You are on page 1of 10

‫رائد علم الجتماع‬

‫ابن خلدون‬

‫المقدمة‪:‬‬

‫يعد "ابن خلدون" عبقرية عربية متميزة‪ ،‬فقد كان عالمًا موسوعيًا متعدد المعارف والعلوم‪ ،‬وهو رائد في‬
‫كثير من العلوم والفنون‪ ،‬فهو المؤسس الول لعلم الجتماع‪ ،‬وإمام ومجدد في علم التاريخ‪ ،‬وأحد رواد فن‬
‫"التوبيوجرافيا" ـ فن الترجمة الذاتية ـ كما أنه أحد العلماء الراسخين في علم الحديث‪ ،‬وأحد فقهاء المالكية‬
‫المعدودين‪ ،‬ومجدد في مجال الدراسات التربوية‪ ،‬وعلم النفس التربوي والتعليمي‪ ،‬كما كان له إسهامات متميزة في‬
‫التجديد في أسلوب الكتابة العربية‪ .‬ترك ابن خلدون أسرته بفاس ورحل إلى الندلس من جديد‪ ،‬فنزل في ضيافة‬
‫سلطانها "ابن الحمر" حينًا‪ ،‬ثم عاد إلى "المغرب" مرة أخرى‪ ،‬وقد عقد العزم على أن يترك شئون السياسة‪،‬‬
‫ويتفرغ للقراءة والتصنيف‪ .‬واتجه "ابن خلدون" بأسرته إلى أصدقائه من "بني عريف"‪ ،‬فأنزلوه بأحد قصورهم في‬
‫"قلعة ابن سلمة" ـ بمقاطعة ـ"وهران" بالجزائر ـ وقضى "ابن خلدون" مع أهله في ذلك المكان القصي النائي‬
‫نحو أربعة أعوام‪ ،‬نعم خللها بالهدوء والستقرار‪ ،‬وتمكن من تصنيف كتابه المعروف "كتاب العبر وديوان المبتدأ‬
‫والخبر في أيام العرب والعجم والبربر‪ ،‬ومن عاصرهم من ذوي السلطان الكبر"‪ ،‬والذي صدره بمقدمته الشهيرة‬
‫التي تناولت شئون الجتماع النساني وقوانينه‪ ،‬وقد فرغ "ابن خلدون" من تأليفه وهو في نحو الخامسة والربعين‬
‫بعد أن نضجت خبراته‪ ،‬واتسعت معارفه ومشاهداته‬
‫رائد علم الجتماع بل منازع‬

‫مـولده‪:‬‬
‫ولد بن خلدون فى تونس عام ‪ 1332‬م ‪ ،‬وتوفى بمصر عام ‪ 1406‬م عن عم يناهز الرابعة و السبعين‪.‬‬
‫نسبه ‪:‬‬
‫يعود بأصثله إلى وائل بثن حجثر مثن عرب اليمثن ‪ ..‬هاجرت أسثرته مثن الجزيرة العربيثة لتسثتوطن فثى الندلس ‪ ،‬ثثم‬
‫هاجرت عنها واستقرت فى تونس ‪.‬‬
‫نشأة "ابن خلدون" وشيوخه‬
‫ولد "ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن الحسن بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن عبد‬
‫الرحمن بن خالد (خلدون) الحضرمي" بتونس في [ غرة رمضان ‪732‬هـ= ‪ 27‬من مايو ‪1332‬م]‪ ،‬ونشأ في بيت‬
‫علم ومجد عريق‪ ،‬فحفظ القرآن في وقت مبكر من طفولته‪ ،‬وقد كان أبوه هو معلمه الول‪ ،‬كما درس على‬
‫مشاهير علماء عصره‪ ،‬من علماء الندلس الذين رحلوا إلى تونس بعدما ألم بها من الحوادث‪ ،‬فدرس القراءات‬
‫وعلوم التفسير والحديث والفقه المالكي‪ ،‬والصول والتوحيد‪ ،‬كما درس علوم اللغة من نحو وصرف وبلغة‬
‫وأدب‪ ،‬ودرس كذلك علوم المنطق والفلسفة والطبيعية والرياضيات‪ ،‬وكان في جميع تلك العلوم مثار إعجاب‬
‫أساتذته وشيوخه‪.‬‬
‫ومن أبرز هؤلء الساتذة والمشايخ‪ :‬محمد بن عبد المهيمن الحضرمي‪ ،‬ومحمد بن سعد بن برال‬
‫النصاري‪ ،‬ومحمد بن الشواشي الزرزالي‪ ،‬ومحمد بن العربي الحصا يري‪ ،‬وأحمد بن القصار‪ ،‬ومحمد بن جابر‬
‫القيسي‪ ،‬ومحمد بن سليمان الشظى‪ ،‬ومحمد بن إبراهيم البي‪ ،‬وعبد ال بن يوسف المالقي‪ ،‬وأحمد الزاوي‪،‬‬
‫ومحمد بن عبد السلم وغيره‪.‬‬
‫وكان أكثر هؤلء المشايخ تأثيرا في فكره وثقافته‪ :‬محمد بن عبد المهيمن الحضرمي‪ ،‬إمام المحدثين‬
‫والنجاة في المغرب‪ ،‬ومحمد بن إبراهيم البلي الذي أخذ عنه علوم الفلسفة والمنطق والطبيعة والرياضيات‪.‬‬

‫بداية علمه ‪:‬‬


‫فثي تونثس نشثأ ابثن خلدون فثي مناخ العلم ‪ ،‬وفثى بيثت كان يجتمثع فيثه علماء تونثس وأدبائهثا ‪ ،‬فقثد كان والده تلميذا‬
‫للفقيه الذائع الصيت المام الزبيدى ‪..‬‬
‫في منتصف القرن الرابع عشر الميلدي‪ ،‬اجتاح العالم وباء الطاعون الجارف‪ ،‬فحصد اللف‪ ،‬بمن فيهم الب‬
‫ومعظم العلماء الذين تلقى ابن خلدون على يديهم العلم‪ ،‬كما هاجر من أفلت من الوباء منهم إلى المغرب‪..‬‬
‫اضطر ابن خلدون تحت ضغط الظروف ‪ ،‬وكان في الثامنة عشر إلى العمل في الوظائف العامة ‪ ..‬ولنبوغه في‬
‫ميدان الدب و الكتابة ‪ ،‬تولى الوظائف الهامة في بلط الحكماء ‪ ،‬وتدرج في المناصب العليا ‪ ..‬وفى أثناء ذلك ‪،‬‬
‫كان أيضا يتردد على مكتبات فارس ‪ ،‬فارتقت أيضا معارفه ‪.‬‬
‫كتبه ومؤلفاته ‪:‬‬
‫حدث أثناء وجود ابثن خلدون فثي بلط السثلطان فثي فارس ‪ ،‬أن نجثح فثي إقامثة علقثة صثداقة مثع سثلطان غرناطثة‬
‫محمثد الخامثس ‪ ..‬انتقثل على هديهثا إليثه ليعمثل فثي خدمتثه‪ ،‬لكثن الوشايثة أفسثدت بينثه وبيثن السثلطان فترك الندلس‬
‫ورحثل إلى المغرب‪ ،‬ثثم رحثل منهثا إلى تلمسثان‪ ،‬لكنثه لم يسثتطع القراءة و التأليثف‪ ،‬فغادرهثا أخيرا إلى قلعثة ابثن‬
‫سلمة فثي الجزائر‪ ..‬وهناك أمضى هو وأسثرته أربعثة سنوات‪ ،‬نعم فيهثا بالسثتقرار و الهدوء‪ ،‬وفى تلك القلعة‪ ،‬بدأ‬
‫في كتابة كتابه العظيم في التاريخ والذي أسماه‪:‬‬
‫" كتاب العبر ‪ ،‬وديوان المبتدأ والخبر ‪ ،‬في أيام العرب‬
‫و العجم والبربر ومن عاصرهم من ذوى السلطان الكبر "‬

‫كما قدم ابن خلدون لهذا الكتاب ببحث عام في الجتماع النساني ‪ ..‬وهو البحث الذي اشتهر فيما بعد باسم " مقدمة‬
‫ابن خلدون "‪ ،‬وكان عمره حينئذ خمسة وأربعون عام‪.‬‬

‫كان ينقص ابن خلدون أثناء كتابته لهذا الكتاب المصادر الموسعة والكتب التي لم تكن متاحة له في قلعة ابن سلمة‬
‫‪ ،‬لذلك رحثل هثو وأسثرته إلى تونثس ‪ ،‬وظثل فثي تونثس أربعثة سثنوات عاكفثا على البحثث و التأليثف معتمدا على‬
‫مكتباتها الغنية بكل ما يحتاج إليه من مراجع ‪..‬‬
‫في تونس أراد السلطان الستعانة باين خلدون ‪ ،‬لكن ابن خلدون الذي عانى كثيرا تقلبات السياسة ‪ ،‬خاف أن ينقلب‬
‫عليثه السثلطان مرة أخرى ‪ ،‬فآثثر المغادرة ‪ .‬وراح يقنثع السثلطان بفكرة الحثج‪ ،‬وحيثن وافثق الخيثر ترك ابثن خلدون‬
‫أهله في تونس‪ ،‬وأبحر إلى السكندرية التي وصل إليها في أول أيام عيد الفطر‪ ..‬ومنها ذهب إلى القاهرة ‪.‬‬
‫فثي القاهرة لقثي ابثن خلدون مثن علمائهثا وأهلهثا‪ ،‬أحسثن اسثتقبال‪ ،‬والتثف حوله عدد كثبير مثن طالبثي العلم وهثو يلقثى‬
‫محاضراتثه فثي الجامثع الزهثر‪ ،‬وفثى تلك الثناء لم يتوقثثف ابثن خلدون عثن مراجعثة كتابثه " العثبر " و المقدمثة‬
‫الخاصة به‪.‬‬

‫هروب ابن خلدون من أسر التتار‬


‫عندما غزت جحافل التتار شرق الدولة السلمية ‪ ،‬واكتسحت العراق و بلد الشام ‪ ..‬توقفت عند أسوار دمشق ‪ .‬وفى‬
‫تلك الونحة خرج السحلطان برقوق سحلطان المماليحك فحى مصحر على رأس جيحش كحبير ليصحد زححف التتار ‪ ،‬وكان أن‬
‫اصطحب معه عدد كبير من العلماء و الشيوخ ومن بينهم ابن خلدون الذى كان يعجب به وبعلمه الواسع ‪.‬‬
‫وفحى دمشحق وقحع ابحن خلدون فحى السحر حيحن كان يحاول الهرب ومحن معحه من حصحار التتار لسحوار دمشحق ‪ ..‬وحدث‬
‫أن عرض ابححن خلدون على قائد جيوش التتار " تيمورلنححك " الذى أعجححب بححه كثيرا لفصححاحة لسححانه ووقار هيئتححه ‪،‬‬
‫فعرض عليه البقاء معه ليعمل فى خدمته ‪ ،‬وافحق ابن خلدون ‪ ،‬لكنه طلب منه أن يذهب أول للقاهرة حتى يأتى بكتبه‬
‫التحى ل يسحتطيع أن يحيحا بدونهحا ‪ ،‬فتركحه تيمورلنحك ليرححل هحو ومحن معحه بعحد أن صحدق أنحه سحيعود ‪ ،‬وهكذا أفلت ابحن‬
‫خلدون من هلكه المحتوم ‪.‬‬

‫‪:‬‬ ‫رأي علماء الغرب في أبن خلدون‬


‫ونعود لمقدمثة ابثن خلدون ‪ ..‬التثي كانثت فتحثا جديدا فثي العلوم النسثانية ‪ ..‬أسثس بهثا هذا النابغثة علمثا جديدا أسثماه "‬
‫علم العمران " أو ما يعرف الن بعلم الجتماع ‪.‬‬
‫وتجدر الشارة إلى أن كثير من الغربيين من تأثر بأفكار ابن خلدون منهم على سبيل المثال " ميكيافيللى " اليطالي‬
‫و " مونتسثيكو " الفرنسثي ‪ ،‬وآخرهثم " أوجسثت كونثت " الفرنسثي والذي ينتهثي إلى القرن ‪ . 19‬وأحثد أعلم علم‬
‫الجتماع الحديث ‪.‬‬
‫لقد قال " أرنولد توينبى " أشهر المؤرخين في العصر الحديث ‪:‬‬
‫" أن ابن خلدون أدرك وتصور ‪ ..‬وأنشأ فلسفة التاريخ ‪ ،‬ومقدمته بل شك ‪ ..‬أعظم عمل من نوعه خلقه أي‬
‫عقل في أي زمان وأي مكان "‬

‫"وباء الطاعون يعصف بشيوخ "ابن خلدون‬


‫وعندما حدث وباء الطاعون الذي انتشر عام [ ‪749‬هـ= ‪1348‬م] وعصف بمعظم أنحاء العالم شرقًا وغربًا‪،‬‬
‫وكان لهذا الحادث أثر كبير في حياة "ابن خلدون"؛ فقد قضي على أبويه كما قضى على كثير من شيوخه الذين‬
‫كان يتلقى عنهم العلم في "تونس"‪ ،‬أما من نجا منهم فقد هاجر إلى المغرب القصى سنة [ ‪750‬هـ= ‪1349‬م] فلم‬
‫يعد هناك أحد يتلقى عنه العلم أو يتابع معه دراسته‪.‬‬
‫فاتجه إلى الوظائف العامة‪ ،‬وبدأ يسلك الطريق الذي سلكه أجداده من قبل‪ ،‬والتحق بوظيفة كتابية في بلط بني‬
‫مرين‪ ،‬ولكنها لم تكن لترضي طموحه‪ ،‬وعينه السلطان "أبو عنان" ـ ملك المغرب القصى ـ عضوًا في مجلسه‬
‫العلمي بفاس‪ ،‬فأتيح له أن يعاود الدرس على أعلمها من العلماء والدباء الذين نزحوا إليها من "تونس"‬
‫و"الندلس" و"بلد المغرب"‪.‬‬

‫في بلط أبي سالم‬

‫ولكن سرعان ما انقلبت الحوال بابن خلدون حينما بلغ السلطان "أبو عنان" أن "ابن خلدون" قد اتصل بأبي عبد‬
‫ال محمد الحفصي ـ أمير "بجاية" المخلوع ـ وأنه دبر معه مؤامرة لسترداد ملكه‪ ،‬فسجنه أبو عنان‪ ،‬وبرغم ما‬
‫بذله ابن خلدون من شفاعة ورجاء فإن السلطان أعرض عنه‪ ،‬وظل "ابن خلدون" في سجنه نحو عامين حتى توفي‬
‫السلطان سنة [ ‪759‬هـ= ‪1358‬م]‪.‬‬
‫ولما آل السلطان إلى "أبي سالم أبي الحسن" صار "ابن خلدون" ذا حظوة ومكانة عظيمة في ديوانه‪ ،‬فوله السلطان‬
‫كتابة سره والترسيل عنه‪ ،‬وسعى "ابن خلدون" إلى تحرير الرسائل من قيود السجع التي كانت سائدة في عصره‪،‬‬
‫كما نظم الكثير من الشعر في تلك المرحلة التي تفتحت فيها شاعريته‪.‬‬

‫طموح ابن خلدون‬


‫وظل "ابن خلدون" في تلك الوظيفة لمدة عامين حتى وله السلطان "أبو سالم" خطة المظالم‪ ،‬فأظهر فيها من العدل‬
‫س عليه كثير من أقرانه ومعاصريه ما بلغه من شهره ومكانه‪ ،‬وسعوا‬
‫والكفاية ما جعل شأنه يعظم حتى نَفَ َ‬
‫بالوشاية بينه وبين السلطان حتى تغير عليه‪.‬‬
‫فلما ثار رجال الدولة على السلطان‪ ،‬أبي سالم وخلعوه‪ ،‬وولوا مكانه أخاه "تاشفين" بادر "ابن خلدون" إلى النضمام‬
‫إليه‪ ،‬فأقره على وظائفه وزاد له في رواتبه‪.‬‬
‫ولكن طموح "ابن خلدون" كان أقوى من تلك الوظائف؛ فقرر السفر إلى "غرناطة" بالندلس في أوائل سنة [‬
‫‪764‬هـ‪1362 -‬م]‪.‬‬

‫ابن خلدون في غرناطة‬

‫وفي "غرناطة" لقي "ابن خلدون" قدرًا كبيرًا من الحفاوة والتكريم من السلطان "محمد بن يوسف بن الحمر" ـ‬
‫سلطان "غرناطة" ـ ووزيره "لسان الدين بن الخطيب" الذي كانت تربطه به صداقة قديمة‪ ،‬وكلفة السلطان‬
‫طرُه بن الهنشة بن أذقونش لعقد الصلح بينهما‪ ،‬وقد أدى ابن خلدون مهمته بنجاح‬
‫بالسفارة بينه وبين ملك قشتالة ِب ْ‬
‫كبير‪ ،‬فكافأه السلطان على حسن سفارته بإقطاعه أرضًا كبيرة‪ ،‬ومنحه كثيرًا من الموال‪ ،‬فصار في رغد من‬
‫العيش في كنف سلطان "غرناطة"‪.‬‬
‫ولكن لم تدم سعادة "ابن خلدون" طويل بهذا النعيم‪ ،‬إذ لحقته وشايات الحاسدين والعداء‪ ،‬حتى أفسدوا ما بينه‬
‫وبين الوزير "ابن الخطيب" الذي سعى به بدوره لدى السلطان‪ ،‬وعندئذ أدرك "ابن خلدون" أنه لم يعد له مقام‬
‫بغرناطة بل و"الندلس" كلها‪.‬‬
‫وفي تلك الثناء أرسل إليه "أبو عبد ال محمد الحفصي" ـ أمير "بجاية" الذي استطاع أن يسترد عرشه ـ يدعوه‬
‫إلى القدوم إليه‪ ،‬ويعرض عليه أن يوليه الحجابة وفاء لعهده القديم له‪ ،‬فغادر ابن خلدون الندلس إلى بجاية‬
‫فوصلها في منتصف عام [ ‪766‬هـ= ‪1365‬م]‪ ،‬فاستقبله أميرها‪ ،‬وأهلها استقبال حافل في موكب رسمي شارك‬
‫فيه السلطان وكبار رجال دولته‪ ،‬وحشود من الجماهير من أهل البلد‪.‬‬

‫الفرار من جديد‬
‫وظل ابن خلدون في رغدة من العيش وسعة من الرزق والسلطان حتى اجتاح "أبو العباس أحمد" ـ صاحب‬
‫"قسطنطينية" ـ مملكة ابن عمه المير "أبي عبد ال" وقتله واستولى على البلد‪ ،‬فأقر "ابن خلدون" في منصب‬
‫حمّو" ـ سلطان "تلمسان" ـ أن يوليه الحجابة‬
‫الحجابة حينا‪ ،‬ثم لم ليبث أن عزله منها فعرض عليه المير "أبو َ‬
‫على أن يساعده في الستيلء على "بجاية" بتأليب القبائل واستمالتها إليه؛ لما يعلمه من نفوذه وتأثيره‪ ،‬ولكن ابن‬
‫خلدون اعتذر عن قبول الوظيفة‪ ،‬وعرض أن يرسل أخاه يحيى بدل منه‪ ،‬إل أنه استجاب إلى ما طلبه منه من‬
‫حشد القبائل واستمالتها إليه‪.‬ولكن المور انتهت بهزيمة "أبي حمو" وفراره‪ ،‬وعاد "ابن خلدون" إلى الفرار من‬
‫جديد بعد أن صار مطاردًا من كل حلفائه‪.‬‬

‫ابن خلدون في مصر‬


‫وأراد "ابن خلدون" العودة إلى "تونس" فكتب إلى أبي حمو يستأذنه ويرجو صفحه‪ ،‬فأذن له السلطان‪ ،‬فعاد إلى‬
‫مسقط رأسه‪ ،‬وظل عاكفًا على البحث والدراسة حتى أتم تنقيح كتابه وتهذيبه‪ ،‬وخشي ابن خلدون أن يزج به‬
‫السلطان إلى ميدان السياسة الذي سئمه وقرر البتعاد عنه‪ ،‬فعزم مغادرة تونس‪ ،‬ووجد في رحلة الحج ذريعة‬
‫مناسبة يتوسل بها إلى السلطان ليخلي سبيله‪ ،‬ويأذن له في الرحيل‪.‬‬
‫وصل "ابن خلدون" إلى السكندرية في [ غرة شوال ‪784‬هـ= ‪ 8‬من ديسمبر ‪1382‬م] فأقام بها شهرًا ليستعد‬
‫لرحلة السفر إلى "مكة"‪ ،‬ثم قصد ـ بعد ذلك ـ إلى "القاهرة" ‪ ،‬فأخذته تلك المدينة الساحرة بكل ما فيها من‬
‫مظاهر الحضارة والعمران‪ ،‬وقد وصف "ابن خلدون" وقعها في نفسه وصفا رائعًا‪ ،‬فقال‪" :‬فرأيت حضرة الدنيا‪،‬‬
‫وبستان العالم‪ ،‬ومحشر المم‪ ،‬وكرسي الملك‪ ،‬تلوح القصور والواوين في جوه‪ ،‬وتزهر الخوانك والمدارس‬
‫بآفاقه‪ ،‬وتضيء البدور والكواكب من علمائه‪ ،‬وقد مثل بشاطئ بحر النيل نهر الجنة‪ ،‬ومدفع مياه السماء‪ ،‬يسقيهم‬
‫النهل والعلل سبحه‪ ،‬ويحيي إليهم الثمرات والخيرات جثة‪ ،‬ومررت في سكك المدينة تغص بزحام المارة‪،‬‬
‫وأسواقها تزجر بالنعم‪."...‬‬

‫حفاوة المصريين بابن خلدون‬


‫ولقد لقي "ابن خلدون" الحفاوة والتكريم من أهل "القاهرة" وعلمائها‪ ،‬والتف حوله طلب العلم ينهلون من عمله‪،‬‬
‫فاتخذ "ابن خلدون" من "الزهر" مدرسة يلتقي فيها بتلميذه ومريديه‪ ،‬وقد تلقى عنه عدد كبير من العلم‬
‫والعلماء‪ ،‬منهم "تقي الدين المقريزي"‪ ،‬و"ابن حجر العسقلني"‪.‬‬
‫ولقي "ابن خلدون" تقدير واحترام "الظاهر برقوق" ـ سلطان "مصر" ـ والذي عينه لتدريس الفقه المالكي بمدرسة‬
‫القمصية‪ ،‬كما وله منصب قاضي قضاة المالكية‪ ،‬وخلع عليه ولقبه "ولي الدين" فلم يدخر "ابن خلدون" وسعًا في‬
‫إصلح ما لحق بالقضاء ـ في ذلك العهد ـ من فساد واضطراب ـ وقد أبدى صرامة وعدل شهد له بهما كثير‬
‫من المؤرخين‪ ،‬وكان حريصًا على المساواة‪ ،‬متوخيًا للدقة‪ ،‬عازفًا عن المحاباة‪.‬‬
‫وقد جلب له ذلك عداء الكثيرين فضل عن حساده الذين أثارتهم حظوته ومكانته لدى السلطان‪ ،‬وإقبال طلب العلم‬
‫عليه‪ ،‬ولم يبد "ابن خلدون" مقاومة لسعي الساعين ضده‪ ،‬فقد زهدت نفسه في المناصب خاصة بعد أن فقد زوجته‪،‬‬
‫وأولده وأمواله حينما غرقت بهم السفينة التي أقلتهم من "تونس" إلى "مصر" بالقرب من"السكندرية"‪ ،‬وقبل أن‬
‫يصلوا إليها بمسافة قصيرة‪.‬‬
‫ملحقة الوشاة لبن خلدون‬

‫وترك "ابن خلدون" منصبه القضائي سنة [ ‪787‬هـ= ‪1385‬م] بعد عام واحد من وليته له‪ ،‬وما لبث السلطان أن‬
‫عينه أستاذًا للفقه المالكي بالمدرسة "الظاهرية البرقوقية" بعد افتتاحها سنة [ ‪788‬هـ= ‪1386‬م]‪.‬‬
‫ولكن وشايات الوشاة ومكائدهم لحقته حتى عزله السلطان‪ ،‬واستأذن "ابن خلدون" في السفر إلى فلسطين لزيارة‬
‫بيت المقدس‪ ،‬وقد بجل ابن خلدون رحلته هذه ووصفها وصفًا دقيقًا في كتابه التعريف‪.‬‬

‫ابن خلدون يقابل تيمورلنك‬


‫وحينما جاءت النباء بانقضاض جيوش تيمور لنك على الشام واستيلئه على "حلب"‪ ،‬وما صاحب ذلك من ترويع‬
‫وقتل وتخريب‪ ،‬خرج الناصر فرج في جيوشه للتصدي له‪ ،‬وأخذ معه ابن خلدون فيمن أخذهم من ودارت‬
‫مناوشات وقتال بين الفريقين‪ ،‬ثم بدأت مفاوضات للصلح‪ ،‬ولكن حدث خلف بين أمراء "الناصر فرج"‪ ،‬وعلم‬
‫السلطان أنهم دبروا مؤامرة لخلعه‪ ،‬فترك دمشق ورجع إلى القاهرة‪.‬‬
‫وذهب ابن خلدون لمقابلة "تيمور لنك" يحمل إليه الهدايا‪ ،‬ويطلب منه المان للقضاة والفقهاء على بيوتهم‬
‫وحرمهم‪.‬‬

‫ابن خلدون شاعرًا‬


‫نظم ابن خلدون الشعر في صباه وشبابه وظل ينظمه حتى جاوز الخمسين من عمره‪ ،‬فتفرغ للعلم والتصنيف‪ ،‬ولم‬
‫ينظم الشعر بعد ذلك إل نادرًا‪.‬‬
‫ويتفاوت شعر ابن خلدون في الجودة‪ ،‬فمنه ما يتميز بالعذوبة والجودة ودقة اللفاظ وسمو المعاني‪ ،‬مما يضعه في‬
‫مصاف كبار الشعراء‪ ،‬وهو القليل من شعره‪ ،‬ومنه ما يعد من قبيل النظم المجرد من روح الشعر‪ ،‬ومنه ما يعد‬
‫وسطًا بين كل المذهبين‪ ،‬وهو الغالب على شعره‪.‬‬

‫وبعد‪ ،‬فلقد كان ابن خلدون مثال للعالم المجتهد والباحث المتقن‪ ،‬والرائد المجدد في العديد من العلوم والفنون‪،‬‬
‫وترك بصمات واضحة ل على حضارة وتاريخ السلم فحسب‪ ،‬وإنما على الحضارة النسانية عامة‪ ،‬وما تزال‬
‫مصنفاته وأفكاره نبراسًا للباحثين والدارسين على مدى اليام والعصور‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫يعد ابن خلدون المنشئ الول لعلم الجتماع‪ ،‬وتشهد مقدمته الشهيرة بريادته لهذا العلم‪ ،‬فقد عالج فيها ما يطلق‬
‫عليه الن "المظاهرات الجتماعية" ـ أو ما أطلق عليه هو "واقعات العمران البشري"‪ ،‬أو "أحوال الجتماعي‬
‫النساني"‪.‬‬
‫وقد اعتمد ابن خلدون في بحوثه على ملحظة ظواهر الجتماع في الشعوب التي أتيح له الحتكاك بها‪ ،‬والحياة‬
‫بين أهلها‪ ،‬وتعقب تلك الظواهر في تاريخ هذه الشعوب نفسها في العصور السابقة‪.‬‬
‫وقد كان "ابن خلدون" ـ في بحوث مقدمته ـ سابقًا لعصره‪ ،‬وتأثر به عدد كبير من علماء الجتماع الذين جاءوا‬
‫من بعده مثل‪ :‬اليطالي "فيكو"‪ ،‬واللماني " ليسنج"‪ ،‬والفرنسي"فوليتر"‪ ،‬كما تأثر به العلمة الفرنسي الشهير "جان‬
‫جاك روسو" والعلمة النجليزي "مالتس" والعلمة الفرنسي "أوجيست كانط"‪.‬‬
‫المراجع‬
‫الكتاب مقدمة إبن خلدون للكاتب أدريس الخويلدي‪.‬‬

‫الكتاب تاريخ الشعوب العربية للكاتب ألبارت‪.‬حوراني‬

‫الكتاب دراسة للتاريخ للكاتب أرنولد‪ .‬توينبي‬

‫‪www.ibnjaldun.com/index.php?id=63&L=8‬‬
‫الجامع ة الخل يجية‬

‫ابن خلدون‬
‫رائد عل م الج تم اع‬

‫طارق محمــــــــدعيسى ناجــــــم‬


‫الرقم الكاديمي‪6203683 :‬‬
‫مبادئ علم الجتماع‬
‫اشراف الدكتورة انعام‬
‫‪Soc209a‬‬
‫‪2008‬‬

You might also like