Professional Documents
Culture Documents
والشيوعية
ليون تروتسكي
"إذا كانت الرأسمالية الروسية قد تطورت بدون انتقال من درجة إلى درجممة ،بممل وثب ًمما ،مقيممة
في أعماق السهوب المصانع علممى الطريقممة المريكيممة ،فهممذا سممبب إضممافي آخممر كممما يكممون
ما أن ندخل الكهربممة
القتصاد الشتراكي قادًرا على مثل هذا السير القسري ...أننا نستطيع حت ً
إلى كل فروع الصناعة الساسية وإلى قطاع الستهلك الشخصي دون أن نكون مضطرين إلى
المرور من جديد بم "عصر البخار".
ل .تروتسكي
أيار 1920
2
مقدمة
إذا ما رجعنا إلى الوراء زمنًيا ،فإن صيف 1914يأخممذ دللتممه التاريخيممة .وهممذه الدللممة بعممد أن
ضا .أن صيف 1914لم يكن بداية حرب طويلة اجتاحت أول ً توضحت وتعمقت تقرض نفسها اليوم فر ً
ضا نهاية عصر :أن أوروبا معينة ستخفي ولن تعمماود الظهممور أوروبا ثم العالم أجمع فحسب ،بل كان أي ً
دا .عممروش تنهممار ،إمبراطوريممات قديمممة تسممقط تحممت ضممربات المموطنيين المتلهفيممن إلممى تحقيممق أب ً
استقللهم أو استعادته .ولم يكن زعماء الدول الكبرى قد تصورًوا شيًئا من هذا ،بل لم يتوقعوا انقلب ًمما
دا :الممدفاع كهذا عندما دعوا شعوبهم إلى السلح وجندوها بالمليين .وكان شعار جميع المتحاربين واح ً
عن الديمقراطية والحرية والثقافة .وكان كل واحد منهم يخترع أساطير كفيلة بأن تدفع إلى المعركة
بمن لن يجنوا منها الخسارة .وكان الجميع مقتنعين بممأن المخممرج سممريع ،وبممأن النصممر سمميتحقق فممي
صا لخدمة الدعايممة ،دون أن يكونمموا تممابعين مدى ثلثة شهور .وكان الصحفيون والكتاب يتنافسون إخل ً
ما بملء إدارتهم للحكومات .وكانوا نادرين أولئك الذي رفضوا مممن البدايممة أن يتقاعممدوا وكممان مممن دو ً
بين هؤلء المسالمون والشتراكيون الذي كانوا ل يرون في الحرب الراهنة إل الحرب التي كان يحوم
خطرها فوق أوروبا منذ مطلع القرن ،والتي لم يكفوا عن التحذير من احتمال نشوبها ،ولما كانوا أكثر
ما :تضحيات عظيمة باطليممة لممن تبصًرا من الحكام ،فقد كانوا يتصورن نهاية المجرزة كما ستحدث تما ً
تؤدي إلى زوال النزعة العسكرية والمبريالية اللتين ستخرجان معززتين تحت أشكال جديدة.
من بين هؤلء الرجال القلئل في تموز 1914ريمممون ليفوبممور الممذي أدلممى بشممهادة بأسمممهم،
بعبارات ممتازة في مقدمة "أسفنجة الخل" الذي طبعة عام 1912في دار نشر "كلرتيه" .لقد كتممب
مشيًرا إلى اجتماعات حلقات المقاومين الملتفين حول "الحياة العمالية" تلممك الحلقممات الممتي سمماهم
فيها" :كنا نكتفي بأن نبث الحياة بحزن في بقايا الرماد الباردة المتبقية من الممية ،وبممأن نسممتعرض،
بذاكرة مريرة ،قائمة من سقطوا على الرض وبأن نتنبأ بتبصر غير مجممد بحممرب ضممروس طويلممة لممن
تقهر فيها إل الحضارة" .ولقد عرفنا ،ونحممن فممي قلممب بمماريس ،كيممف نكممون فممي آن واحممد بيممن آخممر
الوروبيين التابعين لوروبا الجميلة الذكية التي خسرها العالم إلى البد ،وبين الرجممال الوائل المميممة
ما تزال في عالم الغيب ،وأن كانت بالنسبة إلينا يقيًنا .لقد كنا السلسلة الممتي تربممط بيممن عصممرين"..
يقيًنا ،أن أوروبا الجميلة تلك لم تكون خالية مممن العيمموب .فقممد كممان لهمما بؤسممها ،وفضممائحها الماليممة،
وتجارتها البيضاء ،ومنافساتها الدنيئة ،لكن القرن التاسع عشر يظل متميًزا ،إذا ما نظرنا إليه من بعممد
وفممي مجموعممة ،بمطامحممة الكريمممة ،وبنضمماله مممن أجممل حربممة البشممر والشممعوب :ففيممه حطممم
الديمقراطيون "التحالف المقدس" الذي كان ينوي أن يخضع الشعوب الحممرة لنهيممر السممتبداد .ومممن
أطلممق عليهممم فيممما بعممد لقممب "الطوبممائيين" أمثممال سممان سمميمون وفممورييه وكممابيه وروبممرت أويممن،
المنهمكين في أنجار العمل الذي بدأته الثورة الفرنسية الكبرى في الميدان القتصادي ،شادوا أنظمة
هممدفها التحريممر الشممامل للبشممر ،وشممهد كل العممالمين ولدة مسممتعمرات أمكممن فيهمما لهممذه النظمممة
المختلفة أن تأخذ طريقها إلى التطبيق العملي .لقد كانت هذه النظمة المتنوعممة مسممالمة بطبيعتهمما،
وكان تحقيقها يفترض السلم .وإلى جانبها تأسست وتطورت روابط أممية من أجل السلم والحريممة.
ولقد طرحت فكرة "الوليات المتحدة الوروبية" واقترحت في أحيان كثيرة كبنممد مممن برنامممج واجممب
تحقيقه .ثم جاء ممماركس والماركسممية لينشممأ المميممة العالميممة الولممى .وتلهممما بمماكونين وفوضممويته،
والكوميونة واخمادها الوحشي .وسمحت هدنة 1880بعودة المنفيين والمرحلين ،وتشممكلت بالتممالي
أحزاب اشتراكية جديدة .وولدت الممية الشتراكية من جديمد فمي بماريس عمام ،1889واحتممل فيهمما
وفوًرا الشتراكيون – الديمقراطيون اللمان مكانة الصدارة.
ويحتل كارل كاوتسكي في "قائمة من سقطوا على الدرب" المرتبة الولى .ولقممد كممان جحممود
دا على لينين ومفاجًئا لممه، الشتراكين – الديقوقراطيين في الرابع من تموز ،كما هو معروف ،صعًبا ج ً
حتى أنه لم يستطع أن يصدقه .وحين اتضح أن كاوتسكي هممو بيممن الجاحممدين ،شممنت عليممه مممن قبممل
اشتراكيي جميع البلدان الذي ظلوا أوفيمماء للممروح المميممة حملممة شممعواء حقيقيممة يبررهمما علممى وجممه
التحديد المركز الرفيع الذي كان يحتله في الحركة الشممتراكية – الديمقراطيممة وفممي المميممة الثانيممة.
دا ،ومدافًعا أول عن الماركسية الرثوذكسية ضد الهرطقة ،كما ل حممظ ذلممك فلقد كان في كلتيهما سي ً
برنشتاين حين صاغ علًنا مفهمموم الشممتراكيين الصمملحيين الممذي ينممص ،سممواء اعممترفوا بممذلك أم لممم
يعترفوا ،على أن الهدف النهائي ليس شيًئا ،وعلى أن الحركة هي كل شيء – وهذا على وجه التحديد
ما دل عليه تصويتهم على اعتمادات الحرب ،في حين أن مقررات المؤتمرات الممية القريبممة العهممد
قد تنبأت بقدر كبير من الدقة باندلع الحرب الراهنة ،وأملت بوضوح كبير ممما يجمب أن يكمونه موقمف
3
الشتراكيين .لكن برنشتاين كان صائب النظرة .فالثورة الجتماعية لم تكون بالنسبة إليهم أكممثر مممن
شعار يحتل مكانه في نهاية مقال أو خطاب ل هب في اجتماع عام .لكن موقف كاوتسكي المعممروف
ضمما ،وفممي أخطممر الظممروف ،موقممف الشممتراكيين الممذي دلل على أن هذا الموقف يمكن أن يكممون أي ً
دا في جميع البلممدان .لكممن ممما أضممفى علممى جحممود
يعتبرون ثوريين أصيلين .ولقد كان هذا الوضع سائ ً
كاوتسكي صفة استثنائية هو المكانة الستثنائية التي يحتلها في الحركة الشراكية.
وإذا ما قرأ النسان التقديرات الصارمة الشائعة آنذاك ،فإنه قممد يميممل إلممى التسمماؤل كيممف أن
اشتراكين واسعي الطلع من أمثال لينين وتروتسكي وبوخارين وكممثيرين غيرهممم قممد أمكممن لهممم أن
ينخدعوا إلى هذا الحد وأن يعتبروا كاوتسكي لمدة طويلة من الزمن كأستاذ لهم فممي الماركسممية .أن
تفسير ذلك بسيط ،عندما نكون قادرين على أن نتصور بدقة ما كان الثوري الروسي وبممم يتميممز عممن
ثوري المم الديمقراطية الكبيرة .أن الثوري الروسي ،الذي صممورته دعايممة العملء الرأسممماليين فممي
فترة من الفترات على أنه وحش دموي يحمل سكينة بين أسنانه ،كان على العكس يملك حس القيم
ويعرف كيف يقدرها حتى عندما يعتبرها معادية ،ول أدل علممى ذلممك مممن ملحظممة لينيممن عممن المعهممد
البريطاني الشهير ،تلك الملحظة التي استشهد بها الكتاب كثيًرا منذ أن رواها تروتسكي فممي سمميرته
الذاتية "حياتي" .فقد جاء تروتسكي إلى لندن ،باستدعاء من لينين ،بعد أن هرب من سيبيريا .والتقى
الرجلن لول مرة ،وكان أكبرهما سًنا ،لينين ،يتحرق شمموًقا لمعرفممة ذلممك المناضممل الشمماب ،الحممازم
واللمع في آن واحد ،وللحكم عليه .وأثناء نزهة مممن النزهممات ،توقممف للحظممة أمممام النصممب المهيممب
دا اللهجممة علممى ضمممير الممم "هممم" – أي أعممدائنا – "لكممن
وقممال ":أنممه وستمنسممتر ،نصممبهم" ،مؤكمم ً
وستمنسترشي "عظيم .كذلك هو شأن التايمز ،جريدة البورجوازية ،لكن يا لها من جريدة! كم أتمنممى
لو كان بمقدورنا أن نصدر صحيفة مماثلة!".
أن الفترة التي دخممل فيهمما معظممم الشممتراكيين الممروس إلممى الحيمماة السياسممية ،كممانت تشممهد
انطلقة ألمانيا الكبرى وانطلقة الحركة الشتراكية الديمقراطية في الوقت نفسه ،أنهم ما ركسيون،
لكنهم يعرفون أنه ما يزال عليهم أن يتعلموا الشيء الكثير .وكانت أقممامتهم فممي السممجون القيصممرية
ونفيهم إلى سيبيربا ،قد وفرا لهم أوقات الفراغ ،وأتاحا لهم أن يعرفوا مدى جهلهم في الوقت نفسممه
الذي أتيح لهم فيه أن يقرؤوا بعض مؤلفان ماركس وانجليز .فهممل كممان بمقممدورهم أن يجممدوا أسممتا ً
ذا
لهم خيًرا من كاوتسكي؟ ما كان بإمكانهم أن يممترددوا :فقممد كممان كاوتسممكي يعتممبر خيممر مطلممع علممى
مؤلفات ماركس ،وأفضل شراحه ،ومدير مجلة الحممزب النظريممة "الزمممن الحممديث" ،وكممانت حظمموته
كبيرة لدى الشتراكيين ،وكانت له هيبة حتى على الوساط المثقفة غير الماركسممية تفممرض عليهمما أن
ممما وممل ً بعممض الشمميء فممي سممعة تعامله باحترام .ومما ل ريب فيه أنهم كممانوا أحيان ًمما يجممدونه متعال ً
اطلعه ،لكن أرثوذكسيته كانت تعجبهم وتطمئنهم.
أفليس بناء على اقتراح من كاوتسكي أدينت المساهمة الوزارية – دخول اشممتراكي فممي وزارة
بورجوازية كما هو شأن مييران في فرنسا – عام 1900في باريس ،ثم فممي أمسممتردام عممام ،1904
حتى أن جوريس نفسه والشتراكيين الفرنسيين اظطروا إلى التخلممي عممن سياسممة تكتممل اليسمماريين
كما يدعموا الوزارة الراديكالية؟ وهكذا توطدت سلطة كاوتسكي نهائًيا ،وتجاوزت الحركة الشممتراكية
– الديمقراطية اللمانية لتشمل "المية" كلها ،وكان الثوريون الروس يقرؤون ويدرسون مؤلفاته التي
سرعان ما تترجم وتنشر في عدد من اللغات ،ومن بينها "الثورة الجتماعية" الذي وصف فيه بدقة ما
هيه الثورة الجتماعية وقارنها بالثورة السياسية .لكنه بعد أن نشر تعمماليمه علممى هممذا النحممو الواسممع،
جحدها بعد بضع سنوات ،في عام 1917عندما قامت الثورة بالشكل الذي وصفها به .كان قممد كتممب:
"كل اشتراكي يعمل من أجل الثورة بالمعنى الواسع للكلمممة ،لكممن ثمممة اشممتراكيين يرفضممون فكممرة
الثورة ويريممدون تحقيممق التحممول الجتممماعي بالصمملحات وحممدها ...علممى العكممس" أن هممذه التممدابير
)الصلحات( هي نتيجة لثورة حين تكون مطبقة من قبل الطبقات المضطهدة اقتصادًيا وسياسًيا فممي
الماضي والتي تمكنت من الستيلء على السلطة السياسية ،والتي يتوجب عليها في سبيل مصمملحتها
أن تحول بسرعة البني الفوقية السياسية ،والحقوقية وأن تخلق أشكال ً جديدة للتعمماون الجتممماعي...
أن الثوري هو ذاك الذي يعمل للستيلء على السلطة من أجممل طبقممة مضممطهدة ،وهممو ل يفقممد هممذه
الصفة إذا ما أعد لهمذا السمتيلء وعجمل بمه عمن طريمق إصملحات اجتماعيمة منتزعمة ممن الطبقمات
الحاكمة ....أن الثورة السياسية ل يمكن أن تصبح ثورة اجتماعيممة إل إذا قممامت بهمما طبقممة مضممطهدة
اجتماعًيا ...لقد فقدت اليوم العبارات اللهوتية قممدرتها علمى التخممدير ،وبخاصممة بيممن عناصممر الشممعب
ضا الكثير من قوتها الرادعة".
الثورية .أما المناداة بالحق التاريخي ،فقد فقدت أي ً
4
ممما كممما تممدل علممى ذلممك الوقممائع
هذا ما كممأنه كاوتسممكي ممما قبممل .1914مكانممة اسممتثنائية تما ً
فا .سلطة فكرية يستطيع أن يسمح لنفسه باستخدامه عند المناسمبة بكممل رشماقة .وهممذا المذكورة آن ًَ
مثال .كان شارل آندلر ،الشممتراكي الفرنسممي ،السممتاذ فممي جامعممة السمموريون ثممم فممي "كوليممج دي
فرانس" قد أعد ونشر في سلسلة شمعبية لكمن معتنمى بهما للغايمة" ،ترجممة المم "البيمان الشميوعي"
مزودة بتعليقات غزيرة وعميقة وكان هذا عمل ً فكرًيا يعتمد علممى سممعة الطلع وعلممى المانممة ،لكممن
مجلة "الزمن الحديث" عاملته بخفة ،ملمحة إلى أن المؤلف قد غامر باستخفاف فممي ميممدان ل قبممل
له به .وقد رأى أندلر أن هذه الطريقة في التصرف غيممر مقبولممة بيممن اشممتراكيين ،ورد بلهجممة عنيفممة
دا غير مقبول ،وألح على نشر جوابه في المجلة ،والحال أن طلبممة العممادي هممذا لممم على ما أعتبره نق ً
را إلى أن طوابعها البريدية ناقصة. ًٍ نظ تستلم لم أنها بحجة بساطة بكل رسالته إليه يلب ،فقد أعيدت
أنها حادثة صغيرة عارضة بل ريب ،لكنها ل تخلو من دللة ل نممرى مممن ضممرورة للشممارة إليهمما.
على أننا نستطيع أن نذكر حوادث أخرى من نفس النوع ،وحول مواضيع أكممثر أهميممة .ففممي منعطممف
القرن ،أخذ النمو القتصادي في ألمانيا يسير بوتيرة سريعة حتى أن نتائجه لم تتخلف عن ترك آثارها
في سياسية الحكومة الدولية ،ولوحظ فمي الموقت نفسمه تغيمر محسموس فمي تصمرف اللممان فمي
مختلف الميادين ،وبخاصة في الحركة العمالية حيث كانت هيمنتهم الجديدة تؤدي فمي غمالب الحيممان
إلى اصممطدامات ل تعممدو أن تكممون شخصممية ول تهيممئ الجممو بممالطبع لتوطيممد علقممات وديممة ضممرورية
لتخفيف حدة الختلفات المبدئية.
وعند اندلع الحرب تغير كل شيء ،وبالدرجة الولى منظمات الطبقممة العاملممة .وحرمتهمما حالممة
الحصار والرقابة من كل أمكانية للعمل الحر ،بل من كل أمكانيممة للسممتطلع ،ومممن كممل اتصممال غيممر
التصال الذي تسمح به السلطة .كانت الحكومة ترى أن كل نشاط يجب أن يركز على الحممرب" .لممم
تعد هناك قوانين اجتماعية" ،هذا ما أجاب به وزير فرنسي ،مييران ،لوفد عمالي جاء يقدم إليه بعممض
المطالب" :لم يعد هناك من شيء غير الحرب" .إنذار وقح يعبر بدقة عن سياسة الطبقات الحاكمممة،
سواء أأعلنته أم لم تعلنه .أنه زمن المتحان للمناضلين العماليين والشتراكيين الذي حرمهممم الحكممام
من كل حق فمي الموقت نفسمه المذين كمانوا يطلبمون فيمه إليهمم أن يؤيمدوا بمدون تحفمظ سياسمتهم
ممما فمي الحمزاب والنقابممات ،وفمي "المميممة" .وهمذا مما حمدث الحربية ،وبخاصمة ممممن لعممب دوًرا ها ً
لكاوتسكي .فهو لم يفكر ولممم يتكلممم قممط إل بتعممابير الطبقممة والنضممال الطبقممي ،باعتبمماره مممدافًعا ل
يساوم عن الماركسية الثورية .وهل كان يستطيع أن يتكلممم بلغممة أخممرى؟ مممن مختلممف أنحمماء العممالم
الشتراكي كان ينتظر منه التصريح الذي سيسمح للجماهير بان تتبين طريقها في ليل الحرب .انتظار
ممما بممأن يممدلى برأيممه فمموًرا بصممدد
وا في الرايخستاغ ،فهو بالتالي ليس ملز ً ل جدوى منه .أنه ليس عض ً
اعتمادات الحرب .وهذا ما سمح له بممأن يلتجممئ إلممى نمموع مممن المممذاهب المرجثممة .أنممه لممن يكممون ل
شايدمان الذي أندفع من اليوم الول في تأييد سياسة كليزر الحربيممة بل تحفممظ ،ول ليبكنيشمت الممذي
رضخ في البداية لنضباط الزمرة البرلمانية ليتحرر منه في كانون الول؛ مستغل ً أول فرصممة سممنحت
دا" ).(1
له ليعلن معارضته العلنية للحرب وليطالب بالسلم "سلم بل ضم ل يذل أح ً
أما بالنسبة على كاوتسكي ،فقد كان يعتقد أن الشتراكي ل عمل له في زمن الحرب ،وتخلممي
هو نفسه عن كل نشاط تقريًبا ،رغم حبه الشديد للكلم .أنه يقترب من برنشتاين الذي أساء معاملته
هو بنفسه منذ مدة قريبة ،وفضح هرطقته ،وتبني كلهما نزعة وسطية ل تذهب إلى أكثر من اللتقمماء
فممي سويسممرا بم م "أعممداء" ،باشممتراكيين ونقممابيين فرنسمميين ،ل بهممدف الحفمماظ علممى روح المميممة
البروليتارية رغم كل شيء ،كما فعل ذلك زمر وولد ،بل فقط للتبماكي بتشماؤم غيمر مبمالغ فيممه علمى
تعاسة الزمن.
إنه شخص آخر ،أسلوب آخر ،عندما يكتب .واختفت اللهجة الواثقة ،القاطعة ،الحاسمممة ،لهجممة
مدير "الزمن الحديث" أو مؤلف "طريق السلطة" ،لتحل محلها لهجة خائرة وعبارات كهمذه" :ليسمت
حا من أسلحة زمن الحرب ،باعتبار أنها بطبيعتها أداة سلم" .أو قوله عن حريممة الصممحافة
الممية سل ً
في النظام الثوري" :الكذابون والمتعصبون موجودون في كل المعسكرات".
***
إذا كان كاوتسكي قد التزم جانب الصمت نسبًيا أيام الحرب ،فلقد عاد إلى الكلم بكممل طمماقته
ضا فيه نظًرا إلى ماضمميه كلممه – بممل ليحاربهمما بل
بدًءا من ثورة أكتوبر ،ل ليدافع عنها – كما كان مفرو ً
كلل ،وبتهالك وسوء نية ل يمكن لي مرتممزق فممي الصممحافة الرأسمممالية أن يتبمماهى بممأنه يسممتطيع أن
يتجاوزهما .بل إنه سرعان ما خصها بكتاب كامل تحت عنوان "الرهاب والشيوعية" .وتحمل المقدمة
تاريخ حزيران 1919لكن المؤلف يحدد بأنه بدأ الكتابة قبل عام من ذلك التاريممخ ،وتوقممف علممى أثممر
قيام الثورة اللمانية في 9تشرين الثاني ،واستأنفها بعممد بضممعة أشممهر وأكمممل فصممول الكتمماب أثنمماء
أوقات فراغه .وسرعان ما ترجم إلى الفرنسية ونشر في باريس في أواخر العام.
ممما ،وفممي
اللهجة فيه لهجة كاوتسكي الجديد .على سبيل المثال" :المرء يرتكممب الحماقممات دو ً
زمن الثورة يرتكب منها أكثر من أي زمن آخر" .لكن لهجة التعالم لم تفمارقه" :المذين فهمموا نظريمة
ضا" :ليست قيممادة ماركس على حقيقتها قليلون" ،فهذه النظرية تتطلب عمل ً فكرًيا كبيًرا للغاية" .وأي ً
الحرب ،بشكل عام ،الجانب القوي في البروليتاريا" ولقد كتب هذا مع أن ذاكرتممه ممما تممزال محتفظممة
بالصورة الغضة لربع سنوات من الحرب إذا كان كبار القادة العسكريين قد أثبتوا فيها شمميًئا ،فهممو أن
الحرب ليست جانبهم القوي ،في حين أن العمال والفلحين الروس قد لقنوهم ،في ظممل ديكتاتوريممة
سا عمدة وسميلقنوهم المزيمد منهما مما دامموا يحلممون بالتمدخل وبمدعم قموى الثمورة البروليتاريا ،درو ً
المضادة.
وأود أن أشير أول ً إلى عبارتين استشهد بهما كاوتسكي ،دللتهما بليغة نظمًرا إلممى أنهممما تبينممان
إلى أي حد يمكن أن يندفع كاوتسكي في عدائه لثورة أكتمموبر .ففممي الفصممل الممذي خصصممه لمقارنممة
الكوميونة بالثورة الروسية ،يستشهد بكتاب "الثورة الشتراكية" )المنشور بإشممراف جممان جمموريس(،
ما مممن الصممالة والبتكممار ،مممع أن هنمماك عممدة مؤلفممات عممن الكوميونممة كممان
وهو كتاب تافه ،خال تما ً
بمقدوره الرجوع إليها .ذلك لن كاتبه كما يقول هو "الثوري الطيب" دوبري" .والحال أن هذا "الثوري
الطيب" هو واحد من أولئك الشتراكيين الذين يريدون أن تستر الحرب "حتى النهايممة" ،ولكممن الممذين
يظلون هم أنفسهم بعيدين عن الخنادق .بل أنه ليس وسممطًيا شممأن كاوتسممكي ،إنممما هممو أقممرب إلممى
شايدمان وكاشان وموسليني وشركائهم.
والستشهاد الثاني مأخوذ عن فوضوي سويسري ،وهذا شيء يبعث على الدهشة في حممد ذاتممه
نظًرا إلى أن الماركسية الرثوذكسممية تعتممبر الفوضمموي عممدًوا .وكممان هممذا الفوضمموي يريممد ،رغممم أنممه
سويسري ،أن يستمر الفرنسيون واللمان والبريطانيون والنمساويين في القتتال في حرب ل هممدف
لها ول مخرج .وفي حين أن ثورة أكتوبر قد سمممحت للكممثيرين مممن العمممال والمثقفيممن التممائهين بممأن
يتمالكوا أنفسهم ،يقف ذلك الفوضوي ،مثل كاوتسمكي ،فمي صمف حلفماء الثمورة المضمادة .غيمر أنمه
ينبغي أن نشير إلى أن القضية أهم من سمابقتها ،نظمًرا إلمى أنهما تقموم علمى كذبمة همي ممن أصمفق
الكاذيب في زمن أصبح فيه الكذب ،بفضل دعابممة المتحمماربين ،بضمماعة رائجممة .فمممن بيممن القممذارات
المنسوبة إلى السوفييت ،كان هناك تلميح إلى "تشريك مزعمموم للنسمماء" .بممل إن كاوتسممكي يمضممي
في الكذبة إلى حدودها القصوى ،ويدعي أن لديه وثيقة حاسمممة وجممدها فممي كتمماب الفوضمموي النممف
الذكر :وهي أمر صادر عن مجلس سوفييت عمالي .ولقد كانت الوثيقة ،شأنها شممأ ،غيرهمما ،مزيفممة ل
تستحق غير الزدراء .لكن كاوتسكي لم يتردد في التمسك بها وفي استخدامها ليممدعم رأيممه ،الشمميء
الذي قاده إلى أن يقوم بتحقيق مفصل حول كمل بنمد ممن بنممود "الوثيقمة" :ولقممد كمانت هممذه فرصممة
جميلة لكشف الزيف والمزيفين ولكشف المساهمين في هذه الدعاية الدنيئة المنطلقيممن مممن المبممدأ
6
القائل أن كل وسيلة صالحة عندما تكون موجهة ضد مجالس السوفييت .وتفاصيل هذه القصة مروية
في كتاب تروتسكي.
ثمممة عممادة دارجممة تريممد أن تصممور الثمموريين – البورجمموازيين أو الشممتراكيين – بممأنهم أفممراد
متعطشون إلى الدم والنهب والقتل .مع أنه من السهل على العكس ومن الضروري أن يكتممب فصممل
تمهيدي يوضع في مقدمة تاريخ كل ثورة للتأكيد علممى كممرم الثمموريين وتسممامحهم .إن رجممال الطبقممة
المضطهدة التي تستسلم الحكم ل تسيطر عليهم فكرة لنتقام .أنهم ل يطمحون ،وقممد غمرهممم فمرح
النصر والتحرر من ذل طويل ،إلممى أكممثر مممن تحقيممق المثممل العلممى الممذي حمماربوه مممن أجلممه ،وبنمماء
المجتمع الجديد الذي اهتدوا بفكرته أثناء نضالهم .وهذا شعور عبر عنه بدقممة ل .بممورين فممي "رسممالة
من باريس" عن أيام 1830الثورية .فلقد كتب متحممدًثا عممن الرجممال الممذين قممادوا تلممك اليممام" :لقممد
ضا".
انتصروا بسرعة وغفروا بسرعة أكبر أي ً
دا يغمره فرح عام ،وتفاؤل ً يتجلى في غرس أشجار الحرية في في عام 1848كانت الثورة عي ً
كل الساحات .وليس أسهل من إدانة الكوميونة بحجة ذبح الرهائن ،لكن إذا ما فعلنمما ذلممك نكممون قممد
نسينا أن أخذ الرهائن لم يكن بالنسبة لرجال الكوميونة إل وسيلة لحمايممة أنفسممهم مممن جريمممة تييممر
الذي رفض أن يعتبر "التحاديين" محاربين وأمر بالتالي بإعممدام مممن يعتقممل منهممم .ففممي بدايممة ثممورة
أكتوبر سقط الجنرال كراسنوف ،أثناء إحدى المعارك ،فممي أيممدي البولشممفيين .فهممل أعممدموه فمموًرا؟
دا .بل أعيدت إليه حريته مقابل وعده والتزامه بعدم معاودة محاربة روسيا السوفياتية .ولقد أقسممم أب ً
على ذلك بم"شرفه العسكري" ،ثم أسرع يلتحق في خدمة جيش دينيكين.
وثمة واقعة أخرى أقل أهمية ،وذات طابع شخصي تثبت إلى أي حد تظممل روح النتقممام غريبممة
على الثوريين .فحين نفي تروتسكي من فرنسا عام ،1916كان الشممرطي المكلممف بالعمليممة يممدعى
فوبا – بيريه .ولقد أدى هذه المهمة بإخلص ل مثيل له بحيث أن تروتسكي اعتقل لحظة وصوله إلممى
أسبانيا ،وذلك عندما سلم الشرطي المذكور لزملئه السبانيين رسالة تصف تروتسكي بأنه "فوضوي
خطر" .وبعد عامين – عامين حدثت فيهما أمور كثيرة – اقتيد فوبا – بيريه المذكور إلى تروتسكي في
قما بل ريممب ممن المصممير المذي ينتظممره" :أجمل ،همو أنما". مكتبه بموسكو .وقال الشرطي مرتب ً
كا وقل ً
وأضاف" :أنه مجرى الحداث" محاول ً بذلك أن يثبت أنممه ليممس شممرطًيا عادي ًمما وأنممه يملممك بع ً
ضمما مممن
عناصر الفلسفة السياسية .وعلى كل الحوال ،لم يكن يفتقر إلى الصفافة باعتبار أنه قبممل بممالمجيء
إلى روسيا ليراقب الرجال الذين عرفهم أثناء تعذيبه لهم في فرنسا .وتلهى تروتسكي قليل ً بم"مجرى
شا بل ريب من أنه نجمما بجلممده أحداث" الشرطي الفيلسوف الذي استطاع أن يعود إلى فرنسا ،منده ً
بمثل هذه السهولة.
بديهي أننا ل نقول هذا كله لننفي واقع الرهاب ،بل لنثبت أنممه غيممر متلزم والثممورة .فللوصممول
إلى "لجنة السلمة العامة" وإلى "ديكتاتورية" روبسبيير ،وغلى قانون بليربال ،ل بد من هممرب الملممك
وخيانة الجنرالت وتآمر المهاجرين المستمر ،وتدخل الدول الجنبية عسكرًيا .فعلى الثممورة أن تممدافع
عن نفسها عندما توضع العراقيل في وجه إرادتها السلمية في إعمادة البنمماء .والطبقممة المالكممة ،حيممن
تطرد من السلطة ،ترفض العتراف بهزيمتها .إنها تشعر ،لحظة طردهمما ،أنهمما بل قمموة ،وأنهمما عمماجزة
عن المقاومة .لكنها سرعان ما تشرع في محاولة استعادة امتيازاتها التي انتزعت منها ،وتلجممأ آنممذاك
إلى كل الوسمائل وكلمما ازدادت نزعتهما العدوانيمة ،احتممدت المعركمة ،واشممتد القممع ،وكممثرت تممدابير
البوليس ،وفت في عضد الثورة المضادة ،لكنها تكون قد نجحت في تسميم النظممام الجديممد بإرغممامه
على انتهاج سياسة لم يردها ،وعلى تبذير جزء من القوى ،خير القمموى فممي غممالب الحيممان ،كممان كممل
قصده أن يستفيد منها على وجه أحسن.
إن التدخل الجنبي يزعم الثورة على خلق جيممش يفممترس الرجممال والممموارد ،فممي بلممد هممدمته
حرب طويلة أو نظام حكومي عاجز وفاسد .وحين نتذكر أن قوات الجيش الحمر بلغت ،أثناء الحرب
ضمما عممدد قمموات الجيممش الهلية ،والدفاع ضد التدخلت الجنبية ،خمسة مليين رجل )هممذا ممما كممانه أي ً
الفرنسممي أثنمماء الحممرب العالميممة الولممى( ،نسممتطيع أن نتصممور كممم كلفممت الثممورة المضممادة روسمميا
السوفياتية وكم حرمتها من جهود قوى حية ل تحصى.
7
والحال أن كاوتسكي ،في نقده وتهجمه المكرر والمعاد على النظام القتصممادي الممذي حمماولت
مجالس السوفييت أن توطده ،يتجاهل كل هذه المور الجوهرية التي ل بد من معرفتهمما للتمكممن مممن
إصدار تقييم صحيح للموقف .أنه يقف معجًبا ،وقد انقلب من ماركسي إلى ديموقراطي ،أمام الممدول
الديمقراطية الكبرى ،إنكلترا وفرنسا ،التي لم تحقق المعجمزة ممع ذلممك أيممام الحممرب ،وبخاصمة عنمد
فا للغاية إلى حد أن نظممرة خاطفممة توقيعها لمعاهدات السلم التي قطعت أوصال أوروبا تقطيًعا سخي ً
نلقيها على الخارطة تكشف لنا عن جرثومة حرب جديدة.
إن كتاب تروتسكي يحمل نفس عنوان كتاب كاوتسكي ولقد تأخر في كتابته همو الخمر شمهوًرا
عديدة ،لكن لسباب مختلفة ينوه بها المؤلف في مقدمته" :إن مؤلفنا هذا الذي بدأناه أثنمماء المعممارك
الطاحنة ضد دينيكين وبودينيتش ،قد توقف عدة مرات بسبب أحداث الجبهة ...لقد كنا مرغمين علممى
فضممح افممتراءات كاوتسممكي فممي المسممائل القتصممادية مممبينين تشممابهها مممع افممتراءاته فممي المجممال
ضا" :أن الكتاب مكرس لتوضيح مناهج سياسة البروليتاريا الثورية في عصممرنا السياسي" .وسيقول أي ً
الراهن .والكتاب معروض في إطار سجال كالسياسة الثورية نفسها .إن السجال الموجه ضد الطبقممة
السائدة ،والمفهوم من الطبقة المسودة ،يتحول في لحظة معينة إلى ثورة".
الفريد روسمر
آيار 1963
8
"هل أنت راضية عن الروس؟ بالطبع ،إنهم لن يستطيعوا أن يستمروا في جو اللغمط الجهنمممي
هذا – ل بسبب الحصائيات التي تشهد على تطور روسيا القتصادي المتخلف كما حسب ذلك زوجممك
حساًبا صائًبا – بل لن الحركة الشتراكية – الديمقراطية في هذا الغرب المتفوق التطممور مؤلفممة مممن
رعاديد جبناء يتركون الروس يسفحون دمهم كله دون أن يغيروا موقفهم ،موقف المتفممرج المسممالم.
لكن مثل هذا الموت خير من "البقاء على قيد الحياة من أجمل الموطن" .إنمه عممل ذو ممدى تماريخي
ضا أشياء عظيمة فممي السممنوات القادمممة.
عالمي ستظل آثاره باقية على مدى العصور .إنني أنتظر أي ً
لكني أحب أن أعجب بتاريخ العالم من غير أن أقف خلف حاجز."...
روزا لوكسمبورغ
9
مقدمة
هذا الكتاب أوحى بنا إليه كتيب كاوتسكي المتعالم المنشممور تحممت العنمموان نفسممه .إن مؤلفنمما
هذا الذي بدأناه أثناء المعارك الطاحنة ضد دينيكين وبودينتش قد توقممف عممدة مممرات بسممبب أحممداث
الجبهة .ففي اليام الصعبة التي كنا نكتب فيها الفصول الولى ،كان اهتمام روسيا السوفييتات منصمًبا
كله على المهام العسكرية المحضممة .كممان المهممم قبممل كممل شميء الحفماظ حممتى علمى إمكانيممة بنمماء
اقتصادي اشتراكي .وما كنا نستطيع تقريًبا أن نهتم بالصممناعة باسممتثناء ممما كممانت تسممتطيع أن تقممدمه
للجبهة .ولقد كنا مرغمين على فضح افتراءات كاوتسكي في المسائل القتصادية مبينين تشابهها مممع
افتراءاته في المجال السياسي .وحين بمدأنا همذا العممل – منمذ نحمو عمام – كنما نسمتطيع أن نمدحض
طا فممي العمممل وأن تأكيدات كاوتسكي عن عجز العمال الروس عن أن يفرضوا علممى أنفسممهم انضممبا ً
يتقشفوا اقتصادًيا ،منوعين بانضباط العمال الروس الرفيع وببطولتهم في جبهات الحرب الهلية ولقد
ما لتكذيب الفتراءات البرجوازية لكن باستطاعتنا اليوم ،بعد مرور بضعة كانت هذه التجربة تكفينا تما ً
أشهر ،أن نستشهد بمعطيات ووقائع مأخوذة من الحياة القتصادية لروسيا السوفييتات.
ل ،وبعد سحق كولتشاك ويودينتش ،وبعمد أن سمددنا إلمى فما إن تراخى المجهود العسكري قلي ً
دينيكين الضربات الولى الحاسمة ،ووقعنا معاهدة سلم مع أستونيا ،وبممدأنا بالمفاوضممات مممع ليتوانيمما
وبولونيا ،حتى أمكن للبلد كلها أن تشهد عودة ملموسة إلى الحياة القتصادية .وإذا كانت عنايممة البلممد
وطاقته قد اتجها بسرعة من مهمة إلى أخرى وتركزنا عليها ،مهمة عميقممة الختلف عممن الولممى وإن
كانت تتطلممب القممدر نفسممه مممن التضممحيات ،فهممذا دليممل ل يممدحض علممى الحيويممة المدهشممة للنظممام
السوفياتي .فعلى الرغم من كل المتحانمات السياسمية وممن كممل البمؤس والشمقاء الممماديين ،ظلمت
الجماهير الروسية الكادحة بعيدة عن التفسخ السياسي وعن التخاذل المعنوي أو عن اللمبممالة .لقممد
ما،حافظت هذه الجماهير ،بفضل نظام أعطى حياتها معنى وهدًفا سامًيا وإن فرض عليها أعباء جسمما ً
حافظت على مرونة معنوية كبيرة وعلى قدرتها التي ل مثيمل لهما فممي التاريممخ علممى تركيمز اهتمامهما
وإرادتها على مهام جماعية .إن ثمة حملة جبارة اليمموم فممي مختلممف فممروع الصممناعة لقامممة انضممباط
حازم فممي العمممل ولمضمماعفة النتمماج .إن منظمممات الحممزب والنقابممات ،وإدارات المصممانع والمعامممل
تتنافس في هذا الميدان يدعمها الرأي العام للطبقة العاملممة كلهمما بممدون تحفممظ .إن المصممانع تقممرر،
الواحد تلو الخر ،بلسان الهيئات العامة للعمال ،إطالة يمموم العمممل .وبطرسممبورغ وموسممكو تضممربان
المثل ،والريف يسير جنًبا إلى جنب مع بطرسبورغ .إن "أيام السبت والحممد الشمميوعية" – أي العمممل
المجاني المتطوع في ساعات الراحة – تطبق أكثر فأكثر من قبل مئات اللوف مممن العمممال مممن كل
الجنسين .إن مضاعفة النتاج والعمممل أيممام السممبت والحممد الشمميوعية جممديران ،بممرأي الختصاصمميين
وحسب شهادة الرقام ،بكل اهتمام.
إن التعبئة الطوعية التي يقوم بهما الحمزب واتحمادات الشمبيبة الشميوعية تتمم اليموم ممن أجمل
العمل بالحماسة نفسها التي كانت تتم بها من أجل الجبهة .إن العمل الطوعي الكامل يفسح المجال
واسًعا أمام العمل اللزامي .إن لجان العمل اللزامي ،التي أنشئت حممديًثا ،أخممذت تنتشممر فممي طممول
البلد وعرضممها ومسمماهمة السممكان فممي عمممل الجممماهير الجممماعي )تنظيممف الطرقممات والممدروب
المسمدودة بمالثلوج ،تصمليح السمكك الحديديمة ،قطمع الخشماب ،تهيئة ونقمل الحطمب ،إهممال البنماء
سا أكثر .وإنالبسيطة ،استخراج التراب النفطي والحجر السود( تأخذ أكثر فأكثر طابًعا أوسع ومدرو ً
مضاعفة عدد الوحدات العسكرية العاملة كانت ستكون مستحيلة لول الحماسة للعمل.
صحيح أننا نعيش في شروط دمار اقتصادي رهيب ،بين النهمماك والفقممر والجمموع .لكممن ليسممت
هذه حجة ضد نظام السوفييتات .فلقد كانت كل عصور النتقال متميزة بهممذه المظمماهرة المأسمماوية.
إن كل مجتمع عبودي )سواء أكان عبودًيا أم إقطاعًيا أم رأسمالًيا( ل يغادر المسرح عممن طيممب قلممب
ما أن ينتهممي دوره :إذ ل بممد مممن إرغممامه علممى ذلممك بنضممال داخلممي حمماد يسممبب فممي غممالب الحيممان
ما وحرمانات أكبر حتى من اللم والحرمانات التي تمردوا عليها. للمناضلين آل ً
إن النتقال من القتصاد القطاعي إلممى القتصممادي البورجمموازي – الممذي كممانت دللتممه ضممخمة
بالنسبة إلى التقدم – ترافق بقائمة ل تحصى من الشهداء .ومهما كانت آلم الجماهير المستعبدة من
دا
قبل القطاعية ،ومهما تكن صعبة شروط حياة البروليتاريا في ظممل الرأسمممالية ،فإنهمما ل تمموازي أبم ً
10
الكوارث الرهيبة التي عانى منها العمال في العصر الذي أرغم فيه المجتممع القطماعي القمديم علمى
التخلي بالعنف عن مواقعه لنظام جديد .إن ثورة القرن الثامن عشر الفرنسممية الممتي لمم تبلممغ مممداها
العظيم إل بفضل ضغط الجماهير التي حركها اللم ،قد زادت هي نفسها مممن بممؤس الجممماهير لفممترة
طويلة من الزمن وبنسب فائقة للطبيعة .وهل كان من الممكن أن يتم المر على غير هذا النحو؟
إن مآسي البلط ،التي تنتهي بتبدلت في قمة السلطة ،يمكممن أن تكممون وجيممزة ول تممأثير لهمما
ممما فممي ثممورة تلقممي فممي دوامتهمما بملييممن تقريًبا على حياة البلد القتصادية .لكممن الحالممة تختلممف تما ً
الشغيلة .فمهما يكن شكل المجتمع ،يظل أساسه العممل .والثمورة ،بانتزاعهما الجمماهير ممن العممل،
وبإلقائها بها في أتون الصراع لمدة طويلة من الزمن ،وبقطعها أسباب النتاج ،توجه بالمقابل ضربات
مماثلة إلى القتصاد ،فتخفض بالتالي مستوى التطور القتصممادي بالنسممبة إلممى ممما كممان عليممه قبلهمما.
وكلما كانت الثورة الجتماعية عميقممة ،كممان عممدد الجممماهير الممتي تجرهمما أكممبر ،وكلممما كممانت أطممول،
أساءت أكثر إلى آلية النتاج واستهلكت احتياطي المجتمع ،ول يمكن أن نسممتخلص مممن هممذا إل شمميًئا
دا ليس بحاجة بالصل للبرهنة عليه ،أعني أن الحرب الهلية تضر القتصاد .لكن أن نلوم القتصاد واح ً
السوفياتي على ذلك ،فهذا معناه أننمما ننسممب إلممى الوليممد الجديممد آلم الم لحظممة الوضممع .إن هممدفنا
اختصار الحرب الهلية .ول يمكننا الوصول إلى هذا الهدف إل عن طريق الحممزم فممي العممل .والحمال
أن كتاب كاوتسكي كله إنما هو موجه ضد هذا الحزم الثوري.
***
منذ أن نشر الكتاب الذي ندرسه ،وقعت أحداث جسام ،ل في روسمميا وحممدها ،بممل فممي العممالم
سمما علممى عقممبأجمع وبخاصة في أوروبا أن تطورات عميقة الدللة قد تحققت ،وهي تهممدم اليمموم رأ ً
آخر مواقع الكاوتسكية الدفاعية.
لقد اتخذت الحرب الهلية في ألمانيا طابًعا متزايد الحدة باستمرار ولقد كانت القوة الظاهريممة
للتنظيم الشتراكي الديمقراطي القديم للحزب والنقابممات أحممد السممباب الرئيسممية فممي إطالممة زمممن
الحرب واشتداد تفاقهمها ،وذلك بعكس ما كانت تتوقعه نظرية كاوتسكي الراهنة التي كانت تعتقد أن
هذه القوة ستسهل النتقال السلمي و"النساني" إلى الشتراكية .فكلما أصبحت الحركمة الشمتراكية
– الديمقراطية عاجزة عن الحركة ومحافظة ،توجب على البروليتاريا اللمانيممة الممتي خانتهمما أن تبممذل
المزيد من القوى والدم والحياة في هجومها المصمم على المجتمع البورجوازي ،وذلممك كيممما تتمكممن
دا قممادًرا علممى قيادتهمما إلممى النصممر النهممائي .إن
ممما جديم ً
من خلل هذا النضال بالممذات ،أن تخلممق تنظي ً
مؤامرة الجنرالت اللمان ،ونجاحهم المؤقت ونتائجه الدامية ،قد كشفت من جديد عممن "المسممخرة"
الحقيرة التافهة التي انتهى إليها ما يسمى بالديمقراطية في الظروف الناجمة عممن انهيممار المبرياليممة
والحرب الهلية .إن الديمقراطية ،ببقائها على قيد الحياة ،ل تحل أي مشكلة ول تمحو أي تنماقض ،ول
تشفي أي جرح ،ول تقي ل من تمرد اليمين ول من تمرد اليسار :إنها عاجزة ،تافهة ،كاذبة ،ل تنفممع إل
في تضليل الفئات المتخلفة من السكان وبخاصة البورجوازية الصغيرة.
إن المل الذي عبر عنه كاوتسكي في القسم الخير من كتابه ،المل بأن تقدم لنا بلدان أوروبا
الغربية و"الديمقراطيات العريقة" في فرنسا وإنكلممترا ،المتوجممة بغممار النصممر ،لوحممة تطممور طممبيعي،
ل ،نحو الشتراكية ،إن هذا المل هو أكممثر الوهممام بطلن ًمما .إن ممما يسمممى صحي ،سلمي كاوتسكي فع ً
بم"الديمقراطية الجمهورية" في فرنسا المنتصرة ،هو اليمموم حكومممة هممي مممن أكممثر الحكومممات الممتي
طا .فسياسممتها الداخليممة تقمموم علممى الخمموف والطمممع والعنممف، عرفتها فرنسا رجعية ودموية وانحطا ً
ما .والبروليتاريا الفرنسية من جهة أخرى التي خدعت كما لم تخدع شأنها شأن سياستها الخارجية تما ً
أي طبقة أخرى قط ،تنتقممل أكممثر فممأكثر إلممى العمممل المباشممر .إن ثممأر الحكومممة مممن "التحمماد العمام
للشغل" يدل على أنه ل مكان شرعًيا فمي الديمقراطيمة البورجوازيممة حممتى للنقابيممة الكاوتسمكية ،أي
لسياسة مصلحة مرائية أن تطور الجماهير نحو الثوروية وتعنت المالكين وتراجع التجمعات الوسممطية
– وهي تطورات ثلثة تشرط وتمهد الجو ،في مسممتقبل قريممب ،لحممرب أهليممة طاحنممة – قممد تفمماقمت
بسرعة ،تحت أنظارنا في فرنسا خلل الشهور الخيرة.
11
وتسير الحداث في إنكلترا في التجاه نفسه وإن تحت شكل مختلف ففي هممذا البلممد تضممطهد
الطبقة الحاكمة وتنهب العالم أجمع ،اليوم أكثر من أي وقت مضى ،وقد فقممدت الصمميغ الديمقراطيممة
كل دللة لها وحتى على صعيد البهلوانيات البرلمانية .إن لويممد جممورج ،أشممهر الختصاصمميين فممي هممذا
الموضوع ،لم يعد يذكر الديمقراطية ،بل تحالف الملك الليبراليين والمحافظين ضد الطبقممة العاملممة.
إننا لم نعد نجد أثًرا في حججه لندفاعات كاوتسكي "الماركسي" الديمقراطية .إن لويد جممورج يحتممل
مكانه الن على صعيد الوقائع الطبقية ،ويستخدم لهذا السبب لغة الحرب الهلية .إن الطبقة العاملممة
النكليزية تقترب ،من خلل النزعة التجريبية الثقيلة المميزة لها ،من فصل في تاريخ صراعها سممتبدو
ممما كممما أن التمممرد القريممب للبروليتاريمما
إلى جممانبه صممفحات الحركممة الشممارتية المجيممدة سمماحبة ،تما ً
الفرنسية سيحكم بالشحوب حتى على أبهة كوميونة باريس.
وإنما على وجه التحديد لن الحداث التاريخية قد تطورت خلل الشهور الخيرة بمنطممق ثمموري
حازم ،تساءل مؤلف هذا الكتاب عم إذا كانت ما تزال هناك حاجممة لنشممره ،وعممم إذا كممانت ممما تممزال
هناك حاجة للرد على كاوتسكي نظرًيا ،وعم إذا كانت ما تممزال هنمماك حاجممة لتممبرير الرهمماب الثمموري
نظرًيا.
أجل ،مع السف إن اليديولوجية تلعب في الحركممة الشممتراكية ،بسممبب مممن طبيعتهمما بالممذات،
دوًرا كبيًرا .إن إنكلترا نفسها ،مهما كانت تميل إلى النزعة التجريبية ،تدخل الن في مرحلة ستتطلب
فيها الطبقة العاملة بإلحاح متزايد أن تدرس تجاربها ومهامها دراسممة نظريممة .غيممر أن نفسمميتها – بممل
حتى نفسية البروليتاريا – تشتمل على قوة رهيبة من العطالة المحافظة .وبخاصة أن المسألة ليست
إل مسألة العقيدة التقليدية لحزاب الممية الثانية التي أيقظت البروليتاريا وكان لها إلى عهممد قريممب
قوة واقعية .وبعد انهيار الحركة الشمتراكية – الوطنيمة الرسممية )شمايدمان ،فيكتمور آدلمر ،رينوديمل،
فاندروفيلد ،هندرسون ،بليخمانوف( أصمبحت الكاوتسمية الدوليمة )قيمادة أركمان اللممان المسمتقبلين،
فريتز آدلر ،لونغيه ،جزء هام من الشممتراكيين اليطمماليين" ،المسممتقلون" النكليممز ،جماعممة مممارتوف،
إلخ( العامل السياسي الرئيسي الذي يتحقق بواسطته التمموازن غيممر المسممتقر للمجتمممع الرأسمممالي.
ممما بمجممرى الحممداث، ويمكننا أن نقول إن إرادة الجماهير الكادحة في العممالم المتمممدن ،المتمموترة دو ً
لهي أكثر ثورية بما ل يقاس من وعيها الذي ما يزال تحت تأثير الراء البرلمانية المسممبقة والنظريممات
التوفيقية .إن النضال من أجل ديكتاتورية الطبقة العاملة يعني اليوم ضربة قاصمممة إلممى الكاوتسممكية
في قلب الطبقة العاملة .إن الكاذيب والراء المسبقة التوفيقية التي ما تزال تسمم الجممو حممتى فممي
أوساط الحزاب الملتفة حول الممية لثالثة يجب أن تطرح .وهدف هذا الكتاب هممو أن يخممدم قضممية
من يحاربون ،بل شفقة ،في جميع البلدان ،ضد الكاوتسكية الخائرة الغامضة المرائية.
***
ملحظة – إن الغيوم تتجمع من جديد في هذا الوقت )آيار (1920فوق روسيا السوفييتات .إن
دا من قبممل المبرياليممة العالميممة ضممد
ما جدي ً
بولونيا البورجوازية ،بعدوانها على أوكرانيا قد دشنت هجو ً
روسيا السوفييتات .إن الخطار الكبرى التي تهدد الثورة من جديد ،والتضحيات الضخمة التي تفرضها
الحرب على الجممماهير الكادحممة ،تحممرض مممن جديممد الكاوتسممكيين الممروس علممى أن يقمماوموا بشممكل
مكشوف سلطة السوفييتات أي أن يسماعدوا القتلمة المدوليين أعمداء روسمميا السموفييتات .إن مهمممة
الكاوتسكيين هي أن يحاولوا مساعدة ثورة البروليتاريا حين تكون قضيتها سائرة علممى ممما يممرام ،وأن
يخلقوا أمامها كل أنواع العراقيل عندما تكون بأشد الحاجة إلى المساعدة .لقمد سمبق لكاوتسمكي أن
تنبأ أكثر من مرة بهزيمتنا التي ستكون أفضل دليل على صحة نظريته .إن "وريث ممماركس" هممذا قممد
هوي ،في سقوطه ،إلى هوة عميقة للغاية ،حتى أن برنامجه السياسممي وحممده تجسمميد حممي لنظريتممه
عن سقوط ديكتاتورية البروليتاريا.
إنه يخطئ مرة أخرى .إن هزيمممة بولونيمما البورجوازيممة علممى يممد الجيممش الحمممر الممذي يقمموده
العمال الشيوعيين ،ستثبت من جديد قوة ديكتاتورية البروليتاريا ،وستسدد بالتالي ضمربة جديمدة إلمى
التشكيك البورجوازي الصمغير )الكاوتسمكية( بالحركمة العماليممة .إن التاريممخ المعاصممر ،رغمم البهرجممة
المجنونة في المظاهر والشعارات ،قد بسط إلى أقصى حد تطوره الساسممي بإرجمماعه إلممى الصممراع
بين المبريالية والشيوعية .إن بيلسودسكي ل يقوم بالحرب من أجل امتيازات النبلء البولممونيين فممي
12
أوكرانيا وروسيا البيضاء فحسب ،ول من أجل الملكية الرأسمالية والكنيسة الكاثوليكيممة فحسممب ،بممل
ضا من أجل الديمقراطية البرلمانية ،من أجل الشتراكية التدرجيممة ،مممن أجممل المميممة الثانيممة ،مممن
أي ً
سمما للبورجوازيممة .ونحممن إنممما نحممارب مممن أجممل المميممة
ً شما كناقد يبقى أن في كاوتسكي حق أجل
الشيوعية ،من أجل الثورة العالمية للبروليتاريا .إن الرهان عظيم بيممن الطرفيممن .وسممتكون المعركممة
عنيدة وصعبة .ونحن نأمل في النصر نظًرا إلى أن لنا عليه كل الحقوق التاريخية.
ل .تروتسكي
13
ميزان القوى
ثمة حجة تتردد باستمرار في نقد النظام السوفياتي الروسي وبخاصة في نقد النتقال الثمموري
إلى نظام السموفييتات فمي بلمدات أخمرى ،أعنمي بهما الحجمة المتعلقمة بمم "ميمزان القموى" فالنظمام
السوفياتي في روسيا طوبائي لنه ل يتجاوب مع "ميزان القوى" .إن روسيا المتخلفممة ل تسممتطيع أن
ممما يمكممن أن تكممون مهممام ألمانيمما المتقدمممة .وأنممه لجنممون حممتى بالنسممبة إلممى
تأخذ علممى عاتقهمما مها ً
البروليتاريا اللمانية ،أن تستولي على السلطة السياسية ،لن هذا سمميكون معنمماه الخلل بمم "ميممزان
القوى".
وإن "عصبة المم" ليست مثالية ،لكنها تتجاوب مع "ميزان القمموى" .والنضممال مممن أجممل إلغمماء
النظام الرأسمالي طوبائي ،لكن إدخال بعض التعديلت على معاهدة فرساي سمميتجاوب مممع "ميممزان
القوى" .وحين يعرج لونغيه خلف ويلسون ،فليس ذلك بسبب ضعفه السياسي الكممبير ،بممل مممن أجممل
مجدد "ميزان القوى" .ويرى فريدريك آدلر أن على الرئيس النمساوي شممايدتز والمستشممار وينممر أن
قا أفكارهما البورجوازية الصغيرة المهترئة في التشريعات الولى للجمهورية البورجوازية حممتى ل يطب ً
يتحطم "ميزان القوى" .فقبل عامين من الحرب العالمية لم يكن كارل رينر ،الذي لم يكن قممد أصممبح
بعد مستشاًرا ،إل محامًيا "ماركسًيا" أنتهازي ًمما يريمد أن يثبمت لمي أن نظممام الحركمة النقابيمة التحاديممة
ما فممي روسممياالنكليزية ،أي نظام الرأسماليين والملك العقاريين المتوج بالحكم الملكي ،سيقوم حت ً
طوال عصر تاريخي كامل ،ذلك لنه يتجاوب مع "ميزان القوى".
فما هو إذن "ميزان القوى" – هذه الصيغة المقدسممة الممتي تحممدد وتفسممر كممل مجممرى التاريممخ،
ل؟ وبتعبير أدق ،لماذا يستخدم "ميزان القوى" هذا بصورة متماثلة ثابتممة لخدمممة مدرسممة جملة وتفصي ًَ
كاوتسكي الراهنة ،ولتبرير التردد ،والعطالة ،والجبن ،والخيانة؟
إن "ميزان القوى" يعني كل ما يراد تحميله إياه :مستوى النتاج ،درجة التفاوت الطبقممي ،عممدد
العمال المختصين ،صندوق النقابات ،وأحياًنا نتيجة آخر أنتخابات برلمانية ،وأحياًنا أكثر درجممة تنممازلت
الوزارة أو وقاحة إل وليغارشية ألمانية – وأخيًرا ،وفي غالب الحيان النطباع السياسممي العممام لممدعي
نصف أعمى يسمى بالسياسي الممواقعي ،يتقممن التعممابير الماركسممية لكنممه يسممتلهم فممي الواقممع أحممط
المناورات والراء المسبقة الشائعة والطرق البرلمانية .فبعد محادثمة وجيمزة سمرية ممع ممدير الممن
مما بصمورة دقيقمة ،فمي اليمام العام ،كان السياسي الشتراكي – الديموقراطي النمسماوي يعمرف دو ً
الجميلة المنصرمة الماضية ،ما إذا كان "ميزان القوى" يسمح بتظاهرة سلمية في فيينا بمناسممبة أول
أيار .ولقد كان أمثال إيبرت وشايدمان ودافيد يقيسون ،منممذ مممدة ليسممت بالبعيممدة" ،ميممزان القمموى"
بعدد الصابع التي يوجهها إليهم بتمان – هو لويغ ولودندورف عند لقائهما بهم في الرايخستاغ.
إن فريدريك آدلر يرى أن إقامة كتاتورية السمموفييتات فممي النمسمما سممتحطم بصممورة مأسمماوية
"ميزان القوى" ،وإن "التفاهم الودي" سيجوع البلد آنذاك .ويضرب لنا فريدريك آدلر مثال ً علممى ذلممك
هنغارًيا التي لم يكن أمثال وينز المجريون قد نجحوا فيهمما بعممد بقلممب سمملطة السمموفييتات بمسمماعدة
أمثال آدلر .ويبدو للوهلة الولى أن فريدريك آدلر كان على حق .فالديكتاتورية البروليتاريممة لممم تتممأخر
عن النهيار في هنغاريا لتحل محلها وزارة فريدريتش المغرقة فممي الرجعيممة .لكننمما نسممتطيع نتسمماءل
بحق ما إذا كان هذا يتجاوب مع "ميزان القمموى" .فل فريممدريتش ول هوسممرار كانمما قممادرين ،فممي كممل
الحوال ،على الستيلء على السلطة ولو مؤقًتا لول وجود الجيش الروماني .لكن من البممديهي أننمما ل
نستطيع أن نتوقف ههنا .فلو وطدت ديكتاتورية السوفييتات في النمسا قبل الزمة الهنغاريممة ،لصممعب
للغاية قلب سلطة السوفييتات في بودابسممت .فهمما نحممن مرغميممن إذن علممى أن نممدخل فممي حسمماب
"ميزان القوى" الذي كان وراء السقوط المممؤقت لحكومممة السمموفييتات الهنغاريممة ،النمسمما وسياسممة
فريدريك آدلر الخائنة.
إن فريدريك آدلر نفسه ل يفتش عن مفتاح "ميزان القوى" في روسيا أو في هنغاريا ،بممل فممي
الغرب لدى كليمانصو ولويد جورج :فهما يمسكان بالخبز والفحم .والحممال أن الخممبز والفحممم عمماملن
بالغا الهمية اليوم في آلية "توازن القوى" ول يقلن أهمية عن المدافع فممي دسممتور ل سممال .أن رأى
14
فريدريك آدلر ،الذي تفضل بالنزول من العالي التي يستوطن فيها ،هو أن على بروليتاريا النمسمما أل
تستولي على السلطة ما لم يسمح لها بذلك كليمانصو )أو مييران ،أن كليمانصو من الدرجة الثانية(.
قا مممع ميممزان القمموى؟لكن من المسموح لنا أن نتساءل ههنا :هل تتجاوب سياسة كليمانصو ح ً
قد يبدو للوهلة الولى أن درك كليمانصو إذا لممم يثبتمموا هممذا الرتبمماط ،فممإنهم كفيلممون بتممأمينه بحلهممم
الجتماعات العمالية وباعتقالهم وإعدامهم الشيوعيين .ول نستطيع إل أن نذكر بهذا الصممدد أن تممدابير
الرهاب التي اتخذت حكومة السوفييتات – تفتيش ،اعتقال ،إعدام – والتي وجهت ضد أعممداء الثممورة
وحدهم ،قد اعتبرت من قبل الكثيرين بأنها برهان على أن الحكومة السوفييتات ل تتجاوب مع ميممزان
القوى .لكن عبًثا نفتش اليوم في العالم قاطبة عن نظام لم يلجأ إلى ثأر جماعي رهيب ذل أن قمموى
الطبقات المعادية تميل ،بعد انتهاكها الحقوق كافة ،إلى أن تثبت ارتباطاتها الجديدة بصممراع ل شممفقة
معه.
فحين توطد نظام السوفييتات في روسيا ،لم يكن السياسيون الرأسماليون هم وحممدهم الممذي
ضا رأي الشتراكيين النتهازيين في جميع البلممدان. حا لميزان القوى :فقد كان هذا أي ً اعتبروه تحدًيا وق ً
وليس ثمة خلف في هذا الموضوع بين كاوتسكي ،كونت شزيرنان الهبسبورغي ،وبين رادوسمملفوف
رئيس لوزارة البلغارية .فمنذ أن انهارت الحكومات الملكية النمسمماوية – الهنغاريممة واللمانيممة ،تفتممت
أقوى نزعة عسكرية في العالم وصمدت حكومة السوفييتات .وجندت دول "التفمماهم" المنتصممرة كممل
ما استطاعت تجنيممده ،وقممذفت بممه ضممدها .لكممن حكومممة السمموفييتات ثبتممت .ولممو أمكممن لكاوتسممكي
وفريدريك آدلر وأوتوبوير أن يتنبئوا قبل عامين بأن ديكتاتورية البروليتاريا ستتوطد في روسيا ،بالرغم
ل ،وبالرغم من نضال متواصل ضد امبريالية "التفمماهم" ثاني ًمما ،فممإنمن تهجمات المبريالية اللمانية أو ً
عقلء الممية الثانية كانوا سيعتبرون هذا التنبؤ دليل ً على جهل مضحك بميزان القوى.
أن ميزان القوى السياسية هو ،في كل لحظة معينة ،حصيلة العديد من عوامل القوى والقيمممة
غيمر المتعمادلتين ،ول يتحمدد فمي الواقمع إل بدرجمة تطمور النتماج .أن البنيمة الجتماعيمة لشمعب ممن
ما متخلفة إلى حد كبير عن تطور القمموى المنتجممة .والبورجوازيممة الصممغيرة وطبقممة الشعوب تكون دو ً
الفلحين تظلن على قيد الحياة حتى بعد مدة طويلة من تجاوز تطممور المجتمممع الصممناعي والتكنيكممي
ظما عممن تطممورفما ملحو ًفمما بمدوره تخل ًلطرائقهما القتصادية وأدانته لها .ويكمون وعمي الجممماهير متخل ً
فمما بعصممر كامممل عممن الحالممةالعلقات الجتماعيممة .ووعممي الحممزاب الشممتراكية القديمممة يكممون متخل ً
المعنوية للجماهير .ووعي الزعماء البرلمانيين والتريد – يونيونيين ،الكثر رجعية مممن وعممي أحزابهممم،
عا من حصاة متحجرة لم يستطع التاريخ إلى اليوم ل أن يهضمها ول أن يتقيأها .وفممي عصممر يشكل نو ً
البرلمانية السلمية ،يمكن للعامل البسيكولوجي أن يستخدم ،نظًرا لسممتقرار العلقممات الجتماعيممة –
وبدون أخطاء فاحشة – كأساس للحسابات كافة .ولقد كان العتقاد يسود بممأن النتخابممات البرلمانيممة
تعبر بما فيه الكفاية عن ميزان القوى .ولقد فضحت الحممرب المبرياليممة ،بتحطيمهمما تمموازن المجتمممع
البورجوازي ،النقص الجذري في المعايير القديمة الممتي لممم تكممن تأخممذ التبممة بعيممن العتبممار العوامممل
التاريخية العميقة المتراكمة ببطء في الماضي ،والتي تبرز اليوم لتوجه مجرى التاريخ.
إن السياسيين الروتينيين العاجزين عن فهم التطور التاريخي في تعقيممده وتناقضمماته وتنممافراته
الداخلية ،قد تصوروا أن التاريخ يعد العدة بصورة متوافقة وعقلنية ،ومن كل الجوانب فممي آن واحممد،
لنتصار الشتراكية ،بحيث أن تمركز الصناعة والخلق الشيوعية للمنتج والمستهلك يمكممن أن يتطممور
وينضج مع المحاريث الكهربائية والغالبيات البرلمانية .ومن هنا كان موقفهم الميكانيكي المحض تجاه
البرلمانية التي كانت تشير ،في نظر معظم سياسيي المميممة الثانيممة ،إلممى درجممة اسممتعداد المجتمممع
ما كما يشير جهاز قياس الضغط إلى ضغط البخار .ول حاجة بنا أن نشير إلممى سممخافة للشتراكية تما ً
مثل هذا التصور الميكانيكي لتطور العلقات الجتماعية.
وإذا ما ارتفعنا من النتاج الذي هو أساس المجتمعات إلى البنممى الفوقيممة – الطبقممات ،الممدول،
الحقوق ،الحزاب ،إلخ – يمكننا أن نقرر أن قوة العطالة في كل طابق من طوابممق البنيممة الفوقيممة ل
تنضاف مجرد إضافة إلى قوة الطوابق الدنيا ،لكنها تتضاعف بها فممي بعممض الحممالت .وبالنتيجممة فممإن
ما ،يبدو فمميالوعي السياسي للفصائل التي تظاهرت لمدة طويلة من الزمن بأنها الفصائل الكثر تقد ً
مرحلة النتقال كعقبة رهيبة في وجه التطممور التمماريخي ومممما ل ريممب فيممه علممى الطلق أن أحممزاب
15
الممية الثانية ،التي تقف الن على رأس البروليتاريمما ،كممانت القمموة الحاسمممة فممي الثممورة المضممادة،
نظًرا إلى أنها لم تجرؤ ولم تعرف ولم تشممأن أن تسممتولي علممى السمملطة فممي أحممرج لحظممات تاريممخ
النسانية ،نظًرا إلى أنها قادت البروليتاريا إلى الفناء المتبادل.
إن قوى النتاج الجبارة ،التي هي عامل حاسم في الحركة التاريخيمة ،كمانت تختنمق فمي البنمى
الفوقية الجتماعية المتخلفة )الملكية الخاصة ،الدولة القومية( التي كان التطور السممابق قممد حبسممها
فيهمما .لقممد كممانت قمموى النتمماج ،الممتي نمتهمما الرأسمممالية ،تصممطدم بكممل جممدران الدولممة القوميممة
والبورجوازية ،مطالبة بتحررها عن طريق تنظيم عالمي للقتصمماد الشممتراكي .إن عطالممة التجمعممات
الجتماعية ،وعطالة القوى السياسممية الممتي افتضممح عجزهمما عممن هممدم التجمعممات الطبقيممة القديمممة،
وعطالة الحزاب التي تتولى في الواقع حماية المجتمع البورجمموازي ،إن هممذا كلممه يفضممي إلممى تمممرد
دا تلقائًيا بدائًيا ،تحت مظاهر الحرب المبريالية .وأن التكنيممك النسمماني ،الممذي هممو
القوى المنتجة تمر ً
أكثر عوامل التاريخ ثورية ،قد تمرد بمما لمه ممن قموة متراكممة عمبر عشمرات السمنين ،علمى النزعمة
المحافظة الكريهة وعلى العطالة الدنيئة لمثال شايدمان وكاوتسكي ورينوديممل وفاندرفيلممد ولممونغيه،
وأطلق ضد الثقافة النسانية شرارة مذبحة رهيبة بما لديه من رشاشات وطائرات.
إن سبب الكوارث التي تجتازها النسانية اليوم يكمن على وجه التحديممد فممي أن قمموة النسممان
التكنيكية قد نضجت منذ زمن طويل للقتصاد الشتراكي ،وفي أن البروليتاريا باتت تحتل فممي النتمماج
ممما
فا يضمن دكتاتوريتها ،في حين أن أوعى قوى التاريخ – الحزاب وقادتها – ما تممزال رازحممة تما ً موق ً
تحت نير الراء المسبقة القديمة ول تفعل شيًئا سوى أن تزيد في ريبممة الجممماهير فممي نفسممها .ولقممد
فهم كاوتسكي ذلك في العوام الخيرة .فقد كتب في "طريق السملطة"" :لقمد تطمورت البروليتاريما
إلى حد تستطيع معه أن تنتظر بهدوء الحرب التي تأتي .ولم يعد ثمة مجممال للكلم عممن ثممورة سممابقة
لوانها في الوقت الذي استخلصت فيه البروليتاريا من السس الراهنة للدولة كممل القمموى الممتي كممان
طا لرتفاعهمما اللحممق". بمقدورها استخلصها منها وفي الوقت الذي أصبح فيه تحويل هذه القوى شممر ً
ومن اللحظة التي فتح فيها نمو القوى المنتجة ،بعد أن تجاوزت أطر الدولممة القوميممة – البورجوازيممة،
دا من الزمات والضطرابات أمام النسانية ،تحطم التوازن النسممبي لمموعي الجممماهير فممي عصًرا جدي ً
العصر السابق نتيجة لهزات مهددة .لقد سبق للروتين والعطالة اليوميين وللتخدير باسم الشرعية أن
فقدت كل سلطة لها على البروليتاريا .لكن البروليتاريا لم تممدخل بعممد بمموعي وبل تحفممظ فممي طريممق
النضالت الثورية المكشوفة .فهي ما تزال تتردد فمي اللحظمات الخيمرة ممن توازنهما غيمر المسمتقر.
وفي هذه اللحظة البسميكولوجية يأخمذ دور القممة ،الحكوممة ممن جهمة والحممزب الثموري مممن الجهمة
الخرى دللة عظيمة .إذ تكفي دفعة حاسمة – ممن اليميمن أو اليسمار – لتعطمي البروليتاريما – لفمترة
طويلممة أو قصمميرة – هممذا التجمماه أو ذاك .ولقممد رأينمما فممي عممام 1914كيممف أن ضممغط الحكومممات
المبريالية والحزاب الشتراكية – القومية المتحدة قد حطم على حيممن غممرة تمموازن الطبقممة العاملممة
ودفع بها إلى طريق المبريالية .وقد رأينا فيما بعد كيف أن محنة الحممرب والتنممافر بيممن نتائجهمما وبيممن
شعاراتها اللفظية الولية ،قد هزت الجماهير وجعلتها أقممدر علممى التمممرد المكشمموف ضممد الرأسمممال.
وفي مثل هذه الشروط يشكل وجود حزب ثوري يدرك تمام الدراك طبيعة القوى القممائدة للمرحلممة،
ويفهم المكانة الحاسمة التي تحتلها الطبقة الثورية بين هذه القوى ،ويعرف طاقاتهمما الهائلممة ،ويممؤمن
بها ،ويعي كل قوة المنهج الثوري في العصور الممتي تكممون فيهمما العلقممات الجتماعيممة غيممر مسممتقرة،
ويقف على استعداد لتطبيق هذا المنهج حتى النهاية ،أقول أن وجود مثمل همذا الحمزب يشمكل عمامل ً
تاريخًيا ذا أهمية ل تقدر.
وعلى العكس :أن حزًبا اشتراكًيا يتمتع بنفوذ تقليمدي معيمن لكنمه ل يعمي مما يجمري حموله ،ول
يفهم الموقف الثوري ول يستطيع بالتالي أن يجد مفتاحه ،ول يؤمن ل في نفسه ول فممي البروليتاريمما،
أن حزًبا من هذا النوع يشكل في عصرنا عقبة تاريخية مؤسفة ،وسبًبا للقلق والفوضى المنهكة.
هذا هو اليوم دور كاوتسكي وتلمذته .إنهم يعلمون البروليتاريا أل تؤمن في نفسها ،وأن تصدق
الصورة التي تعكسها لها مرآة الديمقراطية الخادعة ،هذه الديمقراطية التي تمزقت إرًبا تحممت حممذاء
المبريالية .إن سياسة البروليتاريا الثورية يجب أل تحدد نفسها ،في رأيهم ،بالموقف الدولي ،وبانهيممار
الرأسمالية انهياًرا واقعًيا ،ربما ينتج عن ذلك مممن دمممار اجتممماعي ،وبالضممرورة الموضمموعية لسمميطرة
الطبقة العاملة التي تعلن تمردها فمموق أنقمماض الحضممارة الرأسممالية المتي يتصمماعد منهمما الممدخان .ل
شيء من هذا كله يجب أن يحدد سياسة الحزب الثوري البروليتاري .فهذه السياسة إنما تتعلق فقممط
16
بعدد الصوات التي يعترف لها بها محامو البرلمانية بموجب حساباتهم المتعالمة .ويبدو أن كاوتسممكي
فمما
كان يفهم ،قبل عدة سنوات ،ماهية المشكلة الثورية .فلقد كتب في منشوره الذي استشهدنا به آن ً
)طريق السلطة(" :لما كانت البروليتاريمما الطبقممة الوحيممدة الثوريممة فممي المممة ،فممإن انهيممار المجتمممع
الحالي ،سواء أاتخذ طابًعا مالًيا أم عسكرًيا ،إنما يعني إفلس الحممزاب البورجوازيممة الممتي تقمع عليهمما
المسؤولية كلها ،ول مخرج من هذا المممأزق إل عممن طريممق حكممم البروليتاريمما" .لكممن حممزب التخمماذل
والخوف ،حزب كاوتسكي ،يقول اليوم للطبقة العاملة:
"ليست المسألة هي معرفة ما إذا كنت في هذا الوقت القوة الوحيدة الخلقة للتاريخ ،وممما إذا
كنت قادرة على طرد عصابة المسيئين التي هي خلصة انحطاط الطبقات المالكة الحاكمممة وليسممت
هي مسألة كونك الوحيدة التي تستطيع أن تفعل ذلك ول أحممد سممواك ،ول هممي مسممألة أن التاريممخ ل
ضما تحمت آخمر يسمح لك بأي تأجيل – ذلك أن نتائج الفوضى الدامية الراهنة تهدد بمأن تمدفنك أنمت أي ً
أنقاض الرأسمالية .لكن المسألة كلها كامنة في أن اللصوص الحاكمين قممد نجحمموا بممالمس أو اليمموم
في خداع الرأي العام واغتصابه وقمعه بحيث أنهم جمعوا %51مممن الصمموات ضممد %49أل فليمممت
العالم ،لكن فلتحي الغالبية البرلمانية!".
17
ديكتاتورية البروليتاريا
"لقد أبدع ماركس وانجلز مبدأ ديكتاتورية البروليتاريا ،هذا المبدأ الممذي دافممع عنممه انجلممز بعنمماد
عام 1891قبل زمن قصير من موته ،والذي يعني ممارسمة البروليتاريما وحمدها للسملطة السياسمية،
هذه الممارسة التي هي الشكل الوحيد الذي تستطيع أن تقيم عليه سلطة حكومية".
هذا ما كتبه كاوتسكي قبل حمموالي عشممرة أعمموام .كممان يعتممبر آنممذاك أن ممارسممة البروليتاريمما
وحدها للسلطة السياسية ،للديكتاتورية ،ل للغالبية الشتراكية في برلمان ديممموقراطي ،هممي الشممكل
الوحيد للسلطة الشتراكية .وبديهي أننا إذا ما تصورنا أن المهمة هي إلغماء الملكيمة الفرديمة لوسمائل
النتاج ،فل سبيل إلى تحقيق ذلك إل بتمركز جميع سلطات الدولة بين يدي البروليتاريا ،وبخلق نظممام
استثنائي ل تخضع خلله الطبقة الحاكمة لعتبارات المقاييس المحسوبة لزمن طويل ،بممل لعتبممارات
ثورية متلئمة مع الهدف.
إن الديكتاتورية ل غنى عنها ،لن المسألة ليست مسألة تغيير ذي طابع فممردي خماص ،بمل همي
مسألة وجود البورجوازية بالذات وعلى هذا الساس ،ل مجال لي إنفاق .إن القوة وحممدها هممي الممتي
تستطيع أن تقرر أن انفراد البروليتاريا بالسلطة ل يستبعد بالطبع إمكانية اتفاقممات جزئيممة أو تنممازلت
كبيرة ،وبخاصة تجاه البورجوازية الصغيرة وطبقة الفلحين ،لكن البروليتاريا ل تستطيع أن تعقمد همذه
التفاقات إل بعد أن تستولي على جهاز السلطة لمادي وإل بعممد أن تضمممن لنفسممها إمكانيممة التقريممر
الحر للتنازلت التي ستقبل بها أو ترفضها في إطار مصلحة القضية الشتراكية.
ضا باًتا ديكتاتورية البروليتاريا "عنف ممارس من قبل القلية ضممد إن كاوتسكي يرفض اليوم رف ً
الغالبية" .وهذا معنمماه أنممه يسممتخدم ،لتعريممف نظممام البروليتاريمما الثمموري ،التعممابير نفسممها الممتي كممان
يستخدمها باستمرار الشتراكيون الشرفاء في جميع البلدان ليشمموهوا سمممعة ديكتاتوريممة المسممتغلين
ولو كانت محجوبة بقناع الديمقراطية.
إن كاوتسكي ،بإنكاره الديكتاتورية الثورية ،يحل مسألة استيلء البروليتاريا علممى السمملطة فممي
مسألة الوصول إلى غالبية اشتراكية – ديموقراطيممة خلل حملممة انتخابيممة قريبممة .إن النتخمماب العممام
يعبر ،حسب التصورات الخياليممة الحقوقيممة للبرلمانيممة ،عممن إرادة المممواطنين المنتميممن إلممى طبقممات
المجتمع كافة ،ويسمح للشتراكية بأن تتمتع بالغالبية .ومال لم تتحقممق هممذه المكانيممة النظريممة ،فممإن
على القلية الشتراكية أن تنحني أمام الغالبية البورجوازية .إن العبممادة الوثنيممة للغالبيممة البرلمانيممة ل
ضا نفي الماركسية والثممورة بشممكل تقتضي النفي الفظ لديكتاتورية البروليتاريا فحسب ،بل تقتضي أي ً
عام .وإذا كان ل بد مبدئًيا من ربط السياسة الشتراكية بالطقوس البرلمانية القائممة علمى الغالبيمات
والقليات ،فلن يبقى مكان في الديموقراطيات الشكلية للنضال الثوري .وإذا أملت الغالبية المنتخبممة
عن طريق القتراع العام في سويسرا اتخاذ تدابير جبمارة ضمد المضمربين ،وإذا مما أعمدمت السملطة
التنفيذية المعبرة عن إرادة الغالبية الشممكلية العمممال فممي أميركمما ،فهممل يحممق للعمممال السويسممريين
والميركيين أن يحتجوا على ذلك بالضراب العام؟ بالتأكيممد ل .فالضممراب السياسممي يمممارس ضممغ ً
طا
فوق برلماني على "الرادة القومية" التي عبر عنها النتخاب العام .وصحيح أن كاوتسممكي يممتردد فممي
المضي إلى هذا الحد مع منطق موقفه الجديد .فهو مرغم ،ما دام مرتبط ًمما ببعممض بقايمما مممن ماضمميه،
على القبول بالعمل المباشر باعتبار أنه يحسن نظام النتخاب العام .إن النتخابات البرلمانية لم تكممن
في يوم من اليام ،مبدئًيا على القل ،بالنسبة إلى الشتراكيين – الديموقراطيين ،البديل عن الصممراع
الطبقي وصداماته وهجوماته المضادة وتمرداته .إنها لم تكن قط إل وسيلة مسمماعدة مسممتخدمة فممي
هذا الصراع ،تلعب دوًرا كبيًرا حيًنا ودوًرا صغيًرا حيًنا آخر ،إلممى أن تلتغممي نهائي ًمما فممي عهممد ديكتاتوريممة
البروليتاريا.
فما – عمنلقد كان انجلز يدافع بعناد عام ،1891أي قبل زممن قصمير ممن مموته – كمما قلنما آن ً
ديكتاتورية البروليتاريا التي هي الشكل الوحيد لسلطتها الحكومية .ولقد كرر كاوتسكي هممذا التعريممف
مراًرا عديدة .وهذا يدل – بين هللين – على كل دناءة محاولته الراهنة لتزييف ديكتاتورية البروليتاريا
عا روسًيا.
إلى حد أنه جعل منها اخترا ً
18
دا بمما فيمه
إن من ينشد الغاية ل يمكن أن يرفمض الوسمائل .إن النضممال يجممب أن يكممون شمدي ً
الكفاية ليضمن فعلًيا للبروليتاريا النفراد بالسلطة .ولما كان التحويل الشتراكي يستلزم الديكتاتورية
"الممتي هممي الشممكل الوحيممد الممذي تسممتطيع البروليتاريمما أن تقيممم عليممه سملطة حكوميممة" ،فممإن هممذه
الديكتاتورية ينبغي أن تتأمن بأي ثمن.
إن المرء ،كي يكتب منشوًرا عممن ديكتاتوريممة البروليتاريمما ،ل بممد أن تكممون لممديه محممبرة وبضممع
ما .لكن لتأسيس ديكتاتورية البروليتاريا وتوطيممدها ،ل صفائح من الورق ،وبعض الفكار في الرأس حت ً
بد من منع البورجوازية من تهديم سلطة البروليتاريا وبممديهي أن كاوتسممكي يفممترض أن مممن الممكممن
الوصول إلى هذه النتيجة بواسطة منشورات مهيجة للدموع .هذا مع العلم بممأنه كممان مممن المفممروض
في تجربته الشخصية أن تعلمه أنه ل يكفي للمرء أن يفقد كل تأثير له على البروليتاريا حتى يصبح له
تأثير على البورجوازية.
إن انفراد الطبقة العاملة بالسلطة ل يمكن أن يؤمن إل إذا أفهمت البورجوازية ،الممتي اعتممادت
على الحكم ،كل الخطر الذي تجازف به من وراء تمردها على ديكتاتوريممة البروليتاريمما ،وتممدميرها لهمما
بالتخريب والمؤامرات والتمردات وتدخل الجيوش الجنبية .إن البورجوازيممة المطممرودة مممن السمملطة
يجب أن ترغم على الخضوع .لكن كيف؟ لقد كان الكهنة يبثون الخمموف فممي قلممب الشممعب بواسممطة
العقوبات التي تنتظره في البدية .لكننا ل نملك نحن هذه الوسيلة .وبالصممل لممم يكممن جحيممم الكهنممة
وسيلتهم الوحيدة في العمل .بل كان هذا الجحيممم مرتبط ًمما بممالنيران الماديممة فعل ً للتفممتيش المقممدس
وبعقارب الدولممة الديمقراطيممة .تممرى هممل يميممل كاوتسمكي إلمى العتقماد بمأنه ممن الممكممن ترويممض
البورجوازية بواسطة المر المطلق الذي قال به كمانت والمذي لعمب ،فمي أواخمر كتابماته ،دور المروح
القدس؟ إننا ل نستطيع نحن أن نعده بمساعدتنا إل إذا قممرر تمموجيه رسممالة إنسممانية وكانتيممة إلممى بلد
دينيكين وكولتشاك .وعندها ستتاح له الفرصة ليقتنع بأن الطبيعة لم تحرم منمماوئي الثممورة مممن طممابع
معين عززته وقوته ستة أعوام من حرائق الحرب ودخانها .إن كل حارس أبيض قد آمن بهذه الحقيقة
البسيطة التي تنص على أنه من السهل أن يشنق الشيوعي من أن يعود إلى رشممده ويرتممد بإرغممامه
على قراءة كاوتسكي .إن أولئك السادة ل يشعرون بأي إجلل مزعوم للمبادئ الديمقراطية ،ول بممأي
خوف من نيران الجحيم .ومما يقويهم في موقفهم هذا أن كهممان الكنيسممة والعلمم الرسمممي يعملممون
بالتفاق معهم ويرسلون صمواعقهم مجتمعمة علمى رؤوس البولشمفيين .إن الحمراس المروس المبيض
يشبهون الحراس اللمان البيض – وسممائر الحممراس – مممن حيممث أنممه ل يمكممن إقنمماعهم أو إشممعارهم
بالخجل .ول مجال إل لحد أمرين :أما أخذهم بالخوف وأما سحقهم.
إن مممن يتخلممى عممن مبممدأ الرهمماب ،أي عممن تممدابير التخويممف والقمممع تجمماه الثممورة المضممادة
ضا أن يتخلى عن السيطرة السياسممية للطبقممة العاملممة ،عممن دكتاتوريتهمما الثوريممة. المسلحة ،ينبغي أي ً
ومن يتخلى عن ديكتاتورية البروليتاريا يتخلى عممن الثممورة الجتماعيممة ويشممطب بإشمارة ضممرب علممى
الشتراكية.
***
إن كاوتسكي ل يملك اليوم أي نظرية عن الثورة الجتماعيممة .وفممي كممل مممرة يحمماول فيهمما أن
يعمم أفكاره عن الثورة والديكتاتورية ،ل يفعمل شميًئا سمموى أن يبعممث الحممرارة ممن جديممد فممي آراءه
الجوريسية والبرنشتاينية المسبقة البالية .كتب كاوتسكي:
"لقد أبعدت ثورة 1789من نفسها السباب التي وسمتها بطممابع فممظ وعنيممف للغايممة ،وهيممأت
أشكال ً أكثر نعومة للثورة القادمة" )ص (97لنقبل بذلك ،وإن كان هممذا يقتضممي منمما أن نغممض النظممر
عن ذكرى أيام حزيران 1848وفظائع قمع الكوميونة .لنقبل بأن ثورة القرن الثامن عشر الكبرى قد
هيأت للمسممتقبل ،بإرهابهما الحاقمد ويهمدمها الحكممم المطلممق والقطاعيمة والكليريكيممة ،إمكانيممة حممل
المسائل الجتماعية سلمًيا وبدون صدام .فحتى لو قبلنا بهذا التحليل الليممبرالي الخممالص ،فممإن خصممنا
ضا على خطأ تام .ذلك أن الثورة الروسممية ،الممتي انتهممت بديكتاتوريممة البروليتاريمما ،قممد
سيكون ههنا أي ً
بدأت على وجه التحديد بالعمل الذي قامت به الثورة في فرنسا في نهايممة القممرن الثممامن عشممر .إن
أسلفنا في القرون الماضية ممما كمانوا يهتممون بتهيئة الشممروط الديمقراطيمة – عمن طريممق الرهمماب
19
الثوري – التي يفترض فيها أن تلطف من شيم ثورتنا .ولقد كان من الواجب على المثقف المتمسممك
بأهداب الخلق ،أعني كاوتسكي ،أن يأخذ بعين العتبار هذه الواقعممة ،وأل يتهمنمما بممل أن يتهممم الممذين
تقدموا علينا.
ويبدو على كل الحوال أنه يقبل بتنازل ضئيل لنا في هذا الصدد.
فقممد كتممب" :ممما مممن إنسممان يسممتطيع أن يشممك ،مهممما كممان نيممر البصمميرة ،فممي أن الملكيممات
العسكرية كملكيات ألمانيا والنمسا وروسيا ل يمكن أن تقلب إل بالعنف .لكن عندما نفكر بذلك ،فإننا
)من؟( ل نفكر باللجوء إلى السلح بقدر ما نفكر باللجوء إلى شكل من العمل هو أقرب إلممى الطبقممة
ما من البروليتاريا ،المستلم للسلطة ،سيقوم من جديد العاملة ،نعني الضراب العام ..أما أن جزًءا ها ً
كما في القرن الثامن عشر عن طريق سفك الدماء بتقممديم البرهممان علممى مممدى حنقممه ورغبتممه فممي
النتقام فهذا ما ل نستطيع أن نتوقعه .وهذا يعني أننا سننظر إلممى التطممور كلممه بعكممس مجممراه" )ص
.(101
لقد كان ل بد ،كما نرى ،من حرب وسلسلة كاملة من الثممورات كممي نسممتطيع أن نلقممي نظممرة
على العلبة الجمجميمة لبعمض النظرييمن ونعمرف مما يجمري فيهما .ونحمن نعمرف الن ذلمك :لمم يكمن
كاوتسكي يفكر بأن من الممكن أبعاد أمثال الرومانوف والهوهنزولرن عن السلطة بالقناع ،لكنه كان
يتصور جدًيا أن من الممكن قلب الملكية العسكرية عن طريق إضراب عام – أي عن طريق تظمماهرة
سلمية تقوم بها الذرع المتصالبة .وهكذا وبالرغم من تجربة 1905الروسية والمناقشة العالمية التي
تلتها ،فإن كاوتسكي قد احتفظ بوجهة نظره الفوضوية – الصلحية عن الضراب العام .ونسممتطيع أن
ممما علممى أن نذكره بأن جريدته الخاصة "الزمن الحديث" كانت تقدم الدلة منذ حوالي أثنممى عشممر عا ً
الضراب العام ليس إل تعبئة البروليتاريا لمعارضة القوى العدوة في الحكومة ،وبأنه يستطيع أن يحل
المسألة من تلقاء نفسه ،نظًرا إلى أنه يستهلك قوى البروليتاريا قبل أن يستهلك قوى خصمها ،ويدفع
دا
بها بالتالي إلى استئناف العمل .أن الضراب العام ل يمكن أن يكون له تأثير حاسم إل إذا كان تمهي ً
دا لتمممرد .إن البروليتاريمما ل تسممتطيع أن تحممل لنزاع بين البروليتاريا وقمموة العممدو المسمملحة ،أي تمهيم ً
مشممكلة السمملطة ،وهممي مشممكلة جوهريممة فممي كممل ثممورة إل بتحطيمهمما إرادة الجيممش الممذي يجنممد
لمعارضتها .إن الضراب العام يفضي إلممى التعممبئة مممن الطرفيممن ويسمممح بتقممدير جممدي أولممي لقمموى
مقاومة الثورة المضادة ،لكن التطورات اللحقة للصراع هي التي تحدد وحممدها الثمممن الممدموي الممذي
ستتكلفه البروليتاريا من أجل الستيلء على السلطة .أما أن على البروليتاريا أن تدفع من دمهمما وأممما
أن عليها أن تعرف كيف تموت وكيف تقتل في نضممالها مممن أجممل السممتيلء علممى السمملطة والحفمماظ
عليها ،فهذا ما لم يشك فيه أي ثوري حقيقي قط .أممما الزعممم بممأن الصممراع العنيممف بيممن البروليتاريمما
والبورجوازية – الصراع حتى الموت – يعني النظر إلى "التطور كله بعكس مجراه" ،فهذا دليممل علممى
أن رؤوس بعض اليدلولوجيين المحمترمين همي غمرف مظلممة – كاملمة مظلممة – تبمدو فيهما الصمور
معكوسة.
ما
إن ما من شيء يثبت صحة نظريممات كاوتسممكي التاريخيممة فيممما يتعلممق بالبلممدان الكممثر تقممد ً
والكثر ثقافة ،الخاضعة لتأثير التقاليد الديمقراطية القديمة .إن هذه النظريات بالصل ليست جديممدة.
ولقد كان التحريفيون في الماضي ينسبون إليها طابًعا مبدئًيا أكثر جدية .وكمانوا يقمدمون الدلممة علممى
أن نمو المنظمممات البروليتاريممة فممي قلممب الديمقراطيممة يضمممن النتقممال التممدريجي غيممر المنظممور –
الصلحي التطوري – نحو النظام الشتراكي ،بممدون تممدخل الضممراب العممام ،والتمممرد ،والديكتاتوريممة
البروليتارية.
لقد كمان كاوتسمكي فمي ذلمك العصمر ،العصمر المذي شمهد ذروة نشماطه ،يمبين أن التنماحرات
الطبقية في المجتمع البورجوازي تزداد رغممم أشممكال الديمقراطيممة وأنهمما سممتؤدي إلممى الثممورة وإلممى
استيلء البروليتاريا على السلطة.
20
أن يثبت أن التربية الديمقراطية لم تلطف من أنانية البورجوازية الطبقيممة ،فنحممن نمموافقه علممى ذلممك
حا ً
ل.
دا مدة أربعة أعوام بالرغم من وإذا كان يريد أن يضيف بأن الحرب المبريالية ،التي عاثت فسا ً
الديمقراطية ،قد نمت الوحشية في الخلق وعودت على اللجوء إلى العنف ،وعلمت البورجوازيممة أل
ضا .فهذا هو الواقع .لكن علينا أن نحارب في تحرج البتة من إبادة الجماهير ،فإنه سيكون على حق أي ً
هذه الشروط .إنها ليست مسألة مبارزة بين جن بروليتاريين وبورجوازيين خارجين من دماغ فمماغنر –
كاوتسكي ،بل هي مسمألة حمرب بيمن بروليتاريما واقعيمة وبورجوازيمة واقعيمة كمما كونتهمما المجمزرة
المبريالية الكبرى.
إن كاوتسممكي يممرى فممي الحممرب الهليممة الطاحنممة الممتي تممدور فممي العممالم قاطبممة ،النتيجممة
المشؤومة ..للتخلي عن "التكتيك المجيد المتمرس" الذي رسمته الممية الثانية.
كتب يقول:
"في الواقمع ،ومنمذ أن سميطرت الماركسمية علمى الحركمة الشمتراكية أصمبحت همذه الخيمرة
بمنجى ،حتى الحرب العالمية ،من الهزائم الكبيرة في كل حركاتها الكبيرة الواعية .ولقد اختفت نهائًيا
من صفوفنا فكرة تحقيق النصر بالرهاب.
"إننا مدينون بالكثير من هذه الزاوية إلى أن الديمقراطية كانت تتوطد بعمق في بلممدان أوروبمما
دا من وراء الصراع لتصبح الساس الممدائم للحيمماة السياسممية، الغربية وتكف عن أن تكون هدًفا منشو ً
هذا في الوقت الذي كانت فيه الماركسية هي التعليم الشتراكي السائد".
إن "صيغة التقدم" هذه ل تحتوى على ذرة واحدة من الماركسممية :فممالتطور الممواقعي للصممراع
الطبقي ولمعاركه المادية ينحممل فممي الدعابممة الماركسممية الممتي تبممدو وكأنهمما تضمممن ،بفضممل شممروط
الديمقراطية ،النتقال غير المؤلم إلى أشكال اجتماعية "أكثر عقلنيممة" .إن هممذه الصمميغة ل تعممدو أن
دا في القممرن الثممامن عشممر ،اسممتبدلت طا مبالًغا فيه للمذهب العقلي الهرم الذي كان سائ ً تكون تبسي ً
فيه أفكار كوندورسيه بترجمة فقيرة شاحبة لممم"البيممان الشمميوعي" .وهكممذا فممإن التاريممخ ينقلممب إلممى
شممريط دوار مممن الممورق المطبمموع ،وإننمما لنشمماهد فممي قلممب هممذا التطممور "النسمماني" لوحممة عمممل
كاوتسكي.
إنه يضرب لنا مثل ً بالحركة العمالية في عصممر المميممة الثانيممة الممتي لممم تتعممرض قممط ،برفعهمما
رايات الماركسية ،إلى أي هزيمة في هجماتها الواعية .لكن الحركة العمالية بكاملها ،لكن البروليتاريمما
العالمية ومعها كل الثقافة النسانية ،قد تعرضت في آب ،1914في الساعة التي كشف فيها التاريخ
عن ميزان قوى وطاقات كل الحزاب الشتراكية الموجهة كما يقال من قبل الماركسية و"المسممتندة
بقوة إلى الديمقراطيممة" ،إلممى هزيمممة مريعممة .لقممد وجممدت هممذه الحممزاب نفسممها فممي حالممة إفلس.
وأطاحت الريح بكل سمات عملها السابق التي يريممد كاوتسممكي الن أن يخلممدها :القابليممة للتلؤم مممع
الظروف ،التخلي عن العمل غير المشروع ،البتعاد عن الصراع المكشوف ،المممل فممي الديمقراطيممة
كطريق لتحويل اجتماعي غير مؤلم! إن أحزاب الممية الثانية ،التي خافت من الهزيمة ،والتي ردعت
ممما للنضمال المكشمموف ،والممتي ميعممت فممي مناقشمماتها حممتى في كل الظروف الجماهير المسممعدة دو ً
الضراب العام ،قد هيأت بنفسها هزيمتها الرهيبممة .ذلممك أنهمما لممم تعممرف أن تحممرك أصممبعها الصممغيرة
لتجنب خطر كارثة الحرب العالمية التي حددت الطابع الشرس للحرب الهليممة .وفممي الحقيقممة ل بممد
ضا على أذنيه وأنفه ،حتى يعارضنا الن بعممد النهيممار للمرء أن يضع عصابة لعلى عينيه فحسب ،بل أي ً
المخجل للممية الثانية ،وبعد إفلس حزبها القائد – الشتراكي الممديموقراطي اللممماني ،وبعممد مهزلممة
الحرب العالمية الدامية والمتداد الواسع للحرب الهلية ،أقول حتى يعارضنا الن بعمق فكممر المميممة
الثانية وإخلصها وحبها للسلم وتبصرها ،هذه الممية التي نصفي اليوم ميراثها!
21
الديمقراطية" :إما الديمقراطية وإما الحرب الهلية"
دا للسمملم والخلص :الديمقراطيممة .يكفممي أن يعممترف بهمما قمما واحم ً
ل يعممرف كاوتسممكي إل طري ً
الجميع وأن يقبل الجميع بالخضوع لها .وعلى الشتراكيين اليمنيين أن يتخلوا عن العنف الدموي الذي
لجئوا إليه برضى البورجوازية .وعلى البورجوازية نفسها أن تتخلى عممن فكممرة التشممبث حممتى النهايممة
بوضعها الممتاز بفضل أمثال نوسك والملزم فوجيل .وعلى البروليتاريا أخيًرا ،مرة واحدة وأخيرة ،أن
تتخلى عن هدف قلب البورجوازية بغير الطرق الدستورية .وإذا ما روعيت هذه الشممروط بدقممة ،فممإن
على الثورة الجتماعية أن تنحممل بل ألممم فممي الديمقراطيممة .يكفممي إذن ،كممما نممرى ،أن يقبممل تاريخنمما
العاصف بأن يعتمر قبعة كاوتسكي القطنية وبأن ينهل الحكمة من علبة تبغة.
يقول حكيمنا" :ليس هناك إل أحد حلين :إما الديمقراطية وإما الحرب الهلية" )ص .(145ومع
ذلك فإن الحرب الهلية لم تقممف سمماعة واحممدة فممي ألمانيمما حيممث تجتمممع كممل عناصممر الديمقراطيممة
الشكلية .ويوافق كاوتسكي على ذلك" :مممع الجمعيممة الوطنيممة الحاليممة ،ل يمكممن للمانيمما بالتأكيممد أن
تستعيد صحتها .لكننا بدل ً مممن أن نسمماعدها علممى الشممفاء ،فإننمما سممنحكم عليهمما بالنتكمماس إذا حولنمما
الصممراع ضممد الجمعيممة الحاليممة إلممى صممراع ضممد النتخمماب العممام الممديموقراطي" )ص .(152فلكممأن
المشكلة في ألمانيا مشكلة أشكال النتخاب ل مشكلة السيطرة الفعلية على السلطة!
إن كاوتسكي يعترف بأن الجمعية الوطنية الحاليممة ل يمكممن أن تعيممد إلممى البلد صممحتها .فممماذا
ينتج عن ذلك؟ معاودة اللعبة من جديد.
فهل سيقبل شركاؤنا بذلك؟ نسممتطيع أن نشممك .فاللعبممة إذا لممم تكممن فممي صممالحنا ،فهممي فممي
ما.
صالحهم حت ً
بيد أن البروليتاريا الفرنسية واللمانية وبروليتاريا بعض البلدان الخرى الهامة قد ناضلت طوال
عشرات السنوات مستفيدة من كل مزايا الديمقراطية لتخلق منظمات سياسية قوية .غيممر أن تطممور
البروليتاريا هذا نحو الشتراكية قد توقف نتيجة لحدث بالغ الهمية ،أعني الحرب المبريالية العالميممة.
لقد أمكن للدولة الطبقيمة ،فمي اللحظمة المتي انمدلعت فيهما الحمرب بخطيئهما ،أن تخمدع البروليتاريما
بمساعدة المنظمات القائدة للديموقراطية الشتراكية وأن تجرها إلى مدارها .وهكذا أثبتت الطممرائق
الديمقراطية ،بالرغم من المزايا التي ل نقاش فيها التي توفرها في ظممرف محممدد ،تأثيرهمما المحممدود
للغاية :باعتبار أن التربية الديمقراطية لجيلين بروليتاريين لم تهيئ البتة الجو السياسي لتفهم وتقممدير
حدث كالحرب المبريالية العالمية .أن هذه التجربة ل تسمح بالتأكيد بأن الحرب لو اندلعت بعد عشممر
أو عشرين سنة لوجدت البروليتاريا مهيئة تهيئة سياسية أفضل .إن الدولة الديمقراطية البورجوازية ل
طا أفضل للتطور ،بالنسبة إلى شروط الحكم المطلق ،بممل هممي تحممدد تقتصر على منح الشغيلة شرو ً
هذا التطور بالذات بشرعيته ،وتجمع وتقوي بفن لدى الرستقراطيات البروليتاريممة الصممغيرة العممادات
22
التهازية والراء المسبقة الشرعية .وفممي اللحظممة الممتي أصممبحت فيهمما الكارثممة – الحممرب – وشمميكة،
انكشف عجز مدرسة الديمقراطية التام عن قيادة البروليتاريا إلممى الثممورة .وجمماءت مدرسممة الحممرب
الهمجية ،والمال الشتراكية – المبريالية ،وانتصارات عسكرية أكبر ،وهزيمة ل مثيل لهمما .وبعممد هممذه
الحداث ،التي أدخلت بعض التعديلت على برنامج إيرفورت ،لن يعني إحياء الفكار الشائعة القديمممة
عن دللة البرلمانية بالنسبة إلى تربية البروليتاريا ،لن يعني إل السقوط سياسًيا في الطفولممة .وهممذه
هي مصيبة كاوتسكي.
لقد كتب:
"لقد تميزت البرودونية بريبة عميقة تجاه نضال البروليتاريا السياسي من أجل تحررهمما ،وتجمماه
عملها السياسي .وهذا الرأي يعاود اليوم الظهور )!!( ويزعم أنمه النجيمل الجديمد للفكمر الشمتراكي،
وأنه نتاج التجربة التي لم يعرفها ماركس والتي لم يكن يستطيع أن يعرفها .وفي الحقيقة ،أننا ل نجد
في هذا الرأي إل صيغة جديدة لفكرة قديمة ترجع نصف قرن إلممى المموراء ،كممان ممماركس قممد حاربهمما
وقهرها" )ص .(59 – 58
وعلى هذا ،ليست البولشفية إل ...نزعة برودونية أعيممدت إليهمما الحيمماة! إن هممذا التأكيممد الوقممح
لهو ،من الزاوية النظرية ،أسفة تأكيدات المنشور.
لقممد كممان الممبرودونيون يرفضممون الديمقراطيممة ،للسممبب نفسممه ** كممان يممدفعهم إلممى رفممض
ممما اقتصممادًيا بممدون تممدخل سمملطة الدولممة ،وبممدون السياسة .لقد كانوا من أنصار تنظيم الشغيلة تنظي ً
انقلبات ثورية .كانوا من أنصار التشارك العمالي على أسس القتصاد البضاعي .وبقدر ما كانت قمموة
الشياء تممدفع بهممم إلممى النضمال السياسممي ،كممانوا يفضمملون – باعتبممارهم أيممديولوجيين بورجمموازيين –
ديموقراطية حكم الطبقة الغنية حتى على الديكتاتورية الثورية .فأي شيء مشترك بينهم وبيننا؟ ففي
حين أننا نرفض الديمقراطية باسمم سملطة بروليتاريمة متمركمزة ،كمان المبرودونيون مسمتعدين علمى
العكممس للتلؤم مممع ديموقراطيممة ممزوجممة قليل ً بالتحاديممة كيممما يتجنبمموا السمملطة العماليممة الثوريممة
الحاسمممة .ولقممد كممان بمقممدور كاوتسممكي أن يقارننمما بصممورة منطقيممة أكممثر مممع البلنكييممن خصمموم
البرودونيين ،البلنكيين الذين كانوا يدركون أهمية السلطة الثورية ،ويتجنبون بورع ديني ،عند طرحهمم
مسألة الستيلء عليها ،أن يأخذوا بعين العتبار المظاهر الشكلية للديموقراطية .لكن لتبرير المقارنممة
بين الشيوعيين والبلنكيين ،ل بد من الضافة أننا نتمتممع بتنظيممم ثمموري لممم يحلممم بممه البلنكيممون قممط:
دا
ممما سياسمًيا قيادي ًمما ل مثيممل لممه مممزو ً
سوفييتات النواب العماليين والجنود ،وأن لدينا فممي حزبنمما تنظي ً
ببرنامج كامل للثورة الجتماعية ،وأن نقاباتنا تشكل أخيًرا ،بسيرها مع المجموع تحت الراية الشيوعية
وبدعمها حكومة السوفييتات بدون تحفظ ،جهاًزا قوًيا للتحويممل القتصممادي .فل يمكممن إذن ،فممي هممذه
الشروط ،الكلم عن بعث البولشفية للراء البرودونية البالية ،إل إذا فقد المرء نهائًيا الحس التمماريخي
والنزاهة في موضوع المذهب.
23
اليقظة المبريالية للديموقراطية
جا .فهي من جهة أولممى تشممير إلممى ليس عبًثا أن لكلمة الديمقراطية في القاموس معنى مزدو ً
نظام قائم على النتخاب العام وعلى سائر ملحقات "السمميادة الشممعبية" الشممكلية .وهممي تشممير مممن
الجهة الثانية إلى الجماهير الشعبية نفسها بقدر ما تكون لها حيماة سياسمية .إن مفهموم الديمقراطيمة
يضع نفسه ،من خلل هذين المعنيين ،فوق العتبارات الطبقية.
إن خصوصيات اللفظة هذه لها دللتها السياسية العميقة .فالديمقراطية كنظام سياسممي تكممون
أثبت وأكمل وأمتن كلما احتلت جماهير المدن والريمماف البورجوازيممة الصممغيرة ،غيممر المتمممايزة مممن
وجهة النظر الطبقية ،مكاًنا أوسع في الحياة الجتماعيممة لقممد بلغممت الديمقراطيممة أوجهمما فممي القممرن
التاسممع عشممر فممي الوليممات المتحممدة الميركيممة وسويسممرا .ففيممما وراء البحممار كممانت الديمقراطيممة
الحكومية للجمهوريممة التحاديممة تسممتند إلممى ديموقراطيممة المزارعيممن الزراعيممة .أممما فممي الجمهوريممة
السويسممرية الصممغيرة ،فقممد شممكلت البورجوازيممة الصممغيرة فممي المممدن والفلحممون الغنيمماء أسمماس
ديموقراطية الكانتونات المحافظة.
لقد أصحبت الديمقراطيممة بسممرعة ،وهممي الممتي ولممدت فممي ظممل صممراع الطبقممة العاملممة ضممد
حا ضد التناحرات الطبقية التي كانت في طريقها إلى النمو في المجتمممع البورجمموازي القطاعية ،سل ً
وتنجممح الديمقراطيممة البورجوازيممة فممي أداء مهمتهمما علممى وجممه أفضممل كلممما كممانت مدعومممة بطبقممة
بورجوازية صغيرة واسعة ،وكلما كانت أهمية هذه الطبقممة فممي الحيمماة القتصممادية أكممبر ،وكلممما كممان
مستوى التناحرات الطبقية بالتالي أدنى .لكن الطبقات المتوسطة ،المتخلفة أكثر فأكثر عممن التطممور
التاريخي ،تفقد مع ذلك حقها في الكلم باسم المة .ولقد أمكن لمممذهبيي هممذه الطبقممات )برنشممتاين
وشركائه( أن يثبتوا برضى أن الطبقات المتوسطة لن تختفي بالسرعة التي كانت تفترضها المدرسممة
الماركسية .ويمكننا أن نوافق بالفعل أن عناصر المدن والرياف البورجوازية الصغيرة ما تممزال تحتممل
عددًيا مكانة هامة للغاية .لكن الدللة العميقة للتطور تكمن في فقدان أهميتها فممي النتمماج :أن قيمممة
الثروات التي تصبها البورجوازية الصغيرة في أرباح المة قد سقطت بسرعة أكبر بكثير مممن أهميتهمما
دا علممى القطممبين المتعارضممين فممي المجتمممع – البورجوازيممة العددية .أن التطور التاريخي يزداد اعتما ً
الرأسمالية والبروليتاريا – ل على تلك الفئات المحافظة التي خلفها الماضي.
وكلما فقدت البورجوازية الصغيرة أهميتها الجتماعية ،تضاءلت قدرتها على الحفاظ بقوة علممى
دورها كحكم في النزاع التاريخي الكمبير بيمن الرأسممال والعممل .لكمن بورجوازيمة الممدن الصمغيرة،
وبخاصة بورجوازية الرياف ،ممما تممزال نجممد تعبيرهمما ،باعتبممار كثرتهمما العدديممة ،فممي إحصمماء البرلمانيممة
النتخابي .أن المساواة الشكلية بين جميع المواطنين بصفتهم نمماخبين ل تفعممل شمميًئا سمموى أن تثبممت
بشكل أوضح ،في مثل هذه الظروف ،عجز "البرلمانيممة الديمقراطيممة" عممن حممل المسممائل الساسممية
التي يطرحها التطور التاريخي .إن المساواة في النتخاب بين البروليتاري والفلح وصاحب التروسممت
طا بين متناحرين .لكن الطبقممة الفلحيممة المختلفممة بصممورة مزدوجمة الكبير قد جعلت من الفلح وسي ً
ما كقوة "أعمة للحزاب من وجهة نظر الثقافة والحياة الجتماعية ،والعاجزة سياسًيا ،تخدم بالفعل دو ً
ما بدعم الرأسمال ضد العمل. دا التي تنتهي دو ً الكثر رجعية والكثر مغامرة والكثر فسا ً
وبخلف كل تنبؤات برنشتاين وسومبات وطوغان – بارانوفسممكي لممم تخفممف حيويممة الطبقممات
ما ولممو أتخممذ تحممول
المتوسطة من حدة الزمات الثورية في المجتمع البورجوازي ،بل جعلتها أشد إيل ً
البورجوازيممة الصممغيرة والطبقممة الفلحيممة إلممى بروليتاريمما أشممكال ً صممافية وواضممحة ،لكممان اسممتيلء
ما بواسطة اللية البرلمانية محتمل ً أكثر مما هي عليممه الحممال اليمموم أن البروليتاريا على السلطة سلي ً
سمما حممتى علممى الشممكال الخارجيممةتركيز أنصار البورجوازية الصغيرة على حيوية هذه الطبقة كان نح ً
للديموقراطية منذ أن زعزعت الرأسمالية أسس هذه الطبقة فالبورجوازيممة الصممغيرة ،باحتللهمما فممي
السياسة البرلمانية المكان الذي فقدته في النتاج ،قد أساءت نهائًيا إلى البرلمانية عندما جعلت منهمما
مجرد ثرثرة مائعة وأداة في يد القليمية لعرقلممة التشممريعات .أن هممذه الواقعممة وحممدها تفممرض علممى
البروليتاريا واجب الستيلء على سلطة الدولة ،بصورة مستقلة عن البورجوازية الصغيرة بل ضمدها –
ل ضد مصالحها بل ضد عطالتها وضد سياستها غير المتماسكة التي هي عبممارة عممن نممزوات عاطفيممة
عاجزة.
24
كتب ماركس بصدد إمبراطورية نابليون الثالث" :أن المبرياليممة هممي أعهممر وأكمممل شممكل مممن
أشكال السلطة الحكومية ...حولته البورجوازيممة ،حيممن بلغممت أوجهمما ،إلممى أداة لسممتبعاد الرأسمممالية
للعمل" .أن هذا التعريف يتجمماوز المبراطوريممة الفرنسممية الثانيممة ويشمممل المبرياليممة الجديممدة الممتي
أثارتها في العالم أجمع أطماع الرأسمال القومي للممدول الكممبرى .وتفممترض المبرياليممة فممي المجممال
القتصادي السقوط النهائي لدور البورجوازية الصغيرة ،وهي تعنممي فممي المجممال السياسممي التلشممي
التام للديموقراطية عن طريق تحويل سياقها بالممذات وربممط كممل وسممائلها وكممل مؤسسمماتها بأهممداف
المبريالية .ولقد أثبتت المبريالية ،بامتدادها إلى بلدان مختلفة ،أن الراء المسممبقة السياسممية ،بغممض
النظر عن مصيرها السياسي السابق ،غريبة عنها كلها ،وأنها مستعدة لن تستخدم )وهي قادرة علممى
ذلك( ملكيات نيقول رومانوف أو ولهلم هوهنزولرن ،والتوقراطيممة الرئاسممية فممي الوليممات المتحممدة،
وعجز بضع مئات من المشرعيين المتباينين في البرلمان الفرنسي ،وذلممك بعممد أن تكممون قممد حممولت
هذا كله اجتماعًيا وأخضعته .أن المجزرة الكبرى – حمام الدم الذي حاولت البورجوازيممة عممن طريقممه
أن تجدد شبابها – قد قدمت لنا صورة لتعبئة لم يسبق لها مثيل لكل أشكال الدولة والدارة والتمموجيه
دا ل بأس به مممن الدعيمماء الممذين السياسي والمدارس الدينية أو الفلسفية لخدمة المبريالية .وأن عد ً
لم يسبب تطور المبريالية أي اضطراب في سباتهم الدائم منذ عشرات السنين ،والممذين ممما يزالممون
دا
مستمرين في النظر إلى الديمقراطية والنتخاب العام الخ من وجهة نظرهم التقليدية ،أقول أن عد ً
ل بأس به من هؤلء بالذات قد أدرك أخيًرا أثناء الحرب أن المفاهيم المألوفة قد أصممبح لهمما مممن الن
دا مضمون جديد .الحكم المطلق،الملكية البرلمانية ،الديمقراطية إن جميع الشممكال الحكوميممة فصاع ً
للسيطرة البورجوازية ،من القيصرية الروسية إلى التحادية شبه الديمقراطية في أميركمما الشمممالية،
هي في نظر المبريالية وبل ريب فممي نظممر الثممورة الممتي سممتخلفها ،متسمماوية فممي الحقمموق وتشممكل
ضا بصورة متلحمممة .أن المبرياليممة تنجممح فممي أن تخضممع ،فممي اللحظممة تركيبات يكمل فيها بعضها بع ً
الحرجة ،وبكل الوسائل التي تملكها ،وبالبرلمانات على وجه الخصوص مهما كان حسمماب الصمموات –
بورجوازية المدن والرياف الصغيرة بل حتى الرستقراطية العمالية .أن الفكرة القوميممة الممتي قممادت
طبقة العامة في صعودها إلى السلطة عادت إلى الظهور أثناء الحرب مع "الدفاع القومي" .وأضاءت
العقيدة القومية مرة أخرى وأخيممرة بسممطوع بمماهر علممى حسمماب عقيممدة الطبقممات .ولقممد أدى غممرق
ل ،ثم في البلدان المنتصممرة بعممد زمممن وجيممز ،إلممى تهممديم الوهام المبريالية في البلدان المقهورة أو ً
أسس ما كان في الماضي الديمقراطية القومية وأدلتها الرئيسية ،البرلمان الديموقراطي وتجلي في
كل مكان بوضوح مخيف ضعف البورجوازية ونوعيتها الرديئة وعجزها .وإنطرحممت فممي جميممع البلممدان
مسالة السمملطة الحكوميممة بوضمموح بيممن العصممابة الرأسمممالية الممتي تحكممم بشممكل مكشمموف أو غيممر
مكشوف والتي تملك تحت تصرفها طبقة من الضباط المتمرسين أو المرتزقة – معززة أحياًنما بمئات
اللمموف مممن الرجممال – وبيممن البروليتاريمما الثوريممة المتمممردة ،إزاء الطبقممات المتوسممطة المممذعورة،
الضائعة ،الخانعة .ويالها من أضغاث أحلم تافهة العبارات التي يمكن أن تقال في مثل هذه الظممروف
عن الستيلء السلمي على السلطة من قبل البروليتاريا بواسطة البرلمانية الديمقراطية!
إن معالم الموقمف السياسمي علمى الصمعيد العمالمي واضمحة للغايمة .فالبورجوازيمة ،وبخاصمة
بورجوازية البلدان المنتصرة ،بعد أن قادت الشعوب المنهوكة النازفة دماؤها إلممى حافممة الهاويممة ،قممد
أثبتت عجزها المطلق عن انتشالها من وضعها الرهيب وتناقض وجودها مممع تقممدم النسممانية اللحممق.
لقد تفسخت جميع التجمعات السياسية الوسيطية والحزاب الشتراكية – القومية وهي ما تزال حية.
ما بعد يوم ،وتؤكد نفسها في والبروليتاريا التي خدعتها هذه التجمعات والحزاب ،تزداد كراهيتها لها يو ً
رسالتها التاريخية على أنها القوة الوحيدة التي تستطيع أن تنقذ الشعوب من الهمجيممة والممموت .غيممر
أن التاريخ ل يضمن لحزب الثورة الجتماعية غالبية برلمانية شكلية .إنه ،بتغيير آخر ،لمم يحممول المممم
إلى نواد تقترع بحفاوة – بغالبية الصوات – لصالح الثورة الجتماعية .بل على العكمس :لقمد أصمبحت
الثورة العنيفة ضرورة ،على وجه التحديد لن مطالب التاريخ الملحة لم تعد تمكن تلبيتها عممن طريممق
جهاز الديمقراطية البرلمانية .أن البورجوازية الرأسمالية تقول في نفسها" :مممادمت أضممع يممدي علممى
الراضي والمصانع والمعامل والمصارف والصحافة والمدارس والجامعممات ،مممادمت أضممع يممدي علممى
ذلك أن هذا هو الشيء الساسي – على الجيش ،فإن آلية الديمقراطية ستظل خاضعة لرادتي كيفما
حركت .والبورجوازية الصغيرة العاطلة ،المحافظة ،غير الصلية ،تخضمع لمي سمواء أمادًيما أم معنوًيما.
أنني أتحكم وسأتحكم فيها بقوة مشاريعي وأرباحي وخططي وجرائمي .وإذا ممما اسممتاءت وتململممت،
فإنني سأخلق دزينة من مانعات الصواعق .بل سأخلق عند الحاجممة أحزاب ًمما معارضممة سممتختفي ممما إن
تممؤدي مهمتهمما مفسممحة المجممال أمممام البورجوازيممة للتعممبير عممن سممخطها دون أن تلحممق أي أذى
بالرأسمالية .وسأحفظ بالنسبة إلى الجماهير الشعبية علممى نظمام التعليمم البتمدائي اللزاممي الممذي
سيبقى هذه الجماهير عند حدود الجهل دون أن يسمح لها بالرتفاع فكرًيا فوق المسممتوى الممذي يممرى
25
خبرائي أنه غير مؤذ .إنني سأفسد ،سممأخدع ،سممأخيف الفئات المرفهممة أو المتخلفممة مممن البروليتاريمما
ومادامت أدوات الضطهاد والتخويف بين يدي ،فإن تنسيق كل هذه التدابير لن يسمح لطليعة الطبقة
العاملة بتنوير وعي العدد الكبر".
وعلى هذا تجيب البروليتاريا الثورية" :ل ريب في أن الشممرط الول للخلص هممو أن أنممتزع مممن
ما مممادامت البورجوازيممة تمسممك البورجوازية أدوات سيطرتها :ول أمل في الوصول إلى السلطة سلي ً
بكل أدوات السيطرة .أنه لجنممون مثلممث أن آمممل بالوصممول إلممى السمملطة بممالطريق الممذي تممدل إليممه
البورجوازية وتسده في آن واحد :طريق الديمقراطية البرلمانية ليممس هنمماك إل سممبيل واحممد :انممتزاع
السلطة من البورجوازية بتجريدها من أدوات سيطرتها المادية .ومهممما كممانت العلقممة الظاهريممة بيممن
قوى البرلممان ،فممإنني سمأجعل مممن أهمم وسمائل النتماج ثمروة اجتماعيممة ،وسمأحرر وعمي الطبقمات
ما مغناطيسًيا .وسأبين لهذه الطبقات بالوقائع ما هو البروجوازية الصغيرة الذي نومته الرأسمالية تنوي ً
فمما سممتدعمني بالتزامممات التلقممائي النتاج الشتراكي .وحين سيتم ذلك ،فممإن أكممثر فئات الشممعب تخل ً
والواعي بالبناء الشتراكي".
حين شتتت حكومة السوفييتات الروسية الجمعية التأسيسية ،بدا هذا الحدث فممي نظممر القممادة
الشتراكيين الديموقراطيين في أوروبا وكأنه قطيعة متعسفة وفظة مع كل تطور الشتراكية السممابق
إن لم يكن بداية نهاية العالم .لكنه لم يكن إل نتيجة حتمية للوضع الممذي خلقتممه المبرياليممة والحممرب.
وإذا كانت الشيوعية الروسية أول من استخلص النتائج النظرية والعملية لهذا الوضع ،فذلك للسممباب
نفسها التي أرغمت البروليتاريا الروسية على أن تكون أول من يخوض النضال من أجل السلطة.
إن كل ما جرى في أوروبا فيما بعد يدل علممى أننمما كنمما علممى حممق .إن اليمممان بإمكانيممة إعممادة
توطيد الديمقراطية على كل ضعفها ،إنما يعني التعلل بطوبائيات رجعية مسكينة.
26
ميتافيزيقا الديمقراطية
حين شعر كاوتسممكي بممأن الرض التاريخيممة تميممد تحممت قممدميه ،أنتقممل مممن الديمقراطيممة إلممى
فلسفة التجاوز وراح يتفذلك عما يجب أن يكون.
إن المبادئ الديمقراطية – سيادة الشعب ،النتخاب العام ،الحريممات – تبممدو لممه محاطممة بهالممة
الواجب الخلقي .أنها تنفصل عن مضمونها التاريخي ،وتبدو ،إذا ما نظر إليها فممي طبيعتهمما المجممردة،
ثابتة مقدسة .إن هذه الخطيئة الميتافيزيقية ليست بنت الصدفة .فالمرحوم بليخممانهوف بعممدان كممان،
ضا في أواخر أيامه ،بينممما كمانت تجتمماحه في أحسن مراحل حياته ،الخصم اللدود للكانتيه ،حاول هو أي ً
موجة الوطنية ،أن يتعلق بقشة المر المطلق .وهذا شيء له دللته العميقة.
أن كاوتسممكي يعممارض الديمقراطيممة الواقعيممة الممتي تعممرف إليهمما الشممعب اللممماني مممؤخًرا
بديموقراطية مثالية ،كما يعارض الشيء في ذاته بالظاهرة المبتذلة .إن كاوتسكي ل يدلنا بثقممة علممى
أي بلد ديموقراطي تضمن فيه الديمقراطيممة النتقممال غيممر المممؤلم إلممى الشممتراكية .وبالمقابممل فممإن
قناعته بوجوب وجود مثل هذا البلد صلبة .إن كاوتسممكي يعممارض الجمعيممة الوطنيممة اللمانيممة الحاليممة
التي هي أداة العجز والخبث الرجعي والدناءة بجمعية وطنيممة أخممرى متمتعممة بكممل الصممفات باسممتثناء
واحدة هي بل ريب قليلة الهمية :صفة الوجود.
إن مذهب الديمقراطية الشكلية لم تخلقه الشتراكية العلمية بل الحق الطبيعي .وماهية الحممق
الطبيعي تكمن في العتراف بالمعايير الحقوقية الخالدة الثابتة تجممد لهما فممي مختلممف الزممان ولمدى
ل .أن الحق الطبيعي للتاريخ المعاصر ،كما مختلف الشعوب تعبيرات مضيقة ومشوهة إن كثيًرا أو قلي ً
أنتجه العصر الوسيط ،يشتمل قبل كل شيء على احتجاج على امتيازات الطوائف ،وعلممى المنتجممات
"المصطنعة" للحق الوضعي القطاعي .ولقد كانت عقيدة طبقة العامة ،التي كانت ما تزال ضممعيفة،
تعبر عن مصلحتها الخاصة بواسطة بضعة معايير مثالية أصممبحت فيممما بعممد مممن تعمماليم الديمقراطيممة
واكتسبت في الوقت نفسه طابًعا فردي النزعة .إن الشخصممية غايممة فممي ذاتهمما .وللبشممر جميعًمما حممق
التعبير عن فكرهم بالكلم والكتابة .ولكل إنسان الحق في اقتراع مساو لقتراع الخرين .ولقد كممانت
ما وخطوة إلممى المممام .ولكممن مطالب الديمقراطية ،الرامزة إلى المعركة ضد القطاعية ،تسجل تقد ً
كلما تقدمنا ،تجلمي أكمثر فمأكثر المظهمر الرجعمي لميتافيزيقما الحمق الطمبيعي )نظريممة الديمقراطيمة
الشكلية( :وهذا المظهر هو فرض معيار مثالي على المطالب المواقعية للجماهير الشغيلة والحممزاب
الثورية.
كان الحق الطبيعي ،الذي أصبح نظرية الديمقراطية ،يقول للعامممل" :البشممر جميعًمما متسمماوون
أمام القانون ،مهما كان أصلهم ،وصفتهم كمالكين أو غير مالكين ،والدور الذي يؤدونه .إن لهم جميعًمما
قا متساوًيا في أن يقرروا بالنتخابات مصائر الشعب" .ولقد كان لهذا المعيار المثالي أثر ثوري فممي ح ً
وعي الجماهير ،بمقدار ما كان يدين الحكم المطلق والمتيممازات الرسممتقراطية والنتخمماب المقصممور
على بعض الفئات .أممما فيمما عمدا ذلمك ،فقممد كمان ل يفعممل شميًئا سموى أن يخمدر أكممثر فمأكثر وعمي
الجماهير ،ويضفي صفة شرعية على البؤس والعبودية والذل.
أن روتشيلد ،الذي حول دم العالم وعرقه إلى نابوليونات ذهبية جميلة ،ليس له إل صوت واحممد
في النتخابات البرلمانية .وإن عام المنجم المغمور الذي ل يعرف أن يوقع اسمه والممذي ينممام طمموال
حياته تقريًبا بدون أن يخلع ثيابه والذي يحيا في المجتمع حيمماة الخلممد ،يمسممك هممو الخممر بجممزيئة مممن
السيادة الشعبية ،ويقف مساوًيا لروتشيلد أمام المحمماكم وأثنمماء النتخابممات .أممما فممي شممروط الحيمماة
الواقعية ،وفي العلقات الجتماعية ،وفي العراف ،فإن عدم المساواة بين البشر يتفاقم أكثر فممأكثر:
هنا ترا كم ثورات ل مثيل له ،وهناك بؤس بل أمل .لكن هممذه التناقضممات الرهيبممة تختفممي فممي البنيممة
الدورية للدولة ،فل نرى فيها إلممى ظلل ً شممرعية مسمملوخة عنهمما أجسممامها" .المالممك ،الفلح الميمماوم،
الرأسمالي ،البروليتاري ،الوزير ،صممباغ الحذيممة ،جميعهممم متسمماوون "كمممواطنين" و"مشممرعيه" لقممد
نزلت مساواة المسيحية الصموفية ممن إلمى السمماوات تحمت شمكل المسماواة فمي الحمق الطمبيعي
الديموقراطي .لكنا لم تنزل حتى الرض بالذات ،حتى الساس القتصادي للمجتمع .إن الحق المثالي
27
في التأثير على مصممائر الشممعب بواسمطة النتخابمات البرلمانيمة ل يكماد يكممون ،بالنسممبة إلمى الفلح
المياوم المغمور الذي ل يكف في أي لحظة من لحظات حياته عن أن يكون دابة ركوب مستغلة مممن
قبل الرأسمالي ،أقول ل يكاد يكون أكثر واقعية من السعادة التي كان بوعد في الماضي بأنه ملقيهمما
في مملكة السموات.
ولقد دخل الحزب الشتراكي ،الذي تقوده المصالح العملية للطبقة العاملة ،في مرحلممة معينممة
في طريق البرلمانية وهذا ل يعني البتة أنه أعترف مبدئًيا بنظرية الديمقراطيممة الميتافيزيقيممة المبنيممة
على حق متعال على التاريخ والطبقات الجتماعية .لقد كان المذهب البروليتاري يعتممبر الديمقراطيممة
أداة فممي خدمممة المجتمممع البورجمموازي ،متلئمممة بالصممل كممل التلؤم مممع حاجممات وأهممداف الطبقممات
المسيطرة .لكن المجتمع البورجوازي ،الذي يعيش من عمل البروليتاريا ول يستطيع أن يمنعها ،تحت
ضغط عقوبة النهيار ،من أن تضفي صبغة شرعية على بعض مظمماهر الصممراع الطبقممي علممى القممل،
كان يعطي الحزاب الشتراكية إمكانية استخدام آلية الديمقراطية إلى حد معين وفي فممترات معينممة،
دون أن تلحق أي أذى بمبدئها غير المنظور.
لقد كانت المهممة الساسمية للحمزب الشمتراكي ،فمي كمل مراحمل نضماله ،أن يخلمق شمروط
مساواة واقعية اقتصادية ،مساواة في العراف بين أعضاء المجتمع النساني ،قائمة علممى التضممامن.
ولهذا على وجه التحديد يتوجب على نظريي البروليتاريا أن يكشفوا عممن وجممه ميتافيزيقمما البروليتاريمما
القناع الفلسفي الذي يحجب خلفه أضاليل سياسية.
وإذا كان الحزب الديموقراطي قد قال للجماهير ،وهممو يكشممف فممي عنفمموان حماسممته الثوريممة
كذب معتقدات الكنيسة" :إنها تهدهدكم بوعد السعادة البديممة ،فممي حيممن أنكممم علممى هممذه الرض بل
حقوق ورازحون تحت التعسف ،فإن الحزب الشتراكي على حممق أكممثر فممي أن يقممول لهمما بعممد بضممع
عشرات من السنين" :إنهم يخدرونكم بوهم المساواة والحقوق السياسية ،لكن إمكانية تحقيممق هممذه
دا مثالي ًمما لربطكممم
الحقوق منتزعة منكم .إن المساواة الحقوقية ،الظاهريممة والصممطلحية ،تصممبح قي م ً
بعجة الرأسمال".
ولقد جند الحزب الشتراكي ،تحت راية هدفه الساسي ،الجماهير من أجل العمممل البرلممماني،
لكنه لم يلتزم قط فممي أي مكممان مممن العممالم بممأل يقممود البروليتاريمما إلممى الشممتراكية إل عممن طريممق
البرلمانية .ونحن بتلؤمنا مع النظام البرلماني ،اقتصممرنا فممي العصممر السممابق علممى أن نكشممف نظممر
بأقناع الديمقراطية الممتي لمم نكممن نملممك القمموة بعممد للتغلممب عليهمما عملي ًمما .لكممن المنحنممى العقمائدي
للشتراكية ،الذي يتكون رغم النحرافممات والسمقطات وحممتى الخيانممات ،ينتهممي برفممض الديمقراطيممة
وباستبدالها بآلية بروليتارية ما إن تصبح لدى الطبقة العاملة القوى اللزمة.
دا ،لكنممه بمماهر الدللممة .ففممي عممام 1888كتممب بممول لفممارغ فممي إننمما لممن نقممدم إل دليل ً واح م ً
"الشتراكي – المديموقراطي" )الروسمية(" :إن البرلمانيمة نظمام حكمومي يموهم الشمعب بمأنه يسمير
بنفسه شؤون البلد ،مع أن السلطة كلها في الواقع متمركممزة فممي أيممدي البرجوازيممة ،ل البورجوازيممة
كلها ،بل بعض الفئات الجتماعية المرتبطة بهذه الطبقة .إن البورجوازية ،في مرحلة هيمنتها ،ل تفهم
أو ل تحس بالحاجة إلى منح الشمعب هممذا الموهم .ولهمذا فممإن جميممع بلممدان أوروبما بالبرلمانيممة بمدأت
بالنتخاب المقيد .ففي كل مكان كان حق توجيه مصائر البلد السياسممية عممن طريممق انتخمماب النممواب
فا في البداية على الملك المتفاوتي الغنى ،ولم يمتد إل فيما بعد إلى سمائر المممواطنين المذين لمم وق ً
قا للجميع ولكل مواطن في بعض البلدان. يواتهم الحظ في الثروة ،إلى أن أصبح امتياز البعض ح ً
"في المجتمع البورجوازي ،كلما كانت الثروة الجتماعية أكممبر ،كممان عممدد مممن يمتلكونهمما أقممل.
وكذلك هو شأن السلطة :فكلما تعاظمت جماهير المواطنين المتمتعة بالحقوق السياسية وازداد عدد
ممما
الحكام المنتخبين ،تركزت السلطة الفعلية وأصبحت احتكاًرا لزمرة شخصمميات يتضمماءل عممددها يو ً
بعد يوم" .هذا هو سر نظام الغالبيات.
28
إن لفارغ يرى أن البرلمانية ستبقى ما بقيت هيمنة البورجوازية .كتب يقول" :في اليمموم الممذي
ستستولي فيه بروليتاريا أوروبا وأميركا على الدولة ،فإن عليها أن تنظم سلطة ثورية وتدير المجتمممع
إدارة ديكتاتورية ما لم تتلش البورجوازية باعتبارها طبقة اجتماعية".
لقد كان كاوتسكي في الماضي يعمرف همذا التقمدير الشمتراكي لقيممة البرلمانيمة ،ولقمد ردده
بنفسه عدة مرات ،وإن خانه هذا الوضموح الفرنسمي الظريمف .إن جحمود كاوتسمكي النظمري يكممن
على وجه التحديد في تخليه عن الديالكتيكية المادية ليعممود إلممى الحممق الطممبيعي معترفًمما بممأن المبممدأ
الديموقراطي مبدأ مطلق غير منظور .إن ما كانت الماركسية تعتبره آلية مؤقتة للبورجوازية ،وما لم
يكن يمكن استخدامه في السياسة إل مؤقًتا ،بغاية إعداد الثممورة البروليتاريممة ،يصمموره لنمما كاوتسممكي
على أنه مبدأ أزلي يقف فوق الطبقات وترتبط بممه بل مممراء طممرائق النضممال البروليتمماري .إن تفسممخ
البرلمانية المناوئ للثورة قد وجد أكمل تعبير له فممي تممأليه الديمقراطيممة مممن قبممل نظريممي انحطمماط
الممية الثانية.
29
الجمعية التأسيسية
إن الحصول على غالبية ديموقراطية في برلمممان بورجمموازي ليممس مسممتحيل ً اسممتحالة مطلقممة
بصورة مطلقة .لكن هذه الواقعة حتى لو تحققت ،فإنها لن تغير شيًئا ،مبممدئًيا ،مممن مجممرى الحممداث.
إن المثقفين المنتمين إلى الطبقات المتوسطة ،المتأثرين بانتصار البروليتاريمما البرلممماني ** مقاومممة
أضعف تجاه النظام الجديد .لكن المقاومممة الساسممية للبورجوازيممة سممتحددها وقممائع معينممة كالوقممائع
التالية :حالة الجيش المعنوية ،درجة تسلح العمممال ،الوضممع فممي البلممدان المجمماورة .وسممتتبع الحممرب
الهلية مجراها تحت تأثير هذه العوامل الواقعية ل تحت تأثير الحساب البرلماني الهش.
إن حزبنا لم يكن يرفض أن يقود البروليتاريا إلى الديكتاتورية مروًرا بالديمقراطيممة .ولقممد كممان
يممدرك إدراك ًمما دقي ً
قمما المزايمما الممتي يقممدمها إلممى الدعايممة وإلممى العمممل السياسممي مثممل هممذا النتقممال
"المشروع" إلى النظام الجديد .ومن هنا كانت محاولتنا لدعوة الجمعية التأسيسية .لكنها فشلت .لقد
وجد الفلح الروسي نفسه ،هذا الفلح الذي أيقظته الثورة للحياة السياسية ،تجاه دزينة من الحممزاب
كان هدف كل منها أن يبلبل أفكاره .ولقد اعترضت الجمعية التأسيسية طريق الثورة فكنسناها.
إن الغالبية "التوفيقية" في الجمعية التأسيسمية لمم تكممن تعكممس إل النقممص فمي فكمر وأصممالة
الفئات الوسمطية فمي الممدن والريماف والعناصمر البروليتاريمة المتخلفمة .وإذا مما نظرنما ممن زاويمة
ممما لممو أن
المكانيات التاريخية الموضوعية ،فإننا نستطيع أن نقول أن الزمممة كممانت سممتكون أقممل إيل ً
الجمعية التأسيسممية قممد أسممقطت نهائي ًمما ،خلل سممنتين مممن العمممل ،حظمموة الشممتراكيين – الثمموريين
والمنشفيك لتحالفهم مع الكاديت ،فتكون بذلك قد حققت انعطافًمما شممكلًيا لصممالح البولشممفيك مثبتممة
للجممماهير أنممه ليممس هنمماك فممي الواقممع إل قوتممان البروليتاريمما الثوريممة الممتي يقودهمما الشمميوعيون،
والديمقراطية المناوئة للثورة التي يقممف علمى رأسممها الجنمرالت والميممرالت .لكمن عقممدة المسمألة
دا آنذاك عن التطممور بممالتوازي مممع الموقممف الممدولي ،ولممو أن ليست ههنا :فالموقف الداخلي كان بعي ً
حزبنا وضع ثقته ،فيما يخص كل المسؤوليات في التربية الموضوعية "لمجرى المور" ،فقد كممان مممن
الممكن أن توجهنا الحداث العسكرية وحدها .لقد كان بمقدور المبريالية اللمانيممة أن تسمتولي علممى
بتروغراد التي كانت حكومة كرينسكي قد بدأت بإخلئها .وخسممارة بطرسممبورغ كممانت سممتكون قاتلممة
بالنسبة إلى البروليتاريا الروسية التي كانت خير قواتها آنذاك هي قوات أسطول البلطيممق والعاصمممة
الحمراء.
ل يمكن إذن أن يلم حزبنا على أنه أراد أن يعاكس تيار التاريخ ،بل على أنه قفز بضممع درجممات
من التطور السياسي لقد تخطى الشتراكيين – الثوريين والمنشفيك كي ل يسمح للعسكرية اللمانية
بأن تتخطى البروليتاريا الروسية وبأن تعقد معاهدة صلح مع "التفاهم" علممى حسمماب الثممورة قبممل أن
يتاح الوقت لها لبسط أجنحتها.
وليس من الصعب البتة أن نستخلص مما سبق الجواب على السؤالين اللذين يطرحهممما علينمما
كاوتسكي بصورة خادعممة .وأولهممما :لممماذا دعينمما الجمعيممة التأسيسممية ممما دمنمما نسممتهدف ديكتاتوريممة
البروليتاريا؟ وثانيهما :إذا كانت الجمعية التأسيسية الولى التي اعتقدنا أن من واجبنمما أن نممدعوها قممد
انكشفت رجعيتها ولم تتجاوب مع مصالح الثورة ،فلماذا نرفض أن ندعو جمعية تأسيسية جديممدة؟ إن
القصد الخفي لكاوتسكي هو إدانتنا بأننا رفضنا الديمقراطية ،ل لسباب مبدئية ،بل لنها كممانت ضممدنا.
فلنستعرض إذن الوقائع حتى نستطيع أن نلتقط هذه الحماقة المغرضة من أذنيها.
كان شعار "كل السلطة للسوفييتات!" شعار حزبنا منذ بداية الثورة ،أي قبل مممدة طويلممة مممن
حل الجمعية التأسيسية ،بل قبل مدة طويلة من صدور مرسوم دعوتها .صحيح أننمما لممم نكممن نعممارض
السوفييتات بالجمعية التأسيسية القادمة المتي كمانت حكوممة كيرينسمكي تقلمل ممن احتممال دعوتهما
وتؤخرهمما باسممتمرار .لكننمما بالتأكيممد لممم نكممن ننظممر إلممى الجمعيممة التأسيسممية القادمممة علممى طريقممة
الديموقراطيين البورجوازيين الصغار الذين كانوا يرون فيها سيد البلد الروسممية المؤهممل لتقريممر كممل
شيء .لقد كنا ُنفهم الجماهير أمن منظماتها الثورية الخاصة – السوفييتات – هي التي تستطيع ويجب
قا فهممذا
ضا قاطًعا الجمعية التأسيسية مسممب ً
أن تكون سيدة الموقف بكل أصالة .وإذا كنا لم نرفض رف ً
30
فقط لنها لم تكن تبدو معارضة لسلطة السوفييتات ،بل معارضة لسلطة كيرينسممكي الممذي لممم يكممن
فا أنه إذا ما كانت الغالبية فممي الجمعيممة
هو نفسه إل رجل القش في يد البورجوازية .كنا قد قررنا سل ً
التأسيسية إلى جانبنا ،فإنها ستحل نفسها بنفسها بنقل سلطاتها إلى السوفييتات كما فعلت فيما بعممد
ما بتروغراد البلدية التي انتخبت على أوسع أسس النتخاب الديموقراطي .ولقد حاولت ،في كتابي دو ً
فمما لعصممر
سمما متخل ً
ً انعكا التأسيسية الجمعية من جعلت التي السباب أبين أن أوكتوبر"، "ثورة الصغير
تجمماوزته الثممورة .ولممما كنمما ل نممرى تنظيممم السمملطة الثوريممة إل فممي السمموفييتات ولممما كممانت هممذه
السوفييتات تقبض على زمام السلطة الفعلية لحظة دعوة الجمعية التأسيسية ،فقممد كممانت المسممألة
محلولة في نظرنا عن طريق الحل الجباري للجمعية التأسيسية التي لم تكممن مسممتعدة لحممل نفسممها
بنفسها لصالح سلطة السوفييتات.
لننا ل نشعر بالحاجة إلى ذلك .وإذا كانت الجمعيممة التأسيسممية الولممى تسممتطيع أن تلعممب فممي
حينه دوًرا تقدمًيا مؤقًتا وذلك بإضفائها صفة شممرعية ،فممي نظممر البورجوازيممة الصممغيرة ،علممى سملطة
السوفييتات التي كانت في المرحلة الولى من تأسيسممها ،فممإن السمملطة السمموفياتية لممم تعممد بحاجممة
الن ،وبعممد سممنتين مممن ديكتاتوريممة البروليتاريمما المظفممرة ،وبعممد الخفمماق التممام لكممل المشمماريع
"الديمقراطية" في سيبيريا وعلى شطآن البحر البيممض وفممي أوكرانيمما والقوقمماز ،أقممول أن السمملطة
السوفياتية لم تعد بحاجة إلى أن تنال تصديق سلطة الجمعية التأسيسية المشممبوهة .لكممن كاوتسممكي
يتسمماءل بلهجممة لويممد جممورج :ألسممنا علممى حممق ،ممما دام المممر كممذلك ،فممي أن نسممتنتج أن حكومممة
السوفييتات تقوم على إرادة القلية باعتبار أنها تستبعد رقابة الستشارة الشعبية؟
إذا كان النظام البرلماني ل يعبر إل بصورة مجملة ،حتى في عصر تطوره "الهممادئ" الموثمموق،
عن الحالة المعنوية للبلد ،وإذا كان فقد نهائًيا في عصر العواصف الثورية القدرة على متابعممة نضممال
وتطور الوعي السياسي ،فإن نظام السوفييتات يشكل اتصال ً أوثق وأصدق وأكثر عضمموية إلممى ممما ل
نهاية بغالبية الشغيلة .وأهم دللة له ليست التعبير بصورة سكونية عن الغالبية ،بل أن يصيغها بصممورة
ديناميكية .ولقد دللت الطبقة العاملة الروسية ،بدخولها في طريق الديكتاتورية الثوريممة ،علممى أنهمما ل
تبني سياستها ،فممي مرحلممة النتقممال ،علممى فممن منافسممة الحممزاب المتقلبممة كيممما تنممتزع منهمما بعممض
الصوات الفلحية ،بل على مبادهة الجماهير الفلحية العاملة باتفاق تممام مممع البروليتاريمما وإدارة البلد
فممي إطممار المصممالح الحقيقيممة للشممغيلة .إن هممذه لديموقراطيممة عميقممة الختلف عممن الديمقراطيممة
البرلمانية.
والن إذ تقمموم المهمممة الساسممية للثممورة – وهممذه مسممألة حيمماة أو ممموت – علممى صممد هجمموم
العصابات البيضاء ،هل يفكر كاوتسكي بأن "غالبية برلمانية" ما قادرة علممى تممأمين تنظيممم أشممد قمموة
صا وظفًرا للدفاع الثوري؟ إن شروط النضال تطممرح نفسممها بوضمموح كممبير فممي البلد المطوقممة وإخل ً
بالحصار السافل ،حتى أن الطبقات الوسطية والزمر الجتماعية ليس لهما مممن خيممار إل بيمن دينيكيممن
وحكومة السوفييتات .وهل ثمة حاجة إلى براهيممن جديممدة بعممد أن رأينمما أحممزاب الوسممط ،المنشممفيك
والشتراكيين – الثوريين ،تنقسم على نفسها على هذا النحو؟
دا للجمعية ،أن تقف الحرب الهلية أثناء الفممترة هل يتوقع كاوتسكي ،باقتراحه علينا انتخاًبا جدي ً
النتخابية؟ وإذا كان ينوي أن يدفع بالممية الثانية إلى مثل هذا التجاه ،فلنسرع لنعلمممه أن مثممل هممذا
التجاه لم يعد له من حظوة ل في نظرنا ول في نظر دينيكين .وإذا ما استمرت الحرب بين عصممابات
المبريالية وبين جيش العمممال والفلحيممن ،وإذا ممما تمموجب علممى النتخابممات أن تقتصممر علممى أراضممي
السوفييتات ،فهل سيطلب كاوتسكي أن نترك للحزاب التي تؤيد دينيكين حممق الدعايممة الحممرة؟ إنهمما
لثرثرة بائسة فارغة :فما من حكومة قط تستطيع أن تسمح في أي ظرف كممان بتعممبئة قمموى العممداء
التي تحاربها من خلف صفوف جيوشها.
31
إن وجمود زهمرة سمكاننا الشمغيلة فمي الجبهمة فمي همذا الموقت ل يحتمل أي مكمان فمي طمرح
كاوتسكي للمسألة .إن البروليتاريين المتقدمين والفلحين الواعين الذين يقفون ،في جميع النتخابات
وفي جميع العمال السياسية الجماهيرية في الصف الول ويوجهون رأي الشممغيلة العممام ،موجممودون
الن جميًعا في الجبهات ،في الجيش الحمر ،حيث يحممارب المفوضممون والضممباط والجنممود ويموتممون.
وإذا كانت حكومات الدول الديمقراطية البورجوازية ،التي يقوم نظامها على البرلمانية ،قممد رأت أنهمما
ل تستطيع أن تجري النتخابات طوال مدة الحرب ،فإنه لمن السخف البالغ بالمقابل أن يطلممب مثممل
هذا الشيء من روسيا السوفييتات التي ليس فيها من مكممان للبرلمانيممة .ويكفينمما أن حكومممة روسمميا
الثورية لم تعرقممل ،حممتى فممي أخطممر السمماعات ،تجديممد سمموفييتاتها المحليممة والمركزيممة عممن طريممق
النتخابات.
وسممنقول أخيمًرا ،وكنتيجممة نهائيممة ،لننيممر عقممل كاوتسممكي ،إن الكاوتسممكيين الممروس أنفسممهم،
منشفيك مارتوف ودان ،ل يعتقدون أن من الممكن الن طلممب دعمموة الجمعيممة التأسيسممية ويممرجئون
هذا المشروع الجميل إلى أيام أفضل .لكن هل سنحتاج إليه آنذاك؟ من المسمموح لنما أن نشمك فمي
ذلك .فعندما ستنتهي الحرب الهلية ،فإن الطبقة العاملممة سممتثبت قوتهمما الخلقممة وسممتبين للجممماهير
فا كل ما يمكن أن تقدمه لها .إن جميع السكان سينخرطون فممي عجلممة النظممام القتصممادي الكثر تخل ً
والدارة الذاتية السوفياتية ،عن طريمق التطممبيق العقلنممي للعمممل اللزامممي وتنظيممم مركمزي لتوزيممع
المنتجات .إن السوفييتات نفسها ،التي هي اليوم أجهزة السلطة ،سممتتحول إلممى منظمممات اقتصممادية
خالصة .وفي مثممل هممذه الشممروط نشممك فممي أن فكممرة تتويممج البنايممة الواقعيممة للمجتمممع الشممتراكي
بواسطة جمعية تأسيسية ) (2بالية وأثرية ،ستخطر لي كان ،وبخاصة أن هذه الجمعية لممن تسممتطيع إل
أن تصدق على "تكوين" مختلف المؤسسات التي كانت البلد بحاجة إليها قبلها وبدونها.
()2كيما يغرينا كاوتسكي بالجمعية التأسيسية ،فإنه يدعم براهينه القائمة على المر المطلق باعتبارات
مأخوذة من الرسم البياني للقطع النادر .يقول" :إن روسيا بحاجة لمساعدة الرأسمال الجنبي .والحال أن
روسيا السوفييتات ستحرم من هذه المساعدة إذا لم تدع الجمعية التأسيسية ولم تمنح حرية الصحافة ،ل
لن الرأسماليين مؤمنون بالمثالية الديمقراطية – إنهم لم يترددوا في إقراض القيصرية عدًدا ل بأس به من
المليارات – بل لنهم ل يثقون ،في مجال العمال ،بنظام السوفييتات" )ص .(144
ثمة ذرة من الحقيقة في هذا الخلط .فالبورصة قد دعمت بالفعل حكومة كوتشاك .لكنها دعمتها
ضا عندما شتتت الجمعية التأسيسية .لقد عززت البورصة قناعتها ،عن طريق تجربة كولتشاك، بقوة أكبر أي ً
بأن آلية الديمقراطية البورجوازية يمكن أن تستخدم لخدمة قضية الرأسمالية ثم تطرح فيما بعد كثوب
رث .ومن المحتمل كثيًرا أن تقبل البورصة بمد الجمعية التأسيسية بقروش جديدة مقابل رهون معينة بأمل
ما التجربة السابقة – أن ترى الجمعية التأسيسية توطد من جديد الديكتاتورية الرأسمالية.
– أمل تبرره تما ً
إننا ل نفكر بأن ندفع مثل هذا الثمن من أجل "ثقة أرباب العمال" في البورصة ،ونفضل عليه ألف مرة
الثقة التي توحي بها إلى البورصة أسلحة الجيش الحمر.
32
حول الرهاب
يئن كاوتسكي:
"تؤدي الثورة إلى إرهاب دموي تستخدمه حكومات اشتراكية .ولقد كان البلشممفة فممي روسمميا
أول من سار في هذا الطريق .وهذا ما صب عليهم بأقسى صورة استنكار جميع الشتراكيين الذين ل
يقبلون بوجهة النظر البولشفية والذين تقف إلى جمانبهم الغالبيمة اللمانيمة .لكمن همؤلء الخيريمن مما
كادوا يشعرون بأن هيمنتهم مهددة حتى لجؤوا بدورهم بدون تردد إلممى طممرائق الرهمماب الممتي أدانمموا
استعمالها في الشرق".
ويخيل إلينا أنه كان من الواجب الستنتاج من هذه المقدمات أن الرهاب أعمق ارتباط ًمما بكممثير
بطبيعة الثورة مما يفكر بعض الحكماء .أما كاوتسكي فإنه يستخلص نتيجة معاكسمة كلًيما .إن التطمور
المممدهش لرهمماب الممبيض والحمممر فممي مختلممف الثممورات الخيممرة – الروسممية والفنلنديممة واللمانيممة
والنمساوية والمجرية – لهو في نظره دليل على أن هذه الثورات انحرفت عممن طريقهمما القممويم ولممم
تتجل كما كان يجب أن تتجلى حسب أحلمه النظرية .وبممدون أن نتممأخر فممي نقمماش "تلزم" الرهمماب
ضا "في ذاتها" ،فلنقف عنممد مثممال بعممض الثممورات المنظور إليه "في ذاته" مع الثورة المفهومة هي أي ً
كما يظهرها لنا تاريخ النسانية الحي.
إننا سنذكر أول ً بعهد الصلح الذي رسم خط شبه فاصل بين العصر الوسيط والتاريخ الحديث:
عا وتممزداد
فكلما كان الصلح يعانق المزيد من المصالح العميقة للجماهير الشعبية ،كممان يممزداد اتسمما ً
ضمما قسمموة الرهمماب مممن كل ضراوة الحرب الهلية التي كانت تدور تحممت الرايممات الدينيممة ،وتممزداد أي ً
الجانبين.
لقد قامت إنكلترا في القرن السابع عشر بثورتين :الولممى الممتي أشممعلت انفجممارات اجتماعيممة
عنيفة وحروًبا طويلة وأدت إلى إعدام شارل الول ،والثانية التي انتهممت نهايممة سممعيدة بصممعود أسممرة
مالكة جديدة إلى العممرش .إن البورجوازيممة النكليزيممة ومؤرخيهمما ينظممرون إلممى همماتين الثممورتين مممن
زاويتين مختلفتين :فالولى في نظرهم مذبحة مقرفة و"عصيان" عظيم ،أما الثانية فقد لقيممت باسممم
"الثورة المجيدة" .ولقد بين المؤرخ الفرنسي أوغستان تييري أسباب هذا الختلف في التقدير .ففي
الثورة النكليزية الولى ،في "العصيان الكبير" ،كممان الشممعب يعمممل ،أممما فممي الثانيممة فقممد "صمممت"
تقريًبا .ومن هنا ينتج أنه من الصعب للغاية ،في نظام قائم على العبودية الطبقية ،أن تتعلم الجممماهير
المضطهدة الطرائق المهذبة .فهي إذا ما استشاط غضبها قاتلت بالدبابيس والحجارة ،بالنار والحبممل.
فهي إذا ما استشاط غضبها قاتلت بالدبابيس والحجارة ،بالنار والحبل .ولقد أحممس أحيان ًمما المؤرخممون
الذين نذروا أنفسهم لخدممة الملموك والمسمتغلين بالهانممة بسمبب ذلممك .لكمن لنلحممظ أن "العصميان
الكبير" ل "الثورة المجيدة" هو الذي يحتممل مكمانه فممي تاريممخ إنكلمترا الحديثمة )البورجوازيمة( كحمدث
حاسم.
دا بسبب
وأهم حدث في التاريخ الحديث بعد ** الحدث الذي خلف وراءه الحدثين السابقين بعي ً
أهميته ،كان الثورة الفرنسية الكبرى.
لقد ولدت الثورة الكلسيكية الرهاب الكلسيكي .وكاوتسمكي مسمتعد ليعمذر إرهماب اليعاقبمة،
معترًفا بأن أي تدبير آخر ما كان ليسمح لهم بإنقاذ الجمهورية .لكن ل يدري أحد ما الفممائدة مممن هممذا
التبرير المتأخر .لقد كان اليعاقبمة يجسمدون الشمر فمي نظمر كاوتسمكيي نهايمة القمرن الثمامن عشمر
)زعماء حزب الجيرونديين الفرنسي( .وإليكم هذه المقارنة المبتذلة التي فيها من الدللة ما فيها بيممن
الجيرونديين الفرنسيين "كممان كل الطرفيممن يريممد الجمهوريممة ."...لكممن الجيرونممديين "كممانوا يريممدون
جمهورية شرعية ،حرة ،كريمة .أما الجبليون فكانوا يريدون )!( جمهوريممة اسممتبدادية رهيبممة .كممان كل
قمما بكلمممة الشممعب مجممموع الطرفين يعلن أنه مع سيادة الشممعب .لكممن الجيرونممديين كممانوا يعنممون ح ً
السكان ،في حين أن الشعب بالنسبة إلى الجبليين لم يكممن إل الطبقممة الكادحممة .ومنممذ ذاك أصممبحت
33
السلطة بيد الشخاص الخيرين" .إن التناقض بين فرسان الجمعيممة التأسيسممية والمنفممذين الممدمويين
للديكتاتورية والبروليتارية تدل عليه ههنا بما فيه الكفاية تعابير العصر السياسية.
إن ديكتاتورية اليعاقبة الحديدية قد أملها موقف فرنسا الثورية البالغ الحرج وإليكممم ممما يقمموله
مؤرخ بورجوازي" :كانت الجيوش الجنبية قد دخلممت الراضممي الفرنسممية مممن أربعممة جمموانب فممي آن
واحممد .فممي الشمممال النكليممز والنمسمماويون فممي اللممزاس ،البروسمميون .فممي دوفينممي وحممتى ليممون،
دا
البيمونتيون .وفي روسيون ،السبانيون .وهذا في الوقت الذي كانت فيه الحرب الهلية تعبممث فسمما ً
ضمما العممداء
في أربع نقمماط مختلفممة :فممي نورمانممدي وفانممدي وليممون وطولممون .وينبغممي أن نضمميف أي ً
الداخليين ،المدافعين المتسترين عن النظام القديم ،المستعدين لمساعدة العدو بكل الوسائل".
طا بظممروف ل تقممل ونحن سنقول أن تشديد الديكتاتورية البروليتارية فممي روسمميا كممان مشممرو ً
جا .جبهة متصمملة مممن الشمممال إلممى الجنمموب ،ومممن الشممرق إلممى الغممرب .وعلوة علممى جيمموش إحرا ً
كولتشاك ودينيكين المناوئة للثورة ،كانت روسيا السوفياتية تهاجم بالتواقت أو التتابع من قبل اللمان
والنمسممماويين والتشيكوسممملوفاكيين والروممممانيين والفرنسممميين والنكليمممز والميركمممان واليابمممانيين
والفنلنديين والستونيين والليتوانيين .أما في داخل البلد ،المحاصرة من جميع الطممراف والمحتضممرة
عا ،فكانت ل تنقطع المؤامرات والتمرد والعمال الرهابيممة وتممدمير المسممتودعات وسممكك الحديممد جو ً
والجسور" .كانت الحكومة التي أخذت علممى عاتقهمما أن تحممارب العممدو الممذي ل يحصممى لممه عممدد فممي
شا كافًيا ،وبكلمة واحممدة ل شمميء ،باسممتثناء طاقممة ل حممد لهمما،الخارج والداخل ،ل تملك ل مال ً ول جي ً
وتأييد حار من قبل العناصر الثورية في البلد وجرأة اللجوء إلى جميع التدابير من أجل سلمة الوطن
مهما كانت قاسية تعسفية غير شرعية" .بهذه العبارات كممان بليخممانوف يصممف فممي الماضممي حكومممة
اليعاقبة )الشتراكي – الديموقراطي لمحة سياسية وأدبية عن فترة ثلثة أشهر .شباط ،الجممزء الول.
لندن .1890مقال عن "الذكرى المئوية للثورة الكبرى" ص 6و .(7
لكن لنلتفت إلى الثورة التي حدثت في النصف الثاني من القرن التاسممع عشممر ،فممي الوليممات
المتحدة ،بلد "الديمقراطية" .فبالرغم من أنها لم تكن تهدف إلى إلغاء الملكية الخاصة ،بل إلى إلغمماء
تجارة الزنوج ،إل أن مؤسسات الديمقراطية عجزت مع ذلك عن حل النزاع بالطريق السلمي .كممانت
وليات الجنوب ،التي هزمت في انتخابات 1860الرئاسممية ،قممد قممررت أن تسممتعيد ،بممأن ثمممن كممان،
النفوذ الذي مارسته حتى ذلك الحين بفضل البقاء على عبودية الزنوج ،وبينما كانت تلقي ،كما جممرت
العادة ،خطابات بليغة عن الحرية والستقلل ،سارت في الطريق الممذي أدى إلمى تمممرد ملك العبيممد.
ما جميع نتائج الحرب الهلية اللحقة .ومنذ بداية النزاع اعتقلت حكومة وكان ل بد أن تنتج عن ذلك حت ً
دا مممن أنصممار الممرق رغممم القمانون الممذي يمنممع اعتقممال
بالتيمور العسكرية في حصن ماك – هنري عد ً
المواطنين بدون قرار من الحكمة .وقد كانت شرعية أو ل شرعية هذه العمال مثار نقاش حمماد بيممن
أعيان المنطقة .وقد صرح القاضي الول تيني أن رئيممس الجمهوريممة ل يملممك ل حممق تعليممق القممانون
السابق الذكر ،ول حق منح المسؤولين العسكريين مثل هذه السلطات .وقد قال أحممد أوائل مممؤرخي
الحرب الميركية" :كان هذا هو ،حسب كل احتمال ،الحل الطبيعي للمسألة .لكن الموقممف كممان بممالغ
الحرج ،وضرورة اتخاذ تدابير جذرية تجاه سكان بممالتيمور ملحممة للغايممة إلممى حممد أن شممعب وحكومممة
الوليات المتحدة كانا يطالبان بأحزم التممدابير"") .تاريممخ الحممرب الميركيممة" ،بقلممم فليتشممر ،ملزم –
كولونيل في رماة الحرس اليرلنديين ،مترجم إلى النكليزية ،سان – بترسبورغ ،1867 ،ص .(95
والبضائع القليلة الممتي كمان الجنمموب الثمموري بحاجممة إليهمما كممانت تممأتيه سمًرا عممن طريممق تجممار
الشمال .وفي مثل هذه الشروط لممم يعممد أمممام سممكان الشمممال إل اللجمموء إلممى القمممع .وفممي 6آب
1861صدق رئيس البلد على مشروع قانون مقدم من قبل الكممونغرس بمصممادرة الملكيممة الخاصممة
المستخدمة لغراض العصيان .وكان الشعب ،ممثل ً بالعناصر الكثر ديموقراطيممة ،يميممل إلممى التممدابير
القصوى .وكان للحزب الجمهوري في الشمال غالبية كاسحة وكان كل من يشتبه فممي أنممه انفصممالي،
أي محبذ لوليات الجنوب المنشقة ،يتعرض للعنف .وفي عدد ممن ممدن الشممال وحمتى فمي وليمات
إنكلترا الجديدة التي كانت تتباهى باستتباب النظام فيها ،قام السكان في عدة مناسبات بنهب مراكممز
الصحف التي كانت تؤيد أنصار الرق وحطموا مطابعها .ولم يكن من النادر أن يرى النسان الناشرين
الثوريين مطليين بالقطران ،ممرغين في الريش ،ومعروضين في الشوارع بهذا الزي إلممى أن يقبلمموا
بحلف اليمان على الخلص للتحاد .وكممانت شخصممية المممزارع المطلممي بممالقطر أن تفقممد كممل صمملة
بم"الشيء في ذاته" ،وهكذا تعرض المر المطلق الذي قال به كانت إلى أكثر من فشل أثنمماء الحممرب
34
الميركية الهلية لكن ليس هذا كل شيء .يروي لنا المؤرخ نفسه" :ولجأت الحكومة مممن جانبهمما إلممى
تدابير قمع متنوعة ضد المنشورات التي ل تتبنى وجهة نظرها .ووجدت الصحافة الميركية التي كانت
تتمتع بأكبر حرية ممكنة ،وجدت نفسها بسرعة في وضمع مؤسممف ل يفمترق بشمميء عمن الوضمع فمي
أوروبا في عهد الحكم الملكي المطلق .ولقد عانت حريممة الكلم مممن المصممير نفسممه .وهكممذا – يتممابع
ممما فممي المموقت نفسممه مممن معظممم الملزم – الكولونيل فليتشر – وجد الشعب الميركي نفسه محرو ً
فا بلهجة الخلقي – أن غالبية السممكان كممانت مممأخوذة بممالحرب حرياته .ومن المفيد أن نلحظ – مضي ً
ومستعدة للقبول بجميع التضحيات من أجل الوصول إلى هدفها حتى أنه كان يبدو عليها أنها لم تتممبين
أنها خسرت حرياتها ولم تأسف عليها قط" )"تاريخ الحرب الميركية" – ص .(164 – 162
ولقد كان رد فعل دممويي الجنمموب أنصمار المرق وأتبماعهم الرعماع أشمد وأعنممف بكمثير .يمروي
الكونت دي باري" :في كل مكان كانت تتكون فيه غالبية تؤيد ملك العبيممد ،كممان الممرأي العممام يصممبح
دا إلى درجة رهيبة إزاء القلية .وكان جميع الذين يأسفون علممى العلممم القممومي مرغميممن علممى مستب ً
التزام الصمت .لكن تبين أن هذا ل يكفي .وكما يحدث في الثورات كافة ،فقد أرغمم اللمبمالون علمى
إظهار تعلقهم بالقضية الجديدة .ومن كان يرفض منهم كان يصبح عرضة لكراهيمة الرعمماع وعنفهمم...
وفي كل مراكز الحضارة الوليدة )وليات الجنوب الغربي( تشكلت لجان رقابة مؤلفة من جميع الذين
عرفوا بتطرفهم في المعركمة النتخابيممة ...وكمان الملهمى المكمان الطمبيعي للجتمماع وكمانت حفلت
الدعارة تختلط بخطابات بائسة لتمجيد العدالة .وكان بعض المهووسين يجلسون حممول مممائدة يسمميل
منها الوسكي ،ويحاكمون مواطنيهم الحاضرين والغائبين .وكان المتهم يشاهد تهيئة الحبممل المشممؤوم
حتى قبل أن توجه إليه السئلة .ومن ل يحضر أممام المحكمممة كممان يعلمم بممالحكم عليمه وهمو يسمقط
صريًعا تحت رصاص الجلد القابع بين أشجار الغابة "...أن هذه الصورة تممذكر بالمشمماهد الممتي تحممدث
يومًيا في المناطق الممتي يعمممل فيهمما دينيكيممن وكولتشمماك ويممودينيتش وسمائر أبطممال "الديمقراطيممة"
الفرنسية – النكليزية والميركية.
كيف كانت تطرح مسألة الرهاب في ظل كوميونة باريس؟ هممذا ممما سممنراه فيممما بعممد .ومهممما
يكن من أمر ،فإن الجهود التي يبذلها كاوتسكي ليعارضنا بالكوميونة ل تستند إلى أساس مممن الصممحة
وترغمه على الوقوع في لفظية حقيرة.
ما" وإرهاب الحرب الهلية ،لكن كاوتسممكي، ينبغي على ما يبدو أن نعتبر اعتقال الرهائن ،متلز ً
خصم الرهاب واعتقال الرهمائن ،مؤيمد لكوميونمة بماريس ممع ذلمك )صمحيح أنهما شمهدت النمور قبمل
ما( .بيد أن الكوميونة لم تتردد في أخذ الرهائن .ومن هنا كان بعممض الحممرج لممدى مؤلفنمما.
خمسين عا ً
لكن ما الفائدة من مهارة اللغو والمحاججة أن لم تستخدم في مثل هذه الظروف؟
إن مراسيم الكوميونة عن الرهائن وتنفيذ حكم العدام فيها ،جواًبا على فظمائع إتبماع فرسماي،
قد أملتها – حسب تفسير كاوتسكي العميق .الرغبة في الحفاظ على الحيوات النسانية ل الرغبة في
القتل .يا له من اكتشاف مدهش! لكن ل يبقى علينمما إل أن نوسممعه .إننمما نسممتطيع ويتمموجب علينمما أن
نفهم العالم أننا في أيام الحرب الهلية كنا نبيد الحرس البيض حتى ل يبيد الشغيلة .ومممن هنمما ليممس
هدفنا حذف الحيوات النسانية بل الحفمماظ عليهمما .وإذا ممما تمموجب علينمما ،للحفمماظ عليهمما ،أن نحممارب
والسلح في أيدينا ،وإذا ما أدى بنا هذا إلى عمليات إبادة ،فإن لفي هذا لغًزا ،اسممتطاع العجمموز هيغممل
أن يكتشف سره الديالكتيكي ،هذا إذا لم نشأ أن نتحدث عن الحكماء المنتمين إلى مدارس أقدم.
إن الكوميونة ما كانت لتستطيع أن تقف على قدميها وتوطد نفسها إذا لم تشن حرًبا ل همموادة
فيها ضد إتباع فرساي .ولقد كان لهؤلء عدد ل بممأس بممه مممن العملء فممي بمماريس .وممما كممان بمقممدور
الكوميونة ،وهي تحارب عصابات تيير ،إل أن تبيد أتباع فرساي سممواء أفممي الجبهممة أم فممي المممؤخرة.
ولممو تخطممت سمملطتها حممدود بمماريس ،لصممطدمت – مممع تطممور الحممرب الهليممة مممع جيممش الجمعيممة
التأسيسية – بأعداء أشد خطًرا في صفوف السكان بالذات .لم يكن إذن باسمتطاعة الكوميونمة وهمي
تقف في وجه الملكيين أن تمنح حرية الكلم لعملئهم في المؤخرة.
إن كاوتسكي ،رغم الحداث الكبيرة الراهنة ،ل يكون لنفسه أي فكرة عن الحرب بشممكل عممام
وعن الحرب الهلية بشكل خاص .أنه ل يتوصل إلى أن يفهم أن كل نصير لتيير فممي بمماريس لمم يكممن
35
مجرد "خصم" عقائدي لرجال الكوميونة ،بل عميل ً وجاسو ً
سا لتيير ،عدًوا مميًتا ،يترقب اللحظة الممتي
يستطيع فيها أن يطلق النار على ظهورهم .والحال أن العدو يجب أن يكون فمي وضمع يسممتحيل معممه
أن يؤذي ،وهذا ما ل يتوفر في زمن الحرب إل بحذفه.
وفي الثورة كما في الحرب ينبغي تحطيم إرادة العدو وإرغامه على الستسلم راضًيا بشممروط
المنتصر.
إن الرادة لهي بالتأكيد ذات صفة بسيكولوجية ،لكن الثورة بخلف الحفلة الخطابية أو الجتماع
العام أو المؤتمر ،تسعى وراء أهدافها باللجوء إلى وسائل مادية وإن بأقل من حدود الحرب.
لقد استولت البورجوازية على السلطة بممالتمرد ،ووطممدتها عممن طريممق الحممرب الهليممة .وهممي
تحافظ على السلطة في أيام السلم بمعونة جهاز للقمع شديد التعقيد .وما دام هنمماك مجتمممع طبقممي
قائم على أعمق التناحرات ،فإن استعمال القمع أمر ل مفر منه لخضاع الطرف الخصم.
وحتى لو ولدت ديكتاتورية البروليتاريا في بعض البلدان في حضن الديمقراطيممة ،فممإن الحممرب
الهلية لن تصبح بحكم المستبعدة لهذا السبب .إن مسألة معرفة لمن ستعود السلطة فممي البلد ،أي
معرفة هل ستبقى البورجوازية على قيد الحياة أم ستفنى ،لن تنحل بالعودة إلى مممواد الدسممتور ،بممل
بمماللجوء إلممى مختلممف أشممكال العنممف .ومهممما يفعممل كاوتسممكي لتحليممل غممذاء جلد البشممرية )أنظممر
الصفحات 85والصفحات التالية من كتابه( وسائر الظروف القريبة أو البعيدة الممتي ستسمممح بتحديممد
أسباب القسوة النسانية ،فإنه لن يجد في التاريممخ وسممائل أخممرى لتحطيممم إرادة العممدو غيممر اللجمموء
الحازم إلى القوة.
إن درجة ضراوة المعركة تتعلق بسلسلة كاملة من الشممروط الداخليممة والدوليممة .وكلممما بممدت
مقاومة العدو الطبقي المغلوب ضارية وخطرة .تحول بالضرورة نظام القمع إلى نظام إرهاب.
ونتيجة لهذه الطريقة الموفقة في طممرح المسممألة ،يصممبح العنممف مجممرد نتمماج لفكممر البلشممفة
الممدموي ويقطممع فممي المموقت نفسممه صمملته بتقاليممد النسممان الول آكممل العشممب وبممدروس أخلق
"الكاوتسكية".
إن استيلء السوفييتات على السلطة في مطلع تشرين الثاني ) 1917أسمملوب جديممد( قممد تممم
بخسارة ل تكاد تذكر .لقممد كممانت البورجوازيممة الروسممية تشممعر أنهمما بعيممدة كممل البعممد عممن الجممماهير
الشعبية وعاجزة كل العجز في الداخل ،ومتورطة إلى أبعد الحدود بمجرى الحممرب ونهايتهمما ،وفاقممدة
لكل حظوة لها بسبب نظام كيرنسكي ،إلى حد أنها لم تجازف ،إن صح التعبير ،بالمقاومة .ولقد تمت
الطاحة بسلطة كيرنسكي في بترسبورغ بدون قتال تقريًبا .أما في موسكو فقد اسممتمرت المقاومممة
بسممبب الطممابع المممتردد لعمالنمما بشممكل خمماص .وفممي معظممم مممدن القمماليم ،انتقلممت السمملطة إلممى
السوفييتات بمجرد برقية من بترسبورغ أو موسكو .ولو بقيت المور عند هذا الحد ،لما طرحت البتممة
دا على بدايممة المقاومممة مممن جممانب مسألة الرهاب الحمر .لكن منذ تشرين الثاني ،1917كنت شاه ً
من يملكون .ول شك في أن تدخل حكومات الغرب المبريالية هممو الممذي منممح الثممورة المضممادة تلممك
الثقة بالنفس وأعطى مقاومتها قوة متعاظمممة باسممتمرار :وهممذا ممما نسممتطيع إثبمماته بالوقممائع اليوميممة
الهامة أو الثانوية التي حدثت طوال الثورة السوفياتية.
إن "الركان العامة" لكيرنسكي لم تكن تشعر بأي دعم من جماهير الجنمود .ولقمد كمانت علمى
استعداد للعتراف بدون مقاومة بالسلطة السوفياتية التي كمانت قمد بمدأت المفاوضمات ممع اللممان
36
بهدف عقد الهدنة .لكن سرعان ما جاء احتجاج مممن بعثممات "التفمماهم" العسممكرية مممترافق بتهديممدات
مباشرة .وتملك الذعر قيادة الركان العامة .وتحممت ضممغط الضممباط "الممموالين" ،دخلممت فممي طريممق
حا ومؤدية إلى اغتيال قائد الركان العامة ،الجنرال دوخونين ،على عا مسل ًالمقاومة ،مثيرة بالتالي نزا ً
أيدي جماعة من البحارة الثوريين.
وفي بترسبورغ ،قام العملء الرسميون لم"التفاهم" وبصورة خاصة البعثة العسكرية الفرنسممية
بالتعاون مع الشتراكيين – الثوريين والمنشفيك ،بتنظيم مقاومة مكشوفة منممذ اليمموم الثمماني للثممورة.
وهكذا جندوا وسلحوا ووجهوا ضدنا الضباط التلميممذ )الجنكممر( ) (3والشممبيبة البورجوازيممة .ولقممد كلممف
تمرد الجنكر في 10تشرين الثاني من الخسائر أكممثر بمئة مممرة مممما كلفتمه ثممورة 7تشمرين الثماني.
ولقد أدت مغامرة كيرنسكي – كراسنوف ضد بترسبورغ ،التي كان "التفاهم" وراءها ،إلى إدخال أول
عناصر الضراوة في النزاع .ومع ذلك فقد أطلق سراح الجنرال كراسنوف بناء على كلمة شرف منه.
أما تمرد باروسلف )أثناء صيف (1918الذي كلف الكثير من الضممحايا ،فقممد نظمممه سممافنكوف بممأمر
من سفارة فرنسا وعلى نفقتها .ولقد تم احتلل أرخانجيل حسب خطة العملء العسكريين والبحريين
النكليممز ،وبمسمماعدة المراكممب الحربيممة والطممائرات النكليزيممة .ولقممد جمماء صممعود كولتشمماك ،رجممل
الرأسمال الميركي ،بفضل الكتائب الجنبية التشيكوسلوفاكية على حساب الحكومة الفرنسممية .ولممم
يستطع كاليدين وكراسنوف ،أول زعيمين لثورة الدون المضادة ،واللذان أطلقنا سراحهما ،أن يحصممل
على بعض النجاح الجزئي إل بفضل المعونممة الماليممة والعسممكرية مممن ألمانيمما .وفممي أوكرانيمما ،قلبممت
السلطة السوفياتية في مطلع 1918على يممد العسممكريين اللمممان .وإنممما بفضممل المعونممات الماليممة
والغنية من فرنسا وبريطانيا العظمى تممم إنشمماء جيممش دينيكيممن المنمماوئ للثممورة .ولممم ينظممم جيممش
بممودينيتش إل بأمممل تممدخل إنكلممترا ونتيجممة لمسمماعدتها الماديممة .إن السياسمميين والدبلوماسمميين
والصحافيين في بلدان "التفاهم" يتناقشون بكل صراحة منذ سنتين في مسممألة معرفممة ممما إذا كممانت
الحرب الأهلية في روسيا مربحة إلى حد يدعو إلى تمويلها.
وفي مثل هذه الشروط ،ل بد أن تكون جمجمة المرء قاسية كالصخر حتى يبحث عممن أسممباب
الطابع الدموي للحرب الهلية في روسيا في سوء نية البلشفة ل في الموقف الدولي.
لقد كممانت البروليتاريمما الروسممية أول مممن سممار فممي طريممق الثممورة الجتماعيممة ،ولقممد تجممرأت
البورجوازية الروسية ،العاجزة سياسًيا ،على أل تقبل بتجريممدها مممن امتيازاتهمما سياس مًيا واقتصممادًيا ،ل
لشيء إل لنهما كمانت تمرى فمي كمل مكمان أخواتهما الكمبر سمًنا منهما قابضمات علمى زممام السملطة
ومتمتعات بكل القوة القتصادية والسياسية ،والعسكرية إلى حد ما.
ولو أن ثورتنا في تشرين الثاني حدثت بعممد بضممعة شممهور أو حممتى بضممعة أسممابيع مممن اسممتيلء
البروليتاريا على السلطة في ألمانيا وفرنسا وإنكلترا ،لما كان هناك شك في أن ثورتنا كانت سممتكون
أكثر الثورات سلمية وأقلها دموية في حدود ما هو ممكن على هذه الرض .لكننا لم نخممرج علممى هممذا
الترتيب التاريخي – الطممبيعي للغايممة للوهلممة الولممى والعظيممم الفمموائد بالنسممبة إلممى الطبقممة الثوريممة
الروسية – بغلطتنا بل بغلطة الحداث فبدل ً من أن تكون البروليتاريا الروسية الخيرة ،كممانت الولممى.
وهذا الظرف على وجه التحديد هو الذي أعطى ،بعد مرحلة اللتباس الولممى ،طابعًمما شممديد الضممراوة
قا في روسيا ،وهو الذي أرغممم البروليتاريمما الروسممية ،لحظممة الخطممار لمقاومة الطبقات السائدة ساب ً
الكبيرة والعتداءات من الخارج والمؤامرات والتمرد من الداخل ،علممى اللجمموء إلممى تممدابير الرهمماب
الحكومي القاسية.
أما أن هذه التدابير كانت غير مجدية ،فهذا ما ل يستطيع أن يقوله أحد اليمموم .لكممن ربممما كممان
البعض يريد أن يعتبرها "غير مقبولة".
لقد كانت مهمة وواجب الطبقة العاملة ،التي استولت علممى السمملطة بالقتممال ،أن توطممد هممذه
السلطة بصورة ل تتزعزع معها ،وأن ترسخ دعائم سيطرتها نهائي ًمما ،وأن تقضممي علممى كممل رغبممة فممي
النقلب لدى أعدائها ،وأن تعطي لنفسممها ،مممن هنمما بالممذات ،إمكانيممة تحقيممق الصمملحات الشممتراكية
الكبرى .وإل كان عليها أل تستولى على السلطة .أن الثورة ل تستلزم "منطقًيا" الرهاب ،كمما أنهما ل
()3
37
تستلزم العصيان المسلح .يا لها من فكرة بليغة مبتذلممة! لكممن الثممورة بالمقابممل تتطلممب مممن الطبقممة
الثورية أن تلجأ إلى كل الوسائل لتحقيق غايته .إلى العصيان المسلح إذا اقتضى المر ،وإلى الرهاب
أن كل ذلك ضرورًيا .أن على الطبقة العاملة ،التي اسممتولت علممى السمملطة والسمملح فممي أيممديها ،أن
تحطم بالعنف جميع المحاولت التي قد تقوم لنتزاع السلطة منها .وأينما وجدت نفسها تجاه مؤامرة
مسلحة أو تمرد أو محاولة مشبوهة ،فإن قمعها سميكون عمديم الشمفقة .لعمل كاوتسمكي قمد أخمترع
وسائل أخرى؟ أو لعل كل المسألة في نظره هي مسألة درجة القمممع ،ولعلممه يقممترح فممي مثممل هممذه
الحال اللجوء إلى العتقال بدل عقوبة الموت؟
إن مسألة أشكال القمع ودرجته ليست بالتأكيد مسألة "مبدأ" .أنها مسالة الوسائل بهدف بلوغ
الهدف .ففي عصر ثوري ،لن يسمح الحزب الذي طرد من السلطة والممذي ل يريممد اسممتقرار الحممزب
الحاكم والذي يثبت ذلك بالنضال الشرس الذي يخوضمه ضمده ،أقمول لمن يسممح لنفسمه بمأن يخيفمه
التهديد بالسجن الذي ل يؤمن أصل ً بدوامه .وإنما هذه الواقعة الحاسمة هي وحدها التي تفسر تطبيق
عقوبة الموت في الحرب الهلية في معظم الحالت.
لكن لعل كاوتسكي يريد أن يقول أن عقوبة الموت ليست منسجمة بصورة عامممة مممع الهممدف
المرام بلوغه وأنه من المستحيل إخافة "الطبقات"؟
هذا غير صحيح .أن الرهمماب عمماجز – وهممو ليممس كممذلك إل فممي نهايممة المممر – إذا ممما مارسممته
الرجعية ضد الطبقة التي تثور بمقتضى قوانين تطورها التاريخي .إن على الرهاب بالمقابل أن يكون
فعال ً ضد الطبقة الرجعية التي ل تريممد أن تغممادر الحلبممة .أن التخويممف هممو أقمموى وسمميلة فممي العمممل
السياسي سواء أعلى الصعيد الدولي أم فممي الممداخل .أن الحممرب ،شممأنها شممأن الثممورة ،تسممتند إلممى
التخويف .أن الحرب المنتصرة ل تبيد عامة إل جزًءا صغيًرا من الجيش المقهممور ،لكنهمما تقضممى علممى
فا.
معنويات الخرين وتحطم إرادتهم .وتسلك الثورة السلوك ذاته :أنها تقتل بضعة أشخاص وتخيف أل ً
وبهذا المعنى ل يتميز الرهاب الحمر مبدئًيا عن العصيان المسلح الذي ليس همو إل اسمتمرار لممه .ول
يستطيع أن يدين "أخلقًيا" الرهاب الحكومي للطبقة الثورية إل من يستنكر مبدئًيا )ولفظًيا( كل عنف
دا من أولئك "الكويكر" المسالمين بصورة عامة .لكن في مثل هذه الحال ل يعدو المرء أن يكون واح ً
المرائين.
كيف تميزون إذن تكتيككم عن حكم القلية الغنية المطلق؟ -هذا ما يسألنا عنه كهنة الليبرالية
"الكاوتسكية"؟
أل تفهمون ذلك ،أيها التقياء الكذبة؟ سنشرح لكم المر .لقد كان إرهاب القيصرية موجًها ضممد
البروليتاريا .ولقد كان الدرك القيصري يخنق الشغيلة الذين يناضلون من أجل النظام الشممتراكي أممما
"لجاننا الستثنائية" فهي تعدم الملك للكبار والرأسماليين والجنرالت الممذين يحمماولون إعممادة توطيممد
ما.
النظام الرأسمالي .أتدركون هذا ...الفرق؟ نعم؟ أنه بالنسبة إلينا؟ نحن الشيوعيين ،كاف تما ً
38
حرية الصحافة
إن كاوتسكي ،الذي ألف العديد من الكتب والمقالت ،يشكو بصورة خاصة من التعرض لحريممة
الصحف .فهل من المقبول به أن تلغي الصحف؟
أن جميع المؤسسات وأجهزة السلطة والحكومية والرأي العام تصممبح بصممورة مباشمرة أو غيمر
مباشرة ،في زمن الحرب ،أجهزة لتسيير الحرب .وهذا ينطبق بالدرجة الولى على الصممحافة .أن ممما
من حكومة تخوض حرًبا جدية ،تستطيع أن تسمح بتوزيع منشورات في أراضيها تناصر العممدو علًنمما أو
سًرا .فكم بالحرى في مرحلممة الحممرب الهليممة .أن طبيعممة الحممرب الخيممرة تسممتلزم أن يكممون لممدى
الطرفين ،خلف قواتهما ،سكان يتعاطفون مع العدو .وفي الحرب حيث يقرر الموت مصير النجاح أو
الفشل ،يتوجب تطبيق عقوبة الموت على العملء العداء الذين تغلغلوا إلى خلف الجيوش أنه قانون
غير إنساني بل شك ،لكن ما من أحد حتى يومنا هممذا أعتممبر الحممرب مدرسممة إنسممانية ،وكممم بممالحرى
الحرب الهلية .فهل يمكن لحد أن يطالب جدًيا أثناء الحرب ضممد عصممابات دينيكيممن المنمماوئة للثممورة
بالسماح لمنشورات الحزاب التي تؤيده بالظهور دونما عراقيل في موسكو أو بترسبورغ؟ أن أقتراح
ذلممك باسممم "حريممة" الصممحافة يعممادل المطالبممة باسممم العلن بنشممر أسممرار عسممكرية .كتممب رجممل
الكوميونة آرثر آرنولد" :أن مدينة محاصرة ل تستطيع أن تسمح ل للرغبة في رؤيتها تسقط تعبر عممن
نفسها بحرية ضمن اسمموارها ،ول بتحريممض المممدافعين عنهمما علممى الخيانممة ،ول بتبليممغ العممدو حركممات
قواتها ،وهذا ما كان عليه موقف الجمهورية السوفياتيه منذ تأسيسها .فلنستمع مع ذلك إلى ما يقمموله
كاوتسكي في هذا الموضوع:
"أن تبرير هذا النظام )يعني إلغاء الصمحافة( يتخلممص فمي العتقماد السماذج بمأن هنماك حقيقممة
ضمما بتممابع كاوتسممكي فممي ذلممك الممرأي
مطلقة)!( ل يعرفها غير الشيوعيين وحدهم )!!( وهو يتلخص أي ً
القائل أن الكتاب كافة يكذبون بسبب من طبيعتهم )!( وإن الشيوعيين وحممدهم المتعصممبون للحقيقممة
)!!( ،في حين أن الكذابين والمتعصممبين لممما يعتممبرون أنممه الحقيقممة يلتقممون ،فممي الواقممع ،فممي جميممع
المعسكرات ،الخ ،الخ ،الخ) ،ص .(119
وهكذا فإن كاوتسكي يرى أنه حتى في أشد مراحل الثورة حدة ،وحين تكون المسألة بالنسممبة
ما كما في الماضي لتقريممر... على الطبقات المتصارعة مسألة حياة أو موت ،يظل النقاش الدبي قائ ً
مما مطلقمة .لكمن بمما أننما نسمفح المدم الن الحقيقة ما أعمق همذا المرأي! ...إن "حقيقتنما" ليمس حت ً
باسمها ،فليممس لنمما مممن داع أو إمكانيممة للخمموض فممي نقمماش أدبممي حممول نسممبية الحقيقممة مممع الممذين
"ينتقدوننا" بكل الوسممائل بل تممورع للوصممول إلممى غايمماتهم .كممما أن مهمتنمما ليسممت معاقبممة الكممذابين
وتشممجيع محممبي العدالممة مممن الصممحفيين مممن جميممع التجاهممات ،بممل مهمتنمما فقممط أن نخنممق كممذب
البورجوازية الطبقي وأن نضمن انتصار حقيقة البروليتاريا الطبقية – بغض النظر عن وجممود الكممذابين
والمتعصبين في كل المعسكرين.
"لقد دمرت السلطة السوفياتية القوة الوحيدة التي تستطيع أن تساعد على استئصال الفساد:
حرية الصحافة .أن الرقابة بواسطة حرية الصحافة غير المقيدة على الطلق كانت سممتكون الوسمميلة
ما الستفادة من كل سلطة غيممر محممدودة ،غيممر الوحيدة لقمع اللصوص والغامرين الذي سيريدون حت ً
مراقبممة) "...ص .(140وهكممذا ودواليممك .الصممحافة سمملح موثمموق ضممد الفسمماد! إن لهممذه الوصممفة
الليبرالية وقًعا حزيًنا حين نفكر بالبلدين اللذين يتمتعان بممأكبر "حريممة" للصممحافة :أعنممي بهممما أميركمما
الشمالية وفرنسا اللتين هما في الوقت نفسه الدولتان اللتان بلغ فيهما الفساد الرأسمالي ذروته.
إن كاوتسكي ،المكتظ بالثرثرات البالية التي أخممذها عممن الممدكاكين السياسممية الخلفيممة للثممورة
الروسية ،يتصور أن الجهاز السوفياتي ،وقد حرم من صحافة الكاديت والمنشفيك ،سيهدم على أيدي
"اللصوص والمغامرين" هذا ما كان ما يطبل له المنشفيك قبل عممام ونصممف ...أممما اليمموم فممإنهم لممن
يجممرؤوا حممتى علممى ترديممده .لقممد اسممتطاعت السمملطة السمموفياتيه ،بمسمماعدة الرقابممة السمموفياتيه
39
والنتخاب الذي يقوم به الحزب بل انقطاع في جو من الصراع المحممموم ،بصممورة أفضممل بكممثير مممما
كانت تستطيع أن تفعله أي سلطة أخرى في أي لحظة كانت.
إننا نحارب ...أننا نقاتل قتال ً مريًرا حتى الممموت .والصممحافة ليسممت سمملح مجتمممع مجممرد ،بممل
سلح معسكرين ل يمكن التوفيق بينهما ،يتحاربان بالسلح أننا نلغي صحافة الثورة المضادة كما نهدم
مراكزها المحصنة ومستودعاتها ومواصلتها وشبكات جاسوسيتها .أننا نحرم أنفسنا من الهممام ووحممي
الكاديت والمنشفيك عن فساد الطبقة العاملة وبالمقابل فإننا ندمر والظفر معقود لنا أسس الفسمماد
الرأسمالي.
لكن كاوتسكي يذهب إلى أبعد من ذلك في تطوير أطروحته :أنه يشكو مممن أننمما نغلممق صممحف
الشتراكيين – الثوريين والمنشفيك ،بممل مممن أننمما – وهممذا يحممدث – نعتقممل زعممماءهم .أفليممس هممؤلء
"جزًءا" مممن البروليتاريمما أو مممن الحركممة الشممتراكية؟ أن مربينمما ل يممرى الوقممائع وراء هممذه الكلمممات
المعتادة فالمنشفيك والشتراكيون – الثوريون إلى منظمات وثيقة التحالف مع الثورة المضادة تشممن
علينا حرًبا صريحة .لقد تشكل جيش كولتشاك من الشتراكيين – الثوريين )لكم يرن هذا السم اليوم
فا أجوف!( ودعمه المنشفيك وفممي الجبهممة الشمممالية ،يحممارب كل الطرفيممن ضممدنا منممذ عمام رنيًنا زائ ً
ونصف .أن القادة المنشفيك في القوفاز ،الحلفاء السابقين لهمو همتزولرن ،والحلفماء الحماليين للويمد
جورج ،يعتقلون ويعدمون البلشفة بالتفاق التام مع الضباط النكليز واللمان .ولقد خلممق المنشممفيك
والشتراكيون – الثوريون في راد كوبان جيش دينيكين .وقد سمماهم المنشممفيك السممتونيون ،العضمماء
في الحكومة ،مباشرة في هجوم يودينيتش الخير ضد بترسبورغ.
أنهم يمثلون أذن "اتجاهات" اشتراكية ...أن كاوتسمكي يعتقمد أنمه ممن الممكمن أن نكمون فمي
حالة حرب علنية مع المنشفيك والشتراكيين الثمموريين الممذي يناضمملون بمسمماعدة جيمموش يممودينيتش
وكولتشاك ودينيكين المشكلة بفضمل مسماهمتهم ،وباسمم "اختلفهمم" الشمتراكي الجمزئي عنما ،وأن
نمنح في الوقت نفسه لهذه "الختلفات" الممبريئة ،فممي مممؤخرة جبهتنمما ،حريممة الصممحافة .ولممو أمكممن
للنزاع بيممن الشممتراكيين الثمموريين والبلشممفة أن ينحممل بالقنمماع والتصممويت ،أي لممو لممم يكممن خلفهممم
المبرياليون الروس والجانب ،لما كانت هناك حرب أهلية.
أن كاوتسكي مستعد بالطبع لن "يممدين" )نقطممة حممبر أخممرى( الحصممار والمسمماعدة الممنوحممة
لدينيكين من قبل "التفاهم" ،والرهاب البيض .لكنه ل يستطيع من أعلى تجمرده أل يجمد لهمذا الخيمر
ظروفًمما مخففممة .فالرهمماب البيممض ،علممى سممبيل المثممال ،ل ينتهممك مبممادئه ،فممي حيممن أن البلشممفة،
بتطبيقهم الرهاب الحمر ،ينتهكون احترام "الصفة المقدسة" للحيمماة النسممانية ،هممذا الحممترام الممذي
طالبوا به هم أنفسهم) ..ص .(139ماذا يعني عملًيا احترام الصممفة المقدسممة للحيمماة النسممانية وبممم
يتميز عن وصية" :ل تقتل"؟ أن كاوتسكي يستنكف عن التفسير .عندما يرفع لص سكينة على طفممل،
كا "للصفة المقدسة" للحياة النسانية؟ هممل فهل يمكن قتل الول لنقاذ الثاني؟ أليس هذا العمل انتها ً
صا لينقذ نفسه؟ هل من الممكن القبول بتمرد العبيد ضد سادتهم؟ هممل مممن يمكن للنسان أن يقتل ل ً
الممكن القبول بأن يدفع إنسان ثمن حريته موت جلدية؟ إذا كانت الحياة النسانية مقدسة ول يجمموز
انتهاكها بصورة عامة ،ينبغي إذن أن نمتنع عن اللجوء ل إلى الرهاب والحرب فحسب ،بل إلى الثورة
ضا .إن كاوتسكي ل يدرك المعنى المضاد للثورة لم "المبدأ" الذي يحاول فرضه علينا .وسمموف نممرى أي ً
في مكان آخر أنه يلومنا على عقممد صملح بريسممت – ليتفوسممك وقممد كممان علينمما ،كممما يممرى ،أن نتممابع
الحرب لكن آلم تنتهي إذن "الصفة المقدسة" للحيمماة النسمانية؟ هممل سمتكف الحيماة عمن أن تكمون
مقدسممة بالنسممبة إلممى أفممراد يتكلمممون لغممة أخممرى؟ أم أن كاوتسممكي يعتممبران الغتيممالت الجماعيممة،
المنظمممة حسممب قواعممد السممتراتيجية والتكتيممك المعاصممرين ،ليسممت باغتيممالت؟ فممي الحقيقممة مممن
الصعب ،في عصرنا هذا ،تأكيد مبدأ مراء وغبي مًعا كهممذا المبممدأ .وممما دامممت إليممه العاملممة النسممانية
وبالتالي الحياة سلعة للتجارة والستغلل والتبذير ،فإن مبدأ " الصممفة المقدسممة للحيمماة النسممانية" ل
يعدو أن يكون كذبة دنيئة هدفها البقاء على العبيد تحت نير العبودية.
لقد ناضلنا ضد عقوبة الموت الممتي سممنها كيرنسممكي ،لنهمما كممانت تصممدر عممن محمماكم الجيممش
القديم العرفية ضد الجنود الذين يرفضون متابعة الحممرب المبرياليممة .وقممد انتزعنمما هممذا السمملح مممن
مجالس الحرب القديمة .وهدمنا تلك المؤسسات وسرحنا الجيش القديم الذي خلقها .ونحن بتطهيرنا
40
الجيش الحمر وبصورة عامة سائر البلد من المتآمرين المناوئين للثممورة الممذين كممانوا يعملممون علممى
إعادة النظام القديم عن طريق العصيان والغتيال وإشاعة الفوضى ،إنما نتصرف بصورة متلئمة مممع
قوانين الحرب الحديدية التي نريد عن طريقها أن نكفل لنفسنا النصر.
وإذا كان المرء يريد أن يبحث عن تناقضات شكلية ،فبديهي أن عليه أن يبحممث عنهمما قبممل كممل
شيء في جانب الرهاب البيض الذي هو سلح الطبقات التي تعتبر نفسها مسيحية وتحمي الفلسممفة
المثالية ،والمقتنعة كل القتناع بأن الشخصية )شخصيتها( هي الشخصية النسانية" ،الغاية في ذاتها".
أما فيما يتعلق بنا ،فنحن لم نهتم قط بثرثرات الرعماة الكاوتسممكين والكممويكر النبماتيين عمن "الصممفة
ممما ثمموريين ،وممما زلنمما كممذلك فممي السمملطة .فكيممما تعممود إلممى
المقدسة" للحياة النسانية .لقد كنمما دو ً
الشخصية قدسيتها ،فل بد من هدم النظام الجتماعي الذي يسحقها .وهذه المهمة ل يمكن أن تتحقق
إل بالحديد والدم.
ثمة فرق آخر بين الرهمماب البيممض والرهمماب الحمممر .أن كاوتسممكي الراهممن يجهلممه ،لكنممه ذو
أهمية بالغة في نظر الماركسي .أن الرهاب البيض سلح طبقة رجعيممة تاريخي ًمما .أننمما لممم ننكممر قممط،
ونحن نؤكد أهمية قمع الدولة البورجوازيممة للبروليتاريمما ،أن الطبقممات الحاكمممة تسممتطيع ،عممن طريممق
العتقالت والنتقام ،وفي بعض الشروط ،أن تؤخر مؤقًتا تطور الثورة الجتماعية .لكنمما كنمما مقتنعيممن
بأنهمما لممن تنجممح فممي إيقممافه .ويقيننمما نممابع مممن أن البروليتاريمما طبقممة صمماعدة تاريخي ًمما ،وأن المجتمممع
البورجوازي ل يستطيع أن يتطممور دون أن يزيممد مممن قمموى البروليتاريمما .أن البورجوازيممة ،فممي العصممر
الراهن ،طبقة سائرة إلى النحطاط .فهي عدا أنها ل تلعب الدور الساسي في النتاج ،تهدم القتصاد
العالمي والثقافة النسانية بوسائلها المبرياليمة فمي التملمك .غيمر أن الحيويمة التاريخيمة للبورجوازيمة
عنيدة .فهي تتشبث بالسلطة ول تريد أن ترخي قبضتها عنها ومن هنا بالذات تهدد بمأن تجمر المجتممع
كله في سقوطها .ونحن مرغمون على انتزاعه منها ،وعلى قطع يديها بالتممالي ...أن الرهمماب الحمممر
هو السلح المستخدم ضد طبقممة محكمموم عليهمما بالفنمماء ول تستسمملم .وإذا كممان الرهمماب البيممض ل
يستطيع إل أن يؤخر صعود البروليتاريا التاريخي ،فإن الرهمماب الحمممر يعجممل بسممقوط البورجوازيممة.
والعجلة – التي فيها ربح للوقت – لها أهميتهمما الحاسمممة فممي بعممض العصممور .ولممول الرهمماب الحمممر
لكانت البورجوازية الروسية ،بالتعاون مع البورجوازية العالمية ،قد خنقتنا قبل قيام الثورة في أوروبمما
فمما حممتى ينفيممه .أن مممن يعممترف بمدة طويلة .ول بد أن يكون النسان أعمى حتى ل يرى ذلك ،أو مزي ً
ضا أن يوافممق علممى الرهماب الحمممر. بأهمية ثورية تاريخية لوجود السلطة السوفياتية بالذات ،عليه أي ً
وكاوتسكي بعد أن سود ،خلل العامين المنصرمين ،جبال ً من الورق ضد الشيوعية والرهمماب ،مرغممم
على العتراف ،في نهاية كتيبه ،بأن السلطة السوفياتيه الروسممية تمثممل فممي المموقت الراهمن العامممل
الرئيسي فممي الثممورة العالميمة .لقممد كتمب "مهمما كمان الموقمف الممذي يتخمذه المممرء تجمماة الطمرائق
البلشفية ،فإن وصول حكومة بروليتارية إلى السلطة في بلد كبير وحفاظها عليهمما منممذ سممنتين رغممم
المصاعب التي ل مثيل لها ،يقويان بشكل ملموس ،لدى بروليتاريي جميع البلدان ،الحساس بقمموتهم
ومن هنا بالممذات أدى البلشممفة خدمممة ل تقممدر بثمممن للثممورة الواقعيممة" )ص (153أن هممذا التصممريح
يفاجئنا مفاجأة عميقة ،كما يفاجأ النسان بالعتراف بحقيقة تاريخية في وقت كف فيه عممن انتظمماره.
أن البلشفة ،بوقوفهم في وجه العالم الرأسمالي المتحالف ،قد حققوا مأثرة تاريخية جديرة بالعتبار
ضا .أن اعتراف كاوتسكي هممو موافقممة لنهم لم يحافظوا على السلطة بالفكرة وحدها ،بل بالسلح أي ً
غير إرادية على طرائق الرهاب الحمر ،وإدانة صارمة في الوقت نفسه لكتاباته النقدية.
41
تأثير الحرب
يرى كاوتسكي في الحرب ،من خلل تأثيرها المخيف على الخلق ،أحد أسباب الطباع الممدامي
للنضال الثوري .وهذا أمر ل جدال فيه.
قا ،مع كل النتائج التي تنتج عنممه فممي الزمممن الممذي لممم
لكن كان بالمكان توقع هذا التأثير مسب ً
يكن كاوتسكي يعرف فيه أن كان من الواجب أن يصوت مع العتمادات العسكرية أو ضدها.
لقد كتبنا منذ خمسة أعوام في كتاب باللغة اللمانية عن "الحرب والممية":
"لقد انتزعت المبريالية بعنف المجتمع مممن تمموازنه الل مسممتقر .ودمممرت السمدود المتي كمانت
الشتراكية – الديمقراطية تكبح بها سيل طاقة البروليتاريا الثورية ،ودفعت به فممي سممريرها .أن هممذه
التجربة التاريخية المدهشة التي حطمت بضربة واحدة صلب الممية الشمتراكية ،تحممل فمي حضمنها
في الوقت نفسه خطًرا قاتل ً بالنسبة إلى المجتمع البورجوازي .لقد سحبت المطرقة من يدي العمال
واستعيض عنها بالسيف .ولقد أنسلخ العامل ،المرتبط كلًيا بدولب القتصاد الرأسمالي ،أنسلخ فجممأة
عن وسطه وتعلم أن يضع أهداف المجتمع فوق الرفاهية الوادعة والحياة.
"أن العامل يجد نفسه ،وهو يمسك بيديه السلحة الممتي صممنعها بنفسممه فممي وضممع يضممبح معممه
قا بممه مباشممرة .ومممن كممانوا عممادة يضممطهدونه ويحتقرونممه بمماتوا يتملقممونه
مصير الدولة السياسي معل ً
ويطلبون رضاه وهو يتدرب في الوقت نفسه على أن يعرف معرفة وثيقة المدافع التي تشكل حسب
ما ل يتجزأ مممن الدسممتور .أنممه يتخطممى حممدود الدولممة ويسمماهم فممي المصممادرات رأي لرسال جزًءا ها ً
العنيفة ،ويشاهد المدن تنتقل من يد إلى يد تحت ضرباته .وبذلك تحممدث تغيممرات لممم يشممهدها الجيممل
قط.
"وإذا كان العمال المتقدمون يعرفون نظرًيا أن القوة هي أم الحق ،إل أن طريقتهم السياسممية
في التفكير كانت تتركهم تحت تأثير روح التردد والتلؤم مممع الشممرعية البورجوازيممة .وقممد بممدأت الن
الطبقة العاملة تتعلم كيف تحتقممر فعلًيما وتهممدم بممالعنف همذه الشممرعية .أن المراحممل السمكونية ممن
بسيكولوجيتها تفسح المكان للمراحل الديناميكية .أن المدافع الثقيلة تقدم للطبقة العاملة فكممرة أنممه
عندما يستحيل اللف حول العقبة فإن الوسيلة الباقية هي تحطيمها .أن جميع البشر الراشدين تقريًبمما
يمرون بمدرسة الواقعية الجتماعية الرهيبة التي هي الحرب ،الخالقة لنموذج إنساني جديد.
"إن قبضة الضرورة الحديدية تخيم اليوم فوق معايير المجتمع البورجوازية كافة بما فيها الحممق
والخلق والدين .وقد صرح المستشار اللممماني" :ليممس للضممرورة شممريعة" ) 4آب .(1914والملك
يأتون إلى الساحات العامة ليلقوا خطًبا غوغائية ويتبادلوا تهمة الطمممع .والحكومممات تممدوس بأقممدامها
اللتزامات التي أخذتها على عاتقها بأبهة .والكنيسة القومية تجمر ،وكأنهما محكموم بالشمغال الشماقة،
سيدها – الله إلى المدفع القومي.
حا أن هذه الظروف سممتؤدي إلممى أعمممق التغييممرات فممي الحيمماة النفسممية للطبقممة"أليس واض ً
العاملة بعد أن شفتها بصورة نهائية ممن تخمدير الشمرعية المتي همي نتيجمة عصمر سياسمي آممن؟ أن
الطبقات المالكة ستقتنع بذلك سريًعا وبذعر كبير .وستشعر البروليتاريا التي مممرت بمدرسممة الحممرب
عند أول عقبة جدية ستعترضها داخل وطنها بالحاجة الملحة إلى استعمال لغة القوة" .ليس للضرورة
شممريعة!" :هممذا ممما سممتقذف بممه فممي وجممه الممذين سمميحاولون أن يوقفوهمما باسممم قمموانين الشممرعية
البورجوازية والحاجة المرعبة التي سادت أثناء هذه الحرب ،وبخاصة فممي نهايتهمما ،سممتدفع بالجممماهير
إلى أن تدوس تحت أقدامها الكثير ،الكثير من القوانين" )ص .(57 – 56
42
ضا أن نضيف إلمى مما قيمل أن الحمرب مارسمت تمأثيًرا هذا كله أمر ل يقبل نقا ً
شا لكن ينبغي أي ً
مماثل ً على بسيكولوجية الطبقات المالكمة :فبقمدر مما أصمبحت الجمماهير كمثيرة المطمالب ،أصمبحت
البورجوازية رافضة لكل تعامل.
ففي أيام السلم ،يضمن الرأسماليون مصالحهم بالسرقة "السلمية" مممن الجممراء .وفممي زمممن
دا ل يحصى من الحيوات النسانية .وهذا ما أضاف إلممى الحرب كفلوا هذه المصالح نفسها بإبادتهم عد ً
روحهم المحبة للسيطرة سمة "نابليونية" جديدة.
لقد أعتاد الرأسماليون ،أثناء الحرب ،على إرسال المليين من الرقاء المموطنين والمسممتعمرين
إلى الموت باسم الرباح التي يجنونها من المناجم وسكك الحديد الخ.
لقد خرج أثناء الحرب من قلب البورجوازية الكممبيرة والمتوسممطة والصممغيرة مئات اللف مممن
الضباط والمحاربين الممتهنين – وهم رجال غلظت طباعهم فممي الحممرب وتحممرروا مممن كممل الممروادع
الخارجية .والمرتزقة الختصاصيين ،المستعدين والقادرين على الدفاع بضممرارة تقممارب البطولممة عممن
الوضع الممتاز للبورجوزاية التي ربتهم.
لقد كانت الثورة ستكون على الرجح أكثر إنسانية ،لممو كممانت لممدى البروليتاريمما إمكانيممة شممراء
"كل هذه العصابة" ،كما كان يعبر ماركس عن ذلك في الماضي .لكن الرأسمالية قد حملت الشغيلة،
دا يستحيل معه الكلم جممدًيا قا من الديون :فقد دمرت النتاج تدميًرا شدي ً أثناء هذه الحرب ،حمل ً ساح ً
عن هذا الشراء الذي لم تم لقبلت البورجوازية بالثورة دونما شغب كثير .لقد فقدت الجماهير الكممثير
من الدماء ،وقاست عذاًبا مريًرا واكتسبت صملبة ل تسممح لهما باتخماذ مثمل همذا القمرار المذي يعجمز
بالصل عن تحقيقه اقتصادًيا.
وهناك ظروف أخرى أثرت في التجاه نفسه .أن بورجوازيات البلممدان المقهممورة ،الممتي أثممارت
الهزيمة حفيظتها ،مستعدة للغاء مسؤولية هذه الهزيمة على عامة الشعب ،علمى العمممال والفلحيممن
الذين ما كانوا قادرين على خوض "الحرب الوطنية الكبرى" حتى النهاية .ومن وجهة النظر هذه ،فإن
التفسيرات الوقحة وقاحة ل مثيممل لهمما والممتي قممدمها لودنممدورف إلممى لجنممة الجمعيممة الوطنيممة بالغممة
الدللة .إن عصابات لودندورف تتأرم شوًقا إلى غسل عار إذللها الخارجي فممي دم بروليتاريمما وطنهمما.
أما بورجوازية البلدان المنتصرة التي كلها كبرياء ،فهي مستعدة أكثر من أي وقت مضى للممدفاع عممن
وضعها الجتماعي بالعتماد على الوسائل الدنيئة الممتي كفلممت لهمما النصممر .لقممد رأينمما أن البورجوازيممة
الدولية قد أنكشف عجزها عن تنظيم قسمة الغنيمة بدون حممروب ول دمممار .فهممل تسممتطيع ،بصممورة
عامة ،أن تتخلى بدون معركة عممن الغنيممة؟ أن تجربممة العموام الخمسممة الخيممرة ل تمترك أي مجمال
للشك في هذا الموضوع .وإذا أمكن للناس في الماضي ،رغم تفاؤلهم الخالص ،أن يتوقعوا أن تجريممد
الطبقات المالكمة ممن أملكهما – عمن طريمق "الديمقراطيمة" – لمن يتمم بهمدوء ،بمدون تممرد وبمدون
تحالفات مسلحة وبدون محاولت مناهضة للثورة وبدون قمممع عممديم الشممفقة ،فإننمما مرغمممون اليمموم
على العتراف بأن الموقف المغاير الممذي خلقتممه لنمما الحممرب المبرياليممة يضمماعف مرتيممن وثلث ًمما مممن
الطابع العديم الشفقة للحرب الهلية وديكتاتورية البروليتاريا.
43
كوميونة باريس وروسيا السوفييتات 4
أن كاوتسكي ل يفهم المور على هممذا النحممو .فهممو بعممد أن خصممص الجممزء العظممم مممن كتممابه
"الرهاب والشيوعية" لقامة توازن مغرض إلى حد مفضوح بين الكوميونة والسلطة السوفياتية ،يرى
مزايا الكوميونة البارزة حيث نرى نحن شقاءها وعيوبها.
ينكب كاوتسكي بحمية على إثبات أن كوميونة باريس لم تعد لها العممدة "بشممكل مصممطنع" بممل
بزغت تلقائًيا مفاجئة الثوريين بخلف ثورة أكتوبر – نوفمبر الروسية التي أعد لهمما العممدة حزبنمما بدقممة
وعناية .أن كاوتسكي ،الذي ل يجرؤ على التعبير بوضوح عن أفكاره الرجعية ،ل يقول لنا بصراحة هل
يستحق الثوريين الباريسيون عام 1871الثناء لنهم لم يتوقعمموا التمممرد البروليتاريمما ،أم أننمما نسممتحق
اللوم لننا توقعنا ما هو محتم وسبقنا الحممداث بمموعي لكممن كممل تحليممل كاوتسممكي معممروض بطريقممة
يخلف معها في عقل القارئ هذا النطباع :لقد ألمت برجال الكومة الكارثة من حيممث ل يممدرون )ألممم
يعبر فولمار البافاري المحدود التفكير ذات يوم عن أسفه لن رجال الكومنة لم يذهبوا إلى النوم بدل ً
من استلم السلطة؟( ولهذا فإنهم يستحقون كل حلمنا ،في حين أن البلشفة استبقوا الكارثة بمموعي
)الستيلء على السلطة( ولهذا فلن يغفر لهم ل في هذا العالم ول في العالم الخر .إن طرح المسألة
فا إلى درجة ل تصدق .لكن هذا ينبع بالضرورة من موقف "الكاوتسممكيين على هذا النحو قد يبدو سخي ً
المستقلين" الممذين يمدخلون رؤوسممهم بيمن أكتمافهم حممتى ل يمروا شمميًئا ول يتوقعمموا شميًئا ،والممذين ل
قا وخممزة ل بممأس بهمما فممي ظهممورهم .كتممب يستطيعون أن يخطوا خطوة إلى المام إذا لم يتلقوا مسب ً
كاوتسكي" :إذلل باريس ،والضن عليها بالستقلل الذاتي ،وتجريدها من لقبها كعاصمة ،ونزع السلح
منها حتى يمكن فيما بعد القيام بانقلب ملكي بسلم :هذا ما كانته المهمة الرئيسية للجمعية الوطنية
سا للسلطة التنفيذية .ومممن هممذا الموقممف ولممد النممزاع الممذي أدى إلممى التمممرد ولتيير الذي انتخبته رئي ً
الباريسي"" – .أننا نرى إلى أي حد يتميز عن هذا الشكل مممن الثممورة ممما قممامت بممه البولشممفية الممتي
أنهكت قوتها في طموحها إلى السلم ،والتي كانت تقف وراءها طبقة الفلحين ،والتي لم تكن تممواجه
في الجمعية الوطنية ملكيين بل اشتراكيين ثوريين ومنشفيك".
"لقد توصل البلشفة إلى السلطة بثورة أحسن إعدادها فوضعت بين أيديهم ،دفعة واحدة ،كمل
اللة الحكومية التي يستخدمونها في السماعة الراهنمة بأقصمى مما يمكنهمم وبصمورة عديممة الشمفقة
لخضاع خصومهم ومن بينهم البروليتاريون".
"وبالمقابل فإن ما من أحد فوجئ بتمرد الكوميونة كما فوجئ الثوريون أنفسهم ،ولقد كان هذا
النزاع بالنسبة إلى الكثيرين منهم أمًرا غير مرغوب فيه بعد كل شيء" )ص .(44
وحتى نكون فكرة واضحة دقيقة عن المعنى الحقيقي لممما يقمموله كاوتسممكي هنمما بصممدد رجممال
الكومة ،فإننا سنسجل الشهادة المفيممدة التاليممة :كتممب ل فممروف فممي كتابممة الغنممى بالمعلومممات عممن
الكوميونة:
" 4فترة قصيرة دامت الثورة الولى التي قامت بها البروليتايما ممن أجمل البروليتاريما وانتهمت بانتصمار اعمدائها.
ما"دامت هذه الفترة )من 18آذار إلى 28ايار( 72يو ً
)"كوميونة باريس 18 ،آذار ."1871ب .ل .لفروف .بتروغراد .طبعة مكتبة "غولوس" .1919 .ص .(160
44
"في الول من آذار – 1871أي بعد ستة أشهر من سقوط المبراطورية وقبل أيام من انفجار
الكوميونة – كانت الشخصيات القيادية في الممية في باريس ما تزال بممدون برنامممج سياسممي محممدد
)."(5
"بعد 18آذار ،كانت باريس في أيدي البروليتاريا ،لكن زعماءها ،الذين احتاروا أمام قوتهم غيممر
المنتظرة ،لم يتخذوا حتى تدابير المن الدولية )." (6
لقد صرح أحد أعضاء اللجنة المركزية للحرس القومي" :إن دوركم ليس على قممدكم ،وهمكممم
الوحيد أن تتخلصوا من المسؤوليات .،،وقد كتب ليسمماغاراي الممذي سمماهم فممي الكوميونممة وأرخ لهمما:
"في هذا الكلم شيء كثير من الحقيقة ،لكن في لحظة العمل بالممذات ينبممع نقممص التنظيممم والعممداد
المسبق في غالب الحيان من أن الدوار تقع على عاتق رجال ليسوا بمستوى أدائها )." (7
وينتج مما سبق )وهذا ما سيتضح أكثر فيما بعد( أن عدم وجممود برنامممج للنضممال المباشممر مممن
أجممل السمملطة السياسممية لممدى الشممتراكيين الباريسمميين يتفسممر بعممدم نضممجهم النظممري وبلبلتهممم
السياسية ،لكنه ل يتفسر البتة باعتبارات تكتيكية أرفع مستوى.
ومما ل شك فيه أن أخلص كاوتسكي نفسه لتقاليد الكوميونة سيعبر عن نفسه بصورة خاصممة
في الندهاش العميق الذي سيستقبل به الثورة البروليتارية في ألمانيا الممتي لممم يممر فيهمما إلممى نزاع ًمما
"غير مرغوب فيه بعد كل شيء" غير أننا نشك في أن الجيال القادمة ستقدر موقفه هممذا .بممل علينمما
طا من البلبلة والتحفظ. أن نقول أن ما هيه مقارنته التاريخية بالذات ليست إل خلي ً
ما مممن قبممل تشمميرنوف إن النيات الممتي كممان تييممر يضمممرها لبمماريس ،كممان ميليممو كمموف مممدعو ً
وتسيريتيلي ،يضمرها لبترسبورغ .كانوا يرددون يومًيا جميعًمما – مممن كورنيلمموف إلمى بوتريسموف – أن
بترسبورغ قد أنعزلت بنفسها عن البلد ،وأنه لم تعد لها من علقة مشممتركة بهمما ،وأنهمما تريممد ،بعممد أن
أنحطت على الدرك السفل ،أن تفرض إرادتها على المة .إذلل بترسبورغو إفقادها حظوتها :هذا ممما
كانته المهمة الولى ليليو كوف وطغمته .لقد كان هذا يحدث في الوقت الممذي كممانت فيممه بترسممبورغ
الموطن الحقيقي للثورة التي لم تكن بعد قد نجحت في توطيد نفسها في سممائر أجممزاء البلد .ولقممد
كان رودزيانكو ،الرئيس السابق للدوما ،يتحدث علًنا عن تسليم بترسبورغ لللمان كما سبق وسمملمت
سا .وما كان رودزيانكو إل ليحدد بكلمه هذا ماهية مهمة ميليو كوف الذي كممان ريجا ،وذلك لتلقينها در ً
كيرنسكي يدعمه بكل سياسته.
لقد كان ميليو كوف يريد ،على مثال تيير ،أن يجرد البروليتاريا مممن سمملحها .لكممن السمموأ مممن
ضما أن بترسممبورغ كممانت قمد جمردت تقريب ًمما ممن سملحها فمي تمموز 1917بفضمل كيرنسمكي ذلك أي ً
وتشيرنوف وتسيريتيلي وقد استعادت هذا السلح يوم هجوم كورنيلوف على بترسبورغ في آب .ولقد
كان تسليح البروليتاريا الجديد هذا عنصًرا جدًيا بالنسبة إلى إعداد تممرك أكتموبر – نوفممبر ،بحيمث أن
تلك النقاط التي يستند عليها كاوتسكي ليعارض تمرد العمال الباريسيين في آذار بثورتنا فممي تشممرين
الول والثاني ،تتطابق إلى حد ما.
لكن ما وجه الختلف بينها؟ أنه يكمن ،قبمل كمل شميء ،فممي أن مشماريع تييمر المشممؤومة قمد
تحققت ،وفي أن باريس قد خنقت وعشرات اللف من العمال قد ذبحوا ،فممي حيممن أن ميليممو كمموف
سا ،وبترسبورغ ظلت حصن البروليتاريمما المنيممع ،وزعممماء البرجوازيممة الروسممية قممد
قد انهار انهياًرا بائ ً
ذهبوا إلى أوكرانيا ليحرضوا على احتلل روسيا من قبل جيوش المبراطور .وهذه بالطبع غلطتنا إلممى
" : ()5كوميونة باريس في 18آذار – "1871ب .ل لفروف – طبعة مكتبة غولوس – بتروغراد – – 1919
ص .65 – 64
: ()6المصدر نفسه – ص .71
" ()7تاريخ كوميونة – 1871بقلم ليساغاراي – بروكسل – – 1876ص .106
45
ضا – وهذا ما اتضح أكثر مممن حد كبير ،ونحن مستعدون لتحمل مسؤوليتها .والفرق الساسي يكمن أي ً
مرة من خلل التطور اللحممق للحممداث – فممي أن رجممال الكوميونممة كممانوا يفضمملون أن ينطلقمموا مممن
اعتبارات وطنية ،في حين أننا نتبنى باستمرار وجهة نظر الثورة الممية .لقممد أدت هزيمممة الكوميونممة
إلى النهيار الفعلي للممية الولى فممي حيممن أن انتصممار السمملطة السمموفياتية ،قممد أدى إلممى تأسمميس
الممية الثالثة.
لكن ماركس كان ينصح رجال الكوميونة – عشمية الثمورة – بمالتنظيم ل بممالتمرد! ونسممتطيع أن
نفهم ،عند الحاجة ،أن يستشهد كاوتسكي بذلك ليثبت كم كان ماركس يسيء تقممدير تفمماقم الموقممف
في باريس .لكن كاوتسكي يريد بأي ثمن أن يستغل نصيحة ماركس ليممدلل علممى الذى الممذي يصمميب
الحركة من جراء التمرد بشكل عام .إن كاوتسكي ،الشبيه بكممل مثقفممي الشممتراكية – الديمقراطيممة،
يرى في التنظيم وسيلة لخراج العمل الثوري قبل كل شيء.
ومن المناسب أل ننسى ،حتى لو اقتصرنا على مسألة التنظيم وحدها ،إن ثورة تشممرين الثمماني
قد سبقتها تسعة شهور من وجود حكومة كيرنسكي ،تسعة شممهور اهتممم فيهمما حزبنمما بنجمماح بممالتنظيم
والتحريض .لقد تمت ثورة تشممرين الثمماني بعممد أن حققنمما الغالبيممة السمماحقة فممي سمموفييتات العمممال
والجنود في بترسبورغ وموسكو وفي جميع المراكز الصناعية فممي مختلممف أرجمماء البلد بشممكل عممام،
وبعد أن حولنا السوفييتات إلى منظمات قوية يوجهها حزبنا .ولم يحممدث شمميء مممن هممذا لممدى رجممال
الكوميونة .وأخيًرا كان وراءنا مثال كوميونة باريس البطولية وانهيارها الذي استخلصنا منممه السممتنتاج
القائل أن على الثوريين أن يتوقعوا الحداث وأن يستعدوا لها .ومرة أخرى نقول :هذه هي عيوبنا.
46
كوميونة باريس والرهاب
ل يحتاج كاوتسكي إلى توازن واسع النطمماق بيممن الكوميونممة والسمملطة السمموفياتيه إل ليفممتري
على هذه الخيرة ويسئ إلى سمعة ديكتاتورية البروليتاريا الحية المظفرة ،لمصلحة ديكتاتورية ترجممع
دا اليوم.
إلى ماض أصبح بعي ً
إن كاوتسكي يستشهد بسرور بالغ بتصريح للجنة المركز للحرس القومي بتاريخ 19آذار بصدد
اغتيال الجنود لثنين من الجنرالت ،هما لو كنت وكليمان توما" :إننا نذكر ذلممك باسممتنكار .أنهمما لطخممة
دم يراد بها أن يلوث شرفنا .أنه لفتراء حقير .فنحن لم نممأمر بالجريمممة قممط .والحممرس القممومي لممم
يساهم البتة في أعداد الجريمة".
أننا نفهم أل يكون للجنة المركزية أي سبب لتأخذ على عاتقها مسؤولية أغتيال لم يكن لها مممن
دخل فيه .لكن لهجة التصريح العاطفية الحزينة تدل بوضوح على خجل أولئك الرجال السياسي أمممام
الرأي العام البورجوازي .ترى أينبغي أن ندهش لذلك؟ لقد كان معظم ممثلي الحرس القومي رجممال ً
قليلي التمرس بالعمل الثوري .كتب ليساغاراي" :لم يكن أ؛د منهم معروف السم .كانوا بورجمموازيين
صغاًرا ،بقالين ،غريبين عن المنظمات ،متحفظين ،والقسم الكبر منهم غريًبا عن السياسة" )ص .(7
ويكتب ل فروف بهذا الصدد" :يتضح من كل بلغات تلك اللجنة المركزية التي كانت باريس قد
سقطت بين أيديها ،أنها كانت تشكو من شعور خفي ،خائف بعض الشيء ،مممن المسممؤولية التاريخيممة
الرهيبة ،ومن الرغبة في التحرر منها بأسرع وقت ممكن" )ص .(77
إن كاوتسكي بعد أن يستشهد بذلك التصريح عن ارافة الدماء ليلحممق بنمما العممار ،يقمموم بممدوره،
بعد ماركس وأنجلز ،بانتقاد تردد الكوميونة" :لو أن الباريسيين )أي رجال الكوميونممة( قممد انممدفعوا بل
كلل في مطاردة تيير ،فلربما كانوا نجحوا في الستيلء على الحكم .وما كانت القوات المنسجة مممن
باريس لتستطيع أن تعارضهم بأي مقاومة مهما كانت ضئيلة ..لكن تيير استطاع أن يقاتل وهو يتقهقر
بدون عقبات لقد سمحوا له بأن ينسممحب مممع جيشممه ،وبممأن يعيممد تنظيمممه فممي فرسمماي ،وبممأن يجممدد
معنوياته ويعززه" )ص .(49
إن كاوتسكي ل يسممتطيع أن يفهممم أنهممم الرجممال أنفسممهم الممذين أصممدروا تصممريح 19آذار ثممم
سمحوا لتيير ،للسممباب نفسممها ،بممأن ينسممحب دونممما قتممال ويعيممد تنظيممم جيشممه .ولممو أمكممن لرجممال
الكوميونة أن ينتصروا بمجرد تأثيرهم المعنوي ،لكان لتصريحهم أهمية بالغة .لكن ليس هذا ما حممدث.
والحق أن عاطفيتهم النسانية لم تكن إل الوجه الثاني لسلبيتهم الثورية .إن رجال ً شاءت إرادة القدر
أن تسقط حكومة باريس بين أيديهم ،ول يفهمون ضرورة السمتفادة ممن ذلمك فموًرا وبصممورة كاملمة
ليندفعوا في أثر تيير ،وليسحقوه نهائًيا دون أن يتيحوا له الفرصة لتمالك نفسممه مممن جديممد ،وليضممعوا
يدهم على الجيش ،وليقوموا بتطهير ل مفر منه في صممفوف القيممادة ،وليحتلمموا الريممف والقمماليم ،أن
رجال ً كهؤلء غير مؤهلين بالطبع للضرب بيد من حديد على العناصممر المناهضممة للثممورة .ثمممة ارتبمماط
وثيق بين الحداث .فقد كان يستحيل الندفاع في أثر تيير بدون اعتقممال العملء فممي بمماريس ،وبممدون
إعدام المتآمرين والجواسيس .ولقد كان من الصممبيانية بمكممان أن تريممد اللجنممة المركزيممة تنميممة روح
العزيمة بين القوات التي يتزعمها جنرالت مناوئون للثورة ،في الوقت الممذي كممان تعتممبر فيممه اغتيممال
جنرالين مناوئين للثورة جريمة نكراء.
إن العزيمة القوية تعادل ،في الثمورة ،النسممانية السمامية .ولقممد أصماب ل فمروف حيممن كتمب:
"أنهم علممى وجممه التحديممد أولئك الرجممال الممذين يعلقممون كممبير القيمممة علممى الحيمماة النسممانية والممدم
البشري ،أنهم أنفسهم الذين يتوجب عليهم أن يستخدموا كل الوسائل لتحقيق نصممر سممريع وحاسممم،
عا أبممدًيا .ذلك أنممه عممن
والذين يتوجب عليهم فيما بعد أن يعملوا بأقصى سرعة لخضاع العداء إخضا ً
هذا الطريق وحده يمكن الحصول على أدنى حد من الخسائر المحتمة وأدنى حد من الدم المسفوح،
)ص .(225
47
بيد أن تصريح 19آذار يمكن أن يقدر تقديًرا أصح إذا فهم ل على أنه إعلن عن قانون مطلممق،
بل على أنه تعبير عن حالة معنوية عابرة غداة نصممر غيممر منتظممر تحقممق بممدون أي اراقممة للممدماء .إن
كاوتسكي الغريب كلًيا عن تفهم ديناميكية الثورة والحالة المعنوية التي تتبدل بسرعة نتيجممة لشممروط
داخلية ،إن كاوتسكي هذا يفكر بواسطة صيغ ميتة ويشوه مدلول الحداث عن طريق إقامة تشابهات
تعسفية .إنه ل يفهم إن ذلك التردد الكريم هو بصورة عامة طبيعي بالنسبة إلى الجماهير في مرحلممة
الثورة الولى أن العمال ل ينتقلون إلى الهجوم إل تحت ضغط ضرورة حديدية ،كممما أنهممم لمم ينتقلموا
إلى الرهاب الحمر إل تحت تهديد المجازر المناهضة للثورة .إن ما يصوره كاوتسكي على أنممه نتيجممة
الخلق السامية للبروليتاريمما الباريسممية ،عمام ،1871ل يميممز فممي الواقممع إلممى المرحلممة الولممى مممن
ضا.
الحرب الهلية .ولقد لوحظت وقائع مماثلة عندنا أي ً
لقد استولينا على السلطة في بترسبورع في تشرين الول والثاني من عام 1917دون اراقممة
دماء تقريًبا بل بدون اعتقالت .ولقد أطلع سراح وزراء كيرنسكي بعد الثورة مباشممرة .بممل أكممثر مممن
ذلك ،فبعد أن انتقلت السلطة إلى السوفييت ،أطلق سراح الجنرال القوقازي كراسنوف الذي همماجم
بترسبورغ بالتفاق مع كيرنسكي وأعتقال في غاتشممينا ،بنمماء علممى كلمممة شممرف منممه ،غممداة اعتقمماله
بالذات .أنها "شهامة" تميزت بها أيام الكوميونة الولى ،لكن هذا لم يمنع أنهمما كممانت خطممأ فممالجنرال
كراسممنوف بعممد أن قاتممل ضممدنا فممي الجنمموب طمموال أكممثر مممن عممام ،وبعممد أن ذبممح عممدة آلف مممن
الشيوعيين ،قد هاجم مؤخًرا بترسبورغ مرة أخرى ،لكن في صفوف جيش يودينيتش هممذه المممرة .أن
فا إل بعد تمرد الجنكر في بترسبورغ وبخاصة بعد تمرد التشيكو سمملوًفا الثورة البروليتارية لم تزدد عن ً
كيين في منطقة الفولغا – بتخريض من الكاديت والشتراكيين – الثوريين والمنشفيك – مما أدى إلممى
ذبح آلف الشيوعيين ،وبعد محاولة اغتيال لينين ،وأغتيال أوريتسكي ،الخ ،الخ.
لقد سارت الكوميونة في البداية ،مدفوعة بمنطقة النضال ،فممي طريممق التهديممدات .وأن خلممق
"لجنة السلمة العامة" قد أملته على الكثير من أنصارها فكرة الرهاب الحمر .فقد كان الهممدف مممن
خلق هذه اللجنة "قطع رؤوس الخونة" )الجريدة الرسمية رقم (123و"وأد الخيانة" )الجريدة نفسها
رقم .(124ومن بين مراسيم "التهديد" يجب أن نشير إلى المر الصادر في الثالث من نيسان بحجز
أموال تيير ووزرائه ،وهدم منزله ،والطاحة بعمود فانممدوم ،وبخاصممة مرسمموم الرهممائن .فمقابممل كممل
أسير أو نصير للكوميونة تعدمه قوات فرساي ،ينبغي إعدام ثلثممة رهممائن .ولقممد كممانت التممدابير الممتي
اتخذتها مديرية الشرطة التي كان على رأسها راؤول ريغو ،ذات طابع إرهممابي خممالص ،رغممم أنهمما لممم
ما منسجمة مع الهدف المنشود .ولقد أصاب الشلل واقع هذه التممدابير نتيجممة روح المصممالحة تكن دو ً
الشوهاء لدى عناصر الكوميونة القيادية ،ورغبتها في مصالحة البورجوازية بالعبارات الفارغة مع المر
الواقع ،وتذبذبها بين وهم الديمقراطية وواقع الديكتاتورية .ولقد عممبر ل فممروف عممن الفكممرة الخيممرة
هذه أجمل التعبير في كتابة عن الكوميونة:
"لقد كانت بمماريس الغنيمماء والبروليتماريين البائسمين ،بمماريس المفارقمات الجتماعيمة ،تتطلممب
باعتبارها كوميونة سياسية ،باسم المبادئ الليبيرالية ،حرية تامة في الكلم والجتممماع ونقممد الحكومممة
الخ .ولقد كانت باريس التي أنجزت الثورة لصالح البروليتاريمما والممتي اتخممذت هممدًفا لهمما تحقيممق هممذه
الثورة في المؤسسمات ،تتطلمب باعتبارهما كوميونمة للبروليتاريما العاملمة المتحمررة تمدابير ثوريمة أي
ديكتاتورية تجاه أعداء النظام الجديد" )ص .(144 – 143
ولو لم تسقط كوميونة باريس ،ولو استطاعت أن تستمر من خلل نضممال متواصممل ،لممما كممان
هناك شك في أنها ستلجأ إلى تدابير متزايدة الحزم لسحق الثورة المضادة .وصحيح أن كاوتسكي ممما
كان ليسمتطيع عنمدئذ أن يعمارض رجمال الكوميونمة النسمانيين بالشميوعيين الل إنسمانيين .لكمن تييمر
بالمقابل ما كان ليستطيع أن يقوم بمذبحته الرهيبة لبروليتاريمما بمماريس .وسمميكون للتاريممخ قممد صممفي
حسابه بعد كل شيء وهو رابح.
48
اللجنة المركزية التعسفية والكوميونة "الديمقراطية"
يروي كاوتسكي" :في 19آذار ،في اللجنممة المركزيممة للحممرس القممومي ،كممان البعممض يطممالب
بالزحف على فرساي ،والبعض الخر يطالب بدعوة النمماخبين ،والبعممض الثممالث يطممالب بمماللجوء إلممى
التدابير الثورية ،وكأن كل خطوة من هذه الخطوات "كما يبين لنا ذلك مؤلفنا بممروح عميقممة عظيمممة(
ضا وكأن بعضها يستبعد البعض الخر" )ص .(54 ليست ضرورية أي ً
وفي السطور التالية يقدم لنا كاوتسكي ،بصدد هممذه الختلفممات فممي قلممب الكوميونممة ،أفكمماًرا
مبتذلة حامية عن العلقات المتبادلة بيمن الصملحات والثمورة .والواقمع أن المسمألة كمانت مطروحمة
على هذا النحو :إذا كان ل بد من الهجوم على فرساي والقيام بذلك بدون إضاعة ثانيممة واحممدة ،فمممن
الضروري إعادة تنظيم الحرس القومي فوًرا ،وتسليم قيادته لكممثر العناصممر نضممالية مممن البروليتاريمما
الباريسية ،وهذا ما كان سيؤدي إلى أضعاف مؤقت لباريس في وضعها الثوري .لكن تنظيم النتخابات
في باريس وإخراج نخبة من الطبقة العاملة من قلبها ،كان أمر ل معنى لممه مممن وجهممة نظممر الحممزب
الثوري .يقيًنا أن الزحف على فرساي والنتخابات في الكوميونة ل يتناقضان البتة نظرًيا ،لكنهممما كانمما
يتنافيان عملًيا :فلنجاح النتخابات كان ل بد من أرجاء الزحف على فرساي ،ولنجاح هذا الزحممف كممان
لبد من أرجاء النتخابات .وأخيًرا ،فإن البروليتاريمما بقيامهمما بالحملممة ،كمانت ستضممعف بمماريس مؤقت ًمما،
وسيتوجب عند ذاك درء جميع إمكانيات المفاجآت المناهضة للثورة في العاصمة ،ذلك أن تيير ما كان
ليحجم أمام أي شيء ليشعل خلف رجال الكوميونة حريق الرجعية .كان ل بممد إذن مممن إقامممة نظممام
ما ،في العاصمة .كتب ل فروف" :لقد كانوا مرغمين على القتال ضد عممدد أكثر عسكرية ،أي أشد حز ً
كبير من العداء الداخليين الذين كانوا يربلون في باريس والذين كانوا بالمس يتمردون في ضممواحي
البورصة وساحة فاندوم والذين كان لهم ممثلوهم في الحرس القمومي ولهمم صمحافتهم وجمعيماتهم،
والذين كانوا يجرون التصالت فممي وضممح النهممار تقريب ًمما مممع قمموات فرسمماي ،والممذين كممانوا يممزدادون
ضمما
ما وجرأة كلما بدرت عن الكوميونة أي غفلة أو فشل" )ص .(87ولقد كان من الضممروري أي ً تصمي ً
في الوقت نفسه اتخاذ سلسلة من التدابير القتصادية المالية لتلبية حاجات الجيش الثوري قبممل كممل
شيء .إن كل هذه التدابير البالغة الضرورة للديكتاتورية ما كانت لتتفق إل بصعوبة مع حملمة انتخابيمة
واسعة النطاق .لكي كاوتسكي ل يملك أي تفهم لماهية الثورة فممي الواقممع .إنممه يعتقممد أن المصممالحة
نظرًيا تعني التنفيذ عملًيا.
كانت اللجنة المركزية قد حددت موعد النتخابات في الكوميونة في 22آذار ،لكنها لممما كممانت
تفتقد إلى الثقة بالنفس وخائفة من ل شرعيتها وتبذل جهدها فممي التصممرف بالنسممجام مممع مؤسسممة
أكثر "شرعية" ،فقد باشرت المفاوضات ،مفاوضات عمماجزة ول متناهيممة ،مممع الجمعيممة المجممردة مممن
السلطة ومن عمد ونواب باريس ،المستعدة لتقاسم السلطة معها ،ل لشيء إل لمجرد الوصول إلممى
اتفاق .وهكذا ضاع وقت ثمين.
إن ماركس الذي يحاول كاوتسكي ،حسب تقليد قديم ،أن يعتمد عليه ،لم يقترح ،فممي أي حممال
من الحوال ،انتخاب الحكوميونة وقذف العمممال فممي المموقت نفسممه فممي حملممة عسممكرية .لقممد كتممب
ماركس ،في رسالته إلى كوجلمان بتاريخ 12نيسان ،1871إن اللجنة المركزية للحرس القومي قممد
تخلت عن سلطاتها قبل الوان لتترك المجال حًرا للكوميونة .إن كاوتسكي حسب تعممبيره بالممذات "ل
يفهم" رأي ماركس هذا إل أن المر بسميط .لقمد كمان مماركس يفهمم علمى كمل الحموال أن المهممة
ليست الراكض وراء الشرعية ،بل تسديد ضربة قاتلة إلى العدو .ولو كممانت اللجنممة المركزيممة مؤلفممة
ما.
من ثوريين حقيقيين – على حد قول ل فروف الصائب – لكان عليها أن تتصرف بصورة مغايرة تما ً
فلقممد ارتكبممت خطيئة ل تغتفممر عنممدما منحممت أعممداءها فرصممة عشممرة أيممام قبممل النتخابممات ودعمموة
الكوميونة ،حتى يتمكنوا من استعادة قواهم في الوقت الذي كان فيه قممادة البروليتاريمما يتخلممون عممن
مهمتهم ول يعمترفون لنفسمهم بمالحق بتموجيه البروليتاريما مباشمرة .أن النقمص الشمامل فمي أعمداد
الحزاب الشعبية قد أنتج لجنة اعتبرت تلك اليام العشرة من الل عمل أنها كانت إلزامية.
إن مطامح اللجنة المركزية ،الراغبممة فممي تسممليم السمملطة بأسممرع وقممت ممكممن إلممى حكومممة
"شرعية" ،لم تكن تمليها عليهمما خرافممات ديموقراطيممة شممكلية هممي متمموفرة "أصمل ً بممل الخمموف مممن
المسؤوليات .أن اللجنة المركزية ،بحجة أنها مؤسسة مؤقتة ،رفضت أن تتخمذ أكمثر التمدابير ضمرورة
49
حا ،رغم أن كل جهاز السلطة كممان مركمًزا بيمن يممديها .والحمال أن الكوميونممة لمم تسمتعد كاممل
وإلحا ً
السلطة السياسية من اللجنة المركزية التي تابعت ،بدون حرج كبير ،تدخلها في الشؤون كافة وكممان
نتيجة ذلك وكان نتيجة ذلك ثنائية في السلطة بالغة الخطورة ،وبخاصة بالنسبة إلى الوضع العسكري.
في 3أيار ،أرسلت اللجنة المركزية إلى الكوميونة منممدوًبا طلمب إعممادة اسممتلم إدارة المموزارة
الحربية .ومن جديد – كما يقول ليساغاراي – طرحت هذه المسألة" .هل مممن المناسممب حممل اللجنممة
المركزية أو اعتقالها" أم ينبغي تسليمها إدارة الوزارة الحربية".
وبصورة عامة ،إن المشكلة هنا ليست مشكلة مبممادئ الديمقراطيممة بممل حاجممة الطرفيممن إلممى
برنامج واضح للعمل والرغبة المشتركة ،سواء ألدى التنظيممم الثمموري المطلممق المتجسممد فممي اللجنممة
المركزية أم لدى تنظيم الكوميونة "الديموقراطي" ،في إلقاء المسؤوليات على عاتق الطرف الخر،
دونما تخل كامل عن السلطة .إن مثل هذه العلقات السياسية غير جديرة بالتقليد.
"لكن اللجنة المركزية لم تحاول قط أن تمس المبدأ الذي ينص على أن السمملطة العليمما يجممب
أن تكون بيد المنتخبين عن طريممق النتخمماب العممام .وحممول هممذه النقطممة بالممذات ،تتعممارض كوميونممة
حا مع الجمهورية السوفياتية" )ص .(55إن وحدة الدارة الحكوميممة لممم يكممن لهمما ضا واض ً
باريس تعار ً
فمما.
من وجود ،وكذلك الجرأة الثورية ،بل وجممدت ثنائيممة السمملطة وكممانت النتيجممة انهيممار سممريًعا ومخي ً
وبالمقابل أليس هذا عزاء كافًيا؟ -لم يمس "مبدأ" الديمقراطية قط.
50
الكوميونة الديمقراطية والديكتاتورية الثورية
لقد سبق للرفيق لينين أن بين لكاوتسكي إن محاولة تصوير الكوميونة على أنهمما ديموقراطيممة
شكلية ليست إل شعوذة نظرية .لقد كانت الكوميونة ،سواء أبتقاليممد أم بنيممات مممن كممانوا يقودونهمما –
البلنكيون – التعبير عن الديكتاتورية الثورية لمدينة على البلد قاطبة .وهكذا كانت الحال فممي الثممورة
الفرنسية الكبرى .وهكذا كانت ستكون الحال في ثورة 1871لو لممم تسممقط الكوميونممة بسممرعة .إن
كون السلطة في باريس بالذات قد انتخبت على أساس القممتراع العممام ،ل يسممتبعد الواقعممة الخممرى
الكثر أهمية إل هي العمل العسكري للكوميونة ،لمدينة ،ضد فرنسا الفلحيممة ،أي ضممد المممة قاطبممة.
ولقممد كممان ل بممد ،كممي يكممون الممديموقراطي الكممبير كاوتسممكي راضمًيا عممن حممق ،أن يستشممير ثوريممو
قا ،عن طريق النتخاب العام ،كممل سممكان فرنسمما ليعرفمموا هممل مممن الممواجب أم ل أن الكوميونة مسب ً
يحاربوا عصابات تيير.
وأخيًرا ،في باريس بالذات ،تمت النتخابات بعد هرب البورجوازية المؤيدة لتيير ،أو على القممل
طا ،وبعد جلء الجيوش النظامية .البورجوازية التي بقيممت فممي بمماريس ،رغمممهرب أكثر عناصرها نشا ً
كل وقاحتها ،كانت تخشى المعارك الثورية ،وإنما في جو الخمموف هممذا – خمموف ناتممج عممن الحسمماس
المسبق بحتمية الرهاب الحمر في المستقبل – تمت النتخابات .أما أن يتعزى النسممان بممأن اللجنممة
المركزية للحرس القومي المتي تممت النتخابمات للكوميونمة فمي ظمل دكتاتوريتهمما – وقممد كمانت ممع
السف ديكتاتورية رخوة شوهاء – لم تمس مبدأ النتخاب العام ،فهذا ل يعنممي فممي الواقممع إل تسممديد
ضربات السيف إلى الماء.
كوميونة )الدوما البلدية( على أساس النتخاب "الديموقراطي" نفسه دونما تضممييقات بالنسممبة
إلى البورجوازية .ولقد أعطتنا هذه النتخابات ،بعد مقاطعة الحزاب البورجوازيممة ،غالبيممة سمماحقة ).(8
ولقد خذعت الدوما ،التي انتخبت انتخاًبا ديموقراطًيا ،لسوفييت بترسبورغ بملء إرادتهمما ،أي وضممعت
ديكتاتورية البروليتاريا فوق "مبدأ" النتخاب العام .وقد حلت نفسها فيما بعد مممن تلقمماء ذاتهمما لصممالح
أحدى شعب السوفييت البترسبورغي .وبهذا يكون سوفييت بترسبورغ – هذا الب الحقيقممي للسمملطة
السوفياتية – قد أحاطت به النعمممة اللهيممة ،هالممة ديموقراطيممة شممكلية تفمموق بمممرات هالممة كوميونممة
باريس.
وا مممن
وا في الكوميونة ،في انتخابممات 26آذار .وكممان مممن بينهممم 15عضم ً
لقد انتخبت 90عض ً
الحزب الحكومي )تيير( و 6من الراديكاليين البورجوازيين الذين كمانوا خصموم الحكوممة فمي الموقت
نفسه الذين كانوا يدينون فيه تمرد العمال البورجوازيين.
يقول لنا كاوتسكي" :ما كانت الجمهورية السوفياتية لتقبل قط بمثمل همذه العناصمر المناهضمة
للثورة ،ولو كمرشحين وكم بالحرى كمنتجين .أما الكوميونممة فلممم تضممع أي عقبممة فممي وجممه انتخمماب
فمما أن كاوتسممكي يشممن خصومها ،بدافع من احترامها للديموقراطيممة" )ص .(56 – 55ولقممد رأينمما آن ً
هجومه من جميع الجهات .ونحن نقول أول ً أنه في المرحلة المماثلة من تطور الثورة الروسية جممرت
انتخابات ديموقراطية في كوميونة بترسبورغ ،انتخابات تركت فيهمما السمملطة السمموفياتية كممل الحريممة
للحزاب ،وإذا كان الكاديت والشتراكيون – الثوريون والمنشفيك الذين كانت لهمم صممحافتهم والممذين
كانوا يدعون السكان علًنا إلى الطاحة بالسلطة السوفياتية ،قد قاطعوا النتخابات ،فهذا فقممط لنهممم
كانوا يأملون آنذاك أن يتخلصوا منا بسرعة بقوة السمملح ثاني ًمما ،لممم تكممن هنمماك فممي كوميونممة بمماريس
: ()8إن من المفيد أن نلحظ أن 230000ناخب في باريس اشتراكوا في النتخابات البلدية عام .1871
أما في النتخابات البلدية في تشرين الثاني 1917في بترسبورغ ،فقد اشترك فيها 400000ناخب ،رغم
مقاطعة النتخابات من قبل جميع الحزاب باستثناء حزبنا وحزب الشتراكيين الثوريين الذين لم يكن لهم
أي نفوذ تقريًبا في العاصمة .ولقد كانت باريس في عام 1871تعد 2000000ساكن .وكانت بترسبورغ
ضا .ول بد أن نأخذ بعين العتبار أن نظامنا النتخابي كان أكثر
تعد في عام 2000000 1917ساكن أي ً
ديموقراطية بما ل يقاس ،باعتبار أن اللجنة المركزية للحرس القومي قد أجرت النتخابات على أساس
القانون النتخابي المبراطوري.
51
ديموقراطية تجمع كممل الطبقممات .إذ لممم يكممن فيهمما مممن مكممان للنممواب البورجمموازيين – المحممافظين
والليبيراليين وأنصارغامبيتا.
كتب ل فروف" :جميع هؤلء الشخاص تقريًبا قد خرجوا من مجالس الكوميونممة أممما حممال ً وأممما
بسممرعة كممبيرة يقين ًمما لقممد كممان بإمكممانهم أن يكونمموا ممثلممي بمماريس – المدينممة الحممرة تحممت إدارة
البورجوازية – لكن مكانهم لم يكن البتة في الكوميونة الممتي كممانت ،شمماءت أم أبممت ،عممن وعممي أو ل
دا لثورة البروليتاريا ومحاولة ،وإن ضعيفة ،لخلق أشممكال مجتمممع وعي ،بصورة كاملة أو ناقصة ،تجسي ً
منسجم مع هذه الثممورة" )ص ،(112 – 111ولممو لممم تقمماطع البورجوازيممة البترسممبوغية النتخابممات
البلدية ،لكان ممثلوها قد دخلوا إلى دوما بترسبورغ ،ولكانوا بقوا فيها حتى التمرد الول للشممتراكيين
الثوريين والكاديت ،ذلك التمرد الذي كانوا على الرجح سيعتقلون بعده – رضي كاوتسممكي أم سممخط
– لو لم يتركوا الدوما في الوقت المناسب كما فعل ذلك في حينه العضاء البورجوازيين في كوميونة
باريس .ولقد كان مجرى المور سيظل كما هو باستثناء أن بعض مراحله كانت ستتم بصورة مغايرة.
إن كاوتسكي ،الذي يمجد ديموقراطية الكوميونة ويتهمها في الوقت نفسممه بممأن الشممجاعة قممد
خانتهمما تجمماه أنصممار فرسمماي ،ل يفهممم أن النتخابممات البلديممة الممتي تمممت بمسمماهمة العمممد والنممواب
"الشرعيين" المزدوجة المعنى ،كانت تعكس المل بعقد اتفاقية سلمية مع فرساي .وإنما ههنا يكمممن
عا .ولم تكن الجماهير قد اسممتهلكت بعممد أوهامهمما، ما ل صرا ً لب المسألة لقد كان القادة يريدون تفاه ً
ولم تكن السلطات الثورية المزعومة قد أتيح لها وقت النهيار بشكل يدعو إلى الرثاء .وكان هذا كلممه
يدعى "الديمقراطية".
لقد تنبأ فيرموريل" :علينا أن نسيطر على أعدائنا بالقوة المعنوي .علينا أل نمممس حريممة الفممرد
وحياته ."..لقد كان فيرموريل ،الطامح إلى أتقاء "الحرب الهلية" يدعو البورجوازية الليبيراليممة ،الممتي
كان يدينها في الماضي بل شفقة ،إلى تشكيل "سلطة نظامية ،معترف بها ومحترمة مممن قبممل جميممع
السكان الباريسيين" .ولقد كتبت "الجريدة الرسمية" التي كممانت تصممدر بممإدارة الممممي لممونغيه" :إن
سوء التفاهم المأسمموف لممه الممذي أدى فممي أيممام حزيممران ) (1848إلممى تسمملح طبقممتين أجتممماعيتين
الواحدة ضد الخرى ،ل يمكن أن يحدث بعد اليوم من جديد .إن تناحر الطبقات قد كف عممن الوجممود"
دا ،لنه لم يكن هناك إلى القليل من ) 30آذار( ،وفيما بعد" :إن كل اختلف قد اختفى من الن فصاع ً
الحقد والتناحر الجتماعيين" ) 3نيسان( وفي جلسة الكوميونة في 25نيسممان وقممف جممورن ،لسممبب
معين ،ليتباهي بأن "الكوميونة لم تمي الملكية قممط" .إنممما بهممذه الصممورة كممان يتخيممل أنممه سيكسممب
الرأي العام في الوساط البورجوازية ويتوصل إلى اتفاق.
يقول ل فروف بصواب كبير" :إن هذه التطمينات لم تجرد البتة من السمملح أعممداء البروليتاريمما
ممما أي تهديممد يكمممن لهممم فممي حممال انتصممارها .وبالمقابممل ،فإنهمما قممد جممردت
الذين كانوا يفهمممون تما ً
البروليتاريا من كل طاقة نضالية ،جعلتها تعمي ،عن قصد تقريب ًمما ،عممن وجممود العممداد الممذين ل يمكممن
لشيء أن يفت في عزائمهم" )ص .(371لكن هذه التطمينات الرخوة كانت مرتبطة أوثممق الرتبمماط
بوهم الديمقراطية .ولقد كان شكل الشرعية المزعومة يممدفع إلممى العتقمماد بممأن المسممألة يمكممن أن
تنحل بدون صراع .كتب أحد أعضاء الكوميونة آرثر آرنو" :أما جماهير السكان ،فقد كانت تؤمن ،ليس
بممدون سممبب ،بوجممود تفمماهم ضمممني مممع الحكومممة" .إن دعمماة المصممالحة ،العمماجزين عممن كسممب
ما ،إلى مهاوي الضلل. البورجوازية ،قادوا البروليتاريا ،كما هي الحال دو ً
أما أن البرلمانية ل تعبر ،في شروط الحرب الهلية المحتمة التي كانت قد بممدأت فع ً
ل ،إل عممن
العجز التوفيقي للفئات القيادية ،فهذا ما تدل عليه أوضح الدللة الطريقة غير المعقولة التي تمت بها
انتخابات الكوميونة التكميلية )16نيسان( .كتب آرثر آرنممو" :لممم نكحممن نممدري ممماذا نفعممل بالنتخمماب"
آنذاك .كان الموقف قد أصبح مأساوًيا حتى أنه لم تعد هناك ل الفرصممة ول بممرودة الممدم الضممروريتان
لتأتي النتخابات العامة بثمارها.
"كان جميع الرجال المخلصين لكوميونة موجودين في التحصممينات والقلع والمراكممز المتقدمممة
ولم يكن الشعب يعلق أي أهمية على همذه النتخابمات التكميليمة .ولمم تكمن المسمألة فمي الواقمع إل
مسألة برلمانية .ولم تكن الساعة ساعة حساب النتخابات ،بل ساعة تجميع الجنمود .لمم تكمن سماعة
52
معرفة هل ارتفعت أسهمنا أو انخفضت لدى المرأي العمام فمي بماريس ،بمل سماعة المدفاع عمن همذه
الخيرة ضد قوات فرساي" .لقد كان من الممكن لهذه الكلمات أن تفهم كاوتسكي ما وجه الصممعوبة
في التوفيق بين واقع الحرب الطبقية وبين ديموقراطية تجمع الطبقات كافة.
كتب ميليير ،أحد كبار أدمغة الكوميونة" :ليست الكوميونة جمعيممة تأسيسممية ،بممل هممي مجلممس
حربي .وينبغي أل يكون لها إل هدف واحد :النصر .وإل سلح واحممد :القمموة .وإل قممانون واحممد :قممانون
السلمة العامة".
لقد كانت الكوميونة النفي الحممي للديموقراطيممة الشممكلية ،ذلممك أنهمما رسممخت ،أثنمماء تطورهمما،
ديكتاتورية باريس العمالية على المة الفلحية .أن هذه الواقعة تسمميطر علممى الوقممائع الخممرى كافممة.
ومهما كانت جهممود السياسمميين الروتينييمن فممي حضممن الكوميونممة بالممذات للتشمبث بظمماهر الشمرعية
الديمقراطية ،فإن كل عمل من أعمال الكوميونة ،غير الكممافي مممن أجممل النصممر ،كممان كافي ًمما لتثممبيت
طبيعتها غير الشرعية.
لقممد عممدلت الكوميونممة ،أي البلديممة الباريسممية ،قممانون الخدمممة العسممكرية .وسمممت جريممدتها
سمما خج ً
ل. الرسمية" :الجريدة الرسمية للجمهورية الفرنسية" .كما أنها مست مصممرف فرنسمما ولممو م ً
وأعلنت انفصمال الكنيسمة والدولمة وألغمت ميزانيمة العبمادات .ودخلمت فمي اتصمالت ممع السمفارات
الجنبية ،الخ ،الخ .ولقد فعلت هذا كله باسم الديكتاتورية الثورية .لكن الديمقراطية كليمانصممو ،الممذي
كان ما يزال بعد يافًعا آنذاك لم يشأ أن يعترف لها بهذا الحق.
فقد صرح كليمانصو في الجمعية مع اللجنة المركزيممة" :أن التمممرد دافعًمما غيممر شممرعي .وعممما
قريب ستصبح اللجنة مدعاة للهزء ومراسيمها مدعاة للحتقممار .ثممم أن بمماريس ليممس لهمما الحممق فممي
التمرد على فرنسا وعليها أن تقبل شكلًيا بسلطة الجمعية".
لقد كانت مهمممة الكوميونممة حممل الجمعيممة الوطنيممة .وإن كاوتسممكي يبحممث الن لهممذه المممآرب
المجرمة عن ظروف مخففة.
ما ملكيين في حين أننمما أنه يحتج بأن رجال الكوميونة كانوا يواجهون في الجمعية الوطنية خصو ً
كنا نواجه في الجمعية التأسيسية ...اشتراكيين – ثوريين ومنشفيك .هذا ممما يمكننمما أن نسممميه أقممول ً
ل! إن كاوتسكي يتكلم عن المنشفيك والشتراكيين – الثوريين ،لكنممه ينسممى العممدو الوحيممد فكرًيا كام ً
الجدي :الكاديت .فقد كانوا يشكلون على وجه التحديد الحزب "الفرساوي" الروسي ،أي كتلة الملك
باسم الملكية ،وكان الستاذ ميليو يبذل جهده ليظهر بمظهممر الشخصممية العظيمممة .لقممد سممعى ميليممو
دا أنه وجدها بالتناوب في كوف مبكًرا – قبل ثورة أكتوبر بمدة طويلة – وراء شخصية غاليفه ) ،(9معتق ً
شخص الجنرالت كورنيلمموف والكسممييف وكاليممدين وكراسممنوف .وبعممد أن أرغممم كولتشمماك الحممزاب
السياسية على التراجع وحل الجمعية التأسيسية ،لم يكتف حزب الكاديت ،الحزب البورجوازي الوحيد
ضا بمودة متعاظمة باستمرار.الجدي ذو النزعة الملكية ،بأن أيده ،بل أحاطه أي ً
إن المنشفيك والشتراكيين – الثوريين لم يلعبوا عنممدنا أي دور مسممتقل ،كممما هممو شممأن حممزب
كاوتسكي في أحداث ألمانيا الثورية .لقد بنوا سياستهم كلها على التحالف مع الكاديت ،فضمممنوا لهممم
بذلك هيمنة ل تتناسب وعلقات القوى السياسية .إن حزبي الشممتراكيين – الثمموريين والمنشممفيك لممم
يكونا إل أداة اتصال الغرض منها كسب الثقة السياسممية للجممماهير الثوريممة المسممتيقظة ،عممن طريممق
: ()9الجنرال غاليفه :جنرال فرنسي ولد في باريس ) .(909 – 1830وقد اشتهر في معركة سيدان.
وأصبح وزيًرا للحربية عام " .1988المترجم".
53
المهرجانات الخطابية والنتخابية ،ليستفيد منها حزب الكاديت المبريممالي المنمماهض للثممورة – وبغممض
النظر أصل ً عن نتيجة النتخابات .إن تبعية الغالبية المنشفيكية والشتراكية – الثورية للقليممة الكمماديت
لم تكن غير هزء شبه علني بالمديموقراطية .لكن ليس هذا كل شيء .ففي كل جزء من البلد يممدوم
ممما بمانقلب منماهض للثممورة .وهممذا ممما حمدث فمي فيه النظام "الديموقراطي" طوي ً
ل ،ينتهي الممر حت ً
اوكرانيا التي وجدت فيها الرادا الديمقراطيممة الممتي بماعت السملطة السمموفياتية للمبرياليممة اللمانيمة،
ضمما فممي كوبممان حيممثوجدت نفسها ملقًيا بها في أحضان ملكيممة سكوروبادسممكي .وهممذا ممما حممدث أي ً
ضمما – وهممذه أهممم تجربممة لم م
اختفممت الممرادا الديمقراطيممة تحممت أقممدام دينيكيممن .وهممذا ممما حممدث أي ً
"ديموقراطيتنا" – في سمميبيريا حيممث أدت الجمعيممة التأسيسممية الحكومممة رسمممًيا مممن الشممتراكيين –
الثوريين والمنشفيك .نظًرا لغياب البلشفة – والحكومة واقعًيا من الكاديت ،إلى ديكتاتوريممة الميممرال
ضمما فممي الشمممال حيممث لممم يكممن أعضمماء الجمعيممة التأسيسممية القيصري كولتشاك وهممذا ممما حممدث أي ً
المتجسدون في حكومة الشممتراكي – الثمموري تشايكوفسممكي إل دمممى يعمممل مممن ورائهمما الجنممرالت
الروسيون والنكليز المنارئون للثورة ،وفي جميع الحكومات الصغيرة المتاخمة للحدود حدثت المور
أو تحدث هكذا :في فنلندا ،وأستوينا ،ولتوانيا ،وليتونيا ،وبولونيا ،وجيورجيا ،وأرمينيا ،حيث توطد نظممام
الملك والرأسماليين والعسكرية الجنبية تحت راية الديمقراطية الشكلية.
54
العامل الباريسي عام 1871والبروليتاري البترسبورغي عام
1917
أن واحد من أغلظ التوازنات التي أقامها تورتسكي بين الكوميونة وروسيا السوفياتية ،توازًيا ل
يبرره شيء وهو بمثابة عار من وجهة النظر السياسية ،هو التوازي المتعلق بصمفة العاممل الباريسمي
عام 1871والبروليتاري الروسي بين عامي .1919 – 1917أن كاوتسكي يصور لنا الول على أنه
ثوري متحمس ،قادر على أعظم نكران للذات ،في حين أنه يصور لنا الثاني أنانًيا ،فوضوًيا أهوج.
أن العامل الباريسي يقف وراءه ماض محدد إلى حد ل يحتمماج معممه إلممى التوصمميات الثوريممة أو
إلى الدفاع عن نفسه من تقاريظ كاوتسكي الحالي.
إل أن بروليتاريا بترسبورغ ليست لها دوافع ول تستطيع أن تستنكف عن مقارنة نفسممها بأختهمما
الكبرى .أن السنوات الثلث من النضممال المتواصممل الممذي خاضممه العمممال البترسممبورغيون مممن أجممل
ل ،ومن أجل الحفاظ عليها وتوطيدها ثانًيا وسط آلم لم يعرفها البشر قممط، الستيلء على السلطة أو ً
ورغم الجوع والبرد والخطار المستمرة ،تشكل حدًثا اسممتثنائًيا فممي سممجلت تاريممخ بطولممة الجممماهير
ونكرانها للذات .أن كاوتسكي ،كما سممنبين ذلممك فيممما بعممد ،يأخممذ أكممثر عناصممر البروليتاريمما الروسممية
ضا ليقارنها بنخبة رجال الكوميونة .أنه ل يتميز بشيء في هذه النقطة عن الوشمماة البورجمموازيين غمو ً
الذين يشعرون بمودة نحو أموات الكوميونة أكبر بما ل يقاس من مودتهم نحو احيائهمما .لقممد اسممتولت
ما ممن البروليتاريما الباريسمية .أن همذه البروليتاريا البترسبورغية على السلطة بعد خمسة وأربعين عا ً
الحقبة الفاصلة قد منحتنا تفوًقا كبيًرا .أن الطابع البورجمموازي الصممغيرة والحرفممي لبمماريس القديمممة،
ما عن بترسبورغ التي هي أكثف مركز للصناعة في العالم .أن هذا الظرف والجديدة جزئًيا ،غريب تما ً
الخير قد سهل علينا كثيًرا مهام التحريض والتنظيم وتوطيد النظام السوفياتي .أن بروليتاريتنا بعيممدة
عن امتلك التقاليد الغنية للبروليتاريا الفرنسية .لكن التجربة الكبيرة الناتجة عن فشل ،1905كممانت
ما تزال حية بالمقابل ،في بداية الثورة الراهنة ،في ذاكرة الجيل الكممبر س مًنا الممذي لممم ينممس واجممب
النتقام الذي تمرك لمه .إن العممال المروس لمم يممروا ،كالعممال الفرنسميين ،بمدرسمة الديمقراطيمة
والبرلمانية الطويلة المد ،المدرسة التي كانت في بعض الفترات عامل ً ها ً
ممما فممي ثقافممة البروليتاريمما
السياسية .لكن مرارة الخيبة وسم الريبية للممذين يقيممدان الرادة الثوريممة للبروليتاريمما الفرنسممية إلممى
ساعة نرجو أن تكون قريبة ،لم يتح لهما الوقت بالمقابل ليخيما على روح الطبقة العاملة الروسية.
لقد تعرضت كوميونة باريس إلى هزيمة عسكرية قبل أن تسمميب أمامهمما المسممائل القتصممادية
بكل ارتفاعها .وبالرغم من الصفات الحربية العظيمة للعمال الباريسيين ،فقد أصبح موقف الكوميونة
سا منه في وقت مبكر ،إذ أن تردد الدوائر العليمما وروح المصممالحة الكامنممة فيهمما سممبًباالعسكري ميئو ً
تفسخ الفئات الدنيا.
إن رصيد الحرس القومي كان 162000جندي عادي و 6500ضابط ،لكممن عممدد الممذين كممانوا
يذهبون فعل ً إلى القتال ،وبخاصة بعد هجوم 3نيسان غير المثمر ،كان يممتراوح بنممي عشممرين وثلثيممن
فا.
أل ً
أن هذه الوقائع ل تسيء البتة إلى سمعة العمال الباريسيين ول تعطي لحد الحق في أن ينفي
بسالتهم أو ينعتهم بالهرب من المعركة ،رغم أنه حدثت بعض حالت الهرب فممي صممفوفهم .فالطاقممة
الحربية لجيش من الجيوش تستمد قبل كل شيء من جهاز قيادة نظامي ومركزي .والحال أن رجممال
الكوميونة ما كانت لهم عن ذلك حتى الفكرة.
لقد كانت وزارة حرب الكوميونة تقيم ،حسب تعبير أحد المؤلفين ،فممي غرفممة مظلممة يمتزاحم
فيها جميع النمماس بالمنمماكب .وكممان مكتممب المموزير يغممص بالضممابط والحممرس القمموميين الممذين كممانوا
يطالبون إما بإمدادات عسكرية وإما بمممؤن ،أو يشممكون مممن عممدم اسممتبدالهم .وكممانوا يرسمملون إلممى
ممما ،بينممما كممانت الكتممائب
القيادة المحلية" .كانت بعض الكتائب تبقى في الخنادق من 20إلممى 30يو ً
55
ما .ولقد قتل عدم الهتمام كل انضباط بسممرعة .وبممات الكممثر شممجاعة ل
الخرى في حالة احتياط دو ً
يريد أن يتعلق مصيره إلى بنفسه .أما الخرون فراحوا يهربون .وكان الضباط يتصممرفون علممى النحممو
نفسه .كان البعض يتخلى عن مواقعه ليسعف جاًرا تنهمر عليه نيران العدو ،والبعض الخر يرحل إلى
المدينة) "....كوميونة باريس عام – "1871ب .ل فروف – – 1919ص .(100
إن مثل هذا النظام ما كان يستطيع أن يظل بمنجى من العقاب .ولقد أغرقممت الكوميونممة فممي
دا من نوعه لدى كاوتسكي ،فهو يقممول همماًزا رأسممه" :إن تسممييرالدم .لكننا نجد بهذا الصدد عزاًءا فري ً
الحرب ليس بصورة عامة الجانب القوى في البروليتاريا" )ص .(76
إن هذه الحكمة الجديرة ببانغلوس ) (10لهي بسمو حكمممة أخممرى لكاوتسممكي تقممول إن المميممة
حا لزمن الحرب ،بل هي بطبيعتها "أداة سلم".ليست سل ً
إن كاوتسكي الحالي يتلخص في الحقيقة قاطبة في هماتين الحكمممتين .وقيمتممه ل تكمماد تتجمماوز
الصفر المطلق" .إن تسيير الحرب ،كما ترون ،ليس الجانب القوي في البروليتاريمما .كممما أن المميممة
لم تخلق ليام الحرب" .إن مركب كاوتسكي قممد بنممى للمسممافر فمموق ميمماة المسممتنقعات الهممادئة ،ل
لمواجهة البحر الخضم واحتراق العواصف .وإذا كان قد بدأ الن يتبلل ويأخذ بالغرق ،فاللوم في ذلممك
ما على العاصفة والعناصر وضخامة المواج وسلسلة كاملممة مممن ظممروف أخممرى غيممر متوقعممة لممم حت ً
يخلق كاوتسكي أداته العظيمة لها.
لقد أخذت البروليتاريا العالمية على عاتقها مهمة الستيلء على السلطة .أما أن الحرب الهلية
"بصورة عامة" صفة لزمة للثورة "بصورة عامة" أو هي ليست كذلك ،فهممذا ل يغيممر البتممة مممن كممون
حركة البروليتاريا المتقدمة في روسيا وألمانيا وبعض أجزاء امبراطورية النمسا – المجر القديمممة قممد
اتخذت شكل حرب أهلية ضممارية ،وليممس هممذا علممى الجبهممات الداخليممة فحسممب ،بممل علممى الجبهممات
ضا .وإذا لمم يكمن تسميير الحمرب الجمانب القموى فمي البروليتاريما ،وإذا لمم تكمن المميمة الخارجية أي ً
العمالية صالحة إل للعصور السلمية ،فعلينا أن نرسم إشارة الصليب على الثورة الشممتراكية ،باعتبممار
أن تسيير الحرب هو أحد الجوانب القوية بما فيه الكفاية لدى الحكوممة الرأسمممالية الممتي لممن تسممح
ما للعامل بالوصول إلى السلطة بدون حرب .ول يبقى علينا إل أن نعتبر ما يسمى بم "الديمقراطية حت ً
الشتراكية" من طفيليات المجتمع الرأسمالي والبرلمانية البورجوازيممة ،أي أن نوافممق علن ًمما علممى ممما
يفعله في السياسة أمثال ليبرت وشايدمان ورونوديل ،وعلى ما يبدو أن كاوتسكي ممما يممزال يعارضممه
بعد.
أن تسيير الحرب لم يكن الجانب القوى في الكوميونممة .ولهممذا السممبب سممحقت .وبممأي قسمموة
سحقت!
كتب في حينه فيو المؤرخ الليبيرال ،الليبيرالي المعتدل بالحرى" :يجب أن نرجممع إلممى مجممازر
سيل وأنطوان وأوكتاف ،لنجد مثل هذه الغتيالت في تاريخ المم المتمدنة .إن الحممروب الدينيممة فممي
ظل أواخر الفاليين وليلممة سممان برتلمممي وعصممر الرهمماب ،ليسممت بالمقارنممة إل لعممب أطفممال .ففممي
السبوع الخير وحده من أيار ،رفعت من باريس 17000جثة من جثث التحاديين المتمردين ...ولقد
استمر التقتيل حتى 15حزيران".
: ()10الدكتور بانغلوس :أحدى شخصيات "كانديد" رواية فولتير .كان مربي كانديد ،وكان متفائل الفلسفة،
ويرى أن كل شيء على ما يرام حتى في أسوأ الكوارث "المترجم".
56
أصبحنا أقوياء .لقممد سممحقت الكوميونممة .ونحممن نمموجه الضممربة تلممو الضممربة إلممى جلديهمما .أننمما ننتقممم
للكوميونة ونثأر لها.
من بين 167000حرس قومي كانوا يتقاضممون الرواتممب ،كممان 20000إلممى 30000يممذهبون
إلى القتمال .وهمذه الرقمام ذات فمائدة للسمتنتاجات المتي يمكمن استخلصمها عمن دور الديمقراطيمة
الشكلية في المرحلة الثورية .أن مصير كوميونة باريس لم يتقرر في النتخابات ،بل في المعارك ضد
جيش تيير.
لكن في الحقيقة ،أنما قرر مصائر الكوميونة في القتال 20000أو 30000رجممل هممم القليممة
صا وشجاعة .إن هذه القليممة لممم تكممن معزولممة ،ولممم تكممن إل لتعممبر بمزيممد مممن الشممجاعة
الكثر أخل ً
ونكران الذات عن إرادة الغالبية .ولممم يكممن الخممرون ،الممذين اختفمموا فممي اللحظممة الحرجممة ،معممادين
ما .ولقد أتاح للكوميونة .بل على العكس كانوا يدعمونها إيجابًيا أو سلبًيا ،لكنهم كانوا أقل وعًيا وتصمي ً
تخلف حسهم الجتماعي ،فممي حلبممة الديمقراطيممة السيايسممة ،المجممال الخممداع المغممامرين وفرسممان
الصناعة والبرلمانيين البورجوازيين الصغار والثقلء الشرفاء الذين كانوا يخمدعون أنفسممهم بأنفسمهم.
لكن عندما أصبحت المسألة مسألة حرب طبقية صريحة ،تبعوا القليممة المخلصممة إن قليل ً وإن كممثيًرا.
ولقد وجد هذا الموقف تعبيره في تنظيم الحرس القومي .ولو طال وجود الكوميونممة ،لتممدعمت أكممثر
فأكثر هذه العلقات المتبادلة بين الطليعة وجماهير البروليتاريا .ولكان التنظيم المذي تأسمس وترسممخ
في إطار حرب صممريحة كتنظيممم للجممماهير الكادحممة ،قممد أصممبح تنظيممم دكتاتوريتهمما ،سمموفييت نممواب
البروليتاريا المسلحة .
57
ماركس و ...كاوتسكي
يرفض كاوتسكي باحتقار رأي ماركس عن الرهاب ،الممرأي الممذي عرضممه فممي "جريممدة الرايممن
الجديدة" .ففي ذلك الوقت ،كان ماركس ما يزال "شماًبا" كمما تعلمممون )أنمه كاوتسممكي الممذي يلفمت
انتباهنا إلى هذا( ،أي أن آراءه لم يكن قد أيتح الوقت لها بعد لتلين ،ولم تكنه تشكرو بعد ،كممما نممرى،
من ذلك الرتخاء العام الذي هو ظاهرة مميزة لعدد\ من النظريين عندما يصلون إلى سممن السممبعين.
وكاوتسكي يفضل أن يستشهد بماركس الناضج ،معاصر كوميونة باريس ،ليقممارنه ،مظه مًرا شمميًئا مممن
التناقض ،بماركس 1849 – 1848الذي كان بعد في عنفوانه )عندما ألف "البيممان الشمميوعي"( .إن
ماركس الناضج الطيب ذاك يبدو لنا تحت ريشة كاوتسكي ،وقد جرد بالصل من لبدته البيضاء كأسممد
مسن ،مفكًرا هادًئا ،يطأطئ رأسه بورع أمام مذبممح الديمقراطيممة ،ويشممنف آذاننمما بخطبممة عممن عممدم
قابلية الحياة النسانية المقدسة للنتهاك ،ويتكلم مع كممل الحممترام المناسممب عممن السياسممة الجذابممة
لشايدمان ،وفاندرفيلد ،وبخاصة حفيده بالدم جان لونغيه .وبكلمة واحدة ،يبممدو ممماركس ،وقممد أعمادته
عا لكاوتسكي.فا وشجا ًالتجربة إلى الحكمة ،نصيًرا شري ً
إن كاوتسكي لم يستخلص من الكتاب الخالد "الحرب الهلية فممي فرنسمما" الممذي تممدب الحيمماة
دا صغيًرا من السطور ،السطور التي يقيم فيها في صفحاته من جديد بحمية عجيبة في عصرنا ،إل عد ً
نظري الثورة الجتماعية العبقري توازًيا بين كرم رجال الكوميونة وضراوة الفرساويين البورجوازية.
مما .مماركس ،داعيمة لحسمان ولقد فتتت كاوتسكي هذه السمطور ولمم يمترك لهما إل معنمى عا ً
المجرد ،ورسول المحبة العالمية! فلكأننما أممام يموذا أو تولسمتوي ...لقمد أراد مماركس أن يمرد علمى
حملة الفتراءات الدولية التي كانت تعمل على تصوير رجال الكوميونة بممأنهم قمموادون ،ونسمماء رجممال
الكوميونة بأنهن مومسات .وإنما ضد هذه الفممتراءات الممدنيئة الممتي كممانت تصممم المقهممورين بصممفات
الوحشية ،والتي كانت من ثمار مخيلممة المنتصممرين البورجمموازيين الفاسممقة ،سمملط ممماركس الضممواء
وأشار إلى بعض أعمال الرحمة وكبر النفس التي لم تكن في غالب الحيان ،في الحقيقممة ،إل النتممائج
المؤسفة لبعض التردد في سلوك الرجال الكوميونة .وأن يكون ماركس قد سلك هذا السلوك ،فهممذا
صا لنفسه أنه لم يكن ل دعًيا سوقًيا ،ول مدعي عام الثممورة :بممل أمر مفهوم :فبذلك ظل ماركس مخل ً
ضمما دفاع ًمما عممن
كان يعرف ،من خلل تحليله العلمممي الخممالص لقيمممة الكوميونممة ،كيممف يجعممل منممه أي ً
ضمما .لكنممه عنممدما كممان يممبين تسممامحالثورة .لم يكن يكتفي بالشرح والنقد ،بل كان يممدافع ،ويقاتممل أي ً
الكوميونة التي خسرت المعركة ،لم يكن يخامره أي شك فممي التممدابير الممتي يتمموجب علممى كوميونممة
مستقبلة أن تتخذها لكسب هذه المعركة نفسها.
أن مؤلف "الحرب الهلية في فرنسا" يتهم اللجنة المركزية التي كانت آنذاك ما نسممميه اليمموم
سوفييت نواب الحرس القومي ،بأنها تخلت قبل الوان عن سلطاتها للكوميونة المنتخبة .وكاوتسممكي
"ل يفهم" أسباب هذا التوبيخ .أن هذا العتراف الموسوس بالعجز عن الفهم له دللتممه الخاصممة علممى
الغبارة التي يصاب بها كاوتسكي حين يريد أن يحكم على قضايا الثورة .فلقمد كمان مماركس يمرى أن
المكانة الولى يجب أن تكون لجهاز المعركة الذي ينبغي أن يكون مركز التمرد والعمليات العسممكرية
ضما بهمذه الخيمرة ألضد الفرساويين ،ل لدارة مستقلة من الديمقراطيمة العماليمة .ولقمد كمان مفرو ً
تعمل إل بدورها ،وفيما بعد.
يتهم ماركس الكوميونة بأنها لم تبممدأ الهجمموم فمموًرا علممى الفرسمماويين ،وبأنهمما اتخممذت موقممف
دا" ويسمممح بالستشممهاد بالقممانون الخلقممي والحقمموق عا سعي ًالدفاع الذي يترك ،في الحقيقة" ،أنطبا ً
المقدسة للحياة النسانية ،لكن الذي ل يقود بالمرة إلى النصر في حالة الحممرب الهليممة .والحممال أن
ماركس كان يريد قبل كل شيء انتصار الثورة .أنه ل يقول كلمة واحدة ليضع مبدأ الديمقراطية فمموق
مصممالح الطبقممة المناضمملة .بممل علممى العكممس ،أن ممماركس يتكلممم باحتقممار مركممز يميممز فيممه الثمموري
والشيوعي – ماركس الناضج الفكر مؤلمف "الرأسممال" ،ل المحمرر الشماب فمي "جريمدة الرايمن" –
أعني ماركسنا الحقيقي ذا اللبدة الهصور التي لم يقصها بعد حلقو مدرسمة كاوتسمكي – أن مماركس
هذا يتكلم باحتقار مركز عن "الجو المصطنع للبرلمانية" الذي يبدو فيه الصغار من أمثال تييممر )صممغار
الفكار والجسام( وكأنهم مردة! إن كتاب "الحرب الهلية في فرنسمما" يممروي ظمأنمما كالعاصممفة بعممد
كتيب كاوتسكي القاحل ،الدعي ،الخيالي.
58
إن ماركس ،بالرغم من تحليل كاوتسكي المليء بالفتراءات ،ل يؤيد البتة الممرأي الممذي يعطممي
الديمقراطية الكلمة الخيرة يجعل منها الحل السمممى وغيممر المشممروط للتاريممخ .أن تطممور المجتمممع
البورجمموازي ،الممذي خرجممت منهمما الديمقراطيممة المعاصممرة ،ل يشممكل البتممة دمرقطممة متدرجممة ،تلممك
الدمرقطة التي كان يحلم بها ،قبل الحرب ،كبير طوبممائيي الديمقراطيممة الشممتراكية ،جممان جمموريس،
والتي يحلم بها اليوم أعلم الدعياء قاطبة ،كارل كاوتسكي لقممد أعتممبر ممماركس امبراطوريممة نممابليون
الثالث "الشكل الوحيد المقبول لحكومة في عصر فقدت فيه البورجوازية القدرة على حكممم الشممعب
ولم تتمكن فيه الطبقة العاملة بعد من تلك القممدرة" .إذن ،ليسممت الديمقراطيممة بممل هممي البونابرتيممة
التي تمثل ،من وجهة نظر ماركس ،المرحلة النهائية لسلطة البورجوازية .ومن يتقيممد بالحرفيممة ،دون
أن يفهم الروح ،قد يقول أن ماركس كان مخطًئا ،باعتبار أن إمبراطورية بونممابرت أفسممحت المجممال،
طوال نصف قرن من الزمن ،أمام "الجمهورية الديمقراطية" .لكممن ممماركس لممم يكممن مخطًئا .فمممن
حيث الساس ،كان على صواب .لقد كانت الجمهورية الثالثة عصر تفسخ الديمقراطية الكامل ،ولقممد
وجدت البونابرتية في جمهورية بوانكاريه وكليمانصو المالية تعبيًرا أكمممل مممن ذاك الممذي وجممدته فممي
ظل المبراطورية .والحق أن الجمهورية الثالثة لم تتوج رأسها بالتاج المممبراطوري ،لكممن كممان يخيممم
فوقها بالمقابل ظل قيصر روسيا.
لقد تجنب ماركس بعناية ،وهم يقيم الكوميونة ،اللجمموء إلممى اللفظيممة الديمقراطيممة الممتي هممي
كالنقود المهترئة من كثرة الستعمال .لقد كتب" :كانت الكوميونة مؤسسة غير برلمانية بممل عماليممة،
وقد مارست وظائف السلطتين التنفيذية والتشريعية مًعا" .أن ما يعطيه ماركس القيمة الولى ليممس
هو الشكل الديموقراطي العزيز على كاوتسكي ،بل الطابع الطبقي الساسي .لقد الغممت الكوميونممة،
كما هو معروف ،الجيش النظممامي والشممرطة ،وأمممرت بتحويممل أملك الكهنمموت إلممى الشممعب .ولقممد
فعلت هذا باسم الحق الثوري الدكتاتوري لباريس ،دون أن تستشير قوة الديمقراطية المستقلة التي
كانت تجد في تلك الفترة ،إذا ما رجعنا على الشكال القائمة آنذاك ،تعبيًرا أكثر "شرعية" بكممثير فممي
جمعية تيير الوطنية .لكن الثورة ل تتم بالتصويت .يقول ماركس" :لم تعد الجمعية الوطنيممة تلعممب إل
دوًرا مرحلًيا في هذه الثورة التي كان ما يممزال ممثلهمما الصمميل بمماريس المسمملحة" أل مما أبعممدنا عممن
الشكلية الديمقراطية!
ضا" :كان يكفي نظام الكوميونة أن يتوطد في باريس والمراكز الثانوية ،حممتىيقول ماركس أي ً
يرغم الحكومة المركزية القديمة على إخلء المكان ،حتى في القمماليم ،لدارات المنتجيممن المسممتقلة
ذاتًيا" .ويرى ماركس أن مهمة باريس الثورية كانت تكمن ل في الحصول على التأييد المشممكوك فيممه
للجمعية التأسيسمية ،بمل فمي تغطيمة فرنسما كلهما بشمبكة ممن الكومونمات المتجمعمة حمول المركمز
والمشكلة ل على أساس مبادئ الديمقراطية الظاهرية ،بل على أساس استقلل إداري ذاتي حقيقممي
للمنتجين.
أن كاوتسممكي يأخممذ علممى الدسممتور السمموفياتي تعممدد درجممات نظممامه النتخممابي الممذي يخممالف
وصفات الديمقراطية البورجوازية وأن ممماركس يميممز بنيممه فرنسمما العماليممة ،كممما اتضممحت مممن خلل
الكوميونة ،على النحو التالي" :أن التسيير العام لشؤون سائر الكوميونممة الريفيممة فممي كممل محافظممة
يجممب أن يعهممد بممه إلممى جمعيممة واسممعة الصمملحيات تقيممم فممي عاصمممة المحافظممة وعلممى جمعيممات
المحافظات أن ترسممل بممدورها ممثليهمما الواسممعي الصمملحيات علممى الجمعيممة الوطنيممة المقيمممة فممي
باريس".
إن ماركس ،كما نرى ،ل يجد ما يأخذه على تعدد درجات النظام النتخابي إذا كان الهممدف منممه
تنظيم البروليتارية .وأن تعممدد المدرجات همذا يمحممو ،فمي إطمار الديمقراطيمة البورجوازيمة ،الخطمموط
المميزة للحزاب والطبقات .لكن تعدد الدرجات في نظام "السمتقلل الداري المذاتي للمنتجيممن" أي
في الدولة البروليتارية الخالصة ،مسألة تتعلق ل بالسياسة ،بل بآليمة الدارة المسمتقلة ذاتًيما ،ويمكمن
أن تمثل ،في بعض الحدود ،مزايا شبيه بالمزايا التي نتجب عنها في ميدان التنظيم المهني.
إن الضيقي الفق من البورجوازيين يستنكرون الل مساواة القائمة بين العمال والفلحين ،مممن
وجهة نظر التمثيل ،وهي ل مساواة تجعل الختلف في الدوار التي تلعبها المدينة والقرية في الثممورة
سا في الدستور السوفياتي .كتب ماركس ممما يلممي" :كممانت الكوميونممة تريممد أن تربممط منتجممي
محسو ً
59
الريف بالقيادة الفكرية لمراكمز المحافظممات ،وأن تضمممن لهمم ،فممي شممخص عممال المممدن ،التمثيممل
الطبيعي لمصممالحهم ،وأن تضمممن لهممم ،فممي شممخص عمممال المممدن ،التمثيممل الطممبيعي لمصممالحهم".
وبالفعل ليست المسألة تقرير المساواة بين الفلح والعامل على الورق ،بل رفع الول إلى المستوى
الفكري للثاني .ولقد درس ماركس جميع المسائل المتعلقة بالدولة البروليتارية من زاوية الديناميكية
الثورية للقوى الحية ،ل كأنها لعبة ظلل صينية على شاشة معرض البرلمانية.
صما منمه علمى بلموغ الحمد القصمى ممن انحطماطه الفكمري ،ينكمر السملطة إن كاوتسمكي ،حر ً
المستقلة للسوفيتيات العمالية بحجة أنه ل يوجد تمييز حقوق بين البروليتاريا والبورجوازية .ويسممتنتج
كاوتسكي تعسف الديكتاتورية السوفياتية من أن التمييزات الجتماعية ل تتم بموجب قاعدة .والحممال
ما" :لقد كانت الكوميونة شكل ً حكومًيما كمبير المرونمة ،فمي حيمن أن أن ماركس يقول عكس ذلك تما ً
كل أشكال الحكم التي سبقت تميزت بصلبتها .أن سممر الكوميونممة يكمممن فممي أنهمما كممانت ،بماهيتهمما،
حكومة الطبقة العاملة ونتيجة الصراع الذي احتممدم بيممن المنتجيممن والمحتكريممن ،والشممكل السياسممي
الذي طال البحث عنه والذي يسمح بالتحرير القتصادي للعمل" .إن سممر الكوميونممة كممان يكمممن فممي
أنها كانت ،بماهيتها ،حكومة الطبقة العاملة .وإن هذا السر الذي أفاض في شرحه ماركس ،ممما يممزال
بالنسبة إلى كاوتسكي سًرا خبيًثا تحت قمقم مختوم سبعة أختام.
إن فريسيي الديموقراطي يتحدثون باستنكار عممن القمممع الممذي مارسممته السمملطة السمموفياتية،
وعممن إغلق الصممحف ،وعممن العتقممالت والعممدامات .ولقممد رد ممماركس علممى "التهويشممات الممدنيئة
لمأجوري الصحف" وعلى مآخذ "المتمذهبين البورجموازيين المغرضمين" بصمدد القممع المذي مارسمته
الكوميونة ،رد بهذه العبارات" :أن الفرساويين الذين لم يكتفوا بشن حرب دامية صريحة ضد باريس،
كانوا يحاولون أن يتغلغلوا سًرا إلى المدينة بالرشوة والمؤامرات .فهل كانت الكوميونة تستطيع ،فممي
مثل هذا الظرف ،وبدون أن تخون رسالتها بأبشع صورة ،أن تحافظ على الشكال الوضممعية لليبراليممة
وكأن السلم حولها لم يعكره أحد؟ ولو كانت حكومممة الكوميونممة تحركهمما الممروح نفسممها الممتي تحممرك
حكومة تيير ،لما كان هناك أي داع لمنع نشر صحف "النظام" في باريس ونشر صحف الكوميونة في
فرساي" .وهكذا فإن ما يطالب به كاوتسكي باسم أقدس مبادئ الديمقراطيممة ،قممد فضممحه ممماركس
على أنه خيانة بشعة.
أما أعمال التخريب التي أخذت على الكوميونة ،كما تؤخذ اليوم على السلطة السوفياتية ،فإن
ماركس يتكلم عنها باعتبارها "ضرورة محتمة ،نتائجها بالصل عديمة الدللة نسبًيا ،في الصراع الجبار
المحتدم بين المجتمع الجديد الذي يرتفع وبيممن المجتمممع القممديم الممذي سممقط" .إن أعمممال التخريممب
ممما فممي الحممرب .وليممس غيممر الوشمماة والشممطار يعتبرونهمما جممرائم "فممي حممرب
والفظممائع محتمممة دو ً
المضطهدين ضد مضطهديهم ،الحرب العادلة الوحيدة التي شهدها التاريخ" )إنها تعممابير ممماركس( .إل
أن متهمنا المأفون كاوتسكي ل يفكر في كتابه لحظة واحدة بالتذكير بأننا مرغمممون علممى الممدفاع ،بل
كلل ،عن الثورة ،وبأننا نخوض حرًبا شعواء ضد مضمطهدي العمالم قاطبمة" ،الحمرب العادلمة الوحيمدة
التي شهدها التاريخ".
ومرة أخرى يقرع كاوتسكي صدره وهو يرى أن السلطة السوفياتية التي لممم تممتراجع أمممام أي
وسيلة ،قد أخذت الرهائن أثناء الحرب الهلية .وبما عهدنا فيه من سوء نية وعممدم منطممق ،يقيممم مممن
جديد توازًيا بين السمملطة السمموفياتية الشممديدة القسمموة والكوميونممة الكممبيرة النسممانية .وإليكممم رأي
ماركس الواضح الدقيق التعبير بهذا الصدد" :حين أشاع تيير ،منذ بدايممة الحممرب الهليممة ،تلممك العممادة
الفائقة النسانية ،عادة إعممدام السممرى مممن رجممال الكوميونممة ،لممم يعممد أمممام الكوميونممة إل أن تأخممذ
ظا على حياة السرى ،حسب العادة التي أدخلها البروسيون .ولما كان الفرسمماويون لممم الرهائن ،حفا ً
يكفوا عن إعدام السرى .فممإنهم كممانوا بممذلك يضممحون بالرهممائن .وكيممف كممان يمكممن أل يعممدموا بعممد
المجزرة التي ل تصدق التي احتفل بها حرس ماك .ماهون المبراطوري عند دخوله باريس؟" .ونحممن
نتساءل مع ماركس :كيف كان يمكننا أن نتصرف بغير الصورة التي تصرفنا بها أثنماء الحمرب الهليمة،
حين كانت الثورة المضادة التي تحتل جزًءا كبيًرا من الرض القومية تقبض ،أينما أمكنها ،على العمال
العزل من السلح وعلى نسائهم وأمهاتهم ،وتعدمهم وتشنقهم؟ وهل هناك من عمل آخر غير القبممض
على الرهائن من بين الناس الذين تعطف عليهم البورجوازية وتضع فيهم ثقتها ،وغيممر تسممليط سمميف
داموكليس فوق رؤوس البورجوازية المتضامنة فيممما بينهمما؟ وليممس هنمماك أي صممعوبة لثبممات أن كممل
العمال القاسية التي ارتكبتها السلطة السوفياتية قد اقتضتها حاجات الممدفاع الثمموري .ول نعتقممد أنممه
60
يتوجب علينا ههنا أن ندخل في تفاصيل هذا الثبات .لكن لكي نسممهل تقييممم شممروط النضممال بمعيممار
جزئي ،فإننا سنذكر فقط هذه الواقعة :بينمما كمان الحمراس المبيض وحلفماؤهم النكلمو – الفرنسميون
يعدمون بل استثناء كل شيوعي يقع بين أيديهم ،كان الجيش الحمر يعفو عن حياة جميممع السممرى بل
استثناء بما فيهم الضباط الكبار.
كتممب ممماركس" :إن الطبقممة العاملممة ،الواعيممة إلممى أقصممى حممدود المموعي رسممالتها التاريخيممة،
والمصممة بقوة وبطولة على أن تظل بمستوى رسالتها ،تستطيع أن ترد بابتسامة ازدراء هادئة علمى
التهويشات الدنيئة لمأجوري الصممحف وعلممى القمموال المتعالمممة المجيممرة للمتمممذهبين البورجمموازيين
المغرضين الذين ل ينتج جهلهم التام إل الكليشهات والقوال المعادة المكررة والغباوات المألوفة من
طبقتهم ،المغلفة بلهجة العرافين القدرية الذين يتحدثون باسم علم معصوم عن الخطأ".
وإذا كان المتمذهبون البورجوازيون المغرضون يلعبممون أحيان ًمما دور النظرييممن المتقاعممدين فممي
الممية الثانية ،إل أن هذا ل يجرد غباوات طبقتهم من حقها في أن تظل على ما هي عليه غباوات.
61
الطبقة العاملة وسياستها السوفياتية البروليتاريا الروسية
لقد وجدت مبادهة الثورة الشتراكية نفسها ،بدافع مممن قمموة الشممياء ،ل بيممن يممدي البروليتاريمما
الوروبية الغربية المسنة مممع تنظيماتهمما السياسممية والمهنيممة القويممة وتقاليممدها الجليلممة والثقيلممة فممي
البرلمانية والتريديونية ،بل بين يدي الطبقة العاملة الشابة لبلد متخلف .ولقممد تبممع التاريممخ ،كممما هممي
ما ،خط المقاومة الضعف .ولقد اندفع العصر الثوري من الباب الذي سد بأقل عناية ممكنة. الحال دو ً
وإن المصاعب الفائقة التي نستطيع أن نقول بجرأة أنها كانت فوق طاقة النسممان والممتي اصممطدمت
بها البروليتاريا الروسية ،قد هيأت وعجلت وسممهلت إلممى حممد كممبير العمممل الثمموري لبروليتاريمما أوروبمما
الغربية الذي مازلنا بانتظاره.
وإن كاوتسكي ،بدل ً من أن يعتبر الثورة الروسية نقطة انطلق لعصر ثوري سيعم العالم أجمع،
ما زال يناقش مسألة معرفة ما إذا كانت.
وإليكم تفسيره" :للوصول إلى الشتراكية ،ل بد أن يكممون الشممعب متمتعًمما بثقافممة عاليممة ،وأن
تكون الجماهير عالية المعنويات ،ول بد من أن يكون هنمماك تطممور كممبير للغممرائز الجتماعيممة ،وشممعور
سا( موجممودة علممى مسممتوى بالتضامن ،إلخ ..ولقد كانت هذه المعنويات )يضيف كاوتسكي ليعطينا در ً
ممما لممدى الجممماهير الممتي تعطممي فممي المموقت
عال لدى بروليتاريي كوميونة باريس .وهي معدومممة تما ً
الراهن البروليتاريا البولشفية صبغتها" )ص .(120
وباعتبمار الهمدف المذي ينشمده كاوتسمكي ،فمإنه ل يكتفمي بالسمعي إلمى السماءة إلمى سممعة
البلشفة كحزب سياسي في نظر قرائه .فكاوتسكي يبذل جهده ،لعلمه أن البولشفية قد أصبحت من
دا والبروليتاريمما الروسممية ،أقممول يبمذل جهممده ليسمميء إلممى سممعة البروليتاريمادا شيًئا واح ً
الن فصاع ً
الروسية في مجموعها ،وليصورها على أنها جماهير جاهلة ،بل مثل أعلى ،شرهة إلى إشممباع حاجاتهمما
المباشرة ،ل توجهها إل غرائزها وإيحاءات اللحظة الحاضرة .ويشكك كاوتسممكي فممي كتممابه أكممثر مممن
مرة بالمستوى الفكري والخلقي للعمال ا لمروس ،وذلمك ليزيمد ممن قتاممة اللموان وليثبمت جهلهمم
وغباوتهم وهمجيتهم .وليزيد كاوتسكي من حدة المفارقة يستشهد بمثال مأخوذ ممن عهمد الكوميونمة،
ممما عامممل يقممومعن مصنع حربي أقام فيه الممثلون العماليون خدمة ليلة حتى يكون فممي المصممنع دو ً
بتسليم السلحة التي أصلحت لمن يأتي طالب ًمما لهمما" .ولممما كممان مممن الضممروري ،كممما ينممص القممانون،
مراعاة التقشف الشديد في نفقات الكوميونة في الظروف ** ويستنتج كاوتسكي" :في الحقيقة لممم
ممما يسمممح لهممم بإشممباع الحاجممات الشخصممية" يكن أولئك العمال يعتبرون زمن دكتاتوريتهم ظرًفا ملئ ً
قا واجباتهمما ،ول تعممرف ما .فهي ل تعي مطل ً ً تما )ص .(65أما الطبقة العاملة الروسية فهي شيء آخر
أفكارها استقراًرا ،وتفتقر إلى القدرة على الحتمال وإلى نكران الذات إلخ ..كما أنها أصبحت عمماجزة
ممما كممما أن بممارونعن أن تضع على رأسها قادة جديرين بهذا السم )أنه مزاح كاوتسممكي اللذيممذ( تما ً
مونشاوزن ) (11كان عاجًزا عن الخروج من المستنقع بشدة لشعره .إن هذه المقارنة بين البروليتاريمما
الروسية والسيد كراك ) (12اللماني لمثال بليغ عن الوقاحة التي يعامل بها كاوتسكي الطبقممة العاملممة
في روسيا.
إنه يستخرج من خطاباتنا ومقالتنمما مقمماطع نفضممح فيهمما بعممض الجمموانب السمميئة وبعممض رذائل
عالمنا العمالي ،ويحاول أن يثبت أن السلبية والجهل والنانية تكفي لتمييز صفات وسلوك البروليتاريا
الروسية ،من 1917إلى ،1920في عصر هو من أعظم العصور ثورية.
لكأن كاوتسكي يجهل ،لم يسمع قط ،ول يستطيع أن يخمن أو يفترض أن البروليتاريا الروسممية
قد أتيحت لها الفرصة أكثر من مرة ،أثناء الحرب الهلية ،لتقوم بعمل متجممرد وتقيممم "بصممفة مجانيممة
خالصة" خدمة ليلية ،ل خدمة عامل واحد في ليلة واحدة ،بل خدمة آلف ** من العمال طمموال ليممال
كاملة في حالة إنذار مستمر .فطوال أيام وأسابيع ،حين كان بودينتش يزحف على بترسممبورغ ،كممانت
وحيممن طممرح حزبنمما مشممروع العمممل الضممافي أيممام السممبت والحممد ،وجممدت المثاليممة الثوريممة
للبروليتاريا أسمى تعبير عنها في المتطوعين للعمل .فقد كانوا في البداية عشرات ومئات ،فأصممبحوا
فيما بعد آلًفا ،ثم عشرات ومئات اللف من العمال الذين تخلوا عن كل أجرة وكرسوا بضع سمماعات
عمل من كل أسبوع لمصالح إنعاش البلد اقتصادًيا .ولقد كمان هممؤلء رجمال ً ناقصمي التغذيمة ،يرتممدون
أحذية ممزقة ويلبسون أسمال ً وسخة ،لن البلد كانت تفتقر إلى الحذيممة والصممابون .هممذه هممي ،فممي
سمما فممي نكممران الممذات .لكممن مممنالواقع ،البروليتاريا البولشفية التي ينصحها كاوتسكي بأن تأخذ درو ً
أجل المزيد من إيضاح الوقمائع وتسلسملها ،يكفينما أن نمذكر بممأن كممل العناصممر النانيممة ،البورجوازيممة،
المنتهزة على حساب البروليتاريا – جميع الذين سعوا إلى الهرب من الجبهة ومن عمل يموم السمبت،
والذين اهتموا بالتهريب ،والذين حرضوا العمال على الضراب طمموال أسممابيع المجاعممة ،جميممع هممؤلء
صوتوا أثناء انتخابات السوفييتات للمنشفيك ،أي لنصار كاوتسكي الروس.
إن كاوتسكي يستشهد بعباراتنا الخاصة ليثبت أننا كنا نممدرك ،حممتى قبممل ثممورة تشممرين الثمماني،
النقص في ثقافة البروليتاريا الروسية ،لكننا كنا نعتقد ،باعتبار أننا نؤمن بحتمية انتقممال السمملطة إلممى
أيدي الطبقة العاملة ،بأن لنا الحق في أن نأمل بأن نتوصل إلى التغلب على المصاعب وإلممى ضمممان
التوطد النهائي للنظام الشتراكي فممي روسمميا ،أثنمماء النضممال بالممذات وبفضممل التجربممة الممتي سممتأتي
وبالمساعدة المتعاظمممة باسممتمرار والمقدمممة مممن بروليتاريمما البلممدان الخممرى .وبهممذا الصممدد يطممرح
دا فقممطكاوتسكي الستفهام التالي" :هل كان تروتسكي ليقممرر أن يمتطممي قمماطرة ويسمميرها ،معتم م ً
على إمكانية دراسممة آليتهما وتمدبير كمل شميء أثنماء السمير؟ إنممه لمممن المناسمب أول ً الحصممول علمى
المعارف الضرورية لتسيير القاطرة ،قبل أن يقرر المرء تسييرها .ولقد كان على البروليتاريمما أول ً أن
تحصل على المعارف والصفات الضرورية لتكون قادرة على توجيه الصناعة مادامت تدعي أنها تتعهد
بهذا التوجيه" )ص .(117
إن هذه المقارنة البليغة يمكن أن تشرف راعًيا قروًيا .لكن هذا ل يقلل من غبائها .ولعلممه يحممق
لنا أكثر أن نقول :هل كان كاوتسكي ليقرر أن يمتطي حصمماًنا قبممل أن يكممون قممد تعلممم كيممف يحفممظ
توازنه ويقود الدابة مشًيا أو خبًبا أو جرًيا ،أو بأي سرعة؟ :إن لدينا من السباب ما يدفعنا إلى العتقاد
بأن كاوتسكي لن يقرر المجازفة بمثل هذه المغممامرة الخطممرة للغايمة والبولشمفية مئة بمالمئة .لكننما
نخشى ،من جهة أخرى ،أن يشعر كاوتسكي ،لعدم جرأته على امتطاء الحصان ،ببعممض الصممعوبة فممي
حل جميع ألغاز المعادلة ذلك أن نقطة النطلق البولشفية الساسية هي العتقماد بمأن النسمان ،كمي
يتعلم امتطاء الخيل ،ل بد أن يقوم بالمحاولة الولى دون تهيئة مسبقة.
أما فيما يتعلق بقيادة قاطرة فإن نقطة انطلقنا ليست مقنعة أول ً إلى هذا الحد ،إل أنهمما تظممل
صحيحة .فما من إنسان تعلم قيادة القاطرة وهو جالس في مكتبممه .فل بممد للمممرء مممن تسمملق اللممة،
63
وحماية نفسه منها ،ووضع يده على الجهاز المنظم ،وإدارتمه .وصمحيح أن دراسمة سمير القماطرة تتمم
بواسطة المناورات بإرشاد ميكانيكي محنك ،وأن تعلم ركوب الخيل يتم في ميدان للسممباق بإشممراف
فرسان .لكن من أجل حكم الشعب ،يستحيل اللجوء إلى هذه الطرائق المصطنعة فممي الدراسممة .إن
البورجوازية لم تخلق للبروليتاريمما مممدارس للدارة العامممة ،ول تعهممد إليهمما بآلممة الدولممة لتجممري عليهمما
تجارب مؤقتة .وعلى كل ،وحتى ،فيما يتعلق بتعلم ركوب الخيل ،فإن العمممال والفلحيممن ل يحتمماجون
إلى ميادين السبق ول إلى المساعدة المدربين من الفرسان.
وينبغي أن نضيف إلى هذه العتبارات اعتباًرا آخر هو على الرجح أهمها :إن ما من أحممد يممترك
للبروليتاريا حرية امتطاء الحصان أو عدم امتطائه ،والستيلء على السلطة حال ً أو أرجاء المر إلى ما
بعد .فهناك ظروف تضطر فيها الطبقة العاملة إلى السممتيلء علممى السمملطة ،وإل فإنهمما تتعممرض إلممى
تهديد القضاء عليها ،من وجهة النظر السياسية ،لحقبة تاريخية طويلة .وعندما تستولي على السلطة،
يستحيل عليها أن تقبل بإرادتها ببعمض نتمائج همذا العممل وأن ترفمض غيرهما .وإذا كمانت البورجوازيمة
الرأسمالية تستفيد عن وعي وخبممث مممن فوضممى النتمماج كوسمميلة فممي الصممراع السياسممي لسممتعادة
السلطة المطلقة ،فممإن البروليتاريمما مرغمممة علممى تشممريك المصممانع ،دون أن تتسمماءل هممل فممي هممذا
التشريك ربح لها أو خسارة ،لحظة التشريك بالذات .وحين تأخذ البروليتاريا النتاج على عاتقها ،فإنهمما
تكون مرغمة ،تحت ضغط ضرورة حديدية ،على أن تتعلم من نفسها ،من التجربممة ،كيممف تممؤدي هممذه
المهمة البالغة الصعوبة ،وكيف تنظم النظام القتصادي الشتراكي .فالفارس ،حين يكون علممى ظهممر
الحصان ،مرغم على قيادة حصانه وإل دق عنقه.
إن كاوتسكي يستشهد ،ليعطي أنصاره المخلصين والمخلصممات فكممرة مناسممبة عممن المسممتوى
الخلقي للبروليتاريا الروسية ،يستشهد في الصفحة 116من كتيبه بالتفويض التالي الصادر على حد
زعمممه عممن مجلممس السمموفييت العمممالي فممي مورزيلوفكمما" :إن مجلممس السمموفييت يعطممي جميممع
السلطات ،عن طريق التفويض التالي ،إلى الرفيق غريغوار سارييف ليصادر حسممب اختيمماره وإرادتممه
وليقود إلى الثكنات لحاجات فرقة المدفعية الموجودة في حاميممة مورزيلوفكمما ،قضمماء بريانسممك60 ،
امرأة وفتاة يتم اختيارهن من طبقة البورجوازيين والمحتكرين .في 16أيلول ) "1918نشره الدكتور
ناث وينتش – مالييف في كتابه "ماذا يفعل البلشفة" لوزان – 1919ص .(10
ودون أن أضيع لحظة واحدة في الشك في زيف هذه الوثيقممة وكممذب هممذا التفممويض ،أصممدرت
المر بالقيام بتحقيق دقيق ،كي أطلع على الوقائع أو الحداث التي قد يمكممن اسممتخدامها فممي تزويممر
مثل هذه الوثيقة .وإليكم ما قرره التحقيق الذي تم بعناية بالغة:
في قضاء بريانسك ل توجد البتة ناحية معروفة باسم مورزيلوفكا كممما أن هممذا السممم ل -1
وجود له في القضية المجاورة .وأقرب اسم إلى السم المذكور هممو مورافيوفكمما وهممي
إحدى قرى قضاء بربانسك .لكن ما من فرقة مدفعية دخلممت أحياءهمما قممط ولممم يحممدث
فا.
فيها أي شيء يمكن أن تكون له صلة بم"الوثيقة" المذكورة آن ً
شمل التحقيق كل خط قوات المدفعية .ولم تقع في أي مكان علممى أي أثممر يممذكر ،ولممو -2
من بعيد ،بالواقعة التي يستشهد بها كاوتسكي حسب تعابير ملهمة.
وأخيًرا سعي التحقيق إلى معرفة ما إذا كان أحد في الناحية قد سمع عن مدينممة تحمممل -3
اسم مورزيلوفكا .فلم نكتشف شيًئا .وليممس هممذا مده ً
شمما! فمضمممون الوثيقممة المممزورة
متناقض إلى أقصى الحدود ممع تقاليمد ورأي عمام العممال والفلحيمن المتقمدمين المذين
يوجهون مجالس السوفييت حتى في أكثر المناطق تأخًرا.
وعلى هذا ينبغي أن نصف هذه الوثيقة بأنها مزورة تزويًرا سيًئا يعجز الدساسون المفترون في
أكثر الصحف الصفراء صفراوية عن التيان بما هو أحسن منه.
64
وفي اللحظة التي كان يجري فيها التحقيق الذي تكلمت عنه ،سلمني الرفيق زينوفييف نسممخة
من الجريدة السويدية سفنسكا داغبلديت ،الصادرة في 9تشرين الثاني ،1919وفيهمما صممورة طبممق
الصل من التفويض ذي المضمون التالي:
تفويض
"حامل هذا ،الرفيق كارازييف ،مفوض بحق تشريك فتمماة بيممن 16و 36سممنة يختارهمما الرفيممق
كارازيييف من مدينة إيكاتيران أود )هذا المكان محذوف(".
يفاتشيف )(13
الغلفكوم
ضا أسمخف وأوقمح ممن الوثيقمة المتي يستشمهد بهما كاوتسمكي .فمدينمة إن هذه الوثيقة لهي أي ً
إيكاتيرينودار ،مركز منطقة كوبان ،لم تعش إل فترة قصيرة للغاية ،كما هو معروف ،في ظل سمملطة
السوفييتات .ومزور هذه الوثيقة ،القليل الطلع كما هممو بمديهي علممى التأريممخ الثموري ،قممد محمما مممن
وثيقته التاريخ ،خوًفا من أن يقول ،خطأ ،إن الغلفكوم إيفاتشيف قممد شممرك نسمماء إيكمماتيرينودار فممي
الوقت الذي كانت محتلة فيه من قبل جنود دينيكين .وأما أن هذه الوثيقممة قممد عللممت بالوهممام بعممض
المحدودي النظر من البورجوازيين السممويديين ،فليممس فممي هممذا ممما يممدهش .لكممن القممارئ الروسممي
ضا مممن قبممل أجنممبي يحمممل المعجممم سيتبين فوًرا أن هذه الوثيقة ليست مزورة فحسب ،بل مزيفة أي ً
فممي يممده .فمممن المممثير أن نلحممظ أن اسمممي "مشممركي" النسمماء" ،غريغمموار سممارييف" و"الرفيممق
ممما عممن اللغممة الروسممية .فأسممماء السممر الروسممية نممادًرا ممما تنتهممي
كارازييف" لهما جرس غريممب تما ً
بم"يييف" ،ول نجد هذه الحروف إل في بعض السماء المركبة .لكممن منهممم البلشممفة ،مؤلممف الكتمماب
ما منتهًيما بمم"يييمف" )وينتمش – باللغة النكليزية الذي يستشمهد بمه كاوتسمكي ،يحممل همو نفسمه اسم ً
ماليييف( .وواضح أن هذا الشخص ،هذا الدسمماس النكلممر – بلغمماري ،المحبمموس فممي مكتبممه بلمموزان،
يخلق "مشركي" نساء – نستطيع أن نقول ذلك بكل ثقة – على صورته.
: ()13غلفكوم تعني "لجنة رئيسية أكثر مما تعني "قوميسير رئيسي" ،وبذلك تعني أما "اللجنة الرئيسية" أو
"القوميسير الرئيسي") .المترجم الفرنسي(
65
السوفييتات والنقابات والحزب
ل تمثل السوفييتات باعتبارها شكل تنظيم الطبقة العاملة ،في نظر كاوتسممكي ،وبالنسممبة إلممى
ما ،ل تمثل شكل ً تنظيمًيا أسمى ،بل تقليمم ً
دا مصممطنًعا الحزاب والمنظمات المهنية في بلدان أكثر تقد ً
رديًئا يفرض نفسه نظر لعدم وجود منظمات سياسية )ص .(51لنفترض أن هذا صحيح بالنسممبة إلممى
روسيا .لكن أشرحوا لنا في مثل هذه الحال لم ظهرت السوفييتات في ألمانيا! أما كان مممن الممواجب
التخلي عنها كلًيا في جمهوريممة إيممبرت؟ لكننمما نعممرف أن هيلفردينممغ الممذي تتقممارب آراؤه إلممى أقصممى
الحدود من آراء كاوتسكي ،كان يقترح في الماضي إدخال السوفييتات في الدستور .إل أن كاوتسكي
ل يتفوه عن هذا بكلمة واحدة.
ضا أن نعممترف ،حممتى نكممون عممادلين، وإذا اعتبرنا السوفييتات مؤسسة "بدائية" للغاية ،ينبغي أي ً
بأن النضال المكشوف ،النضممال الثمموري ،طريقممة أكممثر "بدائيممة" مممن العمممل البرلممماني لكممن العمممل
البرلماني مصطنع ومعقد ،ول يمكن أن يهم بالتالي إل طبقة عليا قليلة العدد .والثورة غيممر ممكنممة إل
عندما تكون الجماهير معنية .ولقد حركت ثورة تشرين الثاني جماهير لم يفكر قط الحزب الشتراكي
– الديموقراطي بتجميعها .ومهما كانت منظمات الحزب والنقابممات واسممعة فممي ألمانيمما ،فممإن الثممورة
عا .ولقد وجممدت الجممماهير الثوريممة ممثلهمما المباشممر فممي منظمممة بالغممة البسمماطة تجاوزتها كلها اتسا ً
وبمتناول الجميع ،في سوفييت مندوبيها .ومن الممكن أن نعممترف بممأن سمموفييت المنممدوبين ل يرتفممع
إلى علو الحزب أو النقابة فيما يتعلق بوضمموح البرنامممج أو مسممتوى التنظيممم .لكنممه يقممف عالي ًمما فمموق
الحزب والنقابات من حيث عدد البشر القادر على جرهم إلى النضال الثوري ،وهذا التفوق في العممدد
يعطي السوفييت مزايا ل نقاش فيها فممي زمممن الثممورة .إن السمموفييت يضممم شممغيلة جميممع المصممانع
وجميع المهن قاطبة ،مهما كانت درجة تطورهم الفكري ،ومهما كان مستوى ثقافتهم السياسية ،وهو
بالتالي مرغم موضوعًيا على التعبير عن المصالح التاريخية العامة للبروليتاريا.
لقد كان "بيان الحزب الشيوعي" يعتبر أن مهمة الشيوعيين هي على وجه التحديد التعبير عممن
المصالح العامة ،المصالح التاريخية للطبقة العاملة قاطبة.
"يتميز الشيوعيون عمن غيرهممم مممن الحممزاب البروليتاريمة – حسممب تعمبير البيمان – فمي أنهمم
يضعون من جهة أولى مصالح كل الجماهير البروليتارية بغض النظر عن الجنسيات ،فمموق كممل اعتبممار
آخر ويدافعون عنها في نضال بروليتاريي مختلف المم ،وفممي أنهممم الممثلممون الممدائمون ،مممن الجهممة
الثانية ،في جميع مراحل الصراع القائم بين البروليتاريا والبورجوازية ،لمصلحة الحركة ،منظوًرا إليهمما
في مجموعها" .وأن تنظيم السوفييتات الطبقي يجسد هذه الحركممة "منظمموًرا إليهمما فممي مجموعهمما".
ومن هنا نتبين لماذا وكيف استطاع الشيوعيون ولماذا وكيف توجب عليهممم أن يكونمموا الحممزب القممائد
للسوفييتات.
ضا نتبين كم هو خاطئ حكم كاوتسكي على السوفييتات بأنهمما "تقليممد مصممطنع" لكن من هنا أي ً
ضا نرى غباء محاولة هيلفردينغ لدخال السوفييتات ،بصفة رافعة ثانوية ،فممي آليممة للحزب .ومن هنا أي ً
الديمقراطية البورجوازية .إن السوفييتات هي تنظيم الثممورة البروليتاريمة ،ولهما قيمتهمما إمما باعتبارهمما
جهاًزا نضالًيا من أجل السلطة ،وإما باعتبارها جهاز سلطة في يد الطبقة العاملة.
إن كاوتسكي الذي لم يفهم الدور الثوري للسوفييتات ،يممرى العيممب الساسممي فممي ممما يشممكل
دا فاصمل ً
على العكس جدارتها الساسية ،فهو يقول" :من المسممتحيل أن نقيممم تميي مًزا ،أن نرسممم حم ً
حا بين البورجوازيين والعمال .وإن لفي هذا التمييز شيًئا تعسممفًيا يحممول فكممرة السمموفييتات إلممى واض ً
ضا عن خلممق نظممام للحكممم محممدد ومبنممي ً أي ما
ً تما يعجز لكنه الدكتاتوري، الستبداد ما
ً تما يناسب مبدأ
بناء منهجًيا".
إذا ما صدقنا كاوتسكي إذن ،فإن الديكتاتوريممة الطبقيممة ل تسممتطيع أن تخلممق مؤسسممات تلئم
طبيعتها ،باعتبار أنه ل وجود لحد فاصل دقيق بين الطبقات .لكن ماذا نفعل في مثل هممذه الحممال ،لممو
نظرنا إلى المسألة من زاوية أوسع ،بالصراع الطبقي؟ ذلك أن أيديولوجيات البورجوازية الصغيرة قد
66
ما في تعدد درجات السلم الجتماعي التي تفصل البورجوازية عن البروليتاريا ،أقمموى حجممة وجدت دو ً
لها ضد "مبدأ" الصراع الطبقي بالذات .وإن كاوتسكي يتوقف وقد سيطر عليممه الشممك ،فممي اللحظممة
التي تنظم فيها البروليتاريا دكتاتوريتها فعلًيا في نظام حكم السوفييتات ،بعد أن تكون قد تغلبت على
عديمية الطبقات المتوسطة وعدم استقرارها وجرت وراءها جزًءا من هذه الطبقات ودفعت بالجزاء
الخرى إلى معسكر البورجوازية .إن السوفييتات هي جهاز سيطرة بروليتارية ل يمكن لي جهاز آخممر
أن يحل محله ،لن أطرها مرنة ولينة بحيث أن جميع التبممدلت ،ل الجتماعيممة فحسمب بممل السياسمية
ضا ،التي تطرأ على وضع الطبقات النسبي ،تستطيع أن تجد فوًرا تعبيرهمما فممي الجهمماز السمموفياتي. أي ً
والسوفييتات التي تبدأ بالمصانع والمعامل الكممبيرة ،تممدخل فيممما بعممد فممي تنظيمهمما عمممال الورشممات
ومستخدمي التجارة .ومن ثم تنتقل إلى القرى وتنظم نضال الفلحين ضد الملكين العقمماريين ،وتممثير
فيما بعد الفئات الدنيا والمتوسطة من العالم الفلحي ضد الفلحين الغنياء )أعيان القرية( .وتستخدم
الدولة العمالية العديد من المستخدمين الذين ينتمون ،إلى حد كبير ،إلى البورجوازية والعالم الفكري
البورجوازي .وكلما أظهمروا انضممباطهم تجمماه النظممام السمموفياتي ،أتيحمت لهممم إمكانيمة تمممثيلهم فمي
السوفييتات .إن النظام السمموفياتي الممذي يتسممع ،أو يضمميق أحيان ًمما ،حسممبما تتسممع أو تضمميق المراكممز
الجتماعي التي تحتلها البروليتاريا ،يظل الجهاز الحكومي للثورة الجتماعية في دينمماميكيته الداخليممة،
في مده وجزره ،في أخطائه ونجاحاته .وحين تنتصر الثورة الجتماعية نهائًيا ،يمتد النظام السمموفياتي
ليشمممل جميممع السممكان ،ويفقممد بالتممالي طممابعه الحكممومي وينحممل فممي تعاونيممة جبممارة للمنتجيممن
والمستهلكين.
وإذا كان الحزب والتحادات المهنية منظمات مهمتها تهيئة الثورة ،فإن السوفييتات هممي سمملح
هذه الثورة .وبعد انتصارها ،تصبح السوفييتات أجهزة السلطة .ويطرأ تعديل جوهري على دور الحزب
والنقابات دون أن تتضاءل أهميته.
إن التسيير العام للمور يظل متمركًزا بين يدي الحزب وليس ذلك لن الحممزب يحكممم بصممورة
مباشرة ،فجهازه ل يتلءم مع هذا النوع من الوظائف .لكن له صوته الحاسممم فممي كممل ممما يطممرأ مممن
قضايا مبدئية .بل أكثر من ذلك ،فقد جعلتنا التجربة نقرر أن الكلمة الخيممرة تعممود إلممى لجنممة الحممزب
المركزية ،في جميع المسائل التي يثور حولها النزاع ،وفي جميع النزاعات التي يمكن أن تنشب بيممن
الدارات وفي النزاعات الشخصية داخل الدارات .إن هذا يوفر الكثير من المموقت والطاقممة ،ويضمممن
وحدة العمل الضرورية في أصعب الظروف وأحرج المواقف .إن مثل هذا النظممام غيممر ممكممن إل إذا
ظلت سلطة الحزب فوق كل جدال ،وإل إذا كانت الكلمة الحاسمة لنضباط الحزب .ومن حسن حظ
قا ممما إذا كممان مممن
ما في حزبنا .ومن الصعب أن نقول مسب ً الثورة أن هذين الشرطيين متوافران تما ً
ما ثورًيا قوًيا حزب شيوعي يتمتع ً تنظي ماضيها لها يخلف لم الممكن أن يوجد في البلدان الخرى التي
بنفس الهيبة التي يتمتع بها حزبنا حين تدق ساعة الثورة البروليتارية .لكن من البممديهي أن حممل هممذه
المسألة سيكون له تأثير بالغ على سير الثورة الشتراكية في كل بلد من بلد العالم.
إن الدور السمتثنائي المذي لعبمه الحمزب الشميوعي ،حيمن حققمت الثمورة البروليتاريمة النصمر،
ما .فالمسألة هي مسألة ديكتاتورية طبقة .والطبقة تتألف من عدة فئات آراؤها وعواطفها مفهوم تما ً
ليسممت واحممدة ومسممتوياتها الفكريممة متباينممة .والحممال أن الديكتاتوريممة تفممترض وحممدة الرادة ،وحممدة
التجاه ،وحدة العمل .فعن أي طريق يمكن أن تتحقق؟ إن الهيمنة الثورية للبروليتاريا تفترض هيمنممة
حزب ذي برنامج للعمل محدد وانضباط داخلي حديدي في قلب البروليتاريا بالذات.
إن سياسة التكتل متناقضة أشد التناقض مع نظام الديكتاتوريممة البروليتاريممة .ول نتحممدث ههنمما
عن التكتل مع الحزاب البورجوازية ،فهذه مسألة غير مطروحة البتة ،بممل عممن تكتممل الشمميوعيين ممع
المنظمات "الشتراكية" الخرى التي تمثل على درجات متباينة الفكممار المتخلفممة للجممماهير الكادحممة
وآراءها المسبقة.
إن الثورة تهدم بسرعة كل ما هو غير مستقر ،وتبلي كل ممما همو مصمطنع أن التناقضمات المتي
يسعى التكتل إلى تقنيعها تتكشف تحت ضغط الحداث الثورية .ولقد لحظنا ذلممك فممي مثممال المجممر،
حيث اتخذت ديكتاتورية البروليتاريا كشكل سياسي لها التحالف بين الشمميوعيين والشممتراكيين الممذين
لم يكونوا إل النصار المقنعين للتفاهم مع البورجوازية .وسرعان ما تفكك التحالف .ولقد دفع الحزب
67
الشيوعي غالًيا ثمن العجز الثوري والخيانة السياسية لرفاقه في المغامرة .ومن البدهي كممل البداهممة
أنه كممان مممن الخيممر للشمميوعيين المجرييممن أن يصمملوا إلممى السمملطة متممأخرين ،تمماركين للشممتراكيين
اليساريين )اشتراكيي التحالف مع البورجوازية( إمكانية التورط نهائًيا .وصممحيح أن بمقممدور المممرء أن
يتساءل عم إذا كان مثل هذا السلوك يتعلق بإراداتهم .إن التكتل مع هؤلء الشتراكيين الذي لم يكممن
له من فائدة ،في جميع الحالت ،إل التقنين المؤقت لضعف الشيوعيين المجريين النسبي ،قد منعهممم
في الوقت نفسه من تقوية أنفسهم على حساب حلفائهم المتقلبين وقادهم إلى كارثة.
ويقدم مثال الثورة الروسية تفسيًرا كافًيا لهذه الفكرة نفسها فتكتل البلشفة مممع الشممتراكيين
– الثوريين اليساريين قمد انتهمى بقطيعمة مفماجئة بعمد أن دام عمدة أشمهر .وصمحيح أننما لسمنا ،نحمن
الشيوعيين ،الذين دفعنا القسم الكبر من تكاليف هممذه القضممية ،بممل هممم رفاقنمما غيممر الوفيمماء .ومممن
البدهي أن تكتل ً لنا القوة فيه ول نجازف بالتالي كثيًرا بأن نستخدم ،لمرحلة فقط ،اليسممار المتطممرف
من الديمقراطية )يسار البورجوازيين الصغار( – أقول من البدهي أن هذا التكتل ل يسممح بتموجيه أي
لوم لنا من وجهممة النظممر التكتيكيممة .إل أن هممذه المرحلممة مممن التحممالف مممع الشممتراكيين – الثمموريين
ما يقوم على المصالحات والتوفيقات والتنازلت المتبادلة – وهممذا اليساريين تدل بوضوح على أن نظا ً
ما يقوم عليه نظام التكتل – ل يمكن أن يصمد طويل ً في عصر تتغير فيه المواقف بسرعة بالغة ،في
عصر يضع فوق كل شيء وحدة وجهات النظر الضرورية لمكانية وحدة العمل.
لقد اتهمنا أكثر من مرة بأننا استبدلنا ديكتاتورية السوفييتات بديكتاتورية الحزب :إل أنه يمكننمما
أن نؤكد ،دون أن نجازف بأن نخطئ ،بأن ديكتاتورية السوفييتات لم تكن ممكنة إل بفضل ديكتاتوريممة
الحزب :فالحزب بفضل وضوح أفكماره النظريمة ،وبفضمل قمموة تنظيمممه الثموري ،ضمممن للسمموفييتات
إمكانية التحول من برلمانات عمالية شوهاء ،إلى جهاز لسميطرة العممل .وليمس فممي هممذا السمتبدال
لسلطة الطبقة العاملة بسلطة الحزب أي شيء عرضي ،بل ليمس هنماك فمي الحقيقمة أي اسمتبدال.
ممما أن يصممبحفالشمميوعيون يعممبرون عممن المصممالح الساسممية للطبقممة العاملممة .ومممن الطممبيعي تما ً
الشيوعيين الممثلين المعترف بهم للطبقة العاملة في مجموعهمما فممي هممذا العصممر الممذي يطممرح فيممه
التاريخ على بساط البحث هذه المصالح بكل اتساعها.
-لكن من يضمن لنا أنه حزبكم فعل ً الذي يعبر عن مصالح التطور التمماريخي؟ فممأنتم بقضممائكم
على باقي الحزاب أو بتجريدكم لها من قوتها ،قد تخلصتم من مزاحمتها السياسية الممتي هممي مصممدر
التنافس ،وحرمتم أنفسكم بالتالي من إمكانية التحقق من صحة أو خطأ خطكم في العمل.
إن هذا العتبار تمليه فكرة ليبرالية خالصة عن سير الثورة .ففي عصر تعلن فيه كل التناحرات
عن نفسها صراحة ويتحول فيه الصراع السياسي بسرعة إلى حرب أهلية ،يجد الحممزب القيممادي بيممن
يديه ،للتحقق من صحة خطه ،ما فيه الكفاية من المواد والمعممايير ،بغممض النظممر عممن مقممدار الكميممة
التي تطبعها الصحف المنشفيكية .إن نوسك يصب على الشيوعيين صواعقه ،بيد أن عممددهم ل يكممف
عن الزدياد .ولقد سحقنا المنشفيك والشتراكيين الثوريين ولم يبق منهم شيء .وعلى كممل الحمموال،
ليست مهمتنا أن نقوم في كل دقيقة بتقممدير أهميممة الفئات الممتي يمثلهمما كممل اتجمماه إحصممائًيا ،بممل أن
نضمممن انتصممار اتجاهنمما ،نحممن ،الممذي هممو اتجمماه الديكتاتوريممة البروليتاريممة ،وأن نجممد فممي سممير هممذه
سا كافًيا للتحقق من قيمة أفعالنا. الديكتاتورية وفي مختلف الحتكاكات التي تعيق عمل آليتها مقيا ً
إن الحفمماظ علممى "اسممتقلل" الحركممة المهنيممة لمممدة طويلممة مممن الزمممن فممي عصممر الثممورة
البروليتارية أمر ل يقل استحالة عن سياسة التكتل .فالنقابات تصبح ،فممي هممذا العصممر ،أهممم الجهممزة
القتصادية في يد البروليتاريا الحاكمة .ومن هنا بالذات ،تسقط تحت قيادة الحزب الشيوعي .واللجنة
ضا بالنزاعات الجدية الممتيالمركزية لحزبنا ل تتكفل بالمسائل المبدئية للحركة المهنية فحسب ،بل أي ً
يمكن أن تنشب داخل هذه المنظمات.
إن أنصار كاوتسكي يتهمون السلطة السوفياتية بأنها ديكتاتورية "جزء" واحد فقط من الطبقممة
العاملة .وهم يهتفون" :لو أن الديكتاتورية كانت على القل ديكتاتوريممة طبقممة بكاملهمما!" .وليممس مممن
68
السهل أن نفهم ما يقصدونه بهذا .إن ديكتاتورية البروليتاريا تعني ،في جوهرها ،السمميطرة المباشممرة
لطليعة ثورية تعتمد على الجماهير الثقيلة وترغم المتخلفين ،عند اللزوم ،على اللحاق بممالركب .وهمذا
ضا بالنقابات .فبعد استيلء البروليتاريا على السلطة ،تتخذ هممذه النقابممات طابعًمما إلزامي ًمما.
أمر يتعلق أي ً
إن عليها أن تضم جميع العمال الصناعيين لكن الحزب يستمر في سياسته القائمة على تمثممل أوعممى
صا .إنه شديد التحفظ فيما يتعلق بتوسيع صفوفه .ومن هنمما كممان الممدور القيممادي العناصر وأكثرها إخل ً
الذي تلعبه القلية الشيوعية في النقابات ،الدور الذي يتناسب مممع السمميطرة الممتي يمارسممها الحممزب
الشيوعي في السوفييتات ،والذي هو التعبير السياسي عن ديكتاتورية البروليتاريا.
وتأخذ عندئذ التحادات المهنية على عاتقهما مهمممة لنتمماج المباشممرة فهممي ل تعممبر عممن مصممالح
ضما عمن مصممالح الصمناعة نفسممها .وفممي البدايممة تطممل التجاهمات العمال الصممناعيين فحسممب ،بمل أي ً
التريديونية برأسها أكثر من مرة في النقابات ،وتحتها على المسمماومة مممع الدولممة السمموفياتية وعلممى
وضع الشروط وطلب الضمانات .لكن كلما مضى الوقت ،فهمت النقابات أنها الجهزة المنتجة للدولة
السوفياتية .فتتعهد عندئذ بالتجاوب مع قدرها ،ول تعارضه بل تندمج فيمه .وتتكفمل التحمادات بتوطيمد
انضباط العمل .وتطالب العمال بعمل كثير في أصعب الشروط ،منتظممرة أن تتمموفر للدولممة العماليممة
الموارد الضرورية لتبديل هذه الشروط .وتتعهد النقابات بممارسة القمع الثوري تجاه الل انضممباطيين
والعناصر المشاغبة والطفيلية من الطبقة العاملة .إن النقابات ،بتخليها عن السياسة التريديونية التي
هي ملزمة ،إلى حد ما ،للحركة المهنية في بلد رأسمالي ،تنضم نهائًيا وكلًيا إلى سياسممة الشمميوعيين
الثوريين.
69
السياسة المتبعة تجاه الفلحين
يشكونا كاوتسكي قائل ً إن البلشفة "كانوا يريدون أن يقهروا الفلحين الميسورين في الريمماف
بعدم منحهم الحقوق السياسية إل لفقر الفلحين .ومع ذلك منحوها للوائل بعد فترة قصيرة".
ويعدد كاوتسكي "التناقضمات" الخارجيمة فممي سياسممتنا تجماه الفلحيمن دون أن يطمرح مسمألة
اتجاهها الداخلي ومسألة التناقضات الملزمة لوضع البلد القتصادي والسياسي.
كانت الطبقة الفلحية الروسية ،عند دخولها في المجتمع السوفياتي ،تضم ثلث فئات :الفقراء
الذين يعيش معظمهم من بيع قدرته علممى العمممل والمضممطرين إلممى شممراء ممما يسممدون بممه رمقهممم،
والمتوسطين الذين يكفون أنفسهم بأنفسمهم بفضمل نتماج أراضمميهم المذي يممبيعون منمه ممما زاد علمى
حاجتهم ،والغنياء ،الموسرين )الكولك بالروسية( الذين يشترون اليممد العاملممة ويممبيعون علممى أوسممع
نطاق نتاج استثماراتهم الزراعية .ول حاجة بنا البتممة إلممى القممول أن هممذه الفئات ل تتميممز ل بعلمممات
خاصة ول بتجانسها في كل أرجاء البلد .إل أن الفلحين الفقراء كممانوا بمجممموعهم ،وبصممورة ل تقبممل
ضمما بصممورة ل
النقاش ،الحليف الطبيعي لبروليتاريا المدن ،في حين أن الفلحيممن الموسممرين كممانوا أي ً
تقبل النقاش أو التوفيق أعداءها .وكانت أكبر الفئات الفلحية ،الفئات المتوسطة ،تتردد.
ولو لم تنهك البلد كما أنهكت ،ولو كانت لممدى البروليتاريما إمكانيممة تقممديم السمملع ذات الهميمة
الولى إلى الجمماهير الفلحيمة ،وإشمباع حاجاتهما الفكريمة ،لكمان انمدماج الجمماهير الفلحيمة الكمبرى
بالنظام الجديد أكثر سهولة .لكن تخريب البلد اقتصادًيا ،هذا التخريب الذي لممم يكممن نتيجممة سياسممتنا
الزراعية والتموينية بل الناشممئ عممن أسممباب سممابقة ،حممرم المممدن مممن كممل إمكانيممة لتممموين الريممف
بمنتجممات الصممناعة النسمميجية أو التعدينيممة وبغلل المسممتعمرات ،إلممخ .ولممم تكممن الصممناعة بالمقابممل
تستطيع الستغناء عن أخذ بعض المؤمن من الريف ولو بكمية ضئيلة للغاية .وقممد طلبممت البروليتاريمما
ضمما تضمممنها الممثروات الممتي فممي طريقهمما لن تخلممق .وكمانت العملممة
فا غذائيممة ،قرو ً
من الفلحين سممل ً
الورقية ،التي انخفضت قيمتها ،تمثل هذه الثروات المستقبلة .لكن الجماهير الفلحيممة عمماجزة تقريب ًمما
عن الرتفاع إلى مستوى وجهة النظر التاريخية .ولم يكممن مممن النممادر أن ترفممض الجممماهير الفلحيممة،
المرتبطة بسلطة السوفييتات نتيجة تصفية الملك الكبار ،والواجدة فيها ضمانة ضد عودة القيصممرية،
لم يكن من النادر أن ترفض مد هذه السلطة بالحبوب ،طالما أن السوق غير مربحممة وطالممما أنهمما ل
تتلقى بالمقابل ل أنسجة ول مسامير ول بترو ً
ل.
وكانت سلطة السوفييتات تميل بالطبع إلى فرض كل ثقل ضريبة التموين على أغنياء الرياف.
لكن الفلحين الموسرين وذوي النفوذ ،المعتادين على قيممادة الفلحيممن المتوسممطية كممان بمقممدورهم
بسهولة ،من خلل العلقات الجتماعية غير المحددة الشكال فممي الريممف ،أن يتحممايلوا ليلقمموا بأعبمماء
الضريبة على كاهل الجماهير الفلحية الواسعة دافعين بها بالتممالي إلممى معمماداة سمملطة السمموفييتات.
وكان ل بد من تنبيه الجماهير الفلحية وإيقاظ عدائها للموسرين .وقد قامت لجان الفقر الفلحي بهذا
الدور .وانتشرت في أوساط الذين سحقوا في الماضي ،وأهملوا ،ودفع بهممم إلممى المممؤخرة ،وحرممموا
من كل حق .ولقد كانت بينهم بل شك عناصر نصف طفيليممة ،وهممذا ممما أتمماح فرصممة ممتممازة للدعايممة
الديماغوجية "للشتراكيين – نارودنيكي ) "(14الذين كانت خطاباتهم تجممد صممدى كلممه عرفممان بالجميممل
في قلوب الموسرين .وإن مجرد إعادة السلطة في الرياف إلى طبقة الفلحين الفقراء كان ذا دللة
ثورية عميقة .وكيما يوجه الحزب أنصاف البروليتاريين في الريف ،أرسل إليهم عمال ً متقدمين أنجزوا
عمل ً ل يقدر بثمن .وأصبحت لجان الفقر الفلحية كتائب هجوم حقيقية ضد الفلحين الموسرين .وقممد
أرغمت هذه اللجان ،المدعومة بالسلطة الحكومية ،أرغمت الفئات المتوسطة مممن الطبقممة الفلحيممة
ضمما ديكتاتوريممة البروليتاريمما
على الختيار ل بيممن سمملطة السمموفييتات وسمملطة الملك فحسممب ،بممل أي ً
والعناصر نصف البروليتارية في الريف وبين استبداد الغنياء .وعن طريق سلسلة مممن الممدروس كممان
بعضممها شممديد القسمموة ،اقتنممع الفلحممون المتوسممطون بممأن نظممام السمموفييتات الممذي طممرد الملك
والشرطة ،يفرض على الفلحين بدورهم التزامات جديدة ويتطلب حصممتهم مممن التضممحيات .إن هممذه
التجربة التربوية السياسية التي شملت عشرات المليين من الفلحين المتوسطين ،لم تكن ل محببممة
ول مريحة ،ولممم تعممط نتممائج فوريممة قاطعممة .فقممد حممدثت تمممردات مممن جممانب الفلحيممن الميسممورين
: ()14نارودونيكي :معناها الحرفي الشعبيون ،والشائع الشتراكيون الثوريون.
70
ممما تحمت قيممادة الملك الممبيض الكبممار .ولقممد
)المتوسطين( المتحالفين مع الغنيمماء ،كمانت تسممقط دو ً
ارتكب مفوضو السلطة المحليمة وبخاصمة لجمان الفقمر الفلحمي ،ارتكبموا شميًئا ممن سموء اسمتعمال
السلطة .لكن الهدف السياسي الساسي تم الوصممول إليممه .وإذا لممم يكممن الفلحممون الموسممرون قممد
أبيدوا ،إل أن نفوذهم قد زعزع بقوة وفقممدوا ثقتهممم بأنفسممهم .واعتممادت فئة الفلحيممن المتوسممطين،
رغم أنها ظلت عديمة الشكل سياسًيا كمما همو شمأنها اقتصمادًيا ،اعتمادت علمى اعتبمار ممثلهما عاممل
المدن المتقدم ل موسر القرية الكثير الصياح .وحين تحققت هذه النتيجة الرئيسية ،توجب على لجان
الفقر ،بصفتها مؤسسة مؤقتة ،أن تخلي المكان للسوفييتات التي فيها تمثيممل للفلحيممن المتوسممطين
والفقراء في آن واحد .وهكذا تكون هذه الجان قد لعبت دور أزميل حاد في قلب الكتلة الفلحية.
لقد عاشت لجان الفقر الفلحي قرابة ستة أشممهر ،مممن حزيممران إلممى كممانون الول .1918ول
يرى كاوتسكي سواء أفي إنشائها أم في إلغائها إل "ترددات" مممن جممانب سياسممة السمموفييتات .لكنممه
يعزف عن أي إشارة لي وسيلة عملية .وعلى كل ،من أين سيأتي بها؟ إن التجربة التي نقوم بها في
هذا المجال ل سابق لها ،والمشكلت التي تحلها عملي ًمما سمملطة السمموفييتات ليممس لهمما مممن حممل فممي
الكتب .وحينما يعتقد كاوتسكي أنه يفضح تناقضات سياسية ،ل تكون المسممألة فمي الواقمع إل مسمألة
مناورات نشيطة تقوم بها البروليتاريا في صفوف الجماهير الفلحيممة غيممر المتبلممورة والممتي ممما تممزال
قابلة للتأثر .فقائد المركب الشراعي مضطر إلى مناورة الريح ول يفكر أحممد فممي أن يممرى تناقضممات
في المناورات التي تقوده إلى الهدف.
دا ل بأس به من ونستطيع أن نسجل ،في مسألة الكومونات الزراعية والمزارع السوفياتية ،عد ً
"التناقضات" التي تدل على أخطاء معزولممة وعلممى مراحممل الثممورة فممي آن واحممد .فممما هممي مسمماحة
الراضي التي ستحتفظ بها الدولة السوفياتية في أوكرانيا ومما هممي المسماحات الممتي ستسملمها إلمى
الفلحين؟ وما التوجيه الذي ستعطيه للكومونات الزراعية؟ وإلممى أي مممدى سممتدعمها حممتى ل تشممجع
الطفيلية؟ وكيف ستؤمن الرقابة عليها؟ هذه هي بعض السئلة الجديدة التي طرحها البناء القتصممادي
الشتراكي ،والتي ليس لها من حل مسبق ل في النظرية ول في التطبيق ،والممتي يتمموجب علممى خممط
السير النظري ،المرسوم من قبل المنهاج ،أن يجد في حلها تطبيقه العملي وتحقيقه التجريممبي علممى
حساب انحرافات محتمة ومؤقتة إما إلى اليمين وإما إلى اليسار.
دا من الطبقة الفلحية ،فهذا مأخذ يأخذه كاوتسكي أما كون البروليتاريا الروسية قد وجدت تأيي ً
علينا لنه "يدخل على النظمام السموفياتي عنصمًرا رجعًيما نجمت منمه )!( كوميونمة بماريس باعتبمار أن
دكتاتوريتها لم تكن تقوم على السوفييتات الفلحية".
فلكممأن بمقممدورنا أن نربممح إرث النظممام القطمماعي البورجمموازي باسممتبعادنا بإرادتنمما "العنصممر
القتصادي الرجعي"! والحال أن هممذا ليممس كممل شمميء .فالطبقممة الفلحيممة ،بعممد أن سممممت سمملطة
السوفييتات بعنصر رجعي ،حرمتنا من تأييدها .إنها "تتقزز" اليوم من البلشفة .وكاوتسكي يعلم ذلممك
من مصدر موثوق ،من إذاعات كليمانصو وثرثرات المنشفيك.
والواقع أن الجممماهير الفلحيممة الواسمعة تشمكو مممن نقممص المنتجمات المصمنوعة ذات الهميممة
ضا أن سائر النظمة الخممرى بل اسممتثناء – ولقممد شممهدت روسمميا أو بعممض الحيوية .لكن من المؤكد أي ً
دا كبيًرا منها خلل العوام الثلثة الخيرة .أثقلت كاهممل الفلحيممن أكممثر مممن نظامنمما بممما ل أجزائها عد ً
يقاس .فل الحكومة الملكية ول الحكومة الديمقراطية استطاعتا أن تزيدا من مخزون البضائع .وكانت
كلتاهما بحاجة إلى القمح والخيول التي يملكها الفلحممون .وكممانت الحكومممات البورجوازيممة ،بممما فيهمما
ما مممن النظممام صمما أقممل انسممجا ً
حكومات الكاوتسكيين – المنشفيك ،تسممتخدم جهمماًزا بيروقراطي ًمما خال ً
السوفياتي – المؤلف من العمال والفلحين – بما ل يقاس مع حاجات القتصاد الريفي .وبالنتيجة تبين
للفلح المتوسط ،رغم تممردده واسممتيائه وحممتى تمممرده ،أنممه مهممما تكممن الصممعوبات فممي ظممل النظممام
البولشفي ،فإن الحياة ستكون أقسممى بكممثير فممي ظمل أي نظممام آخممر .وصممحيح أن كوميونممة بمماريس
"تجنبت" معونة الرياف .لكن جيش تيير الفلحي لم يوفر بالمقابل الكوميونمة! فمي حيمن أن جيشممنا،
المكون في أربعة أخماسه من الفلحين ،يقاتممل بحماسممة – ويحقممق النتصممارات مممن أجممل جمهوريممة
السوفييتات .وهذه الواقعة التي تكذب وحدها كاوتسكي وملهميه ،تعطي أفضل تقييم للسياسة الممتي
تتبعها سلطة السوفييتات تجاه الفلحين.
71
سلطة السوفييتات والختصاصيون
يروي كاوتسممكي" :لقممد اعتقممد البلشممفة فممي البدايممة أن بمقممدورهم السممتغناء عممن المثقفيممن
والختصاصيين" )ص .(128ولما اقتنعوا فيما بعد بضممرورة مسمماهمة المثقفيممن ،كفمموا عممن انتقممامهم
القاسي وبدؤوا بدعوة المثقفين إلى العمل بكل الوسائل ،وبخاصة عن طريق الجور العاليممة .ويقممول
كاوتسكي ساخًرا" :وهكذا فإن خير طريقة لمدعوة المثقفيممن إلمى العمممل هممي إسماءة معمماملتهم أول ً
ما .وبالذن من جميع المحدودي الفكر ،فإن ديكتاتورية البروليتاريا تبدأ على بفظاظة" )ص .(129تما ً
وجه التحديد "بإساءة معاملة" الطبقات السائدة في الماضي لترغمها على العتراف بالنظام الجديممد
والذعان له .ولما كان المثقفون المهنيون قد ترعرعوا على فكممرة البورجوازيممة الفائقممة القمموة ،فقممد
ظلوا مدة طويلة ل يؤمنون ،ول يسممتطيعون أن يؤمنمموا ،ول يريممدون أن يؤمنمموا بممأن الطبقممة العاملممة
ضمما ،وبممأن ديكتاتوريممة
قممادرة ومصممممة علممى إدارة البلد ،وبأنهمما لممم تضممع يممدها علممى السمملطة عر ً
البروليتاريا حقيقة واقعة .لقد كان المثقفون البورجوازيون ينظرون باستخفاف كممبير إلممى التزاممماتهم
تجاه الدولة العمالية حتى عندما يدخلون في خممدمتها ،ويعتقممدون أن مممن البسمماطة بمكممان فممي ظممل
النظام البروليتاري أن يسلموا المبرياليين الجانب أو الحممرس البيممض السممرار العسممكرية والممموارد
المادية ،أو أن يتلقوا مساعدات مالية من ولسممون أو كليمانصممو أو ميربمماخ لتمويممل الدعايممة المنمماوئة
للسوفييتات .وكان ل بد للبروليتاريا أن تبين لهم بالوقائع – وبحممزم – أنهمما لممم تسممتول علممى السمملطة
لتسمح بمثل هذا المزاح المشكوك في هدفه على حسابها.
إن صاحبنا المثالي البورجوازي الصغير يرى في تدابيرنا المتخذة تجاه المثقفين "نتائج سياسممة
تهدف إلى إرغام المثقفين علممى النتممماء ل بالقنمماع بممل بممالكلم اللذع) "...ص .(129إن كاوتسممكي
يتصور إذن بصورة جدية أنه من الممكن دفممع المثقفيممن إلممى المسمماهمة فممي البنمماء الشممتراكي عممن
طريق القناع وحده ،وهذا بينما ما تزال تسيطر على كل البلدان الخممرى بورجوازيممة ل تممتراجع أمممام
استخدام أي وسيلة لتخفيف أو ترشممو أو تغممري المثقفيممن الممروس كممي تجعممل منهممم أدوات اسممتعباد
روسيا واستعمارها.
وبدل ً من أن يحلل كاوتسكي مراحل الصراع ،يقدم وصفات مدرسية بصدد المثقفين .إنه لمممن
الخطأ كلًيا العتقاد بأن حزبنا قد حاول الستغناء عن المثقفين لنه لم يدرك دورهم في عملية إعممادة
التنظيم القتصادي والثقافي التي علينمما أن نقمموم بهمما .علممى العكممس فبينممما كممان النضممال مممن أجممل
الستيلء على السلطة وتوطيدها يبلغ أقصى درجات الحدة ،وبينما كانت غالبيممة المثقفيممن تلعممب دور
كتيبة هجوم تحت قيادة البورجوازية ،وتحاربنا علن ًمما أو تخممرب مؤسسمماتنا ،كممانت سمملطة السمموفييتات
تحارب بل شفقة "الختصاصيين" لنها كانت تدرك قيمتهم التنظيمية الكبيرة ما داممموا يكتفممون بتأديممة
المهممام الممتي تعهممد بهمما إليهممم إحممدى الطبقممات الساسممية ول يرمممون إلممى أن تكممون لهممم سياسممتهم
"الديمقراطية" الشخصية .ولم تتح لنا إمكانيممة دعمموة الختصاصمميين إلممى العمممل إل بعممد أن تحطمممت
ل .إذن كممانت مقاومة المثقفين على إثر صراع ضار .وسرعان ما قمنا بهذه الدعوة .ولم يكن ذلك سه ً
العلقات القائمة في المجتمع الرأسمالي بين العامل ومدير المصممنع ،بيممن المسممتخدم والمممدير ،بيممن
الجندي والضباط ،قد خلفممت ريبممة طبقيممة عميقممة تجمماه الختصاصمميين ،وهممي ريبممة قممد ازدادت خلل
المرحلة الولى من الحمرب الهليمة .وكمان همؤلء المثقفمون قمد اسمتماتوا فمي محاولمة قتمل الثمورة
العمالية بالجوع والبرد ،ومهما كلفهم الثمن .وكان ل بد من تهدئة حقد الشغيلة ،والنتقال من الصراع
المحموم إلى التعاون السلمي ،ولم يكن ذلك سهل ً فقد كان على الجممماهير العماليممة أن تتعممود علممى
أن ترى في المهنممدس المممدني والزراعممي والضممباط ،ل مسممتغل المممس ،بممل متعمماون اليمموم النممافع،
قا كمم يخطمئ الختصاصممي الضمروري الموضمموع تحمت تصممرف سملطة السموفييتات .ولقمد بينمما سماب ً
كاوتسكي حين ينسب إلى سلطة السوفييتات نية متمذهبة في استبدال الختصاصيين بالبروليتمماريين.
ما أن يتجلى لدى جماهير البروليتاريا الواسعة .إن طبقة فتيممة أثبتممت لكن مثل هذا الميل كان ل بد حت ً
لنفسها قدرتها على التغلب على أكبر العقبات ،وقضت على هالة السحر الصرفي التي كممانت تحمممي
سيادة الذين يملكون ،واقتنعت بأن "الفنون النسانية ليست من صنع اللهة" ،إن طبقممة ثوريممة كهممذه
الطبقة تميل بالضرورة – أو على القل عناصرها القل تطوًرا – إلى المبالغة في تقدير قممدرتها علممى
حل جميع المسائل بدون اللجوء إلى مساعدة الختصاصيين البورجوازيين المثقفين.
وفي كل مرة تجلت فيها هذه الميول وإن بصورة غامضة ،حاربناها منذ اليوم الول.
72
لقممد قلنمما فممي مممؤتمر موسممكو المممديني فممي 28آذار " :1918الن وقممد توطممدت سمملطة
السوفييتات ،فإن النضال ضد التخريب يجب أن يتجممه إلممى تحويممل مخربممي المممس إلممى خممدام ،إلممى
وكلء ،إلى مديرين تكنيكيين أينما كان النظام الجديد بحاجة إلى ذلك .وإذا لم ننجح في ذلك ،وإذا لممم
نجذب إلينا كل القوى الضرورية لنا ،وإذا لم نضعها في خدمة السمموفييتات فممإن نضممالنا بممالمس ضممد
التخريب العسكري والثوري سيكون قد فشل وثبت عقمه ول جدواه".
"إن هؤلء التكنيكييمن ،همؤلء المهندسمين ،همؤلء الطبماء ،همؤلء المدرسمين ،وضمباط الممس
أولئك ،يشتملون ،كاللت الجامدة على جزء من رأسمالنا القومي ،علينمما أن نسممتثمره ونسممتفيد منممه
إذا كنا نريد أن نحل بصورة عامة المشكلت الساسية المطروحة علينا.
"إن الدمرقطة – وهي ألف باء البجدية بالنسبة إلممى كممل ماركسممي ل تقمموم علممى نفممي قيمممة
ما بمعاهد )مكاتب( منتخبة. الكفاءات وقيمة الشخاص المالكين لمعارف خاصة ،وعلى استبدالهم دو ً
"إن المكاتب المنتخبة ،المكونة من خيمر عناصممر الطبقممة العاملممة لكمن المتي ل تملممك معمارف
تكنيكية ،ل تستطيع أن تحل محل التكنيكي المتخرج من المدارس الخاصة والقادر على القيممام بعمممل
خاص .إن نشر نظام المكاتب المنتخبة الذي نطبقه في كل الميادين ،هو رد الفعممل الطممبيعي لطبقممة
فتية ،ثورية ،كانت بالمس مضطهدة ،ترفض السمملطة الشخصممية لسممادتها بممالمس ،ولربمماب العمممل
ممما
والمدراء ،وتستبدلهم في كل مكان بممثليها المنتخبين .أقول أن هممذا رد فعممل ثمموري وطممبيعي تما ً
وسليم في منشأة .لكنه ليس الكلمة الخيرة في البناء القتصادي للدولة البروليتارية.
"إن سيرنا اللحق يتطلب من المكاتب المنتخبة أن تحممد نفسمها بنفسمها .يتطلمب مممن الطبقممة
العاملة أن تقوم بعملية تضيق ذاتي وسليم ومفيد لسلطاتها ،تمكنها من تقرير الحالت التي يجممب أن
تعود فيها الكلمة الخيرة إلى ممثل العمال المنتخب ،والحممالت الممتي ينبغممي فيهمما أن يفسممح المجممال
للختصاصي ،للتكنيكي المسلح بمعارف خاصة ،والقابل لن يتحمل مسؤولية كبيرة ،لكممن الممذي ل بممد
فممي المموقت نفسممه أن يخضممع ،علممى الصممعيد السياسممي ،لرقابممة مشممددة .إل أنممه ل بممد أن تممترك
للختصاصيين حرية العمل والنشاط الخلق ،ذلك أنه ما من تكنيكي مهما كان قليل الموهبة ،يسممتطيع
أن يعمل في مجال اختصاصه إذا كان تابًعا لمكتب مكون من أشخاص معدومي الكفاءة.
"إن الذين يخشون هذه الضرورة يدللون على ريبة ل شعورية عميقة تجاه النظام السمموفياتي.
والذين يتصورون أننا ،بعهدنا بالمناصب الفنية إلى مخربي المممس ،نعممرض للخطممر مقومممات النظممام
بالذات ،ينسون إن ما من مهندس وما من جنرال يستطيع أن يطوح بالنظام السمموفياتي غيممر القابممل
للزعزعة اقتصادًيا وسياسًيا – هذا النظممام الممذي ل يمكممن أن يتعممثر إل إذا عجممز مممن نفسممه عممن حممل
مشكلت التنظيم الخلق.
"إن من الضروري لنظامنا أن يستخلص من المؤسسات القديمة كل ما هممو حممي وثميممن فيهمما،
وأن يستخدم كل شيء من أجل البناء الجديد.
"وإذا لم نفعل ذلك .أيها الرفاق ،فإننا لن نكون قد قمنا بمهامنا الساسية ،لنممه يسممتحيل علينمما
أن نرفض كل القوى المتراكمة في الماضي وأن نجد في وسطنا جميع الختصاصيين الضروريين.
"وبكلمة واحدة ،هذا يعني أننا نستنكف عن الستفادة من جميع اللت التي ساهمت حتى الن
في استغلل الشغيلة ،وأن هذا لجنون .إن تشغيل الختصاصيين الكفاء ل يقل ضرورة بالنسبة لنا عن
استملك جميع وسائل النتاج والنقل ،وبصورة عامة جميع ثروات البلد .إن علينا – وبدون تأخير – أن
نجند التكنيكيين الختصاصيين وأن نخضعهم عملًيا للتزام العمل ،مقدمين لهم في الوقت نفسه مجال ً
واسًعا للنشاط وفارضين عليهم الرقابة السياسية )."(15
" : ()15العمل والنضباط والنظام سننقذ جمهورية السوفييتات الشتراكية" .موسكو .1918إن كاوتسكي
يعرف هذا المنشور الذي يستشهد به مراًرا عديدة إل أن هذا ل يمنعه من إغفال المقاطع التي ذكرناها
والتي توضح موقف سلطة السوفييتات تجاه المثقفين.
73
لقد انطرحت مسألة الختصاصيين ،منذ البداية بصممورة بالغممة الحممدة فممي الميممدان العسممكري.
وإنما في هذا الميدان حلت في البداية تحت ضغط ضرورة آسرة.
إن أشكال التنظيم الضرورية لدارة الصناعة ووسائط النقل ،لم تكتمممل بعممد نهائي ًمما إلممى يومنمما
هذا .والسبب في ذلك يرجع إلى أننا أرغمنمما فممي العمامين الوليممن ،علممى التضممحية بمصممالح الصممناعة
والنقل لحساب الدفاع العسكري .وأن مجرى الحرب الهلية المتقلب كان من جهة أخرى ،عليه أممام
علقات طبيعية بين الختصاصيين والسلطة السمموفياتية .فلقممد انضممم التكنيكيممون الختصاصمميون فممي
الصناعة والنقل والطباء والمدرسون والساتذة إلى جيوش دينيكين وكولتشاك المتقهقرة ،أو اقتيدوا
بالقوة .ولم يتصالح المثقفون بمجممموعهم مممع السمملطة السمموفياتية أو لممم يخضممعوا أمامهمما إل اليمموم
والحرب الهلية تقارب نهايتها .وتأتي المشكلت القتصادية في الطليعة .والتنظيم العلمي للنتاج مممن
أهم هذه المشكلت .وأن مجال ً واسًعا للنشمماط ينفتممح أمممام الختصاصمميين .والدارة العامممة للصممناعة
تتركز بين يدي الحزب البروليتاري.
74
السياسة الدولية للسلطة السوفياتية
يممرى كاوتسممكي أن "البلشممفة قممد أمكنهممم جمممع القمموى الضممرورية للسممتيلء علممى السمملطة
السياسية ،لنهم يشكلون الحزب الروسي الوحيد الذي طالب بإصرار أشد من سائر الحزاب الخرى
بعقد معاهدة للصمملح ،بممأي ثمممن ،صمملح منفممرد ،دون أن يهتممم بآثممار مثممل هممذا العمممل علممى الموقممف
السياسي الدولي ،ودون أن يفكر بالمساعدة التي يقدمها عن هذا الطريق لمشمماريع الحكممم الملكممي
اللماني في السيطرة العالمية ،هذا الحكم الذي سيستفيدون من حمايته مدة ل بأس بها مممن الزمممن
كما استفاد المتمردون الهنود أو الرلنديون أو الفوضويون اليطاليون" )ص .(42
ول ريب في أن شعار "السلم" لعب دوًرا كبيًرا في نضالنا ،لكن علممى وجممه التحديممد لنممه رفممع
ضد الحرب المبريالية .لم يكن الجنود المتعبون هم أشد النماس حماسممة لممه بممل العمممال المتقممدمون
الذي لم يكن السلم يعني في نظرهممم الراحممة بممل نضممال ً ل همموادة فيممه ضممد المسممتغلين .وأن هممؤلء
العمال هم الذين وهبوا حياتهم فيما بعد على الجبهات السوفياتية باسم السلم.
إن القول بأننا كنا نطلب السلم دون أن نهتم بما سيكون له من تأثير علممى الموقممف الممدولي،
إنما هي فرية كان يرددها الكاديت والمنشفيك منمذ زممن طويمل .إن التموازي المذي يقمام بيننما وبيمن
القوميين اليرلنديين والهنود المناصرين للمانيا يستند إلى كون المبريالية اللمانية قد حاولت بالفعل
ضا على أن تستخدمنا كما استخدمت الهنود واليرلنديين .لكن الشوفينيين الفرنسيين قد عملوا هم أي ً
استخدام لييبكنيشت وروزا لوكسمبرغ وحتى كاوتسكي وبرنشتاين لمصلحتهم الخاصممة .والمهممم قبممل
كل شيء أن نعرف إذا كنا قد سمحنا لهم باستخدامنا .فهل وجد العمال الوروبيون في خممط سمملوكنا
أي سبب ليربطونا بقضية المبريالية اللمانية؟ يكفي أن نذكر سممير مفاوضممات بريسممت – ليتوفسممك،
وانقطاعها المفاجئ ،والهجوم اللماني في 18شباط ،1918لنكشف عن وقاحممة اتهممام كاوتسممكي.
دا .فلقممد تابعنمما الحممرب
ممما واحم ً
والحق أنه لم يقم الصلح بيننا وبين المبرياليين اللمان ،لم يقم ول يو ً
في جبهات أوكرانيا والقفقاس ،بقدر ما كانت تسمح لنا قواتنا الضممئيلة ،دون أن نعلنهمما صممريحة .لقممد
كنا أضعف من أن نستطيع القيام بها على طول الجبهة الروسية – اللمانية ،ولقد حافظنا علممى وهممم
السلم لفترة من الزمن ،مستفيدين من رحيل معظم القوات اللمانية إلى الجبهة الغربية .وإذا كانت
المبريالية اللمانية قد وجدت نفسها قوية بما فيه الكفاية عممام 1917و ،1918لتفممرض علينمما صمملح
بريست – ليتوفسك ،بالرغم من كل الجهود التي بذلناها لنتحرر من هذه النشوطة ،فإننا نممدين بممذلك
بشممكل رئيسممي للموقممف المخممزي الممذي وقفممة الشممتراكيون .الممديموقراطيون اللمممان الممذين كممان
كاوتسكي أجمل ديكتهم .لقد سويت مسألة صلح بريست – ليتوفسممك فممي 4آب .1914وفممي ذلممك
الوقت ،وبدل ً من أن يعلن كاوتسكي على المبريالية اللمان الحرب التي طلبها فيما بعد من السلطة
السوفياتية التي كانت ما تممزال عمماجزة مممن وجهممة النظممر العسممكرية عممام ،1918اقممترح كاوتسممكي
كا اقتضى شهوًرا حتى يتضح ويتبين التصويت على اعتمادات الحرب "في شروط معينة" ،وسلك سلو ً
ما إذا كان مع الحرب أو ضدها .وأن هذا السياسي الرعديد الذي تخلى في اللحظة الحاسمة عن كممل
مواقف الشتراكية الساسية ،يجرؤ على اتهامنا بأننا أرغمنا ،في فترة معينممة ،علممى الممتراجع – تراجممع
مادي خالص – ولماذا؟ لن الشتراكيين – الديموقراطيين اللمان ،الذين أفسممدتهم الكاوتسممكية الممتي
تمثل الخور السياسي المستتر نظرًيا ،قد خانونا.
لم نكن إذن لنبالي بالموقف الدولي! لكن فيما يتعلق بهذا الموقف ،فإننما نملمك معيماًرا أعممق
دا .إن الجيش الروسي لم يعد له وجود ،كقوة عسكرية فعالممة، من معايير الخرين ،معياًرا ل يخوننا أب ً
ما .ولو لم تندلع ثورة شباط ،لكممان النظممام
منذ أيام ما قبل ثورة آذار .وكان تفسخه النهائي أمًرا محت ً
القيصري ساوم الحكم الملكي اللماني .لكن ثورة شباط ،التي أجهضت هذه المسمماومة ،علممى وجممه
التحديد لنها كانت ثورة حقيقية ،أطاحت نهائًيا بالجيش القائم على المبدأ الملكي .كممان هممذا الجيممش
سيتفتت كالتراب ،إن قبل شهر وأن بعد شهر .ولقد كانت سياسممة كاوتسممكي سياسممة النعامممة .كممان
يغمض عينيه عن تفسخ الجيش ،ويطلق عبارات رنانة ،ويهدد بفصاحته وحدها المبريالية اللمانية.
75
وفي مثل هذه الشروط ،لم يكن أمامنا إل مخرج واحد :إعلن ضرورة السلم الذي أصبح نتيجة
حتمية لعجز الثورة العسكرية ،وتحويل هذا الشعار إلممى وسمميلة للتممأثير الثمموري علممى شممعوب أوروبمما
قاطبة ،بدل ً من أن ننتظر سلبًيا مع كيرنسكي الكارثة العسكرية النهائية التي لو وقعت لممدفنت تحممت
أنقاضها ثورتنمما ،والتسمملح بشممعار السمملم ،واجتممذاب البروليتاريمما الوروبيممة ،وبالدرجممة الولممى العمممال
النمساويين – اللمان .وإنما بهممذه الممروح تابعنمما مفاوضممات السمملم وحررنمما مممذكراتنا إلممى حكومممات
"التفاهم" .ولقد تباطأنا ما أمكننا في مفاوضات الصمملح حممتى نتيممح لجممماهير أوروبمما العماليممة المموقت
لتفهم بدقة ووضوح ما هي السلطة السوفياتية وما هي سياستها .ولقد أثبت لنا إضراب كانون الثمماني
1918في ألمانيا والنمسا ،إننمما لممم نضمميع تعبنمما .فلقممد كممان هممذا الضممراب أول تمهيممد جممدي للثممورة
اللمانية .ولقد فهم المبرياليون اللمان أننا خطر عليهم مميت .وكتاب لودندورف شمماهد علممى أمممور
كثيرة .وصحيح أن المبرياليين اللمان ما عادوا يغامرون بحملت صليبية مكشوفة ضدنا ،لكنهم كممانوا
ل يحجمون ،حيثما يمكن لهم أن يشنوا علينا حرًبا سرية بخممداعهم عمممالهم بمسمماعدة الشممتراكيين –
الديموقراطيين اللمان ،عن فعل ذلك :فممي أوكرانيمما ،وعلممى ضممفاف الممدون ،وفممي القفقمماس .وفممي
روسيا الوسطى ،في موسكو ،اتخذ الكونت ميرباخ مكانه ،منذ وصوله إلى العاصمممة الروسممية ،علممى
ما كما كان الرفيممق أيمموفي رأس كل المؤامرات المناوئة للثورة الموجهة ضد السلطة السوفياتية ،تما ً
يعقد في برلين أواصر صلة وثيقة بالثورة اللمانية .وكان اليسار القصى في الثممورة اللمانيممة ،حممزب
كارل لييبكنيشت وروزا لوكسمبرغ ،يسير جنًبا إلممى جنممب معنمما .ولقممد اتخممذت الثممورة اللمانيممة ،منممذ
البداية ،الشكل السوفياتي ،ولم تشك البروليتاريا باللمانية ،رغممم صمملح بريسممت – ليتوفسممك ،لحظممة
واحدة في أننا مع لييبشكنيشت ل مممع لودنممدورف .ولقممد ذكممر هممذا الخيممر ،وهممو يممدلي بشممهادته فممي
تشرين الثاني 1919أمام لجنة الرايخستاغ ،كيف أن "القيممادة العليمما طلبممت إنشمماء مؤسسممة هممدفها
كشف الروابط القائمة بين الميول الثورية الروسية واللمانية .وبعد وصول أيوفي إلى برلين ،أنشممئت
قنصليات روسية في العديد من المدن اللمانية .ولقد كانت لهذه الواقعة نتائج مؤسممفة بالنسممبة إلممى
الجيش والسطول" .أما كاوتسكي فإنه يجد الشجاعة الحزينة ليكتب" :إذا كممانت المممور قممد وصمملت
إلى حدود الثورة في ألمانيا ،فهذه في الحقيقة ليست غلطتهم )البلشفة(" )ص .(111 – 110
وحتى لو أتيحت لنا المكانية في عام 1917و 1918لنبقى ،بواسممطة اسممتنكاف ثمموري ،علممى
الجيش القيصري القديم ،بدل ً من أن نعجمل بتمدميره ،لكنمما بكمل بسمماطة قمد أدينما خدمممة "للتفماهم"
بمساعدته على تخريب ونهب ألمانيا والنمسا وسائر بلدان العالم .ولو اتبعنا مثل هذه السياسممة ،لكنما
ما من السلح شأن ألمانيا في الساعة الراهنة ،فممي وجدنا أنفسنا ،في اللحظة الحاسمة ،مجردين تما ً
حين أن بلدنا هو في هذا الوقت ،وبفضل ثورة تشرين الول وصلح بريست – ليتوفسك ،البلد الوحيممد
الذي يقف في وجه الحلفاء والبندقية في يده .إن سياستنا الدوليممة لممم تمنممع همموهنزولرن مممن احتلل
ضا على العكس مساهمة كبيرة فممي سممقوطه بفضممل مركز عالمي مهيمن فحسب ،بل لقد ساهمنا أي ً
انقلبنا في تشرين الول .ولقد كفلنا لنفسنا في الوقت نفسه فترة من الراحة العسكرية مكنتنا مممن
إنشاء جيش قوي كبير العدد ،الجيش البروليتاري الول في تاريخ العالم ،جيش ل تسممتطيع أن تتغلممب
عليه كلب "التفاهم" الليفة.
لقد اجتزنا أحرج فممترة مممن فممترات موقفنمما الممدولي فممي خريممف ،1918بعممد تقهقممر الجيمموش
اللمانية .فبدل ً من أن نواجه معسكرين قويين يجمد كل منهما الخر إلممى حممد ممما ،واجهنمما "التفمماهم"
المنتصر ،في أوج قوته العالمية ،وألمانيا المسحوقة التي كان رعاع العسكريين فيها سيرحبون أعظم
الترحاب بالقفز على رقبة البروليتاريا الروسية مقابل عظمة يلقي بها إليهممم مطبممخ كليمانصممو .ولقممد
اقترحنا الصلح على "التفاهم" وكنا مستعدين )مادمنا مرغمين( للتوقيع علممى أقسممى الشممروط .لكممن
كليمانصو ،الذي حافظ جشعه المبريالي على كل ملمح غبممائه البورجمموازي ،رفممض أن يمنممح الجنكممر
اللمان العظمة التي كانوا يطمعون فيها ،وقرر في الوقت نفسهخ أن يزين فندق النفاليد بجلود قادة
روسيا السوفياتية المسلوخة .ولقد أدت لنا سياسته خدمة عظيمة .فدافعنا عن أنفسنا بنجاح وصمدنا
بقوة حتى هذا اليوم.
ما كانت إذن الفكرة الموجهة لسياستنا الخارجية ،بعد أن كشفت الشهور الولى ممن ممارسمة
السلطة السوفياتية عن الستقرار المتين الذي ترتع فيه حكومات أوروبا الرأسمالية؟ هذا علممى وجممه
التحديد ما يريد كاوتسكي ،بارتباك عظيم ،أن يفسره الن على أنه ابن الصدفة :إرادتنا فممي الصمممود.
لقد فهمنا بوضوح تام أن وجود السلطة السوفياتية بالذات هو حدث بالغ الهمية الثورية .ولقد أملممت
علينا هذه الفكرة المضيئة تنازلت وتراجعات مؤقتة ،ل في مجال المبادئ ،بممل فممي مجممال التنممازلت
76
العملية الناجمة عن التقدير الصحيح والدقيق لقوتنا الذاتية .كنا ننسممحب ،عنممد الحاجممة ،مثممل الجيممش
الذي يسلم العدو مدينة بل حصًنا ،كيما يجمع من جديد ،بعممد حركممة التقهقممر هممذه ،قممواه ل مممن أجممل
ضا .كنا ننسحب كالمضربين المذين لمم تعمد لمديهم ل القموى ول الدفاع فحسب بل من أجل الهجوم أي ً
الموارد في اليوم الراهن ،لكن الذين يستعدون ،وهم يشدون على أسممنانهم ،لسممتئناف النضممال فممي
الغد .ولو لم نكن مؤمنين إيماًنا ل يتزعزع بالهمية العالمية للديكتاتوريممة السمموفياتية ،لممما قبلنمما بكممل
تضحيات بريست – ليتوفسك البالغة القسوة .ولو كان إيماننا يتناقض مع حالة المور الواقعيممة ،لكممان
التاريخ حكم على معاهدة بريست – ليتوفسك بأنهمما استسمملم غيممر مجممد لنظممام مقممدر عليممه الهلك.
ضمما أمثممال كاوتسممكي فممي جميممع وبالفعل هكذا كان يقدر الموقممف ل أمثممال كولمممان فحسممب ،بممل أي ً
حا ضعفنا آنذاك وقوتنا فمي المسمتقبل .وأن وجمود جمهوريمة البلدان .أما نحن فلقد قدرنا تقديًرا صحي ً
أيبرت بانتخاباتها العامة وشعوذتها البرلمانية و"حرية" صحافتها واغتيالتها للقادة العمال ،ل يضمميف إل
حلقة واحدة إلى سلسلة العبودية والنذالة التاريخية .أما وجود جمهورية السوفييتات فحدث ذو أهميممة
ثورية عظيمة .وكان ل بد من الحفاظ عليها بالستفادة مممن نممزاع المممم الرأسمممالية ،ومممن اسممتمرار
الحرب المبريالية ،ومن كبرياء آل هو هنزولرن ،ومن غباء البورجوازية العالميممة فممي جميممع المسممائل
الساسية المتعلقة بالثورة ،ومن تناحر أميركا وأوروبا ،ومن العلقات المعقدة المستغلقة بين البلدان
المتحالفة .كان ل بد من قيادة السفينة السوفياتية ،التي لم يكتمل بناؤهمما بعممد ،عممبر بحممر همائج ،بيممن
الصخور والمهالك ،وإكمال تجهيزها وتسليحها أثناء البحار.
إن كاوتسكي يقرر أن يتهمنا مرة أخرى بأننا لم نسر ،في مطلع ،1918ونحممن ضممعفاء وعممزل
من السلح ،ضد عدو قوي .ولو فعلنا ذلك ،لكنا غلبنا على أمرنا ) .(16ولكممانت أول محاولممة جديممة مممن
قبل البروليتاريا للستيلء على السلطة قد باءت بالفشل التام .ولكان اليسار الثوري مممن البروليتاريمما
ممما .ولكممان "التفمماهم" قممد وقممع الصمملح مممع
الوروبيممة قممد تلقممى ضممربة هممي مممن أشممد الضممربات إيل ً
هوهنزولرن فوق جثة الثورة الروسية ،ولكانت الرجعية الرأسمالية العالمية قد حصمملت علممى الراحممة
لعدة سنوات .إن كاوتسكي يفتري علينا بل حياء حين يقول أننا لم نفكممر ،عنممد توقيممع صمملح بريسممت،
بالثر الذي سيخلفه على مصائر الثورة اللمانية .لقد ناقشنا المسألة في حينه من كل وجهات النظممر
ولم ننطلق إل من معيار واحد ،معيار مصالح الثورة العالمية ،وتوصلنا إلى الستنتاج بأن هذه المصالح
تقتضي بصورة ملحة الحفاظ على السلطة السوفياتية ،الواحدة الوحيدة في العممالم .ولقممد كنمما علممى
حق لكن كاوتسكي كان ينتظر سقوطنا ،بل نفاد صبر من الجائز ،لكن بثقة ل تتزعزع ،وإنما على هممذا
السقوط المأمول بني كل سياسته الدولية.
إن ضبط محضر جلسة حكومممة التحممالف فممي 19تشممرين الثمماني ،1918الممذي نشممرته وزارة
بوير ،يتناول -1 :استئناف النقاش حول المسألة المتعلقة بموقف ألمانيا ممن الجمهوريمة السموفياتية.
ويوصي هآز بسياسة الرجاء ،ويؤيد كاوتسكي رأي هآز ،فيقول" :يجب أن نرجئ القمرار الحاسمم فمي
ممما خلل أسممابيعالمسألة لن الحكومة السوفياتية لن تستطيع أن تحافظ علممى نفسممها وستسممقط حت ً
فا
معدودة "...إذن ،في اللحظة التي كممان فيهمما وضممع السمملطة السمموفياتية بالفعممل غيممر ثممابت وضممعي ً
للغاية ،ولن تقهقر العسكرية اللمانية بدا وكأنه يتيح "للتفاهم" إمكانية إبادتنا "في أسممابيع معممدودة"،
ل يبدي كاوتسكي أي رغبة في نجدتنا ،وهو ل يكتفي بغسل يممديه ،بممل يسمماهم مسمماهمة إيجابيممة فممي
خيانممة روسمميا الثوريممة .إن كاوتسممكي كممي يسممهل دور شممايدمان الممذي أصممبح المحممامي الميممن عممن
البورجوازية ،وبدل ً من أن يكون حافر قبرها حسب الممدور الممذي ينسممبه إليممه برنممامجه الخمماص ،يهممرع
ليصبح هو نفسه حافو قبر السلطة السمموفياتية .لكممن السمملطة السمموفياتية حيممة .وسممتظل علممى قيممد
الحياة بعد أن يفني حفار وقبرها قاطبة.
()16تعارض الجريدة الفييناوية "آربايتر زايتونغ" كما هي العادة بين الشيوعيين الروس ،الحكماء العقلء،
وبين الشيوعيين النمساويين .وقد كتبت الجريدة" :ألم يوقع تروتسكي ،بنظرته الثاقبة وتفهمه لما هو
ممكن ،معاهدة برست ليتوفسك الجبارية ،رغم أنها أبادت في تدعيم المبريالية اللمانية؟ لقد كان صلح
بريست – ليتوفسك ل يقل قسوة وخزًيا عن صلح فرساي .فهل معنى هذا أنه كان على تروتسكي أن يتابع
الحرب ضد ألمانيا؟ أما كانت الثورة الروسية ستقضي نحبها منذ زمن بعيد لو فعلت ذلك؟ لقد انحنى
تروتسكي أمام الضرورة المحتمة ووقع المعاهدة المخزية متنبًئا بالثورة اللمانية" .إن الفضل في التنبؤ
بجميع نتائج صلح بريست – ليتوفسك يعود إلى لينين .لكن هذا ل يغير شيًئا ،بالطبع ،في طريقة تفكير
الجريدة الفييناوية "التروتسكية".
77
مسائل تنظيم العمل :سلطة السوفييتات والصناعة
إذا كانت أخطر مآخذ العالم البورجوازي قد وجهت ،في المرحلة الولى من الثورة السوفياتية،
إلى قسوتنا وروحنا الدموية ،فقد أخذوا مؤخًرا ،بعد أن بليت هذه الحجة ووهنت من كثرة الستعمال،
يحملوننا مسؤولية الفوضى القتصممادية فممي البلد .وأن كاوتسممكي يعممبر بصممورة منهجيممة ،تناسمًبا مممه
مهمته الراهنة ،وبلغة تدعي الماركسية ،يعبر بصورة منهجية ،تناسًبا مع مهمته الراهنممة ،وبلغممة تممدعي
الماركسية ،عن جميع اتهامات البورجوازية الممتي تنسممب إلممى السمملطة السمموفياتية مسممؤولية خممراب
جا
الصناعة الروسية .لقد شرع البلشفة في التشريك بدون خطة مدروسة وشركوا ما لممم يكممن ناض م ً
للتشريك ،والطبقة العاملة الروسية غير مستعدة بعد لتسيير النتاج ،إلخ...
إن كاوتسكي يعاند ،وهو يكرر هذه التهامات الرئيسية المتنوعة ويؤلف بينها ،في المرور مرور
الكرام بالسباب الجوهرية لفوضانا القتصادية :المجزرة المبريالية والحرب الهلية والحصار.
لقد وجدت حكوممة السموفييتات نفسمها ،منمذ الشمهر الولمى لوجودهما ،محروممة ممن الفحمم
والبترول والمعدن والقطن .ثم فصلت المبريالية النمسمماوية – اللمانيممة ،وإمبرياليممة "التفمماهم" فيممما
بعد ،فصلت روسيا السوفييتات عن حوض دونتز الفحمي والمعدني ،وعن مناطق القفقاس البترولية،
وعن تركستان التي كانت تزودنا بالقطن ،وعن الورال ومناجمها الغنية ،وعن سيبيريا الغنية بالماشية
والحبوب .لقد كان حوض المدونتز يمزود صمناعتنا عمادة بمم %94ممن الفحمم الحجمري وبمم %74ممما
تستهلكه من الفلزات .وكانت لورال تقممدم البقيممة %20 ،مممن الفلممزات و %4مممن الفحممم الحجممري.
وخلل الحرب الهلية ،فقدنا هاتين المنطقتين .وفقممدنا فممي المموقت نفسممه الثمانيممة ملييممن طممن مممن
الفحم الذي كنا نتلقاه من الخارج .وبقينا في الوقت نفسه بدون بترول ،بعد أن وضع العدو يمده علمى
جميع البار .ول بد أن يكون عقل النسان من قصدير حتى يتكلم ،في مثل هذه الشممروط ،عممن الثممر
السلبي للتشريكات "السابقة لوانها" ،و"البربرية" إلخ ،على صناعة محرومة كلًيا من الوقود والمممواد
ممما أم ل،كا لتروست رأسمالي أم لدولة عماليممة ،وسممواء أكممان مؤم ً الولية أن المصنع ،سواء أكان مل ً
سمما مممن النمسمما –فإن مداخنه ل تستطيع أن تدخن بدون فحم وبدون بممترول .ونسممتطيع أن نأخممذ در ً
وحتى من ألمانيا .إن ما من مصنع للنسيج يدار حسب طرائق كاوتسممكي الحكيمممة – هممذا إذا ارتضممينا
جاولو للحظة أنه يمكن أن يدار شيء ما بطرائق كاوتسكي اللهممم إل المحممبرة .يمكممن أن ينتممج نسممي ً
قطنًيا إذا لم يزود بالقطن الخام .والحال أننمما قممد حرمنمما فممي آن واحممد مممن قطممن تركسممتان وقطممن
أميركا .وعلوة على ذلك ،ولنكرر هذه الحقيقة ،فقد كنا نفتقر إلى الوقود.
يقيًنا لقد كان الحصار والحرب الهلية نتيجة الثورة البروليتاريممة فممي روسمميا ،لكممن ل ينتممج عممن
ذلك البتة أن ظاهرات الخراب العديدة التي أدى إليها الحصار النكلو – فرنسي وحملت النهممب الممتي
قام بها دينيكين وكولتشاك ،يمكن أن تنسب إلى عدم فعالية الطرائق القتصادية السوفياتية.
إن الحرب المبريالية التي سبقت الثورة كانت ،بمتطلباتهمما الماديممة والتكنيكيممة الممتي ل تشممبع،
أثقل بكثير على صناعتنا الفتية منها على صناعة أقوى البلدان الرأسمالية .ولقد تأثرت بذلك ،بصممورة
خاصة ،وسائط نقلنا .فلقد ازداد استثمار سكك الحديد بشكل ملحوظ ،مما أدى بالطبع إلمى اهترائهما،
دون أن تجدد بالمقابل بنسبة الهتراء نفسها .ومما عجل بتسوية الحساب المحتمة أزمممة الوقممود .إن
خسارة فحم الدونتز وبترول القفقاس في آن واحممد تقريب ًمما قممد أرغمتنمما علممى اللجمموء إلممى اسممتعمال
الحطب من أجل سكك الحديد .ولم يكمن احتيماطي الحطمب قمد أعمد لهمذا الغمرض فكمان ل بمد ممن
استعمال الحطب الحديث القطع ،الندي ،وهذا ما كان له أثر سيئ علمى القماطرات المتعبمة بالصمل.
أننا نرى إذن أن السباب الرئيسية لخراب المواصلت الروسية قد أثرت قبممل تشممرين الثمماني .1917
قمما طممرائق
لكن السباب المرتبطة بصورة مباشرة أو غير مباشرة بثورة تشممرين الول ل تمممس مطل ً
القتصاد السوفياتي ،وإن كان ينبغي أن نذكرها بين النتائج السياسية للثورة.
وبديهي أن أثر الهزات السياسمية لمم يتجمل فقمط فمي أزممة المواصملت والوقمود .وإذا كمانت
دا ،فممإن هممذا
الصناعة العالمية تميل أكثر فأكثر ،في العقود الخيرة إلى أن تشكل جهماًزا عضمموًيا واحم ً
ظا بصورة خاصة في الصناعة الوطنية .إل أن الحرب والثورة مزقتا وقطعتمما أوصممال الميل كان ملحو ً
78
الصناعة الروسية .إن الدمار الصناعي في بولونيمما ومنمماطق البلطيممق وبترسممبورغ ،قممد بممدأ فممي عهممد
دا بل انقطاع إلى أقاليم جديدة. القيصرية ،واستمر في عهد كيرنسكي ممت ً
ولقد عملت عمليات الجلء الل متناهية ،بالضافة إلى دمممار الصممناعة ،علممى دمممار المواصمملت
ممما وأشممد
ضا .فأثناء الحرب الهلية حيث كانت تتبدل الجبهات ،اتخذت عمليممات الجلء طابعًمما محمو ً أي ً
تدميًرا .وكان الطرفان ،كلما هجرا مؤقًتا أحد المراكز الصناعية ،يتخذان كممل التممدابير المعقولممة حممتى
يستحيل على الخصم استخدام المصانع :فكانت أثمن اللت وأدق قطع الغيار تنقل ويؤخذ معهمما خيممر
التكنيكيين وخير العمال .وكان الجلء يتبعه إجلء ثان يجهز في غالب الحيان على تممدمير الكممثير مممن
اللت المنقولة والكثير من سكك الحديد .وهكذا انتقلت عدة أقاليم صناعية هي مممن خيممر القمماليم –
وبخاصة في أوكرانيا ومنطقة الورال – من يد إلى يد مراًرا وتكراًرا.
ولنضف إلى هذا أنه في الوقت الذي كان فيه تدمير اللت الصممناعية يأخممذ نس مًبا ل مثيممل لهمما،
ما فمميما استيراد اللت من البلد الجنبية ،هذا الستيراد الذي لعب في الماضي دوًرا حاسم ً توقف تما ً
صناعتنا.
ولم تكن عناصر الصناعة المادية – المباني واللت والسكك والوقود – هي وحدها الممتي عممانت
ضمما القمموة الحيممة ،خلقممة الصممناعة،
مممن نتممائج الحممرب والثممورة الرهيبممة هممذه بممل عممانت مممن ذلممك أي ً
البروليتاريا ،بالقدر نفسه إن لم نقل أكثر .لقد صنعت البروليتاريا ثممورة تشممرين الول ،وبنممت وحمممت
نظام السوفييتات ،وخاضت نضال ً متواصل ً ضد البيض .والحال أن العمال المختصين هم بصورة عامممة
ما .لقد انتزعت الحرب الهلية طوال حقبة طويلممة عشممرات اللف مممن العمممال مممن أكثر العمال تقد ً
العمل الصناعي .وقد فقدنا اللف منهم بصورة ل تعوض .إن أثقل أعباء الثورة الشتراكية تقممع علممى
كاهل الطليعة البروليتارية ،وبالتالي على الصناعة.
لقد تركز كل اهتامام حكومة السوفييتات ،طوال عامين ونصف عام ،على المقاومممة بالسمملح.
وكانت خير قواها وأهم مواردها ترسل إلى الجبهة.
إن الصراع الطبقي يسيء بصورة عامة إلى الصناعة .وأن جميممع الفلسممفة الممذين جعلمموا مممن
أنفسهم رسل النسجام الجتمماعي قمد أخمذوا عليمه همذا المأخممذ منمذ زمممن بعيممد .إن العمممال ،أثنماء
الضرابات القتصادية العادية ،يستهلكون دون أن ينتجوا .وأن الصراع ا لطبقي في أكثر أشكاله حممدة
– الصراع بالسلح – يوجه ضربات أرهب .لكممن مممن البممديهي أننمما ل نسممتطيع البتممة أن نعتممبر الحممرب
الهلية طريقة اقتصادية اشتراكية.
إن السباب التي عددناها هي أكثر من كافية لتفسير الوضع القتصممادي غيممر الثممابت والمممؤقت
لروسيا السوفييتات .ل وقود ،ل معادن ل قطن ،والمواصلت مهدمة ،واللت معطوبة ،واليممد العاملممة
مشتتة في البلد بعد أن فني قسم كبير منها في الجبهات .فهل نبحث بعد هذا في طوبائيممة البلشممفة
القتصادية عن سبب إضافي لتدهور صناعتنا؟ على العكس فكممل سممبب مممن السممباب المشممار إليهمما
يكفي لليحاء بطرح السؤال التالي :كيف أمكن ،في مثل هذه الشروط ،الحفاظ على بعممض النشمماط
في المصانع والمعامل؟
والحال أن مثل هذا النشاط موجود ،وبخاصة في الصناعة العسمكرية المتي تعيمش اليموم علمى
حساب كل صناعة أخرى .ولقد كان على سلطة السوفييتات أن تعيد خلقها ،كما أعادت خلق جيشها،
من النقاض التي تركت لها .إن الصناعة العسكرية ،التي أعيد بناؤها في مثل هممذه الشممروط البالغممة
الصعوبة ،قد أدت وما تزال تؤدي مهمتها :فالجيش الحمر موفممور اللبمماس والحذيممة والسملح .ولمديه
البنادق ،والرصاص ،والقنابل ،والطائرات ،وكل ما هو ضروري له.
وما أن لمحنا بارق السلم ،بمثل خماطف المبرق ،بعمد سمحق كولتشماك ويمودينيتش ودينيكيمن،
حتى طرحنا مسائل تنظيم الصناعة بكل اتساعها .ولقد كفت ثلثة أو أربعة شهور من النشاط الكثيف
في هذا المجال ،لتقطع الطريق على كممل شممك فممي أن سمملطة السمموفييتات ،بفضممل صمملتها الوثيقممة
79
بالجماهير الشممعبية ،وبفضممل مرونممة جهماز دولتهما ومبادهتهمما الثوريمة ،تتمتممع ممن أجممل بعممث النهضممة
القتصادية بموارد وطرائق ل تملكها ولن تملكها أي دولة أخرى.
صحيح أن مسممائل جديممدة قممد انطرحممت أمامنمما ،وأنممه كمان علينما أن نممواجه صمعوبات جديممدة.
فالنظرية الشتراكية ل تملك ول تستطيع أن تملك أجوبة جماهزة علممى كمل همذه السممئلة .وإنمما عممن
طريق التجربة يجب أن نجد الحلول ،وإنمما عمن طريمق التجربمة يجمب أن نتحقمق ممن صملحيتها .إن
الكاوتسكية متخلفة عصًرا كامل ً عن المشكلت الضخمة التي حلتهمما سمملطة السمموفييتات أنهمما تسممير،
في أهاب المنشفيكية ،في خط متردد ،معارضة تدابير بنائنا القتصادي بالراء المسبقة وليممدة الريبيممة
البورجوازية الصغيرة ،الفكرية ،والبيروقراطية.
وكي يطلع القارئ على ماهية هذه المسائل التي لها علقة بتنظيممم العمممل ،كممما تنطممرح علينمما
اليوم ،فإن مؤلف هذا الكتاب يعتقد أنه يحسن العمل إذا نسخ ههنا التقرير الذي قممدمه إلممى المممؤتمر
الروسي الموحد الثالث للنقابات .ومن أجل المزيد من الوضموح ،فمإن القمارئ سميجد التقريمر مكمل ً
بمقاطع عديدة مأخوذة من التقارير التي قدمها المؤلف إلممى المممؤتمر الروسممي الموحممد لسمموفييتات
القتصاد الشعبي وإلى المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي الروسي.
80
تقرير عن تنظيم العمل
ضمما فممي الجبهممة
أيها الرفاق! إن الحرب الهلية تقممارب علممى النتهمماء .والموقممف ممما يممزال غام ً
الغربية .وما تزال هناك إمكانية لن توجه البورجوازية البولونية تحدًيا إلى مصمميرها الخمماص ..لكممن إذا
ما حدث هذا – ونحن ل نفعل شيًئا بغرض حدوثه – فإن الحرب لن تتطلب منا ذلممك التمموتر المفممترس
لقوانا الذي تطلبه القتمال فمي أربمع جبهمات فمي آن واحمد .إن ضمغط الحمرب الرهيمب يمتراخى .وأن
الضرورات والمهام القتصادية تجذب اهتمامنا أكممثر فممأكثر .وإن التاريممخ يعيممدنا مباشممرة إلممى مهمتنمما
الساسية :تنظيم العمل على أسس اجتماعية جديدة .والحق أن تنظيم العمل يعنممي تنظيممم المجتمممع
الجديد ،باعتبار أن كل مجتمع يقوم على تنظيم العمل .وإذا كان كل مجتمع قمديم يقمموم علمى تنظيممم
العمل لصالح القلية التي تتمتع بجهاز القمع الحكومي ضد غالبية الشغيلة السماحقة ،فإننما نقموم فمي
التاريخ العالمي بأول محاولممة لتنظيممم العمممل لصممالح الغالبيممة الكادحممة .إل أن هممذا ل يسممتبعد عنصممر
الكراه بكممل أشممكاله ،مممن ألطفهمما إلممى أقسمماها .إن عنصممر الكممراه والقمممع ل يبقممى علمى المسممرح
التاريخي فحسب ،بل سيلعب على العكس دوًرا بالغ الهمية خلل حقبة ل بأس بها من الزمن.
ما ،حسب القاعدة العامة ،أن يتجنب العمل .إن المثابرة ليست فطرية إن النسان سيحاول دو ً
فيه .بل تلد نتيجة الضغط القتصادي وتربية الوسط الجتممماعي .ويمكممن القممول :إن النسممان حيمموان
كسول بما فيه الكفاية .والواقع أن التقدم البشري يقوم إلى حد كبير على هذه الصفة .ولو لممم يسممع
النسان إلى توفير قواه ،ولو لم يبذل ما بوسعه ليحصل على أقصى حد من المنتجات بأدنى حد مممن
الجهد ،لما كان هناك تطور في التكنيك أو في الثقافة الجتماعية .ومن هنمما ،مممن هممذه الزاويممة ،فممإن
كسممل النسممان قمموة تقدميممة .إن أنطونيممو لبريممول الهممرم ،الماركسممي اليطممالي ،قممد صممور إنسممان
المستقبل بأنه "مكسال سعيد وعبقري" .إل أنه ل حاجة البتة إلى الستنتاج من هذا بأن على الحممزب
والنقابات أن تجعل من هذه الصفة واجًبا أخلقًيا .بالتأكيد ل .فنحن في روسيا ل نشكو إل من كثرتهمما.
إن مهمة التنظيم الجتماعي تكمن على وجه الدقة في سجن "الكسل" في أطر محددة ،حتى يمكممن
ضبطه ،وحث النسان بمساعدة الوسائل والتدابير التي تخيلها بنفسه.
81
إلزامية العمل
إن مفتاح القتصمماد هممو اليممد العاملممة ،سممواء أكممانت مختصممة ،أم ضممعيفة التخصممص ،أم نصممف
مختصة ،أم بدائية ،إلى آخره .وأن إيجاد الوسمائل لحصممائها بدقممة ،وتجنيمدها ،وتوزيعهما ،واسممتخدامها
بصورة منتجة ،يعني عملًيما حمل مشمكلة بنائنما القتصمادي .أنهما مهممة عصمر كاممل ،مهممة عظيممة.
وصعوبتها تتعقد من واقع أنه يتوجب علينا أن نعيد تنظيم العمل على أسس اشتراكية في شروط من
الفقر والفاقة المريعة لم يشهد أحد قط مثيلها.
وكلما اهترأت آلتنا ،وكلما تخربت وسائط نقلنا .وسككنا الحديدية ،وكلما تضاءل حظنمما فممي أن
نتلقى من الخارج في مدى قريب كمية ما من اللت مهممما تكممن ضممئيلة ،ازدادت أهميممة مسممألة اليممد
دا عاملة كبيرة الهمية .لكن ما الطريق المؤدية إليها؟ كيف نقودها العاملة .أننا نملك ،على ما يبدو ،ي ً
إلى البناء؟ كيف ننظمها صناعًيا؟ لقد سبق أن اصطدمنا ،أثناء عمليات إزاحة الثلوج التي سممدت هممذا
الشتاء سككنا الحديدية ،بصعوبات كبيرة .أننا ل نملك أي إمكانية للتغلب على هذه الصممعوبات بشممراء
اليد العاملة ،نتيجة لتدهور قيمة النقد وعدم وجود بضائع مصنوعة .وإن حاجاتنمما مممن الوقممود ل يمكممن
أن تشبع ،ولو جزئًيا بدون استخدام كثيف ،لم تشهد البلد مثلممه قممط ،للقمموة العاملممة مممن أجممل قطممع
الحطب واستخراج التراب النفطي والفحم الحجممري .لقممد دمممرت الحممرب الهليممة السممكك الحديديممة
والجسور والمحطات .ول بد من عشرات ومئات اللف من الشممغيلة لعممادة كممل شمميء إلممى وضممعه
خا مؤقتممة ،مممن أجممل إنتمماج واسممع المممدى لحطممب الطبيعي .ول بد من منازل للشغيلة ،ولو كانت أكوا ً
التدفئة والتراب النفطي ومن أجل العمال الخرى .ومن هنا كانت ،من جديد ،ضرورة يد عاملة هامة
لعمال البناء .كما أن كمية كبيرة من اليد العاملة ضرورية لتنظيم السطول وهكذا ودواليك.
لقد كانت الصناعة الرأسمالية تتمون إلى حد كممبير باليممد العاملممة المسمماعدة مممن بيممن عناصممر
الريف المهاجرة .إن نقص الراضي القابلة للزراعة الذي كان يضغط بقسمموة ،كممان يقممذف باسممتمرار
إلى السوق بكمية احتياطية من اليد العاملة .وكانت الدولة ترغمها على بيع نفسممها بزيممادة الضممرائب
وكانت السوق تقدم بضائع للفلح .وفي الساعة الراهنة لم يعد لهذا الوضع وجود .إن لدى الفلح الن
أراضي أكثر ،لكن لما كان يفتقر إلى أدوات الحراثة ،فإنه بحاجة إلى المزيد من القوة العاملة .ثم أن
الصناعة قد أصبحت عاجزة تقريًبا عن أن تقدم أي شيء للريف ،ولم تعد السمموق تمممارس أي جممذب
لليد العاملة.
إل أننا بحاجة إلى هذه اليد العاملة أكثر من أي وقت مضممى .وليممس العامممل هممو الوحيممد الممذي
يتوجب عليه أن يعطممي السمملطة السمموفياتية قمموته حممتى ل تسممحق روسمميا الكادحممة ومعهمما الشممغيلة
ضمما إلممى قمموة الفلحيممن .والطريقممة الوحيممدة للحصممول علممى اليممد العاملممة
أنفسهم ،بل نحن بحاجة أي ً
اللزمة للمهام القتصادية الراهنة هي تطبيق إلزامية العمل.
إن مبدأ إلزامية العمل بالذات هو مبدأ غير قابل للنقاش بالنسبة إلى الشيوعيين" :من ل يعمل
ل يأكل" .ولما كان على الجميع أن يأكلوا ،فالجميع مرغمون بالتالي على العمممل .لقممد نممص دسممتورنا
وقانون العمل على إلزامية العمل .لكنها لم تكن حتى الن إل مجرد مبدأ .ولم يأخذ تطبيقه إل طابًعمما
عرضًيا وجزئًيا ومؤقًتا .وأن ضرورة إلزامية العمل لم تنطرح علينا بكل حممدتها إل اليمموم ونحممن نممواجه
المسائل التي يطرحها واجب النهوض بالبلد .إن الحممل النظممامي الوحيممد ،مبممدئًيا وعملي ًمما ،للمصمماعب
عا ضرورًيا للقوة العاملة – منبًعا ل ينفممد تقريب ًمما
القتصادية يقوم على اعتبار جميع سكان البلد مستود ً
ما متيًنا بواسطة الحصاء والتجنيد والستخدام.
– وعلى تنظيمهم تنظي ً
حتى اليوم ،كانت وزارة الحربية هي الوحيدة التي تملممك تجربممة فممي مجممال الحصمماء والتجنيممد
والتدريب وتوزيع الجماهير الواسعة .ولقد ورثت وزارة الحربية طرائقها وأساليبها الفنية من الماضممي
إلى حد بعيد .ولم يقدر لنا أن نتلقى مثل هذا الرث في المجال القتصادي لنه كان يسيطر عليه مبدأ
الملكية الخاصة ولن اليد العاملة كانت تتدفق إلى مختلف المشاريع من سوق العمممل مباشممرة .لقممد
82
كان من الطبيعي إذن يوم كنا مرغمين ،وبخاصة في الونممة الولممى ،أن نسممتخدم علممى نطمماق واسممع
جهاز وزارة الحربية لتعبئة القوى العاملة.
لقد أنشأنا في المركز والقاليم أجهزة خاصة لوضع إلزامية العمل موضع التنفيذ .وتعمل اليمموم
لهذا الغرض لجان خاصة في الحكومات والمحافظات والكونتونات .وهي تعتمد بصورة رئيسممية علممى
الجهزة المركزية والمحلية التابعة لوزارة الحربية .ومراكزنا القتصادية" :المجلممس العلممى للقتصمماد
الشعبي" ،و"قوميسارية الزراعة" ،و"قوميسارية الطرق والمواصلت" ،و"قوميسارية التموين" ،تحدد
بنفسها ما يلزمها من اليد العاملممة .وتتلقممى "اللجنمة المركزيممة للزاميمة العممل" كمل همذه الطلبممات،
وتنسقها ،وتلئم بينها وبين مصادر اليد العاملة المحلية ،وتصدر التعليمات المناسبة لجهزتها المحليممة،
وتحقق بواسمطتها تعمبئة القموى العاملمة .أمما علمى نطماق القماليم والحكوممات والمحافظمات ،فمإن
الجهزة المحلية تنفذ بصورة مستقلة ذاتًيا هذا العمل بهدف تلبية الحاجات القتصادية المحلية.
إن هذا التنظيم كله لم ترسمم معمالمه إل بصممورة عاممة للغايممة .ول بممد لمه ليكتممل مممن عممل
الشيء الكثير .لكن الطريق التي نسير فيها هي بدون أدنى ريب الطريق الصالحة.
إذا كان تنظيم المجتمع الجديد تعتمممد كأسمماس علممى تنظيممم جديممد للعمممل ،فممإن هممذا التنظيممم
يقتضي بدوره التطبيق النظامي للزامية العمل .إن التدابير الدارية والتنظيمية غير كافية لنجاز هممذه
المهمة .إن هذه المهمة تشمل أسس القتصاد العممام وأسممس الوجممود بالممذات .إنهمما تصممطدم بممالراء
المسبقة وبالعادات البسيكولوجية .وإن وضع إلزامية العمل موضع التنفيممذ يفممترض ،مممن جهممة أولممى،
عمل ً تربوًيا جباًرا ،ويفترض من الجهة الثانية أكبر الحذر في الطريقة العملية لتطبيقها.
إن استخدام اليد العاملة يجب أن يتم بأكبر قدر من التوفير .ول بد عند تعبئة القوة العاملة من
أن نأخذ بعين العتبار شروط الوجود القتصادي لكل منطقة ،وحاجات الصناعة الزراعية لدى السكان
قا والعناصممر القرويين .وينبغي أن نأخذ بعين العتبار إلى أقصى حممد ممكممن الممموارد الموجممودة مسممب ً
المهاجرة المحلية ،إلخ .وينبغي أن يتم توزيع اليد العاملة المعبأة على مسافات صممغيرة ،أي أن تؤخممذ
من أقرب القطاعات إلى جبهة العمل .وينبغي أن يتناسب عدد الشغيلة المعممبئين مممع أهميممة المهمممة
القتصادية .وينبغي أن يزود الشغيلة المجندون في الوقت المناسب بالمؤن وأدوات العمل وينبغي أن
يكون فوق رؤوسهم معلمون مجربون يتمتعون بروح المبادهممة وينبغممي أن يقتنممع الشممغيلة فعلي ًمما بممأن
يدهم العاملة تستخدم بتبصر واقتصمماد وأنهمما ل تبممذر عبث ًمما .ويتمموجب علينمما ،أينممما أمكننمما ،أن نسممتبدل
التعبئة المباشرة بالمهمة ،أي أن نفرض على كانتون معين اللتزام بأن يقممدم ،فممي مممدة معينممة ،كممذا
متًرا مكعًبا من الخشب ،أو أن ينقل إلى هذه المحطة أو تلممك كممذا قنطمماًرا مممن الفلممزات ،إلممخ .ومممن
الضروري في هذا المجال أن نستفيد من الخبرة المكتسبة ،وأن نعطي النظام القتصممادي أكممبر قممدر
من المرونة ،وأن نبرهن على مزيد من الهتمام بالمصالح المحلية والعادات المحلية .وبكلمة واحممدة،
علينا أن نحسن ونعدل إلى حد الكمال الطرائق والمناهج والجهممزة المخصصممة لتعممبئة اليممد العاملممة.
ضا من أن نقتنع مرة واحدة ونهائًيا بفكرة أن مبدأ إلزامية العمل بالذات قممد حممل بصممورة لكن ل بد أي ً
ما كما أن تشريك وسائل النتمماج قممد حممل محممل جذرية ودونما رجعة محل مبدأ التطوع الختياري ،تما ً
الملكية الرأسمالية.
وكي نفهم ما نعنيه بتطبيق النظام العسكري على العمل في الدولة العمالية ،وما هي مناهجه،
فل بد أن نكون فكرة واضحة عن الطريقة التي يتم بها تطبيق النظام العسكري على الجيش نفسممه،
دا فممي البدايممة ،كممما يممذكر الجميممع ،عممن التمتممع بالصممفات "العسممكرية"
هممذا الجيممش الممذي كممان بعيم ً
مما عمدد المنتسمبين إلمى
ً تما يبلمغ لمم الماضميين العامين في عبأناهم الذين المكتسبة .إن عدد الجنود
83
النقابات في روسيا لكن المنتسبين إلمى النقابمات همم ممن العممال ،وهمؤلء ل يمدخلون إلمى الجيمش
الحمر إل بنسبة ،%15أما الباقي فمؤلف من جماهير الفلحين .إل أننا نعممرف عممن حممق أن المنظممم
والباني الحقيقي للجيش الحمر إنما هو العامممل المتقممدم ،المتخممرج مممن المنظمممات النقابيممة أو مممن
الحزب .فحين كان الموقف في الجبهات يصممبح صممعًبا ،وحيممن ل تممبرهن الجممماهير الفلحيممة المجنممدة
حديًثا على ما فيه الكفاية من الحزم ،كنا نتوجه من جهة أولى إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي،
ومن الجهة الثانية إلى سوفييت النقابات .وإنما من هذين المصدرين كممان يخممرج العمممال المتقممدمون
ليذهبون لتنظيم الجيش الحمر على صورتهم ،وليقفوا ويدربوا ويجندوا الجماهير الفلحية.
وإنه لمن الضرورة بمكان أن نذكر بدقة بهذه الواقعة لنها تسلط الضمموء علممى فكممرة التنظيممم
العسكري بالذات كما هي مفهومة في الدولة العمالية والفلحية .لقد نودي بمبدأ التنظيممم العسممكري
للعمل كشعار أكثر من مرة ،ولقد طبق في فروع اقتصادية متعددة في عدد من البلدان البورجوازية،
سواء أفي الغرب أم في روسيا في ظل القيصرية .لكن تنظيمنا العسكري للعمل يتميز عن التنظيممم
ما كما تتميممز البروليتاريمما الواعيممة والمنظمممة ،بهممدف
العسكري في تلك البلدان بأهدافه ومناهجه ،تما ً
تحررها ،عن البورجوازية الواعية والمنظمة بهدف الستغلل.
ومن هذا الخلط الل واعي أو المغرض ،بين الشكال التاريخية للتنظيممم العسممكري البروليتمماري
والشممتراكي والتنظيممم العسممكري البورجمموازي ،ينبممع القسممم الكممبر مممن الراء المسممبقة والخطمماء
والحتجاجات وصرخات الستنكار التي تثيرها هذه المسألة .وإنممما علممى هممذا التفسممير للشممياء يقمموم
موقف المنشفيك ،الكاوتسكيين الروس ،كما يتضح في قرارهم المبدئي المقدم إلى مؤتمر النقابممات
الحالي.
إن المنشفيك ل يفعلون شيًئا إل استنكار تطبيق النظام العسكري على العمل .وهم يستنكرون
ضا إلزامية العمل .إنهم يرفضون هذه الطرائق باعتبارها "إكراهية" .إنهم يشيعون إن إلزامية العملأي ً
ستؤدي إلى انخفاض النتاجية .أما عن تطبيق النظام العسكري على العمل فلن يكون له مممن نتيجممة
إل تبذير اليد العاملة هباء.
ما إل منخفض النتاجية" ،هذا هو التعبير الدقيق الوارد في قرار "إن العمل اللزامي لم يكن دو ً
المنشفيك .إن هذا التأكيد يقودنا إلى لب المشكلة بالذات .ذلك أن المسألة ،كما نرى ،ليست هي أن
نعرف ما إذا كان من المعقول أو الل معقول أن نعلن أن هذا المصنع أو ذاك هو في حالة حرب ،وممما
إذا كان من المصلحة أن نعلن أن هذا المصنع أو ذاك هو في حالة حرب ،وما إذا كممان مممن المصمملحة
أن نعطي المحكمة الثورية العسكرية حتى معاقبة العمال المرتشين الممذين يسممرقون المممواد الوليممة
دا بالنسبة إلينا ،أو المذين يخربمون .كل ،إن المنشمفيك يطرحمون المسمألة بصمورة والدوات الثمينة ج ً
ما منخفممض النتمماج ،أن يزعزعمموا كمملً دو هو اللزامي العمل إن بتأكيدهم يحاولون، أعمق بكثير .إنهم
بنائنا القتصادي في مرحلة النتقال الراهنة .ذلك أنه ل مجال للنتقال من الفوضمى البورجوازيمة إلمى
القتصاد الشتراكي دون اللجوء إلى الديكتاتورية الثوريممة وإلممى طممرائق التنظيممم القتصممادي القائمممة
على الكراه.
إن النقطة الولى من قرار المنشفيك تقول أننا نعيش في عصممر النتقممال مممن أشممكال النتمماج
الرأسمالي إلى أشكال النتاج الشتراكي .فما معنى هذا؟ وقبل كل شيء ،من أني أتت هذه الحكممم،
ومنذ متى اعترف بها كاوتسكيونا؟ لقد اتهمونا )وهذا ما كان أساس مذهبهم( أنه ل مجال في عصممرنا
للنتقال إلى الشتراكية ،وأن ثورتنا ليست إل ثورة بورجوازية ،وأننا ،نحن الشمميوعيين ،ل نفعممل شمميًئا
سوى تدمير النظام القتصادي الرأسمالي ،وأننا ل نتقدم بالمة خطوة إلى المممام ،بممل علممى العكممس
نسير بها إلى الخلف .إنما حول هذه النقاط كان يكمن الخلف الساسي ،والختلف العميق ،والتنافر
الذي تنبع منه كل الختلفات الخرى .لكن المنشفيك يلفتون انتباهنا الن بصورة عابرة ،في مقدمات
قرارهم ،وكأن القضية بديهية ل تحتاج إلى دليل ،إلى أننا نمممر بمرحلممة النتقممال ممن الرأسممالية إلمى
الشتراكية .وهذا اعتراف غير متوقع على الطلق أشممبه مما يكممون باستسمملم فكممري كامممل .ثممم أنممه
مصاغ بسهولة وخفة ل تفرضان أي التزام ثوري على المنشفيك ،كما يدل على ذلك القرار كله .إنهممم
سجناء العقيدة البورجوازية بشكل عام .إن المنشفيك ،بعد أن اعممترفوا بأننمما نسممير نحممو الشممتراكية،
84
يتهجمون بحنق على هذه الطرائق الممتي يسممتحيل بممدونها ،فممي الشممروط الصممعبة الخطيممرة الراهنممة،
النتقال إلى الشتراكية.
ما! ونحن نسألهم :ماذا تقصدون ههنمما أنهم يقولون لنا :إن العمل اللزامي منخفض النتاجية دو ً
بالعمل اللزامي؟ وبتعبير آخر ،أنه نقيض أي عمل؟ نقيض العمل الحر في الظاهر .فممماذا ينبغمي فممي
هذه الحال أن نفهم من العمل الحر؟ إن واضعي عقيدة البورجوازية التقدميين هم الذين صاغوا هممذه
الفكرة في نضالهم ضد إكراه العمل ،أي ضد عبودية الفلحين ،وضممد عمممل الصممناع المقنممن المقعممد.
وكانوا يفهمون العمل الحر على أنه العمل الذي يمكن شراؤه "بحرية" في سوق العمل .وهكذا فممإن
الحرية ترتد إلى وهم حقوقي حول أساس الشراء للعاملين بالجرة .ونحن ل نعرف فممي التاريممخ غيممر
هذا الشكل للعمل الحر .وليشرح لنا بعض ممثلي المنشفيك الحاضرون في هذا المؤتمر ما يقصدونه
بالعمل الحر ،غير الكراهي ،إن لم يكونوا يقصدون به البيع الحر لليد العاملة؟
لقد عرف التاريخ العبودية والممرق وعمممل الحممرف المقنممن فممي القممرون الوسممطى .أممما اليمموم
فيسود العالم كله العمل المأجور الذي يعارض به الكويتيون الصفر في جميع البلدان ،على اعتبار أنمه
حرية أسمى" ،العبودية" السوفياتية .أما نحن فنعمارض ،علمى العكمس ،العبوديمة الرأسممالية بالعممل
الجتماعي النظامي المستند إلى خطة اقتصادية ،واللزامي للجميع ،واللزامي بالتالي لكل عامل في
البلد .وبدونه يستحيل حتى التفكير بالنتقال إلى الشممتراكية .إن عنصممر الكممراه المممادي ،الفيزيممائي،
يمكن أن يكون كبيًرا أو صغيًرا :فهذا أمر يتعلق بالكثير مممن الشممروط وبدرجممة غنممى البلد أو فقرهمما،
وبإرث الماضي ،وبمستوى الثقافة ،وبحالة المواصلت ونظام الدارة ،إلخ ،إلخ ،لكن اللممزام وبالتممالي
الكراه هو الشرط الضروري لضبط الفوضى البورجوازية ،ولتشريك وسائل النتاج والعمممل ،ولعممادة
بناء النظام القتصادي حسب خطة موحدة.
إن الحرية تعني في النهاية ،في نظر الليبرالي ،البيع الحر لليد العاملة .هل يسممتطيع رأسمممالي
من الرأسماليين أن يشتري بسعر مقبول القوة العاملة أم ل؟ هذه هممي الوسمميلة الوحيممدة فممي نظممر
الليبرالي لقياس حرية العمل .وهذا المقياس خاطئ ل بالنسبة إلى المسممتقبل فحسممب ،بممل بالنسممبة
ضا.
إلى الماضي أي ً
إنه لمن غير المعقول أن نتصور أن العمل فمي أيمام المرق كمان يتمم كلمه تحمت تهديمد الكمراه
المادي ،وأن المراقب يقف خلف الفلح المسممكين والسمموط فممي يممده .إن الشممكال القتصممادية فممي
القرون الوسطى كانت تنبع من بعض الشممروط القتصممادية ،وتحيممي تقاليممد كممان الفلح يتلءم معهمما،
ويراها في بعض العهود عادلة أو يعترف على القل بطابعها الممدائم .وحيممن اتخممذ تجاههمما ،تحممت تممأثير
فا معادًيا ،حطمته الحكومة بالقوة الماديممة ،مثبتممة بممذلك الطممابع الكراهممي
تغير الشروط المادية ،موق ً
لتنظيم العمل.
إن استبدال القتصاد الرأسمالي بالقتصاد الشتراكي لن يكون إل كلمممة جوفمماء بممدون أشممكال
الكراه الحكومي التي هي أسمماس تنظيممم العمممل علممى أسمماس عسممكري .فلممم نتكلممم عممن التنظيممم
العسكري للعمل؟ بديهي أن هذا من قبيممل التشممابه ،لكنممه تشممابه عميممق الدللممة .إن ممما مممن تنظيممم
اجتماعي آخر ،باستثناء الجيش ،قد تصور أن له الحق في أن يلحق به المممواطنين إلحاقًمما تا ً
ممما ،وفممي
أن يسيطر عليهم سيطرة كاملة بإرادته ،كما تفعل ذلك حكومة الديكتاتورية البروليتاريممة .إن الجيممش
وحده )على وجه التحديد لنه حسم بطريقته الخاصة مسائل حيمماة وممموت المممم والممدول والطبقممات
مما للمهمام والهمداف والتعليممات عا تا ً
الحاكمة( قد اكتسمب الحمق بمأن يتطلمب ممن كمل فمرد خضمو ً
والوامر .ولقد توصل إلى ذلك لن مهام التنظيم العسكري ،بوجه خاص ،كانت تتفق أكثر مممن غيرهمما
مع ضرورات التطور الجتماعي.
إن مسألة حياة أو موت روسيا السوفياتية مطروحة ،في الساعة الراهنة ،علممى صممعيد العمممل.
إن منظماتنا القتصادية مع منظماتنا المهنية والصناعية لهمما الحممق فممي أن تتطلممب مممن أعضممائها كممل
نكران الذات وكل النضباط وكل الدقة في مواعيد العمل ،أي كل ما كان الجيش وحده يتطلبه حممتى
اليوم.
85
وموقف الرأسمالي من العامل ،مممن الجهممة الخممرى ،ل يقمموم علممى عقممد "حممر" فحسممب ،بممل
ضا على عناصر قوية من التنظيم الحكومي والكراه المادي. يشتمل أي ً
إن منافسة الرأسمالي للرأسمالي قد أضفت على وهم حرية العمل ظاهًرا من الواقعية .لكننمما
هدمنا نهائًيا ،بإلغائنا الملكية الخاصة لوسائل النتاج ،هذه المنافسة التي قلصتها النقابات والتروستات
إلى أقصى الحدود .وأن النتقال إلى الشتراكية ،المعترف به لفظًيا من المنشفيك ،يعني النتقال من
التوزيع الفوضوي لليد العاملة ،ومن قانون الشراء والبيع ،ومن تحولت أسعار السمموق والجممور ،إلممى
توزيع عقلني للشغيلة بواسطة أجهزة المحافظة والقليم والبلد كلها.
إن هذا النوع من التوزيع يفترض تبعية العمال الموزعين لحظة الحكومة القتصممادية .وهممذا هممو
كل أساس إلزامية العمل التي تدخل بصورة محتمة ،وباعتبارها عنصًرا جوهرًيا ،فممي برنامممج التنظيممم
الشتراكي للعمل.
أما أن العمل الحر أكثر إنتاجية من العمل اللزامي ،فهذه حقيقة ل يماري فيها بصممدد النتقممال
من المجتمع القطاعي إلى المجتمع البورجوازي .لكن ل بد أن يكممون النسممان ليبرالي ًمما ،أو كاوتسممكًيا
في عصرنا ،حتى يخلد هذه الحقيقة ويفرضممها علممى عصممرنا النتقممالي مممن النظممام البورجمموازي إلممى
ما وفي كل حا ،كما يقول قرار المنشفيك ،إن العمل اللزامي هو دو ً النظام الشتراكي .وإذا كان صحي ً
الظروف أقل إنتاجية ،فإن بناءنا القتصادي يكون بالتالي مقدًرا عليممه النهيممار .ذلممك أنممه ل يمكممن أن
توجد لدينا وسيلة أخرى للنتقال إلى الشتراكية غير القيادة الحازمة للقوى والموارد القتصممادية فممي
البلد ،وغير التوزيع المركزي للقوة العاملة حسب الخطة الحكومية العامة .إن الدولة العماليممة تعتممبر
أن لها الحق في أن ترسل كل شغيل إلى المكان الممذي بحاجممة إلممى عملممه .وأن مممن اشممتراكي جمماد
سيفكر بأن ينكر على الحكومة لعمالية حقها في وضممع يممدها علممى الشممغيل الممذي قممد يرفممض تنفيممذ
المهمة التي أوكلت إليه .لكن الطريق المنشفيكي للنتقال إلى "الشتراكية" ،وهذا هو لب المسممألة،
هو أشبه بطريق المجرة ،بدون احتكار للقمح ،وبدون إلغاء للسواق ،وبدون ديكتاتورية ثورية ،وبممدون
تنظيم عسكري للعمل.
فالنقابممات ،بممدون إلزاميممة العمممل وبممدون الحممق فممي إصممدار الوامممر ،وطلممب تنفيممذها ،تفقممد
مقوماتها ،ذلك أنها ضرورية للدولة الشتراكية التي فممي طريممق البنمماء ،ل لتناضممل مممن أجممل شممروط
أفضل للعمل – فهذه مهمممة مجممموع التنظيممم الجتممماعي الحكممومي – بممل مممن أجممل تنظيممم الطبقممة
العاملة بهدف النتاج ،ومن أجل ضبطها وتوزيعها وتثقيفهمما وتعييممن بعممض الفئات وبعممض العمممال فممي
مراكزهم لمدة معينة من الزمن ،وبكلمة واحممدة مممن أجممل تنظيممم الشممغيلة بحممزم ،وباتفمماق تممام مممع
السلطة ،في إطارات الخطة القتصممادية الموحممدة .إن الممدفاع عممن "حريممة" العمممل ،فممي مثممل هممذه
الشروط ،يعني الدفاع عن البحث الل مجدي ،الل مفيمد ،غيمر المؤكمد ،عمن الشمروط الفضمل ،وعمن
النتقال الفوضوي غير المنظم مممن مصممنع إلممى آخممر ،فممي بلممد جممائع ،وسممط الفوضممى المخيفممة فممي
المواصلت والتموين .وماذا يمكن أن تكون نتيجة هذه المحاولة الل معقولة للجمع بيممن حريممة العمممل
البورجوازيممة وبيممن التشممريك البروليتمماري لوسممائل النتمماج ،غيممر تفكممك الطبقممة العاملممة والفوضممى
القتصادية الكاملة؟
ليس التنظيم العسكري للعمل إذن ،أيها الرفاق ،بالمعنى الساسي الذي ذكرته ،ليس هممو مممن
اختراع بعض الشخاص السياسيين أو وزارة حربيتنما ،بمل أنمه يبمدو كطريقمة حتميمة فمي تنظيمم اليمد
حا ،كممما جمماء فممي
العاملة وضبطها في عصر النتقال من الرأسمالية إلى الشممتراكية ،وإذا كممان صممحي ً
قرار المنشفيك ،إن كل هذه الشكال )التوزيممع اللزامممي لليممد العاملممة ،وإلحاقهمما المممؤقت أو الممدائم
ببعض الفروع أو المشاريع ،وتنظيمها المتجاوب مع الخطة القتصادية الحكومية( تؤدي إلممى انخفمماض
النتاجية ،فلنرسم إذن إشممارة الصممليب علممى الشممتراكية .ذلممك لنممه يسممتحيل بنمماء الشممتراكية علممى
انخفاض النتاج .إن كل تنظيم اجتماعي يستند إلى تنظيممم العمممل .وإذا كممان تنظيمنمما الجديممد للعمممل
86
ممما إلممى الممدمار،
يفضي إلى نقص النتاج ،فإن المجتمع الشتراكي الذي في طريق البنمماء سيسممير حت ً
مهما كانت مهارتنا ومهما كانت تدابير النجارة التي نتصورها.
إنما لهذه السباب قلت ،من البداية ،إن الحجج المنشفيكية ضد التنظيم العسكري تقودنمما إلممى
مما غيمر قما أن العممل اللزاممي كمان دو ً لب مشكلة تنظيم العمل وتأثيره على النتماج فهمل صمحيح ح ً
منتج؟ إننا مرغمون على الرد على هذه الحجة بأنها واحد من أفقر الحكام المسبقة وأكثرها ليبرالية.
إن المسألة كلها تكمن في أن نعرف من يمارس الكراه ،وضد من ولماذا؟ أي دولممة ،أي طبقمة ،فممي
ما وأدى إلى زيادة النتمماج. أي الظروف ،بأي الطرائق؟ لقد كان تنظيم الرق ،في بعض الشروط ،تقد ً
وا كبيًرا في ظل النظام الرأسمالي ،وبالتالي في عصممر الشممراء والممبيع الحممر لليممد ولقد نما النتاج نم ً
العاملة في سوق العمل .لكن العمل الحر والرأسمالية بكاملها قد قضت عليهما الحرب نهائي ًمما عنممدما
دخل في المرحلممة المبرياليممة .إن القتصماد العمالمي كلمه دخمل فممي مرحلممة مممن الفوضممى الدمويمة،
والهممزات الرهيبممة ،والتعممري ،والضمممحلل ،ودمممار الجممماهير الشممعبية .فهممل يمكننمما فممي مثممل هممذه
الشروط ،أن نتكلم عن إنتاجية العمل الحمر ،بينمما تختفمي ثممار همذا العممل أكمثر ممما تمبرز بعشمرة
أضعاف؟ لقد أثبتت الحرب المبريالية والنتائج التي نجمممت عنهمما اسممتحالة وجممود مجتمممع قممائم علممى
العمل الحر بعد اليوم .أم لعل أ؛دهم يملك السر الذي سيسمح بتحرير العمممل الحممر مممن نوبممة جنممون
المبريالية ،أو بتعبير آخر ،الذي سيسمح بإرجاع التطور الجتماعي خمسين أو مئة عممام إلممى المموراء؟
حا أن تنظيمنا للعمل ،الذي يجب أن يحل محممل الرأسمممالية ،والمرسمموم حسممب خطممة وإذا كان صحي ً
معينة ،واللزامي بالتالي ،يؤدي إلى ضعف القتصاد ،فهذا سيعني نهاية كل ثقافتنمما وتراجممع النسممانية
نحو البربرية والهمجية.
لكن من حسن حظ النسانية قاطبة ل روسيا السوفياتية وحدها .إن فلسفة النتاجيممة الضممعيفة
ما وفي جميع الشروط" ل تعدو أن تردد لزمة ليبرالية قديمة .إن إنتاجيممة العممملللعمل اللزامي "دو ً
دا ،ول يمكن في أي حال من الحوال أن ً تعقي الكثر الجتماعية الشروط بمجموع كمية تعسفية تتعلق
قا بشكل حقوقي من أشكال العمل. تقاس أو تحدد مسب ً
إن كل تاريخ النسانية هو تاريخ تنظيم وتربية النسان الجتماعي بالعمل ،بهدف الحصممول منممه
فا بأن أعبر ،كسول ،أي يحاول بممالغريزة أن على إنتاجية أكبر .إن النسان لهو ،كما سمحت لنفسي آن ً
يحصل بأقل جهد ممكن على أكبر حد ممكن من المنتجات .وبدون هذا الميمل ،لمن يكممون ثممة وجممود
للتطور القتصادي .إن نمو الحضارة يقاس بإنتاجية النسان ،وكل شكل جديممد مممن أشممكال العلقممات
الجتماعية ينبغي أن يمتحن على حجر المحك هذا.
إن العمل "الحر" لم يظهر إلى النور على حين غرة بكل قوة إنتاجيته .إنه لم يصل إلى إنتاجية
عالية إل تدريجًيا ،وعلى إثر تطبيق طويل المد لطممرائق تنظيممم وتثقيممف العمممل .ولقممد اسممتخدم هممذا
التثقيف مختلف الطرائق والوسائل التي كانت تتبدل ،علوة على تنوعها ،حسب العصور .في البدايممة
كانت البورجوازية تطرد بالعصا الغليظة الفلح الموجيك خارج قريته وتلقي به على عارضة الطريممق،
بعد أن تكون قد انتزعت منه أراضيه .وحين كان ل يريد أن يعمل في المصممنع ،كممانت تممدمغه بالحديممد
الحمر ،وتشنقه ،وترسله إلى العمل الجباري في تجذيف السفن ،إلى أن يعتمماد البممائس فممي النهايممة
على العمل في المصنع .وكما نرى ،فإن هذه المرحلة من العمل "الحر" ل تختلف إل قليل ً للغاية عممن
الشغال الشاقة ،سواًءا من زاوية الشروط المادية أم من وجهة النظر الشرعية.
ولقد لجأت البورجوازيممة ،فممي عصممور مختلفممة ،وبنسممب متباينممة ،إلممى الحديممد الحمممر والقمممع
ووسائل القناع في آن واحد .ولقد قدم إليها الكهنة ،في هذا المجال ،مسمماعدة ل تقممدر بثمممن .فمنممذ
القرن السادس عشر ،كانت قد أدخلت الصلح على الدين الكاثوليكي القديم الممذي كممان يممدافع عنممه
دا ،دين "الصمملح" الممذي يجمممع بيممن حريممة الممروح النظام القطاعي ،وتبنت من أجل حاجاتها ديًنا جدي ً
ما مخلصممين .ولقممد طممورت سا روحيين لها وخد ً وحرية التجارة والعمل .واتخذت من الكهنة الجدد حرا ً
البورجوازية المدرسة والصحافة والمجالس البلديمة والبرلممان بهمدف تكموين أفكمار الطبقمة العاملمة
لصالحها .إن مختلف أشكال الجرة )المياومة ،وعلى القطعة ،والمقاولة ،والعقد الجماعي( ل تشممكل
بين يدي البورجوازية إل وسائل متنوعة لترويض البروليتاريا على العمل .وتنضم إليها مختلمف أشمكال
التشجيع على العمل والتحريض على الوصولية .وأخيًرا ،لقد عرفت البورجوازية كيف تضع يمدها علمى
87
النقابات ومنظمات الطبقة العاملة ،وتستفيد منها إلى أبعد الحدود في ضممبط الشممغيلة .لقممد روضممت
القادة ،وأقنعت العمال عن طريقهم بضرورة الجتهاد والعمل الهادئ ،وإنجاز مهمتهم بصممورة مثاليممة،
والتنفيذ الدقيق لقوانين الدولة البورجوازية .ولقد وجد كل هذا العمل تتويجه فممي نظممام تممايلور الممذي
تتحد فيه عناصر التنظيم العلمي لعملية النتاج بأمهر الطرق في استثمار جهد العامل إلى أقصى حممد
ممكن.
ما مممن التاريممخ ويتبين بوضوح مما قلناه أن إنتاجية العمل الحر ليست شيًئا محد ً
دا ،مقرًرا ،مقد ً
على صحن من الفضة .كل! إنهمما نتيجممة سياسممة طويلممة عنيممدة ،رادعممة ،تربويممة ،تنظيميممة ،منشممطة،
تنتهجها البورجوازية ** من المنتجات من جهممد العمممال ،وكممان السممتئجار الختيمماري ،الشممكل الوحيممد
دا من أقوى السلحة بين أيديها. للعمل الحر ،الطبيعي ،السليم ،المنتج والمأمون ،واح ً
إن التاريخ لم ولن يعرف شمكل ً حقوقًيما للعممل يضممن ممن تلقماء نفسمه النتاجيمة .إن الغلف
الحقوقي للعمل يتعلق بعلقات العصر ومفاهيمه .إن إنتاجية العمل تتطور على أساس تطممور القمموى
التكتيكية ،وتثقيف العمل ،وتلؤم الشغيلة التدريجي مع وسائل النتاج التي تتبدل باستمرار ،والشكال
الجديدة للعلقات الجتماعية.
إن تشييد المجتمع الشمتراكي يعنمي تنظيمم الشمغيلة علمى أسمس جديمدة وتلؤمهمم ممع همذه
السس ،وإعادة تثقيفهم بهدف زيادة النتاجية باستمرار .وعلى الطبقممة العاملممة أن تقمموم مممن تلقمماء
نفسها ،بقيادة طليعتها ،بإعادة تثقيف نفسها اشتراكًيا .ومن لم يفهممم ذلممك ،فهممذا معنمماه أنممه ل يفهممم
شيًئا من ألف باء البناء الشتراكي.
ما هي إذن طرائقنا في إعادة تثقيف الشغيلة؟ إنها أوسع بما ل يقاس من طرائق البورجوازية،
وهي علوة على ذلك مستقيمة ،شممريفة ،صممريحة ،نقيممة مممن كممل ريمماء ومممن كممل كممذب .لقممد كممانت
البورجوازية مرغمة على اللجوء إلى الكذب لتصور عملها على أنه حر ،في حيممن أنممه فممي الواقممع لممم
دا .ذلممك إنممه كممان عمممل الغالبيممة لصممالح القليممة.
ضا مستعب ً ضا اجتماعًيا فحسب ،بل كان أي ً يكن مفرو ً
وبالمقابل فإننا ننظم العمل لصالح الشغيلة أنفسهم ،ولهذا فممإن ممما مممن شمميء يمكممن أن يممدفنا إلممى
إخفمماء أو تقنيممع الطممابع اللزامممي اجتماعي ًمما لتنظيممم العمممل .إننمما ل نممدري ممماذا نفعممل بحكايمما الكهنممة
والليبراليين والكاوسكيين .إننا نقول علًنا وصراحة للجماهير أنها ل تستطيع أن تنقذ وترفع وتقود البلد
الشتراكية إلى مركز ل مع إل مقابل عمل حازم ،وانضباط صارم ،وأكبر دقة في مواعيممد العمممل مممن
جانب كل شغيل .إن أهم وسائلنا هي عمل الفكممرة ،أي الدعايمة ل لفظي ًمما فحسمب بممل فعلًيما وعملي ًمما
فمما تجمماه الطبقممة العاملممة.
ضا .إن إلزامية العمل تتخذ طابًعا إكراهًيا ،لكن هذا ل يعني أنها تشكل عن ً أي ً
ولو اصطدمت إلزامية العمل بمعارضة القسم العظم من الشغيلة ،لكان حكم عليها بممالموت ومعهمما
النظام السمموفياتي .إن التنظيممم العسممكري للعمممل ،حيممن يصممطدم بمعارضممة الشممغيلة ،يكممون أشممبه
بطرائق آراكتشييف .إن تنظيممم العمممل عسممكرًيا بممإرادة الشممغيلة أنفسممهم لهممو طريقممة مممن طممرائق
الديكتاتورية الشتراكية .أما أن إلزامية العمل وتنظيمه العسكري يغتصمبان إرادة الشمغيلة ،كمما كمان
شأن العمل "الحر" ،فهذا ما يدحضه بشكل قاطع إلهام الشغيلة المتطوعين الواسع في "أيام السبت
الشيوعية" ،هذا الحدث الفريد من نوعه في تاريخ النسانية .إن العالم لمم يشمهد شميًئا كهمذا فمي أي
زمن من الزمان .إن الشغيلة يبرهنون بشكل رائع ،بعملهممم الختيمماري والمتجممرد – مممرة واحممدة فممي
السبوع وأحياًنا أكثر من مرة – على أنهم مستعدون ل لتحمل عبء العمل "الجبمماري" فحسممب ،بممل
ليقدموا للحكومة عمل ً إضمافًيا .أن "أيمام السمبت الشميوعية" ليسمت إل أمثلمة رائعمة علمى التضمامن
ضا لنجاح تطبيق إلزامية العمل .إن علينا ،بواسطة الدعاية ،أن نوضممح الشيوعي ،لكنها أوثق ضمانة أي ً
ونوسع ونعزز هذه الميول الشيوعية العميقة الجذور.
إن السلح المعنوي الرئيسي في يد البورجوازية هو الدين .في حين أن سمملحنا ،نحممن ،هممو أن
حا صادًقا حقيقة المور ،وأن ننشممر المعلومممات الطبيعيممة والتاريخيممة والتكنيكيممة،
نشرح للجماهير شر ً
وأن ندرب الجماهير على الخطة العامة للقتصاد الحكومي التي يجب أن يتم على أساسمها اسمتخدام
اليد العاملة التي تملكها السلطة السوفياتية.
88
إن القتصاد السياسي قد قدم لنا ،في الماضي ،أهم مصادر عملنا ودعايتنا :فلقممد كمان النظممام
الرأسمالي الجتماعي لغًزا ولقد كشفنا اللثام عن هذا اللغز للجممماهير .واللغمماز الجتماعيممة تتكشممف
الن للجماهير بواسطة آلية النظممام السمموفياتي بالممذات ،هممذا النظممام الممذي يسمملم الشممغيلة مختلممف
المناصب .وكلما تقدمنا ،أخذ القتصاد السياسي المزيد من الهمية التاريخيممة .إن العلموم ،الممتي تفيممد
في تنقيب الطبيعة وفي إيجاد وسائل الكفيلة بإخضاعها لرادة النسان ،تحتل اليوم مكانة الصدارة.
إن على النقابات أن تشرع ،على أوسع مدى ،في التثقيف العلمممي والتكنيكممي ،حممتى يجممد كممل
عامل في عمله الخاص دافًعا له على العمل الفكري النظري .والنظرية ،بارتدادها نحو العمل ،تزيممده
إتقاًنا وإنتاجية.
إن على الصحافة أن ترتفع إلممى مسممتوى مهممام المموطن ،ل كممما تفعممل ذلممك الن فحسممب ،أي
ضا باتجاه مناقشة ودراسة للمهام والخطط والوسائل باتجاه تحريض عام لحياء الطاقة العاملة ،بل أي ً
القتصادية العينية ،بهدف إيجاد الحل لها ،وبخاصة من أجل التحقق من النتائج المكتسبة وتقييمها .إن
ما إنتاج أهم المصانع ،لتسجل النجاح والخفاق ،ولتشجع هممؤلء وتفضممح ما فيو ً
على الصحف أن تتبع يو ً
أولئك..
إن الرأسمالية الروسية ،نتيجة لطابعها المتخلف واستقللها وما ينتج عنهما من ملمح طفيليممة،
قد نجحت ،بدرجة أدنى من درجة نجاح رأسمالية أوروبا ،في تعليم وتثقيف الجماهير العماليمة تكنيكًيما
وضبطها صناعًيا .وهذه المهمة تقع اليوم بكاملهمما علممى منظمممات البروليتاريمما النقابيممة .إن المهنممدس
الممتاز والميكانيكي الممتاز والمصلح الممتاز يجب أن يلقموا فمي روسمميا السموفياتية نفمس الشممهرة
والمجد اللذين كان يلقاهما في الماضي أجرأ المحرضين والمناضلون الثوريون ،وفي زمننا هممذا أجممرأ
الضباط والقوميساريين وأقدرهم .إن كبار قادة التكنيك وصغارهم يجب أن يحتلوا مكانة الشرف فممي
التفكير العام ،ول بد من إرغممام العمممال الرديئيممن علممى الشممعور بالخجممل مممن أنهممم ليسمموا بمسممتوى
مهمتهم.
دا ،ومممن المتوقممع أن تسممتمر الحممال هكممذا مممدةأن الجور العمالية في روسيا ما تزال تدفع نق ً
طويلة .لكن كلما تقدمنا ،بات علينا من الواجب أكثر أن نكفل لجميممع أعضممالء المجتمممع كممل ممما هممو
ضروري لهم وعلى هذا فسوف تفقد الجور كل سبب للوجود .نحن لسنا أغنياء بما فيممه الكفايممة فممي
الساعة الراهنة لتحقيق مثل هذا المر .إن زيادة كمية السلع المصنوعة هممي المهمممة الرئيسممية الممتي
ترتبط بها سائر المهام الخرى .إن الجور ليست بالنسبة إلينا ،في المرحلة الصممعبة الراهنممة ،وسمميلة
لتخفيف عبء الحياة على كل شغيل ،بل وسيلة لتقممدير ممما يقممدمه كممل شممغيل بعملممه إلممى الجمهممور
العمالية.
ولهذه السباب ،فإن الجور ،أسوأ منها النقدية أم العينية ،يجب أن تتناسب إلى أكبر حد ممكن
مع إنتاجية العمل الفردي .لقد كان هدف العمل بالقطعة والعمل على أساس التلزيم ،وهدف تطممبيق
نظام تايلور ،إلخ ،زيادة استغلل العمال واستلبهم فضممل القيمممة .وعلممى إثممر تشممريك النتمماج ،يصممبح
هدف العمل بالقطعة والعمل على أساس التزلمي زيادة النتاج الشممتراكي وبالتممالي زيممادة الرفاهيممة
المشتركة .والشغيلة الذين يساهمون أكثر من غيرهم في الرفاهية العامة لهم الحممق فممي أن يأخممذوا
حصة من النتاج الجتماعي أكبر من حصلة الكسالى والمتهاونين والفوضويين.
وأخيًرا فإن الدولممة العماليممة ،بمكافأتهمما البعممض ،ل تسممتطيع إل أن تعمماقب الخريممن ،أي الممذين
يعرقلون ،في كل الظروف والمناسمبات ،التضمامن العممالي ،ويخربمون العممل المشمترك ،ويسممببون
ضرًرا كبيًرا لقضية النهوض الشتراكي بالبلد .وأن الردع الهادف إلى تحقيممق الممماهم القتصممادية هممو
سلح ضروري للديكتاتورية الشتراكية.
إن جميع التدابير التي عددناها – بالضافة إلى بعممض التممدابير الخممرى .يجممب أن تضمممن تطممور
دا .إن
روح المنافسة في ميدان النتاج .وبدون هذا يستحيل علينا أن نرتفع فوق مسممتوى منخفممض جم ً
المنافسة التي تقوم على غريزة حيوية – النضال من أجل الحيمماة – تتخممذ طممابع المزاحمممة فممي ظممل
النظام البورجوازي .إن المنافسة لمن تختفمي ممن المجتممع الشمتراكي المتطمور ،بمل سمتأخذ ،كلمما
89
ضمما أكممثر فمأكثر.
دا وعقائدًيما مح ً توفرت فيه على نطاق أوسع الرفاهية الضرورية للجميع ،طابًعا متجر ً
إنها سممتعبر عممن نفسممها بالميممل إلممى تأديممة أكممبر الخممدمات الممكنممة إلممى القريممة والقضمماء والمدينممة
والمجتمع كله ،لتجد مكافأتها في الشعبية ،والعتراف العام بالجميل ،والمودة ،وأخيًرا ،وبكل بساطة،
في الرضى الداخلي الذي يشعر به من يعرف أنه أدى مهمته على الوجه الكمل .لكن المنافسة ،في
مرحلة النتقال الصممعبة ،وفممي شممروط الفقممر المممادي المممدقع والتطممور الضممعيف لعاطفممة التضممامن
ما ،وإلى حممد ممما ،بالرغبممة الجتماعي ،أقول أن المنافسة ،في مثل هذه الشروط ،ينبغي أن ترتبط حت ً
في الحصول على سلع للستعمال الشخصي .هذه هي ،أيها الرفاق ،الوسمائل المتي تملكهما الحكوممة
العمالية لرفع إنتاجية العمل .وكما نرى ،ليس ثمة ههنا من حل جاهز .إن الحممل غيممر موجممود فممي أي
كتاب .ول يمكن بالصل أن يوجد بعد كتاب للحلول .ونحن لم نفعل شيًئا سمموى أننمما بممدأنا فممي كتممابته
بدم الشغيلة وعرفهم .إننا نقول :أيها العمال والعاملت ،إنكم تدخلون في طريق العمل المنظم .ولن
تبنوا المجتمع الشتراكي إل بمثابرتكم عليه .إنكم تواجهون مهمة لن ينجزها أحد لكممم :زيممادة إنتاجيممة
العمل على أسس اجتماعية جديدة .وإذا لم نحل المشكلة ،فقد هلكنا .أما إذا حللناهمما ،فسممنكون قممد
تقدمنا بالنسانية خطوة كبيرة.
90
جيوش العمل
إنما عن الطريمق التجريممبي ،ل بالعتمماد علمى الشمروط النظريمة ،توصملنا إلمى طمرح مسمألة
استخدام الجيش في مهممام العمممل )وهممي مسممألة أخممذت عنممدنا أهميممة نظريممة كممبيرة( .لقممد شمماءت
الظروف ،في بعض المناطق النائية من روسيا السوفياتية ،أن تبقى قوى عسممكرية هامممة حقبممة مممن
الزمن دون أن تساهم في أي عملية عسكرية .ولقمد كمان ممن الصمعوبة بمكمان أن نقمذف بهما علمى
الجبهات الخرى التي يدور فيها القتال ،وبخاصة في الشممتاء ،نظمًرا لممدمار المواصمملت .هممذا ممما كممان
عليه ،على سبيل المثال ،وضع الجيش الثالث الموجود في منطقة الورال .إن المناضلين الذين كانوا
على رأس هذا الجيش ،والذين كانوا يعلمون أنه ليممس بمقممدورنا بعممد أن نسممرحه طرحمموا مممن تلقمماء
عا شبه كامل عن جيش أنفسهم مسألة النتقال إلى العمل البناء .وهكذا أرسلوا إلى "المركز" مشرو ً
العمل.
ولننظر إلى ما يمثله جهاز الجيش الثالث فعلًيا؟ لم تكن قد تبقت منممه إل قمموات قليلممة :فرقممة
رماة وفرقة فرسان )المجموع خمس عشرة كتيبة( بالضافة إلى فيلقين خاصين .أممما بمماقي القمموات
ما،
فقد وزع قبل مدة طويلة على الجيوش الخرى وعلى الجهات .لكن جهاز قيادة الجيش ظممل سمملي ً
وكنا نرجح أنه سيتوجب علينا فمي الربيمع أن نرسمله ،عمن طريمق الفولغما ،إلمى جهمة القفقماس ضمد
دينيكين الذي لم يكن قد سحق آنذاك نهائًيا .كممان الجيمش الثمالث هممذا يضممم حمموالي 120000رجممل
موزعين على الركان العامة والخدمات والسلحة والسعاف إلخ .وكان العنصممر الفلحممي هممو السممائد
فيه ،وكان يضم 16000شيوعي أو نصير معظمهم من عمال الورال .وهكذا كان هذا الجيش يمثممل،
ما عسمكرًيا بقيمادة العممال الطليعييمن .وكمان عمدد ل بمأس بمه ممن بتركيبه ،كتلة فلحية منظمة تنظي ً
الختصاصيين العسكريين يعملون فيه .كانوا يشغلون مناصب عسكرية هامممة ،ويعملممون تحممت رقابممة
الشيوعيين العامة .ولو ألقينا نظرة على مجموع الجيش الثالث لرأينا أنممه يعكممس روسمميا السمموفياتية
كلها .فلو أخذنا الجيش الحمر بمجموعه ،أو تنظيم السلطة السوفياتية في محافظة من المحافظات
أو في إقليم أو في الجمهورية كلها ،بما فيه الجهزة القتصادية ،لوجدنا في كل مكان هيكممل التنظيممم
نفسه .ألوف من الفلحين ،أطر هم في أشكال جديدة من الحياة السياسية والقتصادية والجتماعيممة
العمال المنظمممون الممذين يلعبممون الممدور القيممادي فممي جميممع ميممادين البنمماء السمموفياتي .وصممحيح أن
الختصاصيين المتخرجين من المدرسة البورجوازية يشغلون المناصب الممتي تتطلممب معممارف خاصممة،
وصحيح أنهم يتمتعممون بالسممتقلل الممذاتي الضممروري ،لكممن الرقابممة علممى عملهممم تظممل بيممد الطبقممة
العاملة ،المتجسدة في حزبهمما الشمميوعي .وأن تطممبيق إلزاميممة العمممل ليممس ممكن ًمما ،فممي نظرنمما ،إل
بشرط أن تتم التعبئة من بين صفوف بروليتاريا الرياف تحممت قيممادة العمممال المتقممدمين .وهكممذا لممم
نواجه ولم يكن من الممكن أن نواجه أي عقبة مبدئية في عمل الجيش لغراض البناء .وبتعممبير آخممر،
أن العتراضممات المبدئيممة لولئك المنشممفيك أنفسممهم علممى جيمموش العمممل لممم تكممن فممي الواقممع إل
اعتراضممات علممى العمممل "اللزمممي" بصممورة عامممة ،وبالتممالي علممى إلزاميممة العمممل وعلممى الطممرائق
السوفياتية في البناء الشتراكي في مجموعها .وأننا لم ند صعوبة في دحضها.
ما من تلقاء نفسه مع قيممادة عمليممات العمممل. من المتفق عليه أن الجهاز العسكري ليس متلئ ً
ونحن لم نفعل شيًئا بالصل في هذا التجاه .إن القيادة يجب أن تظل فممي يممدي الجهممزة القتصممادية
المناسبة .والجيش يقدم اليد العاملة الضرورية تحت شكل وحممدات متماسممكة منظمممة تسممتطيع فممي
مجموعها أن تقوم بتنفيذ العمال المتجانسة البسيطة :تنظيممف السممكك الحديديممة مممن الثلمموج ،قطممع
الحطب ،أعمال البناء ،تنظيم الشحن ،إلخ.
91
وقد أصبحت لدينا الن خبرة ل بأس بها في موضوع استخدام جيش العمل ،ونستطيع مممن الن
دا أن نتجاوز مرحلة التنبؤات .فما النتائج التي يجب أن نستخلصها من هذه التجربة؟ لقد تعجممل فصاع ً
المنشفيك في استخلصها .فلقد صرح آبراموفيتش ،خطيبهم ،نفسه في مممؤتمر عمممال المنمماجم بأننمما
فشلنا وبأن جيش العمل ليس إل منظمة طفيلية يقوم فيهمما مئة رجممل بخدمممة عشممرة مممن الشممغيلة.
فهل هذا صحيح؟ كل إنه لنقد حاقد يقوم به بخفة أناس يعيشون على الهامش ،ويجهلمون الوقمائع ،ول
يفعلون شيًئا سوى أن يجمعوا من أينما كان النفايات والقذار ،أسواء ليقممرروا فشمملنا أم ليتنبممؤوا بممه.
ممما ،وقممد أثبتممت حيويتهمما ،وهممي
ما ها ً
والواقع أن جيوش العمل لم تخفق ،بل حققت على العكس تقممد ً
تتطور الن وترسخ أقدامها أكثر فأكثر .أما الذين أخفقوا فهم النبياء أنفسهم الذين كممانوا ينبممؤون لنمما
بأن هذا المشروع لن يثمر شيًئا ،وبأن ما من أحد سيعمل ،وبأن الجنود الحمر لممن ينتقلمموا إلممى جبهممة
العمل بل سينصرفون بكل بساطة إلى بيوتهم.
لقممد كممانت هممذه العتراضممات تمليهمما الريبيممة البورجوازيممة الصممغيرة ،ونقممص الثقممة بالجممماهير
وبالمبادهة التنظيمية الجريئة .لكن ألم يكن علينا أن نفند العتراضات نفسها ،في الحقيقة ،عندما كنا
نقوم بالتعبئة الكبيرة للمهام العسكرية؟ لقد حاولوا ،في تلك الحقبة ،أن يخيفونا بالتلويح بشبح هممرب
الجنود الجماعي ،المحتممم ،كمما كمانوا يقولممون ،بعممد الحمرب المبرياليمة .وبمديهي أن حمموادث الهمرب
دا عن أن يأخذ طابًعا جماعًيا بالصممورة الممتي تنبممؤوا لنمما بهمما .أنممه لممم
وقعت .لكن التجربة بينت أنه بعي ً
يخرب الجيش :فالرابطة الروحية والتنظيمية ،والتطوع الشيوعي والكراه الحكممومي فممي مجموعهمما،
أتماحت إمكانيمة تعمبئة الملييمن ممن الرجمال ،وتكموين العديمد ممن التشمكيلت ،وتنفيمذ أعقمد المهمام
العسكرية .ومختصر القول أن الجيش قد انتصر.
أما فيما يتعلق بالعمل ،فقد كنا نتوقع النتائج نفسها .ولم يخب أملنا .فالجنود الحمر لممم يهربمموا
حين انتقلنا من جبهة الحرب إلى جبهمة العممل ،كمما تنبمأ لنما المتشمككون .بمل أن همذا النتقمال آثمار
دا معين ًمما مممن الجنممود قممد حمماول
حماسة كبيرة ،بفضل التحريض والدعاية الجيدة .وأننا ل ننكممر أن عممد ً
الفرار من الجيش ،لكن هذا ما يحدث دًوا حين تنقل وحدات عسكرية كبيرة من جبهممة إلممى أخممرى أو
من المقدمة إلى المؤخرة ،أو حين تتحرك بصورة عامة ،فيتحول الفرار الحتمممالي إلممى فممرار فعلممي.
لكن ما إن تقع مثل هذه الحمالت ،حمتى تتمدخل القطاعمات السياسمية والصمحافة والجهمزة الخاصمة
بمقاومة الفرار ،والنسممبة الحاليممة للفممرار مممن جيمموش العمممل ل تتجمماوز نسممبة الفممرار مممن الجيمموش
المحاربة.
لقد أكدوا أن جيوش العمل لن تستطيع ،بسبب بنيتها الداخليممة ،أن تقممدم إل نسممبة ضممئيلة مممن
الشغيلة .وهذا غير صحيح إل جزئًيا .أما فيما يتعلق بالجيش الثالث فلقد حافظ ،كما قلت ،على جهازه
القيادي كامل ً بالضافة إلى عدد ضئيل للغاية من الوحدات العسكرية .وطمموال الفممترة الممتي احتفظنمما
فيها ،لعتبارات عسكرية ل اقتصممادية ،بأركممان الجيممش وقيممادته بكاملهمما ،كممانت نسممبة الشممغيلة الممتي
يقدمها منخفضة للغاية .فمن بين 110000جندي أحمر يعملون في العمال الداريممة والقتصممادية ،ل
يوجد بينهم من الشغيلة إل .%21وخدمات الحراسة اليومية ل تأخذ منهم إل ،%16بالرغم من العدد
الكبير للمؤسسات والمستودعات العسكرية .وعدد المرضممى ،وبخاصممة المصممابين بمممرض الممتيفوس،
بالضافة إلى الجهاز الطبي والصحي ،ل يتجاوز %13وعدد الغائبين لسباب مختلفة )مهام ،أجممازات،
غياب غير مشروع( كان يرتفع إلى .%25وهكذا فإن اليد العاملممة المتفرغممة لممم تكممن تتجمماوز .%25
وكانت هذه النسبة هي أقصى ما يمكن أن يقدمه هذا الجيش لجبهة العمل .والواقع أنه لم يقدم فممي
البداية إل %14من الشغيلة المأخوذين بصورة خاصة من فرق الفرسان والرماة.
لكن ما إن اتضح أن جيش دينيكين قد سحق وأنه يتوجب علينمما فممي الربيممع أن نرسممل الجيممش
الثالث إلى جبهة القفقاس عممن طريممق الفولغمما ،حممتى بممدأنا فمموًرا بتصممفية مختلممف خممدمات الجيممش
وملءمة مؤسساته مع مهام العمل الجديدة بصورة أكثر عقلنية .وبالرغم من أننمما لممم ننجممز بعممد هممذا
التحويل ،إل أن النتائج التي أعطاها حممتى الن ليسممت بالقليلممة .فممالجيش الثممالث القممديم يقممدم ،فممي
الساعة الراهنة ) %38 ،(17من الشغيلة بالنسبة إلى عدد أفراده .أما الوحدات العسكرية العاملة إلممى
جانبه في منطقة الورال فقد صارت تقدم .%49وهذه النتيجة ل يمكن أن نزدري بها إذا ممما قارناهمما
)(18
بنسبة الغياب ،المبرر أو غير المبرر ،التي تتجاوز %50في المصانع والمعامل
: ()17آذار .1920
: ()18انخفضت هذه النسبة بصورة محسوسة الن )حزيران .(1920
92
ولنضف إلى هذا أنه كثيًرا ،ما يحدث أن يقوم أقارب الشغيلة بتموين المصممانع والمعامممل ،فممي
حين أنه يتوجب على جنود الجيش الحمر أن يمونوا أنفسهم بأنفسهم.
ممما والممذين يجنممدهموإذا ما نظرنا إلى أولئك الشبان الذين يبلغون من العمممر تسممعة عشممر عا ً
الجهاز العسكري لقطع الحطب ،والذين يبلغ تعدادهم ،30000لرأينا أن أكثر من %75منهم يثابرون
على العمل .وهذا بالفعل تقدم كبير .وأنه لبرهان بين أيدينا علممى أننمما باسممتخدامنا الجهمماز العسممكري
لتعبئتهم وتدريبهم ،نستطيع أن ندخل على وحدات العمل تعديلت ستضمن ارتفاع ًمما كممبيًرا فممي نسممبة
المساهمين في عملية النتاج المادية.
والنتائج التي يمكن الوصول إليها في هذا المجال قد بينتها التجربة القصيرة ،لكن الغنية للغاية،
التي حققتها كتيبة هندسة موسكو .لقد بدأت القيادة العامة للهندسة ،الممتي تتممولى العمليممات ،بتحديممد
معيار ثلثة أيام عمل لمكعب الحطب .وقد تم تجاوز هذا المعيار بسرعة .ففي شهر كانون الثاني لممم
ممما ،وهممذه
يعد "مكعب" الحطب يتطلب أكثر من يومين ونصف يوم من العمممل ،وفممي شممباط 1.5يو ً
نسبة للنتاجية كبيرة الرتفاع ،ولقد تم الوصول إلممى هممذه النتيجممة بفضممل عمممل أخلقممي ،وقيممام كممل
شغيل بعمله على أدق وجممه ،ويقظممة روح العممزة لممدى الشممغيل ،وتخصمميص الجمموائز للشممغيلة الممذين
ينتجون أكثر من المعيار المحدد ،أو على حممد تعممبير لغممة النقابممات تحديممد تعرفممة مرنممة مناسممبة لكممل
تفاوتات النتاج الفردية .وأن هذه التجربة شبه العلمية ترسم أمامنا الطريممق الممذي يتمموجب علينمما أن
نسير فيه من الن فصاعد.
إننا نملك ،في الساعة الراهنة ،عدة جيوش عمل .الجيمش الول ،وجيموش بمتروغراد وأوكرانيما
والقفقاس والفولغا ،والحتياطي .ولقد ساهم الحتياطي ،كممما نعممرف ،فممي زيممادة طاقممة نقممل الخممط
الحديدي الممتد بين قازان وإيكاتيرينبرغ .وأينما تمت تجربة استخدام الوحدات العسكرية ولممو بقليممل
من الذكاء ،تكفلت النتائج بإثبات أن هذه الطريقة هي بدون أدنى ريب صحيحة وقابلة للحياة.
مما منظممات طفيليمة مهمما تكمن أما الرأي المسمبق القمائل أن المنظممات العسمكرية همي حت ً
الشروط ،فقد انهار نهائًيا .إن الجيش السوفياتي يجسممد اتجاهممات النظممام السمموفياتي الحكممومي .إن
من الواجب أل نفكر بعد اليوم بمساعدة تلك الفكار الميتة التي خلفها لنما العهممد المنصممرم" :النزعممة
العسكرية"" ،التنظيم العسكري"" ،عمدم إنتاجيمة العممل اللزاممي" ،وأن ننظممر دونممما احمتراس إلمى
ظواهر العهد الجديد ،وأل ننسممى أن السممبت وجممد مممن أجممل النسممان ولممم يوجممد النسممان مممن أجممل
السبت ،وأن كل أشكال التنظيم ،بما فيها التنظيممم العسممكري ،ليسممت إل أسمملحة فممي أيممدي الطبقممة
94
حول الخطة القتصادية الموحدة
إن التطبيق الواسع للزاميممة العمممل وتممدابير تنظيممم العمممل عسممكرًيا ،ل يمكممن أن تلعممب دوًرا
ما إل بشرط أن تطبق على أسس خطة اقتصادية موحدة تشمل كل البلد وكل فممروع الصممناعة. حاس ً
وأن هذه الخطة يجب أن تحسب على أساس عدد معين من السنين .وطبيعي أن تنقسم إلى مراحل
تتناسب مع المراحل الحتمية في النهوض بممالبلد .وأن علينمما أن نبممدأ بأبسممط المهممام وأهمهمما فممي آن
واحد.
من الضروري ،قبل كممل شمميء ،أن نضمممن للطبقممة العاملممة إمكانيممة الحيمماة ،ولممو فممي أصممعب
الشروط ،وأن نحافظ بالتالي على المراكز الصناعية وأن ننقذ المدن .هذه هممي نقطممة النطلق .وإذا
كنا ل نريد أن يغرق الريف المدن ،وأن تغرق الزراعة الصناعة ،وإذا كنا ل نريممد أن تتحممول البلد إلممى
ريف ،فإن علينا أن نحافظ ،ولو في نطمماق الحممد الدنممى ،علممى مواصمملتنا ،وأن نممؤمن الخممبز للمممدن،
والوقود والمواد الولية للصناعة ،والعلف للماشممية .ول إمكممان للتقممدم بممدون ذلممك .وعلممى هممذا فممإن
أعجممل مهممام الخطممة تحسممين حالممة المواصمملت ،أو علممى القممل اتقمماء تخريبهمما ،وتخزيممن الحتيمماطي
الضروري من الحبوب والمممواد الوليممة والوقممود .وإن كممل المرحلممة القادمممة ستخصممص لتمركممز اليممد
العاملة وتوجيهها نحو حل هذه المشكلت الجوهرية ،وهذا شممرط مسممبق للتطممور القتصممادي اللحممق
فهل نحسب مدة المرحلة الولى والمراحل التالية ،بالشهور أو السنين؟ هذا ما يصعب التنبؤ بممه منممذ
الن ،باعتبار أن هذا كله يتعلق بأسباب متعددة بدًءا من الوضممع الممدولي إلممى درجممة إجممماع ومقاومممة
الطبقة العاملة.
وعلينا في المرحلة الثانية أن نقوم بإنشاء اللت الضرورية للنقل ،وأن نتمممون بممالمواد الوليممة
والحبوب .وتحتل القطارات ههنا لب المسألة أن تصليح القطارات يتم حالي ًمما بطممرائق بدائيممة تتطلممب
دا بتصممليح قطممع الغيممار
تبذيًرا للقوى ولموال كثيرة .فمن الضروري بالتالي أن نقوم مممن الن فصمماع ً
بصورة كثيفة ل إفرادية .واليوم بعد أن أصبحت سكك الحديد ومصانع روسيا بكاملها بيممن يممدي مالممك
دا للقاطرات والشاحنات في وحيد .الحكومة العمالية .فإننا نستطيع ويتوجب علينا أن نضع نم ً
طا موح ً
البلد قاطبة ،وأن نوحد قطع الغيار ،وأن ندعو جميع المصانع الضرورية إلى صنع هذه القطممع بصممورة
موحدة ،وأن نتوصل إلى أن تكون التصليحات مجرد استبدال بسيط للقطممع المهممترئة بقطممع جديممدة،
حتى نكون بالتالي قادرين على تركيب القماطرات بصمورة جماعيممة .واليموم بعمد أن أصمبحت مصمادر
الوقود والمواد الولية مفتوحة أمامنا من جديد ،فإن علينا أن نوجه عناية خاصة إلى صنع القاطرات.
وسيكون من الضروري ،في المرحلة الثالثة ،أن نبني آلت تصلح لصنع بعممض السمملع الممتي لهمما
ضرورة أولية.
وأخيًرا فإن المرحلة الرابعة ،التي ستعتمد على النتممائج الممتي حققتهمما المراحممل الثلث الولممى،
ستسمح بالنتقال إلى إنتاج السلع ذات الستهلك الشخصي على أوسع نطاق.
ضمما
ما لجهزتنا القتصادية فحسممب ،بممل أي ً إن لهذه الخطة أهميتها البالغة ،ل باعتبارها توجيًها عا ً
طا للدعاية المتعلقة بالمهام القتصادية في صفوف الجماهير العمالية .إن تعبئتنا من أجممل باعتبارها خ ً
العمل ستظل حبًرا على ورق ولن تعطي ثمارها إذا لم نضع يدنا على النقطة الحساسة لدى كل مممن
هو مستقيم وواع ومتحمس من أبناء الطبقة العاملة .إن علينا أن نقممول للجممماهير كممل الحقيقممة عممن
دا ول بعممد وضعنا وعن نياتنا في المستقبل ،وأن نعلن لها بصراحة أن خطتنا القتصادية لن تمنحنا ل غ ً
غد ،ولو بذل الشغيلة أقصى جهودهم ،جبال ً وعجائب ،ذلك أننا سنوجه عملنا الرئيسي ،خلل المرحلممة
القريبة ،إلى تحسين وسائل النتاج بهدف إنتاجية أكبر .ولن ننتقل إلى صنع السلع الستهلكية إل حين
نصبح قادرين ،ولو فمي نسمب ضمعيفة ،علمى تجديمد وسمائل النقمل والنتماج .وعلمى همذا فمإن النتماج
المحسوس ،النتاج المخصص للشغيلة تحت شكل سلع ذات استعمال شخصي ،لن يأخذ طريقممه إلممى
الوجود إل في آخر المراحل ،حين نكون قد وصلنا إلى المرحلة الرابعة من الخطة القتصممادية .وإنممما
بهذا الشرط وحده يمكن أن نتوصل إلممى تحقيسممق تحسممن ملممموس فممي شممروط الحيمماة .وأن علممى
95
الجماهير أن تفهم ،كي تكون قادرة على تحمل العباء وتحمل التعب والحرمان لمدة طويلة ،المنطق
المحتم لهذه الخطة القتصادية بكل اتساعه.
إن ترتيب هذه المراحل القتصادية الربع يجب أل يؤخذ بصورة مطلقة .فليس في نيتنا إيقمماف
صناعة النسيج نهائًيا ،ونحن ل نستطيع ذلك أصل ً لسباب عسكرية محضة .لكن حتى ل تتشتت القوى
والهتمامات تحت ضغط الضرورات التي تفرض نفسها بقسمموة ،ينبغممي الخضمموع للخطممة القتصممادية
التي هي المعيار الرئيسي ،وتمييز الجوهري من الثانوي .ول حاجة بنا إلممى القممول إننمما ل نتطلممع البتممة
إلى شيوعية اجتماعية ووطنية ضيقة :فرفع الحصار واندلع الثورة الوروبية سيدخلن تعديلت عميقة
على خطتنا القتصممادية تممؤدي إلممى اختصممار مممدة مراحممل تطورهمما وتقممرب المسممافات ممما بيممن هممذه
المراحل .لكننا ل نستطيع أن نتوقع موعد حدوث هذين الحدثين .وهذا هو السبب الذي يحتم علينمما أن
نعمل بصورة نحافظ معها على أنفسنا ونقوي مواقعنا بالرغم من النمو الضعيف ،أي البطيمء للغايمة،
للثورة الوروبية والعالمية .وإذا ما حمدث واسمتأنفنا فعل ً العلقممات التجاريمة ممع البلممدان الرأسمممالية،
ما من موادنمما الوليممة مقابممل فا .أننا سنصدر قس ً ضا الخطة القتصادية المذكورة آن ً
فسوف نستوحي أي ً
القاطرات وغيرها من اللت الضرورية ،لكن ليس ،في أي حال من الحوال ،مقابل اللبسة والحذية
أو منتجات المستعمرات الغذائية ،ذلك أن ما نهدف إليه مباشرة هو استيراد وسائل النقمل والنتمماج ل
سلع الستهلك.
إننا سنكون ريبيين عمياًنا وبورجوازيين صغاًرا بخلء لو تصورنا أن النهضة القتصمادية يمكمن أن
تكون انتقال ً تدريجًيا من حالة الفوضى الشاملة الراهنة إلى الحالة التي سبقتها ،أو بتعبير آخممر إذا ممما
تصورنا أننا نستطيع أن نعاود صممعود درجممات السمملم كممما نزلناهمما .والحممق أننمما لممن نسممتطيع أن نعيممد
اقتصادنا الشتراكي إلى المستوى الذي كان عليه عشية الحرب المبريالية إل بعممد فممترة مممن الزمممن
طويلة بما فيه الكفاية .وأن الطريقة الولى في تصور المور لن تكون معزيممة لنمما البتممة .بممل سمتكون
ما .إن الفوضى التي قضت ودمرت ثروات ل تحصى ،قد حررت القتصاد فممي على العكس خاطئة تما ً
الوقت نفسمه ممن كمثير ممن الروتيمن والعطالمة والطمرق الباليمة ،شماقة بمذلك الطريمق أممام البنماء
القتصادي الجديد على أساس المعطيات التكنيكية التي هي ،في الساعة الراهنة ،معطيات القتصمماد
العالمي.
وإذا كانت الرأسمالية الروسية قد تطورت بدون انتقال من درجة إلى درجمة ،بمل وثًبما ،مقيممة
في أعماق السهوب المصانع على الطريقة الميركية ،فهذا سبب إضممافي آخممر كيممما يكممون القتصمماد
الشتراكي قادًرا على مثل هذا السير القسممري .وعنممدما نتغلممب علممى بؤسممنا الشممديد ،ونجمممع بعممض
الحتياطي من المواد الولية والحبوب ،ونحسن المواصلت ،بعد أن نكون قد تحررنا من قيود الملكية
الخاصة ،فستتاح لنا المكانية لتخطي عدة درجات بقفزة واحدة ولربط كممل المشمماريع وكممل الممموارد
القتصادية بالخطة القتصادية الموحدة.
ممما أن نممدخل الكهربممة إلممى كممل فممروع الصممناعة الساسممية وإلممى قطمماع
وهكممذا سنسممتطيع حت ً
الستهلك الشخصي دون أن نكون مضطرين إلى المممرور مممن جديممد بممم"عصممر البخممار" .وإن برنامممج
الكهربة في روسيا مقسوم إلى عدد معين من المراحل المتتابعة المتناسممبة مممع المراحممل الساسممية
من الخطة القتصادية العامة.
إن حرًبا جديدة قد تؤخر تحقيق أهدافنا القتصادية .وإن على طاقتنا وقدرتنا علممى المثممابرة أن
تعجل بعملية النهضة القتصادية .لكن مهما كممانت السممرعة الممتي سممتظل الحممداث تتطممور بهمما ،فمممن
الواضح أن أساس عملنا كلممه )تعممبئة العمممل ،تنظيممم اليممد العاملممة عسممكرًيا ،أيممام السممبت الشمميوعية
وغيرها مممن مظماهر التطمموع الشميوعي للعممل( يجمب أن يسمتند إلممى خطمة اقتصممادية موحمدة .وأن
المرحلة التي ندخل فيهمما سممتتطلب منمما تركيمًزا كممامل ً لكممل طاقتنمما علممى المهممام الساسممية الولممى:
التموين ،الوقود ،المواد الولية والنقل .وعلينا ،بانتظار ذلممك ،أل نشممتت اهتمامنمما ،وأل نبممدد قوانمما وأل
نبذرها .هذا هو طريق الخلص الوحيد.
96
القيادة الجماعية والقيادة الشخصية
ضا على مسألة أخرى .مسألة تبدو وكأنها تتيح لهممم الفرصممة للتقممرب إن المنشفيك يغامرون أي ً
من جديد من الطبقة العاملة .إننا نريد أن نتكلم عن شكل قيادة المشاريع الصناعية :أقيممادة جماعيممة
أم شخصية؟ يقال لنا أن تسليم المصانع إلى مدير واحد بدل ً من مكتب جريمممة ضممد الطبقممة العاملممة
والثورة الشتراكية .وأنه لمن المممدهش علممى كممل الحمموال أن أشممد المتحمسممين دفاع ًمما عممن الثممورة
الشتراكية ضد النظام المعتمد على الشخص الواحد هم أولئك المنشفيك أنفسهم الممذين كممانوا ،إلممى
عهد قريب ،يعتبرون الكلم عن الثورة الشتراكية سخرية من التاريخ وجريمة بحق الطبقة العاملة.
وبموجب هذا المنطق فإن مؤتمر حزبنا الشمميوعي مممذنب كممبير تجمماه الثممورة الشممتراكية ،لنممه
أعلن تأييده لعودة نظام الشخص الواحد في قيادة الصناعة ،وقبل كل شيء في المصممانع والمعامممل.
إل أنه من الخطأ الكبير أن نعتبر أن هذا القممرار يمكممن أن يلحممق ضممرًرا بنشمماط الطبقممة العاملممة .إن
نشاط الشغيلة ل يتحدد ول يقاس بكون المصنع مداًرا من قبممل ثلثممة أشممخاص أو شممخص واحممد ،بممل
بعوامل ووقائع أهم شأًنا وأعمق بكثير :بإنشاء الجهممزة القتصممادية مممع مسمماهمة النقابممات اليجابيممة،
وبإنشاء جميع الجهممزة السمموفياتية الممتي تتكممون منهمما مممؤتمرات السمموفييتات والممتي تمثممل عشممرات
المليين من الشغيلة؛ وبدعوة العمال إلى المساهمة في القيادة )أو الشممراف علممى القيممادة( .وإنممما
في هذا يكمن نشاط الطبقة العاملة .وإذا ما توصلت الطبقة العاملة ،خلل تجربتها الخاصة ،بواسطة
أجهزة مؤتمرات الحزب والسمموفييتات والنقابممات ،إلممى السممتنتاج بممأنه مممن الفضممل أن يتممولى إدارة
حا أوالمصنع مدير واحد بدل ً من مكتب جممماعي ،فهممذا قممرار أمله عليهمما نشمماطها .وقممد يكممون صممحي ً
خاطًئا من وجهة نظر التكنيك الداري .لكممن ممما مممن أحممد يفرضممه ،فممي أي حممال مممن الحمموال ،علممى
البروليتاريمما .إنممما تمليممه عليهمما إرادتهمما الخاصممة .وأنممه لمممن الخطممأ الفممادح أن نخلممط مسممألة سمملطة
البروليتاريا مع سلطة المكاتب العمالية التي تسير المصانع .إن ديكتاتورية البروليتاريا تعبر عن نفسها
بإلغاء الملكية الخاصة لوسائل النتاج وسيطرة إرادة الجماهير الجماعية على كل اللة السمموفياتية ،ل
بأشكال إدارة المشاريع المختلفة.
وقبل أن نمضي إلى أبعد من ذلك ،لنفند ههنا تهمة أخممرى موجهممة إلممى أنصممار إدارة الشممخص
الواحد .إن الخصوم يعلنون :إنهم العسكريون السوفياتيون الممذين يحمماولون أن ينقلمموا تجممدربتهم مممن
الميدان العسكري إلى الميدان القتصادي .ومن الممكن أن يكون مبدأ إدارة الشخص الواحد ممتمماًزا
حافي الجيش ،لكنه ل يساوي شيًئا في القتصاد .إن هذا التوكيد خاطئ من كل الجوانب فليس صممحي ً
البتة أول ً أننا بدأنا في الجيش تطبيق نظام الشخص الواحد .ونن لم نطبقه فيه بشكل تام حممتى هممذه
ضا التأكيد بأننا لم نبدأ بالدفاع عن أشكال إدارة الشخص الواحد معه مسمماهمة الساعة .ومن الخطأ أي ً
دا على تجربتنا العسكرية .والواقع أننا انطلقنا وننطلق ً اعتما إل القتصادية المشاريع الختصاصيين في
في هذه المسألة من مفهوم ماركسي خالص للمشكلت الثوريممة ولمهممام البروليتاريمما حيممن تسممتولي
على السلطة.
لقد فهمنا ،ل منذ بدايممة الثممورة بممل قبممل تشممرين الول بمممدة طويلممة ،ضممرورة السممتفادة مممن
معارف وتجارب الماضي التكنيكية ،وضرورة استدعاء الختصاصيين واسمتخدامهم علمى أوسمع نطماق
ممكن ،حتى ل يتراجع التكنيك إلى الوراء بل يتابع تقدمه .وأنني لفترض أننا كنا سنسير بصورة أعجل
وبدون ألم في طريق نظام الشخص الواحممد فممي الدارة القتصممادية ،لممو لممم تخممرب الحممرب الهليممة
أجهزتنا القتصادية فتحرمها من كل هو حيوي فيها ،وبالتالي من المبادهة والنشاط.
إن بعض الرفاق يعتبرون أن جهاز الدارة القتصادية هو قبل كل شمميء مدرسممة .وهممذا خمماطئ
كل الخطأ .إن مهمة أجهزة الدارة هي القيادة .ومن يشعر في نفسمه الرغبمة والقمدرة علمى القيمادة
فليذهب إلى المدارس ،ليحضر دروس المعلمين الخاصة ويعمل كمساعد لهم ،كيما يراقب ويكتسممب
خبرة .لكن من يستدعي إلى إدارة مصنع من المصانع ،فإنه ل يأتي ليتعلممم بممل ليشممغل منصمًبا إداري ًمما
واقتصادًيا له مسؤولياته .لكن إذا ما نظرنا إلى هذه المسألة من الزاوية الضيقة الخاطئة ،مممن زاويممة
"المدرسة" فإنني سأقول أن نظام الشخص الواحد يمثل مدرسة أفضممل بعشممر مممرات .وبالفعممل إذا
حا بثلثة آخرين ليسوا أكفاء بما فيه الكفايممة ،وإذا شممكلتم كان يستحيل عليكم أن تستبدلوا شغيل ً صال ً
مع ذلك مكتًبا منهم تعهدون إليه بوظائف هامة في الدارة ،فإنكم تضعونهم بذلك في موضع يسممتحيل
97
معهم عليه أن يدركوا ما ينقصهم .إن كل ً منهم يعتمد على الخريممن عنممد اتخمماذ قممرار مممن القممرارات،
وفي حال الفشل يلقون المسؤولية على بعضهم البعض.
أما أن هذه المسألة ليست مسألة مبدئية ،فهذا ما يثبته خصمموم نظممام الشممخص الواحممد علن ًمما،
باعتبار أنهم ل يطالبون بنظام المكاتب الجماعية للورشات والتعاونيمات والمنماجم .بمل أنهمم يمذهبون
إلى حد القول أنه من الجنون المطالبة بأن يدير ورشة من الورشات ثلثة أو خمسممة أشممخاص :فهممم
يرون أن الدارة ينبغي أن تكون في يد مدير مهني .لماذا؟ إذا كانت الدارة الجماعية مدرسة ،فلممماذا
ضا؟ لكن إذا لم ضا بمدرسة ابتدائية مماثلة؟ لماذا ل ندخل الدارة الجماعية إلى الورشات أي ً
ل نقبل أي ً
ً
يكن نظام المكاتب شرطا ضرورًيا للورشات ،فلم يكون ضرورًيا للمصانع؟
لقد قال آبرامو فيتش هنا أنه ما دامت روسميا تفتقمر إلمى الختصاصميين – ويزعمم بمدوره بعمد
كاوتسكي أن هذه غلطة البلشفة – فمن الضروري اسممتبدالهم بمكمماتب عماليممة .إن هممذه لسممذاجات
خالصة .إن ما من مكتب مؤلف من أشخاص يجهلون المهنة ،يستطيع أن يحممل محممل رجممل كفممؤ .إن
جماعة – أو مكتًبا – من الحقوقيين ل تستطيع أن تحل محل مستخدم التحويل في السكك الحديدية.
وإن جماعة – أو مكتًبا – من المرضى ل تستطيع أن تحل محل طبيب .إن الفكرة نفسممها خمماطئة .إن
المكتب ل يستطيع أن يعلم الجاهل شيًئا من تلقاء نفسه .إنه ل يستطيع إل أن يخفي جهله .وإذا عهممد
إلى شخص بمنصب إداري هام ،فستتاح له المكانية ليرى بوضوح ،ل لدى الخرين فحسممب بممل لممدى
ضا ،ما يعرفه وما يجهله .لكن ل شيء أسوأ من مكاتب جاهل ،مؤلممف مممن شممغيلة لممم يهيئوا نفسه أي ً
ممما
ً دو مارينم محت بالتالي سيكونون أعضاءه إن خاصة. معارف تتطلب والتي إليهم بها المعهود للوظيفة
ممما ومستائين من بعضهم البعض ،وهذا ما سيزرع الفوضى في عملهم .إن الطبقة العاملة تهتممم اهتما ً
قا بتوسيع قدراتها على القيادة ،أي بالتثقف .لكنها ل تستطيع أن تنجممح فممي الميممدان الصممناعي إل عمي ً
إذا كانت الدارة تتناول بنشاطها كل جهاز المصنع ،وتستفيد من هذه الفرص لتخضع للمناقشممة خطممة
ما جممدًيا بمسممألة التنظيممم العمل القتصادية السنوية أو الشهرية .إن جميع العمال الذين يهتمون اهتما ً
الصناعي يلحظون من قبل مدراء المشروع أو من قبل اللجان ،ويرسلون لتلقي دروس خاصة وثيقة
الرتباط بالعمل التطبيقي في المصنع نفسه .ويعينون فيما بعد في مناصممب ثانويممة الهميممة ،لرفعهممم
ضا عشرات اللف. من ثم إلى وظائف أهم .هكذا دربنا اللف وسندرب أي ً
إن مسألة الدارة من قبل ثلثة أو خمسة أشخاص ل تهم الجماهير العاملممة ،بممل البيروقراطيممة
فا والضعف والقل قدرة علمى العممل المسمتقل .إن الممدير المتقمدم، العمالية السوفياتية الكثر تخل ً
الحازم والواعي ،يميل بالطبع إلى أن يأخذ بلين يديه المصنع كله ،ويثبت بالتالي لنفسه وللخرين أنممه
فا ،فإنه سيسعى إلى التحاد مع آخرين حتى يخفي ضعفه. قادر على الدارة .لكن إذا كان المدير ضعي ً
إن نظام المكاتب الجماعية كثير الخطار بسبب اختفاء المسؤولية الشخصممية فيممه .وإذا كممان العامممل
قادًرا لكن قليل التجربة ،فإنه بحاجة إلى مدير .وهو سيكتسب ،تحت إدارته ،المعممارف الممتي تنقصممه،
وسنستطيع في الغد أن نجعل منه بدوره مدير مصنع صغير .هكذا سيشق طريقه .لكممن إذا ممما حممدث
له أن وقع في مكتب جماعي ل تتجلممى فيممه قمموة كممل فممرد أو ضممعفه بصممورة واضممحة ،فممإن شمعوره
ما.
بالمسوؤلية سيتلشى حت ً
بديهي أن قرارنا ل ينص علممى العتممماد الممدائم الجبمماري علممى إدارة الشممخص الواحممد المعيممن
بضربة قلم .فثمة مجال للكثير من التركيبات والفروق .فحين يستطيع العامل أن يصل إلممى مسممتوى
دا اختصاصًيا .وإذا كان الختصاصممي جدير بمهمته ،فإننا سنجعل منه مدير المصنع مضيفين إليه مساع ً
رجل ً ذا قيمة ،فإنه هو الذي سنعينه مديًرا مضيفين إليه اثنين أو ثلثة من العمال المساعدين .وإذا ممما
أثبت المكتب الجماعي أخيًرا قممدرته علممى العمممل ،فإننمما سممنحتفظ بممه .وتلممك هممي الصممورة الجديممدة
الوحيدة في فهم المسألة ،ولن نستطيع بأي طريقة غيرها أن نتوصل إلى التنظيم النظامي للنتاج.
98
أبصارنا – إلى البناء السوفياتي ،إلى النقابات ،إلى عمل الحزب ،إلممى جبهممة الحممرب الهليممة – وجممدنا
ما أن الدور القيادي إنما تلعبممه نخبممة مممن البروليتاريمما هممذه .لقممد كممان العمممل الحكممومي الرئيسممي
دو ً
للسلطة السوفياتية ،خلل العامين ونصف العام المنصرمين ،يقوم على المناورة بتوجيه هذه النسممب
من الشغيلة من جبهة إلى أخرى .وأن الفصائل العمق من الطبقة العاملة ،ذات الصل الفلحي ،ممما
تزال فقيرة بالمبادهة ،رغم روحها الثورية .فمم يشكو فلحنا الروسي الموجيك؟ من داء القطيع ،من
غياب القومية ،أي علممى وجممه التحديممد مممما تغنممي بممه أصممحابنا النارودينممك الروجعيممون .ومممما مجممده
تولستوي في شممخص أفلطممون كاراتمماييف :فممالفلح ينحممل فممي جممماعته ويخضممع للرض .وواضممح أن
القتصمماد الشممتراكي ل يقمموم علممى أمثممال أفلطممون كاراتمماييف ،بممل علممى الشممغيلة الممذين يفكممرون،
المتمتعين بروح المبادهة والممواعين لمسممؤولياتهم .إن علينمما أن نطممور روح المبادهممة بممأي ثمممن لممدى
العامل .إن صفة البورجوازية الساسممية هممي المممذهب الفممردي الشممرء وروح المنافسممة .أممما الصممفة
الساسية للطبقة العاملة فليست متنافية مع التضامن والتعمماون الخمموي .إن التضممامن الشممتراكي ل
يمكن أن يقوم على غياب كل فردية وعلى الل وعمي الحيمواني .وإنمما غيماب الفرديمة همذا همو المذي
يختفي على وجه التحديد واء نظام المكاتب والدارة الجماعية.
99
خاتمة
إيهما الرفاق ،إن حجج الخطباء المنشفيك ،وبصورة خاصة ابراموفيتش ،تعكس بعد كممل شمميء
ما عن الحياة وأعبائها .إنهم أشبه بمراقب بتوجب عليه أن يعبر مجرى مائًيا سباحة ،فيفكر قبل دا تا ً
بع ً
قا بنوعية المياة وقوة التيار مع أن المشكلة هي قبل كممل شمميء عبممور الممماء! ويقفممز
ذلك تفكيًرا عمي ً
ل" :نحن ل ننكر هممذه الضممرورة. صاحبنا الكاوتسكي على قدمه اليمنى تارة ،واليسرى تارة أخرى ،قائ ً
إل إننا نرى الخطار ،فهي عديدة .التيار سريع ،وثمة صخور ،ونحن متعبون الممخ ،الممخ .لكممن مممن غيممر
الصحيح ،من غير الصحيح على الطلق ،إن نلم على أننا ل نقبل بضرورة عبور الماء .إننا لممم نرفممض
ما".
القبول بها ،حتى منذ ثلثة وعشرين عا ً
إن كل حججهم ،من أولها أولها إلى آخرها ،مبنية على هذه الشاكلة .يقول المنشفيك :أول ً نحن
وا ،أسمممحوا ل ننكر قط ضرورة الدفاع وبالتالي ضرورة الجيش .ثانًيا ،نحن ل ننكر إلزامية العمل .عفم ً
لنا! هل وجد قط في هذه الدنيا ،باستثناء إتباع بعض الشيع الدينية ،رجال قادرون علممى رفممض فكممرة
الدفاع المشممروع "بصممورة عامممة"؟ إن جميممع موافقمماتكم المجممردة ل تقممدمنا بوصممة واحممدة .فعنممدما
أنطرحت علينمما مسممألة أنشمماء جيممش والنضممال ضممد العممداء الممواقعيين للطبقممة العاملممة ،كيممف كممان
موقفكم؟ لقد عارضتم ذلك ،وصحيح أنكم لم تنكروا ضرورة الممدفاع عممن النفممس ،لكنكممم خربتموهمما.
كنتم تقولون وتكتبون في صحفكم" :لتستقط الحرب الهلية!" فممي المموقت الممذي كممان فيممه الحممرس
البيض يضع السكين على اعناقنا .وها أنتم ،بعد موافقتكم المتأخرة على دفاعنمما المنتصممر ،تشممهرون
نظرتكم المنتقدة على مهامنا الجديدة وتعلنممون لنمما ونحممن ل نرفممض ،بصممورة عامممة ،إلزاميممة العمممل
لكن ...بدون إكراه حقمموقي" .يمما لممه مممن تنمماقض داخلممي رائع فممي هممذه الكلمممات وحممدها! إن لفظممة
"اللزامية" تحتوي في حد ذاتها على عنصر إكراه .إن النسمان مكممره علمى فعمل شميء مما .وإذا لمم
يفعل شيًئا ،فبديهي أنه سيعاني من الكراه ،أو من القصاص بتعبير آخر .يبقى علينا أن نعرف ممما هممو
الكراه .إن إبراموفيتش يعلن" :الضغط القتصادي ،أجل ،لكن ل الكراه الحقمموقي" .لقممد بيممن ممثممل
نقابة هما التعدين ،الرفيق هو لزمان ،بصورة رائعة ،كل ما هناك من سكولئية في مثل هممذا التفكيممر،
فالضغط القتصادي ل ينفصل عن الكراه الحقوقي ،حتى في ظل النظام الرأسمالي .فكممم بممالحرى
اليوم!
لقد حاولت أن أبين ،في تقريري ،أنه ليس ثمة إل إمكانية واحدة لتثقيف الشغيلة علممى أسممس
اجتماعية جديدة وتدريبهم على اشكال جديدة للعمل ،والوصول للعمل ،والوصول إلممى إنتاجيممة أعلممى
في العمل :تطبيق عممدة طممرائف فممي آن واحممد :طممرائق المصمملحة القتصممادية ،والكممراه الحقمموقي،
والتأثير الذي يمكن أن يمارسه التنظيم القتصادي المنسق داخلًيا ،والقصمماص ،وبصممورة خاصممة وأول ً
وأخيًرا القناع والتحريض والدعاية ،وأخيًرا رفع المستوى العام للثقافممة .ولممن نسممتطيع الوصممول إلممى
مستوى عال في القتصاد الشتراكي كل إل بلجوئنا إلى كل هذه الوسائل مجتمعة.
وإذا كممانت المصمملحة القتصممادية ،فممي النظممام الرأسمممالي ،تممترافق بصممورة حتميممة والكممراه
الحقوقي الذي تكمن خلفممه القمموة الماديممة لدولممة ،فل مجممال فممي الدولممة السمموفياتية ،أي فممي دولممة
النتقممال إلممى الشممتراكية ،لفصممل الكممراه القتصممادي عممن الكممراه الحقمموق بصممورة عامممة .إن أهممم
المشاريع في روسيا هي في أيدي الدولة .وحين نقول للعامممل الخممراط ايفممانون" :عليممك أن تشممتغل
حالًيا في مصنع سورموفو .وإذا رفضت فلن تتلقى وجبتممك" – فممما هممذا؟ أضممغط اقتصممادي أم إكممراه
حقوقي؟ إنه ل يستطيع الذهاب إلى مصنع آخر ،فجميع المصانع هي في يد الدولممة الممتي تسمممح بهمما
النتقال .إن الضغط القتصادي يختلط ههنا بممالقمع الحكممومي .ويريممد ابرامموفيتش ظاهري ًمما أن ينظمم
توزيع اليد العاملة على أسماس زيمادة الجمور ومنمح الجموائز ،المخ ،بصمورة تكفمي لجتمذاب الشمغيلة
اللزمين لهم المشاريع .هذه هي ،على ما يبدو ،كل فكرته .لكن إذا ممما طرحممت المسممألة علممى هممذا
النحو ،فإن كل مناضل شريف في الحركة النقابية سيفهم أن هذه طوبائية من أسوأ الطوبائيات .إننمما
ل نستطيع أن نأمل في تدفق اليد العاملة إلى سوق العمل ،دون أن يكون لدى الدولة ما فيه الكفاية
من موارد الغذاء والسكن والمواصلت – أي على وجه التحديد الموارد التي ما يزال علينا أن نخلقهما.
ولن نتوصل إلى أي نتيجة ،بدون نقل جماعي لليد العاملة ،منظممم مممن قبممل الدولممة ،حسممب حاجممات
الجهزة القتصادية .وهنا تأتي ساعة الكراه ،وتتجلى كل ضرورتها القتصادية .لقد قممرأت لكممم برقيممة
من ايكاتيرانبورغ عن سير أعمال جيش العمل الول .ولقد جاء فيها أن أكممثر مممن أربعممة آلف عامممل
100
مختص قد مروا على لجنة الورال المكلفة بتطممبيق إلزاميممة العمممل .فمممن أيممن جمماؤوا؟ مممن الجيممش
الثالث السابق في معظمهم .فهممم لممم يرجعمموا إلممى بيمموتهم ،بممل عهممد إليهممم بمهمممة جديممدة .وهكممذا
أستلمتهم لجنة إلزامية العمل من الجيش ،وقسمتهم إلى ،ووزعتهم على المصانع .وهذا – من وجهممة
النظر الليبيرالية – "عنف" ضد الحرية الفردية .إل أن الغالبية الساحقة من العمال ذهبت عن طواعية
إلى جهة العمل ،كما ذهبت عن طواعية في السابق إلى جبهة الحرب ،مدركة أن هذا تقتضيه مصممالح
علينا .غير أن بعضهم لم يرض من تلقاء نفسه .وهؤلء هم وحدهم الذي أكرهوا.
ول حاجة بنا البتة إلى القول إن على الدولة أن تضع ،بواسطة نظام الجوائز ،خير العمممال فممي
أحسن الشروط .لكن هذا ل يستبعد ،بل على العكس بفترض أن الدولة والنقابات )التي لن تسممتطيع
الحكومة السوفياتية أن تبنى صناعتها بدون مساعدتها( ستتمتع ببعض الحقوق الجديدة علممى العامممل.
إن العامل ل يساوي الحكومة السوفياتية .أنه تابع الدولة وخاضع لها من كل الزوايمما ،نظ مًرا إلممى أنهمما
دولته هو.
يعلن أبراموفيتش" :لو قيل لنا ببساطة إن المسألة هي مسألة انضباط نقابي ،لما كانت هنمماك
من حاجة للخذ والرد .لكن ما دخل النزعة العسكرية ههنمما؟" .يقين ًمما إن المسممألة هممي إلممى حممد كممبير
مسألة انضباط نقابي ،لكن النضباط الجديد للنقابات الصناعية الجديدة .إننا نعيش في بلد سوفياتي،
نحكممم فيممه الطبقممة العاملممة ،وهممذا ممما ل يفهمممه أصممحابنا الكاوتسممكيون .فحيممن يقممول المنشممفيكي
روبتسوف إنه لم يبق شيء تقريًبا من النقابات في تقريري ،فإن في هممذا القممول حبممة مممن الحقيقممة.
وبالفعل لم يبق فيه شيء يذكر من النقابات كما يفهمها ،أي من النقابات ذات الصفة التريديونيونيممة.
لكن أكبر المهامز تقع على عاتق التنظيم المهني والصناعي للطبقة العاملممة فممي روسميا السمموفياتية.
فما هذه المهام؟ إنها ليست بالطبع النضال ضد الحكومة باسم مصممالح العمممل .بممل المسممألة مسممألة
بناء ،بناء اقتصاد اشتراكي بالتفاهم التام مع الحكومة .إن هممذا النمموع مممن النقابممة هممو مبممدئًيا تنظيممم
ضما عمن النقابمات الثوريمة فمي ظمل النظممة جديد ل يتميز عن النقابات التريديونيونية فحسب ،بل أي ً
البروجوزاية ،كما تتميز سيطرة البروليتاريا عممن سمميطرة البورجوازيممة .إن النقابممة الصممناعية للطبقممة
العاملة الحاكمة ليست لها المهام نفسها والطرائق نفسها والنضباط نفسه ،التي للنقابممات المناضمملة
التابعة للطبقة العاملة المضطهدة .إن على جميع العمال في روسيا أن يممدخلوا إلممى النقابممات .وإنممما
ما ،لنهم في الواقع ضد ديكتاتورية البروليتاريا. ضد هذا المبدأ يقف المنشفيك .وهذا شيء مفهوم تما ً
وهذا هي بالفعل خلصة المسألة كلهما .إن الكاوتسمكيين همم ضمد ديكتاتوريمة البروليتاريما ،وضمد كمل
نتائجها بالتالي .إن الكراه القتصادي والكراه السياسي ليسا إل تجلًيا لديكتاتورية الطبقة العاملة في
مجممالين وثيقممي الرتبمماط .ألممم يممبين ابراممموفيتش بعمممق أنممه ل يمكممن أن يوجممد إكممراه فممي النظممام
الشتراكي ،وإن العقاب مضاد للشتراكية ،وإن شعور الواجب وعادة العمل وجاذبيته ،الخ ،تكفي .هذا
ل .وليس ثمة من حاجة إل إلى توسيع هذه الحقيقة التي ل تماري .والحقيقة أنممه فممي أمر ل يقبل جدا ً
النظام الشتراكي لن يوجممد جهمماز إكممراه ،لممن توجممد دولممة .أن الدولممة سممتنحل فممي كوميونممة النتمماج
الشتهلك .لكن هذا ل يعني أن طريمق الشممتراكية ل يمممر بمأعلى درجمات تموتر التممدويل .وإنمما هممذه
المرحلة هي التي نجتازها الن على وجه التحديد معكم .فكما أن القنديل يتألق نوره ساطًعا قبممل أن
ينطفيء ،كذلك فإن الدولة ،قبممل أن تختفممي ،تأخممذ شممكل ديكتاتوريممة البروليتاريمما ،أي شممكل أقسممى
حكومة وجدت في التاريخ ،حكومة تختضن بصورة آسرة حياة المواطنين كافة .إن هذه الترهممة ،هممذه
الدرجة الصغيرة في التاريخ – الديكتاتورية الحكومية – لمم يلحظهما ابرامموفيتش والمنشمفيكية المتي
يمثلها .وهذا ما يجعلهما يتعثران.
إن ما من تنظيم آخر في الماضي ،ما عممدا الجيممش ،قممد مممارس تجمماه النسممان إكراهًمما كالممذي
يمارسه التنظيم الحكومي للطبقة العاملة في أقصى مراحل النتقممال .وإنممما بسممبب هممذا علممى وجممه
التحديد نتكلم عن التنظيممم العسممكري للعمممل .إن قممدر المنشممفيك هممو أن يلهثمموا وراء الحممداث وإن
يعترفوا بتلك الجزاء من البرنامج الثوري التي أستهلك الزمن كل أهمية عملية لها .أن المنشفيكية ما
عادت تماري اليوم – رغم تحفظاتها – في شرعية عمليات القمع ضد الحممرس البيممض والفممارين مممن
الجيش الحمر .ولقد أضطرت إلى القبول بها بعد تجاربها الخاصة التعيسة فممي "الديمقراطيممة" .لقممد
فهمت ،على ما يبدو ،بعد فوات الوان ،أنه ل تمكن مواجهة العصابات المناهضة للثورة بمجرد التأييممد
اللفظي للنظام الشتراكي بدون اللجوء إلى الرهاب الحمر .لكممن المنشممفيك ممما يزالممون يحمماولون،
على الصعيد القتصادي ،أن يؤجلوا عملنا ليؤديه أبناؤنا وبخاصة أحفادنا .إل أنهممم ينسممون أن علينمما أن
101
نبني الن وبدون تأخير ،ونحن نواجه التركة المؤسفة التي خلفهمما لنمما المجتمممع البورجمموازي والحممرب
الهلية التي لم تنته بعد.
إن المنشممفيكية ،شممأنها شممأن الكاوتسممكية كلهمما بصممورة عامممة ،تغممرق نفسممها فممي البتممذالت
الديمقراطية والعرقلت الشتراكية .وأنه ليتضح مرة أخرى أنها ل تؤمن بوجود فترة انتقالية ،أي فترة
ثورة بروليتارية تفرض مهامها الخاصة بها .ومن هنا كان الطممابع البمماهت السممن لنتقاداتهمما وتعاليمهمما
ممما –
ومخططاتها وتوجيهاتها .إن المسألة ليست مسألة معرفة ما سيجري بعممد عشممرين أو ثلثيممن عا ً
وبديهي أن المور ستكون آنذاك أحسن مما هي عليه بما ل يقاس .بل معرفة ما يجممب فعلممه للقضمماء
على الفوضى ،ولتوزيع اليد العاملة في هذه المرحلة ،ولرفع إنتاجية العمممل اليمموم ،وللسممتفادة بمموجه
خاص من الربعة آلف عامل المختص الذين وجدناهم في الجيش ،في الورال .فهممل نممتركهم قممائلين
لهم" :اذهبوا حيثما يحلو لكم!" .كل ،إننا ل نستطيع أن نتصممرف علمى هممذا النحممو .ولقممد جممدناهم فممي
فرق عسكرية خاصة ووجهناهم إلى المعامل والمصانع.
ل" :بم تتميز اشتراكيتكم إذن عن العبودية المصرية؟ وبالفعممل لقممد كممان يهتف إبراموفيتش قائ ً
قما مقارنممة ل
الفراعنة يشيدون الهرامات بالطريقة نفسها ،بإرغامهم الجماهير علمى العمممل" .إنهما ح ً
ضا غابت عن نظر صاحبنا المنشفيكي نقطة صممغيرة :طبيعممة مثيل لها تصدر عن "اشتراكي"! فههنا أي ً
الطبقة القابضة على زمام السلطة! إن إبراموفيتش ل يجد فرًقا بين نظامنا والنظام المصري .ولقممد
نسي أنه كان في مصر فراعنة وملك عبيد وعبيد .وما كان الفلحون المصمريون همم الممذين يقمررون
بواسممطة سمموفييتاتهم بنمماء الهرامممات بممل كممان هنمماك نظممام اجتممماعي قممائم علممى نظممام الطممرائف
المتسلسلة المراتب ،وكان عدوهم الطبقي هو الذي يرغمهم على العمل .أما في روسيا فإن الكممراه
تمارسه السلطة العمالية والفلحية باسم مصالح الجماهير الكادحة .هذا ما لم يلحظممه إبراممموفيتش.
لقد تعلمنا في مدرسة الشتراكية أن كل التطور الجتماعي يقوم على الطبقات وعلى صممراعها ،وأن
كل مجرى الحياة يتحدد بالطبقة القابضة على زمام السلطة وبالمهام التي تحقممق سياسممتها باسمممها.
هذا ما لم يفهمه إبراممموفيتش .ومممن الجممائز أنممه يعممرف عممن ظهممر قلممب كتمماب العهممد القممديم .لكممن
الشتراكية بالنسبة إليه كتاب عويص مغلق.
لقد كان بمقدور إبراموفيتش ،وهو يتممابع مقارنمماته الليبراليممة والسممطحية الممتي ل تأخممذ حسمماًبا
لطبيعة الدولة الطبقية ،أقول كان بمقدوره )وهذا ما فعله المنشفيك مممراًرا كممثيرة فممي الماضممي( أن
يوجد بين الجيش الحمر والبيض .ففممي الجيممش الول كممما فممي الثمماني ،كممانت التعممبئة تتممم بالدرجممة
الولى بين صفوف الجماهير الفلحية .وفي هذا كما في ذاك ،يعتمد على الكراه .وفي هممذا كممما فممي
ذاك ،يكثر عدد الضباط الذين مروا بمدرسة القيصمرية نفسمها .وفممي كل المعسممكرين ،توجممد البنممادق
نفسها ،والرصاص نفسه .فما الفرق إذن؟ ثمة فرق ،أيها السممادة ،وهممو يتحممدد بمعيممار أساسممي :مممن
يقبض علممى زمممام السمملطة؟ الطبقممة العاملممة أو النبلء ،الفراعنممة أو الموجيممك ،الطغمممة الرجعيممة أو
بروليتاريا بترسبورغ؟ ثمة فرق والشاهد على ذلك مصير بودينيتش وكولتشاك ودينيكين .إنهم العمممال
الذين جندوا الفلحين عندنا :أما لدى كولتشاك فهم طائفة من الضباط الرجعييممن .لقممد رسممخ جيشممنا
دا .ثمممة فممرق بيممن النظممام السمموفياتي ونظممام أقدامه ووطدها ،أما الجيش البيض فقممد تسمماقط رممما ً
الفراعنة ،وليس من قبيممل العبممث أن يكممون البروليتمماريون قممد بممدؤوا ثممورتهم بإعممدامهم علممى قبمماب
الجراس "فراعنة" بترسبورغ ).(20
ضما أن يصمورني علمى أننممي محمامي النزعممة العسمكرية لقد حاول أحد الخطباء المنشمفيك عر ً
بصورة عامة .إذ يتبين ،من المعلومات التي يقدمها ،أنني أدافع عن النزعة العسكرية اللمانية ،ل أكثر
دا ،أنني أعتبر ضابط الصف اللماني معجزة من معجزات الطبيعممة وأن ول أقل .وهو يزعم ،أصغوا جي ً
أعماله فوق التقليد ..فماذا قلت في الواقع؟ قلت فقط أن النزعة العسممكرية ،الممتي تجممد فيهما جميمع
ملمح التطور الجتماعي تعبيرها الكمل والوضح والمطلق ،يمكن أن ينظممر إليهمما مممن زاويممتين :أول ً
من وجهة النظر السياسية أو الشتراكية ،وهنا يتعلق كل شيء بمسألة :ما الطبقة الممتي تقبممض علممى
زمام السلطة .وثانًيا ،من وجهة نظر التنظيم كنظام للتوزيممع الممدقيق لللتزامممات ،وكنظممام للعلقممات
المتبادلممة النظاميممة ،والمسممؤولية المطلقممة ،والتنفيممذ الحممازم .إن الجيممش البورجمموازي جهمماز لقمممع
الشغيلة واضطهادهم بصورة عديمة الشفقة ،في حيممن أن الجيممش الشممتراكي جيممش لتحريممر هممؤلء
" ()20الفراعنة" لقب شعبي يشار به إلى عملء البوليس القيصريين الذين وضعهم وزير الداخلية بروتو
بوبوف في نهاية شباط 1917على أسطحة المنازل وقباب الجراس.
102
الشغيلة والدفاع عنهم .لكممن تبعيممة الجممزء المطلقممة للكممل صممفة مشممتركة لكممل جيممش .وأن النظممام
الداخلي الحازم المتماسك لهو ميزة التنظيم العسكري .إن كل تهاون ،وكل خفة ،وكل إهمال ،يمكممن
أن تكون ،في الحرب ،سبًبا في خسائر فادحة .ومممن هنمما كممان مسمميل التنظيممم العسممكري إلممى رفممع
الوضوح والدقة في العلقات والمسؤولية إلى أعلى درجة .إن مثل هذه الصفات "العسكرية" مقممدرة
في جميع الميادين .وإنما بهذا المعنى قلت أن كل طبقة تعرف كيممف تسممتفيد لخممدمتها مممن أعضممائها
الذين مروا على النضباط العسكري في ظروف أخرى مشابهة .وإذا كان الفلح اللماني الميسور قد
تخرج من الثكنة كضابط صف ،فهو بالنسبة إلممى الملكيممة اللمانيممة – وكممذلك بالنسممبة إلممى جمهوريممة
أيبرت .أثمن من أي فلحخ آخر لم يمممر بالمدرسممة نفسممها .إن جهمماز السممكك الحديديممة اللمانيممة قممد
تحسن بصورة محسوسة بفضل وجود ضباط الصف والضباط فممي المراكممز الداريممة التابعممة لمديريممة
خطوط المواصلت .وبهذا المعنى علينا أن نتعلم الشيء الكثير من النزعة العسكرية .لقد أكد لنا هنمما
الرفيق تزيبيروفيتش ،أحممد المناضمملين المعروفيممن فممي نقاباتنمما ،إن العامممل النقممابي الممذي مممر علممى
النضباط العسكري طوال سنوات ،وشغل علمى سمبيل المثمال منصمب مفموض ،ل يخسمر شميًئا ممن
قدرته على العمممل النقممابي .فهممو بعممد أن حممارب مممن أجممل القضممية البروليتاريممة .رجممع إلممى النقابممة،
ما ،ذلك أنه قد تحمممل سا ،أكثر رجولة ،أكثر استقلل ً وتصمي ً بروليتارًيا كما في السابق ،لكنه رجع متمر ً
مسؤوليات كبيرة .لقد حدث له أن قاد آلف الجنود الحمر من مستوى اجتممماعي مختلممف ،معظمهممم
من الفلحين .ولقد عاش معهم النتصارات والهزائم ،وعرف التقدم والتراجع .لقد عرف بعض حالت
ما ،وهو فممي منصممبه، الخيانة في القيادة ،وتمرد الفلحين الميسورين ،وأزمات الخوف ،لكنه عرف دو ً
كيف يضبط الجماهير القل وعًيا ،ويقودها ،ويحمسها بمثمماله ،معاقب ًمما بل شممفقة الخونممة والمسممتغلين.
إنها لتجربة عظيمة ثمينة .وهكذا ،عندما يعود الشيوعي السابق من الكتيبة إلى النقابة ،فممإنه ل يكممون
ما سيًئا.
منظ ً
أما حول مسألة نظام المكاتب الجماعية في إدارة النتاج ،فإن حجج إبراموفيتش مبتذلة شممأن
حججه حول كل المسائل الخرى .إنها حجج مراقب أجنبي ينظر إلى المور من بعيد.
إن إبراموفيتش يشرح لنا أن الدارة الجماعية الحسنة خير من إدارة لشخص الواحممد السمميئة،
وأنه يجب أن يدخل إلى كل مكتب مؤلف بصورة حسنة اختصاصي ممتاز .إن هذه كلها أفكار ممتازة.
قا أن المجلمس فليقدم لنا المنشفيك إذن عدة مئات من المكاتب ممن همذا النموع؟ إننمي أجمزم مسمب ً
العلى للقتصاد الشتراكي لن يتخلف عن أن يجد لها مهمة حسممنة .إننمما لسممنا مراقممبين ،بممل شممغيلة
يتوجب عليهم أن يبنوا حسب المواد المتوفرة لهم .إن لدينا اختصاصيين نسممتطيع أن نقممول أن ثلثهممم
متعلم وذو وجدان ،في حين أن الثلث الثاني نصف متعلم ،والثلث الخير ل يسمماوي شمميًئا .إن الطبقممة
العاملة غنية بالرجال الموهوبين ،المخلصين ،الشداء العزيمة .وإن فئة منهم – قليلة العدد للغاية مممع
السف – تملك المعارف والتجربة الضرورية .وبعضهم الخر قوي الشكيمة وموهوب ،لكنه ل يملممك ل
معارف ول تجربة ،والباقون ل يملكون ل هذا ول ذاك .وإنما مممن هممذه المممادة يجممب أن نخلممق إدارات
المصانع وغيرها ،وأنه لمن المستحيل أن نؤدي هذه المهمة بمجرد عبارات لفظية .إن علينا ،قبل كممل
شيء ،أن ننتخب العمال الذين أثبتوا عملًيا أنهم قادرون على إدارة المشاريع ،وأن نتيممح لهممم إمكانيممة
داء مهمتهم .إن هؤلء العمال يريدون نظام إدارة الشخص الواحد ،ذلممك أن إدارات المصممانع ليسممت
مدارس للمتخلفين .إن العامل القوي الشكيمة ،المطلع على قضممايا عملممه ،يريممد بصممورة طبيعيممة أن
يدير .وإذا قرر وأصدر أمره ،فإن قراره يجب أن ينفذ .وقد يستبدل بغيره ،لكن هذه مسألة أخرى.
دا سوفياتًيا بروليتارًيا – فإنه يدير المصنع في مجموعه .وإذا ما عين لكن ما دام هو السيد – سي ً
في مكتب مؤلف من أناس أضعف منه يساهمون في الدارة ،فلن يمكن الوصول إلممى أي نتيجممة .إن
كل عامل مدير يجب أن يضاف إليه اختصاصي أو اثنان ،حسب أهمية المشممروع .وإذا لممم يكممن تحممت
متناولنا مدير من هممذه الجبلممة ،وإذا كممان لممدينا بالمقابممل اختصاصممي ذو وجممدان عممارف يعملممه ،فإننمما
سنضعه على رأس المشروع ،ونلحق به ،بصفة مساعدين ،عاملين أو ثلثة ،بحيث أن كل قرار يتخممذه
الختصاصي يكون معروًفا من مساعديه ،دون أن يكون لهؤلء الحق في إلغائه .إنهم سمميتابعون بدقممة
عمله وسيكتسبون بالتالي المعمارف .وبعممد مممرور بضممعة شممهور ،سمميكونون قمادرين علممى أن يحتلمموا
بأنفسهم مناصب هامة.
شما .همذا صمحيح! لكمن مما ل لقد استشهد إبراموفيتش ،نقل ً عني ،بمثمال حلق قماد فرقمة وجي ً
يقوله إبراموفيتش هو أنه إذا كان الرفاق الشيوعيون عندنا قممد بممدؤوا يقممودون فرقًمما وجيو ً
شمما ،فهممذا
103
لنهم عملوا في الماضي مفوضين لدى القادة -الختصاصمميين .إن كممل المسممؤولية تقممع علممى عمماتق
ما كان تافًها ،دون أن يستطيع التحجج بصفته الختصاصي الذي يعلم أنه مسؤول كلًيا عن كل خطأ مه ً
وا مستشاًرا" في مكتب...
"عض ً
إن معظم مناصب قيادة الجيش الحمر ،وبخاصة المناصب الدنيا ،أي أهم الدرجات مممن وجهممة
النظر السياسية ،مشغولة في الساعة الراهنة بعمال وفلحين متقدمين ،وبم بدأنا؟ لقد وضعنا ضبا ً
طا
في مناصب القيادة وجعلنا من العمال مفوضين .ولقد تعلموا كيف ينتصرون.
أيها الرفاق ،إننا ندخل في مرحلة صعبة ،ولعلها أصعب المراحل .ول بد ممن تمدابير جبمارة فمي
الونة الصعبة ممن حيماة الشمعوب والطبقمات .وكلمما أوغلنما ،أصمبحت المهممة أكمثر سمهولة ،وشمعر
المواطن بحرية أكبر ،وتلشى الحساس بإكراه الدولة البروليتاريممة .ومممن الممكممن أن نسمممح آنممذاك
للمنشفيك بأن تكون لهم صحفهم ،هذا إذا قبلنمما بممأن المنشممفيك سمميكون لهممم وجممود يومممذاك .لكننمما
نعيممش اليمموم فمي عهمد ديكتاتوريممة سياسمية واقتصممادية .وإنمما هممذه الديكتاتوريمة همي المتي يسمتمر
المنشفيك في تخريبها .فبينما كنا نقاتل على جبهة الحرب الهلية لنحمي الثممورة مممن أعممدائها ،كتبممت
صحيفتهم" :لتسقط الحرب الهلية!" .إنمما همذا مما ل نسمتطيع أن نتسمامح بمه .إن الديكتاتوريممة همي
الديكتاتورية ،والحرب هي الحرب .والن بعممد أن وصمملنا إلممى أعلممى تركيممز لقوانمما فممي حقممل النهضممة
القتصادية ،ظل الكاوتسكيون الروس ،المنشفيك ،أوفياء لرسالتهم المناهضة للثورة :إن صوتهم يرن
كما في الماضي ،كصوت الشك والبلبلة .صوت ينسف ويلغم ،ويزرع الريبة ويوهن العزائم.
أليس من الشناعة والسخافة في آن واحد مًعا أن نسمممع فمي همذا المممؤتمر الممذي يجتممع فيمه
1500ممثل للطبقة العاملممة الروسممية ،والممذي ل يمثممل فيممه المنشممفيك إل نسممبة %5فممي حيممن أن
الشيوعيين يشكلون تسعة أعشاره ،أليس من الشناعة والسخافة أن نسمع إبراموفيتش ينصحنا "بأل
نتحمس لمثل هذه الطرائق ،في حين أن غالبية صممغيرة معزولممة تنمموب عممن الشممعب" .يقممول ممثممل
المنشفيك" :كل شيء عن طريق الشعب ،ول أوصياء على الكادحين .كل شيء عن طريق الجممماهير
الكادحة .كل شيء عن طريق عملها!" ثم يقول" :إن الجماهير ل تقنع بالحجج" .لكن أ،ظروا إذن إلى
هذه الصممالة :هممي ذي الطبقممة! إن الطبقممة العاملممة ههنمما أمامنمما ومعنمما ،وأنتممم ،يمما حفنممة المنشممفيك
الصغيرة ،تحاولون أن تقنعوها بحجج البورجوازيين الصغار! إنكم تريدون أن تكونوا أوصياء علممى هممذه
الطبقة .لكن لهذه الطبقة نشاطها ولقد برهنت عليه حيممن لفظتكممم ،وحيممن سممارت إلممى المممام فممي
طريقها.
104
كارل كاوتسكي :مدرسة وكتابة
كانت المدرسة النمساوية الماركسية )بوير ،رينر ،هيلفردينع ،ماكس آدلر ،فريدريك آدلر( تقف
في غالب الحيممان موقممف المعارضممة مممن مدرسممة كاوتسممكي باعتبارهمما تمثممل انتهازيممة مقنعممة تجمماه
الماركسية الصيلة .ولقد بدت هذه المعارضة كسوء تفاهم تاريخي سببب الكثير من الضياع الفكممري،
لكنممه انكشممف فممي النهايممة علممى حقيقممة واضممحة :إن كاوتسممكي هممو مؤسممس التحريممف النمسمماوي
للماركسية وحامل لوائه الول.
ففي حين أن تعاليم ماركس الحقيقية تقوم على صيغة نظرية للعمل والهجوم وتطوير الطاقممة
الثورية ودفع الصراع الطبقممي إلممى المممام ،نجممد أن المدرسممة النمسمماوية قممد تحممولت إلممى أكاديميممة
للسلبية واللف والدوران ،وأصبحت تاريخية بصممورة مبتذلممة ،وقصممرت أهممدافها علممى تعليممل الحممداث
وتبريرهمما ،وانحممط دورهمما إلممى مصممدر ممممول للنتهازيممة البرلمانيممة والنقابيممة ،واسممتبدلت الممديالكتيك
بالسفسطة المخاتلة ،وتحولت أخيًرا ،بممالرغم مممن لفظيتهمما الثوريممة ،إلممى قمموة أمينممة داعمممة للدولممة
الرأسمالية ،وللعرش والمذبح اللذين يهيمنان عليها .وإذا كان العرش قد سقط ،فالخطممأ فممي ذلممك ل
ما على المدرسة الماركسية النمساوية. يقع حت ً
إن مما يميممز الماركسممية النمسماوية عمداؤها لكمل نشمماط ثموري وتخوفهما منمه .إن الماركسمي
النمساوي لقادر على أن يحفر هوة من الفكار والتأويلت العميقممة للماضممي ،وعلممى أن يظهممر جممرأة
دا فكممرة كممبيرة أو مبممدأ موجهًمما عممنرجولية في مجال التنبؤات المتعلقة بالمستقبل ،لكنه ل يملك أبم ً
ممما بالنسممبة إليممه تحممت عبممءً عقي با
ما انسيا ً
العمال الكبيرة المتعلقة بالحاضر .إن الحاضر ينساب دو ً
هموم النتهازية الصغيرة التي تؤول فيما بعد وتصور على أنهمما السلسمملة الضممرورية الممتي تربممط بيممن
الحاضر والمستقبل .إن الماركسي النمساوي معين ل ينضب ماؤه فيما يتعلق بممالبحث عممن السممباب
التي تعرقل الممارسة والعمل الثوريين .إن الماركسية النمسمماوية هممي نظريممة السمملبية والستسمملم
المدعية الجليلة .وبديهي أنه ليس من قبيل الصممدفة والعممرض أن تكممون النمسمما ،بابممل الممتي تمزقهمما
معارضات قومية عقيمة ،والدولة التي هي تجسيد لستحالة الوجود والتطمور بالمذات ،قمد وقمع عليهما
دور توليد وتوطيد الفلسفة الماركسية المزعومة عن استحالة العمل الثوري.
إن أشممهر الماركسمميين النمسمماويين يمثلممون ،كل علممى طريقتممه" ،فرديممة" معينممة .إن وجهممات
نظرهم تختلف في غالب الحيان حول مختلف المسائل .بل لقد وصل بهم المممر إلممى حممد الخلفممات
السياسية .لكننا نستطيع القول ،بصورة عامة ،أنم أصابع يد واحدة.
إن كارل رينر هو أشهر هؤلء الممثلين ،وأفخمهم ،وأكثرهم إعجاًبا بنفسه .إن موهبة النتحممال،
وبتعبير أدق التقليد السخيف ،متطورة عنده إلى درجة استثنائية .ولقد كانت مقالته الملتهبة عن أول
أيار ،من وجهة نظر السلوب ،آية في تجميع الكلمات الكثر ثورية .ولممما كممانت الكلمممات وتجميعاتهمما
تعيش إلى حد ما حياتها الخاصة ،فإن مقالت رينر قد أشعلت في قلوب الكثير من العمال نار الثورة
التي لم يعرفها المؤلف قط على ما يبدو.
إن البهرج الكاذب للثقافة النمساوية – الفييناويممة السمماعية وراء اللقممب والمركممز ،يتجلممى عنممد
فما إمبراطورًيما
رينر أكثر مما يتجلى لدى سائر زملئه .والواقع أنه لمم يكمف قمط عمن أن يكمون موظ ً
وملكًيا يتقن اللفظية الماركسية.
إن تحول مؤلف مقال يوبيل كارل ماركس ،المعممروف ببلغتممه الثوريممة ،إلممى مستشممار – دميممة
دا مممن أبهممر المثلممة علممى
يذخر بعواطف الحترام والعتراف بالجميل تجاه السكندنافيين ،يقممدم واحم ً
مفارقات التاريخ.
أما ماكس آدلر فهو ممثل آخر للماركسية النمساوية ل يختلف عممن غيممره إل اختلفًمما صممغيًرا ل
ممما كمما أن رينممر همو صمحافيها وحقوقيهما، يكاد يظهر للعيان .إنه غنائي ،فيلسوف غنائي للسملبية ،تما ً
قا
وكما أن هيلفردينغ هو اقتصاديها ،وكما أن بوير هو عالم اجتماعًيا .إن ماكس آدلممر يحتممل مكان ًمما ضممي ً
حا للغايممة فممي إطممار الشممتراكية البورجوازيممة المجريممة في العالم المبتذل ،رغم أنه قد أخذ مكاًنا مري ً
ومذهب تسلط الدولة الهايسبورغي .إن الجمع بين مهنة المحاماة الفاشمملة وبيممن الممدناءة السياسممية،
بالضافة إلى المقالت الصحفية الرخيصممة الممجممدة للمثاليممة ،قممد أعطممت ممماكس آدلممر تلممك الصممفة
الخاصة الناعمة والمقرفة مًعا.
أما رودولف هيلفردينغ ،المشهور هو الخر ،فقد دخل إلى الشممتراكية – الديمقراطيممة اللمانيممة
ممما للستسمملم بممدون قتممال .لقممد خيممل كمتمرد ،لكن كمتمرد من "النمط النمساوي" ،أي المستعد دو ً
لهيلفردينغ .إن سهولة الحركة الخارجية للسياسية النمساوية وتحريضها ،تلك السياسة التي ربته ،إنما
هي المبادهة الثورية ،ولقد طالب طوال أثنى عشر شهًرا ،وبألفاظ هي أكثر اللفاظ تواضًعا بل ريممب،
بسياسممة مبادهممة أكممثر فعاليممة مممن قبممل قممادة الشممتراكية – الديمقراطيممة اللمانيممة .لكممن التحريممض
النمساوي – الفييناوي سرعان ما سقط ،حتى عنده .ولم يتأخر في الخضمموع ل يقمماع برليممن وللطممابع
الوتوماتيكي لحياة الشتراكية – الديمقراطية اللمانية الروحية .لقد حرر طاقته الفكرية ليركزها على
ل - ،باعتبار أن ما من ماركسي حقل النظرية الخالصة ،ذلك الحقل الذي لم يأت إليه بشيء جديد أص ً
حمما
نمساوي أتى بشيء جديد في أي حقل – رغم أنه كتب كتاًبا جدًيا .ولقد دخممل العصممر الثمموري ،راز ً
تحت عبء ذلك الكتاب ،كحمال محني الظهر تحت حمممل ثقيممل .لكممن ذلممك الكتمماب الجممدي نفسممه ل
ينوب مقام غياب الرادة والمبادهة وبرودة الدم الثورية والتصممميم السياسممي ،الممتي يسممتحيل العمممل
بدونها ..إن هيلفردينغ ،المحترف الطب ،ميال إلى العتدال ،وهو يبدو ،بممالرغم مممن إعممداده النظممري،
أكثر التجريبيين بدائية في حقل المسائل السياسية .إن المهمة الرئيسية في الوقت الحاضر هي فممي
نظره عدم الخروج من إطار المس وإيجاد تبرير اقتصادي جدي عميق لهذا الموقف المحممافظ وهممذا
الضعف البورجوازي الصغير.
أما فريدريك آدلر فهو أقل الممثلين اتزاًنما للنممط الماركسمي النمسماوي .لقمد ورث عمن أبيمه
المخرج السياسي .ولقد سمح فريدريك آدلممر مممن خلل النضممال البممائس المنهممك ضممد فوضممى الممبيئة
النمساوية ،سممح لريمبيته السماخرة بمأن تهمدم أسمس قناعماته الثوريمة بالمذات .ولقمد دفعمه الممزاج
الموروث عن أبيه أكثر من مرة إلى معارضة المدرسة التي خلقها همذا الدب ولقمد أمكمن لفريمدريك
آدلر ،في بعض الونة ،إن يبدو مباشرة وكأنه التناقض الثوري في المدرسممة النمسمماوية .والواقممع أنممه
كان ويبقى تتويجها الضروري .إن عنفه الثوري لم يكن إل تعبيًرا عن نوبات اليأس الحادة المتي تعماني
منها النتهازية النمساوية التي يخيفها من آن إلى آخر عدم جممدواها الذاتيممة .إن فريممدريك آدلممر ريممبي
حتى نخاع عظامه :إنه ل يؤمن بالجماهير ول بقدرتها على العمل .وبينما كان كممارل لييبكنيشممت ينممزل
إلى ساحة بوتسدام ،أيام أعظم انتصارات العسكرية اللمانية ،ليدعو الجماهير المسحوفة إلى نضممال
مكشوف ،كان فريممدريك آدلممر يممدخل إلممى مطعممم بورجمموازي ليغتممال المموزير – الرئيممس .لقممد حمماول
فريدريك آدلر بل ريب عن طريق أقدامه على عملية اغتيال معزولة ،أن يقطع الصلة بريممبيته الذاتيممة.
وبعد هذا المجهود الهستيري ،سقط في حالة خمول أشد.
106
لقمد أغرقممت عصمابة الشممتراكيين – الموطنيين )أوسمترليتز ولموتنر ،إلممخ( السمموداء والصمفراء،
أغرقت آدلر الرهابي بكل دنمماءات جبنهمما الممذي تحيطممه بفخممم اللفمماظ .لكممن عنممدما انقضممت الفممترة
الحادة ،وعاد البن الضال من الشغال الشاقة إلى المنزل البوي تحيممط بممه هالممة الشممهادة ،تممبين أن
قيمته بالنسبة إلى الشتراكية – الديمقراطية النمسمماوية قممد تضمماعفت مرتيممن بممل ثلث ًمما .ولقممد حممول
مزيفو الحزب الماهرون هالة الرهابي المذهبية إلى نقود تمرن بالديماغوجيمة .وأصمبح فريمدريك آدلمر
الكفيل المعتمد لمثال أوسترليتز وبوير أمام الجماهير .ولحسن الحظ أن العمال النمسمماويين بمماتوا ل
يفرقون إل أقل فأقل بين الغنائية العاطفيممة لفريممدريك آدلممر ،وانحطمماط رينممر المخفممي وراء اللفمماظ
البراقة ،وخمول ماكس آدلر التلمودي ،ورضى أوتو بوير التحليلي بنفسه.
لقد أعطى هيلفردينغ ،في محاولته التي ل تنسى لدخال نظام السوفييتات على دستور إيممبرت
ضما لكمل فكمر المدرسمة الماركسمية – نوسك ،أعطى دفقمة دافعمة ل لفكمره المذاتي فحسمب ،بمل أي ً
النمساوية التي حاولت ،بدًءا من ولدة العصر الثوري ،أن تأخذ مكانهمما علممى يسممار كاوتسممكي بالقممدر
نفسه الذي أخذت به مكانها إلى يمينه قبل الثورة.
وبهذا الصدد ،فإن وجهة نظر ماكس آدلر عن نظام السوفييتات بليغة الدللة.
دا
إن الفيلسوف التخيري الفييناوي يعترف بأهمية السمموفييتات ،بممل أنممه يظهممر مممن الجممرأة حم ً
يدفعه إلى تبنًيا .إنه يعتبرها صراحة جهاز الثورة الجتماعية .وماكس آدلر بممالطبع ،مممن أنصممار الثممورة
الجتماعية .لكن ما يريده ،ليس ثورة المتاريس والرهاب العنيفة ،الثورة الدامية ،بل الثممورة العاقلممة،
المقتصدة ،المتزنة ،المطوبة حقوقًيا والمصدق عليها فلسفًيا.
إن ماكس آدلر ل يممذعر حممتى مممن فكممرة إن السمموفييتات تنتهممك "مبممدأ" التقسمميم الدسممتوري
للسلطات )هناك بالفعل في حضن الشتراكية – الديمقراطية النمساوية أكثر مممن أحمممق واحممد يممرى
في هممذا النتهمماك ثغممرة خطيممرة فممي النظممام السمموفياتي( .بممل علممى العكممس ،إن محممامي النقابممات
والمستشار الحقوقي لثورة الجتماعية الذي هو ماكس آدلر ،يرى في دمممج السمملطات تفوقًمما يضمممن
التعبير المباشر عن إرادة البروليتاريا .إن ماكس آدلر يؤيد التعبير المباشر عن إرادة البروليتاريا ،لكن
ليس عن طريق استيلء السوفييتات مباشرة على السلطة .إنه يممدعو إلممى طريقممة مأمونممة أكممثر .إن
على المجالس العمالية ،في كممل مدينممة ودائرة وحممي ،أن "تراقممب؛ ممموظفي البمموليس وغيرهممم بممأن
تفممرض عليهممم "إرادة" البروليتاريمما .إل أنممه يحممق لنمما أن نسممأل :كيممف سمميكون الوضممع "الممدولي –
الحقوقي" للسوفييتات في جمهورية سيتزت ورينر ومن هم على شمماكلتهم؟ إن فيلسمموفنا يممرد علممى
هذا التساؤل" :إن السوفييتات ستتلقى في النهاية من القوة الدولية – الحقموقي بقمدر مما تبمذل ممن
نشاط" )"جريدة العمال" – العدد 1 ..197حزيران .(1919
ممما كممما
إن على السوفييتات البروليتارية أن تتحول تدريجًيا إلى سلطة سياسية للبروليتاريا ،تما ً
كان على المنظمات البروليتارية في الماضي ،حسبما كانت تقول نظرية النتهازية ،أن تتطور إلى أن
تتحول اشتراكية ،وهذا هدف لقى في طريقه بعض العراقيل نتيجة لسوء التفاهم غير المتوقممع الممذي
طرأ طوال أربعة أعوام بين الدول المركزية و"التفاهم" وكل ما تله فيما بعد .وكان ل بد بالتالي مممن
التخلي عن البرنامممج القتصممادي للتنميممة المنهجيممة لحسمماب اشممتراكية بممدون ثممورة اجتماعيممة .لكممن
تكشفت بالمقابل آفاق نمو منهجمي للسمموفييتات إلمى حممد ثممورة اجتماعيمة بمدون عصمميان مسمملح ول
استيلء عنيف على السلطة.
وحتى ل تقع السوفييتات فممي شممراك مهممام المحافظممات والحيمماء ،فممإن المستشممار الحقمموقي
الجريء يقترح دعاية الفكار الشتراكية – الديمقراطية .فالسلطة السياسية تظل ،كما في الماضممي،
في أيدي البورجوازية وعملئها ،لكن السوفييتات بالمقابل تراقب ،في المحافظممات والحيمماء ،ضممباط
وضباط صف البوليس .إل أن ممماكس آدلممر ،كممي يطمئن الطبقمة العاملمة وليركممز فمي الموقت نفسممه
أفكارها وإرادتها ،سيلقي كل يوم أحد محاضممرات عممن الوضممع الممدولي – الحقمموقي للنقابممات .ويعممدنا
107
ماكس آدلر" :وهكذا فإن النظام في الوضع الدولي – الحقوقي للنقابات .ويعدنا ماكس آدلر" :وهكممذا
فإن النظام في الوضع الدولي – الحقوقي للسموفيتتات العماليمة ،وثقلهما وأهميتهما ،سمتكون متموفرة
على طول الخط ،في مجال حياة الدولة والحيماة العامممة ،وأن النظمام السموفياتي ،بمدون ديكتاتوريممة
السوفييتات سيحقق نفممو ً
ذا أوسممع بكممثير مممن النفمموذ الممذي يسممتطيع أن يحصممل عليممه فممي جمهوريممة
السوفييتات بالذات .ثم أنه لن يتعين ،من جهة أخرى ،شممراء هممذا النفمموذ بثمممن العواصممف السياسممية
ما مممع التقاليممد النمسمماوية:
والعاصير القتصادية المدمرة" .إن ماكس آدلر يظممل ،كممما نممرى ،منسممج ً
تحقيق الثورة بدون الدخول في نزاع مع السيد المدعي العام.
إن مؤسس هذه المدرسة والمسؤول العلى فيهمما هممو كاوتسممكي .إن كاوتسممكي ،فممي المموقت
الذي يحافظ فيه بغيرة ،وبخاصة بعد مممؤتمر دريممد للحممزب والثممورة الروسممية الولممى ) ،(1905علممى
سمعته كحارس للرثوذكسية الماركسية ،يعلن استنكاره من حين إلى آخر للتصممرفات المخزيممة الممتي
تصدر عن مدرسته النمساوية .إن بوير ورينر وهيلفردينغ يعتمبرون جميعهمم مًعما ،وكممل منهمم بصممورة
خاصة – كما كان شأن المرحوم فيكتممور آدلممر – يعتممبرون كاوتسممكي مممدعًيا أكممثر مممن اللزم ،وقليممل
المرونممة أكممثر مممن اللزم ،إل أنهممم يممرون فيممه أب ًمما وأسممتا ً
ذا جممديًرا بممالحترام لكنيسممة عقيممدة الدعممة
والخمول.
لقد بدأ كاوتسكي يوحي ببعض المخاوف الجديدة لمدرسته الخاصة في فترة صممعوده الثمموري،
أثناء الثورة الروسية الولى ،عندما اعترف بضرورة استيلء الشتراكية – الديمقراطية الروسية على
السلطة ،وحاول أن يلقن الطبقة العاملممة اللمانيممة السممتنتاجات النظريممة الممتي فرضممت نفسممها بعممد
تجربة الضراب العام في روسيا .ولقد أوقممف فشممل الثممورة الروسممية الولممى تطممور كاوتسممكي نحممو
الراديكالية .وكلما كان تطور الحداث يفرض بصورة محتمة حل المشكلت المتعلقة بعمممل الجممماهير
سا .لقد راوح فممي مكممانه ،ثممم تراجممع في داخل ألمانيا بالذات ،كان موقف كاوتسكي إزاءها يزداد التبا ً
إلى الوراء ،وفقد ثقته الولية ،واتضحت لديه أكثر فأكثر ملمح الدعاء السكولئي التي كانت ملموسة
في طريقته في التفكير .ولقد كشفت الحرب المبرياليممة ،الممتي قتلممت كممل تممردد وطرحممت بفظاظممة
جميع المسائل الساسية ،كشفت إفلس كاوتسكي السياسي التام .ومن اللحظة الولى ،انزلقمت بمه
قدمه دونما أمل بالعودة إلى أبسط المسائل ،أي إلى مسألة التصويت علممى اعتمممادات الحممرب .وأن
جميع أعماله اللحقة تدور حول موضوعة واحدة مكررة معادة" :أنمما وبلبلممتي" .ولقممد أجهممزت الثممورة
الروسية على كاوتسكي نهائًيا .كان مجرى الحداث السابق كلممه قممد جعلممه يتبنممى موقفًمما معادي ًمما إزاء
انتصار البروليتاريا في تشرين الثاني .ولقد جاء هذا الحدث ليلقي به في المعسكر المنمماهض للثممورة.
وهكذا فقد آخر بقايا حسه التاريخي .وتحولت كتاباته اللحقة أكثر فأ:ثر إلى أدب أصفر يصلح للسمموق
البورجوازية نظًرا إلى رداءته وبخس ثمنه.
إن كتاب كاوتسكي ،الذي درسناه ،يملك جميع الصفات الخارجية لما اتفق الناس على تسميته
بالعمل الموضوعي والعلمي .لكي يعمق كاوتسممكي مسممألة الرهمماب الحمممر ،يرسممم مخططممه بكممل
الدقة الدقيقة المعروفة عنه .فهو يبدأ بدراسة الشروط الجتماعية التي هيأت الجو للثورة الفرنسممية
الكبرى ،وكذلك السباب الفيزيولوجية والجتماعية التي ساهمت في تطوير القسوة والنسانية طيلممة
تاريخ الجنس البشري .وفي الكتاب المخصممص للبولشممفية ،والممذي لممم تممدرس فيممه المسممألة إل فممي
الصفحة ،154يروي كاوتسكي بالتفصيل كيف كان يأحل جدنا البعيممد ،القريممب بتكمموينه مممن القممرود.
ويطرح فرضية أنه كان يلتهم الحشرات وربما بعض الطيور بالضممافة إلممى طعممامه النبمماتي الرئيسممي
)ص .(85وبتعبير آخر ،إن ما من شيء يمكممن أن يممدفع بالنسممان إلممى التفكيممر بممأن مثممل هممذا الجممد
دا دمممويين كالبلشممفة .هممذا هممو المحترم الذي كان يعيش على النبات ،يمكن أن يخلف فيما بعد أحفمما ً
الساس العلمي المتين للغاية الذي يطرح عليه كاوتسكي المسألة..
لكن كما هي الحال في معظم المؤلفات التي مممن همذا النموع ،يختفممي الهجماء السياسممي وراء
دا عن العلم .وأليس مممن المسممتغرب واجهة أكاديمية .سكولئية أنه واحد من أكذب الكتب وأكثرها بع ً
بالفعل ،للوهلة الولى ،أن يلتقط كاوتسكي من المنجم الذي ل ينضب لوكالت هافاس ورويتر وولممف
كا أذن الواشي المفممتري تتغلممب علممى قبعممة كل الفتراءات والشائعات البائسة المعادية للبلشفة ،تار ً
العالم؟ لكن هذه التفاصيل القذرة ليسممت إل زخرفممات فسيفسممائية تحيممط بمجممموع الكذبممة الكممبرى
الموجهة ضد جمهورية السوفييتات والحزب الذي يقودها.
108
إن كاوتسكي يرسم ،بأقتم اللوان ،لوحة وحشتينا تجاه البورجوازية التي "لم تبد أي رغبة مهما
تكن واهنة في المقاومة".
إن كاوتسكي يدين موقفنما الصملب تجماه الشمتراكيين – الثموريين والمنشمفيك المذين يؤلفمون
إحدى مدارس الشتراكية .وأن كاوتسكي يصور القتصاد السوفياتي على أنه سديم مأساوي.
إن كاوتسكي يصممور المناضمملين السمموفياتيين بصممورة عامممة ،وكممل الطبقممة العاملممة الروسممية،
كشرذمة من النانيين والجبناء والكسالى.
إنه ل يقول كلمة واحممدة عممن الجبممن العظيممم ،الممذي ل سممابق لممه فممي التاريممخ ،الممذي أظهرتممه
البورجوازية الروسية .أنه ل يقول كلمة واحدة عن خياناتها الوطنية ،وعن تسليم ريجا لللمان لهداف
"إستراتيجية" .وهو ل ينبس ببنت شفة عن موضوع تهيئة تسمليم مماثمل لمدينمة بترسمبورغ .إنمه يممر
مرور الكرام بنداءات هذه البورجوازية الموجهة إلى الجيمموش الجنبيممة ،التشيكوسمملوفاكية واللمانيممة
والرومانية والنكليزية واليابانية والفرنسية والعربيممة والزنجيممة ،ضممد العمممال والفلحيممن الممروس .إنممه
يسكت عن مؤامراتهمما واغتيالتهمما ،المقترفممة والمنفممذة لحسمماب "التفمماهم" وعلممى نفقتممه ،وحصممارها
الهادف إلى تجويع أطفالنا حتى الموت ،وإلى إشاعة الكاذيب والفتراءات في العمالم قاطبمة بصمورة
منهجية عندية ل تكل ول تمل.
أنممه ل يقممول كلمممة واحممدة عممن أعمممال التعممذيب والعنممف الممدنيئة الممتي عمماملت بهمما حكومممة
الشتراكيين – الثوريين والمنشممفيك حزبنمما قبممل ثممورة تشممرين الثمماني .أنممه يخممرس عممن المطمماردات
المجرمة الموجهة ضد ألوف المناضلين في حزبنا بحجة التجسممس لحسمماب ألمانيمما همموهنزولرن .إنممه
يمر مرور الكرام بمساهمة المنشممفيك والشممتراكيين – الثمموريين فممي جميممع مممؤامرات البورجوازيممة،
وكذلك تعاونهم مع جنرالت وأمراء القيصر ،كولتشاك ودينيكين وبممودينيتش .إنممه يسممكت عممن أعمممال
الرهاب التي قام بها الشممتراكيون – الثوريمون بنمماء علمى أوامممر "التفماهم" ،وأعمممال العصميان المتي
نظمها هؤلء الشتراكيون – الثوريون أنفسهم ،بأموال السفارة الجنبية ،في صفوف جيشنا الذي كان
يسفح دمه غزيًرا على مذبح النضال ضد عصابات المبريالية الملكيممة .إن كاوتسممكي ل يتنممازل ليممذكر
ضا على أننا مستعدون حتى لو مرة واحدة بأننا لم نؤكد في أكثر من مناسبة فحسب ،بل بأننا برهنا أي ً
قبلنا بتنازلت وتضحيات ،لتوطيد السمملم فممي بلممدنا ،وأننمما مضممطرون بممالرغم مممن ذلممك ،إلممى متابعممة
النضال الشرس على كل الجبهات للممدفاع عممن وجممود بلممدنا بالممذات ولتجنممب تحمموله إلممى مسممتعمرة
ضمما عممن أن البروليتاريمما الروسممية كممانت
المبريالية النكلو – الفرنسية .إن كاوتسكي يلزم الصمممت أي ً
مرغمة ،أثناء هذا النضال البطولي الذي نخوضه من أجل مسمتقبل الشمتراكية العالميمة ،علمى إنفماق
خير طاقاتها ،وزهرة قواها وأثمنها ،تلك الطاقات والقوى التي حرم منهما فيمما بعممد البنمماء القتصممادي
وتطوير الثقافة.
إن كاوتسممكي ،فممي منشمموره عينممه ،ل يممذكر ولممو تممذكيًرا بممأن العسممكرية اللمانيممة ،بمعونممة
الشايدمانيين وتواطؤ الكاوتسمكيين ،ثمم عسمكرية دول "التفماهم" ،وبمعونمة أمثمال رينوديمل وتواطمؤ
أمثال لونغيه ،قد طوقتانا بحصار حديدي ،وبأنهما بعممد أن اسممتولتا علممى مرافئنمما قاطبممة ،عزلتانمما عممن
سائر العالم ،واحتلتا ،بواسطة عصابات الحرس البيممض المرتزقممة ،مسمماحات شاسممعة مممن الراضممي
الغنية بالمواد الولية ،وقطعنا عنا لمدة طويلة ممن الزممن نفمط بماكو ،وفحمم المدونتز ،وقممح المدون
وسيبيريا ،وقطن تركستان .إن كاوتسكي ل يذكر بأن الطبقة العاملة الروسممية قممد خاضممت وتخمموض،
منذ حوالي ثلثة أعوام ،وفي مثل هذه الشروط الفائقة الصعوبة ،نضال ً بطولًيا ضد أعدائها على جبهة
طولها 800فرسخ ،وبأن الطبقة العاملة الروسية قد عرفت كيف تستبدل المطرقة بالسميف وتخلمق
شا قوًيا ،وبأنها جندت لهذا الجيش صناعتها المنهوكة ،وبأنها ،رغم النهاك الشديد الذي أصاب البلد جي ً
التي حكم عليها جلدو العالم أجمع بالحصار والحرب الهلية ،تكسي وتطعم وتسلح وتنقل ،منممذ ثلثممة
شا تعداده مليون رجل تعلموا كيف ينتصرون. أعوام حتى اليوم ،وبوسائلها الخاصة ،جي ً
إن كاوتسكي يجد الوسيلة ليظل أخرس عن هذا كله فممي كتمماب يكرسممه للشمميوعية الروسممية.
وهذا الصمت من جانبه هو كذبته الكبرى ،الولى ،المكشوفة ،كذبة سلبية بدون شك ،لكنها يقيًنا أكممثر
ما ودناءة من الكذب اليجابي الذي يلجأ إليه جميع أوغاد صحافة البورجوازية العالمية.
إجرا ً
109
إن كاوتسكي ،المفتري على سياسة الحزب الشيوعي ،ل يقول في أي مكممان ممماذ يريممد وممماذا
يقترح .إن البلشفة لم يكونوا وحدهم في حلبة الثورة الروسية .بل لقممد رأينمما ونممرى فيهمما ،مممرة فممي
السمملطة ومممرة فممي المعارضممة ،الشممتراكيين – الثمموريين )خمسممة اتجاهممات وتكتلت علممى القممل(
والمنشفيك )ثلثة اتجاهات على القل( ،وتلمذة بليخانوف ،والماكسيماليين ،والفوضويين.
إن جميع "اتجاهات الشتراكية" بل استثناء )إذا قبلنا بلغة كاوتسكي( قد جربت قواها وأظهممرت
ما تريده وما تستطيعه .إن هذه "التجاهات" كثيرة العدد للغاية حتى أنه ليصعب إدخال نصممل سممكين
ضا .إنها تمثل بصورة مجملة مختلممف
بين المتجاورة منها .إن أصل هذه "التجاهات" بالذات ليس عار ً
محاولت الحزاب الشتراكية التي وجدت قبل الثورة للتلؤم مع شروط العصر الثوري الكبر.
قد يبدو إذن أن كاوتسكي يملك بين يديه مجموعة مفاتيح سياسية كثيرة العدد بما فيه الكفايممة
ليجد بينها المفتاح الماركسي الصحيح للثورة الروسية.
لكن كاوتسكي يلزم الصمت .أنه يرفض اللحن البولشفي الذي ويمزق أذنيه ،لكنه ل يبحث عن
لحن آخر .إن عازف البيانو المسن قد استنكف بصورة عامة عن العزف على أداة الثورة.
110
ملحق )(1
يظهر هذا الكتاب أيام انعقاد المؤتمر الثاني للممية الشيوعية .أن حركة البروليتاريا الثورية قد
خطممت ،خلل الشممهور الممتي تلممت انعقمماد المممؤتمر الول ،خطمموة كممبيرة إلممى المممام .وأن مواقممع
الشتراكيين – الوطنيين الرسميين ،العلنيين ،قد تهدمت في كل مكممان .وأن أفكممار الشمميوعية تنتشممر
أكثر فأكثر .وأن الكاوتسكية الرسمية ،الدوغمائية ،قد تشمموهت سمممعتها بصممورة قاسممية .وكاوتسممكي
نفسه صار يظهر بوجه حقير مضحك في صفوف الحزب "المستقبل" الذي هو خالقه.
قا إل الن .وإذا كانت الكاوتسممكية إل أن الصراع العقائدي في صفوف الطبقة العاملة لم يبدأ ح ً
الدوغمائية هي في سبيلها إلى الموت ،كما قلنا ،وإذا كان قادة الحزاب الشتراكية الوسطية يعجلون
بالتخلي عنها ،فإن الكاوتسكية ،كلفت فكرية بورجوازية ،وكتقليد من تقاليد السلبية ،وكجبن سياسي،
سا فممي أوسمماط المنظمممات العماليممة القياديممة فممي العممالم أجمممع ،بممما فيهمما
ما تزال تلعب دوًرا ملمو ً
الحزاب التي تميل إلى الممية الثالثة ،وحتى الحزاب التي انتمت إليها شكلًيا.
إن حزب ألمانيا المستقل ،الذي كتب على يافطته شعار ديكتاتورية البروليتاريا ،تشكو صممفوفه
من زمرة كاوتسكي ) (21الذي يبذل كل جهوده للساءة نظرًيا إلى ديكتاتورية البروليتاريا فممي تعبيرهمما
الحي :السلطة السوفياتية .إن شروط الحرب الهلية ل تجعل هذا النوع من التعايش ممكن ًمما إل حممتى
اليوم الذي تبممدو فيممه ديكتاتوريممة البروليتاريمما للوسمماط القياديممة مممن الشممتراكيين – الممديموقراطيين
"المستقلين" كرغبة ورعة واحتجاج غير متبلور ضد الخيانة الصريحة المخزية التي صدرت عن نوسك
وأيبرت وشايدمان وغيرهم ،وفي النهاية كأداة ديماغوجية انتخابية وبرلمانية.
إن حيوية الكاوتسكية الكامنة ملموسة بشكل خاص لدى اللونغيممويين الفرنسمميين .ولقممد اقتنممع
جان لونغيه هو نفسه بذلك وحاول طويل ً أن يقنع الخرين بإخلص بأنه يسير بدون تحفظ معنمما ،وبممأن
رقابة كليمانصو وافتراءات أصدقائنا الفرنسيين لوريو ومونممات وروسمممر وغيرهممم ،هممي وحممدها الممتي
تمنع قيام أخوة سلح كاملة بيننا .إل أنه يكفي بالمقابممل أن نطلممع علممى أي خطمماب برلممماني للممونغيه
حتى نقتنع بأن الهوة التي تفصله عنا في الساعة الراهنة هي بدون أدنى ريب أعمق مما كممانت عليممه
في المرحلة الولى من الحرب المبريالية .إن المشكلت الثورية التي تنتصممب الن أمممام البروليتاريمما
ضمما مممما كممانت عليممه قبممل
العالمية قد أصبحت جدية أكثر ،ومباشرة وجليلة وفوريممة أكممثر ،وأوضممح أي ً
خمسة أو ستة أعوام ،وأن الرجعية السياسية التي يحمل لواءها اللونغيويممون ،الممثلممون البرلمممانيون
للسلبية الخالدة ،قد أصبحت أشد بروًزا من أي وقت سبق ،رغم أن اللونغيويين قد دخلوا شكلًيا إلممى
صف المعارضة البرلمانية.
دا
إن الحزب اليطالي ،المنتمي إلى الممية الثالثة ،لممم يتحممرر البتممة مممن الكاوتسممكية .إن عممد ً
كبيًرا من قادة هذا الحزب ل يرفعون أعلم الممية إل بسبب وظائفهم وتحممت ضممغط القاعممدة .وبيممن
1919 – 1914كان أسهل على الحزب الشتراكي اليطالي من سائر أحزاب أوروبا إلى حد بعيد أن
يتمسك بموقف المعارضة في مسألة الحرب ،باعتبار أن إيطاليا لم تدخل الحرب إل بعد تسعة شهور
من سائر البلدان الخرى ،وكذلك وبصورة خاصة لن وضممع إيطاليمما الممدولي قممد خلممق فممي هممذا البلممد
تجمًعا بورجوازًيا قوًيا )الجيوليتيون بالمعنى الموسع للكلمة( مانع حتى الدقيقة الخيرة دخمول إيطاليما
الحرب .إن هذه الظروف قد سمحت للحممزب الشممتراكي اليطممالي بممأل يوافممق علممى منممح الحكومممة
اعتمادات الحرب ،بدون أزمة داخلية عميقة في صفوفه ،وبممأن يبقمى ،بصمورة عاممة ،خمارج معسمكر
ممما أن يتممأخر نتيجممة ذلممك .والحممزبدعاة الحرب .لكممن التطهيممر الممداخلي فممي الحممزب كممان ل بممد حت ً
الشتراكي اليطالي ما يزال يشكو إلى اليوم ،وبعد انتمائه إلى الممية الثالثة ،من توراتي وأتباعه.
ما دقيقممة عممن الهميممة إن هذا التجمع الواسع للغاية – نحن ل نستطيع مع السف أن نقدم أرقا ً
العددية للزمرة البرلمانية اليطالية ،وعن الصحافة ،وعن منظمات الحزب والمنظمات المهنية .أقول
إن هذا التجمع يمثل بل ريب انتهازية أقل ادعاء ،وأقل دوغمائية ،وأكثر جعجعة وغنائيممة ،إل أنهمما تظممل
: ()21في الساعة التي يظهر فيها هذا الكتاب في فرنسا ،كان النشقاق قد تم في حزب ألمانيا المستقل،
وانفصلت غالبيته عن زمرة كاوتسكي.
111
انتهازية ضارة مشؤومة ،كاوتسكية مغلفة بطابع رومانتيكي! إن البعض ،رغبة منه في تفسير الموقف
المصالح التوفيقي الذي يقفه تجاه الزمر الكاوتسكية واللونغيوية والتوراتيمة ،يزعمم أن سماعة العممل
الثوري لم تدق بعد في البلدان المعنية .لكن مثل هذه الطريقة في طممرح المسممألة ليسممت الطريقممة
الصحيحة .إن ما من إنسان يطلب ،في الواقممع ،مممن الشممتراكيين الممذين يصممبون إلممى الشمميوعية ،أن
يحددوا في فترة قريبة موعد انقلب ثوري .لكن ما تطلبه الممية الثالثة من أنصارها هو أن يعممترفوا،
فعلًيا ل لفظًيا ،بأن البشرية المتمدينة قد دخلت في عصر ثوري ،وبأن جميع البلدان الرأسمالية تسير
نحو انقلبات كبيرة ونحو الحرب الطبقية المكشمموفة ،وبممأن مهمممة ممثلممي البروليتاريمما الثمموريين هممي
تهيئة السلح الفكري الضممروري وإعممداد المنظمممات الممتي سممتكون نقمماط الرتكمماز فممي هممذه الحممرب
ضمما مممع كاوتسممكي المحتمة ،القريبة للغاية .إن المميين الذين يرون أنه من الممكن التعاون اليمموم أي ً
ولونغيه وتوراتي ،وتوجيه الجماهير العمالية بالتفاهم معهم ،إنما هم في الواقممع يسممتنكفون عممن تهيئة
عصيان البروليتاريا المسلح ،سواء أعلممى صممعيد الفكممار أم علممى صممعيد التنظيممم ،وسممواء أكممان هممذا
دا ،وسواء أكانت المسألة مسألة شممهور أو سممنين .وكيل يتفتممت تمممرد الجممماهير العصيان قريًبا أم بعي ً
البروليتارية المكشوف إلى محاولت متأخرة زمنًيا للبحث عن طريق أو قيممادة ،ينبغممي علممى جممماهير
البروليتاريين أن تتعلم من الن كيف تعانق وتفهم مجموع المهام الممتي تقممع علممى عاتقهمما ،والتعممارض
المطلق القائم بين هذه المهام وبين مختلف أشكال الكاوتسكية والتواطر النتهازي .إن علممى اليسمار
قا ،أي الشيوعي ،أن يقف أمام الجماهير موقف المعارضة إزاء مختلممف التجمعممات الغائمممة الثوري ح ً
المترددة ذات المواقف الزدواجية ،المدافعة المحاميمة الممجمدة للسملبية ،وذلمك عمن طريمق تعزيمز
ل ،ثممم فممي ميممدان التنظيممم المشممروع أو نصممف المشممروع ،أو مواقعه بل كلل ،في ميممدان الفكممار أو ً
السري كلًيا .وأن ساعة القطيعة الحاسمة مع الكاوتسكيين العلنيين أو المتسترين ،أو ساعة طردهممم
من صفوف الحزب العمالي ،يجب أن تعينها ،بالطبع ،اعتبارات الموقف التكنيكيممة ،لكممن كممل سياسممة
الشيوعيين الحقيقيين يجب أن تتوجه نحممو الهممدف التممالي :القطيعممة النهائيممة .لهممذا يبممدو لممي أن هممذا
الكتاب ل يرى النور متأخًرا بالرغم من كل شيء – وبغض النظر عن أسفي العميق إن لممم يكممن مممن
وجهة نظري كمؤلف ،فعلى القل من وجهة نظري كشيوعي.
ل .تروتسكي
حزيران 1920
112
2م فرنسا عند المنعطف
إن هذا الكتاب مخصص لتوضيح مناهج سياسة البروليتاريا الثوريمة فمي عصمرنا .وهمو معمروض
بصورة سممجالية ،شممأن السياسممة الثوريممة نفسممها .إن السممجال ضممد الطبقممة السممائدة ،بوصمموله إلممى
الجماهير المضطهدة ،يتحول ،في لحظة معينة ،إلى ثورة.
إن الفهم الواضممح للطبيعممة الجتماعيممة للمجتمممع الحممديث ،ولممدولته ،ولحقممه ،ولعقيممدته ،يعتممبر
السمماس النظممري للسياسممة الثوريممة .إن البورجوازيممة تلجممأ إلممى التجريممد )"المممة"" ،المموطن"،
"الديمقراطية"( لتموه الستغلل الممذي هممو أسمماس سمميطرتها .إن "الزمممن" ،وهممي واحممدة مممن أكممثر
صحف العالم دناءة ،تعلم يومًيا الجماهير الشعبية الفرنسية الوطنيممة والتجممرد .إل أنممه ل يخفممي علممى
أحد أن تجرد "الزمن" يقدر حسب تعرفة عالمية محددة.
إن الفعل الول للسياسة الثورية هو تعرية الوهام البورجوازية الممتي تسمممم عاطفممة الجممماهير
الشعبية .وهذه الوهام تصبح شديدة الضرر حين تختلممط بأفكممار "الشممتراكية" و"الثممورة" .وإن لهجممة
المنظمات العمالية الفرنسية يحددها اليوم أكثر من أي وقت سبق كيميائيو هذا النوع من المزج.
لقد كان للطبعة الولى من هذا الكتاب بعض الثمر علممى تكموين الحمزب الشمميوعي الفرنسممي:
وقد تلقى المؤلف عدة شهادات ل يصعب بعد كل شيء الوقوع على أثرها في "النسممانية ) "(22حممتى
ما الممتي تلممت هممذا التاريممخ ،قممامت المميممة الشمميوعية – بعممد عمدة
عام .1924وخلل الثنى عشر عا ً
تقلبات عصبية – بإعادة نظر جذرية في القيم :ويكفي أن نقول اليوم أن هذا الكتاب يمثل فممي لئحممة
الكتب الممنوعة .إن القادة الحاليين للحزب الشيوعي الفرنسي )أننمما مرغمممون علممى الحفمماظ علممى
هذه التسمية رغم تناقضها التام مع الواقع( ل يتميزون ،بأفكارهم وطرائقهم ،عن كاوتسكي بأي مبممدأ
من المبادئ ،كاوتسكي الذي كتبنا هذا الكتاب ضده :كل ما هنالممك أنهممم أكممثر جهل ً وريمماء إلممى حممد ل
يقاس .أن نوبة الصلحية والوطنية الجديدة التي يعاني منها كاشممان وشممركاؤه تكفممي وحممدها لتممبرير
دا .لكن هناك أسباًبا أخرى جدية أكثر :أسباًبا تمتد جممذورها إلممى الزمممة العميقممة طبع هذا الكتاب مجد ً
السابقة للثورة التي تهز الجمهورية الثالثة.
ما من الغياب ،أن يقضي سنتين في فرنسا ) لقد أمكن لمؤلف هذا الكتاب ،بعد ثمانية عشر عا ً
(1935 – 1933وأن بصفة مراقب قادم من الريف وخاضع ،علوة على ذلك ،لرقابة مشددة .وخلل
هذه الفترة وقع في محافظة أيزير ،التي أتيح للمؤلف أن يقيم فيها ،حادث صممغير مشممابه لكممثير مممن
الحوادث الخرى ،لكنه يمثل في الوقت نفسه مفتاح السياسة الفرنسية كلها .ففممي مصممح عمائد إلممى
"لجنة معامل صهر الحديد" ،سمح عامل لنفسه ،مقيم في المصممح بانتظممار عمليممة خطيممرة ،أن يقممرأ
صحيفة ثورية )وبتعبير أدق :صحيفة "النسانية" التي كان يعتبرها بسذاجة ثورية( .ووجهت الدارة إلى
هذا العامل المتهور ،ثم إلى أربعة مرضى آخرين يشاركونه ميوله ،هذا النذار :أما المتناع عممن تلقممي
منشورات غير مرغوب فيها ،وأما أن يقذف بهم إلى الشارع .ولقمد احتمج المرضمى بمأن هنماك حملمة
دعائية كهنوتية ورجعية مكشوفة في المصح ،لكن احتجاجهم لممم يلممق بممالطبع أذن ًمما صمماغية .لكممن لممما
كانت المسألة مسألة عمال ل يجازفون بمقاعد برلمانية أو كراسي وزارية ،بل يجازفون بكل بساطة
حا :وهكذا طرد خممارج المصممح خمسممة مرضممى كممان أحممدهم بصحتهم وحياتهم ،فإن النذار لم يلق نجا ً
ستجري له عملية في اليوم التالي .وكالنت بلدية مدينممة غرونوبممل آنممذاك اشممتراكية يرأسممها الممدكتور
مارتان ،وهو واحد من أولئك البورجوازيين المحافظين الذين يفرضون على الحزب الشتراكي لهجتممه
والذين يعتبر ليون بلوم ممثلهم الصممادق .وحمماول العمممال المطممرودون أن يحتممموا بالعمممدة .لكممن بل
جدوى :فهو لم يسممتقبلهم رغممم إلحمماحهم ورسممائلهم ووسمماطتهم .فتوجهمموا إلممى الصممحيفة اليسممارية
كا .وعنممدما علممم مممدير المحلية "ل ديبيش" التي يشكل فيها الراديكاليون والشتراكيون كارتل متماسم ً
ضا بات ًمما أن يتممدخل :كممل ممما
الصحيفة بأن المسألة تتعلق بمصح "لجنة معامل صهر الحديد" ،رفض رف ً
تشاؤون ،ما عدا ذلممك .فقممد سممبق لصممحيفة "ل ديممبيش" ،بسممبب هفمموة صممغيرة اقترفتهمما تجمماه تلممك
المنظمة القوية ،إن حرمت من العلن وتعرضت بالتالي إلى خسارة 20.000فرنك .لقد كمان ممدير
الصحيفة وكذلك العمدة يخشيان ،بخلف البروليتاريين ،أن يخسرا شيًئا ما :وهكذا تخليمما عممن معركممة
غير متكافئة ،تاركين العمال بأمعائهم وكلهم المريضة إلى مصيرهم الخاص.
()22الصحيفة الرسمية للحزب الشيوعي الفرنسي) .المترجم(
113
إن العمدة الشتراكي يلقي ،مرة أو مرتين في السبوع ،تممدفعه ذكريممات شممباب غائمممة ،يلقممي
خطاًبا يمتدح فيممه مزايمما الشممتراكية علممى الرأسمممالية ،وأثنمماء النتخابممات ،تممدعم "لديممبيش" العمممدة
وحزبه .أن كل شيء على أحسن ما يرام .وتنظر "لجنة معامل صممهر الحديممد" بتسممامح ليممبرالي إلممى
هذا النوع من الشتراكية الذي ل يلحق أدنى ضرر بالمصالح المادية للرأسمالية .وبعشرين ألف فرنك
ل!( ،يفرض إقطاعيو الصناعة الثقيلة والمصارف سمميطرتهم عملي ًمما ثمن إعلنات سنوًيا )ثمن بخس فع ً
ما ما على جحريدة الكارتل الكبيرة! وليس هذه الجريدة وحدها" :فلجنة معامل صهر الحديد" لديها حت ً
فيه الكفاية من الوسائل ،المباشرة أو غير المباشرة ،لتؤثر على السادة العمد والشيوخ والنمواب بمما
فيهم العمد والشيوخ والنواب الشتراكيون .إن كل فرنسا الرسمية واقعة تحت ديكتاتورية الرأسمممال
المالي .ويشار في قاموس لروس إلى هذا النظام باسم "الجمهورية الديمقراطية".
كان السادة نواب اليسار والصحفيين ،ل في أيزيممر وحممدها بممل فممي جميممع محافظممات فرنسمما،
يعتقدون أن تعايشهم السلمي مع الرجعية لن تكون له من نهاية .وكانوا مخطئين .فالديمقراطية التي
يتآكلها السوس منذ زمن طويل ،شعرت فجأة بفوهة المسدس على صدغها .فكممما أن تسمملح هتلممر –
فا النقاب عن غرور ووهممم وهو فعل مادي فظ – قد سبب ثورة حقيقية في العلقات بين الدول ،كاش ً
ما اصطلح على تسميته بم"الحق الدولي" ،كذلك فإن عصابات الكولونيل لروك المسلحة قممد زرعممت
البلبلة في العلقات الداخليمة فمي فرنسما ،مرغممة جميمع الحمزاب بل اسمتثناء علمى أن تعيمد تنظيمم
نفسها ،وتضيق صفوفها ،وتجمعها من جديد.
لقد كتب فريدريك إنجلممز ذات يمموم أن الدولممة ،بممما فيهمما الجمهوريممة الديمقراطيممة ،ليسممت إل
عصابة مسلحة للدفاع عن الملكيمة .وكمل مما تبقمى ليمس لمه ممن مهممة أل تجميمل همذه الواقعمة أو
ما من هذه الوقاحممة.
تقنيعها .إن المدافعين الفصحاء عن "الحق" من نوع هربو أو بلوم ،قد تقززوا دو ً
لكن هتلر ،شأنه شأن لروك ،قد أثبت من جديد أن أنجلز كان على حق.
سا لمجلس الوزراء بإرادة النتخاب العام المباشر والسممري: في مطلع 1934كان دال دييه رئي ً
كممان يحمممل السمميادة القوميممة فممي جيبممه مممع منممديله .لكممن ممما أن أظهممرت عصممابات لروك ومممورا
وشركائهما جرأتها على إطلق النار وعلى قطع سروج خيول البوليس ،حتى تخلممى دالدييممه وسمميادته
عن مكانهما للسياسة غير المشروعة التي فرضها زعماء هذه العصابات .إن هذه الواقعة أهممم بممما ل
يقاس من جميع الحئايات النتخابية ،ول يمكن محوها من تاريخ فرنسا الحديث ،لنها دليل للمستقبل.
من المؤكد أنه ليس بمقدور أي جماعة مسلحة بالمسدسات أن تغيممر فممي كممل لحظممة التجمماه
السياسي لبلد من البلدان .أن العصابات المسلحة العاملة لحساب طبقات محدودة هي وحممدها الممتي
ما .إن الكولونيل لروك وأنصاره يريممدون أن يسممتتب تستطيع ،في ظروف معينة ،أن تلعب دوًرا حاس ً
"النظممام" ضممد الهممزات .ولممما كممان "النظممام" فممي فرنسمما يعنممي سمميطرة الرأسمممالي المممالي علممى
البورجوازية الصغيرة والوسطى ،وسيطرة مجموع البورجوازية على البروليتاريمما والفئات الجتماعيممة
القريبة منها ،فإن قوات لروك تعدو أن تكون بكل بساطة عصابات مسلحة تابعة للرأسمال المالي.
إن هذه الفكرة ليست بالجديدة .إننا نستطيع أن نجممدها بكممثرة حممتى فممي جريممدتي "الشممعبي"
و"النسانية" ،رغم أنهما ليستا أول من صاغها .غير أن هاتين الجريدتين ل تقممولن إل نصممف الحقيقممة.
والنصف الخر ،الذي ل يقل أهمية هو أن هريو ودالديبه وأنصممارهما يشممكلون وكالممة عاملممة لحسمماب
الرأسمالي المممالي :وإل ممما كممان أمكممن للراديكمماليين أن يكونمموا الحممزب الحمماكم فممي فرنسمما طمموال
عشممرات السممنين .وإذا كنمما ل نريممد أن نلعممب لعبممة السممتغماية ،فمممن الضممروري أن نقممول أن لروك
ودالدييه يعملن عند رب العمل نفسه .وهممذا ل يعنممي ،بممالطبع ،أن هنمماك تممماثل ً كممامل ً بينهممما أو بيممن
طرائقهما .بل على العكس من ذلك .إنهما يتحاربان حرب ًمما طاحنممة ،كممما لممو أنهممما وكالتممان مختصممتان
تملك كل منهما سر النقمماذ .إن دالدييممه يعممد بالحفمماظ علممى النظممام بواسممطة الديمقراطيممة المثلثممة
اللوان عينها .أما لروك فيقممدر أن البرلمانيممة الباليممة يجممب أن تكنممس لحسمماب ديكتاتوريممة عسممكرية
وبوليسية صريحة .إن الطرائق السياسية متناحرة ،لكن المصالح الجتماعية واحدة.
إن انحطاط النظام الرأسمالي ،وأزمته التي ل علج لها ،وتفسممخه ،تشممكل السمماس التمماريخي
للتنمماحر القممائم بيممن لروك ودالدييممه )إننمما نستشممهد بهممذين السمممين وحممدهما حممتى نسممهل عممرض
114
المسألة( .إن الرأسمالية بالرغم من تقدم التكنيك المتواصممل ومممن النتممائج الملموسممة الممتي حققتهمما
بعض الفروع الصناعية ،تعرقل في مجموعها تطور القوى المنتجة ،وهذا ما يؤدي إلى عممدم اسممتقرار
بالغ في العلقات الجتماعية والدوليمة .إن الديمقراطيمة البرلمانيممة وثيقممة الرتبمماط بعصممر المزاحمممة
الحرة وحرية التجارة الدولية .إن البورجوازيممة تسممتطيع أن تسمممح بحممق الضممراب والجتممماع وحريممة
الصحافة ما دامممت القمموى المنتجممة فممي حالممة صممعود مسممتمر ،وممما دامممت السممواق تتسممع ورفاهيممة
الجماهير الشعبية تزداد بالرغم من نطاقها المحممدود ،والمممم الرأسمممالية تسممتطيع أن تعيممش وتممترك
الخرين يعيشون .لكممن الحممال لممم تعممد كممذلك اليمموم .إن العصممر المبريممالي يتميممز ،باسممتثناء التحمماد
السوفياتي ،بجمود وتراجممع فممي الممدخل القممومي ،وبأزمممة زراعيممة مزمنممة ،وبطالممة عضمموية .إن هممذه
الظاهرات الداخلية ملزمة لمرحلة السمالية الراهنة ،كممما أن النقممرس وتصمملب الشممرايين ملزمممان
للفرد عندما يبلغ عمًرا معيًنا .إما أن يريد البعض تفسير الفوضى القتصممادية العالميممة بنتممائج الحممرب
الخيرة ،فهذا دليل علممى عقممل سممطحي إلممى حممد مؤسممس ،كممما هممي حممال كممايو والكممونت سممفورزا
وغيرهما .إن الحرب لم تكن إل محاولة قامت بها البلدان الرأسمالية لتلقي على ظهر الخصممم بعبممء
الزمة القتصادية التي كانت تلوح في الفق منذ ذلممك الحيممن .ولقممد فشمملت المحاولممة .فممالحرب قممد
زادت من تفاقم مظاهر التفسخ الذي سيؤدي تسارعه اللحق إلى حرب جديدة.
ومهما تكن إحصائيات فرنسا القتصادية سيئة ومهملة عن قصد للتناحرات الطبقيممة ،إل أنهمما ل
تستطيع أن تخفي مظاهر التفسخ لجتماعي الواضحة للعيان .فبالتوازي مممع تراجممع الممدخل القممومي،
وتممدهور دخممل الريمف تممدهوًرا مأسماوًيا مريعًمما ،ودمممار صمغار كسمبة المممدن ،وزيممادة البطالمة ،تحقمق
حا طائلممة .إن المشاريع الضخمة التي يتراوح رغم أعمالها السنوي بين 100و 200مليون وأكثر ،أربا ً
الرأسمال المالي ،بكل ما في الكلمممة مممن معنممى ،يمتممص دم الشممعب الفرنسممي .هممذا هممو السمماس
الجتماعي لعقيدة وسياسة "التحاد القومي".
يقيًنا ،من الممكن بل من المحتم أن تخف حدة التفسخ بين فممترة وأخممرى ،لكممن هممذه مسممألة
تظل مشروطة بشكل دقيق بالظروف .أما التجاه العام لعصرنا ،فهو يضع فرنسا ،بعد عدد آخممر مممن
البلدان ،أمام الختيار التالي :إما أن تطيح البروليتاريا بالنظام البورجوازي المتقرح في أساسممه ،وأممما
أن يستبدل الرأسمال الممديموقراطي بالفاشممية للمحافظممة علممى بقممائه .لكممم مممن الزمممن! إن مصممير
موسوليني وهتلر سيجيب على هذا السؤال.
لقد سحب الفاشيون أموال ً من المصارف والتروستات ،بأمر مباشر من البورصة .ومن مواقممع
القيادة هذه نفسها ،طلب إلى دالدييه أن يسلم السلطة إلمى دوميمرغ .وإذا كمان الموزير الراديكمالي،
رئيس الوزارة قد سلم – بالجبن الذي يتميز به الراديكاليون – فهممذا لنممه تعممرف فممي عصممابات لروح
على قوات رب عمله .وبتعبير آخر :إن دالدييه ،المموزير ذا السمميادة ،قممد سمملم السمملطة إلممى دوميممرغ
للسبب نفسه الذي رفض من أجله مدير "لديبيش" وعمدة غرونوبل أن يفضحا القسوة البغيضة التي
بدرت عن عملء "لجنة معامل صهر الحديد".
غير أن النتقال من الديمقراطية إلى الفاشية يجازف بأحداث هزات اجتماعية .ومن هنا كممانت
الترددات والختلفات التكتيكية التي نلحظهمما فممي الممدوائر العليمما مممن البورجوازيممة .إن جميممع أربمماب
المال يؤيدون الستمرار في تقوية العصابات المسلحة التي يمكممن أن تشممكل احتياطي ًمما مطمئن ًمما فممي
ساعة الخطر .لكن ما المكان الذي ينبغي أن يترك لهذه العصابات منذ اليوم؟ هل ينبغي السماح لهمما
بالنتقال إلى الهجوم فوًرا ،أم الحتفاظ بها مؤقًتا كوسيلة تخويف؟ إن هذه وغيرها أسئلة لم يوجد لها
بعد جواب قاطع .إن الرأسمال المالي لم يعد يؤمن أن بمقدور الراديكاليين أن يجروا خلفهم جماهير
البورجوازية الصغيرة ،وأن يبقوا البروليتاريا ،عن طريق ضمغط هممذه الجممماهير ،فممي حممدود النضممباط
"الديموقراطي" ،لكنه ل يؤمن من ناحية أخرى بمأن المنظممات الفاشمية ،المتي مما تمزال تفتقمر إلمى
قاعدة جماهيرية متينة ،قادرة على الستيلء على السلطة وعلى إقامة نظام حديدي.
إن ما جعل زعماء الكواليس يفهمون ضرورة اتخاذ موقف الحذر ،ليس همو البلغمة البرلمانيمة،
بل تمرد العمال ومحاولممة الضممراب الممتي خنقتهمما مممن البدايممة بيروقراطيممة جمموهر ،ثممم الضممطرابات
المحلية )طولون وبريست( .ولقد تنفس الراديكاليون بشيء من الحرية ،بعد أن أوقف الفاشيون عند
حدهم بعض الشيء .واكتشفت "الزمن" من جديد ،بعد أن كانت قد وجدت الوسيلة في سلسلة مممن
115
المقالت لتمد يدها وقلبها إلمى "الجيمل الجديمد" ،اكتشمفت مزايما النظمام الليمبرالي ،المتناسمب فمي
نظرها مع العبقرية الفرنسية .وهكذا قام نظام غير مستقر ،مؤقت ،غير شممرعي ،يتناسممب مممع أفممول
الجمهورية الثالثة ل مع عبقرية فرنسا .إن أوضمح مما فمي همذا النظمام ملمحمه البونابرتيممة .اسمتقلل
الحكومة عن الحزاب والبرنامج ،وتصفية السلطة التشريعية بواسممطة الصملحيات المطلقممة ،باعتبممار
أن الحكومة تقف فوق الحمزاب المتنماحرة ،أي فمي الواقمع فموق الممة ،لتلعمب دور "الحكمم" .وقمد
عزفممت المموزارات الثلث ،دوميممرغ ،وفلنممدان ولفممال ،بمسمماهمة الراديكمماليين المهممانين المممورطين،
دا على ثلثة إيقاعات.
عزفت لحًنا واح ً
وحين تشكلت وزارة سارو ،صرح ليون بلوم الذي تمتد بصيرته إلى بعدين بممدل ً مممن ثلثممة" :إن
الثار المتبقية من 6شباط قد تبددت على الصعيد البرلماني" )"الشعبي" 2شممباط .(1936هممذا ممما
يسمى رسم شبح عربة بشبح فرشاة! كما لو أنه بالمكان حذف ضممغط العصممابات المسمملحة التابعممة
للرأسمال المالي ،على "الصعيد البرلماني"! وكما لو أن باستطاعة سارو أل يحس بهممذا الضممغط وأل
يرتعممد أمممامه! والواقممع أن حكومممة سمارو – فلنممدان هممي مجممرد فممرع مممن تلممك "البونابرتيممة" نصممف
ضما التهمام بمأنه
البرلمانية ،وإن كانت تميل بعض الشيء إلى "اليسار" .ولقد أجاب سارو بنفسه ،داح ً
اتخذ تدابير تعسفية ،أجاب على ذلك بصورة برلمانية خالصة" :إذا كانت تدابيري تعسفية ،فهممذا لننممي
ما" .إن هذه الحكمة ما كانت لتكون مستغربة في فممم نممابليون الثممالث .إن سممارو ل أريد أن أكون حك ً
يشعر بأنه مفوض حزب معين أو كتلة من الحزاب للسلطة ،كما تنص على ذلك قواعد البرلمانية ،بل
بأنه حكم فوق الطبقات والحزاب كما تنص على ذلك قوانين البونابرتية.
إن تفاقم الصراع الطبقي ،ودخول عصابات الرجعية المسلحة إلى المسرح بصممورة خاصممة لممم
ينال من ثورية المنظممات العماليمة .ولقمد رأى الحمزب الشمتراكي ،المذي كمان يلعمب باطمئنمان دور
ما على التخلي نصف تخل عن تقاليممده الدولب الخامس في عجلة الجمهورية الثالثة ،رأى نفسه مرغ ً
الكارتلية ،بل حتى على قطع الصلة بجناحه اليمينمي .وفمي الموقت نفسمه حقمق الشميوعيون التطمور
المعاكس ،لكن على نطاق أوسع بكثير .لقممد حلممم هممؤلء السممادة طمموال سممنوات بالمتمماريس ،وغممزو
الشوارع ،إلخ) ..لكن هذا الحلم كانه له طابع أدبي( .وبعد السممادس مممن شممباط ،عنممدما أدرك أنصممار
المتاريس أن المسألة جدية ،ألقوا بأنفسهم إلى اليميممن .وكممان هممذا رد فعممل تلقائي ًمما بممدر عممن هممؤلء
قا بصورة مذهلة للتجاه الجديد في الدبلوماسية السوفياتية. اللفظيين المتخوفين ،وجاء مطاب ً
لقد تحولت سياسة الكرملين نحو فرنسا ،أممام الخطمر المذي تمثلمه ألمانيما الهتلريمة .الحفماظ
على الوضع القائم في العلقات الدولية! الحفاظ على الوضع القائم فممي نظممام فرنسمما الممداخلي! إن
الوساط الحاكمة في الكرملين ل تتكلم إل بازدراء عن الشيوعية الفرنسية .ينبغي إذن الحتفمماظ بممما
هو موجود منًعا لوجود ما هو أسوأ منه .وما دامممت الديمقراطيممة البرلمانيممة فممي فرنسمما غيممر ممكنممة
بدون الراديكاليين ،فلنعمل على أن يدعمهم الشتراكيون ،ولنأمر الشيوعيين بأل يحرجوا كتلة بلمموم –
ضا في التكتل إذا كان ذلك ممكًنا! ل هزات ،ول تهديدات! هممذه هممي سياسممة هريو .بل لندخلهم هم أي ً
الكرملين.
حين يتخلى ستالين عن الثورة العالمية ،فإن الحزاب البورجوازية الفرنسية ل تريد أن تصدقه.
وإنها لمخطئة! فالثقة العمياء في السياسة ليست بالطبع فضيلة سامية .لكن الريبة العمياء بالمقابممل
ليست خيًرا من الثقة العمياء .إن علينما أن نعمرف كيمف نمواجه الكلم بالفعمال ونميمز التجماه العمام
للتطور خلل عممدة سممنوات .وإن سياسممة سممتالين ،الممتي تحممددها ،مصممالح البيروقراطيممة السمموفياتية
المتمتعة بالمتيازات ،قد أصبحت في جوهرها سياسممة محافظممة .إن البورجوازيممة الفرنسممية لهمما كممل
السباب للثقة بستالين ،والبروليتاريا الفرنسية لها كل السباب لتكون مرتابة.
فا جديًرا
في مؤتمر الوحدة في تولوز ،عرف "الشيوعي" راكامون سياسة الجبهة الشعبية تعري ً
بالنتقال إلى الجيال القادمة" :كيف نتغلب على خجل الحزب الراديكالي؟" .كيف نتغلب على خمموف
البورجوازية من البروليتاريا؟ المر بسيط للغاية :إن على الثوريين المخيفين أن يرموا السممكين الممتي
يشدون عليها بيممن أسممنانهم ،وأن يطلمموا شممعورهم ،وأن يبتسممموا ابتسممامة سمماحرة كابتسممامة نسمماء
ما آخر موضة .وإن على بلمموم أن يغيممر مممرة الحريم :وسيكون مثالهم فايان – كونيرييه الذي يتبنى دو ً
أخرى اتجاهه تحت ضغط "الشيوعيين" المطليي الشعور والوجوه ،والذين يدفعون بكممل قممواهم إلممى
116
اليمين بالشتراكيين الذين يتطورون إلى اليسار .ولقد فعل ذلك ،لحسن الحظ ،فممي التجمماه المعتمماد.
وهكذا تشكلت الجبهة الشعبية :شركة تأمين الراديكاليين المفلسين على حساب رأسمال المنظمات
العمالية.
إن الراديكاليممة ل تنفصممل عممن الماسممونية .وهممذا جمموهر كممل ممما يمكممن أن يقممال .وفممي أثنمماء
المناقشات التي دارت في مجلس النواب حول الجمعيات الماسونية ،قام السمميد كسممافيه فممال يممذكر
بأن تروتسكي كان قد منع ،في زمن معين ،الشيوعيين من النتماء إلى المجمامع الماسمونية .وأسمرع
السيد جامي شميدت ،الذي يبدو أنه خبير في هذا الموضمموع ،ليفسممر هممذا المنممع بتنمماقض البولشممفية
الستبدادية مع "روح الحرية" .إننا ل نرى ضرورة للدخول في جدال حمول همذا الموضموع ممع النمائب
الراديكالي .لكننا ما نزال نرى إلى اليوم أن الممثل العمالي الذي يذهب للبحث عن إلهممامه أو عممزائه
في الدين الماسوني الرث القائم على التعاون الطبقي ،لهو غير جدير بالثقة البتة .وليممس مممن قبيممل
الصدفة أن يكون "الكارتل" قد اكتمل بمساهمة الشتراكيين الواسعة في المحافل الماسممونية .لكممن
قد آن الوان ليقوم الشيوعيون التائبون بربط المئزر بأنفسهم .وسمميكون مممن السممهل علممى الرفمماق
الذين صاروا من المريدين حديًثا أن يخدموا أرباب الكارتل المسنين وهم يرتدون مآزرهم.
يقولون لنا باستنكار أن الجبهة الشعبية ليست كارتل ،بل حركممة جماهيريممة .يقين ًمما أن التعمماريف
مما عرقلممة حركممة الفخمة موفورة ،لكنها ل تبدل من واقممع المممور شميًئا .لقمد كمان همدف الكارتمل دو ً
الجماهير بتوجيهها نحو التعاون الطبقي .وهذا هو على وجه التحديممد هممدف الجبهممة الشممعبية .والفممرق
بينهما – وهو فرق كبير – أن الكارتل التقليدي قد طبق في عصور استقرار وهدوء النظام البرلممماني.
لكن اليوم ،بعد أن نفد صبر الجماهير وأصبحت مستعدة للنفجممار ،أصممبح ل بممد مممن لجممام أمتممن عممن
طريممق مسمماهمة "الشمميوعيين" .إن الجتماعممات المشممتركة ،والمممواكب البهيممة ،والوعممود واليمممان
الغليظة ،واتحاد علم الكوميونة بعلم فرساي ،والديماغوجية ،أن هذا كله ليس له إل هدف واحد :لجممم
الحركة الجماهيرية وضرب معنوياتها.
وقد صرح سارو في البرلمان ،كي يممبرر نفسممه أمممام اليمنييممن ،بممأن تنممازلته غيممر الضمارة إزاء
الجبهة الشعبية ل تعدو أن تكون صمام أمان النظام .إن مثل هممذه الصممراحة قممد تبممدو متهممورة .لكممن
اليسار المتطرف غطاها بالتصفيق .إذن لم يكن لدى سارو أي داع للحرج .وعلى كل حال فقممد نجممح،
عن دون قصد من الجائز ،في تعريف الجبهة الشعبية :صمام أمان ضد الحركممة الجماهيريممة .والسمميد
سارو موفق ،بصورة عامة ،في صياغة الحكم!
إن السياسة الخارجية هي استمرار السياسة الداخلية .ولقد تبنممى بلمموم وكاشمان وشممركاؤهما،
ما عن وجهة نظر البروليتاريا ،تبنوا تحت قناع "المن الجماعي" و"الحممق الممدولي" – بعد أن تخلوا تما ً
وجهة نظر المبريالية الوطنية .أنهم يعدون العدة لنفس سياسة التنممازل والتهمماون الممتي اتبعوهمما بيممن
1914و ،1918مضيفين إليها هذه العبارة فقط" :من أجل الدفاع عن التحمماد السمموفياتي" .غيممر أن
الدبلوماسممية السمموفياتية عنممدما رأت نفسممها بيممن 1918و 1923مرغمممة فممي غممالب الحيممان علممى
المناورة وعلى عقد التفاقات ،لم يخطر ببال شعبة واحدة من شعب الممية الشيوعية أنها تسممتطيع
أن تتكتل مع بورجوازيتها! أليس هذا وحده دليل ً كافًيا على صدق ستالين عندما ينكر الثورة العالمية؟
وللممدوافع نفسممها الممتي دفعممت بالقممادة الحمماليين للمميممة الشمميوعية إلممى التعلممق بثممدي
"الديمقراطية" في مرحلة احتضارها ،اكتشف هؤلء الوجه المشع لم"عصبة المم" مع أنها تشكو مممن
البداية من غصة الموت .وهكذا وجدت خلفية مشتركة للسياسة الخارجيمة بيمن الراديكماليين والتحماد
السوفياتي .إن المنهاج الداخلي للجبهة الشعبية تجميع لفكار معروفة مبتذلممة تطلممق حريممة التفسممير
ما كما يطلقها ميثاق جنيف .إن المعنى العام للمنهاج هممو مما يلممي :ل تغييممر .والحممال أن الجمماهير
تما ً
تريد التغيير وإنما ههنا يكمن لب الزمة السياسية.
إن بلوم وبول فور وكاشان وتوريز ،بتجريدهم البروليتاريا ممن أسملحتها سياسمًيا ،إنممما يهتممون
قبل كل شيء بمنعها من التسلح مادًيا .إن دعاية هؤلء السادة ل تتميممز عممن المممواعظ الدينيممة حممول
سمو المبادئ الخلقية .إن إنجلز الذي كان يعلممم أن السممتيلء علممى سمملطة الدولممة هممو مسممألة مممن
اختصاص العصابات المسلحة ،وماركس الذي كان يعتبر التمرد فًنا ،يبدو أن للنواب والشمميوخ والعمممد
117
ما
الحاليين في الجبهة الشعبية ،كمتوحشين من العصور الوسطى .لقد نشرت "الزمن" مئة مرة رسمم ً
يصور عامل ً منزوع السلح مع هذه الخرافة" :إنكم ستفهمون أن قبضاتنا العاريممة أقمموى مممن عصمميكم
كافة" .يا له من ازدراء عظيم بالتكنيك العسكري! إن إمبراطور الحبشة نفسه له وجهممات نظممر أكممثر
ما في هذا الموضوع .إن أولئك الناس ل يعترفون بوجود انقلبممات فممي إيطاليمما وألمانيمما والنمسمما. تقد ً
فهل سيكفون عن التغني بم"القبضات العارية" ،عندما سيقيد لروك أياديهم بممالغلل البوليسممية؟ أننمما
لنأسف تقريًبا على أنه ل يمكن تطممبيق هممذه التجربممة علممى السممادة الزعممماء وحممدهم ،دون أن تتممألم
الجماهير نتيجة ذلك!
إن الجبهة الشعبية تبدو ،إذا ما نظرنا إليها من زاوية النظام البورجوازي ،مرحلة فممي التنممافس
بين الراديكالية والفاشية لجذب انتباه وصدقات الرأسمممال الكممبير .إن الراديكمماليين ،بتممآخيهم بصممورة
ضمما إلممى
مسرحية مع الشتراكيين والشيوعيين ،يريدون أن يظهروا لرب العمل أن النظممام ليممس مري ً
الحد الذي يزعمه اليمينيون ،وأن خطر الثورة مبممالغ فيممه ،وإن فايممان – كمموتيرييه نفسممه قممد اسممتبدل
سكينه بعقد للزينة ،وأنه يمكن عن طريق "الثوريين" المروضين ضممبط الجممماهير العماليممة ،وبالتممالي
إنقاذ النظام البرلماني من النهيار.
ذا ،وعلى رأسهم هريممو، غير أن الراديكاليين كافة ل يؤمنون بهذه المناورة .فأكثرهم جدية ونفو ً
يفضلون تبني موقف النتظار .لكنهم أنفسهم ل يستطيعون بعد كل شيء أن يقممترحوا شمميًئا آخممر .إن
أزمة البرلمانية هي قبل كل شيء أزمة ثقة الناخب تجاه الراديكالية.
وما لم تكتشف الوسيلة لتجديد شباب الرأسمالية ،فلن تكمون هنماك ممن صمفة لنقماذ الحمزب
حا نسبًيا فممي
الراديكالي .إن هذا الحزب ل يملك الخيار إل بين مختلف أنواع الموت السياسي .إن نجا ً
النتخابات القادمة لن يمنع بل لن يؤخر طويل ً انهياره.
جمما فممي
إن زعممماء الحممزب الشممتراكي ،وأكممثر سياسمميي فرنسمما ل مبممالة ،ل يجممدون إحرا ً
دا من مونولوجات ليون سوسيولوجية الجبهة الشعبية :فما من إنسان يستطيع أن يستخلص شيًئا مفي ً
بلوم الل متناهية الطول .أما الشيوعيون الممذين يشممعرون بفخممر بممالغ لنهممم بممادهوا إلممى التعمماون مممع
البورجوازية ،فإنهم يصورون الجبهة الشعبية على أنها تحالف البروليتاريا مع الطبقات المتوسممطة .يمما
له من تقليد للماركسية! كل ،إن الحزب الراديكالي ليس حزب البورجوازية الصممغيرة .كممما أنممه ليممس
"تكتممل البورجوازيممة الصممغيرة والمتوسممطة" ،حسممب تعريممف "البرافممدا" المفضمموح .فالبورجوازيممة
المتوسطة ل تسممتغل البورجوازيممة الصممغيرة علممى الصممعيد القتصممادي كممما علممى الصممعيد السياسممي
فحسب ،بل أنها نفسها وكالة للرأسمال المالي .وأن تسمية العلقات السياسية المتسلسمملة القائمممة
على الستغلل بلفظة "تكتل" الحيادية ،لهي سخرية من الواقع .إن الفممارس ليممس تكتل ً بيممن الرجممل
والحصان .وإذا كان لحزب هريو ودالدييه جذوره في الجماهير البورجوازيممة الصممغيرة ،بممل حممتى فممي
الوساط العمالية إلى حد ما ،فهذا فقط بهدف خداعها لحساب النظممام الرأسمممالي .إن الراديكمماليين
هم حزب المبريالية الفرنسية الديموقراطي .وكل تعريف آخر مخاتلة.
إن أزمة النظممام الرأسمممالي تنممزع مممن الراديكمماليين سمملحهم ،بتجريممدها إيمماهم مممن الوسممائل
التقليدية التي تسمح لهم بتخدير البورجوازية الصغيرة .لقد بمدأت "الطبقمات المتوسمطة" تشمعر ،إن
لم نقل تفهم ،أن الموقف لن ينقذ بإصلحات بائسة وأنه أصبح ممن الضمروري القيمام بإصملح جريمء
على النظام الحالي .إن الفاشية تتغذى قبل كل شيء من الريبة المتزايدة للبورجوازية الصممغيرة إزاء
الراديكالية .ويمكننا أن نقول بدون مبالغة أن مصير فرنسا السياسي لن يتأخر في أن يتقرر إلممى حممد
كبير حسب الطريقة التي ستصفى بها الراديكالية ،وحسب الحزب الذي سيخلفها :الفاشممية أو حممزب
البروليتاريا ،أي حسب تأثيرها على الجماهير البورجوازية الصغيرة.
إن أحد المبادئ الولية في الستراتيجية الماركسية هو أن تحالف البروليتاريا مع صممغار النمماس
في الممدن والريماف ينبغمي أن يتحقمق فقممط فمي النضمال العنيممد ضمد التمثيممل البرلمماني التقليمدي
للبورجوازيممة الصممغيرة .فلكممي نكسممب الفلح إلممى جممانب العامممل ،ينبغممي أن نفصممله عممن السياسممي
الراديكالي الذي يستعبده لصالح الرأسمال المالي .وبعكس ذلك ،تعمممل الجبهممة الشممعبية ،الممتي هممي
118
وليدة تآمر البيروقراطية العمالية مع أبشممع المسممتغلين السياسمميين للطبقممات الوسممطى ،علممى قتممل
إيمان الجماهير في الطرائق الثورية وعلى قذفها في أحضان الثورة المضادة الفاشية.
ومهما كان من الصعب أن نصدق ،إل أن بعض الوقحين يحاولون فعل ً أن يبرروا سياسة الجبهة
الشعبية بالستشهاد بلينين الذي بيممن علممى ممما يبممدو أنممه ل يمكممن السممتغناء عممن "الحلممول الوسممط"
وبخاصة عن التفاقات مع الحزاب الخرى .إن إهانة لينين قممد أصممبحت قاعممدة بالنسممبة إلممى زعممماء
الممية الشيوعية اليوم .إنهممم يدوسممون علممى مممذهب مؤسممس الحممزب البولشممفي ثممم يممذهبون إلممى
موسكو لينحنوا أمام ضريحه.
لقد بدأ لينين مهمته في روسمميا القيصممرية الممتي لممم يكممن العمممال والفلحممون والمثقفممون هممم
ضمما أوسمماط بورجوازيممة واسممعة .وإذا كممان يمكممن
وحدهم الذين يحاربون فيهمما النظممام القممديم ،بممل أي ً
لسياسة الجبهة الشعبية أن تكون مبررة بصورة عامة ،فهذا أمر معقول قبل كممل شمميء فممي بلممد لممم
ينجز بعد ثورته البورجوازية .فليتفضل السادة المزورون بأن يدلونا في أي مرحلة وفي أي زمن وفي
أي ظروف حقق الحزب البولشفي فمي روسميا تكتل ً يشمبه تكتمل الجبهمة الشمعبية؟ فليمأمروا سمحايا
أدمغتهم بالعمل ولينقبوا في الوثائق التاريخية!
لقد عقد البلشفة اتفاقات ذات طابع عملي مع المنظمات الثوريممة البورجوازيممة الصممغيرة مممن
أجل التداول السري المشمترك للكتابمات الثوريممة ،وأحياًنما ممن أجمل تنظيممم مشمترك لمظمماهرة فممي
الشارع أو للرد على العصابات السافكة للدم .وأثناء انتخابات الدوما ،لجؤوا فممي بعممض الممدوائر وفممي
الدرجة الثانية إلى تكتلت انتخابية مع المنشفيك أو الشتراكيين الثوريين هذا كممل شمميء .ل "برامممج"
مشتركة ،ول أجهزة دائمممة ،ول اسمتنكاف عممن انتقماد حلفماء المرحلممة .إن همذا النموع مممن التفاقمات
والحلول الوسط العارضة ،المحددة بأهداف معينة – لم يكن لينين ليهتم إل بهذه الهممداف – ل علقممة
ممما بيممن طبقممات شممتى
فمما دائ ً
له بالجبهة الشعبية التي تمثل كتلة مؤلفة من منظمممات متنممافرة ،وتحال ً
تربطها طوال مرحلة كاملة – وأي مرحلة! – سياسة وبرنامج مشتركان ،سياسممة اسممتعراض وتطبيممل
وذر رماد في العيون .إن الجبهة الشعبية ستتحطم عند أول امتحمان جمدي ،وسمتظهر شمقوق عميقممة
بين أجزائها المكونة لها .إن سياسة الجبهة الشعبية سياسة خيانة.
إن قاعدة البولشفية فيما يتعلق بالتكتلت هي التاليممة :السممير علممى حممدة ،والضممرب معًمما! وإن
قاعدة زعماء الممية الشيوعية اليومي هي التالية :السير مًعا لنتلقى الضممربة علممى حممده .فليتشممبث
هؤلء السادة بستالين وديمتروف ،لكن فليتركوا لينين في سلم.
إنه ليستحيل أل يعصف بنا الستنكار حين نقرأ تصريحات الزعماء المتبجحين الذين يزعمون أن
الجبهممة الشممعبية "أنقممذت" فرنسمما مممن الفاشممية .وفممي الواقممع هممذا يعنممي بكممل بسمماطة أن أبطالنمما
المذعورين قد أنقذوا أنفسهم من ذعممر أكممبر عممن طريممق تبممادلهم التشممجيع .لكممم مممن الزمممن؟ لقممد
انقضت عشر سنين ،بين تمرد هتلر الول ووصوله إلى السمملطة ،تميممزت بتنمماوب المممد والجممزر .لقممد
أعلن اللمان ممن هم على شاكلة بلوم وكاشان عدة مرات "انتصارهم" على الوطنية – الشممتراكية.
إننا لم نصدقهم ولقد كنا علممى صممواب إل أن هممذه التجربممة لممم تعلممم شمميًئا أبنمماء عممم ويلممز وتايلمممان
الفرنسمميين .يقين ًمما أن الشمميوعيين فممي ألمانيمما لممم يسمماهموا فممي الجبهممة الشممعبية الممتي كممانت تضممم
الشتراكية – الديمقراطية وبورجوازية اليسار والوسط الكاثوليكي "تحالف البروليتاريمما مممع الطبقممات
المتوسطة!"( .وفي ذلك الحين ،كانت الممية الشيوعية ترفض حتى اتفاقات القتال بيممن المنظمممات
العمالية ضد الفاشية .والنتائج معروفة .إن مودتنا الحممارة تجماه تايلممان ،باعتبمماره أسممير الجلديمن ،ل
يمكن أن تمنعنا من القول أن سياسته ،أي سياسة ستالين ،قد ساهمت فممي انتصممار هتلممر أكممثر مممما
ساهمت سياسة هتلر نفسه .إن الممية الشيوعية تطبق اليموم فمي فرنسما ،بعمد أن بمدلت قميصمها،
قمما
السياسة المعروفة بما فيه الكفاية عن الشتراكية – الديمقراطيممة اللمانيممة .فهممل مممن الصممعب ح ً
التنبؤ بنتائج ذلك؟
إن النتخابات البرلمانية القادمة لن تأتي ،مهما كانت نتيجتها ،من تلقاء نفسمها ،بتغيمرات جديمة
في الموقف :فالمطلوب في نهاية المر من الناخبين أن يختاروا بين حكم من نوع لفممال وحكممم مممن
119
نوع هريو – دالدييه .لكن لما كان هرير قد تعاون باطمئنان مع لفال ،ودالدييممه قمد أيمد الثنيمن ،فمإن
الختلف الذي يفرق بينهم يبدو تافًها إذا ما قيس على صعيد المشكلت التاريخية المطروحة.
إن العتقاد بأن هريو دالدييه قممادران علممى إعلن الحممرب علممى "المئتممي أسممرة" الممتي تحكممم
فرنسا ،خداع وقح للشعب .إن المئتممي أسممرة ليسممت معلقممة بيممن السممماء والرض ،بممل هممي تشممكل
التتويج العضوي لنظام الرأسمال المالي .فللتغلب علممى المئتممي أسممرة ،ل بممد مممن التطويممح بالنظممام
صا على بقممائه مممن تممارديو ولروك .إن المسممألة القتصادي والسياسي الذي ل يقل هريو ودالدييه حر ً
ليسممت مسممألة نضممال "المممة" ضممد بعممض القطمماعيين ،كممما تزعممم "النسممانية" ،بممل مسممألة نضممال
البروليتاريا ضد البورجوازية ،مسألة النضال الطبقي التي ل يمكن أن تحسممم إل بممالثورة .إن مممؤامرة
قادة الجبهة الشعبية ضد العمال قد أصبحت العقبة الرئيسية في هذا الطريق.
ما كم مممن الزمممن ستسممتمر الحكومممات نصممف البرلمانيممة ونصممف إننا ل نستطيع أن نقول مقد ً
البونابرتية في التتابع على فرنسا ،ول أن نحدد المراحل التي ستمر فيهمما البلد خلل الحقبممة الزمنيممة
القادمة .إن هذا أمر يتعلق بمجموع الظروف القتصادية القومية والعالمية ،وبالجو الممدولي ،وبالوضممع
في التحاد السوفياتي ،وبدرجة استقرار الفاشية اليطاليممة واللمانيممة ،وبسمير الحممداث فممي أسممبانيا،
وأخيًرا – وليس هذا العامل القل أهمية – بتبصر ونشاط العناصر المتقدمة من البروليتاريا الفرنسية.
إن تشنجات الفرنك يمكن أن تعجل بالنهاية .لكن تعاوًنا أوثق بين فرنسا وإنكلترا قادر علممى تأخيرهمما.
على كل الحوال ،أن احتضار "الديمقراطية" يمكن أن يدوم في فرنسا أكثر بكثير مما دامت المرحلة
الممهدة للفاشية في ألمانيا أيام برونينغ – بابن – شليدر .لكنه لن يكممف عممن أن يكممون احتضمماًرا .إن
الديمقراطية ستكنس .والمسألة الوحيدة هي معرفة من سيكنسها.
إن النضال ضد "المئتي أسرة" ،ضممد الفاشممية والحممرب – ومممن أجممل السمملم والخممبز والحريممة
وغيرها من الشياء الجميلة – إممما أن يكممون خدعممة ،وإممما أن يكممون نضممال ً للطاحممة بالرأسمممالية .إن
مشكلة الستيلء الثوري على السلطة تطممرح نفسممها علممى الشممغيلة الفرنسمميين ل كهممدف بعيممد ،بممل
كمهمة من مهام المرحلة التي بدأت .والحال أن القادة الشتراكيين والشيوعيين ل يرفضممون القممدام
ضمما بكممل قممواهم .إنهممم يطمماردون
على تعبئة البروليتاريا ثورًيا فحسب ،بممل يعارضممون هممذه التعممبئة أي ً
ويطردون البلشفة ،في الوقت نفسه الذي يتمآخون فيمه ممع البورجوازيمة .إلمى همذا الحمد بلمغ عنمف
كراهيتهم للثورة والخوف الذي توحي به إليهم! وأن أسوأ الدوار ،في هممذا الموقممف ،يلعبممه الثوريممون
المزعومون من طراز مارسممو بيفيممر الممذين يعممدون بالطاحممة بالبورجوازيممة ،لكممن بشممرط أخممذ الذن
قا من ليون بلوم! مسب ً
وإن الرغبة في التنبؤ فيما إذا كمانت الحمداث سمتترك "مما فيمه الكفايمة" ممن الموقت لتكموين
ممما وجممدًبا .إن مصممادر التاريممخ فيممما يتعلممق الحزب الجديد ،إنما تعني الستسمملم لكممثر المشمماغل عق ً
بالمكانيات المتنوعة والشمكال النتقاليمة ،والمراحمل ،والسمراع والبطماء ،ذات معيمن ل ينضمب .إن
قا لوانه فتلحق بها الهزيمة. ما ساب ً الفاشية تستطيع ،تحت ضغط المصاعب القتصادية ،أن تشن هجو ً
ما فترة راحة وركون .وعلى العكس من ذلك ،تسممتطيع بممدافع الحممذر أن تتبنممى لمممدة وستتلو ذلك حت ً
صا جديدة للمنظمات الثورية .إن الجبهة الشعبية قد تتحطممم ً فر بالتالي فتقدم النتظار، طويلة موقف
على صخرة هذه التناقضات قبل أن تصبح الفاشية قادرة على شن هجوم عام :وستكون نتيجممة ذلممك
مرحلة تجمعات وانشقاقات في الحزاب العمالية ،وتبلور سريع لطليعة ثوريممة .إن حركممات الجممماهير
عا كممبيًرا وتخلممق نقطممة ارتكمماز التلقائية تستطيع ،كما بينت أحداث طولممون وبريسممت ،أن تأخممذ اتسمما ً
موثوقة للرافعة الثورية .وأخيًرا ،وحتى لو انتصرت الفاشية في فرنسا ،وهممذا ليممس مسممتحيل ً نظري ًمما،
فإن هذا ل يعني أن الفاشية ستظل في السلطة ألف سنة كما يعلممن ذلممك هتلممر ،أو أن هممذا النتصممار
سيضمن لها فترة كتلك التي نالها موسوليني .وإذا كان فجر الفاشممية قممد بممدأ فممي إيطاليمما أو ألمانيمما،
فإنه لن يتأخر عن المتداد إلى فرنسا .وعلى هذا الساس ،وعلى أسمموأ الفرضمميات ،فممإن بنمماء حممزب
ثوري يعني التعجيل بساعة الثأر .إن الحكماء الذين يتخلصون ممن همذه المهممة العاجلممة بزعمهممم أن
"الشروط ليست ناضجة" ل يفعلون شيًئا عدا أنهم يثبتون أنهم هم أنفسهم غير ناضجين.
120
إن على الماركسيين الفرنسمميين ،شممأنهم شممأن ماركسمميي جميممع البلممدان ،أن يعمماودوا العمممل
بمعنممى ممما مممن جديممد ،لكممن علممى مسممتوى تمماريخي أرفممع بكممثير مممن سممابقيهم .إن سممقوط المميممة
الشيوعية ،الشد خزًيا من سقوط الشتراكية – الديمقراطيممة عممام ،1914يحممرج كممثيًرا التقممدم إلممى
المام في البداية .إن تجميع الطر الجديدة يتم ببطء خلل نضال الطبقة العاملة القاسممي ضممد جبهممة
البيروقراطية الرجعية والوطنية الموحدة .كما أن هذه المصمماعب الممتي لمم تسممقط علمى البروليتاريما
بعامل الصدفة تشكل ،من ناحية أخرى ،عامل ً ها ً
ما فممي اختيممار الصممائب والختيممار الموثمموق للكتممائب
الولى من الحزب الجديد والممية الجديدة.
ما صغيًرا للغاية من أطر الممية الشيوعية كان قد بدأ تثقيفه الثوري في بداية الحممرب، إن قس ً
قبل ثورة تشرين الول .وهؤلء جميًعا ،بدون استثناء تقريًبا ،موجودون حالًيا خارج الممية الثالثة .وأن
الصف الثاني قد انتمى إلى ثورة تشرين الول بعد أن كانت هذه قد انتصرت :هذا كممان أسممهل .لكممن
لم يبق أحد تقريًبا ممن همذا الصمف الثماني نفسمه .وأن القسمم العظمم ممن الطمر الراهنمة للمميمة
الشيوعية لم يتم إلى البرنامج البولشفي ،ول إلى الراية الثورية ،بممل إلممى البيروقراطيممة السمموفياتية.
إنهم ليسوا بمناضلين ،بل مجرد موظفين وديعين ومسمماعدين وخممدم .ومممن هنمما كممان تفسممخ المميممة
الثالثة بصورة غير مجيدة البتة في موقف تاريخي غني بإمكانيات ثورية عظيمة.
إن الممية الرابعة تتسلق على أكتاف المميات الثلث المتقدمممة عليهمما .إنهمما تتلقممى الضممربات
من المام ومن الجنب ومن الخلف .وليس من عمل فممي صممفوفها للوصمموليين والجبنمماء والمحممدودي
ما في البداية ،من المتعصبين والمغامرين سيختفي كلما نمت الحركة .ولنترك ما ،محت ً
الفق .وأن قس ً
فا "صممغيرة" وتمموجه الدعياء والمتشككين يهزوا أكتافهم إزاء المنظمات "الصغيرة" الممتي تصممدر صممح ً
التحديات إلى العالم أجمع .إن الثوريين الجممادين سمميمرون بهممم بممازدراء .إن ثممورة تشممرين الول قممد
ضا بالسير في حذاء طفل. بدأت هي أي ً
إن الحزاب الروسية الشتراكية – الثورية والمنشفيكية القوية قد شكلت ،طوال شهور" ،جبهة
شعبية" مع الكماديت ،ثمم تلشمت هبماء تحمت ضمربات "حفنمة ممن متعصمبي" البولشمفية وقمد لقمت
الشممتراكية – الديمقراطيممة اللمانيممة ،والحممزب الشمميوعي اللممماني ،والشممتراكية – الديمقراطيممة
النمساوية ،لقت الموت بممدون مجممد تحممت ضممربات الفاشممية .إن العصممر الممذي سمميبدأ بالنسممبة إلممى
النسانية الوروبية لن يترك أثًرا في الحركة العمالية من كل ما هو ملتبس ومتقرح .إن جميع من هم
حا .إن شمعب على شاكلة جموهر وسميترين وبلموم وكاشمان وقمائد رفيلمك وكابماليرو ،ليسموا إل أشمبا ً
ممما
ً وعظي دا
ً م جدي المميتين الثانية والثالثة ستغادر المسرح الواحدة تلو الخرى بدون ضجة .إن تجميعًمما
ممما .إن النصممر ليممس ممما ود ً
ما .إن الطر الثورية الجديدة ستكتسب لح ً للصفوف العمالية قد أصبح محت ً
عا عنها.
ً دفا الكتاب هذا كتب التي البولشفية ممكًنا إل على أساس الطرائق
ل .تروتسكي
28آذار 1936
121
3م مقدمة الطبعة النكليزية الثانية 10كانون الثاني 1935
"مقتطفات"
كتب هذا الكتاب عام ،1920في عربة قطممار عسممكري ،أثنمماء أوج الحممرب الهليممة .وأن علممى
القارئ أل يغفل عن ذلك إذا كان يريد أن يكون فكرة دقيقة ل عممن المحتمموى الساسممي للكتمماب ،بممل
ضا عن الشارة إلى أحداث العصر وبخاصة اللهجة.
أي ً
إنه موجه ،تحت شكل الجدال ،ضد كارل كاوتسكي .إن هذا السم ل يقممول شمميًئا كممثيًرا للجيممل
الجديد ،رغم أن كاوتسكي ما يزال معاصرنا :فهو قد احتفممل مممؤخًرا بعيممد ميلده الثمممانين .لقممد تمتممع
كاوتسكي بنفوذ كبير في حضن المميممة الثانيممة ،باعتبمماره الشممارح النظممري للماركسممية .ولقممد بينممت
الحرب بسرعة أن ماركسيته هي مجرد طريقة للتفسير السلبي للصمميرورة التاريخيممة ،وليسممت البتممة
طريقة للعمل الثموري .لقمد وقمف كاوتسمكي ،شمأنه شمأن الكمثيرين ،موقمف النقمد الثموري والفماق
الجريئة ،طالما أن الصراع الطبقي كان يدور بين ضفاف البرلمانية المأمونة .ولم يكممن هممذا الموقممف
يلزمه بشيء عملًيا .لكن حين طرحت الحرب وفترة ما بعد الحرب مشكلت الثورة بعبارات واضممحة،
أخذ كاوتسكي موقفه نهائًيا في الطرف الخر ممن المتماريس .لقمد جعمل ممن نفسمه ،دون أن يقطمع
صلته بالتعابير الماركسية ،متهم الثورة البروليتارية ،ومحامي السلبية والستسلم أمام المبريالية.
كان كارل كاوتسكي وقادة حزب العمال يقفون ظاهرًيا ،قبل الحرب ،في القطب القصى مممن
الممية الثانية .وإن جيلنا ،الذي كان يمثل آنممذاك الشممباب ،قممد اسممتخدم مممراًرا أسمملحة مممأخوذة مممن
ترسانة تروتسكي لمحاربة انتهازية ماكدونالد وهندرسون وغيرهما .وصحيح أننمما كنمما ،حممتى فممي ذلممك
العهد ،نتطرف إلى أبعد مما كمان يريممد المعلممم المممتردد .ولقممد كممانت روزا لوكسمممبرغ ،الممتي تعممرف
كاوتسكي خيًرا منا ،تفضح منذ فترة ما قبل الحرب جذريته المائعة .ولقد سلط العصر الجديممد ،علممى
كل الحوال ،ضوًءا ساطًعا على الموقف :إن كاوتسكي ينتمي إلى نفس معسكر هندرسون .وإذا كان
الول ما يزال يستشهد بماركس ،في حين أن الثاني يفضممل مزاميممر داوود ،إل أن هممذا الختلف فممي
العادات ل يحرج في شيء تضامنها.
...إنني أترك لهذا الكتاب ،بهمدف السمتمرار ،العنموان المذي ظهمر بمه فمي الطبعمة النكليزيممة
الولى" :دفاع عن الرهاب" .إل أنه من الضروري أن نشير فوًرا إلى أن هذا العنوان الممذي يعممود إلممى
الناشر ل إلى المؤلف واسع أكثر مما ينبغممي ،ويمكمن أن يكممون مصمدًرا لسموء التفماهم .إن المسمألة
ليست هي البتة الدفاع عن "الرهاب" كإرهاب .إن تدابير الكراه والتخويف ،بما فيهمما أبممادة الخصمموم
المادية ،قد خدمت وما تزال تخدم قضية الرجعية ،المتجسدة في الطبقممات المسممتغلة المدانممة ،أكممثر
بكثير مما خدمت قضية التقدم التاريخي التي تجسدها البروليتاريمما .إن الخلقييممن حمماملي الشممهادات
الذي يدينون "الرهاب" بصورة عامة ،إنما يقصدون بوجه خاص الفعممال الثوريممة للمضممطهدين الممذين
يطمحون إلى التحرر .وأسطع المثلة عليهم السيد رامساي ماكدونالد .لقد أدان هذا الخير العنممف بل
كلل باسم مبادئ الخلق والدين الخالدة .لكن حين طممرح تفسممخ النظممام الرأسمممالي وتفماقم صممراع
الطبقات مسألة نضال البروليتاريا الثوري من أجل السلطة ،حتى في إنكلممترا ،انتقممل ماكدونالممد مممن
معسكر الشغيلة إلى معسكر البورجوازية المحافظة بنفس السممهولة الممتي ينتقممل بهمما المسممافر مممن
عربة مسموح فيها بالتدخين إلى عربة غير مسموح فيهمما بالتممدخين .إن خصممم الرهمماب الممورع يممدعم
اليوم ،بواسطة جهاز عنف ،النظام "السلمي" القائم على البطالة والضممطهاد السممتعماري والتسمملح
المتسارع والعداد لحروب جديدة.
إن هذا الكتاب بعيد بالتالي عن الممدفاع عممن الرهمماب بصممورة عامممة .إنممه يممدافع عممن القمموانين
التاريخية للثورة البروليتارية .إن الفكرة الساسية في هذا الكتاب هي التالية :إن التاريخ لم يجد حتى
الن من وسائل أخرى لتقدم النسانية إل بمعارضممته فممي كممل مممرة عنممف الطبقممات المدانممة بممالعنف
الثوري للطبقة التقدمية.
إن الفابيين غير القابلين للشفاء سيقولون بالطبع إنه إذا كان من الممكن أن تكون اسممتنتاجات
هذا الكتاب صحيحة بالنسبة إلى روسيا المتخلفة ،إل أنها ل يمكن أن تطبممق علممى البلممدان المتقدمممة،
122
وبخاصة على الديموقراطيات القديمة كبريطانيا العظمى .إن هذا الوهم المعزي كممان يمكمن أن يبمدو
ما .لكن موجة من الدكتاتوريات الفاشية أو العسكرية مقنًعا إلى حد ما قبل عشرة أو خمسة عشر عا ً
ما ل بأس به من البلدان الوروبية .فغداة طردي من التحاد السوفياتي في البوليسية قد اجتاحت قس ً
25شممباط ،1929كتبممت – ل للمممرة الولممى – بصممدد الوضممع فممي أوروبمما" :لقممد أثبتممت المؤسسممات
الديمقراطية إنها ل تستطيع أن تقاوم ضغط التناحرات الراهنة ،ذات الطممابع المدولي حين ًمما ،والمداخلي
حيًنا آخر ،والثنين مًعا في غالب الحيان ..إن الديمقراطية يمكن أن تعرف ،بالتشابه مع اللكترونيممك،
بأنها نظام من قواطع التيار والموانع ضد تيارات النضال الوطني أو الجتماعي القوى مممن اللزم .إن
ما من عصر آخر في التاريخ قد حمل بالتنماحرات ،ولمو ممن بعيمد ،بمثمل مما حممل عصمرنا .إن التيمار
المحمل أكثر من طاقته يتجلى أكثر فأكثر في عدة نقمماط مممن الشممبكة الوروبيممة .وأن قواطممع التيممار
الرصاصية تذوب أو تنفجر تحت الضمغط المرتفممع للتنماحرات الدوليمة والجتماعيمة .همذه همي طبيعممة
قواطع تيار الديكتاتورية .إن القواطع الرصاصية الضعف والوهن هي أول ما تصاب .والحال أن عنف
التناحرات الداخلية والعالمية ل ينقص ،بل على العكس يتزايد .وعبًثا نحاول أن نتعزى بفكممرة أن هممذا
التحول لم يغز إل محيط العالم الرأسمالي .إن النقرس يبدأ بإبهممام القممدم ،لكنممه يصمميب القلممب فممي
النهاية"...
123