التلة((‪.‬‬
‫]‪[17 ، 14 ، 12 ، 8 : 30‬‬
‫ويؤكد سفر عاموس ذلك ‪:‬‬
‫))قد أتت النهاية لشعبي إسرائيل‬
‫فل أعود أعفو عنه‬
‫فتصير أغاني القصر ولوال ً‬
‫في ذلك اليوم ‪ ،‬يقول السيد الرب‬
‫وتكثر الجثث‬
‫وتلقى في كل مكان بصمت((‪.‬‬
‫]‪[3 ، 2 : 8‬‬
‫أمــا صــفات المجاهــدين وبســالتهم فيرســمها يؤئيــل فــي‬
‫صورة بيانية بديعة ‪-:‬‬
‫))كما ينتشر الفجر على الجبال‬
‫شعب كثير مقتدر‬
‫لم يكن له شبيه منذ الزل‬
‫ولن يكون له من بعد‬
‫إلى سني جيل وجيل‬
‫‪...................‬‬
‫قدامه النار تأكل‬
‫وخلفه اللهيب يحرق‬
‫قدامه الرض كجنة عدن‬
‫وخلفه قفر وخراب‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫ول ينجو منه شيء‬


‫كمنظر الخيل منظره‬
‫ومثل الفرسان يسرعون‬
‫كصوت المركبات‬
‫على رؤوس الجبال يقفزون‬
‫كصوت لهيب النار الكلة القش‬
‫وكشعب مقتدر مصطف للقتال‬
‫من وجهه يرتعد الشعوب‬
‫وجميع الوجوه قد شحبت‬
‫كالبطال يسرعون‬
‫وكرجال الحرب يتسلقون السور‬
‫وكل منهم يسير في طريقه‬
‫ول يحيد عن سبله‬
‫ول يزاحم أحد أخاه‬
‫بل يسيرون كل واحد في طريقه‬
‫ومن خلل السهام يهجمون‬
‫ول يتبددون‬
‫يثبون إلى المدينة‬
‫ويسرعون إلى السور‬
‫ويصعدون إلى البيوت‬
‫ويدخلون من النوافذ((‪.‬‬
‫]‪[9 – 2 : 2‬‬
‫‪...‬‬
‫ويصفها أشعياء هكذا ‪:‬‬
‫))فيرفع راية لمة بعيدة‬
‫ويصفر لها من أقصى الرض‬
‫فإذا بها مقبلة بسرعة وخفة‬
‫ليس فيها منهك ول عاثر‬
‫لتنعس ول تنام‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫ول يحل حزام حقويها‬


‫ول يفك رباط نعليها‬
‫سهامها محددة‬
‫وجميع قسيها مشدودة‬
‫تحسب حوافر خيلها صوانا ً‬
‫ومركباتها إعصارا ً‬
‫لها زئير كاللبؤة‬
‫وهي تـزأر كالشبال‬
‫وتزمجر وتمسك الفريسة‬
‫وتخطفها وليس من ينقذ‬
‫فتزمجر عليه في ذلك اليوم كزمجرة البحر‬
‫وتنظر إلى الرض فإذا بالظلم والضيق‬
‫وقد أظلم النور في غمام حالك(()‪.(26‬‬
‫]‪[26-30 : 5‬‬
‫أما السرى الصهاينة فتحدد السفار مصيرهم هكذا ‪:‬‬
‫في سفر التثنية ‪:‬‬
‫))ويردك الرب إلى مصر في سفن في الطريق التي‬
‫قلت لك ل تعد تراها فتباعون هناك لعدائك عبيدا َ‬
‫وإماًء وليس من يشتري((‪.‬‬
‫]‪[68 : 28‬‬
‫ويوضحه ما في أرمياء ‪:‬‬
‫))هاأنذا أحاكمك على قولك لم أخطئ ‪ ..‬إنك تخزين‬
‫من مصر كما خزيت من آشور((‬

‫‪ ()26‬وقد نقل شيخ السلم عن ابن قتيبــة وابــن‬


‫ظفــر ) الجــواب الصــحيح ‪ ( 5/258‬أول هــذه‬
‫البشارة وقالوا إنها فــي أمـة محمــد صــلى اللــه‬
‫عليه وسلم لكن قالوا إن ذلك في الحــج‪ .‬وهــذا‬
‫إن صدق على أولها فآخرها في الجهاد قطعًا‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫]‪[36 ، 35 : 2‬‬
‫))أعبد ٌ إسرائيل أم هو مولود بيت ‪ ،‬عليه زأرة‬
‫الشبال وأطلقت أصواتها وجعلت أرضه دمارا ً ‪،‬‬
‫ومدنه احترقت بل ساكن فيها وبنو نوف وتحفنحيس‬
‫‪-‬مدينتان مصريتان معروفتان في ذلك الوقت‪ -‬أيضا ً‬
‫حلقوا هامتك((‪.‬‬
‫]‪[14-16 : 2‬‬
‫لشك أن المجاهدين سيكونون مــن كــل بلد الســلم‬
‫ولكن التبكيت والخزي بمصر له دللته‪ ،‬فهي التي أخرجوا‬
‫منهــا أول عهــدهم حيــن أنجــاهم اللــه مــن العبوديــة لل‬
‫فرعــون ‪ ،‬والن بســبب ردتهــم ‪-‬الــتي صــرح بهــا الســفر‬
‫مرارًا‪ -‬ســيعادون إليهـا عبيــدًا‪ ،‬لكـن ل أحــد يشــتري هـذه‬
‫المرة‪ !..‬لماذا‪..‬؟ لنهم رجس‪!..‬‬
‫فهم يحملون في أبدانهم فيروسات اليدز ‪ ،‬ويحملــون‬
‫في قلوبهم الحقــد والغــدر ‪ ،‬فل يريــدهم أحــد ولــو عبيــدا ً‬
‫وإماًء‪.‬‬
‫وفي التجاه المقابل وفيمــا يشــبه النفــخ فــي الصــور‬
‫يعـــود اللجئون الفلســـطينيون إلـــى ديـــارهم ويتـــداعى‬
‫المســلمون بعــد المعركــة الكــبرى والنصــر العظيــم إلــى‬
‫الرض المباركة للزيارة والعتكاف ‪ ،‬ولسيما من العــراق‬
‫ومصر‪.‬‬
‫يقول أشعياء ‪:‬‬
‫))في ذلك اليوم يدوس الرب قمحه من مجرى النهر‬
‫إلى وادي مصر ‪ ،‬وأنتم تلقطون واحدا ً فواحدا ً يا بني‬
‫إسرائيل‪.‬‬
‫وفي ذلك اليوم ينفخ في بوق عظيم ويأتي الهالكون‬
‫في أرض آشور والمنفيون في أرض مصر‬
‫ويسجدون للرب في جبل القدس في أورشليم((‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫]‪[13 ، 12 : 27‬‬
‫أمــا العــراق فلن اللــه قــد فــك عنهــم الحصــار الــذي‬
‫أهلكهم وأجهدهم !‬
‫وأما مصر فلنها تشــعر بــالحرج البــالغ بســبب كــامب‬
‫ديفيد !‬
‫أما مصير الحليف الستراتيجي فقد سبق ما يمهد لـه‬
‫في الكلم عن نبوءة دانيال فهناك اتفقنا نحن وهــم علــى‬
‫أن المبراطوريــة الرومانيــة الجديــدة هــي ذلــك الحليــف‬
‫ولكــن لن الــذين كتبــوا عــن النبــوءات قبــل قيــام دولــة‬
‫إسرائيل فسروا بابل الجديدة بأنها القديمة أي أن النبوءة‬
‫قــد مضــت ‪-‬أو فســروها بأنهــا "رومــا" مقــر الكنيســة‬
‫الكاثوليكية ‪ ،‬ولن الــذين كتبــوا بعــد قيــام دولــة الرجــس‬
‫أغفلوا هذا بل هم يزعمون أن عظمة أمريكــا وقوتهــا هــو‬
‫ببركة نصرتها لسرائيل‪ -‬لجل ذلك ضــاعت الحقيقــة عــن‬
‫مصير هذا الحليف المجرم‪.‬‬
‫فلنذكر نحن ما قالت السفار عن وصفه ومصيره ‪:‬‬
‫‪ -(1‬يخاطب سفر أشعياء دولة الرجس قائل ً ‪:‬‬
‫ت فلتنقذك مجموعاتك لكن الريح‬ ‫))إذا صرخ ِ‬
‫سترفعها جميعا ً والنسيم يذبها أما الذي يعتصم بي‬
‫فيملك الرض ويرث جبل قدسي((‪.‬‬
‫]‪[13-14 : 57‬‬
‫وفي الترجمة الخرى ‪:‬‬
‫))ولكن الريح تحملهم كلهم تأخذهم نفخة أما‬
‫ي فيملك الرض ويرث جبل قدسي((‪.‬‬ ‫المتوكل عل ّ‬
‫ويذكرهم قائل ً ‪:‬‬
‫))إذا مد الرب يده عثر الناصر وسقط المنصور وفنوا‬
‫كلهم جميعا ً((‬
‫]‪[3 : 13‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫‪ -(2‬يصف أرمياء حال بابل الجديدة قائل ً ‪:‬‬


‫طمت مطرقة الرض بأسرها ؟‬ ‫))كيف كسرت وح ّ‬
‫ك فخا ً‬‫تل ِ‬‫كيف صارت بابل دهشا ً عند المم ‪ ،‬نصب ُ‬
‫ت نقيضي‬ ‫ُ‬
‫ت يا بابل ولم تشعري ‪ ،‬لقد وجد ِ‬ ‫فأخذ ِ‬
‫ت الرب((‪.‬‬ ‫ك لنك تحدي ِ‬ ‫علي ِ‬
‫]‪[23-24 : 50‬‬
‫ويصفها بأنها ‪:‬‬
‫دت بنفسها على الرب ‪ ((...‬ويقول ‪:‬‬ ‫))اعت ّ‬
‫))ها أنذا عليك أيها العتداد بالنفس‪ ..‬لنه قد أتي‬
‫يومك وقت افتقادك ‪ ،‬سيعثر العتداد بالنفس‬
‫ويسقط وليس أحد ينهضه وأوقد نارا ً في مدنه‬
‫فتلتهم كل ما حوله((‪.‬‬
‫]‪[32 – 31 ، 29 : 50‬‬
‫ومن أوصافها فيه ‪-:‬‬
‫أ – هي ))كأس ذهب بيد الرب ‪ ،‬تسكر كل‬
‫الرض ‪ .‬من خمرها شربت المم ولذلك فقدت‬
‫رشدها((‪.‬‬
‫]‪[7 : 51‬‬
‫ب‪)) -‬قائمة على المياه الغزيرة(( و ))كثيرة الكنوز((‪.‬‬
‫]‪[13 : 51‬‬
‫ج‪ -‬هي خليط من الشعوب ولذلك هم عند بداية يوم‬
‫غضب الله عليها ينصح بعضهم بعضا ً ‪)) :‬اهجروها‬
‫ولنذهب كل واحد إلى أرضه فإن الحكم عليها بلغ‬
‫أعلى السموات ورفع إلى الغيوم((‪.‬‬
‫]‪[9 : 51‬‬
‫‪ -(3‬يذكر أشعياء أن العقوبة فــي يــوم الغضــب ل تختــص‬
‫بالرجسة وحدها بل ‪:‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫))في ذلك اليوم يعاقب الرب بسيفه القاسي العظيم‬


‫الشديد ‪ ،‬لوياثان الحية الهاربة‪ ،‬ولوياثان الحية‬
‫الملتوية ويقتل التنين الذي في البحر((‪.‬‬
‫لقد حار شراحهم في تفسير ذلــك ‪ ،‬ولكــن المتأمــل فــي‬
‫قيام رجسة الخراب يجد أن ثلث حيات أنشأتها ‪-:‬‬
‫‪ -1‬الحيــة الهاربــة الــتي أعطــت وعــد بلفــور وهيــأت‬
‫للعصابات الصهيونية ثم هربت )بريطانيا(‪.‬‬
‫‪ -2‬الحية الملتوية التي التفت على الرض المقدســة‬
‫وهي دولة صهيون‪.‬‬
‫‪ -3‬التنين أو الحية العظمى الــتي فــي البحــر ‪-‬إذ فــي‬
‫البحـــر حـــاملت طائراتهـــا ومـــدمراتها لرهـــاب‬
‫المسلمين‪ -‬وهي أمريكا !!‬
‫ويؤيد ما سبق )ص ‪ 62‬و ‪ (67‬عن الوحش وأن التنين‬
‫هو الذي يعطيه القدرة والملك‪.‬‬
‫إن الشــراح البروتســتانت ‪-‬وإليهــم تنتمــي المدرســة‬
‫الصولية‪ -‬يفسرون بابــل بأنهــا الكنيســة الكاثوليكيــة فــي‬
‫آخر الزمان ‪-‬أي منذ بضــعة قــرون إلــى نـــزول المســيح‪-‬‬
‫ويؤولون صفات بابــل الجديــدة الــواردة آنفـا ً بأنهــا مدينــة‬
‫روما ويتنبأون بهلكها‪.‬‬
‫والحقيقة أن هذا الوصف ل ينطبق على مدينــة ضــالة‬
‫في تدينها بل هو على إمبراطورية ضــالة فــي غطرســتها‬
‫وتحديها لخالقها اعتــدادا ً بقوتهــا وهيمنتهــا ‪ ،‬ولــذلك فمــن‬
‫السهل علينا إثبات خطأ " بيتـز " في شرح سفر الرؤيــا ‪،‬‬
‫وذلك بذكر الصفات التي ذكرها هو نقل ً عن السفر ‪-:‬‬
‫‪)) -1‬الزانية العظيمة الجالسة على المياه الكثيرة‬
‫التي زنى معها ملوك الرض وسكر كل سكان‬
‫الرض من خمر زناها(( )ص ‪.(245‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫))المياه التي رأيت حيث الزانية جالسة هي ‪:‬‬ ‫‪-2‬‬


‫شعوب وجموع وأمم وألسنة(( )ص ‪.(245‬‬
‫بعد تدميرها ))يبكي تجار الرض وينوحون عليها‬ ‫‪-3‬‬
‫لن بضائعهم ل يشتريها أحد فيما بعد ‪ ،‬بضائع‬
‫من الذهب والفضة والحجر الكريم واللؤلؤ والبز‬
‫والرجوان والحرير والقرمز ‪..‬والعاج والخشب‬
‫والنحاس والحديد والقرفة والبخور والطيب‬
‫والخرد والزيت والحنطة والبهائم غنما ً وخيل ً‬
‫ومركبات‪ ...‬كل هذه البضائع تجارها سيقفون‬
‫من بعيد من أجل خوف عذابها يبكون وينوحون ‪،‬‬
‫ويقولون ويل ! ويل ! ‪ ...‬خربت في ساعة‬
‫واحدة ! )انظر ‪ :‬ص ‪.( 260-259‬‬
‫إنهـــا دولـــة الرفاهيـــة والتجـــارة العالميـــة والشـــركات‬
‫العملقة ‪..‬فأين روما من هذا ؟‬
‫ثم يقول السفر ‪-:‬‬
‫))رفع ملك واحد قوي حجرا ً كرحى عظيمة ورماه‬
‫في البحر قائل ً ‪ :‬هكذا بدفٍْع سترمى بابل المدينة‬
‫العظيمة ولن توجد فيما بعد (( )ص ‪.(262‬‬
‫ويقول ‪:‬‬
‫))لن تجارك كانوا عظماء الرض إذ بسحرك‬
‫ضلت جميع المم وفيها وجد دم )أتباع( أنبياء‬
‫وقديسين وجميع من قتل على الرض (( )ص ‪.(263‬‬
‫وحينئذٍ كما يقول السفر ‪ :‬تهلل الشعوب ويهلل مــن فــي‬
‫السماء قائلين ‪:‬‬
‫))المجد والكرامة والقدرة للرب إلهنا لن أحكامه‬
‫حق وعادلة إذ قد دان الزانية العظيمة التي أفسدت‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫الرض بزناها وانتقم لدم عبيده من يدها(( )ص‬


‫‪.(263‬‬
‫إذن ليست روما ولكنها أمريكا وعقوبتها في السفار‬
‫إما ربانية "رياح " كما سبق أو إعصار ))كيف صارت بابل‬
‫دهشا ً بين الشعوب ؟ طلع البحر على بابل فغمرها بهدير‬
‫أمواجه ‪ ،‬وصارت مدنها دمارا ً ‪ .‬أرضا ً قاحلة مقفرة…((‪.‬‬
‫]أرمياء ‪[43-42 : 51‬‬
‫وفي دانيال ومّتى "زلزل وأوبئة" على الرض ولبابــل ‪-‬بل‬
‫ريب‪ -‬النصيب الوفر منها!!‬
‫‪..‬وإما بشرية يرسلها الله ‪:‬‬
‫))أيتها القائمة على المياه الغزيرة الكثيرة الكنوز ‪،‬‬
‫ك ‪ ،‬بنفسه أقسم رب القوات ‪ :‬أملك‬ ‫قد حان أجل ِ‬
‫رجال ً كالجنادب فيصيحون عليك بهتاف النتصار ؟‬
‫هو الذي صنع الرض بقوته وثّبت الدنيا بحكمته((‪.‬‬
‫]نفسه ‪[14-13 : 51‬‬
‫فما هتاف النتصار الذي ينشده جنــد اللــه بعــد تــدمير‬
‫رجسة الخراب يقينا ً أو بعد تدمير أمريكا ً غالبا ً ‪:‬‬
‫إنه هتاف عجيب يورده أشعياء ‪:‬‬
‫))استيقظي استيقظي‬
‫البسي عزك يا فلسطين ‪-‬في الصل صهيون‪-‬‬
‫البسي ثياب فخرك يا أورشليم‬
‫يا مدينة القدس‬
‫فإنه ل يعود يدخلك أقلف ول نجس‬
‫انفضي الغبار عنك‬
‫قومي اجلسي يا أورشليم‬
‫حّلت قيود عنقك‬ ‫ُ‬
‫أيتها السيرة((‪.‬‬
‫]‪[1-2 : 52‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫ويمتن الله على عباده المــؤمنين الــذين يفرحــون بنصــره‬


‫قائل ً ‪:‬‬
‫))لني حينئذ ٍ أجعل للميين )في الصل الشعوب(‬
‫شفة نقية )ل شفة نجسة كشفة إسرائيل( ليدعو‬
‫جميعا ً باسم الرب وليعبدوه كتفا ً على كتف((‪.‬‬
‫]صفيناء ‪[9 : 3‬‬
‫يعلم الناس عامة وأهل الكتاب خاصة أنه مضضا مضضن أمضضة تعبضضد اللضضه‬
‫كتفا ً علضضى كتضضف كالبنيضضان المرصضضوص إل أمضضة السضضلم‪ .‬وهضضم أطهضضر‬
‫الناس شفة وحسب شفاههم طهارة أنها ل تسب الله فتقول إن لضضه‬
‫ابنا ً أو إنه يجهل وينسى وينضدم ‪-‬تعضالى اللضه عمضا يقضول المشضركون‬
‫علوا ً كبيرًا‪.-‬‬
‫‪25‬‬ ‫انـتـفـاضـة رجـب‬

‫فسيقولون متى هو ؟‬
‫قل عسى أن يكون قريبا ً‬

‫بقي السؤال الخير والصعب ‪ :‬متى يحل يوم الغضب‬


‫ومتى يدمر الله رجسة الخراب ومتى تفك قيود القدس‬
‫وتعود لها حقوقها ؟‬
‫إن الجابة قد سبقت ضمنا ً فحين حدد دانيال‬
‫المدة بيــن الكــرب والفــرج وبيــن عهــد الضــيقة‬
‫وعهد الطوبى كانت كما سبق ‪ 45‬سنة !!‬
‫وقد رأينا أن تحديده قيام دولة الرجس كــان‬
‫سنة ‪ 1967‬م وهــو مــا قــد وقــع وعليــه فتكــون‬
‫النهاية أو بداية النهاية سنة )‪= (45 + 1967‬‬
‫‪2012‬م أي سنة )‪1433 = (45+1387‬هـ‪.‬‬
‫وهو ما نرجو وقوعه ول نجزم – إل إذا صدقه‬
‫الواقع ‪ -‬لكن لو دخل معنا الصوليون في رهان‬
‫كما دخلت قريش مع أبــي بكــر الصــديق بشــأن‬
‫الروم فسوف يخســرون قطعـا ً وبل أدنــى ريــب‬
‫وبدون أن نلتـزم بتحديد سنة معينة !!‬

You might also like