You are on page 1of 123

‫الرهاب‬

‫والشيوعية‬

‫ليون تروتسكي‬

‫ترجمة‪ /‬جورج طرابيشي‬

‫دار دمشق للطباعة والنشر‬

‫"إذا كانت الرأسمالية الروسية قد تطورت بدون انتقال من درجة إلى درجممة‪ ،‬بممل وثب ًمما‪ ،‬مقيممة‬
‫في أعماق السهوب المصانع علممى الطريقممة المريكيممة‪ ،‬فهممذا سممبب إضممافي آخممر كممما يكممون‬
‫ما أن ندخل الكهربممة‬
‫القتصاد الشتراكي قادًرا على مثل هذا السير القسري‪ ...‬أننا نستطيع حت ً‬
‫إلى كل فروع الصناعة الساسية وإلى قطاع الستهلك الشخصي دون أن نكون مضطرين إلى‬
‫المرور من جديد بم "عصر البخار"‪.‬‬

‫ل‪ .‬تروتسكي‬

‫أيار ‪1920‬‬

‫‪2‬‬
‫مقدمة‬
‫إذا ما رجعنا إلى الوراء زمنًيا‪ ،‬فإن صيف ‪ 1914‬يأخممذ دللتممه التاريخيممة‪ .‬وهممذه الدللممة بعممد أن‬
‫ضا‪ .‬أن صيف ‪ 1914‬لم يكن بداية حرب طويلة اجتاحت أول ً‬ ‫توضحت وتعمقت تقرض نفسها اليوم فر ً‬
‫ضا نهاية عصر‪ :‬أن أوروبا معينة ستخفي ولن تعمماود الظهممور‬ ‫أوروبا ثم العالم أجمع فحسب‪ ،‬بل كان أي ً‬
‫دا‪ .‬عممروش تنهممار‪ ،‬إمبراطوريممات قديمممة تسممقط تحممت ضممربات المموطنيين المتلهفيممن إلممى تحقيممق‬ ‫أب ً‬
‫استقللهم أو استعادته‪ .‬ولم يكن زعماء الدول الكبرى قد تصورًوا شيًئا من هذا‪ ،‬بل لم يتوقعوا انقلب ًمما‬
‫دا‪ :‬الممدفاع‬ ‫كهذا عندما دعوا شعوبهم إلى السلح وجندوها بالمليين‪ .‬وكان شعار جميع المتحاربين واح ً‬
‫عن الديمقراطية والحرية والثقافة‪ .‬وكان كل واحد منهم يخترع أساطير كفيلة بأن تدفع إلى المعركة‬
‫بمن لن يجنوا منها الخسارة‪ .‬وكان الجميع مقتنعين بممأن المخممرج سممريع‪ ،‬وبممأن النصممر سمميتحقق فممي‬
‫صا لخدمة الدعايممة‪ ،‬دون أن يكونمموا تممابعين‬ ‫مدى ثلثة شهور‪ .‬وكان الصحفيون والكتاب يتنافسون إخل ً‬
‫ما بملء إدارتهم للحكومات‪ .‬وكانوا نادرين أولئك الذي رفضوا مممن البدايممة أن يتقاعممدوا وكممان مممن‬ ‫دو ً‬
‫بين هؤلء المسالمون والشتراكيون الذي كانوا ل يرون في الحرب الراهنة إل الحرب التي كان يحوم‬
‫خطرها فوق أوروبا منذ مطلع القرن‪ ،‬والتي لم يكفوا عن التحذير من احتمال نشوبها‪ ،‬ولما كانوا أكثر‬
‫ما‪ :‬تضحيات عظيمة باطليممة لممن‬ ‫تبصًرا من الحكام‪ ،‬فقد كانوا يتصورن نهاية المجرزة كما ستحدث تما ً‬
‫تؤدي إلى زوال النزعة العسكرية والمبريالية اللتين ستخرجان معززتين تحت أشكال جديدة‪.‬‬

‫من بين هؤلء الرجال القلئل في تموز ‪ 1914‬ريمممون ليفوبممور الممذي أدلممى بشممهادة بأسمممهم‪،‬‬
‫بعبارات ممتازة في مقدمة "أسفنجة الخل" الذي طبعة عام ‪ 1912‬في دار نشر "كلرتيه"‪ .‬لقد كتممب‬
‫مشيًرا إلى اجتماعات حلقات المقاومين الملتفين حول "الحياة العمالية" تلممك الحلقممات الممتي سمماهم‬
‫فيها‪" :‬كنا نكتفي بأن نبث الحياة بحزن في بقايا الرماد الباردة المتبقية من الممية‪ ،‬وبممأن نسممتعرض‪،‬‬
‫بذاكرة مريرة‪ ،‬قائمة من سقطوا على الرض وبأن نتنبأ بتبصر غير مجممد بحممرب ضممروس طويلممة لممن‬
‫تقهر فيها إل الحضارة"‪ .‬ولقد عرفنا‪ ،‬ونحممن فممي قلممب بمماريس‪ ،‬كيممف نكممون فممي آن واحممد بيممن آخممر‬
‫الوروبيين التابعين لوروبا الجميلة الذكية التي خسرها العالم إلى البد‪ ،‬وبين الرجممال الوائل المميممة‬
‫ما تزال في عالم الغيب‪ ،‬وأن كانت بالنسبة إلينا يقيًنا‪ .‬لقد كنا السلسلة الممتي تربممط بيممن عصممرين‪"..‬‬
‫يقيًنا‪ ،‬أن أوروبا الجميلة تلك لم تكون خالية مممن العيمموب‪ .‬فقممد كممان لهمما بؤسممها‪ ،‬وفضممائحها الماليممة‪،‬‬
‫وتجارتها البيضاء‪ ،‬ومنافساتها الدنيئة‪ ،‬لكن القرن التاسع عشر يظل متميًزا‪ ،‬إذا ما نظرنا إليه من بعممد‬
‫وفممي مجموعممة‪ ،‬بمطامحممة الكريمممة‪ ،‬وبنضمماله مممن أجممل حربممة البشممر والشممعوب‪ :‬ففيممه حطممم‬
‫الديمقراطيون "التحالف المقدس" الذي كان ينوي أن يخضع الشعوب الحممرة لنهيممر السممتبداد‪ .‬ومممن‬
‫أطلممق عليهممم فيممما بعممد لقممب "الطوبممائيين" أمثممال سممان سمميمون وفممورييه وكممابيه وروبممرت أويممن‪،‬‬
‫المنهمكين في أنجار العمل الذي بدأته الثورة الفرنسية الكبرى في الميدان القتصادي‪ ،‬شادوا أنظمة‬
‫هممدفها التحريممر الشممامل للبشممر‪ ،‬وشممهد كل العممالمين ولدة مسممتعمرات أمكممن فيهمما لهممذه النظمممة‬
‫المختلفة أن تأخذ طريقها إلى التطبيق العملي‪ .‬لقد كانت هذه النظمة المتنوعممة مسممالمة بطبيعتهمما‪،‬‬
‫وكان تحقيقها يفترض السلم‪ .‬وإلى جانبها تأسست وتطورت روابط أممية من أجل السلم والحريممة‪.‬‬
‫ولقد طرحت فكرة "الوليات المتحدة الوروبية" واقترحت في أحيان كثيرة كبنممد مممن برنامممج واجممب‬
‫تحقيقه‪ .‬ثم جاء ممماركس والماركسممية لينشممأ المميممة العالميممة الولممى‪ .‬وتلهممما بمماكونين وفوضممويته‪،‬‬
‫والكوميونة واخمادها الوحشي‪ .‬وسمحت هدنة ‪ 1880‬بعودة المنفيين والمرحلين‪ ،‬وتشممكلت بالتممالي‬
‫أحزاب اشتراكية جديدة‪ .‬وولدت الممية الشتراكية من جديمد فمي بماريس عمام ‪ ،1889‬واحتممل فيهمما‬
‫وفوًرا الشتراكيون – الديمقراطيون اللمان مكانة الصدارة‪.‬‬

‫ويحتل كارل كاوتسكي في "قائمة من سقطوا على الدرب" المرتبة الولى‪ .‬ولقممد كممان جحممود‬
‫دا على لينين ومفاجًئا لممه‪،‬‬ ‫الشتراكين – الديقوقراطيين في الرابع من تموز‪ ،‬كما هو معروف‪ ،‬صعًبا ج ً‬
‫حتى أنه لم يستطع أن يصدقه‪ .‬وحين اتضح أن كاوتسكي هممو بيممن الجاحممدين‪ ،‬شممنت عليممه مممن قبممل‬
‫اشتراكيي جميع البلدان الذي ظلوا أوفيمماء للممروح المميممة حملممة شممعواء حقيقيممة يبررهمما علممى وجممه‬
‫التحديد المركز الرفيع الذي كان يحتله في الحركة الشممتراكية – الديمقراطيممة وفممي المميممة الثانيممة‪.‬‬
‫دا‪ ،‬ومدافًعا أول عن الماركسية الرثوذكسية ضد الهرطقة‪ ،‬كما ل حممظ ذلممك‬ ‫فلقد كان في كلتيهما سي ً‬
‫برنشتاين حين صاغ علًنا مفهمموم الشممتراكيين الصمملحيين الممذي ينممص‪ ،‬سممواء اعممترفوا بممذلك أم لممم‬
‫يعترفوا‪ ،‬على أن الهدف النهائي ليس شيًئا‪ ،‬وعلى أن الحركة هي كل شيء – وهذا على وجه التحديد‬
‫ما دل عليه تصويتهم على اعتمادات الحرب‪ ،‬في حين أن مقررات المؤتمرات الممية القريبممة العهممد‬
‫قد تنبأت بقدر كبير من الدقة باندلع الحرب الراهنة‪ ،‬وأملت بوضوح كبير ممما يجمب أن يكمونه موقمف‬

‫‪3‬‬
‫الشتراكيين‪ .‬لكن برنشتاين كان صائب النظرة‪ .‬فالثورة الجتماعية لم تكون بالنسبة إليهم أكممثر مممن‬
‫شعار يحتل مكانه في نهاية مقال أو خطاب ل هب في اجتماع عام‪ .‬لكن موقف كاوتسكي المعممروف‬
‫ضمما‪ ،‬وفممي أخطممر الظممروف‪ ،‬موقممف الشممتراكيين الممذي‬ ‫دلل على أن هذا الموقف يمكن أن يكممون أي ً‬
‫دا في جميع البلممدان‪ .‬لكممن ممما أضممفى علممى جحممود‬
‫يعتبرون ثوريين أصيلين‪ .‬ولقد كان هذا الوضع سائ ً‬
‫كاوتسكي صفة استثنائية هو المكانة الستثنائية التي يحتلها في الحركة الشراكية‪.‬‬

‫وإذا ما قرأ النسان التقديرات الصارمة الشائعة آنذاك‪ ،‬فإنه قممد يميممل إلممى التسمماؤل كيممف أن‬
‫اشتراكين واسعي الطلع من أمثال لينين وتروتسكي وبوخارين وكممثيرين غيرهممم قممد أمكممن لهممم أن‬
‫ينخدعوا إلى هذا الحد وأن يعتبروا كاوتسكي لمدة طويلة من الزمن كأستاذ لهم فممي الماركسممية‪ .‬أن‬
‫تفسير ذلك بسيط‪ ،‬عندما نكون قادرين على أن نتصور بدقة ما كان الثوري الروسي وبممم يتميممز عممن‬
‫ثوري المم الديمقراطية الكبيرة‪ .‬أن الثوري الروسي‪ ،‬الذي صممورته دعايممة العملء الرأسممماليين فممي‬
‫فترة من الفترات على أنه وحش دموي يحمل سكينة بين أسنانه‪ ،‬كان على العكس يملك حس القيم‬
‫ويعرف كيف يقدرها حتى عندما يعتبرها معادية‪ ،‬ول أدل علممى ذلممك مممن ملحظممة لينيممن عممن المعهممد‬
‫البريطاني الشهير‪ ،‬تلك الملحظة التي استشهد بها الكتاب كثيًرا منذ أن رواها تروتسكي فممي سمميرته‬
‫الذاتية "حياتي"‪ .‬فقد جاء تروتسكي إلى لندن‪ ،‬باستدعاء من لينين‪ ،‬بعد أن هرب من سيبيريا‪ .‬والتقى‬
‫الرجلن لول مرة‪ ،‬وكان أكبرهما سًنا‪ ،‬لينين‪ ،‬يتحرق شمموًقا لمعرفممة ذلممك المناضممل الشمماب‪ ،‬الحممازم‬
‫واللمع في آن واحد‪ ،‬وللحكم عليه‪ .‬وأثناء نزهة مممن النزهممات‪ ،‬توقممف للحظممة أمممام النصممب المهيممب‬
‫دا اللهجممة علممى ضمممير الممم "هممم" – أي أعممدائنا – "لكممن‬
‫وقممال ‪":‬أنممه وستمنسممتر‪ ،‬نصممبهم"‪ ،‬مؤكمم ً‬
‫وستمنسترشي "عظيم‪ .‬كذلك هو شأن التايمز‪ ،‬جريدة البورجوازية‪ ،‬لكن يا لها من جريدة! كم أتمنممى‬
‫لو كان بمقدورنا أن نصدر صحيفة مماثلة!"‪.‬‬

‫أن الفترة التي دخممل فيهمما معظممم الشممتراكيين الممروس إلممى الحيمماة السياسممية‪ ،‬كممانت تشممهد‬
‫انطلقة ألمانيا الكبرى وانطلقة الحركة الشتراكية الديمقراطية في الوقت نفسه‪ ،‬أنهم ما ركسيون‪،‬‬
‫لكنهم يعرفون أنه ما يزال عليهم أن يتعلموا الشيء الكثير‪ .‬وكانت أقممامتهم فممي السممجون القيصممرية‬
‫ونفيهم إلى سيبيربا‪ ،‬قد وفرا لهم أوقات الفراغ‪ ،‬وأتاحا لهم أن يعرفوا مدى جهلهم في الوقت نفسممه‬
‫الذي أتيح لهم فيه أن يقرؤوا بعض مؤلفان ماركس وانجليز‪ .‬فهممل كممان بمقممدورهم أن يجممدوا أسممتا ً‬
‫ذا‬
‫لهم خيًرا من كاوتسكي؟ ما كان بإمكانهم أن يممترددوا‪ :‬فقممد كممان كاوتسممكي يعتممبر خيممر مطلممع علممى‬
‫مؤلفات ماركس‪ ،‬وأفضل شراحه‪ ،‬ومدير مجلة الحممزب النظريممة "الزمممن الحممديث"‪ ،‬وكممانت حظمموته‬
‫كبيرة لدى الشتراكيين‪ ،‬وكانت له هيبة حتى على الوساط المثقفة غير الماركسممية تفممرض عليهمما أن‬
‫ممما وممل ً بعممض الشمميء فممي سممعة‬ ‫تعامله باحترام‪ .‬ومما ل ريب فيه أنهم كممانوا أحيان ًمما يجممدونه متعال ً‬
‫اطلعه‪ ،‬لكن أرثوذكسيته كانت تعجبهم وتطمئنهم‪.‬‬

‫أفليس بناء على اقتراح من كاوتسكي أدينت المساهمة الوزارية – دخول اشممتراكي فممي وزارة‬
‫بورجوازية كما هو شأن مييران في فرنسا – عام ‪ 1900‬في باريس‪ ،‬ثم فممي أمسممتردام عممام ‪،1904‬‬
‫حتى أن جوريس نفسه والشتراكيين الفرنسيين اظطروا إلى التخلممي عممن سياسممة تكتممل اليسمماريين‬
‫كما يدعموا الوزارة الراديكالية؟ وهكذا توطدت سلطة كاوتسكي نهائًيا‪ ،‬وتجاوزت الحركة الشممتراكية‬
‫– الديمقراطية اللمانية لتشمل "المية" كلها‪ ،‬وكان الثوريون الروس يقرؤون ويدرسون مؤلفاته التي‬
‫سرعان ما تترجم وتنشر في عدد من اللغات‪ ،‬ومن بينها "الثورة الجتماعية" الذي وصف فيه بدقة ما‬
‫هيه الثورة الجتماعية وقارنها بالثورة السياسية‪ .‬لكنه بعد أن نشر تعمماليمه علممى هممذا النحممو الواسممع‪،‬‬
‫جحدها بعد بضع سنوات‪ ،‬في عام ‪ 1917‬عندما قامت الثورة بالشكل الذي وصفها به‪ .‬كان قممد كتممب‪:‬‬
‫"كل اشتراكي يعمل من أجل الثورة بالمعنى الواسع للكلمممة‪ ،‬لكممن ثمممة اشممتراكيين يرفضممون فكممرة‬
‫الثورة ويريممدون تحقيممق التحممول الجتممماعي بالصمملحات وحممدها‪ ...‬علممى العكممس" أن هممذه التممدابير‬
‫)الصلحات( هي نتيجة لثورة حين تكون مطبقة من قبل الطبقات المضطهدة اقتصادًيا وسياسًيا فممي‬
‫الماضي والتي تمكنت من الستيلء على السلطة السياسية‪ ،‬والتي يتوجب عليها في سبيل مصمملحتها‬
‫أن تحول بسرعة البني الفوقية السياسية‪ ،‬والحقوقية وأن تخلق أشكال ً جديدة للتعمماون الجتممماعي‪...‬‬
‫أن الثوري هو ذاك الذي يعمل للستيلء على السلطة من أجممل طبقممة مضممطهدة‪ ،‬وهممو ل يفقممد هممذه‬
‫الصفة إذا ما أعد لهمذا السمتيلء وعجمل بمه عمن طريمق إصملحات اجتماعيمة منتزعمة ممن الطبقمات‬
‫الحاكمة‪ ....‬أن الثورة السياسية ل يمكن أن تصبح ثورة اجتماعيممة إل إذا قممامت بهمما طبقممة مضممطهدة‬
‫اجتماعًيا‪ ...‬لقد فقدت اليوم العبارات اللهوتية قممدرتها علمى التخممدير‪ ،‬وبخاصممة بيممن عناصممر الشممعب‬
‫ضا الكثير من قوتها الرادعة"‪.‬‬
‫الثورية‪ .‬أما المناداة بالحق التاريخي‪ ،‬فقد فقدت أي ً‬

‫‪4‬‬
‫ممما كممما تممدل علممى ذلممك الوقممائع‬
‫هذا ما كممأنه كاوتسممكي ممما قبممل ‪ .1914‬مكانممة اسممتثنائية تما ً‬
‫فا‪ .‬سلطة فكرية يستطيع أن يسمح لنفسه باستخدامه عند المناسمبة بكممل رشماقة‪ .‬وهممذا‬ ‫المذكورة آن ًَ‬
‫مثال‪ .‬كان شارل آندلر‪ ،‬الشممتراكي الفرنسممي‪ ،‬السممتاذ فممي جامعممة السمموريون ثممم فممي "كوليممج دي‬
‫فرانس" قد أعد ونشر في سلسلة شمعبية لكمن معتنمى بهما للغايمة‪" ،‬ترجممة المم "البيمان الشميوعي"‬
‫مزودة بتعليقات غزيرة وعميقة وكان هذا عمل ً فكرًيا يعتمد علممى سممعة الطلع وعلممى المانممة‪ ،‬لكممن‬
‫مجلة "الزمن الحديث" عاملته بخفة‪ ،‬ملمحة إلى أن المؤلف قد غامر باستخفاف فممي ميممدان ل قبممل‬
‫له به‪ .‬وقد رأى أندلر أن هذه الطريقة في التصرف غيممر مقبولممة بيممن اشممتراكيين‪ ،‬ورد بلهجممة عنيفممة‬
‫دا غير مقبول‪ ،‬وألح على نشر جوابه في المجلة‪ ،‬والحال أن طلبممة العممادي هممذا لممم‬ ‫على ما أعتبره نق ً‬
‫را إلى أن طوابعها البريدية ناقصة‪.‬‬ ‫ًٍ‬ ‫نظ‬ ‫تستلم‬ ‫لم‬ ‫أنها‬ ‫بحجة‬ ‫بساطة‬ ‫بكل‬ ‫رسالته‬ ‫إليه‬ ‫يلب‪ ،‬فقد أعيدت‬

‫أنها حادثة صغيرة عارضة بل ريب‪ ،‬لكنها ل تخلو من دللة ل نممرى مممن ضممرورة للشممارة إليهمما‪.‬‬
‫على أننا نستطيع أن نذكر حوادث أخرى من نفس النوع‪ ،‬وحول مواضيع أكممثر أهميممة‪ .‬ففممي منعطممف‬
‫القرن‪ ،‬أخذ النمو القتصادي في ألمانيا يسير بوتيرة سريعة حتى أن نتائجه لم تتخلف عن ترك آثارها‬
‫في سياسية الحكومة الدولية‪ ،‬ولوحظ فمي الموقت نفسمه تغيمر محسموس فمي تصمرف اللممان فمي‬
‫مختلف الميادين‪ ،‬وبخاصة في الحركة العمالية حيث كانت هيمنتهم الجديدة تؤدي فمي غمالب الحيممان‬
‫إلى اصممطدامات ل تعممدو أن تكممون شخصممية ول تهيممئ الجممو بممالطبع لتوطيممد علقممات وديممة ضممرورية‬
‫لتخفيف حدة الختلفات المبدئية‪.‬‬

‫وعند اندلع الحرب تغير كل شيء‪ ،‬وبالدرجة الولى منظمات الطبقممة العاملممة‪ .‬وحرمتهمما حالممة‬
‫الحصار والرقابة من كل أمكانية للعمل الحر‪ ،‬بل من كل أمكانيممة للسممتطلع‪ ،‬ومممن كممل اتصممال غيممر‬
‫التصال الذي تسمح به السلطة‪ .‬كانت الحكومة ترى أن كل نشاط يجب أن يركز على الحممرب‪" .‬لممم‬
‫تعد هناك قوانين اجتماعية"‪ ،‬هذا ما أجاب به وزير فرنسي‪ ،‬مييران‪ ،‬لوفد عمالي جاء يقدم إليه بعممض‬
‫المطالب‪" :‬لم يعد هناك من شيء غير الحرب"‪ .‬إنذار وقح يعبر بدقة عن سياسة الطبقات الحاكمممة‪،‬‬
‫سواء أأعلنته أم لم تعلنه‪ .‬أنه زمن المتحان للمناضلين العماليين والشتراكيين الذي حرمهممم الحكممام‬
‫من كل حق فمي الموقت نفسمه المذين كمانوا يطلبمون فيمه إليهمم أن يؤيمدوا بمدون تحفمظ سياسمتهم‬
‫ممما فمي الحمزاب والنقابممات‪ ،‬وفمي "المميممة"‪ .‬وهمذا مما حمدث‬ ‫الحربية‪ ،‬وبخاصمة ممممن لعممب دوًرا ها ً‬
‫لكاوتسكي‪ .‬فهو لم يفكر ولممم يتكلممم قممط إل بتعممابير الطبقممة والنضممال الطبقممي‪ ،‬باعتبمماره مممدافًعا ل‬
‫يساوم عن الماركسية الثورية‪ .‬وهل كان يستطيع أن يتكلممم بلغممة أخممرى؟ مممن مختلممف أنحمماء العممالم‬
‫الشتراكي كان ينتظر منه التصريح الذي سيسمح للجماهير بان تتبين طريقها في ليل الحرب‪ .‬انتظار‬
‫ممما بممأن يممدلى برأيممه فمموًرا بصممدد‬
‫وا في الرايخستاغ‪ ،‬فهو بالتالي ليس ملز ً‬ ‫ل جدوى منه‪ .‬أنه ليس عض ً‬
‫اعتمادات الحرب‪ .‬وهذا ما سمح له بممأن يلتجممئ إلممى نمموع مممن المممذاهب المرجثممة‪ .‬أنممه لممن يكممون ل‬
‫شايدمان الذي أندفع من اليوم الول في تأييد سياسة كليزر الحربيممة بل تحفممظ‪ ،‬ول ليبكنيشمت الممذي‬
‫رضخ في البداية لنضباط الزمرة البرلمانية ليتحرر منه في كانون الول؛ مستغل ً أول فرصممة سممنحت‬
‫دا" )‪.(1‬‬
‫له ليعلن معارضته العلنية للحرب وليطالب بالسلم "سلم بل ضم ل يذل أح ً‬

‫أما بالنسبة على كاوتسكي‪ ،‬فقد كان يعتقد أن الشتراكي ل عمل له في زمن الحرب‪ ،‬وتخلممي‬
‫هو نفسه عن كل نشاط تقريًبا‪ ،‬رغم حبه الشديد للكلم‪ .‬أنه يقترب من برنشتاين الذي أساء معاملته‬
‫هو بنفسه منذ مدة قريبة‪ ،‬وفضح هرطقته‪ ،‬وتبني كلهما نزعة وسطية ل تذهب إلى أكثر من اللتقمماء‬
‫فممي سويسممرا بم م "أعممداء"‪ ،‬باشممتراكيين ونقممابيين فرنسمميين‪ ،‬ل بهممدف الحفمماظ علممى روح المميممة‬
‫البروليتارية رغم كل شيء‪ ،‬كما فعل ذلك زمر وولد‪ ،‬بل فقط للتبماكي بتشماؤم غيمر مبمالغ فيممه علمى‬
‫تعاسة الزمن‪.‬‬

‫ممما غيممر الشممخص الممذي عرفتممه المممؤتمرات محيي ًمما‬


‫وعندما كان يتكلم كان كأنه شخص آخر تما ً‬
‫"التكتيك الماضي المتمرس المظفر" للحركة الشتراكية – الديمقراطية اللمانية‪ ،‬كما كان يفعل فممي‬
‫مدينة دويسد عام ‪ ،1903‬أو قائل ً في المؤتمر نفسه‪" :‬لقد سعينا حمتى الن إلمى تعميمق الهموة المتي‬
‫تفصلنا عن الطبقات الحاكمة‪ ،‬وإلى أثارتها ضدنا‪ ،‬وإلى إرهابهمما كيممما نصممل إلممى أحممداث حاجممة‪ ،‬إلممى‬
‫صراع علينا أن ننتصر فيه‪ .‬أما التكتيك الجديد فيسعي إلى تجنب المعارك‪ ،‬وإلممى تلفيهمما‪ .‬أن التكتيممك‬

‫‪ :()1‬يقصد ضم الدول الخرى أو بعض أراضيها‪" .‬المترجم"‪.‬‬


‫‪5‬‬
‫القديم يقوم على نظرية ماركس‪ .‬والجديد ل يكون مبرًرا إل إذا كانت نظرية ماركس خمماطئة"‪ .‬وجمماء‬
‫الحدث الحاد في اهاب الحرب‪ ،‬لكن الذعر تملك كاوتسكي‪.‬‬

‫إنه شخص آخر‪ ،‬أسلوب آخر‪ ،‬عندما يكتب‪ .‬واختفت اللهجة الواثقة‪ ،‬القاطعة‪ ،‬الحاسمممة‪ ،‬لهجممة‬
‫مدير "الزمن الحديث" أو مؤلف "طريق السلطة"‪ ،‬لتحل محلها لهجة خائرة وعبارات كهمذه‪" :‬ليسمت‬
‫حا من أسلحة زمن الحرب‪ ،‬باعتبار أنها بطبيعتها أداة سلم"‪ .‬أو قوله عن حريممة الصممحافة‬
‫الممية سل ً‬
‫في النظام الثوري‪" :‬الكذابون والمتعصبون موجودون في كل المعسكرات"‪.‬‬

‫***‬

‫إذا كان كاوتسكي قد التزم جانب الصمت نسبًيا أيام الحرب‪ ،‬فلقد عاد إلى الكلم بكممل طمماقته‬
‫ضا فيه نظًرا إلى ماضمميه كلممه – بممل ليحاربهمما بل‬
‫بدًءا من ثورة أكتوبر‪ ،‬ل ليدافع عنها – كما كان مفرو ً‬
‫كلل‪ ،‬وبتهالك وسوء نية ل يمكن لي مرتممزق فممي الصممحافة الرأسمممالية أن يتبمماهى بممأنه يسممتطيع أن‬
‫يتجاوزهما‪ .‬بل إنه سرعان ما خصها بكتاب كامل تحت عنوان "الرهاب والشيوعية"‪ .‬وتحمل المقدمة‬
‫تاريخ حزيران ‪ 1919‬لكن المؤلف يحدد بأنه بدأ الكتابة قبل عام من ذلك التاريممخ‪ ،‬وتوقممف علممى أثممر‬
‫قيام الثورة اللمانية في ‪ 9‬تشرين الثاني‪ ،‬واستأنفها بعممد بضممعة أشممهر وأكمممل فصممول الكتمماب أثنمماء‬
‫أوقات فراغه‪ .‬وسرعان ما ترجم إلى الفرنسية ونشر في باريس في أواخر العام‪.‬‬

‫ممما‪ ،‬وفممي‬
‫اللهجة فيه لهجة كاوتسكي الجديد‪ .‬على سبيل المثال‪" :‬المرء يرتكممب الحماقممات دو ً‬
‫زمن الثورة يرتكب منها أكثر من أي زمن آخر"‪ .‬لكن لهجة التعالم لم تفمارقه‪" :‬المذين فهمموا نظريمة‬
‫ضا‪" :‬ليست قيممادة‬ ‫ماركس على حقيقتها قليلون"‪ ،‬فهذه النظرية تتطلب عمل ً فكرًيا كبيًرا للغاية"‪ .‬وأي ً‬
‫الحرب‪ ،‬بشكل عام‪ ،‬الجانب القوي في البروليتاريا" ولقد كتب هذا مع أن ذاكرتممه ممما تممزال محتفظممة‬
‫بالصورة الغضة لربع سنوات من الحرب إذا كان كبار القادة العسكريين قد أثبتوا فيها شمميًئا‪ ،‬فهممو أن‬
‫الحرب ليست جانبهم القوي‪ ،‬في حين أن العمال والفلحين الروس قد لقنوهم‪ ،‬في ظممل ديكتاتوريممة‬
‫سا عمدة وسميلقنوهم المزيمد منهما مما دامموا يحلممون بالتمدخل وبمدعم قموى الثمورة‬ ‫البروليتاريا‪ ،‬درو ً‬
‫المضادة‪.‬‬

‫وأود أن أشير أول ً إلى عبارتين استشهد بهما كاوتسكي‪ ،‬دللتهما بليغة نظمًرا إلممى أنهممما تبينممان‬
‫إلى أي حد يمكن أن يندفع كاوتسكي في عدائه لثورة أكتمموبر‪ .‬ففممي الفصممل الممذي خصصممه لمقارنممة‬
‫الكوميونة بالثورة الروسية‪ ،‬يستشهد بكتاب "الثورة الشتراكية" )المنشور بإشممراف جممان جمموريس(‪،‬‬
‫ما مممن الصممالة والبتكممار‪ ،‬مممع أن هنمماك عممدة مؤلفممات عممن الكوميونممة كممان‬
‫وهو كتاب تافه‪ ،‬خال تما ً‬
‫بمقدوره الرجوع إليها‪ .‬ذلك لن كاتبه كما يقول هو "الثوري الطيب" دوبري"‪ .‬والحال أن هذا "الثوري‬
‫الطيب" هو واحد من أولئك الشتراكيين الذين يريدون أن تستر الحرب "حتى النهايممة"‪ ،‬ولكممن الممذين‬
‫يظلون هم أنفسهم بعيدين عن الخنادق‪ .‬بل أنه ليس وسممطًيا شممأن كاوتسممكي‪ ،‬إنممما هممو أقممرب إلممى‬
‫شايدمان وكاشان وموسليني وشركائهم‪.‬‬

‫والستشهاد الثاني مأخوذ عن فوضوي سويسري‪ ،‬وهذا شيء يبعث على الدهشة في حممد ذاتممه‬
‫نظًرا إلى أن الماركسية الرثوذكسممية تعتممبر الفوضمموي عممدًوا‪ .‬وكممان هممذا الفوضمموي يريممد‪ ،‬رغممم أنممه‬
‫سويسري‪ ،‬أن يستمر الفرنسيون واللمان والبريطانيون والنمساويين في القتتال في حرب ل هممدف‬
‫لها ول مخرج‪ .‬وفي حين أن ثورة أكتوبر قد سمممحت للكممثيرين مممن العمممال والمثقفيممن التممائهين بممأن‬
‫يتمالكوا أنفسهم‪ ،‬يقف ذلك الفوضوي‪ ،‬مثل كاوتسمكي‪ ،‬فمي صمف حلفماء الثمورة المضمادة‪ .‬غيمر أنمه‬
‫ينبغي أن نشير إلى أن القضية أهم من سمابقتها‪ ،‬نظمًرا إلمى أنهما تقموم علمى كذبمة همي ممن أصمفق‬
‫الكاذيب في زمن أصبح فيه الكذب‪ ،‬بفضل دعابممة المتحمماربين‪ ،‬بضمماعة رائجممة‪ .‬فمممن بيممن القممذارات‬
‫المنسوبة إلى السوفييت‪ ،‬كان هناك تلميح إلى "تشريك مزعمموم للنسمماء"‪ .‬بممل إن كاوتسممكي يمضممي‬
‫في الكذبة إلى حدودها القصوى‪ ،‬ويدعي أن لديه وثيقة حاسمممة وجممدها فممي كتمماب الفوضمموي النممف‬
‫الذكر‪ :‬وهي أمر صادر عن مجلس سوفييت عمالي‪ .‬ولقد كانت الوثيقة‪ ،‬شأنها شممأ‪ ،‬غيرهمما‪ ،‬مزيفممة ل‬
‫تستحق غير الزدراء‪ .‬لكن كاوتسكي لم يتردد في التمسك بها وفي استخدامها ليممدعم رأيممه‪ ،‬الشمميء‬
‫الذي قاده إلى أن يقوم بتحقيق مفصل حول كمل بنمد ممن بنممود "الوثيقمة"‪ :‬ولقممد كمانت هممذه فرصممة‬
‫جميلة لكشف الزيف والمزيفين ولكشف المساهمين في هذه الدعاية الدنيئة المنطلقيممن مممن المبممدأ‬

‫‪6‬‬
‫القائل أن كل وسيلة صالحة عندما تكون موجهة ضد مجالس السوفييت‪ .‬وتفاصيل هذه القصة مروية‬
‫في كتاب تروتسكي‪.‬‬

‫ثمممة عممادة دارجممة تريممد أن تصممور الثمموريين – البورجمموازيين أو الشممتراكيين – بممأنهم أفممراد‬
‫متعطشون إلى الدم والنهب والقتل‪ .‬مع أنه من السهل على العكس ومن الضروري أن يكتممب فصممل‬
‫تمهيدي يوضع في مقدمة تاريخ كل ثورة للتأكيد علممى كممرم الثمموريين وتسممامحهم‪ .‬إن رجممال الطبقممة‬
‫المضطهدة التي تستسلم الحكم ل تسيطر عليهم فكرة لنتقام‪ .‬أنهم ل يطمحون‪ ،‬وقممد غمرهممم فمرح‬
‫النصر والتحرر من ذل طويل‪ ،‬إلممى أكممثر مممن تحقيممق المثممل العلممى الممذي حمماربوه مممن أجلممه‪ ،‬وبنمماء‬
‫المجتمع الجديد الذي اهتدوا بفكرته أثناء نضالهم‪ .‬وهذا شعور عبر عنه بدقممة ل‪ .‬بممورين فممي "رسممالة‬
‫من باريس" عن أيام ‪ 1830‬الثورية‪ .‬فلقد كتب متحممدًثا عممن الرجممال الممذين قممادوا تلممك اليممام‪" :‬لقممد‬
‫ضا"‪.‬‬
‫انتصروا بسرعة وغفروا بسرعة أكبر أي ً‬

‫دا يغمره فرح عام‪ ،‬وتفاؤل ً يتجلى في غرس أشجار الحرية في‬ ‫في عام ‪ 1848‬كانت الثورة عي ً‬
‫كل الساحات‪ .‬وليس أسهل من إدانة الكوميونة بحجة ذبح الرهائن‪ ،‬لكن إذا ما فعلنمما ذلممك نكممون قممد‬
‫نسينا أن أخذ الرهائن لم يكن بالنسبة لرجال الكوميونة إل وسيلة لحمايممة أنفسممهم مممن جريمممة تييممر‬
‫الذي رفض أن يعتبر "التحاديين" محاربين وأمر بالتالي بإعممدام مممن يعتقممل منهممم‪ .‬ففممي بدايممة ثممورة‬
‫أكتوبر سقط الجنرال كراسنوف‪ ،‬أثناء إحدى المعارك‪ ،‬فممي أيممدي البولشممفيين‪ .‬فهممل أعممدموه فمموًرا؟‬
‫دا‪ .‬بل أعيدت إليه حريته مقابل وعده والتزامه بعدم معاودة محاربة روسيا السوفياتية‪ .‬ولقد أقسممم‬ ‫أب ً‬
‫على ذلك بم"شرفه العسكري"‪ ،‬ثم أسرع يلتحق في خدمة جيش دينيكين‪.‬‬

‫وثمة واقعة أخرى أقل أهمية‪ ،‬وذات طابع شخصي تثبت إلى أي حد تظممل روح النتقممام غريبممة‬
‫على الثوريين‪ .‬فحين نفي تروتسكي من فرنسا عام ‪ ،1916‬كان الشممرطي المكلممف بالعمليممة يممدعى‬
‫فوبا – بيريه‪ .‬ولقد أدى هذه المهمة بإخلص ل مثيل له بحيث أن تروتسكي اعتقل لحظة وصوله إلممى‬
‫أسبانيا‪ ،‬وذلك عندما سلم الشرطي المذكور لزملئه السبانيين رسالة تصف تروتسكي بأنه "فوضوي‬
‫خطر"‪ .‬وبعد عامين – عامين حدثت فيهما أمور كثيرة – اقتيد فوبا – بيريه المذكور إلى تروتسكي في‬
‫قما بل ريممب ممن المصممير المذي ينتظممره‪" :‬أجمل‪ ،‬همو أنما"‪.‬‬ ‫مكتبه بموسكو‪ .‬وقال الشرطي مرتب ً‬
‫كا وقل ً‬
‫وأضاف‪" :‬أنه مجرى الحداث" محاول ً بذلك أن يثبت أنممه ليممس شممرطًيا عادي ًمما وأنممه يملممك بع ً‬
‫ضمما مممن‬
‫عناصر الفلسفة السياسية‪ .‬وعلى كل الحوال‪ ،‬لم يكن يفتقر إلى الصفافة باعتبار أنه قبممل بممالمجيء‬
‫إلى روسيا ليراقب الرجال الذين عرفهم أثناء تعذيبه لهم في فرنسا‪ .‬وتلهى تروتسكي قليل ً بم"مجرى‬
‫شا بل ريب من أنه نجمما بجلممده‬ ‫أحداث" الشرطي الفيلسوف الذي استطاع أن يعود إلى فرنسا‪ ،‬منده ً‬
‫بمثل هذه السهولة‪.‬‬

‫بديهي أننا ل نقول هذا كله لننفي واقع الرهاب‪ ،‬بل لنثبت أنممه غيممر متلزم والثممورة‪ .‬فللوصممول‬
‫إلى "لجنة السلمة العامة" وإلى "ديكتاتورية" روبسبيير‪ ،‬وغلى قانون بليربال‪ ،‬ل بد من هممرب الملممك‬
‫وخيانة الجنرالت وتآمر المهاجرين المستمر‪ ،‬وتدخل الدول الجنبية عسكرًيا‪ .‬فعلى الثممورة أن تممدافع‬
‫عن نفسها عندما توضع العراقيل في وجه إرادتها السلمية في إعمادة البنمماء‪ .‬والطبقممة المالكممة‪ ،‬حيممن‬
‫تطرد من السلطة‪ ،‬ترفض العتراف بهزيمتها‪ .‬إنها تشعر‪ ،‬لحظة طردهمما‪ ،‬أنهمما بل قمموة‪ ،‬وأنهمما عمماجزة‬
‫عن المقاومة‪ .‬لكنها سرعان ما تشرع في محاولة استعادة امتيازاتها التي انتزعت منها‪ ،‬وتلجممأ آنممذاك‬
‫إلى كل الوسمائل وكلمما ازدادت نزعتهما العدوانيمة‪ ،‬احتممدت المعركمة‪ ،‬واشممتد القممع‪ ،‬وكممثرت تممدابير‬
‫البوليس‪ ،‬وفت في عضد الثورة المضادة‪ ،‬لكنها تكون قد نجحت في تسميم النظممام الجديممد بإرغممامه‬
‫على انتهاج سياسة لم يردها‪ ،‬وعلى تبذير جزء من القوى‪ ،‬خير القمموى فممي غممالب الحيممان‪ ،‬كممان كممل‬
‫قصده أن يستفيد منها على وجه أحسن‪.‬‬

‫إن التدخل الجنبي يزعم الثورة على خلق جيممش يفممترس الرجممال والممموارد‪ ،‬فممي بلممد هممدمته‬
‫حرب طويلة أو نظام حكومي عاجز وفاسد‪ .‬وحين نتذكر أن قوات الجيش الحمر بلغت‪ ،‬أثناء الحرب‬
‫ضمما عممدد قمموات الجيممش‬ ‫الهلية‪ ،‬والدفاع ضد التدخلت الجنبية‪ ،‬خمسة مليين رجل )هممذا ممما كممانه أي ً‬
‫الفرنسممي أثنمماء الحممرب العالميممة الولممى(‪ ،‬نسممتطيع أن نتصممور كممم كلفممت الثممورة المضممادة روسمميا‬
‫السوفياتية وكم حرمتها من جهود قوى حية ل تحصى‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫والحال أن كاوتسكي‪ ،‬في نقده وتهجمه المكرر والمعاد على النظام القتصممادي الممذي حمماولت‬
‫مجالس السوفييت أن توطده‪ ،‬يتجاهل كل هذه المور الجوهرية التي ل بد من معرفتهمما للتمكممن مممن‬
‫إصدار تقييم صحيح للموقف‪ .‬أنه يقف معجًبا‪ ،‬وقد انقلب من ماركسي إلى ديموقراطي‪ ،‬أمام الممدول‬
‫الديمقراطية الكبرى‪ ،‬إنكلترا وفرنسا‪ ،‬التي لم تحقق المعجمزة ممع ذلممك أيممام الحممرب‪ ،‬وبخاصمة عنمد‬
‫فا للغاية إلى حد أن نظممرة خاطفممة‬ ‫توقيعها لمعاهدات السلم التي قطعت أوصال أوروبا تقطيًعا سخي ً‬
‫نلقيها على الخارطة تكشف لنا عن جرثومة حرب جديدة‪.‬‬

‫إن كتاب تروتسكي يحمل نفس عنوان كتاب كاوتسكي ولقد تأخر في كتابته همو الخمر شمهوًرا‬
‫عديدة‪ ،‬لكن لسباب مختلفة ينوه بها المؤلف في مقدمته‪" :‬إن مؤلفنا هذا الذي بدأناه أثنمماء المعممارك‬
‫الطاحنة ضد دينيكين وبودينيتش‪ ،‬قد توقف عدة مرات بسبب أحداث الجبهة‪ ...‬لقد كنا مرغمين علممى‬
‫فضممح افممتراءات كاوتسممكي فممي المسممائل القتصممادية مممبينين تشممابهها مممع افممتراءاته فممي المجممال‬
‫ضا‪" :‬أن الكتاب مكرس لتوضيح مناهج سياسة البروليتاريا الثورية في عصممرنا‬ ‫السياسي"‪ .‬وسيقول أي ً‬
‫الراهن‪ .‬والكتاب معروض في إطار سجال كالسياسة الثورية نفسها‪ .‬إن السجال الموجه ضد الطبقممة‬
‫السائدة‪ ،‬والمفهوم من الطبقة المسودة‪ ،‬يتحول في لحظة معينة إلى ثورة"‪.‬‬

‫عا لجحمود كاوتسمكي – وسيسماهم‬ ‫دا لذ ً‬


‫ما باعتباره نق ً‬
‫وإذا كان القسم السياسي من الكتاب ها ً‬
‫لينين في هذا النقد بكتابه المنشور بعممد مممدة وجيممزة تحممت عنمموان "الثممورة البروليتاريممة وكاوتسممكي‬
‫الجاحد" والذي يجمع بين النقاش والخطابية – فإن القسم القتصادي منه لذو أهمية اسممتثنائية‪ .‬ففممي‬
‫الفصل الثممامن‪ ،‬المكممرس لمسممائل تنظيممم العمممل‪ ،‬نجممد مممن ضمممن ممما نجممده‪ :‬التقريممر الممذي قممدمه‬
‫تروتسكي للمؤتمر الثالث الروسي الموحد للنقابات وهذا التقرير يعالمج بصمراحة تاممة كمل المسمائل‬
‫المتعلقة بالسلطة السوفياتية والصناعية‪ :‬لوحة صادقة عن وضع صعب‪ ،‬لكنها تمذكير عاقمل بالهممداف‬
‫العظيمة الجليلة "التي يمكن أن تعتبر قد تحققت بعد أن انتهت الحرب الهلية الن"‪ .‬إن هذا التقريممر‬
‫ضا على أهمية أخرى‪ :‬فهو يبين كيف كممان‬ ‫الجوهري في حد ذاته نظًرا إلى أهمية موضوعه‪ ،‬يشتمل أي ً‬
‫القائد السوفياتي يخاطب العمال آنذاك‪.‬‬

‫الفريد روسمر‬

‫آيار ‪1963‬‬

‫‪8‬‬
‫"هل أنت راضية عن الروس؟ بالطبع‪ ،‬إنهم لن يستطيعوا أن يستمروا في جو اللغمط الجهنمممي‬
‫هذا – ل بسبب الحصائيات التي تشهد على تطور روسيا القتصادي المتخلف كما حسب ذلك زوجممك‬
‫حساًبا صائًبا – بل لن الحركة الشتراكية – الديمقراطية في هذا الغرب المتفوق التطممور مؤلفممة مممن‬
‫رعاديد جبناء يتركون الروس يسفحون دمهم كله دون أن يغيروا موقفهم‪ ،‬موقف المتفممرج المسممالم‪.‬‬
‫لكن مثل هذا الموت خير من "البقاء على قيد الحياة من أجمل الموطن"‪ .‬إنمه عممل ذو ممدى تماريخي‬
‫ضا أشياء عظيمة فممي السممنوات القادمممة‪.‬‬
‫عالمي ستظل آثاره باقية على مدى العصور‪ .‬إنني أنتظر أي ً‬
‫لكني أحب أن أعجب بتاريخ العالم من غير أن أقف خلف حاجز‪."...‬‬

‫روزا لوكسمبورغ‬

‫رسالة إلى لويزا كاوتسكي‬

‫بريلو – السجن الصلحي‬

‫‪ 24‬تشرين الثاني ‪1917‬‬

‫‪9‬‬
‫مقدمة‬
‫هذا الكتاب أوحى بنا إليه كتيب كاوتسكي المتعالم المنشممور تحممت العنمموان نفسممه‪ .‬إن مؤلفنمما‬
‫هذا الذي بدأناه أثناء المعارك الطاحنة ضد دينيكين وبودينتش قد توقممف عممدة مممرات بسممبب أحممداث‬
‫الجبهة‪ .‬ففي اليام الصعبة التي كنا نكتب فيها الفصول الولى‪ ،‬كان اهتمام روسيا السوفييتات منصمًبا‬
‫كله على المهام العسكرية المحضممة‪ .‬كممان المهممم قبممل كممل شميء الحفماظ حممتى علمى إمكانيممة بنمماء‬
‫اقتصادي اشتراكي‪ .‬وما كنا نستطيع تقريًبا أن نهتم بالصممناعة باسممتثناء ممما كممانت تسممتطيع أن تقممدمه‬
‫للجبهة‪ .‬ولقد كنا مرغمين على فضح افتراءات كاوتسكي في المسائل القتصادية مبينين تشابهها مممع‬
‫افتراءاته في المجال السياسي‪ .‬وحين بمدأنا همذا العممل – منمذ نحمو عمام – كنما نسمتطيع أن نمدحض‬
‫طا فممي العمممل وأن‬ ‫تأكيدات كاوتسكي عن عجز العمال الروس عن أن يفرضوا علممى أنفسممهم انضممبا ً‬
‫يتقشفوا اقتصادًيا‪ ،‬منوعين بانضباط العمال الروس الرفيع وببطولتهم في جبهات الحرب الهلية ولقد‬
‫ما لتكذيب الفتراءات البرجوازية لكن باستطاعتنا اليوم‪ ،‬بعد مرور بضعة‬ ‫كانت هذه التجربة تكفينا تما ً‬
‫أشهر‪ ،‬أن نستشهد بمعطيات ووقائع مأخوذة من الحياة القتصادية لروسيا السوفييتات‪.‬‬

‫ل‪ ،‬وبعد سحق كولتشاك ويودينتش‪ ،‬وبعمد أن سمددنا إلمى‬ ‫فما إن تراخى المجهود العسكري قلي ً‬
‫دينيكين الضربات الولى الحاسمة‪ ،‬ووقعنا معاهدة سلم مع أستونيا‪ ،‬وبممدأنا بالمفاوضممات مممع ليتوانيمما‬
‫وبولونيا‪ ،‬حتى أمكن للبلد كلها أن تشهد عودة ملموسة إلى الحياة القتصادية‪ .‬وإذا كانت عنايممة البلممد‬
‫وطاقته قد اتجها بسرعة من مهمة إلى أخرى وتركزنا عليها‪ ،‬مهمة عميقممة الختلف عممن الولممى وإن‬
‫كانت تتطلممب القممدر نفسممه مممن التضممحيات‪ ،‬فهممذا دليممل ل يممدحض علممى الحيويممة المدهشممة للنظممام‬
‫السوفياتي‪ .‬فعلى الرغم من كل المتحانمات السياسمية وممن كممل البمؤس والشمقاء الممماديين‪ ،‬ظلمت‬
‫الجماهير الروسية الكادحة بعيدة عن التفسخ السياسي وعن التخاذل المعنوي أو عن اللمبممالة‪ .‬لقممد‬
‫ما‪،‬‬‫حافظت هذه الجماهير‪ ،‬بفضل نظام أعطى حياتها معنى وهدًفا سامًيا وإن فرض عليها أعباء جسمما ً‬
‫حافظت على مرونة معنوية كبيرة وعلى قدرتها التي ل مثيمل لهما فممي التاريممخ علممى تركيمز اهتمامهما‬
‫وإرادتها على مهام جماعية‪ .‬إن ثمة حملة جبارة اليمموم فممي مختلممف فممروع الصممناعة لقامممة انضممباط‬
‫حازم فممي العمممل ولمضمماعفة النتمماج‪ .‬إن منظمممات الحممزب والنقابممات‪ ،‬وإدارات المصممانع والمعامممل‬
‫تتنافس في هذا الميدان يدعمها الرأي العام للطبقة العاملممة كلهمما بممدون تحفممظ‪ .‬إن المصممانع تقممرر‪،‬‬
‫الواحد تلو الخر‪ ،‬بلسان الهيئات العامة للعمال‪ ،‬إطالة يمموم العمممل‪ .‬وبطرسممبورغ وموسممكو تضممربان‬
‫المثل‪ ،‬والريف يسير جنًبا إلى جنب مع بطرسبورغ‪ .‬إن "أيام السبت والحممد الشمميوعية" – أي العمممل‬
‫المجاني المتطوع في ساعات الراحة – تطبق أكثر فأكثر من قبل مئات اللوف مممن العمممال مممن كل‬
‫الجنسين‪ .‬إن مضاعفة النتاج والعمممل أيممام السممبت والحممد الشمميوعية جممديران‪ ،‬بممرأي الختصاصمميين‬
‫وحسب شهادة الرقام‪ ،‬بكل اهتمام‪.‬‬

‫إن التعبئة الطوعية التي يقوم بهما الحمزب واتحمادات الشمبيبة الشميوعية تتمم اليموم ممن أجمل‬
‫العمل بالحماسة نفسها التي كانت تتم بها من أجل الجبهة‪ .‬إن العمل الطوعي الكامل يفسح المجال‬
‫واسًعا أمام العمل اللزامي‪ .‬إن لجان العمل اللزامي‪ ،‬التي أنشئت حممديًثا‪ ،‬أخممذت تنتشممر فممي طممول‬
‫البلد وعرضممها ومسمماهمة السممكان فممي عمممل الجممماهير الجممماعي )تنظيممف الطرقممات والممدروب‬
‫المسمدودة بمالثلوج‪ ،‬تصمليح السمكك الحديديمة‪ ،‬قطمع الخشماب‪ ،‬تهيئة ونقمل الحطمب‪ ،‬إهممال البنماء‬
‫سا أكثر‪ .‬وإن‬‫البسيطة‪ ،‬استخراج التراب النفطي والحجر السود( تأخذ أكثر فأكثر طابًعا أوسع ومدرو ً‬
‫مضاعفة عدد الوحدات العسكرية العاملة كانت ستكون مستحيلة لول الحماسة للعمل‪.‬‬

‫صحيح أننا نعيش في شروط دمار اقتصادي رهيب‪ ،‬بين النهمماك والفقممر والجمموع‪ .‬لكممن ليسممت‬
‫هذه حجة ضد نظام السوفييتات‪ .‬فلقد كانت كل عصور النتقال متميزة بهممذه المظمماهرة المأسمماوية‪.‬‬
‫إن كل مجتمع عبودي )سواء أكان عبودًيا أم إقطاعًيا أم رأسمالًيا( ل يغادر المسرح عممن طيممب قلممب‬
‫ما أن ينتهممي دوره‪ :‬إذ ل بممد مممن إرغممامه علممى ذلممك بنضممال داخلممي حمماد يسممبب فممي غممالب الحيممان‬
‫ما وحرمانات أكبر حتى من اللم والحرمانات التي تمردوا عليها‪.‬‬ ‫للمناضلين آل ً‬

‫إن النتقال من القتصاد القطاعي إلممى القتصممادي البورجمموازي – الممذي كممانت دللتممه ضممخمة‬
‫بالنسبة إلى التقدم – ترافق بقائمة ل تحصى من الشهداء‪ .‬ومهما كانت آلم الجماهير المستعبدة من‬
‫دا‬
‫قبل القطاعية‪ ،‬ومهما تكن صعبة شروط حياة البروليتاريا في ظممل الرأسمممالية‪ ،‬فإنهمما ل تمموازي أبم ً‬

‫‪10‬‬
‫الكوارث الرهيبة التي عانى منها العمال في العصر الذي أرغم فيه المجتممع القطماعي القمديم علمى‬
‫التخلي بالعنف عن مواقعه لنظام جديد‪ .‬إن ثورة القرن الثامن عشر الفرنسممية الممتي لمم تبلممغ مممداها‬
‫العظيم إل بفضل ضغط الجماهير التي حركها اللم‪ ،‬قد زادت هي نفسها مممن بممؤس الجممماهير لفممترة‬
‫طويلة من الزمن وبنسب فائقة للطبيعة‪ .‬وهل كان من الممكن أن يتم المر على غير هذا النحو؟‬

‫إن مآسي البلط‪ ،‬التي تنتهي بتبدلت في قمة السلطة‪ ،‬يمكممن أن تكممون وجيممزة ول تممأثير لهمما‬
‫ممما فممي ثممورة تلقممي فممي دوامتهمما بملييممن‬ ‫تقريًبا على حياة البلد القتصادية‪ .‬لكممن الحالممة تختلممف تما ً‬
‫الشغيلة‪ .‬فمهما يكن شكل المجتمع‪ ،‬يظل أساسه العممل‪ .‬والثمورة‪ ،‬بانتزاعهما الجمماهير ممن العممل‪،‬‬
‫وبإلقائها بها في أتون الصراع لمدة طويلة من الزمن‪ ،‬وبقطعها أسباب النتاج‪ ،‬توجه بالمقابل ضربات‬
‫مماثلة إلى القتصاد‪ ،‬فتخفض بالتالي مستوى التطور القتصممادي بالنسممبة إلممى ممما كممان عليممه قبلهمما‪.‬‬
‫وكلما كانت الثورة الجتماعية عميقممة‪ ،‬كممان عممدد الجممماهير الممتي تجرهمما أكممبر‪ ،‬وكلممما كممانت أطممول‪،‬‬
‫أساءت أكثر إلى آلية النتاج واستهلكت احتياطي المجتمع‪ ،‬ول يمكن أن نسممتخلص مممن هممذا إل شمميًئا‬
‫دا ليس بحاجة بالصل للبرهنة عليه‪ ،‬أعني أن الحرب الهلية تضر القتصاد‪ .‬لكن أن نلوم القتصاد‬ ‫واح ً‬
‫السوفياتي على ذلك‪ ،‬فهذا معناه أننمما ننسممب إلممى الوليممد الجديممد آلم الم لحظممة الوضممع‪ .‬إن هممدفنا‬
‫اختصار الحرب الهلية‪ .‬ول يمكننا الوصول إلى هذا الهدف إل عن طريق الحممزم فممي العممل‪ .‬والحمال‬
‫أن كتاب كاوتسكي كله إنما هو موجه ضد هذا الحزم الثوري‪.‬‬

‫***‬

‫منذ أن نشر الكتاب الذي ندرسه‪ ،‬وقعت أحداث جسام‪ ،‬ل في روسمميا وحممدها‪ ،‬بممل فممي العممالم‬
‫سمما علممى عقممب‬‫أجمع وبخاصة في أوروبا أن تطورات عميقة الدللة قد تحققت‪ ،‬وهي تهممدم اليمموم رأ ً‬
‫آخر مواقع الكاوتسكية الدفاعية‪.‬‬

‫لقد اتخذت الحرب الهلية في ألمانيا طابًعا متزايد الحدة باستمرار ولقد كانت القوة الظاهريممة‬
‫للتنظيم الشتراكي الديمقراطي القديم للحزب والنقابممات أحممد السممباب الرئيسممية فممي إطالممة زمممن‬
‫الحرب واشتداد تفاقهمها‪ ،‬وذلك بعكس ما كانت تتوقعه نظرية كاوتسكي الراهنة التي كانت تعتقد أن‬
‫هذه القوة ستسهل النتقال السلمي و"النساني" إلى الشتراكية‪ .‬فكلما أصبحت الحركمة الشمتراكية‬
‫– الديمقراطية عاجزة عن الحركة ومحافظة‪ ،‬توجب على البروليتاريا اللمانيممة الممتي خانتهمما أن تبممذل‬
‫المزيد من القوى والدم والحياة في هجومها المصمم على المجتمع البورجوازي‪ ،‬وذلممك كيممما تتمكممن‬
‫دا قممادًرا علممى قيادتهمما إلممى النصممر النهممائي‪ .‬إن‬
‫ممما جديم ً‬
‫من خلل هذا النضال بالممذات‪ ،‬أن تخلممق تنظي ً‬
‫مؤامرة الجنرالت اللمان‪ ،‬ونجاحهم المؤقت ونتائجه الدامية‪ ،‬قد كشفت من جديد عممن "المسممخرة"‬
‫الحقيرة التافهة التي انتهى إليها ما يسمى بالديمقراطية في الظروف الناجمة عممن انهيممار المبرياليممة‬
‫والحرب الهلية‪ .‬إن الديمقراطية‪ ،‬ببقائها على قيد الحياة‪ ،‬ل تحل أي مشكلة ول تمحو أي تنماقض‪ ،‬ول‬
‫تشفي أي جرح‪ ،‬ول تقي ل من تمرد اليمين ول من تمرد اليسار‪ :‬إنها عاجزة‪ ،‬تافهة‪ ،‬كاذبة‪ ،‬ل تنفممع إل‬
‫في تضليل الفئات المتخلفة من السكان وبخاصة البورجوازية الصغيرة‪.‬‬

‫إن المل الذي عبر عنه كاوتسكي في القسم الخير من كتابه‪ ،‬المل بأن تقدم لنا بلدان أوروبا‬
‫الغربية و"الديمقراطيات العريقة" في فرنسا وإنكلممترا‪ ،‬المتوجممة بغممار النصممر‪ ،‬لوحممة تطممور طممبيعي‪،‬‬
‫ل‪ ،‬نحو الشتراكية‪ ،‬إن هذا المل هو أكممثر الوهممام بطلن ًمما‪ .‬إن ممما يسمممى‬ ‫صحي‪ ،‬سلمي كاوتسكي فع ً‬
‫بم"الديمقراطية الجمهورية" في فرنسا المنتصرة‪ ،‬هو اليمموم حكومممة هممي مممن أكممثر الحكومممات الممتي‬
‫طا‪ .‬فسياسممتها الداخليممة تقمموم علممى الخمموف والطمممع والعنممف‪،‬‬ ‫عرفتها فرنسا رجعية ودموية وانحطا ً‬
‫ما‪ .‬والبروليتاريا الفرنسية من جهة أخرى التي خدعت كما لم تخدع‬ ‫شأنها شأن سياستها الخارجية تما ً‬
‫أي طبقة أخرى قط‪ ،‬تنتقممل أكممثر فممأكثر إلممى العمممل المباشممر‪ .‬إن ثممأر الحكومممة مممن "التحمماد العمام‬
‫للشغل" يدل على أنه ل مكان شرعًيا فمي الديمقراطيمة البورجوازيممة حممتى للنقابيممة الكاوتسمكية‪ ،‬أي‬
‫لسياسة مصلحة مرائية أن تطور الجماهير نحو الثوروية وتعنت المالكين وتراجع التجمعات الوسممطية‬
‫– وهي تطورات ثلثة تشرط وتمهد الجو‪ ،‬في مسممتقبل قريممب‪ ،‬لحممرب أهليممة طاحنممة – قممد تفمماقمت‬
‫بسرعة‪ ،‬تحت أنظارنا في فرنسا خلل الشهور الخيرة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وتسير الحداث في إنكلترا في التجاه نفسه وإن تحت شكل مختلف ففي هممذا البلممد تضممطهد‬
‫الطبقة الحاكمة وتنهب العالم أجمع‪ ،‬اليوم أكثر من أي وقت مضى‪ ،‬وقد فقممدت الصمميغ الديمقراطيممة‬
‫كل دللة لها وحتى على صعيد البهلوانيات البرلمانية‪ .‬إن لويممد جممورج‪ ،‬أشممهر الختصاصمميين فممي هممذا‬
‫الموضوع‪ ،‬لم يعد يذكر الديمقراطية‪ ،‬بل تحالف الملك الليبراليين والمحافظين ضد الطبقممة العاملممة‪.‬‬
‫إننا لم نعد نجد أثًرا في حججه لندفاعات كاوتسكي "الماركسي" الديمقراطية‪ .‬إن لويد جممورج يحتممل‬
‫مكانه الن على صعيد الوقائع الطبقية‪ ،‬ويستخدم لهذا السبب لغة الحرب الهلية‪ .‬إن الطبقة العاملممة‬
‫النكليزية تقترب‪ ،‬من خلل النزعة التجريبية الثقيلة المميزة لها‪ ،‬من فصل في تاريخ صراعها سممتبدو‬
‫ممما كممما أن التمممرد القريممب للبروليتاريمما‬
‫إلى جممانبه صممفحات الحركممة الشممارتية المجيممدة سمماحبة‪ ،‬تما ً‬
‫الفرنسية سيحكم بالشحوب حتى على أبهة كوميونة باريس‪.‬‬

‫وإنما على وجه التحديد لن الحداث التاريخية قد تطورت خلل الشهور الخيرة بمنطممق ثمموري‬
‫حازم‪ ،‬تساءل مؤلف هذا الكتاب عم إذا كانت ما تزال هناك حاجممة لنشممره‪ ،‬وعممم إذا كممانت ممما تممزال‬
‫هناك حاجة للرد على كاوتسكي نظرًيا‪ ،‬وعم إذا كانت ما تممزال هنمماك حاجممة لتممبرير الرهمماب الثمموري‬
‫نظرًيا‪.‬‬

‫أجل‪ ،‬مع السف إن اليديولوجية تلعب في الحركممة الشممتراكية‪ ،‬بسممبب مممن طبيعتهمما بالممذات‪،‬‬
‫دوًرا كبيًرا‪ .‬إن إنكلترا نفسها‪ ،‬مهما كانت تميل إلى النزعة التجريبية‪ ،‬تدخل الن في مرحلة ستتطلب‬
‫فيها الطبقة العاملة بإلحاح متزايد أن تدرس تجاربها ومهامها دراسممة نظريممة‪ .‬غيممر أن نفسمميتها – بممل‬
‫حتى نفسية البروليتاريا – تشتمل على قوة رهيبة من العطالة المحافظة‪ .‬وبخاصة أن المسألة ليست‬
‫إل مسألة العقيدة التقليدية لحزاب الممية الثانية التي أيقظت البروليتاريا وكان لها إلى عهممد قريممب‬
‫قوة واقعية‪ .‬وبعد انهيار الحركة الشمتراكية – الوطنيمة الرسممية )شمايدمان‪ ،‬فيكتمور آدلمر‪ ،‬رينوديمل‪،‬‬
‫فاندروفيلد‪ ،‬هندرسون‪ ،‬بليخمانوف( أصمبحت الكاوتسمية الدوليمة )قيمادة أركمان اللممان المسمتقبلين‪،‬‬
‫فريتز آدلر‪ ،‬لونغيه‪ ،‬جزء هام من الشممتراكيين اليطمماليين‪" ،‬المسممتقلون" النكليممز‪ ،‬جماعممة مممارتوف‪،‬‬
‫إلخ( العامل السياسي الرئيسي الذي يتحقق بواسطته التمموازن غيممر المسممتقر للمجتمممع الرأسمممالي‪.‬‬
‫ممما بمجممرى الحممداث‪،‬‬ ‫ويمكننا أن نقول إن إرادة الجماهير الكادحة في العممالم المتمممدن‪ ،‬المتمموترة دو ً‬
‫لهي أكثر ثورية بما ل يقاس من وعيها الذي ما يزال تحت تأثير الراء البرلمانية المسممبقة والنظريممات‬
‫التوفيقية‪ .‬إن النضال من أجل ديكتاتورية الطبقة العاملة يعني اليوم ضربة قاصمممة إلممى الكاوتسممكية‬
‫في قلب الطبقة العاملة‪ .‬إن الكاذيب والراء المسبقة التوفيقية التي ما تزال تسمم الجممو حممتى فممي‬
‫أوساط الحزاب الملتفة حول الممية لثالثة يجب أن تطرح‪ .‬وهدف هذا الكتاب هممو أن يخممدم قضممية‬
‫من يحاربون‪ ،‬بل شفقة‪ ،‬في جميع البلدان‪ ،‬ضد الكاوتسكية الخائرة الغامضة المرائية‪.‬‬

‫***‬

‫ملحظة – إن الغيوم تتجمع من جديد في هذا الوقت )آيار ‪ (1920‬فوق روسيا السوفييتات‪ .‬إن‬
‫دا من قبممل المبرياليممة العالميممة ضممد‬
‫ما جدي ً‬
‫بولونيا البورجوازية‪ ،‬بعدوانها على أوكرانيا قد دشنت هجو ً‬
‫روسيا السوفييتات‪ .‬إن الخطار الكبرى التي تهدد الثورة من جديد‪ ،‬والتضحيات الضخمة التي تفرضها‬
‫الحرب على الجممماهير الكادحممة‪ ،‬تحممرض مممن جديممد الكاوتسممكيين الممروس علممى أن يقمماوموا بشممكل‬
‫مكشوف سلطة السوفييتات أي أن يسماعدوا القتلمة المدوليين أعمداء روسمميا السموفييتات‪ .‬إن مهمممة‬
‫الكاوتسكيين هي أن يحاولوا مساعدة ثورة البروليتاريا حين تكون قضيتها سائرة علممى ممما يممرام‪ ،‬وأن‬
‫يخلقوا أمامها كل أنواع العراقيل عندما تكون بأشد الحاجة إلى المساعدة‪ .‬لقمد سمبق لكاوتسمكي أن‬
‫تنبأ أكثر من مرة بهزيمتنا التي ستكون أفضل دليل على صحة نظريته‪ .‬إن "وريث ممماركس" هممذا قممد‬
‫هوي‪ ،‬في سقوطه‪ ،‬إلى هوة عميقة للغاية‪ ،‬حتى أن برنامجه السياسممي وحممده تجسمميد حممي لنظريتممه‬
‫عن سقوط ديكتاتورية البروليتاريا‪.‬‬

‫إنه يخطئ مرة أخرى‪ .‬إن هزيمممة بولونيمما البورجوازيممة علممى يممد الجيممش الحمممر الممذي يقمموده‬
‫العمال الشيوعيين‪ ،‬ستثبت من جديد قوة ديكتاتورية البروليتاريا‪ ،‬وستسدد بالتالي ضمربة جديمدة إلمى‬
‫التشكيك البورجوازي الصمغير )الكاوتسمكية( بالحركمة العماليممة‪ .‬إن التاريممخ المعاصممر‪ ،‬رغمم البهرجممة‬
‫المجنونة في المظاهر والشعارات‪ ،‬قد بسط إلى أقصى حد تطوره الساسممي بإرجمماعه إلممى الصممراع‬
‫بين المبريالية والشيوعية‪ .‬إن بيلسودسكي ل يقوم بالحرب من أجل امتيازات النبلء البولممونيين فممي‬

‫‪12‬‬
‫أوكرانيا وروسيا البيضاء فحسب‪ ،‬ول من أجل الملكية الرأسمالية والكنيسة الكاثوليكيممة فحسممب‪ ،‬بممل‬
‫ضا من أجل الديمقراطية البرلمانية‪ ،‬من أجل الشتراكية التدرجيممة‪ ،‬مممن أجممل المميممة الثانيممة‪ ،‬مممن‬
‫أي ً‬
‫سمما للبورجوازيممة‪ .‬ونحممن إنممما نحممارب مممن أجممل المميممة‬
‫ً‬ ‫شما‬ ‫كناقد‬ ‫يبقى‬ ‫أن‬ ‫في‬ ‫كاوتسكي‬ ‫حق‬ ‫أجل‬
‫الشيوعية‪ ،‬من أجل الثورة العالمية للبروليتاريا‪ .‬إن الرهان عظيم بيممن الطرفيممن‪ .‬وسممتكون المعركممة‬
‫عنيدة وصعبة‪ .‬ونحن نأمل في النصر نظًرا إلى أن لنا عليه كل الحقوق التاريخية‪.‬‬

‫ل‪ .‬تروتسكي‬

‫‪13‬‬
‫ميزان القوى‬
‫ثمة حجة تتردد باستمرار في نقد النظام السوفياتي الروسي وبخاصة في نقد النتقال الثمموري‬
‫إلى نظام السموفييتات فمي بلمدات أخمرى‪ ،‬أعنمي بهما الحجمة المتعلقمة بمم "ميمزان القموى" فالنظمام‬
‫السوفياتي في روسيا طوبائي لنه ل يتجاوب مع "ميزان القوى"‪ .‬إن روسيا المتخلفممة ل تسممتطيع أن‬
‫ممما يمكممن أن تكممون مهممام ألمانيمما المتقدمممة‪ .‬وأنممه لجنممون حممتى بالنسممبة إلممى‬
‫تأخذ علممى عاتقهمما مها ً‬
‫البروليتاريا اللمانية‪ ،‬أن تستولي على السلطة السياسية‪ ،‬لن هذا سمميكون معنمماه الخلل بمم "ميممزان‬
‫القوى"‪.‬‬

‫وإن "عصبة المم" ليست مثالية‪ ،‬لكنها تتجاوب مع "ميزان القمموى"‪ .‬والنضممال مممن أجممل إلغمماء‬
‫النظام الرأسمالي طوبائي‪ ،‬لكن إدخال بعض التعديلت على معاهدة فرساي سمميتجاوب مممع "ميممزان‬
‫القوى"‪ .‬وحين يعرج لونغيه خلف ويلسون‪ ،‬فليس ذلك بسبب ضعفه السياسي الكممبير‪ ،‬بممل مممن أجممل‬
‫مجدد "ميزان القوى"‪ .‬ويرى فريدريك آدلر أن على الرئيس النمساوي شممايدتز والمستشممار وينممر أن‬
‫قا أفكارهما البورجوازية الصغيرة المهترئة في التشريعات الولى للجمهورية البورجوازية حممتى ل‬ ‫يطب ً‬
‫يتحطم "ميزان القوى"‪ .‬فقبل عامين من الحرب العالمية لم يكن كارل رينر‪ ،‬الذي لم يكن قممد أصممبح‬
‫بعد مستشاًرا‪ ،‬إل محامًيا "ماركسًيا" أنتهازي ًمما يريمد أن يثبمت لمي أن نظممام الحركمة النقابيمة التحاديممة‬
‫ما فممي روسمميا‬‫النكليزية‪ ،‬أي نظام الرأسماليين والملك العقاريين المتوج بالحكم الملكي‪ ،‬سيقوم حت ً‬
‫طوال عصر تاريخي كامل‪ ،‬ذلك لنه يتجاوب مع "ميزان القوى"‪.‬‬

‫فما هو إذن "ميزان القوى" – هذه الصيغة المقدسممة الممتي تحممدد وتفسممر كممل مجممرى التاريممخ‪،‬‬
‫ل؟ وبتعبير أدق‪ ،‬لماذا يستخدم "ميزان القوى" هذا بصورة متماثلة ثابتممة لخدمممة مدرسممة‬ ‫جملة وتفصي ًَ‬
‫كاوتسكي الراهنة‪ ،‬ولتبرير التردد‪ ،‬والعطالة‪ ،‬والجبن‪ ،‬والخيانة؟‬

‫إن "ميزان القوى" يعني كل ما يراد تحميله إياه‪ :‬مستوى النتاج‪ ،‬درجة التفاوت الطبقممي‪ ،‬عممدد‬
‫العمال المختصين‪ ،‬صندوق النقابات‪ ،‬وأحياًنا نتيجة آخر أنتخابات برلمانية‪ ،‬وأحياًنا أكثر درجممة تنممازلت‬
‫الوزارة أو وقاحة إل وليغارشية ألمانية – وأخيًرا‪ ،‬وفي غالب الحيان النطباع السياسممي العممام لممدعي‬
‫نصف أعمى يسمى بالسياسي الممواقعي‪ ،‬يتقممن التعممابير الماركسممية لكنممه يسممتلهم فممي الواقممع أحممط‬
‫المناورات والراء المسبقة الشائعة والطرق البرلمانية‪ .‬فبعد محادثمة وجيمزة سمرية ممع ممدير الممن‬
‫مما بصمورة دقيقمة‪ ،‬فمي اليمام‬ ‫العام‪ ،‬كان السياسي الشتراكي – الديموقراطي النمسماوي يعمرف دو ً‬
‫الجميلة المنصرمة الماضية‪ ،‬ما إذا كان "ميزان القوى" يسمح بتظاهرة سلمية في فيينا بمناسممبة أول‬
‫أيار‪ .‬ولقد كان أمثال إيبرت وشايدمان ودافيد يقيسون‪ ،‬منممذ مممدة ليسممت بالبعيممدة‪" ،‬ميممزان القمموى"‬
‫بعدد الصابع التي يوجهها إليهم بتمان – هو لويغ ولودندورف عند لقائهما بهم في الرايخستاغ‪.‬‬

‫إن فريدريك آدلر يرى أن إقامة كتاتورية السمموفييتات فممي النمسمما سممتحطم بصممورة مأسمماوية‬
‫"ميزان القوى"‪ ،‬وإن "التفاهم الودي" سيجوع البلد آنذاك‪ .‬ويضرب لنا فريدريك آدلر مثال ً علممى ذلممك‬
‫هنغارًيا التي لم يكن أمثال وينز المجريون قد نجحوا فيهمما بعممد بقلممب سمملطة السمموفييتات بمسمماعدة‬
‫أمثال آدلر‪ .‬ويبدو للوهلة الولى أن فريدريك آدلر كان على حق‪ .‬فالديكتاتورية البروليتاريممة لممم تتممأخر‬
‫عن النهيار في هنغاريا لتحل محلها وزارة فريدريتش المغرقة فممي الرجعيممة‪ .‬لكننمما نسممتطيع نتسمماءل‬
‫بحق ما إذا كان هذا يتجاوب مع "ميزان القمموى"‪ .‬فل فريممدريتش ول هوسممرار كانمما قممادرين‪ ،‬فممي كممل‬
‫الحوال‪ ،‬على الستيلء على السلطة ولو مؤقًتا لول وجود الجيش الروماني‪ .‬لكن من البممديهي أننمما ل‬
‫نستطيع أن نتوقف ههنا‪ .‬فلو وطدت ديكتاتورية السوفييتات في النمسا قبل الزمة الهنغاريممة‪ ،‬لصممعب‬
‫للغاية قلب سلطة السوفييتات في بودابسممت‪ .‬فهمما نحممن مرغميممن إذن علممى أن نممدخل فممي حسمماب‬
‫"ميزان القوى" الذي كان وراء السقوط المممؤقت لحكومممة السمموفييتات الهنغاريممة‪ ،‬النمسمما وسياسممة‬
‫فريدريك آدلر الخائنة‪.‬‬

‫إن فريدريك آدلر نفسه ل يفتش عن مفتاح "ميزان القوى" في روسيا أو في هنغاريا‪ ،‬بممل فممي‬
‫الغرب لدى كليمانصو ولويد جورج‪ :‬فهما يمسكان بالخبز والفحم‪ .‬والحممال أن الخممبز والفحممم عمماملن‬
‫بالغا الهمية اليوم في آلية "توازن القوى" ول يقلن أهمية عن المدافع فممي دسممتور ل سممال‪ .‬أن رأى‬

‫‪14‬‬
‫فريدريك آدلر‪ ،‬الذي تفضل بالنزول من العالي التي يستوطن فيها‪ ،‬هو أن على بروليتاريا النمسمما أل‬
‫تستولي على السلطة ما لم يسمح لها بذلك كليمانصو )أو مييران‪ ،‬أن كليمانصو من الدرجة الثانية(‪.‬‬

‫قا مممع ميممزان القمموى؟‬‫لكن من المسموح لنا أن نتساءل ههنا‪ :‬هل تتجاوب سياسة كليمانصو ح ً‬
‫قد يبدو للوهلة الولى أن درك كليمانصو إذا لممم يثبتمموا هممذا الرتبمماط‪ ،‬فممإنهم كفيلممون بتممأمينه بحلهممم‬
‫الجتماعات العمالية وباعتقالهم وإعدامهم الشيوعيين‪ .‬ول نستطيع إل أن نذكر بهذا الصممدد أن تممدابير‬
‫الرهاب التي اتخذت حكومة السوفييتات – تفتيش‪ ،‬اعتقال‪ ،‬إعدام – والتي وجهت ضد أعممداء الثممورة‬
‫وحدهم‪ ،‬قد اعتبرت من قبل الكثيرين بأنها برهان على أن الحكومة السوفييتات ل تتجاوب مع ميممزان‬
‫القوى‪ .‬لكن عبًثا نفتش اليوم في العالم قاطبة عن نظام لم يلجأ إلى ثأر جماعي رهيب ذل أن قمموى‬
‫الطبقات المعادية تميل‪ ،‬بعد انتهاكها الحقوق كافة‪ ،‬إلى أن تثبت ارتباطاتها الجديدة بصممراع ل شممفقة‬
‫معه‪.‬‬

‫فحين توطد نظام السوفييتات في روسيا‪ ،‬لم يكن السياسيون الرأسماليون هم وحممدهم الممذي‬
‫ضا رأي الشتراكيين النتهازيين في جميع البلممدان‪.‬‬ ‫حا لميزان القوى‪ :‬فقد كان هذا أي ً‬ ‫اعتبروه تحدًيا وق ً‬
‫وليس ثمة خلف في هذا الموضوع بين كاوتسكي‪ ،‬كونت شزيرنان الهبسبورغي‪ ،‬وبين رادوسمملفوف‬
‫رئيس لوزارة البلغارية‪ .‬فمنذ أن انهارت الحكومات الملكية النمسمماوية – الهنغاريممة واللمانيممة‪ ،‬تفتممت‬
‫أقوى نزعة عسكرية في العالم وصمدت حكومة السوفييتات‪ .‬وجندت دول "التفمماهم" المنتصممرة كممل‬
‫ما استطاعت تجنيممده‪ ،‬وقممذفت بممه ضممدها‪ .‬لكممن حكومممة السمموفييتات ثبتممت‪ .‬ولممو أمكممن لكاوتسممكي‬
‫وفريدريك آدلر وأوتوبوير أن يتنبئوا قبل عامين بأن ديكتاتورية البروليتاريا ستتوطد في روسيا‪ ،‬بالرغم‬
‫ل‪ ،‬وبالرغم من نضال متواصل ضد امبريالية "التفمماهم" ثاني ًمما‪ ،‬فممإن‬‫من تهجمات المبريالية اللمانية أو ً‬
‫عقلء الممية الثانية كانوا سيعتبرون هذا التنبؤ دليل ً على جهل مضحك بميزان القوى‪.‬‬

‫أن ميزان القوى السياسية هو‪ ،‬في كل لحظة معينة‪ ،‬حصيلة العديد من عوامل القوى والقيمممة‬
‫غيمر المتعمادلتين‪ ،‬ول يتحمدد فمي الواقمع إل بدرجمة تطمور النتماج‪ .‬أن البنيمة الجتماعيمة لشمعب ممن‬
‫ما متخلفة إلى حد كبير عن تطور القمموى المنتجممة‪ .‬والبورجوازيممة الصممغيرة وطبقممة‬ ‫الشعوب تكون دو ً‬
‫الفلحين تظلن على قيد الحياة حتى بعد مدة طويلة من تجاوز تطممور المجتمممع الصممناعي والتكنيكممي‬
‫ظما عممن تطممور‬‫فما ملحو ً‬‫فمما بمدوره تخل ً‬‫لطرائقهما القتصادية وأدانته لها‪ .‬ويكمون وعمي الجممماهير متخل ً‬
‫فمما بعصممر كامممل عممن الحالممة‬‫العلقات الجتماعيممة‪ .‬ووعممي الحممزاب الشممتراكية القديمممة يكممون متخل ً‬
‫المعنوية للجماهير‪ .‬ووعي الزعماء البرلمانيين والتريد – يونيونيين‪ ،‬الكثر رجعية مممن وعممي أحزابهممم‪،‬‬
‫عا من حصاة متحجرة لم يستطع التاريخ إلى اليوم ل أن يهضمها ول أن يتقيأها‪ .‬وفممي عصممر‬ ‫يشكل نو ً‬
‫البرلمانية السلمية‪ ،‬يمكن للعامل البسيكولوجي أن يستخدم‪ ،‬نظًرا لسممتقرار العلقممات الجتماعيممة –‬
‫وبدون أخطاء فاحشة – كأساس للحسابات كافة‪ .‬ولقد كان العتقاد يسود بممأن النتخابممات البرلمانيممة‬
‫تعبر بما فيه الكفاية عن ميزان القوى‪ .‬ولقد فضحت الحممرب المبرياليممة‪ ،‬بتحطيمهمما تمموازن المجتمممع‬
‫البورجوازي‪ ،‬النقص الجذري في المعايير القديمة الممتي لممم تكممن تأخممذ التبممة بعيممن العتبممار العوامممل‬
‫التاريخية العميقة المتراكمة ببطء في الماضي‪ ،‬والتي تبرز اليوم لتوجه مجرى التاريخ‪.‬‬

‫إن السياسيين الروتينيين العاجزين عن فهم التطور التاريخي في تعقيممده وتناقضمماته وتنممافراته‬
‫الداخلية‪ ،‬قد تصوروا أن التاريخ يعد العدة بصورة متوافقة وعقلنية‪ ،‬ومن كل الجوانب فممي آن واحممد‪،‬‬
‫لنتصار الشتراكية‪ ،‬بحيث أن تمركز الصناعة والخلق الشيوعية للمنتج والمستهلك يمكممن أن يتطممور‬
‫وينضج مع المحاريث الكهربائية والغالبيات البرلمانية‪ .‬ومن هنا كان موقفهم الميكانيكي المحض تجاه‬
‫البرلمانية التي كانت تشير‪ ،‬في نظر معظم سياسيي المميممة الثانيممة‪ ،‬إلممى درجممة اسممتعداد المجتمممع‬
‫ما كما يشير جهاز قياس الضغط إلى ضغط البخار‪ .‬ول حاجة بنا أن نشير إلممى سممخافة‬ ‫للشتراكية تما ً‬
‫مثل هذا التصور الميكانيكي لتطور العلقات الجتماعية‪.‬‬

‫وإذا ما ارتفعنا من النتاج الذي هو أساس المجتمعات إلى البنممى الفوقيممة – الطبقممات‪ ،‬الممدول‪،‬‬
‫الحقوق‪ ،‬الحزاب‪ ،‬إلخ – يمكننا أن نقرر أن قوة العطالة في كل طابق من طوابممق البنيممة الفوقيممة ل‬
‫تنضاف مجرد إضافة إلى قوة الطوابق الدنيا‪ ،‬لكنها تتضاعف بها فممي بعممض الحممالت‪ .‬وبالنتيجممة فممإن‬
‫ما‪ ،‬يبدو فممي‬‫الوعي السياسي للفصائل التي تظاهرت لمدة طويلة من الزمن بأنها الفصائل الكثر تقد ً‬
‫مرحلة النتقال كعقبة رهيبة في وجه التطممور التمماريخي ومممما ل ريممب فيممه علممى الطلق أن أحممزاب‬

‫‪15‬‬
‫الممية الثانية‪ ،‬التي تقف الن على رأس البروليتاريمما‪ ،‬كممانت القمموة الحاسمممة فممي الثممورة المضممادة‪،‬‬
‫نظًرا إلى أنها لم تجرؤ ولم تعرف ولم تشممأن أن تسممتولي علممى السمملطة فممي أحممرج لحظممات تاريممخ‬
‫النسانية‪ ،‬نظًرا إلى أنها قادت البروليتاريا إلى الفناء المتبادل‪.‬‬

‫إن قوى النتاج الجبارة‪ ،‬التي هي عامل حاسم في الحركة التاريخيمة‪ ،‬كمانت تختنمق فمي البنمى‬
‫الفوقية الجتماعية المتخلفة )الملكية الخاصة‪ ،‬الدولة القومية( التي كان التطور السممابق قممد حبسممها‬
‫فيهمما‪ .‬لقممد كممانت قمموى النتمماج‪ ،‬الممتي نمتهمما الرأسمممالية‪ ،‬تصممطدم بكممل جممدران الدولممة القوميممة‬
‫والبورجوازية‪ ،‬مطالبة بتحررها عن طريق تنظيم عالمي للقتصمماد الشممتراكي‪ .‬إن عطالممة التجمعممات‬
‫الجتماعية‪ ،‬وعطالة القوى السياسممية الممتي افتضممح عجزهمما عممن هممدم التجمعممات الطبقيممة القديمممة‪،‬‬
‫وعطالة الحزاب التي تتولى في الواقع حماية المجتمع البورجمموازي‪ ،‬إن هممذا كلممه يفضممي إلممى تمممرد‬
‫دا تلقائًيا بدائًيا‪ ،‬تحت مظاهر الحرب المبريالية‪ .‬وأن التكنيممك النسمماني‪ ،‬الممذي هممو‬
‫القوى المنتجة تمر ً‬
‫أكثر عوامل التاريخ ثورية‪ ،‬قد تمرد بمما لمه ممن قموة متراكممة عمبر عشمرات السمنين‪ ،‬علمى النزعمة‬
‫المحافظة الكريهة وعلى العطالة الدنيئة لمثال شايدمان وكاوتسكي ورينوديممل وفاندرفيلممد ولممونغيه‪،‬‬
‫وأطلق ضد الثقافة النسانية شرارة مذبحة رهيبة بما لديه من رشاشات وطائرات‪.‬‬

‫إن سبب الكوارث التي تجتازها النسانية اليوم يكمن على وجه التحديممد فممي أن قمموة النسممان‬
‫التكنيكية قد نضجت منذ زمن طويل للقتصاد الشتراكي‪ ،‬وفي أن البروليتاريا باتت تحتل فممي النتمماج‬
‫ممما‬
‫فا يضمن دكتاتوريتها‪ ،‬في حين أن أوعى قوى التاريخ – الحزاب وقادتها – ما تممزال رازحممة تما ً‬ ‫موق ً‬
‫تحت نير الراء المسبقة القديمة ول تفعل شيًئا سوى أن تزيد في ريبممة الجممماهير فممي نفسممها‪ .‬ولقممد‬
‫فهم كاوتسكي ذلك في العوام الخيرة‪ .‬فقد كتب في "طريق السملطة"‪" :‬لقمد تطمورت البروليتاريما‬
‫إلى حد تستطيع معه أن تنتظر بهدوء الحرب التي تأتي‪ .‬ولم يعد ثمة مجممال للكلم عممن ثممورة سممابقة‬
‫لوانها في الوقت الذي استخلصت فيه البروليتاريا من السس الراهنة للدولة كممل القمموى الممتي كممان‬
‫طا لرتفاعهمما اللحممق"‪.‬‬ ‫بمقدورها استخلصها منها وفي الوقت الذي أصبح فيه تحويل هذه القوى شممر ً‬
‫ومن اللحظة التي فتح فيها نمو القوى المنتجة‪ ،‬بعد أن تجاوزت أطر الدولممة القوميممة – البورجوازيممة‪،‬‬
‫دا من الزمات والضطرابات أمام النسانية‪ ،‬تحطم التوازن النسممبي لمموعي الجممماهير فممي‬ ‫عصًرا جدي ً‬
‫العصر السابق نتيجة لهزات مهددة‪ .‬لقد سبق للروتين والعطالة اليوميين وللتخدير باسم الشرعية أن‬
‫فقدت كل سلطة لها على البروليتاريا‪ .‬لكن البروليتاريا لم تممدخل بعممد بمموعي وبل تحفممظ فممي طريممق‬
‫النضالت الثورية المكشوفة‪ .‬فهي ما تزال تتردد فمي اللحظمات الخيمرة ممن توازنهما غيمر المسمتقر‪.‬‬
‫وفي هذه اللحظة البسميكولوجية يأخمذ دور القممة‪ ،‬الحكوممة ممن جهمة والحممزب الثموري مممن الجهمة‬
‫الخرى دللة عظيمة‪ .‬إذ تكفي دفعة حاسمة – ممن اليميمن أو اليسمار – لتعطمي البروليتاريما – لفمترة‬
‫طويلممة أو قصمميرة – هممذا التجمماه أو ذاك‪ .‬ولقممد رأينمما فممي عممام ‪ 1914‬كيممف أن ضممغط الحكومممات‬
‫المبريالية والحزاب الشتراكية – القومية المتحدة قد حطم على حيممن غممرة تمموازن الطبقممة العاملممة‬
‫ودفع بها إلى طريق المبريالية‪ .‬وقد رأينا فيما بعد كيف أن محنة الحممرب والتنممافر بيممن نتائجهمما وبيممن‬
‫شعاراتها اللفظية الولية‪ ،‬قد هزت الجماهير وجعلتها أقممدر علممى التمممرد المكشمموف ضممد الرأسمممال‪.‬‬
‫وفي مثل هذه الشروط يشكل وجود حزب ثوري يدرك تمام الدراك طبيعة القوى القممائدة للمرحلممة‪،‬‬
‫ويفهم المكانة الحاسمة التي تحتلها الطبقة الثورية بين هذه القوى‪ ،‬ويعرف طاقاتهمما الهائلممة‪ ،‬ويممؤمن‬
‫بها‪ ،‬ويعي كل قوة المنهج الثوري في العصور الممتي تكممون فيهمما العلقممات الجتماعيممة غيممر مسممتقرة‪،‬‬
‫ويقف على استعداد لتطبيق هذا المنهج حتى النهاية‪ ،‬أقول أن وجود مثمل همذا الحمزب يشمكل عمامل ً‬
‫تاريخًيا ذا أهمية ل تقدر‪.‬‬

‫وعلى العكس‪ :‬أن حزًبا اشتراكًيا يتمتع بنفوذ تقليمدي معيمن لكنمه ل يعمي مما يجمري حموله‪ ،‬ول‬
‫يفهم الموقف الثوري ول يستطيع بالتالي أن يجد مفتاحه‪ ،‬ول يؤمن ل في نفسه ول فممي البروليتاريمما‪،‬‬
‫أن حزًبا من هذا النوع يشكل في عصرنا عقبة تاريخية مؤسفة‪ ،‬وسبًبا للقلق والفوضى المنهكة‪.‬‬

‫هذا هو اليوم دور كاوتسكي وتلمذته‪ .‬إنهم يعلمون البروليتاريا أل تؤمن في نفسها‪ ،‬وأن تصدق‬
‫الصورة التي تعكسها لها مرآة الديمقراطية الخادعة‪ ،‬هذه الديمقراطية التي تمزقت إرًبا تحممت حممذاء‬
‫المبريالية‪ .‬إن سياسة البروليتاريا الثورية يجب أل تحدد نفسها‪ ،‬في رأيهم‪ ،‬بالموقف الدولي‪ ،‬وبانهيممار‬
‫الرأسمالية انهياًرا واقعًيا‪ ،‬ربما ينتج عن ذلك مممن دمممار اجتممماعي‪ ،‬وبالضممرورة الموضمموعية لسمميطرة‬
‫الطبقة العاملة التي تعلن تمردها فمموق أنقمماض الحضممارة الرأسممالية المتي يتصمماعد منهمما الممدخان‪ .‬ل‬
‫شيء من هذا كله يجب أن يحدد سياسة الحزب الثوري البروليتاري‪ .‬فهذه السياسة إنما تتعلق فقممط‬

‫‪16‬‬
‫بعدد الصوات التي يعترف لها بها محامو البرلمانية بموجب حساباتهم المتعالمة‪ .‬ويبدو أن كاوتسممكي‬
‫فمما‬
‫كان يفهم‪ ،‬قبل عدة سنوات‪ ،‬ماهية المشكلة الثورية‪ .‬فلقد كتب في منشوره الذي استشهدنا به آن ً‬
‫)طريق السلطة(‪" :‬لما كانت البروليتاريمما الطبقممة الوحيممدة الثوريممة فممي المممة‪ ،‬فممإن انهيممار المجتمممع‬
‫الحالي‪ ،‬سواء أاتخذ طابًعا مالًيا أم عسكرًيا‪ ،‬إنما يعني إفلس الحممزاب البورجوازيممة الممتي تقمع عليهمما‬
‫المسؤولية كلها‪ ،‬ول مخرج من هذا المممأزق إل عممن طريممق حكممم البروليتاريمما"‪ .‬لكممن حممزب التخمماذل‬
‫والخوف‪ ،‬حزب كاوتسكي‪ ،‬يقول اليوم للطبقة العاملة‪:‬‬

‫"ليست المسألة هي معرفة ما إذا كنت في هذا الوقت القوة الوحيدة الخلقة للتاريخ‪ ،‬وممما إذا‬
‫كنت قادرة على طرد عصابة المسيئين التي هي خلصة انحطاط الطبقات المالكة الحاكمممة وليسممت‬
‫هي مسألة كونك الوحيدة التي تستطيع أن تفعل ذلك ول أحممد سممواك‪ ،‬ول هممي مسممألة أن التاريممخ ل‬
‫ضما تحمت آخمر‬ ‫يسمح لك بأي تأجيل – ذلك أن نتائج الفوضى الدامية الراهنة تهدد بمأن تمدفنك أنمت أي ً‬
‫أنقاض الرأسمالية‪ .‬لكن المسألة كلها كامنة في أن اللصوص الحاكمين قممد نجحمموا بممالمس أو اليمموم‬
‫في خداع الرأي العام واغتصابه وقمعه بحيث أنهم جمعوا ‪ %51‬مممن الصمموات ضممد ‪ %49‬أل فليمممت‬
‫العالم‪ ،‬لكن فلتحي الغالبية البرلمانية!"‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫ديكتاتورية البروليتاريا‬
‫"لقد أبدع ماركس وانجلز مبدأ ديكتاتورية البروليتاريا‪ ،‬هذا المبدأ الممذي دافممع عنممه انجلممز بعنمماد‬
‫عام ‪ 1891‬قبل زمن قصير من موته‪ ،‬والذي يعني ممارسمة البروليتاريما وحمدها للسملطة السياسمية‪،‬‬
‫هذه الممارسة التي هي الشكل الوحيد الذي تستطيع أن تقيم عليه سلطة حكومية"‪.‬‬

‫هذا ما كتبه كاوتسكي قبل حمموالي عشممرة أعمموام‪ .‬كممان يعتممبر آنممذاك أن ممارسممة البروليتاريمما‬
‫وحدها للسلطة السياسية‪ ،‬للديكتاتورية‪ ،‬ل للغالبية الشتراكية في برلمان ديممموقراطي‪ ،‬هممي الشممكل‬
‫الوحيد للسلطة الشتراكية‪ .‬وبديهي أننا إذا ما تصورنا أن المهمة هي إلغماء الملكيمة الفرديمة لوسمائل‬
‫النتاج‪ ،‬فل سبيل إلى تحقيق ذلك إل بتمركز جميع سلطات الدولة بين يدي البروليتاريا‪ ،‬وبخلق نظممام‬
‫استثنائي ل تخضع خلله الطبقة الحاكمة لعتبارات المقاييس المحسوبة لزمن طويل‪ ،‬بممل لعتبممارات‬
‫ثورية متلئمة مع الهدف‪.‬‬

‫إن الديكتاتورية ل غنى عنها‪ ،‬لن المسألة ليست مسألة تغيير ذي طابع فممردي خماص‪ ،‬بمل همي‬
‫مسألة وجود البورجوازية بالذات وعلى هذا الساس‪ ،‬ل مجال لي إنفاق‪ .‬إن القوة وحممدها هممي الممتي‬
‫تستطيع أن تقرر أن انفراد البروليتاريا بالسلطة ل يستبعد بالطبع إمكانية اتفاقممات جزئيممة أو تنممازلت‬
‫كبيرة‪ ،‬وبخاصة تجاه البورجوازية الصغيرة وطبقة الفلحين‪ ،‬لكن البروليتاريا ل تستطيع أن تعقمد همذه‬
‫التفاقات إل بعد أن تستولي على جهاز السلطة لمادي وإل بعممد أن تضمممن لنفسممها إمكانيممة التقريممر‬
‫الحر للتنازلت التي ستقبل بها أو ترفضها في إطار مصلحة القضية الشتراكية‪.‬‬

‫ضا باًتا ديكتاتورية البروليتاريا "عنف ممارس من قبل القلية ضممد‬ ‫إن كاوتسكي يرفض اليوم رف ً‬
‫الغالبية"‪ .‬وهذا معنمماه أنممه يسممتخدم‪ ،‬لتعريممف نظممام البروليتاريمما الثمموري‪ ،‬التعممابير نفسممها الممتي كممان‬
‫يستخدمها باستمرار الشتراكيون الشرفاء في جميع البلدان ليشمموهوا سمممعة ديكتاتوريممة المسممتغلين‬
‫ولو كانت محجوبة بقناع الديمقراطية‪.‬‬

‫إن كاوتسكي‪ ،‬بإنكاره الديكتاتورية الثورية‪ ،‬يحل مسألة استيلء البروليتاريا علممى السمملطة فممي‬
‫مسألة الوصول إلى غالبية اشتراكية – ديموقراطيممة خلل حملممة انتخابيممة قريبممة‪ .‬إن النتخمماب العممام‬
‫يعبر‪ ،‬حسب التصورات الخياليممة الحقوقيممة للبرلمانيممة‪ ،‬عممن إرادة المممواطنين المنتميممن إلممى طبقممات‬
‫المجتمع كافة‪ ،‬ويسمح للشتراكية بأن تتمتع بالغالبية‪ .‬ومال لم تتحقممق هممذه المكانيممة النظريممة‪ ،‬فممإن‬
‫على القلية الشتراكية أن تنحني أمام الغالبية البورجوازية‪ .‬إن العبممادة الوثنيممة للغالبيممة البرلمانيممة ل‬
‫ضا نفي الماركسية والثممورة بشممكل‬ ‫تقتضي النفي الفظ لديكتاتورية البروليتاريا فحسب‪ ،‬بل تقتضي أي ً‬
‫عام‪ .‬وإذا كان ل بد مبدئًيا من ربط السياسة الشتراكية بالطقوس البرلمانية القائممة علمى الغالبيمات‬
‫والقليات‪ ،‬فلن يبقى مكان في الديموقراطيات الشكلية للنضال الثوري‪ .‬وإذا أملت الغالبية المنتخبممة‬
‫عن طريق القتراع العام في سويسرا اتخاذ تدابير جبمارة ضمد المضمربين‪ ،‬وإذا مما أعمدمت السملطة‬
‫التنفيذية المعبرة عن إرادة الغالبية الشممكلية العمممال فممي أميركمما‪ ،‬فهممل يحممق للعمممال السويسممريين‬
‫والميركيين أن يحتجوا على ذلك بالضراب العام؟ بالتأكيممد ل‪ .‬فالضممراب السياسممي يمممارس ضممغ ً‬
‫طا‬
‫فوق برلماني على "الرادة القومية" التي عبر عنها النتخاب العام‪ .‬وصحيح أن كاوتسممكي يممتردد فممي‬
‫المضي إلى هذا الحد مع منطق موقفه الجديد‪ .‬فهو مرغم‪ ،‬ما دام مرتبط ًمما ببعممض بقايمما مممن ماضمميه‪،‬‬
‫على القبول بالعمل المباشر باعتبار أنه يحسن نظام النتخاب العام‪ .‬إن النتخابات البرلمانية لم تكممن‬
‫في يوم من اليام‪ ،‬مبدئًيا على القل‪ ،‬بالنسبة إلى الشتراكيين – الديموقراطيين‪ ،‬البديل عن الصممراع‬
‫الطبقي وصداماته وهجوماته المضادة وتمرداته‪ .‬إنها لم تكن قط إل وسيلة مسمماعدة مسممتخدمة فممي‬
‫هذا الصراع‪ ،‬تلعب دوًرا كبيًرا حيًنا ودوًرا صغيًرا حيًنا آخر‪ ،‬إلممى أن تلتغممي نهائي ًمما فممي عهممد ديكتاتوريممة‬
‫البروليتاريا‪.‬‬

‫فما – عمن‬‫لقد كان انجلز يدافع بعناد عام ‪ ،1891‬أي قبل زممن قصمير ممن مموته – كمما قلنما آن ً‬
‫ديكتاتورية البروليتاريا التي هي الشكل الوحيد لسلطتها الحكومية‪ .‬ولقد كرر كاوتسكي هممذا التعريممف‬
‫مراًرا عديدة‪ .‬وهذا يدل – بين هللين – على كل دناءة محاولته الراهنة لتزييف ديكتاتورية البروليتاريا‬
‫عا روسًيا‪.‬‬
‫إلى حد أنه جعل منها اخترا ً‬

‫‪18‬‬
‫دا بمما فيمه‬
‫إن من ينشد الغاية ل يمكن أن يرفمض الوسمائل‪ .‬إن النضممال يجممب أن يكممون شمدي ً‬
‫الكفاية ليضمن فعلًيا للبروليتاريا النفراد بالسلطة‪ .‬ولما كان التحويل الشتراكي يستلزم الديكتاتورية‬
‫"الممتي هممي الشممكل الوحيممد الممذي تسممتطيع البروليتاريمما أن تقيممم عليممه سملطة حكوميممة"‪ ،‬فممإن هممذه‬
‫الديكتاتورية ينبغي أن تتأمن بأي ثمن‪.‬‬

‫إن المرء‪ ،‬كي يكتب منشوًرا عممن ديكتاتوريممة البروليتاريمما‪ ،‬ل بممد أن تكممون لممديه محممبرة وبضممع‬
‫ما‪ .‬لكن لتأسيس ديكتاتورية البروليتاريا وتوطيممدها‪ ،‬ل‬ ‫صفائح من الورق‪ ،‬وبعض الفكار في الرأس حت ً‬
‫بد من منع البورجوازية من تهديم سلطة البروليتاريا وبممديهي أن كاوتسممكي يفممترض أن مممن الممكممن‬
‫الوصول إلى هذه النتيجة بواسطة منشورات مهيجة للدموع‪ .‬هذا مع العلم بممأنه كممان مممن المفممروض‬
‫في تجربته الشخصية أن تعلمه أنه ل يكفي للمرء أن يفقد كل تأثير له على البروليتاريا حتى يصبح له‬
‫تأثير على البورجوازية‪.‬‬

‫إن انفراد الطبقة العاملة بالسلطة ل يمكن أن يؤمن إل إذا أفهمت البورجوازية‪ ،‬الممتي اعتممادت‬
‫على الحكم‪ ،‬كل الخطر الذي تجازف به من وراء تمردها على ديكتاتوريممة البروليتاريمما‪ ،‬وتممدميرها لهمما‬
‫بالتخريب والمؤامرات والتمردات وتدخل الجيوش الجنبية‪ .‬إن البورجوازيممة المطممرودة مممن السمملطة‬
‫يجب أن ترغم على الخضوع‪ .‬لكن كيف؟ لقد كان الكهنة يبثون الخمموف فممي قلممب الشممعب بواسممطة‬
‫العقوبات التي تنتظره في البدية‪ .‬لكننا ل نملك نحن هذه الوسيلة‪ .‬وبالصممل لممم يكممن جحيممم الكهنممة‬
‫وسيلتهم الوحيدة في العمل‪ .‬بل كان هذا الجحيممم مرتبط ًمما بممالنيران الماديممة فعل ً للتفممتيش المقممدس‬
‫وبعقارب الدولممة الديمقراطيممة‪ .‬تممرى هممل يميممل كاوتسمكي إلمى العتقماد بمأنه ممن الممكممن ترويممض‬
‫البورجوازية بواسطة المر المطلق الذي قال به كمانت والمذي لعمب‪ ،‬فمي أواخمر كتابماته‪ ،‬دور المروح‬
‫القدس؟ إننا ل نستطيع نحن أن نعده بمساعدتنا إل إذا قممرر تمموجيه رسممالة إنسممانية وكانتيممة إلممى بلد‬
‫دينيكين وكولتشاك‪ .‬وعندها ستتاح له الفرصة ليقتنع بأن الطبيعة لم تحرم منمماوئي الثممورة مممن طممابع‬
‫معين عززته وقوته ستة أعوام من حرائق الحرب ودخانها‪ .‬إن كل حارس أبيض قد آمن بهذه الحقيقة‬
‫البسيطة التي تنص على أنه من السهل أن يشنق الشيوعي من أن يعود إلى رشممده ويرتممد بإرغممامه‬
‫على قراءة كاوتسكي‪ .‬إن أولئك السادة ل يشعرون بأي إجلل مزعوم للمبادئ الديمقراطية‪ ،‬ول بممأي‬
‫خوف من نيران الجحيم‪ .‬ومما يقويهم في موقفهم هذا أن كهممان الكنيسممة والعلمم الرسمممي يعملممون‬
‫بالتفاق معهم ويرسلون صمواعقهم مجتمعمة علمى رؤوس البولشمفيين‪ .‬إن الحمراس المروس المبيض‬
‫يشبهون الحراس اللمان البيض – وسممائر الحممراس – مممن حيممث أنممه ل يمكممن إقنمماعهم أو إشممعارهم‬
‫بالخجل‪ .‬ول مجال إل لحد أمرين‪ :‬أما أخذهم بالخوف وأما سحقهم‪.‬‬

‫إن مممن يتخلممى عممن مبممدأ الرهمماب‪ ،‬أي عممن تممدابير التخويممف والقمممع تجمماه الثممورة المضممادة‬
‫ضا أن يتخلى عن السيطرة السياسممية للطبقممة العاملممة‪ ،‬عممن دكتاتوريتهمما الثوريممة‪.‬‬ ‫المسلحة‪ ،‬ينبغي أي ً‬
‫ومن يتخلى عن ديكتاتورية البروليتاريا يتخلى عممن الثممورة الجتماعيممة ويشممطب بإشمارة ضممرب علممى‬
‫الشتراكية‪.‬‬

‫***‬

‫إن كاوتسكي ل يملك اليوم أي نظرية عن الثورة الجتماعيممة‪ .‬وفممي كممل مممرة يحمماول فيهمما أن‬
‫يعمم أفكاره عن الثورة والديكتاتورية‪ ،‬ل يفعمل شميًئا سمموى أن يبعممث الحممرارة ممن جديممد فممي آراءه‬
‫الجوريسية والبرنشتاينية المسبقة البالية‪ .‬كتب كاوتسكي‪:‬‬

‫"لقد أبعدت ثورة ‪ 1789‬من نفسها السباب التي وسمتها بطممابع فممظ وعنيممف للغايممة‪ ،‬وهيممأت‬
‫أشكال ً أكثر نعومة للثورة القادمة" )ص ‪ (97‬لنقبل بذلك‪ ،‬وإن كان هممذا يقتضممي منمما أن نغممض النظممر‬
‫عن ذكرى أيام حزيران ‪ 1848‬وفظائع قمع الكوميونة‪ .‬لنقبل بأن ثورة القرن الثامن عشر الكبرى قد‬
‫هيأت للمسممتقبل‪ ،‬بإرهابهما الحاقمد ويهمدمها الحكممم المطلممق والقطاعيمة والكليريكيممة‪ ،‬إمكانيممة حممل‬
‫المسائل الجتماعية سلمًيا وبدون صدام‪ .‬فحتى لو قبلنا بهذا التحليل الليممبرالي الخممالص‪ ،‬فممإن خصممنا‬
‫ضا على خطأ تام‪ .‬ذلك أن الثورة الروسممية‪ ،‬الممتي انتهممت بديكتاتوريممة البروليتاريمما‪ ،‬قممد‬
‫سيكون ههنا أي ً‬
‫بدأت على وجه التحديد بالعمل الذي قامت به الثورة في فرنسا في نهايممة القممرن الثممامن عشممر‪ .‬إن‬
‫أسلفنا في القرون الماضية ممما كمانوا يهتممون بتهيئة الشممروط الديمقراطيمة – عمن طريممق الرهمماب‬

‫‪19‬‬
‫الثوري – التي يفترض فيها أن تلطف من شيم ثورتنا‪ .‬ولقد كان من الواجب على المثقف المتمسممك‬
‫بأهداب الخلق‪ ،‬أعني كاوتسكي‪ ،‬أن يأخذ بعين العتبار هذه الواقعممة‪ ،‬وأل يتهمنمما بممل أن يتهممم الممذين‬
‫تقدموا علينا‪.‬‬

‫ويبدو على كل الحوال أنه يقبل بتنازل ضئيل لنا في هذا الصدد‪.‬‬

‫فقممد كتممب‪" :‬ممما مممن إنسممان يسممتطيع أن يشممك‪ ،‬مهممما كممان نيممر البصمميرة‪ ،‬فممي أن الملكيممات‬
‫العسكرية كملكيات ألمانيا والنمسا وروسيا ل يمكن أن تقلب إل بالعنف‪ .‬لكن عندما نفكر بذلك‪ ،‬فإننا‬
‫)من؟( ل نفكر باللجوء إلى السلح بقدر ما نفكر باللجوء إلى شكل من العمل هو أقرب إلممى الطبقممة‬
‫ما من البروليتاريا‪ ،‬المستلم للسلطة‪ ،‬سيقوم من جديد‬ ‫العاملة‪ ،‬نعني الضراب العام‪ ..‬أما أن جزًءا ها ً‬
‫كما في القرن الثامن عشر عن طريق سفك الدماء بتقممديم البرهممان علممى مممدى حنقممه ورغبتممه فممي‬
‫النتقام فهذا ما ل نستطيع أن نتوقعه‪ .‬وهذا يعني أننا سننظر إلممى التطممور كلممه بعكممس مجممراه" )ص‬
‫‪.(101‬‬

‫لقد كان ل بد‪ ،‬كما نرى‪ ،‬من حرب وسلسلة كاملة من الثممورات كممي نسممتطيع أن نلقممي نظممرة‬
‫على العلبة الجمجميمة لبعمض النظرييمن ونعمرف مما يجمري فيهما‪ .‬ونحمن نعمرف الن ذلمك‪ :‬لمم يكمن‬
‫كاوتسكي يفكر بأن من الممكن أبعاد أمثال الرومانوف والهوهنزولرن عن السلطة بالقناع‪ ،‬لكنه كان‬
‫يتصور جدًيا أن من الممكن قلب الملكية العسكرية عن طريق إضراب عام – أي عن طريق تظمماهرة‬
‫سلمية تقوم بها الذرع المتصالبة‪ .‬وهكذا وبالرغم من تجربة ‪ 1905‬الروسية والمناقشة العالمية التي‬
‫تلتها‪ ،‬فإن كاوتسكي قد احتفظ بوجهة نظره الفوضوية – الصلحية عن الضراب العام‪ .‬ونسممتطيع أن‬
‫ممما علممى أن‬ ‫نذكره بأن جريدته الخاصة "الزمن الحديث" كانت تقدم الدلة منذ حوالي أثنممى عشممر عا ً‬
‫الضراب العام ليس إل تعبئة البروليتاريا لمعارضة القوى العدوة في الحكومة‪ ،‬وبأنه يستطيع أن يحل‬
‫المسألة من تلقاء نفسه‪ ،‬نظًرا إلى أنه يستهلك قوى البروليتاريا قبل أن يستهلك قوى خصمها‪ ،‬ويدفع‬
‫دا‬
‫بها بالتالي إلى استئناف العمل‪ .‬أن الضراب العام ل يمكن أن يكون له تأثير حاسم إل إذا كان تمهي ً‬
‫دا لتمممرد‪ .‬إن البروليتاريمما ل تسممتطيع أن تحممل‬ ‫لنزاع بين البروليتاريا وقمموة العممدو المسمملحة‪ ،‬أي تمهيم ً‬
‫مشممكلة السمملطة‪ ،‬وهممي مشممكلة جوهريممة فممي كممل ثممورة إل بتحطيمهمما إرادة الجيممش الممذي يجنممد‬
‫لمعارضتها‪ .‬إن الضراب العام يفضي إلممى التعممبئة مممن الطرفيممن ويسمممح بتقممدير جممدي أولممي لقمموى‬
‫مقاومة الثورة المضادة‪ ،‬لكن التطورات اللحقة للصراع هي التي تحدد وحممدها الثمممن الممدموي الممذي‬
‫ستتكلفه البروليتاريا من أجل الستيلء على السلطة‪ .‬أما أن على البروليتاريا أن تدفع من دمهمما وأممما‬
‫أن عليها أن تعرف كيف تموت وكيف تقتل في نضممالها مممن أجممل السممتيلء علممى السمملطة والحفمماظ‬
‫عليها‪ ،‬فهذا ما لم يشك فيه أي ثوري حقيقي قط‪ .‬أممما الزعممم بممأن الصممراع العنيممف بيممن البروليتاريمما‬
‫والبورجوازية – الصراع حتى الموت – يعني النظر إلى "التطور كله بعكس مجراه"‪ ،‬فهذا دليممل علممى‬
‫أن رؤوس بعض اليدلولوجيين المحمترمين همي غمرف مظلممة – كاملمة مظلممة – تبمدو فيهما الصمور‬
‫معكوسة‪.‬‬

‫ما‬
‫إن ما من شيء يثبت صحة نظريممات كاوتسممكي التاريخيممة فيممما يتعلممق بالبلممدان الكممثر تقممد ً‬
‫والكثر ثقافة‪ ،‬الخاضعة لتأثير التقاليد الديمقراطية القديمة‪ .‬إن هذه النظريات بالصل ليست جديممدة‪.‬‬
‫ولقد كان التحريفيون في الماضي ينسبون إليها طابًعا مبدئًيا أكثر جدية‪ .‬وكمانوا يقمدمون الدلممة علممى‬
‫أن نمو المنظمممات البروليتاريممة فممي قلممب الديمقراطيممة يضمممن النتقممال التممدريجي غيممر المنظممور –‬
‫الصلحي التطوري – نحو النظام الشتراكي‪ ،‬بممدون تممدخل الضممراب العممام‪ ،‬والتمممرد‪ ،‬والديكتاتوريممة‬
‫البروليتارية‪.‬‬

‫لقد كمان كاوتسمكي فمي ذلمك العصمر‪ ،‬العصمر المذي شمهد ذروة نشماطه‪ ،‬يمبين أن التنماحرات‬
‫الطبقية في المجتمع البورجوازي تزداد رغممم أشممكال الديمقراطيممة وأنهمما سممتؤدي إلممى الثممورة وإلممى‬
‫استيلء البروليتاريا على السلطة‪.‬‬

‫ما عدد ضحايا التمرد والديكتاتورية البروليتارية‪ .‬لكن كان‬


‫بالطبع‪ ،‬لم يحاول أحد أن يحسب مقد ً‬
‫من الواضح أن هذا العدد يتعلق بقوة مقاومة الطبقات المالكة‪ .‬وإذا كان كتيب كاوتسممكي يميممل إلممى‬

‫‪20‬‬
‫أن يثبت أن التربية الديمقراطية لم تلطف من أنانية البورجوازية الطبقيممة‪ ،‬فنحممن نمموافقه علممى ذلممك‬
‫حا ً‬
‫ل‪.‬‬

‫دا مدة أربعة أعوام بالرغم من‬ ‫وإذا كان يريد أن يضيف بأن الحرب المبريالية‪ ،‬التي عاثت فسا ً‬
‫الديمقراطية‪ ،‬قد نمت الوحشية في الخلق وعودت على اللجوء إلى العنف‪ ،‬وعلمت البورجوازيممة أل‬
‫ضا‪ .‬فهذا هو الواقع‪ .‬لكن علينا أن نحارب في‬ ‫تحرج البتة من إبادة الجماهير‪ ،‬فإنه سيكون على حق أي ً‬
‫هذه الشروط‪ .‬إنها ليست مسألة مبارزة بين جن بروليتاريين وبورجوازيين خارجين من دماغ فمماغنر –‬
‫كاوتسكي‪ ،‬بل هي مسمألة حمرب بيمن بروليتاريما واقعيمة وبورجوازيمة واقعيمة كمما كونتهمما المجمزرة‬
‫المبريالية الكبرى‪.‬‬

‫إن كاوتسممكي يممرى فممي الحممرب الهليممة الطاحنممة الممتي تممدور فممي العممالم قاطبممة‪ ،‬النتيجممة‬
‫المشؤومة‪ ..‬للتخلي عن "التكتيك المجيد المتمرس" الذي رسمته الممية الثانية‪.‬‬

‫كتب يقول‪:‬‬

‫"في الواقمع‪ ،‬ومنمذ أن سميطرت الماركسمية علمى الحركمة الشمتراكية أصمبحت همذه الخيمرة‬
‫بمنجى‪ ،‬حتى الحرب العالمية‪ ،‬من الهزائم الكبيرة في كل حركاتها الكبيرة الواعية‪ .‬ولقد اختفت نهائًيا‬
‫من صفوفنا فكرة تحقيق النصر بالرهاب‪.‬‬

‫"إننا مدينون بالكثير من هذه الزاوية إلى أن الديمقراطية كانت تتوطد بعمق في بلممدان أوروبمما‬
‫دا من وراء الصراع لتصبح الساس الممدائم للحيمماة السياسممية‪،‬‬ ‫الغربية وتكف عن أن تكون هدًفا منشو ً‬
‫هذا في الوقت الذي كانت فيه الماركسية هي التعليم الشتراكي السائد"‪.‬‬

‫إن "صيغة التقدم" هذه ل تحتوى على ذرة واحدة من الماركسممية‪ :‬فممالتطور الممواقعي للصممراع‬
‫الطبقي ولمعاركه المادية ينحممل فممي الدعابممة الماركسممية الممتي تبممدو وكأنهمما تضمممن‪ ،‬بفضممل شممروط‬
‫الديمقراطية‪ ،‬النتقال غير المؤلم إلى أشكال اجتماعية "أكثر عقلنيممة"‪ .‬إن هممذه الصمميغة ل تعممدو أن‬
‫دا في القممرن الثممامن عشممر‪ ،‬اسممتبدلت‬ ‫طا مبالًغا فيه للمذهب العقلي الهرم الذي كان سائ ً‬ ‫تكون تبسي ً‬
‫فيه أفكار كوندورسيه بترجمة فقيرة شاحبة لممم"البيممان الشمميوعي"‪ .‬وهكممذا فممإن التاريممخ ينقلممب إلممى‬
‫شممريط دوار مممن الممورق المطبمموع‪ ،‬وإننمما لنشمماهد فممي قلممب هممذا التطممور "النسمماني" لوحممة عمممل‬
‫كاوتسكي‪.‬‬

‫إنه يضرب لنا مثل ً بالحركة العمالية في عصممر المميممة الثانيممة الممتي لممم تتعممرض قممط‪ ،‬برفعهمما‬
‫رايات الماركسية‪ ،‬إلى أي هزيمة في هجماتها الواعية‪ .‬لكن الحركة العمالية بكاملها‪ ،‬لكن البروليتاريمما‬
‫العالمية ومعها كل الثقافة النسانية‪ ،‬قد تعرضت في آب ‪ ،1914‬في الساعة التي كشف فيها التاريخ‬
‫عن ميزان قوى وطاقات كل الحزاب الشتراكية الموجهة كما يقال من قبل الماركسية و"المسممتندة‬
‫بقوة إلى الديمقراطيممة"‪ ،‬إلممى هزيمممة مريعممة‪ .‬لقممد وجممدت هممذه الحممزاب نفسممها فممي حالممة إفلس‪.‬‬
‫وأطاحت الريح بكل سمات عملها السابق التي يريممد كاوتسممكي الن أن يخلممدها‪ :‬القابليممة للتلؤم مممع‬
‫الظروف‪ ،‬التخلي عن العمل غير المشروع‪ ،‬البتعاد عن الصراع المكشوف‪ ،‬المممل فممي الديمقراطيممة‬
‫كطريق لتحويل اجتماعي غير مؤلم! إن أحزاب الممية الثانية‪ ،‬التي خافت من الهزيمة‪ ،‬والتي ردعت‬
‫ممما للنضمال المكشمموف‪ ،‬والممتي ميعممت فممي مناقشمماتها حممتى‬ ‫في كل الظروف الجماهير المسممعدة دو ً‬
‫الضراب العام‪ ،‬قد هيأت بنفسها هزيمتها الرهيبممة‪ .‬ذلممك أنهمما لممم تعممرف أن تحممرك أصممبعها الصممغيرة‬
‫لتجنب خطر كارثة الحرب العالمية التي حددت الطابع الشرس للحرب الهليممة‪ .‬وفممي الحقيقممة ل بممد‬
‫ضا على أذنيه وأنفه‪ ،‬حتى يعارضنا الن بعممد النهيممار‬ ‫للمرء أن يضع عصابة لعلى عينيه فحسب‪ ،‬بل أي ً‬
‫المخجل للممية الثانية‪ ،‬وبعد إفلس حزبها القائد – الشتراكي الممديموقراطي اللممماني‪ ،‬وبعممد مهزلممة‬
‫الحرب العالمية الدامية والمتداد الواسع للحرب الهلية‪ ،‬أقول حتى يعارضنا الن بعمق فكممر المميممة‬
‫الثانية وإخلصها وحبها للسلم وتبصرها‪ ،‬هذه الممية التي نصفي اليوم ميراثها!‬

‫‪21‬‬
‫الديمقراطية‪" :‬إما الديمقراطية وإما الحرب الهلية"‬
‫دا للسمملم والخلص‪ :‬الديمقراطيممة‪ .‬يكفممي أن يعممترف بهمما‬ ‫قمما واحم ً‬
‫ل يعممرف كاوتسممكي إل طري ً‬
‫الجميع وأن يقبل الجميع بالخضوع لها‪ .‬وعلى الشتراكيين اليمنيين أن يتخلوا عن العنف الدموي الذي‬
‫لجئوا إليه برضى البورجوازية‪ .‬وعلى البورجوازية نفسها أن تتخلى عممن فكممرة التشممبث حممتى النهايممة‬
‫بوضعها الممتاز بفضل أمثال نوسك والملزم فوجيل‪ .‬وعلى البروليتاريا أخيًرا‪ ،‬مرة واحدة وأخيرة‪ ،‬أن‬
‫تتخلى عن هدف قلب البورجوازية بغير الطرق الدستورية‪ .‬وإذا ما روعيت هذه الشممروط بدقممة‪ ،‬فممإن‬
‫على الثورة الجتماعية أن تنحممل بل ألممم فممي الديمقراطيممة‪ .‬يكفممي إذن‪ ،‬كممما نممرى‪ ،‬أن يقبممل تاريخنمما‬
‫العاصف بأن يعتمر قبعة كاوتسكي القطنية وبأن ينهل الحكمة من علبة تبغة‪.‬‬

‫يقول حكيمنا‪" :‬ليس هناك إل أحد حلين‪ :‬إما الديمقراطية وإما الحرب الهلية" )ص ‪ .(145‬ومع‬
‫ذلك فإن الحرب الهلية لم تقممف سمماعة واحممدة فممي ألمانيمما حيممث تجتمممع كممل عناصممر الديمقراطيممة‬
‫الشكلية‪ .‬ويوافق كاوتسكي على ذلك‪" :‬مممع الجمعيممة الوطنيممة الحاليممة‪ ،‬ل يمكممن للمانيمما بالتأكيممد أن‬
‫تستعيد صحتها‪ .‬لكننا بدل ً مممن أن نسمماعدها علممى الشممفاء‪ ،‬فإننمما سممنحكم عليهمما بالنتكمماس إذا حولنمما‬
‫الصممراع ضممد الجمعيممة الحاليممة إلممى صممراع ضممد النتخمماب العممام الممديموقراطي" )ص ‪ .(152‬فلكممأن‬
‫المشكلة في ألمانيا مشكلة أشكال النتخاب ل مشكلة السيطرة الفعلية على السلطة!‬

‫إن كاوتسكي يعترف بأن الجمعية الوطنية الحاليممة ل يمكممن أن تعيممد إلممى البلد صممحتها‪ .‬فممماذا‬
‫ينتج عن ذلك؟ معاودة اللعبة من جديد‪.‬‬

‫فهل سيقبل شركاؤنا بذلك؟ نسممتطيع أن نشممك‪ .‬فاللعبممة إذا لممم تكممن فممي صممالحنا‪ ،‬فهممي فممي‬
‫ما‪.‬‬
‫صالحهم حت ً‬

‫ممما علممى أن تعممد العممدة‬


‫إن الجمعية الوطنية‪ ،‬العاجزة عن "إعادة الصحة" إلى البلد‪ ،‬قادرة تما ً‬
‫لديكتاتورية بلودندروف الجدية بواسطة ديكتاتورية نوسك المقنعة‪ .‬وهذا ما فعلته الجمعية التأسيسممية‬
‫التي مهدت الطريق أمام كولتشاك‪ .‬إن رسالة كاوتسكي التاريخية هي على وجممه التحديممد أن يكتممب‪،‬‬
‫بعد النقلب‪ ،‬المنشور الذي سيسفر سقوط الثورة بكل المجرى السابق للتاريخ‪ ،‬بدًءا من القرد إلممى‬
‫نوسك‪ ،‬ومن نوسك إلى لودندورف‪ .‬لكن مهمة الحزب الثوري مختلفة‪ :‬إنها تكمممن فممي توقممع الخطممر‬
‫في الوقت المناسب واتقائه بالعمل‪ .‬ولتحقيق هذه الغايممة ليممس هنمماك اليمموم إل شمميء واحممد يعمممل‪:‬‬
‫انتزاع السلطة من القابضين الصيلين على زمامها‪ ،‬من ملك الراضي والرأسممماليين الممذين يختفممون‬
‫خلف إيبرت ونوسك‪ .‬فالطريق تفترق إذن بدًءا من الجمعية الوطنية‪ :‬إمما ديكتاتوريمة حفنمة إمبرياليمة‬
‫وإما ديكتاتورية البروليتاريا‪ .‬وما من طريق يفضي إلى "الديمقراطية"‪ .‬وكاوتسكي ل يدرك ذلك‪ .‬فهممو‬
‫يعرض‪ ،‬ليس من دون إطناب‪ ،‬أهمية الديمقراطية بالنسبة إلى التطور السياسي والتربيممة التنظيميممة‬
‫للجماهير‪ ،‬ويزعم أنها تستطيع أن تقود البروليتاريا إلممى تحريممر الجممماهير تحريمًرا كممامل ً )ص ‪ .(72‬إن‬
‫من يقرأ هذا الكلم يخيل إليه أن ما من شيء مهم قد حدث في هذه الدنيا منذ اليوم الذي كتب فيممه‬
‫برنامج إيرفورت‪.‬‬

‫بيد أن البروليتاريا الفرنسية واللمانية وبروليتاريا بعض البلدان الخرى الهامة قد ناضلت طوال‬
‫عشرات السنوات مستفيدة من كل مزايا الديمقراطية لتخلق منظمات سياسية قوية‪ .‬غيممر أن تطممور‬
‫البروليتاريا هذا نحو الشتراكية قد توقف نتيجة لحدث بالغ الهمية‪ ،‬أعني الحرب المبريالية العالميممة‪.‬‬
‫لقد أمكن للدولة الطبقيمة‪ ،‬فمي اللحظمة المتي انمدلعت فيهما الحمرب بخطيئهما‪ ،‬أن تخمدع البروليتاريما‬
‫بمساعدة المنظمات القائدة للديموقراطية الشتراكية وأن تجرها إلى مدارها‪ .‬وهكذا أثبتت الطممرائق‬
‫الديمقراطية‪ ،‬بالرغم من المزايا التي ل نقاش فيها التي توفرها في ظممرف محممدد‪ ،‬تأثيرهمما المحممدود‬
‫للغاية‪ :‬باعتبار أن التربية الديمقراطية لجيلين بروليتاريين لم تهيئ البتة الجو السياسي لتفهم وتقممدير‬
‫حدث كالحرب المبريالية العالمية‪ .‬أن هذه التجربة ل تسمح بالتأكيد بأن الحرب لو اندلعت بعد عشممر‬
‫أو عشرين سنة لوجدت البروليتاريا مهيئة تهيئة سياسية أفضل‪ .‬إن الدولة الديمقراطية البورجوازية ل‬
‫طا أفضل للتطور‪ ،‬بالنسبة إلى شروط الحكم المطلق‪ ،‬بممل هممي تحممدد‬ ‫تقتصر على منح الشغيلة شرو ً‬
‫هذا التطور بالذات بشرعيته‪ ،‬وتجمع وتقوي بفن لدى الرستقراطيات البروليتاريممة الصممغيرة العممادات‬

‫‪22‬‬
‫التهازية والراء المسبقة الشرعية‪ .‬وفممي اللحظممة الممتي أصممبحت فيهمما الكارثممة – الحممرب – وشمميكة‪،‬‬
‫انكشف عجز مدرسة الديمقراطية التام عن قيادة البروليتاريا إلممى الثممورة‪ .‬وجمماءت مدرسممة الحممرب‬
‫الهمجية‪ ،‬والمال الشتراكية – المبريالية‪ ،‬وانتصارات عسكرية أكبر‪ ،‬وهزيمة ل مثيل لهمما‪ .‬وبعممد هممذه‬
‫الحداث‪ ،‬التي أدخلت بعض التعديلت على برنامج إيرفورت‪ ،‬لن يعني إحياء الفكار الشائعة القديمممة‬
‫عن دللة البرلمانية بالنسبة إلى تربية البروليتاريا‪ ،‬لن يعني إل السقوط سياسًيا في الطفولممة‪ .‬وهممذه‬
‫هي مصيبة كاوتسكي‪.‬‬

‫لقد كتب‪:‬‬

‫"لقد تميزت البرودونية بريبة عميقة تجاه نضال البروليتاريا السياسي من أجل تحررهمما‪ ،‬وتجمماه‬
‫عملها السياسي‪ .‬وهذا الرأي يعاود اليوم الظهور )!!( ويزعم أنمه النجيمل الجديمد للفكمر الشمتراكي‪،‬‬
‫وأنه نتاج التجربة التي لم يعرفها ماركس والتي لم يكن يستطيع أن يعرفها‪ .‬وفي الحقيقة‪ ،‬أننا ل نجد‬
‫في هذا الرأي إل صيغة جديدة لفكرة قديمة ترجع نصف قرن إلممى المموراء‪ ،‬كممان ممماركس قممد حاربهمما‬
‫وقهرها" )ص ‪.(59 – 58‬‬

‫وعلى هذا‪ ،‬ليست البولشفية إل‪ ...‬نزعة برودونية أعيممدت إليهمما الحيمماة! إن هممذا التأكيممد الوقممح‬
‫لهو‪ ،‬من الزاوية النظرية‪ ،‬أسفة تأكيدات المنشور‪.‬‬

‫لقممد كممان الممبرودونيون يرفضممون الديمقراطيممة‪ ،‬للسممبب نفسممه ** كممان يممدفعهم إلممى رفممض‬
‫ممما اقتصممادًيا بممدون تممدخل سمملطة الدولممة‪ ،‬وبممدون‬ ‫السياسة‪ .‬لقد كانوا من أنصار تنظيم الشغيلة تنظي ً‬
‫انقلبات ثورية‪ .‬كانوا من أنصار التشارك العمالي على أسس القتصاد البضاعي‪ .‬وبقدر ما كانت قمموة‬
‫الشياء تممدفع بهممم إلممى النضمال السياسممي‪ ،‬كممانوا يفضمملون – باعتبممارهم أيممديولوجيين بورجمموازيين –‬
‫ديموقراطية حكم الطبقة الغنية حتى على الديكتاتورية الثورية‪ .‬فأي شيء مشترك بينهم وبيننا؟ ففي‬
‫حين أننا نرفض الديمقراطية باسمم سملطة بروليتاريمة متمركمزة‪ ،‬كمان المبرودونيون مسمتعدين علمى‬
‫العكممس للتلؤم مممع ديموقراطيممة ممزوجممة قليل ً بالتحاديممة كيممما يتجنبمموا السمملطة العماليممة الثوريممة‬
‫الحاسمممة‪ .‬ولقممد كممان بمقممدور كاوتسممكي أن يقارننمما بصممورة منطقيممة أكممثر مممع البلنكييممن خصمموم‬
‫البرودونيين‪ ،‬البلنكيين الذين كانوا يدركون أهمية السلطة الثورية‪ ،‬ويتجنبون بورع ديني‪ ،‬عند طرحهمم‬
‫مسألة الستيلء عليها‪ ،‬أن يأخذوا بعين العتبار المظاهر الشكلية للديموقراطية‪ .‬لكن لتبرير المقارنممة‬
‫بين الشيوعيين والبلنكيين‪ ،‬ل بد من الضافة أننا نتمتممع بتنظيممم ثمموري لممم يحلممم بممه البلنكيممون قممط‪:‬‬
‫دا‬
‫ممما سياسمًيا قيادي ًمما ل مثيممل لممه مممزو ً‬
‫سوفييتات النواب العماليين والجنود‪ ،‬وأن لدينا فممي حزبنمما تنظي ً‬
‫ببرنامج كامل للثورة الجتماعية‪ ،‬وأن نقاباتنا تشكل أخيًرا‪ ،‬بسيرها مع المجموع تحت الراية الشيوعية‬
‫وبدعمها حكومة السوفييتات بدون تحفظ‪ ،‬جهاًزا قوًيا للتحويممل القتصممادي‪ .‬فل يمكممن إذن‪ ،‬فممي هممذه‬
‫الشروط‪ ،‬الكلم عن بعث البولشفية للراء البرودونية البالية‪ ،‬إل إذا فقد المرء نهائًيا الحس التمماريخي‬
‫والنزاهة في موضوع المذهب‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫اليقظة المبريالية للديموقراطية‬
‫جا‪ .‬فهي من جهة أولممى تشممير إلممى‬ ‫ليس عبًثا أن لكلمة الديمقراطية في القاموس معنى مزدو ً‬
‫نظام قائم على النتخاب العام وعلى سائر ملحقات "السمميادة الشممعبية" الشممكلية‪ .‬وهممي تشممير مممن‬
‫الجهة الثانية إلى الجماهير الشعبية نفسها بقدر ما تكون لها حيماة سياسمية‪ .‬إن مفهموم الديمقراطيمة‬
‫يضع نفسه‪ ،‬من خلل هذين المعنيين‪ ،‬فوق العتبارات الطبقية‪.‬‬

‫إن خصوصيات اللفظة هذه لها دللتها السياسية العميقة‪ .‬فالديمقراطية كنظام سياسممي تكممون‬
‫أثبت وأكمل وأمتن كلما احتلت جماهير المدن والريمماف البورجوازيممة الصممغيرة‪ ،‬غيممر المتمممايزة مممن‬
‫وجهة النظر الطبقية‪ ،‬مكاًنا أوسع في الحياة الجتماعيممة لقممد بلغممت الديمقراطيممة أوجهمما فممي القممرن‬
‫التاسممع عشممر فممي الوليممات المتحممدة الميركيممة وسويسممرا‪ .‬ففيممما وراء البحممار كممانت الديمقراطيممة‬
‫الحكومية للجمهوريممة التحاديممة تسممتند إلممى ديموقراطيممة المزارعيممن الزراعيممة‪ .‬أممما فممي الجمهوريممة‬
‫السويسممرية الصممغيرة‪ ،‬فقممد شممكلت البورجوازيممة الصممغيرة فممي المممدن والفلحممون الغنيمماء أسمماس‬
‫ديموقراطية الكانتونات المحافظة‪.‬‬

‫لقد أصحبت الديمقراطيممة بسممرعة‪ ،‬وهممي الممتي ولممدت فممي ظممل صممراع الطبقممة العاملممة ضممد‬
‫حا ضد التناحرات الطبقية التي كانت في طريقها إلى النمو في المجتمممع البورجمموازي‬ ‫القطاعية‪ ،‬سل ً‬
‫وتنجممح الديمقراطيممة البورجوازيممة فممي أداء مهمتهمما علممى وجممه أفضممل كلممما كممانت مدعومممة بطبقممة‬
‫بورجوازية صغيرة واسعة‪ ،‬وكلما كانت أهمية هذه الطبقممة فممي الحيمماة القتصممادية أكممبر‪ ،‬وكلممما كممان‬
‫مستوى التناحرات الطبقية بالتالي أدنى‪ .‬لكن الطبقات المتوسطة‪ ،‬المتخلفة أكثر فأكثر عممن التطممور‬
‫التاريخي‪ ،‬تفقد مع ذلك حقها في الكلم باسم المة‪ .‬ولقد أمكن لمممذهبيي هممذه الطبقممات )برنشممتاين‬
‫وشركائه( أن يثبتوا برضى أن الطبقات المتوسطة لن تختفي بالسرعة التي كانت تفترضها المدرسممة‬
‫الماركسية‪ .‬ويمكننا أن نوافق بالفعل أن عناصر المدن والرياف البورجوازية الصغيرة ما تممزال تحتممل‬
‫عددًيا مكانة هامة للغاية‪ .‬لكن الدللة العميقة للتطور تكمن في فقدان أهميتها فممي النتمماج‪ :‬أن قيمممة‬
‫الثروات التي تصبها البورجوازية الصغيرة في أرباح المة قد سقطت بسرعة أكبر بكثير مممن أهميتهمما‬
‫دا علممى القطممبين المتعارضممين فممي المجتمممع – البورجوازيممة‬ ‫العددية‪ .‬أن التطور التاريخي يزداد اعتما ً‬
‫الرأسمالية والبروليتاريا – ل على تلك الفئات المحافظة التي خلفها الماضي‪.‬‬

‫وكلما فقدت البورجوازية الصغيرة أهميتها الجتماعية‪ ،‬تضاءلت قدرتها على الحفاظ بقوة علممى‬
‫دورها كحكم في النزاع التاريخي الكمبير بيمن الرأسممال والعممل‪ .‬لكمن بورجوازيمة الممدن الصمغيرة‪،‬‬
‫وبخاصة بورجوازية الرياف‪ ،‬ممما تممزال نجممد تعبيرهمما‪ ،‬باعتبممار كثرتهمما العدديممة‪ ،‬فممي إحصمماء البرلمانيممة‬
‫النتخابي‪ .‬أن المساواة الشكلية بين جميع المواطنين بصفتهم نمماخبين ل تفعممل شمميًئا سمموى أن تثبممت‬
‫بشكل أوضح‪ ،‬في مثل هذه الظروف‪ ،‬عجز "البرلمانيممة الديمقراطيممة" عممن حممل المسممائل الساسممية‬
‫التي يطرحها التطور التاريخي‪ .‬إن المساواة في النتخاب بين البروليتاري والفلح وصاحب التروسممت‬
‫طا بين متناحرين‪ .‬لكن الطبقممة الفلحيممة المختلفممة بصممورة مزدوجمة‬ ‫الكبير قد جعلت من الفلح وسي ً‬
‫ما كقوة "أعمة للحزاب‬ ‫من وجهة نظر الثقافة والحياة الجتماعية‪ ،‬والعاجزة سياسًيا‪ ،‬تخدم بالفعل دو ً‬
‫ما بدعم الرأسمال ضد العمل‪.‬‬ ‫دا التي تنتهي دو ً‬ ‫الكثر رجعية والكثر مغامرة والكثر فسا ً‬

‫وبخلف كل تنبؤات برنشتاين وسومبات وطوغان – بارانوفسممكي لممم تخفممف حيويممة الطبقممات‬
‫ما ولممو أتخممذ تحممول‬
‫المتوسطة من حدة الزمات الثورية في المجتمع البورجوازي‪ ،‬بل جعلتها أشد إيل ً‬
‫البورجوازيممة الصممغيرة والطبقممة الفلحيممة إلممى بروليتاريمما أشممكال ً صممافية وواضممحة‪ ،‬لكممان اسممتيلء‬
‫ما بواسطة اللية البرلمانية محتمل ً أكثر مما هي عليممه الحممال اليمموم أن‬ ‫البروليتاريا على السلطة سلي ً‬
‫سمما حممتى علممى الشممكال الخارجيممة‬‫تركيز أنصار البورجوازية الصغيرة على حيوية هذه الطبقة كان نح ً‬
‫للديموقراطية منذ أن زعزعت الرأسمالية أسس هذه الطبقة فالبورجوازيممة الصممغيرة‪ ،‬باحتللهمما فممي‬
‫السياسة البرلمانية المكان الذي فقدته في النتاج‪ ،‬قد أساءت نهائًيا إلى البرلمانية عندما جعلت منهمما‬
‫مجرد ثرثرة مائعة وأداة في يد القليمية لعرقلممة التشممريعات‪ .‬أن هممذه الواقعممة وحممدها تفممرض علممى‬
‫البروليتاريا واجب الستيلء على سلطة الدولة‪ ،‬بصورة مستقلة عن البورجوازية الصغيرة بل ضمدها –‬
‫ل ضد مصالحها بل ضد عطالتها وضد سياستها غير المتماسكة التي هي عبممارة عممن نممزوات عاطفيممة‬
‫عاجزة‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫كتب ماركس بصدد إمبراطورية نابليون الثالث‪" :‬أن المبرياليممة هممي أعهممر وأكمممل شممكل مممن‬
‫أشكال السلطة الحكومية‪ ...‬حولته البورجوازيممة‪ ،‬حيممن بلغممت أوجهمما‪ ،‬إلممى أداة لسممتبعاد الرأسمممالية‬
‫للعمل"‪ .‬أن هذا التعريف يتجمماوز المبراطوريممة الفرنسممية الثانيممة ويشمممل المبرياليممة الجديممدة الممتي‬
‫أثارتها في العالم أجمع أطماع الرأسمال القومي للممدول الكممبرى‪ .‬وتفممترض المبرياليممة فممي المجممال‬
‫القتصادي السقوط النهائي لدور البورجوازية الصغيرة‪ ،‬وهي تعنممي فممي المجممال السياسممي التلشممي‬
‫التام للديموقراطية عن طريق تحويل سياقها بالممذات وربممط كممل وسممائلها وكممل مؤسسمماتها بأهممداف‬
‫المبريالية‪ .‬ولقد أثبتت المبريالية‪ ،‬بامتدادها إلى بلدان مختلفة‪ ،‬أن الراء المسممبقة السياسممية‪ ،‬بغممض‬
‫النظر عن مصيرها السياسي السابق‪ ،‬غريبة عنها كلها‪ ،‬وأنها مستعدة لن تستخدم )وهي قادرة علممى‬
‫ذلك( ملكيات نيقول رومانوف أو ولهلم هوهنزولرن‪ ،‬والتوقراطيممة الرئاسممية فممي الوليممات المتحممدة‪،‬‬
‫وعجز بضع مئات من المشرعيين المتباينين في البرلمان الفرنسي‪ ،‬وذلممك بعممد أن تكممون قممد حممولت‬
‫هذا كله اجتماعًيا وأخضعته‪ .‬أن المجزرة الكبرى – حمام الدم الذي حاولت البورجوازيممة عممن طريقممه‬
‫أن تجدد شبابها – قد قدمت لنا صورة لتعبئة لم يسبق لها مثيل لكل أشكال الدولة والدارة والتمموجيه‬
‫دا ل بأس به مممن الدعيمماء الممذين‬ ‫السياسي والمدارس الدينية أو الفلسفية لخدمة المبريالية‪ .‬وأن عد ً‬
‫لم يسبب تطور المبريالية أي اضطراب في سباتهم الدائم منذ عشرات السنين‪ ،‬والممذين ممما يزالممون‬
‫دا‬
‫مستمرين في النظر إلى الديمقراطية والنتخاب العام الخ من وجهة نظرهم التقليدية‪ ،‬أقول أن عد ً‬
‫ل بأس به من هؤلء بالذات قد أدرك أخيًرا أثناء الحرب أن المفاهيم المألوفة قد أصممبح لهمما مممن الن‬
‫دا مضمون جديد‪ .‬الحكم المطلق‪،‬الملكية البرلمانية‪ ،‬الديمقراطية إن جميع الشممكال الحكوميممة‬ ‫فصاع ً‬
‫للسيطرة البورجوازية‪ ،‬من القيصرية الروسية إلى التحادية شبه الديمقراطية في أميركمما الشمممالية‪،‬‬
‫هي في نظر المبريالية وبل ريب فممي نظممر الثممورة الممتي سممتخلفها‪ ،‬متسمماوية فممي الحقمموق وتشممكل‬
‫ضا بصورة متلحمممة‪ .‬أن المبرياليممة تنجممح فممي أن تخضممع‪ ،‬فممي اللحظممة‬ ‫تركيبات يكمل فيها بعضها بع ً‬
‫الحرجة‪ ،‬وبكل الوسائل التي تملكها‪ ،‬وبالبرلمانات على وجه الخصوص مهما كان حسمماب الصمموات –‬
‫بورجوازية المدن والرياف الصغيرة بل حتى الرستقراطية العمالية‪ .‬أن الفكرة القوميممة الممتي قممادت‬
‫طبقة العامة في صعودها إلى السلطة عادت إلى الظهور أثناء الحرب مع "الدفاع القومي"‪ .‬وأضاءت‬
‫العقيدة القومية مرة أخرى وأخيممرة بسممطوع بمماهر علممى حسمماب عقيممدة الطبقممات‪ .‬ولقممد أدى غممرق‬
‫ل‪ ،‬ثم في البلدان المنتصممرة بعممد زمممن وجيممز‪ ،‬إلممى تهممديم‬ ‫الوهام المبريالية في البلدان المقهورة أو ً‬
‫أسس ما كان في الماضي الديمقراطية القومية وأدلتها الرئيسية‪ ،‬البرلمان الديموقراطي وتجلي في‬
‫كل مكان بوضوح مخيف ضعف البورجوازية ونوعيتها الرديئة وعجزها‪ .‬وإنطرحممت فممي جميممع البلممدان‬
‫مسالة السمملطة الحكوميممة بوضمموح بيممن العصممابة الرأسمممالية الممتي تحكممم بشممكل مكشمموف أو غيممر‬
‫مكشوف والتي تملك تحت تصرفها طبقة من الضباط المتمرسين أو المرتزقة – معززة أحياًنما بمئات‬
‫اللمموف مممن الرجممال – وبيممن البروليتاريمما الثوريممة المتمممردة‪ ،‬إزاء الطبقممات المتوسممطة المممذعورة‪،‬‬
‫الضائعة‪ ،‬الخانعة‪ .‬ويالها من أضغاث أحلم تافهة العبارات التي يمكن أن تقال في مثل هذه الظممروف‬
‫عن الستيلء السلمي على السلطة من قبل البروليتاريا بواسطة البرلمانية الديمقراطية!‬

‫إن معالم الموقمف السياسمي علمى الصمعيد العمالمي واضمحة للغايمة‪ .‬فالبورجوازيمة‪ ،‬وبخاصمة‬
‫بورجوازية البلدان المنتصرة‪ ،‬بعد أن قادت الشعوب المنهوكة النازفة دماؤها إلممى حافممة الهاويممة‪ ،‬قممد‬
‫أثبتت عجزها المطلق عن انتشالها من وضعها الرهيب وتناقض وجودها مممع تقممدم النسممانية اللحممق‪.‬‬
‫لقد تفسخت جميع التجمعات السياسية الوسيطية والحزاب الشتراكية – القومية وهي ما تزال حية‪.‬‬
‫ما بعد يوم‪ ،‬وتؤكد نفسها في‬ ‫والبروليتاريا التي خدعتها هذه التجمعات والحزاب‪ ،‬تزداد كراهيتها لها يو ً‬
‫رسالتها التاريخية على أنها القوة الوحيدة التي تستطيع أن تنقذ الشعوب من الهمجيممة والممموت‪ .‬غيممر‬
‫أن التاريخ ل يضمن لحزب الثورة الجتماعية غالبية برلمانية شكلية‪ .‬إنه‪ ،‬بتغيير آخر‪ ،‬لمم يحممول المممم‬
‫إلى نواد تقترع بحفاوة – بغالبية الصوات – لصالح الثورة الجتماعية‪ .‬بل على العكمس‪ :‬لقمد أصمبحت‬
‫الثورة العنيفة ضرورة‪ ،‬على وجه التحديد لن مطالب التاريخ الملحة لم تعد تمكن تلبيتها عممن طريممق‬
‫جهاز الديمقراطية البرلمانية‪ .‬أن البورجوازية الرأسمالية تقول في نفسها‪" :‬مممادمت أضممع يممدي علممى‬
‫الراضي والمصانع والمعامل والمصارف والصحافة والمدارس والجامعممات‪ ،‬مممادمت أضممع يممدي علممى‬
‫ذلك أن هذا هو الشيء الساسي – على الجيش‪ ،‬فإن آلية الديمقراطية ستظل خاضعة لرادتي كيفما‬
‫حركت‪ .‬والبورجوازية الصغيرة العاطلة‪ ،‬المحافظة‪ ،‬غير الصلية‪ ،‬تخضمع لمي سمواء أمادًيما أم معنوًيما‪.‬‬
‫أنني أتحكم وسأتحكم فيها بقوة مشاريعي وأرباحي وخططي وجرائمي‪ .‬وإذا ممما اسممتاءت وتململممت‪،‬‬
‫فإنني سأخلق دزينة من مانعات الصواعق‪ .‬بل سأخلق عند الحاجممة أحزاب ًمما معارضممة سممتختفي ممما إن‬
‫تممؤدي مهمتهمما مفسممحة المجممال أمممام البورجوازيممة للتعممبير عممن سممخطها دون أن تلحممق أي أذى‬
‫بالرأسمالية‪ .‬وسأحفظ بالنسبة إلى الجماهير الشعبية علممى نظمام التعليمم البتمدائي اللزاممي الممذي‬
‫سيبقى هذه الجماهير عند حدود الجهل دون أن يسمح لها بالرتفاع فكرًيا فوق المسممتوى الممذي يممرى‬

‫‪25‬‬
‫خبرائي أنه غير مؤذ‪ .‬إنني سأفسد‪ ،‬سممأخدع‪ ،‬سممأخيف الفئات المرفهممة أو المتخلفممة مممن البروليتاريمما‬
‫ومادامت أدوات الضطهاد والتخويف بين يدي‪ ،‬فإن تنسيق كل هذه التدابير لن يسمح لطليعة الطبقة‬
‫العاملة بتنوير وعي العدد الكبر"‪.‬‬

‫وعلى هذا تجيب البروليتاريا الثورية‪" :‬ل ريب في أن الشممرط الول للخلص هممو أن أنممتزع مممن‬
‫ما مممادامت البورجوازيممة تمسممك‬ ‫البورجوازية أدوات سيطرتها‪ :‬ول أمل في الوصول إلى السلطة سلي ً‬
‫بكل أدوات السيطرة‪ .‬أنه لجنممون مثلممث أن آمممل بالوصممول إلممى السمملطة بممالطريق الممذي تممدل إليممه‬
‫البورجوازية وتسده في آن واحد‪ :‬طريق الديمقراطية البرلمانية ليممس هنمماك إل سممبيل واحممد‪ :‬انممتزاع‬
‫السلطة من البورجوازية بتجريدها من أدوات سيطرتها المادية‪ .‬ومهممما كممانت العلقممة الظاهريممة بيممن‬
‫قوى البرلممان‪ ،‬فممإنني سمأجعل مممن أهمم وسمائل النتماج ثمروة اجتماعيممة‪ ،‬وسمأحرر وعمي الطبقمات‬
‫ما مغناطيسًيا‪ .‬وسأبين لهذه الطبقات بالوقائع ما هو‬ ‫البروجوازية الصغيرة الذي نومته الرأسمالية تنوي ً‬
‫فمما سممتدعمني بالتزامممات التلقممائي‬ ‫النتاج الشتراكي‪ .‬وحين سيتم ذلك‪ ،‬فممإن أكممثر فئات الشممعب تخل ً‬
‫والواعي بالبناء الشتراكي"‪.‬‬

‫حين شتتت حكومة السوفييتات الروسية الجمعية التأسيسية‪ ،‬بدا هذا الحدث فممي نظممر القممادة‬
‫الشتراكيين الديموقراطيين في أوروبا وكأنه قطيعة متعسفة وفظة مع كل تطور الشتراكية السممابق‬
‫إن لم يكن بداية نهاية العالم‪ .‬لكنه لم يكن إل نتيجة حتمية للوضع الممذي خلقتممه المبرياليممة والحممرب‪.‬‬
‫وإذا كانت الشيوعية الروسية أول من استخلص النتائج النظرية والعملية لهذا الوضع‪ ،‬فذلك للسممباب‬
‫نفسها التي أرغمت البروليتاريا الروسية على أن تكون أول من يخوض النضال من أجل السلطة‪.‬‬

‫إن كل ما جرى في أوروبا فيما بعد يدل علممى أننمما كنمما علممى حممق‪ .‬إن اليمممان بإمكانيممة إعممادة‬
‫توطيد الديمقراطية على كل ضعفها‪ ،‬إنما يعني التعلل بطوبائيات رجعية مسكينة‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫ميتافيزيقا الديمقراطية‬
‫حين شعر كاوتسممكي بممأن الرض التاريخيممة تميممد تحممت قممدميه‪ ،‬أنتقممل مممن الديمقراطيممة إلممى‬
‫فلسفة التجاوز وراح يتفذلك عما يجب أن يكون‪.‬‬

‫إن المبادئ الديمقراطية – سيادة الشعب‪ ،‬النتخاب العام‪ ،‬الحريممات – تبممدو لممه محاطممة بهالممة‬
‫الواجب الخلقي‪ .‬أنها تنفصل عن مضمونها التاريخي‪ ،‬وتبدو‪ ،‬إذا ما نظر إليها فممي طبيعتهمما المجممردة‪،‬‬
‫ثابتة مقدسة‪ .‬إن هذه الخطيئة الميتافيزيقية ليست بنت الصدفة‪ .‬فالمرحوم بليخممانهوف بعممدان كممان‪،‬‬
‫ضا في أواخر أيامه‪ ،‬بينممما كمانت تجتمماحه‬ ‫في أحسن مراحل حياته‪ ،‬الخصم اللدود للكانتيه‪ ،‬حاول هو أي ً‬
‫موجة الوطنية‪ ،‬أن يتعلق بقشة المر المطلق‪ .‬وهذا شيء له دللته العميقة‪.‬‬

‫أن كاوتسممكي يعممارض الديمقراطيممة الواقعيممة الممتي تعممرف إليهمما الشممعب اللممماني مممؤخًرا‬
‫بديموقراطية مثالية‪ ،‬كما يعارض الشيء في ذاته بالظاهرة المبتذلة‪ .‬إن كاوتسكي ل يدلنا بثقممة علممى‬
‫أي بلد ديموقراطي تضمن فيه الديمقراطيممة النتقممال غيممر المممؤلم إلممى الشممتراكية‪ .‬وبالمقابممل فممإن‬
‫قناعته بوجوب وجود مثل هذا البلد صلبة‪ .‬إن كاوتسممكي يعممارض الجمعيممة الوطنيممة اللمانيممة الحاليممة‬
‫التي هي أداة العجز والخبث الرجعي والدناءة بجمعية وطنيممة أخممرى متمتعممة بكممل الصممفات باسممتثناء‬
‫واحدة هي بل ريب قليلة الهمية‪ :‬صفة الوجود‪.‬‬

‫إن مذهب الديمقراطية الشكلية لم تخلقه الشتراكية العلمية بل الحق الطبيعي‪ .‬وماهية الحممق‬
‫الطبيعي تكمن في العتراف بالمعايير الحقوقية الخالدة الثابتة تجممد لهما فممي مختلممف الزممان ولمدى‬
‫ل‪ .‬أن الحق الطبيعي للتاريخ المعاصر‪ ،‬كما‬ ‫مختلف الشعوب تعبيرات مضيقة ومشوهة إن كثيًرا أو قلي ً‬
‫أنتجه العصر الوسيط‪ ،‬يشتمل قبل كل شيء على احتجاج على امتيازات الطوائف‪ ،‬وعلممى المنتجممات‬
‫"المصطنعة" للحق الوضعي القطاعي‪ .‬ولقد كانت عقيدة طبقة العامة‪ ،‬التي كانت ما تزال ضممعيفة‪،‬‬
‫تعبر عن مصلحتها الخاصة بواسطة بضعة معايير مثالية أصممبحت فيممما بعممد مممن تعمماليم الديمقراطيممة‬
‫واكتسبت في الوقت نفسه طابًعا فردي النزعة‪ .‬إن الشخصممية غايممة فممي ذاتهمما‪ .‬وللبشممر جميعًمما حممق‬
‫التعبير عن فكرهم بالكلم والكتابة‪ .‬ولكل إنسان الحق في اقتراع مساو لقتراع الخرين‪ .‬ولقد كممانت‬
‫ما وخطوة إلممى المممام‪ .‬ولكممن‬ ‫مطالب الديمقراطية‪ ،‬الرامزة إلى المعركة ضد القطاعية‪ ،‬تسجل تقد ً‬
‫كلما تقدمنا‪ ،‬تجلمي أكمثر فمأكثر المظهمر الرجعمي لميتافيزيقما الحمق الطمبيعي )نظريممة الديمقراطيمة‬
‫الشكلية(‪ :‬وهذا المظهر هو فرض معيار مثالي على المطالب المواقعية للجماهير الشغيلة والحممزاب‬
‫الثورية‪.‬‬

‫كان الحق الطبيعي‪ ،‬الذي أصبح نظرية الديمقراطية‪ ،‬يقول للعامممل‪" :‬البشممر جميعًمما متسمماوون‬
‫أمام القانون‪ ،‬مهما كان أصلهم‪ ،‬وصفتهم كمالكين أو غير مالكين‪ ،‬والدور الذي يؤدونه‪ .‬إن لهم جميعًمما‬
‫قا متساوًيا في أن يقرروا بالنتخابات مصائر الشعب"‪ .‬ولقد كان لهذا المعيار المثالي أثر ثوري فممي‬ ‫ح ً‬
‫وعي الجماهير‪ ،‬بمقدار ما كان يدين الحكم المطلق والمتيممازات الرسممتقراطية والنتخمماب المقصممور‬
‫على بعض الفئات‪ .‬أممما فيمما عمدا ذلمك‪ ،‬فقممد كمان ل يفعممل شميًئا سموى أن يخمدر أكممثر فمأكثر وعمي‬
‫الجماهير‪ ،‬ويضفي صفة شرعية على البؤس والعبودية والذل‪.‬‬

‫أن روتشيلد‪ ،‬الذي حول دم العالم وعرقه إلى نابوليونات ذهبية جميلة‪ ،‬ليس له إل صوت واحممد‬
‫في النتخابات البرلمانية‪ .‬وإن عام المنجم المغمور الذي ل يعرف أن يوقع اسمه والممذي ينممام طمموال‬
‫حياته تقريًبا بدون أن يخلع ثيابه والذي يحيا في المجتمع حيمماة الخلممد‪ ،‬يمسممك هممو الخممر بجممزيئة مممن‬
‫السيادة الشعبية‪ ،‬ويقف مساوًيا لروتشيلد أمام المحمماكم وأثنمماء النتخابممات‪ .‬أممما فممي شممروط الحيمماة‬
‫الواقعية‪ ،‬وفي العلقات الجتماعية‪ ،‬وفي العراف‪ ،‬فإن عدم المساواة بين البشر يتفاقم أكثر فممأكثر‪:‬‬
‫هنا ترا كم ثورات ل مثيل له‪ ،‬وهناك بؤس بل أمل‪ .‬لكن هممذه التناقضممات الرهيبممة تختفممي فممي البنيممة‬
‫الدورية للدولة‪ ،‬فل نرى فيها إلممى ظلل ً شممرعية مسمملوخة عنهمما أجسممامها‪" .‬المالممك‪ ،‬الفلح الميمماوم‪،‬‬
‫الرأسمالي‪ ،‬البروليتاري‪ ،‬الوزير‪ ،‬صممباغ الحذيممة‪ ،‬جميعهممم متسمماوون "كمممواطنين" و"مشممرعيه" لقممد‬
‫نزلت مساواة المسيحية الصموفية ممن إلمى السمماوات تحمت شمكل المسماواة فمي الحمق الطمبيعي‬
‫الديموقراطي‪ .‬لكنا لم تنزل حتى الرض بالذات‪ ،‬حتى الساس القتصادي للمجتمع‪ .‬إن الحق المثالي‬

‫‪27‬‬
‫في التأثير على مصممائر الشممعب بواسمطة النتخابمات البرلمانيمة ل يكماد يكممون‪ ،‬بالنسممبة إلمى الفلح‬
‫المياوم المغمور الذي ل يكف في أي لحظة من لحظات حياته عن أن يكون دابة ركوب مستغلة مممن‬
‫قبل الرأسمالي‪ ،‬أقول ل يكاد يكون أكثر واقعية من السعادة التي كان بوعد في الماضي بأنه ملقيهمما‬
‫في مملكة السموات‪.‬‬

‫ولقد دخل الحزب الشتراكي‪ ،‬الذي تقوده المصالح العملية للطبقة العاملة‪ ،‬في مرحلممة معينممة‬
‫في طريق البرلمانية وهذا ل يعني البتة أنه أعترف مبدئًيا بنظرية الديمقراطيممة الميتافيزيقيممة المبنيممة‬
‫على حق متعال على التاريخ والطبقات الجتماعية‪ .‬لقد كان المذهب البروليتاري يعتممبر الديمقراطيممة‬
‫أداة فممي خدمممة المجتمممع البورجمموازي‪ ،‬متلئمممة بالصممل كممل التلؤم مممع حاجممات وأهممداف الطبقممات‬
‫المسيطرة‪ .‬لكن المجتمع البورجوازي‪ ،‬الذي يعيش من عمل البروليتاريا ول يستطيع أن يمنعها‪ ،‬تحت‬
‫ضغط عقوبة النهيار‪ ،‬من أن تضفي صبغة شرعية على بعض مظمماهر الصممراع الطبقممي علممى القممل‪،‬‬
‫كان يعطي الحزاب الشتراكية إمكانية استخدام آلية الديمقراطية إلى حد معين وفي فممترات معينممة‪،‬‬
‫دون أن تلحق أي أذى بمبدئها غير المنظور‪.‬‬

‫لقد كانت المهممة الساسمية للحمزب الشمتراكي‪ ،‬فمي كمل مراحمل نضماله‪ ،‬أن يخلمق شمروط‬
‫مساواة واقعية اقتصادية‪ ،‬مساواة في العراف بين أعضاء المجتمع النساني‪ ،‬قائمة علممى التضممامن‪.‬‬
‫ولهذا على وجه التحديد يتوجب على نظريي البروليتاريا أن يكشفوا عممن وجممه ميتافيزيقمما البروليتاريمما‬
‫القناع الفلسفي الذي يحجب خلفه أضاليل سياسية‪.‬‬

‫وإذا كان الحزب الديموقراطي قد قال للجماهير‪ ،‬وهممو يكشممف فممي عنفمموان حماسممته الثوريممة‬
‫كذب معتقدات الكنيسة‪" :‬إنها تهدهدكم بوعد السعادة البديممة‪ ،‬فممي حيممن أنكممم علممى هممذه الرض بل‬
‫حقوق ورازحون تحت التعسف‪ ،‬فإن الحزب الشتراكي على حممق أكممثر فممي أن يقممول لهمما بعممد بضممع‬
‫عشرات من السنين‪" :‬إنهم يخدرونكم بوهم المساواة والحقوق السياسية‪ ،‬لكن إمكانية تحقيممق هممذه‬
‫دا مثالي ًمما لربطكممم‬
‫الحقوق منتزعة منكم‪ .‬إن المساواة الحقوقية‪ ،‬الظاهريممة والصممطلحية‪ ،‬تصممبح قي م ً‬
‫بعجة الرأسمال"‪.‬‬

‫ولقد جند الحزب الشتراكي‪ ،‬تحت راية هدفه الساسي‪ ،‬الجماهير من أجل العمممل البرلممماني‪،‬‬
‫لكنه لم يلتزم قط فممي أي مكممان مممن العممالم بممأل يقممود البروليتاريمما إلممى الشممتراكية إل عممن طريممق‬
‫البرلمانية‪ .‬ونحن بتلؤمنا مع النظام البرلماني‪ ،‬اقتصممرنا فممي العصممر السممابق علممى أن نكشممف نظممر‬
‫بأقناع الديمقراطية الممتي لمم نكممن نملممك القمموة بعممد للتغلممب عليهمما عملي ًمما‪ .‬لكممن المنحنممى العقمائدي‬
‫للشتراكية‪ ،‬الذي يتكون رغم النحرافممات والسمقطات وحممتى الخيانممات‪ ،‬ينتهممي برفممض الديمقراطيممة‬
‫وباستبدالها بآلية بروليتارية ما إن تصبح لدى الطبقة العاملة القوى اللزمة‪.‬‬

‫دا‪ ،‬لكنممه بمماهر الدللممة‪ .‬ففممي عممام ‪ 1888‬كتممب بممول لفممارغ فممي‬ ‫إننمما لممن نقممدم إل دليل ً واح م ً‬
‫"الشتراكي – المديموقراطي" )الروسمية(‪" :‬إن البرلمانيمة نظمام حكمومي يموهم الشمعب بمأنه يسمير‬
‫بنفسه شؤون البلد‪ ،‬مع أن السلطة كلها في الواقع متمركممزة فممي أيممدي البرجوازيممة‪ ،‬ل البورجوازيممة‬
‫كلها‪ ،‬بل بعض الفئات الجتماعية المرتبطة بهذه الطبقة‪ .‬إن البورجوازية‪ ،‬في مرحلة هيمنتها‪ ،‬ل تفهم‬
‫أو ل تحس بالحاجة إلى منح الشمعب هممذا الموهم‪ .‬ولهمذا فممإن جميممع بلممدان أوروبما بالبرلمانيممة بمدأت‬
‫بالنتخاب المقيد‪ .‬ففي كل مكان كان حق توجيه مصائر البلد السياسممية عممن طريممق انتخمماب النممواب‬
‫فا في البداية على الملك المتفاوتي الغنى‪ ،‬ولم يمتد إل فيما بعد إلى سمائر المممواطنين المذين لمم‬ ‫وق ً‬
‫قا للجميع ولكل مواطن في بعض البلدان‪.‬‬ ‫يواتهم الحظ في الثروة‪ ،‬إلى أن أصبح امتياز البعض ح ً‬

‫"في المجتمع البورجوازي‪ ،‬كلما كانت الثروة الجتماعية أكممبر‪ ،‬كممان عممدد مممن يمتلكونهمما أقممل‪.‬‬
‫وكذلك هو شأن السلطة‪ :‬فكلما تعاظمت جماهير المواطنين المتمتعة بالحقوق السياسية وازداد عدد‬
‫ممما‬
‫الحكام المنتخبين‪ ،‬تركزت السلطة الفعلية وأصبحت احتكاًرا لزمرة شخصمميات يتضمماءل عممددها يو ً‬
‫بعد يوم"‪ .‬هذا هو سر نظام الغالبيات‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫إن لفارغ يرى أن البرلمانية ستبقى ما بقيت هيمنة البورجوازية‪ .‬كتب يقول‪" :‬في اليمموم الممذي‬
‫ستستولي فيه بروليتاريا أوروبا وأميركا على الدولة‪ ،‬فإن عليها أن تنظم سلطة ثورية وتدير المجتمممع‬
‫إدارة ديكتاتورية ما لم تتلش البورجوازية باعتبارها طبقة اجتماعية"‪.‬‬

‫لقد كان كاوتسكي في الماضي يعمرف همذا التقمدير الشمتراكي لقيممة البرلمانيمة‪ ،‬ولقمد ردده‬
‫بنفسه عدة مرات‪ ،‬وإن خانه هذا الوضموح الفرنسمي الظريمف‪ .‬إن جحمود كاوتسمكي النظمري يكممن‬
‫على وجه التحديد في تخليه عن الديالكتيكية المادية ليعممود إلممى الحممق الطممبيعي معترفًمما بممأن المبممدأ‬
‫الديموقراطي مبدأ مطلق غير منظور‪ .‬إن ما كانت الماركسية تعتبره آلية مؤقتة للبورجوازية‪ ،‬وما لم‬
‫يكن يمكن استخدامه في السياسة إل مؤقًتا‪ ،‬بغاية إعداد الثممورة البروليتاريممة‪ ،‬يصمموره لنمما كاوتسممكي‬
‫على أنه مبدأ أزلي يقف فوق الطبقات وترتبط بممه بل مممراء طممرائق النضممال البروليتمماري‪ .‬إن تفسممخ‬
‫البرلمانية المناوئ للثورة قد وجد أكمل تعبير له فممي تممأليه الديمقراطيممة مممن قبممل نظريممي انحطمماط‬
‫الممية الثانية‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫الجمعية التأسيسية‬
‫إن الحصول على غالبية ديموقراطية في برلمممان بورجمموازي ليممس مسممتحيل ً اسممتحالة مطلقممة‬
‫بصورة مطلقة‪ .‬لكن هذه الواقعة حتى لو تحققت‪ ،‬فإنها لن تغير شيًئا‪ ،‬مبممدئًيا‪ ،‬مممن مجممرى الحممداث‪.‬‬
‫إن المثقفين المنتمين إلى الطبقات المتوسطة‪ ،‬المتأثرين بانتصار البروليتاريمما البرلممماني ** مقاومممة‬
‫أضعف تجاه النظام الجديد‪ .‬لكن المقاومممة الساسممية للبورجوازيممة سممتحددها وقممائع معينممة كالوقممائع‬
‫التالية‪ :‬حالة الجيش المعنوية‪ ،‬درجة تسلح العمممال‪ ،‬الوضممع فممي البلممدان المجمماورة‪ .‬وسممتتبع الحممرب‬
‫الهلية مجراها تحت تأثير هذه العوامل الواقعية ل تحت تأثير الحساب البرلماني الهش‪.‬‬

‫إن حزبنا لم يكن يرفض أن يقود البروليتاريا إلى الديكتاتورية مروًرا بالديمقراطيممة‪ .‬ولقممد كممان‬
‫يممدرك إدراك ًمما دقي ً‬
‫قمما المزايمما الممتي يقممدمها إلممى الدعايممة وإلممى العمممل السياسممي مثممل هممذا النتقممال‬
‫"المشروع" إلى النظام الجديد‪ .‬ومن هنا كانت محاولتنا لدعوة الجمعية التأسيسية‪ .‬لكنها فشلت‪ .‬لقد‬
‫وجد الفلح الروسي نفسه‪ ،‬هذا الفلح الذي أيقظته الثورة للحياة السياسية‪ ،‬تجاه دزينة من الحممزاب‬
‫كان هدف كل منها أن يبلبل أفكاره‪ .‬ولقد اعترضت الجمعية التأسيسية طريق الثورة فكنسناها‪.‬‬

‫إن الغالبية "التوفيقية" في الجمعية التأسيسمية لمم تكممن تعكممس إل النقممص فمي فكمر وأصممالة‬
‫الفئات الوسمطية فمي الممدن والريماف والعناصمر البروليتاريمة المتخلفمة‪ .‬وإذا مما نظرنما ممن زاويمة‬
‫ممما لممو أن‬
‫المكانيات التاريخية الموضوعية‪ ،‬فإننا نستطيع أن نقول أن الزمممة كممانت سممتكون أقممل إيل ً‬
‫الجمعية التأسيسممية قممد أسممقطت نهائي ًمما‪ ،‬خلل سممنتين مممن العمممل‪ ،‬حظمموة الشممتراكيين – الثمموريين‬
‫والمنشفيك لتحالفهم مع الكاديت‪ ،‬فتكون بذلك قد حققت انعطافًمما شممكلًيا لصممالح البولشممفيك مثبتممة‬
‫للجممماهير أنممه ليممس هنمماك فممي الواقممع إل قوتممان البروليتاريمما الثوريممة الممتي يقودهمما الشمميوعيون‪،‬‬
‫والديمقراطية المناوئة للثورة التي يقممف علمى رأسممها الجنمرالت والميممرالت‪ .‬لكمن عقممدة المسمألة‬
‫دا آنذاك عن التطممور بممالتوازي مممع الموقممف الممدولي‪ ،‬ولممو أن‬ ‫ليست ههنا‪ :‬فالموقف الداخلي كان بعي ً‬
‫حزبنا وضع ثقته‪ ،‬فيما يخص كل المسؤوليات في التربية الموضوعية "لمجرى المور"‪ ،‬فقد كممان مممن‬
‫الممكن أن توجهنا الحداث العسكرية وحدها‪ .‬لقد كان بمقدور المبريالية اللمانيممة أن تسمتولي علممى‬
‫بتروغراد التي كانت حكومة كرينسكي قد بدأت بإخلئها‪ .‬وخسممارة بطرسممبورغ كممانت سممتكون قاتلممة‬
‫بالنسبة إلى البروليتاريا الروسية التي كانت خير قواتها آنذاك هي قوات أسطول البلطيممق والعاصمممة‬
‫الحمراء‪.‬‬

‫ل يمكن إذن أن يلم حزبنا على أنه أراد أن يعاكس تيار التاريخ‪ ،‬بل على أنه قفز بضممع درجممات‬
‫من التطور السياسي لقد تخطى الشتراكيين – الثوريين والمنشفيك كي ل يسمح للعسكرية اللمانية‬
‫بأن تتخطى البروليتاريا الروسية وبأن تعقد معاهدة صلح مع "التفاهم" علممى حسمماب الثممورة قبممل أن‬
‫يتاح الوقت لها لبسط أجنحتها‪.‬‬

‫وليس من الصعب البتة أن نستخلص مما سبق الجواب على السؤالين اللذين يطرحهممما علينمما‬
‫كاوتسكي بصورة خادعممة‪ .‬وأولهممما‪ :‬لممماذا دعينمما الجمعيممة التأسيسممية ممما دمنمما نسممتهدف ديكتاتوريممة‬
‫البروليتاريا؟ وثانيهما‪ :‬إذا كانت الجمعية التأسيسية الولى التي اعتقدنا أن من واجبنمما أن نممدعوها قممد‬
‫انكشفت رجعيتها ولم تتجاوب مع مصالح الثورة‪ ،‬فلماذا نرفض أن ندعو جمعية تأسيسية جديممدة؟ إن‬
‫القصد الخفي لكاوتسكي هو إدانتنا بأننا رفضنا الديمقراطية‪ ،‬ل لسباب مبدئية‪ ،‬بل لنها كممانت ضممدنا‪.‬‬
‫فلنستعرض إذن الوقائع حتى نستطيع أن نلتقط هذه الحماقة المغرضة من أذنيها‪.‬‬

‫كان شعار "كل السلطة للسوفييتات!" شعار حزبنا منذ بداية الثورة‪ ،‬أي قبل مممدة طويلممة مممن‬
‫حل الجمعية التأسيسية‪ ،‬بل قبل مدة طويلة من صدور مرسوم دعوتها‪ .‬صحيح أننمما لممم نكممن نعممارض‬
‫السوفييتات بالجمعية التأسيسية القادمة المتي كمانت حكوممة كيرينسمكي تقلمل ممن احتممال دعوتهما‬
‫وتؤخرهمما باسممتمرار‪ .‬لكننمما بالتأكيممد لممم نكممن ننظممر إلممى الجمعيممة التأسيسممية القادمممة علممى طريقممة‬
‫الديموقراطيين البورجوازيين الصغار الذين كانوا يرون فيها سيد البلد الروسممية المؤهممل لتقريممر كممل‬
‫شيء‪ .‬لقد كنا ُنفهم الجماهير أمن منظماتها الثورية الخاصة – السوفييتات – هي التي تستطيع ويجب‬
‫قا فهممذا‬
‫ضا قاطًعا الجمعية التأسيسية مسممب ً‬
‫أن تكون سيدة الموقف بكل أصالة‪ .‬وإذا كنا لم نرفض رف ً‬

‫‪30‬‬
‫فقط لنها لم تكن تبدو معارضة لسلطة السوفييتات‪ ،‬بل معارضة لسلطة كيرينسممكي الممذي لممم يكممن‬
‫فا أنه إذا ما كانت الغالبية فممي الجمعيممة‬
‫هو نفسه إل رجل القش في يد البورجوازية‪ .‬كنا قد قررنا سل ً‬
‫التأسيسية إلى جانبنا‪ ،‬فإنها ستحل نفسها بنفسها بنقل سلطاتها إلى السوفييتات كما فعلت فيما بعممد‬
‫ما بتروغراد البلدية التي انتخبت على أوسع أسس النتخاب الديموقراطي‪ .‬ولقد حاولت‪ ،‬في كتابي‬ ‫دو ً‬
‫فمما لعصممر‬
‫سمما متخل ً‬
‫ً‬ ‫انعكا‬ ‫التأسيسية‬ ‫الجمعية‬ ‫من‬ ‫جعلت‬ ‫التي‬ ‫السباب‬ ‫أبين‬ ‫أن‬ ‫أوكتوبر"‪،‬‬ ‫"ثورة‬ ‫الصغير‬
‫تجمماوزته الثممورة‪ .‬ولممما كنمما ل نممرى تنظيممم السمملطة الثوريممة إل فممي السمموفييتات ولممما كممانت هممذه‬
‫السوفييتات تقبض على زمام السلطة الفعلية لحظة دعوة الجمعية التأسيسية‪ ،‬فقممد كممانت المسممألة‬
‫محلولة في نظرنا عن طريق الحل الجباري للجمعية التأسيسية التي لم تكممن مسممتعدة لحممل نفسممها‬
‫بنفسها لصالح سلطة السوفييتات‪.‬‬

‫لكن كاوتسكي يسألنا‪ :‬لماذا ل تدعون جمعية تأسيسية جديدة؟‬

‫لننا ل نشعر بالحاجة إلى ذلك‪ .‬وإذا كانت الجمعيممة التأسيسممية الولممى تسممتطيع أن تلعممب فممي‬
‫حينه دوًرا تقدمًيا مؤقًتا وذلك بإضفائها صفة شممرعية‪ ،‬فممي نظممر البورجوازيممة الصممغيرة‪ ،‬علممى سملطة‬
‫السوفييتات التي كانت في المرحلة الولى من تأسيسممها‪ ،‬فممإن السمملطة السمموفياتية لممم تعممد بحاجممة‬
‫الن‪ ،‬وبعممد سممنتين مممن ديكتاتوريممة البروليتاريمما المظفممرة‪ ،‬وبعممد الخفمماق التممام لكممل المشمماريع‬
‫"الديمقراطية" في سيبيريا وعلى شطآن البحر البيممض وفممي أوكرانيمما والقوقمماز‪ ،‬أقممول أن السمملطة‬
‫السوفياتية لم تعد بحاجة إلى أن تنال تصديق سلطة الجمعية التأسيسية المشممبوهة‪ .‬لكممن كاوتسممكي‬
‫يتسمماءل بلهجممة لويممد جممورج‪ :‬ألسممنا علممى حممق‪ ،‬ممما دام المممر كممذلك‪ ،‬فممي أن نسممتنتج أن حكومممة‬
‫السوفييتات تقوم على إرادة القلية باعتبار أنها تستبعد رقابة الستشارة الشعبية؟‬

‫إن هذه الفكرة تمر بجانب الهدف‪.‬‬

‫إذا كان النظام البرلماني ل يعبر إل بصورة مجملة‪ ،‬حتى في عصر تطوره "الهممادئ" الموثمموق‪،‬‬
‫عن الحالة المعنوية للبلد‪ ،‬وإذا كان فقد نهائًيا في عصر العواصف الثورية القدرة على متابعممة نضممال‬
‫وتطور الوعي السياسي‪ ،‬فإن نظام السوفييتات يشكل اتصال ً أوثق وأصدق وأكثر عضمموية إلممى ممما ل‬
‫نهاية بغالبية الشغيلة‪ .‬وأهم دللة له ليست التعبير بصورة سكونية عن الغالبية‪ ،‬بل أن يصيغها بصممورة‬
‫ديناميكية‪ .‬ولقد دللت الطبقة العاملة الروسية‪ ،‬بدخولها في طريق الديكتاتورية الثوريممة‪ ،‬علممى أنهمما ل‬
‫تبني سياستها‪ ،‬فممي مرحلممة النتقممال‪ ،‬علممى فممن منافسممة الحممزاب المتقلبممة كيممما تنممتزع منهمما بعممض‬
‫الصوات الفلحية‪ ،‬بل على مبادهة الجماهير الفلحية العاملة باتفاق تممام مممع البروليتاريمما وإدارة البلد‬
‫فممي إطممار المصممالح الحقيقيممة للشممغيلة‪ .‬إن هممذه لديموقراطيممة عميقممة الختلف عممن الديمقراطيممة‬
‫البرلمانية‪.‬‬

‫والن إذ تقمموم المهمممة الساسممية للثممورة – وهممذه مسممألة حيمماة أو ممموت – علممى صممد هجمموم‬
‫العصابات البيضاء‪ ،‬هل يفكر كاوتسكي بأن "غالبية برلمانية" ما قادرة علممى تممأمين تنظيممم أشممد قمموة‬
‫صا وظفًرا للدفاع الثوري؟ إن شروط النضال تطممرح نفسممها بوضمموح كممبير فممي البلد المطوقممة‬ ‫وإخل ً‬
‫بالحصار السافل‪ ،‬حتى أن الطبقات الوسطية والزمر الجتماعية ليس لهما مممن خيممار إل بيمن دينيكيممن‬
‫وحكومة السوفييتات‪ .‬وهل ثمة حاجة إلى براهيممن جديممدة بعممد أن رأينمما أحممزاب الوسممط‪ ،‬المنشممفيك‬
‫والشتراكيين – الثوريين‪ ،‬تنقسم على نفسها على هذا النحو؟‬

‫دا للجمعية‪ ،‬أن تقف الحرب الهلية أثناء الفممترة‬ ‫هل يتوقع كاوتسكي‪ ،‬باقتراحه علينا انتخاًبا جدي ً‬
‫النتخابية؟ وإذا كان ينوي أن يدفع بالممية الثانية إلى مثل هذا التجاه‪ ،‬فلنسرع لنعلمممه أن مثممل هممذا‬
‫التجاه لم يعد له من حظوة ل في نظرنا ول في نظر دينيكين‪ .‬وإذا ما استمرت الحرب بين عصممابات‬
‫المبريالية وبين جيش العمممال والفلحيممن‪ ،‬وإذا ممما تمموجب علممى النتخابممات أن تقتصممر علممى أراضممي‬
‫السوفييتات‪ ،‬فهل سيطلب كاوتسكي أن نترك للحزاب التي تؤيد دينيكين حممق الدعايممة الحممرة؟ إنهمما‬
‫لثرثرة بائسة فارغة‪ :‬فما من حكومة قط تستطيع أن تسمح في أي ظرف كممان بتعممبئة قمموى العممداء‬
‫التي تحاربها من خلف صفوف جيوشها‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫إن وجمود زهمرة سمكاننا الشمغيلة فمي الجبهمة فمي همذا الموقت ل يحتمل أي مكمان فمي طمرح‬
‫كاوتسكي للمسألة‪ .‬إن البروليتاريين المتقدمين والفلحين الواعين الذين يقفون‪ ،‬في جميع النتخابات‬
‫وفي جميع العمال السياسية الجماهيرية في الصف الول ويوجهون رأي الشممغيلة العممام‪ ،‬موجممودون‬
‫الن جميًعا في الجبهات‪ ،‬في الجيش الحمر‪ ،‬حيث يحممارب المفوضممون والضممباط والجنممود ويموتممون‪.‬‬
‫وإذا كانت حكومات الدول الديمقراطية البورجوازية‪ ،‬التي يقوم نظامها على البرلمانية‪ ،‬قممد رأت أنهمما‬
‫ل تستطيع أن تجري النتخابات طوال مدة الحرب‪ ،‬فإنه لمن السخف البالغ بالمقابل أن يطلممب مثممل‬
‫هذا الشيء من روسيا السوفييتات التي ليس فيها من مكممان للبرلمانيممة‪ .‬ويكفينمما أن حكومممة روسمميا‬
‫الثورية لم تعرقممل‪ ،‬حممتى فممي أخطممر السمماعات‪ ،‬تجديممد سمموفييتاتها المحليممة والمركزيممة عممن طريممق‬
‫النتخابات‪.‬‬

‫وسممنقول أخيمًرا‪ ،‬وكنتيجممة نهائيممة‪ ،‬لننيممر عقممل كاوتسممكي‪ ،‬إن الكاوتسممكيين الممروس أنفسممهم‪،‬‬
‫منشفيك مارتوف ودان‪ ،‬ل يعتقدون أن من الممكن الن طلممب دعمموة الجمعيممة التأسيسممية ويممرجئون‬
‫هذا المشروع الجميل إلى أيام أفضل‪ .‬لكن هل سنحتاج إليه آنذاك؟ من المسمموح لنما أن نشمك فمي‬
‫ذلك‪ .‬فعندما ستنتهي الحرب الهلية‪ ،‬فإن الطبقة العاملممة سممتثبت قوتهمما الخلقممة وسممتبين للجممماهير‬
‫فا كل ما يمكن أن تقدمه لها‪ .‬إن جميع السكان سينخرطون فممي عجلممة النظممام القتصممادي‬ ‫الكثر تخل ً‬
‫والدارة الذاتية السوفياتية‪ ،‬عن طريمق التطممبيق العقلنممي للعمممل اللزامممي وتنظيممم مركمزي لتوزيممع‬
‫المنتجات‪ .‬إن السوفييتات نفسها‪ ،‬التي هي اليوم أجهزة السلطة‪ ،‬سممتتحول إلممى منظمممات اقتصممادية‬
‫خالصة‪ .‬وفي مثممل هممذه الشممروط نشممك فممي أن فكممرة تتويممج البنايممة الواقعيممة للمجتمممع الشممتراكي‬
‫بواسطة جمعية تأسيسية )‪ (2‬بالية وأثرية‪ ،‬ستخطر لي كان‪ ،‬وبخاصة أن هذه الجمعية لممن تسممتطيع إل‬
‫أن تصدق على "تكوين" مختلف المؤسسات التي كانت البلد بحاجة إليها قبلها وبدونها‪.‬‬

‫‪ ()2‬كيما يغرينا كاوتسكي بالجمعية التأسيسية‪ ،‬فإنه يدعم براهينه القائمة على المر المطلق باعتبارات‬
‫مأخوذة من الرسم البياني للقطع النادر‪ .‬يقول‪" :‬إن روسيا بحاجة لمساعدة الرأسمال الجنبي‪ .‬والحال أن‬
‫روسيا السوفييتات ستحرم من هذه المساعدة إذا لم تدع الجمعية التأسيسية ولم تمنح حرية الصحافة‪ ،‬ل‬
‫لن الرأسماليين مؤمنون بالمثالية الديمقراطية – إنهم لم يترددوا في إقراض القيصرية عدًدا ل بأس به من‬
‫المليارات – بل لنهم ل يثقون‪ ،‬في مجال العمال‪ ،‬بنظام السوفييتات" )ص ‪.(144‬‬
‫ثمة ذرة من الحقيقة في هذا الخلط‪ .‬فالبورصة قد دعمت بالفعل حكومة كوتشاك‪ .‬لكنها دعمتها‬
‫ضا عندما شتتت الجمعية التأسيسية‪ .‬لقد عززت البورصة قناعتها‪ ،‬عن طريق تجربة كولتشاك‪،‬‬ ‫بقوة أكبر أي ً‬
‫بأن آلية الديمقراطية البورجوازية يمكن أن تستخدم لخدمة قضية الرأسمالية ثم تطرح فيما بعد كثوب‬
‫رث‪ .‬ومن المحتمل كثيًرا أن تقبل البورصة بمد الجمعية التأسيسية بقروش جديدة مقابل رهون معينة بأمل‬
‫ما التجربة السابقة – أن ترى الجمعية التأسيسية توطد من جديد الديكتاتورية الرأسمالية‪.‬‬
‫– أمل تبرره تما ً‬
‫إننا ل نفكر بأن ندفع مثل هذا الثمن من أجل "ثقة أرباب العمال" في البورصة‪ ،‬ونفضل عليه ألف مرة‬
‫الثقة التي توحي بها إلى البورصة أسلحة الجيش الحمر‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫حول الرهاب‬
‫يئن كاوتسكي‪:‬‬

‫"تؤدي الثورة إلى إرهاب دموي تستخدمه حكومات اشتراكية‪ .‬ولقد كان البلشممفة فممي روسمميا‬
‫أول من سار في هذا الطريق‪ .‬وهذا ما صب عليهم بأقسى صورة استنكار جميع الشتراكيين الذين ل‬
‫يقبلون بوجهة النظر البولشفية والذين تقف إلى جمانبهم الغالبيمة اللمانيمة‪ .‬لكمن همؤلء الخيريمن مما‬
‫كادوا يشعرون بأن هيمنتهم مهددة حتى لجؤوا بدورهم بدون تردد إلممى طممرائق الرهمماب الممتي أدانمموا‬
‫استعمالها في الشرق"‪.‬‬

‫ويخيل إلينا أنه كان من الواجب الستنتاج من هذه المقدمات أن الرهاب أعمق ارتباط ًمما بكممثير‬
‫بطبيعة الثورة مما يفكر بعض الحكماء‪ .‬أما كاوتسكي فإنه يستخلص نتيجة معاكسمة كلًيما‪ .‬إن التطمور‬
‫المممدهش لرهمماب الممبيض والحمممر فممي مختلممف الثممورات الخيممرة – الروسممية والفنلنديممة واللمانيممة‬
‫والنمساوية والمجرية – لهو في نظره دليل على أن هذه الثورات انحرفت عممن طريقهمما القممويم ولممم‬
‫تتجل كما كان يجب أن تتجلى حسب أحلمه النظرية‪ .‬وبممدون أن نتممأخر فممي نقمماش "تلزم" الرهمماب‬
‫ضا "في ذاتها"‪ ،‬فلنقف عنممد مثممال بعممض الثممورات‬ ‫المنظور إليه "في ذاته" مع الثورة المفهومة هي أي ً‬
‫كما يظهرها لنا تاريخ النسانية الحي‪.‬‬

‫إننا سنذكر أول ً بعهد الصلح الذي رسم خط شبه فاصل بين العصر الوسيط والتاريخ الحديث‪:‬‬
‫عا وتممزداد‬
‫فكلما كان الصلح يعانق المزيد من المصالح العميقة للجماهير الشعبية‪ ،‬كممان يممزداد اتسمما ً‬
‫ضمما قسمموة الرهمماب مممن كل‬ ‫ضراوة الحرب الهلية التي كانت تدور تحممت الرايممات الدينيممة‪ ،‬وتممزداد أي ً‬
‫الجانبين‪.‬‬

‫لقد قامت إنكلترا في القرن السابع عشر بثورتين‪ :‬الولممى الممتي أشممعلت انفجممارات اجتماعيممة‬
‫عنيفة وحروًبا طويلة وأدت إلى إعدام شارل الول‪ ،‬والثانية التي انتهممت نهايممة سممعيدة بصممعود أسممرة‬
‫مالكة جديدة إلى العممرش‪ .‬إن البورجوازيممة النكليزيممة ومؤرخيهمما ينظممرون إلممى همماتين الثممورتين مممن‬
‫زاويتين مختلفتين‪ :‬فالولى في نظرهم مذبحة مقرفة و"عصيان" عظيم‪ ،‬أما الثانية فقد لقيممت باسممم‬
‫"الثورة المجيدة"‪ .‬ولقد بين المؤرخ الفرنسي أوغستان تييري أسباب هذا الختلف في التقدير‪ .‬ففي‬
‫الثورة النكليزية الولى‪ ،‬في "العصيان الكبير"‪ ،‬كممان الشممعب يعمممل‪ ،‬أممما فممي الثانيممة فقممد "صمممت"‬
‫تقريًبا‪ .‬ومن هنا ينتج أنه من الصعب للغاية‪ ،‬في نظام قائم على العبودية الطبقية‪ ،‬أن تتعلم الجممماهير‬
‫المضطهدة الطرائق المهذبة‪ .‬فهي إذا ما استشاط غضبها قاتلت بالدبابيس والحجارة‪ ،‬بالنار والحبممل‪.‬‬
‫فهي إذا ما استشاط غضبها قاتلت بالدبابيس والحجارة‪ ،‬بالنار والحبل‪ .‬ولقد أحممس أحيان ًمما المؤرخممون‬
‫الذين نذروا أنفسهم لخدممة الملموك والمسمتغلين بالهانممة بسمبب ذلممك‪ .‬لكمن لنلحممظ أن "العصميان‬
‫الكبير" ل "الثورة المجيدة" هو الذي يحتممل مكمانه فممي تاريممخ إنكلمترا الحديثمة )البورجوازيمة( كحمدث‬
‫حاسم‪.‬‬

‫دا بسبب‬
‫وأهم حدث في التاريخ الحديث بعد ** الحدث الذي خلف وراءه الحدثين السابقين بعي ً‬
‫أهميته‪ ،‬كان الثورة الفرنسية الكبرى‪.‬‬

‫لقد ولدت الثورة الكلسيكية الرهاب الكلسيكي‪ .‬وكاوتسمكي مسمتعد ليعمذر إرهماب اليعاقبمة‪،‬‬
‫معترًفا بأن أي تدبير آخر ما كان ليسمح لهم بإنقاذ الجمهورية‪ .‬لكن ل يدري أحد ما الفممائدة مممن هممذا‬
‫التبرير المتأخر‪ .‬لقد كان اليعاقبمة يجسمدون الشمر فمي نظمر كاوتسمكيي نهايمة القمرن الثمامن عشمر‬
‫)زعماء حزب الجيرونديين الفرنسي(‪ .‬وإليكم هذه المقارنة المبتذلة التي فيها من الدللة ما فيها بيممن‬
‫الجيرونديين الفرنسيين "كممان كل الطرفيممن يريممد الجمهوريممة‪ ."...‬لكممن الجيرونممديين "كممانوا يريممدون‬
‫جمهورية شرعية‪ ،‬حرة‪ ،‬كريمة‪ .‬أما الجبليون فكانوا يريدون )!( جمهوريممة اسممتبدادية رهيبممة‪ .‬كممان كل‬
‫قمما بكلمممة الشممعب مجممموع‬ ‫الطرفين يعلن أنه مع سيادة الشممعب‪ .‬لكممن الجيرونممديين كممانوا يعنممون ح ً‬
‫السكان‪ ،‬في حين أن الشعب بالنسبة إلى الجبليين لم يكممن إل الطبقممة الكادحممة‪ .‬ومنممذ ذاك أصممبحت‬

‫‪33‬‬
‫السلطة بيد الشخاص الخيرين"‪ .‬إن التناقض بين فرسان الجمعيممة التأسيسممية والمنفممذين الممدمويين‬
‫للديكتاتورية والبروليتارية تدل عليه ههنا بما فيه الكفاية تعابير العصر السياسية‪.‬‬

‫إن ديكتاتورية اليعاقبة الحديدية قد أملها موقف فرنسا الثورية البالغ الحرج وإليكممم ممما يقمموله‬
‫مؤرخ بورجوازي‪" :‬كانت الجيوش الجنبية قد دخلممت الراضممي الفرنسممية مممن أربعممة جمموانب فممي آن‬
‫واحممد‪ .‬فممي الشمممال النكليممز والنمسمماويون فممي اللممزاس‪ ،‬البروسمميون‪ .‬فممي دوفينممي وحممتى ليممون‪،‬‬
‫دا‬
‫البيمونتيون‪ .‬وفي روسيون‪ ،‬السبانيون‪ .‬وهذا في الوقت الذي كانت فيه الحرب الهلية تعبممث فسمما ً‬
‫ضمما العممداء‬
‫في أربع نقمماط مختلفممة‪ :‬فممي نورمانممدي وفانممدي وليممون وطولممون‪ .‬وينبغممي أن نضمميف أي ً‬
‫الداخليين‪ ،‬المدافعين المتسترين عن النظام القديم‪ ،‬المستعدين لمساعدة العدو بكل الوسائل"‪.‬‬

‫طا بظممروف ل تقممل‬ ‫ونحن سنقول أن تشديد الديكتاتورية البروليتارية فممي روسمميا كممان مشممرو ً‬
‫جا‪ .‬جبهة متصمملة مممن الشمممال إلممى الجنمموب‪ ،‬ومممن الشممرق إلممى الغممرب‪ .‬وعلوة علممى جيمموش‬ ‫إحرا ً‬
‫كولتشاك ودينيكين المناوئة للثورة‪ ،‬كانت روسيا السوفياتية تهاجم بالتواقت أو التتابع من قبل اللمان‬
‫والنمسممماويين والتشيكوسممملوفاكيين والروممممانيين والفرنسممميين والنكليمممز والميركمممان واليابمممانيين‬
‫والفنلنديين والستونيين والليتوانيين‪ .‬أما في داخل البلد‪ ،‬المحاصرة من جميع الطممراف والمحتضممرة‬
‫عا‪ ،‬فكانت ل تنقطع المؤامرات والتمرد والعمال الرهابيممة وتممدمير المسممتودعات وسممكك الحديممد‬ ‫جو ً‬
‫والجسور‪" .‬كانت الحكومة التي أخذت علممى عاتقهمما أن تحممارب العممدو الممذي ل يحصممى لممه عممدد فممي‬
‫شا كافًيا‪ ،‬وبكلمة واحممدة ل شمميء‪ ،‬باسممتثناء طاقممة ل حممد لهمما‪،‬‬‫الخارج والداخل‪ ،‬ل تملك ل مال ً ول جي ً‬
‫وتأييد حار من قبل العناصر الثورية في البلد وجرأة اللجوء إلى جميع التدابير من أجل سلمة الوطن‬
‫مهما كانت قاسية تعسفية غير شرعية"‪ .‬بهذه العبارات كممان بليخممانوف يصممف فممي الماضممي حكومممة‬
‫اليعاقبة )الشتراكي – الديموقراطي لمحة سياسية وأدبية عن فترة ثلثة أشهر‪ .‬شباط‪ ،‬الجممزء الول‪.‬‬
‫لندن ‪ .1890‬مقال عن "الذكرى المئوية للثورة الكبرى" ص ‪ 6‬و ‪.(7‬‬

‫لكن لنلتفت إلى الثورة التي حدثت في النصف الثاني من القرن التاسممع عشممر‪ ،‬فممي الوليممات‬
‫المتحدة‪ ،‬بلد "الديمقراطية"‪ .‬فبالرغم من أنها لم تكن تهدف إلى إلغاء الملكية الخاصة‪ ،‬بل إلى إلغمماء‬
‫تجارة الزنوج‪ ،‬إل أن مؤسسات الديمقراطية عجزت مع ذلك عن حل النزاع بالطريق السلمي‪ .‬كممانت‬
‫وليات الجنوب‪ ،‬التي هزمت في انتخابات ‪ 1860‬الرئاسممية‪ ،‬قممد قممررت أن تسممتعيد‪ ،‬بممأن ثمممن كممان‪،‬‬
‫النفوذ الذي مارسته حتى ذلك الحين بفضل البقاء على عبودية الزنوج‪ ،‬وبينما كانت تلقي‪ ،‬كما جممرت‬
‫العادة‪ ،‬خطابات بليغة عن الحرية والستقلل‪ ،‬سارت في الطريق الممذي أدى إلمى تمممرد ملك العبيممد‪.‬‬
‫ما جميع نتائج الحرب الهلية اللحقة‪ .‬ومنذ بداية النزاع اعتقلت حكومة‬ ‫وكان ل بد أن تنتج عن ذلك حت ً‬
‫دا مممن أنصممار الممرق رغممم القمانون الممذي يمنممع اعتقممال‬
‫بالتيمور العسكرية في حصن ماك – هنري عد ً‬
‫المواطنين بدون قرار من الحكمة‪ .‬وقد كانت شرعية أو ل شرعية هذه العمال مثار نقاش حمماد بيممن‬
‫أعيان المنطقة‪ .‬وقد صرح القاضي الول تيني أن رئيممس الجمهوريممة ل يملممك ل حممق تعليممق القممانون‬
‫السابق الذكر‪ ،‬ول حق منح المسؤولين العسكريين مثل هذه السلطات‪ .‬وقد قال أحممد أوائل مممؤرخي‬
‫الحرب الميركية‪" :‬كان هذا هو‪ ،‬حسب كل احتمال‪ ،‬الحل الطبيعي للمسألة‪ .‬لكن الموقممف كممان بممالغ‬
‫الحرج‪ ،‬وضرورة اتخاذ تدابير جذرية تجاه سكان بممالتيمور ملحممة للغايممة إلممى حممد أن شممعب وحكومممة‬
‫الوليات المتحدة كانا يطالبان بأحزم التممدابير"‪") .‬تاريممخ الحممرب الميركيممة"‪ ،‬بقلممم فليتشممر‪ ،‬ملزم –‬
‫كولونيل في رماة الحرس اليرلنديين‪ ،‬مترجم إلى النكليزية‪ ،‬سان – بترسبورغ‪ ،1867 ،‬ص ‪.(95‬‬

‫والبضائع القليلة الممتي كمان الجنمموب الثمموري بحاجممة إليهمما كممانت تممأتيه سمًرا عممن طريممق تجممار‬
‫الشمال‪ .‬وفي مثل هذه الشروط لممم يعممد أمممام سممكان الشمممال إل اللجمموء إلممى القمممع‪ .‬وفممي ‪ 6‬آب‬
‫‪ 1861‬صدق رئيس البلد على مشروع قانون مقدم من قبل الكممونغرس بمصممادرة الملكيممة الخاصممة‬
‫المستخدمة لغراض العصيان‪ .‬وكان الشعب‪ ،‬ممثل ً بالعناصر الكثر ديموقراطيممة‪ ،‬يميممل إلممى التممدابير‬
‫القصوى‪ .‬وكان للحزب الجمهوري في الشمال غالبية كاسحة وكان كل من يشتبه فممي أنممه انفصممالي‪،‬‬
‫أي محبذ لوليات الجنوب المنشقة‪ ،‬يتعرض للعنف‪ .‬وفي عدد ممن ممدن الشممال وحمتى فمي وليمات‬
‫إنكلترا الجديدة التي كانت تتباهى باستتباب النظام فيها‪ ،‬قام السكان في عدة مناسبات بنهب مراكممز‬
‫الصحف التي كانت تؤيد أنصار الرق وحطموا مطابعها‪ .‬ولم يكن من النادر أن يرى النسان الناشرين‬
‫الثوريين مطليين بالقطران‪ ،‬ممرغين في الريش‪ ،‬ومعروضين في الشوارع بهذا الزي إلممى أن يقبلمموا‬
‫بحلف اليمان على الخلص للتحاد‪ .‬وكممانت شخصممية المممزارع المطلممي بممالقطر أن تفقممد كممل صمملة‬
‫بم"الشيء في ذاته"‪ ،‬وهكذا تعرض المر المطلق الذي قال به كانت إلى أكثر من فشل أثنمماء الحممرب‬

‫‪34‬‬
‫الميركية الهلية لكن ليس هذا كل شيء‪ .‬يروي لنا المؤرخ نفسه‪" :‬ولجأت الحكومة مممن جانبهمما إلممى‬
‫تدابير قمع متنوعة ضد المنشورات التي ل تتبنى وجهة نظرها‪ .‬ووجدت الصحافة الميركية التي كانت‬
‫تتمتع بأكبر حرية ممكنة‪ ،‬وجدت نفسها بسرعة في وضمع مؤسممف ل يفمترق بشمميء عمن الوضمع فمي‬
‫أوروبا في عهد الحكم الملكي المطلق‪ .‬ولقد عانت حريممة الكلم مممن المصممير نفسممه‪ .‬وهكممذا – يتممابع‬
‫ممما فممي المموقت نفسممه مممن معظممم‬ ‫الملزم – الكولونيل فليتشر – وجد الشعب الميركي نفسه محرو ً‬
‫فا بلهجة الخلقي – أن غالبية السممكان كممانت مممأخوذة بممالحرب‬ ‫حرياته‪ .‬ومن المفيد أن نلحظ – مضي ً‬
‫ومستعدة للقبول بجميع التضحيات من أجل الوصول إلى هدفها حتى أنه كان يبدو عليها أنها لم تتممبين‬
‫أنها خسرت حرياتها ولم تأسف عليها قط" )"تاريخ الحرب الميركية" – ص ‪.(164 – 162‬‬

‫ولقد كان رد فعل دممويي الجنمموب أنصمار المرق وأتبماعهم الرعماع أشمد وأعنممف بكمثير‪ .‬يمروي‬
‫الكونت دي باري‪" :‬في كل مكان كانت تتكون فيه غالبية تؤيد ملك العبيممد‪ ،‬كممان الممرأي العممام يصممبح‬
‫دا إلى درجة رهيبة إزاء القلية‪ .‬وكان جميع الذين يأسفون علممى العلممم القممومي مرغميممن علممى‬ ‫مستب ً‬
‫التزام الصمت‪ .‬لكن تبين أن هذا ل يكفي‪ .‬وكما يحدث في الثورات كافة‪ ،‬فقد أرغمم اللمبمالون علمى‬
‫إظهار تعلقهم بالقضية الجديدة‪ .‬ومن كان يرفض منهم كان يصبح عرضة لكراهيمة الرعمماع وعنفهمم‪...‬‬
‫وفي كل مراكز الحضارة الوليدة )وليات الجنوب الغربي( تشكلت لجان رقابة مؤلفة من جميع الذين‬
‫عرفوا بتطرفهم في المعركمة النتخابيممة‪ ...‬وكمان الملهمى المكمان الطمبيعي للجتمماع وكمانت حفلت‬
‫الدعارة تختلط بخطابات بائسة لتمجيد العدالة‪ .‬وكان بعض المهووسين يجلسون حممول مممائدة يسمميل‬
‫منها الوسكي‪ ،‬ويحاكمون مواطنيهم الحاضرين والغائبين‪ .‬وكان المتهم يشاهد تهيئة الحبممل المشممؤوم‬
‫حتى قبل أن توجه إليه السئلة‪ .‬ومن ل يحضر أممام المحكمممة كممان يعلمم بممالحكم عليمه وهمو يسمقط‬
‫صريًعا تحت رصاص الجلد القابع بين أشجار الغابة‪ "...‬أن هذه الصورة تممذكر بالمشمماهد الممتي تحممدث‬
‫يومًيا في المناطق الممتي يعمممل فيهمما دينيكيممن وكولتشمماك ويممودينيتش وسمائر أبطممال "الديمقراطيممة"‬
‫الفرنسية – النكليزية والميركية‪.‬‬

‫كيف كانت تطرح مسألة الرهاب في ظل كوميونة باريس؟ هممذا ممما سممنراه فيممما بعممد‪ .‬ومهممما‬
‫يكن من أمر‪ ،‬فإن الجهود التي يبذلها كاوتسكي ليعارضنا بالكوميونة ل تستند إلى أساس مممن الصممحة‬
‫وترغمه على الوقوع في لفظية حقيرة‪.‬‬

‫ما" وإرهاب الحرب الهلية‪ ،‬لكن كاوتسممكي‪،‬‬ ‫ينبغي على ما يبدو أن نعتبر اعتقال الرهائن‪ ،‬متلز ً‬
‫خصم الرهاب واعتقال الرهمائن‪ ،‬مؤيمد لكوميونمة بماريس ممع ذلمك )صمحيح أنهما شمهدت النمور قبمل‬
‫ما(‪ .‬بيد أن الكوميونة لم تتردد في أخذ الرهائن‪ .‬ومن هنا كان بعممض الحممرج لممدى مؤلفنمما‪.‬‬
‫خمسين عا ً‬
‫لكن ما الفائدة من مهارة اللغو والمحاججة أن لم تستخدم في مثل هذه الظروف؟‬

‫إن مراسيم الكوميونة عن الرهائن وتنفيذ حكم العدام فيها‪ ،‬جواًبا على فظمائع إتبماع فرسماي‪،‬‬
‫قد أملتها – حسب تفسير كاوتسكي العميق‪ .‬الرغبة في الحفاظ على الحيوات النسانية ل الرغبة في‬
‫القتل‪ .‬يا له من اكتشاف مدهش! لكن ل يبقى علينمما إل أن نوسممعه‪ .‬إننمما نسممتطيع ويتمموجب علينمما أن‬
‫نفهم العالم أننا في أيام الحرب الهلية كنا نبيد الحرس البيض حتى ل يبيد الشغيلة‪ .‬ومممن هنمما ليممس‬
‫هدفنا حذف الحيوات النسانية بل الحفمماظ عليهمما‪ .‬وإذا ممما تمموجب علينمما‪ ،‬للحفمماظ عليهمما‪ ،‬أن نحممارب‬
‫والسلح في أيدينا‪ ،‬وإذا ما أدى بنا هذا إلى عمليات إبادة‪ ،‬فإن لفي هذا لغًزا‪ ،‬اسممتطاع العجمموز هيغممل‬
‫أن يكتشف سره الديالكتيكي‪ ،‬هذا إذا لم نشأ أن نتحدث عن الحكماء المنتمين إلى مدارس أقدم‪.‬‬

‫إن الكوميونة ما كانت لتستطيع أن تقف على قدميها وتوطد نفسها إذا لم تشن حرًبا ل همموادة‬
‫فيها ضد إتباع فرساي‪ .‬ولقد كان لهؤلء عدد ل بممأس بممه مممن العملء فممي بمماريس‪ .‬وممما كممان بمقممدور‬
‫الكوميونة‪ ،‬وهي تحارب عصابات تيير‪ ،‬إل أن تبيد أتباع فرساي سممواء أفممي الجبهممة أم فممي المممؤخرة‪.‬‬
‫ولممو تخطممت سمملطتها حممدود بمماريس‪ ،‬لصممطدمت – مممع تطممور الحممرب الهليممة مممع جيممش الجمعيممة‬
‫التأسيسية – بأعداء أشد خطًرا في صفوف السكان بالذات‪ .‬لم يكن إذن باسمتطاعة الكوميونمة وهمي‬
‫تقف في وجه الملكيين أن تمنح حرية الكلم لعملئهم في المؤخرة‪.‬‬

‫إن كاوتسكي‪ ،‬رغم الحداث الكبيرة الراهنة‪ ،‬ل يكون لنفسه أي فكرة عن الحرب بشممكل عممام‬
‫وعن الحرب الهلية بشكل خاص‪ .‬أنه ل يتوصل إلى أن يفهم أن كل نصير لتيير فممي بمماريس لمم يكممن‬

‫‪35‬‬
‫مجرد "خصم" عقائدي لرجال الكوميونة‪ ،‬بل عميل ً وجاسو ً‬
‫سا لتيير‪ ،‬عدًوا مميًتا‪ ،‬يترقب اللحظة الممتي‬
‫يستطيع فيها أن يطلق النار على ظهورهم‪ .‬والحال أن العدو يجب أن يكون فمي وضمع يسممتحيل معممه‬
‫أن يؤذي‪ ،‬وهذا ما ل يتوفر في زمن الحرب إل بحذفه‪.‬‬

‫وفي الثورة كما في الحرب ينبغي تحطيم إرادة العدو وإرغامه على الستسلم راضًيا بشممروط‬
‫المنتصر‪.‬‬

‫إن الرادة لهي بالتأكيد ذات صفة بسيكولوجية‪ ،‬لكن الثورة بخلف الحفلة الخطابية أو الجتماع‬
‫العام أو المؤتمر‪ ،‬تسعى وراء أهدافها باللجوء إلى وسائل مادية وإن بأقل من حدود الحرب‪.‬‬

‫لقد استولت البورجوازية على السلطة بممالتمرد‪ ،‬ووطممدتها عممن طريممق الحممرب الهليممة‪ .‬وهممي‬
‫تحافظ على السلطة في أيام السلم بمعونة جهاز للقمع شديد التعقيد‪ .‬وما دام هنمماك مجتمممع طبقممي‬
‫قائم على أعمق التناحرات‪ ،‬فإن استعمال القمع أمر ل مفر منه لخضاع الطرف الخصم‪.‬‬

‫وحتى لو ولدت ديكتاتورية البروليتاريا في بعض البلدان في حضن الديمقراطيممة‪ ،‬فممإن الحممرب‬
‫الهلية لن تصبح بحكم المستبعدة لهذا السبب‪ .‬إن مسألة معرفة لمن ستعود السلطة فممي البلد‪ ،‬أي‬
‫معرفة هل ستبقى البورجوازية على قيد الحياة أم ستفنى‪ ،‬لن تنحل بالعودة إلى مممواد الدسممتور‪ ،‬بممل‬
‫بمماللجوء إلممى مختلممف أشممكال العنممف‪ .‬ومهممما يفعممل كاوتسممكي لتحليممل غممذاء جلد البشممرية )أنظممر‬
‫الصفحات ‪ 85‬والصفحات التالية من كتابه( وسائر الظروف القريبة أو البعيدة الممتي ستسمممح بتحديممد‬
‫أسباب القسوة النسانية‪ ،‬فإنه لن يجد في التاريممخ وسممائل أخممرى لتحطيممم إرادة العممدو غيممر اللجمموء‬
‫الحازم إلى القوة‪.‬‬

‫إن درجة ضراوة المعركة تتعلق بسلسلة كاملة من الشممروط الداخليممة والدوليممة‪ .‬وكلممما بممدت‬
‫مقاومة العدو الطبقي المغلوب ضارية وخطرة‪ .‬تحول بالضرورة نظام القمع إلى نظام إرهاب‪.‬‬

‫دا فممي محاربممة الرهمماب السمموفياتي‪ .‬فهممو‬


‫فا جديم ً‬
‫لكن كاوتسكي يتخذ ههنا على حين غرة موق ً‬
‫يتظاهر بكل بساطة بتجاهل مقاومة البورجوازية الروسية الحانقة المناوئة للثورة‪ .‬يقول‪" :‬لممم يلحممظ‬
‫أحد ضراوة مشابهة لما جرى في بترسبورغ وموسكو فممي تشممرين الثمماني ‪ 1917‬ثممم فممي بردابسممت‬
‫مؤخًرا بشكل خاص" )ص ‪.(102‬‬

‫ونتيجة لهذه الطريقة الموفقة في طممرح المسممألة‪ ،‬يصممبح العنممف مجممرد نتمماج لفكممر البلشممفة‬
‫الممدموي ويقطممع فممي المموقت نفسممه صمملته بتقاليممد النسممان الول آكممل العشممب وبممدروس أخلق‬
‫"الكاوتسكية"‪.‬‬

‫إن استيلء السوفييتات على السلطة في مطلع تشرين الثاني ‪) 1917‬أسمملوب جديممد( قممد تممم‬
‫بخسارة ل تكاد تذكر‪ .‬لقممد كممانت البورجوازيممة الروسممية تشممعر أنهمما بعيممدة كممل البعممد عممن الجممماهير‬
‫الشعبية وعاجزة كل العجز في الداخل‪ ،‬ومتورطة إلى أبعد الحدود بمجرى الحممرب ونهايتهمما‪ ،‬وفاقممدة‬
‫لكل حظوة لها بسبب نظام كيرنسكي‪ ،‬إلى حد أنها لم تجازف‪ ،‬إن صح التعبير‪ ،‬بالمقاومة‪ .‬ولقد تمت‬
‫الطاحة بسلطة كيرنسكي في بترسبورغ بدون قتال تقريًبا‪ .‬أما في موسكو فقد اسممتمرت المقاومممة‬
‫بسممبب الطممابع المممتردد لعمالنمما بشممكل خمماص‪ .‬وفممي معظممم مممدن القمماليم‪ ،‬انتقلممت السمملطة إلممى‬
‫السوفييتات بمجرد برقية من بترسبورغ أو موسكو‪ .‬ولو بقيت المور عند هذا الحد‪ ،‬لما طرحت البتممة‬
‫دا على بدايممة المقاومممة مممن جممانب‬ ‫مسألة الرهاب الحمر‪ .‬لكن منذ تشرين الثاني ‪ ،1917‬كنت شاه ً‬
‫من يملكون‪ .‬ول شك في أن تدخل حكومات الغرب المبريالية هممو الممذي منممح الثممورة المضممادة تلممك‬
‫الثقة بالنفس وأعطى مقاومتها قوة متعاظمممة باسممتمرار‪ :‬وهممذا ممما نسممتطيع إثبمماته بالوقممائع اليوميممة‬
‫الهامة أو الثانوية التي حدثت طوال الثورة السوفياتية‪.‬‬

‫إن "الركان العامة" لكيرنسكي لم تكن تشعر بأي دعم من جماهير الجنمود‪ .‬ولقمد كمانت علمى‬
‫استعداد للعتراف بدون مقاومة بالسلطة السوفياتية التي كمانت قمد بمدأت المفاوضمات ممع اللممان‬
‫‪36‬‬
‫بهدف عقد الهدنة‪ .‬لكن سرعان ما جاء احتجاج مممن بعثممات "التفمماهم" العسممكرية مممترافق بتهديممدات‬
‫مباشرة‪ .‬وتملك الذعر قيادة الركان العامة‪ .‬وتحممت ضممغط الضممباط "الممموالين"‪ ،‬دخلممت فممي طريممق‬
‫حا ومؤدية إلى اغتيال قائد الركان العامة‪ ،‬الجنرال دوخونين‪ ،‬على‬ ‫عا مسل ً‬‫المقاومة‪ ،‬مثيرة بالتالي نزا ً‬
‫أيدي جماعة من البحارة الثوريين‪.‬‬

‫وفي بترسبورغ‪ ،‬قام العملء الرسميون لم"التفاهم" وبصورة خاصة البعثة العسكرية الفرنسممية‬
‫بالتعاون مع الشتراكيين – الثوريين والمنشفيك‪ ،‬بتنظيم مقاومة مكشوفة منممذ اليمموم الثمماني للثممورة‪.‬‬
‫وهكذا جندوا وسلحوا ووجهوا ضدنا الضباط التلميممذ )الجنكممر( )‪ (3‬والشممبيبة البورجوازيممة‪ .‬ولقممد كلممف‬
‫تمرد الجنكر في ‪ 10‬تشرين الثاني من الخسائر أكممثر بمئة مممرة مممما كلفتمه ثممورة ‪ 7‬تشمرين الثماني‪.‬‬
‫ولقد أدت مغامرة كيرنسكي – كراسنوف ضد بترسبورغ‪ ،‬التي كان "التفاهم" وراءها‪ ،‬إلى إدخال أول‬
‫عناصر الضراوة في النزاع‪ .‬ومع ذلك فقد أطلق سراح الجنرال كراسنوف بناء على كلمة شرف منه‪.‬‬
‫أما تمرد باروسلف )أثناء صيف ‪ (1918‬الذي كلف الكثير من الضممحايا‪ ،‬فقممد نظمممه سممافنكوف بممأمر‬
‫من سفارة فرنسا وعلى نفقتها‪ .‬ولقد تم احتلل أرخانجيل حسب خطة العملء العسكريين والبحريين‬
‫النكليممز‪ ،‬وبمسمماعدة المراكممب الحربيممة والطممائرات النكليزيممة‪ .‬ولقممد جمماء صممعود كولتشمماك‪ ،‬رجممل‬
‫الرأسمال الميركي‪ ،‬بفضل الكتائب الجنبية التشيكوسلوفاكية على حساب الحكومة الفرنسممية‪ .‬ولممم‬
‫يستطع كاليدين وكراسنوف‪ ،‬أول زعيمين لثورة الدون المضادة‪ ،‬واللذان أطلقنا سراحهما‪ ،‬أن يحصممل‬
‫على بعض النجاح الجزئي إل بفضل المعونممة الماليممة والعسممكرية مممن ألمانيمما‪ .‬وفممي أوكرانيمما‪ ،‬قلبممت‬
‫السلطة السوفياتية في مطلع ‪ 1918‬على يممد العسممكريين اللمممان‪ .‬وإنممما بفضممل المعونممات الماليممة‬
‫والغنية من فرنسا وبريطانيا العظمى تممم إنشمماء جيممش دينيكيممن المنمماوئ للثممورة‪ .‬ولممم ينظممم جيممش‬
‫بممودينيتش إل بأمممل تممدخل إنكلممترا ونتيجممة لمسمماعدتها الماديممة‪ .‬إن السياسمميين والدبلوماسمميين‬
‫والصحافيين في بلدان "التفاهم" يتناقشون بكل صراحة منذ سنتين في مسممألة معرفممة ممما إذا كممانت‬
‫الحرب الأهلية في روسيا مربحة إلى حد يدعو إلى تمويلها‪.‬‬

‫وفي مثل هذه الشروط‪ ،‬ل بد أن تكون جمجمة المرء قاسية كالصخر حتى يبحث عممن أسممباب‬
‫الطابع الدموي للحرب الهلية في روسيا في سوء نية البلشفة ل في الموقف الدولي‪.‬‬

‫لقد كممانت البروليتاريمما الروسممية أول مممن سممار فممي طريممق الثممورة الجتماعيممة‪ ،‬ولقممد تجممرأت‬
‫البورجوازية الروسية‪ ،‬العاجزة سياسًيا‪ ،‬على أل تقبل بتجريممدها مممن امتيازاتهمما سياس مًيا واقتصممادًيا‪ ،‬ل‬
‫لشيء إل لنهما كمانت تمرى فمي كمل مكمان أخواتهما الكمبر سمًنا منهما قابضمات علمى زممام السملطة‬
‫ومتمتعات بكل القوة القتصادية والسياسية‪ ،‬والعسكرية إلى حد ما‪.‬‬

‫ولو أن ثورتنا في تشرين الثاني حدثت بعممد بضممعة شممهور أو حممتى بضممعة أسممابيع مممن اسممتيلء‬
‫البروليتاريا على السلطة في ألمانيا وفرنسا وإنكلترا‪ ،‬لما كان هناك شك في أن ثورتنا كانت سممتكون‬
‫أكثر الثورات سلمية وأقلها دموية في حدود ما هو ممكن على هذه الرض‪ .‬لكننا لم نخممرج علممى هممذا‬
‫الترتيب التاريخي – الطممبيعي للغايممة للوهلممة الولممى والعظيممم الفمموائد بالنسممبة إلممى الطبقممة الثوريممة‬
‫الروسية – بغلطتنا بل بغلطة الحداث فبدل ً من أن تكون البروليتاريا الروسية الخيرة‪ ،‬كممانت الولممى‪.‬‬
‫وهذا الظرف على وجه التحديد هو الذي أعطى‪ ،‬بعد مرحلة اللتباس الولممى‪ ،‬طابعًمما شممديد الضممراوة‬
‫قا في روسيا‪ ،‬وهو الذي أرغممم البروليتاريمما الروسممية‪ ،‬لحظممة الخطممار‬ ‫لمقاومة الطبقات السائدة ساب ً‬
‫الكبيرة والعتداءات من الخارج والمؤامرات والتمرد من الداخل‪ ،‬علممى اللجمموء إلممى تممدابير الرهمماب‬
‫الحكومي القاسية‪.‬‬

‫أما أن هذه التدابير كانت غير مجدية‪ ،‬فهذا ما ل يستطيع أن يقوله أحد اليمموم‪ .‬لكممن ربممما كممان‬
‫البعض يريد أن يعتبرها "غير مقبولة"‪.‬‬

‫لقد كانت مهمة وواجب الطبقة العاملة‪ ،‬التي استولت علممى السمملطة بالقتممال‪ ،‬أن توطممد هممذه‬
‫السلطة بصورة ل تتزعزع معها‪ ،‬وأن ترسخ دعائم سيطرتها نهائي ًمما‪ ،‬وأن تقضممي علممى كممل رغبممة فممي‬
‫النقلب لدى أعدائها‪ ،‬وأن تعطي لنفسممها‪ ،‬مممن هنمما بالممذات‪ ،‬إمكانيممة تحقيممق الصمملحات الشممتراكية‬
‫الكبرى‪ .‬وإل كان عليها أل تستولى على السلطة‪ .‬أن الثورة ل تستلزم "منطقًيا" الرهاب‪ ،‬كمما أنهما ل‬
‫‪()3‬‬
‫‪37‬‬
‫تستلزم العصيان المسلح‪ .‬يا لها من فكرة بليغة مبتذلممة! لكممن الثممورة بالمقابممل تتطلممب مممن الطبقممة‬
‫الثورية أن تلجأ إلى كل الوسائل لتحقيق غايته‪ .‬إلى العصيان المسلح إذا اقتضى المر‪ ،‬وإلى الرهاب‬
‫أن كل ذلك ضرورًيا‪ .‬أن على الطبقة العاملة‪ ،‬التي اسممتولت علممى السمملطة والسمملح فممي أيممديها‪ ،‬أن‬
‫تحطم بالعنف جميع المحاولت التي قد تقوم لنتزاع السلطة منها‪ .‬وأينما وجدت نفسها تجاه مؤامرة‬
‫مسلحة أو تمرد أو محاولة مشبوهة‪ ،‬فإن قمعها سميكون عمديم الشمفقة‪ .‬لعمل كاوتسمكي قمد أخمترع‬
‫وسائل أخرى؟ أو لعل كل المسألة في نظره هي مسألة درجة القمممع‪ ،‬ولعلممه يقممترح فممي مثممل هممذه‬
‫الحال اللجوء إلى العتقال بدل عقوبة الموت؟‬

‫إن مسألة أشكال القمع ودرجته ليست بالتأكيد مسألة "مبدأ"‪ .‬أنها مسالة الوسائل بهدف بلوغ‬
‫الهدف‪ .‬ففي عصر ثوري‪ ،‬لن يسمح الحزب الذي طرد من السلطة والممذي ل يريممد اسممتقرار الحممزب‬
‫الحاكم والذي يثبت ذلك بالنضال الشرس الذي يخوضمه ضمده‪ ،‬أقمول لمن يسممح لنفسمه بمأن يخيفمه‬
‫التهديد بالسجن الذي ل يؤمن أصل ً بدوامه‪ .‬وإنما هذه الواقعة الحاسمة هي وحدها التي تفسر تطبيق‬
‫عقوبة الموت في الحرب الهلية في معظم الحالت‪.‬‬

‫لكن لعل كاوتسكي يريد أن يقول أن عقوبة الموت ليست منسجمة بصورة عامممة مممع الهممدف‬
‫المرام بلوغه وأنه من المستحيل إخافة "الطبقات"؟‬

‫هذا غير صحيح‪ .‬أن الرهمماب عمماجز – وهممو ليممس كممذلك إل فممي نهايممة المممر – إذا ممما مارسممته‬
‫الرجعية ضد الطبقة التي تثور بمقتضى قوانين تطورها التاريخي‪ .‬إن على الرهاب بالمقابل أن يكون‬
‫فعال ً ضد الطبقة الرجعية التي ل تريممد أن تغممادر الحلبممة‪ .‬أن التخويممف هممو أقمموى وسمميلة فممي العمممل‬
‫السياسي سواء أعلى الصعيد الدولي أم فممي الممداخل‪ .‬أن الحممرب‪ ،‬شممأنها شممأن الثممورة‪ ،‬تسممتند إلممى‬
‫التخويف‪ .‬أن الحرب المنتصرة ل تبيد عامة إل جزًءا صغيًرا من الجيش المقهممور‪ ،‬لكنهمما تقضممى علممى‬
‫فا‪.‬‬
‫معنويات الخرين وتحطم إرادتهم‪ .‬وتسلك الثورة السلوك ذاته‪ :‬أنها تقتل بضعة أشخاص وتخيف أل ً‬
‫وبهذا المعنى ل يتميز الرهاب الحمر مبدئًيا عن العصيان المسلح الذي ليس همو إل اسمتمرار لممه‪ .‬ول‬
‫يستطيع أن يدين "أخلقًيا" الرهاب الحكومي للطبقة الثورية إل من يستنكر مبدئًيا )ولفظًيا( كل عنف‬
‫دا من أولئك "الكويكر" المسالمين‬ ‫بصورة عامة‪ .‬لكن في مثل هذه الحال ل يعدو المرء أن يكون واح ً‬
‫المرائين‪.‬‬

‫كيف تميزون إذن تكتيككم عن حكم القلية الغنية المطلق؟ ‪ -‬هذا ما يسألنا عنه كهنة الليبرالية‬
‫"الكاوتسكية"؟‬

‫أل تفهمون ذلك‪ ،‬أيها التقياء الكذبة؟ سنشرح لكم المر‪ .‬لقد كان إرهاب القيصرية موجًها ضممد‬
‫البروليتاريا‪ .‬ولقد كان الدرك القيصري يخنق الشغيلة الذين يناضلون من أجل النظام الشممتراكي أممما‬
‫"لجاننا الستثنائية" فهي تعدم الملك للكبار والرأسماليين والجنرالت الممذين يحمماولون إعممادة توطيممد‬
‫ما‪.‬‬
‫النظام الرأسمالي‪ .‬أتدركون هذا‪ ...‬الفرق؟ نعم؟ أنه بالنسبة إلينا؟ نحن الشيوعيين‪ ،‬كاف تما ً‬

‫‪38‬‬
‫حرية الصحافة‬
‫إن كاوتسكي‪ ،‬الذي ألف العديد من الكتب والمقالت‪ ،‬يشكو بصورة خاصة من التعرض لحريممة‬
‫الصحف‪ .‬فهل من المقبول به أن تلغي الصحف؟‬

‫أن جميع المؤسسات وأجهزة السلطة والحكومية والرأي العام تصممبح بصممورة مباشمرة أو غيمر‬
‫مباشرة‪ ،‬في زمن الحرب‪ ،‬أجهزة لتسيير الحرب‪ .‬وهذا ينطبق بالدرجة الولى على الصممحافة‪ .‬أن ممما‬
‫من حكومة تخوض حرًبا جدية‪ ،‬تستطيع أن تسمح بتوزيع منشورات في أراضيها تناصر العممدو علًنمما أو‬
‫سًرا‪ .‬فكم بالحرى في مرحلممة الحممرب الهليممة‪ .‬أن طبيعممة الحممرب الخيممرة تسممتلزم أن يكممون لممدى‬
‫الطرفين‪ ،‬خلف قواتهما‪ ،‬سكان يتعاطفون مع العدو‪ .‬وفي الحرب حيث يقرر الموت مصير النجاح أو‬
‫الفشل‪ ،‬يتوجب تطبيق عقوبة الموت على العملء العداء الذين تغلغلوا إلى خلف الجيوش أنه قانون‬
‫غير إنساني بل شك‪ ،‬لكن ما من أحد حتى يومنا هممذا أعتممبر الحممرب مدرسممة إنسممانية‪ ،‬وكممم بممالحرى‬
‫الحرب الهلية‪ .‬فهل يمكن لحد أن يطالب جدًيا أثناء الحرب ضممد عصممابات دينيكيممن المنمماوئة للثممورة‬
‫بالسماح لمنشورات الحزاب التي تؤيده بالظهور دونما عراقيل في موسكو أو بترسبورغ؟ أن أقتراح‬
‫ذلممك باسممم "حريممة" الصممحافة يعممادل المطالبممة باسممم العلن بنشممر أسممرار عسممكرية‪ .‬كتممب رجممل‬
‫الكوميونة آرثر آرنولد‪" :‬أن مدينة محاصرة ل تستطيع أن تسمح ل للرغبة في رؤيتها تسقط تعبر عممن‬
‫نفسها بحرية ضمن اسمموارها‪ ،‬ول بتحريممض المممدافعين عنهمما علممى الخيانممة‪ ،‬ول بتبليممغ العممدو حركممات‬
‫قواتها‪ ،‬وهذا ما كان عليه موقف الجمهورية السوفياتيه منذ تأسيسها‪ .‬فلنستمع مع ذلك إلى ما يقمموله‬
‫كاوتسكي في هذا الموضوع‪:‬‬

‫"أن تبرير هذا النظام )يعني إلغاء الصمحافة( يتخلممص فمي العتقماد السماذج بمأن هنماك حقيقممة‬
‫ضمما بتممابع كاوتسممكي فممي ذلممك الممرأي‬
‫مطلقة)!( ل يعرفها غير الشيوعيين وحدهم )!!( وهو يتلخص أي ً‬
‫القائل أن الكتاب كافة يكذبون بسبب من طبيعتهم )!( وإن الشيوعيين وحممدهم المتعصممبون للحقيقممة‬
‫)!!(‪ ،‬في حين أن الكذابين والمتعصممبين لممما يعتممبرون أنممه الحقيقممة يلتقممون‪ ،‬فممي الواقممع‪ ،‬فممي جميممع‬
‫المعسكرات‪ ،‬الخ‪ ،‬الخ‪ ،‬الخ‪) ،‬ص ‪.(119‬‬

‫وهكذا فإن كاوتسكي يرى أنه حتى في أشد مراحل الثورة حدة‪ ،‬وحين تكون المسألة بالنسممبة‬
‫ما كما في الماضي لتقريممر‪...‬‬ ‫على الطبقات المتصارعة مسألة حياة أو موت‪ ،‬يظل النقاش الدبي قائ ً‬
‫مما مطلقمة‪ .‬لكمن بمما أننما نسمفح المدم الن‬ ‫الحقيقة ما أعمق همذا المرأي!‪ ...‬إن "حقيقتنما" ليمس حت ً‬
‫باسمها‪ ،‬فليممس لنمما مممن داع أو إمكانيممة للخمموض فممي نقمماش أدبممي حممول نسممبية الحقيقممة مممع الممذين‬
‫"ينتقدوننا" بكل الوسممائل بل تممورع للوصممول إلممى غايمماتهم‪ .‬كممما أن مهمتنمما ليسممت معاقبممة الكممذابين‬
‫وتشممجيع محممبي العدالممة مممن الصممحفيين مممن جميممع التجاهممات‪ ،‬بممل مهمتنمما فقممط أن نخنممق كممذب‬
‫البورجوازية الطبقي وأن نضمن انتصار حقيقة البروليتاريا الطبقية – بغض النظر عن وجممود الكممذابين‬
‫والمتعصبين في كل المعسكرين‪.‬‬

‫يشكو كاوتسكي فيما بعد‪:‬‬

‫"لقد دمرت السلطة السوفياتية القوة الوحيدة التي تستطيع أن تساعد على استئصال الفساد‪:‬‬
‫حرية الصحافة‪ .‬أن الرقابة بواسطة حرية الصحافة غير المقيدة على الطلق كانت سممتكون الوسمميلة‬
‫ما الستفادة من كل سلطة غيممر محممدودة‪ ،‬غيممر‬ ‫الوحيدة لقمع اللصوص والغامرين الذي سيريدون حت ً‬
‫مراقبممة‪) "...‬ص ‪ .(140‬وهكممذا ودواليممك‪ .‬الصممحافة سمملح موثمموق ضممد الفسمماد! إن لهممذه الوصممفة‬
‫الليبرالية وقًعا حزيًنا حين نفكر بالبلدين اللذين يتمتعان بممأكبر "حريممة" للصممحافة‪ :‬أعنممي بهممما أميركمما‬
‫الشمالية وفرنسا اللتين هما في الوقت نفسه الدولتان اللتان بلغ فيهما الفساد الرأسمالي ذروته‪.‬‬

‫إن كاوتسكي‪ ،‬المكتظ بالثرثرات البالية التي أخممذها عممن الممدكاكين السياسممية الخلفيممة للثممورة‬
‫الروسية‪ ،‬يتصور أن الجهاز السوفياتي‪ ،‬وقد حرم من صحافة الكاديت والمنشفيك‪ ،‬سيهدم على أيدي‬
‫"اللصوص والمغامرين" هذا ما كان ما يطبل له المنشفيك قبل عممام ونصممف‪ ...‬أممما اليمموم فممإنهم لممن‬
‫يجممرؤوا حممتى علممى ترديممده‪ .‬لقممد اسممتطاعت السمملطة السمموفياتيه‪ ،‬بمسمماعدة الرقابممة السمموفياتيه‬

‫‪39‬‬
‫والنتخاب الذي يقوم به الحزب بل انقطاع في جو من الصراع المحممموم‪ ،‬بصممورة أفضممل بكممثير مممما‬
‫كانت تستطيع أن تفعله أي سلطة أخرى في أي لحظة كانت‪.‬‬

‫إننا نحارب‪ ...‬أننا نقاتل قتال ً مريًرا حتى الممموت‪ .‬والصممحافة ليسممت سمملح مجتمممع مجممرد‪ ،‬بممل‬
‫سلح معسكرين ل يمكن التوفيق بينهما‪ ،‬يتحاربان بالسلح أننا نلغي صحافة الثورة المضادة كما نهدم‬
‫مراكزها المحصنة ومستودعاتها ومواصلتها وشبكات جاسوسيتها‪ .‬أننا نحرم أنفسنا من الهممام ووحممي‬
‫الكاديت والمنشفيك عن فساد الطبقة العاملة وبالمقابل فإننا ندمر والظفر معقود لنا أسس الفسمماد‬
‫الرأسمالي‪.‬‬

‫لكن كاوتسكي يذهب إلى أبعد من ذلك في تطوير أطروحته‪ :‬أنه يشكو مممن أننمما نغلممق صممحف‬
‫الشتراكيين – الثوريين والمنشفيك‪ ،‬بممل مممن أننمما – وهممذا يحممدث – نعتقممل زعممماءهم‪ .‬أفليممس هممؤلء‬
‫"جزًءا" مممن البروليتاريمما أو مممن الحركممة الشممتراكية؟ أن مربينمما ل يممرى الوقممائع وراء هممذه الكلمممات‬
‫المعتادة فالمنشفيك والشتراكيون – الثوريون إلى منظمات وثيقة التحالف مع الثورة المضادة تشممن‬
‫علينا حرًبا صريحة‪ .‬لقد تشكل جيش كولتشاك من الشتراكيين – الثوريين )لكم يرن هذا السم اليوم‬
‫فا أجوف!( ودعمه المنشفيك وفممي الجبهممة الشمممالية‪ ،‬يحممارب كل الطرفيممن ضممدنا منممذ عمام‬ ‫رنيًنا زائ ً‬
‫ونصف‪ .‬أن القادة المنشفيك في القوفاز‪ ،‬الحلفاء السابقين لهمو همتزولرن‪ ،‬والحلفماء الحماليين للويمد‬
‫جورج‪ ،‬يعتقلون ويعدمون البلشفة بالتفاق التام مع الضباط النكليز واللمان‪ .‬ولقد خلممق المنشممفيك‬
‫والشتراكيون – الثوريون في راد كوبان جيش دينيكين‪ .‬وقد سمماهم المنشممفيك السممتونيون‪ ،‬العضمماء‬
‫في الحكومة‪ ،‬مباشرة في هجوم يودينيتش الخير ضد بترسبورغ‪.‬‬

‫أنهم يمثلون أذن "اتجاهات" اشتراكية‪ ...‬أن كاوتسمكي يعتقمد أنمه ممن الممكمن أن نكمون فمي‬
‫حالة حرب علنية مع المنشفيك والشتراكيين الثمموريين الممذي يناضمملون بمسمماعدة جيمموش يممودينيتش‬
‫وكولتشاك ودينيكين المشكلة بفضمل مسماهمتهم‪ ،‬وباسمم "اختلفهمم" الشمتراكي الجمزئي عنما‪ ،‬وأن‬
‫نمنح في الوقت نفسه لهذه "الختلفات" الممبريئة‪ ،‬فممي مممؤخرة جبهتنمما‪ ،‬حريممة الصممحافة‪ .‬ولممو أمكممن‬
‫للنزاع بيممن الشممتراكيين الثمموريين والبلشممفة أن ينحممل بالقنمماع والتصممويت‪ ،‬أي لممو لممم يكممن خلفهممم‬
‫المبرياليون الروس والجانب‪ ،‬لما كانت هناك حرب أهلية‪.‬‬

‫أن كاوتسكي مستعد بالطبع لن "يممدين" )نقطممة حممبر أخممرى( الحصممار والمسمماعدة الممنوحممة‬
‫لدينيكين من قبل "التفاهم"‪ ،‬والرهاب البيض‪ .‬لكنه ل يستطيع من أعلى تجمرده أل يجمد لهمذا الخيمر‬
‫ظروفًمما مخففممة‪ .‬فالرهمماب البيممض‪ ،‬علممى سممبيل المثممال‪ ،‬ل ينتهممك مبممادئه‪ ،‬فممي حيممن أن البلشممفة‪،‬‬
‫بتطبيقهم الرهاب الحمر‪ ،‬ينتهكون احترام "الصفة المقدسة" للحيمماة النسممانية‪ ،‬هممذا الحممترام الممذي‬
‫طالبوا به هم أنفسهم‪) ..‬ص ‪ .(139‬ماذا يعني عملًيا احترام الصممفة المقدسممة للحيمماة النسممانية وبممم‬
‫يتميز عن وصية‪" :‬ل تقتل"؟ أن كاوتسكي يستنكف عن التفسير‪ .‬عندما يرفع لص سكينة على طفممل‪،‬‬
‫كا "للصفة المقدسة" للحياة النسانية؟ هممل‬ ‫فهل يمكن قتل الول لنقاذ الثاني؟ أليس هذا العمل انتها ً‬
‫صا لينقذ نفسه؟ هل من الممكن القبول بتمرد العبيد ضد سادتهم؟ هممل مممن‬ ‫يمكن للنسان أن يقتل ل ً‬
‫الممكن القبول بأن يدفع إنسان ثمن حريته موت جلدية؟ إذا كانت الحياة النسانية مقدسة ول يجمموز‬
‫انتهاكها بصورة عامة‪ ،‬ينبغي إذن أن نمتنع عن اللجوء ل إلى الرهاب والحرب فحسب‪ ،‬بل إلى الثورة‬
‫ضا‪ .‬إن كاوتسكي ل يدرك المعنى المضاد للثورة لم "المبدأ" الذي يحاول فرضه علينا‪ .‬وسمموف نممرى‬ ‫أي ً‬
‫في مكان آخر أنه يلومنا على عقممد صملح بريسممت – ليتفوسممك وقممد كممان علينمما‪ ،‬كممما يممرى‪ ،‬أن نتممابع‬
‫الحرب لكن آلم تنتهي إذن "الصفة المقدسة" للحيمماة النسمانية؟ هممل سمتكف الحيماة عمن أن تكمون‬
‫مقدسممة بالنسممبة إلممى أفممراد يتكلمممون لغممة أخممرى؟ أم أن كاوتسممكي يعتممبران الغتيممالت الجماعيممة‪،‬‬
‫المنظمممة حسممب قواعممد السممتراتيجية والتكتيممك المعاصممرين‪ ،‬ليسممت باغتيممالت؟ فممي الحقيقممة مممن‬
‫الصعب‪ ،‬في عصرنا هذا‪ ،‬تأكيد مبدأ مراء وغبي مًعا كهممذا المبممدأ‪ .‬وممما دامممت إليممه العاملممة النسممانية‬
‫وبالتالي الحياة سلعة للتجارة والستغلل والتبذير‪ ،‬فإن مبدأ " الصممفة المقدسممة للحيمماة النسممانية" ل‬
‫يعدو أن يكون كذبة دنيئة هدفها البقاء على العبيد تحت نير العبودية‪.‬‬

‫لقد ناضلنا ضد عقوبة الموت الممتي سممنها كيرنسممكي‪ ،‬لنهمما كممانت تصممدر عممن محمماكم الجيممش‬
‫القديم العرفية ضد الجنود الذين يرفضون متابعة الحممرب المبرياليممة‪ .‬وقممد انتزعنمما هممذا السمملح مممن‬
‫مجالس الحرب القديمة‪ .‬وهدمنا تلك المؤسسات وسرحنا الجيش القديم الذي خلقها‪ .‬ونحن بتطهيرنا‬

‫‪40‬‬
‫الجيش الحمر وبصورة عامة سائر البلد من المتآمرين المناوئين للثممورة الممذين كممانوا يعملممون علممى‬
‫إعادة النظام القديم عن طريق العصيان والغتيال وإشاعة الفوضى‪ ،‬إنما نتصرف بصورة متلئمة مممع‬
‫قوانين الحرب الحديدية التي نريد عن طريقها أن نكفل لنفسنا النصر‪.‬‬

‫وإذا كان المرء يريد أن يبحث عن تناقضات شكلية‪ ،‬فبديهي أن عليه أن يبحممث عنهمما قبممل كممل‬
‫شيء في جانب الرهاب البيض الذي هو سلح الطبقات التي تعتبر نفسها مسيحية وتحمي الفلسممفة‬
‫المثالية‪ ،‬والمقتنعة كل القتناع بأن الشخصية )شخصيتها( هي الشخصية النسانية‪" ،‬الغاية في ذاتها"‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بنا‪ ،‬فنحن لم نهتم قط بثرثرات الرعماة الكاوتسممكين والكممويكر النبماتيين عمن "الصممفة‬
‫ممما ثمموريين‪ ،‬وممما زلنمما كممذلك فممي السمملطة‪ .‬فكيممما تعممود إلممى‬
‫المقدسة" للحياة النسانية‪ .‬لقد كنمما دو ً‬
‫الشخصية قدسيتها‪ ،‬فل بد من هدم النظام الجتماعي الذي يسحقها‪ .‬وهذه المهمة ل يمكن أن تتحقق‬
‫إل بالحديد والدم‪.‬‬

‫ثمة فرق آخر بين الرهمماب البيممض والرهمماب الحمممر‪ .‬أن كاوتسممكي الراهممن يجهلممه‪ ،‬لكنممه ذو‬
‫أهمية بالغة في نظر الماركسي‪ .‬أن الرهاب البيض سلح طبقة رجعيممة تاريخي ًمما‪ .‬أننمما لممم ننكممر قممط‪،‬‬
‫ونحن نؤكد أهمية قمع الدولة البورجوازيممة للبروليتاريمما‪ ،‬أن الطبقممات الحاكمممة تسممتطيع‪ ،‬عممن طريممق‬
‫العتقالت والنتقام‪ ،‬وفي بعض الشروط‪ ،‬أن تؤخر مؤقًتا تطور الثورة الجتماعية‪ .‬لكنمما كنمما مقتنعيممن‬
‫بأنهمما لممن تنجممح فممي إيقممافه‪ .‬ويقيننمما نممابع مممن أن البروليتاريمما طبقممة صمماعدة تاريخي ًمما‪ ،‬وأن المجتمممع‬
‫البورجوازي ل يستطيع أن يتطممور دون أن يزيممد مممن قمموى البروليتاريمما‪ .‬أن البورجوازيممة‪ ،‬فممي العصممر‬
‫الراهن‪ ،‬طبقة سائرة إلى النحطاط‪ .‬فهي عدا أنها ل تلعب الدور الساسي في النتاج‪ ،‬تهدم القتصاد‬
‫العالمي والثقافة النسانية بوسائلها المبرياليمة فمي التملمك‪ .‬غيمر أن الحيويمة التاريخيمة للبورجوازيمة‬
‫عنيدة‪ .‬فهي تتشبث بالسلطة ول تريد أن ترخي قبضتها عنها ومن هنا بالذات تهدد بمأن تجمر المجتممع‬
‫كله في سقوطها‪ .‬ونحن مرغمون على انتزاعه منها‪ ،‬وعلى قطع يديها بالتممالي‪ ...‬أن الرهمماب الحمممر‬
‫هو السلح المستخدم ضد طبقممة محكمموم عليهمما بالفنمماء ول تستسمملم‪ .‬وإذا كممان الرهمماب البيممض ل‬
‫يستطيع إل أن يؤخر صعود البروليتاريا التاريخي‪ ،‬فإن الرهمماب الحمممر يعجممل بسممقوط البورجوازيممة‪.‬‬
‫والعجلة – التي فيها ربح للوقت – لها أهميتهمما الحاسمممة فممي بعممض العصممور‪ .‬ولممول الرهمماب الحمممر‬
‫لكانت البورجوازية الروسية‪ ،‬بالتعاون مع البورجوازية العالمية‪ ،‬قد خنقتنا قبل قيام الثورة في أوروبمما‬
‫فمما حممتى ينفيممه‪ .‬أن مممن يعممترف‬ ‫بمدة طويلة‪ .‬ول بد أن يكون النسان أعمى حتى ل يرى ذلك‪ ،‬أو مزي ً‬
‫ضا أن يوافممق علممى الرهماب الحمممر‪.‬‬ ‫بأهمية ثورية تاريخية لوجود السلطة السوفياتية بالذات‪ ،‬عليه أي ً‬
‫وكاوتسكي بعد أن سود‪ ،‬خلل العامين المنصرمين‪ ،‬جبال ً من الورق ضد الشيوعية والرهمماب‪ ،‬مرغممم‬
‫على العتراف‪ ،‬في نهاية كتيبه‪ ،‬بأن السلطة السوفياتيه الروسممية تمثممل فممي المموقت الراهمن العامممل‬
‫الرئيسي فممي الثممورة العالميمة‪ .‬لقممد كتمب "مهمما كمان الموقمف الممذي يتخمذه المممرء تجمماة الطمرائق‬
‫البلشفية‪ ،‬فإن وصول حكومة بروليتارية إلى السلطة في بلد كبير وحفاظها عليهمما منممذ سممنتين رغممم‬
‫المصاعب التي ل مثيل لها‪ ،‬يقويان بشكل ملموس‪ ،‬لدى بروليتاريي جميع البلدان‪ ،‬الحساس بقمموتهم‬
‫ومن هنا بالممذات أدى البلشممفة خدمممة ل تقممدر بثمممن للثممورة الواقعيممة" )ص ‪ (153‬أن هممذا التصممريح‬
‫يفاجئنا مفاجأة عميقة‪ ،‬كما يفاجأ النسان بالعتراف بحقيقة تاريخية في وقت كف فيه عممن انتظمماره‪.‬‬
‫أن البلشفة‪ ،‬بوقوفهم في وجه العالم الرأسمالي المتحالف‪ ،‬قد حققوا مأثرة تاريخية جديرة بالعتبار‬
‫ضا‪ .‬أن اعتراف كاوتسكي هممو موافقممة‬ ‫لنهم لم يحافظوا على السلطة بالفكرة وحدها‪ ،‬بل بالسلح أي ً‬
‫غير إرادية على طرائق الرهاب الحمر‪ ،‬وإدانة صارمة في الوقت نفسه لكتاباته النقدية‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫تأثير الحرب‬
‫يرى كاوتسكي في الحرب‪ ،‬من خلل تأثيرها المخيف على الخلق‪ ،‬أحد أسباب الطباع الممدامي‬
‫للنضال الثوري‪ .‬وهذا أمر ل جدال فيه‪.‬‬

‫قا‪ ،‬مع كل النتائج التي تنتج عنممه فممي الزمممن الممذي لممم‬
‫لكن كان بالمكان توقع هذا التأثير مسب ً‬
‫يكن كاوتسكي يعرف فيه أن كان من الواجب أن يصوت مع العتمادات العسكرية أو ضدها‪.‬‬

‫لقد كتبنا منذ خمسة أعوام في كتاب باللغة اللمانية عن "الحرب والممية"‪:‬‬

‫"لقد انتزعت المبريالية بعنف المجتمع مممن تمموازنه الل مسممتقر‪ .‬ودمممرت السمدود المتي كمانت‬
‫الشتراكية – الديمقراطية تكبح بها سيل طاقة البروليتاريا الثورية‪ ،‬ودفعت به فممي سممريرها‪ .‬أن هممذه‬
‫التجربة التاريخية المدهشة التي حطمت بضربة واحدة صلب الممية الشمتراكية‪ ،‬تحممل فمي حضمنها‬
‫في الوقت نفسه خطًرا قاتل ً بالنسبة إلى المجتمع البورجوازي‪ .‬لقد سحبت المطرقة من يدي العمال‬
‫واستعيض عنها بالسيف‪ .‬ولقد أنسلخ العامل‪ ،‬المرتبط كلًيا بدولب القتصاد الرأسمالي‪ ،‬أنسلخ فجممأة‬
‫عن وسطه وتعلم أن يضع أهداف المجتمع فوق الرفاهية الوادعة والحياة‪.‬‬

‫"أن العامل يجد نفسه‪ ،‬وهو يمسك بيديه السلحة الممتي صممنعها بنفسممه فممي وضممع يضممبح معممه‬
‫قا بممه مباشممرة‪ .‬ومممن كممانوا عممادة يضممطهدونه ويحتقرونممه بمماتوا يتملقممونه‬
‫مصير الدولة السياسي معل ً‬
‫ويطلبون رضاه وهو يتدرب في الوقت نفسه على أن يعرف معرفة وثيقة المدافع التي تشكل حسب‬
‫ما ل يتجزأ مممن الدسممتور‪ .‬أنممه يتخطممى حممدود الدولممة ويسمماهم فممي المصممادرات‬ ‫رأي لرسال جزًءا ها ً‬
‫العنيفة‪ ،‬ويشاهد المدن تنتقل من يد إلى يد تحت ضرباته‪ .‬وبذلك تحممدث تغيممرات لممم يشممهدها الجيممل‬
‫قط‪.‬‬

‫"وإذا كان العمال المتقدمون يعرفون نظرًيا أن القوة هي أم الحق‪ ،‬إل أن طريقتهم السياسممية‬
‫في التفكير كانت تتركهم تحت تأثير روح التردد والتلؤم مممع الشممرعية البورجوازيممة‪ .‬وقممد بممدأت الن‬
‫الطبقة العاملة تتعلم كيف تحتقممر فعلًيما وتهممدم بممالعنف همذه الشممرعية‪ .‬أن المراحممل السمكونية ممن‬
‫بسيكولوجيتها تفسح المكان للمراحل الديناميكية‪ .‬أن المدافع الثقيلة تقدم للطبقة العاملة فكممرة أنممه‬
‫عندما يستحيل اللف حول العقبة فإن الوسيلة الباقية هي تحطيمها‪ .‬أن جميع البشر الراشدين تقريًبمما‬
‫يمرون بمدرسة الواقعية الجتماعية الرهيبة التي هي الحرب‪ ،‬الخالقة لنموذج إنساني جديد‪.‬‬

‫"إن قبضة الضرورة الحديدية تخيم اليوم فوق معايير المجتمع البورجوازية كافة بما فيها الحممق‬
‫والخلق والدين‪ .‬وقد صرح المستشار اللممماني‪" :‬ليممس للضممرورة شممريعة" )‪ 4‬آب ‪ .(1914‬والملك‬
‫يأتون إلى الساحات العامة ليلقوا خطًبا غوغائية ويتبادلوا تهمة الطمممع‪ .‬والحكومممات تممدوس بأقممدامها‬
‫اللتزامات التي أخذتها على عاتقها بأبهة‪ .‬والكنيسة القومية تجمر‪ ،‬وكأنهما محكموم بالشمغال الشماقة‪،‬‬
‫سيدها – الله إلى المدفع القومي‪.‬‬

‫حا أن هذه الظروف سممتؤدي إلممى أعمممق التغييممرات فممي الحيمماة النفسممية للطبقممة‬‫"أليس واض ً‬
‫العاملة بعد أن شفتها بصورة نهائية ممن تخمدير الشمرعية المتي همي نتيجمة عصمر سياسمي آممن؟ أن‬
‫الطبقات المالكة ستقتنع بذلك سريًعا وبذعر كبير‪ .‬وستشعر البروليتاريا التي مممرت بمدرسممة الحممرب‬
‫عند أول عقبة جدية ستعترضها داخل وطنها بالحاجة الملحة إلى استعمال لغة القوة‪" .‬ليس للضرورة‬
‫شممريعة!"‪ :‬هممذا ممما سممتقذف بممه فممي وجممه الممذين سمميحاولون أن يوقفوهمما باسممم قمموانين الشممرعية‬
‫البورجوازية والحاجة المرعبة التي سادت أثناء هذه الحرب‪ ،‬وبخاصة فممي نهايتهمما‪ ،‬سممتدفع بالجممماهير‬
‫إلى أن تدوس تحت أقدامها الكثير‪ ،‬الكثير من القوانين" )ص ‪.(57 – 56‬‬

‫‪42‬‬
‫ضا أن نضيف إلمى مما قيمل أن الحمرب مارسمت تمأثيًرا‬ ‫هذا كله أمر ل يقبل نقا ً‬
‫شا لكن ينبغي أي ً‬
‫مماثل ً على بسيكولوجية الطبقات المالكمة‪ :‬فبقمدر مما أصمبحت الجمماهير كمثيرة المطمالب‪ ،‬أصمبحت‬
‫البورجوازية رافضة لكل تعامل‪.‬‬

‫ففي أيام السلم‪ ،‬يضمن الرأسماليون مصالحهم بالسرقة "السلمية" مممن الجممراء‪ .‬وفممي زمممن‬
‫دا ل يحصى من الحيوات النسانية‪ .‬وهذا ما أضاف إلممى‬ ‫الحرب كفلوا هذه المصالح نفسها بإبادتهم عد ً‬
‫روحهم المحبة للسيطرة سمة "نابليونية" جديدة‪.‬‬

‫لقد أعتاد الرأسماليون‪ ،‬أثناء الحرب‪ ،‬على إرسال المليين من الرقاء المموطنين والمسممتعمرين‬
‫إلى الموت باسم الرباح التي يجنونها من المناجم وسكك الحديد الخ‪.‬‬

‫لقد خرج أثناء الحرب من قلب البورجوازية الكممبيرة والمتوسممطة والصممغيرة مئات اللف مممن‬
‫الضباط والمحاربين الممتهنين – وهم رجال غلظت طباعهم فممي الحممرب وتحممرروا مممن كممل الممروادع‬
‫الخارجية‪ .‬والمرتزقة الختصاصيين‪ ،‬المستعدين والقادرين على الدفاع بضممرارة تقممارب البطولممة عممن‬
‫الوضع الممتاز للبورجوزاية التي ربتهم‪.‬‬

‫لقد كانت الثورة ستكون على الرجح أكثر إنسانية‪ ،‬لممو كممانت لممدى البروليتاريمما إمكانيممة شممراء‬
‫"كل هذه العصابة"‪ ،‬كما كان يعبر ماركس عن ذلك في الماضي‪ .‬لكن الرأسمالية قد حملت الشغيلة‪،‬‬
‫دا يستحيل معه الكلم جممدًيا‬ ‫قا من الديون‪ :‬فقد دمرت النتاج تدميًرا شدي ً‬ ‫أثناء هذه الحرب‪ ،‬حمل ً ساح ً‬
‫عن هذا الشراء الذي لم تم لقبلت البورجوازية بالثورة دونما شغب كثير‪ .‬لقد فقدت الجماهير الكممثير‬
‫من الدماء‪ ،‬وقاست عذاًبا مريًرا واكتسبت صملبة ل تسممح لهما باتخماذ مثمل همذا القمرار المذي يعجمز‬
‫بالصل عن تحقيقه اقتصادًيا‪.‬‬

‫وهناك ظروف أخرى أثرت في التجاه نفسه‪ .‬أن بورجوازيات البلممدان المقهممورة‪ ،‬الممتي أثممارت‬
‫الهزيمة حفيظتها‪ ،‬مستعدة للغاء مسؤولية هذه الهزيمة على عامة الشعب‪ ،‬علمى العمممال والفلحيممن‬
‫الذين ما كانوا قادرين على خوض "الحرب الوطنية الكبرى" حتى النهاية‪ .‬ومن وجهة النظر هذه‪ ،‬فإن‬
‫التفسيرات الوقحة وقاحة ل مثيممل لهمما والممتي قممدمها لودنممدورف إلممى لجنممة الجمعيممة الوطنيممة بالغممة‬
‫الدللة‪ .‬إن عصابات لودندورف تتأرم شوًقا إلى غسل عار إذللها الخارجي فممي دم بروليتاريمما وطنهمما‪.‬‬
‫أما بورجوازية البلدان المنتصرة التي كلها كبرياء‪ ،‬فهي مستعدة أكثر من أي وقت مضى للممدفاع عممن‬
‫وضعها الجتماعي بالعتماد على الوسائل الدنيئة الممتي كفلممت لهمما النصممر‪ .‬لقممد رأينمما أن البورجوازيممة‬
‫الدولية قد أنكشف عجزها عن تنظيم قسمة الغنيمة بدون حممروب ول دمممار‪ .‬فهممل تسممتطيع‪ ،‬بصممورة‬
‫عامة‪ ،‬أن تتخلى بدون معركة عممن الغنيممة؟ أن تجربممة العموام الخمسممة الخيممرة ل تمترك أي مجمال‬
‫للشك في هذا الموضوع‪ .‬وإذا أمكن للناس في الماضي‪ ،‬رغم تفاؤلهم الخالص‪ ،‬أن يتوقعوا أن تجريممد‬
‫الطبقات المالكمة ممن أملكهما – عمن طريمق "الديمقراطيمة" – لمن يتمم بهمدوء‪ ،‬بمدون تممرد وبمدون‬
‫تحالفات مسلحة وبدون محاولت مناهضة للثورة وبدون قمممع عممديم الشممفقة‪ ،‬فإننمما مرغمممون اليمموم‬
‫على العتراف بأن الموقف المغاير الممذي خلقتممه لنمما الحممرب المبرياليممة يضمماعف مرتيممن وثلث ًمما مممن‬
‫الطابع العديم الشفقة للحرب الهلية وديكتاتورية البروليتاريا‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫كوميونة باريس وروسيا السوفييتات‬ ‫‪4‬‬

‫أحزاب الكوميونة الشتراكية لم تكن مستعدة‬


‫لقد كانت كومة بماريس عمام ‪ 1871‬أول محاولمة تاريخيمة – وأن ضمعيفة – لسمميطرة "الطبقمة‬
‫العاملة أننا نبجل ذكلى الكوميونة‪ ،‬رغم تجربتها الضيقة والنقص في أعداد مناضممليها وبلبلممة برنامجهمما‬
‫وغياب الوحدة بين قادتها وعدم تركيز مشاريعها والفوضى الكبيرة في التنفيذ والكارثة المخيفة الممتي‬
‫تبعتها بالضرورة‪ .‬أننا نحيي فممي الكوميونممة – حسممب تعممبير ل فمروف – فجممر الجمهوريممة البروليتاريممة‬
‫الولى رغم شحوبه‪.‬‬

‫أن كاوتسكي ل يفهم المور على هممذا النحممو‪ .‬فهممو بعممد أن خصممص الجممزء العظممم مممن كتممابه‬
‫"الرهاب والشيوعية" لقامة توازن مغرض إلى حد مفضوح بين الكوميونة والسلطة السوفياتية‪ ،‬يرى‬
‫مزايا الكوميونة البارزة حيث نرى نحن شقاءها وعيوبها‪.‬‬

‫ينكب كاوتسكي بحمية على إثبات أن كوميونة باريس لم تعد لها العممدة "بشممكل مصممطنع" بممل‬
‫بزغت تلقائًيا مفاجئة الثوريين بخلف ثورة أكتوبر – نوفمبر الروسية التي أعد لهمما العممدة حزبنمما بدقممة‬
‫وعناية‪ .‬أن كاوتسكي‪ ،‬الذي ل يجرؤ على التعبير بوضوح عن أفكاره الرجعية‪ ،‬ل يقول لنا بصراحة هل‬
‫يستحق الثوريين الباريسيون عام ‪ 1871‬الثناء لنهم لم يتوقعمموا التمممرد البروليتاريمما‪ ،‬أم أننمما نسممتحق‬
‫اللوم لننا توقعنا ما هو محتم وسبقنا الحممداث بمموعي لكممن كممل تحليممل كاوتسممكي معممروض بطريقممة‬
‫يخلف معها في عقل القارئ هذا النطباع‪ :‬لقد ألمت برجال الكومة الكارثة من حيممث ل يممدرون )ألممم‬
‫يعبر فولمار البافاري المحدود التفكير ذات يوم عن أسفه لن رجال الكومنة لم يذهبوا إلى النوم بدل ً‬
‫من استلم السلطة؟( ولهذا فإنهم يستحقون كل حلمنا‪ ،‬في حين أن البلشفة استبقوا الكارثة بمموعي‬
‫)الستيلء على السلطة( ولهذا فلن يغفر لهم ل في هذا العالم ول في العالم الخر‪ .‬إن طرح المسألة‬
‫فا إلى درجة ل تصدق‪ .‬لكن هذا ينبع بالضرورة من موقف "الكاوتسممكيين‬ ‫على هذا النحو قد يبدو سخي ً‬
‫المستقلين" الممذين يمدخلون رؤوسممهم بيمن أكتمافهم حممتى ل يمروا شمميًئا ول يتوقعمموا شميًئا‪ ،‬والممذين ل‬
‫قا وخممزة ل بممأس بهمما فممي ظهممورهم‪ .‬كتممب‬ ‫يستطيعون أن يخطوا خطوة إلى المام إذا لم يتلقوا مسب ً‬
‫كاوتسكي‪" :‬إذلل باريس‪ ،‬والضن عليها بالستقلل الذاتي‪ ،‬وتجريدها من لقبها كعاصمة‪ ،‬ونزع السلح‬
‫منها حتى يمكن فيما بعد القيام بانقلب ملكي بسلم‪ :‬هذا ما كانته المهمة الرئيسية للجمعية الوطنية‬
‫سا للسلطة التنفيذية‪ .‬ومممن هممذا الموقممف ولممد النممزاع الممذي أدى إلممى التمممرد‬ ‫ولتيير الذي انتخبته رئي ً‬
‫الباريسي"‪" – .‬أننا نرى إلى أي حد يتميز عن هذا الشكل مممن الثممورة ممما قممامت بممه البولشممفية الممتي‬
‫أنهكت قوتها في طموحها إلى السلم‪ ،‬والتي كانت تقف وراءها طبقة الفلحين‪ ،‬والتي لم تكن تممواجه‬
‫في الجمعية الوطنية ملكيين بل اشتراكيين ثوريين ومنشفيك"‪.‬‬

‫"لقد توصل البلشفة إلى السلطة بثورة أحسن إعدادها فوضعت بين أيديهم‪ ،‬دفعة واحدة‪ ،‬كمل‬
‫اللة الحكومية التي يستخدمونها في السماعة الراهنمة بأقصمى مما يمكنهمم وبصمورة عديممة الشمفقة‬
‫لخضاع خصومهم ومن بينهم البروليتاريون"‪.‬‬

‫"وبالمقابل فإن ما من أحد فوجئ بتمرد الكوميونة كما فوجئ الثوريون أنفسهم‪ ،‬ولقد كان هذا‬
‫النزاع بالنسبة إلى الكثيرين منهم أمًرا غير مرغوب فيه بعد كل شيء" )ص ‪.(44‬‬

‫وحتى نكون فكرة واضحة دقيقة عن المعنى الحقيقي لممما يقمموله كاوتسممكي هنمما بصممدد رجممال‬
‫الكومة‪ ،‬فإننا سنسجل الشهادة المفيممدة التاليممة‪ :‬كتممب ل فممروف فممي كتابممة الغنممى بالمعلومممات عممن‬
‫الكوميونة‪:‬‬

‫‪" 4‬فترة قصيرة دامت الثورة الولى التي قامت بها البروليتايما ممن أجمل البروليتاريما وانتهمت بانتصمار اعمدائها‪.‬‬
‫ما"‬‫دامت هذه الفترة )من ‪ 18‬آذار إلى ‪ 28‬ايار( ‪ 72‬يو ً‬
‫)"كوميونة باريس‪ 18 ،‬آذار ‪ ."1871‬ب‪ .‬ل‪ .‬لفروف‪ .‬بتروغراد‪ .‬طبعة مكتبة "غولوس"‪ .1919 .‬ص ‪.(160‬‬
‫‪44‬‬
‫"في الول من آذار ‪ – 1871‬أي بعد ستة أشهر من سقوط المبراطورية وقبل أيام من انفجار‬
‫الكوميونة – كانت الشخصيات القيادية في الممية في باريس ما تزال بممدون برنامممج سياسممي محممدد‬
‫)‪."(5‬‬

‫ويكتب هذا المؤلف نفسه‪:‬‬

‫"بعد ‪ 18‬آذار‪ ،‬كانت باريس في أيدي البروليتاريا‪ ،‬لكن زعماءها‪ ،‬الذين احتاروا أمام قوتهم غيممر‬
‫المنتظرة‪ ،‬لم يتخذوا حتى تدابير المن الدولية )‪." (6‬‬

‫لقد صرح أحد أعضاء اللجنة المركزية للحرس القومي‪" :‬إن دوركم ليس على قممدكم‪ ،‬وهمكممم‬
‫الوحيد أن تتخلصوا من المسؤوليات‪ .،،‬وقد كتب ليسمماغاراي الممذي سمماهم فممي الكوميونممة وأرخ لهمما‪:‬‬
‫"في هذا الكلم شيء كثير من الحقيقة‪ ،‬لكن في لحظة العمل بالممذات ينبممع نقممص التنظيممم والعممداد‬
‫المسبق في غالب الحيان من أن الدوار تقع على عاتق رجال ليسوا بمستوى أدائها )‪." (7‬‬

‫وينتج مما سبق )وهذا ما سيتضح أكثر فيما بعد( أن عدم وجممود برنامممج للنضممال المباشممر مممن‬
‫أجممل السمملطة السياسممية لممدى الشممتراكيين الباريسمميين يتفسممر بعممدم نضممجهم النظممري وبلبلتهممم‬
‫السياسية‪ ،‬لكنه ل يتفسر البتة باعتبارات تكتيكية أرفع مستوى‪.‬‬

‫ومما ل شك فيه أن أخلص كاوتسكي نفسه لتقاليد الكوميونة سيعبر عن نفسه بصورة خاصممة‬
‫في الندهاش العميق الذي سيستقبل به الثورة البروليتارية في ألمانيا الممتي لممم يممر فيهمما إلممى نزاع ًمما‬
‫"غير مرغوب فيه بعد كل شيء" غير أننا نشك في أن الجيال القادمة ستقدر موقفه هممذا‪ .‬بممل علينمما‬
‫طا من البلبلة والتحفظ‪.‬‬ ‫أن نقول أن ما هيه مقارنته التاريخية بالذات ليست إل خلي ً‬

‫ما مممن قبممل تشمميرنوف‬ ‫إن النيات الممتي كممان تييممر يضمممرها لبمماريس‪ ،‬كممان ميليممو كمموف مممدعو ً‬
‫وتسيريتيلي‪ ،‬يضمرها لبترسبورغ‪ .‬كانوا يرددون يومًيا جميعًمما – مممن كورنيلمموف إلمى بوتريسموف – أن‬
‫بترسبورغ قد أنعزلت بنفسها عن البلد‪ ،‬وأنه لم تعد لها من علقة مشممتركة بهمما‪ ،‬وأنهمما تريممد‪ ،‬بعممد أن‬
‫أنحطت على الدرك السفل‪ ،‬أن تفرض إرادتها على المة‪ .‬إذلل بترسبورغو إفقادها حظوتها‪ :‬هذا ممما‬
‫كانته المهمة الولى ليليو كوف وطغمته‪ .‬لقد كان هذا يحدث في الوقت الممذي كممانت فيممه بترسممبورغ‬
‫الموطن الحقيقي للثورة التي لم تكن بعد قد نجحت في توطيد نفسها في سممائر أجممزاء البلد‪ .‬ولقممد‬
‫كان رودزيانكو‪ ،‬الرئيس السابق للدوما‪ ،‬يتحدث علًنا عن تسليم بترسبورغ لللمان كما سبق وسمملمت‬
‫سا‪ .‬وما كان رودزيانكو إل ليحدد بكلمه هذا ماهية مهمة ميليو كوف الذي كممان‬ ‫ريجا‪ ،‬وذلك لتلقينها در ً‬
‫كيرنسكي يدعمه بكل سياسته‪.‬‬

‫لقد كان ميليو كوف يريد‪ ،‬على مثال تيير‪ ،‬أن يجرد البروليتاريا مممن سمملحها‪ .‬لكممن السمموأ مممن‬
‫ضما أن بترسممبورغ كممانت قمد جمردت تقريب ًمما ممن سملحها فمي تمموز ‪ 1917‬بفضمل كيرنسمكي‬ ‫ذلك أي ً‬
‫وتشيرنوف وتسيريتيلي وقد استعادت هذا السلح يوم هجوم كورنيلوف على بترسبورغ في آب‪ .‬ولقد‬
‫كان تسليح البروليتاريا الجديد هذا عنصًرا جدًيا بالنسبة إلى إعداد تممرك أكتموبر – نوفممبر‪ ،‬بحيمث أن‬
‫تلك النقاط التي يستند عليها كاوتسكي ليعارض تمرد العمال الباريسيين في آذار بثورتنا فممي تشممرين‬
‫الول والثاني‪ ،‬تتطابق إلى حد ما‪.‬‬

‫لكن ما وجه الختلف بينها؟ أنه يكمن‪ ،‬قبمل كمل شميء‪ ،‬فممي أن مشماريع تييمر المشممؤومة قمد‬
‫تحققت‪ ،‬وفي أن باريس قد خنقت وعشرات اللف من العمال قد ذبحوا‪ ،‬فممي حيممن أن ميليممو كمموف‬
‫سا‪ ،‬وبترسبورغ ظلت حصن البروليتاريمما المنيممع‪ ،‬وزعممماء البرجوازيممة الروسممية قممد‬
‫قد انهار انهياًرا بائ ً‬
‫ذهبوا إلى أوكرانيا ليحرضوا على احتلل روسيا من قبل جيوش المبراطور‪ .‬وهذه بالطبع غلطتنا إلممى‬

‫‪" : ()5‬كوميونة باريس في ‪ 18‬آذار ‪ – "1871‬ب‪ .‬ل لفروف – طبعة مكتبة غولوس – بتروغراد – ‪– 1919‬‬
‫ص ‪.65 – 64‬‬
‫‪ : ()6‬المصدر نفسه – ص ‪.71‬‬
‫‪" ()7‬تاريخ كوميونة ‪ – 1871‬بقلم ليساغاراي – بروكسل – ‪ – 1876‬ص ‪.106‬‬
‫‪45‬‬
‫ضا – وهذا ما اتضح أكثر مممن‬ ‫حد كبير‪ ،‬ونحن مستعدون لتحمل مسؤوليتها‪ .‬والفرق الساسي يكمن أي ً‬
‫مرة من خلل التطور اللحممق للحممداث – فممي أن رجممال الكوميونممة كممانوا يفضمملون أن ينطلقمموا مممن‬
‫اعتبارات وطنية‪ ،‬في حين أننا نتبنى باستمرار وجهة نظر الثورة الممية‪ .‬لقممد أدت هزيمممة الكوميونممة‬
‫إلى النهيار الفعلي للممية الولى فممي حيممن أن انتصممار السمملطة السمموفياتية‪ ،‬قممد أدى إلممى تأسمميس‬
‫الممية الثالثة‪.‬‬

‫لكن ماركس كان ينصح رجال الكوميونة – عشمية الثمورة – بمالتنظيم ل بممالتمرد! ونسممتطيع أن‬
‫نفهم‪ ،‬عند الحاجة‪ ،‬أن يستشهد كاوتسكي بذلك ليثبت كم كان ماركس يسيء تقممدير تفمماقم الموقممف‬
‫في باريس‪ .‬لكن كاوتسكي يريد بأي ثمن أن يستغل نصيحة ماركس ليممدلل علممى الذى الممذي يصمميب‬
‫الحركة من جراء التمرد بشكل عام‪ .‬إن كاوتسكي‪ ،‬الشبيه بكممل مثقفممي الشممتراكية – الديمقراطيممة‪،‬‬
‫يرى في التنظيم وسيلة لخراج العمل الثوري قبل كل شيء‪.‬‬

‫ومن المناسب أل ننسى‪ ،‬حتى لو اقتصرنا على مسألة التنظيم وحدها‪ ،‬إن ثورة تشممرين الثمماني‬
‫قد سبقتها تسعة شهور من وجود حكومة كيرنسكي‪ ،‬تسعة شممهور اهتممم فيهمما حزبنمما بنجمماح بممالتنظيم‬
‫والتحريض‪ .‬لقد تمت ثورة تشممرين الثمماني بعممد أن حققنمما الغالبيممة السمماحقة فممي سمموفييتات العمممال‬
‫والجنود في بترسبورغ وموسكو وفي جميع المراكز الصناعية فممي مختلممف أرجمماء البلد بشممكل عممام‪،‬‬
‫وبعد أن حولنا السوفييتات إلى منظمات قوية يوجهها حزبنا‪ .‬ولم يحممدث شمميء مممن هممذا لممدى رجممال‬
‫الكوميونة‪ .‬وأخيًرا كان وراءنا مثال كوميونة باريس البطولية وانهيارها الذي استخلصنا منممه السممتنتاج‬
‫القائل أن على الثوريين أن يتوقعوا الحداث وأن يستعدوا لها‪ .‬ومرة أخرى نقول‪ :‬هذه هي عيوبنا‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫كوميونة باريس والرهاب‬
‫ل يحتاج كاوتسكي إلى توازن واسع النطمماق بيممن الكوميونممة والسمملطة السمموفياتيه إل ليفممتري‬
‫على هذه الخيرة ويسئ إلى سمعة ديكتاتورية البروليتاريا الحية المظفرة‪ ،‬لمصلحة ديكتاتورية ترجممع‬
‫دا اليوم‪.‬‬
‫إلى ماض أصبح بعي ً‬

‫إن كاوتسكي يستشهد بسرور بالغ بتصريح للجنة المركز للحرس القومي بتاريخ ‪ 19‬آذار بصدد‬
‫اغتيال الجنود لثنين من الجنرالت‪ ،‬هما لو كنت وكليمان توما‪" :‬إننا نذكر ذلممك باسممتنكار‪ .‬أنهمما لطخممة‬
‫دم يراد بها أن يلوث شرفنا‪ .‬أنه لفتراء حقير‪ .‬فنحن لم نممأمر بالجريمممة قممط‪ .‬والحممرس القممومي لممم‬
‫يساهم البتة في أعداد الجريمة"‪.‬‬

‫أننا نفهم أل يكون للجنة المركزية أي سبب لتأخذ على عاتقها مسؤولية أغتيال لم يكن لها مممن‬
‫دخل فيه‪ .‬لكن لهجة التصريح العاطفية الحزينة تدل بوضوح على خجل أولئك الرجال السياسي أمممام‬
‫الرأي العام البورجوازي‪ .‬ترى أينبغي أن ندهش لذلك؟ لقد كان معظم ممثلي الحرس القومي رجممال ً‬
‫قليلي التمرس بالعمل الثوري‪ .‬كتب ليساغاراي‪" :‬لم يكن أ؛د منهم معروف السم‪ .‬كانوا بورجمموازيين‬
‫صغاًرا‪ ،‬بقالين‪ ،‬غريبين عن المنظمات‪ ،‬متحفظين‪ ،‬والقسم الكبر منهم غريًبا عن السياسة" )ص ‪.(7‬‬

‫ويكتب ل فروف بهذا الصدد‪" :‬يتضح من كل بلغات تلك اللجنة المركزية التي كانت باريس قد‬
‫سقطت بين أيديها‪ ،‬أنها كانت تشكو من شعور خفي‪ ،‬خائف بعض الشيء‪ ،‬مممن المسممؤولية التاريخيممة‬
‫الرهيبة‪ ،‬ومن الرغبة في التحرر منها بأسرع وقت ممكن" )ص ‪.(77‬‬

‫إن كاوتسكي بعد أن يستشهد بذلك التصريح عن ارافة الدماء ليلحممق بنمما العممار‪ ،‬يقمموم بممدوره‪،‬‬
‫بعد ماركس وأنجلز‪ ،‬بانتقاد تردد الكوميونة‪" :‬لو أن الباريسيين )أي رجال الكوميونممة( قممد انممدفعوا بل‬
‫كلل في مطاردة تيير‪ ،‬فلربما كانوا نجحوا في الستيلء على الحكم‪ .‬وما كانت القوات المنسجة مممن‬
‫باريس لتستطيع أن تعارضهم بأي مقاومة مهما كانت ضئيلة‪ ..‬لكن تيير استطاع أن يقاتل وهو يتقهقر‬
‫بدون عقبات لقد سمحوا له بأن ينسممحب مممع جيشممه‪ ،‬وبممأن يعيممد تنظيمممه فممي فرسمماي‪ ،‬وبممأن يجممدد‬
‫معنوياته ويعززه" )ص ‪.(49‬‬

‫إن كاوتسكي ل يسممتطيع أن يفهممم أنهممم الرجممال أنفسممهم الممذين أصممدروا تصممريح ‪ 19‬آذار ثممم‬
‫سمحوا لتيير‪ ،‬للسممباب نفسممها‪ ،‬بممأن ينسممحب دونممما قتممال ويعيممد تنظيممم جيشممه‪ .‬ولممو أمكممن لرجممال‬
‫الكوميونة أن ينتصروا بمجرد تأثيرهم المعنوي‪ ،‬لكان لتصريحهم أهمية بالغة‪ .‬لكن ليس هذا ما حممدث‪.‬‬
‫والحق أن عاطفيتهم النسانية لم تكن إل الوجه الثاني لسلبيتهم الثورية‪ .‬إن رجال ً شاءت إرادة القدر‬
‫أن تسقط حكومة باريس بين أيديهم‪ ،‬ول يفهمون ضرورة السمتفادة ممن ذلمك فموًرا وبصممورة كاملمة‬
‫ليندفعوا في أثر تيير‪ ،‬وليسحقوه نهائًيا دون أن يتيحوا له الفرصة لتمالك نفسممه مممن جديممد‪ ،‬وليضممعوا‬
‫يدهم على الجيش‪ ،‬وليقوموا بتطهير ل مفر منه في صممفوف القيممادة‪ ،‬وليحتلمموا الريممف والقمماليم‪ ،‬أن‬
‫رجال ً كهؤلء غير مؤهلين بالطبع للضرب بيد من حديد على العناصممر المناهضممة للثممورة‪ .‬ثمممة ارتبمماط‬
‫وثيق بين الحداث‪ .‬فقد كان يستحيل الندفاع في أثر تيير بدون اعتقممال العملء فممي بمماريس‪ ،‬وبممدون‬
‫إعدام المتآمرين والجواسيس‪ .‬ولقد كان من الصممبيانية بمكممان أن تريممد اللجنممة المركزيممة تنميممة روح‬
‫العزيمة بين القوات التي يتزعمها جنرالت مناوئون للثورة‪ ،‬في الوقت الممذي كممان تعتممبر فيممه اغتيممال‬
‫جنرالين مناوئين للثورة جريمة نكراء‪.‬‬

‫إن العزيمة القوية تعادل‪ ،‬في الثمورة‪ ،‬النسممانية السمامية‪ .‬ولقممد أصماب ل فمروف حيممن كتمب‪:‬‬
‫"أنهم علممى وجممه التحديممد أولئك الرجممال الممذين يعلقممون كممبير القيمممة علممى الحيمماة النسممانية والممدم‬
‫البشري‪ ،‬أنهم أنفسهم الذين يتوجب عليهم أن يستخدموا كل الوسائل لتحقيق نصممر سممريع وحاسممم‪،‬‬
‫عا أبممدًيا‪ .‬ذلك أنممه عممن‬
‫والذين يتوجب عليهم فيما بعد أن يعملوا بأقصى سرعة لخضاع العداء إخضا ً‬
‫هذا الطريق وحده يمكن الحصول على أدنى حد من الخسائر المحتمة وأدنى حد من الدم المسفوح‪،‬‬
‫)ص ‪.(225‬‬

‫‪47‬‬
‫بيد أن تصريح ‪ 19‬آذار يمكن أن يقدر تقديًرا أصح إذا فهم ل على أنه إعلن عن قانون مطلممق‪،‬‬
‫بل على أنه تعبير عن حالة معنوية عابرة غداة نصممر غيممر منتظممر تحقممق بممدون أي اراقممة للممدماء‪ .‬إن‬
‫كاوتسكي الغريب كلًيا عن تفهم ديناميكية الثورة والحالة المعنوية التي تتبدل بسرعة نتيجممة لشممروط‬
‫داخلية‪ ،‬إن كاوتسكي هذا يفكر بواسطة صيغ ميتة ويشوه مدلول الحداث عن طريق إقامة تشابهات‬
‫تعسفية‪ .‬إنه ل يفهم إن ذلك التردد الكريم هو بصورة عامة طبيعي بالنسبة إلى الجماهير في مرحلممة‬
‫الثورة الولى أن العمال ل ينتقلون إلى الهجوم إل تحت ضغط ضرورة حديدية‪ ،‬كممما أنهممم لمم ينتقلموا‬
‫إلى الرهاب الحمر إل تحت تهديد المجازر المناهضة للثورة‪ .‬إن ما يصوره كاوتسكي على أنممه نتيجممة‬
‫الخلق السامية للبروليتاريمما الباريسممية‪ ،‬عمام ‪ ،1871‬ل يميممز فممي الواقممع إلممى المرحلممة الولممى مممن‬
‫ضا‪.‬‬
‫الحرب الهلية‪ .‬ولقد لوحظت وقائع مماثلة عندنا أي ً‬

‫لقد استولينا على السلطة في بترسبورع في تشرين الول والثاني من عام ‪ 1917‬دون اراقممة‬
‫دماء تقريًبا بل بدون اعتقالت‪ .‬ولقد أطلع سراح وزراء كيرنسكي بعد الثورة مباشممرة‪ .‬بممل أكممثر مممن‬
‫ذلك‪ ،‬فبعد أن انتقلت السلطة إلى السوفييت‪ ،‬أطلق سراح الجنرال القوقازي كراسنوف الذي همماجم‬
‫بترسبورغ بالتفاق مع كيرنسكي وأعتقال في غاتشممينا‪ ،‬بنمماء علممى كلمممة شممرف منممه‪ ،‬غممداة اعتقمماله‬
‫بالذات‪ .‬أنها "شهامة" تميزت بها أيام الكوميونة الولى‪ ،‬لكن هذا لم يمنع أنهمما كممانت خطممأ فممالجنرال‬
‫كراسممنوف بعممد أن قاتممل ضممدنا فممي الجنمموب طمموال أكممثر مممن عممام‪ ،‬وبعممد أن ذبممح عممدة آلف مممن‬
‫الشيوعيين‪ ،‬قد هاجم مؤخًرا بترسبورغ مرة أخرى‪ ،‬لكن في صفوف جيش يودينيتش هممذه المممرة‪ .‬أن‬
‫فا إل بعد تمرد الجنكر في بترسبورغ وبخاصة بعد تمرد التشيكو سمملوًفا‬ ‫الثورة البروليتارية لم تزدد عن ً‬
‫كيين في منطقة الفولغا – بتخريض من الكاديت والشتراكيين – الثوريين والمنشفيك – مما أدى إلممى‬
‫ذبح آلف الشيوعيين‪ ،‬وبعد محاولة اغتيال لينين‪ ،‬وأغتيال أوريتسكي‪ ،‬الخ‪ ،‬الخ‪.‬‬

‫ضا في تاريخ الكوميونة‪ ،‬لكن في مراحلها الولى فقط‪.‬‬


‫إن هذه التجاهات نفسها نلحظها أي ً‬

‫لقد سارت الكوميونة في البداية‪ ،‬مدفوعة بمنطقة النضال‪ ،‬فممي طريممق التهديممدات‪ .‬وأن خلممق‬
‫"لجنة السلمة العامة" قد أملته على الكثير من أنصارها فكرة الرهاب الحمر‪ .‬فقد كان الهممدف مممن‬
‫خلق هذه اللجنة "قطع رؤوس الخونة" )الجريدة الرسمية رقم ‪ (123‬و"وأد الخيانة" )الجريدة نفسها‬
‫رقم ‪ .(124‬ومن بين مراسيم "التهديد" يجب أن نشير إلى المر الصادر في الثالث من نيسان بحجز‬
‫أموال تيير ووزرائه‪ ،‬وهدم منزله‪ ،‬والطاحة بعمود فانممدوم‪ ،‬وبخاصممة مرسمموم الرهممائن‪ .‬فمقابممل كممل‬
‫أسير أو نصير للكوميونة تعدمه قوات فرساي‪ ،‬ينبغي إعدام ثلثممة رهممائن‪ .‬ولقممد كممانت التممدابير الممتي‬
‫اتخذتها مديرية الشرطة التي كان على رأسها راؤول ريغو‪ ،‬ذات طابع إرهممابي خممالص‪ ،‬رغممم أنهمما لممم‬
‫ما منسجمة مع الهدف المنشود‪ .‬ولقد أصاب الشلل واقع هذه التممدابير نتيجممة روح المصممالحة‬ ‫تكن دو ً‬
‫الشوهاء لدى عناصر الكوميونة القيادية‪ ،‬ورغبتها في مصالحة البورجوازية بالعبارات الفارغة مع المر‬
‫الواقع‪ ،‬وتذبذبها بين وهم الديمقراطية وواقع الديكتاتورية‪ .‬ولقد عممبر ل فممروف عممن الفكممرة الخيممرة‬
‫هذه أجمل التعبير في كتابة عن الكوميونة‪:‬‬

‫"لقد كانت بمماريس الغنيمماء والبروليتماريين البائسمين‪ ،‬بمماريس المفارقمات الجتماعيمة‪ ،‬تتطلممب‬
‫باعتبارها كوميونة سياسية‪ ،‬باسم المبادئ الليبيرالية‪ ،‬حرية تامة في الكلم والجتممماع ونقممد الحكومممة‬
‫الخ‪ .‬ولقد كانت باريس التي أنجزت الثورة لصالح البروليتاريمما والممتي اتخممذت هممدًفا لهمما تحقيممق هممذه‬
‫الثورة في المؤسسمات‪ ،‬تتطلمب باعتبارهما كوميونمة للبروليتاريما العاملمة المتحمررة تمدابير ثوريمة أي‬
‫ديكتاتورية تجاه أعداء النظام الجديد" )ص ‪.(144 – 143‬‬

‫ولو لم تسقط كوميونة باريس‪ ،‬ولو استطاعت أن تستمر من خلل نضممال متواصممل‪ ،‬لممما كممان‬
‫هناك شك في أنها ستلجأ إلى تدابير متزايدة الحزم لسحق الثورة المضادة‪ .‬وصحيح أن كاوتسكي ممما‬
‫كان ليسمتطيع عنمدئذ أن يعمارض رجمال الكوميونمة النسمانيين بالشميوعيين الل إنسمانيين‪ .‬لكمن تييمر‬
‫بالمقابل ما كان ليستطيع أن يقوم بمذبحته الرهيبة لبروليتاريمما بمماريس‪ .‬وسمميكون للتاريممخ قممد صممفي‬
‫حسابه بعد كل شيء وهو رابح‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫اللجنة المركزية التعسفية والكوميونة "الديمقراطية"‬
‫يروي كاوتسكي‪" :‬في ‪ 19‬آذار‪ ،‬في اللجنممة المركزيممة للحممرس القممومي‪ ،‬كممان البعممض يطممالب‬
‫بالزحف على فرساي‪ ،‬والبعض الخر يطالب بدعوة النمماخبين‪ ،‬والبعممض الثممالث يطممالب بمماللجوء إلممى‬
‫التدابير الثورية‪ ،‬وكأن كل خطوة من هذه الخطوات "كما يبين لنا ذلك مؤلفنا بممروح عميقممة عظيمممة(‬
‫ضا وكأن بعضها يستبعد البعض الخر" )ص ‪.(54‬‬ ‫ليست ضرورية أي ً‬

‫وفي السطور التالية يقدم لنا كاوتسكي‪ ،‬بصدد هممذه الختلفممات فممي قلممب الكوميونممة‪ ،‬أفكمماًرا‬
‫مبتذلة حامية عن العلقات المتبادلة بيمن الصملحات والثمورة‪ .‬والواقمع أن المسمألة كمانت مطروحمة‬
‫على هذا النحو‪ :‬إذا كان ل بد من الهجوم على فرساي والقيام بذلك بدون إضاعة ثانيممة واحممدة‪ ،‬فمممن‬
‫الضروري إعادة تنظيم الحرس القومي فوًرا‪ ،‬وتسليم قيادته لكممثر العناصممر نضممالية مممن البروليتاريمما‬
‫الباريسية‪ ،‬وهذا ما كان سيؤدي إلى أضعاف مؤقت لباريس في وضعها الثوري‪ .‬لكن تنظيم النتخابات‬
‫في باريس وإخراج نخبة من الطبقة العاملة من قلبها‪ ،‬كان أمر ل معنى لممه مممن وجهممة نظممر الحممزب‬
‫الثوري‪ .‬يقيًنا أن الزحف على فرساي والنتخابات في الكوميونة ل يتناقضان البتة نظرًيا‪ ،‬لكنهممما كانمما‬
‫يتنافيان عملًيا‪ :‬فلنجاح النتخابات كان ل بد من أرجاء الزحف على فرساي‪ ،‬ولنجاح هذا الزحممف كممان‬
‫لبد من أرجاء النتخابات‪ .‬وأخيًرا‪ ،‬فإن البروليتاريمما بقيامهمما بالحملممة‪ ،‬كمانت ستضممعف بمماريس مؤقت ًمما‪،‬‬
‫وسيتوجب عند ذاك درء جميع إمكانيات المفاجآت المناهضة للثورة في العاصمة‪ ،‬ذلك أن تيير ما كان‬
‫ليحجم أمام أي شيء ليشعل خلف رجال الكوميونة حريق الرجعية‪ .‬كان ل بممد إذن مممن إقامممة نظممام‬
‫ما‪ ،‬في العاصمة‪ .‬كتب ل فروف‪" :‬لقد كانوا مرغمين على القتال ضد عممدد‬ ‫أكثر عسكرية‪ ،‬أي أشد حز ً‬
‫كبير من العداء الداخليين الذين كانوا يربلون في باريس والذين كانوا بالمس يتمردون في ضممواحي‬
‫البورصة وساحة فاندوم والذين كان لهم ممثلوهم في الحرس القمومي ولهمم صمحافتهم وجمعيماتهم‪،‬‬
‫والذين كانوا يجرون التصالت فممي وضممح النهممار تقريب ًمما مممع قمموات فرسمماي‪ ،‬والممذين كممانوا يممزدادون‬
‫ضمما‬
‫ما وجرأة كلما بدرت عن الكوميونة أي غفلة أو فشل" )ص ‪ .(87‬ولقد كان من الضممروري أي ً‬ ‫تصمي ً‬
‫في الوقت نفسه اتخاذ سلسلة من التدابير القتصادية المالية لتلبية حاجات الجيش الثوري قبممل كممل‬
‫شيء‪ .‬إن كل هذه التدابير البالغة الضرورة للديكتاتورية ما كانت لتتفق إل بصعوبة مع حملمة انتخابيمة‬
‫واسعة النطاق‪ .‬لكي كاوتسكي ل يملك أي تفهم لماهية الثورة فممي الواقممع‪ .‬إنممه يعتقممد أن المصممالحة‬
‫نظرًيا تعني التنفيذ عملًيا‪.‬‬

‫كانت اللجنة المركزية قد حددت موعد النتخابات في الكوميونة في ‪ 22‬آذار‪ ،‬لكنها لممما كممانت‬
‫تفتقد إلى الثقة بالنفس وخائفة من ل شرعيتها وتبذل جهدها فممي التصممرف بالنسممجام مممع مؤسسممة‬
‫أكثر "شرعية"‪ ،‬فقد باشرت المفاوضات‪ ،‬مفاوضات عمماجزة ول متناهيممة‪ ،‬مممع الجمعيممة المجممردة مممن‬
‫السلطة ومن عمد ونواب باريس‪ ،‬المستعدة لتقاسم السلطة معها‪ ،‬ل لشيء إل لمجرد الوصول إلممى‬
‫اتفاق‪ .‬وهكذا ضاع وقت ثمين‪.‬‬

‫إن ماركس الذي يحاول كاوتسكي‪ ،‬حسب تقليد قديم‪ ،‬أن يعتمد عليه‪ ،‬لم يقترح‪ ،‬فممي أي حممال‬
‫من الحوال‪ ،‬انتخاب الحكوميونة وقذف العمممال فممي المموقت نفسممه فممي حملممة عسممكرية‪ .‬لقممد كتممب‬
‫ماركس‪ ،‬في رسالته إلى كوجلمان بتاريخ ‪ 12‬نيسان ‪ ،1871‬إن اللجنة المركزية للحرس القومي قممد‬
‫تخلت عن سلطاتها قبل الوان لتترك المجال حًرا للكوميونة‪ .‬إن كاوتسكي حسب تعممبيره بالممذات "ل‬
‫يفهم" رأي ماركس هذا إل أن المر بسميط‪ .‬لقمد كمان مماركس يفهمم علمى كمل الحموال أن المهممة‬
‫ليست الراكض وراء الشرعية‪ ،‬بل تسديد ضربة قاتلة إلى العدو‪ .‬ولو كممانت اللجنممة المركزيممة مؤلفممة‬
‫ما‪.‬‬
‫من ثوريين حقيقيين – على حد قول ل فروف الصائب – لكان عليها أن تتصرف بصورة مغايرة تما ً‬
‫فلقممد ارتكبممت خطيئة ل تغتفممر عنممدما منحممت أعممداءها فرصممة عشممرة أيممام قبممل النتخابممات ودعمموة‬
‫الكوميونة‪ ،‬حتى يتمكنوا من استعادة قواهم في الوقت الذي كان فيه قممادة البروليتاريمما يتخلممون عممن‬
‫مهمتهم ول يعمترفون لنفسمهم بمالحق بتموجيه البروليتاريما مباشمرة‪ .‬أن النقمص الشمامل فمي أعمداد‬
‫الحزاب الشعبية قد أنتج لجنة اعتبرت تلك اليام العشرة من الل عمل أنها كانت إلزامية‪.‬‬

‫إن مطامح اللجنة المركزية‪ ،‬الراغبممة فممي تسممليم السمملطة بأسممرع وقممت ممكممن إلممى حكومممة‬
‫"شرعية"‪ ،‬لم تكن تمليها عليهمما خرافممات ديموقراطيممة شممكلية هممي متمموفرة "أصمل ً بممل الخمموف مممن‬
‫المسؤوليات‪ .‬أن اللجنة المركزية‪ ،‬بحجة أنها مؤسسة مؤقتة‪ ،‬رفضت أن تتخمذ أكمثر التمدابير ضمرورة‬

‫‪49‬‬
‫حا‪ ،‬رغم أن كل جهاز السلطة كممان مركمًزا بيمن يممديها‪ .‬والحمال أن الكوميونممة لمم تسمتعد كاممل‬
‫وإلحا ً‬
‫السلطة السياسية من اللجنة المركزية التي تابعت‪ ،‬بدون حرج كبير‪ ،‬تدخلها في الشؤون كافة وكممان‬
‫نتيجة ذلك وكان نتيجة ذلك ثنائية في السلطة بالغة الخطورة‪ ،‬وبخاصة بالنسبة إلى الوضع العسكري‪.‬‬

‫في ‪ 3‬أيار‪ ،‬أرسلت اللجنة المركزية إلى الكوميونة منممدوًبا طلمب إعممادة اسممتلم إدارة المموزارة‬
‫الحربية‪ .‬ومن جديد – كما يقول ليساغاراي – طرحت هذه المسألة‪" .‬هل مممن المناسممب حممل اللجنممة‬
‫المركزية أو اعتقالها" أم ينبغي تسليمها إدارة الوزارة الحربية"‪.‬‬

‫وبصورة عامة‪ ،‬إن المشكلة هنا ليست مشكلة مبممادئ الديمقراطيممة بممل حاجممة الطرفيممن إلممى‬
‫برنامج واضح للعمل والرغبة المشتركة‪ ،‬سواء ألدى التنظيممم الثمموري المطلممق المتجسممد فممي اللجنممة‬
‫المركزية أم لدى تنظيم الكوميونة "الديموقراطي"‪ ،‬في إلقاء المسؤوليات على عاتق الطرف الخر‪،‬‬
‫دونما تخل كامل عن السلطة‪ .‬إن مثل هذه العلقات السياسية غير جديرة بالتقليد‪.‬‬

‫يعزي كاوتسكي نفسه قائ ً‬


‫ل‪:‬‬

‫"لكن اللجنة المركزية لم تحاول قط أن تمس المبدأ الذي ينص على أن السمملطة العليمما يجممب‬
‫أن تكون بيد المنتخبين عن طريممق النتخمماب العممام‪ .‬وحممول هممذه النقطممة بالممذات‪ ،‬تتعممارض كوميونممة‬
‫حا مع الجمهورية السوفياتية" )ص ‪ .(55‬إن وحدة الدارة الحكوميممة لممم يكممن لهمما‬ ‫ضا واض ً‬
‫باريس تعار ً‬
‫فمما‪.‬‬
‫من وجود‪ ،‬وكذلك الجرأة الثورية‪ ،‬بل وجممدت ثنائيممة السمملطة وكممانت النتيجممة انهيممار سممريًعا ومخي ً‬
‫وبالمقابل أليس هذا عزاء كافًيا؟ ‪ -‬لم يمس "مبدأ" الديمقراطية قط‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫الكوميونة الديمقراطية والديكتاتورية الثورية‬

‫لقد سبق للرفيق لينين أن بين لكاوتسكي إن محاولة تصوير الكوميونة على أنهمما ديموقراطيممة‬
‫شكلية ليست إل شعوذة نظرية‪ .‬لقد كانت الكوميونة‪ ،‬سواء أبتقاليممد أم بنيممات مممن كممانوا يقودونهمما –‬
‫البلنكيون – التعبير عن الديكتاتورية الثورية لمدينة على البلد قاطبة‪ .‬وهكذا كانت الحال فممي الثممورة‬
‫الفرنسية الكبرى‪ .‬وهكذا كانت ستكون الحال في ثورة ‪ 1871‬لو لممم تسممقط الكوميونممة بسممرعة‪ .‬إن‬
‫كون السلطة في باريس بالذات قد انتخبت على أساس القممتراع العممام‪ ،‬ل يسممتبعد الواقعممة الخممرى‬
‫الكثر أهمية إل هي العمل العسكري للكوميونة‪ ،‬لمدينة‪ ،‬ضد فرنسا الفلحيممة‪ ،‬أي ضممد المممة قاطبممة‪.‬‬
‫ولقممد كممان ل بممد‪ ،‬كممي يكممون الممديموقراطي الكممبير كاوتسممكي راضمًيا عممن حممق‪ ،‬أن يستشممير ثوريممو‬
‫قا‪ ،‬عن طريق النتخاب العام‪ ،‬كممل سممكان فرنسمما ليعرفمموا هممل مممن الممواجب أم ل أن‬ ‫الكوميونة مسب ً‬
‫يحاربوا عصابات تيير‪.‬‬

‫وأخيًرا‪ ،‬في باريس بالذات‪ ،‬تمت النتخابات بعد هرب البورجوازية المؤيدة لتيير‪ ،‬أو على القممل‬
‫طا‪ ،‬وبعد جلء الجيوش النظامية‪ .‬البورجوازية التي بقيممت فممي بمماريس‪ ،‬رغممم‬‫هرب أكثر عناصرها نشا ً‬
‫كل وقاحتها‪ ،‬كانت تخشى المعارك الثورية‪ ،‬وإنما في جو الخمموف هممذا – خمموف ناتممج عممن الحسمماس‬
‫المسبق بحتمية الرهاب الحمر في المستقبل – تمت النتخابات‪ .‬أما أن يتعزى النسممان بممأن اللجنممة‬
‫المركزية للحرس القومي المتي تممت النتخابمات للكوميونمة فمي ظمل دكتاتوريتهمما – وقممد كمانت ممع‬
‫السف ديكتاتورية رخوة شوهاء – لم تمس مبدأ النتخاب العام‪ ،‬فهذا ل يعنممي فممي الواقممع إل تسممديد‬
‫ضربات السيف إلى الماء‪.‬‬

‫كوميونة )الدوما البلدية( على أساس النتخاب "الديموقراطي" نفسه دونما تضممييقات بالنسممبة‬
‫إلى البورجوازية‪ .‬ولقد أعطتنا هذه النتخابات‪ ،‬بعد مقاطعة الحزاب البورجوازيممة‪ ،‬غالبيممة سمماحقة )‪.(8‬‬
‫ولقد خذعت الدوما‪ ،‬التي انتخبت انتخاًبا ديموقراطًيا‪ ،‬لسوفييت بترسبورغ بملء إرادتهمما‪ ،‬أي وضممعت‬
‫ديكتاتورية البروليتاريا فوق "مبدأ" النتخاب العام‪ .‬وقد حلت نفسها فيما بعد مممن تلقمماء ذاتهمما لصممالح‬
‫أحدى شعب السوفييت البترسبورغي‪ .‬وبهذا يكون سوفييت بترسبورغ – هذا الب الحقيقممي للسمملطة‬
‫السوفياتية – قد أحاطت به النعمممة اللهيممة‪ ،‬هالممة ديموقراطيممة شممكلية تفمموق بمممرات هالممة كوميونممة‬
‫باريس‪.‬‬

‫وا مممن‬
‫وا في الكوميونة‪ ،‬في انتخابممات ‪ 26‬آذار‪ .‬وكممان مممن بينهممم ‪ 15‬عضم ً‬
‫لقد انتخبت ‪ 90‬عض ً‬
‫الحزب الحكومي )تيير( و ‪ 6‬من الراديكاليين البورجوازيين الذين كمانوا خصموم الحكوممة فمي الموقت‬
‫نفسه الذين كانوا يدينون فيه تمرد العمال البورجوازيين‪.‬‬

‫يقول لنا كاوتسكي‪" :‬ما كانت الجمهورية السوفياتية لتقبل قط بمثمل همذه العناصمر المناهضمة‬
‫للثورة‪ ،‬ولو كمرشحين وكم بالحرى كمنتجين‪ .‬أما الكوميونممة فلممم تضممع أي عقبممة فممي وجممه انتخمماب‬
‫فمما أن كاوتسممكي يشممن‬ ‫خصومها‪ ،‬بدافع من احترامها للديموقراطيممة" )ص ‪ .(56 – 55‬ولقممد رأينمما آن ً‬
‫هجومه من جميع الجهات‪ .‬ونحن نقول أول ً أنه في المرحلة المماثلة من تطور الثورة الروسية جممرت‬
‫انتخابات ديموقراطية في كوميونة بترسبورغ‪ ،‬انتخابات تركت فيهمما السمملطة السمموفياتية كممل الحريممة‬
‫للحزاب‪ ،‬وإذا كان الكاديت والشتراكيون – الثوريون والمنشفيك الذين كانت لهمم صممحافتهم والممذين‬
‫كانوا يدعون السكان علًنا إلى الطاحة بالسلطة السوفياتية‪ ،‬قد قاطعوا النتخابات‪ ،‬فهذا فقممط لنهممم‬
‫كانوا يأملون آنذاك أن يتخلصوا منا بسرعة بقوة السمملح ثاني ًمما‪ ،‬لممم تكممن هنمماك فممي كوميونممة بمماريس‬

‫‪ : ()8‬إن من المفيد أن نلحظ أن ‪ 230000‬ناخب في باريس اشتراكوا في النتخابات البلدية عام ‪.1871‬‬
‫أما في النتخابات البلدية في تشرين الثاني ‪ 1917‬في بترسبورغ‪ ،‬فقد اشترك فيها ‪ 400000‬ناخب‪ ،‬رغم‬
‫مقاطعة النتخابات من قبل جميع الحزاب باستثناء حزبنا وحزب الشتراكيين الثوريين الذين لم يكن لهم‬
‫أي نفوذ تقريًبا في العاصمة‪ .‬ولقد كانت باريس في عام ‪ 1871‬تعد ‪ 2000000‬ساكن‪ .‬وكانت بترسبورغ‬
‫ضا‪ .‬ول بد أن نأخذ بعين العتبار أن نظامنا النتخابي كان أكثر‬
‫تعد في عام ‪ 2000000 1917‬ساكن أي ً‬
‫ديموقراطية بما ل يقاس‪ ،‬باعتبار أن اللجنة المركزية للحرس القومي قد أجرت النتخابات على أساس‬
‫القانون النتخابي المبراطوري‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫ديموقراطية تجمع كممل الطبقممات‪ .‬إذ لممم يكممن فيهمما مممن مكممان للنممواب البورجمموازيين – المحممافظين‬
‫والليبيراليين وأنصارغامبيتا‪.‬‬

‫كتب ل فروف‪" :‬جميع هؤلء الشخاص تقريًبا قد خرجوا من مجالس الكوميونممة أممما حممال ً وأممما‬
‫بسممرعة كممبيرة يقين ًمما لقممد كممان بإمكممانهم أن يكونمموا ممثلممي بمماريس – المدينممة الحممرة تحممت إدارة‬
‫البورجوازية – لكن مكانهم لم يكن البتة في الكوميونة الممتي كممانت‪ ،‬شمماءت أم أبممت‪ ،‬عممن وعممي أو ل‬
‫دا لثورة البروليتاريا ومحاولة‪ ،‬وإن ضعيفة‪ ،‬لخلق أشممكال مجتمممع‬ ‫وعي‪ ،‬بصورة كاملة أو ناقصة‪ ،‬تجسي ً‬
‫منسجم مع هذه الثممورة" )ص ‪ ،(112 – 111‬ولممو لممم تقمماطع البورجوازيممة البترسممبوغية النتخابممات‬
‫البلدية‪ ،‬لكان ممثلوها قد دخلوا إلى دوما بترسبورغ‪ ،‬ولكانوا بقوا فيها حتى التمرد الول للشممتراكيين‬
‫الثوريين والكاديت‪ ،‬ذلك التمرد الذي كانوا على الرجح سيعتقلون بعده – رضي كاوتسممكي أم سممخط‬
‫– لو لم يتركوا الدوما في الوقت المناسب كما فعل ذلك في حينه العضاء البورجوازيين في كوميونة‬
‫باريس‪ .‬ولقد كان مجرى المور سيظل كما هو باستثناء أن بعض مراحله كانت ستتم بصورة مغايرة‪.‬‬

‫إن كاوتسكي‪ ،‬الذي يمجد ديموقراطية الكوميونة ويتهمها في الوقت نفسممه بممأن الشممجاعة قممد‬
‫خانتهمما تجمماه أنصممار فرسمماي‪ ،‬ل يفهممم أن النتخابممات البلديممة الممتي تمممت بمسمماهمة العمممد والنممواب‬
‫"الشرعيين" المزدوجة المعنى‪ ،‬كانت تعكس المل بعقد اتفاقية سلمية مع فرساي‪ .‬وإنما ههنا يكمممن‬
‫عا‪ .‬ولم تكن الجماهير قد اسممتهلكت بعممد أوهامهمما‪،‬‬ ‫ما ل صرا ً‬ ‫لب المسألة لقد كان القادة يريدون تفاه ً‬
‫ولم تكن السلطات الثورية المزعومة قد أتيح لها وقت النهيار بشكل يدعو إلى الرثاء‪ .‬وكان هذا كلممه‬
‫يدعى "الديمقراطية"‪.‬‬

‫لقد تنبأ فيرموريل‪" :‬علينا أن نسيطر على أعدائنا بالقوة المعنوي‪ .‬علينا أل نمممس حريممة الفممرد‬
‫وحياته‪ ."..‬لقد كان فيرموريل‪ ،‬الطامح إلى أتقاء "الحرب الهلية" يدعو البورجوازية الليبيراليممة‪ ،‬الممتي‬
‫كان يدينها في الماضي بل شفقة‪ ،‬إلى تشكيل "سلطة نظامية‪ ،‬معترف بها ومحترمة مممن قبممل جميممع‬
‫السكان الباريسيين"‪ .‬ولقد كتبت "الجريدة الرسمية" التي كممانت تصممدر بممإدارة الممممي لممونغيه‪" :‬إن‬
‫سوء التفاهم المأسمموف لممه الممذي أدى فممي أيممام حزيممران ) ‪ (1848‬إلممى تسمملح طبقممتين أجتممماعيتين‬
‫الواحدة ضد الخرى‪ ،‬ل يمكن أن يحدث بعد اليوم من جديد‪ .‬إن تناحر الطبقات قد كف عممن الوجممود"‬
‫دا‪ ،‬لنه لم يكن هناك إلى القليل من‬ ‫)‪ 30‬آذار(‪ ،‬وفيما بعد‪" :‬إن كل اختلف قد اختفى من الن فصاع ً‬
‫الحقد والتناحر الجتماعيين" )‪ 3‬نيسان( وفي جلسة الكوميونة في ‪ 25‬نيسممان وقممف جممورن‪ ،‬لسممبب‬
‫معين‪ ،‬ليتباهي بأن "الكوميونة لم تمي الملكية قممط"‪ .‬إنممما بهممذه الصممورة كممان يتخيممل أنممه سيكسممب‬
‫الرأي العام في الوساط البورجوازية ويتوصل إلى اتفاق‪.‬‬

‫يقول ل فروف بصواب كبير‪" :‬إن هذه التطمينات لم تجرد البتة من السمملح أعممداء البروليتاريمما‬
‫ممما أي تهديممد يكمممن لهممم فممي حممال انتصممارها‪ .‬وبالمقابممل‪ ،‬فإنهمما قممد جممردت‬
‫الذين كانوا يفهمممون تما ً‬
‫البروليتاريا من كل طاقة نضالية‪ ،‬جعلتها تعمي‪ ،‬عن قصد تقريب ًمما‪ ،‬عممن وجممود العممداد الممذين ل يمكممن‬
‫لشيء أن يفت في عزائمهم" )ص ‪ .(371‬لكن هذه التطمينات الرخوة كانت مرتبطة أوثممق الرتبمماط‬
‫بوهم الديمقراطية‪ .‬ولقد كان شكل الشرعية المزعومة يممدفع إلممى العتقمماد بممأن المسممألة يمكممن أن‬
‫تنحل بدون صراع‪ .‬كتب أحد أعضاء الكوميونة آرثر آرنو‪" :‬أما جماهير السكان‪ ،‬فقد كانت تؤمن‪ ،‬ليس‬
‫بممدون سممبب‪ ،‬بوجممود تفمماهم ضمممني مممع الحكومممة"‪ .‬إن دعمماة المصممالحة‪ ،‬العمماجزين عممن كسممب‬
‫ما‪ ،‬إلى مهاوي الضلل‪.‬‬ ‫البورجوازية‪ ،‬قادوا البروليتاريا‪ ،‬كما هي الحال دو ً‬

‫أما أن البرلمانية ل تعبر‪ ،‬في شروط الحرب الهلية المحتمة التي كانت قد بممدأت فع ً‬
‫ل‪ ،‬إل عممن‬
‫العجز التوفيقي للفئات القيادية‪ ،‬فهذا ما تدل عليه أوضح الدللة الطريقة غير المعقولة التي تمت بها‬
‫انتخابات الكوميونة التكميلية )‪16‬نيسان(‪ .‬كتب آرثر آرنممو‪" :‬لممم نكحممن نممدري ممماذا نفعممل بالنتخمماب"‬
‫آنذاك‪ .‬كان الموقف قد أصبح مأساوًيا حتى أنه لم تعد هناك ل الفرصممة ول بممرودة الممدم الضممروريتان‬
‫لتأتي النتخابات العامة بثمارها‪.‬‬

‫"كان جميع الرجال المخلصين لكوميونة موجودين في التحصممينات والقلع والمراكممز المتقدمممة‬
‫ولم يكن الشعب يعلق أي أهمية على همذه النتخابمات التكميليمة‪ .‬ولمم تكمن المسمألة فمي الواقمع إل‬
‫مسألة برلمانية‪ .‬ولم تكن الساعة ساعة حساب النتخابات‪ ،‬بل ساعة تجميع الجنمود‪ .‬لمم تكمن سماعة‬

‫‪52‬‬
‫معرفة هل ارتفعت أسهمنا أو انخفضت لدى المرأي العمام فمي بماريس‪ ،‬بمل سماعة المدفاع عمن همذه‬
‫الخيرة ضد قوات فرساي"‪ .‬لقد كان من الممكن لهذه الكلمات أن تفهم كاوتسكي ما وجه الصممعوبة‬
‫في التوفيق بين واقع الحرب الطبقية وبين ديموقراطية تجمع الطبقات كافة‪.‬‬

‫كتب ميليير‪ ،‬أحد كبار أدمغة الكوميونة‪" :‬ليست الكوميونة جمعيممة تأسيسممية‪ ،‬بممل هممي مجلممس‬
‫حربي‪ .‬وينبغي أل يكون لها إل هدف واحد‪ :‬النصر‪ .‬وإل سلح واحممد‪ :‬القمموة‪ .‬وإل قممانون واحممد‪ :‬قممانون‬
‫السلمة العامة"‪.‬‬

‫ما القادة‪" :‬لم يسممتطعوا قممط أن يفهممموا أن الكوميونممة مممتراس وليسممت‬


‫يهتف ليساغاراي مته ً‬
‫بإدارة"‪ .‬ولم يبدؤوا بفهم ذلك إل حين فات الوان‪ .‬وكاوتسكي لم يفهم ذلك بعد‪ .‬ول شيء يدل علممى‬
‫أنه سيفهم ذلك في يوم من اليام‪.‬‬

‫لقد كانت الكوميونة النفي الحممي للديموقراطيممة الشممكلية‪ ،‬ذلممك أنهمما رسممخت‪ ،‬أثنمماء تطورهمما‪،‬‬
‫ديكتاتورية باريس العمالية على المة الفلحية‪ .‬أن هذه الواقعة تسمميطر علممى الوقممائع الخممرى كافممة‪.‬‬
‫ومهما كانت جهممود السياسمميين الروتينييمن فممي حضممن الكوميونممة بالممذات للتشمبث بظمماهر الشمرعية‬
‫الديمقراطية‪ ،‬فإن كل عمل من أعمال الكوميونة‪ ،‬غير الكممافي مممن أجممل النصممر‪ ،‬كممان كافي ًمما لتثممبيت‬
‫طبيعتها غير الشرعية‪.‬‬

‫لقممد عممدلت الكوميونممة‪ ،‬أي البلديممة الباريسممية‪ ،‬قممانون الخدمممة العسممكرية‪ .‬وسمممت جريممدتها‬
‫سمما خج ً‬
‫ل‪.‬‬ ‫الرسمية‪" :‬الجريدة الرسمية للجمهورية الفرنسية"‪ .‬كما أنها مست مصممرف فرنسمما ولممو م ً‬
‫وأعلنت انفصمال الكنيسمة والدولمة وألغمت ميزانيمة العبمادات‪ .‬ودخلمت فمي اتصمالت ممع السمفارات‬
‫الجنبية‪ ،‬الخ‪ ،‬الخ‪ .‬ولقد فعلت هذا كله باسم الديكتاتورية الثورية‪ .‬لكن الديمقراطية كليمانصممو‪ ،‬الممذي‬
‫كان ما يزال بعد يافًعا آنذاك لم يشأ أن يعترف لها بهذا الحق‪.‬‬

‫فقد صرح كليمانصو في الجمعية مع اللجنة المركزيممة‪" :‬أن التمممرد دافعًمما غيممر شممرعي‪ .‬وعممما‬
‫قريب ستصبح اللجنة مدعاة للهزء ومراسيمها مدعاة للحتقممار‪ .‬ثممم أن بمماريس ليممس لهمما الحممق فممي‬
‫التمرد على فرنسا وعليها أن تقبل شكلًيا بسلطة الجمعية"‪.‬‬

‫لقد كانت مهمممة الكوميونممة حممل الجمعيممة الوطنيممة‪ .‬وإن كاوتسممكي يبحممث الن لهممذه المممآرب‬
‫المجرمة عن ظروف مخففة‪.‬‬

‫ما ملكيين في حين أننمما‬ ‫أنه يحتج بأن رجال الكوميونة كانوا يواجهون في الجمعية الوطنية خصو ً‬
‫كنا نواجه في الجمعية التأسيسية‪ ...‬اشتراكيين – ثوريين ومنشفيك‪ .‬هذا ممما يمكننمما أن نسممميه أقممول ً‬
‫ل! إن كاوتسكي يتكلم عن المنشفيك والشتراكيين – الثوريين‪ ،‬لكنممه ينسممى العممدو الوحيممد‬ ‫فكرًيا كام ً‬
‫الجدي‪ :‬الكاديت‪ .‬فقد كانوا يشكلون على وجه التحديد الحزب "الفرساوي" الروسي‪ ،‬أي كتلة الملك‬
‫باسم الملكية‪ ،‬وكان الستاذ ميليو يبذل جهده ليظهر بمظهممر الشخصممية العظيمممة‪ .‬لقممد سممعى ميليممو‬
‫دا أنه وجدها بالتناوب في‬ ‫كوف مبكًرا – قبل ثورة أكتوبر بمدة طويلة – وراء شخصية غاليفه )‪ ،(9‬معتق ً‬
‫شخص الجنرالت كورنيلمموف والكسممييف وكاليممدين وكراسممنوف‪ .‬وبعممد أن أرغممم كولتشمماك الحممزاب‬
‫السياسية على التراجع وحل الجمعية التأسيسية‪ ،‬لم يكتف حزب الكاديت‪ ،‬الحزب البورجوازي الوحيد‬
‫ضا بمودة متعاظمة باستمرار‪.‬‬‫الجدي ذو النزعة الملكية‪ ،‬بأن أيده‪ ،‬بل أحاطه أي ً‬

‫إن المنشفيك والشتراكيين – الثوريين لم يلعبوا عنممدنا أي دور مسممتقل‪ ،‬كممما هممو شممأن حممزب‬
‫كاوتسكي في أحداث ألمانيا الثورية‪ .‬لقد بنوا سياستهم كلها على التحالف مع الكاديت‪ ،‬فضمممنوا لهممم‬
‫بذلك هيمنة ل تتناسب وعلقات القوى السياسية‪ .‬إن حزبي الشممتراكيين – الثمموريين والمنشممفيك لممم‬
‫يكونا إل أداة اتصال الغرض منها كسب الثقة السياسممية للجممماهير الثوريممة المسممتيقظة‪ ،‬عممن طريممق‬

‫‪ : ()9‬الجنرال غاليفه‪ :‬جنرال فرنسي ولد في باريس )‪ .(909 – 1830‬وقد اشتهر في معركة سيدان‪.‬‬
‫وأصبح وزيًرا للحربية عام ‪" .1988‬المترجم"‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫المهرجانات الخطابية والنتخابية‪ ،‬ليستفيد منها حزب الكاديت المبريممالي المنمماهض للثممورة – وبغممض‬
‫النظر أصل ً عن نتيجة النتخابات‪ .‬إن تبعية الغالبية المنشفيكية والشتراكية – الثورية للقليممة الكمماديت‬
‫لم تكن غير هزء شبه علني بالمديموقراطية‪ .‬لكن ليس هذا كل شيء‪ .‬ففي كل جزء من البلد يممدوم‬
‫ممما بمانقلب منماهض للثممورة‪ .‬وهممذا ممما حمدث فمي‬ ‫فيه النظام "الديموقراطي" طوي ً‬
‫ل‪ ،‬ينتهي الممر حت ً‬
‫اوكرانيا التي وجدت فيها الرادا الديمقراطيممة الممتي بماعت السملطة السمموفياتية للمبرياليممة اللمانيمة‪،‬‬
‫ضمما فممي كوبممان حيممث‬‫وجدت نفسها ملقًيا بها في أحضان ملكيممة سكوروبادسممكي‪ .‬وهممذا ممما حممدث أي ً‬
‫ضمما – وهممذه أهممم تجربممة لم م‬
‫اختفممت الممرادا الديمقراطيممة تحممت أقممدام دينيكيممن‪ .‬وهممذا ممما حممدث أي ً‬
‫"ديموقراطيتنا" – في سمميبيريا حيممث أدت الجمعيممة التأسيسممية الحكومممة رسمممًيا مممن الشممتراكيين –‬
‫الثوريين والمنشفيك‪ .‬نظًرا لغياب البلشفة – والحكومة واقعًيا من الكاديت‪ ،‬إلى ديكتاتوريممة الميممرال‬
‫ضمما فممي الشمممال حيممث لممم يكممن أعضمماء الجمعيممة التأسيسممية‬ ‫القيصري كولتشاك وهممذا ممما حممدث أي ً‬
‫المتجسدون في حكومة الشممتراكي – الثمموري تشايكوفسممكي إل دمممى يعمممل مممن ورائهمما الجنممرالت‬
‫الروسيون والنكليز المنارئون للثورة‪ ،‬وفي جميع الحكومات الصغيرة المتاخمة للحدود حدثت المور‬
‫أو تحدث هكذا‪ :‬في فنلندا‪ ،‬وأستوينا‪ ،‬ولتوانيا‪ ،‬وليتونيا‪ ،‬وبولونيا‪ ،‬وجيورجيا‪ ،‬وأرمينيا‪ ،‬حيث توطد نظممام‬
‫الملك والرأسماليين والعسكرية الجنبية تحت راية الديمقراطية الشكلية‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫العامل الباريسي عام ‪ 1871‬والبروليتاري البترسبورغي عام‬
‫‪1917‬‬
‫أن واحد من أغلظ التوازنات التي أقامها تورتسكي بين الكوميونة وروسيا السوفياتية‪ ،‬توازًيا ل‬
‫يبرره شيء وهو بمثابة عار من وجهة النظر السياسية‪ ،‬هو التوازي المتعلق بصمفة العاممل الباريسمي‬
‫عام ‪ 1871‬والبروليتاري الروسي بين عامي ‪ .1919 – 1917‬أن كاوتسكي يصور لنا الول على أنه‬
‫ثوري متحمس‪ ،‬قادر على أعظم نكران للذات‪ ،‬في حين أنه يصور لنا الثاني أنانًيا‪ ،‬فوضوًيا أهوج‪.‬‬

‫أن العامل الباريسي يقف وراءه ماض محدد إلى حد ل يحتمماج معممه إلممى التوصمميات الثوريممة أو‬
‫إلى الدفاع عن نفسه من تقاريظ كاوتسكي الحالي‪.‬‬

‫إل أن بروليتاريا بترسبورغ ليست لها دوافع ول تستطيع أن تستنكف عن مقارنة نفسممها بأختهمما‬
‫الكبرى‪ .‬أن السنوات الثلث من النضممال المتواصممل الممذي خاضممه العمممال البترسممبورغيون مممن أجممل‬
‫ل‪ ،‬ومن أجل الحفاظ عليها وتوطيدها ثانًيا وسط آلم لم يعرفها البشر قممط‪،‬‬ ‫الستيلء على السلطة أو ً‬
‫ورغم الجوع والبرد والخطار المستمرة‪ ،‬تشكل حدًثا اسممتثنائًيا فممي سممجلت تاريممخ بطولممة الجممماهير‬
‫ونكرانها للذات‪ .‬أن كاوتسكي‪ ،‬كما سممنبين ذلممك فيممما بعممد‪ ،‬يأخممذ أكممثر عناصممر البروليتاريمما الروسممية‬
‫ضا ليقارنها بنخبة رجال الكوميونة‪ .‬أنه ل يتميز بشيء في هذه النقطة عن الوشمماة البورجمموازيين‬ ‫غمو ً‬
‫الذين يشعرون بمودة نحو أموات الكوميونة أكبر بما ل يقاس من مودتهم نحو احيائهمما‪ .‬لقممد اسممتولت‬
‫ما ممن البروليتاريما الباريسمية‪ .‬أن همذه‬ ‫البروليتاريا البترسبورغية على السلطة بعد خمسة وأربعين عا ً‬
‫الحقبة الفاصلة قد منحتنا تفوًقا كبيًرا‪ .‬أن الطابع البورجمموازي الصممغيرة والحرفممي لبمماريس القديمممة‪،‬‬
‫ما عن بترسبورغ التي هي أكثف مركز للصناعة في العالم‪ .‬أن هذا الظرف‬ ‫والجديدة جزئًيا‪ ،‬غريب تما ً‬
‫الخير قد سهل علينا كثيًرا مهام التحريض والتنظيم وتوطيد النظام السوفياتي‪ .‬أن بروليتاريتنا بعيممدة‬
‫عن امتلك التقاليد الغنية للبروليتاريا الفرنسية‪ .‬لكن التجربة الكبيرة الناتجة عن فشل ‪ ،1905‬كممانت‬
‫ما تزال حية بالمقابل‪ ،‬في بداية الثورة الراهنة‪ ،‬في ذاكرة الجيل الكممبر س مًنا الممذي لممم ينممس واجممب‬
‫النتقام الذي تمرك لمه‪ .‬إن العممال المروس لمم يممروا‪ ،‬كالعممال الفرنسميين‪ ،‬بمدرسمة الديمقراطيمة‬
‫والبرلمانية الطويلة المد‪ ،‬المدرسة التي كانت في بعض الفترات عامل ً ها ً‬
‫ممما فممي ثقافممة البروليتاريمما‬
‫السياسية‪ .‬لكن مرارة الخيبة وسم الريبية للممذين يقيممدان الرادة الثوريممة للبروليتاريمما الفرنسممية إلممى‬
‫ساعة نرجو أن تكون قريبة‪ ،‬لم يتح لهما الوقت بالمقابل ليخيما على روح الطبقة العاملة الروسية‪.‬‬

‫لقد تعرضت كوميونة باريس إلى هزيمة عسكرية قبل أن تسمميب أمامهمما المسممائل القتصممادية‬
‫بكل ارتفاعها‪ .‬وبالرغم من الصفات الحربية العظيمة للعمال الباريسيين‪ ،‬فقد أصبح موقف الكوميونة‬
‫سا منه في وقت مبكر‪ ،‬إذ أن تردد الدوائر العليمما وروح المصممالحة الكامنممة فيهمما سممبًبا‬‫العسكري ميئو ً‬
‫تفسخ الفئات الدنيا‪.‬‬

‫إن رصيد الحرس القومي كان ‪ 162000‬جندي عادي و ‪ 6500‬ضابط‪ ،‬لكممن عممدد الممذين كممانوا‬
‫يذهبون فعل ً إلى القتال‪ ،‬وبخاصة بعد هجوم ‪ 3‬نيسان غير المثمر‪ ،‬كان يممتراوح بنممي عشممرين وثلثيممن‬
‫فا‪.‬‬
‫أل ً‬

‫أن هذه الوقائع ل تسيء البتة إلى سمعة العمال الباريسيين ول تعطي لحد الحق في أن ينفي‬
‫بسالتهم أو ينعتهم بالهرب من المعركة‪ ،‬رغم أنه حدثت بعض حالت الهرب فممي صممفوفهم‪ .‬فالطاقممة‬
‫الحربية لجيش من الجيوش تستمد قبل كل شيء من جهاز قيادة نظامي ومركزي‪ .‬والحال أن رجممال‬
‫الكوميونة ما كانت لهم عن ذلك حتى الفكرة‪.‬‬

‫لقد كانت وزارة حرب الكوميونة تقيم‪ ،‬حسب تعبير أحد المؤلفين‪ ،‬فممي غرفممة مظلممة يمتزاحم‬
‫فيها جميع النمماس بالمنمماكب‪ .‬وكممان مكتممب المموزير يغممص بالضممابط والحممرس القمموميين الممذين كممانوا‬
‫يطالبون إما بإمدادات عسكرية وإما بمممؤن‪ ،‬أو يشممكون مممن عممدم اسممتبدالهم‪ .‬وكممانوا يرسمملون إلممى‬
‫ممما‪ ،‬بينممما كممانت الكتممائب‬
‫القيادة المحلية‪" .‬كانت بعض الكتائب تبقى في الخنادق من ‪ 20‬إلممى ‪ 30‬يو ً‬

‫‪55‬‬
‫ما‪ .‬ولقد قتل عدم الهتمام كل انضباط بسممرعة‪ .‬وبممات الكممثر شممجاعة ل‬
‫الخرى في حالة احتياط دو ً‬
‫يريد أن يتعلق مصيره إلى بنفسه‪ .‬أما الخرون فراحوا يهربون‪ .‬وكان الضباط يتصممرفون علممى النحممو‬
‫نفسه‪ .‬كان البعض يتخلى عن مواقعه ليسعف جاًرا تنهمر عليه نيران العدو‪ ،‬والبعض الخر يرحل إلى‬
‫المدينة‪) "....‬كوميونة باريس عام ‪ – "1871‬ب‪ .‬ل فروف – ‪ – 1919‬ص ‪.(100‬‬

‫إن مثل هذا النظام ما كان يستطيع أن يظل بمنجى من العقاب‪ .‬ولقد أغرقممت الكوميونممة فممي‬
‫دا من نوعه لدى كاوتسكي‪ ،‬فهو يقممول همماًزا رأسممه‪" :‬إن تسمميير‬‫الدم‪ .‬لكننا نجد بهذا الصدد عزاًءا فري ً‬
‫الحرب ليس بصورة عامة الجانب القوى في البروليتاريا" )ص ‪.(76‬‬

‫إن هذه الحكمة الجديرة ببانغلوس )‪ (10‬لهي بسمو حكمممة أخممرى لكاوتسممكي تقممول إن المميممة‬
‫حا لزمن الحرب‪ ،‬بل هي بطبيعتها "أداة سلم"‪.‬‬‫ليست سل ً‬

‫إن كاوتسكي الحالي يتلخص في الحقيقة قاطبة في هماتين الحكمممتين‪ .‬وقيمتممه ل تكمماد تتجمماوز‬
‫الصفر المطلق‪" .‬إن تسيير الحرب‪ ،‬كما ترون‪ ،‬ليس الجانب القوي في البروليتاريمما‪ .‬كممما أن المميممة‬
‫لم تخلق ليام الحرب"‪ .‬إن مركب كاوتسكي قممد بنممى للمسممافر فمموق ميمماة المسممتنقعات الهممادئة‪ ،‬ل‬
‫لمواجهة البحر الخضم واحتراق العواصف‪ .‬وإذا كان قد بدأ الن يتبلل ويأخذ بالغرق‪ ،‬فاللوم في ذلممك‬
‫ما على العاصفة والعناصر وضخامة المواج وسلسلة كاملممة مممن ظممروف أخممرى غيممر متوقعممة لممم‬ ‫حت ً‬
‫يخلق كاوتسكي أداته العظيمة لها‪.‬‬

‫لقد أخذت البروليتاريا العالمية على عاتقها مهمة الستيلء على السلطة‪ .‬أما أن الحرب الهلية‬
‫"بصورة عامة" صفة لزمة للثورة "بصورة عامة" أو هي ليست كذلك‪ ،‬فهممذا ل يغيممر البتممة مممن كممون‬
‫حركة البروليتاريا المتقدمة في روسيا وألمانيا وبعض أجزاء امبراطورية النمسا – المجر القديمممة قممد‬
‫اتخذت شكل حرب أهلية ضممارية‪ ،‬وليممس هممذا علممى الجبهممات الداخليممة فحسممب‪ ،‬بممل علممى الجبهممات‬
‫ضا‪ .‬وإذا لمم يكمن تسميير الحمرب الجمانب القموى فمي البروليتاريما‪ ،‬وإذا لمم تكمن المميمة‬ ‫الخارجية أي ً‬
‫العمالية صالحة إل للعصور السلمية‪ ،‬فعلينا أن نرسم إشارة الصليب على الثورة الشممتراكية‪ ،‬باعتبممار‬
‫أن تسيير الحرب هو أحد الجوانب القوية بما فيه الكفاية لدى الحكوممة الرأسمممالية الممتي لممن تسممح‬
‫ما للعامل بالوصول إلى السلطة بدون حرب‪ .‬ول يبقى علينا إل أن نعتبر ما يسمى بم "الديمقراطية‬ ‫حت ً‬
‫الشتراكية" من طفيليات المجتمع الرأسمالي والبرلمانية البورجوازيممة‪ ،‬أي أن نوافممق علن ًمما علممى ممما‬
‫يفعله في السياسة أمثال ليبرت وشايدمان ورونوديل‪ ،‬وعلى ما يبدو أن كاوتسكي ممما يممزال يعارضممه‬
‫بعد‪.‬‬

‫أن تسيير الحرب لم يكن الجانب القوى في الكوميونممة‪ .‬ولهممذا السممبب سممحقت‪ .‬وبممأي قسمموة‬
‫سحقت!‬

‫كتب في حينه فيو المؤرخ الليبيرال‪ ،‬الليبيرالي المعتدل بالحرى‪" :‬يجب أن نرجممع إلممى مجممازر‬
‫سيل وأنطوان وأوكتاف‪ ،‬لنجد مثل هذه الغتيالت في تاريخ المم المتمدنة‪ .‬إن الحممروب الدينيممة فممي‬
‫ظل أواخر الفاليين وليلممة سممان برتلمممي وعصممر الرهمماب‪ ،‬ليسممت بالمقارنممة إل لعممب أطفممال‪ .‬ففممي‬
‫السبوع الخير وحده من أيار‪ ،‬رفعت من باريس ‪ 17000‬جثة من جثث التحاديين المتمردين‪ ...‬ولقد‬
‫استمر التقتيل حتى ‪ 15‬حزيران"‪.‬‬

‫"‪ ...‬تسيير الحرب بصورة عامة ليس الجانب القوى في البروليتاريا‪."...‬‬

‫ضمما سممادة "آلممة‬


‫لكن هذا غير صحيح! فقد أثبت العمال الروس أنهم قادرون على أن يصبحوا أي ً‬
‫ما احرزناه على الكوميونة‪ .‬وليس هذا إنكاًرا للكوميونة‪ ،‬بل متابعة‬
‫ما ضخ ً‬
‫الحرب"‪ .‬وأننا لنرى ههنا تقد ً‬
‫لعملها‪ ،‬ذلك أن تقاليد الكوميونة ليست في عجزها‪ .‬لقد كانت الكوميونممة ضمعيفة وكممي ننجممز عملهما‪،‬‬

‫‪ : ()10‬الدكتور بانغلوس‪ :‬أحدى شخصيات "كانديد" رواية فولتير‪ .‬كان مربي كانديد‪ ،‬وكان متفائل الفلسفة‪،‬‬
‫ويرى أن كل شيء على ما يرام حتى في أسوأ الكوارث "المترجم"‪.‬‬
‫‪56‬‬
‫أصبحنا أقوياء‪ .‬لقممد سممحقت الكوميونممة‪ .‬ونحممن نمموجه الضممربة تلممو الضممربة إلممى جلديهمما‪ .‬أننمما ننتقممم‬
‫للكوميونة ونثأر لها‪.‬‬

‫من بين ‪ 167000‬حرس قومي كانوا يتقاضممون الرواتممب‪ ،‬كممان ‪ 20000‬إلممى ‪ 30000‬يممذهبون‬
‫إلى القتمال‪ .‬وهمذه الرقمام ذات فمائدة للسمتنتاجات المتي يمكمن استخلصمها عمن دور الديمقراطيمة‬
‫الشكلية في المرحلة الثورية‪ .‬أن مصير كوميونة باريس لم يتقرر في النتخابات‪ ،‬بل في المعارك ضد‬
‫جيش تيير‪.‬‬

‫لكن في الحقيقة‪ ،‬أنما قرر مصائر الكوميونة في القتال ‪ 20000‬أو ‪ 30000‬رجممل هممم القليممة‬
‫صا وشجاعة‪ .‬إن هذه القليممة لممم تكممن معزولممة‪ ،‬ولممم تكممن إل لتعممبر بمزيممد مممن الشممجاعة‬
‫الكثر أخل ً‬
‫ونكران الذات عن إرادة الغالبية‪ .‬ولممم يكممن الخممرون‪ ،‬الممذين اختفمموا فممي اللحظممة الحرجممة‪ ،‬معممادين‬
‫ما‪ .‬ولقد أتاح‬ ‫للكوميونة‪ .‬بل على العكس كانوا يدعمونها إيجابًيا أو سلبًيا‪ ،‬لكنهم كانوا أقل وعًيا وتصمي ً‬
‫تخلف حسهم الجتماعي‪ ،‬فممي حلبممة الديمقراطيممة السيايسممة‪ ،‬المجممال الخممداع المغممامرين وفرسممان‬
‫الصناعة والبرلمانيين البورجوازيين الصغار والثقلء الشرفاء الذين كانوا يخمدعون أنفسممهم بأنفسمهم‪.‬‬
‫لكن عندما أصبحت المسألة مسألة حرب طبقية صريحة‪ ،‬تبعوا القليممة المخلصممة إن قليل ً وإن كممثيًرا‪.‬‬
‫ولقد وجد هذا الموقف تعبيره في تنظيم الحرس القومي‪ .‬ولو طال وجود الكوميونممة‪ ،‬لتممدعمت أكممثر‬
‫فأكثر هذه العلقات المتبادلة بين الطليعة وجماهير البروليتاريا‪ .‬ولكان التنظيم المذي تأسمس وترسممخ‬
‫في إطار حرب صممريحة كتنظيممم للجممماهير الكادحممة‪ ،‬قممد أصممبح تنظيممم دكتاتوريتهمما‪ ،‬سمموفييت نممواب‬
‫البروليتاريا المسلحة ‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫ماركس و‪ ...‬كاوتسكي‬
‫يرفض كاوتسكي باحتقار رأي ماركس عن الرهاب‪ ،‬الممرأي الممذي عرضممه فممي "جريممدة الرايممن‬
‫الجديدة"‪ .‬ففي ذلك الوقت‪ ،‬كان ماركس ما يزال "شماًبا" كمما تعلمممون )أنمه كاوتسممكي الممذي يلفمت‬
‫انتباهنا إلى هذا(‪ ،‬أي أن آراءه لم يكن قد أيتح الوقت لها بعد لتلين‪ ،‬ولم تكنه تشكرو بعد‪ ،‬كممما نممرى‪،‬‬
‫من ذلك الرتخاء العام الذي هو ظاهرة مميزة لعدد\ من النظريين عندما يصلون إلى سممن السممبعين‪.‬‬
‫وكاوتسكي يفضل أن يستشهد بماركس الناضج‪ ،‬معاصر كوميونة باريس‪ ،‬ليقممارنه‪ ،‬مظه مًرا شمميًئا مممن‬
‫التناقض‪ ،‬بماركس ‪ 1849 – 1848‬الذي كان بعد في عنفوانه )عندما ألف "البيممان الشمميوعي"(‪ .‬إن‬
‫ماركس الناضج الطيب ذاك يبدو لنا تحت ريشة كاوتسكي‪ ،‬وقد جرد بالصل من لبدته البيضاء كأسممد‬
‫مسن‪ ،‬مفكًرا هادًئا‪ ،‬يطأطئ رأسه بورع أمام مذبممح الديمقراطيممة‪ ،‬ويشممنف آذاننمما بخطبممة عممن عممدم‬
‫قابلية الحياة النسانية المقدسة للنتهاك‪ ،‬ويتكلم مع كممل الحممترام المناسممب عممن السياسممة الجذابممة‬
‫لشايدمان‪ ،‬وفاندرفيلد‪ ،‬وبخاصة حفيده بالدم جان لونغيه‪ .‬وبكلمة واحدة‪ ،‬يبممدو ممماركس‪ ،‬وقممد أعمادته‬
‫عا لكاوتسكي‪.‬‬‫فا وشجا ً‬‫التجربة إلى الحكمة‪ ،‬نصيًرا شري ً‬

‫إن كاوتسكي لم يستخلص من الكتاب الخالد "الحرب الهلية فممي فرنسمما" الممذي تممدب الحيمماة‬
‫دا صغيًرا من السطور‪ ،‬السطور التي يقيم فيها‬ ‫في صفحاته من جديد بحمية عجيبة في عصرنا‪ ،‬إل عد ً‬
‫نظري الثورة الجتماعية العبقري توازًيا بين كرم رجال الكوميونة وضراوة الفرساويين البورجوازية‪.‬‬

‫مما‪ .‬مماركس‪ ،‬داعيمة لحسمان‬ ‫ولقد فتتت كاوتسكي هذه السمطور ولمم يمترك لهما إل معنمى عا ً‬
‫المجرد‪ ،‬ورسول المحبة العالمية! فلكأننما أممام يموذا أو تولسمتوي‪ ...‬لقمد أراد مماركس أن يمرد علمى‬
‫حملة الفتراءات الدولية التي كانت تعمل على تصوير رجال الكوميونة بممأنهم قمموادون‪ ،‬ونسمماء رجممال‬
‫الكوميونة بأنهن مومسات‪ .‬وإنما ضد هذه الفممتراءات الممدنيئة الممتي كممانت تصممم المقهممورين بصممفات‬
‫الوحشية‪ ،‬والتي كانت من ثمار مخيلممة المنتصممرين البورجمموازيين الفاسممقة‪ ،‬سمملط ممماركس الضممواء‬
‫وأشار إلى بعض أعمال الرحمة وكبر النفس التي لم تكن في غالب الحيان‪ ،‬في الحقيقممة‪ ،‬إل النتممائج‬
‫المؤسفة لبعض التردد في سلوك الرجال الكوميونة‪ .‬وأن يكون ماركس قد سلك هذا السلوك‪ ،‬فهممذا‬
‫صا لنفسه أنه لم يكن ل دعًيا سوقًيا‪ ،‬ول مدعي عام الثممورة‪ :‬بممل‬ ‫أمر مفهوم‪ :‬فبذلك ظل ماركس مخل ً‬
‫ضمما دفاع ًمما عممن‬
‫كان يعرف‪ ،‬من خلل تحليله العلمممي الخممالص لقيمممة الكوميونممة‪ ،‬كيممف يجعممل منممه أي ً‬
‫ضمما‪ .‬لكنممه عنممدما كممان يممبين تسممامح‬‫الثورة‪ .‬لم يكن يكتفي بالشرح والنقد‪ ،‬بل كان يممدافع‪ ،‬ويقاتممل أي ً‬
‫الكوميونة التي خسرت المعركة‪ ،‬لم يكن يخامره أي شك فممي التممدابير الممتي يتمموجب علممى كوميونممة‬
‫مستقبلة أن تتخذها لكسب هذه المعركة نفسها‪.‬‬

‫أن مؤلف "الحرب الهلية في فرنسا" يتهم اللجنة المركزية التي كانت آنذاك ما نسممميه اليمموم‬
‫سوفييت نواب الحرس القومي‪ ،‬بأنها تخلت قبل الوان عن سلطاتها للكوميونة المنتخبة‪ .‬وكاوتسممكي‬
‫"ل يفهم" أسباب هذا التوبيخ‪ .‬أن هذا العتراف الموسوس بالعجز عن الفهم له دللتممه الخاصممة علممى‬
‫الغبارة التي يصاب بها كاوتسكي حين يريد أن يحكم على قضايا الثورة‪ .‬فلقمد كمان مماركس يمرى أن‬
‫المكانة الولى يجب أن تكون لجهاز المعركة الذي ينبغي أن يكون مركز التمرد والعمليات العسممكرية‬
‫ضما بهمذه الخيمرة أل‬‫ضد الفرساويين‪ ،‬ل لدارة مستقلة من الديمقراطيمة العماليمة‪ .‬ولقمد كمان مفرو ً‬
‫تعمل إل بدورها‪ ،‬وفيما بعد‪.‬‬

‫يتهم ماركس الكوميونة بأنها لم تبممدأ الهجمموم فمموًرا علممى الفرسمماويين‪ ،‬وبأنهمما اتخممذت موقممف‬
‫دا" ويسمممح بالستشممهاد بالقممانون الخلقممي والحقمموق‬ ‫عا سعي ً‬‫الدفاع الذي يترك‪ ،‬في الحقيقة‪" ،‬أنطبا ً‬
‫المقدسة للحياة النسانية‪ ،‬لكن الذي ل يقود بالمرة إلى النصر في حالة الحممرب الهليممة‪ .‬والحممال أن‬
‫ماركس كان يريد قبل كل شيء انتصار الثورة‪ .‬أنه ل يقول كلمة واحدة ليضع مبدأ الديمقراطية فمموق‬
‫مصممالح الطبقممة المناضمملة‪ .‬بممل علممى العكممس‪ ،‬أن ممماركس يتكلممم باحتقممار مركممز يميممز فيممه الثمموري‬
‫والشيوعي – ماركس الناضج الفكر مؤلمف "الرأسممال"‪ ،‬ل المحمرر الشماب فمي "جريمدة الرايمن" –‬
‫أعني ماركسنا الحقيقي ذا اللبدة الهصور التي لم يقصها بعد حلقو مدرسمة كاوتسمكي – أن مماركس‬
‫هذا يتكلم باحتقار مركز عن "الجو المصطنع للبرلمانية" الذي يبدو فيه الصغار من أمثال تييممر )صممغار‬
‫الفكار والجسام( وكأنهم مردة! إن كتاب "الحرب الهلية في فرنسمما" يممروي ظمأنمما كالعاصممفة بعممد‬
‫كتيب كاوتسكي القاحل‪ ،‬الدعي‪ ،‬الخيالي‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫إن ماركس‪ ،‬بالرغم من تحليل كاوتسكي المليء بالفتراءات‪ ،‬ل يؤيد البتة الممرأي الممذي يعطممي‬
‫الديمقراطية الكلمة الخيرة يجعل منها الحل السمممى وغيممر المشممروط للتاريممخ‪ .‬أن تطممور المجتمممع‬
‫البورجمموازي‪ ،‬الممذي خرجممت منهمما الديمقراطيممة المعاصممرة‪ ،‬ل يشممكل البتممة دمرقطممة متدرجممة‪ ،‬تلممك‬
‫الدمرقطة التي كان يحلم بها‪ ،‬قبل الحرب‪ ،‬كبير طوبممائيي الديمقراطيممة الشممتراكية‪ ،‬جممان جمموريس‪،‬‬
‫والتي يحلم بها اليوم أعلم الدعياء قاطبة‪ ،‬كارل كاوتسكي لقممد أعتممبر ممماركس امبراطوريممة نممابليون‬
‫الثالث "الشكل الوحيد المقبول لحكومة في عصر فقدت فيه البورجوازية القدرة على حكممم الشممعب‬
‫ولم تتمكن فيه الطبقة العاملة بعد من تلك القممدرة"‪ .‬إذن‪ ،‬ليسممت الديمقراطيممة بممل هممي البونابرتيممة‬
‫التي تمثل‪ ،‬من وجهة نظر ماركس‪ ،‬المرحلة النهائية لسلطة البورجوازية‪ .‬ومن يتقيممد بالحرفيممة‪ ،‬دون‬
‫أن يفهم الروح‪ ،‬قد يقول أن ماركس كان مخطًئا‪ ،‬باعتبار أن إمبراطورية بونممابرت أفسممحت المجممال‪،‬‬
‫طوال نصف قرن من الزمن‪ ،‬أمام "الجمهورية الديمقراطية"‪ .‬لكممن ممماركس لممم يكممن مخطًئا‪ .‬فمممن‬
‫حيث الساس‪ ،‬كان على صواب‪ .‬لقد كانت الجمهورية الثالثة عصر تفسخ الديمقراطية الكامل‪ ،‬ولقممد‬
‫وجدت البونابرتية في جمهورية بوانكاريه وكليمانصو المالية تعبيًرا أكمممل مممن ذاك الممذي وجممدته فممي‬
‫ظل المبراطورية‪ .‬والحق أن الجمهورية الثالثة لم تتوج رأسها بالتاج المممبراطوري‪ ،‬لكممن كممان يخيممم‬
‫فوقها بالمقابل ظل قيصر روسيا‪.‬‬

‫لقد تجنب ماركس بعناية‪ ،‬وهم يقيم الكوميونة‪ ،‬اللجمموء إلممى اللفظيممة الديمقراطيممة الممتي هممي‬
‫كالنقود المهترئة من كثرة الستعمال‪ .‬لقد كتب‪" :‬كانت الكوميونة مؤسسة غير برلمانية بممل عماليممة‪،‬‬
‫وقد مارست وظائف السلطتين التنفيذية والتشريعية مًعا"‪ .‬أن ما يعطيه ماركس القيمة الولى ليممس‬
‫هو الشكل الديموقراطي العزيز على كاوتسكي‪ ،‬بل الطابع الطبقي الساسي‪ .‬لقد الغممت الكوميونممة‪،‬‬
‫كما هو معروف‪ ،‬الجيش النظممامي والشممرطة‪ ،‬وأمممرت بتحويممل أملك الكهنمموت إلممى الشممعب‪ .‬ولقممد‬
‫فعلت هذا باسم الحق الثوري الدكتاتوري لباريس‪ ،‬دون أن تستشير قوة الديمقراطية المستقلة التي‬
‫كانت تجد في تلك الفترة‪ ،‬إذا ما رجعنا على الشكال القائمة آنذاك‪ ،‬تعبيًرا أكثر "شرعية" بكممثير فممي‬
‫جمعية تيير الوطنية‪ .‬لكن الثورة ل تتم بالتصويت‪ .‬يقول ماركس‪" :‬لم تعد الجمعية الوطنيممة تلعممب إل‬
‫دوًرا مرحلًيا في هذه الثورة التي كان ما يممزال ممثلهمما الصمميل بمماريس المسمملحة" أل مما أبعممدنا عممن‬
‫الشكلية الديمقراطية!‬

‫ضا‪" :‬كان يكفي نظام الكوميونة أن يتوطد في باريس والمراكز الثانوية‪ ،‬حممتى‬‫يقول ماركس أي ً‬
‫يرغم الحكومة المركزية القديمة على إخلء المكان‪ ،‬حتى في القمماليم‪ ،‬لدارات المنتجيممن المسممتقلة‬
‫ذاتًيا"‪ .‬ويرى ماركس أن مهمة باريس الثورية كانت تكمن ل في الحصول على التأييد المشممكوك فيممه‬
‫للجمعية التأسيسمية‪ ،‬بمل فمي تغطيمة فرنسما كلهما بشمبكة ممن الكومونمات المتجمعمة حمول المركمز‬
‫والمشكلة ل على أساس مبادئ الديمقراطية الظاهرية‪ ،‬بل على أساس استقلل إداري ذاتي حقيقممي‬
‫للمنتجين‪.‬‬

‫أن كاوتسممكي يأخممذ علممى الدسممتور السمموفياتي تعممدد درجممات نظممامه النتخممابي الممذي يخممالف‬
‫وصفات الديمقراطية البورجوازية وأن ممماركس يميممز بنيممه فرنسمما العماليممة‪ ،‬كممما اتضممحت مممن خلل‬
‫الكوميونة‪ ،‬على النحو التالي‪" :‬أن التسيير العام لشؤون سائر الكوميونممة الريفيممة فممي كممل محافظممة‬
‫يجممب أن يعهممد بممه إلممى جمعيممة واسممعة الصمملحيات تقيممم فممي عاصمممة المحافظممة وعلممى جمعيممات‬
‫المحافظات أن ترسممل بممدورها ممثليهمما الواسممعي الصمملحيات علممى الجمعيممة الوطنيممة المقيمممة فممي‬
‫باريس"‪.‬‬

‫إن ماركس‪ ،‬كما نرى‪ ،‬ل يجد ما يأخذه على تعدد درجات النظام النتخابي إذا كان الهممدف منممه‬
‫تنظيم البروليتارية‪ .‬وأن تعممدد المدرجات همذا يمحممو‪ ،‬فمي إطمار الديمقراطيمة البورجوازيمة‪ ،‬الخطمموط‬
‫المميزة للحزاب والطبقات‪ .‬لكن تعدد الدرجات في نظام "السمتقلل الداري المذاتي للمنتجيممن" أي‬
‫في الدولة البروليتارية الخالصة‪ ،‬مسألة تتعلق ل بالسياسة‪ ،‬بل بآليمة الدارة المسمتقلة ذاتًيما‪ ،‬ويمكمن‬
‫أن تمثل‪ ،‬في بعض الحدود‪ ،‬مزايا شبيه بالمزايا التي نتجب عنها في ميدان التنظيم المهني‪.‬‬

‫إن الضيقي الفق من البورجوازيين يستنكرون الل مساواة القائمة بين العمال والفلحين‪ ،‬مممن‬
‫وجهة نظر التمثيل‪ ،‬وهي ل مساواة تجعل الختلف في الدوار التي تلعبها المدينة والقرية في الثممورة‬
‫سا في الدستور السوفياتي‪ .‬كتب ماركس ممما يلممي‪" :‬كممانت الكوميونممة تريممد أن تربممط منتجممي‬
‫محسو ً‬

‫‪59‬‬
‫الريف بالقيادة الفكرية لمراكمز المحافظممات‪ ،‬وأن تضمممن لهمم‪ ،‬فممي شممخص عممال المممدن‪ ،‬التمثيممل‬
‫الطبيعي لمصممالحهم‪ ،‬وأن تضمممن لهممم‪ ،‬فممي شممخص عمممال المممدن‪ ،‬التمثيممل الطممبيعي لمصممالحهم"‪.‬‬
‫وبالفعل ليست المسألة تقرير المساواة بين الفلح والعامل على الورق‪ ،‬بل رفع الول إلى المستوى‬
‫الفكري للثاني‪ .‬ولقد درس ماركس جميع المسائل المتعلقة بالدولة البروليتارية من زاوية الديناميكية‬
‫الثورية للقوى الحية‪ ،‬ل كأنها لعبة ظلل صينية على شاشة معرض البرلمانية‪.‬‬

‫صما منمه علمى بلموغ الحمد القصمى ممن انحطماطه الفكمري‪ ،‬ينكمر السملطة‬ ‫إن كاوتسمكي‪ ،‬حر ً‬
‫المستقلة للسوفيتيات العمالية بحجة أنه ل يوجد تمييز حقوق بين البروليتاريا والبورجوازية‪ .‬ويسممتنتج‬
‫كاوتسكي تعسف الديكتاتورية السوفياتية من أن التمييزات الجتماعية ل تتم بموجب قاعدة‪ .‬والحممال‬
‫ما‪" :‬لقد كانت الكوميونة شكل ً حكومًيما كمبير المرونمة‪ ،‬فمي حيمن أن‬ ‫أن ماركس يقول عكس ذلك تما ً‬
‫كل أشكال الحكم التي سبقت تميزت بصلبتها‪ .‬أن سممر الكوميونممة يكمممن فممي أنهمما كممانت‪ ،‬بماهيتهمما‪،‬‬
‫حكومة الطبقة العاملة ونتيجة الصراع الذي احتممدم بيممن المنتجيممن والمحتكريممن‪ ،‬والشممكل السياسممي‬
‫الذي طال البحث عنه والذي يسمح بالتحرير القتصادي للعمل"‪ .‬إن سممر الكوميونممة كممان يكمممن فممي‬
‫أنها كانت‪ ،‬بماهيتها‪ ،‬حكومة الطبقة العاملة‪ .‬وإن هذا السر الذي أفاض في شرحه ماركس‪ ،‬ممما يممزال‬
‫بالنسبة إلى كاوتسكي سًرا خبيًثا تحت قمقم مختوم سبعة أختام‪.‬‬

‫إن فريسيي الديموقراطي يتحدثون باستنكار عممن القمممع الممذي مارسممته السمملطة السمموفياتية‪،‬‬
‫وعممن إغلق الصممحف‪ ،‬وعممن العتقممالت والعممدامات‪ .‬ولقممد رد ممماركس علممى "التهويشممات الممدنيئة‬
‫لمأجوري الصحف" وعلى مآخذ "المتمذهبين البورجموازيين المغرضمين" بصمدد القممع المذي مارسمته‬
‫الكوميونة‪ ،‬رد بهذه العبارات‪" :‬أن الفرساويين الذين لم يكتفوا بشن حرب دامية صريحة ضد باريس‪،‬‬
‫كانوا يحاولون أن يتغلغلوا سًرا إلى المدينة بالرشوة والمؤامرات‪ .‬فهل كانت الكوميونة تستطيع‪ ،‬فممي‬
‫مثل هذا الظرف‪ ،‬وبدون أن تخون رسالتها بأبشع صورة‪ ،‬أن تحافظ على الشكال الوضممعية لليبراليممة‬
‫وكأن السلم حولها لم يعكره أحد؟ ولو كانت حكومممة الكوميونممة تحركهمما الممروح نفسممها الممتي تحممرك‬
‫حكومة تيير‪ ،‬لما كان هناك أي داع لمنع نشر صحف "النظام" في باريس ونشر صحف الكوميونة في‬
‫فرساي"‪ .‬وهكذا فإن ما يطالب به كاوتسكي باسم أقدس مبادئ الديمقراطيممة‪ ،‬قممد فضممحه ممماركس‬
‫على أنه خيانة بشعة‪.‬‬

‫أما أعمال التخريب التي أخذت على الكوميونة‪ ،‬كما تؤخذ اليوم على السلطة السوفياتية‪ ،‬فإن‬
‫ماركس يتكلم عنها باعتبارها "ضرورة محتمة‪ ،‬نتائجها بالصل عديمة الدللة نسبًيا‪ ،‬في الصراع الجبار‬
‫المحتدم بين المجتمع الجديد الذي يرتفع وبيممن المجتمممع القممديم الممذي سممقط"‪ .‬إن أعمممال التخريممب‬
‫ممما فممي الحممرب‪ .‬وليممس غيممر الوشمماة والشممطار يعتبرونهمما جممرائم "فممي حممرب‬
‫والفظممائع محتمممة دو ً‬
‫المضطهدين ضد مضطهديهم‪ ،‬الحرب العادلة الوحيدة التي شهدها التاريخ" )إنها تعممابير ممماركس(‪ .‬إل‬
‫أن متهمنا المأفون كاوتسكي ل يفكر في كتابه لحظة واحدة بالتذكير بأننا مرغمممون علممى الممدفاع‪ ،‬بل‬
‫كلل‪ ،‬عن الثورة‪ ،‬وبأننا نخوض حرًبا شعواء ضد مضمطهدي العمالم قاطبمة‪" ،‬الحمرب العادلمة الوحيمدة‬
‫التي شهدها التاريخ"‪.‬‬

‫ومرة أخرى يقرع كاوتسكي صدره وهو يرى أن السلطة السوفياتية التي لممم تممتراجع أمممام أي‬
‫وسيلة‪ ،‬قد أخذت الرهائن أثناء الحرب الهلية‪ .‬وبما عهدنا فيه من سوء نية وعممدم منطممق‪ ،‬يقيممم مممن‬
‫جديد توازًيا بين السمملطة السمموفياتية الشممديدة القسمموة والكوميونممة الكممبيرة النسممانية‪ .‬وإليكممم رأي‬
‫ماركس الواضح الدقيق التعبير بهذا الصدد‪" :‬حين أشاع تيير‪ ،‬منذ بدايممة الحممرب الهليممة‪ ،‬تلممك العممادة‬
‫الفائقة النسانية‪ ،‬عادة إعممدام السممرى مممن رجممال الكوميونممة‪ ،‬لممم يعممد أمممام الكوميونممة إل أن تأخممذ‬
‫ظا على حياة السرى‪ ،‬حسب العادة التي أدخلها البروسيون‪ .‬ولما كان الفرسمماويون لممم‬ ‫الرهائن‪ ،‬حفا ً‬
‫يكفوا عن إعدام السرى‪ .‬فممإنهم كممانوا بممذلك يضممحون بالرهممائن‪ .‬وكيممف كممان يمكممن أل يعممدموا بعممد‬
‫المجزرة التي ل تصدق التي احتفل بها حرس ماك‪ .‬ماهون المبراطوري عند دخوله باريس؟"‪ .‬ونحممن‬
‫نتساءل مع ماركس‪ :‬كيف كان يمكننا أن نتصرف بغير الصورة التي تصرفنا بها أثنماء الحمرب الهليمة‪،‬‬
‫حين كانت الثورة المضادة التي تحتل جزًءا كبيًرا من الرض القومية تقبض‪ ،‬أينما أمكنها‪ ،‬على العمال‬
‫العزل من السلح وعلى نسائهم وأمهاتهم‪ ،‬وتعدمهم وتشنقهم؟ وهل هناك من عمل آخر غير القبممض‬
‫على الرهائن من بين الناس الذين تعطف عليهم البورجوازية وتضع فيهم ثقتها‪ ،‬وغيممر تسممليط سمميف‬
‫داموكليس فوق رؤوس البورجوازية المتضامنة فيممما بينهمما؟ وليممس هنمماك أي صممعوبة لثبممات أن كممل‬
‫العمال القاسية التي ارتكبتها السلطة السوفياتية قد اقتضتها حاجات الممدفاع الثمموري‪ .‬ول نعتقممد أنممه‬

‫‪60‬‬
‫يتوجب علينا ههنا أن ندخل في تفاصيل هذا الثبات‪ .‬لكن لكي نسممهل تقييممم شممروط النضممال بمعيممار‬
‫جزئي‪ ،‬فإننا سنذكر فقط هذه الواقعة‪ :‬بينمما كمان الحمراس المبيض وحلفماؤهم النكلمو – الفرنسميون‬
‫يعدمون بل استثناء كل شيوعي يقع بين أيديهم‪ ،‬كان الجيش الحمر يعفو عن حياة جميممع السممرى بل‬
‫استثناء بما فيهم الضباط الكبار‪.‬‬

‫كتممب ممماركس‪" :‬إن الطبقممة العاملممة‪ ،‬الواعيممة إلممى أقصممى حممدود المموعي رسممالتها التاريخيممة‪،‬‬
‫والمصممة بقوة وبطولة على أن تظل بمستوى رسالتها‪ ،‬تستطيع أن ترد بابتسامة ازدراء هادئة علمى‬
‫التهويشات الدنيئة لمأجوري الصممحف وعلممى القمموال المتعالمممة المجيممرة للمتمممذهبين البورجمموازيين‬
‫المغرضين الذين ل ينتج جهلهم التام إل الكليشهات والقوال المعادة المكررة والغباوات المألوفة من‬
‫طبقتهم‪ ،‬المغلفة بلهجة العرافين القدرية الذين يتحدثون باسم علم معصوم عن الخطأ"‪.‬‬

‫وإذا كان المتمذهبون البورجوازيون المغرضون يلعبممون أحيان ًمما دور النظرييممن المتقاعممدين فممي‬
‫الممية الثانية‪ ،‬إل أن هذا ل يجرد غباوات طبقتهم من حقها في أن تظل على ما هي عليه غباوات‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫الطبقة العاملة وسياستها السوفياتية البروليتاريا الروسية‬
‫لقد وجدت مبادهة الثورة الشتراكية نفسها‪ ،‬بدافع مممن قمموة الشممياء‪ ،‬ل بيممن يممدي البروليتاريمما‬
‫الوروبية الغربية المسنة مممع تنظيماتهمما السياسممية والمهنيممة القويممة وتقاليممدها الجليلممة والثقيلممة فممي‬
‫البرلمانية والتريديونية‪ ،‬بل بين يدي الطبقة العاملة الشابة لبلد متخلف‪ .‬ولقممد تبممع التاريممخ‪ ،‬كممما هممي‬
‫ما‪ ،‬خط المقاومة الضعف‪ .‬ولقد اندفع العصر الثوري من الباب الذي سد بأقل عناية ممكنة‪.‬‬ ‫الحال دو ً‬
‫وإن المصاعب الفائقة التي نستطيع أن نقول بجرأة أنها كانت فوق طاقة النسممان والممتي اصممطدمت‬
‫بها البروليتاريا الروسية‪ ،‬قد هيأت وعجلت وسممهلت إلممى حممد كممبير العمممل الثمموري لبروليتاريمما أوروبمما‬
‫الغربية الذي مازلنا بانتظاره‪.‬‬

‫وإن كاوتسكي‪ ،‬بدل ً من أن يعتبر الثورة الروسية نقطة انطلق لعصر ثوري سيعم العالم أجمع‪،‬‬
‫ما زال يناقش مسألة معرفة ما إذا كانت‪.‬‬

‫وإليكم تفسيره‪" :‬للوصول إلى الشتراكية‪ ،‬ل بد أن يكممون الشممعب متمتعًمما بثقافممة عاليممة‪ ،‬وأن‬
‫تكون الجماهير عالية المعنويات‪ ،‬ول بد من أن يكون هنمماك تطممور كممبير للغممرائز الجتماعيممة‪ ،‬وشممعور‬
‫سا( موجممودة علممى مسممتوى‬ ‫بالتضامن‪ ،‬إلخ‪ ..‬ولقد كانت هذه المعنويات )يضيف كاوتسكي ليعطينا در ً‬
‫ممما لممدى الجممماهير الممتي تعطممي فممي المموقت‬
‫عال لدى بروليتاريي كوميونة باريس‪ .‬وهي معدومممة تما ً‬
‫الراهن البروليتاريا البولشفية صبغتها" )ص ‪.(120‬‬

‫وباعتبمار الهمدف المذي ينشمده كاوتسمكي‪ ،‬فمإنه ل يكتفمي بالسمعي إلمى السماءة إلمى سممعة‬
‫البلشفة كحزب سياسي في نظر قرائه‪ .‬فكاوتسكي يبذل جهده‪ ،‬لعلمه أن البولشفية قد أصبحت من‬
‫دا والبروليتاريمما الروسممية‪ ،‬أقممول يبمذل جهممده ليسمميء إلممى سممعة البروليتاريما‬‫دا شيًئا واح ً‬
‫الن فصاع ً‬
‫الروسية في مجموعها‪ ،‬وليصورها على أنها جماهير جاهلة‪ ،‬بل مثل أعلى‪ ،‬شرهة إلى إشممباع حاجاتهمما‬
‫المباشرة‪ ،‬ل توجهها إل غرائزها وإيحاءات اللحظة الحاضرة‪ .‬ويشكك كاوتسممكي فممي كتممابه أكممثر مممن‬
‫مرة بالمستوى الفكري والخلقي للعمال ا لمروس‪ ،‬وذلمك ليزيمد ممن قتاممة اللموان وليثبمت جهلهمم‬
‫وغباوتهم وهمجيتهم‪ .‬وليزيد كاوتسكي من حدة المفارقة يستشهد بمثال مأخوذ ممن عهمد الكوميونمة‪،‬‬
‫ممما عامممل يقمموم‬‫عن مصنع حربي أقام فيه الممثلون العماليون خدمة ليلة حتى يكون فممي المصممنع دو ً‬
‫بتسليم السلحة التي أصلحت لمن يأتي طالب ًمما لهمما‪" .‬ولممما كممان مممن الضممروري‪ ،‬كممما ينممص القممانون‪،‬‬
‫مراعاة التقشف الشديد في نفقات الكوميونة في الظروف ** ويستنتج كاوتسكي‪" :‬في الحقيقة لممم‬
‫ممما يسمممح لهممم بإشممباع الحاجممات الشخصممية"‬ ‫يكن أولئك العمال يعتبرون زمن دكتاتوريتهم ظرًفا ملئ ً‬
‫قا واجباتهمما‪ ،‬ول تعممرف‬ ‫ما‪ .‬فهي ل تعي مطل ً‬ ‫ً‬ ‫تما‬ ‫)ص ‪ .(65‬أما الطبقة العاملة الروسية فهي شيء آخر‬
‫أفكارها استقراًرا‪ ،‬وتفتقر إلى القدرة على الحتمال وإلى نكران الذات إلخ‪ ..‬كما أنها أصبحت عمماجزة‬
‫ممما كممما أن بممارون‬‫عن أن تضع على رأسها قادة جديرين بهذا السم )أنه مزاح كاوتسممكي اللذيممذ( تما ً‬
‫مونشاوزن )‪ (11‬كان عاجًزا عن الخروج من المستنقع بشدة لشعره‪ .‬إن هذه المقارنة بين البروليتاريمما‬
‫الروسية والسيد كراك )‪ (12‬اللماني لمثال بليغ عن الوقاحة التي يعامل بها كاوتسكي الطبقممة العاملممة‬
‫في روسيا‪.‬‬

‫إنه يستخرج من خطاباتنا ومقالتنمما مقمماطع نفضممح فيهمما بعممض الجمموانب السمميئة وبعممض رذائل‬
‫عالمنا العمالي‪ ،‬ويحاول أن يثبت أن السلبية والجهل والنانية تكفي لتمييز صفات وسلوك البروليتاريا‬
‫الروسية‪ ،‬من ‪ 1917‬إلى ‪ ،1920‬في عصر هو من أعظم العصور ثورية‪.‬‬

‫لكأن كاوتسكي يجهل‪ ،‬لم يسمع قط‪ ،‬ول يستطيع أن يخمن أو يفترض أن البروليتاريا الروسممية‬
‫قد أتيحت لها الفرصة أكثر من مرة‪ ،‬أثناء الحرب الهلية‪ ،‬لتقوم بعمل متجممرد وتقيممم "بصممفة مجانيممة‬
‫خالصة" خدمة ليلية‪ ،‬ل خدمة عامل واحد في ليلة واحدة‪ ،‬بل خدمة آلف ** من العمال طمموال ليممال‬
‫كاملة في حالة إنذار مستمر‪ .‬فطوال أيام وأسابيع‪ ،‬حين كان بودينتش يزحف على بترسممبورغ‪ ،‬كممانت‬

‫‪ : ()11‬ضابط ألماني )‪ (1797 – 1720‬اشتهر بالعنجهيات التي تنسب إليه‪.‬‬


‫‪ : ()12‬بارون كراك‪ :‬مثال المتبجح الذي ل يتراجع أمام غرابة المغامرات التي ينسبها إلى نفسه‪ ،‬وقد خلقت‬
‫هذه الشخصية على مثال شخصية بارون مانشاوزن‪.‬‬
‫‪62‬‬
‫تكفي برقية هاتفية واحدة من مجلس السوفييت لدفع آلف العمممال إلممى السممهر فممي مراكزهممم فممي‬
‫جميع معامل وأحياء المدينة‪ .‬ولم تكن حماسة اليام الولى لكوميونممة بتروسممبورغ هممي الممتي تممدفعهم‬
‫إلى هذا العمل‪ ،‬بل كان هذا يحدث بعد عامين مممن الحممرب‪ :‬ولقممد كممانوا يشممعرون بممالبرد ويشممعرون‬
‫بالجوع‪.‬‬

‫إن حزبنا يجند‪ ،‬مرتين أو ثلًثا في العام‪ ،‬عد ً‬


‫دا ل بممأس بممه مممن أعضممائه ليرسمملهم إلممى الجبهممة‪.‬‬
‫وعلى طول خطوط تبلغ ‪ 8000‬فرسخ‪ ،‬يذهب هممؤلء الرجممال ليضممحوا بحيمماتهم ويعلممموا الخريممن أن‬
‫يضحوا بحياتهم‪ .‬وعندما أعلن في موسمكو‪ ،‬موسممكو الممتي تشمكو الممبرد والجموع والممتي سممبق لهما أن‬
‫قدمت نخبة عمالها لحاجات الجبهة‪ ،‬عندما أعلن "أسبوع الحزب"‪ ،‬أرسلت الجماهير البروليتارية إلممى‬
‫صفوفنا في مدى سبعة أيام كتائب مؤلفة من ‪ 15000‬رجل وفي أي وقت؟ في الوقت الذي كان فيه‬
‫أكبر الخطار يهدد وجود السلطة السوفياتية‪ ،‬حين أخذت أوريل منا وحيممن كممان دينيكيممن يقممترب مممن‬
‫تول وموسكو‪ .‬وعنممدما كممان بممودينتش يهممدد بترسممبورغ فممي فممترة هممي مممن أحلممك الفممترات‪ ،‬قممدمت‬
‫بروليتاريا موسكو لحزبنا‪ ،‬في أسبوع واحد‪ 1500 ،‬رجل كانوا يستعدون ليرسلوا إلى الجبهة بين ليلممة‬
‫وضحاها‪ .‬ونستطيع أن نقول بثقة أن بروليتاريا موسكو لمم تكمن مجمعمة‪ ،‬اللهممم إل ربمما فمي أسمبوع‬
‫التمرد الكبير في تشرين الثاني ‪ ،1917‬في حماستها الثورية ونكرانها للذات فممي القتممال‪ ،‬كممما كممانت‬
‫مجمعة على ذلك في أيام الخطر والتضحية تلك‪.‬‬

‫وحيممن طممرح حزبنمما مشممروع العمممل الضممافي أيممام السممبت والحممد‪ ،‬وجممدت المثاليممة الثوريممة‬
‫للبروليتاريا أسمى تعبير عنها في المتطوعين للعمل‪ .‬فقد كانوا في البداية عشرات ومئات‪ ،‬فأصممبحوا‬
‫فيما بعد آلًفا‪ ،‬ثم عشرات ومئات اللف من العمال الذين تخلوا عن كل أجرة وكرسوا بضع سمماعات‬
‫عمل من كل أسبوع لمصالح إنعاش البلد اقتصادًيا‪ .‬ولقد كمان هممؤلء رجمال ً ناقصمي التغذيمة‪ ،‬يرتممدون‬
‫أحذية ممزقة ويلبسون أسمال ً وسخة‪ ،‬لن البلد كانت تفتقر إلى الحذيممة والصممابون‪ .‬هممذه هممي‪ ،‬فممي‬
‫سمما فممي نكممران الممذات‪ .‬لكممن مممن‬‫الواقع‪ ،‬البروليتاريا البولشفية التي ينصحها كاوتسكي بأن تأخذ درو ً‬
‫أجل المزيد من إيضاح الوقمائع وتسلسملها‪ ،‬يكفينما أن نمذكر بممأن كممل العناصممر النانيممة‪ ،‬البورجوازيممة‪،‬‬
‫المنتهزة على حساب البروليتاريا – جميع الذين سعوا إلى الهرب من الجبهة ومن عمل يموم السمبت‪،‬‬
‫والذين اهتموا بالتهريب‪ ،‬والذين حرضوا العمال على الضراب طمموال أسممابيع المجاعممة‪ ،‬جميممع هممؤلء‬
‫صوتوا أثناء انتخابات السوفييتات للمنشفيك‪ ،‬أي لنصار كاوتسكي الروس‪.‬‬

‫إن كاوتسكي يستشهد بعباراتنا الخاصة ليثبت أننا كنا نممدرك‪ ،‬حممتى قبممل ثممورة تشممرين الثمماني‪،‬‬
‫النقص في ثقافة البروليتاريا الروسية‪ ،‬لكننا كنا نعتقد‪ ،‬باعتبار أننا نؤمن بحتمية انتقممال السمملطة إلممى‬
‫أيدي الطبقة العاملة‪ ،‬بأن لنا الحق في أن نأمل بأن نتوصل إلى التغلب على المصاعب وإلممى ضمممان‬
‫التوطد النهائي للنظام الشتراكي فممي روسمميا‪ ،‬أثنمماء النضممال بالممذات وبفضممل التجربممة الممتي سممتأتي‬
‫وبالمساعدة المتعاظمممة باسممتمرار والمقدمممة مممن بروليتاريمما البلممدان الخممرى‪ .‬وبهممذا الصممدد يطممرح‬
‫دا فقممط‬‫كاوتسكي الستفهام التالي‪" :‬هل كان تروتسكي ليقممرر أن يمتطممي قمماطرة ويسمميرها‪ ،‬معتم م ً‬
‫على إمكانية دراسممة آليتهما وتمدبير كمل شميء أثنماء السمير؟ إنممه لمممن المناسمب أول ً الحصممول علمى‬
‫المعارف الضرورية لتسيير القاطرة‪ ،‬قبل أن يقرر المرء تسييرها‪ .‬ولقد كان على البروليتاريمما أول ً أن‬
‫تحصل على المعارف والصفات الضرورية لتكون قادرة على توجيه الصناعة مادامت تدعي أنها تتعهد‬
‫بهذا التوجيه" )ص ‪.(117‬‬

‫إن هذه المقارنة البليغة يمكن أن تشرف راعًيا قروًيا‪ .‬لكن هذا ل يقلل من غبائها‪ .‬ولعلممه يحممق‬
‫لنا أكثر أن نقول‪ :‬هل كان كاوتسكي ليقرر أن يمتطي حصمماًنا قبممل أن يكممون قممد تعلممم كيممف يحفممظ‬
‫توازنه ويقود الدابة مشًيا أو خبًبا أو جرًيا‪ ،‬أو بأي سرعة؟‪ :‬إن لدينا من السباب ما يدفعنا إلى العتقاد‬
‫بأن كاوتسكي لن يقرر المجازفة بمثل هذه المغممامرة الخطممرة للغايمة والبولشمفية مئة بمالمئة‪ .‬لكننما‬
‫نخشى‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬أن يشعر كاوتسكي‪ ،‬لعدم جرأته على امتطاء الحصان‪ ،‬ببعممض الصممعوبة فممي‬
‫حل جميع ألغاز المعادلة ذلك أن نقطة النطلق البولشفية الساسية هي العتقماد بمأن النسمان‪ ،‬كمي‬
‫يتعلم امتطاء الخيل‪ ،‬ل بد أن يقوم بالمحاولة الولى دون تهيئة مسبقة‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق بقيادة قاطرة فإن نقطة انطلقنا ليست مقنعة أول ً إلى هذا الحد‪ ،‬إل أنهمما تظممل‬
‫صحيحة‪ .‬فما من إنسان تعلم قيادة القاطرة وهو جالس في مكتبممه‪ .‬فل بممد للمممرء مممن تسمملق اللممة‪،‬‬

‫‪63‬‬
‫وحماية نفسه منها‪ ،‬ووضع يده على الجهاز المنظم‪ ،‬وإدارتمه‪ .‬وصمحيح أن دراسمة سمير القماطرة تتمم‬
‫بواسطة المناورات بإرشاد ميكانيكي محنك‪ ،‬وأن تعلم ركوب الخيل يتم في ميدان للسممباق بإشممراف‬
‫فرسان‪ .‬لكن من أجل حكم الشعب‪ ،‬يستحيل اللجوء إلى هذه الطرائق المصطنعة فممي الدراسممة‪ .‬إن‬
‫البورجوازية لم تخلق للبروليتاريمما مممدارس للدارة العامممة‪ ،‬ول تعهممد إليهمما بآلممة الدولممة لتجممري عليهمما‬
‫تجارب مؤقتة‪ .‬وعلى كل‪ ،‬وحتى‪ ،‬فيما يتعلق بتعلم ركوب الخيل‪ ،‬فإن العمممال والفلحيممن ل يحتمماجون‬
‫إلى ميادين السبق ول إلى المساعدة المدربين من الفرسان‪.‬‬

‫وينبغي أن نضيف إلى هذه العتبارات اعتباًرا آخر هو على الرجح أهمها‪ :‬إن ما من أحممد يممترك‬
‫للبروليتاريا حرية امتطاء الحصان أو عدم امتطائه‪ ،‬والستيلء على السلطة حال ً أو أرجاء المر إلى ما‬
‫بعد‪ .‬فهناك ظروف تضطر فيها الطبقة العاملة إلى السممتيلء علممى السمملطة‪ ،‬وإل فإنهمما تتعممرض إلممى‬
‫تهديد القضاء عليها‪ ،‬من وجهة النظر السياسية‪ ،‬لحقبة تاريخية طويلة‪ .‬وعندما تستولي على السلطة‪،‬‬
‫يستحيل عليها أن تقبل بإرادتها ببعمض نتمائج همذا العممل وأن ترفمض غيرهما‪ .‬وإذا كمانت البورجوازيمة‬
‫الرأسمالية تستفيد عن وعي وخبممث مممن فوضممى النتمماج كوسمميلة فممي الصممراع السياسممي لسممتعادة‬
‫السلطة المطلقة‪ ،‬فممإن البروليتاريمما مرغمممة علممى تشممريك المصممانع‪ ،‬دون أن تتسمماءل هممل فممي هممذا‬
‫التشريك ربح لها أو خسارة‪ ،‬لحظة التشريك بالذات‪ .‬وحين تأخذ البروليتاريا النتاج على عاتقها‪ ،‬فإنهمما‬
‫تكون مرغمة‪ ،‬تحت ضغط ضرورة حديدية‪ ،‬على أن تتعلم من نفسها‪ ،‬من التجربممة‪ ،‬كيممف تممؤدي هممذه‬
‫المهمة البالغة الصعوبة‪ ،‬وكيف تنظم النظام القتصادي الشتراكي‪ .‬فالفارس‪ ،‬حين يكون علممى ظهممر‬
‫الحصان‪ ،‬مرغم على قيادة حصانه وإل دق عنقه‪.‬‬

‫إن كاوتسكي يستشهد‪ ،‬ليعطي أنصاره المخلصين والمخلصممات فكممرة مناسممبة عممن المسممتوى‬
‫الخلقي للبروليتاريا الروسية‪ ،‬يستشهد في الصفحة ‪ 116‬من كتيبه بالتفويض التالي الصادر على حد‬
‫زعمممه عممن مجلممس السمموفييت العمممالي فممي مورزيلوفكمما‪" :‬إن مجلممس السمموفييت يعطممي جميممع‬
‫السلطات‪ ،‬عن طريق التفويض التالي‪ ،‬إلى الرفيق غريغوار سارييف ليصادر حسممب اختيمماره وإرادتممه‬
‫وليقود إلى الثكنات لحاجات فرقة المدفعية الموجودة في حاميممة مورزيلوفكمما‪ ،‬قضمماء بريانسممك‪60 ،‬‬
‫امرأة وفتاة يتم اختيارهن من طبقة البورجوازيين والمحتكرين‪ .‬في ‪ 16‬أيلول ‪) "1918‬نشره الدكتور‬
‫ناث وينتش – مالييف في كتابه "ماذا يفعل البلشفة" لوزان ‪ – 1919‬ص ‪.(10‬‬

‫ودون أن أضيع لحظة واحدة في الشك في زيف هذه الوثيقممة وكممذب هممذا التفممويض‪ ،‬أصممدرت‬
‫المر بالقيام بتحقيق دقيق‪ ،‬كي أطلع على الوقائع أو الحداث التي قد يمكممن اسممتخدامها فممي تزويممر‬
‫مثل هذه الوثيقة‪ .‬وإليكم ما قرره التحقيق الذي تم بعناية بالغة‪:‬‬

‫في قضاء بريانسك ل توجد البتة ناحية معروفة باسم مورزيلوفكا كممما أن هممذا السممم ل‬ ‫‪-1‬‬
‫وجود له في القضية المجاورة‪ .‬وأقرب اسم إلى السم المذكور هممو مورافيوفكمما وهممي‬
‫إحدى قرى قضاء بربانسك‪ .‬لكن ما من فرقة مدفعية دخلممت أحياءهمما قممط ولممم يحممدث‬
‫فا‪.‬‬
‫فيها أي شيء يمكن أن تكون له صلة بم"الوثيقة" المذكورة آن ً‬

‫شمل التحقيق كل خط قوات المدفعية‪ .‬ولم تقع في أي مكان علممى أي أثممر يممذكر‪ ،‬ولممو‬ ‫‪-2‬‬
‫من بعيد‪ ،‬بالواقعة التي يستشهد بها كاوتسكي حسب تعابير ملهمة‪.‬‬

‫وأخيًرا سعي التحقيق إلى معرفة ما إذا كان أحد في الناحية قد سمع عن مدينممة تحمممل‬ ‫‪-3‬‬
‫اسم مورزيلوفكا‪ .‬فلم نكتشف شيًئا‪ .‬وليممس هممذا مده ً‬
‫شمما! فمضمممون الوثيقممة المممزورة‬
‫متناقض إلى أقصى الحدود ممع تقاليمد ورأي عمام العممال والفلحيمن المتقمدمين المذين‬
‫يوجهون مجالس السوفييت حتى في أكثر المناطق تأخًرا‪.‬‬

‫وعلى هذا ينبغي أن نصف هذه الوثيقة بأنها مزورة تزويًرا سيًئا يعجز الدساسون المفترون في‬
‫أكثر الصحف الصفراء صفراوية عن التيان بما هو أحسن منه‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫وفي اللحظة التي كان يجري فيها التحقيق الذي تكلمت عنه‪ ،‬سلمني الرفيق زينوفييف نسممخة‬
‫من الجريدة السويدية سفنسكا داغبلديت‪ ،‬الصادرة في ‪ 9‬تشرين الثاني ‪ ،1919‬وفيهمما صممورة طبممق‬
‫الصل من التفويض ذي المضمون التالي‪:‬‬

‫تفويض‬

‫"حامل هذا‪ ،‬الرفيق كارازييف‪ ،‬مفوض بحق تشريك فتمماة بيممن ‪ 16‬و ‪ 36‬سممنة يختارهمما الرفيممق‬
‫كارازيييف من مدينة إيكاتيران أود )هذا المكان محذوف("‪.‬‬

‫يفاتشيف‬ ‫)‪(13‬‬
‫الغلفكوم‬

‫ضا أسمخف وأوقمح ممن الوثيقمة المتي يستشمهد بهما كاوتسمكي‪ .‬فمدينمة‬ ‫إن هذه الوثيقة لهي أي ً‬
‫إيكاتيرينودار‪ ،‬مركز منطقة كوبان‪ ،‬لم تعش إل فترة قصيرة للغاية‪ ،‬كما هو معروف‪ ،‬في ظل سمملطة‬
‫السوفييتات‪ .‬ومزور هذه الوثيقة‪ ،‬القليل الطلع كما هممو بمديهي علممى التأريممخ الثموري‪ ،‬قممد محمما مممن‬
‫وثيقته التاريخ‪ ،‬خوًفا من أن يقول‪ ،‬خطأ‪ ،‬إن الغلفكوم إيفاتشيف قممد شممرك نسمماء إيكمماتيرينودار فممي‬
‫الوقت الذي كانت محتلة فيه من قبل جنود دينيكين‪ .‬وأما أن هذه الوثيقممة قممد عللممت بالوهممام بعممض‬
‫المحدودي النظر من البورجوازيين السممويديين‪ ،‬فليممس فممي هممذا ممما يممدهش‪ .‬لكممن القممارئ الروسممي‬
‫ضا مممن قبممل أجنممبي يحمممل المعجممم‬ ‫سيتبين فوًرا أن هذه الوثيقة ليست مزورة فحسب‪ ،‬بل مزيفة أي ً‬
‫فممي يممده‪ .‬فمممن المممثير أن نلحممظ أن اسمممي "مشممركي" النسمماء‪" ،‬غريغمموار سممارييف" و"الرفيممق‬
‫ممما عممن اللغممة الروسممية‪ .‬فأسممماء السممر الروسممية نممادًرا ممما تنتهممي‬
‫كارازييف" لهما جرس غريممب تما ً‬
‫بم"يييف"‪ ،‬ول نجد هذه الحروف إل في بعض السماء المركبة‪ .‬لكممن منهممم البلشممفة‪ ،‬مؤلممف الكتمماب‬
‫ما منتهًيما بمم"يييمف" )وينتمش –‬ ‫باللغة النكليزية الذي يستشمهد بمه كاوتسمكي‪ ،‬يحممل همو نفسمه اسم ً‬
‫ماليييف(‪ .‬وواضح أن هذا الشخص‪ ،‬هذا الدسمماس النكلممر – بلغمماري‪ ،‬المحبمموس فممي مكتبممه بلمموزان‪،‬‬
‫يخلق "مشركي" نساء – نستطيع أن نقول ذلك بكل ثقة – على صورته‪.‬‬

‫قا ملهمي كاوتسكي ورفاقه!‬


‫وعلى كل الحوال‪ ،‬إنهم لغريبون ح ً‬

‫‪ : ()13‬غلفكوم تعني "لجنة رئيسية أكثر مما تعني "قوميسير رئيسي"‪ ،‬وبذلك تعني أما "اللجنة الرئيسية" أو‬
‫"القوميسير الرئيسي"‪) .‬المترجم الفرنسي(‬
‫‪65‬‬
‫السوفييتات والنقابات والحزب‬
‫ل تمثل السوفييتات باعتبارها شكل تنظيم الطبقة العاملة‪ ،‬في نظر كاوتسممكي‪ ،‬وبالنسممبة إلممى‬
‫ما‪ ،‬ل تمثل شكل ً تنظيمًيا أسمى‪ ،‬بل تقليمم ً‬
‫دا مصممطنًعا‬ ‫الحزاب والمنظمات المهنية في بلدان أكثر تقد ً‬
‫رديًئا يفرض نفسه نظر لعدم وجود منظمات سياسية )ص ‪ .(51‬لنفترض أن هذا صحيح بالنسممبة إلممى‬
‫روسيا‪ .‬لكن أشرحوا لنا في مثل هذه الحال لم ظهرت السوفييتات في ألمانيا! أما كان مممن الممواجب‬
‫التخلي عنها كلًيا في جمهوريممة إيممبرت؟ لكننمما نعممرف أن هيلفردينممغ الممذي تتقممارب آراؤه إلممى أقصممى‬
‫الحدود من آراء كاوتسكي‪ ،‬كان يقترح في الماضي إدخال السوفييتات في الدستور‪ .‬إل أن كاوتسكي‬
‫ل يتفوه عن هذا بكلمة واحدة‪.‬‬

‫ضا أن نعممترف‪ ،‬حممتى نكممون عممادلين‪،‬‬ ‫وإذا اعتبرنا السوفييتات مؤسسة "بدائية" للغاية‪ ،‬ينبغي أي ً‬
‫بأن النضال المكشوف‪ ،‬النضممال الثمموري‪ ،‬طريقممة أكممثر "بدائيممة" مممن العمممل البرلممماني لكممن العمممل‬
‫البرلماني مصطنع ومعقد‪ ،‬ول يمكن أن يهم بالتالي إل طبقة عليا قليلة العدد‪ .‬والثورة غيممر ممكنممة إل‬
‫عندما تكون الجماهير معنية‪ .‬ولقد حركت ثورة تشرين الثاني جماهير لم يفكر قط الحزب الشتراكي‬
‫– الديموقراطي بتجميعها‪ .‬ومهما كانت منظمات الحزب والنقابممات واسممعة فممي ألمانيمما‪ ،‬فممإن الثممورة‬
‫عا‪ .‬ولقد وجممدت الجممماهير الثوريممة ممثلهمما المباشممر فممي منظمممة بالغممة البسمماطة‬ ‫تجاوزتها كلها اتسا ً‬
‫وبمتناول الجميع‪ ،‬في سوفييت مندوبيها‪ .‬ومن الممكن أن نعممترف بممأن سمموفييت المنممدوبين ل يرتفممع‬
‫إلى علو الحزب أو النقابة فيما يتعلق بوضمموح البرنامممج أو مسممتوى التنظيممم‪ .‬لكنممه يقممف عالي ًمما فمموق‬
‫الحزب والنقابات من حيث عدد البشر القادر على جرهم إلى النضال الثوري‪ ،‬وهذا التفوق في العممدد‬
‫يعطي السوفييت مزايا ل نقاش فيها فممي زمممن الثممورة‪ .‬إن السمموفييت يضممم شممغيلة جميممع المصممانع‬
‫وجميع المهن قاطبة‪ ،‬مهما كانت درجة تطورهم الفكري‪ ،‬ومهما كان مستوى ثقافتهم السياسية‪ ،‬وهو‬
‫بالتالي مرغم موضوعًيا على التعبير عن المصالح التاريخية العامة للبروليتاريا‪.‬‬

‫لقد كان "بيان الحزب الشيوعي" يعتبر أن مهمة الشيوعيين هي على وجه التحديد التعبير عممن‬
‫المصالح العامة‪ ،‬المصالح التاريخية للطبقة العاملة قاطبة‪.‬‬

‫"يتميز الشيوعيون عمن غيرهممم مممن الحممزاب البروليتاريمة – حسممب تعمبير البيمان – فمي أنهمم‬
‫يضعون من جهة أولى مصالح كل الجماهير البروليتارية بغض النظر عن الجنسيات‪ ،‬فمموق كممل اعتبممار‬
‫آخر ويدافعون عنها في نضال بروليتاريي مختلف المم‪ ،‬وفممي أنهممم الممثلممون الممدائمون‪ ،‬مممن الجهممة‬
‫الثانية‪ ،‬في جميع مراحل الصراع القائم بين البروليتاريا والبورجوازية‪ ،‬لمصلحة الحركة‪ ،‬منظوًرا إليهمما‬
‫في مجموعها"‪ .‬وأن تنظيم السوفييتات الطبقي يجسد هذه الحركممة "منظمموًرا إليهمما فممي مجموعهمما"‪.‬‬
‫ومن هنا نتبين لماذا وكيف استطاع الشيوعيون ولماذا وكيف توجب عليهممم أن يكونمموا الحممزب القممائد‬
‫للسوفييتات‪.‬‬

‫ضا نتبين كم هو خاطئ حكم كاوتسكي على السوفييتات بأنهمما "تقليممد مصممطنع"‬ ‫لكن من هنا أي ً‬
‫ضا نرى غباء محاولة هيلفردينغ لدخال السوفييتات‪ ،‬بصفة رافعة ثانوية‪ ،‬فممي آليممة‬ ‫للحزب‪ .‬ومن هنا أي ً‬
‫الديمقراطية البورجوازية‪ .‬إن السوفييتات هي تنظيم الثممورة البروليتاريمة‪ ،‬ولهما قيمتهمما إمما باعتبارهمما‬
‫جهاًزا نضالًيا من أجل السلطة‪ ،‬وإما باعتبارها جهاز سلطة في يد الطبقة العاملة‪.‬‬

‫إن كاوتسكي الذي لم يفهم الدور الثوري للسوفييتات‪ ،‬يممرى العيممب الساسممي فممي ممما يشممكل‬
‫دا فاصمل ً‬
‫على العكس جدارتها الساسية‪ ،‬فهو يقول‪" :‬من المسممتحيل أن نقيممم تميي مًزا‪ ،‬أن نرسممم حم ً‬
‫حا بين البورجوازيين والعمال‪ .‬وإن لفي هذا التمييز شيًئا تعسممفًيا يحممول فكممرة السمموفييتات إلممى‬ ‫واض ً‬
‫ضا عن خلممق نظممام للحكممم محممدد ومبنممي‬ ‫ً‬ ‫أي‬ ‫ما‬
‫ً‬ ‫تما‬ ‫يعجز‬ ‫لكنه‬ ‫الدكتاتوري‪،‬‬ ‫الستبداد‬ ‫ما‬
‫ً‬ ‫تما‬ ‫يناسب‬ ‫مبدأ‬
‫بناء منهجًيا"‪.‬‬

‫إذا ما صدقنا كاوتسكي إذن‪ ،‬فإن الديكتاتوريممة الطبقيممة ل تسممتطيع أن تخلممق مؤسسممات تلئم‬
‫طبيعتها‪ ،‬باعتبار أنه ل وجود لحد فاصل دقيق بين الطبقات‪ .‬لكن ماذا نفعل في مثل هممذه الحممال‪ ،‬لممو‬
‫نظرنا إلى المسألة من زاوية أوسع‪ ،‬بالصراع الطبقي؟ ذلك أن أيديولوجيات البورجوازية الصغيرة قد‬

‫‪66‬‬
‫ما في تعدد درجات السلم الجتماعي التي تفصل البورجوازية عن البروليتاريا‪ ،‬أقمموى حجممة‬ ‫وجدت دو ً‬
‫لها ضد "مبدأ" الصراع الطبقي بالذات‪ .‬وإن كاوتسكي يتوقف وقد سيطر عليممه الشممك‪ ،‬فممي اللحظممة‬
‫التي تنظم فيها البروليتاريا دكتاتوريتها فعلًيا في نظام حكم السوفييتات‪ ،‬بعد أن تكون قد تغلبت على‬
‫عديمية الطبقات المتوسطة وعدم استقرارها وجرت وراءها جزًءا من هذه الطبقات ودفعت بالجزاء‬
‫الخرى إلى معسكر البورجوازية‪ .‬إن السوفييتات هي جهاز سيطرة بروليتارية ل يمكن لي جهاز آخممر‬
‫أن يحل محله‪ ،‬لن أطرها مرنة ولينة بحيث أن جميع التبممدلت‪ ،‬ل الجتماعيممة فحسمب بممل السياسمية‬
‫ضا‪ ،‬التي تطرأ على وضع الطبقات النسبي‪ ،‬تستطيع أن تجد فوًرا تعبيرهمما فممي الجهمماز السمموفياتي‪.‬‬ ‫أي ً‬
‫والسوفييتات التي تبدأ بالمصانع والمعامل الكممبيرة‪ ،‬تممدخل فيممما بعممد فممي تنظيمهمما عمممال الورشممات‬
‫ومستخدمي التجارة‪ .‬ومن ثم تنتقل إلى القرى وتنظم نضال الفلحين ضد الملكين العقمماريين‪ ،‬وتممثير‬
‫فيما بعد الفئات الدنيا والمتوسطة من العالم الفلحي ضد الفلحين الغنياء )أعيان القرية(‪ .‬وتستخدم‬
‫الدولة العمالية العديد من المستخدمين الذين ينتمون‪ ،‬إلى حد كبير‪ ،‬إلى البورجوازية والعالم الفكري‬
‫البورجوازي‪ .‬وكلما أظهمروا انضممباطهم تجمماه النظممام السمموفياتي‪ ،‬أتيحمت لهممم إمكانيمة تمممثيلهم فمي‬
‫السوفييتات‪ .‬إن النظام السمموفياتي الممذي يتسممع‪ ،‬أو يضمميق أحيان ًمما‪ ،‬حسممبما تتسممع أو تضمميق المراكممز‬
‫الجتماعي التي تحتلها البروليتاريا‪ ،‬يظل الجهاز الحكومي للثورة الجتماعية في دينمماميكيته الداخليممة‪،‬‬
‫في مده وجزره‪ ،‬في أخطائه ونجاحاته‪ .‬وحين تنتصر الثورة الجتماعية نهائًيا‪ ،‬يمتد النظام السمموفياتي‬
‫ليشمممل جميممع السممكان‪ ،‬ويفقممد بالتممالي طممابعه الحكممومي وينحممل فممي تعاونيممة جبممارة للمنتجيممن‬
‫والمستهلكين‪.‬‬

‫وإذا كان الحزب والتحادات المهنية منظمات مهمتها تهيئة الثورة‪ ،‬فإن السوفييتات هممي سمملح‬
‫هذه الثورة‪ .‬وبعد انتصارها‪ ،‬تصبح السوفييتات أجهزة السلطة‪ .‬ويطرأ تعديل جوهري على دور الحزب‬
‫والنقابات دون أن تتضاءل أهميته‪.‬‬

‫إن التسيير العام للمور يظل متمركًزا بين يدي الحزب وليس ذلك لن الحممزب يحكممم بصممورة‬
‫مباشرة‪ ،‬فجهازه ل يتلءم مع هذا النوع من الوظائف‪ .‬لكن له صوته الحاسممم فممي كممل ممما يطممرأ مممن‬
‫قضايا مبدئية‪ .‬بل أكثر من ذلك‪ ،‬فقد جعلتنا التجربة نقرر أن الكلمة الخيممرة تعممود إلممى لجنممة الحممزب‬
‫المركزية‪ ،‬في جميع المسائل التي يثور حولها النزاع‪ ،‬وفي جميع النزاعات التي يمكن أن تنشب بيممن‬
‫الدارات وفي النزاعات الشخصية داخل الدارات‪ .‬إن هذا يوفر الكثير من المموقت والطاقممة‪ ،‬ويضمممن‬
‫وحدة العمل الضرورية في أصعب الظروف وأحرج المواقف‪ .‬إن مثل هذا النظممام غيممر ممكممن إل إذا‬
‫ظلت سلطة الحزب فوق كل جدال‪ ،‬وإل إذا كانت الكلمة الحاسمة لنضباط الحزب‪ .‬ومن حسن حظ‬
‫قا ممما إذا كممان مممن‬
‫ما في حزبنا‪ .‬ومن الصعب أن نقول مسب ً‬ ‫الثورة أن هذين الشرطيين متوافران تما ً‬
‫ما ثورًيا قوًيا حزب شيوعي يتمتع‬ ‫ً‬ ‫تنظي‬ ‫ماضيها‬ ‫لها‬ ‫يخلف‬ ‫لم‬ ‫الممكن أن يوجد في البلدان الخرى التي‬
‫بنفس الهيبة التي يتمتع بها حزبنا حين تدق ساعة الثورة البروليتارية‪ .‬لكن من البممديهي أن حممل هممذه‬
‫المسألة سيكون له تأثير بالغ على سير الثورة الشتراكية في كل بلد من بلد العالم‪.‬‬

‫إن الدور السمتثنائي المذي لعبمه الحمزب الشميوعي‪ ،‬حيمن حققمت الثمورة البروليتاريمة النصمر‪،‬‬
‫ما‪ .‬فالمسألة هي مسألة ديكتاتورية طبقة‪ .‬والطبقة تتألف من عدة فئات آراؤها وعواطفها‬ ‫مفهوم تما ً‬
‫ليسممت واحممدة ومسممتوياتها الفكريممة متباينممة‪ .‬والحممال أن الديكتاتوريممة تفممترض وحممدة الرادة‪ ،‬وحممدة‬
‫التجاه‪ ،‬وحدة العمل‪ .‬فعن أي طريق يمكن أن تتحقق؟ إن الهيمنة الثورية للبروليتاريا تفترض هيمنممة‬
‫حزب ذي برنامج للعمل محدد وانضباط داخلي حديدي في قلب البروليتاريا بالذات‪.‬‬

‫إن سياسة التكتل متناقضة أشد التناقض مع نظام الديكتاتوريممة البروليتاريممة‪ .‬ول نتحممدث ههنمما‬
‫عن التكتل مع الحزاب البورجوازية‪ ،‬فهذه مسألة غير مطروحة البتة‪ ،‬بممل عممن تكتممل الشمميوعيين ممع‬
‫المنظمات "الشتراكية" الخرى التي تمثل على درجات متباينة الفكممار المتخلفممة للجممماهير الكادحممة‬
‫وآراءها المسبقة‪.‬‬

‫إن الثورة تهدم بسرعة كل ما هو غير مستقر‪ ،‬وتبلي كل ممما همو مصمطنع أن التناقضمات المتي‬
‫يسعى التكتل إلى تقنيعها تتكشف تحت ضغط الحداث الثورية‪ .‬ولقد لحظنا ذلممك فممي مثممال المجممر‪،‬‬
‫حيث اتخذت ديكتاتورية البروليتاريا كشكل سياسي لها التحالف بين الشمميوعيين والشممتراكيين الممذين‬
‫لم يكونوا إل النصار المقنعين للتفاهم مع البورجوازية‪ .‬وسرعان ما تفكك التحالف‪ .‬ولقد دفع الحزب‬

‫‪67‬‬
‫الشيوعي غالًيا ثمن العجز الثوري والخيانة السياسية لرفاقه في المغامرة‪ .‬ومن البدهي كممل البداهممة‬
‫أنه كممان مممن الخيممر للشمميوعيين المجرييممن أن يصمملوا إلممى السمملطة متممأخرين‪ ،‬تمماركين للشممتراكيين‬
‫اليساريين )اشتراكيي التحالف مع البورجوازية( إمكانية التورط نهائًيا‪ .‬وصممحيح أن بمقممدور المممرء أن‬
‫يتساءل عم إذا كان مثل هذا السلوك يتعلق بإراداتهم‪ .‬إن التكتل مع هؤلء الشتراكيين الذي لم يكممن‬
‫له من فائدة‪ ،‬في جميع الحالت‪ ،‬إل التقنين المؤقت لضعف الشيوعيين المجريين النسبي‪ ،‬قد منعهممم‬
‫في الوقت نفسه من تقوية أنفسهم على حساب حلفائهم المتقلبين وقادهم إلى كارثة‪.‬‬

‫ويقدم مثال الثورة الروسية تفسيًرا كافًيا لهذه الفكرة نفسها فتكتل البلشفة مممع الشممتراكيين‬
‫– الثوريين اليساريين قمد انتهمى بقطيعمة مفماجئة بعمد أن دام عمدة أشمهر‪ .‬وصمحيح أننما لسمنا‪ ،‬نحمن‬
‫الشيوعيين‪ ،‬الذين دفعنا القسم الكبر من تكاليف هممذه القضممية‪ ،‬بممل هممم رفاقنمما غيممر الوفيمماء‪ .‬ومممن‬
‫البدهي أن تكتل ً لنا القوة فيه ول نجازف بالتالي كثيًرا بأن نستخدم‪ ،‬لمرحلة فقط‪ ،‬اليسممار المتطممرف‬
‫من الديمقراطية )يسار البورجوازيين الصغار( – أقول من البدهي أن هذا التكتل ل يسممح بتموجيه أي‬
‫لوم لنا من وجهممة النظممر التكتيكيممة‪ .‬إل أن هممذه المرحلممة مممن التحممالف مممع الشممتراكيين – الثمموريين‬
‫ما يقوم على المصالحات والتوفيقات والتنازلت المتبادلة – وهممذا‬ ‫اليساريين تدل بوضوح على أن نظا ً‬
‫ما يقوم عليه نظام التكتل – ل يمكن أن يصمد طويل ً في عصر تتغير فيه المواقف بسرعة بالغة‪ ،‬في‬
‫عصر يضع فوق كل شيء وحدة وجهات النظر الضرورية لمكانية وحدة العمل‪.‬‬

‫لقد اتهمنا أكثر من مرة بأننا استبدلنا ديكتاتورية السوفييتات بديكتاتورية الحزب‪ :‬إل أنه يمكننمما‬
‫أن نؤكد‪ ،‬دون أن نجازف بأن نخطئ‪ ،‬بأن ديكتاتورية السوفييتات لم تكن ممكنة إل بفضل ديكتاتوريممة‬
‫الحزب‪ :‬فالحزب بفضل وضوح أفكماره النظريمة‪ ،‬وبفضمل قمموة تنظيمممه الثموري‪ ،‬ضمممن للسمموفييتات‬
‫إمكانية التحول من برلمانات عمالية شوهاء‪ ،‬إلى جهاز لسميطرة العممل‪ .‬وليمس فممي هممذا السمتبدال‬
‫لسلطة الطبقة العاملة بسلطة الحزب أي شيء عرضي‪ ،‬بل ليمس هنماك فمي الحقيقمة أي اسمتبدال‪.‬‬
‫ممما أن يصممبح‬‫فالشمميوعيون يعممبرون عممن المصممالح الساسممية للطبقممة العاملممة‪ .‬ومممن الطممبيعي تما ً‬
‫الشيوعيين الممثلين المعترف بهم للطبقة العاملة في مجموعهمما فممي هممذا العصممر الممذي يطممرح فيممه‬
‫التاريخ على بساط البحث هذه المصالح بكل اتساعها‪.‬‬

‫ويسألنا بعض الخبثاء‪:‬‬

‫‪ -‬لكن من يضمن لنا أنه حزبكم فعل ً الذي يعبر عن مصالح التطور التمماريخي؟ فممأنتم بقضممائكم‬
‫على باقي الحزاب أو بتجريدكم لها من قوتها‪ ،‬قد تخلصتم من مزاحمتها السياسية الممتي هممي مصممدر‬
‫التنافس‪ ،‬وحرمتم أنفسكم بالتالي من إمكانية التحقق من صحة أو خطأ خطكم في العمل‪.‬‬

‫إن هذا العتبار تمليه فكرة ليبرالية خالصة عن سير الثورة‪ .‬ففي عصر تعلن فيه كل التناحرات‬
‫عن نفسها صراحة ويتحول فيه الصراع السياسي بسرعة إلى حرب أهلية‪ ،‬يجد الحممزب القيممادي بيممن‬
‫يديه‪ ،‬للتحقق من صحة خطه‪ ،‬ما فيه الكفاية من المواد والمعممايير‪ ،‬بغممض النظممر عممن مقممدار الكميممة‬
‫التي تطبعها الصحف المنشفيكية‪ .‬إن نوسك يصب على الشيوعيين صواعقه‪ ،‬بيد أن عممددهم ل يكممف‬
‫عن الزدياد‪ .‬ولقد سحقنا المنشفيك والشتراكيين الثوريين ولم يبق منهم شيء‪ .‬وعلى كممل الحمموال‪،‬‬
‫ليست مهمتنا أن نقوم في كل دقيقة بتقممدير أهميممة الفئات الممتي يمثلهمما كممل اتجمماه إحصممائًيا‪ ،‬بممل أن‬
‫نضمممن انتصممار اتجاهنمما‪ ،‬نحممن‪ ،‬الممذي هممو اتجمماه الديكتاتوريممة البروليتاريممة‪ ،‬وأن نجممد فممي سممير هممذه‬
‫سا كافًيا للتحقق من قيمة أفعالنا‪.‬‬ ‫الديكتاتورية وفي مختلف الحتكاكات التي تعيق عمل آليتها مقيا ً‬

‫إن الحفمماظ علممى "اسممتقلل" الحركممة المهنيممة لمممدة طويلممة مممن الزمممن فممي عصممر الثممورة‬
‫البروليتارية أمر ل يقل استحالة عن سياسة التكتل‪ .‬فالنقابات تصبح‪ ،‬فممي هممذا العصممر‪ ،‬أهممم الجهممزة‬
‫القتصادية في يد البروليتاريا الحاكمة‪ .‬ومن هنا بالذات‪ ،‬تسقط تحت قيادة الحزب الشيوعي‪ .‬واللجنة‬
‫ضا بالنزاعات الجدية الممتي‬‫المركزية لحزبنا ل تتكفل بالمسائل المبدئية للحركة المهنية فحسب‪ ،‬بل أي ً‬
‫يمكن أن تنشب داخل هذه المنظمات‪.‬‬

‫إن أنصار كاوتسكي يتهمون السلطة السوفياتية بأنها ديكتاتورية "جزء" واحد فقط من الطبقممة‬
‫العاملة‪ .‬وهم يهتفون‪" :‬لو أن الديكتاتورية كانت على القل ديكتاتوريممة طبقممة بكاملهمما!"‪ .‬وليممس مممن‬
‫‪68‬‬
‫السهل أن نفهم ما يقصدونه بهذا‪ .‬إن ديكتاتورية البروليتاريا تعني‪ ،‬في جوهرها‪ ،‬السمميطرة المباشممرة‬
‫لطليعة ثورية تعتمد على الجماهير الثقيلة وترغم المتخلفين‪ ،‬عند اللزوم‪ ،‬على اللحاق بممالركب‪ .‬وهمذا‬
‫ضا بالنقابات‪ .‬فبعد استيلء البروليتاريا على السلطة‪ ،‬تتخذ هممذه النقابممات طابعًمما إلزامي ًمما‪.‬‬
‫أمر يتعلق أي ً‬
‫إن عليها أن تضم جميع العمال الصناعيين لكن الحزب يستمر في سياسته القائمة على تمثممل أوعممى‬
‫صا‪ .‬إنه شديد التحفظ فيما يتعلق بتوسيع صفوفه‪ .‬ومن هنمما كممان الممدور القيممادي‬ ‫العناصر وأكثرها إخل ً‬
‫الذي تلعبه القلية الشيوعية في النقابات‪ ،‬الدور الذي يتناسب مممع السمميطرة الممتي يمارسممها الحممزب‬
‫الشيوعي في السوفييتات‪ ،‬والذي هو التعبير السياسي عن ديكتاتورية البروليتاريا‪.‬‬

‫وتأخذ عندئذ التحادات المهنية على عاتقهما مهمممة لنتمماج المباشممرة فهممي ل تعممبر عممن مصممالح‬
‫ضما عمن مصممالح الصمناعة نفسممها‪ .‬وفممي البدايممة تطممل التجاهمات‬ ‫العمال الصممناعيين فحسممب‪ ،‬بمل أي ً‬
‫التريديونية برأسها أكثر من مرة في النقابات‪ ،‬وتحتها على المسمماومة مممع الدولممة السمموفياتية وعلممى‬
‫وضع الشروط وطلب الضمانات‪ .‬لكن كلما مضى الوقت‪ ،‬فهمت النقابات أنها الجهزة المنتجة للدولة‬
‫السوفياتية‪ .‬فتتعهد عندئذ بالتجاوب مع قدرها‪ ،‬ول تعارضه بل تندمج فيمه‪ .‬وتتكفمل التحمادات بتوطيمد‬
‫انضباط العمل‪ .‬وتطالب العمال بعمل كثير في أصعب الشروط‪ ،‬منتظممرة أن تتمموفر للدولممة العماليممة‬
‫الموارد الضرورية لتبديل هذه الشروط‪ .‬وتتعهد النقابات بممارسة القمع الثوري تجاه الل انضممباطيين‬
‫والعناصر المشاغبة والطفيلية من الطبقة العاملة‪ .‬إن النقابات‪ ،‬بتخليها عن السياسة التريديونية التي‬
‫هي ملزمة‪ ،‬إلى حد ما‪ ،‬للحركة المهنية في بلد رأسمالي‪ ،‬تنضم نهائًيا وكلًيا إلى سياسممة الشمميوعيين‬
‫الثوريين‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫السياسة المتبعة تجاه الفلحين‬
‫يشكونا كاوتسكي قائل ً إن البلشفة "كانوا يريدون أن يقهروا الفلحين الميسورين في الريمماف‬
‫بعدم منحهم الحقوق السياسية إل لفقر الفلحين‪ .‬ومع ذلك منحوها للوائل بعد فترة قصيرة"‪.‬‬

‫ويعدد كاوتسكي "التناقضمات" الخارجيمة فممي سياسممتنا تجماه الفلحيمن دون أن يطمرح مسمألة‬
‫اتجاهها الداخلي ومسألة التناقضات الملزمة لوضع البلد القتصادي والسياسي‪.‬‬

‫كانت الطبقة الفلحية الروسية‪ ،‬عند دخولها في المجتمع السوفياتي‪ ،‬تضم ثلث فئات‪ :‬الفقراء‬
‫الذين يعيش معظمهم من بيع قدرته علممى العمممل والمضممطرين إلممى شممراء ممما يسممدون بممه رمقهممم‪،‬‬
‫والمتوسطين الذين يكفون أنفسهم بأنفسمهم بفضمل نتماج أراضمميهم المذي يممبيعون منمه ممما زاد علمى‬
‫حاجتهم‪ ،‬والغنياء‪ ،‬الموسرين )الكولك بالروسية( الذين يشترون اليممد العاملممة ويممبيعون علممى أوسممع‬
‫نطاق نتاج استثماراتهم الزراعية‪ .‬ول حاجة بنا البتممة إلممى القممول أن هممذه الفئات ل تتميممز ل بعلمممات‬
‫خاصة ول بتجانسها في كل أرجاء البلد‪ .‬إل أن الفلحين الفقراء كممانوا بمجممموعهم‪ ،‬وبصممورة ل تقبممل‬
‫ضمما بصممورة ل‬
‫النقاش‪ ،‬الحليف الطبيعي لبروليتاريا المدن‪ ،‬في حين أن الفلحيممن الموسممرين كممانوا أي ً‬
‫تقبل النقاش أو التوفيق أعداءها‪ .‬وكانت أكبر الفئات الفلحية‪ ،‬الفئات المتوسطة‪ ،‬تتردد‪.‬‬

‫ولو لم تنهك البلد كما أنهكت‪ ،‬ولو كانت لممدى البروليتاريما إمكانيممة تقممديم السمملع ذات الهميمة‬
‫الولى إلى الجمماهير الفلحيمة‪ ،‬وإشمباع حاجاتهما الفكريمة‪ ،‬لكمان انمدماج الجمماهير الفلحيمة الكمبرى‬
‫بالنظام الجديد أكثر سهولة‪ .‬لكن تخريب البلد اقتصادًيا‪ ،‬هذا التخريب الذي لممم يكممن نتيجممة سياسممتنا‬
‫الزراعية والتموينية بل الناشممئ عممن أسممباب سممابقة‪ ،‬حممرم المممدن مممن كممل إمكانيممة لتممموين الريممف‬
‫بمنتجممات الصممناعة النسمميجية أو التعدينيممة وبغلل المسممتعمرات‪ ،‬إلممخ‪ .‬ولممم تكممن الصممناعة بالمقابممل‬
‫تستطيع الستغناء عن أخذ بعض المؤمن من الريف ولو بكمية ضئيلة للغاية‪ .‬وقممد طلبممت البروليتاريمما‬
‫ضمما تضمممنها الممثروات الممتي فممي طريقهمما لن تخلممق‪ .‬وكمانت العملممة‬
‫فا غذائيممة‪ ،‬قرو ً‬
‫من الفلحين سممل ً‬
‫الورقية‪ ،‬التي انخفضت قيمتها‪ ،‬تمثل هذه الثروات المستقبلة‪ .‬لكن الجماهير الفلحيممة عمماجزة تقريب ًمما‬
‫عن الرتفاع إلى مستوى وجهة النظر التاريخية‪ .‬ولم يكممن مممن النممادر أن ترفممض الجممماهير الفلحيممة‪،‬‬
‫المرتبطة بسلطة السوفييتات نتيجة تصفية الملك الكبار‪ ،‬والواجدة فيها ضمانة ضد عودة القيصممرية‪،‬‬
‫لم يكن من النادر أن ترفض مد هذه السلطة بالحبوب‪ ،‬طالما أن السوق غير مربحممة وطالممما أنهمما ل‬
‫تتلقى بالمقابل ل أنسجة ول مسامير ول بترو ً‬
‫ل‪.‬‬

‫وكانت سلطة السوفييتات تميل بالطبع إلى فرض كل ثقل ضريبة التموين على أغنياء الرياف‪.‬‬
‫لكن الفلحين الموسرين وذوي النفوذ‪ ،‬المعتادين على قيممادة الفلحيممن المتوسممطية كممان بمقممدورهم‬
‫بسهولة‪ ،‬من خلل العلقات الجتماعية غير المحددة الشكال فممي الريممف‪ ،‬أن يتحممايلوا ليلقمموا بأعبمماء‬
‫الضريبة على كاهل الجماهير الفلحية الواسعة دافعين بها بالتممالي إلممى معمماداة سمملطة السمموفييتات‪.‬‬
‫وكان ل بد من تنبيه الجماهير الفلحية وإيقاظ عدائها للموسرين‪ .‬وقد قامت لجان الفقر الفلحي بهذا‬
‫الدور‪ .‬وانتشرت في أوساط الذين سحقوا في الماضي‪ ،‬وأهملوا‪ ،‬ودفع بهممم إلممى المممؤخرة‪ ،‬وحرممموا‬
‫من كل حق‪ .‬ولقد كانت بينهم بل شك عناصر نصف طفيليممة‪ ،‬وهممذا ممما أتمماح فرصممة ممتممازة للدعايممة‬
‫الديماغوجية "للشتراكيين – نارودنيكي )‪ "(14‬الذين كانت خطاباتهم تجممد صممدى كلممه عرفممان بالجميممل‬
‫في قلوب الموسرين‪ .‬وإن مجرد إعادة السلطة في الرياف إلى طبقة الفلحين الفقراء كان ذا دللة‬
‫ثورية عميقة‪ .‬وكيما يوجه الحزب أنصاف البروليتاريين في الريف‪ ،‬أرسل إليهم عمال ً متقدمين أنجزوا‬
‫عمل ً ل يقدر بثمن‪ .‬وأصبحت لجان الفقر الفلحية كتائب هجوم حقيقية ضد الفلحين الموسرين‪ .‬وقممد‬
‫أرغمت هذه اللجان‪ ،‬المدعومة بالسلطة الحكومية‪ ،‬أرغمت الفئات المتوسطة مممن الطبقممة الفلحيممة‬
‫ضمما ديكتاتوريممة البروليتاريمما‬
‫على الختيار ل بيممن سمملطة السمموفييتات وسمملطة الملك فحسممب‪ ،‬بممل أي ً‬
‫والعناصر نصف البروليتارية في الريف وبين استبداد الغنياء‪ .‬وعن طريق سلسلة مممن الممدروس كممان‬
‫بعضممها شممديد القسمموة‪ ،‬اقتنممع الفلحممون المتوسممطون بممأن نظممام السمموفييتات الممذي طممرد الملك‬
‫والشرطة‪ ،‬يفرض على الفلحين بدورهم التزامات جديدة ويتطلب حصممتهم مممن التضممحيات‪ .‬إن هممذه‬
‫التجربة التربوية السياسية التي شملت عشرات المليين من الفلحين المتوسطين‪ ،‬لم تكن ل محببممة‬
‫ول مريحة‪ ،‬ولممم تعممط نتممائج فوريممة قاطعممة‪ .‬فقممد حممدثت تمممردات مممن جممانب الفلحيممن الميسممورين‬
‫‪ : ()14‬نارودونيكي‪ :‬معناها الحرفي الشعبيون‪ ،‬والشائع الشتراكيون الثوريون‪.‬‬
‫‪70‬‬
‫ممما تحمت قيممادة الملك الممبيض الكبممار‪ .‬ولقممد‬
‫)المتوسطين( المتحالفين مع الغنيمماء‪ ،‬كمانت تسممقط دو ً‬
‫ارتكب مفوضو السلطة المحليمة وبخاصمة لجمان الفقمر الفلحمي‪ ،‬ارتكبموا شميًئا ممن سموء اسمتعمال‬
‫السلطة‪ .‬لكن الهدف السياسي الساسي تم الوصممول إليممه‪ .‬وإذا لممم يكممن الفلحممون الموسممرون قممد‬
‫أبيدوا‪ ،‬إل أن نفوذهم قد زعزع بقوة وفقممدوا ثقتهممم بأنفسممهم‪ .‬واعتممادت فئة الفلحيممن المتوسممطين‪،‬‬
‫رغم أنها ظلت عديمة الشكل سياسًيا كمما همو شمأنها اقتصمادًيا‪ ،‬اعتمادت علمى اعتبمار ممثلهما عاممل‬
‫المدن المتقدم ل موسر القرية الكثير الصياح‪ .‬وحين تحققت هذه النتيجة الرئيسية‪ ،‬توجب على لجان‬
‫الفقر‪ ،‬بصفتها مؤسسة مؤقتة‪ ،‬أن تخلي المكان للسوفييتات التي فيها تمثيممل للفلحيممن المتوسممطين‬
‫والفقراء في آن واحد‪ .‬وهكذا تكون هذه الجان قد لعبت دور أزميل حاد في قلب الكتلة الفلحية‪.‬‬

‫لقد عاشت لجان الفقر الفلحي قرابة ستة أشممهر‪ ،‬مممن حزيممران إلممى كممانون الول ‪ .1918‬ول‬
‫يرى كاوتسكي سواء أفي إنشائها أم في إلغائها إل "ترددات" مممن جممانب سياسممة السمموفييتات‪ .‬لكنممه‬
‫يعزف عن أي إشارة لي وسيلة عملية‪ .‬وعلى كل‪ ،‬من أين سيأتي بها؟ إن التجربة التي نقوم بها في‬
‫هذا المجال ل سابق لها‪ ،‬والمشكلت التي تحلها عملي ًمما سمملطة السمموفييتات ليممس لهمما مممن حممل فممي‬
‫الكتب‪ .‬وحينما يعتقد كاوتسكي أنه يفضح تناقضات سياسية‪ ،‬ل تكون المسممألة فمي الواقمع إل مسمألة‬
‫مناورات نشيطة تقوم بها البروليتاريا في صفوف الجماهير الفلحيممة غيممر المتبلممورة والممتي ممما تممزال‬
‫قابلة للتأثر‪ .‬فقائد المركب الشراعي مضطر إلى مناورة الريح ول يفكر أحممد فممي أن يممرى تناقضممات‬
‫في المناورات التي تقوده إلى الهدف‪.‬‬

‫دا ل بأس به من‬ ‫ونستطيع أن نسجل‪ ،‬في مسألة الكومونات الزراعية والمزارع السوفياتية‪ ،‬عد ً‬
‫"التناقضات" التي تدل على أخطاء معزولممة وعلممى مراحممل الثممورة فممي آن واحممد‪ .‬فممما هممي مسمماحة‬
‫الراضي التي ستحتفظ بها الدولة السوفياتية في أوكرانيا ومما هممي المسماحات الممتي ستسملمها إلمى‬
‫الفلحين؟ وما التوجيه الذي ستعطيه للكومونات الزراعية؟ وإلممى أي مممدى سممتدعمها حممتى ل تشممجع‬
‫الطفيلية؟ وكيف ستؤمن الرقابة عليها؟ هذه هي بعض السئلة الجديدة التي طرحها البناء القتصممادي‬
‫الشتراكي‪ ،‬والتي ليس لها من حل مسبق ل في النظرية ول في التطبيق‪ ،‬والممتي يتمموجب علممى خممط‬
‫السير النظري‪ ،‬المرسوم من قبل المنهاج‪ ،‬أن يجد في حلها تطبيقه العملي وتحقيقه التجريممبي علممى‬
‫حساب انحرافات محتمة ومؤقتة إما إلى اليمين وإما إلى اليسار‪.‬‬

‫دا من الطبقة الفلحية‪ ،‬فهذا مأخذ يأخذه كاوتسكي‬ ‫أما كون البروليتاريا الروسية قد وجدت تأيي ً‬
‫علينا لنه "يدخل على النظمام السموفياتي عنصمًرا رجعًيما نجمت منمه )!( كوميونمة بماريس باعتبمار أن‬
‫دكتاتوريتها لم تكن تقوم على السوفييتات الفلحية"‪.‬‬

‫فلكممأن بمقممدورنا أن نربممح إرث النظممام القطمماعي البورجمموازي باسممتبعادنا بإرادتنمما "العنصممر‬
‫القتصادي الرجعي"! والحال أن هممذا ليممس كممل شمميء‪ .‬فالطبقممة الفلحيممة‪ ،‬بعممد أن سممممت سمملطة‬
‫السوفييتات بعنصر رجعي‪ ،‬حرمتنا من تأييدها‪ .‬إنها "تتقزز" اليوم من البلشفة‪ .‬وكاوتسكي يعلم ذلممك‬
‫من مصدر موثوق‪ ،‬من إذاعات كليمانصو وثرثرات المنشفيك‪.‬‬

‫والواقع أن الجممماهير الفلحيممة الواسمعة تشمكو مممن نقممص المنتجمات المصمنوعة ذات الهميممة‬
‫ضا أن سائر النظمة الخممرى بل اسممتثناء – ولقممد شممهدت روسمميا أو بعممض‬ ‫الحيوية‪ .‬لكن من المؤكد أي ً‬
‫دا كبيًرا منها خلل العوام الثلثة الخيرة‪ .‬أثقلت كاهممل الفلحيممن أكممثر مممن نظامنمما بممما ل‬ ‫أجزائها عد ً‬
‫يقاس‪ .‬فل الحكومة الملكية ول الحكومة الديمقراطية استطاعتا أن تزيدا من مخزون البضائع‪ .‬وكانت‬
‫كلتاهما بحاجة إلى القمح والخيول التي يملكها الفلحممون‪ .‬وكممانت الحكومممات البورجوازيممة‪ ،‬بممما فيهمما‬
‫ما مممن النظممام‬ ‫صمما أقممل انسممجا ً‬
‫حكومات الكاوتسكيين – المنشفيك‪ ،‬تسممتخدم جهمماًزا بيروقراطي ًمما خال ً‬
‫السوفياتي – المؤلف من العمال والفلحين – بما ل يقاس مع حاجات القتصاد الريفي‪ .‬وبالنتيجة تبين‬
‫للفلح المتوسط‪ ،‬رغم تممردده واسممتيائه وحممتى تمممرده‪ ،‬أنممه مهممما تكممن الصممعوبات فممي ظممل النظممام‬
‫البولشفي‪ ،‬فإن الحياة ستكون أقسممى بكممثير فممي ظمل أي نظممام آخممر‪ .‬وصممحيح أن كوميونممة بمماريس‬
‫"تجنبت" معونة الرياف‪ .‬لكن جيش تيير الفلحي لم يوفر بالمقابل الكوميونمة! فمي حيمن أن جيشممنا‪،‬‬
‫المكون في أربعة أخماسه من الفلحين‪ ،‬يقاتممل بحماسممة – ويحقممق النتصممارات مممن أجممل جمهوريممة‬
‫السوفييتات‪ .‬وهذه الواقعة التي تكذب وحدها كاوتسكي وملهميه‪ ،‬تعطي أفضل تقييم للسياسة الممتي‬
‫تتبعها سلطة السوفييتات تجاه الفلحين‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫سلطة السوفييتات والختصاصيون‬
‫يروي كاوتسممكي‪" :‬لقممد اعتقممد البلشممفة فممي البدايممة أن بمقممدورهم السممتغناء عممن المثقفيممن‬
‫والختصاصيين" )ص ‪ .(128‬ولما اقتنعوا فيما بعد بضممرورة مسمماهمة المثقفيممن‪ ،‬كفمموا عممن انتقممامهم‬
‫القاسي وبدؤوا بدعوة المثقفين إلى العمل بكل الوسائل‪ ،‬وبخاصة عن طريق الجور العاليممة‪ .‬ويقممول‬
‫كاوتسكي ساخًرا‪" :‬وهكذا فإن خير طريقة لمدعوة المثقفيممن إلمى العمممل هممي إسماءة معمماملتهم أول ً‬
‫ما‪ .‬وبالذن من جميع المحدودي الفكر‪ ،‬فإن ديكتاتورية البروليتاريا تبدأ على‬ ‫بفظاظة" )ص ‪ .(129‬تما ً‬
‫وجه التحديد "بإساءة معاملة" الطبقات السائدة في الماضي لترغمها على العتراف بالنظام الجديممد‬
‫والذعان له‪ .‬ولما كان المثقفون المهنيون قد ترعرعوا على فكممرة البورجوازيممة الفائقممة القمموة‪ ،‬فقممد‬
‫ظلوا مدة طويلة ل يؤمنون‪ ،‬ول يسممتطيعون أن يؤمنمموا‪ ،‬ول يريممدون أن يؤمنمموا بممأن الطبقممة العاملممة‬
‫ضمما‪ ،‬وبممأن ديكتاتوريممة‬
‫قممادرة ومصممممة علممى إدارة البلد‪ ،‬وبأنهمما لممم تضممع يممدها علممى السمملطة عر ً‬
‫البروليتاريا حقيقة واقعة‪ .‬لقد كان المثقفون البورجوازيون ينظرون باستخفاف كممبير إلممى التزاممماتهم‬
‫تجاه الدولة العمالية حتى عندما يدخلون في خممدمتها‪ ،‬ويعتقممدون أن مممن البسمماطة بمكممان فممي ظممل‬
‫النظام البروليتاري أن يسلموا المبرياليين الجانب أو الحممرس البيممض السممرار العسممكرية والممموارد‬
‫المادية‪ ،‬أو أن يتلقوا مساعدات مالية من ولسممون أو كليمانصممو أو ميربمماخ لتمويممل الدعايممة المنمماوئة‬
‫للسوفييتات‪ .‬وكان ل بد للبروليتاريا أن تبين لهم بالوقائع – وبحممزم – أنهمما لممم تسممتول علممى السمملطة‬
‫لتسمح بمثل هذا المزاح المشكوك في هدفه على حسابها‪.‬‬

‫إن صاحبنا المثالي البورجوازي الصغير يرى في تدابيرنا المتخذة تجاه المثقفين "نتائج سياسممة‬
‫تهدف إلى إرغام المثقفين علممى النتممماء ل بالقنمماع بممل بممالكلم اللذع‪) "...‬ص ‪ .(129‬إن كاوتسممكي‬
‫يتصور إذن بصورة جدية أنه من الممكن دفممع المثقفيممن إلممى المسمماهمة فممي البنمماء الشممتراكي عممن‬
‫طريق القناع وحده‪ ،‬وهذا بينما ما تزال تسيطر على كل البلدان الخممرى بورجوازيممة ل تممتراجع أمممام‬
‫استخدام أي وسيلة لتخفيف أو ترشممو أو تغممري المثقفيممن الممروس كممي تجعممل منهممم أدوات اسممتعباد‬
‫روسيا واستعمارها‪.‬‬

‫وبدل ً من أن يحلل كاوتسكي مراحل الصراع‪ ،‬يقدم وصفات مدرسية بصدد المثقفين‪ .‬إنه لمممن‬
‫الخطأ كلًيا العتقاد بأن حزبنا قد حاول الستغناء عن المثقفين لنه لم يدرك دورهم في عملية إعممادة‬
‫التنظيم القتصادي والثقافي التي علينمما أن نقمموم بهمما‪ .‬علممى العكممس فبينممما كممان النضممال مممن أجممل‬
‫الستيلء على السلطة وتوطيدها يبلغ أقصى درجات الحدة‪ ،‬وبينما كانت غالبيممة المثقفيممن تلعممب دور‬
‫كتيبة هجوم تحت قيادة البورجوازية‪ ،‬وتحاربنا علن ًمما أو تخممرب مؤسسمماتنا‪ ،‬كممانت سمملطة السمموفييتات‬
‫تحارب بل شفقة "الختصاصيين" لنها كانت تدرك قيمتهم التنظيمية الكبيرة ما داممموا يكتفممون بتأديممة‬
‫المهممام الممتي تعهممد بهمما إليهممم إحممدى الطبقممات الساسممية ول يرمممون إلممى أن تكممون لهممم سياسممتهم‬
‫"الديمقراطية" الشخصية‪ .‬ولم تتح لنا إمكانيممة دعمموة الختصاصمميين إلممى العمممل إل بعممد أن تحطمممت‬
‫ل‪ .‬إذن كممانت‬ ‫مقاومة المثقفين على إثر صراع ضار‪ .‬وسرعان ما قمنا بهذه الدعوة‪ .‬ولم يكن ذلك سه ً‬
‫العلقات القائمة في المجتمع الرأسمالي بين العامل ومدير المصممنع‪ ،‬بيممن المسممتخدم والمممدير‪ ،‬بيممن‬
‫الجندي والضباط‪ ،‬قد خلفممت ريبممة طبقيممة عميقممة تجمماه الختصاصمميين‪ ،‬وهممي ريبممة قممد ازدادت خلل‬
‫المرحلة الولى من الحمرب الهليمة‪ .‬وكمان همؤلء المثقفمون قمد اسمتماتوا فمي محاولمة قتمل الثمورة‬
‫العمالية بالجوع والبرد‪ ،‬ومهما كلفهم الثمن‪ .‬وكان ل بد من تهدئة حقد الشغيلة‪ ،‬والنتقال من الصراع‬
‫المحموم إلى التعاون السلمي‪ ،‬ولم يكن ذلك سهل ً فقد كان على الجممماهير العماليممة أن تتعممود علممى‬
‫أن ترى في المهنممدس المممدني والزراعممي والضممباط‪ ،‬ل مسممتغل المممس‪ ،‬بممل متعمماون اليمموم النممافع‪،‬‬
‫قا كمم يخطمئ‬ ‫الختصاصممي الضمروري الموضمموع تحمت تصممرف سملطة السموفييتات‪ .‬ولقمد بينمما سماب ً‬
‫كاوتسكي حين ينسب إلى سلطة السوفييتات نية متمذهبة في استبدال الختصاصيين بالبروليتمماريين‪.‬‬
‫ما أن يتجلى لدى جماهير البروليتاريا الواسعة‪ .‬إن طبقة فتيممة أثبتممت‬ ‫لكن مثل هذا الميل كان ل بد حت ً‬
‫لنفسها قدرتها على التغلب على أكبر العقبات‪ ،‬وقضت على هالة السحر الصرفي التي كممانت تحمممي‬
‫سيادة الذين يملكون‪ ،‬واقتنعت بأن "الفنون النسانية ليست من صنع اللهة"‪ ،‬إن طبقممة ثوريممة كهممذه‬
‫الطبقة تميل بالضرورة – أو على القل عناصرها القل تطوًرا – إلى المبالغة في تقدير قممدرتها علممى‬
‫حل جميع المسائل بدون اللجوء إلى مساعدة الختصاصيين البورجوازيين المثقفين‪.‬‬

‫وفي كل مرة تجلت فيها هذه الميول وإن بصورة غامضة‪ ،‬حاربناها منذ اليوم الول‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫لقممد قلنمما فممي مممؤتمر موسممكو المممديني فممي ‪ 28‬آذار ‪" :1918‬الن وقممد توطممدت سمملطة‬
‫السوفييتات‪ ،‬فإن النضال ضد التخريب يجب أن يتجممه إلممى تحويممل مخربممي المممس إلممى خممدام‪ ،‬إلممى‬
‫وكلء‪ ،‬إلى مديرين تكنيكيين أينما كان النظام الجديد بحاجة إلى ذلك‪ .‬وإذا لم ننجح في ذلك‪ ،‬وإذا لممم‬
‫نجذب إلينا كل القوى الضرورية لنا‪ ،‬وإذا لم نضعها في خدمة السمموفييتات فممإن نضممالنا بممالمس ضممد‬
‫التخريب العسكري والثوري سيكون قد فشل وثبت عقمه ول جدواه"‪.‬‬

‫"إن هؤلء التكنيكييمن‪ ،‬همؤلء المهندسمين‪ ،‬همؤلء الطبماء‪ ،‬همؤلء المدرسمين‪ ،‬وضمباط الممس‬
‫أولئك‪ ،‬يشتملون‪ ،‬كاللت الجامدة على جزء من رأسمالنا القومي‪ ،‬علينمما أن نسممتثمره ونسممتفيد منممه‬
‫إذا كنا نريد أن نحل بصورة عامة المشكلت الساسية المطروحة علينا‪.‬‬

‫"إن الدمرقطة – وهي ألف باء البجدية بالنسبة إلممى كممل ماركسممي ل تقمموم علممى نفممي قيمممة‬
‫ما بمعاهد )مكاتب( منتخبة‪.‬‬ ‫الكفاءات وقيمة الشخاص المالكين لمعارف خاصة‪ ،‬وعلى استبدالهم دو ً‬

‫"إن المكاتب المنتخبة‪ ،‬المكونة من خيمر عناصممر الطبقممة العاملممة لكمن المتي ل تملممك معمارف‬
‫تكنيكية‪ ،‬ل تستطيع أن تحل محل التكنيكي المتخرج من المدارس الخاصة والقادر على القيممام بعمممل‬
‫خاص‪ .‬إن نشر نظام المكاتب المنتخبة الذي نطبقه في كل الميادين‪ ،‬هو رد الفعممل الطممبيعي لطبقممة‬
‫فتية‪ ،‬ثورية‪ ،‬كانت بالمس مضطهدة‪ ،‬ترفض السمملطة الشخصممية لسممادتها بممالمس‪ ،‬ولربمماب العمممل‬
‫ممما‬
‫والمدراء‪ ،‬وتستبدلهم في كل مكان بممثليها المنتخبين‪ .‬أقول أن هممذا رد فعممل ثمموري وطممبيعي تما ً‬
‫وسليم في منشأة‪ .‬لكنه ليس الكلمة الخيرة في البناء القتصادي للدولة البروليتارية‪.‬‬

‫"إن سيرنا اللحق يتطلب من المكاتب المنتخبة أن تحممد نفسمها بنفسمها‪ .‬يتطلمب مممن الطبقممة‬
‫العاملة أن تقوم بعملية تضيق ذاتي وسليم ومفيد لسلطاتها‪ ،‬تمكنها من تقرير الحالت التي يجممب أن‬
‫تعود فيها الكلمة الخيرة إلى ممثل العمال المنتخب‪ ،‬والحممالت الممتي ينبغممي فيهمما أن يفسممح المجممال‬
‫للختصاصي‪ ،‬للتكنيكي المسلح بمعارف خاصة‪ ،‬والقابل لن يتحمل مسؤولية كبيرة‪ ،‬لكممن الممذي ل بممد‬
‫فممي المموقت نفسممه أن يخضممع‪ ،‬علممى الصممعيد السياسممي‪ ،‬لرقابممة مشممددة‪ .‬إل أنممه ل بممد أن تممترك‬
‫للختصاصيين حرية العمل والنشاط الخلق‪ ،‬ذلك أنه ما من تكنيكي مهما كان قليل الموهبة‪ ،‬يسممتطيع‬
‫أن يعمل في مجال اختصاصه إذا كان تابًعا لمكتب مكون من أشخاص معدومي الكفاءة‪.‬‬

‫"إن الذين يخشون هذه الضرورة يدللون على ريبة ل شعورية عميقة تجاه النظام السمموفياتي‪.‬‬
‫والذين يتصورون أننا‪ ،‬بعهدنا بالمناصب الفنية إلى مخربي المممس‪ ،‬نعممرض للخطممر مقومممات النظممام‬
‫بالذات‪ ،‬ينسون إن ما من مهندس وما من جنرال يستطيع أن يطوح بالنظام السمموفياتي غيممر القابممل‬
‫للزعزعة اقتصادًيا وسياسًيا – هذا النظممام الممذي ل يمكممن أن يتعممثر إل إذا عجممز مممن نفسممه عممن حممل‬
‫مشكلت التنظيم الخلق‪.‬‬

‫"إن من الضروري لنظامنا أن يستخلص من المؤسسات القديمة كل ما هممو حممي وثميممن فيهمما‪،‬‬
‫وأن يستخدم كل شيء من أجل البناء الجديد‪.‬‬

‫"وإذا لم نفعل ذلك‪ .‬أيها الرفاق‪ ،‬فإننا لن نكون قد قمنا بمهامنا الساسية‪ ،‬لنممه يسممتحيل علينمما‬
‫أن نرفض كل القوى المتراكمة في الماضي وأن نجد في وسطنا جميع الختصاصيين الضروريين‪.‬‬

‫"وبكلمة واحدة‪ ،‬هذا يعني أننا نستنكف عن الستفادة من جميع اللت التي ساهمت حتى الن‬
‫في استغلل الشغيلة‪ ،‬وأن هذا لجنون‪ .‬إن تشغيل الختصاصيين الكفاء ل يقل ضرورة بالنسبة لنا عن‬
‫استملك جميع وسائل النتاج والنقل‪ ،‬وبصورة عامة جميع ثروات البلد‪ .‬إن علينا – وبدون تأخير – أن‬
‫نجند التكنيكيين الختصاصيين وأن نخضعهم عملًيا للتزام العمل‪ ،‬مقدمين لهم في الوقت نفسه مجال ً‬
‫واسًعا للنشاط وفارضين عليهم الرقابة السياسية )‪."(15‬‬

‫‪" : ()15‬العمل والنضباط والنظام سننقذ جمهورية السوفييتات الشتراكية"‪ .‬موسكو ‪ .1918‬إن كاوتسكي‬
‫يعرف هذا المنشور الذي يستشهد به مراًرا عديدة إل أن هذا ل يمنعه من إغفال المقاطع التي ذكرناها‬
‫والتي توضح موقف سلطة السوفييتات تجاه المثقفين‪.‬‬
‫‪73‬‬
‫لقد انطرحت مسألة الختصاصيين‪ ،‬منذ البداية بصممورة بالغممة الحممدة فممي الميممدان العسممكري‪.‬‬
‫وإنما في هذا الميدان حلت في البداية تحت ضغط ضرورة آسرة‪.‬‬

‫إن أشكال التنظيم الضرورية لدارة الصناعة ووسائط النقل‪ ،‬لم تكتمممل بعممد نهائي ًمما إلممى يومنمما‬
‫هذا‪ .‬والسبب في ذلك يرجع إلى أننا أرغمنمما فممي العمامين الوليممن‪ ،‬علممى التضممحية بمصممالح الصممناعة‬
‫والنقل لحساب الدفاع العسكري‪ .‬وأن مجرى الحرب الهلية المتقلب كان من جهة أخرى‪ ،‬عليه أممام‬
‫علقات طبيعية بين الختصاصيين والسلطة السمموفياتية‪ .‬فلقممد انضممم التكنيكيممون الختصاصمميون فممي‬
‫الصناعة والنقل والطباء والمدرسون والساتذة إلى جيوش دينيكين وكولتشاك المتقهقرة‪ ،‬أو اقتيدوا‬
‫بالقوة‪ .‬ولم يتصالح المثقفون بمجممموعهم مممع السمملطة السمموفياتية أو لممم يخضممعوا أمامهمما إل اليمموم‬
‫والحرب الهلية تقارب نهايتها‪ .‬وتأتي المشكلت القتصادية في الطليعة‪ .‬والتنظيم العلمي للنتاج مممن‬
‫أهم هذه المشكلت‪ .‬وأن مجال ً واسًعا للنشمماط ينفتممح أمممام الختصاصمميين‪ .‬والدارة العامممة للصممناعة‬
‫تتركز بين يدي الحزب البروليتاري‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫السياسة الدولية للسلطة السوفياتية‬
‫يممرى كاوتسممكي أن "البلشممفة قممد أمكنهممم جمممع القمموى الضممرورية للسممتيلء علممى السمملطة‬
‫السياسية‪ ،‬لنهم يشكلون الحزب الروسي الوحيد الذي طالب بإصرار أشد من سائر الحزاب الخرى‬
‫بعقد معاهدة للصمملح‪ ،‬بممأي ثمممن‪ ،‬صمملح منفممرد‪ ،‬دون أن يهتممم بآثممار مثممل هممذا العمممل علممى الموقممف‬
‫السياسي الدولي‪ ،‬ودون أن يفكر بالمساعدة التي يقدمها عن هذا الطريق لمشمماريع الحكممم الملكممي‬
‫اللماني في السيطرة العالمية‪ ،‬هذا الحكم الذي سيستفيدون من حمايته مدة ل بأس بها مممن الزمممن‬
‫كما استفاد المتمردون الهنود أو الرلنديون أو الفوضويون اليطاليون" )ص ‪.(42‬‬

‫إن كاوتسكي ل يعرف إذن من أسممباب انتصممارنا إل شمميًئا واحم ً‬


‫دا‪ :‬طموحنمما إلممى السمملم‪ .‬إنممه ل‬
‫يشرح البتة صلبة النظام السوفياتي عندما أعاد تجنيد جزء كبير من الجيمش الممبراطوري ليمدفع بمه‬
‫بانتصار‪ ،‬طوال عامين‪ ،‬أعداءه السياسيين‪.‬‬

‫ول ريب في أن شعار "السلم" لعب دوًرا كبيًرا في نضالنا‪ ،‬لكن علممى وجممه التحديممد لنممه رفممع‬
‫ضد الحرب المبريالية‪ .‬لم يكن الجنود المتعبون هم أشد النماس حماسممة لممه بممل العمممال المتقممدمون‬
‫الذي لم يكن السلم يعني في نظرهممم الراحممة بممل نضممال ً ل همموادة فيممه ضممد المسممتغلين‪ .‬وأن هممؤلء‬
‫العمال هم الذين وهبوا حياتهم فيما بعد على الجبهات السوفياتية باسم السلم‪.‬‬

‫إن القول بأننا كنا نطلب السلم دون أن نهتم بما سيكون له من تأثير علممى الموقممف الممدولي‪،‬‬
‫إنما هي فرية كان يرددها الكاديت والمنشفيك منمذ زممن طويمل‪ .‬إن التموازي المذي يقمام بيننما وبيمن‬
‫القوميين اليرلنديين والهنود المناصرين للمانيا يستند إلى كون المبريالية اللمانية قد حاولت بالفعل‬
‫ضا على‬ ‫أن تستخدمنا كما استخدمت الهنود واليرلنديين‪ .‬لكن الشوفينيين الفرنسيين قد عملوا هم أي ً‬
‫استخدام لييبكنيشت وروزا لوكسمبرغ وحتى كاوتسكي وبرنشتاين لمصلحتهم الخاصممة‪ .‬والمهممم قبممل‬
‫كل شيء أن نعرف إذا كنا قد سمحنا لهم باستخدامنا‪ .‬فهل وجد العمال الوروبيون في خممط سمملوكنا‬
‫أي سبب ليربطونا بقضية المبريالية اللمانية؟ يكفي أن نذكر سممير مفاوضممات بريسممت – ليتوفسممك‪،‬‬
‫وانقطاعها المفاجئ‪ ،‬والهجوم اللماني في ‪ 18‬شباط ‪ ،1918‬لنكشف عن وقاحممة اتهممام كاوتسممكي‪.‬‬
‫دا‪ .‬فلقممد تابعنمما الحممرب‬
‫ممما واحم ً‬
‫والحق أنه لم يقم الصلح بيننا وبين المبرياليين اللمان‪ ،‬لم يقم ول يو ً‬
‫في جبهات أوكرانيا والقفقاس‪ ،‬بقدر ما كانت تسمح لنا قواتنا الضممئيلة‪ ،‬دون أن نعلنهمما صممريحة‪ .‬لقممد‬
‫كنا أضعف من أن نستطيع القيام بها على طول الجبهة الروسية – اللمانية‪ ،‬ولقد حافظنا علممى وهممم‬
‫السلم لفترة من الزمن‪ ،‬مستفيدين من رحيل معظم القوات اللمانية إلى الجبهة الغربية‪ .‬وإذا كانت‬
‫المبريالية اللمانية قد وجدت نفسها قوية بما فيه الكفاية عممام ‪ 1917‬و ‪ ،1918‬لتفممرض علينمما صمملح‬
‫بريست – ليتوفسك‪ ،‬بالرغم من كل الجهود التي بذلناها لنتحرر من هذه النشوطة‪ ،‬فإننا نممدين بممذلك‬
‫بشممكل رئيسممي للموقممف المخممزي الممذي وقفممة الشممتراكيون‪ .‬الممديموقراطيون اللمممان الممذين كممان‬
‫كاوتسكي أجمل ديكتهم‪ .‬لقد سويت مسألة صلح بريست – ليتوفسممك فممي ‪ 4‬آب ‪ .1914‬وفممي ذلممك‬
‫الوقت‪ ،‬وبدل ً من أن يعلن كاوتسكي على المبريالية اللمان الحرب التي طلبها فيما بعد من السلطة‬
‫السوفياتية التي كانت ما تممزال عمماجزة مممن وجهممة النظممر العسممكرية عممام ‪ ،1918‬اقممترح كاوتسممكي‬
‫كا اقتضى شهوًرا حتى يتضح ويتبين‬ ‫التصويت على اعتمادات الحرب "في شروط معينة"‪ ،‬وسلك سلو ً‬
‫ما إذا كان مع الحرب أو ضدها‪ .‬وأن هذا السياسي الرعديد الذي تخلى في اللحظة الحاسمة عن كممل‬
‫مواقف الشتراكية الساسية‪ ،‬يجرؤ على اتهامنا بأننا أرغمنا‪ ،‬في فترة معينممة‪ ،‬علممى الممتراجع – تراجممع‬
‫مادي خالص – ولماذا؟ لن الشتراكيين – الديموقراطيين اللمان‪ ،‬الذين أفسممدتهم الكاوتسممكية الممتي‬
‫تمثل الخور السياسي المستتر نظرًيا‪ ،‬قد خانونا‪.‬‬

‫لم نكن إذن لنبالي بالموقف الدولي! لكن فيما يتعلق بهذا الموقف‪ ،‬فإننما نملمك معيماًرا أعممق‬
‫دا‪ .‬إن الجيش الروسي لم يعد له وجود‪ ،‬كقوة عسكرية فعالممة‪،‬‬ ‫من معايير الخرين‪ ،‬معياًرا ل يخوننا أب ً‬
‫ما‪ .‬ولو لم تندلع ثورة شباط‪ ،‬لكممان النظممام‬
‫منذ أيام ما قبل ثورة آذار‪ .‬وكان تفسخه النهائي أمًرا محت ً‬
‫القيصري ساوم الحكم الملكي اللماني‪ .‬لكن ثورة شباط‪ ،‬التي أجهضت هذه المسمماومة‪ ،‬علممى وجممه‬
‫التحديد لنها كانت ثورة حقيقية‪ ،‬أطاحت نهائًيا بالجيش القائم على المبدأ الملكي‪ .‬كممان هممذا الجيممش‬
‫سيتفتت كالتراب‪ ،‬إن قبل شهر وأن بعد شهر‪ .‬ولقد كانت سياسممة كاوتسممكي سياسممة النعامممة‪ .‬كممان‬
‫يغمض عينيه عن تفسخ الجيش‪ ،‬ويطلق عبارات رنانة‪ ،‬ويهدد بفصاحته وحدها المبريالية اللمانية‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫وفي مثل هذه الشروط‪ ،‬لم يكن أمامنا إل مخرج واحد‪ :‬إعلن ضرورة السلم الذي أصبح نتيجة‬
‫حتمية لعجز الثورة العسكرية‪ ،‬وتحويل هذا الشعار إلممى وسمميلة للتممأثير الثمموري علممى شممعوب أوروبمما‬
‫قاطبة‪ ،‬بدل ً من أن ننتظر سلبًيا مع كيرنسكي الكارثة العسكرية النهائية التي لو وقعت لممدفنت تحممت‬
‫أنقاضها ثورتنمما‪ ،‬والتسمملح بشممعار السمملم‪ ،‬واجتممذاب البروليتاريمما الوروبيممة‪ ،‬وبالدرجممة الولممى العمممال‬
‫النمساويين – اللمان‪ .‬وإنما بهممذه الممروح تابعنمما مفاوضممات السمملم وحررنمما مممذكراتنا إلممى حكومممات‬
‫"التفاهم"‪ .‬ولقد تباطأنا ما أمكننا في مفاوضات الصمملح حممتى نتيممح لجممماهير أوروبمما العماليممة المموقت‬
‫لتفهم بدقة ووضوح ما هي السلطة السوفياتية وما هي سياستها‪ .‬ولقد أثبت لنا إضراب كانون الثمماني‬
‫‪ 1918‬في ألمانيا والنمسا‪ ،‬إننمما لممم نضمميع تعبنمما‪ .‬فلقممد كممان هممذا الضممراب أول تمهيممد جممدي للثممورة‬
‫اللمانية‪ .‬ولقد فهم المبرياليون اللمان أننا خطر عليهم مميت‪ .‬وكتاب لودندورف شمماهد علممى أمممور‬
‫كثيرة‪ .‬وصحيح أن المبرياليين اللمان ما عادوا يغامرون بحملت صليبية مكشوفة ضدنا‪ ،‬لكنهم كممانوا‬
‫ل يحجمون‪ ،‬حيثما يمكن لهم أن يشنوا علينا حرًبا سرية بخممداعهم عمممالهم بمسمماعدة الشممتراكيين –‬
‫الديموقراطيين اللمان‪ ،‬عن فعل ذلك‪ :‬فممي أوكرانيمما‪ ،‬وعلممى ضممفاف الممدون‪ ،‬وفممي القفقمماس‪ .‬وفممي‬
‫روسيا الوسطى‪ ،‬في موسكو‪ ،‬اتخذ الكونت ميرباخ مكانه‪ ،‬منذ وصوله إلى العاصمممة الروسممية‪ ،‬علممى‬
‫ما كما كان الرفيممق أيمموفي‬ ‫رأس كل المؤامرات المناوئة للثورة الموجهة ضد السلطة السوفياتية‪ ،‬تما ً‬
‫يعقد في برلين أواصر صلة وثيقة بالثورة اللمانية‪ .‬وكان اليسار القصى في الثممورة اللمانيممة‪ ،‬حممزب‬
‫كارل لييبكنيشت وروزا لوكسمبرغ‪ ،‬يسير جنًبا إلممى جنممب معنمما‪ .‬ولقممد اتخممذت الثممورة اللمانيممة‪ ،‬منممذ‬
‫البداية‪ ،‬الشكل السوفياتي‪ ،‬ولم تشك البروليتاريا باللمانية‪ ،‬رغممم صمملح بريسممت – ليتوفسممك‪ ،‬لحظممة‬
‫واحدة في أننا مع لييبشكنيشت ل مممع لودنممدورف‪ .‬ولقممد ذكممر هممذا الخيممر‪ ،‬وهممو يممدلي بشممهادته فممي‬
‫تشرين الثاني ‪ 1919‬أمام لجنة الرايخستاغ‪ ،‬كيف أن "القيممادة العليمما طلبممت إنشمماء مؤسسممة هممدفها‬
‫كشف الروابط القائمة بين الميول الثورية الروسية واللمانية‪ .‬وبعد وصول أيوفي إلى برلين‪ ،‬أنشممئت‬
‫قنصليات روسية في العديد من المدن اللمانية‪ .‬ولقد كانت لهذه الواقعة نتائج مؤسممفة بالنسممبة إلممى‬
‫الجيش والسطول"‪ .‬أما كاوتسكي فإنه يجد الشجاعة الحزينة ليكتب‪" :‬إذا كممانت المممور قممد وصمملت‬
‫إلى حدود الثورة في ألمانيا‪ ،‬فهذه في الحقيقة ليست غلطتهم )البلشفة(" )ص ‪.(111 – 110‬‬

‫وحتى لو أتيحت لنا المكانية في عام ‪ 1917‬و ‪ 1918‬لنبقى‪ ،‬بواسممطة اسممتنكاف ثمموري‪ ،‬علممى‬
‫الجيش القيصري القديم‪ ،‬بدل ً من أن نعجمل بتمدميره‪ ،‬لكنمما بكمل بسمماطة قمد أدينما خدمممة "للتفماهم"‬
‫بمساعدته على تخريب ونهب ألمانيا والنمسا وسائر بلدان العالم‪ .‬ولو اتبعنا مثل هذه السياسممة‪ ،‬لكنما‬
‫ما من السلح شأن ألمانيا في الساعة الراهنة‪ ،‬فممي‬ ‫وجدنا أنفسنا‪ ،‬في اللحظة الحاسمة‪ ،‬مجردين تما ً‬
‫حين أن بلدنا هو في هذا الوقت‪ ،‬وبفضل ثورة تشرين الول وصلح بريست – ليتوفسك‪ ،‬البلد الوحيممد‬
‫الذي يقف في وجه الحلفاء والبندقية في يده‪ .‬إن سياستنا الدوليممة لممم تمنممع همموهنزولرن مممن احتلل‬
‫ضا على العكس مساهمة كبيرة فممي سممقوطه بفضممل‬ ‫مركز عالمي مهيمن فحسب‪ ،‬بل لقد ساهمنا أي ً‬
‫انقلبنا في تشرين الول‪ .‬ولقد كفلنا لنفسنا في الوقت نفسه فترة من الراحة العسكرية مكنتنا مممن‬
‫إنشاء جيش قوي كبير العدد‪ ،‬الجيش البروليتاري الول في تاريخ العالم‪ ،‬جيش ل تسممتطيع أن تتغلممب‬
‫عليه كلب "التفاهم" الليفة‪.‬‬

‫لقد اجتزنا أحرج فممترة مممن فممترات موقفنمما الممدولي فممي خريممف ‪ ،1918‬بعممد تقهقممر الجيمموش‬
‫اللمانية‪ .‬فبدل ً من أن نواجه معسكرين قويين يجمد كل منهما الخر إلممى حممد ممما‪ ،‬واجهنمما "التفمماهم"‬
‫المنتصر‪ ،‬في أوج قوته العالمية‪ ،‬وألمانيا المسحوقة التي كان رعاع العسكريين فيها سيرحبون أعظم‬
‫الترحاب بالقفز على رقبة البروليتاريا الروسية مقابل عظمة يلقي بها إليهممم مطبممخ كليمانصممو‪ .‬ولقممد‬
‫اقترحنا الصلح على "التفاهم" وكنا مستعدين )مادمنا مرغمين( للتوقيع علممى أقسممى الشممروط‪ .‬لكممن‬
‫كليمانصو‪ ،‬الذي حافظ جشعه المبريالي على كل ملمح غبممائه البورجمموازي‪ ،‬رفممض أن يمنممح الجنكممر‬
‫اللمان العظمة التي كانوا يطمعون فيها‪ ،‬وقرر في الوقت نفسهخ أن يزين فندق النفاليد بجلود قادة‬
‫روسيا السوفياتية المسلوخة‪ .‬ولقد أدت لنا سياسته خدمة عظيمة‪ .‬فدافعنا عن أنفسنا بنجاح وصمدنا‬
‫بقوة حتى هذا اليوم‪.‬‬

‫ما كانت إذن الفكرة الموجهة لسياستنا الخارجية‪ ،‬بعد أن كشفت الشهور الولى ممن ممارسمة‬
‫السلطة السوفياتية عن الستقرار المتين الذي ترتع فيه حكومات أوروبا الرأسمالية؟ هذا علممى وجممه‬
‫التحديد ما يريد كاوتسكي‪ ،‬بارتباك عظيم‪ ،‬أن يفسره الن على أنه ابن الصدفة‪ :‬إرادتنا فممي الصمممود‪.‬‬
‫لقد فهمنا بوضوح تام أن وجود السلطة السوفياتية بالذات هو حدث بالغ الهمية الثورية‪ .‬ولقد أملممت‬
‫علينا هذه الفكرة المضيئة تنازلت وتراجعات مؤقتة‪ ،‬ل في مجال المبادئ‪ ،‬بممل فممي مجممال التنممازلت‬

‫‪76‬‬
‫العملية الناجمة عن التقدير الصحيح والدقيق لقوتنا الذاتية‪ .‬كنا ننسممحب‪ ،‬عنممد الحاجممة‪ ،‬مثممل الجيممش‬
‫الذي يسلم العدو مدينة بل حصًنا‪ ،‬كيما يجمع من جديد‪ ،‬بعممد حركممة التقهقممر هممذه‪ ،‬قممواه ل مممن أجممل‬
‫ضا‪ .‬كنا ننسحب كالمضربين المذين لمم تعمد لمديهم ل القموى ول‬ ‫الدفاع فحسب بل من أجل الهجوم أي ً‬
‫الموارد في اليوم الراهن‪ ،‬لكن الذين يستعدون‪ ،‬وهم يشدون على أسممنانهم‪ ،‬لسممتئناف النضممال فممي‬
‫الغد‪ .‬ولو لم نكن مؤمنين إيماًنا ل يتزعزع بالهمية العالمية للديكتاتوريممة السمموفياتية‪ ،‬لممما قبلنمما بكممل‬
‫تضحيات بريست – ليتوفسك البالغة القسوة‪ .‬ولو كان إيماننا يتناقض مع حالة المور الواقعيممة‪ ،‬لكممان‬
‫التاريخ حكم على معاهدة بريست – ليتوفسك بأنهمما استسمملم غيممر مجممد لنظممام مقممدر عليممه الهلك‪.‬‬
‫ضمما أمثممال كاوتسممكي فممي جميممع‬ ‫وبالفعل هكذا كان يقدر الموقممف ل أمثممال كولمممان فحسممب‪ ،‬بممل أي ً‬
‫حا ضعفنا آنذاك وقوتنا فمي المسمتقبل‪ .‬وأن وجمود جمهوريمة‬ ‫البلدان‪ .‬أما نحن فلقد قدرنا تقديًرا صحي ً‬
‫أيبرت بانتخاباتها العامة وشعوذتها البرلمانية و"حرية" صحافتها واغتيالتها للقادة العمال‪ ،‬ل يضمميف إل‬
‫حلقة واحدة إلى سلسلة العبودية والنذالة التاريخية‪ .‬أما وجود جمهورية السوفييتات فحدث ذو أهميممة‬
‫ثورية عظيمة‪ .‬وكان ل بد من الحفاظ عليها بالستفادة مممن نممزاع المممم الرأسمممالية‪ ،‬ومممن اسممتمرار‬
‫الحرب المبريالية‪ ،‬ومن كبرياء آل هو هنزولرن‪ ،‬ومن غباء البورجوازية العالميممة فممي جميممع المسممائل‬
‫الساسية المتعلقة بالثورة‪ ،‬ومن تناحر أميركا وأوروبا‪ ،‬ومن العلقات المعقدة المستغلقة بين البلدان‬
‫المتحالفة‪ .‬كان ل بد من قيادة السفينة السوفياتية‪ ،‬التي لم يكتمل بناؤهمما بعممد‪ ،‬عممبر بحممر همائج‪ ،‬بيممن‬
‫الصخور والمهالك‪ ،‬وإكمال تجهيزها وتسليحها أثناء البحار‪.‬‬

‫إن كاوتسكي يقرر أن يتهمنا مرة أخرى بأننا لم نسر‪ ،‬في مطلع ‪ ،1918‬ونحممن ضممعفاء وعممزل‬
‫من السلح‪ ،‬ضد عدو قوي‪ .‬ولو فعلنا ذلك‪ ،‬لكنا غلبنا على أمرنا )‪ .(16‬ولكممانت أول محاولممة جديممة مممن‬
‫قبل البروليتاريا للستيلء على السلطة قد باءت بالفشل التام‪ .‬ولكان اليسار الثوري مممن البروليتاريمما‬
‫ممما‪ .‬ولكممان "التفمماهم" قممد وقممع الصمملح مممع‬
‫الوروبيممة قممد تلقممى ضممربة هممي مممن أشممد الضممربات إيل ً‬
‫هوهنزولرن فوق جثة الثورة الروسية‪ ،‬ولكانت الرجعية الرأسمالية العالمية قد حصمملت علممى الراحممة‬
‫لعدة سنوات‪ .‬إن كاوتسكي يفتري علينا بل حياء حين يقول أننا لم نفكممر‪ ،‬عنممد توقيممع صمملح بريسممت‪،‬‬
‫بالثر الذي سيخلفه على مصائر الثورة اللمانية‪ .‬لقد ناقشنا المسألة في حينه من كل وجهات النظممر‬
‫ولم ننطلق إل من معيار واحد‪ ،‬معيار مصالح الثورة العالمية‪ ،‬وتوصلنا إلى الستنتاج بأن هذه المصالح‬
‫تقتضي بصورة ملحة الحفاظ على السلطة السوفياتية‪ ،‬الواحدة الوحيدة في العممالم‪ .‬ولقممد كنمما علممى‬
‫حق لكن كاوتسكي كان ينتظر سقوطنا‪ ،‬بل نفاد صبر من الجائز‪ ،‬لكن بثقة ل تتزعزع‪ ،‬وإنما على هممذا‬
‫السقوط المأمول بني كل سياسته الدولية‪.‬‬

‫إن ضبط محضر جلسة حكومممة التحممالف فممي ‪ 19‬تشممرين الثمماني ‪ ،1918‬الممذي نشممرته وزارة‬
‫بوير‪ ،‬يتناول‪ -1 :‬استئناف النقاش حول المسألة المتعلقة بموقف ألمانيا ممن الجمهوريمة السموفياتية‪.‬‬
‫ويوصي هآز بسياسة الرجاء‪ ،‬ويؤيد كاوتسكي رأي هآز‪ ،‬فيقول‪" :‬يجب أن نرجئ القمرار الحاسمم فمي‬
‫ممما خلل أسممابيع‬‫المسألة لن الحكومة السوفياتية لن تستطيع أن تحافظ علممى نفسممها وستسممقط حت ً‬
‫فا‬
‫معدودة‪ "...‬إذن‪ ،‬في اللحظة التي كممان فيهمما وضممع السمملطة السمموفياتية بالفعممل غيممر ثممابت وضممعي ً‬
‫للغاية‪ ،‬ولن تقهقر العسكرية اللمانية بدا وكأنه يتيح "للتفاهم" إمكانية إبادتنا "في أسممابيع معممدودة"‪،‬‬
‫ل يبدي كاوتسكي أي رغبة في نجدتنا‪ ،‬وهو ل يكتفي بغسل يممديه‪ ،‬بممل يسمماهم مسمماهمة إيجابيممة فممي‬
‫خيانممة روسمميا الثوريممة‪ .‬إن كاوتسممكي كممي يسممهل دور شممايدمان الممذي أصممبح المحممامي الميممن عممن‬
‫البورجوازية‪ ،‬وبدل ً من أن يكون حافر قبرها حسب الممدور الممذي ينسممبه إليممه برنممامجه الخمماص‪ ،‬يهممرع‬
‫ليصبح هو نفسه حافو قبر السلطة السمموفياتية‪ .‬لكممن السمملطة السمموفياتية حيممة‪ .‬وسممتظل علممى قيممد‬
‫الحياة بعد أن يفني حفار وقبرها قاطبة‪.‬‬

‫‪ ()16‬تعارض الجريدة الفييناوية "آربايتر زايتونغ" كما هي العادة بين الشيوعيين الروس‪ ،‬الحكماء العقلء‪،‬‬
‫وبين الشيوعيين النمساويين‪ .‬وقد كتبت الجريدة‪" :‬ألم يوقع تروتسكي‪ ،‬بنظرته الثاقبة وتفهمه لما هو‬
‫ممكن‪ ،‬معاهدة برست ليتوفسك الجبارية‪ ،‬رغم أنها أبادت في تدعيم المبريالية اللمانية؟ لقد كان صلح‬
‫بريست – ليتوفسك ل يقل قسوة وخزًيا عن صلح فرساي‪ .‬فهل معنى هذا أنه كان على تروتسكي أن يتابع‬
‫الحرب ضد ألمانيا؟ أما كانت الثورة الروسية ستقضي نحبها منذ زمن بعيد لو فعلت ذلك؟ لقد انحنى‬
‫تروتسكي أمام الضرورة المحتمة ووقع المعاهدة المخزية متنبًئا بالثورة اللمانية"‪ .‬إن الفضل في التنبؤ‬
‫بجميع نتائج صلح بريست – ليتوفسك يعود إلى لينين‪ .‬لكن هذا ل يغير شيًئا‪ ،‬بالطبع‪ ،‬في طريقة تفكير‬
‫الجريدة الفييناوية "التروتسكية"‪.‬‬
‫‪77‬‬
‫مسائل تنظيم العمل‪ :‬سلطة السوفييتات والصناعة‬
‫إذا كانت أخطر مآخذ العالم البورجوازي قد وجهت‪ ،‬في المرحلة الولى من الثورة السوفياتية‪،‬‬
‫إلى قسوتنا وروحنا الدموية‪ ،‬فقد أخذوا مؤخًرا‪ ،‬بعد أن بليت هذه الحجة ووهنت من كثرة الستعمال‪،‬‬
‫يحملوننا مسؤولية الفوضى القتصممادية فممي البلد‪ .‬وأن كاوتسممكي يعممبر بصممورة منهجيممة‪ ،‬تناسمًبا مممه‬
‫مهمته الراهنة‪ ،‬وبلغة تدعي الماركسية‪ ،‬يعبر بصورة منهجية‪ ،‬تناسًبا مع مهمته الراهنممة‪ ،‬وبلغممة تممدعي‬
‫الماركسية‪ ،‬عن جميع اتهامات البورجوازية الممتي تنسممب إلممى السمملطة السمموفياتية مسممؤولية خممراب‬
‫جا‬
‫الصناعة الروسية‪ .‬لقد شرع البلشفة في التشريك بدون خطة مدروسة وشركوا ما لممم يكممن ناض م ً‬
‫للتشريك‪ ،‬والطبقة العاملة الروسية غير مستعدة بعد لتسيير النتاج‪ ،‬إلخ‪...‬‬

‫إن كاوتسكي يعاند‪ ،‬وهو يكرر هذه التهامات الرئيسية المتنوعة ويؤلف بينها‪ ،‬في المرور مرور‬
‫الكرام بالسباب الجوهرية لفوضانا القتصادية‪ :‬المجزرة المبريالية والحرب الهلية والحصار‪.‬‬

‫لقد وجدت حكوممة السموفييتات نفسمها‪ ،‬منمذ الشمهر الولمى لوجودهما‪ ،‬محروممة ممن الفحمم‬
‫والبترول والمعدن والقطن‪ .‬ثم فصلت المبريالية النمسمماوية – اللمانيممة‪ ،‬وإمبرياليممة "التفمماهم" فيممما‬
‫بعد‪ ،‬فصلت روسيا السوفييتات عن حوض دونتز الفحمي والمعدني‪ ،‬وعن مناطق القفقاس البترولية‪،‬‬
‫وعن تركستان التي كانت تزودنا بالقطن‪ ،‬وعن الورال ومناجمها الغنية‪ ،‬وعن سيبيريا الغنية بالماشية‬
‫والحبوب‪ .‬لقد كان حوض المدونتز يمزود صمناعتنا عمادة بمم ‪ %94‬ممن الفحمم الحجمري وبمم ‪ %74‬ممما‬
‫تستهلكه من الفلزات‪ .‬وكانت لورال تقممدم البقيممة‪ %20 ،‬مممن الفلممزات و ‪ %4‬مممن الفحممم الحجممري‪.‬‬
‫وخلل الحرب الهلية‪ ،‬فقدنا هاتين المنطقتين‪ .‬وفقممدنا فممي المموقت نفسممه الثمانيممة ملييممن طممن مممن‬
‫الفحم الذي كنا نتلقاه من الخارج‪ .‬وبقينا في الوقت نفسه بدون بترول‪ ،‬بعد أن وضع العدو يمده علمى‬
‫جميع البار‪ .‬ول بد أن يكون عقل النسان من قصدير حتى يتكلم‪ ،‬في مثل هذه الشممروط‪ ،‬عممن الثممر‬
‫السلبي للتشريكات "السابقة لوانها"‪ ،‬و"البربرية" إلخ‪ ،‬على صناعة محرومة كلًيا من الوقود والمممواد‬
‫ممما أم ل‪،‬‬‫كا لتروست رأسمالي أم لدولة عماليممة‪ ،‬وسممواء أكممان مؤم ً‬ ‫الولية أن المصنع‪ ،‬سواء أكان مل ً‬
‫سمما مممن النمسمما –‬‫فإن مداخنه ل تستطيع أن تدخن بدون فحم وبدون بممترول‪ .‬ونسممتطيع أن نأخممذ در ً‬
‫وحتى من ألمانيا‪ .‬إن ما من مصنع للنسيج يدار حسب طرائق كاوتسممكي الحكيمممة – هممذا إذا ارتضممينا‬
‫جا‬‫ولو للحظة أنه يمكن أن يدار شيء ما بطرائق كاوتسكي اللهممم إل المحممبرة‪ .‬يمكممن أن ينتممج نسممي ً‬
‫قطنًيا إذا لم يزود بالقطن الخام‪ .‬والحال أننمما قممد حرمنمما فممي آن واحممد مممن قطممن تركسممتان وقطممن‬
‫أميركا‪ .‬وعلوة على ذلك‪ ،‬ولنكرر هذه الحقيقة‪ ،‬فقد كنا نفتقر إلى الوقود‪.‬‬

‫يقيًنا لقد كان الحصار والحرب الهلية نتيجة الثورة البروليتاريممة فممي روسمميا‪ ،‬لكممن ل ينتممج عممن‬
‫ذلك البتة أن ظاهرات الخراب العديدة التي أدى إليها الحصار النكلو – فرنسي وحملت النهممب الممتي‬
‫قام بها دينيكين وكولتشاك‪ ،‬يمكن أن تنسب إلى عدم فعالية الطرائق القتصادية السوفياتية‪.‬‬

‫إن الحرب المبريالية التي سبقت الثورة كانت‪ ،‬بمتطلباتهمما الماديممة والتكنيكيممة الممتي ل تشممبع‪،‬‬
‫أثقل بكثير على صناعتنا الفتية منها على صناعة أقوى البلدان الرأسمالية‪ .‬ولقد تأثرت بذلك‪ ،‬بصممورة‬
‫خاصة‪ ،‬وسائط نقلنا‪ .‬فلقد ازداد استثمار سكك الحديد بشكل ملحوظ‪ ،‬مما أدى بالطبع إلمى اهترائهما‪،‬‬
‫دون أن تجدد بالمقابل بنسبة الهتراء نفسها‪ .‬ومما عجل بتسوية الحساب المحتمة أزمممة الوقممود‪ .‬إن‬
‫خسارة فحم الدونتز وبترول القفقاس في آن واحممد تقريب ًمما قممد أرغمتنمما علممى اللجمموء إلممى اسممتعمال‬
‫الحطب من أجل سكك الحديد‪ .‬ولم يكمن احتيماطي الحطمب قمد أعمد لهمذا الغمرض فكمان ل بمد ممن‬
‫استعمال الحطب الحديث القطع‪ ،‬الندي‪ ،‬وهذا ما كان له أثر سيئ علمى القماطرات المتعبمة بالصمل‪.‬‬
‫أننا نرى إذن أن السباب الرئيسية لخراب المواصلت الروسية قد أثرت قبممل تشممرين الثمماني ‪.1917‬‬
‫قمما طممرائق‬
‫لكن السباب المرتبطة بصورة مباشرة أو غير مباشرة بثورة تشممرين الول ل تمممس مطل ً‬
‫القتصاد السوفياتي‪ ،‬وإن كان ينبغي أن نذكرها بين النتائج السياسية للثورة‪.‬‬

‫وبديهي أن أثر الهزات السياسمية لمم يتجمل فقمط فمي أزممة المواصملت والوقمود‪ .‬وإذا كمانت‬
‫دا‪ ،‬فممإن هممذا‬
‫الصناعة العالمية تميل أكثر فأكثر‪ ،‬في العقود الخيرة إلى أن تشكل جهماًزا عضمموًيا واحم ً‬
‫ظا بصورة خاصة في الصناعة الوطنية‪ .‬إل أن الحرب والثورة مزقتا وقطعتمما أوصممال‬ ‫الميل كان ملحو ً‬

‫‪78‬‬
‫الصناعة الروسية‪ .‬إن الدمار الصناعي في بولونيمما ومنمماطق البلطيممق وبترسممبورغ‪ ،‬قممد بممدأ فممي عهممد‬
‫دا بل انقطاع إلى أقاليم جديدة‪.‬‬ ‫القيصرية‪ ،‬واستمر في عهد كيرنسكي ممت ً‬

‫ولقد عملت عمليات الجلء الل متناهية‪ ،‬بالضافة إلى دمممار الصممناعة‪ ،‬علممى دمممار المواصمملت‬
‫ممما وأشممد‬
‫ضا‪ .‬فأثناء الحرب الهلية حيث كانت تتبدل الجبهات‪ ،‬اتخذت عمليممات الجلء طابعًمما محمو ً‬ ‫أي ً‬
‫تدميًرا‪ .‬وكان الطرفان‪ ،‬كلما هجرا مؤقًتا أحد المراكز الصناعية‪ ،‬يتخذان كممل التممدابير المعقولممة حممتى‬
‫يستحيل على الخصم استخدام المصانع‪ :‬فكانت أثمن اللت وأدق قطع الغيار تنقل ويؤخذ معهمما خيممر‬
‫التكنيكيين وخير العمال‪ .‬وكان الجلء يتبعه إجلء ثان يجهز في غالب الحيان على تممدمير الكممثير مممن‬
‫اللت المنقولة والكثير من سكك الحديد‪ .‬وهكذا انتقلت عدة أقاليم صناعية هي مممن خيممر القمماليم –‬
‫وبخاصة في أوكرانيا ومنطقة الورال – من يد إلى يد مراًرا وتكراًرا‪.‬‬

‫ولنضف إلى هذا أنه في الوقت الذي كان فيه تدمير اللت الصممناعية يأخممذ نس مًبا ل مثيممل لهمما‪،‬‬
‫ما فممي‬‫ما استيراد اللت من البلد الجنبية‪ ،‬هذا الستيراد الذي لعب في الماضي دوًرا حاسم ً‬ ‫توقف تما ً‬
‫صناعتنا‪.‬‬

‫ولم تكن عناصر الصناعة المادية – المباني واللت والسكك والوقود – هي وحدها الممتي عممانت‬
‫ضمما القمموة الحيممة‪ ،‬خلقممة الصممناعة‪،‬‬
‫مممن نتممائج الحممرب والثممورة الرهيبممة هممذه بممل عممانت مممن ذلممك أي ً‬
‫البروليتاريا‪ ،‬بالقدر نفسه إن لم نقل أكثر‪ .‬لقد صنعت البروليتاريا ثممورة تشممرين الول‪ ،‬وبنممت وحمممت‬
‫نظام السوفييتات‪ ،‬وخاضت نضال ً متواصل ً ضد البيض‪ .‬والحال أن العمال المختصين هم بصورة عامممة‬
‫ما‪ .‬لقد انتزعت الحرب الهلية طوال حقبة طويلممة عشممرات اللف مممن العمممال مممن‬ ‫أكثر العمال تقد ً‬
‫العمل الصناعي‪ .‬وقد فقدنا اللف منهم بصورة ل تعوض‪ .‬إن أثقل أعباء الثورة الشتراكية تقممع علممى‬
‫كاهل الطليعة البروليتارية‪ ،‬وبالتالي على الصناعة‪.‬‬

‫لقد تركز كل اهتامام حكومة السوفييتات‪ ،‬طوال عامين ونصف عام‪ ،‬على المقاومممة بالسمملح‪.‬‬
‫وكانت خير قواها وأهم مواردها ترسل إلى الجبهة‪.‬‬

‫إن الصراع الطبقي يسيء بصورة عامة إلى الصناعة‪ .‬وأن جميممع الفلسممفة الممذين جعلمموا مممن‬
‫أنفسهم رسل النسجام الجتمماعي قمد أخمذوا عليمه همذا المأخممذ منمذ زمممن بعيممد‪ .‬إن العمممال‪ ،‬أثنماء‬
‫الضرابات القتصادية العادية‪ ،‬يستهلكون دون أن ينتجوا‪ .‬وأن الصراع ا لطبقي في أكثر أشكاله حممدة‬
‫– الصراع بالسلح – يوجه ضربات أرهب‪ .‬لكممن مممن البممديهي أننمما ل نسممتطيع البتممة أن نعتممبر الحممرب‬
‫الهلية طريقة اقتصادية اشتراكية‪.‬‬

‫إن السباب التي عددناها هي أكثر من كافية لتفسير الوضع القتصممادي غيممر الثممابت والمممؤقت‬
‫لروسيا السوفييتات‪ .‬ل وقود‪ ،‬ل معادن ل قطن‪ ،‬والمواصلت مهدمة‪ ،‬واللت معطوبة‪ ،‬واليممد العاملممة‬
‫مشتتة في البلد بعد أن فني قسم كبير منها في الجبهات‪ .‬فهل نبحث بعد هذا في طوبائيممة البلشممفة‬
‫القتصادية عن سبب إضافي لتدهور صناعتنا؟ على العكس فكممل سممبب مممن السممباب المشممار إليهمما‬
‫يكفي لليحاء بطرح السؤال التالي‪ :‬كيف أمكن‪ ،‬في مثل هذه الشروط‪ ،‬الحفاظ على بعممض النشمماط‬
‫في المصانع والمعامل؟‬

‫والحال أن مثل هذا النشاط موجود‪ ،‬وبخاصة في الصناعة العسمكرية المتي تعيمش اليموم علمى‬
‫حساب كل صناعة أخرى‪ .‬ولقد كان على سلطة السوفييتات أن تعيد خلقها‪ ،‬كما أعادت خلق جيشها‪،‬‬
‫من النقاض التي تركت لها‪ .‬إن الصناعة العسكرية‪ ،‬التي أعيد بناؤها في مثل هممذه الشممروط البالغممة‬
‫الصعوبة‪ ،‬قد أدت وما تزال تؤدي مهمتها‪ :‬فالجيش الحمر موفممور اللبمماس والحذيممة والسملح‪ .‬ولمديه‬
‫البنادق‪ ،‬والرصاص‪ ،‬والقنابل‪ ،‬والطائرات‪ ،‬وكل ما هو ضروري له‪.‬‬

‫وما أن لمحنا بارق السلم‪ ،‬بمثل خماطف المبرق‪ ،‬بعمد سمحق كولتشماك ويمودينيتش ودينيكيمن‪،‬‬
‫حتى طرحنا مسائل تنظيم الصناعة بكل اتساعها‪ .‬ولقد كفت ثلثة أو أربعة شهور من النشاط الكثيف‬
‫في هذا المجال‪ ،‬لتقطع الطريق على كممل شممك فممي أن سمملطة السمموفييتات‪ ،‬بفضممل صمملتها الوثيقممة‬

‫‪79‬‬
‫بالجماهير الشممعبية‪ ،‬وبفضممل مرونممة جهماز دولتهما ومبادهتهمما الثوريمة‪ ،‬تتمتممع ممن أجممل بعممث النهضممة‬
‫القتصادية بموارد وطرائق ل تملكها ولن تملكها أي دولة أخرى‪.‬‬

‫صحيح أن مسممائل جديممدة قممد انطرحممت أمامنمما‪ ،‬وأنممه كمان علينما أن نممواجه صمعوبات جديممدة‪.‬‬
‫فالنظرية الشتراكية ل تملك ول تستطيع أن تملك أجوبة جماهزة علممى كمل همذه السممئلة‪ .‬وإنمما عممن‬
‫طريق التجربة يجب أن نجد الحلول‪ ،‬وإنمما عمن طريمق التجربمة يجمب أن نتحقمق ممن صملحيتها‪ .‬إن‬
‫الكاوتسكية متخلفة عصًرا كامل ً عن المشكلت الضخمة التي حلتهمما سمملطة السمموفييتات أنهمما تسممير‪،‬‬
‫في أهاب المنشفيكية‪ ،‬في خط متردد‪ ،‬معارضة تدابير بنائنا القتصادي بالراء المسبقة وليممدة الريبيممة‬
‫البورجوازية الصغيرة‪ ،‬الفكرية‪ ،‬والبيروقراطية‪.‬‬

‫وكي يطلع القارئ على ماهية هذه المسائل التي لها علقة بتنظيممم العمممل‪ ،‬كممما تنطممرح علينمما‬
‫اليوم‪ ،‬فإن مؤلف هذا الكتاب يعتقد أنه يحسن العمل إذا نسخ ههنا التقرير الذي قممدمه إلممى المممؤتمر‬
‫الروسي الموحد الثالث للنقابات‪ .‬ومن أجل المزيد من الوضموح‪ ،‬فمإن القمارئ سميجد التقريمر مكمل ً‬
‫بمقاطع عديدة مأخوذة من التقارير التي قدمها المؤلف إلممى المممؤتمر الروسممي الموحممد لسمموفييتات‬
‫القتصاد الشعبي وإلى المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي الروسي‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫تقرير عن تنظيم العمل‬
‫ضمما فممي الجبهممة‬
‫أيها الرفاق! إن الحرب الهلية تقممارب علممى النتهمماء‪ .‬والموقممف ممما يممزال غام ً‬
‫الغربية‪ .‬وما تزال هناك إمكانية لن توجه البورجوازية البولونية تحدًيا إلى مصمميرها الخمماص‪ ..‬لكممن إذا‬
‫ما حدث هذا – ونحن ل نفعل شيًئا بغرض حدوثه – فإن الحرب لن تتطلب منا ذلممك التمموتر المفممترس‬
‫لقوانا الذي تطلبه القتمال فمي أربمع جبهمات فمي آن واحمد‪ .‬إن ضمغط الحمرب الرهيمب يمتراخى‪ .‬وأن‬
‫الضرورات والمهام القتصادية تجذب اهتمامنا أكممثر فممأكثر‪ .‬وإن التاريممخ يعيممدنا مباشممرة إلممى مهمتنمما‬
‫الساسية‪ :‬تنظيم العمل على أسس اجتماعية جديدة‪ .‬والحق أن تنظيم العمل يعنممي تنظيممم المجتمممع‬
‫الجديد‪ ،‬باعتبار أن كل مجتمع يقوم على تنظيم العمل‪ .‬وإذا كان كل مجتمع قمديم يقمموم علمى تنظيممم‬
‫العمل لصالح القلية التي تتمتع بجهاز القمع الحكومي ضد غالبية الشغيلة السماحقة‪ ،‬فإننما نقموم فمي‬
‫التاريخ العالمي بأول محاولممة لتنظيممم العمممل لصممالح الغالبيممة الكادحممة‪ .‬إل أن هممذا ل يسممتبعد عنصممر‬
‫الكراه بكممل أشممكاله‪ ،‬مممن ألطفهمما إلممى أقسمماها‪ .‬إن عنصممر الكممراه والقمممع ل يبقممى علمى المسممرح‬
‫التاريخي فحسب‪ ،‬بل سيلعب على العكس دوًرا بالغ الهمية خلل حقبة ل بأس بها من الزمن‪.‬‬

‫ما‪ ،‬حسب القاعدة العامة‪ ،‬أن يتجنب العمل‪ .‬إن المثابرة ليست فطرية‬ ‫إن النسان سيحاول دو ً‬
‫فيه‪ .‬بل تلد نتيجة الضغط القتصادي وتربية الوسط الجتممماعي‪ .‬ويمكممن القممول‪ :‬إن النسممان حيمموان‬
‫كسول بما فيه الكفاية‪ .‬والواقع أن التقدم البشري يقوم إلى حد كبير على هذه الصفة‪ .‬ولو لممم يسممع‬
‫النسان إلى توفير قواه‪ ،‬ولو لم يبذل ما بوسعه ليحصل على أقصى حد من المنتجات بأدنى حد مممن‬
‫الجهد‪ ،‬لما كان هناك تطور في التكنيك أو في الثقافة الجتماعية‪ .‬ومن هنمما‪ ،‬مممن هممذه الزاويممة‪ ،‬فممإن‬
‫كسممل النسممان قمموة تقدميممة‪ .‬إن أنطونيممو لبريممول الهممرم‪ ،‬الماركسممي اليطممالي‪ ،‬قممد صممور إنسممان‬
‫المستقبل بأنه "مكسال سعيد وعبقري"‪ .‬إل أنه ل حاجة البتة إلى الستنتاج من هذا بأن على الحممزب‬
‫والنقابات أن تجعل من هذه الصفة واجًبا أخلقًيا‪ .‬بالتأكيد ل‪ .‬فنحن في روسيا ل نشكو إل من كثرتهمما‪.‬‬
‫إن مهمة التنظيم الجتماعي تكمن على وجه الدقة في سجن "الكسل" في أطر محددة‪ ،‬حتى يمكممن‬
‫ضبطه‪ ،‬وحث النسان بمساعدة الوسائل والتدابير التي تخيلها بنفسه‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫إلزامية العمل‬
‫إن مفتاح القتصمماد هممو اليممد العاملممة‪ ،‬سممواء أكممانت مختصممة‪ ،‬أم ضممعيفة التخصممص‪ ،‬أم نصممف‬
‫مختصة‪ ،‬أم بدائية‪ ،‬إلى آخره‪ .‬وأن إيجاد الوسمائل لحصممائها بدقممة‪ ،‬وتجنيمدها‪ ،‬وتوزيعهما‪ ،‬واسممتخدامها‬
‫بصورة منتجة‪ ،‬يعني عملًيما حمل مشمكلة بنائنما القتصمادي‪ .‬أنهما مهممة عصمر كاممل‪ ،‬مهممة عظيممة‪.‬‬
‫وصعوبتها تتعقد من واقع أنه يتوجب علينا أن نعيد تنظيم العمل على أسس اشتراكية في شروط من‬
‫الفقر والفاقة المريعة لم يشهد أحد قط مثيلها‪.‬‬

‫وكلما اهترأت آلتنا‪ ،‬وكلما تخربت وسائط نقلنا‪ .‬وسككنا الحديدية‪ ،‬وكلما تضاءل حظنمما فممي أن‬
‫نتلقى من الخارج في مدى قريب كمية ما من اللت مهممما تكممن ضممئيلة‪ ،‬ازدادت أهميممة مسممألة اليممد‬
‫دا عاملة كبيرة الهمية‪ .‬لكن ما الطريق المؤدية إليها؟ كيف نقودها‬ ‫العاملة‪ .‬أننا نملك‪ ،‬على ما يبدو‪ ،‬ي ً‬
‫إلى البناء؟ كيف ننظمها صناعًيا؟ لقد سبق أن اصطدمنا‪ ،‬أثناء عمليات إزاحة الثلوج التي سممدت هممذا‬
‫الشتاء سككنا الحديدية‪ ،‬بصعوبات كبيرة‪ .‬أننا ل نملك أي إمكانية للتغلب على هذه الصممعوبات بشممراء‬
‫اليد العاملة‪ ،‬نتيجة لتدهور قيمة النقد وعدم وجود بضائع مصنوعة‪ .‬وإن حاجاتنمما مممن الوقممود ل يمكممن‬
‫أن تشبع‪ ،‬ولو جزئًيا بدون استخدام كثيف‪ ،‬لم تشهد البلد مثلممه قممط‪ ،‬للقمموة العاملممة مممن أجممل قطممع‬
‫الحطب واستخراج التراب النفطي والفحم الحجممري‪ .‬لقممد دمممرت الحممرب الهليممة السممكك الحديديممة‬
‫والجسور والمحطات‪ .‬ول بد من عشرات ومئات اللف من الشممغيلة لعممادة كممل شمميء إلممى وضممعه‬
‫خا مؤقتممة‪ ،‬مممن أجممل إنتمماج واسممع المممدى لحطممب‬ ‫الطبيعي‪ .‬ول بد من منازل للشغيلة‪ ،‬ولو كانت أكوا ً‬
‫التدفئة والتراب النفطي ومن أجل العمال الخرى‪ .‬ومن هنا كانت‪ ،‬من جديد‪ ،‬ضرورة يد عاملة هامة‬
‫لعمال البناء‪ .‬كما أن كمية كبيرة من اليد العاملة ضرورية لتنظيم السطول وهكذا ودواليك‪.‬‬

‫لقد كانت الصناعة الرأسمالية تتمون إلى حد كممبير باليممد العاملممة المسمماعدة مممن بيممن عناصممر‬
‫الريف المهاجرة‪ .‬إن نقص الراضي القابلة للزراعة الذي كان يضغط بقسمموة‪ ،‬كممان يقممذف باسممتمرار‬
‫إلى السوق بكمية احتياطية من اليد العاملة‪ .‬وكانت الدولة ترغمها على بيع نفسممها بزيممادة الضممرائب‬
‫وكانت السوق تقدم بضائع للفلح‪ .‬وفي الساعة الراهنة لم يعد لهذا الوضع وجود‪ .‬إن لدى الفلح الن‬
‫أراضي أكثر‪ ،‬لكن لما كان يفتقر إلى أدوات الحراثة‪ ،‬فإنه بحاجة إلى المزيد من القوة العاملة‪ .‬ثم أن‬
‫الصناعة قد أصبحت عاجزة تقريًبا عن أن تقدم أي شيء للريف‪ ،‬ولم تعد السمموق تمممارس أي جممذب‬
‫لليد العاملة‪.‬‬

‫إل أننا بحاجة إلى هذه اليد العاملة أكثر من أي وقت مضممى‪ .‬وليممس العامممل هممو الوحيممد الممذي‬
‫يتوجب عليه أن يعطممي السمملطة السمموفياتية قمموته حممتى ل تسممحق روسمميا الكادحممة ومعهمما الشممغيلة‬
‫ضمما إلممى قمموة الفلحيممن‪ .‬والطريقممة الوحيممدة للحصممول علممى اليممد العاملممة‬
‫أنفسهم‪ ،‬بل نحن بحاجة أي ً‬
‫اللزمة للمهام القتصادية الراهنة هي تطبيق إلزامية العمل‪.‬‬

‫إن مبدأ إلزامية العمل بالذات هو مبدأ غير قابل للنقاش بالنسبة إلى الشيوعيين‪" :‬من ل يعمل‬
‫ل يأكل"‪ .‬ولما كان على الجميع أن يأكلوا‪ ،‬فالجميع مرغمون بالتالي على العمممل‪ .‬لقممد نممص دسممتورنا‬
‫وقانون العمل على إلزامية العمل‪ .‬لكنها لم تكن حتى الن إل مجرد مبدأ‪ .‬ولم يأخذ تطبيقه إل طابًعمما‬
‫عرضًيا وجزئًيا ومؤقًتا‪ .‬وأن ضرورة إلزامية العمل لم تنطرح علينا بكل حممدتها إل اليمموم ونحممن نممواجه‬
‫المسائل التي يطرحها واجب النهوض بالبلد‪ .‬إن الحممل النظممامي الوحيممد‪ ،‬مبممدئًيا وعملي ًمما‪ ،‬للمصمماعب‬
‫عا ضرورًيا للقوة العاملة – منبًعا ل ينفممد تقريب ًمما‬
‫القتصادية يقوم على اعتبار جميع سكان البلد مستود ً‬
‫ما متيًنا بواسطة الحصاء والتجنيد والستخدام‪.‬‬
‫– وعلى تنظيمهم تنظي ً‬

‫فكيف نجند عملًيا اليد العاملة على أساس إلزامية العمل؟‬

‫حتى اليوم‪ ،‬كانت وزارة الحربية هي الوحيدة التي تملممك تجربممة فممي مجممال الحصمماء والتجنيممد‬
‫والتدريب وتوزيع الجماهير الواسعة‪ .‬ولقد ورثت وزارة الحربية طرائقها وأساليبها الفنية من الماضممي‬
‫إلى حد بعيد‪ .‬ولم يقدر لنا أن نتلقى مثل هذا الرث في المجال القتصادي لنه كان يسيطر عليه مبدأ‬
‫الملكية الخاصة ولن اليد العاملة كانت تتدفق إلى مختلف المشاريع من سوق العمممل مباشممرة‪ .‬لقممد‬

‫‪82‬‬
‫كان من الطبيعي إذن يوم كنا مرغمين‪ ،‬وبخاصة في الونممة الولممى‪ ،‬أن نسممتخدم علممى نطمماق واسممع‬
‫جهاز وزارة الحربية لتعبئة القوى العاملة‪.‬‬

‫لقد أنشأنا في المركز والقاليم أجهزة خاصة لوضع إلزامية العمل موضع التنفيذ‪ .‬وتعمل اليمموم‬
‫لهذا الغرض لجان خاصة في الحكومات والمحافظات والكونتونات‪ .‬وهي تعتمد بصورة رئيسممية علممى‬
‫الجهزة المركزية والمحلية التابعة لوزارة الحربية‪ .‬ومراكزنا القتصادية‪" :‬المجلممس العلممى للقتصمماد‬
‫الشعبي"‪ ،‬و"قوميسارية الزراعة"‪ ،‬و"قوميسارية الطرق والمواصلت"‪ ،‬و"قوميسارية التموين"‪ ،‬تحدد‬
‫بنفسها ما يلزمها من اليد العاملممة‪ .‬وتتلقممى "اللجنمة المركزيممة للزاميمة العممل" كمل همذه الطلبممات‪،‬‬
‫وتنسقها‪ ،‬وتلئم بينها وبين مصادر اليد العاملة المحلية‪ ،‬وتصدر التعليمات المناسبة لجهزتها المحليممة‪،‬‬
‫وتحقق بواسمطتها تعمبئة القموى العاملمة‪ .‬أمما علمى نطماق القماليم والحكوممات والمحافظمات‪ ،‬فمإن‬
‫الجهزة المحلية تنفذ بصورة مستقلة ذاتًيا هذا العمل بهدف تلبية الحاجات القتصادية المحلية‪.‬‬

‫إن هذا التنظيم كله لم ترسمم معمالمه إل بصممورة عاممة للغايممة‪ .‬ول بممد لمه ليكتممل مممن عممل‬
‫الشيء الكثير‪ .‬لكن الطريق التي نسير فيها هي بدون أدنى ريب الطريق الصالحة‪.‬‬

‫إذا كان تنظيم المجتمع الجديد تعتمممد كأسمماس علممى تنظيممم جديممد للعمممل‪ ،‬فممإن هممذا التنظيممم‬
‫يقتضي بدوره التطبيق النظامي للزامية العمل‪ .‬إن التدابير الدارية والتنظيمية غير كافية لنجاز هممذه‬
‫المهمة‪ .‬إن هذه المهمة تشمل أسس القتصاد العممام وأسممس الوجممود بالممذات‪ .‬إنهمما تصممطدم بممالراء‬
‫المسبقة وبالعادات البسيكولوجية‪ .‬وإن وضع إلزامية العمل موضع التنفيممذ يفممترض‪ ،‬مممن جهممة أولممى‪،‬‬
‫عمل ً تربوًيا جباًرا‪ ،‬ويفترض من الجهة الثانية أكبر الحذر في الطريقة العملية لتطبيقها‪.‬‬

‫إن استخدام اليد العاملة يجب أن يتم بأكبر قدر من التوفير‪ .‬ول بد عند تعبئة القوة العاملة من‬
‫أن نأخذ بعين العتبار شروط الوجود القتصادي لكل منطقة‪ ،‬وحاجات الصناعة الزراعية لدى السكان‬
‫قا والعناصممر‬ ‫القرويين‪ .‬وينبغي أن نأخذ بعين العتبار إلى أقصى حممد ممكممن الممموارد الموجممودة مسممب ً‬
‫المهاجرة المحلية‪ ،‬إلخ‪ .‬وينبغي أن يتم توزيع اليد العاملة المعبأة على مسافات صممغيرة‪ ،‬أي أن تؤخممذ‬
‫من أقرب القطاعات إلى جبهة العمل‪ .‬وينبغي أن يتناسب عدد الشغيلة المعممبئين مممع أهميممة المهمممة‬
‫القتصادية‪ .‬وينبغي أن يزود الشغيلة المجندون في الوقت المناسب بالمؤن وأدوات العمل وينبغي أن‬
‫يكون فوق رؤوسهم معلمون مجربون يتمتعون بروح المبادهممة وينبغممي أن يقتنممع الشممغيلة فعلي ًمما بممأن‬
‫يدهم العاملة تستخدم بتبصر واقتصمماد وأنهمما ل تبممذر عبث ًمما‪ .‬ويتمموجب علينمما‪ ،‬أينممما أمكننمما‪ ،‬أن نسممتبدل‬
‫التعبئة المباشرة بالمهمة‪ ،‬أي أن نفرض على كانتون معين اللتزام بأن يقممدم‪ ،‬فممي مممدة معينممة‪ ،‬كممذا‬
‫متًرا مكعًبا من الخشب‪ ،‬أو أن ينقل إلى هذه المحطة أو تلممك كممذا قنطمماًرا مممن الفلممزات‪ ،‬إلممخ‪ .‬ومممن‬
‫الضروري في هذا المجال أن نستفيد من الخبرة المكتسبة‪ ،‬وأن نعطي النظام القتصممادي أكممبر قممدر‬
‫من المرونة‪ ،‬وأن نبرهن على مزيد من الهتمام بالمصالح المحلية والعادات المحلية‪ .‬وبكلمة واحممدة‪،‬‬
‫علينا أن نحسن ونعدل إلى حد الكمال الطرائق والمناهج والجهممزة المخصصممة لتعممبئة اليممد العاملممة‪.‬‬
‫ضا من أن نقتنع مرة واحدة ونهائًيا بفكرة أن مبدأ إلزامية العمل بالذات قممد حممل بصممورة‬ ‫لكن ل بد أي ً‬
‫ما كما أن تشريك وسائل النتمماج قممد حممل محممل‬ ‫جذرية ودونما رجعة محل مبدأ التطوع الختياري‪ ،‬تما ً‬
‫الملكية الرأسمالية‪.‬‬

‫تطبيق النظام العسكري على العمل‬


‫إن إلزامية العمل ستكون مستحيلة بدون تطممبيق مناهممج النظممام العسممكري علممى العمممل فممي‬
‫حدود معينة‪ .‬وأن هذا التعبير يقودنا دفعة واحدة إلى ميدان تتطير منه المعارضة وتقيم حمموله الضممجة‬
‫أكثر من أي ميدان آخر‪.‬‬

‫وكي نفهم ما نعنيه بتطبيق النظام العسكري على العمل في الدولة العمالية‪ ،‬وما هي مناهجه‪،‬‬
‫فل بد أن نكون فكرة واضحة عن الطريقة التي يتم بها تطبيق النظام العسكري على الجيش نفسممه‪،‬‬
‫دا فممي البدايممة‪ ،‬كممما يممذكر الجميممع‪ ،‬عممن التمتممع بالصممفات "العسممكرية"‬
‫هممذا الجيممش الممذي كممان بعيم ً‬
‫مما عمدد المنتسمبين إلمى‬
‫ً‬ ‫تما‬ ‫يبلمغ‬ ‫لمم‬ ‫الماضميين‬ ‫العامين‬ ‫في‬ ‫عبأناهم‬ ‫الذين‬ ‫المكتسبة‪ .‬إن عدد الجنود‬

‫‪83‬‬
‫النقابات في روسيا لكن المنتسبين إلمى النقابمات همم ممن العممال‪ ،‬وهمؤلء ل يمدخلون إلمى الجيمش‬
‫الحمر إل بنسبة ‪ ،%15‬أما الباقي فمؤلف من جماهير الفلحين‪ .‬إل أننا نعممرف عممن حممق أن المنظممم‬
‫والباني الحقيقي للجيش الحمر إنما هو العامممل المتقممدم‪ ،‬المتخممرج مممن المنظمممات النقابيممة أو مممن‬
‫الحزب‪ .‬فحين كان الموقف في الجبهات يصممبح صممعًبا‪ ،‬وحيممن ل تممبرهن الجممماهير الفلحيممة المجنممدة‬
‫حديًثا على ما فيه الكفاية من الحزم‪ ،‬كنا نتوجه من جهة أولى إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي‪،‬‬
‫ومن الجهة الثانية إلى سوفييت النقابات‪ .‬وإنما من هذين المصدرين كممان يخممرج العمممال المتقممدمون‬
‫ليذهبون لتنظيم الجيش الحمر على صورتهم‪ ،‬وليقفوا ويدربوا ويجندوا الجماهير الفلحية‪.‬‬

‫وإنه لمن الضرورة بمكان أن نذكر بدقة بهذه الواقعة لنها تسلط الضمموء علممى فكممرة التنظيممم‬
‫العسكري بالذات كما هي مفهومة في الدولة العمالية والفلحية‪ .‬لقد نودي بمبدأ التنظيممم العسممكري‬
‫للعمل كشعار أكثر من مرة‪ ،‬ولقد طبق في فروع اقتصادية متعددة في عدد من البلدان البورجوازية‪،‬‬
‫سواء أفي الغرب أم في روسيا في ظل القيصرية‪ .‬لكن تنظيمنا العسكري للعمل يتميز عن التنظيممم‬
‫ما كما تتميممز البروليتاريمما الواعيممة والمنظمممة‪ ،‬بهممدف‬
‫العسكري في تلك البلدان بأهدافه ومناهجه‪ ،‬تما ً‬
‫تحررها‪ ،‬عن البورجوازية الواعية والمنظمة بهدف الستغلل‪.‬‬

‫ومن هذا الخلط الل واعي أو المغرض‪ ،‬بين الشكال التاريخية للتنظيممم العسممكري البروليتمماري‬
‫والشممتراكي والتنظيممم العسممكري البورجمموازي‪ ،‬ينبممع القسممم الكممبر مممن الراء المسممبقة والخطمماء‬
‫والحتجاجات وصرخات الستنكار التي تثيرها هذه المسألة‪ .‬وإنممما علممى هممذا التفسممير للشممياء يقمموم‬
‫موقف المنشفيك‪ ،‬الكاوتسكيين الروس‪ ،‬كما يتضح في قرارهم المبدئي المقدم إلى مؤتمر النقابممات‬
‫الحالي‪.‬‬

‫إن المنشفيك ل يفعلون شيًئا إل استنكار تطبيق النظام العسكري على العمل‪ .‬وهم يستنكرون‬
‫ضا إلزامية العمل‪ .‬إنهم يرفضون هذه الطرائق باعتبارها "إكراهية"‪ .‬إنهم يشيعون إن إلزامية العمل‬‫أي ً‬
‫ستؤدي إلى انخفاض النتاجية‪ .‬أما عن تطبيق النظام العسكري على العمل فلن يكون له مممن نتيجممة‬
‫إل تبذير اليد العاملة هباء‪.‬‬

‫ما إل منخفض النتاجية"‪ ،‬هذا هو التعبير الدقيق الوارد في قرار‬ ‫"إن العمل اللزامي لم يكن دو ً‬
‫المنشفيك‪ .‬إن هذا التأكيد يقودنا إلى لب المشكلة بالذات‪ .‬ذلك أن المسألة‪ ،‬كما نرى‪ ،‬ليست هي أن‬
‫نعرف ما إذا كان من المعقول أو الل معقول أن نعلن أن هذا المصنع أو ذاك هو في حالة حرب‪ ،‬وممما‬
‫إذا كان من المصلحة أن نعلن أن هذا المصنع أو ذاك هو في حالة حرب‪ ،‬وما إذا كممان مممن المصمملحة‬
‫أن نعطي المحكمة الثورية العسكرية حتى معاقبة العمال المرتشين الممذين يسممرقون المممواد الوليممة‬
‫دا بالنسبة إلينا‪ ،‬أو المذين يخربمون‪ .‬كل‪ ،‬إن المنشمفيك يطرحمون المسمألة بصمورة‬ ‫والدوات الثمينة ج ً‬
‫ما منخفممض النتمماج‪ ،‬أن يزعزعمموا كممل‬‫ً‬ ‫دو‬ ‫هو‬ ‫اللزامي‬ ‫العمل‬ ‫إن‬ ‫بتأكيدهم‬ ‫يحاولون‪،‬‬ ‫أعمق بكثير‪ .‬إنهم‬
‫بنائنا القتصادي في مرحلة النتقال الراهنة‪ .‬ذلك أنه ل مجال للنتقال من الفوضمى البورجوازيمة إلمى‬
‫القتصاد الشتراكي دون اللجوء إلى الديكتاتورية الثوريممة وإلممى طممرائق التنظيممم القتصممادي القائمممة‬
‫على الكراه‪.‬‬

‫إن النقطة الولى من قرار المنشفيك تقول أننا نعيش في عصممر النتقممال مممن أشممكال النتمماج‬
‫الرأسمالي إلى أشكال النتاج الشتراكي‪ .‬فما معنى هذا؟ وقبل كل شيء‪ ،‬من أني أتت هذه الحكممم‪،‬‬
‫ومنذ متى اعترف بها كاوتسكيونا؟ لقد اتهمونا )وهذا ما كان أساس مذهبهم( أنه ل مجال في عصممرنا‬
‫للنتقال إلى الشتراكية‪ ،‬وأن ثورتنا ليست إل ثورة بورجوازية‪ ،‬وأننا‪ ،‬نحن الشمميوعيين‪ ،‬ل نفعممل شمميًئا‬
‫سوى تدمير النظام القتصادي الرأسمالي‪ ،‬وأننا ل نتقدم بالمة خطوة إلى المممام‪ ،‬بممل علممى العكممس‬
‫نسير بها إلى الخلف‪ .‬إنما حول هذه النقاط كان يكمن الخلف الساسي‪ ،‬والختلف العميق‪ ،‬والتنافر‬
‫الذي تنبع منه كل الختلفات الخرى‪ .‬لكن المنشفيك يلفتون انتباهنا الن بصورة عابرة‪ ،‬في مقدمات‬
‫قرارهم‪ ،‬وكأن القضية بديهية ل تحتاج إلى دليل‪ ،‬إلى أننا نمممر بمرحلممة النتقممال ممن الرأسممالية إلمى‬
‫الشتراكية‪ .‬وهذا اعتراف غير متوقع على الطلق أشممبه مما يكممون باستسمملم فكممري كامممل‪ .‬ثممم أنممه‬
‫مصاغ بسهولة وخفة ل تفرضان أي التزام ثوري على المنشفيك‪ ،‬كما يدل على ذلك القرار كله‪ .‬إنهممم‬
‫سجناء العقيدة البورجوازية بشكل عام‪ .‬إن المنشفيك‪ ،‬بعد أن اعممترفوا بأننمما نسممير نحممو الشممتراكية‪،‬‬

‫‪84‬‬
‫يتهجمون بحنق على هذه الطرائق الممتي يسممتحيل بممدونها‪ ،‬فممي الشممروط الصممعبة الخطيممرة الراهنممة‪،‬‬
‫النتقال إلى الشتراكية‪.‬‬

‫ما! ونحن نسألهم‪ :‬ماذا تقصدون ههنمما‬ ‫أنهم يقولون لنا‪ :‬إن العمل اللزامي منخفض النتاجية دو ً‬
‫بالعمل اللزامي؟ وبتعبير آخر‪ ،‬أنه نقيض أي عمل؟ نقيض العمل الحر في الظاهر‪ .‬فممماذا ينبغمي فممي‬
‫هذه الحال أن نفهم من العمل الحر؟ إن واضعي عقيدة البورجوازية التقدميين هم الذين صاغوا هممذه‬
‫الفكرة في نضالهم ضد إكراه العمل‪ ،‬أي ضد عبودية الفلحين‪ ،‬وضممد عمممل الصممناع المقنممن المقعممد‪.‬‬
‫وكانوا يفهمون العمل الحر على أنه العمل الذي يمكن شراؤه "بحرية" في سوق العمل‪ .‬وهكذا فممإن‬
‫الحرية ترتد إلى وهم حقوقي حول أساس الشراء للعاملين بالجرة‪ .‬ونحن ل نعرف فممي التاريممخ غيممر‬
‫هذا الشكل للعمل الحر‪ .‬وليشرح لنا بعض ممثلي المنشفيك الحاضرون في هذا المؤتمر ما يقصدونه‬
‫بالعمل الحر‪ ،‬غير الكراهي‪ ،‬إن لم يكونوا يقصدون به البيع الحر لليد العاملة؟‬

‫لقد عرف التاريخ العبودية والممرق وعمممل الحممرف المقنممن فممي القممرون الوسممطى‪ .‬أممما اليمموم‬
‫فيسود العالم كله العمل المأجور الذي يعارض به الكويتيون الصفر في جميع البلدان‪ ،‬على اعتبار أنمه‬
‫حرية أسمى‪" ،‬العبودية" السوفياتية‪ .‬أما نحن فنعمارض‪ ،‬علمى العكمس‪ ،‬العبوديمة الرأسممالية بالعممل‬
‫الجتماعي النظامي المستند إلى خطة اقتصادية‪ ،‬واللزامي للجميع‪ ،‬واللزامي بالتالي لكل عامل في‬
‫البلد‪ .‬وبدونه يستحيل حتى التفكير بالنتقال إلى الشممتراكية‪ .‬إن عنصممر الكممراه المممادي‪ ،‬الفيزيممائي‪،‬‬
‫يمكن أن يكون كبيًرا أو صغيًرا‪ :‬فهذا أمر يتعلق بالكثير مممن الشممروط وبدرجممة غنممى البلد أو فقرهمما‪،‬‬
‫وبإرث الماضي‪ ،‬وبمستوى الثقافة‪ ،‬وبحالة المواصلت ونظام الدارة‪ ،‬إلخ‪ ،‬إلخ‪ ،‬لكن اللممزام وبالتممالي‬
‫الكراه هو الشرط الضروري لضبط الفوضى البورجوازية‪ ،‬ولتشريك وسائل النتاج والعمممل‪ ،‬ولعممادة‬
‫بناء النظام القتصادي حسب خطة موحدة‪.‬‬

‫إن الحرية تعني في النهاية‪ ،‬في نظر الليبرالي‪ ،‬البيع الحر لليد العاملة‪ .‬هل يسممتطيع رأسمممالي‬
‫من الرأسماليين أن يشتري بسعر مقبول القوة العاملة أم ل؟ هذه هممي الوسمميلة الوحيممدة فممي نظممر‬
‫الليبرالي لقياس حرية العمل‪ .‬وهذا المقياس خاطئ ل بالنسبة إلى المسممتقبل فحسممب‪ ،‬بممل بالنسممبة‬
‫ضا‪.‬‬
‫إلى الماضي أي ً‬

‫إنه لمن غير المعقول أن نتصور أن العمل فمي أيمام المرق كمان يتمم كلمه تحمت تهديمد الكمراه‬
‫المادي‪ ،‬وأن المراقب يقف خلف الفلح المسممكين والسمموط فممي يممده‪ .‬إن الشممكال القتصممادية فممي‬
‫القرون الوسطى كانت تنبع من بعض الشممروط القتصممادية‪ ،‬وتحيممي تقاليممد كممان الفلح يتلءم معهمما‪،‬‬
‫ويراها في بعض العهود عادلة أو يعترف على القل بطابعها الممدائم‪ .‬وحيممن اتخممذ تجاههمما‪ ،‬تحممت تممأثير‬
‫فا معادًيا‪ ،‬حطمته الحكومة بالقوة الماديممة‪ ،‬مثبتممة بممذلك الطممابع الكراهممي‬
‫تغير الشروط المادية‪ ،‬موق ً‬
‫لتنظيم العمل‪.‬‬

‫إن استبدال القتصاد الرأسمالي بالقتصاد الشتراكي لن يكون إل كلمممة جوفمماء بممدون أشممكال‬
‫الكراه الحكومي التي هي أسمماس تنظيممم العمممل علممى أسمماس عسممكري‪ .‬فلممم نتكلممم عممن التنظيممم‬
‫العسكري للعمل؟ بديهي أن هذا من قبيممل التشممابه‪ ،‬لكنممه تشممابه عميممق الدللممة‪ .‬إن ممما مممن تنظيممم‬
‫اجتماعي آخر‪ ،‬باستثناء الجيش‪ ،‬قد تصور أن له الحق في أن يلحق به المممواطنين إلحاقًمما تا ً‬
‫ممما‪ ،‬وفممي‬
‫أن يسيطر عليهم سيطرة كاملة بإرادته‪ ،‬كما تفعل ذلك حكومة الديكتاتورية البروليتاريممة‪ .‬إن الجيممش‬
‫وحده )على وجه التحديد لنه حسم بطريقته الخاصة مسائل حيمماة وممموت المممم والممدول والطبقممات‬
‫مما للمهمام والهمداف والتعليممات‬ ‫عا تا ً‬
‫الحاكمة( قد اكتسمب الحمق بمأن يتطلمب ممن كمل فمرد خضمو ً‬
‫والوامر‪ .‬ولقد توصل إلى ذلك لن مهام التنظيم العسكري‪ ،‬بوجه خاص‪ ،‬كانت تتفق أكثر مممن غيرهمما‬
‫مع ضرورات التطور الجتماعي‪.‬‬

‫إن مسألة حياة أو موت روسيا السوفياتية مطروحة‪ ،‬في الساعة الراهنة‪ ،‬علممى صممعيد العمممل‪.‬‬
‫إن منظماتنا القتصادية مع منظماتنا المهنية والصناعية لهمما الحممق فممي أن تتطلممب مممن أعضممائها كممل‬
‫نكران الذات وكل النضباط وكل الدقة في مواعيد العمل‪ ،‬أي كل ما كان الجيش وحده يتطلبه حممتى‬
‫اليوم‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫وموقف الرأسمالي من العامل‪ ،‬مممن الجهممة الخممرى‪ ،‬ل يقمموم علممى عقممد "حممر" فحسممب‪ ،‬بممل‬
‫ضا على عناصر قوية من التنظيم الحكومي والكراه المادي‪.‬‬ ‫يشتمل أي ً‬

‫إن منافسة الرأسمالي للرأسمالي قد أضفت على وهم حرية العمل ظاهًرا من الواقعية‪ .‬لكننمما‬
‫هدمنا نهائًيا‪ ،‬بإلغائنا الملكية الخاصة لوسائل النتاج‪ ،‬هذه المنافسة التي قلصتها النقابات والتروستات‬
‫إلى أقصى الحدود‪ .‬وأن النتقال إلى الشتراكية‪ ،‬المعترف به لفظًيا من المنشفيك‪ ،‬يعني النتقال من‬
‫التوزيع الفوضوي لليد العاملة‪ ،‬ومن قانون الشراء والبيع‪ ،‬ومن تحولت أسعار السمموق والجممور‪ ،‬إلممى‬
‫توزيع عقلني للشغيلة بواسطة أجهزة المحافظة والقليم والبلد كلها‪.‬‬

‫إن هذا النوع من التوزيع يفترض تبعية العمال الموزعين لحظة الحكومة القتصممادية‪ .‬وهممذا هممو‬
‫كل أساس إلزامية العمل التي تدخل بصورة محتمة‪ ،‬وباعتبارها عنصًرا جوهرًيا‪ ،‬فممي برنامممج التنظيممم‬
‫الشتراكي للعمل‪.‬‬

‫ما منهجًيا بدون إلزامية العمل‪ ،‬فإن هذه اللزاميممة‬


‫وإذا كان يستحيل تنظيم القتصاد العام تنظي ً‬
‫بالمقابل مستحيلة دون إلغاء وهم حرية العمل‪ ،‬وبدون استبدال هذا الوهم بمبدأ اللزام الممذي يكملممه‬
‫واقع الكراه‪.‬‬

‫أما أن العمل الحر أكثر إنتاجية من العمل اللزامي‪ ،‬فهذه حقيقة ل يماري فيها بصممدد النتقممال‬
‫من المجتمع القطاعي إلى المجتمع البورجوازي‪ .‬لكن ل بد أن يكممون النسممان ليبرالي ًمما‪ ،‬أو كاوتسممكًيا‬
‫في عصرنا‪ ،‬حتى يخلد هذه الحقيقة ويفرضممها علممى عصممرنا النتقممالي مممن النظممام البورجمموازي إلممى‬
‫ما وفي كل‬ ‫حا‪ ،‬كما يقول قرار المنشفيك‪ ،‬إن العمل اللزامي هو دو ً‬ ‫النظام الشتراكي‪ .‬وإذا كان صحي ً‬
‫الظروف أقل إنتاجية‪ ،‬فإن بناءنا القتصادي يكون بالتالي مقدًرا عليممه النهيممار‪ .‬ذلممك أنممه ل يمكممن أن‬
‫توجد لدينا وسيلة أخرى للنتقال إلى الشتراكية غير القيادة الحازمة للقوى والموارد القتصممادية فممي‬
‫البلد‪ ،‬وغير التوزيع المركزي للقوة العاملة حسب الخطة الحكومية العامة‪ .‬إن الدولة العماليممة تعتممبر‬
‫أن لها الحق في أن ترسل كل شغيل إلى المكان الممذي بحاجممة إلممى عملممه‪ .‬وأن مممن اشممتراكي جمماد‬
‫سيفكر بأن ينكر على الحكومة لعمالية حقها في وضممع يممدها علممى الشممغيل الممذي قممد يرفممض تنفيممذ‬
‫المهمة التي أوكلت إليه‪ .‬لكن الطريق المنشفيكي للنتقال إلى "الشتراكية"‪ ،‬وهذا هو لب المسممألة‪،‬‬
‫هو أشبه بطريق المجرة‪ ،‬بدون احتكار للقمح‪ ،‬وبدون إلغاء للسواق‪ ،‬وبدون ديكتاتورية ثورية‪ ،‬وبممدون‬
‫تنظيم عسكري للعمل‪.‬‬

‫فالنقابممات‪ ،‬بممدون إلزاميممة العمممل وبممدون الحممق فممي إصممدار الوامممر‪ ،‬وطلممب تنفيممذها‪ ،‬تفقممد‬
‫مقوماتها‪ ،‬ذلك أنها ضرورية للدولة الشتراكية التي فممي طريممق البنمماء‪ ،‬ل لتناضممل مممن أجممل شممروط‬
‫أفضل للعمل – فهذه مهمممة مجممموع التنظيممم الجتممماعي الحكممومي – بممل مممن أجممل تنظيممم الطبقممة‬
‫العاملة بهدف النتاج‪ ،‬ومن أجل ضبطها وتوزيعها وتثقيفهمما وتعييممن بعممض الفئات وبعممض العمممال فممي‬
‫مراكزهم لمدة معينة من الزمن‪ ،‬وبكلمة واحممدة مممن أجممل تنظيممم الشممغيلة بحممزم‪ ،‬وباتفمماق تممام مممع‬
‫السلطة‪ ،‬في إطارات الخطة القتصممادية الموحممدة‪ .‬إن الممدفاع عممن "حريممة" العمممل‪ ،‬فممي مثممل هممذه‬
‫الشروط‪ ،‬يعني الدفاع عن البحث الل مجدي‪ ،‬الل مفيمد‪ ،‬غيمر المؤكمد‪ ،‬عمن الشمروط الفضمل‪ ،‬وعمن‬
‫النتقال الفوضوي غير المنظم مممن مصممنع إلممى آخممر‪ ،‬فممي بلممد جممائع‪ ،‬وسممط الفوضممى المخيفممة فممي‬
‫المواصلت والتموين‪ .‬وماذا يمكن أن تكون نتيجة هذه المحاولة الل معقولة للجمع بيممن حريممة العمممل‬
‫البورجوازيممة وبيممن التشممريك البروليتمماري لوسممائل النتمماج‪ ،‬غيممر تفكممك الطبقممة العاملممة والفوضممى‬
‫القتصادية الكاملة؟‬

‫ليس التنظيم العسكري للعمل إذن‪ ،‬أيها الرفاق‪ ،‬بالمعنى الساسي الذي ذكرته‪ ،‬ليس هممو مممن‬
‫اختراع بعض الشخاص السياسيين أو وزارة حربيتنما‪ ،‬بمل أنمه يبمدو كطريقمة حتميمة فمي تنظيمم اليمد‬
‫حا‪ ،‬كممما جمماء فممي‬
‫العاملة وضبطها في عصر النتقال من الرأسمالية إلى الشممتراكية‪ ،‬وإذا كممان صممحي ً‬
‫قرار المنشفيك‪ ،‬إن كل هذه الشكال )التوزيممع اللزامممي لليممد العاملممة‪ ،‬وإلحاقهمما المممؤقت أو الممدائم‬
‫ببعض الفروع أو المشاريع‪ ،‬وتنظيمها المتجاوب مع الخطة القتصادية الحكومية( تؤدي إلممى انخفمماض‬
‫النتاجية‪ ،‬فلنرسم إذن إشممارة الصممليب علممى الشممتراكية‪ .‬ذلممك لنممه يسممتحيل بنمماء الشممتراكية علممى‬
‫انخفاض النتاج‪ .‬إن كل تنظيم اجتماعي يستند إلى تنظيممم العمممل‪ .‬وإذا كممان تنظيمنمما الجديممد للعمممل‬

‫‪86‬‬
‫ممما إلممى الممدمار‪،‬‬
‫يفضي إلى نقص النتاج‪ ،‬فإن المجتمع الشتراكي الذي في طريق البنمماء سيسممير حت ً‬
‫مهما كانت مهارتنا ومهما كانت تدابير النجارة التي نتصورها‪.‬‬

‫إنما لهذه السباب قلت‪ ،‬من البداية‪ ،‬إن الحجج المنشفيكية ضد التنظيم العسكري تقودنمما إلممى‬
‫مما غيمر‬ ‫قما أن العممل اللزاممي كمان دو ً‬ ‫لب مشكلة تنظيم العمل وتأثيره على النتماج فهمل صمحيح ح ً‬
‫منتج؟ إننا مرغمون على الرد على هذه الحجة بأنها واحد من أفقر الحكام المسبقة وأكثرها ليبرالية‪.‬‬
‫إن المسألة كلها تكمن في أن نعرف من يمارس الكراه‪ ،‬وضد من ولماذا؟ أي دولممة‪ ،‬أي طبقمة‪ ،‬فممي‬
‫ما وأدى إلى زيادة النتمماج‪.‬‬ ‫أي الظروف‪ ،‬بأي الطرائق؟ لقد كان تنظيم الرق‪ ،‬في بعض الشروط‪ ،‬تقد ً‬
‫وا كبيًرا في ظل النظام الرأسمالي‪ ،‬وبالتالي في عصممر الشممراء والممبيع الحممر لليممد‬ ‫ولقد نما النتاج نم ً‬
‫العاملة في سوق العمل‪ .‬لكن العمل الحر والرأسمالية بكاملها قد قضت عليهما الحرب نهائي ًمما عنممدما‬
‫دخل في المرحلممة المبرياليممة‪ .‬إن القتصماد العمالمي كلمه دخمل فممي مرحلممة مممن الفوضممى الدمويمة‪،‬‬
‫والهممزات الرهيبممة‪ ،‬والتعممري‪ ،‬والضمممحلل‪ ،‬ودمممار الجممماهير الشممعبية‪ .‬فهممل يمكننمما فممي مثممل هممذه‬
‫الشروط‪ ،‬أن نتكلم عن إنتاجية العمل الحمر‪ ،‬بينمما تختفمي ثممار همذا العممل أكمثر ممما تمبرز بعشمرة‬
‫أضعاف؟ لقد أثبتت الحرب المبريالية والنتائج التي نجمممت عنهمما اسممتحالة وجممود مجتمممع قممائم علممى‬
‫العمل الحر بعد اليوم‪ .‬أم لعل أ؛دهم يملك السر الذي سيسمح بتحرير العمممل الحممر مممن نوبممة جنممون‬
‫المبريالية‪ ،‬أو بتعبير آخر‪ ،‬الذي سيسمح بإرجاع التطور الجتماعي خمسين أو مئة عممام إلممى المموراء؟‬
‫حا أن تنظيمنا للعمل‪ ،‬الذي يجب أن يحل محممل الرأسمممالية‪ ،‬والمرسمموم حسممب خطممة‬ ‫وإذا كان صحي ً‬
‫معينة‪ ،‬واللزامي بالتالي‪ ،‬يؤدي إلى ضعف القتصاد‪ ،‬فهذا سيعني نهاية كل ثقافتنمما وتراجممع النسممانية‬
‫نحو البربرية والهمجية‪.‬‬

‫لكن من حسن حظ النسانية قاطبة ل روسيا السوفياتية وحدها‪ .‬إن فلسفة النتاجيممة الضممعيفة‬
‫ما وفي جميع الشروط" ل تعدو أن تردد لزمة ليبرالية قديمة‪ .‬إن إنتاجيممة العمممل‬‫للعمل اللزامي "دو ً‬
‫دا‪ ،‬ول يمكن في أي حال من الحوال أن‬ ‫ً‬ ‫تعقي‬ ‫الكثر‬ ‫الجتماعية‬ ‫الشروط‬ ‫بمجموع‬ ‫كمية تعسفية تتعلق‬
‫قا بشكل حقوقي من أشكال العمل‪.‬‬ ‫تقاس أو تحدد مسب ً‬

‫إن كل تاريخ النسانية هو تاريخ تنظيم وتربية النسان الجتماعي بالعمل‪ ،‬بهدف الحصممول منممه‬
‫فا بأن أعبر‪ ،‬كسول‪ ،‬أي يحاول بممالغريزة أن‬ ‫على إنتاجية أكبر‪ .‬إن النسان لهو‪ ،‬كما سمحت لنفسي آن ً‬
‫يحصل بأقل جهد ممكن على أكبر حد ممكن من المنتجات‪ .‬وبدون هذا الميمل‪ ،‬لمن يكممون ثممة وجممود‬
‫للتطور القتصادي‪ .‬إن نمو الحضارة يقاس بإنتاجية النسان‪ ،‬وكل شكل جديممد مممن أشممكال العلقممات‬
‫الجتماعية ينبغي أن يمتحن على حجر المحك هذا‪.‬‬

‫إن العمل "الحر" لم يظهر إلى النور على حين غرة بكل قوة إنتاجيته‪ .‬إنه لم يصل إلى إنتاجية‬
‫عالية إل تدريجًيا‪ ،‬وعلى إثر تطبيق طويل المد لطممرائق تنظيممم وتثقيممف العمممل‪ .‬ولقممد اسممتخدم هممذا‬
‫التثقيف مختلف الطرائق والوسائل التي كانت تتبدل‪ ،‬علوة على تنوعها‪ ،‬حسب العصور‪ .‬في البدايممة‬
‫كانت البورجوازية تطرد بالعصا الغليظة الفلح الموجيك خارج قريته وتلقي به على عارضة الطريممق‪،‬‬
‫بعد أن تكون قد انتزعت منه أراضيه‪ .‬وحين كان ل يريد أن يعمل في المصممنع‪ ،‬كممانت تممدمغه بالحديممد‬
‫الحمر‪ ،‬وتشنقه‪ ،‬وترسله إلى العمل الجباري في تجذيف السفن‪ ،‬إلى أن يعتمماد البممائس فممي النهايممة‬
‫على العمل في المصنع‪ .‬وكما نرى‪ ،‬فإن هذه المرحلة من العمل "الحر" ل تختلف إل قليل ً للغاية عممن‬
‫الشغال الشاقة‪ ،‬سواًءا من زاوية الشروط المادية أم من وجهة النظر الشرعية‪.‬‬

‫ولقد لجأت البورجوازيممة‪ ،‬فممي عصممور مختلفممة‪ ،‬وبنسممب متباينممة‪ ،‬إلممى الحديممد الحمممر والقمممع‬
‫ووسائل القناع في آن واحد‪ .‬ولقد قدم إليها الكهنة‪ ،‬في هذا المجال‪ ،‬مسمماعدة ل تقممدر بثمممن‪ .‬فمنممذ‬
‫القرن السادس عشر‪ ،‬كانت قد أدخلت الصلح على الدين الكاثوليكي القديم الممذي كممان يممدافع عنممه‬
‫دا‪ ،‬دين "الصمملح" الممذي يجمممع بيممن حريممة الممروح‬ ‫النظام القطاعي‪ ،‬وتبنت من أجل حاجاتها ديًنا جدي ً‬
‫ما مخلصممين‪ .‬ولقممد طممورت‬ ‫سا روحيين لها وخد ً‬ ‫وحرية التجارة والعمل‪ .‬واتخذت من الكهنة الجدد حرا ً‬
‫البورجوازية المدرسة والصحافة والمجالس البلديمة والبرلممان بهمدف تكموين أفكمار الطبقمة العاملمة‬
‫لصالحها‪ .‬إن مختلف أشكال الجرة )المياومة‪ ،‬وعلى القطعة‪ ،‬والمقاولة‪ ،‬والعقد الجماعي( ل تشممكل‬
‫بين يدي البورجوازية إل وسائل متنوعة لترويض البروليتاريا على العمل‪ .‬وتنضم إليها مختلمف أشمكال‬
‫التشجيع على العمل والتحريض على الوصولية‪ .‬وأخيًرا‪ ،‬لقد عرفت البورجوازية كيف تضع يمدها علمى‬

‫‪87‬‬
‫النقابات ومنظمات الطبقة العاملة‪ ،‬وتستفيد منها إلى أبعد الحدود في ضممبط الشممغيلة‪ .‬لقممد روضممت‬
‫القادة‪ ،‬وأقنعت العمال عن طريقهم بضرورة الجتهاد والعمل الهادئ‪ ،‬وإنجاز مهمتهم بصممورة مثاليممة‪،‬‬
‫والتنفيذ الدقيق لقوانين الدولة البورجوازية‪ .‬ولقد وجد كل هذا العمل تتويجه فممي نظممام تممايلور الممذي‬
‫تتحد فيه عناصر التنظيم العلمي لعملية النتاج بأمهر الطرق في استثمار جهد العامل إلى أقصى حممد‬
‫ممكن‪.‬‬

‫ما مممن التاريممخ‬ ‫ويتبين بوضوح مما قلناه أن إنتاجية العمل الحر ليست شيًئا محد ً‬
‫دا‪ ،‬مقرًرا‪ ،‬مقد ً‬
‫على صحن من الفضة‪ .‬كل! إنهمما نتيجممة سياسممة طويلممة عنيممدة‪ ،‬رادعممة‪ ،‬تربويممة‪ ،‬تنظيميممة‪ ،‬منشممطة‪،‬‬
‫تنتهجها البورجوازية ** من المنتجات من جهممد العمممال‪ ،‬وكممان السممتئجار الختيمماري‪ ،‬الشممكل الوحيممد‬
‫دا من أقوى السلحة بين أيديها‪.‬‬ ‫للعمل الحر‪ ،‬الطبيعي‪ ،‬السليم‪ ،‬المنتج والمأمون‪ ،‬واح ً‬

‫إن التاريخ لم ولن يعرف شمكل ً حقوقًيما للعممل يضممن ممن تلقماء نفسمه النتاجيمة‪ .‬إن الغلف‬
‫الحقوقي للعمل يتعلق بعلقات العصر ومفاهيمه‪ .‬إن إنتاجية العمل تتطور على أساس تطممور القمموى‬
‫التكتيكية‪ ،‬وتثقيف العمل‪ ،‬وتلؤم الشغيلة التدريجي مع وسائل النتاج التي تتبدل باستمرار‪ ،‬والشكال‬
‫الجديدة للعلقات الجتماعية‪.‬‬

‫إن تشييد المجتمع الشمتراكي يعنمي تنظيمم الشمغيلة علمى أسمس جديمدة وتلؤمهمم ممع همذه‬
‫السس‪ ،‬وإعادة تثقيفهم بهدف زيادة النتاجية باستمرار‪ .‬وعلى الطبقممة العاملممة أن تقمموم مممن تلقمماء‬
‫نفسها‪ ،‬بقيادة طليعتها‪ ،‬بإعادة تثقيف نفسها اشتراكًيا‪ .‬ومن لم يفهممم ذلممك‪ ،‬فهممذا معنمماه أنممه ل يفهممم‬
‫شيًئا من ألف باء البناء الشتراكي‪.‬‬

‫ما هي إذن طرائقنا في إعادة تثقيف الشغيلة؟ إنها أوسع بما ل يقاس من طرائق البورجوازية‪،‬‬
‫وهي علوة على ذلك مستقيمة‪ ،‬شممريفة‪ ،‬صممريحة‪ ،‬نقيممة مممن كممل ريمماء ومممن كممل كممذب‪ .‬لقممد كممانت‬
‫البورجوازية مرغمة على اللجوء إلى الكذب لتصور عملها على أنه حر‪ ،‬في حيممن أنممه فممي الواقممع لممم‬
‫دا‪ .‬ذلممك إنممه كممان عمممل الغالبيممة لصممالح القليممة‪.‬‬
‫ضا مستعب ً‬ ‫ضا اجتماعًيا فحسب‪ ،‬بل كان أي ً‬ ‫يكن مفرو ً‬
‫وبالمقابل فإننا ننظم العمل لصالح الشغيلة أنفسهم‪ ،‬ولهذا فممإن ممما مممن شمميء يمكممن أن يممدفنا إلممى‬
‫إخفمماء أو تقنيممع الطممابع اللزامممي اجتماعي ًمما لتنظيممم العمممل‪ .‬إننمما ل نممدري ممماذا نفعممل بحكايمما الكهنممة‬
‫والليبراليين والكاوسكيين‪ .‬إننا نقول علًنا وصراحة للجماهير أنها ل تستطيع أن تنقذ وترفع وتقود البلد‬
‫الشتراكية إلى مركز ل مع إل مقابل عمل حازم‪ ،‬وانضباط صارم‪ ،‬وأكبر دقة في مواعيممد العمممل مممن‬
‫جانب كل شغيل‪ .‬إن أهم وسائلنا هي عمل الفكممرة‪ ،‬أي الدعايمة ل لفظي ًمما فحسمب بممل فعلًيما وعملي ًمما‬
‫فمما تجمماه الطبقممة العاملممة‪.‬‬
‫ضا‪ .‬إن إلزامية العمل تتخذ طابًعا إكراهًيا‪ ،‬لكن هذا ل يعني أنها تشكل عن ً‬ ‫أي ً‬
‫ولو اصطدمت إلزامية العمل بمعارضة القسم العظم من الشغيلة‪ ،‬لكان حكم عليها بممالموت ومعهمما‬
‫النظام السمموفياتي‪ .‬إن التنظيممم العسممكري للعمممل‪ ،‬حيممن يصممطدم بمعارضممة الشممغيلة‪ ،‬يكممون أشممبه‬
‫بطرائق آراكتشييف‪ .‬إن تنظيممم العمممل عسممكرًيا بممإرادة الشممغيلة أنفسممهم لهممو طريقممة مممن طممرائق‬
‫الديكتاتورية الشتراكية‪ .‬أما أن إلزامية العمل وتنظيمه العسكري يغتصمبان إرادة الشمغيلة‪ ،‬كمما كمان‬
‫شأن العمل "الحر"‪ ،‬فهذا ما يدحضه بشكل قاطع إلهام الشغيلة المتطوعين الواسع في "أيام السبت‬
‫الشيوعية"‪ ،‬هذا الحدث الفريد من نوعه في تاريخ النسانية‪ .‬إن العالم لمم يشمهد شميًئا كهمذا فمي أي‬
‫زمن من الزمان‪ .‬إن الشغيلة يبرهنون بشكل رائع‪ ،‬بعملهممم الختيمماري والمتجممرد – مممرة واحممدة فممي‬
‫السبوع وأحياًنا أكثر من مرة – على أنهم مستعدون ل لتحمل عبء العمل "الجبمماري" فحسممب‪ ،‬بممل‬
‫ليقدموا للحكومة عمل ً إضمافًيا‪ .‬أن "أيمام السمبت الشميوعية" ليسمت إل أمثلمة رائعمة علمى التضمامن‬
‫ضا لنجاح تطبيق إلزامية العمل‪ .‬إن علينا‪ ،‬بواسطة الدعاية‪ ،‬أن نوضممح‬ ‫الشيوعي‪ ،‬لكنها أوثق ضمانة أي ً‬
‫ونوسع ونعزز هذه الميول الشيوعية العميقة الجذور‪.‬‬

‫إن السلح المعنوي الرئيسي في يد البورجوازية هو الدين‪ .‬في حين أن سمملحنا‪ ،‬نحممن‪ ،‬هممو أن‬
‫حا صادًقا حقيقة المور‪ ،‬وأن ننشممر المعلومممات الطبيعيممة والتاريخيممة والتكنيكيممة‪،‬‬
‫نشرح للجماهير شر ً‬
‫وأن ندرب الجماهير على الخطة العامة للقتصاد الحكومي التي يجب أن يتم على أساسمها اسمتخدام‬
‫اليد العاملة التي تملكها السلطة السوفياتية‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫إن القتصاد السياسي قد قدم لنا‪ ،‬في الماضي‪ ،‬أهم مصادر عملنا ودعايتنا‪ :‬فلقممد كمان النظممام‬
‫الرأسمالي الجتماعي لغًزا ولقد كشفنا اللثام عن هذا اللغز للجممماهير‪ .‬واللغمماز الجتماعيممة تتكشممف‬
‫الن للجماهير بواسطة آلية النظممام السمموفياتي بالممذات‪ ،‬هممذا النظممام الممذي يسمملم الشممغيلة مختلممف‬
‫المناصب‪ .‬وكلما تقدمنا‪ ،‬أخذ القتصاد السياسي المزيد من الهمية التاريخيممة‪ .‬إن العلموم‪ ،‬الممتي تفيممد‬
‫في تنقيب الطبيعة وفي إيجاد وسائل الكفيلة بإخضاعها لرادة النسان‪ ،‬تحتل اليوم مكانة الصدارة‪.‬‬

‫إن على النقابات أن تشرع‪ ،‬على أوسع مدى‪ ،‬في التثقيف العلمممي والتكنيكممي‪ ،‬حممتى يجممد كممل‬
‫عامل في عمله الخاص دافًعا له على العمل الفكري النظري‪ .‬والنظرية‪ ،‬بارتدادها نحو العمل‪ ،‬تزيممده‬
‫إتقاًنا وإنتاجية‪.‬‬

‫إن على الصحافة أن ترتفع إلممى مسممتوى مهممام المموطن‪ ،‬ل كممما تفعممل ذلممك الن فحسممب‪ ،‬أي‬
‫ضا باتجاه مناقشة ودراسة للمهام والخطط والوسائل‬ ‫باتجاه تحريض عام لحياء الطاقة العاملة‪ ،‬بل أي ً‬
‫القتصادية العينية‪ ،‬بهدف إيجاد الحل لها‪ ،‬وبخاصة من أجل التحقق من النتائج المكتسبة وتقييمها‪ .‬إن‬
‫ما إنتاج أهم المصانع‪ ،‬لتسجل النجاح والخفاق‪ ،‬ولتشجع هممؤلء وتفضممح‬ ‫ما فيو ً‬
‫على الصحف أن تتبع يو ً‬
‫أولئك‪..‬‬

‫إن الرأسمالية الروسية‪ ،‬نتيجة لطابعها المتخلف واستقللها وما ينتج عنهما من ملمح طفيليممة‪،‬‬
‫قد نجحت‪ ،‬بدرجة أدنى من درجة نجاح رأسمالية أوروبا‪ ،‬في تعليم وتثقيف الجماهير العماليمة تكنيكًيما‬
‫وضبطها صناعًيا‪ .‬وهذه المهمة تقع اليوم بكاملهمما علممى منظمممات البروليتاريمما النقابيممة‪ .‬إن المهنممدس‬
‫الممتاز والميكانيكي الممتاز والمصلح الممتاز يجب أن يلقموا فمي روسمميا السموفياتية نفمس الشممهرة‬
‫والمجد اللذين كان يلقاهما في الماضي أجرأ المحرضين والمناضلون الثوريون‪ ،‬وفي زمننا هممذا أجممرأ‬
‫الضباط والقوميساريين وأقدرهم‪ .‬إن كبار قادة التكنيك وصغارهم يجب أن يحتلوا مكانة الشرف فممي‬
‫التفكير العام‪ ،‬ول بد من إرغممام العمممال الرديئيممن علممى الشممعور بالخجممل مممن أنهممم ليسمموا بمسممتوى‬
‫مهمتهم‪.‬‬

‫دا‪ ،‬ومممن المتوقممع أن تسممتمر الحممال هكممذا مممدة‬‫أن الجور العمالية في روسيا ما تزال تدفع نق ً‬
‫طويلة‪ .‬لكن كلما تقدمنا‪ ،‬بات علينا من الواجب أكثر أن نكفل لجميممع أعضممالء المجتمممع كممل ممما هممو‬
‫ضروري لهم وعلى هذا فسوف تفقد الجور كل سبب للوجود‪ .‬نحن لسنا أغنياء بما فيممه الكفايممة فممي‬
‫الساعة الراهنة لتحقيق مثل هذا المر‪ .‬إن زيادة كمية السلع المصنوعة هممي المهمممة الرئيسممية الممتي‬
‫ترتبط بها سائر المهام الخرى‪ .‬إن الجور ليست بالنسبة إلينا‪ ،‬في المرحلة الصممعبة الراهنممة‪ ،‬وسمميلة‬
‫لتخفيف عبء الحياة على كل شغيل‪ ،‬بل وسيلة لتقممدير ممما يقممدمه كممل شممغيل بعملممه إلممى الجمهممور‬
‫العمالية‪.‬‬

‫ولهذه السباب‪ ،‬فإن الجور‪ ،‬أسوأ منها النقدية أم العينية‪ ،‬يجب أن تتناسب إلى أكبر حد ممكن‬
‫مع إنتاجية العمل الفردي‪ .‬لقد كان هدف العمل بالقطعة والعمل على أساس التلزيم‪ ،‬وهدف تطممبيق‬
‫نظام تايلور‪ ،‬إلخ‪ ،‬زيادة استغلل العمال واستلبهم فضممل القيمممة‪ .‬وعلممى إثممر تشممريك النتمماج‪ ،‬يصممبح‬
‫هدف العمل بالقطعة والعمل على أساس التزلمي زيادة النتاج الشممتراكي وبالتممالي زيممادة الرفاهيممة‬
‫المشتركة‪ .‬والشغيلة الذين يساهمون أكثر من غيرهم في الرفاهية العامة لهم الحممق فممي أن يأخممذوا‬
‫حصة من النتاج الجتماعي أكبر من حصلة الكسالى والمتهاونين والفوضويين‪.‬‬

‫وأخيًرا فإن الدولممة العماليممة‪ ،‬بمكافأتهمما البعممض‪ ،‬ل تسممتطيع إل أن تعمماقب الخريممن‪ ،‬أي الممذين‬
‫يعرقلون‪ ،‬في كل الظروف والمناسمبات‪ ،‬التضمامن العممالي‪ ،‬ويخربمون العممل المشمترك‪ ،‬ويسممببون‬
‫ضرًرا كبيًرا لقضية النهوض الشتراكي بالبلد‪ .‬وأن الردع الهادف إلى تحقيممق الممماهم القتصممادية هممو‬
‫سلح ضروري للديكتاتورية الشتراكية‪.‬‬

‫إن جميع التدابير التي عددناها – بالضافة إلى بعممض التممدابير الخممرى‪ .‬يجممب أن تضمممن تطممور‬
‫دا‪ .‬إن‬
‫روح المنافسة في ميدان النتاج‪ .‬وبدون هذا يستحيل علينا أن نرتفع فوق مسممتوى منخفممض جم ً‬
‫المنافسة التي تقوم على غريزة حيوية – النضال من أجل الحيمماة – تتخممذ طممابع المزاحمممة فممي ظممل‬
‫النظام البورجوازي‪ .‬إن المنافسة لمن تختفمي ممن المجتممع الشمتراكي المتطمور‪ ،‬بمل سمتأخذ‪ ،‬كلمما‬
‫‪89‬‬
‫ضمما أكممثر فمأكثر‪.‬‬
‫دا وعقائدًيما مح ً‬ ‫توفرت فيه على نطاق أوسع الرفاهية الضرورية للجميع‪ ،‬طابًعا متجر ً‬
‫إنها سممتعبر عممن نفسممها بالميممل إلممى تأديممة أكممبر الخممدمات الممكنممة إلممى القريممة والقضمماء والمدينممة‬
‫والمجتمع كله‪ ،‬لتجد مكافأتها في الشعبية‪ ،‬والعتراف العام بالجميل‪ ،‬والمودة‪ ،‬وأخيًرا‪ ،‬وبكل بساطة‪،‬‬
‫في الرضى الداخلي الذي يشعر به من يعرف أنه أدى مهمته على الوجه الكمل‪ .‬لكن المنافسة‪ ،‬في‬
‫مرحلة النتقال الصممعبة‪ ،‬وفممي شممروط الفقممر المممادي المممدقع والتطممور الضممعيف لعاطفممة التضممامن‬
‫ما‪ ،‬وإلى حممد ممما‪ ،‬بالرغبممة‬ ‫الجتماعي‪ ،‬أقول أن المنافسة‪ ،‬في مثل هذه الشروط‪ ،‬ينبغي أن ترتبط حت ً‬
‫في الحصول على سلع للستعمال الشخصي‪ .‬هذه هي‪ ،‬أيها الرفاق‪ ،‬الوسمائل المتي تملكهما الحكوممة‬
‫العمالية لرفع إنتاجية العمل‪ .‬وكما نرى‪ ،‬ليس ثمة ههنا من حل جاهز‪ .‬إن الحممل غيممر موجممود فممي أي‬
‫كتاب‪ .‬ول يمكن بالصل أن يوجد بعد كتاب للحلول‪ .‬ونحن لم نفعل شيًئا سمموى أننمما بممدأنا فممي كتممابته‬
‫بدم الشغيلة وعرفهم‪ .‬إننا نقول‪ :‬أيها العمال والعاملت‪ ،‬إنكم تدخلون في طريق العمل المنظم‪ .‬ولن‬
‫تبنوا المجتمع الشتراكي إل بمثابرتكم عليه‪ .‬إنكم تواجهون مهمة لن ينجزها أحد لكممم‪ :‬زيممادة إنتاجيممة‬
‫العمل على أسس اجتماعية جديدة‪ .‬وإذا لم نحل المشكلة‪ ،‬فقد هلكنا‪ .‬أما إذا حللناهمما‪ ،‬فسممنكون قممد‬
‫تقدمنا بالنسانية خطوة كبيرة‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫جيوش العمل‬
‫إنما عن الطريمق التجريممبي‪ ،‬ل بالعتمماد علمى الشمروط النظريمة‪ ،‬توصملنا إلمى طمرح مسمألة‬
‫استخدام الجيش في مهممام العمممل )وهممي مسممألة أخممذت عنممدنا أهميممة نظريممة كممبيرة(‪ .‬لقممد شمماءت‬
‫الظروف‪ ،‬في بعض المناطق النائية من روسيا السوفياتية‪ ،‬أن تبقى قوى عسممكرية هامممة حقبممة مممن‬
‫الزمن دون أن تساهم في أي عملية عسكرية‪ .‬ولقمد كمان ممن الصمعوبة بمكمان أن نقمذف بهما علمى‬
‫الجبهات الخرى التي يدور فيها القتال‪ ،‬وبخاصة في الشممتاء‪ ،‬نظمًرا لممدمار المواصمملت‪ .‬هممذا ممما كممان‬
‫عليه‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬وضع الجيش الثالث الموجود في منطقة الورال‪ .‬إن المناضلين الذين كانوا‬
‫على رأس هذا الجيش‪ ،‬والذين كانوا يعلمون أنه ليممس بمقممدورنا بعممد أن نسممرحه طرحمموا مممن تلقمماء‬
‫عا شبه كامل عن جيش‬ ‫أنفسهم مسألة النتقال إلى العمل البناء‪ .‬وهكذا أرسلوا إلى "المركز" مشرو ً‬
‫العمل‪.‬‬

‫جا بما فيممه‬


‫كانت المهمة جديدة وغير سهلة‪ .‬هل سيعمل الجنود الحمر؟ هل سيكون عملهم منت ً‬
‫الكفاية؟ هل سيكون له من مبرر؟ كممانت الشمكوك تنتابنما حممتى نحممن فممي هممذا الموضمموع‪ .‬ول حاجممة‬
‫للقول أن معظم المنشفيك كانوا معارضين‪ .‬ففي "مؤتمر سوفييتات القتصمماد القمومي"‪ ،‬فمي كمانون‬
‫الثاني أو في مطلع شباط على ما يخيل إلي‪ ،‬أي حين لم تكن المسألة بعد إل في مرحلممة المشممروع‪،‬‬
‫ممما‪ ،‬وأن هممذا المشممروع جنمموني‪ ،‬وأنممه طوبائيممة جممديرة‬ ‫راح أبراممموفيتش يتنبممأ بأننمما سنفشممل حت ً‬
‫بآراكتشييف‪ ،‬وهكذا ودواليك‪ .‬وكنا نرى المور بغير هذا المنظار‪ :‬يقين ًمما إن الصممعوبات كممبيرة‪ ،‬لكنهمما ل‬
‫تتميز مبدئًيا عن سائر صعوبات البناء السوفياتي بصورة عامة‪.‬‬

‫ولننظر إلى ما يمثله جهاز الجيش الثالث فعلًيا؟ لم تكن قد تبقت منممه إل قمموات قليلممة‪ :‬فرقممة‬
‫رماة وفرقة فرسان )المجموع خمس عشرة كتيبة( بالضافة إلى فيلقين خاصين‪ .‬أممما بمماقي القمموات‬
‫ما‪،‬‬
‫فقد وزع قبل مدة طويلة على الجيوش الخرى وعلى الجهات‪ .‬لكن جهاز قيادة الجيش ظممل سمملي ً‬
‫وكنا نرجح أنه سيتوجب علينا فمي الربيمع أن نرسمله‪ ،‬عمن طريمق الفولغما‪ ،‬إلمى جهمة القفقماس ضمد‬
‫دينيكين الذي لم يكن قد سحق آنذاك نهائًيا‪ .‬كممان الجيمش الثمالث هممذا يضممم حمموالي ‪ 120000‬رجممل‬
‫موزعين على الركان العامة والخدمات والسلحة والسعاف إلخ‪ .‬وكان العنصممر الفلحممي هممو السممائد‬
‫فيه‪ ،‬وكان يضم ‪ 16000‬شيوعي أو نصير معظمهم من عمال الورال‪ .‬وهكذا كان هذا الجيش يمثممل‪،‬‬
‫ما عسمكرًيا بقيمادة العممال الطليعييمن‪ .‬وكمان عمدد ل بمأس بمه ممن‬ ‫بتركيبه‪ ،‬كتلة فلحية منظمة تنظي ً‬
‫الختصاصيين العسكريين يعملون فيه‪ .‬كانوا يشغلون مناصب عسكرية هامممة‪ ،‬ويعملممون تحممت رقابممة‬
‫الشيوعيين العامة‪ .‬ولو ألقينا نظرة على مجموع الجيش الثالث لرأينا أنممه يعكممس روسمميا السمموفياتية‬
‫كلها‪ .‬فلو أخذنا الجيش الحمر بمجموعه‪ ،‬أو تنظيم السلطة السوفياتية في محافظة من المحافظات‬
‫أو في إقليم أو في الجمهورية كلها‪ ،‬بما فيه الجهزة القتصادية‪ ،‬لوجدنا في كل مكان هيكممل التنظيممم‬
‫نفسه‪ .‬ألوف من الفلحين‪ ،‬أطر هم في أشكال جديدة من الحياة السياسية والقتصادية والجتماعيممة‬
‫العمال المنظمممون الممذين يلعبممون الممدور القيممادي فممي جميممع ميممادين البنمماء السمموفياتي‪ .‬وصممحيح أن‬
‫الختصاصيين المتخرجين من المدرسة البورجوازية يشغلون المناصب الممتي تتطلممب معممارف خاصممة‪،‬‬
‫وصحيح أنهم يتمتعممون بالسممتقلل الممذاتي الضممروري‪ ،‬لكممن الرقابممة علممى عملهممم تظممل بيممد الطبقممة‬
‫العاملة‪ ،‬المتجسدة في حزبهمما الشمميوعي‪ .‬وأن تطممبيق إلزاميممة العمممل ليممس ممكن ًمما‪ ،‬فممي نظرنمما‪ ،‬إل‬
‫بشرط أن تتم التعبئة من بين صفوف بروليتاريا الرياف تحممت قيممادة العمممال المتقممدمين‪ .‬وهكممذا لممم‬
‫نواجه ولم يكن من الممكن أن نواجه أي عقبة مبدئية في عمل الجيش لغراض البناء‪ .‬وبتعممبير آخممر‪،‬‬
‫أن العتراضممات المبدئيممة لولئك المنشممفيك أنفسممهم علممى جيمموش العمممل لممم تكممن فممي الواقممع إل‬
‫اعتراضممات علممى العمممل "اللزمممي" بصممورة عامممة‪ ،‬وبالتممالي علممى إلزاميممة العمممل وعلممى الطممرائق‬
‫السوفياتية في البناء الشتراكي في مجموعها‪ .‬وأننا لم ند صعوبة في دحضها‪.‬‬

‫ما من تلقاء نفسه مع قيممادة عمليممات العمممل‪.‬‬ ‫من المتفق عليه أن الجهاز العسكري ليس متلئ ً‬
‫ونحن لم نفعل شيًئا بالصل في هذا التجاه‪ .‬إن القيادة يجب أن تظل فممي يممدي الجهممزة القتصممادية‬
‫المناسبة‪ .‬والجيش يقدم اليد العاملة الضرورية تحت شكل وحممدات متماسممكة منظمممة تسممتطيع فممي‬
‫مجموعها أن تقوم بتنفيذ العمال المتجانسة البسيطة‪ :‬تنظيممف السممكك الحديديممة مممن الثلمموج‪ ،‬قطممع‬
‫الحطب‪ ،‬أعمال البناء‪ ،‬تنظيم الشحن‪ ،‬إلخ‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫وقد أصبحت لدينا الن خبرة ل بأس بها في موضوع استخدام جيش العمل‪ ،‬ونستطيع مممن الن‬
‫دا أن نتجاوز مرحلة التنبؤات‪ .‬فما النتائج التي يجب أن نستخلصها من هذه التجربة؟ لقد تعجممل‬ ‫فصاع ً‬
‫المنشفيك في استخلصها‪ .‬فلقد صرح آبراموفيتش‪ ،‬خطيبهم‪ ،‬نفسه في مممؤتمر عمممال المنمماجم بأننمما‬
‫فشلنا وبأن جيش العمل ليس إل منظمة طفيلية يقوم فيهمما مئة رجممل بخدمممة عشممرة مممن الشممغيلة‪.‬‬
‫فهل هذا صحيح؟ كل إنه لنقد حاقد يقوم به بخفة أناس يعيشون على الهامش‪ ،‬ويجهلمون الوقمائع‪ ،‬ول‬
‫يفعلون شيًئا سوى أن يجمعوا من أينما كان النفايات والقذار‪ ،‬أسواء ليقممرروا فشمملنا أم ليتنبممؤوا بممه‪.‬‬
‫ممما‪ ،‬وقممد أثبتممت حيويتهمما‪ ،‬وهممي‬
‫ما ها ً‬
‫والواقع أن جيوش العمل لم تخفق‪ ،‬بل حققت على العكس تقممد ً‬
‫تتطور الن وترسخ أقدامها أكثر فأكثر‪ .‬أما الذين أخفقوا فهم النبياء أنفسهم الذين كممانوا ينبممؤون لنمما‬
‫بأن هذا المشروع لن يثمر شيًئا‪ ،‬وبأن ما من أحد سيعمل‪ ،‬وبأن الجنود الحمر لممن ينتقلمموا إلممى جبهممة‬
‫العمل بل سينصرفون بكل بساطة إلى بيوتهم‪.‬‬

‫لقممد كممانت هممذه العتراضممات تمليهمما الريبيممة البورجوازيممة الصممغيرة‪ ،‬ونقممص الثقممة بالجممماهير‬
‫وبالمبادهة التنظيمية الجريئة‪ .‬لكن ألم يكن علينا أن نفند العتراضات نفسها‪ ،‬في الحقيقة‪ ،‬عندما كنا‬
‫نقوم بالتعبئة الكبيرة للمهام العسكرية؟ لقد حاولوا‪ ،‬في تلك الحقبة‪ ،‬أن يخيفونا بالتلويح بشبح هممرب‬
‫الجنود الجماعي‪ ،‬المحتممم‪ ،‬كمما كمانوا يقولممون‪ ،‬بعممد الحمرب المبرياليمة‪ .‬وبمديهي أن حمموادث الهمرب‬
‫دا عن أن يأخذ طابًعا جماعًيا بالصممورة الممتي تنبممؤوا لنمما بهمما‪ .‬أنممه لممم‬
‫وقعت‪ .‬لكن التجربة بينت أنه بعي ً‬
‫يخرب الجيش‪ :‬فالرابطة الروحية والتنظيمية‪ ،‬والتطوع الشيوعي والكراه الحكممومي فممي مجموعهمما‪،‬‬
‫أتماحت إمكانيمة تعمبئة الملييمن ممن الرجمال‪ ،‬وتكموين العديمد ممن التشمكيلت‪ ،‬وتنفيمذ أعقمد المهمام‬
‫العسكرية‪ .‬ومختصر القول أن الجيش قد انتصر‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق بالعمل‪ ،‬فقد كنا نتوقع النتائج نفسها‪ .‬ولم يخب أملنا‪ .‬فالجنود الحمر لممم يهربمموا‬
‫حين انتقلنا من جبهة الحرب إلى جبهمة العممل‪ ،‬كمما تنبمأ لنما المتشمككون‪ .‬بمل أن همذا النتقمال آثمار‬
‫دا معين ًمما مممن الجنممود قممد حمماول‬
‫حماسة كبيرة‪ ،‬بفضل التحريض والدعاية الجيدة‪ .‬وأننا ل ننكممر أن عممد ً‬
‫الفرار من الجيش‪ ،‬لكن هذا ما يحدث دًوا حين تنقل وحدات عسكرية كبيرة من جبهممة إلممى أخممرى أو‬
‫من المقدمة إلى المؤخرة‪ ،‬أو حين تتحرك بصورة عامة‪ ،‬فيتحول الفرار الحتمممالي إلممى فممرار فعلممي‪.‬‬
‫لكن ما إن تقع مثل هذه الحمالت‪ ،‬حمتى تتمدخل القطاعمات السياسمية والصمحافة والجهمزة الخاصمة‬
‫بمقاومة الفرار‪ ،‬والنسممبة الحاليممة للفممرار مممن جيمموش العمممل ل تتجمماوز نسممبة الفممرار مممن الجيمموش‬
‫المحاربة‪.‬‬

‫لقد أكدوا أن جيوش العمل لن تستطيع‪ ،‬بسبب بنيتها الداخليممة‪ ،‬أن تقممدم إل نسممبة ضممئيلة مممن‬
‫الشغيلة‪ .‬وهذا غير صحيح إل جزئًيا‪ .‬أما فيما يتعلق بالجيش الثالث فلقد حافظ‪ ،‬كما قلت‪ ،‬على جهازه‬
‫القيادي كامل ً بالضافة إلى عدد ضئيل للغاية من الوحدات العسكرية‪ .‬وطمموال الفممترة الممتي احتفظنمما‬
‫فيها‪ ،‬لعتبارات عسكرية ل اقتصممادية‪ ،‬بأركممان الجيممش وقيممادته بكاملهمما‪ ،‬كممانت نسممبة الشممغيلة الممتي‬
‫يقدمها منخفضة للغاية‪ .‬فمن بين ‪ 110000‬جندي أحمر يعملون في العمال الداريممة والقتصممادية‪ ،‬ل‬
‫يوجد بينهم من الشغيلة إل ‪ .%21‬وخدمات الحراسة اليومية ل تأخذ منهم إل ‪ ،%16‬بالرغم من العدد‬
‫الكبير للمؤسسات والمستودعات العسكرية‪ .‬وعدد المرضممى‪ ،‬وبخاصممة المصممابين بمممرض الممتيفوس‪،‬‬
‫بالضافة إلى الجهاز الطبي والصحي‪ ،‬ل يتجاوز ‪ %13‬وعدد الغائبين لسباب مختلفة )مهام‪ ،‬أجممازات‪،‬‬
‫غياب غير مشروع( كان يرتفع إلى ‪ .%25‬وهكذا فإن اليد العاملممة المتفرغممة لممم تكممن تتجمماوز ‪.%25‬‬
‫وكانت هذه النسبة هي أقصى ما يمكن أن يقدمه هذا الجيش لجبهة العمل‪ .‬والواقع أنه لم يقدم فممي‬
‫البداية إل ‪ %14‬من الشغيلة المأخوذين بصورة خاصة من فرق الفرسان والرماة‪.‬‬

‫لكن ما إن اتضح أن جيش دينيكين قد سحق وأنه يتوجب علينمما فممي الربيممع أن نرسممل الجيممش‬
‫الثالث إلى جبهة القفقاس عممن طريممق الفولغمما‪ ،‬حممتى بممدأنا فمموًرا بتصممفية مختلممف خممدمات الجيممش‬
‫وملءمة مؤسساته مع مهام العمل الجديدة بصورة أكثر عقلنية‪ .‬وبالرغم من أننمما لممم ننجممز بعممد هممذا‬
‫التحويل‪ ،‬إل أن النتائج التي أعطاها حممتى الن ليسممت بالقليلممة‪ .‬فممالجيش الثممالث القممديم يقممدم‪ ،‬فممي‬
‫الساعة الراهنة )‪ %38 ،(17‬من الشغيلة بالنسبة إلى عدد أفراده‪ .‬أما الوحدات العسكرية العاملة إلممى‬
‫جانبه في منطقة الورال فقد صارت تقدم ‪ .%49‬وهذه النتيجة ل يمكن أن نزدري بها إذا ممما قارناهمما‬
‫)‪(18‬‬
‫بنسبة الغياب‪ ،‬المبرر أو غير المبرر‪ ،‬التي تتجاوز ‪ %50‬في المصانع والمعامل‬
‫‪ : ()17‬آذار ‪.1920‬‬
‫‪ : ()18‬انخفضت هذه النسبة بصورة محسوسة الن )حزيران ‪.(1920‬‬
‫‪92‬‬
‫ولنضف إلى هذا أنه كثيًرا‪ ،‬ما يحدث أن يقوم أقارب الشغيلة بتموين المصممانع والمعامممل‪ ،‬فممي‬
‫حين أنه يتوجب على جنود الجيش الحمر أن يمونوا أنفسهم بأنفسهم‪.‬‬

‫ممما والممذين يجنممدهم‬‫وإذا ما نظرنا إلى أولئك الشبان الذين يبلغون من العمممر تسممعة عشممر عا ً‬
‫الجهاز العسكري لقطع الحطب‪ ،‬والذين يبلغ تعدادهم ‪ ،30000‬لرأينا أن أكثر من ‪ %75‬منهم يثابرون‬
‫على العمل‪ .‬وهذا بالفعل تقدم كبير‪ .‬وأنه لبرهان بين أيدينا علممى أننمما باسممتخدامنا الجهمماز العسممكري‬
‫لتعبئتهم وتدريبهم‪ ،‬نستطيع أن ندخل على وحدات العمل تعديلت ستضمن ارتفاع ًمما كممبيًرا فممي نسممبة‬
‫المساهمين في عملية النتاج المادية‪.‬‬

‫دا علممى التجربممة‬‫دا أن نعلن رأينا في إنتاجيممة جيمموش العمممل اعتممما ً‬


‫إننا نستطيع من الن فصاع ً‬
‫المكتسبة‪ .‬لقد كانت النتاجية في البداية في مختلف ميادين العمل‪ ،‬وبالرغم مممن الحماسممة الكممبيرة‪،‬‬
‫قا‪ .‬وإن قرءة البلغات الولى عن جيش العمل يمكن أن تبدو مثبطة للعزيمممة فع ً‬
‫ل‪.‬‬ ‫كبيرة النخفاض ح ً‬
‫إن تحضير ساجين )‪ (19‬مكعب من الحطب كان يتطلب‪ ،‬في اليام الولى‪ ،‬من ثلثة عشر إلممى خمسممة‬
‫ما من العمل‪ ،‬في حين أنه ل يتعدى اليوم‪ ،‬إل نادًرا للغاية‪ ،‬الثلثة أيمام‪ .‬وينبغمي أن نضميف أن‬ ‫عشر يو ً‬
‫الختصاصيين في الموضوع قادرون‪ ،‬في الشروط المناسبة‪ ،‬على تحضير ساجين مكعب يومي ًمما ولكممل‬
‫دا عمن غابمات الحتطماب‪.‬‬ ‫رجل‪ .‬فماذا حدث في الواقع؟ لقد كانت الوحدات العسكرية معسمكرة بعيم ً‬
‫وغالًبا ما كان يحدث أن تضطر إلى قطع من ستة إلى ثمانية فراسخ للوصول إلى مكان العمممل‪ ،‬مممما‬
‫كان يستغرق جزًءا كبيًرا من يوم العمل‪ .‬وكانت الفؤوس والمناشير غير متمموفرة فممي مكممان العمممل‪.‬‬
‫وكان كثير من الجنود الحمر‪ ،‬قادمين من السهوب‪ ،‬ل يعرفون الغابة ولم يحتطبمموا فممي حيمماتهم قممط‪،‬‬
‫وما كانوا معتادين على الفأس والمنشار‪ .‬وكانت لجان الحراج في القاليم والمحافظات غير متدربممة‪،‬‬
‫في البداية‪ ،‬على اسمتخدام الوحمدات العسمكرية‪ ،‬وعلمى توجيههما إلمى المكمان اللزم‪ ،‬وعلمى تموفير‬
‫الشروط الضرورية لها‪ .‬وعلى هذا فليس من المدهش أن تكون إنتاجية العمل ضممعيفة‪ .‬لكممن بعممد أن‬
‫قضينا على هذه العراقيل‪ ،‬حصلنا على نتائج مرضية أكثر بكثير أن الساجين المكعب يتطلممب‪ ،‬حسممب‬
‫المعطيات الخيرة‪ ،‬وفي الجيش الثالث نفسه‪ ،‬أربعة أيام ونصف ممن العممل‪ ،‬وهمذا ليمس ببعيمد عمن‬
‫المعيار الحالي‪ .‬والشيء المشممجع بصممورة خاصممة هممو أن النتاجيممة تممزداد بشممكل منتظممم كلممما ازداد‬
‫العمل‪.‬‬

‫والنتائج التي يمكن الوصول إليها في هذا المجال قد بينتها التجربة القصيرة‪ ،‬لكن الغنية للغاية‪،‬‬
‫التي حققتها كتيبة هندسة موسكو‪ .‬لقد بدأت القيادة العامة للهندسة‪ ،‬الممتي تتممولى العمليممات‪ ،‬بتحديممد‬
‫معيار ثلثة أيام عمل لمكعب الحطب‪ .‬وقد تم تجاوز هذا المعيار بسرعة‪ .‬ففي شهر كانون الثاني لممم‬
‫ممما‪ ،‬وهممذه‬
‫يعد "مكعب" الحطب يتطلب أكثر من يومين ونصف يوم من العمممل‪ ،‬وفممي شممباط ‪ 1.5‬يو ً‬
‫نسبة للنتاجية كبيرة الرتفاع‪ ،‬ولقد تم الوصول إلممى هممذه النتيجممة بفضممل عمممل أخلقممي‪ ،‬وقيممام كممل‬
‫شغيل بعمله على أدق وجممه‪ ،‬ويقظممة روح العممزة لممدى الشممغيل‪ ،‬وتخصمميص الجمموائز للشممغيلة الممذين‬
‫ينتجون أكثر من المعيار المحدد‪ ،‬أو على حممد تعممبير لغممة النقابممات تحديممد تعرفممة مرنممة مناسممبة لكممل‬
‫تفاوتات النتاج الفردية‪ .‬وأن هذه التجربة شبه العلمية ترسم أمامنا الطريممق الممذي يتمموجب علينمما أن‬
‫نسير فيه من الن فصاعد‪.‬‬

‫إننا نملك‪ ،‬في الساعة الراهنة‪ ،‬عدة جيوش عمل‪ .‬الجيمش الول‪ ،‬وجيموش بمتروغراد وأوكرانيما‬
‫والقفقاس والفولغا‪ ،‬والحتياطي‪ .‬ولقد ساهم الحتياطي‪ ،‬كممما نعممرف‪ ،‬فممي زيممادة طاقممة نقممل الخممط‬
‫الحديدي الممتد بين قازان وإيكاتيرينبرغ‪ .‬وأينما تمت تجربة استخدام الوحدات العسكرية ولممو بقليممل‬
‫من الذكاء‪ ،‬تكفلت النتائج بإثبات أن هذه الطريقة هي بدون أدنى ريب صحيحة وقابلة للحياة‪.‬‬

‫مما منظممات طفيليمة مهمما تكمن‬ ‫أما الرأي المسمبق القمائل أن المنظممات العسمكرية همي حت ً‬
‫الشروط‪ ،‬فقد انهار نهائًيا‪ .‬إن الجيش السوفياتي يجسممد اتجاهممات النظممام السمموفياتي الحكممومي‪ .‬إن‬
‫من الواجب أل نفكر بعد اليوم بمساعدة تلك الفكار الميتة التي خلفها لنما العهممد المنصممرم‪" :‬النزعممة‬
‫العسكرية"‪" ،‬التنظيم العسكري"‪" ،‬عمدم إنتاجيمة العممل اللزاممي"‪ ،‬وأن ننظممر دونممما احمتراس إلمى‬
‫ظواهر العهد الجديد‪ ،‬وأل ننسممى أن السممبت وجممد مممن أجممل النسممان ولممم يوجممد النسممان مممن أجممل‬
‫السبت‪ ،‬وأن كل أشكال التنظيم‪ ،‬بما فيها التنظيممم العسممكري‪ ،‬ليسممت إل أسمملحة فممي أيممدي الطبقممة‬

‫‪ : ()19‬قياس روسي يعادل ‪ 2.1326‬متًرا‪) .‬المترجم(‬


‫‪93‬‬
‫العاملة الحاكمة التي لها الحق والقدرة في أن تلئم أسلحتها وتعدلها وتعيد صنعها ما دامت لم تحصل‬
‫بعد على النتائج المطلوبة‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫حول الخطة القتصادية الموحدة‬
‫إن التطبيق الواسع للزاميممة العمممل وتممدابير تنظيممم العمممل عسممكرًيا‪ ،‬ل يمكممن أن تلعممب دوًرا‬
‫ما إل بشرط أن تطبق على أسس خطة اقتصادية موحدة تشمل كل البلد وكل فممروع الصممناعة‪.‬‬ ‫حاس ً‬
‫وأن هذه الخطة يجب أن تحسب على أساس عدد معين من السنين‪ .‬وطبيعي أن تنقسم إلى مراحل‬
‫تتناسب مع المراحل الحتمية في النهوض بممالبلد‪ .‬وأن علينمما أن نبممدأ بأبسممط المهممام وأهمهمما فممي آن‬
‫واحد‪.‬‬

‫من الضروري‪ ،‬قبل كممل شمميء‪ ،‬أن نضمممن للطبقممة العاملممة إمكانيممة الحيمماة‪ ،‬ولممو فممي أصممعب‬
‫الشروط‪ ،‬وأن نحافظ بالتالي على المراكز الصناعية وأن ننقذ المدن‪ .‬هذه هممي نقطممة النطلق‪ .‬وإذا‬
‫كنا ل نريد أن يغرق الريف المدن‪ ،‬وأن تغرق الزراعة الصناعة‪ ،‬وإذا كنا ل نريممد أن تتحممول البلد إلممى‬
‫ريف‪ ،‬فإن علينا أن نحافظ‪ ،‬ولو في نطمماق الحممد الدنممى‪ ،‬علممى مواصمملتنا‪ ،‬وأن نممؤمن الخممبز للمممدن‪،‬‬
‫والوقود والمواد الولية للصناعة‪ ،‬والعلف للماشممية‪ .‬ول إمكممان للتقممدم بممدون ذلممك‪ .‬وعلممى هممذا فممإن‬
‫أعجممل مهممام الخطممة تحسممين حالممة المواصمملت‪ ،‬أو علممى القممل اتقمماء تخريبهمما‪ ،‬وتخزيممن الحتيمماطي‬
‫الضروري من الحبوب والمممواد الوليممة والوقممود‪ .‬وإن كممل المرحلممة القادمممة ستخصممص لتمركممز اليممد‬
‫العاملة وتوجيهها نحو حل هذه المشكلت الجوهرية‪ ،‬وهذا شممرط مسممبق للتطممور القتصممادي اللحممق‬
‫فهل نحسب مدة المرحلة الولى والمراحل التالية‪ ،‬بالشهور أو السنين؟ هذا ما يصعب التنبؤ بممه منممذ‬
‫الن‪ ،‬باعتبار أن هذا كله يتعلق بأسباب متعددة بدًءا من الوضممع الممدولي إلممى درجممة إجممماع ومقاومممة‬
‫الطبقة العاملة‪.‬‬

‫وعلينا في المرحلة الثانية أن نقوم بإنشاء اللت الضرورية للنقل‪ ،‬وأن نتمممون بممالمواد الوليممة‬
‫والحبوب‪ .‬وتحتل القطارات ههنا لب المسألة أن تصليح القطارات يتم حالي ًمما بطممرائق بدائيممة تتطلممب‬
‫دا بتصممليح قطممع الغيممار‬
‫تبذيًرا للقوى ولموال كثيرة‪ .‬فمن الضروري بالتالي أن نقوم مممن الن فصمماع ً‬
‫بصورة كثيفة ل إفرادية‪ .‬واليوم بعد أن أصبحت سكك الحديد ومصانع روسيا بكاملها بيممن يممدي مالممك‬
‫دا للقاطرات والشاحنات في‬ ‫وحيد‪ .‬الحكومة العمالية‪ .‬فإننا نستطيع ويتوجب علينا أن نضع نم ً‬
‫طا موح ً‬
‫البلد قاطبة‪ ،‬وأن نوحد قطع الغيار‪ ،‬وأن ندعو جميع المصانع الضرورية إلى صنع هذه القطممع بصممورة‬
‫موحدة‪ ،‬وأن نتوصل إلى أن تكون التصليحات مجرد استبدال بسيط للقطممع المهممترئة بقطممع جديممدة‪،‬‬
‫حتى نكون بالتالي قادرين على تركيب القماطرات بصمورة جماعيممة‪ .‬واليموم بعمد أن أصمبحت مصمادر‬
‫الوقود والمواد الولية مفتوحة أمامنا من جديد‪ ،‬فإن علينا أن نوجه عناية خاصة إلى صنع القاطرات‪.‬‬

‫وسيكون من الضروري‪ ،‬في المرحلة الثالثة‪ ،‬أن نبني آلت تصلح لصنع بعممض السمملع الممتي لهمما‬
‫ضرورة أولية‪.‬‬

‫وأخيًرا فإن المرحلة الرابعة‪ ،‬التي ستعتمد على النتممائج الممتي حققتهمما المراحممل الثلث الولممى‪،‬‬
‫ستسمح بالنتقال إلى إنتاج السلع ذات الستهلك الشخصي على أوسع نطاق‪.‬‬

‫ضمما‬
‫ما لجهزتنا القتصادية فحسممب‪ ،‬بممل أي ً‬ ‫إن لهذه الخطة أهميتها البالغة‪ ،‬ل باعتبارها توجيًها عا ً‬
‫طا للدعاية المتعلقة بالمهام القتصادية في صفوف الجماهير العمالية‪ .‬إن تعبئتنا من أجممل‬ ‫باعتبارها خ ً‬
‫العمل ستظل حبًرا على ورق ولن تعطي ثمارها إذا لم نضع يدنا على النقطة الحساسة لدى كل مممن‬
‫هو مستقيم وواع ومتحمس من أبناء الطبقة العاملة‪ .‬إن علينا أن نقممول للجممماهير كممل الحقيقممة عممن‬
‫دا ول بعممد‬ ‫وضعنا وعن نياتنا في المستقبل‪ ،‬وأن نعلن لها بصراحة أن خطتنا القتصادية لن تمنحنا ل غ ً‬
‫غد‪ ،‬ولو بذل الشغيلة أقصى جهودهم‪ ،‬جبال ً وعجائب‪ ،‬ذلك أننا سنوجه عملنا الرئيسي‪ ،‬خلل المرحلممة‬
‫القريبة‪ ،‬إلى تحسين وسائل النتاج بهدف إنتاجية أكبر‪ .‬ولن ننتقل إلى صنع السلع الستهلكية إل حين‬
‫نصبح قادرين‪ ،‬ولو فمي نسمب ضمعيفة‪ ،‬علمى تجديمد وسمائل النقمل والنتماج‪ .‬وعلمى همذا فمإن النتماج‬
‫المحسوس‪ ،‬النتاج المخصص للشغيلة تحت شكل سلع ذات استعمال شخصي‪ ،‬لن يأخذ طريقممه إلممى‬
‫الوجود إل في آخر المراحل‪ ،‬حين نكون قد وصلنا إلى المرحلة الرابعة من الخطة القتصممادية‪ .‬وإنممما‬
‫بهذا الشرط وحده يمكن أن نتوصل إلممى تحقيسممق تحسممن ملممموس فممي شممروط الحيمماة‪ .‬وأن علممى‬

‫‪95‬‬
‫الجماهير أن تفهم‪ ،‬كي تكون قادرة على تحمل العباء وتحمل التعب والحرمان لمدة طويلة‪ ،‬المنطق‬
‫المحتم لهذه الخطة القتصادية بكل اتساعه‪.‬‬

‫إن ترتيب هذه المراحل القتصادية الربع يجب أل يؤخذ بصورة مطلقة‪ .‬فليس في نيتنا إيقمماف‬
‫صناعة النسيج نهائًيا‪ ،‬ونحن ل نستطيع ذلك أصل ً لسباب عسكرية محضة‪ .‬لكن حتى ل تتشتت القوى‬
‫والهتمامات تحت ضغط الضرورات التي تفرض نفسها بقسمموة‪ ،‬ينبغممي الخضمموع للخطممة القتصممادية‬
‫التي هي المعيار الرئيسي‪ ،‬وتمييز الجوهري من الثانوي‪ .‬ول حاجة بنا إلممى القممول إننمما ل نتطلممع البتممة‬
‫إلى شيوعية اجتماعية ووطنية ضيقة‪ :‬فرفع الحصار واندلع الثورة الوروبية سيدخلن تعديلت عميقة‬
‫على خطتنا القتصممادية تممؤدي إلممى اختصممار مممدة مراحممل تطورهمما وتقممرب المسممافات ممما بيممن هممذه‬
‫المراحل‪ .‬لكننا ل نستطيع أن نتوقع موعد حدوث هذين الحدثين‪ .‬وهذا هو السبب الذي يحتم علينمما أن‬
‫نعمل بصورة نحافظ معها على أنفسنا ونقوي مواقعنا بالرغم من النمو الضعيف‪ ،‬أي البطيمء للغايمة‪،‬‬
‫للثورة الوروبية والعالمية‪ .‬وإذا ما حمدث واسمتأنفنا فعل ً العلقممات التجاريمة ممع البلممدان الرأسمممالية‪،‬‬
‫ما من موادنمما الوليممة مقابممل‬ ‫فا‪ .‬أننا سنصدر قس ً‬ ‫ضا الخطة القتصادية المذكورة آن ً‬
‫فسوف نستوحي أي ً‬
‫القاطرات وغيرها من اللت الضرورية‪ ،‬لكن ليس‪ ،‬في أي حال من الحوال‪ ،‬مقابل اللبسة والحذية‬
‫أو منتجات المستعمرات الغذائية‪ ،‬ذلك أن ما نهدف إليه مباشرة هو استيراد وسائل النقمل والنتمماج ل‬
‫سلع الستهلك‪.‬‬

‫إننا سنكون ريبيين عمياًنا وبورجوازيين صغاًرا بخلء لو تصورنا أن النهضة القتصمادية يمكمن أن‬
‫تكون انتقال ً تدريجًيا من حالة الفوضى الشاملة الراهنة إلى الحالة التي سبقتها‪ ،‬أو بتعبير آخممر إذا ممما‬
‫تصورنا أننا نستطيع أن نعاود صممعود درجممات السمملم كممما نزلناهمما‪ .‬والحممق أننمما لممن نسممتطيع أن نعيممد‬
‫اقتصادنا الشتراكي إلى المستوى الذي كان عليه عشية الحرب المبريالية إل بعممد فممترة مممن الزمممن‬
‫طويلة بما فيه الكفاية‪ .‬وأن الطريقة الولى في تصور المور لن تكون معزيممة لنمما البتممة‪ .‬بممل سمتكون‬
‫ما‪ .‬إن الفوضى التي قضت ودمرت ثروات ل تحصى‪ ،‬قد حررت القتصاد فممي‬ ‫على العكس خاطئة تما ً‬
‫الوقت نفسمه ممن كمثير ممن الروتيمن والعطالمة والطمرق الباليمة‪ ،‬شماقة بمذلك الطريمق أممام البنماء‬
‫القتصادي الجديد على أساس المعطيات التكنيكية التي هي‪ ،‬في الساعة الراهنة‪ ،‬معطيات القتصمماد‬
‫العالمي‪.‬‬

‫وإذا كانت الرأسمالية الروسية قد تطورت بدون انتقال من درجة إلى درجمة‪ ،‬بمل وثًبما‪ ،‬مقيممة‬
‫في أعماق السهوب المصانع على الطريقة الميركية‪ ،‬فهذا سبب إضممافي آخممر كيممما يكممون القتصمماد‬
‫الشتراكي قادًرا على مثل هذا السير القسممري‪ .‬وعنممدما نتغلممب علممى بؤسممنا الشممديد‪ ،‬ونجمممع بعممض‬
‫الحتياطي من المواد الولية والحبوب‪ ،‬ونحسن المواصلت‪ ،‬بعد أن نكون قد تحررنا من قيود الملكية‬
‫الخاصة‪ ،‬فستتاح لنا المكانية لتخطي عدة درجات بقفزة واحدة ولربط كممل المشمماريع وكممل الممموارد‬
‫القتصادية بالخطة القتصادية الموحدة‪.‬‬

‫ممما أن نممدخل الكهربممة إلممى كممل فممروع الصممناعة الساسممية وإلممى قطمماع‬
‫وهكممذا سنسممتطيع حت ً‬
‫الستهلك الشخصي دون أن نكون مضطرين إلى المممرور مممن جديممد بممم"عصممر البخممار"‪ .‬وإن برنامممج‬
‫الكهربة في روسيا مقسوم إلى عدد معين من المراحل المتتابعة المتناسممبة مممع المراحممل الساسممية‬
‫من الخطة القتصادية العامة‪.‬‬

‫إن حرًبا جديدة قد تؤخر تحقيق أهدافنا القتصادية‪ .‬وإن على طاقتنا وقدرتنا علممى المثممابرة أن‬
‫تعجل بعملية النهضة القتصادية‪ .‬لكن مهما كممانت السممرعة الممتي سممتظل الحممداث تتطممور بهمما‪ ،‬فمممن‬
‫الواضح أن أساس عملنا كلممه )تعممبئة العمممل‪ ،‬تنظيممم اليممد العاملممة عسممكرًيا‪ ،‬أيممام السممبت الشمميوعية‬
‫وغيرها مممن مظماهر التطمموع الشميوعي للعممل( يجمب أن يسمتند إلممى خطمة اقتصممادية موحمدة‪ .‬وأن‬
‫المرحلة التي ندخل فيهمما سممتتطلب منمما تركيمًزا كممامل ً لكممل طاقتنمما علممى المهممام الساسممية الولممى‪:‬‬
‫التموين‪ ،‬الوقود‪ ،‬المواد الولية والنقل‪ .‬وعلينا‪ ،‬بانتظار ذلممك‪ ،‬أل نشممتت اهتمامنمما‪ ،‬وأل نبممدد قوانمما وأل‬
‫نبذرها‪ .‬هذا هو طريق الخلص الوحيد‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫القيادة الجماعية والقيادة الشخصية‬
‫ضا على مسألة أخرى‪ .‬مسألة تبدو وكأنها تتيح لهممم الفرصممة للتقممرب‬ ‫إن المنشفيك يغامرون أي ً‬
‫من جديد من الطبقة العاملة‪ .‬إننا نريد أن نتكلم عن شكل قيادة المشاريع الصناعية‪ :‬أقيممادة جماعيممة‬
‫أم شخصية؟ يقال لنا أن تسليم المصانع إلى مدير واحد بدل ً من مكتب جريمممة ضممد الطبقممة العاملممة‬
‫والثورة الشتراكية‪ .‬وأنه لمن المممدهش علممى كممل الحمموال أن أشممد المتحمسممين دفاع ًمما عممن الثممورة‬
‫الشتراكية ضد النظام المعتمد على الشخص الواحد هم أولئك المنشفيك أنفسهم الممذين كممانوا‪ ،‬إلممى‬
‫عهد قريب‪ ،‬يعتبرون الكلم عن الثورة الشتراكية سخرية من التاريخ وجريمة بحق الطبقة العاملة‪.‬‬

‫وبموجب هذا المنطق فإن مؤتمر حزبنا الشمميوعي مممذنب كممبير تجمماه الثممورة الشممتراكية‪ ،‬لنممه‬
‫أعلن تأييده لعودة نظام الشخص الواحد في قيادة الصناعة‪ ،‬وقبل كل شيء في المصممانع والمعامممل‪.‬‬
‫إل أنه من الخطأ الكبير أن نعتبر أن هذا القممرار يمكممن أن يلحممق ضممرًرا بنشمماط الطبقممة العاملممة‪ .‬إن‬
‫نشاط الشغيلة ل يتحدد ول يقاس بكون المصنع مداًرا من قبممل ثلثممة أشممخاص أو شممخص واحممد‪ ،‬بممل‬
‫بعوامل ووقائع أهم شأًنا وأعمق بكثير‪ :‬بإنشاء الجهممزة القتصممادية مممع مسمماهمة النقابممات اليجابيممة‪،‬‬
‫وبإنشاء جميع الجهممزة السمموفياتية الممتي تتكممون منهمما مممؤتمرات السمموفييتات والممتي تمثممل عشممرات‬
‫المليين من الشغيلة؛ وبدعوة العمال إلى المساهمة في القيادة )أو الشممراف علممى القيممادة(‪ .‬وإنممما‬
‫في هذا يكمن نشاط الطبقة العاملة‪ .‬وإذا ما توصلت الطبقة العاملة‪ ،‬خلل تجربتها الخاصة‪ ،‬بواسطة‬
‫أجهزة مؤتمرات الحزب والسمموفييتات والنقابممات‪ ،‬إلممى السممتنتاج بممأنه مممن الفضممل أن يتممولى إدارة‬
‫حا أو‬‫المصنع مدير واحد بدل ً من مكتب جممماعي‪ ،‬فهممذا قممرار أمله عليهمما نشمماطها‪ .‬وقممد يكممون صممحي ً‬
‫خاطًئا من وجهة نظر التكنيك الداري‪ .‬لكممن ممما مممن أحممد يفرضممه‪ ،‬فممي أي حممال مممن الحمموال‪ ،‬علممى‬
‫البروليتاريمما‪ .‬إنممما تمليممه عليهمما إرادتهمما الخاصممة‪ .‬وأنممه لمممن الخطممأ الفممادح أن نخلممط مسممألة سمملطة‬
‫البروليتاريا مع سلطة المكاتب العمالية التي تسير المصانع‪ .‬إن ديكتاتورية البروليتاريا تعبر عن نفسها‬
‫بإلغاء الملكية الخاصة لوسائل النتاج وسيطرة إرادة الجماهير الجماعية على كل اللة السمموفياتية‪ ،‬ل‬
‫بأشكال إدارة المشاريع المختلفة‪.‬‬

‫وقبل أن نمضي إلى أبعد من ذلك‪ ،‬لنفند ههنا تهمة أخممرى موجهممة إلممى أنصممار إدارة الشممخص‬
‫الواحد‪ .‬إن الخصوم يعلنون‪ :‬إنهم العسكريون السوفياتيون الممذين يحمماولون أن ينقلمموا تجممدربتهم مممن‬
‫الميدان العسكري إلى الميدان القتصادي‪ .‬ومن الممكن أن يكون مبدأ إدارة الشخص الواحد ممتمماًزا‬
‫حا‬‫في الجيش‪ ،‬لكنه ل يساوي شيًئا في القتصاد‪ .‬إن هذا التوكيد خاطئ من كل الجوانب فليس صممحي ً‬
‫البتة أول ً أننا بدأنا في الجيش تطبيق نظام الشخص الواحد‪ .‬ونن لم نطبقه فيه بشكل تام حممتى هممذه‬
‫ضا التأكيد بأننا لم نبدأ بالدفاع عن أشكال إدارة الشخص الواحد معه مسمماهمة‬ ‫الساعة‪ .‬ومن الخطأ أي ً‬
‫دا على تجربتنا العسكرية‪ .‬والواقع أننا انطلقنا وننطلق‬ ‫ً‬ ‫اعتما‬ ‫إل‬ ‫القتصادية‬ ‫المشاريع‬ ‫الختصاصيين في‬
‫في هذه المسألة من مفهوم ماركسي خالص للمشكلت الثوريممة ولمهممام البروليتاريمما حيممن تسممتولي‬
‫على السلطة‪.‬‬

‫لقد فهمنا‪ ،‬ل منذ بدايممة الثممورة بممل قبممل تشممرين الول بمممدة طويلممة‪ ،‬ضممرورة السممتفادة مممن‬
‫معارف وتجارب الماضي التكنيكية‪ ،‬وضرورة استدعاء الختصاصيين واسمتخدامهم علمى أوسمع نطماق‬
‫ممكن‪ ،‬حتى ل يتراجع التكنيك إلى الوراء بل يتابع تقدمه‪ .‬وأنني لفترض أننا كنا سنسير بصورة أعجل‬
‫وبدون ألم في طريق نظام الشخص الواحممد فممي الدارة القتصممادية‪ ،‬لممو لممم تخممرب الحممرب الهليممة‬
‫أجهزتنا القتصادية فتحرمها من كل هو حيوي فيها‪ ،‬وبالتالي من المبادهة والنشاط‪.‬‬

‫إن بعض الرفاق يعتبرون أن جهاز الدارة القتصادية هو قبل كل شمميء مدرسممة‪ .‬وهممذا خمماطئ‬
‫كل الخطأ‪ .‬إن مهمة أجهزة الدارة هي القيادة‪ .‬ومن يشعر في نفسمه الرغبمة والقمدرة علمى القيمادة‬
‫فليذهب إلى المدارس‪ ،‬ليحضر دروس المعلمين الخاصة ويعمل كمساعد لهم‪ ،‬كيما يراقب ويكتسممب‬
‫خبرة‪ .‬لكن من يستدعي إلى إدارة مصنع من المصانع‪ ،‬فإنه ل يأتي ليتعلممم بممل ليشممغل منصمًبا إداري ًمما‬
‫واقتصادًيا له مسؤولياته‪ .‬لكن إذا ما نظرنا إلى هذه المسألة من الزاوية الضيقة الخاطئة‪ ،‬مممن زاويممة‬
‫"المدرسة" فإنني سأقول أن نظام الشخص الواحد يمثل مدرسة أفضممل بعشممر مممرات‪ .‬وبالفعممل إذا‬
‫حا بثلثة آخرين ليسوا أكفاء بما فيه الكفايممة‪ ،‬وإذا شممكلتم‬ ‫كان يستحيل عليكم أن تستبدلوا شغيل ً صال ً‬
‫مع ذلك مكتًبا منهم تعهدون إليه بوظائف هامة في الدارة‪ ،‬فإنكم تضعونهم بذلك في موضع يسممتحيل‬

‫‪97‬‬
‫معهم عليه أن يدركوا ما ينقصهم‪ .‬إن كل ً منهم يعتمد على الخريممن عنممد اتخمماذ قممرار مممن القممرارات‪،‬‬
‫وفي حال الفشل يلقون المسؤولية على بعضهم البعض‪.‬‬

‫أما أن هذه المسألة ليست مسألة مبدئية‪ ،‬فهذا ما يثبته خصمموم نظممام الشممخص الواحممد علن ًمما‪،‬‬
‫باعتبار أنهم ل يطالبون بنظام المكاتب الجماعية للورشات والتعاونيمات والمنماجم‪ .‬بمل أنهمم يمذهبون‬
‫إلى حد القول أنه من الجنون المطالبة بأن يدير ورشة من الورشات ثلثة أو خمسممة أشممخاص‪ :‬فهممم‬
‫يرون أن الدارة ينبغي أن تكون في يد مدير مهني‪ .‬لماذا؟ إذا كانت الدارة الجماعية مدرسة‪ ،‬فلممماذا‬
‫ضا؟ لكن إذا لم‬ ‫ضا بمدرسة ابتدائية مماثلة؟ لماذا ل ندخل الدارة الجماعية إلى الورشات أي ً‬
‫ل نقبل أي ً‬
‫ً‬
‫يكن نظام المكاتب شرطا ضرورًيا للورشات‪ ،‬فلم يكون ضرورًيا للمصانع؟‬

‫لقد قال آبرامو فيتش هنا أنه ما دامت روسميا تفتقمر إلمى الختصاصميين – ويزعمم بمدوره بعمد‬
‫كاوتسكي أن هذه غلطة البلشفة – فمن الضروري اسممتبدالهم بمكمماتب عماليممة‪ .‬إن هممذه لسممذاجات‬
‫خالصة‪ .‬إن ما من مكتب مؤلف من أشخاص يجهلون المهنة‪ ،‬يستطيع أن يحممل محممل رجممل كفممؤ‪ .‬إن‬
‫جماعة – أو مكتًبا – من الحقوقيين ل تستطيع أن تحل محل مستخدم التحويل في السكك الحديدية‪.‬‬
‫وإن جماعة – أو مكتًبا – من المرضى ل تستطيع أن تحل محل طبيب‪ .‬إن الفكرة نفسممها خمماطئة‪ .‬إن‬
‫المكتب ل يستطيع أن يعلم الجاهل شيًئا من تلقاء نفسه‪ .‬إنه ل يستطيع إل أن يخفي جهله‪ .‬وإذا عهممد‬
‫إلى شخص بمنصب إداري هام‪ ،‬فستتاح له المكانية ليرى بوضوح‪ ،‬ل لدى الخرين فحسممب بممل لممدى‬
‫ضا‪ ،‬ما يعرفه وما يجهله‪ .‬لكن ل شيء أسوأ من مكاتب جاهل‪ ،‬مؤلممف مممن شممغيلة لممم يهيئوا‬ ‫نفسه أي ً‬
‫ممما‬
‫ً‬ ‫دو‬ ‫مارين‬‫م‬ ‫محت‬ ‫بالتالي‬ ‫سيكونون‬ ‫أعضاءه‬ ‫إن‬ ‫خاصة‪.‬‬ ‫معارف‬ ‫تتطلب‬ ‫والتي‬ ‫إليهم‬ ‫بها‬ ‫المعهود‬ ‫للوظيفة‬
‫ممما‬ ‫ومستائين من بعضهم البعض‪ ،‬وهذا ما سيزرع الفوضى في عملهم‪ .‬إن الطبقة العاملة تهتممم اهتما ً‬
‫قا بتوسيع قدراتها على القيادة‪ ،‬أي بالتثقف‪ .‬لكنها ل تستطيع أن تنجممح فممي الميممدان الصممناعي إل‬ ‫عمي ً‬
‫إذا كانت الدارة تتناول بنشاطها كل جهاز المصنع‪ ،‬وتستفيد من هذه الفرص لتخضع للمناقشممة خطممة‬
‫ما جممدًيا بمسممألة التنظيممم‬ ‫العمل القتصادية السنوية أو الشهرية‪ .‬إن جميع العمال الذين يهتمون اهتما ً‬
‫الصناعي يلحظون من قبل مدراء المشروع أو من قبل اللجان‪ ،‬ويرسلون لتلقي دروس خاصة وثيقة‬
‫الرتباط بالعمل التطبيقي في المصنع نفسه‪ .‬ويعينون فيما بعد في مناصممب ثانويممة الهميممة‪ ،‬لرفعهممم‬
‫ضا عشرات اللف‪.‬‬ ‫من ثم إلى وظائف أهم‪ .‬هكذا دربنا اللف وسندرب أي ً‬

‫إن مسألة الدارة من قبل ثلثة أو خمسة أشخاص ل تهم الجماهير العاملممة‪ ،‬بممل البيروقراطيممة‬
‫فا والضعف والقل قدرة علمى العممل المسمتقل‪ .‬إن الممدير المتقمدم‪،‬‬ ‫العمالية السوفياتية الكثر تخل ً‬
‫الحازم والواعي‪ ،‬يميل بالطبع إلى أن يأخذ بلين يديه المصنع كله‪ ،‬ويثبت بالتالي لنفسه وللخرين أنممه‬
‫فا‪ ،‬فإنه سيسعى إلى التحاد مع آخرين حتى يخفي ضعفه‪.‬‬ ‫قادر على الدارة‪ .‬لكن إذا كان المدير ضعي ً‬
‫إن نظام المكاتب الجماعية كثير الخطار بسبب اختفاء المسؤولية الشخصممية فيممه‪ .‬وإذا كممان العامممل‬
‫قادًرا لكن قليل التجربة‪ ،‬فإنه بحاجة إلى مدير‪ .‬وهو سيكتسب‪ ،‬تحت إدارته‪ ،‬المعممارف الممتي تنقصممه‪،‬‬
‫وسنستطيع في الغد أن نجعل منه بدوره مدير مصنع صغير‪ .‬هكذا سيشق طريقه‪ .‬لكممن إذا ممما حممدث‬
‫له أن وقع في مكتب جماعي ل تتجلممى فيممه قمموة كممل فممرد أو ضممعفه بصممورة واضممحة‪ ،‬فممإن شمعوره‬
‫ما‪.‬‬
‫بالمسوؤلية سيتلشى حت ً‬

‫بديهي أن قرارنا ل ينص علممى العتممماد الممدائم الجبمماري علممى إدارة الشممخص الواحممد المعيممن‬
‫بضربة قلم‪ .‬فثمة مجال للكثير من التركيبات والفروق‪ .‬فحين يستطيع العامل أن يصل إلممى مسممتوى‬
‫دا اختصاصًيا‪ .‬وإذا كان الختصاصممي‬ ‫جدير بمهمته‪ ،‬فإننا سنجعل منه مدير المصنع مضيفين إليه مساع ً‬
‫رجل ً ذا قيمة‪ ،‬فإنه هو الذي سنعينه مديًرا مضيفين إليه اثنين أو ثلثة من العمال المساعدين‪ .‬وإذا ممما‬
‫أثبت المكتب الجماعي أخيًرا قممدرته علممى العمممل‪ ،‬فإننمما سممنحتفظ بممه‪ .‬وتلممك هممي الصممورة الجديممدة‬
‫الوحيدة في فهم المسألة‪ ،‬ولن نستطيع بأي طريقة غيرها أن نتوصل إلى التنظيم النظامي للنتاج‪.‬‬

‫ممما للغايممة‪ .‬إن النخبممة القياديممة مممن‬


‫ضا اعتبار آخر ذو طابع اجتماعي وتربوي يبدو لي ها ً‬
‫هناك أي ً‬
‫الطبقة العاملة فممي روسمميا قليلممة العممدد‪ .‬ولقممد عرفممت هممذه النخبممة العمممل السياسممي الل مشممروع‪.‬‬
‫وخاضوا النضال الثوري مدة طويلة من الزمن‪ .‬ولقد أقامت في بلدان أجنبية‪ .‬ولقد قممرأت كممثيًرا فممي‬
‫السجون والمنفى‪ ،‬واكتسبت خبرة سياسية جيدة وسعة أفممق فممي وجهممات النظممر‪ .‬إنهمما تمثممل زهممرة‬
‫الطبقة العاملة‪ .‬ويقف خلفها الجيل الفني الذي ساهم عن وعي في الثورة منذ ‪ .1917‬وأينممما وجهنمما‬

‫‪98‬‬
‫أبصارنا – إلى البناء السوفياتي‪ ،‬إلى النقابات‪ ،‬إلى عمل الحزب‪ ،‬إلممى جبهممة الحممرب الهليممة – وجممدنا‬
‫ما أن الدور القيادي إنما تلعبممه نخبممة مممن البروليتاريمما هممذه‪ .‬لقممد كممان العمممل الحكممومي الرئيسممي‬
‫دو ً‬
‫للسلطة السوفياتية‪ ،‬خلل العامين ونصف العام المنصرمين‪ ،‬يقوم على المناورة بتوجيه هذه النسممب‬
‫من الشغيلة من جبهة إلى أخرى‪ .‬وأن الفصائل العمق من الطبقة العاملة‪ ،‬ذات الصل الفلحي‪ ،‬ممما‬
‫تزال فقيرة بالمبادهة‪ ،‬رغم روحها الثورية‪ .‬فمم يشكو فلحنا الروسي الموجيك؟ من داء القطيع‪ ،‬من‬
‫غياب القومية‪ ،‬أي علممى وجممه التحديممد مممما تغنممي بممه أصممحابنا النارودينممك الروجعيممون‪ .‬ومممما مجممده‬
‫تولستوي في شممخص أفلطممون كاراتمماييف‪ :‬فممالفلح ينحممل فممي جممماعته ويخضممع للرض‪ .‬وواضممح أن‬
‫القتصمماد الشممتراكي ل يقمموم علممى أمثممال أفلطممون كاراتمماييف‪ ،‬بممل علممى الشممغيلة الممذين يفكممرون‪،‬‬
‫المتمتعين بروح المبادهة والممواعين لمسممؤولياتهم‪ .‬إن علينمما أن نطممور روح المبادهممة بممأي ثمممن لممدى‬
‫العامل‪ .‬إن صفة البورجوازية الساسممية هممي المممذهب الفممردي الشممرء وروح المنافسممة‪ .‬أممما الصممفة‬
‫الساسية للطبقة العاملة فليست متنافية مع التضامن والتعمماون الخمموي‪ .‬إن التضممامن الشممتراكي ل‬
‫يمكن أن يقوم على غياب كل فردية وعلى الل وعمي الحيمواني‪ .‬وإنمما غيماب الفرديمة همذا همو المذي‬
‫يختفي على وجه التحديد واء نظام المكاتب والدارة الجماعية‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫خاتمة‬
‫إيهما الرفاق‪ ،‬إن حجج الخطباء المنشفيك‪ ،‬وبصورة خاصة ابراموفيتش‪ ،‬تعكس بعد كممل شمميء‬
‫ما عن الحياة وأعبائها‪ .‬إنهم أشبه بمراقب بتوجب عليه أن يعبر مجرى مائًيا سباحة‪ ،‬فيفكر قبل‬ ‫دا تا ً‬
‫بع ً‬
‫قا بنوعية المياة وقوة التيار مع أن المشكلة هي قبل كممل شمميء عبممور الممماء! ويقفممز‬
‫ذلك تفكيًرا عمي ً‬
‫ل‪" :‬نحن ل ننكر هممذه الضممرورة‪.‬‬ ‫صاحبنا الكاوتسكي على قدمه اليمنى تارة‪ ،‬واليسرى تارة أخرى‪ ،‬قائ ً‬
‫إل إننا نرى الخطار‪ ،‬فهي عديدة‪ .‬التيار سريع‪ ،‬وثمة صخور‪ ،‬ونحن متعبون الممخ‪ ،‬الممخ‪ .‬لكممن مممن غيممر‬
‫الصحيح‪ ،‬من غير الصحيح على الطلق‪ ،‬إن نلم على أننا ل نقبل بضرورة عبور الماء‪ .‬إننا لممم نرفممض‬
‫ما"‪.‬‬
‫القبول بها‪ ،‬حتى منذ ثلثة وعشرين عا ً‬

‫إن كل حججهم‪ ،‬من أولها أولها إلى آخرها‪ ،‬مبنية على هذه الشاكلة‪ .‬يقول المنشفيك‪ :‬أول ً نحن‬
‫وا‪ ،‬أسمممحوا‬ ‫ل ننكر قط ضرورة الدفاع وبالتالي ضرورة الجيش‪ .‬ثانًيا‪ ،‬نحن ل ننكر إلزامية العمل‪ .‬عفم ً‬
‫لنا! هل وجد قط في هذه الدنيا‪ ،‬باستثناء إتباع بعض الشيع الدينية‪ ،‬رجال قادرون علممى رفممض فكممرة‬
‫الدفاع المشممروع "بصممورة عامممة"؟ إن جميممع موافقمماتكم المجممردة ل تقممدمنا بوصممة واحممدة‪ .‬فعنممدما‬
‫أنطرحت علينمما مسممألة أنشمماء جيممش والنضممال ضممد العممداء الممواقعيين للطبقممة العاملممة‪ ،‬كيممف كممان‬
‫موقفكم؟ لقد عارضتم ذلك‪ ،‬وصحيح أنكم لم تنكروا ضرورة الممدفاع عممن النفممس‪ ،‬لكنكممم خربتموهمما‪.‬‬
‫كنتم تقولون وتكتبون في صحفكم‪" :‬لتستقط الحرب الهلية!" فممي المموقت الممذي كممان فيممه الحممرس‬
‫البيض يضع السكين على اعناقنا‪ .‬وها أنتم‪ ،‬بعد موافقتكم المتأخرة على دفاعنمما المنتصممر‪ ،‬تشممهرون‬
‫نظرتكم المنتقدة على مهامنا الجديدة وتعلنممون لنمما ونحممن ل نرفممض‪ ،‬بصممورة عامممة‪ ،‬إلزاميممة العمممل‬
‫لكن‪ ...‬بدون إكراه حقمموقي"‪ .‬يمما لممه مممن تنمماقض داخلممي رائع فممي هممذه الكلمممات وحممدها! إن لفظممة‬
‫"اللزامية" تحتوي في حد ذاتها على عنصر إكراه‪ .‬إن النسمان مكممره علمى فعمل شميء مما‪ .‬وإذا لمم‬
‫يفعل شيًئا‪ ،‬فبديهي أنه سيعاني من الكراه‪ ،‬أو من القصاص بتعبير آخر‪ .‬يبقى علينا أن نعرف ممما هممو‬
‫الكراه‪ .‬إن إبراموفيتش يعلن‪" :‬الضغط القتصادي‪ ،‬أجل‪ ،‬لكن ل الكراه الحقمموقي"‪ .‬لقممد بيممن ممثممل‬
‫نقابة هما التعدين‪ ،‬الرفيق هو لزمان‪ ،‬بصورة رائعة‪ ،‬كل ما هناك من سكولئية في مثل هممذا التفكيممر‪،‬‬
‫فالضغط القتصادي ل ينفصل عن الكراه الحقوقي‪ ،‬حتى في ظل النظام الرأسمالي‪ .‬فكممم بممالحرى‬
‫اليوم!‬

‫لقد حاولت أن أبين‪ ،‬في تقريري‪ ،‬أنه ليس ثمة إل إمكانية واحدة لتثقيف الشغيلة علممى أسممس‬
‫اجتماعية جديدة وتدريبهم على اشكال جديدة للعمل‪ ،‬والوصول للعمل‪ ،‬والوصول إلممى إنتاجيممة أعلممى‬
‫في العمل‪ :‬تطبيق عممدة طممرائف فممي آن واحممد‪ :‬طممرائق المصمملحة القتصممادية‪ ،‬والكممراه الحقمموقي‪،‬‬
‫والتأثير الذي يمكن أن يمارسه التنظيم القتصادي المنسق داخلًيا‪ ،‬والقصمماص‪ ،‬وبصممورة خاصممة وأول ً‬
‫وأخيًرا القناع والتحريض والدعاية‪ ،‬وأخيًرا رفع المستوى العام للثقافممة‪ .‬ولممن نسممتطيع الوصممول إلممى‬
‫مستوى عال في القتصاد الشتراكي كل إل بلجوئنا إلى كل هذه الوسائل مجتمعة‪.‬‬

‫وإذا كممانت المصمملحة القتصممادية‪ ،‬فممي النظممام الرأسمممالي‪ ،‬تممترافق بصممورة حتميممة والكممراه‬
‫الحقوقي الذي تكمن خلفممه القمموة الماديممة لدولممة‪ ،‬فل مجممال فممي الدولممة السمموفياتية‪ ،‬أي فممي دولممة‬
‫النتقممال إلممى الشممتراكية‪ ،‬لفصممل الكممراه القتصممادي عممن الكممراه الحقمموق بصممورة عامممة‪ .‬إن أهممم‬
‫المشاريع في روسيا هي في أيدي الدولة‪ .‬وحين نقول للعامممل الخممراط ايفممانون‪" :‬عليممك أن تشممتغل‬
‫حالًيا في مصنع سورموفو‪ .‬وإذا رفضت فلن تتلقى وجبتممك" – فممما هممذا؟ أضممغط اقتصممادي أم إكممراه‬
‫حقوقي؟ إنه ل يستطيع الذهاب إلى مصنع آخر‪ ،‬فجميع المصانع هي في يد الدولممة الممتي تسمممح بهمما‬
‫النتقال‪ .‬إن الضغط القتصادي يختلط ههنا بممالقمع الحكممومي‪ .‬ويريممد ابرامموفيتش ظاهري ًمما أن ينظمم‬
‫توزيع اليد العاملة على أسماس زيمادة الجمور ومنمح الجموائز‪ ،‬المخ‪ ،‬بصمورة تكفمي لجتمذاب الشمغيلة‬
‫اللزمين لهم المشاريع‪ .‬هذه هي‪ ،‬على ما يبدو‪ ،‬كل فكرته‪ .‬لكن إذا ممما طرحممت المسممألة علممى هممذا‬
‫النحو‪ ،‬فإن كل مناضل شريف في الحركة النقابية سيفهم أن هذه طوبائية من أسوأ الطوبائيات‪ .‬إننمما‬
‫ل نستطيع أن نأمل في تدفق اليد العاملة إلى سوق العمل‪ ،‬دون أن يكون لدى الدولة ما فيه الكفاية‬
‫من موارد الغذاء والسكن والمواصلت – أي على وجه التحديد الموارد التي ما يزال علينا أن نخلقهما‪.‬‬
‫ولن نتوصل إلى أي نتيجة‪ ،‬بدون نقل جماعي لليد العاملة‪ ،‬منظممم مممن قبممل الدولممة‪ ،‬حسممب حاجممات‬
‫الجهزة القتصادية‪ .‬وهنا تأتي ساعة الكراه‪ ،‬وتتجلى كل ضرورتها القتصادية‪ .‬لقد قممرأت لكممم برقيممة‬
‫من ايكاتيرانبورغ عن سير أعمال جيش العمل الول‪ .‬ولقد جاء فيها أن أكممثر مممن أربعممة آلف عامممل‬

‫‪100‬‬
‫مختص قد مروا على لجنة الورال المكلفة بتطممبيق إلزاميممة العمممل‪ .‬فمممن أيممن جمماؤوا؟ مممن الجيممش‬
‫الثالث السابق في معظمهم‪ .‬فهممم لممم يرجعمموا إلممى بيمموتهم‪ ،‬بممل عهممد إليهممم بمهمممة جديممدة‪ .‬وهكممذا‬
‫أستلمتهم لجنة إلزامية العمل من الجيش‪ ،‬وقسمتهم إلى‪ ،‬ووزعتهم على المصانع‪ .‬وهذا – من وجهممة‬
‫النظر الليبيرالية – "عنف" ضد الحرية الفردية‪ .‬إل أن الغالبية الساحقة من العمال ذهبت عن طواعية‬
‫إلى جهة العمل‪ ،‬كما ذهبت عن طواعية في السابق إلى جبهة الحرب‪ ،‬مدركة أن هذا تقتضيه مصممالح‬
‫علينا‪ .‬غير أن بعضهم لم يرض من تلقاء نفسه‪ .‬وهؤلء هم وحدهم الذي أكرهوا‪.‬‬

‫ول حاجة بنا البتة إلى القول إن على الدولة أن تضع‪ ،‬بواسطة نظام الجوائز‪ ،‬خير العمممال فممي‬
‫أحسن الشروط‪ .‬لكن هذا ل يستبعد‪ ،‬بل على العكس بفترض أن الدولة والنقابات )التي لن تسممتطيع‬
‫الحكومة السوفياتية أن تبنى صناعتها بدون مساعدتها( ستتمتع ببعض الحقوق الجديدة علممى العامممل‪.‬‬
‫إن العامل ل يساوي الحكومة السوفياتية‪ .‬أنه تابع الدولة وخاضع لها من كل الزوايمما‪ ،‬نظ مًرا إلممى أنهمما‬
‫دولته هو‪.‬‬

‫يعلن أبراموفيتش‪" :‬لو قيل لنا ببساطة إن المسألة هي مسألة انضباط نقابي‪ ،‬لما كانت هنمماك‬
‫من حاجة للخذ والرد‪ .‬لكن ما دخل النزعة العسكرية ههنمما؟"‪ .‬يقين ًمما إن المسممألة هممي إلممى حممد كممبير‬
‫مسألة انضباط نقابي‪ ،‬لكن النضباط الجديد للنقابات الصناعية الجديدة‪ .‬إننا نعيش في بلد سوفياتي‪،‬‬
‫نحكممم فيممه الطبقممة العاملممة‪ ،‬وهممذا ممما ل يفهمممه أصممحابنا الكاوتسممكيون‪ .‬فحيممن يقممول المنشممفيكي‬
‫روبتسوف إنه لم يبق شيء تقريًبا من النقابات في تقريري‪ ،‬فإن في هممذا القممول حبممة مممن الحقيقممة‪.‬‬
‫وبالفعل لم يبق فيه شيء يذكر من النقابات كما يفهمها‪ ،‬أي من النقابات ذات الصفة التريديونيونيممة‪.‬‬
‫لكن أكبر المهامز تقع على عاتق التنظيم المهني والصناعي للطبقة العاملممة فممي روسميا السمموفياتية‪.‬‬
‫فما هذه المهام؟ إنها ليست بالطبع النضال ضد الحكومة باسم مصممالح العمممل‪ .‬بممل المسممألة مسممألة‬
‫بناء‪ ،‬بناء اقتصاد اشتراكي بالتفاهم التام مع الحكومة‪ .‬إن هممذا النمموع مممن النقابممة هممو مبممدئًيا تنظيممم‬
‫ضما عمن النقابمات الثوريمة فمي ظمل النظممة‬ ‫جديد ل يتميز عن النقابات التريديونيونية فحسب‪ ،‬بل أي ً‬
‫البروجوزاية‪ ،‬كما تتميز سيطرة البروليتاريا عممن سمميطرة البورجوازيممة‪ .‬إن النقابممة الصممناعية للطبقممة‬
‫العاملة الحاكمة ليست لها المهام نفسها والطرائق نفسها والنضباط نفسه‪ ،‬التي للنقابممات المناضمملة‬
‫التابعة للطبقة العاملة المضطهدة‪ .‬إن على جميع العمال في روسيا أن يممدخلوا إلممى النقابممات‪ .‬وإنممما‬
‫ما‪ ،‬لنهم في الواقع ضد ديكتاتورية البروليتاريا‪.‬‬ ‫ضد هذا المبدأ يقف المنشفيك‪ .‬وهذا شيء مفهوم تما ً‬
‫وهذا هي بالفعل خلصة المسألة كلهما‪ .‬إن الكاوتسمكيين همم ضمد ديكتاتوريمة البروليتاريما‪ ،‬وضمد كمل‬
‫نتائجها بالتالي‪ .‬إن الكراه القتصادي والكراه السياسي ليسا إل تجلًيا لديكتاتورية الطبقة العاملة في‬
‫مجممالين وثيقممي الرتبمماط‪ .‬ألممم يممبين ابراممموفيتش بعمممق أنممه ل يمكممن أن يوجممد إكممراه فممي النظممام‬
‫الشتراكي‪ ،‬وإن العقاب مضاد للشتراكية‪ ،‬وإن شعور الواجب وعادة العمل وجاذبيته‪ ،‬الخ‪ ،‬تكفي‪ .‬هذا‬
‫ل‪ .‬وليس ثمة من حاجة إل إلى توسيع هذه الحقيقة التي ل تماري‪ .‬والحقيقة أنممه فممي‬ ‫أمر ل يقبل جدا ً‬
‫النظام الشتراكي لن يوجممد جهمماز إكممراه‪ ،‬لممن توجممد دولممة‪ .‬أن الدولممة سممتنحل فممي كوميونممة النتمماج‬
‫الشتهلك‪ .‬لكن هذا ل يعني أن طريمق الشممتراكية ل يمممر بمأعلى درجمات تموتر التممدويل‪ .‬وإنمما هممذه‬
‫المرحلة هي التي نجتازها الن على وجه التحديد معكم‪ .‬فكما أن القنديل يتألق نوره ساطًعا قبممل أن‬
‫ينطفيء‪ ،‬كذلك فإن الدولة‪ ،‬قبممل أن تختفممي‪ ،‬تأخممذ شممكل ديكتاتوريممة البروليتاريمما‪ ،‬أي شممكل أقسممى‬
‫حكومة وجدت في التاريخ‪ ،‬حكومة تختضن بصورة آسرة حياة المواطنين كافة‪ .‬إن هذه الترهممة‪ ،‬هممذه‬
‫الدرجة الصغيرة في التاريخ – الديكتاتورية الحكومية – لمم يلحظهما ابرامموفيتش والمنشمفيكية المتي‬
‫يمثلها‪ .‬وهذا ما يجعلهما يتعثران‪.‬‬

‫إن ما من تنظيم آخر في الماضي‪ ،‬ما عممدا الجيممش‪ ،‬قممد مممارس تجمماه النسممان إكراهًمما كالممذي‬
‫يمارسه التنظيم الحكومي للطبقة العاملة في أقصى مراحل النتقممال‪ .‬وإنممما بسممبب هممذا علممى وجممه‬
‫التحديد نتكلم عن التنظيممم العسممكري للعمممل‪ .‬إن قممدر المنشممفيك هممو أن يلهثمموا وراء الحممداث وإن‬
‫يعترفوا بتلك الجزاء من البرنامج الثوري التي أستهلك الزمن كل أهمية عملية لها‪ .‬أن المنشفيكية ما‬
‫عادت تماري اليوم – رغم تحفظاتها – في شرعية عمليات القمع ضد الحممرس البيممض والفممارين مممن‬
‫الجيش الحمر‪ .‬ولقد أضطرت إلى القبول بها بعد تجاربها الخاصة التعيسة فممي "الديمقراطيممة"‪ .‬لقممد‬
‫فهمت‪ ،‬على ما يبدو‪ ،‬بعد فوات الوان‪ ،‬أنه ل تمكن مواجهة العصابات المناهضة للثورة بمجرد التأييممد‬
‫اللفظي للنظام الشتراكي بدون اللجوء إلى الرهاب الحمر‪ .‬لكممن المنشممفيك ممما يزالممون يحمماولون‪،‬‬
‫على الصعيد القتصادي‪ ،‬أن يؤجلوا عملنا ليؤديه أبناؤنا وبخاصة أحفادنا‪ .‬إل أنهممم ينسممون أن علينمما أن‬

‫‪101‬‬
‫نبني الن وبدون تأخير‪ ،‬ونحن نواجه التركة المؤسفة التي خلفهمما لنمما المجتمممع البورجمموازي والحممرب‬
‫الهلية التي لم تنته بعد‪.‬‬

‫إن المنشممفيكية‪ ،‬شممأنها شممأن الكاوتسممكية كلهمما بصممورة عامممة‪ ،‬تغممرق نفسممها فممي البتممذالت‬
‫الديمقراطية والعرقلت الشتراكية‪ .‬وأنه ليتضح مرة أخرى أنها ل تؤمن بوجود فترة انتقالية‪ ،‬أي فترة‬
‫ثورة بروليتارية تفرض مهامها الخاصة بها‪ .‬ومن هنا كان الطممابع البمماهت السممن لنتقاداتهمما وتعاليمهمما‬
‫ممما –‬
‫ومخططاتها وتوجيهاتها‪ .‬إن المسألة ليست مسألة معرفة ما سيجري بعممد عشممرين أو ثلثيممن عا ً‬
‫وبديهي أن المور ستكون آنذاك أحسن مما هي عليه بما ل يقاس‪ .‬بل معرفة ما يجممب فعلممه للقضمماء‬
‫على الفوضى‪ ،‬ولتوزيع اليد العاملة في هذه المرحلة‪ ،‬ولرفع إنتاجية العمممل اليمموم‪ ،‬وللسممتفادة بمموجه‬
‫خاص من الربعة آلف عامل المختص الذين وجدناهم في الجيش‪ ،‬في الورال‪ .‬فهممل نممتركهم قممائلين‬
‫لهم‪" :‬اذهبوا حيثما يحلو لكم!"‪ .‬كل‪ ،‬إننا ل نستطيع أن نتصممرف علمى هممذا النحممو‪ .‬ولقممد جممدناهم فممي‬
‫فرق عسكرية خاصة ووجهناهم إلى المعامل والمصانع‪.‬‬

‫ل‪" :‬بم تتميز اشتراكيتكم إذن عن العبودية المصرية؟ وبالفعممل لقممد كممان‬ ‫يهتف إبراموفيتش قائ ً‬
‫قما مقارنممة ل‬
‫الفراعنة يشيدون الهرامات بالطريقة نفسها‪ ،‬بإرغامهم الجماهير علمى العمممل"‪ .‬إنهما ح ً‬
‫ضا غابت عن نظر صاحبنا المنشفيكي نقطة صممغيرة‪ :‬طبيعممة‬ ‫مثيل لها تصدر عن "اشتراكي"! فههنا أي ً‬
‫الطبقة القابضة على زمام السلطة! إن إبراموفيتش ل يجد فرًقا بين نظامنا والنظام المصري‪ .‬ولقممد‬
‫نسي أنه كان في مصر فراعنة وملك عبيد وعبيد‪ .‬وما كان الفلحون المصمريون همم الممذين يقمررون‬
‫بواسممطة سمموفييتاتهم بنمماء الهرامممات بممل كممان هنمماك نظممام اجتممماعي قممائم علممى نظممام الطممرائف‬
‫المتسلسلة المراتب‪ ،‬وكان عدوهم الطبقي هو الذي يرغمهم على العمل‪ .‬أما في روسيا فإن الكممراه‬
‫تمارسه السلطة العمالية والفلحية باسم مصالح الجماهير الكادحة‪ .‬هذا ما لم يلحظممه إبراممموفيتش‪.‬‬
‫لقد تعلمنا في مدرسة الشتراكية أن كل التطور الجتماعي يقوم على الطبقات وعلى صممراعها‪ ،‬وأن‬
‫كل مجرى الحياة يتحدد بالطبقة القابضة على زمام السلطة وبالمهام التي تحقممق سياسممتها باسمممها‪.‬‬
‫هذا ما لم يفهمه إبراممموفيتش‪ .‬ومممن الجممائز أنممه يعممرف عممن ظهممر قلممب كتمماب العهممد القممديم‪ .‬لكممن‬
‫الشتراكية بالنسبة إليه كتاب عويص مغلق‪.‬‬

‫لقد كان بمقدور إبراموفيتش‪ ،‬وهو يتممابع مقارنمماته الليبراليممة والسممطحية الممتي ل تأخممذ حسمماًبا‬
‫لطبيعة الدولة الطبقية‪ ،‬أقول كان بمقدوره )وهذا ما فعله المنشفيك مممراًرا كممثيرة فممي الماضممي( أن‬
‫يوجد بين الجيش الحمر والبيض‪ .‬ففممي الجيممش الول كممما فممي الثمماني‪ ،‬كممانت التعممبئة تتممم بالدرجممة‬
‫الولى بين صفوف الجماهير الفلحية‪ .‬وفي هذا كما في ذاك‪ ،‬يعتمد على الكراه‪ .‬وفي هممذا كممما فممي‬
‫ذاك‪ ،‬يكثر عدد الضباط الذين مروا بمدرسة القيصمرية نفسمها‪ .‬وفممي كل المعسممكرين‪ ،‬توجممد البنممادق‬
‫نفسها‪ ،‬والرصاص نفسه‪ .‬فما الفرق إذن؟ ثمة فرق‪ ،‬أيها السممادة‪ ،‬وهممو يتحممدد بمعيممار أساسممي‪ :‬مممن‬
‫يقبض علممى زمممام السمملطة؟ الطبقممة العاملممة أو النبلء‪ ،‬الفراعنممة أو الموجيممك‪ ،‬الطغمممة الرجعيممة أو‬
‫بروليتاريا بترسبورغ؟ ثمة فرق والشاهد على ذلك مصير بودينيتش وكولتشاك ودينيكين‪ .‬إنهم العمممال‬
‫الذين جندوا الفلحين عندنا‪ :‬أما لدى كولتشاك فهم طائفة من الضباط الرجعييممن‪ .‬لقممد رسممخ جيشممنا‬
‫دا‪ .‬ثمممة فممرق بيممن النظممام السمموفياتي ونظممام‬ ‫أقدامه ووطدها‪ ،‬أما الجيش البيض فقممد تسمماقط رممما ً‬
‫الفراعنة‪ ،‬وليس من قبيممل العبممث أن يكممون البروليتمماريون قممد بممدؤوا ثممورتهم بإعممدامهم علممى قبمماب‬
‫الجراس "فراعنة" بترسبورغ )‪.(20‬‬

‫ضما أن يصمورني علمى أننممي محمامي النزعممة العسمكرية‬ ‫لقد حاول أحد الخطباء المنشمفيك عر ً‬
‫بصورة عامة‪ .‬إذ يتبين‪ ،‬من المعلومات التي يقدمها‪ ،‬أنني أدافع عن النزعة العسكرية اللمانية‪ ،‬ل أكثر‬
‫دا‪ ،‬أنني أعتبر ضابط الصف اللماني معجزة من معجزات الطبيعممة وأن‬ ‫ول أقل‪ .‬وهو يزعم‪ ،‬أصغوا جي ً‬
‫أعماله فوق التقليد‪ ..‬فماذا قلت في الواقع؟ قلت فقط أن النزعة العسممكرية‪ ،‬الممتي تجممد فيهما جميمع‬
‫ملمح التطور الجتماعي تعبيرها الكمل والوضح والمطلق‪ ،‬يمكن أن ينظممر إليهمما مممن زاويممتين‪ :‬أول ً‬
‫من وجهة النظر السياسية أو الشتراكية‪ ،‬وهنا يتعلق كل شيء بمسألة‪ :‬ما الطبقة الممتي تقبممض علممى‬
‫زمام السلطة‪ .‬وثانًيا‪ ،‬من وجهة نظر التنظيم كنظام للتوزيممع الممدقيق لللتزامممات‪ ،‬وكنظممام للعلقممات‬
‫المتبادلممة النظاميممة‪ ،‬والمسممؤولية المطلقممة‪ ،‬والتنفيممذ الحممازم‪ .‬إن الجيممش البورجمموازي جهمماز لقمممع‬
‫الشغيلة واضطهادهم بصورة عديمة الشفقة‪ ،‬في حيممن أن الجيممش الشممتراكي جيممش لتحريممر هممؤلء‬
‫‪" ()20‬الفراعنة" لقب شعبي يشار به إلى عملء البوليس القيصريين الذين وضعهم وزير الداخلية بروتو‬
‫بوبوف في نهاية شباط ‪ 1917‬على أسطحة المنازل وقباب الجراس‪.‬‬
‫‪102‬‬
‫الشغيلة والدفاع عنهم‪ .‬لكممن تبعيممة الجممزء المطلقممة للكممل صممفة مشممتركة لكممل جيممش‪ .‬وأن النظممام‬
‫الداخلي الحازم المتماسك لهو ميزة التنظيم العسكري‪ .‬إن كل تهاون‪ ،‬وكل خفة‪ ،‬وكل إهمال‪ ،‬يمكممن‬
‫أن تكون‪ ،‬في الحرب‪ ،‬سبًبا في خسائر فادحة‪ .‬ومممن هنمما كممان مسمميل التنظيممم العسممكري إلممى رفممع‬
‫الوضوح والدقة في العلقات والمسؤولية إلى أعلى درجة‪ .‬إن مثل هذه الصفات "العسكرية" مقممدرة‬
‫في جميع الميادين‪ .‬وإنما بهذا المعنى قلت أن كل طبقة تعرف كيممف تسممتفيد لخممدمتها مممن أعضممائها‬
‫الذين مروا على النضباط العسكري في ظروف أخرى مشابهة‪ .‬وإذا كان الفلح اللماني الميسور قد‬
‫تخرج من الثكنة كضابط صف‪ ،‬فهو بالنسبة إلممى الملكيممة اللمانيممة – وكممذلك بالنسممبة إلممى جمهوريممة‬
‫أيبرت‪ .‬أثمن من أي فلحخ آخر لم يمممر بالمدرسممة نفسممها‪ .‬إن جهمماز السممكك الحديديممة اللمانيممة قممد‬
‫تحسن بصورة محسوسة بفضل وجود ضباط الصف والضباط فممي المراكممز الداريممة التابعممة لمديريممة‬
‫خطوط المواصلت‪ .‬وبهذا المعنى علينا أن نتعلم الشيء الكثير من النزعة العسكرية‪ .‬لقد أكد لنا هنمما‬
‫الرفيق تزيبيروفيتش‪ ،‬أحممد المناضمملين المعروفيممن فممي نقاباتنمما‪ ،‬إن العامممل النقممابي الممذي مممر علممى‬
‫النضباط العسكري طوال سنوات‪ ،‬وشغل علمى سمبيل المثمال منصمب مفموض‪ ،‬ل يخسمر شميًئا ممن‬
‫قدرته على العمممل النقممابي‪ .‬فهممو بعممد أن حممارب مممن أجممل القضممية البروليتاريممة‪ .‬رجممع إلممى النقابممة‪،‬‬
‫ما‪ ،‬ذلك أنه قد تحمممل‬ ‫سا‪ ،‬أكثر رجولة‪ ،‬أكثر استقلل ً وتصمي ً‬ ‫بروليتارًيا كما في السابق‪ ،‬لكنه رجع متمر ً‬
‫مسؤوليات كبيرة‪ .‬لقد حدث له أن قاد آلف الجنود الحمر من مستوى اجتممماعي مختلممف‪ ،‬معظمهممم‬
‫من الفلحين‪ .‬ولقد عاش معهم النتصارات والهزائم‪ ،‬وعرف التقدم والتراجع‪ .‬لقد عرف بعض حالت‬
‫ما‪ ،‬وهو فممي منصممبه‪،‬‬ ‫الخيانة في القيادة‪ ،‬وتمرد الفلحين الميسورين‪ ،‬وأزمات الخوف‪ ،‬لكنه عرف دو ً‬
‫كيف يضبط الجماهير القل وعًيا‪ ،‬ويقودها‪ ،‬ويحمسها بمثمماله‪ ،‬معاقب ًمما بل شممفقة الخونممة والمسممتغلين‪.‬‬
‫إنها لتجربة عظيمة ثمينة‪ .‬وهكذا‪ ،‬عندما يعود الشيوعي السابق من الكتيبة إلى النقابة‪ ،‬فممإنه ل يكممون‬
‫ما سيًئا‪.‬‬
‫منظ ً‬

‫أما حول مسألة نظام المكاتب الجماعية في إدارة النتاج‪ ،‬فإن حجج إبراموفيتش مبتذلة شممأن‬
‫حججه حول كل المسائل الخرى‪ .‬إنها حجج مراقب أجنبي ينظر إلى المور من بعيد‪.‬‬

‫إن إبراموفيتش يشرح لنا أن الدارة الجماعية الحسنة خير من إدارة لشخص الواحممد السمميئة‪،‬‬
‫وأنه يجب أن يدخل إلى كل مكتب مؤلف بصورة حسنة اختصاصي ممتاز‪ .‬إن هذه كلها أفكار ممتازة‪.‬‬
‫قا أن المجلمس‬ ‫فليقدم لنا المنشفيك إذن عدة مئات من المكاتب ممن همذا النموع؟ إننمي أجمزم مسمب ً‬
‫العلى للقتصاد الشتراكي لن يتخلف عن أن يجد لها مهمة حسممنة‪ .‬إننمما لسممنا مراقممبين‪ ،‬بممل شممغيلة‬
‫يتوجب عليهم أن يبنوا حسب المواد المتوفرة لهم‪ .‬إن لدينا اختصاصيين نسممتطيع أن نقممول أن ثلثهممم‬
‫متعلم وذو وجدان‪ ،‬في حين أن الثلث الثاني نصف متعلم‪ ،‬والثلث الخير ل يسمماوي شمميًئا‪ .‬إن الطبقممة‬
‫العاملة غنية بالرجال الموهوبين‪ ،‬المخلصين‪ ،‬الشداء العزيمة‪ .‬وإن فئة منهم – قليلة العدد للغاية مممع‬
‫السف – تملك المعارف والتجربة الضرورية‪ .‬وبعضهم الخر قوي الشكيمة وموهوب‪ ،‬لكنه ل يملممك ل‬
‫معارف ول تجربة‪ ،‬والباقون ل يملكون ل هذا ول ذاك‪ .‬وإنما مممن هممذه المممادة يجممب أن نخلممق إدارات‬
‫المصانع وغيرها‪ ،‬وأنه لمن المستحيل أن نؤدي هذه المهمة بمجرد عبارات لفظية‪ .‬إن علينا‪ ،‬قبل كممل‬
‫شيء‪ ،‬أن ننتخب العمال الذين أثبتوا عملًيا أنهم قادرون على إدارة المشاريع‪ ،‬وأن نتيممح لهممم إمكانيممة‬
‫داء مهمتهم‪ .‬إن هؤلء العمال يريدون نظام إدارة الشخص الواحد‪ ،‬ذلممك أن إدارات المصممانع ليسممت‬
‫مدارس للمتخلفين‪ .‬إن العامل القوي الشكيمة‪ ،‬المطلع على قضممايا عملممه‪ ،‬يريممد بصممورة طبيعيممة أن‬
‫يدير‪ .‬وإذا قرر وأصدر أمره‪ ،‬فإن قراره يجب أن ينفذ‪ .‬وقد يستبدل بغيره‪ ،‬لكن هذه مسألة أخرى‪.‬‬

‫دا سوفياتًيا بروليتارًيا – فإنه يدير المصنع في مجموعه‪ .‬وإذا ما عين‬ ‫لكن ما دام هو السيد – سي ً‬
‫في مكتب مؤلف من أناس أضعف منه يساهمون في الدارة‪ ،‬فلن يمكن الوصول إلممى أي نتيجممة‪ .‬إن‬
‫كل عامل مدير يجب أن يضاف إليه اختصاصي أو اثنان‪ ،‬حسب أهمية المشممروع‪ .‬وإذا لممم يكممن تحممت‬
‫متناولنا مدير من هممذه الجبلممة‪ ،‬وإذا كممان لممدينا بالمقابممل اختصاصممي ذو وجممدان عممارف يعملممه‪ ،‬فإننمما‬
‫سنضعه على رأس المشروع‪ ،‬ونلحق به‪ ،‬بصفة مساعدين‪ ،‬عاملين أو ثلثة‪ ،‬بحيث أن كل قرار يتخممذه‬
‫الختصاصي يكون معروًفا من مساعديه‪ ،‬دون أن يكون لهؤلء الحق في إلغائه‪ .‬إنهم سمميتابعون بدقممة‬
‫عمله وسيكتسبون بالتالي المعمارف‪ .‬وبعممد مممرور بضممعة شممهور‪ ،‬سمميكونون قمادرين علممى أن يحتلمموا‬
‫بأنفسهم مناصب هامة‪.‬‬

‫شما‪ .‬همذا صمحيح! لكمن مما ل‬ ‫لقد استشهد إبراموفيتش‪ ،‬نقل ً عني‪ ،‬بمثمال حلق قماد فرقمة وجي ً‬
‫يقوله إبراموفيتش هو أنه إذا كان الرفاق الشيوعيون عندنا قممد بممدؤوا يقممودون فرقًمما وجيو ً‬
‫شمما‪ ،‬فهممذا‬

‫‪103‬‬
‫لنهم عملوا في الماضي مفوضين لدى القادة ‪ -‬الختصاصمميين‪ .‬إن كممل المسممؤولية تقممع علممى عمماتق‬
‫ما كان تافًها‪ ،‬دون أن يستطيع التحجج بصفته‬ ‫الختصاصي الذي يعلم أنه مسؤول كلًيا عن كل خطأ مه ً‬
‫وا مستشاًرا" في مكتب‪...‬‬
‫"عض ً‬

‫إن معظم مناصب قيادة الجيش الحمر‪ ،‬وبخاصة المناصب الدنيا‪ ،‬أي أهم الدرجات مممن وجهممة‬
‫النظر السياسية‪ ،‬مشغولة في الساعة الراهنة بعمال وفلحين متقدمين‪ ،‬وبم بدأنا؟ لقد وضعنا ضبا ً‬
‫طا‬
‫في مناصب القيادة وجعلنا من العمال مفوضين‪ .‬ولقد تعلموا كيف ينتصرون‪.‬‬

‫أيها الرفاق‪ ،‬إننا ندخل في مرحلة صعبة‪ ،‬ولعلها أصعب المراحل‪ .‬ول بد ممن تمدابير جبمارة فمي‬
‫الونة الصعبة ممن حيماة الشمعوب والطبقمات‪ .‬وكلمما أوغلنما‪ ،‬أصمبحت المهممة أكمثر سمهولة‪ ،‬وشمعر‬
‫المواطن بحرية أكبر‪ ،‬وتلشى الحساس بإكراه الدولة البروليتاريممة‪ .‬ومممن الممكممن أن نسمممح آنممذاك‬
‫للمنشفيك بأن تكون لهم صحفهم‪ ،‬هذا إذا قبلنمما بممأن المنشممفيك سمميكون لهممم وجممود يومممذاك‪ .‬لكننمما‬
‫نعيممش اليمموم فمي عهمد ديكتاتوريممة سياسمية واقتصممادية‪ .‬وإنمما هممذه الديكتاتوريمة همي المتي يسمتمر‬
‫المنشفيك في تخريبها‪ .‬فبينما كنا نقاتل على جبهة الحرب الهلية لنحمي الثممورة مممن أعممدائها‪ ،‬كتبممت‬
‫صحيفتهم‪" :‬لتسقط الحرب الهلية!"‪ .‬إنمما همذا مما ل نسمتطيع أن نتسمامح بمه‪ .‬إن الديكتاتوريممة همي‬
‫الديكتاتورية‪ ،‬والحرب هي الحرب‪ .‬والن بعممد أن وصمملنا إلممى أعلممى تركيممز لقوانمما فممي حقممل النهضممة‬
‫القتصادية‪ ،‬ظل الكاوتسكيون الروس‪ ،‬المنشفيك‪ ،‬أوفياء لرسالتهم المناهضة للثورة‪ :‬إن صوتهم يرن‬
‫كما في الماضي‪ ،‬كصوت الشك والبلبلة‪ .‬صوت ينسف ويلغم‪ ،‬ويزرع الريبة ويوهن العزائم‪.‬‬

‫أليس من الشناعة والسخافة في آن واحد مًعا أن نسمممع فمي همذا المممؤتمر الممذي يجتممع فيمه‬
‫‪ 1500‬ممثل للطبقة العاملممة الروسممية‪ ،‬والممذي ل يمثممل فيممه المنشممفيك إل نسممبة ‪ %5‬فممي حيممن أن‬
‫الشيوعيين يشكلون تسعة أعشاره‪ ،‬أليس من الشناعة والسخافة أن نسمع إبراموفيتش ينصحنا "بأل‬
‫نتحمس لمثل هذه الطرائق‪ ،‬في حين أن غالبية صممغيرة معزولممة تنمموب عممن الشممعب"‪ .‬يقممول ممثممل‬
‫المنشفيك‪" :‬كل شيء عن طريق الشعب‪ ،‬ول أوصياء على الكادحين‪ .‬كل شيء عن طريق الجممماهير‬
‫الكادحة‪ .‬كل شيء عن طريق عملها!" ثم يقول‪" :‬إن الجماهير ل تقنع بالحجج"‪ .‬لكن أ‪،‬ظروا إذن إلى‬
‫هذه الصممالة‪ :‬هممي ذي الطبقممة! إن الطبقممة العاملممة ههنمما أمامنمما ومعنمما‪ ،‬وأنتممم‪ ،‬يمما حفنممة المنشممفيك‬
‫الصغيرة‪ ،‬تحاولون أن تقنعوها بحجج البورجوازيين الصغار! إنكم تريدون أن تكونوا أوصياء علممى هممذه‬
‫الطبقة‪ .‬لكن لهذه الطبقة نشاطها ولقد برهنت عليه حيممن لفظتكممم‪ ،‬وحيممن سممارت إلممى المممام فممي‬
‫طريقها‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫كارل كاوتسكي‪ :‬مدرسة وكتابة‬
‫كانت المدرسة النمساوية الماركسية )بوير‪ ،‬رينر‪ ،‬هيلفردينع‪ ،‬ماكس آدلر‪ ،‬فريدريك آدلر( تقف‬
‫في غالب الحيممان موقممف المعارضممة مممن مدرسممة كاوتسممكي باعتبارهمما تمثممل انتهازيممة مقنعممة تجمماه‬
‫الماركسية الصيلة‪ .‬ولقد بدت هذه المعارضة كسوء تفاهم تاريخي سببب الكثير من الضياع الفكممري‪،‬‬
‫لكنممه انكشممف فممي النهايممة علممى حقيقممة واضممحة‪ :‬إن كاوتسممكي هممو مؤسممس التحريممف النمسمماوي‬
‫للماركسية وحامل لوائه الول‪.‬‬

‫ففي حين أن تعاليم ماركس الحقيقية تقوم على صيغة نظرية للعمل والهجوم وتطوير الطاقممة‬
‫الثورية ودفع الصراع الطبقممي إلممى المممام‪ ،‬نجممد أن المدرسممة النمسمماوية قممد تحممولت إلممى أكاديميممة‬
‫للسلبية واللف والدوران‪ ،‬وأصبحت تاريخية بصممورة مبتذلممة‪ ،‬وقصممرت أهممدافها علممى تعليممل الحممداث‬
‫وتبريرهمما‪ ،‬وانحممط دورهمما إلممى مصممدر ممممول للنتهازيممة البرلمانيممة والنقابيممة‪ ،‬واسممتبدلت الممديالكتيك‬
‫بالسفسطة المخاتلة‪ ،‬وتحولت أخيًرا‪ ،‬بممالرغم مممن لفظيتهمما الثوريممة‪ ،‬إلممى قمموة أمينممة داعمممة للدولممة‬
‫الرأسمالية‪ ،‬وللعرش والمذبح اللذين يهيمنان عليها‪ .‬وإذا كان العرش قد سقط‪ ،‬فالخطممأ فممي ذلممك ل‬
‫ما على المدرسة الماركسية النمساوية‪.‬‬ ‫يقع حت ً‬

‫إن مما يميممز الماركسممية النمسماوية عمداؤها لكمل نشمماط ثموري وتخوفهما منمه‪ .‬إن الماركسمي‬
‫النمساوي لقادر على أن يحفر هوة من الفكار والتأويلت العميقممة للماضممي‪ ،‬وعلممى أن يظهممر جممرأة‬
‫دا فكممرة كممبيرة أو مبممدأ موجهًمما عممن‬‫رجولية في مجال التنبؤات المتعلقة بالمستقبل‪ ،‬لكنه ل يملك أبم ً‬
‫ممما بالنسممبة إليممه تحممت عبممء‬‫ً‬ ‫عقي‬ ‫با‬
‫ما انسيا ً‬
‫العمال الكبيرة المتعلقة بالحاضر‪ .‬إن الحاضر ينساب دو ً‬
‫هموم النتهازية الصغيرة التي تؤول فيما بعد وتصور على أنهمما السلسمملة الضممرورية الممتي تربممط بيممن‬
‫الحاضر والمستقبل‪ .‬إن الماركسي النمساوي معين ل ينضب ماؤه فيما يتعلق بممالبحث عممن السممباب‬
‫التي تعرقل الممارسة والعمل الثوريين‪ .‬إن الماركسية النمسمماوية هممي نظريممة السمملبية والستسمملم‬
‫المدعية الجليلة‪ .‬وبديهي أنه ليس من قبيل الصممدفة والعممرض أن تكممون النمسمما‪ ،‬بابممل الممتي تمزقهمما‬
‫معارضات قومية عقيمة‪ ،‬والدولة التي هي تجسيد لستحالة الوجود والتطمور بالمذات‪ ،‬قمد وقمع عليهما‬
‫دور توليد وتوطيد الفلسفة الماركسية المزعومة عن استحالة العمل الثوري‪.‬‬

‫إن أشممهر الماركسمميين النمسمماويين يمثلممون‪ ،‬كل علممى طريقتممه‪" ،‬فرديممة" معينممة‪ .‬إن وجهممات‬
‫نظرهم تختلف في غالب الحيان حول مختلف المسائل‪ .‬بل لقد وصل بهم المممر إلممى حممد الخلفممات‬
‫السياسية‪ .‬لكننا نستطيع القول‪ ،‬بصورة عامة‪ ،‬أنم أصابع يد واحدة‪.‬‬

‫إن كارل رينر هو أشهر هؤلء الممثلين‪ ،‬وأفخمهم‪ ،‬وأكثرهم إعجاًبا بنفسه‪ .‬إن موهبة النتحممال‪،‬‬
‫وبتعبير أدق التقليد السخيف‪ ،‬متطورة عنده إلى درجة استثنائية‪ .‬ولقد كانت مقالته الملتهبة عن أول‬
‫أيار‪ ،‬من وجهة نظر السلوب‪ ،‬آية في تجميع الكلمات الكثر ثورية‪ .‬ولممما كممانت الكلمممات وتجميعاتهمما‬
‫تعيش إلى حد ما حياتها الخاصة‪ ،‬فإن مقالت رينر قد أشعلت في قلوب الكثير من العمال نار الثورة‬
‫التي لم يعرفها المؤلف قط على ما يبدو‪.‬‬

‫إن البهرج الكاذب للثقافة النمساوية – الفييناويممة السمماعية وراء اللقممب والمركممز‪ ،‬يتجلممى عنممد‬
‫فما إمبراطورًيما‬
‫رينر أكثر مما يتجلى لدى سائر زملئه‪ .‬والواقع أنه لمم يكمف قمط عمن أن يكمون موظ ً‬
‫وملكًيا يتقن اللفظية الماركسية‪.‬‬

‫إن تحول مؤلف مقال يوبيل كارل ماركس‪ ،‬المعممروف ببلغتممه الثوريممة‪ ،‬إلممى مستشممار – دميممة‬
‫دا مممن أبهممر المثلممة علممى‬
‫يذخر بعواطف الحترام والعتراف بالجميل تجاه السكندنافيين‪ ،‬يقممدم واحم ً‬
‫مفارقات التاريخ‪.‬‬

‫ل‪ ،‬وأكثر جدية وأكثر إمل ً‬


‫ل‪ ،‬من رينممر‪ .‬إننمما ل نسممتطيع‬ ‫عا‪ ،‬وأكثر ابتذا ً‬
‫إما أوتو بوير فهو أكثر إطل ً‬
‫أن ننكر عليه معرفته بفن كتابممة الكتممب وتجميممع الوقممائع واسممتخلص النتممائج‪ ،‬حسممب الهممداف الممتي‬
‫ترسمها له السياسة العملية التي يصممنعها غيممره‪ .‬إن بمموير ل يملممك إرادة سياسممية‪ .‬إن فنممه الرئيسممي‬
‫‪105‬‬
‫يقوم على استخلص نتائج معروفة مبتذلة من المسائل العمليممة الشممد حممدة‪ .‬إن فكممرة السياسممي –‬
‫ما حياة موازية لرادته المفتقدة إلى الشجاعة‪ .‬إن أعماله ل تعدو أن تكون منتخبممات ينتقيهمما‬ ‫يعيش دو ً‬
‫تلميذ واسع الطلع متخرج من جامعة للهوت‪ .‬إن التصرفات المخزية للنتهازات النمساوية‪ ،‬وموقف‬
‫الخضوع الذليل لسلطة الطبقة المالكة الذي تقفه الشتراكية – الديمقراطيممة النمسمماوية – اللمانيممة‪،‬‬
‫قد وجدت في بوير أعمق ممثل لها‪ ،‬بوير الذي ذهب أحياًنا إلى حد رفض الشممكل وقبممول المضمممون‪.‬‬
‫وإذا كانت الفرصة قد أتيحت لبوير ليبرهن على عزيمته وقوته السياسممية‪ ،‬فقممد كممان ذلممك فقممط فممي‬
‫النضال ضد الجناح الثوري‪ ،‬وفي خليط عجيب من الستنتاجات والوقممائع والستشممهادات ضممد العمممل‬
‫الثوري‪ .‬ولقد بلغ ذروة مجده في الفترة التالية لعام ‪ ،1907‬عندما كان ما يزال أصغر من أن ينتخممب‬
‫نائًبا‪ ،‬فلعمب دور سمكرتير الشمرذمة الشمتراكية – الديمقراطيمة المتي كمان يزودهما بمالمواد والرقمام‬
‫والفكار المزيفة‪ ،‬والتي كان يثقفها ويكتب لها‪ ،‬والتي كان يعتقد أنه ملهم أعمالها الكممبيرة‪ ،‬فممي حيممن‬
‫أنه لم يكممن فممي الواقممع إل ممولهمما بالفكممار الممسمموخة المسممروقة الصممالحة لسممتعمال النتهممازيين‬
‫البرلمانيين‪.‬‬

‫أما ماكس آدلر فهو ممثل آخر للماركسية النمساوية ل يختلف عممن غيممره إل اختلفًمما صممغيًرا ل‬
‫ممما كمما أن رينممر همو صمحافيها وحقوقيهما‪،‬‬ ‫يكاد يظهر للعيان‪ .‬إنه غنائي‪ ،‬فيلسوف غنائي للسملبية‪ ،‬تما ً‬
‫قا‬
‫وكما أن هيلفردينغ هو اقتصاديها‪ ،‬وكما أن بوير هو عالم اجتماعًيا‪ .‬إن ماكس آدلممر يحتممل مكان ًمما ضممي ً‬
‫حا للغايممة فممي إطممار الشممتراكية البورجوازيممة المجريممة‬ ‫في العالم المبتذل‪ ،‬رغم أنه قد أخذ مكاًنا مري ً‬
‫ومذهب تسلط الدولة الهايسبورغي‪ .‬إن الجمع بين مهنة المحاماة الفاشمملة وبيممن الممدناءة السياسممية‪،‬‬
‫بالضافة إلى المقالت الصحفية الرخيصممة الممجممدة للمثاليممة‪ ،‬قممد أعطممت ممماكس آدلممر تلممك الصممفة‬
‫الخاصة الناعمة والمقرفة مًعا‪.‬‬

‫أما رودولف هيلفردينغ‪ ،‬المشهور هو الخر‪ ،‬فقد دخل إلى الشممتراكية – الديمقراطيممة اللمانيممة‬
‫ممما للستسمملم بممدون قتممال‪ .‬لقممد خيممل‬ ‫كمتمرد‪ ،‬لكن كمتمرد من "النمط النمساوي"‪ ،‬أي المستعد دو ً‬
‫لهيلفردينغ‪ .‬إن سهولة الحركة الخارجية للسياسية النمساوية وتحريضها‪ ،‬تلك السياسة التي ربته‪ ،‬إنما‬
‫هي المبادهة الثورية‪ ،‬ولقد طالب طوال أثنى عشر شهًرا‪ ،‬وبألفاظ هي أكثر اللفاظ تواضًعا بل ريممب‪،‬‬
‫بسياسممة مبادهممة أكممثر فعاليممة مممن قبممل قممادة الشممتراكية – الديمقراطيممة اللمانيممة‪ .‬لكممن التحريممض‬
‫النمساوي – الفييناوي سرعان ما سقط‪ ،‬حتى عنده‪ .‬ولم يتأخر في الخضمموع ل يقمماع برليممن وللطممابع‬
‫الوتوماتيكي لحياة الشتراكية – الديمقراطية اللمانية الروحية‪ .‬لقد حرر طاقته الفكرية ليركزها على‬
‫ل‪ - ،‬باعتبار أن ما من ماركسي‬ ‫حقل النظرية الخالصة‪ ،‬ذلك الحقل الذي لم يأت إليه بشيء جديد أص ً‬
‫حمما‬
‫نمساوي أتى بشيء جديد في أي حقل – رغم أنه كتب كتاًبا جدًيا‪ .‬ولقد دخممل العصممر الثمموري‪ ،‬راز ً‬
‫تحت عبء ذلك الكتاب‪ ،‬كحمال محني الظهر تحت حمممل ثقيممل‪ .‬لكممن ذلممك الكتمماب الجممدي نفسممه ل‬
‫ينوب مقام غياب الرادة والمبادهة وبرودة الدم الثورية والتصممميم السياسممي‪ ،‬الممتي يسممتحيل العمممل‬
‫بدونها‪ ..‬إن هيلفردينغ‪ ،‬المحترف الطب‪ ،‬ميال إلى العتدال‪ ،‬وهو يبدو‪ ،‬بممالرغم مممن إعممداده النظممري‪،‬‬
‫أكثر التجريبيين بدائية في حقل المسائل السياسية‪ .‬إن المهمة الرئيسية في الوقت الحاضر هي فممي‬
‫نظره عدم الخروج من إطار المس وإيجاد تبرير اقتصادي جدي عميق لهذا الموقف المحممافظ وهممذا‬
‫الضعف البورجوازي الصغير‪.‬‬

‫أما فريدريك آدلر فهو أقل الممثلين اتزاًنما للنممط الماركسمي النمسماوي‪ .‬لقمد ورث عمن أبيمه‬
‫المخرج السياسي‪ .‬ولقد سمح فريدريك آدلممر مممن خلل النضممال البممائس المنهممك ضممد فوضممى الممبيئة‬
‫النمساوية‪ ،‬سممح لريمبيته السماخرة بمأن تهمدم أسمس قناعماته الثوريمة بالمذات‪ .‬ولقمد دفعمه الممزاج‬
‫الموروث عن أبيه أكثر من مرة إلى معارضة المدرسة التي خلقها همذا الدب ولقمد أمكمن لفريمدريك‬
‫آدلر‪ ،‬في بعض الونة‪ ،‬إن يبدو مباشرة وكأنه التناقض الثوري في المدرسممة النمسمماوية‪ .‬والواقممع أنممه‬
‫كان ويبقى تتويجها الضروري‪ .‬إن عنفه الثوري لم يكن إل تعبيًرا عن نوبات اليأس الحادة المتي تعماني‬
‫منها النتهازية النمساوية التي يخيفها من آن إلى آخر عدم جممدواها الذاتيممة‪ .‬إن فريممدريك آدلممر ريممبي‬
‫حتى نخاع عظامه‪ :‬إنه ل يؤمن بالجماهير ول بقدرتها على العمل‪ .‬وبينما كان كممارل لييبكنيشممت ينممزل‬
‫إلى ساحة بوتسدام‪ ،‬أيام أعظم انتصارات العسكرية اللمانية‪ ،‬ليدعو الجماهير المسحوفة إلى نضممال‬
‫مكشوف‪ ،‬كان فريممدريك آدلممر يممدخل إلممى مطعممم بورجمموازي ليغتممال المموزير – الرئيممس‪ .‬لقممد حمماول‬
‫فريدريك آدلر بل ريب عن طريق أقدامه على عملية اغتيال معزولة‪ ،‬أن يقطع الصلة بريممبيته الذاتيممة‪.‬‬
‫وبعد هذا المجهود الهستيري‪ ،‬سقط في حالة خمول أشد‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫لقمد أغرقممت عصمابة الشممتراكيين – الموطنيين )أوسمترليتز ولموتنر‪ ،‬إلممخ( السمموداء والصمفراء‪،‬‬
‫أغرقت آدلر الرهابي بكل دنمماءات جبنهمما الممذي تحيطممه بفخممم اللفمماظ‪ .‬لكممن عنممدما انقضممت الفممترة‬
‫الحادة‪ ،‬وعاد البن الضال من الشغال الشاقة إلى المنزل البوي تحيممط بممه هالممة الشممهادة‪ ،‬تممبين أن‬
‫قيمته بالنسبة إلى الشتراكية – الديمقراطية النمسمماوية قممد تضمماعفت مرتيممن بممل ثلث ًمما‪ .‬ولقممد حممول‬
‫مزيفو الحزب الماهرون هالة الرهابي المذهبية إلى نقود تمرن بالديماغوجيمة‪ .‬وأصمبح فريمدريك آدلمر‬
‫الكفيل المعتمد لمثال أوسترليتز وبوير أمام الجماهير‪ .‬ولحسن الحظ أن العمال النمسمماويين بمماتوا ل‬
‫يفرقون إل أقل فأقل بين الغنائية العاطفيممة لفريممدريك آدلممر‪ ،‬وانحطمماط رينممر المخفممي وراء اللفمماظ‬
‫البراقة‪ ،‬وخمول ماكس آدلر التلمودي‪ ،‬ورضى أوتو بوير التحليلي بنفسه‪.‬‬

‫ممما‪ ،‬فممي مجممموعه‪ ،‬تجمماه‬


‫إن جبن أفكار نظريي المدرسة الماركسية النمساوية قممد افتضممح تما ً‬
‫المشكلت الكبرى التي يطرحها العصر الثوري‪.‬‬

‫لقد أعطى هيلفردينغ‪ ،‬في محاولته التي ل تنسى لدخال نظام السوفييتات على دستور إيممبرت‬
‫ضما لكمل فكمر المدرسمة الماركسمية‬ ‫– نوسك‪ ،‬أعطى دفقمة دافعمة ل لفكمره المذاتي فحسمب‪ ،‬بمل أي ً‬
‫النمساوية التي حاولت‪ ،‬بدًءا من ولدة العصر الثوري‪ ،‬أن تأخذ مكانهمما علممى يسممار كاوتسممكي بالقممدر‬
‫نفسه الذي أخذت به مكانها إلى يمينه قبل الثورة‪.‬‬

‫وبهذا الصدد‪ ،‬فإن وجهة نظر ماكس آدلر عن نظام السوفييتات بليغة الدللة‪.‬‬

‫دا‬
‫إن الفيلسوف التخيري الفييناوي يعترف بأهمية السمموفييتات‪ ،‬بممل أنممه يظهممر مممن الجممرأة حم ً‬
‫يدفعه إلى تبنًيا‪ .‬إنه يعتبرها صراحة جهاز الثورة الجتماعية‪ .‬وماكس آدلر بممالطبع‪ ،‬مممن أنصممار الثممورة‬
‫الجتماعية‪ .‬لكن ما يريده‪ ،‬ليس ثورة المتاريس والرهاب العنيفة‪ ،‬الثورة الدامية‪ ،‬بل الثممورة العاقلممة‪،‬‬
‫المقتصدة‪ ،‬المتزنة‪ ،‬المطوبة حقوقًيا والمصدق عليها فلسفًيا‪.‬‬

‫إن ماكس آدلر ل يممذعر حممتى مممن فكممرة إن السمموفييتات تنتهممك "مبممدأ" التقسمميم الدسممتوري‬
‫للسلطات )هناك بالفعل في حضن الشتراكية – الديمقراطية النمساوية أكثر مممن أحمممق واحممد يممرى‬
‫في هممذا النتهمماك ثغممرة خطيممرة فممي النظممام السمموفياتي(‪ .‬بممل علممى العكممس‪ ،‬إن محممامي النقابممات‬
‫والمستشار الحقوقي لثورة الجتماعية الذي هو ماكس آدلر‪ ،‬يرى في دمممج السمملطات تفوقًمما يضمممن‬
‫التعبير المباشر عن إرادة البروليتاريا‪ .‬إن ماكس آدلر يؤيد التعبير المباشر عن إرادة البروليتاريا‪ ،‬لكن‬
‫ليس عن طريق استيلء السوفييتات مباشرة على السلطة‪ .‬إنه يممدعو إلممى طريقممة مأمونممة أكممثر‪ .‬إن‬
‫على المجالس العمالية‪ ،‬في كممل مدينممة ودائرة وحممي‪ ،‬أن "تراقممب؛ ممموظفي البمموليس وغيرهممم بممأن‬
‫تفممرض عليهممم "إرادة" البروليتاريمما‪ .‬إل أنممه يحممق لنمما أن نسممأل‪ :‬كيممف سمميكون الوضممع "الممدولي –‬
‫الحقوقي" للسوفييتات في جمهورية سيتزت ورينر ومن هم على شمماكلتهم؟ إن فيلسمموفنا يممرد علممى‬
‫هذا التساؤل‪" :‬إن السوفييتات ستتلقى في النهاية من القوة الدولية – الحقموقي بقمدر مما تبمذل ممن‬
‫نشاط" )"جريدة العمال" – العدد ‪ 1 ..197‬حزيران ‪.(1919‬‬

‫ممما كممما‬
‫إن على السوفييتات البروليتارية أن تتحول تدريجًيا إلى سلطة سياسية للبروليتاريا‪ ،‬تما ً‬
‫كان على المنظمات البروليتارية في الماضي‪ ،‬حسبما كانت تقول نظرية النتهازية‪ ،‬أن تتطور إلى أن‬
‫تتحول اشتراكية‪ ،‬وهذا هدف لقى في طريقه بعض العراقيل نتيجة لسوء التفاهم غير المتوقممع الممذي‬
‫طرأ طوال أربعة أعوام بين الدول المركزية و"التفاهم" وكل ما تله فيما بعد‪ .‬وكان ل بد بالتالي مممن‬
‫التخلي عن البرنامممج القتصممادي للتنميممة المنهجيممة لحسمماب اشممتراكية بممدون ثممورة اجتماعيممة‪ .‬لكممن‬
‫تكشفت بالمقابل آفاق نمو منهجمي للسمموفييتات إلمى حممد ثممورة اجتماعيمة بمدون عصمميان مسمملح ول‬
‫استيلء عنيف على السلطة‪.‬‬

‫وحتى ل تقع السوفييتات فممي شممراك مهممام المحافظممات والحيمماء‪ ،‬فممإن المستشممار الحقمموقي‬
‫الجريء يقترح دعاية الفكار الشتراكية – الديمقراطية‪ .‬فالسلطة السياسية تظل‪ ،‬كما في الماضممي‪،‬‬
‫في أيدي البورجوازية وعملئها‪ ،‬لكن السوفييتات بالمقابل تراقب‪ ،‬في المحافظممات والحيمماء‪ ،‬ضممباط‬
‫وضباط صف البوليس‪ .‬إل أن ممماكس آدلممر‪ ،‬كممي يطمئن الطبقمة العاملمة وليركممز فمي الموقت نفسممه‬
‫أفكارها وإرادتها‪ ،‬سيلقي كل يوم أحد محاضممرات عممن الوضممع الممدولي – الحقمموقي للنقابممات‪ .‬ويعممدنا‬
‫‪107‬‬
‫ماكس آدلر‪" :‬وهكذا فإن النظام في الوضع الدولي – الحقوقي للنقابات‪ .‬ويعدنا ماكس آدلر‪" :‬وهكممذا‬
‫فإن النظام في الوضع الدولي – الحقوقي للسموفيتتات العماليمة‪ ،‬وثقلهما وأهميتهما‪ ،‬سمتكون متموفرة‬
‫على طول الخط‪ ،‬في مجال حياة الدولة والحيماة العامممة‪ ،‬وأن النظمام السموفياتي‪ ،‬بمدون ديكتاتوريممة‬
‫السوفييتات سيحقق نفممو ً‬
‫ذا أوسممع بكممثير مممن النفمموذ الممذي يسممتطيع أن يحصممل عليممه فممي جمهوريممة‬
‫السوفييتات بالذات‪ .‬ثم أنه لن يتعين‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬شممراء هممذا النفمموذ بثمممن العواصممف السياسممية‬
‫ما مممع التقاليممد النمسمماوية‪:‬‬
‫والعاصير القتصادية المدمرة"‪ .‬إن ماكس آدلر يظممل‪ ،‬كممما نممرى‪ ،‬منسممج ً‬
‫تحقيق الثورة بدون الدخول في نزاع مع السيد المدعي العام‪.‬‬

‫إن مؤسس هذه المدرسة والمسؤول العلى فيهمما هممو كاوتسممكي‪ .‬إن كاوتسممكي‪ ،‬فممي المموقت‬
‫الذي يحافظ فيه بغيرة‪ ،‬وبخاصة بعد مممؤتمر دريممد للحممزب والثممورة الروسممية الولممى )‪ ،(1905‬علممى‬
‫سمعته كحارس للرثوذكسية الماركسية‪ ،‬يعلن استنكاره من حين إلى آخر للتصممرفات المخزيممة الممتي‬
‫تصدر عن مدرسته النمساوية‪ .‬إن بوير ورينر وهيلفردينغ يعتمبرون جميعهمم مًعما‪ ،‬وكممل منهمم بصممورة‬
‫خاصة – كما كان شأن المرحوم فيكتممور آدلممر – يعتممبرون كاوتسممكي مممدعًيا أكممثر مممن اللزم‪ ،‬وقليممل‬
‫المرونممة أكممثر مممن اللزم‪ ،‬إل أنهممم يممرون فيممه أب ًمما وأسممتا ً‬
‫ذا جممديًرا بممالحترام لكنيسممة عقيممدة الدعممة‬
‫والخمول‪.‬‬

‫لقد بدأ كاوتسكي يوحي ببعض المخاوف الجديدة لمدرسته الخاصة في فترة صممعوده الثمموري‪،‬‬
‫أثناء الثورة الروسية الولى‪ ،‬عندما اعترف بضرورة استيلء الشتراكية – الديمقراطية الروسية على‬
‫السلطة‪ ،‬وحاول أن يلقن الطبقة العاملممة اللمانيممة السممتنتاجات النظريممة الممتي فرضممت نفسممها بعممد‬
‫تجربة الضراب العام في روسيا‪ .‬ولقد أوقممف فشممل الثممورة الروسممية الولممى تطممور كاوتسممكي نحممو‬
‫الراديكالية‪ .‬وكلما كان تطور الحداث يفرض بصورة محتمة حل المشكلت المتعلقة بعمممل الجممماهير‬
‫سا‪ .‬لقد راوح فممي مكممانه‪ ،‬ثممم تراجممع‬ ‫في داخل ألمانيا بالذات‪ ،‬كان موقف كاوتسكي إزاءها يزداد التبا ً‬
‫إلى الوراء‪ ،‬وفقد ثقته الولية‪ ،‬واتضحت لديه أكثر فأكثر ملمح الدعاء السكولئي التي كانت ملموسة‬
‫في طريقته في التفكير‪ .‬ولقد كشفت الحرب المبرياليممة‪ ،‬الممتي قتلممت كممل تممردد وطرحممت بفظاظممة‬
‫جميع المسائل الساسية‪ ،‬كشفت إفلس كاوتسكي السياسي التام‪ .‬ومن اللحظة الولى‪ ،‬انزلقمت بمه‬
‫قدمه دونما أمل بالعودة إلى أبسط المسائل‪ ،‬أي إلى مسألة التصويت علممى اعتمممادات الحممرب‪ .‬وأن‬
‫جميع أعماله اللحقة تدور حول موضوعة واحدة مكررة معادة‪" :‬أنمما وبلبلممتي"‪ .‬ولقممد أجهممزت الثممورة‬
‫الروسية على كاوتسكي نهائًيا‪ .‬كان مجرى الحداث السابق كلممه قممد جعلممه يتبنممى موقفًمما معادي ًمما إزاء‬
‫انتصار البروليتاريا في تشرين الثاني‪ .‬ولقد جاء هذا الحدث ليلقي به في المعسكر المنمماهض للثممورة‪.‬‬
‫وهكذا فقد آخر بقايا حسه التاريخي‪ .‬وتحولت كتاباته اللحقة أكثر فأ‪:‬ثر إلى أدب أصفر يصلح للسمموق‬
‫البورجوازية نظًرا إلى رداءته وبخس ثمنه‪.‬‬

‫إن كتاب كاوتسكي‪ ،‬الذي درسناه‪ ،‬يملك جميع الصفات الخارجية لما اتفق الناس على تسميته‬
‫بالعمل الموضوعي والعلمي‪ .‬لكي يعمق كاوتسممكي مسممألة الرهمماب الحمممر‪ ،‬يرسممم مخططممه بكممل‬
‫الدقة الدقيقة المعروفة عنه‪ .‬فهو يبدأ بدراسة الشروط الجتماعية التي هيأت الجو للثورة الفرنسممية‬
‫الكبرى‪ ،‬وكذلك السباب الفيزيولوجية والجتماعية التي ساهمت في تطوير القسوة والنسانية طيلممة‬
‫تاريخ الجنس البشري‪ .‬وفي الكتاب المخصممص للبولشممفية‪ ،‬والممذي لممم تممدرس فيممه المسممألة إل فممي‬
‫الصفحة ‪ ،154‬يروي كاوتسكي بالتفصيل كيف كان يأحل جدنا البعيممد‪ ،‬القريممب بتكمموينه مممن القممرود‪.‬‬
‫ويطرح فرضية أنه كان يلتهم الحشرات وربما بعض الطيور بالضممافة إلممى طعممامه النبمماتي الرئيسممي‬
‫)ص ‪ .(85‬وبتعبير آخر‪ ،‬إن ما من شيء يمكممن أن يممدفع بالنسممان إلممى التفكيممر بممأن مثممل هممذا الجممد‬
‫دا دمممويين كالبلشممفة‪ .‬هممذا هممو‬ ‫المحترم الذي كان يعيش على النبات‪ ،‬يمكن أن يخلف فيما بعد أحفمما ً‬
‫الساس العلمي المتين للغاية الذي يطرح عليه كاوتسكي المسألة‪..‬‬

‫لكن كما هي الحال في معظم المؤلفات التي مممن همذا النموع‪ ،‬يختفممي الهجماء السياسممي وراء‬
‫دا عن العلم‪ .‬وأليس مممن المسممتغرب‬ ‫واجهة أكاديمية‪ .‬سكولئية أنه واحد من أكذب الكتب وأكثرها بع ً‬
‫بالفعل‪ ،‬للوهلة الولى‪ ،‬أن يلتقط كاوتسكي من المنجم الذي ل ينضب لوكالت هافاس ورويتر وولممف‬
‫كا أذن الواشي المفممتري تتغلممب علممى قبعممة‬ ‫كل الفتراءات والشائعات البائسة المعادية للبلشفة‪ ،‬تار ً‬
‫العالم؟ لكن هذه التفاصيل القذرة ليسممت إل زخرفممات فسيفسممائية تحيممط بمجممموع الكذبممة الكممبرى‬
‫الموجهة ضد جمهورية السوفييتات والحزب الذي يقودها‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫إن كاوتسكي يرسم‪ ،‬بأقتم اللوان‪ ،‬لوحة وحشتينا تجاه البورجوازية التي "لم تبد أي رغبة مهما‬
‫تكن واهنة في المقاومة"‪.‬‬

‫إن كاوتسكي يدين موقفنما الصملب تجماه الشمتراكيين – الثموريين والمنشمفيك المذين يؤلفمون‬
‫إحدى مدارس الشتراكية‪ .‬وأن كاوتسكي يصور القتصاد السوفياتي على أنه سديم مأساوي‪.‬‬

‫إن كاوتسكي يصممور المناضمملين السمموفياتيين بصممورة عامممة‪ ،‬وكممل الطبقممة العاملممة الروسممية‪،‬‬
‫كشرذمة من النانيين والجبناء والكسالى‪.‬‬

‫إنه ل يقول كلمة واحممدة عممن الجبممن العظيممم‪ ،‬الممذي ل سممابق لممه فممي التاريممخ‪ ،‬الممذي أظهرتممه‬
‫البورجوازية الروسية‪ .‬أنه ل يقول كلمة واحدة عن خياناتها الوطنية‪ ،‬وعن تسليم ريجا لللمان لهداف‬
‫"إستراتيجية"‪ .‬وهو ل ينبس ببنت شفة عن موضوع تهيئة تسمليم مماثمل لمدينمة بترسمبورغ‪ .‬إنمه يممر‬
‫مرور الكرام بنداءات هذه البورجوازية الموجهة إلى الجيمموش الجنبيممة‪ ،‬التشيكوسمملوفاكية واللمانيممة‬
‫والرومانية والنكليزية واليابانية والفرنسية والعربيممة والزنجيممة‪ ،‬ضممد العمممال والفلحيممن الممروس‪ .‬إنممه‬
‫يسكت عن مؤامراتهمما واغتيالتهمما‪ ،‬المقترفممة والمنفممذة لحسمماب "التفمماهم" وعلممى نفقتممه‪ ،‬وحصممارها‬
‫الهادف إلى تجويع أطفالنا حتى الموت‪ ،‬وإلى إشاعة الكاذيب والفتراءات في العمالم قاطبمة بصمورة‬
‫منهجية عندية ل تكل ول تمل‪.‬‬

‫أنممه ل يقممول كلمممة واحممدة عممن أعمممال التعممذيب والعنممف الممدنيئة الممتي عمماملت بهمما حكومممة‬
‫الشتراكيين – الثوريين والمنشممفيك حزبنمما قبممل ثممورة تشممرين الثمماني‪ .‬أنممه يخممرس عممن المطمماردات‬
‫المجرمة الموجهة ضد ألوف المناضلين في حزبنا بحجة التجسممس لحسمماب ألمانيمما همموهنزولرن‪ .‬إنممه‬
‫يمر مرور الكرام بمساهمة المنشممفيك والشممتراكيين – الثمموريين فممي جميممع مممؤامرات البورجوازيممة‪،‬‬
‫وكذلك تعاونهم مع جنرالت وأمراء القيصر‪ ،‬كولتشاك ودينيكين وبممودينيتش‪ .‬إنممه يسممكت عممن أعمممال‬
‫الرهاب التي قام بها الشممتراكيون – الثوريمون بنمماء علمى أوامممر "التفماهم"‪ ،‬وأعمممال العصميان المتي‬
‫نظمها هؤلء الشتراكيون – الثوريون أنفسهم‪ ،‬بأموال السفارة الجنبية‪ ،‬في صفوف جيشنا الذي كان‬
‫يسفح دمه غزيًرا على مذبح النضال ضد عصابات المبريالية الملكيممة‪ .‬إن كاوتسممكي ل يتنممازل ليممذكر‬
‫ضا على أننا مستعدون حتى لو‬ ‫مرة واحدة بأننا لم نؤكد في أكثر من مناسبة فحسب‪ ،‬بل بأننا برهنا أي ً‬
‫قبلنا بتنازلت وتضحيات‪ ،‬لتوطيد السمملم فممي بلممدنا‪ ،‬وأننمما مضممطرون بممالرغم مممن ذلممك‪ ،‬إلممى متابعممة‬
‫النضال الشرس على كل الجبهات للممدفاع عممن وجممود بلممدنا بالممذات ولتجنممب تحمموله إلممى مسممتعمرة‬
‫ضمما عممن أن البروليتاريمما الروسممية كممانت‬
‫المبريالية النكلو – الفرنسية‪ .‬إن كاوتسكي يلزم الصمممت أي ً‬
‫مرغمة‪ ،‬أثناء هذا النضال البطولي الذي نخوضه من أجل مسمتقبل الشمتراكية العالميمة‪ ،‬علمى إنفماق‬
‫خير طاقاتها‪ ،‬وزهرة قواها وأثمنها‪ ،‬تلك الطاقات والقوى التي حرم منهما فيمما بعممد البنمماء القتصممادي‬
‫وتطوير الثقافة‪.‬‬

‫إن كاوتسممكي‪ ،‬فممي منشمموره عينممه‪ ،‬ل يممذكر ولممو تممذكيًرا بممأن العسممكرية اللمانيممة‪ ،‬بمعونممة‬
‫الشايدمانيين وتواطؤ الكاوتسمكيين‪ ،‬ثمم عسمكرية دول "التفماهم"‪ ،‬وبمعونمة أمثمال رينوديمل وتواطمؤ‬
‫أمثال لونغيه‪ ،‬قد طوقتانا بحصار حديدي‪ ،‬وبأنهما بعممد أن اسممتولتا علممى مرافئنمما قاطبممة‪ ،‬عزلتانمما عممن‬
‫سائر العالم‪ ،‬واحتلتا‪ ،‬بواسطة عصابات الحرس البيممض المرتزقممة‪ ،‬مسمماحات شاسممعة مممن الراضممي‬
‫الغنية بالمواد الولية‪ ،‬وقطعنا عنا لمدة طويلة ممن الزممن نفمط بماكو‪ ،‬وفحمم المدونتز‪ ،‬وقممح المدون‬
‫وسيبيريا‪ ،‬وقطن تركستان‪ .‬إن كاوتسكي ل يذكر بأن الطبقة العاملة الروسممية قممد خاضممت وتخمموض‪،‬‬
‫منذ حوالي ثلثة أعوام‪ ،‬وفي مثل هذه الشروط الفائقة الصعوبة‪ ،‬نضال ً بطولًيا ضد أعدائها على جبهة‬
‫طولها ‪ 800‬فرسخ‪ ،‬وبأن الطبقة العاملة الروسية قد عرفت كيف تستبدل المطرقة بالسميف وتخلمق‬
‫شا قوًيا‪ ،‬وبأنها جندت لهذا الجيش صناعتها المنهوكة‪ ،‬وبأنها‪ ،‬رغم النهاك الشديد الذي أصاب البلد‬ ‫جي ً‬
‫التي حكم عليها جلدو العالم أجمع بالحصار والحرب الهلية‪ ،‬تكسي وتطعم وتسلح وتنقل‪ ،‬منممذ ثلثممة‬
‫شا تعداده مليون رجل تعلموا كيف ينتصرون‪.‬‬ ‫أعوام حتى اليوم‪ ،‬وبوسائلها الخاصة‪ ،‬جي ً‬

‫إن كاوتسكي يجد الوسيلة ليظل أخرس عن هذا كله فممي كتمماب يكرسممه للشمميوعية الروسممية‪.‬‬
‫وهذا الصمت من جانبه هو كذبته الكبرى‪ ،‬الولى‪ ،‬المكشوفة‪ ،‬كذبة سلبية بدون شك‪ ،‬لكنها يقيًنا أكممثر‬
‫ما ودناءة من الكذب اليجابي الذي يلجأ إليه جميع أوغاد صحافة البورجوازية العالمية‪.‬‬
‫إجرا ً‬

‫‪109‬‬
‫إن كاوتسكي‪ ،‬المفتري على سياسة الحزب الشيوعي‪ ،‬ل يقول في أي مكممان ممماذ يريممد وممماذا‬
‫يقترح‪ .‬إن البلشفة لم يكونوا وحدهم في حلبة الثورة الروسية‪ .‬بل لقممد رأينمما ونممرى فيهمما‪ ،‬مممرة فممي‬
‫السمملطة ومممرة فممي المعارضممة‪ ،‬الشممتراكيين – الثمموريين )خمسممة اتجاهممات وتكتلت علممى القممل(‬
‫والمنشفيك )ثلثة اتجاهات على القل(‪ ،‬وتلمذة بليخانوف‪ ،‬والماكسيماليين‪ ،‬والفوضويين‪.‬‬

‫إن جميع "اتجاهات الشتراكية" بل استثناء )إذا قبلنا بلغة كاوتسكي( قد جربت قواها وأظهممرت‬
‫ما تريده وما تستطيعه‪ .‬إن هذه "التجاهات" كثيرة العدد للغاية حتى أنه ليصعب إدخال نصممل سممكين‬
‫ضا‪ .‬إنها تمثل بصورة مجملة مختلممف‬
‫بين المتجاورة منها‪ .‬إن أصل هذه "التجاهات" بالذات ليس عار ً‬
‫محاولت الحزاب الشتراكية التي وجدت قبل الثورة للتلؤم مع شروط العصر الثوري الكبر‪.‬‬

‫قد يبدو إذن أن كاوتسكي يملك بين يديه مجموعة مفاتيح سياسية كثيرة العدد بما فيه الكفايممة‬
‫ليجد بينها المفتاح الماركسي الصحيح للثورة الروسية‪.‬‬

‫لكن كاوتسكي يلزم الصمت‪ .‬أنه يرفض اللحن البولشفي الذي ويمزق أذنيه‪ ،‬لكنه ل يبحث عن‬
‫لحن آخر‪ .‬إن عازف البيانو المسن قد استنكف بصورة عامة عن العزف على أداة الثورة‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫ملحق )‪(1‬‬
‫يظهر هذا الكتاب أيام انعقاد المؤتمر الثاني للممية الشيوعية‪ .‬أن حركة البروليتاريا الثورية قد‬
‫خطممت‪ ،‬خلل الشممهور الممتي تلممت انعقمماد المممؤتمر الول‪ ،‬خطمموة كممبيرة إلممى المممام‪ .‬وأن مواقممع‬
‫الشتراكيين – الوطنيين الرسميين‪ ،‬العلنيين‪ ،‬قد تهدمت في كل مكممان‪ .‬وأن أفكممار الشمميوعية تنتشممر‬
‫أكثر فأكثر‪ .‬وأن الكاوتسكية الرسمية‪ ،‬الدوغمائية‪ ،‬قد تشمموهت سمممعتها بصممورة قاسممية‪ .‬وكاوتسممكي‬
‫نفسه صار يظهر بوجه حقير مضحك في صفوف الحزب "المستقبل" الذي هو خالقه‪.‬‬

‫قا إل الن‪ .‬وإذا كانت الكاوتسممكية‬ ‫إل أن الصراع العقائدي في صفوف الطبقة العاملة لم يبدأ ح ً‬
‫الدوغمائية هي في سبيلها إلى الموت‪ ،‬كما قلنا‪ ،‬وإذا كان قادة الحزاب الشتراكية الوسطية يعجلون‬
‫بالتخلي عنها‪ ،‬فإن الكاوتسكية‪ ،‬كلفت فكرية بورجوازية‪ ،‬وكتقليد من تقاليد السلبية‪ ،‬وكجبن سياسي‪،‬‬
‫سا فممي أوسمماط المنظمممات العماليممة القياديممة فممي العممالم أجمممع‪ ،‬بممما فيهمما‬
‫ما تزال تلعب دوًرا ملمو ً‬
‫الحزاب التي تميل إلى الممية الثالثة‪ ،‬وحتى الحزاب التي انتمت إليها شكلًيا‪.‬‬

‫إن حزب ألمانيا المستقل‪ ،‬الذي كتب على يافطته شعار ديكتاتورية البروليتاريا‪ ،‬تشكو صممفوفه‬
‫من زمرة كاوتسكي )‪ (21‬الذي يبذل كل جهوده للساءة نظرًيا إلى ديكتاتورية البروليتاريا فممي تعبيرهمما‬
‫الحي‪ :‬السلطة السوفياتية‪ .‬إن شروط الحرب الهلية ل تجعل هذا النوع من التعايش ممكن ًمما إل حممتى‬
‫اليوم الذي تبممدو فيممه ديكتاتوريممة البروليتاريمما للوسمماط القياديممة مممن الشممتراكيين – الممديموقراطيين‬
‫"المستقلين" كرغبة ورعة واحتجاج غير متبلور ضد الخيانة الصريحة المخزية التي صدرت عن نوسك‬
‫وأيبرت وشايدمان وغيرهم‪ ،‬وفي النهاية كأداة ديماغوجية انتخابية وبرلمانية‪.‬‬

‫إن حيوية الكاوتسكية الكامنة ملموسة بشكل خاص لدى اللونغيممويين الفرنسمميين‪ .‬ولقممد اقتنممع‬
‫جان لونغيه هو نفسه بذلك وحاول طويل ً أن يقنع الخرين بإخلص بأنه يسير بدون تحفظ معنمما‪ ،‬وبممأن‬
‫رقابة كليمانصو وافتراءات أصدقائنا الفرنسيين لوريو ومونممات وروسمممر وغيرهممم‪ ،‬هممي وحممدها الممتي‬
‫تمنع قيام أخوة سلح كاملة بيننا‪ .‬إل أنه يكفي بالمقابممل أن نطلممع علممى أي خطمماب برلممماني للممونغيه‬
‫حتى نقتنع بأن الهوة التي تفصله عنا في الساعة الراهنة هي بدون أدنى ريب أعمق مما كممانت عليممه‬
‫في المرحلة الولى من الحرب المبريالية‪ .‬إن المشكلت الثورية التي تنتصممب الن أمممام البروليتاريمما‬
‫ضمما مممما كممانت عليممه قبممل‬
‫العالمية قد أصبحت جدية أكثر‪ ،‬ومباشرة وجليلة وفوريممة أكممثر‪ ،‬وأوضممح أي ً‬
‫خمسة أو ستة أعوام‪ ،‬وأن الرجعية السياسية التي يحمل لواءها اللونغيويممون‪ ،‬الممثلممون البرلمممانيون‬
‫للسلبية الخالدة‪ ،‬قد أصبحت أشد بروًزا من أي وقت سبق‪ ،‬رغم أن اللونغيويين قد دخلوا شكلًيا إلممى‬
‫صف المعارضة البرلمانية‪.‬‬

‫دا‬
‫إن الحزب اليطالي‪ ،‬المنتمي إلى الممية الثالثة‪ ،‬لممم يتحممرر البتممة مممن الكاوتسممكية‪ .‬إن عممد ً‬
‫كبيًرا من قادة هذا الحزب ل يرفعون أعلم الممية إل بسبب وظائفهم وتحممت ضممغط القاعممدة‪ .‬وبيممن‬
‫‪ 1919 – 1914‬كان أسهل على الحزب الشتراكي اليطالي من سائر أحزاب أوروبا إلى حد بعيد أن‬
‫يتمسك بموقف المعارضة في مسألة الحرب‪ ،‬باعتبار أن إيطاليا لم تدخل الحرب إل بعد تسعة شهور‬
‫من سائر البلدان الخرى‪ ،‬وكذلك وبصورة خاصة لن وضممع إيطاليمما الممدولي قممد خلممق فممي هممذا البلممد‬
‫تجمًعا بورجوازًيا قوًيا )الجيوليتيون بالمعنى الموسع للكلمة( مانع حتى الدقيقة الخيرة دخمول إيطاليما‬
‫الحرب‪ .‬إن هذه الظروف قد سمحت للحممزب الشممتراكي اليطممالي بممأل يوافممق علممى منممح الحكومممة‬
‫اعتمادات الحرب‪ ،‬بدون أزمة داخلية عميقة في صفوفه‪ ،‬وبممأن يبقمى‪ ،‬بصمورة عاممة‪ ،‬خمارج معسمكر‬
‫ممما أن يتممأخر نتيجممة ذلممك‪ .‬والحممزب‬‫دعاة الحرب‪ .‬لكممن التطهيممر الممداخلي فممي الحممزب كممان ل بممد حت ً‬
‫الشتراكي اليطالي ما يزال يشكو إلى اليوم‪ ،‬وبعد انتمائه إلى الممية الثالثة‪ ،‬من توراتي وأتباعه‪.‬‬

‫ما دقيقممة عممن الهميممة‬ ‫إن هذا التجمع الواسع للغاية – نحن ل نستطيع مع السف أن نقدم أرقا ً‬
‫العددية للزمرة البرلمانية اليطالية‪ ،‬وعن الصحافة‪ ،‬وعن منظمات الحزب والمنظمات المهنية‪ .‬أقول‬
‫إن هذا التجمع يمثل بل ريب انتهازية أقل ادعاء‪ ،‬وأقل دوغمائية‪ ،‬وأكثر جعجعة وغنائيممة‪ ،‬إل أنهمما تظممل‬

‫‪ : ()21‬في الساعة التي يظهر فيها هذا الكتاب في فرنسا‪ ،‬كان النشقاق قد تم في حزب ألمانيا المستقل‪،‬‬
‫وانفصلت غالبيته عن زمرة كاوتسكي‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫انتهازية ضارة مشؤومة‪ ،‬كاوتسكية مغلفة بطابع رومانتيكي! إن البعض‪ ،‬رغبة منه في تفسير الموقف‬
‫المصالح التوفيقي الذي يقفه تجاه الزمر الكاوتسكية واللونغيوية والتوراتيمة‪ ،‬يزعمم أن سماعة العممل‬
‫الثوري لم تدق بعد في البلدان المعنية‪ .‬لكن مثل هذه الطريقة في طممرح المسممألة ليسممت الطريقممة‬
‫الصحيحة‪ .‬إن ما من إنسان يطلب‪ ،‬في الواقممع‪ ،‬مممن الشممتراكيين الممذين يصممبون إلممى الشمميوعية‪ ،‬أن‬
‫يحددوا في فترة قريبة موعد انقلب ثوري‪ .‬لكن ما تطلبه الممية الثالثة من أنصارها هو أن يعممترفوا‪،‬‬
‫فعلًيا ل لفظًيا‪ ،‬بأن البشرية المتمدينة قد دخلت في عصر ثوري‪ ،‬وبأن جميع البلدان الرأسمالية تسير‬
‫نحو انقلبات كبيرة ونحو الحرب الطبقية المكشمموفة‪ ،‬وبممأن مهمممة ممثلممي البروليتاريمما الثمموريين هممي‬
‫تهيئة السلح الفكري الضممروري وإعممداد المنظمممات الممتي سممتكون نقمماط الرتكمماز فممي هممذه الحممرب‬
‫ضمما مممع كاوتسممكي‬ ‫المحتمة‪ ،‬القريبة للغاية‪ .‬إن المميين الذين يرون أنه من الممكن التعاون اليمموم أي ً‬
‫ولونغيه وتوراتي‪ ،‬وتوجيه الجماهير العمالية بالتفاهم معهم‪ ،‬إنما هم في الواقممع يسممتنكفون عممن تهيئة‬
‫عصيان البروليتاريا المسلح‪ ،‬سواء أعلممى صممعيد الفكممار أم علممى صممعيد التنظيممم‪ ،‬وسممواء أكممان هممذا‬
‫دا‪ ،‬وسواء أكانت المسألة مسألة شممهور أو سممنين‪ .‬وكيل يتفتممت تمممرد الجممماهير‬ ‫العصيان قريًبا أم بعي ً‬
‫البروليتارية المكشوف إلى محاولت متأخرة زمنًيا للبحث عن طريق أو قيممادة‪ ،‬ينبغممي علممى جممماهير‬
‫البروليتاريين أن تتعلم من الن كيف تعانق وتفهم مجموع المهام الممتي تقممع علممى عاتقهمما‪ ،‬والتعممارض‬
‫المطلق القائم بين هذه المهام وبين مختلف أشكال الكاوتسكية والتواطر النتهازي‪ .‬إن علممى اليسمار‬
‫قا‪ ،‬أي الشيوعي‪ ،‬أن يقف أمام الجماهير موقف المعارضة إزاء مختلممف التجمعممات الغائمممة‬ ‫الثوري ح ً‬
‫المترددة ذات المواقف الزدواجية‪ ،‬المدافعة المحاميمة الممجمدة للسملبية‪ ،‬وذلمك عمن طريمق تعزيمز‬
‫ل‪ ،‬ثممم فممي ميممدان التنظيممم المشممروع أو نصممف المشممروع‪ ،‬أو‬ ‫مواقعه بل كلل‪ ،‬في ميممدان الفكممار أو ً‬
‫السري كلًيا‪ .‬وأن ساعة القطيعة الحاسمة مع الكاوتسكيين العلنيين أو المتسترين‪ ،‬أو ساعة طردهممم‬
‫من صفوف الحزب العمالي‪ ،‬يجب أن تعينها‪ ،‬بالطبع‪ ،‬اعتبارات الموقف التكنيكيممة‪ ،‬لكممن كممل سياسممة‬
‫الشيوعيين الحقيقيين يجب أن تتوجه نحممو الهممدف التممالي‪ :‬القطيعممة النهائيممة‪ .‬لهممذا يبممدو لممي أن هممذا‬
‫الكتاب ل يرى النور متأخًرا بالرغم من كل شيء – وبغض النظر عن أسفي العميق إن لممم يكممن مممن‬
‫وجهة نظري كمؤلف‪ ،‬فعلى القل من وجهة نظري كشيوعي‪.‬‬

‫ل‪ .‬تروتسكي‬

‫حزيران ‪1920‬‬

‫‪112‬‬
‫‪ 2‬م فرنسا عند المنعطف‬
‫إن هذا الكتاب مخصص لتوضيح مناهج سياسة البروليتاريا الثوريمة فمي عصمرنا‪ .‬وهمو معمروض‬
‫بصورة سممجالية‪ ،‬شممأن السياسممة الثوريممة نفسممها‪ .‬إن السممجال ضممد الطبقممة السممائدة‪ ،‬بوصمموله إلممى‬
‫الجماهير المضطهدة‪ ،‬يتحول‪ ،‬في لحظة معينة‪ ،‬إلى ثورة‪.‬‬

‫إن الفهم الواضممح للطبيعممة الجتماعيممة للمجتمممع الحممديث‪ ،‬ولممدولته‪ ،‬ولحقممه‪ ،‬ولعقيممدته‪ ،‬يعتممبر‬
‫السمماس النظممري للسياسممة الثوريممة‪ .‬إن البورجوازيممة تلجممأ إلممى التجريممد )"المممة"‪" ،‬المموطن"‪،‬‬
‫"الديمقراطية"( لتموه الستغلل الممذي هممو أسمماس سمميطرتها‪ .‬إن "الزمممن"‪ ،‬وهممي واحممدة مممن أكممثر‬
‫صحف العالم دناءة‪ ،‬تعلم يومًيا الجماهير الشعبية الفرنسية الوطنيممة والتجممرد‪ .‬إل أنممه ل يخفممي علممى‬
‫أحد أن تجرد "الزمن" يقدر حسب تعرفة عالمية محددة‪.‬‬

‫إن الفعل الول للسياسة الثورية هو تعرية الوهام البورجوازية الممتي تسمممم عاطفممة الجممماهير‬
‫الشعبية‪ .‬وهذه الوهام تصبح شديدة الضرر حين تختلممط بأفكممار "الشممتراكية" و"الثممورة"‪ .‬وإن لهجممة‬
‫المنظمات العمالية الفرنسية يحددها اليوم أكثر من أي وقت سبق كيميائيو هذا النوع من المزج‪.‬‬

‫لقد كان للطبعة الولى من هذا الكتاب بعض الثمر علممى تكموين الحمزب الشمميوعي الفرنسممي‪:‬‬
‫وقد تلقى المؤلف عدة شهادات ل يصعب بعد كل شيء الوقوع على أثرها في "النسممانية )‪ "(22‬حممتى‬
‫ما الممتي تلممت هممذا التاريممخ‪ ،‬قممامت المميممة الشمميوعية – بعممد عمدة‬
‫عام ‪ .1924‬وخلل الثنى عشر عا ً‬
‫تقلبات عصبية – بإعادة نظر جذرية في القيم‪ :‬ويكفي أن نقول اليوم أن هذا الكتاب يمثل فممي لئحممة‬
‫الكتب الممنوعة‪ .‬إن القادة الحاليين للحزب الشيوعي الفرنسي )أننمما مرغمممون علممى الحفمماظ علممى‬
‫هذه التسمية رغم تناقضها التام مع الواقع( ل يتميزون‪ ،‬بأفكارهم وطرائقهم‪ ،‬عن كاوتسكي بأي مبممدأ‬
‫من المبادئ‪ ،‬كاوتسكي الذي كتبنا هذا الكتاب ضده‪ :‬كل ما هنالممك أنهممم أكممثر جهل ً وريمماء إلممى حممد ل‬
‫يقاس‪ .‬أن نوبة الصلحية والوطنية الجديدة التي يعاني منها كاشممان وشممركاؤه تكفممي وحممدها لتممبرير‬
‫دا‪ .‬لكن هناك أسباًبا أخرى جدية أكثر‪ :‬أسباًبا تمتد جممذورها إلممى الزمممة العميقممة‬ ‫طبع هذا الكتاب مجد ً‬
‫السابقة للثورة التي تهز الجمهورية الثالثة‪.‬‬

‫ما من الغياب‪ ،‬أن يقضي سنتين في فرنسا )‬ ‫لقد أمكن لمؤلف هذا الكتاب‪ ،‬بعد ثمانية عشر عا ً‬
‫‪ (1935 – 1933‬وأن بصفة مراقب قادم من الريف وخاضع‪ ،‬علوة على ذلك‪ ،‬لرقابة مشددة‪ .‬وخلل‬
‫هذه الفترة وقع في محافظة أيزير‪ ،‬التي أتيح للمؤلف أن يقيم فيها‪ ،‬حادث صممغير مشممابه لكممثير مممن‬
‫الحوادث الخرى‪ ،‬لكنه يمثل في الوقت نفسه مفتاح السياسة الفرنسية كلها‪ .‬ففممي مصممح عمائد إلممى‬
‫"لجنة معامل صهر الحديد"‪ ،‬سمح عامل لنفسه‪ ،‬مقيم في المصممح بانتظممار عمليممة خطيممرة‪ ،‬أن يقممرأ‬
‫صحيفة ثورية )وبتعبير أدق‪ :‬صحيفة "النسانية" التي كان يعتبرها بسذاجة ثورية(‪ .‬ووجهت الدارة إلى‬
‫هذا العامل المتهور‪ ،‬ثم إلى أربعة مرضى آخرين يشاركونه ميوله‪ ،‬هذا النذار‪ :‬أما المتناع عممن تلقممي‬
‫منشورات غير مرغوب فيها‪ ،‬وأما أن يقذف بهم إلى الشارع‪ .‬ولقمد احتمج المرضمى بمأن هنماك حملمة‬
‫دعائية كهنوتية ورجعية مكشوفة في المصح‪ ،‬لكن احتجاجهم لممم يلممق بممالطبع أذن ًمما صمماغية‪ .‬لكممن لممما‬
‫كانت المسألة مسألة عمال ل يجازفون بمقاعد برلمانية أو كراسي وزارية‪ ،‬بل يجازفون بكل بساطة‬
‫حا‪ :‬وهكذا طرد خممارج المصممح خمسممة مرضممى كممان أحممدهم‬ ‫بصحتهم وحياتهم‪ ،‬فإن النذار لم يلق نجا ً‬
‫ستجري له عملية في اليوم التالي‪ .‬وكالنت بلدية مدينممة غرونوبممل آنممذاك اشممتراكية يرأسممها الممدكتور‬
‫مارتان‪ ،‬وهو واحد من أولئك البورجوازيين المحافظين الذين يفرضون على الحزب الشتراكي لهجتممه‬
‫والذين يعتبر ليون بلوم ممثلهم الصممادق‪ .‬وحمماول العمممال المطممرودون أن يحتممموا بالعمممدة‪ .‬لكممن بل‬
‫جدوى‪ :‬فهو لم يسممتقبلهم رغممم إلحمماحهم ورسممائلهم ووسمماطتهم‪ .‬فتوجهمموا إلممى الصممحيفة اليسممارية‬
‫كا‪ .‬وعنممدما علممم مممدير‬ ‫المحلية "ل ديبيش" التي يشكل فيها الراديكاليون والشتراكيون كارتل متماسم ً‬
‫ضا بات ًمما أن يتممدخل‪ :‬كممل ممما‬
‫الصحيفة بأن المسألة تتعلق بمصح "لجنة معامل صهر الحديد"‪ ،‬رفض رف ً‬
‫تشاؤون‪ ،‬ما عدا ذلممك‪ .‬فقممد سممبق لصممحيفة "ل ديممبيش"‪ ،‬بسممبب هفمموة صممغيرة اقترفتهمما تجمماه تلممك‬
‫المنظمة القوية‪ ،‬إن حرمت من العلن وتعرضت بالتالي إلى خسارة ‪ 20.000‬فرنك‪ .‬لقد كمان ممدير‬
‫الصحيفة وكذلك العمدة يخشيان‪ ،‬بخلف البروليتاريين‪ ،‬أن يخسرا شيًئا ما‪ :‬وهكذا تخليمما عممن معركممة‬
‫غير متكافئة‪ ،‬تاركين العمال بأمعائهم وكلهم المريضة إلى مصيرهم الخاص‪.‬‬
‫‪ ()22‬الصحيفة الرسمية للحزب الشيوعي الفرنسي‪) .‬المترجم(‬
‫‪113‬‬
‫إن العمدة الشتراكي يلقي‪ ،‬مرة أو مرتين في السبوع‪ ،‬تممدفعه ذكريممات شممباب غائمممة‪ ،‬يلقممي‬
‫خطاًبا يمتدح فيممه مزايمما الشممتراكية علممى الرأسمممالية‪ ،‬وأثنمماء النتخابممات‪ ،‬تممدعم "لديممبيش" العمممدة‬
‫وحزبه‪ .‬أن كل شيء على أحسن ما يرام‪ .‬وتنظر "لجنة معامل صممهر الحديممد" بتسممامح ليممبرالي إلممى‬
‫هذا النوع من الشتراكية الذي ل يلحق أدنى ضرر بالمصالح المادية للرأسمالية‪ .‬وبعشرين ألف فرنك‬
‫ل!(‪ ،‬يفرض إقطاعيو الصناعة الثقيلة والمصارف سمميطرتهم عملي ًمما‬ ‫ثمن إعلنات سنوًيا )ثمن بخس فع ً‬
‫ما ما‬ ‫على جحريدة الكارتل الكبيرة! وليس هذه الجريدة وحدها‪" :‬فلجنة معامل صهر الحديد" لديها حت ً‬
‫فيه الكفاية من الوسائل‪ ،‬المباشرة أو غير المباشرة‪ ،‬لتؤثر على السادة العمد والشيوخ والنمواب بمما‬
‫فيهم العمد والشيوخ والنواب الشتراكيون‪ .‬إن كل فرنسا الرسمية واقعة تحت ديكتاتورية الرأسمممال‬
‫المالي‪ .‬ويشار في قاموس لروس إلى هذا النظام باسم "الجمهورية الديمقراطية"‪.‬‬

‫كان السادة نواب اليسار والصحفيين‪ ،‬ل في أيزيممر وحممدها بممل فممي جميممع محافظممات فرنسمما‪،‬‬
‫يعتقدون أن تعايشهم السلمي مع الرجعية لن تكون له من نهاية‪ .‬وكانوا مخطئين‪ .‬فالديمقراطية التي‬
‫يتآكلها السوس منذ زمن طويل‪ ،‬شعرت فجأة بفوهة المسدس على صدغها‪ .‬فكممما أن تسمملح هتلممر –‬
‫فا النقاب عن غرور ووهممم‬ ‫وهو فعل مادي فظ – قد سبب ثورة حقيقية في العلقات بين الدول‪ ،‬كاش ً‬
‫ما اصطلح على تسميته بم"الحق الدولي"‪ ،‬كذلك فإن عصابات الكولونيل لروك المسلحة قممد زرعممت‬
‫البلبلة في العلقات الداخليمة فمي فرنسما‪ ،‬مرغممة جميمع الحمزاب بل اسمتثناء علمى أن تعيمد تنظيمم‬
‫نفسها‪ ،‬وتضيق صفوفها‪ ،‬وتجمعها من جديد‪.‬‬

‫لقد كتب فريدريك إنجلممز ذات يمموم أن الدولممة‪ ،‬بممما فيهمما الجمهوريممة الديمقراطيممة‪ ،‬ليسممت إل‬
‫عصابة مسلحة للدفاع عن الملكيمة‪ .‬وكمل مما تبقمى ليمس لمه ممن مهممة أل تجميمل همذه الواقعمة أو‬
‫ما من هذه الوقاحممة‪.‬‬
‫تقنيعها‪ .‬إن المدافعين الفصحاء عن "الحق" من نوع هربو أو بلوم‪ ،‬قد تقززوا دو ً‬
‫لكن هتلر‪ ،‬شأنه شأن لروك‪ ،‬قد أثبت من جديد أن أنجلز كان على حق‪.‬‬

‫سا لمجلس الوزراء بإرادة النتخاب العام المباشر والسممري‪:‬‬ ‫في مطلع ‪ 1934‬كان دال دييه رئي ً‬
‫كممان يحمممل السمميادة القوميممة فممي جيبممه مممع منممديله‪ .‬لكممن ممما أن أظهممرت عصممابات لروك ومممورا‬
‫وشركائهما جرأتها على إطلق النار وعلى قطع سروج خيول البوليس‪ ،‬حتى تخلممى دالدييممه وسمميادته‬
‫عن مكانهما للسياسة غير المشروعة التي فرضها زعماء هذه العصابات‪ .‬إن هذه الواقعة أهممم بممما ل‬
‫يقاس من جميع الحئايات النتخابية‪ ،‬ول يمكن محوها من تاريخ فرنسا الحديث‪ ،‬لنها دليل للمستقبل‪.‬‬

‫من المؤكد أنه ليس بمقدور أي جماعة مسلحة بالمسدسات أن تغيممر فممي كممل لحظممة التجمماه‬
‫السياسي لبلد من البلدان‪ .‬أن العصابات المسلحة العاملة لحساب طبقات محدودة هي وحممدها الممتي‬
‫ما‪ .‬إن الكولونيل لروك وأنصاره يريممدون أن يسممتتب‬ ‫تستطيع‪ ،‬في ظروف معينة‪ ،‬أن تلعب دوًرا حاس ً‬
‫"النظممام" ضممد الهممزات‪ .‬ولممما كممان "النظممام" فممي فرنسمما يعنممي سمميطرة الرأسمممالي المممالي علممى‬
‫البورجوازية الصغيرة والوسطى‪ ،‬وسيطرة مجموع البورجوازية على البروليتاريمما والفئات الجتماعيممة‬
‫القريبة منها‪ ،‬فإن قوات لروك تعدو أن تكون بكل بساطة عصابات مسلحة تابعة للرأسمال المالي‪.‬‬

‫إن هذه الفكرة ليست بالجديدة‪ .‬إننا نستطيع أن نجممدها بكممثرة حممتى فممي جريممدتي "الشممعبي"‬
‫و"النسانية"‪ ،‬رغم أنهما ليستا أول من صاغها‪ .‬غير أن هاتين الجريدتين ل تقممولن إل نصممف الحقيقممة‪.‬‬
‫والنصف الخر‪ ،‬الذي ل يقل أهمية هو أن هريو ودالديبه وأنصممارهما يشممكلون وكالممة عاملممة لحسمماب‬
‫الرأسمالي المممالي‪ :‬وإل ممما كممان أمكممن للراديكمماليين أن يكونمموا الحممزب الحمماكم فممي فرنسمما طمموال‬
‫عشممرات السممنين‪ .‬وإذا كنمما ل نريممد أن نلعممب لعبممة السممتغماية‪ ،‬فمممن الضممروري أن نقممول أن لروك‬
‫ودالدييه يعملن عند رب العمل نفسه‪ .‬وهممذا ل يعنممي‪ ،‬بممالطبع‪ ،‬أن هنمماك تممماثل ً كممامل ً بينهممما أو بيممن‬
‫طرائقهما‪ .‬بل على العكس من ذلك‪ .‬إنهما يتحاربان حرب ًمما طاحنممة‪ ،‬كممما لممو أنهممما وكالتممان مختصممتان‬
‫تملك كل منهما سر النقمماذ‪ .‬إن دالدييممه يعممد بالحفمماظ علممى النظممام بواسممطة الديمقراطيممة المثلثممة‬
‫اللوان عينها‪ .‬أما لروك فيقممدر أن البرلمانيممة الباليممة يجممب أن تكنممس لحسمماب ديكتاتوريممة عسممكرية‬
‫وبوليسية صريحة‪ .‬إن الطرائق السياسية متناحرة‪ ،‬لكن المصالح الجتماعية واحدة‪.‬‬

‫إن انحطاط النظام الرأسمالي‪ ،‬وأزمته التي ل علج لها‪ ،‬وتفسممخه‪ ،‬تشممكل السمماس التمماريخي‬
‫للتنمماحر القممائم بيممن لروك ودالدييممه )إننمما نستشممهد بهممذين السمممين وحممدهما حممتى نسممهل عممرض‬

‫‪114‬‬
‫المسألة(‪ .‬إن الرأسمالية بالرغم من تقدم التكنيك المتواصممل ومممن النتممائج الملموسممة الممتي حققتهمما‬
‫بعض الفروع الصناعية‪ ،‬تعرقل في مجموعها تطور القوى المنتجة‪ ،‬وهذا ما يؤدي إلى عممدم اسممتقرار‬
‫بالغ في العلقات الجتماعية والدوليمة‪ .‬إن الديمقراطيمة البرلمانيممة وثيقممة الرتبمماط بعصممر المزاحمممة‬
‫الحرة وحرية التجارة الدولية‪ .‬إن البورجوازيممة تسممتطيع أن تسمممح بحممق الضممراب والجتممماع وحريممة‬
‫الصحافة ما دامممت القمموى المنتجممة فممي حالممة صممعود مسممتمر‪ ،‬وممما دامممت السممواق تتسممع ورفاهيممة‬
‫الجماهير الشعبية تزداد بالرغم من نطاقها المحممدود‪ ،‬والمممم الرأسمممالية تسممتطيع أن تعيممش وتممترك‬
‫الخرين يعيشون‪ .‬لكممن الحممال لممم تعممد كممذلك اليمموم‪ .‬إن العصممر المبريممالي يتميممز‪ ،‬باسممتثناء التحمماد‬
‫السوفياتي‪ ،‬بجمود وتراجممع فممي الممدخل القممومي‪ ،‬وبأزمممة زراعيممة مزمنممة‪ ،‬وبطالممة عضمموية‪ .‬إن هممذه‬
‫الظاهرات الداخلية ملزمة لمرحلة السمالية الراهنة‪ ،‬كممما أن النقممرس وتصمملب الشممرايين ملزمممان‬
‫للفرد عندما يبلغ عمًرا معيًنا‪ .‬إما أن يريد البعض تفسير الفوضى القتصممادية العالميممة بنتممائج الحممرب‬
‫الخيرة‪ ،‬فهذا دليل علممى عقممل سممطحي إلممى حممد مؤسممس‪ ،‬كممما هممي حممال كممايو والكممونت سممفورزا‬
‫وغيرهما‪ .‬إن الحرب لم تكن إل محاولة قامت بها البلدان الرأسمالية لتلقي على ظهر الخصممم بعبممء‬
‫الزمة القتصادية التي كانت تلوح في الفق منذ ذلممك الحيممن‪ .‬ولقممد فشمملت المحاولممة‪ .‬فممالحرب قممد‬
‫زادت من تفاقم مظاهر التفسخ الذي سيؤدي تسارعه اللحق إلى حرب جديدة‪.‬‬

‫ومهما تكن إحصائيات فرنسا القتصادية سيئة ومهملة عن قصد للتناحرات الطبقيممة‪ ،‬إل أنهمما ل‬
‫تستطيع أن تخفي مظاهر التفسخ لجتماعي الواضحة للعيان‪ .‬فبالتوازي مممع تراجممع الممدخل القممومي‪،‬‬
‫وتممدهور دخممل الريمف تممدهوًرا مأسماوًيا مريعًمما‪ ،‬ودمممار صمغار كسمبة المممدن‪ ،‬وزيممادة البطالمة‪ ،‬تحقمق‬
‫حا طائلممة‪ .‬إن‬ ‫المشاريع الضخمة التي يتراوح رغم أعمالها السنوي بين ‪ 100‬و ‪ 200‬مليون وأكثر‪ ،‬أربا ً‬
‫الرأسمال المالي‪ ،‬بكل ما في الكلمممة مممن معنممى‪ ،‬يمتممص دم الشممعب الفرنسممي‪ .‬هممذا هممو السمماس‬
‫الجتماعي لعقيدة وسياسة "التحاد القومي"‪.‬‬

‫يقيًنا‪ ،‬من الممكن بل من المحتم أن تخف حدة التفسخ بين فممترة وأخممرى‪ ،‬لكممن هممذه مسممألة‬
‫تظل مشروطة بشكل دقيق بالظروف‪ .‬أما التجاه العام لعصرنا‪ ،‬فهو يضع فرنسا‪ ،‬بعد عدد آخممر مممن‬
‫البلدان‪ ،‬أمام الختيار التالي‪ :‬إما أن تطيح البروليتاريا بالنظام البورجوازي المتقرح في أساسممه‪ ،‬وأممما‬
‫أن يستبدل الرأسمال الممديموقراطي بالفاشممية للمحافظممة علممى بقممائه‪ .‬لكممم مممن الزمممن! إن مصممير‬
‫موسوليني وهتلر سيجيب على هذا السؤال‪.‬‬

‫لقد سحب الفاشيون أموال ً من المصارف والتروستات‪ ،‬بأمر مباشر من البورصة‪ .‬ومن مواقممع‬
‫القيادة هذه نفسها‪ ،‬طلب إلى دالدييه أن يسلم السلطة إلمى دوميمرغ‪ .‬وإذا كمان الموزير الراديكمالي‪،‬‬
‫رئيس الوزارة قد سلم – بالجبن الذي يتميز به الراديكاليون – فهممذا لنممه تعممرف فممي عصممابات لروح‬
‫على قوات رب عمله‪ .‬وبتعبير آخر‪ :‬إن دالدييه‪ ،‬المموزير ذا السمميادة‪ ،‬قممد سمملم السمملطة إلممى دوميممرغ‬
‫للسبب نفسه الذي رفض من أجله مدير "لديبيش" وعمدة غرونوبل أن يفضحا القسوة البغيضة التي‬
‫بدرت عن عملء "لجنة معامل صهر الحديد"‪.‬‬

‫غير أن النتقال من الديمقراطية إلى الفاشية يجازف بأحداث هزات اجتماعية‪ .‬ومن هنا كممانت‬
‫الترددات والختلفات التكتيكية التي نلحظهمما فممي الممدوائر العليمما مممن البورجوازيممة‪ .‬إن جميممع أربمماب‬
‫المال يؤيدون الستمرار في تقوية العصابات المسلحة التي يمكممن أن تشممكل احتياطي ًمما مطمئن ًمما فممي‬
‫ساعة الخطر‪ .‬لكن ما المكان الذي ينبغي أن يترك لهذه العصابات منذ اليوم؟ هل ينبغي السماح لهمما‬
‫بالنتقال إلى الهجوم فوًرا‪ ،‬أم الحتفاظ بها مؤقًتا كوسيلة تخويف؟ إن هذه وغيرها أسئلة لم يوجد لها‬
‫بعد جواب قاطع‪ .‬إن الرأسمال المالي لم يعد يؤمن أن بمقدور الراديكاليين أن يجروا خلفهم جماهير‬
‫البورجوازية الصغيرة‪ ،‬وأن يبقوا البروليتاريا‪ ،‬عن طريق ضمغط هممذه الجممماهير‪ ،‬فممي حممدود النضممباط‬
‫"الديموقراطي"‪ ،‬لكنه ل يؤمن من ناحية أخرى بمأن المنظممات الفاشمية‪ ،‬المتي مما تمزال تفتقمر إلمى‬
‫قاعدة جماهيرية متينة‪ ،‬قادرة على الستيلء على السلطة وعلى إقامة نظام حديدي‪.‬‬

‫إن ما جعل زعماء الكواليس يفهمون ضرورة اتخاذ موقف الحذر‪ ،‬ليس همو البلغمة البرلمانيمة‪،‬‬
‫بل تمرد العمال ومحاولممة الضممراب الممتي خنقتهمما مممن البدايممة بيروقراطيممة جمموهر‪ ،‬ثممم الضممطرابات‬
‫المحلية )طولون وبريست(‪ .‬ولقد تنفس الراديكاليون بشيء من الحرية‪ ،‬بعد أن أوقف الفاشيون عند‬
‫حدهم بعض الشيء‪ .‬واكتشفت "الزمن" من جديد‪ ،‬بعد أن كانت قد وجدت الوسيلة في سلسلة مممن‬

‫‪115‬‬
‫المقالت لتمد يدها وقلبها إلمى "الجيمل الجديمد"‪ ،‬اكتشمفت مزايما النظمام الليمبرالي‪ ،‬المتناسمب فمي‬
‫نظرها مع العبقرية الفرنسية‪ .‬وهكذا قام نظام غير مستقر‪ ،‬مؤقت‪ ،‬غير شممرعي‪ ،‬يتناسممب مممع أفممول‬
‫الجمهورية الثالثة ل مع عبقرية فرنسا‪ .‬إن أوضمح مما فمي همذا النظمام ملمحمه البونابرتيممة‪ .‬اسمتقلل‬
‫الحكومة عن الحزاب والبرنامج‪ ،‬وتصفية السلطة التشريعية بواسممطة الصملحيات المطلقممة‪ ،‬باعتبممار‬
‫أن الحكومة تقف فوق الحمزاب المتنماحرة‪ ،‬أي فمي الواقمع فموق الممة‪ ،‬لتلعمب دور "الحكمم"‪ .‬وقمد‬
‫عزفممت المموزارات الثلث‪ ،‬دوميممرغ‪ ،‬وفلنممدان ولفممال‪ ،‬بمسمماهمة الراديكمماليين المهممانين المممورطين‪،‬‬
‫دا على ثلثة إيقاعات‪.‬‬
‫عزفت لحًنا واح ً‬

‫وحين تشكلت وزارة سارو‪ ،‬صرح ليون بلوم الذي تمتد بصيرته إلى بعدين بممدل ً مممن ثلثممة‪" :‬إن‬
‫الثار المتبقية من ‪ 6‬شباط قد تبددت على الصعيد البرلماني" )"الشعبي" ‪ 2‬شممباط ‪ .(1936‬هممذا ممما‬
‫يسمى رسم شبح عربة بشبح فرشاة! كما لو أنه بالمكان حذف ضممغط العصممابات المسمملحة التابعممة‬
‫للرأسمال المالي‪ ،‬على "الصعيد البرلماني"! وكما لو أن باستطاعة سارو أل يحس بهممذا الضممغط وأل‬
‫يرتعممد أمممامه! والواقممع أن حكومممة سمارو – فلنممدان هممي مجممرد فممرع مممن تلممك "البونابرتيممة" نصممف‬
‫ضما التهمام بمأنه‬
‫البرلمانية‪ ،‬وإن كانت تميل بعض الشيء إلى "اليسار"‪ .‬ولقد أجاب سارو بنفسه‪ ،‬داح ً‬
‫اتخذ تدابير تعسفية‪ ،‬أجاب على ذلك بصورة برلمانية خالصة‪" :‬إذا كانت تدابيري تعسفية‪ ،‬فهممذا لننممي‬
‫ما"‪ .‬إن هذه الحكمة ما كانت لتكون مستغربة في فممم نممابليون الثممالث‪ .‬إن سممارو ل‬ ‫أريد أن أكون حك ً‬
‫يشعر بأنه مفوض حزب معين أو كتلة من الحزاب للسلطة‪ ،‬كما تنص على ذلك قواعد البرلمانية‪ ،‬بل‬
‫بأنه حكم فوق الطبقات والحزاب كما تنص على ذلك قوانين البونابرتية‪.‬‬

‫إن تفاقم الصراع الطبقي‪ ،‬ودخول عصابات الرجعية المسلحة إلى المسرح بصممورة خاصممة لممم‬
‫ينال من ثورية المنظممات العماليمة‪ .‬ولقمد رأى الحمزب الشمتراكي‪ ،‬المذي كمان يلعمب باطمئنمان دور‬
‫ما على التخلي نصف تخل عن تقاليممده‬ ‫الدولب الخامس في عجلة الجمهورية الثالثة‪ ،‬رأى نفسه مرغ ً‬
‫الكارتلية‪ ،‬بل حتى على قطع الصلة بجناحه اليمينمي‪ .‬وفمي الموقت نفسمه حقمق الشميوعيون التطمور‬
‫المعاكس‪ ،‬لكن على نطاق أوسع بكثير‪ .‬لقممد حلممم هممؤلء السممادة طمموال سممنوات بالمتمماريس‪ ،‬وغممزو‬
‫الشوارع‪ ،‬إلخ‪) ..‬لكن هذا الحلم كانه له طابع أدبي(‪ .‬وبعد السممادس مممن شممباط‪ ،‬عنممدما أدرك أنصممار‬
‫المتاريس أن المسألة جدية‪ ،‬ألقوا بأنفسهم إلى اليميممن‪ .‬وكممان هممذا رد فعممل تلقائي ًمما بممدر عممن هممؤلء‬
‫قا بصورة مذهلة للتجاه الجديد في الدبلوماسية السوفياتية‪.‬‬ ‫اللفظيين المتخوفين‪ ،‬وجاء مطاب ً‬

‫لقد تحولت سياسة الكرملين نحو فرنسا‪ ،‬أممام الخطمر المذي تمثلمه ألمانيما الهتلريمة‪ .‬الحفماظ‬
‫على الوضع القائم في العلقات الدولية! الحفاظ على الوضع القائم فممي نظممام فرنسمما الممداخلي! إن‬
‫الوساط الحاكمة في الكرملين ل تتكلم إل بازدراء عن الشيوعية الفرنسية‪ .‬ينبغي إذن الحتفمماظ بممما‬
‫هو موجود منًعا لوجود ما هو أسوأ منه‪ .‬وما دامممت الديمقراطيممة البرلمانيممة فممي فرنسمما غيممر ممكنممة‬
‫بدون الراديكاليين‪ ،‬فلنعمل على أن يدعمهم الشتراكيون‪ ،‬ولنأمر الشيوعيين بأل يحرجوا كتلة بلمموم –‬
‫ضا في التكتل إذا كان ذلك ممكًنا! ل هزات‪ ،‬ول تهديدات! هممذه هممي سياسممة‬ ‫هريو‪ .‬بل لندخلهم هم أي ً‬
‫الكرملين‪.‬‬

‫حين يتخلى ستالين عن الثورة العالمية‪ ،‬فإن الحزاب البورجوازية الفرنسية ل تريد أن تصدقه‪.‬‬
‫وإنها لمخطئة! فالثقة العمياء في السياسة ليست بالطبع فضيلة سامية‪ .‬لكن الريبة العمياء بالمقابممل‬
‫ليست خيًرا من الثقة العمياء‪ .‬إن علينما أن نعمرف كيمف نمواجه الكلم بالفعمال ونميمز التجماه العمام‬
‫للتطور خلل عممدة سممنوات‪ .‬وإن سياسممة سممتالين‪ ،‬الممتي تحممددها‪ ،‬مصممالح البيروقراطيممة السمموفياتية‬
‫المتمتعة بالمتيازات‪ ،‬قد أصبحت في جوهرها سياسممة محافظممة‪ .‬إن البورجوازيممة الفرنسممية لهمما كممل‬
‫السباب للثقة بستالين‪ ،‬والبروليتاريا الفرنسية لها كل السباب لتكون مرتابة‪.‬‬

‫فا جديًرا‬
‫في مؤتمر الوحدة في تولوز‪ ،‬عرف "الشيوعي" راكامون سياسة الجبهة الشعبية تعري ً‬
‫بالنتقال إلى الجيال القادمة‪" :‬كيف نتغلب على خجل الحزب الراديكالي؟"‪ .‬كيف نتغلب على خمموف‬
‫البورجوازية من البروليتاريا؟ المر بسيط للغاية‪ :‬إن على الثوريين المخيفين أن يرموا السممكين الممتي‬
‫يشدون عليها بيممن أسممنانهم‪ ،‬وأن يطلمموا شممعورهم‪ ،‬وأن يبتسممموا ابتسممامة سمماحرة كابتسممامة نسمماء‬
‫ما آخر موضة‪ .‬وإن على بلمموم أن يغيممر مممرة‬ ‫الحريم‪ :‬وسيكون مثالهم فايان – كونيرييه الذي يتبنى دو ً‬
‫أخرى اتجاهه تحت ضغط "الشيوعيين" المطليي الشعور والوجوه‪ ،‬والذين يدفعون بكممل قممواهم إلممى‬

‫‪116‬‬
‫اليمين بالشتراكيين الذين يتطورون إلى اليسار‪ .‬ولقد فعل ذلك‪ ،‬لحسن الحظ‪ ،‬فممي التجمماه المعتمماد‪.‬‬
‫وهكذا تشكلت الجبهة الشعبية‪ :‬شركة تأمين الراديكاليين المفلسين على حساب رأسمال المنظمات‬
‫العمالية‪.‬‬

‫إن الراديكاليممة ل تنفصممل عممن الماسممونية‪ .‬وهممذا جمموهر كممل ممما يمكممن أن يقممال‪ .‬وفممي أثنمماء‬
‫المناقشات التي دارت في مجلس النواب حول الجمعيات الماسونية‪ ،‬قام السمميد كسممافيه فممال يممذكر‬
‫بأن تروتسكي كان قد منع‪ ،‬في زمن معين‪ ،‬الشيوعيين من النتماء إلى المجمامع الماسمونية‪ .‬وأسمرع‬
‫السيد جامي شميدت‪ ،‬الذي يبدو أنه خبير في هذا الموضمموع‪ ،‬ليفسممر هممذا المنممع بتنمماقض البولشممفية‬
‫الستبدادية مع "روح الحرية"‪ .‬إننا ل نرى ضرورة للدخول في جدال حمول همذا الموضموع ممع النمائب‬
‫الراديكالي‪ .‬لكننا ما نزال نرى إلى اليوم أن الممثل العمالي الذي يذهب للبحث عن إلهممامه أو عممزائه‬
‫في الدين الماسوني الرث القائم على التعاون الطبقي‪ ،‬لهو غير جدير بالثقة البتة‪ .‬وليممس مممن قبيممل‬
‫الصدفة أن يكون "الكارتل" قد اكتمل بمساهمة الشتراكيين الواسعة في المحافل الماسممونية‪ .‬لكممن‬
‫قد آن الوان ليقوم الشيوعيون التائبون بربط المئزر بأنفسهم‪ .‬وسمميكون مممن السممهل علممى الرفمماق‬
‫الذين صاروا من المريدين حديًثا أن يخدموا أرباب الكارتل المسنين وهم يرتدون مآزرهم‪.‬‬

‫يقولون لنا باستنكار أن الجبهة الشعبية ليست كارتل‪ ،‬بل حركممة جماهيريممة‪ .‬يقين ًمما أن التعمماريف‬
‫مما عرقلممة حركممة‬ ‫الفخمة موفورة‪ ،‬لكنها ل تبدل من واقممع المممور شميًئا‪ .‬لقمد كمان همدف الكارتمل دو ً‬
‫الجماهير بتوجيهها نحو التعاون الطبقي‪ .‬وهذا هو على وجه التحديممد هممدف الجبهممة الشممعبية‪ .‬والفممرق‬
‫بينهما – وهو فرق كبير – أن الكارتل التقليدي قد طبق في عصور استقرار وهدوء النظام البرلممماني‪.‬‬
‫لكن اليوم‪ ،‬بعد أن نفد صبر الجماهير وأصبحت مستعدة للنفجممار‪ ،‬أصممبح ل بممد مممن لجممام أمتممن عممن‬
‫طريممق مسمماهمة "الشمميوعيين"‪ .‬إن الجتماعممات المشممتركة‪ ،‬والمممواكب البهيممة‪ ،‬والوعممود واليمممان‬
‫الغليظة‪ ،‬واتحاد علم الكوميونة بعلم فرساي‪ ،‬والديماغوجية‪ ،‬أن هذا كله ليس له إل هدف واحد‪ :‬لجممم‬
‫الحركة الجماهيرية وضرب معنوياتها‪.‬‬

‫وقد صرح سارو في البرلمان‪ ،‬كي يممبرر نفسممه أمممام اليمنييممن‪ ،‬بممأن تنممازلته غيممر الضمارة إزاء‬
‫الجبهة الشعبية ل تعدو أن تكون صمام أمان النظام‪ .‬إن مثل هممذه الصممراحة قممد تبممدو متهممورة‪ .‬لكممن‬
‫اليسار المتطرف غطاها بالتصفيق‪ .‬إذن لم يكن لدى سارو أي داع للحرج‪ .‬وعلى كل حال فقممد نجممح‪،‬‬
‫عن دون قصد من الجائز‪ ،‬في تعريف الجبهة الشعبية‪ :‬صمام أمان ضد الحركممة الجماهيريممة‪ .‬والسمميد‬
‫سارو موفق‪ ،‬بصورة عامة‪ ،‬في صياغة الحكم!‬

‫إن السياسة الخارجية هي استمرار السياسة الداخلية‪ .‬ولقد تبنممى بلمموم وكاشمان وشممركاؤهما‪،‬‬
‫ما عن وجهة نظر البروليتاريا‪ ،‬تبنوا تحت قناع "المن الجماعي" و"الحممق الممدولي" –‬ ‫بعد أن تخلوا تما ً‬
‫وجهة نظر المبريالية الوطنية‪ .‬أنهم يعدون العدة لنفس سياسة التنممازل والتهمماون الممتي اتبعوهمما بيممن‬
‫‪ 1914‬و ‪ ،1918‬مضيفين إليها هذه العبارة فقط‪" :‬من أجل الدفاع عن التحمماد السمموفياتي"‪ .‬غيممر أن‬
‫الدبلوماسممية السمموفياتية عنممدما رأت نفسممها بيممن ‪ 1918‬و ‪ 1923‬مرغمممة فممي غممالب الحيممان علممى‬
‫المناورة وعلى عقد التفاقات‪ ،‬لم يخطر ببال شعبة واحدة من شعب الممية الشيوعية أنها تسممتطيع‬
‫أن تتكتل مع بورجوازيتها! أليس هذا وحده دليل ً كافًيا على صدق ستالين عندما ينكر الثورة العالمية؟‬

‫وللممدوافع نفسممها الممتي دفعممت بالقممادة الحمماليين للمميممة الشمميوعية إلممى التعلممق بثممدي‬
‫"الديمقراطية" في مرحلة احتضارها‪ ،‬اكتشف هؤلء الوجه المشع لم"عصبة المم" مع أنها تشكو مممن‬
‫البداية من غصة الموت‪ .‬وهكذا وجدت خلفية مشتركة للسياسة الخارجيمة بيمن الراديكماليين والتحماد‬
‫السوفياتي‪ .‬إن المنهاج الداخلي للجبهة الشعبية تجميع لفكار معروفة مبتذلممة تطلممق حريممة التفسممير‬
‫ما كما يطلقها ميثاق جنيف‪ .‬إن المعنى العام للمنهاج هممو مما يلممي‪ :‬ل تغييممر‪ .‬والحممال أن الجمماهير‬
‫تما ً‬
‫تريد التغيير وإنما ههنا يكمن لب الزمة السياسية‪.‬‬

‫إن بلوم وبول فور وكاشان وتوريز‪ ،‬بتجريدهم البروليتاريا ممن أسملحتها سياسمًيا‪ ،‬إنممما يهتممون‬
‫قبل كل شيء بمنعها من التسلح مادًيا‪ .‬إن دعاية هؤلء السادة ل تتميممز عممن المممواعظ الدينيممة حممول‬
‫سمو المبادئ الخلقية‪ .‬إن إنجلز الذي كان يعلممم أن السممتيلء علممى سمملطة الدولممة هممو مسممألة مممن‬
‫اختصاص العصابات المسلحة‪ ،‬وماركس الذي كان يعتبر التمرد فًنا‪ ،‬يبدو أن للنواب والشمميوخ والعمممد‬

‫‪117‬‬
‫ما‬
‫الحاليين في الجبهة الشعبية‪ ،‬كمتوحشين من العصور الوسطى‪ .‬لقد نشرت "الزمن" مئة مرة رسمم ً‬
‫يصور عامل ً منزوع السلح مع هذه الخرافة‪" :‬إنكم ستفهمون أن قبضاتنا العاريممة أقمموى مممن عصمميكم‬
‫كافة"‪ .‬يا له من ازدراء عظيم بالتكنيك العسكري! إن إمبراطور الحبشة نفسه له وجهممات نظممر أكممثر‬
‫ما في هذا الموضوع‪ .‬إن أولئك الناس ل يعترفون بوجود انقلبممات فممي إيطاليمما وألمانيمما والنمسمما‪.‬‬ ‫تقد ً‬
‫فهل سيكفون عن التغني بم"القبضات العارية"‪ ،‬عندما سيقيد لروك أياديهم بممالغلل البوليسممية؟ أننمما‬
‫لنأسف تقريًبا على أنه ل يمكن تطممبيق هممذه التجربممة علممى السممادة الزعممماء وحممدهم‪ ،‬دون أن تتممألم‬
‫الجماهير نتيجة ذلك!‬

‫إن الجبهة الشعبية تبدو‪ ،‬إذا ما نظرنا إليها من زاوية النظام البورجوازي‪ ،‬مرحلة فممي التنممافس‬
‫بين الراديكالية والفاشية لجذب انتباه وصدقات الرأسمممال الكممبير‪ .‬إن الراديكمماليين‪ ،‬بتممآخيهم بصممورة‬
‫ضمما إلممى‬
‫مسرحية مع الشتراكيين والشيوعيين‪ ،‬يريدون أن يظهروا لرب العمل أن النظممام ليممس مري ً‬
‫الحد الذي يزعمه اليمينيون‪ ،‬وأن خطر الثورة مبممالغ فيممه‪ ،‬وإن فايممان – كمموتيرييه نفسممه قممد اسممتبدل‬
‫سكينه بعقد للزينة‪ ،‬وأنه يمكن عن طريق "الثوريين" المروضين ضممبط الجممماهير العماليممة‪ ،‬وبالتممالي‬
‫إنقاذ النظام البرلماني من النهيار‪.‬‬

‫ذا‪ ،‬وعلى رأسهم هريممو‪،‬‬ ‫غير أن الراديكاليين كافة ل يؤمنون بهذه المناورة‪ .‬فأكثرهم جدية ونفو ً‬
‫يفضلون تبني موقف النتظار‪ .‬لكنهم أنفسهم ل يستطيعون بعد كل شيء أن يقممترحوا شمميًئا آخممر‪ .‬إن‬
‫أزمة البرلمانية هي قبل كل شيء أزمة ثقة الناخب تجاه الراديكالية‪.‬‬

‫وما لم تكتشف الوسيلة لتجديد شباب الرأسمالية‪ ،‬فلن تكمون هنماك ممن صمفة لنقماذ الحمزب‬
‫حا نسبًيا فممي‬
‫الراديكالي‪ .‬إن هذا الحزب ل يملك الخيار إل بين مختلف أنواع الموت السياسي‪ .‬إن نجا ً‬
‫النتخابات القادمة لن يمنع بل لن يؤخر طويل ً انهياره‪.‬‬

‫جمما فممي‬
‫إن زعممماء الحممزب الشممتراكي‪ ،‬وأكممثر سياسمميي فرنسمما ل مبممالة‪ ،‬ل يجممدون إحرا ً‬
‫دا من مونولوجات ليون‬ ‫سوسيولوجية الجبهة الشعبية‪ :‬فما من إنسان يستطيع أن يستخلص شيًئا مفي ً‬
‫بلوم الل متناهية الطول‪ .‬أما الشيوعيون الممذين يشممعرون بفخممر بممالغ لنهممم بممادهوا إلممى التعمماون مممع‬
‫البورجوازية‪ ،‬فإنهم يصورون الجبهة الشعبية على أنها تحالف البروليتاريا مع الطبقات المتوسممطة‪ .‬يمما‬
‫له من تقليد للماركسية! كل‪ ،‬إن الحزب الراديكالي ليس حزب البورجوازية الصممغيرة‪ .‬كممما أنممه ليممس‬
‫"تكتممل البورجوازيممة الصممغيرة والمتوسممطة"‪ ،‬حسممب تعريممف "البرافممدا" المفضمموح‪ .‬فالبورجوازيممة‬
‫المتوسطة ل تسممتغل البورجوازيممة الصممغيرة علممى الصممعيد القتصممادي كممما علممى الصممعيد السياسممي‬
‫فحسب‪ ،‬بل أنها نفسها وكالة للرأسمال المالي‪ .‬وأن تسمية العلقات السياسية المتسلسمملة القائمممة‬
‫على الستغلل بلفظة "تكتل" الحيادية‪ ،‬لهي سخرية من الواقع‪ .‬إن الفممارس ليممس تكتل ً بيممن الرجممل‬
‫والحصان‪ .‬وإذا كان لحزب هريو ودالدييه جذوره في الجماهير البورجوازيممة الصممغيرة‪ ،‬بممل حممتى فممي‬
‫الوساط العمالية إلى حد ما‪ ،‬فهذا فقط بهدف خداعها لحساب النظممام الرأسمممالي‪ .‬إن الراديكمماليين‬
‫هم حزب المبريالية الفرنسية الديموقراطي‪ .‬وكل تعريف آخر مخاتلة‪.‬‬

‫إن أزمة النظممام الرأسمممالي تنممزع مممن الراديكمماليين سمملحهم‪ ،‬بتجريممدها إيمماهم مممن الوسممائل‬
‫التقليدية التي تسمح لهم بتخدير البورجوازية الصغيرة‪ .‬لقد بمدأت "الطبقمات المتوسمطة" تشمعر‪ ،‬إن‬
‫لم نقل تفهم‪ ،‬أن الموقف لن ينقذ بإصلحات بائسة وأنه أصبح ممن الضمروري القيمام بإصملح جريمء‬
‫على النظام الحالي‪ .‬إن الفاشية تتغذى قبل كل شيء من الريبة المتزايدة للبورجوازية الصممغيرة إزاء‬
‫الراديكالية‪ .‬ويمكننا أن نقول بدون مبالغة أن مصير فرنسا السياسي لن يتأخر في أن يتقرر إلممى حممد‬
‫كبير حسب الطريقة التي ستصفى بها الراديكالية‪ ،‬وحسب الحزب الذي سيخلفها‪ :‬الفاشممية أو حممزب‬
‫البروليتاريا‪ ،‬أي حسب تأثيرها على الجماهير البورجوازية الصغيرة‪.‬‬

‫إن أحد المبادئ الولية في الستراتيجية الماركسية هو أن تحالف البروليتاريا مع صممغار النمماس‬
‫في الممدن والريماف ينبغمي أن يتحقمق فقممط فمي النضمال العنيممد ضمد التمثيممل البرلمماني التقليمدي‬
‫للبورجوازيممة الصممغيرة‪ .‬فلكممي نكسممب الفلح إلممى جممانب العامممل‪ ،‬ينبغممي أن نفصممله عممن السياسممي‬
‫الراديكالي الذي يستعبده لصالح الرأسمال المالي‪ .‬وبعكس ذلك‪ ،‬تعمممل الجبهممة الشممعبية‪ ،‬الممتي هممي‬

‫‪118‬‬
‫وليدة تآمر البيروقراطية العمالية مع أبشممع المسممتغلين السياسمميين للطبقممات الوسممطى‪ ،‬علممى قتممل‬
‫إيمان الجماهير في الطرائق الثورية وعلى قذفها في أحضان الثورة المضادة الفاشية‪.‬‬

‫ومهما كان من الصعب أن نصدق‪ ،‬إل أن بعض الوقحين يحاولون فعل ً أن يبرروا سياسة الجبهة‬
‫الشعبية بالستشهاد بلينين الذي بيممن علممى ممما يبممدو أنممه ل يمكممن السممتغناء عممن "الحلممول الوسممط"‬
‫وبخاصة عن التفاقات مع الحزاب الخرى‪ .‬إن إهانة لينين قممد أصممبحت قاعممدة بالنسممبة إلممى زعممماء‬
‫الممية الشيوعية اليوم‪ .‬إنهممم يدوسممون علممى مممذهب مؤسممس الحممزب البولشممفي ثممم يممذهبون إلممى‬
‫موسكو لينحنوا أمام ضريحه‪.‬‬

‫لقد بدأ لينين مهمته في روسمميا القيصممرية الممتي لممم يكممن العمممال والفلحممون والمثقفممون هممم‬
‫ضمما أوسمماط بورجوازيممة واسممعة‪ .‬وإذا كممان يمكممن‬
‫وحدهم الذين يحاربون فيهمما النظممام القممديم‪ ،‬بممل أي ً‬
‫لسياسة الجبهة الشعبية أن تكون مبررة بصورة عامة‪ ،‬فهذا أمر معقول قبل كممل شمميء فممي بلممد لممم‬
‫ينجز بعد ثورته البورجوازية‪ .‬فليتفضل السادة المزورون بأن يدلونا في أي مرحلة وفي أي زمن وفي‬
‫أي ظروف حقق الحزب البولشفي فمي روسميا تكتل ً يشمبه تكتمل الجبهمة الشمعبية؟ فليمأمروا سمحايا‬
‫أدمغتهم بالعمل ولينقبوا في الوثائق التاريخية!‬

‫لقد عقد البلشفة اتفاقات ذات طابع عملي مع المنظمات الثوريممة البورجوازيممة الصممغيرة مممن‬
‫أجل التداول السري المشمترك للكتابمات الثوريممة‪ ،‬وأحياًنما ممن أجمل تنظيممم مشمترك لمظمماهرة فممي‬
‫الشارع أو للرد على العصابات السافكة للدم‪ .‬وأثناء انتخابات الدوما‪ ،‬لجؤوا فممي بعممض الممدوائر وفممي‬
‫الدرجة الثانية إلى تكتلت انتخابية مع المنشفيك أو الشتراكيين الثوريين هذا كممل شمميء‪ .‬ل "برامممج"‬
‫مشتركة‪ ،‬ول أجهزة دائمممة‪ ،‬ول اسمتنكاف عممن انتقماد حلفماء المرحلممة‪ .‬إن همذا النموع مممن التفاقمات‬
‫والحلول الوسط العارضة‪ ،‬المحددة بأهداف معينة – لم يكن لينين ليهتم إل بهذه الهممداف – ل علقممة‬
‫ممما بيممن طبقممات شممتى‬
‫فمما دائ ً‬
‫له بالجبهة الشعبية التي تمثل كتلة مؤلفة من منظمممات متنممافرة‪ ،‬وتحال ً‬
‫تربطها طوال مرحلة كاملة – وأي مرحلة! – سياسة وبرنامج مشتركان‪ ،‬سياسممة اسممتعراض وتطبيممل‬
‫وذر رماد في العيون‪ .‬إن الجبهة الشعبية ستتحطم عند أول امتحمان جمدي‪ ،‬وسمتظهر شمقوق عميقممة‬
‫بين أجزائها المكونة لها‪ .‬إن سياسة الجبهة الشعبية سياسة خيانة‪.‬‬

‫إن قاعدة البولشفية فيما يتعلق بالتكتلت هي التاليممة‪ :‬السممير علممى حممدة‪ ،‬والضممرب معًمما! وإن‬
‫قاعدة زعماء الممية الشيوعية اليومي هي التالية‪ :‬السير مًعا لنتلقى الضممربة علممى حممده‪ .‬فليتشممبث‬
‫هؤلء السادة بستالين وديمتروف‪ ،‬لكن فليتركوا لينين في سلم‪.‬‬

‫إنه ليستحيل أل يعصف بنا الستنكار حين نقرأ تصريحات الزعماء المتبجحين الذين يزعمون أن‬
‫الجبهممة الشممعبية "أنقممذت" فرنسمما مممن الفاشممية‪ .‬وفممي الواقممع هممذا يعنممي بكممل بسمماطة أن أبطالنمما‬
‫المذعورين قد أنقذوا أنفسهم من ذعممر أكممبر عممن طريممق تبممادلهم التشممجيع‪ .‬لكممم مممن الزمممن؟ لقممد‬
‫انقضت عشر سنين‪ ،‬بين تمرد هتلر الول ووصوله إلى السمملطة‪ ،‬تميممزت بتنمماوب المممد والجممزر‪ .‬لقممد‬
‫أعلن اللمان ممن هم على شاكلة بلوم وكاشان عدة مرات "انتصارهم" على الوطنية – الشممتراكية‪.‬‬
‫إننا لم نصدقهم ولقد كنا علممى صممواب إل أن هممذه التجربممة لممم تعلممم شمميًئا أبنمماء عممم ويلممز وتايلمممان‬
‫الفرنسمميين‪ .‬يقين ًمما أن الشمميوعيين فممي ألمانيمما لممم يسمماهموا فممي الجبهممة الشممعبية الممتي كممانت تضممم‬
‫الشتراكية – الديمقراطية وبورجوازية اليسار والوسط الكاثوليكي "تحالف البروليتاريمما مممع الطبقممات‬
‫المتوسطة!"(‪ .‬وفي ذلك الحين‪ ،‬كانت الممية الشيوعية ترفض حتى اتفاقات القتال بيممن المنظمممات‬
‫العمالية ضد الفاشية‪ .‬والنتائج معروفة‪ .‬إن مودتنا الحممارة تجماه تايلممان‪ ،‬باعتبمماره أسممير الجلديمن‪ ،‬ل‬
‫يمكن أن تمنعنا من القول أن سياسته‪ ،‬أي سياسة ستالين‪ ،‬قد ساهمت فممي انتصممار هتلممر أكممثر مممما‬
‫ساهمت سياسة هتلر نفسه‪ .‬إن الممية الشيوعية تطبق اليموم فمي فرنسما‪ ،‬بعمد أن بمدلت قميصمها‪،‬‬
‫قمما‬
‫السياسة المعروفة بما فيه الكفاية عن الشتراكية – الديمقراطيممة اللمانيممة‪ .‬فهممل مممن الصممعب ح ً‬
‫التنبؤ بنتائج ذلك؟‬

‫إن النتخابات البرلمانية القادمة لن تأتي‪ ،‬مهما كانت نتيجتها‪ ،‬من تلقاء نفسمها‪ ،‬بتغيمرات جديمة‬
‫في الموقف‪ :‬فالمطلوب في نهاية المر من الناخبين أن يختاروا بين حكم من نوع لفممال وحكممم مممن‬

‫‪119‬‬
‫نوع هريو – دالدييه‪ .‬لكن لما كان هرير قد تعاون باطمئنان مع لفال‪ ،‬ودالدييممه قمد أيمد الثنيمن‪ ،‬فمإن‬
‫الختلف الذي يفرق بينهم يبدو تافًها إذا ما قيس على صعيد المشكلت التاريخية المطروحة‪.‬‬

‫إن العتقاد بأن هريو دالدييه قممادران علممى إعلن الحممرب علممى "المئتممي أسممرة" الممتي تحكممم‬
‫فرنسا‪ ،‬خداع وقح للشعب‪ .‬إن المئتممي أسممرة ليسممت معلقممة بيممن السممماء والرض‪ ،‬بممل هممي تشممكل‬
‫التتويج العضوي لنظام الرأسمال المالي‪ .‬فللتغلب علممى المئتممي أسممرة‪ ،‬ل بممد مممن التطويممح بالنظممام‬
‫صا على بقممائه مممن تممارديو ولروك‪ .‬إن المسممألة‬ ‫القتصادي والسياسي الذي ل يقل هريو ودالدييه حر ً‬
‫ليسممت مسممألة نضممال "المممة" ضممد بعممض القطمماعيين‪ ،‬كممما تزعممم "النسممانية"‪ ،‬بممل مسممألة نضممال‬
‫البروليتاريا ضد البورجوازية‪ ،‬مسألة النضال الطبقي التي ل يمكن أن تحسممم إل بممالثورة‪ .‬إن مممؤامرة‬
‫قادة الجبهة الشعبية ضد العمال قد أصبحت العقبة الرئيسية في هذا الطريق‪.‬‬

‫ما كم مممن الزمممن ستسممتمر الحكومممات نصممف البرلمانيممة ونصممف‬ ‫إننا ل نستطيع أن نقول مقد ً‬
‫البونابرتية في التتابع على فرنسا‪ ،‬ول أن نحدد المراحل التي ستمر فيهمما البلد خلل الحقبممة الزمنيممة‬
‫القادمة‪ .‬إن هذا أمر يتعلق بمجموع الظروف القتصادية القومية والعالمية‪ ،‬وبالجو الممدولي‪ ،‬وبالوضممع‬
‫في التحاد السوفياتي‪ ،‬وبدرجة استقرار الفاشية اليطاليممة واللمانيممة‪ ،‬وبسمير الحممداث فممي أسممبانيا‪،‬‬
‫وأخيًرا – وليس هذا العامل القل أهمية – بتبصر ونشاط العناصر المتقدمة من البروليتاريا الفرنسية‪.‬‬
‫إن تشنجات الفرنك يمكن أن تعجل بالنهاية‪ .‬لكن تعاوًنا أوثق بين فرنسا وإنكلترا قادر علممى تأخيرهمما‪.‬‬
‫على كل الحوال‪ ،‬أن احتضار "الديمقراطية" يمكن أن يدوم في فرنسا أكثر بكثير مما دامت المرحلة‬
‫الممهدة للفاشية في ألمانيا أيام برونينغ – بابن – شليدر‪ .‬لكنه لن يكممف عممن أن يكممون احتضمماًرا‪ .‬إن‬
‫الديمقراطية ستكنس‪ .‬والمسألة الوحيدة هي معرفة من سيكنسها‪.‬‬

‫إن النضال ضد "المئتي أسرة"‪ ،‬ضممد الفاشممية والحممرب – ومممن أجممل السمملم والخممبز والحريممة‬
‫وغيرها من الشياء الجميلة – إممما أن يكممون خدعممة‪ ،‬وإممما أن يكممون نضممال ً للطاحممة بالرأسمممالية‪ .‬إن‬
‫مشكلة الستيلء الثوري على السلطة تطممرح نفسممها علممى الشممغيلة الفرنسمميين ل كهممدف بعيممد‪ ،‬بممل‬
‫كمهمة من مهام المرحلة التي بدأت‪ .‬والحال أن القادة الشتراكيين والشيوعيين ل يرفضممون القممدام‬
‫ضمما بكممل قممواهم‪ .‬إنهممم يطمماردون‬
‫على تعبئة البروليتاريا ثورًيا فحسب‪ ،‬بممل يعارضممون هممذه التعممبئة أي ً‬
‫ويطردون البلشفة‪ ،‬في الوقت نفسه الذي يتمآخون فيمه ممع البورجوازيمة‪ .‬إلمى همذا الحمد بلمغ عنمف‬
‫كراهيتهم للثورة والخوف الذي توحي به إليهم! وأن أسوأ الدوار‪ ،‬في هممذا الموقممف‪ ،‬يلعبممه الثوريممون‬
‫المزعومون من طراز مارسممو بيفيممر الممذين يعممدون بالطاحممة بالبورجوازيممة‪ ،‬لكممن بشممرط أخممذ الذن‬
‫قا من ليون بلوم!‬ ‫مسب ً‬

‫ما المنصرمة قد أبرز ضممرورة خلممق‬


‫إن كل سير الحركة العاملة الفرنسية خلل الثنى عشر عا ً‬
‫حزب ثوري جديد‪.‬‬

‫وإن الرغبة في التنبؤ فيما إذا كمانت الحمداث سمتترك "مما فيمه الكفايمة" ممن الموقت لتكموين‬
‫ممما وجممدًبا‪ .‬إن مصممادر التاريممخ فيممما يتعلممق‬ ‫الحزب الجديد‪ ،‬إنما تعني الستسمملم لكممثر المشمماغل عق ً‬
‫بالمكانيات المتنوعة والشمكال النتقاليمة‪ ،‬والمراحمل‪ ،‬والسمراع والبطماء‪ ،‬ذات معيمن ل ينضمب‪ .‬إن‬
‫قا لوانه فتلحق بها الهزيمة‪.‬‬ ‫ما ساب ً‬ ‫الفاشية تستطيع‪ ،‬تحت ضغط المصاعب القتصادية‪ ،‬أن تشن هجو ً‬
‫ما فترة راحة وركون‪ .‬وعلى العكس من ذلك‪ ،‬تسممتطيع بممدافع الحممذر أن تتبنممى لمممدة‬ ‫وستتلو ذلك حت ً‬
‫صا جديدة للمنظمات الثورية‪ .‬إن الجبهة الشعبية قد تتحطممم‬ ‫ً‬ ‫فر‬ ‫بالتالي‬ ‫فتقدم‬ ‫النتظار‪،‬‬ ‫طويلة موقف‬
‫على صخرة هذه التناقضات قبل أن تصبح الفاشية قادرة على شن هجوم عام‪ :‬وستكون نتيجممة ذلممك‬
‫مرحلة تجمعات وانشقاقات في الحزاب العمالية‪ ،‬وتبلور سريع لطليعة ثوريممة‪ .‬إن حركممات الجممماهير‬
‫عا كممبيًرا وتخلممق نقطممة ارتكمماز‬ ‫التلقائية تستطيع‪ ،‬كما بينت أحداث طولممون وبريسممت‪ ،‬أن تأخممذ اتسمما ً‬
‫موثوقة للرافعة الثورية‪ .‬وأخيًرا‪ ،‬وحتى لو انتصرت الفاشية في فرنسا‪ ،‬وهممذا ليممس مسممتحيل ً نظري ًمما‪،‬‬
‫فإن هذا ل يعني أن الفاشية ستظل في السلطة ألف سنة كما يعلممن ذلممك هتلممر‪ ،‬أو أن هممذا النتصممار‬
‫سيضمن لها فترة كتلك التي نالها موسوليني‪ .‬وإذا كان فجر الفاشممية قممد بممدأ فممي إيطاليمما أو ألمانيمما‪،‬‬
‫فإنه لن يتأخر عن المتداد إلى فرنسا‪ .‬وعلى هذا الساس‪ ،‬وعلى أسمموأ الفرضمميات‪ ،‬فممإن بنمماء حممزب‬
‫ثوري يعني التعجيل بساعة الثأر‪ .‬إن الحكماء الذين يتخلصون ممن همذه المهممة العاجلممة بزعمهممم أن‬
‫"الشروط ليست ناضجة" ل يفعلون شيًئا عدا أنهم يثبتون أنهم هم أنفسهم غير ناضجين‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫إن على الماركسيين الفرنسمميين‪ ،‬شممأنهم شممأن ماركسمميي جميممع البلممدان‪ ،‬أن يعمماودوا العمممل‬
‫بمعنممى ممما مممن جديممد‪ ،‬لكممن علممى مسممتوى تمماريخي أرفممع بكممثير مممن سممابقيهم‪ .‬إن سممقوط المميممة‬
‫الشيوعية‪ ،‬الشد خزًيا من سقوط الشتراكية – الديمقراطيممة عممام ‪ ،1914‬يحممرج كممثيًرا التقممدم إلممى‬
‫المام في البداية‪ .‬إن تجميع الطر الجديدة يتم ببطء خلل نضال الطبقة العاملة القاسممي ضممد جبهممة‬
‫البيروقراطية الرجعية والوطنية الموحدة‪ .‬كما أن هذه المصمماعب الممتي لمم تسممقط علمى البروليتاريما‬
‫بعامل الصدفة تشكل‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬عامل ً ها ً‬
‫ما فممي اختيممار الصممائب والختيممار الموثمموق للكتممائب‬
‫الولى من الحزب الجديد والممية الجديدة‪.‬‬

‫ما صغيًرا للغاية من أطر الممية الشيوعية كان قد بدأ تثقيفه الثوري في بداية الحممرب‪،‬‬ ‫إن قس ً‬
‫قبل ثورة تشرين الول‪ .‬وهؤلء جميًعا‪ ،‬بدون استثناء تقريًبا‪ ،‬موجودون حالًيا خارج الممية الثالثة‪ .‬وأن‬
‫الصف الثاني قد انتمى إلى ثورة تشرين الول بعد أن كانت هذه قد انتصرت‪ :‬هذا كممان أسممهل‪ .‬لكممن‬
‫لم يبق أحد تقريًبا ممن همذا الصمف الثماني نفسمه‪ .‬وأن القسمم العظمم ممن الطمر الراهنمة للمميمة‬
‫الشيوعية لم يتم إلى البرنامج البولشفي‪ ،‬ول إلى الراية الثورية‪ ،‬بممل إلممى البيروقراطيممة السمموفياتية‪.‬‬
‫إنهم ليسوا بمناضلين‪ ،‬بل مجرد موظفين وديعين ومسمماعدين وخممدم‪ .‬ومممن هنمما كممان تفسممخ المميممة‬
‫الثالثة بصورة غير مجيدة البتة في موقف تاريخي غني بإمكانيات ثورية عظيمة‪.‬‬

‫إن الممية الرابعة تتسلق على أكتاف المميات الثلث المتقدمممة عليهمما‪ .‬إنهمما تتلقممى الضممربات‬
‫من المام ومن الجنب ومن الخلف‪ .‬وليس من عمل فممي صممفوفها للوصمموليين والجبنمماء والمحممدودي‬
‫ما في البداية‪ ،‬من المتعصبين والمغامرين سيختفي كلما نمت الحركة‪ .‬ولنترك‬ ‫ما‪ ،‬محت ً‬
‫الفق‪ .‬وأن قس ً‬
‫فا "صممغيرة" وتمموجه‬ ‫الدعياء والمتشككين يهزوا أكتافهم إزاء المنظمات "الصغيرة" الممتي تصممدر صممح ً‬
‫التحديات إلى العالم أجمع‪ .‬إن الثوريين الجممادين سمميمرون بهممم بممازدراء‪ .‬إن ثممورة تشممرين الول قممد‬
‫ضا بالسير في حذاء طفل‪.‬‬ ‫بدأت هي أي ً‬

‫إن الحزاب الروسية الشتراكية – الثورية والمنشفيكية القوية قد شكلت‪ ،‬طوال شهور‪" ،‬جبهة‬
‫شعبية" مع الكماديت‪ ،‬ثمم تلشمت هبماء تحمت ضمربات "حفنمة ممن متعصمبي" البولشمفية وقمد لقمت‬
‫الشممتراكية – الديمقراطيممة اللمانيممة‪ ،‬والحممزب الشمميوعي اللممماني‪ ،‬والشممتراكية – الديمقراطيممة‬
‫النمساوية‪ ،‬لقت الموت بممدون مجممد تحممت ضممربات الفاشممية‪ .‬إن العصممر الممذي سمميبدأ بالنسممبة إلممى‬
‫النسانية الوروبية لن يترك أثًرا في الحركة العمالية من كل ما هو ملتبس ومتقرح‪ .‬إن جميع من هم‬
‫حا‪ .‬إن شمعب‬ ‫على شاكلة جموهر وسميترين وبلموم وكاشمان وقمائد رفيلمك وكابماليرو‪ ،‬ليسموا إل أشمبا ً‬
‫ممما‬
‫ً‬ ‫وعظي‬ ‫دا‬
‫ً‬ ‫م‬ ‫جدي‬ ‫المميتين الثانية والثالثة ستغادر المسرح الواحدة تلو الخرى بدون ضجة‪ .‬إن تجميعًمما‬
‫ممما‪ .‬إن النصممر ليممس‬ ‫ممما ود ً‬
‫ما‪ .‬إن الطر الثورية الجديدة ستكتسب لح ً‬ ‫للصفوف العمالية قد أصبح محت ً‬
‫عا عنها‪.‬‬
‫ً‬ ‫دفا‬ ‫الكتاب‬ ‫هذا‬ ‫كتب‬ ‫التي‬ ‫البولشفية‬ ‫ممكًنا إل على أساس الطرائق‬

‫ل‪ .‬تروتسكي‬

‫‪ 28‬آذار ‪1936‬‬

‫‪121‬‬
‫‪ 3‬م مقدمة الطبعة النكليزية الثانية ‪ 10‬كانون الثاني ‪1935‬‬
‫"مقتطفات"‬
‫كتب هذا الكتاب عام ‪ ،1920‬في عربة قطممار عسممكري‪ ،‬أثنمماء أوج الحممرب الهليممة‪ .‬وأن علممى‬
‫القارئ أل يغفل عن ذلك إذا كان يريد أن يكون فكرة دقيقة ل عممن المحتمموى الساسممي للكتمماب‪ ،‬بممل‬
‫ضا عن الشارة إلى أحداث العصر وبخاصة اللهجة‪.‬‬
‫أي ً‬

‫إنه موجه‪ ،‬تحت شكل الجدال‪ ،‬ضد كارل كاوتسكي‪ .‬إن هذا السم ل يقممول شمميًئا كممثيًرا للجيممل‬
‫الجديد‪ ،‬رغم أن كاوتسكي ما يزال معاصرنا‪ :‬فهو قد احتفممل مممؤخًرا بعيممد ميلده الثمممانين‪ .‬لقممد تمتممع‬
‫كاوتسكي بنفوذ كبير في حضن المميممة الثانيممة‪ ،‬باعتبمماره الشممارح النظممري للماركسممية‪ .‬ولقممد بينممت‬
‫الحرب بسرعة أن ماركسيته هي مجرد طريقة للتفسير السلبي للصمميرورة التاريخيممة‪ ،‬وليسممت البتممة‬
‫طريقة للعمل الثموري‪ .‬لقمد وقمف كاوتسمكي‪ ،‬شمأنه شمأن الكمثيرين‪ ،‬موقمف النقمد الثموري والفماق‬
‫الجريئة‪ ،‬طالما أن الصراع الطبقي كان يدور بين ضفاف البرلمانية المأمونة‪ .‬ولم يكممن هممذا الموقممف‬
‫يلزمه بشيء عملًيا‪ .‬لكن حين طرحت الحرب وفترة ما بعد الحرب مشكلت الثورة بعبارات واضممحة‪،‬‬
‫أخذ كاوتسكي موقفه نهائًيا في الطرف الخر ممن المتماريس‪ .‬لقمد جعمل ممن نفسمه‪ ،‬دون أن يقطمع‬
‫صلته بالتعابير الماركسية‪ ،‬متهم الثورة البروليتارية‪ ،‬ومحامي السلبية والستسلم أمام المبريالية‪.‬‬

‫كان كارل كاوتسكي وقادة حزب العمال يقفون ظاهرًيا‪ ،‬قبل الحرب‪ ،‬في القطب القصى مممن‬
‫الممية الثانية‪ .‬وإن جيلنا‪ ،‬الذي كان يمثل آنممذاك الشممباب‪ ،‬قممد اسممتخدم مممراًرا أسمملحة مممأخوذة مممن‬
‫ترسانة تروتسكي لمحاربة انتهازية ماكدونالد وهندرسون وغيرهما‪ .‬وصحيح أننمما كنمما‪ ،‬حممتى فممي ذلممك‬
‫العهد‪ ،‬نتطرف إلى أبعد مما كمان يريممد المعلممم المممتردد‪ .‬ولقممد كممانت روزا لوكسمممبرغ‪ ،‬الممتي تعممرف‬
‫كاوتسكي خيًرا منا‪ ،‬تفضح منذ فترة ما قبل الحرب جذريته المائعة‪ .‬ولقد سلط العصر الجديممد‪ ،‬علممى‬
‫كل الحوال‪ ،‬ضوًءا ساطًعا على الموقف‪ :‬إن كاوتسكي ينتمي إلى نفس معسكر هندرسون‪ .‬وإذا كان‬
‫الول ما يزال يستشهد بماركس‪ ،‬في حين أن الثاني يفضممل مزاميممر داوود‪ ،‬إل أن هممذا الختلف فممي‬
‫العادات ل يحرج في شيء تضامنها‪.‬‬

‫‪ ...‬إنني أترك لهذا الكتاب‪ ،‬بهمدف السمتمرار‪ ،‬العنموان المذي ظهمر بمه فمي الطبعمة النكليزيممة‬
‫الولى‪" :‬دفاع عن الرهاب"‪ .‬إل أنه من الضروري أن نشير فوًرا إلى أن هذا العنوان الممذي يعممود إلممى‬
‫الناشر ل إلى المؤلف واسع أكثر مما ينبغممي‪ ،‬ويمكمن أن يكممون مصمدًرا لسموء التفماهم‪ .‬إن المسمألة‬
‫ليست هي البتة الدفاع عن "الرهاب" كإرهاب‪ .‬إن تدابير الكراه والتخويف‪ ،‬بما فيهمما أبممادة الخصمموم‬
‫المادية‪ ،‬قد خدمت وما تزال تخدم قضية الرجعية‪ ،‬المتجسدة في الطبقممات المسممتغلة المدانممة‪ ،‬أكممثر‬
‫بكثير مما خدمت قضية التقدم التاريخي التي تجسدها البروليتاريمما‪ .‬إن الخلقييممن حمماملي الشممهادات‬
‫الذي يدينون "الرهاب" بصورة عامة‪ ،‬إنما يقصدون بوجه خاص الفعممال الثوريممة للمضممطهدين الممذين‬
‫يطمحون إلى التحرر‪ .‬وأسطع المثلة عليهم السيد رامساي ماكدونالد‪ .‬لقد أدان هذا الخير العنممف بل‬
‫كلل باسم مبادئ الخلق والدين الخالدة‪ .‬لكن حين طممرح تفسممخ النظممام الرأسمممالي وتفماقم صممراع‬
‫الطبقات مسألة نضال البروليتاريا الثوري من أجل السلطة‪ ،‬حتى في إنكلممترا‪ ،‬انتقممل ماكدونالممد مممن‬
‫معسكر الشغيلة إلى معسكر البورجوازية المحافظة بنفس السممهولة الممتي ينتقممل بهمما المسممافر مممن‬
‫عربة مسموح فيها بالتدخين إلى عربة غير مسموح فيهمما بالتممدخين‪ .‬إن خصممم الرهمماب الممورع يممدعم‬
‫اليوم‪ ،‬بواسطة جهاز عنف‪ ،‬النظام "السلمي" القائم على البطالة والضممطهاد السممتعماري والتسمملح‬
‫المتسارع والعداد لحروب جديدة‪.‬‬

‫إن هذا الكتاب بعيد بالتالي عن الممدفاع عممن الرهمماب بصممورة عامممة‪ .‬إنممه يممدافع عممن القمموانين‬
‫التاريخية للثورة البروليتارية‪ .‬إن الفكرة الساسية في هذا الكتاب هي التالية‪ :‬إن التاريخ لم يجد حتى‬
‫الن من وسائل أخرى لتقدم النسانية إل بمعارضممته فممي كممل مممرة عنممف الطبقممات المدانممة بممالعنف‬
‫الثوري للطبقة التقدمية‪.‬‬

‫إن الفابيين غير القابلين للشفاء سيقولون بالطبع إنه إذا كان من الممكن أن تكون اسممتنتاجات‬
‫هذا الكتاب صحيحة بالنسبة إلى روسيا المتخلفة‪ ،‬إل أنها ل يمكن أن تطبممق علممى البلممدان المتقدمممة‪،‬‬

‫‪122‬‬
‫وبخاصة على الديموقراطيات القديمة كبريطانيا العظمى‪ .‬إن هذا الوهم المعزي كممان يمكمن أن يبمدو‬
‫ما‪ .‬لكن موجة من الدكتاتوريات الفاشية أو العسكرية‬ ‫مقنًعا إلى حد ما قبل عشرة أو خمسة عشر عا ً‬
‫ما ل بأس به من البلدان الوروبية‪ .‬فغداة طردي من التحاد السوفياتي في‬ ‫البوليسية قد اجتاحت قس ً‬
‫‪ 25‬شممباط ‪ ،1929‬كتبممت – ل للمممرة الولممى – بصممدد الوضممع فممي أوروبمما‪" :‬لقممد أثبتممت المؤسسممات‬
‫الديمقراطية إنها ل تستطيع أن تقاوم ضغط التناحرات الراهنة‪ ،‬ذات الطممابع المدولي حين ًمما‪ ،‬والمداخلي‬
‫حيًنا آخر‪ ،‬والثنين مًعا في غالب الحيان‪ ..‬إن الديمقراطية يمكن أن تعرف‪ ،‬بالتشابه مع اللكترونيممك‪،‬‬
‫بأنها نظام من قواطع التيار والموانع ضد تيارات النضال الوطني أو الجتماعي القوى مممن اللزم‪ .‬إن‬
‫ما من عصر آخر في التاريخ قد حمل بالتنماحرات‪ ،‬ولمو ممن بعيمد‪ ،‬بمثمل مما حممل عصمرنا‪ .‬إن التيمار‬
‫المحمل أكثر من طاقته يتجلى أكثر فأكثر في عدة نقمماط مممن الشممبكة الوروبيممة‪ .‬وأن قواطممع التيممار‬
‫الرصاصية تذوب أو تنفجر تحت الضمغط المرتفممع للتنماحرات الدوليمة والجتماعيمة‪ .‬همذه همي طبيعممة‬
‫قواطع تيار الديكتاتورية‪ .‬إن القواطع الرصاصية الضعف والوهن هي أول ما تصاب‪ .‬والحال أن عنف‬
‫التناحرات الداخلية والعالمية ل ينقص‪ ،‬بل على العكس يتزايد‪ .‬وعبًثا نحاول أن نتعزى بفكممرة أن هممذا‬
‫التحول لم يغز إل محيط العالم الرأسمالي‪ .‬إن النقرس يبدأ بإبهممام القممدم‪ ،‬لكنممه يصمميب القلممب فممي‬
‫النهاية"‪...‬‬

‫‪123‬‬

You might also like