Professional Documents
Culture Documents
والثورة
تعاليم الماركسية حول الدولة
ومهمات البروليتاريا في الثورة
فلديمير لينين
فهرس
3 مقدمة الطبعة الولى
4 الفصل الول :المجتمع الطبقي والدولة
14 الفصل الثاني :الدولة والثسسورة .خسسبرة سسسنوات
1851-1848
22 الفصل الثالث :الدولة والثسسورة .خسسبرة كومونسسة
باريس سنة .1871تحليل ماركس
34 الفصل الرابع :تتمة .شروح اضافية لنجلس
49 الفصسسسسل الخسسسسامس :السسسسسس القتصسسسسادية
لضمحلل الدولة
61 الفصسسسسل السسسسسادس :ابتسسسسذال النتهسسسسازيين
للماركسية
72 الملحظات
2
مقدمة الطبعة الولى
في الوقت الحاضر تكتسب مسممألة الدولممة أهميممة خاصممة سممواء مممن الناحيممة النظريممة أم مممن
الناحية العملية السياسية .فالحرب المبريالية قد عجلت وشددت لقصى حد سير تحول الرأسمممالية
الحتكارية إلى رأسمالية الدولة الحتكارية .والظلم الفظيع الذي تقاسيه جممماهير الشممغيلة مممن قبممل
الدولة التي تلتحممم أوثممق فممأوثق باتحممادات الرأسممماليين ذات الحممول والطممول يغممدو أفظممع فممأفظع.
والبلدان المتقدمة –ونقصد »مؤخراتم«هما -تتحمول بالنسمبة للعممال إلمى سمجون عسمكرية للشمغال
الشاقة.
إن الهوال والنكبات المنقطعة النظير ،الناجمة عن الحرب التي تستطيل ،تجعل الجماهير فممي
حالة ل تصدق وتشدد سخطها .إن الثورة البروليتارية العالمية تتصاعد بصورة بينممة .ومسممألة موقفهمما
من الدولة تكتسب أهمية عملية.
إن عناصر النتهازية التي تراكمت فممي غضممون عشممرات السممنين مممن التطممور السمملمي نسممبيا
أنشأت تيار الشتراكية-الشوفينية السائدة في الحزاب الشتراكية الرسمية في العالم بأسره .وهممذا
التيار )بليخانوف ،بوتروسوف ،بريشكوفسممكايا ،روبممانوفيتش ،ثممم المقنعممون بقنمماع شممفاف ،السممادة
تسيريتيلي ،تشيرنوف وشركاهما في روسيا؛ شيدمان ،ليغين ،دافيد وأضرابهم فممي ألمانيمما؛ رينممودل،
غيد ،فاندرفيلده في فرنسا وبلجيكا؛ هايندمان والفابيون فممي إنكلممترا ،وهلممم جممرا ً وهلممم جممرًا( ،وهممو
ل ،يتميز بكون »زعماء الشتراكية« يتكيفون بذلة وحقارة ليممس فقممط الشتراكية قول ً والشوفينية فع ً
وفق مصالح برجوازيتم»هم« الوطنية ،بل ،وعلى وجه الدقة ،وفق مصالح دولتممم»هممم« ،إذ أن أكثريممة
ما يدعى بالدول الكبرى تستثمر وتستعبد منذ زمن طويل جملمة مممن الشممعوب الصمغيرة والضمعيفة.
وما الحرب المبريالية سوى حرب من أجل اقتسام وإعادة اقتسام هذا النوع ممن الغنيممة .والنضمال
من أجل تحرير جماهير الشغيلة من نفوذ البرجوازية بوجه عام والبرجوازيممة المبرياليممة بمموجه خماص
يستحيل بدون النضال ضد الوهام النتهازية بصدد »الدولة«.
في البدء سننظر في تعاليم ماركس وإنجلس بشأن الدولة متناولين بإسهاب خاص ما نسي أو
تعرض للتشويه النتهازي من نواحي هذه التعاليم .وبعد ذلك سندرس بصورة خاصة الممثل الرئيسي
لهذه التشويهات ،كارل كاوتسكي ،أشهر زعماء الممية الثانية )سنوات (1914-1889التي أفلسممت
إفلسا مشينا للغاية أثناء الحرب الراهنة .وسنستخلص في النهاية السممتنتاجات الرئيسممية مممن خممبرة
الثورتين الروسيتين ،ثورة سنة 1905وثورة 1917بوجه خمماص .ويبممدو أن هممذه الخيممرة تنهممي فممي
الوقت الحاضر )أول غشت سنة (1917المرحلة الولى من تطورهمما ،ولكممن هممذه الثممورة بأكملهمما ل
يمكن فهمها بوجه عام إل ّ باعتبارها حلقة من حلقات سلسلة الثممورات البروليتاريممة الشممتراكية الممتي
تثيرها الحرب المبريالية .وهكذا ،فإن مسممألة موقممف الثممورة البروليتاريممة الشممتراكية مممن الدولممة ل
تكتسب أهمية سياسية عملية وحسب ،بل تغدو كذلك مسألة ملحممة مممن مسممائل السماعة ،باعتبارهمما
مسألة تبيان ما ينبغي للجماهير أن تفعله في المستقبل القريب للخلص من نير رأس المال.
المؤلف
غشت سنة 1917
مقدمة للطبعة الثانية
تصدر هذه الطبعة ،الثانية ،دون أي تغيير تقريبا ،إذ لم يضف عليها غير المقطع الثالث
في الفصل الثاني.
المؤلف
موسكو.
17ديسمبر . 1918
3
الفصل الول :المجتمع الطبقي والدولة
-1الدولة هي نتاج استعصاء التناقضات الطبقية
يحدث الن لتعاليم ماركس ما حمدث أكمثر ممن ممرة فمي التاريمخ لتعماليم المفكريمن الثموريين
وزعماء الطبقات المظلومة في نضالها من أجل التحرر .ففي حياة الثوريين العظام كممانت الطبقممات
الظالمة تجزيهم بالملحقات الدائمة وتتلقى تعاليمهم بغيظ وحشي أبعد وحشممية وحقممد جنمموني أبعممد
الجنون وبحملت من الكذب والفتراء وقحة أبعد القحة .وبعد وفاتهم تقوم محاولت لجعلهم أيقونات
ل يرجى منها نفع أو ضر ،لضمهم ،إن أمكن القول ،إلى قائمة القديسين ،ولحاطة أسمائهم بهالة ممما
من التبجيل بقصد »تعزية« الطبقات المظلومة وتخبيلها ،مبتذلة التعماليم الثوريمة باجتثماث مضممونها
وثلممم نصمملها الثمموري .وفممي أمممر »تشممذيب« الماركسممية علممى هممذا النحممو تلتقممي الن البرجوازيممة
والنتهازيون داخل الحركة العمالية .ينسون ،يستبعدون ،يشوهون الجانب الثوري من التعاليم ،روحها
الثورية .ويضعون في المقام الول ويطنبون في امتداح ما هو مقبول للبرجوازية أو يبدو لهمما مقبممو ً
ل.
فجميع الشتراكيين-الشوفينيين هم الن »ماركسيون« ،بدون ممزاح! والعلممماء الممبرجوازيون اللممان
الذين كانوا حتى المس متخصصين في استئصممال الماركسممية قممد أخممذوا يتحممدثون أكممثر فممأكثر عممن
ماركس »ألماني وطني« رّبى على ما يزعمون اتحادات عمال منظمة خير تنظيم لشن حرب الغزو!
حيال هذا الوضع ،حيال انتشار تشويه الماركسية انتشارا منقطممع النظيممر ،يتلخممص واجبنمما قبممل
كل شيء في بعث تعاليم ماركس الحقيقيممة بشممأن الدولممة .وهممذا يقتضممي إيممراد جملممة مممن فقممرات
طويلة تثقل البحث بطبيعة الحال دون أن تهمد البتة لجعله أقرب إلى الفهممم .ولكممن السممتغناء عنهمما
أمر ليس في المكان بحال .ينبغي حتما أن نقيس في مؤلفات ماركس وانجلس وبأتم شممكل ممكمن
جميع الفقرات المتعلقة بمسألة الدولة أو ،على القل ،جميع الفقرات الفاصلة ،لكيما يتمكن القممارئ
ون لنفسه بصورة مستقلة فكرة عن مجمل نظريممات مؤسسممي الشممتراكية العلميممة وعممن من أن يك ّ
تطور هذه النظريات ،وكذلك لكيما نبرهن استنادا إلى الوثائق ونضج بجلء تشويه هذه النظرات مممن
قبل »الكاوتسكية« السائدة اليوم.
نبدأ من أوسع مؤلفات فريدريك إنجلس انتشارا» :أصممل العائلممة والملكيممة الخاصممة والدولممة«،
هذا المؤلف الذي صدرت طبعته السادسة في سنة 1894في شممتوتغارت .ويتممأتى علينمما أن نممترجم
ممما غيممر كاملممة
المقتبسات عن الصل اللماني لن التراجم الروسية ،مع كثرتها ،هي ،فممي الغلممب ،إ ّ
وإما مترجمة بصورة غير مرضية أبدًا.
»الدولة ليست بحال قوة مفروضة على المجتمممع مممن خممارجه .والدولممة ليسممت كممذلك »واقممع
الفكرة الخلقية«» ،صورة وواقع العقل« كما يدعي هيغل .الدولة هي نتاج المجتمع عند درجة معينة
من تطوره؛ الدولة هي إفصاح عن واقع أن هذا المجتمع قد تورط في تناقض مع ذاته ل يمكنه حلممه،
وأنه قد انقسم إلى متضادات مستعصية هو عاجز عمن الخلص منهما .ولكيل تقموم همذه المتضمادات،
هذه الطبقات ذات المصالح القتصادية المتنافرة ،بالتهام بعضها بعضا ً وكذلك المجتمعات فممي نضممال
عقيم ،لهذا اقتضى المر قوة تقف في الظاهر فوق المجتمع ،قمموة تلطممف الصممطدام وتبقيممه ضمممن
حدود »النظام« .إن هذه القوة المنبثقة عن المجتمع والتي تضع نفسها ،مع ذلك ،فوقه وتنفصل عنه
أكثر هي الدولة« )ص 178-177من الطبعة اللمانية السادسة(.
في هذه الفقرة قد أعرب بأتم الوضوح عن الفكرة الساسية التي تنطلق منها الماركسية فممي
مسألة دور الدولة التاريخي وشأنها .فالدولة هممي نتمماج ومظهممر استعصمماء التناقضممات الطبقيمة .فممإن
الدولة تنشأ حيث ومتى وبقدر ما ل يمكن ،موضوعيا ،التوفيممق بيممن التناقضممات الطبقيممة .وبممالعكس،
يبرهن وجود الدولة أن التناقضات الطبقية ل يمكن التوفيق بينها.
في هذه النقطة الساسية والهامة جدا على وجه التممدقيق يبممدأ تشممويه الماركسممية الممذي يتبممع
اتجاهين رئيسيين.
4
من جهة ،اليديولوجيون البرجوازيون ولسيما اليديولوجيون البرجوازيون الصغار- ،المضطرون
تحت ضغط الوقائع التاريخية القاطعة ،إلى العتراف بأن الدولممة ل توجممد إل ّ حيممث توجممد التناقضممات
وبون« ماركس بشكل يبدو منه أن الدولممة هممي هيئة للتوفيممق الطبقية ،ويوجد النضال الطبقي»- ،يص ّ
بين الطبقات .برأي ماركس ،ل يمكن للدولة أن تنشأ وأن تبقى إذا كان التوفيق بيممن الطبقممات أمممرا
ممكنا .وبرأي الساتذة والكتاب السياسيين من صغار البرجوازيين والتافهين الضيقي الفق –الذين ل
يتركون سانحة دون أن يستندوا إلى ماركس باستلطاف! –الدولة توفق بالضبط بين الطبقات .بممرأي
ماركس ،الدولة هي هيئة للسميادة الطبقيمة ،هيئة لظلمم طبقمة ممن قبمل طبقمة أخمرى ،همي تكموين
»نظام« يمسح هذا الظلم بمسحة القانون ويوطده ،ملطفا اصطدام الطبقات .وبرأي الساسة صغار
المبرجوازيين ،النظمام همو بالضمبط التوفيمق بيمن الطبقمات ،ل ظلمم طبقمة لطبقمة أخمرى؛ وتلطيمف
الصطدام يعني التوفيق ،ل حرمان الطبقات المظلومة من وسائل وطرق معينممة للنضممال مممن أجممل
إسقاط الظالمين.
وهكذا ،عندما طرحت في ثورة سنة 1917مسألة شأن الدولة ودورها بكممل خطورتهمما ،عنممدما
طرحت عمليا باعتبارها مسألة عمممل مباشممر وفممي النطمماق الجممماهيري ،انزلممق جميممع الشممتراكيين-
الثوريين والمناشفة ،جميعهم دفعة واحدة ودون تحفظ ،نحو النظرية البرجوازية الصغيرة القائلممة أن
»الدولة« »توفق« بين الطبقات .القرارات والمقمالت المتي وضمعها ساسممة همذين الحزبيممن بعمدد ل
ممما
يحصى ،تتخللها من ألفها إلى يائها هذه النظرية التافهة البرجوازية الصغيرة ،نظرية »التوفيممق« .أ ّ
أن الدولة هيئة لسيادة طبقة معينة ل يمكن التوفيق بينهما وبين نقيضها )الطبقة المضادة لها( ،فهممذا
ما ل تسمتطيع الديموقراطيمة البرجوازيمة الصمغيرة فهممه بحمال .والموقمف المذي يقفمه ممن الدولمة
الشتراكيين-الثوريين والمناشفة عندنا ،هو دليل من أوضح الدلة على أنهممم ليسمموا باشممتراكيين قممط
)المر الذي كنا نحن البلشفة نممبرهنه علممى الممدوام( ،بممل هممم ديموقراطيممون برجوازيممون صممغار ذوو
عبارات تكاد تكون اشتراكية.
ومن الجهة الخرى التشويه »الكاوتسكي« للماركسية ،وهو أحسن تقنيعمما بكممثير .فهممو ل ينكممر
»نظريمما« ل واقممع أن الدولممة هممي هيئة للسمميادة الطبقيممة ول واقممع أن التناقضممات الطبقيممة ل يمكممن
التوفيق بينها .ولكن ُيغفل وُيطمس المر التالي :إذا كانت الدولة نتاج استعصاء التناقضممات الطبقيممة،
وإذا كانت قوة فوق المجتمع و»تنفصل عن المجتمع أكثر فممأكثر« ،فمممن الواضممح أن تحريممر الطبقممة
المظلومة ل يمكن ليس بدون ثورة عنيفة وحسب ،بل أيضا ً بدون القضاء على جهمماز سمملطة الدولممة
الذي أنشأته الطبقة السائدة والذي يتجسد فيممه هممذا »النفصممال« .إن هممذا السممتنتاج ،البممديهي مممن
الناحية النظرية ،قد وصل إليه ماركس بأتم الدقة ،كما سنرى فيما يأتي ،على أساس تحليل تمماريخي
ملمموس لواجبمات الثمورة .وقمد… »نسمي« كاوتسمكي وشموه همذا السمتنتاج عينمه ،وسمنتبين ذلمك
بالتفصيل فيما يأتي من البحث
وهذا التقسيم يبدو لنا »طبيعيًا« ،ولكنه قد تطلب نضال طويل ضد التنظيم القديم على أسمماس
القبائل أو العشائر.
»… والسمة المميزة الثانية هي تأسيس السمملطة العامممة الممتي لممم تعممد تنسممجم مباشممرة مممع
السكان المنظمين أنفسهم بأنفسهم في قوة مسلحة .وهذه السمملطة العامممة المميممزة ضممرورية لن
منظمة السكان المسلحة العاملة من تلقاء نفسها غممدت أمممرا مسممتحيل منممذ انقسممام المجتمممع إلممى
طبقات… وتوجد هذه السلطة العامة في كل دولة .وهممي ل تتممألف فقممط مممن رجممال مسمملحين ،بممل
كذلك من ملحق مادية ،من السجون ومختلف مؤسسات القسر التي كممانت معدومممة فممي المجتمممع
المنظم على أساس القبائل )العشائر(…«
5
إن انجلس يشرح مفهوم »القوة« التي تسمى الدولة ،القوة التي نشأت في المجتمممع ،ولكنهمما
تضع نفسها فوقه وتنفصل عنه أكثر فأكثر .مم تتألف هذه القوة بصورة رئيسية؟ مممن فصممائل خاصممة
من رجال مسلحين تحت تصرفهم السجون والخ..
يحق لنا أن نتحدث عن فصائل خاصة من رجال مسمملحين لن السمملطة العامممة الملزمممة لكممل
دولة »ل تنسجم مباشرة« مع السكان المسلحين ،مع »منظمة السكان المسلحة العاملة مممن تلقمماء
نفسها«.
إن انجلس ،شأن جميع المفكرين الثوريين العظام ،يسعى ليلفت أنظار العمال الواعين إلى ما
يبدو بالضبط في نظر الذهنية البرجوازية الصغيرة السائدة أقل ما يستحق النتباه ،إلى أكثر ممما يبممدو
لها مألوفا ،مقدسا بأوهام متأصلة ،بله يمكن القول ،متحجرة .الجيش الدائم والشرطة هممما الداتممان
الرئيسيتان لقوة سلطة الدولة .ولكن كيف يمكن ،يا ترى ،أن يكون المر على غير ذلك؟
ل يمكن أن يكون المر على غير ذلك من وجهممة نظممر الكثريممة السمماحقة مممن أوروبيممي أواخممر
القرن التاسع عشر الذين توجه إليهم انجلس والدين لم يعيشمموا ولممم يشمماهدوا عممن كثممب أيممة ثممورة
كبرى .فهم ل يفهمون أبدا ما همي »منظممة السمكان المسملحة العاملمة ممن تلقماء نفسمها« .وعلمى
السمؤال :لمماذا غممدا مممن الضممروري وجممود فصممائل خاصمة ممن رجمال مسملحين الشممرطة والجيممش
النظامي( توضع فوق المجتمع وتنفصل عنه ،يميل التافه الضيق الفق في أوروبا الغربية وروسيا إلى
الجممواب بجملممة مممن عبممارات مقتبسممة مممن سبنسممر أو ميخايلوفسممكي ،مستشممهدا بتعقممد الحيمماة
الجتماعية ،بتمايز الوظائف وهلم جرًا.
وهذا الستشهاد يبدو »عمليًا« وهو ينوم بصورة ممتازة ذا الذهنية البرجوازية الصغيرة بطمسه
المر الرئيسي والساسي ،أي انقسام المجتمع إلى طبقات متعادية عداء مستعصيًا.
ولو ل هذا النقسام لكانت »منظمة السكان المسلحة العاملة من تلقاء نفسها« تتميز بتعقيدها
ورقي عتادها وغير ذلك عن منظمة بدائيين أو الناس المنظمين فممي مجتمعممات قبائليممة ،ولكممن مثممل
هذه المنظمة تكون أمرا ممكنا.
ولكنها أمر مستحيل لن المجتمع المتمدن منقسم إلى طبقات متعادية عداء مستعصمميا يسممفر
تسلحها »العامل من تلقاء نفسه« عن تقاتلها بالسمملح .تتشممكل الدولممة وتنشممأ قمموة خاصممة ،فصممائل
خاصة من رجال مسلحين؛ وكل ثورة ،بهدمها لجهاز الدولة ،ترينا النضال الطبقممي المكشمموف ،ترينمما
رأي العين كيف تحاول الطبقة السائدة أن تبعث ما في خدمتها هي من الفصائل الخاصة من الرجال
المسلحين وكيف تحاول الطبقة المظلومة إنشمماء منظمممة جديممدة مممن هممذا النمموع ،كفمموءا ل لخدمممة
مرين.
مرين ،بل المستث َ
المستث ِ
في الفقرة المذكورة يطرح انجلس نظريا ً نفس المسألة التي تطرحها أمامنا كممل ثممورة كممبرى
عمليا ،بجلء ،وفي نطاق عمل الجماهير ،نعني مسألة العلقات بين الفصائل »الخاصة« ممن الرجمال
المسلحين و»منظمة السكان المسلحة العاملة من تلقاء نفسها« .وسنرى كيف تتوضح هذه المسألة
عمليا بتجربة الثورات الوروبية والروسية.
إنه يبين أن هذه السلطة العامة تكون ضعيفة أحيانا ،في بعممض منمماطق أمريكمما الشمممالية مثل ً
)يدور الحديث عن حالت نادرة في المجتمع الرأسمالي ،وعن مناطق أمريكا الشمالية فممي عهممد ممما
قبل المبريالية ،حيث كان يهيمن المعمر الحر( .ولكنها ،عموما ،تتقوى:
6
»… تتقوى السلطة العامة بمقدار ما تتفاقم التناقضات الطبقية في داخل الدولة وبمقممدار ممما
تزداد الدول المتلصقة مساحة وسكانًا .لنظروا على القمل إلمى أوروبما الراهنمة حيمث رفمع النضمال
الطبقي والتنافس على الفتوحات السلطة العامة إلى مستوى غدت معه تهدد بابتلع المجتمع برمتممه
بما فيه الدولة نفسها…« لقد كتب هذا في تاريخ ل يتجاوز مستهل سنوات العقد العاشر مممن القممرن
الماضي .فمقدمة انجلس الخيرة مؤرخة في 16يونيو .1891في ذلك الحيممن كممان النعطمماف نحممو
المبريالية –بمعنى سيطرة التروستات سيطرة تامة وبمعنممى حممول وطممول البنمموك الكممبرى وبمعنممى
عظمة نطاق السياسة الستعمارية ،الخ -.قد بدأ لتوه في فرنسا ،وكان أضعف في أمريكما الشممالية
وفي ألمانيا .ومنذ ذلك الحين خطا »التنافس علممى الفتوحممات« خطمموة كممبرى إلممى المممام ،ل سمميما
والكرة الرضية قد ظهرت في أوائل العقد الثاني مممن القممرن العشممرين مقتسمممة نهائي ما ً بيممن هممؤلء
»الفاتحين المتنافسين« ،أي بين الدول السلبة الكبرى .ومنممذ ذلممك الحيممن ازداد التسمملح العسممكري
والبحري ازديادا ً هائل ً وحرب النهب ،حممرب سممنوات 1918-1914الممتي انممدلعت مممن أجممل سمميطرة
إنجلترا أو ألمانيا على العالم ،من أجل اقتسام الغنيمة ،قد قربت من الكارثممة التامممة »ابتلع« جميممع
قوى المجتمع من قبل سلطة دولة ضاربة.
لقد استطاع انجلس أن يبين منذ سممنة 1891أن »التنممافس علممى الفتوحممات« هممو سمممة مممن
السمات الهامة المميزة لسياسة الدول الكبرى في الحقل الخارجي ،في حين أن أنذال الشممتراكية-
الشوفينية يعمدون فممي سممنوات ،1918-1914عنممدما كممان هممذا التنممافس بالممذات المشممتد أضممعافا َ
مضاعفة قد أسفر عن الحرب المبريالية ،إلى تستير المصالح الغتصابية لبرجوازيتممم»هممم« بعبممارات
»الدفاع عن الوطن« و»الدفاع عن الجمهورية والثورة« وما شاكل!
لقممد كتممب انجلممس » :إن الممموظفين،إذ يتمتعممون بالسمملطة العاملممة وبحممق جبايممة الضممرائب
يصحبون ،باعتبارهم هيئات المجتمع ،فوق المجتمع .فالحترام الطوعي الختياري الممذي كممان يمحممض
لهيئات مجتمع القبائل )العشائر( لم يعد يكفيهم حتى فيما لو كان باستطاعتهم اكتسممابه…« .وتوضممع
قوانين خاصة بشأن قداسة وحصانة الموظفين» .فلحقر شرطي« »سلطان« يفوق سلطان ممثلي
العشيرة ،ولكن رئيس السلطة العسكرية نفسه في دولة متمدنة يغبط شيخ العشيرة الممذي يمحضممه
المجتمع »احتراما لم يفرض بالعصا«.
لقد طرحت هنا مسممألة وضممع الممموظفين الممتممازين باعتبممارهم هيئات سمملطة الدولممة .والمممر
الرئيسي هو أن نعلم :ما الذي يضعهم فوق المجتمع؟ وسنرى كيف حلت كومونة بمماريس عمليمما فممي
سنة 1871هذه المسألة النظرية وكيف طمسها كاوتسكي رجعيا في سنة .1912
»… بما أن الدولة قد نشأت من الحاجة إلى لجم تضاد الطبقات؛ وبما أنها نشمأت فممي المموقت
نفسه ضمن الصطدامات بيمن هممذه الطبقمات ،فهممي كقاعمدة عاممة دولمة الطبقممة القموى السممائدة
اقتصاديا والتي تصبح عن طريق الدولة الطبقة السائدة سياسيا أيضمما وتكتسممب علممى هممذه الصممورة
وسائل جديدة لقمع الطبقة المظلومة واستمرارها…« .فالدولة القديمة والدولة القطاعية لم تكونمما
وحدهما هيئتين لستثمار العبيد والقنان ،بل كذلك »الدولة التمثيلية الحديثة هي أداة لستثمار العمل
المممأجور مممن قبممل رأس المممال .ومممع ذلممك فثمممة ،كحممالت اسممتثنائية ،مراحممل تبلممغ فيهمما الطبقممات
المتصارعة درجة من توازن القوى تنال معها سلطة الدولة لفترة معينممة نوعمما مممن السممتقلل حيممال
الطبقتين ،مظهرا وسيطا بينهما…« ومن هذا القبيل كان الحكم الملكي المطلق في القرنين السابع
عشر والثامن عشر والبونابرتية في المبراطوريتين الولى والثانية في فرنسا وبيسمارك في ألمانيا.
ومن هذا القبيل –نضمميف نحممن -حكومممة كرينسممكي فممي روسمميا الجمهوريممة بعممد النتقممال إلممى
ملحقة البروليتاريا الثورية ،في البرهة التي كانت فيها السوفييتات قد غدت عاجزة من جممراء قيممادة
الديموقراطيين صغار البرجوازيين ولم تكن فيها البرجوازية بعد قوية لحد يمكن من حل السوفييتات
على المكشوف.
7
في الجمهورية الديموقراطية –يستطرد إنجلس» -تمارس الثورة سلطتها بصورة غير مباشرة،
ولكن بالشكل الضمن« :أو ً
ل ،عن طريق »الرشوة المباشرة للموظفين« )أمريكا( وثانيا ،عن طريق
»التحالف بين الحكومة والبورصة«)فرنسا وأمريكا(.
وفي الوقت الحاضر »رقت« المبريالية وسيطرة البنوك إلى حد فمن خمارق همماتين الوسمميلتين
من وسائل الدفاع عن سلطان الثروة وممارسة هذا السلطان في أية جمهورية ديموقراطيممة كممانت.
ل ،عندما كانت الجمهورية الديموقراطية بروسيا في أشهرها الولممى فإذا كان السيد بالتشينسكي ،مث ً
بالذات –ويمكن القول في شهر العسمل لقممران »الشممتراكيين« ،الشمتراكيين-الثموريين والمناشمفة،
بالبورجوازية ضمن الحكومة الئتلفية -قد عرقل جميممع التممدابير الموجهممة لكبممح جممماح الرأسممماليين
وسلبهم ونهبهم للخزينة العامة بالطلبات العسممكرية ،وإذا كممان السمميد باتشينسممكي الممذي خممرج مممن
الوزارة فيما بعد )واستعيض عنه أيضا بباتشينسكي آخر ل يختلف عنه في شمميء( قممد »كمموفئ« مممن
م يوصف ذلك؟ أهو رشوة مباشممرة أم قبل الرأسماليين بمنصب راتبه 120ألف روبل في السنة -فب َ
غير مباشرة؟ أهو تحالف الحكومة مع سنديكات الرأسماليين أم علقات ودية »فقممط ل غيممر«؟ وممما
هو الدور الذي يلعبه تشيرنوف وتسيرتيلي وافكسنتييف وسكوبيليف ومن على شاكلتهم؟ أهم حلفمماء
»مباشرون« لصحاب المليين سارقي الخزينة ،أم غير مباشرين وحسب؟
إن سلطان »الثورة« هو كذلك أضمن في ظل الجمهورية الديموقراطيممة لنممه ل يتوقممف علممى
هممذه النممواقص أو تلممك للليممة السياسممية وعلممى غلف الرأسمممالية السياسممي الرديممء .فالجمهوريممة
الديموقراطية هي أحسن غلف سياسي ممكن للرأسمالية ،ولذا فرأي المال ،إذ يسممتولي علممى هممذا
الغلف الفضل )عن طريق بالتشينسكي ةتشيرنوف وتسيريتيلي ومن لف لفهم( يقيم سلطته علممى
أساس مكين ،على أساس مضمون لحد ل يمكن لي تبمديل فمي الشمخاص ول فمي المؤسسمات ول
في الحزاب في الجمهورية البرجوازية الديموقراطية أن يزعزع هذه السلطة.
كذلك يجدر بالذكر أن إنجلس يصف بصورة جليممة قاطعممة حممق النتخمماب العممام أيضمما بممأنه أداة
لسيادة البرجوازية .فقمد قممال آخممذا بعيمن العتبممار بصممورة جليمة الخممبرة المتي اكتسممبتها الشممتراكية
الديموقراطية اللمانية خلل وقت طويل أن حق النتخاب العام هو »دليل نضج الطبقممة العاملممة .ول
يمكنه أن يكون ولن يكون أبدا أكثر من ذلك في الدولة الراهنة«.
إن الديموقراطيين صغار البورجوازيين ،أشممباه الشممتراكيين-الثمموريين والمناشممفة فممي بلدنمما ،
وكذلك أشقاءهم ،جميع الشتراكيين-الشوفينيين في أوروبا الغربية ،ينتظرون من حق النتخاب العام
»أكثر« من ذلك بالضبط .إنهم يؤمنون هم أنفسهم ويوهمون الشعب بفكرة مغلوطة مفادها أن حممق
النتخاب العام »في الدولة الراهنة« يستطيع أن يظهر في الواقع إرادة أكثريممة الشممغيلة وأن يضمممن
تطبيقها.
ل يسعنا هنا غير اليماء إلى هذه الفكرة المغلوطة ،غير الشارة إلى أن تصريح انجلس الجلممي
والدقيق والملموس تماما تشوهه في كل لحظة دعايممة وتحريممض الحممزاب الشممتراكية »الرسمممية«
)أي النتهازية( .فتتمة عرضنا لنظرية ماركس وانجلس عن الدولممة »الراهنممة« تممبين بالتفصمميل مبلممغ
البطلن في الفكرة التي ينبذها هنا إنجلس.
يعطي إنجلس في أوسع مؤلفاته انتشارا خلصة عامة لنظراته بالعبارات التالية:
»وهكذا ،فالدولة لم توجد منذ الزل .فقد وجدت مجتمعات كانت في غنى عن الدولة ولم يكن
لديها أية فكرة عن الدولة وسلطة الدولة .وعندما بلممغ التطممور القتصممادي درجممة اقممترنت بالضممرورة
بانقسام المجتمع إلى طبقات ،غدت الدولة بحكممم هممذا النقسممام أمممرا ضممروريا .ونحممن نقممترب الن
بخطوات سريعة من درجة في تطور النتاج ل يكف عندها وجود هذه الطبقات عن أن يكون ضممرورة
وحسب ،بممل يصممبح عائقمما مباشممرا للنتمماج .سممتزول الطبقممات بالضممرورة كممما نشممأت فممي الماضممي
بالضرورة .ومع زوال الطبقات ستزول الدولة بالضرورة .والمجتمع الذي ينظم النتاج تنظيممما جديممدا
على أساس اتحاد المنتجين بحرية وعلى قدم المساواة ،سيرسل آلة الدولة بأكملها إلى حيث ينبغممي
أن تكون حينذاك :إلى متحف العادات بجانب المغزل البدائي والفأس البرونزية«.
8
ل يصادف المرء هذا المقتبس إل ّ غرارا فيما تصدره الشتراكية-الديموقراطيممة المعاصممرة مممن
مطبوعات الدعاية والتحريض .ولكن حتى عنممدما يصممادف هممذا المقتبممس فإنممما يمموردونه فممي أغلممب
الحيان وكأنهم ينحنون أمام أيقونة ،أي للفصاح الرسمي عن إجلل انجلس ،دون أية محاولة لمعان
الفكر في مدى سعة وعمق نطاق الثممورة الممذي يفترضممه »إرسممال آلممة الدولممة بأكملهمما إلممى متحممف
العادات« .بل انه في الغالب ل يلحظ أن ثمة فهما لما يسميه انجلس بآلة الدولة.
»تأخذ البروليتاريا سلطة الدولة وتحول وسائل النتاج قبل كل شيء إلى ملممك الدولممة .ولكنهمما
تقضي على نفسها بوصفها بروليتاريا ،تقضي بممذلك علممى كممل الفمموارق الطبقيممة وجميممع المتضممادات
الطبقية وعلى لدولة في الوقت نفسه بوصفها دولة .إن المجتمع الذي وجد ول يممزال والممذي يتحممرك
مرة قسممرا فممي ضمن المتضادات الطبقية كان بحاجة إلى الدولممة ،أي إلممى منظمممة للطبقممة المسممتث ِ
ظروف القمع الناجمة عن أسلوب النتاج القائم )العبودية ،القنانة ،العمل المأجور( .لقد كانت الدولة
الممثل الرسمي للمجتمع بأكمله ،تركزه في جسم منظور ،ولكنها لم تكن كذلك إل ّ بمقدار ما كممانت
دولة تلك الطبقة التي كانت وحدها تمثل في عصرها المجتمع بأكله :في العصور القديمة كانت دولممة
ملكي العبيد –مواطني الدولة ،وفي القرون الوسطى كانت دولة العيان القطاعيين ،أخيممرا ،ممثممل
المجتمع بأكمله حقا ،أية طبقة اجتماعية ينبغممي قمعهمما؛ وعنممدما تممزول مممع السمميطرة الطبقيممة ومممع
الفوضى الراهنة في النتاج ،تلك الصطدامات وأعمال الشطط )التطرف( الناتجة عن هممذا الصممراع،
ل يبقى هناك ما ينبغي قمعه ،ول تبقى أيضا ضرورة لقوة خاصة للقمع ،للدولة .وأول عمل تممبرز فيممه
الدولة حقا بوصفها ممثل المجتمع بأكمله –تملك وسائل النتاج باسم المجتمع -هو في الوقت نفسممه
آخر عمل تقوم به بوصفها دولة ،وعندئد يصبح تدخل الدولة في العلقات الجتماعية أمرا ل لزوم لممه
في ميدان بعد آخر ويخبو من نفسه .وبدل من حكم الناس »تلغى« إنها تضمحل .وعلى هذا الساس
ينبغي تقييم عبارة »الدولة الشعبية الحرة« ،هممذه العبممارة الممتي كممان لهمما حممق البقمماء بعممض المموقت
للتحريض ولكنها باطلة في آخر التحليل من وجهة النظر العملية .وعلممى هممذا السمماس ينبغممي كممذلك
تقييم مطلب من يسمون بالفوضويين القائل بإلغاء الدولة بيممن عشممية وضممحاها« )»ضممد دوهرينممغ«.
»السيد أوجين دوهرينغ يقلب العلم« ،ص ،303-301الطبعة اللمانية الثانية(.
بوسعنا أن نقول دون أن نخشى الزلل أن الصيغة القائلة أن الدولة »تضمحل« ،برأي ممماركس
وخلفا للنظرية الفوضوية القائلة بم»إلغاء« الدولة ،هي كل ما تبقى من فقرة انجلس هذه الغنية جدا ً
بالفكار ،مكتسبا حقا للفكر الشممتراكي فممي الحممزاب الشممتراكية الراهنممة .إن بممتر الشممتراكية بهممذا
الشكل يعني الهبوط بها إلى حضيض النتهازية ،إذ أن كل ما تبقى بعد هذا »التأويل« هو تصور مبهممم
عن تغير بطيمء ،مموزون ،تمدريجي ،عمن انعمدام القفمز والعاصمير ،عمن انعمدام الثمورة .إن مفهموم
»اضمحلل« الدولة بالمعنى الشائع ،المنتشر عموما والجماهيري ،إن أمكن التعبير ،يعنممي دون شممك
طمس الثورة إن لم يكن إنكارها.
بيد أن هذا »التأويل« هو تشويه فظ جدا للماركسية ،مفيممد للبرجوازيممة وحممدها ،ويقمموم نظريمما
على نسيان ظروف واعتبارات هامة للغاية ذكرت مثل في فقرة انجلس »التلخيصية« الممتي أوردناهمما
كاملة.
أول .في مستهل هذه الفقممرة بالممذات يقممول إنجلممس أن البروليتاريمما ،إذ تأخممذ سمملطة الدولممة،
»تقضي بذلك على الدولة بوصفها دولة« .أما معنى ذلك بصورة تامة أو يعزى إلممى شمميء ممما بمثابممة
»ضعف هيغلي« عند إنجلس .وفي الواقع تعرب هذه الكلمات باقتضمماب عممن خممبرة ثممورة مممن أكممبر
الثورات البروليتارية ،عن خبرة كومونة باريس ،1871المر الذي سنتحدث عنه بتفصيل في مكممانه.
هنا يتحدث إنجلس في الواقع عن »قضاء« الثورة البروليتارية على دولة البرجوازية ،في حين أن ممما
قاله عن الضمحلل يخممص بقايمما الدولممة البروليتاريممة بعممد الثممورة الشممتراكية .الدولممة البرجوازيممة ل
9
»تضمحل« برأي إنجلس ،ولكن »تقضي عليها« البروليتاريمما فممي الثممورة .تضمممحل بعممد هممذه الثممورة
الدولة البروليتارية أو شبه الدولة.
ثانيا .الدولة هي »قوة خاصة للقمع« .إن إنجلس قد أعطى هنا بأتم الوضوح تعريفه الرائع هذا
والعميق منتهى العمق .ويستنتج منه أن »القوة الخاصة لقمع« البروليتاريا من قبل البرجوازية ،قمممع
المليين من الشغيلة من قبل حفنات من الغنياء ل بد أن يسممتعاض عنهما بممم»القموة الخاصمة لقمممع«
البرجوازية من قبل البروليتاريا )ديكتاتورية البروليتاريا( .وفي هذا كنه »القضاء على الدولممة بوصممفها
دولة« .وفي هذا كنه »عملية« تملك وسائل النتاج باسم المجتمع .ومن الواضح بداهة أن مثممل هممذه
الستعاضة عن »قوة خاصة« )برجوازية( بم»قوة خاصة« أخممرى )بروليتاريممة( ل يمكنهمما بتاتمما أن تتممم
بشكل »اضمحلل«.
ثالثا .يتكلم إنجلس عن »اضمحلل« أو حتى ،وهو تعبير أبرز وأجمل ،عن »الخبو« قاصممدا بممأتم
الوضوح والجلء مرحلة ما بعد »تملك الدولة لوسائل النتاج باسم المجتمع كله« ،أي مرحلة ممما بعممد
الثممورة الشممتراكية .ونحممن جميعمما نعلممم أن الشممكل السياسممي »للدولممة« فممي هممذه المرحلممة هممو
الديموقراطية التم .ولكن لم يدر في خلد أحد من النتهازيين الذين يشوهون الماركسية دونما خجل
أن الحديث يدور هنا عند انجلس ،بالتالي ،عن »خبو« و»اضمحلل« الديموقراطية .ويبممدو ذلممك لول
وهلة في منتهى الغرابة .ولكن »ل يستطيع أن يفهم ذلك« غير الذين لم يصل بهم تفكيرهممم إلممى أن
الديموقراطية هي أيضا دولة وأن الديموقراطية تممزول هممي أيضمما ،تبعمما لمذلك ،عنممدما تممزول الدولممة.
الدولة البرجوازية ل يستطيع »القضاء« عليها غير الثورة .والدولة بوجه عام ،أي الديموقراطية التم،
يمكنها أن »تضمحل« وحسب.
رابعا .صاغ انجلس موضوعته المشهورة» :الدولة تضمحل« شارحا بصورة مباشرة وملموسممة
أن هذه الموضوعة موجهة في وقت معا ضد النتهازيين وضد الفوضويين .هذا وقد وضع انجلس فممي
المقام الول الستنتاج الموجه ضد النتهازيين والمستخلص من موضوعة »إضمحلل الدولة«.
»الدولة الشعبية الحرة« كمانت مطلبما فمي برناممج الشمتراكيين-المديموقراطيين اللممان فمي
سنوات العقد الثامن وشعارا من شعاراتهم الشائعة .هذا الشعار خال من كل مضمون سياسممي عممدا
الوصف البرجوازي الصغير الطنان لمفهوم الديموقراطية .ولما كانوا يلمحون علنمما فممي هممذا الشممعار
إلى الجمهوريممة الديموقراطيممة كممان إنجلممس مسممتعدا »لتممبريره« »بعممض المموقت« مممن وجهممة نظممر
التحريض .ولكن هذا الشعار كان انتهازيا ،لنه لم يفصح فقط عن تجميل الديموقراطيممة البرجوازيممة،
بل وكذلك عن عدم فهم النقد الشتراكي لكل دولة بوجه عام .نحن نؤيممد الجمهوريممة الديموقراطيممة
لنها بالنسبة إلى البروليتاريا الشكل الفضل للدولة في عهد الرأسمالية ،ولكن ل يحق لنمما أن ننسممى
أن عبودية العمل المأجور هي نصيب الشعب حتى فممي الجمهوريممة البرجوازيممة الكممثر ديموقراطيممة.
وبعد .إن كل دولة هي »قوة خاصة لقمع« الطبقة المظلومة .ولذا فكمل دولمة ليسمت حمرة وليسمت
شعبية .وقد شرح ماركس وإنجلس ذلك مرارا وتكرارا لرفاقهما الحزبيين في سنوات العقد الثامن.
خامسا .إن مؤلف إنجلممس ذاتممه الممذي يتممذكر منممه الجميممع المحاكمممة بصممدد اضمممحلل الدولممة
يتضمن محاكمة بصدد أهمية الثورة العنيفة .فالتقدير التاريخي لدورها يتحول عند إنجلس إلى تقريظ
حق للثورة العنيفة .و»ما من أحد يذكر« ذلك .فالحديث بله مجرد التفكير بأهميممة هممذه الفكممرة غيممر
مألوف في الحزاب الشتراكية الحالية ،وفي الدعاية والتحريض اليوميين بيممن الجممماهير ليممس لهممذه
10
الفكار أي دور .هذا في حين أنها تقترن بفكرة »اضمحلل« الدولممة اقترانمما وثيقمما ،وتكممون معهمما كل ً
متراصا.
»… أما أن العنف يلعب في التاريخ كذلك دورا آخر« )عدا ما يسبب من شر( »وبالضممبط دورا
ثوريا ،وأنه ،كما قال ماركس ،المولدة لكل مجتمع قديم حامممل بمجتمممع جديممد ،وأن العنممف هممو تلممك
الداة التي تشق الحركة الجتماعية بواسطتها لنفسها الطريق وتحطم الشكال السياسية المتحجممرة
والميتة –عن كل ذلك لم ينبس السيد دوهرينغ بكلمة .إنه يسلم فقط ،مممع إطلق الزفممرات والنممات،
بأن إسقاط السيطرة القائمة على الستثمار قد يتطلب عنف .ويا للسف لن كممل اسممتعمال للعنممف
يضعف ،كما قال ،معنويات من يلجممأ إليممه .وذلممك يقممال رغممم ممما نعلممم مممن مبلممغ النهمموض الخلقممي
والفكري الذي كان ينجم عن كل ثورة ظافرة! وذلممك يقمال فمي ألمانيما حيمث ممن شمأن الصمطدام
العنيف ،الذي قد يفرض على الشعب ،أن يتسم ،على أقل تقدير ،بمزية استئصال روح الخنوع الممتي
تغلغلت في وعي المة من جراء إهانات حرب الثلثين سنة .إن تفكير الخوارنة هذا ،السمقيم الهزيمل
العاجز ،يجرأ على فرض نفسه على الحزب الذي لم يعرف التاريممخ مضممارعا لروحممه الثوريممة!« )ص
،193حسب الطبعة اللمانية الثالثة ،نهاية الفصل الرابع من القسم الثاني(.
وكيف السبيل إلى الجمع في تعاليم واحدة بين هذا التقريظ للثورة العنيفة ،الذي ظل إنجلممس
يقدمه بإلحاح للشتراكيين-الديموقراطيين اللمان من سنة 1878حتى سنة ،1894أي حتى وفمماته،
بين نظرية »اضمحلل« الدولة؟
في المعتاد يجمعون بين هذه وتلك جمعا اختياريا ،عن طريق القتطمماف الكيفممي غيممر المبممدئي
والسفسطائي )أو لرضاء القابضين على السلطة( لهذه الموضوعة طورا وصورا لتلك ،علما بأنه في
تسع وتسعون حالممة مممن ممائة ،إن لمم يكممن أكمثر ،يوضممع »الضمممحلل« بالمذات فمي المقمام الول.
يستعاض عن الدياليكتيك بالمذهب الختياري ،وهذا التصرف حيال الماركسية هممو الظمماهرة المألوفممة
للغاية والوسع انتشارا في الدب الشتراكي-الممديموقراطي الرسمممي فممي أيامنمما .وهممذه الستعاضممة
ليست طبعا ببدعة مستحدثة ،فقد لوحظت حتى في تاريخ الفلسفة اليونانيممة الكلسمميكية .أن إظهممار
الختيارية بمظهر الدياليكتيك في حالة تحوير الماركسية تبعا للنتهازية ،يخدع الجماهير بأسهل شكل،
يرضيها في الظاهر ،إذ يبدو وكأنه يأخذ بعين العتبار جميع نمواحي العمليمة ،جميممع اتجاهممات التطمور،
جميع المؤثرات المتضادة الخ ،.ولكنه في الواقع ل يعطي أي فكرة منسجمة وثورية عن عملية تطور
المجتمع.
لقد قلنا فيما تقدم وسممنبين بمزيممد مممن التفاصمميل فيممما يممأتي مممن البحممث أن تعمماليم ممماركس
وإنجلس بصدد حتمية الثورة العنيفة تتعلق بالدولة البرجوازية .فهذه ل يمكن الستعاضة عنهمما بدولممة
بروليتارية )ديكتاتورية البروليتاريا( عممن طريممق »الضمممحلل« ،ل يمكممن ،كقاعممدة عامممة ،إل ّ بممالثورة
العنيفة .فالتقريظ الذي خصها به انجلس والذي يتفممق كممل التفمماق مممع تصممريحات ممماركس العديممدة
)فلنتذكر خاتمة »بؤس الفلسفة« وخاتمة »البيان الشيوعي« حيث ينادي بمماعتزاز وعلممى المكشمموف
بحتمية الثورة العنيفة ،ولنتذكر انتقاد برنامج غوتا سنة ،1875الذي جاء بعد نحو ثلثين سممنة ،والممذي
قّرع فيه ماركس انتهازية هذا البرنامج دون رحمة- ،إن هذا التقريظ ليس قط مممن قبيممل »الكلممف«،
ليس قط من قبيل بهمرج الكلم ،ول ممن قبيمل الحماسممة فممي الجممدال ،إن ضممرورة تربيمة الجمماهير
بصورة دائمة بروح هذه النظرة وهمذه النظمرة بالمذات للثمورة العنيفمة همي أسماس تعماليم مماركس
وإنجلس بأكملها .وخيانة تعاليمهما من قبمل التيمارين الشمتراكي-الشموفيني والكاوتسمكي السمائدين
اليوم تتجلى بوضوح خاص في نسيان هؤلء وأولئك لهذه الدعاية ،لهذا التحريض.
إن الستعاضة عن الدولة البرجوازية بدولة بروليتارية ل يمكن بدون ثورة عنيفة .والقضاء على
الدولة البرجوازية ،أي على كل دولة ،ل يمكن عن غير طريق »الضمحلل«.
11
لقد طور ماركس وإنجلس هذه النظرات بصورة مفصلة وملموسممة دارسممين كممل وضممع ثمموري
بعينه ومحللين عبر خبرة كل ثورة بعينها .وها نحن ننتقل إلى هذا القسم من تعاليمهماوهو دون شممك
أهم أقسامها.
12
الفصل الثاني :الدولة والثورة .خبرة سنوات 1851-1848
-1عشية الثورة
إن »بؤس الفلسفة« و»البيان الشيوعي« ،وهما باكورتا الماركسية الناضجة ،يعممودان بالضممبط
لعشية ثورة سنة .1848وبحكم هذا الواقع نجد فيهممما لحممد ممما ،إلممى جممانب بسممط السممس العامممة
للماركسية ،انعكاسا للوضع الثوري الملموس القائم آنذاك ،ولذا ربممما مممن الصمموب تحليممل ممما قمماله
مؤلفا هذين الكتابين عن الدولممة مباشممرة قبممل بسممطهما السممتنتاجات الممتي استخلصمماها مممن خممبرة
سنوات .1851-1848
»… في مجرى التطور ستحل الطبقة العاملة محل المجتمع البرجوازي القديم رابطة ل مكمان
فيها للطبقات وتضادها؛ ولممن تكممون ثمممة أي سمملطة سياسممية بمعنممى الكلمممة الخمماص ،لن السمملطة
السياسية بالذات هي الفصاح الرسمي عن تضاد الطبقات في قلب المجتمع البرجوازي« )ص 182
من الطبعة اللمانية لسنة .(1885
ومن المفيد أن نقارن هذا العرض العام لفكممرة زوال الدولممة بعممد القضمماء علممى الطبقممات مممع
العرض الوارد في »البيان الشيوعي« الذي كتبه ماركس وإنجلس بعممد عممدة أشممهر ،أي فممي نوفمممبر
سنة :1848
»…عندما وصفنا أعم المراحل في تطور البروليتاريا ،تتبعنا الحرب الهلية المستترة لهذا الحد
أو ذاك والجارية في المجتمع إلى الحد الذي تنقلب معه إلى ثورة مكشوفة وتؤسس فيه البروليتاريمما
سيادتها عن طريق اسقاط البرجوازية بالعنف…
… رأينمما فيممما تقممدم أن الخطمموة الولممى فممي الثممورة العالميممة هممي تحممول« )حرفيمما :ترفممي(
»البروليتاريا إلى طبقة سائدة ،الظفر بالديموقراطية.
تستفيد البروليتاريا من سيادتها السياسية لكينا تنتزع بالتدريج من البرجوازية كامل رأس المال
وتمركز جميع أدوات النتاج في يد الدولممة ،أي فممي يممد البروليتاريمما المنظمممة بوصممفها طبقممة سممائدة
ولكيما تزيممد بأسممرع ممما يمكممن القمموى المنتجممة« )ص 37-31مممن الطبعممة اللمانيممة السممابقة لسممنة
.(1906
نممرى هنمما صمميغة لفكممرة مممن أروع وأهممم الفكممار الماركسممية فممي مسممألة الدولممة ،أي فكممرة
»ديكتاتورية البروليتاريا« )كما غدا ماركس وانجلس يقولن بعد كومونة بمماريس( ،ثممم تعريفمما للدولممة
في منتهى الهميممة أيضمما فممي عمداد »ممما نسممي مممن كلممات« الماركسممية» .الدولمة ،أي البروليتاريمما
المنظمة بوصفها طبقة سائدة«.
إن تعريف الدولة هذا ،عدا أنه لم يشرح قممط فممي مطبوعممات الدعايممة والتحريممض المسمميطرة
الصادرة عن الحزاب الشتراكية-الديموقراطية الرسمممية ،قممد نسممى ،فضممل عممن ذلممك ،بالضممبط لن
التوفيقي بينه وبين الصلحية ل يمكن بوجه ،ولنه يفقأ عين الوهام النتهازية والبورجوازية الصممغيرة
المعتادة بصدد »تطور الديموقراطية السلمي«.
البروليتاريمما بحاجممة إلممى دولممة –هممذا ممما يكممرره جميممع النتهممازيين ،والشممتراكيين-الشمموفينيين
والكاوتسكيين ،مؤكدين أن هذه هي تعاليم ماركس و»ناسين« أن يضيفوا ،أول ،أن البروليتاريا ،برأي
ماركس ،ليست بحاجة إل ّ إلى دولة في طريق الضمحلل ،أي مبنيمة بشمكل تأخممذ معمه بالضمممحلل
13
على الفور ول مندوحة لها معه من أن تضمحل .وثانيمما ،أن الشممغيلة بحاجممة إلممى »دولممة«» ،أي إلممى
البروليتاريا المنظمة بوصفها طبقة سائدة«.
الدولة هي نوع خاص من تنظيم للقوة ،هي تنظيم للعنف بقصد قمع طبقة من الطبقات .فأيممة
مرة وحممدها ،أي طبقة ينبغي للبروليتاريا أن تقمعها؟ بطبيعة الحال ينبغي لها أن تقمع الطبقة المسممتث ِ
مرين ،ول يقدر علممى قيممادة البرجوازية .إن الشغيلة ليسوا بحاجة إلى الدولة إل ّ لقمع مقاومة المستث ِ
هذا القمع ،على تطبيقه عموما ،غير البروليتاريا بوصفها الطبقة الوحيدة الثورية حتى النهاية ،الطبقة
مرين مممن أجممل النضممال ضممد البرجوازيممة ،مممن أجمملالوحيدة الكفء لتوحيد جميع الشممغيلة والمسممتث َ
إسقاطها تماما.
مرة إلى السيادة السياسية للبقاء على الستثمار ،أي من أجل المصالح تحتاج الطبقات المستث ِ
النانية للقلية الضئيلة وضد الكثرية الساحقة من الشعب وضممد القليممة الضممئيلة مممن ملكممي العبيممد
المعاصرين ،أي الملكين العقاريين والرأسماليين.
إن الديموقراطيين صغار البورجوازيين ،أدعياء الشتراكية هؤلء ،الذين استعاضوا عممن النضممال
الطبقي بأحلم عمن التوفيمق بيمن الطبقمات ،تصموروا كمذلك التحويمل الشمتراكي بصمورة خياليمة ،ل
مرة ،بل بصورة خضوع القلية بشكل سلمي للكثريممة المدركممة بصورة إسقاط سيادة الطبقة المستث ِ
لواجباتها .وهذه الطوباوية البرجوازية الصغيرة المرتبطة ارتباطمما ل تنفصممم عممراه بممالعتراف بوجممود
دولة قائمة فوق الطبقات قد أفضت عمليا إلى خيانة مصالح الطبقممات الكادحممة ،كممما بيممن ذلممك مثل
تاريممخ ثممورتي 1848و 1871الفرنسمميتين وكممما بينممت خممبرة الشممتراك »الشممتراكي« بممالوزارات
البرجوازية في إنجلترا وفرنسا وإيطاليا وغيرها من البلممدان فممي أواخممر القممرن التاسممع عشممر وأوائل
القرن العشرين.
لقد ناضل ماركس طيلة حياته ضد هذه الشممتراكية البرجوازيممة الصممغيرة الممتي بعثهمما الن فممي
روسيا حزبا الشتراكيين-الثوريين والمناشفة .وقد طور ماركس باستقامة نظرية النضال الطبقي بما
في ذلك نظرية السلطة السياسية ،نظرية الدولة.
إن إسقاط سيادة البرجوازية ل يمكن إل ّ من جمانب البروليتاريما باعتبارهما طبقمة خاصمة تعمدها
ظروف وجودهمما القتصممادية لهممذا السممقاط وتعطيهمما المكانيممة والقمموة للقيممام بممذلك .فبينممما تجممزئ
البرجوازية وتبعثر الفلحين وجميع الفئات البرجوازية الصغيرة تممرص البروليتاريما وتوحممدها وتنظمهما.
فالبروليتاريا بحكم دورها القتصادي في النتاج الضممخم ،هممي الوحيممدة الكفممء لتكممون زعيممما لجميممع
مرين الذين تستثمرهم البرجوازية وتظلمهم وتضغط عليهم في حالت كثيرة جماهيرالشغيلة والمستث َ
ضغطا ليس بأضعف بل هو أشد من ضغطها على البروليتاريين ،ولكنهم غير أهممل للنضممال المسممتقل
في سبيل تحررهم.
إن تعاليم النضممال الطبقممي الممتي طبقهمما ممماركس علممى مسممألة الدولممة وعلممى مسممألة الثممورة
الشتراكية تفضي ل محالة إلى العتراف بسيادة البروليتاريمما السياسممية ،بممديكتاتوريتها ،أي بسمملطتها
التي ل تقتسمها مع أحد والتي تستند مباشرة إلى قوة الجماهير المسلحة .إن إسمقاط البرجوازيممة ل
يمكن أن يتحدد عن غير طريق تحول البروليتاريا إلممى طبقممة سممائدة قممادرة علممى قمممع ممما تقمموم بممه
مرة مممن أجممل البرجوازية حتما من مقاومة مسعورة وعلى تنظيم جميع الجممماهير الكادحممة والمسممتث َ
النظام القتصادي الجديد.
إل ّ أن البروليتاريا بحاجة إلى سلطة الدولة ،أي إلى تنظيم القوة المتمركزة ،إلى تنظيم العنممف
مرين أم لقيادة جماهير السكان الغفيرة من فلحيممن وبورجوازيممة صممغيرة
سواء لقمع مقاومة المستث ِ
وأشباه بروليتاريين في أمر »ترتيب« القتصاد الشتراكي.
إن الماركسية ،إذ تربي حزب العمال ،تربي طليعة البروليتاريمما الكفممء لخممذ السمملطة وللسممير
بكل الشعب إلى الشتراكية ولتوجيه وتنظيم النظمام الجديمد ولتكموين معلمما ً وقمائدا ً وزعيمما ً لجميمع
14
ممما
مرين في أمر تنظيممم حيمماتهم الجتماعيممة بممدون البرجوازيممة وضممد البرجوازيممة .أ ّالشغيلة والمستث َ
النتهازية السائدة اليوم ،فإنها بالعكس تربي من حزب العمال جماعة منفصمملة عممن الجممماهير تمثممل
العمال ذوي الجور العليا الذين »يدبرون أمورهم« بصورة ل بأس بها في ظممل الرأسمممالية ويممبيعون
مقابل طبيخ من العدس حق البممن البكممر ،أي أنهممم يتخلممون عممن دور زعممماء الشممعب الثمموريين فممي
النضال ضد البرجوازية.
»الدولممة ،أي البروليتاريمما المنظمممة بوصممفها طبقممة سممائدة« -إن نظريممة ممماركس هممذه ترتبممط
ارتباطا وثيقا بكامل تعاليمه عن دور البروليتاريا الثوري في التاريخ .وذروة هذا الدور هممي ديكتاتوريممة
البروليتاريا ،سيادة البروليتاريا سياسيا.
ولكن ،إذا كانت البروليتاريا بحاجة إلى الدولة بوصفها منظمممة خاصممة للعنممف ضممد البرجوازيممة،
فمن هنا ينبثق تلقائيا َ الستنتاج التالي :هل من الممكن إنشاء مثل هذه المنظمة دون أن يسبق ذلممك
تحطيم وتدمير آلة الدولة التي أنشأتها البرجوازية لنفسها؟ هذا هو الستنتاج الذي يسممير بنمما »البيممان
الشيوعي« مباشرة إليه وعن هذا الستنتاج يتحدث ماركس ملخصا َ خبرة سنوات .1851-1848
-2حاصل الثورة
في مسألة الدولة التي نحن بصددها لخص ماركس خبرة ثورة سنوات 1851-1848في كتابه
»الثامن عشر من برومير لويس بونابرت« بالعبارات التالية:
»… ولكن الثورة عميقة .إنهما مما تمزال فمي رحلمة عمبر المطهمر .إنهما تقموم بمهمتهما بصمورة
منهاجية .فحتى الثاني من ديسمبر سنة ) «1851يوم قيام لويس بونابرت بالنقلب( »أتمممت نصممف
عملها التحضيري ،وهي تتم الن النصف الخر .في البدء تسير بالسلطة البرلمانيممة إلممى حممد الكمممال
ليصبح بإمكانها اسقاطها .والن ،وقد بلغت ذلك ،تسير بالسلطة التنفيذية إلى حد الكمممال ،تصممل بهمما
إلى تعبيرها الصرف ،تجعلها في عزلة ،تعرضها بنفسها باعتبارها الموضوع الوحيد لكيما تركممز ضممدها
جميع قوى التدمير« )التشديد لنا(» .وعندما تتم الثمورة هممذا النصممف الثماني مممن عملهمما التحضميري،
عندئذ تنهض أوروبا على قدميها وتهتف فرحة :ما أحسن ما تحفر أيها الخلد الهرم!.
هذه السلطة التنفيذية مع منظمتها البيروقراطية والعسكرية الجسيمة ،مع آلة دولتها ،المعقدة
جدا والمصطنعة ،مع هذا الجيش من الموظفين من نصف مليون شخص إلى جانب جيش من الجنممد
من نصف مليون أيضا ،هذه العضوية الطفيلية المريعة التي تلف كامل جسد المجتمع الفرنسي كأنها
الشبكة وتسد عليه جميع المسام ،قد نشأت في زمن الملكية المطلقة عند غممروب القطاعيممة ،هممذا
الغروب الذي ساعدت هذه العضوية في تعجيله« .إن الثورة الفرنسية الولممى قممد طممورت التمركممز،
ممما
»ولكنها إلى جانب ذلك وسعت نطمماق وصمملحيات السمملطة الحكوميممة وضمماعفت عممدد أعوانهمما .أ ّ
نابليون فقد بلغ بآلة الدولة هذه درجة الكمال« .والملكية الشرعية وملكية يوليمموز »لممم تضمميفا شمميئا
جديدا عدا تقسيم للعمل أكبر…
…وأخيرا وجدت الجمهورية البرلمانية نفسها في نضالها ضممد الثممورة مضممطرة إلممى أن تقمموي،
إلى جانب تدابير القمع ،أدوات السلطة الحكومية وتمركزها .إن جميع النقلبات قد أتقنت هذه اللممة
بدل َ من أن تحطمها« )التشديد لنمما(» .فممالحزاب الممتي خلقممت بعضممها بعضمما فممي النضممال مممن أجممل
السيادة كانت ترى في الستيلء على صرح الدولة الهائل الغنيمة الرئيسية في حال إنتصارها« )كتابه
»الثامن عشر من برومير لويس بونابرت« ،ص 98و ،99الطبعة الرابعة هامبورغ ،سنة .(1907
في هذه المحاكمة الرائعة تخطو الماركسية خطمموة كممبرى إلممى المممام بالمقارنممة مممع »البيممان
الشيوعي« .ففي »البيان الشيوعي« قممد طرحممت مسممألة الدولممة بصممورة مجممردة للغايممة وبمفمماهيم
وتعابير عامة جدا .وهنمما تطممرح المسممألة بصممورة ملموسممة ويسممتخلص السممتنتاج فممي منتهممى الدقممة
والوضوح وبصورة حسية عملية تماما :جميمع الثممورات السمابقة اتقنمت آلممة الدولممة فممي حيممن ينبغمي
تحطيمها وتكسيرها.
15
إن هذا الستنتاج هو الستنتاج الرئيسي الساسي في تعاليم الماركسية عن الدولة .وهذا المر
الساسي بالضبط ،عدا أنه قد نسي بصورة تاممة فمي الحمزاب الشمتراكية-الديموقراطيممة الرسممية
السائدة ،قد شوهه تشويها )كما سنرى فيما يأتي( أبرز النظريين في الممية الثانية ،كاوتسكي.
في »البيان الشيوعي« لخصت دروس التاريخ العامة التي تجعلنا نرى في الدولة هيئة للسيادة
الطبقية وتفضي بنا إلى استنتاج ل مندوحة عنه وهو أن البروليتاريا ل تستطيع إسقاط البرجوازيممة إذا
لم تستولي في البدء على السلطة السياسية ،إذا لم تحصل على السمميادة السياسممية ،إذا لممم تحممول
الدولة إلى »بروليتاريا منظمة بوصفها طبقة سائدة« ،وأن هذه الدولة البروليتاريممة تبممدأ بالضمممحلل
فور انتصارها ،لن الدولة ل لزوم لها ول يمكن أن توجد في مجتمع خال من التناقضات الطبقية .في
»البيان الشيوعي« لم تطرح مسألة كيف ينبغي أن تتم –من نظر التطور التاريخي -هذه الستعاضممة
عن الدولة البرجوازية بالدولة البروليتارية.
وهذه المسألة بالذات يطرحها ماركس ويحلها فمي سمنة .1852إن مماركس الميمن لفلسمفته
المادية الدياليكتيكية يأخذ كأساس الخبرة التاريخية التي أعطتهمما السممنوات العظمممى ،سممنوات ثممورة
.1851-1848وتعاليم ماركس هنا ،كشأنها أبدًا ،هي تلخيص للخبرة على ضوء نظرة فلسفية عميقة
ومعروفة واسعة للتاريخ.
لقد طرحت مسألة الدولة بصورة ملموسة :كيف نشأت تاريخيا الدولة البرجوازية ،آلممو الدولممة
الضرورية لسيادة البرجوازية؟ ماذا طرأ عليها من تغير وتطور في مجرى الثورات البرجوازية وحيممال
النضالت المستقلة الملزمة للطبقات المظلومة؟ وما هي واجبات البروليتاريا إزاء آلة الدولة هذه؟
إن سلطة الدولة الممركزة الملزمة للمجتمع البرجوازي قد ظهرت فممي عهممد سممقوط الحكممم
المطلق .وثمة مؤسستان تميزان أكثر من غيرهما آلة الدولة هذه ،هما الدواوينية والجيش النظمامي.
وقد تكلم ماركس وإنجلس في مؤلفاتهما مممرارا وتكممرارا مممبينين ألمموف الخيمموط الممتي تربممط همماتين
المؤسستين بالبرجوازية بالضبط .وخبرة كل عامل تشرح هذه الصلة بمنتهى الجلء والبلغة .وتتعلممم
الطبقممة العاملممة بتجاربهمما المممرة إدراك هممذه الصمملة ،ولممذلك تفهممم الطبقممة العاملممة بهممذه السممهولة
وتستوعب بهذا الثبات العلم الذي يبين حتمية هذه الصلة ،العلم الذي أما أن ينكممره الممديموقراطيون
ما أنهممم يعرفممون بممه »عموم مًا« باسممتهتار أكممبر ناسممين أنصغار البرجوازيون عن جهل أو استهتار وأ ّ
يستخلصوا منه الستنتاجات العملية المناسبة.
الدواوينية والجيش النظامي هما »طفيلممي« علممى جسممد المجتمممع الممبرجوازي ،طفيلممي ولممدته
التناقضات الداخلية التي تمزق هذا المجتمع ،ولكنهما بالضبط ذلك »الطفيلي« الذي »يسممد« مسممام
الحياة .غير أن النتهازية الكاوتسكية السائدة اليمموم فممي الشممتراكية-الديموقراطيممة الرسمممية تعتممبر
النظرة إلى الدولة كعضوية طفيلية ،خاصة من خصائص الفوضوية على وجه الحصر .وبديهي أن هممذا
التشويه للماركسية ملئم للغاية لمصالح أولئك التافهين الضيقي الفق الذين أدوا الشتراكية إلى حد
فضيحة منقطعة النظير وهي تبرير وتجميل الحرب المبريالية بتطبيقهم عليهمما مفهمموم »الممدفاع عممن
الوطن« ،ولكن هذا هو ،على كل حال ،تشويه ل شك فيه.
عبر جميع الثورات البرجوازية التي شهدت أوروبمما عممددا عديممدا منهمما منممذ سممقوط القطاعيممة،
يجري تطوير وإتقان وتوطيد هذا الجهاز الدواويني والعسكري .فالبرجوازية الصغيرة ،مثل ،هي الممتي
تنجذب لجانب البرجوازية الكبيرة وتخضع لها لحد كبير عن طريممق هممذا الجهمماز الممذي يعطممي الفئات
العليا من الفلحين وصغار الحرفيين والتجار وغيرهم مقاعممد مريحممة وهممادئة ومحترمممة نسممبيا تجعممل
الجالسين فيها فوق الشعب .أنظروا ،مثل ،ما جممرى فممي روسميا فممي غضمون نصمف سمنة تبعمت 27
فبراير سنة :1917كراسي الدواوين التي كانوا يفضلون إعطاءها فيما مضممى لزمممرة المممائة السممود
قد غدت غنيمة يتهافت عليها الكاديت والمناشفة والشتراكيون-الثوريون .لم يفكر هؤلء في الجموهر
بأية إصلحات جدية ،محاولين تأجيلها »حتى الجمعية التأسيسية« وتأجيممل الجمعيممة التأسيسممية شمميئا
ما فممي أمممر اقتسممام الغنيمممة ،فممي أمممر اشممغال مناصممب المموزراء ونممواب
فشيئا حتى نهاية الحرب! أ ّ
الوزراء والمحافظين والخ .والخ ،.فلم يتباطئوا ولم ينتظروا أي جمعية تأسيسممية! إن لعبممة الممتراكيب
لقوام الحكومة لم تكن في الجوهر غير إفصاح عن اقتسام وإعادة إقتسممام »الغنيمممة« الجمماري مممن
16
أعلى إلى أسفل ،في البلد من أقصاها إلى أقصاها وفي كامممل الجهمماز الداري المركممزي والمحلممي.
والنتيجة ،النتيجة الموضوعية لستة أشهر -من 27فبراير حتى 27غشت سنة -1917ل تقبل جدا ً
ل:
الصلحات قد أجلت وتقاسم مقاعممد الممدواوين قممد جممرى و»أخطمماء« التقاسممم قممد ُأصمملحت بإعممادة
التقاسم عدة مرات.
ولكن بمقدار ممما تتكممرر »إعممادة تقاسممم« الجهمماز الممدواويني بيممن مختلممف أحممزاب البرجوازيممة
والبرجوازية الصغيرة )بين الكماديت والشمتراكيين-المديموقراطيين والمناشمفة ،إذا مما أخممذنا روسميا
ل( ،يتبين بصورة أوضح للطبقات المظلومة والبروليتاريا في مقممدمتها عممداء تجممد جميممع الطبقممات مث ً
المستحكم حيال المجتمع البرجوازي برمته .ومن هنا تجد جميع الحزاب البرجوازية بما فيهمما الكممثر
ديموقراطية ومنها »الديموقراطية الثورية« نفسها أممام ضمرورة تشمديد تمدابير القممع المموجه ضمد
البروليتاريا الثورية وتعزيز جهاز القمع ،أي آلة الدولة بالذات .ومجرى الحداث هذا يحمل الثورة على
»تركيز جميع قوى التدمير« ضد سلطة الدولمة ،يحملهما علمى أن تضمع أمامهما ل مهممة تحسمين آلمة
الدولة ،بل مهمة تحطيمها والقضاء عليها.
إن ما دفع إلى طرح المهممة بهمذا الشمكل ليمس المحاكممات المنطقيمة ،بمل مجمرى الحمداث
الواقعي ،الخبرة الحية التي أعطتها سنوات .1851-1848ومما يبين لنا مدى ثبات وقمموف ممماركس
على قاعدة الواقعية من الخبرة التاريخية كونه لم يطرح بعد في سنة 1852بصورة عملية المسممألة
التالية :بأي شيء يستعاض عن آلة الدولة هذه التي ينبغي القضاء عليها .ذلممك لن الخممبرة لممما تعممط
في ذلك الحين مادة لهذه المسألة الممتي طرحهمما التاريممخ علممى بسمماط البحممث فيممما بعممد ،فممي سممنة
.1871في ،1852لممم يكممن بإمكممان المممرء أن يقممرر علممى أسمماس التتبممع التمماريخي وبدقممة العلمموم
الطبيعية غير واقع أن الثورة البروليتارية قد واجهت مهمة »تركيز جميع قوى التممدمير« ضممد الدولممة،
مهمة »تحطيم« آلة الدولة.
رب سمائل يسمأل عمما إذا كمان ممن الصمحيح تعميمم خمبرة وملحظمات واسمتنتاجات مماركس
وتطبيقهمما علممى محيممط أوسممع مممن تاريممخ فرنسمما خلل ثلث سممنوات1851-1848 ،؟ لتحليممل هممذه
المسألة نذكر في بادئ المر بملحظة لنجلس ،ثم ننتقل إلى بحث الوقائع.
لقد كتب إنجلس في مقدمته للطبعة الثالثة من كتاب »الثامن عشر من برومير«:
»… فرنسا هي البلد التي سار فيها دائممما نضممال الطبقممات التمماريخي ،أكممثر مممما فممي أيممة بلد
أخرى ،حتى نهايته الفاصلة .وفممي فرنسمما كممانت تتشممكل فممي الخطمموط جليممة إلممى أقصممى حممد تلممك
الشكال السياسية المتغيرة التي كان يتحرك ضمنها هذا النضمال الطبقمي والمتي كمانت تتجلمى فيهما
نتائجه .وفرنسا التي كانت مراكز القطاعية في القرون الوسطى والتي كانت منذ عهد النهضة البلممد
مَلكية الرتيبة المتجانسممة ،قممد حطمممت القطاعيممة فممي الثممورة الكممبرى وأقممامت سمميادة النموذجي لل َ
البرجوازية صافية صفاء كلسيكيا لم يعهد في أي بلد من البلدان الوروبية الخممرى .وفممي هممذه البلد
يظهر نضال البروليتاريا التي ترفع رأسممها ،ضممد البرجوازيممة السممائدة ،بشممكل حمماد ل تعرفممه البلممدان
الخرى« )ص 4من طبعة سنة .(1907
لقد شاخت الملحظة الخيرة ما دام ثمة انقطاع قد وقع منذ سنة 1871في نضال البروليتاريا
الفرنسية الثوري ،رغم أن هذا النقطاع ،مهما كان طويل ،ل ينفي البتة احتمال أن فرنسا ستبرز في
الثورة البروليتارية المقبلة باعتبارها البلد الكلسيكي لنضال الطبقات حتى نهايته الفاصلة.
ولكن لنلق نظرة عامة على تاريخ البلممدان المتقدمممة فممي أواخممر القممرن التاسممع عشممر وبدايممة
القرن العشرين.إننا نرى أن العملية نفسها قد جرت بصورة أبطأ وبأشكال أكثر تنوعا وعلممى مسممرح
ون »السمملطة البرلمانيمة« سمواء فمي البلمدان الجمهوريممة )فرنسمما، أوسع جدا :من جهممة ،عمليممة تكم ّ
أمريكا ،سويسرا( أو في البلدان الملكية )انكلمترا ،ألمانيما لحمد مما ،إيطاليما والبلمدان السمكاندينافية،
الممخ ،(.ومممن الجهممة الخممرى ،عمليممة النضممال مممن أجممل السمملطة بيممن مختلممف أحممزاب البرجوازيممة
والبرجوازية الصغيرة التي كانت تقتسم وتعيد اقتسام »غنيمة« المقاعد في الدواوين مع بقاء أسس
17
النظام البرجوازي هي هي ،أخيممرا ،عمليممة اتقممان وتوطيممد »السمملطة التنفيذيممة« ،جهازهمما الممدواويني
والعسكري.
وما من شك في أن تلك هي السمات العامة للتطور الحديث كله للدول الرأسمالية بوجه عام.
خلل ثلث سنوات ،1852-1848 ،أظهرت فرنسا بشكل سريع وحاد ومركز نفس مجريممات التطممور
الملزم للعالم الرأسمالي بأكمله.
والمبريالية على الخص –وهي عصر الرأسمال البنكي ،عصر الحتكارات الرأسمالية العملقة،
عصر صيرورة الرأسمالية الحتكارية إلى رأسمالية الدولة الحتكارية -تظهر تعزز »آلممة الدولممة«لحممد
خارق واتساع جهازها الدواويني والعسكري اتساعا منقطع النظير مممن جممراء تشممديد القمممع الممموجه
ضد البروليتاريا إن في البلدان الملكية أو في البلدان الوسع حرية ،أي البلدان الجمهورية.
إن التاريخ العالمي يدفع الن دون شك ،في نطاق أوسممع بمما ل يقماس مممن سمنة ،1852إلممى
»تركيز جميع قوى« الثورة البروليتارية على »تدمير« آلة الدولة.
أما بم تستعيض عنهمما البروليتاريمما فقممد أعطممت كومونممة بمماريس مممادة حافلممة بممالعبر فممي هممذا
الخصوص.
»وفيما يخصني ليس لي ل فضل اكتشاف الطبقات في المجتمع المعاصممر ول فضممل اكتشمماف
صراعها .فقد سبقني بوقت طويل مؤرخون برجوازيون بسممطوا التصممور التماريخي لصممراع الطبقمات
هذا ،واقتصاديون برجوازيون بسطوا تركيب الطبقات القتصادي .وما أعطيته من جديد يتلخممص فممي
إقامة البرهان على ما يأتي (1 :أن وجود الطبقات ل يقممترن إل ّ بمراحممل معينممة مممن تطممور النتمماج )
(historische Entwicklungsphasen der Produktion)، 2أن النضال الطبقممي يفضممي بالضممرورة إلممى
ديكتاتورية البروليتاريا (3 ،أن هذه الديكتاتوريمة نفسمها ليسمت غيمر النتقمال إلمى القضماء علمى كمل
الطبقات وإلى المجتمع الخالي من الطبقات…«
في هذه الكلمات تيسر لماركس أن يفصح بجلء مدهش ،أول ،عنا يميز تعاليمه بصورة رئيسية
وجذرية عن تعاليم مفكري البرجوازية المتقدمين والكثر عمقا ،وثانيا ،عن كنه تعاليمه بشأن الدولة.
المر الرئيسي في تعاليم ماركس هو النضال الطبقي .هذا ما يقال وما يكتب بكثرة كثيرة .بيد
أن هذا غير صحيح .وعن عدم الصحة هذه تنتج ،الواحد بعد الخممر ،التشممويهات النتهازيممة للماركسممية
وينتج تزويرها بحيث تصبح مقبولة للبرجوازية .ذلك لن التعاليم بشأن النضال الطبقي لم توضممع مممن
قبل ماركس ،وهي بوجه عام مقبولة للبرجوازية .ومن ل يعرف نضال الطبقات ليس بماركسي بعممد،
وقد يظهر أنه لم يخرج بعد عن نطاق التفكير البرجوازي والسياسة البرجوازية .إن حصر الماركسممية
في التعاليم بشأن النضال الطبقي يعني بتر الماركسية وتشويهها وقصرها على ما تقبله البرجوازيممة.
ليس بماركسي غير الذي يعمم اعمترافه بالنضمال الطبقمي علمى العمتراف بديكتاتوريمة البروليتاريما.
وهذا ما يميز بصورة جوهرية الماركسي عن البرجوازي الصغير )وحممتى الكممبير( العمادي .وعلممى هممذا
المحك ينبغي التحقيق من الفهم الحق للماركسية والعتراف الحق بهمما .ول غممرو إذن ،عنممدما وصممل
تاريخ أوروبا عمليا بالطبقة العاملة إلى هذه المسألة ،إذا كان جميممع النتهممازيين والصمملحيين ناهيممك
عن جميع »الكاوتسكيين« )وهم أناس يترددون بين الصلحية والماركسية( قد أصبحوا تافهين يرثممى
لهم وديموقراطيين صغار بورجوازيين ينكرون ديكتاتورية البروليتاريا .فكراسة كاوتسكي »ديكتاتورية
البروليتاريا« التي صدرت في غشت سنة ،1917أي بعد صدور الطبعة الولى من هذا الكتاب بوقت
طويل ،هي نموذج لتشويه الماركسية علممى نمممط صممغار الممبرجوازيين وللتممبرؤ منهمما بحطممة فعل مممن
18
العممتراف بهمما بممالقول نفاقمما )راجممع كراسممي» :الثممورة الشممتراكية والمرتممد كاوتسممكي« ،بممتروغراد
وموسكو ،سنة .(1918
إن النتهازية المعاصرة بشخص ممثليها الرئيسي ،الماركسي السابق كاوتسكي ،تنطبممق تماممما
على الوصف الذي أعطاه ماركس للموقف البرجوازي ،لن هممذه النتهازيممة تحصممر نطمماق العممتراف
بالنضال الطبقي في إطار العلقات البرجوازية) .وضمن هممذا النطمماق ،فمي إطماره ،مما مممن ليممبرالي
مثقممف يرفممض »مبممدئيا« العممتراف بالنضممال الطبقممي!( .إن النتهازيممة ل توصممل العممتراف بالنضمال
الطبقي حتى المر الرئيسي بالممذات ،حممتى مرحلممة النتقممال مممن الرأسمممالية إلممى الشمميوعية ،حممتى
مرحلة إسقاط البرجوازية والقضاء التام عليها .وفي الواقع ل بد لهذه المرحلة من أن تكممون مرحلممة
نضال طبقي ل نظير لشدته ،مرحلة تتخذ أشكاله فيها حدة منقطعة النظير ،وبالتالي ل بد لدولة هذه
المرحلة من أن تكون دولة ديموقراطية من نوع جديد )لجممل البروليتمماريين والمعممدمين بمموجه عممام(
وديكتاتورية من نوع جديد )ضد البرجوازية(.
وبعد .لن يتفهممم فحمموى تعمماليم ممماركس بشممأن الدولممة إل ّ أولئك الممذين أدركمموا أن ديكتاتوريممة
الطبقة الواحدة ضرورية ليس فقط لكممل مجتمممع طبقممي بمموجه عممام ،ليممس فقممط للبروليتاريمما الممتي
أسقطت البرجوازية ،بل أيضا لمرحلة تاريخية كاملة تفصل الرأسمالية عممن »المجتمممع الل طبقممي«،
عن الشيوعية .إن أشكال الدولة البرجوازية في منتهى التنوع ،ولكن كنهها واحد :فمجتمع هذه الدول
هي بهذا الشكل أو ذاك وفي نهاية المر ديكتاتورية البرجوازية على التأكيممد .ويقينمما أن النتقممال مممن
الرأسمالية إلى الشيوعية ل بد وأن يعطي وفرة وتنوعا هائلين من الشكال السياسية ،ولكن فحواها
سيكون ل محالة واحدا :ديكتاتورية البروليتاريا.
19
الفصل الثالث :الدولة والثورة .خبرة كومونة باريس سنة
.1871تحليل ماركس
-1بم تتلخص البطولة في محاولة الكومونيين؟
من المعروف أن ماركس قد حذر العمال الباريسيين قبل الكومونة بعممدة أشممهر ،فممي خريممف
سنة ،1870مبرهنا أن محاولة إسقاط الحكوممة تكمون حماقمة اليمأس .ولكمن عنمدما فرضمت علمى
العمال المعركة الفاصلة في مارس سنة ،1871وعندما قبلها هؤلء وغدا النتفاض أممرا واقعما ،حيمما
ماركس الثورة البروليتارية بمنتهى الحماسة رغم نممذير الشممؤم .لممم يتشممبث ممماركس بشممجب دعممي
لحركة »جاءت في غير أوانيها« على غرار المرتد الروسي السيئ الشهرة عن الماركسية بليخممانوف
الذي كتب في نوفمبر سنة 1905مشجعا نضال العمال والفلحيممن ،ثممم ،بعممد ديسمممبر سممنة ،1905
أخذ يصرخ على نمط الليبراليين» :ما كان علينا حمل السلح«.
ولكن ماركس لم يكتف بالعجاب ببطولة الكومونيين الذين »هبمموا لمهاجمممة السممماء« حسممب
تعبيره .ففي هذه الحركة الثورية الجماهيرية ،وإن كانت لم تبلغ الهدف ،قممد رأى خممبرة تاريخيممة ذات
أهمية كبرى ،خطوة معينة إلى المام تخطوها الثورة البروليتاريممة العالميممة ،خطمموة عمليممة أهممم مممن
مئات البرامج والمحاكمات .وقد وضع مماركس نصمب عينيمه مهممة تحليمل همذه الخمبرة واسمتخلص
الدروس التكتيكية منها وإعادة النظر في نظريته على أساس هذه الخبرة.
»فالتعديل« الوحيد الذي اعتبر مماركس مممن الضممروري إدخمماله علمى »البيممان الشمميوعي« قممد
استوحاه من خبرة الكومونيين الباريسيين الثورية.
إن آخر مقدمة لطبعة ألمانية جديدة من »البيان الشيوعي« وقعها مؤلفاه معا تحمل تاريممخ 24
يونيو سنة .1872وفي هذه المقدمة يقول المؤلفممان كممارل ممماركس وفريممدريك إنجلممس أم برنامممج
»البيان الشيوعي« »قد شاخ اليوم في بعض أماكنه«.
»… وبوجه خاص برهنت الكومونة أن »الطبقة العاملة ل تسممتطيع أن تكتفممي بالسممتيلء علممى
آلة الدولة جاهزة وأن تحركها لهدافها الخاصة« …«
والكلمات الموضوعة ضمن القوسين المزدوجين في هممذا المقتطممف قممد اقتبسممهما المؤلفممات
من كتاب ماركس» :الحرب الهلية في فرنسا«.
وهكذا ،إن ماركس وإنجلس قد اعتبرا درسمما مممن الممدروس الساسممية الرئيسممية الممتي أعطتهمما
كومونة باريس على درجة من الجسامة بحيث أدخله في »البيان الشيوعي« باعتباره تعديل جوهريا.
ومما هو بليغ في مدلوله أن النتهازيين قد شوهوا همذا التعمديل الجموهري بالمذات ،وأن تسمعة
أعشار قراء »البيان الشيوعي« ،إن لم يكن تسعة وتسعين بالمائة منهم ،يجهلون التأكيد على معناه.
ممما هنمما فحسممبنا أن نشممير
وسنتناول هذا التشويه بالتفصيل فيما يأتي ،في فصل خاص بالتشويهات .أ ّ
إلى أن »المفهوم« المبتذل الشائع لعبارة ماركس المعروفة التي أوردناها يتلخص فممي زعممم مفمماده
أن ماركس يؤكد هنا فكرة التطور البطيء خلفا للستيلء على السلطة وهلم جرا.
والحقيقة هي العكس تماما .تتلخص فكرة ماركس في أن واجب الطبقممة العاملممة هممو تحطيممم
»آلة الدولة الجاهزة« وكسرها ،ل الكتفاء بمجرد الستيلء عليها.
ففي الثاني عشر من أبريل سمنة ،1871أي فمي أيمام الكومونمة بالممذات ،كتممب مماركس إلمى
كوغلمان:
20
»… إذا ما ألقيت نظرة إلممى الفصممل الخيممر مممن كتممابي » 18بروميممر« رأيممت أنممي أعلنممت أن
المحاولة التالية للثورة الفرنسية يجب أن تكون ل نقممل اللممة البيروقراطيممة العسممكرية مممن يممد إلممى
أخرى كما كان يحدث حتى الن ،بل تحطيمها« )التشديد لماركس .وفممي الصممل كلمممة .(zerbrechen
»وهذا هو الشرط الولي لكل ثورة شعبية حقا في القارة .وفي هذا بالممذات تتلخممص محاولممة رفاقنمما
الباريسيين البطممال« )ص 709فممي » ،Neue Zeit»، 20، 1سممنة ) .(1902-1901صممدرت رسممائل
ماركس إلى كوغلمان بالروسية فيما ل يقل عن طبعتين أشرفت على تحرير احداهما وقدمت لها(.
في هذه الكلمات» :تحطيم اللممة الدولممة البيروقراطيممة العسممكرية« أعممرب بإيجمماز عممن درس
الماركسية الرئيسي بشأن واجبات البروليتاريا فممي الثممورة حيممال الدولممة .وهممذا الممدرس بالممذات لممم
يقتصر »تأويل« الماركسية الكاوتسكي السائد على نسيانه تماما ً بل وشوهه تشويها!
وفيما يخص الفقرة التي يرجع إليها ماركس من » 18برومير« فقد أوردناها كاملة فيما تقدم.
وتنبغي الشارة بوجه خاص إلى نقطتين من فقرة ماركس المذكورة .أول ،أنه يقتصر استنتاجه
على القارة .وقد كان هذا مفهوما سنة ،1871عندما كانت إنجلترا ممما تممزال نموذجمما لبلد رأسمممالية
صرف ،ولكنها خالية من الطغمممة العسممكرية ولحممد بعيممد مممن البيروقراطيممة .ولممذا اسممتثنى ممماركس
إنجلترا حيث كانت الثورة ،بما في ذلك الثممورة الشممعبية ،تبممدو آنممذاك ممكنممة ،وكممانت ممكنممة بممدون
تحطيم »آلة الدولة الجاهزة« كشرط أولي.
في الوقت الحاضر ،فممي سممنة ،1917فممي عصممر أول حممرب إمبرياليممة كممبرى ،يسممقط تحديممد
ماركس هذا .فإنجلترا وأمريكا ،أكبر وآخر ممثلي »الحريممة« النجلممو-سكسممونية فممي العممالم قاطبممة،
بمعنى انعدام الطغمة العسكرية والبيروقراطيمة ،قمد انزلقتما بصمورة تاممة فمي المسمتنقع الوروبمي
العام ،المستنقع القذر والدامي للمؤسسات البيروقراطية والعسكرية التي تخضع لنفسها كل شمميء،
وتخمد كل شيء» .فالشرط الولي لكل ثورة شمعبية حقمًا« همو ،فمي الموقت الحاضمر ،فمي إنجلمترا
وأمريكا كذلك ،تحطيم وتدمير »آلة الدولة الجاهزة« )التي أعممدت فممي هممذين البلممدين خلل سممنوات
1917-1914لدرجة الكمال »الوروبي« ،المبريالي العام(.
ثانيا ،تستحق انتباها خاصا ملحظة ماركس العميقة منتهى العمق القائلة أن تحطيم آلة الدولممة
البيروقراطيممة والعسممكرية هممو »الشممرط الولممي لكممل ثممورة شممعبية حقمما« .ويبممدو مفهمموم الثممورة
»الشعبية« هذا مستغربا على لسان ممماركس .ويبممدو أن بإمكممان البليخممانوفيين والمناشممفة الممروس،
اتباع ستروفه هؤلء الذين يريدون أن ُيعتممبروا ماركسمميين ،فقممد شمموهوا الماركسممية تشممويها ليبراليمما
حقيرا بحيث لم يعودوا يرون معه غير معارضة الثورة البرجوازية بالثورة البروليتارية ،وهم فوق ذلممك
يفهمون هذا التعارض بجمود ما بعده جمود.
إذا ما أخذنا على سبيل المثل ثورات القرن العشرين فل بد من العتراف طبعمما بممأن الثممورتين
البرتغالية والتركية هما علممى حممد سممواء ثورتممان برجوازيتممان .ولكممن لممم تكممن ل هممذه ول تلممك ثممورة
»شعبية« لن جمهور الشعب ،أكثريته الكبرى ،لم تبرز بصورة ملحوظة ،نشيطة ومستقلة ،بمطالبهمما
الخاصة القتصادية والسياسية ل فممي هممذه الثممورة ول فممي تلممك .وبممالعكس فممإن الثممورة البرجوازيممة
الروسية في سنوات ،1907-1905وإن كانت لم تصب من النجاحات »البمماهرة« ممما أصممابته أحيانمما
الثورتان البرتغالية والتركية ،قد كانت دون شك »شعبية حقا« ،لن جمهممور الشممعب ،أكممثريته ،فئاتممه
الجتماعية »السفلى« البعيدة الغور والرازحة تحمت وطمأة الظلمم والسممتثمار ،قمد نهضمت مسمتقلة
وطبعت مجرى الثورة بأكمله بطابع مطالبها هي ،بطابع محاولتها هي لن تبني على طريقتها مجتمعمما
جديدا مكان المجتمع القديم الجاري هدمه.
في سنة ،1871لمم تكمن البروليتاريمما تشممكل أكثريممة الشمعب فممي أي بلمد مممن بلمدان القمارة
الوروبية .لم تكن الثورة تستطيع أن تكون ثورة »شعبية« تجذب للحركة الكثرية حقا ،إل ّ إذا شملت
البروليتاريا والفلحيممن .فهاتممان الطبقتممان كانتمما تؤلفممان »الشممعب« فممي ذلممك الحيممن .ويوحممد همماتين
الطبقتين واقع أن »آلة الدولممة البيروقراطيممة والعسممكرية« تظلمهممما ،تضممغط عليهممما وتسممتثمرهما.
وتحطيم هذه اللة وكسرها هو مصلحة »الشعب« الحقيقية ،مصلحة أكثريته ،مصلحة العمال وأكثرية
21
الفلحين –هو »الشرط الولي« للتحالف الحر بين فقراء الفلحين والبروليتاريا؛ وبدون هذا التحممالف
ل تكون الديموقراطية وطيدة ول يمكن التحول الشتراكي.
ومن المعروف أن كومونة باريس كانت تشق طريقها إلممى مثمل همذا التحممالف ،وهمي لمم تبلمغ
الهدف بحكم جملة من أسباب ذات طابع داخلي وخارجي.
إذن ،فعندما تكلم ماركس عن »الثورة الشعبية حقا« ،راعى ببممالغ الدقممة النسممبة الفعليممة بيممن
الطبقممات فممي أكثريممة دول القممارة الوروبيممة فممي سممنة ،1871دون أن ينسممى للحظممة خصممائص
البرجوازية الصغيرة )الخصائص التي كثيرا ما تكلم عنهمما وأكممثر عنهمما الكلم( .وقممد قممرر ،مممن الجهممة
الخرى ،أن »تحطيم« آلة الدولة نفرضه مصالح العمال ومصالح الفلحين على السواء وأنه يوحممدهم
ويضع أمامهم واجبا مشتركا هو القضاء على »الطفيلي« والستعاضة عنه بشيء ما جديد.
لم ينسق ماركس مع الخيال وانتظر من خبرة الحركة الجماهيرية أن تجيب على السممؤال :ممما
هي الشكال الملموسة التي سيتخذها تنظيم البروليتاريا بوصفها طبقة سائدة وبأية صممورة سمميقترن
هذا التنظيم مع »بالظفر بالديموقراطية« التم والكمل.
وفي كتاب »الحرب الهلية في فرنسا« يحلل ماركس أدق التحليل خبرة الكومونة على ضممآلة
هذه الخبرة .فلنورد أهم الفقرات من هذا المؤلف:
في القرن التاسع عشر ،تطورت »سلطة الدولممة المتمركممزة مممع أجهزتهمما المنتشممرة فمي كمل
مكممان :الجيممش النظممامي والشممرطة والبيروقراطيممة والكليممروس والفئة القضممائية« ،هممذه السمملطة
المتحدرة من القرون الوسطى .ومع اشتداد التناحر الطبقي بين رأس المال والعمل» ،كانت سلطة
الدولة تتخذ أكثر فأكثر طابع سلطة عامة لظلم العمل ،طابع أداة للسيطرة الطبقية .وبعد كممل ثممورة
تشكل خطوة معينة إلى المام خطاها النضال الطبقي يتجلى طابع الضطهاد المحض لسلطة الدولة
على نحو أوضح فأوضح« .وبعد ثورة سنتي ،1849-1748غدت سمملطة الدولممة »آلممة قوميممة لحممرب
الرأسمال ضد العمل« .وجاءت المبراطورية الثانية توطد ذلك.
»كانت الكومونة النقيض المباشر للمبراطورية«» .فقد كانت شكل معينا« »لجمهوريممة ينبغممي
لها أن تزيل ل الشكل الملكي للحكم الطبقي فحسب ،بل أيضا الحكم الطبقي ذاته…«
م على وجه التدقيق ،ظهر هذا الشكل »المعين« للجمهورية البروليتارية ،الشممتراكية؟ وكيممف
ب َ
كانت الدولة التي شرعت بتأسيسها؟
»… كممان أول مرسمموم أصممدرته الكومونممة يقضممي بإلغمماء الجيممش النظممامي والستعاضممة عنممه
بالشعب المسلح…«
22
وهذا المطلب يرد الن في برامج جميع الحزاب التي تريممد أن تممدعي اشممتراكية .ولكممن تظهممر
قيمة برامجها بالشكل الوضح من سلوك الشتراكيين-الثوريين والمناشفة عندنا ،إذ أنهممم تخلمموا فممي
الواقع عن تنفيذ هذا المطلب عقب ثورة 17فبراير بالذات!
»… لقد تشكلت الكومونة من نواب البلدية الذين تم انتخابهم عن طريممق القممتراع العممام فممي
مختلف دوائر باريس .كانوا مسؤولين وكان يمكن سحبهم في أي وقت كان.وكانت أكثريتهم ،بطبيعة
الحال ،من العمال أو من ممثلي الطبقة العاملة المعترف بهم…
… والشرطة التي كانت حتى ذلك الحين أداة في يد الحكومة المركزية جردت في الحال مممن
جميع وظائفها السياسية وحولت إلممى هيئة للكومونممة مسممؤولة يمكممن تبممديلها فممي أي وقممت كممان…
وهكذا كان الحال أيضا بالنسبة لممموظفي سمائر فممروع الدارة…ومممن فمموق إلممى أسممفل ،ابتممداء مممن
أعضاء الكومونة كان يتعين أداء الخدمة العامة لقمماء أجممرة تسمماوي أجممرة عامممل .وقممد أزيلممت جميممع
المتيازات وعلوات التمثيل التي كان يتقاضاها كبممار ممموظفي الدولممة مممع زوال هممؤلء الممموظفين…
وبعد أن زالت الكومونة الجيمش النظممامي والشممرطة ،وهمما أداتما الحكممم الممادي فمي يمد الحكوممة
القديمة ،أخذت في الحال تكسر أداة الستعباد الروحي ،قوة الكهنة… وفقد الموظفممون القضممائيون
استقللهم الصوري… وأصبح مممن المممترتب عليهممم أن ُينتخبمموا علنمما وأن يكونمموا مسممؤولين وقممابلين
للسحب…«.
ل« بديموقراطية أتم :القضمماءوهكذا يبدو أن الكومونة لم تستعيض عن آلة الدولة المحطمة »إ ّ
على الجيش النظامي ،مبدأ انتخاب وسحب جميع الموظفين .ولكن هممذه المم»ال« تعنممي فمي حقيقممة
المر تبديل هائل لنوع من مؤسسات بنوع آخر يختلف اختلفا مبدئيا .نحن هنا في الحقيقة أمام حالممة
من حالت »تحول الكمية إلى كيفية« :فالديموقراطيممة المطبقممة بممأتم وأوفممى شممكل يمكممن تصمموره
عموما تتحول من ديموقراطية برجوازية إلى ديموقراطية بروليتارية ،من دولة )= قوة خاصممة لقمممع
طبقة معينة( إلى شيء ليس الدولة بمفهومها.
إن قمع البرجوازية ومقاومتها كان ما يزال أممرا ضمروريا وكمانت همذه الضمرورة تفممرض ذاتهمما
على الكومونة بوجه خاص .فأحد أسباب انهزامها يتلخص في كونها لم تقم بذلك بممالحزم المطلمموب.
ولكن هيئة القمع تغدو في هذه الحالة أغلبية السكان ،ل القلية كما كان الحال على الدوام في عهممد
نظام العبودية وفي عهد نظام القنانمة وفممي عهممد عبوديمة العمممل المممأجور .وبممما أن أغلبيمة الشممعب
تمارس بنفسها قمع ظالميها فل تبقى ثمة حاجة إلى »قوة خاصة« للقمع! وبهذا المعنى تأخذ الدولممة
بالضمحلل .وبدل من المؤسسات الخاصة العائدة للقيام بذلك بصورة مباشرة؛ وبقدرما يتخذ القيام
بوظائف سلطة الدولة طابعا شعبيا أشمل بمقدار ما تقل الحاجة إلى هذه السلطة.
إن التدبير الذي اتخذته الكومونة وأشار إليه ماركس هو رائع جدا بهذا الصدد :إلغاء كل علوات
التمثيل ،إلغاء جميع امتيازات الموظفين فممي الدولممة إلممى مسممتوى »أجممرة العامممل« .وبهممذا بالممذات
يتجلى بأوضح ما يكون النعطاف من الديموقراطية البرجوازية إلى الديموقراطيممة البروليتاريممة ،مممن
ديموقراطية الظالمين إلى ديموقراطية الطبقات المظلومة ،من الدولة بوصفها »قوة خاصة« لقمممع
طبقة معينة إلى قمع الظالمين بمجموع قوة أغلبية الشعب :العمال والفلحين.وهنا ،في هذه النقطة
بالذات من مسألة الدولة ،التي هي البرز ولعلها الهم بين جميع النقاط ،بلغ نسيان دروس ممماركس
حده القصى! ل ينبسون ببنت شفة عن هممذا المممر فيممما ينشممرونه مممن تعليقممات مبسممطة عديممدة ل
تحصى .فمن »المألوف« لزوم الصمت عن ذلك كما يلزم الصمت عن »سذاجة« عفما عليهما الزممن
مثلما »نسي« المسيحيون ،عندما غدا دينهم دين الدولة» ،سذاجات« مسيحية العهد الول مع روحها
الثورية الديموقراطية.
تخفيض رواتب كبار الموظفين في جهاز الدولة يبدو »مجرد« مطلب من مطالب ديموقراطيممة
ساذجة ،بدائية .إن أحد »مؤسسي« النتهازية الحديثة ،الشتراكي-الديموقراطي سابقا ،إد .برنشتين،
قد لك مرارا وكرر التهكمات البرجوازية الحقيرة على الديموقراطية »البدائيممة« .فهممو كشمأن جميممع
النتهممازيين وكشممأن الكاوتسممكيين الحمماليين لممم يفهممم بتاتمما ،أول ،أن النتقممال مممن الرأسمممالية إلممى
الشتراكية يستحيل بدون »عودة« ما إلى الديموقراطية »البدائيممة« )وإل ّ كيممف يمكممن النتقممال إلممى
23
قيام أكثرية السكان والسكان عمن آخرهمم بوظمائف الدولمة؟( ،وثانيما ،أن »الديموقراطيمة البدائيمة«
على أساس الرأسمالية والحضارة الرأسمالية تختلف عن الديموقراطية البدائية في العهممود البدائيممة
أو عهود ما قبل الرأسمالية .فقد خلقممت الحضممارة الرأسمممالية النتمماج الضممخم ،والمعامممل والسممكك
الحديدية والبريد والتلفون وما شاكل ذلك ،وعلى هذا السمماس بلغممت الكثريممة الكممبرى مممن وظمائف
»سلطة الدولة« القديمة درجمة مممن البسمماطة وغممدا بالمكممان تحويلهما إلممى عمليمات مممن التسممجيل
والتدوين والتثبيت على درجة من السهولة بحيث تصبح تماما في منال جميع الذين يحسنون القممراءة
والكتابة ،بحيث يمكن تماما القيام بهممذه الوظمائف مقابمل »أجمرة عاممل« المعتمادة ،ويمكممن ويجممب
تجريد هذه الوظائف من أي ظل لطابع امتياز و»ترؤس«.
انتخاب جميع الموظفين دون استثناء وإمكانية سحبهم في كممل لحظممة وإنقمماص رواتبهممم حممتى
»أجرة العامل« المعتادة ،هذه التدابير الديموقراطية البسيطة و»البديهية« التي توحد تماممما مصممالح
العمال وأكثرية الفلحين هي في الوقت نفسه جسر النتقال من لرأسمالية إلممى الشممتراكية .وهممذه
التدابير تتعلق بإعادة تنظيم الدولة ،بإعادة تنظيم المجتمع من الناحيممة السياسممية الصممرف ولكنهمما ل
تكسب بطبيعة الحال كل مغزاها وأهميتها إل ّ في حالة تحقيق أو تحضممير »مصممادرة ملكيممة مغتصممبي
الملكية« ،أي تحويل الملكية الخاصة الرأسمالية لوسائل النتاج إلى ملكية إجتماعية.
»لقد جعلت الكومونة من ذلك الشممعار الممذي نممادت بممه جميممع الثممورات البرجوازيممة –الحكومممة
القليلة النفقممات -حقيقممة ،وذلممك بإلغمماء أكممبر بممابين مممن أبممواب النفقممات :الجيممش النظممامي وسمملك
الموظفين«.
ليس غير نفر ضئيل من الفلحين والفئات البرجوازية الصغيرة الخممرى يسممتطيع أن »يممترقى«
ممما مممن الميسممورين،
و»يصبح من النمماس المحممترمين« بممالمعنى الممبرجوازي للكلمممة ،أي أن يصممبح أ ّ
ما الكثرية الكبرى من الفلحين في أي بلممد ما من الموظفين الميسورين المميزين .أ ّ البرجوازيين ،وأ ّ
رأسمالي يوجد فيه الفلحون )ومثل هذه البلدان الرأسمالية هممي الكثريممة( فهممي تلقممي الظلممم مممن
الحكومة وهي متعطشة إلى إسقاطها ،متعطشة إلى حكومممة »رخيصممة« .ول يسممتطيع تحقيممق ذلممك
غير البروليتاريا ،وهي بتحقيقها لذلك تخطو في الوقت نفسه خطوة نحمو إعمادة تنظيمم الدولمة علمى
أساس الشتراكي.
-3إلغاء البرلمانية
لقد كتب ممماركس» :وكممان يممراد بالكومونممة أن تكممون ل هيئة برلمانيممة ،بممل هيئة عاملممة تتمتممع
بالسلطتين التشريعية والتنفيذية في الوقت عينه…
…وبدل من البت مممرة كممل ثلث سممنوات أو سممت فممي مسممألة معرفممة أي عضممو مممن الطبقممة
المسيطرة يجب أن يمثل ويقمع ) (ver-und zertretenالشممعب فممي البرلمممان ،كممان يجممب علممى حممق
النتخاب العام ،بدل من ذلك ،أن يخدم الشعب ،المنظم في الكومونة قصممد البحممث لمؤسسممته عممن
عمال ومراقبين ومحاسبين ،كما يخدم حق النتخاب الفردي لهذا الغرض أيا ً كان من أرباب العمل«.
إن هذا النقد الرائع للبرلمانية ،المكتوب في سنة ،1871قد غدا الن هو الخر ،بفضل سيطرة
الشممتراكية-الشمموفينية والنتهازيممة ،وفممي عممداد »الكلمممات المنسممية« مممن الماركسممية .أن المموزراء
والبرلمانيين ،وعلى هذا الساس المعقول لحد خارق نعتوا »بالفوضمموية«كممل انتقمماد للبرلمانيممة!! فل
غرو إذا كانت بروليتاريا البلدان البرلمانية »الطليعية« تشمممئز مممن رؤيممة »الشممتراكيين« مممن أمثممال
شيدمان ودافيد وليغيممن وسممامبا ورينوديممل وهندرسممون وفانرفيلممده وسممتاونينغ وبرانممتينغ وبيسممولتي
وأضرابهم وشركاهم وتميل أكثر فأكثر بعواطفها إلممى السممينديكالية الفوضمموية ،رغممم أن هممذه كممانت
شقيقة النتهازية.
24
بيد أن الدياليكتيك الثوري لم يكن قط في نظر ماركس عبارة فارغة ،على الموضممة ،لممم يكممن
مسبحة للطقطقة كما صّيره بليخانوف وكاوتسكي وأضرابهما .فكممان ممماركس يحسممن القطيعممة مممع
الفوضوية دونما إشفاق لعجزها عن الستفادة حتى مممن »حظيممرة« البرلمانيممة البرجوازيممة ول سمميما
حينما يكون من البين عمدم وجمود وضمع ثمموري ،ولكنمه فممي الموقت نفسمه قمد أحسمن كمذلك انتقمماد
البرلمانية انتقادا بروليتاريا ثوريا حقا.
البت مرة كل عدة سنوات في مسممألة معرفممة أي عضممو مممن الطبقممة السممائدة سمميقوم بقمممع
ملكيممات
الشعب في البرلمان- ،هذا هو الجوهر الحقيقممي للبرلمانيممة البرجوازيممة ،ليممس فقممط فممي ال َ
البرلمانية الدستورية ،بل كذلك في الجمهوريات الوسع ديموقراطية.
ولكن إذا ما طرحت مسألة الدولة ،وإذا ما نظر المرء إلى البرلمانيممة علممى أنهمما مؤسسممة مممن
مؤسسات الدولة ،من وجهة نظر مهام البروليتاريا في هممذا الحقممل ،فممأين المخممرج مممن البرلمانيممة؟
وكيف يمكن الستغناء عنها؟
ل بد لنا من أن نقول وأن نكرر القول :أن دروس ماركس القائمة علممى دراسممة الكومونممة قممد
نسيت لحد جعل »الشتراكي-الديموقراطي« الحالي )اقرأ :خائن الشتراكي الحالي( ل يفهم بتاتا أي
انتقاد للبرلمانية غير النتقاد الفوضوي أو الرجعي.
المخرج من البرلمانية ليس بطبيعة الحال في إلغاء المؤسسات التمثيلية والمبدأ النتخابي ،بل
في تحويل المؤسسات التمثيلية من ندوات للثرثرة إلى مؤسسات »عاملة«» .كممان يممراد بالكومونممة
أن تكون ل هيئة برلمانية ،بل هيئة تتمتع بالسلطتين التشريعية والتنفيذية في الوقت عينه«.
مؤسسممة »غيممر برلمانيممة ،بممل مؤسسممة عاملممة«‘ .ن هممذا القممول قممد فقممأ عيممون البرلمممانيين
المعاصرين و»كلب الصالونات« البرلمانية للشتراكية-الديموقراطية بالذات! امعنمموا النظممر فممي أي
بلد برلماني من أمريكا حمتى سويسمرا ومممن فرنسما حمتى انجلمترا والنممروج وغيرهما ،تممروا أن عممل
»الدولممة« الحقيقممي يجممري وراء الكممواليس وتنفممذه الممدواويني والمكمماتب وهيئات الركممان .ففممي
البرلمانات يكتفون بالهذر بقصد معيممن هممو خممداع »العامممة« .وهممذا صممحيح لدرجممة أن جميممع سمموآت
البرلمانية هذه قد برزت حال حتى في الجمهورية الروسية ،وهممي جمهوريممة برجوازيممة ديموقراطيممة،
قبممل أن يتسممنى لهمما تكمموين برلمممان حقيقممي .فأبطممال البرجوازيممة الصممغيرة المتعفنممة مممن أضممراب
سكوبيليف وتسيريتيلي وتشيرنوف وأفكسنتييف قد اسممتطاعوا تقبيممح السمموفييتات أيضمما علممى نمممط
البرلمانية البرجوازية وذلك بجعلها ندوات للهذر الفارغ .إن السادة الوزراء »الشممتراكيين« يخممدعون
فمي السموفييتات الفلحيمن السمريعي التصمديق بطنيمن عبماراتهم وقراراتهمم .وفمي الحكوممة تتغيمر
المشاهد دون انقطاع ،من جهة ،ليجلس بالتناوب على »مائدة« المقاعممد المممدرارة والمشممرفة أكممبر
عدد ممكن من الشتراكيين-الثوريين والمناشفة ،ومن الجهة الخرى ،بقصد »تحويل أنظار« الشعب.
ما في الدواوين وفي مقرات الركان »فينهمكون« في أعمال »الدولة«! أ ّ
لمد قريب كتبت جريدة »ديلو نمارودا« ،لسمان حمال حمزب »الشمتراكيين-الثموريين« الحماكم،
معترفة في مقال افتتاحي لهيئة التحرير –معترفة بقحة أعضاء »الممبيئة الطيبممة« الممتي يتعمماطى فيهمما
»الجميع« الدعارة السياسية -بأن جهاز الموظفين بأكمله ظل فممي الجمموهر ودونممما تغييممر حممتى فممي
الوزارات العائدة »للشتراكيين« )ول مؤاخذة علمى همذا التعمبير!( وبمأنه يعممل علمى النممط القمديم
ويعرقل »بكل حرية« المبادرات الثورية! وعلى فرض أن هذا للعتراف لممم يوجممد ،أفل يممبرهن علممى
ذلك واقع اشتراك الشتراكيين-الثوريين والمناشفة الفعلي في الحكومممة؟ والبعيممد الدللممة هنمما واقممع
وحيممد ،هممو أن السممادة تشمميرنوف وروسممانوف وزينزينمموف وأضممرابهم مممن محممرري »ديلممو نممارودا«
الموجودين بجمعية الديموقراطيين الدستوريين )الكاديت( في المموزارة قممد فقممدوا الحيمماء لحممد غممدوا
معه ل يستحون من أن يعلنوا إلى المل دون أن تعلو وجوههم حمرة الخجل كأنما يعلنون أمرا تافهمما،
إن كل شيء يجري على النمممط القممديم »عنممدهم« فممي المموزارات!! العبممادة الديموقراطيممة الثوريممة
لخداع سذج الريمماف ،ومممماطلت الممدواوين البيروقراطيممة »لرضمماء« الرأسممماليين-هممذا هممو فحمموى
الئتلف »الشريف«.
25
لقد استعاضت الكومونة عن برلمانية المجتمع الممبرجوازي المرتشممية والمتعفنممة بمؤسسممات ل
تنحط فيها حرية الرأي والبحث إلى خداع ،لنه يتوجب على البرلمممانيين أن يعملمموا هممم أنفسممهم ،أن
ينفذوا قوانينهم بأنفسهم ،أن يتحققوا بأنفسممهم مممن نتائجهمما العمليممة ،أن يقممدموا الحسمماب مباشممرة
لناخبيهم .تبقى المؤسسات التمثيلية ،ولكن البرلمانية باعتبارها نظاما خاصا ،باعتبارهمما فصممل للعمممل
التشريعي عن التنفيذي ،باعتبارها وضعا ممتازا للنواب ،تنعدم هنا .ل يمكننا أن نتصور الديموقراطية،
وحتى الديموقراطية البروليتارية ،بدون مؤسسممات تمثيليممة؛ ولكممن يمكننمما ومممن واجبنمما أن نتصممورها
بدون البرلمانية إذا لم يكن انتقاد المجتمممع الممبرجوازي فممي نظرنمما مجممرد عبممارات فارغممة ،وإذا كممان
طموحنا إلى إسقاط سيطرة البرجوازية صادقا وجديا ،ل عبارة »انتخابية« لتصيد أصوات العمال كما
هو حال المناشفة والشتراكيين-الثوريين ،كما هو حال شيدمان وليغين وسامبا وفانرفيلده ،ومن لممف
لفهم.
والبليغ أبلغ الدللة أن ماركس ،عندما تكلم عن وظممائف أولئك الممموظفين الممذين تحتمماج إليهممم
الكومونة وكذلك الديموقراطية البروليتارية ،أخذ للمقارنممة المسممتخدمين عنممد »أي كممان مممن أربمماب
العمل« ،أي معمل رأسماليا معتادا بما فيه من »عمال ومراقبين ومحاسبين«.
إن ماركس براء كليمما مممن الطوباويممة ،بمعنممى أنممه ل يختلممق ،ل يتخيممل مجتمعمما »جديممدا« .كل.
يدرس ،كما يدرس مجرى التاريخ الطبيعي ،ولدة المجتمع الجديد من القممديم وأشممكال النتقممال مممن
هذا إلى ذاك .وهو يأخذ الخمبرة العمليمة للحركمة البروليتاريمة الجماهيريمة ،ويسمعى ليسمتخلص منهما
الدروس العملية .وهو »يتعلم« من الكومونة على غرار جميع المفكرين الثوريين العظممام الممذين لممم
يتهيبمموا التعلممم مممن خممبرة الحركممات الكممبرى الممتي قممامت بهمما الطبقممة المظلومممة ولممم يلقمموا عليهمما
»المواعظ« بعجرفة المتزاهي بعمله )على غرار موعظة بليخانوف» :ما كان ينبغممي حمممل السمملح«
أو موعظة تسيرتيلي» :من واجب الطبقة أن تلزم حدها«(.
ل يمكن أن تطرح مسألة القضاء على الدواوينية دفعة واحدة ،وفي كممل مكممان وبصممورة تامممة.
إن هذا من الطوباويات .ولكن تكسير اللة الدواوينية القديمممة دفعممة واحممدة والشممروع دونممما إبطمماء
ببناء آلة جديدة تمكن من القضاء بصورة تدريجية على واجب البروليتاريا الثورية المباشر.
تبسط الرأسمممالية وظممائف إدارة »الدولممة« ،وهممي تمكممن مممن حصممر المممر كلممه فممي منظمممة
البروليتاريين )بوصفهم الطبقمة السمائدة( ،المتي تسمتأجر باسمم المجتممع كلمه »العممال والمراقمبين
والمحاسبين«.
نحن لسنا طوبويين .نحن ل »نحلم« بالستغناء دفعة واحممدة عممن كممل إدارة ،عممم كممل خضمموع.
فهذه الحلم الفوضوية الناشئة عن عممدم فهممم مهممام ديكتاتوريممة البروليتاريمما هممي غريبممة تماممما عممن
الماركسية ول تفعل في الواقع غير تأجيل الثورة الشتراكية إلى أن يصبح الناس غير ما هم عليه .ل.
نحن نريد الثورة الشتراكية مع الناس على ما هم عليه اليوم ،مع هؤلء النمماس الممذين ل يسممتطيعون
الستغناء عن الخضوع ،عن المراقبة ،عن »المراقبين والمحاسبين«.
سننظم النتاج الكبير انطلقا مما أنشأته الرأسمالية وسنقوم نحن العمممال بأنفسممنا ،مسممتندين
إلى خبرتنا العمالية وواضعين انضباطا صمارما جمدا ،انضمباطا حديممديا تممدعمه سملطة الدولمة للعمممال
المسلحين ،بحصر دور موظفي الدولة في دور مجممرد منفممذين لممما تكلفهممم بممه ،فممي دور »مراقممبين
ومحاسبين« )طبعا ،مممع التكنيكييممن مممن جميممع الصممناف والنممواع والممدرجات( يتحملممون المسممؤولية
ويمكن سحبهم ويتقاضون رواتب متواضعة .هذه هي مهمتنا البروليتارية ،هذا ما يمكن وممما يجممب أن
نبدأ به عند القيام بالثورة البروليتارية .وهذه البداية القائمة على النتاج الضخم تؤدي بطبيعممة الحممال
إلى »اضمحلل« الدواوينية كلها بصورة تدريجية ،تؤدي بصورة تدريجية إلى نشوء نظام –نظام بدون
26
معترضتين ،نظام ل يشبه عبودية العمل المأجور -يجممري فيممه تحقيممق وظممائف المراقبممة والمحاسممبة
التي تغدو أبسط فأبسط من قبل الجميع بالتناوب ثم تغدو هممذه الوظممائف عممادة لممتزول فممي النهايممة
باعتبارها وظائف خاصة تقوم بها فئة خاصة من الناس.
إن أحد الشتراكيين-الديموقراطيين اللمان الذكيمماء مممن تسممعينات القممرن الماضممي قممد نعممث
دائرة البريد بنموذج للمشروع الشتراكي .وهذا صحيح كل الصحة .فالبريد هو الن منظم على طراز
احتكار رأسمالية الدولة .والمبريالية تحول بالتدريج جميع التروستات إلى مشاريع مممن هممذا الطممراز.
فالشغيلة »البسطاء« الغمارقون فمي العممل حمتى الذان والجيماع تممتربع فموقهم فيهمما البيروقراطيمة
البرجوازية عينهمما .ولكممن آليممة الدارة الجتماعيممة هممي فممي هممذه المشمماريع جمماهزة .فممما أن يسممقط
مرين وتكسممر اللممة الرأسممماليون وتحطممم يممد العمممال المسمملحين الحديديممة مقاومممة هممؤلء المسممتث ِ
البيروقراطية للدولة الراهنة حتى نرى أمامنا آلة محررة من »الطفيلي« ومجهزة أحسن تجهيممز مممن
الناحية التكنيكية يستطيع العمال المتحدون أنفسهم تشغيلها على خير وجه باستئجار الخبراء الفنييممن
والمراقبين والمحاسبين مكافئينهم على عملهم جميعهم شأنهم شأن جميع موظفي »الدولممة« علممى
العموم بأجرة عامل .هذه هي المهمة العملية الملموسة الممكنة التحقيممق علممى الفممور حيممال جميممع
التروستات ،المهمة التي تخلص الشغيلة من الستثمار وتأخذ بعين العتبممار التجربممة الممتي قممد بممدأتها
الكومونة عمليا )ول سيما في حقل بناء الدولة(.
تنظيممم القتصمماد المموطني برمتممه علممى نمممط البريممد علممى أن ل تزيممد رواتممب الخممبراء الفنييممن
والمراقبين المحاسبين ،شأنهم شمأن جميمع المموظفين ،علمى »أجمرة العاممل« ،وذلمك تحمت رقابمة
وقيادة البروليتاريا المسلحة- ،هذا هو هدفنا المباشر .هممذه هممي الدولممة الممتي نحتمماج إليهمما .وهممذا هممو
الساس القتصادي الذي ينبغي أن تقوم عليه .وهذا ما سيسفر عنه القضاء على البرلمانية والحفاظ
على المؤسسات التمثيلية .وهذا ما سيخلص الطبقات الكادحة من تعهير هذه المؤسسمات مممن قبممل
البرجوازية.
»…والوظائف القليلة ،ولكنها الهامة جدا ،التي كانت ستظل في يد الحكومة المركزية لم تكن
لتلغى- ،ومثل هذا الزعم كان تزويرا عن عمد -بل كان يجب نقلهما إلمى مموظفي الكومونمة ،أي إلمى
موظفين ذوي مسؤولية محددة تحديدا دقيقا…
… ووحدة المة لم تكن لتفصم ،بل بالعكس كانت ستنظم عن طممرق البنمماء الكوممموني .وكممان
لوحدة المة أن تصبح حقيقة واقعة بالقضاء على سلطة الدولة التي كانت تدعي بأنهمما تجسمميد لتلممك
ممما فممي الواقممع ،فلممم
الوحدة ،ولكنها كانت ترغب في أن تكون مستقلة عن المة ،مسممتعلية عليهمما .أ ّ
تكن سلطة الدولة هذه إل ّ بمثابة الزائدة الطفيلية على جسم المة … وكانت المهمة هي بتر أجهممزة
الضطهاد البحتة التابعة للسلطة الحكومية القديمة ،وانتزاع الوظائف المعتادة من سلطة تطمع بممأن
تكون فوق المجتمع وتسليمها إلى خدم المجتمع المسؤولين«.
إن كتاب المرتد برنشتين »ممهدات الشممتراكية ومهممام الشممتراكية-الديموقراطيممة« الممذي ذاع
صيته علممى نممط هيراسممترات يظهممر لنما علمى المموجه الوضمح لي ممدى لمم يفهمم النتهمازيون فممي
الشتراكية-الديموقراطية المعاصرة –وقد يصح القول :لم يرغبوا في أن يفهموا -محاكمممات ممماركس
هذه بالذات إن هذا البرنامج »من حيث مضمونه السياسي يشبه في جميممع سممماته الجوهريممة شممبها
كبيرا جدا اتحادية برودون … ورغم كل الختلفات بين ماركس و»البرجوازي الصغير« برودون )يضع
برنشتين كلمتي »برجوازي صغير« بين قوسين مزدوجيممن ينبغممي لهممما حسممب رأيممه أن يضممفيا علمى
التعبير شيئا من النكهة( فإن مجرى التفكير عندهما في هذه النقاط متقارب لقصى حممد« .وممما مممن
شك –يتابع برنشتين -في أن أهمية المجالس البلدية في ازدياد ،ولكن »يبدو لي مممن المشمكوك فيمه
27
أن يكممون واجممب الديموقراطيممة الول إلغمماء ) Auflosungحرفيمما :حممل( الممدول الحديثممة وتغييممر )
:Umwandlungقلب( تنظيمها تغييرا تاما كما يتصور ماركس وبرودون ،أي تشكيل مجلس المممة مممن
مندوبين عن مجالس القاليم أو المحافظات التي تتألف بدورها من مندوبين عن الكومونممات ،بحيممث
يزول بصورة تامة شكل التمثيل الوطني السابق بأكمله« )برنشممتين» ،ممهممدات« ،ص 134و ،136
الطبعة اللمانية ،سنة .(1899
إنه لمن منتهى الفظاعة أن يخلط المرء نظرات ماركس بصدد »القضاء علممى سمملطة الدولممة،
على الطفيلي« مع اتحاد برودون! ولكن ليس من باب الصمدفة ،لنمه ل يمكمن حمتى أن يخطمر ببمال
النتهازي أن ماركس ل يتكلم هنا البتة عن التحادية باعتبارها نقيض المركزيممة ،بممل عممن تحطيممم آلممة
الدولة القديمة ،البرجوازية ،الموجودة في جميع البلدان البرجوازية.
ل يخطر ببال النتهازي إل ّ ممما يممراه مممن حمموله مممن بيئة التممافهين صممغار الممبرجوازيين والركممود
»الصلحي« ،أي يضطر بباله مجرد »المجالس البلدية«! أما ثورة البروليتاريمما فقممد أضمماع النتهممازي
حتى المقدرة على التفكير بها.
إن هذا مضحك .ولكن البليغ الدللة أن أحدا لم يجادل برنشتين حول هذه النقطة .فقممد دحضممه
كثيرون ولسيما بليخانوف في الدب الروسي وكاوتسكي في الدب الوروبممي ،ولكممن لممم يتحممدث ل
هذا ول ذاك عن هذا التشويه لماركس من جانب برنشتين.
لقد أضاع النتهازي مقدرته علمى التفكيممر الثموري والتفكيممر بممالثورة إلمى حممد أنممه ينسمب إلممى
ما كاوتسكي وبليخانوف الراغبان ماركس »التحادية« ويخلط بينه وبين مؤسس الفوضوية برودون .أ ّ
في أن يكونا من الماركسيين الرثوذكس وفي الذود عممن تعمماليم الماركسممية الثوريممة فيصمممتان عممن
ذلك! وهنا يكمن جذر من جذور البتذال المفرط للراء بصدد الفرق بين الماركسية والفوضوية ،ذلك
البتذال الذي يلزم الكاوتسكيين والنتهازيين على حد سواء والذي سنتحدث عنه فيما بعد.
ل يوجد للتحادية أثر فيما أوردناه من محاكمات ماركس عن خممبرة الكومونممة .يلتقممي ممماركس
وبرودون بالضبط فيما ل يممراه النتهممازي برنشممتين .ويفممترق ممماركس وبممرودون بالضممبط فيممما يممراه
برنشتين وجه الشبه.
يلتقي ماركس وبرودون في كون الثنين يناديان بم»تحطيم« آلة الدولممة الحديثممة .وهممذا الشممبه
بيممن الماركسممية والفوضمموية )بممرودون وبمماكونين علممى حممد سممواء( ل يريممد أن يممراه النتهممازيون ول
الكاوتسكيون لنهم حادوا عن الماركسية في هذه النقطة.
ويفترق ماركس عن برودون وكذلك عن باكونين في مسألة التحادية على وجه التحقيق )فضل
عن ديكتاتورية البروليتاريا( .التحادية تنبثق مبدئيا عن النظرات البرجوازيممة الصممغيرة للفوضمموية .إن
ماركس من القائلين بالمركزية .وفيما أوردناه من محاكماته ل يوجد أي تراجع عممن المركزيممة .فقممط
النمماس الممذين حشمميت رؤوسممهم حشمموا »باليمممان الخرافممي العمممى« الممبرجوازي الصممغير بالدولممة
يستطيعون أن يروا في القضاء على آلة الدولة البرجوازية قضاء على المركزية!
ولكن إذا ما أخذ البروليتاريون وفقراء الفلحين بأيديهم سلطة الدولة وإذا تنظموا بملء الحرية
في كومونة ووحدوا عمل جميع الكومونات في ضربات يوجهونها ضد الرأسمال ،في تحطيم مقاومممة
الرأسماليين ،في نقل الملكية الخاصة للسكك الحديدية والمصانع والرض وغيرها إلى المة بأسرها،
إلى المجتمع بأسره ،أفل يكون ذلك من المركزية؟ أليس ذلك بالمركزيممة الديموقراطيممة المسممتقيمة
أشد الستقامة؟ بله المركزية البروليتارية؟
ل يمكن البتة أن يخطر لبرنشتين ببال احتمال مركزية طوعية ،توحيد طمموعي للكومونممات فممي
أمممة ،تلحممم طمموعي للكومونممات البروليتاريممة فممي أمممر تحطيممم السمميادة البرجوازيممة وآلممة الدولممة
28
البرجوازية .فبرنشتين ،شأنه شأن جميع ذوي الذهنية البرجوازية الصممغيرة ،يتصممور المركزيممة بمثابممة
شيء ل يمكن فرضه والبقاء عليه إل ّ من أعلى ،وعن طريق دواوين الموظفين والطغمة العسكرية.
لقد أشار ماركس عمدا ،وكأنه توقع إمكانية تشويه نظراته ،إلى أن اتهام الكومونة بالرغبة في
القضاء على وحدة المة وفي إلغاء السلطة المركزية هو من التزوير المتعمممد .وقممد تقصممد ممماركس
استعمال تعبير »تنظيم وحدة المة« لكيما يعممارض المركزيممة البرجوازيممة والعسممكرية البيروقراطيممة
بالمركزية البروليتارية الواعية والديموقراطية.
ولكن… قد اسممتمعت لممو نمماديت حيمما .والحممال ،أن النتهممازيين فممي الشممتراكية-الديموقراطيممة
الحديثة ل يريدون بتاتا أن يسمعوا بالقضاء على سلطة الدولة ،ببتر الطفيلي.
»… إن النصيب المعتاد للبداع التاريخي الجديد أنه يعتبر صنوا لشكال قديمة أو حتى لشممكال
بائدة للحياة الجتماعية تشبهها مؤسسات جديدة بعممض الشممبه .وهكممذا ،أن هممذه الكومونممة الجديممدة
التي تحطم )-brichtتكسر( سلطة الدولة الحديثة اعتبرت بمثابة بعث لكومونات العصور الوسطى…
بمثابة اتحاد للدول الصغيرة )مونتيسكيو ،الجيرونديون( …،بمثابة شكل مضممخم للكفمماح القممديم ضممد
التمركز المفرط…
… إن التنظيم الكوموني كان سيعيد إلى الجسم الجتماعي جميممع القمموى الممتي ابتلعتهمما حممتى
ذلك الحين »الدولة« ،تلك الزائدة الطفيلية التي تقتات على حسمماب المجتمممع وتعيممق تقممدمه الحممر.
وهذا وحده كان يكفي لن يتقدم بعث فرنسا…
…أن التنظيم الكوموني كان سيضع المنتجين الريفيين تحت القيادة الروحيمة للممدن الرئيسمية
في كل منطقة ويؤمن لهم هناك ،في شخص عمال المدن ،الممثلين الطبيعيين لمصالحهم .إن وجود
الكومونة انطوى في حد ذاته ،وكشمميء بممديهي ،علممى الدارة الذاتيممة المحليممة ،ولكممن ليممس كنقيممض
لسلطة الدولة التي تغدو منذ الن زائدة«.
»القضاء على سلطة الدولة« التي كانت »زائدة طفيليممة«» ،بممتر«همما» ،تحطيممم«همما؛ »سمملطة
الدولة تغدو منذ الن زائدة« -بهذه التعممابير تكلممم ممماركس عممن الدولممة فممي تقممديره وتحليلممه لخممبرة
الكومونة.
كتب كل ذلك منذ نصف قرن تقريبمما ويتممأتي الن أن نقمموم بممما يشممبه الحفريممات لنوصممل إلممى
إدراك الجماهير الغفيرة تعاليم الماركسية غير مشوهة .فعندما حل عهد الثورات البروليتارية الكبرى
الجديدة ،في هذا العهد بالضبط نسوا الستنتاجات التي خلص إليها ماركس من تتبع آخر ثممورة كممبرى
حدثت في حياته.
»…إن تعدد الشروح التي استتبعتها الكومونة وتعممدد المصممالح الممتي وجممدت فيهمما تعممبيرا عنهمما
يثبتان أنها كانت شكل سياسميا مرنما للغايمة ،بينمما كمانت جميمع الشمكال السمابقة للحكوممة أشمكال
للضطهاد من حيث جوهرها .وكان سر الكومونة الحقيقي هو هذا :كانت ،من حيث الجمموهر ،حكومممة
الطبقة العاملة ،كانت نتاج كفاح طبقة منتجين ضد طبقة المستأثرين ،كانت الشكل السياسممي الممذي
اكتشف أخيرا والذي كان يمكن في ظله أن يتحقق التحرر القتصادي للعمل…
29
ولول هذا الشرط الخير لكان التنظيم الكوموني أمرا مستحيل ولكان غشا…«
لقد انصرف الطوباويون إلى »اكتشاف« الشكال السياسية التي ينبغممي أن تحممدث فممي ظلهمما
إعادة تنظيم المجتمع على أساس الشتراكية .وقد أشاح الفوضويون بوجوههم عن مسممألة الشممكال
السياسية بوجه عام .وقبل النتهازيون في الشتراكية-الديموقراطية البرلمانية كحد ل يمكممن تخطيممه
وعفروا جباههم في الركوع والسجود أمممام هممذا »المعبممود« وأعلنمموا مممن الفوضمموية كممل نزعممة إلممى
تحطيم هذه الشكال.
لقد استخلص ماركس من كامل تاريخ الشتراكية والنضال السياسي أنه ل بد للدولة أن تممزول
وأن الشكل النتقالي لزوالها )النتقال من الدولة إلى اللدولمة( سميكون »البروليتاريما المنظممة فمي
طبقة سائدة« .ولكن ماركس لم يأخذ على عاتقه اكتشاف الشكال لهذا المستقبل .لقد اقتصر على
تتبع التاريخ الفرنسي بصورة دقيقة ،على تحليله وعلى اسممتخلص السممتنتاج الممذي قممادت إليممه سممنة
:1851تقترب المور من تحطيم آلة الدولة البرجوازية.
وعندما اندلعت حركة البروليتاريا الثورية الجماهيرية أخذ ماركس ،رغممم إخفمماق هممذه الحركممة،
رغم قصرها ،رغم ضعفها البين ،في دراسة ما اكتشفته من أشكال.
الكومونة هي الشكل الذي »اكتشفته أخيممرا« الثممورة البروليتاريممة والممذي يمكممن فممي ظلممه أن
يتحقق التحرر القتصادي للعمل.
الكومونة هي أول محاولة تقوم بها الثورة البروليتارية لتحطيم آلة الدولة البرجوازيممة والشممكل
السياسي الذي »ُأكتشف أخيرا« والذي يمكن ويجب أن يستعاض به عن المح ّ
طم.
وسنرى فيما يأتي من البحث أن الثوريين الروسمميين فممي سممنتي 1905و 1917تابعتمما قضممية
الكومونة في حالة أخرى وفي ظروف أخرى وأنها تثبتان تحليل ماركس التاريخي العبقري.
30
الفصل الرابع :تتمة .شروح اضافية لنجلس
لقد تقدم ماركس بما هو أساسي في مسألة أهمية خبرة الكومونممة .وقمد رجممع إنجلممس ممرارا
إلى الموضوع نفسه شارحا تحليل ماركس واستنتاجاته وموضحا الوجوه الخرى فممي المسممألة بقمموة
وجلء مما يجعل من الضروري تناول هذه الشروح بوجه خاص.
»-1مسألة المساكن«
كان انجلس قد راعى خبرة الكومونة فممي مممؤلفه عممن مسممائل المسمماكن )سممنة (1872حيممن
تناول فيه عدة مرات مهام الثورة حيال الدولة .وما يستوقف النظر أنه قد بين بوضوح ،اسممتنادا إلممى
هذا الموضوع الملموس ،من جهة ،وجوه الشبه بين الدولة البروليتارية والدولة الراهنة ،ومممن الجهممة
الخرى ،وجوه التباين أو النتقال إلى القضاء على الدولة.
»ما السبيل إلى حل مسألة السكن؟ تحل هذه المسألة في المجتمع الحممالي تماممما كممما تحممل
كل مسألة اجتماعية أخرى :بالتوازن التدريجي بين العرض والطلب اقتصاديا ،وهذا حل يثير المسألة
بحد ذاته مجددا ،أي أنه ل يعطي أي حل .وكيممف تحممل الثممورة الجتماعيممة هممذه المسممألة؟ إن هممذا ل
يتوقف فقط على ظروف الزمان والمكان ،بل يتوقف كممذلك علممى مسممائل أبعممد مممدى بكممثير ،وبيممن
الرئيسية منها مسألة إزالة التضاد بين المدينة والريف .ولما كنا لنريد النصاف إلممى اخممتراع أشممكال
طوباوية لتنظيم المجتمع المقبل يكون الوقوف عند هذه المسائل أكممثر مممن لغممو .بيممد أن ثمممة أمممرا
واضحا :يوجد في المدن الكبرى الن عدد كاف من عمارات السكنى يكفي ليسد على الفور الحاجممة
الحقيقية إلى المساكن شريطة أن يسممتفاد مممن هممذه العمممارات بالشمكل المعقممول .ول يحقمق ذلممك
بطبيعة الحال إل ّ عن طريق مصادرة عمارات المالكين الحاليين وعن طريق جعلهمما مسمماكن للعمممال
الذين ل مساكن لهم أو الذين يسكنون في شمقاق مزدحممة جمدًا .وممذ تظفمر البروليتاريما بالسملطة
السياسية يصبح هذا التمدبير المذي تفرضمه المصملحة العاممة أممرا هيمن التحقيمق شمأنه شمأن سمائر
العمليات التي تقوم بها الدولة الحالية لمصادرة الشقات واشتغالها« )ص ،22الطبعة اللمانية ،سممنة
.(1887
إن البحث هنا ل يدور حول تغيير شكل سلطة الدولة ،بل يتناول مضمون نشاطها وحسممب .إن
مصادرة واشتغال المساكن يجريان بأمر من الدولة الحاليممة أيضمما .والدولممة البروليتاريممة ،مممن وجهممة
النظر الشكلية» ،تصدر« كذلك »الوامر« باشغال الشقات ومصادرة البيوت .ولكممن الواضممح هممو أن
الجهاز التنفيذي القديم ،جهاز الموظفين المرتبطين بالبرجوازية ،لن يكممون علممى العممموم أهل لتنفيممذ
أوامر الدولة البروليتارية.
»…ول بد من أن نلحظ أن تملك الشعب العامل بالفعل لجميع أدوات العمل ،لكامل الصناعة،
هو النقيض المباشر »للشراء« الذي يقول به برودون .ففي الحالة الخيرة يصبح كل عامممل بمفممرده
مالكا لمسكن ،ولقطعممة أرض فلحيممة لدوات عمممل .وفممي الحالممة الولممى يظممل »الشممعب العامممل«
المالك الجممماعي للممبيوت والمصممانع وأدوات العمممل .وهممذه الممبيوت والمصممانع الممخ ،.ل نحسممب أنهمما
ستعطي لشخاص منفردين أو لجمعيات منفردة للستفادة منهمما دون تغطيممة التكمماليف ،وذلممك علممى
القل في مرحلة النتقال .كما أن القضاء على ملكية الرض ل يفرض القضمماء علممى الريممع العقمماري،
بل تحويله إلى المجتمع ،وان بشكل مكيف .وعليه ،كان التملك الفعلي لجميع أدوات العمل من قبممل
الشعب العامل ل ينفي بأي حال بقاء التأجير والستئجار« )ص .(68
إن المسألة المبحوثة في هذه الفقرة ،ونعني بها مسألة السس القتصادية لضمحلل الدولممة،
هي موضوع بحثنا في الفصل التالي .يتحدث انجلس هنا بمماحتراس شممديد إذ بقممول» :ل نحسممب« أن
الدولة البروليتارية ستوزع المساكن دون أجور» ،على القل في مرحلة النتقال« .فتممأجير المسمماكن
التي هي ملك للشعب كله إلى هذه العائلة أو تلك مقابل أجرة ،يفرض قبض هذه الجرة ونوعمما مممن
الرقابة وتحديد هذا المعدل أو ذاك في توزيع المساكن .وكل هذا يقتضي شكل ما من أشكال الدولة،
ممما
ولكنه ل يقتضي بتاتا جهازا عسكريا وبيروقراطيا خاصا مع موظفين يتمتعممون بامتيممازات خاصممة .أ ّ
31
النتقال إلى حالة يصبح معها بالمكان إعطاء المساكن دون مقابل ،فإنه منوط بم»اضمحلل« الدولة
بصورة تامة.
وإذا تحدث انجلس عن انتقال اتباع بلنكي إلى موقف الماركسية المبدئي بعد الكومونة وتحت
تأثير خبراتها ،صاغ هذا الموقف في سياق الحديث بالشكل التالي:
»… ضرورة عمل البروليتاريا السياسي وديكتاتوريتها ،باعتبار ذلك انتقممال إلممى إلغمماء الطبقممات
ومعها الدولة…« )ص .(55
ولعل هواة النقد الحرفممي أو لعممل »مبيممدي الماركسممية« الممبرجوازيين يممرون تناقضمما بيممن هممذا
العتراف بم»إلغاء الدولة« وإنكار هذه الصيغة ،باعتبارها فوضوية ،في الفقرة التي أوردناها أعله من
»ضد دوهرينغ« .ول مجال للستغراب إذا ما وضع النتهازيون انجلس نفسه في عداد »الفوضويين«.
ففي الوقت الحاضر ،يعد الشتراكيون-الشوفينيون أكثر فأكثر إلى اتهام المميين بالفوضوية.
لقد علمت الماركسية على الدوام أن الدولة تلغي مع إلغاء الطبقات .فممالفقرة المعروفممة مممن
الجميع في »ضد دوهرينغ« بصدد »اضمحلل الدولة« تتهم الفوضويين ل بمجرد قولهم بإلغاء الدولة،
بل بأنهم يروجون بزعم مفاده أن بالمكان إلغاء الدولة »بين عشية وضحاها«.
-2جدال مع الفوضويين
يعود هذا الجدال إلى سنة .1872لقد نشر ماركس وإنجلس في مجموعممة اشممتراكية ايطاليممة
مقالين ضد أتباع برودون و»أنصار الحكم الداتي« أو »خصوم السلطة« ،ولم يصممدر هممذان المقممالن
في » «Neue Zeitمترجمين إلى اللمانية إل ّ في سنة .1913
»… إذا كممان نضممال الطبقممة العاملممة السياسممي يتخممذ أشممكال ثوريممة ،وإذا ممما أقممام العمممال
ديكتاتوريتهم الثورية مقام ديكتاتورية البرجوازية ،فهم يقترفون بممذلك جريمممة منكممرة ،جريمممة إهانممة
المبممادئ ،لن العمممال لكيممما يسممدوا حاجمماتهم اليوميممة الحقيممرة الفظممة ،لكيممما يحطممموا مقاومممة
البرجوازية ،يعطون الدولة شكل ثوريا وعابرا بدل من أن يلقوا أسلحتهم ويلغمموا الدولممة… « )»Neue
Zeit» 1913-1914السنة ،32المجلد ،1ص .(40
إن ماركس بدحضه للفوضويين لم يستنكر غير هذا النوع من »إلغاء« الدولمة! إنمه لمم يعمترض
على الفقرة القائلة بأن الدولة ستزول مممع زوال الطبقممات أو أنهمما سممتلغى مممع إلغمماء الطبقممات ،لممم
يعترض إل ّ على الفكرة القائلة بعدول العمال عن استخدام السلح ،عن استخدام العنف المنظم .أي
عن الدولة التي يتوجب عليها أن تخدم الهدف التالي» :تحطيم مقاومة البرجوازية«.
يتعمد ماركس الشممارة –لكيل يشمموهوا مغممزى نضمماله ضممد الفوضمموية –إلممى »الشممكل الثمموري
والعابر« للدولة الضرورية للبروليتاريا .ل تحتاج البروليتاريا إلى الدولة إل ّ لزمممن محممدود .نحممن لسممنا
بتاتا في خلف مع الفوضويين في مسألة إلغاء الدولة باعتبار ذلممك هممدفا .إنممما نحممن نجممزم بممأن مممن
الضممروري لبلمموغ هممذا الهممدف أن تسممتخدم مؤقتمما أدوات ووسممائل وأسمماليب سمملطة الدولممة ضممد
المستثمرين ،كما أن إلغاء الطبقات يسممتلزم ،كممأمر موقمموت ،ديكتاتوريممة الطبقممة المظلومممة .يختممار
ماركس الشكل الحد والوضح لطممرح المسممألة ضممد الفوضممويين :أينبغممي للعمممال إذ يسممقطون نيممر
32
الرأسماليين أن »يلقوا السملح« أم أن يسممتخدموه ضمد الرأسممماليين لتحطيممم مقمماومتهم؟ وممما هممو
استخدام السلح بصورة منتظمة من جانب طبقة ضد أخرى إن لم يكن »شك ً
لعابرا« للدولة؟
فليسأل كل اشتراكي-ديموقراطي نفسه :هل يطرح هو نفسه مسألة الدولة بهذا الشممكل فممي
الجدال مع الفوضويين؟ هل كانت الكثرية الكممبرى مممن الحممزاب الشممتراكية الرسمممية فممي المميممة
الثانية تطرح هذه المسائل بهذا الشكل؟ يبسط انجلس هذه الفكار نفسها بتفصيل أكبر جدا وتعممابير
أسهل جدا .إنه يسخر قبل كممل شمميء مممن اضممطراب تفكيممر أنصممار بممرودون الممذين سممموا أنفسممهم
»خصوم السلطة« ،أي أنهم أنكروا كل سلطان ،كل خضمموع ،كممل سمملطة .يقممول إنجلممس :خممذوا أي
معمل أو سكة حديد أو سفينة في عممرض البحممار .أفليممس مممن الواضممح أن عمممل هممذه المؤسسممات
التكنيكية المعقدة القائمة على استخدام اللت والتعاون المنهجي بين كثرة من الشممخاص يسممتحيل
بدون نوع من الخضوع ،وبالتالي ،بدون نوع من سلطان أو سلطة؟ وكتب إنجلس:
»… إذا ما اعترضت بهممذه الحجممج علممى خصمموم السمملطة الشممد تعنتمما فهممم ل يسممتطيعون أن
يجيبوني بغير جواب واحد» :أجل! هذا صحيح .ولكن ل يدور الحديث هنا عن السلطان الممذي نمحضممه
لمندوبينا ،بل على تكليف معين« .إن هؤلء الناس يحسبون أننا نستطيع تغييممر أمممر ممما إذا ممما غيرنمما
اسمه…«.
وبعد ان بين إنجلس بهذا الشكل أن السلطان والحكم الذاتي هما مممن المفمماهيم النسممبية وأن
ميدان تطبيقهما يتغير تبعا لمختلف مراحل التطور الجتماعي وأن من الحماقممة فهمهممما كمطلقممات،
وبعد أن أضاف أن ميدان استخدام اللت والنتاج الضخم يتسع باسممتمرار ،إنتقممل مممن البحممث العممام
حول السلطان إلى مسألة الدولة.
وقد كتب:
»لممو اقتصممر أنصممار الحكممم الممذاتي علممى القممول بممأن التنظيممم الجتممماعي المقبممل لممن يسمممح
بالسلطان إل ّ ضمن الحدود التي تفرضها ظروف النتاج بالضممرورة ،ل مكممن التفمماهم معهممم .ولكنهممم
عميان حيال جميع الوقائع التي تجعل السلطان أمرا ضروريا ،وهم يناضلون بحماسة ضد الكلمة.
لماذا ل يقتصر خصوم السلطة علممى الصممياح ضممد السمملطان السياسممي ،ضممد الدولممة؟ فجميممع
الشتراكيين متفقون علممى أن الدولممة تممزول ومعهمما السمملطان السياسممي بنتيجممة الثممورة الجتماعيممة
المقبلة ،أي أن الوظائف الجتماعية تفقد طابعها السياسي وتتحول إلى مجرد وظائف إداريممة تسممهر
على المصالح الجتماعية .ولكن خصوم السلطة يطلبون إلغاء الدولة السياسية دفعة واحدة ،قبل أن
تلغى العلقات الجتماعية التي نشأت عنها الدولة .إنهم يطلبون أن يكممون إلغمماء السمملطة أول عمممل
تقوم به الثورة الجتماعية.
فهل رأى هؤلء السادة ثورة في يوم ما؟ إن الثمورة همي دون شمك سملطة مما بعمدها سملطة،
الثورة هي عمل يفرض به قسم من السكان إرادته على القسم الخر بالبنممادق ،بممالحرب ،بالمممدافع،
أي بوسائل ل يعلو سلطانها سلطانا .ويأتي على الحزب الغمالب أن يحمافظ بالضمرورة علمى سميادته
عن طريق الخوف الذي توجيه أسلحته للرجعيين .فلو لم تستند كومونة باريس إلى سلطان الشممعب
المسلح ضد البرجوازية فهل كان بإمكانها أن تصمد أكثر مممن يمموم واحممد؟ وهل يحممق لنمما أن نلومهمما،
ممما أن خصمموم السملطة ل بالعكس ،لنها لم تلجأ لهذا السمملطان إل ّ قليل جممدًا؟ وهكممذا أحممد أمريممن :أ ّ
ممما أنهممم يعرفممون وفممي هممذهيعرفون ما يقولون ،وفي هذه الحالة ل يعملون غير خلق التشممويش ،وأ ّ
الحالة يخونون قضية البروليتاريا .وهم في الحالتين ل يخدمون غير الرجعية« )ص .(39
إن هذه الفقرة تتطرق إلى مسائل ينبغي بحثهمما بالتصممال مممع موضمموع العلقممة بيممن السياسممة
والقتصاد عند اضمحلل الدولة )ونتنمماول هممذا الموضمموع فممي الفصممل التممالي( .ومممن هممذه المسممائل
المتعلقة بتحول الوظائف الجتماعية عن وظائف سياسية إلى مجرد وظائف إدارية ومسألة »الدولممة
السياسية« .وهذا التعبير الخير الذي يمكنه بصورة خاصة أن يستدعي سوء الفهم يشير إلممى عمليممة
33
اضمحلل الدولة :فالدولة الخذة بالضمحلل يمكن نعتها عند درجة معينة من اضمحللها بالدولممة الل
سياسية.
والمر البلغ فممي دللتممه فممي فقممرة إنجلممس هممذه هممو مممرة أخممرى كيفيممة طممرح المسممألة ضممد
الفوضويين .فالشتراكيون-الديموقراطيون الراغبون في أن يكونوا تلمممذة لنجلممس قممد تجممادلوا مممع
الفوضويين مليين المرات ابتداء من سنة 1873ولكنهممم لممم يجممادلوا كممما يمكممن ويجممب أن يجممادل
الماركسيون .إن التصور الفوضوي للغاء الدولة هو تصور مشوش وغير ثوري- ،هكمذا طمرح إنجلمس
المسألة .فالفوضويون ل يريدون أن يروا الثورة على وجه الضبط في نشوئها وتطورها ،فممي مهامهمما
الخاصة حيال العنف والسلطان والسلطة والدولة.
إن انتقاد الفوضوية المألوف لدى الشتراكيين-الديموقراطيين المعاصرين قد اقتصر علمى هممذا
مما الفوضممويون فل!« .وهممذا البتممذال ل البتذال البرجوازي الصغير الصرف» :نحن نعترف بالدولمة ،أ ّ
ما إنجلممس فيممدلي بممرأي آخممر :إنممه
ّ أ محدود. يمكنه طبعا إل ّ يبعد العمال المفكرين والثوريين ولو لحد
يؤكد أن جميع الشتراكيين يعترفون بأن الدولة تزول بنتيجممة الثممورة الشممتراكية .ثممم يطممرح بصممورة
ملموسة الثورة ،أي بالضبط تلك المسألة التي يتحاشاها فممي المعتمماد الشممتراكيون-الممديموقراطيون
النتهازيون تاركينها ،إن أمكن القول ،لينفرد الفوضويون في »دراستها« .وما أن طممرح إنجلممس هممذه
المسألة حتى تناول رأسا لبها :أما كان ينبغي للكومونة أن تلجأ لحد أكبرإلى السلطة الثورية للدولممة،
أي إلى سلطة البروليتاريا المسلحة والمنظمة في طبقة سائدة؟
فقد كتب إنجلس إلى بيبل ،منتقدا ً نفس مشروع برنامج غوتا الذي انتقممده ممماركس أيضمما فممي
رسالته الشهيرة إلى براكه ،ومتطرقا بصورة خاصة إلى مسألة الدولة قائل.
»…الدولة الشعبية الحرة صارت إلى دولة حرة .والدولة الحرة تعني من الناحية اللغويممة دولممة
حرة إزاء مواطنيها ،إي دولة ذات حكومة مستبدة .وينبغي الكف عن كل هذه الممثرثرة بصممدد الدولممة
ولسيما بعد الكومونة التي لم تبق دولة بمعنى الكلمة الصلي .لقد كفانا ما فقممأ الفوضممويون عيوننمما
بم»الدولة الشعبية« ،رغم أنه قد قيل دون لبس أو غموض في مؤلف ماركس ضممد بممرودون ثممم فممي
»البيان الشيوعي« أن الدولة مممع إقامممة النظممام الجتممماعي الشممتراكي تحممل نفسممها بنفسممها )sich
(auflostوتزول .ولما كانت الدولة عبارة عن مؤسسة ذات طابع عابر وحسب يتأتى اسممتخدامها فممي
النضال ،في الثورة ،لقمع الخصوم بالقوة ،فإن الحديث عن الدولة الشعبية الحرة هو مجرد لغو :فما
دامت البروليتاريا بحاجة إلى الدولة ،فهي ل تحتاجها من أجل الحريممة ،بممل مممن أجممل قمممع خصممومها،
وعندما يصبح بالمكان الحديث عممن الحريممة ،عنممدئذ تممزول الدولممة بوصممفها دولممة .ولممذا نحممن نقممترح
الستعاضة في كل مكان عن كلمة الدولة بكلمة »مشاعة« ) ،(Gemeinwesenهممذه الكلمممة اللمانيممة
القديمة الرائعة التي يتفق معناها ومعنى الكلمة الفرنسية »كومونممة«« )ص 322-321مممن الطبعممة
اللمانية(.
34
ينبغي أن نأخذ بعين العتبار أن هذه الرسالة تتناول برنامجا حزبيا انتقمده مماركس فمي رسمالة
مؤرخة بعد هذه الرسالة ببضعة أسابيع فقط )رسالة ماركس مؤرخة فممي 5مممايو سممنة ،(1875وأن
إنجلس كان يعيش آنذاك مع ماركس في لندن .ولذا عندما قال إنجلس »نحن« فممي عبممارته الخيممرة
فهو دون شك يقترح باسمه وباسم ماركس على زعيم حزب العمال اللماني شطب كلمة »الدولة«
من البرنامج والستعاضة عنها بكلمة »مشاعة«.
وكممم كممان نمماح بشممأن »الفوضمموية« مممتزعمو »الماركسممية« الحاليممة المكيفممة تبعمما لممما يممروق
للنتهازيين لو اقترح عليهم إدخال مثل هذا التصحيح على البرنامج!
ما نحن فسنتابع عملنا .وعند إعادة النظر في برنامج حزبنمما ل ريممب فممي أنممه ينبغممي أن تؤخممذ أ ّ
بعين العتبار نصيحة إنجلس وماركس ،لكيما نكون أقممرب مممن الحقيقممة ،لكيممما نمموجه بصممورة أصممح
نضال الطبقة العاملة في سممبيل تحررهمما .أغلمب الظممن أنممه ل يوجمد بيممن البلشمفة خصموم لنصميحة
إنجلممس وممماركس .ولعممل الصممعوبة لممن تكممون فممي غيممر إيجمماد الصممطلح .ففممي اللمانيممة كلمتممان
»للمشاعة« إختار منهما إنجلس الكلمة التي ل تعنممي مشمماعة علممى حممدة ،بممل مجموعممة مشمماعات،
ما الروسية فل توجد مثل هذه الكلمة ،وقد يقتضي المر اختيممار كلمممة »كومونممة« نظام المشاعات .أ ّ
الفرنسية ،مع أن ذلك يخلق أيضا بعض الرتباك.
»لم تبق الكومونة دولة بمعنى الكلمممة الصمملي« -هممذا هممو تأكيممد انجلممس الهممم نظريمما .وهممذا
التأكيد مفهوم تماما بعد ما عرضناه أعله .فقد كفت الكومونة عن أن تكممون دولممة ممما دام لممم يتممأت
مرين( ،وقد حطمت آلممة الدولممة البرجوازيممة؛ وبممدل عليها أن تقمع أكثرية السكان ،بل القلية )المستث ِ
من القوة الخاصة للقمع ،برز على المسرح السكان أنفسهم .وكممل هممذا ارتممداد عممن الدولممة بمعناهمما
الخاص .ولو توطدت الكومونة لم»اضمحل« فيها تلقائيا ما بقي من آثار الدولممة ،ولممما كممان عليهمما أن
»تلغي« مؤسسات الدولة :فإن هذه ستبطل بقدر ما ل يبقى لها ما تقوم به.
»يفقأ الفوضويون عيوننا بم»الدولة الشعبية«« .عندما قممال انجلممس ذلممك كممان يقصممد بالدرجممة
الولى بماكونين وحملتمه علمى الشمتراكيين-المديموقراطيين اللممان .ويعتمبر إنجلمس همذه الحملت
صحيحة بمقدار ما يكون مفهوم »الدولمة الشمعبية« ،شمأنه شمأن »الدولمة الشمعبية الحمرة« سمخيفا
وخارقا عن الشتراكية .وقد سعى انجلس إلى تقويم نضال الشتراكيين-الديموقراطيين اللمان ضممد
الفوضويين وإلى جعل هذا النضال صحيحا من الناحية المبدئية وإلى تطهيممره مممن الوهممام النتهازيممة
بصدد »الدولة« .ولكن وأحر قلباه! لقد ظلت رسممالة انجلممس مممدة سممت وثلثيممن سممنة مطويممة فممي
صندوق .وسنرى فيما يأتي أن كاوتسكي ،حتى بعد نشر هذه الرسمالة ،قمد اسمتمر يكممرر بعنماد ،فمي
الجوهر ،نفس الخطاء التي حذر منها إنجلس.
وقد وجه بيبل لنجلس رسالة جوابية مؤرخة في 21من سبتمبر سممنة ،1875قممال فيهمما فيممما
قال أنه »يوافقه تماما« على آرائه بشأن مشروع البرنامج وأنه لم ليبكنخممت علممى تنممازله )ص 334
من الطبعة اللمانية لمذكرات بيبل .المجلد .(2ولكن إذا ما أخذنا كراس بيبل »أهدافنا« وجممدنا فيممه
آراء غير صحيحة أبدا بشأن الدولة:
»الدولة القائمة على السيادة الطبقية ينبغي أن تحول إلى دولة شعبية« )الطبعة اللمانيممة لممم»
،«Unsere Zieleسنة ،1886ص .(14
هذا ما جاء فممي الطبعممة التاسممعة )التاسممعة!( مممن كممراس بيبممل! ول مجممال للسممتغراب إذا مما
تشربت الشتراكية-الديموقراطية اللمانية هذه الراء النتهازية بشأن الدولة لكثرة ما كررت بعناد ،ل
سيما وأن إيضاحات إنجلس الثورية قد خبئت في الصندوق ،وجميمع ظمروف الحيماة كممانت »تنسممى«
الثورة لمد طويل.
35
-4انتقاد مشروع برنامج ارفورت
عند بحث التعاليم الماركسية بشأن الدولة ل يمكممن للمممرء أن يغفممل إنتقمماد إنجلممس لمشممروع
برنامج ارفورت ،في رسالة النتقاد التي أرسلها إلى كاوتسكي في 29مممن يونيممو 1891والممتي لممم
تنشر في » «Neue Zeitإل ّ بعد مضي عشر سنوات ،ذلك لن هممذا النتقمماد يتنمماول بالضممبط وبصممورة
رئيسية النظرات النتهازية في الشتراكية-الديموقراطية حول مسائل تنظيم الدولة.
ونشير في سياق الحديث إلى أن انجلس أدلى كذلك في مسائل القتصاد بملحظة قيمممة جممدا ً
تبين كيف استطاع بسبب ذلك أن يستشف لحد ما مهام عهدنا ،العهد المبريممالي .وهمما هممي ذي هممذه
الملحظممة :فبصممدد كلمممة »الل منهجيممة« ) (Planlosigkeitالممواردة فممي مشممروع البرنامممج لوصممف
الرأسمالية كتب إنجلس:
»…إذا كنا ننتقل من الشركات المساهمة إلى التروستات التي تخضع لنفسممها وتحتكممر فروعمما
صناعية برمتها ،فهذا ليس فقط نهاية النتاج الخاص ،بممل إنممما هممو كممذلك نهايممة ألل منهجيممة« » Neue
،«Zeitالسنة ،20المجلد ،1سنتي ،1902-1901ص (8
نحن هنا حيال المر الساسي في التقدير النظري للرأسمالية الحديثممة ،أي للمبرياليممة ،ونعنممي
أن الرأسمالية تتحول إلى رأسمالية احتكارية .ول بد من الشارة إلى كلمة »رأسمالية« ،لن الغلطة
الشائعة جدا هي الزعم الصلحي البرجوازي القممائل أن الرأسمممالية الحتكاريممة أو رأسمممالية الدولممة
الحتكارية لم تبق رأسمالية وأنه يمكن أن يطبق عليها إسم »اشتراكية الدولة« وإلى ما هنالك .يقينا
أن التروستات لم تعط وهممي ل تعطممي حممتى الن ول تسممتطيع أن تعطممي المنهاجيممة الكاملممة .ولكممن
بمقدار ما تعطي المنهاجية وبمقدار ما يحسب طواغيت رأس المال سلفا مقادير النتاج في النطمماق
الوطني أو حتى العممالمي وبمقممدار ممما يضممبطونه بصممورة منهاجيممة ،نبقممى علممى كممل حممال فممي ظممل
ممما »قممرب«هممذه الرأسمالية ،وأن من مرحلة جديدة لها ،ولكن في ظممل الرأسمممالية علممى التأكيممد .أ ّ
الرأسمالية من الشتراكية فينبغي أن يكون لممثلي البروليتاريا الحقيقيين حجة تدعم أقتراب الثممورة
الشتراكية وسهولتها وإمكان تحقيقهمما وضممرورتها الملحممة العاجلممة ،ول ينبغممي أن يكممون بمموجه حجممة
للوقوف موقف التغاضي من إنكار هذه الثورة ومن تجميل الرأسمالية ،المر الذي ينهمك فيممه جميممع
الصلحيين.
ولكن لنعد إلى مسألة الدولة .يعطي انجلس هنا إشارات ثمينة جممدا فممي ثلث نممواح :أول ،فممي
مسألة الجمهورية ،وثانيا ،بصدد علقة المسألة القومية بتنظيم الدولممة ،وثالثمما ،بصممدد الدارة الذاتيممة
المحلية.
ما فيما يخص الجمهورية ،فإن إنجلس قد جعل منها مركز الثقل في انتقاده لمشممروع برنامممج أ ّ
ايرفممورت .وإذا ممما تممذكرنا مممدى الهميممة الممتي اكتسممبها برنامممج ارفممورت فممي كامممل الشممتراكية-
الديموقراطية العالمية وإذا ما تذكرنا كيف غدا نموذجا للممية الثانية بأكملهمما ،يمكننمما أن نقممول دون
مغالة أن إنجلس ينتقد هنا النتهازية في الممية الثانية بأكملها.
»ثمة نقص كبير في مطالب المشروع السياسية .فهو خال مما )التشديد لنجلس( كان ينبغممي
قوله بالضبط«.
وبعد ذلك يوضح أن الدستور اللممماني هممو ،أساسمما ،نسممخة عممن دسممتور سممنة 1850الرجعممي
منتهمى الرجعيممة وأن الريخسمتاغ ليمس ،علمى حممد تعمبير ولهلممم ليبكنخمت ،غيممر »ورقممة تيمن الحكممم
المطلمق« وأن الرغبمة فممي تحقيممق »تحويممل جميممع أدوات العمممل إلممى ملكيممة عاممة« علمى أسماس
الدستور الذي أعطى الدول الصغيرة واتحاد الدويلت اللمانية الصبغة الشرعية هي »سخافة بينة«.
36
»تناول هذا الموضوع أمر خطير« .هذا ما أضافه إنجلس الذي كان يعرف خير معرفة أن وضممع
مطلب الجمهورية علنا في البرنامج ل يمكن في ألمانيا .ولكن إنجلس ل يرضخ ببساطة لهذا العتبممار
الذي يكتفي بع »الجميع« .بل يستطرد» :ولكنه يجب تحريك القضية على كممل حممال بهممذا الشممكل أو
ذاك .وتظهر مدى ضرورة ذلك النتهازية الشمائعة ) (einreibendeاليموم بالمذات فمي قسمم كمبير ممن
الصحافة الشممتراكية-الديموقراطيممة .فلخشمميتهم مممن بعممث مفعممول قممانون مكافحممة الشممتراكيين أو
لتذكرهم بعض ما أدلي به في ظل هذا القانون من تصريحات قبل أوانيها ،يريممدون الن مممن الحممزب
أن يعترف بأن الوضاع القانونية الراهنة في ألمانيا كافية لتحقيق جميع مطالبه بصورة سلمية…«
»…فممي ألمانيمما ،حيممث الحكومممة كليممة الجممبروت تقريبمما وحيممث مجلممس الريخسممتاغ وسممائر
المؤسسات التمثيلية الخرى ل تملك من السلطة الحقيقية شيئا ،ان ينادي داع لذلك ،فإنما يعني أنه
يرفع ورقة التين عن الحكم المطلق.
»…ومثل هذه السياسة ل تستطيع في نهاية المر غير جر الحزب إلى طريق الضلل .يضممعون
في المقام الول مسائل سياسية عامة مجردة ويسترون بهذا الشكل المسائل الملموسة المباشممرة
التي تفرض نفسها في جدول العمال عند أول أحداث هامة ،عند أول أزمة سياسية .وهل يمكممن أن
تكون نتيجة ذلك غير واقع أن الحزب يجد نفسه فجأة وفي السمماعة الحاسمممة فممي حالممة عجممز ،غيممر
واقع أن الحزب يجد نفسه في حالة الغموض وانعدام الوحدة حيال المسائل الحاسمة ،لنه لم يسبق
له أبدا أن بحث هذه المسائل…
إن هذا النسيان للعتبارات الكبرى ،الجذرية حرصا على مصالح اليوم العريضممة ،وهممذا الركممض
وراء النجاحات العريضة ،وهذا النضال من أجلها دونما حسمماب للعممواقب ،وهممذه التضممحية بمسممتقبل
الحركة في سبيل الحاضر ،إن كل ذلك قد تكون له دوافع »نزيهة« أيضمما .ولكممن هممذا هممو النتهازيممة،
وهو يبقى النتهازية ،ولعل النتهازية »النزيهة« هي أخطر النتهازيات…
وإذا كان ثمة أمر ل شك فيه فهممو واقممع أن حزبنمما والطبقممة العاملممة ل يمكنهممما الوصممول إلممى
السيادة إل ّ في ظل شكل سياسي هو كالجمهورية الديموقراطية .حتى أن هذه الخيرة هممي الشممكل
الخاص لديكتاتورية البروليتاريا كما برهنت ذلك الثورة الفرنسية الكبرى…«
يكرر إنجلس في هذه الفقرة بصيغة واضحة كل الوضوح تلمك الفكمرة الساسمية المتي تخللمت
جميممع مؤلفممات ممماركس ،نعنممي أن الجمهوريممة الديموقراطيممة هممي أقصممر الطممرق إلممى ديكتاتوريممة
البروليتاريا .لن هذه الجمهورية ،مع أنها ل تزيل لي قدر سيادة رأس المال وبالتالي ظلممم الجممماهير
والنضال الطبقي ،تفضي حتما إلى توسيع هذا النضال وتسعيره وكشفه وتشديده لدرجممة أن إمكانيممة
تأمين مصالح جماهير المظلومين الجذرية ،متى ؟هرت هذه المكانية ،تتحقق حتما وبوجه الحصر في
ديكتاتورية البروليتاريا وفي قيادة هذه الجماهير مممن قبممل البروليتاريمما .وهممذه أيضمما بالنسممبة للمميممة
الثانية بأكملها »كلمات منسية« من الماركسية ،وقد أظهر نسيانها بجلء خارق تاريخ حزب المناشفة
خلل نصف السنة الولى من ثورة سنة 1917الروسية.
لقد تناول إنجلس مسألة الجمهورية التحادية من زاوية التركيب القومي للسكان وكتب:
»ماذا ينبغي أن يحل محل ألمانيا الحالية؟« )ذات الدستور الملكي الرجعي والتقسمميم الممذي ل
يقل رجعية إلى دول صغيرة ،هذا التقسيم الذي يخلد خصائص »البروسممية« بممدل مممن أن يممذيبها فممي
37
ألمانيا ككل(» .في رأيي ل تستطيع البروليتاريا أن تطبق غيممر شممكل جمهوريممة موحممدة ل تتجممزأ .ممما
تزال الجمهورية التحادية ضرورية حتى الن ،بمموجه عممام ،فممي أراضممي الوليممات المتحممدة المتراميممة
الطراف ،رغم أنها أخذت تصبح منذ الن عقبة في شرقها .وهي تكون خطوة إلى المام في إنجلمترا
حيث تعيش في الجزيرتين أربع أمم وحيث توحد جنبا إلممى جنممب ،رغممم كممون البرلمممان واحممدا ،ثلثممة
أنظمة تشريعية .وهي قد غذت في سويسممرا الصممغيرة مممن أمممد بعيممد عقبممة .وإذا كممان ل يممزال مممن
الممكن هناك الصبر على الجمهورية التحادية فذلك لسبب واحد هو أن سويسرا تكتفي بممدور عضممو
سلبي صرف في نظام الدول الوروبية .والتنظيم التحادي علممى النمممط السويسممري يكممون بالنسممبة
للمانيا خطوة هائلة إلى وراء .ثمة نقطتان تميزان الدولة التحادية عن الدولة الموحدة كليا هما واقع
أن لكل دولة منفممردة منضمممة إلممى التحمماد تشممريعها المممدني والجممزائي الخمماص ونظامهمما القضممائي
الخاص ،ثم واقع أنه إلى جانب مجلس الشعب يوجممد مجلممس ممثليممن عممن الممدول يصمموت فيممه كممل
كانتون )ولية( بوصفه كانتونا بصرف النظر عممما إذا كممان كممبيرا أم صممغيرا« .والدولممة التحاديممة فممي
ألمانيا شكل إنتقالي إلى دولة موحدة تماما .ول ينبغي الرجوع إلى وراء بممم»الثممورة مممن أعلممى« فممي
سنتي 1866و ،1870بل اتمامها بم»حركة من أسفل«.
إن إنجلس ل يقف موقف عدم الكتراث من مسألة أشممكال الدولممة ،وليممس هممذا وحسممب ،بممل
يحاول بممالعكس أن يحلممل بأقصممى الدقممة الشممكال النتقاليممة بالممذات ،لكيممما يحممدد ،تبعمما للخصممائص
التاريخية الملموسة لكل حالة بعينها ،المر التالي :انتقال من أي شيء إلممى أي شمميء يعتممبر الشممكل
النتقالي المعني.
إن إنجلس شأنه شأن ماركس يمدافع ،ممن وجهمة نظمر البروليتاريما والثمورة البروليتاريمة ،عمن
المركزية الديموقراطية ،عن الجمهورية ككل ل يتجزأ .وهو يرى فممي الجمهوريممة التحاديممة أممما حالممة
استثنائية وعقبة تعيق التطور وأما انتقال من الملكية إلى الجمهورية المركزية» ،خطوة إلى المممام«
في ظروف خاصة معينة .وبين هذه الظروف الخاصة ،تبرز المسألة القومية.
إننا ل نرى عند إنجلس ول عنممد ممماركس ،بممالرغم مممن انتقادهممما دونممما رحمممة لرجعيممة الممدول
الصغيرة ولتغطية هذه الرجعية بالمسألة القومية في حالت معينة ،ولو ظل ّ في النزوع إلممى التهممرب
من المسألة القومية –الخطيئة التي كممثيرا ممما يقترفهمما الماركسمميون الهولنممديون والبولونيممون الممذين
ينطلقون من النضال المشروع تماما ضد النزعة القومية البرجوازية الصغيرة الضيقة في دولتم»هم«
الصغيرتين.
فحتى في إنجلترا ،حيث يبدو أن الظروف الجغرافيممة ووحممدة اللغممة وتاريممخ قممرون عديممدة قممد
»وضعت حدا« للمسألة القوميممة بالنسممبة لمختلممف المنمماطق الصممغيرة بممانجلترا ،حممتى فممي انجلممترا
يحسمب انجلمس الحسماب لواقمع بيمن همو كمون المسمألة القوميمة مما تمزال قائممة ،ولمذلك يعمترف
بالجمهورية التحادية »خطوة إلى المام« .وبديهي أنه ل يوجد هنا ولو ظل للعدول عن انتقاد نواقص
الجمهورية التحادية وعن الدعاية والنضال الحازمين تماما في سبيل جمهورية ديموقراطيممة مركزيممة
موحدة.
ولكن انجلس لم يفهم المركزية الديموقراطية قط بممالمعنى الممبيروقراطي الممذي يعطيممه لهممذا
المفهوم اليديولوجيون البرجوازيون وصغار البرجوازيين ومن هؤلء الفوضويون .فالمركزية في نظر
إنجلس ل تنفممي بتاتمما الدارة الذاتيممة المحليممة الواسممعة النطمماق الممتي ،فممي حالممة ذود »الكومونممات«
والمقاطعات طوعا عن وحدة الدولة ،تزيممل دون شممك كممل مظهممر مممن مظمماهر البيروقراطيممة وكممل
مظهر من مظاهر »إصدار الوامر« من أعلى.
»…وهكذا ،جمهورية موحدة ولكن ليس كالجمهورية الفرنسية الحالية التي ليست سوى عبارة
عن امبراطورية بدون إمبراطور مؤسسة في سنة .1798فمن سنة 1792إلى سنة ،1798كممانت
كل محافظة فرنسية وكل بلدية ) (Gemeindeتمارس الدارة الذاتية الكاملة علممى النمممط المريكممي،
مما مسمألة كيمف ينبغمي أن تنظمم الدارة الذاتيمة وكيمف يمكمنوينبغي أن يحقق ذلمك عنمدنا أيضما .أ ّ
38
الستغناء عن الدواوينية ،فهو ما أظهرته وبرهنته لنا أمريكمما والجمهوريممة الفرنسممية الولممى ،وهممو ممما
تظهره أيضا لنا الن كندا وأوستراليا والمستعمرات النجليزية الخرى .ومثل هذه الدارة الذاتية على
صعيد القاليم )المحافظات( والبلديات في منظمات حرة أكثر جدا ،مثل ،من التحاديممة السويسممرية،
حيث الولية في الحقيقة مستقلة جذا حيال البوند« )أي حيال الدولمة التحاديممة بمجموعهما( »ولكنهما
مستقلة كذلك حيال القضاء ) (Bezirkوحيممال البلديممة .فحكومممات الوليممات تعيممن مممديري القضممية )
(Statthalterومديري البوليس ،المر المعدوم تماما في بلدان اللغة النجليزية ،وهو ممما يتمموجب علينمما
أن نستأصله تماما عندنا فممي المسممتقبل كالمحممافظين ومممديري القضممية البروسمميين« )المفوضممين،
مدراء الشرطة ،المحافظين وبوجه عام جميممع الممموظفين الممذين يعينممون مممن أعلممى( .ووفقمما لممذلك
يقترح انجلس أن تصاغ في البرنامج مادة الدارة الذاتية بالشكل التالي» :الدارة الذاتيممة التامممة فممي
القاليم« )المديريات أو المحافظات(» ،فممي القضمماء والبلديممة عممن طريممق ممموظفين ينتخبممون علممى
أساس حق النتخاب العام؛ إلغاء جميع السلطات المحلية والقليمية التي تعينها الدولة«.
ومن أقصى الهمية الشارة إلى أن انجلس ،اعتمادا على الوقائع ،قد دحض على أسمماس مثممل
دقيق للغاية وهما من الوهام المنتشرة جدا ،ولسيما بين الديموقراطية البرجوازية الصغيرة ،مممؤداه
أن الجمهورية التحادية تعني حتما حريات أوفى مممما فممي الجمهوريممة المركزيممة .وهممذا غيممر صممحيح.
فالوقائع التي ذكرها انجلممس بخصمموص الجمهوريممة الفرنسممية المركزيممة فممي سممنوات 1798-1792
والجمهورية السويسرية التحادية تدحض هذا الزعم .إن الجمهورية المركزية الديموقراطية حقمما قممد
أعطت حريات أوفى مما أعطته الجمهورية التحادية .أو بعبارة أخرى :إن أوفى حرية عرفتها التاريخ
على الصعيد المحلي وعلى صعيد المحافظة والخ ،.قممد أعطتهمما الجمهوريممة المركزيممة ،ل الجمهوريممة
التحادية.
إن هذا الواقع ،شأنه شأن مسألة الجمهوريمة التحاديممة والجمهوريممة المركزيمة والدارة الذاتيممة
الملية بوجه عام كانت دعايتنا الحزبية ول تزال ل تخصص لهما قدرا كافيا من الهتمام.
يلحظ انجلس :بعد كل ثورة في فرنسا كان العمال مسلحين »ولذلك كان تجريمد العممال ممن
السلح هو أول المقتضيات بالنسبة للبرجوازيين المتربعين علمى دسممة الحكممم .ولممذا ،بعمد كمل ثمورة
ينتصر فيها العمال ينشب نضال جديد ينتهي بهزيمتهم…«
إن حاصل خبرة الثورات البرجوازية مقتضب بمقدار بلغة مدلوله .إن جوهر القضممية ،بممما فممي
ذلك بصدد مسألة الدولة )هل توجد أسلحة لدى الطبقة المظلومة؟( قد شير إليه هنا بصممورة رائعممة.
وهذا الجوهر عينه هو ما يتحاشاه في الغالب الساتذة الواقعون تحت تممأثير اليديولوجيممة البرجوازيممة
شأنهم شأن الديموقراطيين صغار البرجوازيين .ففي ثورة سنة 1917الروسية أولممى »المنشممفي«،
»الماركسي –هو -أيضا« ،تسيريتيلي شرف )شرف كافينياك!( إفشاء سر الثممورات البرجوازيممة هممذا.
لقد زل لسان تسيريتيلي في خطابه »التاريخي« ،في 11يونيو ،وأعلن أن البرجوازية قد قررت نزع
39
أسلحة عمال بتروغراد متظاهرا طبعا بأن هممذا القممرار مممن عنممدياته وبممأنه ضممرورة تفرضممها مصمملحة
»الدولة« بوجه عام!.
إن الخطاب التاريخي الذي القاه تسيريتيلي في 11يونيو سيكون طبعا لكل مؤرخي ثورة سنة
1917دليل من أوضح الدلة يظهر كيف انتقلت كتلة الشتراكيين-الثوريين والمناشفة الممتي يتزعمهمما
السيد تسيريتيلي إلى جانب البرجوازية ،ضد البروليتاريا الثورية.
وثمة ملحظة أخرى أبداها انجلممس عرضما تتصممل أيضمما بمسممألة الدولمة وتتعلمق بالمدين .فمممن
المعروف أن الشتراكية الديموقراطية اللمانية ،بمقدار ما كانت تتفسخ وتوغل في النتهازية ،كممانت
تنزلق أكثر فأكثر نحو تأويل خاطئ مبتذل للصيغة المعروفة» :إعلن الممدين قضممية شخصممية« .فهممذه
الصيغة كممانت يممؤّول بشممكل يبممدو منممه أن الممدين قضممية شخصممية حممتى بالنسممبة لحممزب البروليتاريمما
الثوري!! وضد هذه الخيانة التامة بالذات لبرنامج البروليتاريا الثوري قد ثار انجلس الممذي لممم يلحممظ
فممي سممنة 1891غيرأضممعف بممواكير النتهازيممة فممي حزبممه ،المممر الممذي جعلممه يصمموغ عبمماراته بأشممد
الحتراس:
»ولما كان العمال وحدهم تقريبا ،أو ممثلوهم المعترف بهم ،هم الذين يجلسون في الكومونة،
ممما أنهمما نصممت علممى
فقد حملت المقررات التي اتخذتها طابعا بروليتاريا صريحا .وهممذه المقممررات ،أ ّ
اجراء اصلحات تخلت البرجوازية الجمهورية عنها لمجرد الجبن الدنيء ،وتشكل السمماس الضممروري
لقيام الطبقة العاملة بالنشاط الحر .ومثل ذلك تحقيق المبممدأ القممائل أن الممدين بالنسممبة للدولممة هممو
مسألة شخصية بحتة .واما أن الكومونة أصدرت أوامممر كممانت فممي مصمملحة الطبقممة العاملممة بصممورة
مباشرة وأحدثت ،من ناحية جزئية ،شقا عميقا في نظام المجتمع القديم…«
لقد تعمد انجلس الشارة إلى عبارة »بالنسبة للدولة« ،مصمموبا الضممربة ل إلممى جفممن بممل إلممى
حدقة عين النتهازية اللمانية التي أعلنت الدين قضية شخصية بالنسبة للحزب وهبطت بهذا الشممكل
بحزب البروليتاريا الثورية إلممى مسممتوى البرجوازيممة الصممغيرة »ذات التفكيممر الحممر« والمبتذلممة غايممة
البتدال والمستعدة للموافقة على وجود المرء خارج نطاق الدين ،ولكنها تتخلمى عمن مهممة النضمال
الحزبي ضد أفيون الدين الذي يخبل الشعب.
إن مؤرخ الشتراكية-الديموقراطية اللمانية في المستقبل ،عندما يبحث عممن أسممباب إفلسممها
المشين في سنة ،1914سيجد مادة وفيرة حول هذه المسممألة ،ابتممداءا نممت التصممريحات المراوغممة
التي تفتح الباب على مصراعيه أمام النتهازية ،والواردة فمي مقمالت الزعيممم الفكمري لهمذا الحممزب
كاوتسكي ،وانتهاء بموقف الحزب من ») «Los-von-Kirche-Bewegungحركة النفصال عن الكنيسة(
في سنة .1913
ولكن لنر الن كيف اخص انجلس بعد مضي عشرين سنة على الكومونة الدروس التي أعطتها
للبروليتاريا المناضلة.
»…إن السملطة الظالممة المتي تمتعمت بهما الحكوممة المركزيمة السمابقة والجيمش والشمرطة
السياسية والبيروقراطية التي كان نابليون قد أنشأها في سنة ،1798والتي تسلمتها منذ ذلك الحين
كل حكومة جديدة كأداة مرغوب فيها واستخدمتها ضد أعدائها –إن هذه السلطة بالتحديد كان ينبغممي
أن تسقط في كل مكان في فرنسا تماما كما سقطت في باريس.
لقد كان على الكومونة أن تدرك منذ بداية المر بأن الطبقة العاملة ،وقد جاءت إلى الحكم ،ل
تستطيع أن تستمر في تصريف المور بواسطة جهاز الدولة القديم؛ وأنه ينبغي على الطبقة العاملة،
لكي ل تفقد ثانية السيادة التي ظفرت بها للتو ،أن تطيح ،من جهة ،بجهاز الضطهاد القممديم جميعممه،
40
الذي كان يسمتخدم سمابقا ضمدها ،كمما كمان عليهما ،مممن جهممة أخمرى ،أن تحممي نفسمها مممن نوابهما
وموظفيها بالعلن أنهم جميعا ,ودون استتناء ،عرضة للسحب والستبدال في أي وقت كان…«
يشير انجلس المرة بعد المرة إلى أن الدولة تبقى الدولة ،ليس فقط في ظل النظام الملكي،
بل أيضا في ظل الجمهورية الديموقراطية ،بمعنى أنهمما تحتفممظ بسمممتها المميممزة الرئيسممية :تحويممل
المواظفين» ،خدم المجتمع« ،هيئاته ،إلى أسياد له.
»… وللحيلولة دون تحول الدولة وأجهزة الدولة على هذا النحو من خدم للمجتمممع إلممى أسممياد
له – وهو تحول ل مناص منه في جميع الدول السابقة -لجأت الكومونة إلى وسمميلتين صممائبيتن :أول،
عينت في جميع الوظائف –الدارية والقضائية والتعليمية -أشخاصا منتخبين على أساس حق القممتراع
العام وأقرت في الوقت نفسه حق سحب هؤلء المنتخبين في أي وقت بقممرار مممن منتخممبيهم .ثانيمما،
لم تدفع لجميع الموظفين ،كبارا وصغارا ،ال ّ الجور التي يتقاضاها العمال الخرون .كان أعلى مرتممب
تدفعه الكومونة على العموم هو 6000فرنك* .وبهذه الطريقة أقيم حاجز أميممن فممي وجممه الراكممض
وراء المناصب الرابحة وفي وجه الوصولية ،حتى بغض النظر عممن التفويضممات الملزمممة الممتي كممانت
تصدر للمندوبين في الهيئات التمثيلية ،والتي أدخلتها الكومونة بالضافة إلى ذلك…«
يقترب انجلس هنا من ذلك الحد الذي يستوقف النظر حيث ،مممن جهممة ،تتحممول الديموقراطيممة
المستقيمة إلى اشتراكية وتتطلب من الجهة الخرى الشتراكية .ذلك لن إلغاء الدولة يقتضي تحويل
وظائف الدولة إلى عمليات من المراقبة والحسمماب بسمميطة بحيممث تصممبح مممن متنمماول وفممي طاقممة
الكثرية الكبرى من السكان وثم جميع السكان عن آخرهم .وإزالة الوصولية بصورة تامة تقتضممي أن
ل تصبح المناصب »المشّرفة« في خدمة الدولممة ،حممتى ولممو كمانت ل تممدر دخل ،جسممورا للقفممز إلممى
المناصب ذات المداخيل الكممبيرة فممي البنمموك والشممركات المسمماهمة ،كممما يحممدث دائممما فممي جميممع
البلدان لرأسمالية حتى ذات الحريات الوفى.
ل ،بعض الماركسيين في مسألة حق المممم فممي ولكن انجلس ل يقترف الخطأ الذي يقترفه ،مث ً
تقرير مصيرها :فهممم يقولممون أن هممذا الحممق يسممتحيل فممي ظممل الرأسمممالية ول لممزوم لممه فممي ظممل
الشتراكية .ومثل هذا الممرأي الممذي يممدعي الممذكاء والمغلمموط فممي الواقممع يمكممن تكممراره بصممدد كممل
مؤسسممة ديموقراطيممة بممما فممي ذلممك دفممع المرتبممات المتواضممعة للممموظفين ،لن الديموقراطيممة
ممما فممي ظمل الشممتراكية فتضمممحل كممل المستقيمة كل الستقامة مستحيلة فممي ظممل الرأسمممالية ،أ ّ
ديموقراطية.
وهذه سفسطة من نوع تلك المزحة القديممة :هممل يصممبح النسمان أصملع إذا ممما سمقطت مممن
رأسه شعرة؟
تطوير الديموقراطية حتى النهاية والبحث عن أشكال هذا التطوير والتحقق منها فعل ً الخ ،.كل
هذا هو مهمة من مهام النضال من أجل الثورة الجتماعيممة .فممما مممن ديموقراطيممة ،إذا أخممذت علممى
حدة ،تعطي الشتراكية ،ولكن الديموقراطية في الحياة »ل تؤخذ« قط »على حدة« بممل »تؤخممد مممع
المجموع« ،وتؤثر تأثيرها على القتصاد أيضا وتحفز تطوره وتتعممرض لتممأثيرالتطور القتصممادي ،الممخ..
هذا هو دياليكتيك التاريخ الحي.
يستطرد انجلس:
»… هممذا التفجيممر ) (Sprengungلسمملطة الدولممة السممابقة والستعاضممة عنهمما بسمملطة جديممدة،
ديموقراطية حقا ،إنما جاء وصفهما بالتفصيل في الفصل الثالث من »الحممرب الهليممة« .ولكنممه كممان
من الضروري أن نقف هنا وقفة قصيرة مرة أخرى عند بعممض ملمممح هممذه الستعاضممة ،لن اليمممان
الخرافي بالدولة قد إنتقل ،في ألمانيا بوجه التحديد ،من الفلسفة إلى الوعي العام للبرجوازية وحتى
لكثير من العمال .فالدولة ،وفق تعاليم الفلسفة ،مملكة الله على الرض ،الدولة هي المجممال الممذي
تتحقق فيه أو ينبغي أن تتحقق فيه الحقيقمة والعدالمة الزليتمان .وممن هنما ينبثمق الحمترام الخرافمي
41
للدولة ولكل ما يتصل بها ،وهو احترام يترسخ بسهولة أكبر لكون الناس معتادين ،منممذ الطفولممة ،أن
يتصوروا أن الشؤون والمصالح التي تعود إلى المجتمع بأسممره ل يمكمن تحقيقهما والحفماظ عليهما إل ّ
بالطريقة المتبعة في الماضممي ،أي بواسممطة الدولممة وموظفيهمما الممذين يمنحممون المناصممب الرابحممة.
ويتصور الناس أنهم يخطممون إلممى أممام خطموة خارقمة فممي جرأتهمما إذا تخلمموا عمن اليمممان بالملكيمة
الوراثية وأصبحوا من أنصار الجمهورية الديموقراطية .أما في الحقيقة ،فإن الدولمة ليسمت إل ّ جهمازا
لقمع طبقة من قبل طبقة أخرى ،وهذا ما يصدق على الجمهورية الديموقراطية بدرجة ل تقل إطلقا
عن صدقه على الملكية .والدولة ،حتى فممي أحسممن الحممالت ،شممر ترثممه البروليتاريمما المنتصممرة فممي
الكفاح من أجل السيطرة الطبقية .والبروليتاريا المنتصرة شأنها في ذلك شممأن الكومونممة ،ستضممطر
إلى بتر أسوأ جوانب هذا الشر في الحال حتى يحين ذلك الوقت الذي يستطيع فيممه جيممل تربممى فممي
ظروف اجتماعية جديدة حرة أن يطرح عفاشة الدولة بكاملها فوق كوم النفايات«.
لقد حذر انجلس اللمان من أن ينسوا فمي حالمة الستعاضمة عمن الملكيمة بالجمهوريمة أسمس
الشتراكية في مسألة الدولة بوجه عام .ويبدو تحذيره الن درسا موجها بصورة مباشرة إلى السممادة
تسيريتيلي وتشمميرنوف وأضممرابهما الممذين أظهممروا فممي نشمماطهم »الئتلفممي« إيمانمما خارقمما بالدولممة
وخشوعا خرافيا أمامها!
ملحظتان أيضما (1 :إذا كمان انجلمس يقمول أن الدولمة تظمل »جهمازا لضمطهاد طبقمة لطبقمة
ما في الملكيممة ،فممإن ذلممك ل يعنممي بتاتمما أن
أخرى« في الجمهورية الديموقراطية »بدرجة ل تقل« ع ّ
البروليتاريا يجب أل ّ تكترث بشكل الضطهاد الطبقي الكثر سعة وحرية وسفورا يسهل إلى حد كممبير
جدا للبروليتاريا نضالها في سبيل القضاء على الطبقات بوجه عام.
(2لماذا ل يستطيع أن يطرح بصورة تامة عفاشة الدولة هذه بكاملها إل ّ جيل جديد؟ إنه سؤال
يتعلق بمسألة تجاوز الديموقراطية وهي التي ننتقل لتناولها.
فإن انجلس ،في المقدمة التي وضعها لمجموعة مقالته التي نشرها في سنوات العقد الثممامن
وتناول فيها شممتى المواضمميع وبصممورة رئيسممية المواضمميع »المميممة« )»« Internationales aus dem
– (*« « Volksstaatتلك المقدمة المؤرخة في 3يناير ،1894أي قبل وفاته بسنة ونصف ،-قممد كتممب
أنه يستعمل في جميع المقالت كلمة »الشيوعي« ل تعبير »اشتراكي-ديممموقراطي« ،مممع أنممه يبقممى
غير دقيق ) ،Unpassendغير ملئم( بالنسبة لحزب برنامجه القتصادي ليس مجممرد برنامممج اشممتراكي
بوجه عام ،ولكنه شيوعي بصورة مباشرة ،بالنسبة لحزب هدفه السياسي النهائي هممو تجمماوز الدولممة
بأكملها وبالتالي الديموقراطية أيضا .إن أسماء الحممزاب السياسممية الحقيقيممة )التشممديد لنجلممس( ل
تنطبق عليها كل النطباق بحال؛ فالحزب يتطور ،في حين يبقى السم«
إن رجل الدياليكتيك انجلس قد ظل حتى آخر أيامه أمينا للديالكتيك .فهو يقول :لقد كان لممدينا،
ماركس وأنا ،اسم للحزب رائع ،دقيق من الناحيممة العلميممة ،لكممن لممم يكممن هنمماك حممزب حقيقممي ،أي
حزب بروليتاري جماهيري .والن )أواخر القرن التاسع عشر( يوجد حزب حقيقي ،ولكممن اسمممه غيممر
صحيح من الناحية العلمية .ل بأس» ،ماشية« ،المهم أن يتطور الحزب ،المهممم أل ّ يخفممي عليممه عممدم
الدقة العلمية في تسميته وال ّ يعيقه عن التطور في التجاه الصحيح!
لعل ظريفا من الظرفاء يأخذ في تعزيتنا نحن البلشفة أيضا على طريق إنجلسك :عندنا حممزب
حقيقي ،وهو يتطور على ما يرام؛ »ماشية« هذه الكلمة الفارغة الشوهاء »بولشفيك«§ الممتي تفصممح
بتاتا عن شيء غير ظرف عرضي صرف وهو حصولنا فمي ممؤتمر بروكسميل-لنمدن فمي سمنة 1903
على الكثرية… وقد اتردد الن ،بعد أن تحمل حزبنا في يوليمموز وغشممت مممن ملحقممات الجمهمموريين
وديموقراطيين صغار البرجوازيين »الثورية« ممما جعممل كلمممة »بولشممفيك« محترمممة جممدا فممي عيممون
42
الشعب بأسره ،وبعد أن دلت هذه الملحقات ،علوة على ذلك ،على تلك الخطمموة التاريخيممة الهائلممة
التي خطاها حزبنا إلى المام في تطوره الفعلي ،قد أتردد أنا أيضا بصدد اقتراحي الذي عرضممته فممي
أبريل بشأن تغيير اسم حزبنا .ولربما عرضت على رفاقي »حل ّ وسطا« :أن نسمممي أنفسممنا الحممزب
الشيوعي على أن نبقي كلمة بلشفة بين قوسين…
ولكن مسألة اسم الحزب هممي أقممل أهميممة إلى ممما ل يقمماس مممن مسممألة موقممف البروليتاريمما
الثورية من الدولة.
إن المحاكمات المعتادة عن الدولة تحتوي دائما تلك الغلطة التي حذر انجلس هنا مممن الوقمموع
فيها والتي أشرنا إليها عرضا فيما سبق من البحث .ونعني :يغيب عن البال دائما أن الغاء الدولة هممو
إلغاء الديموقراطية أيضا وأن اضمحلل الدولة هو اضمحلل الديموقراطية.
لول وهلة يبدو هممذا التأكيممد مسممتغربا جممدا وغيممر مفهمموم .ولعممل هنمماك مممن تخممامره الخشممية،
فيحسب أننا نتوقع حلول نظام اجتماعي ل يراعى فيممه مبممدأ خضمموع القليممة للكثريممة ،لنممه ،ممما هممي
الديموقراطية إن لم تكن العتراف بهذا المبدأ؟
كل .الديموقراطية وخضوع القلية للكثرية ليسا بالشيء ذاته .الديموقراطية هي دولممة نعممترف
بخضوع القلية للكثرية ،أي منظمة لممارسة العنف بصورة دائمة حيال طبقة من قبل طبقة أخممرى،
أو حيال قسم من السكان من قبل قسم آخر.
إن هدفنا النهائي هو القضاء على الدولة ،أي على كل عنف منظم دائم ،كل عنف حيال النمماس
بوجه عام .نحن ل نتوقع حلول نظام اجتممماعي ل يراعممى فيممه مبممدأ خضمموع القليممة للكثريممة .ولكننمما
نطمح إلى الشتراكية ،ونحن مقتنعون من أنها ستصير إلى شيوعية فتزول نظمرا لمذلك كمل ضمرورة
إلى استخدام العنف حيال الناس بوجه عام ،إلى خضوع إنسان لنسان ،قسم من السكان لخممر ،لن
الناس سيعتادون مراعاة الشروط الولية للحياة في المجتمع بدون عنف وبدون خضوع.
وللتنويه بعنصر العادة هذا ،تحدث انجلس عن جيل حديد »تربى في ظممروف اجتماعيممة جديممدة
حرة ،يستطيع أن يطممرح عفاشمة الدولممة بكاملهمما فموق النفايممات« -كمل دولمة بمما فمي ذلمك الدولمة
الجمهورية الديموقراطية.
وليضاح ذلك يقتضي المر بحث مسألة السس القتصادية لضمحلل الدولة.
43
الفصل الخامس :السس القتصادية لضمحلل الدولة
ان الشرح الكثر تفصيل لهذه المسألة هو الشرح الذي أعطاه ماركس في مبحثه »نقد برنامممج
غوتا« )رسالة إلى براكه مؤرخة في 5ماي سنة ،1875لممم تنشممر إل ّ فممي سممنة 1891فممي »Neue
Zeit» 9 ،1وصدرت بالروسية في طبعة على حدة( .إن القسممم الجممدلي فممي هممذا المبحممث الممرائع،
والذي يتلخص في انتقاد اللسالية قد أبقي في الظل ،إن أمكن القول ،قسمه اليجابي ونعني تحليل
الصلة بين تطور الشيوعية واضمحلل الدولة.
يقترح انجلس على بيبل الكف تماما عن الثرثرة بصدد الدولة وشطب كلمة الدولممة تماممما مممن
البرنامج والستعاضة عنها بكلمة »مشاعة«؛ حتى أن انجلس يعلن أن الكومونة لم تبق دولممة بمعنممى
الكلمممة الخمماص .فممي حيممن أن ممماركس يتحممدث حممتى عممن »نظممام الدولممة المقبممل فممي المجتمممع
الشيوعي« ،أي أنه يبدو كأنه يعترف بضرورة الدولة حتى في ظل الشيوعية.
ولكن مثل هممذه النظممرة تكممون غيممر صممحيحة مممن أساسممها .فإمعممان النظممر يظهممر أن نظرتممي
ماركس وإنجلممس بشممأن الدولممة واضمممحللها متفقتممان تماممما وأن عبممارة ممماركس المممذكورة تتعلممق
بالضبط بنظام الدولة المضمحلة.
واضح أنه ل يمكن أن يدور الحديث بحال عن تحديد ساعة »الضمحلل« المقبل ،لسمميما وهممو
حتما عبارة عن عملية طويلة .إن الفممرق الظمماهري بيممن ممماركس وانجلممس ناشممئ عممن الفممرق بيممن
المواضيع التي تناولها والمهام التي أرادا حلها .فالمهمة الممتي وضممعها انجلممس نصممب عينيممه هممي أن
يبرهن لبيبل بجلء ووضوح وبالخط العريض كممل بطلن الوهمام )المتي يمؤمن بهمما لسممال لحمد كمبير(
الشائعة بصدد الدولة .ولم يتناول ماركس هذه المسألة إل ّ عرضا ،موجها انتباهه لموضوع آخر :تطور
المجتمع الشيوعي.
إن نظرية مماركس بأكملهما همي عبمارة عمن تطمبيق لنظريمة التطمور –بشمكلها التمم والكممل
والمنسجم والغني المضمون -على الرأسمالية المعاصرة .وطبيعي إذن أن يكون ممماركس قممد واجممه
مسألة تطبيق هذه النظرية كذلك على انهيار الرأسمممالية المقبممل وعلممى التطممور المقبممل للشمميوعية
المقبلة.
وعلى أساس أية وقائع يمكن طرح مسألة التطور المقبل للشيوعية المقبلة؟
على أساس واقع أن الشيوعية تنشأ من الرأسمالية وتتطور تاريخيا من الرأسمالية وأنها نتيجة
لفعل قوة اجتماعية أولممدتها الرأسمممالية .ل يمرى المممرء عنمد ممماركس حمتى ول ظمل محاولممة لنسممج
الطوبويات ولبذل الجهود دون طائل لتخمين ما ل تمكن معرفته .فماركس يطمرح مسمألة الشميوعية
كما يطرح عالم الطبيعيات مسألة تطور نوع جديد ،لنقل مثل ،من النممواع البيولوجيممة بعممد أن عممرف
مصدره واتضح التجاه الذي يسلكه تطوره.
يبدأ ماركس قبل كل شيء بنبذ التشويش الذي يممدخله برنامممج غوتمما فممي مسممألة العلقممة بيممن
الدولة والمجتمع.
وقد كتب:
44
»… إن المجتمع الحالي إنما هو المجتمع الرأسمالي القائم فممي جميممع البلممدان المتمدنممة وقممد
تطهر إلى هممذا الحممد أو ذاك مممن عناصممر القممرون الوسممطى وعممدلته إلممى هممذا الحممد أو ذاك التطممور
ممما »الدولممة الحاليممة« ،فإنهمما ،علممى
التاريخي في كل بلد من البلدان وتطور إلى هممذا الحممد أو ذاك .أ ّ
العكس تختلف ضمن حدود كل بلد .فهي في المبراطورية البروسية اللمانيممة غيرهمما فممي سويسممرا،
وهي في انجلترا غيرها في الوليات المتحدة» .فالدولة الحالية« إذن مجرد وهم من الوهام.
ومع ذلك ،فإن مختلف الدول في مختلف البلدان المتمدنة تتصف جميعها بطابع مشترك ،رغممم
نوع أشكالها ،وهو أنها تقوم في تربة المجتممع المبرجوازي الحممديث المتطمور تطممورا رأسمماليا لهمذه
ممما »الدولممة
الدرجة أو تلك .فلديها بالتالي معالم مشتركة جوهرية .وبهذا المعنى يمكن الحديث عن أ ّ
الحالية« خلفا للمستقبل ،حيث يزول أصلها الحالي ،وهو المجتمع البرجوازي.
ثم يوضع السؤال التالي :أي تحول يطرأ على الدولة في المجتمع الشيوعي؟ وبتعبير آخممر :ايممه
وظائف اجتماعية مماثلة للوظائف الحالية للدولة تظل قائمة في المجتمممع الشمميوعي؟ العلممم وحممده
يستطيع الجواب عن هذا السؤال؛ ولن ندفع القضية إلى امام قيد شعرة ولو قرنا بألف طريقة كلممة
»الشعب« بكلمة »الدولة«…«.
وبعد أن سخر ماركس بهذا الشكل من كل هذه الثرثرة عن »الدولة الشعبية« بين كيف تنبغي
صياغة المسالة وكأنما ينبه إلى أن إعطاء الجواب العلمي ل يمكن إل ّ بالستناد إلى المعطيات الثابتة
علميا.
إن أول ما أثبته بدقة تامة نظرية التطور كلها والعلممم كلممه بمموجه عممام وممما نسمميه الطوبمماويون
وينساه النتهازيون الحاليون الذين يخشون الثورة الشمتراكية همو واقمع أنمه ل بمد تاريخيما ممن طمور
خاص أو مرحلة خاصة للنتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية.
»… بين المجتمع الرأسمالي والمجتمع الشيوعي تقع مرحلة تحول الرأسمالي تحول ثوريا إلى
المجتمع الشيوعي .وتناسممبها مرحلممة انتقممال سياسممية أيضمما ،ل يمكممن أن تكممون الدولممة فيهمما سمموى
الديكتاتورية الثورية للبروليتاريا…«
ويستند اسممتنتاج ممماركس هممذا إلممى تحليممل ذلممك الممدور الممذي تلعبممه البروليتاريمما فممي المجتمممع
الرأسمالي الراهن وإلى وقائع تطمور همذا المجتممع وإلمى واقمع أن مصمالح البروليتاريما والبرجوازيمة
المتضادة ل يمكن التوفيق بينهما.
فيما مضى كانت المسألة تطرح بالشكل التي :يتوجب على البروليتاريا ،لكيما تكتسب حريتها،
أن تسقط البرجوازية وأن تظفر بالسلطة السياسية وأن تقيم ديكتاتوريتها الثورية.
ما الن فتطرح المسألة بشكل يختلممف بعممض الشمميء :إن النتقممال مممن المجتمممع الرأسمممالي أ ّ
بسبيل التطور نحو الشيوعية إلى المجتمع الشيوعي يستحيل بممدون »مرحلممة انتقممال سياسممية« .ول
يمكن لدولة هذه المرحلة أن تكون غير الديكتاتورية الثورية للبروليتاريا.
45
لقد رأينا أن »البيان الشيوعي« يضع ،ببساطة ،جنبا إلممى جنممب مفهممومي» :تحممول البروليتاريمما
إلى طبقة سائدة« و»اكتساب الديموقراطية« .وعلى أسمماس كممل ممما عممرض أعله يمكننمما أن نحممدد
بمزيد من الدقة كيف تتغير الديموقراطية في النتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية.
في المجتمع الرأسمالي ،في حالة تطوره الكثر ملءمة ،نرى ديموقراطيممة تامممة لهممذا الحممد أو
ذاك في الجمهورية الديموقراطية .ولكن هذه الديموقراطية مضغوطة على الممدوام فمي إطمار ضميق
من الستثمار الرأسمالي ،وهي تبقى لذلك على الدوام ،في الجوهر ،ديموقراطية للقليممة ،للطبقممات
الموسرة وحدها ،الغنياء وحدهم .إن الحرية في المجتمع الرأسمالي تبقى على الممدوام تقريبمما علممى
ما كانت عليممه الحريممة فممي الجمهوريممات اليونانيممة القديمممة :حريممة لمممالكي العبيممد ،فالعبيممد الجممراء
الحاليون يظلون ،بحكم ظروف الستثمار الرأسمالي ،رازحين تحممت أثقممال العمموز والبممؤس لحممد »ل
يبالون معه بالديموقراطية«» ،ل يبالون بالسياسة« ،لحد تبعد معه أكثريممة السممكان ،فممي حالممة سممير
الحداث في مجراها العادي السلمي ،عن الشتراك في الحياة السياسية والجتماعية.
ولعل صحة هذا التأكيممد يثبتهمما علمى أوضممح شممكل مثممال ألمانيمما ،وذلممك بالضممبط لن الشممرعية
الدستورية قد استمرت في هذه الدولممة بثبممات ودوام مدهشممين زهمماء نصممف قممرن ) ،(1914-1871
ولن الشتراكية-الديموقراطية قد استطاعت خلل هذه الفترة أن تفعل أكثر بكثير مما فممي البلممدان
الخرى »للستفادة من الشرعية« ولتنظم في حزب سياسمي نسمبة كمبيرة ممن العممال ل تضمارعها
نسبة في أي بلد في الدنيا.
فما هي ،يا ترى ،هذه النسبة العليا من العبيد الجراء الواعين والنشممطاء سياسميا الممتي عرفهما
المجتمع الرأسمالي؟ مليون عضو في حزب الشتراكيين-الممديموقراطيين مممن أصممل 15مليونمما مممن
العمال الجراء! ثلثة مليين عامل منظمين في النقابات من أصل 15مليونا!
إن ديموقراطية المجتمع الرأسمالي هي ديموقراطية لقلية ضئيلة ،ديموقراطيممة الغنيمماء .وإذا
ما أمعنا النظر في آلية الديموقراطية الرأسمالية ،رأينا في كل شيء وفي كل خطوة –في التفاصيل
»التافهة« -التافهة حسبما يزعم -للحق النتخابي )قيد القامة ،اسممتثناء النسمماء ،الممخ( ،وفممي طريقممة
عمل المؤسسات التمثيلية ،وفي العقبممات الفعليممة القائمممة فممي وجممه حممق الجتممماع )البنيممة العامممة
ليسممت »للصممعاليك«!( وفممي التنظيممم الرأسمممالي الصممرف للصممحافة اليوميممة والممخ ،.والممخ ،.نممرى
الديموقراطية مغلولة بقيد فوق قيد .وهذه القيود وعمليات الشطب والستثناءات والعقبات المقررة
بالنسبة للفقراء تبدوا تافهة ل سيما في نظر من لم يعرف بنفسه العوز قممط ولممم يعممرف عممن كثممب
حياة جماهير الطبقات المظلومة )وهذا هو حال تسعة أعشار ،إن لم يكن تسعة وتسعون بالمائة من
الصحفيين والساسة البرجوازيين( ،ولكن هذه القيود بمجملها تبعد وتدفع الفقراء عن السياسممة ،عممن
الشتراك النشيط في الديموقراطية.
لقد أدرك ماركس بكل الوضمموح فحمموى الديموقراطيممة الرأسمممالية هممذه ،إذ قممال فممي تحليلممه
مممن ممثلممي الطبقممةمممن ِلخبرة الكومونة :يسمح للمظلومين مرة في كل عدة سنوات بأن يقممررواَ :
الظالمة سيمثلهم ويقمعهم في البرلمان!.
ولكن التطور إلى المام ،من هذه الديموقراطية الرأسمالية –الضيقة حتما والتي تبعد الفقممراء
خلسة والتي هي ،بسبب ذلك ،نفاق وكذب كلها -ل يجري ببساطة ،مباشرة ودون عقبات فممي اتجمماه
»ديموقراطية أوفى فأوفى« كما يصور المر الساتذة الليبراليون والنتهازيون صغار البرجوازيين .ل.
إن التطور إلى المام ،أي نحو الشيوعية ،يمر عممبر ديكتاتوريممة البروليتاريمما ،ول طريممق لممه غيممر هممذه
مرين الرأسماليين. الطريق ،لنه ما من طبقة أخرى أو طريق آخر لتحطيم مقاومة المستث ِ
وقد أفصح انجلس عن ذلك بجلء رائع في رسالته إلممى بيبممل إذ قممال كممما يممذكر القممارئ » :أن
البروليتاريا بحاجة إلى الدولة ل من أجل الحرية ،بل من أجل قمع خصومها ،وعنممدما يصممبح بالمكممان
الحديث عن الحرية ،عندئذ لن تبقى الدولة«.
46
مرين،ديموقراطية من أجل الكثريممة الكممبرى مممن الشممعب وقمممع بممالقوة ،أي اسممتثناء المسممتث ِ
ظالمي الشعب من الديموقراطية- ،هذا هو التغير الذي يطرأ على الديموقراطية أثنمماء النتقممال مممن
الرأسمالية إلى الشيوعية.
في المجتمع الشيوعي فقط ،عندما تحطم مقاومة الرأسماليين بصورة نهائيممة ،عنممدما يتلشممى
الرأسماليون ،عندما تنعدم الطبقات )أي عندما ينعدم التباين بين أعضاء المجتمع من حيممث علقتهممم
بوسائل النتاج الجتماعية( ،عندئذ فقط »تزول الدولة وتصبح بالمكان الحديث عن الحريممة« .عنممدئذ
فقط تصبح في المكان وتتحقق الديموقراطية الكاملة حقا ،الديموقراطية الخالية حقا من كممل قيممد.
وعندئذ فقط ،تأخذ الديموقراطيممة بالضمممحلل بحكممم ظمرف بسمميط هممو أن النمماس المعتمموقين مممن
العبودية الرأسمالية ومما ل يحصى من أهوال الستثمار الرأسمالي وفظاعمماته ،وحماقمماته وسممفالته
سيعتادون شيئا فشيئا مراعاة القواعد الوليمة للحيماة فمي المجتممع ،القواعمد المعروفمة منمذ قمرون
والتي كررت ألوف السنين في جميع الكتب ،سميعتادون مراعاتهمما دونممما عنممف ،دونممما قسممر ،دونممما
خضوع ،بدون الجهاز المعد خصيصا للقسر والمسمى بالدولة.
إن تعبير »الدولة تضمحل« هو تعبير اختير بتوفيق كبير ،لنه يشير بمموقت معما إلمى تمدرج هممذه
العملية وإلى عفويتها .وأن العادة وحدها يمكنها أن تفعل هذا الفعل ول ريب فمي أنهما سمتفعله ،لننما
نلحظ من حولنا ملييممن المممرات كيممف يعتمماد النمماس بسممهولة مراعمماة قواعممد الحيمماة فممي المجتمممع
الضرورية لهم ،إذا كان الستثمار معدوما ،إذا لم يكن هنمماك ممما يممثير السممتياء ويممدعو إلممى الحتجمماج
والنتفاض ويستلزم القمع.
وعلى ذلك نرى أن الديموقراطية فممي المجتمممع الرأسمممالي هممي ديموقراطيممة بممتراء ،حقيممرة،
ممما ديكتاتوريممة البروليتاريمما ،مرحلممة النتقممال إلممى
زائفة ،هي ديموقراطية للغنياء وحممدهم ،للقليممة .أ ّ
الشيوعية ،فهي تعطي لول مرة الديموقراطية للشعب ،للكثرية ،بمحاذاة القمع الضممروري للقليممة،
مرين .والشيوعية وحدها هي التي تستطيع أن تعطي الديموقراطية كاملممة حقمما ،وبمقممدار ممما للمستث ِ
تتكامل بمقدار ما تزول الحاجة إليها فتضمحل من نفسها.
وبعبارة أخرى :في ظل الرأسمالية نرى الدولة بمعنى الكلمة الصلي ،بمعنى آلة خاصممة لقمممع
طبقة من قبل طبقة أخرى ،وبالتحديد :قمع الكثرية ممن قبمل القليمة .وبمديهي أن همذا الممر –قممع
مرة -يتطلممب لنجمماحه منتهممى الشراسممة،
مرة بصورة دائمة مممن قبممل القليممة المسممتث ِالكثرية المستث َ
منتهى الوحشية في القمع ،يتطلب بحارا من الدماء ،وهذا هو الطريق الذي تسير عليه البشرية وهي
في حالة العبودية والقنانة والعمل المأجور.
وبعد .في مرحلة النتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية يظل القمع أمرا ضروريا ،ولكنممه يغممدو
مرة ،ويبقى الجهاز الخماص ،اللمة الخاصمة للقممع، مرة من جانب الكثرية المستث َ قمعا للقلية المستث ِ
أي »الدولة« ،أمرا ضروريا ،ولكنها دولة انتقالية ،أي أنها لم تبق الدولة بمعنممى الكلمممة الصمملي ،لن
مرة من قبل الكثرية ،عبيد العمل المأجور في المس ،هو نسبيا أمر هيممن بسمميط قمع القلية المستث ِ
وطبيعي لحد يجعله يكلف من الدماء أقل كثيرا مما يكلفه قمع انتفاضات العبيممد أو الفلحيممن القنممان
أو العمال الجممراء ،لحمد يكلممف البشمرية أقمل بكمثير ،وهمو يتلءم وجعمل الديموقراطيمة تشممل مممن
مرين السكان أكثرية ساحقة لحد تأخذ معه بالزوال الحاجة إلى آلة خاصة للقمع .وبممديهي أن المسممتث ِ
عاجزين عن قمع الشعب بدون آلة في منتهى التعقيد تعد لهذه المهمة .ولكن الشعب يسممتطيع قمممع
مرين حتى بم»آلة« في منتهى البساطة ،تقريبا بدون »آلة« ،بدون جهاز خاص ،بمجممرد تنظيممم المستث ِ
الجماهير المسلحة )ونلحظ ،مستبقين البحث ،على غرار سوفياتات نواب العمال والجنود(.
وأخيرا ،الشيوعية هي وحدها التي تجعل الدملة أمرا ل لزوم له البتة ،لنه ل يبقممى عنممدئذ أحممد
ينبغي قمعه» ،أحد« بمعنى الطبقة ،بمعنى النضال المنتظم ضد قسم معين من السكان .نحن لسممنا
بطوبويين ،ونحن ل ننكر أبدا إمكانية وحتمية وقوع تجاوزات من أفراد كما ل ننكر ضرورة قمممع مثممل
هذه التجاوزات .ولكن همذا الممر ل يحتماج ،أول ،إلمى آلمة خاصمة للقممع ،إلمى جهماز خماص للقممع –
فالشعب المسلح نفسه يقوم به ببساطة ويسر كما تقوم كل جماعة من الناس المتمدنين حمتى فمي
المجتمع الراهن بتفريق متشاجرين أو الحيلولة دون العتداء على امرأة .وثانيا ،نحن نعلم أن السبب
47
الجتماعي الجذري للمخالفات الممتي تتجلممى فممي الخلل بقواعممد الحيمماة فممي المجتمممع هممو اسممتثمار
الجممماهير وعوزهمما وبؤسممها .وعنممدما يممزول هممذا السممبب الرئيسممي تأخممذ التجمماوزات ل محالممة
بم»الضمحلل« .نحن ل نعلم بأية سرعة وبأي تممدرج ،ولكننمما نعلممم أنهمما ستضمممحل .ومممع اضمممحللها
تضمحل الدولة أيضا.
إن ماركس ،دون أن ينساق مع الطوبويات ،قد عرف بالتفصيل ما يمكن تعريفه الن بصدد هذا
المسممتقبل ،ونعنممي الفممرق بيممن الطممور )الدرجممة ،المرحلممة( السممفل والطممور العلممى مممن المجتمممع
الشيوعي.
فعوضا عن عبارة لسال العامة ،الغامضة والمبهمة )»إعطاء العامل نتاج العممل كمامل«( يمبين
ماركس بوضوح كيف ينبغي على المجتمع الشتراكي بالضممرورة أن يممدير المممور .إن ممماركس يحلممل
تحليل ملموسا ظروف الحياة في مجتمع ستنعدم فيه الرأسمالية ويقول:
»إننا نواجه هنا« )عند تحليله لبرنامج حزب العمال( »ليس مجتمعا شيوعيا تطور علممى أسسممه
الخاصة ،بل مجتمعا يخرج لتوه من المجتمع الرأسمالي بالذات؛ مجتمع ل يزال ،من جميممع النممواحي،
القتصادية والخلقية والفكرية ،يحمل طابع المجتمع القديم الذي خرج من أحشائه«.
إن هذا المجتمع الشيوعي المنبثق لتوه من أحشاء الرأسمالية والذي يحمل من جميع النممواحي
طابع المجتمع القديم يسميه ماركس بالطور »الول« أو الدنى من المجتمع الشيوعي.
فإن وسائل النتاج ل تبقى ملكا خاصا لفراد .إن وسائل النتاج تخص المجتمع كله .وكل عضممو
من أعضاء المجتمع يقوم بقسط معين من العمممل الضممروري اجتماعيمما وينممال مممن المجتمممع إيصممال ً
بكمية العمل التي يقوم به .وبموجب هذا اليصال ينال من المخازن العامة لبضائع الستهلك الكميممة
المناسبة من المنتوجات .وبعد طرح كمية العمل التي تموجب للمخصصمات العاممة ،ينمال كمل عاممل
إذن من المجتمع بمقدار ما أعطاه.
ولكن عندما يقول لسمال ،آخمذا بعيمن العتبمار همذه الوضماع الجتماعيمة )المتي تسممى عمادة
الشتراكية ويسميها ماركس الطور الول من الشيوعية( ،بأن هممذا »توزيممع عممادل« ،بممأن هممذا »حممق
متساو لكل فرد في كمية متساوية من منتوجات العمل« ،فهو يخطئ ويوضح ماركس خطأه بقوله:
نحن هنا في الواقع إزاء »الحق المتساوي« ،ولكنممه مما يممزال »حقما برجوازيما« يفمترض ،ككمل
حق ،عدم المساواة .إن كل حق هو مقياس واحد على أناس مختلفين ليسوا فممي الواقممع متشممابهين
ول متساويين ،ولذا فإن »الحق المتساوي« هو إخلل بالمساواة وهو غبن .وفي الحقيقة ،إن كل فرد
ينال لقاء قسط ميساو من العمل الجتماعي قسطا متساويا من المنتوجمات الجتماعيمة )بعمد طمرح
المخصصات المذكورة(.
بيد أن الناس ليسوا متساوين :أحدهم قوي والخر ضعيف ،أحدهم متزوج والخمر أعممزب ،لمدى
أحدهم عدد أكبر من الطفال ولدى الخر عدد أقل الخ..
48
ويستنتج ماركس:
»…لقمماء العمممل المتسمماوي ،وبالتممالي لقمماء السممهام المتسمماوي فممي الصممندوق الجتممماعي
للستهلك يتلقى أحدهم بالفعل أكثر من الخر ،ويصبح إذن أغنى مممن الخممر والممخ ..ةلجتنمماب جميممع
هذه المصاعب ل ينبغي أن يكون الحق متساويا ،بل ينبغي أن يكون غير متساو…«
وعلى ذلك ل يمكن بعد للمرحلة الولممى مممن الشمميوعية أن تعطممي العدالممة والمسمماواة :تبقممى
فروق في الثروة وهي فروق مجحفة ،ولكمن اسمتثمار النسمان للنسمان يصمبح أممرا مسمتحيل ،لنمه
يصبح من غير الممكن للمرء أن يستولي كملكية خاصة على وسممائل النتمماج ،علممى المعامممل واللت
والرض وغير ذلك .زإذ دحض ماركس عبارة لسال الغامضة على النمممط الممبرجوازي الصممغير بصممدد
»المساواة« و»العدالة« بوجه عام ،قد أظهر مجرى تطور المجتمع الشيوعي المضطر في البدء إلى
القضاء فقط على ذلك »الغبن« الذي يتلخص في تملك أفراد لوسائل النتمماج ،ولكنممه عمماجز عممن أن
يقضي دفعة واحدة على الغبن الثاني الذي يتلخص بتوزيع مواد الستهلك »حسب العمل« )ل حسب
الحاجة(.
إن القتصاديون المبتذلون ومنهم الساتذة البرجوازيون بمن فيهممم »صمماحبنا« توغممان يولمممون
الشتراكيين على الدوام زاعمين أنهم ينسون أن الناس غير متسمماوين و»يحلمممون« بإزالممة هممذه الل
مساواة .وهذا اللوم ان برهن على شيء فإنما يبرهن فقط كما نرى ،على أن السادة اليممديولوجيين
البرجوازيين جهال جهل مطبقا.
إن ماركس ،عدا أنه يحسب الحساب بدقة لحتمية الل مساواة بين الناس ،يأخممذ بعيممن العتبمار
كذلك أن مجرد انتقال وسائل النتاج إلى ملكية عامممة للمجتمممع كلممه )»الشممتراكية« بمعنممى الكلمممة
المعتاد( ل يزيل نواقص التوزيع والل مساواة في »الحق الممبرجوازي« الممذي يظممل سممائدا ممما دامممت
المنتوجات توزع »حسب العمل«.
ويستطرد ماركس:
»… ولكنها تلك مصاعب محتومة ل مناص منها في الطور الول مممن المجتمممع الشمميوعي كممما
يخرج من المجتمع الرأسمالي بعد مخاض طويل وعسير .فالحق ل يمكن أبدا أن يكون فممي مسممتوى
أعلى من النظام القتصادي ومن درجة تمدن المجتمع التي تناسب هذا النظام…«
وعليه ،إن »الحق البرجوازي« في الطور الول مممن المجتمممع الشمميوعي )الممذي يسمممى عممادة
بالشممتراكية( ل يلغممي بصممورة تامممة ،بممل يلغممي بصممورة جزئيممة ،فقممط بالمقممدار الممذي بلغممه النقلب
القتصادي ،أي فقط حيال وسائل النتمماج» .فممالحق الممبرجوازي« يعممترف بهمما ملكمما خاصمما لشممخاص
ما الشتراكية فتجعلها ملكا عاما .بهذا المقدار ليس غير ،يسقط »الحق البرجوازي«. منفردين .أ ّ
ولكنه يبقى مع ذلك في جزئه الخر ،يبقى بصفة ضابط )محدد( لتوزيع المنتجات وتوزيع العمل
بين أعضاء المجتمع» .من ل يعمل ل يأكل« ،هذا المبدأ تلشتراكي قد طبممق؛ »لقمماء كميممة متسمماوية
من العمل كمية متساوية من المنتوجات« ،وهذا المبدأ الشتراكي الخر قد طبممق أيضمما .ولكممن ذلممك
ليس بالشيوعية بعد .إن ذلك ل يزيل بعد »الحق الممبرجوازي« الممذي يعطممي النمماس غيممر المتسمماوين
مقابل كمية من العمل غير متساوية )غير متساوية فعل( كمية متساوية من المنتوجات.
يقول ماركس أن هذا »نقص« ،ولكن ل مفر منه في الطور الول من الشيوعية ،لنمه ل يمكمن
الظن ،بدون الوقوع في الطوبوية ،بأن الناس ،بعد اسقاطهم للرأسمالية ،يتعلمون على الفور العمل
49
في صالح المجتمع بدون أية أحكام حقوقيممة ،ناهيممك عممن إلغمماء الرأسمممالية ليعطممي فممورا ً ممهممدات
اقتصادية لمثل هذا التغير.
ول وجود لحكام عير أحكام »الحق البرجوازي« .ولذا تبقى الحاجة إلممى دولممة تصممون الملكيممة
العامة لوسائل النتاج وبذلك تصون تساوي العمل وتساوي توزيع المنتوجات.
تضمحل الدولة ،لنه ينعدم الرأسماليون وتنعدم الطبقات فيستحيل بالتالي قمع أية طبقة.
ولكن الدولة ل تضمحل بعد بصورة تامة ،لنه تبقى صيانة »الحق البرجوازي« الذي يكمرس الل
مساواة الفعلية .ولضمحلل الدولة بصورة تامة يقتضي المر الشيوعية الكاملة.
»… في الطور العلى من المجتمع الشيوعي ،بعممد أن يممزول إخضمماع الفممراد المممذل لتقسمميم
العمل ويزول معه التضاد بين العمل الفكري والعمل الجسدي؛ وحين ل يبقممى العمممل مجممرد وسمميلة
للعيش ،بل يغدو الحاجة الولى في الحياة؛ وحين تتنامى القوة المنتجة مع تطممور الفممراد مممن جميممع
النواحي ،وحين تتدفق جميع ينابيع الثورة الجماعية بفيمض وغمزارة- ،حينمذاك فقمط ،يصمبح بالمكمان
تجاوز الفق الضيق للحق البرجوازي تجاوزا تاما ،ويصبح بإمكان المجتمع أن يسجل على رايته» :من
كل حسب كفاءاته ،ولكل حسب حاجاته««.
الن فقط ،يمكننا أن نقدر كل صحة ملحظات انجلس عندما سممخر دونممما رحمممة مممن سممخافة
الجمع بين كلمتي »الحرية« و»الدولة« .فممما بقيممت الدولممة ،ل وجممود للحريممة ،وعنممدما تحممل الحريممة
تنعدم الدولة.
إن الساس القتصادي لضمحلل الدولة اضمحلل ً تاما هو تطور الشيوعية إلى حد عممال يممزول
معه التضاد بين العمل الفكري والعمل الجسدي ،ويزول بالتممالي ينبمموع مممن أهممم ينممابيع الل مسمماواة
الجتماعية الراهنة ،مع العلم أنه ينبوع تستحيل إزالته فورا استحالة تامة بمجرد تحويل وسائل النتاج
ملكا اجتماعيا ،بمجرد مصادرة أملك الرأسماليين.
إن هذه المصادرة ستفسح في المجال لتطور القوى المنتجة تطورا هائل ،وإذ نرى إلى أي حممد
هائل تعيق الرأسمالية الن هذا التطور ،وأي قدر كبير من المور يمكن دفعه إلى المام على أساس
التكتيك الحديث المتوفرة اليوم ،يحق لنا أن نقول موقنين كل أن مصادرة أملك الرأسماليين تسممفر
ل محالة عن تطور قوى المجتمع البشري المنتجة تطممورا هممائل .ولكممن ممما ل نعرفممه وممما ل نسممتطيع
معرفته هو درجة سرعة هذا التطور لحقا وسرعة بلوغه حد القطيعة مممع تقسمميم العمممل ،حممد إزالممة
التضاد بين العمل الفكري والعمل الجسدي،حد صيرورة العمل »الحاجة الولى في الحياة«.
ولذا ل يحق لنا أن نتكلم إل ّ عن حتمية اضمحلل الدولة ،مشيرين إلى أن هذه العملية تستغرق
وقتا طويل وإلى توقفها على درجة سرعة تطور الطور العلى من الشميوعية وتماركين مسمألة وقمت
هذا الضمحلل أو أشكاله الملموسة معلقة ،لنه ل يوجد ما يلزم لحل هذه المسائل.
ل يمكن للدولة أن تضمحل تماما إل ّ عندما يطبق المجتمممع قاعممدة »مممن كممل حسممب كفمماءاته،
ولكل حسب حاجاته« ،أي عندما يعتاد الناس مراعاة القواعد الساسية للحياة فممي المجتمممع ويصممبح
عملهم منتجا بحيث يشرعون يعملون طوعا حسب كفاءاتهم .وعدنئد يتم تخطي هذا »الفممق الضمميق
للحق البرجوازي« الذي يجعل المرء يحسب على غرار شيلوك –فل يعمل نصف ساعة زيادة على ما
يعمل آخر ،أو ل يقبض أجرة أقل من أجرة الخر .وعندئذ لن يتطلب توزيع المنتجات تقنينا مممن قبممل
المجتمع لكمية المنتوجات التي ينالها كل فرد ،فكل فرد سيأخذ بحرية »حسب حاجاته«.
50
من السهل ،من وجهة النظر البرجوازية ،إعلن مثل هذا النظام الجتممماعي »طوبويممة محضمما«
والسخرية من الشتراكيين لنهم يعدون كل مواطن بأنه سيحق له أن يأخذ مممن المجتمممع بممدون أيممة
مراقبة لعمله أي مقدار من السكاكر أو السيارات أو أجهزة البيانو وغير ذلك .وبمثل هذه السخريات
تتملمص أكثريمة »العلمماء« المبرجوازيين حمتى الن مظهريمن بمذلك جهلهمم ودفماعهم المغمرض عمن
الرأسمالية.
الجهل ،لنه لم يخطر لي اشتراكي ببال أن »يعد« بحلول الطور العلى من تطممور الشمميوعية.
ما فيما يخص نبوءة الشتراكيين العظام بحلوله فهي تفترض إنتاجية عمل غير إنتاجية العمل الحالية أ ّ
وإنسانا غير النسان الحالي التافه الذي يستطيع ،على غرار تلميذ مدرسممة اللهمموت الممذين وصممفهم
الكاتب بوميالوفسكي ،أن يتلف »لوجه الشيطان« الثروات العامة ويطلب المستحيل.
وما لم يحل الطور »العلى« من الشيوعية يطالب الشتراكيون برقابة صارمة جدا مممن جممانب
المجتمع ومن جانب الدولة على مقياس العمل ومقياس الستهلك ،ولكن هذه الرقابة يجب أن تبممدأ
من مصادرة أملك الرأسماليين ،من رقابة العمال على الرأسماليين ،وأل ّ تمارسها دولممة الممموظفين،
بل دولة العمال المسلحين.
ما الدفاع المغرض عن الرأسمالية من قبل اليممديولوجيين الممبرجوازيين )وأذنممابهم مممن أمثممال أ ّ
السادة تسيريتيلي وتشيرنوف وشركاهما( فيتلخص بالضبط في كونهم يستعيضون بالجدال والممثرثرة
حول المستقبل البعيممد عممن مسممألة السمماعة ،المسممألة الملحممة فممي سياسممة اليمموم :مصممادرة أملك
الرأسماليين وتحويل جميع المواطنين إلى شمغيلة ومسمتخدمين فمي »سمنديكا« كمبير واحمد ،ونعنمي
الدولة بأكملها ،وإخضاع كامل عمل هذا السنديكا بأكمله إخضاعا تاما لدولة ديموقراطية حقمما ،لدولممة
سوفييتات نواب العمال والجنود.
ما في الجوهر فإن الستاذ العلمة وفي اثره التافه الضيق الفق وفي اثره السادة تسيريتيلي أ ّ
وتشيرنوف وأضرابهما ،عندما يتكلمون عن الطوباويات الخرقاء ووعود البلشممفة الديماغوجيممة وعممن
استحالة »تطبيق« الشتراكية ،إنما يقصدون بالضبط الطور العلى أو المرحلة العليا للشيوعية ،هذه
المرحلة التي لم يفكر أحد »بتطبيقها« ،فضل عن الوعد بذلك ،لن »تطبيقهمما« أمممر مسممتحيل بمموجه
عام.
هنا وصلنا إلى مسألة الفرق العلمي بيممن الشممتراكية والشمميوعية ،هممذه المسممألة الممتي تطممرق
لليهممما انجلمممس فمممي الفقمممرة المممتي أوردناهممما أعله بصمممدد عمممدم صمممحة تسممممية »الشمممتراكيين-
الديموقراطيين« .أغلب الظن أن الفرق من الناحية السياسممية بيممن الطممور الول أو الدنممى والطممور
العلى من الشيوعية سيصبح هائل مممع مممر الزمممن ،ولكممن مممن المضممحك العممتراف بممه فممي المموقت
الحاضر ،في ظل الرأسمالية ،ول يمكن لحد أن يضعه في المقمام الول اللهمم ال ّ بعمض الفوضمويين
)إذا ما بقي الفوضويين أناس لم يتعلموا شيئا بعد تحول كروبوتكين وغراف وكورنيليسين وأضممرابهم
من »نجوم« الفوضوية» ،على غرار بليخانوف« ،إلى اشتراكيين-شوفينيين ،أو إلى فوضممويي خنممادق
حسب تعبير غي ،أحد الفوضويين القلئل الذين احتفظوا بالشرف والضمير(.
بيد أن الفرق العملي بين الشتراكية والشيوعية واضح .فما يممدعونه فممي المعتمماد بالشممتراكية،
قد سماه ماركس بالطور »الول« أو الدنى من المجتمع الشمميوعي .وبممما أن وسممائل النتمماج تصممبح
ملكا عاما فإن كلمة »الشيوعية« قابلة للتطبيق على هذا الطور أيضمما ،شممريطة أل ّ ينسممى المممرء أن
هذه ليست بالشيوعية الكاملة .والهمية الكبرى لشروح ماركس تتلخص في كونه قد طبق بانسممجام
في هذه النقطة أيضا الدياليكتيك المادي ،نظريممة التطممور ،نمماظرا إلممى الشمميوعية كشمميء ينشممأ عممن
الرأسمالية .فبدل من التعاريف الكلمية المختلفة و»المخترعة« والنقاش العقيم حول الكلمممات )ممما
هي الشتراكية وما هي الشيوعية( يعطي ماركس تحليل لما يمكن تسممميته درجممات نضممج الشمميوعية
اقتصاديا.
فالشيوعية في طورها الول ،في درجاتهمما الولممى ،ل يمكممن بعممد أن تكممون ناضممجة تماممما مممن
الناحية القتصمادية ،ل يمكمن أن تكمون خاليمة تمامما ممن تقاليمد أو آثمار الرأسممالية .وممن هنما همذه
51
الظاهرة الطريفة- ،بقاء »الفق الضيق للحق البرجوازي« في الشيوعية خلل طورها الول .وواضممح
أن الحق البرجوازي حيال توزيع منتجات الستهلك يتطلب حتما دولة برجوازيممة ،لن الحممق ل شمميء
بدون جهاز يستطيع القسر على مراعاة أحكام الحق.
ويستنتج أنمه فمي الشميوعية ل يبقمى لزممن معيمن الحمق المبرجوازي وحمده ،بمل أيضما الدولمة
البرجوازية –بدون البرجوازية!
وقد يبدو ذلك تناقضما أو مجممرد تلعمب ديمماليكتيكي مممن ذهممن ،الممر المذي كممثيرا ممما يتهمم بممه
الماركسية الناس الذين لم يبذلوا أي جهد ليدرسوا مضمونها العميق منتهى العمق.
ما في الحقيقة فإن الحياة ترينا في كل خطوة ،في الطبيعة وفي المجتمع ،بقايمما القممديم فممي
أ ّ
الجديد .وماركس لم يدخل في الشيوعية بصورة كيفية قطعة من الحق »البرجوازي« ،بل إنممما أخممذ
ما هو ،اقتصاديا ،وسياسيا ،أمر ل مناص منه في مجتمع ينشأ من أحشاء الرأسمالية.
للديموقراطية أهمية كبرى في نضال الطبقممة العاملممة ضممد الرأسممماليين ،فممي سممبيل تحررهمما.
ولكن الديموقراطية ليست البتة بحد ل يمكن تخطيممه ،فهممي ليسممت غيممر مرحلممة مممن المراحممل فممي
الطريق من القطاعية إلى الرأسمالية ومن الرأسمالية إلى الشيوعية.
الديموقراطية تعني المساواة .ول حاجة لتبيان مدى أهمية نضال البروليتاريا من أجل المساواة
وشممعار المسمماواة إذا ممما فهممم هممذا الشممعار فهممما صممحيحا بمعنممى القضمماء علممى الطبقممات .ولكممن
الديموقراطية ل تعني غير المساواة الشكلية .فما أن تحقممق مسمماواة جميممع أعضمماء المجتمممع حيممال
تملك وسائل النتاج ،أي المساواة في العمل ،المسماواة فمي الجمور ،حمتى تطممرح أمممام البشممرية ل
مناص مسألة السير إلى أبعد ،من المساواة الشكلية إلى المساواة الفعلية ،إلى تحقيق قاعدة »مممن
كل حسب كفاءاته ولكل حسب حاجاته« .ونحن ل نعرف ول يمكننا أن نعرف عبر أيممة مراحممل وعممن
طريق أي تدابير عملية ستسير البشرية نحو هذا الهدف العلممى .ولكممن مممن المهممم أن نتفهممم مممدى
بطلن الفكرة البرجوازية الشائعة التي تزعم أن الشتراكية شيء ما ميت ،جامد ،ثابت ل يتغير ،فممي
حين أن حركة التقدم السريع في جميع ميادين الحياة الجتماعية والفردية ،الحركممة الجماهيريممة فعل
وحقا التي تشترك فيها أكثرية السكان ثم جميع السكان ل تبدأ في الحقيقة إل ّ مع الشتراكية.
الديموقراطية هي شكل للدولة ،نوع من أنواعها .ولذا فهي ،ككل دولة ،استعمال العنف حيممال
الناس بصورة منتظمة ودائمة .هذا من جهممة ،ولكنهمما مممن الجهممة الخممرى ،تعنمي العمتراف الشممكلي
بالمساواة بين المواطنين ،العتراف للجميع بحق متساو فممي تحديممد شممكل بنماء الدولمة وفمي ذاتهما.
وهذا بدوره يرتبط بكون الديموقراطية عند درجممة معينممة مممن تطورهمما ،أول ،تممرص ضممد الرأسمممالية
الطبقة الثورية ،البروليتاريا ،وتمكنها من أن تحطم وتمحو عن وجممه الرض آلممة الدولممة البرجوازيممة –
حتى ولو كانت برجوازية جمهورية -والجيش النظامي والشرطة والدواوينية وتستعيض عممن كممل هممذا
بآلة دولة أكثر ديموقراطية ،تظل مع ذلك آلة دولة بشخص جماهير العمال المسمملحين ثممم باشممتراك
الشعب كله في الميليشيا.
هنا »يتحول الكم إلى كيف« :فمثل هذه الدرجة من تطور الديموقراطية مرتبطة بالخروج مممن
إطار المجتمع البرجوازي وبدء إعادة بنائه على أسس اشممتراكية ,فممإذا ممما اشممترك الجميممع حقمما فممي
ون بدوره الممهممدات لكيممما إدارة الدولة تصبح الرأسمالية عاجزة عن الصمود .وتطور الرأسمالية يك ّ
يستطيع »الجميع« حقا الشتراك في إدارة الدولة .ومن هذه الممهدات انعممدام الميممة إنعممداما تاممما،
المر الذي قد حققه عدد من البلدان الرأسمالية الكثر تقدما ،ثم وجود الملييممن مممن العمممال الممذين
»علمهم وعودهم على النظام« الجهاز الكبير المعقد ذو الطابع الجتماعي :البريد ،السكك الحديدية،
المعامل الكبرى ،المتاجر الكبرى ،البنوك والخ،.الخ..
وعند وجممود مثممل هممذه الممهممدات القتصممادية يمكممن كممل المكمان ،بعممد اسمقاط الرأسممماليين
والموظفين ،النتقال إلى الستعاضة عنهم حال ،بين عشية وضحاها ،في أمر رقابة النتمماج والتوزيممع،
52
في أمر حساب العمل والمنتوجات ،بالعمال المسلحين ،بالشعب المسلح كله) .ول يجوز الخلط بيممن
الرقابة والحساب ومسألة الملكات ذات الثقافة العلميممة مممن مهندسممين وخممبراء زراعييممن وغيرهممم:
فهؤلء السادة يعملون اليوم خاضعين للرأسماليين ،وسيعملون إذا بصممورة أفضممل خاضممعين للعمممال
المسلحين(.
الحساب والرقابة هما المر الرئيسي اللزم لجل »ضبط« الطور الول من المجتمع الشيوعي
ولجل عمله بشكل صائب .فجميع المواطنين يصبحون آنذاك مستخدمين تستأجرهم الدولة التي هي
العمال المسلحون .وجميع المواطنين يصبحون مستخدمين وعمال في »سنديكا« واحد تابع للشممعب
كله ،تابع للدولة .وكل القضية هي أن يعملوا على قدم المسمماواة مراعيممن بصممورة صممحيحة مقيمماس
العمل وأن ينالوا الجور على قدم المساواة .وقد جعلت الرأسمالية من هذا الحساب وهممذه الرقابممة
أمرا بسيطا غاية البساطة ،عمليات من المراقبة والتسجيل يسيرة لحممد خممارق هممي فممي طاقممة كممل
إنسان غير أمي ل تعدو العمليات الحسابية الربع واعطاء اليصالت اللزمة*.
وعندما تأخذ اكثرية الشعب بالقيام بصورة مستقلة وفي كل مكان بهذا الحساب وهذه الرقابممة
على الرأسماليين )الذين يتحولون آنئذ إلى مسممتخدمين( وعلممى السممادة المثقفيممن الممذين يحتفظممون
بالعادات الرأسمالية ،عندئذ تصبح هذه الرقابة عامة حقا ،شماملة ،ذات طمابع شمعبي عمام ،ول يبقمى
بالمكان التملص منها ،و»ل تبقى للفرار منها ملذ«.
سيصبح المجتمع كله مكتبا واحدا ومعمل واحدا يتساوى فيه الجميع في العمل وفي الجور.
بيد أن هذا النظام »المعملي« الذي تشمل بمه البروليتاريما المجتممع كلمه بعمد أن تنتصممر علمى
مرين ليس بحال من الحوال بمثلنا العلى ول بهدفنا النهممائي ،ليممس إل ّ الرأسماليين وتسقط المستث ِ
درجة ضرورية لتطهير المجتمع بشممكل جممذري مممن فظممائع وشممنائع السممتثمار الرأسمممالي ولمتمماعبه
السير إلى المام.
ومذ يتعلم جميع أعضاء المجتمع أو ،على القل ،أكممثريتهم الكممبرى ادارة الدولممة بأنفسممهم ،مممذ
يأخذون هذا المر بأيديهم و»يرتبون« الرقابة على أقلية الرأسماليين الضئيلة ،على الفندية الراغبين
في الحتفاظ بالعادات الرأسمالية ،على العمال الذين أفسدتهم الرأسمالية حتى أعممماقهم ،مممذ ذاك
تأخذ بالزوال الحاجة إلى كل إدارة بوجه عام .وبمقدار ما تتكامل الديموقراطية ،يقممترب وقممت زوال
الحاجة إليها .وبمقدار ما تكون الديموقراطية أوفى فممي »الدولممة« المؤلفممة مممن العمممال المسمملحين
والتي »لم تبق دولة بمعنى الكلمة الصلي« ،تبدأ كل دولة في الضمحلل بصورة أسرع.
ذلك لنه عندما يتعلم الجميع الدارة ويديرون في الواقممع بصممورة مسممتقلة النتمماج الجتممماعي،
ويحققون بصورة مستقلة الحساب والرقابة على الطفيليين والفندية والمحتالين ومن على شاكلتهم
من »حفظة تقاليد الرأسمالية« -عندئذ يصبح التهرب من حساب الشعب ورقابته علممى التأكيممد أمممرا
عسير المنال وأمرا نادرا جدا يصحبه في أكبر الظممن عقمماب سممريع وصممارم )لن العمممال المسمملحين
أناس عمليون وليسوا من نوع المثقفين العاطفيين ،وعليه من المستبعد أن يسمحوا لحد بالستهانة
بهم( بحيث أن ضرورة مراعاة القواعد الساسية البسيطة للحياة في كممل مجتمممع بشممري سممتتحول،
بسرعة كبيرة ،إلى عادة.
وعندئذ ينفتح على مصراعيه بمماب النتقممال مممن الطممور الول للمجتمممع الشمميوعي إلممى طمموره
العلى وفي الوقت نفسه إلى اضمحلل الدولة اضمحلل تاما.
53
الفصل السادس :ابتذال النتهازيين للماركسية
إن مسألة موقف الدولة من الثورة الجتماعية وموقف الثورة الجتماعية من الدولة لم تشممغل
بال كبار النظريين والصحفيين في الممية الثانية ) (1914-1889إل ّ قليل جدا ،شأنهما شممأن مسممألة
الثورة بوجه عام .ولكن السمة المميزة الساسية لسير التعمماظم التممدريجي للنتهازيممة الممذي أفضممى
إلى افلس الممية الثانية في سنة 1914هي واقع أنهممم حممتى عنممدما كممانوا يجممدون أنفسممهم وجهمما
لوجه حيال هذه المسألة كانوا يسعون لتجنبها أو ل يلحظونها.
ويمكن القول بوجه عام أن تشويه الماركسية وابتذالها التام قد نشأ عممن التهممرب مممن مسممألة
موقف الثورة البروليتاريا من الدولة ،التهرب المفيد للنتهازية والمغذي لها.
ولوصف هذه العملية المؤسفة ولو بصورة مقتضبة نأخذ أشممهر نظريممي الماركسممية ،بلخممانوف
وكاوتسكي.
لقد تحايل بليخانوف في معالجة هذا الموضوع فتجنب بصممورة تامممة المسممألة الملحممة ،مسممألة
الدولة بوجه عام! ويستلفت النظر في كراسه قسمان :قسم تاريخي أدبي يتضمممن مممواد قيمممة عممن
تطور آراء شتيرنير وبرودون وغيرهممما ،والخممر مبتممذل جممدا يتضمممن محاكمممات مممن النمموع الرخيممص
مفادها أنه ل يمكن التمييز بين الفوضوي وقاطع الطريق.
إن الجمع بين الموضوعين مضحك جدا ومميز جدا لكامل نشمماط ليخممانوف فممي عشممية الثممورة
وأثناء المرحلة الثورية في روسيا :فهكذا بالضبط أظهر بليخانوف نفسه فممي سممنوات :1917-1905
نصف عقائدي ونصف تافه يحبو في السياسة في ذنب البرجوازية.
لقد رأينا ماركس وانجلس في جدالهما مع الفوضوين يبينان بأكبر الدقة وجهممة نظرهممما بشممأن
موقف الثورة من الدولة .فانجلس عندما أصدر في سنة 1891مؤلف ماركس »نقممد برنامممج غوتمما«
قد كتب» :كنا )أي انجلس وماركس( حينذاك ،وما كادت تمضي سنتان على مؤتمر الممية )الولممى(
في لهاي ،في معمعان المعركة ضد باكونين وأتباعه من الفوضويين«.
لقد حاول الفوضويون أن يعلنوا كومونة باريس ذاتها بأنهمما »كومممونتهم« ،إن أمكممن القممول ،أي
أنها تثبت تعاليمهم ،ولكنهم لم يفهموا البتة دروس الكومونة ول تحاليل ممماركس لهممذه الممدروس .لممم
تعط الفوضوية أي شيء يشبه الحقيقة ولو شبها تقريبا حول السؤالين السياسيين الملموسة :أينبغي
تحطيم آلة الدولة القديمة؟ وبأي شيء تنبغي الستعاضة عنها؟
غير أن الحديث عن »الفوضوية والشتراكية« مع تجنب مسألة الدولة بصورة تامممة ومممع عممدم
ملحظة كامل تطور الماركسية قبل الكومونممة وبعممدها يعنممي النممزلق ل منمماص إلممى النتهازيممة .لن
النتهازية ل تحتاج إلى شيء كحاجتها إلى عدم طممرح هممذين السممؤالين اللممذين أوردناهممما الن وإلممى
إغفالهما إغفال تاما .إذ أن هذا بحد ذاته انتصار للنتهازية.
54
المزحة من المضمون التاريخي العميق قممدرا أكممبر جممدا مممما يتصممور الممذين ابتممدعوها :فالحقيقممة أن
العمال الروس ،إذ أظهروا في سممنة 1905إقبممال خارقمما غيممر مممألوف علممى خيممر ممما جمماد بممه الدب
الشتراكي-الديموقراطي في العالم وإذ تلقوا من تراجم وطبعات هذه الكتب ما لم يسمع بمثله فممي
بلدان العالم الخرى ،قد نقلوا ذلك بسرعة ،إن أمكن القول ،إلى صممعيد حركتنمما البروليتاريممة الفتيممة،
الخبرة الكبرى المتوفرة لدى بلد مجاورة خطت شوطا أبعد في مضمار التقدم(.
وقد اكتسب كاوتسكي عندنا شهرة كبيرة بجداله مع النتهازيين وعلى رأسهم برنشممتين ،فضممل
عن عرضه للماركسية عرضا سهل المنال .ولكن ثمة واقعا يكاد يكون مجهول ل يجوز للمممرء اغفمماله
إذا ما وضع نصب عينيه مهمة تتبمع انممزلق كاوتسمكي إلممى الضمطراب الفكمري المشمين جمدا وإلمى
الممدفاع عممن الشممتراكية-الشمموفينية أثنمماء الزمممة الكممبرى فممي سممنتي .1915-1914وهممو واقممع أن
كاوتسكي قد تردد كثيرا قبل أن ينبري ضد أبرز ممثلممي النتهازيممة فممي فرنسمما )ميليممران وجمموريس(
وفي ألمانيا )برنشتين( .فمجلة »زاريا« الماركسممية الممتي كممانت تصممدر فممي شممتوتغارت خلل سممنتي
1902-1901والتي كممانت تممدافع عممن الفكممار البروليتاريممة الثوريممة قممد اضممطرت إلممى الجممدال مممع
كاوتسممكي وإلممى أن تنعممت القممرار البممتر المبهممم ذا الطممابع التمموفيقي إزاء النتهممازيين الممذي عرضممه
كاوتسكي في سنة 1900في المؤتمر الشتراكي العالمي في باريس بممأنه قممرار »مطمماطي« .وقممد
صدرت في المطبوعات اللمانية رسائل لكاوتسكي تظهر أن تردده لم يكن أقممل قبمل هجمومه علممى
برنشتين.
ولكن ثمة أهمية أكبر بما ل يقاس لواقع أننا نلحظ الن ،عندما نستقصي تاريخ خيانة كاوتسكي
الحديثة للماركسية ،في جداله بالذات مع النتهازيين وفي طرحه وتناوله للمسألة ،انحرافا دائما نحممو
النتهازية في مسألة الدولة على وجه الدقة.
فلنأخذ أول مؤلف كممبير لكاوتسممكي ضممد النتهازيممة ،كتممابه» :برنشممتين والبرنامممج الشممتراكي-
الديموقراطي« .لقد فند كاوتسكي برنشتين .ولكن البليغ الدللة هو التي.
فممي »ممهممدات الشممتراكية« الممتي اشممتهرت شممهرة هيروسممترات يتهممم برنشممتين الماركسممية
بم»البللنكية« )التهمة التي وجهها النتهازيون والبرجوازيون الليبراليون فممي روسمميا منممذ ذلممك الحيممن
آلف المرات لممثلي الماركسية الثوريممة ،للبلشممفة( .هممذا ويتنمماول برنشممتين بصممورة خاصممة مؤلممف
ماركس »الحرب الهلية في فرنسا« ويحاول ،دونما نجاح كما رأينا ،أن يثبت أن وجهة نظر ممماركس
بصممدد دروس الكومونممة مطابقممة لوجهممة نظممر بممرودون .ويسممتوقف انتبمماه برنشممتين بصممورة خاصممة
الستنتاج الذي أشار إليممه ممماركس فممي مقدمممة سممنة » 1872للبيممان الشمميوعي« والممذي ينممص» :ل
تستطيع الطبقة العاملة الكتفاء بالستيلء على آلة الدولة جاهزة واستعمالها لهدافها الخاصة«.
وقد »ُأعجب« برينشتين بهذه الصيغة إلى حد أنه كررها في كتابه ممما ل يقممل عممن ثلث مممرات
مفسرا اياها تفسيرا محرفا أبعد التحريف ،تفسيرا انتهازيا.
وقد رأينا أن ماركس يريد أن يقول أنه ينبغي على الطبقة العاملممة أن تحطممم ،تكسممر ،تفجممر )
ما رأي برنشتين فيسممتفاد منممه ،Spregungتفجير ،التعبير الذي استعمله انجلس( آلة الدولة بأكملها .أ ّ
أن ماركس قد حذر الطبقة العاملة بهذه الكلمات من الفممراط فممي النممدفاع الثمموري عنممد السممتيلء
على السلطة.
لقد تجنب تبيان كل عمق التشويه النتهممازي للماركسممية فممي هممذه النقطممة .فقممد أورد الفقممرة
المذكورة من مقدمة انجلس لمؤلف ماركس ،ل تستطيع الكتفاء بالستيلء على آلة الدولممة جمماهزة،
ما أن برنشتين قد نسب إلممى ممماركس ولكنها بوجه عام تستطيع الستيلء عليها ،ولم يزد على ذلك .أ ّ
55
فكرة معاكسة تماما لفكرته الحقيقية وأن ماركس قد وضع أمام الثورة البروليتارية منذ سممنة 1852
مهمة »تحطيم« آلة الدولة فعن كل ذلك لم ينبس كاوتسكي ببنت شفة.
وقد كانت النتيجة أن السمة الساسية التي تميز الماركسية عممن النتهازيممة فممي مسممألة مهممام
الثورة البروليتارية قد امست مطموسة عند كاوتسكي!
»يمكننا أن نترك للمستقبل بكل راحة ضمير أمممر تقريممر مسممألة ديكتاتوريممة البروليتاريمما« )ص
172من الطبعة اللمانية(.
إن هذا ليس بجدال ضد برنشتين ،ولكنه في الجوهر تنازل أمامه ،تخمل عمن مواقمع للنتهازيممة،
لن النتهازيين ل يريدون في هذا الظرف أكثر من أن »يترك النمماس للمسممتقبل بكممل راحممة ضمممير«
جميع المسائل الجذرية بشأن مهام الثورة البروليتارية.
إن ماركس وانجلس قد علما البروليتاريا في غضون أربعين سممنة ،مممن سممنة 1852إلممى سممنة
،1891حيال خيانة النتهازيين للماركسية خيانة تامة في هذه النقطة ،فيستعرض عن مسممألة ممما إذا
كان من الضروري تحطيم هذه اللة بمسألة الشكال الملموسة لهممذا التحطيممم ويلمموذ بظممل حقيقيممة
مبتذلة »ل جدال فيها« )ول جدوى منها( وهي أننا ل نستطيع أن نعرف سلفا الشكال الملموسة!!
إن هوة تفصل ماركس عن كاوتسكي من حيث موقفهما مممن واجممب الحممزب البروليتمماري فممي
أمر إعداد الطبقة العاملة للثورة.
ولنأخذ مؤلف كاوتسكي التالي ،النضج ،والمكرس لحممد كممبير كممذلك لتفنيممذ النتهازيممة .ونعنممي
كراسه »الثورة الجتماعيممة« .فممي هممذا الكممراس جعممل المؤلممف مممن مسممألة »الثممورة البروليتاريممة«
و»النظام البروليتاري« موضوعه الخاص .وقد أعطى المؤلف أفكارا كثيرة قيممة جمدا ،ولكنمه تجنمب
مسألة الدولة بالذات .وفي جميع مقاطع الكراس يدور الحممديث عممن السممتيلء علممى سمملطة الدولممة
وحسب ،أي أنه اختار صيغة هي تنازل أمام النتهازيين ما دامت تسلم بالستيلء على السلطة بممدون
تحطيم آلة الدولة .إن كاوتسكي في سنة 1902يبعث على وجه الدقة ما أعلممن ممماركس فممي سممنة
1872أنه قد »شاخ« في برنامج »البيان الشيوعي«.
لقد تناول كاوتسكي في كراسه بباب خماص »أشممكال وسملح الثممورة الجتماعيممة«؛ وفممي هممذا
الباب تحدث عن الضراب السياسي الجماهيري والحممرب الهليممة وكممذلك عممن »أداتممي قمموة الدولممة
ما عّلمت الكومونممة العمممال .وواضممح الكبرى الحديثة :الدواوينية والجيش« ،ولكنه لم ينبس بحرف ع ّ
أنه ليس عبثا حذر انجلس ،ولسيما الشتراكيين اللمان ،من »الخشوع الخرافي« أمام الدولة.
يبسط كاوتسكي المر على النحو التي :البروليتاريا الظافرة »تحقق البرنامج الديموقراطي«،
ممما أعطتممه سممنة 1871مممن جديممد فممي مسممألة
ويشرح أحكام هذا البرنامج .وهو لم ينبس بحممرف ع ّ
الستعاضة عن الديموقراطية البرجوازية بالديموقراطية البروليتارية .وقد تملص كاوتسممكي بعبممارات
مبتدلة »رصينة« الرنين:
»بديهي أننا لن نصل إلى السيادة في ظل الوضاع الحالية .فالثورة نفسها تفترض نضال طويل
يطال العماق يتسنى له أن يغير بناءنا السياسي والجتماعي الحالي«.
وهذا »بديهي« دون شك ،كحقيقممة أن الخيممل تأكممل الشممعير وأن نهممر الفولغمما يصممب فممي بحممر
قزوين .ومن المؤسممف فقممط أن تتخممذ هممذه العبممارة الفارغممة الطنانممة بصممدد النضممال الممذي »يطممال
56
العماق« وسيلة لتجنب مسألة حيوية للبروليتاريا الثورية هممي مسممألة معرفمة فيممما يتجلمى »عمممق«
ثورتها هي حيال الدولة ،حيال الديموقراطية ،خلفا للثورات السابقة ،غير البروليتارية.
وبتجنب هذه المسألة يتنازل كاوتسكي في الواقع أمام النتهازيممة فممي هممذه النقطممة الجوهريممة
جدا ،ويعلن ضدها في القول حربا ضروسا مؤكدا أهمية »فكرة الثورة« )ولكن هممل مممن قيمممة لهممذه
»الفكرة« إذا ما تهيب المرء أن ينشر بين العمال الدروس الملموسة التي أعطتها الثممورة؟( أو قممائل
أن »المثالية الثورية في المقام الول« أو معلنا أنه »من المشكوك فيه« أن يكممون العمممال النجليممز
في الوقت الحاضر »غير برجوازيين صغار«.
»فممي المجتمممع الشممتراكي يمكممن أن تتواجممد جنبمما إلممى جنممب… مختلممف أشممكال المشمماريع:
البيروقراطية)؟؟( والتريديونيونية والتعاونية والفردية«… »توجد مثل مشاريع ل يمكنها الستغناء عمن
التنظيم البيروقراطي )؟؟( كالسكك الحديدية .في السكك الحديدية يمكن للتنظيم الديموقراطي أن
يتخذ الشكل التالي :ينتخب العمال مندوبين يشكلون نوعا من البرلمان ،وهممذا البرلمممان يقممرر نظممام
العمل ويراقب عمل الجهاز البيروقراطي .وثمة مشاريع أخرى يمكن وضممعها تحممت إشممراف نقابممات
العمال ،وهناك نوع ثالث من المشاريع يمكن تنظيمه على أساس المبدأ التعاوني« )ص 148و 115
من الترجمة الروسية ،طبعة جنيف ،سنة .(1903
وهذا الرأي خاطئ ،وهو عبارة عن خطوة إلى وراء بالمقارنة مع ما أوضمحه مماركس وإنجلمس
في السبعينيات استنادا إلى دروس الكومونة.
من وجهة نظر ما يزعم بضرورة التنظيم »البيروقراطي« ل تختلممف السممكك الحديديممة بشمميء
على الطلق عن جميع مشاريع الصناعة اللية الكممبيرة بمموجه عممام ،عممن أي معمممل ،عممن أي مخممزن
كبير ،عن أي مشروع زراعي بأسمالي كبير .في جميع هذه المشاريع يفرض التكنيك دون شك علممى
كل عامل النظام الصارم ومراعاة الدقة التامة في القيام بالعمممل الموكممل إليممه ،وال يتوقممف العمممل
كله أو تتعطل اللة ويفسد المنتوج .وفي جميع أمثال هذه المشاريع سيقوم العمال طبعا بممم»انتخمماب
مندوبين يشكلون نوعا من برلمان«.
ولكن بيت القصمميد كلممه فممي واقممع أن هممذا »النمموع مممن البرلمممان« لممن يكممون برلمانمما بمعنممى
المؤسسات البرلمانية البرجوازية .كل بيت القصيد في واقع أن هذا »النوع من البرلمان« لن يقتصر
على أن »يقرر نظام العمل ويراقب عمل الجهاز البيروقراطي« كما يتصور كاوتسكي الذي ل يتعدى
تفكيره إطار البرلمانية البرجوازية .يقينا أن هممذا »النمموع مممن البرلمممان« الممذي يتممألف فممي المجتمممع
الشتراكي من مندوبي العمال »سيقرر نظام العمل ويراقب العمل« »الجهمماز« ،ولكممن هممذا الجهمماز
لممن يكممون »بيروقراطيمما« .فالعمممال ،إذ يسممتولون علممى السمملطة السياسممية ،يكسممرون الجهمماز
البيروقراطي القديم ،يحطمونه حتى الساس ،ول يتركون منممه حجممرا علممى حجممر ويستعيضممون عنممه
بجهاز جديد يتألف من العمال والمستخدمين أنفسهم ،الممذين سممتتخذ علممى الفممور ضممد تحممولهم إلممى
بيروقراطيين التدابير التي حددها ماركس وانجلس بتفصيل (1 :ليس فقط انتخابهم بل أيضا إمكانيممة
سحبهم في كل وقت (2 ،رواتممب ل تزيممد علممى أجممرة العامممل (3 ،النتقممال فممورا إلممى قيممام الجميممع
بوظائف المراقبة والشراف ،إلى تحول الجميع إلممى »بيروقراطييممن« لزمممن ممما لكيل يسممتطيع أحممد
بسبب ذلك أن يصبح »بيروقراطيا«.
إن كاوتسكي لم يعمل الفكر بتاتا بكلمات ماركس» :لم تكن الكومونة هيئة برلمانيممة ،بممل هيئة
عاملة ،تتمتع بالسلطتين التشريعية والتنفيذية في الوقت عينه«.
إن كاوتسكي لم يفهممم بتاتمما الفممرق بيممن البرلمانيممة البرجوازيممة الممتي تجمممع الديموقراطيممة )ل
للشعب( والبيروقراطية )ضد الشعب( وبين الديموقراطية البروليتارية التي ستتخذ على الفور تدابير
57
بغية اجتثاث البيروقراطية من الصول والتي سيكون في طاقتها السمير بهمذه التمدابير حمتى النهايمة،
حتى القضاء التام على البيروقراطية ،حتى إقامة الديموقراطية الكاملة من أجل الشعب.
لقد أظهر كاوتسكي هنا نفس »الخشوع الخرافممي« أمممام الدولممة ،نفممس »اليمممان الخرافممي«
بالبيروقراطية.
ولننتقل إلى آخر وأحسن مؤلفات كاوتسكي ضد النتهممازيين ،إلممى كراسممه »طريممق السمملطة«
)وأحسب أنه لم يصدر بالروسية ،لنه صدر عندما كانت الرجعية في روسميا علمى أشممدها ،فممي سممنة
.(1909وهذا الكراس خطوة كبيرة إلى المام ما دام الحديث فيه ل يدور عن البرنامج الثوري بوجه
عام كما هو حال كراس سنة 1899ضد برنشتين ول عن مهام الثورة الجتماعية بصرف النظممر عمن
زمن حدوثها كما هو حال كراس »الثورة الجتماعية« )سنة ،(1902بل عن ظروف ملموسة تحملنمما
على العتراف بأن »عصر الثورات«يحل.
لقد أشار المؤلف بوضوح إلى اشتداد التناقضات الطبقية بوجه عام وإلى المبريالية التي تلعب
دورا كبيرا بخاصة في هذا المر .بعد »المرحلة الثورية في سنوات «1871-1879في غرب أوروبمما،
بدأت من سنة 1905مرحلة مماثلة في الشرق .إن الحرب العالمية تقممترب بسممرعة مقلقممة» .لقممد
دخلنا المرحلة الثورية«» .إنه ليبدأ العصر الثوري«.
إن هذه العبممارات واضممحة كممل الوضمموح .وأن كممراس كاوتسممكي هممذا يجممب أن يكممون مقياسمما
للمقارنة بين ما كان من المتوقممع أن تكممون عليممه الشممتراكية-الديموقراطيممة اللمانيممة قبممل الحممرب
المبريالية وبين مدى انحطاطها المشين )ومعهمما كاوتسممكي نفسممه( عنممد انممدلع الحممرب .وقممد كتممب
كاوتسكي في الكراس الممذي نتنمماوله» :إن الحالممة الراهنممة تنطمموي علممى خطممر إمكممان اعتبارنمما )أي
الشتراكية-الديموقراطية اللمانية( بسممهولة معتمدلين أكمثر ممما نحمن فممي الواقممع« .ولكمن تمبين أن
الحزب الشتراكي-الديموقراطي اللماني هو في الواقع أكثر اعتدال وانتهازية مما كان يبدو عليه!
والبليغ أبلغ الدللة أن كاوتسكي ،بعد أن أعلن بكل الوضوح أن عصر الثممورات قممد بممدأ ،تجنممب
من جديد مسألة الدولة حتى في الكراس المخصممص ،كممما قممال هممو نفسممه ،لبحممث مسممألة »الثممورة
السياسية« بالذات.
ومن مجمل وقائع تجنب المسألة والسكوت عنها والتملص منهمما نشممأ بالضممرورة هممذا النتقممال
التام إلى النتهازية ،المر الذي يترتب علينا أن نتناوله الن.
58
في مقال »العمال الجماهيرية والثورة« )» (Neue Zeit»، 1912، 30، 2تطرق بممانيكوك إلممى
مسألة الدولة ونعت موقف كاوتسكي بأنه »راديكالية سلبية« ،بأنه »نظرية النتظممار السمملبي«» .إن
كاوتسكي ل يريد أن يرى سير الثورة« )ص .(616وإذ طرح بممانيكوك المسممألة بهممذا الشممكل وصممل
إلى الموضوع الذي يهمنا نحن ،إلى مهام الثورة البروليتارية حيال الدولة .وقد كتب:
»إن نضال البروليتاريا ليس مجرد نضال ضد البرجوازية في سبيل سلطة الدولة ،بممل إنممما هممو
نضال ضد سلطة الدولمة… فمضممون الثمورة البروليتاريمة همو تحطيمم أدوات قمموة الدولممة وإزاحتهمما
)حرفيا :حلها (Auflösung ،بأدوات قوة البروليتاريا… ول يتوقممف النضممال إل ّ عنممدما يتحقممق ،كنممتيجته
النهائية ،تحطيم منظمة الدولة بصورة نهائية .إن منظمة الكثرية تبرهن تفوقها بقضائها على منظمممة
القلية السائدة« )ص .(548
إن الصيغة التي أعرب بها بانيكوك عن أفكاره تشوبها نواقص كبيرة جدا .ولكن الفكرة واضحة
على كل حال .وخليق بنا أن نرى كيف حاول كاوتسكي دحضها .فقد كتب:
»حتى الن كان التضاد بين الشتراكيين-الديموقراطيين والفوشويين في كون الوليممن يريممدون
ما بانيكوك فيريد هذا وذاك« )ص .(724 الستيلء على سلطة الدولة بينما يريد الخرون تحطيمها .أ ّ
ما في مقاله من نممواقص أخممرى وإذا كان عرض بانيكوك يشكو الغموض ونقص الدقة )فضل ً ع ّ
ل علقة لها بالموضوع الذي نبحثه( فإن كاوتسكي قد أخذ بالضبط فحوى المر المبدئي الذي رسمممه
بانيكوك .وفي المسألة المبدئية الجذرية حاد كاوتسكي بصورة تامة عممن موقممف الماركسممية وانتقممل
إلى النتهازية بصورة تامة .فقد حدد الفرق بين الشتراكيين-الديموقراطيين والفوضويين بصورة غير
صحيحة بتاتا ،وشوه الماركسية وابتدلها بصورة نهائية.
إن الفرق بين الماركسيين والفوضويين يتلخص (1 :فممي كممون الوليممن ،إذ يسممتهدفون القضمماء
التام على الدولة ،يعترفون بأن هذا الهدف غير ممكن التحقيق إل ّ بعد قضاء الثورة الشممتراكية علممى
الطبقات وكنتيجة لقامة الشتراكية التي تؤدي إلى اضمممحلل الدولممة؛ وفممي كممون الخريممن يريممدون
القضاء التام على الدولة بين عشية وضحاها ،دون أن يفهموا الشروط الممتي تجعممل هممذا المممر قابممل
التحقيق (2 .في كون الولين يعترفون بأن من الضممروري للبروليتاريمما أن تحطممم بصممورة تامممة ،بعممد
استيلئها على السلطة السياسية ،آلممة الدولممة القديمممة وأن تسممتعيض عنهمما بآلممة جديممدة تتممألف مممن
منظمة العمال المسلحين على طممراز الكومونممة؛ وفممي كممون الخريممن يقولممون بتحطيممم آلممة الدولممة
متصورين بغموض تام ما تستعيض به البروليتاريا عنها وكيف تستفيد من السمملطة الثوريممة؛ حممتى أن
الفوضويين ينكرون ديكتاتوريتها الثورية (3 .في كون الولين يطالبون أعممداد البروليتاريما للثمورة عممن
ما الفوضويون فينكرون ذلك. طريق الستفادة من الدولة الراهنة ،أ ّ
إن بانيكوك هو الذي يمثل الماركسية ضد كاوتسكي في هذا الجدال ،لن ماركس ذاته قد علم
أن البروليتاريا ل تستطيع الكتفاء بمجرد الستيلء علممى سمملطة الدولممة بمعنممى انتقممال جهمماز الدولممة
القديم إلى أيد جديدة ،بل ينبغي عليها تحطيم هذا الجهاز وكسره والستعاضة عنه بجهاز جديد.
يخرج كاوتسكي عن الماركسية إلى النتهازيين ،لنه يتلشى عنده كليا تحطيم آلممة الدولممة هممذا
غير المقبول إطلقا من قبل النتهازيين فيبقى لديهم منفذ بمعنى تفسير »الستيلء« على أنه مجممرد
كسب الكثرية.
ويسلك كاوتسكي سلوك حفظة الحممديث بغيممة سممتر تشممويهه للماركسممية :فهممو ينممتر »فقممرة«
يقتبسها من ماركس نفسه .فقد كتب ماركس في سنة 1850مؤكدا ضممرورة »تركيممز القمموة بحممزم
ل :أل يريد بانيكوك هدم »المركزية«؟ في يدي سلطة الدولة« .ويسأل كاوتسكي متهل ً
إن هذا مجرد بهلوانية تشبه محاولة برنشممتين لثبممات تطممابق نظممرات الماركسممية والبرودونيممة
بصدد الستعاضة عن المركزية بالتحادية.
59
إن »الفقرة« التي أوردها كاوتسكي هي غير مناسممبة .فالمركزيممة أمممر ممكممن مممع آلممة الدولممة
القديمة والجديدة على حد سممواء .فممإذا ممما وحممد العمممال طوعمما قممواهم المسمملحة ،يكممون ذلممك مممن
المركزية ،لكنها مركزية تقمموم علممى »التحطيممم التممام« لجهمماز الدولممة المتمركممز والجيممش النظممامي
والشرطة والبيروقراطية .إن كاوتسكي يسلك تماما سلوك المحتالين إذ يغفل آراء ماركس وانجلس
المعروفة جدا بصدد الكومونة ليبتر فقرة ل علقة لها بالموضوع.
ويستطرد كاوتسكي:
»… لعل بانيكوك يريد إلغاء وظائف الموظفين في الدولة؟ ولكننا ل نستغني عن الممموظفين ل
في منظمات الحزب ول في المنظمات النقابية ،فضل عن إدارة الدولة .إن برنامجنا ل يطلب القضاء
على موظفي الدولة ،بل انتخاب المموظفين ممن قبمل الشمعب… ل يمدور الحمديث عنمدنا الن حمول
الشكل الذي يتخذه جهاز الدارة في »الدولة المقبلة« ،بل حول ما إذا كان نضالنا السياسممي يقضممي
على )حرفيا :يحل (auflöst ،سلطة الدولة قبل استيلئنا عليها )التشديد لكاوتسكي( .أية وزارة يمكممن
القضاء عليها مع موظفيها؟« ثم يعدد كاوتسكي وزارات المعممارف والعدليممة والماليممة والحربيممة» .ل.
إن نضالنا السياسي ضد الحكومة لممن يلغممي أيممة وزارة مممن المموزارات الراهنممة…أكممرر لتلفممي سمموء
التفاهم :ليست القضية قضية الشكل الذي تضفيه الشممتراكية-الديموقراطيممة الظممافرة علممى »دولممة
الغد« ،بل قضية الكيفية التي تغير بها معارضتنا الدولة الراهنة )ص .(725
وهذه هي الشعوذة عينها .لقد طرح بانكوك مسألة الثورة بالذات .وقد أعرب عن ذلك بوضمموح
مما كاوتسمكي فهمو بقفمزه إلمى مسمألة »المعارضمة« في عنوان مقماله وفمي الفقمرات المقتبسمة .أ ّ
يستعيض بالضبط عن وجهة النظر الثورية بوجهة النظر النتهازية .فالحاصممل عنممده كممما يلممي :اليمموم
ممما ممما بعممد السممتيلء علممى السمملطة فسممنرى .الثممورة تتمموارى! وهممو بالممذات ممما يحتمماجه
معارضممة ،أ ّ
النتهازيون.
ل يدور الحديث عن المعارضة ول عن النضال السياسي بوجه عام ،بممل إنممما يممدور عممن الثممورة
ما الثورة فتتلخص في كون البروليتاريا تحطم »جهاز الدارة« وكامل جهاز الدولممة مستعيضممة عينها .أ ّ
عنه بجهاز جديد قوامه العمال المسلحون .يظهمر كاوتسممكي »خشموعا خرافيمما« أمممام »المموزارات«،
ل ،بلجممان مممن الختصاصمميين لممدى سمموفييتات )مجممالس( م ل تمكن الستعاضة عنها ،لنقل مث ًولكن ل َ
نواب العمال والجنود التي تمارس كامل السيادة والسلطة؟
إن فحوى المر ليس البتة في ما إذا كانت »الوزارات« ستبقى أو تقموم »لجمان اختصاصميين«
أو أية مؤسسات أخرى؛ فليس لهذا المر أهمية .إم فحوى المر في ما إذا كانت ستبقى آلممة الدولممة
القديمة )المرتبطة بالبرجوازية بآلف الروابط والمشبعة حتى أعماقها بروح المحافظة والجمود( ،أم
أنها ستحطم ويستعاض عنها بآلة جديدة .فالثورة ليست في أن تسود وتحكم بواسطة آلة جديدة بعد
أن تحطم القديمة -إن كاوتسكي يطمس هذه الفكرة الماركسية الساسية ،أو أنه لم يفهمها بتاتا.
فسؤال بشأن الموظفين يظهر بصورة بينمة أنمه لمم يفهمم دروس الكومونمة وتعماليم مماركس.
»نحن ل نستغني عن الموظفين ل في المنظمات الحزبية ول في المنظمات النقابية…«
هذا هو جوهر البيروقراطية .وما لم تصادر أملك الرأسماليين ،ما لم تسقط البرجوازية ،يظممل
حتما شيء من »البيروقراطية« حتى في الموظفين البروليتاريين.
60
والحاصممل عنممد كاوتسممكي هممو كممما يلممي :ممما دام هنالممك مسممؤولون ينتخبممون ،يبقممى بالتممالي
الموظفون في ظل الشتراكية وتبقى البيروقراطية! وهذا هو الغلط عينه .فبمثممل الكومونممة نفسممها،
بين ماركس أن المسؤولين في ظل الشتراكية يكفون عن أن يكونوا »بيروقراطيين«» ،موظفين«،
يكفون بمقدار ما يطبق ،عدا مبدأ انتخابهم ،كذلك مبدأ سممحبهم فممي أي وقمت ،إضممافة إلممى تخفيممض
الرواتب إلى المستوى المتوسط لجر العامل ،وإضافة إلى الستعاضممة عممن المؤسسممات البرلمانيممة
بمؤسسات »عاملة ،أي تصدر القوانين وتنفذها«.
وفي الجوهر ،تظهر جميع حجج كاوتسكي ضد بانيكوك ول سيما حجته الرائعة حيمث يقمول أننما
ن كاوتسممكي يكممرر ل نستغني عن الموظفين ل في المنظمات النقابية ول في المنظمممات الحزبيممة ،أ ّ
»الحجج« القديممة المتي أشممهرها برنشممتين ضممد الماركسمية بمموجه عمام .فمإن برنشمتين ،فممي كتممابه
»ممهدات الشتراكية« المشبع بروح الرتداد ،يشمن الحمرب علمى أفكمار الديموقراطيمة »البدائيمة«،
على ما يسميه بم»الديموقراطية العقائدية« -تفويضات الزامية ،مسؤولون ل يكافأون ،تمثيل مركزي
عمماجز الممخ ..وللبرهممان علممى بطلن هممذه الديموقراطيممة »البدائيممة« يستشممهد برنشممتين بخممبرة
التريديونيونات النجليزية كما يشرحها الزوجان ويب .ويقول أن التريديونيونات ،فممي غضممون سممبعين
سنة من تطورها »في ظل الحرية التامة« كما يزعم) ،ص 137من الطبعممة اللمانيممة( ،قممد اقتنعممت
بعدم صلح الديموقراطية البدائية واستعاضت عنهمما بالديموقراطيممة العاديممة :بممالجمع بيممن البرلمانيممة
والبيروقراطية.
وفي الحقيقمة لمم تتطمور التريمديونيونات »فمي ظمل الحريمة التاممة« ،بمل فمي ظمل العبوديمة
الرأسمالية التامة التي ل يمكن طبعا فمي ظلهما »السمتغناء« عمن جملمة ممن التنمازلت أممام الشمر
السائد ،أمام العنف ،أمام الباطل وإبعاد الفقراء عممن أمممور الدارة »العليمما« .وفممي ظممل الشممتراكية
ينبعث حتما الكثير من وجوه الديموقراطيممة »البدائيممة« ،لن جمهممور السممكان يرتفممع لول مممرة فممي
تاريخ المجتمعات المتحضرة إلى الشتراك المستقل ليس فقط في التصويت والنتخابات ،بممل أيضمما
في الدارة اليومية .ففي ظل الشتراكية سيقوم الجميع بوظائف الدارة بالتناوب ويعتممادون بسممرعة
على أن يحكم أحد.
إن ماركس ذا العقل العبقري النقاد المحلل قد رأى في التدابير العملية التي اتخذتها الكومونة
ذلك النعطاف الذي يخشاه النتهازيون ول يريدون العتراف به لجبنهم ولعدم رغبتهم في قطممع كممل
ممما لنهمم ل يفهمممون ظمروف مما لتسممرعهم وأ ّ
صلة بالبرجوازية والذي ل يريد الفوضمويون أن يمروه أ ّ
التغيرات الجتماعية الكبرى بوجه عام» .ل ينبغي حتى التفكير بتحطيم آلة الدولممة القديمممة ،إذ كيممف
لنا أن نستغني عن الوزارات والموظفين«- ،هكذا يفكر النتهازي المبتذل حتى الصميم والممذي فضممل
عن أنه ل يؤمن في الجوهر بالثورة ول بقوتهما الخلقمة ،يخافهما خوفما مميتما )كمما يخافهما المناشمفة
والشتراكيون-الثوريون عندنا(.
»ل ينبغي التفكير إل ّ بتحطيم آلة الدولة القديمة ،ل حاجة إلى التعميق في الدروس الملموسممة
ممما نحطمممه« -هكممذا
التي أعطتها الثورات البروليتارية السابقة ول الى تحليل ما وكيف نستعيض به ع ّ
يحاكم الفوضوي )خير الفوضويين طبعا ،ل الذي يتبع السممادة كروبمموتكين وشممركاه ويحبممو فممي ذنممب
البرجوازية(؛ ولذا يخلص الفوضوي إلى تكتيك اليممأس ،ل إلممى تكتيممك نشمماط ثمموري جريممء ل يعممرف
الهوادة ويضع نصب عينيه مهام ملموسة ويأخذ في المموقت نفسممه بعيممن العتبمار الظمروف الواقعيممة
المحيطة بحركة الجماهير.
يعلمنا ماركس أن نتجنب الوقوع في غلطتين ،يعلمنا أن نتحلى بممأكبر الجممرأة فممي تحطيممم آلممة
الدولة القديمة عن آخرها ويعلمنا في الوقت نفسه طرح المسألة بصورة ملموسمة :لقمد اسمتطاعت
الكومونة في غضون عدة أسابيع أن تشرع ببناء آلممة دولممة جديممدة ،بروليتاريممة بهممذا الشممكل ،متخممذة
التدابيرالمممذكورةأعله بقصدضمممان ديموقراطيممة أوفممى واستئصممال البيروقراطيممة .فلنأخممذ إذن عممن
الكومونيين جرأتهم الثورية ،ولنَر فيما اتخذوه مممن تممدابير عمليممة صممورة أولممى لتممدابير عمليممة ملحممة
ممكنة التطبيق على الفور ،وعندئذ ،بسيرنا في هذه الطريق ،نستأصل شأفة البيروقراطية.
61
ويضمن إمكان هذا الستئصال واقع أن الشتراكية تنقص يوم العمل وتسممتنهض الجممماهير إلممى
الحياة الجديدة ،وتضع أكثرية السكان في ظروف تمكن الجميع بدون استثناء من القيمام بمم»وظمائف
الدولة« ،وهذا ما يؤدي إلى الضمحلل التام للدولة ،كل دولة.
يستطرد كاوتسكي:
»… ل يمكن بحال أن تكون مهمة الضممراب الجمماهيري تحطيمم سملطة الدولمة ،ل يمكنهمما أن
تكون إل ّ في حمل الحكومة على التنازل في مسألة ما معينة أو في الستعاضة عممن حكومممة معاديممة
للبروليتاريا بحكومة تلبي ) (entgegenkommendeمطالبها… ولكن هذا« )أي انتصار البروليتاريمما علممى
الحكومة المعادية( »ل يمكنه في حال من الحوال ول في أي ظممرف مممن الظممروف أن يفضممي إلممى
تحطيم سلطة الدولة ،ل يمكنه أن يسفر إل ّ عن بعممض تغيممر ) (Verschiebungفممي نسممبة القمموى فممي
داخل سلطة الدولة… إن هدف نضالنا السياسي يبقى إذن كما هو الن ،الستيلء على سلطة الدولة
عن طريق اكتساب الكثرية في البرلمان وجعل البرلمان سيد الحكومة« )ص .(732 ،727 ،726
هذه هي النتهازية المحضة ،أحقر النتهازية ،الرتداد عن الثورة فعل مع العتراف بها قممول ،إن
فكرة كاوتسكي ل تمضي أبعد من »حكومة تلبي مطالب البروليتاريا« -وهي خطوة إلممى المموراء فممي
اتجاه التفاهة وضيق الفممق بالمقارنممة مممع سممنة 1848عنممدما نممادى »البيممان الشمميوعي« بممم»تنظيممم
البروليتاريا في طبقة سائدة«.
يتأتى على كاوتسكي أن يحقق ما يهواه من »الوحممدة« مممع شمميدمان وبليخممانوف وفاندرفيلممده
وأضرابهم الموافقين جميعهم على النضال من أجل حكومة »تلبي مطالب البروليتاريا«.
ما نحن فسنقدم على قطع صلتنا بخونة الشتراكية هؤلء وسنناضل من أجل هدم آلممة الدولممة أ ّ
القديمممة بأكملهمما لكيممما تصممبح البروليتاريمما المسمملحة نفسممها حكومممة .وهممما »أمممران مختلفممان كممل
الختلف«.
يتأتى على كاوتسكي أن يكون بصحبة الجماعة المستطابة :جماعممة ليغيممن ودافيممد وبليخممانوف
وبوتروسوف وتسيريتيلي وتشيرنوف ومن لف لفهم من الموافقين كل الموافقممة علممى النضممال مممن
أجل »تغيير نسبة القوى داخل سلطة الدولممة« ،مممن أجممل »اكتسمماب الكثريممة فممي البرلمممان وجعممل
البرلمان سيد الحكومة المطلق«- ،إنه هدف نبيممل منهممى النبممل يقبلممه النتهممازيون بقضممه وقضيضممه،
ويبقى معه كل شيء في إطار الجمهورية البرجوازية البرلمانية.
ما نحن فسنقدم على قطع صلتنا بالنتهازيين وستكون البروليتاريمما الواعيممة بأكملهمما معنمما فممي أ ّ
النضال ،ل مممن أجممل »تغييممر نسممبة القمموى« ،بممل مممن أجممل إسممقاط البرجوازيممة ،مممن أجممل تحطيممم
البرلمانية البرجوازية ،من أجل جمهورية ديموقراطيممة مممن طممراز الكومونممة أو جمهوريممة سمموفييتات
نواب العمال والجنود ،من أجل الديكتاتورية الثورية للبروليتاريا.
*******
في الشتراكية العالمية تيارات تيامن أكثر من كاوتسكي ،منها »المجلة الشممتراكية الشممهرية«
في ألمانيا )ليغين ودافيد وكولب وكثيرون غيرهم بمن فيهم السكانينافيان ستاونينغ وبرانتينغ( وأتبمماع
جوريس وفاندرفيلده في فرنسا وبلجيكا وتوراتي وتريفيس وغيرهم من ممثلي الجنمماح اليمينممي فممي
الحزب اليطالي والفابيون و»المستقلون« )»حزب العمال المستقل« الممذي كممان فممي الواقممع علممى
الدوام في تبعية الليبراليين( في انجلترا ومن على شاكلتهم .إن جميمع همؤلء السمادة المذين يلعبمون
دورا جسيما غالبا ما يكون الدور الراجح في النشماط البرلمماني وفمي المنشمورات الحزبيمة ينكمرون
على المكشوف ديكتاتورية البروليتاريا ويطبقون النتهازية السافرة» .فديكتاتوريممة« البروليتاريمما فممي
نظر هؤلء السادة »تناقض« الديموقراطية!! وفي الجوهر ل يوجد بينهم وبين الديموقراطيين صممغار
البرجوازيين أي فرق جدي.
62
ونظرا لهذا يحق لنا أن نخلص إلى استنتاج مفاده أن الممية الثانية في الغلبيممة السمماحقة مممن
ممثليها الرسميين قد انزلقت تماما إلى النتهازية .ولم يقتصر المر على نسيان خبرة الكومونة ،بممل
إنما تعداه إلى تشويهها .إنهم لم يبينوا لجماهير العمال أنه تقترب الساعة الممتي يتمموجب عليهممم فيهمما
أن ينهضوا ويحطموا آلة الدولة القديمة وأن يستعيضوا عنها بجديدة محممولين بهممذا الشممكل سمميادتهم
السياسية إلى قاعدة لتحويل المجتمع على الساس الشتراكي ،بل كانوا يلقنون الجممماهير النقيممض.
وقد فسروا »الستيلء على السلطة« بشكل يترك ألف منفذ للنتهازية.
إن تشويه وإغفال مسألة موقف الثورة البروليتارية من الدولة لم يمكنهما إل ّ يلعبا دورا جسيما
في الوقت الذي غدت فيه الدول ،وقد قوت جهازها العسمكري بنتيجمة التنمافس المبريمالي ،وحوشما
حربية تزهق المليين من الرواح لكيما تحسم وتفصل فيما إذا كانت السيطرة علممى العممالم لنجلممترا
أو للمانيا ،لهذا الرأسمال المالي أو ذاك.
المؤلف
بتروغراد
30نونبر سنة 1917
كتب في غشت –شتنبر سنة 1917؛ كتبت الفقرة 3من الفصل 2قبل 17ديسمبر 1918
صدر في سنة 1918ببتروغراد في كتاب على حدة عن دار الطبع والنشر »جيزن أي
زنانييه« )»الحياة والمعرفة«(
ص ص 120 -1
المجلد .33
63
الملحظات
* إضافة إلى الطبعة الثانية.
* راجع مقال لينين »مسألة مبدئية« .الناشر.
* هذا المبلغ يعادل تقريبا ،مممن الناحيممة الروسممية 2400 ،روبممل ويقممرب مممن 6000روبممل حسممب السممعر
الحالي .ول يغتفر قط سلوك أولئك البلشفة الذين يقترحون ،مثل ،أن تكون الرواتب 9000روبل فممي
بلديات المدن ول يقترحون أن يكون الراتب القصى في نطمماق الدولممة كلهمما 6000روبممل ،وهممو مبلممغ
كاف.
* »في المواضيع الممية من »الدولة الشعبية«« .الناشر.
§ »بولشفيك« )بولشفي( اشتقاق من كلمة »بولشنستفو« التي تعني بالروسية »الكثرية« .المترجم.
* عندما يقتصر القسم الرئيسي من وظائف الدولة على الحساب والرقابة من قبل العمال أنفسهم ،عندئذ
تكف الدولة عن أن تكون »دولة سياسية«،عندئذ »تتحول الوظائف العامة مممن وظممائف سياسممية إلممى
مجممرد وظممائف إداريممة« )راجممع ممما تقممدم ،الفصممل الرابممع ،المقطممع الثمماني حممول جممدال انجلممس مممع
الفوضويين(.
• 0ثم يأتي في المخطوطة» 1• :الفصل السابع
خبرة ثورتي سنة 1905وسنة 1917الروسيتين
إن الموضوع المشار إليه في العنوان هذا الفصل من السعة بحيث يمكن وينبغي أن تكممرس لممه مجلممدات.
ويتأتى علينا أن نقتصر في هذا الكراس بطبيعة الحال على الدروس الرئيسية التي تعطيها هذه الخبرة
والتي تخص مباشرة مهام البروليتاريا في الثورة حيال سلطة الدولة « )وعلى هذا تنقطع المخطوطة(
الناشر
64