You are on page 1of 34

‫كتاب الديانة اليهودية وتاريخ اليهود‬

‫المؤلف إسرائيل شاحاك‬


‫موقع الديانة اليهودية في السياسة السرائيلية‬
‫كتب مترجمة‬

‫كتاب )الديانة اليهودية وتاريخ اليهود( لمؤلفه "إسرائيل شاحاك"‪ ،‬يع‬


‫صت عليه الهلخاه )الشريعة( تجاه‬
‫فيه لهم مبادىء اليهودية‪ ،‬وما ن ّ‬
‫الخرى )الغيار أو الغوييم(‪ ،‬ولهميته في فهم الستراتيجية والسياس‬
‫السرائيلية في فلسطين والمنطقة نعرض منه هنا بعض المقتطفات ون‬
‫‪:‬على حلقات‬
‫النغلق اليهودي ‪n‬‬
‫عقيدة الرض المستردة ‪n‬‬
‫القتل والبـادة الجماعيـة ‪n‬‬
‫النتائج السياسية ‪n‬‬
‫النغلق اليهودي ‪n‬‬

‫)موقف اليهود من الغيار) غير اليهود‬


‫جه إلى الش‬‫على الرغم من أن هذا الكتاب مكتوب باللغة النكليزية ومو ّ‬
‫التي تعيش خارج دولة إسرائيل‪ ،‬فإنه في ناحية من نواحيه‪ ،‬يشكل‬
‫استمرارًا لنشاطاتي السياسية كيهودي إسرائيلي‪ .‬لقد بدأت هذه النشاط‬
‫عام ‪1965‬ـ‪ ،1966‬إثر احتجاج تسّبب‪ ،‬آنذاك‪ ،‬في فضيحة كبيرة‪ .‬فقد‬
‫ي متعصب‪ ،‬ل يسمح باستخدام هاتفه في أحد أيام الس‬ ‫شاهدًا على يهود ّ‬
‫لستدعاء سيارة إسعاف من أجل شخص غير يهودي صودف انهياره‬
‫الضاحية التي يسكنها بالقدس‪ .‬وعوضًا من أن أنشر بكل بساطة نبأ ه‬
‫الحادثة في الصحف‪ ،‬طلبت اجتماعًا مع أعضاء هيئة المحكمة الحاخام‬
‫لمدينة القدس‪ ،‬المؤلفة من حاخامات تعّينهم دولة إسرائيل‪ .‬وقد سألت‬
‫هؤلء عما إذا كان مثل هذا التصرف يتوافق مع تفسيرهم للديانة اليه‬
‫فأجابوني بأن هذا اليهودي‪ ،‬موضوع البحث‪ ،‬كان مصيبًا في تصّرفه‪،‬‬
‫تقيًا صالحًا‪ .‬ودعموا قولهم هذا بإحالتي إلى فقرة في مختصر معتمد‬
‫للشرائع التلمودية‪ ،‬كان قد ُكتب في هذا القانون‪ .‬فما كان مني إل أن ك‬
‫تقريرًا بالحادثة‪ ،‬لليومية العبرية الرئيسية "هآرتس"‪ ،‬التي تسبب نش‬
‫‪.‬للقصة بفضيحة إعلمية‬
‫ي‪ ،‬نتائج سلبية نوعًا م‬ ‫وكانت النتائج الناجمة عن الفضيحة بالنسبة إل ّ‬
‫السلطات الحاخامية السرائيلية ول نظيراتها في الشتات‪ ،‬عكست حكم‬
‫القائل بأن اليهودي ل يجوز له انتهاك حرمة السبت من أجل إنقاذ حيا‬
‫الغيار )غير اليهود(‪ .‬ولقد أضافوا إلى حكمهم هذا‪ ،‬الكثير من الهذر‬
‫ل من هذا النوع‪ ،‬إذا كانت ن‬ ‫المغّلف بالتقوى‪ ،‬والذي كان مفاده أن عم ً‬
‫ُتعّرض اليهود‪ ،‬فقط‪ ،‬للخطر‪ ،‬يصبح حينئٍذ انتهاك حرمة السبت من أج‬
‫انتهاكًا جائزًا‪ .‬ولّما كنت قد بدأت في شبابي بدراسة الشرائع التلمودية‬
‫تحكم العلقات بين اليهود وغير اليهود‪ ،‬بات واضحًا بالنسبة إلي‪،‬‬
‫وبالستناد إلى هذه المعرفة التي اكتسبتها‪ ،‬أن ل الصهيونية‪ ،‬ول حتى‬
‫جزئها الذي يبدو علمانيًا‪ ،‬ول السياسة السرائيلية منذ ولدة دولة‬
‫إسرائيل‪ ،‬ول سياسات مؤيدي إسرائيل اليهود‪ ،‬في الشتات خصوصًا‪،‬‬
‫يمكنها أن تكون مفهومة ما لم ُيؤخذ في الحسبان التأثير العمق لهذه‬
‫الشرائع وللنظرة إلى العالم التي تخلقها وتعّبر عنها في آن‪ .‬وإن السيا‬
‫الفعلية التي انتهجتها إسرائيل بعد حرب اليام الستة‪ ،‬ول سيما سياسة‬
‫التمييز العنصري التي يتسم بها الحكم السرائيلي في المناطق المحتّلة‬
‫وموقف الكثرية اليهودية من مسألة حقوق الفلسطينيين‪ ،‬حتى كفكرة‬
‫‪.‬مجّردة‪ ،‬قد عززت قناعتي ليس إل‬
‫وإنني لدى إدلئي بهذا القول‪ ،‬ل أحاول أن أتجاهل العتبارات السياسي‬
‫والستراتيجية التي تكون قد أثرت في حكام إسرائيل‪ ،‬فما أقوله بكل‬
‫بساطة‪ ،‬هو أن السياسة الفعلية هي تفاعل بين العتبارات الواقعية‬
‫)صحيحة كانت أم خاطئة‪ ،‬أو برأيي‪ ،‬خلقية كانت أم غير خلقية( وبين‬
‫التأثيرات اليديولوجية التي تميل إلى أن تكون أكثر نفوذًا كلما كانت‬
‫مناقشتها أقّل‪ ،‬وكّلما كان "جّرها إلى تحت الضواء" أقل‪ .‬فأي شكل م‬
‫أشكال العنصرية والتمييز وكراهية الغير يصبح أقوى وأكثر نفوذاً سي‬
‫إذا اعتبره المجتمع الذي يتعاطاه أمرًا مسّلما به‪ .‬ويصح هذا القول بص‬
‫خاصة‪ ،‬إذا كانت مناقشته ممنوعة‪ ،‬إن رسميًا أو بالتفاق الضمني‪ .‬وع‬
‫تكون العنصرية والتمييز وكراهية الغير سائدة في وسط اليهود وموج‬
‫ضد الغيار وتوقدها الدوافع الدينية‪ ،‬فإنها تصبح كحالتها النقيضة‪ ،‬أي‬
‫كمعاداة السامية ودوافعها الدينية‪ .‬ولكن في الوقت الذي تناقش فيه مع‬
‫ل عامًا خارج إسرائيل أكثر مما هو في داخله‬ ‫السامية اليوم‪ ،‬نجد تجاه ً‬
‫لوجود العنصرية والتمييز وكراهية الغير بالذات‪ ،‬في وسط اليهود ضد‬
‫‪.‬اليهود‬
‫تعريف الدولة اليهودية‬
‫ل يمكننا أن نفهم‪ ،‬حتى ول مفهوم إسرائيل كـ"دولة يهودية"‪ ،‬كما تعر‬
‫إسرائيل نفسها رسميًا‪ ،‬من دون بحث المواقف اليهودية السائدة تجاه‬
‫اليهود‪ .‬والتصّور الخاطىء الشائع بأن إسرائيل ديمقراطية حقيقية‪ ،‬ح‬
‫من دون أن نراعي حكمها في المناطق المحتلة‪ ،‬هو تصّور ناشئ عن‬
‫رفض مواجهة المغزى في مصطلح "الدولة اليهودية" بالنسبة إلى غ‬
‫اليهود‪ .‬وفي رأيي‪ ،‬أن إسرائيل كدولة يهودية‪ ،‬تشكل خطرًا ليس على‬
‫نفسها وسكانها فحسب‪ ،‬بل على اليهود كافة وعلى الشعوب والدول‬
‫الخرى جميعًا في الشرق الوسط وما وراءه‪ .‬ولكن في الوقت الذي ُي‬
‫فيه الخطر العربي والسلمي على نطاق واسع‪ ،‬فإننا نرى أن الخطر‬
‫المتأصل في الطابع اليهودي لدولة إسرائيل‪ ،‬ليس موضوعًا مطروحاً‬
‫‪.‬بساط البحث‬
‫لقد كان لمبدأ إسرائيل كـ"دولة يهودية" أهميته العظمى لدى السياسيي‬
‫غرس هذا المبدأ في أذهان السكان‬ ‫السرائيليين منذ نشوء الدولة؛ وقد ُ‬
‫اليهود بمختلف الوسائل التي يمكن تصّورها‪ .‬وفي أوائل الثمانينات‪ ،‬ع‬
‫برزت أقلية من اليهود السرائيليين تعارض هذا المبدأ‪ ،‬أقّرت الكنيست‬
‫عام ‪ ،1985‬وبأغلبية ساحقة‪ ،‬قانونًا دستوريًا )أي قانون يتقدم على‬
‫القوانين الخرى كافة‪ ،‬والتي ل يمكن إلغاؤها إل بإجراء خاص(‪ .‬وبمو‬
‫هذا القانون‪ ،‬لم يعد يسمح لي حزب بالمشاركة في انتخابات الكنيست‬
‫كان برنامجه يعارض‪ ،‬علنًا‪ ،‬مبدأ "الدولة اليهودية"‪ ،‬أو إذا كان يقترح‬
‫تغييره بالوسائل الديمقراطية‪ .‬وإنني‪ ،‬شخصيًا‪ ،‬أعارض هذا المبدأ‬
‫الدستوري‪ ،‬فالتبعات القانونية بالنسبة إلي‪ ،‬تعني بأنني ل أستطيع‪ ،‬في‬
‫دولة أنا مواطن فيها‪ ،‬أن أنتمي إلى حزب له مبادئ أتفق معه فيها وي‬
‫مسموحًا له بالمشاركة في انتخابات الكنيست‪ .‬وحتى هذا المثل يبّين ب‬
‫دولة إسرائيل ليست دولة ديمقراطية بسبب تطبيقها ليديولوجية يهود‬
‫موجهة ضد الغيار‪ ،‬وضد اليهود المعارضين لهذه اليديولوجية‪ ،‬أجم‬
‫ولكن الخطر الذي تمثله هذه اليديولوجية المهيمنة ل يقتصر تأثيره ع‬
‫الشؤون الداخلية فحسب‪ ،‬بل على السياسات الخارجية السرائيلية أيض‬
‫وسيستمر هذا الخطر بالنمو ما دام تعزيز حركتين ناميتين مستمرًا في‬
‫الوقت الحاضر‪ :‬ازدياد الطابع اليهودي لدولة إسرائيل‪ ،‬وازدياد قوتها‪،‬‬
‫وخصوصًا القوة النووية‪ .‬أما ازدياد النفوذ السرائيلي في المؤسسة‬
‫السياسية المريكية‪ ،‬فهذا عامل آخر ينذر بالشؤم‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإن المعلوم‬
‫الدقيقة حول اليهودية‪ ،‬وخصوصًا حول معاملة إسرائيل لغير اليهود‪،‬‬
‫ليست‪ ،‬الن‪ ،‬على الصعيد السياسي‪ ،‬معلومات مهمة فحسب‪ ،‬بل حيوي‬
‫‪.‬أيضًا‬
‫ودعوني أبدأ بالتعريف السرائيلي لمصطلح "اليهودي"‪ ،‬لظهر الفارق‬
‫الساسي بين إسرائيل كـ"دولة يهودية"‪ ،‬وبين أكثرية الدول الخرى‪.‬‬
‫ك" لشخاص تعّرفهم السلطات‬ ‫فإسرائيل بحسب هذا التعريف‪ ،‬هي "ُمْل ٌ‬
‫السرائيلية كـ"يهود" بصرف النظر عن المكان الذي يعيشون فيه‪ ،‬وت‬
‫إليهم وحدهم‪ .‬أما من ناحية أخرى‪ ،‬فهي ل "تعود" لمواطنيها من غير‬
‫اليهود‪ ،‬الذين ُتعتبر مكانتهم لديها مكانة دونية‪ ،‬حتى على الصعيد الر‬
‫الشوفينية اليهودية‬
‫وهذا يعني عمليًا‪ ،‬بأن أفراد قبيلة من قبائل البيرو‪ ،‬إذا اعتنقوا الديانة‬
‫اليهودية‪ ،‬واعُتبروا بالتالي من اليهود‪ ،‬يحق لهم أن يصبحوا مواطنين‬
‫إسرائيليين على الفور‪ ،‬وأن يستفيدوا من حوالي‪ 70‬بالمائة من أراض‬
‫الضفة الغربية )ومن ‪92‬بالمائة من مساحة إسرائيل الصلية(‪ ،‬المكّرس‬
‫رسميًا‪ ،‬لصالح اليهود فحسب‪ .‬أما الغيار كافة )وليس الفلسطينيون‬
‫وحدهم(‪ ،‬فإنهم ُيمنعون من الستفادة من هذه الراضي‪ .‬وينطبق هذا‬
‫حتى على السرائيليين العرب الذين خدموا في الجيش السرائيلي وبل‬
‫ُرتبًا عالية فيه(‪ .‬والحالة التي تشمل البيروفيين الذين اعتنقوا اليهودي‬
‫حصلت‪ ،‬بالفعل‪ ،‬منذ بضع سنوات‪ .‬وقد جرى توطين هؤلء اليهود الج‬
‫ض ُيستبعد منها المواط‬‫في الضفة الغربية‪ ،‬بالقرب من نابلس‪ ،‬في أرا ٍ‬
‫غير اليهود استبعادًا رسميًا‪ .‬وتقوم حكومات إسرائيل كافة بمجازفات‬
‫سياسية كبيرة‪ ،‬بما فيها المجازفة بالحرب‪ ،‬من أجل هذه المستوطنات‪،‬‬
‫يقتصر تأليفها على أشخاص معّرفين كـ"يهود" )وليس كـ"إسرائيليين‬
‫كما تدعي‪ ،‬كاذبة‪ ،‬غالبية وسائل العلم(‪ ،‬ومن أجل أن تكون مستوط‬
‫‪.‬خاضعة لسلطة "يهودية" فقط‬
‫وأظن بأن المسيحيين‪ ،‬إذا اقترحوا أن تتحول الوليات المتحدة‪ ،‬أو الم‬
‫المتحدة إلى "دولة مسيحية" تعود فقط لمواطنين يعّرفون رسميًا‪،‬‬
‫كـ"مسيحيين"‪ ،‬فإن يهود الوليات المتحدة‪ ،‬أو بريطانيا‪ ،‬سوف يعتبرو‬
‫ذلك معاداة للسامية‪ ،‬ونتيجة عقيدة من هذا النوع‪ ،‬هي أن اليهود الذين‬
‫يعتنقون المسيحية سوف يصبحون مواطنين كاملين بسبب تحولهم‪ .‬و‬
‫لنا أن نتذكر بأن فوائد اعتناق ديانات أخرى كانت معروفة جيدًا من ال‬
‫من تاريخهم الخاص‪ ،‬عندما كانت الدول المسيحية والسلمية تمّيز ض‬
‫الشخاص كافة‪ ،‬الذين ل ينتمون إلى ديانة الدولة‪ ،‬والتمييز الذي تعام‬
‫دولة إسرائيل الشخص غير اليهودي سيتوقف في اللحظة التي يعتنق‬
‫هو أو هي‪ ،‬الديانة اليهودية‪ .‬وهذا يظهر ببساطة‪ ،‬بأن نوع الحصرية‬
‫الذي تعتبره أكثرية يهود الشتات كمعاداة للسامية‪ ،‬تعتبره أكثرية اليهو‬
‫كافة‪ ،‬كيهودية‪ .‬ومعارضة معاداة السامية والشوفينية اليهودية على ح‬
‫سواء‪ ،‬أمر ُيعتبر في وسط اليهود‪ ،‬وعلى نطاق واسع‪ ،‬كمثل "كراهية‬
‫‪.‬الذات"‪ .‬وهذا مفهوم أعتبره كلمًا فارغًا‬
‫وهكذا‪ ،‬يصبح معنى مصطلح "اليهودي"‪ ،‬ومشتقاته‪ ،‬بما فيها اليهودي‬
‫معنى مهمًا في مضمون السياسة السرائيلية‪ ،‬وبمقدار أهمية معنى‬
‫"السلمي"‪ ،‬عندما تستخدم إيران هذا المصطلح رسميًا‪ ،‬ومعنى‬
‫"الشيوعي" عندما كان التحاد السوفييتي يستخدم هذا المصطلح رسم‬
‫إل أن معنى مصطلح "اليهودي" كما هو شائع استخدامه‪ ،‬معنى غير‬
‫واضح‪ ،‬ل بالعبرية ول عندما ُيترجم إلى لغات أخرى‪ ،‬ولذلك كان ينبغي‬
‫‪.‬تعريفه رسميًا‬
‫فبحسب القانون السرائيلي ُيعتبر الشخص "يهوديًا" إذا كانت والدته‬
‫جدته‪ ،‬أو جدته لمه‪ ،‬أو جدته لجدته‪ ،‬يهودية في ديانتها؛ أو إذا اعتنق‬
‫الشخص الديانة اليهودية بطريقة ترضي السلطات السرائيلية‪ ،‬ولكن‬
‫أل يكون هذا الشخص قد تحول في وقت من الوقات عن اليهودية واع‬
‫ديانة أخرى‪ ،‬ففي هذه الحالة تقلع إسرائيل عن اعتباره "يهوديًا"‪ .‬وي‬
‫الشرط الول من الشروط الثلثة‪ ،‬التعريف التلمودي لـ"من هو اليهود‬
‫وهو التعريف الذي تعتمده الرثوذكسية اليهودية‪ .‬ويعترف التلمود وا‬
‫الحاخامي اللحق له أيضًا‪ ،‬بتحول غير اليهودي إلى اليهودية )مثلما‬
‫يعترف بشراء اليهودي لعبد غير يهودي‪ ،‬يليه نوع آخر من التحول ع‬
‫ديانة واعتناق أخرى( كطريقة من الطرق‪ ،‬لكي يصبح المرء يهوديًا‪،‬‬
‫أن ُيجري مراسم التحول بالطريقة الصحيحة‪ ،‬حاخامات مخولون هذه‬
‫السلطة‪ .‬وهذه "الطريقة الصحيحة" تستلزم بالنسبة إلى الناث‪ ،‬معاين‬
‫ن عاريات في "حمام التطهير"‪ ،‬وهو طقس وإن‬ ‫من ثلثة حاخامات وه ّ‬
‫معروفًا من قراء الصحف العبرية كافة‪ ،‬فإن وسائل العلم باللغة النك‬
‫غالبًا ما تحجم عن ذكره‪ ،‬على الرغم من كونه‪ ،‬بل ريب‪ ،‬موضوعًا مث‬
‫لهتمام بعض القراء‪ .‬وآمل بأن يكون هذا الكتاب بداية لعملية ُتصحح‬
‫‪.‬النقص‬
‫أنظمة التمييز العنصري‬
‫حة أخرى لتعريف من هو اليهودي ومن هو غي‬ ‫ولكن هناك ضرورة مل ّ‬
‫اليهودي‪ ،‬فدولة إسرائيل تمّيز لصالح اليهود وضد غير اليهود‪ ،‬في الع‬
‫من مجالت الحياة‪ ،‬وإنني أعتبر ثلثة منها المجالت الهم من غيرها‬
‫حقوق القامة‪ ،‬الحق بالعمل‪ ،‬والحق بالمساواة أمام القانون‪ .‬ويقوم ال‬
‫في مسألة القامة على حقيقة أن نحو‪92‬بالمائة من أرض إسرائيل هي‬
‫للدولة‪ ،‬وتديرها سلطة أرض إسرائيل بموجب قوانين أصدرها الصندو‬
‫القومي اليهو‬
‫القومي اليهودي في قوانينه الحق بالقامة والحق بمزاولة عمل تجاري‬
‫وغالبًا‪ ،‬حق العمل أيضًا‪ ،‬على كل من هو غير يهودي‪ ،‬لمجرد أنه ليس‬
‫يهوديًا‪ ،‬بينما ل ُيمنع اليهود من القامة ومزاولة العمل التجاري‪ ،‬في‬
‫مكان في إسرائيل‪ .‬وإذا جرى تطبيق مثل هذه الممارسة التمييزية ضد‬
‫اليهود في أي دولة أخرى‪ ،‬فإن هذه الدولة ستوصم فورًا‪ ،‬وعن حق‪،‬‬
‫بمعاداة السامية‪ ،‬وستوقد بل شك‪ ،‬احتجاجات شعبية واسعة النطاق‪ .‬و‬
‫عندما ُتطبق إسرائيل هذا التمييز كجزء من "أيديولوجيتها اليهودية"‪،‬‬
‫هذه الممارسة تحظى عادة‪ ،‬بتجاهل متعمد‪ ،‬أو بتبريرات إذا ُذكرت‪ ،‬وه‬
‫‪.‬نادرًا ما تذكر‬
‫أما نكران حق العمل‪ ،‬فيعني بأن غير اليهود يمنعون رسميًا من العمل‬
‫الراضي التي تديرها سلطة أراضي إسرائيل‪ ،‬وفق أنظمة الصندوق ال‬
‫اليهودي‪ .‬ول شك أن هذه النظمة ل ُتنفذ دائمًا‪ ،‬ول حتى في أغلب‬
‫الحيان‪ ،‬ولكنها أنظمة موجودة‪ .‬وتحاول إسرائيل من وقت إلى آخر‪،‬‬
‫حملت تنفيذ بالقوة لهذه النظمة‪ ،‬بواسطة سلطات الدولة‪ ،‬مثلما هو ا‬
‫على سبيل المثال‪ ،‬عندما تعمل وزارة الزراعة ضد "وباء السماح لعم‬
‫عرب بجني محاصيل بساتين الفاكهة العائدة ليهود‪ ،‬والقائمة على أرض‬
‫قومية ]أي على أرض عائدة لدولة إسرائيل["‪ ،‬حتى ولو كان العرب‪،‬‬
‫موضوع البحث‪ ،‬مواطنين إسرائيليين‪ .‬وتتشدد إسرائيل أيضًا‪ ،‬في منع‬
‫اليهود الذين يستوطنون أرضًا من "الراضي القومية" من إعادة تأجي‬
‫ولو جزء من أرضهم إلى أشخاص عرب‪ ،‬حتى لوقت قصير؛ وُيعاقب‬
‫الذين يفعلون ذلك بغرامات باهظة‪ .‬ولكن ل يوجد خطر يحول دون إقد‬
‫المواطنين غير اليهود على تأجير أراضيهم إلى مواطنين يهود‪ .‬وهذا‬
‫في حالتي الخاصة‪ ،‬بأنني أمتلك الحق‪ ،‬بفضل كوني يهوديًا‪ ،‬باستئجار‬
‫بستان من يهودي آخر لقطف ثماره‪ ،‬ولكن غير اليهودي‪ ،‬سواء أكان‬
‫‪.‬مواطنًا إسرائيليًا أم مقيمًا غريبًا فيها‪ ،‬ل يمتلك هذا الحق‬
‫ول يتمتع مواطنو إسرائيل من غير اليهود بحق المساواة أمام القانون‬
‫وُيعّبر عن هذا التمييز في العديد من القوانين السرائيلية‪ ،‬التي تحجم‬
‫ي "اليهودي" و"غير اليهودي" صراح‬ ‫ح ْ‬
‫تلفيًا للحرج‪ ،‬عن ذكر مصطل َ‬
‫كما هو الحال في قانون العودة الساسي‪ .‬وبحسب هذا القانون‪ ،‬فإن‬
‫الشخاص المعترف بهم رسميًا‪ ،‬دون غيرهم بأنهم "يهود"‪ ،‬لهم الحق‬
‫التلقائي بدخول إسرائيل والستيطان فيها‪ .‬ويتسلم هؤلء بصورة تلقائ‬
‫"شهادة هجرة"‪ ،‬تزّودهم فور وصولهم بـ"الجنسية نظرًا لعودتهم إلى‬
‫الوطن اليهودي"‪ ،‬ويحق لهم الحصول على تقديمات مالية عديدة‪ ،‬تتف‬
‫نوعًا ما‪ ،‬بحسب البلد الذي هاجروا منه‪ .‬فاليهود الذين يهاجرون من‬
‫التحاد السوفييتي السابق‪ ،‬يحصلون على "هبة استيطان" تزيد على‬
‫‪ 20000‬دولر للعائلة الواحدة‪ .‬وبموجب هذا القانون‪ ،‬يكتسب جميع‬
‫اليهود الذين يهاجرون إلى إسرائيل‪ ،‬وعلى الفور‪ ،‬حق التصويت في‬
‫النتخابات‪ ،‬وحق انتخابهم ممثلين في الكنيست‪ ،‬حتى وإن كانوا ل يتك‬
‫‪.‬كلمة عبرية واحدة‬
‫وتستعيض القوانين السرائيلية الخرى عن هذه المصطلحات بعبارات‬
‫تفوقها بلدة‪ ،‬مثل عبارتي "كل من يستطيع الهجرة وفق قانون العودة‬
‫و"كل من ل يحق له الهجرة بموجب قانون العودة"‪ .‬وبالستناد إلى ه‬
‫القانون‪ ،‬موضوع بحثنا‪ُ ،‬تمنح التقديمات عندئٍذ‪ ،‬للمدرجين في الفئة‬
‫الولى‪ ،‬وُتحجب بانتظام عن المدرجين في الفئة الثانية‪ .‬وبطاقة الهوي‬
‫التي يفترض على الجميع حملها في كل الوقات‪ ،‬هي الوسيلة الروتيني‬
‫‪.‬لفرض التمييز في الحياة اليومية‬
‫فبطاقات الهوية تسجل "القومية" الرسمية للشخص‪ ،‬ويمكن لهذه‬
‫"القومية" أن تكون "يهودية" أو "عربية" أو "درزية" أو ما شابه‬
‫ولكن ليس "إسرائيلية"‪ ،‬وهذا استثناء ذو مغزى‪ .‬وكان السرائيليون‬
‫أرادوا أن يوصفوا رسميًا كإسرائيليين في بطاقات هوياتهم‪ ،‬أو حتى‬
‫كإسرائيليين يهود‪ ،‬قد فشلوا في محاولتهم لجبار وزارة الداخلية على‬
‫ل‪ ،‬فقد تلقوا كتابًا من وزار‬
‫السماح لهم بذلك‪ .‬أما الذين حاولوا ذلك فع ً‬
‫الداخلية مضمونه‪" :‬تقرر المتناع عن العتراف بقومية إسرائيلية"‪.‬‬
‫‪.‬هذا الكتاب لم يحدد الجهة التي اتخذت هذا القرار‪ ،‬ومتى اتخذته‬
‫وتمّيز قوانين وأنظمة عديدة في إسرائيل لصالح الشخاص المعّرفين‬
‫أشخاصًا "يستطيعون الهجرة وفق قانون العودة"‪ ،‬ما يستدعي معالجة‬
‫مستقلة للموضوع‪ .‬ولكننا نستطيع هنا النظر في مثل واحد قد يبدو تاف‬
‫بالمقارنة مع قيود القامة‪ ،‬ولكنه مع ذلك مثٌل مهٌم‪ ،‬لنه يميط اللثام ع‬
‫النوايا الحقيقية للمشترع السرائيلي‪ .‬فالمواطنون السرائيليون الذين‬
‫غادروا البلد لبعض الوقت‪ ،‬ولكنهم معّرفون كمواطنين "يستطيعون ال‬
‫وفق قانون العودة"‪ ،‬هم مواطنون مؤهلون للحصول على منافع جمرك‬
‫سخية لدى عودتهم‪ ،‬وعلى معونات مالية لتعليم أولدهم في المدارس‬
‫الثانوية‪ ،‬وعلى هبة أو قرض بشروط سهلة‪ ،‬لشراء شقة سكنية‪ ،‬بالض‬
‫إلى تقديمات أخرى أيضًا‪ .‬أما المواطنون الذين ل يمكن تعريفهم بهذا‬
‫الشكل‪ ،‬أي مواطنو إسرائيل من غير اليهود‪ ،‬فل يحصلون على شيء‬
‫هذه التقديمات‪ ،‬والقصد الواضح من مثل هذه الجراءات التمييزية‪ ،‬ه‬
‫تقليص عدد المواطنين الغيار في إسرائيل‪ ،‬لجعل إسرائيل دولة أكثر‬
‫‪"".‬يهودية‬
‫المستردة ‪n‬‬ ‫عقيدة الرض‬
‫"طـرد "الغيـار‬
‫تنشر إسرائيل في وسط مواطنيها اليهود عقيدة حصرية لسترداد الر‬
‫ويمكننا من خلل هذه العقيدة‪ ،‬التي ُتلقن لتلمذة المدارس في إسرائيل‬
‫ندرك جيدًا هدفها الرسمي الرامي إلى تقليص عدد المواطنين غير اليه‬
‫إلى حّده الدنى‪ .‬فهؤلء التلمذة ُيلقنون بأن هذه العقيدة هي عقيدة قاب‬
‫للتطبيق‪ ،‬إما في أنحاء دولة إسرائيل‪ ،‬أو في مناطق ما بعد العام‪967‬‬
‫في أنحاء ما ُيشار إليه كـ"أرض" إسرائيل‪ .‬وبحسب هذه اليديولوجية‬
‫الرض التي "اسُتردت" هي الرض التي انتقلت من ملكية غير يهودي‬
‫ملكية يهودية‪ .‬وهذه الملكية يمكنها أن تكون إما ملكية خاصة أو ملكًا‬
‫للصندوق القومي اليهودي أو للدولة اليهودية‪ .‬أما الرض التي تعود‬
‫غير اليهود‪ ،‬فإنها على العكس من ذلك‪ُ ،‬تعتبر أرضًا "غير مستردة"‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬إذا كان يهودي قد ارتكب أبشع الجرائم‪ ،‬التي يمكن تصّورها‪،‬‬
‫على شراء قطعة أرض من شخص فاضل غير يهودي‪ ،‬تصبح الرض‬
‫"غير المستردة"‪ ،‬بموجب هذا التبادل‪ ،‬أرضًا "مستردة"‪ .‬ولكن إذا أقد‬
‫شخص فاضل غير يهودي‪ ،‬على شراء قطعة أرض من أسوأ اليهود‪،‬‬
‫الرض التي كانت سابقًا أرضًا طاهرة و"مستردة" تصبح أرضًا "غير‬
‫مستردة" مرة أخرى‪ .‬والنتيجة المنطقية لمثل هذه اليديولوجية هي ال‬
‫الذي يطال المواطنين الغيار ‪" (TRANSFER)،‬أو ما ُيسمى "النق‬
‫كافة‪ ،‬من مساحة الرض التي "اسُتردت"‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن يوتوبيا‬
‫"اليديولوجية اليهودية" التي تبنتها دولة إسرائيل هي الرض‬
‫"المستردة" بأكملها‪ ،‬والتي ل يملكها الغيار أو يعملون فيها‪ .‬ولقد ع‬
‫زعماء حركة العمل الصهيونية عن هذه الفكرة المنّفرة تمامًا‪ ،‬تعبيرًا ك‬
‫‪.‬غاية في الوضوح‬
‫‪ history of‬ويخبرنا ولتر لكير‪ ،‬وهو الصهيوني المخلص‪ ،‬في كتا‬
‫كيف كان أحد هؤلء الباء الروحيين‪ ،‬وهو‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬غوردون‪onism، ،‬‬
‫الذي توفي عام‪" ،1919‬معارضًا للعنف مبدئيًا‪ ،‬ويبرر الدفاع عن النف‬
‫فقط في ظروف بالغة الشدة‪ .‬ولكنه وأصدقاءه‪ ،‬أرادوا لكل شجرة ولكل‬
‫أجمة في الوطن اليهودي‪ ،‬أن ُتزرع على يد الرواد اليهود فحسب‪ ،‬ولي‬
‫على يد أحد غيرهم"‪ .‬وهذا يعني بأنهم أرادوا للخرين كافة أن يرحلو‬
‫ويتركوا الرض "ليستردها" اليهود‪ .‬أما خلفاء غوردون فقد أضافوا‬
‫العنف أكثر مما كان يقصده هو نفسه‪ ،‬ولكن بقي مبدأ "السترداد" وا‬
‫‪.‬المترتبة عليه‬
‫وعلى نحو مماثل‪ ،‬فإن الكيبوتس‪ ،‬الذي كان الترحيب به واسع النطاق‬
‫كمحاولة لخلق المجتمع المثالي‪ ،‬كان وما زال يوتوبيا اقتصادية‪ ،‬لنه‬
‫ولو كان مؤلفًا من الملحدين‪ ،‬فإنه ل يقبل في وسطه‪ ،‬مبدئيًا‪ ،‬بأعضاء‬
‫العرب‪ ،‬ويطالب العضاء المحتملين من قوميات أخرى‪ ،‬بالتحول أوًل‬
‫ديانتهم واعتناقهم الديانة اليهودية‪ .‬ول عجب أن نعتبر شبيبة الكيبوتس‬
‫ل للقتال‬
‫‪.‬أكثر شرائح المجتمع اليهودي السرائيلي مي ً‬
‫وإن هذه اليديولوجية الحصرية‪ ،‬هي التي حّددت عمليات الستيلء ع‬
‫الرض في إسرائيل في الخمسينات‪ ،‬ثم في أواسط الستينات‪ ،‬وفي الم‬
‫المحتلة بعد العام ‪ ،1967‬وليست "الحاجات المنية" التي تزعمها الد‬
‫السرائيلية‪ .‬وهذه اليديولوجية هي التي أملت أيضًا الخطط السرائيلي‬
‫الرسمية من أجل "تهويد الجليل"‪ .‬وهذا المصطلح الغريب يعني تشجي‬
‫اليهود على الستيطان في الجليل بمنحهم تقديمات مالية‪) .‬وإنني لتس‬
‫ماذا ستكون ردة فعل يهود الوليات المتحدة فيما لو اقُترحت خطة في‬
‫ن است‬
‫بلدهم‪ ،‬لجعل نيويورك مسيحية‪ ،‬أو حتى بروكلين وحدها(‪ .‬ولك ّ‬
‫الرض يعني ضمنًا‪ ،‬أكثر من "التهويد" القليمي‪ .‬فالصندوق القومي‬
‫اليهودي‪ ،‬المدعوم بقوة من الوكالت الرسمية السرائيلية‪) ،‬خصوصًا‬
‫الشرطة السرية(‪ ،‬ينفق‪ ،‬في كامل مساحة إسرائيل‪ ،‬مبالغ ضخمة من‬
‫الموال العامة من أجل "استرداد" أي أرض يرغب الغيار في بيعها‪،‬‬
‫ومنع أي محاولة يقوم بها يهودي لبيع أرضه لغير يهودي‪ ،‬وذلك عن‬
‫‪.‬طريق دفع سعر أعلى له‬
‫التوسـع السرائيلـي‬
‫إن الخطر الرئيسي الذي تشكله إسرائيل "كدولة يهودية"‪ ،‬على شعبه‬
‫واليهود الخرين وجيرانها‪ ،‬هو سعيها‪ ،‬بالدافع اليديولوجي‪ ،‬إلى التو‬
‫القليمي‪ ،‬وسلسلة الحروب المحتومة الناتجة عن هذا الهدف‪ .‬فكلما‬
‫أصبحت إسرائيل أكثر يهودية‪ ،‬أو كما ُيقال بالعبرية‪ ،‬كلما "عادت إلى‬
‫اليهودية" )وهي عملية جارية في إسرائيل‪ ،‬على القل‪ ،‬منذ العام ‪67‬‬
‫كلما كانت سياستها تسترشد بالعتبارات اليديولوجية اليهودية‪ ،‬أكثر‬
‫تسترشد بالعتبارات العقلنية‪ .‬واستخدامي لمصطلح "عقلني" هنا‪،‬‬
‫تقويمًا خلقيًا للسياسات السرائيلية‪ ،‬أو لحاجات إسرائيل المفترضة إلى‬
‫الدفاع والمن ـ ول حتى لحاجات إسرائيل المفترضة إلى "البقاء"‪ .‬إنن‬
‫بهذا الستخدام‪ ،‬أشير هنا إلى السياسات المبريالية السرائيلية القائم‬
‫‪.‬على مصالحها المفترضة‬
‫فمهما كانت هذه السياسات سيئة خلقيًا وعلى جهل سياسي مطبق‪ ،‬فإن‬
‫أعتبر تبني السياسات القائمة على "اليديولوجية اليهودية" بصيغها‬
‫المختلفة كافة‪ ،‬ل أسوأ منها فحسب‪ ،‬بل أسوأ بكثير‪ .‬فالدفاعات‬
‫اليديولوجية للسياسات السرائيلية تقوم عادة على المعتقدات الدينية‬
‫اليهودية‪ ،‬أو‪ ،‬كما في حالة اليهود العلمانيين‪ ،‬على "الحقوق التاريخية‬
‫لليهود‪ ،‬المستمدة من هذه المعتقدات نفسها‪ ،‬والتي تحتفظ بالطابع العق‬
‫‪.‬لليمان الديني‬
‫ولقد بدأ تحولي السياسي المبّكر من معجب بـ"بن غوريون" إلى شخص‬
‫كّرس نفسه لمعارضته‪ ،‬بدأ بمسألة من هذا النوع‪ .‬ففي العام ‪،1956‬‬
‫ابتلعت كل السباب السياسية والعسكرية التي ساقها بن غوريون ليعّلل‬
‫مبادأة إسرائيل في حرب السويس‪ ،‬وإلى حين إقدامه )وهو الملحد‪ ،‬الم‬
‫بتجاهله لوصايا الديانة اليهودية( على العلن في الكنيست‪ ،‬في اليوم‬
‫الثالث على بداية تلك الحرب‪ ،‬أن سببها الحقيقي هو "إعادة مملكة داو‬
‫وسليمان إلى حدودها التوراتية"‪ .‬فعند هذه النقطة من خطابه‪ ،‬وقف ت‬
‫وبعفوية‪ ،‬أعضاء الكنيست كافة‪ ،‬وأنشدوا النشيد الوطني السرائيلي‪.‬‬
‫وبحسب علمي‪ ،‬لم يحصل قط أن أعلن أي سياسي صهيوني رفضه لف‬
‫بن غوريون القائلة بأن السياسات السرائيلية يجب أن تقوم )وضمن‬
‫العتبارات البراغماتية( على إعادة الحدود التوراتية كحدود للدولة‬
‫اليهودية‪ .‬وبالفعل‪ ،‬فإن التحليل الدقيق للستراتيجيات السرائيلية الكب‬
‫والمبادئ الفعلية للسياسة الخارجية‪ ،‬كما ُيعبر عنها بالعبرية‪ ،‬يوضح‬
‫اليديولوجية اليهودية هي التي تحدد‪ ،‬أكثر من أي عامل آخر‪ ،‬السياس‬
‫السرائيلية الفعلية‪ .‬وأن تجاهل اليهودية‪ ،‬كما هي على حقيقتها‪،‬‬
‫و"اليديولوجية اليهودية"‪ ،‬يجعل هذه السياسات سياسات ل يفهمها‬
‫المراقبون الجانب الذين ل يعرفون عادة أي شيء عن اليهودية إل‬
‫جة‬‫‪.‬التبريرات الف ّ‬
‫دعوني أعطي توضيحًا حديثًا أكثر‪ ،‬عن الفارق الجوهري القائم بين‬
‫خم للغاية‪ ،‬ولكن العلما‬
‫التخطيط المبريالي السرائيلي من النوع المض ّ‬
‫وبين مبادئ "اليديولوجية اليهودية"‪ .‬فاليديولوجية اليهودية توصي‬
‫الرض التي كانت في قديم الزمان‪ ،‬إما محكومة من حاكم يهودي كائن‬
‫كان‪ ،‬أو موعودة لليهود من ال‪ ،‬إما في التوراة‪ ،‬أو بحسب تفسير حا‬
‫للتوراة والتلمود ـ وهو الهم سياسيًا في الواقع ـ فإن هذه الرض يجب‬
‫تعود لسرائيل بما أنها دولة يهودية‪ .‬ومما ل شك فيه‪ ،‬أن الكثيرين م‬
‫الحمائم اليهود يرون بأن فتحًا من هذا النوع يجب أن يؤجل إلى وقت‬
‫فيه إسرائيل قد أصبحت أقوى مما هي عليه الن‪ ،‬أو أنهم يتطلعون بر‬
‫إلى حدوث "فتح سلمي"‪ ،‬أي أن يجري إقناع الحكام العرب أو الشعوب‬
‫العربية‪ ،‬بالتنازل عن الرض‪ ،‬موضوع البحث‪ ،‬لقاء منافع تنعم بها ع‬
‫‪.‬الدولة اليهودية حينذاك‬
‫ويجري التداول اليوم‪ ،‬بعدٍد من الصيغ المتباينة لحدود أرض إسرائيل‬
‫التوراتية‪ ،‬التي تفسرها مراجع حاخامية كحدود تعود إلى الوضع المثا‬
‫للدولة اليهودية‪ .‬والصيغة البعد أثرًا تشمل ضمن هذه الحدود‪ :‬كامل س‬
‫وجزءًا من شمالي مصر وحتى ضواحي القاهرة‪ ،‬في الجنوب؛ كامل ال‬
‫وجزءًا كبيرًا من العربية السعودية‪ ،‬كامل الكويت وجزءًا من العراق ج‬
‫الفرات‪ ،‬في الشرق كامل لبنان وسوريا مع جزء كبير جدًا من تركيا )‬
‫‪.‬بحيرة فان(‪ ،‬في الشمال‪ ،‬وقبرص في الغرب‬
‫وُتنشر في إسرائيل‪ ،‬وغالبًا بمعونات مالية من الدولة‪ ،‬أو بأشكال أخر‬
‫الدعم‪ ،‬كمية كبيرة من البحاث والمناقشات الثقافية القائمة على أساس‬
‫الحدود‪ ،‬والمشمولة في الطاليس والكتب والمقالت‪ ،‬وفي أشكال شعب‬
‫أكثر من أشكال الدعاية‪ .‬ومن المؤكد أن الراحل )مئير( كاهانا وأتباعه‬
‫بالضافة إلى هيئات نافذة أخرى مثل حركة غوش إيمونيم‪ ،‬ل يرغبون‬
‫بفتح إسرائيل لهذه الراضي فحسب‪ ،‬بل يعتبرون مثل هذا الفتح عملً‬
‫موصى به من ال‪ ،‬وسوف يكون نجاحه مؤكدًا بما أن ال سيساعد في‬
‫وفي الواقع‪ ،‬هناك شخصيات دينية يهودية مهمة‪ ،‬تعتبر رفض إسرائي‬
‫الشروح في حرب مقدسة من هذا النوع‪ ،‬أو ما هو أسوأ من ذلك؛ إعا‬
‫صحراء سيناء لمصر‪ ،‬خطيئة قومية‪ ،‬عاقبها ال عليها‪ ،‬عن حق‪ .‬وكا‬
‫أحد حاخامات غوش إيمونيم‪ ،‬والمدعو دوف ليور‪ ،‬حاخام مستوطنة ك‬
‫أربع اليهودية في الخليل‪ ،‬والكثر نفوذًا من غيره‪ ،‬قد أعلن تكرارًا‪ ،‬بأ‬
‫إخفاق إسرائيل في غزو لبنان في السنوات ‪1982‬ـ‪ ،1985‬كان عقابا‬
‫استحقته عن جدارة لخطيئتها في "إعطاء جزء من أرض إسرائيل" )‬
‫‪.‬سيناء( لمصر‬
‫ل متطرفًا على الحدود‬
‫وعلى الرغم من أنني اخترت‪ ،‬والحق ُيقال‪ ،‬مث ً‬
‫التوراتية لرض إسرائيل‪ ،‬التي تعود لـ"الدولة اليهودية"‪ ،‬فإن هذه الح‬
‫تتمتع بشعبية كبيرة في الدوائر القومية ـ الدينية‪ .‬وهناك صيٌغ أقل تط‬
‫للحدود التوراتية‪ ،‬التي ُتسمى أحياناً "الحدود التاريخية" أيضًا‪ .‬ولكن‬
‫التشديد على أن مفهوم الحدود التوراتية أو الحدود التاريخية كالحدود‬
‫المعينة للرض التي تعود لليهود بالحق‪ ،‬أمر ل تنكره في داخل إسرائ‬
‫ول في وسط جالية مؤيديها اليهود في الشتات‪ ،‬لسباب مبدئية‪ ،‬إل أقل‬
‫صغيرة تعارض مفهوم الدولة اليهودية‪ .‬وفيما عدا ذلك‪ ،‬فإن العتراض‬
‫على تحقيق مثل هذه الحدود‪ ،‬عن طريق الحرب‪ ،‬اعتراضات براغماتي‬
‫صرفة‪ .‬ويستطيع المرء أن يّدعي بأن إسرائيل اليوم أضعف من أن تس‬
‫فتح كامل الراضي التي "تعود" لليهود‪ ،‬أو أن يدعي بأن خسارة الر‬
‫اليهودية )وليس الرواح العربية!(‪ ،‬التي تستلزمها حرب غازية بهذه‬
‫الضخامة‪ ،‬أهم من فتح الراضي‪ ،‬ولكن ل يستطيع المرء‪ ،‬بحسب معاي‬
‫اليهودية‪ ،‬أن يدعي بأن "أرض إسرائيل" ضمن أي حدود كانت‪ ،‬ل "ت‬
‫لليهود كافة‪ .‬وكان آرييل شارون في أيار‪/‬مايو عام ‪ ،1993‬قد اقترح‬
‫رسميًا‪ ،‬في مؤتمر حركة الليكود‪ ،‬ضرورة أن تتبنى إسرائيل مفهوم ال‬
‫التوراتية كسياستها الرسمية‪ .‬وكانت هناك اعتراضات قليلة بعض الش‬
‫على هذا القتراح‪ ،‬إن في الليكود أو في خارجه‪ ،‬وكانت كلها اعتراضا‬
‫تقوم على أسباب براغماتية‪ .‬كما أن أحدًا لم يسأل شارون أين هي بالض‬
‫ح على وجوب أن تحققها إسرائيل‪ .‬ودعونا نت‬ ‫الحدود التوراتية التي يل ّ‬
‫بأنه لم يكن هناك أي شك في وسط الذين سموا أنفسهم لينينيين‪ ،‬بأن‬
‫‪.‬التاريخ يتبع المبادئ التي وضعها ماركس ولينين‬
‫وليس فقط المعتقد بذاته مهما كان دوغمائيًا‪ ،‬هو الذي يخلق الذهنية‬
‫الستبدادية‪ ،‬ولكن أيضًا رفض التشكيك به في أي وقت من الوقات‪ ،‬م‬
‫خلل الحؤول دون مناقشته في العلن‪ .‬لذلك يمكن القول بأنه يوجد عر‬
‫استبدادي قوي في المجتمع اليهودي ـ السرائيلي‪ ،‬وفي شخصية يهو‬
‫الشتات‪ ،‬الذين يعيشون "حياة يهودية"‪ ،‬والمنظمين في تنظيمات يهود‬
‫‪.‬صرفة‬
‫ومع ذلك‪ ،‬تطورت منذ قيام الدولة أيضًا‪ ،‬استراتيجية إسرائيلية كبرى‬
‫تقوم على مبادئ "اليديولوجية اليهودية"‪ ،‬بل على اعتبارات استراتي‬
‫أو إمبريالية صرفة ـ ولقد قدم الجنرال )احتياط( شلومو غازيت‪ ،‬الذي‬
‫قائدًا سابقًا للستخبارات العسكرية‪ ،‬وصفًا رسميًا وشفافًا للمبادئ التي‬
‫‪.‬تحكم مثل هذه الستراتيجية‬
‫مهمة إسرائيل ودورها‬
‫ط ]منذ أن ه‬‫فبحسب رأي غازيت‪" ،‬لم تتغير مهمة إسرائيل الرئيسية ق ّ‬
‫التحاد السوفياتي[‪ ،‬وهي باقية على أهميتها الحاسمة‪ .‬فموقع إسرائيل‬
‫الجغرافي في وسط الشرق الوسط العربي ـ المسلم‪ ،‬يجعل قَدر إسرائي‬
‫ي للستقرار في كامل البلدان المحيطة بها‪ .‬إن ]دو‬ ‫تكون الحارس الوف ّ‬
‫هو حماية النظمة القائمة‪ .‬ولهذه الغاية ستمنع إسرائيل حصول تغيير‬
‫وراء حدود إسرائيل‪] ،‬التي[ ستعتبرها تغييرات ل ُتطاق‪ ،‬وإلى حّد‬
‫إحساسها بأنها مجبرة على استخدام كل قوتها العسكرية من أجل منعه‬
‫‪".‬اجتثاثها‬
‫بكلم آخر‪ ،‬تهدف إسرائيل إلى فرض الهيمنة على الدول الشرق أوسط‬
‫الخرى‪ .‬ول حاجة للقول‪ ،‬بحسب غازيت‪ ،‬بأن لسرائيل اهتمامًا خّيرا‬
‫باستقرار أنظمة الحكم العربية‪ .‬فإسرائيل‪ ،‬برأي غازيت‪ ،‬بحمايتها للن‬
‫الحاكمة في الشرق الوسط‪ ،‬تؤدي خدمة حيوية "للدول المتقدمة صنا‬
‫والمهتمة جميعها‪ ،‬اهتمامًا شديدًا‪ ،‬بضمان الستقرار في الشرق الوس‬
‫وهو يقول مجادًل‪ ،‬بأن أنظمة الحكم القائمة في المنطقة كان من شأنه‬
‫تنهار منذ وقت طويل لول وجود إسرائيل‪ ،‬وأن هذه النظمة باقية في‬
‫الوجود فقط بسبب التهديدات السرائيلية‪ .‬وقد تكون وجهة النظر هذه‬
‫وجهة نظر منافقة‪ ،‬ولكن على المرء في الوقت نفسه‪ ،‬أن يتذكر في‬
‫مضامين من هذا النوع‪ ،‬حكمة لروش ـ فوكو القائلة بأن "النفاق هو‬
‫الضريبة التي يدفعها الخبث للفضيلة"‪ .‬وإن استرداد الرض ما هو إل‬
‫‪.‬محاولة للتملص من دفع أي ضريبة من هذا النوع‬
‫ل وفرعًا‪ ،‬السياسات السرائ‬‫ول حاجة للقول بأنني أعارض أيضًا‪ ،‬أص ً‬
‫غير ـ اليديولوجية كما شرحها غازيت بهذه الدرجة من الصحة والش‬
‫وإنني أقّر في الوقت نفسه‪ ،‬بأن أخطار سياسات بن غوريون أو شارو‬
‫بحوافزها "اليديولوجية اليهودية"‪ ،‬هي أسوأ بكثير من السياسات‬
‫المبريالية مهما كانت إجرامية‪ .‬كما أن نتائج السياسات التي تنتهجها‬
‫أنظمة حكٍم أخرى مدفوعة بحوافز أيديولوجية تشير إلى التجاه نفسه‬
‫ولن عنصرًا مهمًا من العناصر المؤلفة للسياسة السرائيلية يقوم على‬
‫أساس "اليديولوجية اليهودية"‪ ،‬فإن تحليلها يصبح أمرًا ل بد منه‬
‫سياسيًا‪ ،‬كما أن هذه اليديولوجية تقوم بدورها على مواقف اليهودية‬
‫التاريخية تجاه الغيار‪ ،‬وهذه المواقف هي أحد المواضيع الرئيسية له‬
‫الكتاب‪ ،‬فهي تؤثر بالضرورة على العديد من اليهود‪ ،‬عن وعي أو بدو‬
‫وعي‪ .‬ومهمتنا هنا أن نبحث في اليهودية التاريخية بالمصطلحات الو‬
‫إن تأثير اليديولوجية اليهودية على العديد من اليهود سيكون أقوى م‬
‫ش‬
‫دامت محجوبة أكثر عن المناقشة العامة‪ .‬والمأمول هو أن يقود نقا ٌ‬
‫هذا النوع الناس إلى اتخاذ موقف من الشوفينية اليهودية ومن الزدر‬
‫الذي يبديه عدٌد كبير من اليهود تجاه الغيار )الذي سنوثقه أدناه(‪ ،‬يك‬
‫ل للموقف المتخذ عادة‪ ،‬من معاداة السامية والشكال الخرى كاف‬ ‫مماث ً‬
‫لكراهية الغير والشوفينية والعنصرية‪ .‬كما ُيفترض‪ ،‬عن حق‪ ،‬بأن الفض‬
‫الكامل وحده‪ ،‬ليس لمعاداة السامية فحسب‪ ،‬بل لجذورها التاريخية أيض‬
‫يمكنه أن يكون الساس للقتال ضدها‪ ،‬كذلك المر‪ ،‬افترض بأن الفضح‬
‫الكامل وحده للشوفينية اليهودية والتعصب الديني‪ ،‬يمكنه أن يكون ال‬
‫ح ذلك بصفة خاصة‪ ،‬اليوم‪ ،‬عندما نجد‬ ‫للنضال ضد هذه الظواهر‪ .‬ويص ّ‬
‫التأثير السياسي للشوفينية اليهودية والتعصب الديني‪ ،‬وعلى عكس ال‬
‫الذي كان سائدًا منذ خمسين عامًا أو ستين‪ ،‬هو تأثير أكبر بكثير من ت‬
‫معاداة السامية‪ .‬ولكن هناك اعتبارًا آخر مهمًا أيضًا‪ ،‬فأنا أؤمن بقوة‪،‬‬
‫‪.‬ل يمكن محاربة الشوفينية اليهودية ومعاداة السامية إل في وقت واح‬
‫غيتو مولع بالقتال ومغلق‬
‫إن الخطر الفعلي للسياسات السرائيلية القائمة على اليديولوجية اليه‬
‫سيبقى أكبر من خطر السياسات القائمة على العتبارات الستراتيجية‬
‫الصرفة‪ ،‬حتى يجري تبني مثل هذه المواقف تبنيًا واسع النطاق‪ ،‬والفا‬
‫بين هذين النوعين من السياسات‪ ،‬فارق عّبر عنه تعبيرًا جيدًا هيو تر‬
‫روبر في بحث له بعنوان "السير توماس مور واليوتوبيا"‪ ،‬وقد أطلق‬
‫‪.‬عليهما صفتي الفلطونية والميكانيكية‬
‫لقد اعتذر ميكيافيللي‪ ،‬على القل‪ ،‬عن الطرق التي اعتقد بأنها ضروري‬
‫السياسة‪ ،‬ولقد أسف على ضرورة العنف والحتيال‪ ،‬ولم يطلق عليهم‬
‫اسم آخر‪ .‬ولكن أفلطون ومور برراهما‪ ،‬شرط استخدامهما للمحافظة‬
‫‪.‬جمهوريتيهما الفاضلتين‬
‫وعلى نحو مماثل‪ ،‬فإن المؤمنين الحقيقيين بهذه اليوتوبيا المسماة "ا‬
‫اليهودية" ‪ ،‬والتي ستجتهد لحراز الحدود التوراتية‪ ،‬هم أكثر خطرًا م‬
‫الستراتيجيين الكبار‪ ،‬من أمثال "غازيت"‪ ،‬لن سياساتهم ُتبّرر‪ ،‬إما ع‬
‫طريق استخدام الدين أو ما هو أسوأ‪ ،‬أو عن طريق استخدام المبادئ‬
‫الدينية الُمعلمنة التي تحتفظ بشرعية مطلقة‪ .‬فبينما يرى غازيت‪ ،‬على‬
‫القل‪ ،‬حاجة للمجادلة بأن التحّكم السرائيلي ُيفيد أنظمة الحكم العربية‬
‫يّدع بن غوريون بأن إعادة إنشاء مملكة داود وسليمان ستفيد أحدًا غ‬
‫‪.‬الدولة اليهودية‬
‫وينبغي أل يبدو المر غريبًا إذا استخدمنا المفاهيم الفلطونية لتحليل‬
‫السياسات السرائيلية القائمة على اليديولوجية اليهودية‪ .‬فقد تنّبه بض‬
‫علماء‪ ،‬وكان أهمهم موشيه هداس‪ ،‬الذي اّدعى بأن أسس "اليهودية‬
‫الكلسيكية"‪ ،‬أي اليهودية كما أرساها حكماء التلمود‪ ،‬أسس قائمة عل‬
‫التأثيرات الفلطونية‪ ،‬وخصوصًا على صورة إسبارطة كما تظهر عند‬
‫أفلطون‪ .‬وبحسب هّداس‪ ،‬فإن إحدى السمات الحاسمة للنظام السياسي‬
‫الفلطوني‪ ،‬والتي تبّنتها اليهودية في وقت مبكر جدًا يعود إلى عهد‬
‫المكابين )‪142‬ـ‪63‬ق‪.‬م(‪ ،‬كانت "ضرورة أن تكون كل مرحلة من مرا‬
‫السلوك النساني خاضعة للتصديقات الدينية التي‪ ،‬في الواقع‪ ،‬ينبغي ل‬
‫أن يديرها إدارة ماهرة"‪ .‬ول يمكن أن يكون هناك تعريف لـ"اليهودية‬
‫الكلسيكية" وللطرق الماهرة التي أدارها بها الحاخامات‪ ،‬أفضل من ه‬
‫التعريف الفلطوني‪ .‬وعلى وجه الخصوص‪ ،‬فقد اّدعى هداس بأن الي‬
‫ف لبرنامجه"‪ ،‬في الفقرة التا‬
‫خصه أفلطون بنفسه كـ"أهدا ٍ‬ ‫تبنت ما "ل ّ‬
‫‪:‬المعروفة‬
‫ل كان أم امرأة‪ ،‬يجب أّل يكون‬‫ي شخص‪ ،‬رج ً‬ ‫نأ ّ‬
‫المر الساسي هو أ ّ‬
‫من دون ضابط معّين فوقه‪ ،‬وأن أي شخص كان يجب أل يكتسب العاد‬
‫الذهنية باتخاذ أي خطوة‪ ،‬بالجّد أو بالهزل‪ ،‬على مسؤوليته الفردية‪ .‬ف‬
‫أن يعيش دائمًا‪ ،‬في السلم كما في الحرب‪ ،‬بعينيه نصب ضابطه العلى‬
‫باختصار‪ ،‬ينبغي لنا أن ندّرب الذهن حتى على أل ُيفكر بالعمل كفرد أو‬
‫)‪. (Laws, 942 ab‬يعرف كيف يعمل كفرد‬
‫وإذا استبدلنا كلمة حاخام بكلمة ضابط‪ ،‬سيكون لدينا صورة كاملة لليه‬
‫الكلسيكية‪ .‬وهذه اليهودية الكلسيكية ما زالت تؤثر تأثيرًا عميقًا في‬
‫المجتمع اليهودي ـ السرائيلي‪ ،‬وتعّين إلى حد بعيد‪ ،‬السياسات السر‬
‫وهذه الفقرة المقتبسة أعله‪ ،‬هي الفقرة التي اختارها كارل بوبر في م‬
‫باعتبارها تصف ماهية ‪The Open Society Its Enemies,‬‬
‫"المجتمع المغلق"‪ .‬فاليهودية التاريخية وخليفتاها‪ ،‬الرثوذكسية‬
‫والصهيونية‪ ،‬هم العداء اللّداء لمفهوم المجتمع المفتوح‪ ،‬كما هو مط‬
‫في إسرائيل‪ .‬فالدولة اليهودية‪ ،‬سواء أكانت قائمة على أيديولوجيتها‬
‫اليهودية الحالية‪ ،‬أم أصبحت حتى أكثر يهودية في طابعها مما هي عل‬
‫الن‪ ،‬مستندة إلى مبادئ الرثوذكسية اليهودية‪ ،‬ل يمكنها أبدًا‪ ،‬أن تض‬
‫مجتمعًا مفتوحًا‪ .‬وهناك خياران اثنان أمام المجتمع اليهودي ـ السرائ‬
‫فهو يستطيع أن يصبح غيتو مولعًا بالقتال ومغلقًا تمامًا‪ ،‬أي إسبارطة‬
‫يهودية‪ ،‬مدعومًا بكدح عبيد الرض العرب‪ ،‬يحافظ على وجوده من خ‬
‫نفوذه على المؤسسة السياسية المريكية‪ ،‬وتهديداته باستخدام قوته‬
‫النووية‪ ،‬أو يمكنه المحاولة ليصبح مجتمعًا مفتوحًا‪ .‬ويعتمد الخيار الث‬
‫على الفحص المين لماضيه اليهودي‪ ،‬وعلى العتراف بوجود الشوفي‬
‫اليهودية والقتصادية اليهودية‪ ،‬وعلى الفحص المين لمواقف اليهود‬
‫‪.‬غير اليهود‬
‫الجماعيـة ‪n‬‬ ‫القتل والبـادة‬
‫أغيـار" يمكن قتلهم"‬
‫إن قتل اليهودي‪ ،‬بحسب الديانة اليهودية‪ ،‬جريمة عقوبتها العدام؛ و‬
‫إحدى أفظع الخطايا الثلث )والخطيئتان الخريان هما عبادة الوثان‬
‫والزنى(‪ ،‬وللمحاكم الدينية والسلطات العلمانية اليهودية‪ ،‬الوامر التي‬
‫ُتلزمها بمعاقبة أي شخص مذنب بجرم قتل يهودي‪ ،‬وحتى بما يجاوز‬
‫‪.‬إجراءات العدالة العادية‬
‫أما اليهودي الذي يتسبب بصورة غير مباشرة‪ ،‬بقتل يهودي آخر‪ ،‬فهو‬
‫مذنب فقط بارتكاب ما تسميه شريعة التلمود‪ ،‬معصية ضد "شرائع‬
‫‪.‬السماء"‪ ،‬ويكون عقابه عند ال عوضًا عن البشر‬
‫ولكن عندما تكون الضحية من الغيار يختلف الوضع تمامًا‪ .‬فاليهودي‬
‫الذي يقتل أحد الغيار يكون مذنبًا فقط بارتكاب معصية ضد شرائع الس‬
‫وهي معصية غير قابلة لعقوبة صادرة عن محكمة‪ .‬أما التسبب بصور‬
‫‪.‬غير مباشرة بمقتل أحد الغيار‪ ،‬فهذا ليس معصية على الطلق‬
‫وعلى هذا النحو‪ ،‬يشرح أحد أهم معّلقين اثنين على "شولحان عاروخ‬
‫بالقول بأنه فيما يتعلق بالغيار‪" ،‬على المرء أل يرفع يده ليذائه‪ ،‬ولك‬
‫ل‪ ،‬بعدما ي‬
‫سّلم مث ً‬
‫يستطيع أن يؤذيه بطريقة غير مباشرة‪ ،‬كأن يزيل ال ُ‬
‫الشخص المعين قد سقط في هوة‪ ..‬إذ ل يوجد حظر هنا‪ ،‬لن الذى لم‬
‫‪ُ".‬يرتكب بصورة مباشرة‬
‫ولكن المعلق ُيشير من ناحية ثانية‪ ،‬إلى الحظر المفروض على عمل ي‬
‫بصورة غير مباشرة إلى مقتل أحد الغيار‪ ،‬إذا كان ُيمكن لهذا العمل أ‬
‫‪.‬يتسبب في انتشار العداء تجاه اليهود‬
‫أما القاتل من الغيار الذي ُيصادف وجوده تحت السلطة القضائية‬
‫اليهودية‪ ،‬ينبغي أن ُينفذ فيه حكم العدام‪ ،‬سواء أكانت الضحية يهودي‬
‫غير يهودية‪ .‬أما إذا كانت الضحية من الغيار وتحّول القاتل عن ديانت‬
‫‪.‬واعتنق اليهودية‪ ،‬فإنه ل ُيعاقب‬
‫ولكل هذا صلة عملية ومباشرة بحقائق دولة إسرائيل‪ .‬وعلى الرغم م‬
‫القانون الجنائي في هذه الدولة ل يميز بين اليهود والغيار‪ ،‬فإن‬
‫الحاخامات الرثوذكس الذي يتبعون في إرشاد رعيتهم‪ُ ،‬يجرون مثل ه‬
‫التمييز بالتأكيد‪ .‬أما النصيحة التي يسدونها للجنود المتدينين‪ ،‬فهي نص‬
‫‪.‬لها أهمية خاصة‬
‫فلما كان حتى المنع المفروض على قتل أحد الغيار بدون تحّفظ‪ ،‬منعاً‬
‫ينطبق في حّده الدنى‪ ،‬فقط على "الغيار الذين لسنا‪) ،‬نحن اليهود(‪،‬‬
‫حالة عداء معهم"‪ ،‬فقد استنتج عدد من الحاخامات المعّلقين في الماض‬
‫الستنتاج المنطقي القائل بأن جميع الغيار‪ ،‬في زمن الحرب‪ ،‬الذين ي‬
‫إلى السكان المعادين‪ ،‬أغيار يمكن قتلهم‪ ،‬أو حتى أغيار ينبغي قتلهم‪.‬‬
‫العام‪ ،1973‬وهذا المبدأ ُيبث علنًا‪ ،‬من أجل إرشاد الجنود المتدينين‪.‬‬
‫ب نشرته قيادة المنطق‬ ‫أول حض رسمي من هذا النوع‪ُ ،‬مضّمنا في كتّي ٍ‬
‫الوسطى في الجيش السرائيلي‪ ،‬وهي المنطقة التي تشمل‪ ،‬الضفة الغ‬
‫وقد كتب الكاهن الرئيسي لهذه القيادة في الكتيب يقول‪" :‬عندما تصاد‬
‫قواتنا مدنيين خلل الحرب‪ ،‬أو أثناء عملية مطاردة‪ ،‬أو في غارة من‬
‫الغارات‪ ،‬وما دام هناك عدم يقين حول ما إذا كان هؤلء المدنيون غير‬
‫قادرين على إيذاء قواتنا‪ ،‬فيمكن قتلهم بحسب الهالخاه‪ ،‬ل بل ينبغي‬
‫قتلهم‪ ..‬إذ ينبغي عدم الثقة بالعربي في أي ظرف من الظروف‪ ،‬حتى و‬
‫أعطى انطباعًا بأنه متمدن‪ ..‬ففي الحرب‪ُ ،‬يسمح لقواتنا وهي تهاجم ال‬
‫بل إنها مأمورة بالهالخاه‪ ،‬بقتل حتى المدنيين الطيبين‪ ،‬أي المدنيين ا‬
‫‪".‬يبدون طّيبين في الظاهر‬
‫االغيار في أرض إسرائيل‬
‫يوجد في الهالخاه‪ ،‬بالضافة إلى القوانين العامة المعادية للغيار‪ ،‬قو‬
‫خاصة ضد الغيار الذين يعيشون على أرض إسرائيل‪ ،‬أو الذين يمرو‬
‫عبرها‪ ،‬في بعض الحالت فحسب‪ .‬وهذه القوانين مكّرسة لتعزيز التفو‬
‫‪.‬اليهودي في هذه البلد‬
‫والتعريف الجغرافي الدقيق لمصطلح "أرض إسرائيل"‪ ،‬هو موضوع‬
‫شديد في التلمود وفي الدب التلمودي‪ ،‬وقد استمّر هذا الجدل في الزم‬
‫الحديثة بين مختلف اتجاهات الرأي الصهيونية‪ .‬فبالنسبة إلى وجهة ن‬
‫الحد القصى‪ ،‬تشمل أرض إسرائيل )بالضافة إلى فلسطين نفسها(‪ ،‬لي‬
‫فقط كامل سيناء والردن وسوريا ولبنان‪ ،‬بل أجزاء كبيرة أيضًا من ت‬
‫ولكن تفسير "الحد الدنى" الكثر شيوعًا‪ ،‬يضع الحدود الشمالية "فقط‬
‫عند منتصف الطريق عبر سوريا ولبنان‪ ،‬عند خط العرض لمدينة حمص‬
‫وكان بن غوريون يؤيد وجهة النظر هذه‪ .‬إل أن حتى هؤلء الذين‬
‫يستثنون‪ ،‬على هذا النحو‪ ،‬أجزاء من سوريا ـ لبنان‪ ،‬يتفقون في الرأي‬
‫بعض القوانين التمييزية الخاصة )ولو أنها قوانين أقل قمعية من تلك‬
‫المعمول بها في أرض إسرائيل بالذات(‪ ،‬هي قوانين تنطبق على الغي‬
‫تلك النحاء‪ ،‬لن تلك الراضي كانت ضمن نطاق مملكة داود‪ .‬كما أن‬
‫جزيرة قبرص‪ ،‬في التفسيرات التلمودية كافة‪ ،‬تدخل ضمن نطاق أرض‬
‫‪.‬إسرائيل‬
‫وسوف أسجل الن قائمة ببعض القوانين الخاصة المتعلقة بالغيار في‬
‫أرض إسرائيل‪ ،‬وسوف تكون صلتها بالممارسة الصهيونية الفعلية ظ‬
‫‪.‬تمامًا‬
‫تمنع الهالخاه اليهود من بيع الممتلكات غير المنقولة ـ كالحقول والبي‬
‫في أرض إسرائيل‪ ،‬إلى الغيار‪ .‬أما في سوريا‪ ،‬فيسمح ببيع البيوت )‬
‫‪).‬ليس الحقول‬
‫وُيسمح بتأجير منـزل في أرض إسرائيل لحد الغيار‪ ،‬بشرطين اثنين‪.‬‬
‫الشرط الول‪ ،‬أل ُيستخدم هذا المنـزل للسكن‪ ،‬بل لغراض أخرى‪ ،‬مثل‬
‫التخزين‪ .‬والشرط الثاني‪ ،‬أل تؤجر للغيار ثلثة منازل مجاورة أو أكث‬
‫‪.‬إيجارًا من هذا النوع‬
‫سر هذه الحكام وغيرها كالتالي‪" :‬حتى ل تسمح لهم بالتخييم على‬ ‫وُتف ّ‬
‫الرض‪ ،‬لنهم عندما ل يملكون الرض‪ ،‬فإن مكوثهم هناك سوف يكو‬
‫مؤقتًا"‪ .‬ويجوز التسامح حتى تجاه الوجود المؤقت للغيار‪ ،‬ولكن فقط‬
‫"عندما يكون اليهود في المنفى‪ ،‬أو عندما يكون الغيار أقوى من‬
‫اليهود"‪ ،‬ولكن ُيحظر علينا‪ ،‬عندما يكون اليهود أقوى من الغيار‪ ،‬الق‬
‫بعابد الوثان في وسطنا؛ ولن ُيسمح حتى للمقيم المؤقت أو التاجر‬
‫المتجول‪ ،‬بالمرور عبر أرضنا‪ ،‬ما لم يقبل بتعاليم نوح السبعة‪ ،‬لنه ُكت‬
‫"ولن يقيموا في أرضك"‪ ،‬أي ول حتى بصفة مؤقتة‪ .‬فإذا قبل بتعاليم‬
‫السبعة‪ ،‬يصبح غريبًا مقيمًا‪ ،‬ويحظر منحه مكانة الغريب المقيم إل في‬
‫الوقات التي ُيقام فيها مهرجان الفرح ]أي عندما يقوم الهيكل وُتقّدم‬
‫القرابين[‪ .‬أما خلل الزمنة التي ل تقام فيها مهرجانات الفرح‪ ،‬فُيحظر‬
‫ل إلى اعتناق اليهودية‬
‫‪.‬القبول بأي شخص لم يتحّول تحوًل كام ً‬
‫ويّتضح بالتالي ـ وتمامًا كما يقول قادة حركة غوش إيمونيم والمتعاطف‬
‫معها ـ بأن السؤال برمته‪ ،‬حول الكيفية التي ينبغي أن ُيعامل بها‬
‫الفلسطينيون‪ ،‬هو بحسب الهالخاه‪ ،‬مجرد مسألة القوة اليهودية‪ :‬فإذا‬
‫لليهود القوة الكافية‪ ،‬فإن واجبهم الديني يقتضي منهم عندئٍذ‪ ،‬طرد‬
‫‪.‬الفلسطينيين‬
‫وغالبًا ما يستشهد الحاخامات السرائيليون وأتباعهم المحّمسون بهذه‬
‫القوانين‪ .‬وعلى سبيل المثال‪ ،‬فقد استشهد المؤتمر الحاخامي الذي انع‬
‫عام‪ ،1979‬لمناقشة اتفاقات كامب ديفيد‪ ،‬استشهادًا وقورًا‪ ،‬بالقانون‬
‫يمنع تأجير الغيار ثلثة منازل متجاورة‪ .‬وأعلن هذا المؤتمر أيضًا‪ ،‬ب‬
‫حتى "الحكم الذاتي" الذي كان بيغن مستعدًا لتقديمه إلى الفلسطينيين‪،‬‬
‫بحسب الهالخاه‪ ،‬حكم ذاتي ليبرالي أكثر من اللزوم‪ .‬ونادرًا ما يطعن‬
‫"اليسار" الصهيوني بتصريحات من هذا النوع ـ وهي تصريحات تحد‬
‫‪.‬الواقع‪ ،‬موقف الهالخاه تحديدًا صحيحًا‬
‫وبالضافة إلى مثل هذا القوانين التي ُذكرت حتى الن‪ ،‬والموجهة ضد‬
‫الغيار كافة في أرض إسرائيل‪ ،‬ينشأ تأثير يفوقها شرًا‪ ،‬من القوانين‬
‫الخاصة ضد الكنعانيين القدامى‪ ،‬وغيرهم من الشعوب التي عاشت في‬
‫فلسطين قبل أن يفتحها يوشع‪ ،‬وضد العماليق أيضًا‪ .‬فكل هذه الشعوب‬
‫ض التور‬
‫أن ُتباد إبادة كاملة‪ ،‬ويكرر التلمود والدب التلمودي هذا الح ّ‬
‫على البادة الجماعية بحماسة حتى أشد من حماسة التوراة‪ .‬وُيماثل‬
‫الحاخامات النافذون الذين لهم أتباع ُكثر في وسط ضباط الجيش‬
‫السرائيلي‪ ،‬يماثلون الفلسطينيين‪) ،‬أو حتى العرب جميعًا(‪ ،‬بتلك الشع‬
‫القديمة‪ ،‬بحيث تكتسب وصايا من نوع وصية "ولن ُتبقي حيًا أي شي‬
‫يتنفس"‪ ،‬معنى له صلة بالوضع الحاضر‪ .‬ومن المألوف في الواقع‪ ،‬أن‬
‫ُتلقى في جنود الحتياط الذين يجري استدعاؤهم لدورة خدمة في قطاع‬
‫غزة‪" ،‬محاضرات تثقيفية" يقال لهم فيها بأن فلسطينيي غزة "يشبهو‬
‫العماليق"‪ .‬ولقد استشهد أحد الحاخامات السرائيليين المهمين‪ ،‬استش‬
‫ض على البادة الجماعية للميديانيين‪ ،‬من أج‬ ‫وقورًا‪ ،‬بآيات توراتية تح ّ‬
‫يبرر مجزرة قبية‪ ،‬وقد أحرزت هذه الفتوى تداوًل واسع النطاق في و‬
‫الجيش السرائيلي‪ .‬وهناك أمثلة مشابهة كثيرة‪ ،‬على التصريحات‬
‫الحاخامية المتعطشة للدماء‪ ،‬المناهضة للفلسطينيين والتي تستند إلى‬
‫‪.‬القوانين‬
‫المواقف تجاه المسيحية والسلم‬
‫لقد أوردنا فيما سبق‪ ،‬عددًا من المثلة على المواقف الحاخامية تجاه‬
‫الديانتين‪ ،‬بصورة عابرة‪ ،‬ولكنه سيكون مفيدًا إذا أوجزنا هذه المواقف‬
‫إن اليهودية ُمشبعة بكراهية عميقة جدًا تجاه المسيحية‪ ،‬مقترنة بجهل‬
‫ومن الواضح بأن الضطهادات المسيحية لليهود فاقمت حّدة هذا الموق‬
‫ولكنه موقف مستقل عنها إلى حد بعيد؛ فهو يعود في الواقع‪ ،‬إلى الزم‬
‫الذي كانت فيه المسيحية ما تزال ضعيفة ومضطهدة )ول سيما من ِقبَ‬
‫اليهود(‪ .‬وقد شارك في هذا الموقف اليهود الذين لم يتعرضوا لضطها‬
‫المسيحيين في يوم من اليام‪ ،‬أو حتى من اليهود الذين ساعدهم‬
‫المسيحيون‪ .‬وهكذا‪ ،‬كان بن ميمون خاضعًا لضطهاد المسلمين في نظ‬
‫الموحدين‪ ،‬فهرب منهم إلى مملكة القدس الصليبية أوًل‪ ،‬ولكن هذا لم‬
‫وجهات نظره قط‪ .‬وهذا الموقف السلبي العميق يقوم على عنصرين‬
‫‪.‬رئيسيين اثنين‬
‫العنصر الول‪ ،‬كراهية السيد المسيح والفتراءات الخبيثة ضده‪ .‬وينبغ‬
‫بالطبع أن نمّيز تمييزًا واضحًا‪ ،‬بين النظرة التقليدية لليهودية إلى الس‬
‫المسيح‪ ،‬وبين الخلف السخيف بين المعادين للسامية والمدافعين اليه‬
‫حول "المسؤولية" عن إعدامه‪ .‬ويعترف معظم العلماء المحدثين لتلك‬
‫الفترة‪ ،‬بعدم توفر معرفة تاريخية دقيقة للظروف المحيطة بإعدام السي‬
‫المسيح‪ ،‬بسبب النقص في الروايات الصلية والمعاصرة‪ ،‬والتأليف الم‬
‫للناجيل‪ ،‬والتناقضات فيما بينها‪ .‬وفي أي حال‪ ،‬فإن فكرة الذنب الجما‬
‫والموروث‪ ،‬فكرة خبيثة ل يقبلها العقل‪ .‬إل أن الموضوع هنا‪ ،‬ليس الح‬
‫الفعلية عن السيد المسيح‪ ،‬بل التقارير غير الدقيقة وحتى المفترية‪ ،‬في‬
‫التلمود وفي الدب التلمودي من بعده ـ والتي اعتقد بها اليهود حتى ا‬
‫التاسع عشر‪ ،‬وما زال الكثيرون منهم‪ ،‬خصوصًا في إسرائيل‪ ،‬يعتقدون‬
‫بها‪ ،‬لن هذه التقارير‪ ،‬لعبت بالتأكيد‪ ،‬دورًا مهمًا في بلورة الموقف‬
‫‪.‬اليهودي من المسيحية‬
‫فبحسب التلمود‪ ،‬أعدم السيد المسيح بحكم من محكمة حاخامية بتهمة‬
‫عبادته للصنام وتحريض اليهود الخرين على عبادة الصنام‪ ،‬واحتقا‬
‫السلطة الحاخامية‪ .‬والمصادر اليهودية الكلسيكية كافة التي تذكر إعد‬
‫سعيدة تمامًا بتحمل مسؤولية ذلك؛ حتى أن الرواية التلمودية لم تأت ع‬
‫‪.‬ذكر الرومان‬
‫أما الروايات الكثر شعبية ـ والتي تؤخذ مع ذلك على محمل الجد التام‬
‫مثل "قصة يسوع" )تولدوف يشو(‪ ،‬الشهيرة‪ ،‬فهي حتى أسوأ من‬
‫سابقاتها‪ ،‬إذ إنها‪ ،‬بالضافة إلى الجرائم المذكورة أعله‪ ،‬تتهمه بممار‬
‫السحر‪ .‬ولقد كان اسم "يسوع" بحد ذاته‪ ،‬بالنسبة إلى اليهود‪ ،‬رمزاً ل‬
‫هو بغيض‪ ،‬وما زال هذا التقليد الشعبي مستمرًا‪ .‬كما أن الناجيل ممقو‬
‫على حّد سواء‪ ،‬ول ُيسمح بالقتباس منها )ناهيك عن تعليمها( حتى ف‬
‫‪.‬المدارس اليهودية السرائيلية العصرية‬
‫والعنصر الثاني‪ ،‬هو أن التعليم الحاخامي‪ ،‬ولسباب لهوتية يكمن معظ‬
‫في الجهل‪ ،‬يصنف الديانة المسيحية كديانة عبادة الصنام‪ .‬وهذا المر‬
‫ظ للمعتقدات المسيحية حول الثالوث القدس‬ ‫يستند إلى التفسير الف ّ‬
‫سد‬
‫‪.‬والتج ّ‬
‫وُتعتبر الرموز والتمثيلت المصّورة المسيحية كافة "أوثانًا" حتى من‬
‫هؤلء اليهود الذين يعبدون لفائف المخطوطات القديمة والحجارة أو ا‬
‫‪".‬الشخصي لـ"الرجال المقدسين‬
‫أما موقف اليهودية من السلم‪ ،‬فهو على عكس ذلك‪ ،‬موقف معتدل ن‬
‫وعلى الرغم من أن الصفة المبتذلة التي تصف بها النبي محمد‪ ،‬هي ص‬
‫"الرجل المجنون" )ميشوغا(‪ ،‬إل أنها لم تكن صفة سيئة تقريبًا بالحد‬
‫تبدو فيه اليوم‪ ،‬ولكنها تهون في أي حال‪ ،‬أمام المصطلحات البذيئة الت‬
‫ُتطلق على السيد المسيح‪ .‬وعلى نحو مماثل‪ ،‬فإن القرآن ـ وعلى عكس‬
‫العهد الجديد ـ ليس محكومًا عليه بالحرق‪ .‬وهو ليس مكّرما مثل تكري‬
‫الشريعة السلمية للمخطوطات اليهودية المقدسة‪ ،‬ولكنه يعامل معامل‬
‫الكتاب العادي‪ .‬وتتفق معظم المراجع الحاخامية في الرأي‪ ،‬على أن ال‬
‫ليس عبادة أوثان )على الرغم من أن بعض قادة غوش إيمونيم اليوم‪،‬‬
‫يختارون تجاهل ذلك(‪ .‬ولذلك‪ ،‬تحكم الهالخاه بضرورة أل يلجأ اليهود‬
‫معاملة المسلمين معاملة أسوأ من معاملتهم للغيار "العاديين"‪ .‬ولكن‬
‫يعاملونهم معاملة أفضل أيضًا‪ .‬ويمكننا مرة أخرى‪ ،‬أن نستخدم بن ميم‬
‫كنموذج توضيحي‪ .‬فهو يقول صراحة‪ ،‬بأن السلم ليس عبادة أصنام‪،‬‬
‫يستشهد في أعماله الفلسفية‪ ،‬وباحترام كبير‪ ،‬بالعديد من المراجع الفل‬
‫السلمية‪ .‬ولقد كان ابن ميمون‪ ،‬كما كنت قد ذكرت سابقًا‪ ،‬الطبيب الخ‬
‫عّين‪ ،‬بأمر من صلح الدين‪ ،‬زعيمًا ليهود‬ ‫لصلح الدين وعائلته‪ ،‬وقد ُ‬
‫كافة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن القواعد التي يضعها ضد إنقاذ حياة الغيار )إل ل‬
‫‪.‬الخطر على اليهود( تنطبق على المسلمين‪ ،‬على حد سواء‬
‫النتائج السياسية ‪n‬‬

‫إن المواقف المستمرة لليهودية الكلسيكية تجاه الغيار‪ ،‬تؤثر تأثيرًا ش‬


‫على اتباعها‪ ،‬اليهود الرثوذكس‪ ،‬هؤلء الصهيونيون الذين يمكننا‬
‫اعتبارهم استمرارًا لها‪ .‬وهذه المواقف تؤثر أيضًا‪ ،‬من خلل الصهيون‬
‫على سياسات دولة إسرائيل‪ .‬وكانت إسرائيل‪ ،‬منذ العام ‪ ،1967‬كلما‬
‫أصبحت أكثر "يهودية"‪ ،‬كلما تأثرت سياساتها بالعتبارات اليديولوج‬
‫اليهودية أكثر من تأثرها بالمصالح المبريالية المبلورة بدون انفعالت‬
‫وهذا التأثير اليديولوجي ل يدركه عادة‪ ،‬الخبراء الجانب‪ ،‬الذين يميلو‬
‫إلى تجاهل تأثير الديانة اليهودية على سياسات إسرائيل‪ ،‬أو التقليل من‬
‫‪.‬أهميته‪ .‬وهذا ما يفسر لماذا كانت معظم تكهناتهم تكهنات غير صحيح‬
‫السباب الدينية وأزمات الداخل‬
‫وفي الواقع‪ ،‬فإن السباب الدينية‪ ،‬التي غالبًا ما تكون أسبابًا تافهة‪ ،‬ه‬
‫التي تخلق الزمات الحكومية السرائيلية‪ ،‬أكثر من أيّ سبب آخر‪ .‬وال‬
‫صصه الصحافة العبرية لبحث الخلفات التي تنشب دائمًا‪ ،‬بين‬ ‫الذي تخ ّ‬
‫الجماعات الدينية المختلفة‪ ،‬أو بين العلمانيين والمتدينين‪ ،‬أكبر من الح‬
‫صصه لي موضوع آخر‪ ،‬إل في أزمنة الحرب أو التوترات‬ ‫الذي تخ ّ‬
‫المتعلقة بالقضايا المنية‪ .‬وفي وقت كتابة هذا الكتاب‪ ،‬أي في‬
‫آب‪/‬أغسطس‪ ،1993،‬كانت بعض المواضيع التي تستحوذ على الهتم‬
‫الكبر لقّراء الصحف العبرية‪ ،‬هي‪ :‬هل ُيدفن الجنود الذين ُيقتلون أثناء‬
‫الخدمة‪ ،‬في مناطق منفصلة ضمن المدافن العسكرية السرائيلية إذا ك‬
‫ت غير يهوديات؟ وهل ُيسمح لجمعيات دفن الموتى الدينية‬ ‫أبناء أمها ٍ‬
‫اليهودية‪ ،‬التي تحتكر دفن الموتى اليهود كافة باستثناء أفراد المستوط‬
‫بمواصلة عادتها بختان جثث اليهود غير المختونين قبل دفنها )ومن د‬
‫طلب إذن من العائلة(؟ وهل سيبيح القانون‪ ،‬استيراد اللحوم غير المذب‬
‫على الطريقة اليهودية‪ ،‬والمحظورة بصورة غير رسمية منذ إنشاء ال‬
‫أم سيمنعه؟ وهناك عدد أكبر من هذا النوع من المسائل‪ ،‬التي تستحوذ‬
‫اهتمام عامة اليهود السرائيليين أكثر بكثير من موضوع المفاوضات‬
‫‪.‬الفلسطينيين وسوريا‪ ،‬على سبيل المثال‬
‫وكانت محاولت بعض السياسيين السرائيلييين لتجاهل عوامل‬
‫"اليديولوجية اليهودية" لصالح مصالح إمبريالية صرفة‪ ،‬قد أّدت إلى‬
‫عواقب وخيمة‪ .‬ففي أوائل العام ‪ ،1974‬كانت لسرائيل بعد هزيمتها‬
‫الجزئية في حرب يوم الغفران‪ ،‬مصلحة حيوية في وقف النفوذ المتجد‬
‫لمنظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬التي لم تكن قد حازت بعد على اعتراف ا‬
‫العربية بها على أنها الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين‪ .‬وقد بلورت‬
‫الحكومة السرائيلية خطًة لدعم النفوذ الردني في الضفة الغربية‪ ،‬الذ‬
‫كان نفوذًا كبيرًا في ذلك الوقت‪ .‬وقد طالب الملك حسين بمقابل منظور‬
‫طلب منه تأييد الخطة‪ .‬فجرى التفاق على أن يقيم كبير مؤيديه‬ ‫عندما ُ‬
‫الضفة الغربية‪ ،‬الشيخ الجعبري من مدينة الخليل‪ ،‬الذي كان يحكم القس‬
‫الجنوبي من الضفة الغربية بقبضة حديدية وبموافقة وزير الدفاع آنذا‬
‫موشيه دايان‪ ،‬أن يقيم حفلة لوجهاء المنطقة في باحة مسكنه الفخم ف‬
‫الخليل‪ .‬وكان للحفلة التي ُتقام تكريمًا لعيد ميلد الملك‪ ،‬أن تتميز بعرض‬
‫علني للعلم الردنية‪ ،‬وتكون بداية لحملة موالية للردن‪ .‬ولكن‬
‫المستوطنين المتدينين في مستوطنة "كريات أربع" في الجوار‪ ،‬الذين‬
‫مجرد حفنة من الشخاص في ذلك الوقت‪ ،‬سمعوا بالخطة وهددوا رئي‬
‫الحكومة آنذاك‪ ،‬غولدا مئير‪ ،‬ووزيرها دايان‪ ،‬بالقيام باحتجاجات قوية‬
‫رفع علم "دولة غير يهودية" ضمن أرض إسرائيل‪ ،‬يناقض كما قالوا‬
‫المبادىء المقدسة التي تقول بأن هذه الرض "تعود" لليهود فحسب‪،‬‬
‫أن هذا المبدأ مبدأ مقبول من الصهيونيين كافة‪ ،‬فقد كان على الحكومة‬
‫ترضخ لمطالبهم وتأمر الشيخ الجعبري بالمتناع عن عرض أي أعلم‬
‫أردنية‪ .‬وعليه‪ ،‬فقد عمد الجعبري الذي شعر بمذلة عميقة‪ ،‬إلى إلغاء‬
‫الحفلة‪ ،‬وصّوت الملك حسين في مؤتمر الجامعة العربية في فاس‪ ،‬الذ‬
‫عقد بعد هذه الحادثة بوقت قصير‪ ،‬لصالح منظمة التحرير الفلسطينية‬ ‫ُ‬
‫‪.‬واعترف بها على أنها الممثل الوحيد للفلسطينيين‬
‫وبالنسبة إلى معظم العامة من اليهود السرائيلييين‪ ،‬فإن المحادثات ال‬
‫حول "الحكم الذاتي"‪ ،‬متأثرة بدورها بمثل هذه العتبارات اليديولوج‬
‫‪.‬اليهودية‪ ،‬أكثر من تأثرها بأي اعتبارات أخرى‬
‫بين التأثر الديني والحالة المبريالية‬
‫والستنتاج الذي ُيستخلص من هذه النظرة في السياسات السرائيلية‪،‬‬
‫المدعوم بتحليل لليهودية الكلسيكية‪ ،‬يجب أن يكون التالي‪ :‬إن تحليل‬
‫صناعة السياسة السرائيلية‪ ،‬التي ل تشدد على أهمية طابعها الفريد‬
‫كـ"دولة يهودية"‪ ،‬يجب أن تكون تحليلت خاطئة‪ .‬والمقارنة السهلة‬
‫لسرائيل بحالت أخرى من حالت المبريالية الغربية‪ ،‬أو بدول استيط‬
‫أخرى‪ ،‬هي بصفة خاصة‪ ،‬مقارنة غير صحيحة‪ .‬ففي ظل النظام القائم‬
‫الفصل العنصري‪ ،‬كانت أرض جنوب أفريقيا مقسمة رسميًا إلى قسمين‬
‫‪87‬بالمائة منها "تعود" للبيض‪ ،‬و‪ 13‬بالمائة منها قيل‪ ،‬رسميًا‪ ،‬بأنها‬
‫"تعود" للسود‪ .‬بالضافة إلى ذلك‪ ،‬أنشئت‪ ،‬رسميًا‪ ،‬دول ذات سيادة‪ ،‬م‬
‫‪ُ.‬يسمى البانتوستان‪ ،‬تتجسد فيها كل رموز هذه السيادة‬
‫ولكن "اليديولوجية اليهودية" تطالب بعدم جواز العتراف بأي جزء‬
‫أرض إسرائيل‪ ،‬كجزء "يعود" لغير اليهود‪ ،‬وبعدم جواز السماح الرس‬
‫بعرض أي علمة من علمات السيادة‪ ،‬مثل رفع العلم الردنية‪ .‬ومب‬
‫استرداد الرض يطالب مثاليًا‪ ،‬بأن تصبح كل الرض‪ ،‬وليس مجرد ‪87‬‬
‫ل‪ ،‬أرضًا "مستردة" في ميعادها‪ ،‬أي أن تصبح مملوك‬ ‫بالمائة منها‪ ،‬مث ً‬
‫ظر "اليديولوجية اليهودية" ذلك المبدأ الملئم جدًا‪ ،‬مبدأ‬‫اليهود‪ .‬وتح ّ‬
‫المبريالية‪ ،‬الذي كان قد عرفه الرومان‪ ،‬واتبعته من بعدهم العديد من‬
‫المبراطوريات العلمانية‪ ،‬والذي صاغه اللورد كرومر أفضل صياغة‪،‬‬
‫بقوله‪" :‬إننا ل نحكم مصر‪ ،‬إننا نحكم حّكام مصر"‪ .‬فاليديولوجية اليه‬
‫تمنع اعترافًا من هذا القبيل؛ وهي تمنع أيضًا‪ ،‬اتخاذ موقف ينّم في ظا‬
‫عن الحترام تجاه أي "حكام غير يهود" ضمن أرض إسرائيل‪ .‬ول يم‬
‫لسرائيل أن تستخدم ضمن المنطقة التي تعتبر جزءًا من أرض إسرائي‬
‫نظام العملء برمته‪ ،‬من ملوك وسلطين ومهراجات وزعماء‪ ،‬أو نظام‬
‫الديكتاتوريين التابعين‪ ،‬في الزمنة الحدث‪ ،‬وهو النظام الملئم جداً في‬
‫حالت أخرى‪ ،‬للسيطرة السياسية المبريالية‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن المخاوف‬
‫يعّبر عنها الفلسطينيون عادة‪ ،‬من أن ُيعرض عليهم إنشاء "بانتوستان‬
‫مخاوف ل أساس موجبًا لها على الطلق‪ .‬ول يمكننا أن نتصّور تراج‬
‫إسرائيليًا إل إذا فقدت أرواح إسرائيلية كثيرة في الحرب‪ ،‬كما حصل ف‬
‫عام ‪ ،1973‬وفي عواقب الحرب في لبنان‪ ،‬في فترة ‪1983‬ـ‪،1985‬‬
‫أن هذا التراجع يمكن أن يبّرر بالمبدأ القائل بأن قدسية الحياة اليهودية‬
‫من العتبارات الخرى‪ .‬ولكن المر الذي ل يمكنه أن يحصل‪ ،‬هو أن‬
‫إسرائيل‪ ،‬ما دامت باقية دولة يهودية‪ ،‬سيادة مزيفة ولكنها مع ذلك‪ ،‬ح‬
‫رمزيًا‪ ،‬أو حتى حكمًا ذاتيًا حقيقيًا لغير اليهود‪ ،‬ضمن أرض إسرائيل‪،‬‬
‫ولسباب سياسية صرفة‪ .‬فإسرائيل مثلها مثل بعض البلدان الخرى‪ ،‬د‬
‫حصرية تقتصر على جماعة دون أخرى‪ ،‬ولكن الحصرية السرائيلية‬
‫‪.‬خاصة بإسرائيل بالذات‪ ،‬دون غيرها‬
‫يهود الشتات أكثر تعصبًا‬
‫ويمكننا أن نقّدر بأن "اليديولوجية اليهودية"‪ ،‬بالضافة إلى تأثيرها ع‬
‫السياسات السرائيلية‪ ،‬تؤثر أيضًا على قسم مهّم من يهود الشتات‪ ،‬و‬
‫يكون على أكثريتهم‪ .‬ولما كان وضع اليديولوجية اليهودية موضع الت‬
‫الفعلي يعتمد على إسرائيل قوية‪ ،‬فإن هذا بدوره‪ ،‬يعتمد إلى حد بعيد‪،‬‬
‫الدعم الذي يقدمه يهود الشتات لسرائيل‪ ،‬وخصوصًا يهود الوليات‬
‫المتحدة المريكية‪ .‬وصورة يهود الشتات ومواقفهم من غير اليهود‪ ،‬ت‬
‫تمامًا عن مواقف اليهودية الكلسيكية كما وصفناها أعله )فهي أسوأ‬
‫ويظهر هذا الختلف أكثر ما يظهر‪ ،‬في البلدان الناطقة بالنكليزية‪ ،‬ح‬
‫تحصل بانتظام أفدح التحريفات لليهودية‪ .‬والوضع على أسوأ ما يكون‬
‫الوليات المتحدة وكندا‪ ،‬الدولتين اللتين تفوق قوة تأييدهما للسياسات‬
‫السرائيلية‪ ،‬بما فيها السياسات التي تتناقض تناقضًا صارخًا مع الحقو‬
‫‪.‬النسانية أي تأييد آخر لها‬
‫ول يمكننا‪ ،‬عندما ندرس دعم الوليات المتحدة لسرائيل بالتفاصيل‬
‫الملموسة وليس بالمطلق‪ ،‬أن نفسر هذا الدعم تفسيرًا وافيًا‪ ،‬فقط على‬
‫نتيجة المصالح المبريالية المريكية‪ ،‬إذ ينبغي أن يؤخذ في الحسبان‬
‫القوي الذي تمارسه الطائفة اليهودية المنظمة في الوليات المتحدة‪ ،‬د‬
‫للسياسات السرائيلية كافة‪ ،‬من أجل تفسير سياسات الدارات المريك‬
‫الشرق الوسط‪ .‬وهذه الظاهرة ملحوظة أكثر في حالة كندا التي ل يمك‬
‫ُتعتبر مصالحها الشرق أوسطية على قدر مماثل من الهمية‪ ،‬ولكن تف‬
‫المخلص لسرائيل يفوق حتى تفاني الوليات المتحدة لها‪ .‬والمنظمات‬
‫اليهودية في كل البلدين )وأيضًا في فرنسا وبريطانيا ودول عديدة أخر‬
‫بالولء نفسه الذي منحته الحزاب الشيوعية للتحاد السوفييتي لوقت‬
‫طويل‪ .‬كما أن العديد من اليهود الذين يبدون نشيطين في الدفاع عن‬
‫الحقوق النسانية‪ ،‬والذين يتبّنون وجهات نظر منشقة بخصوص مسائ‬
‫س إسرائيل‪ ،‬درجة لفتة من الس‬‫أخرى‪ُ ،‬يظهرون في القضايا التي تم ّ‬
‫ونجدهم في طليعة المدافعين عن سياسات إسرائيل كافة‪ .‬ومن المعرو‬
‫صب الذي يظهره يهود الشتات‬‫جيدًا في إسرائيل‪ ،‬بأن الشوفينية والتع ّ‬
‫المنظمين في تأييدهم لسرائيل أكثر بكثير من الشوفينية التي يظهرها‬
‫اليهودي السرائيلي العادي )خصوصًا منذ العام ‪ .(1967‬وهذا التعص‬
‫ملحوظ بصفة خاصة في كندا والوليات المتحدة‪ ،‬ولكنني سوف أركز‬
‫الوليات المتحدة بسبب أهميتها الكبر بما ل ُيقاس‪ .‬ولكن تجدر الشار‬
‫إلى أننا نجد أيضًا يهودًا ل تختلف آراؤهم في السياسات السرائيلية ع‬
‫آراء باقي المجتمع )مع العتبار الذي تستحقه عوامل الجغرافيا والدخ‬
‫‪).‬والمكانة الجتماعية‪ ،‬وإلى ما هنالك من عوامل أخرى‬
‫سياسة يهودية مضّللة‬
‫لماذا ُيبدي بعض اليهود المريكيين شوفينية‪ ،‬تكون متطرفة في بعض‬
‫الحيان ول يبديها غيرهم؟ علينا أن نبدأ بلحظ الهمية الجتماعية‪ ،‬وب‬
‫الهمية السياسية‪ ،‬للمنظمات اليهودية ذات الطبيعة الحصرية‪ :‬أنها ل‬
‫مبدئيًا بأعضاء من غير اليهود‪) .‬وهذه الحصرية تتناقض تناقضًا مض‬
‫مع بحثها الدؤوب لكتشاف أكثر النوادي المغمورة التي ترفض قبول‬
‫عضوية يهودي من أجل أن تدينها(‪ .‬وهؤلء الذين يمكننا أن نسميهم‬
‫"يهودًا منظمين"‪ ،‬والذين يمضون معظم أوقاتهم خارج دوام العمل‪ ،‬ب‬
‫يهود آخرين‪ ،‬يمكننا أن نعتبرهم من أنصار الحصرية اليهودية والمحا‬
‫على مواقف اليهودية الكلسيكية تجاه الغيار‪ .‬ولكنهم ل يستطيعون ف‬
‫ظل الظروف الحاضرة‪ ،‬التعبير علناً عن هذه المواقف تجاه الغيار في‬
‫الوليات المتحدة‪ ،‬الذين يشكلون ما يزيد على‪ 97‬بالمائة من عدد الس‬
‫ولكنهم يعّوضون عن ذلك بالتعبير عن مواقفهم الحقيقية في دعمهم‬
‫لـ"الدولة اليهودية" والمعاملة التي تعامل بها الغيار في الشرق الو‬
‫وإل‪ ،‬كيف لنا‪ ،‬خلف ذلك‪ ،‬أن نفسر هذا الحماس الذي أبداه كل هذا ال‬
‫ل‪ ،‬مقارنة بامتن‬
‫من الحاخامات المريكيين دعمًا لمارتن لوثر كينغ‪ ،‬مث ً‬
‫عن تأييد حقوق الفلسطينيين‪ ،‬حتى حقوقهم النسانية الفردية؟ كيف لن‬
‫خلف ذلك‪ ،‬أن نفسر التناقض الصارخ بين مواقف اليهودية الكلسيكي‬
‫نحو الغيار‪ ،‬التي تتضمن القاعدة القائلة بوجوب عدم إنقاذ حياتهم إل‬
‫أجل المصلحة اليهودية‪ ،‬وبين تأييد الحاخامات المريكيين واليهود‬
‫المنظمين لحقوق السود؟ فمارتن لوثر كينغ وغالبية السود المريكيين‬
‫ليسوا يهودًا‪ ،‬مع كل ذلك‪ .‬وحتى إذا اعتبرنا بأن اليهود المحافظين‬
‫والرثوذوكس فحسب‪ ،‬الذين يشكلون مجتمعين‪ ،‬أكثرية اليهود المنظم‬
‫هم الذين يحملون مثل هذه الراء في الغيار‪ ،‬إل أن القسم الخر من‬
‫اليهود المريكيين المنظمين‪ ،‬الصلحيين‪ ،‬لم يعارضهم قط‪ ،‬بل في رأ‬
‫‪.‬يظهر متأثرًا جدًا بهم‬
‫إن تفسير هذا التناقض الظاهري أمٌر سهٌل في الواقع‪ ،‬إذ يجب أن نتذك‬
‫بأن اليهودية‪ ،‬خصوصًا في شكلها الكلسيكي‪ ،‬استبدادية‪ ،‬في طبيعتها‬
‫سلوك مؤيدي اليديولوجيات الستبدادية الخرى في أزمنتنا لم يكن م‬
‫عن سلوك اليهود المريكيين المنظمين‪ .‬فستالين ومؤيدوه لم يكّلوا من‬
‫إدانة التمييز ضد السود المريكيين والجنوب أفريقيين‪ ،‬خصوصًا في خ‬
‫أسوأ الجرائم التي كانت ُترتكب داخل التحاد السوفييتي‪ ،‬ونظام الفصل‬
‫والتمييز العنصري في جنوب أفريقيا لم يتوقف عن شجبه لنتهاكات ح‬
‫النسان التي كانت ترتكبها النظمة الشيوعية أو النظمة الفريقية الخ‬
‫‪.‬كما لم يتوقف عن شجبها مؤّيدوه في البلدان الخرى‬
‫ويمكن إعطاء أمثلة مشابهة عديدة‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإن تأييد المرء للديمقراط‬
‫لحقوق النسان‪ ،‬هو تأييد ل معنى له‪ ،‬أو حتى أنه تأييد مؤٍذ ومضّلل ع‬
‫ل يبدأ بانتقاد الذات‪ ،‬وبتأييد حقوق النسان عندما تنتهكها الجماعة نف‬
‫التي ينتمي إليها هذا المرء‪ .‬وإن أي تأييد لحقوق النسان عمومًا‪ ،‬يص‬
‫عن يهودي‪ ،‬ول يشمل تأييد حقوق الغيار الذين تنتهك "الدولة اليهو‬
‫حقوقهم‪ ،‬هو تأييد مضّلل مثل ضلل التأييد الستاليني لحقوق النسان‪.‬‬
‫الحماسة الظاهرية التي أبداها الحاخامات المريكيون‪ ،‬أو التي أبدتها‬
‫المنظمات اليهودية‪ ،‬في الوليات المتحدة‪ ،‬خلل الخمسينات والستينات‬
‫تأييدًا للسود في الجنوب‪ ،‬لم يكن حافزها إل اعتبارات المصلحة الشخص‬
‫‪.‬اليهودية‪ ،‬تمامًا مثلما كان التأييد الشيوعي لهؤلء السود أنفسهم‬
‫في ِكل الحالتين كانت محاولة استقطاب طائفة السود سياسيًا‪ ،‬وفي الح‬
‫اليهودية‪ ،‬كانت محاولة لستقطاب تأييدهم الغافل لسياسات إسرائيل في‬
‫‪.‬الشرق الوسط‬
‫مواجهة الذات‬
‫ن المتحان الحقيقي الذي يواجه اليهود السرائيلييين ويهود‬ ‫لذلك‪ ،‬فإ ّ‬
‫الشتات هو امتحان نقدهم الذاتي الذي ينبغي أن يشمل نقد الماضي‬
‫اليهودي‪ .‬والجزء الهم لهذا النقد يجب أن يكون مواجهة الموقف اليه‬
‫صلة وصادقة‪ .‬وهذا ما يطلبه اليهود وعن‬ ‫من غير اليهود‪ ،‬مواجهة مف ّ‬
‫من هؤلء‪ :‬أن يواجهوا ماضيهم هم‪ ،‬ليصبحوا بالتالي‪ ،‬مدركين للتميي‬
‫والضطهادات التي ارُتكبت بحق اليهود‪ .‬ففي السنوات الربعين الخير‬
‫جاوز إلى حد كبير عدد الغيار الذين ُقتلوا على يد اليهود‪ ،‬عدد اليهو‬
‫الذين ُقتلوا على يد غير اليهود‪ .‬كما أن مدى الضطهادات والتمييز ض‬
‫الغيار‪ ،‬التي ارتكبتها "الدولة اليهودية"‪ ،‬بتأييد يهود الشتات المنظم‬
‫يجاوز تجاوزًا كبيرًا مدى المعاناة التي سببتها لليهود النظمة المعادية‬
‫وعلى الرغم من أن النضال ضد معاداة السامية )أشكال العنصرية الخ‬
‫كافة( ينبغي أل يتوقف أبدًا‪ ،‬فإن النضال ضد الشوفينية والحصرية‬
‫اليهودية‪ ،‬الذي يجب أن يشمل نقدًا لليهودية الكلسيكية‪ ،‬هو نضال يس‬
‫‪.‬في الهمية‪ ،‬أو يفوقه أهمية‬
‫عن كتاب الديانة اليهودية وتاريخ اليهود لسرائيل‬

You might also like