You are on page 1of 251

‫فـي‬

‫أصحاب رسول‬
‫الله‬
‫صلى الله عليه‬
‫وسلم‬
‫تأليف‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الشيخ ربيع بن هادي عمير المدخلي‬

‫‪2‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫مقدمة الطبعة الثانية‬


‫المد ل ‪ ،‬والصلة والسلم على رسول ال ‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه‪.‬‬
‫أما بعد ‪:‬‬
‫)) ‪،‬‬ ‫فهذه مقدمة الطبعة الثانية لكتاب ((مطا عن سيد ق طب ف أصحاب رسول ال‬
‫الذي شرح صدور قوم مؤمن ي ؛ لن حق ‪ ،‬يتض من دفاعا علميا من صفا عن أف ضل‬
‫الناس وأكرم هم وأشرف هم وأعدل م وأعل هم علما ودينا وأخلقا و سّوا ب عد ال نبياء‬
‫عليهم الصلة والسلم ‪.‬‬
‫شرح هذا الرد وأثلج وشفيى صيدور قوم مؤمنيي ‪ ،‬هيم أهيل السينة والماعية حقا‬
‫وصدقا وعلما وعقيدةً ومنهجا واحتراما وحبا لولئك الصحب الكرام الذين أشاد ال‬
‫بكانتهم وعلو منازلم عنده‪.‬‬
‫كُنتُم َخيْرَ ُأمّةٍ أًخرِجَت للنّا سٍ تأمُرون بالَعروف وَتْنهَو نَ عَ نِ الُنكَرِ وتُ ْؤ ِمنُو نَ‬ ‫فقال‪:‬‬
‫بالِ‬
‫والسّابقونَ‬ ‫وقال تعال مشيدا بدرجاتم ومعلنا رضاه عنهم وعمن اتبعهم بإحسان ‪:‬‬
‫الوّلو نَ مِ نَ الُهاجِرِي نَ والنْ صَار والذِي نَ اتَّبعُوهُم بإِحسانٍ َرضِ يَ الُ عَنهُم َورَضُوا عَن هُ‬
‫[التوبية‪:‬‬ ‫ّاتيتَجرِي َتحْتَهيا النْهار خالديين فيهيا أَبَدا الفَو ُز ال َعظِييم‬
‫وأَعَدّ لَهيم َجن ٍ‬
‫‪]100‬‬
‫واليات والحاديث ف فضلهم ومكانتهم كثية ‪ ،‬يعرفها من عرف قدرهم‪.‬‬
‫الذي أدان سيد ق طب وب ي حقيق ته‬ ‫وشَرِ قَ بذا الدفاع عن أ صحاب ر سول ال‬
‫وحقي قة عقائده ومنه جه الاقدون ن الروا فض و من ف تك مرض الوى وتقد يس أ هل‬
‫البدع والضلل بقلوب م وعقول م وعقائد هم ‪ ،‬ف سعوا ب كل ما يلكو نه من طاقات ف‬
‫ماربتيه ‪ ،‬والشاعات ضده ‪ ،‬والكعين فييه بغيي علم ول هدى ول خوف منال ول‬
‫ورع ‪ ،‬ون سي أولئك أن ال سوف يا سبهم على ما اقترفوه ف ن صرة البا طل وأهله‬
‫والتكر لكانتهم وتاهلها‪.‬‬ ‫وخذلن الق وأهله وخذلن أصحاب رسول ال‬

‫‪3‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫سوف يقولون ويقولون كذبا وزورا وتلبيسا ‪ :‬نن ونن … إل ‪ ،‬ولكن القيقة ل‬
‫و َسَيعَْلمُ‬ ‫ت فى على أول الن هى ‪ ،‬ل سيما من أقوام ديدن م التلب يس والغالطات ‪،‬‬
‫وقُلِ‬ ‫‪،‬‬ ‫والُ مِن ورائِهِم مُحييط‬ ‫‪،‬‬ ‫الذينَي ظَلمُوا أيّ مُنقَلبٍييَنقَلِبونَي‬
‫‪.‬‬ ‫اعْمَلوا فيسرى الُ عَ َمَلكُم َورَسولُهُ والُؤمِنون‬
‫هذا ؛ وقد أحببت أن أرفق بذه القدمة بعض ردود الشيخ ممود ممد شاكر ‪ ،‬العال‬
‫‪.‬‬ ‫الكاتب الديب الصري الشهي ‪ ،‬على طعن سيد قطب ف أصحاب رسول ال‬
‫صيدرت تلك الردود في عدد مين القالت في ملة ((السيلمون)) ‪ ،‬التي كان يرأس‬
‫تريرهيا سيعيد رمضان الصيري الشهيي وأحيد كبار الخوان السيلمي ‪ ،‬وفي ملة‬
‫((الرسيالة )) التي كان يصيدرها أحدي حسين الزيات وصيلن مين هذه الردود خسي‬
‫مقالت‪:‬‬
‫الول بعنوان ‪(( :‬حكم بل بينة )) ‪.‬‬
‫الثانية ‪(( :‬تاريخ بل إيان))‪.‬‬
‫الثالثة‪(( :‬ل تسبوا أصحاب ))‪.‬‬
‫الرابعة‪(( :‬ألسنة الفترين ))‪.‬‬
‫هذه القالت الر بع نشرت ف ملة ((ال سلمون )) ‪ ،‬الول ف العدد الول من ها ال سنة‬
‫الول ‪ ،‬والثا ن ف العدد الثا ن ال سنة الول ‪ ،‬والثالث ف العدد الثالث ال سنة الول ‪،‬‬
‫والرابع ف العدد الرابع السنة الول ‪ ،‬وكلها ف سنة (‪1371‬هي ‪1952/‬م) ‪ ،‬القالة‬
‫الامسية نشرت في ملة (الرسيالة) سينة (‪1371‬هيي ‪1952 /‬م) أيضا بعنوان ((ذو‬
‫العقل يشقى …))‪.‬‬
‫من‬ ‫انت صر ممود شا كر – ش كر ال له – ف هذه القالت ل صحاب ر سول ال‬
‫ف‬ ‫سيد قطب الذي ترأ عليهم وطعن فيهم ‪ ،‬وبي فيها مكانة أصحاب رسول ال‬
‫‪ ،‬ومنلة من يطعن فيهم من الهل والرأة وسوء الدب ‪،‬‬ ‫كتاب ال وسنة رسوله‬
‫‪ ،‬وناقشه ف ذلك‬ ‫وعرض ناذج من طعن سيد قطب ف بعض أصحاب رسول ال‬

‫‪4‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫مناقشة علمية قائمة على الكتاب والسنة ومنهج أئمة الدى من أهل السنة والماعة‬
‫وعلى التأرييخ والعقيل السيتنيين بدي السيلم ‪ ،‬فلم يسيتقد سييد قطيب مين هذه‬
‫الناقشات العلمية الواعية ‪ ،‬ول يدرك أن ذلك يتيح له له الفرصة للعودة إل جادة الق‬
‫والتكفي عما ارتكبه ف حق الصحاب الكرام ‪ ،‬بل تادى ف جهلة وفيما ارتكبه ف‬
‫‪ ،‬وأصر عليه ‪ ،‬فرد على ممود شاكر ردّا عنيفا ‪ ،‬يغمطه‬ ‫حق أصحاب رسول ال‬
‫‪ ،‬دون حياء ول خوف من ال ‪ ،‬ول احترام لشاعر‬ ‫فيه كما يغمط أصحاب ممد‬
‫ال مة ال سلمية ‪ ،‬وك يف يترم ها و هو يكفر ها ف هذا الكتاب الذي ط عن ف يه ف‬
‫‪ ،‬كتاب (العدالة الجتماعية )‪.‬‬ ‫أصحاب رسول ال‬
‫ث بعد هذا الخذ والرد مع ممود شاكر؛ استمر ف طبع كتاب (العدالة) ‪ ،‬الطاعن ف‬
‫أ صحاب ر سول ال ‪ ،‬والك فر لل مة ا ستمر يطب عه إل آ خر حيا ته ‪ ،‬وا ستمرانصاره‬
‫وأولياؤه ينشرونيه إل يومنيا هذا دون حياء ول خوف مين ال ول احترام لشاعير‬
‫السلمي ‪.‬‬
‫فيا معشر السلمي أين الغية على العقيدة السلمية ؟‍‬
‫وأين الغية على سادة هذه المة‪.‬‬
‫؟‬ ‫وأين أنتم من موقف سلف المة من يطعن ف أصحاب رسول ال‬
‫فإل مت تتحملون هذا الظلم وهذا الضيم؟‍‬
‫ثي بعيد هذا …‪ .‬أقدم للقراء واحدة مين مقالت ((ممود شاكير)) ‪ ،‬ال وهيي ‪( :‬ل‬
‫تسبوا أصحاب) ‪ ،‬مرفقة بواب (سيد قطب) ‪ ،‬وإصراره على الباطل والتمادي فيه‪.‬‬
‫ث ليعلم القارئ أن طعن (سيد ) كان قد تنازل الليفة الراشد عثمان وسائر الصحابة‬
‫ف عهده ‪ ،‬ث بن أمية ‪ ،‬وف رده تظاهر للقراء أنإنا طعن ف معاوية وفيمن بعده من‬
‫بن أمية ‪ ،‬يسب أن ذلك أمر هي ‪ ،‬ول يعتذر عن طعنه ف عثمان وسائر الصحابة ‪،‬‬

‫‪5‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وأ صر على ط بع كتا به الطا عن في هم ‪ ،‬ونشره إل أن مات(‪ )1‬؛ فاف هم ذلك جيدا أي ها‬
‫السلم النصف النبيه ‪ ،‬ول تنخدع بالغالطات‪.‬‬

‫ربيع بن هـادي عمـي‬


‫الـدخلـي‬
‫ف (‪24/8/1415‬هي)‬

‫‪ )( 1‬بل ل يزل (سيد قطب ) يعتز بذا الكتاب؛ فقد زاره مندوب الزائر ف مؤتر القاهرة ‪ ،‬وطلب منه أن‬
‫يكتب له بيانا متصرا عن (النظام الجتماعي السلمي ووسائله ف تقيق العدالة الجتماعية )) ليساعده‬
‫هو وإخوا نه هناك على مقابلة التيارات الشيوع ية ‪ ،‬فقال له ( سيد ق طب)‪(( :‬إن ل ثل ثة ك تب ف هذا‬
‫الوضوع ‪ ،‬هي ‪ :‬العدالة الجتماع ية ف ال سلم ‪ ،‬و(ال سلم العال ي ف ال سلمي) ‪( ،‬ومعر كة ال سلم‬
‫والرأسال) ‪.)).‬‬
‫انظير كتاب ‪( :‬لاذا أعدمو ن ) لسييد قطيب (‪ ، )79‬و هو كميا ترى ف آ خر حياتيه؛ فمتير جع عن هذه‬
‫الضللت؟‬

‫‪6‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫(‪)1‬‬
‫ل تسبوا أصحاب‬
‫للستاذ ممود ممد شاكر‬
‫حسب امرئ مسلم ل أن يبلغه قول رسول ال ‪(( : e‬ل تسبوا أصحاب ‪ ،‬ل تسبوا‬
‫أصحاب؛ فوالذي نفسي بيده ‪ ،‬لو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهبا ؛ ما أدرك مد‬
‫أحدكم ول نصيفه))؛ حت يشع لرب العالي ‪ ،‬ويسمع لنب ال ويطيع ‪ ،‬فََيكُفّ عَرْبَ‬
‫لسانه وضراوة فكره عن أصحاب ممد ‪ ، e‬ث يعلم علما ل يشوبه شكّ ول ريبة‪ :‬أن‬
‫ل سبيل لحد من أهل الرض – ماضيهم وحاضرهم – أن يلحق أقل أصحابه‬
‫درجة ‪ ،‬مهما جهد ف عبادته ‪ ،‬ومهما تورع ف دينه ‪ ،‬ومهما أخلص قلبه من خواطر‬
‫السوء ف سره وعلنيته‪.‬‬
‫وما أين يشك وكيف يطمع ورسول ال ل ينطق عن الوى ‪ ،‬ول يداهن ف دين ‪ ،‬ول‬
‫يأمر الناس با يعلم أن الق ف خلفه ‪ ،‬ول يدث بب ول ينعت أحدا بصفة ؛ إل با‬
‫علمه ربه وبا نبأه؟! وربه الذي يقول له ولصحابه ‪ ] :‬والّذي جاءَ بالصّدقِ وَص ّدقَ‬
‫سنِيَ ‪ .‬لِيُ َكفّرَ الُ‬
‫به أولِئكَ هُمُ الُتّقون ‪َ .‬لهُمْ ما يَشاؤونَ عِنْدَ َربّهمْ ذَلِكَ جَزاءُ الُحْ ِ‬
‫سنِ الذِي كانوا َي ْعمَلونَ [ ‪.‬‬
‫عَْنهُم َأ ْسوََأ الذي عَمِلوا ويَجْزَِي ُهمْ بأَح َ‬
‫ث يبي ‪ e‬كتاب ربه ‪ ،‬فيقول ‪(( :‬خي الناس قرن ‪ ،‬ث الذي يلونم ‪ ،‬ث الذي‬
‫يلونم ‪ ،‬ث ييء قومُ تسبق شهادة أحدهم يينه ‪ ،‬ويينه شهادته))‪.‬‬
‫ث يزيد المر بيانا ‪ ، e‬فيدل الؤمني على النلة الت أنزلا ال أصحابَ ممد رسول‬
‫ال ‪ ،‬فيقول‪(( :‬يأت على الناس زمان ‪ ،‬فيغزو فئام فيفتح لم ‪ ،‬ث يأت على الناس‬
‫زمان ‪ ،‬فيغزو فئام من الناس ‪ ،‬فيقال‪ :‬هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب‬
‫رسول ال ‪ e‬؟ فيقولون‪ :‬نعم ‪ ،‬فيفتح لم))‪.‬‬

‫‪ )(1‬ملة السلمون (العدد الثالث ‪ ،‬سنة ‪1371‬هي)‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فإذا كان هذا مبلغ صحبة رسول ال ‪ e‬؛ فأي مسلم يطيق بعد هذا أن يبسط لسانه ف‬
‫أحد من صحابة ممد رسول ال ؟! وبأي لسان يعتذر يوم ياصمه بي يدي ربم ؟!‬
‫وما يقول وقد قامت عليه الجة من كتاب ال ومن خب نبيه ؟! وأين يفر امرؤ يومئذ‬
‫من عذاب ربه؟!‬
‫وليس معن هذا أن أصحاب ممد رسول ال ‪ e‬معصومون عصمة النبياء ‪ ،‬ول أنم‬
‫ل يطئوا قط ول يسيئوا ؛ فهم ل يدّعوا هذا ‪ ،‬وليس يدّعيه أحد لم ‪ ،‬فهم يطئون‬
‫ويصيبون ‪ ،‬ولكن ال فضلهم بصحبة رسوله ‪ ،‬فتأدبوا با أدبم به ‪ ،‬وحرصوا على أن‬
‫يأتوا من الق ما استطاعوا ‪ ،‬وذلك حسبهم ‪ ،‬وهو الذي أمروا به ‪ ،‬وكانوا بع ُد توابي‬
‫أوابي ‪ ،‬كما وصفهم ف مكم كتابه ‪ ،‬فإذا أخطأ أحدهم ‪ ،‬فليس يل لم ول لحد‬
‫من بعدهم أن يعل الطأ ذريعة إل سبهم والطعن عليهم‪.‬‬
‫هذا ممل ما أدبنا به ال ورسوله ‪ ،‬بيد أن هذا الجمل أصبح مهولً مطروحا عند‬
‫أكثر من يتصدى لكتابة تاريخ السلم من أهل زماننا ‪ ،‬فإذا قرأ أحدهم شيئا فيه‬
‫مطعن على رجل من أصحاب رسول ال ‪ ، e‬سارع إل التوغل ف الطعن والسب بل‬
‫تقوى ول ورع ‪ ،‬كل ‪ ،‬بل تراهم ييط با من الريب والشكوك ‪ ،‬وما السباب‬
‫الداعية إل الكذب ف الخبار ‪ ،‬ومن العلل الدافعة إل وضع الحاديث الكذوبة على‬
‫هؤلء الصحابة ‪.‬‬
‫ولن أضرب الثل با يكتبه الستشرقون ومن لف لفهم؛ فهم كما نعلم ‪ ،‬ول بأهل الزيغ‬
‫والضلل والضغينة على أهل السلم؛ كصاحب كتاب الفتنة الكبى) وأشباهه من‬
‫الؤلفي بل سآتيك بالثل من كلم بعض التحمسي لدين ربم ‪ ،‬العلني بالذب عنه‬
‫والهاد ف سبيله ‪ ،‬وأن سة الضارة الوثنية الوروبية ‪ ،‬تنفجر أحيانا – ف قلب من ل‬
‫يذر ول يتق – بكل ضغائن القرن العشرين ‪ ،‬وبأسوأ سخائم هذه الضارة العتدية‬
‫لدود ال ‪ ،‬الت كتب على عباده – مسلمهم وكفارهم – أن ل يتعدوها ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أربعة من أصحاب رسول ال ‪ ، e‬هم ‪ :‬أبو سفيان بن حرب ‪ ،‬ومعاوية بن أب‬


‫سفيان ‪ ،‬وعمرو بن العاص ‪ ،‬وهند بنت عتبة بن ربيعة ؛ أم معاوية ‪ ،‬رضي ال عنهم ‪،‬‬
‫كيف يتكلم أحد الناس عنهم ؟!‬
‫‪(( -1‬فلما جاء معاوية ‪ ،‬وصي اللفة السلمية ملكا عضوضا ف بن أمية ؛ ل‬
‫يكن ذلك من وحي السلم ‪ ،‬إنا كان من وحي الاهلية ))‪.‬‬
‫ول يكتف بذا ‪ ،‬بل شل بن أمية جيعا ‪ ،‬فقال‪(( :‬فأمية بصفة عامة ل يعمر‬
‫اليان قلوبم ‪ ،‬وما كان السلم لا إل رداء تلعه وتلبسه حسب الصال‬
‫واللبسات))‪.‬‬
‫‪ -2‬ث يذكر يزيد بن معاوية بأسوأ الذكر ‪ ،‬ث يقول‪(( :‬وهذا هو الليفة الذي‬
‫يفرضه معاوية على الناس ‪ ،‬مدفوعا إل ذلك بدافع ل يعرفه السلم ‪ ،‬دافع‬
‫العصبية العائلية القبلية ‪ ،‬وما هي بكثية على معاوية ول بغريبة عليه؛ فمعاوية‬
‫هو ابن أب سفيان وابن هند بنت عتبة ‪ ،‬وهو وريث أحد قومه جيعا ‪،‬‬
‫وأشبه شيء بم ف بعد روحه عن حقيقة السلم ؛ فل يأخذ أحد السلم‬
‫بعاوية أو بن أمية؛ فهو منه ومنهم بريء))‪.‬‬
‫‪(( -3‬ولسنا ننكر على معاوية ف سياسة الكم ابتداعه نظام الوراثة وقهر الناس‬
‫عليها فحسب ‪ ،‬إنا ننكر عليه أولً وقبل كل شيء إقصاءه العنصر الخلقي‬
‫ف صراعه مع علي وف سيته ف الكم بعد ذلك إقصاءً كاملً لول مرة ف‬
‫تاريخ السلم …فكانت جرية معاوية الول الت حكمت روح السلم ف‬
‫أوائل عهده هي نفي العنصر الخلقي من سياسته نفيا باتا ‪ ،‬وما ضاعف‬
‫الرية أن هذه الكارثة باكرت السلم ول تنقض إل ثلثون سنة على سننه‬
‫الرفيع…ولكي ندرك عمق هذه القيقة يب أن نستعرض صورا من سياسة‬
‫الكم ف العهود الختلفة على أيدي اب بكر وعمر ‪ ،‬وعلى أيدي عثمان‬

‫‪9‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ومروان …ث على أيدي اللوك من أمية …ومن بعدهم من بن العباس ‪،‬‬


‫بعد أن خُنقت روح السلم خنقا على أيدي معاوية وبن أمية ))‪.‬‬
‫‪(( -4‬ومضى علي إل رحة ربه ‪ ،‬وجاء معاوية بن هند وبن اب سفيان ))‪.‬‬
‫وأنا استغفر ال من نقل هذا الكلم ‪ ،‬بثل هذه العبارة النابية ؛ فإنه أبشع ما‬
‫رأيته ‪.‬‬
‫ث يقول‪(( :‬فلئن كان إيان عثمان وورعه ورقته كانت تقف حاجزا أمام أمية؛‬
‫لقد انار هذا الاجز ‪ ،‬وانساح ذلك السد ‪ ،‬وارتدت أمية طليقة حرة إل‬
‫وراثاتا ف الاهلية والسلم ‪ ،‬وجاء معاوية تعاونه العصبة الت على شاكلته ‪،‬‬
‫وعلى رأسها عمرو بن العاص ‪ ،‬قوم تمعهم الطامع والآرب ‪ ،‬وتدفعهم‬
‫الطامح والرغائب ‪ ،‬ول يسكهم خلق ول دين ول ضمي))‪.‬‬
‫وأنا أستغفر ال وأبرأ إليه ‪.‬‬
‫ث قال‪(( :‬ول حاجة بنا للحديث عن معاوية؛ فنحن ل نؤرخ له هنا ‪ ،‬وبسبنا‬
‫تصرفه ف توريث يزيد اللك لنعلم أي رجل هو ‪ ،‬ث بسبنا سية يزيد لنقدر أية‬
‫جرية كانت تعيش ف أسلخ أمية على السلم والسلمي ))‪.‬‬
‫ث ينقل خطبة يزعم أنا لعاوية ف أهل الكوفة بعد الصلح ‪ ،‬ييء فيها قول‬
‫معاوية ‪(( :‬وكل شرط شرطته ؛ فتحت قدمي هاتي )) ‪ ،‬ث يعقب عليه‬
‫مستدركا‪(( :‬وال تعال يقول ‪ ] :‬وأوْفُوا بال َع ْهدِ إ ّن ال َع ْهدَ كانَ مسؤولً [ وال‬
‫يقول‪ ] :‬وإِ ِن اسْتنصروكم ف الدّينِ َفعَليكُم النصر إل على قو ٍم بَيَنكُم َوبَْيَنهُم‬
‫ميْثَاقٌ [ ؛ فيؤثر الوفاء باليثاق للمشركي العاهدين على نصرة السلمي‬
‫لخوانم ف الدين ‪ ،‬أما معاوية ؛ فيخيس بعهده للمسلمي ‪ ،‬ويهر بذه الكبية‬
‫جهرة التبجحي ‪ ،‬إنه من أمية ‪ ،‬الت أبت نيزتا أن تدخل ف حلف الفضول))‪.‬‬
‫‪ -5‬ث يذكر خطبة أخرى لعاوية ف أهل الدينة‪(( :‬أما بعد؛ فإن وال ما وليتها‬
‫بحبة علمتها منكم))‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ث يعلق عليها فيقول‪(( :‬أجل ‪ ،‬ما وليها بحبة منهم ‪ ،‬وإنه ليعلم أن اللفة بيعة‬
‫الرضى ف دين السلم ‪ ،‬ولكن ما لعاوية وهذا السلم ‪ ،‬وهو ابن هند وابن‬
‫اب سفيان؟!))‪.‬‬
‫‪ -6‬وأما معاوية بعد علي ؛ فقد سار سياسة الال سيته الت ينتفي منها العنصر‬
‫الخلقي ‪ ،‬فجعله للرشى واللهى وشراء المم(‪ )1‬ف البيعة ليزيد ‪ ،‬وما أشبه‬
‫هذه الغراض ‪ ،‬بانب مطالب الدولة والجناد والفتوح بطبيعة الال))‪.‬‬
‫‪ -7‬ث قال شاملً لبن أمية ‪(( :‬هذا هو السلم ‪ ،‬على الرغم ما اعترض خطواته‬
‫العملية الول من غلبة أسرة ل تعمر روح السلم نفوسها؛ فأمنت على‬
‫حرف حي غلب السلم ‪ ،‬وظلت تلم باللك الوروث العضوض حت‬
‫نالته ‪ ،‬فسارت بالمر سية ل يعرفها السلم ))‪.‬‬
‫هذا ما جاء ف ذكر معاوية ‪ ،‬وما أضفى الكاتب من ذيوله على بن أمية وعلى‬
‫عمرو بن العاص ‪ ،‬وأما ما جاء عن أب سفيان بن حرب؛ فانظر ماذا يقول‪:‬‬
‫‪(( -8‬أبو سفيان هو ذلك الرجل الذي لقي السلم منه والسلمون ما حفلت به‬
‫صفحات التاريخ ‪ ،‬والذي ل يسلم إل وقد تقررت غلبة السلم ؛ فهو‬
‫إسلم الشفة واللسان ‪ ،‬ل إيان القلب والوجدان ‪ ،‬وما نفذ السلم إل قلب‬
‫ذلك الرجل؛ فلقد ظل يتمن هزية السلمي ويستبشر لا ف يوم حني ‪ ،‬وف‬
‫قتال السلمي والروم فيما بعد ‪ ،‬بينما يتظاهر بالسلم ‪ ،‬ولقد ظلت العصبية‬
‫الاهلية تسطي على فؤاده…وقد كان سفيان يقد على السلم‬
‫والسلمي ‪ ،‬فما تعرض فرصة للفتنة إل انتهزها))‪.‬‬
‫‪(( -9‬ولقد كان أبو سفيان يلم بلك وراثي ف بن أمية منذ تول اللفة عثمان ؛‬
‫فهو يقول ‪(( :‬يا بن أمية …تلقفوها تلقف الكرة؛ فو الذي يلف به أبو‬
‫سفيان ؛ ما زلت أرجوها لكم ‪ ،‬ولتصين إل صبيانكم وراثة!)) ‪ ،‬وما كان‬

‫‪ )(1‬كذا ولعله الذمم‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يتصور حكم السلمي إل ملكا ‪ ،‬حت أيام ممد ‪( ،‬وأظن أنا أنه من الدب‬
‫أن أقول‪) e :‬؛ فقد وقف ينظر إل جيوش السلم يوم فتح مكة ‪ ،‬ويقول‬
‫للعباس بن عبد الطلب ‪(( :‬وال يا أبا الفضل؛ لقد أصبح ملك ابن أخيك‬
‫اليوم عظيما)) ‪ ،‬فلما قال له العباس ‪ :‬إنا النبوة ‪ ،‬فما كان مثل هذا القلب‬
‫ليفقه إل معن اللك والسلطان))‪.‬‬
‫ث يقول عن هند بن عتبة أم معاوية‪:‬‬
‫‪(( -10‬ذلك أبو معاوية ‪ ،‬فأما أمه هند بنت عتبة ‪ ،‬فهي تلك الت وقفت يوم أحد‬
‫تلغ ف الدم إذ تنهش كبد حزة كاللبؤة التوحشة ‪ ،‬ل يشفع لا ف هذه‬
‫الفعلة الشنيعة حق الثأر على حزة؛ فقد كان قد مات ‪ ،‬وهي الت وقفت بعد‬
‫إسلم زوجها كرها بعد إذ تقررت غلبة السلم تصيح‪(( :‬اقتلوا البيث‬
‫الدنس الذي ل خي فيه ‪ ،‬قبح من طليعة قوم ‪ ،‬هل قاتلتم ودفعتم عن‬
‫أنفسكم وبلدكم؟))‪.‬‬
‫هؤلء أربعة من أصحاب رسول ال ‪ ، e‬يذكرهم كاتب مسلم بثل هذه العبارات‬
‫الغريبة النابية ‪ ،‬بل زاد ‪ ،‬فلم يعصم كثرة بن أمية من قلمه ‪ ،‬فطرح عليهم كل ما‬
‫استطاع من صفات تعلهم جلة واحدة براء من دين ال ‪ ،‬ينافقون ف إسلمهم ‪،‬‬
‫ونفون من حياتم كل عنصر أخلقي – كما ساه ‪. -‬‬
‫وأنا لن أناقش الن هذا النهج التاريي ؛ فإن كل مدع يستطيع أن يقول‪ :‬هذا‬
‫منهجي ‪ ،‬وهذه دراست!! بل غاية ما أنا فاعل أن أنظر كيف كان أهل هذا الدين‬
‫ينظرون إل هؤلء الربعة بأعيانم ‪ ،‬وكيف كانوا – هؤلء الربعة – عند من‬
‫عاصرهم ومن جاء بعدهم من أئمة السلمي وعلمائهم‪.‬‬
‫وأيضا ‪ ،‬فإن لن أحقق هذه الكلمة فساد ما بُن عليه الكم التاريي العجيب ‪ ،‬الذي‬
‫استحدثه لنا هذا الكاتب ‪ ،‬بل أدعه إل حينه ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فمعاوية بن أب سفيان رضي ال عنه أسلم عام القضية ‪ ،‬ولقي رسول ال ‪ e‬مسلما ‪،‬‬
‫وكتم إسلمه عن أبيه وأمه ‪ ،‬ولا جاءت الردة الكبى؛ خرج معاوية ف هذه القلة‬
‫الؤمنة الت قاتلت الرتدين ‪ ،‬فلما استقر أمر السلم ‪ ،‬وسي أبو بكر اليوش إل‬
‫الشام ؛ سار معاوية مع أخيه يزيد بن أب سفيان رضي ال عنه ‪ ،‬فلما مات يزيد ف‬
‫زمن عمر بن الطاب رضي ال عنه ؛ قال لب سفيان رضي ال عنه ‪ :‬أحسن ال‬
‫عزاءك ف يزيد ‪.‬فقال أبوسفيان ‪ :‬من وليت مكانه ؟ قال‪ :‬أخاه معاوية ‪ .‬قال‪ :‬وصلتك‬
‫رحم يا أمي الؤمني ‪ .‬وبقي معاوية واليا لعمر على عمل دمشق ‪ ،‬ث وله عثمان الشام‬
‫كلها ‪ ،‬حت جاءت فتنة مقتل عثمان ‪ ،‬فول معاوية دم عثمان لقرابته ‪ ،‬ث كان بينه‬
‫وبي علي ما كان‪.‬‬
‫ويروي البخاري (‪ )5/28‬أن معاوية أوتر بعد العشاء بركعة ‪ ،‬وعنده مول لبن‬
‫عباس ‪ ،‬فأتى ابن عباس ‪ ،‬فقال‪ :‬دعه؛ فإنه صحب رسول ال ‪ . e‬وقال ف خي آخر‪:‬‬
‫هل لك ف أمي الؤمني معاوية؛ فإنه أوتر بواحدة؟ فقال ابن عباس ‪ :‬إنه فقيه‪.‬‬
‫وروى أحد ف ((مسند)) (‪ )4/102‬عن ماهد وعطاء عن ابن عباس‪ :‬أن معاوية أخبه‬
‫أن رسول ال ‪ e‬قصر شعره بشقص(‪ )1‬فقلت لبن عباس ‪ :‬ما بلغنا هذا المر إل عن‬
‫معاوية ! فقال‪ :‬ما كان معاوية على رسول ال ‪ e‬متهما‪.‬‬
‫وعن اب الدرداء ‪ :‬ما رأيت أحدا بعد رسول ال ‪ e‬أشبه صلة برسول ال ‪ e‬من‬
‫أميكم هذا (يعن معاوية) ‪ .‬ممع الزوائد (‪.)9/357‬‬
‫وروى أحد ف ((مسنده)) (‪ )4/101‬عن أب أمية عمرو بن يي ابن سعيد عن جده‪:‬‬
‫أن معاوية أخذ الداوة(‪ )2‬بعد أب هريرة يتبع رسول ال ‪ e‬با ‪ ،‬واشتكى أبو هريرة ‪،‬‬
‫فينا هو يوضئ رسول ال ‪ e‬؛ رفع رأسه إليه مرة أو مرتي ‪ ،‬فقال‪(( :‬يا معاوية ! إن‬

‫‪ )(1‬الشقص‪ :‬نصل طويل عريض (القص)‪.‬‬


‫‪ )(2‬الداوة‪ :‬إناء من جلد صغي كالقربة‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وليت أمرا؛ فاتق ال عز وجل واعدل)) ‪ .‬قال معاوية ‪ :‬فما زلت أظن أن مبتلى بعمل‬
‫لقول النب ‪ e‬حت ابتليت ‪.‬‬
‫وروى أحد ف مسنده (‪ )4/127‬عن العرباض بن سارية السلمي؛ قال‪ :‬سعت‬
‫رسول ال وهو يدعونا إل السحور ف شهر رمضان ‪(( :‬هلموا إل الغداء البارك)) ث‬
‫سعته يقول‪(( :‬اللهم علم معاوية الكتاب والساب وقه العذاب))‪.‬‬
‫وروى أحد ف مسنده (‪ )4/216‬عن عبد الرحن ابن أب عمية عن النب ‪ e‬؛ أنه‬
‫ذكر معاوية ‪ ،‬فقال‪(( :‬اللهم اجعله هاديا مهديا ‪ ،‬واهد به ))‪.‬‬
‫هذا بعض ما قيل ف معاوية رضي ال عنه ‪ ،‬وف دينه وإسلمه‪.‬‬
‫فإن كان هذا الكاتب قد عرف واستيقن أن الروايات التلقفة من أطراف الكتب تنقض‬
‫هذا نقضا ‪ ،‬حت يقول‪ :‬إن السلم بريء منه! فهو وما عرف!!‪.‬‬
‫وإن كان يعلم أنه أحسن نظرا ومعرفة بقريش من أب بكر حي ولّي يزيد بن أب‬
‫سفيان ‪ ،‬وهو من بن أمية ‪ ،‬وأنفذ بصرا من عمر حي ول معاوية؛ فهو وما علم !!‬
‫وإن كان يعلم أن معاوية ل يقاتل ف حروب الردة إل وهو يضمر النفاق والغدر؛ فله‬
‫ما علم !!‬
‫وإن كان يرى ما هو أعظم من ذلك ؛ أنه أعرف بصحابة رسول ال ‪ e‬من رسول ال‬
‫الذي كان يأتيه الب من السماء بأساء النافقي بأعيانم ؛ فذلك ما أعيذه منه أن‬
‫يعتقده أو يقوله !!‬
‫ولكن لينظر فرق ما بي كلمه وكلم أصحاب رسول ال عن رجل آخر من‬
‫أصحابه ‪ ،‬ث ليقطع لنفسه ما شاء من رحة ال أو من عذابه ‪ ،‬ولينظر أيهما أقوى‬
‫برهانا ف الرواية ‪ ،‬هذا الذي حدثنا به أئمة ديننا ‪ ،‬أم ما انضمت عليه دفتا كتاب من‬
‫عرض كتب التاريخ كما يزعمون ‪ ،‬ولينظر لنفسه حت يرجح رواية على رواية‬
‫وحديثا على حديث وخبا على خب ‪ ،‬وليعلم أن ال تعال أدب السلمي أدبا ل‬
‫يزالوا عليه منذ كانت لدين ال الغلبة حت ضرب ال على أهل السلم الذلة بعاصيهم‬

‫‪14‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وخروجهم عن حد دينهم واتباعهم المم ف أخلقها وف فكرها وف تصورها للحياة‬


‫النسانية ‪.‬‬
‫يقول ربنا سبحانه ‪ ] :‬يا أيّها الذِينَ آمنُوا إِن جاءَ كم فاسِقٌ بَِنبَإٍ فَتبَيّنوا أن تُصيبوا قَوما‬
‫بِجَهالةٍ فتُصْبِحوا على ما َفعَلتُم نادِمي [‬
‫ويقول‪ ] :‬يا أيّها الذِينَ آمنوا اجتنِبُوا كثيا مِنَ الظّنِ إنّ بعْضَ الظّنّ إِث [‬
‫ك كا َن عنه‬
‫ويقول‪ ] :‬ول َتقْفُ ما لَيْسَ لك بِ ِه عِ ْلمٌ إِنّ السّمعَ والبَصَرَ والفُؤادَ ُكلُ أُولَئ َ‬
‫مسؤولً [‬
‫ولينظر أن له أن يعرف أن معاوية كان يعمل بوحي الاهلية ل السلم ‪ ،‬وأنه بعيد‬
‫الروح عن حقيقة السلم وأن السلم ل يَعمُر قلبه ‪ ،‬وأنه خنق روح السلم هو وبنو‬
‫أبيه ‪ ،‬وأنه هو وعمرو بن العاص ومن على شاكلتهم ل يسكهم خلق ول دين ول‬
‫ضمي ‪ ،‬وأن ف أسلخ معاوية وبن أمية جرية أي جرية على السلم والسلمي ‪،‬‬
‫وأنه ييس بالعهد ويهر بالكبية جهرة التبجحي ‪ ،‬وأنه ما لعاوية وهذا السلم وأنه‬
‫ينفي العنصر الخلقي من سيته ويعل مال ال للرشى واللهى وشراء الذمم ‪ ،‬وأنه هو‬
‫وبنو أمية آمنوا على حرف حي غلب السلم ‪.‬‬
‫أما أبو سفيان رضي ال عنه ؛ فقد أسلم ليلة الفتح ‪ ،‬وأعطاه رسول ال من غنائم‬
‫حني كما أعطى سائر الؤلفة قلوبم ‪ ،‬فقال له ‪ (( :‬وال ؛ إنك لكري فداك أب وأمي ‪،‬‬
‫وال؛ لقد حاربتك فلنعم الحارب كنت ‪ ،‬ولقد سالتك فلنعم السال أنت ‪ ،‬جزاك ال‬
‫خيا))‪.‬‬
‫ث شهد الطائف مع رسول ال ‪ ،‬وفقئت عينه ف القتال‪.‬‬
‫وله رسول ال ‪ e‬نران ‪ ،‬ورسول ال ل يول منافقا على السلمي ‪.‬‬
‫وشهد اليموك ‪ ،‬وكان هو الذي يرض الناس ويثهم على القتال‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وقد ذكر الكاتب فيما استدل به على إبطان أب سفيان النفاق والكفر أنه كان يستبشر‬
‫بزية السلمي ف يوم حني ‪ ،‬وف قتال السلمي والروم فيما بعد ‪ ،‬وهذا باطل‬
‫مكذوب ‪ ،‬وسأذكر بعد تفصيل ذلك ‪.‬‬
‫أما قول أب سفيان للعباس‪(( :‬لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيما )) فقال العباس‪:‬‬
‫إنا النبوة فقال أبو سفيان‪ :‬فنعم إذن‪ .‬فهذا خب طويل ف فتح مكة ‪ ،‬قبل إسلمه ‪،‬‬
‫وكانت هذه الكلمة ‪(( :‬نعم إذن)) أول إيذان باستجابته لداعي ال ‪ ،‬فأسلم رضي ال‬
‫عنه ‪ ،‬وليست كما أولا الكاتب‪(( :‬نعم إذن ‪ ،‬وإنا كلمة يسمعها بأذنه فل يفقهها‬
‫قلبه ‪ ،‬فما كان مثل هذا القلب ليفقه إل معن اللك والسلطان)) إل أن يكون ال‬
‫كشف له ما ل يكشف للعباس ول لب بكر ول لعمر ول لصحاب رسول ال من‬
‫الهاجرين والنصار ‪،‬وأعوذ بال من أن أقول ما ل يكشف لرسول ال ونبيه ‪. e‬‬
‫وعن ابن عباس ‪ :‬أن أبا سفيان قال‪ :‬يا رسول ال ثلثا أعطنيهن ‪ ،‬قال‪(( :‬نعم )) ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫تؤمر ن ح ت أقا تل الكفار ك ما قاتلت ال سلمي ‪ ،‬قال‪(( :‬ن عم)) ‪ ،‬قال‪ :‬ومعاو ية تعله‬
‫كاتبا بي يديك ‪ ،‬قال‪(( :‬نعم)) ‪ ،‬وذكر الثالثة ‪ ،‬وهو أنه أراد أن يزوج رسول ال ‪e‬‬
‫بابتنته الخرى عزة بنت أب سفيان ‪ ،‬واستعان على ذلك بأختها أم حبيبة ‪ ،‬فقال‪(( :‬إن‬
‫ذلك ل يل ل))‪.‬‬
‫وأما هند بنت عتبة أم معاوية رضي ال عنهما ‪ ،‬فقد روي عن عبد ال بن الزبي (ابن‬
‫سعد ‪ )1( )8/171:‬؛ قال‪ :‬ل ا كان يوم الف تح ؛ أ سلمت ه ند بن عت بة ون ساء معها ‪،‬‬
‫وأتي رسول ال وهو بالبطح ‪ ،‬فبايعنه ‪ ،‬فتكلمت هند ‪ ،‬فقالت‪ :‬يا رسول ال المد‬
‫ال الذي أظ هر الد ين الذي اختاره لنف سه ‪ ،‬لتنفع ن رح ك يا م مد ‪ ،‬إ ن امرأة مؤم نة‬
‫بال مصدقة برسوله ‪ ،‬ث كشفت عن نقابا ‪ ،‬وقالت‪ :‬أنا هند بنت عتبة ‪ ،‬فقال رسول‬
‫ال ‪(( :‬مرحبا بك)) ‪ ،‬فقالت‪ :‬وال ؛ ما كان على الرض أ هل خباء أ حب إل من أن‬

‫‪ )(1‬انظر‪ ، 8/236( :‬طبعة دار صادر ‪.)1377 ،‬‬

‫‪16‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يذلوا من خبائك ‪ ،‬ول قد أ صبحت و ما على الرض أهل خباء أ حب إل من أن يعزوا‬


‫من خبائك ‪ ،‬فقال رسول ال ‪ :‬وزيادة …‬
‫قال ممد بن عمر الواقدي ‪ :‬لا أسلمت هند؛ جعلت تضرب صنما ف بيتها بالقدوم ‪،‬‬
‫حت فلذته فلذة فلذة ‪ ،‬وهي تقول‪ :‬كنا منك ف غرور‪.‬‬
‫وروى البخاري(‪ )1‬هذا الب عن أم الؤمني عائشة (‪.)5/40‬‬
‫فهل يعلم عال أن إسلم أب سفيان وهند كان نفاقا وكذبا وضغينة ‍؟ ل أدري ‪ ،‬ولكن‬
‫أئمتنيا مين أهيل هذا الديين ل يطعنوا فيهيم ‪ ،‬وارتضاهيم رسيول ال ‪ ، e‬وارتضيى‬
‫إسلمهم ‪ ،‬وأما ما كان من شأن الاهلية؛ فقل رجل وامرأة من السلمي ل يكن له ف‬
‫جاهليته مثل ما فعل أبو سفيان أو شبيه با يروى عن هند إن صح‪.‬‬
‫وأ ما عمرو بن العاص ؛ ف قد أ سلم عام خ يب ‪ ،‬قد مهاجرا إل ال ور سوله ‪ ،‬ث أمره‬
‫رسول ال ‪ e‬على سرية إل ذات السلسل يدعو بليّا إل السلم ‪ ،‬ث استعمله رسول‬
‫ال على عمان ‪ ،‬فلم يزل واليا عليها إل أن توف رسول ال ‪ ، e‬ث أقره عليها أبو بكر‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬ث استعمله عمر‪.‬‬
‫وروى المام أح د ف (م سنده) (‪ )354 ، 353، 2/327‬من حد يث أ ب هريرة ‪:‬‬
‫أن رسول ال ‪ e‬قال‪( :‬ابنا العاص مؤمنان) ؛ يعن‪ :‬هشاما وعمرا‪.‬‬
‫وروى الترمذي وأحد ف مسنده (‪ )4/155‬عن عقبة بن عامر الهن ‪ :‬سعت رسول‬
‫ال ‪ e‬يقول‪(( :‬أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص))‪.‬‬
‫وروى أح د ف م سنده (‪ )1/161‬عن طل حة بن عب يد ال ؛ قال‪ :‬أل أ خبكم عن‬
‫رسول ال بش يء ؟ أل إ ن سعته يقول‪(( :‬عمرو بن العاص من صالي قر يش ‪ ،‬ون عم‬
‫أهل البيت أبو عبد ال وأم عبد ال وعبد ال ))‪.‬‬

‫() الظا هر أ نه يق صد ال ب الول الذي ف يه‪ (( :‬ما كان على الرض أ هل خباء)) الد يث ‪ ،‬ان ظر‪ :‬خ(‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ، 4/217‬رقم ‪ ، )6641‬ط‪ /‬السلفية‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فإذا كان جهاد عمرو ‪ ،‬وشهادة أ صحاب ر سول ال ‪ e‬له ‪ ،‬وتول ية ر سول ال ‪ e‬ث‬
‫أ ب ب كر ث ع مر؛ ل تدل على ش يء من ف ضل عمرو بن العاص ‪ ،‬ول تدل على ن في‬
‫النفاق ف دين ال عنه؛ فل ندري بعد ما الذي ينفع عمرا ف دنياه وآخرته ؟!‬
‫ولست أتصدى هنا لتزييف ما كتبه الكاتب من جهة التاريخ ‪ ،‬ول من جهة النهاج ‪،‬‬
‫ولكن أردت – كما قلت – أن أبي أن الصل ف ديننا هو تقوى ال وتصديق خب‬
‫رسول ال ‪ ، e‬وأن أصحاب م مد ‪ e‬ليسوا لعان ي ول طعان ي ول أهل إفحاش ول‬
‫أ صحاب جرأة وت جم على غ يب الضمائر ‪ ،‬وأن هذا الذي كانوا عل يه أ صل ل ي كن‬
‫الروج م نه؛ ل ب جة التار يخ ‪ ،‬ول ب جة الن ظر ف أعمال ال سابقي لل عبة واتقاء ما‬
‫وقعوا فيه من الطأ‪.‬‬
‫ولو صح كل ما يذكر ما اعتمد عليه الكاتب ف تييز صفات هؤلء الربعة وصفة بن‬
‫أم ية عامة؛ لكان طر يق أ هل ال سلم أن يملوه على ال طأ ف الجتهاد من ال صحاب‬
‫الخط يء ‪ ،‬ول يدفع هم داء الع صر أن يوغلوا من أ جل خب أو خبين ف ن في الد ين‬
‫واللق والضمي عن قوم هم لقرب زمانم وصحبتهم لرسول ال ‪ e‬أول أهل السلم‬
‫بأن يعرفوا حق ال و حق ر سوله ‪ ،‬وأن يعلموا من د ين ال ما ل يعل مه مترئ علي هم‬
‫طعان فيهم‪.‬‬
‫وأختم كلمت هذه بقول النووي ف شرح مسلم (‪(( :)16/93‬اعلم أن سب الصحابة‬
‫رضي ال عنهم حرام من فواحش الحرمات ‪ ،‬سواء من لبس الفت منهم وغيه؛ لنم‬
‫متهدون ف تلك الروب متأولون ‪ ،‬وقال القاضي‪ :‬سب أحدهم من العاصي الكبائر ‪،‬‬
‫ومذهبنا ومذهب المهور أن يعزر ول يقتل ‪ ،‬وقال بعض الالكية يقتل))‪.‬‬
‫وأ سدي الن صحية ل ن ك تب هذا وشب هه أن يبأ إل ال علن ية م ا ك تب ‪ ،‬وأن يتوب‬
‫توبة الؤمني ما فرط منه ‪ ،‬وأن ينه لسانه ويعصم نفسه ويطهر قلبه ‪ ،‬وأن يدعو بدعاء‬
‫أهل اليان‪َ ] :‬ربّنا اغفِرْ لَنا ولخوانِنا الَذي نَ سََبقُونا باليا نِ ول تَجعَل ف قُلوبِنا غِل‬
‫للذينَ آ َمنُوا َربّنا إنَكَ رَؤوفٌ رحِيمٌ [‬

‫‪18‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫من أجل هذا أقول‪ :‬إن خلق السلم هو أصل كل منهاج ف العلم والفهم ‪ ،‬سواء كان‬
‫العلم تاريا أو أدبا أو اجتماعا أو سياسة ‪ ،‬وإل ؛ فنحن صائرون إل الروج عن هذا‬
‫الدين ‪ ،‬وصائرون إل تدي ما بناه أصحاب رسول ال ‪ ، e‬وإل جعل تاريخ السلم‬
‫حشدا من الكاذيب اللفقة والهواء التناقضة ‪ ،‬والعبث بكل شيء شريف ورثتنا إياه‬
‫رحة ال لم ‪ ،‬وفتح ال عليهم ‪ ،‬ورضاه عن أعمالم الصالة ‪ ،‬ومغفرته لم ما أساءوا‬
‫رضي ال عنهم ‪ ،‬وغفر لم وأثابم با جاهدوا وصبوا وعَلِموا وعلّموا ‪ ،‬وأستغفر ال‬
‫وأتوب إليه‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫رد سيد قطب على ممود ممد شاكر‬


‫إل أخي الستاذ‪ :‬رجب البيومي …السلم عليكم ورحة ال ‪ ،‬وبعد(‪:)1‬‬
‫فإن ن ل أرد أن أد خل بي نك وب ي ال ستاذ شا كر في ما ش جر بينك ما من خلف ح ت‬
‫ينتهي إل ناية كما انتهى ‪ ،‬ذلك أنن كنت حريصا على أن أدعك ورأيك ‪ ،‬وأل أبدأ‬
‫تعارف بك ف زحة الدل ‪ ،‬وإن ظن أخونا شاكر أن بيننا صحبة وثيقة ‪ ،‬وهي الت‬
‫تدف عك إل رد تج مه أو تقح مه ‪ ،‬ح ت ل قد أنذر نا معا عداوة يوم القيا مة‪ ] :‬الخِلءُ‬
‫َيوْمئَذٍ بعْضُهُم ِلبَع ضٍ عَدوّ [ ؛ لن مألوف الناس قد جرى ف هذا الز من الصغي على‬
‫أن الق وحده أو الرأي وحده ل يكفي لن يدفع كاتبا فيكتب دون هوى من صداقة‬
‫أو علقة ‍‪.‬‬
‫ولو كانت بيننا معرفة سابقة ‪ ،‬ولو استشرتن قبل أن تدخل مع صاحبنا ف جدل حول‬
‫ما أثاره من صخب وما نفضه من غبار ؛ لشرت عليك أل تدخل ‪ ،‬ولثرت لك ما‬
‫آثرته لنفسي من إغضاء وإغفال … ذلك أنن ل استشعر ف هذا الصخب الصاخب‬
‫أثرا من صفاء ن ية ‪ ،‬ول رغ بة ف تل ية حقي قة(‪ ، )2‬ولو ا ستشعرت شيئا من هذا ؛ ما‬
‫تر كت صاحب دون أن أجيبه ‪ ،‬على ال قل من باب الدب والليا قة ‪ ،‬ولكنن اطلعت‬
‫على أشياء ‪ ،‬ما كان ي سرن وال أن أطلع علي ها ‪ ،‬ف ن فس ر جل ربطت ن به مودة ‪،‬‬
‫أصفيتها له ف نفسي ‪ ،‬بعدما كان بيننا من جدل قدي ‪ ،‬يعرفه قراء ((الرسالة ))) عام (‬
‫‪1938‬م) ‪ ،‬وما أزال أرجو أن أكون مطئا فيما أحسست به ‪ ،‬وأن تبقى ل عقيدت‬
‫ف ضمائر الناس وف الي الذي تتويه فطرتم‪.‬‬
‫ولو كانيت القائق هيي القصيودة ل ا احتاج الكاتيب الفاضيل إل اصيطناع مثيل هذا‬
‫ال سلوب ال صاخب الفر قع ‪ ،‬ول ا ل أ م نذ مقاله الول ف ((ال سلمون)) إل الش تم ‪،‬‬

‫‪ )(1‬ملة (الرسالة ) العدد (‪ ، 977‬بتاريخ ‪24‬مارس ‪1952‬م)‪.‬‬


‫‪ )( 2‬انظر إل هذه التامات الت تصدر من ل يترم أصحاب رسول ال ‪ e‬وليرى ما أثاره حوله صخبا ‪،‬‬
‫ب ليس فيه صفاء نية ول رغبة ف تلية حقيقة ‍‬
‫ويرى أن الدفاع عنهم صخ ٌ‬

‫‪20‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫( ‪)1‬‬
‫وال سب والت هم ب سوء الن ية ‪ ،‬و سوء اللق والنفاق والفتراء ‪ ،‬وال سفاهة ‪ ،‬والرعو نة‬
‫… إل آ خر ما خا ضه – ويغ فر ال له ف يه – فبدون هذا تعال أمور الن قد العل مي ‪،‬‬
‫وبغي هذا السلوب يكن تحيص القائق(‪. )2‬‬
‫إ نه ل ((معاو ية )) ول ((يز يد)) ‪ ،‬ول أ حد من ملوك ب ن أم ية قد اغت صب مال أ ب أو‬
‫جدي ‪ ،‬أو قدّم إل شخصي مساءة ‪ ،‬ول لحد من عشيت القرب ي أو البعدين…‬
‫فإذا أنا سلكت ف بيان خطة ((معاوية)) ف سياسة الكم وسياسة الال ‪ ،‬وخطة اللوك‬
‫من بعده – فيما عدا الليفة الراشد‪ :‬عمر بن عبد العزيز رضي ال عنه – مسلكا غي‬
‫الذي سيلكته في بيان خطية ((أبي بكير )) و ((عمير)) و ((علي)) (‪ )3‬رضوان ال عليهيم‬
‫جيعا ‪ ،‬فل يس أول ما يتبادر إل الذ هن ال ستقيم والن ية ال سليمة أن ما ب هو سب‬
‫صحابة الرسول ‪ ، e‬ل عن خطأ ‪ ،‬ولكن عن رغبة قاصدة ف إفساد السلم ‪ ،‬وسوء‬
‫نية ف تدنيس السلمي ‍‍!!‬
‫وكتاب ((العدالة الجتماع ية )) مطبوع متداول م نذ أر بع سنوات ‪ ،‬وطبع ته الثال ثة ف‬
‫الطب عة ‪ ،‬وال صخب حوله الن ف قط قد ي شي بش يء ل أرضاه لل صديق ‪ ،‬و قد قرأه‬
‫الناس ف أناء العال السلمي ‪ ،‬فلم يستشعر أحد من موضوعه ول من سياقه أن النية‬
‫السيئة البيتة لذا السلم وأهله هي الت تعمر سطوره ‪ ،‬إنا أحس اللوف الذين قرؤوه‬
‫– أو على ال قل الئات الذ ين أبدوا رأي هم ف يه – أن كل ما كان يعني ن هو أن أبرئ‬
‫السلم من تمة يلصقها به أعداؤه ‪ ،‬وشبهة تيك ف نفوس أصدقائه(‪ )4‬؛ إذا يسبون‬

‫‪ )(1‬وماذا عملت أنت وقلت فيمن طعنت فيهم من أصحاب رسول ال ‪ e‬واتمتهم بالنفاق … إل آخر التهم؟‬
‫‪ )( 2‬هل التزمت بذا النهج عندما تدثت عن أصحاب رسول ال ‪ e‬؟‍ أتأمر الناس بالب عند الكتابة عنك‬
‫وتنسى نفسك عندما تكتب عن أصحاب رسول ال ‪ e‬؟‬
‫() ولاذا أسقطت عثمان رضي ال عنه ‍؟ ال يدل هذا على أنك تبغض هذا الليفة العظيم ‪ ،‬وتنظر إليه‬ ‫‪3‬‬

‫بعي أعدائه من (الروافض) و (الوارج) ؟ ث ما ذكرته من خطة بن أمية ؛ أل يكن مليئا بالكذب‬
‫والفتراء عليهم وعلى عثمان وعلى من عاصرهم من أصحاب رسول ال ‪ e‬؟‬
‫() أتبيء السلم بالطعن ف أصحاب رسول ال ‪ e‬؟ إن هذا لو العجب حقا إن أسلوبك هذا‬ ‫‪4‬‬

‫ليضي (الروافض) و (الستشرقي ) ‪ ،‬وهم الذين فرحوا بكتابك وترجوه إل لغاتم‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أن سياسة بن أمية ف الكم وسياستهم ف الال تسب على السلم ‪ ،‬والسلم بريء‬
‫من هذا التام‪.‬‬
‫روى سيعيد بين جهان ‪ ،‬عين سيفينة مول رسيول ال ‪e‬؛ قال‪ :‬قال رسيول ال ‪: e‬‬
‫((اللفة ف أمت ثلثون سنة ‪ ،‬ث ملك بعد ذلك )) ‪ ،‬ث قال سفينة‪ :‬امسك‪ :‬خلفة أب‬
‫ب كر ‪ ،‬وع مر ‪ ،‬وعثمان ‪ ،‬وعلي ‪ .‬فوجدنا ها ثلث ي سنة ‪ ،‬قال سعيد ‪ :‬قلت له ‪ :‬إن‬
‫ب ن أم ية يزعمون أن الل فة في هم‪ .‬قال ‪ :‬كذبوا ب نو الزرقاء ‪ ،‬بل هم ملوك من شر‬
‫اللوك(‪ .)1‬رواه أصحاب السنن بسند حسن‪.‬‬
‫وأح سب ل قد كان بنف سي وأ نا أعرض النظام الجتما عي ف ال سلم أن أقول شيئا‬
‫كالذي قاله مول رسول ال ‪ ، e‬ل عداء شخصيا لبن أمية ‪ ،‬ولكن تبئة للسلم من‬
‫أن تسب عليه سياسة ل يعرفها ؛ ل ف الكم ول ف الال ‪ ،‬والسلم منها بريء(‪ )2‬؛‬

‫() هذا الديث حسن ‪ ،‬إل قوله ‪(( :‬إن بن أمية يزعمون أن اللفة فيهم ‪ ،‬قال‪ :‬كذبوا بنوا الزرقاء ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫بل هم ملوك من شر اللوك)) ‪ ،‬فإنه قد تفرد با حشرج بن نباتة عن سعيد ابن جهان ‪ ،‬وانفرد بروايتها‬
‫عن حشرج المام الترمذي من بي جيع الئمة الذين أخرجوا حديث سفينة هذا‪.‬‬
‫فقد أخرجه أبو داود ف (سننه) (كتاب السنة ‪ ،‬حديث ‪ )4647-4646‬من طريق عبد الوارث بن سعيد ‪،‬‬
‫ومن طريق العوام بن حوشب ‪.‬‬
‫كلها من طريق حاد بن سلمة ‪ ،‬عن سعيد بن جهان ‪،‬به‪.‬‬
‫ورواه الاكم أيضا ف الستدرك (‪ )3/145‬من طريق عبد الوارث بن سعيد ‪ ،‬ول يذكر أحد من هؤلء الئمة‬
‫هذه الزيادة الت رواها الترمذي عن حشرج بن نباتة؛ فهي زيادة شاذة ‪ ،‬خالف فيها جاعة من الئمة الفاظ‪.‬‬
‫ث إنا تالف الديث الصحيح‪(( :‬ل تزال السلم عزيزا إل اثن عشر خليفة))‬
‫رواه مسلم (كتاب المارة ‪،‬حديث ‪ ، )1821/7‬وهو يشمل خلفاء بن أمية ‪.‬‬
‫ويلحظ على سيد قطب‪:‬‬
‫‪.1‬أنه – مع احتجاجه بذا الديث – قد أسقط خلفة عثمان ف مقالة هذا وقبله ف ((العدالة))‪.‬‬
‫‪.2‬أنه ل يأبه بالزء الثابت من الديث الذي فيه أن عثمان أحد اللفاء ‪ ،‬وتعلق بالزء الضعيف الشاذ‬
‫م نه ‪ ،‬أل يدل ذلك على الوى الا مح ؟ بل ل يبال ب كل ما ورد من الحاد يث ال صحيحة ف ف ضل‬
‫عثمان رضي ال عنه ‪ ،‬وما ساقه له ممود شاكر ف فضل معاوية ‪ ،‬ول يبال با قرره الصحابة والتابعون‬
‫وأئمة الدى ف فضل عثمان ومكانته وأنه خليفة راشد‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ي اللفية‬
‫فيجيب أن يعرف الناس براءتيه ‪ ،‬وأن يعرض عليهيم في صيورته التي عرفته ا‬
‫السمحة ‪ ،‬وأن ينفى عنها ما لقه ف عهود الظلم والستبداد ‪.‬‬
‫و ما كان ل ب عد هذا؛ وأ نا مالك زمام أع صاب ‪ ،‬مطمئن إل ال ق الذي أحاوله ‪ ،‬أن‬
‫ألقيي بالً إل صيخب مفتعيل ‪ ،‬وتشنيج مصيطنع(‪ ، )1‬وميا كان ل إل أن أدعيو ال‬
‫لصديقنا ((شاكر )) بالشفاء والعافية والراحة ما يعان ‪ ،‬وال لطيف بعباده الشقياء‪.‬‬
‫أ ما أ نا ؛ ف ما أ حب أن يكون ل مع قوم خرجوا على خلي فة ر سول ال ‪ ،‬وقتلوا ا بن‬
‫بنت رسول ال ‪ ،‬وحرقوا بيت ال ‪ ،‬وساروا ف سياسة الكم وسياسة الال على غي‬
‫( ‪)2‬‬
‫هدى من ال … أدب رفيع من أدب مول رسول ال الذي أدبه ورباه‬
‫سيد قطب‬

‫‪ )(2‬بل السلم بريء ما قررته ف كتبك ‪ ،‬ومنها‪( :‬العدالة الجتماعية)؛ من مكوس ظالة ‪ ،‬واشتراكية غالية ‪،‬‬
‫مأخوذة من النظم الشيوعية المراء ‪ ،‬وبرأ ال اللفة السلمية السمحة ما تلصقه با‪.‬‬
‫‪ )(1‬يصدق عليك القول‪( :‬رمتن بدائها وأنسلت)‪.‬‬
‫‪ )(2‬أليس عثمان خليفة رسول ال ؛ فلماذا ل تتأدب معه كما تأدب سفينة معه وكما تأدب أصحاب رسول ال‬
‫‪ e‬؟ بل كانت اللئكة تستحي منه؛ فلماذا ل تستح منه ‍؟ ولاذا تاوزت حدود الدب معه ‪،‬فأسقطت خلفته ‪،‬‬
‫وأدعيت عليه الدعاوى الباطلة ‪ ،‬وفضلت فيه تلميذ ((ابن سبأ))؟‬
‫وأما قتلة السي رضي ال عنه ؛ فالناس يعرفون من هم ‪ ،‬ويعرفون من الذي هدم الكعبة ‪ .‬ول يقد على بن‬
‫أمية أحد من السلمي كحقدك إل (الروافض) و (الوارج)‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫مقدمة الطبعة الول‬


‫إن المد ل نمده ‪ ،‬ونستعينه ‪ ،‬ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ بال من شرور أنفسنا ومن‬
‫سيئات أعمالنا ‪.‬‬
‫من يهده ال فل مضلّ له ‪ ،‬ومن يضلل فل هاديَ له ‪.‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل ال وحدَه ل شريك له ‪ ،‬وأشهد أن ممدًا عبدُه ورسوله‬
‫صلى ال عليه وعلى آله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫أما بعد ‪:‬‬
‫فإنّ خ َي الديث ‪ :‬كتابُ ال ‪ ،‬وخي الدْي ‪ :‬هَدْيُ ممدٍ صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وشر المور ‪ :‬مدثاتُها ‪ ،‬وكلّ ُمحْ َدثَة بدعة ‪ ،‬وكلّ بدعة ضللة ‪.‬‬
‫هذا القطع جزءٌ من خطبة النب صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬كان يردّدُه ف خطبه كلها‬
‫ي أو ُجلّها ي كما ف حديث جابر ي رضي ال عنه ي ‪.‬‬
‫ع بأنا شرّ المور ‪ ،‬وبأنا‬
‫ولقد وصف رسول ال صلى ال عليه وسلم البد َ‬
‫ضللة ‪ ،‬وف رواية ف غي هذا الديث ‪(( :‬وكلّ ضللة ف النار)) ‪ ،‬ويكرّرُ هذا ف كلّ‬
‫خطبة من خطب المعة ‪ ،‬يصاحب ذلك غضبه الشديد كأنه ُمنْذِرُ جيش ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫((صبّحكم ومسّاكم)) ‪ ،‬ويعلو بذلك صوتُه؛ كلّ هذا ول تكن قد حدثت البدع ‪ ،‬بل‬
‫ل يدث شيءٌ منها ‪.‬‬
‫لقد وقع الكثيُ والكثي فيما حذّر منه رسولُ ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ول‬
‫سيّما ف القرون التأخّرة؛ ث هيّأ ال للمة السلمية من يدّد لا دينَها ‪ ،‬ويردّ الكثي‬
‫من أراد ال له الي إل حظية التوحيد والسنة ف الزيرة العربية وغيها من بلدان‬
‫السلمي؛ فعمّت اليقظة أناء العال السلمي ‪ ،‬وبدأت النظار تتجّه إل القّ‬

‫‪24‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫والتوحيد ‪ ،‬وتتنكّر للشرك والبدع ‪ ،‬وبدأ شباب المة ف العال يبحث عن النور‬
‫والدى ‪ ،‬ويرفض الرافات والبدع ‪ ،‬ويرفض كلّ أشكال الباطل والضلل الذي‬
‫زحف على المة من دول الكفر الشرقية والغربية ‪ ،‬سواء منها ما يتعلّق بالعقائد ‪ ،‬أو‬
‫ما يتعلّق بالاكمية والتشريع ‪ ،‬وما يتعلّق بالخلق ‪ ،‬والجتماع ‪ ،‬والقتصاد ‪،‬‬
‫والسياسة ‪.‬‬
‫ولقد كان ف الكتاب العزيز والسنة الطهرة ث فقه سلف المة ومؤلّفات من‬
‫التزم منهج السلف ودعا إليه ف كلّ مال مثل مؤلفات شيخ السلم ابن تيمية ‪ ،‬وابن‬
‫القيم ‪ ،‬وابن كثي ‪ ،‬ومؤلفات الدعوة السلفية ف الزيرة ‪ ،‬والند ‪ ،‬والشام ‪ ،‬ومصر ما‬
‫يكفي ويشفي ويروي غلة هؤلء الشباب ويشبع تطلّعاتم ‪.‬‬
‫ولكن مع السف تصدّى لدعوة الشباب وتوجيههم وتربيتهم كثيٌ وكثي من ل‬
‫يعرف منهج السلف ف العقيدة وغيها ‪ ،‬ول ييّزُ بي السنة والبدعة ‪ ،‬وكتبوا الكثي‬
‫والكثي ف شتّى اليادين ‪ ،‬وكان لا طرحوه وكتبوه للتوجيه دعايات ضخمة ونشاطات‬
‫قوية احتوت كثيًا من شباب المة وألقت ف روعهم التهوين من شأن البدع‬
‫والشرك ‪ ،‬والتهوين من شأن التوحيد والسنة ومنهج السلف الصال؛ فكان لذلك آثارُه‬

‫الطية حت ف نفوس من ينتسب إل مدرسة السلف والنهج السلفي إل من‬


‫رحم ال ‪ .‬واستفحل هذا المرُ ‪ ،‬واشتدّ ‪ ،‬ورافقَه غل ّو وتقديسٌ للشخاص مهما‬
‫غلظت بدعهم وعظمت أخطاؤهم ما ينذر بشرّ خطيٍ ‪ ،‬وينذر بعودة المة إل الدوّامة‬
‫الت تطلّعت وتفّزت للخروج منها ‪.‬‬
‫فرأيت أنّ لؤلء الشباب الذين ل يشكّ عاقل أنم يريدون للسلم وللمة‬
‫الي والع ّزةَ والكرامة ‪ ،‬حقـًا عظيمـا ‪ ،‬وواجبـا كبيًا على حلة العلم أن يبيّنوا‬
‫لم الق ‪ ،‬ويفصلوا لم بي الُدى والضلل والق والباطل ‪ ،‬وييّزوا لم بي دعاة الق‬

‫‪25‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫والدى وبي غيهم من حذّر منهم رسولُ ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬حت ينلوا‬
‫الناسَ منازلم ‪.‬‬
‫فتصديت نصحـا للمة وللشباب خاصة لبيان بعض ما وقفت عليه ف كتب‬
‫سيد قطب من مالفات خطية لا جاء به رسولُ ال صلى ال عليه وسلم وما كان‬
‫عليه أصحابه وخيار المة ف العقائد وغيها وتفنيد ذلك بالجة والبهان ما‬
‫استطعت إل ذلك سبيلً؛ ك ّل ذلك نصحـا للمة ‪.‬‬
‫وإن لرجو ال أن يوفّق كل عال ملص يشعر بثقل المانة الت حلها ‪ ،‬ويشعر‬
‫بعظم السئولية أمام ال أن ينهضوا بواجب النصح والبيان لؤلء الشباب وغيهم حت‬
‫يقيموهم على الحجّة البيضاء الت تركَهم عليها رسولُ ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬والت‬
‫ل يزيغُ عنها إل هالك ‪.‬‬
‫وأرجو ال أن يوفقهم ليسلكوا مسلك أئمة السلم ف بيان الق والتحذير من‬
‫الشرك والبدع وأهلِها كالمام الشافعي ‪ ،‬والمام أحد ‪ ،‬والمام البخاري ‪ ،‬وعبد ال‬
‫بن أحد ‪ ،‬وابن خزية ‪ ،‬والجُرّي ‪ ،‬والللكائي ‪ ،‬وابن َبطّة ‪ ،‬وابن تيميّة ‪ ،‬وابن‬
‫القَيّم ‪ ،‬وابن عبد الوهاب ‪ ،‬وأمثالم من صدعَ بالق ول تأخذهم ف ال لومةُ لئم ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫السباب الموجبة للكتابة في هذا الموضوع‬


‫إن على السلم ي وخاصة حلة العلم الشرعي ي لَواجباتٌ عظيمة نو المة‬
‫السلمية والشباب ‪ ،‬يرجع معظمُها ‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬إل بيان الق ‪ ،‬والفصْل بينَه وبي الباطل وبي الدى والضلل؛ قال‬
‫تعال ‪ { :‬وإذا أخذ ال ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيّنّنه للناس ول تكتمونَه }‬
‫[ آل عمران ‪ ، ] 87 :‬وقال تعال ‪ { :‬إن الذين يكتمون ما أنزل الُ من الكتاب‬
‫ويشترون به ثنـا قليلً أولئك ما يأكلون ف بطونم إلّ النا َر ول يكلّمُهم ال يوم‬
‫ب أليم } [ البقرة ‪ ، ] 174 :‬وقال تعال ‪ { :‬إن‬ ‫القيامة ول يزكّيهم ولم عذا ٌ‬
‫الذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والدى من بعد ما بينّاه للناس ف الكتاب أولئك‬
‫يلعنهم ال ويلعنهم اللعنون إل الذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا فأولئك أتوبُ عليهم‬
‫وأنا التوّاب الرحيم } [ البقرة ‪159 :‬ي ‪. ] 160‬‬
‫وحيث إن سيد قطب قد فسّر كتاب ال وتعرّض للعقائد والقضايا الت بيّنَها‬
‫القرآن للناس ليهتدوا با فيسعَدوا ف الدنيا والخرة ‪ ،‬وآمن با الصحابة والتابعون لم‬
‫بإحسان ‪ ،‬وتابعهم عليها أئمة الدى من مفسّرين ومدّثي ‪ ،‬وفقهاء ‪ ،‬وخالفهم فيها‬
‫أهل البدع والضلل ‪ ،‬وكانت مواقف سيد قطب على سنن هؤلء الخالفي رأيتُ‬
‫أنه يتحتّمُ عليّ وقد علمتُ ذلك أن أقومَ بواجب البيان الذي حتّمه ال عليّ ‪.‬‬
‫ثانيـا ‪ :‬وقد يلتقي مع الول أن ال فرض علينا النصيحة والمر بالعروف‬
‫والنهي عن النكر ‪ ،‬ول شكّ أنّ مالفة ما بيّنه ال ف كتابه من أمر العقائد وبيّنه رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ف سننه وهدْيه من أعظم النكرات وإغفالا والسكوت عن‬
‫بيانا بعد العلم با من أعظم الغشّ واليانة للسلم والسلمي ل سيّما إذا رافق‬
‫هذا الكتمان والسكوت تلبيس وتويه وإشعار بأن كتابات هذا الرجل كلها نور‬
‫وهدى وكأنا كتبت من النة ‪ ،‬وقد قيل ذلك مع السف !! ‪.‬‬
‫ثالثـا ‪ :‬الغلوّ الشديد ف سيد قطب ‪ ،‬وإطراؤه ‪ ،‬ونسج الالت الكبية‬
‫حول شخصيّته ومؤلفاته ما بر الناسَ به وبكتبه فجعلهم ف وضعٍ ل يفكّرون فيه ‪،‬‬
‫ول يتصورون سيد قطب على حقيقته ‪ ،‬ول يتصورون كتبه على حقيقتها ‪ ،‬ول‬

‫‪27‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يُدركون ما حوته من أخطاءٍ كبية إذا اكتشفها الؤمن ضاقت عليه الرضُ با‬
‫رحُبت ‪ ،‬وأدرك أنّ دينَه يتّم عليه واجب البيان لا انطوت عليه هذه الكتب من باطل‬
‫وضلل قد أخفته تلك الدعايات ‪.‬‬
‫رابعـا ‪ :‬إصرار الشرفي على تراثه ي وعلى رأسهم ممد قطب ي على طبع‬
‫كتبه ‪ ،‬واللاح على ذلك؛ بيث يطبع كل كتاب من كتبه الرّات العديدة ‪:‬‬
‫فهذا ((الظلل)) الذي جع فأوعى من ألوان البدع الشيء الكثي قد طُبع سبع‬
‫عشرة مرّة(‪. )1‬‬
‫وهذا كتابه ((معال ف الطريق)) قد طبع خس عشرة مرة ‪.‬‬
‫وهذا كتاب ((العدالة الجتماعية)) قد طبع اثنت عشرة طبعة ‪.‬‬
‫وهناك طبعات أخرى غي شرعية لذا الكتاب ‪.‬‬
‫وهكذا سائر كتبه مع ما حوته من باطل وبدع عظيمة حظيت با ل تظ به‬
‫مؤلفات أئمة السلم الكبار كالمام أحد ‪ ،‬والبخاري ‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬وابن حبان ‪،‬‬
‫والدارقطن ‪ ،‬وابن تيمية ‪ ،‬وابن القيّم ‪ ،‬والذهب ‪ ،‬وابن عبد الوهاب وغيهم من أئمة‬
‫السلم ‪ .‬وما ذلك إل نتيجة التدليس على المة والدعايات الضخمة لترويج هذه‬
‫الكتب وأمثالا وترويج ما فيها من عقائد وأفكار ‪.‬‬
‫خامسـا ‪ :‬أقدّم نوذجـا لصرار سيد على ما ضمّنه كتبه من أفكار ومبادئ؛‬
‫كتاب ((العدالة الجتماعية ف السلم)) هذا الكتاب من أقدم مؤلّفاته ‪ ،‬وفيه من‬
‫الضلل ما يرفضه ويستنكره أشدّ الناس جهلً ف العال النتسب إل السنة وأشدّهم‬
‫إغراقـا ف التصوّف أل وهو الطعنُ ف أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫لقد أصرّ سيد قطب وأخوه ممد بل الخوان السلمون على بقاء هذا الطعن‬
‫واستمراره أكثرَ من أربعي سنة ‪ ،‬على الرغم من تنبيه العقلء على فظاعة هذا العمل‬
‫وبشاعته ‪.‬‬
‫() وقد بلغت هذا العام ‪1421‬هي فوق ثلثي طبعة ‪ ،‬وهذا غاية التمادي ف الباطل ‪ ،‬وذلك ناشيء‬ ‫‪1‬‬

‫عن عدم الوف من ال ومراقبته ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫قال الدكتور صلح عبد الفتاح الالدي ي أحد العجبي بسيد قطب ومنهجه‬
‫ومبادئه ي ف كتابه ((سيد قطب من اليلد إل الستشهاد)) خلل حديثِه عن كتاب‬
‫((العدالة الجتماعية)) ‪:‬‬
‫((وقد أشرنا إل أثر الكتاب ف متلف الوساط الكومية الشيوعية والخوانية ‪،‬‬
‫وأن سيدًا اقترب بكتابه هذا كثيًا من الخوان السلمي إل أن ربط مصيه بصيهم‬
‫بعد ذلك ‪.‬‬
‫وقد اتم ممود شاكر سيد قطب ف ((العدالة)) بإساءته القول ف ح ّق الصحابة ‪،‬‬
‫وانتقاده للخليفة الراشد عثمان بن عفان ‪.‬‬
‫وقد طُبع الكتاب عدّة طبعات ف حياة سيد ‪ ،‬كانت آخرَها الطبعة السادسة الت‬
‫أصدرتا (دار إحياء الكتب العربية) عام ‪1964‬م ‪ .‬وهي طبعة منقّحة؛ حيث حذف‬
‫منها العبارات الت أخذها عليه ممود شاكر وغيه ‪ ،‬والتعلّقة بعثمان ومعاوية ي رضي‬
‫ال عنهما ي ‪ ،‬وأضاف لا فصل (التصوّر السلمي والثقافة) أحد فصول ((معال ف‬
‫الطريق)) ‪.‬‬
‫أي ‪ :‬أنّ سيدا أضاف لكتاب ((العدالة الجتماعية)) عام ‪1964‬م أفكاره‬
‫الركية السلمية ‪ ،‬ودعوته إل بعث طليعي ‪ ،‬واستئناف الياة السلمية على أساس‬
‫مبادئ السلم ‪.‬‬
‫وبذا نعرف أن سيدا ل يتخلّ عن كتابه ((العدالة الجتماعية ف السلم)) ‪ ،‬بل‬
‫بقيَ يقول با فيه من مبادئ وأسس وأفكار حت منته عام ‪1965‬م))(‪.)1‬‬
‫بل هذا سيد قطب نفسه ل يزال يص ّر على كتاب ((العدالة)) ‪ ،‬ويعترف بأنه‬
‫كان بداية الصلة بينه وبي الخوان السلمي ‪:‬‬
‫قال ف كتاب ((لاذا أعدمون ؟)) ( ص ‪ 11 :‬ي ‪(( : ) 12‬صدر ل كتاب‬
‫((العدالة الجتماعية ف السلم)) سنة ‪1949‬م مصدّرًا بإهداء هذه الملة ‪(( :‬إل‬
‫الفتية الذين ألحهم ف خيال قادمي يردّون هذا الدين جديدًا كما بدأ ‪ ،‬ياهدون ف‬
‫() ( ص ‪. ) 540 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪29‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫سبيل ال ‪ ،‬ل يافون لومة لئم ‪ ))...‬إل ‪ .‬ففهم الخوان ف مصر أنن أعنيهم بذا‬
‫الهداء ‪ ،‬ول يكن المر كذلك ‪ ،‬ولكنهم من جانبهم تبنّوا الكتاب واعتبوا صاحبه‬
‫صديقـا ‪ ،‬وبدأوا يهتمّون بأمرِه؛ فلما عدت ف ناية عام ‪1950‬م بدأ بعض شبابم‬
‫يزورن ويتحدّث معي عن الكتاب ‪ ،‬ولكن ل تكن لم دار؛ لن الماعة كانت ل‬
‫تزال مصادَرة ‪ ،‬واستغرقت أنا عام ‪1951‬م ف صراعٍ شديد بالقلم والطابة‬
‫والجتماعات ضد الوضاع اللَكيّة القائمة ‪ ،‬والقطاع ‪ ،‬والرأسالية ‪ ،‬وأصدرت‬
‫كتابي ف الوضوع غي مئات القالت ف صحف الزب الوطن الديد ‪ ،‬والزب‬
‫الشتراكي ‪ ،‬وملة الدعوة الت أصدرها الستاذ صال عشماوي ‪ ،‬وملة الرسالة)) ‪.‬‬
‫فهذا يبيّن إصرار سيد قطب على الطعن ف أصحاب رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وإصراره على الشتراكية الغالية الت قرّرها ف هذا الكتاب ‪ ،‬وعلى إصرارِه‬
‫على رمي الجتمعات السلمية كلها بأنا متمعات جاهليّة ي أي ‪ :‬كافرة ي ‪.‬‬
‫ويشاركه ف السؤلية عن هذه المور الروّجون لفكره ومذاهبه ‪ ،‬بل يتحمّلون‬
‫السؤلية أكثرَ منه ‪.‬‬
‫سادسـا ‪ :‬احتجاج أهل البدع والضلل بطعن سيد قطب وأمثاله من طعن ف‬
‫عثمان ي رضي ال عنه ي وف أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ إذ يرى‬
‫هؤلء البتدعون أنّ ف طعن سيد قطب وأمثاله من أهل الهواء النتسبي إل أهل السنة‬
‫حجة لم على جواز الطعن والنيل من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫فهذا الباضي الارجي الحترق أحد حد الليلي مفت عُمان الاقد على‬
‫أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ف مقابلة أجراها معه لفيفٌ من (اللجنة‬
‫الثقافية) حينما زار النادي الثقاف ف سلطنة عمان ف يوم الثني ‪ 29‬رجب سنة‬
‫‪1404‬ه‍ ‪ ،‬ونشرتا ملة (جبين) الت يصدرها الطلبة العمانيون ف الردن؛ حيث‬
‫يقول الليلي الباضي الذكور من كلمٍ طويل ف هذه القابلة ‪:‬‬
‫((ولست هنا بصدد الكم ف تلك الفتنة العمياء ‪ ،‬ول على أحدٍ من خاض ف‬
‫تلك الفتنة ‪ ،‬أو من أصيب بشيء من شررها ‪ ،‬وإنا كلّ ما أريده الن هو ‪ :‬دفع‬
‫التامات الت توجّه إل الباضية؛ لنم يعادون أصحاب رسول ال صلى ال عليه‬

‫‪30‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وسلم وينالون من كرامتهم ‪.‬‬


‫والذي أريد أن أقوله ‪ :‬أن الباضية ليسوا وحدَهم ف هذا اليدان فكثيٌ من الناس‬
‫تدّثوا عن تلك الفتنة))(‪ )1‬ونقل كلمـا عن ((العقد الفريد)) ‪ ،‬وعن ((البيان والتبيي)) ‪،‬‬
‫وعن ((المامة والسياسة)) النسوب زورًا إل ابن قتيبة تتضمّن الطعنَ على عثمان‬
‫ي رضي ال عنه ي ‪.‬‬
‫ث قال ‪(( :‬وإذا جئنا إل أعلم الفكر السلمي لعصرنا الاضر ند كثي(‪)2‬منهم‬
‫تناول هذه الفتنة ‪ ،‬وتدّثوا عما جرى فيها بكلّ جرأة؛ ومن هؤلء ‪ :‬شهيد‬
‫السلم سيد قطب ف كتابه ((العدالة الجتماعية)) ‪ ،‬فلنسمع معـا بعض ما قاله‬
‫الستاذ سيد قطب ف صفحة ( ‪ ) 210‬من كتابه الذكور ‪(( :‬وهذا التصوّر لقيقة‬
‫(‪)3‬‬
‫الكم قد تغيّر شيئـا ما دون شك على عهد عثمان وهو شيخ كبي ومن وراءه‬
‫مروان بن الكم يصرف المر بكثي من النراف عن السلم ‪ ،‬كما أن طبيعة عثمان‬
‫الرخية وحدبه الشديد على أهلِه قد ساهم كلها ف صدور تصرّفاتٍ أنكرها‬
‫الكثيين(‪ )4‬من الصحابة من حوله ‪ ،‬وكانت لا معقبات كثية ‪ ،‬وآثارها الفتنة الت‬
‫عان منها السلم كثيًا ‪.‬‬
‫منح عثمان من بيت الال زوج ابنته الارث بن الكم يوم عرسه مائت ألف‬
‫درهم ‪ ،‬فلما أصبح الصباح جاء زيد بن أرقم خازن بيت مال السلمي وقد بدا ف‬

‫() ان ظر ك يف يتظا هر هذا ال سكي بالورع عن ال كم ف تلك الفت نة العمياء ‪ ،‬ث غل به طبعُه وهواه‬ ‫‪1‬‬

‫ق هذا الدفاع عن الباضية الذي يتضمّن العتراف بأنم من يعادي أصحاب رسول ال‬
‫وحقدُه فسا َ‬
‫صلى ال عليه وسلم وينالون من كرامتهم ‪ ،‬لكنهم ليسوا وحدَهم ف هذا اليدان ‪ ،‬بل يشاركهم فيه‬
‫وحوشٌ بشريّة تنهش ف أعراض أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم خي أمّة أُخرجت للناس ‪.‬‬
‫ولقد رأينا العجائب ف كتب الوارج الباضية ‪ ،‬رأيناهم يشاركون الروافض إل حدّ بعيد ف الطعن‬
‫ف أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ .‬فهل يظ نّ الباضي الليل يّ أن مغالطا ته تنطلي على‬
‫العقلء !! ‪.‬‬
‫() كذا بالصل ‪ ،‬وصوابه (كثيًا) ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() كذا بالصل ‪ ،‬وصوابه ‪ ( :‬ورائه) ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() كذا بالصل ‪ ،‬وصوابه ‪( :‬الكثيون) ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪31‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وجهه الزن واغرورقت ف عينيه الدموع ‪ ،‬فسأله أن يعفيه من عمله ‪ ،‬ولا علم منه‬
‫السبب وعرف أنه عطيته لصهره من مال السلمي قال مستغربـا ‪ :‬أتبكي يا ابن أرقم‬
‫أن وصلت رحي؛ فردّ الرجل الذي يستشعر روح السلم الرهف ‪ :‬ل يا أمي‬
‫الؤمني ولكن لن أظن أنك أخذت هذا الال عوضـا عما كنت تنفقه ف سبيل ال‬
‫ف حياة رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وال لو أعطيته مائة درهم لكان كثيًا؛‬
‫فغضب عثمان على الرجل الذي ل يطيق ضميه هذه التوسعة من مال السلمي على‬
‫أقارب خليفة السلمي وقال له ‪ :‬الق بالفاتيح يا ابن أرقم فإنا سنجد غيك)) ‪.‬‬
‫والمثلة كثية ف سية عثمان على هذه التوسعات؛ فقد منح الزبي ذات‬
‫يوم ‪ 900‬ألف ‪ ،‬ومنح طلحة ‪ 200‬ألف ‪ ،‬ونفّل مروان بن الكم ثلث خراج‬
‫أفريقية ‪ ،‬ولقد عاتبه ف ذلك ناسٌ من الصحابة على رأسهم علي بن أب طالب ‪،‬‬
‫فأجاب ‪ :‬إنّ ل قرابة ورحـا ‪ ،‬فأنكروا عليه وسألوه ‪ :‬أل يكن لب بكر وعمر قرابة‬
‫ورحم ؟ فقال ‪ :‬إن أبا بكر وعمر كانا يتسبان ف منع قرابتهما وأنا أحتسب ف إعطاء‬
‫قرابت؛ فقاموا عنه غاضبي يقولون ‪ :‬فهديهما وال أحب إلينا من هديك ‪.‬‬
‫وغي الال كانت الوليات تغدق على الولة من قرابة عثمان ‪ ،‬ومنهم ‪ :‬معاوية‬
‫الذي وسع عليه ف اللك ‪ ،‬فضمّ إليه فلسطي ‪ ،‬وحص ‪ ،‬وجع له قيادة الجناد‬
‫الربعة ‪ ،‬ومهّد له بعد ذلك أن يأخذ اللك ف خلفة عليّ ‪ ،‬وقد جع الال والجناد ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬الكم بن العاص طريد رسول ال صلى ال عليه وسلم الذي آواه‬
‫عثمان وجعل ابنه مروان وزيره التصرّف ‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬عبد ال بن سعد بن أب السرح أخوه من الرضاعة ‪.‬‬
‫ولقد كان الصحابة يرون هذه التصرفات خطية العواقب فيتداعون إل الدينة‬
‫لنقاذ تقاليد السلم ولنقاذ الليفة من الحنة ‪ ،‬والليفة ف كبته ل يلك أمره‬
‫من مروان ‪ ،‬وإنه لن الصعب أن نتهم روح السلم ف نفس عثمان ‪ ،‬ولكن من‬
‫الصعب كذلك أن نعفيه من الطأ الذي نلتمس أسبابه ف ولية مروان الوزارة ف‬
‫كبة عثمان ‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ولقد اجتمع الناسُ فكلفوا علي بن أب طالب أن يدخل إل عثمان فيكلمه؛‬


‫فدخل إليه فقال ‪ :‬الناس ورائي وقد كلّمون فيك ‪ ،‬وال ما أدري ما أقول لك ‪ ،‬وما‬
‫أعرف شيئـا تهلُه ‪ ،‬ول أدلّك على أمرٍ ل تعرفه؛ إنك لتعلم ما نعلم ‪ ،‬ما سبقناك إل‬
‫شيء فنخبك عنه ‪ ،‬ول خلونا بشيء فنبلغك ‪ ،‬ول خصصنا بأمر دونك ‪ ،‬وقد رأيت‬
‫وسعت وصحبت رسول ال صلى ال عليه وسلم ونلتَ صهره ‪ ،‬وما ابن أب قحافة‬
‫بأول بعمل الق منك ‪ ،‬وما ابن الطّاب أول بشيء من الي منك ‪ ،‬وإنك أقرب‬
‫إل رسول ال رحـا ‪ ،‬ولقد نلت من صهر رسول ال صلى ال عليه وسلم ما ل ينال‬
‫ول سبقاك إل شيء؛ فال ال ف نفسك فإنك وال ل تبصر من عمى ‪ ،‬ول تعلم من‬
‫جهل ‪ ،‬وإن الطريق لواضح بيّن ‪ ،‬وإن أعلم الدين قائمة ‪ .‬تعلم يا عثمان أن أفضل‬
‫عباد ال عند ال إمامٌ عادل هُدي وهدى؛ فأقام سنة معلومة وأمات بدعة ‪ ...‬فو ال‬
‫إن كلّ لبيّن ‪ ،‬وإن السنن لقائمة ولا أعلم؛ وإن شر الناس عند ال إمام جائر ضلّ‬
‫ضلّ به ‪ ،‬فأمات سنة معلومة ‪ ،‬وأحيا بدعة متروكة؛ وإن سعت رسول ال صلى ال‬ ‫وُ‬
‫عليه وسلم يقول ‪(( :‬يؤتى يوم القيامة بالمام الائر وليس معه نصي ول عاذر فيلقى ف‬
‫جهنّم)) ‪.‬‬
‫فقال عثمان ‪ :‬قد وال علمت ليقولن الذي قلت ‪ ،‬أما وال لو كنت مكان ما‬
‫عنفتك ول أسلمتك ول عبت عليك ‪ ،‬وما جئت منكرًا أن وصلت رحـا ‪ ،‬وسددت‬
‫خلّة ‪ ،‬وآويت ضائعـا ‪ ،‬ووليت شبيهـا ب كان عمر يول ‪ .‬أنشدك ال يا علي هل‬
‫تعلم أن الغية بن شعبة ليس هناك ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬أتعلم أن عمر ولّه ؟ ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬فلم تلومن أن وليت ابن عامر ف رحه وقرابته ؟ ‪ ،‬قال عليّ ‪ :‬سأخبك‬
‫إن عمر كان كل من ول كان إنا يطأ على صماخه إن بلغه عنه حرف جلبه ث بلغ به‬
‫أقصى الغاية ‪ ،‬وأنت ل تفعل؛ ضعفت ورفقت على أقاربك ‪ .‬قال عثمان ‪:‬‬
‫وأقاربك أيضـا ‪ ،‬قال علي ‪ :‬لعمري أن رحهم من لقريبة ولكن الفضل ف غيهم ‪،‬‬
‫قال عثمان ‪ :‬هل تعلم أنّ عمر ول معاوية خلفته كلها فقد وليته ؟ ‪ ،‬قال‬
‫علي ‪ :‬أنشدك ال؛ هل تعلم أن معاوية كان أخوف من عمر من يرفأ غلم عمر‬
‫منه ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال علي ‪ :‬فإنّ معاوية يقطع المور دونك وأنت ل تعلمها فيقول‬
‫للناس هذا أمر عثمان فيبلغك ول تغي على معاوية ‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ث يقول الستاذ شهيد السلم بعد ذلك ‪(( :‬ث ثارت الثائرة على عثمان ‪،‬‬
‫واختلط فيها الق بالباطل والي بالشر ‪ ،‬لكن ل بد لن ينظر ف المور بعي السلم ‪،‬‬
‫ويستشعر المور بروح السلم أن يقرّر أن تلك الثورة ف عمومها كانت ثورة من‬
‫روح السلم ‪ ،‬وذلك دون إغفال ما كان لليهودي عبد ال بن سبأ عليه لعنة ال))(‪.)1‬‬
‫اقرأ كتاب ((العدالة)) ( من ص ‪ 210‬إل ص ‪.)2() 212‬‬
‫قال الباضي ‪(( :‬وكثي من الكاتبي تناول هذا الوضوع بالنقد والتحليل ‪ ،‬ومن‬
‫بينهم العلمة الودودي ف كتابه ((اللفة واللك)) ‪ ،‬وكذلك ف كتابه ((التجديد لذا‬
‫الدين)) ‪.‬‬
‫وقد علّل ما حدث ف كتابه ((التجديد لذا الدين)) بأن الليفة الثالث جاءته‬
‫اللفة وقد بلغ من الكب عتيـًا ‪ ،‬وكان ل ينح من الواهب الت منح العظيمان اللذان‬
‫تقدّماه ‪.‬‬
‫فهل الباضية وحدَهم الذين يتحدّثون عن مثل هذه الشياء أو يكتبون عنها؟)) ‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬فهل هذا الطعن ف عثمان ي رضي ال عنه ي ما يشرّف سيد قطب‬
‫والودودي وسائر الكاتبي الذين يتجّ بم هذا الارجي على صحة وسلمة موقف من‬
‫يطعن ف الليفة الراشد وغيه من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟!! ‪.‬‬
‫ونقول ثانية لذا الفت ‪ :‬أمثل هذا الحتجاج البارد ما يقبله العقلء والعلماء ‪...‬‬
‫والقضاة ‪ ...‬وأهل الفتوى ؟!! ‪.‬‬
‫إذا سئلت أيها الفت عن عصابة تقتل وتسرق وتقطع الطرق حت إذا ألقي عليها‬
‫القبض وقدّمت للعدالة لحاسبتها وتطبيق شريعة ال وحكمه عليها فقامت تدافع عن‬
‫نفسها وتقول ‪ :‬إنّ هناك عصابات تشاركها ف هذه الرائم؛ فهل تدافع عنها أيها‬
‫الفت وتعطيها صكّ براءة بجة أنا ليست وحدَها الت تارس تلك الفعلت الشنعاء ‪،‬‬

‫() انظر كيف يدح الثورة على عثمان ي رضي ال عنه ي مع علمِه أنا من كيد ابن سبأ اليهودي ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫وسوف تأت مناقشته الستفيضة لذا الكلم إن شاء ال ف ( ص ‪ ) 99‬إل ( ص ‪. ) 102‬‬


‫() وف الطبعة الثانية عشر ص ( ‪ ، ) 159‬وف الطبعة الامسة ص ( ‪ ) 186‬من ((العدالة)) ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪34‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫بل معها عصابات تشاركُها ف تلك الرائم ؟ ‪.‬‬


‫وهكذا نرى التعصّب العمى يقتل العقول والواهب فتأت بالخجلت من‬
‫الشوارد والغرائب ‪.‬‬
‫أيا من يترم دينه وعقله ويترم رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه‬
‫الكرام كيف ترضى لنفسك أن تكون من مدرسة سيد قطب والودودي وأمثالما‬
‫من يطعن ف أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ومن انازوا إل أهل‬
‫البدع الكبى وف كثي من البادئ والصول والعقائد وصاروا إلْبـا على السنة‬
‫والق وأهلهما ‪.‬‬
‫فورب السماء والرض أنه ما نصح لك ول أراد بك خيًا مَن يستهويك إل‬
‫تول واتباع الدعاة إل البدع الكبى والضللت العمياء ‪.‬‬
‫وف خلل كلمه ‪ ...‬ذكر خطته ف ((العقد الفريد)) لحد بن ممد بن عبد ربه‬
‫التشيّع الاقد على عثمان وبن أميّة عن أحد الاقدين من الروافض أو الوارج يطعن‬
‫ف عهد عثمان وبن أميّة ‪ ،‬ث عقّب عليها بقوله ‪:‬‬
‫((وكان كلمه ي يعن ‪ :‬الاقد السالف الذكر ي يعن انتقاد الوضاع بعد‬
‫الليفتي أب بكر وعمر ي رضي ال عنهما ي ‪ ،‬وكذلك جاء ف كثي من الكتب‬
‫ذكر بعض الحداث الت وقعت ف عهد الليفة الثالث بعدما بلغ من الكب عتيـًا)) ‪.‬‬
‫وهذه طعنة من الباضي الارجي الاقد ف الليفة الراشد عثمان ي رضي ال‬
‫عنه ي ‪ ،‬وذكر الباضي أن الطبة السالفة الذكر موجودة ف ((البيان والتبيي))‬

‫للجاحظ العتزل الاجن الاقد ‪.‬‬


‫وذكر خلل عرضه كلمـا عن السمى زروًا بابن قتيبة فقال ‪(( :‬ولنستمع إل‬
‫ما يقوله ابن قتيبة صاحب ((المامة والسياسة))(‪ ، )1‬يقول ف الصفحة ( ‪ ) 35‬من‬

‫() قد طعن غي واحد من الباحثي ف نسبة هذا الكتاب إل ابن قتيبة المام ‪ ،‬وأقاموا العديدَ من الدلة‬ ‫‪1‬‬

‫على بطلن هذه النسبة ‪ .‬منهم ‪ :‬مب الدين الطيب ف تقيق ((العواصم)) ( ص ‪ ، ) 248 :‬ومنهم‬
‫‪ :‬ال سيد أح د صقر ف مقد مة ((تأو يل مش كل القرآن)) ل بن قتي بة ( ص ‪ . ) 32 :‬وان ظر مقد مة‬

‫‪35‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الزء الول من كتابه ‪(( :‬ما أنكر الناس على عثمان وذكروا أنه اجتمع أناسٌ من‬
‫أصحاب النب صلى ال عليه وسلم فكتبوا كتابـا ذكروا فيه ما خالف فيه عثمان من‬
‫سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم وسنة صاحبيه ‪ ،‬وما كان من هبته خس أفريقية‬
‫لروان وفيه حق ال ورسوله ‪ ،‬ومنهم ذوي القرب واليتامى والساكي ‪ ،‬وما كان من‬
‫تطاوله ف البنيان حت عدّوا سبعة دور بناها ف الدينة ‪ ...‬وذكر مثالب ومطاعن أخرى‬
‫ف عثمان ي رضي ال عنه ي)) ‪.‬‬
‫ث قال ‪(( :‬كل هذا موجود ف كتاب ((المامة والسياسة)) ف الصفحتي‬
‫( ‪ 35‬ي ‪. )) ) 36‬‬
‫وهكذا ينقل هذا الارجي الاقد على عثمان وبن أمية عن ابن قتيبة الجهول‬
‫موهـا أنه ابن قتيبة خطيب وأديب أهل السنة ‪ ،‬وموهـا للبلهاء أنه اعتمد على‬
‫أقوى حجة ‪ ،‬وهي ف واقعها أوهى من بيت العنكبوت ‪ ،‬ويريد بذلك تبئة نفسه‬
‫والوارج من الطعن ف أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فأضاف طعنـا إل‬
‫طعن ‪ ،‬وحقدًا إل حقد ‪ ،‬وعداء إل عداء؛ ولن يضرّ بذلك إلّ نفسه ‪ ،‬وسيأت دحض‬
‫هذه الطاعن الكاذبة إن شاء ال تعال ‪.‬‬
‫هذه السباب وغيها دفعتن إل أن أقومَ ببعض الواجب الذي يطمعن ف أحسن‬
‫الزاء والثوبة من ال الكري العظيم ‪ ،‬ويطمعن ف أن يستجيب لصوت الق أناس‬
‫مدوعون ببيق الباطل وجعجعته وضجيجه فأدخل باستجابتهم ف قول الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪(( :‬من دعا إل هدى كان له من الجر مثل أجور من تبعه إل يوم‬
‫القيامة)) ‪.‬‬
‫وصلى ال على نبينا ممد ‪ ،‬وعلى آله وصحبه وسلم تسليمـا كثيًا ‪.‬‬

‫وكتبه ‪:‬‬

‫((عيون الخبار)) ( ص ‪. ) 40 :‬‬

‫‪36‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ربيع بن هادي عمير المدخلي‬


‫عضو هيئة التدريس ف الامعة السلمية ‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل الول‬
‫لمحة عن حياة سيد قطب‬
‫ل أريد أن أترجم لسيد قطب؛ فقد كُتب عنه الكثي والكثي ‪ ،‬وشحنت‬
‫الكتابات عنه بالبالغات والغالت ‪ .‬وإذا ذكرت بعض أخطائه نسجت حوله الالت‬
‫لتسمو به إل أعلى الدرجات ‪ ،‬أقلها أنه متهد من متهدي المة ‪.‬‬
‫فتكفيُه للمة ‪ ...‬وطعنه ف أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪...‬‬
‫وتعطيله لصفات ال عز وجل ‪ ...‬وقوله بلق القرآن ‪ ...‬وأن ال ل يتكلّم ‪ ...‬وإنا‬
‫قوله مرّد إرادة ‪ ...‬وقوله باللول ‪ ...‬ووحدة الوجود ‪ ...‬والب ‪ ... ،‬وقوله ‪ :‬أن‬
‫الروح أزليّة ‪ ... ،‬وقوله بالشتراكية الغالية ‪ ...‬وبوادة أعداء ال ‪ ،‬وقوله ‪ ...‬عن‬
‫مساجد السلمي بأنا معابد جاهلية ‪ ... ،‬وتوينه من معجزات الرسول ‪ ...‬وردّه‬
‫لخبار الحاد بل للمتواترات من أحاديث رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪...‬‬
‫وغي هذه من الضللت ‪.‬‬
‫ط من قدر سيد قطب شيئـا ول يهزّ مكانته(‪ .)1‬لاذا ؟!! ‪ ،‬وما‬
‫ك ّل ذلك ل ي ّ‬
‫سرّ هذه الصوصية ؟ ‪.‬‬
‫أنزلَ من عند ال وحيٌ بذه الصوصيّة يُستثن به هذا الرجل من بي أهل البدع‬
‫ويقدّسه وينهه عن مساواة أمثاله من البشر ؟!! ‪.‬‬
‫فإذا قال غيه مثلً بأن القرآن ملوق خرج من دائرة أهل السنة وأسلك ف عداد‬
‫البتدعة والعتزلة كائنـا مَن كان وف أيّ عصر كان ولو ف القرون الفضّلة ‪.‬‬
‫وإذا قال سيد بلق القرآن ‪ ،‬وأنكر أن ال يتكلّم ‪ ،‬وكفّر الجتمعات السلمية ‪،‬‬
‫وأضاف إل ذلك بدعـا أكب وأغلظ فمن أعظم الستحيلت أن يقال ‪ :‬إنه مبتدع ‪.‬‬
‫لاذا ؟!! ‪.‬‬

‫() وهذا أشنع ما يكون من الرجاء الغال الذي تلبّس به قومٌ يرمون البرياء من أهل السنة بالرجاء؛‬ ‫‪1‬‬

‫أليس قولُهم هذا ف سيد قطب وأمثاله أسوأ من قول غلة الرجئة ‪ ( :‬ل يضر مع اليان ذنب كما ل‬
‫ينفع مع الكفر طاعة ) ؟! ‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫لن سيوف الرهاب الفكري تميه وأسنة الباطل والتامات تشرع ف نور‬
‫وصدور من يفكّر ف القول بذلك ‪.‬‬
‫ولو رغم أنف الق ‪ ،‬ولو ألق ذلك بالسلم ونصوصه وقواعده ومنهجه أشد‬
‫الضرار ‪ ،‬وأنزل به أشد الخطار فإنّ كل ذلك يهون إل جانب سيد قطب ‪.‬‬
‫وسوف أنقل من ترجته ما يتناسب مع الآخذ الت أخذتا عليه ‪ ،‬ويبيّن منشأها‬
‫وأسبابا ‪.‬‬
‫قال صلح عبد الفتاح الالدي ي وهو أحد العجبي بسيد قطب والغالي‬
‫فيه ي ‪(( :‬الفترة الزمنية لضياعه‬
‫مت كان ضياع سيد قطب ؟ ‪ .‬لقد أخب سيد أبا السن الندوي لَمّا قابله الخي‬
‫عام ‪1951‬م ي بعدما انتهت رحلة ضياعه ي أنه نشأ على تقاليد السلم ف طفولته‬
‫ف القرية ‪ ،‬ولا سافر للقاهرة أقبل على الدب والنقد ‪ ،‬والدراسة ‪ ،‬والثقافة ‪،‬‬
‫والعرفة ‪ ،‬وصار يتلقّى من الثقافة الغربية الاديّة؛ وهذا جعله يرّ برحلة من الشكّ‬
‫والرتياب ف القائق الدينيّة إل أقصى حدّ ي على حسب قوله بالرف ي ‪.‬‬
‫وف هذه الرحلة ي أي ‪ :‬أثناء ضياعه ي أقبل على القرآن يدرسه لدواعٍ أدبية ‪،‬‬
‫ث نقله القرآن نقلةً بعيدة إل عال اليان واليقي ‪.‬‬
‫لقد استمرّت رحلة ضياعه حوال خسة عشر عامـا ‪ ،‬ول يكن ضياعه فيها‬
‫كلها درجة واحدة وعلى مستوى واحد ‪ ،‬بل كانت الدرجة متفاوتة ومتذبذبة ‪.‬‬
‫تسللت إليه الوساوس والشكوك والوهام بالتدريج ‪ ،‬ووصلت إل نفسه‬
‫وتصوّره بالتدريج ‪ ،‬وظهر أثرها عليه بالتدريج ! ‪ .‬ولا تكنت منه ظهرت آثارها عليه‬
‫بصورة واضحة صارخة ‪ ،‬وانعكست على ملمه؛ بيث بدت فيها تلك اللمح بارزة‬
‫شاخصة؛ ث صار أثرها عليه يضعف ويقل بالتدريج وهو ياول جاهدًا أن يتخلّص‬
‫منه بشقّة وماهدة؛ وكانت تبدو أحيانـا ف بعض نتاجه الشعري ‪ ،‬وتفت وتتفي‬
‫ف غيه ! ‪.‬‬

‫وما أن تعامل سيد مع حقائق السلم ومقررات اليان حت زالت آثار وملمح‬

‫‪39‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الضياع عنه ‪ ،‬وتلشت عن نتاجه ! ‪.‬‬


‫إن رحلة ضياعه استمرت حوال خسة عشر عامـا ‪ ،‬ما بي ‪1925‬‬
‫ي ‪1940‬م ‪ ،‬أي ‪ :‬أنا بدأت معه وهو ف الدراسة الثانوية ‪ ،‬وتفاعلت معه وهو ف‬
‫الدراسة الامعية ف كلية دار العلوم ‪ ،‬وبلغت أوجها ف آخر سنتي من دراسته‬
‫الامعية ‪ ،‬أي ‪ :‬عامي ‪ 32‬ي ‪1933‬م ‪ ،‬واستمرت ف أعلى درجاتا ف السنوات‬
‫الول من حياته الوظيفيّة ‪ ،‬وباصة ف السنتي الوليي منها ‪ 34 :‬ي ‪1935‬م ‪.‬‬
‫ث صارت تضعف تدرييـًا إل أن أوشكت على الزوال والتلشي‬
‫عام ‪1940‬م ‪.‬‬
‫ول نكاد نرى لا آثارًا عليه ف الرحلة الول ي غي الواضحة ي من حياته‬
‫السلمية ‪ ،‬ما بي عامي ‪ 40‬ي ‪1945‬م ‪ ،‬وهي الرحلة الت درس فيها القرآن‬
‫لدواعٍ أدبية))(‪.)1‬‬
‫أقول ‪:‬‬
‫إن سيد قطب ل يرج من دوامة الية والبلبلة والضطراب ‪ ،‬وإن آثارها‬
‫لواضحة على كثي من كتاباته ول سيّما ف العقائد والغيبيات؛ فل توز الكابرة‬
‫والغالطات ‪.‬‬

‫() ((سيد قطب من اليلد إل الستشهاد)) ( ص ‪ 214 :‬ي ‪. ) 215‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪40‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل الثاني‬
‫مكانة أصحاب رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‬
‫عند الله ورسوله والمؤمنين‬
‫إن لصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم لنلة رفيعة عند ال وعند رسوله‬
‫والؤمني ‪ ،‬وقد أثن ال عليهم ف مكم كتابه ‪ ،‬وأخب عن رضاه عنهم ورضاهم عنه؛‬
‫فمن ذلك قوله تعال ‪ { :‬كنتم خيَ أمة أُخرجت للناس تأمرون بالعروف‬
‫وتنهون عن النكر } ‪ ،‬وقال تعال ‪ { :‬وكذلك جعلناكم أمةً وسطـا لتكونوا‬
‫شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا } ‪.‬‬
‫قال الطيب البغدادي ‪(( :‬وهذا اللفظ وإن كان عامـا فالراد به الاص ‪ ،‬وقيل‬
‫‪ :‬هو وارد ف الصحابة دون غيهم)) ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ { :‬لقد رضي ال عن الؤمني إذ يبايعونك تت الشجرة فعلم ما‬
‫ف قلوبم فأنزل السكينة عليهم وأثابم فتحـا قريبـا } ‪ ،‬وقوله تعال ‪:‬‬
‫{ والسابقون الولون من الهاجرين والنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي ال‬
‫عنهم ورضوا عنه } ‪ ،‬وقوله تعال ‪ { :‬والسابقون السابقون أولئك القرّبون ف‬
‫جنات النعيم } ‪ ،‬وقوله تعال ‪ { :‬يا أيها النب حسبك ال ومن اتبعك من‬
‫الؤمني } ‪ ،‬وقوله تعال ‪ { :‬للفقراء الهاجرين الذين أُخرجوا من ديارهم وأموالم‬
‫يبتغون فضلً من ال ورضوانـا وينصرون ال ورسوله أولئك هم الصادقون‬
‫والذين تبوءوا الدار واليان من قبلهم يبون من هاجر إليهم ول يدون ف‬
‫صدورهم حاجة ما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بم خصاصة ومن يوق‬
‫شحّ نفسه فأولئك هم الفلحون } ‪.‬‬
‫واليات ف بيان فضلهم ومنلتهم كثية ‪.‬‬
‫وأثن عليهم رسولُ ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وبيّن فضلهم ف أحاديث كثية ‪:‬‬
‫فمن ذلك ‪ :‬قوله صلى ال عليه وسلم ‪(( :‬خي الناس قرن ‪ ،‬ث الذين يلونم ‪ ،‬ث‬

‫‪41‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الذين يلونم ‪ ،‬ث ييء قومٌ تسبق شهادة أحدهم يينه ويينه شهادته))(‪.)1‬‬
‫وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪(( :‬ل تسبوا أصحاب ‪ ،‬ل تسبوا أصحاب‬
‫فوالذي نفسي بيده لو أنفقَ أحدُكم مثلَ أُحدٍ ذهبـا ما أدرك ُمدّ أحدهم ول‬
‫نَصِيفَه))(‪.)2‬‬
‫وقال ابن عباس ي رضي ال عنهما ي ‪(( :‬ل تسبوا أصحاب ممد صلى ال‬
‫عليه وسلم فلمقام أحدهم ساعة ي يعن ‪ :‬مع النب صلى ال عليه وسلم ي خيٌ من‬
‫عبادة أحدِكم عمرَه))(‪.)3‬‬
‫وقال ابن مسعود ي رضي ال عنه ي ‪(( :‬إن ال نظر ف قلوب العباد فوجد قلب‬
‫ممد صلى ال عليه وسلم خيَ قلوب العباد فاصطفاه لنفسه ‪ ،‬وابتعثه برسالته ‪ ،‬ث نظر‬
‫ف قلوب العباد بعد قلب ممد صلى ال عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خي قلوب‬
‫العباد ‪ ،‬فجعلهم وزراء نبيه ‪ ،‬يقاتلون على دينه؛ فما رآه السلمون حسنـا فهو عند‬
‫ال حسن ‪ ،‬وما رأوه سيّئـا فهو عند ال سيء))(‪.)4‬‬
‫وقال المام الطحاوي ‪(( :‬ونب أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫ب أحدٍ منهم ‪ ،‬ول نتبأ من أحدٍ منهم ‪ ،‬ونبغض من يبغضهم وبغي‬
‫ول نفرّطُ ف ح ّ‬
‫الي يذكرهم ‪ ،‬ول نذكرهم إلّ بي؛ وحبّهم دين وإيان وإحسان ‪ ،‬وبغضهم كفر‬
‫ونفاق وطغيان))(‪.)5‬‬

‫() أخرجيه البخاري ‪ /62 ( :‬فضائل الصيحابة ‪ ) 3650 ،‬مين حدييث عمران بين حصيي‬ ‫‪1‬‬

‫ي ر ضي ال ع نه ي ‪ .‬وم سلم ‪ /44 ( :‬فضائل ال صحابة ‪ ،‬حد يث ‪ ) 4533 :‬من حد يث ا بن‬


‫مسعود ‪ ،‬ومن حديث عمران وأب هريرة ي رضي ال عنهم ي ‪.‬‬
‫واللفظي له يي ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫() أخرجيه البخاري ‪ /62 ( :‬فضائل الصيحابة ‪ ،‬ح ‪ ، ) 3673 :‬ومسيلم يي‬ ‫‪2‬‬

‫( فضائل الصحابة ‪ ،‬ح ‪. ) 2540 :‬‬


‫() ((شرح الطحاوية)) ( ص ‪ ، ) 532 :‬قال اللبان ‪(( :‬صحيح)) ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() ((شرح الطحاويية) ( ص ‪ . ) 532 :‬قال اللباني ‪(( :‬حسين موقوفـيا ‪ .‬أخرجيه الطيالسيي ‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫وأحد ‪ ،‬وغيها بسند حسن؛ وصحّحه الاكم ‪ ،‬ووافقه الذهب)) ‪.‬‬


‫() ((شرح الطحاوية)) ( ص ‪. ) 528 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪42‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وقال الطيب البغدادي ي رحه ال تعال ي بعد أن استشهد بآيات كرية‬


‫وأحاديث شريفة على مكانتهم وفضلهم ‪:‬‬
‫((والخبار ف هذا العن تتسع ‪ ،‬وكلّها مطابقة لا ورد ف نصّ القرآن؛ وجيع‬
‫ذلك يقتضي طهارة الصحابة ‪ ،‬والقطع على تعديلهم ونزاهتهم؛ فل يتاج أحدٌ منهم‬
‫مع تعديل ال تعال لم الطّلِع على بواطنهم إل تعديل أحد من اللْق له؛ فهم على هذه‬
‫الصفة إل أن يثبت على أحد ارتكاب ما ل يتمل إلّ قصد العصية؛ فيحكم بسقوط‬
‫العدالة ‪ ،‬وقد برّأهم ال من ذلك ‪ ،‬ورفعَ أقدارَهم عندَه ‪ .‬على أنه لو ل يَرِد من ال عز‬
‫وجل ورسوله فيهم شيء ما ذكرناه لوجبت الال الت كانوا عليها من الجرة‬
‫والهاد والنصرة وبذل الهج والموال ‪ ،‬وقتل الباء والولد ‪ ،‬والناصحة ف الدين ‪،‬‬
‫وقوّة اليان واليقي القطع على عدالتهم ‪ ،‬والعتقاد لناهتم ‪ ،‬وأنم أفضل من جيع‬
‫العدلي الزكي الذين ييئون من بعدهم أبد البدين ‪.‬‬
‫هذا مذهب كافّة العلماء ‪ ،‬ومَن يُعت ّد بقوله من الفقهاء))(‪.)1‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية ي رحه ال تعال ي ‪(( :‬ومن أصول أهل السنة‬
‫والماعة ‪ :‬سلمة قلوبم وألسنتهم لصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم كما‬
‫وصفهم ال به ف قوله تعال ‪ { :‬والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا‬
‫ولخواننا الذين سبقونا باليان ول تعل ف قلوبنا غلّ للذين آمنوا ربنا إنك‬
‫رؤوف رحيم } ‪ ،‬وطاعة رسول ال صلى ال عليه وسلم ف قوله ‪(( :‬ل تسبّوا‬
‫أصحاب؛ فوالذي نفسي بيده لو أنّ أحدكم أنفق مثل أُحدٍ ذهبـا ما بلغ ُمدّ أحدِهم‬
‫ول نَصِيفَه)) ‪ ،‬ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والجاع من فضائلهم‬
‫ومراتبهم ‪ ...‬ويتبؤون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبّونم ‪،‬‬
‫وطريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقولٍ أو عمل ‪.‬‬
‫ويُمسكون عمّا جرى بي الصحابة ‪ ،‬ويقولون ‪ :‬إن هذه الثار الروية ف‬
‫مساويهم منها ما هو كاذب ‪ ،‬ومنها ما قد زيدَ فيه ونقّص وغيّر عن وجهه ‪،‬‬
‫والصحيح منه هم فيه معذورون ‪ :‬إما متهدون مصيبون ‪ ،‬وإما متهدون مطئون ‪.‬‬
‫() ((الكفاية)) ( ص ‪. ) 96 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪43‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ومَن نظر ف سية القوم بعلم وبصية وما منّ ال عليهم به من الفضائل علم‬
‫يقينـا أنم خيُ اللْق بعد النبياء ‪ ،‬ل كان ول يكونُ مثلهم ‪ ،‬وأنم الصفوة من قرون‬
‫هذه المة الت هي خي المم وأكرمها على ال))(‪.)2‬‬

‫() ((الواسطية)) ( ص ‪ 142 :‬ي ‪. ) 151‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪44‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل الثالث‬
‫نبذة عن الخليفة الراشد عثمان بن عفان ـ‬
‫رضي الله عنه‬
‫نسبه ‪:‬‬
‫هو ‪ :‬عثمان بن عفان بن أب العاص بن أمية بن عبد شس بن عبد مناف‬
‫القرشي ‪ ،‬أمي الؤمني ‪ ،‬أبو عمرو ‪ ،‬الموي ‪ ،‬ذو النورين ‪ ،‬ومَن تستحي منه‬
‫اللئكة ‪ ،‬ومَن جع المة على مصحفٍ واحد بعد الختلف ‪ ،‬ومَن افتتح نوّابه إقليم‬
‫خراسان وإقليم الغرب؛ وكان من السابقي الصادقي القائمي الصائمي النفقي ف‬
‫سبيل ال ‪.‬‬
‫ومن شهد له رسول ال صلى ال عليه وسلم بالنة ‪ ،‬وزوجه بابنتيه رقية وأم‬
‫كلثوم ي رضي ال عنهم أجعي ي ‪.‬‬
‫مَن نظر ف ترّيه وقت أمره بمع القرآن علم مرتبته وجللته ‪ ، ...‬عداده ف‬
‫السابقي الولي ‪ ،‬وف العشرة الشهود لم بالنة ‪ ،‬وف اللفاء الراشدين؛ وهو أفضلُ‬
‫مَن قرأ القرآن على النب صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬هاجر إل البشة ث إل الدينة ‪ ،‬وروى‬
‫جلةً كثية من العلم ‪. ...‬‬
‫قتله سودان بن حران يوم المعة ثامن عشر ذي الجة سنة خس وثلثي ‪ ،‬وكانت‬
‫خلفته اثنت عشرة سنة ‪ ،‬وعاش بضعـا وثاني سنة ‪ ...‬وكان من جع العلم والعمل ‪،‬‬
‫والصيام ‪ ،‬والتهجّد ‪ ،‬والتقان ‪ ،‬والهاد ف سبيل ال ‪ ،‬وصلة الرحم ‪ .‬فقبّح ال الرافضة(‪.)1‬‬

‫() انظير ‪(( :‬تذكرة الفّاظ)) ‪(( ، ) 1/8 ( :‬الصيابة)) ‪ /2 ( :‬ترجةي ‪(( ، ) 5450 :‬تذييب‬ ‫‪1‬‬

‫الكمال)) ‪ ، 19/445 ( :‬ترجةي رقيم ‪(( ، ) 3847 :‬أُسيد الغابية )) ‪ ، 3/584 ( :‬ترجةي‬
‫رقم ‪(( ، ) 3583 :‬طبقات ابن سعد)) ‪(( ، ) 3/53 ( :‬حلية الولياء)) ‪(( ، ) 1/55 ( :‬النتظم))‬
‫‪ (( ، ) 5/49 ( ، ) 4/334 ( :‬صفة الصفوة)) ‪(( ، ) 1/294 ( :‬تاريخ اللفاء)) للسيوطي ( ص‬
‫‪. ) 147 :‬‬

‫‪45‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل الرابع‬
‫من فضائل عثمان ـ رضي الله عنه ـ‬
‫الثابتة‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال البخاري ي رحه ال تعال ي ‪ :‬وقال عبدان ‪ :‬أخبن أب ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن‬
‫أب إسحاق ‪ ،‬عن أب عبد الرحن أنّ عثمان ي رضي ال عنه ي حيث حوصر أشرف‬
‫عليهم وقال ‪ :‬أنشدكم ال ي ول أنشد إلّ أصحاب النب صلى ال عليه وسلم ي ‪:‬‬
‫ألستم تعلمون أنّ رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪(( :‬من حفر رومة فله النة))‬

‫فحفرتُها ؟ ‪ ،‬ألستم تعلمون أنه قال ‪(( :‬مَن جهّز جيش العُسرة فله النة)) فجهزتُه ؟ ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬فصدّقوه با قال))(‪.)1‬‬
‫وقال البخاري ي أيضـا ي ‪(( :‬حدثنا سليمان بن حرب ‪ ،‬حدثنا حاد بن‬
‫زيد ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن أب عثمان ‪ ،‬عن أب موسى ي رضي ال عنه ي أن النب صلى‬
‫ال عليه وسلم دخل حائطـا وأمرن بفظ باب الائط ‪ ،‬فجاء رجلٌ يستأذن فقال ‪:‬‬
‫((ائذن له ‪ ،‬وبشّره بالنة)) فإذا أبو بكر ‪ ،‬ث جاء آخر يستأذن فقال ‪(( :‬ائذن له ‪،‬‬
‫وبشّره بالنة)) فإذا عمر ‪ ،‬ث جاء آخر يستأذن ‪ ،‬فسكت هنيهة ث قال ‪(( :‬ائذن له ‪،‬‬
‫وبشره بالنة على بلوى ستصيبُه)) فإذا عثمان بن عفان ‪.‬‬
‫قال حّاد ‪ :‬وحدثنا عاصم الحول وعلي بن الكم سعا أبا عثمان يدّث عن‬
‫أب موسى ( بنحوه ) ‪ .‬وزاد فيه عاصم ‪ :‬أن النب صلى ال عليه وسلم كان قاعدًا ف‬
‫مكان فيه ماء قد كشف عن ركبتيه ي أو ركبته ي فلما دخل عثمان غطّاها))(‪.)2‬‬
‫وقال البخاري ‪(( :‬حدثنا مسدّد ‪ ،‬حدثنا يي ‪ ،‬عن سعيد ‪ ،‬عن قتادة أن أنسـا‬
‫ي رضي ال عنه ي حدّثهم قال ‪ :‬صعد النب صلى ال عليه وسلم أُحدًا ومعه أبو بكر‬
‫وعمر وعثمان ‪ ،‬فرجف ‪ ،‬فقال ‪(( :‬اسكن أُحد)) أظنّه ضربه برجله ((فليس عليك إلّ‬

‫() البخاري ‪ ( :‬كتاب الوصايا ‪ ، 55 :‬ح ‪. ) 2778 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() البخاري ‪ ( :‬كتاب فضائل الصحابة ‪ ،‬باب مناقب عثمان ي رضي ال عنه ي ‪ ،‬ح ‪. ) 3695 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪46‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ب وصدّيق وشهيدان))(‪.)1‬‬
‫ّ‬
‫وقال البخاري ‪(( :‬حدثنا ممد بن حات بن بزيع ‪ ،‬حدثنا شاذان ‪ ،‬حدثنا عبد‬
‫العزيز ابن أب سلمة الاجشون ‪ ،‬عن عبيد ال ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر ي رضي ال‬
‫عنهما ي قال ‪(( :‬كنا ف زمن النب صلى ال عليه وسلم ل نعدل بأب بكر أَحدًا ‪ ،‬ث‬
‫عمر ‪ ،‬ث عثمان ‪ ،‬ث نترك أصحاب النب صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ل نفاضل بينَهم)) ‪.‬‬
‫تابعه عبد ال ابن صال عن عبد العزيز))(‪.)2‬‬
‫وعن عطاء وسليمان ابن يسار وأب سلمة بن عبد الرحن أ ّن عائشة ي رضي‬
‫ال عنها ي قالت ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم مضطجعـا ف بيت كاشفـا‬
‫عن فخذيه ي أو ساقيه ي ‪ ،‬فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الال ‪،‬‬
‫فتحدّث ‪ ،‬ث استأذن عمر فأذن له وهو كذلك ‪ ،‬فتحدّث ‪ ،‬ث استأذن عثمان فجلس‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وسوّى ثيابَه ‪ .‬قال ممد ‪ :‬ول أقول لك ف يوم‬
‫واحد ‪ ،‬فدخل فتحدّث؛ فلما خرج قالت عائشة ي رضي ال عنها ي ‪ :‬دخل أبو‬
‫بكر فلم تتشّ له ول تباله ‪ ،‬ث دخل عمر فلم تتشّ له ول تباله ‪ ،‬ث دخل عثمان‬
‫فجلستَ وسويّت ثيابك ؟ ‪ ،‬قال ‪(( :‬أل أستحي من رجلٍ تستحي منه اللئكة))(‪.)3‬‬
‫وقال أحد بن جعفر القطيعي ‪(( :‬حدثنا اليثم قال ‪ :‬نا الليل بن عمرو البغوي ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬نا ممد بن سلمة الران أبو عبد ال ‪ ،‬عن أب عبد الرحيم ‪ ،‬عن زيد ‪ ،‬عن أب‬
‫أنيسة ‪ ،‬عن ممد بن عبد ال ‪ ،‬عن الطلّب ‪ ،‬عن أب هريرة قال ‪ :‬دخلت على رقيّة‬
‫ابنة رسول ال صلى ال عليه وسلم امرأة عثمان بن عفان وف يدها مشط ‪ ،‬فقالت ‪:‬‬
‫خرج من عندي رسول ال صلى ال عليه وسلم آنفـا رجلّت رأسَه فقال ‪(( :‬كيف‬
‫تدين أبا عبد ال)) ؟ ‪ ،‬قلت ‪ :‬كخي الرجال ‪ ،‬قال ‪(( :‬أكرميه؛ فإنه من أشبه أصحاب‬

‫() البخاري ‪ ( :‬كتاب فضائل الصحابة ‪ ، 62‬باب مناقب عثمان ‪ ،‬ح ‪. ) 3699 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() البخاري ‪ ( :‬كتاب فضائل الصحابة ‪ ، 62‬باب مناقب عثمان ‪ ،‬ح ‪. ) 3697 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() م سلم ‪ ( :‬كتاب فضائل ال صحابة ‪ ، 44‬باب من فضائل عثمان ‪ ،‬ح ‪ ، ) 2401 :‬و ((ال سند))‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ، 6/62 ( :‬رقم ‪ ، 288 ، 24375 :‬رقم ‪. ) 26510 :‬‬

‫‪47‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ب خلقـا))(‪.)1‬‬
‫((وعن يي بن سعيد بن العاص ‪ :‬أن سعيد بن العاص أخبَه أنّ عائشة زوج النب‬
‫صلى ال عليه وسلم وعثمان حدّثاه أن أبا بكر استأذن على رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم وهو مضطجع على فراشه لبس مرط عائشة ‪ ،‬فأذن لب بكر وهو كذلك ‪،‬‬
‫فقضى إليه حاجته ‪ ،‬ث انصرف ‪ ،‬ث استأذن عمر ‪ ،‬فأذن له وهو على تلك الال‬
‫فقضى إليه حاجته ‪ ،‬ث انصرف؛ قال عثمان ‪ :‬ث استأذنت عليه فجلس وقال لعائشة ‪:‬‬
‫((اجعي عليك ثيابك)) ‪ ،‬فقضيت إليه حاجت ث انصرفت ‪ ،‬فقالت عائشة ‪ :‬يا رسول‬
‫ال مال ل أرك فزعت لب بكر وعمر ي رضي ال عنهما ي كما فزعت لعثمان ؟ ‪،‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪(( :‬إن عثمان رجل حيي ‪ ،‬وإن خشيت إن أذنتُ‬
‫له على تلك الال أن ل يبلغ إلّ ف حاجته))(‪.)2‬‬
‫وعن ابن شهاب ‪ :‬أخبن عروة أن عبيد ال بن عدي بن اليار أخبه أن السوّر‬
‫ابن مرمة وعبد الرحن بن السود بن عبد يغوث قال ‪ :‬ما ينعك أن تكلم عثمان‬
‫لخيه الوليد فقد أكثر الناس فيه ؟ ‪ ،‬فقصدت لعثمان حت خرج إل الصلة ‪ ،‬قلت ‪:‬‬
‫إن ل إليك حاجة ‪ ،‬وهي نصيحة لك ‪ ،‬قال ‪ :‬يا أيها الرء منك ‪ ،‬قال معمر ‪ :‬أراه قال‬
‫‪ :‬أعوذ بال منك؛ فانصرفت فرجعت إليهما إذ جاء رسول عثمان فأتيته فقال ‪ :‬ما‬
‫نصيحتك ؟ ‪ ،‬فقلت ‪ :‬إن ال سبحانه بعث ممدًا صلى ال عليه وسلم بالق ‪ ،‬وأنزل‬
‫عليه الكتاب ‪ ،‬وكنت من استجاب ل ولرسوله صلى ال عليه وسلم فهاجرت‬
‫الجرتي ‪ ،‬وصحبت رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ورأيتُ هدْيَه؛ وقد أكثر الناسُ‬
‫ف شأن الوليد ‪ ،‬قال ‪ :‬أدركت رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟ ‪ ،‬قلت ‪ :‬ل ‪ ،‬ولكن‬
‫خلص إلّ من علمه ما يلص إل العذراء ف سترها ‪ ،‬قال ‪ :‬أما بعد ‪ :‬فإن ال بعث‬
‫ممدًا صلى ال عليه وسلم بالق ‪ ،‬فكنتُ من استجاب ل ولرسوله ‪ ،‬وآمنتُ با بعث‬
‫به وهاجرت الجرتي ي كما قلتَ ي ‪ ،‬وصحبتُ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم‬
‫() ((كتاب فضائل ال صحابة)) للمام أح د ( ‪ ، 1/510‬ر قم ‪ . ) 834 :‬و ف هذا إشكال؛ فإن أ با‬ ‫‪1‬‬

‫هريرة ل يسلم إ ّل عام خيب سنة سبع من الجرة ‪ ،‬ورقية كانت توفيت ف السنة الثالثة من الجرة ؟ ‪.‬‬
‫() م سلم ‪ ( :‬كتاب فضائل ال صحابة ‪ ، 44‬باب من فضائل عثمان ‪ ،‬ح ‪ ، ) 2402 :‬و ((ال سند))‬ ‫‪2‬‬

‫( ‪ ، 1/71‬ح ‪ ، 6/155 ، 514 :‬رقم ‪. ) 25257 :‬‬

‫‪48‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫بايعته؛ فوال ما عصيتُه ‪ ،‬ول غششته حت توفاه ال ‪ ،‬ث أبو بكر مثله ‪ ،‬ث عمر مثله ‪،‬‬
‫ث استخلفت ‪ ،‬أفليس ل من القّ مثل الذي لم ؟ ‪ ،‬قلت ‪ :‬بلى ‪ ،‬قال ‪ :‬فما هذه‬
‫الحاديث الت تبلغن عنكم ؟ أما ما ذكرتَ من شأن الوليد فسنأخذ فيه بالق إن شاء‬
‫ال ‪ .‬ث دعا عليـًا فأمره أن يلد ‪ ،‬فجلده ثاني))(‪.)1‬‬
‫وقال المام أحد ‪(( :‬ثنا إساعيل بن إبراهيم قال ‪ :‬ثنا الريري ‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫شقيق ‪ ،‬عن ابن حوالة قال ‪ :‬أتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو جالسٌ ف ظل‬
‫دومة وعنده كاتب له يُملي عليه ‪ ،‬فقال ‪ :‬أل أكتبك يا ابن حوالة ؟ ‪ ،‬قلت ‪ :‬ل أدري‬
‫ما خار ال ل ورسوله صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأعرض عن ‪ .‬وقال إساعيل مرة ف‬
‫الول ‪ :‬نكتبك يا ابن حوالة ؟ ‪ ،‬قلت ‪ :‬ل أدري فيم يا رسول ال ‪ ،‬فأعرض عن ‪.‬‬
‫ب على كاتبه يلي عليه ‪ ،‬ث قال ‪ :‬أنكتبك يا ابن حوالة ؟ ‪ ،‬قلت ‪ :‬ل أدري ما‬‫فأك ّ‬
‫خار ال ل ورسوله فأعرض عن ‪ ،‬فأكبّ على كاتبه يلي عليه ‪ .‬قال ‪ :‬فنظرت فإذا ف‬
‫الكتاب عمر ‪ ،‬فقلت ‪ :‬إن عمر ل يكتب إل ف خي ‪ ،‬ث قال ‪ :‬أنكتبك يا ابن‬
‫حوالة ؟ ‪ ،‬قلت ‪ :‬نعم ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا ابن حوالة كيف تفعل ف فتنة ترج ف أطراف‬
‫الرض كأنا صياصي بقر ؟ ‪ ،‬قلت ‪ :‬ل أدري ما خار ال ل ورسوله ؟ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫وكيف تفعل ف أخرى ترج بعدها كأن الول فيها انتفاخة أرنب ‪ ،‬قلت ‪ :‬ل أدري‬
‫ما خار ال ل ورسوله ‪ ،‬قال ‪ :‬اتبعوا هذا ‪ ،‬قال ‪ :‬ورجل مقفى حينئذ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فانطلقت فسعيت وأخذت بنكبيه فأقبلت بوجهه إل رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫فقلت ‪ :‬هذا ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬وإذا هو عثمان بن عفان ي رضي ال تعال عنه ي))(‪.)2‬‬
‫وقال المام أحد ‪ :‬حدثنا إساعيل بن إبراهيم ‪ ،‬ثنا أيوب ‪ ،‬عن أب قلبة قال ‪:‬‬
‫لا قتل عثمان ي رضي ال عنه ي قام خطباء بإيلياء فقام من آخرهم رجل من‬
‫أصحاب النب صلى ال عليه وسلم يقال له مرة بن كعب فقال ‪ :‬لول حديثٌ سعتُه من‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ما قمت إن رسول ال صلى ال عليه وسلم ذكر فتنة‬
‫() البخاري ‪ ( :‬كتاب فضائل الصحابة ‪ ، 62‬باب مناقب عثمان ‪ ،‬ح ‪. ) 3696 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((السيند)) ( ‪ 4/109‬يي ‪ ، 110‬رقيم ‪ ، ) 17045 :‬و ((فضائل الصيحابة)) للمام أحدي‬ ‫‪2‬‬

‫( ‪ ، ) 1/448‬و الطيالسي ف ((السند)) ‪ ، 176 ( :‬رقم ‪. ) 1249 :‬‬

‫‪49‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وأحسبه قال ‪ :‬فقربا ي شكّ إساعيل ي؛ فمرّ رجل متقنع فقال ‪ :‬هذا وأصحابه‬
‫يومئذ على الق ‪ ،‬فانطلقت فأخذت بنكبه وأقبلت بوجهه إل رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فقلت ‪ :‬هذا ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬فإذا هو عثمان ي رضي ال تعال‬
‫عنه ي)) (‪.)1‬‬
‫وقال المام أحد ي أيضـا ي ‪(( :‬ثنا بز وعبد الصمد قال ‪ :‬ثنا أبو هلل ‪،‬‬
‫عن قتادة ‪ ،‬عن عبد ال بن شقيق ‪ ،‬عن مرة البهزي قال ‪ :‬كنت عند رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬وقال بز ف حديثه ‪ :‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫((تيج فتنة كالصياصي فهذا ومن معه على الق)) ‪ ،‬قال ‪ :‬فذهبت أخذت بجامع ثوبه‬
‫فإذا هو عثمان بن عفان ي رضي ال عنه ي))(‪.)2‬‬
‫وقال المام أحد ‪(( :‬ثنا عفان ‪ ،‬ثنا وهيب ‪ ،‬ثنا موسى بن عقبة قال ‪ :‬حدثن‬
‫جدي أبو أمي أبو حبيبة ‪ :‬أنه دخل الدار وعثمان مصور فيها وأنه سع أبا هريرة‬
‫يستأذن عثمان ف الكلم فأذن له ‪ ،‬فقام فحمد ال وأثن عليه ‪ ،‬ث قال ‪ :‬إن سعت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪(( :‬إنكم تلقون بعدي فتنة واختلفـا ي أو‬
‫قال ‪ :‬اختلفـا وفتنة ي)) فقال له قائل من الناس ‪ :‬فمن لنا يا رسول ال ؟ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫((عليكم بالمي وأصحابه)) وهو يشيُ إل عثمان بذلك))(‪.)3‬‬
‫وقال المام أحد ‪ :‬ثنا أبو الغية قال ‪ :‬ثنا الوليد بن سليمان قال ‪ :‬حدثن ربيعة‬
‫ابن زيد ‪ ،‬عن عبد ال بن عامر ‪ ،‬عن النعمان بن بشي ‪ ،‬عن عائشة قالت ‪ :‬أرسل‬
‫() ((السيند)) ‪ ، 4/235 ( :‬برقيم ‪ ، ) 18089 :‬و الترمذي ‪ ، 5/628 ( :‬برقيم ‪، ) 3704 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫وقال ‪(( :‬هذا حديث حسن صحيح)) ‪ ،‬وابن أب عاصم ‪ ، 2/590 ( :‬برقم ‪(( ، ) 1293 :‬فضائل‬
‫الصحابة)) للمام أحد ‪ 1/507 ( :‬ي ‪ ، 508‬برقم ‪. ) 828 :‬‬
‫() ((السييند)) ‪ ، 5/33 ( :‬رقييم ‪ ، 4/235 ( ، ) 20367 :‬ح ‪ ، ) 18089 :‬والترمذي‬ ‫‪2‬‬

‫( ‪ ، 5/628‬ح ‪ ، ) 3704 :‬وقال ‪(( :‬حديييث حسيين صييحيح)) ‪ ،‬وزوائد ابيين حبان‬
‫للهيثميي ( ص ‪ ، 539 :‬رقيم ‪ ، ) 2195 :‬وابين أبي عاصيم في ((السينة)) ‪، 2/590 ( :‬‬
‫ح ‪ 1293 :‬ي ‪. ) 1294‬‬
‫() ((السيند)) ‪ 2/344 ( :‬يي ‪ ، 345‬ح ‪(( ، ) 8522 :‬فضائل الصيحابة)) للمام أحدي ‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫( ‪ ، 1/512‬رقم ‪. ) 836 :‬‬

‫‪50‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫رسول ال صلى ال عليه وسلم إل عثمان بن عفّان فأقبل عليه رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فلما رأينا رسول ال صلى ال عليه وسلم أقبلت إحدانا على الخرى‬
‫فكان من آخر كلم كلمه أن ضرب منكبه ‪ ،‬وقال ‪(( :‬يا عثمان ! إن ال عز وجل‬
‫عسى أن يلبسك قميصـا فإن أرادك النافقون على خلعه فل تلعه حت تلقان ‪ ،‬يا‬
‫عثمان إن ال عسى أن يلبسك قميصـا فإن أرادك النافقون على خلعه فل تلعه حت‬
‫تلقان ثلثـا ‪ ، ))...‬فقلت لا ‪ :‬يا أم الؤمني فأين كان هذا عنك ؟ ‪ ،‬قالت ‪ :‬أُنسيتُه‬
‫وال فما ذكرتُه ‪ ،‬قال ‪ :‬فأخبته معاوية بن أب سفيان فلم يرضَ بالذي أخبته حت‬
‫كتب إل أم الؤمني أن اكتب إلّ به ‪ ،‬فكتبت إليه به كتابـا))(‪.)1‬‬
‫والحاديث ف هذا كثية جدّا ‪ ،‬ونستحسن أن نضيف إل هذه الحاديث‬
‫الشرقة ف فضائل عثمان كلماتٍ نيّرة لخيه الليفة الراشد علي بن أب طالب‬
‫ي رضي ال عنه ي ‪ ،‬وكلمات حق صدع با لبراز مكانة أخيه ولقطع ألسنة‬
‫الطاعني فيه والغرضي ‪:‬‬
‫فمما ثبت عن علي ي رضي ال عنه ي ‪:‬‬
‫قال أبو بكر القطيعي ف ((زوائد فضائل الصحابة)) ‪ :‬حدثنا أحد ‪ ،‬قال ‪ :‬ثنا‬
‫الترجان قال ‪ :‬حدثتن أم عمرو ابنة حسّان بن زيد أب الغصن قالت ‪ :‬سعت أبا‬
‫الغصن يقول ‪ :‬دخلت السجد الكب مسجد الكوفة وعلي بن أب طالب ياطب الناس‬
‫قائمـا على النب ‪ ،‬فنادى ثلث مرار بأعلى صوته ‪ :‬يا أيها الناس ُنبّئت أنكم تكثرون‬
‫ف وف عثمان بن عفان ‪ ،‬وإن مثلي ومثله كما قال ال عز وجل ‪ { :‬ونزعنا ما ف‬ ‫ّ‬
‫صدورهم من غلّ إخوانـا على سرر متقابلي } ‪ ،‬وقالت ‪ :‬سعت أب يقول ‪ :‬إن‬

‫() ((السيند)) ‪ 6/86 ( :‬يي ‪ ، 87‬رقيم ‪ ، 6/149 ( ، ) 24610 :‬رقيم ‪ ، ) 25203 :‬وابين‬ ‫‪1‬‬

‫ما جه ف (( سننه)) ‪ ، 1/41 ( :‬ر قم ‪ ، ) 112 :‬زوائد ا بن حبان للهيث مي ( ص ‪ ، 539 :‬ر قم ‪:‬‬
‫‪ ، ) 2196‬و ((فضائل الصيحابة)) للمام أحدي ‪ ، 1/500 ( :‬ح ‪ ، 816 :‬ص ‪ ، 453 :‬رقيم ‪:‬‬
‫‪ ) 728‬مرسييَلً ‪ ،‬وابيين أبيي عاصييم فيي ((السيينة)) ‪ 2/558 ( :‬ييي ‪، 559‬‬
‫رقم ‪. ) 1172 :‬‬
‫وصحّحه اللبان ‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫عثمان جهّز جيش العسرة مرتي(‪.)1‬‬


‫وقال المام أحد ف ((فضائل الصحابة)) ‪ :‬ثنا ممد بن جعفر ‪ ،‬نا شعبة ‪ ،‬عن أب‬
‫عون قال ‪ :‬سعت ممد بن حاطب قال ‪ :‬سألت عليـًا عن عثمان فقال ‪ :‬هو { من‬
‫الذين آمنوا ث اتقوا ث آمنوا ث اتقوا }(‪)2‬ول يتم الية ‪.‬‬
‫وقال المام أحد ف ((فضائل الصحابة)) ‪ :‬نا يي بن سعيد ‪ ،‬عن شعبة قال ‪:‬‬
‫حدثن أبو بشر ‪ ،‬عن يوسف بن سعد ‪ ،‬عن ممد بن حاطب قال ‪ :‬سعت عليـًا‬
‫يقول ‪ :‬يعن ‪ { :‬إن الذي سبقت لم منا السن } منهم عثمان(‪.)3‬‬
‫رضي ال عن عثمان بن عفان الليفة الراشد وأرضاه؛ فإنّ فضائلَه ومزاياه‬
‫كثية ل يتّسعُ القامُ لستيفائها ‪ ،‬والسلمون الصادقون يعرفون قدْرَه ومكانته ‪،‬‬
‫وعلى رأسهم صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ول يعرف الفضل إلّ‬
‫ذووه ‪ ،‬ول عبة بالروافض والرعاع وأمثالم مِن سقطِ التاع ‪.‬‬

‫() ( ‪ ، 1/517‬برقم ‪. ) 581 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ( ‪ ، 1/474‬برقم ‪. ) 770 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ( ‪ 1/474‬ي ‪ ، 475‬برقم ‪. ) 771 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪52‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل الخامس‬
‫تمهيد طويل من سيد قطب ليتوصل به‬
‫إلى الطعن في عثمان ـ رضي الله عنه ـ‬
‫ده من الصحابة وغيرهم‬ ‫من في عه ِ‬
‫و َ‬
‫قال سيد قطب ‪(( :‬هناك ما يصحّ أن نُطلق عليه باطمئنان روح السلم؛ هذا‬
‫الروح يستشعره من يتتبع طبيعة هذا الدين وتاريه على السواء ‪ ،‬ويسه كامنـا وراء‬
‫تشريعاته وتوجيهاته ‪.‬‬
‫هذا الروح هو الذي يرسم الفق العلى الذي يتطلب من معتنقيه أن يتطلعوا‬
‫إليه ‪ ،‬وأن ياولوا بلوغه ل بتنفيذ الفرائض والتكاليف فحسب ‪ ،‬ولكن بالتطوع الذات‬
‫لا هو فوق الفرائض والتكاليف؛ وهذا الفق عسي الرتقى(‪ ، )1‬وأعسر من ارتقائه‬
‫الثبات عليه؛ لن نوازع الياة البشرية وضغط الضرورات النسانية ل يطوعان‬
‫للكثرين من الناس أن يرقوا إل هذا الفق العال ول أن يصبوا عليه طويلً ‪ ،‬إن‬
‫ارتقوا إليه ف فورة من فورات الشوق والتطلع؛ فلهذا الفق تكاليفه العسرة ‪ ،‬وهي‬
‫تكاليف ف النفس والال وف الشعور والسلوك؛ ولعل أشدّ هذه التكاليف مؤنةً هو تلك‬
‫اليقظة الدائمة الت يفرضها السلم على ضمي الفرد والساسية الرهفة الت يثيها ف‬
‫ش فيها وللنسانية الت ينتسب‬ ‫شعوره تاه القوق والواجبات لذاته وللجماعة الت يعي ُ‬
‫إليها ‪ ،‬وللخالق الذي يراقبُه ف الصغية والكبية ويعلم سرّه ونواه ‪.‬‬
‫ولقد كان لذلك الروح الذي أشرنا إليه أثر ف واقع السلم التاريي ‪ ،‬فاستحال‬
‫السلم وهو عقيدة وتصوّر إل شخصيّات ووقائع ول يعد نظريات مرّدة ول مموعة‬
‫إرشادات ومواعظ ول مثلً وأخيلة ‪ ،‬إنا عاد ناذج إنسانية تعيش ‪ :‬ووقائع عملية‬

‫() ((العدالة الجتماعية)) ( ص ‪ 144 :‬ي ‪ ، 145‬ط ‪ :‬خامسة ) ‪ ،‬و ( ص ‪ 126 :‬ي ‪ ، 127‬ط‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬الثانية عشرة ) ‪.‬‬


‫أقول ‪ :‬لقيد بيّن الرسيول الكريي صيلى ال علييه وسيلم مراتيب الديين بأناي السيلم ‪ ،‬واليان ‪،‬‬
‫والحسيان ‪ ،‬وقال في الحسيان ‪(( :‬أن تعبيد ال كأنيك تراه))؛ فإذا عبدَ ال َ النسيان بإخلص‬
‫متم سّكـا بديه فإنه يكون قد وصل إل هذا الرتقى ‪ .‬ول داعي لذا التعقيد والتكلّف الذي يسلكه‬
‫سيد قطب ‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫تتحقّق ‪ ،‬ولن نكون مطئي حي نرد انبعاث هذه العبقريات كلها وبروز تلك‬
‫البطولت جيعها إل فعل ذلك الروح القوي؛ فهو حركة كونيّة شاملة تتواف مع هذه‬
‫الطاقات الفردية ف الظاهر ‪ ،‬الكونية ف القيقة ‪ ،‬ومقياس عظمة كل عبقرية منفردة‬
‫هو استعدادها لتلقّي ذلك الفيض الكون)) ‪.‬‬
‫ث ضرب أمثلة(‪:)1‬‬
‫‪ 1‬ي بالنب صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪ 2‬ي ث بلل ‪.‬‬
‫‪ 3‬ي ماعز ‪.‬‬
‫‪ 4‬ي الغامدية ‪.‬‬
‫‪ 5‬ي خالد بن الوليد وقصة عزله ‪.‬‬
‫‪ 6‬ي أبو عبيدة ‪.‬‬
‫‪ 7‬ي أبو حنيفة ‪.‬‬
‫‪ 8‬ي يونس بن عبيد ‪.‬‬
‫ولكل من هؤلء قصة ‪.‬‬
‫ث تعرّض للمساواة الطلقة(‪)2‬بي بن النسان ف السلم والتحرر الوجدان الطلق‬
‫من جيع القيم وجيع العتبارات الت تدش هذه الساواة ‪ ،‬وذكر أثر هذه الروح ف‬
‫شخصيّات ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫عمر بن الطّاب ‪.‬‬
‫ث سفيان الثوري ف مواجهة النصور ‪.‬‬
‫وأحد التكلّمي(‪)3‬ف مواجهة الليفة الواثق ‪.‬‬
‫() انظر ‪(( :‬العدالة)) ( ص ‪ 130 :‬ي ‪ ، 137‬ط ‪ :‬الثانية عشرة ) ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() في هذا نظير يالف قول ال تبارك وتعال ‪ { :‬أفنجعيل السيلمي كالجرميي } وغيهيا مين‬ ‫‪2‬‬

‫توجيهات السلم الت تفرّق بي السلم والكافر ‪.‬‬


‫() الصواب أنه أح ُد أهل السنة ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪54‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وبكار القاضي ف مواجهة أحد بن طولون ‪.‬‬


‫وابن عبد السلم ف مواجهة اللك إساعيل اليوب ‪.‬‬
‫والنووي ف مواجهة الظاهر ببيبس ‪.‬‬
‫وحسن الطويل ف مواجهة الديو توفيق ‪.‬‬
‫ث تدّث عن منهج السلم ف البّ والتكافل الجتماعي الشامل بي القادرين‬
‫والعاجزين وبي الغنياء والفقراء ‪ ،‬وضرب أمثلةً من أب بكر ‪ ،‬وعمر ‪ ،‬وعثمان قبل‬
‫اللفة ‪ ،‬ومن قبيلة الطوارق(‪.)1‬‬
‫ث قال ي وهو يتحدّث عن سياسة الكم والال ي ‪(( :‬فأما سياسة الكم والال‬
‫من الوجهة الرسية ف الدولة فقد شهد الواقع التاريي عنها فترة فريدة ف حياة السلم‬
‫ل تعمر طويلً مع السف الشديد ‪.‬‬
‫ث تدّث عن استخلف أب بكر وعمر وعثمان بكلمٍ عليه فيه مآخذ ‪ ،‬ث‬
‫قال ‪(( :‬فلما جاء المويّون وصارت اللفة السلميّة مُلْكـا عضوضـا ف بن أميّة ل‬
‫يكن ذلك من وحي السلم ‪ ،‬إنا كان من وحي الاهليّة الذي أطفأَ إشراقة الروح‬
‫السلمي))(‪.)2‬‬
‫ث تكلّم عن معاوية ويزيد بكلمٍ فيه إساءة كبية إل معاوية ‪ ،‬ونسب إل يزيد‬
‫أشياءَ يصعُب ذكرُها ‪ ،‬وهي ي ل شكّ ي تُرضي الروافض ‪.‬‬
‫ث قال ‪(( :‬وف سبيل تبئة السلم روحه ومبادئه من ذلك النظام الوراثي الذي‬
‫ابتدع ابتداعـا ف السلم نقرّرُ هذه القائق ‪ ،‬لتكون واضحةً ف تصوّر الكم‬
‫السلمي على حقيقتِه؛ وما ضاعف الكارثة ‪ :‬أنّ هذا النراف باكر السلم ول‬
‫تنقض إلّ ثلثون سنة على سننه الرفيعة ‪ ،‬فلم تتح له فرصة الثبات والستقرار وتكوين‬
‫التقاليد العميقة والوضاع النظامية الت يصعب فيما بعد الروج عليها؛ وهو سوء حظّ‬
‫ل شكّ فيه ‪ ،‬ولكنه ف الواقع ليس الصادفة السيئة الول؛ فلقد كانت أسوأ مصادفة‬
‫() ((العدالة)) ( ص ‪ 150 :‬ي ‪. ) 151‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ، ) 154 :‬و ط خامسة ‪ ( :‬ص ‪ 178‬ي ‪. ) 180‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪55‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫هي تأخي عليّ وتقدي عثمان وهو شيخٌ ضعيف ‪ ،‬وتسلّم مروان بن الَكم‬
‫الموي مقاليد السلطان ‪ .‬فلو شاء حسن الطالع أن يتقدّم عليّ بعد الشيخي لستمرّت‬
‫تقاليد السلم فترة أخرى ‪ ،‬ولستطردت موجته عهدًا ثالثـا ‪ ،‬ولكان غي ما كان‬
‫من طمس روح السلم؛ فإنّ استقرار التقاليد السلمية فترة أخرى وقيام أوضاع‬
‫نظاميّة مددة من شأنه أن يعل النكسة أصعب على من ياولا(‪.)1‬‬
‫ولكي ندرك عمق هذه القيقة يب أن نستعرض صورًا من سياسة الكم‬
‫والال(‪)2‬ف العهود الختلفة على أيدي أب بكر ‪ ،‬وعمر ‪ ،‬وعلى أيدي عثمان ‪،‬‬
‫ومروان ‪ ،‬وعلى يدي علي المام(‪ ، )3‬ث على أيدي اللوك من بن أميّة ‪ ،‬ومن بعدهم‬
‫من بن العباس بعد أن خنقت روح السلم))(‪.)4‬‬
‫ث قال ‪(( :‬حينما ندب السلمون أبا بكر ليكون خليفة رسول ال ل تزد وظيفتُه‬
‫ف نظره على أن يكون قائمـا بتنفيذ دين ال وشريعته بي السلمي ‪ ،‬فلم يطر له أنّ‬
‫هذه الوظيفة تُبيحُ له شيئـا ل يكن مباحـا له ‪ ،‬وهو فردٌ من الرعيّة ‪ ،‬أو تنحُه‬
‫حقـًا جديدًا ل يكن له أو تسقط عنه تكليفـا واحدًا ما كان يكلفه سواء لنفسه أو‬
‫لعشيته أو لليهه !)) ‪.‬‬
‫ث ذكر خطبة أب بكر الشهية ‪ ،‬وذكر مِن سيتِه ‪ ،‬وزهده ‪ ،‬وتعفّفه ما هو‬
‫لئقٌ بكانته ‪.‬‬
‫ولكنك إذا قرأت ما كتبه ف عثمان تُدرك أنه يعرّضُ بعثمان ‪ ،‬وأنه على نقيض‬

‫() هذا القط عُ تضمّن بالضا فة إل سوء معت قد سيد قطيب ‪ :‬طعنا تٍ ف خل فة عثمان ‪ ،‬من ها ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫النراف الذي با كر ال سلم ‪ ،‬ومن ها ‪ :‬ط مس روح ال سلم ‪ ،‬ومن ها ‪ :‬طعنُه ف ا ستخلف عثمان‬
‫نفسه ‪ .‬فل حو َل ول قوّة إل بال ‪.‬‬
‫() كلمة ((الال)) من الطبعة الثانية عشرة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ق فيه أبو بكر وعمر وعثمان له دللة ل ش كّ فيها لن ينظر بعمق ‪،‬‬
‫() تصيص عل يّ بالمامة ف سيا ٍ‬ ‫‪3‬‬

‫خصوصـا وهو ف سياق تبئة السلم من سياسة عثمان وبن أميّة ‪.‬‬
‫() ((العدالة)) ط خامسة ‪ ( ،‬ص ‪ ، ) 182 :‬و ط ثانية عشرة ( ص ‪ ، ) 156 :‬وفيها ‪(( :‬بعد هذه‬ ‫‪4‬‬

‫الزة البكرة ف تاريخ السلم)) ‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫هذه الصال الكرية الت كان يتّسمُ با أبو بكر ‪.‬‬


‫ث قال ‪(( :‬هذه لحةٌ مِن تصوّر أب بكرٍ للحكم ‪ ،‬فلما أن خلفه عمر ل يتلف‬
‫ي نوع‬
‫هذا التصوّر ‪ ،‬ول يفهم عمر أنّ منصبَه الديد يرتّبُ له حقوقـا جديدة من أ ّ‬
‫غي أن يزيدَ ف تبعاتِه ف القيام بتنفيذ شرع ال))(‪.)1‬‬
‫وذكر له ولعمر خطبـا وأقوالً ومواقف ُكلّها تليقُ بذين الليفتي الراشدين ‪،‬‬
‫ولكن هدف (سيد) منها أن يبيّن أنّ عثمان على النقيض من ذلك ‪ ،‬وأن هناك‬
‫تفاوُتـا عظيمـا بي الليفتي أب بكر وعمر وبي عثمان دفع سيدًا إل إسقاط‬
‫خلفة عثمان ‪ ،‬واعتبارها فجوةً بي خلفتيهما وخلفة عليّ ي رضي ال عنهم‬
‫جيعـا ي ‪.‬‬
‫لقد ذكر شخصيّات تأثرت بروح السلم وارتقت إل الفاق العليا الت رسها‬
‫السلم؛ ومن تلك الشخصيّات ‪ :‬ماعز ‪ ،‬والغامدية ‪ ،‬ويونس بن عبيد ‪ ،‬وأبو حنيفة ‪،‬‬
‫والعزّ بن عبد السلم ‪ ،‬والنووي ‪ ،‬وحسن الطويل ‪.‬‬
‫ولكنه بعد ذلك تدّث عن عثمان وعهده وعن عددٍ من أصحاب رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم با يُشعر القارئ بأنم ل يرتقوا إل هذا الفق الذي ارتقت إليه‬
‫تلك الشخصيّات الت اختارها ناذج تسنّمت ذلك الفق العال؛ فل حولَ ول قوّة إلّ‬
‫بال ‪ .‬وسيأتيك هذا النبأُ الفزع ‪.‬‬

‫() ((العدالة)) ط خامسة ( ص ‪ ، ) 183 :‬و ط ثانية عشرة ( ص ‪. ) 157 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪57‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ث تدّث عن سياسة عمر فقال ‪(( :‬لقد كان يرى أن يرم نفسه حرمان رعيته ليحسّ با‬
‫يسّها كما قال ‪ ،‬ولنه ف أعماق نفسه ما كان يرى أن قيامه بالكم يعل له حقوقـا‬
‫وامتيازات ليست لسائر الناس ‪ ،‬وأنه إن ل يعدل ف هذا فما هو بستحقّ طاعة الرعيّة؛ وقصة‬
‫البود اليمانية وإقراره بسقوط طاعته حت يثبت عدله قد سبق أن ذكرناها ‪ ،‬وهي تقرّر مبدأ من‬
‫مبادئ الكم ف السلم ‪ :‬أن ل طاعة لما ٍم غي عادل ( ولو كان يقرّ أن الاكمية ل وحدَه‬
‫ويكم بشريعة ال ‪ ،‬ولكنه ل يعدل ف الحكام) )) (‪.)1‬‬

‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ) 158 :‬ط ثان ية عشرة ‪ ،‬و ( ص ‪ ) 185‬ط خام سة ‪ .‬و ما ب ي القو سي من‬ ‫‪1‬‬

‫الطبعة الثانية عشرة ‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل السادس‬
‫عثمان بن عفان ما كان يرى أنّ قيامه بالكم‬
‫يعل له حقوقـا وامتيازات‬
‫أقول ‪ :‬رضي ال عن عمر ‪ ،‬وما هذا بستغرَب منه إن ثبت عنه ‪ ،‬وقد روي عنه‬
‫أنه كان يرم نفسه من بعض الدم ف عام الرمادة الذي حصلت فيه ماعة ‪ ،‬وهو أمرٌ‬
‫ل يلزمه به السلم ‪ ،‬ولو حصل عام مثله ف عهد عثمان لشفق على المة وأهّه‬
‫أمرها كما أهمّ أخاه عمر ي رضي ال عنهما ي؛ لنما من مدرسة ممد رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫ولعثمان من البذل والتضحيات الشيء الكثي ف حياة رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وف خلفته ‪ ،‬وخلفة أب بكر وعمر ‪.‬‬
‫وقد بذل الكثي والكثي ف أحوال الشدّة والزمات الت كانت تواجه السلمي ‪،‬‬
‫ول يُنسى ما بذله ف غزوة تبوك عام العسرة وغيها ‪.‬‬
‫أما أنّ عمر ف أعماق نفسه ما كان يرى أنّ قيامه بالكم يعل له حقوقـا‬
‫وامتيازات ليست لسائر الناس ‪ .‬فإنّ أخاه عثمان كان كذلك؛ ول يقول فيه غي هذا‬
‫إلّ ظالٌ معتد طعّان ف عدالة عثمان الليفة العادل الراشد ‪.‬‬
‫وقول سيد ‪(( :‬وأنه إن ل يعدل فما هو بستحقّ طاعة الرعية)) ‪ ،‬وقوله عن‬
‫عمر ‪(( :‬وإقراره بسقوط طاعته حت يثبت عدله)) ‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل السابع‬
‫رُر مذاهب الفرق الضالة‬
‫سيد قطب يق ّ ِ‬
‫ويوهم أنها مذهب عمر بن الخطاب‬
‫فإن (سيدا) إنا يقرّر هنا مذاهب الفرق الضالة من الوارج والعتزلة والرافضة ‪،‬‬
‫ول يلتفت إل ما قرّره الرسول صلى ال عليه وسلم وقرّره أهلُ السنة والماعة بناء‬
‫على توجيهات رسول ال صلى ال عليه وسلم الت منها ما أخرجه مسلم وغيُه من‬
‫حديث أب هريرة ي رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫((عليك السمع والطاعة ف عسرك ‪ ،‬ويُسرك ‪ ،‬ومنشطك ‪ ،‬ومكرهك ‪ ،‬وأثرة‬
‫عليك))(‪. )1‬‬
‫وما أخرجه مسلم وغيُه من حديث عبادة بن الصامت ي رضي ال عنه ي‬
‫قال ‪(( :‬بايعنا رسولَ ال صلى ال عليه وسلم على السمع والطاعة ف العسر‬
‫واليسر ‪ ،‬والنشط والكره ‪ ،‬وعلى أثرة علينا ‪ ،‬وعلى أن ل ننازعَ المرَ أهلَه ‪،‬‬
‫وعلى أن نقول بالق حيثما كنا ل ناف ف ال لومة لئم)) ‪ ،‬وزاد مسلم بعد قوله ‪:‬‬
‫((وأن ل ننازعَ المرَ أهلَه)) قال ‪(( :‬إل أن تروا كفرًا بواحـا عندكم فيه من ال‬
‫برهان))(‪.)2‬‬
‫وما رواه مسلم وغيُه عن سلمة بن يزيد العفي أنّ رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪(( :‬اسعوا وأطيعوا ‪ ،‬فإنا عليهم ما حُمّلوا وعليكم ما حُمّلتم))(‪.)3‬‬
‫ومن حديث حذيفة ‪(( :‬يكون بعدي أئمة ل يهتدون بداي ول يستنّون‬
‫بسنّت ‪ ،‬وسيقوم فيهم رجال قلوبم قلوب الشياطي ف جثمان إنس)) قال ‪ :‬قلت ‪:‬‬

‫() أخرجه مسلم ف ‪ ( :‬المارة ‪ ،‬باب وجوب طاعة المراء ف غي معصية ال وتريها ف العصية ) ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫( ‪ ، 35‬ح ‪. ) 1836 :‬‬


‫() أخرجيه البخاري في ( الحكام ‪ ،‬باب كييف يباييع المام الناس ‪ ،‬ح ‪ ، ) 7199 :‬ومسيلم في‬ ‫‪2‬‬

‫( المارة ‪ ،‬باب وجوب طا عة المراء ف غ ي مع صية ) ‪ 41 ( :‬ي ‪ ، 42‬ح ‪ ) 1709 :‬مع زيادة‬
‫((إل أن تروا كفرًا ‪. ))...‬‬
‫() أخرجه مسلم ف ( المارة ‪ ،‬باب طاعة المراء وإن منعوا القوق ‪ ، 49 :‬ح ‪. ) 1846 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪60‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫كيف أصنعُ يا رسول ال إن أدركتُ ذلك ؟ ‪ ،‬قال ‪(( :‬تسمع وتطيع ‪ ،‬وإن ضرب‬
‫ظهرك وأخذ مالَك فاسع وأطع))(‪.)1‬‬
‫وحديث ابن مسعود عن النب صلى ال عليه وسلم ‪(( :‬ستكون أثرة وأمورٌ‬
‫تنكرونَها)) ‪ ،‬قالوا ‪ :‬يا رسولَ ال فما تأمرُنا ؟ ‪ ،‬قال ‪(( :‬تؤدّون الق الذي عليكم ‪،‬‬
‫وتسألون ال الذي لكم))(‪.)2‬‬
‫ففي هذه الحاديث وجوب طاعة المام على المة مهما ظلم المام وخالف‬
‫هدْي السلم حت ترى المة ف هذا المام الكف َر البواح الخرج عن دائرة السلم ‪.‬‬
‫ل يستضي (سيد) بذه التوجيهات النبوية ‪ ،‬ول يلتفت إل مذهب أهل السنة‬
‫والماعة ‪ ،‬وذهب يقرّرُ ما هو أشدّ من مذهب الوارج والفرق الضالة الخرى ‪ ،‬ث‬
‫ينسب ذلك إل الليفة الراشد عمر بن الطّاب ي رضي ال عنه ي أنه يرى هذا‬
‫الذهب الرديء أنه ل يستحق طاعة الرعية إل إذا كان ف غاية العدل ‪ ،‬ولقد أشار إل‬
‫قصة البود اليمانية ‪.‬‬
‫وهي كما قصّها سيد ف ( ص ‪ ) 141‬من ((العدالة)) ‪(( :‬وغنم السلمون أبرادًا‬
‫ي رجل من السلمي ‪ ،‬ولا كان‬ ‫يانية فخصّه برد ‪ ،‬وخصّ ابنه عبد ال برد كأ ّ‬
‫الليفة ف حاجة إل ثوب فقد تبّع له عبد ال ببده ليضمّه إل برده فيصنع منها‬
‫ثوبـا ‪ ،‬ث وقف يطب الناس وعليه هذا الثوب ‪ ،‬فقال ‪(( :‬أيها الناس اسعوا‬
‫وأطيعوا)) ‪ ،‬فوقف سلمان فقال ‪ :‬ل سع ول طاعة ‪ ،‬قال عمر ‪ :‬ولِمَ ؟ ‪ ،‬قال‬
‫سلمان ‪ :‬من أين لك هذا الثوب وقد نالك برد واحد وأنت رجل طوال ؟ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ل تعجل ‪ ،‬ونادى ‪ :‬يا عبد ال ‪ ،‬فلم يبه أحد ـ فكلّهم عبد ال ـ ‪ ،‬قال ‪ :‬يا عبد‬
‫ال بن عمر ‪ ،‬قال ‪ :‬لبّيك يا أمي الؤمني ‪ ،‬قال ‪ :‬ناشدتك ال ! البد الذي اتزرتُ‬
‫به أهو بردك ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬اللهم نعم ‪ ،‬قال سلمان ‪ :‬النَ مُر نسمع ونطع)) ‪.‬‬
‫فهذه القصة تمل ف طيّاتا الكذب وتنطوي على رفض ذلك النهج الذي قرّره‬
‫() أخر جه م سلم ف ( المارة ‪ ،‬باب وجوب ملزمة جا عة ال سلمي عند ظهور الفت ‪ ، 52 :‬ح ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪. ) 1847‬‬
‫() أخرجه البخاري ‪ ( :‬كتاب الناقب ‪ ،‬باب علمات النبوة ف السلم ‪ ،‬ح ‪. ) 3603 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪61‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫رسول ال وتلقّاه أصحابه ‪ ،‬ففقهوه وعلموه المة ‪.‬‬


‫إن هذه القصة الزيّفة تصوّر الصحابة ف صورة ل يقوم عليها دين ول دولة ‪.‬‬
‫أبجرّد أن يرى أحد من الصحابة على أمي الؤمني ثوبـا يتاجه يقول ‪ :‬ل س َع‬
‫لك علينا ول طاعة ‪ ،‬ويقع الليفة ف قفص التّهام ‪ ،‬ل يُخرجُه منه إلّ شاهد عدل أنه‬
‫قد تبّع بذا الثوب ‪ ،‬فكيف ستكون النتيجة لو كان عبد ال بن عمر غائبـا ف غزوة‬
‫أو غيها ؟!! ‪.‬‬
‫ث أل يرى (سيد) أن هذه القصة تالف مذاهب عمر وأصحاب رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ف التفضيل ف العطاء ‪ ،‬فيعطي بعضهم خسة آلف وبعضهم أربعة ‪،‬‬
‫وبعضهم اثن عشرة ألفـا ‪ ،‬وبعضهم خسمائة وثلثائة على أساس الرجل وبلؤه ف‬
‫السلم ‪ ،‬والرجل وقدمه ف السلم ‪ ،‬والرجل وحاجته ف السلم؛ فبلء عمر ف‬
‫ب يتاجُه ل عند‬ ‫السلم وقدمه فيه وحاجته ومكانته كلّ ذلك ل يشفع لعمر ف ثو ٍ‬
‫سلمان ول عندَ غيِه من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ونسوا كلّهم‬
‫الحاديث المرة بالطاعة للمي ما دام ف دائرة السلم ‪ ،‬ونسوا ما اتّفقوا عليه من‬
‫جواز التفضيل مراعاة لنازل الرجال ؟!! ‪.‬‬
‫كيف يتبنّى سيد هذا البدأ الثوري الطي الذي ل تعيش عليه أمة ‪ ،‬ول يقومُ عليه دين‬
‫على هذه القصة الباطلة ‪ ،‬لعلّها من صياغة أعداء السلم لتدمي السلم والسلمي ‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل الثامن‬
‫عثمان – رضي الله عنه ‪ -‬كان شعور‬
‫السلمي‬
‫بالعدل عميقـا في نفسه‬
‫قال سيد قطب ‪(( :‬ولقد كان هذا الشعور السلمي عميقـا ف نفسه ‪،‬‬
‫مصاحبـا له ف كلّ ملبسةٍ ؛ فقد ساوم رجلً على فرس ‪ ،‬ث ركبَه ليج ّربَه‬
‫فعطب ‪ ،‬فأراد أن يردّه إل صاحبه ‪ ،‬فأب ‪ ،‬فتحاكما إل شريح القاضي ‪ ،‬فسمع‬
‫حُجّة كلّ منهما ‪ ،‬ث قال ‪ :‬يا أمي الؤمني خذ ما ابتعت أو ردّ كما أخذت ‪ ،‬فقال‬
‫عمر ‪(( :‬وهل القضاء إل هكذا)) ؟ ث أقام شريـا على قضاء الكوفة جزاء ما قضى‬
‫بالق والعدل)) (‪. )1‬‬
‫أقول ‪ :‬بثتُ كثيًا عن هذه القصة فلم أجدها ‪.‬‬
‫وسواء صحّت أو ل تصحّ فإن عمر بن الطّاب الليفة الراشد فوقَ‬
‫هذا الستوى ‪ ،‬وكان وقّافـا عند كتاب ال كما شهد له ابن عبّاس‬
‫ي رضي ال عنهما ي ‪ ،‬وقد مل هذا الليفة العادل العبقري الدنيا عدلً؛ فهذا قليلٌ‬
‫ف حقّه ي رضي ال عنه ي ‪.‬‬
‫ولخيه الليفة الراشد عثمان من الكمال والصفات الميدة والعدل والنصاف‬
‫ما يعله رديف أخيه عمر ف العدل والنصاف وسائر اللل الميدة؛ وبذه اللل‬
‫اختارته المة عن رضى وحبّ واغتباط ‪.‬‬
‫وله قصة طريفة ف باب العدل والنصاف ل تقلّ طرافةً عن قصة عمر هذه ‪:‬‬
‫روى ابن شبّة بإسناده قال ‪ :‬دخل عثمان بن عفان على غلم له يعلف ناقة ‪،‬‬
‫فرأى ف علفها ما كره ‪ ،‬فأخذ بأذن غلمه فعركها ‪ ،‬ث ندم فقال لغلمه اقتص ‪ ،‬فأب‬
‫الغلم ‪ ،‬فلم يدعه حت أخذ بإذنه فجعل يعركها ‪ ،‬فقال له عثمان شدّ ‪ ،‬حت ظنّ أنه‬
‫قد بلغ منه مثل ما بلغ منه ‪ ،‬ث قال عثمان ي رضي ال عنه ي ‪ :‬واهـا لقصاص قبل‬

‫() ((العدالة)) ‪. ) 158 ( :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪63‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫قصاص الخرة)) ‪ .‬وف إسناد القصة انقطاع(‪ )1‬ولكنها ل تستكثر على عثمان ‪ ،‬ول‬
‫تستبعد لعدله وإنصافه وتواضعه ي رضي ال عنه ي ‪ ،‬كما ل تستبعد تلك القصة ول‬
‫تستكثر على أخيه عمر بن الطاب ‪.‬‬
‫أما الفضل والعفو واللم والصفح عمن يعتدّى عليه فقد برز فيه ي رضي ال‬
‫عنه ي ‪ ،‬وقد رويت قصص عنه تنبئ عن نفسٍ كرية بلغت غاية السماحة ‪:‬‬
‫منها ‪ :‬ما رواه ابن شبّة ‪ :‬حدثنا موسى بن إساعيل قال ‪ :‬حدثنا سلم بن‬
‫مسكي ‪ ،‬عن عمران بن عبد ال بن طلحة ‪ :‬أن عثمان ي رضي ال عنه ي خرج‬
‫لصلة الغداة ‪ ،‬فدخل من الباب الذي كان يدخل منه ‪ ،‬فزحه الباب ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫انظروا ‪ ،‬فنظروا فإذا رجل معه خنجر أو سيف فقال له عثمان ي رضي ال عنه ي ‪:‬‬
‫ما هذا ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬أردت أن أقتلك ‪ ،‬قال ‪ :‬سبحان ال ! ويك عل َم تقتلن ؟ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ل فإن ل أنصفك وأعديك على‬ ‫ظلمن عمّالك باليمن ‪ ،‬قال ‪ :‬أفل رفعتَ ظلمتك إ ّ‬
‫عاملي أردتَ ذلك من ‪ ،‬فقال لن حوله ‪ :‬ما تقولون ؟ ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يا أمي الؤمني عدوّ‬
‫أمكنك ال منه ‪ ،‬فقال ‪ :‬عبدٌ هَمّ بذنبٍ فكفّه ال عن ‪ .‬ائتن بن يكفل بك ل تدخل‬
‫الدينة ما وليت أمر السلمي ‪ ،‬فأتاه برجل من قومِه فكفل به ‪ ،‬فخلّى عنه ‪ .‬قال‬
‫عمران ‪ :‬فوال ما ضربه سوطـا ‪ ،‬ول حبسه يومـا(‪.)2‬‬
‫وف إسناده انقطاع ‪ ،‬ويتقوّى بروايات قبله ‪ ،‬فيتقي إل درجة السن أو‬
‫الصحة؛ وقد أشار إل ذلك الحقق ي رحه ال تعال ي ‪.‬‬
‫ط منه اعتمادًا‬
‫فِلمَاذا تُغفل مكرمات عثمان ي رضي ال عنه ي ويركّز على ال ّ‬
‫على إفك الروافض والاقدين والغرضي ؟ ‪.‬‬
‫وهل يوز أن تُذكر ماسنُ عمر ي رضي ال عنه ي ليُتوصّل منها إل الطّ من‬
‫أخيه عثمان ؟ ‪ ،‬ولاذا ل يقال ف عثمان ي رضي ال عنه ي ما قيل ف عمر ؟ ‪.‬‬
‫لقد كان هذا الشعور السلمي عميقـا ف نفسه ‪ ،‬مصاحبـا له ف كلّ‬

‫() ((أخبار الدينة)) ‪. ) 3/236 ( :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((أخبار الدينة)) ‪. ) 3/246 ( :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪64‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ملبسة ‪ ،‬وتذكر تطبيقات ذلك ف حياتِه كما ذكرت ف حياة أخيه عمر ‪ .‬رضي ال‬
‫عن كل أصحاب رسول ال ول سيّما اللفاء الراشدين الهديي ‪ ،‬والعشرة البشّرين‬
‫بالنة؛ فقد كانت حياتم كلها تطبيقـا صحيحـا للسلم رغم أنوف الاقدين ‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل التاسع‬
‫كان عثمان رضي الله عنه يقيم العدل‬
‫على نفسه وبين رعيته‬
‫قال سيد ‪(( :‬فإذا فهم عمر الكم على أساس هذا التصوّر فل مال لن يكون‬
‫لقرابة الاكم امتيازات ما على سائر أفراد الرعية ‪ .‬فإذا تناول ابنُه عبد الرحن‬
‫المر فل بدّ من الد ‪ ،‬وقصّته ف ذلك معروفة ‪ ،‬وإذا عدا ابن عمرو بن العاص‬
‫على الصري فل ب ّد من القصاص ‪.‬‬
‫فأما ف الال فعمّاله مسئولون عن كل ما زاد ف أموالم بعد الولية خشية أن‬
‫يكون نوّها على حساب مال السلمي ‪ ،‬أو بسبب من جاه الولية ‪ .‬و ( من أين‬
‫لك هذا ؟ ) كان قانونه الذي عامل به عمّاله واحدًا واحدًا كلما وجد مبّرًا لن‬
‫يعاملهم به؛ فقد قاسم عمرو بن العاص واليه ف مصر وسعد بن أب وقاص واليه ف‬
‫الكوفة كما ضم مال أب هريرة واليه ف البحرين))(‪.)1‬‬
‫أقول ‪ :‬ف هذا الكلم نظرات ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن عثمان ي رضي ال عنه ي فهم الكم على أساس هذا التصوّر كما‬
‫فهم أخواه عمر وأبو بكر ي رضي ال عنهم ي ‪.‬‬
‫وإذا كان عثمان قد ول أحدًا من قرابته فلكفائتهم الت قلّ أن تتوفّر ف‬
‫غيهم أولً ‪.‬‬
‫وثانيـا ‪ :‬فل يعرف بطن من بطون قريش فيها عمال لرسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم أكثر من بن عبد شس؛ لنم كانوا كثيين ‪ ،‬وكان فيهم شرف وسؤدد(‪.)2‬‬
‫وكذلك استعمل منهم أبو بكر ‪ ،‬وعمر ‪ ،‬وسيأت استكمال هذا ف موضعه ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬إذا كان عمر قد أقام الدّ على ولده بل وصهره فإنّ الشيءَ من معدنه‬
‫ل يستغرب ‪ ،‬فكذلك أخوه عثمان أقاد من نفسه ي كما تقدم ي ‪ ،‬وأقام الدّ على‬
‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ) 158 :‬ط ثانية عشر ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((العواصم من القواصم)) ( ص ‪ 88 :‬ي حاشية ) ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪66‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أخيه لمه وابن عمه الوليد بن عقبة(‪ )1‬المي الجاهد الشجاع السخي ‪.‬‬
‫والثالثة ‪ :‬ف مقاسة عمر لعماله ف أموالم؛ فإ ّن هذه دعوى عريضة ل أسا َ‬
‫س‬
‫لا ‪ ،‬ول يفعل ذلك رسول ال ‪ ،‬ول أبو بكر ‪ ،‬ول يول عمر ‪ ،‬ومن قبله إل الكفاء‬
‫المناء ي رضي ال عنهم ي ‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن سعد ف ((طبقاته))(‪ :)2‬أن عمر قاسم غي واحد منهم ماله إذا‬
‫عزله ‪ ،‬منهم ‪ :‬سعد بن أب وقاص ‪ ،‬وأبو هريرة ‪ .‬ول يذكر أي إسناد ولن يد ‪،‬‬
‫وهذان أروع وأشرف وأنبل من أن يرتعوا ف أموال السلمي ‪.‬‬
‫أما سعد بن أب وقاص فهو أحد العشرة البشرين بالنة ‪(( ،‬وأحد الستة أهل‬
‫الشورى ‪ ،‬وكان ماب الدعوة ‪ ،‬مشهورًا بذلك ‪ ،‬وهو أحد الفرسان الذين كانوا‬
‫يرسون رسول ال صلى ال عليه وسلم ف مغازيه ‪ ،‬وهو الذي كوّف الكوفة ‪ ،‬وتولّى‬
‫قتال فارس ‪ ،‬وفتح ال على يديه القادسية ‪ ،‬وكان أميًا على الكوفة لعمر ‪ ،‬ث عزله ‪،‬‬
‫ث أعاده ‪ ،‬ث عزله ‪ ،‬وقال ف مرضه ‪(( :‬إن وليها سعد فذاك وإل فليستعن به الوال فإن‬
‫ل أعزله عن عجز ول خيانة؛ ومناقبُه كثية جدّا))(‪.)3‬‬
‫وقصته ف ((الصحيحي)) عن جابر بن سرة قال ‪ :‬شكى أهلُ الكوفة سعدًا إل‬
‫عمر ي رضي ال عنه ي فعزله ‪ ،‬واستعمل عليهم عمّارًا ‪ ،‬فشكوا حت ذكروا أنه ل‬
‫يسن يصلّي ‪ ،‬فأرسل إليه فقال ‪ :‬يا أبا إسحاق إن هؤلء يزعمون أنك ل تسن‬
‫تصلي قال أبو إسحاق ‪ :‬أما أنا وال فإن كنتُ أصلّي بم صلةَ رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ما أخرم عنها ‪ :‬أصلّي صلة العشاء فأركد ف الوليي ‪ ،‬وأحذف ف‬
‫الخريي ‪ .‬قال ‪ :‬ذاك الظنّ بك يا أبا إسحاق ‪ ،‬فأرسلَ معه رجلً ي أو رجالً ي إل‬
‫الكوفة ‪ ،‬فسأل عنه أهل الكوفة ول يدع مسجدًا إلّ سأل عنه ‪ ،‬ويثنون معروفـا حت‬
‫دخل مسجدًا لبن عبس فقام رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة يكن أبا سعدة فقال ‪:‬‬
‫أما إذا نشدتنا فإنّ سعدًا كان ل يسي بالسرية ‪ ،‬ول يقسم بالسوية ‪ ،‬ول يعدل ف‬

‫() روى مسلم ( رقم ‪ ، 1707‬ف الدود ) ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ( ‪. ) 4/282‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر ‪(( :‬تذيب التهذيب)) ‪. ) 3/284 ( :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪67‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫القضية ‪ .‬قال سعد ‪ :‬أما وال لدعو ّن بثلث ‪ :‬اللهم إن كان عبدك هذا كاذبـا قام‬
‫رياءً وسعة فأطل عمره ‪ ،‬وأطل فقرَه ‪ ،‬وعرّضه بالفت؛ فكان بعد إذا سُئل يقول ‪:‬‬
‫شيخ كبي مفتون ‪ ،‬أصابتن دعوة سعد))(‪.)1‬‬
‫فهل مثل هذا الصحاب الليل يتّهمه عمر بأخذ ما ليسَ له من أموال السلمي‬
‫أو التحايل ف الوصول إل الثراء على حساب أموال السلمي ؟ ‪ ،‬كل ‪ ،‬ث كل ‪.‬‬
‫وأما أبو هريرة ي رضي ال عنه ي فهو المام الفقيه الجتهد الافظ صاحب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬سيد الفّاظ الثبات ي رضي ال عنه ي؛ قال‬
‫الذهب ف ((السي))(‪(( :)2‬معمر عن أيّوب ‪ ،‬عن ممد ‪ :‬أن عمر استعمل أبا هريرة على‬
‫البحرين فقدم بعشرة آلف ‪ ،‬فقال له عمر ‪ :‬استأثرت بذه الموال يا عدو ال وعدوّ‬
‫كتابه ؟ ‪ ،‬فقال أبو هريرة ‪ :‬فقلت ‪ :‬لستُ بعدو ال وعدوّ كتابه ‪ ،‬ولكن عدوّ مَن‬
‫عاداها ‪ ،‬قال ‪ :‬فمن أين هي لك ؟ ‪ ،‬قلت ‪ :‬خيل نتجت ‪ ،‬وغلّة رقيق ل ‪ ،‬وأعطية‬
‫تتابعت؛ فنظروا فوجدوه كما قال ‪ .‬فلما كان بعد ذلك دعاه عمر ليوليه ‪ ،‬فأب ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬تكره العمل وقد طلب العملَ مَن كان خيًا منك ‪ :‬يوسف ي عليه السلم‬
‫ي ؟ ‪ ،‬فقال ‪ :‬يوسف نبّ ابن نب ابن نب ‪ ،‬وأنا أبو هريرة بن أميمة ‪ ،‬وأخشى ثلثـا‬
‫واثنتي ‪ ،‬قال ‪ :‬فهلّ قلت ‪ :‬خسـا ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬أخشى أن أقول بغي علم وأقضي بغي‬
‫حلم ‪ ،‬وأن يضرب ظهري ‪ ،‬وينتزع مال ‪ ،‬ويشتم عرضي)) ‪.‬‬
‫قال الذهب ‪(( :‬رواه سعد بن الصلت عن يي بن العلء ‪ ،‬عن أيوب متصلً بأب‬
‫هريرة ‪ ،‬وروى نو هذه القصة ابن سعد(‪ ، )3‬وفيها ‪ :‬فقبضها منه ‪ ،‬وليس وال أبو‬
‫هريرة بالائن ول عمر بالظال ‪ ،‬ولكنه اجتهاد من عمر ي رضي ال عنه ي يردع به‬
‫العمال‪.‬‬
‫ولو كان أبو هريرة متّهمـا عند عمر لا رغب ف توليته مرّة أخرى ‪ ،‬وقد روى‬

‫ييييه البخاري ‪ ، 10 ( :‬كتاب الذان ‪ ، 95 :‬باب وجوب القراءة للمام والأموم ‪،‬‬
‫() أخرجي‬ ‫‪1‬‬

‫حديث ‪ ، ) 755 :‬وأخرج مسلم نوه ف ( ‪ 4‬ي كتاب الصلة ‪ ،‬حديث ‪. ) 453 :‬‬
‫() ( ‪. ) 2/612‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ((الطبقات)) ‪. ) 4/335 ( :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪68‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫نو هذه القصة البلذري ‪ ،‬وفيها ‪(( :‬فكان يأخذ منهم ويعطيهم أفضلَ من ذلك))(‪.)1‬‬
‫وذلك الظنّ بذا الليفة العادل ي رضي ال عنه وعن إخوانه الطيّبي ي ‪.‬‬
‫وأما عمرو بن العاص فهو الصحاب الجاهد ‪ ،‬فاتح مصر وطرابلس ‪ ،‬وأمي‬
‫فلسطي والردن ف عهد عمر ‪ ،‬ث وجهه إل مصر ففتحها ‪ ،‬وبقي أميًا عليها أيام‬
‫عمر وسني من عهد عثمان ‪.‬‬
‫فلم يعزله عمر ي رضي ال عنه ي لكفاءته العالية ‪.‬‬
‫ول أرَ ف أيّ مصدر أنّ عمر قاسه مالَه ‪.‬‬
‫وإنا تابعت هذه الدعوى إبعادًا لصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم عن‬
‫التهم ‪ ،‬وحايةً لعراضهم ‪ ،‬وصيانةً لا من أن يرتع فيها من ف قلبه مرض وغلّ من‬
‫أهل الهواء والهل ‪.‬‬
‫أما أبو هريرة ‪ :‬فقد ذكر ابن الوزي أنه قدم على عمر من البحرين بال ‪:‬‬
‫قال ‪ :‬فقدمت عليه ‪ ،‬فصليت العشاء معه ‪ ،‬فلما رآن سلّمت عليه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما قدمت‬
‫به ؟ ‪ ،‬قلت ‪ :‬قدمتُ بمسمائة ألف ‪ ،‬قال ‪ :‬أتدري ما تقول ؟ ‪ ،‬قلت ‪ :‬مائة ألف ‪،‬‬
‫ومائة ألف ‪ ،‬ومائة ألف ‪ ،‬حت عددت له خسـا؛ قال ‪ :‬إنك ناعس ‪ ،‬ارجع إل بيتك‬
‫فنم ‪ ،‬ث اغد عليّ ‪ ،‬قال ‪ :‬فغدوتُ عليه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما جئتَ ؟ ‪ ،‬قلت ‪ :‬خسمائة ألف‬
‫وقال ‪ :‬أطيب ؟ ‪ ،‬قلت ‪ :‬نعم ‪ ،‬ل أعلم إلّ ذلك ‪ ،‬فقال للناس ‪ :‬إنه قدم عليّ مال‬
‫كثي ‪ ،‬فإن شئتم إن نعد لكم عدًا ‪ ،‬وإن شئتم أن نكيله لكم كيلً ‪ ،‬فقال له رجل ‪ :‬يا‬
‫أمي الؤمني إن قد رأيتُ هؤلء العاجم يدوّنون ديوانـا؛ يعطون الناس عليه ‪ ،‬فدوّن‬
‫الديوان؛ ففرض للمهاجرين ف خسة آلف وللنصار ف أربعة آلف ‪ ،‬وفرض لزواج‬
‫النب صلى ال عليه وسلم ف اثن عشر ألفـا))(‪.)2‬‬
‫وأورد ابن الوزي ف كتابه ((تاريخ عمر))(‪)3‬عن أب هريرة ي رضي ال عنه ي‬

‫() ((فتوح البلدان)) ( ص ‪. ) 93 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((النتظم)) لبن الوزي ( ‪ 4/195‬ي ‪. ) 196‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أورده ابن الوزي ف ((تأريخ عمر بن الطاب)) ( ص ‪. ) 122 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪69‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ت على عمر بن الطّاب من عند أب موسى الشعري بثمانائة ألف‬ ‫يقول ‪ :‬قدم ُ‬
‫درهم ‪ ،‬فقال ل ‪ :‬باذا قدمت ؟ ‪ ،‬قلت ‪ :‬إنا قدمت بثمانائة ألف درهم ‪ ،‬قال ‪ :‬إنا‬
‫قدمت بثماني ألف درهم ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬إنا قدمتُ بثمانائة ألف درهم ‪ ،‬قال ‪ :‬أل‬
‫أقل لك إنك يان أحق ‪ ،‬إنا قدمت بثماني ألف درهم ‪ ،‬فعددت مائة ألف ومائة‬
‫ألف حت عددت له ثانائة ألف ‪ ،‬فقال ‪ :‬أطيّبٌ ويلك ! ‪ ،‬قلت ‪ :‬نعم؛ فبات عمر‬
‫ليلته أرقـا حت نودي لصلة الصبح ‪ ))...‬وذكر تام القصة ‪.‬‬
‫وأنت ترى أنه ليس للقصتي إسناد؛ فإن كان الرءُ ل ب ّد متحدّثـا بروايات‬
‫بدون أسانيد عن أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم الكرام فل يذكر منها ما فيه‬
‫ثلبهم وانتقاصهم ‪ ،‬والول به إن كان متحدّثـا عنهم فليذكر ما فيه ماسنُهم وما‬
‫يليقُ بكانتهم وينسجم مع أخلقهم وواقعهم الوضّاء الشرق ي رضي ال عنهم ي ‪،‬‬
‫مثل هاتي القصتي وما يشابما؛ فرضي ال عنهم وأرضاهم وحشرنا ف زمرتم ‪.‬‬
‫قال سيد ‪(( :‬ولقد كان قوام تصوّر الكم ف نفس عمر باختصار هو ‪ :‬الطاعة‬
‫والنصح ف حدود الدين من الرعية ‪ ،‬والعدل والسن كذلك من الراعي ‪.‬‬
‫ولقد قبل من رجل من رعيته أن يقول له ‪ :‬لو وجدنا فيك اعوجاجـا‬
‫لقوّمناه بسيوفنا؛ فأقرّ بذلك مبدأ حق الرعية ف تقوي الراعي ‪ ،‬كما خطب الناس‬
‫يومـا فقال ‪(( :‬إن ل أستعمل عليكم عمّال ليضربوا أبشاركم ‪ ،‬وليشتموا‬
‫أعراضكم ‪ ،‬وليأخذوا أموالكم ‪ ،‬ولكن استعملتهم ليعلموكم كتاب ربكم وسنة‬
‫نبيكم؛ فمن ظلمه عامل بظلمة فل إذن له عليّ ليفعها إلّ حت أقصه منه))؛ فأقرّ‬
‫بذلك حدود الاكم على الناس ل يتعداها))(‪.)1‬‬
‫أقول ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ما كان عند عمر من تصوّر للحكم فإنه عند أخيه عثمان ي رضي ال‬
‫عنهما ي الطاعة والنصح من الرعية ف حدود الدين ‪ ،‬والعدل والسن كذلك من‬
‫الراعي؛ فما كان عثمان غافلً عن هذا التصوّر ‪ ،‬وما ظلَم أحدًا من رعيّته ف دينٍ ول‬

‫() ((العدالة)) ( ص ‪. ) 158 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪70‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫عرض ول مال ‪.‬‬


‫فقد كان ي رضي ال عنه ي بارّا ‪ ،‬عادلً ‪ ،‬خليفة ‪ ،‬راشدًا كأخيه عمر ي‬
‫رضي ال عنه ي؛ عمر بعدله وقوّته وهيبته ‪ ،‬وعثمان بلينه ولطفه وعدله ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ قول سيد ‪(( :‬ولقد قبل من رجل من رعيته أن يقول له ‪ :‬لو وجدنا فيك‬
‫اعوجاجـا لقوّمناه بسيوفنا)) ‪.‬‬
‫فل أدري كيف يقبل مسلم عاقل مثلَ هذا الكلم الثوري الذي يؤدّي إل‬
‫الفوضى وسفك الدماء وضياع السلم دينـا ودولة؛ إن أصحاب رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم أعقلُ وأسى أخلقـا وأشدّ وعيـا لتوجيهات رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم الت تضّهم على طاعة أول المر والصب عليهم ولو جاروا من هو دون عمر ي‬
‫رضي ال عنه ي فكيف بثل عمر ي رضي ال عنه ي ‪.‬‬
‫معقول ‪ :‬أن يضع عمر نصب عينيه قول رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪(( :‬إنا‬
‫الطاعة ف العروف)) ‪ ،‬وقوله ‪(( :‬على الرء السلم السمع والطاعة فيما أحبّ وكره‬
‫إلّ أن يؤمر بعصية؛ فإن أُمر بعصية فل س َع ول طاعة)) ‪ ،‬فيقول لم ‪ :‬أطيعون إن‬
‫أطعتُ الَ ‪ ،‬فإن عصيتُه فل طاعةَ ل عليكم ‪ .‬أي ‪ :‬ف العصية ‪ ،‬وتبقى طاعته وطاعة‬
‫المراء فيما يأمرون به من طاعة ال ‪ ،‬ل كما يفهم الوارج أنه بجرّد أن يقع ف‬
‫معصية أيّ معصية فقد سقط عنهم ح ّق طاعته فوجب إسقاطه ‪.‬‬
‫على كل حال ‪ :‬هذا الكلم ل يثبت ‪ ،‬ول أقف له على إسناد ‪ ،‬وف الوقت‬
‫نفسه معناه غيُ لئق بأدب الصحابة وفقههم وتوقيهم لعمر ي رضي ال عنه ي؛‬
‫وعمر ي رضي ال عنه ي ف غاية العدل والستقامة ل خوفـا من السيوف‬
‫والرماح ‪ ،‬وإنا ذلك منه خوفـا من ال ومراقبة ل ‪ ،‬ولو كان ذلك العدلُ منه‬
‫خوفـا من الناس لا كان له ول لعدله كبي قيمة ول منلة عند ال ول عند الناس ‪.‬‬
‫وإذا كان قد ورد عن أب بكر وعمر ي رضي ال عنهما ي ما استمدّاه من قول‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪(( :‬إنا الطاعة ف العروف)) ‪ ،‬و ((ل طاعة لخلوق ف‬
‫معصية الالق)) ‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فإن لعثمان ي رضي ال عنه ي من القوال والواقف ما ينظمه معهما ف سلسلة‬


‫اللفاء الراشدين الهديي ‪:‬‬
‫فقد روى عبد ال بن أحد ف ((زوائد السند)) عن سويد ‪ :‬ثنا إبراهيم بن سعد ‪:‬‬
‫حدثن أب عن أبيه قال ‪ :‬قال عثمان ي رضي ال عنه ي ‪(( :‬إن وجدت ف كتاب ال‬
‫عز وجل أن تضعوا رجلي ف القيد فضعوها))(‪.)1‬‬
‫قال سيد ‪(( :‬ولشعوره العميق بتبعات الكم ل يشأ أن يملها اثنان من أسرة‬
‫الطاب؛ فمنع أن يكون ابنه مرشّحـا لا ‪ ،‬وإن جعله من أهل الشورى ‪ ،‬وقال‬
‫قولته الشهورة الت تنطق بقيقة تصوّره للخلفة ‪ :‬ل أربَ لنا ف أموركم ‪ ،‬وما‬
‫حدتا فأرغب فيها لح ٍد من أهل بيت؛ إن كان خيًا فقد أصبنا منه ‪ ،‬وإن كان شرّا‬
‫فحسب آل عمر أن ياسب منهم رجلٌ واحد))(‪.)2‬‬
‫أقول ‪ :‬وكذلك عثمان ي رضي ال عنه ي يشعر بتبعات الاكم فلم يرشّح‬
‫للخلفة أحدًا من أبنائه ول من أقاربِه ول عقد العهد لحدٍ منهم ‪.‬‬
‫ول يقل سيد هذا الكلم مدحـا لعمر ‪ ،‬ولكنه تعريض بعثمان؛ إذ يرى أنه‬
‫مكّن لبن أميّة ومهّد لقيام ملكهم ‪ ،‬فهو يقول ‪(( :‬كانت الوليات ُت ْغدَقُ على الولة‬
‫من قرابة عثمان ‪ ،‬ومنهم معاوية الذي وسع عليه ف اللك فضمّ إليه فلسطي وحص ‪،‬‬
‫وجع له قيادة الجناد الربعة ‪ ،‬ومهّد له بعد ذلك أن يطلب اللك ف خلفة عليّ))(‪.)3‬‬

‫() ((مسند أحد)) ‪ ، 1/72 ( :‬حديث ‪ ، ) 523 :‬وصحّحه أحد شاكر ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫وذكره اليثمي ف ((ممع الزوائد)) ‪ ، ) 7/227 ( :‬وقال ‪(( :‬رجاله رجال الصحيح)) ‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬ف إسناده سويد بن سعيد ‪ :‬صدوقّ ‪ ،‬تغيّر ‪.‬‬
‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ، ) 159 :‬و ( ص ‪ ) 186‬ط الامسة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ، ) 159 :‬ط ثانية عشرة ‪ ،‬و ( ص ‪ ) 187 :‬ط خامسة ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪72‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل العاشر‬
‫اتهام سيد لعثمان ـ رضي الله عنه ـ بأنه‬
‫باكر السلم الناشئ بالتمكين للمبادئ‬
‫الموية المجافية لروح السلم‬
‫ويقول ‪(( :‬ولقد كان من جرّاء مباكرة الدين الناشيء بالتمكي منه للعصبة‬
‫الموية على يدي الليفة الثالث ‪)1())...‬إل ‪.‬‬
‫ويقول ‪(( :‬مضى عثمان إل رحة ربّه وقد خلّف الدولة الموية قائمة بالفعل‬
‫بفضل ما مكّن لا ف الرض وباصة ف الشام ‪ ،‬وبفضل ما مكّن للمبادئ الموية‬
‫الجافية لروح السلم من إقامة اللك الوراثي والستئثار بالغان والموال))(‪.)2‬‬
‫أقول ‪ :‬لو جهد المين وغلة الروافض ف الطعن على عثمان لَمَا استطاعوا‬
‫أن يقولوا أش ّد من هذه الطاعن ف الليفة الراشد الظلوم ‪.‬‬
‫وما أظنّ سيدًا يق ّل حقدًا وبغضـا لبن أمية عن أشدّ الغلة؛ فترى عبارته‬
‫تنضح بذلك ‪ ،‬ونعوذ بال من هذا الداء ‪ ،‬أل يقل رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫عنهم ‪(( :‬ل يزال السلم عزيزًا ما ول أمرُ هذه المة اثنا عشر خليفة)) ؟ ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪(( :‬وفيها ( أي ‪ :‬ف سنة ثلث وتسعي ) افتتح ممد بن القاسم‬
‫ي وهو ابن عم الجاج بن يوسف ي مدينة الدبيل وغيها من بلد الند ‪ ،‬وكان قد‬
‫ولّه الجاج غزو الند وعمره سبع عشرة سنة؛ فسار ف اليوش فلقوا اللك داهر ي‬
‫ل منتخبة ‪ ،‬فاقتتلوا فهزمهم‬‫وهو ملك الند ي ف جع عظيم ومعه سبعة وعشرون في ً‬
‫ال وهرب اللك داهر ‪ ،‬فلما كان الليل أقبل اللك ومعه خلْق كثي جدّا ‪ ،‬فاقتتلوا قتالً‬
‫شديدًا ‪ ،‬فقتل اللك داهر وغالب من معه ‪ ،‬وتبع السلمون من انزم من النود فقتلوه ‪.‬‬
‫ث سار ممد بن القاسم فافتتح مدينة الكبج وبرها ‪ ،‬ورجع بغنائم كثية وأموال‬
‫ل تصى كثرة من الواهر والذهب وغي ذلك؛ فكانت سوق الهاد قائمة ف بن‬

‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ) 161 :‬ط ‪ :‬ثانية عشرة ‪ ،‬و ( ص ‪ ) 187 :‬ط خامسة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((العدالة)) ( ص ‪. ) 161 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪73‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أمية ‪ ،‬ليس لم شغل إلّ ذلك ‪ ،‬قد علت كلمة السلم ف مشارق الرض ومغاربا ‪،‬‬
‫وبرها وبرها؛ وقد أذلّوا الكف َر وأهلَه ‪ ،‬وامتلت قلوب الشركي من السلمي‬
‫رعبـا ‪ ،‬ل يتوجّه السلمون إل قطر من القطار إل أخذوه؛ وكان ف عساكرهم‬
‫وجيوشهم ف الغزو الصالون والولياء والعلماء من كبار التابعي ف كلّ جيش منهم‬
‫شرذمة عظيمة ينصر ال بم دينَه؛ فقتيبة بن مسلم يفتح ف بلد الترك ‪ ،‬يقتل ويسب‬
‫ويغنم ‪ ،‬حت وصل إل توم الصي ‪ ،‬وأرسل إل ملكه يدعوه ‪ ،‬فخاف منه وأرسل له‬
‫هدايا وتفـا وأموالً كثية هديّة ‪ ،‬وبعث يستعطفه مع قوته وكثرة جنده))(‪.)1‬‬
‫قارن بي هذا الكلم النصف الذي يوضّحُ عزة السلم ومكانة بن أمية‬
‫الذين أعزّ ال بم السلم قارن بينَه وبي كلم سيد قطب الت ‪:‬‬
‫((لقد اتسعت رقعة السلم فيما بعد ‪ ،‬ولكن روحه انسرت بل جدال ‪ .‬وما‬
‫قيمة الرقعة إذا انسرت الروح ؟ ‪ ،‬ولول قوة كامنة ف طبيعة هذا الدين وفيض‬
‫عارم ف طاقته الروحية لكانت أيام أميّة كفيلة بالقضاء عليه القضاء الخي))(‪.)2‬‬
‫وسوف يتبدّد هذا الرص والبط الذي يدور ف دوامته سيد قطب ‪ ،‬ستتبدد‬
‫هذه الوهام والزاعم الت ل يسندها عقل ول نقل حي يعلم القارئ أن عثمان والمة‬
‫وبن مروان أنفسهم ما كان يدور ف خلدهم شيء من هذا الوهام الت ملت دماغ‬
‫سيد قطب حول عثمان وبن أمية ‪.‬‬
‫فقد روى البخاري من طريق هشام بن عروة عن أبيه قال ‪ :‬أخبن مروان بن‬
‫الكم قال ‪(( :‬أصاب عثمان بن عفان ي رضي ال عنه ي رعاف شديد سنة‬
‫الرعاف حت حبسه عن الج وأوصى ‪ ،‬فدخل عليه رجلٌ من قريش قال ‪ :‬استخلف ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬وقالوه ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬ومَن ؟ ‪ ،‬فسكت ‪ ،‬فدخل عليه رجلٌ آخر ي‬
‫أحسبه الارث ي فقال ‪ :‬استخلف ‪ ،‬فقال عثمان ‪ :‬وقالوا ؟ ‪ ،‬فقال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ومن هو ؟ ‪ ،‬فسكت ‪ ،‬قال ‪ :‬فلعلهم قالوا إنه الزبي ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬أما والذي‬
‫نفسي بيده إنه ليُهم ما علمت ‪ ،‬وإن كان لحبهم إل رسول ال صلى ال عليه‬

‫() ((البداية والنهاية)) ( ج ‪ ، 9‬ص ‪ ) 87‬ط السعادة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((العدالة الجتماعية)) ( ص ‪ ) 194 :‬ط الامسة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪74‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وسلم)) ‪.‬‬
‫وروى من طريق أب أسامة عن هشام أخبن أب ‪ :‬سعت مروان بن الكم ‪:‬‬
‫((كنت عند عثمان أتاه رجل فقال ‪ :‬استخلف ‪ ،‬قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬الزبي ‪ ،‬قال ‪ :‬أما وال‬
‫إنكم لتعلمون أنه خيكم ثلثـا))(‪.)1‬‬
‫خليفة طاهر مؤمن ‪ ،‬ومتمع طاهر مؤمن ل يدور ف خلدهم حول الستخلف‬
‫وغيه إلّ ما كان يدور ف عهد عمر ي رضي ال عنه ي من أهيّة الستخلف ‪ ،‬بل‬
‫تاوز المر ذلك إل ترشيح رجل معيّن هو ف نظرهم أفضل الصحابة الوجودين ‪.‬‬
‫فطابق ذلك ما ف نفس الليفة عثمان ي رضي ال عنه ي فيدل بشهادته‬
‫مؤكّدًا صواب اختيارهم وترشيحهم ‪.‬‬
‫ومن يثه على الستخلف وتنفيذ رغبة المة ؟ ‪ ،‬أنه مروان بن الكم وأخوه ‪.‬‬
‫فأين التمكي لبن أمية ؟ ‪ ،‬وأين هي الدولة المويّة القائمة بالفعل ؟ ‪.‬‬
‫ولَمّا ثار أهل الفتنة على عثمان كان أش ّد الحرّضي والتآمرين وأقواهم هو ممد‬
‫بن أب حذيفة الموي ‪ ،‬ولا استشهد عثمان تّت البيعة ف العال السلمي إل الشام‬
‫لعلي بن أب طالب الاشي ل الموي ‪.‬‬
‫وقد عرضت على غيه كطلحة بن عبيد ال التيمي ‪ ،‬والزبي بن العوام‬
‫السدي ‪ ،‬ول تعرض على أحدٍ من بن أمية؛ فأين التمكي لبن أميّة ‪.‬‬
‫وهناك خبٌ مضمونُه أن عثمان كتب العهد لعبد الرحن بن عوف ‪ :‬قال ابن‬
‫شبة(‪ :)2‬حدثنا إبراهيم بن النذر قال ‪ :‬حدثنا عبد ال بن وهب قال ‪ :‬أخبن ابن‬
‫ليعة ‪ ،‬عن يي بن سعيد ‪ ،‬عن أب عبيدة بن عبد ال بن عبد الرحن بن أزهر ‪،‬‬
‫عن أبيه ‪ ،‬عن جدّه ‪ :‬أن عثمان ي رضي ال عنه ي اشتكى رعافـا فدعى حران‬
‫فقال ‪ :‬اكتب لعبد الرحن العهد من بعدي ‪ ،‬فكتب له ‪ ،‬فانطلق حران فقال ل‬
‫البشرى ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬لك البشرى وذاك ماذا ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬إن عثمان قد كتب لك العهد من‬

‫() كتاب ((الناقب)) حديث ‪ 3717 ( :‬ي ‪. ) 3718‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((أخبار الدينة)) ‪ 3/247 ( :‬ي ‪. ) 248‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪75‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫بعدِه ‪ ،‬فأقبل عبد الرحن إل عثمان فقال ‪ :‬أكان يصلح لك أن تكتب ل العهد من‬
‫بعدك؛ وال يعلم أن أخشى أن ياسبن ف أهلي ألّ أكون أعدل بينهم فكيف‬
‫ت عليك َأحُمران أخبك ؟ ‪،‬‬ ‫بأمة ممد ؟! ‪ ،‬فقال عثمان ي رضي ال عنه ي ‪ :‬عزم ُ‬
‫قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬يا حران فأعاهد ال أل تساكنن أبدًا ‪ ،‬فأخرجه ‪ ،‬وأما أنتَ يا أبا‬
‫ممد فهل وليتن هذا المر يوم وليته وأنت تقدر على أن تصرف ذلك إل نفسك أو‬
‫توليه من بدا لك وف القوم من هو أمسّ بك يومئذ رحـا من إل رجاء الصلة‬
‫والحسان فيما بين وبينك ؟ ‪ ،‬فقال عبد الرحن ‪ :‬وليتك ما وليتك وال يعلم أن قد‬
‫اجتهدت ول آلُ أن أجد خي عباده ‪ ،‬أما أنا فكان يعلم ال موضعي ما ل أكن‬
‫لليها ‪ ،‬وأما أنا فاجتهدت لمة ممد فوليت أمرهم خيهم ‪ ،‬فإذا سألن قلتُ ‪ :‬يا رب‬
‫وليت أمرهم خيهم ( فيما )أعلم ‪ ،‬قال عثمان ‪ :‬فاجتهدت أنت لنفسك وحرصت‬
‫وأنا وال ما آلو أن أجتهد وأحرص ف أفضل من أعلم وال ل أفتك هذا من رقبتك‬
‫أبدًا ‪.‬‬
‫فلما رأى ذلك عبد الرحن انصرف ‪ ،‬فقام بي النب والقب فدعى فقال ‪ :‬اللهم إن كان‬
‫من تولية عثمان إيّاي ما ولن فأمتن قبل عثمان ‪ ،‬فلم يكث إل ستة أشهر حت‬
‫قبضه ال))(‪.)1‬‬
‫هذا إن ثبت فيحتمل أن عثمان ي رضي ال عنه ي عرض المرَ على الزبي‬
‫فرفض أن يكون خليفة؛ لنه كان يرفض الوليات من أيام عمر ‪ ،‬ث ترجّح له أن‬
‫يكتب لعبد الرحن ويكتم ذلك عنه ‪.‬‬
‫وف هذا الب ثناء عبد الرحن على عثمان ف آخر حياته ‪ ،‬وأنه خ ُي أصحاب ممد‬
‫بعد أب بكر وعمر ‪ ،‬وفيه ثناء عثمان على عبد الرحن واعتقاده أنه أفضل من يعلم ‪.‬‬
‫وهذه النصوص من أعظم الشواهد أن المة ف عهد عثمان ل تبعد عما كانت‬
‫عليه ف عهد عمر ‪ ،‬وأنم خي القرون كما شهد لم رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫وأنّ تصوّر حقيقة الكم ل يزال كما هو ف عهد عمر ل يتغيّر ل ف أذهان المة ول‬
‫ف ذهن عثمان ول ف ذهن أحدٍ من بن أمية ‪ ،‬ول يقول بلف ذلك إلّ أهل‬

‫() ((أخبار الدينة)) ‪ 3/247 ( :‬ي ‪. ) 248‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪76‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الغراض والحقاد من الروافض ومَن سار على دربم من أهل الفت ‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل الحادي عشر‬


‫اتهام عثمان بأن تصوره لحقيقة الحكم قد‬
‫تغيّر وأنه يحمل قرابته على رقاب الناس‬
‫قال سيد قطب ‪(( :‬هذا التصوّر لقيقة الكم قد تغيّر شيئـا ما بدون شك‬
‫على عهد عثمان ‪ ،‬ولقد كان من سوء الطالع ‪ :‬أن تدرك اللفة عثمان وهو شيخٌ‬
‫كبي ‪ ،‬ضعفت عزيته عن عزائم السلم ‪ ،‬وضعفت إرادته عن الصمود لكيد‬
‫مروان وكيد أمية من ورائه ‪.‬‬
‫فهم عثمان ـ يرحه ال ـ أنّ كونه إمامـا ينحه حريّة التصرّف ف مال‬
‫السلمي بالبة والعطية؛ فكان رده ف كثي من الحيان على منتقديه ف هذه‬
‫السياسة ‪(( :‬وإلّ ففيم كنت إمامـا ؟)) كما ينحه حرية أن يمل بن معيط وبن‬
‫أمية ـ من قرابته ـ على رقاب الناس ‪ ،‬وفيهم الكم طريد رسول ال لجرّد أنّ‬
‫من حقه أن يكرم أهله ويبهم ويرعاهم))(‪.)1‬‬
‫أقول ‪ :‬هذا أسلوب إنسان أسل َم نفسه للروايات الباطلة الت افتعلها الروافض‬
‫وأعداء هذا الليفة الراشد والشهيد الظلوم ‪ ،‬ولو ز ّم سيد قطب نفسه بزمام تقوى ال‬
‫ومراقبته وبزمام العدل والنصاف وبزمام منهج أهل السنة والق لا استطال هذه‬
‫الستطالة على هذا الليفة الؤمن الراشد والشهيد الظلوم ‪.‬‬
‫أهكذا يكون النصاف والدب والحترام مع ذي النورين ومن يستحيي منه‬
‫ممد رسول ال وملئكة الرحن ؟!! ‪.‬‬

‫() ( ص ‪(( ) 186 :‬العدالة الجتماعية)) الطبعة الامسة ‪ ،‬وقال ف ط ثان ية عشرة ( ص ‪) 159 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ما يلي ‪:‬‬


‫((هذا التصوّر لقيقة الكم قد تغيّر شيئـا ما دون ش ّ‬
‫ك على عهد عثمان وإن بق َي ف سياج‬
‫السلم ‪ .‬لقد أدركت اللفة عثمان وهو شيخٌ كبي ‪ ،‬ومن روائه مروان بن الكم يصرف المر بكثي من‬
‫النراف عن السلم ‪ ،‬كما أن طبيعة عثمان الرخيّة وحدبه الشديد على أهلِه قد ساهم كلها ف صدور‬
‫تصرّفات أنكرها الكثيون من الصحابة من حوله ‪ ،‬وكان لا معقبات كثية وآثار ف الفتنة الت عان السلم‬
‫منها كثيًا)) ‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أيسكت سيد قطب على كفر غلة الروافض والباطنية ول تكفيه هذه‬
‫الداهنات والجاملت مع أعداء ال ول يتّسعُ صدرُه لصحاب رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم فيسكت كما رأى أهل السنة من السكوت عما شجر بي أصحاب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وحل تصرّفات من أخطَأ منهم على الجتهاد ‪.‬‬
‫هذا هو موقف أهل الق فيمن هو دون عثمان المام البارّ الراشد وكل‬
‫أصحاب رسول ال بار راشد ‪.‬‬
‫يقول سيد ‪(( :‬هذا التصور لقيقة الكم قد تغيّر شيئـا ما دون شك على‬
‫عهد عثمان وإن بقي ف سياج السلم)) ‪.‬‬
‫ث يبيّن أسباب هذا التغيّر بقوله ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ((لقد أدركت اللفة عثمان وهو شيخٌ كبي)) أي ‪ :‬أنه كان خرفـا ‪،‬‬
‫وهذا الرف يسهل انقياده للمتلعبي به وبأمور الدولة والسلمي ‪ .‬فل ندري‬
‫كيف رضيت المة كلها وأجعت على اختيار هذا الشيخ الكبي ث أسلمته إل‬
‫مروان فتلغب مروان هذا على المة كلها ومنهم عليّ بن أب طالب ‪ ،‬وطلحة ‪،‬‬
‫والزبي ‪ ،‬وعبد الرحن بن عوف وسائر البطال الذين فتحوا الدنيا وأطاحوا‬
‫بعروش القياصرة والكاسرة ف هذه المة الت يسيها وخليفتها ويصرف شؤونا‬
‫مروان وينحرف با ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وبأن من ورائه مروان بن الكم يصرف المر بكثي من النراف)) ‪.‬‬
‫ومعن هذا أن التصوّر لقيقة الكم عند عثمان ل يتغيّر شيئـا ما ‪ ،‬وإنا تغيّر‬
‫تغيّرًا كبيًا تبعـا لتصرّف مروان الكثي النراف ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ وبأن طبيعة عثمان كانت رخيّة فيسهل انقياده لروان وغيه من‬
‫التلعبي به ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ وبأن حدبه كان شديدًا على أهله ‪ ،‬أي ‪ :‬أنه رجلٌ عاطفيّ تقودُه‬
‫العواطف العمياء إل تقيق مآربم وطموحاتم إل الموال والناصب الت ل‬
‫يستحقونا ‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وليس عند سيد شكّ ف أن تصوّر عثمان لقيقة الكم قد تغيّر؛ فهو علي يقيٍ‬
‫كامل بأن ذلك قد وقع ‪ ،‬فما هي الباهي القاطعة لديه ؟ ‪ .‬إنا روايات الروافض ‪.‬‬
‫أما مروان عنده فكأن المة قد سلّمت بأنه مرم أثيم ‪ ،‬فل خلق له ول دين؛‬
‫فلذا يعل منه سُلّمـا للطعن ف الليفة الراشد عثمان ‪ ،‬وكأنّ كل الناس‬
‫ت وبررت ‪.‬‬‫سيغمضون أعينهم ويقولون له ‪ :‬صدق َ‬
‫إن مروان هذا الذي يطعن فيه سيد لذه الهداف ل يمل له السلمون النصفون‬
‫هذه الصورة الشوهاء ‪ ،‬بل هو مسلم عدل ‪ ،‬يروي له أئمة السلم ‪ ،‬ويعتمدون أقواله‬
‫ف الفقه؛ وقد روى عنه عددٌ من الصحابة وخيار التابعي ‪ ،‬وروى له من الئمة‬
‫البخاري والباقون سوى مسلم ‪ ،‬واعتمد المام مالك على حديثِه ورأيه(‪.)1‬‬
‫وأما ما يتعلّق بالكم ‪ :‬فالواب ما قاله شيخ السلم ابن تيمية وغيُه ف دحض‬
‫الباطيل حوله ‪:‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية ف جوابه على الرافضي ف زعمه أن عثمان آوى‬
‫عمه الكم بن أب العاص كان من مسلمة الفتح وكانوا ألفي رجل ‪ ))...‬إل قوله ‪:‬‬
‫((ول تكن الطلقاء تسكن بالدينة ف حياة النب صلى ال عليه وسلم فإن كان قد طرده‬
‫فإنا طرده من مكة ل من الدينة ‪ ،‬ولو طرده من الدينة لكان يرسله إل مكة؛ وقد‬
‫طعن كثي من أهل العلم ف نفيه ‪ ،‬قالوا ‪ :‬هو ذهب باختياره ‪.‬‬
‫وقصة نفي الكم ليست ف الصحاح ‪ ،‬ول لا إسناد يعرف به أمرها))(‪.)2‬‬
‫وقال أيضـا بعدما سبق ‪(( :‬وقد طعن كثي من أهل العلم ف نفيه كما تقدّم ‪،‬‬
‫وقالوا ‪ :‬هو ذهب باختياره ‪ ،‬والطرد هو النفي ‪ ))...‬إل أن قال ‪(( :‬وإذا كان النب‬
‫صلى ال عليه وسلم قد عزر رجلً بالنفي ل يلزم أن يبقى منفيـًا طول الزمان؛ فإن‬
‫هذا ل يعرف ف شيء من الذنوب ‪ ،‬ول تأت الشريعة بذنب يبقى صاحبه منفيـًا‬
‫دائمـا ‪ ،‬بل غاية النفي القدر سنة ‪ ،‬وهو نفي الزان والخنّث حت يتوب من‬

‫() انظر ‪(( :‬هدي الساري)) ‪. ) 2/92 ( :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((النهاج)) ‪. ) 6/562 ( :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪80‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫التخنيث؛ فإن كان تعزير الاكم للذنب حت يتوب منه فإذا تاب سقطت العقوبة‬
‫عنه ‪ ،‬وإن كانت على ذنب ماض فهو أمر اجتهادي ل يقدّر فيه قدر ول يوقّت فيه‬
‫وقت))(‪.)1‬‬
‫وقال رحه ال أيضـا ‪(( :‬وقد رووا أن عثمان سأل النب صلى ال عليه وسلم‬
‫أن يرده فأذن له ف ذلك ‪ ،‬ونن نعلم أن ذنبه دون ذنب عبد ال بن سعد بن أب‬
‫سرح ‪ ،‬وقصة عبد ال ثابتة معروفة بالسناد الثابت ‪ ،‬وأما قصة الكم فعامّة من‬
‫ذكرها إنا ذكرها مرسَلة ‪ ،‬وقد ذكرها الؤرّخون الذين يكثر الكذب فيما يروونه ‪،‬‬
‫وقلّ أن يسلم لم نقلهم من الزيادة والنقصان ‪ ،‬فلم يكن هنا نقل ثابت يوجب القدح‬
‫فيمن هو دون عثمان))(‪.)2‬‬
‫وقال ـ أيضـا ـ ‪(( :‬والعلوم من فضائل عثمان ‪ ،‬ومبة النب صلى ال عليه‬
‫وسلم له ‪ ،‬وثنائه عليه ‪ ))...‬إل أن قال ي‪(( :‬وأمثال ذلك ما يوجب العلم القطعي بأنه‬
‫من كبار أولياء ال التقي ي رضي ال عنهم ورضوا عنه ي ‪ ،‬فل يدفع هذا بنقل ل‬
‫يثبت إسنادُه ‪ ،‬ول يعرف كيف وقع ‪ ،‬ويعل لعثمان ذنب بأمر ل يعرف حقيقته ‪ ،‬بل‬
‫مثل هذا مثل الذين يعارضون الحكم بالتشابه؛ وهذا من فعل الذين ف قلوبم زيغ‬
‫الذين يبتغون الفتنة ‪ .‬ول ريب أن الرافضة من شرار الزائغي الذين يبتغون الفتنة الذين‬
‫ذمهم ال ورسوله ‪.‬‬
‫وبالملة ‪ :‬فنحن نعلم قطعـا أن النب صلى ال عليه وسلم ل يكن يأمر بنفي‬
‫أحد دائمـا ث يرده عثمان معصيةً ل ورسوله ول ينكر ذلك عليه السلمون))(‪.)3‬‬
‫بل قد روى ابن جرير ي رحه ال ي ف نقله دحض عثمان لشبه أهل الفت ‪:‬‬
‫((‪ ...‬وقالوا ‪ :‬إن رددت الكَم وقد سيه رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬والكم‬
‫مكي ‪ ،‬سيه رسول ال صلى ال عليه وسلم من مكة إل الطائف ‪ ،‬ث رده رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فرسول ال صلى ال عليه وسلم سيه ‪ ،‬ورسول ال صلى ال‬

‫() ((النهاج)) ‪ 6/266 ( :‬ي ‪. ) 267‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((النهاج)) ‪ 6/266 ( :‬ي ‪. ) 267‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ((النهاج)) ‪. ) 6/268 ( :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪81‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫عليه وسلم ردّه ‪ ،‬أكذلك ؟ ‪ ،‬قالوا ‪ :‬اللهم نعم))(‪.)4‬‬

‫() ((التاريخ)) ‪. ) 4/347 ( :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪82‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل الثاني عشر‬


‫إظهار عثمان في صورة ظالم متجب ِّر‬
‫قال سيد ‪(( :‬منح عثمان من بيت الال زوج ابنته الارث بن الكم يوم عرسه‬
‫مئت ألف درهم ‪ ،‬فلما أصبح الصباح جاءه زيد بن أرقم خازن مال السلمي وقد‬
‫بدا ف وجهه الزن وترقرقت ف عينيه الدموع ‪ ،‬فسأله أن يعفيه من عمله ‪ ،‬ولا‬
‫علم منه السبب وعرف أنه عطيته لصهره من مال السلمي قال مستغربـا ‪:‬‬
‫(أتبكي يا ابن أرقم أن وصلتُ رحي ؟) ‪ ،‬فرد الرجل الذي يستشعر روح السلم‬
‫الرهف ‪( :‬ل يا أمي الؤمني ‪ ،‬ولكن أبكي لن أظنك أخذت هذا الال عوضـا‬
‫عما كنت أنفقته ف سبيل ال ف حياة رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وال لو‬
‫أعطيته مائة درهم لكان كثيًا ‪ ،‬فغضب عثمان على الرجل الذي ل يطيقُ ضميه‬
‫هذه التوسعة من مال السلمي على أقارب خليفة السلمي ‪ ،‬وقال له ‪( :‬ألق‬
‫بالفاتيح يا ابن أرقم فإنا سنجد غيك) ))(‪.)1‬‬
‫انظر إل هذا الرجل الذي يتقبل بكل لف هذه الطاعن الفاجرة ف رجلٍ من‬
‫أعظم رجال السلم ومن أعظم أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ومن‬
‫أمسّ الناس به رحـا ‪ ،‬ومن بذل الكثيَ والكثي لعلء كلمة ال ونصرة ال ورسوله‬
‫ونصرة السلم؛ فلم يبق لذا الرجل العظيم الليفة الراشد ف نفس سيد قطب‬
‫ومشاعره أيّ رصيد من الحترام وحسن الظنّ يكذّب به هذه الطاعن الفاجرة ويدفعها‬
‫عن عرضه الكري ‪.‬‬
‫أين مصدر هذا الفك ؟! ‪.‬‬
‫لاذا ل يذكره سيد ليعرف السلمون من أين يستقيه ؟! ‪.‬‬
‫أين أسانيدها ؟!! ‪.‬‬
‫وأين التحرّي لجل حاية عرض من أشرف العراض وأحقّها بالتحرّي والماية‬
‫والستماتة ف الذبّ والدفع عنه ؟؟! ‪.‬‬

‫() ( ص ‪(( ) 159 :‬العدالة)) ‪ ( ،‬ص ‪ 181 :‬ي ‪ ) 187‬ط خامسة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪83‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫صدّق سيد قطب هذا الفك واستروح إليه بدل أن يدفعَه أو يعتذر أو يتأوّل له‬
‫إن كان قد خدع بذا الكذب ل يتحرّك ضمي عثمان لزن زيد بن أرقم ول يهيّج‬
‫مشاعره السلمية بكاؤه فيتذكّر ويعتب ويرجع إل ال ف نظر سيد قطب ‪.‬‬
‫بل بلغ ف قسوة القلب وبرودة الشاعر أن يستغرب هذا البكاء ويقول‬
‫مغالطـا ‪( :‬أتبكي يا ابن أرقم أن وصلت رحي) ‪.‬‬
‫قال سيد متفاعلً مع هذا الشهد الذي تتفطّر له الفئدة وقد بلغ منه كل مبلغ ‪:‬‬
‫( فردّ الرجل الذي يستشعر روح السلم الرهف ) أي ‪ :‬أن عثمان قد فقد روح‬
‫السلم الرهف ‪.‬‬
‫( ولكن أبكي لن أظنك أخذت هذا الال عوضـا عما كنت أنفقته ف سبيل‬
‫ال ف حياة رسول ال ‪ ،‬وال لو أعطيته مائة درهم لكان كثيًا ) فلم يُجد الزن ول‬
‫البكاء ول هذه الوعظة العظيمة الت تلي لا الصخور؛ لن عثمان ل يبق ف نفسه‬
‫شيء يؤثّر فيه ‪ ،‬ويذكّره بال أو ياف به على عمله العظيم أن يبط؛ لنه فقد روح‬
‫السلم الرهف ف نظر سيد ‪ ،‬بل بدل أن يتعظ ويتذكّر أخذته العزّة بالث فغضب‬
‫على الرجل الذي ل يطيقُ ضميُه هذه التوسعة من مال السلمي على أقارب خليفة‬
‫السلمي وقال له ‪ ( :‬ألق بالفاتيح يا ابن أرقم فإنا سنجد غيك ) !! ‪.‬‬
‫كأن سيدًا يقول ‪ :‬يا للجبوت ويا للقسوة ويا للجرأة ف عثمان ‪ ،‬هكذا‬
‫يصدر هذا التصرف من هذا الشيخ الكبي الذي فقد روح السلم الرهف ونسي‬
‫طبيعته الرخية فوصل إل هذا الد الرعب وسيبحث عن خازن جامد الشاعر فل‬
‫يستشعر روح السلم الرهف ويطيق ضميه الرب هذه التوسعات ف أموال‬
‫السلمي لقارب عثمان !! ‪.‬‬
‫انظر إل القصة تقول ‪ :‬إن عثمان لو كانت عطيته مائة درهم لكان كثيًا ‪.‬‬
‫حاشا زيد بن أرقم أن يصل إل هذه الدرجة من الشغب وهو يعلم أنّ رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم كان يعطي بسخاء ما أثار بعض شباب النصار تارة وذا‬
‫الويصرة تارة أخرى ‪ ،‬وقد أعطى أبو بكر وعمر ي رضي ال عنهما ي بسخاء ول‬

‫‪84‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫شكّ أن ذلك كان يغيظ أمثال ذي الويصرة ‪.‬‬


‫وال لو أعطى عثمان بسخاء لكان بارّا راشدًا وما أظنّ زيد بن أرقم الصحاب‬
‫الليل يستنكر ذلك ول غيه من الصحابة الجلّء غي أن تلميذ ذي الويصرة‬
‫والروافض ل يزالون يترقون إل اليوم من خلفة عثمان نفسها فضلً عن عطائه‬
‫للمستحقي من الصحابة وغيهم ‪.‬‬
‫وهناك قصة تبيّن أن هذه القصة الت تعلق با سيد قطب قصة باطلة ‪ ،‬وهي ما‬
‫رواه ابن شبة ف ((أخبار الدينة))(‪: )1‬‬
‫حدثنا ممد بن سلم(‪ ، )2‬عن أبيه(‪)3‬قال ‪ :‬قال عبد ال بن خالد لعبد ال بن عمر‬
‫ي رضي ال عنهما ي ‪ :‬كلّم أمي الؤمني عثمان ي رضي ال عنه ي فإن ل عيالً‬
‫وعليّ دَينـا ‪ ،‬فقال ‪ :‬كلّمه فإنك تده برّا وصولً فكلمه فزوجه ابنته ‪ ،‬وأعطاه مائة‬
‫ألف ‪ ،‬فولدت له عثمان بن عبد ال ‪ ،‬فكان ل يكلم إخوته كبًا بعثمان ‪.‬‬
‫وروى الفاسي ف ((العقد الثمي))(‪)4‬هذه القصة من طريق الزبي بذا السناد ‪،‬‬
‫وفيها ‪(( :‬كلم ل أمي الؤمني فإنّ ل عيالً ودَينـا ‪ ،‬قال ‪ :‬كلمه ‪ ،‬فإنك ستجده برّا‬
‫واصلً ‪ ))...‬إل آخر القصة ‪.‬‬
‫وف هذه القصة ما يبيّن زيف تلك القصة من جهات ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن ف هذه القصة أنّ العطاء كان مائة ألف ‪ ،‬وف تلك مائت ألف ‪.‬‬
‫والثانية ‪ :‬أن ف تلك أن العطاء كان من عثمان لزوج ابنته الارث بن الكم ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬شقيق مروان ‪.‬‬

‫() ( ‪. ) 3/240‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ممد بن سلم قال فيه صال بن ممد جزرة الافظ ‪ (( :‬صدوق)) ‪ ،‬وقال أبو الفضل الرقاشي ‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫((أحاديث ممد بن سلم عندنا مثل حديث أيوب عن ممد عن أب هريرة)) ‪(( .‬تاريخ بغداد)) ‪( :‬‬
‫‪) 5/823‬؛ وردّ أبو خيثمة حديثَه لنه يرمى عنده بالقدَر ‪(( .‬تاريخ بغداد)) ‪ :‬الوضع الشار إليه ‪.‬‬
‫() أما أبوه فلم أقف له على ترجة ‪ ،‬لكن القصة أقرب إل أخلق الصحابة وسيتم ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() ( ‪. ) 5/135‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪85‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وهذا الارث ل أجد له ذكرًا ف كتب التراجم بعد بثٍ ف مصادر كثية ‪ ،‬وله‬
‫ذكرٌ ف بعض متون البخاري ‪.‬‬
‫والغرض من القصة بيان سيطرة بيت الكَم على عثمان ‪ ،‬واندفاع عثمان ف‬
‫تقيق مآربم إل أبعد الدود الت ل ترضي ال ول السلمي ‪.‬‬
‫والثالثة ‪ :‬أن ف القصة الثانية أن عبد ال بن خالد على قرابته من عثمان كان‬
‫يشكو َديْنـا وعيالً ‪ ،‬ومع ذلك ما كان يرؤ أن يشكو لعثمان هذه العباء الت‬
‫أثقلت كاهله؛ فذهب يبحث عن واسطة يكلّم له عثمان ي رضي ال عنه ي ‪،‬‬
‫ف بسجايا هذا الليفة البار‬
‫فشجّعه هذا الواسطة ي وهو عبد ال بن عمر وكان أعر َ‬
‫الراشد ي فقال لبن خالد ‪ :‬كلمه فإنك ستجده برّا واصلً ‪ ،‬ولقد كلمه فوجده‬
‫كذلك ‪.‬‬
‫الرابعة ‪ :‬أن تلك القصة تقول ف أسلوب مثي ‪ :‬منح زوج ابنته ‪ ،‬أي ‪ :‬أنه‬
‫أجزل له العطاء لمرين لنه ابن الكم أخو مروان ‪ ،‬ولنه زوج ابنته ‪ .‬وهذه القصة‬
‫أن عبد ال بن خالد لا كلم عثمان تاوب معه وقام ببه على أحسن الوجوه الت يمد‬
‫عليها وتذكر ف ماسنه ي رضي ال عنه ي ‪.‬‬
‫فزوجه ابنته ووصله با يعينه على زواجه وعلى تسديد دَينه وعلى نفقة عياله ‪،‬‬
‫وذلك مائة ألف ‪ ،‬ولقد كان هذا القدْر قليلً؛ لن الال كان قد فاض ف عهد عثمان‬
‫إل درجة عظيمة ‪.‬‬
‫الامسة ‪ :‬أن ابن عمر كان يرى عثمان ف تصرفاته بارّا واصلً وهو الذي ل‬
‫يامل ول ياب ول تل به الدنيا ول يل با ‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وقد كان صديقـا لعبد ال بن خالد هذا دهرًا طويلً حت مات ف داره ‪ ،‬ولو‬
‫كان من يستحل أموال السلمي لا صادقه طوال حياته(‪.)1‬‬
‫السادسة ‪ :‬ف القصة الواهية من التزيّد ونسبة الشغب إل زيد بن أرقم ي‬
‫وحاشاه ي ما قد عرفت ‪.‬‬
‫وفيها ‪ :‬عدم مبالة عثمان بالتذكي وتصرفات ل تصدر إل من شخص قد‬
‫ضعف أو زال إيانه { وإذا ذُكّروا ل يَذكرون } ‪.‬‬
‫وأعاذ ال عثمان الؤمن الشهيد من ذلك ‪.‬‬
‫السابعة ‪ :‬أن القصة الثانية تفيد أنه أعطاه مائة ألف ول تقل من بيت الال ‪،‬‬
‫ودون إثبات أنا من بيت الال خرط القتاد ‪ ،‬ل سيما وعثمان كان جوادًا سخيـًا‬
‫معطاءً بارّا وصولً فل يتكامل برّه ووصله إلّ إذا كان عطاؤه من صلب ماله ‪ ،‬ول‬
‫يَستكثرُ عليه ذلك إل حاقد مغرِض ‪.‬‬

‫() انظر ‪(( :‬أخبار مكة)) للفاكهي ‪. ) 278 ، 3/89 ( :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪87‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل الثالث عشر‬


‫اتهام عثمان بأنه قد توسع في المنح‬
‫والعطايا‬
‫قال سيد قطب(‪(( :)1‬والمثلة كثية ف سية عثمان على هذه التوسعات؛ فقد‬
‫منح الزبي ذات يوم ستمائة ألف ‪ ،‬ومنح طلحة مائت ألف ‪ ،‬ونفل مروان بن الكم‬
‫خُمس خراج إفريقية ‪ .‬ولقد عاتبه ف ذلك ناسٌ من الصحابة على رأسهم علي بن‬
‫أب طالب ‪ ،‬فأجاب ‪ :‬إن ل قرابةً ورحـا ‪ ،‬فأنكروا عليه وسألوه ‪ :‬فما كان لب‬
‫بكر وعمر قرابة ورحم ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن أبا بكر وعمر كان يتسبان ف منع قرابتها وأنا‬
‫أحتسب ف إعطاء قرابت؛ فقاموا عنه غاضبي يقولون ‪ :‬فهديُهما وال أحبّ إلينا من‬
‫هديك ‪ .‬نعم ( وأحب إل السلم ‪ ،‬وأقرب إل حقيقة السلم )(‪ ، )2‬وغي الال‬
‫كانت الوليات تغدق على الولة من قرابة عثمان وفيهم معاوية الذي وسع عليه ف‬
‫اللك ‪ ،‬فضم إليه فلسطي وحص ‪ ،‬وجع له قيادة الجناد الربعة ‪ ،‬ومهّد له بعد‬
‫ذلك أن يطلب اللك ف خلفة عليّ وقد جع الال والجناد ‪ .‬وفيهم الكم بن‬
‫العاص طريد رسول ال ( الذي آواه عثمان وجعل ابنه مروان بن الكم وزيره‬
‫التصرّف )(‪ ( ، )3‬وفيهم عبد ال بن سعد بن أب السرح أخوه من الرضاع ‪ )) ...‬إل ‪.‬‬
‫مناقشة هذا القطع ‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬ل أدري على أ ّ‬
‫ي منهج ارتكزت مناقشات سيد قطب للخليفة الراشد‬
‫عثمان ي رضي ال عنه ي ؟ ‪.‬‬
‫ول أدري هل خطر بباله قول ال ‪ { :‬يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبأ‬
‫فتبيّنوا أن تصيبوا قومـا بهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمي } فإذا كان ل بدّ له من‬
‫التشهي بذا الليفة الراشد ول بدّ له من العراض عن منهج أهل السنة والماعة ف‬
‫السكوت عما جرى بي أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم واعتبارهم متهدين‬

‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ) 159 :‬ط ثانية عشرة ‪ ،‬و ( ‪ ) 187‬ط خامسة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ما بي القوسي من ((العدالة)) ( ص ‪ ) 187 :‬ط خامسة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ما بي القوسي ف ((العدالة)) ( ص ‪ ) 159 :‬ط الثانية عشر ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪88‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فيما حدَث بينهم حت من القتال ‪.‬‬


‫وإذا كان يرى أن ل بدّ له من الوض ف هذا اليدان على ما فيه من خطر‬
‫وضلل فلقد كان يب عليه أن يتحلّى بشيءٍ من العدل والنصاف بناءً على قول ال‬
‫تعال ‪ { :‬ول يرمنكم شنئان قو ٍم على أل تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى } ‪ ،‬وكان‬
‫ل بدّ له إن كان مدفوعـا إل هذه الملت بسبب ضغط نفسي أو خارجي أن يتبع‬
‫النهج العلمي ف نقده(‪)1‬وبثه ودراسته ‪ ،‬خصوصـا وقد شاع ف وقته احترام النهج‬
‫العلمي ف البحث والدارسة خصوصـا ف مثل هذا اليدان الذي خاضه ‪.‬‬
‫ثانيـا ‪ :‬نسأله بناءً على ما أسلفناه فنقول ‪:‬‬
‫أين أدلتك وبراهينك على هذه المثلة الكثية ف سية عثمان على هذه‬
‫التوسّعات ؟؟ ‪.‬‬
‫وهل تستطيع أنت أو أشد خصوم عثمان وإخوانه أن تثبتوا ف ضوء النهج‬
‫العلمي شيئـا من هذه التامات والدعاءات الظالة ؟؟ ‪.‬‬
‫ثالثـا ‪ :‬زعمتَ أن عثمان منح الزبي ستمائة ألف ‪ ،‬ومنح طلحة مائت ألف ‪،‬‬
‫ونفل مروان بن الكم خُمس خراج إفريقية ‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ فهل تستطيع إثبات هذه الدعاوي ؟؟ ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أل ترى أنّ ف دعواك هذه طعنـا ف عثمان والزبي وطلحة إذا كان ف‬
‫عطائه لما ابتزاز لموال السلمي ؟؟ ‪.‬‬
‫فإذا كانت حرامـا وظلمـا فإنه ل يوزُ لما أن يقبل هذا العطاء فإنّ فيه‬
‫تعاونـا على الث والعدوان وتعاونـا على ابتزاز أموال السلمي ونبها وفتحـا‬
‫لبواب الفت وللطعن ف السلم نفسه ‪.‬‬
‫لقد دافع سيد عن أب بكر وعمر فيما حصل بي أب بكر وعمر من خلف ف‬
‫خالد بن الوليد ف شأن مالك بن نويرة وتزوّج خالد لزوجة مالك بعد قتله ‪ ،‬وف عزل‬

‫() معلوم أنّ لسيد قطب كتابـا ف النقد الدب ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪89‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫عمر لالد بعد ذلك ‪.‬‬


‫ففسّر (هيكل) وجهات نظر أب بكر وعمر تفسيًا سياسيـًا يناسب سياسة هذا‬
‫العصر ‪ ،‬فاستنكر سيد هذا التفسي من هيكل فقال(‪(( :)1‬هذا هو التصوير الصحيح‬
‫للمر ف نظر الدكتور هيكل ! وإن أعجب فعجب لرجل يعيش بفكره ونفسه ف جوّ‬
‫هذه الفترة من التاريخ السلمي ‪ ،‬وف ظلّ هذه الضمائر الرهفة الساسة الشديدة‬
‫الساسية من رجاله ث ل يرتفع ضميه هو وشعوره بتفسي الوادث على هذا‬
‫الستوى الستمد مباشرة من ملبسات السياسة ف عصرنا الادي الاضر ل من‬
‫روح السلم وتاريه ف تلك الفترة إنا هذه سياسة أيامنا الاضرة تبّر الوسيلة‬
‫بالغاية وتبط بالضمي النسان إل مستوى الضرورات الوقتية ‪ ،‬وتسب هذا براعة‬
‫ف السياسة ولباقة ف تصريف المور ‪.‬‬
‫وما أصغر أبا بكر ف هذا التصوير الذي يقول الدكتور هيكل ‪ :‬إنه هو التصوير‬
‫الصحيح لول أنّ أبا بكر كان أكب وأبعد من مدى الجهر الذي ينظر به رجل يعيشُ‬
‫ف عصرٍ هابط ‪ ،‬فل يستطيع إطلقـا أن يرتفع إل ذلك الفق السامق البعيد ‪ ،‬فضلً‬
‫عن الهل الفاضح بأوليّات الشريعة السلمية)) ‪.‬‬
‫ث ناقش سيد قطب هيكلً مرة أخرى ف عمر بن الطاب ي رضي ال عنه‬
‫ي ‪ ،‬ووبّخه بثل ما وبّخه ف ح ّق أب بكر ‪.‬‬
‫وهو كلمُ حقّ وصدْق ‪ ،‬وأنا أؤيّده فيه ويؤيّدُه كلّ مسلم ‪ ،‬ولكن أل يرى سيد‬
‫أنه قد نال من عثمان وإخوانه طلحة والزبي ومعاوية وغيهم أشد وأنكى ما نال‬
‫هيكل من أب بكر وعمر ‪.‬‬
‫أل يق لنا أن نقول لسيد كما قال ليكل ‪(( :‬وإن أعجب فعجب لرجل يعيش‬
‫بفكره ونفسه ف جوّ هذه الفترة من التاريخ السلمي وف ظلّ هذه الضمائر الرهفة‬
‫الساسية من رجاله ث ل يرتفع بضميه هو وشعوره بتفسي الوادث عن هذا‬
‫الستوى الستمد مباشرة ( من أحقاد الروافض والشتراكيي الثوريي والؤيد للثورة‬

‫() ((العدالة الجتماعية)) ( ص ‪ ) 134 :‬ط ثانية عشرة ‪ ،‬و( ص ‪ ) 154 :‬ط الامسة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪90‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفاجرة الت قادها اليهودي اللعي ابن سبأ)) ‪.‬‬


‫ويقّ لنا مرة أخرى أن نقول ‪:‬‬
‫((ما أصغر عثمان وإخوانه العظماء الكبار النبلء ف هذا التصوير الذي صورهم‬
‫به سيد قطب لول أنم كانوا أكب وأبعد من مدى الجهر الذي ينظر به رجل يعيش ف‬
‫عصر هابط فل يستطيع إطلقـا أن يرتفع إل ذلك الفق السامق البعيد ‪ ،‬فضلً عن‬
‫الهل الفاضح بكانة أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وحقوقهم الت اعتبها‬
‫السلمون من الساسيات ف عقائدهم وف ولئهم وبرائهم وحبهم وبغضهم واحتقار‬
‫وتبديع وتضليل من ينال من أحد منهم ‪ ،‬ل سيما الكباء الذي أساءَ إليهم سيد‬
‫قطب ‪ ،‬وصوّرهم ذلك التصوير القبيح الشهوّه)) ‪.‬‬
‫وقال سيد بعد دفاعه اليّد عن أب بكر وعمر ‪(( :‬وبعد ‪ :‬فقد أسهبتُ ف عرض‬
‫هذا اللون من التفكي وتفنيده لصحح الطأ العميق الذي يقع فيه من يريدون‬
‫تصوير طرائق التفكي والشعور ف عصر ارتفاع الروح السلمي على ضوء التفكي‬
‫والشعور ف عصرنا الادّي البعيد عن ذلك الروح الرهف وما يرّه هذا الطأ من‬
‫سوء الفهم لقائق الضمي البشري وطاقته ف السمو والساسية ‪ ،‬وما أريد أن‬
‫ألبس أولئك الرجال ثوبـا فضفاضـا ‪ ،‬ول أن أصورهم معصومي من كلّ ضعفٍ‬
‫بشري ‪ ،‬ولكنما أريد أن أرد الثقة بالضمي البشري إل نفوس الناس ‪ ،‬كما أريد أن‬
‫أصور هذه الفترة من حياة السلمي ف صورتا الصحيحة الت يستشعرها بقوة كل‬
‫ضمي فيه استعداد للتطلّع إل هذا الفق البعيد))(‪.)1‬‬
‫أقول ‪ :‬ث ماذا فعل سيد بعد ذلك ؟ ‪ ،‬هل مضى ف هذا التصحيح لذا‬
‫الطأ العميق ؟ ‪ ،‬أم أوقعَه التفكي والشعور ف عصرنا الادي البعيد عن ذلك الروح‬
‫الرهف ف هوّة أعمق وأبعدَ ما وصل إليه هيكل وأمثالُه ف حقّ الصدّيق وعمر‬
‫ي رضي ال عنهما ي ؟؟! ‪.‬‬
‫فهل من يهبط بعثمان وإخوانه الكرام إل الستوى الابط الذي صوّره سيد‬
‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ) 135 :‬ط الثانييية عشرة ‪ ،‬و ((العدالة)) ( ص ‪ 156 :‬ييي ‪ ) 157‬ط‬ ‫‪1‬‬

‫الامسة ‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫قطب يرى أنم شاركوا الصدّيق وعمر الفاروق ف ارتفاع الروح السلم ف ذلك‬
‫العصر ؟!! ‪.‬‬
‫أفمن يصوّرهم ف تلك الصور الزرِية يكون قد صحّح ذلك الطأ وسوء الفهم‬
‫عن ذلك الروح الرهف ؟؟ ‪.‬‬
‫أمن يصورهم ف تلك الصورة الشوهاء يرد الثقة بالضمي البشري إل نفوس‬
‫الناس أم يقضي عليها ويصيب المة بالحباط ؟؟ ‪.‬‬
‫أمن يصور عهد عثمان وإخوانه وعماله الشرفاء ف الصورة الظلمة الت‬
‫صورها هذا الرجل يكون قد صوّر تلك الفترة من حياة السلمي ف صورتا‬
‫الصحيحة الت يستشعرها بقوة كل ضمي فيه استعداد للتطلع إل ذلك الفق البعيد ؟؟‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أل يرى أنّ هذا الزعم بأن عثمان أعطى مروان خُمس خراج إفريقية‬
‫طعنـا ف عثمان والصحابة الذين يقرّونه من الباطيل الت يتعلّق با أهل الهواء ف‬
‫الطعن على أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ث أين إسنادها الذي يعتمد‬
‫عليه الائجون على عثمان ـ رضي ال عنه ـ ؟!! ‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن جرير(‪)1‬بإسناد فيه سيف بن عمر ي وهو ضعيف ي ‪ :‬أن عبد ال‬
‫بن سعد بن أب سرح لا فتح إفريقية قسم عبد ال ما أفاء ال عليهم على الند وأخذ‬
‫خُمس المس وبعث بأربعة أخاسه إل عثمان ‪ ...‬ووفد وفدًا فشكوا عبد ال فيما‬
‫أخذ ‪ ،‬فقال لم ‪ :‬أنا نفلتُه وكذلك كان يصنع ‪ ،‬وقد أمرت له بذلك ‪ ،‬وذاك إليكم‬
‫الن ‪ ،‬فإن رضيتم فقد جاز ‪ ،‬وإن سخطتم فهو رد ‪ .‬وكتب إل عبد ال بردّ‬
‫ذلك واستصلحهم ‪ ،‬قالوا ‪ :‬فاعزله عنا فإنا ل نريد أن يتأمّر علينا وقد وقع ما وقع ‪،‬‬
‫فكتب إليه أن استخلف على إفريقية رجلً من ترضى ويرضون واقسم المس الذي‬
‫كنت نفلتك ف سبيل ال ‪ ،‬فإنم قد سخطوا النفل ‪ .‬ففعل ‪ ،‬ورجع عبد ال بن سعد‬
‫إل مصر وقد فتح أفريقية ‪ ،‬وقتل الجل؛ فما زالوا من أسع أهل البلدان وأطوعهم إل‬
‫زمان هشام بن عبد اللك أحسن أمة سلمـا وطاعة ‪ ،‬حت دبّ إليهم أهل العراق ‪،‬‬

‫() ((التاريخ)) ‪. ) 4/254 ( :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪92‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فلما دبّ إليهم دعاة أهل العراق واسثاروهم شقّوا عصاهم وفرّقوا بينهم إل اليوم)) ‪.‬‬
‫وذكر لم قصة مع أهل الهواء ث مع هشام ‪.‬‬
‫فالذي يعامل فاتح إفريقية هذه العاملة كيف يصدُق فيه ذلك الفك بأنه أعطى‬
‫مروان وهو نائمٌ ف الدينة خس خراج إفريقية !! ‪.‬‬
‫فهذه الادثة ((إن صحّت فإنا هي وأمثالا ما ينسجم مع سجايا عثمان وحسن‬
‫أخلقه وكري شيمه ‪ ،‬وتنسجم مع أخلق وتصرفات أخويه أب بكر وعمر ي رضي‬
‫ال عنهم أجعي ي؛ ومثلها يكن التسامح ف نقله بلف تلك الطاعن والثالب الظالة‬
‫الت استروح إليها سيد وأكثرَ مِن تِردادِها ‪.‬‬
‫وذكر ابن أعثم(‪(( :)1‬أن عثمان ي رضي ال عنه ي نشط لغزو إفريقية فاستشار‬
‫الصحابة ‪ ،‬فشجّعوه ‪ ،‬فجهّز جيشـا من الدينة ومصر بقيادة عبد ال بن سعد بن أب‬
‫سرح ‪ ،‬فدارت معارك انتهت بالصلح بي اللك جرجي وبي عبد ال على أن يدفع‬
‫جرجي ألفي ألف دينار وخسمائة ألف دينار وعشرين ألف دينار ‪ ،‬على أنّ عبد ال‬
‫يكفّ عنه ويرج عن بلده؛ فأخذ عبد ال بن سعد منه هذا الال ‪ ،‬فأخرج منه الُمس‬
‫ليوجه به إل عثمان ‪ ،‬وقسّم باقي ذلك ف السلمي)) ‪.‬‬

‫() ((الفتوح)) لبن أعثم ‪ 1/357 ( :‬ي ‪. ) 361‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪93‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫قال ‪(( :‬ورجع عبد ال بن سعد بالسلمي إل أرض مصر ‪ ،‬وكتب إل عثمان‬
‫يبه بفتح إفريقية وسلمة السلمي ‪ ،‬ووجه إليه بالمس من أموال إفريقية ‪ ،‬فقسّمه‬
‫عثمان ف أهل الدينة ‪ ،‬وحد ال عز وجل على ذلك؛ فله المد على ذلك دائمـا‬
‫والشكر ‪ ،‬وحسبنا ال ونعم الوكيل)) ‪.‬‬
‫هذا ما نقله هذا الؤرّخ الشيعي ‪ ،‬فلم يتجنّ على عثمان ‪ ،‬ول يذكر أنه نفل‬
‫عبد ال بن سعد خس المس ‪.‬‬
‫وذكر الذهب(‪)1‬مصالة ابن سعد على الال ‪ ،‬ول يذكر تنفيل ابن سعد؛ وما‬
‫ذكره أمثلُ وأشدّ قربـا إل واقع عثمان وشائله الطيّبة ‪ ،‬وأبعد عن التهويش على‬
‫أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫وأما ما تزعمه القصة من أن عثمان أعطى طلحة مائت ألف فقد روى ابن جرير‬
‫عن موسى بن طلحة قال ‪ :‬كان لعثمان على طلحة خسون ألفـا ‪ ،‬فخرج عثمان‬
‫يومـا إل السجد ‪ ،‬فقال له طلحة ‪ :‬قد تيّأ مالك فاقبضه ‪ ،‬فقال ‪ :‬هو لك يا أبا‬
‫ممد معونة على مروءتك))(‪.)2‬‬
‫وروى بإسناده إل السن أن طلحة بن عبيد ال باعَ أرضـا له من عثمان‬
‫بسبعمائة ألف فحملها إليه فقال طلحة إن رجلً تتسق هذه عنده وف بيته ل يدري ما‬
‫يطرقه من أمر ال عز وجل لغرير بال سبحانه؛ فبات ورسوله يتلف با ف سكك‬
‫الدينة يقسمها حت أصبح ‪ ،‬فأصبح وما عنده درهم ‪.‬‬
‫فل يبعد أن يكون راوي القصة قد سع مثل هاتي الروايتي الشرّفتي الت تد ّل‬
‫كل واحدة منهما على كرم أصحاب رسول ال وبذلم الموالَ ف ذات ال ‪ ،‬وتدلّ‬
‫ط من مكانتهم ‪.‬‬
‫على شرفهم وكمال مروءتم؛ فيخترع نقيضها للطعن فيهم وال ّ‬
‫أل ترى أنّ الراوية الول تنصّ على أن عثمان تنازل عن ماله لطلحة الواد‬
‫الكري صاحب الروءة والبذل السخي معونةً له على مروءته ؟؟ ‪.‬‬

‫() ((عهد اللفاء)) ( ص ‪ ، ) 321 :‬ومثله البلذري ( ص ‪. ) 229 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((تاريخ ابن جرير)) ‪. ) 4/405 ( :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪94‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫والثانية ‪ :‬تنص على أن هذا البلغ الكبي كان ثنـا لرض دفعه عثمان إل‬
‫طلحة ل اختلسـا من بيت مال السلمي أو نبـا واغتصابـا؛ فما كان لطلحة أن‬
‫يطيقها فتبيت عنده فبادر إل إنفاقها ف سبيل ال ‪.‬‬
‫لاذا ل يبحث سيد عن هذه الصور الشرقة لصحاب رسول ال فيسوقها‬
‫للجيال الت عاصرها لتعتزّ با وتتخذ منها أسوة وليعيد الثقة إل أبناء السلمي بدينهم‬
‫لنه أخرجَ هذه النماذج العليا من البشر ؟ ‪.‬‬
‫وأما ما تزعمه القصة بأن عثمان أعطى الزبي ستمائة ألف فهذا من الكاذيب‬
‫الت يسارعُ إل تصديقها أعداء أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وما يؤكّد‬
‫كذبا ‪ :‬أن الزبي كان قد أخرج نفسه من الديوان استغناء وتعفّفـا فكيف يرج‬
‫نفسه من الديوان ث يقبل مثل هذا العطاء الزعوم ؟!! ‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل الرابع عشر‬


‫رمي عثمان ـ رضي الله عنه ـ بالنحراف‬
‫عن روح السلم‬
‫قال سيد قطب ي كافأه ال با يستحق ي ‪:‬‬
‫((ولقد كان الصحابة يرون هذا النراف عن روح السلم فيتداعون إل‬
‫الدينة لنقاذ السلم وإنقاذ الليفة من الحنة ‪ ،‬والليفة ف كبته وهرمه ل يلك‬
‫أمره من مروان ‪ .‬وإنه لن الصعب أن نتهم روح السلم ف نفس عثمان ‪ ،‬ولكن‬
‫من الصعب كذلك أن نعفيَه من الطأ الذي هو خطأ الصادفة السيئة ف وليته‬
‫اللفة وهو شيخٌ موهون تيطُ به حاشية سوء من أمية))(‪.)1‬‬
‫لقد رمى سيد عثمان بالنراف عن روح السلم ‪ ،‬ث أدرك أن السلمي‬
‫سيصدمون بذا الرمي الريء والطعن القادح ف هذا الصحاب الليل والليفة الراشد‬
‫الذي يكنّ له السلمون كل احترام وإكبار؛ فاضطر إل الخادعة والصانعة وتدئة‬
‫الشاعر الت تصوّر أنا ستثور غضبـا لعثمان ي رضي ال عنه ي ‪.‬‬
‫فقال ‪(( :‬وإنه لن الصعب أن نتهم روح السلم ف نفس عثمان)) ‪ ،‬ث أصر‬
‫على معاقبته وماسبته على النراف عن روح السلم ‪ ،‬فجهر بإدانته فقال ‪(( :‬ولكن‬
‫من الصعب كذلك أن نعفيَه من الطأ ‪ ))...‬إل ‪.‬‬

‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ) 187 :‬ط الامسة ‪ ،‬و ( ص ‪ 159 :‬ي ‪ ) 160‬ط ثانية عشرة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ولقد تايل سيد أو غيه فحذف هذه التهم الول وأبقى معناها ومضمونا ‪.‬‬
‫وقد غي بعض اللفاظ من هذا النص ف ط ثانية عشرة ( ص ‪ 159 :‬ي ‪ ) 160‬مافظـا على معناه‬
‫فقال ‪:‬‬
‫((ول قد كان ال صحابة يرون هذه التصرفات الطية العوا قب ‪ ،‬فيتداعون إل الدي نة لنقاذ تقال يد‬
‫الســلم ‪ ،‬وإنقاذ الليفــة مــن الحنــة ‪ ،‬والليفــة فــ كــبته ل يلك أمره‬
‫من مروان ‪ .‬وإنه لن الصعب أن نتهم روح السلم ف نفس عثمان ‪ ،‬ولكن من الصعب كذلك‬
‫ــة مروان الوزارة‬
‫ــ وليـ‬
‫ــبابه فـ‬
‫ــس أسـ‬
‫ــأ الذي نلتمـ‬
‫ــن الطـ‬‫أن نعفيَــه مـ‬
‫ف كبة عثمان)) ‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ما هذا ؟ ‪ ،‬وأي عاقل ينطلي عليه هذا التلعب ؟!! ‪.‬‬
‫تدمغ عثمان بالنراف عن روح السلم ‪ ،‬ث تقول ‪(( :‬وإنه لن الصعب أن‬
‫نتهم روح السلم ف نفس عثمان)) ‪.‬‬
‫أي صعوبة وأي عقبة واجهتها وأنت قد صدعت بذه التهم الثيمة وصرّحتَ‬
‫با ‪ ،‬وتلوح با وتدندن حولا عشرات الرّات ‪.‬‬
‫قال سيد قطب ‪ (( :‬وقد اجتمع الناس فكلّفوا عليّ بن أب طالب أن يدخل إل‬
‫عثمان فيكلمه ‪ ،‬فدخل إليه فقال ‪ :‬الناسُ ورائي وقد كلّمون فيك ‪ ،‬وال ما أدري ما‬
‫أقولُ لك ‪ ،‬وما أعرف شيئـا تهلُه ‪ ،‬ول أدلّك على أم ٍر ل تعرفه ‪ ،‬إنك لتعلم ما‬
‫نعلم ‪ ،‬ما سبقناك إل شيء فنخبك عنه ‪ ،‬ول خلونا بشيء فنبلغكه ‪ ،‬وما خصصنا‬
‫بأمر دونك ‪ ،‬وقد رأيتَ وسعتَ وصحبتَ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم ونلتَ‬
‫صهره ‪ ،‬وما ابن أب قحافة بأول بعمل ال ّق منك ‪ ،‬ول ابن الطّاب بأول بشيء من‬
‫الي منك ‪ ،‬وإنك أقرب إل رسول ال صلى ال عليه وسلم رحـا ‪ ،‬ولقد نلتَ من‬
‫صهر رسول ال صلى ال عليه وسلم ما ل ينال ول سبقاك إل شيء؛ فال ال ف‬
‫نفسك ‪ ،‬فإنك وال ما تبصر من عمى ‪ ،‬ول تُعلم من جهل ‪ ،‬وإن الطريقَ لواضح‬
‫بيّن ‪ ،‬وإن أعلمَ الدين لقائمة ‪ .‬تعلم يا عثمان أنّ أفضل عباد ال عند ال إمام عادل‬
‫هُدي وهَدى ‪ ،‬فأقام سنة معلومة ‪ ،‬وأمات بدعة متروكة؛ فوال إن كلّ لبيّن ‪ ،‬وإن‬
‫السنن لقائمة لا أعلم ‪ ،‬وإن شر الناس عند ال إمامٌ جائر ضَل وضُل به ‪ ،‬فأمات سنة‬
‫معلومة ‪ ،‬وأحيا بدعة متروكة ‪ .‬وإن سعتُ رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫((يُؤتى يوم القيامة بالمام الائر وليس معه نصي ول عاذر فيُلقى ف جهنم)) ‪.‬‬
‫فقال عثمان ‪ :‬قد وال علمت ليقولن الذي قلت ‪ .‬أما وال لو كنتَ مكان ما‬
‫عنفتك ول أسلمتك ول عبت عليك ‪ ،‬وما جئتُ منكرًا أن وصلتُ رحـا ‪ ،‬وسددت‬
‫خلّة ‪ ،‬وأويت ضائعـا ‪ ،‬ووليت شبيهـا بن كان عمر يول؛ أنشدك ال يا علي هل‬
‫تعلم أن الغية بن شعبة ليس هناك ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬أتعلم أن عمر ولّه ؟ ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬فلمَ تلومن أن وليت ابن عامر ف رحه وقرابته ؟ ‪ ،‬قال علي ‪ :‬سأخبك‬
‫‪ :‬إن عمر كان كل من ول فإنا يطأ على صماخه ‪ ،‬إن بلغه عنه حرف جلبه ‪ ،‬ث بلغ‬

‫‪97‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫به أقصى الغاية ‪ ،‬وأنت ل تفعل؛ ضعفت ورفقت على أقربائك؛ قال عثمان ‪:‬‬
‫وأقرباؤك أيضـا ‪ ،‬قال علي ‪ :‬لعمري إن رحهم من لقريبة ‪ ،‬ولكن الفضل ف‬
‫غيهم ‪ ،‬قال عثمان ‪ :‬هل تعلم أن عمر ول معاوية خلفته كلها ؟ ‪ ،‬فقد وليته ‪ ،‬فقال‬
‫علي ‪ :‬أنشدك ال هل تعلم أنّ معاوية كان أخوفَ من عمر من يرفأ غلم عمر منه ؟ ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال علي ‪ :‬فإن معاوية يقطع المور دونك وأنت ل تعلمها ‪ ،‬فيقول للناس‬
‫‪ :‬هذا أمر عثمان ‪ ،‬فيبلغك ول تغي على معاوية))(‪.)1‬‬
‫وعلى هذا النص ملحظات؛ إذ فيه علل ف إسناده ومتنه ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن ف إسناده ‪ :‬ممد بن عمر الواقدي ‪ :‬قال فيه أحد بن حنبل ‪(( :‬هو‬
‫كذّاب)) ‪ ،‬وكذبه أبو حات والنسائي فقال ‪(( :‬يضع الديث)) ‪ ،‬وقال ابن راهوية ‪:‬‬
‫((هو عندي من يضع الديث)) ‪ ،‬وقال ابن معي ‪(( :‬ليس بثقة)) ‪ ،‬وقال مرة ‪(( :‬ل‬
‫يُكتب حديثُه)) ‪ ،‬وقال البخاري وأبو حات أيضـا ‪(( :‬متروك))(‪ ، )2‬وقال ابن الدين ‪:‬‬
‫((ل أرضاه ف الديث ول ف النساب ول ف شيء)) ‪ ،‬وهؤلء هم الرجال ‪.‬‬
‫ووثقه من ل يلتفت إل قوله إما أنه خَفي عليه كذبه ‪ ،‬وإما أنه من الضعفاء‬
‫وليس من أهل الرح والتعديل ‪.‬‬
‫ولذا قال الذهب ‪(( :‬استقرّ الجاعُ على وهن الواقدي))(‪.)3‬‬
‫الثانية ‪ :‬جهالة شيخ الواقدي ‪.‬‬
‫الثالثة ‪ :‬ف إسناده عبد ال بن ممد عن أبيه ل أقف لما على ترجة ‪ ،‬ول‬
‫يذكرها أحدٌ ف ترجة الواقدي حسب اطلعي ‪.‬‬
‫الرابعة ‪ :‬إن ف إسناد القصة فيما يبدوا انقطاعـا ‪ :‬فإن ابن جرير قال ‪(( :‬وأما‬
‫الواقدي فإنه زعم أ ّن عبد ال بن ممد حدثه عن أبيه ‪ ،‬قال ‪ :‬لا كان سنة أربع‬
‫وثلثي كتب أصحاب رسول ال بعضهم إل بعض إن كنتم تريدون الهاد فعندنا‬
‫() ((العدالة)) ( ص ‪. ) 160 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((ميزان العتدال)) ‪ 3/662 ( :‬ي ‪. ) 666‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ((ميزان العتدال)) ‪ 3/662 ( :‬ي ‪. ) 666‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪98‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الهاد وكثر الناس على عثمان ونالوا منه ما ل ينل من أحد وأصحاب رسول ال‬
‫يرون ويسمعون ‪ ،‬وليس فيهم أحد ينهى ويذبّ إل نفي منهم زيد بن ثابت ‪ ،‬وأبو‬
‫أسيد ‪ ،‬وكعب بن مالك ‪ ،‬وحسّان بن ثابت؛ فاجتمع الناسُ وكلموا علي بن أب‬
‫طالب فدخل عليّ على عثمان ‪ ...‬إل آخر الكلم الذي ذكره سيد ‪.‬‬
‫الامسة ‪ :‬ف الت علة ‪ ،‬وهي ‪ :‬أن هذا الكلم بعيد أن يصدر من علي ي‬
‫رضي ال عنه ي؛ فليس ي والمد ل ي هناك إمامٌ جائر ضال ‪ ،‬وليس ف ذلك العهد‬
‫الزاهر سنن معلومة أميتت ‪ ،‬ول بدعٌ أحييت؛ فإنّ البدع ل تظهر ف عهد عثمان ي‬
‫رضي ال عنه ي ‪ ،‬وإنا ظهرت بدعة الوارج بعده ف عهد علي على أيدي الثوّار‬
‫الذين خرجوا على عثمان من تلميذ ابن سبأ اليهودي ‪ ،‬كبدعة الوارج والروافض ‪،‬‬
‫وهذا أمرٌ ل يتري فيه أحد ‪.‬‬
‫السادسة ‪ :‬أنّ ف تولية عثمان من ولّه عمر حجّة مقنعة وما كان علي‬
‫ي رضي ال عنه ي لينكر عليه أن يول من ولّه عمر ‪ ،‬فإذا ل يقبل الناس من عثمان‬
‫مثل هذه الجة فسوف ل يقبل منه أيّ حجة إذا ول غي من ولّه عمر فماذا يفعل‬
‫عثمان بعد ذلك ؟ ‪.‬‬
‫السابعة ‪ :‬هذا الكلمُ النسوب إل علي ي رضي ال عنه ي وهو أن معاوية‬
‫يقطع المور دونك وأنت تعلمها فيقول للناس هذا أمر عثمان فيبلغك ول تغي‬
‫على معاوية ‪.‬‬
‫ل يسعنا إلّ أن نقول كما علمنا ال { سبحانك هذا بتانٌ عظيم }؛ وذلك أن‬
‫هذه المور الت يقطعها معاوية دون عثمان إن كانت ظلمـا وعدوانـا على أعراض‬
‫الناس ودمائهم وأموالم وكذبـا وزورًا على عثمان فإنا وال ننه عنها عثمان ومعاوية‬
‫ي رضي ال عنهما ي ‪ ،‬وإن كانت حقـًا وعدلً وإنصافـا فإنّ معاوية يكون‬
‫صادقـا على عثمان ومنصفـا وعادلً ف البتّ فيها ‪ ،‬وعثمان على حقّ ف إقرار‬

‫‪99‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫معاوية وننّه عليـًا أن يشارك تلميذ ابن سبأ ف التجنّي على عثمان وولته ومنهم‬
‫معاوية وننهه عن هذا الشغب النسوب إليه ‪.‬‬
‫ومن أجل كلّ ذلك قال ابن جرير ‪(( :‬وأما الواقدي فإنه زعمَ أنّ عبد ال بن‬
‫ممد حدثه)) ‪ ،‬لنه يعرف من هو الواقدي ويعرف قدر هذا الزعم وقيمته ‪.‬‬
‫وقد كان معاوية يكتب إل عثمان فيمن يقع بينه وبينهم خلف ‪ ،‬فكتب إليه ف‬
‫شأن أب ذرّ ‪ ،‬وكتب إليه فيمن استطال عليه من أهل الشغب مثل مالك بن الشتر‬
‫وأصحابه؛ وهذه من الدلة على حسن سيته وانتظاره لوامر عثمان ي رضي ال عنه‬
‫ي وتنفيذها برفق وحكمة وحلم ‪.‬‬
‫وكان ف هذا النص الذي رواه الواقدي جواب لعثمان وفيه بسط عذر عثمان‬
‫ي رضي ال عنه ي ‪ ،‬فإن كان سيد قد قبلت نفسه هذا الكلم الذي يشوّه صورة‬
‫عثمان فلماذا ل ينقل الكلم الذي يسّن صورته ‪.‬‬
‫وإليك الكلم الحذوف وهو ‪(( :‬ث خرج عليّ من عنده وخرج عثمان على أثره‬
‫فجلس على النب فقال ‪ :‬أما بعد ‪ :‬فإن لكل شيء آفة ‪ ،‬ولكل أمر عاهة ‪ ،‬وإنّ آفة‬
‫هذه المة وعاهتهم هذه النعمة عيابون طعّانون ‪ ،‬يرونكم ما تبون ‪ ،‬ويسرون ما‬
‫تكرهون ‪ ،‬يقولون لكم وتقولون أمثال النعام ‪ ،‬أتباع كل ناعق ‪ ،‬أحب مواردها إليها‬
‫البعيد ‪ ،‬ل يشربون إل نغصـا ‪ ،‬ول يردون إل عكرًا ‪ ،‬ل يقوم لم رائد ‪ ،‬وقد أعيتهم‬
‫المور ‪ ،‬وتعذّرت عليهم الكاسب؛ أل فقد وال عبتم عليّ با أقررت لبن الطّاب‬
‫بثلِه ولكنه وطئكم برجله وضربكم بيده وقمعكم بلسانه فدنتم له على ما أحببتم أو‬
‫ت لكم كنفي وكففت يدي ولسان عنكم فاجترأت‬ ‫كرهتم ‪ ،‬ولنتُ لكم وأوطأ ُ‬
‫عليّ ‪ ( ...‬أل فما تفقدون من حقّكم ؟ ‪ ،‬وال ما قصّرتُ ف بلوغ ما كان يبلغ من‬
‫كان قبلي ‪ ،‬ومن ل تكونوا تتلفون عليه فضل من مال؛ فمال ل أضع ف الفضل ما‬

‫‪100‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أريد ‪ ،‬فلم كنت إمامـا ) ))(‪.)1‬‬


‫ث تكلم مروان بكلم خشن فأسكته عثمان بأسلوب قوي رادع ‪.‬‬
‫والعجيب من أمر سيد قطب أنه ل يكتفي بتتبّع الروايات الساقطة الت تطعن‬
‫ف هذا الصحاب الليل وإخوته حت يضيف إل ذلك إسقاط ما يتضمن منها براءتم‬
‫وبعدهم عن السقوط ف الثالب الت تصفهم با تلك الروايات الباطلة الساقطة ‪.‬‬

‫ي نقله ولَغيّر الصيورة التي رسيها‬


‫() نقلتُي هذا القطيع لجيل هذا الكلم الذي لو نقله سييد لدم م ا‬ ‫‪1‬‬

‫لعثمان ‪ ،‬ل سيّما ما بي القوسي من الكلم ‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل الخامس عشر‬


‫سيد قطب يرى أن الثورة التي قادها ابن‬
‫سبأ اليهودي‬
‫أقرب إلى روح السلم من عثمان بن‬
‫عفان‬
‫قال سيد قطب ‪(( :‬وأخيًا ثارت الثائرة على عثمان ‪ ،‬واختلط فيها ال ّق‬
‫بالباطل ‪ ،‬والي بالشر ‪ ،‬ولكن ل بدّ لن ينظر إل المور بعي السلم ويستشعر‬
‫المور بروح السلم أن يقرّر أن تلك الثورة ف عمومها كانت أقربَ إل‬
‫روح السلم واتاهه من موقف عثمان ‪ ،‬أو بالدق من موقف مروان ومِن ورائه‬
‫بنو أمية))(‪.)1‬‬
‫وهكذا يصدر هذا الكم وهذا القرار على عثمان بأن الثورة الاهلية المجية‬
‫الت قادها ابن سبأ ف عمومها أقرب إل روح السلم واتاهه؛ لنه هو والسبئيي‬
‫والروافض ينظرون إل المر بعي السلم ويستشعرون بروح السلم ‪.‬‬
‫أما الصحابة والتابعون لم بإحسان من علماء المة فقهاء ومدّثي وأئمة العقيدة‬
‫ل ينظروا إل المور بعي السلم ول يستشعروا بروح السلم ‪ ،‬ولذلك فهم يعتبون‬
‫أن عثمان ثالث اللفاء الراشدين والئمة الهديي ويعتبونه شهيدًا مظلومـا ‪،‬‬
‫ويعتبون هذه الثورة من أخبث الثورات وأفجرها ‪ ،‬وأنّ أهلها خوارج آثون ظالون ‪،‬‬
‫قد تللهم زنادقة ‪ ،‬ومنهم ابن سبأ والغلة الذين قتلهم علي حرقـا بالنار ‪.‬‬
‫والمة السلمية تقتهم من ذلك العهد وإل يوم التلق ‪ ،‬ولقد فتحوا على المة‬
‫من الفت والشرور ما ل يعلم مداه إل ال ‪.‬‬
‫هذه نظرة المة السلمية إل الروافض والوارج الذين يرى سيد أنه وإياهم‬
‫ينظرون بروح السلم ويستشعرون بروح السلم؛ فاعتبوا يا أول البصار ‪.‬‬

‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ) 189 :‬ط خامسة ‪ ( ،‬ص ‪ 160 :‬ي ‪ ) 161‬ط ثانية عشرة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫وقد تغي هذا النص شيئـا من التغيي مع الصرار على مضمونه ‪ ،‬وصرّح أن هذه الثورة من كيد ابن‬
‫سبأ اليهودي ‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ول يغرنك قوله ‪(( :‬دون إغفال لا كان وراءها من كيد اليهودي ابن سبأ عليه‬
‫لعنة ال))(‪ )1‬فإنه لو كان ناقمـا على هذا الكيد وصاحبه لصبّ جام غضبه عليه وعلى‬
‫أتباعه ‪ ،‬ولكشف عوارَهم ‪ ،‬وتمّس لبراز جريتهم وفضحها ‪ ،‬ولكانت هذه الملة‬
‫الت وجهها إل عثمان وإخوانه موجهةً إليهم ‪.‬‬
‫فقولته إنا هي لذرّ الرماد ف العيون ‪.‬‬
‫قال سيد ‪(( :‬واعتذارنا لعثمان ـ رحه ال ـ ‪ :‬أ ّن الصادفات السيئة قد‬
‫ساقت إليه اللفة متأخرة ‪ ،‬فكانت العصبة الموية حوله وهو يدلف إل الثماني‬
‫واهن القوى ‪ ،‬ضعيف الشيخوخة؛ فكان موقفه كما وصفه صاحبه علي بن أب‬
‫طالب ‪ :‬إن إن قعدت ف بيت ‪ ،‬قال ‪ :‬تركتن وقرابت وحقي ‪ ،‬وإن تكلمت فجاء‬
‫ما يريد ‪ ،‬يلعب به مروان؛ فصار سيقة له حيث شاء بعد كب السن وصحبته‬
‫لرسول ال صلى ال عليه وسلم))(‪.)2‬‬
‫وهكذا يكون اليان بالقدر ‪ ،‬وهكذا يكون العتذار (عذر أقبح من فعل) على‬
‫حد قول القائل ‪( :‬فليتك ل تزن ول تتصدقي) ‪ ،‬وهكذا يكون احترام أصحاب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ! ‪.‬‬
‫وانظر إل هذا العتذار لعثمان الذي يق أن يقال فيه ‪ :‬إنه عذر أقبح من فعل ‪،‬‬
‫فما الذي فعله عثمان حت توجه إليه هذه الطاعن الثة الظالة ؟؟! ‪ ،‬ث تعتذر له هذا‬
‫العذر الريض ؟! ‪.‬‬
‫بل هو طعن جديد ف شخصيّة هذا الليفة العادل النبيل ‪ ،‬بل إنّ هذا طعن فيه‬
‫وف عقول الصحابة ودينهم؛ حيث اختاروا للنهوض بأعباء اللفة شخصـا يدلف‬
‫إل الثماني ‪ ،‬ث أفسحوا الجال للعصبة الموية تلعب به وتبتزّ الناصب والموال‬
‫وتستأثر با؛ الصحابة الذي قالوا لعمر ف قوته وبأسه ‪( :‬لو وجدنا فيك اعوجاجـا‬
‫لقوّمناه ب ّد سيوفنا) ي كما يزعم سيد ي فأين هم ؟ ‪ ،‬وأين ح ّد سيوفهم ؟ ‪ ،‬وكيف‬
‫يتركون عثمان سيقةً لروان ؟ ‪.‬‬
‫() هذه العبارة من ط الثانية عشرة ( ص ‪. ) 161 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ) 189 :‬ط خامسة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪103‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ث كيف يرضى عثمان لنفسه وعقله ودينه أن يكون سيقة ولعبة لروان ؟ ‪.‬‬
‫وال ل يقبل مثل هذه القوال والطعون الرافضية ف أصحاب رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم إل لعبة وسيقة للروافض والشتراكيي ‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل السادس عشر‬


‫تضخم الثروات نتيجة لسياسة عثمان‬
‫قال سيد قطب مواصلً طعونَه وحلته ‪(( :‬ولقد كان من جرّاء مباكرة الدين‬
‫الناشيء بالتمكي منه للعصبة الموية على يدي الليفة الثالث ف كبته أنّ تقاليده‬
‫العملية ل تتأصل على أسس من تعاليمه النظرية لفترة أطول ‪ ،‬وقد نشأ عن عهد‬
‫عثمان الطويل ف اللفة أن تنمو السلطة الموية ويستفحل أمرها ف الشام وف‬
‫غي الشام ‪ ،‬وأن تتضخم الثروات نتيجة لسياسة عثمان ( كما سيجيء ) وأن‬
‫تلخل الثورة على عثمان بناء المة السلمية ف وقت مبكر))(‪.)1‬‬
‫أقول ‪ :‬واضحٌ أن سيدا ينطلق ف تنيه ونفث سومه من منطلقي ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬منطلق اشتراكي قد تشبّع به غرس ف نفسه القد الدفي على من يظن‬
‫أنم من طبقة القطاعيي والرأساليي من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ومن‬
‫بن أمية ‪.‬‬
‫والثان ‪ :‬تشبعه بروح التشيّع وأحقاده على أصحاب رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم؛ فلم تكن مواقفه هذه الت تقطر حقدًا على خية الناس من أصحاب رسول ال‬

‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ، ) 161 :‬وف الطبعة الامسة ( ص ‪ 189 :‬ي ‪ ) 190‬ما يلي ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫قال سيد ق طب ‪(( :‬أل إ نه ل سوء ال ظ فل قد كان من جرّاء مباكرة الد ين الناش يء بالتمك ي م نه‬
‫للعصبة الموية على يدي الليفة الثالث ف كبته أن تقاليده العملية ل تتأًصل ف البيئة العربية على‬
‫أسس من تعاليمه النظرية لفترة أطول ‪ .‬ولو تقدم الزمن بعثمان لكان الي ‪ ،‬حيث ل تضعف قوته‬
‫بعد ‪ ،‬ولو تأخر به فوليها علي بعد الشيخي قبل أن تنموا البذرة الموية ويستفحل أمرُها ف الشام‬
‫و ف غ ي الشام ‪ ،‬وق بل أن تتض خم الثروات نتي جة ل سياسة عثمان ( ك ما سيجيء ) ‪ ،‬وق بل أن‬
‫تلخل الثورة على عثمان بناء ال مة السلمية وارتباطها بروح الد ين ‪ ...‬لو كان هذا لتغ ي وجه‬
‫التاريخ السلمي ‪ ،‬ولسار ف طريق غي الذي سار فيه ‪.‬‬
‫ول يس ف هذا القول مبال غة ول تضخ يم لدور الفرد ف الحداث العا مة؛ ف من الوا ضح أن اتاه‬
‫الليفة الثالث ف توزيع الموال واتاه مستشاره مروان وتوليته معظم الناصب لبن أمية؛ هذا كله‬
‫ط سي التاريخ؛ فلم تعد دور فرد إنا انتهت إل‬
‫أنشأ أوضاعـا وأحوا ًل عامة كان لا أثرها ف خ ّ‬
‫أن تكون أوضاعـا لا ثقل ولا دفع ‪ .‬وهذا هو العن الذي قصدت إل تقريره ف هذا الجال)) ‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫من رجلٍ سليم الفطرة حسن النية ‪ ،‬ولكنها وليدة دراسة وقائمة على منهج راسخ‬
‫متأصّل ف أعماق سيد قطب ‪ ،‬قد تشربتها روحه ورسخت ف أعماقه؛ فصبّ ذلك‬
‫سومـا قاتلة ف هذه الصفحات السوداء ‪.‬‬
‫وف هذا النص يرى سيد أن السلم قد أصيب ف مقاتله؛ فهو دين ناشيء‬
‫باكره عثمان بالتمكي للعصبة الموية ‪ ،‬فلم تتأصل تقاليده العملية على أسس من‬
‫تعاليمه النظريّة ‪.‬‬
‫إذ السياسة ف السلم ف نظر سيد تقوم على الساواة الطلقة وعلى الريّة‬
‫الطلقة ‪ ،‬أي ‪ :‬أنا تفوق الديقراطية ف هذا الجال ‪.‬‬
‫وتقوم ف القتصاد على أن الال للجماعة ‪ ،‬وأن أصحاب الال ل يعدون أن‬
‫يكونوا وكلء وموظفي ‪.‬‬
‫والسلم يوجب التوازن ف الال ‪ ،‬ويقضي على الفوارق بي طبقات الجتمع ‪.‬‬
‫فالسلم إذًا يفوق الشتراكية ف هذا الجال ‪ ،‬لكن عثمان باكر هذا الدين ف‬
‫طور النشوء فضربه ف مقتله بالتمكي للعصبة الموية قبل أن تتأصل تقاليده‬
‫الديقراطية الشتراكية !!! ‪.‬‬
‫كأن بن أمية عصبة يهودية أحكمت التدابي والؤامرات لضرب السلم ف‬
‫طور النشوء ! ‪.‬‬
‫لقد استغلت هذه العصبة عهد عثمان الطويل فنمت سلطتها واستفحل أمرُها‬
‫وتضخّمت ثرواتا ‪ ،‬فأصبحوا من أعظم الطبقات القطاعية والرأسالية ‪ ،‬بالضافة إل‬
‫استيلئها على الناصب ف الدولة نتيجة لسياسة عثمان ‪ ،‬فتحولت اللفة إل ملك‬
‫وراثي ‪ ،‬وتوّل القتصاد إل رأسالية وإقطاعية ‪.‬‬
‫أين الدلة والباهي لثبات هذه الدعاوي ؟ ‪.‬‬
‫الواب ‪ :‬أغمض عينيك وردد ‪:‬‬
‫غويت وإن ترشد غزية أرشد‬ ‫وما أنا إل من غزية إن غوت‬

‫‪106‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أو قل رغم أنفك ‪:‬‬


‫فإن القولَ ما قالت حذام‬ ‫إذا قالت حذام فصدقوها‬
‫ولو كان طعنـا ف أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم يشفي غيظ قلوب الروافض‬
‫ويدمي قلوب الؤمني ‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل السابع عشر‬


‫نقلة بعيدة ج ًّ‬
‫دا في التصور للحياة‬
‫والحكم وحقوق المراء‬
‫قال سيد ‪(( :‬ومع كل ما يمله تأريخ هذه الفترة وأحداثها من أماد لذا‬
‫الدين وتكشف عن نقلة بعيدة جدّا ف تصوّر الناس للحياة والكم وحقوق المراء‬
‫وحقوق الرعية إلّ أن الفتنة الت وقعت ل يكن التقليل من خطرها وآثارها البعيدة‬
‫الدى))(‪.)1‬‬
‫الظاهر أن سيد قطب يريد بذه الفترة ذات الماد ‪ ...‬إل عهد الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم وأب بكر وعمر؛ أما فترة عثمان فليس لا شيءٌ من الماد ‪ ،‬بل هي‬
‫مرحلة فتنة ومنة على المة باكر با هذا الدين الناشي ‪ ،‬فأهدرت فيه حقوق الرعية ‪.‬‬
‫ول يتج أمراء العصبة الموية إل من يعرف ويعترف بقوقهم ‪ ،‬وإنا لسان‬
‫حالم ‪( :‬من عزّ بزّ ‪ ،‬ومن غلب استلب) ‪( ،‬وإنا تؤخذ الدنيا غلبـا) ‪.‬‬
‫وك ّل هذا على رأي سيد ‪ ،‬والدليل على هذا التفسي سياق الكلم وسباقه ‪.‬‬

‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ) 161 :‬ول يوجد ف ط الامسة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪108‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل الثامن عشر‬


‫تمكين عثمان للمبادئ الموية المجافية‬
‫لروح السلم‬
‫وقال سيد قطب ‪(( :‬مضى عثمان إل رحة ربه وقد خلّف الدولة الموية قائمة‬
‫بالفعل بفضل ما مكّن لا ف الرض ي وباصة ف الشام ي ‪ ،‬وبفضل ما مكن‬
‫للمبادئ الموية الجافية لروح السلم ‪ :‬من إقامة اللك الوراثي ‪ ،‬والستئثار بالغان‬
‫والموال والنافع ما أحدث خلخلة ف الروح السلمي العام ‪.‬‬
‫وليس بالقليل ما يشيع ف نفس الرعية ي إن حقـًا وإن باطلً ي أن الليفة‬
‫يؤثر أهله ‪ ،‬وينحهم مئات اللوف ويعزل أصحاب رسول ال ليول أعداء رسول‬
‫ال ‪ ،‬وليبعد مثل أب ذر؛ لنه أنكر كن الموال ‪ ،‬وأنكر الترف الذي يب فيه‬
‫الثرياء ‪ ،‬ودعى إل مثل ما كان يدعو إليه الرسول صلى ال عليه وسلم من النفاق‬
‫والب والتعفف ‪. ...‬‬
‫فإن النتيجة الطبيعيّة لشيوع مثل هذه الفكار ي إن حقـًا وإن باطلً ي أن‬
‫تثور نفوس ‪ ،‬وأن تنحل نفوس تثور نفوس الذين أشربت نفوسهم روح الدين إنكارًا‬
‫وتأثّمـا ‪ ،‬وتنحل نفوس الذين لبسوا السلم رداءًا ‪ ،‬ول تالط بشاشته قلوبم ‪،‬‬
‫والذين ترفهم مطامع الدنيا ‪ ،‬ويرون الندار مع التيّار ‪ .‬وهذا كلّه قد كان ف أواخر‬
‫عهد عثمان))(‪.)1‬‬
‫أقول ‪ :‬تَصوّر شابـًا يثق بسيد قطب ويعتبه من الئمة الجدّدين ي كما‬
‫صوّره دعاة الفت والشغب ي بأي منظار سينظر إل عثمان الذي جن على هذه المة‬
‫ف دينِها ودنياها حسب تصوّر سيد ‪.‬‬
‫كم من الشباب السلمي قرأ هذا النص وأمثاله ؟؟! ‪.‬‬
‫كم من الشباب الذين ربّوا على تقديس سيد قطب وتقديس كتاباته ؟؟! ‪.‬‬

‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ، ) 161 :‬و ( ص ‪ ) 190 :‬ط خامسة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫الترف ‪ :‬الذي أبطرته النعمة وسعة العيش ‪ .‬وأترفته النعمة ‪ ،‬أي ‪ :‬أطغته ‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫كم منهم سيقع ف حبائل الرفض والقد على أصحاب رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم واحتقارهم والزراء بم ؟؟! ‪.‬‬
‫لو كان سيد قطب من أهل الق والسنة لوجه هذه الملت على الروافض على‬
‫الكومات العبيدية الباطنية ف مصر والغرب وما فعلت بالسلم والسلمي وبدمائهم‬
‫وأموالم والجازر الت نزلت بالسلمي وخاصة العلماء ‪ ،‬وعلى دولة البوهيي وما‬
‫فعلت بالسلمي وباللفة السلمية ‪ ،‬وعلى دولة القرامطة وما فعلت بالسلمي ف‬
‫العراق والزيرة العربية ف مكة بالذات ‪ ،‬وعلى الدولة الصفوية بالسلمي ف الشرق‬
‫السلمي حيث أجبتم على عقيدة الرفض بالديد والنار ‪ ،‬وعلى الروافض وعلى‬
‫رأسهم النصي الطوسي وابن العلقمي حيث تآمروا مع التتار على المة السلمية وعلى‬
‫خلفتها فأسقطوها وارتكبوا من الفظائع والذابح الوحشية ما ل يعرف مثله ف تاريخ‬
‫النسانية‪.‬‬
‫ولعل هذا كله ما يسر سيد قطب ول يسوءه ‪ ،‬وإل فلماذا يغفله كله ول يشي‬
‫إل شيءٍ منه ل من قريب ول من بعيد ‪ ،‬ث يقفز عب القرون إل العهد الذي أعزّ ال‬
‫فيه السلم وأظهره على الديان كلها عهد الفتوحات الواسعة العظيمة وعهد‬
‫النتصارات السلمية على الديان الباطلة ف مشارق الرض ومغاربا؛ حيث دخلت‬
‫ف السلم معظم شعوب الرض وأمها بفضله تعال ونصره ‪ ،‬ث بفضل جهاد عثمان‬
‫ي بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم والليفتي بعده ي ‪ ،‬ث بفضل جهاد خلفاء بن‬
‫أمية وقادتم العظام ي رحهم ال وأسكنهم فسيح جناته ي ‪.‬‬
‫يقول سيد قطب ‪(( :‬إن عثمان مضى وقد خلّف الدولة الموية قائمة بالفعل‬
‫بفضل ما مكّن لا ف الرض وخاصة ف الشام وبفضل ما مكّن للمبادئ الموية‬
‫الجافية لروح السلم من إقامة اللك الوراثي والستئثار بالغان والموال والنافع‬
‫وعدم البالة بروح التآخي واليثار والتكافل ما أحدثَ خلخلة ف الروح الدينية‬
‫ذاتا لدى المة السلمية)) ‪.‬‬
‫إن السلم الق ل يتمل ساع هذا الظلم والفتراء فضلً عن أن يسجله وينشره‬
‫بي الافقي ‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فهل قامت هذه البادئ الموية الجافية لروح السلم وقامت الدولة الموية‬
‫بالفعل ف عهد عثمان !!؟ ‪.‬‬
‫وهل قامت هذه الدولة وقامت مبادؤها بفضل تكي عثمان لا ؟؟ ‪.‬‬
‫فكيف استطاع الصحابة والمة السلمية من ورائهم أن يعقدوا بيعة اللفة‬
‫لعليّ ـ رضي ال عنه ـ إذا كانت دولة بن أمية قد قامت بالفعل ؟!! ‪.‬‬
‫ل يشكّ مسلم أن عثمان لو مات موتـا عاديـًا أو قُتل بغي تلك الثورة‬
‫الاهلية لا حصل اختلف بي السلمي ول انقسام ‪ ،‬ولكن قدر ال غالب ‪.‬‬
‫لقد كان قتل عثمان فتنة دفعت خيار الصحابة كطلحة والزبي وعائشة وغيهم‬
‫إل الطالبة بدمه ‪.‬‬
‫ودفعت كذلك معاوية وأهل الشام إل الطالبة بدمه وتسليم قتلة عثمان لذا‬
‫الغرض فأب ذلك عليّ ي رضي ال عنه ي ‪ ،‬وهو الصيب إل البيعة أوّلً ث الطالبة‬
‫فالقصاص من تقوم عليه الجة أنه شارك ف قتل عثمان ‪.‬‬
‫ذلك كان مطلب معاوية وقبله طلحة والزبي وعائشة ومَن شاركهم من‬
‫الصحابة ‪.‬‬
‫فكيف يترك سيد قطب هذه القائق ويركض وراء أقوال الروافض وأساطيهم‬
‫وترّهاتم ؟ ‪.‬‬
‫إن معاوية ل يطلب بالبيعة من السلمي ول يدع المر لنفسه بل كان مطلبه‬
‫ومطلب من ذكر سابقـا القصاص من قتل عثمان ‪ ،‬وقد كانوا ف جيش عليّ ي‬
‫رضي ال عنه ي ‪ ،‬وكان ذلك قد أثار شبهـا وظنونـا حول عليّ ي رضي ال عنه‬
‫ي وهو منها برئ؛ إن عليـًا ي رضي ال عنه ي ل يشارك ف دمه ‪ ،‬ول أَمر ‪ ،‬ول‬
‫رضي؛ وقد روي عنه أنه قال ‪( :‬وال ما قتلتُ ول رضيت) ‪ ،‬وروي عنه أنه سع‬
‫أصحاب معاوية يلعنون قتلة عثمان فقال ‪( :‬اللهم العن قتلة عثمان ف الب والبحر ‪،‬‬
‫والسهل والبل) ‪ ،‬وروي أن أقوامـا شهدوا عليه بالزور عند أهل الشام أنه شارك‬

‫‪111‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ف دم عثمان(‪ ، )1‬وكان هذا ما دعاهم إل ترك مبايعته لا اعتقدوا أنه ظال ‪ ،‬وأنه من‬
‫قتلة عثمان ‪ ،‬وأنه آوى قتلة عثمان لوافقته لم على قتله ‪.‬‬
‫وهذا ي وأمثاله ي ما يبيّن شبهة الذين قاتلوه ‪ ،‬ووجه اجتهادهم ف قتاله ‪ ،‬لكن‬
‫ل يدل على أنم كانوا مصيبي ف ترك مبايعته وقتاله وكون قتلة عثمان من رعيته ل‬
‫يوجب أنه كان موافقـا))(‪.)2‬‬
‫ومذهب أهل السنة والماعة ‪ :‬السكوت عما جرى بي الصحابة ‪،‬‬
‫واعتبارهم متهدين جيعـا ‪ ،‬للمصيب منهم أجران ‪ ،‬وللمخطئ أجر؛ وكان عليّ‬
‫هو الصيب ومعاوية هو الخطئ ‪ ،‬وكان زمنهما زمن فتنة فلم يتبيّن للناس الصيب‬
‫من الخطئ إل بعد انتهاء هذه الفتنة ‪.‬‬
‫والمر كما يقول ابن تيمية ي رحه ال ي ‪(( :‬وذلك أن الفت إنا يعرف ما‬
‫فيها من الشر إذا أدبرت ‪ ،‬فأما إذا أقبلت فإنا تُزين وُيظن أن فيها خيًا)) ‪.‬‬
‫إن خلفة بن أمية كانت عزة ومنعة ‪ ،‬وكانت فتوحـا ف مشارق الرض‬
‫ومغاربا وشالا وجنوبا ‪ ،‬وكانت راية التوحيد والسنة عالية رفيعة ‪ ،‬وأهل البدعة‬
‫شواذّ مقموعون ‪ ،‬فإذا ارتفعت رؤوس بعضهم قطعتها سيوف الق ‪.‬‬
‫روى مسلم ف ((صحيحه))(‪)3‬عن الشعب عن جابر بن سرة ي رضي ال عنه ي‬
‫قال ‪ :‬انطلقت إل رسول ال صلى ال عليه وسلم ومعي أب فسمعتُه يقول ‪(( :‬ل يزالُ‬
‫هذا الدينُ عزيزًا منيعـا إل اثن عشر خليفة)) فقال كلمة صمّنيها الناس فقلت لب‬
‫ما قال ؟ ‪ ،‬قال ((كلهم من قريش)) ‪.‬‬
‫وروى المام أحد هذا الديث ف ((مسنده))(‪)4‬من طريق الشعب عن جابر بن‬

‫() ل يبعد أن يكون هؤلء من تلميذ ابن سبأ؛ وهذه من مكايدهم ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() قول شييخ السيلم ابين تيميية نقلً عين كتاب ((أميـ الؤمنيـ معاويـة)) للخ مميد مال ال‬ ‫‪2‬‬

‫( ص ‪. ) 48 :‬‬
‫() ( ‪ ، 33‬كتاب المارة ‪ ،‬حديث ‪ 5 ( 1821 :‬ي ‪ 10‬الرقم الاص ) ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() ( ‪ 5/98‬ي ‪ ، 99‬حديث ‪ 20964 :‬ي ‪. ) 20975‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪112‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫سرة بلفظ ‪(( :‬ل يزال هذا المر عزيزًا منيعـا ينصرون على من ناوءهم عليه إل‬
‫اثن عشرة خليفة)) ‪ ،‬ث قال كلمة أصمنيها الناس فقلت لب ما قال ؟ ‪ ،‬قال ‪(( :‬كلهم‬
‫من قريش)) ‪.‬‬
‫وقد حل أهل السنة هذا على عهد بن أمية؛ فعهد بن أمية كان عهد خلفة ‪،‬‬
‫وكان السلم ف عهدهم عزيزًا منيعـا كما أخب بذلك رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وكما هو الواقع التاريي ‪.‬‬
‫ولو ل يكن عهدهم عهدَ خيٍ وعزّة للسلم والسلمي لا مدح رسولُ ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ابن ابنته السن ي رضي ال عنه ي بالتنازل لعاوية ي رضي ال‬
‫عنه ي ‪ :‬عن أب بكرة ي رضي ال عنه ي قال ‪ :‬سعتُ النب صلى ال عليه وسلم‬
‫على النب والسن إل جنبه ينظر إل الناس مرّة وإليه مرة ويقول ‪(( :‬إن ابن هذا‬
‫سيد ‪ ،‬ولعل ال أن يُصلح به بي فئتي من السلمي))(‪.)1‬‬
‫ول يتنازل السن بن علي ي رضي ال عنه ي عجزًا ‪ ،‬لكنه آثر‬
‫مصلحة السلمي وحقْن دمائهم ي رضي ال عنه ي ‪ ،‬ول يكن معاوية ي رضي ال‬
‫عنه ي راغبـا ف سفك دماء السلمي ول ف الفتنة ‪ ،‬بل كان يكره ذلك ويقلق منه ‪.‬‬
‫قال البخاري(‪)2‬ي رحه ال تعال ي ‪ :‬حدثنا عبد ال بن ممد ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪،‬‬
‫عن أب موسى قال ‪ :‬سعت السنَ يقول ‪(( :‬استقبل وال السن بن علي معاوية‬
‫بكتائب أمثال البال ‪ ،‬فقال عمرو بن العاص ‪ :‬إن لرى كتائب ل تول حت تقتل‬
‫أقرانَها ‪ ،‬فقال له معاوية ي وكان وال خيَ الرجلي ي ‪ :‬أي عمرو إن قتل هؤلء‬
‫هؤلء وهؤلء هؤلء من ل بأمور الناس ؟ ‪ ،‬من ل بنسائهم ؟ ‪ ،‬من ل بضيعتهم؛‬
‫فبعث إليه رجلي من قريش من بن عبد شس عبد الرحن بن سرة ‪ ،‬وعبد ال بن‬
‫عامر بن كريز فقال ‪ :‬اذهبا إل هذا الرجل فاعرضا عليه وقول له واطلبا إليه؛ فأتياه‬
‫فدخل عليه ‪ ،‬فتكلّما وقال له وطلبا إليه ‪ ،‬فقال لما السن بن علي ‪ :‬إنا بنو عبد‬
‫الطلب قد أصبنا من هذا الال ‪ ،‬وإن هذه المة قد عاثت ف دمائها ‪ ،‬قال ‪ :‬فإنه‬

‫() البخاري ‪ ( :‬فضائل الصحابة ‪ ،‬حديث ‪. ) 3746 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ف ((صحيحه)) ‪ : 53 ( :‬كتاب الصلح ‪ ،‬الديث ‪. ) 2407 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪113‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يعرض عليك كذا وكذا ‪ ،‬ويطلب إليك ويسألك ‪ ،‬قال ‪ :‬فمن ل بذا ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬نن‬
‫لك به؛ فما سألما شيئـا إل قال ‪ :‬نن لك به ‪ ،‬فصاله؛ فقال السن ‪ :‬ولقد سعتُ‬
‫أبا بكرة يقول ‪ :‬رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم على النب والسن بن علي إل‬
‫جنبه وهو يُقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول ‪(( :‬إن ابن هذا سيد ‪ ،‬ولعل ال أن‬
‫يُصلح به بي فئتي عظيمتي من السلمي)) ‪.‬‬
‫فهذا السن ي رضي ال عنه ي يتنازل ف ضوء توجيه رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم مع أنّ جيشَه كان أمثال البال ‪ ،‬أفلو كان لبن أمية مبادئ وأصول تتناف مع‬
‫السلم وتتجاف مع أصوله وروحه أكان يستحل السن ي ومن وراءه من هؤلء‬
‫الرجال كالبال ي التنازل والتسليم لدولة ذلك واقعُها وحالُها ؟؟ ‪.‬‬
‫كل ‪ ،‬ث كل ‪ .‬لقد تنازل لرجلٍ مسلم وصحاب جليل ‪ ،‬عرف القاصي والدان‬
‫حسن إسلمه ‪ ،‬وصدقه ‪ ،‬واستقامته ‪ ،‬وعدله ‪.‬‬
‫وإن هذا النص ليعطيك أنّ معاوية كان مشفقـا رؤوفـا بذه المة ‪(( ،‬أرأيت‬
‫إن قَتل هؤلء هؤلء وهؤلء هؤلء من ل بأمور الناس ؟ ‪ ،‬من ل بنسائهم ‪،‬‬
‫من ل بضيعتهم ؟)) ‪ ،‬ث بعث رجلي أميني مصلِحي ناجحي فالتزما بكلّ مطالب‬
‫السن ي ول يطلب إلّ حقـًا ي؛ فكان بذا التنازل لعاوية سيدًا بشهادة رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫قال الافظ ابن حجر ي رحه ال ي ف ((الفتح)) ‪(( :‬وف هذه القصة من‬
‫الفوائد ‪ :‬عَلم من أعلم النبوة ‪.‬‬
‫ومنقبةٌ للحسن بن علي؛ فإنه ترك الُلك ل لقلّة ول لذلّة ول لعلّة ‪ ،‬بل لرغبته‬
‫فيما عند ال لِمَا رآه من حقن دماء السلمي؛ فراعى أمرَ الدين ومصلحة المة ‪.‬‬
‫وفيه ‪ :‬ر ّد على الوارج الذين كانوا يكفّرون عليـًا ومن معه ومعاوية ومَن معه‬
‫بشهادة النب صلى ال عليه وسلم للطائفتي بأنم من السلمي ‪.‬‬
‫وفيه ‪ :‬فضيلة الصلح بي الناس ‪ ،‬ول سيّما ف حقن دماء السلمي ‪.‬‬
‫ودللة على رأفة معاوية بالرعية ‪ ،‬وشفقته على السلمي ‪ ،‬وقوّة نظره ف تدبي‬

‫‪114‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫اللك ‪ ،‬ونظره ف العواقب ‪.‬‬


‫وفيه ‪ :‬ولية الفضول اللفة مع وجود الفضل؛ لن السن ومعاوية ول كل‬
‫منهما اللفة وسعد بن أب وقاص وسعيد بن زيد ف الياة وها بدريّان ‪ .‬قاله ابن‬
‫التي))(‪.)1‬‬
‫فينبغي أن ينظر السلم إل عهد بن أمية من خلل هذه النصوص النيّرة ‪ ،‬ومن‬
‫خلل فهم علماء السلم لا؛ فلو كان ف ملك بن أمية ومبادئهم مافاة لروح السلم‬
‫وعلى الصورة الشوهاء الت يصوّرها من أعمى بصائرهم الوى ‪ ،‬أكان رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم الذي ل ينطق عن الوى يقول ف دولتهم وخلفتهم ما قال ؟؟! ‪.‬‬
‫وهل كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يشجّع السن والمة على الصلح ‪،‬‬
‫ويثن على السن ذلك الثناء العاطر أم كان يثهم على الهاد وإنقاذ مبادئ السلم‬
‫من براثن بن أمية ؟ الذين وصف سيد قطب مبادئهم بأنا مافية لروح السلم ؟! ‪.‬‬
‫إن السلمي حقـًا ف ذلك العهد وإل اليوم يعتبون ذلك الصلح والتنازل عام‬
‫خي وسعادة على المة السلمية حت سّوه (عام الماعة) ‪ ،‬وإن خلفتهم كانت عزّة‬
‫وفتوحـا ‪ ،‬أدخل ال بسببهم أمـا وشعوبـا ف السلم كما أخب بذلك رسولُ ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬كما تشهد بذلك المة السلمية وتاريها الشرق ‪.‬‬
‫وروى البخاري(‪)2‬من طريق إسحاق بن عبد ال بن أب طلحة عن أنس بن مالك‬
‫ي رضي ال عنه ي أنه سعه يقول ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا ذهب‬
‫إل قباء يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه ي وكانت تت عبادة بن الصامت‬
‫ي ‪ ،‬فدخل يومـا فأطعمته ‪ ،‬فنام رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ث استيقظ‬
‫يضحك ‪ ،‬قالت ‪ :‬فقلت ‪ :‬ما يضحكك يا رسول ال ؟ ‪ ،‬فقال ‪(( :‬ناسٌ من أمت‬
‫عُرضوا عليّ غزاة ف سبيل ال ‪ ،‬يركبون هذا البحر ملوكـا على السرّة)) أو قال ‪:‬‬
‫((مثل اللوك على السرة)) يشك إسحاق؛ قالت ‪ :‬ادع ال أن يعلن منهم ‪ ،‬فدعا ‪ ،‬ث‬
‫وضع رأسه ‪ ،‬فنام ‪ ،‬ث استيقظ يضحك ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ما يضحكك يا رسول ال ؟ ‪ ،‬قال‬
‫() انظر ‪(( :‬الفتح)) ‪. ) 13/66 ( :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ف ((صحيحه)) ‪ : 79 ( :‬كتاب الستئذان ‪ ،‬الديث ‪ 6282 :‬ي ‪. ) 6283‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪115‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪(( :‬ناسٌ من أمت عرضوا علي غزاة ف سبيل ال ‪ ،‬يركبون ثبج هذا البحر ملوكـا على‬
‫السرة)) أو مثل اللوك على السرة ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ادع ال أن يعلن منهم ‪ ،‬قال ‪ :‬أنت من‬
‫الولي؛ فركبت البحر زمن معاوية فصرعت عن دابتها حي خرجت من البحر‬
‫فهلكت ‪.‬‬
‫فهذه رؤيا نبوية صادقة من أعلم النبوة وقع مصداقها ف زمن عثمان بقيادة‬
‫معاوية ي رضي ال عنه ي دالّة على عزّة السلم وعزّة أهله ف هذه الفترة ‪ ،‬وأن‬
‫حالتهم حالة اللوك ف اليئة والبّهة ي ل كما يصورهم الغرضون من حالة البؤس‬
‫والشقاء ي ‪ ،‬وأن جهادهم ف سبيل ال ولعلء كلمة ال ‪.‬‬
‫فمن خلل هذه النصوص الصحيحة الشرقة نتحدّث ونكم على عهد عثمان‬
‫وبن أمية والمة السلمية ف تلك العهود الزاهرة عهد عزّة السلم والسلمي ومنعته‬
‫ومنعتهم ‪.‬‬
‫وإليك صورةً مشرقة عن عهد معاوية ي رضي ال عنه ي يتجلّى فيها صدق‬
‫إيانم وورعهم وكمال أخلقهم ‪ ،‬وأنم من خي القرون بقّ وجدارة ‪:‬‬
‫قال أبو إسحاق الفزاري عن صفوان بن عمرو قال ‪ :‬حدثنا حوشب بن سيف‬
‫قال ‪ :‬غزا الناس ف زمان معاوية وعليهم عبد الرحن بن خالد فغلّ رجلٌ من السلمي‬
‫مائة دينار رومية ‪ ،‬فلما قفل اليش ندم الرجل فأتى عبد الرحن بن خالد فأخبَه‬
‫خبه ‪ ،‬وسأله أن يقبلها منه ‪ ،‬فأب وقال ‪ :‬قد تفرّق اليشُ فلن أقبلها منك حت تأت‬
‫با يوم القيامة؛ فجعل يستقرئ أصحاب النب عليه السلم يسألم فيقولون مثل ذلك ‪،‬‬
‫فلما قدم دمشق على معاوية فذكر ذلك له ‪ ،‬فقال له مثل ذلك؛ فخرج من عندِه وهو‬
‫يبكي ويسترحم؛ فمرّ بعبد ال بن الشاعر السكسكي ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما يبكيك ؟ ‪ ،‬فذكر له‬
‫أمرَه ‪ ،‬فقال ‪ :‬أمطيعي أنت يا عبد ال ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬فانطلق إل معاوية فقل ‪:‬‬
‫اقبل من خسك فادفع إليه عشرين دينارًا ‪ ،‬وانظر إل الثماني الباقية فتصدّق با عن‬
‫ذلك اليش؛ فإنّ ال يقبل التوبة عن عباده ‪ ،‬وهو أعلمُ بأسائهم ومكانم؛ ففعل‬
‫الرجل ‪ ،‬فقال معاوية ‪ :‬لن أكون أفتيتُه با أحبّ إلّ من كل شيء أملكه ‪ ،‬أحسن‬
‫الرجل))(‪.)1‬‬
‫() كتاب ((السي)) لب إسحاق الفزاري ( ص ‪. ) 249 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪116‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ول يوزُ الديث عنهم بتصوّرات الشتراكيي الثائرين على القطاعيي‬


‫والرأساليي ‪ ،‬ول نتحدّث عنهم من خلل روايات الروافض الاقدين ‪.‬‬
‫وقول سيد ‪(( :‬وليس بالقليل ما يشيع ف نفس الرعية ـ إن حقـًا وإن‬
‫باطلً(‪)1‬ـ أن الليفة يؤثر أهله وينحهم مئات اللوف ويعزل أصحاب رسول ال‬
‫ليول أعداء رسول ال صلى ال عليه وسلم)) ‪.‬‬
‫هذا يدلّ على رغبة سيد قطب الامة ف الطعن ف عثمان وبن أمية ‪،‬‬
‫وعلى الرغبة الامة ف الشادة وكيل الديح لتلميذ ابن سبأ أصل كل بلء وفتنة‬
‫نزلت بالمة ‪.‬‬
‫إن الطيور على أشكالا تقع ‪ ،‬وإن الرواح جنودٌ مندّة ما تعارف منها ائتلف ‪،‬‬
‫وما تناكر منها اختلف ‪.‬‬

‫ورواه سعيد بن منصور ‪ ،‬وابن عبد الب ف ((التمهيد)) ‪ ) 2/24 ( :‬نقلً عن مقق ((السي)) ‪ ،‬وقد‬
‫رجعتُ إل ((التمهيد)) فوجدت فيه مغايرة ف السناد والت لا هنا ‪.‬‬
‫() من أع جب العجائب إن سيد ق طب ي شك ف صحة الشائعات هذه ض ّد عثمان وأهله ‪ ،‬ث يقدم‬ ‫‪1‬‬

‫برأة وع نف على مهاجت هم والط عن في هم ‪ ،‬و ف الو قت نف سه يدح أ هل الف ت الذ ين افتعلوا هذه‬
‫الشائعات ‪ ،‬ث من هم أعداء رسول ال الذين كان يوليهم عثمان ‪.‬‬
‫والواب ‪ :‬أن م أ صحاب ر سول ال صلى ال عل يه و سلم م ثل معاو ية بن أ ب سفيان ‪ ،‬والغية بن‬
‫شع بة ‪ ،‬وأب مو سى الشعري ‪ ،‬وعبد ال بن أب سرح ‪ ،‬والوليد بن عقبة ‪ ،‬وعبد ال بن عامر بن‬
‫كريز العامري؛ وك ّل منهم له صحبة وسية حسنة ف رعيته ‪ ،‬ولم فتوحات إسلمية عظيمة ف الشرق‬
‫والغرب ‪.‬‬
‫وقد ولهم ي قبل عثمان ي عمر بن الطاب ي رضي ال عنه ي ‪.‬‬
‫ل من أب بكر وعمر قد ول الوليد بن عقبة وهو من أش ّد ما ينقم به الغرضون‬
‫ومن الطريف ‪ :‬أ نّ ك ّ‬
‫على عثمان ‪.‬‬
‫فمين ينكير على عثمان يي رضيي ال عنيه يي توليية هؤلء فلينكير على أبي بكير وعمير‬
‫ي رضي ال عنهما ي ‪.‬‬
‫ومن ينكر على عثمان أن يول الكفّاء من بن أمية فلينكر على رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فإنه‬
‫قد ول منهم الكثي على أعماله ‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وقد تقدّم للقارئ ما يُزيّف هذه الكاذيب ف إغداق عثمان الموال على بن‬
‫أمية ‪ ،‬ولعله يأت إيضاحات أخرى ‪.‬‬
‫أما قوله ‪(( :‬ويعزل أصحاب رسول ال ليول أعداءَه)) ‪.‬‬
‫فل يسعُنا إل أن نقول ‪ { :‬ولول إذْ سعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بذا‬
‫سبحانك هذا بتانٌ عظيم } ‪ ،‬وإن ف هذا الكلم لطعنـا ف دين عثمان وأمانته ما‬
‫وراءه طعن ‪.‬‬
‫ول أدري أتلقّف سيد قطب هذا من الروافض أم هو من إنشائه تعاطفـا معهم‬
‫وتودّدًا إليهم ‪ ،‬ولسان حاله يقول ‪ :‬نن ل نقلّ عنكم حقدًا على عثمان وبن أمية ‪،‬‬
‫بل على ذلك الجتمع الطاهر ف عهد عثمان وبن أمية ‪ ،‬فلذا نقذفهم بذه القذائف‬
‫دون أيّ احترام لذلك الجتمع ودون احترام لشاعر أهل السنة ‪.‬‬
‫أيعزل عثمان أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ليول أعداء‬
‫رسول ال ؟؟؟ ‪.‬‬
‫أين براهينك على هذه التمات الظالة ؟ ‪.‬‬
‫أهذه منلة خي القرون عندك ؟ ‪.‬‬
‫والذي يعرف مذهب سيد ف التكفي ل يتردّد أنه يكفّر ولة عثمان ‪.‬‬
‫وهكذا يتجرّأ سيد هذه الرأة العظيمة بغي علم ول هدى ول كتاب مني ‪.‬‬
‫هل هذا هو واقع عثمان وواقع ولته ؟ ‪.‬‬
‫وهل ينظر علماء السلم إل عثمان وولته بذا النظار السود الكريه ؟ ‪.‬‬
‫أولً ‪ :‬ل يكن عثمان يعزل ويول تبعـا لواه ـ حاشاه ـ ‪ ،‬وإنا يراعي‬
‫ف ذلك مصلحة السلمي وتلبية لرغبتهم ف عزل من كرهوه من الولة ولو‬
‫كان صالـا ‪.‬‬
‫ل السري عن شعيب ‪ ،‬عن سيف ‪ ،‬عن أب حارثة وأب‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وكتب إ ّ‬

‫‪118‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫عثمان قال ‪ :‬لا ول عثمان أقر عمرو بن العاص على عمله ‪ ،‬وكان ل يعزل أحدًا‬
‫إل عن شكاة أو استعفاء من غي شكاة(‪.)1‬‬
‫فهذا هو الذي يتّفق مع أخلق عثمان ‪ ،‬وشرفه ‪ ،‬ومروءته ‪ ،‬وإيانه ‪ ،‬وحيائه ‪،‬‬
‫وخوفه من ال ‪.‬‬
‫إننا نعتمد مثل هذه الرواية وإن كانت ضعيفة لنّ لا ما يدعمها ‪ ،‬ولن الصل‬
‫براءة السلم ل سيّما أصحاب رسول ال ي كما قدّمنا ذلك غي مرّة ي؛ وهذا أخفّ‬
‫ألف مرّة من العتماد على أكاذيب الروافض ‪.‬‬
‫ثانيـا ‪ :‬قال عثمان ف اعتذراه عن تنّي أهل الفتنة عليه ‪ :‬قالوا ‪ :‬استعملت‬
‫ل مرضيـًا؛ وهؤلء أهل عملهم ‪ ،‬فسلوهم‬ ‫الحداث ‪ ،‬ول أستعمل إل متمعـا متم ً‬
‫عنه ‪ ،‬وهؤلء أهل بلده؛ ولقد ول مَن قبلي أحدثَ منهم ‪ ،‬وقيل ف ذلك لرسول ال‬
‫أشدّ ما قيل ل ف استعماله أسامة ‪ ،‬أكذلك ؟ ‪ ،‬قالوا ‪ :‬اللهم نعم(‪.)2‬‬
‫وما أظن أنه خطر ببال أهل الفت أنّ عثمان يول أعداء ال فضلً عن أن‬
‫يتفوّهوا بذلك ‪.‬‬
‫ثالثـا ‪ :‬أن لعثمان أسوة ف رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ فقد كان بنو أمية‬
‫أكثر القبائل عمالً ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية ‪(( :‬وقد كان ف بن أمية قومٌ صالون ماتوا قبل‬
‫الفتنة ‪ ،‬وكان بنوا أمية أكثر القبائل عمّالً للنب صلى ال عليه وسلم؛ فإنه لا فتح مكة‬
‫استعمل عليها عتّاب بن أسيد بن أب العيص(‪)3‬بن أمية ‪ ،‬واستعمل خالد بن سعيد بن‬
‫العاص بن أمية ‪ ،‬وأخويه أبان بن سعيد ‪ ،‬وسعيد بن سعيد على أعمال أخر ‪ ،‬واستعمل‬
‫أبا سفيان بن حرب بن أمية على نران))(‪.)4‬‬

‫() ((التاريخ)) ‪. ) 4/253 ( :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((تاريخ الطبي)) ‪. ) 4/347 ( :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ف الصل ‪(( :‬العاص)) ‪ ،‬والصواب ما أثبت ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() ((منهاج السنة)) ( ص ‪ 144 :‬ي ‪ ، 145‬ج ‪. ) 4‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪119‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وقال ف موضع آخر ‪(( :‬وكان كثي من أمراء النب صلى ال عليه وسلم على‬
‫العمال من بن أمية؛ فإنه استعمل على مكة عتّاب بن أسيد بن أب العيص(‪)1‬بن أمية ‪،‬‬
‫واستعمل خالد بن سعيد بن العاص بن أمية على صدقات مذحج وصنعاء اليمن ‪ ،‬ول‬
‫يزل عليها حت مات النب صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬واستعمل عَمْرًا(‪)2‬على تيماء وخبي‬
‫وقرى عرينة ‪ ،‬وأبان بن سعيد بن العاص استعمله أيضـا على البحرين برّها وبرها‬
‫حي عزل العلء بن الضرمي ‪ ،‬فلم يزل عليها حت مات النب صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫ووله عمر ي رضي ال عنه ي ول يُتّهم ف دينه ول ف سياسته ‪.‬‬
‫قال الافظ ابن حجر ف ((الصابة))(‪(( :)3‬وأخرج أبو العباس السرّاج من طريق‬
‫خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد حدثن أب أنّ أعمامَه خالدًا وأبانـا وعمرو بن‬
‫سعيد بن العاص لا بلغتهم وفاة النب صلى ال عليه وسلم رجعوا عن أعمالم فقال لم‬
‫أبو بكر ‪ :‬ما أحد أحقّ بالعمل منكم ‪ ،‬فخرجوا إل الشام فقتلوا با جيعـا ‪ ،‬وكان‬
‫خالد على اليمن ‪ ،‬وأبان على البحرين ‪ ،‬وعمرو على سواد خيب)) ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ‪(( :‬وهذا النقل عن النب صلى ال عليه وسلم ف استعمال‬
‫هؤلء ثابتٌ مشهور عنه ‪ ،‬بل متواتر عند أهل العلم؛ فكان الحتجاج على جواز‬
‫استعمال بن أمية بالنص الثابت عن النب صلى ال عليه وسلم أظهر عند كل عاقل من‬
‫دعوى كون اللفة ف واحد معيّن من بن هاشم بالنص؛ لن هذا كذب باتفاق أهل‬
‫العلم بالنقل ‪ ،‬وذاك صدق باتفاق أهل العلم بالنقل ‪.‬‬
‫وأما بنو هاشم فلم يستعمل النب منهم إلّ عليـًا على اليمن ‪ ،‬وجعفر على غزوة‬
‫مؤتة مع موله زيد وابن رواحة))(‪.)4‬‬
‫وقد ثبت ف ((الصحيح)) عن النب صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪(( :‬خيار أئمتكم‬
‫الذين تبونم ويبونكم ‪ ،‬وتصلون عليهم ويصلون عليكم ‪ ،‬وشرار أئمتكم الذين‬
‫() ف الصل ‪(( :‬العاص)) ‪ ،‬والصواب ما أثبت ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() هو ‪ :‬عمرو بن سعيد بن العاص ‪ .‬انظر ‪(( :‬الصابة)) ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ( ‪. ) 2/532‬‬ ‫‪3‬‬

‫() ((النتقى من منهاج العتدال)) ( ص ‪. ) 383 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪120‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫تبغضونم ويبغضونكم)) ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ومعاوية كانت رعيته تبّه وهو يبهم ‪ ،‬ويصلون‬
‫عليه وهو يصلي عليهم ‪.‬‬
‫رابعـا ‪ :‬أن له أسوة ف أب بكر وعمر ي رضي ال عنهما ي فقد ول أبو بكر‬
‫يزيد بن أب سفيان ف فتوح الشام ‪ ،‬وأقرّه عمر ‪ ،‬ث ول عمر بعده معاوية ‪.‬‬
‫ونقل الافظ ابن حجر ف ((الصابة))(‪)1‬ما رواه البقي ف ((تاريه)) عن أب صال‬
‫كاتب الليث بن سعد ‪ :‬أن الليث قال ‪ :‬كان ابن أب سرح على الصعيد زمن عمر ‪ ،‬ث‬
‫ضمّ إليه عثمان مصر كلها ‪ ،‬وكان ممودًا ف وليته))(‪.)2‬‬
‫وقال ابن عبد الكم ‪(( :‬توف عمر ي رضي ال عنه ي ومصر على أميين عمرو‬
‫ابن العاص بأسفل الرض ‪ ،‬وعبد ال بن سعد بن أب سرح على الصعيد))(‪.)3‬‬
‫وذكر ابن عبد الكم أن عثمان ل يول عبد ال إلّ بعد أن رفض عمرو بن‬
‫العاص العودة إل مصر إل أن يوليه مصر كلها فلم يستجب له عثمان ‪ ،‬ث ولّى عبد‬
‫ال ابن سعد على مصر كلها؛ قال ابن عبد الكم ‪ :‬فلبث عبد ال عليها أميًا ممودًا ‪،‬‬
‫وغزا فيها ثلث غزوات كلهنّ لا شأن ‪ :‬إفريقية ‪ ،‬والساود ‪ ،‬ويوم ذي الصواري؛‬
‫وله جهاد وفتوحات ‪ ،‬منها ‪ :‬فتح إفريقية))(‪.)4‬‬
‫وأَقرّ عمر ي رضي ال عنه ي سعد بن أب وقاص أن يؤمر الوليد بن عقبة على‬
‫عرب الزيرة من ربيعة وتنوخ ‪ ،‬فتوجّه لقتال الروم ‪ ،‬فلما قدم على تغلب نض معه‬
‫مسلمهم وكافرهم ‪ ،‬ث إنه تشدّد على تغلب فلم يقبل منهم إل أن يسلموا حت ثناه‬
‫عن ذلك عمر))(‪.)5‬‬
‫خامسـا ‪ :‬ل يقصر عثمان الوليات على بن أمية ويغدقها عليهم كما يقول‬

‫() ((الصابة)) ‪. ) 2/309 ( :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() نفس الرجع السابق ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ((فتوح مصر)) ( ص ‪. ) 471 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() ((فتوح مصر)) ( ص ‪ 173 :‬ي ‪. ) 174‬‬ ‫‪4‬‬

‫() انظر ‪(( :‬تاريخ ابن جرير)) ‪. ) 55 ، 54 ، 4/51 ( :‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪121‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫خصومه ‪ ،‬بل كان هناك أمراء كثر من شتّى القبائل يلون أمور السلمي ف جهات‬
‫كثية ف زمن عثمان ‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن جرير ف ((تاريه)) عددًا من عمال عثمان الذين استعملهم على‬
‫المصار ‪ ،‬فمنهم ‪:‬‬
‫‪ 1‬ي الشعث بن قيس ‪ :‬إل أذربيجان ‪.‬‬
‫‪ 2‬ي وسعيد بن قيس ‪ :‬على الري ‪.‬‬
‫‪ 3‬ي وكان سعيد بن قيس ‪ :‬على هذان ‪ ،‬فعزل ‪ ،‬وجعل عليها النسي‬
‫العجلي ‪.‬‬
‫‪ 4‬ي وعلى أصبهان ‪ :‬السائب بن القرع ‪.‬‬
‫‪ 5‬ي وعلى ماه مالك بن حبيب اليبوعي ‪.‬‬
‫‪ 6‬ي وعلى الوصل ‪ :‬حكيم بن سلمة الزامي ‪.‬‬
‫‪ 7‬ي وجرير بن عبد ال ‪ :‬على قرقيسيا ‪.‬‬
‫‪ 8‬ي وسلمان بن ربيعة ‪ :‬على الباب ‪.‬‬
‫‪ 9‬ي وعلى الرب ‪ :‬القعقاع بن عمرو ‪.‬‬
‫‪ 10‬ي وعلى حلوان ‪ :‬عتيبة بن النهاس(‪.)1‬‬
‫هؤلء من وقفنا عليهم ف جهة الشرق ‪.‬‬
‫وكان عبد الرحن بن خالد أميًا على حص ‪.‬‬
‫ث لاذا يتجاهلون أنّ عليـًا ي رضي ال عنه ي قد ول من هو دون من ولهم‬
‫عثمان ‪ ،‬ويتجاهلون أنه قد ول أناسـا من أقاربه ؟ ‪ ،‬والعجب أن سيد قطب قد نج‬
‫هذا النهج؛ فل حولَ ول قوة إل بال ‪.‬‬
‫وقد زعم السن بن الطهر اللي ف كتابه ((منهاج الكرامة)) أن عثمان ول أمور‬
‫السلمي من ل يصلح للولية ‪.‬‬
‫() ((تاريخ ابن جرير)) ‪ 264 ، 4/422 ( :‬ي ‪. ) 265‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪122‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫))(‪)1‬‬
‫فأجابه شيخ السلم ابن تيمية ‪ -‬رحه ال ‪ -‬ف ((منهاج السنة‬
‫و ((النتقى))(‪)2‬منه للذهب ‪(( :‬أن عليـًا ي رضي ال عنه ي ول زياد بن أب سفيان‬
‫وول الشتر النخعي وول ممد بن أب بكر وأمثال هؤلء ‪.‬‬
‫ول يشكّ عاقل أن معاوية خي من هؤلء كلهم ‪ ، ))...‬ث قال ‪(( :‬ومن العجب‬
‫‪ :‬أن الشيعة ينكرون على عثمان أنه ول أقاربه من بن أمية ‪ ،‬ومعلوم أن عليـًا ول‬
‫أقاربَه من قبل أبيه وأمه ‪:‬‬
‫‪ 1‬ي فولّى عبيد ال بن عباس على اليمن ‪.‬‬
‫‪ 2‬ي وول على مكة والطائف قثم بن العباس ‪.‬‬
‫‪ 3‬ي وأما الدينة فقيل إنه ول عليها سهل بن حنيف ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ثامة بن العباس ‪.‬‬
‫‪ 4‬ي وأما البصرة فول عليها عبد ال بن عباس ‪.‬‬
‫‪ 5‬ي وول على مصر ربيبه ممد بن أب بكر الذي ربّاه ف حجره ( لنه‬
‫تزوج أمه بعد وفاة أب بكر وكان ممد صغيًا ) ‪.‬‬
‫ث إن المامية تدّعي أن عليـًا نصّ على أولده ف اللفة أو على ولده ‪ ،‬وولده‬
‫على ولده الخر وهلم جرّا ‪.‬‬
‫ومن العلوم إن كان تولية القربي منكرًا فتولية اللفة العظمى أعظم من إمارة‬
‫بعض العمال))؛ فكما ل يوز الطع ُن على عليّ با فعله اجتهادًا كذلك ل يوز الطعنُ‬
‫على عثمان با فعله اجتهادًا ي رضي ال عنهما وأرضاها ي ‪.‬‬
‫ول يفرق بي العملي والرجلي إلّ أصحاب الهواء والغراض ‪.‬‬
‫وإنا يذكر شيخ السلم هذا تقريعـا وتوبيخـا لهل الهواء وبيان تناقضهم‬
‫وفضح نواياهم ‪.‬‬
‫سادسـا ‪ :‬لاذا يكثر الروافض ومَن سار على طريقهم الطعن على عثمان بإيثار‬
‫() ( ‪. )3/173-176‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ( ص ‪. )383-382 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪123‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫بن أمية بالناصب ف الدولة ي على ح ّد زعمهم ي ‪ ،‬وينسون أنّ له سلفـا وأسو ًة‬
‫برسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وينسون أنّ هذا اجتهاد مراعـا فيه مصلحة المة ‪،‬‬
‫وينسبون كثرة بن أمية؛ إذْ هم أكثر بطون قريش عددًا ‪ ،‬وينسون كفاءت لذه العمال‬
‫والفتوحات العظيمة الت فتحها ال على أيديهم والعزّ العظيم الذي بلغه السلم‬
‫والسلمون على أيديهم ‪ ،‬وينسون الخلق العالية الت كان يتمتع با هذا البطن من‬
‫قريش من اللم ‪ ،‬والناة ‪ ،‬والصب ‪ ،‬والود ‪.‬‬
‫ومَن أحبّ أن يعرف هذا فليقرأ ف التاريخ سيهم وتعاملهم مع الناس ‪.‬‬
‫قال الشيخ مب الدين الطيب ي رحه ال ي ‪(( :‬أما الذي يرجع إل الصحيح‬
‫المحص من وقائع التاريخ ويتتبع سية الرجال الذين استعان بم أمي الؤمني ذو‬
‫النورين ـ رضوان ال عليه ـ ‪ ،‬وما كان لهادهم من جيل الثر ف تاريخ الدعوة‬
‫السلمية ‪ ،‬بل ما كان لسن إدارتم من عظيم النتائج ف هناء المة وسعادتا فإنه‬

‫‪124‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ل يستطيع أن ينع نفسه من الهر بالعجاب والفخر كلما أمعن ف دراسة‬


‫ذلك الدور من أدوار التاريخ السلمي))(‪.)1‬‬
‫أقول ‪ :‬وأعجب لقول سيد قطب ف عهد بن أمية ‪(( :‬لقد اتسعت رقعة‬
‫السلم فيما بعد ‪ ،‬ولكن روحه انسرت بل جدال؛ وما قيمة الرقعة إذا‬
‫انسرت الروح ؟))(‪.)2‬‬
‫وقول سيد قطب ‪(( :‬ويبعد مثل أب ذر لنه أنكر كن الموال ‪ ،‬وأنكر الترف‬
‫الذي يبّ فيه الثرياء ‪ ،‬ودعى إل مثل ما كان يدعو إليه رسولُ ال صلى ال عليه‬
‫وسلم من النفاق والبّ والتعفّف)) ‪.‬‬
‫يصف سيد قطب ذلك الجتمع من الصحابة وخيار التابعي تارةً بالترف وتارة‬
‫بالقطاع وتارة بالرستقراطية ‪ ،‬وكلها ف غاية القبح ‪.‬‬
‫((فالترف‪ :‬هو الذي قد أبطر ته النع مة و سعة الع يش وأترف ته النع مة أي أطغ ته‬
‫(‪)3‬‬
‫))‬ ‫كما ف لسان العرب‬
‫أما حكم الترف عند سيد قطب فهو كما يقول ف هذا الكتاب‪:‬‬
‫((واليات القرآنية والحاديث النبوية ف كراهة الترف وتريه متواترة كثية بصفة‬
‫بارزة تشعير بأنيه مين أكره الرام ال ال ورسيوله والسيلم الذي يضي الناس على‬
‫التمتع بطيبات الياة ويكره أن يرموها على أنفسهم وهي لم حلل يدعو إل جعل‬
‫الياة بي جة مقبولة ل قات ة ول منبوذة ‪ ...‬هذا ال سلم نف سه يكره ال سرف والترف‬
‫تلك الكراهية الشديدة العنيفة‪.‬‬

‫() حاشية ((النتقى من منهاج العتدال)) ( ص ‪. ) 390 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((العدالة الجتماعية)) ( ص ‪ ) 194 :‬ط خامسة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ )9/17( )(3‬مادة ترف‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فالقرآن يصف الترفي أحيانا بسقوط المة وضعف القوة وهبوط الريية‪{ :‬وإذا‬
‫أنزلت سورة أن آمنوا بال وجاهدوا مع ر سوله ا ستأذنك أولو الطول من هم وقالوا‬
‫ذرنا نكن مع القاعدين}‪.‬‬
‫وإذا عرف نا حرص ال سلم على الهاد وح ثه عل يه وتعظ يم من يتطوعون له ح ت‬
‫ليقول الرسول الكري صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬من مات ول يغز ول يدث نفسه بغزو‬
‫مات على شع بة من النفاق )) أدرك نا ف الا نب ال خر كم يت قر أول الطول هؤلء‬
‫لتخلفهم وقعودهم عن صفوف الجاهدين‪.‬‬
‫ول غرا بة ف هذا ‪ ،‬فالترف متر هل ضع يف الرادة نا عم قل يل الرجولة ل يع تد‬
‫الهد فسقطت هته ‪ ،‬وفترت أرييته ‪ ،‬والهد ف الهاد يعطل عليه متاعه الشهوان‬
‫الرخيص ويرمه لذاته اليوانية فترة من الوقت وهو ل يعرف قيمة ف الياة سوى‬
‫هذه القيـم الداعرة الشائنـة ))(‪ ... )1‬ثي يواصيل الكلم على الترفيي ويسيوق اليات‬
‫في هم ‪ ...‬ث يقول معل قا على ب عض اليات‪(( :‬ول غرا بة ف هذا فالترفون حري صون‬
‫على حيات م الرخوة الشاذة الري ضة حري صون على شهرات م ولذائذ هم حري صون‬
‫على أن تكون من حولم حاشية وبطانة خاضعة لنفوذهم))(‪ )2‬ث يواصل الكلم ف هذا‬
‫الصدد‪.‬‬
‫واذا كانت هذه هي نظرة سيد ال الترفي ‪ ،‬بل هى نظرة جيع السلمي فلماذا‬
‫يصف ذلك الجتمع الطيب الي بالتمرغ فيه وكبار اغنيائه من كبار أصحاب رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم والذين ياربون الترف أكثر من سيد وأمثاله‪.‬‬

‫‪ )(1‬العدالة ص (‪ )126‬ط خامسة ‪.‬‬


‫‪ )(2‬العدالة ص (‪ )127‬ط خامسة ‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ول شك أن الال قد فاض ف ع هد عثمان لت ساع الفتوح وكثرة الغنائم والف يء‬
‫وتدفق الي على المة ‪ ،‬فتوسع بعض الناس لا وسع ال عليهم فبالغ أبو ذر ف الشدة‬
‫والنكار عليهم‪.‬‬
‫ول يكن أبو ذر من دعاة الثورة والفت والروج حاشاه ‪.‬‬
‫بل كان يعلن السمع والطاعة ويذكر الحاديث النبوية ف ذلك ‪ -‬رضى ال عنه‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل التاسع عشر‬


‫اتهامات خطيرة للصحابة والمجتمع‬
‫المسلم‬
‫في عهد عثمان بن عفان‬
‫وقول سيد ‪(( :‬فإن النتيجة الطبيعية لشيوع مثل هذه الفكار ـ إن حقـًا‬
‫وإن باطلً ـ أن تثور نفوس ‪ ،‬وأن نتحل نفوس ‪ ...‬تثور الذين أُشربت نفوسهم‬
‫روح الدين إنكارًا وتأثّمـا ‪ ،‬وتنحل نفوس الذين لبسوا السلم رداءً ول تالط‬
‫بشاشته قلوبم ‪ ،‬والذين ترفهم مطامع الدنيا ويرون الندار مع التيّار ‪ .‬وهذا كلّه‬
‫قد كان ف أواخر عهد عثمان)) ‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬مَن هم هؤلء الذين أُشربت نفوسهم روح الدين من النكرين على زعمه‬
‫غي أب ذرّ ؟؛ فإنه ل شك قد أشربت نفسه روح الدين ‪ ،‬ولكنه قد انفرد عن إخوانه‬
‫من الصحابة الكرام الذين فيهم مَن هو أفضلُ منه ومنهم عثمان ‪ ،‬وعلي ‪ ،‬وعبد‬
‫الرحن ابن عوف ‪ ،‬وطلحة ‪ ،‬والزبي ‪ ،‬وسعد بن أب وقاّص ‪ ،‬وغيهم من هم أفضل‬
‫من أب ذرّ ‪ ،‬وأشربت نفوسهم روح الدين وخالطت بشاشته قلوبم رضي ال عنهم‬
‫أجعي ‪.‬‬
‫ل يستطيع سيد أن يسمّي أحدًا من الصحابة ول من خيار التابعي؛ ث إن أبا ذر‬
‫ل علقة له بالشتراكيّة الت نسبها إليه وإل السلم الشتراكيون ومنهم سيد قطب ‪.‬‬
‫وأقول ‪ :‬إن هؤلء الثائرين الذين وصفهم سيد بأن نفوسهم قد أُشربت روح‬
‫الدين إنا هم تلميذ ابن سبأ من أهل الفت والشغب والنفاق ‪.‬‬
‫ول علقة للصحاب الليل أب ذرّ بم ول بنهجهم ول بطالبهم‬
‫ول بشغبهم وفتنهم ‪.‬‬
‫وهم على ظلمهم ل علقة لم بالذهب الشتراكي الذي يدح سيد أهل الفت من‬
‫أجلِه؛ والدليل قوله فيما سبق ‪(( :‬وأخيًا ‪ :‬ثارت الثائرة على عثمان ‪ ،‬واختلط فيها ال ّق‬
‫بالباطل والي بالشر ‪ ،‬ولكن ل ب ّد لن ينظر إل المور بعي السلم ويستشعر المور‬

‫‪128‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫بروح السلم أن يقرّر أن تلك الثورة ف عمومها كانت فورة من روح السلم؛ وذلك‬
‫دون إغفال لِما كان وراءها من كيد اليهودي ابن سبأ ي عليه لعنة ال ي))(‪.)1‬‬
‫ول شكّ أنه يقصد بقوله ‪(( :‬وتنحل نفوس الذين لبسوا السلم رداء ول تالط‬
‫بشاشته قلوبم ‪ ))...‬إل أشلُ وأعمّ من بن أمية ما يدخل ف عمومه جلّ الصحابة‬
‫الوجودين وأغلب خيار التابعي؛ فل حولَ ول قوّة إل بال ‪.‬‬
‫ونعوذ بال من هوىً يصل بأصحابه إل هذا الصي ‪ ،‬وإل مثل هذا الطراء‬
‫للشرار والزراء بالبرار الخيار ‪.‬‬
‫وذلك ل يرضي إل أعداء ال من اليهود والنصارى والشيوعيي والباطنيي‬
‫والاقدين على ذلك الجتمع اليّر الذين شهد لم رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫بأنم خيُ القرون ‪.‬‬
‫إن غالبيهم أصحاب مبادئ ودين وخلُق ‪.‬‬
‫وأهل السنة ل ينظرون إليهم بنظار سيد قطب ‪ ،‬وإنا يقولون ‪ :‬إنم متهدون‬
‫بعضهم يصوّب اجتهادهم ‪ ،‬وبعضهم يطئوه ‪.‬‬
‫ث يرى سيد أن منهج عليّ الصلحي أو التغييي لردّ المر إل نصابه ور ّد‬
‫التصوّر السلمي إل نفوس الناس والكام هو بأكل الشعي الذي تطحنه امرأته ‪.‬‬
‫كان يب على سيد أن يدرك أنه يعال موضوعات وقضايا خطية تتاجُ إل‬
‫نقولٍ صحيحة ‪ ،‬وإل استرشاد بنهج أهل العلم والسنة والق ‪ ،‬وإل تأدبٍ جمّ مع‬
‫عثمان والصحابة والتابعي ف عهده ‪ ،‬كيف نسي سيد هذا الفقه العظيم ؟ ‪ ،‬ونسي‬
‫هذا القصد السى الذي شرعه السلم للمسلمي لتنطلق نفوسهم إل ما فوق‬
‫الضرورة من التفكي العال والحساس الراقي والتأمل ف الكون واللْق والنظر إل‬
‫المال والكمال ؟! ‪.‬‬

‫() ((العدالة)) ( ص ‪ 160 :‬ي ‪ ) 161‬ط ثانية عشرة ‪ ،‬وف ط خامسة يقول ما نصّه ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫ي إل روح السيلم واتاهيه مين موقيف عثمان ‪،‬‬ ‫((إن تلك الثورة في عمومهيا كانيت أقرب َ‬
‫أو بالدق من موقف مروان ومن ورائه بنو أمية)) ا‪.‬ه‍ ‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ث كيف يعل سيد هذا الشظف من فضائل علي ي رضي ال عنه ي وهو يقول‬
‫ف هذا الكتاب ‪(( :‬فإذا كان السلم يعطي الفقي فضلة من أموال الزكاة يوسع با‬
‫على نفسه ويستمتع با هو فوق ضرورته فأول أن ينفق الواجد وأن يتمتع بالياة‬
‫متاعـا معقولً ‪ ،‬وأن ل يرم نفسه من طيباتا وهي كثية لتغدو الياة بيجة‬
‫جلية ‪ ،‬ولتنطلق النفس إل ما هو فوق الضرورة من التفكي العال والحساس‬
‫الراقي ‪ ،‬والتأمّل ف الكون واللْق ‪ ،‬والنظر إل المال والكمال؛ والرسول الكري‬
‫يقول ‪(( :‬إذا آتاك ال مالً فلي أثر نعمة ال عليك وكرامته))(‪.)1‬‬
‫فيعد الشظف والتربة ي مع القدرة ي إنكارًا لنعمة ال يكرهه ال(‪.)2‬‬
‫كيف يرضى سيد لعلي ي رضي ال عنه ي أن يعيش دون هذا الستوى ودون‬
‫تقيق هذه الهداف مالفـا هذه القاصد السلمية العليا والغايات النبيلة ومالفـا‬
‫التوجيه النبوي الكري ؟ ‪.‬‬
‫ول شكّ أن عليـًا ي رضي ال عنه ي كان من أكب كباء فقهاء الصحابة ‪،‬‬
‫وكان بعيدًا عن تلك الصورة الت صوّرته با الروايات الرافضية أو الصوفية الغالية؛‬
‫فلقد كان عليّ ي رضي ال عنه ي يتمتّع بالطيبات ‪ ،‬ويلبس اللباس الميل اللئق‬
‫بكانته ي رضي ال عنه ي ‪.‬‬
‫ولكن سيد استروح إل تلك الروايات الباطلة ‪ ،‬وتناسى فقهه ف هذه القضية‬
‫ليظهر الفرق الكبي بي عثمان وعلي ‪.‬‬
‫عثمان وسائر الصحابة يعيشون ف غاية الترف ‪ ،‬وعليّ ي رضي ال عنه ي‬
‫يعيش ف غاية الشظف ‪ ،‬وإن كان ف داخل نفسه يرى أن هذا الشظف إنكار لنعمة‬
‫ال؛ فل حولَ ول قوة إل بال ‪.‬‬
‫() انظير ‪ :‬أبيا داود في ( كتاب اللباس ‪ ،‬حدييث رقيم ‪ ، ) 4063 :‬وانظير ‪(( :‬جاميع أبي عيسيى‬ ‫‪1‬‬

‫الترمذي)) ‪ ( :‬حدييث رقيم ‪ ، 2819 :‬بكتاب الدب ) ‪ ،‬وانظير ‪(( :‬صيحيح النسيائي)) ‪:‬‬
‫( برقم ‪ ، ) 5223 :‬وانظر ‪(( :‬صحيح أب داود)) ( رقم ‪(( ، ) 3428 :‬صحيح الترمذي)) ( برقم‬
‫‪. ) 2260 :‬‬
‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ) 125 :‬ط خامسة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪130‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫قال سيد ‪(( :‬وربا باع سيفه(‪)1‬ليشتري بثمنه الكساء والطعام ‪ ،‬وكره أن ينل‬
‫القصر البيض بالكوفة مؤثرًا عليه الصاص(‪)2‬الت يسكنها الفقراء؛ جاء ليعيش كما‬
‫روى عنه النضر بن منصور(‪)3‬عن عقبة بن علقمة(‪)4‬قال ‪ :‬دخلتُ على عليّ عليه السلم‬
‫فإذا بي يديه لب حامض آذتن حوضته ‪ ،‬وكسر يابسه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا أمي الؤمني‬
‫أتأكل مثل هذا ؟ ‪ ،‬فقال ل ‪ :‬يا أبا النوب كان رسولُ ال يأكل أيبس من هذا ‪،‬‬
‫ويلبيس أخشنَ من هذا ي وأشار إل ثيابه ي ‪ ،‬فإن ل آخذ با أخذ به خفتُ أل ألقَ‬
‫به ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫أو كما روى عنه هارون بن عنترة عن أبيه قال ‪ :‬دخلتُ على عليّ بالورنق‬
‫وهو فصل شتاء ‪ ،‬وعليه خلق قطيفة وهو يرعد فيه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا أمي الؤمني إن ال قد‬
‫جعل لك ولهلك ف هذا الال نصيبـا وأنت تفعل هذا بنفسك ؟ ‪ ،‬فقال ‪(( :‬وال ما‬
‫أرزؤكم شيئـا ‪ ،‬وما هي إل قطيفت الت أخرجتها من الدينة))(‪.)6‬‬
‫وهكذا ينقل سيد هذه النقول ليبيّن با الفروق الائلة بي تصوّر الكم ف‬
‫() يعن ‪ :‬عليـًا ي رضي ال عنه ي ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() بيتٌ من شجر أو قصب ‪(( .‬لسان العرب)) ‪ :‬مادة ( خصص ) ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() والنضر بن منصور قال البخاري ‪(( :‬منكر الديث)) ‪ ،‬قاله الذهب ف ((اليزان)) ‪. )4/264( :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() وعقبية بين علقمية قال فييه أبيو حاتي ‪(( :‬بيّني الضعيف ‪ ،‬ل يُشتغلُ بيه)) ‪ ،‬وضعّفيه الدارقطني‬ ‫‪4‬‬

‫وابن حجر ‪.‬‬


‫ول يُعرف مصدر هذه الرواية ‪ ،‬ولعلها من وضع الشيعة ‪.‬‬
‫() اسم نبت ‪ ،‬واسم نر ‪ ،‬واسم قصر بالعراق ‪ .‬فارسي معرب ‪ ،‬بناه النعمان الكب ‪ ،‬والجلس الذي‬ ‫‪5‬‬

‫يأكل فيه اللك ويشرب ‪(( .‬لسان العرب)) مادة ‪ :‬خرق ‪ .‬والناسب ‪ :‬الخيان ‪.‬‬
‫وواضحٌ أن بي الروايتي تعارضـا ‪:‬‬
‫فالول ‪ :‬تفيدُ أنه رفض السكن ف القصر البيض ‪ ،‬وآثار الصاص ‪.‬‬
‫والثانية ‪ :‬تفيدُ أنه دخل عليه بالورنق وعلى العنيي فإ نّ علي ـًا كان يتمتع بنعمة ال عليه ويشكره‬
‫عليها ‪.‬‬
‫والروايات الت اعتمدها سيد واضحة البطلن ويرفضها العقل ويربأ بعلي عنها ‪ ،‬وواقعه يالفها أشدّ‬
‫الخالفة ‪.‬‬
‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ) 162 :‬ط ثانية عشرة ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪131‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫نفس عليّ وتصوّر الكم ف نفس عثمان ‪.‬‬


‫والفروق الائلة بي علي وقد سار ف طريقه يرد للحكم صورته كما صاغها‬
‫النب صلى ال عليه وسلم والليفتان بعده وبي عهد عثمان الذي تطّمت فيه‬
‫السس الت جاء با السلم ليقيمها بي الناس ‪.‬‬
‫ول يتاج سيد إل أن يذكر الصادر ول إل دراسة الروايات للتأكّد من صدقها‬
‫أو كذبا ‪ ،‬بل يكفي أن تلك قيلت ف ذم عثمان وعهده ‪ ،‬وهذه قيلت ف مدح علي‬
‫ف نظره؛ لن هذه الياة ل يعشها رسول ال صلى ال عليه وسلم ول أصحابه‬
‫الكرام ‪.‬‬
‫ولو درس سيد قطب حياة اللفاء الربعة دراسة علمية منصفة واعتمد على‬
‫الحاديث والروايات الصحيحة ف فضلهم لَما فرّق بينهم هذا التفريق الفزع ‪ ،‬لكنه‬
‫تصوّر اللفاء الثلثة أبا بكر وعمر وعليـًا بناء على الروايات الواهية أنّ حياتم كانت‬
‫حياة قوم طبقوا النظام الشتراكي تطبيقـا دقيقـا على أنفسهم وغيهم ‪ ،‬وإن كان‬
‫عمر قد خالف الثني لكنه ندم ورجع إل مذهبهم ف الساواة ف العطاء ‪.‬‬
‫ولو درسهم دراسة فاحصة لربا هجم عليهم هجومـا ل هوادةَ فيه كما هاجم‬
‫أخاهم عثمان ي رضي ال عنه ي ‪.‬‬
‫ولنضرب أمثلةً من حال علي ي رضي ال عنه ي ‪:‬‬
‫قال المام أحد ي رحه ال ي ‪ :‬حدثنا حجاج ‪ ،‬حدثنا شريك ‪ ،‬عن عاصم بن‬
‫كليب ‪ ،‬عن ممد بن كعب القرظي ‪ :‬أن عليـًا قال ‪(( :‬لقد رأيتن مع رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم وإن لربطُ الجرَ على بطن من الوع ‪ ،‬وإن صدقت اليوم‬
‫لربعون ألفـا))(‪.)1‬‬
‫وقال ابن أب يي عن ممد بن كعب القرظي عن عمّار بن ياسر ي رضي ال‬

‫يب‬‫يد اللفاء ) للذهي‬‫يلم)) ‪ ( :‬عهي‬ ‫ير ‪(( :‬تاريي‬


‫يخ السي‬ ‫يند)) ‪ ، ) 1/158 ( :‬وانظي‬ ‫() ((السي‬ ‫‪1‬‬

‫( ص ‪ ، ) 636 :‬و ((البداييية والنهاييية)) لبيين كثييي ‪ ، ) 7/332 ( :‬و ((اللييية)) ‪:‬‬
‫( ‪ 1/85‬ي ‪ ، ) 86‬و ((ممع الزوائد)) ‪. ) 9/123 ( :‬‬

‫‪132‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫عنهما ي ف حديثٍ ساقه قال ‪(( :‬أقطع النبّ صلى ال عليه وسلم عليـًا ي رضي ال‬
‫عنه ي بذي العشية من ينبع ‪ ،‬ث أقطعه عمر ي رضي ال عنه ي بعدما استخلف‬
‫إليها قطيعة ‪ ،‬واشترى عليّ ي رضي ال عنه ي إليها قطيعة وحفر با عينـا ‪ ،‬ث‬
‫تصدّق با على الفقراء والساكي وابن السبيل ‪ ،‬القريب والبعيد ‪ ،‬وف الياة والسّلم‬
‫والرب ‪ ،‬ث قال ‪ :‬صدقة ل تُوهب ول تورث ‪ ،‬حت يرثها ال الذي يرث الرض‬
‫ومَن عليها وهو خي الوارثي))(‪.)1‬‬
‫أموال علي ـ رضي ال عنه ـ ‪:‬‬
‫قال(‪ :)2‬وكانت أموال علي ي رضي ال عنه ي عيونـا متفرّقة بينبع ‪ ،‬منها ‪ :‬ع ٌ‬
‫ي‬
‫يقال لا ‪( :‬عي البحي) ‪ ،‬وعي يقال لا ‪( :‬عي أب نيزر) ‪ ،‬وعي يقال لا ‪( :‬عي نول)؛‬
‫وهي اليوم تدعى العدر ‪ ،‬وهي الت يقال لا أن عليـًا ي رضي ال عنه ي عمل فيها‬
‫بيده ‪ ،‬وفيها مسجد النب صلى ال عليه وسلم متوجهة إل ذي العشية يتلقى عي قريش ‪.‬‬
‫وف هذه العيون أشراب بأيدي أقوام زعم بعض الناس أن ولة الصدقة أعطوهم إياها ‪.‬‬
‫وزعم الذين هي بأيدهم أنا ملك لم ‪ ،‬إل ( عي نول ) فإنا خالصة ‪ ،‬إلّ‬
‫نلت فيها بيد امرأة يقال لا (بنت يعلى) مول علي بن أب طالب رضي ال عنه ‪.‬‬
‫وعمل عليّ ي رضي ال عنه ي بينبع (البغيبغات) ‪ ،‬وهي عيون منها ‪ :‬عي يقال‬
‫لا ‪( :‬خيف الرك) ‪ ،‬ومنها عي يقال لا (خيف ليلى) ‪ ،‬ومنها عي يقال لا ‪( :‬خيف‬
‫بسطاس) فيها خليج النخل مع العي ‪.‬‬
‫وكانت (البغيبغات) ما عمل علي ي رضي ال عنه ي وتصدّق به؛ فلم تزل ف‬
‫صدقاته حت أعطاها حسي بن علي عبد ال بن جعفر بن أب طالب يأكل ثرتا‬
‫ويستعي با على دينه ومؤونته على أن ل يزوّج ابنته يزيد بن معاوية بن أب سفيان؛‬
‫فباع عبد ال تلك العيون من معاوية ي رضي ال عنه ي ‪.‬‬
‫ولعليّ ي رضي ال عنه ي عيٌ يقال لا ‪( :‬عي الدث) بينبع ‪ ،‬ولعليّ‬

‫() ((أخبار الدينة)) ‪. ) 1/213 ( :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() القائل هو ‪ :‬أبو غسّان شيخ الؤلّف وهو ممد بن يي الكنان ‪ :‬ثقة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪133‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ي رضي ال عنه ي ف صدقاته (عي ناقة) بوادي القرى ‪ ،‬يقال لا ‪( :‬عي حسن)‬
‫بالبية من العل ‪.‬‬
‫وكان له صدقات بالدينة ‪( :‬الفقيين) بالعالية ‪ ،‬و (بئر اللك) بقناة ‪ ،‬و (الدبية)‬
‫بالضم؛ فسمعتُ أن حسنـا أو حسينـا باع ذلك كله ‪.‬‬
‫وله بوادي القرى ي أيضـا ي ‪( :‬عي موات) ‪ ،‬ولعلي ي رضي ال عنه ي‬
‫أيضـا ح ّق على (عي سكر) ‪ ،‬وله ي أيضـا ي ساقي على عي بالبية ‪ ،‬وهو ف‬
‫الصدقة ‪.‬‬
‫وله بَرّة الرجل من ناحية شعب زيد وادٍ يُدعى الحر ‪ ،‬شطرُه ف الصدقة‬
‫وشطره بأيدي آل مناع من بن عدي منحةً من علي ‪ ،‬وكان كله بأيديهم حت‬
‫خاصمه فيها حزة بن حسن فأخذ منهم نصفه ‪.‬‬
‫وله ي أيضـا ي برّة الرجل وا ٍد يقال له ‪( :‬البيضاء) فيه مزارع وعفا وهو ف‬
‫صدقته(‪.)1‬‬
‫وقد ذكر ابن شبّة بعد هذا أملكـا لعلي ي رضي ال عنه ي وصدقات وعبيدًا‬
‫وعتقاء ل يتّسع البحث لسردِها ‪.‬‬
‫قال ابن حزم ف كتابه ((اللل والنحل))(‪(( :)2‬وأما علي ي رضي ال عنه ي‬
‫فتوسّع ف هذا الباب من حلّه ‪ ،‬ومات عن أربع زوجات وتسع عشرة أم ولد سوى‬
‫الدم والعبيد ‪ ،‬وتوف عن أربعة وعشرين ولدًا من ذكر وأنثى ‪ ،‬وترك لم العقار‬
‫والضياع ما كانوا به من أغنياء قومهم ومياسيهم ‪ .‬هذا أمرٌ مشهور ‪ ،‬ل يقدر على‬
‫إنكاره من له أق ّل علم بالخبار والثار؛ ومن جلة عقاره الت تصدّق با كانت تغلّ‬
‫ألف وسق ترًا سوى زرعها؛ فأين هذا من هذا ؟)) ‪.‬‬

‫() ((تاريخ الدينة)) لبن شبة ‪ 1/213 ( :‬ي ‪. ) 220‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ( ‪(( ، ) 4/142‬الحلى)) ‪ ) 8/444 ( :‬نقلً عن أحد شاكر من حاشية ((الراج)) ليحي بن‬ ‫‪2‬‬

‫آدم ( ص ‪ ، ) 90 :‬ول أجده ف الوضع الشار إليه من ((الحلى)) ف الطبعة الت عندي ‪.‬‬
‫وان ظر ‪(( :‬البدا ية والنها ية)) ل بن كث ي ( ج ‪ 7/332‬ي ‪ ) 334‬ح يث ذ كر زوجات عل ّي وبن يه‬
‫وبناته وسراريه ي رضي ال عنهم أجعي ي ‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫كيف يكون موقف سيد قطب من عليّ لو اطلع على هذه الخبار الت تدلّ على‬
‫أنّ عليـًا كان يلك الراضي والبار والعيون والوديان ‪ ،‬ولو تصدّق بالكثي منها‬
‫كغيه من الصحابة ‪.‬‬
‫أما نن فنقول ‪ :‬إن هذا ل يضر عليـًا ول إخوانه من أغنياء الصحابة كعثمان ‪،‬‬
‫وطلحة ‪ ،‬والزبي ‪ ،‬وعبد الرحن بن عوف فإنّ ال وسع عليهم وأد ّر عليهم رزقه‬
‫وفضله؛ فكانوا فيه سحاء أسخياء أبرار متصدّقي ووصالي لرحامهم؛ فقد وال فقهوا‬
‫السلم فاتذوا الموالَ نائب ومطايا إل النة ‪.‬‬
‫قال ابن حزم ي رحه ال ي ف ((الحلى)) ‪(( :‬الرام حرام ولو أنه مقدار ذرة ‪،‬‬
‫وكثي اللل حلل ولو أنه الدنيا وما فيها ‪ ،‬وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫((وإن هذا الال َخضِرة حُلوة فنعم صاحب السلم ما أعطى منه السكي واليتيم وابن‬
‫السبيل)) أو كما قال النب صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وإنه من يأخذه بغي حقّه كالذي‬
‫يأكل ول يشبع ويكون شهيدًا عليه يوم القيامة))(‪ ، )1‬وف لفظ ‪(( :‬وإن هذا الال خضرة‬
‫حلوة ‪ ،‬فمن أخذه بقه ‪ ،‬ووضعه ف حقّه ‪ ،‬فنعم العونة هو ‪ ،‬ومن أخذه بغي حقّه‬
‫كان كالذي يأكل ول يشبع))(‪ ، )2‬وهو من حديث أب سعيد الدري ي رضي ال‬
‫عنه ي ‪ ،‬وعن عمرو بن العاص ي رضي ال عنه ي ‪(( :‬نعم الال الصال للمرء‬
‫الصال))(‪.)3‬‬
‫إن سيد قطب يص ّر ويل ّح على أن الكم قد فسد ف عهد عثمان ‪ ،‬وقد تشتدّ‬
‫عبارته أحيانـا ويلطفها أحيانـا ‪.‬‬
‫قال سيد ف موضع آخر ‪(( :‬وف سبيل تبءة السلم روحه ومبادئه من ذلك‬
‫النظام الوراثي الذي ابتدع ابتداعـا ف السلم نقرّر هذه القائق لتكون واضحة ف‬
‫تصوّر الكم السلمي على حقيقته ‪ ،‬ولكي ندرك عمق هذه القيقة يب أن‬
‫نستعرض صورًا من سياسة الكم ف العهود الختلفة على أيدي أب بكر وعمر ‪ ،‬وعلى‬

‫() البخاري ‪ ( :‬زكاة ‪ ،‬حديث ‪. ) 1465 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() مسلم ‪ ( :‬زكاة ‪ ،‬حديث ‪. ) 1052 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ((مسند أحد)) ‪. ) 4/197 ( :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪135‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أيدي عثمان ومروان ‪ ،‬وعلى يدي علي المام ‪ ،‬ث على أيدي اللوك من أمية ومن‬
‫بعدهم من بن العباس بعد هذه الزّة البكرة ف تاريخ السلم))(‪.)1‬‬
‫وقال ‪(( :‬قام أبو ذرّ ينكر على الترفي ترفهم الذي ل يعرفه السلم ‪ ،‬وينكر‬
‫على معاوية وأمية خاصّة سياستهم الت تقرّ هذا الترف وتستزيد منه وتتمرّغ فيه ‪،‬‬
‫وينكر على عثمان نفسه أن يهب من بيت الال الئات واللوف فيزيد ف ثراء الثرين‬
‫وترف الترفي علم أن عثمان أعطى مروان بن الكم خُمس خراج أفريقية والارث‬
‫بن الكم مائت ألف درهم ‪ ،‬وزيد بن ثابت مائة ألف ‪ .‬وما كان ضمي أب ذرّ‬
‫ليطيق شيئـا من هذا كله ‪ ،‬فانطلق يطب ف الناس ‪ :‬لقد حدثت أعمال ما أعرفُها ‪،‬‬
‫وال ما هي ف كتاب ال ول سنة نبيه ‪ ،‬وإن لرى حقـًا يطفا ‪ ،‬وباطلً ييا ‪،‬‬
‫وصادقـا مكذّبـا ‪ ،‬وأثرة بغي تقى)) (‪.)2‬‬
‫فأنت ترى قناعة سيد بفساد الكم ف عهد عثمان ‪ ،‬وأن حقيقة التصوّر‬
‫السلمي للحكم قد تدمت أسسه ث ذهب ‪.‬‬

‫() ((العدالة)) ( ص ‪ 155 :‬ي ‪ ) 156‬ط ثانية عشرة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص عليـًا بالمام ف هذا السياق الذي ذكر فيه أبا بكر وعمر ‪.‬‬
‫ولحظ كيف خ ّ‬
‫وط الامسة ( ص ‪ ، ) 182 :‬وفيها ما يلي ‪(( :‬ولكي ندرك عمق هذه القيقة يب أن نستعرض‬
‫صـورًا مـن سـياسة الكـم فـ العهود الختلفـة على أيدي أبـ بكـر وعمـر ‪ ،‬وعلى أيدي عثمان‬
‫ومروان ‪ ،‬وعلى يدي علي المام ‪ ،‬ث على أيدي اللوك من أمية ‪ ،‬ومن بعدهم من بن العباس بعد‬
‫أن خنقت روح السلم)) ‪.‬‬
‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ) 174 :‬ط الثانية عشر ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪136‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل العشرون‬
‫تحطم أسس الدين في عهد عثمان ـ‬
‫رضي الله عنه ـ‬
‫في زعم سيد قطب‬
‫ويقول ‪(( :‬لقد كانت هذه الصيحة يقظةَ ضمي مسلم ل تدره الطماع أمام‬
‫تضخم فاحش ف الثروات يفرّق الماعة السلمية طبقات ‪ ،‬ويطم السس الت‬
‫جاء با هذا الدين ليقيمها بي الناس))(‪.)1‬‬
‫هكذا يتصور سيد عهد عثمان وخلفته ‪ ،‬ويصوّره هذه التصوير الرعب الذي‬
‫من جلة مساوئه ف نظره أن الماعة السلمية أصبحت طبقات ‪ ،‬وأن السس الت‬
‫جاء با السلم قد تطّمت ‪.‬‬
‫ل نريد أن نناقشه ول نشرح كلمه لنه واضح للقارئ الفطن النصف ‪ ،‬فليفهمه‪.‬‬
‫ث واصل سيد بذكر البرات لصب عليّ على حياة الوع والشظف ‪ ،‬ث قال ‪:‬‬
‫((ولقد كان منهاجه الذي شرعه هو ما قاله ف خطبته عقب البيعة له ‪ :‬أيها الناس إنا‬
‫أنا رجلٌ منكم ‪ ،‬ل ما لكم ‪ ،‬وعليّ ما عليكم ‪ ،‬وإن حاملكم على منهج نبيّكم ومنفّذ‬
‫فيكم ما أمرت به؛ أل إن كل قطيعة أقطعها عثمان وكل عطاء أعطاه من مال ال فهو‬
‫مردود ف بيت الال؛ فإن الق ل يبطله شيء(‪ ( ، )2‬ولو وجدته قد تزّوج به النساء ‪،‬‬
‫وملك به الماء ‪ ،‬وفرّق ف البلدان لرددته؛ فإن ف العدل سعة ‪ ،‬ومن ضاق عليه القّ‬
‫فالورُ عليه أضيق(‪. ) )3‬‬
‫أولً ‪ :‬أن هذا الكلم ل يثبت عن علي ي رضي ال عنه ‪ ،‬وبرّأه ال منه ي ‪.‬‬
‫ثانيـا ‪ :‬هل هذا هو منهج عل ّي ل يدندن إلّ حول الال ؟! ‪.‬‬

‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ) 175 :‬ط ثانية عشرة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ) 163 :‬ط ثانية عشرة ‪ ،‬و ( ص ‪ ) 193 :‬ط خامسة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ما ب ي القو سي من ((شرح ن ج البل غة)) ( ص ‪ ، ) 118 :‬ول أ جد ف يه غ ي هذه القط عة ‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫و ((العدالة)) ( ص ‪ ) 163 :‬ط ثانية عشرة ‪ ،‬و ( ص ‪ ) 193 :‬ط خامسة ‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ثالثـا ‪ :‬إقطاع المام للرعايا أمرٌ ثابت ف شريعة السلم من تصرّفات‬


‫الرسول صلى ال عليه وسلم علياوخلفائه الراشدين ‪ ،‬واتفق عليه فقهاء السلم؛ فقد‬
‫أعطى رسول ال صلى ال عليه وسلم عليا بئر قيس والشجرة وسأل علي رضي ال‬
‫عنه عمر بن الطاب ي رضي ال عنه ي فأقطعه ينبع ‪.‬‬
‫وأقطع عمر خسة من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم سعد بن أب‬
‫وقّاص ‪ ،‬وعبد ال بن مسعود ‪ ،‬وخبّاب ‪ ،‬وأسامة بن زيد ‪ ،‬والزبي؛ وأمر أبا موسى أن‬
‫يقطع رجلً أرضـا بالعراق ل تضّر بالسلمي ‪.‬‬
‫روى كلّ ذلك يي بن آدم ف ((كتاب الراج))(‪.)1‬‬
‫وروى أبو يوسف ف ((كتاب الراج))(‪)2‬بأسانيده أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم أقطع الزبي فيها أرضـا يقال لا (الرف) ‪ ،‬وأن عمر أقطع العقيق أجع‬
‫للناس ‪ ،‬وأن النب صلى ال عليه وسلم لا قدم الدينة أقطعَ أبا بكر وعمر ‪ ،‬وأقطع بلل‬
‫بن الارث الزن ما بي البحر والصخر ‪.‬‬
‫وعن أب رافع قال ‪ :‬أعطاهم النب صلى ال عليه وسلم أرضـا ‪ ،‬فعجزوا عن‬
‫عمارتا فباعوها ف زمن عمر بثمانية آلف أو بثمانائة ألف درهم ‪.‬‬
‫وأن عثمان ي رضي ال عنه ي أقطع(‪)3‬عبد ال بن مسعود ف النهرين ‪ ،‬ولعمار‬
‫استينيا ‪ ،‬وأقطع خبّابـا صنعاء ‪ ،‬وسعد بن مالك قريةً هرمزان ‪.‬‬
‫وكان لعبد ال بن مسعود أرض خراج ‪ ،‬وكان لبّاب أرض خراج ‪ ،‬وللحسي‬
‫أرض خراج ‪.‬‬
‫وروى أبو عبيد ف كتاب ((الموال)) ‪ :‬أن النب صلى ال عليه وسلم أقطعَ عددًا‬

‫() ( ص ‪ 84 :‬ي ‪. ) 85‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ( ص ‪ 66 :‬ي ‪. ) 68‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ((الموال)) لبي عبييد ( ص ‪ 386 :‬يي ‪ ، ) 393‬وقيد أورد أبيو داود عددًا مين الحادييث‬ ‫‪3‬‬

‫ف إقطاع ال نب صلى ال عل يه و سلم أنا سـا من ال صحابة ‪ ، 14 ( :‬كتاب الراج والمارة ‪، 36‬‬
‫باب ف إقطاع الرضي ‪ ،‬ص ‪ 443‬ي ‪ ) 453‬ل يتّسعُ القا ُم لذكرها ‪ ،‬فليجع إليها من شاء ‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫من الصحابة أرضي؛ فأقطع رجلً من النصار يسمّى سليطـا ‪ ،‬وأقطع الزبي أرضـا‬
‫بيب با شجر ونل ‪ ،‬وأقطع بلل بن الارث الزن أقطعه العقيق أجع ‪.‬‬
‫وأقطع فرات بن حيّان العجلي أرضـا باليمامة ‪.‬‬
‫وكتب لب ثعلبة الشن على أرض بأيدي الروم ‪.‬‬
‫وكتب لتميم الداري على أرض بيت لم ‪ ،‬ونفّذ ذلك له عمر لا استخلف‬
‫وظهر على الشام ‪ ،‬قال أبو عبيد ‪(( :‬فهي بأيدي أهل بيته إل اليوم)) ‪.‬‬
‫وأقطع رسول ال صلى ال عليه وسلم أبيض بن حال اللح بأرب ‪ ،‬ث استعادها‬
‫منه ‪ ،‬ث أقطعه ما يمي من الراك ما ل تنله أخفاف البل ‪.‬‬
‫وأقطع أبو بكر طلحة بن عبيد ال ‪ ،‬وردّ ذلك عمر ‪.‬‬
‫وكتب عمر إل أب موسى أن يقطع نافعـا أبا عبد ال الثقفي أرضـا على‬
‫شاطئ دجلة ‪ ،‬وأن عثمان أقطع خسة من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫وتقدّم ذكرهم ‪.‬‬
‫ث مضى أبو عبيد يشرح الحاديث والثار ‪ ،‬ويبيّن مارجها الفقهية ‪.‬‬
‫وبعد ‪ :‬فهل يصحّ أن ينسب إل أمي الؤمني الليفة الراشد العادل عليّ بن أب‬
‫طالب أن يرد سنة ثابتة من سنن رسول ال وخلفائه شاهدهم يعملون با ‪ ،‬وشاهد أبا‬
‫بكر وعمر وها يقطعان القطائع من أراضي موات تنفع السلمي ول تضرهم ؟ ‪.‬‬
‫وهل يصحّ أن يركّز فقط على من أقطعهم عثمان بوجه شرعي وبناءً على منهج‬
‫الرسول والليفتي الراشدين فيبت ّز منهم أموالم الت تلّكوها بوجوه مشروعة ف شريعة‬
‫السلم ‪ ،‬ل سيما والذين أقطعهم عثمان ليسوا من قرابته ؟ ‪.‬‬
‫أيوز لسلم أن يقف على هذه الصورة الاقدة الشوهاء فينسبها إل إمام نقيّ‬
‫طاهر يبزه ف صورة النتقم التشفّي ؟ ‪ ،‬ومن ؟ ‪ ،‬من إمام طاهر نقيّ بريء أل وهو‬

‫‪139‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫عثمان الليفة العادل الراشد ي رضي ال عنهم أجعي ي ‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل الحادي والعشرون‬


‫أقوال أئمة السلم في القطاع والحياء‬
‫قال أبو يوسف ‪(( :‬فقد جاءت هذه الثار بأن النب صلى ال عليه وسلم أقطعَ‬
‫أقوامـا ‪ ،‬وأنّ اللفاء من بعده أقطعوا ‪ ،‬ورأى رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫الصلح فيما فعل من ذلك إذا كان فيه تألف على السلم وعمارة الرض ‪ ،‬وكذلك‬
‫اللفاء إنا أقطعوا من رأوا أن له غناء ف السلم ونكاية للعدو ‪ ،‬ورأوا أن الفضلَ ما‬
‫فعلوا ‪ ،‬ولول ذلك ل يأتوه ‪ ،‬ول يقطعوا حقّ مسلم ول معاهد)) ‪.‬‬
‫وقال أبو يوسف ‪(( :‬وكل من أقطعه الولة الهديون أرضـا من أرض السواد‬
‫وأرض العرب والبال من الصناف الت ذكرنا أنّ للمام أن يقطع منها فل يلّ لن‬
‫يأت بعدهم من اللفاء أن يرد ذلك ول يرجه من يدي من هو ف يده وارثـا‬
‫أو مشتريـا؛ فأما إن أخذ الوال من يد واحد أرضـا وأقطعها آخر فهذا بنلة‬
‫الغاصب))(‪.)1‬‬
‫وقال أبو يوسف ‪(( :‬وكل من فرّ عن أرضه أو قتل ف العركة وكل مغيض ماء‬
‫أو أجة فكان عمر ي رضي ال عنه ي يقطع من هذه لن أقطع)) ‪.‬‬
‫وقال أبو يوسف ‪(( :‬وذلك بنلة الال الذي ل يكن لحد ول ف يد وارث؛‬
‫فلمام العادل أن ييز منه ويعطي من كان له غناء ف السلم ويضع ذلك موضعه ول‬
‫ياب به ‪ ،‬فكذلك هذه الرض؛ فهذا سبيل القطائع عندي ف أرض العراق ‪.‬‬
‫والذي صنع الجاج ث فعل عمر بن عبد العزيز فإن عمر ي رضي ال عنه ي‬
‫أخذ ذلك بالسنة؛ لن من أقطعه الولة الهديون فليس لحدٍ أن يردّ ذلك ‪ ،‬فأما من‬
‫أخذ من واحد وأقطع آخر فهذا بنلة مال غصبه واحد من واحد وأعطى واحدًا))(‪.)2‬‬
‫قال أبو يوسف ‪(( :‬وكل أرض من العراق والجاز واليمن والطائف وأرض‬
‫العرب وهي غي عامرة وليست لح ٍد ول ف يد أح ٍد ول ملك أحد ول وراثة‬

‫() ((كتاب الراج)) ( ص ‪. ) 66 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((كتاب الراج)) ( ص ‪. ) 63 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪141‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ول عليها أثر عمارة فأقطعها المام رجلً فعمرها فإن كانت ف أرض الراج أدّى‬
‫عنها الذي أقطعها الراج ‪ ،‬والراج ما افتتح عنوة مثل السواد وغيه ‪ ،‬وإن كانت من‬
‫أرض العشر أدّى عنها الذي أقطعها العشر ‪ ،‬وأرض العشر كل أرض أسلم عليها أهلها‬
‫فهي أرض عشر وأرض الجاز والدينة ومكة واليمن وأرض العرب كلها أرض عشر؛‬
‫فكل أرض أقطعها المام ما فتحت عنوة ففيها الراج إل أن يصيّرها المام عشرية ‪،‬‬
‫وذلك إل المام إذا أقطعَ أحدًا أرضـا من أرض الراج ‪ ،‬فإن رأى أن يصيّر عليها‬
‫عشرًا أو عشرًا ونصفـا ‪ ،‬أو عشرين أو أكثر أو خراجـا فما رأى أن يمل عليه‬
‫أهلها فعل؛ وأرجو أن يكون ذلك موسعـا عليه ‪ ،‬فكيفما شاء من ذلك فعل ‪ ،‬إلّ‬
‫ما كان من أرض الجاز والدينة ومكة واليمن فإن هنالك ل يقع خراج ول يسع‬
‫المام ول يلّ له أن يغيّر ذلك ول يوله عما جرى عليه أمرُ رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم وحكمه؛ فقد بينتُ لك فخذ بأي القولي أحببتَ ‪ ،‬واعمل با ترى أنه أصلح‬
‫للمسلمي وأعم نفعـا لاصتهم وعامتهم وأسلم لك ف دينك إن شاء ال تعال))(‪.)1‬‬
‫وقال ابن قدامة ي رحه ال ي ف ((الغن))(‪(( :)2‬وللمام إقطاع الوات لن‬
‫يييه ‪ ،‬فيكون بنلة التحجر الشارع ف الحياء)) ‪ ،‬ث ساق الدلة على ذلك ‪.‬‬
‫وقال المام الشافعي ف كتابه ((الم))(‪)3‬بعد كلم له ف إحياء الوات ‪(( :‬وإذا أبان‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أنّ من أحيا أرضـا مواتـا فهي له ي والوات ‪ :‬ما ل‬
‫ملك فيه لحد ي خالصـا دون الناس ‪ ،‬فللسلطان أن يقطع من طلب مواتـا ‪ ،‬فإذا‬
‫أقطع كتب ف كتابه ‪ :‬ول أقطعه ح ّق مسلم ‪ ،‬ول ضررًا عليه)) ‪.‬‬
‫قال الشافعي ‪(( :‬وخالفنا ف هذا بعض الناس فقال ‪ :‬ليس لحدٍ أن يمي مواتـا‬
‫إل بإذن السلطان ‪ ،‬ورجع صاحبه إل قولنا فقال ‪ :‬وعطية رسول ال صلى ال عليه‬

‫() ((كتاب الراج)) ( ص ‪. ) 65 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ( ‪ 8/153‬فما بعدها ) ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ( ‪ ، ) 4/46‬وان ظر ((ال سنن ال كبى)) للبيه قي ‪ 6/148 ( :‬ي ‪ ، 149‬باب من أق طع قطي عة‬ ‫‪3‬‬

‫أو ت جر أرض ـا فلم يعمر ها ) ‪ ،‬وان ظر ‪(( :‬العر فة)) للبيه قي أيض ـا ‪ 9/11 ( :‬ي ‪ ، 20‬باب‬
‫إقطاع الوات وإحياؤه ‪ ،‬وباب المى ) ‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وسلم أثبت العطايا؛ فمن أحيا مواتـا فهو له بعطيّة رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫وليس للسلطان أن يعطي إنسانـا ما ل يلّ للنسان أن يأخذه)) ‪.‬‬
‫وقال الزرقان ف شرح حديث ‪(( :‬من أحيا أرضـا ميتة فهي له)) ‪(( :‬بجرّد‬
‫الحياء ‪ ،‬ول يتاج لذن المام ف البعيدة عن العمارة اتفاقـا ‪ ،‬قال مالك ‪ :‬معن‬
‫الديث ‪ :‬ف فياف الرض ‪ ،‬وما بعُد من العمران ‪ ،‬فإن قرب فل يوز إحياؤه إل‬
‫بإذن المام)) ‪.‬‬
‫وقال أشهب ‪(( :‬وكثي من أصحابنا وغيهم يييها من شاء بغي إذنه)) ‪.‬‬
‫قال سحنون ‪(( :‬وهو قول أحد ‪ ،‬وداود ‪ ،‬وإسحاق)) ‪.‬‬
‫والشافعي قائلً ‪(( :‬عطية رسول ال صلى ال عليه وسلم لكل من أحيا مواتـا‬
‫أثبت من عطية من بعده من سلطان وغيه ‪ ،‬واستحب أشهب إذنه لئل يكون فيه‬
‫ضرر على أحد))(‪.)1‬‬
‫رابعـا ‪ :‬إن سيد قطب نفسه قد قرّر ف هذا الكتاب ((العدالة الجتماعية)) ‪ :‬أن‬
‫إقطاع السلطان بعض الرض الت ل مالك لا واحد من وسائل التملّك الفردي ‪،‬‬
‫وذكر أن النب صلى ال عليه وسلم واللفاء بعده أقطعوا أناسـا ‪ ،‬فقال ‪(( :‬ثامنـا ‪:‬‬
‫إقطاع السلطان بعض الرض الت ل مالك لا ما آل إل بيت مال السلمي من‬
‫الشركي الذين ل ورثة لم؛ فالمام وليهم ‪ ،‬أو من أرض الوات ل مالك لا كذلك ‪.‬‬
‫وقد أقطع النبّ صلى ال عليه وسلم أبا بكر وعمر أرضـا ‪ ،‬كما أقطع اللفاء‬
‫من بعده مكافأة على جهد بارز وخدمة للسلم ولكن ف حدود ضيقة ومن الرض‬
‫الت ل مالك لا والرض الوات؛ فلما جاء بنوا أمية نبوا الناس ‪ ،‬وأقطعوا الرض‬
‫لذويهم؛ فكانوا ملوكـا ظلمة ‪ ،‬ل خلفاء راشدين كما سيجيء))(‪.)2‬‬
‫فهؤلء فقهاء السلم متفقون أن للمام أن يقطع السلمي من الراضي الوات‬
‫ما ل يضرّ بالسلمي ‪.‬‬

‫() ((شرح الزرقان للموطأ)) ‪. ) 4/29 ( :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((العدالة الجتماعية)) ( ص ‪. ) 98 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪143‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وهذا سيد قطب نفسه يرى أن للمام أن يقطع الراضي الت ل مالك لا فما باله ل‬
‫يعترض على سلطان من السلطي إ ّل على عثمان بن عفان ‪ ،‬ويستشهد‬
‫بالرواية الباطلة النسوبة ظلمـا وزورًا إل أمي الؤمني علي بن أب طالب؛ فهل كان‬
‫عثمان ف نظر سيد من بن أمية الظلمة الذين قال عنهم ‪(( :‬فلما جاء بنو أمية نبوا‬
‫الناس ‪ ،‬وأقطعوا الرض لذويهم(‪)1‬؛ فكانوا ملوكـا ظلمة ل خلفاء راشدين))‪.‬‬
‫ل شكّ أن سيد قطب ل يمل هذه الملت على عثمان ول يستروح إل‬
‫الروايات الباطلة الت تطعن فيه إلّ من هذا النطلق؛ وقد صرّح بأن خلفة عليّ كانت‬
‫امتدادًا طبيعيـًا لعهد الليفتي ‪ ،‬وأن عهد عثمان كان فجوةً؛ وهنا يريد إبطال‬
‫تصرّفاته وإبطال إقطاعاته ‪.‬‬
‫خامسـا ‪ :‬كيف يقول علي ي رضي ال عنه ي هذا القول ‪(( :‬أل إن كل‬
‫قطيعة أقطعها عثمان ‪ ،‬وكل مال أعطاه من مال ال فهو مردودٌ ف بيت الال)) بذا‬
‫العموم والشمول ‪ ،‬فلماذا أجع الصحابة على بيعة عثمان إذًا ؟ ‪ ،‬ولاذا كان‬
‫إمامـا ؟ ‪ ،‬وكل عطاء أعطاه ‪ ،‬وكل قطيعة أقطعها طوال خلفته الطويلة باطل ؟ ‪.‬‬
‫أل إنه كذب الروافض ‪ ،‬يتعلّق به سيد قطب ‪ ،‬لاذا ؟ ‪ ،‬لنه طعن ف عثمان‬
‫فحسب ‪ ،‬وإلّ فإن مرّد ساع هذا الراء يكفي للحكم على بطلنه وأنه مفترى‬
‫على عليّ ـ رضي ال عنه ـ ‪.‬‬
‫بقية الطبة الفتراة على عليّ ـ رضي ال عنه ـ ‪:‬‬
‫((أيها الناس ‪ ...‬أل ل يقولن رجال منكم غدًا ي وقد غمرتكم الدنيا فامتلكوا‬
‫العقار وفجّروا النار واتذوا الوصائف(‪)2‬الرققة إذا منعتهم ما كانوا يوضون فيه‬
‫وأصرتم إل حقوقهم الت يعلمون ‪ :‬حرمنا ابن أب طالب حقوقنا ‪.‬‬
‫أل وأيا رجل من الهاجرين والنصار من أصحاب رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم يرى أن الفضلَ له على سواه بصحبته فإن الفضلَ غدًا عند ال وثوابه وأجرُه‬

‫() ف قوله هذا نظ ٌر قوي يتاج للدلة الواضحة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الوصائف ‪ :‬جع وصيفة ‪ ،‬وهي ا َلمَة ‪ ،‬والعبد وصيف ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪144‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫على ال ‪.‬‬
‫أل وأيا رجل استجاب ل ولرسوله ‪ ،‬فصدّق ملتنا ‪ ،‬ودخلَ ديننا ‪ ،‬واستقبل‬
‫قبلتنا فقد استوجب حقوق السلم وحدوده؛ فأنتم عباد ال ‪ ،‬والالُ مالُ ال يقسم‬
‫بينكم بالسوية ‪ ،‬ول فضلَ لحدٍ على أحد ‪ ،‬وللمتقي عند ال أحسنُ الزاء))(‪.)1‬‬
‫وهذه الطبة تبز لنا أناسـا آخرين من الهاجرين والنصار قد امتلكوا العقار‬
‫وفجّروا النار ‪.‬‬
‫ث أقول ‪ :‬إن واضعَ هذه الطبة مع كذبِه فهو من أجهل الناس بتاريخ عل ّي نفسه‬
‫ي رضي ال عنه ي؛ كان الهادُ ف سبيل ال والفتوحات السلمية ف عهده قد‬
‫توقّفت فل غنائم ول فء؛ فما هي الموالُ الت يقسمها بي الغنياء والفقراء‬
‫والهاجرين والنصار وغيهم ؟! ‪.‬‬
‫إن الفت والروب الداخلية ومشاكل الثوّار ف داخل جيشِه قد فعلت بقوّة عليّ‬
‫وشجاعته وعدله كل الفاعيل ‪.‬‬
‫فلو فرضنا أنه كان يرى أن إقطاعات عثمان وعطاءه كان باطلً أكان يستطيع‬
‫أن يستعيدَها من حازوا هذا العطاء خصوصـا بن أمية الذين قاتلهم وقاتلوه حت كان‬
‫النصر والظفر لم ف النهاية ؟ ‪.‬‬
‫ث أين هي البلدان الت فتحت ف عهد علي ؟ ‪ ،‬وكم كانت هذه الغان الت يزعم‬
‫مفتري الطبة أن عليـًا سيقسمها بالسوية ؟!! ‪.‬‬
‫إن هناك عقبات كئيدة وقفت ف وجه عليّ ي رضي ال عنه ي أخطرُها ‪ :‬ترّد‬
‫جيشِه عليه من الثوار على عثمان والوارج والغُلة وغيهم ‪.‬‬
‫فهل ترك هؤلء له الفرصة لَيعِدَ مثل هذه الوعود ‪ ،‬فضلً عن تنفيذِها(‪.)2‬‬

‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ) 163 :‬ط ثانية عشرة ‪ ،‬و ( ص ‪ ) 193 :‬ط خامسة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() إن ما يؤكد كذب هذه الط بة الت تزعم أ نّ علي ـًا وعد بر ّد عطا يا عثمان ‪ :‬أن عثمان كان قد‬ ‫‪2‬‬

‫أقطيع طلحية أرضـيا بالعراق تسيمى (النشاسيتج) ‪ .‬ذكير ذلك ابين شبّية في ((تاريهي))‬
‫( ج ‪ ، 3‬ص ‪. ) 239 :‬‬

‫‪145‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ث هل كان عليّ ف عهد عثمان من الكادحي الحرومي فل يلك أرضـا ول‬


‫يركب خيلً ول يلك وصيفة ‪.‬‬
‫لقد كان علي ي رضي ال عنه ي من أغنياء الصحابة؛ فعنده العقار ‪ ،‬والال ‪،‬‬
‫والعبيد ‪ ،‬والماء؛ وكان من يُفضّل ف العطاء؛ وكلّ ذلك ما أباحه ال له وللمؤمني‬
‫ج على أحدٍ منهم ف امتلك ذلك ما دام يؤدّي منه القوق ‪.‬‬‫جيعـا ‪ ،‬ول حر َ‬
‫قال سيد ‪(( :‬ولقد كان من الطبيعي أل يرضى الستنفعون عن عليّ وأل يقنع‬
‫بشرعة الساواة من اعتادوا التفضيل ‪ ،‬ومن مردوا على الستئثار ‪ ،‬فاناز هؤلء ف‬
‫النهاية إل العسكر الخر ـ معسكر أمية ـ ‪ ،‬حيث يدون فيه تقيقـا لطماعهم‬
‫على حساب العدل والق اللذين يصرّ عليهما علي ـ رضي ال عنه ـ هذا‬
‫الصرار))(‪.)1‬‬
‫نتسائل مَن هؤلء الستنفعون الذين ل يقنعون بشرعة الساواة والذين مردوا على‬
‫الستئثار فانازوا ف النهاية إل معسكر أمية ؟ ‪.‬‬
‫إنم آخرون غيَ بن أمية ‪.‬‬
‫إنم أولئك الهاجرون ‪ ،‬ومنهم ‪ :‬علي ‪ ،‬والنصار ‪ ،‬وأبناؤهم ‪ ،‬ومَن شاركَهم‬
‫من التابعي الذين خاطبهم عليّ ي رضي ال عنه ي من غمرتم الدنيا ‪ ،‬فامتلكوا‬
‫ل على مَن سواهم؛ فييد علي ي رضي‬ ‫العقار وفجّروا النار ‪ ،‬ويرون لنفسهم فض ً‬
‫ال عنه ي أن ينصف منهم الكادحي الحرومي والظلومي ف نظر سيد قطب الذي‬
‫تلّك الذهب الشتراكي عقلَه ومشاعره حت صار ل يعرف القّ من الباطل‬
‫والكذب من الصدق ‪ ،‬يفرح بكلّ هراء ولغو من القول يدعم به هذا الذهب ‪.‬‬
‫أل تعلم أنّ هؤلء هم خيُ القرون الذين شهد لم رسول ال صلى ال عليه‬

‫وذكر ابن سعد ف ((طبقاته)) ( ج ‪ ، 3‬ص ‪(( : ) 224 :‬أن عمران بن طلحة دخل على عل ّي ي‬
‫ر ضي ال ع نه ي فأكرمَه وأجل سه على طنف سة ‪ ،‬ث قال له ‪ :‬أ ما إ نا ل نق بض أرض كم هذه ال سني‬
‫ونن نريد أن نأخذها ‪ ،‬إنا أخذناها مافةَ أن ينتهبها الناس ‪ .‬يا فلن اذهب معه إل ابن قرظة فمُره‬
‫ليدفع إليه أرضه وغلة هذه السني ‪ ،‬يا ابن أخي وأْتنا ف الاجة إذا كانت لك)) ‪.‬‬
‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ) 163 :‬ط ثانية عشرة ‪ ( ،‬ص ‪ ) 193 :‬ط خامسة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪146‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وسلم بالييّة ؟ ‪ ،‬أل تعلم أنّ هؤلء هم الذين فتحوا الدنيا ونشروا السلم ف‬
‫مشارق الرض ومغاربا ‪ ،‬وعلّموا الناس العدل ؟ ‪.‬‬
‫أل تدرك أنّك بتصويرهم بذه الصورة الشوهاء تؤكّد مطاعن أهل الرفض‬
‫والزندقة ومطاعن سائر أعداء السلم من اليهود والنصارى البشرين والستشرقي‬
‫والستعمرين ‪.‬‬
‫بأيّ تاريخ يعتزّ السلمون ؟ ‪ ،‬وبأي الماد يلهجون إذا كان هذا هو واقع‬
‫أسلفهم ؟؛ فك ّل مواقفهم تابعة لهوائهم وشهواتم ف نظر سيد قطب؛ فل‬
‫ينصرون الق ‪ ،‬ول يفكّرون فيه ‪ ،‬ول يبحثون عنه ؟؟! ‪.‬‬
‫واصل سيد قطب طعنه ف بن أمية مستثنيـا عهد عمر بن عبد العزيز ‪.‬‬
‫ث ذكر خطبتي مزعومتي لعاوية ل تليقُ بن هو دونَه ‪ ،‬فكيف به ‪.‬‬
‫وذكر خطبة للمنصور ف زعمه ‪.‬‬
‫ث قال ‪(( :‬أما سياسة الال فكانت تبعـا لسياسة الكم وفرعـا عن تصوّر‬
‫الكام لطبيعة الكم وطريقته ‪ ،‬ولقّ الراعي والرعية؛ فأما ف حياة ممد صلى ال‬
‫عليه وسلم وصاحبيه وخلفة عليّ بن أب طالب فكانت النظرة السائدة هي النظرة‬
‫السلمية ‪ ،‬وهي ‪ :‬إن الال العام مال الماعة ‪ ،‬ول حقّ للحاكم بنفسه أو بقرابته‬
‫أن يأخذ منه شيئـا إل بقّه ‪ ،‬ول أن يعطي أحدًا منه إل بقدر ما يستحقّ؛ شأنُه‬
‫شأن الخرين ‪.‬‬
‫وأما حي انرف هذا التصوّر قليلً ف عهد عثمان فقد بقيت للناس‬
‫حقوقهم ‪ ،‬وفهم الليفة أنه ف حلّ ـ وقد اتسع الال عن القررات للناس ـ أن‬
‫يطلق فيه يدَه بب أهله ومن يرى من غيهم حسب تقديره ‪.‬‬
‫وأما حي صار الكم إل اللك العضوض فقد انارت الدود والقيود وأصبح‬
‫الاكم مطلق اليد ف النع والنح بالق ف أحيانٍ قليلة ‪ ،‬وبالباطل ف سائر الحيان ‪،‬‬
‫واتسع مال السلمي لترف الكام وأبنائهم وحاشيتهم وملقيهم إل غي حد ‪،‬‬

‫‪147‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وخرج الكام بذلك نائيـًا من كل حدود السلم ف الال))(‪.)1‬‬


‫وف هذا نظرات ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن الرجل قد وصف عهد الرسول وصاحبيه وخلفة عليّ بأن النظرة‬
‫السائدة فيها هي النظرة السلمية ‪ ...‬إل ‪ ،‬أما عهد عثمان فبخلف ذلك ‪.‬‬
‫لكن الرجل استدرك على خلف عادته ي أو استدرك له غيه من الشرفي‬
‫على طبع الكتاب ي القول الت ‪(( :‬وأما حي انرف هذا التصور قليلً ف عهد‬
‫عثمان ‪ ))...‬إل لمتصاص غضب من قد يغضب لعثمان ي رضي ال عنه ي ‪.‬‬
‫ولكن هيهات أن تنطلي هذه اليلة على مَن سبَ غور سيد وغور هذا الكتاب‬
‫وشاهد الملت الكثية فيه على الليفة الشهيد الظلوم ـ رضي ال عنه ـ من‬
‫سيد قطب ‪ ،‬والت منها ‪:‬‬

‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ) 168 :‬ط ثانية عشرة ‪ ،‬و ( ص ‪ ) 200 :‬ط خامسة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪148‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫((هذا التصوّر لقيقة الكم قد تغيّر شيئـا ما دون شكّ على عهد عثمان‬
‫وإن بقيَ ف سياج السلم فقد أدركت اللفة عثمان وهو شيخٌ كبي ومِن ورائه‬
‫مروان بن الكم يصرف المر بكثي من النراف عن السلم)) ‪.‬‬
‫فهذه الملة على ما فيها من إقدام وإحجام تبيّن أن سيد قطب يعتقد أنّ المرَ‬
‫قد انرف كثيًا ف عهد عثمان ‪.‬‬
‫وقوله بعد أن ساق رواية كاذبة مضمومنها ‪ :‬أنه أعطى زوج ابنته مائت ألف‬
‫فبكى من ذلك زيد بن أرقم الذي يستشعر روح السلم الرهف ‪ ،‬فغضب عثمان‬
‫على الرجل الذي ل يطيقُ ضميه هذا التوسعة من مال السلمي على أقارب خليفة‬
‫السلمي ‪ ،‬وقال له ‪(( :‬ألق الفاتيح يا ابن أرقم فإنا سنجد غيَك)) ‪.‬‬
‫قال ‪(( :‬والمثلة كثية على هذه التوسعات)) ‪ ،‬ث ذكر منحـا كبية للزبي‬
‫وطلحة ومروان ‪.‬‬
‫ث يقول ‪(( :‬وغي الال كانت الوليات تغدق على الولة من قرابة عثمان ‪،‬‬
‫وفيهم معاوية الذي وسع عليه ف اللك فضم إليه فلسطي وحص ‪ ،‬وجع له قيادة‬
‫الجناد الربعة ‪ ،‬ومهّد له بعد ذلك أن يطلب اللك ف خلفة علي وقد جع الال‬
‫والجناد وفيهم الكم بن العاص طريد رسول ال صلى ال عليه وسلم الذي آواه‬
‫عثمان ‪ ،‬وجعل ابنه مروان بن الكم وزيره التصّرف ‪ ،‬وفيهم عبد ال بن أب سرح‬
‫أخوه من الرضاعة(‪.)1‬‬
‫ويقول ‪(( :‬ولقد كان الصحابة يرون هذا النراف عن روح السلم‬
‫فيتداعون إل الدينة لنقاذ السلم وإنقاذ الليفة من الحنة والليفة ف كبته‬
‫وهرمه ل يلك أمره من مروان))(‪.)2‬‬
‫ويقول ‪(( :‬مضى عثمان إل رحة ربه وقد خلّف الدولة الموية قائمة بالفعل‬
‫بفضل ما مكن لا ف الرض ‪ ،‬وباصة ف الشام ‪ ،‬وبفضل ما مكن للمبادئ الموية‬

‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ) 159 :‬ط ثانية عشرة ‪ ،‬و ( ص ‪ ) 187 :‬ط خامسة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ( ص ‪ ) 187 :‬ط خامسة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪149‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الجافية لروح السلم من إقامة اللك الوراثي والستئثار بالغان والموال‬


‫والنافع))(‪.)1‬‬
‫ويقول ‪(( :‬ونن نيل إل اعتبار خلفة علي ي رضي ال عنه ي امتدادًا طبيعيـًا‬
‫للفة الشيخي قبلَه ‪ ،‬وأن عهد عثمان الذي تكم فيه مروان كان فجوةً بينهما))(‪.)2‬‬
‫فبال هل الذي ينظر إل عثمان هذه النظرة الانقة ويمل عليه هذه الملت‬
‫الشعواء وغيها با تمل من قسوة وعنف ويصدق فيه القاويل الباطلة يقبل منه‬
‫تلطيف العبارات أحيانـا ل سيّما وهو ل يزال يدير رحى الرب على عثمان‬
‫وغيه مواصلً حلته الت ل تكتف بإسقاط خلفة عثمان ف غمارها؛ بل استمرّ‬
‫يكيل له الضربات ولغيه إل ال ّد الذي يشفي غليل الروافض والباطنية وسائر‬
‫أعداء السلم ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬انظر كيف انتهى كلمه على بن أمية إل قوله ‪ ...(( :‬وخرج الكّام‬
‫بذلك نائيـًا من كل حدود السلم ف الال)) ‪.‬‬
‫إن سيد قطب إما ُم التكفي ف هذا العصر وحامل رايته ‪ ،‬فهل يا ترى إذا‬
‫خرج حكّام بن أمية نائيـًا من كل حدود السلم ف الال هل يبقون ف دائرة‬
‫السلم أو ل ؟ ‪ .‬ننتظر الجابة !! ‪.‬‬

‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ) 160 :‬ط ثانية عشرة ‪ ،‬و ( ص ‪ ) 190 :‬ط خامسة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ) 172 :‬ط ثانية عشرة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪150‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل الثاني والعشرون‬


‫زعم سيد أن مذهب أبي بكر التسوية في‬
‫قسمة المال‬
‫تدث سيد عن سياسة الال ف عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم وأب بكر‬
‫وعمر ي رضي ال عنهما ي ‪ ،‬وذكر ‪:‬‬
‫أن مذهب أب بكر التسوية ف قسم الال بي السابقي الولي والتأخرين ف‬
‫السلم وبي الحرار والوال وبي الذكور والناث(‪.)1‬‬
‫ورأي عمر مع جاعة من الصحابة أن يقدم أهل السبق ف السلم على‬
‫قدر منازلم ‪ ،‬فقال أبو بكر ‪ :‬أما ما ذكرت من السوابق والقدم والفضل فما‬
‫أعرفن بذلك ‪ ،‬وإنا ذلك شيء ثوابه على ال جل ثناؤه ‪ ،‬وهذا معاش فالسوة فيه‬
‫خي من الثرة))(‪.)2‬‬
‫ث قال(‪(( : )3‬ها رأيان إذًا ف تقسيم الال ‪ :‬رأي أب بكر ‪ ،‬ورأي عمر ‪ ،‬وقد‬
‫كان لرأي عمر ـ رضي ال عنه ـ سنده ‪ :‬ل أجعل من قاتل رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم كمن قاتل معه ‪ ،‬و ‪ ...‬فالرجل وبلؤه ف السلم ‪. ...‬‬
‫وهو التعادل بي الهد والزاء ‪.‬‬
‫وكان لرأي أب بكر ـ رضي ال عنه ـ سندُه كذلك ‪ :‬إنا أسلموا ل ‪،‬‬
‫وعليه أجرُهم يوفيهم ذلك يوم القيامة ‪ ،‬وإنا هذه الدنيا بلغ ‪.‬‬
‫ولكننا ل نتردد ف اختيار رأي أب بكر؛ إذ كان أقمن أن يقق الساواة‬
‫بي السلمي ـ وهي أصل كبي من أصول هذا الدين ـ ‪ ،‬وأحرى أل ينتج النتائج‬
‫الطرة الت نشأت عن هذا التفاوت من تضخّم ثروات فريق من الناس وتزايد هذا‬
‫التضخم عامـا بعد عام بالستثمار؛ والعروف اقتصاديـًا أن زيادة الربح تتناسب‬

‫() ( ص ‪ ) 203 :‬ط خامسة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ) 170 :‬الثانية عشرة ‪ ،‬و ( ص ‪ ) 205 :‬ط خامسة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ) 172 :‬الثانية عشرة ‪ ،‬و ( ص ‪) 205 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪151‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫إل ح ّد بعيد مع زيادة رأس الال ‪.‬‬


‫هذه النتائج الت رآها عمر ف آخر أيام حياته فآل لئن جاء عليه العام ليسوينّ‬
‫ف العطيات ‪ ،‬وقال قولته الشهورة ‪ :‬لو استقبلت من أمري ما استدبرتُ لخذت‬
‫من الغنياء فضول أموالم فرددتا على الفقراء ‪.‬‬
‫ولكن وا أسفاه لقد فات الوان ‪ ،‬وسبقت اليام عمر))(‪.)1‬‬

‫التعليق‬
‫أولً ‪ :‬يب النتباه إل أن سيد قطب إنا اختار ما يزعمه أنه هو رأي أب بكر‬
‫وما يزعم أنه رجع إليه عمر ف آخر حياته؛ لنه ي كما يزعم ي أقمن أن يقق‬
‫الساواة وأحرى أن ل ينتج النتائج الطرة الت نشأت عن هذا التفاوت من تضخّم‬
‫ثروات فريقٍ من الناس ‪ ...‬إل ‪.‬‬
‫إن الساواة القيقية والواقعية والساواة الشريفة العادلة موجودة على أحسن‬
‫صورة ف السلم ف كثي من الجالت ‪ :‬ف القصاص ‪ ،‬والديات ‪ ،‬والدود ‪،‬‬
‫والرث ‪ ،‬والعبادات ‪ ،‬وكثي من القوق والواجبات ‪.‬‬
‫إل بعض الفروق الت تقتضيها حكمة ال بي الذكور والناث ‪ ،‬والحرار‬
‫والعبيد ‪ ،‬والسلمي والكفّار؛ وتفاصيل ذلك معروفة لدى علماء السلم(‪)2‬وف‬
‫دواوينه‪.‬‬
‫لكن الساواة الت يقررها سيد قطب شيء آخر ‪ ،‬إنا شعارات جوفاء كان‬
‫يرددها ف عهده الشيوعيون والشتراكيون النتسبون إل السلم الذين تأثروا‬
‫بالفكر الشيوعي ف القتصاد ‪.‬‬
‫فشرعوا يفسّرون نصوص القرآن والسنة وقواعد الشريعة تت شعار الشتراكية‬
‫السلمية با يوافق الشيوعية ف مزاعمها من الساواة الطلقة ووجوب التوازن والتعادل‬

‫() ( ص ‪ ) 172 :‬ط ثانية عشرة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سوف تأت لح ٌة فيها شيءٌ من التفصيل ف هذه المور ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪152‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫والتأميم وماربة الترف والتضخّم الال إل آخر الشعارات الت مؤدّاها فرض عبودية‬
‫عامّة على الشعوب ليصبحوا عبيدًا للحزب الاكم بعد مساواة الغنياء بالعدَمي ف‬
‫الفقر والذل تت سيطرة الزب التحكم الستبد ‪.‬‬
‫قد تأخذ العاطفة العمياء بعض العجبي بسيد قطب وبنهجه ومؤلفاته ‪ ،‬ولكن‬
‫السلم التجرّد من الهواء وتقديس الشخاص سيدرك فداحة ما يقرّره سيد باسم‬
‫السلم سواء ف الجالت العقائدية أو السياسية أو القتصادية ‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل الثالث والعشرون‬


‫اشتراكية سيد قطب‬
‫لقد قرر اشتراكية مدمّرة ف عددٍ من كتبه ‪ ،‬مثل ‪(( :‬العدالة الجتماعية)) ‪ ،‬و‬
‫((الظلل)) ‪ ،‬و ((دعوة الخوان السلمي)) ‪ ،‬و ((معركة السلم والرأسالية)) ‪.‬‬
‫وحسبُنا أن ننقل عنه ما قرّره ف كتابه ‪(( :‬معركة السلم والرأسالية))(‪)1‬ليعرف‬
‫حقيقة فقه سيد قطب للسلم عقيدةً وشريعة ‪.‬‬
‫قال ‪(( :‬سوء توزيع اللكيات والثروات(‪)2‬ل يعد أحد يادل ف أنّ توزيع‬
‫اللكيات الزراعية ف الجتمع الصري توزيع سيء متل يب العمل على تعديله‬
‫فورًا‪.‬‬
‫وليس الختلف اليوم على صحة هذه القيقة ‪ ،‬وإنا الختلف على الطريقة‬
‫الت يعال با وضع ل يقبل البقاء ‪ ،‬ث شرع يقرر باسم السلم طرق العلج وهي‬
‫غي إسلمية قطعـا)) ‪.‬‬
‫إل أن قال ‪(( :‬وف يد الدولة أن تنع من اللكيات ‪ ،‬وأن تأخذ من الثروات‬
‫ـ بنسب معيّنة ـ كلّ ما تده ضروريـًا لتعديل أوضاع الجتمع من الفات‬
‫آفات الهل ‪ ،‬وآفات الرض ‪ ،‬وآفات الرمان ‪ ،‬وآفات الترف ‪ ،‬وآفاد الحقاد‬
‫بي الفراد والماعات ‪ ،‬وسائر ما تتعرض له الجتمعات من آفات ‪.‬‬
‫بل ف يد الدولة أن تنع اللكيات والثروات جيعـا ‪ ،‬وتعيد توزيعها على‬
‫أساس جديد ‪ ،‬ولو كانت هذه اللكيّات قد قامت على السس الت يعترف با‬
‫السلم ‪ ،‬ونت بالوسائل الت يبرها؛ لن دفع الضرر عن الجتمع كله أو اتقاء‬
‫الضرار التوقعة لذا الجتمع أول بالرعاية من حقوق الفراد؛ فنظرية السلم ف‬
‫التكافل الجتماعي ل تعل هناك تعارضـا بي حقوق الفرد وحقوق الجتمع ‪.‬‬
‫وكل ضرر يصيب الجتمع يعدّه السلم ضررًا يقع على كل أفراده ‪ ،‬ويتم‬

‫() ( ص ‪ 39 :‬ي ‪. ) 40‬‬ ‫‪1‬‬

‫() هذا عنوان قرر تته فكره الشتراكي الغال ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪154‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫على الدولة أن تقي هؤلء الفراد من أنفسهم عند اقتضاء)) ‪.‬‬


‫قدمتُ هذا النموذج من منهج سيد قطب الشتراكي الغال الدمر الستمد من‬
‫ماركس وهيجل وغيها من الشتراكيي ليتبيّن السلم مدى ما يرتكبه قادة‬
‫الركات الزبية العاصرة من ظلم للسلم وانتهاك لبادئه وأسسه بل تطيمها‬
‫واستياد مبادئ كافرة ث إلصاقها بالسلم ‪.‬‬
‫وليتبي أن تعلق الشتراكيي ومنهم سيد قطب بأب بكر وعمر وعلي وأب ذر‬
‫تعّلقٌ باطل يتجاوز أقصى حدود الداع والتلعب بالعقول والعواطف ‪.‬‬
‫وحت تلك الروايات الضعيفة والباطلة الت نسبت ظلمـا إل هؤلء الصحابة‬
‫الكرام بعيدة كل البعد عن هذه الناهج الشتراكية الكافرة ‪ ،‬بل السافة بينهما أبعد ما‬
‫بي الشرقي ‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أول ً ‪ :‬حكم من يطالب بتحكيم المبادئ‬


‫الشتراكية والشيوعية في السلم‬
‫المد ل والصلة والسلم على رسول ال وعلى آله وصحبه ‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فقد ورد ال سؤال من بعض الخوة الباكستانيي هذا ملخصة‪:‬‬
‫ما حكم الذين يطالبون بتحكيم البادئ الشتراكية والشيوعية ‪ ،‬وياربون حكم‬
‫ال سلم ‪ ،‬و ما ح كم الذ ين ي ساعدونم ف هذا الطلب ‪ ،‬ويذمون من يطالب ب كم‬
‫السلم ‪ ،‬ويلمزونم ويفترون عليهم ‪ ،‬وهل يوز اتاذ هؤلء ئمة وخطباء ف مساجد‬
‫السلمي؟‬
‫والواب‪:‬‬
‫المد ل والصلة والسلم على رسول ال وعلى آله واصحابه ومن اهتدى بداه‪.‬‬
‫ل ريب أن الواجب على أئمة السلمي وقادتم أن يكموا الشريعة السلمية ف‬
‫جيع شؤونم ‪ ،‬وأن ياربوا ما خالفها ‪ ،‬وهذا امر ممع عليه بي علماء السلم ‪ ،‬ليس‬
‫ف يه نزاع ب مد ال ‪ ،‬والدلة عل يه من الكتاب وال سنة كثية معلو مة ع ند أ هل العلم ‪،‬‬
‫منها‪:‬‬
‫قوله سبحانه {فل ور بك ل يؤمنون ح ت يكموك في ما ش جر بي نم ث ل يدوا‬
‫(‪)1‬‬
‫ف أنفسهم حرجا ما قضيت ويسلموا تسليما}‬

‫‪ )(1‬النساء ‪.65 :‬‬

‫‪156‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وقوله عز وجل ‪ { :‬يا أيها الذين آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا الرسول وأول المر‬
‫منكـم فإن تنازعتـم فـشيـء فردوه إل ال والرسـول إن كنتـم تؤمنون بال واليوم‬
‫( ‪. )2‬‬
‫الخر ذلك خي وأحسن تأويل}‬
‫( ‪)2‬‬
‫وقوله سبحانه‪{ :‬وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إل ال }‬
‫وقوله سيبحانه‪{ :‬أفحكـم الاهليـة يبغون ومـن احسـن مـن ال حكمـا لقوم‬
‫( ‪)3‬‬
‫يوقنون}‬
‫(‪)4‬‬
‫وقوله سبحانه‪{ :‬ومن ل يكم با انزل ال فاولئك هم الكافرون}‬
‫( ‪. )5‬‬
‫{ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الظالون}‬
‫(‪)6‬‬
‫{ومن ل يكم با انزل ال فأولئك هم الفاسقون}‬
‫واليات ف هذا العن كثية ‪.‬‬
‫وقد أجع العلماء على أن من زعم أن حكم غي ال أحسن من حكم ال ‪ ،‬أو أن‬
‫هدي غ ي ر سول ال صلى ال عل يه و سلم أح سن من هدي الر سول صلى ال عل يه‬
‫وسلم فهو كافر ‪ ،‬كما أجعوا على أن من زعم أنه يوز لحد من الناس الروج عن‬
‫شريعة ممد صلى ال عليه وسلم أو تكيم غيها ‪ ،‬فهو كافر ضال‪.‬‬

‫‪ )(2‬النساء ‪. 59 :‬‬
‫‪ )(2‬الشورى ‪10 :‬‬
‫‪ )(3‬الائدة ‪50‬‬
‫‪ )(4‬الائدة ‪44‬‬
‫‪ )(5‬الائدة ‪45 :‬‬
‫‪ )(6‬الائدة ‪47 :‬‬

‫‪157‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وباي ذكرناه مين الدلة القرآنيية وإجاع أهيل العلم يعلم السيائل وغيه أن الذيين‬
‫يدعون إل الشتراكيية أو الشيوعيية أو غيهاي مين الذاهيب الدامية الناقضية لكيم‬
‫السلم كفار ضلل أكفر من اليهود والنصارى ‪ ،‬لنم ملحدة ‪ ،‬ل يؤمنون بال ول‬
‫باليوم ال خر ‪ ،‬ول يوز أن ي عل أ حد من هم خطي با وإما ما ف م سجد من م ساجد‬
‫ال سلمي ‪ ،‬ول ت صح ال صلة خلف هم ‪ ،‬و كل من ساعدهم على ضلل م وح سّن ما‬
‫يدعون إلييه وذم دعاة السيلم ولزهيم ‪ ،‬فهيو كافير ضال ‪ ،‬حكميه حكيم الطائفية‬
‫اللحدة ‪ ،‬الت سار ف ركابا وأيدها ف طلبها ‪ ،‬وقد أجع علماء السلم على أن من‬
‫ظاهير الكفار على السيلمي وسياعدهم عليهيم بأي نوع مين السياعدة ‪ ،‬فهيو كافير‬
‫مثل هم ‪ ،‬ك ما قال ال سبحانه‪ { :‬يا أي ها الذ ين آمنوا ل تتخذوا اليهود والن صارى‬
‫أولياء بعضهـم أولياء بعـض ومـن يتولمـ منكـم فإنـه منهـم إن ال ل يهدي القوم‬
‫( ‪. )1‬‬
‫الظالي}‬
‫وقال تعال ‪{ :‬يـا أيهـا الذيـن آمنوا ل تتخذوا آباءكـم وإخوانكـم أولياء إن‬
‫( ‪. )2‬‬
‫استحبوا الكفر على اليان ومن يتولم منكم فأولئك هم الظالون }‬

‫وأرجو أن يكون فيما ذكرناه كفاية ومقنع لطالب الق ‪ ،‬وال يقول الق وهو‬
‫يهدي السبيل ‪ ،‬ونسأله سبحانه أن يصلح أحوال السلمي ‪ ،‬ويمع كلمتهم على‬
‫الق ‪ ،‬وأن يكبت اعداء السلم ‪ ،‬ويفرق جعهم ‪ ،‬ويشتت شلهم ‪ ،‬ويكفي السلمي‬
‫شرهم ‪ ،‬إنه على كل شيء قدير ‪ ،‬وصلى ال وسلم على عبده ورسوله نبينا ممد وآله‬
‫وصحبه‪.‬‬
‫ثانيـا ‪ :‬هذا التعليل الذي علل به سيد قطب ل يعرفه أبو بكر ول عمر ‪ ،‬ول‬

‫‪ )(1‬الائدة ‪51 :‬‬


‫‪ )(2‬التوبة ‪.23 :‬‬

‫‪158‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يعرفه السلمون ‪ ،‬وإنا هو تعليل الشيوعيي والشتراكيي لبتزاز أموال الناس‬


‫ومصادرتا وتأميمِها لتؤول ف النهاية إل أيدي الكّام والحزاب الستبدة ولتصبح‬
‫الشعوب جيعـا فقراء أذلّء مستعبدين ‪.‬‬
‫وقد وقع ذلك بالفعل ‪ ،‬وفضح ال نوايا هذه الحزاب ‪ ،‬وفضح ال هذه النظمة‬
‫الشتراكية ‪ ،‬فتهاوت روسيا سادنة اللاد والشتراكية ‪ ،‬وتاوت يوغوسلفيا ‪،‬‬
‫ومزّقها ال شر مزّق نتيجة لكفرها ولشتراكيتهما الصادمة للفطر والعقول والشرائع ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ثالثـا ‪ :‬يقرر سيد قطب هذه الشتراكية الطية ف كتابه ((العدالة)) وغيه‬
‫تت شعار (الساواة ف السلم) و (التوازن ف السلم) ‪ ،‬والسل ُم منها برئ؛ لن‬
‫ذلك يناف سنن ال ف الكون ‪ ،‬ويالف حكمته ف خلقه ‪ ،‬قال تعال ‪ { :‬نن قسمنا‬
‫بينهم معيشتَهم ف الياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوقَ بعض درجات ليتخذ بعضهم‬
‫بعضـا سخريـًا ورحةُ ربك خيٌ ما يمعون } [ الزخرف ‪ ، ] 32 :‬وقال تعال ‪:‬‬
‫{ وهو الذي جعلكم خلئف الرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما‬
‫ل نُمدّ هؤلء وهؤلء من عطاء‬ ‫آتاكم } [ النعام ‪ ، ] 165 :‬وقال تعال ‪ُ { :‬ك ّ‬
‫ربك وما كان عطاء ربك مظورًا } [ السراء ‪ ، ] 20 :‬وقال تعال ‪ { :‬له‬
‫مقاليد السموات والرض يبسط الرزقَ لن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم }‬
‫[ الشورى ‪. ] 12 :‬‬
‫وما عرفت هذه الساواة الزعومة الظالة والتوزان الشتراكي عن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم لا سبق من حكمة ال ف خلقه ‪ ،‬ول عرفت عن أب بكر ‪،‬‬
‫وعمر ‪ ،‬وعثمان ‪ ،‬وعلي ي رضي ال عنهم ي ‪.‬‬
‫رابعـا ‪ :‬ما نسب إل أب بكر من التسوية ف العطاء الرواية به ضعيفة؛ فقد‬
‫روى أبو يوسف ف ((كتاب الراج))(‪)2‬قال ‪ :‬وحدثن ابن أب نيح قال ‪ :‬قدم على أب‬
‫بكر ي رضي ال عنه ي مال ‪ ،‬فقال ‪ :‬مَن كان له عند رسول ال صلى ال عليه‬

‫() مثيل ‪(( :‬معركية السيلم والرأسيالية)) ‪ ،‬و ((السيلم ومشكلت الضارة)) ‪ ،‬وإشارات في‬ ‫‪1‬‬

‫((الظلل)) ‪.‬‬
‫() ( ص ‪. ) 45 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪159‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وسلم عدة فليأت؛ فجاء جابر بن عبد ال ‪ ،‬فقال ‪ :‬قال ل رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪(( :‬لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا)) ‪.‬‬
‫وفيه ‪ :‬أنه قسم بالسوية بي الصغي والكبي ‪ ،‬والر والملوك ‪ ،‬والذكر والنثى؛‬
‫فخرج على سبعة دراهم سبعة دراهم؛ فلما كان العام القبل جاء مالٌ كثي ‪ ،‬وهو أكثر‬
‫من ذلك ‪ ،‬فقسمه بي الناس ‪ ،‬فأصاب كل إنسان عشرين درهـا ‪.‬‬
‫ورواه البيهقي(‪)1‬من طريق زيد بن حباب ‪ :‬حدثن أبو معشر قال ‪ :‬حدثن‬
‫عمر مول غفرة(‪)2‬وغيه قال ‪ :‬لا توف رسول ال صلى ال عليه وسلم جاء مالٌ من‬
‫البحرين ‪ ...‬فساقه مطوّلً ‪ ،‬وفيه ‪ :‬قسمة عمر ي رضي ال عنه ي ‪ ،‬وتفضيله فيها‬
‫على حسب السوابق وعلى حسب القرابة من رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫وف كلّ من روايت أب يوسف والبيهقي إرسال ‪.‬‬
‫والظاهر ‪ :‬أن مدار الروايتي على أب معشر نيح بن عبد الرحن السندي وهو‬
‫ضعيف؛ قال المام أحد ‪(( :‬أضعفهم عنه حديثـا أبو معشر)) ‪ ،‬وقال ‪(( :‬ضعيف)) ‪،‬‬
‫وقال ‪(( :‬صدوق ‪ ،‬لكنه ل يقيم السناد))(‪.)3‬‬
‫وقال الافظ ابن حجر ف ((التقريب)) ‪(( :‬ضعيف ‪ ،‬من السادسة ‪ ،‬أسنّ‬
‫واختلط ‪ ،‬مات سنة سبعي ومائة)) ‪.‬‬
‫وما يؤكد أن مدار الروايتي على أب معشر أمران ‪:‬‬
‫أولما ‪ :‬أنه من شيوخ أب يوسف ي رحه ال ي كما ذكر ذلك المام الزي‬
‫ف ((تذيب الكمال))(‪ ، )4‬ول يذكر أحدٌ من ترجم لب يوسف أن ابن أب نيح‬
‫ي وهو عبد ال ي من شيوخه ‪ ،‬ول يذكر أحدٌ من ترجم لبن أب نيح أن أبا‬
‫يوسف من أخذ عنه ‪.‬‬

‫() انظر ‪(( :‬السنن الكبى)) ( ج ‪ ، 6‬ص ‪. ) 350 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر ‪(( :‬تقريب التهذيب)) ( ج ‪ ، 2‬ص ‪. ) 469 /59 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر ‪(( :‬العلل ومعرفة الرجال)) ( رقم ‪. ) 3998 ، 3616 ، 875 ، 602 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() ( ‪ . ) 3/1407‬وف الطبوع ( ‪. ) 29/322‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪160‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ثانيهما ‪ :‬أن أبا معشر ي وإن كان مدنيـًا ي فإن اللفية الهدي العبّاسي‬
‫أشخصه إل بغداد سنة ‪161‬ه‍ ‪ ،‬فبقي با إل أن مات سنة سبعي ومائة(‪ ، )1‬أما ابن‬
‫أب نيح فمات سنة ‪131‬ه‍ بالدينة ‪ ،‬وأبو يوسف آنذاك صغي عمرُه حوال خس‬
‫عشرة سنة ‪ ،‬ول يكن قد رحل ول يذكر أحد ف حدود علمي أن ابن أب نيح دخل‬
‫العراق‪.‬‬
‫وإذًا ‪ :‬ففي هذه الرواية علتان ‪:‬‬
‫‪ 1‬ي إحداها ‪ :‬ضعف أب معشر ‪.‬‬
‫‪ 2‬ي أن ف إسنادها إرسالً وضعفـا؛ إذ عمر بن عبد ال مول غفرة ‪:‬‬
‫ضعيف ‪ ،‬كثي الرسال(‪ ، )2‬وهو ل يدرك أبا بكر ي رضي ال عنه ي ‪.‬‬
‫وإذا كان هذا هو حال هذه الرواية عن أب بكر ي رضي ال عنه ي فل يوز‬
‫العتماد عليها ‪.‬‬
‫والدهى والمرّ أن تكون من مستندات الطعن ف الليفة الراشد عثمان‬
‫ي رضي ال عنه ي وف سائر الصحابة ف عهده ‪ ،‬بل ومعظم التابعي وقريش وبن‬
‫أمية بصفة أخص ‪.‬‬
‫خامسـا ‪ :‬مع ضعف هذه الرواية فهي خاصّة بقسمة الفيء فقط على أهل‬
‫الدينة فقط ل على جيع السلمي ول ف جيع اليادين ‪.‬‬
‫وهي دارهم قليلة ف الرتي ف الول كانت القسمة على سبعة دراهم ‪ ،‬والثانية‬
‫على عشرين؛ ومثل هذا ل تصل فيه مشاحة ‪.‬‬
‫ولو جاءت الموال الكثية لربا غيّر أبو بكر رأيه؛ كل هذا من باب التنل‬
‫جدلً ‪ ،‬وعلى فرض ثبوت هذه الرواية وقد عرفت ضعفها ‪.‬‬
‫سادسـا ‪ :‬أن ما نسب إليه ي رضي ال عنه ي مستبعد جدّا؛ لنه كان أشد‬

‫() ((تاريخ بغداد)) ‪ 13/428 ( :‬ي ‪. ) 431‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((التقريب)) ( الترجة ‪. ) 3934 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪161‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الناس اتباعـا لرسول ال صلى ال عليه وسلم وأشدّ الناس خوفـا من مالفته؛‬
‫ورسول ال ما كان يسوي ف قسمة الفيء ‪ ،‬بل كان يراعي مصلحة الدعوة فيحصل‬
‫بذا السبب التفاوت ‪ ،‬بل أحيانـا التفاوت الكبي؛ ومن المثلة على شدّة متابعة أب‬
‫بكر لرسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أن فاطمة بنت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫سألته نصيبَها ما ترك رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأب عليها ذلك ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫لستُ تاركـا شيئـا كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يعملُ به إل عملت به ‪،‬‬
‫فإن أخشى إن تركتُ شيئـا من أمره أن أزيغ(‪.)1‬‬
‫فكيف تقبل رواية ضعيفة ف رجل صِدّيق هذا حاله ومقاله ‪.‬‬
‫تفضيل أب بكر ف العطاء‬
‫))(‪)2‬‬
‫سابعـا ‪ :‬أنه قد ورد عنه التفضيل ‪ :‬فقد ذكر ابن كثي ف ((البداية والنهاية‬
‫أن أبا بكر ي رضي ال عنه ي نفل خالد بن الوليد ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬سلب كسرى‬
‫وكانت قلنسوته بائة ألف وكانت مرصّعة بالوهر ‪.‬‬
‫وهذه الرواية وإن ل نعرف إسنادها فإنا أول بالتصديق؛ لن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم كان يفضل ‪ ،‬وكان ينفل السلب ‪ ،‬وكان ينفل بعض السرايا من اليش‬
‫الثلث بعد المس والربع بعد المس تشجيعـا على الهاد ‪ ،‬ومراعاة لصلحة الدعوة‬
‫السلمية؛ وهذا هو العدل والكمة والفقه ‪.‬‬
‫ثامنـا ‪ :‬أن أبا بكر ل يأخذ فضول أموال الغنياء ول يعزم على ذلك ‪ ،‬فلماذا‬
‫ل ياسبه سيد على ذلك كما حاسب عثمان حسابـا شديدًا ‪ .‬إن منهجه يقتضي‬
‫ماسبة أب بكر فما هو السرّ ف اختلف الكاييل والوازيي لدى سيد قطب ‪.‬‬
‫ث قد عرفت أن هذا ل يثبت عن عمر ول ينسب إل أب بكر مرّد نسبة(‪)3‬؛ لن‬
‫هذا السلب والنهب ل يوجد إلّ ف شريعة الشتراكيي والشيوعيي نزّه ال عنه‬

‫() ((صحيح البخاري)) ( ‪ ) 2/368‬ط السلفية ‪ ( ،‬حديث ‪. ) 3093 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ( ‪. ) 6/344‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أي ‪ :‬أخذ فضول أموال الغنياء ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪162‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫السلم وخلفاء الرسول صلى ال عليه وسلم وأئمة السلم ‪.‬‬


‫تاسعـا ‪ :‬للجهاز على الدعاوي الباطلة والغالطات الكبية الت يرتكبها‬
‫الشتراكيون ل بدّ من سوق بعض الدلة من تصرفات رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫أعدل العادلي وسيد النبياء والرسلي ‪ ،‬على أنه كان يفاوت ف العطاء ‪ ،‬ويؤثر‬
‫أناسـا على أناس ‪ ،‬ويصّ أناسـا دون أناس بسب الصلحة العليا للسلم وبسب‬
‫ما يراه من الترغيب ف السلم وتذليل العقبات ف طريق دعوته العظيمة ‪.‬‬
‫وقد يصل اعتراض أحيانـا من ل علم له أو من ضعف دينه ومرض قلبه ‪.‬‬
‫عن أب وائل عن عبد ال ي رضي ال عنه ي قال ‪ :‬لا كان يوم حني آثر النب‬
‫صلى ال عليه وسلم أناسـا ف القسمة ‪ ،‬فأعطى القرعَ بن حابس مائة من البل ‪،‬‬
‫وأعطى عيينة مثل ذلك ‪ ،‬وأعطى أناسـا من أشراف العرب فآثرهم يومئذٍ ف‬
‫القسمة ‪ .‬قال رجلٌ ‪ :‬وال إن هذه لقسمةٌ ما عدل فيها ‪ ،‬وما أُريد با وجهُ ال ‪،‬‬
‫فقلت ‪ :‬وال لخب ّن النب صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأتيتُه فأخبتُه فقال ‪(( :‬فمن يعدل إذا‬
‫ل يعدل ال ورسوله ؟ ‪ ،‬رحم ال موسى قد أوذيَ بأكثرَ من هذا فصب))(‪.)1‬‬
‫فهذا عطاء سخيّ فيه إيثارٌ لناس على أناس هو ف نظرِ ذي الويصرة وأمثاله‬
‫ظلمٌ شديد ماف للعدل ‪ ،‬لكنه ف ميزان ال ورسوله والؤمني عدل حق العدل‬
‫وحكمة عظيمة لا آثارُها البعيدة ف خدمة السلم ونصرته وانتشاره ف أرض ال‬
‫وامتداده نتيجة لتلك التصرّفات القائمة على العدل والكمة ‪.‬‬
‫عن أنس بن مالك أن أناسـا من النصار قالوا لرسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫حي أفاء ال على رسوله صلى ال عليه وسلم من أموال هوازن ما أفاء ‪ ،‬فطفق يعطي‬
‫رجالً من قريش الائة من البل ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يغفر ال لرسول ال يعطي قريشـا ويدعنا‬
‫وسيوفنا تقطر من دمائهم ‪ ،‬قال أنس ‪ :‬فحدث رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫بقالتهم ‪ ،‬فأرسل إل النصار فجمعهم ف قبة أدم ول يدع معهم أحدًا غيهم ‪ ،‬فلما‬
‫اجتمعوا جاءهم رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪(( :‬ما كان حديث بلغن‬
‫() ((صيحيح البخاري)) ‪ ( :‬كتاب الميس ‪ ،‬حدييث ‪ ، ) 3150 :‬ومسيلم ‪ ( :‬كتاب الزكاة ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫حديث ‪. ) 1062 :‬‬

‫‪163‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫عنكم ؟)) ‪ ،‬قال له فقهاؤهم ‪ :‬فأما ذوو آرائنا يا رسول ال فلم يقولوا شيئـا ‪ ،‬وأما‬
‫أناس منا حديثة أسنانم فقالوا ‪ :‬يغفر ال لرسول ال صلى ال عليه وسلم يعطي‬
‫قريشـا ويترك النصار وسيوفُنا تقطر من دمائهم ؟ ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪(( :‬إن لعطي رجالً حديث عهدهم بكفر؛ أما ترضون أن يذهب الناسُ‬
‫بالموال وترجعوا إل رحالكم برسول ال صلى ال عليه وسلم ؟؛ فوال ما تنقلبون به‬
‫خيٌ ما ينقلبون به)) ‪ ،‬قالوا ‪ :‬بلى يا رسول ال قد رضينا ‪ ،‬فقال لم ‪(( :‬إنكم سترون‬
‫بعدي أثرة‬
‫شديدة ‪ ،‬فاصبوا حت تلقوا ال ورسولَه صلى ال عليه وسلم على الوض)) ‪ ،‬قال‬
‫أنس ‪ :‬فلم نصب(‪.)1‬‬
‫وهذا العطاء فيه إيثار لناسٍ بأموال طائلة ‪ ،‬ويقال فيه ما قيل ف العطاء قبله ‪.‬‬
‫وعن جابر بن عبد ال ي رضي ال عنهما ي قال ‪ :‬كان رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم قال ل ‪(( :‬لو قد جاء مال البحرين قد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا)) ‪،‬‬
‫فلما قبض رسول ال صلى ال عليه وسلم وجاءنا مالُ البحرين قال أبو بكر ‪ :‬من‬
‫كانت له عند رسول ال صلى ال عليه وسلم عدة فليأتن ‪ ،‬فأتيتُه فقلت ‪ :‬إن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم قد كان قال ل ‪(( :‬لو قد جاء مال البحرين لعطيتك هكذا‬
‫وهكذا وهكذا)) ‪ ،‬فقال ل ‪ :‬أحثه فحيث حثية فقال ل ‪ :‬عدها ‪ ،‬فعددتا ‪ ،‬فإذا هي‬
‫خسمائة ‪ ،‬فأعطان ألفـا وخسمائة(‪.)2‬‬
‫وعن أنس ي رضي ال عنه ي ‪ :‬أت النب صلى ال بال من البحرين فقال ‪:‬‬
‫((انثروه ف السجد)) ‪ ،‬فكان أكثر مالٍ أت به رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬إذ جاءه‬
‫العباس فقال ‪ :‬يا رسول ال أعطن ‪ ،‬فإن فاديت نفسي وفاديت عقيلً ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫((خذ)) ‪ ،‬فحثا ف ثوبه ‪ ،‬ث ذهب يقله فلم يستطع ‪ ،‬فقال ‪ :‬فمر بعضهم يرفعه إلّ ‪،‬‬
‫قال ‪(( :‬ل)) ‪ ،‬قال ‪ :‬فارفعه أنت عليّ ‪ ،‬قال ‪(( :‬ل)) ‪ ،‬فنثر منه ‪ ،‬ث ذهب يقلّه فلم‬
‫يرفعه ‪ ،‬فقال ‪ :‬فمر بعضهم يرفعه عليّ ‪ ،‬قال ‪(( :‬ل)) ‪ ،‬قال ‪ :‬فارفعه أنت عليّ ‪ ،‬قال ‪:‬‬

‫() البخاري ‪ ، ) 3147 ( :‬ومسلم ‪. ) 1059 ( :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() البخاري ‪ ( :‬المس ‪ ،‬حديث ‪. ) 3164 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪164‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫((ل)) ‪ ،‬فنثر منه ث احتمله على كاهله ث انطلق ‪ ،‬فما زال يتبعه بصره حت خفي علينا‬
‫عجبـا من حرصه؛ فما قام رسول ال صلى ال عليه وسلم و ّث منها درهم(‪.)1‬‬
‫وعن عمرو بن تغلب ي رضي ال عنه ي قال ‪ :‬أعطى رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قومـا ومنع آخرين ‪ ،‬فكأنم عتبوا عليه ‪ ،‬فقال ‪(( :‬إن أعطي قومـا أخاف‬
‫ظلعهم(‪)2‬وجزعهم ‪ ،‬وأكل أقوامـا إل ما جعل ال ف قلوبم من الي والغن ‪ ،‬منهم‬
‫عمرو بن تغلب)) ‪ ،‬فقال عمرو بن تغلب ‪ :‬ما أحبّ أنّ ل بكلمة رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم حر النعم ‪.‬‬
‫وف لفظٍ‪:‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أت بال أو بسب ‪ ،‬فقسمه(‪ .)3‬بذا‪.‬‬
‫وعن سعد بن أب وقاص ي رضي ال عنه ي أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫أعطى رهطـا وسعدٌ جالس ‪ ،‬فترك رسولُ ال صلى ال عليه وسلم رجلً هو أعجبهم‬
‫إلّ ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رسول ال مالك عن فلن فو ال إن لراه مؤمنـا ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫((أو مسلمـا)) ‪ ،‬فسكت قليلً ‪ ،‬ث غلب ما أعلم منه فعدت لقالت فقلت ‪ :‬مالك عن‬
‫فلن فوال إن لراه مؤمنـا ‪ ،‬فقال ‪(( :‬أو مسلمـا)) ‪ ،‬فسكت قليلً ‪ ،‬فغلبن ما أعلم‬
‫منه فعدت لقالت وعاد رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ث قال ‪(( :‬يا سعد إن لعطي‬
‫الرجل وغيه أحبّ إلّ منه خشيةَ أن يكبّه ال ف النار))(‪.)4‬‬
‫وعن أنس ي رضي ال عنه ي قال ‪ :‬دعا النب صلى ال عليه وسلم النصار إل‬
‫أن يقطعهم البحرين فقالوا ‪ :‬ل إل أن تقطع لخواننا من الهاجرين مثلها ‪ ،‬قال ‪(( :‬إما‬
‫ل فاصبوا حت تلقون؛ فإنه سيصيبكم بعدي أثرة))(‪.)5‬‬
‫وعن ابن عمر ي رضي ال عنهما ي ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه بعث سريّة‬
‫فيها عبد ال بن عمر قِبل ند ‪ ،‬فغنموا إبلً كثية ‪ ،‬فكانت سهمانم اثن عشرة بعيًا ‪،‬‬
‫() البخاري ‪ ( :‬المس ‪ ،‬حديث ‪ 3165 :‬تعليقـا ) ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الظّلَع ‪ :‬اليل والعوجاج ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() البخاري ‪ ( :‬الفيء ‪ ،‬حديث ‪. ) 3145 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() متف ٌق عليه ‪ .‬انظر ‪(( :‬اللؤلؤ والرجان)) ‪ ، 1/32 ( :‬ح ‪. ) 91 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫() البخاري ‪ ( :‬الناقب ‪ ،‬ح ‪. ) 3793 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪165‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ونفلوا بعيًا بعيًا(‪.)1‬‬


‫وعنه ي رضي ال عنه ي ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان ينفل بعض‬
‫من يبعث من السرايا لنفسهم خاصّة سوى قسم عامة اليش(‪.)2‬‬
‫وعن حبيب بن مسلمة الفهري أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان ينفّل‬
‫الربع بعد المس والثلث بعد المس إذا قفل ‪.‬‬
‫وعن مكحول ‪ :‬سعتُ حبيبَ بن مسلمة الفهري يقول ‪ :‬شهدت النب صلى ال‬
‫عليه وسلم نفل الربع ف البدأة والثلث ف الرجعة(‪.)3‬‬
‫قال الطاب ‪(( :‬والبدأة إنا هي ابتداء سفر الغزو إذا نضت سرية من جلة‬
‫العسكر فأوقعت بطائفة العدو ‪ ،‬فما غنموا كان لم منه الربع ‪ ،‬ويشركهم سائر‬
‫العسكر ف ثلثة أرباعه ‪ ،‬فإن قفلوا من الغزاة ث رجعوا فأوقعوا بالعدو ثانية كان لم‬
‫ما غنموا الثلث؛ لن نوضهم بعد القفل أشقّ والطرُ فيه أعظم(‪.)4‬‬
‫وأسهم رسول ال صلى ال عليه وسلم لهل السفينة من مهاجرة البشة‬
‫جعفر وأصحابه وهم ل يشاركوا ف القتال والفتح ‪ ،‬ول يعط لحد غاب عن فتح‬
‫خبي شيئـا(‪.)5‬‬
‫فهذه الحاديث الشريفة وغيها تبيّن سية النب صلى ال عليه وسلم ف اليثار‬
‫والرمان على حسب الصلحة للسلم والسلمي ومراعاة حال أقوام وضعفهم ف‬
‫اليان خشية أن يكبّهم ال ف النار وأنه يكل أقوامـا إل ما ف نفوسهم من الي‬
‫والغن ‪ .‬وهذه التصرفات التصرفات كلها ف المس ‪.‬‬
‫أما أصل الغان فإن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يسوّي بي القاتلي‬

‫() البخاري ‪ ، 57 ( :‬المس ‪ ،‬حديث ‪ ، ) 3134 :‬مسلم ‪ ، 33 ( :‬الهاد ‪. ) 35 ، 1749 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫() البخاري ‪ ، 57 ( :‬المس ‪ ،‬ح ‪ ، ) 3134‬مسلم ‪ ، 33 ( :‬الهاد ‪ ،‬ح ‪. ) 40 ، 1749‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سنن أب داود ‪ 3/181 ( :‬ي ‪ ، 183‬كتاب الهاد ) ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() ((سنن أب داود)) تقيق عزت عبيد الدعّاس‪ ( :‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. ) 183‬‬ ‫‪4‬‬

‫() انظر ‪ :‬البخاري ‪ ( :‬حديث ‪. ) 3136 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪166‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الذين شهدوا العارك ‪ ،‬فيعطي للرجل سهمـا ‪ ،‬وللفرس سهمي بعد إخراج المس ‪،‬‬
‫وقد يتصرّف أحيانـا ف هذا كما أشرك أهل السفينة ف مغان خيب ول يعط سواهم‬
‫من غاب ‪ ،‬وقد يصل تفضيل لبعض الناس بإعطائه سلب قتيله ‪ ،‬وقد يفضل بعض‬
‫السرايا بتنفيلهم الربع بعد المس ف الذهاب إل الهاد والثلث عند الوبة منه ‪.‬‬
‫وما يعتقد مسلمٌ أن أبا بكر يرجُ عن هذا الدي النبوي السمح الكيم ‪.‬‬
‫وما يعتقد مسلم أنه يسوّي بي الحرار والعبيد ‪ ،‬والذكور والناث وقد فاوت‬
‫ال بي درجاتم ‪ ،‬ومضى على هذا السنن رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ فإن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يرضخ لن حضر العارك من النساء والعبيد‬
‫ل تسأل عن الرأة والعبد‬ ‫رضخـا ‪ ،‬كما قال ابن عباس لنجدة ‪(( :‬إنك كتبت إ ّ‬
‫يضران الغنم هل يقسم لما شيء ‪ ،‬وإنه ليس لما شيء إلّ أن يذيا(‪.)1‬‬
‫وعند أب داود(‪(( :)2‬قد كن يضرن الرب مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فأما أن يضرب لن بسهم فل ‪ ،‬وقد كان يرضخ لن ‪.‬‬
‫وقريبٌ من هذا اللفظ ف ((مسلم)) أيضـا ‪.‬‬
‫وعلى هذا الدلة الصحيحة اعتمد أكثر فقهاء السلم فذهبوا إل أن النساء‬
‫والعبيد ل يسهم لم ‪ ،‬وإنا يرضخ لم ‪ ،‬وخالف الوزاعي فقال ‪ :‬يسهم للنساء ‪،‬‬
‫وعمدته حديث ضعيف ل تقومُ به الجة ‪ .‬من كلم الطّاب تعليقـا على‬
‫أحاديث أب داود(‪.)3‬‬
‫وكذلك الزية وهي من حقوق السلم والسلمي على أهل الذمة ‪ ،‬فل تكون‬
‫على النساء ول على الصبيان ‪.‬‬
‫فعن معاذ بن جبل ي رضي ال عنه ي أن النب صلى ال عليه وسلم حي بعثه‬
‫إل اليمن قال ‪ :‬خذ من كل حال دينارًا ‪ .‬أخرجه أصحاب السنن ‪ ،‬وصححه‬

‫() مسلم ‪ ( :‬الهاد ‪ ،‬حديث ‪. ) 1812 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ( الهاد ‪ ،‬حديث ‪. ) 2728 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ( ج ‪ ، 3‬ص ‪. ) 171 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪167‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الترمذي والاكم ‪.‬‬


‫واختلف السلف ف أخذها من الصب ‪ :‬فالمهور على مفهوم حديث معاذ ‪،‬‬
‫وكذا ل تؤخذ من شيخ فانٍ ‪ ،‬ول زمِن ‪ ،‬ول امرأة ‪ ،‬ول منون ‪ ،‬ول عاجز عن‬
‫الكسب ‪ ،‬ول أجي ‪ ،‬ول من أصحاب الصوامع والديارات؛ والصحّ عند الشافعية‬
‫الوجوب على من ذكر آخرًا(‪.)1‬‬
‫وقال الوفق ابن قدامة(‪(( :)2‬فصل ‪ :‬واختلف اللفاء الراشدون ‪ -‬رضي ال‬
‫عنهم ‪ -‬ف قسم الفيء بي أهله؛ فذهب أبو بكر الصديق ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬إل‬
‫التسوية(‪)3‬بينهم فيه ‪ ،‬وهو الشهور عن عليّ ي رضي ال عنه ي؛ روى أن أبا بكر‬
‫ي رضي ال عنه ي سوّى بي الناس ف العطاء وأدخل فيه العبيد ‪ ،‬فقال له عمر ‪ :‬يا‬
‫خليفة رسول ال أتعل الذين جاهدوا ف سبيل ال بأموالم وأنفسهم وهجروا‬
‫ديارهم له كمن دخلوا ف السلم كرهـا ؟ ‪ ،‬فقال أبو بكر ‪ :‬إنا عملوا ل ‪ ،‬وإنا‬
‫أجورهم على ال ‪ ،‬وإنا الدنيا بلغ ‪.‬‬
‫فلما ول عمر ي رضي ال عنه ي فاضلَ بينهم ‪ ،‬وأخرج العبيد ‪.‬‬
‫فلما ول علي ي رضي ال عنه ي سوّى بينهم وأخرج العبيد ‪.‬‬
‫وذكر عن عثمان ي رضي ال عنه ي أنه فضّل بينهم ف القسمة ‪.‬‬
‫فعلى هذا يكون مذهب اثني منهم ي أب بكر ‪ ،‬وعلي ي التسوية؛ ومذهب‬
‫اثني ي عمر ‪ ،‬وعثمان ي التفضيل ‪.‬‬
‫وروى عن أحد ي رحة ال عليه ي أنه أجاز المرين جيعـا على ما يراه‬
‫المام يؤدّي اجتهادُه إليه؛ فروى عنه السن بن علي بن السن أنه قال ‪ :‬للمام أن‬
‫يفضل قومـا على قوم ‪.‬‬
‫وقال أبو بكر اخيتار أب عبد ال أن ل يفضلوا ‪.‬‬
‫() ((فتح الباري)) ‪. ) 6/260 ( :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((الغن)) ‪ 9/300 ( :‬ي ‪ ) 301‬ط هجر ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سبق بيان أن التسوية ل تثبت عن أب بكر ي رضي ال عنه ي ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪168‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وهذا اختيار الشافعي ‪.‬‬


‫وقال أب ‪ :‬رأيت قسم ال الواريث على العدد يكون الخوة متفاضلي ف الغن‬
‫عن اليت ‪ ،‬والصلة ف الياة ‪ ،‬والفظ بعد الوت فل يفضلون ‪ ،‬وقسم رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم من الربعة الخاس على العدد ‪ ،‬ومنهم من يغن غاية الغن ‪،‬‬
‫ويكون الفتح على يديه ‪ ،‬ومنهم من يكون مضره إما غي نافع ‪ ،‬وإما ضرر بالب‬
‫والزية؛ وذلك أنم استووا ف سبب الستحقاق وهو انتصابم للجهاد‬
‫فصاروا كالغاني ‪.‬‬
‫والصحيح ي إن شاء ال تعال ي ‪ :‬أن ذلك مفوّض إل اجتهاد المام يفعل ما‬
‫يراه من تسوية ‪ ،‬وتفضيل؛ لن النب صلى ال عليه وسلم كان يعطي النفال فيفضل‬
‫قومـا على قوم على قدر غنائهم؛ وهذا ف معناه ‪.‬‬
‫والشهور عن عمر ي رضي ال عنه ي أنه حي كثر عنده الال فرض للمسلمي‬
‫أعطيائهم ‪ ،‬ففرض للمهاجرين من أهل بدر خسة آلف خسة آلف ‪ ))...‬إل ‪.‬‬
‫وعلى القول بأن التفضيل والتسوية مفوضان إل رأي المام فيجب أن نفهم‬
‫أمرين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن هذا أمرٌ خاص بالفيء فقط ‪.‬‬
‫الثان ‪ :‬أنه ل علقة لذه التسوية بالتوازن والتأميم وما شاكلهما ما يُ َدنْ ِدنُ حوله‬
‫سيد قطب والشتراكيون ‪.‬‬
‫وقول سيد قطب ‪(( :‬ها رأيان إذًا ف تقسيم الال ‪ :‬رأي أب بكر ‪ ،‬ورأي‬
‫عمر؛ وقد كان لرأي عمر سنده ‪(( :‬ل أجعل من قاتل رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم كمن قاتل معه)) ‪ ،‬و ‪ ...(( :‬فالرجل وبلؤه ف السلم ‪ ، ))...‬ولذا الرأي‬
‫أصل ف السلم وهو التعادل بي الهد والزاء ‪.‬‬
‫أقول ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ليس لعمر ي رضي ال عنه ي رأيٌ ‪ ،‬وإنا هو متبعٌ لا شاهده من‬

‫‪169‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫تصرفات الرسول الكري صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وقد سقنا أحاديث ف ذلك فيما‬
‫سبق ‪.‬‬
‫هذا فيما يتعلّق بأصل السألة وهو التفضيل ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أن له ملحظان ف التفضيل ‪:‬‬
‫أ ي السابقة؛ ومِن هنا فضّل الهاجرين ففرضَ لم على خسة آلف خسة‬
‫آلف ‪ ،‬ولن شهد بدرًا من النصار أربعة آلف ‪ ،‬ولن شهد الديبية ثلثة آلف ‪.‬‬
‫ب ي النسب والقرابة؛ ففرض عمر ي رضي ال عنه ي لزواج النب صلى‬
‫ال عليه وسلم اثن عشر ألفـا إثن عشر ألفـا ‪.‬‬
‫وفرض للعباس بن عبد الطلب عم النب صلى ال عليه وسلم اثن عشر ألفـا ‪،‬‬
‫ولسامة بن زيد أربعة آلف ‪ ،‬ولعبد ال بن عمر ثلثة آلف ‪ ،‬وفرض للحسن‬
‫والسي خسة آلف خسة آلف ألقهما بأبيهما ‪.‬‬
‫وعلى هذا ‪ :‬فإن عمر ل يراع التعادل بي الهد والزاء كما يقول سيد قطب ‪،‬‬
‫وإنا راعى التباع ث السابقة ث شرف القرابة من رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫كما بدأ ببن هاشم وبن الطلب وغيهم من بطون قريش حت كان عمر نفسه وأهله‬
‫ف آخر البيوت ‪.‬‬
‫وأما أبو بكر فلم تثبت عنه هذه الساواة الطلقة الت تعلق با الشتراكيون‬
‫وجعلوها شعارًا ‪ ،‬بل هي ل تثبت عن رسول ال ول عن عمر ول عثمان وعلي‬
‫ي رضي ال عنهم ي ف أبواب الال خاصة ‪ ،‬وإن كانت ثابتة ف باب القصاص كما‬
‫قال تعال ‪ { :‬وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعي بالعي والنف‬
‫بالنف والذن بالذن والسن بالسن والروح قصاص } ‪ ،‬وكما قال تعال ‪ { :‬كتب‬
‫عليكم القصاص ف القتلى الر بالر والعبد بالعبد والنثى بالنثى فمن عفي له من‬
‫أخيه شيء فاتباع بالعروف وأداء إليه بإحسان } ‪.‬‬
‫وف الدود تقام على الشريف والوضيع ‪ :‬حد الزنا ‪ ،‬والسرقة ‪ ،‬والرابة ‪،‬‬
‫والقذف ‪ ،‬ل يفرق فيها بي شريف ووضيع ‪ ،‬وعرب وعجمي ‪ ،‬وغن وفقي كما قال‬

‫‪170‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫صلى ال عليه وسلم ‪(( :‬وال لو سرقت فاطمة بنت ممد لقطعتُ يدها)) ‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وإنصافُ الظلوم من الظال ونصرته ل فرقَ بي هذه الصناف كلها ‪ ،‬إل ميادين‬
‫أخرى تتحقق فيها هذه الساواة ‪.‬‬
‫والعجب أن سيدًا يرى أن لب بكر وعمر أن يتهدا فيذهب أحدها إل‬
‫الساواة والخر إل التفضيل ‪ ،‬ويرى أن لكل منهما أصلً ف السلم ‪ ،‬ول يرى هذا‬
‫الق لعثمان ي رضي ال عنه ي ‪ ،‬بل يرى سيد هذا الق لكل إمامٍ مسلم ‪ ،‬بل يراه‬
‫لنفسه ‪ ،‬ول يراه لعثمان الليفة الراشد ‪.‬‬
‫والعجب ثانية ‪ :‬أن سيدًا يوض هذه الآزق ول يلتفت إل سنة رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ول يلتفت إل مذاهب وأقوال أئمة الفقه والديث ‪.‬‬
‫والعجب ثالثة ‪ :‬أن سيدًا يقيس المور بقاييس عصره كأن عمرًا وأبا بكر‬
‫عايشا عصر الصراع بي الرأسالية والشتراكية فلهذا كان عمر يرتعد فرقـا من زيادة‬
‫رؤوس أموال بعض الناس وتضخمها ‪ ،‬فلما رأى هذه النتائج الطرة آل لئن جاء عليه‬
‫العام ليسوين ف العطيات وقال قولته الشهورة ‪( :‬لو استبقلت من أمري ما استدبرت‬
‫لخذت من الغنياء فضول أموالم فرددتا على الفقراء) ‪.‬‬
‫هكذا يصور سيد عمر ف ضوء أو ف ظلمات هذه الروايات الزائفة؛‬
‫يصوّره وهو يشرع وينوي التأميم والصادرة كأنه من زعماء الشتراكية الكبار‬
‫ي والعياذ بال ي ‪.‬‬
‫إن ال ل يعط هذا الق لرسله وأنبيائه فكيف يعطي سيد قطب هذا الق لعمر؛‬
‫حاشا عمر ث حاشا عمر أن يفكر مثل هذا التفكي أو يقولَ مثل هذا القول وقد سع‬
‫ممدًا رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪(( :‬ما أعطيكم ول أمنعكم ‪ ،‬إنا أنا قاسم‬
‫أضع حيث أُمرت))(‪ ، )1‬وقد سعه يقول ‪(( :‬إن دماءكم ‪ ،‬وأموالكم ‪ ،‬وأعراضكم حرامٌ‬
‫عليكم كحرمة يومكم هذا ف بلدكم هذا ف شهركم هذا؛ أل هل بلّغت ؟))(‪، )2‬‬

‫() البخاري ‪ ( :‬المس ‪ ،‬حديث ‪. ) 3117 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() البخاري ‪ ( :‬كتاب الج ‪ ،‬ح ‪ ، ) 1739 :‬ومسلم ( ‪ ، 51‬كتاب الج ‪ ،‬ح ‪. ) 1218 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪172‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وقد سعه يقول وقد غل السعر فقال له أصحابه(‪ :)1‬يا رسول ال لو سعّرت ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫((إن ال هو الالق القابض الباسط الرازق السعر ‪ ،‬وإن لرجو أن ألقى ال ول يطلبن‬
‫أحد بظلمة ظلمتُها إياه ف دمٍ ول مال)) ‪.‬‬
‫وف الباب أحاديث عن أب هريرة ‪ ،‬وأب سعيد ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬وأب جحيفة ‪.‬‬
‫وجهور العلماء على منع التسعي بناء على هذه الدلة؛ فإذا كان رسول ال يرى‬
‫التسعي ظلمـا وأنه صلى ال عليه وسلم إنا هو قاسم يضع حيث أُمر ‪ ،‬ويرّم الدماء‬
‫والموال هذا التحري الؤكّد فكيف يعقل أن يقوم عمر بصادرة أموال الناس وتأميمها‬
‫على الصطلح الشتراكي؛ حاشاه ث حاشاه من هذا الفكر والتفكي (الثوري‬
‫الشتراكي) ‪.‬‬
‫ث إن هذا الثر ‪(( :‬لو استقبلت من أمري ما استدبرت لخذت من الغنياء‬
‫فضول أموالم فرددتا على الفقراء ) ‪ .‬ل أجده ‪ ،‬ولكن قال ابن أب شيبة ف‬
‫((مصنفه))(‪ :)2‬حدثنا وكيع قال ‪ :‬حدثنا سفيان عن حبيب بن أب ثابت ‪ ،‬عن أب وائل‬
‫قال ‪ :‬قال عمر لئن بقيت لخذن فضل مال الغنياء ولقسمنه ف فقراء الهاجرين ‪.‬‬
‫وف إسناده حبيب بن أب ثابت(‪)3‬وهو مدلس ‪ ،‬عدّه الافظ ابن حجر ف الطبقة‬
‫الثالثة ‪ ،‬وهم من أكثر من التدليس ‪ ،‬فلم يتج الئمة من أحاديثهم إلّ با صرّحوا فيه‬
‫بالسماع؛ وحبيبٌ منهم فل حجة ف روايته ‪.‬‬
‫وهناك احتمال علة أخرى ف إسناد هذه الرواية من قبل أب وائل وهي الرسال‬
‫الفي؛لن أبا وائل كان يرسل كما ذكر ذلك ابن أب حات عن أبيه وعن المام أحد‪.‬‬
‫وهذا المر الطي الذي يتضمن أخذ أموال حرّمها ال تريـا شديدًا‬
‫كتحري الدماء والعراض مالف للكتاب والسنة وإجاع المة ‪ ،‬مالف لا يتمتع به‬

‫يند أحد ي)) ‪ ، ) 3/156 ( :‬وأب ي داود ‪ 17( :‬البيوع ‪ ،‬ح ‪ ، ) 3451 :‬والترمذي ‪:‬‬
‫() ((مسي‬ ‫‪1‬‬

‫( بيوع ‪ ،‬ح ‪ ، ) 1328 :‬تفة الحوذي ‪. ) 4/543 ( :‬‬


‫() ( ‪. ) 12/340‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ((طبقات الدلسي)) ( ص ‪ 84 :‬ي ‪ ) 85‬دار الكتب ‪ ،‬بيوت ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪173‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫عمر نفسه من العدل ‪.‬‬


‫ث لو ثبت لكان حجة على سيد؛ إذ يرى أن تضخّم الموال إنا كان نتيجة‬
‫للتفضيل ف العطاء؛ فعمر ي رضي ال عنه ي كان يفضل الهاجرين على غيهم ‪،‬‬
‫فأين نتائج هذا التفضيل ؟ ‪ ،‬أل يرى ف هذا الثر أن عمر يريد أن يأخذ فضل مال‬
‫الغنياء ليقسمه بي فقراء الهاجرين؛ فهل يا ترى أن عمر ل يكتف بتفضيل الهاجرين‬
‫حت عزم أن يأخذ فضل الغنياء ليقسمه بينهم ‪ ،‬ث إن النص الذي نقله سيد يفيد أن‬
‫عمر عزم على أخذ فضول عموم الغنياء ف الدولة السلمية ليعطي عموم الفقراء ف‬
‫الدولة؛ وهذا النص يفيد أنه يريد أن يأخذ فضل بعض الغنياء لبعض الفقراء؛ إذ ل‬
‫يعقل أن يأخذ أموال الغنياء ف العال السلمي ليعطي فقراء الهاجرين فقط مع‬
‫تفضيله إياهم ف العطاء ‪.‬‬
‫ي منها إل عمر‬
‫والواقع أنه ل يثبت هذا ول ذاك ‪ ،‬ول يوز نسبة أ ّ‬
‫ي رضي ال عنه ي لا أسلفناه ‪.‬‬
‫ث لو فرض ثبوت أن عمر كان يفكر ف أخذ فضول الغنياء وهذا شيءٌ ل أصل‬
‫له ف كتاب ال ول ف سنة رسول ال العملية ‪ ،‬بل الوجود خلفه وهو تري ذلك‬
‫أكان الصحابة يسكتون لعمر ؟ ‪.‬‬
‫والواب ‪ :‬ل ‪ ،‬والشريعة ل تأمر المة بالطاعة إلّ ف طاعة ال وف غي معصية ‪،‬‬
‫والصحابة واعون لذلك تام الوعي ‪ ،‬وقد خالفوا عمر ف قضايا مثل قضية متعة الج ‪،‬‬
‫وقضية ترك النب التيمم والصلة حت يد الاء ‪ ،‬وناقشوه ف قضايا كان يراها فرجع‬
‫عنها؛ لنه كان وقافـا عند كتاب ال ‪ ،‬وعمر نفسه كان يراجع رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم نفسه فيأت الوحيُ بوافقته ‪ ،‬وأحيانـا يأت بخالفته ‪.‬‬
‫فالصحابة إذًا لن يسكتوا عن قول كلمة الق الت ربّاهم عليها القرآن والرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم وأخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم عليهم البيعة أن يقولوها‬
‫حينما أخذ عليهم البيعة على الطاعة لولة المر ‪.‬‬
‫وإذا كان هذا هو العتقد ف عمر والصحابة الكرام فهل يقّ لسيد قطب وغيه‬

‫‪174‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أن يأخذ الكلم البعيد عن هدي الرسول صلى ال عليه وسلم وهدي عمر والصحابة‬
‫على عواهنه وعلى عجره وبره فيطعن به ف عثمان ي رضي ال عنه ي ويسقط به‬
‫خلفته ث يقدمه للمة على أنه هو النهج السلمي الق ؟!! ‪.‬‬
‫وما يقوله سيد من تضخم ثروات فريقٍ من الناس وتزايد هذا التضخم عامـا‬
‫بعد عام بالستثمار ‪ ...‬إل قوله ‪(( :‬هذه النتائج رآها عمر ف آخر أيام حياته فآل لئن‬
‫جاء العام ليسوين ف العطيات ‪ ،‬وقال قوله الشهورة ‪ :‬لو استقبلتُ من أمري‪))...‬‬

‫إل‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬يوهم سيد قطب القرّاء با يهول به من تضم الثروات ونتائجه الؤلة أن‬
‫كل هذا وذاك جاء بسبب التفضيل ف العطاء؛ فهل الواقع كذلك ؟ ‪ .‬الواب ‪ :‬كل ‪.‬‬
‫أولً ‪ :‬أن هذه تاويل من تاويل من امتلت أدمغتهم بالشتراكية ‪.‬‬
‫ثانيـا ‪ :‬أن من وسع ال عليه من الصحابة الكرام ل يرجع ثراؤه إل العطاء‬
‫الذي يناله من الفيء والراج ‪ ،‬وإنا مردّ ذلك أولً إل فضل ال ومنّه وعطائه؛ فهو‬
‫سبحانه يبارك ويوسع على من يشاء من خلقه ويقدّر على من شاء منهم ث إل‬
‫السباب الت يبارك ال فيها من السعي ف التجارة وحسن التدبي والدارة والسعي‬
‫ف تنمية الموال واستثمارها ‪ ،‬ث بركة ال وحسن توفيقه وإتاحة الفرص لنجاح‬
‫الصفقات التجارية ‪.‬‬
‫ولو كان سبب التضخّم هو التفضيل ف العطاء لكان زوجات رسول ال أكثر‬
‫الناس ثراء؛ لن عطاءهن كان أكثر ‪ ،‬إذْ كان عمر يعطي الواحدة منهن اثن عشر‬
‫ألفـا ‪ ،‬وكذلك العباس كان عمر يعطيه اثن عشر ألفـا ‪ ،‬وكان يعطي البدريي‬
‫الهاجرين على خسة آلف خسة آلف ‪ ،‬ومنهم عبد الرحن بن عوف ‪ ،‬وطلحة ‪،‬‬
‫والزبي ‪ ،‬وعثمان ي رضي ال عنهم ي ‪ ،‬وأبو ذر ‪ ،‬وسعيد بن زيد ‪ ،‬والقداد ‪ ،‬وابن‬
‫مسعود ‪ ،‬وبلل ‪ ،‬وعمّار ‪.‬‬
‫فكيف استمر بعضهم مقلّ معدمـا وبعضهم ذا طول وغن مع توحّد‬
‫العطاء ؟!! ‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فلو كان سبب التضخم الال هو تفاوت الناس ف العطاء فلماذا يوت‬
‫بعض الهاجرين والنصار فقيًا مدينـا وبعضهم له الثراء الواسع منه يتصدّق‬
‫ويصل وبه ويدعم الهاد إل آخر أبواب الي والب الت كانوا يتنافسون فيها‬
‫ي رضي ال عنهم ي ‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل الرابع والعشرون‬


‫سه حسرات‬
‫سيد قطب تتقطع نف ُ‬
‫قال سيد قطب ‪(( :‬ولكن وا أسفاه لقد فات الوان وسبقت اليام عمر ‪،‬‬
‫ووقعت النتائج الؤلة الت أودت بالتوازن ف الجتمع السلمي ‪ ،‬كما أدت فيما‬
‫بعد إل الفتنة با أضيف إليها من تصرّف مروان وإقرار عثمان))(‪.)1‬‬
‫لقد نا عمر ي رضي ال عنه ي من بطش سيد قطب بسبب عزمه على‬
‫التسوية ف العطاء وبقولته الشهورة ‪( :‬لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ لخذت من‬
‫الغنياء فضول أموالم فرددتا على الفقراء)؛ لول هذا العزمان لاجه سيد كما هاجم‬
‫عثمان ي رضي ال عنه ي ‪ ،‬ومن هنا اعتب رأيه مقبولً له أصل ‪ ،‬لكنه ل يدرك أنه‬
‫وقع ف التناقض العجيب ‪ ،‬ول يدرك أن كثيًا من القراء والكتّاب غي الؤدبي‬
‫والفاقهي سينحون باللئمة على عمر قبل عثمان؛ لنه هو الذي سنّ هذا التفاضل ف‬
‫العطاء الذي أدّى إل النتائج الؤلة ‪ ،‬وأنه حي أدرك هذه النتائج الؤلة ل يبادر إل‬
‫التسوية ف العطاء ول يبادر إل أخذ فضول الغنياء ث ردها إل الفقراء ‪ ،‬بل حت ل‬
‫يوص الليفة بعده بتنفيذ ما عزم عليه ‪.‬‬
‫بل جعل المر شورى بعده ف الستة ‪ ،‬وجعلهم أهل ثروة طائلة بجة أن رسول‬
‫ال مات وهو راض عنهم ‪ ،‬وبجة أنم أفضل الوجودين وأحق الناس باللفة ‪.‬‬
‫هذا كله ل يستبعد أن يثيه السفهاء حول عمر بناية سيد قطب ‪ ،‬بل ل أستبعد‬
‫أن تكون هذه قد ثارت ف نفس سيد ‪.‬‬
‫لكن عمر ي رضي ال عنه ي إنا هو متبعٌ ل مبتدع ول مترع ‪ ،‬وما قال‬
‫شيئـا ما نسبه إليه سيد قطب ي حاشاه رضي ال عنه من ذلك ي ‪ ،‬ول يكن هناك‬
‫نتائج مؤلة كما خيل لسيد فل هذا ول ذاك ‪.‬‬

‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ) 172 :‬ط ثان ية عشرة ‪ ( ،‬ص ‪ ) 206 :‬ط خام سة ‪ ،‬وفي ها ‪ (( :‬من ت صرف‬ ‫‪1‬‬

‫أمية وإقرار عثمان)) ‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل الخامس والعشرون‬


‫خلفة عثمان كانت فجوة في نظر سيد‬
‫قال سيد قطب ‪(( :‬رجع عمر إذًا عن رأيه ف التفرقة بي السلمي ف العطاء‬
‫حينما رأى نتائجه الطرة إل رأي أب بكر ‪ ،‬وكذلك جاء رأي علي مطابقـا لرأي‬
‫الليفة الول ‪ ،‬ونن نيل إل اعتبار خلفة علي ـ رضي ال عنه ـ امتدادًا‬
‫طبيعيـًا للفة الشيخي قبله ‪ ،‬وأن عهد عثمان كان فجوة بينهما ‪ ،‬لذلك نتابع‬
‫الديث عن عهد علي ث نعود للحديث عن الالة ف أيام عثمان))(‪.)1‬‬
‫الآخذ ‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬أن كلّ من أب بكر وعمر بارّ راشد متّبع غي مبتدع ‪ ،‬ول خلف بينهما‬
‫ي رضي ال عنهما ي؛ فقد كان من هدي رسول ال صلى ال عليه وسلم الواضح‬
‫الكامل الذي شاهداه من أول غزوة إل آخرها ما يكفيهم بعضه فضلً عن جيعه ‪،‬‬
‫وقد تقدم بيان ذلك ‪.‬‬
‫وعليه ‪ :‬فل رأي سابق لعمر ول رجوع ول عزم على التأميم والصادرة ‪ ،‬ول‬
‫رأي لب بكر؛ وأعاذها ال من أن يالفا هدي النب صلى ال عليه وسلم الواضح ‪.‬‬
‫ثانيـا ‪ :‬لقد وقع سيد ف هوة عميقة بإسقاطه خلفة عثمان الليفة الراشد‬
‫ضاربـا عرض الائط بإجاع الصحابة وأهل السنة والماعة على صحة بيعته‬
‫وخلفته الراشدة ‪.‬‬
‫ل على نفوس الؤمني ؟ ‪ .‬كلّ ! ‪.‬‬
‫أتظن هذا هينـا سه ً‬
‫إنه ل يسهل هذا إل على نفوس الوارج والروافض وإن تبجّحوا بالسلم‬
‫والهاد؛ فالنفوس الؤمنة الزكية ترفض هذا كل الرفض ‪ ،‬وتقول ‪ { :‬سبحانك هذا‬
‫بتان عظيم } ‪ ،‬وتقول ‪ { :‬وتسبونه هينـا وهو عند ال عظيم } ‪.‬‬
‫ول أدري باذا سقطت خلفة عثمان عند سيد قطب أبالكفر أم بالفسق ؟!! ‪.‬‬
‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ، ) 172 :‬الطبعة الثان ية عشرة ‪ ،‬الطب عة الامسة ( ص ‪ ، ) 206 :‬وف الثان ية‬ ‫‪1‬‬

‫عشرة ‪(( :‬وأن عهد عثمان الذي تكّم فيه مروان كان فجوةً بينهما)) ‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يقول سيد قطب ف كتابه ((الظلل))(‪)1‬ف تفسي قول ال تعال ‪ { :‬ل ينال‬
‫عهدي الظالي } ‪:‬‬
‫((والظلم أنواع ‪ :‬ظلم النفس بالشرك ‪ ،‬وظلم الناس بالبغي ‪ ...‬والمامة المنوعة‬
‫على الظالي تشمل كل معان إمامة الرسالة ‪ ،‬وإمامة اللفة ‪ ،‬وإمامة الصلة ‪...‬‬
‫وكل معن من معان المامة والقيادة؛ فالعدل بكل معانية هو أساس استحقاق هذه‬
‫المامة ف أيّ صورة من صورها ‪.‬‬
‫ومَن ظلم أي لون من الظلم فقد جرد(‪)2‬نفسه من حق المامة وأسقط حقه فيها‬
‫بكل معن من معانيها)) ‪.‬‬
‫فهل من يرى هذا الرأي ف المامة ويرى أن خلفة عثمان كانت فجوةً ‪ ،‬ويرى‬
‫أن أسس السلم قد هدمت ف عهد عثمان ‪ ،‬وروحه قد انتهت ‪ ،‬ويكفّر المة‬
‫بأجعها يبقى ف نفسه أي احترام لعثمان وأمثاله من الصحابة ‪ ،‬فضلً عمّن دونَهم ل‬
‫يبعد أن الرجل يكفّر بأي لون من ألوان الظلم؛ استمع إليه ماذا يقول ف تفسي الية‬
‫الذكورة ف المة السلمية ‪:‬‬
‫((وهذا الذي قيل لبراهيم ي عليه السلم ي وهذا العهد بصيغته الت ل التواء‬
‫فيها ول غموض قاطع(‪)3‬كذلك ف تنحية من يسمون أنفسهم السلمي اليوم با ظلموا‬
‫وبا فسقوا وبا بعدوا عن طريق ال ‪ ،‬وبا نبذوا من شريعته وراء ظهورهم ‪...‬‬
‫() ( ‪. ) 1/112‬‬ ‫‪1‬‬

‫() والعجب أشد العجب من القطبيي كيف يتخذون سيد قطب إمامـا ومدّدًا ؟!! وهو قد ارتكب‬ ‫‪2‬‬

‫كثيًا من أنواع الظلم ‪ ،‬فقال بوحدة الوجود ‪ ،‬وباللول ‪ ،‬وال ب ‪ ،‬وعطّل صفات ال ‪ ،‬وقال بلق‬
‫القرآن ‪ ،‬وأن ال ل يتكلم ‪ ،‬وأنكير رؤيية ال ‪ ،‬وهوّن مين شأن معجزات الرسيول علييه الصيلة‬
‫والسلم ‪ ،‬وكفّر المة بأجعها ‪ ،‬واعتب مساجدها معابد جاهلية ‪ ،‬ودعا إل الشتراكية الغالية ‪ ...‬إل‬
‫الضللت العقائدية والفكرية الت وقعَ فيها ‪.‬‬
‫وحت مظهره كحلق اللحية ‪ ،‬وملبسه كان يقلّد فيها أعداء السلم ويتشبّه بم فيها؛ فعلى أ يّ ٍأساس‬
‫إسلمي اتذوه إمامـا واعتبوه مددًا ؟؟! ‪.‬‬
‫() الشارة راجعية إل اليهود ‪ ،‬وقيد قال فيهيم نوي ميا قال في السيلمي؛ فل فرق عنده بيي اليهود‬ ‫‪3‬‬

‫والسلمي ف القطع بالروج عن ملة إبراهيم عليه السلم وعن عهد ال ‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ودعواهم السلم وهم ينحون شريعة ال ومنهجه عن الياة دعوى كاذبة ل تقوم على‬
‫أساس من عهد ال))(‪.)1‬‬
‫وف كتابه ((الظلل)) وغيه من مؤلفاته تكفي واضحٌ للمسلمي حكّامـا‬
‫ومكومي لروجهم عن حاكمية ال ف نظره ‪ ،‬ومعظمهم ل ناقة له ول جل ‪ ،‬بل‬
‫يتعطشون للحكم بكتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫مع أنه ل يرى شرك الروافض وغلة القبوريي منافيـا لل إله إل ال وللتوحيد‬
‫الذي جاء به النبياء ي عليهم الصلة والسلم ي ‪.‬‬
‫ويلحظ القارئ أن سيد قطب يتحسّر ويتأسّف من تضخم الثروات ف عهد‬
‫عثمان والذي كان له نتائج مؤلة أودت بالتوازن ف الجتمع السلمي ‪.‬‬
‫فما مكانة هذا التوازن ف منهج السلم ؟؟! ‪.‬‬
‫وهل هو أمر شرعه السلم والرسالت قبله ؟؟ ‪.‬‬

‫() ((الظلل)) ‪. ) 1/113 ( :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪180‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل السادس والعشرون‬


‫هل للتوازن الذي يزعمه سيد قطب موضع‬
‫في‬
‫شرعة السلم ؟‬
‫وهل ت هذا التوازن ف عهد النب صلى ال عليه وسلم وأب بكر وعمر ي رضي‬
‫ال عنهما ي ‪ ،‬ث أخنت عليه ودمرته تصرفات عثمان ي رضي ال عنه ي ؟؟ ‪.‬‬
‫والواب ‪ :‬أنّ هذا التوازن الزعوم غي واقع قدرًا؛ فقد شاء ال أن يفاوت بي‬
‫عباده ف أرزاقهم وأخلقهم وف سائر شؤون حياتم لكم ومصال عظيمة ل تستقيم‬
‫حياة البشر إل با ول تقوم إ ّل عليها ‪ ،‬قال تعال ‪ { :‬أهم يقسمون رحة ربك نن‬
‫قسمنا بينهم معيشتهم ف الياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم‬
‫بعضها سخريـًا ورحة ربك خيٌ ما يمعون } [ الزخرف ‪ ، ] 32 :‬وقال تعال ‪:‬‬
‫{ وال فضّل بعضكم على بعض ف الرزق فما الذين فُضلوا برادّي رزقهم على ما‬
‫ملكت أيانم فهم فيه سواء أفبنعمة ال يحدون } [ النحل ‪ ، ] 71 :‬وقال تعال ‪:‬‬
‫{ وهو الذي جعلكم خلئف الرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما‬
‫ل نُمد هؤلء وهؤلء من عطاء‬ ‫آتاكم } [ النعام ‪ ، ] 165 :‬وقال تعال ‪ُ { :‬ك ّ‬
‫ربك وما كان عطاء ربك مظورًا انظر كيف فضّلنا بعضهم على بعض وللخرة أكب‬
‫درجات وأكب تفضيلً } [ السراء ‪ 20 :‬ي ‪. ] 21‬‬
‫وقد شاء ال سبحانه وهو السيد الالك التصرف ف الكون والدبر لشؤون خلقه‬
‫جيعـا أن يكون من عباده أُناسٌ أغنياء وآخرون فقراء ‪ ،‬وأناسٌ مرضى وزمن وأناسٌ‬
‫أصحّاء ‪ ،‬وأناس جهلة وأناس علماء ‪ ،‬وأناس مبصرون وآخرون أكفاء إل آخر‬
‫التفاوت ف هذا الجال ‪.‬‬
‫وف شرع ال الكيم شاء ال أن يفاوت بي عباده ف مالت؛ وذلك عدلٌ منه‬
‫وحكمة؛ ففي باب الواريث فاوت بي الذكور والناث ‪ ،‬فللذكر من الخوة مثل‬
‫حظ‬
‫النثيي ‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وإن مات اليت عن البوين فللم الثلث ‪ ،‬وللب الثلثان ‪.‬‬


‫وإن ماتت الرأة دون أن يكون لا ولد فلزوجها النصف من مالا ‪ ،‬فإن كان لا‬
‫ولد فله الربع ‪ ،‬وإن مات عنها وليس له ولد فلها الربع ‪ ،‬فإن كان له ولد فلها الثمن ‪.‬‬
‫وللرجل على الرأة القوامة إن كان زوجـا ‪ ،‬وله عليها الولية ف عقد النكاح ‪،‬‬
‫فل ولية لا على نفسها ول على غيها ‪.‬‬
‫وف الديات ديتها نصف دية الرجل ‪.‬‬
‫وشرع سبحانه الساواة ف مالت ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫القصاص ‪ :‬قال تعال ‪ { :‬وكتبنا عليهم فيها أن النفسَ بالنفس والعي بالعي‬
‫والنف بالنف والذن بالذن والسن بالسن والروح قصاص } [ الائدة ‪، ] 45 :‬‬
‫وبيّنت السنة أنه ل يُقتل مسلمٌ بكافر ‪ ،‬كما بيّنت أن الرجل يقتل بالرأة ‪ ،‬ويقتل‬
‫الشريف بالوضيع ‪ ،‬والعرب بالعجمي ‪ ،‬وكبي الثرياء وكبار المراء بأفقر الفقراء‬
‫وأوضع الوضعاء ‪.‬‬
‫وف الدود ف الزنا ‪ ،‬والمر ‪ ،‬والسرقة ‪ ،‬والرابة تقام الدود على الميع ل‬
‫فرقَ بي شريفٍ ووضيع ‪ :‬قال صلى ال عليه وسلم لسامة لا شفع ف الرأة الخزومية‬
‫القرشية ‪(( :‬أتشفع ف حدّ من حدود ال ؟)) ‪ ،‬ث قام فاختطب ‪ ،‬ث قال ‪(( :‬إنا أهلك‬
‫الذين قبلكم أنم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ‪ ،‬وإذا سرق فيهم الضعيف‬
‫أقاموا عليه الد؛ وأي ال لو أن فاطمة بنت مم ٍد سرقت لقطعتُ يدها)) (‪.)1‬‬
‫وف حق التملّك بالرث أو التجارة أو إحياء الوات ‪.‬‬
‫وف نصرة الظلوم على الظال وف أمور أخرى وكلها فيها احترام وكرامة للمسلم وهي‬
‫أمور معنويّة ترفع نفسيته وتشعره بكرامته فتجعله يتقر الدنيا وتذيب الفوارق بي الغنياء‬
‫والفقراء إن كان هناك متمع متمسك بدينه مدرك بعقله؛ فهذا ما شرعه السلم وبيّنه ‪.‬‬

‫() البخاري ‪ ، 60 ( :‬النيبياء ‪ ،‬حدييث ‪ ، ) 3475 :‬ومسيلم ‪ ، 29 ( :‬الدود ‪ ،‬حدييث ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪. ) 1688‬‬

‫‪182‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وأما أنه هل ت هذا التوازن الزعوم ف عهد النب صلى ال عليه وسلم وخليفتيه‬
‫ي رضي ال عنهما ي فلم يكن شيء من ذلك ‪.‬‬
‫ولو كان هذا من السلم ل تشرع الزكاة ول سائر الصدقات ‪ ،‬بل كان ال‬
‫يأمر فورًا بالتأميم والصادرات لموال الغنياء أو لفضول أموالم ‪ ،‬بل لو كان التعادل‬
‫واجبـا والساواة واجبة لبلّغ ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم أصحابه من‬
‫الهاجرين والنصار وكان من السهل أن يتنازل الغنياء حينذاك عن أموالم ل سيما ف‬
‫عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم ول سيما النصار الذين أثن ال عليهم وأشاد‬
‫بإيثارهم على أنفسهم ‪.‬‬
‫لكن السلم الذي يعرف القرآن والسنة والتاريخ يد أنه كان هناك ف عهد‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم أغنياء وفقراء والتفاوت بينهم كبي ‪.‬‬
‫فهناك فقراء ف الدينة ‪ ،‬بل وف الزيرة كلها ‪ ،‬وهناك أعراب ‪ ،‬وهناك أهل‬
‫الصفة ف مسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم كان أحدهم يبوا على بطنه من شدة‬
‫الوع(‪)1‬مع وجود أغنياء وأصحاب ثروات ومزارع ‪.‬‬
‫وف عهد عمر كان عام الرمادة اشتدت الجاعة بأهل الزيرة فكان يقتصر على‬
‫جلب الصدقات من المصار السلمية كمصر والعراق والشام ‪ ،‬ول يأخذ الزكاة من‬
‫كثي من السلمي ف ذلك العام فضلً عن الصادرة والتأميم ‪.‬‬
‫أرأيت لو كان التوازن أمرًا مشروعـا ف السلم وأخذ فضول الغنياء وردها‬
‫إل الفقراء أكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يتأخّر عن تنفيذه أو على القل عن‬
‫بيانه للمة ؟ ‪.‬‬
‫وهل كان أبو بكر الصدّيق الذي قاتل الرتديي ومانعي الزكاة وقال ‪( :‬وال لو‬
‫منعون عقالً أو عناقـا كانوا يؤدّونا لرسول ال صلى ال عليه وسلم لقاتلتهم عليها)‬
‫يتأخّر عن تطبيق تعاليم السلم الت يزعمها سيد قطب ‪.‬‬

‫() كان هذا يصيل لشدّة كتمان الفقير ولالميوعدم علم الغنياء بمي؛ فإذا علموا ذلك قاموا بسيدّ‬ ‫‪1‬‬

‫خلتهم ‪ ،‬بل كانوا ف الغلب يقومون بذلك بدون شكوى من الفقراء ‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وهل عمر العبقري الصارم يتأخر طول خلفته عن تنفيذ هذا المر العظيم ف‬
‫نظر الشتراكيي ؟ ‪ ،‬ويظل على خلفه طول مدّة خلفته ؟ ‪.‬‬
‫وهل لو كان هذا التوازن ما حتمه السلم يغفله الصحابة والتابعون وأئمة‬
‫الفقه والديث ف أحاديثهم وكتب فقههم وتفسيهم وتواريهم ؟!! ‪.‬‬
‫أو أن هذا التوازن الذي جاء به السلم ل يفهمه الرسول وخلفاؤه وعلماء‬
‫المة بعده ول يعلموا به حت جاءت الثورات الشيوعية والشتراكية ف القرن‬
‫العشرين؛ فهدى ال لدراكه الشتراكيي السمي أنفسهم بالسلميي فبيّنوه للناس‬
‫ووضّحوه وأدركوا إشتراكية الرسول صلى ال عليه وسلم ـ حاشاه ـ واشتراكية‬
‫عمر والقداد وعلي وأب ذر ـ رضي ال عنهم ـ وحاشهم ‪ ،‬فبيّنوها للمة ‪.‬‬
‫وأنوا بالئمة على عثمان الذي أودت سياسته بذا التوازن(‪)1‬وحطم السس الت‬
‫جاء با هذا الدين(‪ ، )2‬وتابعه على ذلك بنو أمية أشدّ أعداء الشتراكية والشتراكيي ‪.‬‬
‫وأخيًا نبا القلم بسيد قطب فجعل ما حصل ف عهد عثمان من التضخم ف‬
‫الثروات ونتائجه الؤلة إضافة إل ما ف عهد عمر ‪.‬‬
‫فيا ترى هل كان سيد قطب يعتقد أن عمر يتحمل كب ذلك ومسئوليته العظمى‬
‫ف نظره ث طوى عن ذلك كشحـا واكتفى بالنظر إليه شزرًا ؟ ‪.‬‬
‫أو كان له رأي آخر والواب عند الشتراكيي السياسيي ‪.‬‬
‫قال سيد قطب ‪(( :‬اختار علي مبدأ الساواة ف العطاء وقد نص عليه ف‬
‫خطبته الول ‪ ،‬قال ‪ :‬أل وأيا رجل من الهاجرين والنصار من أصحاب رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يرى أن الفضل له على من سواه بصحبته ‪ ،‬فإن الفضل غدًا‬
‫عند ال وثوابه وأجره على ال ‪ ،‬أل وأيا رجل استجاب ل ورسوله فصدق ملتنا‬
‫ودخل ف ديننا واستقبل قبلتنا فقد استوجب حقوق السلم وحدوده ‪ ،‬فأنتم عباد‬

‫() ((العدالة الجتماعية)) ( ص ‪ ) 172 :‬ي وبرّا ال عثمان من ذلك ي ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((العدالة الجتماعية)) ( ص ‪. ) 175 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪184‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ال ‪ ،‬والال مال ال ‪ ،‬ول فضل لحدٍ على أحد ‪ ،‬وللمتقي عند ال أحسن الزاء ‪.‬‬

‫هذا هو البدأ السلمي السليم الذي يتفقُ مع روح الساواة السلمية ‪،‬‬
‫ويكفل للمجتمع السلمي التوازن ‪ ،‬فل يدع الثروات تتضخم إل بقدر الهد‬
‫والعمل وحدها ل بفضل إتاحة فرصة ل تتاح للخرين بوجود وفر من الال للعمل‬
‫فيه أكب ما لدى الخرين))(‪.)1‬‬
‫أقول ‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬هكذا يصوّر سيد قطب أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم يتار‬
‫أبو بكر مبدأ الساواة فيأت عمر يالفه فيختار مبدأ آخر هو ف نظر سيد غي مقبول‬
‫وهو مبدأ التفضيل الذي أدى إل نتائج خطرة ‪ ،‬ث يندم عمر فيجع إل البدأ السلمي‬
‫السليم الذي فيه روح الساواة والتوازن لكنه ل يتمكن من التنفيذ ‪ ،‬ث يأت عثمان‬
‫فيختار مبدأ التفضيل الطي الذي أودى بالتوازن السلمي ث أودى بياته‬
‫وبالسلم ‪.‬‬
‫ث يأت عل ّي فيختار مبدأ الساواة السليم الذي يكفل للمجتمع السلمي التوازن‪.‬‬
‫هذا هو حال اللفاء الراشدين ف نظر سيد قطب ‪.‬‬
‫كان السلم ول سيما القتصاد ملعبة ف أيديهم ‪ ،‬فكل يتار رأيـا غي ملتفت‬
‫إل كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم القولية والعملية ‪ ،‬والصحابة كلهم‬
‫مستخذون أمام هذه التصرفات ل يُذكّرون هؤلء اللفاء ول ينصحونم ول‬
‫ياكمونم إل ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم ؟!! ‪.‬‬
‫ولطالا شدد سيد قطب على الذين ل يكمون با أنزل ال ‪ ،‬ولطالا كفّرهم ‪،‬‬
‫وكيف نسي قول ال تعال ‪ { :‬وما كان لؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرًا‬
‫أن يكون لم الية من أمرهم } [ الحزاب ‪ ، ] 36 :‬ونسي قوله ال تعال ‪ { :‬فل‬
‫وربك ل يؤمنون حت يكموك فيما شجر بينهم ث ل يدوا ف أنفسهم حرجـا ما‬
‫() ((العدالة الجتماعيية)) ( ص ‪ ، 172 :‬وص ‪ ) 173 :‬الطبعية الثانيية عشرة ‪ ،‬و ( ص ‪) 206 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫الطبعة الامسة ‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫قضيت ويسلموا تسليمـا } [ النساء ‪. ] 65 :‬‬


‫هل تظن أنّ أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم تركوا لنفسهم‬
‫حرية الختيار لا يريدونه ف أمور حسمها رسول ال صلى ال عليه وسلم ببيانه‬
‫قو ًل وعملً ؟!! ‪.‬‬
‫أتعتمد على الروايات الضعيفة والزيّفة فتصور أصحاب رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ف هذه الصورة ؟!! ‪.‬‬
‫ث ترجح وتدح ما يوافق هواك ويوافق النهج الشتراكي الذي رفع رايته قومٌ ل‬
‫يؤمنون بال ول باليوم الخر من أعداء السلم ‪ .‬حاشا أصحاب رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم وخلفاءه الراشدين ما تنسبه إليهم ‪.‬‬
‫إنا شأنم وديدنم التباع وهم أسوة المة ف التمسك بكتاب ال وهدي رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫وهذا هو الصل فيهم؛ لنم قد زكّاهم ال ف كتابه وزكّاهم رسوله صلى ال‬
‫عليه وسلم وشهدت لم المة بذلك ‪ ،‬فل نقبل ما ينسب إليهم ما يرجهم عن هذا‬
‫الصل ‪ ،‬لسيما مثل هذا المر السيم ‪ ،‬ول سيما وقد ثبت هذا بتطبيقهم الدقيق‬
‫لنهج السلم ‪ ،‬إضافة إل تصرياتم بالتزامهم باتباع رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫وبتخوفهم من مالفته ‪.‬‬
‫استمع إل قول أب بكر ي رضي ال عنه ي ‪(( :‬لستُ تاركـا شيئـا كان‬
‫ت به؛ فإن أخشى إن تركتُ شيئـا‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يعمل به إل عمل ُ‬
‫من أمره أن أزيغ))(‪ ، )1‬كأنه ي رضي ال عنه ي يشي إل قول ال تعال ‪ { :‬فليحذر‬
‫الذين يالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذابٌ أليم } ‪.‬‬
‫ثانيـا ‪ :‬أين إسناد هذه الرواية ؟ ‪ ،‬وأين مصادرها؛ ث إذا صحت أل تاكم إل‬
‫كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم كيف تقدم على تأويل نصوص القرآن‬
‫القطعيّة ف أبواب الصفات وغيها ‪.‬‬
‫() البخاري ‪ ، 2/386 ( :‬حديث ‪. ) 3093 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪186‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ألستَ ترد الخبار الصحيحة الثابتة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬بل‬
‫الخبار التواترة فيما تسميه بالغيبيات ؟ ‪ ،‬فلماذا تقبل الروايات الت ل تعلم صدقها من‬
‫كذبا وصحّتها من سقمها ؟ ‪.‬‬
‫إن ذلك ل يكن إل للنيل من عثمان الشهيد وإخوانه الكرام ‪.‬‬
‫وأعجب من التسليم الطلق والستسلم للروايات الواهية ف هذا المر‬
‫العظيم والشرح والتحليل بأسلوب ل يقوله ويردده إل الشتراكيون ‪ ...‬الساواة ‪...‬‬
‫والتوزان ‪ ...‬والتضخم ‪ ...‬والهد ‪ ،‬فرص ل تتاح للخرين؛ فهل كان عمر وعثمان‬
‫ي رضي ال عنهما ي ل يتيحون الفرص إلّ لفرادٍ ويكبّلون المة ويولون بينها وبي‬
‫الفرص التجارية والزراعية وغيها من طرق الكتساب ‪.‬‬
‫ثالثـا ‪ :‬يقال ‪ :‬سبحان ال العظيم ! لاذا ل يؤاخذ سيد قطب عليـًا با آخذ به‬
‫عثمان من عدم أخذ فضول الغنياء أو تأميم أموالم ول على عدم عزمه على ذلك ‪.‬‬
‫إن من وراء الكَمة لشياء ‪.‬‬
‫قال سيد قطب ‪(( :‬وقد كان عمر ف آخر أيّامه على أن يفيء إل هذا البدأ ‪،‬‬
‫ولكنه عوجل فاستُشهد لسوء حظ السلم ول ينفذ عزيته الت اعتزم ‪ ،‬بل عزيته‬
‫ف أن يأخذ فضول أموال الغنياء فيدها على الفقراء إذا كانت هذه الفضول قد‬
‫نشأت ـ ف الغلب ـ من تفريقه ف العطاء ‪.‬‬
‫وعزيته ف أن يسوي بينهم ف العطاء فل تعود هذه الفوارق إل الظهور كما‬
‫ظهرت ‪ ،‬ول يتل الجتمع السلمي كما بدأ يتل))(‪.)1‬‬
‫أقول ‪ :‬إذًا يرى سيد قطب أن التضخم والفوارق واختلل التوازن ظهرت‬
‫ف عهد عمر ي رضي ال عنه ي نتيجة لتفريقه وتفضيله ف العطاء ‪ ،‬فهل يرج‬
‫عمر من السئولية بجرّد قوله ‪(( :‬لو استقبلت من أمري ما استدبرتُ)) أول بدّ من‬
‫الصلح فعلً ؟ ‪.‬‬
‫إنّ منطق سيد ف التشديد على عثمان يقتضي منه أن يعرّج على عمر فيشركه‬
‫() ((العدالة)) ( ص ‪ 206 :‬ي ‪ ) 207‬ط خامسة ‪ ( ،‬ص ‪ ) 173 :‬ط ثانية عشرة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪187‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫مع عثمان ف تمل مسئولية وجود هذا التضخم ف الثروات ووجود هذه الفوارق‬
‫والختلل ف الجتمع السلمي ‪.‬‬
‫وإذا كانت مسألة التفضيل قد سنها رسول ال صلى ال عليه وسلم فمنطق سيد‬
‫يقتضي أن ل يفلت النب صلى ال عليه وسلم من الساب؛ لنه هو الذي سنّ هذه‬
‫السنة ‪ ،‬وأكّد ذلك عمر؛ فإذا كان التفضيل ف العطاء قد أدّى إل هذه الفاسد‬
‫والنتائج الت يقولا ويزعمها سيد قطب ‪ ،‬فما ذنب عثمان إلّ التابعة وليس هو‬
‫الشرع ‪ ،‬فلماذا يقصر عليه الساب الشديد والرح الؤل ‪.‬‬
‫وعلى كل ‪ :‬فإما أن يعترف بأنّ ما فعله رسول ال صلى ال عليه وسلم ح ّق‬
‫وعدلٌ وحكمة واتباع اللفاء الراشدين لذا التشريع والعتزاز به من مفاخرهم‬
‫ومزاياهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ‪ ،‬وإما أن يراه تشريعـا فاسدًا يؤدّي إل‬
‫الخلل بالتوازن ف الجتمع السلمي ‪ ،‬ويؤدّي إل مفاسد أخرى فينتقد الشرّع‬
‫الساسي وتشريعه ومَن تابعه على هذا التشريع وهو عمر ي رضي ال عنه ي قبل أن‬
‫يطعن ويرح ف عثمان ويقصر التبعة والسئولية عليه ‪.‬‬
‫أما تعلقه با يزعمه من عزم عمر فإن كان ما فعله طول حياته ف التفضيل ف‬
‫العطاء إثـا فل يكفيه مرّد العزم فل بدّ من القلع عنه والصلح فعلً كما قال‬
‫ب عليهم وأنا التواب الرحيم } ‪،‬‬
‫تعال ‪ { :‬إل الذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا فأولئك أتو ُ‬
‫وشروط التوبة معروفة ‪.‬‬
‫أما المة السلمية من الصحابة إل يومنا هذا فيون أنّ ما شرعه رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فهو ح ّق وعدل وحكمة ‪.‬‬
‫ويرون أن اللفاء الراشدين راشدين أبرارًا ف اتباعهم لرسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ف كلّ مال ول سيّما مال تقسيم الال وعطائه ي رضي ال عنهم وعن من‬
‫اتبعهم بإحسان وعرف قدرهم وقدر السلم ي ‪.‬‬
‫وأخيًا ‪ :‬فمن التجنّي والتعسّف أن يقال ‪ :‬أن تضخّم الثروات جاء نتيجة لعطاء‬

‫‪188‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫عثمان وعمر قبله ‪ ،‬فإن ذلك العطاء الذي ذكره سيد(‪)1‬يتراوح بي خسة آلف إل‬
‫تسعمائة إل خسمائة إل ثلثائة ل يكن أن يكون له هذا الثر الكبي من التضخم‬
‫واختلل التوازن ف الجتمع السلمي كما يزعم سيد قطب؛ فهذا أبو ذر وكثي من‬
‫الهاجرين من أكثر الناس عطاء وما زالوا فقراء ‪ ،‬وهذا حكيم بن حزام حصلت له‬
‫قصة مع رسول ال صلى ال عليه وسلم فآل على نفسه أن ل يرزأ أحدًا بعد رسول‬
‫ال فكان يعرض عليه العطاء(‪)2‬من اللفاء فيأباه ويصرّ على هذا الباء إل أن مات وهو‬
‫من أكثر قريش مالً ‪.‬‬
‫وهذا الزبي بن العوام ي رضي ال عنه ي يرج نفسه من الديوان ف عهد‬
‫عثمان فلم يأخذ من العطاء شيئـا(‪ ، )3‬وكان من أغنياء الهاجرين ‪.‬‬
‫فالغناء والفقر تابعان لرادة ال ومشيئته ‪ ،‬ث للسباب الت يهبها ال لن يريد له‬
‫ذلك ‪ ،‬وهذه حقيقة ثابتة بالكتاب والسنة ويشهد لا الواقع التاريي للبشر ‪.‬‬

‫() انظر ‪(( :‬العدالة الجتماعية)) ( ص ‪. ) 171 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((مصنف عبد الرزاق)) ‪ 11/102 ( :‬ي ‪ ، ) 103‬وأصل الديث ف البخاري ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ((مصنف عبد الرزاق)) ‪. ) 11/103 ( :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪189‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وأخيًا ‪ :‬إذا كان علي ي رضي ال عنه ي قد أعاد مبدأ الساواة وأحياه ي على‬
‫زعم سيد قطب ي فما الذي منعه من الستمرار ؟ ‪.‬‬
‫فإن قلتم وقفوا ف وجهه ‪ ،‬يقال ‪ :‬فلماذا ل ُي ِعدْه من يتمسحون بعل ّي من الفاطميي‬
‫والبويهيي والصفويي والزيدية وغيهم من الفرق الت تتمسح بأهل البيت ؟ ‪.‬‬
‫ولاذا يسكت عنهم سيد قطب ويصبّ جام غضبه على عثمان رضي ال عنه‬
‫وبن أمية وبن العبّاس؛ فهل هناك أسرار ؟؟! ‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل السابع والعشرون‬


‫طعنات في عثمان ـ رضي الله عنه ـ وفي سائر‬
‫الصحابة وقريش بصفة خاصة‬
‫قال سيد قطب ‪(( :‬وجاء عثمان ـ رضي ال عنه(‪)1‬ـ فلم ير أن يأخذ‬
‫بالعزيتي أو إحداها ‪. ..‬‬
‫‪ 1‬ـ ترك الفضول لصحابا فلم يردها ؟ ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وترك العطيات كذلك على تفاوتا ‪ ،‬ولكن هذا ل يكن كل ما كان ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ بل وسع أولً على الناس ف العطاء فازداد الغن غن ‪ ،‬وربا تبحبح الفقي‬
‫قليلً ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ ث جعل ينح النح الضخمة لن ل تنقصهم الثروة ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ ث أباح لقريش أن تضرب ف الرض تتاجر بأموالا الكدسة فتزيدها‬
‫أضعافـا مضاعفة ‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ ث أباح للثرياء أن يقتنوا الضياع والدور ف السواد وغي السواد ‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ فإذا عهد من عهود القطاع يسود الجتمع السلمي ف ناية عهده‬
‫يرحه ال))(‪.)2‬‬
‫التعليق ‪:‬‬
‫أقول ‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬انظر كيف يلوم عثمان على عدم أخذه باتي العزيتي وقد تقدم لك أنّ‬
‫شيئـا منها ل يثبت عن عمر ي رضي ال عنه ي ‪ ،‬وعلى فرض ثبوتا عنه فلم يسلك‬

‫() ل توجد جلة (رضي ال عنه) ف بعض النسخ ‪ ،‬ولعلها من بعض الناس للتلبيس ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ) 207 :‬ط الامسة ‪ ( ،‬ص ‪ ) 173 :‬ط الثانية عشر ‪ ،‬وفيها ‪(( :‬فإذا نو ٌ‬
‫ع من‬ ‫‪2‬‬

‫الفوارق الال ية الضخ مة ي سود الجت مع ال سلمي ‪ . ))...‬و ما هذا إلّ تغي ي للل فظ مع الفاظ على‬
‫العن ‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫سيد مسالك العلماء ف احترام عثمان ول يرَ مثلً أن له حق الجتهاد فإن علماء المة‬
‫يرون أنه ل يتج على متهد بقول متهد ول يلزم متهدًا أن يقلد غيه ‪ ،‬فلماذا يرى‬
‫سيد أن لب بكر وعمر حرية الجتهاد ول يرى مثل ذلك لعثمان ؟ ‪ ،‬لاذا يرى أن‬
‫لب بكر أن يأخذ ببدأ الساواة ف العطاء ؟ ‪ ،‬ولاذا ل ياسب عمر على مبدأ التفضيل‬
‫ف العطاء ؟(‪.)1‬‬
‫ولاذا يرى أن ليّ إمامٍ من أئمة السلمي أن يتهد ف مال القتصاد السلمي‬
‫وغيه ول يرى مثل ذلك لعثمان ي رضي ال عنه ي ؟ ‪ ،‬ولاذا يرى لنفسه أن ينتقد‬
‫ويرجح ويتار ما يوافقه من الراء ويكتف عثمان عن كل ذلك ويغل يديه ويكبله‬
‫وحده ‪.‬‬
‫ثانيـا ‪ :‬أضاف طعنة ثالثة فقال ‪(( :‬ولكن هذا ل يكن كل ما كان بل وسع‬
‫أولً على الناس ف العطاء فازداد الغن غن ‪ ،‬وربا تبحبح الفقيُ قليلً)) ‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬ال أكب ! هذا من ماسن عثمان وفضائله ي رضي ال عنه ي ‪ ،‬قال ابن‬
‫شبة ‪ :‬حدثنا إبراهيم(‪)2‬قال ‪ :‬حدثنا عبد ال بن وهب ‪ ،‬عن ابن ليعة ‪ ،‬عن أب‬
‫السود ‪ ،‬عن عروة بن الزبي قال ‪ :‬أدركت زمن عثمان ي رضي ال عنه ي وما من‬
‫نفسٍ مسلمة إل ولا ف مال ال حق))(‪.)3‬‬
‫هذا السند جيّد؛ لنه من رواية عبد ال بن وهب عن ابن ليعة ‪.‬‬
‫((حدثنا خالد بن خداش قال ‪ :‬حدثنا حاد بن زيد ‪ ،‬عن هشام ‪ ،‬عن ابن سيين‬
‫قال ‪ :‬ل تكن الدراهم ف زمان أرخص منها ف زمان عثمان ي رضي ال عنه ي ‪ ،‬إن‬
‫كانت الارية لتباع بوزنا ‪ ،‬وإن الفرسَ ليبلغ خسي ألفـا ما يعطيهم))(‪.)4‬‬

‫() نقول هذا على سبيل التنّل وإ ّل فما طريق هؤلء اللفاء الراشدين إلّ التباع ‪ ،‬وقد وضّحنا ذلك‬ ‫‪1‬‬

‫فيما سلف ف هذا البحث ‪.‬‬


‫() إبراهيم هو ‪ :‬ابن النذر الزامي ‪ :‬صدوق ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ((أخبار الدينة)) ‪. ) 3/241 ( :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() ((أخبار الدينة)) ‪. ) 3/241 ( :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪192‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫هذان البان ثابتان ‪ ،‬وقد ساقهما عروة وابن سيين مساق الدح لعثمان‬
‫ي رضي ال عنه ي ولعهده الزاهر الذي ساد فيه العدل والخاء والحبة والهاد ‪،‬‬
‫فازدهرت حياة السلمي ‪ ،‬ورفرفت على العال السلمي الواسع راية المن واليان‬
‫والحبة والخاء؛ فضاق ابن سبأ وتلميذه وسائر أعداء السلم من اليهود والجوس‬
‫وغيهم بذه العظمة السلمية ‪ ،‬فدبّروا الؤامرات ضد السلم ل ضد عثمان وحده ‪،‬‬
‫فأثاروا الفت الوجاء الت أودت بياة الليفة الراشد ‪ ،‬ث أعقبتها الفت الت مزّقت المة‬
‫وجعلتهم شيعـا وأحزابـا ل يرفع عنها السيف إل يوم القيامة كما أخب بذلك‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫ومن العجب العجاب ‪ :‬أن سيد قطب يسوق مفاخر عثمان ومزاياه مساق الذم‬
‫والطعن والتشهي؛ فل حول ول قوة إل بال ‪.‬‬
‫ثالثـا ‪ :‬ويزيد سيد طعنة رابعة بقوله ‪(( :‬ث جعل ينح النح الضخمة لن ل‬
‫تنقصهم الثروة)) ‪.‬‬
‫أين برهانك على هذه ؟ ‪.‬‬
‫وأين مصادرك الت تستقي منها هذه الدعاوي العريضة الت يضج منها الكون‬
‫وتضجّ منها اللئكة والؤمنون ؟؟! ‪.‬‬
‫كم عدد هذه النح الضخمة ؟؟ ‪.‬‬
‫وكم عدد أهلها ؟! ‪.‬‬
‫إن دعواك ضخمة جدّا ‪ ،‬أضخم من دعاوي الثوار السبئيي وأمضّ منها ‪.‬‬
‫رابعـا ‪ :‬طعنة خامسة ‪ ،‬قوله ‪(( :‬ث أباح لقريش أن تضرب ف الرض)) ‪.‬‬
‫وأقول ‪ :‬مت حرّم ال ومت حرّم رسول ال صلى ال عليه وسلم على قريش أن‬
‫تضرب ف الرض تتاجر بأموالا حت تؤاخذ عثمان على هذه الباحة وتريد منه أن‬
‫يفرض عليهم القامة البية ؟!! ‪.‬‬
‫ث من أين لك أنه كان لم أموال مكدسة ل يرجون إل ليتاجروا فيها ؟!! ‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فمن فتح الدنيا غيَهم !؟؟ ‪ ،‬ومن الجاهدون حقـًا الذين قال ال فيهم ‪ { :‬إن‬
‫ال اشترى من الؤمني أنفسهم وأموالم بأن لم النة } إن ل يكن هؤلء ؟؟! ‪.‬‬
‫ث مت حرّم ال على قريش التجارة وأباح لغيهم من العرب والعجم الضرب ف‬
‫الب والبحر ف التجارة ؟؟! ‪.‬‬
‫ومن أين لك أن أبا بكر وعمر قد فرضا على قريش القامة البية (السجن‬
‫الكبي ف الدينة) ؟؟! ‪.‬‬
‫ومن أين لك أن أبا بكر وعمر قد حرما ما أحل ال ورسوله لقريش من‬
‫التجارة؟!!‪.‬‬
‫وطعنة سادسة قوله ‪(( :‬ث أباح للثرياء يقتنوا الضياع والدور ف السواد‬
‫وغي السواد ‪ ،‬فإذا عهدٌ من عهود القطاع(‪)1‬يسود الجتمع السلمي ف ناية‬
‫عهده يرحه ال)) ‪.‬‬
‫ونقول ‪ :‬مت حرم ال على هؤلء أن يقتنوا الضياع ‪ ...‬إل ؟؟! ‪.‬‬
‫وهل كان يلزم عثمان أن يصادرها لو وقعت بغي علمه !!؟ ‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬كل هذا تنلً مع سيد قطب ‪ ،‬وإلّ فإن الال والواقع ل يكن على هذه‬
‫الصورة ‪ ،‬ول قريبـا منها؛ وإذا كان ل بدّ من مثل هذا التهييج فليس له أيّ حقّ أن‬
‫يتخطّى العصر الذي يعيشه وثلثة عشر قرنـا ونيّفـا ‪ ،‬يتخطّى ما رآه بعينه ف بلده‬
‫وف أوروبا وأمريكا إل خي القرون وخي أمة أُخرجت للناس فيصورهم بصورة عصره‬
‫الشوهاء الت شاهدها ف بلدان ل تعرف ال ول الدار الخرة ‪ ،‬فل دينَ لا ول خلق‬
‫ول ضمي ‪.‬‬
‫فما هو القطاع ف نظر سيد قطب ؟ ‪ ،‬قال ف كتابه ((السلم ومشكلت‬

‫() غَيّ ر سيد هذه العبارة ف ب عض الطبعات الخية بقوله ‪(( :‬فإذا نو ٌ‬
‫ع من الفوارق الضخ مة ي سود‬ ‫‪1‬‬

‫الجتمع السلمي ف ناية عهده يرحه ال)) ‪ ،‬لكنه بقي مصرّا على أصل الفكرة ‪ ،‬ومعن العبارتي‬
‫متقارب ‪ ،‬فلم يفعل شيئـا ذا بال ‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الضارة))(‪(( :)2‬إن نظام القطاع ف أوروبا وأمريكا ل يكن مرّد وجود ملكيّات‬
‫كبية ‪ ،‬ولكنه كان مصحوبـا بصائص هذا النظام الساسية ‪ ،‬وأخص خصائص هذا‬
‫النظام كانت ‪:‬‬
‫‪ 1‬ي تبعية الفلحي للرض؛ حيث كان وضعهم فيها كوضع اللت الزراعية‬
‫وحيواناتا وانتقالم مع الرض إل الالك الديد كما تنتقل اللت واليوانات ‪ ،‬ولو‬
‫كانوا ل يباعون كما هو الال ف نظام الرق ‪ ،‬ولكن تبعيتهم للرض ترمهم حق‬
‫النتقال منها إل أرض أخرى كما ترمهم بطبيعة الال حق اختيار حرفة أخرى فردية‬
‫مستقلّة ‪.‬‬
‫‪ 2‬ي كما كانت إرادة السيد (الشريف) هي القانون ف اقطاعتيه فهو الذي‬
‫يشرع للقنان (رقيق الرض) وهو الذي يدد علقاتم به وبالرض وعلقاتم بعضهم‬
‫ببعض ‪.‬‬
‫وهذا هو القطاع كما عرفته أوروبا ‪ ،‬وكما ثارت عليه ي أيضـا ي ‪ ،‬وهاتان‬
‫الاصتان تعتبان العلمتي الميزتي لذا العهد البغيض؛ وقد ظلت أوروبا ترزح تت‬
‫وطأة هذا النظام الفظيع الذي تدر فيه قيمة النسان ‪ -‬ابتداء ‪ -‬بعله تابعـا للرض‬
‫كالاشية وأدوات الزراعة ينتقل معها إل الالك الديد ‪ ،‬ول يلك أن يس بكينونتيه‬
‫النسانية مستقلة عن الرض ‪ ،‬ول يلك أن يغادرها ولو إل إقطاعية أخرى وإل اعتب‬
‫آبقـا بكم القانون ووجب القبض عليه وردّه إل الرض الت يتبعها ‪. ))...‬‬
‫فإذا أطلق سيد قطب القطاعية على عهد عثمان فل يعرف الناس الذين يكتب‬
‫لم من اليهود والنصارى والنافقي العلمانيي والروافض ‪ ،‬بل حت خلص السلمي ف‬
‫هذا العصر إلّ هذه الصورة البيثة الت ذكرها سيد هنا عن عهد القطاع ف أوربا؛‬
‫فهل كان سيد مدركـا جسامة الساءة الت ارتكبها ف حق أصحاب رسول ال‬
‫ي رضوان ال عليهم ي ل سيما عثمان وقريش أسرة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫() ( ص ‪. ) 96 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪195‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل الثامن والعشرون‬


‫حالة قريش القتصادية في عهد عثمان ـ‬
‫رضي الله عنه ـ‬
‫إن كان ل بدّ لنا من الديث عن حالة قريش القتصادية ف عهد عثمان ي‬
‫رضي ال عنه وعنهم ي فلنذكر ما رواه ابن شبّة(‪)1‬ي رحه ال ي وإن كان ف إسناده‬
‫انقطاع ‪:‬‬
‫قال ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن النذر قال ‪ :‬حدثنا ابن وهب قال ‪ :‬حدثن ابن ليعة قال‬
‫‪ :‬كان عثمان قد جعل لوال قريش طعمة خسة دناني لكل رجل كل حول ‪ ،‬وذلك‬
‫أن قريشـا قالت ‪ :‬إنا لسنا كغينا ‪ ،‬وليس لنا مدد ‪ ،‬وإنا مددنا موالينا ‪ ،‬فجعل لم‬
‫هذه الطعمة؛ فكان يوت الرجل منهم فيكتب وليه ولدًا إن كان له ‪ ،‬وإن ل يكن له‬
‫ولد كتب عليها من شاء ‪ ،‬ل يعلها عثمان لحدٍ من الوال إل موال قريش ‪.‬‬
‫فلو كانت قريش طبقة إقطاعية أتطلب هذا الطلب من عثمان ؟ ‪ ،‬وعثمان ل‬
‫يعطي مواليهم إل خسة دناني طعمة ‪ ،‬ث يرصون عليها بعد موت صاحبها ‪.‬‬
‫أهذا حال القطاعيي ليس لم مدد إل مواليهم ؟ ‪.‬‬
‫وقد تقدّم حال فقراء الهاجرين ف حديث سابق وإن كان ف إسناده كلم ‪،‬‬
‫لكن إذا كان ل بدّ لنا من الديث عن أحوالم فنذكر ما يليق بالم ول يوز بال أن‬
‫نبحث عن الروايات الطاعنة فيهم ث نطلق للخيلة الباطلة العنان ف تفسيها ونضخم‬
‫ما تراه الخيلة الباطلة من مساويء ‪.‬‬
‫قال المام الترمذي(‪)2‬ي رحه ال تعال ي ‪ :‬حدثنا أحد بن السي ‪ ،‬حدثنا‬
‫سليمان بن داود الاشي ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن سعد ‪ ،‬حدثن صال بن كيسان ‪ ،‬عن‬
‫الزهري ‪ ،‬عن ممد(‪)3‬بن أب سفيان عن يوسف بن الكم(‪)4‬عن ممد بن سعد عن أبيه‬
‫قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪(( :‬من يُرد هوان قريش أهانه ال)) ‪.‬‬
‫() ((أخبار الدينة)) ‪. ) 3/206 ( :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((الامع)) ‪ ( :‬الناقب ‪ ،‬حديث رقم ‪ ، ) 3905 :‬وابن أب شيبة ف ((مصنفه)) ‪) 12/170 ( :‬‬ ‫‪2‬‬

‫عن إبراهيم بن سعد ( به ) ‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫قال أبو عيسى ‪(( :‬هذا حديث غريب من هذا الوجه)) ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وأخرجه عبد الرزاق ف ((مصنفه))(‪)1‬عن معمر عن الزهري عن عمر بن سعد‬
‫أن سعد بن مالك قال ‪ :‬سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪(( :‬من يهن‬
‫قريشـا يهنه ال))(‪.)3‬‬

‫() قال الذهب ‪(( :‬الصواب ‪ :‬عنبسة بن أب سفيان)) ‪ ،‬وقد عده بعضهم ف صغار الصحابة ‪ ،‬ومنهم‬ ‫‪3‬‬

‫من عده ف التابعي ‪ ،‬وأورده ابن حبان ف ((الثقات)) ‪.‬‬


‫() هو والد الجاج بن يوسف ‪ :‬قال الافظ ف ((التقريب)) ‪(( :‬مقبول)) ‪ ،‬وقال الذهب عن كعب‬ ‫‪4‬‬

‫بن علقمة أنه كان صالـا ‪.‬‬


‫() ( ‪. ) 11/58‬‬ ‫‪1‬‬

‫() هو ابن أب وقاص ‪ :‬قال الافظ ‪(( :‬صدوق)) ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() وأخرجه أحد ف ((مسنده)) ‪ ) 1/64 ( :‬من حديث عثمان ‪ ) 1/176 ( ،‬من حديث سعد‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫وأورده اللبا ن ف ((ال صحيحة)) ( بر قم ‪ ) 1178 :‬من حد يث عثمان ‪ ،‬وأ نس ‪ ،‬و سعد ‪ ،‬وا بن‬
‫عباس ي رضي ال عنهم ي ‪ ،‬وذكر مصادره الكثية ‪ ،‬ودرسه دراسة وافية ‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل التاسع والعشرون‬


‫زعم سيد أن أبا بكر وعمر ـ رضي الله‬
‫عنهما ـ كانا يتشددان‬
‫في إمساك رؤوس قريش‬

‫قال سيد قطب ‪(( :‬كان أبو بكر وكان عمر من بعده يتشددان ف إمساك‬
‫الماعة من رؤوس قريش بالدينة ل يدعونم يضربون ف الرض الفتوحة احتياطـا‬
‫لن تتد أبصار هؤلء الرؤوس إل الال والسلطان حي تتمع إليهم النصار بكم‬
‫قرابتهم من رسول ال صلى ال عليه وسلم أو بكم بلئهم‬
‫ف السلم وسابقتهم ف الهاد ‪ .‬وما كان ف هذا افتيات على الرية الشخصية‬
‫كما يفهمها السلم؛ فهذه الرية مدودة بصلحة الماعة والنصح لا(‪.)1‬‬
‫فلما جاء عثمان أباحَ لم أن يضربوا ف الرض ‪.‬‬
‫ول يبح لم هذا وحده ‪ ،‬بل يسّر لم وحضهم على توظيف أموالم ف الدور‬
‫والضياع ف القاليم بعدما آتى بعضهم من البات مئات اللف ‪.‬‬
‫لقد كان ذلك كله برّا ورحة بالسلمي وبكبارهم خاصة ‪ ،‬ولكنه أنشأ شرّا‬
‫عظيمـا ل يكن خافيـا على فطنة أب بكر وفطنة عمر بعده أنشأ الفوارق الالية‬
‫والجتماعية الضخمة ف الماعة السلمية ‪ ،‬كما أنشأ طبقة أرستقراطية فارغة‬
‫يأتيها رزقها من كل مكان دون ك ّد ول تعب؛ فكان الترفُ الذي حاربه السلم‬
‫بنصوصه وتوجيهاته ‪ ،‬كما حاربه الليفتان قبل عثمان وحرصا على أل‬
‫يتيحاه عندئذ ثار الروح السلمي ف نفوس بعض الناس ‪ ،‬يثلهم أشدهم حرارة‬

‫() وه نا نقول ل سيد ق طب ما قاله لي كل ف سياسة أ ب ب كر وعمر ‪(( :‬وإن أع جب فع جب لر جل‬ ‫‪1‬‬

‫يعيش بفكره ونفسه ف جوّ هذه الفترة)) ‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وثورة أبو ذر ‪ ،‬ذلك الصحاب الليل الذي ل تد هيئة الفتوى الصرية ف‬


‫الزمن الخي إل أن تطئه ف اتاهه وإل أن تزعم لنفسها بصرًا بالدين أكثر من‬
‫بصره بدينه))(‪.)1‬‬
‫التعليق‬
‫أولً ‪ :‬نقول هنا ما قاله سيد قطب ليكل ف سياسة أب بكر وعمر ‪(( :‬وإن‬
‫أعجب فعجب لرجل يعيش بفكره ونفسه ف جوّ هذه الفترة من التاريخ‬
‫السلمي ‪ ،‬وف ظلّ هذه الضمائر الرهفة السّاسة الشديدة الساسية من رجاله ‪،‬‬
‫ث ل يرتفع ضميه هو وشعوره بتفسي الوادث عن هذا الستوى الستمد مباشرة‬
‫من ملبسات السياسة ف عصرنا الادي الاضر ‪ ،‬ل من روح السلم وتاريه ف‬
‫تلك الفترة !! إنا هذه سياسة أيامنا الاضرة تبر الوسيلة بالغاية ‪ ،‬وتبط بالضمي‬
‫النسان إل مستوى الضرورات الوقتية وتسب هذا براعة ف السياسة ‪ ،‬ولباقة‬
‫ف تصريف المور ‪ .‬وما أصغر أبا بكر ف هذا التصوير الذي يقول الدكتور‬
‫هيكل ‪ :‬إنه هو التصوير الصحيح ! ‪.‬‬
‫لول أن أبا بكر كان أكب وأبعد من مدى الجهر الذي ينظر به رجل يعيش ف‬
‫عصر هابط ‪ ،‬فل يستطيع إطلقـا أن يرتفع إل ذلك الفق السامق البعيد ‪ ،‬فضل‬
‫عن الهل الفاضح بأوليات الشريعة السلمية))(‪.)2‬‬
‫ثانيـا ‪ :‬مت وجد أبو بكر الوقت لثل هذا التفكي السياسي ؟ ‪ ،‬فقد كانت‬
‫خلفته قصية جدّا ل تعدو سنتي وشهرين ‪ ،‬خاض فيها حروب الردة ف‬

‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ) 207 :‬ط خسة ‪ ،‬و ( ص ‪ 173 :‬ي ‪ ) 174‬ط ثانية عشرة ‪ ،‬وفيها إضافة‬ ‫‪1‬‬

‫الكلم الت ‪:‬‬


‫(( ث عادت ف منا سبة أخرى ‪ ،‬فأ صدرت فتوى ب صواب اتا هه عند ما تغيّرت الظروف الول؛ كأن‬
‫د ين ال سلعة تت جب ب ا اليئة ف سوق الرغبات)) ‪ .‬إذا ثب تت هذه الفتوى عن اليئة الذكورة فإن ا‬
‫ت ستحق ما قاله في ها سيد ق طب؛ لن ا رج عت عن ال ق إل البا طل ‪ .‬ول ش كّ أن سيد يؤ من بذا‬
‫الباطل فيلم عليه أشدّ من اليئة الذكورة؛ وهل الشتراكية إل تلعب بدين ال ومتاجرة به ‪.‬‬
‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ) 134 :‬ط ثانية عشرة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪199‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الزيرة العربية ‪.‬‬


‫ولقد كانت قريش أثبت الناس ف السلم ‪ ،‬وكانت قريش توض معامع العارك‬
‫لعادة الرتدين إل حظية السلم ‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل العشرون‬
‫قادة حروب الردة وفتوحات الخلفة‬
‫الراشدة‬
‫كانوا من قريش‬
‫كان أكثر قادة حروب الردة ف عهد أب بكر من قريش وحلفائهم واستشهد‬
‫فيها منهم كثي ‪.‬‬
‫ث دفع بم أبو بكر إل فتح العراق ث الشام على قصر مدة خلفته رضي ال عنه‪.‬‬
‫أساء قادة السلمي للقضاء على حركة الردة ‪:‬‬
‫كان أبو بكر ي رضي ال عنه ي عقد أحد عشر لواء لذه الهمة بقيادة ‪:‬‬
‫‪ 1‬ي خالد بن الوليد ‪.‬‬
‫‪ 2‬ي عكرمة بن أب جهل ‪.‬‬
‫‪ 3‬ي شرحبيل بن حسنة حليف بن زهرة من قريش ‪.‬‬
‫‪ 4‬ي الهاجر بن أب أمية الخزومي ‪.‬‬
‫‪ 5‬ي خالد بن سعيد بن العاص ‪.‬‬
‫‪ 6‬ي عمرو بن العاص ‪.‬‬
‫‪ 7‬ي حذيفة بن مصن الغطفان ‪.‬‬
‫‪ 8‬ي طرفة بن حاجب ‪.‬‬
‫‪ 9‬ي سويد بن مقرن ‪.‬‬
‫‪ 10‬ي العلء بن الضرمي حليف ابن أمية(‪.)1‬‬
‫‪ 11‬ي عرفجة بن هرثة ‪.‬‬
‫‪ 12‬ي معن بن حاجز(‪.)2‬‬

‫() انظر ‪(( :‬البداية والنهاية)) لبن كثي ‪. ) 6/315 ( :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر ‪(( :‬الفاروق القائد)) لحمود شيت خطاب ( ص ‪. ) 63 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪201‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫هذا ‪ ،‬وقد استشهد من قريش ومن إخوانم النصار كثي ي رضي ال عنهم‬
‫ي ‪ ،‬منهم ‪ :‬زيد بن الطّاب ‪ ،‬وأبو حذيفة بن عتبة الموي ‪.‬‬
‫وبعث أبو بكر لفتح الشام اليوش السلمية بقيادة ‪:‬‬
‫‪ 1‬ي خالد بن سعيد بن العاص ‪.‬‬
‫‪ 2‬ي يزيد بن أب سفيان ‪ ،‬ومعه جهور الناس ‪ ،‬ومعه سهيل بن عمرو وأشباهه‬
‫من أهل مكة ‪.‬‬
‫‪ 3‬ي وأبا عبيدة بن الراح ‪.‬‬
‫‪ 4‬ي وعمرو بن العاص ‪.‬‬
‫وأمّده أبو بكر ‪:‬‬
‫‪ 5‬ي بالوليد بن عقبة ‪.‬‬
‫‪ 6‬ي وبعكرمة بن أب جهل ‪ ،‬وجاعة ‪.‬‬
‫‪ 7‬ي وأقبل شرحبيل بن حسنة من العراق إل الصدّيق فبعثه إل الشام ‪.‬‬
‫ث اجتمع عند الصدّيق جاعة فأمّر عليهم ‪:‬‬
‫‪ 8‬ي معاوية بن أب سفيان ‪ ،‬وأرسله إل أخيه يزيد بن أب سفيان(‪ ، )1‬وف‬
‫الجاهدين من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ألف رجل ف وقعة اليموك ‪،‬‬
‫منهم ‪ :‬الزبي بن العوام ‪ ،‬وأبو سفيان بن حرب ‪ ،‬وهاشم بن عقبة بن أب وقاص(‪.)2‬‬
‫وكانت لم صولت وآثارٌ عظيمة ف النصر والفتح ي رضي ال عنهم ي ‪ ،‬وقد‬
‫عرف الصدّيق ما فيهم من كفاءة عالية فقذف بم الرتدين ‪ ،‬ث قذف بم فارس‬
‫والروم؛ فهم يوضون معامع الهاد ف هذه البلدان لعلء كلمة ال؛ فحقق ال بم ما‬
‫يشبه العجزات ‪.‬‬

‫() ((البداية والنهاية)) ‪. ) 7/403 ( :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((البداية والنهاية)) ‪ 7/9 ( :‬ي ‪. ) 11‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪202‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وما كان أبو بكر ليضعهم ف القفاص وف السجن الجباري خشية أن تتد‬
‫أعينهم إل الال والسلطان؛ فهذا تفكي الاديي ل تفكي أصحاب رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬إنا كانت أعينهم تتد إل النة الت وعدها ال وأعدّها للمتقي ‪ ،‬وتتد‬
‫إل إعلء كلمة ال والشهادة ف سبيلِه ‪.‬‬
‫وهل كان هناك وقتٌ أمام أب بكر لذه السابات الفارغة ف مدته الوجيزة الت‬
‫أنز فيها هو وإخوانه من الهاجرين والنصار ما ل يدور باليال ‪.‬‬
‫وأما عمر ي رضي ال عنه ي فكان عهده عهد جهاد وفتوحات ((لقد فتح عمر‬
‫العراق ‪ ،‬وإيران ‪ ،‬وأكثر مناطق إرمينية ‪ ،‬وأرض الشام با فيها سورية ‪ ،‬ولبنان ‪،‬‬
‫وشرقي الردن ‪ ،‬وفلسطي ‪ ،‬ومصر ‪ ،‬وليبيا ‪ ،‬والنوبة ‪.‬‬
‫وخاضت جيوش السلمي ف أيامه ثلث معارك حاسة من معارك الفتح‬
‫السلمي ‪ :‬معركة القادسية ‪ ،‬ومعركة بابليون ‪ ،‬ومعركة ناوند)) (‪.)1‬‬
‫كان قادة الفتوحات فيها من قريش ومن النصار ومن غيهم من القبائل ‪،‬‬
‫والذي يهمنا هم القرشيون ‪ ،‬فمنهم من قادة فتح العراق وفارس ‪:‬‬
‫‪ 1‬ي سعد بن أب وقاص ‪.‬‬
‫‪ 2‬ي ضرار بن الطاب الفهري ‪.‬‬
‫‪ 3‬ي أبو سبة بن أب رهم القرشي العامري ‪.‬‬
‫‪ 4‬ي العلء بن الضرمي(‪.)2‬‬
‫‪ 5‬ي وهاشم بن عتبة الزهري(‪.)3‬‬
‫‪ 6‬ي وعقبة بن الوليد الموي(‪.)4‬‬
‫ومنهم ف قيادة الفتح ف الشام ومصر ‪:‬‬
‫() ((الفاروق القائد)) ( ص ‪. ) 93 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() راجع ((قادة فتح فارس)) لحمود شيت خطاب ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ((تاريخ ابن جرير)) ‪. ) 25 ، 4/24 ( :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() ((تاريخ ابن جرير)) ‪. ) 55 ، 4/54 ( :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪203‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 1‬ي أبو عبيدة بن الرّاح الفهري ‪.‬‬


‫‪ 2‬ي وخالد بن الوليد الخزومي ‪.‬‬
‫‪ 3‬ي أسامة بن زيد مول رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪ 4‬ي خارجة بن حذافة العدوي ‪.‬‬
‫‪ 5‬ي الزبي بن العوام ‪.‬‬
‫‪ 6‬ي شرحبيل بن حسنة مول بن زهرة ‪.‬‬
‫‪ 7‬ي عبد ال بن حذافة السهمي ‪.‬‬
‫‪ 8‬ي عمرو بن العاص السهمي ‪.‬‬
‫‪ 9‬ي عكرمة بن أب جهل الخزومي ‪.‬‬
‫‪ 10‬ي عمي بن وهب المحي ‪.‬‬
‫‪ 11‬ي معاوية بن أب سفيان الموي ‪.‬‬
‫‪ 12‬ي يزيد بن أب سفيان الموي ‪.‬‬
‫راجع ((قادة فتح الشام ومصر)) ‪ ،‬وبالذات ( ص ‪. ) 393 :‬‬
‫قال ابن سعد عن عمر ي رضي ال عنه ي ‪(( :‬كان يستعمل رجالً من أصحاب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم مثل عمرو بن العاص ‪ ،‬ومعاوية بن أب سفيان ‪،‬‬
‫والغية بن شعبة ‪ ،‬ويدع من هو أفضل منهم مثل عثمان ‪ ،‬وعلي ‪ ،‬وطلحة ‪ ،‬والزبي ‪،‬‬
‫وعبد الرحن بن عوف ‪ ،‬ونظائرهم لقوة أولئك عن العمل والبصر به ‪ ،‬ولشراف عمر‬
‫عليهم وهيبتهم له ‪.‬‬
‫وقيل له ‪ :‬مالك ل تولّي الكابر من أصحاب رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ؟ ‪ ،‬فقال ‪ :‬أكره أن أدنسهم بالعمل))(‪.)1‬‬
‫فهذه وجهة نظر عمر وتعليله ي رضي ال عنه ي ل ما يقولُه سيد قطب ‪ ،‬بل‬
‫كان هؤلء ملس شوراه الذين ل يستغن عن رأيهم ‪ ،‬بل وكان بعضهم يعرض عليه‬

‫() ((الطبقات)) لبن سعد ‪. ) 3/283 ( :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪204‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫العمل فيأباه كالزبي ‪ ،‬وعبد الرحن بن عوف ي رضي ال عنهما ي ‪.‬‬


‫وللمسلم أن يقسم بال أنّ ما قاله سيد قطب من أبطل الباطل ‪ ،‬ومن أفسد‬
‫القوال وأبعدها عن عدالة أب بكر وعمر وطهارة القوم ونظافتهم ‪ ،‬ولا أدرك سيد‬
‫فساد قوله ‪ ،‬قال ‪(( :‬وما كان ف هذا افتيات على الرية الشخصية كما يفهمها‬
‫السلم ‪ ،‬فهذه الرية مدودة بصلحة الماعة والنصح لا)) ‪.‬‬
‫فهل كانت حرية عثمان ‪ ،‬وعلي ‪ ،‬وطلحة ‪ ،‬والزبي ‪ ،‬وعبد الرحن بن عوف‬
‫تدد مصلحة الماعة ؟؟! ‪.‬‬
‫وهل لو رغب أحد منهم للخروج للجهاد أو التجارة مثلً فسمح له عمر يكون‬
‫ف ذلك غشّ للمسلمي ؟؟! ‪.‬‬
‫حاشا عمر وحاشاهم ‪ ،‬أل إنه الوى والعياذ بال هو الذي يقود إل مثل هذه‬
‫القوال الضالة ‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫قذائف‬
‫ث وجّه سيد قطب قذائفه إل الليفة الراشد عثمان ‪ -‬رضي ال عنه ‪، -‬‬
‫فقال ‪(( :‬فلما جاء عثمان أباح لم أن يضربوا ف الرض)) ‪.‬‬
‫كأنم ف نظر سيد قطب مرمي حرب أو عصابات إجرام كانوا ف معتقلت‬
‫سجن الصدّيق والفاروق فأطلق عثمان سراحهم وأباح لم وأطلق لم العنان أن يعيثوا‬
‫ف الرض فسادًا ‪.‬‬
‫ول يكتف بذه القذيفة فواصل قائلً ‪(( :‬ول يبح لم هذا وحده ‪ ،‬بل يسر لم‬
‫وحضّهم على توظيف أموالم ف الدور والضياع ف القاليم بعدما آتى بعضهم من‬
‫البات مئات اللف)) ‪.‬‬
‫هكذا سيد يقذف بالغيب من مكان بعيد ‪ ،‬كأن أمر عثمان والصحابة أهون من‬
‫أن يتاج إل التروّي والتثبّت والحترام ‪ ،‬فإذا ل يد رواية هزيلة أو باطلة يعتمد‬
‫ويتكئ عليها وجّه السهام الظالة الت هي من صنع يده وبنات أفكاره؛ وإلّ فمن هؤلء‬
‫القرشيون الذين كان يظر عليهم أبو بكر وعمر الروج من الدينة فأباح لم عثمان‬
‫الضرب ف الرض ؟ ‪ ،‬سوهم لنا إن كنتم صادقي ‪.‬‬
‫ومن أين له أن عثمان كان يضهم على توظيف أموالم ف الدور والضياع بعد‬
‫أن آتى بعضهم مئات اللف ‪ -‬أي ‪( :‬من بيت مال السلمي) ‪ ، -‬ول يدعنك‬
‫قوله ‪(( :‬لقد كان ذلك كله برّا ورحة بالسلمي وبكبارهم خاصة)) فلو كان يعتقد ف‬
‫عثمان هذا الذي يقوله الن لا هاجه وطعن فيه عشرات الطعنات ‪ ،‬وإنا هذا من ذرّ‬
‫الرماد ف العيون أو من إضافات غيِه خداعـا ومكرًا؛ وانظر ف ما الكلم قبله وبعده‬
‫من خبث وطعن مشي ‪.‬‬
‫يقول ‪(( :‬ولكنه أنشأ شرّا عظيمـا ل يكن خافيـا على فطنة أب بكر وفطنة‬
‫عمر بعده أنشأ الفوارق الالية والجتماعية الضخمة ف الماعة السلمية ‪ ،‬كما‬
‫أنشأ طبقة ارستقراطية فارغة تأتيها أرزاقها من كل مكان دون كدّ ول تعب)) ‪ .‬أي‬
‫أن عثمان والصحابة ف عهده ل فطنة ول ذكاء لديهم ول نظر ف العواقب ‪ ،‬ويكن‬
‫أن يلحق بم سيد قطب عمر فإنه طوال خلفته كان يفضّل أناسـا على أناس؛ لن‬

‫‪206‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ال قد فضّلهم ‪.‬‬


‫ويكن لو اطلع سيد قطب على ما ثبت عن النب صلى ال عليه وسلم أنه فضّل‬
‫ناسـا على أناس لصلحة الدعوة السلمية لنظر إليه نظرة ذي الويصرة وقال له ‪:‬‬
‫(اعدل ‪ ،‬فإنك ل تعدل) ‪ ،‬و (هذا عملٌ ما أُري َد به وجهُ ال) ‪.‬‬
‫ولو اطلع على ما عمله أبو بكر لغضب عليه وحنق؛ فقد نفّل خالد بن الوليد‬
‫سلب هرمز ‪ ،‬وكانت قلنسوته بائة ألف ‪ ،‬وكانت مرصعة بالوهر))(‪.)1‬‬
‫ث نسأل سيد ‪ :‬من هي هذه الطبقة الرستقراطية ؟ ‪ ،‬أليست هي كبار أصحاب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم من الهاجرين والنصار مثل عثمان ‪ ،‬وعلي ‪،‬‬
‫وطلحة ‪ ،‬والزبي ‪ ،‬وعبد الرحن بن عوف ‪ ،‬وزيد بن ثابت ‪ ،‬وأمثالم من خي‬
‫أمة أُخرجت للناس ؟؟! ‪.‬‬
‫أتطبق عليهم اصطلحات الاركسيي ضد الرأساليي والقطاعيي وأرباب‬
‫الصارف والبنوك الت تسيطر على اقتصاد العال وتتصّ ثروات ودماء الشعوب ‪.‬‬
‫ث هل انغمس عثمان وأصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ف الترف الذي‬
‫حاربه السلم بنصوصه وتوجيهاته ‪ ،‬فل يفقهون ول يترمون تلك النصوص‬
‫والتوجيهات ويفقهها ويترمها سيد قطب وأحلس الشتراكية الرعناء ؟!! ‪.‬‬
‫أما كان هؤلء الصحاب الكرام يزكون ويتصدّقون ويصلون الرحام وينفقون‬
‫الموال الطائلة ف الهاد ف سبيل ال ولعلء كلمة ال إل درجة أن يوت بعضهم‬
‫مدينـا وبعضهم يكاد تنفد أمواله ‪(( .‬إن ما أدرك الناسُ من كلم النبوة الول ‪ :‬إذا ل‬
‫تستح فاصنع ما شئت)) ‪.‬‬

‫() ((البداية والنهاية)) ‪. ) 6/344 ( :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪207‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل الحادي والثلثون‬


‫تمجيد سيد للثورة على عثمان وإلصاقها‬
‫بأبي ذر‬

‫قال ‪(( :‬عندئذ ثار الروح السلمي ف نفوس بعض الناس ‪ ،‬يثلهم أشدهم‬
‫حرارة وثورة أبو ذر ذلك الصحاب الليل الذي ل تد هيئة الفتوى الصرية ف‬
‫الزمن الخي إل أن تطئه ف اتاهه وإل أن تزعم لنفسها بصرًا بالدين أكثر من‬
‫بصره بدينه)) ‪.‬‬
‫انظر إليه كيف يجد ثورة ابن سبأ اليهودي وأتباعه من الثالت والوغاد‬
‫واللصوص ‪ ،‬ويصف ثورتم الشيطانية بأنا ثورة الروح السلمي ‪ ،‬ث يلصقها بأب ذر‬
‫ي رضي ال عنه ي الذي كان يعلن الطاعة لعثمان ولولته ‪ ،‬والذي ل ينكر على‬
‫عثمان شيئـا ول بكلمة واحدة ‪ ،‬بل كان يعلن له الطاعة والدب والحترام ‪ ،‬فل‬
‫ناقة ول جل لب ذر ف الثورة السبئية الت يجدها سيد قطب ‪ ،‬ويطعن ف الوقت‬
‫نفسه ف أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم أشد الطعنات ويشوه صورتم أقبح‬
‫تشويه ‪.‬‬
‫عن زيد بن وهب قال ‪ :‬مررت بالربذة فإذا أنا بأب ذر ‪ -‬رضي ال عنه ‪-‬‬
‫فقلت له ‪ :‬ما أنزلك منلك هذا ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬كنت بالشام فاختلفتُ أنا ومعاوية ف‬
‫{ والذين يكنون الذهب والفضة ول ينفقونا ف سبيل ال } ‪ ،‬قال معاوية ‪ :‬نزلت ف‬
‫أهل الكتاب ‪ ،‬فقلت ‪ :‬نزلت فينا وفيهم؛ فكان بين وبينه ف ذاك ‪ ،‬وكتب إل عثمان‬
‫ي رضي ال عنه ي يشكون ‪ ،‬فكتب إلّ عثمان أن أقدم الدينة ‪ ،‬فقدمتها ‪ ،‬فكثر‬
‫عليّ الناس حت كأنم ل يرون قبل ذلك ‪ ،‬فذكرتُ ذلك لعثمان ‪ ،‬فقال ل ‪ :‬إن‬
‫شئت تنحّيت؛ فكنت قريبـا ‪ .‬فذاك الذي أنزلن هذا النل ‪ ،‬ولو أمّروا عليّ‬
‫حبشيـًا لسمعتُ وأطعت))(‪.)1‬‬

‫() ((صحيح البخاري)) ‪ 24 ( :‬ي كتاب الزكاة ‪ 4 ،‬ي باب ما أُد َ‬


‫ي زكاته فليس بكن ‪ ،‬حديث ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪. ) 1406‬‬

‫‪208‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫قال الافظ ابن حجر ي رحه ال ي ‪(( :‬وإنا سأله زيد بن وهب عن ذلك لن‬
‫مبغضي عثمان كانوا يشنعون عليه أنه نفى أبا ذر؛ وقد بيّن أبو ذر أنّ نزوله ف ذلك‬
‫الكان كان باختياره ‪ .‬نعم ‪ ،‬أمره عثمان بالتنحّي عن الدينة لدفع الفسدة الت خافها‬
‫على غيه من مذهبه الذكور فاختار الربذة ‪ ،‬وقد كان يغدوا إليها ف زمن النب صلى‬
‫ال عليه وسلم كما رواه أصحاب السنن من وجه آخر عنه))(‪.)1‬‬
‫قلت ‪ :‬الظاهر من إشارة عثمان على أب ذر بالتنحّي إل قريب من الدينة الرفق‬
‫بأب ذر والشفقة عليه من أذى بعض السفهاء وإساءتم إليه وشاتتهم بم؛ لن الناس‬
‫كثروا عليه كأنم ل يروه قبل ذلك استغرابـا لرأيه؛ فليس هناك أسهل من أن يبتعد‬
‫بنفسه عن أذى الناس ‪ .‬رضي ال عن عثمان الرفيق الرحيم ‪ ،‬وعن أب ذر الؤدّب‬
‫الطائع الواثق بعثمان ‪.‬‬
‫قال الافظ ‪(( :‬وروينا ف فوائد أب السن بن حذل بإسناده إل عبد ال بن‬
‫الصامت قال ‪ :‬دخلتُ مع أب ذر على عثمان فحسر عن رأسه فقال ‪ :‬وال ما أنا منهم‬
‫ي يعن ‪ :‬الوارج ي ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنا أرسلنا إليك لتجاورنا بالدينة ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل حاجة ل‬
‫ف ذلك ‪ ،‬ائذن ل بالربذة ‪ ،‬قال ‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫ورواه أبو داود الطيالسي من هذا الوجه دون آخره ‪ ،‬وقال بعد قوله ‪ :‬ما أنا‬
‫منهم ول أدركهم ‪ ،‬سيماهم التحليق ‪ ،‬يرقون من الدين كما يرق السهم من الرمية ‪،‬‬
‫وال لو أمرتن أن أقوم ما قعدت))(‪.)2‬‬
‫ونبّ أن نذكر لفظ حديث أب داود الطيالسي بكامله ‪:‬‬
‫حدثنا شعبة قال ‪ :‬أخبن أبو عمران سع عبد ال بن الصامت عن أب ذر قال ‪:‬‬
‫لا قدم أبو ذر على عثمان من الشام قال ‪ :‬يا أمي الؤمني ‪ :‬أتسب أن من قوم ‪ ،‬وال‬
‫ما أنا منهم ‪ ،‬ول أدركم ‪ ،‬يقرأون القرآن ل ياوز تراقيهم ‪ ،‬يرقون من السلم كما‬
‫يرق السهم من الرمية ‪ ،‬ل يرجعون إليه حت يرجع السه ُم على فوقه ‪ ،‬سيماهم‬
‫التحلق؛ وال لو أمرتن أن أقوم ما قعدت ما ملكتن رجلي ‪ ،‬ولو وثقتن بعرجون ف‬
‫() ((فتح الباري)) ‪. ) 3/274 ( :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الصدر السابق ( ‪. ) 3/274‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪209‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫قدمي ما حللته حت تكون أنت الذي تلن))(‪.)3‬‬


‫وهذا إسناد صحيح؛ وهذه الروايات الصحيحة تقطع ألسنة التخرصي‬
‫والتخبطي ف قضية أب ذر ي رضي ال عنه ي ‪ ،‬وتقطع دابر تلك الدعاوى الباطلة‬
‫بأن عثمان الليفة الراشد ي رضي ال عنه ي قد نفى أبا ذر إل الربذة ‪ .‬أل ساء ما‬
‫يظنّون ‪.‬‬
‫فهل ترى أبا ذر يثل ثورة ؟؟ ‪.‬‬
‫وهل تراه أشد الثائرين حرارة ؟؟! ‪.‬‬
‫بل هل ترى له أدن إشارة إل ما يهوّل به سيد قطب ؟! ‪.‬‬
‫ومن العجائب ‪ :‬أن سيد قطب ينكر على هيئة الفتوى الصرية مالفتها لرأي‬
‫أب ذر واتاهه ‪ ،‬ويعيّرها بأنا تزعم لنفسها بصرًا بالدين أكثرَ من بصره بدينه ‪،‬‬
‫وينسى نفسه فيتطاول على عثمان ويسقط خلفته ‪ ،‬وينسى حلته وطعناته الكثية‬
‫على عثمان وعلى سائر أصحاب رسول ال ‪ ،‬ورميهم ف فقههم ودينهم ‪،‬‬
‫ورميهم بالقطاعية والرستقراطية ‪ ،‬ووصف ولة عثمان من الصحابة أنم‬
‫أعداء ورسول ال ‪ ،‬وأن عثمان يول هؤلء العداء زاعمـا لنفسه أنه أغي على‬
‫دين ال وأبصر به من هؤلء الصحابة الفقهاء والنبلء ـ رضي ال عنهم ـ ‪.‬‬

‫() ( ص ‪ ، 61‬رقم ‪ ، ) 451 :‬ورواه ابن حبان من طريق النضر بن شيل ‪ ،‬عن شعبة ( به ) ‪ .‬انظر‬ ‫‪3‬‬

‫‪(( :‬الحسان بترتيب صحيح ابن حبان)) ‪ ، 7/581 ( :‬حديث ‪. ) 5933 :‬‬

‫‪210‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل الثاني والثلثون‬


‫زعم سيد قطب أن أبا ذر ـ رضي الله عنه‬
‫ـ قام ينكر على المترفين ‪ ،‬أي ‪ :‬من‬
‫أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال ‪(( :‬قام أبو ذر ينكر على الترفي ترفهم الذي ل يعرفه السلم ‪ ،‬وينكر‬
‫على (معاوية وأمية) خاصة سياستهم الت تقر هذا الترف وتستزيد منه وتتمرّغ‬
‫فيه ‪.‬‬
‫وينكر على عثمان ـ رضي ال عنه ـ نفسه أن يهب من بيت الال الئات‬
‫واللوف فيزيد ف ثراء الثرين وترف الترفي)) ‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬ما أجرأك على الطعن والفتراء والتشويه لصحاب رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وما أشد إساءتك وظلمك لم ‪ ،‬فلم تراع لم حرمة الصّحبة ول القرابة‬
‫من رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ول تقم أي وزن لهادهم ونشرهم للسلم‬
‫وعزة السلم بم ف مشارق الرض ومغاربا ‪ ،‬وإذللم لهل اللل الكافرة ‪ ،‬وإذللم‬
‫للمنافقي وأعداء السلم ‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل الثالث والثلثون‬


‫تهم ساقطة وجهها سيد إلى عثمان ـ‬
‫رضي الله عنه ـ‬
‫قال سيد بعد هذا الذيان الحموم ‪(( :‬عَلمَ أن عثمان أعطى مروان بن الكم‬
‫خس خراج إفريقيّة ‪ ،‬والارث بن الكم مائت ألف درهم ‪ ،‬وزيد بن ثابت مائة‬
‫ألف ‪ ...‬وما كان ضمي أب ذر ليطيق شيئـا من هذا كله؛ فانطلق يطب ف‬
‫الناس ‪ :‬لقد حدثت أعمال ما أعرفها ‪ ...‬وال ما هي ف كتاب ال ول سنة نبيه ‪،‬‬
‫وال إن لرى حقـًا يُطفأ ‪ ،‬وباطلً يي ‪ ،‬وصادقـا مكذّبـا ‪ ،‬وأثرة بغي‬
‫تقى ‪ ...‬يا معشر الغنياء واسوا الفقراء ‪ ...‬وبشر الذين يكنون الذهب‬
‫والفضة ول ينفقونا ف سبيل ال بكاوٍ من نار تكوى با جباههم وجنوبم‬
‫وظهورهم ‪ ،‬يا كانز الال اعلم أن ف الال ثلثة شركاء ‪. ...‬‬
‫اتذت ستور الرير ونضائد الديباج وتألتم الضطجاع على الصوف‬
‫الذرب ‪ ،‬وكان رسول ال ينام على الصي ‪ ،‬واختلف عليكم بألوان الطعام ‪،‬‬
‫وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يشبع من خبز الشعي))(‪.)1‬‬
‫أقول ‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬ل أستبعد أن يكون واضع هذه الطبة على لسان أب ذر ي رضي ال‬
‫عنه ي من الروافض الاقدين على أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فيصف‬
‫ذلك الجتمع الي بذه الصفات القبيحة انتقامـا منهم ‪.‬‬
‫ثانيـا ‪ :‬أن الناقشة العلمية واللف الفقهي اللذان وقعا بي معاوية وأب ذر‬
‫ي رضي ال عنهما ي ل يدلّن على هذه الصورة القبيحة الت صوّر با سيد قطب‬
‫ذلك الجتمع اليّر ‪ ،‬ول يدل على شيء ما ينسبه سيد قطب إل معاوية ي رضي ال‬
‫عنه ي وبن أمية ومنهم عثمان وكثي من أعزّ ال بم السلم وفتح على أيدهم‬
‫الفتوحات العظيمة ‪ ،‬وأذلّ بم الجوس واليهود والنصارى الذين غرسوا القد ف‬
‫الروافض واستم ّد سيد قطب منهم هذا الوباء ‪.‬‬

‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ) 208 :‬ط خامسة ‪ ( ،‬ص ‪ ) 174 :‬ط ثانية عشرة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪212‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ض الي على المة ف عهد عثمان ي رضي ال عنه ي؛‬ ‫ثالثـا ‪ :‬تقدم أن ال أفا َ‬
‫فوسع هذا الفيض وشل الرخاء المة جيعـا ‪ ،‬مصداقـا لقول ال تعال ‪ { :‬وعدكم‬
‫ال مغان كثية } ‪ ،‬ومصداقـا لقوله تعال ‪ { :‬وعد ال الذين آمنوا منكم وعملوا‬
‫الصالات ليستخلفنهم ف الرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنّن لم دينهم‬
‫الذي ارتضى لم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنـا يعبدونن ل يُشركون ب شيئـا } ‪،‬‬
‫وتقدم أن عثمان كان يعطي أقرباءه وغيهم من ماله الاص الذي وسع ال عليه فيه ف‬
‫الاهلية والسلم ف عهد رسول ال والليفتي قبله؛ فقد كان عظيم التجارة ‪ ،‬واسعَ‬
‫الال ي رضي ال عنه ي ما نفع ال به السلم والسلمي؛ وقد كان يعطي العطاء‬
‫الواسع ف عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وف عهد الليفتي قبله بِرّا بأهله‬
‫ض عليه ول يلوم عليه إل الاقدون الاهلون‬ ‫وبغيهم؛ وذلك أمرٌ عظيم يبّه ال ‪ ،‬وي ّ‬
‫البطلون ‪.‬‬
‫رابعـا ‪ :‬عجبـا لسيد قطب كيف يستروح إل هذا الراء البيث الذي دسته‬
‫نفسٌ رافضيّة حاقدة مثل قوله ‪(( :‬لقد حدثت أعمالٌ ل أعرفها ‪ ،‬وال ما ف كتاب ال‬
‫ول سنة نبيه ‪ ،‬وال إن لرى حقـًا يطفأ ‪ ،‬وباطلً يي ‪ ،‬وصادقـا مكذبـا ‪ ،‬وأثرة‬
‫بغي تقى)) ‪.‬‬
‫فهذه صورة ف غاية القبح والرداءة صوّر با ذلك الرافضي أصحاب رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم على لسان أب ذر ‪ ،‬وحاشاه أن يقول هذا الفك ‪.‬‬
‫لقد أطفأ ال بالصحب الكرام وف مقدمتهم اللفاء الراشدون ‪ ،‬ومنهم عثمان‬
‫ظلمات الباطل ونار الجوس ‪ ،‬وأضاءوا الدنيا بنور السلم ‪ ،‬وأحي ال بم أمـا‬
‫أماتم الكفر والشرك؛ هذا الذي يب أن يقال ف أولئك الؤمني الجاهدين البطال‬
‫ي رضي ال عنهم ي ‪.‬‬
‫قال سيد قطب ‪(( :‬وروى مالك بن عبد ال الزيادي عن أب ذر ـ رضي ال‬
‫عنه ـ أنه جاء يستأذن على عثمان بن عفان فأذن له وبيده عصاه ‪ ،‬فقال عثمان ‪:‬‬
‫يا كعب ! إن عبد الرحن توف وترك مالً فما ترى فيه ؟ ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن كان يصل فيه‬
‫حق ال فل بأس عليه ‪ ،‬فرفع أبو ذر عصاه فضرب كعبـا ‪ ،‬وقال ‪ :‬سعت رسول‬

‫‪213‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪(( :‬ما أحب لو أن ل هذا البل ذهبـا أنفقه ويتقبل‬
‫من أذر خلفي منه ست أواق)) ‪ .‬أنشدك ال يا عثمان أسعته ؟ ‪ ،‬ثلث مرات ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬نعم))(‪.)1‬‬
‫وهذا الديث رواه أحد ف ((السند))(‪ ، )2‬وصححه أحد شاكر ف تعليقه على‬
‫((السند)) ‪ ،‬لكن ف إسناده ابن ليعة ‪ ،‬وهو صدوق اختلط بعد احتراق كتبه ‪ ،‬والراوي‬
‫عنه حسن بن موسى ليس من العبادلة القبولة روايتهم عنه ‪.‬‬
‫وفيه ‪ :‬أبو قبيل حي بن هانئ العافري ‪ :‬صدوق يهم ‪.‬‬
‫وفيه ‪ :‬مالك بن عبد ال البدادي ي وليس الزيادي كما حقق ذلك الافظ ف‬
‫((التعجيل))(‪)3‬ي وهو مهول ‪ ،‬ل يرو عنه أحدٌ غي أب قبيل ‪.‬‬
‫فالديث بذا السناد ضعيف ‪ ،‬لكن يقويه ما رواه ابن شبة(‪)4‬من طريق‬
‫عبد ال بن الصامت عن أب ذر ‪ ،‬وفيه قال ‪ :‬ودخل عليه وهو يقسم مال‬
‫عبد الرحن بن عوف ي رضي ال عنه ي بي ورثته ‪ ،‬وعنده كعب ‪ ،‬فأقبل عثمان‬
‫ي رضي ال عنه ي فقال ‪ :‬يا أبا إسحاق ما تقول ف رجل جع هذا الال‬
‫فكان يتصدّق منه ف السبيل ‪ ،‬ويصل الرحم ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن لرجو له (خيًا) ‪ ،‬فغضب‬
‫أبو ذر ‪ ،‬ورفع عليه العصى وقال ‪ :‬ما يدريك يا ابن اليهودية ؟ ليودن صاحب هذا‬
‫الال يوم القيامة أن لو كان عقارب تلسع السويداء من قبله)) ‪.‬‬
‫ففي هاتي الروايتي حجة على سيد قطب وعلى سائر خصوم عثمان ـ رضي‬
‫ال عنه ـ ‪ ،‬وذلك أن فيه دليلً على ما كان يتمتع به أبو ذر من مكانة عند عثمان‬
‫وأصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وإل فكيف يضرب رجلً عالـا ذا‬
‫مكانة عند عمر ث عند عثمان ث ف الجتمع السلم ‪ ،‬ويتم ضربه هذا ف‬
‫ملس الليفة‪.‬‬
‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ) 209 :‬ط خامسة ‪ ،‬و ( ص ‪ ) 174 :‬طبعة ثانية عشرة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ( ‪ ، 1/453‬حديث ‪ ) 453 :‬تقيق أحد شاكر ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ( ص ‪. ) 255 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() ( ‪ 3/255‬ي ‪. ) 256‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪214‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وفيه ‪ :‬أن أبا ذر ل يكن منفيـًا بالربذة كما يدّعي سيد قطب وسائر‬
‫خصوم عثمان ‪.‬‬
‫فهذه السنة الت مات فيها عبد الرحن بن عوف هي السنة الت مات فيها أبو ذر‬
‫ي رضي ال عنه ي وهي سنة ‪32‬ه‍(‪.)1‬‬
‫وهذا يدلّ على أنه كان يتمتع بطلق الرية إضافة إل ما يتمتع به من مكانة لدى‬
‫عثمان والمة؛ لن أبا ذر كان ترك سكن الدينة بحض اختياره ‪ ،‬فسكن بالشام ف‬
‫خلفة أب بكر ث عمر ث عثمان ‪ ،‬حت وقع اللف بينه وبي معاوية ي رضي ال عنه‬
‫ي ف سنة ثلثي ‪ ،‬وذلك أنه كان ينكر على من يقتن مالً من الغنياء ‪ ،‬وينع أن‬
‫يدخر فوق القوت ‪ ،‬ويوجب أن يتصدق بالفضل ‪ ،‬ويتأوّل قول ال تعال ‪ { :‬والذين‬
‫يكنون الذهب والفضة ول ينفقونا ف سبيل ال فبشرهم بعذاب أليم } ‪ ،‬فينهاه‬
‫معاوية عن إشاعة ذلك فل يتنع؛ فكتب يشكوه إل عثمان ‪ ،‬فكتب عثمان إل أب ذر‬
‫أن يقدم عليه الدينة فقدمها ‪ ،‬فلمه عثمان على بعض ما صدر منه ‪ ،‬واسترجعه فلم‬
‫يرجع ‪ ،‬فأمره أن يقيم بالربذة ي وهي شرقي الدينة ي ‪.‬‬
‫ويقال ‪ :‬إنه سأل عثمان أن يقيم با ‪ ،‬وقال ‪(( :‬إن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ل ‪(( :‬إذا بلغ البناء سلعـا فاخرج منها)) ‪ ،‬وقد بلغ البناء سلعـا؛ فأذن له‬
‫عثمان بالقام بالربذة ‪ ،‬وأمره أن يتعاهد الدينة ف بعض الحيان حت ل يرتد أعرابيـًا‬
‫بعد هجرته ‪ ،‬فلم يزل مقيمـا با حت مات(‪.)2‬‬
‫وف بعض ما قاله ابن كثي نظر؛ لن الدلئل كثية تدل على أنه خرج إل الربذة‬
‫باختياره ‪.‬‬
‫وعل كلّ ‪ :‬فكان له مطلق الرية ‪ ،‬ويتمتع بكانة كبية عند عثمان ي رضي ال‬
‫عنه ي وغيه ‪ ،‬وإل فما الذي هيّأ له أن يكون عند موت عبد الرحن بن عوف‬
‫موجودًا بالدينة ‪ ،‬وما الذي خوّله أن يتصرّف هذا التصرف بالضرب ف ملس الليفة‬
‫عند أول النهى فليس هذا حال الضطهدين النفيي عند أول اللباب ‪ ،‬ل أظنّ‬
‫() انظر ‪(( :‬البداية والنهاية)) ‪ 7/163 ( :‬ي ‪. ) 165‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر ‪(( :‬البداية والنهاية)) ‪. ) 7/155 ( :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪215‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أحدًا من كبار الصحابة أو كبار بن أمية يتجرّأ على ضرب رجل عال ف ملس الليفة‬
‫وما فعل ذلك أبو ذر إل لتلك النلة؛ هذا هو فقه هذه القصة ‪ ،‬فكيف فقهها‬
‫سيد قطب ؟ ‪.‬‬
‫قال بعدَها ‪(( :‬وما كانت مثل هذه الدعوة ليطيقها معاوية ‪ ،‬ول ليطيقها مروان‬
‫بن الكم؛ فمازال به عند عثمان يرضانه عليه حت كان مصيه إل (الربذة) منفيـًا‬
‫من الرض ف غي حربٍ ل ولرسوله ‪ ،‬وف غي سعيٍ ف الرض بالفساد كما تقول‬
‫شريعة السلم))(‪.)1‬‬
‫أقول ‪ :‬إن على هذا الكلم لؤاخذات ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬ليس هناك دليلٌ يثبت على مكّ النقد العلمي أن معاوية ي رضي ال‬
‫عنه ي ومروان بن الكم كانا يرضان الليفة الراشد الليم عثمان بن عفان ي رضي‬
‫ال عنه ي على نفي أب ذر ي رضي ال عنه ي إل الربذة ‪.‬‬
‫فل يلّ لسلم أن يطلق العنان للسانه وقلمه لينال من مسلم فيدينه بالظلم ومالفة‬
‫شريعة السلم بدون برهان فضلً عن أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫فضلً عن خليفة عادل راشد ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬ما كان لسيد من حق أن ينساق وراء روايات كاذبة ناشئة عن أحقاد‬
‫وغلّ على أصحاب رسول ال ‪ ،‬بل كان عليه أن يتبي ويتثبت ويرعى لليفة رسول‬
‫ال وصهره مكانته ومنلته من السلم وقرابته وصحبته لرسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وكان عليه أن يرعى لعاوية صحبته وصهره وقرابته من رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬ول ينسى ما لروان من حق السلم على السلم ‪ ،‬وأنه يرُم ماله ودمه‬
‫وعرضه ‪.‬‬
‫الثالثة ‪ :‬أن الروايات الثابتة تفيد أن أبا ذر إنا خرج إل الربذة باختياره ‪ ،‬فل‬
‫قهر ول نفي كنفي الحاربي ول نفي الفسدين ف الرض ول مالفة لشريعة السلم ‪.‬‬

‫() ((العدالة الجتماعية ف السلم)) ( ص ‪. ) 175 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪216‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫قال ابن سعد ف ((طبقاته))(‪ :)2‬أخبنا عفان بن مسلم وعمرو بن عاصم الكلب‬
‫قال ‪ :‬حدثنا سليمان بن الغية عن حيد بن هلل قال ‪ :‬حدثنا عبد ال بن الصامت‬
‫قال ‪ :‬دخلتُ مع أب ذرّ ف رهط من غفار على عثمان بن عفان من الباب الذي ل‬
‫يدخل عليه منه ‪ ،‬قال ‪ :‬وتوّفنا عثمان عليه ‪ ،‬قال ‪ :‬فانتهى إليه منه ‪ ،‬قال ‪ :‬ث ما بدأه‬
‫بشيء إل أن قال ‪ :‬أحسبتن منهم يا أمي الؤمني ؟ ‪ ،‬وال ما أنا منهم ول أدركهم ‪،‬‬
‫ولو أمرتن أن آخذ بعرقوب قتب لخذتما حت أموت ‪ .‬قال ‪ :‬ث استأذنه إل الربذة ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬فقال ‪ :‬نعم نأذن لك ‪ ،‬ونأمر لك بنعم من نعم الصدقة فتصيب من رسلها ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬فنادى أبو ذر ‪ :‬دونكم معاشر قريش دنياكم فاعذموها ل حاجة لنا فيها ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬فما نراه بشيء ‪ ،‬قال ‪ :‬فانطلق وانطلقت معه حت قدمنا الربذة ‪ ،‬قال ‪ :‬فصادفنا مول‬
‫لعثمان غلمـا حبشيـًا يؤمهم ‪ ،‬فنودي بالصلة ‪ ،‬فتقدّم ‪ ،‬فلما رأى أبا ذر ي رضي‬
‫ال عنه ي نكص ‪ ،‬فأومأ إليه أبو ذر ‪ :‬تقدّم فصلّ ‪ ،‬فصلّى خلفَه ‪.‬‬
‫انظر ماذا ف هذا النص من بر الليفة الراشد الرحيم بأخيه أب ذر الصحاب‬
‫الزاهد الصادق ي رضي ال عنهما ي ‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ يدخل على عثمان الليفة من الباب الذي ل يُدخل عليه منه ‪ .‬وهذا دلي ٌل‬
‫واضحٌ على إكرام عثمان لب ذر ‪ ،‬واحترامه وتقديره ‪ ،‬وعلى إدلل أب ذر على أخيه‬
‫عثمان؛ وأيّ حبّ وأي احترام متبادل بي أخوين كهذا الذي يصل بي عثمان وبي‬
‫أب ذر ي رضي ال عنهما ي ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ احترام أب ذر للخليفة الراشد واعترافه ب ّق عثمان عليه من الطاعة والدب ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ طاعته للخليفة عثمان ‪ ،‬وقوله ‪(( :‬ولو أمرتن أن آخذ بعرقوب قتب‬
‫لخذت بما)) ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ اعتذاره الرقيق إل الليفة ‪ ،‬وتبئة ساحته من أن يكون من الوارج ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ رغبة أب ذر ي رضي ال عنه ي ف البتعاد عن الناس ‪ ،‬والروج إل‬
‫ل المر ‪.‬‬
‫الربذة بعد استئذانه لو ّ‬

‫() ( ‪ ، ) 4/232‬وذكره ابن شبّة ف ((تاريه)) ‪. ) 3/254 ( :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪217‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 6‬ـ قول عثمان ي رضي ال عنه ي له ‪(( :‬نعم ‪ ،‬ونأمر لك بنعم من نعم‬
‫الصدقة)) فإنه غاية ف الب واللطف ي رضي ال عنه ي ‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ أذن عثمان له بالذهاب إل الربذة رأفةً بأب ذر وتقيقـا لرغبته؛ لن‬
‫اجتهاده ي رضي ال عنه ي ف تفسي كن الذهب والفضة اختلف مع فهم الصحابة‬
‫والتابعي ‪ ،‬فألّب ذلك عليه الناس ‪ ،‬فضاق بذلك ذرعـا ‪ ،‬فشكى ذلك لعثمان ي‬
‫رضي ال عنه ي فساعده على حلّ مشكلته ‪.‬‬
‫قال المام البخاري ي رحه ال ي(‪ :)1‬حدثنا علي سع هشيمـا أخبنا حصي‬
‫عن زيد بن وهب قال ‪ :‬مررت بالربذة فإذا أنا بأب ذر ي رضي ال عنه ي فقلت‬
‫له ‪(( :‬ما أنزلك منلك هذا ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬كنت بالشام فاختلفتُ أنا ومعاوية ف { والذين‬
‫يكنون الذهب والفضة ول ينفقونا ف سبيل ال } ‪ ،‬قال معاوية ‪ :‬نزلت ف أهل‬
‫الكتاب ‪ ،‬فقلت ‪ :‬نزلت فينا وفيهم؛ فكان بين وبينه ف ذاك ‪ ،‬وكتب إل عثمان‬
‫يشكون ‪ ،‬فكتب إلّ عثمان أن أقدم الدينة ‪ ،‬فقدمتها ‪ ،‬فكثر عليّ الناس حت كأنم ل‬
‫يرون قبل ذلك ‪ ،‬فذكرتُ ذلك لعثمان فقال ل ‪ :‬إن شئت تنحّيتَ فكنتَ قريبـا ‪.‬‬
‫فذاك الذي أنزلن هذا النل ‪ ،‬ولو أمروا عليّ عبدًا حبشيـًا لسمعتُ وأطعتُ)) ‪.‬‬
‫وقال ابن شبة ف ((تاريخ الدينة))(‪ :)2‬حدثنا هارون بن معروف قال ‪ :‬حدثنا‬
‫ضمرة بن ربيعة قال ابن شوذب ‪ :‬حدثنا عن مطرف عن حُميد بن هلل عن عبد ال‬
‫ابن الصامت قال ‪ :‬دخلتُ مع أب ذر ي رضي ال عنه ي على عثمان ي رضي ال‬
‫عنه ي وعلى أب ذر ي رضي ال عنه ي عمامة ‪ ،‬فرفع العمامة عن رأسه ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫إن وال يا أمي الؤمني ما أنا منهم ! ي قال ابن شوذب ‪ :‬يعن ‪ :‬من الوارج ي ‪،‬‬
‫ولو أمّرتن أن أعض على عرقوب قتب لعضضت عليهما حت يأتين الوت وأنا عاض‬
‫عليهما ‪ .‬قال ‪ :‬صدقت يا أبا ذر ‪ ،‬إنّا إنا أرسلنا إليك لي ‪ :‬لتجاورنا بالدينة ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ل حاجة ل ف ذلك ‪ ،‬إئذن ل ف الربذة ‪ ،‬قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬ونأمر لك بنعَم من نعم‬
‫الصدقة تغدو عليك وتروح ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل حاجة لنا ف ذاك ‪ ،‬يكفي أبا ذر صرمته ‪ ،‬قال‬

‫() ( كتاب الزكاة ‪ ،‬حديث رقم ‪ ، 1406 :‬باب ما أُدّيَ زكاته فليس بكن ) ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ( ‪ 3/255‬ي ‪ ، ) 256‬وأخرجه أبو نعيم ف ((اللية)) ‪. ) 1/160 ( :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪218‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ :‬ث خرج ‪ ،‬فلما بلغ الباب التفت إليهم فقال ‪ :‬يا معشر قريش اعذموها ودعونا‬
‫وديننا ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ودخل عليه وهو يقسم مال عبد الرحن بن عوف ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬بي‬
‫ورثته وعنده كعب فأقبل عثمان ي رضي ال عنه ي فقال ‪ :‬يا أبا إسحاق ما تقول‬
‫ف رجل جع هذا الال فكان يتصدّق منه ف السبيل ويصل الرحم ؟ ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن‬
‫لرجو له (خيًا) ‪ ،‬فغضب أبو ذر ‪ ،‬ورفع عليه العصا ‪ ،‬وقال ‪ :‬ما يدريك‬
‫يا ابن اليهودية ‪ ،‬ليودنّ صاحب هذا الال يوم القيامة أن لو كان عقارب تلسع‬
‫السويداء من قلبه ‪.‬‬
‫رحم ال هذا الصحاب الليل أبا ذر ‪ ،‬ورضي عنه ‪ ،‬ليته ل يغضب؛ فأين هو عن‬
‫قول ال ‪ { :‬الذين ينفقون أموالم بالليل والنهار سرّا وعلنية فلهم أجرهم عند ربم‬
‫ول خوفٌ عليهم ول هم يزنون } [ البقرة ‪ ،‬الية ‪ ، ] 274 :‬وقوله تعال ‪ { :‬مثل‬
‫الذين ينفقون أموالم ف سبيل ال كمثل حبة أنبتت سبع سنابل ف كل سنبلة مائة‬
‫حبة وال يضاعف لن يشاء وال واسع عليم } [ البقرة ‪ ،‬الية ‪ ، ] 261 :‬وقول‬
‫النب صلى ال عليه وسلم ‪(( :‬ل تسبوا أصحاب ‪ ،‬ل تسبوا أصحاب؛ فوالذي نفسي‬
‫بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبـا ما أدرك مُدّ أحدهم ول نصيفه))(‪ )1‬قال هذا‬
‫ف خصومة كانت بي عبد الرحن بن عوف وخالد ‪.‬‬
‫وأين يذهب عن آيات الواريث وأحاديثه ؟ ‪ ،‬وأين يذهب عن قوله صلى ال‬
‫عليه وسلم لسعد حي أراد أن يتصدق بثلثي ماله ‪ ،‬قال له رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪(( :‬ل)) ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬فأتصدق بشطره ؟ ‪ ،‬قال ‪(( :‬ل ‪ ،‬الثلث ‪ ،‬والثلث كثي؛‬
‫إنك أن تَذَر ورثتك أغنياء خي من أن تذرهم عالة يتكففون الناس))(‪. )2‬‬
‫وإذا ل يرج لعبد الرحن بن عوف الي فلمن يرجى ؟!! ‪.‬‬

‫() مسلم ‪ ، ) 2540 ( :‬والبخاري ‪ ( :‬كتاب فضائل الصحابة ‪ ،‬باب قول النب صلى ال عليه وسلم‬ ‫‪1‬‬

‫‪(( :‬لو كنت متخذًا خليلً)) ‪ ،‬ح ‪ ، ) 3673 :‬واللفظ الذكور لسلم ‪ ،‬وابن ماجه ‪. ) 161 ( :‬‬
‫() مسلم ‪. ) 1628 ( :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪219‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وقال ابن شبة(‪ :)3‬حدثنا حجاج بن نصي قال ‪ :‬حدثنا قرة ‪ ،‬عن ممد بن‬
‫سيين قال ‪ :‬خرج أبو ذر ي رضي ال عنه ي إل الشام ‪ ،‬فشكاه معاوية‬
‫ي رضي ال عنه ي ‪ ،‬فبعث عثمان ي رضي ال عنه ي إليه ‪ ،‬فما قدم عليه قال ‪ :‬يا‬
‫أمي الؤمني إن وال لستُ منهم ‪ ،‬قال ‪ :‬أجل ‪ ،‬ولكنما أردنا أن تروح عليك اللقاح‬
‫وتغدو ‪ ،‬قال ‪ :‬ل حاجة ف دنياكم؛ فخرج حت أتى الربذة ‪.‬‬
‫فكان ممد إذا ذكر له أن عثمان ي رضي ال عنه ي سيّره أخذه أمر عظيم ‪،‬‬
‫ويقول ‪ :‬هو خرج من قِبل نفسِه ول يُسيّر عثمان ‪.‬‬
‫حدثنا الكم بن موسى وهارون قال ‪ :‬حدثنا ضمرة بن ربيعة ‪ ،‬عن غالب‬
‫القطّان قال ‪ :‬قلت للحسن ‪ :‬عثمان أخرج أبا ذر ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬ل ‪ ،‬معاذ ال(‪.)2‬‬
‫ونن وكلّ منصف يقول كما قال السن ‪(( :‬ل ‪ ،‬معاذ ال)) ‪.‬‬
‫فهذه الروايات الثابتة اللئقة بكانة الليفة الراشد الرحيم ي رضي ال عنه ي ‪.‬‬
‫ومنها يتبيّن للقارئ أن عثمان ي رضي ال عنه ي ل ينف أبا ذر ي رضي ال‬
‫عنه ي ‪ ،‬وأنه اختار الربذة بحض حريته واختياره كما آثر سكن الشام ‪ ،‬وأنه كان‬
‫يتردّد إل الدينة برية كاملة تقيقـا لرغبة عثمان ي رضي ال عنه ي ‪.‬‬
‫وإذًا ‪ :‬فليس لسيد قطب أن يوجّه هذه التهمة لك ّل من عثمان ‪ ،‬ومعاوية ‪،‬‬
‫ومروان ‪.‬‬
‫أما إنكار رأي أب ذر فقد صدر من الصحابة جيعـا ‪ ،‬وخالفه علماء المة من‬
‫ذلك الوقت إل يومنا هذا والقرآن والسنة قولً وعملً وتقريرًا ‪.‬‬
‫والديث الذي احتجّ به أبو ذر ي رضي ال عنه ي ل يدلّ على ما ذهب إليه ‪،‬‬
‫وليس فيه تري أن يُخلف الرجل لورثته مالً ‪.‬‬

‫() من ((أخبار الدينة)) ‪. ) 3/256 ( :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() من ((أخبار الدينة)) ‪. ) 3/256 ( :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪220‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل الرابع والثلثون‬


‫الصحابة وعلماء المة يخالفون أبا ذر في‬
‫تفسير‬
‫الكنز وإيجاب التزهد الذي ذهب إليه‬
‫قال شيخ السلم ف الواب على ابن الطهر اللي فيما يتعلق بأب ذر ي رضي‬
‫ال عنه ي ((فالواب ‪ :‬أن أبا ذر ي رضي ال عنه ي سكن الربذة ومات با لسبب‬
‫ما كان يقع بينه وبي الناس؛ فإن أبا ذر ي رضي ال عنه ي كان رجلً صالـا‬
‫زاهدًا ‪ ،‬وكان من مذهبه أن الزهد واجب ‪ ،‬وأنّ ما أمسكه النسان فاضلً عن حاجته‬
‫فهو كن يكوى به ف النار ‪ ،‬واحت ّج على ذلك با ل حجة فيه من الكتاب‬
‫والسنة ‪ ،‬واحتج بقوله تعال ‪ { :‬والذين يكنون الذهب والفضة ول ينفقونا ف سبيل‬
‫ال } ‪ ،‬وجعل الكن ما يفضل عن الاجة ‪ ،‬واحتجّ با سعه من النب صلى ال عليه‬
‫وسلم وهو أنه قال ‪(( :‬يا أبا ذر ما أحب أن ل مثل أُحد ذهبـا يضي عليه ثالثة‬
‫وعندي منه دينار إلّ دينار أرصده لدَين)) ‪ ،‬وأنه قال ‪(( :‬الكثرون هم القلون يوم‬
‫القيامة إل من قال بالال هكذا وهكذا)) ‪.‬‬
‫ولا توف عبد الرحن بن عوف وخلّف مالً جعل أبو ذر ذلك من الكن‬
‫الذي يعاقب عليه؛ وعثمان يناظرُه ف ذلك حت دخل كعب ووافق عثمان ‪ ،‬فضربه‬
‫أبو ذر وكان قد وقع بينه وبي معاوية بالشام بذا السبب ‪ ،‬وقد وافق أبا ذر على هذا‬
‫طائفةٌ من النسّاك كما يُذكر عن عبد الواحد بن زيد ونوه ‪.‬‬
‫ومن الناس من يعل الشبلي(‪)1‬من أرباب هذا القول؛ وأما اللفاء الراشدون‬
‫وجاهي الصحابة والتابعي فعلى خلف هذا القول؛ فإنه قد ثبت ف الصحيح عن النب‬
‫صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪(( :‬ليس فيما دون خسة أوسق صدقة ‪ ،‬وليس فيما دون‬
‫خس ذود صدقة ‪ ،‬وليس فيما دون خس أواق صدقة))؛ فنفى الوجوب فيما دون‬
‫الائتي ‪ ،‬ول يشترط كون صاحبها متاجـا إليها أم ل ‪.‬‬
‫وقال جهور الصحابة ‪ :‬الكن هو الال الذي ل تُؤدّ حقوقه ‪ ،‬وقد قسم ال تعال‬

‫() ل عبة بخالفة هذين؛ لنما ليسا من العلماء ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪221‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الواريث ف القرآن ‪ ،‬ول يكون الياث إل لن خلف مالً ‪ ،‬وقد كان غيُ واحدً من‬
‫الصحابة له مال على عهد النب صلى ال عليه وسلم من النصار ‪ ،‬بل ومن‬
‫الهاجرين ‪.‬‬
‫وكان غيُ واحدٍ من النبياء له مالٌ ‪ ،‬وكان أبو ذر يريد أن يوجب على الناس‬
‫ما ل يوجب ال عليهم ويذمهم على ما ل يذمهم ال عليه ‪ ،‬مع أنه متهد ف ذلك ‪،‬‬
‫مثابٌ على طاعته ي رضي ال عنه ي كسائر الجتهدين من أمثاله ‪.‬‬
‫وقولُ النب صلى ال عليه وسلم ليس فيه إياب ‪ ،‬إنا قال ‪(( :‬ما أحب أن‬
‫يضي عليّ ثالثة وعندي منه شيء)) فهذا يدلّ على استحباب إخراج ذلك قبل الثالثة‬
‫ل على وجوبه ‪.‬‬
‫وكذلك قوله ‪(( :‬الكثرون هم القلون)) دليل على أنّ من كثر ماله قلّت حسناته‬
‫يوم القيامة إذا ل يرج منه؛ وذلك ل يوجب أن يكون الرجل القليل السنات من أهل‬
‫النار إذا ل يأت كبية ول يترك فريضة من فرائض ال ‪ ،‬وكان عمر بن الطّاب ي‬
‫رضي ال عنه ي يُقوّم رعيته تقويـا تامـًا فل يعتدي ل الغنياء ول الفقراء ‪.‬‬
‫فلما كان ف خلفة عثمان توسع الغنياء ف الدنيا حت زاد كثي منهم على قدر‬
‫الباح ف القدار والنوع(‪ ، )1‬وتوسع أبو ذر ف النكار حت ناهم عن الباحات؛ وهذا‬
‫من أسباب الفت بي الطائفتي؛ فكان اعتزال أب ذر لذا السبب ول يكن لعثمان مع‬
‫أب ذر غرض من الغراض ‪.‬‬
‫وأما كون أب ذر من أصدق الناس فذاك ل يوجب أنه أفضل من غيه ‪ ،‬بل كان‬
‫أبو ذر مؤمنـا ضعيفـا كما ثبث ف ((الصحيح)) عن النب صلى ال عليه وسلم أنه‬
‫قال له ‪(( :‬يا أبا ذر إن أراك ضعيفـا ‪ ،‬وإن أحبّ لك ما أحبّ لنفسي؛ ل تأمّرن‬
‫على اثني ‪ ،‬ول تولي مال يتيم)) ‪ ،‬وقد ثبت عنه ف ((الصحيح)) أنه قال ‪(( :‬الؤمن‬
‫القويّ خيٌ وأحبّ إل ال من الؤمن الضعيف؛ وف كلّ خي)) ‪.‬‬
‫وأهل الشورى مؤمنون أقوياء ‪ ،‬وأبو ذر وأمثاله مؤمنون ضعفاء؛ فالؤمنون‬

‫() ف هذا الكلم نظر ‪ ،‬ويتاج إل تفصيل بإجاله وإقامة الدلة عليه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪222‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الصالون للفة النبوة كعثمان ‪ ،‬وعلي ‪ ،‬وعبد الرحن بن عوف أفضل من‬
‫أب ذر وأمثاله))(‪.)1‬‬
‫فهذا شيخ السلم يبيّن رُجحان مذهب الصحابة وجهور المة ‪ ،‬ويبيّن ضعفَ‬
‫مذهب أب ذر ف إياب الزهد الذي ل يوجبه ال وتوسّعه ف النكار حت ناهم‬
‫عن الباحات ‪ ،‬وأنه ليس له حجة ف الية والحاديث الت احتجّ با وإن كان‬
‫ف ذلك متهدًا معذورًا ي رضي ال عنه ي ‪ ،‬وأنه ليس لحدٍ أن يتعلّق بذهب أب ذر‬
‫بعد أن بيّن العلماء ضعفه ومالفته للدلة الواضحة من الكتاب والسنة ‪.‬‬
‫ث ليس له أي علقة با يدعو إليه الشتراكيون الذين دانوا بذهب ماركس‬
‫اليهودي الشيوعي ‪ ،‬ث ذهبوا يرّفون له نصوص القرآن والسنة معرضي عن الق‬
‫الواضح الذي قرّره الصحابة والتابعون وأئمة السلم ‪.‬‬
‫وقال ابن جرير(‪)2‬ف تفسي قوله ال تعال ‪ { :‬والذين يكنون الذهب والفضة‬
‫ول ينفقونا ف سبيل ال فبشرهم بعذابٍ أليم } ‪:‬‬
‫((واختلف أهل العلم ف معن (الكن) فقال بعضهم هو كل مال وجبت فيه‬
‫الزكاة فلم تؤدّ زكاته ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وعن بقوله ‪ { :‬ول ينفقونا ف سبيل ال } ‪ :‬ول‬
‫يؤدون زكاتا)) ‪.‬‬
‫وساق أسانيد هذا القول إل ابن عمر ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬والسدي ‪.‬‬
‫والقيقة أنه قول المهور من الصحابة والمة ‪.‬‬
‫قال ‪(( :‬وقال آخرون ‪ :‬ما زاد على أربعة آلف)) ‪ ،‬ونسبه إل عل ّي ‪ -‬رضي ال‬
‫عنه ‪.‬‬
‫قال ‪(( :‬وقال آخرون ‪ :‬ما فضل عن حاجة صاحبه إليه)) ونسبه إل أب ذر ‪،‬‬
‫وعمر ‪ ،‬وأب أمامة ‪ ،‬وساق أسانيده إليهم ‪ .‬والسانيد إل عمر وعلي ضعيفة ‪.‬‬
‫() ((منهاج السنة)) ‪ 6/272 ( :‬ي ‪ ) 276‬تقيق د ‪ .‬ممد رشاد سال ‪ 3/198 ( :‬ي ‪. ) 199‬‬ ‫‪1‬‬

‫نشر مكتبة الرياض الديثة ‪ ،‬ومكتبة المهورية ي القاهرة ‪.‬‬


‫() ((التفسي)) ‪ 14/217 ( :‬ي ‪ ) 224‬تقيق وتريج ممود ممد شاكر ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪223‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ث قال ‪(( :‬قال أبو جعفر ‪ :‬وأول القوال ف ذلك بالصحة ‪ :‬القول الذي ذكر‬
‫عن ابن عمر ‪ :‬من أن كل ما أديت زكاته فليس بكن يرم على صاحبه اكتنازه وإن‬
‫كثر ‪ ،‬وإن كل مال ل تؤد زكاته فصاحبه معاقب مستحق وعيد ال إل أن يتفضل ال‬
‫عليه بعفوه وإن قل إذا كان ما يب فيه الزكاة ‪.‬‬
‫وذلك أن ال أوجب ف خس أواق من الورق على لسان رسوله ربع عشرها‬
‫وعشرين مثقالً من الذهب مثل ذلك ربع عشرها ‪.‬‬
‫فإن كان ذلك فرض ال ف الذهب والفضة على لسان رسوله فمعلومٌ أن الكثي‬
‫من الال وإن بلغ ف الكثرة ألوف ألوف لو كان ‪ .‬وإن أدّيت زكاته من الكنوز الت‬
‫أوعد ال أهلها عليها بالعقاب ل يكن فيه الزكاة الت ذكرنا ف ربع العشر؛ لن ما‬
‫كان فرضـا إخراج جيعه من الال وحرام اتاذه فزكاته الروج من جيعه إل أهله‬
‫لربع عشرة؛ وذلك مثل الال الغصوب الذي هو حرام على الغاصب إمساكه ‪،‬‬
‫وفرض عليه إخراجه من يده إل يده التطهر منه ‪ :‬ردّه إل صاحبه ‪.‬‬
‫فلو كان ما زاد من الال على أربعة آلف درهم أو ما فضل عن حاجة ربه الت‬
‫ل بدّ منها ما يستحق صاحبه باقتنائه إذا أدّى إل أهل السهمان حقوقهم منها من‬
‫الصدقة ‪ ،‬وعيد ال ل يكن اللزم ربه فيه ربع عشر بل كان اللزم له الروج من‬
‫جيعه إل أهله وصرفه فيما يب عليه صرفه ‪ ،‬كالذي ذكرنا من أن الواجب على‬
‫غاصب رجل ماله رده على ربه ‪.‬‬
‫وبعد ‪ :‬فإن فيما حدثنا ممد بن عبد العلى قال ‪ :‬حدثنا ممد بن ثور‬
‫قال ‪ :‬قال معمر ‪ :‬أخبن سهيل بن أب صال ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أب هريرة ي رضي ال‬
‫عنه ي ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪(( :‬ما من رجل ل يؤدّي زكاة ماله‬
‫إل جعل يوم القيامة صفائح من نار يكوى با جبينه وجبهته وظهره ف يوم كان‬
‫مقداره خسي ألف سنة ‪ ،‬حت يقضى بي الناس ث يرى سبيله ‪ ،‬وإن كانت إبلً إل‬
‫بطح لا بقاع قرقر تطؤه بأخفافها)) حسبته قال ‪(( :‬وتعضه بأفواهها ‪ ،‬يرد أولها على‬
‫أخراها حت يقضى بي الناس ‪ ،‬ث يرى سبيله ‪ .‬وإن كانت غنمـا فمثل ذلك ‪ ،‬إل‬

‫‪224‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أنا تنطحه بقرونا وتطؤه بأظلفها))(‪.)1‬‬


‫وف ذلك نظائر من الخبار الت كرهنا الطالة بذكرها الدللة الواضحة أن‬
‫الوعيد إنا هو من ال على الموال الت ل تؤد الوظائف الفروضة فيها لهلها من‬
‫الصدقة ل على اقتنائها واكتنازها)) ‪.‬‬
‫ث ساق روايات عن ابن عباس وغيه ف تأييد هذا القول ‪.‬‬
‫فهذه الحاديث والقوال واضحة حاسة ف صحة ورجحان مذهب الصحابة‬
‫سوى أب ذر ي رضي ال عنه ي وصحّة مذهب جهور المة ‪ ،‬لاذا ل يلتفت سيد‬
‫قطب ول يشر إل هذا الذهب الق ؟؟ ‪.‬‬
‫والواب ‪ :‬أن اليان بالشتراكية الباطلة هو الذي يعله يتعلّق بالباطل ويفي‬
‫الق ‪ ،‬وليس أبو ذر باجة إل أن يدعو إل النفاق والب؛ فإن الجتمع الذي كان‬
‫يعيشُ فيه صاحب إنفاق وبرّ وجهاد ‪ ،‬والسلمون ف كل زمان ي والمد ل ي أهلُ‬
‫إنفاق وبر ‪ ،‬ولكن الذين دعا إليه أبو ذر هو وجوب الزهد ووجوب إنفاق ما فضل‬
‫عن الاجة؛ وهذا أمرٌ ل ترد به الشريعة السلمية ول تفرضه على السلمي ‪ ،‬وهو‬
‫الذي أنكره الناسُ ف ذلك العهد على أب ذر ي رضي ال عنه ي ‪.‬‬
‫ويرمي سيد قطب عثمان الليفة الراشد بإبعاد أب ذر إل الربذة‬
‫ي كما سبق ي؛ لنه أنكر كن الموال وأنكر الترف الذي يب فيه الثرياء ‪ ،‬ودعا‬
‫إل مثل ما كان يدعو إليه رسول ال صلى ال عليه وسلم من النفاق والب والتعفف ‪.‬‬
‫أقول ‪:‬‬

‫() أخرجيه مسيلم ‪ 12 ( :‬يي كتاب الزكاة ‪ ، 6‬باب إثي مانيع الزكاة ‪ ،‬حدييث ‪) 987 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫مين طرييق زييد بين أسيلم ‪ ،‬ومين طرييق سيهيل بين أبي صيال كلهاي عين أبي صيال عين‬
‫أب هريرة ‪.‬‬
‫وف حديث سهيل ‪(( :‬ما من صاحب كن ل يؤدّي زكاته)) ‪.‬‬
‫وساق مسل ٌم له شاهدًا من حديث جابر ‪ ،‬وفيه ‪(( :‬ول صاحب كن ل يفعل فيه حقه إل جاء كنه‬
‫يوم القيامة شجاعـا أقرع ‪ ))...‬إل ‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أولً ‪ :‬إن ف هذا طعنـا ف عثمان ‪ ،‬ورميـا لن وسع ال عليهم من الصحابة‬


‫والجتمع السلمي ف عهد عثمان ‪ ،‬فتوسع بعضهم ف الباح بأنم يبون ف الترف ‪،‬‬
‫وقد غلت أيديهم من النفاق والب ‪ ،‬وفقدوا صفة التعفف ي والعياذ بال ي ‪.‬‬
‫يصف ذلك الجتمع بالترف والقطاع والرستقراطية ‪ ،‬وكلها ف غاية القبح ‪.‬‬
‫فما حكم الترف عند سيد قطب ؟ ‪.‬‬
‫يقول ف هذا الكتاب الذي يصف فيه ذلك الجتمع من الصحابة وخيار التابعي‬
‫بالترف ‪(( :‬واليات القرآنية والحاديث النبوية ف كراهة الترف وتريه متواترة‬
‫كثية بصفة بارزة تشعر بأنه من أكره الرام إل ال ورسوله ‪ ،‬والسلم الذي‬
‫يضّ الناسَ على التمتع بطيبات الياة ويكره أن يرموها على أنفسهم وهي لم‬
‫حلل ‪ ،‬ويدعو إل جعل الياة بيجة مقبولة ل قاتة ول منبوذة ‪ ...‬هذا السلم‬
‫نفسه يكره السرف والترف تلك الكراهية الشديدة العنيفة ‪.‬‬
‫فالقرآن يصف الترفي أحيانـا بسقوط المة ‪ ،‬وضعف القوة ‪ ،‬وهبوط‬
‫الريية ‪ { :‬وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بال وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا‬
‫الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين }(‪.)1‬‬
‫وإذا عرفنا حرص السلم على الهاد وحثه عليه وتعظيم من يتطوّعون له ‪،‬‬
‫حت ليقول الرسول الكري ‪(( :‬من مات ول يغز ‪ ،‬ول يدّث نفسه بغزو مات على‬
‫شعبة من النفاق)) أدركنا ف الانب الخر كم يتقر أول الطول هؤلء لتخلفهم‬
‫وقعودهم عن صفوف الجاهدين ‪ ...‬ول غرابة ف هذا؛ فالترف مترهل‬
‫ضعيف الرادة ‪ ،‬ناعم قليل الرجولة ‪ ،‬ل يعتد الهد فسقطت هته ‪ ،‬وفترت‬
‫أرييته؛ والهد والهاد يعطل عليه متاعه الشهوان الرخيص ‪ ،‬ويرمه لذاته‬
‫اليوانية فترة من الوقت ‪ ،‬وهو ل يعرف قيمة ف الياة سوى هذه القيم الداعرة‬
‫الشائنة)) ‪.‬‬
‫ث يواصل الكلم على الترفي ‪ ،‬ويسوق اليات فيهم ‪ ،‬ث يقول معلقـا على‬

‫() ((العدالة)) ( ص ‪ 126 :‬ي ‪ ) 127‬ط خامسة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪226‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫بعض اليات ‪(( :‬ول غرابة ف هذا ‪ ،‬فالترفون حريصون على حياتم الرخوة الشاذة‬
‫الريضة ‪ ،‬حريصون على شهواتم ولذائذهم ‪ ،‬حريصون على أن يكون من حولم‬
‫حاشية وبطانة خاضعة لنفوذهم)) ‪ .‬ث يواصل الكلم ف هذا الصدد ‪.‬‬
‫وإذا كانت هذه هي نظرة سيد إل الترفي بل هي نظرة جيع السلمي فلماذا‬
‫يصف ذلك الجتمع الطيّب اليّر بالترف ‪ ،‬بل بالتمرّغ فيه وكبار أغنيائه من كبار‬
‫أصحاب رسول ال والذين ياربون الترف أكثر من سيد وأمثاله ‪.‬‬
‫قال سيد قطب مهوّل مرجفـا على أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫((وبسبنا أن نعرض هنا نوذجـا للثروات الضخام أورده السعودي ‪ ،‬قال ‪ :‬ف‬
‫أيام عثمان اقتن الصحابة الضياع والال؛ فكان لعثمان يوم قتل عند خازنه خسون‬
‫ومائة ألف دينار ‪ ،‬وألف ألف درهم ‪ ،‬وقيمة ضياعه بوادي القرى وحني وغيها‬
‫مائة ألف دينار ‪ ،‬وخلف إبلً وخيلً كثية ‪.‬‬
‫وبلغ الثمن الواحد من متروك الزبي بعد وفاته خسي ألف دينار ‪ ،‬وخلف‬
‫ألف فرس ‪ ،‬وألف َأمَة ‪ ،‬وكانت غلّة طلحة من العراق ألف دينار كل يوم ‪ ،‬ومن‬
‫ناحية السراة أكثر من ذلك ‪.‬‬
‫وكان مربط عبد الرحن بن عوف ألف فرس ‪ ،‬وله ألف بعي وعشرة آلف‬
‫من الغنم ‪ ،‬وبلغ الربع من متروكه بعد وفاته أربعة وثاني ألفـا ‪.‬‬
‫وخلف زيد بن ثابت من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس ‪ ،‬غي ما‬
‫خلف من الموال والضياع ‪.‬‬
‫وبن الزبي دارة بالبصرة ‪ ،‬وبن أيضـا بصر والكوفة والسكندرية ‪،‬‬
‫وكذلك بن طلحة دارة بالكوفة ‪ ،‬وشيد دارة بالدينة ‪ ،‬وبناها بالص والجُر‬
‫والساج ‪.‬‬
‫وبن سعد بن أب وقاص دارة بالعقيق ‪ ،‬ورفع سكها وأوسع فضاءها ‪ ،‬وجعل‬
‫على أعلها شرفات ‪.‬‬
‫وبن القداد دارة بالدينة ‪ ،‬وجعلها مصصة الظاهر والباطن ‪ ،‬وخلّف يعلى بن‬

‫‪227‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫منبه خسي ألف دينار وعقارًا وغي ذلك ما قيمته ثلثائة ألف درهم))(‪.)1‬‬
‫إذًا‪:‬فهؤلء هم رؤوس القطاعيي والرستقراطيي والترفي ف نظر سيد قطب ‪.‬‬
‫ولمرٍ ما ل يذكر السعودي وسيد قطب عليّ بن أب طالب فإنه كان من أكثر‬
‫الصحابة مالً ‪ ،‬وقد بلغت زكاة ماله ف عهد عثمان أربعي ألفـا ‪ ،‬وله عقارات‬
‫ووديان وعيون؛ فهل السعودي وسيد يهلن ذلك ؟ ‪.‬‬
‫أما أهل السنة والماعة فعليّ وسائر اللفاء والعشرة البشرون بالنة ‪ ،‬بل‬
‫ي أمة أُخرجت‬‫كل الصحابة غنيهم وفقيهم هم خي الناس بعد النبياء ‪ ،‬وهم خ ُ‬
‫للناس ـ رضي ال عنهم وأرضاهم ـ ‪.‬‬
‫والن نقول ‪ :‬إن الثراء ل يطرأ على الجتمع السلمي ول يفاجئه ف عهد‬
‫عثمان ي رضي ال عنه ي؛ فقد كان ف عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم وف‬
‫عهد أب بكر وعمر أناسٌ أغنياء؛ فعن أب ذر ي رضي ال عنه ي أن أناسـا من‬
‫أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم قالوا ‪ :‬للنب صلى ال عليه وسلم ‪ :‬يا رسول‬
‫ال ذهب أهل الدثور بالجور ‪ ،‬يصلون كما نصلي ‪ ،‬ويصومون كما نصوم ‪،‬‬
‫ويتصدّقون بفضول أموالم؛ قال ‪(( :‬أو ليس قد جعل ال لكم ما تصدقون ؟ ‪ ،‬إن بكل‬
‫تسبيحة صدقة ‪ ،‬وكل تكبية صدقة ‪ ،‬وكل تميدة صدقة ‪ ،‬وكل تليلة صدقة ‪ ،‬وأمرٌ‬
‫بالعروف صدقة ‪ ،‬ونيٌ عن منكر صدقة ‪ ))...‬الديث؛ فمن عهد الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم كان يوجد أغنياء أهل دثور ‪ ،‬واتسع الال على الصحابة ف عهد رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم وف عهد أب بكر وعمر ‪ ،‬ول يزال حالم ف ازدياد واتساع‬
‫دينـا ودنيا ‪.‬‬
‫وكان عثمان بن عفان وعبد الرحن بن عوف وأبو طلحة وغيهم أهل ثراء ف‬
‫عهد رسول ال وخليفتيه ‪ ،‬وكانوا يبذلون الكثي والكثي ف الهاد ف سبيل ال وف‬
‫الب وصلة الرحام والبذل للمعوزين ‪.‬‬
‫فأما عثمان ي رضي ال عنه ي فشهرته بكثرة الال ف عهد رسول ال‬
‫والليفتي بعده أشهرُ من أن تذكر ‪ ،‬وهو الذي جهز جيش العسرة ( أي ‪ :‬غزو تبوك)‬
‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ) 175 :‬ط ثانية عشرة ‪ ( ،‬ص ‪ ) 209 :‬ط خامسة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪228‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫بالال الكثي ‪.‬‬


‫لكنه ف عهده ل ين أجله حت كاد ماله أن ينفذ لوده وسخائه وبرّه بالمة‬
‫وبذوي قرباه كما أوصى ال ورسوله بم ‪ ،‬ول يكن ماله كما ذكر السعودي ونقله‬
‫فرحـا به سيد قطب ‪.‬‬
‫وأقول ‪ :‬إن السعودي شيعي معتزل حاقد على عثمان ـ رضي ال عنه ـ ‪،‬‬
‫وقد ساق هذه الساطي بدون إسناد شأن كل مبطل حاقد ساق هذه الساطي‬
‫للطعن ف عثمان وتشويه أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫ومن الدلة على سوقها للطعن قوله عقبها ‪(( :‬وهذا بابٌ يتّسعُ ذكره ‪ ،‬ويكثر‬
‫وصفُه فيمن تلك الموال ف أيامه ول يكن مثل ذلك ف عصر عمر بن الطاب ‪ ،‬بل‬
‫كانت جادة واضحة وطريقة بينة ‪.‬‬
‫وحجّ عمر فأنفق ف ذهابه وميئه إل الدينة ستة عشر دينارًا ‪ ،‬وقال ‪ :‬لولده عبد‬
‫ال ‪ :‬لقد أسرفنا ف نفقتنا ف سفرنا هذا ‪ ،‬ولقد شكى الناسُ أميهم بالكوفة سعد بن‬
‫أب وقاص ‪ ،‬ث ذكر عزله واستعماله عمار وابن مسعود وسهل بن حنيف ‪ ،‬وما قرّر‬
‫لم عمر ‪ ،‬ث قال ‪(( :‬وأين عمر من ذكرنا ؟)) ‪.‬‬
‫وأين هو عما وصفنا ؟ ‪.‬‬
‫ومن يفهم أنه ل يسق هذه الساطي إل ليطعن ف عثمان ويؤكد هذا بالقارنة‬
‫بي عهده وعهد عمر بن الطاب ليظهر الفرق الائل بي الرجلي والعهدين ‪.‬‬
‫ومع هذا القصد السيء فقد أثن على عثمان وعماله وأهل عصره بعض الثناء‬
‫قبل أن يسوق هذه الطاعن فقال ‪(( :‬وكان عثمان ف ناية الود والكرم والسماحة‬
‫والبذل ف القريب والبعيد ‪ ،‬فسلك عماله وكثيٌ من أهل عصره طريقته ‪ ،‬وتأسّوا به ف‬
‫فعله ‪ ،‬ث غلبت عليه شيعته)) فشرع ف ذكر تلك الساطي بدون أسانيد وبدون احترام‬
‫ول ورع ول قصد نبيل ‪.‬‬
‫ويؤسفنا أن هذا الرجل الشيعي ساق هذا النص وعلّق عليه بتعليق واحد ‪ ،‬ث‬
‫ذكر تولية عثمان لبعض عماله بعد ذلك ‪ ،‬ث كفّ لسانه وقلمه ‪ ،‬لكن سيد ساق‬

‫‪229‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫طعنات كثية ‪ ،‬وحل حلت مريرة ‪ ،‬ول يشبع ول ترو غلته فيبدي ويعيد وينقص‬
‫ويزيد ويبن القصور الضخام من لبنات الطعن والتام على التهاوي والردئ من‬
‫الكلم ‪ ،‬ول نرَ منه أيّ ثناء على عثمان ول أهل عصره الكرام رضي ال عنهم ‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل الخامس والثلثون‬


‫نفاد مال عثمان ـ رضي الله عنه ـ ودحضه‬
‫لشبه أهل الفتن‬
‫قال ابن جرير(‪)1‬ف سياقه اعتذار عثمان ورده على دعاوي أهل الفت والشغب‬
‫((وقالوا ‪ :‬وحيت حىً ‪ ،‬وإن وال ما حيت ‪ ،‬حُمي قبلي ‪ ،‬وال ما حوا شيئـا لحدٍ‬
‫ما حوا إل غلب عليه أهل الدينة ‪ ،‬ث ل ينعوا من رعية أحدًا واقتصروا لصدقات‬
‫السلمي يمونا لئل يكون بي من يليها وبي أحد تنازع ‪ ،‬ث ما منعوا ول نّوا‬
‫منها أحدًا إل من ساق درهـا؛ ومال من بعي غي راحلتي ومال ثاغية ول راغية ‪،‬‬
‫وإن قد وليت وإن أكثر العرب بعيًا وشاء فمال اليوم شاة ول بعي غي بعيين‬
‫لجت ‪ ،‬أكذلك ؟ ‪ ،‬قالوا ‪ :‬اللهم نعم ‪.‬‬
‫((وكان يعطي قرابته من ماله ل من بيت مال السلمي)) ‪.‬‬
‫قال ابن جرير(‪)2‬ي رحه ال ي يكي دحض عثمان لشبههم ‪ :‬وقالوا ‪ :‬إن‬
‫أحب أهل بيت وأعطيهم ‪ ،‬فأما حب فإنه ل يل معهم على جور ‪ ،‬بل أحل القوق‬
‫عليهم ‪ ،‬وأما إعطاؤهم فإن ما أعطيهم (إلّ)(‪)3‬من مال ‪ ،‬ول أستحل مال السلمي‬
‫لنفسي ‪ ،‬ول لحدٍ من الناس؛ ولقد كنت أعطي العطية الكبية من صلب مال أزمان‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وأب بكر وعمر ي رضي ال عنهما ي وأنا يومئذ‬
‫شحيح حريص ‪ ،‬أفحي أتيت على أسنان أهل بيت وفن عمري ‪ ،‬وودعت الذي ل ف‬
‫أهلي قال اللحدون ما قالوا؛ وإن وال ما حلت على مصر من المصار فضلً فيجوز‬
‫ذلك لن قاله ‪ ،‬ولقد رددته عليهم ‪ ،‬وما قدم عليّ إل الخاس ‪ ،‬ول يلّ ل منها‬
‫شيء ‪ ،‬فول السلمون وضعها ف أهلها دون ول يتلفت(‪)4‬من مال ال بفلس فما‬
‫قوفه ‪ ،‬وما أتبلغ منه ما آكل إلّ مال)) ‪.‬‬

‫() ( ‪ 4/347‬ي ‪ ) 348‬وبذا يظهر كذب وبطلن ما قاله السعودي ف حق عثمان ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ( ‪. ) 4/347‬‬ ‫‪2‬‬

‫() حرف (إل) الت بي القوس زيادة من اقتضاها السياق ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() كذا بالصل ‪ ،‬ولعل الصواب ‪( :‬ول تبلّغت) ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪231‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وف هذا النص أمور ‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ بيان الذين عتبوا عليه وشغبوا وكادوا له وتآمروا عليه ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ بيان أن الصحابة ي رضوان ال عليهم ي كانوا مع أخيهم عثمان على‬
‫الق ‪ ،‬وضد أهل الباطل والشغب ‪ ،‬بل أفتوا بقتلهم بناءً على الدليل الشرعي الذي‬
‫تلقوه من رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ وفيه ‪ :‬أن عثمان دحض شبههم الفتعلة وفنّدها واحدة تلو الخرى ‪،‬‬
‫والصحابة وغيهم يصدّقونه ويذكرون براءته ونزاهته ‪.‬‬
‫والسلم النيه من الغراض والهواء ل يتلمس الثالب ف روايات الغرضي‬
‫والفّاكي ث يتعلّق با ويشغب با على أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬بل‬
‫يبحث عن حسناتم وفضائلهم وما يدل عليها من كتاب ال وسنة رسوله وثناء السلف‬
‫عليهم ‪.‬‬
‫ويستأنس لذلك بثل هذه الرواية الت سقناها ولو كان ف إسنادها ضعف ‪ ،‬فإن‬
‫ف عدلم وأخلقهم وسيهم العطرة وفيما قاله ال ورسوله صلى ال عليه وسلم من‬
‫تزكيتهم وحسن الثناء عليهم ما يدعمها ويقويها ‪.‬‬
‫هذا هو النهج السديد والنطق السليم ‪ ،‬ل منهج أهل الهواء والغراض‬
‫ومنطقهم العوج الضال التناغي مع منهج ابن سبأ وتلميذه ‪.‬‬
‫وقال ابن جرير(‪(( :)1‬وكان عثمان قد قسم ماله وأرضه ف بن أمية وجعل ولده‬
‫كبعض من يعطي؛ فبدأ ببن أب العاص فأعطى آل الكم رجالم عشرة آلف عشرة‬
‫آلف ‪ ،‬فأخذوا مائة ألف ‪ ،‬وأعطى بن عثمان مثل ذلك ‪ ،‬وقسم ف بن العاص ‪ ،‬وف‬
‫بن العيص ‪ ،‬وف بن حرب)) ‪.‬‬
‫فهذا هو الب ‪ ،‬وهذا هو الود والسخاء؛ وهو من مزاياه وماسنه رضي ال عنه ‪.‬‬
‫ولكن عي السخط تبدي الساويا‬ ‫وعي الرضا عن كل عيبٍ كليلة‬

‫() ( ‪. ) 4/348‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪232‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وبذا يظهر كذب وبطلن ما قاله السعودي ف ح ّق عثمان وفرح به سيد قطب ‪.‬‬
‫وأما الزبي ي رضي ال عنه ي فإليك ما يقوله أهل السنة فيه ‪:‬‬
‫قال البخاري(‪)1‬ي رحه ال ي ‪(( :‬باب بركة الغازي ف ماله حيـًا وميّتـا مع‬
‫النب صلى ال عليه وسلم وولة المر بعده)) ‪ ،‬ث روى بإسناده إل عبد ال بن الزبي‬
‫ي رضي ال عنه ي قال ‪(( :‬لا وقف الزبي يوم المل دعان فقمتُ إل جنبه ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫يا بن ل يقتل اليوم إل ظال أو مظلوم ‪ ،‬وإن ل أران إل سأقتل اليوم مظلومـا وإن‬
‫من أكب هي لدين ‪ ،‬أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئـا ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا بن بع مالنا فاقض‬
‫دين ‪ ،‬وأوصى بالثلث وثلثه لبنيه ي يعن ‪ :‬بن عبد ال بن الزبي ي ‪ ،‬يقول ‪ :‬ثلث‬
‫الثلث؛ فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدين فثلثه لولدك ‪.‬‬
‫قال هشام ‪ :‬وكان بعض ولد عبد ال قد وازى بعض بن الزبي ي خبيب وعباد‬
‫ي وله يومئذ تسعة بني وتسع بنات؛ قال عبد ال ‪ :‬فجعل يوصين بدينه ويقول ‪ :‬يا‬
‫بن إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه مولي ‪ ،‬قال ‪ :‬فوال ما دريت ما أراد حت‬
‫قلت ‪ :‬يا أبة من مولك ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬ال ‪ ،‬قال ‪ :‬فوال ما وقعت ف كربة من دينه إل‬
‫قلت ‪ :‬يا مول الزبي اقض عنه دينه ‪ ،‬فيقضيه؛ فقتل الزبي ي رضي ال عنه ي ول‬
‫يدع دينارًا ول درهـا إل أرضي منها الغابة وإحدى عشرة دارًا بالدينة ‪ ،‬ودارين‬
‫بالبصرة ‪ ،‬ودارًا بالكوفة ‪ ،‬ودارًا بصر؛ قال ‪ :‬وإنا كان دينه الذي عليه أن الرجل كان‬
‫يأتيه بالال فيستودعه إياه فيقول الزبي ‪ :‬ل ‪ ،‬ولكنه سلف ‪ ،‬فإن أخشى عليه الضيعة ‪.‬‬
‫وما ول إمارة قطّ ول جباية خراج ول شيئـا إل أن يكون ف غزوة مع النب صلى ال‬
‫عليه وسلم أو مع أب بكر وعمر وعثمان ي رضي ال عنهم ي؛ قال عبد ال بن الزبي‬
‫‪ :‬فحسبت ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومائت ألف ‪ ،‬قال ‪ :‬فلقي حكيم بن‬
‫حزام عبد ال بن الزبي فقال ‪ :‬يا ابن أخي ‪ :‬كم على أخي من الدين ؟ ‪ ،‬فكتمته فقال‬
‫‪ :‬مائة ألف ‪ ،‬فقال حكيم ‪ :‬وال ما أرى أموالكم تسع لذه ‪ ،‬فقال له عبد ال ‪:‬‬
‫أرأيتك إن كانت ألفي ألف ومائت ألف ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬ما أراكم تطيقون هذا ‪ ،‬فإن عجزت‬
‫عن شيء منه فاستعينوا ب‪.‬‬

‫() ( كتاب المس ‪ ،‬حديث ‪. ) 3129 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪233‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫قال ‪ :‬وكان الزبي اشترى الغابة بسبعي ومائة ألف ‪ ،‬فباعها عبد ال بألف ألف‬
‫وستمائة ألف ‪ ،‬ث قام فقال ‪ :‬من كان له على الزبي حق فليوافنا بالغابة ‪ ،‬فأتاه‬
‫عبد ال بن جعفر ي وكان له على الزبي أربعمائة ألف ي فقال لعبد ال ‪ :‬إن شئتم‬
‫تركتها لكم ‪ ،‬قال عبد ال ‪ :‬ل ‪ ،‬قال ‪ :‬فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخّرون إن أخرت ‪،‬‬
‫فقال عبد ال ‪ :‬ل ‪ ،‬قال ‪ :‬قال ‪ :‬فاقطعوا ل قطعة ‪ ،‬قال عبد ال ‪ :‬لك من هاهنا إل‬
‫هاهنا ‪ ،‬قال ‪ :‬فباع منها فقضى دينه فأوفاه ‪ ،‬وبقي منها أربعة أسهم ونصف ‪ ،‬فقدم‬
‫على معاوية وعنده عمرو بن عثمان والنذر بن الزبي وابن زمعة ‪ ،‬فقال له معاوية ‪ :‬كم‬
‫قومت الغابة ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬كل سهم مائة ألف ‪ ،‬قال ‪ :‬كم بقي ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬أربعة أسهم‬
‫ونصف ‪ ،‬فقال النذر بن الزبي ‪ :‬قد أخذت سهمـا بائة ألف ‪ ،‬وقال عمرو بن‬
‫عثمان ‪ :‬قد أخذت سهمـا بائة ألف ‪ ،‬وقال ابن زمعة ‪ :‬قد أخذت سهمـا بائة‬
‫ألف ‪ ،‬فقال معاوية ‪ :‬كم بقي ؟ ‪ ،‬فقال ‪ :‬سهم ونصف ‪ ،‬قال ‪ :‬أخذته بمسي ومائة‬
‫ألف ‪ ،‬قال ‪ :‬وباع عبد ال بن جعفر نصيبَه من معاوية بستمائة ألف ‪.‬‬
‫فلما فرغ ابن الزبي من قضاء دينه قال بنو الزبي ‪ :‬اقسم بيننا مياثنا ‪ ،‬قال ‪ :‬ل‬
‫وال ل أقسم بينكم حت أنادي بالوسم أربع سني ‪ :‬أل من كان له على الزبي دين‬
‫فليأتنا فلنقضه؛ قال ‪ :‬فجعل كل سنة ينادي بالوسم ‪ ،‬فلما مضى أربع سني قسم بينهم ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وكان للزبي أربع نسوة ‪ ،‬ورفع الثلث فأصاب كل امرأة ألف ألف‬
‫ومائتا ألف ‪.‬‬
‫ف هذا الديث ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ كرامة هذا الصحاب الليل عند ال ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ تقوى هذا الصحاب ل ‪ ،‬وخوفه من ال ‪،‬واهتمامه بديون الناس‬
‫وحقوقهم‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ الدللة على صدق نيته ف خروجه إل العراق لواجهة قتلة عثمان‬
‫واعتقاده أنه مظلوم ف مقام يصدق فيه الكذوب ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ شكه ف وفاء ماله بدينه الكثي ‪.‬‬

‫‪234‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 5‬ـ وصيته ولده باللجوء إل ال إذا واجه كربة ف قضاء هذا الدين الذي أهه‬
‫ي رضي ال عنه ي وحسن ثقته بوله ‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ أن ابنه كان يواجه كربات ف قضاء دين والده فيلجأ إل ال فيستجيب‬
‫ال دعاءه؛ وهذه أحوال أولياء ال الصادقي الخلصي ل حال القطاعيي الترفي ‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ أن ال سبحانه بارك ف مال الزبي ‪ ،‬وإل فإن الزبي وابنه وحكيم بن حزام‬
‫وعبد ال بن جعفر كانوا يعتقدون أنّ مال الزبي ل يفي بدينه فضلً أن يبلغ إل ما بلغ‬
‫إليه من البكة والكثرة الت غطت ديونه وزادت إل درجة ل تطر ببال أحد منهم ‪،‬‬
‫وذلك من فضل ال ث ببكة إخلص الزبي وولده ي رضي ال عنهما ي ‪.‬‬
‫فأين أكاذيب السعودي وتويل سيد قطب ؟!! ‪.‬‬
‫ث إن الدور الت خلفها كان قد أوقفها على من تطلق من بناته؛ وهذا من الدلة‬
‫على بره ببناته ف حياته وبعد موته ي رضي ال عنه ي ‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ قدمنا ما يدل على أن الزبي ي رضي ال عنه ي قد أخرج نفسه من‬
‫الديوان بعد استشهاد عمر ي رضي ال عنه ي ‪ ،‬وف هذا الديث أن الزبي ي رضي‬
‫ال عنه ي ما ول إمارة قط ول جباية ول خراجـا ول شيئـا إل أن يكون ف غزوة‬
‫مع رسول ال أو أب بكر وعمر وعثمان ‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ انظر إل دينه حيث بلغ ألفي ألف ومائت ألف وكان العقلء يرون أن‬
‫ماله ل يبلغ أن يفي لسداد مائة ألف ‪ ،‬لكن ال بارك ف ماله وحلّ مشكلته رحة‬
‫وتفضلً منه على عبده الصادق الخلص؛ فأين ما يقولُه ويفتريه السعودي ويهوّل‬
‫به سيد قطب ؟!! ‪.‬‬
‫إن طه حسي على خلعته وخبثه وطعنه ف الصحابة كانت نفسُه البيثة قد‬
‫تسمح له بأن يدح كثيًا من الصحابة ويذكر ماسنَهم ويعتذر بعض العذار لم إل‬
‫جانب طعونه الت يعتمد فيها على الروايات الضعيفة والباطلة ويعتمد أحيانـا‬
‫ميلته الفاسدة وهواه العمى ‪.‬‬
‫ومع كل هذا ل ند فيه تشنّج سيد قطب وحقده على كثي من الصحابة ـ‬

‫‪235‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وخصوصـا عثمان وبن أمية صحابيهم وتابعيهم ومن بعدهم ـ؛ فما كانت نفسُه‬
‫لتطاوعه ف ذكر شيء من ماسنهم ‪ ،‬وما كان دينه يزعه عن اعتماد الروايات‬
‫الباطلة ف مثالبهم والطعن فيهم ‪ ،‬وأكثر من هذا اعتماده على ميّلته وإرسال عنان‬
‫قلمه ف الطعن والتهويش عليهم ‪.‬‬
‫وللفرق بينه وبي طه حسي انظر ما قاله سيد قطب من أول كلمه ف‬
‫((العدالة الجتماعية)) إل آخره ف أصحاب رسول ال وف عثمان وبن أمية خاصة‬
‫وف قريش عامة ‪ ،‬وانظر عمومَ ما قاله طه حسي تد سيدًا أشدّ لجة وأكثرَ‬
‫تجّمـا وظلمـا ول أثر لحترامهم وإنصافهم ف كتابه ‪ ،‬وتد ف كتابة طه حسي‬
‫من البث والوى ما ال به عليم ‪ ،‬ولكن ـ كما قلت ـ كثيًا ما تسمح له نفسه‬
‫بالرونة والحترام والثناء على كثي منهم ‪ ،‬وإن كان ما سلم من ثلبه إل القليل منهم ‪.‬‬
‫وكنتُ أتصوّر أن سيد قطب كان متأثّرًا بطه حسي ف الطعن والثلب ف‬
‫الصحابة ف الملة ‪ ،‬لكنه ل يتابعه فيما يذكره من ماسنهم فما كان ف نفسه تلك‬
‫الرونة الت عند أستاذه ‪ ،‬وما كان عند الستاذ من العنف التلهّب مثل ما كان عند‬
‫التلميذ ‪.‬‬
‫وعلى سيبيل الثال ‪ ،‬انظير ميا نقله سييد قطيب عين السيعودي مين الطعين في‬
‫الصحابة ‪ ،‬وكيف اختار عثمان والزبي وطلحة وعبد الرحن بن عوف(‪ )1‬وسعد بن أب‬
‫وقاص والقداد ‪ ،‬وانظر تعليقه على كلم السعودي حيث كان أشد طعنا وأقل أدبا من‬
‫السعودي الشيعي نفسه ‪ ،‬وانظر ما قاله طه حسي ف هؤلء الصحابة ف كتابه ((الفتنة‬
‫( ‪. )2‬‬
‫الكبى [عثمان])) تر الفرق واضحا بي الرجلي‬
‫ومع ما يرمى به طه حسي من إلاد وطعن ف الصحابة ‪ ،‬فإنك تده ألي عريكة‬
‫من سيد قطب وأقل قسوة وعنفا ‪ ،‬فقد ترجم للزبي وخلط فيها بي الغمز والدح‪.‬‬

‫‪(( )(1‬العدالة)) (ص ‪ ، 209‬ط الامسة ‪ ،‬ص ‪ ، 175‬ط الثانية عشرة)‪.‬‬


‫‪( )(2‬ص ‪(( )772-765‬مموع اسلميات طه حسي)) ‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أما الغمز ‪ ،‬فهو البالغة ف ثرواته ‪ ،‬ول يكن ملصا ول صادقا ف عرضه لا ‪ ،‬ولو‬
‫كان ملصا لذكر رواية البخاري ف ذلك ومصلها ما سبق‪.‬‬
‫وأما الدح ‪ ،‬فذكره أن للزبي قرابة من رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وصهرا‬
‫إل أب بكر ‪ ،‬وأنه عرف من طفولته بالبأس والقوة والقدام ‪ ،‬وأنه كان من السابقي‬
‫إل السيلم ‪ ،‬وأنيه شهيد بدرا والشاهيد كلهيا ‪ ،‬وأنيه حواري النيب صيلى ال علييه‬
‫وسلم ‪ ،‬وأن عمر وضعه ف الشوري وكان مرشحا للخلفة ‪ ،‬وذكر أنه مع ثروته مات‬
‫وعليه دين كثي‪.‬‬

‫وهمّ كثي من الدائني أن يتركوا دينهم للورثة ‪ ،‬ولكن عبد ال أب وأدى الدين‬
‫كله لصحابه ‪ ،‬ول يدرك طه حسي ما ف قصة الدين من الدللة على كذب الروايات‬
‫الت بالغت ف ثروات الزبي ‪ ،‬ول يدرك ان الديون كانت أكثر بكثي من ماله الذي‬
‫خلفه ‪ ،‬لكن ال بارك فيه بعد موته‪.‬‬

‫‪237‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل السادس والثلثون‬


‫الذب عن عبد الرحمن عوف ـ رضي الله‬
‫عنه ـ‬
‫وأما عبد الرحن بن عوف ي رضي ال عنه ي فهو من سادات الهاجرين ‪،‬‬
‫وأحد العشرة البشرين بالنة ‪ ،‬وأحد الستة الشورى الذين توف رسول ال وهو عنهم‬
‫راض ‪ ،‬وكان كثي الال ‪ ،‬بارك ال له ف تارته ف حياة رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وكان كثي الب والحسان والنفاق ف سبيل ال ‪.‬‬
‫تصدّق عبد الرحن على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم بشطر ماله ‪ ،‬ث‬
‫تصدّق بأربعي ألف دينار ‪ ،‬ث حل خسمائة فرس ف سبيل ال وخسمائة راحلة ‪،‬‬
‫وكان بينه وبي خالد بن الوليد كلم فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪(( :‬ل تسبوا‬
‫أصحاب فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبـا ما بلغ ُمدّ أحدهم ول نصيفه)) ‪.‬‬
‫وقال جعفر بن برقان ‪ :‬بلغن أن عبد الرحن بن عوف أعتق ثلثي ألف نسمة ‪،‬‬
‫وأوصى عبد الرحن بن عوف لكل من شهد بدرًا بأربعمائة دينار فكانوا مائة رجل ‪.‬‬
‫وقد ترجم له طه حسي ‪ ،‬وف كلمه غمز مُبطّن فيما يبدو ‪ ،‬إل أنه ف الوقت‬
‫نفسه ذكر ثناء حسنـا يرجع إليه من شاء ف كتابه ‪ ،‬ومنه بعد ذكر ثروته الضخمة‬
‫على ح ّد قوله ‪ ،‬قال ‪(( :‬فكلّ هذا إن صور شيئـا فإنا يصور ثروة ضخمة نامية ل‬
‫تنقصها الصدقة الدائمة والب التواصل دائمـا لزواج النب صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫ث لذوي قرابته من بن زهرة ‪ ،‬ث لغيهم من عامة السلمي)) ‪.‬‬
‫وكان طه حسي يرد هذه الثروة إل ناح عبد الرحن ف التجارة ل إل أعطيات‬
‫عثمان الت يزعمها سيد قطب؛ ففرقٌ كبي بي موقف الرجلي ‪.‬‬
‫وأما سعد بن أب وقاص (‪)1‬ي رضي ال عنه ي فهو سابع سبعة ف السلم ‪،‬‬
‫وأحد العشرة البشرين بالنة ‪ ،‬ومدوّخ الفُرس ‪ ،‬وصاحب القادسية ‪.‬‬
‫وقد استعمله كلّ من عمر وعثمان ‪ ،‬فكان الناصحَ المي ‪ ،‬ول يكن من‬

‫() راجع ترجته ف ((الصابة)) ‪ 2/30 ( :‬ي ‪ ، ) 31‬و ((السي)) للذهب ‪ 1/92 ( :‬ي ‪. ) 124‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪238‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الثرياء ‪ ،‬بل عجز عن تسديد دين كان عليه ف عهد عثمان ي رضي ال عنه ي ‪.‬‬
‫وقد نقم عليه السعودي وسيد قطب أن يبن لنفسه دارًا يسكنها ‪ ،‬وما أدري هل‬
‫الروافض ل يسكنون إلّ ف اليام والكواخ حت ينقموا على سعد أن يبن دارًا ‪.‬‬
‫ومن العجيب ‪ :‬أن طه حسي ل يغمزه بأي مغمز ‪ ،‬بل ترجم له ترجة طيّبة قال‬
‫ف آخرها ‪(( :‬إن معارضته لعثمان ل تتجاوز ح ّد النصح والمر بالعروف ‪ ،‬فلما‬
‫خرجت العارضة عن طورها وقاربت أن تكون ثورة كفّ سعد ولزم الياد ‪،‬‬
‫ول يشارك ف الفتنة ول ف أعقابا ‪ ،‬وكان إذا سئل ‪ :‬لِ َم ل تقاتل ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬حت‬
‫تأتون بسيف ينطق فيقول هذا مؤمن وهذا كافر؛ وكأن سعدًا ترّج من أن يظهر‬
‫النكي على عثمان فيتّهم بأنه إنا فعل ذلك لنه ينقم على عثمان عزله عن الكوفة ‪.‬‬
‫ومهما يكن من شيء فقد لزم سعد السية الت سارها أيام النب؛ فجاهد ما‬
‫عرف الهاد مع النب صلى ال عليه وسلم وأيام عمر ‪ ،‬فلما أشكل المر عليه‬
‫اعتزل وترك الناس وما هم فيه ‪.‬‬
‫ولا مات سنة خسي ـ أو خس ـ وخسي طلب أزواجُ النب صلى ال عليه‬
‫وسلم أن ترّ جنازته عليهنّ ‪ ،‬ف ُمرّ به ف السجد فصلي عليه ‪.‬‬
‫ول يترك سعد ثروة ضخمة حي مات بالقياس إل أصحابه ‪ ،‬وإنا ترك ما بي‬
‫مائت ألف وثلثائة ألف ‪ ،‬وليس هذا بالشيء ذي الطر كما رأيت وكما‬
‫سترى))(‪.)1‬‬
‫وفرقٌ كبي بي سيد قطب؛ إذْ يشيد بالثورة على عثمان ‪ ،‬وبي طه حسي حيث‬
‫يشيد بسعد لبتعاده عن الفتنة ‪.‬‬

‫() ل يتر كه طب عه من الشارة إل الط عن ف أثرياء ال صحابة ‪ .‬ان ظر هذا الكلم ( ص ‪ ) 769 :‬ف‬ ‫‪1‬‬

‫((السلميات)) ‪.‬‬

‫‪239‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل السابع والثلثون‬


‫الذب عن طلحة بن عبيد الله ـ رضي الله‬
‫عنه ـ‬
‫وأما طلحة بن عبيد ال التيمي ي رضي ال عنه ي ‪ :‬فهو أحد السابقي‬
‫الولي ‪ ،‬وأحد العشرة الشهود لم بالنة ‪.‬‬
‫قال الذهب ‪(( :‬وف مسلم ‪ :‬من حديث أب هريرة ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم كان على حراء هو وأبو بكر ‪ ،‬وعمر ‪ ،‬وعثمان ‪ ،‬وعلي ‪ ،‬وطلحة ‪ ،‬والزبي ‪،‬‬
‫فتحركت الصخرة فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪(( :‬اثبت حراء ‪ ،‬فما عليك إل‬
‫نبّ ‪ ،‬أو صدّيق ‪ ،‬أو شهيد)) ‪.‬‬
‫وقال مالد عن الشعب ‪ :‬عن قبيصة ‪ :‬صحبت طلحة فما رأيت أعطى لزيل‬
‫مال من غي مسألة منه ‪.‬‬
‫وعن موسى بن طلحة أن أباه أتاه مال من حضرموت سبعمائة ألف فبات ليلتَه‬
‫يتململ ‪ ،‬فقالت له زوجتُه ‪ :‬مالَك ؟ ‪ ،‬فقال ‪ :‬تفكّرت فقلت ‪ :‬ما ظن رجل بربه‬
‫يبيت وهذا الالُ ف بيته ‪ ،‬قالت ‪ :‬فأين أنت عن بعض أخلئك ‪ ،‬فإذا أصبحت‬
‫فاقسمها ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنك موفقة ي وهي أم كلثوم بنت الصدّيق ي؛ فقسمها بي‬
‫الهاجرين والنصار ‪ ،‬فبعث إل عل ّي منها ‪ ،‬وأعطى زوجته ما فضل؛ فكان نو ألف‬
‫درهم ‪.‬‬
‫وعن ممد بن إبراهيم التيمي قال ‪ :‬كان يغل طلحة بالعراق أربعمائة ألف ‪،‬‬
‫ويغل بالسراة عشرة آلف دينار ‪ ،‬وكان يكفي ضعفاء بن تيم ‪ ،‬ويقضي ديونم ‪،‬‬
‫ويرسل إل عائشة كل سنة بعشرة آلف(‪.)1‬‬
‫وف ((تاريخ ابن عساكر))(‪(( :)2‬وكان ل يدع أحدًا من بن تيم عائلً إلّ كفاه‬
‫مؤنته ومؤنة عياله ‪ ،‬وكان يزوّج أياماهم ‪ ،‬ويدم عائلهم ‪ ،‬ويقضي دين غارمهم؛‬

‫() ((تاريخ السلم)) ‪ ( :‬عهد اللفاء ‪ ،‬ص ‪. ) 527‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((تذيب تاريخ دمشق)) ‪ 7/84 ( :‬ي ‪. ) 85‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪240‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ولقد كان يرسل إل عائشة إذا جاءت غلته بعشرة آلف ف كل سنة ‪ ،‬ولقد قضى عن‬
‫صبيحة التيمي ثلثي ألف درهم ‪ ،‬وقضى عن عبيد ال بن معمر ثاني ألفـا ‪ ،‬وأتاه‬
‫مرّة من العراق خسمائة ألف درهم ‪ ،‬فقسّمها حت أتى على آخرها)) ‪.‬‬
‫أمثل هذا الواد الكري السمح العطاء يلمُ على غن ويطعن فيه به ‪ ،‬وكان‬
‫إخوانه الذين صنفهم سيد ف القطاعيي ل يقلّون عن طلحة جودًا وبذلً ‪.‬‬
‫ول يسلم طلحة من غمز طه حسي ‪ ،‬لكنه مع ذلك اتسع صدرُه بذكر كثي من‬
‫ماسنه؛ فمن ذلك قوله ‪(( :‬وكان طلحة كثي الصدقة ‪ ،‬ل يب أن يتمع ف داره الال‬
‫السائل؛ فكان إذا اجتمع ف داره شيءٌ كثي ل يسترح حت يتخفف منه بتقيسمه ف‬
‫ذوي قرابته من تيم وف ذوي مودّته من قريش والنصار ‪ ،‬وكان أسرع الناس معونة‬
‫لن يتاج إل العونة ‪ ،‬وأداء عمن يثقل عليه الدين ‪ ،‬وكان أعطى الناسَ للمال‬
‫والكسوة وأسخاهم بالطعام))(‪.)1‬‬
‫أما القداد بن عمرو الكندي ‪ :‬فهو أحد الصحابة السابقي الولي ‪ ،‬شهد‬
‫بدرًا والشاهد ‪ ،‬وثبت أنه كان يوم بدر فارسـا؛ قال ي رضي ال عنه ي ‪ :‬استعملن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم على عمل ‪ ،‬فلما رجعت قال ‪(( :‬كيف وجدت‬
‫المارة ؟)) ‪ ،‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ما ظننتُ إل أن الناس كلهم خول ل ‪ ،‬وال ل أل‬
‫على عمل ما دمتُ حيـًا ‪.‬‬
‫وقال له بعض الناس ي وهو يريد الغزو وقد بدن ي ‪ :‬قد أعذر ال إليك ؟ ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬أتت علينا سورة البحوث ‪ { :‬انفروا خفافـا وثقالً } [ التوبة ‪. ] 41 :‬‬
‫قال الذهب ‪(( :‬عن كرية بنت القداد ‪ :‬أن القداد أوصى للحسن والسي بستة‬
‫وثلثي ألفـا ‪ ،‬ولمهات الؤمني لكل واحدة بسبعة آلف درهم))(‪.)2‬‬
‫وقال ابن سعد ‪ :‬أخبنا ممد بن عمر قال ‪ :‬حدثن موسى بن يعقوب عن عمته‬
‫عن أمها قالت ‪(( :‬بعنا طعمة القداد الت أطعمه رسول ال صلى ال عليه وسلم بيب‬

‫() ((إسلميات طه حسي)) ‪ ( :‬ص ‪. ) 772‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((سي أعلم النبلء)) ‪ 1/388 ( :‬ي ‪. ) 389‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪241‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫خسة عشر وسقـا شعيًا من معاوية بن أب سفيان بائة ألف درهم)) ‪.‬‬
‫والروايتان كما ترى غي ثابتة؛ فالول ل إسناد لا ‪ ،‬والثانية فيها الواقدي ‪،‬‬
‫وفيها عمة موسى وهي قريبة فيها جهالة ‪.‬‬
‫ولو ثبتت الروايتان فإن هذا الال يعدّ قليلً بالنسبة لعهد عثمان وعهد معاوية؛‬
‫لن ال كان أفاض على السلمي بالي الكثي ‪ ،‬ول ينق منه إلّ أهل الدواء‬
‫والمراض النفسية ‪.‬‬
‫وأما يعلى بن أمية فهو الصحاب الليل التميمي حليف بن نوفل ‪ :‬أسلم عام‬
‫الفتح ‪ ،‬استعمله عمر بن الطاب على بعض اليمن ‪ ،‬واستعمله عثمان على صنعاء‬
‫فبلغه قتل عثمان فأقبل لينصره فقدم مكة بعد انقضاء الج واستشرف إليه الناس ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬من خرج يطلب بدم عثمان فعليّ جهازه ‪ ،‬فأعان الزبي بأربعمائة ألف ‪ ،‬وحل‬
‫سبعي رجلً من قريش؛ وكان يعلى جوادًا معروفـا بالكرم ‪ ،‬ث صار من أصحاب‬
‫عليّ ‪ ،‬وقُتل معه بصفّي(‪.)1‬‬
‫ول يذكر أحدٌ من ترجم له مقدار ما خلّف من الال غي السعودي حسب‬
‫اطلعي ‪ ،‬ويكفيه أنه بذل بسخاء ف نصرة ما يرى أنه الق وأنه كان جوادًا كريـا ‪.‬‬
‫قال سيد قطب معلّقـا على كلم السعودي الشيعي ‪:‬‬
‫((هذا هو الثراء الذي بدأ صغيًا بإيثار بعض السلمي على بعض ف العطاء ف‬
‫أيام عمر؛ ذلك اليثار الذي كان معتزمـا إبطاله وتلف آثاره لول أن عاجلته‬
‫الطعنة الت ل تصب قلب عمر وحده ‪ ،‬بل أصابت قلب السلم ‪ ،‬ث نا وازداد‬
‫بإبقاء عثمان عليه ‪ ،‬فضلً عن العطايا والبات والقطائع ‪ ،‬ث فشى فشوّا ذريعـا‬
‫بتجميع الملك والضياع وموارد الستغلل با أباحه عثمان من شراء الرضي ف‬
‫القاليم وتضخيم اللكيات ف رقعة واسعة ‪.‬‬
‫وبقاومة الصيحة الالصة العميقة الت انبعثت من قلب أب ذر ‪ ،‬وكانت‬

‫() ((أسيد الغابية)) ‪ ، ) 5/523 ( :‬وانظير ‪(( :‬سيي أعلم النبلء)) ‪ ، ) 3/100 ( :‬و ((تذييب‬ ‫‪1‬‬

‫الساء واللغات)) ‪ ( :‬القسم الول ‪ ،‬ص ‪. ) 165 :‬‬

‫‪242‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫جديرة لو بلغت غايتها ولو وجدت من المام استماعـا لا أن تعدل الوضاع ‪،‬‬
‫وأن تقق ما أراده عمر ف أواخر أيامه من ردّ فضول الغنياء على الفقراء با يبيحه‬
‫له سلطان المامة لدفع الضرر عن المة ‪ ،‬بل با يتمه عليه تقيقـا لصلحة الماعة ‪.‬‬
‫وبقدر ما تكدست الثروات وتضخمت ف جانب كان الفقر والبؤس ف‬
‫الانب الخر ‪ ،‬وكانت النقمة والسخط كذلك ‪ ،‬وما لبث هذا كله أن تمع‬
‫وتضخم لينبعث فتنة هائجة يستغلها أعداء السلم ‪ ،‬فتودي ف النهاية بعثمان‬
‫وتودي معه بأمن المة السلمية وتسلمها إل اضطراب وفوران ل يب أواره حت‬
‫كان قد غشى بدخانه على روح السلم وأسلم المة إل ملك عضوض(‪.)1‬‬
‫هكذا يصوّر أبو الثورة كما يسميه (العجبون به) ذلك العهد الطيّب البارك‬
‫وذلك الجتمع اليّر الذي شهد له رسول ال بالييّة ‪ ،‬يصوّره ف صورة الجتمعات‬
‫الوربية ‪ ،‬فهناك إقطاعيون تتجمع ف أيديهم الملك والضياع وموارد الستغلل ‪،‬‬
‫ويمل عثمان أوزار هذا الوضع القطاعي الرهيب ف نظره ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ با أباحه من شراء الرضي ف القاليم وتضخيم اللكيّات ف رقعة‬
‫واسعة كما هو حال القطاعيي ف أوربا ف العصور الظلمة ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وبقاومة الصيحة الالصة العميقة الت انبعثت من قلب أب ذر ول‬
‫تنبعث من قلوب الصحابة جيعـا البدريّي والهاجرين والنصار وسائر السابقي‬
‫واللحقي؛ لن الشع الادّي والستئثار بالبات والستئثار بالقطاع وتميع‬
‫الملك والضياع وموارد الستغلل ف أيديهم قد أمات قلوبم ف نظر سيد ول يبق‬
‫إل قلب أب ذر زعيم الشتراكيي ـ حاشاه ـ ينبض بالثورة والغية ‪.‬‬
‫هذا ما يصوّره كلم أب الثورة ‪.‬‬
‫أما أصحاب رسول ال فوال ما كانوا ف شيءٍ ما يتقوّله ويفتعله سيد قطب ‪،‬‬
‫وما كان أبو ذر ف شيءٍ ما يقوله ‪ ،‬وليست هناك صيحة ثورية يطالب فيها بالتأميم‬
‫وأخذ فضول الغنياء ‪.‬‬

‫() ((العدالة)) ( ص ‪ ) 210 :‬ط خامسة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪243‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وليس ف السلم ما يبيح للسلطان أن ينهب أموال الغنياء ث يعطيها للثوار‬


‫الكادحي ‪.‬‬
‫وليس ف ذلك الجتمع الطاهر تكدس ثروات كما هي عند القطاعيي‬
‫والرأسالييي الوربيي ‪ ،‬وليس هناك طبقات إقطاعية ورأسالية وطبقات فقراء‬
‫وبؤساء؛ ذلك أن الذين منّ ال عليهم بالال كانوا يودون بذه الموال ف سبيل‬
‫ال وسائر طرق الب والي ‪.‬‬
‫والذين دونم ف الغناء ما كانوا يكدحون ف الزارع والقول وأحيانـا‬
‫يفاجؤون بالتعطل والتبطل ‪ ،‬إنا كانوا جنودًا ف سبيل ال كالليوث ‪ ،‬ياهدون ف‬
‫سبيل ال ولعلء كلمة ال من عهد رسول ال إل أن استشهد عثمان ‪ ،‬فينالون من‬
‫الغنائم ومن الراج ومن غيها من أبواب الدخل ‪ ،‬بالضافة إل الدين والخلق‬
‫العالية ‪ ،‬المر الذي يعلهم أبعدَ الناس وأبعد الجتمعات عن الال والصورة الت‬
‫يصورهم با سيد قطب تلك الصورة الشوهاء الت استمدّها من أوضاع الجتمعات‬
‫الغربية والشرقية النكدة من تكدّس الموال ف جانب والفقر والبؤس ف جانب آخر ‪،‬‬
‫ث الثورات الدمرة الناتة عن هذه الوضاع السيئة ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ويقول مشيدًا بالثورات با فيها ثورة القرامطة ‪:‬‬
‫((والواقع أن اتام النظام السلمي بأنه ل يمل ضماناته إغفال للممكنات‬
‫الواقعة ف كل نظام ‪ ،‬كما أن فيه إغفالً لقائق التاريخ السلمي الذي شهد الثورة‬
‫الكبى على عثمان ‪ ،‬وشهد ثورة الجاز على يزيد ‪ ،‬كما شهد ثورة القرامطة‬
‫وسواها ضد الستغلل والسلطة الائرة وفوارق الطبقات ‪ ،‬وما يزال الروح‬
‫السلمي يصارع ضدّ هذه العتبارات جيعـا على الرغم من الضربات القاصمة‬
‫الت وجهت إليه ف ثلثائة وألف عام(‪. )1‬‬
‫ولعله أغفل حركة الفاطميي والباطنيي كعلي بن الفضل وسائر حركات‬
‫الروافض لئل يستيقظ النوام وينتبه الغافلون ‪.‬‬

‫() ((العدالة الجتماعة)) ‪ ( :‬ص ‪ ) 223‬ط خامسة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪244‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل الثامن والثلثون‬


‫موقف الصحابة وعلماء المة من الثائرين‬
‫على عثمان‬
‫قال ابن شبة ي رحه ال ي ‪ :‬حدثنا حيان بن بشر قال ‪ :‬حدثنا يي بن آدم ‪،‬‬
‫حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬عن أب مالك الشجعي قال ‪ :‬قلت لسال بن أب العد ‪ :‬ما ردّك‬
‫عن رأيك ف عثمان ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬كنا مع ممد بن علي ف الشعب وابن عباس ‪ ،‬فذكرنا‬
‫عثمان فنلنا منه ‪ ،‬فقال ‪ :‬كفّوا عن هذا الرجل ‪ ،‬ث نلنا منه ‪ ،‬فقال ‪ :‬أل أنكم ‪ ،‬ث‬
‫أقبل على ابن عباس ي رضي ال عنهما ي فقال له ‪ :‬أتذكر عشية المل وأنا عن يي‬
‫علي ي رضي ال عنه ي وف يدي الراية وأنت عن يساره ‪ ،‬فسمع هدّة ف الربد‬
‫فأرسل فلنـا فجاء فقال ‪ :‬هذه عائشة ي رضي ال عنها ي تلعن قتلة عثمان ي‬
‫رضي ال عنه ي ‪ ،‬فرفع علي يديه حت سترتا وجهه ث قال ‪ :‬وأنا ألعن قتلة عثمان ي‬
‫رضي ال عنه ي ‪ ،‬لعنهم ال ف السهل والبل ي مرّتي أو ثلثـا ي ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فصدقوا(‪ )1‬ابن عباس ي رضي ال عنهما ي فأقبل علينا فقال ‪ :‬أما فّ وف‬
‫هذا لكم شاهد عدل)) ‪.‬‬
‫ث روى بأسانيده عن عليّ أنه كان يدعو على قتلة عثمان وتارة يلعنهم(‪.)2‬‬
‫وهي تصل بجموعها إل درجة الصحة ‪.‬‬
‫وذكر ابن جرير(‪)3‬ي رحه ال ي ‪ :‬أن الثوار الصريي أتوا عليـًا فسلموا عليه‬
‫وعرضوا له ‪ ،‬فصاح بم وطردهم ‪ ،‬وقال ‪ :‬لقد علم الصالون أن جيش ذي الرة‬
‫وذي خشب ملعونون على لسان ممد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فارجعوا ل صحبكم‬
‫ال ‪،‬‬
‫قالوا ‪ :‬نعم؛ فانصرفوا عنه على ذلك ‪.‬‬
‫وأتى البصريون والكوفيون الزبي فقال لم مثل قول علي ‪ ،‬وذكر لم أن جيش‬
‫() لعله ‪ :‬فصدقه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((أخبار الدينة)) ‪. ) 4/119 ( :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ((تاريخ ابن جرير)) ‪. ) 4/350 ( :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪245‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ذي الرة وذي خشب والعوص ملعونون على لسان ممد صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫وساق ابن شبة بإسناده إل السن بن علي ي رضي ال عنه ي أنه قال ‪(( :‬لعن‬
‫ال قتلة عثمان))(‪.)1‬‬
‫وقال المام البخاري(‪)2‬ي رحه ال ي ‪ :‬حدثن ممد بن الثن ‪ ،‬حدثنا يي ‪،‬‬
‫حدثنا إساعيل ‪ ،‬حدثنا قيس قال ‪ :‬سعت سعيد بن زيد يقول ‪ :‬لو رأيتن موثقي عمر‬
‫على السلم أنا وأخته وما أسلم ولو أن أُحدا انقض لا صنعتم بعثمان لكان مقوقـا‬
‫أن ينقض)) ‪.‬‬
‫وقال ابن كثي ي رحه ال ي ‪(( :‬وف هذه السنة ( يعن ‪ :‬سنة ثلث وثلثي )‬
‫سيّر عثمان بعض أهل البصرة منها إل الشام وإل مصر بأسباب مسوغة لا فعله‬
‫ي رضي ال عنه ي؛ فكان هؤلء من يؤلب عليه ويالئ العداء ف الطّ والكلم‬
‫فيه ‪ ،‬وهم الظالون ف ذلك وهو البارّ الراشد ي رضي ال عنه ي))(‪.)3‬‬
‫والواقع ‪ :‬أن الصحابة والتابعي لم بإحسان والمة وعلماءها على أنّ عثمان‬
‫ـ رضي ال عنه ـ خليفةٌ راشد ‪ ،‬وشهيد مظلوم ‪ ،‬وأنه على الق البلج ‪،‬‬
‫وخصومه من الثوار وغيهم على الباطل ‪ ،‬ل يالف ف هذا إل الروافض والوارج‬
‫وأهل اللاد والبدع ‪.‬‬

‫() ((أخبار الدينة)) ‪. ) 3/354 ( :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ف ((الصحيح)) ‪ 63 ( :‬ي كتاب مناقب النصار ‪ ،‬حديث ‪. ) 3867 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ((البداية والنهاية)) ‪. ) 7/166 ( :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪246‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل التاسع والثلثون‬


‫طعون سيد قطب في خلفاء بني أمية‬
‫وبني العباس‬
‫ولسيد قطب طعون ف بن أمية وف بن العباس يرجهم با من السلم ‪ ،‬ول‬
‫ترى هذه الضغائن والرقة إل ف كلم الروافض وفصائلهم؛ فللرجل كلم كثي‬
‫مشحون بالطعون والقد ل يتّسعُ الجال لذكره ومناقشته ‪ ،‬منه قوله بعد حكاية‬
‫خطبتي مكذوبيتي على معاوية ي رضي ال عنه ي وللمنصور الذي قضى على دولة‬
‫الرفض واللاد ‪ ،‬فدفع بذلك عن السلم والمة شرّا عظيمـا وخطرًا رهيبـا ‪.‬‬
‫قال سيد بعدها ‪:‬‬
‫((وبذلك خرجت سياسة الكم نائيـًا عن دائرة السلم وتعاليم‬
‫السلم))(‪.)1‬‬
‫وقال مرة أخرى بعد أن رمى عثمان بالنراف ف تصور الكم وقيّده بالقلة تقية‪:‬‬
‫((وأما بعد أن صار الكم إل اللك الغضوض فقد انارت الدود والقيود ‪،‬‬
‫وأصبح الاكم مطلق اليد ف النع والنح بالق ف أحيان قليلة وبالباطل ف سائر‬
‫الحيان ‪ ،‬واتسع الال لترف الكام وأبنائهم وحاشيتهم وملقيهم إل غي حدّ ‪،‬‬
‫وخرج الكام بذلك نائيـًا من كل حدود السلم ف الال))(‪.)2‬‬
‫ومعلو ٌم أن سيدا ومَن دار ف فلكه يكفّرون بثل هذا ‪ .‬فل حول ول قوة إل بال ‪.‬‬

‫() ((العدالة الجتماعية)) ( ص ‪ ) 200 :‬ط خامسة ‪ ( ،‬ص ‪ 167 :‬ي ‪ ) 168‬ط ثانية عشرة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ((العدالة الجتماعية)) ( ص ‪. ) 200 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪247‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الخاتمة‬
‫لقد تبي للمؤمني أول الدين والعقول والنهى من هذا العرض مدى ما كان‬
‫ينطوي عليه سيد قطب من حقد وكراهية لعثمان بن عفان الليفة الراشد الظلوم ‪،‬‬
‫وما ظلم به هذا الليفة اليي الصال الوقور العادل ‪.‬‬
‫ومدى التطاول والفتراءات والتامات الت جع فيها بي حقد الروافض‬
‫والشتراكيي ‪.‬‬
‫فتارة يرى أن خلفته كانت فجوة ‪.‬‬
‫وتارة يقذفه بأن أسس السلم ف عهده قد تطمت ‪.‬‬
‫وتارة يرميه بالنراف عن روح السلم ‪.‬‬
‫وتارة يرميه بأنه يول أعداء رسول ال ويعزل أصحاب رسول ال ‪.‬‬
‫وتارة يرميه بأنه مكّن للمبادئ الموية الجافية لروح السلم ‪ ،‬وبأنه سيقة‬
‫لروان ‪.‬‬
‫وبأنه يمل بن أمية وبن معيط على رقاب الناس ‪.‬‬
‫وبأنه يغدق الموال والوليات على بن أمية ‪.‬‬
‫وبأن تصور حقيقة الكم ف عهده قد تغيّر ‪.‬‬
‫وبأن الثوار أقرب إل روح السلم من عثمان ‪.‬‬
‫وبأن الثروات قد تضخمت ف عهده نتيجة لسياسته ‪. ...‬‬
‫وطعون كثية قبيحة ل تتسع لذكرها هذه الاتة ‪.‬‬
‫وطعن ف الصحابة الذين عاشوا ف عهده وخيار التابعي بأنم مستنفعون ‪،‬‬
‫وبأنم ل يقنعوا بشرعة الساواة ‪ ،‬لنم اعتادوا التفضيل ‪.‬‬
‫وبأن عهدهم صار عهد إقطاع ‪.‬‬
‫وأنم لبسوا السلم رداءًا ‪ ،‬ول تالط بشاشة السلم قلوبم ‪.‬‬
‫وفضّل عليهم تلميذ ابن سبأ الثوّار ‪.‬‬
‫وطعون أخرى طعن با وشوّه أهل ذلك العهد الزاهر ‪.‬‬
‫والُ حسيبُه ‪ ،‬وال يكافؤه با يستحق ‪ ،‬وكفى شباب المة سوء أفكاره‬
‫ومبادئه النافية للمنهج السلمي الق اللبسة لباس السلم ظلمـا وزورًا ‪.‬‬

‫‪248‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فهرس الموضوعات‬
‫القدمة‬
‫السباب الوجبة للكتابة ف هذا الوضوع‬
‫لحة عن حياة سيد قطب‬
‫مكانة أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم عند ال ورسوله‬
‫والؤمني‬
‫نبذة عن الليفة الراشد عثمان بن عفان رضي ال عنه‬
‫من فضائل عثمان ي رضي ال عنه ي الثابتة عن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‬
‫تهيد طويل من سيد ليتوصل به إل الطعن ف عثمان ومن ف عهده من‬
‫الصحابة وغيهم‬
‫عثمان ما كان يرى أن قيامه بالكم يعل له حقوقـا وامتيازات‬
‫سيد يقرر مذهب الفرق الضالة ليوهم أنا مذهب عمر‬
‫عثمان ي رضي ال عنه ي كان شعوره السلمي بالعدل عميقـا ف‬
‫نفسه‬
‫عثمان ي رضي ال عنه ي كان يقيم العدل على نفسه وبي رعيته‬
‫اتام سيد لعثمان ي رضي ال عنه ي بأنه باكر السلم الناشئ‬
‫بالتمكي للمبادئ الموية الجافية لروح السلم‬
‫اتام عثمان بأن تصوره لقيقة الكم قد تغيّر‬
‫إظهار سيد عثمان ف صورة ظال متجب‬
‫اتام سيد لعثمان بأنه قد توسع ف النح والعطايا‬

‫‪249‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫رمي سيد عثمان بالنراف عن روح السلم‬


‫سيد قطب يرى أن الثورة الت قادها ابن سبأ أقرب إل روح السلم‬
‫واتاهه من موقف عثمان‬
‫تضخم الثروات نتيجة لسياسة عثمان ف زعم سيد‬
‫نقلة بعيدة جدّا ف التصور للحياة والكم وحقوق المراء‬
‫تكي عثمان ف نظر سيد للمبائ الموية الجافية لروح السلم‬
‫اتامات خطية للصحابة والجمع السلم ف عهد عثمان‬
‫تطم أسس الدين ف عهد عثمان ي رضي ال عنه ي ف زعم سيد‬
‫أقوال الئمة ف القطاع والحياء‬
‫زعم سيد أن مذهب أب بكر التسوية ف قسمة الال‬
‫التعليق على كلم سيد قطب ف التسوية‬
‫اشتراكية سيد قطب‬
‫تفضيل أب بكر ف العطاء‬
‫سيد قطب تتقطع نفسه حسرات‬
‫خلفة عثمان كانت فجوة ف نظر سيد قطب‬
‫هل للتوازن الذي يزعمه سيد قطب موضع ف شرعة السلم‬
‫طعنات ف عثمان وف سائر الصحابة وقريش بصفة خاصة‬
‫حالة قريش القتصادية ف عهد عثمان رضي ال عنه‬
‫زعم سيد أن أبا بكر وعمر كانا يتشددان ف إمساك رؤوس قريش‬
‫قادة حروب الردة والفتوحات ف عهود اللفاء الراشدين كانوا من‬

‫‪250‬‬
‫في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مطاعن سيد قطب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫قريش‬
‫تجيد سيد للثورة على عثمان وإلصاقها بأب ذر وبرأه ال منها‬
‫زعم سيد أن أبا ذر قام ينكر على الترفي ي أي ‪ :‬أصحاب رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‬
‫تم ساقطة وجهها سيد إل عثمان رضي ال عنه‬
‫الصحابة وعلماء المة يالفون أبا ذر ف تفسي الكن وإياب التزهّد‬
‫الذي ذهب إليه‬
‫نفاد مال عثمان ي رضي ال عنه ي ‪ ،‬ودحضه لشبه أهل الفت‬
‫الذب عن عبد الرحن بن عوف رضي ال عنه‬
‫الذب عن طلحة بن عبيد ال رضي ال عنه‬
‫موقف الصحابة وعلماء المة من الثوار على عثمان الذين يدحهم سيد‬
‫قطب‬
‫طعون سيد قطب ف خلفاء بن أمية وبن العباس‬
‫الاتة‬

‫‪251‬‬

You might also like