You are on page 1of 64

‫الدولة‬

‫والثورة‬
‫تعاليم الماركسية حول الدولة‬
‫ومهمات البروليتاريا في الثورة‬

‫فلديمير لينين‬
‫فهرس‬
‫‪3‬‬ ‫مقدمة الطبعة الولى‬
‫‪4‬‬ ‫الفصل الول‪ :‬المجتمع الطبقي والدولة‬
‫‪14‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الدولة والثسسورة‪ .‬خسسبرة سسسنوات‬
‫‪1851-1848‬‬
‫‪22‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬الدولة والثسسورة‪ .‬خسسبرة كومونسسة‬
‫باريس سنة ‪ .1871‬تحليل ماركس‬
‫‪34‬‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬تتمة‪ .‬شروح اضافية لنجلس‬
‫‪49‬‬ ‫الفصسسسسل الخسسسسامس‪ :‬السسسسسس القتصسسسسادية‬
‫لضمحلل الدولة‬
‫‪61‬‬ ‫الفصسسسسل السسسسسادس‪ :‬ابتسسسسذال النتهسسسسازيين‬
‫للماركسية‬
‫‪72‬‬ ‫الملحظات‬

‫‪2‬‬
‫مقدمة الطبعة الولى‬
‫في الوقت الحاضر تكتسب مسممألة الدولممة أهميممة خاصممة سممواء مممن الناحيممة النظريممة أم مممن‬
‫الناحية العملية السياسية‪ .‬فالحرب المبريالية قد عجلت وشددت لقصى حد سير تحول الرأسمممالية‬
‫الحتكارية إلى رأسمالية الدولة الحتكارية‪ .‬والظلم الفظيع الذي تقاسيه جممماهير الشممغيلة مممن قبممل‬
‫الدولة التي تلتحممم أوثممق فممأوثق باتحممادات الرأسممماليين ذات الحممول والطممول يغممدو أفظممع فممأفظع‪.‬‬
‫والبلدان المتقدمة –ونقصد »مؤخراتم«هما‪ -‬تتحمول بالنسمبة للعممال إلمى سمجون عسمكرية للشمغال‬
‫الشاقة‪.‬‬

‫إن الهوال والنكبات المنقطعة النظير‪ ،‬الناجمة عن الحرب التي تستطيل‪ ،‬تجعل الجماهير فممي‬
‫حالة ل تصدق وتشدد سخطها‪ .‬إن الثورة البروليتارية العالمية تتصاعد بصورة بينممة‪ .‬ومسممألة موقفهمما‬
‫من الدولة تكتسب أهمية عملية‪.‬‬

‫إن عناصر النتهازية التي تراكمت فممي غضممون عشممرات السممنين مممن التطممور السمملمي نسممبيا‬
‫أنشأت تيار الشتراكية‪-‬الشوفينية السائدة في الحزاب الشتراكية الرسمية في العالم بأسره‪ .‬وهممذا‬
‫التيار )بليخانوف‪ ،‬بوتروسوف‪ ،‬بريشكوفسممكايا‪ ،‬روبممانوفيتش‪ ،‬ثممم المقنعممون بقنمماع شممفاف‪ ،‬السممادة‬
‫تسيريتيلي‪ ،‬تشيرنوف وشركاهما في روسيا؛ شيدمان‪ ،‬ليغين‪ ،‬دافيد وأضرابهم فممي ألمانيمما؛ رينممودل‪،‬‬
‫غيد‪ ،‬فاندرفيلده في فرنسا وبلجيكا؛ هايندمان والفابيون فممي إنكلممترا‪ ،‬وهلممم جممرا ً وهلممم جممرًا(‪ ،‬وهممو‬
‫ل‪ ،‬يتميز بكون »زعماء الشتراكية« يتكيفون بذلة وحقارة ليممس فقممط‬ ‫الشتراكية قول ً والشوفينية فع ً‬
‫وفق مصالح برجوازيتم»هم« الوطنية‪ ،‬بل‪ ،‬وعلى وجه الدقة‪ ،‬وفق مصالح دولتممم»هممم«‪ ،‬إذ أن أكثريممة‬
‫ما يدعى بالدول الكبرى تستثمر وتستعبد منذ زمن طويل جملمة مممن الشممعوب الصمغيرة والضمعيفة‪.‬‬
‫وما الحرب المبريالية سوى حرب من أجل اقتسام وإعادة اقتسام هذا النوع ممن الغنيممة‪ .‬والنضمال‬
‫من أجل تحرير جماهير الشغيلة من نفوذ البرجوازية بوجه عام والبرجوازيممة المبرياليممة بمموجه خماص‬
‫يستحيل بدون النضال ضد الوهام النتهازية بصدد »الدولة«‪.‬‬

‫في البدء سننظر في تعاليم ماركس وإنجلس بشأن الدولة متناولين بإسهاب خاص ما نسي أو‬
‫تعرض للتشويه النتهازي من نواحي هذه التعاليم‪ .‬وبعد ذلك سندرس بصورة خاصة الممثل الرئيسي‬
‫لهذه التشويهات‪ ،‬كارل كاوتسكي‪ ،‬أشهر زعماء الممية الثانية )سنوات ‪ (1914-1889‬التي أفلسممت‬
‫إفلسا مشينا للغاية أثناء الحرب الراهنة‪ .‬وسنستخلص في النهاية السممتنتاجات الرئيسممية مممن خممبرة‬
‫الثورتين الروسيتين‪ ،‬ثورة سنة ‪ 1905‬وثورة ‪ 1917‬بوجه خمماص‪ .‬ويبممدو أن هممذه الخيممرة تنهممي فممي‬
‫الوقت الحاضر )أول غشت سنة ‪ (1917‬المرحلة الولى من تطورهمما‪ ،‬ولكممن هممذه الثممورة بأكملهمما ل‬
‫يمكن فهمها بوجه عام إل ّ باعتبارها حلقة من حلقات سلسلة الثممورات البروليتاريممة الشممتراكية الممتي‬
‫تثيرها الحرب المبريالية‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن مسممألة موقممف الثممورة البروليتاريممة الشممتراكية مممن الدولممة ل‬
‫تكتسب أهمية سياسية عملية وحسب‪ ،‬بل تغدو كذلك مسألة ملحممة مممن مسممائل السماعة‪ ،‬باعتبارهمما‬
‫مسألة تبيان ما ينبغي للجماهير أن تفعله في المستقبل القريب للخلص من نير رأس المال‪.‬‬

‫المؤلف‬
‫غشت سنة ‪1917‬‬
‫مقدمة للطبعة الثانية‬
‫تصدر هذه الطبعة‪ ،‬الثانية‪ ،‬دون أي تغيير تقريبا‪ ،‬إذ لم يضف عليها غير المقطع الثالث‬
‫في الفصل الثاني‪.‬‬
‫المؤلف‬
‫موسكو‪.‬‬
‫‪ 17‬ديسمبر ‪. 1918‬‬

‫‪3‬‬
‫الفصل الول‪ :‬المجتمع الطبقي والدولة‬
‫‪-1‬الدولة هي نتاج استعصاء التناقضات الطبقية‬
‫يحدث الن لتعاليم ماركس ما حمدث أكمثر ممن ممرة فمي التاريمخ لتعماليم المفكريمن الثموريين‬
‫وزعماء الطبقات المظلومة في نضالها من أجل التحرر‪ .‬ففي حياة الثوريين العظام كممانت الطبقممات‬
‫الظالمة تجزيهم بالملحقات الدائمة وتتلقى تعاليمهم بغيظ وحشي أبعد وحشممية وحقممد جنمموني أبعممد‬
‫الجنون وبحملت من الكذب والفتراء وقحة أبعد القحة‪ .‬وبعد وفاتهم تقوم محاولت لجعلهم أيقونات‬
‫ل يرجى منها نفع أو ضر‪ ،‬لضمهم‪ ،‬إن أمكن القول‪ ،‬إلى قائمة القديسين‪ ،‬ولحاطة أسمائهم بهالة ممما‬
‫من التبجيل بقصد »تعزية« الطبقات المظلومة وتخبيلها‪ ،‬مبتذلة التعماليم الثوريمة باجتثماث مضممونها‬
‫وثلممم نصمملها الثمموري‪ .‬وفممي أمممر »تشممذيب« الماركسممية علممى هممذا النحممو تلتقممي الن البرجوازيممة‬
‫والنتهازيون داخل الحركة العمالية‪ .‬ينسون‪ ،‬يستبعدون‪ ،‬يشوهون الجانب الثوري من التعاليم‪ ،‬روحها‬
‫الثورية‪ .‬ويضعون في المقام الول ويطنبون في امتداح ما هو مقبول للبرجوازية أو يبدو لهمما مقبممو ً‬
‫ل‪.‬‬
‫فجميع الشتراكيين‪-‬الشوفينيين هم الن »ماركسيون«‪ ،‬بدون ممزاح! والعلممماء الممبرجوازيون اللممان‬
‫الذين كانوا حتى المس متخصصين في استئصممال الماركسممية قممد أخممذوا يتحممدثون أكممثر فممأكثر عممن‬
‫ماركس »ألماني وطني« رّبى على ما يزعمون اتحادات عمال منظمة خير تنظيم لشن حرب الغزو!‬

‫حيال هذا الوضع‪ ،‬حيال انتشار تشويه الماركسية انتشارا منقطممع النظيممر‪ ،‬يتلخممص واجبنمما قبممل‬
‫كل شيء في بعث تعاليم ماركس الحقيقيممة بشممأن الدولممة‪ .‬وهممذا يقتضممي إيممراد جملممة مممن فقممرات‬
‫طويلة تثقل البحث بطبيعة الحال دون أن تهمد البتة لجعله أقرب إلى الفهممم‪ .‬ولكممن السممتغناء عنهمما‬
‫أمر ليس في المكان بحال‪ .‬ينبغي حتما أن نقيس في مؤلفات ماركس وانجلس وبأتم شممكل ممكمن‬
‫جميع الفقرات المتعلقة بمسألة الدولة أو‪ ،‬على القل‪ ،‬جميع الفقرات الفاصلة‪ ،‬لكيما يتمكن القممارئ‬
‫ون لنفسه بصورة مستقلة فكرة عن مجمل نظريممات مؤسسممي الشممتراكية العلميممة وعممن‬ ‫من أن يك ّ‬
‫تطور هذه النظريات‪ ،‬وكذلك لكيما نبرهن استنادا إلى الوثائق ونضج بجلء تشويه هذه النظرات مممن‬
‫قبل »الكاوتسكية« السائدة اليوم‪.‬‬

‫نبدأ من أوسع مؤلفات فريدريك إنجلس انتشارا‪» :‬أصممل العائلممة والملكيممة الخاصممة والدولممة«‪،‬‬
‫هذا المؤلف الذي صدرت طبعته السادسة في سنة ‪ 1894‬في شممتوتغارت‪ .‬ويتممأتى علينمما أن نممترجم‬
‫ممما غيممر كاملممة‬
‫المقتبسات عن الصل اللماني لن التراجم الروسية‪ ،‬مع كثرتها‪ ،‬هي‪ ،‬فممي الغلممب‪ ،‬إ ّ‬
‫وإما مترجمة بصورة غير مرضية أبدًا‪.‬‬

‫يقول إنجلس ملخصا نتائج تحليله التاريخي‪:‬‬

‫»الدولة ليست بحال قوة مفروضة على المجتمممع مممن خممارجه‪ .‬والدولممة ليسممت كممذلك »واقممع‬
‫الفكرة الخلقية«‪» ،‬صورة وواقع العقل« كما يدعي هيغل‪ .‬الدولة هي نتاج المجتمع عند درجة معينة‬
‫من تطوره؛ الدولة هي إفصاح عن واقع أن هذا المجتمع قد تورط في تناقض مع ذاته ل يمكنه حلممه‪،‬‬
‫وأنه قد انقسم إلى متضادات مستعصية هو عاجز عمن الخلص منهما‪ .‬ولكيل تقموم همذه المتضمادات‪،‬‬
‫هذه الطبقات ذات المصالح القتصادية المتنافرة‪ ،‬بالتهام بعضها بعضا ً وكذلك المجتمعات فممي نضممال‬
‫عقيم‪ ،‬لهذا اقتضى المر قوة تقف في الظاهر فوق المجتمع‪ ،‬قمموة تلطممف الصممطدام وتبقيممه ضمممن‬
‫حدود »النظام«‪ .‬إن هذه القوة المنبثقة عن المجتمع والتي تضع نفسها‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬فوقه وتنفصل عنه‬
‫أكثر هي الدولة« )ص ‪ 178-177‬من الطبعة اللمانية السادسة(‪.‬‬

‫في هذه الفقرة قد أعرب بأتم الوضوح عن الفكرة الساسية التي تنطلق منها الماركسية فممي‬
‫مسألة دور الدولة التاريخي وشأنها‪ .‬فالدولة هممي نتمماج ومظهممر استعصمماء التناقضممات الطبقيمة‪ .‬فممإن‬
‫الدولة تنشأ حيث ومتى وبقدر ما ل يمكن‪ ،‬موضوعيا‪ ،‬التوفيممق بيممن التناقضممات الطبقيممة‪ .‬وبممالعكس‪،‬‬
‫يبرهن وجود الدولة أن التناقضات الطبقية ل يمكن التوفيق بينها‪.‬‬

‫في هذه النقطة الساسية والهامة جدا على وجه التممدقيق يبممدأ تشممويه الماركسممية الممذي يتبممع‬
‫اتجاهين رئيسيين‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫من جهة‪ ،‬اليديولوجيون البرجوازيون ولسيما اليديولوجيون البرجوازيون الصغار‪- ،‬المضطرون‬
‫تحت ضغط الوقائع التاريخية القاطعة‪ ،‬إلى العتراف بأن الدولممة ل توجممد إل ّ حيممث توجممد التناقضممات‬
‫وبون« ماركس بشكل يبدو منه أن الدولممة هممي هيئة للتوفيممق‬ ‫الطبقية‪ ،‬ويوجد النضال الطبقي‪»- ،‬يص ّ‬
‫بين الطبقات‪ .‬برأي ماركس‪ ،‬ل يمكن للدولة أن تنشأ وأن تبقى إذا كان التوفيق بيممن الطبقممات أمممرا‬
‫ممكنا‪ .‬وبرأي الساتذة والكتاب السياسيين من صغار البرجوازيين والتافهين الضيقي الفق –الذين ل‬
‫يتركون سانحة دون أن يستندوا إلى ماركس باستلطاف! –الدولة توفق بالضبط بين الطبقات‪ .‬بممرأي‬
‫ماركس‪ ،‬الدولة هي هيئة للسميادة الطبقيمة‪ ،‬هيئة لظلمم طبقمة ممن قبمل طبقمة أخمرى‪ ،‬همي تكموين‬
‫»نظام« يمسح هذا الظلم بمسحة القانون ويوطده‪ ،‬ملطفا اصطدام الطبقات‪ .‬وبرأي الساسة صغار‬
‫المبرجوازيين‪ ،‬النظمام همو بالضمبط التوفيمق بيمن الطبقمات‪ ،‬ل ظلمم طبقمة لطبقمة أخمرى؛ وتلطيمف‬
‫الصطدام يعني التوفيق‪ ،‬ل حرمان الطبقات المظلومة من وسائل وطرق معينممة للنضممال مممن أجممل‬
‫إسقاط الظالمين‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬عندما طرحت في ثورة سنة ‪ 1917‬مسألة شأن الدولة ودورها بكممل خطورتهمما‪ ،‬عنممدما‬
‫طرحت عمليا باعتبارها مسألة عمممل مباشممر وفممي النطمماق الجممماهيري‪ ،‬انزلممق جميممع الشممتراكيين‪-‬‬
‫الثوريين والمناشفة‪ ،‬جميعهم دفعة واحدة ودون تحفظ‪ ،‬نحو النظرية البرجوازية الصغيرة القائلممة أن‬
‫»الدولة« »توفق« بين الطبقات‪ .‬القرارات والمقمالت المتي وضمعها ساسممة همذين الحزبيممن بعمدد ل‬
‫ممما‬
‫يحصى‪ ،‬تتخللها من ألفها إلى يائها هذه النظرية التافهة البرجوازية الصغيرة‪ ،‬نظرية »التوفيممق«‪ .‬أ ّ‬
‫أن الدولة هيئة لسيادة طبقة معينة ل يمكن التوفيق بينهما وبين نقيضها )الطبقة المضادة لها(‪ ،‬فهممذا‬
‫ما ل تسمتطيع الديموقراطيمة البرجوازيمة الصمغيرة فهممه بحمال‪ .‬والموقمف المذي يقفمه ممن الدولمة‬
‫الشتراكيين‪-‬الثوريين والمناشفة عندنا‪ ،‬هو دليل من أوضح الدلة على أنهممم ليسمموا باشممتراكيين قممط‬
‫)المر الذي كنا نحن البلشفة نممبرهنه علممى الممدوام(‪ ،‬بممل هممم ديموقراطيممون برجوازيممون صممغار ذوو‬
‫عبارات تكاد تكون اشتراكية‪.‬‬

‫ومن الجهة الخرى التشويه »الكاوتسكي« للماركسية‪ ،‬وهو أحسن تقنيعمما بكممثير‪ .‬فهممو ل ينكممر‬
‫»نظريمما« ل واقممع أن الدولممة هممي هيئة للسمميادة الطبقيممة ول واقممع أن التناقضممات الطبقيممة ل يمكممن‬
‫التوفيق بينها‪ .‬ولكن ُيغفل وُيطمس المر التالي‪ :‬إذا كانت الدولة نتاج استعصاء التناقضممات الطبقيممة‪،‬‬
‫وإذا كانت قوة فوق المجتمع و»تنفصل عن المجتمع أكثر فممأكثر«‪ ،‬فمممن الواضممح أن تحريممر الطبقممة‬
‫المظلومة ل يمكن ليس بدون ثورة عنيفة وحسب‪ ،‬بل أيضا ً بدون القضاء على جهمماز سمملطة الدولممة‬
‫الذي أنشأته الطبقة السائدة والذي يتجسد فيممه هممذا »النفصممال«‪ .‬إن هممذا السممتنتاج‪ ،‬البممديهي مممن‬
‫الناحية النظرية‪ ،‬قد وصل إليه ماركس بأتم الدقة‪ ،‬كما سنرى فيما يأتي‪ ،‬على أساس تحليل تمماريخي‬
‫ملمموس لواجبمات الثمورة‪ .‬وقمد… »نسمي« كاوتسمكي وشموه همذا السمتنتاج عينمه‪ ،‬وسمنتبين ذلمك‬
‫بالتفصيل فيما يأتي من البحث‬

‫‪-2‬فصائل خاصة من رجال مسلحين‪ ،‬وسجون‪ ،‬الخ‪.‬‬


‫يستطرد انجلس قائل‪…» :‬وبالمقارنة مع التنظيممم »الجنسممي« القممديم )العشممائري أو القبلممي(‬
‫تتميز الدولة‪ ،‬أول ً بتقسيم رعايا الدولة بموجب تقسيم الراضي…«‬

‫وهذا التقسيم يبدو لنا »طبيعيًا«‪ ،‬ولكنه قد تطلب نضال طويل ضد التنظيم القديم على أسمماس‬
‫القبائل أو العشائر‪.‬‬

‫»… والسمة المميزة الثانية هي تأسيس السمملطة العامممة الممتي لممم تعممد تنسممجم مباشممرة مممع‬
‫السكان المنظمين أنفسهم بأنفسهم في قوة مسلحة‪ .‬وهذه السمملطة العامممة المميممزة ضممرورية لن‬
‫منظمة السكان المسلحة العاملة من تلقاء نفسها غممدت أمممرا مسممتحيل منممذ انقسممام المجتمممع إلممى‬
‫طبقات… وتوجد هذه السلطة العامة في كل دولة‪ .‬وهممي ل تتممألف فقممط مممن رجممال مسمملحين‪ ،‬بممل‬
‫كذلك من ملحق مادية‪ ،‬من السجون ومختلف مؤسسات القسر التي كممانت معدومممة فممي المجتمممع‬
‫المنظم على أساس القبائل )العشائر(…«‬

‫‪5‬‬
‫إن انجلس يشرح مفهوم »القوة« التي تسمى الدولة‪ ،‬القوة التي نشأت في المجتمممع‪ ،‬ولكنهمما‬
‫تضع نفسها فوقه وتنفصل عنه أكثر فأكثر‪ .‬مم تتألف هذه القوة بصورة رئيسية؟ مممن فصممائل خاصممة‬
‫من رجال مسلحين تحت تصرفهم السجون والخ‪..‬‬

‫يحق لنا أن نتحدث عن فصائل خاصة من رجال مسمملحين لن السمملطة العامممة الملزمممة لكممل‬
‫دولة »ل تنسجم مباشرة« مع السكان المسلحين‪ ،‬مع »منظمة السكان المسلحة العاملة مممن تلقمماء‬
‫نفسها«‪.‬‬

‫إن انجلس‪ ،‬شأن جميع المفكرين الثوريين العظام‪ ،‬يسعى ليلفت أنظار العمال الواعين إلى ما‬
‫يبدو بالضبط في نظر الذهنية البرجوازية الصغيرة السائدة أقل ما يستحق النتباه‪ ،‬إلى أكثر ممما يبممدو‬
‫لها مألوفا‪ ،‬مقدسا بأوهام متأصلة‪ ،‬بله يمكن القول‪ ،‬متحجرة‪ .‬الجيش الدائم والشرطة هممما الداتممان‬
‫الرئيسيتان لقوة سلطة الدولة‪ .‬ولكن كيف يمكن‪ ،‬يا ترى‪ ،‬أن يكون المر على غير ذلك؟‬

‫ل يمكن أن يكون المر على غير ذلك من وجهممة نظممر الكثريممة السمماحقة مممن أوروبيممي أواخممر‬
‫القرن التاسع عشر الذين توجه إليهم انجلس والدين لم يعيشمموا ولممم يشمماهدوا عممن كثممب أيممة ثممورة‬
‫كبرى‪ .‬فهم ل يفهمون أبدا ما همي »منظممة السمكان المسملحة العاملمة ممن تلقماء نفسمها«‪ .‬وعلمى‬
‫السمؤال‪ :‬لمماذا غممدا مممن الضممروري وجممود فصممائل خاصمة ممن رجمال مسملحين الشممرطة والجيممش‬
‫النظامي( توضع فوق المجتمع وتنفصل عنه‪ ،‬يميل التافه الضيق الفق في أوروبا الغربية وروسيا إلى‬
‫الجممواب بجملممة مممن عبممارات مقتبسممة مممن سبنسممر أو ميخايلوفسممكي‪ ،‬مستشممهدا بتعقممد الحيمماة‬
‫الجتماعية‪ ،‬بتمايز الوظائف وهلم جرًا‪.‬‬

‫وهذا الستشهاد يبدو »عمليًا« وهو ينوم بصورة ممتازة ذا الذهنية البرجوازية الصغيرة بطمسه‬
‫المر الرئيسي والساسي‪ ،‬أي انقسام المجتمع إلى طبقات متعادية عداء مستعصيًا‪.‬‬

‫ولو ل هذا النقسام لكانت »منظمة السكان المسلحة العاملة من تلقاء نفسها« تتميز بتعقيدها‬
‫ورقي عتادها وغير ذلك عن منظمة بدائيين أو الناس المنظمين فممي مجتمعممات قبائليممة‪ ،‬ولكممن مثممل‬
‫هذه المنظمة تكون أمرا ممكنا‪.‬‬

‫ولكنها أمر مستحيل لن المجتمع المتمدن منقسم إلى طبقات متعادية عداء مستعصمميا يسممفر‬
‫تسلحها »العامل من تلقاء نفسه« عن تقاتلها بالسمملح‪ .‬تتشممكل الدولممة وتنشممأ قمموة خاصممة‪ ،‬فصممائل‬
‫خاصة من رجال مسلحين؛ وكل ثورة‪ ،‬بهدمها لجهاز الدولة‪ ،‬ترينا النضال الطبقممي المكشمموف‪ ،‬ترينمما‬
‫رأي العين كيف تحاول الطبقة السائدة أن تبعث ما في خدمتها هي من الفصائل الخاصة من الرجال‬
‫المسلحين وكيف تحاول الطبقة المظلومة إنشمماء منظمممة جديممدة مممن هممذا النمموع‪ ،‬كفمموءا ل لخدمممة‬
‫مرين‪.‬‬
‫مرين‪ ،‬بل المستث َ‬
‫المستث ِ‬

‫في الفقرة المذكورة يطرح انجلس نظريا ً نفس المسألة التي تطرحها أمامنا كممل ثممورة كممبرى‬
‫عمليا‪ ،‬بجلء‪ ،‬وفي نطاق عمل الجماهير‪ ،‬نعني مسألة العلقات بين الفصائل »الخاصة« ممن الرجمال‬
‫المسلحين و»منظمة السكان المسلحة العاملة من تلقاء نفسها«‪ .‬وسنرى كيف تتوضح هذه المسألة‬
‫عمليا بتجربة الثورات الوروبية والروسية‪.‬‬

‫ولكن لنعد إلى مبحث انجلس‪.‬‬

‫إنه يبين أن هذه السلطة العامة تكون ضعيفة أحيانا‪ ،‬في بعممض منمماطق أمريكمما الشمممالية مثل ً‬
‫)يدور الحديث عن حالت نادرة في المجتمع الرأسمالي‪ ،‬وعن مناطق أمريكا الشمالية فممي عهممد ممما‬
‫قبل المبريالية‪ ،‬حيث كان يهيمن المعمر الحر(‪ .‬ولكنها‪ ،‬عموما‪ ،‬تتقوى‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫»… تتقوى السلطة العامة بمقدار ما تتفاقم التناقضات الطبقية في داخل الدولة وبمقممدار ممما‬
‫تزداد الدول المتلصقة مساحة وسكانًا‪ .‬لنظروا على القمل إلمى أوروبما الراهنمة حيمث رفمع النضمال‬
‫الطبقي والتنافس على الفتوحات السلطة العامة إلى مستوى غدت معه تهدد بابتلع المجتمع برمتممه‬
‫بما فيه الدولة نفسها…« لقد كتب هذا في تاريخ ل يتجاوز مستهل سنوات العقد العاشر مممن القممرن‬
‫الماضي‪ .‬فمقدمة انجلس الخيرة مؤرخة في ‪ 16‬يونيو ‪ .1891‬في ذلك الحيممن كممان النعطمماف نحممو‬
‫المبريالية –بمعنى سيطرة التروستات سيطرة تامة وبمعنممى حممول وطممول البنمموك الكممبرى وبمعنممى‬
‫عظمة نطاق السياسة الستعمارية‪ ،‬الخ‪ -.‬قد بدأ لتوه في فرنسا‪ ،‬وكان أضعف في أمريكما الشممالية‬
‫وفي ألمانيا‪ .‬ومنذ ذلك الحين خطا »التنافس علممى الفتوحممات« خطمموة كممبرى إلممى المممام‪ ،‬ل سمميما‬
‫والكرة الرضية قد ظهرت في أوائل العقد الثاني مممن القممرن العشممرين مقتسمممة نهائي ما ً بيممن هممؤلء‬
‫»الفاتحين المتنافسين«‪ ،‬أي بين الدول السلبة الكبرى‪ .‬ومنممذ ذلممك الحيممن ازداد التسمملح العسممكري‬
‫والبحري ازديادا ً هائل ً وحرب النهب‪ ،‬حممرب سممنوات ‪ 1918-1914‬الممتي انممدلعت مممن أجممل سمميطرة‬
‫إنجلترا أو ألمانيا على العالم‪ ،‬من أجل اقتسام الغنيمة‪ ،‬قد قربت من الكارثممة التامممة »ابتلع« جميممع‬
‫قوى المجتمع من قبل سلطة دولة ضاربة‪.‬‬

‫لقد استطاع انجلس أن يبين منذ سممنة ‪ 1891‬أن »التنممافس علممى الفتوحممات« هممو سمممة مممن‬
‫السمات الهامة المميزة لسياسة الدول الكبرى في الحقل الخارجي‪ ،‬في حين أن أنذال الشممتراكية‪-‬‬
‫الشوفينية يعمدون فممي سممنوات ‪ ،1918-1914‬عنممدما كممان هممذا التنممافس بالممذات المشممتد أضممعافا َ‬
‫مضاعفة قد أسفر عن الحرب المبريالية‪ ،‬إلى تستير المصالح الغتصابية لبرجوازيتممم»هممم« بعبممارات‬
‫»الدفاع عن الوطن« و»الدفاع عن الجمهورية والثورة« وما شاكل!‬

‫‪-3‬الدولة أداة لستثمار الطبقة المظلومة‬


‫للنفاق على سلطة عامة مميزة تقف فوق المجتمع تلزم الضرائب وتلزم ديون الدولة‪.‬‬

‫لقممد كتممب انجلممس‪ » :‬إن الممموظفين‪،‬إذ يتمتعممون بالسمملطة العاملممة وبحممق جبايممة الضممرائب‬
‫يصحبون‪ ،‬باعتبارهم هيئات المجتمع‪ ،‬فوق المجتمع‪ .‬فالحترام الطوعي الختياري الممذي كممان يمحممض‬
‫لهيئات مجتمع القبائل )العشائر( لم يعد يكفيهم حتى فيما لو كان باستطاعتهم اكتسممابه…«‪ .‬وتوضممع‬
‫قوانين خاصة بشأن قداسة وحصانة الموظفين‪» .‬فلحقر شرطي« »سلطان« يفوق سلطان ممثلي‬
‫العشيرة‪ ،‬ولكن رئيس السلطة العسكرية نفسه في دولة متمدنة يغبط شيخ العشيرة الممذي يمحضممه‬
‫المجتمع »احتراما لم يفرض بالعصا«‪.‬‬

‫لقد طرحت هنا مسممألة وضممع الممموظفين الممتممازين باعتبممارهم هيئات سمملطة الدولممة‪ .‬والمممر‬
‫الرئيسي هو أن نعلم‪ :‬ما الذي يضعهم فوق المجتمع؟ وسنرى كيف حلت كومونة بمماريس عمليمما فممي‬
‫سنة ‪ 1871‬هذه المسألة النظرية وكيف طمسها كاوتسكي رجعيا في سنة ‪.1912‬‬

‫»… بما أن الدولة قد نشأت من الحاجة إلى لجم تضاد الطبقات؛ وبما أنها نشمأت فممي المموقت‬
‫نفسه ضمن الصطدامات بيمن هممذه الطبقمات‪ ،‬فهممي كقاعمدة عاممة دولمة الطبقممة القموى السممائدة‬
‫اقتصاديا والتي تصبح عن طريق الدولة الطبقة السائدة سياسيا أيضمما وتكتسممب علممى هممذه الصممورة‬
‫وسائل جديدة لقمع الطبقة المظلومة واستمرارها…«‪ .‬فالدولة القديمة والدولة القطاعية لم تكونمما‬
‫وحدهما هيئتين لستثمار العبيد والقنان‪ ،‬بل كذلك »الدولة التمثيلية الحديثة هي أداة لستثمار العمل‬
‫المممأجور مممن قبممل رأس المممال‪ .‬ومممع ذلممك فثمممة‪ ،‬كحممالت اسممتثنائية‪ ،‬مراحممل تبلممغ فيهمما الطبقممات‬
‫المتصارعة درجة من توازن القوى تنال معها سلطة الدولة لفترة معينممة نوعمما مممن السممتقلل حيممال‬
‫الطبقتين‪ ،‬مظهرا وسيطا بينهما…« ومن هذا القبيل كان الحكم الملكي المطلق في القرنين السابع‬
‫عشر والثامن عشر والبونابرتية في المبراطوريتين الولى والثانية في فرنسا وبيسمارك في ألمانيا‪.‬‬

‫ومن هذا القبيل –نضمميف نحممن‪ -‬حكومممة كرينسممكي فممي روسمميا الجمهوريممة بعممد النتقممال إلممى‬
‫ملحقة البروليتاريا الثورية‪ ،‬في البرهة التي كانت فيها السوفييتات قد غدت عاجزة من جممراء قيممادة‬
‫الديموقراطيين صغار البرجوازيين ولم تكن فيها البرجوازية بعد قوية لحد يمكن من حل السوفييتات‬
‫على المكشوف‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫في الجمهورية الديموقراطية –يستطرد إنجلس‪» -‬تمارس الثورة سلطتها بصورة غير مباشرة‪،‬‬
‫ولكن بالشكل الضمن« ‪:‬أو ً‬
‫ل‪ ،‬عن طريق »الرشوة المباشرة للموظفين« )أمريكا( وثانيا‪ ،‬عن طريق‬
‫»التحالف بين الحكومة والبورصة«)فرنسا وأمريكا(‪.‬‬

‫وفي الوقت الحاضر »رقت« المبريالية وسيطرة البنوك إلى حد فمن خمارق همماتين الوسمميلتين‬
‫من وسائل الدفاع عن سلطان الثروة وممارسة هذا السلطان في أية جمهورية ديموقراطيممة كممانت‪.‬‬
‫ل‪ ،‬عندما كانت الجمهورية الديموقراطية بروسيا في أشهرها الولممى‬ ‫فإذا كان السيد بالتشينسكي‪ ،‬مث ً‬
‫بالذات –ويمكن القول في شهر العسمل لقممران »الشممتراكيين«‪ ،‬الشمتراكيين‪-‬الثموريين والمناشمفة‪،‬‬
‫بالبورجوازية ضمن الحكومة الئتلفية‪ -‬قد عرقل جميممع التممدابير الموجهممة لكبممح جممماح الرأسممماليين‬
‫وسلبهم ونهبهم للخزينة العامة بالطلبات العسممكرية‪ ،‬وإذا كممان السمميد باتشينسممكي الممذي خممرج مممن‬
‫الوزارة فيما بعد )واستعيض عنه أيضا بباتشينسكي آخر ل يختلف عنه في شمميء( قممد »كمموفئ« مممن‬
‫م يوصف ذلك؟ أهو رشوة مباشممرة أم‬ ‫قبل الرأسماليين بمنصب راتبه ‪ 120‬ألف روبل في السنة‪ -‬فب َ‬
‫غير مباشرة؟ أهو تحالف الحكومة مع سنديكات الرأسماليين أم علقات ودية »فقممط ل غيممر«؟ وممما‬
‫هو الدور الذي يلعبه تشيرنوف وتسيرتيلي وافكسنتييف وسكوبيليف ومن على شاكلتهم؟ أهم حلفمماء‬
‫»مباشرون« لصحاب المليين سارقي الخزينة‪ ،‬أم غير مباشرين وحسب؟‬

‫إن سلطان »الثورة« هو كذلك أضمن في ظل الجمهورية الديموقراطيممة لنممه ل يتوقممف علممى‬
‫هممذه النممواقص أو تلممك للليممة السياسممية وعلممى غلف الرأسمممالية السياسممي الرديممء‪ .‬فالجمهوريممة‬
‫الديموقراطية هي أحسن غلف سياسي ممكن للرأسمالية‪ ،‬ولذا فرأي المال‪ ،‬إذ يسممتولي علممى هممذا‬
‫الغلف الفضل )عن طريق بالتشينسكي ةتشيرنوف وتسيريتيلي ومن لف لفهم( يقيم سلطته علممى‬
‫أساس مكين‪ ،‬على أساس مضمون لحد ل يمكن لي تبمديل فمي الشمخاص ول فمي المؤسسمات ول‬
‫في الحزاب في الجمهورية البرجوازية الديموقراطية أن يزعزع هذه السلطة‪.‬‬

‫كذلك يجدر بالذكر أن إنجلس يصف بصورة جليممة قاطعممة حممق النتخمماب العممام أيضمما بممأنه أداة‬
‫لسيادة البرجوازية‪ .‬فقمد قممال آخممذا بعيمن العتبممار بصممورة جليمة الخممبرة المتي اكتسممبتها الشممتراكية‬
‫الديموقراطية اللمانية خلل وقت طويل أن حق النتخاب العام هو »دليل نضج الطبقممة العاملممة‪ .‬ول‬
‫يمكنه أن يكون ولن يكون أبدا أكثر من ذلك في الدولة الراهنة«‪.‬‬

‫إن الديموقراطيين صغار البورجوازيين‪ ،‬أشممباه الشممتراكيين‪-‬الثمموريين والمناشممفة فممي بلدنمما ‪،‬‬
‫وكذلك أشقاءهم‪ ،‬جميع الشتراكيين‪-‬الشوفينيين في أوروبا الغربية‪ ،‬ينتظرون من حق النتخاب العام‬
‫»أكثر« من ذلك بالضبط‪ .‬إنهم يؤمنون هم أنفسهم ويوهمون الشعب بفكرة مغلوطة مفادها أن حممق‬
‫النتخاب العام »في الدولة الراهنة« يستطيع أن يظهر في الواقع إرادة أكثريممة الشممغيلة وأن يضمممن‬
‫تطبيقها‪.‬‬

‫ل يسعنا هنا غير اليماء إلى هذه الفكرة المغلوطة‪ ،‬غير الشارة إلى أن تصريح انجلس الجلممي‬
‫والدقيق والملموس تماما تشوهه في كل لحظة دعايممة وتحريممض الحممزاب الشممتراكية »الرسمممية«‬
‫)أي النتهازية(‪ .‬فتتمة عرضنا لنظرية ماركس وانجلس عن الدولممة »الراهنممة« تممبين بالتفصمميل مبلممغ‬
‫البطلن في الفكرة التي ينبذها هنا إنجلس‪.‬‬

‫يعطي إنجلس في أوسع مؤلفاته انتشارا خلصة عامة لنظراته بالعبارات التالية‪:‬‬

‫»وهكذا‪ ،‬فالدولة لم توجد منذ الزل‪ .‬فقد وجدت مجتمعات كانت في غنى عن الدولة ولم يكن‬
‫لديها أية فكرة عن الدولة وسلطة الدولة‪ .‬وعندما بلممغ التطممور القتصممادي درجممة اقممترنت بالضممرورة‬
‫بانقسام المجتمع إلى طبقات‪ ،‬غدت الدولة بحكممم هممذا النقسممام أمممرا ضممروريا‪ .‬ونحممن نقممترب الن‬
‫بخطوات سريعة من درجة في تطور النتاج ل يكف عندها وجود هذه الطبقات عن أن يكون ضممرورة‬
‫وحسب‪ ،‬بممل يصممبح عائقمما مباشممرا للنتمماج‪ .‬سممتزول الطبقممات بالضممرورة كممما نشممأت فممي الماضممي‬
‫بالضرورة‪ .‬ومع زوال الطبقات ستزول الدولة بالضرورة‪ .‬والمجتمع الذي ينظم النتاج تنظيممما جديممدا‬
‫على أساس اتحاد المنتجين بحرية وعلى قدم المساواة‪ ،‬سيرسل آلة الدولة بأكملها إلى حيث ينبغممي‬
‫أن تكون حينذاك‪ :‬إلى متحف العادات بجانب المغزل البدائي والفأس البرونزية«‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫ل يصادف المرء هذا المقتبس إل ّ غرارا فيما تصدره الشتراكية‪-‬الديموقراطيممة المعاصممرة مممن‬
‫مطبوعات الدعاية والتحريض‪ .‬ولكن حتى عنممدما يصممادف هممذا المقتبممس فإنممما يمموردونه فممي أغلممب‬
‫الحيان وكأنهم ينحنون أمام أيقونة‪ ،‬أي للفصاح الرسمي عن إجلل انجلس‪ ،‬دون أية محاولة لمعان‬
‫الفكر في مدى سعة وعمق نطاق الثممورة الممذي يفترضممه »إرسممال آلممة الدولممة بأكملهمما إلممى متحممف‬
‫العادات«‪ .‬بل انه في الغالب ل يلحظ أن ثمة فهما لما يسميه انجلس بآلة الدولة‪.‬‬

‫‪-4‬الثورة العنيفة و»اضمحلل« الدولة‬


‫إن كلمات إنجلس عن »اضمممحلل« الدولممة بدرجممة مممن الشممهرة‪ ،‬وُيستشممهد بهمما بدرجممة مممن‬
‫التكرار‪ ،‬تبين كنه تكييف الماركسية المعتاد تبعا للنتهازيمة بدرجممة ممن الوضمموح بحيممث أنمه لبمد مممن‬
‫تناولها بإسهاب‪ .‬فلنورد كامل الفقرة التي اقتبست منها‪:‬‬

‫»تأخذ البروليتاريا سلطة الدولة وتحول وسائل النتاج قبل كل شيء إلى ملممك الدولممة‪ .‬ولكنهمما‬
‫تقضي على نفسها بوصفها بروليتاريا‪ ،‬تقضي بممذلك علممى كممل الفمموارق الطبقيممة وجميممع المتضممادات‬
‫الطبقية وعلى لدولة في الوقت نفسه بوصفها دولة‪ .‬إن المجتمع الذي وجد ول يممزال والممذي يتحممرك‬
‫مرة قسممرا فممي‬ ‫ضمن المتضادات الطبقية كان بحاجة إلى الدولممة‪ ،‬أي إلممى منظمممة للطبقممة المسممتث ِ‬
‫ظروف القمع الناجمة عن أسلوب النتاج القائم )العبودية‪ ،‬القنانة‪ ،‬العمل المأجور(‪ .‬لقد كانت الدولة‬
‫الممثل الرسمي للمجتمع بأكمله‪ ،‬تركزه في جسم منظور‪ ،‬ولكنها لم تكن كذلك إل ّ بمقدار ما كممانت‬
‫دولة تلك الطبقة التي كانت وحدها تمثل في عصرها المجتمع بأكله‪ :‬في العصور القديمة كانت دولممة‬
‫ملكي العبيد –مواطني الدولة‪ ،‬وفي القرون الوسطى كانت دولة العيان القطاعيين‪ ،‬أخيممرا‪ ،‬ممثممل‬
‫المجتمع بأكمله حقا‪ ،‬أية طبقة اجتماعية ينبغممي قمعهمما؛ وعنممدما تممزول مممع السمميطرة الطبقيممة ومممع‬
‫الفوضى الراهنة في النتاج‪ ،‬تلك الصطدامات وأعمال الشطط )التطرف( الناتجة عن هممذا الصممراع‪،‬‬
‫ل يبقى هناك ما ينبغي قمعه‪ ،‬ول تبقى أيضا ضرورة لقوة خاصة للقمع‪ ،‬للدولة‪ .‬وأول عمل تممبرز فيممه‬
‫الدولة حقا بوصفها ممثل المجتمع بأكمله –تملك وسائل النتاج باسم المجتمع‪ -‬هو في الوقت نفسممه‬
‫آخر عمل تقوم به بوصفها دولة‪ ،‬وعندئد يصبح تدخل الدولة في العلقات الجتماعية أمرا ل لزوم لممه‬
‫في ميدان بعد آخر ويخبو من نفسه‪ .‬وبدل من حكم الناس »تلغى« إنها تضمحل‪ .‬وعلى هذا الساس‬
‫ينبغي تقييم عبارة »الدولة الشعبية الحرة«‪ ،‬هممذه العبممارة الممتي كممان لهمما حممق البقمماء بعممض المموقت‬
‫للتحريض ولكنها باطلة في آخر التحليل من وجهة النظر العملية‪ .‬وعلممى هممذا السمماس ينبغممي كممذلك‬
‫تقييم مطلب من يسمون بالفوضويين القائل بإلغاء الدولة بيممن عشممية وضممحاها« )»ضممد دوهرينممغ«‪.‬‬
‫»السيد أوجين دوهرينغ يقلب العلم«‪ ،‬ص ‪ ،303-301‬الطبعة اللمانية الثانية(‪.‬‬

‫بوسعنا أن نقول دون أن نخشى الزلل أن الصيغة القائلة أن الدولة »تضمحل«‪ ،‬برأي ممماركس‬
‫وخلفا للنظرية الفوضوية القائلة بم»إلغاء« الدولة‪ ،‬هي كل ما تبقى من فقرة انجلس هذه الغنية جدا ً‬
‫بالفكار‪ ،‬مكتسبا حقا للفكر الشممتراكي فممي الحممزاب الشممتراكية الراهنممة‪ .‬إن بممتر الشممتراكية بهممذا‬
‫الشكل يعني الهبوط بها إلى حضيض النتهازية‪ ،‬إذ أن كل ما تبقى بعد هذا »التأويل« هو تصور مبهممم‬
‫عن تغير بطيمء‪ ،‬مموزون‪ ،‬تمدريجي‪ ،‬عمن انعمدام القفمز والعاصمير‪ ،‬عمن انعمدام الثمورة‪ .‬إن مفهموم‬
‫»اضمحلل« الدولة بالمعنى الشائع‪ ،‬المنتشر عموما والجماهيري‪ ،‬إن أمكن التعبير‪ ،‬يعنممي دون شممك‬
‫طمس الثورة إن لم يكن إنكارها‪.‬‬

‫بيد أن هذا »التأويل« هو تشويه فظ جدا للماركسية‪ ،‬مفيممد للبرجوازيممة وحممدها‪ ،‬ويقمموم نظريمما‬
‫على نسيان ظروف واعتبارات هامة للغاية ذكرت مثل في فقرة انجلس »التلخيصية« الممتي أوردناهمما‬
‫كاملة‪.‬‬

‫أول‪ .‬في مستهل هذه الفقممرة بالممذات يقممول إنجلممس أن البروليتاريمما‪ ،‬إذ تأخممذ سمملطة الدولممة‪،‬‬
‫»تقضي بذلك على الدولة بوصفها دولة«‪ .‬أما معنى ذلك بصورة تامة أو يعزى إلممى شمميء ممما بمثابممة‬
‫»ضعف هيغلي« عند إنجلس‪ .‬وفي الواقع تعرب هذه الكلمات باقتضمماب عممن خممبرة ثممورة مممن أكممبر‬
‫الثورات البروليتارية‪ ،‬عن خبرة كومونة باريس ‪ ،1871‬المر الذي سنتحدث عنه بتفصيل في مكممانه‪.‬‬
‫هنا يتحدث إنجلس في الواقع عن »قضاء« الثورة البروليتارية على دولة البرجوازية‪ ،‬في حين أن ممما‬
‫قاله عن الضمحلل يخممص بقايمما الدولممة البروليتاريممة بعممد الثممورة الشممتراكية‪ .‬الدولممة البرجوازيممة ل‬

‫‪9‬‬
‫»تضمحل« برأي إنجلس‪ ،‬ولكن »تقضي عليها« البروليتاريمما فممي الثممورة‪ .‬تضمممحل بعممد هممذه الثممورة‬
‫الدولة البروليتارية أو شبه الدولة‪.‬‬

‫ثانيا‪ .‬الدولة هي »قوة خاصة للقمع«‪ .‬إن إنجلس قد أعطى هنا بأتم الوضوح تعريفه الرائع هذا‬
‫والعميق منتهى العمق‪ .‬ويستنتج منه أن »القوة الخاصة لقمع« البروليتاريا من قبل البرجوازية‪ ،‬قمممع‬
‫المليين من الشغيلة من قبل حفنات من الغنياء ل بد أن يسممتعاض عنهما بممم»القموة الخاصمة لقمممع«‬
‫البرجوازية من قبل البروليتاريا )ديكتاتورية البروليتاريا(‪ .‬وفي هذا كنه »القضاء على الدولممة بوصممفها‬
‫دولة«‪ .‬وفي هذا كنه »عملية« تملك وسائل النتاج باسم المجتمع‪ .‬ومن الواضح بداهة أن مثممل هممذه‬
‫الستعاضة عن »قوة خاصة« )برجوازية( بم»قوة خاصة« أخممرى )بروليتاريممة( ل يمكنهمما بتاتمما أن تتممم‬
‫بشكل »اضمحلل«‪.‬‬

‫ثالثا‪ .‬يتكلم إنجلس عن »اضمحلل« أو حتى‪ ،‬وهو تعبير أبرز وأجمل‪ ،‬عن »الخبو« قاصممدا بممأتم‬
‫الوضوح والجلء مرحلة ما بعد »تملك الدولة لوسائل النتاج باسم المجتمع كله«‪ ،‬أي مرحلة ممما بعممد‬
‫الثممورة الشممتراكية‪ .‬ونحممن جميعمما نعلممم أن الشممكل السياسممي »للدولممة« فممي هممذه المرحلممة هممو‬
‫الديموقراطية التم‪ .‬ولكن لم يدر في خلد أحد من النتهازيين الذين يشوهون الماركسية دونما خجل‬
‫أن الحديث يدور هنا عند انجلس‪ ،‬بالتالي‪ ،‬عن »خبو« و»اضمحلل« الديموقراطية‪ .‬ويبممدو ذلممك لول‬
‫وهلة في منتهى الغرابة‪ .‬ولكن »ل يستطيع أن يفهم ذلك« غير الذين لم يصل بهم تفكيرهممم إلممى أن‬
‫الديموقراطية هي أيضا دولة وأن الديموقراطية تممزول هممي أيضمما‪ ،‬تبعمما لمذلك‪ ،‬عنممدما تممزول الدولممة‪.‬‬
‫الدولة البرجوازية ل يستطيع »القضاء« عليها غير الثورة‪ .‬والدولة بوجه عام‪ ،‬أي الديموقراطية التم‪،‬‬
‫يمكنها أن »تضمحل« وحسب‪.‬‬

‫رابعا‪ .‬صاغ انجلس موضوعته المشهورة‪» :‬الدولة تضمحل« شارحا بصورة مباشرة وملموسممة‬
‫أن هذه الموضوعة موجهة في وقت معا ضد النتهازيين وضد الفوضويين‪ .‬هذا وقد وضع انجلس فممي‬
‫المقام الول الستنتاج الموجه ضد النتهازيين والمستخلص من موضوعة »إضمحلل الدولة«‪.‬‬

‫بإمكان المممرء أن يراهممن أن ‪ 9990‬مممن ‪ 10000‬شممخص قممرأوا أو سمممعوا عممن »إضمممحلل«‬


‫الدولة ل يعرفون بتاتا أو ل يدركون أن انجلس يوجه استنتاجاته من هذه الموضوعة ليممس فقممط ضممد‬
‫الفوضويين‪ ،‬وعلى أن تسعة من الشخاص العشرة الباقين ل يعرفون‪ ،‬أغلب الضن‪ ،‬ما هممي »الدولممة‬
‫الشعبية الحرة« ولماذا يتضمن الهجوم على هذا الشعار هجوما على النتهازيين‪ .‬هكذا ُيكتب التاريممخ!‬
‫وهكذا يجري بصورة غير ملحوظة تحوير التعاليم الثورية العظمممى تبعمما لممروح التفاهممة وضمميق الفممق‬
‫السائدة‪ .‬فإن الستنتاج الموجه ضممد الفوضممويين قممد كممرر ألممف مممرة‪ ،‬وحقممر وحشممي فممي الممرؤوس‬
‫ممما السممتنتاج الممموجه ضممد النتهممازيين فقممد طمسمموه‬
‫بالشكل الكثر ابتذال واكتسب متانة الوهممام‪ .‬أ ّ‬
‫و»نسوه«!‬

‫»الدولة الشعبية الحرة« كمانت مطلبما فمي برناممج الشمتراكيين‪-‬المديموقراطيين اللممان فمي‬
‫سنوات العقد الثامن وشعارا من شعاراتهم الشائعة‪ .‬هذا الشعار خال من كل مضمون سياسممي عممدا‬
‫الوصف البرجوازي الصغير الطنان لمفهوم الديموقراطية‪ .‬ولما كانوا يلمحون علنمما فممي هممذا الشممعار‬
‫إلى الجمهوريممة الديموقراطيممة كممان إنجلممس مسممتعدا »لتممبريره« »بعممض المموقت« مممن وجهممة نظممر‬
‫التحريض‪ .‬ولكن هذا الشعار كان انتهازيا‪ ،‬لنه لم يفصح فقط عن تجميل الديموقراطيممة البرجوازيممة‪،‬‬
‫بل وكذلك عن عدم فهم النقد الشتراكي لكل دولة بوجه عام‪ .‬نحن نؤيممد الجمهوريممة الديموقراطيممة‬
‫لنها بالنسبة إلى البروليتاريا الشكل الفضل للدولة في عهد الرأسمالية‪ ،‬ولكن ل يحق لنمما أن ننسممى‬
‫أن عبودية العمل المأجور هي نصيب الشعب حتى فممي الجمهوريممة البرجوازيممة الكممثر ديموقراطيممة‪.‬‬
‫وبعد‪ .‬إن كل دولة هي »قوة خاصة لقمع« الطبقة المظلومة‪ .‬ولذا فكمل دولمة ليسمت حمرة وليسمت‬
‫شعبية‪ .‬وقد شرح ماركس وإنجلس ذلك مرارا وتكرارا لرفاقهما الحزبيين في سنوات العقد الثامن‪.‬‬

‫خامسا‪ .‬إن مؤلف إنجلممس ذاتممه الممذي يتممذكر منممه الجميممع المحاكمممة بصممدد اضمممحلل الدولممة‬
‫يتضمن محاكمة بصدد أهمية الثورة العنيفة‪ .‬فالتقدير التاريخي لدورها يتحول عند إنجلس إلى تقريظ‬
‫حق للثورة العنيفة‪ .‬و»ما من أحد يذكر« ذلك‪ .‬فالحديث بله مجرد التفكير بأهميممة هممذه الفكممرة غيممر‬
‫مألوف في الحزاب الشتراكية الحالية‪ ،‬وفي الدعاية والتحريض اليوميين بيممن الجممماهير ليممس لهممذه‬

‫‪10‬‬
‫الفكار أي دور‪ .‬هذا في حين أنها تقترن بفكرة »اضمحلل« الدولممة اقترانمما وثيقمما‪ ،‬وتكممون معهمما كل ً‬
‫متراصا‪.‬‬

‫وها هي ذي محاكمة إنجلس هذه‪:‬‬

‫»… أما أن العنف يلعب في التاريخ كذلك دورا آخر« )عدا ما يسبب من شر( »وبالضممبط دورا‬
‫ثوريا‪ ،‬وأنه‪ ،‬كما قال ماركس‪ ،‬المولدة لكل مجتمع قديم حامممل بمجتمممع جديممد‪ ،‬وأن العنممف هممو تلممك‬
‫الداة التي تشق الحركة الجتماعية بواسطتها لنفسها الطريق وتحطم الشكال السياسية المتحجممرة‬
‫والميتة –عن كل ذلك لم ينبس السيد دوهرينغ بكلمة‪ .‬إنه يسلم فقط‪ ،‬مممع إطلق الزفممرات والنممات‪،‬‬
‫بأن إسقاط السيطرة القائمة على الستثمار قد يتطلب عنف‪ .‬ويا للسف لن كممل اسممتعمال للعنممف‬
‫يضعف‪ ،‬كما قال‪ ،‬معنويات من يلجممأ إليممه‪ .‬وذلممك يقممال رغممم ممما نعلممم مممن مبلممغ النهمموض الخلقممي‬
‫والفكري الذي كان ينجم عن كل ثورة ظافرة! وذلممك يقمال فمي ألمانيما حيمث ممن شمأن الصمطدام‬
‫العنيف‪ ،‬الذي قد يفرض على الشعب ‪ ،‬أن يتسم‪ ،‬على أقل تقدير‪ ،‬بمزية استئصال روح الخنوع الممتي‬
‫تغلغلت في وعي المة من جراء إهانات حرب الثلثين سنة‪ .‬إن تفكير الخوارنة هذا‪ ،‬السمقيم الهزيمل‬
‫العاجز‪ ،‬يجرأ على فرض نفسه على الحزب الذي لم يعرف التاريممخ مضممارعا لروحممه الثوريممة!« )ص‬
‫‪ ،193‬حسب الطبعة اللمانية الثالثة‪ ،‬نهاية الفصل الرابع من القسم الثاني(‪.‬‬

‫وكيف السبيل إلى الجمع في تعاليم واحدة بين هذا التقريظ للثورة العنيفة‪ ،‬الذي ظل إنجلممس‬
‫يقدمه بإلحاح للشتراكيين‪-‬الديموقراطيين اللمان من سنة ‪ 1878‬حتى سنة ‪ ،1894‬أي حتى وفمماته‪،‬‬
‫بين نظرية »اضمحلل« الدولة؟‬

‫في المعتاد يجمعون بين هذه وتلك جمعا اختياريا‪ ،‬عن طريق القتطمماف الكيفممي غيممر المبممدئي‬
‫والسفسطائي )أو لرضاء القابضين على السلطة( لهذه الموضوعة طورا وصورا لتلك‪ ،‬علما بأنه في‬
‫تسع وتسعون حالممة مممن ممائة‪ ،‬إن لمم يكممن أكمثر‪ ،‬يوضممع »الضمممحلل« بالمذات فمي المقمام الول‪.‬‬
‫يستعاض عن الدياليكتيك بالمذهب الختياري‪ ،‬وهذا التصرف حيال الماركسية هممو الظمماهرة المألوفممة‬
‫للغاية والوسع انتشارا في الدب الشتراكي‪-‬الممديموقراطي الرسمممي فممي أيامنمما‪ .‬وهممذه الستعاضممة‬
‫ليست طبعا ببدعة مستحدثة‪ ،‬فقد لوحظت حتى في تاريخ الفلسفة اليونانيممة الكلسمميكية‪ .‬أن إظهممار‬
‫الختيارية بمظهر الدياليكتيك في حالة تحوير الماركسية تبعا للنتهازية‪ ،‬يخدع الجماهير بأسهل شكل‪،‬‬
‫يرضيها في الظاهر‪ ،‬إذ يبدو وكأنه يأخذ بعين العتبار جميع نمواحي العمليمة‪ ،‬جميممع اتجاهممات التطمور‪،‬‬
‫جميع المؤثرات المتضادة الخ‪ ،.‬ولكنه في الواقع ل يعطي أي فكرة منسجمة وثورية عن عملية تطور‬
‫المجتمع‪.‬‬

‫لقد قلنا فيما تقدم وسممنبين بمزيممد مممن التفاصمميل فيممما يممأتي مممن البحممث أن تعمماليم ممماركس‬
‫وإنجلس بصدد حتمية الثورة العنيفة تتعلق بالدولة البرجوازية‪ .‬فهذه ل يمكن الستعاضة عنهمما بدولممة‬
‫بروليتارية )ديكتاتورية البروليتاريا( عممن طريممق »الضمممحلل«‪ ،‬ل يمكممن‪ ،‬كقاعممدة عامممة‪ ،‬إل ّ بممالثورة‬
‫العنيفة‪ .‬فالتقريظ الذي خصها به انجلس والذي يتفممق كممل التفمماق مممع تصممريحات ممماركس العديممدة‬
‫)فلنتذكر خاتمة »بؤس الفلسفة« وخاتمة »البيان الشيوعي« حيث ينادي بمماعتزاز وعلممى المكشمموف‬
‫بحتمية الثورة العنيفة‪ ،‬ولنتذكر انتقاد برنامج غوتا سنة ‪ ،1875‬الذي جاء بعد نحو ثلثين سممنة‪ ،‬والممذي‬
‫قّرع فيه ماركس انتهازية هذا البرنامج دون رحمة‪- ،‬إن هذا التقريظ ليس قط مممن قبيممل »الكلممف«‪،‬‬
‫ليس قط من قبيل بهمرج الكلم‪ ،‬ول ممن قبيمل الحماسممة فممي الجممدال‪ ،‬إن ضممرورة تربيمة الجمماهير‬
‫بصورة دائمة بروح هذه النظرة وهمذه النظمرة بالمذات للثمورة العنيفمة همي أسماس تعماليم مماركس‬
‫وإنجلس بأكملها‪ .‬وخيانة تعاليمهما من قبمل التيمارين الشمتراكي‪-‬الشموفيني والكاوتسمكي السمائدين‬
‫اليوم تتجلى بوضوح خاص في نسيان هؤلء وأولئك لهذه الدعاية‪ ،‬لهذا التحريض‪.‬‬

‫إن الستعاضة عن الدولة البرجوازية بدولة بروليتارية ل يمكن بدون ثورة عنيفة‪ .‬والقضاء على‬
‫الدولة البرجوازية‪ ،‬أي على كل دولة‪ ،‬ل يمكن عن غير طريق »الضمحلل«‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫لقد طور ماركس وإنجلس هذه النظرات بصورة مفصلة وملموسممة دارسممين كممل وضممع ثمموري‬
‫بعينه ومحللين عبر خبرة كل ثورة بعينها‪ .‬وها نحن ننتقل إلى هذا القسم من تعاليمهماوهو دون شممك‬
‫أهم أقسامها‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬الدولة والثورة‪ .‬خبرة سنوات ‪1851-1848‬‬
‫‪ -1‬عشية الثورة‬
‫إن »بؤس الفلسفة« و»البيان الشيوعي«‪ ،‬وهما باكورتا الماركسية الناضجة‪ ،‬يعممودان بالضممبط‬
‫لعشية ثورة سنة ‪ .1848‬وبحكم هذا الواقع نجد فيهممما لحممد ممما‪ ،‬إلممى جممانب بسممط السممس العامممة‬
‫للماركسية‪ ،‬انعكاسا للوضع الثوري الملموس القائم آنذاك‪ ،‬ولذا ربممما مممن الصمموب تحليممل ممما قمماله‬
‫مؤلفا هذين الكتابين عن الدولممة مباشممرة قبممل بسممطهما السممتنتاجات الممتي استخلصمماها مممن خممبرة‬
‫سنوات ‪.1851-1848‬‬

‫قال ماركس في »بؤس الفلسفة«‪:‬‬

‫»… في مجرى التطور ستحل الطبقة العاملة محل المجتمع البرجوازي القديم رابطة ل مكمان‬
‫فيها للطبقات وتضادها؛ ولممن تكممون ثمممة أي سمملطة سياسممية بمعنممى الكلمممة الخمماص‪ ،‬لن السمملطة‬
‫السياسية بالذات هي الفصاح الرسمي عن تضاد الطبقات في قلب المجتمع البرجوازي« )ص ‪182‬‬
‫من الطبعة اللمانية لسنة ‪.(1885‬‬

‫ومن المفيد أن نقارن هذا العرض العام لفكممرة زوال الدولممة بعممد القضمماء علممى الطبقممات مممع‬
‫العرض الوارد في »البيان الشيوعي« الذي كتبه ماركس وإنجلس بعممد عممدة أشممهر‪ ،‬أي فممي نوفمممبر‬
‫سنة ‪:1848‬‬

‫»…عندما وصفنا أعم المراحل في تطور البروليتاريا‪ ،‬تتبعنا الحرب الهلية المستترة لهذا الحد‬
‫أو ذاك والجارية في المجتمع إلى الحد الذي تنقلب معه إلى ثورة مكشوفة وتؤسس فيه البروليتاريمما‬
‫سيادتها عن طريق اسقاط البرجوازية بالعنف…‬

‫… رأينمما فيممما تقممدم أن الخطمموة الولممى فممي الثممورة العالميممة هممي تحممول« )حرفيمما‪ :‬ترفممي(‬
‫»البروليتاريا إلى طبقة سائدة‪ ،‬الظفر بالديموقراطية‪.‬‬

‫تستفيد البروليتاريا من سيادتها السياسية لكينا تنتزع بالتدريج من البرجوازية كامل رأس المال‬
‫وتمركز جميع أدوات النتاج في يد الدولممة‪ ،‬أي فممي يممد البروليتاريمما المنظمممة بوصممفها طبقممة سممائدة‬
‫ولكيما تزيممد بأسممرع ممما يمكممن القمموى المنتجممة« )ص ‪ 37-31‬مممن الطبعممة اللمانيممة السممابقة لسممنة‬
‫‪.(1906‬‬

‫نممرى هنمما صمميغة لفكممرة مممن أروع وأهممم الفكممار الماركسممية فممي مسممألة الدولممة‪ ،‬أي فكممرة‬
‫»ديكتاتورية البروليتاريا« )كما غدا ماركس وانجلس يقولن بعد كومونة بمماريس(‪ ،‬ثممم تعريفمما للدولممة‬
‫في منتهى الهميممة أيضمما فممي عمداد »ممما نسممي مممن كلممات« الماركسممية‪» .‬الدولمة‪ ،‬أي البروليتاريمما‬
‫المنظمة بوصفها طبقة سائدة«‪.‬‬

‫إن تعريف الدولة هذا‪ ،‬عدا أنه لم يشرح قممط فممي مطبوعممات الدعايممة والتحريممض المسمميطرة‬
‫الصادرة عن الحزاب الشتراكية‪-‬الديموقراطية الرسمممية‪ ،‬قممد نسممى‪ ،‬فضممل عممن ذلممك‪ ،‬بالضممبط لن‬
‫التوفيقي بينه وبين الصلحية ل يمكن بوجه‪ ،‬ولنه يفقأ عين الوهام النتهازية والبورجوازية الصممغيرة‬
‫المعتادة بصدد »تطور الديموقراطية السلمي«‪.‬‬

‫البروليتاريمما بحاجممة إلممى دولممة –هممذا ممما يكممرره جميممع النتهممازيين‪ ،‬والشممتراكيين‪-‬الشمموفينيين‬
‫والكاوتسكيين‪ ،‬مؤكدين أن هذه هي تعاليم ماركس و»ناسين« أن يضيفوا‪ ،‬أول‪ ،‬أن البروليتاريا‪ ،‬برأي‬
‫ماركس‪ ،‬ليست بحاجة إل ّ إلى دولة في طريق الضمحلل‪ ،‬أي مبنيمة بشمكل تأخممذ معمه بالضمممحلل‬

‫‪13‬‬
‫على الفور ول مندوحة لها معه من أن تضمحل‪ .‬وثانيمما‪ ،‬أن الشممغيلة بحاجممة إلممى »دولممة«‪» ،‬أي إلممى‬
‫البروليتاريا المنظمة بوصفها طبقة سائدة«‪.‬‬

‫الدولة هي نوع خاص من تنظيم للقوة‪ ،‬هي تنظيم للعنف بقصد قمع طبقة من الطبقات‪ .‬فأيممة‬
‫مرة وحممدها‪ ،‬أي‬ ‫طبقة ينبغي للبروليتاريا أن تقمعها؟ بطبيعة الحال ينبغي لها أن تقمع الطبقة المسممتث ِ‬
‫مرين‪ ،‬ول يقدر علممى قيممادة‬ ‫البرجوازية‪ .‬إن الشغيلة ليسوا بحاجة إلى الدولة إل ّ لقمع مقاومة المستث ِ‬
‫هذا القمع‪ ،‬على تطبيقه عموما‪ ،‬غير البروليتاريا بوصفها الطبقة الوحيدة الثورية حتى النهاية‪ ،‬الطبقة‬
‫مرين مممن أجممل النضممال ضممد البرجوازيممة‪ ،‬مممن أجممل‬‫الوحيدة الكفء لتوحيد جميع الشممغيلة والمسممتث َ‬
‫إسقاطها تماما‪.‬‬

‫مرة إلى السيادة السياسية للبقاء على الستثمار‪ ،‬أي من أجل المصالح‬ ‫تحتاج الطبقات المستث ِ‬
‫النانية للقلية الضئيلة وضد الكثرية الساحقة من الشعب وضممد القليممة الضممئيلة مممن ملكممي العبيممد‬
‫المعاصرين‪ ،‬أي الملكين العقاريين والرأسماليين‪.‬‬

‫إن الديموقراطيين صغار البورجوازيين‪ ،‬أدعياء الشتراكية هؤلء‪ ،‬الذين استعاضوا عممن النضممال‬
‫الطبقي بأحلم عمن التوفيمق بيمن الطبقمات‪ ،‬تصموروا كمذلك التحويمل الشمتراكي بصمورة خياليمة‪ ،‬ل‬
‫مرة‪ ،‬بل بصورة خضوع القلية بشكل سلمي للكثريممة المدركممة‬ ‫بصورة إسقاط سيادة الطبقة المستث ِ‬
‫لواجباتها‪ .‬وهذه الطوباوية البرجوازية الصغيرة المرتبطة ارتباطمما ل تنفصممم عممراه بممالعتراف بوجممود‬
‫دولة قائمة فوق الطبقات قد أفضت عمليا إلى خيانة مصالح الطبقممات الكادحممة‪ ،‬كممما بيممن ذلممك مثل‬
‫تاريممخ ثممورتي ‪ 1848‬و ‪ 1871‬الفرنسمميتين وكممما بينممت خممبرة الشممتراك »الشممتراكي« بممالوزارات‬
‫البرجوازية في إنجلترا وفرنسا وإيطاليا وغيرها من البلممدان فممي أواخممر القممرن التاسممع عشممر وأوائل‬
‫القرن العشرين‪.‬‬

‫لقد ناضل ماركس طيلة حياته ضد هذه الشممتراكية البرجوازيممة الصممغيرة الممتي بعثهمما الن فممي‬
‫روسيا حزبا الشتراكيين‪-‬الثوريين والمناشفة‪ .‬وقد طور ماركس باستقامة نظرية النضال الطبقي بما‬
‫في ذلك نظرية السلطة السياسية‪ ،‬نظرية الدولة‪.‬‬

‫إن إسقاط سيادة البرجوازية ل يمكن إل ّ من جمانب البروليتاريما باعتبارهما طبقمة خاصمة تعمدها‬
‫ظروف وجودهمما القتصممادية لهممذا السممقاط وتعطيهمما المكانيممة والقمموة للقيممام بممذلك‪ .‬فبينممما تجممزئ‬
‫البرجوازية وتبعثر الفلحين وجميع الفئات البرجوازية الصغيرة تممرص البروليتاريما وتوحممدها وتنظمهما‪.‬‬
‫فالبروليتاريا بحكم دورها القتصادي في النتاج الضممخم‪ ،‬هممي الوحيممدة الكفممء لتكممون زعيممما لجميممع‬
‫مرين الذين تستثمرهم البرجوازية وتظلمهم وتضغط عليهم في حالت كثيرة‬ ‫جماهيرالشغيلة والمستث َ‬
‫ضغطا ليس بأضعف بل هو أشد من ضغطها على البروليتاريين‪ ،‬ولكنهم غير أهممل للنضممال المسممتقل‬
‫في سبيل تحررهم‪.‬‬

‫إن تعاليم النضممال الطبقممي الممتي طبقهمما ممماركس علممى مسممألة الدولممة وعلممى مسممألة الثممورة‬
‫الشتراكية تفضي ل محالة إلى العتراف بسيادة البروليتاريمما السياسممية‪ ،‬بممديكتاتوريتها‪ ،‬أي بسمملطتها‬
‫التي ل تقتسمها مع أحد والتي تستند مباشرة إلى قوة الجماهير المسلحة‪ .‬إن إسمقاط البرجوازيممة ل‬
‫يمكن أن يتحدد عن غير طريق تحول البروليتاريا إلممى طبقممة سممائدة قممادرة علممى قمممع ممما تقمموم بممه‬
‫مرة مممن أجممل‬ ‫البرجوازية حتما من مقاومة مسعورة وعلى تنظيم جميع الجممماهير الكادحممة والمسممتث َ‬
‫النظام القتصادي الجديد‪.‬‬

‫إل ّ أن البروليتاريا بحاجة إلى سلطة الدولة‪ ،‬أي إلى تنظيم القوة المتمركزة‪ ،‬إلى تنظيم العنممف‬
‫مرين أم لقيادة جماهير السكان الغفيرة من فلحيممن وبورجوازيممة صممغيرة‬
‫سواء لقمع مقاومة المستث ِ‬
‫وأشباه بروليتاريين في أمر »ترتيب« القتصاد الشتراكي‪.‬‬

‫إن الماركسية‪ ،‬إذ تربي حزب العمال‪ ،‬تربي طليعة البروليتاريمما الكفممء لخممذ السمملطة وللسممير‬
‫بكل الشعب إلى الشتراكية ولتوجيه وتنظيم النظمام الجديمد ولتكموين معلمما ً وقمائدا ً وزعيمما ً لجميمع‬

‫‪14‬‬
‫ممما‬
‫مرين في أمر تنظيممم حيمماتهم الجتماعيممة بممدون البرجوازيممة وضممد البرجوازيممة‪ .‬أ ّ‬‫الشغيلة والمستث َ‬
‫النتهازية السائدة اليوم‪ ،‬فإنها بالعكس تربي من حزب العمال جماعة منفصمملة عممن الجممماهير تمثممل‬
‫العمال ذوي الجور العليا الذين »يدبرون أمورهم« بصورة ل بأس بها في ظممل الرأسمممالية ويممبيعون‬
‫مقابل طبيخ من العدس حق البممن البكممر‪ ،‬أي أنهممم يتخلممون عممن دور زعممماء الشممعب الثمموريين فممي‬
‫النضال ضد البرجوازية‪.‬‬

‫»الدولممة‪ ،‬أي البروليتاريمما المنظمممة بوصممفها طبقممة سممائدة« ‪-‬إن نظريممة ممماركس هممذه ترتبممط‬
‫ارتباطا وثيقا بكامل تعاليمه عن دور البروليتاريا الثوري في التاريخ‪ .‬وذروة هذا الدور هممي ديكتاتوريممة‬
‫البروليتاريا‪ ،‬سيادة البروليتاريا سياسيا‪.‬‬

‫ولكن‪ ،‬إذا كانت البروليتاريا بحاجة إلى الدولة بوصفها منظمممة خاصممة للعنممف ضممد البرجوازيممة‪،‬‬
‫فمن هنا ينبثق تلقائيا َ الستنتاج التالي‪ :‬هل من الممكن إنشاء مثل هذه المنظمة دون أن يسبق ذلممك‬
‫تحطيم وتدمير آلة الدولة التي أنشأتها البرجوازية لنفسها؟ هذا هو الستنتاج الذي يسممير بنمما »البيممان‬
‫الشيوعي« مباشرة إليه وعن هذا الستنتاج يتحدث ماركس ملخصا َ خبرة سنوات ‪.1851-1848‬‬

‫‪-2‬حاصل الثورة‬
‫في مسألة الدولة التي نحن بصددها لخص ماركس خبرة ثورة سنوات ‪ 1851-1848‬في كتابه‬
‫»الثامن عشر من برومير لويس بونابرت« بالعبارات التالية‪:‬‬

‫»… ولكن الثورة عميقة‪ .‬إنهما مما تمزال فمي رحلمة عمبر المطهمر‪ .‬إنهما تقموم بمهمتهما بصمورة‬
‫منهاجية‪ .‬فحتى الثاني من ديسمبر سنة ‪) «1851‬يوم قيام لويس بونابرت بالنقلب( »أتمممت نصممف‬
‫عملها التحضيري‪ ،‬وهي تتم الن النصف الخر‪ .‬في البدء تسير بالسلطة البرلمانيممة إلممى حممد الكمممال‬
‫ليصبح بإمكانها اسقاطها‪ .‬والن‪ ،‬وقد بلغت ذلك‪ ،‬تسير بالسلطة التنفيذية إلى حد الكمممال‪ ،‬تصممل بهمما‬
‫إلى تعبيرها الصرف‪ ،‬تجعلها في عزلة‪ ،‬تعرضها بنفسها باعتبارها الموضوع الوحيد لكيما تركممز ضممدها‬
‫جميع قوى التدمير« )التشديد لنا(‪» .‬وعندما تتم الثمورة هممذا النصممف الثماني مممن عملهمما التحضميري‪،‬‬
‫عندئذ تنهض أوروبا على قدميها وتهتف فرحة‪ :‬ما أحسن ما تحفر أيها الخلد الهرم!‪.‬‬

‫هذه السلطة التنفيذية مع منظمتها البيروقراطية والعسكرية الجسيمة‪ ،‬مع آلة دولتها‪ ،‬المعقدة‬
‫جدا والمصطنعة‪ ،‬مع هذا الجيش من الموظفين من نصف مليون شخص إلى جانب جيش من الجنممد‬
‫من نصف مليون أيضا‪ ،‬هذه العضوية الطفيلية المريعة التي تلف كامل جسد المجتمع الفرنسي كأنها‬
‫الشبكة وتسد عليه جميع المسام‪ ،‬قد نشأت في زمن الملكية المطلقة عند غممروب القطاعيممة‪ ،‬هممذا‬
‫الغروب الذي ساعدت هذه العضوية في تعجيله«‪ .‬إن الثورة الفرنسية الولممى قممد طممورت التمركممز‪،‬‬
‫ممما‬
‫»ولكنها إلى جانب ذلك وسعت نطمماق وصمملحيات السمملطة الحكوميممة وضمماعفت عممدد أعوانهمما‪ .‬أ ّ‬
‫نابليون فقد بلغ بآلة الدولة هذه درجة الكمال«‪ .‬والملكية الشرعية وملكية يوليمموز »لممم تضمميفا شمميئا‬
‫جديدا عدا تقسيم للعمل أكبر…‬

‫…وأخيرا وجدت الجمهورية البرلمانية نفسها في نضالها ضممد الثممورة مضممطرة إلممى أن تقمموي‪،‬‬
‫إلى جانب تدابير القمع‪ ،‬أدوات السلطة الحكومية وتمركزها‪ .‬إن جميع النقلبات قد أتقنت هذه اللممة‬
‫بدل َ من أن تحطمها« )التشديد لنمما(‪» .‬فممالحزاب الممتي خلقممت بعضممها بعضمما فممي النضممال مممن أجممل‬
‫السيادة كانت ترى في الستيلء على صرح الدولة الهائل الغنيمة الرئيسية في حال إنتصارها« )كتابه‬
‫»الثامن عشر من برومير لويس بونابرت«‪ ،‬ص ‪ 98‬و ‪ ،99‬الطبعة الرابعة هامبورغ‪ ،‬سنة ‪.(1907‬‬

‫في هذه المحاكمة الرائعة تخطو الماركسية خطمموة كممبرى إلممى المممام بالمقارنممة مممع »البيممان‬
‫الشيوعي«‪ .‬ففي »البيان الشيوعي« قممد طرحممت مسممألة الدولممة بصممورة مجممردة للغايممة وبمفمماهيم‬
‫وتعابير عامة جدا‪ .‬وهنمما تطممرح المسممألة بصممورة ملموسممة ويسممتخلص السممتنتاج فممي منتهممى الدقممة‬
‫والوضوح وبصورة حسية عملية تماما‪ :‬جميمع الثممورات السمابقة اتقنمت آلممة الدولممة فممي حيممن ينبغمي‬
‫تحطيمها وتكسيرها‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫إن هذا الستنتاج هو الستنتاج الرئيسي الساسي في تعاليم الماركسية عن الدولة‪ .‬وهذا المر‬
‫الساسي بالضبط‪ ،‬عدا أنه قد نسي بصورة تاممة فمي الحمزاب الشمتراكية‪-‬الديموقراطيممة الرسممية‬
‫السائدة‪ ،‬قد شوهه تشويها )كما سنرى فيما يأتي( أبرز النظريين في الممية الثانية‪ ،‬كاوتسكي‪.‬‬

‫في »البيان الشيوعي« لخصت دروس التاريخ العامة التي تجعلنا نرى في الدولة هيئة للسيادة‬
‫الطبقية وتفضي بنا إلى استنتاج ل مندوحة عنه وهو أن البروليتاريا ل تستطيع إسقاط البرجوازيممة إذا‬
‫لم تستولي في البدء على السلطة السياسية‪ ،‬إذا لم تحصل على السمميادة السياسممية‪ ،‬إذا لممم تحممول‬
‫الدولة إلى »بروليتاريا منظمة بوصفها طبقة سائدة«‪ ،‬وأن هذه الدولة البروليتاريممة تبممدأ بالضمممحلل‬
‫فور انتصارها‪ ،‬لن الدولة ل لزوم لها ول يمكن أن توجد في مجتمع خال من التناقضات الطبقية‪ .‬في‬
‫»البيان الشيوعي« لم تطرح مسألة كيف ينبغي أن تتم –من نظر التطور التاريخي‪ -‬هذه الستعاضممة‬
‫عن الدولة البرجوازية بالدولة البروليتارية‪.‬‬

‫وهذه المسألة بالذات يطرحها ماركس ويحلها فمي سمنة ‪ .1852‬إن مماركس الميمن لفلسمفته‬
‫المادية الدياليكتيكية يأخذ كأساس الخبرة التاريخية التي أعطتهمما السممنوات العظمممى‪ ،‬سممنوات ثممورة‬
‫‪ .1851-1848‬وتعاليم ماركس هنا‪ ،‬كشأنها أبدًا‪ ،‬هي تلخيص للخبرة على ضوء نظرة فلسفية عميقة‬
‫ومعروفة واسعة للتاريخ‪.‬‬

‫لقد طرحت مسألة الدولة بصورة ملموسة‪ :‬كيف نشأت تاريخيا الدولة البرجوازية‪ ،‬آلممو الدولممة‬
‫الضرورية لسيادة البرجوازية؟ ماذا طرأ عليها من تغير وتطور في مجرى الثورات البرجوازية وحيممال‬
‫النضالت المستقلة الملزمة للطبقات المظلومة؟ وما هي واجبات البروليتاريا إزاء آلة الدولة هذه؟‬

‫إن سلطة الدولة الممركزة الملزمة للمجتمع البرجوازي قد ظهرت فممي عهممد سممقوط الحكممم‬
‫المطلق‪ .‬وثمة مؤسستان تميزان أكثر من غيرهما آلة الدولة هذه‪ ،‬هما الدواوينية والجيش النظمامي‪.‬‬
‫وقد تكلم ماركس وإنجلس في مؤلفاتهما مممرارا وتكممرارا مممبينين ألمموف الخيمموط الممتي تربممط همماتين‬
‫المؤسستين بالبرجوازية بالضبط‪ .‬وخبرة كل عامل تشرح هذه الصلة بمنتهى الجلء والبلغة‪ .‬وتتعلممم‬
‫الطبقممة العاملممة بتجاربهمما المممرة إدراك هممذه الصمملة‪ ،‬ولممذلك تفهممم الطبقممة العاملممة بهممذه السممهولة‬
‫وتستوعب بهذا الثبات العلم الذي يبين حتمية هذه الصلة‪ ،‬العلم الذي أما أن ينكممره الممديموقراطيون‬
‫ما أنهممم يعرفممون بممه »عموم مًا« باسممتهتار أكممبر ناسممين أن‬‫صغار البرجوازيون عن جهل أو استهتار وأ ّ‬
‫يستخلصوا منه الستنتاجات العملية المناسبة‪.‬‬

‫الدواوينية والجيش النظامي هما »طفيلممي« علممى جسممد المجتمممع الممبرجوازي‪ ،‬طفيلممي ولممدته‬
‫التناقضات الداخلية التي تمزق هذا المجتمع‪ ،‬ولكنهما بالضبط ذلك »الطفيلي« الذي »يسممد« مسممام‬
‫الحياة‪ .‬غير أن النتهازية الكاوتسكية السائدة اليمموم فممي الشممتراكية‪-‬الديموقراطيممة الرسمممية تعتممبر‬
‫النظرة إلى الدولة كعضوية طفيلية‪ ،‬خاصة من خصائص الفوضوية على وجه الحصر‪ .‬وبديهي أن هممذا‬
‫التشويه للماركسية ملئم للغاية لمصالح أولئك التافهين الضيقي الفق الذين أدوا الشتراكية إلى حد‬
‫فضيحة منقطعة النظير وهي تبرير وتجميل الحرب المبريالية بتطبيقهم عليهمما مفهمموم »الممدفاع عممن‬
‫الوطن«‪ ،‬ولكن هذا هو‪ ،‬على كل حال‪ ،‬تشويه ل شك فيه‪.‬‬

‫عبر جميع الثورات البرجوازية التي شهدت أوروبمما عممددا عديممدا منهمما منممذ سممقوط القطاعيممة‪،‬‬
‫يجري تطوير وإتقان وتوطيد هذا الجهاز الدواويني والعسكري‪ .‬فالبرجوازية الصغيرة‪ ،‬مثل‪ ،‬هي الممتي‬
‫تنجذب لجانب البرجوازية الكبيرة وتخضع لها لحد كبير عن طريممق هممذا الجهمماز الممذي يعطممي الفئات‬
‫العليا من الفلحين وصغار الحرفيين والتجار وغيرهم مقاعممد مريحممة وهممادئة ومحترمممة نسممبيا تجعممل‬
‫الجالسين فيها فوق الشعب‪ .‬أنظروا‪ ،‬مثل‪ ،‬ما جممرى فممي روسميا فممي غضمون نصمف سمنة تبعمت ‪27‬‬
‫فبراير سنة ‪ :1917‬كراسي الدواوين التي كانوا يفضلون إعطاءها فيما مضممى لزمممرة المممائة السممود‬
‫قد غدت غنيمة يتهافت عليها الكاديت والمناشفة والشتراكيون‪-‬الثوريون‪ .‬لم يفكر هؤلء في الجموهر‬
‫بأية إصلحات جدية‪ ،‬محاولين تأجيلها »حتى الجمعية التأسيسية« وتأجيممل الجمعيممة التأسيسممية شمميئا‬
‫ما فممي أمممر اقتسممام الغنيمممة‪ ،‬فممي أمممر اشممغال مناصممب المموزراء ونممواب‬
‫فشيئا حتى نهاية الحرب! أ ّ‬
‫الوزراء والمحافظين والخ‪ .‬والخ‪ ،.‬فلم يتباطئوا ولم ينتظروا أي جمعية تأسيسممية! إن لعبممة الممتراكيب‬
‫لقوام الحكومة لم تكن في الجوهر غير إفصاح عن اقتسام وإعادة إقتسممام »الغنيمممة« الجمماري مممن‬

‫‪16‬‬
‫أعلى إلى أسفل‪ ،‬في البلد من أقصاها إلى أقصاها وفي كامممل الجهمماز الداري المركممزي والمحلممي‪.‬‬
‫والنتيجة‪ ،‬النتيجة الموضوعية لستة أشهر ‪-‬من ‪ 27‬فبراير حتى ‪ 27‬غشت سنة ‪ -1917‬ل تقبل جدا ً‬
‫ل‪:‬‬
‫الصلحات قد أجلت وتقاسم مقاعممد الممدواوين قممد جممرى و»أخطمماء« التقاسممم قممد ُأصمملحت بإعممادة‬
‫التقاسم عدة مرات‪.‬‬

‫ولكن بمقدار ممما تتكممرر »إعممادة تقاسممم« الجهمماز الممدواويني بيممن مختلممف أحممزاب البرجوازيممة‬
‫والبرجوازية الصغيرة )بين الكماديت والشمتراكيين‪-‬المديموقراطيين والمناشمفة‪ ،‬إذا مما أخممذنا روسميا‬
‫ل(‪ ،‬يتبين بصورة أوضح للطبقات المظلومة والبروليتاريا في مقممدمتها عممداء تجممد جميممع الطبقممات‬ ‫مث ً‬
‫المستحكم حيال المجتمع البرجوازي برمته ‪ .‬ومن هنا تجد جميع الحزاب البرجوازية بما فيهمما الكممثر‬
‫ديموقراطية ومنها »الديموقراطية الثورية« نفسها أممام ضمرورة تشمديد تمدابير القممع المموجه ضمد‬
‫البروليتاريا الثورية وتعزيز جهاز القمع‪ ،‬أي آلة الدولة بالذات‪ .‬ومجرى الحداث هذا يحمل الثورة على‬
‫»تركيز جميع قوى التدمير« ضد سلطة الدولمة‪ ،‬يحملهما علمى أن تضمع أمامهما ل مهممة تحسمين آلمة‬
‫الدولة‪ ،‬بل مهمة تحطيمها والقضاء عليها‪.‬‬

‫إن ما دفع إلى طرح المهممة بهمذا الشمكل ليمس المحاكممات المنطقيمة‪ ،‬بمل مجمرى الحمداث‬
‫الواقعي‪ ،‬الخبرة الحية التي أعطتها سنوات ‪ .1851-1848‬ومما يبين لنا مدى ثبات وقمموف ممماركس‬
‫على قاعدة الواقعية من الخبرة التاريخية كونه لم يطرح بعد في سنة ‪ 1852‬بصورة عملية المسممألة‬
‫التالية‪ :‬بأي شيء يستعاض عن آلة الدولة هذه التي ينبغي القضاء عليها‪ .‬ذلممك لن الخممبرة لممما تعممط‬
‫في ذلك الحين مادة لهذه المسألة الممتي طرحهمما التاريممخ علممى بسمماط البحممث فيممما بعممد‪ ،‬فممي سممنة‬
‫‪ .1871‬في ‪ ،1852‬لممم يكممن بإمكممان المممرء أن يقممرر علممى أسمماس التتبممع التمماريخي وبدقممة العلمموم‬
‫الطبيعية غير واقع أن الثورة البروليتارية قد واجهت مهمة »تركيز جميع قوى التممدمير« ضممد الدولممة‪،‬‬
‫مهمة »تحطيم« آلة الدولة‪.‬‬

‫رب سمائل يسمأل عمما إذا كمان ممن الصمحيح تعميمم خمبرة وملحظمات واسمتنتاجات مماركس‬
‫وتطبيقهمما علممى محيممط أوسممع مممن تاريممخ فرنسمما خلل ثلث سممنوات‪1851-1848 ،‬؟ لتحليممل هممذه‬
‫المسألة نذكر في بادئ المر بملحظة لنجلس‪ ،‬ثم ننتقل إلى بحث الوقائع‪.‬‬

‫لقد كتب إنجلس في مقدمته للطبعة الثالثة من كتاب »الثامن عشر من برومير«‪:‬‬

‫»… فرنسا هي البلد التي سار فيها دائممما نضممال الطبقممات التمماريخي‪ ،‬أكممثر مممما فممي أيممة بلد‬
‫أخرى‪ ،‬حتى نهايته الفاصلة‪ .‬وفممي فرنسمما كممانت تتشممكل فممي الخطمموط جليممة إلممى أقصممى حممد تلممك‬
‫الشكال السياسية المتغيرة التي كان يتحرك ضمنها هذا النضمال الطبقمي والمتي كمانت تتجلمى فيهما‬
‫نتائجه‪ .‬وفرنسا التي كانت مراكز القطاعية في القرون الوسطى والتي كانت منذ عهد النهضة البلممد‬
‫مَلكية الرتيبة المتجانسممة‪ ،‬قممد حطمممت القطاعيممة فممي الثممورة الكممبرى وأقممامت سمميادة‬ ‫النموذجي لل َ‬
‫البرجوازية صافية صفاء كلسيكيا لم يعهد في أي بلد من البلدان الوروبية الخممرى‪ .‬وفممي هممذه البلد‬
‫يظهر نضال البروليتاريا التي ترفع رأسممها‪ ،‬ضممد البرجوازيممة السممائدة‪ ،‬بشممكل حمماد ل تعرفممه البلممدان‬
‫الخرى« )ص ‪ 4‬من طبعة سنة ‪.(1907‬‬

‫لقد شاخت الملحظة الخيرة ما دام ثمة انقطاع قد وقع منذ سنة ‪ 1871‬في نضال البروليتاريا‬
‫الفرنسية الثوري‪ ،‬رغم أن هذا النقطاع‪ ،‬مهما كان طويل‪ ،‬ل ينفي البتة احتمال أن فرنسا ستبرز في‬
‫الثورة البروليتارية المقبلة باعتبارها البلد الكلسيكي لنضال الطبقات حتى نهايته الفاصلة‪.‬‬

‫ولكن لنلق نظرة عامة على تاريخ البلممدان المتقدمممة فممي أواخممر القممرن التاسممع عشممر وبدايممة‬
‫القرن العشرين‪.‬إننا نرى أن العملية نفسها قد جرت بصورة أبطأ وبأشكال أكثر تنوعا وعلممى مسممرح‬
‫ون »السمملطة البرلمانيمة« سمواء فمي البلمدان الجمهوريممة )فرنسمما‪،‬‬ ‫أوسع جدا‪ :‬من جهممة‪ ،‬عمليممة تكم ّ‬
‫أمريكا‪ ،‬سويسرا( أو في البلدان الملكية )انكلمترا‪ ،‬ألمانيما لحمد مما‪ ،‬إيطاليما والبلمدان السمكاندينافية‪،‬‬
‫الممخ‪ ،(.‬ومممن الجهممة الخممرى‪ ،‬عمليممة النضممال مممن أجممل السمملطة بيممن مختلممف أحممزاب البرجوازيممة‬
‫والبرجوازية الصغيرة التي كانت تقتسم وتعيد اقتسام »غنيمة« المقاعد في الدواوين مع بقاء أسس‬

‫‪17‬‬
‫النظام البرجوازي هي هي‪ ،‬أخيممرا‪ ،‬عمليممة اتقممان وتوطيممد »السمملطة التنفيذيممة«‪ ،‬جهازهمما الممدواويني‬
‫والعسكري‪.‬‬

‫وما من شك في أن تلك هي السمات العامة للتطور الحديث كله للدول الرأسمالية بوجه عام‪.‬‬
‫خلل ثلث سنوات‪ ،1852-1848 ،‬أظهرت فرنسا بشكل سريع وحاد ومركز نفس مجريممات التطممور‬
‫الملزم للعالم الرأسمالي بأكمله‪.‬‬

‫والمبريالية على الخص –وهي عصر الرأسمال البنكي‪ ،‬عصر الحتكارات الرأسمالية العملقة‪،‬‬
‫عصر صيرورة الرأسمالية الحتكارية إلى رأسمالية الدولة الحتكارية‪ -‬تظهر تعزز »آلممة الدولممة«لحممد‬
‫خارق واتساع جهازها الدواويني والعسكري اتساعا منقطع النظير مممن جممراء تشممديد القمممع الممموجه‬
‫ضد البروليتاريا إن في البلدان الملكية أو في البلدان الوسع حرية‪ ،‬أي البلدان الجمهورية‪.‬‬

‫إن التاريخ العالمي يدفع الن دون شك‪ ،‬في نطاق أوسممع بمما ل يقماس مممن سمنة ‪ ،1852‬إلممى‬
‫»تركيز جميع قوى« الثورة البروليتارية على »تدمير« آلة الدولة‪.‬‬

‫أما بم تستعيض عنهمما البروليتاريمما فقممد أعطممت كومونممة بمماريس مممادة حافلممة بممالعبر فممي هممذا‬
‫الخصوص‪.‬‬

‫‪-3‬وضع ماركس للمسألة في سنة ‪*1852‬‬


‫في سنة ‪ ،1907‬نشر مهرينغ في مجلة »‪») «Neue Zeit‬نويه تسممايت«( )‪ (25،2،164‬فقممرات‬
‫من رسالة وجههما مماركس إلممى فيمديميير فمي ‪ 5‬مممارس سممنة ‪ .1852‬وقممد تضمممنت الرسممالة فيمما‬
‫تضمنت المحاكمة الرائعة التالية‪:‬‬

‫»وفيما يخصني ليس لي ل فضل اكتشاف الطبقات في المجتمع المعاصممر ول فضممل اكتشمماف‬
‫صراعها‪ .‬فقد سبقني بوقت طويل مؤرخون برجوازيون بسممطوا التصممور التماريخي لصممراع الطبقمات‬
‫هذا‪ ،‬واقتصاديون برجوازيون بسطوا تركيب الطبقات القتصادي‪ .‬وما أعطيته من جديد يتلخممص فممي‬
‫إقامة البرهان على ما يأتي‪ (1 :‬أن وجود الطبقات ل يقممترن إل ّ بمراحممل معينممة مممن تطممور النتمماج )‬
‫‪ (historische Entwicklungsphasen der Produktion)، 2‬أن النضال الطبقممي يفضممي بالضممرورة إلممى‬
‫ديكتاتورية البروليتاريا‪ (3 ،‬أن هذه الديكتاتوريمة نفسمها ليسمت غيمر النتقمال إلمى القضماء علمى كمل‬
‫الطبقات وإلى المجتمع الخالي من الطبقات…«‬

‫في هذه الكلمات تيسر لماركس أن يفصح بجلء مدهش‪ ،‬أول‪ ،‬عنا يميز تعاليمه بصورة رئيسية‬
‫وجذرية عن تعاليم مفكري البرجوازية المتقدمين والكثر عمقا‪ ،‬وثانيا‪ ،‬عن كنه تعاليمه بشأن الدولة‪.‬‬

‫المر الرئيسي في تعاليم ماركس هو النضال الطبقي‪ .‬هذا ما يقال وما يكتب بكثرة كثيرة‪ .‬بيد‬
‫أن هذا غير صحيح‪ .‬وعن عدم الصحة هذه تنتج‪ ،‬الواحد بعد الخممر‪ ،‬التشممويهات النتهازيممة للماركسممية‬
‫وينتج تزويرها بحيث تصبح مقبولة للبرجوازية‪ .‬ذلك لن التعاليم بشأن النضال الطبقي لم توضممع مممن‬
‫قبل ماركس‪ ،‬وهي بوجه عام مقبولة للبرجوازية‪ .‬ومن ل يعرف نضال الطبقات ليس بماركسي بعممد‪،‬‬
‫وقد يظهر أنه لم يخرج بعد عن نطاق التفكير البرجوازي والسياسة البرجوازية‪ .‬إن حصر الماركسممية‬
‫في التعاليم بشأن النضال الطبقي يعني بتر الماركسية وتشويهها وقصرها على ما تقبله البرجوازيممة‪.‬‬
‫ليس بماركسي غير الذي يعمم اعمترافه بالنضمال الطبقمي علمى العمتراف بديكتاتوريمة البروليتاريما‪.‬‬
‫وهذا ما يميز بصورة جوهرية الماركسي عن البرجوازي الصغير )وحممتى الكممبير( العمادي‪ .‬وعلممى هممذا‬
‫المحك ينبغي التحقيق من الفهم الحق للماركسية والعتراف الحق بهمما‪ .‬ول غممرو إذن‪ ،‬عنممدما وصممل‬
‫تاريخ أوروبا عمليا بالطبقة العاملة إلى هذه المسألة‪ ،‬إذا كان جميممع النتهممازيين والصمملحيين ناهيممك‬
‫عن جميع »الكاوتسكيين« )وهم أناس يترددون بين الصلحية والماركسية( قد أصبحوا تافهين يرثممى‬
‫لهم وديموقراطيين صغار بورجوازيين ينكرون ديكتاتورية البروليتاريا‪ .‬فكراسة كاوتسكي »ديكتاتورية‬
‫البروليتاريا« التي صدرت في غشت سنة ‪ ،1917‬أي بعد صدور الطبعة الولى من هذا الكتاب بوقت‬
‫طويل‪ ،‬هي نموذج لتشويه الماركسية علممى نمممط صممغار الممبرجوازيين وللتممبرؤ منهمما بحطممة فعل مممن‬
‫‪18‬‬
‫العممتراف بهمما بممالقول نفاقمما )راجممع كراسممي‪» :‬الثممورة الشممتراكية والمرتممد كاوتسممكي«‪ ،‬بممتروغراد‬
‫وموسكو‪ ،‬سنة ‪.(1918‬‬

‫إن النتهازية المعاصرة بشخص ممثليها الرئيسي‪ ،‬الماركسي السابق كاوتسكي‪ ،‬تنطبممق تماممما‬
‫على الوصف الذي أعطاه ماركس للموقف البرجوازي‪ ،‬لن هممذه النتهازيممة تحصممر نطمماق العممتراف‬
‫بالنضال الطبقي في إطار العلقات البرجوازية‪) .‬وضمن هممذا النطمماق‪ ،‬فمي إطماره‪ ،‬مما مممن ليممبرالي‬
‫مثقممف يرفممض »مبممدئيا« العممتراف بالنضممال الطبقممي!(‪ .‬إن النتهازيممة ل توصممل العممتراف بالنضمال‬
‫الطبقي حتى المر الرئيسي بالممذات‪ ،‬حممتى مرحلممة النتقممال مممن الرأسمممالية إلممى الشمميوعية‪ ،‬حممتى‬
‫مرحلة إسقاط البرجوازية والقضاء التام عليها‪ .‬وفي الواقع ل بد لهذه المرحلة من أن تكممون مرحلممة‬
‫نضال طبقي ل نظير لشدته‪ ،‬مرحلة تتخذ أشكاله فيها حدة منقطعة النظير‪ ،‬وبالتالي ل بد لدولة هذه‬
‫المرحلة من أن تكون دولة ديموقراطية من نوع جديد )لجممل البروليتمماريين والمعممدمين بمموجه عممام(‬
‫وديكتاتورية من نوع جديد )ضد البرجوازية(‪.‬‬

‫وبعد‪ .‬لن يتفهممم فحمموى تعمماليم ممماركس بشممأن الدولممة إل ّ أولئك الممذين أدركمموا أن ديكتاتوريممة‬
‫الطبقة الواحدة ضرورية ليس فقط لكممل مجتمممع طبقممي بمموجه عممام‪ ،‬ليممس فقممط للبروليتاريمما الممتي‬
‫أسقطت البرجوازية‪ ،‬بل أيضا لمرحلة تاريخية كاملة تفصل الرأسمالية عممن »المجتمممع الل طبقممي«‪،‬‬
‫عن الشيوعية‪ .‬إن أشكال الدولة البرجوازية في منتهى التنوع‪ ،‬ولكن كنهها واحد‪ :‬فمجتمع هذه الدول‬
‫هي بهذا الشكل أو ذاك وفي نهاية المر ديكتاتورية البرجوازية على التأكيممد‪ .‬ويقينمما أن النتقممال مممن‬
‫الرأسمالية إلى الشيوعية ل بد وأن يعطي وفرة وتنوعا هائلين من الشكال السياسية‪ ،‬ولكن فحواها‬
‫سيكون ل محالة واحدا‪ :‬ديكتاتورية البروليتاريا‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الدولة والثورة‪ .‬خبرة كومونة باريس سنة‬
‫‪ .1871‬تحليل ماركس‬
‫‪-1‬بم تتلخص البطولة في محاولة الكومونيين؟‬
‫من المعروف أن ماركس قد حذر العمال الباريسيين قبل الكومونة بعممدة أشممهر‪ ،‬فممي خريممف‬
‫سنة ‪ ،1870‬مبرهنا أن محاولة إسقاط الحكوممة تكمون حماقمة اليمأس‪ .‬ولكمن عنمدما فرضمت علمى‬
‫العمال المعركة الفاصلة في مارس سنة ‪ ،1871‬وعندما قبلها هؤلء وغدا النتفاض أممرا واقعما‪ ،‬حيمما‬
‫ماركس الثورة البروليتارية بمنتهى الحماسة رغم نممذير الشممؤم‪ .‬لممم يتشممبث ممماركس بشممجب دعممي‬
‫لحركة »جاءت في غير أوانيها« على غرار المرتد الروسي السيئ الشهرة عن الماركسية بليخممانوف‬
‫الذي كتب في نوفمبر سنة ‪ 1905‬مشجعا نضال العمال والفلحيممن‪ ،‬ثممم‪ ،‬بعممد ديسمممبر سممنة ‪،1905‬‬
‫أخذ يصرخ على نمط الليبراليين‪» :‬ما كان علينا حمل السلح«‪.‬‬

‫ولكن ماركس لم يكتف بالعجاب ببطولة الكومونيين الذين »هبمموا لمهاجمممة السممماء« حسممب‬
‫تعبيره‪ .‬ففي هذه الحركة الثورية الجماهيرية‪ ،‬وإن كانت لم تبلغ الهدف‪ ،‬قممد رأى خممبرة تاريخيممة ذات‬
‫أهمية كبرى‪ ،‬خطوة معينة إلى المام تخطوها الثورة البروليتاريممة العالميممة‪ ،‬خطمموة عمليممة أهممم مممن‬
‫مئات البرامج والمحاكمات‪ .‬وقد وضع مماركس نصمب عينيمه مهممة تحليمل همذه الخمبرة واسمتخلص‬
‫الدروس التكتيكية منها وإعادة النظر في نظريته على أساس هذه الخبرة‪.‬‬

‫»فالتعديل« الوحيد الذي اعتبر مماركس مممن الضممروري إدخمماله علمى »البيممان الشمميوعي« قممد‬
‫استوحاه من خبرة الكومونيين الباريسيين الثورية‪.‬‬

‫إن آخر مقدمة لطبعة ألمانية جديدة من »البيان الشيوعي« وقعها مؤلفاه معا تحمل تاريممخ ‪24‬‬
‫يونيو سنة ‪ .1872‬وفي هذه المقدمة يقول المؤلفممان كممارل ممماركس وفريممدريك إنجلممس أم برنامممج‬
‫»البيان الشيوعي« »قد شاخ اليوم في بعض أماكنه«‪.‬‬

‫»… وبوجه خاص برهنت الكومونة أن »الطبقة العاملة ل تسممتطيع أن تكتفممي بالسممتيلء علممى‬
‫آلة الدولة جاهزة وأن تحركها لهدافها الخاصة« …«‬

‫والكلمات الموضوعة ضمن القوسين المزدوجين في هممذا المقتطممف قممد اقتبسممهما المؤلفممات‬
‫من كتاب ماركس‪» :‬الحرب الهلية في فرنسا«‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬إن ماركس وإنجلس قد اعتبرا درسمما مممن الممدروس الساسممية الرئيسممية الممتي أعطتهمما‬
‫كومونة باريس على درجة من الجسامة بحيث أدخله في »البيان الشيوعي« باعتباره تعديل جوهريا‪.‬‬

‫ومما هو بليغ في مدلوله أن النتهازيين قد شوهوا همذا التعمديل الجموهري بالمذات‪ ،‬وأن تسمعة‬
‫أعشار قراء »البيان الشيوعي«‪ ،‬إن لم يكن تسعة وتسعين بالمائة منهم‪ ،‬يجهلون التأكيد على معناه‪.‬‬
‫ممما هنمما فحسممبنا أن نشممير‬
‫وسنتناول هذا التشويه بالتفصيل فيما يأتي‪ ،‬في فصل خاص بالتشويهات‪ .‬أ ّ‬
‫إلى أن »المفهوم« المبتذل الشائع لعبارة ماركس المعروفة التي أوردناها يتلخص فممي زعممم مفمماده‬
‫أن ماركس يؤكد هنا فكرة التطور البطيء خلفا للستيلء على السلطة وهلم جرا‪.‬‬

‫والحقيقة هي العكس تماما‪ .‬تتلخص فكرة ماركس في أن واجب الطبقممة العاملممة هممو تحطيممم‬
‫»آلة الدولة الجاهزة« وكسرها‪ ،‬ل الكتفاء بمجرد الستيلء عليها‪.‬‬

‫ففي الثاني عشر من أبريل سمنة ‪ ،1871‬أي فمي أيمام الكومونمة بالممذات‪ ،‬كتممب مماركس إلمى‬
‫كوغلمان‪:‬‬

‫‪20‬‬
‫»… إذا ما ألقيت نظرة إلممى الفصممل الخيممر مممن كتممابي »‪ 18‬بروميممر« رأيممت أنممي أعلنممت أن‬
‫المحاولة التالية للثورة الفرنسية يجب أن تكون ل نقممل اللممة البيروقراطيممة العسممكرية مممن يممد إلممى‬
‫أخرى كما كان يحدث حتى الن‪ ،‬بل تحطيمها« )التشديد لماركس‪ .‬وفممي الصممل كلمممة ‪.(zerbrechen‬‬
‫»وهذا هو الشرط الولي لكل ثورة شعبية حقا في القارة‪ .‬وفي هذا بالممذات تتلخممص محاولممة رفاقنمما‬
‫الباريسيين البطممال« )ص ‪ 709‬فممي »‪ ،Neue Zeit»، 20، 1‬سممنة ‪) .(1902-1901‬صممدرت رسممائل‬
‫ماركس إلى كوغلمان بالروسية فيما ل يقل عن طبعتين أشرفت على تحرير احداهما وقدمت لها(‪.‬‬

‫في هذه الكلمات‪» :‬تحطيم اللممة الدولممة البيروقراطيممة العسممكرية« أعممرب بإيجمماز عممن درس‬
‫الماركسية الرئيسي بشأن واجبات البروليتاريا فممي الثممورة حيممال الدولممة‪ .‬وهممذا الممدرس بالممذات لممم‬
‫يقتصر »تأويل« الماركسية الكاوتسكي السائد على نسيانه تماما ً بل وشوهه تشويها!‬

‫وفيما يخص الفقرة التي يرجع إليها ماركس من »‪ 18‬برومير« فقد أوردناها كاملة فيما تقدم‪.‬‬

‫وتنبغي الشارة بوجه خاص إلى نقطتين من فقرة ماركس المذكورة‪ .‬أول‪ ،‬أنه يقتصر استنتاجه‬
‫على القارة‪ .‬وقد كان هذا مفهوما سنة ‪ ،1871‬عندما كانت إنجلترا ممما تممزال نموذجمما لبلد رأسمممالية‬
‫صرف‪ ،‬ولكنها خالية من الطغمممة العسممكرية ولحممد بعيممد مممن البيروقراطيممة‪ .‬ولممذا اسممتثنى ممماركس‬
‫إنجلترا حيث كانت الثورة‪ ،‬بما في ذلك الثممورة الشممعبية‪ ،‬تبممدو آنممذاك ممكنممة‪ ،‬وكممانت ممكنممة بممدون‬
‫تحطيم »آلة الدولة الجاهزة« كشرط أولي‪.‬‬

‫في الوقت الحاضر‪ ،‬فممي سممنة ‪ ،1917‬فممي عصممر أول حممرب إمبرياليممة كممبرى‪ ،‬يسممقط تحديممد‬
‫ماركس هذا‪ .‬فإنجلترا وأمريكا‪ ،‬أكبر وآخر ممثلي »الحريممة« النجلممو‪-‬سكسممونية فممي العممالم قاطبممة‪،‬‬
‫بمعنى انعدام الطغمة العسكرية والبيروقراطيمة‪ ،‬قمد انزلقتما بصمورة تاممة فمي المسمتنقع الوروبمي‬
‫العام‪ ،‬المستنقع القذر والدامي للمؤسسات البيروقراطية والعسكرية التي تخضع لنفسها كل شمميء‪،‬‬
‫وتخمد كل شيء‪» .‬فالشرط الولي لكل ثورة شمعبية حقمًا« همو‪ ،‬فمي الموقت الحاضمر‪ ،‬فمي إنجلمترا‬
‫وأمريكا كذلك‪ ،‬تحطيم وتدمير »آلة الدولة الجاهزة« )التي أعممدت فممي هممذين البلممدين خلل سممنوات‬
‫‪ 1917-1914‬لدرجة الكمال »الوروبي«‪ ،‬المبريالي العام(‪.‬‬

‫ثانيا‪ ،‬تستحق انتباها خاصا ملحظة ماركس العميقة منتهى العمق القائلة أن تحطيم آلة الدولممة‬
‫البيروقراطيممة والعسممكرية هممو »الشممرط الولممي لكممل ثممورة شممعبية حقمما«‪ .‬ويبممدو مفهمموم الثممورة‬
‫»الشعبية« هذا مستغربا على لسان ممماركس‪ .‬ويبممدو أن بإمكممان البليخممانوفيين والمناشممفة الممروس‪،‬‬
‫اتباع ستروفه هؤلء الذين يريدون أن ُيعتممبروا ماركسمميين‪ ،‬فقممد شمموهوا الماركسممية تشممويها ليبراليمما‬
‫حقيرا بحيث لم يعودوا يرون معه غير معارضة الثورة البرجوازية بالثورة البروليتارية‪ ،‬وهم فوق ذلممك‬
‫يفهمون هذا التعارض بجمود ما بعده جمود‪.‬‬

‫إذا ما أخذنا على سبيل المثل ثورات القرن العشرين فل بد من العتراف طبعمما بممأن الثممورتين‬
‫البرتغالية والتركية هما علممى حممد سممواء ثورتممان برجوازيتممان‪ .‬ولكممن لممم تكممن ل هممذه ول تلممك ثممورة‬
‫»شعبية« لن جمهور الشعب‪ ،‬أكثريته الكبرى‪ ،‬لم تبرز بصورة ملحوظة‪ ،‬نشيطة ومستقلة‪ ،‬بمطالبهمما‬
‫الخاصة القتصادية والسياسية ل فممي هممذه الثممورة ول فممي تلممك‪ .‬وبممالعكس فممإن الثممورة البرجوازيممة‬
‫الروسية في سنوات ‪ ،1907-1905‬وإن كانت لم تصب من النجاحات »البمماهرة« ممما أصممابته أحيانمما‬
‫الثورتان البرتغالية والتركية‪ ،‬قد كانت دون شك »شعبية حقا«‪ ،‬لن جمهممور الشممعب‪ ،‬أكممثريته‪ ،‬فئاتممه‬
‫الجتماعية »السفلى« البعيدة الغور والرازحة تحمت وطمأة الظلمم والسممتثمار‪ ،‬قمد نهضمت مسمتقلة‬
‫وطبعت مجرى الثورة بأكمله بطابع مطالبها هي‪ ،‬بطابع محاولتها هي لن تبني على طريقتها مجتمعمما‬
‫جديدا مكان المجتمع القديم الجاري هدمه‪.‬‬

‫في سنة ‪ ،1871‬لمم تكمن البروليتاريمما تشممكل أكثريممة الشمعب فممي أي بلمد مممن بلمدان القمارة‬
‫الوروبية‪ .‬لم تكن الثورة تستطيع أن تكون ثورة »شعبية« تجذب للحركة الكثرية حقا‪ ،‬إل ّ إذا شملت‬
‫البروليتاريا والفلحيممن‪ .‬فهاتممان الطبقتممان كانتمما تؤلفممان »الشممعب« فممي ذلممك الحيممن‪ .‬ويوحممد همماتين‬
‫الطبقتين واقع أن »آلة الدولممة البيروقراطيممة والعسممكرية« تظلمهممما‪ ،‬تضممغط عليهممما وتسممتثمرهما‪.‬‬
‫وتحطيم هذه اللة وكسرها هو مصلحة »الشعب« الحقيقية‪ ،‬مصلحة أكثريته‪ ،‬مصلحة العمال وأكثرية‬
‫‪21‬‬
‫الفلحين –هو »الشرط الولي« للتحالف الحر بين فقراء الفلحين والبروليتاريا؛ وبدون هذا التحممالف‬
‫ل تكون الديموقراطية وطيدة ول يمكن التحول الشتراكي‪.‬‬

‫ومن المعروف أن كومونة باريس كانت تشق طريقها إلممى مثمل همذا التحممالف‪ ،‬وهمي لمم تبلمغ‬
‫الهدف بحكم جملة من أسباب ذات طابع داخلي وخارجي‪.‬‬

‫إذن‪ ،‬فعندما تكلم ماركس عن »الثورة الشعبية حقا«‪ ،‬راعى ببممالغ الدقممة النسممبة الفعليممة بيممن‬
‫الطبقممات فممي أكثريممة دول القممارة الوروبيممة فممي سممنة ‪ ،1871‬دون أن ينسممى للحظممة خصممائص‬
‫البرجوازية الصغيرة )الخصائص التي كثيرا ما تكلم عنهمما وأكممثر عنهمما الكلم(‪ .‬وقممد قممرر‪ ،‬مممن الجهممة‬
‫الخرى‪ ،‬أن »تحطيم« آلة الدولة نفرضه مصالح العمال ومصالح الفلحين على السواء وأنه يوحممدهم‬
‫ويضع أمامهم واجبا مشتركا هو القضاء على »الطفيلي« والستعاضة عنه بشيء ما جديد‪.‬‬

‫بأي شيء على وجه التحقيق؟‬

‫‪ -2‬بم يستعاض عن آلة الدولة المحطمة؟‬


‫في سنة ‪ ،1847‬لم يعط ماركس في »البيان الشيوعي« عن هذا السممؤال غيممر جممواب مجممرد‬
‫جممدا‪ ،‬أو بالصممح‪ ،‬أعطممى جوابمما يشممير إلممى المهممام ل إلممى طريممق حلهمما‪ .‬فقممد كممان جممواي »البيممان‬
‫الشممميوعي« هكمممذا‪ :‬الستعاضمممة عنهممما »بتنظيمممم البروليتاريممما فمممي طبقمممة سمممائدة«‪» ،‬بمممالظفر‬
‫بالديموقراطية«‪.‬‬

‫لم ينسق ماركس مع الخيال وانتظر من خبرة الحركة الجماهيرية أن تجيب على السممؤال‪ :‬ممما‬
‫هي الشكال الملموسة التي سيتخذها تنظيم البروليتاريا بوصفها طبقة سائدة وبأية صممورة سمميقترن‬
‫هذا التنظيم مع »بالظفر بالديموقراطية« التم والكمل‪.‬‬

‫وفي كتاب »الحرب الهلية في فرنسا« يحلل ماركس أدق التحليل خبرة الكومونة على ضممآلة‬
‫هذه الخبرة‪ .‬فلنورد أهم الفقرات من هذا المؤلف‪:‬‬

‫في القرن التاسع عشر‪ ،‬تطورت »سلطة الدولممة المتمركممزة مممع أجهزتهمما المنتشممرة فمي كمل‬
‫مكممان‪ :‬الجيممش النظممامي والشممرطة والبيروقراطيممة والكليممروس والفئة القضممائية«‪ ،‬هممذه السمملطة‬
‫المتحدرة من القرون الوسطى‪ .‬ومع اشتداد التناحر الطبقي بين رأس المال والعمل‪» ،‬كانت سلطة‬
‫الدولة تتخذ أكثر فأكثر طابع سلطة عامة لظلم العمل‪ ،‬طابع أداة للسيطرة الطبقية‪ .‬وبعد كممل ثممورة‬
‫تشكل خطوة معينة إلى المام خطاها النضال الطبقي يتجلى طابع الضطهاد المحض لسلطة الدولة‬
‫على نحو أوضح فأوضح«‪ .‬وبعد ثورة سنتي ‪ ،1849-1748‬غدت سمملطة الدولممة »آلممة قوميممة لحممرب‬
‫الرأسمال ضد العمل«‪ .‬وجاءت المبراطورية الثانية توطد ذلك‪.‬‬

‫»كانت الكومونة النقيض المباشر للمبراطورية«‪» .‬فقد كانت شكل معينا« »لجمهوريممة ينبغممي‬
‫لها أن تزيل ل الشكل الملكي للحكم الطبقي فحسب‪ ،‬بل أيضا الحكم الطبقي ذاته…«‬

‫م على وجه التدقيق‪ ،‬ظهر هذا الشكل »المعين« للجمهورية البروليتارية‪ ،‬الشممتراكية؟ وكيممف‬
‫ب َ‬
‫كانت الدولة التي شرعت بتأسيسها؟‬

‫»… كممان أول مرسمموم أصممدرته الكومونممة يقضممي بإلغمماء الجيممش النظممامي والستعاضممة عنممه‬
‫بالشعب المسلح…«‬

‫‪22‬‬
‫وهذا المطلب يرد الن في برامج جميع الحزاب التي تريممد أن تممدعي اشممتراكية‪ .‬ولكممن تظهممر‬
‫قيمة برامجها بالشكل الوضح من سلوك الشتراكيين‪-‬الثوريين والمناشفة عندنا‪ ،‬إذ أنهممم تخلمموا فممي‬
‫الواقع عن تنفيذ هذا المطلب عقب ثورة ‪ 17‬فبراير بالذات!‬

‫»… لقد تشكلت الكومونة من نواب البلدية الذين تم انتخابهم عن طريممق القممتراع العممام فممي‬
‫مختلف دوائر باريس‪ .‬كانوا مسؤولين وكان يمكن سحبهم في أي وقت كان‪.‬وكانت أكثريتهم‪ ،‬بطبيعة‬
‫الحال‪ ،‬من العمال أو من ممثلي الطبقة العاملة المعترف بهم…‬

‫… والشرطة التي كانت حتى ذلك الحين أداة في يد الحكومة المركزية جردت في الحال مممن‬
‫جميع وظائفها السياسية وحولت إلممى هيئة للكومونممة مسممؤولة يمكممن تبممديلها فممي أي وقممت كممان…‬
‫وهكذا كان الحال أيضا بالنسبة لممموظفي سمائر فممروع الدارة…ومممن فمموق إلممى أسممفل‪ ،‬ابتممداء مممن‬
‫أعضاء الكومونة كان يتعين أداء الخدمة العامة لقمماء أجممرة تسمماوي أجممرة عامممل‪ .‬وقممد أزيلممت جميممع‬
‫المتيازات وعلوات التمثيل التي كان يتقاضاها كبممار ممموظفي الدولممة مممع زوال هممؤلء الممموظفين…‬
‫وبعد أن زالت الكومونة الجيمش النظممامي والشممرطة‪ ،‬وهمما أداتما الحكممم الممادي فمي يمد الحكوممة‬
‫القديمة‪ ،‬أخذت في الحال تكسر أداة الستعباد الروحي‪ ،‬قوة الكهنة… وفقد الموظفممون القضممائيون‬
‫استقللهم الصوري… وأصبح مممن المممترتب عليهممم أن ُينتخبمموا علنمما وأن يكونمموا مسممؤولين وقممابلين‬
‫للسحب…«‪.‬‬

‫ل« بديموقراطية أتم‪ :‬القضمماء‬‫وهكذا يبدو أن الكومونة لم تستعيض عن آلة الدولة المحطمة »إ ّ‬
‫على الجيش النظامي‪ ،‬مبدأ انتخاب وسحب جميع الموظفين‪ .‬ولكن هممذه المم»ال« تعنممي فمي حقيقممة‬
‫المر تبديل هائل لنوع من مؤسسات بنوع آخر يختلف اختلفا مبدئيا‪ .‬نحن هنا في الحقيقة أمام حالممة‬
‫من حالت »تحول الكمية إلى كيفية«‪ :‬فالديموقراطيممة المطبقممة بممأتم وأوفممى شممكل يمكممن تصمموره‬
‫عموما تتحول من ديموقراطية برجوازية إلى ديموقراطية بروليتارية‪ ،‬من دولة )= قوة خاصممة لقمممع‬
‫طبقة معينة( إلى شيء ليس الدولة بمفهومها‪.‬‬

‫إن قمع البرجوازية ومقاومتها كان ما يزال أممرا ضمروريا وكمانت همذه الضمرورة تفممرض ذاتهمما‬
‫على الكومونة بوجه خاص‪ .‬فأحد أسباب انهزامها يتلخص في كونها لم تقم بذلك بممالحزم المطلمموب‪.‬‬
‫ولكن هيئة القمع تغدو في هذه الحالة أغلبية السكان‪ ،‬ل القلية كما كان الحال على الدوام في عهممد‬
‫نظام العبودية وفي عهد نظام القنانمة وفممي عهممد عبوديمة العمممل المممأجور‪ .‬وبممما أن أغلبيمة الشممعب‬
‫تمارس بنفسها قمع ظالميها فل تبقى ثمة حاجة إلى »قوة خاصة« للقمع! وبهذا المعنى تأخذ الدولممة‬
‫بالضمحلل‪ .‬وبدل من المؤسسات الخاصة العائدة للقيام بذلك بصورة مباشرة؛ وبقدرما يتخذ القيام‬
‫بوظائف سلطة الدولة طابعا شعبيا أشمل بمقدار ما تقل الحاجة إلى هذه السلطة‪.‬‬

‫إن التدبير الذي اتخذته الكومونة وأشار إليه ماركس هو رائع جدا بهذا الصدد‪ :‬إلغاء كل علوات‬
‫التمثيل‪ ،‬إلغاء جميع امتيازات الموظفين فممي الدولممة إلممى مسممتوى »أجممرة العامممل«‪ .‬وبهممذا بالممذات‬
‫يتجلى بأوضح ما يكون النعطاف من الديموقراطية البرجوازية إلى الديموقراطيممة البروليتاريممة‪ ،‬مممن‬
‫ديموقراطية الظالمين إلى ديموقراطية الطبقات المظلومة‪ ،‬من الدولة بوصفها »قوة خاصة« لقمممع‬
‫طبقة معينة إلى قمع الظالمين بمجموع قوة أغلبية الشعب‪ :‬العمال والفلحين‪.‬وهنا‪ ،‬في هذه النقطة‬
‫بالذات من مسألة الدولة‪ ،‬التي هي البرز ولعلها الهم بين جميع النقاط‪ ،‬بلغ نسيان دروس ممماركس‬
‫حده القصى! ل ينبسون ببنت شفة عن هممذا المممر فيممما ينشممرونه مممن تعليقممات مبسممطة عديممدة ل‬
‫تحصى‪ .‬فمن »المألوف« لزوم الصمت عن ذلك كما يلزم الصمت عن »سذاجة« عفما عليهما الزممن‬
‫مثلما »نسي« المسيحيون‪ ،‬عندما غدا دينهم دين الدولة‪» ،‬سذاجات« مسيحية العهد الول مع روحها‬
‫الثورية الديموقراطية‪.‬‬

‫تخفيض رواتب كبار الموظفين في جهاز الدولة يبدو »مجرد« مطلب من مطالب ديموقراطيممة‬
‫ساذجة‪ ،‬بدائية‪ .‬إن أحد »مؤسسي« النتهازية الحديثة‪ ،‬الشتراكي‪-‬الديموقراطي سابقا‪ ،‬إد‪ .‬برنشتين‪،‬‬
‫قد لك مرارا وكرر التهكمات البرجوازية الحقيرة على الديموقراطية »البدائيممة«‪ .‬فهممو كشمأن جميممع‬
‫النتهممازيين وكشممأن الكاوتسممكيين الحمماليين لممم يفهممم بتاتمما‪ ،‬أول‪ ،‬أن النتقممال مممن الرأسمممالية إلممى‬
‫الشتراكية يستحيل بدون »عودة« ما إلى الديموقراطية »البدائيممة« )وإل ّ كيممف يمكممن النتقممال إلممى‬

‫‪23‬‬
‫قيام أكثرية السكان والسكان عمن آخرهمم بوظمائف الدولمة؟(‪ ،‬وثانيما‪ ،‬أن »الديموقراطيمة البدائيمة«‬
‫على أساس الرأسمالية والحضارة الرأسمالية تختلف عن الديموقراطية البدائية في العهممود البدائيممة‬
‫أو عهود ما قبل الرأسمالية‪ .‬فقد خلقممت الحضممارة الرأسمممالية النتمماج الضممخم‪ ،‬والمعامممل والسممكك‬
‫الحديدية والبريد والتلفون وما شاكل ذلك‪ ،‬وعلى هذا السمماس بلغممت الكثريممة الكممبرى مممن وظمائف‬
‫»سلطة الدولة« القديمة درجمة مممن البسمماطة وغممدا بالمكممان تحويلهما إلممى عمليمات مممن التسممجيل‬
‫والتدوين والتثبيت على درجة من السهولة بحيث تصبح تماما في منال جميع الذين يحسنون القممراءة‬
‫والكتابة‪ ،‬بحيث يمكن تماما القيام بهممذه الوظمائف مقابمل »أجمرة عاممل« المعتمادة‪ ،‬ويمكممن ويجممب‬
‫تجريد هذه الوظائف من أي ظل لطابع امتياز و»ترؤس«‪.‬‬

‫انتخاب جميع الموظفين دون استثناء وإمكانية سحبهم في كممل لحظممة وإنقمماص رواتبهممم حممتى‬
‫»أجرة العامل« المعتادة‪ ،‬هذه التدابير الديموقراطية البسيطة و»البديهية« التي توحد تماممما مصممالح‬
‫العمال وأكثرية الفلحين هي في الوقت نفسه جسر النتقال من لرأسمالية إلممى الشممتراكية‪ .‬وهممذه‬
‫التدابير تتعلق بإعادة تنظيم الدولة‪ ،‬بإعادة تنظيم المجتمع من الناحيممة السياسممية الصممرف ولكنهمما ل‬
‫تكسب بطبيعة الحال كل مغزاها وأهميتها إل ّ في حالة تحقيق أو تحضممير »مصممادرة ملكيممة مغتصممبي‬
‫الملكية«‪ ،‬أي تحويل الملكية الخاصة الرأسمالية لوسائل النتاج إلى ملكية إجتماعية‪.‬‬

‫وقد كتب ماركس‪:‬‬

‫»لقد جعلت الكومونة من ذلك الشممعار الممذي نممادت بممه جميممع الثممورات البرجوازيممة –الحكومممة‬
‫القليلة النفقممات‪ -‬حقيقممة‪ ،‬وذلممك بإلغمماء أكممبر بممابين مممن أبممواب النفقممات‪ :‬الجيممش النظممامي وسمملك‬
‫الموظفين«‪.‬‬

‫ليس غير نفر ضئيل من الفلحين والفئات البرجوازية الصغيرة الخممرى يسممتطيع أن »يممترقى«‬
‫ممما مممن الميسممورين‪،‬‬
‫و»يصبح من النمماس المحممترمين« بممالمعنى الممبرجوازي للكلمممة‪ ،‬أي أن يصممبح أ ّ‬
‫ما الكثرية الكبرى من الفلحين في أي بلممد‬ ‫ما من الموظفين الميسورين المميزين‪ .‬أ ّ‬ ‫البرجوازيين‪ ،‬وأ ّ‬
‫رأسمالي يوجد فيه الفلحون )ومثل هذه البلدان الرأسمالية هممي الكثريممة( فهممي تلقممي الظلممم مممن‬
‫الحكومة وهي متعطشة إلى إسقاطها‪ ،‬متعطشة إلى حكومممة »رخيصممة«‪ .‬ول يسممتطيع تحقيممق ذلممك‬
‫غير البروليتاريا‪ ،‬وهي بتحقيقها لذلك تخطو في الوقت نفسه خطوة نحمو إعمادة تنظيمم الدولمة علمى‬
‫أساس الشتراكي‪.‬‬

‫‪-3‬إلغاء البرلمانية‬
‫لقد كتب ممماركس‪» :‬وكممان يممراد بالكومونممة أن تكممون ل هيئة برلمانيممة‪ ،‬بممل هيئة عاملممة تتمتممع‬
‫بالسلطتين التشريعية والتنفيذية في الوقت عينه…‬

‫…وبدل من البت مممرة كممل ثلث سممنوات أو سممت فممي مسممألة معرفممة أي عضممو مممن الطبقممة‬
‫المسيطرة يجب أن يمثل ويقمع )‪ (ver-und zertreten‬الشممعب فممي البرلمممان‪ ،‬كممان يجممب علممى حممق‬
‫النتخاب العام‪ ،‬بدل من ذلك‪ ،‬أن يخدم الشعب‪ ،‬المنظم في الكومونة قصممد البحممث لمؤسسممته عممن‬
‫عمال ومراقبين ومحاسبين‪ ،‬كما يخدم حق النتخاب الفردي لهذا الغرض أيا ً كان من أرباب العمل«‪.‬‬

‫إن هذا النقد الرائع للبرلمانية‪ ،‬المكتوب في سنة ‪ ،1871‬قد غدا الن هو الخر‪ ،‬بفضل سيطرة‬
‫الشممتراكية‪-‬الشمموفينية والنتهازيممة‪ ،‬وفممي عممداد »الكلمممات المنسممية« مممن الماركسممية‪ .‬أن المموزراء‬
‫والبرلمانيين‪ ،‬وعلى هذا الساس المعقول لحد خارق نعتوا »بالفوضمموية«كممل انتقمماد للبرلمانيممة!! فل‬
‫غرو إذا كانت بروليتاريا البلدان البرلمانية »الطليعية« تشمممئز مممن رؤيممة »الشممتراكيين« مممن أمثممال‬
‫شيدمان ودافيد وليغيممن وسممامبا ورينوديممل وهندرسممون وفانرفيلممده وسممتاونينغ وبرانممتينغ وبيسممولتي‬
‫وأضرابهم وشركاهم وتميل أكثر فأكثر بعواطفها إلممى السممينديكالية الفوضمموية‪ ،‬رغممم أن هممذه كممانت‬
‫شقيقة النتهازية‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫بيد أن الدياليكتيك الثوري لم يكن قط في نظر ماركس عبارة فارغة‪ ،‬على الموضممة‪ ،‬لممم يكممن‬
‫مسبحة للطقطقة كما صّيره بليخانوف وكاوتسكي وأضرابهما‪ .‬فكممان ممماركس يحسممن القطيعممة مممع‬
‫الفوضوية دونما إشفاق لعجزها عن الستفادة حتى مممن »حظيممرة« البرلمانيممة البرجوازيممة ول سمميما‬
‫حينما يكون من البين عمدم وجمود وضمع ثمموري‪ ،‬ولكنمه فممي الموقت نفسمه قمد أحسمن كمذلك انتقمماد‬
‫البرلمانية انتقادا بروليتاريا ثوريا حقا‪.‬‬

‫البت مرة كل عدة سنوات في مسممألة معرفممة أي عضممو مممن الطبقممة السممائدة سمميقوم بقمممع‬
‫ملكيممات‬
‫الشعب في البرلمان‪- ،‬هذا هو الجوهر الحقيقممي للبرلمانيممة البرجوازيممة‪ ،‬ليممس فقممط فممي ال َ‬
‫البرلمانية الدستورية‪ ،‬بل كذلك في الجمهوريات الوسع ديموقراطية‪.‬‬

‫ولكن إذا ما طرحت مسألة الدولة‪ ،‬وإذا ما نظر المرء إلى البرلمانيممة علممى أنهمما مؤسسممة مممن‬
‫مؤسسات الدولة‪ ،‬من وجهة نظر مهام البروليتاريا في هممذا الحقممل‪ ،‬فممأين المخممرج مممن البرلمانيممة؟‬
‫وكيف يمكن الستغناء عنها؟‬

‫ل بد لنا من أن نقول وأن نكرر القول‪ :‬أن دروس ماركس القائمة علممى دراسممة الكومونممة قممد‬
‫نسيت لحد جعل »الشتراكي‪-‬الديموقراطي« الحالي )اقرأ‪ :‬خائن الشتراكي الحالي( ل يفهم بتاتا أي‬
‫انتقاد للبرلمانية غير النتقاد الفوضوي أو الرجعي‪.‬‬

‫المخرج من البرلمانية ليس بطبيعة الحال في إلغاء المؤسسات التمثيلية والمبدأ النتخابي‪ ،‬بل‬
‫في تحويل المؤسسات التمثيلية من ندوات للثرثرة إلى مؤسسات »عاملة«‪» .‬كممان يممراد بالكومونممة‬
‫أن تكون ل هيئة برلمانية‪ ،‬بل هيئة تتمتع بالسلطتين التشريعية والتنفيذية في الوقت عينه«‪.‬‬

‫مؤسسممة »غيممر برلمانيممة‪ ،‬بممل مؤسسممة عاملممة«‪‘ .‬ن هممذا القممول قممد فقممأ عيممون البرلمممانيين‬
‫المعاصرين و»كلب الصالونات« البرلمانية للشتراكية‪-‬الديموقراطية بالذات! امعنمموا النظممر فممي أي‬
‫بلد برلماني من أمريكا حمتى سويسمرا ومممن فرنسما حمتى انجلمترا والنممروج وغيرهما‪ ،‬تممروا أن عممل‬
‫»الدولممة« الحقيقممي يجممري وراء الكممواليس وتنفممذه الممدواويني والمكمماتب وهيئات الركممان‪ .‬ففممي‬
‫البرلمانات يكتفون بالهذر بقصد معيممن هممو خممداع »العامممة«‪ .‬وهممذا صممحيح لدرجممة أن جميممع سمموآت‬
‫البرلمانية هذه قد برزت حال حتى في الجمهورية الروسية‪ ،‬وهممي جمهوريممة برجوازيممة ديموقراطيممة‪،‬‬
‫قبممل أن يتسممنى لهمما تكمموين برلمممان حقيقممي‪ .‬فأبطممال البرجوازيممة الصممغيرة المتعفنممة مممن أضممراب‬
‫سكوبيليف وتسيريتيلي وتشيرنوف وأفكسنتييف قد اسممتطاعوا تقبيممح السمموفييتات أيضمما علممى نمممط‬
‫البرلمانية البرجوازية وذلك بجعلها ندوات للهذر الفارغ‪ .‬إن السادة الوزراء »الشممتراكيين« يخممدعون‬
‫فمي السموفييتات الفلحيمن السمريعي التصمديق بطنيمن عبماراتهم وقراراتهمم‪ .‬وفمي الحكوممة تتغيمر‬
‫المشاهد دون انقطاع‪ ،‬من جهة‪ ،‬ليجلس بالتناوب على »مائدة« المقاعممد المممدرارة والمشممرفة أكممبر‬
‫عدد ممكن من الشتراكيين‪-‬الثوريين والمناشفة‪ ،‬ومن الجهة الخرى‪ ،‬بقصد »تحويل أنظار« الشعب‪.‬‬
‫ما في الدواوين وفي مقرات الركان »فينهمكون« في أعمال »الدولة«!‬ ‫أ ّ‬

‫لمد قريب كتبت جريدة »ديلو نمارودا«‪ ،‬لسمان حمال حمزب »الشمتراكيين‪-‬الثموريين« الحماكم‪،‬‬
‫معترفة في مقال افتتاحي لهيئة التحرير –معترفة بقحة أعضاء »الممبيئة الطيبممة« الممتي يتعمماطى فيهمما‬
‫»الجميع« الدعارة السياسية‪ -‬بأن جهاز الموظفين بأكمله ظل فممي الجمموهر ودونممما تغييممر حممتى فممي‬
‫الوزارات العائدة »للشتراكيين« )ول مؤاخذة علمى همذا التعمبير!( وبمأنه يعممل علمى النممط القمديم‬
‫ويعرقل »بكل حرية« المبادرات الثورية! وعلى فرض أن هذا للعتراف لممم يوجممد‪ ،‬أفل يممبرهن علممى‬
‫ذلك واقع اشتراك الشتراكيين‪-‬الثوريين والمناشفة الفعلي في الحكومممة؟ والبعيممد الدللممة هنمما واقممع‬
‫وحيممد‪ ،‬هممو أن السممادة تشمميرنوف وروسممانوف وزينزينمموف وأضممرابهم مممن محممرري »ديلممو نممارودا«‬
‫الموجودين بجمعية الديموقراطيين الدستوريين )الكاديت( في المموزارة قممد فقممدوا الحيمماء لحممد غممدوا‬
‫معه ل يستحون من أن يعلنوا إلى المل دون أن تعلو وجوههم حمرة الخجل كأنما يعلنون أمرا تافهمما‪،‬‬
‫إن كل شيء يجري على النمممط القممديم »عنممدهم« فممي المموزارات!! العبممادة الديموقراطيممة الثوريممة‬
‫لخداع سذج الريمماف‪ ،‬ومممماطلت الممدواوين البيروقراطيممة »لرضمماء« الرأسممماليين‪-‬هممذا هممو فحمموى‬
‫الئتلف »الشريف«‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫لقد استعاضت الكومونة عن برلمانية المجتمع الممبرجوازي المرتشممية والمتعفنممة بمؤسسممات ل‬
‫تنحط فيها حرية الرأي والبحث إلى خداع‪ ،‬لنه يتوجب على البرلمممانيين أن يعملمموا هممم أنفسممهم‪ ،‬أن‬
‫ينفذوا قوانينهم بأنفسهم‪ ،‬أن يتحققوا بأنفسممهم مممن نتائجهمما العمليممة‪ ،‬أن يقممدموا الحسمماب مباشممرة‬
‫لناخبيهم‪ .‬تبقى المؤسسات التمثيلية‪ ،‬ولكن البرلمانية باعتبارها نظاما خاصا‪ ،‬باعتبارهمما فصممل للعمممل‬
‫التشريعي عن التنفيذي‪ ،‬باعتبارها وضعا ممتازا للنواب‪ ،‬تنعدم هنا‪ .‬ل يمكننا أن نتصور الديموقراطية‪،‬‬
‫وحتى الديموقراطية البروليتارية‪ ،‬بدون مؤسسممات تمثيليممة؛ ولكممن يمكننمما ومممن واجبنمما أن نتصممورها‬
‫بدون البرلمانية إذا لم يكن انتقاد المجتمممع الممبرجوازي فممي نظرنمما مجممرد عبممارات فارغممة‪ ،‬وإذا كممان‬
‫طموحنا إلى إسقاط سيطرة البرجوازية صادقا وجديا‪ ،‬ل عبارة »انتخابية« لتصيد أصوات العمال كما‬
‫هو حال المناشفة والشتراكيين‪-‬الثوريين‪ ،‬كما هو حال شيدمان وليغين وسامبا وفانرفيلده‪ ،‬ومن لممف‬
‫لفهم‪.‬‬

‫والبليغ أبلغ الدللة أن ماركس‪ ،‬عندما تكلم عن وظممائف أولئك الممموظفين الممذين تحتمماج إليهممم‬
‫الكومونة وكذلك الديموقراطية البروليتارية‪ ،‬أخذ للمقارنممة المسممتخدمين عنممد »أي كممان مممن أربمماب‬
‫العمل«‪ ،‬أي معمل رأسماليا معتادا بما فيه من »عمال ومراقبين ومحاسبين«‪.‬‬

‫إن ماركس براء كليمما مممن الطوباويممة‪ ،‬بمعنممى أنممه ل يختلممق‪ ،‬ل يتخيممل مجتمعمما »جديممدا«‪ .‬كل‪.‬‬
‫يدرس‪ ،‬كما يدرس مجرى التاريخ الطبيعي‪ ،‬ولدة المجتمع الجديد من القممديم وأشممكال النتقممال مممن‬
‫هذا إلى ذاك‪ .‬وهو يأخذ الخمبرة العمليمة للحركمة البروليتاريمة الجماهيريمة‪ ،‬ويسمعى ليسمتخلص منهما‬
‫الدروس العملية‪ .‬وهو »يتعلم« من الكومونة على غرار جميع المفكرين الثوريين العظممام الممذين لممم‬
‫يتهيبمموا التعلممم مممن خممبرة الحركممات الكممبرى الممتي قممامت بهمما الطبقممة المظلومممة ولممم يلقمموا عليهمما‬
‫»المواعظ« بعجرفة المتزاهي بعمله )على غرار موعظة بليخانوف‪» :‬ما كان ينبغممي حمممل السمملح«‬
‫أو موعظة تسيرتيلي‪» :‬من واجب الطبقة أن تلزم حدها«(‪.‬‬

‫ل يمكن أن تطرح مسألة القضاء على الدواوينية دفعة واحدة‪ ،‬وفي كممل مكممان وبصممورة تامممة‪.‬‬
‫إن هذا من الطوباويات‪ .‬ولكن تكسير اللة الدواوينية القديمممة دفعممة واحممدة والشممروع دونممما إبطمماء‬
‫ببناء آلة جديدة تمكن من القضاء بصورة تدريجية على واجب البروليتاريا الثورية المباشر‪.‬‬

‫تبسط الرأسمممالية وظممائف إدارة »الدولممة«‪ ،‬وهممي تمكممن مممن حصممر المممر كلممه فممي منظمممة‬
‫البروليتاريين )بوصفهم الطبقمة السمائدة(‪ ،‬المتي تسمتأجر باسمم المجتممع كلمه »العممال والمراقمبين‬
‫والمحاسبين«‪.‬‬

‫نحن لسنا طوبويين‪ .‬نحن ل »نحلم« بالستغناء دفعة واحممدة عممن كممل إدارة‪ ،‬عممم كممل خضمموع‪.‬‬
‫فهذه الحلم الفوضوية الناشئة عن عممدم فهممم مهممام ديكتاتوريممة البروليتاريمما هممي غريبممة تماممما عممن‬
‫الماركسية ول تفعل في الواقع غير تأجيل الثورة الشتراكية إلى أن يصبح الناس غير ما هم عليه‪ .‬ل‪.‬‬
‫نحن نريد الثورة الشتراكية مع الناس على ما هم عليه اليوم‪ ،‬مع هؤلء النمماس الممذين ل يسممتطيعون‬
‫الستغناء عن الخضوع‪ ،‬عن المراقبة‪ ،‬عن »المراقبين والمحاسبين«‪.‬‬

‫مرين وجميممع الشممغيلة‪،‬‬


‫ولكممن ينبغممي الخضمموع للطليعممة المسمملحة‪ ،‬لطليعممة جميممع المسممتثث َ‬
‫للبروليتاريا‪ .‬يمكن وينبغي أن يشرع علممى الفممور‪ ،‬بيممن عشممية وضممحاها‪ ،‬بالستعاضممة عممن »تممرؤس«‬
‫موظفي الدولة المتميز بوظائف »المراقبين والمحاسبين« البسيطة‪ ،‬بوظائف هي منذ اليوم كليا في‬
‫مستوى تطور سكان المدن بوجه عام ويمكن القيام بها تماما مقابل »أجرة عامل«‪.‬‬

‫سننظم النتاج الكبير انطلقا مما أنشأته الرأسمالية وسنقوم نحن العمممال بأنفسممنا‪ ،‬مسممتندين‬
‫إلى خبرتنا العمالية وواضعين انضباطا صمارما جمدا‪ ،‬انضمباطا حديممديا تممدعمه سملطة الدولمة للعمممال‬
‫المسلحين‪ ،‬بحصر دور موظفي الدولة في دور مجممرد منفممذين لممما تكلفهممم بممه‪ ،‬فممي دور »مراقممبين‬
‫ومحاسبين« )طبعا‪ ،‬مممع التكنيكييممن مممن جميممع الصممناف والنممواع والممدرجات( يتحملممون المسممؤولية‬
‫ويمكن سحبهم ويتقاضون رواتب متواضعة‪ .‬هذه هي مهمتنا البروليتارية‪ ،‬هذا ما يمكن وممما يجممب أن‬
‫نبدأ به عند القيام بالثورة البروليتارية‪ .‬وهذه البداية القائمة على النتاج الضخم تؤدي بطبيعممة الحممال‬
‫إلى »اضمحلل« الدواوينية كلها بصورة تدريجية‪ ،‬تؤدي بصورة تدريجية إلى نشوء نظام –نظام بدون‬
‫‪26‬‬
‫معترضتين‪ ،‬نظام ل يشبه عبودية العمل المأجور‪ -‬يجممري فيممه تحقيممق وظممائف المراقبممة والمحاسممبة‬
‫التي تغدو أبسط فأبسط من قبل الجميع بالتناوب ثم تغدو هممذه الوظممائف عممادة لممتزول فممي النهايممة‬
‫باعتبارها وظائف خاصة تقوم بها فئة خاصة من الناس‪.‬‬

‫إن أحد الشتراكيين‪-‬الديموقراطيين اللمان الذكيمماء مممن تسممعينات القممرن الماضممي قممد نعممث‬
‫دائرة البريد بنموذج للمشروع الشتراكي‪ .‬وهذا صحيح كل الصحة‪ .‬فالبريد هو الن منظم على طراز‬
‫احتكار رأسمالية الدولة‪ .‬والمبريالية تحول بالتدريج جميع التروستات إلى مشاريع مممن هممذا الطممراز‪.‬‬
‫فالشغيلة »البسطاء« الغمارقون فمي العممل حمتى الذان والجيماع تممتربع فموقهم فيهمما البيروقراطيمة‬
‫البرجوازية عينهمما‪ .‬ولكممن آليممة الدارة الجتماعيممة هممي فممي هممذه المشمماريع جمماهزة‪ .‬فممما أن يسممقط‬
‫مرين وتكسممر اللممة‬ ‫الرأسممماليون وتحطممم يممد العمممال المسمملحين الحديديممة مقاومممة هممؤلء المسممتث ِ‬
‫البيروقراطية للدولة الراهنة حتى نرى أمامنا آلة محررة من »الطفيلي« ومجهزة أحسن تجهيممز مممن‬
‫الناحية التكنيكية يستطيع العمال المتحدون أنفسهم تشغيلها على خير وجه باستئجار الخبراء الفنييممن‬
‫والمراقبين والمحاسبين مكافئينهم على عملهم جميعهم شأنهم شأن جميع موظفي »الدولممة« علممى‬
‫العموم بأجرة عامل‪ .‬هذه هي المهمة العملية الملموسة الممكنة التحقيممق علممى الفممور حيممال جميممع‬
‫التروستات‪ ،‬المهمة التي تخلص الشغيلة من الستثمار وتأخذ بعين العتبممار التجربممة الممتي قممد بممدأتها‬
‫الكومونة عمليا )ول سيما في حقل بناء الدولة(‪.‬‬

‫تنظيممم القتصمماد المموطني برمتممه علممى نمممط البريممد علممى أن ل تزيممد رواتممب الخممبراء الفنييممن‬
‫والمراقبين المحاسبين‪ ،‬شأنهم شمأن جميمع المموظفين‪ ،‬علمى »أجمرة العاممل«‪ ،‬وذلمك تحمت رقابمة‬
‫وقيادة البروليتاريا المسلحة‪- ،‬هذا هو هدفنا المباشر‪ .‬هممذه هممي الدولممة الممتي نحتمماج إليهمما‪ .‬وهممذا هممو‬
‫الساس القتصادي الذي ينبغي أن تقوم عليه‪ .‬وهذا ما سيسفر عنه القضاء على البرلمانية والحفاظ‬
‫على المؤسسات التمثيلية‪ .‬وهذا ما سيخلص الطبقات الكادحة من تعهير هذه المؤسسمات مممن قبممل‬
‫البرجوازية‪.‬‬

‫‪-4‬تنظيم وحدة المة‬


‫»…وقد ورد بوضوح تام في موجز التنظيم القومي الذي لممم يتمموفر للكومونممة المموقت لوضممعه‬
‫بتفصيل أكبر‪ ،‬إن الكومونة يجب أن … تصير الشكل السياسي حتى لصغر قرية« …والكومونة هممي‬
‫التي كان عليها أن تنتخب »منتدبي المة« في باريس‪.‬‬

‫»…والوظائف القليلة‪ ،‬ولكنها الهامة جدا‪ ،‬التي كانت ستظل في يد الحكومة المركزية لم تكن‬
‫لتلغى‪- ،‬ومثل هذا الزعم كان تزويرا عن عمد‪ -‬بل كان يجب نقلهما إلمى مموظفي الكومونمة‪ ،‬أي إلمى‬
‫موظفين ذوي مسؤولية محددة تحديدا دقيقا…‬

‫… ووحدة المة لم تكن لتفصم‪ ،‬بل بالعكس كانت ستنظم عن طممرق البنمماء الكوممموني‪ .‬وكممان‬
‫لوحدة المة أن تصبح حقيقة واقعة بالقضاء على سلطة الدولة التي كانت تدعي بأنهمما تجسمميد لتلممك‬
‫ممما فممي الواقممع‪ ،‬فلممم‬
‫الوحدة‪ ،‬ولكنها كانت ترغب في أن تكون مستقلة عن المة‪ ،‬مسممتعلية عليهمما‪ .‬أ ّ‬
‫تكن سلطة الدولة هذه إل ّ بمثابة الزائدة الطفيلية على جسم المة … وكانت المهمة هي بتر أجهممزة‬
‫الضطهاد البحتة التابعة للسلطة الحكومية القديمة‪ ،‬وانتزاع الوظائف المعتادة من سلطة تطمع بممأن‬
‫تكون فوق المجتمع وتسليمها إلى خدم المجتمع المسؤولين«‪.‬‬

‫إن كتاب المرتد برنشتين »ممهدات الشممتراكية ومهممام الشممتراكية‪-‬الديموقراطيممة« الممذي ذاع‬
‫صيته علممى نممط هيراسممترات يظهممر لنما علمى المموجه الوضمح لي ممدى لمم يفهمم النتهمازيون فممي‬
‫الشتراكية‪-‬الديموقراطية المعاصرة –وقد يصح القول‪ :‬لم يرغبوا في أن يفهموا‪ -‬محاكمممات ممماركس‬
‫هذه بالذات إن هذا البرنامج »من حيث مضمونه السياسي يشبه في جميممع سممماته الجوهريممة شممبها‬
‫كبيرا جدا اتحادية برودون … ورغم كل الختلفات بين ماركس و»البرجوازي الصغير« برودون )يضع‬
‫برنشتين كلمتي »برجوازي صغير« بين قوسين مزدوجيممن ينبغممي لهممما حسممب رأيممه أن يضممفيا علمى‬
‫التعبير شيئا من النكهة( فإن مجرى التفكير عندهما في هذه النقاط متقارب لقصى حممد«‪ .‬وممما مممن‬
‫شك –يتابع برنشتين‪ -‬في أن أهمية المجالس البلدية في ازدياد‪ ،‬ولكن »يبدو لي مممن المشمكوك فيمه‬

‫‪27‬‬
‫أن يكممون واجممب الديموقراطيممة الول إلغمماء )‪ Auflosung‬حرفيمما‪ :‬حممل( الممدول الحديثممة وتغييممر )‬
‫‪ :Umwandlung‬قلب( تنظيمها تغييرا تاما كما يتصور ماركس وبرودون‪ ،‬أي تشكيل مجلس المممة مممن‬
‫مندوبين عن مجالس القاليم أو المحافظات التي تتألف بدورها من مندوبين عن الكومونممات‪ ،‬بحيممث‬
‫يزول بصورة تامة شكل التمثيل الوطني السابق بأكمله« )برنشممتين‪» ،‬ممهممدات«‪ ،‬ص ‪ 134‬و ‪،136‬‬
‫الطبعة اللمانية‪ ،‬سنة ‪.(1899‬‬

‫إنه لمن منتهى الفظاعة أن يخلط المرء نظرات ماركس بصدد »القضاء علممى سمملطة الدولممة‪،‬‬
‫على الطفيلي« مع اتحاد برودون! ولكن ليس من باب الصمدفة‪ ،‬لنمه ل يمكمن حمتى أن يخطمر ببمال‬
‫النتهازي أن ماركس ل يتكلم هنا البتة عن التحادية باعتبارها نقيض المركزيممة‪ ،‬بممل عممن تحطيممم آلممة‬
‫الدولة القديمة‪ ،‬البرجوازية‪ ،‬الموجودة في جميع البلدان البرجوازية‪.‬‬

‫ل يخطر ببال النتهازي إل ّ ممما يممراه مممن حمموله مممن بيئة التممافهين صممغار الممبرجوازيين والركممود‬
‫»الصلحي«‪ ،‬أي يضطر بباله مجرد »المجالس البلدية«! أما ثورة البروليتاريمما فقممد أضمماع النتهممازي‬
‫حتى المقدرة على التفكير بها‪.‬‬

‫إن هذا مضحك‪ .‬ولكن البليغ الدللة أن أحدا لم يجادل برنشتين حول هذه النقطة‪ .‬فقممد دحضممه‬
‫كثيرون ولسيما بليخانوف في الدب الروسي وكاوتسكي في الدب الوروبممي‪ ،‬ولكممن لممم يتحممدث ل‬
‫هذا ول ذاك عن هذا التشويه لماركس من جانب برنشتين‪.‬‬

‫لقد أضاع النتهازي مقدرته علمى التفكيممر الثموري والتفكيممر بممالثورة إلمى حممد أنممه ينسمب إلممى‬
‫ما كاوتسكي وبليخانوف الراغبان‬ ‫ماركس »التحادية« ويخلط بينه وبين مؤسس الفوضوية برودون‪ .‬أ ّ‬
‫في أن يكونا من الماركسيين الرثوذكس وفي الذود عممن تعمماليم الماركسممية الثوريممة فيصمممتان عممن‬
‫ذلك! وهنا يكمن جذر من جذور البتذال المفرط للراء بصدد الفرق بين الماركسية والفوضوية‪ ،‬ذلك‬
‫البتذال الذي يلزم الكاوتسكيين والنتهازيين على حد سواء والذي سنتحدث عنه فيما بعد‪.‬‬

‫ل يوجد للتحادية أثر فيما أوردناه من محاكمات ماركس عن خممبرة الكومونممة‪ .‬يلتقممي ممماركس‬
‫وبرودون بالضبط فيما ل يممراه النتهممازي برنشممتين‪ .‬ويفممترق ممماركس وبممرودون بالضممبط فيممما يممراه‬
‫برنشتين وجه الشبه‪.‬‬

‫يلتقي ماركس وبرودون في كون الثنين يناديان بم»تحطيم« آلة الدولممة الحديثممة‪ .‬وهممذا الشممبه‬
‫بيممن الماركسممية والفوضمموية )بممرودون وبمماكونين علممى حممد سممواء( ل يريممد أن يممراه النتهممازيون ول‬
‫الكاوتسكيون لنهم حادوا عن الماركسية في هذه النقطة‪.‬‬

‫ويفترق ماركس عن برودون وكذلك عن باكونين في مسألة التحادية على وجه التحقيق )فضل‬
‫عن ديكتاتورية البروليتاريا(‪ .‬التحادية تنبثق مبدئيا عن النظرات البرجوازيممة الصممغيرة للفوضمموية‪ .‬إن‬
‫ماركس من القائلين بالمركزية‪ .‬وفيما أوردناه من محاكماته ل يوجد أي تراجع عممن المركزيممة‪ .‬فقممط‬
‫النمماس الممذين حشمميت رؤوسممهم حشمموا »باليمممان الخرافممي العمممى« الممبرجوازي الصممغير بالدولممة‬
‫يستطيعون أن يروا في القضاء على آلة الدولة البرجوازية قضاء على المركزية!‬

‫ولكن إذا ما أخذ البروليتاريون وفقراء الفلحين بأيديهم سلطة الدولة وإذا تنظموا بملء الحرية‬
‫في كومونة ووحدوا عمل جميع الكومونات في ضربات يوجهونها ضد الرأسمال‪ ،‬في تحطيم مقاومممة‬
‫الرأسماليين‪ ،‬في نقل الملكية الخاصة للسكك الحديدية والمصانع والرض وغيرها إلى المة بأسرها‪،‬‬
‫إلى المجتمع بأسره‪ ،‬أفل يكون ذلك من المركزية؟ أليس ذلك بالمركزيممة الديموقراطيممة المسممتقيمة‬
‫أشد الستقامة؟ بله المركزية البروليتارية؟‬

‫ل يمكن البتة أن يخطر لبرنشتين ببال احتمال مركزية طوعية‪ ،‬توحيد طمموعي للكومونممات فممي‬
‫أمممة‪ ،‬تلحممم طمموعي للكومونممات البروليتاريممة فممي أمممر تحطيممم السمميادة البرجوازيممة وآلممة الدولممة‬

‫‪28‬‬
‫البرجوازية‪ .‬فبرنشتين‪ ،‬شأنه شأن جميع ذوي الذهنية البرجوازية الصممغيرة‪ ،‬يتصممور المركزيممة بمثابممة‬
‫شيء ل يمكن فرضه والبقاء عليه إل ّ من أعلى‪ ،‬وعن طريق دواوين الموظفين والطغمة العسكرية‪.‬‬

‫لقد أشار ماركس عمدا‪ ،‬وكأنه توقع إمكانية تشويه نظراته‪ ،‬إلى أن اتهام الكومونة بالرغبة في‬
‫القضاء على وحدة المة وفي إلغاء السلطة المركزية هو من التزوير المتعمممد‪ .‬وقممد تقصممد ممماركس‬
‫استعمال تعبير »تنظيم وحدة المة« لكيما يعممارض المركزيممة البرجوازيممة والعسممكرية البيروقراطيممة‬
‫بالمركزية البروليتارية الواعية والديموقراطية‪.‬‬

‫ولكن… قد اسممتمعت لممو نمماديت حيمما‪ .‬والحممال‪ ،‬أن النتهممازيين فممي الشممتراكية‪-‬الديموقراطيممة‬
‫الحديثة ل يريدون بتاتا أن يسمعوا بالقضاء على سلطة الدولة‪ ،‬ببتر الطفيلي‪.‬‬

‫‪ -5‬القضاء على الطفيلي‪ ،‬على الدولة‬


‫لقد أوردنا أقوال ماركس المناسبة وعلينا أن نردفها بأقوال أخرى له‪.‬‬

‫لقد كتب ماركس‪:‬‬

‫»… إن النصيب المعتاد للبداع التاريخي الجديد أنه يعتبر صنوا لشكال قديمة أو حتى لشممكال‬
‫بائدة للحياة الجتماعية تشبهها مؤسسات جديدة بعممض الشممبه‪ .‬وهكممذا‪ ،‬أن هممذه الكومونممة الجديممدة‬
‫التي تحطم )‪-bricht‬تكسر( سلطة الدولة الحديثة اعتبرت بمثابة بعث لكومونات العصور الوسطى…‬
‫بمثابة اتحاد للدول الصغيرة )مونتيسكيو‪ ،‬الجيرونديون(‪ …،‬بمثابة شكل مضممخم للكفمماح القممديم ضممد‬
‫التمركز المفرط…‬

‫… إن التنظيم الكوموني كان سيعيد إلى الجسم الجتماعي جميممع القمموى الممتي ابتلعتهمما حممتى‬
‫ذلك الحين »الدولة«‪ ،‬تلك الزائدة الطفيلية التي تقتات على حسمماب المجتمممع وتعيممق تقممدمه الحممر‪.‬‬
‫وهذا وحده كان يكفي لن يتقدم بعث فرنسا…‬

‫…أن التنظيم الكوموني كان سيضع المنتجين الريفيين تحت القيادة الروحيمة للممدن الرئيسمية‬
‫في كل منطقة ويؤمن لهم هناك‪ ،‬في شخص عمال المدن‪ ،‬الممثلين الطبيعيين لمصالحهم‪ .‬إن وجود‬
‫الكومونة انطوى في حد ذاته‪ ،‬وكشمميء بممديهي‪ ،‬علممى الدارة الذاتيممة المحليممة‪ ،‬ولكممن ليممس كنقيممض‬
‫لسلطة الدولة التي تغدو منذ الن زائدة«‪.‬‬

‫»القضاء على سلطة الدولة« التي كانت »زائدة طفيليممة«‪» ،‬بممتر«همما‪» ،‬تحطيممم«همما؛ »سمملطة‬
‫الدولة تغدو منذ الن زائدة« ‪-‬بهذه التعممابير تكلممم ممماركس عممن الدولممة فممي تقممديره وتحليلممه لخممبرة‬
‫الكومونة‪.‬‬

‫كتب كل ذلك منذ نصف قرن تقريبمما ويتممأتي الن أن نقمموم بممما يشممبه الحفريممات لنوصممل إلممى‬
‫إدراك الجماهير الغفيرة تعاليم الماركسية غير مشوهة‪ .‬فعندما حل عهد الثورات البروليتارية الكبرى‬
‫الجديدة‪ ،‬في هذا العهد بالضبط نسوا الستنتاجات التي خلص إليها ماركس من تتبع آخر ثممورة كممبرى‬
‫حدثت في حياته‪.‬‬

‫»…إن تعدد الشروح التي استتبعتها الكومونة وتعممدد المصممالح الممتي وجممدت فيهمما تعممبيرا عنهمما‬
‫يثبتان أنها كانت شكل سياسميا مرنما للغايمة‪ ،‬بينمما كمانت جميمع الشمكال السمابقة للحكوممة أشمكال‬
‫للضطهاد من حيث جوهرها‪ .‬وكان سر الكومونة الحقيقي هو هذا‪ :‬كانت‪ ،‬من حيث الجمموهر‪ ،‬حكومممة‬
‫الطبقة العاملة‪ ،‬كانت نتاج كفاح طبقة منتجين ضد طبقة المستأثرين‪ ،‬كانت الشكل السياسممي الممذي‬
‫اكتشف أخيرا والذي كان يمكن في ظله أن يتحقق التحرر القتصادي للعمل…‬

‫‪29‬‬
‫ولول هذا الشرط الخير لكان التنظيم الكوموني أمرا مستحيل ولكان غشا…«‬

‫لقد انصرف الطوباويون إلى »اكتشاف« الشكال السياسية التي ينبغممي أن تحممدث فممي ظلهمما‬
‫إعادة تنظيم المجتمع على أساس الشتراكية‪ .‬وقد أشاح الفوضويون بوجوههم عن مسممألة الشممكال‬
‫السياسية بوجه عام‪ .‬وقبل النتهازيون في الشتراكية‪-‬الديموقراطية البرلمانية كحد ل يمكممن تخطيممه‬
‫وعفروا جباههم في الركوع والسجود أمممام هممذا »المعبممود« وأعلنمموا مممن الفوضمموية كممل نزعممة إلممى‬
‫تحطيم هذه الشكال‪.‬‬

‫لقد استخلص ماركس من كامل تاريخ الشتراكية والنضال السياسي أنه ل بد للدولة أن تممزول‬
‫وأن الشكل النتقالي لزوالها )النتقال من الدولة إلى اللدولمة( سميكون »البروليتاريما المنظممة فمي‬
‫طبقة سائدة«‪ .‬ولكن ماركس لم يأخذ على عاتقه اكتشاف الشكال لهذا المستقبل‪ .‬لقد اقتصر على‬
‫تتبع التاريخ الفرنسي بصورة دقيقة‪ ،‬على تحليله وعلى اسممتخلص السممتنتاج الممذي قممادت إليممه سممنة‬
‫‪ :1851‬تقترب المور من تحطيم آلة الدولة البرجوازية‪.‬‬

‫وعندما اندلعت حركة البروليتاريا الثورية الجماهيرية أخذ ماركس‪ ،‬رغممم إخفمماق هممذه الحركممة‪،‬‬
‫رغم قصرها‪ ،‬رغم ضعفها البين‪ ،‬في دراسة ما اكتشفته من أشكال‪.‬‬

‫الكومونة هي الشكل الذي »اكتشفته أخيممرا« الثممورة البروليتاريممة والممذي يمكممن فممي ظلممه أن‬
‫يتحقق التحرر القتصادي للعمل‪.‬‬

‫الكومونة هي أول محاولة تقوم بها الثورة البروليتارية لتحطيم آلة الدولة البرجوازيممة والشممكل‬
‫السياسي الذي »ُأكتشف أخيرا« والذي يمكن ويجب أن يستعاض به عن المح ّ‬
‫طم‪.‬‬

‫وسنرى فيما يأتي من البحث أن الثوريين الروسمميين فممي سممنتي ‪ 1905‬و ‪ 1917‬تابعتمما قضممية‬
‫الكومونة في حالة أخرى وفي ظروف أخرى وأنها تثبتان تحليل ماركس التاريخي العبقري‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تتمة‪ .‬شروح اضافية لنجلس‬
‫لقد تقدم ماركس بما هو أساسي في مسألة أهمية خبرة الكومونممة‪ .‬وقمد رجممع إنجلممس ممرارا‬
‫إلى الموضوع نفسه شارحا تحليل ماركس واستنتاجاته وموضحا الوجوه الخرى فممي المسممألة بقمموة‬
‫وجلء مما يجعل من الضروري تناول هذه الشروح بوجه خاص‪.‬‬

‫‪»-1‬مسألة المساكن«‬
‫كان انجلس قد راعى خبرة الكومونة فممي مممؤلفه عممن مسممائل المسمماكن )سممنة ‪ (1872‬حيممن‬
‫تناول فيه عدة مرات مهام الثورة حيال الدولة‪ .‬وما يستوقف النظر أنه قد بين بوضوح‪ ،‬اسممتنادا إلممى‬
‫هذا الموضوع الملموس‪ ،‬من جهة‪ ،‬وجوه الشبه بين الدولة البروليتارية والدولة الراهنة‪ ،‬ومممن الجهممة‬
‫الخرى‪ ،‬وجوه التباين أو النتقال إلى القضاء على الدولة‪.‬‬

‫»ما السبيل إلى حل مسألة السكن؟ تحل هذه المسألة في المجتمع الحممالي تماممما كممما تحممل‬
‫كل مسألة اجتماعية أخرى‪ :‬بالتوازن التدريجي بين العرض والطلب اقتصاديا‪ ،‬وهذا حل يثير المسألة‬
‫بحد ذاته مجددا‪ ،‬أي أنه ل يعطي أي حل‪ .‬وكيممف تحممل الثممورة الجتماعيممة هممذه المسممألة؟ إن هممذا ل‬
‫يتوقف فقط على ظروف الزمان والمكان‪ ،‬بل يتوقف كممذلك علممى مسممائل أبعممد مممدى بكممثير‪ ،‬وبيممن‬
‫الرئيسية منها مسألة إزالة التضاد بين المدينة والريف‪ .‬ولما كنا لنريد النصاف إلممى اخممتراع أشممكال‬
‫طوباوية لتنظيم المجتمع المقبل يكون الوقوف عند هذه المسائل أكممثر مممن لغممو‪ .‬بيممد أن ثمممة أمممرا‬
‫واضحا‪ :‬يوجد في المدن الكبرى الن عدد كاف من عمارات السكنى يكفي ليسد على الفور الحاجممة‬
‫الحقيقية إلى المساكن شريطة أن يسممتفاد مممن هممذه العمممارات بالشمكل المعقممول‪ .‬ول يحقمق ذلممك‬
‫بطبيعة الحال إل ّ عن طريق مصادرة عمارات المالكين الحاليين وعن طريق جعلهمما مسمماكن للعمممال‬
‫الذين ل مساكن لهم أو الذين يسكنون في شمقاق مزدحممة جمدًا‪ .‬وممذ تظفمر البروليتاريما بالسملطة‬
‫السياسية يصبح هذا التمدبير المذي تفرضمه المصملحة العاممة أممرا هيمن التحقيمق شمأنه شمأن سمائر‬
‫العمليات التي تقوم بها الدولة الحالية لمصادرة الشقات واشتغالها« )ص ‪ ،22‬الطبعة اللمانية‪ ،‬سممنة‬
‫‪.(1887‬‬

‫إن البحث هنا ل يدور حول تغيير شكل سلطة الدولة‪ ،‬بل يتناول مضمون نشاطها وحسممب‪ .‬إن‬
‫مصادرة واشتغال المساكن يجريان بأمر من الدولة الحاليممة أيضمما‪ .‬والدولممة البروليتاريممة‪ ،‬مممن وجهممة‬
‫النظر الشكلية‪» ،‬تصدر« كذلك »الوامر« باشغال الشقات ومصادرة البيوت‪ .‬ولكممن الواضممح هممو أن‬
‫الجهاز التنفيذي القديم‪ ،‬جهاز الموظفين المرتبطين بالبرجوازية‪ ،‬لن يكممون علممى العممموم أهل لتنفيممذ‬
‫أوامر الدولة البروليتارية‪.‬‬

‫»…ول بد من أن نلحظ أن تملك الشعب العامل بالفعل لجميع أدوات العمل‪ ،‬لكامل الصناعة‪،‬‬
‫هو النقيض المباشر »للشراء« الذي يقول به برودون‪ .‬ففي الحالة الخيرة يصبح كل عامممل بمفممرده‬
‫مالكا لمسكن‪ ،‬ولقطعممة أرض فلحيممة لدوات عمممل‪ .‬وفممي الحالممة الولممى يظممل »الشممعب العامممل«‬
‫المالك الجممماعي للممبيوت والمصممانع وأدوات العمممل‪ .‬وهممذه الممبيوت والمصممانع الممخ‪ ،.‬ل نحسممب أنهمما‬
‫ستعطي لشخاص منفردين أو لجمعيات منفردة للستفادة منهمما دون تغطيممة التكمماليف‪ ،‬وذلممك علممى‬
‫القل في مرحلة النتقال‪ .‬كما أن القضاء على ملكية الرض ل يفرض القضمماء علممى الريممع العقمماري‪،‬‬
‫بل تحويله إلى المجتمع‪ ،‬وان بشكل مكيف‪ .‬وعليه‪ ،‬كان التملك الفعلي لجميع أدوات العمل من قبممل‬
‫الشعب العامل ل ينفي بأي حال بقاء التأجير والستئجار« )ص ‪.(68‬‬

‫إن المسألة المبحوثة في هذه الفقرة‪ ،‬ونعني بها مسألة السس القتصادية لضمحلل الدولممة‪،‬‬
‫هي موضوع بحثنا في الفصل التالي‪ .‬يتحدث انجلس هنا بمماحتراس شممديد إذ بقممول‪» :‬ل نحسممب« أن‬
‫الدولة البروليتارية ستوزع المساكن دون أجور‪» ،‬على القل في مرحلة النتقال«‪ .‬فتممأجير المسمماكن‬
‫التي هي ملك للشعب كله إلى هذه العائلة أو تلك مقابل أجرة‪ ،‬يفرض قبض هذه الجرة ونوعمما مممن‬
‫الرقابة وتحديد هذا المعدل أو ذاك في توزيع المساكن‪ .‬وكل هذا يقتضي شكل ما من أشكال الدولة‪،‬‬
‫ممما‬
‫ولكنه ل يقتضي بتاتا جهازا عسكريا وبيروقراطيا خاصا مع موظفين يتمتعممون بامتيممازات خاصممة‪ .‬أ ّ‬

‫‪31‬‬
‫النتقال إلى حالة يصبح معها بالمكان إعطاء المساكن دون مقابل‪ ،‬فإنه منوط بم»اضمحلل« الدولة‬
‫بصورة تامة‪.‬‬

‫وإذا تحدث انجلس عن انتقال اتباع بلنكي إلى موقف الماركسية المبدئي بعد الكومونة وتحت‬
‫تأثير خبراتها‪ ،‬صاغ هذا الموقف في سياق الحديث بالشكل التالي‪:‬‬

‫»… ضرورة عمل البروليتاريا السياسي وديكتاتوريتها‪ ،‬باعتبار ذلك انتقممال إلممى إلغمماء الطبقممات‬
‫ومعها الدولة…« )ص ‪.(55‬‬

‫ولعل هواة النقد الحرفممي أو لعممل »مبيممدي الماركسممية« الممبرجوازيين يممرون تناقضمما بيممن هممذا‬
‫العتراف بم»إلغاء الدولة« وإنكار هذه الصيغة‪ ،‬باعتبارها فوضوية‪ ،‬في الفقرة التي أوردناها أعله من‬
‫»ضد دوهرينغ«‪ .‬ول مجال للستغراب إذا ما وضع النتهازيون انجلس نفسه في عداد »الفوضويين«‪.‬‬
‫ففي الوقت الحاضر‪ ،‬يعد الشتراكيون‪-‬الشوفينيون أكثر فأكثر إلى اتهام المميين بالفوضوية‪.‬‬

‫لقد علمت الماركسية على الدوام أن الدولة تلغي مع إلغاء الطبقات‪ .‬فممالفقرة المعروفممة مممن‬
‫الجميع في »ضد دوهرينغ« بصدد »اضمحلل الدولة« تتهم الفوضويين ل بمجرد قولهم بإلغاء الدولة‪،‬‬
‫بل بأنهم يروجون بزعم مفاده أن بالمكان إلغاء الدولة »بين عشية وضحاها«‪.‬‬

‫وبما أن النزعة »الشتراكية‪-‬الديموقراطية« السائدة اليوم قد شوهت تماما موقف الماركسمية‬


‫من الفوضوية في مسألة القضاء على الدولة‪ ،‬فمن المفيد جدا أن نذكر بجدال لماركس وانجلس مع‬
‫الفوضويين‪.‬‬

‫‪ -2‬جدال مع الفوضويين‬
‫يعود هذا الجدال إلى سنة ‪ .1872‬لقد نشر ماركس وإنجلس في مجموعممة اشممتراكية ايطاليممة‬
‫مقالين ضد أتباع برودون و»أنصار الحكم الداتي« أو »خصوم السلطة«‪ ،‬ولم يصممدر هممذان المقممالن‬
‫في » ‪ «Neue Zeit‬مترجمين إلى اللمانية إل ّ في سنة ‪.1913‬‬

‫كتب ماركس ساخرا من الفوضويين ومن إنكارهم للسياسة‪:‬‬

‫»… إذا كممان نضممال الطبقممة العاملممة السياسممي يتخممذ أشممكال ثوريممة‪ ،‬وإذا ممما أقممام العمممال‬
‫ديكتاتوريتهم الثورية مقام ديكتاتورية البرجوازية‪ ،‬فهم يقترفون بممذلك جريمممة منكممرة‪ ،‬جريمممة إهانممة‬
‫المبممادئ‪ ،‬لن العمممال لكيممما يسممدوا حاجمماتهم اليوميممة الحقيممرة الفظممة‪ ،‬لكيممما يحطممموا مقاومممة‬
‫البرجوازية‪ ،‬يعطون الدولة شكل ثوريا وعابرا بدل من أن يلقوا أسلحتهم ويلغمموا الدولممة… « )»‪Neue‬‬
‫‪ Zeit» 1913-1914‬السنة ‪ ،32‬المجلد ‪ ،1‬ص ‪.(40‬‬

‫إن ماركس بدحضه للفوضويين لم يستنكر غير هذا النوع من »إلغاء« الدولمة! إنمه لمم يعمترض‬
‫على الفقرة القائلة بأن الدولة ستزول مممع زوال الطبقممات أو أنهمما سممتلغى مممع إلغمماء الطبقممات‪ ،‬لممم‬
‫يعترض إل ّ على الفكرة القائلة بعدول العمال عن استخدام السلح‪ ،‬عن استخدام العنف المنظم‪ .‬أي‬
‫عن الدولة التي يتوجب عليها أن تخدم الهدف التالي‪» :‬تحطيم مقاومة البرجوازية«‪.‬‬

‫يتعمد ماركس الشممارة –لكيل يشمموهوا مغممزى نضمماله ضممد الفوضمموية –إلممى »الشممكل الثمموري‬
‫والعابر« للدولة الضرورية للبروليتاريا‪ .‬ل تحتاج البروليتاريا إلى الدولة إل ّ لزمممن محممدود‪ .‬نحممن لسممنا‬
‫بتاتا في خلف مع الفوضويين في مسألة إلغاء الدولة باعتبار ذلممك هممدفا‪ .‬إنممما نحممن نجممزم بممأن مممن‬
‫الضممروري لبلمموغ هممذا الهممدف أن تسممتخدم مؤقتمما أدوات ووسممائل وأسمماليب سمملطة الدولممة ضممد‬
‫المستثمرين‪ ،‬كما أن إلغاء الطبقات يسممتلزم‪ ،‬كممأمر موقمموت‪ ،‬ديكتاتوريممة الطبقممة المظلومممة‪ .‬يختممار‬
‫ماركس الشكل الحد والوضح لطممرح المسممألة ضممد الفوضممويين‪ :‬أينبغممي للعمممال إذ يسممقطون نيممر‬

‫‪32‬‬
‫الرأسماليين أن »يلقوا السملح« أم أن يسممتخدموه ضمد الرأسممماليين لتحطيممم مقمماومتهم؟ وممما هممو‬
‫استخدام السلح بصورة منتظمة من جانب طبقة ضد أخرى إن لم يكن »شك ً‬
‫لعابرا« للدولة؟‬

‫فليسأل كل اشتراكي‪-‬ديموقراطي نفسه‪ :‬هل يطرح هو نفسه مسألة الدولة بهذا الشممكل فممي‬
‫الجدال مع الفوضويين؟ هل كانت الكثرية الكممبرى مممن الحممزاب الشممتراكية الرسمممية فممي المميممة‬
‫الثانية تطرح هذه المسائل بهذا الشكل؟ يبسط انجلس هذه الفكار نفسها بتفصيل أكبر جدا وتعممابير‬
‫أسهل جدا‪ .‬إنه يسخر قبل كممل شمميء مممن اضممطراب تفكيممر أنصممار بممرودون الممذين سممموا أنفسممهم‬
‫»خصوم السلطة«‪ ،‬أي أنهم أنكروا كل سلطان‪ ،‬كل خضمموع‪ ،‬كممل سمملطة‪ .‬يقممول إنجلممس‪ :‬خممذوا أي‬
‫معمل أو سكة حديد أو سفينة في عممرض البحممار‪ .‬أفليممس مممن الواضممح أن عمممل هممذه المؤسسممات‬
‫التكنيكية المعقدة القائمة على استخدام اللت والتعاون المنهجي بين كثرة من الشممخاص يسممتحيل‬
‫بدون نوع من الخضوع‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬بدون نوع من سلطان أو سلطة؟ وكتب إنجلس‪:‬‬

‫»… إذا ما اعترضت بهممذه الحجممج علممى خصمموم السمملطة الشممد تعنتمما فهممم ل يسممتطيعون أن‬
‫يجيبوني بغير جواب واحد‪» :‬أجل! هذا صحيح‪ .‬ولكن ل يدور الحديث هنا عن السلطان الممذي نمحضممه‬
‫لمندوبينا‪ ،‬بل على تكليف معين«‪ .‬إن هؤلء الناس يحسبون أننا نستطيع تغييممر أمممر ممما إذا ممما غيرنمما‬
‫اسمه…«‪.‬‬

‫وبعد ان بين إنجلس بهذا الشكل أن السلطان والحكم الذاتي هما مممن المفمماهيم النسممبية وأن‬
‫ميدان تطبيقهما يتغير تبعا لمختلف مراحل التطور الجتماعي وأن من الحماقممة فهمهممما كمطلقممات‪،‬‬
‫وبعد أن أضاف أن ميدان استخدام اللت والنتاج الضخم يتسع باسممتمرار‪ ،‬إنتقممل مممن البحممث العممام‬
‫حول السلطان إلى مسألة الدولة‪.‬‬

‫وقد كتب‪:‬‬

‫»لممو اقتصممر أنصممار الحكممم الممذاتي علممى القممول بممأن التنظيممم الجتممماعي المقبممل لممن يسمممح‬
‫بالسلطان إل ّ ضمن الحدود التي تفرضها ظروف النتاج بالضممرورة‪ ،‬ل مكممن التفمماهم معهممم‪ .‬ولكنهممم‬
‫عميان حيال جميع الوقائع التي تجعل السلطان أمرا ضروريا‪ ،‬وهم يناضلون بحماسة ضد الكلمة‪.‬‬

‫لماذا ل يقتصر خصوم السلطة علممى الصممياح ضممد السمملطان السياسممي‪ ،‬ضممد الدولممة؟ فجميممع‬
‫الشتراكيين متفقون علممى أن الدولممة تممزول ومعهمما السمملطان السياسممي بنتيجممة الثممورة الجتماعيممة‬
‫المقبلة‪ ،‬أي أن الوظائف الجتماعية تفقد طابعها السياسي وتتحول إلى مجرد وظائف إداريممة تسممهر‬
‫على المصالح الجتماعية‪ .‬ولكن خصوم السلطة يطلبون إلغاء الدولة السياسية دفعة واحدة‪ ،‬قبل أن‬
‫تلغى العلقات الجتماعية التي نشأت عنها الدولة‪ .‬إنهم يطلبون أن يكممون إلغمماء السمملطة أول عمممل‬
‫تقوم به الثورة الجتماعية‪.‬‬

‫فهل رأى هؤلء السادة ثورة في يوم ما؟ إن الثمورة همي دون شمك سملطة مما بعمدها سملطة‪،‬‬
‫الثورة هي عمل يفرض به قسم من السكان إرادته على القسم الخر بالبنممادق‪ ،‬بممالحرب‪ ،‬بالمممدافع‪،‬‬
‫أي بوسائل ل يعلو سلطانها سلطانا‪ .‬ويأتي على الحزب الغمالب أن يحمافظ بالضمرورة علمى سميادته‬
‫عن طريق الخوف الذي توجيه أسلحته للرجعيين‪ .‬فلو لم تستند كومونة باريس إلى سلطان الشممعب‬
‫المسلح ضد البرجوازية فهل كان بإمكانها أن تصمد أكثر مممن يمموم واحممد؟ وهل يحممق لنمما أن نلومهمما‪،‬‬
‫ممما أن خصمموم السملطة ل‬ ‫بالعكس‪ ،‬لنها لم تلجأ لهذا السمملطان إل ّ قليل جممدًا؟ وهكممذا أحممد أمريممن‪ :‬أ ّ‬
‫ممما أنهممم يعرفممون وفممي هممذه‬‫يعرفون ما يقولون‪ ،‬وفي هذه الحالة ل يعملون غير خلق التشممويش‪ ،‬وأ ّ‬
‫الحالة يخونون قضية البروليتاريا‪ .‬وهم في الحالتين ل يخدمون غير الرجعية« )ص ‪.(39‬‬

‫إن هذه الفقرة تتطرق إلى مسائل ينبغي بحثهمما بالتصممال مممع موضمموع العلقممة بيممن السياسممة‬
‫والقتصاد عند اضمحلل الدولة )ونتنمماول هممذا الموضمموع فممي الفصممل التممالي(‪ .‬ومممن هممذه المسممائل‬
‫المتعلقة بتحول الوظائف الجتماعية عن وظائف سياسية إلى مجرد وظائف إدارية ومسألة »الدولممة‬
‫السياسية«‪ .‬وهذا التعبير الخير الذي يمكنه بصورة خاصة أن يستدعي سوء الفهم يشير إلممى عمليممة‬

‫‪33‬‬
‫اضمحلل الدولة‪ :‬فالدولة الخذة بالضمحلل يمكن نعتها عند درجة معينة من اضمحللها بالدولممة الل‬
‫سياسية‪.‬‬

‫والمر البلغ فممي دللتممه فممي فقممرة إنجلممس هممذه هممو مممرة أخممرى كيفيممة طممرح المسممألة ضممد‬
‫الفوضويين‪ .‬فالشتراكيون‪-‬الديموقراطيون الراغبون في أن يكونوا تلمممذة لنجلممس قممد تجممادلوا مممع‬
‫الفوضويين مليين المرات ابتداء من سنة ‪ 1873‬ولكنهممم لممم يجممادلوا كممما يمكممن ويجممب أن يجممادل‬
‫الماركسيون‪ .‬إن التصور الفوضوي للغاء الدولة هو تصور مشوش وغير ثوري‪- ،‬هكمذا طمرح إنجلمس‬
‫المسألة‪ .‬فالفوضويون ل يريدون أن يروا الثورة على وجه الضبط في نشوئها وتطورها‪ ،‬فممي مهامهمما‬
‫الخاصة حيال العنف والسلطان والسلطة والدولة‪.‬‬

‫إن انتقاد الفوضوية المألوف لدى الشتراكيين‪-‬الديموقراطيين المعاصرين قد اقتصر علمى هممذا‬
‫مما الفوضممويون فل!«‪ .‬وهممذا البتممذال ل‬ ‫البتذال البرجوازي الصغير الصرف‪» :‬نحن نعترف بالدولمة‪ ،‬أ ّ‬
‫ما إنجلممس فيممدلي بممرأي آخممر‪ :‬إنممه‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫محدود‪.‬‬ ‫يمكنه طبعا إل ّ يبعد العمال المفكرين والثوريين ولو لحد‬
‫يؤكد أن جميع الشتراكيين يعترفون بأن الدولة تزول بنتيجممة الثممورة الشممتراكية‪ .‬ثممم يطممرح بصممورة‬
‫ملموسة الثورة‪ ،‬أي بالضبط تلك المسألة التي يتحاشاها فممي المعتمماد الشممتراكيون‪-‬الممديموقراطيون‬
‫النتهازيون تاركينها‪ ،‬إن أمكن القول‪ ،‬لينفرد الفوضويون في »دراستها«‪ .‬وما أن طممرح إنجلممس هممذه‬
‫المسألة حتى تناول رأسا لبها‪ :‬أما كان ينبغي للكومونة أن تلجأ لحد أكبرإلى السلطة الثورية للدولممة‪،‬‬
‫أي إلى سلطة البروليتاريا المسلحة والمنظمة في طبقة سائدة؟‬

‫إن الشتراكية‪-‬الديموقراطية الرسمية السائدة تتحاشى في المعتمماد مسممألة مهممام البروليتاريمما‬


‫ما‪ ،‬في أحسن الحالت‪ ،‬بسفسممطة‬ ‫ما بمجرد تهكم التافه البرجوازي الصغير وأ ّ‬
‫الملموسة في الثورة أ ّ‬
‫التهرب‪» :‬من يعش ير«‪ .‬وهكذا حصل الفوضويون علممى حمق اتهمام هممذه الشممتراكية‪-‬الديموقراطيممة‬
‫بأنهما تخمون واجباتهما فمي أممر تربيممة العمممال تربيممة ثوريمة‪ .‬لقمد اسممتفاد إنجلمس ممن خمبرة الثمورة‬
‫البروليتارية الخيرة بالضبط لكيما يدرس بالشكل الملموس التم ما وكيممف ينبغممي علممى البروليتاريمما‬
‫أن تفعله حيال البنوك وحيال الدولة على السواء‪.‬‬

‫‪ -3‬رسالة إلى بيبل‬


‫من أروع‪ ،‬إن لم يكن الروع‪ ،‬ما ورد في مؤلفات ماركس وانجلس بصدد مسألة الدولة الفقرة‬
‫التالية في رسالة وجهها إنجلس إلى بيبل في ‪ 28-18‬مارس سنة ‪ .1875‬ونقول بيممن معترضممتين أن‬
‫هذه الرسالة قد نشرها بيبل لول مرة‪ ،‬على ما نعلم‪ ،‬في المجلد الثاني من مذكراته )»ذكريات مممن‬
‫حياتي«( الصادرة في ‪ ،1911‬أي بعد مضي ‪ 36‬سنة على تحريرها وإرسالها‪.‬‬

‫فقد كتب إنجلس إلى بيبل‪ ،‬منتقدا ً نفس مشروع برنامج غوتا الذي انتقممده ممماركس أيضمما فممي‬
‫رسالته الشهيرة إلى براكه‪ ،‬ومتطرقا بصورة خاصة إلى مسألة الدولة قائل‪.‬‬

‫»…الدولة الشعبية الحرة صارت إلى دولة حرة‪ .‬والدولة الحرة تعني من الناحية اللغويممة دولممة‬
‫حرة إزاء مواطنيها‪ ،‬إي دولة ذات حكومة مستبدة‪ .‬وينبغي الكف عن كل هذه الممثرثرة بصممدد الدولممة‬
‫ولسيما بعد الكومونة التي لم تبق دولة بمعنى الكلمة الصلي‪ .‬لقد كفانا ما فقممأ الفوضممويون عيوننمما‬
‫بم»الدولة الشعبية«‪ ،‬رغم أنه قد قيل دون لبس أو غموض في مؤلف ماركس ضممد بممرودون ثممم فممي‬
‫»البيان الشيوعي« أن الدولة مممع إقامممة النظممام الجتممماعي الشممتراكي تحممل نفسممها بنفسممها )‪sich‬‬
‫‪ (auflost‬وتزول‪ .‬ولما كانت الدولة عبارة عن مؤسسة ذات طابع عابر وحسب يتأتى اسممتخدامها فممي‬
‫النضال‪ ،‬في الثورة‪ ،‬لقمع الخصوم بالقوة‪ ،‬فإن الحديث عن الدولة الشعبية الحرة هو مجرد لغو‪ :‬فما‬
‫دامت البروليتاريا بحاجة إلى الدولة‪ ،‬فهي ل تحتاجها من أجل الحريممة‪ ،‬بممل مممن أجممل قمممع خصممومها‪،‬‬
‫وعندما يصبح بالمكان الحديث عممن الحريممة‪ ،‬عنممدئذ تممزول الدولممة بوصممفها دولممة‪ .‬ولممذا نحممن نقممترح‬
‫الستعاضة في كل مكان عن كلمة الدولة بكلمة »مشاعة« )‪ ،(Gemeinwesen‬هممذه الكلمممة اللمانيممة‬
‫القديمة الرائعة التي يتفق معناها ومعنى الكلمة الفرنسية »كومونممة«« )ص ‪ 322-321‬مممن الطبعممة‬
‫اللمانية(‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫ينبغي أن نأخذ بعين العتبار أن هذه الرسالة تتناول برنامجا حزبيا انتقمده مماركس فمي رسمالة‬
‫مؤرخة بعد هذه الرسالة ببضعة أسابيع فقط )رسالة ماركس مؤرخة فممي ‪ 5‬مممايو سممنة ‪ ،(1875‬وأن‬
‫إنجلس كان يعيش آنذاك مع ماركس في لندن‪ .‬ولذا عندما قال إنجلس »نحن« فممي عبممارته الخيممرة‬
‫فهو دون شك يقترح باسمه وباسم ماركس على زعيم حزب العمال اللماني شطب كلمة »الدولة«‬
‫من البرنامج والستعاضة عنها بكلمة »مشاعة«‪.‬‬

‫وكممم كممان نمماح بشممأن »الفوضمموية« مممتزعمو »الماركسممية« الحاليممة المكيفممة تبعمما لممما يممروق‬
‫للنتهازيين لو اقترح عليهم إدخال مثل هذا التصحيح على البرنامج!‬

‫فلينوحوا‪ .‬فالبرجوازية ستمدحهم على ذلك‪.‬‬

‫ما نحن فسنتابع عملنا‪ .‬وعند إعادة النظر في برنامج حزبنمما ل ريممب فممي أنممه ينبغممي أن تؤخممذ‬ ‫أ ّ‬
‫بعين العتبار نصيحة إنجلس وماركس‪ ،‬لكيما نكون أقممرب مممن الحقيقممة‪ ،‬لكيممما نمموجه بصممورة أصممح‬
‫نضال الطبقة العاملة في سممبيل تحررهمما‪ .‬أغلمب الظممن أنممه ل يوجمد بيممن البلشمفة خصموم لنصميحة‬
‫إنجلممس وممماركس‪ .‬ولعممل الصممعوبة لممن تكممون فممي غيممر إيجمماد الصممطلح‪ .‬ففممي اللمانيممة كلمتممان‬
‫»للمشاعة« إختار منهما إنجلس الكلمة التي ل تعنممي مشمماعة علممى حممدة‪ ،‬بممل مجموعممة مشمماعات‪،‬‬
‫ما الروسية فل توجد مثل هذه الكلمة‪ ،‬وقد يقتضي المر اختيممار كلمممة »كومونممة«‬ ‫نظام المشاعات‪ .‬أ ّ‬
‫الفرنسية‪ ،‬مع أن ذلك يخلق أيضا بعض الرتباك‪.‬‬

‫»لم تبق الكومونة دولة بمعنى الكلمممة الصمملي« ‪-‬هممذا هممو تأكيممد انجلممس الهممم نظريمما‪ .‬وهممذا‬
‫التأكيد مفهوم تماما بعد ما عرضناه أعله‪ .‬فقد كفت الكومونة عن أن تكممون دولممة ممما دام لممم يتممأت‬
‫مرين(‪ ،‬وقد حطمت آلممة الدولممة البرجوازيممة؛ وبممدل‬ ‫عليها أن تقمع أكثرية السكان‪ ،‬بل القلية )المستث ِ‬
‫من القوة الخاصة للقمع‪ ،‬برز على المسرح السكان أنفسهم‪ .‬وكممل هممذا ارتممداد عممن الدولممة بمعناهمما‬
‫الخاص‪ .‬ولو توطدت الكومونة لم»اضمحل« فيها تلقائيا ما بقي من آثار الدولممة‪ ،‬ولممما كممان عليهمما أن‬
‫»تلغي« مؤسسات الدولة‪ :‬فإن هذه ستبطل بقدر ما ل يبقى لها ما تقوم به‪.‬‬

‫»يفقأ الفوضويون عيوننا بم»الدولة الشعبية««‪ .‬عندما قممال انجلممس ذلممك كممان يقصممد بالدرجممة‬
‫الولى بماكونين وحملتمه علمى الشمتراكيين‪-‬المديموقراطيين اللممان‪ .‬ويعتمبر إنجلمس همذه الحملت‬
‫صحيحة بمقدار ما يكون مفهوم »الدولمة الشمعبية«‪ ،‬شمأنه شمأن »الدولمة الشمعبية الحمرة« سمخيفا‬
‫وخارقا عن الشتراكية‪ .‬وقد سعى انجلس إلى تقويم نضال الشتراكيين‪-‬الديموقراطيين اللمان ضممد‬
‫الفوضويين وإلى جعل هذا النضال صحيحا من الناحية المبدئية وإلى تطهيممره مممن الوهممام النتهازيممة‬
‫بصدد »الدولة«‪ .‬ولكن وأحر قلباه! لقد ظلت رسممالة انجلممس مممدة سممت وثلثيممن سممنة مطويممة فممي‬
‫صندوق‪ .‬وسنرى فيما يأتي أن كاوتسكي‪ ،‬حتى بعد نشر هذه الرسمالة‪ ،‬قمد اسمتمر يكممرر بعنماد‪ ،‬فمي‬
‫الجوهر‪ ،‬نفس الخطاء التي حذر منها إنجلس‪.‬‬

‫وقد وجه بيبل لنجلس رسالة جوابية مؤرخة في ‪ 21‬من سبتمبر سممنة ‪ ،1875‬قممال فيهمما فيممما‬
‫قال أنه »يوافقه تماما« على آرائه بشأن مشروع البرنامج وأنه لم ليبكنخممت علممى تنممازله )ص ‪334‬‬
‫من الطبعة اللمانية لمذكرات بيبل‪ .‬المجلد ‪ .(2‬ولكن إذا ما أخذنا كراس بيبل »أهدافنا« وجممدنا فيممه‬
‫آراء غير صحيحة أبدا بشأن الدولة‪:‬‬

‫»الدولة القائمة على السيادة الطبقية ينبغي أن تحول إلى دولة شعبية« )الطبعة اللمانيممة لممم»‬
‫‪ ،«Unsere Ziele‬سنة ‪ ،1886‬ص ‪.(14‬‬

‫هذا ما جاء فممي الطبعممة التاسممعة )التاسممعة!( مممن كممراس بيبممل! ول مجممال للسممتغراب إذا مما‬
‫تشربت الشتراكية‪-‬الديموقراطية اللمانية هذه الراء النتهازية بشأن الدولة لكثرة ما كررت بعناد‪ ،‬ل‬
‫سيما وأن إيضاحات إنجلس الثورية قد خبئت في الصندوق‪ ،‬وجميمع ظمروف الحيماة كممانت »تنسممى«‬
‫الثورة لمد طويل‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫‪-4‬انتقاد مشروع برنامج ارفورت‬
‫عند بحث التعاليم الماركسية بشأن الدولة ل يمكممن للمممرء أن يغفممل إنتقمماد إنجلممس لمشممروع‬
‫برنامج ارفورت‪ ،‬في رسالة النتقاد التي أرسلها إلى كاوتسكي في ‪ 29‬مممن يونيممو ‪ 1891‬والممتي لممم‬
‫تنشر في » ‪ «Neue Zeit‬إل ّ بعد مضي عشر سنوات‪ ،‬ذلك لن هممذا النتقمماد يتنمماول بالضممبط وبصممورة‬
‫رئيسية النظرات النتهازية في الشتراكية‪-‬الديموقراطية حول مسائل تنظيم الدولة‪.‬‬

‫ونشير في سياق الحديث إلى أن انجلس أدلى كذلك في مسائل القتصاد بملحظة قيمممة جممدا ً‬
‫تبين كيف استطاع بسبب ذلك أن يستشف لحد ما مهام عهدنا‪ ،‬العهد المبريممالي‪ .‬وهمما هممي ذي هممذه‬
‫الملحظممة‪ :‬فبصممدد كلمممة »الل منهجيممة« )‪ (Planlosigkeit‬الممواردة فممي مشممروع البرنامممج لوصممف‬
‫الرأسمالية كتب إنجلس‪:‬‬

‫»…إذا كنا ننتقل من الشركات المساهمة إلى التروستات التي تخضع لنفسممها وتحتكممر فروعمما‬
‫صناعية برمتها‪ ،‬فهذا ليس فقط نهاية النتاج الخاص‪ ،‬بممل إنممما هممو كممذلك نهايممة ألل منهجيممة« » ‪Neue‬‬
‫‪ ،«Zeit‬السنة ‪ ،20‬المجلد ‪ ،1‬سنتي ‪ ،1902-1901‬ص ‪(8‬‬

‫نحن هنا حيال المر الساسي في التقدير النظري للرأسمالية الحديثممة‪ ،‬أي للمبرياليممة‪ ،‬ونعنممي‬
‫أن الرأسمالية تتحول إلى رأسمالية احتكارية‪ .‬ول بد من الشارة إلى كلمة »رأسمالية«‪ ،‬لن الغلطة‬
‫الشائعة جدا هي الزعم الصلحي البرجوازي القممائل أن الرأسمممالية الحتكاريممة أو رأسمممالية الدولممة‬
‫الحتكارية لم تبق رأسمالية وأنه يمكن أن يطبق عليها إسم »اشتراكية الدولة« وإلى ما هنالك‪ .‬يقينا‬
‫أن التروستات لم تعط وهممي ل تعطممي حممتى الن ول تسممتطيع أن تعطممي المنهاجيممة الكاملممة‪ .‬ولكممن‬
‫بمقدار ما تعطي المنهاجية وبمقدار ما يحسب طواغيت رأس المال سلفا مقادير النتاج في النطمماق‬
‫الوطني أو حتى العممالمي وبمقممدار ممما يضممبطونه بصممورة منهاجيممة‪ ،‬نبقممى علممى كممل حممال فممي ظممل‬
‫ممما »قممرب«هممذه‬ ‫الرأسمالية‪ ،‬وأن من مرحلة جديدة لها‪ ،‬ولكن في ظممل الرأسمممالية علممى التأكيممد‪ .‬أ ّ‬
‫الرأسمالية من الشتراكية فينبغي أن يكون لممثلي البروليتاريا الحقيقيين حجة تدعم أقتراب الثممورة‬
‫الشتراكية وسهولتها وإمكان تحقيقهمما وضممرورتها الملحممة العاجلممة‪ ،‬ول ينبغممي أن يكممون بمموجه حجممة‬
‫للوقوف موقف التغاضي من إنكار هذه الثورة ومن تجميل الرأسمالية‪ ،‬المر الذي ينهمك فيممه جميممع‬
‫الصلحيين‪.‬‬

‫ولكن لنعد إلى مسألة الدولة‪ .‬يعطي انجلس هنا إشارات ثمينة جممدا فممي ثلث نممواح‪ :‬أول‪ ،‬فممي‬
‫مسألة الجمهورية‪ ،‬وثانيا‪ ،‬بصدد علقة المسألة القومية بتنظيم الدولممة‪ ،‬وثالثمما‪ ،‬بصممدد الدارة الذاتيممة‬
‫المحلية‪.‬‬

‫ما فيما يخص الجمهورية‪ ،‬فإن إنجلس قد جعل منها مركز الثقل في انتقاده لمشممروع برنامممج‬ ‫أ ّ‬
‫ايرفممورت‪ .‬وإذا ممما تممذكرنا مممدى الهميممة الممتي اكتسممبها برنامممج ارفممورت فممي كامممل الشممتراكية‪-‬‬
‫الديموقراطية العالمية وإذا ما تذكرنا كيف غدا نموذجا للممية الثانية بأكملهمما‪ ،‬يمكننمما أن نقممول دون‬
‫مغالة أن إنجلس ينتقد هنا النتهازية في الممية الثانية بأكملها‪.‬‬

‫لقد كتب إنجلس‪:‬‬

‫»ثمة نقص كبير في مطالب المشروع السياسية‪ .‬فهو خال مما )التشديد لنجلس( كان ينبغممي‬
‫قوله بالضبط«‪.‬‬

‫وبعد ذلك يوضح أن الدستور اللممماني هممو‪ ،‬أساسمما‪ ،‬نسممخة عممن دسممتور سممنة ‪ 1850‬الرجعممي‬
‫منتهمى الرجعيممة وأن الريخسمتاغ ليمس‪ ،‬علمى حممد تعمبير ولهلممم ليبكنخمت‪ ،‬غيممر »ورقممة تيمن الحكممم‬
‫المطلمق« وأن الرغبمة فممي تحقيممق »تحويممل جميممع أدوات العمممل إلممى ملكيممة عاممة« علمى أسماس‬
‫الدستور الذي أعطى الدول الصغيرة واتحاد الدويلت اللمانية الصبغة الشرعية هي »سخافة بينة«‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫»تناول هذا الموضوع أمر خطير«‪ .‬هذا ما أضافه إنجلس الذي كان يعرف خير معرفة أن وضممع‬
‫مطلب الجمهورية علنا في البرنامج ل يمكن في ألمانيا‪ .‬ولكن إنجلس ل يرضخ ببساطة لهذا العتبممار‬
‫الذي يكتفي بع »الجميع«‪ .‬بل يستطرد‪» :‬ولكنه يجب تحريك القضية على كممل حممال بهممذا الشممكل أو‬
‫ذاك‪ .‬وتظهر مدى ضرورة ذلك النتهازية الشمائعة )‪ (einreibende‬اليموم بالمذات فمي قسمم كمبير ممن‬
‫الصحافة الشممتراكية‪-‬الديموقراطيممة‪ .‬فلخشمميتهم مممن بعممث مفعممول قممانون مكافحممة الشممتراكيين أو‬
‫لتذكرهم بعض ما أدلي به في ظل هذا القانون من تصريحات قبل أوانيها‪ ،‬يريممدون الن مممن الحممزب‬
‫أن يعترف بأن الوضاع القانونية الراهنة في ألمانيا كافية لتحقيق جميع مطالبه بصورة سلمية…«‬

‫ما أن الشتراكيين‪-‬الديموقراطيين اللمان قد تصرفوا بدافع الخشية من بعث مفعول القممانون‬ ‫أ ّ‬


‫الستثنائي‪ ،‬فإن إنجلس يطرح هذا الواقممع الساسممي فممي المقدمممة‪ ،‬وينعتممه‪ ،‬بل مواربممة‪ ،‬بالنتهازيممة‪،‬‬
‫ويعلن أن الحلم بالطريق »السلمي« هو أمر باطل تماما‪ ،‬وذلك بالضبط نظرا لعدم وجود الجمهورية‬
‫والحريات في ألمانيا‪ .‬وقد كان إنجلس على ما يكفي من الحتراس لكيما يبقي يممديه طليقممتين‪ .‬فهممو‬
‫يعترف بأن »في المكان« في البلدان الجمهوريممة أو الممتي توجممد فيهمما الحريممات بصممورة وافيممة جممدا‬
‫»تصور« )»تصور« وحسب!( التطور السلمي إلى الشتراكية‪ ،‬ولكنه يكرر قائل أن في ألمانيا‪،‬‬

‫»…فممي ألمانيمما‪ ،‬حيممث الحكومممة كليممة الجممبروت تقريبمما وحيممث مجلممس الريخسممتاغ وسممائر‬
‫المؤسسات التمثيلية الخرى ل تملك من السلطة الحقيقية شيئا‪ ،‬ان ينادي داع لذلك‪ ،‬فإنما يعني أنه‬
‫يرفع ورقة التين عن الحكم المطلق‪.‬‬

‫»…ومثل هذه السياسة ل تستطيع في نهاية المر غير جر الحزب إلى طريق الضلل‪ .‬يضممعون‬
‫في المقام الول مسائل سياسية عامة مجردة ويسترون بهذا الشكل المسائل الملموسة المباشممرة‬
‫التي تفرض نفسها في جدول العمال عند أول أحداث هامة‪ ،‬عند أول أزمة سياسية‪ .‬وهل يمكممن أن‬
‫تكون نتيجة ذلك غير واقع أن الحزب يجد نفسه فجأة وفي السمماعة الحاسمممة فممي حالممة عجممز‪ ،‬غيممر‬
‫واقع أن الحزب يجد نفسه في حالة الغموض وانعدام الوحدة حيال المسائل الحاسمة‪ ،‬لنه لم يسبق‬
‫له أبدا أن بحث هذه المسائل…‬

‫إن هذا النسيان للعتبارات الكبرى‪ ،‬الجذرية حرصا على مصالح اليوم العريضممة‪ ،‬وهممذا الركممض‬
‫وراء النجاحات العريضة‪ ،‬وهذا النضال من أجلها دونما حسمماب للعممواقب‪ ،‬وهممذه التضممحية بمسممتقبل‬
‫الحركة في سبيل الحاضر‪ ،‬إن كل ذلك قد تكون له دوافع »نزيهة« أيضمما‪ .‬ولكممن هممذا هممو النتهازيممة‪،‬‬
‫وهو يبقى النتهازية‪ ،‬ولعل النتهازية »النزيهة« هي أخطر النتهازيات…‬

‫وإذا كان ثمة أمر ل شك فيه فهممو واقممع أن حزبنمما والطبقممة العاملممة ل يمكنهممما الوصممول إلممى‬
‫السيادة إل ّ في ظل شكل سياسي هو كالجمهورية الديموقراطية‪ .‬حتى أن هذه الخيرة هممي الشممكل‬
‫الخاص لديكتاتورية البروليتاريا كما برهنت ذلك الثورة الفرنسية الكبرى…«‬

‫يكرر إنجلس في هذه الفقرة بصيغة واضحة كل الوضوح تلمك الفكمرة الساسمية المتي تخللمت‬
‫جميممع مؤلفممات ممماركس‪ ،‬نعنممي أن الجمهوريممة الديموقراطيممة هممي أقصممر الطممرق إلممى ديكتاتوريممة‬
‫البروليتاريا‪ .‬لن هذه الجمهورية‪ ،‬مع أنها ل تزيل لي قدر سيادة رأس المال وبالتالي ظلممم الجممماهير‬
‫والنضال الطبقي‪ ،‬تفضي حتما إلى توسيع هذا النضال وتسعيره وكشفه وتشديده لدرجممة أن إمكانيممة‬
‫تأمين مصالح جماهير المظلومين الجذرية‪ ،‬متى ؟هرت هذه المكانية‪ ،‬تتحقق حتما وبوجه الحصر في‬
‫ديكتاتورية البروليتاريا وفي قيادة هذه الجماهير مممن قبممل البروليتاريمما‪ .‬وهممذه أيضمما بالنسممبة للمميممة‬
‫الثانية بأكملها »كلمات منسية« من الماركسية‪ ،‬وقد أظهر نسيانها بجلء خارق تاريخ حزب المناشفة‬
‫خلل نصف السنة الولى من ثورة سنة ‪ 1917‬الروسية‪.‬‬

‫لقد تناول إنجلس مسألة الجمهورية التحادية من زاوية التركيب القومي للسكان وكتب‪:‬‬

‫»ماذا ينبغي أن يحل محل ألمانيا الحالية؟« )ذات الدستور الملكي الرجعي والتقسمميم الممذي ل‬
‫يقل رجعية إلى دول صغيرة‪ ،‬هذا التقسيم الذي يخلد خصائص »البروسممية« بممدل مممن أن يممذيبها فممي‬

‫‪37‬‬
‫ألمانيا ككل(‪» .‬في رأيي ل تستطيع البروليتاريا أن تطبق غيممر شممكل جمهوريممة موحممدة ل تتجممزأ‪ .‬ممما‬
‫تزال الجمهورية التحادية ضرورية حتى الن‪ ،‬بمموجه عممام‪ ،‬فممي أراضممي الوليممات المتحممدة المتراميممة‬
‫الطراف‪ ،‬رغم أنها أخذت تصبح منذ الن عقبة في شرقها‪ .‬وهي تكون خطوة إلى المام في إنجلمترا‬
‫حيث تعيش في الجزيرتين أربع أمم وحيث توحد جنبا إلممى جنممب‪ ،‬رغممم كممون البرلمممان واحممدا‪ ،‬ثلثممة‬
‫أنظمة تشريعية‪ .‬وهي قد غذت في سويسممرا الصممغيرة مممن أمممد بعيممد عقبممة‪ .‬وإذا كممان ل يممزال مممن‬
‫الممكن هناك الصبر على الجمهورية التحادية فذلك لسبب واحد هو أن سويسرا تكتفي بممدور عضممو‬
‫سلبي صرف في نظام الدول الوروبية‪ .‬والتنظيم التحادي علممى النمممط السويسممري يكممون بالنسممبة‬
‫للمانيا خطوة هائلة إلى وراء‪ .‬ثمة نقطتان تميزان الدولة التحادية عن الدولة الموحدة كليا هما واقع‬
‫أن لكل دولة منفممردة منضمممة إلممى التحمماد تشممريعها المممدني والجممزائي الخمماص ونظامهمما القضممائي‬
‫الخاص‪ ،‬ثم واقع أنه إلى جانب مجلس الشعب يوجممد مجلممس ممثليممن عممن الممدول يصمموت فيممه كممل‬
‫كانتون )ولية( بوصفه كانتونا بصرف النظر عممما إذا كممان كممبيرا أم صممغيرا«‪ .‬والدولممة التحاديممة فممي‬
‫ألمانيا شكل إنتقالي إلى دولة موحدة تماما‪ .‬ول ينبغي الرجوع إلى وراء بممم»الثممورة مممن أعلممى« فممي‬
‫سنتي ‪ 1866‬و ‪ ،1870‬بل اتمامها بم»حركة من أسفل«‪.‬‬

‫إن إنجلس ل يقف موقف عدم الكتراث من مسألة أشممكال الدولممة‪ ،‬وليممس هممذا وحسممب‪ ،‬بممل‬
‫يحاول بممالعكس أن يحلممل بأقصممى الدقممة الشممكال النتقاليممة بالممذات‪ ،‬لكيممما يحممدد‪ ،‬تبعمما للخصممائص‬
‫التاريخية الملموسة لكل حالة بعينها‪ ،‬المر التالي‪ :‬انتقال من أي شيء إلممى أي شمميء يعتممبر الشممكل‬
‫النتقالي المعني‪.‬‬

‫إن إنجلس شأنه شأن ماركس يمدافع‪ ،‬ممن وجهمة نظمر البروليتاريما والثمورة البروليتاريمة‪ ،‬عمن‬
‫المركزية الديموقراطية‪ ،‬عن الجمهورية ككل ل يتجزأ‪ .‬وهو يرى فممي الجمهوريممة التحاديممة أممما حالممة‬
‫استثنائية وعقبة تعيق التطور وأما انتقال من الملكية إلى الجمهورية المركزية‪» ،‬خطوة إلى المممام«‬
‫في ظروف خاصة معينة‪ .‬وبين هذه الظروف الخاصة‪ ،‬تبرز المسألة القومية‪.‬‬

‫إننا ل نرى عند إنجلس ول عنممد ممماركس‪ ،‬بممالرغم مممن انتقادهممما دونممما رحمممة لرجعيممة الممدول‬
‫الصغيرة ولتغطية هذه الرجعية بالمسألة القومية في حالت معينة‪ ،‬ولو ظل ّ في النزوع إلممى التهممرب‬
‫من المسألة القومية –الخطيئة التي كممثيرا ممما يقترفهمما الماركسمميون الهولنممديون والبولونيممون الممذين‬
‫ينطلقون من النضال المشروع تماما ضد النزعة القومية البرجوازية الصغيرة الضيقة في دولتم»هم«‬
‫الصغيرتين‪.‬‬

‫فحتى في إنجلترا‪ ،‬حيث يبدو أن الظروف الجغرافيممة ووحممدة اللغممة وتاريممخ قممرون عديممدة قممد‬
‫»وضعت حدا« للمسألة القوميممة بالنسممبة لمختلممف المنمماطق الصممغيرة بممانجلترا‪ ،‬حممتى فممي انجلممترا‬
‫يحسمب انجلمس الحسماب لواقمع بيمن همو كمون المسمألة القوميمة مما تمزال قائممة‪ ،‬ولمذلك يعمترف‬
‫بالجمهورية التحادية »خطوة إلى المام«‪ .‬وبديهي أنه ل يوجد هنا ولو ظل للعدول عن انتقاد نواقص‬
‫الجمهورية التحادية وعن الدعاية والنضال الحازمين تماما في سبيل جمهورية ديموقراطيممة مركزيممة‬
‫موحدة‪.‬‬

‫ولكن انجلس لم يفهم المركزية الديموقراطية قط بممالمعنى الممبيروقراطي الممذي يعطيممه لهممذا‬
‫المفهوم اليديولوجيون البرجوازيون وصغار البرجوازيين ومن هؤلء الفوضويون‪ .‬فالمركزية في نظر‬
‫إنجلس ل تنفممي بتاتمما الدارة الذاتيممة المحليممة الواسممعة النطمماق الممتي‪ ،‬فممي حالممة ذود »الكومونممات«‬
‫والمقاطعات طوعا عن وحدة الدولة‪ ،‬تزيممل دون شممك كممل مظهممر مممن مظمماهر البيروقراطيممة وكممل‬
‫مظهر من مظاهر »إصدار الوامر« من أعلى‪.‬‬

‫وقد كتب انجلس مطورا مفاهيم الماركسية البرنامجية بصدد الدولة‪:‬‬

‫»…وهكذا‪ ،‬جمهورية موحدة ولكن ليس كالجمهورية الفرنسية الحالية التي ليست سوى عبارة‬
‫عن امبراطورية بدون إمبراطور مؤسسة في سنة ‪ .1798‬فمن سنة ‪ 1792‬إلى سنة ‪ ،1798‬كممانت‬
‫كل محافظة فرنسية وكل بلدية )‪ (Gemeinde‬تمارس الدارة الذاتية الكاملة علممى النمممط المريكممي‪،‬‬
‫مما مسمألة كيمف ينبغمي أن تنظمم الدارة الذاتيمة وكيمف يمكمن‬‫وينبغي أن يحقق ذلمك عنمدنا أيضما‪ .‬أ ّ‬
‫‪38‬‬
‫الستغناء عن الدواوينية‪ ،‬فهو ما أظهرته وبرهنته لنا أمريكمما والجمهوريممة الفرنسممية الولممى‪ ،‬وهممو ممما‬
‫تظهره أيضا لنا الن كندا وأوستراليا والمستعمرات النجليزية الخرى‪ .‬ومثل هذه الدارة الذاتية على‬
‫صعيد القاليم )المحافظات( والبلديات في منظمات حرة أكثر جدا‪ ،‬مثل‪ ،‬من التحاديممة السويسممرية‪،‬‬
‫حيث الولية في الحقيقة مستقلة جذا حيال البوند« )أي حيال الدولمة التحاديممة بمجموعهما( »ولكنهما‬
‫مستقلة كذلك حيال القضاء )‪ (Bezirk‬وحيممال البلديممة‪ .‬فحكومممات الوليممات تعيممن مممديري القضممية )‬
‫‪ (Statthalter‬ومديري البوليس‪ ،‬المر المعدوم تماما في بلدان اللغة النجليزية‪ ،‬وهو ممما يتمموجب علينمما‬
‫أن نستأصله تماما عندنا فممي المسممتقبل كالمحممافظين ومممديري القضممية البروسمميين« )المفوضممين‪،‬‬
‫مدراء الشرطة‪ ،‬المحافظين وبوجه عام جميممع الممموظفين الممذين يعينممون مممن أعلممى(‪ .‬ووفقمما لممذلك‬
‫يقترح انجلس أن تصاغ في البرنامج مادة الدارة الذاتية بالشكل التالي‪» :‬الدارة الذاتيممة التامممة فممي‬
‫القاليم« )المديريات أو المحافظات(‪» ،‬فممي القضمماء والبلديممة عممن طريممق ممموظفين ينتخبممون علممى‬
‫أساس حق النتخاب العام؛ إلغاء جميع السلطات المحلية والقليمية التي تعينها الدولة«‪.‬‬

‫سبق لي أن أشرت في جريدة »البرافدا« )العدد ‪ 68‬الصادر في ‪ 28‬مممايو سممنة ‪ (1917‬الممتي‬


‫أغلقتها حكومة كيرنسكي وغيره من الوزراء »الشتراكيين« إلى أنه في هممذه النقطممة –الممتي ليسممت‬
‫طبعا بالوحيدة قط‪ -‬قد ارتد أصحابنا الممثلممون الشممتراكيون المزعومممون للديموقراطيممة المزعومممة‬
‫الثورية المزعومة ارتدادا فاضحا عن الديموقراطية*‪ .‬ومفهوم أن يكممون هممؤلء النمماس الممذين ربطمموا‬
‫أنفسهم بم»ائتلف« مع البرجوازية المبريالية قد بقوا صما حيال هذه الملحظات‪.‬‬

‫ومن أقصى الهمية الشارة إلى أن انجلس‪ ،‬اعتمادا على الوقائع‪ ،‬قد دحض على أسمماس مثممل‬
‫دقيق للغاية وهما من الوهام المنتشرة جدا‪ ،‬ولسيما بين الديموقراطية البرجوازية الصغيرة‪ ،‬مممؤداه‬
‫أن الجمهورية التحادية تعني حتما حريات أوفى مممما فممي الجمهوريممة المركزيممة‪ .‬وهممذا غيممر صممحيح‪.‬‬
‫فالوقائع التي ذكرها انجلممس بخصمموص الجمهوريممة الفرنسممية المركزيممة فممي سممنوات ‪1798-1792‬‬
‫والجمهورية السويسرية التحادية تدحض هذا الزعم‪ .‬إن الجمهورية المركزية الديموقراطية حقمما قممد‬
‫أعطت حريات أوفى مما أعطته الجمهورية التحادية‪ .‬أو بعبارة أخرى‪ :‬إن أوفى حرية عرفتها التاريخ‬
‫على الصعيد المحلي وعلى صعيد المحافظة والخ‪ ،.‬قممد أعطتهمما الجمهوريممة المركزيممة‪ ،‬ل الجمهوريممة‬
‫التحادية‪.‬‬

‫إن هذا الواقع‪ ،‬شأنه شأن مسألة الجمهوريمة التحاديممة والجمهوريممة المركزيمة والدارة الذاتيممة‬
‫الملية بوجه عام كانت دعايتنا الحزبية ول تزال ل تخصص لهما قدرا كافيا من الهتمام‪.‬‬

‫‪-5‬مقدمة سنة ‪ 1891‬لمؤلف ماركس »الحرب الهلية«‬


‫في مقدمة الطبعة الثانية من مؤلف »الحرب الهلية في فرنسا« ‪-‬وهذه المقدمة تحمل تاريممخ‬
‫‪ 18‬مارس سنة ‪ 1891‬ونشرت لول مرة في مجلة » ‪ -«Neue Zeit‬يعطممي انجلممس‪ ،‬إلممى جممانب ممما‬
‫أعطاه‪ ،‬عرضا من ملحظات قيمممة حممول المسممائل ذات الصمملة بممالموقف مممن الدولممة‪ ،‬تلخيصمما رائع‬
‫الوضوح لدروس الكومونة‪ .‬وهذا التلخيص المعمق بكل خبرة مرحلممة عشممرين سممنة تفصممل المؤلممف‬
‫عن الكومونة والموجه خصيصا ضد »اليمان العمى الخرافي بالدولة« المنتشر في ألمانيا يمكن أن‬
‫يوصف بحق بأنه آخر كلمة للماركسية في المسألة التي نبحثها‪.‬‬

‫يلحظ انجلس‪ :‬بعد كل ثورة في فرنسا كان العمال مسلحين »ولذلك كان تجريمد العممال ممن‬
‫السلح هو أول المقتضيات بالنسبة للبرجوازيين المتربعين علمى دسممة الحكممم‪ .‬ولممذا‪ ،‬بعمد كمل ثمورة‬
‫ينتصر فيها العمال ينشب نضال جديد ينتهي بهزيمتهم…«‬

‫إن حاصل خبرة الثورات البرجوازية مقتضب بمقدار بلغة مدلوله‪ .‬إن جوهر القضممية‪ ،‬بممما فممي‬
‫ذلك بصدد مسألة الدولة )هل توجد أسلحة لدى الطبقة المظلومة؟( قد شير إليه هنا بصممورة رائعممة‪.‬‬
‫وهذا الجوهر عينه هو ما يتحاشاه في الغالب الساتذة الواقعون تحت تممأثير اليديولوجيممة البرجوازيممة‬
‫شأنهم شأن الديموقراطيين صغار البرجوازيين‪ .‬ففي ثورة سنة ‪ 1917‬الروسية أولممى »المنشممفي«‪،‬‬
‫»الماركسي –هو‪ -‬أيضا«‪ ،‬تسيريتيلي شرف )شرف كافينياك!( إفشاء سر الثممورات البرجوازيممة هممذا‪.‬‬
‫لقد زل لسان تسيريتيلي في خطابه »التاريخي«‪ ،‬في ‪ 11‬يونيو‪ ،‬وأعلن أن البرجوازية قد قررت نزع‬

‫‪39‬‬
‫أسلحة عمال بتروغراد متظاهرا طبعا بأن هممذا القممرار مممن عنممدياته وبممأنه ضممرورة تفرضممها مصمملحة‬
‫»الدولة« بوجه عام!‪.‬‬

‫إن الخطاب التاريخي الذي القاه تسيريتيلي في ‪ 11‬يونيو سيكون طبعا لكل مؤرخي ثورة سنة‬
‫‪ 1917‬دليل من أوضح الدلة يظهر كيف انتقلت كتلة الشتراكيين‪-‬الثوريين والمناشفة الممتي يتزعمهمما‬
‫السيد تسيريتيلي إلى جانب البرجوازية‪ ،‬ضد البروليتاريا الثورية‪.‬‬

‫وثمة ملحظة أخرى أبداها انجلممس عرضما تتصممل أيضمما بمسممألة الدولمة وتتعلمق بالمدين‪ .‬فمممن‬
‫المعروف أن الشتراكية الديموقراطية اللمانية‪ ،‬بمقدار ما كانت تتفسخ وتوغل في النتهازية‪ ،‬كممانت‬
‫تنزلق أكثر فأكثر نحو تأويل خاطئ مبتذل للصيغة المعروفة‪» :‬إعلن الممدين قضممية شخصممية«‪ .‬فهممذه‬
‫الصيغة كممانت يممؤّول بشممكل يبممدو منممه أن الممدين قضممية شخصممية حممتى بالنسممبة لحممزب البروليتاريمما‬
‫الثوري!! وضد هذه الخيانة التامة بالذات لبرنامج البروليتاريا الثوري قد ثار انجلس الممذي لممم يلحممظ‬
‫فممي سممنة ‪ 1891‬غيرأضممعف بممواكير النتهازيممة فممي حزبممه‪ ،‬المممر الممذي جعلممه يصمموغ عبمماراته بأشممد‬
‫الحتراس‪:‬‬

‫»ولما كان العمال وحدهم تقريبا‪ ،‬أو ممثلوهم المعترف بهم‪ ،‬هم الذين يجلسون في الكومونة‪،‬‬
‫ممما أنهمما نصممت علممى‬
‫فقد حملت المقررات التي اتخذتها طابعا بروليتاريا صريحا‪ .‬وهممذه المقممررات‪ ،‬أ ّ‬
‫اجراء اصلحات تخلت البرجوازية الجمهورية عنها لمجرد الجبن الدنيء‪ ،‬وتشكل السمماس الضممروري‬
‫لقيام الطبقة العاملة بالنشاط الحر‪ .‬ومثل ذلك تحقيق المبممدأ القممائل أن الممدين بالنسممبة للدولممة هممو‬
‫مسألة شخصية بحتة‪ .‬واما أن الكومونة أصدرت أوامممر كممانت فممي مصمملحة الطبقممة العاملممة بصممورة‬
‫مباشرة وأحدثت‪ ،‬من ناحية جزئية‪ ،‬شقا عميقا في نظام المجتمع القديم…«‬

‫لقد تعمد انجلس الشارة إلى عبارة »بالنسبة للدولة«‪ ،‬مصمموبا الضممربة ل إلممى جفممن بممل إلممى‬
‫حدقة عين النتهازية اللمانية التي أعلنت الدين قضية شخصية بالنسبة للحزب وهبطت بهذا الشممكل‬
‫بحزب البروليتاريا الثورية إلممى مسممتوى البرجوازيممة الصممغيرة »ذات التفكيممر الحممر« والمبتذلممة غايممة‬
‫البتدال والمستعدة للموافقة على وجود المرء خارج نطاق الدين‪ ،‬ولكنها تتخلمى عمن مهممة النضمال‬
‫الحزبي ضد أفيون الدين الذي يخبل الشعب‪.‬‬

‫إن مؤرخ الشتراكية‪-‬الديموقراطية اللمانية في المستقبل‪ ،‬عندما يبحث عممن أسممباب إفلسممها‬
‫المشين في سنة ‪ ،1914‬سيجد مادة وفيرة حول هذه المسممألة‪ ،‬ابتممداءا نممت التصممريحات المراوغممة‬
‫التي تفتح الباب على مصراعيه أمام النتهازية‪ ،‬والواردة فمي مقمالت الزعيممم الفكمري لهمذا الحممزب‬
‫كاوتسكي‪ ،‬وانتهاء بموقف الحزب من »‪) «Los-von-Kirche-Bewegung‬حركة النفصال عن الكنيسة(‬
‫في سنة ‪.1913‬‬

‫ولكن لنر الن كيف اخص انجلس بعد مضي عشرين سنة على الكومونة الدروس التي أعطتها‬
‫للبروليتاريا المناضلة‪.‬‬

‫وإليكم أية دروس وضعها انجلس في المقام الول‪:‬‬

‫»…إن السملطة الظالممة المتي تمتعمت بهما الحكوممة المركزيمة السمابقة والجيمش والشمرطة‬
‫السياسية والبيروقراطية التي كان نابليون قد أنشأها في سنة ‪ ،1798‬والتي تسلمتها منذ ذلك الحين‬
‫كل حكومة جديدة كأداة مرغوب فيها واستخدمتها ضد أعدائها –إن هذه السلطة بالتحديد كان ينبغممي‬
‫أن تسقط في كل مكان في فرنسا تماما كما سقطت في باريس‪.‬‬

‫لقد كان على الكومونة أن تدرك منذ بداية المر بأن الطبقة العاملة‪ ،‬وقد جاءت إلى الحكم‪ ،‬ل‬
‫تستطيع أن تستمر في تصريف المور بواسطة جهاز الدولة القديم؛ وأنه ينبغي على الطبقة العاملة‪،‬‬
‫لكي ل تفقد ثانية السيادة التي ظفرت بها للتو‪ ،‬أن تطيح‪ ،‬من جهة‪ ،‬بجهاز الضطهاد القممديم جميعممه‪،‬‬

‫‪40‬‬
‫الذي كان يسمتخدم سمابقا ضمدها‪ ،‬كمما كمان عليهما‪ ،‬مممن جهممة أخمرى‪ ،‬أن تحممي نفسمها مممن نوابهما‬
‫وموظفيها بالعلن أنهم جميعا‪ ,‬ودون استتناء‪ ،‬عرضة للسحب والستبدال في أي وقت كان…«‬

‫يشير انجلس المرة بعد المرة إلى أن الدولة تبقى الدولة‪ ،‬ليس فقط في ظل النظام الملكي‪،‬‬
‫بل أيضا في ظل الجمهورية الديموقراطية‪ ،‬بمعنى أنهمما تحتفممظ بسمممتها المميممزة الرئيسممية‪ :‬تحويممل‬
‫المواظفين‪» ،‬خدم المجتمع«‪ ،‬هيئاته‪ ،‬إلى أسياد له‪.‬‬

‫»… وللحيلولة دون تحول الدولة وأجهزة الدولة على هذا النحو من خدم للمجتمممع إلممى أسممياد‬
‫له – وهو تحول ل مناص منه في جميع الدول السابقة‪ -‬لجأت الكومونة إلى وسمميلتين صممائبيتن‪ :‬أول‪،‬‬
‫عينت في جميع الوظائف –الدارية والقضائية والتعليمية‪ -‬أشخاصا منتخبين على أساس حق القممتراع‬
‫العام وأقرت في الوقت نفسه حق سحب هؤلء المنتخبين في أي وقت بقممرار مممن منتخممبيهم‪ .‬ثانيمما‪،‬‬
‫لم تدفع لجميع الموظفين‪ ،‬كبارا وصغارا‪ ،‬ال ّ الجور التي يتقاضاها العمال الخرون‪ .‬كان أعلى مرتممب‬
‫تدفعه الكومونة على العموم هو ‪ 6000‬فرنك*‪ .‬وبهذه الطريقة أقيم حاجز أميممن فممي وجممه الراكممض‬
‫وراء المناصب الرابحة وفي وجه الوصولية‪ ،‬حتى بغض النظر عممن التفويضممات الملزمممة الممتي كممانت‬
‫تصدر للمندوبين في الهيئات التمثيلية‪ ،‬والتي أدخلتها الكومونة بالضافة إلى ذلك…«‬

‫يقترب انجلس هنا من ذلك الحد الذي يستوقف النظر حيث‪ ،‬مممن جهممة‪ ،‬تتحممول الديموقراطيممة‬
‫المستقيمة إلى اشتراكية وتتطلب من الجهة الخرى الشتراكية‪ .‬ذلك لن إلغاء الدولة يقتضي تحويل‬
‫وظائف الدولة إلى عمليات من المراقبة والحسمماب بسمميطة بحيممث تصممبح مممن متنمماول وفممي طاقممة‬
‫الكثرية الكبرى من السكان وثم جميع السكان عن آخرهم‪ .‬وإزالة الوصولية بصورة تامة تقتضممي أن‬
‫ل تصبح المناصب »المشّرفة« في خدمة الدولممة‪ ،‬حممتى ولممو كمانت ل تممدر دخل‪ ،‬جسممورا للقفممز إلممى‬
‫المناصب ذات المداخيل الكممبيرة فممي البنمموك والشممركات المسمماهمة‪ ،‬كممما يحممدث دائممما فممي جميممع‬
‫البلدان لرأسمالية حتى ذات الحريات الوفى‪.‬‬

‫ل‪ ،‬بعض الماركسيين في مسألة حق المممم فممي‬ ‫ولكن انجلس ل يقترف الخطأ الذي يقترفه‪ ،‬مث ً‬
‫تقرير مصيرها‪ :‬فهممم يقولممون أن هممذا الحممق يسممتحيل فممي ظممل الرأسمممالية ول لممزوم لممه فممي ظممل‬
‫الشتراكية‪ .‬ومثل هذا الممرأي الممذي يممدعي الممذكاء والمغلمموط فممي الواقممع يمكممن تكممراره بصممدد كممل‬
‫مؤسسممة ديموقراطيممة بممما فممي ذلممك دفممع المرتبممات المتواضممعة للممموظفين‪ ،‬لن الديموقراطيممة‬
‫ممما فممي ظمل الشممتراكية فتضمممحل كممل‬ ‫المستقيمة كل الستقامة مستحيلة فممي ظممل الرأسمممالية‪ ،‬أ ّ‬
‫ديموقراطية‪.‬‬

‫وهذه سفسطة من نوع تلك المزحة القديممة‪ :‬هممل يصممبح النسمان أصملع إذا ممما سمقطت مممن‬
‫رأسه شعرة؟‬

‫تطوير الديموقراطية حتى النهاية والبحث عن أشكال هذا التطوير والتحقق منها فعل ً الخ‪ ،.‬كل‬
‫هذا هو مهمة من مهام النضال من أجل الثورة الجتماعيممة‪ .‬فممما مممن ديموقراطيممة‪ ،‬إذا أخممذت علممى‬
‫حدة‪ ،‬تعطي الشتراكية‪ ،‬ولكن الديموقراطية في الحياة »ل تؤخذ« قط »على حدة« بممل »تؤخممد مممع‬
‫المجموع«‪ ،‬وتؤثر تأثيرها على القتصاد أيضا وتحفز تطوره وتتعممرض لتممأثيرالتطور القتصممادي‪ ،‬الممخ‪..‬‬
‫هذا هو دياليكتيك التاريخ الحي‪.‬‬

‫يستطرد انجلس‪:‬‬

‫»… هممذا التفجيممر )‪ (Sprengung‬لسمملطة الدولممة السممابقة والستعاضممة عنهمما بسمملطة جديممدة‪،‬‬
‫ديموقراطية حقا‪ ،‬إنما جاء وصفهما بالتفصيل في الفصل الثالث من »الحممرب الهليممة«‪ .‬ولكنممه كممان‬
‫من الضروري أن نقف هنا وقفة قصيرة مرة أخرى عند بعممض ملمممح هممذه الستعاضممة‪ ،‬لن اليمممان‬
‫الخرافي بالدولة قد إنتقل‪ ،‬في ألمانيا بوجه التحديد‪ ،‬من الفلسفة إلى الوعي العام للبرجوازية وحتى‬
‫لكثير من العمال‪ .‬فالدولة‪ ،‬وفق تعاليم الفلسفة‪ ،‬مملكة الله على الرض‪ ،‬الدولة هي المجممال الممذي‬
‫تتحقق فيه أو ينبغي أن تتحقق فيه الحقيقمة والعدالمة الزليتمان‪ .‬وممن هنما ينبثمق الحمترام الخرافمي‬

‫‪41‬‬
‫للدولة ولكل ما يتصل بها‪ ،‬وهو احترام يترسخ بسهولة أكبر لكون الناس معتادين‪ ،‬منممذ الطفولممة‪ ،‬أن‬
‫يتصوروا أن الشؤون والمصالح التي تعود إلى المجتمع بأسممره ل يمكمن تحقيقهما والحفماظ عليهما إل ّ‬
‫بالطريقة المتبعة في الماضممي‪ ،‬أي بواسممطة الدولممة وموظفيهمما الممذين يمنحممون المناصممب الرابحممة‪.‬‬
‫ويتصور الناس أنهم يخطممون إلممى أممام خطموة خارقمة فممي جرأتهمما إذا تخلمموا عمن اليمممان بالملكيمة‬
‫الوراثية وأصبحوا من أنصار الجمهورية الديموقراطية‪ .‬أما في الحقيقة‪ ،‬فإن الدولمة ليسمت إل ّ جهمازا‬
‫لقمع طبقة من قبل طبقة أخرى‪ ،‬وهذا ما يصدق على الجمهورية الديموقراطية بدرجة ل تقل إطلقا‬
‫عن صدقه على الملكية‪ .‬والدولة‪ ،‬حتى فممي أحسممن الحممالت‪ ،‬شممر ترثممه البروليتاريمما المنتصممرة فممي‬
‫الكفاح من أجل السيطرة الطبقية‪ .‬والبروليتاريا المنتصرة شأنها في ذلك شممأن الكومونممة‪ ،‬ستضممطر‬
‫إلى بتر أسوأ جوانب هذا الشر في الحال حتى يحين ذلك الوقت الذي يستطيع فيممه جيممل تربممى فممي‬
‫ظروف اجتماعية جديدة حرة أن يطرح عفاشة الدولة بكاملها فوق كوم النفايات«‪.‬‬

‫لقد حذر انجلس اللمان من أن ينسوا فمي حالمة الستعاضمة عمن الملكيمة بالجمهوريمة أسمس‬
‫الشتراكية في مسألة الدولة بوجه عام‪ .‬ويبدو تحذيره الن درسا موجها بصورة مباشرة إلى السممادة‬
‫تسيريتيلي وتشمميرنوف وأضممرابهما الممذين أظهممروا فممي نشمماطهم »الئتلفممي« إيمانمما خارقمما بالدولممة‬
‫وخشوعا خرافيا أمامها!‬

‫ملحظتان أيضما‪ (1 :‬إذا كمان انجلمس يقمول أن الدولمة تظمل »جهمازا لضمطهاد طبقمة لطبقمة‬
‫ما في الملكيممة‪ ،‬فممإن ذلممك ل يعنممي بتاتمما أن‬
‫أخرى« في الجمهورية الديموقراطية »بدرجة ل تقل« ع ّ‬
‫البروليتاريا يجب أل ّ تكترث بشكل الضطهاد الطبقي الكثر سعة وحرية وسفورا يسهل إلى حد كممبير‬
‫جدا للبروليتاريا نضالها في سبيل القضاء على الطبقات بوجه عام‪.‬‬

‫‪ (2‬لماذا ل يستطيع أن يطرح بصورة تامة عفاشة الدولة هذه بكاملها إل ّ جيل جديد؟ إنه سؤال‬
‫يتعلق بمسألة تجاوز الديموقراطية وهي التي ننتقل لتناولها‪.‬‬

‫‪-6‬إنجلس ومسألة تجاوز الديموقراطية‬


‫تأتى لنجلس أن يفصح عن رأيه في هممذا الموضمموع فممي سممياق الحممديث بمسممألة عممدم الدقممة‬
‫العلمية في تسمية »الشتراكي‪-‬الديموقراطي«‪.‬‬

‫فإن انجلس‪ ،‬في المقدمة التي وضعها لمجموعة مقالته التي نشرها في سنوات العقد الثممامن‬
‫وتناول فيها شممتى المواضمميع وبصممورة رئيسممية المواضمميع »المميممة« )»« ‪Internationales aus dem‬‬
‫‪– (*« « Volksstaat‬تلك المقدمة المؤرخة في ‪ 3‬يناير ‪ ،1894‬أي قبل وفاته بسنة ونصف‪ ،-‬قممد كتممب‬
‫أنه يستعمل في جميع المقالت كلمة »الشيوعي« ل تعبير »اشتراكي‪-‬ديممموقراطي«‪ ،‬مممع أنممه يبقممى‬
‫غير دقيق )‪ ،Unpassend‬غير ملئم( بالنسبة لحزب برنامجه القتصادي ليس مجممرد برنامممج اشممتراكي‬
‫بوجه عام‪ ،‬ولكنه شيوعي بصورة مباشرة‪ ،‬بالنسبة لحزب هدفه السياسي النهائي هممو تجمماوز الدولممة‬
‫بأكملها وبالتالي الديموقراطية أيضا‪ .‬إن أسماء الحممزاب السياسممية الحقيقيممة )التشممديد لنجلممس( ل‬
‫تنطبق عليها كل النطباق بحال؛ فالحزب يتطور‪ ،‬في حين يبقى السم«‬

‫إن رجل الدياليكتيك انجلس قد ظل حتى آخر أيامه أمينا للديالكتيك‪ .‬فهو يقول‪ :‬لقد كان لممدينا‪،‬‬
‫ماركس وأنا‪ ،‬اسم للحزب رائع‪ ،‬دقيق من الناحيممة العلميممة‪ ،‬لكممن لممم يكممن هنمماك حممزب حقيقممي‪ ،‬أي‬
‫حزب بروليتاري جماهيري‪ .‬والن )أواخر القرن التاسع عشر( يوجد حزب حقيقي‪ ،‬ولكممن اسمممه غيممر‬
‫صحيح من الناحية العلمية‪ .‬ل بأس‪» ،‬ماشية«‪ ،‬المهم أن يتطور الحزب‪ ،‬المهممم أل ّ يخفممي عليممه عممدم‬
‫الدقة العلمية في تسميته وال ّ يعيقه عن التطور في التجاه الصحيح!‬

‫لعل ظريفا من الظرفاء يأخذ في تعزيتنا نحن البلشفة أيضا على طريق إنجلسك‪ :‬عندنا حممزب‬
‫حقيقي‪ ،‬وهو يتطور على ما يرام؛ »ماشية« هذه الكلمة الفارغة الشوهاء »بولشفيك«§ الممتي تفصممح‬
‫بتاتا عن شيء غير ظرف عرضي صرف وهو حصولنا فمي ممؤتمر بروكسميل‪-‬لنمدن فمي سمنة ‪1903‬‬
‫على الكثرية… وقد اتردد الن‪ ،‬بعد أن تحمل حزبنا في يوليمموز وغشممت مممن ملحقممات الجمهمموريين‬
‫وديموقراطيين صغار البرجوازيين »الثورية« ممما جعممل كلمممة »بولشممفيك« محترمممة جممدا فممي عيممون‬

‫‪42‬‬
‫الشعب بأسره‪ ،‬وبعد أن دلت هذه الملحقات‪ ،‬علوة على ذلك‪ ،‬على تلك الخطمموة التاريخيممة الهائلممة‬
‫التي خطاها حزبنا إلى المام في تطوره الفعلي‪ ،‬قد أتردد أنا أيضا بصدد اقتراحي الذي عرضممته فممي‬
‫أبريل بشأن تغيير اسم حزبنا‪ .‬ولربما عرضت على رفاقي »حل ّ وسطا«‪ :‬أن نسمممي أنفسممنا الحممزب‬
‫الشيوعي على أن نبقي كلمة بلشفة بين قوسين…‬

‫ولكن مسألة اسم الحزب هممي أقممل أهميممة إلى ممما ل يقمماس مممن مسممألة موقممف البروليتاريمما‬
‫الثورية من الدولة‪.‬‬

‫إن المحاكمات المعتادة عن الدولة تحتوي دائما تلك الغلطة التي حذر انجلس هنا مممن الوقمموع‬
‫فيها والتي أشرنا إليها عرضا فيما سبق من البحث‪ .‬ونعني‪ :‬يغيب عن البال دائما أن الغاء الدولة هممو‬
‫إلغاء الديموقراطية أيضا وأن اضمحلل الدولة هو اضمحلل الديموقراطية‪.‬‬

‫لول وهلة يبدو هممذا التأكيممد مسممتغربا جممدا وغيممر مفهمموم‪ .‬ولعممل هنمماك مممن تخممامره الخشممية‪،‬‬
‫فيحسب أننا نتوقع حلول نظام اجتماعي ل يراعى فيممه مبممدأ خضمموع القليممة للكثريممة‪ ،‬لنممه‪ ،‬ممما هممي‬
‫الديموقراطية إن لم تكن العتراف بهذا المبدأ؟‬

‫كل‪ .‬الديموقراطية وخضوع القلية للكثرية ليسا بالشيء ذاته‪ .‬الديموقراطية هي دولممة نعممترف‬
‫بخضوع القلية للكثرية‪ ،‬أي منظمة لممارسة العنف بصورة دائمة حيال طبقة من قبل طبقة أخممرى‪،‬‬
‫أو حيال قسم من السكان من قبل قسم آخر‪.‬‬

‫إن هدفنا النهائي هو القضاء على الدولة‪ ،‬أي على كل عنف منظم دائم‪ ،‬كل عنف حيال النمماس‬
‫بوجه عام‪ .‬نحن ل نتوقع حلول نظام اجتممماعي ل يراعممى فيممه مبممدأ خضمموع القليممة للكثريممة‪ .‬ولكننمما‬
‫نطمح إلى الشتراكية‪ ،‬ونحن مقتنعون من أنها ستصير إلى شيوعية فتزول نظمرا لمذلك كمل ضمرورة‬
‫إلى استخدام العنف حيال الناس بوجه عام‪ ،‬إلى خضوع إنسان لنسان‪ ،‬قسم من السكان لخممر‪ ،‬لن‬
‫الناس سيعتادون مراعاة الشروط الولية للحياة في المجتمع بدون عنف وبدون خضوع‪.‬‬

‫وللتنويه بعنصر العادة هذا‪ ،‬تحدث انجلس عن جيل حديد »تربى في ظممروف اجتماعيممة جديممدة‬
‫حرة‪ ،‬يستطيع أن يطممرح عفاشمة الدولممة بكاملهمما فموق النفايممات« ‪-‬كمل دولمة بمما فمي ذلمك الدولمة‬
‫الجمهورية الديموقراطية‪.‬‬

‫وليضاح ذلك يقتضي المر بحث مسألة السس القتصادية لضمحلل الدولة‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬السس القتصادية لضمحلل الدولة‬
‫ان الشرح الكثر تفصيل لهذه المسألة هو الشرح الذي أعطاه ماركس في مبحثه »نقد برنامممج‬
‫غوتا« )رسالة إلى براكه مؤرخة في ‪ 5‬ماي سنة ‪ ،1875‬لممم تنشممر إل ّ فممي سممنة ‪ 1891‬فممي »‪Neue‬‬
‫‪ Zeit» 9 ،1‬وصدرت بالروسية في طبعة على حدة(‪ .‬إن القسممم الجممدلي فممي هممذا المبحممث الممرائع‪،‬‬
‫والذي يتلخص في انتقاد اللسالية قد أبقي في الظل‪ ،‬إن أمكن القول‪ ،‬قسمه اليجابي ونعني تحليل‬
‫الصلة بين تطور الشيوعية واضمحلل الدولة‪.‬‬

‫‪ -1‬صياغة ماركس للمسألة‬


‫إذا قورنت الرسالة التي وجهها ماركس إلى براكممه فممي ‪ 5‬ممماي سممنة ‪ 1875‬مقارنممة سممطحية‬
‫بالرسالة التي وجهها إنجلس إلى بيبل في ‪ 28‬مارس سنة ‪ 1875‬والتي بحثناها أعله‪ ،‬فقممد يبممدو أن‬
‫ماركس »نصير للدولة« أشد بكثير من انجلس وأن الفرق بين نظرات الكاتبين إلى الدولة كبير جدا‪.‬‬

‫يقترح انجلس على بيبل الكف تماما عن الثرثرة بصدد الدولة وشطب كلمة الدولممة تماممما مممن‬
‫البرنامج والستعاضة عنها بكلمة »مشاعة«؛ حتى أن انجلس يعلن أن الكومونة لم تبق دولممة بمعنممى‬
‫الكلمممة الخمماص‪ .‬فممي حيممن أن ممماركس يتحممدث حممتى عممن »نظممام الدولممة المقبممل فممي المجتمممع‬
‫الشيوعي«‪ ،‬أي أنه يبدو كأنه يعترف بضرورة الدولة حتى في ظل الشيوعية‪.‬‬

‫ولكن مثل هممذه النظممرة تكممون غيممر صممحيحة مممن أساسممها‪ .‬فإمعممان النظممر يظهممر أن نظرتممي‬
‫ماركس وإنجلممس بشممأن الدولممة واضمممحللها متفقتممان تماممما وأن عبممارة ممماركس المممذكورة تتعلممق‬
‫بالضبط بنظام الدولة المضمحلة‪.‬‬

‫واضح أنه ل يمكن أن يدور الحديث بحال عن تحديد ساعة »الضمحلل« المقبل‪ ،‬لسمميما وهممو‬
‫حتما عبارة عن عملية طويلة‪ .‬إن الفممرق الظمماهري بيممن ممماركس وانجلممس ناشممئ عممن الفممرق بيممن‬
‫المواضيع التي تناولها والمهام التي أرادا حلها‪ .‬فالمهمة الممتي وضممعها انجلممس نصممب عينيممه هممي أن‬
‫يبرهن لبيبل بجلء ووضوح وبالخط العريض كممل بطلن الوهمام )المتي يمؤمن بهمما لسممال لحمد كمبير(‬
‫الشائعة بصدد الدولة‪ .‬ولم يتناول ماركس هذه المسألة إل ّ عرضا‪ ،‬موجها انتباهه لموضوع آخر‪ :‬تطور‬
‫المجتمع الشيوعي‪.‬‬

‫إن نظرية مماركس بأكملهما همي عبمارة عمن تطمبيق لنظريمة التطمور –بشمكلها التمم والكممل‬
‫والمنسجم والغني المضمون‪ -‬على الرأسمالية المعاصرة‪ .‬وطبيعي إذن أن يكون ممماركس قممد واجممه‬
‫مسألة تطبيق هذه النظرية كذلك على انهيار الرأسمممالية المقبممل وعلممى التطممور المقبممل للشمميوعية‬
‫المقبلة‪.‬‬

‫وعلى أساس أية وقائع يمكن طرح مسألة التطور المقبل للشيوعية المقبلة؟‬

‫على أساس واقع أن الشيوعية تنشأ من الرأسمالية وتتطور تاريخيا من الرأسمالية وأنها نتيجة‬
‫لفعل قوة اجتماعية أولممدتها الرأسمممالية‪ .‬ل يمرى المممرء عنمد ممماركس حمتى ول ظمل محاولممة لنسممج‬
‫الطوبويات ولبذل الجهود دون طائل لتخمين ما ل تمكن معرفته‪ .‬فماركس يطمرح مسمألة الشميوعية‬
‫كما يطرح عالم الطبيعيات مسألة تطور نوع جديد‪ ،‬لنقل مثل‪ ،‬من النممواع البيولوجيممة بعممد أن عممرف‬
‫مصدره واتضح التجاه الذي يسلكه تطوره‪.‬‬

‫يبدأ ماركس قبل كل شيء بنبذ التشويش الذي يممدخله برنامممج غوتمما فممي مسممألة العلقممة بيممن‬
‫الدولة والمجتمع‪.‬‬

‫وقد كتب‪:‬‬

‫‪44‬‬
‫»… إن المجتمع الحالي إنما هو المجتمع الرأسمالي القائم فممي جميممع البلممدان المتمدنممة وقممد‬
‫تطهر إلى هممذا الحممد أو ذاك مممن عناصممر القممرون الوسممطى وعممدلته إلممى هممذا الحممد أو ذاك التطممور‬
‫ممما »الدولممة الحاليممة«‪ ،‬فإنهمما‪ ،‬علممى‬
‫التاريخي في كل بلد من البلدان وتطور إلى هممذا الحممد أو ذاك‪ .‬أ ّ‬
‫العكس تختلف ضمن حدود كل بلد‪ .‬فهي في المبراطورية البروسية اللمانيممة غيرهمما فممي سويسممرا‪،‬‬
‫وهي في انجلترا غيرها في الوليات المتحدة‪» .‬فالدولة الحالية« إذن مجرد وهم من الوهام‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬فإن مختلف الدول في مختلف البلدان المتمدنة تتصف جميعها بطابع مشترك‪ ،‬رغممم‬
‫نوع أشكالها‪ ،‬وهو أنها تقوم في تربة المجتممع المبرجوازي الحممديث المتطمور تطممورا رأسمماليا لهمذه‬
‫ممما »الدولممة‬
‫الدرجة أو تلك‪ .‬فلديها بالتالي معالم مشتركة جوهرية‪ .‬وبهذا المعنى يمكن الحديث عن أ ّ‬
‫الحالية« خلفا للمستقبل‪ ،‬حيث يزول أصلها الحالي‪ ،‬وهو المجتمع البرجوازي‪.‬‬

‫ثم يوضع السؤال التالي‪ :‬أي تحول يطرأ على الدولة في المجتمع الشيوعي؟ وبتعبير آخممر‪ :‬ايممه‬
‫وظائف اجتماعية مماثلة للوظائف الحالية للدولة تظل قائمة في المجتمممع الشمميوعي؟ العلممم وحممده‬
‫يستطيع الجواب عن هذا السؤال؛ ولن ندفع القضية إلى امام قيد شعرة ولو قرنا بألف طريقة كلممة‬
‫»الشعب« بكلمة »الدولة«…«‪.‬‬

‫وبعد أن سخر ماركس بهذا الشكل من كل هذه الثرثرة عن »الدولة الشعبية« بين كيف تنبغي‬
‫صياغة المسالة وكأنما ينبه إلى أن إعطاء الجواب العلمي ل يمكن إل ّ بالستناد إلى المعطيات الثابتة‬
‫علميا‪.‬‬

‫إن أول ما أثبته بدقة تامة نظرية التطور كلها والعلممم كلممه بمموجه عممام وممما نسمميه الطوبمماويون‬
‫وينساه النتهازيون الحاليون الذين يخشون الثورة الشمتراكية همو واقمع أنمه ل بمد تاريخيما ممن طمور‬
‫خاص أو مرحلة خاصة للنتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية‪.‬‬

‫‪ -2‬النتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية‬


‫يستطرد ماركس‪:‬‬

‫»… بين المجتمع الرأسمالي والمجتمع الشيوعي تقع مرحلة تحول الرأسمالي تحول ثوريا إلى‬
‫المجتمع الشيوعي‪ .‬وتناسممبها مرحلممة انتقممال سياسممية أيضمما‪ ،‬ل يمكممن أن تكممون الدولممة فيهمما سمموى‬
‫الديكتاتورية الثورية للبروليتاريا…«‬

‫ويستند اسممتنتاج ممماركس هممذا إلممى تحليممل ذلممك الممدور الممذي تلعبممه البروليتاريمما فممي المجتمممع‬
‫الرأسمالي الراهن وإلى وقائع تطمور همذا المجتممع وإلمى واقمع أن مصمالح البروليتاريما والبرجوازيمة‬
‫المتضادة ل يمكن التوفيق بينهما‪.‬‬

‫فيما مضى كانت المسألة تطرح بالشكل التي‪ :‬يتوجب على البروليتاريا‪ ،‬لكيما تكتسب حريتها‪،‬‬
‫أن تسقط البرجوازية وأن تظفر بالسلطة السياسية وأن تقيم ديكتاتوريتها الثورية‪.‬‬

‫ما الن فتطرح المسألة بشكل يختلممف بعممض الشمميء‪ :‬إن النتقممال مممن المجتمممع الرأسمممالي‬ ‫أ ّ‬
‫بسبيل التطور نحو الشيوعية إلى المجتمع الشيوعي يستحيل بممدون »مرحلممة انتقممال سياسممية«‪ .‬ول‬
‫يمكن لدولة هذه المرحلة أن تكون غير الديكتاتورية الثورية للبروليتاريا‪.‬‬

‫فما هو موقف هذه الديكتاتورية من الديموقراطية؟‬

‫‪45‬‬
‫لقد رأينا أن »البيان الشيوعي« يضع‪ ،‬ببساطة‪ ،‬جنبا إلممى جنممب مفهممومي‪» :‬تحممول البروليتاريمما‬
‫إلى طبقة سائدة« و»اكتساب الديموقراطية«‪ .‬وعلى أسمماس كممل ممما عممرض أعله يمكننمما أن نحممدد‬
‫بمزيد من الدقة كيف تتغير الديموقراطية في النتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية‪.‬‬

‫في المجتمع الرأسمالي‪ ،‬في حالة تطوره الكثر ملءمة‪ ،‬نرى ديموقراطيممة تامممة لهممذا الحممد أو‬
‫ذاك في الجمهورية الديموقراطية‪ .‬ولكن هذه الديموقراطية مضغوطة على الممدوام فمي إطمار ضميق‬
‫من الستثمار الرأسمالي‪ ،‬وهي تبقى لذلك على الدوام‪ ،‬في الجوهر‪ ،‬ديموقراطية للقليممة‪ ،‬للطبقممات‬
‫الموسرة وحدها‪ ،‬الغنياء وحدهم‪ .‬إن الحرية في المجتمع الرأسمالي تبقى على الممدوام تقريبمما علممى‬
‫ما كانت عليممه الحريممة فممي الجمهوريممات اليونانيممة القديمممة‪ :‬حريممة لمممالكي العبيممد‪ ،‬فالعبيممد الجممراء‬
‫الحاليون يظلون‪ ،‬بحكم ظروف الستثمار الرأسمالي‪ ،‬رازحين تحممت أثقممال العمموز والبممؤس لحممد »ل‬
‫يبالون معه بالديموقراطية«‪» ،‬ل يبالون بالسياسة«‪ ،‬لحد تبعد معه أكثريممة السممكان‪ ،‬فممي حالممة سممير‬
‫الحداث في مجراها العادي السلمي‪ ،‬عن الشتراك في الحياة السياسية والجتماعية‪.‬‬

‫ولعل صحة هذا التأكيممد يثبتهمما علمى أوضممح شممكل مثممال ألمانيمما‪ ،‬وذلممك بالضممبط لن الشممرعية‬
‫الدستورية قد استمرت في هذه الدولممة بثبممات ودوام مدهشممين زهمماء نصممف قممرن ) ‪،(1914-1871‬‬
‫ولن الشتراكية‪-‬الديموقراطية قد استطاعت خلل هذه الفترة أن تفعل أكثر بكثير مما فممي البلممدان‬
‫الخرى »للستفادة من الشرعية« ولتنظم في حزب سياسمي نسمبة كمبيرة ممن العممال ل تضمارعها‬
‫نسبة في أي بلد في الدنيا‪.‬‬

‫فما هي‪ ،‬يا ترى‪ ،‬هذه النسبة العليا من العبيد الجراء الواعين والنشممطاء سياسميا الممتي عرفهما‬
‫المجتمع الرأسمالي؟ مليون عضو في حزب الشتراكيين‪-‬الممديموقراطيين مممن أصممل ‪ 15‬مليونمما مممن‬
‫العمال الجراء! ثلثة مليين عامل منظمين في النقابات من أصل ‪ 15‬مليونا!‬

‫إن ديموقراطية المجتمع الرأسمالي هي ديموقراطية لقلية ضئيلة‪ ،‬ديموقراطيممة الغنيمماء‪ .‬وإذا‬
‫ما أمعنا النظر في آلية الديموقراطية الرأسمالية‪ ،‬رأينا في كل شيء وفي كل خطوة –في التفاصيل‬
‫»التافهة«‪ -‬التافهة حسبما يزعم‪ -‬للحق النتخابي )قيد القامة‪ ،‬اسممتثناء النسمماء‪ ،‬الممخ(‪ ،‬وفممي طريقممة‬
‫عمل المؤسسات التمثيلية‪ ،‬وفي العقبممات الفعليممة القائمممة فممي وجممه حممق الجتممماع )البنيممة العامممة‬
‫ليسممت »للصممعاليك«!( وفممي التنظيممم الرأسمممالي الصممرف للصممحافة اليوميممة والممخ‪ ،.‬والممخ‪ ،.‬نممرى‬
‫الديموقراطية مغلولة بقيد فوق قيد‪ .‬وهذه القيود وعمليات الشطب والستثناءات والعقبات المقررة‬
‫بالنسبة للفقراء تبدوا تافهة ل سيما في نظر من لم يعرف بنفسه العوز قممط ولممم يعممرف عممن كثممب‬
‫حياة جماهير الطبقات المظلومة )وهذا هو حال تسعة أعشار‪ ،‬إن لم يكن تسعة وتسعون بالمائة من‬
‫الصحفيين والساسة البرجوازيين(‪ ،‬ولكن هذه القيود بمجملها تبعد وتدفع الفقراء عن السياسممة‪ ،‬عممن‬
‫الشتراك النشيط في الديموقراطية‪.‬‬

‫لقد أدرك ماركس بكل الوضمموح فحمموى الديموقراطيممة الرأسمممالية هممذه‪ ،‬إذ قممال فممي تحليلممه‬
‫مممن ممثلممي الطبقممة‬‫مممن ِ‬‫لخبرة الكومونة‪ :‬يسمح للمظلومين مرة في كل عدة سنوات بأن يقممرروا‪َ :‬‬
‫الظالمة سيمثلهم ويقمعهم في البرلمان!‪.‬‬

‫ولكن التطور إلى المام‪ ،‬من هذه الديموقراطية الرأسمالية –الضيقة حتما والتي تبعد الفقممراء‬
‫خلسة والتي هي‪ ،‬بسبب ذلك‪ ،‬نفاق وكذب كلها‪ -‬ل يجري ببساطة‪ ،‬مباشرة ودون عقبات فممي اتجمماه‬
‫»ديموقراطية أوفى فأوفى« كما يصور المر الساتذة الليبراليون والنتهازيون صغار البرجوازيين‪ .‬ل‪.‬‬
‫إن التطور إلى المام‪ ،‬أي نحو الشيوعية‪ ،‬يمر عممبر ديكتاتوريممة البروليتاريمما‪ ،‬ول طريممق لممه غيممر هممذه‬
‫مرين الرأسماليين‪.‬‬ ‫الطريق‪ ،‬لنه ما من طبقة أخرى أو طريق آخر لتحطيم مقاومة المستث ِ‬

‫وقد أفصح انجلس عن ذلك بجلء رائع في رسالته إلممى بيبممل إذ قممال كممما يممذكر القممارئ ‪» :‬أن‬
‫البروليتاريا بحاجة إلى الدولة ل من أجل الحرية‪ ،‬بل من أجل قمع خصومها‪ ،‬وعنممدما يصممبح بالمكممان‬
‫الحديث عن الحرية‪ ،‬عندئذ لن تبقى الدولة«‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫مرين‪،‬‬‫ديموقراطية من أجل الكثريممة الكممبرى مممن الشممعب وقمممع بممالقوة‪ ،‬أي اسممتثناء المسممتث ِ‬
‫ظالمي الشعب من الديموقراطية‪- ،‬هذا هو التغير الذي يطرأ على الديموقراطية أثنمماء النتقممال مممن‬
‫الرأسمالية إلى الشيوعية‪.‬‬

‫في المجتمع الشيوعي فقط‪ ،‬عندما تحطم مقاومة الرأسماليين بصورة نهائيممة‪ ،‬عنممدما يتلشممى‬
‫الرأسماليون‪ ،‬عندما تنعدم الطبقات )أي عندما ينعدم التباين بين أعضاء المجتمع من حيممث علقتهممم‬
‫بوسائل النتاج الجتماعية(‪ ،‬عندئذ فقط »تزول الدولة وتصبح بالمكان الحديث عن الحريممة«‪ .‬عنممدئذ‬
‫فقط تصبح في المكان وتتحقق الديموقراطية الكاملة حقا‪ ،‬الديموقراطية الخالية حقا من كممل قيممد‪.‬‬
‫وعندئذ فقط‪ ،‬تأخذ الديموقراطيممة بالضمممحلل بحكممم ظمرف بسمميط هممو أن النمماس المعتمموقين مممن‬
‫العبودية الرأسمالية ومما ل يحصى من أهوال الستثمار الرأسمالي وفظاعمماته‪ ،‬وحماقمماته وسممفالته‬
‫سيعتادون شيئا فشيئا مراعاة القواعد الوليمة للحيماة فمي المجتممع‪ ،‬القواعمد المعروفمة منمذ قمرون‬
‫والتي كررت ألوف السنين في جميع الكتب‪ ،‬سميعتادون مراعاتهمما دونممما عنممف‪ ،‬دونممما قسممر‪ ،‬دونممما‬
‫خضوع‪ ،‬بدون الجهاز المعد خصيصا للقسر والمسمى بالدولة‪.‬‬

‫إن تعبير »الدولة تضمحل« هو تعبير اختير بتوفيق كبير‪ ،‬لنه يشير بمموقت معما إلمى تمدرج هممذه‬
‫العملية وإلى عفويتها‪ .‬وأن العادة وحدها يمكنها أن تفعل هذا الفعل ول ريب فمي أنهما سمتفعله‪ ،‬لننما‬
‫نلحظ من حولنا ملييممن المممرات كيممف يعتمماد النمماس بسممهولة مراعمماة قواعممد الحيمماة فممي المجتمممع‬
‫الضرورية لهم‪ ،‬إذا كان الستثمار معدوما‪ ،‬إذا لم يكن هنمماك ممما يممثير السممتياء ويممدعو إلممى الحتجمماج‬
‫والنتفاض ويستلزم القمع‪.‬‬

‫وعلى ذلك نرى أن الديموقراطية فممي المجتمممع الرأسمممالي هممي ديموقراطيممة بممتراء‪ ،‬حقيممرة‪،‬‬
‫ممما ديكتاتوريممة البروليتاريمما‪ ،‬مرحلممة النتقممال إلممى‬
‫زائفة‪ ،‬هي ديموقراطية للغنياء وحممدهم‪ ،‬للقليممة‪ .‬أ ّ‬
‫الشيوعية‪ ،‬فهي تعطي لول مرة الديموقراطية للشعب‪ ،‬للكثرية‪ ،‬بمحاذاة القمع الضممروري للقليممة‪،‬‬
‫مرين‪ .‬والشيوعية وحدها هي التي تستطيع أن تعطي الديموقراطية كاملممة حقمما‪ ،‬وبمقممدار ممما‬ ‫للمستث ِ‬
‫تتكامل بمقدار ما تزول الحاجة إليها فتضمحل من نفسها‪.‬‬

‫وبعبارة أخرى‪ :‬في ظل الرأسمالية نرى الدولة بمعنى الكلمة الصلي‪ ،‬بمعنى آلة خاصممة لقمممع‬
‫طبقة من قبل طبقة أخرى‪ ،‬وبالتحديد‪ :‬قمع الكثرية ممن قبمل القليمة‪ .‬وبمديهي أن همذا الممر –قممع‬
‫مرة‪ -‬يتطلممب لنجمماحه منتهممى الشراسممة‪،‬‬
‫مرة بصورة دائمة مممن قبممل القليممة المسممتث ِ‬‫الكثرية المستث َ‬
‫منتهى الوحشية في القمع‪ ،‬يتطلب بحارا من الدماء‪ ،‬وهذا هو الطريق الذي تسير عليه البشرية وهي‬
‫في حالة العبودية والقنانة والعمل المأجور‪.‬‬

‫وبعد‪ .‬في مرحلة النتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية يظل القمع أمرا ضروريا‪ ،‬ولكنممه يغممدو‬
‫مرة‪ ،‬ويبقى الجهاز الخماص‪ ،‬اللمة الخاصمة للقممع‪،‬‬ ‫مرة من جانب الكثرية المستث َ‬ ‫قمعا للقلية المستث ِ‬
‫أي »الدولة«‪ ،‬أمرا ضروريا‪ ،‬ولكنها دولة انتقالية‪ ،‬أي أنها لم تبق الدولة بمعنممى الكلمممة الصمملي‪ ،‬لن‬
‫مرة من قبل الكثرية‪ ،‬عبيد العمل المأجور في المس‪ ،‬هو نسبيا أمر هيممن بسمميط‬ ‫قمع القلية المستث ِ‬
‫وطبيعي لحد يجعله يكلف من الدماء أقل كثيرا مما يكلفه قمع انتفاضات العبيممد أو الفلحيممن القنممان‬
‫أو العمال الجممراء‪ ،‬لحمد يكلممف البشمرية أقمل بكمثير‪ ،‬وهمو يتلءم وجعمل الديموقراطيمة تشممل مممن‬
‫مرين‬ ‫السكان أكثرية ساحقة لحد تأخذ معه بالزوال الحاجة إلى آلة خاصة للقمع‪ .‬وبممديهي أن المسممتث ِ‬
‫عاجزين عن قمع الشعب بدون آلة في منتهى التعقيد تعد لهذه المهمة‪ .‬ولكن الشعب يسممتطيع قمممع‬
‫مرين حتى بم»آلة« في منتهى البساطة‪ ،‬تقريبا بدون »آلة«‪ ،‬بدون جهاز خاص‪ ،‬بمجممرد تنظيممم‬ ‫المستث ِ‬
‫الجماهير المسلحة )ونلحظ‪ ،‬مستبقين البحث‪ ،‬على غرار سوفياتات نواب العمال والجنود(‪.‬‬

‫وأخيرا‪ ،‬الشيوعية هي وحدها التي تجعل الدملة أمرا ل لزوم له البتة‪ ،‬لنه ل يبقممى عنممدئذ أحممد‬
‫ينبغي قمعه‪» ،‬أحد« بمعنى الطبقة‪ ،‬بمعنى النضال المنتظم ضد قسم معين من السكان‪ .‬نحن لسممنا‬
‫بطوبويين‪ ،‬ونحن ل ننكر أبدا إمكانية وحتمية وقوع تجاوزات من أفراد كما ل ننكر ضرورة قمممع مثممل‬
‫هذه التجاوزات‪ .‬ولكن همذا الممر ل يحتماج‪ ،‬أول‪ ،‬إلمى آلمة خاصمة للقممع‪ ،‬إلمى جهماز خماص للقممع –‬
‫فالشعب المسلح نفسه يقوم به ببساطة ويسر كما تقوم كل جماعة من الناس المتمدنين حمتى فمي‬
‫المجتمع الراهن بتفريق متشاجرين أو الحيلولة دون العتداء على امرأة‪ .‬وثانيا‪ ،‬نحن نعلم أن السبب‬

‫‪47‬‬
‫الجتماعي الجذري للمخالفات الممتي تتجلممى فممي الخلل بقواعممد الحيمماة فممي المجتمممع هممو اسممتثمار‬
‫الجممماهير وعوزهمما وبؤسممها‪ .‬وعنممدما يممزول هممذا السممبب الرئيسممي تأخممذ التجمماوزات ل محالممة‬
‫بم»الضمحلل«‪ .‬نحن ل نعلم بأية سرعة وبأي تممدرج‪ ،‬ولكننمما نعلممم أنهمما ستضمممحل‪ .‬ومممع اضمممحللها‬
‫تضمحل الدولة أيضا‪.‬‬

‫إن ماركس‪ ،‬دون أن ينساق مع الطوبويات‪ ،‬قد عرف بالتفصيل ما يمكن تعريفه الن بصدد هذا‬
‫المسممتقبل‪ ،‬ونعنممي الفممرق بيممن الطممور )الدرجممة‪ ،‬المرحلممة( السممفل والطممور العلممى مممن المجتمممع‬
‫الشيوعي‪.‬‬

‫‪ -3‬الطور الول من المجتمع الشيوعي‬


‫في »نقد برنامج غوتا« فند ماركس بالتفصيل ودحض فكرة لسال القائلة بأن العامل ينال في‬
‫ظل الشتراكية »نتاج العمل كامل« أو »غير مبتور«‪ .‬وقد بين ماركس أنممه ل بممد مممن أن تطممرح مممن‬
‫مجمل العمل الجتماعي الذي يقوم به المجتمع بأسره مخصصات احتياط ومخصصات لتوسيع النتاج‬
‫ومخصصات لستبدال الماكينات »المستهلكة« الخ‪ ،.‬ثم من رصيد الستهلك مخصصات للنفاق على‬
‫جهاز الدارة والمدارس والمستشفيات وملجئ الشيوخ وغير ذلك‪.‬‬

‫فعوضا عن عبارة لسال العامة‪ ،‬الغامضة والمبهمة )»إعطاء العامل نتاج العممل كمامل«( يمبين‬
‫ماركس بوضوح كيف ينبغي على المجتمع الشتراكي بالضممرورة أن يممدير المممور‪ .‬إن ممماركس يحلممل‬
‫تحليل ملموسا ظروف الحياة في مجتمع ستنعدم فيه الرأسمالية ويقول‪:‬‬

‫»إننا نواجه هنا« )عند تحليله لبرنامج حزب العمال( »ليس مجتمعا شيوعيا تطور علممى أسسممه‬
‫الخاصة‪ ،‬بل مجتمعا يخرج لتوه من المجتمع الرأسمالي بالذات؛ مجتمع ل يزال‪ ،‬من جميممع النممواحي‪،‬‬
‫القتصادية والخلقية والفكرية‪ ،‬يحمل طابع المجتمع القديم الذي خرج من أحشائه«‪.‬‬

‫إن هذا المجتمع الشيوعي المنبثق لتوه من أحشاء الرأسمالية والذي يحمل من جميع النممواحي‬
‫طابع المجتمع القديم يسميه ماركس بالطور »الول« أو الدنى من المجتمع الشيوعي‪.‬‬

‫فإن وسائل النتاج ل تبقى ملكا خاصا لفراد‪ .‬إن وسائل النتاج تخص المجتمع كله‪ .‬وكل عضممو‬
‫من أعضاء المجتمع يقوم بقسط معين من العمممل الضممروري اجتماعيمما وينممال مممن المجتمممع إيصممال ً‬
‫بكمية العمل التي يقوم به‪ .‬وبموجب هذا اليصال ينال من المخازن العامة لبضائع الستهلك الكميممة‬
‫المناسبة من المنتوجات‪ .‬وبعد طرح كمية العمل التي تموجب للمخصصمات العاممة‪ ،‬ينمال كمل عاممل‬
‫إذن من المجتمع بمقدار ما أعطاه‪.‬‬

‫ويبدو أنن في ملكوت »السماواة«‪.‬‬

‫ولكن عندما يقول لسمال‪ ،‬آخمذا بعيمن العتبمار همذه الوضماع الجتماعيمة )المتي تسممى عمادة‬
‫الشتراكية ويسميها ماركس الطور الول من الشيوعية(‪ ،‬بأن هممذا »توزيممع عممادل«‪ ،‬بممأن هممذا »حممق‬
‫متساو لكل فرد في كمية متساوية من منتوجات العمل«‪ ،‬فهو يخطئ ويوضح ماركس خطأه بقوله‪:‬‬

‫نحن هنا في الواقع إزاء »الحق المتساوي«‪ ،‬ولكنممه مما يممزال »حقما برجوازيما« يفمترض‪ ،‬ككمل‬
‫حق‪ ،‬عدم المساواة‪ .‬إن كل حق هو مقياس واحد على أناس مختلفين ليسوا فممي الواقممع متشممابهين‬
‫ول متساويين‪ ،‬ولذا فإن »الحق المتساوي« هو إخلل بالمساواة وهو غبن‪ .‬وفي الحقيقة‪ ،‬إن كل فرد‬
‫ينال لقاء قسط ميساو من العمل الجتماعي قسطا متساويا من المنتوجمات الجتماعيمة )بعمد طمرح‬
‫المخصصات المذكورة(‪.‬‬

‫بيد أن الناس ليسوا متساوين‪ :‬أحدهم قوي والخر ضعيف‪ ،‬أحدهم متزوج والخمر أعممزب‪ ،‬لمدى‬
‫أحدهم عدد أكبر من الطفال ولدى الخر عدد أقل الخ‪..‬‬

‫‪48‬‬
‫ويستنتج ماركس‪:‬‬

‫»…لقمماء العمممل المتسمماوي‪ ،‬وبالتممالي لقمماء السممهام المتسمماوي فممي الصممندوق الجتممماعي‬
‫للستهلك يتلقى أحدهم بالفعل أكثر من الخر‪ ،‬ويصبح إذن أغنى مممن الخممر والممخ‪ ..‬ةلجتنمماب جميممع‬
‫هذه المصاعب ل ينبغي أن يكون الحق متساويا‪ ،‬بل ينبغي أن يكون غير متساو…«‬

‫وعلى ذلك ل يمكن بعد للمرحلة الولممى مممن الشمميوعية أن تعطممي العدالممة والمسمماواة‪ :‬تبقممى‬
‫فروق في الثروة وهي فروق مجحفة‪ ،‬ولكمن اسمتثمار النسمان للنسمان يصمبح أممرا مسمتحيل‪ ،‬لنمه‬
‫يصبح من غير الممكن للمرء أن يستولي كملكية خاصة على وسممائل النتمماج‪ ،‬علممى المعامممل واللت‬
‫والرض وغير ذلك‪ .‬زإذ دحض ماركس عبارة لسال الغامضة على النمممط الممبرجوازي الصممغير بصممدد‬
‫»المساواة« و»العدالة« بوجه عام‪ ،‬قد أظهر مجرى تطور المجتمع الشيوعي المضطر في البدء إلى‬
‫القضاء فقط على ذلك »الغبن« الذي يتلخص في تملك أفراد لوسائل النتمماج‪ ،‬ولكنممه عمماجز عممن أن‬
‫يقضي دفعة واحدة على الغبن الثاني الذي يتلخص بتوزيع مواد الستهلك »حسب العمل« )ل حسب‬
‫الحاجة(‪.‬‬

‫)ل حسب الحاجة(‪.‬‬

‫إن القتصاديون المبتذلون ومنهم الساتذة البرجوازيون بمن فيهممم »صمماحبنا« توغممان يولمممون‬
‫الشتراكيين على الدوام زاعمين أنهم ينسون أن الناس غير متسمماوين و»يحلمممون« بإزالممة هممذه الل‬
‫مساواة‪ .‬وهذا اللوم ان برهن على شيء فإنما يبرهن فقط كما نرى‪ ،‬على أن السادة اليممديولوجيين‬
‫البرجوازيين جهال جهل مطبقا‪.‬‬

‫إن ماركس‪ ،‬عدا أنه يحسب الحساب بدقة لحتمية الل مساواة بين الناس‪ ،‬يأخممذ بعيممن العتبمار‬
‫كذلك أن مجرد انتقال وسائل النتاج إلى ملكية عامممة للمجتمممع كلممه )»الشممتراكية« بمعنممى الكلمممة‬
‫المعتاد( ل يزيل نواقص التوزيع والل مساواة في »الحق الممبرجوازي« الممذي يظممل سممائدا ممما دامممت‬
‫المنتوجات توزع »حسب العمل«‪.‬‬

‫ويستطرد ماركس‪:‬‬

‫»… ولكنها تلك مصاعب محتومة ل مناص منها في الطور الول مممن المجتمممع الشمميوعي كممما‬
‫يخرج من المجتمع الرأسمالي بعد مخاض طويل وعسير‪ .‬فالحق ل يمكن أبدا أن يكون فممي مسممتوى‬
‫أعلى من النظام القتصادي ومن درجة تمدن المجتمع التي تناسب هذا النظام…«‬

‫وعليه‪ ،‬إن »الحق البرجوازي« في الطور الول مممن المجتمممع الشمميوعي )الممذي يسمممى عممادة‬
‫بالشممتراكية( ل يلغممي بصممورة تامممة‪ ،‬بممل يلغممي بصممورة جزئيممة‪ ،‬فقممط بالمقممدار الممذي بلغممه النقلب‬
‫القتصادي‪ ،‬أي فقط حيال وسائل النتمماج‪» .‬فممالحق الممبرجوازي« يعممترف بهمما ملكمما خاصمما لشممخاص‬
‫ما الشتراكية فتجعلها ملكا عاما‪ .‬بهذا المقدار ليس غير‪ ،‬يسقط »الحق البرجوازي«‪.‬‬ ‫منفردين‪ .‬أ ّ‬

‫ولكنه يبقى مع ذلك في جزئه الخر‪ ،‬يبقى بصفة ضابط )محدد( لتوزيع المنتجات وتوزيع العمل‬
‫بين أعضاء المجتمع‪» .‬من ل يعمل ل يأكل«‪ ،‬هذا المبدأ تلشتراكي قد طبممق؛ »لقمماء كميممة متسمماوية‬
‫من العمل كمية متساوية من المنتوجات«‪ ،‬وهذا المبدأ الشتراكي الخر قد طبممق أيضمما‪ .‬ولكممن ذلممك‬
‫ليس بالشيوعية بعد‪ .‬إن ذلك ل يزيل بعد »الحق الممبرجوازي« الممذي يعطممي النمماس غيممر المتسمماوين‬
‫مقابل كمية من العمل غير متساوية )غير متساوية فعل( كمية متساوية من المنتوجات‪.‬‬

‫يقول ماركس أن هذا »نقص«‪ ،‬ولكن ل مفر منه في الطور الول من الشيوعية‪ ،‬لنمه ل يمكمن‬
‫الظن‪ ،‬بدون الوقوع في الطوبوية‪ ،‬بأن الناس‪ ،‬بعد اسقاطهم للرأسمالية‪ ،‬يتعلمون على الفور العمل‬

‫‪49‬‬
‫في صالح المجتمع بدون أية أحكام حقوقيممة‪ ،‬ناهيممك عممن إلغمماء الرأسمممالية ليعطممي فممورا ً ممهممدات‬
‫اقتصادية لمثل هذا التغير‪.‬‬

‫ول وجود لحكام عير أحكام »الحق البرجوازي«‪ .‬ولذا تبقى الحاجة إلممى دولممة تصممون الملكيممة‬
‫العامة لوسائل النتاج وبذلك تصون تساوي العمل وتساوي توزيع المنتوجات‪.‬‬

‫تضمحل الدولة‪ ،‬لنه ينعدم الرأسماليون وتنعدم الطبقات فيستحيل بالتالي قمع أية طبقة‪.‬‬

‫ولكن الدولة ل تضمحل بعد بصورة تامة‪ ،‬لنه تبقى صيانة »الحق البرجوازي« الذي يكمرس الل‬
‫مساواة الفعلية‪ .‬ولضمحلل الدولة بصورة تامة يقتضي المر الشيوعية الكاملة‪.‬‬

‫‪ -4‬الطور العلى من المجتمع الشيوعي‬


‫يستطرد ماركس‪:‬‬

‫»… في الطور العلى من المجتمع الشيوعي‪ ،‬بعممد أن يممزول إخضمماع الفممراد المممذل لتقسمميم‬
‫العمل ويزول معه التضاد بين العمل الفكري والعمل الجسدي؛ وحين ل يبقممى العمممل مجممرد وسمميلة‬
‫للعيش‪ ،‬بل يغدو الحاجة الولى في الحياة؛ وحين تتنامى القوة المنتجة مع تطممور الفممراد مممن جميممع‬
‫النواحي‪ ،‬وحين تتدفق جميع ينابيع الثورة الجماعية بفيمض وغمزارة‪- ،‬حينمذاك فقمط‪ ،‬يصمبح بالمكمان‬
‫تجاوز الفق الضيق للحق البرجوازي تجاوزا تاما‪ ،‬ويصبح بإمكان المجتمع أن يسجل على رايته‪» :‬من‬
‫كل حسب كفاءاته‪ ،‬ولكل حسب حاجاته««‪.‬‬

‫الن فقط‪ ،‬يمكننا أن نقدر كل صحة ملحظات انجلس عندما سممخر دونممما رحمممة مممن سممخافة‬
‫الجمع بين كلمتي »الحرية« و»الدولة«‪ .‬فممما بقيممت الدولممة‪ ،‬ل وجممود للحريممة‪ ،‬وعنممدما تحممل الحريممة‬
‫تنعدم الدولة‪.‬‬

‫إن الساس القتصادي لضمحلل الدولة اضمحلل ً تاما هو تطور الشيوعية إلى حد عممال يممزول‬
‫معه التضاد بين العمل الفكري والعمل الجسدي‪ ،‬ويزول بالتممالي ينبمموع مممن أهممم ينممابيع الل مسمماواة‬
‫الجتماعية الراهنة‪ ،‬مع العلم أنه ينبوع تستحيل إزالته فورا استحالة تامة بمجرد تحويل وسائل النتاج‬
‫ملكا اجتماعيا‪ ،‬بمجرد مصادرة أملك الرأسماليين‪.‬‬

‫إن هذه المصادرة ستفسح في المجال لتطور القوى المنتجة تطورا هائل‪ ،‬وإذ نرى إلى أي حممد‬
‫هائل تعيق الرأسمالية الن هذا التطور‪ ،‬وأي قدر كبير من المور يمكن دفعه إلى المام على أساس‬
‫التكتيك الحديث المتوفرة اليوم‪ ،‬يحق لنا أن نقول موقنين كل أن مصادرة أملك الرأسماليين تسممفر‬
‫ل محالة عن تطور قوى المجتمع البشري المنتجة تطممورا هممائل‪ .‬ولكممن ممما ل نعرفممه وممما ل نسممتطيع‬
‫معرفته هو درجة سرعة هذا التطور لحقا وسرعة بلوغه حد القطيعة مممع تقسمميم العمممل‪ ،‬حممد إزالممة‬
‫التضاد بين العمل الفكري والعمل الجسدي‪،‬حد صيرورة العمل »الحاجة الولى في الحياة«‪.‬‬

‫ولذا ل يحق لنا أن نتكلم إل ّ عن حتمية اضمحلل الدولة‪ ،‬مشيرين إلى أن هذه العملية تستغرق‬
‫وقتا طويل وإلى توقفها على درجة سرعة تطور الطور العلى من الشميوعية وتماركين مسمألة وقمت‬
‫هذا الضمحلل أو أشكاله الملموسة معلقة‪ ،‬لنه ل يوجد ما يلزم لحل هذه المسائل‪.‬‬

‫ل يمكن للدولة أن تضمحل تماما إل ّ عندما يطبق المجتمممع قاعممدة »مممن كممل حسممب كفمماءاته‪،‬‬
‫ولكل حسب حاجاته«‪ ،‬أي عندما يعتاد الناس مراعاة القواعد الساسية للحياة فممي المجتمممع ويصممبح‬
‫عملهم منتجا بحيث يشرعون يعملون طوعا حسب كفاءاتهم‪ .‬وعدنئد يتم تخطي هذا »الفممق الضمميق‬
‫للحق البرجوازي« الذي يجعل المرء يحسب على غرار شيلوك –فل يعمل نصف ساعة زيادة على ما‬
‫يعمل آخر‪ ،‬أو ل يقبض أجرة أقل من أجرة الخر‪ .‬وعندئذ لن يتطلب توزيع المنتجات تقنينا مممن قبممل‬
‫المجتمع لكمية المنتوجات التي ينالها كل فرد‪ ،‬فكل فرد سيأخذ بحرية »حسب حاجاته«‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫من السهل‪ ،‬من وجهة النظر البرجوازية‪ ،‬إعلن مثل هذا النظام الجتممماعي »طوبويممة محضمما«‬
‫والسخرية من الشتراكيين لنهم يعدون كل مواطن بأنه سيحق له أن يأخذ مممن المجتمممع بممدون أيممة‬
‫مراقبة لعمله أي مقدار من السكاكر أو السيارات أو أجهزة البيانو وغير ذلك‪ .‬وبمثل هذه السخريات‬
‫تتملمص أكثريمة »العلمماء« المبرجوازيين حمتى الن مظهريمن بمذلك جهلهمم ودفماعهم المغمرض عمن‬
‫الرأسمالية‪.‬‬

‫الجهل‪ ،‬لنه لم يخطر لي اشتراكي ببال أن »يعد« بحلول الطور العلى من تطممور الشمميوعية‪.‬‬
‫ما فيما يخص نبوءة الشتراكيين العظام بحلوله فهي تفترض إنتاجية عمل غير إنتاجية العمل الحالية‬ ‫أ ّ‬
‫وإنسانا غير النسان الحالي التافه الذي يستطيع‪ ،‬على غرار تلميذ مدرسممة اللهمموت الممذين وصممفهم‬
‫الكاتب بوميالوفسكي‪ ،‬أن يتلف »لوجه الشيطان« الثروات العامة ويطلب المستحيل‪.‬‬

‫وما لم يحل الطور »العلى« من الشيوعية يطالب الشتراكيون برقابة صارمة جدا مممن جممانب‬
‫المجتمع ومن جانب الدولة على مقياس العمل ومقياس الستهلك‪ ،‬ولكن هذه الرقابة يجب أن تبممدأ‬
‫من مصادرة أملك الرأسماليين‪ ،‬من رقابة العمال على الرأسماليين‪ ،‬وأل ّ تمارسها دولممة الممموظفين‪،‬‬
‫بل دولة العمال المسلحين‪.‬‬

‫ما الدفاع المغرض عن الرأسمالية من قبل اليممديولوجيين الممبرجوازيين )وأذنممابهم مممن أمثممال‬ ‫أ ّ‬
‫السادة تسيريتيلي وتشيرنوف وشركاهما( فيتلخص بالضبط في كونهم يستعيضون بالجدال والممثرثرة‬
‫حول المستقبل البعيممد عممن مسممألة السمماعة‪ ،‬المسممألة الملحممة فممي سياسممة اليمموم‪ :‬مصممادرة أملك‬
‫الرأسماليين وتحويل جميع المواطنين إلى شمغيلة ومسمتخدمين فمي »سمنديكا« كمبير واحمد‪ ،‬ونعنمي‬
‫الدولة بأكملها‪ ،‬وإخضاع كامل عمل هذا السنديكا بأكمله إخضاعا تاما لدولة ديموقراطية حقمما‪ ،‬لدولممة‬
‫سوفييتات نواب العمال والجنود‪.‬‬

‫ما في الجوهر فإن الستاذ العلمة وفي اثره التافه الضيق الفق وفي اثره السادة تسيريتيلي‬ ‫أ ّ‬
‫وتشيرنوف وأضرابهما‪ ،‬عندما يتكلمون عن الطوباويات الخرقاء ووعود البلشممفة الديماغوجيممة وعممن‬
‫استحالة »تطبيق« الشتراكية‪ ،‬إنما يقصدون بالضبط الطور العلى أو المرحلة العليا للشيوعية‪ ،‬هذه‬
‫المرحلة التي لم يفكر أحد »بتطبيقها«‪ ،‬فضل عن الوعد بذلك‪ ،‬لن »تطبيقهمما« أمممر مسممتحيل بمموجه‬
‫عام‪.‬‬

‫هنا وصلنا إلى مسألة الفرق العلمي بيممن الشممتراكية والشمميوعية‪ ،‬هممذه المسممألة الممتي تطممرق‬
‫لليهممما انجلمممس فمممي الفقمممرة المممتي أوردناهممما أعله بصمممدد عمممدم صمممحة تسممممية »الشمممتراكيين‪-‬‬
‫الديموقراطيين«‪ .‬أغلب الظن أن الفرق من الناحية السياسممية بيممن الطممور الول أو الدنممى والطممور‬
‫العلى من الشيوعية سيصبح هائل مممع مممر الزمممن‪ ،‬ولكممن مممن المضممحك العممتراف بممه فممي المموقت‬
‫الحاضر‪ ،‬في ظل الرأسمالية‪ ،‬ول يمكن لحد أن يضعه في المقمام الول اللهمم ال ّ بعمض الفوضمويين‬
‫)إذا ما بقي الفوضويين أناس لم يتعلموا شيئا بعد تحول كروبوتكين وغراف وكورنيليسين وأضممرابهم‬
‫من »نجوم« الفوضوية‪» ،‬على غرار بليخانوف«‪ ،‬إلى اشتراكيين‪-‬شوفينيين‪ ،‬أو إلى فوضممويي خنممادق‬
‫حسب تعبير غي‪ ،‬أحد الفوضويين القلئل الذين احتفظوا بالشرف والضمير(‪.‬‬

‫بيد أن الفرق العملي بين الشتراكية والشيوعية واضح‪ .‬فما يممدعونه فممي المعتمماد بالشممتراكية‪،‬‬
‫قد سماه ماركس بالطور »الول« أو الدنى من المجتمع الشمميوعي‪ .‬وبممما أن وسممائل النتمماج تصممبح‬
‫ملكا عاما فإن كلمة »الشيوعية« قابلة للتطبيق على هذا الطور أيضمما‪ ،‬شممريطة أل ّ ينسممى المممرء أن‬
‫هذه ليست بالشيوعية الكاملة‪ .‬والهمية الكبرى لشروح ماركس تتلخص في كونه قد طبق بانسممجام‬
‫في هذه النقطة أيضا الدياليكتيك المادي‪ ،‬نظريممة التطممور‪ ،‬نمماظرا إلممى الشمميوعية كشمميء ينشممأ عممن‬
‫الرأسمالية‪ .‬فبدل من التعاريف الكلمية المختلفة و»المخترعة« والنقاش العقيم حول الكلمممات )ممما‬
‫هي الشتراكية وما هي الشيوعية( يعطي ماركس تحليل لما يمكن تسممميته درجممات نضممج الشمميوعية‬
‫اقتصاديا‪.‬‬

‫فالشيوعية في طورها الول‪ ،‬في درجاتهمما الولممى‪ ،‬ل يمكممن بعممد أن تكممون ناضممجة تماممما مممن‬
‫الناحية القتصمادية‪ ،‬ل يمكمن أن تكمون خاليمة تمامما ممن تقاليمد أو آثمار الرأسممالية‪ .‬وممن هنما همذه‬
‫‪51‬‬
‫الظاهرة الطريفة‪- ،‬بقاء »الفق الضيق للحق البرجوازي« في الشيوعية خلل طورها الول‪ .‬وواضممح‬
‫أن الحق البرجوازي حيال توزيع منتجات الستهلك يتطلب حتما دولة برجوازيممة‪ ،‬لن الحممق ل شمميء‬
‫بدون جهاز يستطيع القسر على مراعاة أحكام الحق‪.‬‬

‫ويستنتج أنمه فمي الشميوعية ل يبقمى لزممن معيمن الحمق المبرجوازي وحمده‪ ،‬بمل أيضما الدولمة‬
‫البرجوازية –بدون البرجوازية!‬

‫وقد يبدو ذلك تناقضما أو مجممرد تلعمب ديمماليكتيكي مممن ذهممن‪ ،‬الممر المذي كممثيرا ممما يتهمم بممه‬
‫الماركسية الناس الذين لم يبذلوا أي جهد ليدرسوا مضمونها العميق منتهى العمق‪.‬‬

‫ما في الحقيقة فإن الحياة ترينا في كل خطوة‪ ،‬في الطبيعة وفي المجتمع‪ ،‬بقايمما القممديم فممي‬
‫أ ّ‬
‫الجديد‪ .‬وماركس لم يدخل في الشيوعية بصورة كيفية قطعة من الحق »البرجوازي«‪ ،‬بل إنممما أخممذ‬
‫ما هو‪ ،‬اقتصاديا‪ ،‬وسياسيا‪ ،‬أمر ل مناص منه في مجتمع ينشأ من أحشاء الرأسمالية‪.‬‬

‫للديموقراطية أهمية كبرى في نضال الطبقممة العاملممة ضممد الرأسممماليين‪ ،‬فممي سممبيل تحررهمما‪.‬‬
‫ولكن الديموقراطية ليست البتة بحد ل يمكن تخطيممه‪ ،‬فهممي ليسممت غيممر مرحلممة مممن المراحممل فممي‬
‫الطريق من القطاعية إلى الرأسمالية ومن الرأسمالية إلى الشيوعية‪.‬‬

‫الديموقراطية تعني المساواة‪ .‬ول حاجة لتبيان مدى أهمية نضال البروليتاريا من أجل المساواة‬
‫وشممعار المسمماواة إذا ممما فهممم هممذا الشممعار فهممما صممحيحا بمعنممى القضمماء علممى الطبقممات‪ .‬ولكممن‬
‫الديموقراطية ل تعني غير المساواة الشكلية‪ .‬فما أن تحقممق مسمماواة جميممع أعضمماء المجتمممع حيممال‬
‫تملك وسائل النتاج‪ ،‬أي المساواة في العمل‪ ،‬المسماواة فمي الجمور‪ ،‬حمتى تطممرح أمممام البشممرية ل‬
‫مناص مسألة السير إلى أبعد‪ ،‬من المساواة الشكلية إلى المساواة الفعلية‪ ،‬إلى تحقيق قاعدة »مممن‬
‫كل حسب كفاءاته ولكل حسب حاجاته«‪ .‬ونحن ل نعرف ول يمكننا أن نعرف عبر أيممة مراحممل وعممن‬
‫طريق أي تدابير عملية ستسير البشرية نحو هذا الهدف العلممى‪ .‬ولكممن مممن المهممم أن نتفهممم مممدى‬
‫بطلن الفكرة البرجوازية الشائعة التي تزعم أن الشتراكية شيء ما ميت‪ ،‬جامد‪ ،‬ثابت ل يتغير‪ ،‬فممي‬
‫حين أن حركة التقدم السريع في جميع ميادين الحياة الجتماعية والفردية‪ ،‬الحركممة الجماهيريممة فعل‬
‫وحقا التي تشترك فيها أكثرية السكان ثم جميع السكان ل تبدأ في الحقيقة إل ّ مع الشتراكية‪.‬‬

‫الديموقراطية هي شكل للدولة‪ ،‬نوع من أنواعها‪ .‬ولذا فهي‪ ،‬ككل دولة‪ ،‬استعمال العنف حيممال‬
‫الناس بصورة منتظمة ودائمة‪ .‬هذا من جهممة‪ ،‬ولكنهمما مممن الجهممة الخممرى‪ ،‬تعنمي العمتراف الشممكلي‬
‫بالمساواة بين المواطنين‪ ،‬العتراف للجميع بحق متساو فممي تحديممد شممكل بنماء الدولمة وفمي ذاتهما‪.‬‬
‫وهذا بدوره يرتبط بكون الديموقراطية عند درجممة معينممة مممن تطورهمما‪ ،‬أول‪ ،‬تممرص ضممد الرأسمممالية‬
‫الطبقة الثورية‪ ،‬البروليتاريا‪ ،‬وتمكنها من أن تحطم وتمحو عن وجممه الرض آلممة الدولممة البرجوازيممة –‬
‫حتى ولو كانت برجوازية جمهورية‪ -‬والجيش النظامي والشرطة والدواوينية وتستعيض عممن كممل هممذا‬
‫بآلة دولة أكثر ديموقراطية‪ ،‬تظل مع ذلك آلة دولة بشخص جماهير العمال المسمملحين ثممم باشممتراك‬
‫الشعب كله في الميليشيا‪.‬‬

‫هنا »يتحول الكم إلى كيف«‪ :‬فمثل هذه الدرجة من تطور الديموقراطية مرتبطة بالخروج مممن‬
‫إطار المجتمع البرجوازي وبدء إعادة بنائه على أسس اشممتراكية‪ ,‬فممإذا ممما اشممترك الجميممع حقمما فممي‬
‫ون بدوره الممهممدات لكيممما‬ ‫إدارة الدولة تصبح الرأسمالية عاجزة عن الصمود‪ .‬وتطور الرأسمالية يك ّ‬
‫يستطيع »الجميع« حقا الشتراك في إدارة الدولة‪ .‬ومن هذه الممهدات انعممدام الميممة إنعممداما تاممما‪،‬‬
‫المر الذي قد حققه عدد من البلدان الرأسمالية الكثر تقدما‪ ،‬ثم وجود الملييممن مممن العمممال الممذين‬
‫»علمهم وعودهم على النظام« الجهاز الكبير المعقد ذو الطابع الجتماعي‪ :‬البريد‪ ،‬السكك الحديدية‪،‬‬
‫المعامل الكبرى‪ ،‬المتاجر الكبرى‪ ،‬البنوك والخ‪،.‬الخ‪..‬‬

‫وعند وجممود مثممل هممذه الممهممدات القتصممادية يمكممن كممل المكمان‪ ،‬بعممد اسمقاط الرأسممماليين‬
‫والموظفين‪ ،‬النتقال إلى الستعاضة عنهم حال‪ ،‬بين عشية وضحاها‪ ،‬في أمر رقابة النتمماج والتوزيممع‪،‬‬

‫‪52‬‬
‫في أمر حساب العمل والمنتوجات‪ ،‬بالعمال المسلحين‪ ،‬بالشعب المسلح كله‪) .‬ول يجوز الخلط بيممن‬
‫الرقابة والحساب ومسألة الملكات ذات الثقافة العلميممة مممن مهندسممين وخممبراء زراعييممن وغيرهممم‪:‬‬
‫فهؤلء السادة يعملون اليوم خاضعين للرأسماليين‪ ،‬وسيعملون إذا بصممورة أفضممل خاضممعين للعمممال‬
‫المسلحين(‪.‬‬

‫الحساب والرقابة هما المر الرئيسي اللزم لجل »ضبط« الطور الول من المجتمع الشيوعي‬
‫ولجل عمله بشكل صائب‪ .‬فجميع المواطنين يصبحون آنذاك مستخدمين تستأجرهم الدولة التي هي‬
‫العمال المسلحون‪ .‬وجميع المواطنين يصبحون مستخدمين وعمال في »سنديكا« واحد تابع للشممعب‬
‫كله‪ ،‬تابع للدولة‪ .‬وكل القضية هي أن يعملوا على قدم المسمماواة مراعيممن بصممورة صممحيحة مقيمماس‬
‫العمل وأن ينالوا الجور على قدم المساواة‪ .‬وقد جعلت الرأسمالية من هذا الحساب وهممذه الرقابممة‬
‫أمرا بسيطا غاية البساطة‪ ،‬عمليات من المراقبة والتسجيل يسيرة لحممد خممارق هممي فممي طاقممة كممل‬
‫إنسان غير أمي ل تعدو العمليات الحسابية الربع واعطاء اليصالت اللزمة*‪.‬‬

‫وعندما تأخذ اكثرية الشعب بالقيام بصورة مستقلة وفي كل مكان بهذا الحساب وهذه الرقابممة‬
‫على الرأسماليين )الذين يتحولون آنئذ إلى مسممتخدمين( وعلممى السممادة المثقفيممن الممذين يحتفظممون‬
‫بالعادات الرأسمالية‪ ،‬عندئذ تصبح هذه الرقابة عامة حقا‪ ،‬شماملة‪ ،‬ذات طمابع شمعبي عمام‪ ،‬ول يبقمى‬
‫بالمكان التملص منها‪ ،‬و»ل تبقى للفرار منها ملذ«‪.‬‬

‫سيصبح المجتمع كله مكتبا واحدا ومعمل واحدا يتساوى فيه الجميع في العمل وفي الجور‪.‬‬

‫بيد أن هذا النظام »المعملي« الذي تشمل بمه البروليتاريما المجتممع كلمه بعمد أن تنتصممر علمى‬
‫مرين ليس بحال من الحوال بمثلنا العلى ول بهدفنا النهممائي‪ ،‬ليممس إل ّ‬ ‫الرأسماليين وتسقط المستث ِ‬
‫درجة ضرورية لتطهير المجتمع بشممكل جممذري مممن فظممائع وشممنائع السممتثمار الرأسمممالي ولمتمماعبه‬
‫السير إلى المام‪.‬‬

‫ومذ يتعلم جميع أعضاء المجتمع أو‪ ،‬على القل‪ ،‬أكممثريتهم الكممبرى ادارة الدولممة بأنفسممهم‪ ،‬مممذ‬
‫يأخذون هذا المر بأيديهم و»يرتبون« الرقابة على أقلية الرأسماليين الضئيلة‪ ،‬على الفندية الراغبين‬
‫في الحتفاظ بالعادات الرأسمالية‪ ،‬على العمال الذين أفسدتهم الرأسمالية حتى أعممماقهم‪ ،‬مممذ ذاك‬
‫تأخذ بالزوال الحاجة إلى كل إدارة بوجه عام‪ .‬وبمقدار ما تتكامل الديموقراطية‪ ،‬يقممترب وقممت زوال‬
‫الحاجة إليها‪ .‬وبمقدار ما تكون الديموقراطية أوفى فممي »الدولممة« المؤلفممة مممن العمممال المسمملحين‬
‫والتي »لم تبق دولة بمعنى الكلمة الصلي«‪ ،‬تبدأ كل دولة في الضمحلل بصورة أسرع‪.‬‬

‫ذلك لنه عندما يتعلم الجميع الدارة ويديرون في الواقممع بصممورة مسممتقلة النتمماج الجتممماعي‪،‬‬
‫ويحققون بصورة مستقلة الحساب والرقابة على الطفيليين والفندية والمحتالين ومن على شاكلتهم‬
‫من »حفظة تقاليد الرأسمالية« ‪-‬عندئذ يصبح التهرب من حساب الشعب ورقابته علممى التأكيممد أمممرا‬
‫عسير المنال وأمرا نادرا جدا يصحبه في أكبر الظممن عقمماب سممريع وصممارم )لن العمممال المسمملحين‬
‫أناس عمليون وليسوا من نوع المثقفين العاطفيين‪ ،‬وعليه من المستبعد أن يسمحوا لحد بالستهانة‬
‫بهم( بحيث أن ضرورة مراعاة القواعد الساسية البسيطة للحياة في كممل مجتمممع بشممري سممتتحول‪،‬‬
‫بسرعة كبيرة‪ ،‬إلى عادة‪.‬‬

‫وعندئذ ينفتح على مصراعيه بمماب النتقممال مممن الطممور الول للمجتمممع الشمميوعي إلممى طمموره‬
‫العلى وفي الوقت نفسه إلى اضمحلل الدولة اضمحلل تاما‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬ابتذال النتهازيين للماركسية‬
‫إن مسألة موقف الدولة من الثورة الجتماعية وموقف الثورة الجتماعية من الدولة لم تشممغل‬
‫بال كبار النظريين والصحفيين في الممية الثانية )‪ (1914-1889‬إل ّ قليل جدا‪ ،‬شأنهما شممأن مسممألة‬
‫الثورة بوجه عام‪ .‬ولكن السمة المميزة الساسية لسير التعمماظم التممدريجي للنتهازيممة الممذي أفضممى‬
‫إلى افلس الممية الثانية في سنة ‪ 1914‬هي واقع أنهممم حممتى عنممدما كممانوا يجممدون أنفسممهم وجهمما‬
‫لوجه حيال هذه المسألة كانوا يسعون لتجنبها أو ل يلحظونها‪.‬‬

‫ويمكن القول بوجه عام أن تشويه الماركسية وابتذالها التام قد نشأ عممن التهممرب مممن مسممألة‬
‫موقف الثورة البروليتاريا من الدولة‪ ،‬التهرب المفيد للنتهازية والمغذي لها‪.‬‬

‫ولوصف هذه العملية المؤسفة ولو بصورة مقتضبة نأخذ أشممهر نظريممي الماركسممية‪ ،‬بلخممانوف‬
‫وكاوتسكي‪.‬‬

‫‪ -1‬جدال بليخانوف مع الفوضويين‬


‫لقد كرس بليخانوف لموقممف الفوضمموية حيممال الشممتراكية كراسمما خاصمما عنمموانه‪» :‬الفوضمموية‬
‫والشتراكية«‪ ،‬صدر باللمانية في سنة ‪.1894‬‬

‫لقد تحايل بليخانوف في معالجة هذا الموضوع فتجنب بصممورة تامممة المسممألة الملحممة‪ ،‬مسممألة‬
‫الدولة بوجه عام! ويستلفت النظر في كراسه قسمان‪ :‬قسم تاريخي أدبي يتضمممن مممواد قيمممة عممن‬
‫تطور آراء شتيرنير وبرودون وغيرهممما‪ ،‬والخممر مبتممذل جممدا يتضمممن محاكمممات مممن النمموع الرخيممص‬
‫مفادها أنه ل يمكن التمييز بين الفوضوي وقاطع الطريق‪.‬‬

‫إن الجمع بين الموضوعين مضحك جدا ومميز جدا لكامل نشمماط ليخممانوف فممي عشممية الثممورة‬
‫وأثناء المرحلة الثورية في روسيا‪ :‬فهكذا بالضبط أظهر بليخانوف نفسه فممي سممنوات ‪:1917-1905‬‬
‫نصف عقائدي ونصف تافه يحبو في السياسة في ذنب البرجوازية‪.‬‬

‫لقد رأينا ماركس وانجلس في جدالهما مع الفوضوين يبينان بأكبر الدقة وجهممة نظرهممما بشممأن‬
‫موقف الثورة من الدولة‪ .‬فانجلس عندما أصدر في سنة ‪ 1891‬مؤلف ماركس »نقممد برنامممج غوتمما«‬
‫قد كتب‪» :‬كنا )أي انجلس وماركس( حينذاك‪ ،‬وما كادت تمضي سنتان على مؤتمر الممية )الولممى(‬
‫في لهاي‪ ،‬في معمعان المعركة ضد باكونين وأتباعه من الفوضويين«‪.‬‬

‫لقد حاول الفوضويون أن يعلنوا كومونة باريس ذاتها بأنهمما »كومممونتهم«‪ ،‬إن أمكممن القممول‪ ،‬أي‬
‫أنها تثبت تعاليمهم‪ ،‬ولكنهم لم يفهموا البتة دروس الكومونة ول تحاليل ممماركس لهممذه الممدروس‪ .‬لممم‬
‫تعط الفوضوية أي شيء يشبه الحقيقة ولو شبها تقريبا حول السؤالين السياسيين الملموسة‪ :‬أينبغي‬
‫تحطيم آلة الدولة القديمة؟ وبأي شيء تنبغي الستعاضة عنها؟‬

‫غير أن الحديث عن »الفوضوية والشتراكية« مع تجنب مسألة الدولة بصورة تامممة ومممع عممدم‬
‫ملحظة كامل تطور الماركسية قبل الكومونممة وبعممدها يعنممي النممزلق ل منمماص إلممى النتهازيممة‪ .‬لن‬
‫النتهازية ل تحتاج إلى شيء كحاجتها إلى عدم طممرح هممذين السممؤالين اللممذين أوردناهممما الن وإلممى‬
‫إغفالهما إغفال تاما‪ .‬إذ أن هذا بحد ذاته انتصار للنتهازية‪.‬‬

‫‪ -2‬جدال كاوتسكي مع النتهازيين‬


‫ل شك في أن العدد المترجم إلى اللغة الروسية من مؤلفات كاوتسكي ليس له مثيل فممي أيممة‬
‫لغة أخرى‪ .‬وليس من باب الصدف أن يمزح بعض الشتراكيين‪-‬الديموقراطيين اللمممان قممائلين أنهممم‬
‫يقرؤون كاوتسكي في روسيا أكثر مممما يقرؤونممه فممي ألمانيمما )ونقممول بيممن معترضممتين أن فممي هممذه‬

‫‪54‬‬
‫المزحة من المضمون التاريخي العميق قممدرا أكممبر جممدا مممما يتصممور الممذين ابتممدعوها‪ :‬فالحقيقممة أن‬
‫العمال الروس‪ ،‬إذ أظهروا في سممنة ‪ 1905‬إقبممال خارقمما غيممر مممألوف علممى خيممر ممما جمماد بممه الدب‬
‫الشتراكي‪-‬الديموقراطي في العالم وإذ تلقوا من تراجم وطبعات هذه الكتب ما لم يسمع بمثله فممي‬
‫بلدان العالم الخرى‪ ،‬قد نقلوا ذلك بسرعة‪ ،‬إن أمكن القول‪ ،‬إلى صممعيد حركتنمما البروليتاريممة الفتيممة‪،‬‬
‫الخبرة الكبرى المتوفرة لدى بلد مجاورة خطت شوطا أبعد في مضمار التقدم(‪.‬‬

‫وقد اكتسب كاوتسكي عندنا شهرة كبيرة بجداله مع النتهازيين وعلى رأسهم برنشممتين‪ ،‬فضممل‬
‫عن عرضه للماركسية عرضا سهل المنال‪ .‬ولكن ثمة واقعا يكاد يكون مجهول ل يجوز للمممرء اغفمماله‬
‫إذا ما وضع نصب عينيه مهمة تتبمع انممزلق كاوتسمكي إلممى الضمطراب الفكمري المشمين جمدا وإلمى‬
‫الممدفاع عممن الشممتراكية‪-‬الشمموفينية أثنمماء الزمممة الكممبرى فممي سممنتي ‪ .1915-1914‬وهممو واقممع أن‬
‫كاوتسكي قد تردد كثيرا قبل أن ينبري ضد أبرز ممثلممي النتهازيممة فممي فرنسمما )ميليممران وجمموريس(‬
‫وفي ألمانيا )برنشتين(‪ .‬فمجلة »زاريا« الماركسممية الممتي كممانت تصممدر فممي شممتوتغارت خلل سممنتي‬
‫‪ 1902-1901‬والتي كممانت تممدافع عممن الفكممار البروليتاريممة الثوريممة قممد اضممطرت إلممى الجممدال مممع‬
‫كاوتسممكي وإلممى أن تنعممت القممرار البممتر المبهممم ذا الطممابع التمموفيقي إزاء النتهممازيين الممذي عرضممه‬
‫كاوتسكي في سنة ‪ 1900‬في المؤتمر الشتراكي العالمي في باريس بممأنه قممرار »مطمماطي«‪ .‬وقممد‬
‫صدرت في المطبوعات اللمانية رسائل لكاوتسكي تظهر أن تردده لم يكن أقممل قبمل هجمومه علممى‬
‫برنشتين‪.‬‬

‫ولكن ثمة أهمية أكبر بما ل يقاس لواقع أننا نلحظ الن‪ ،‬عندما نستقصي تاريخ خيانة كاوتسكي‬
‫الحديثة للماركسية‪ ،‬في جداله بالذات مع النتهازيين وفي طرحه وتناوله للمسألة‪ ،‬انحرافا دائما نحممو‬
‫النتهازية في مسألة الدولة على وجه الدقة‪.‬‬

‫فلنأخذ أول مؤلف كممبير لكاوتسممكي ضممد النتهازيممة‪ ،‬كتممابه‪» :‬برنشممتين والبرنامممج الشممتراكي‪-‬‬
‫الديموقراطي«‪ .‬لقد فند كاوتسكي برنشتين‪ .‬ولكن البليغ الدللة هو التي‪.‬‬

‫فممي »ممهممدات الشممتراكية« الممتي اشممتهرت شممهرة هيروسممترات يتهممم برنشممتين الماركسممية‬
‫بم»البللنكية« )التهمة التي وجهها النتهازيون والبرجوازيون الليبراليون فممي روسمميا منممذ ذلممك الحيممن‬
‫آلف المرات لممثلي الماركسية الثوريممة‪ ،‬للبلشممفة(‪ .‬هممذا ويتنمماول برنشممتين بصممورة خاصممة مؤلممف‬
‫ماركس »الحرب الهلية في فرنسا« ويحاول‪ ،‬دونما نجاح كما رأينا‪ ،‬أن يثبت أن وجهة نظر ممماركس‬
‫بصممدد دروس الكومونممة مطابقممة لوجهممة نظممر بممرودون‪ .‬ويسممتوقف انتبمماه برنشممتين بصممورة خاصممة‬
‫الستنتاج الذي أشار إليممه ممماركس فممي مقدمممة سممنة ‪» 1872‬للبيممان الشمميوعي« والممذي ينممص‪» :‬ل‬
‫تستطيع الطبقة العاملة الكتفاء بالستيلء على آلة الدولة جاهزة واستعمالها لهدافها الخاصة«‪.‬‬

‫وقد »ُأعجب« برينشتين بهذه الصيغة إلى حد أنه كررها في كتابه ممما ل يقممل عممن ثلث مممرات‬
‫مفسرا اياها تفسيرا محرفا أبعد التحريف‪ ،‬تفسيرا انتهازيا‪.‬‬

‫وقد رأينا أن ماركس يريد أن يقول أنه ينبغي على الطبقة العاملممة أن تحطممم‪ ،‬تكسممر‪ ،‬تفجممر )‬
‫ما رأي برنشتين فيسممتفاد منممه‬ ‫‪ ،Spregung‬تفجير‪ ،‬التعبير الذي استعمله انجلس( آلة الدولة بأكملها‪ .‬أ ّ‬
‫أن ماركس قد حذر الطبقة العاملة بهذه الكلمات من الفممراط فممي النممدفاع الثمموري عنممد السممتيلء‬
‫على السلطة‪.‬‬

‫يتعذر على المرء أن يتصور تشويها أخشن وأشنع لفكرة ماركس‪.‬‬

‫فكيف كان سلوك كاوتسكي في تفنيده المفصل للملحم البرنشتينية؟‪.‬‬

‫لقد تجنب تبيان كل عمق التشويه النتهممازي للماركسممية فممي هممذه النقطممة‪ .‬فقممد أورد الفقممرة‬
‫المذكورة من مقدمة انجلس لمؤلف ماركس‪ ،‬ل تستطيع الكتفاء بالستيلء على آلة الدولممة جمماهزة‪،‬‬
‫ما أن برنشتين قد نسب إلممى ممماركس‬ ‫ولكنها بوجه عام تستطيع الستيلء عليها‪ ،‬ولم يزد على ذلك‪ .‬أ ّ‬
‫‪55‬‬
‫فكرة معاكسة تماما لفكرته الحقيقية وأن ماركس قد وضع أمام الثورة البروليتارية منذ سممنة ‪1852‬‬
‫مهمة »تحطيم« آلة الدولة فعن كل ذلك لم ينبس كاوتسكي ببنت شفة‪.‬‬

‫وقد كانت النتيجة أن السمة الساسية التي تميز الماركسية عممن النتهازيممة فممي مسممألة مهممام‬
‫الثورة البروليتارية قد امست مطموسة عند كاوتسكي!‬

‫وقد كتب كاوتسكي »ضد« برنشتين قائل‪:‬‬

‫»يمكننا أن نترك للمستقبل بكل راحة ضمير أمممر تقريممر مسممألة ديكتاتوريممة البروليتاريمما« )ص‬
‫‪ 172‬من الطبعة اللمانية(‪.‬‬

‫إن هذا ليس بجدال ضد برنشتين‪ ،‬ولكنه في الجوهر تنازل أمامه‪ ،‬تخمل عمن مواقمع للنتهازيممة‪،‬‬
‫لن النتهازيين ل يريدون في هذا الظرف أكثر من أن »يترك النمماس للمسممتقبل بكممل راحممة ضمممير«‬
‫جميع المسائل الجذرية بشأن مهام الثورة البروليتارية‪.‬‬

‫إن ماركس وانجلس قد علما البروليتاريا في غضون أربعين سممنة‪ ،‬مممن سممنة ‪ 1852‬إلممى سممنة‬
‫‪ ،1891‬حيال خيانة النتهازيين للماركسية خيانة تامة في هذه النقطة‪ ،‬فيستعرض عن مسممألة ممما إذا‬
‫كان من الضروري تحطيم هذه اللة بمسألة الشكال الملموسة لهممذا التحطيممم ويلمموذ بظممل حقيقيممة‬
‫مبتذلة »ل جدال فيها« )ول جدوى منها( وهي أننا ل نستطيع أن نعرف سلفا الشكال الملموسة!!‬

‫إن هوة تفصل ماركس عن كاوتسكي من حيث موقفهما مممن واجممب الحممزب البروليتمماري فممي‬
‫أمر إعداد الطبقة العاملة للثورة‪.‬‬

‫ولنأخذ مؤلف كاوتسكي التالي‪ ،‬النضج‪ ،‬والمكرس لحممد كممبير كممذلك لتفنيممذ النتهازيممة‪ .‬ونعنممي‬
‫كراسه »الثورة الجتماعيممة«‪ .‬فممي هممذا الكممراس جعممل المؤلممف مممن مسممألة »الثممورة البروليتاريممة«‬
‫و»النظام البروليتاري« موضوعه الخاص‪ .‬وقد أعطى المؤلف أفكارا كثيرة قيممة جمدا‪ ،‬ولكنمه تجنمب‬
‫مسألة الدولة بالذات‪ .‬وفي جميع مقاطع الكراس يدور الحممديث عممن السممتيلء علممى سمملطة الدولممة‬
‫وحسب‪ ،‬أي أنه اختار صيغة هي تنازل أمام النتهازيين ما دامت تسلم بالستيلء على السلطة بممدون‬
‫تحطيم آلة الدولة‪ .‬إن كاوتسكي في سنة ‪ 1902‬يبعث على وجه الدقة ما أعلممن ممماركس فممي سممنة‬
‫‪ 1872‬أنه قد »شاخ« في برنامج »البيان الشيوعي«‪.‬‬

‫لقد تناول كاوتسكي في كراسه بباب خماص »أشممكال وسملح الثممورة الجتماعيممة«؛ وفممي هممذا‬
‫الباب تحدث عن الضراب السياسي الجماهيري والحممرب الهليممة وكممذلك عممن »أداتممي قمموة الدولممة‬
‫ما عّلمت الكومونممة العمممال‪ .‬وواضممح‬ ‫الكبرى الحديثة‪ :‬الدواوينية والجيش«‪ ،‬ولكنه لم ينبس بحرف ع ّ‬
‫أنه ليس عبثا حذر انجلس‪ ،‬ولسيما الشتراكيين اللمان‪ ،‬من »الخشوع الخرافي« أمام الدولة‪.‬‬

‫يبسط كاوتسكي المر على النحو التي‪ :‬البروليتاريا الظافرة »تحقق البرنامج الديموقراطي«‪،‬‬
‫ممما أعطتممه سممنة ‪ 1871‬مممن جديممد فممي مسممألة‬
‫ويشرح أحكام هذا البرنامج‪ .‬وهو لم ينبس بحممرف ع ّ‬
‫الستعاضة عن الديموقراطية البرجوازية بالديموقراطية البروليتارية‪ .‬وقد تملص كاوتسممكي بعبممارات‬
‫مبتدلة »رصينة« الرنين‪:‬‬

‫»بديهي أننا لن نصل إلى السيادة في ظل الوضاع الحالية‪ .‬فالثورة نفسها تفترض نضال طويل‬
‫يطال العماق يتسنى له أن يغير بناءنا السياسي والجتماعي الحالي«‪.‬‬

‫وهذا »بديهي« دون شك‪ ،‬كحقيقممة أن الخيممل تأكممل الشممعير وأن نهممر الفولغمما يصممب فممي بحممر‬
‫قزوين‪ .‬ومن المؤسممف فقممط أن تتخممذ هممذه العبممارة الفارغممة الطنانممة بصممدد النضممال الممذي »يطممال‬

‫‪56‬‬
‫العماق« وسيلة لتجنب مسألة حيوية للبروليتاريا الثورية هممي مسممألة معرفمة فيممما يتجلمى »عمممق«‬
‫ثورتها هي حيال الدولة‪ ،‬حيال الديموقراطية‪ ،‬خلفا للثورات السابقة‪ ،‬غير البروليتارية‪.‬‬

‫وبتجنب هذه المسألة يتنازل كاوتسكي في الواقع أمام النتهازيممة فممي هممذه النقطممة الجوهريممة‬
‫جدا‪ ،‬ويعلن ضدها في القول حربا ضروسا مؤكدا أهمية »فكرة الثورة« )ولكن هممل مممن قيمممة لهممذه‬
‫»الفكرة« إذا ما تهيب المرء أن ينشر بين العمال الدروس الملموسة التي أعطتها الثممورة؟( أو قممائل‬
‫أن »المثالية الثورية في المقام الول« أو معلنا أنه »من المشكوك فيه« أن يكممون العمممال النجليممز‬
‫في الوقت الحاضر »غير برجوازيين صغار«‪.‬‬

‫لقد كتب كاوتسكي‪:‬‬

‫»فممي المجتمممع الشممتراكي يمكممن أن تتواجممد جنبمما إلممى جنممب… مختلممف أشممكال المشمماريع‪:‬‬
‫البيروقراطية)؟؟( والتريديونيونية والتعاونية والفردية«… »توجد مثل مشاريع ل يمكنها الستغناء عمن‬
‫التنظيم البيروقراطي )؟؟( كالسكك الحديدية‪ .‬في السكك الحديدية يمكن للتنظيم الديموقراطي أن‬
‫يتخذ الشكل التالي‪ :‬ينتخب العمال مندوبين يشكلون نوعا من البرلمان‪ ،‬وهممذا البرلمممان يقممرر نظممام‬
‫العمل ويراقب عمل الجهاز البيروقراطي‪ .‬وثمة مشاريع أخرى يمكن وضممعها تحممت إشممراف نقابممات‬
‫العمال‪ ،‬وهناك نوع ثالث من المشاريع يمكن تنظيمه على أساس المبدأ التعاوني« )ص ‪ 148‬و ‪115‬‬
‫من الترجمة الروسية‪ ،‬طبعة جنيف‪ ،‬سنة ‪.(1903‬‬

‫وهذا الرأي خاطئ‪ ،‬وهو عبارة عن خطوة إلى وراء بالمقارنة مع ما أوضمحه مماركس وإنجلمس‬
‫في السبعينيات استنادا إلى دروس الكومونة‪.‬‬

‫من وجهة نظر ما يزعم بضرورة التنظيم »البيروقراطي« ل تختلممف السممكك الحديديممة بشمميء‬
‫على الطلق عن جميع مشاريع الصناعة اللية الكممبيرة بمموجه عممام‪ ،‬عممن أي معمممل‪ ،‬عممن أي مخممزن‬
‫كبير‪ ،‬عن أي مشروع زراعي بأسمالي كبير‪ .‬في جميع هذه المشاريع يفرض التكنيك دون شك علممى‬
‫كل عامل النظام الصارم ومراعاة الدقة التامة في القيام بالعمممل الموكممل إليممه‪ ،‬وال يتوقممف العمممل‬
‫كله أو تتعطل اللة ويفسد المنتوج‪ .‬وفي جميع أمثال هذه المشاريع سيقوم العمال طبعا بممم»انتخمماب‬
‫مندوبين يشكلون نوعا من برلمان«‪.‬‬

‫ولكن بيت القصمميد كلممه فممي واقممع أن هممذا »النمموع مممن البرلمممان« لممن يكممون برلمانمما بمعنممى‬
‫المؤسسات البرلمانية البرجوازية‪ .‬كل بيت القصيد في واقع أن هذا »النوع من البرلمان« لن يقتصر‬
‫على أن »يقرر نظام العمل ويراقب عمل الجهاز البيروقراطي« كما يتصور كاوتسكي الذي ل يتعدى‬
‫تفكيره إطار البرلمانية البرجوازية‪ .‬يقينا أن هممذا »النمموع مممن البرلمممان« الممذي يتممألف فممي المجتمممع‬
‫الشتراكي من مندوبي العمال »سيقرر نظام العمل ويراقب العمل« »الجهمماز«‪ ،‬ولكممن هممذا الجهمماز‬
‫لممن يكممون »بيروقراطيمما«‪ .‬فالعمممال‪ ،‬إذ يسممتولون علممى السمملطة السياسممية‪ ،‬يكسممرون الجهمماز‬
‫البيروقراطي القديم‪ ،‬يحطمونه حتى الساس‪ ،‬ول يتركون منممه حجممرا علممى حجممر ويستعيضممون عنممه‬
‫بجهاز جديد يتألف من العمال والمستخدمين أنفسهم‪ ،‬الممذين سممتتخذ علممى الفممور ضممد تحممولهم إلممى‬
‫بيروقراطيين التدابير التي حددها ماركس وانجلس بتفصيل‪ (1 :‬ليس فقط انتخابهم بل أيضا إمكانيممة‬
‫سحبهم في كل وقت‪ (2 ،‬رواتممب ل تزيممد علممى أجممرة العامممل‪ (3 ،‬النتقممال فممورا إلممى قيممام الجميممع‬
‫بوظائف المراقبة والشراف‪ ،‬إلى تحول الجميع إلممى »بيروقراطييممن« لزمممن ممما لكيل يسممتطيع أحممد‬
‫بسبب ذلك أن يصبح »بيروقراطيا«‪.‬‬

‫إن كاوتسكي لم يعمل الفكر بتاتا بكلمات ماركس‪» :‬لم تكن الكومونة هيئة برلمانيممة‪ ،‬بممل هيئة‬
‫عاملة‪ ،‬تتمتع بالسلطتين التشريعية والتنفيذية في الوقت عينه«‪.‬‬

‫إن كاوتسكي لم يفهممم بتاتمما الفممرق بيممن البرلمانيممة البرجوازيممة الممتي تجمممع الديموقراطيممة )ل‬
‫للشعب( والبيروقراطية )ضد الشعب( وبين الديموقراطية البروليتارية التي ستتخذ على الفور تدابير‬

‫‪57‬‬
‫بغية اجتثاث البيروقراطية من الصول والتي سيكون في طاقتها السمير بهمذه التمدابير حمتى النهايمة‪،‬‬
‫حتى القضاء التام على البيروقراطية‪ ،‬حتى إقامة الديموقراطية الكاملة من أجل الشعب‪.‬‬

‫لقد أظهر كاوتسكي هنا نفس »الخشوع الخرافممي« أمممام الدولممة‪ ،‬نفممس »اليمممان الخرافممي«‬
‫بالبيروقراطية‪.‬‬

‫ولننتقل إلى آخر وأحسن مؤلفات كاوتسكي ضد النتهممازيين‪ ،‬إلممى كراسممه »طريممق السمملطة«‬
‫)وأحسب أنه لم يصدر بالروسية‪ ،‬لنه صدر عندما كانت الرجعية في روسميا علمى أشممدها‪ ،‬فممي سممنة‬
‫‪ .(1909‬وهذا الكراس خطوة كبيرة إلى المام ما دام الحديث فيه ل يدور عن البرنامج الثوري بوجه‬
‫عام كما هو حال كراس سنة ‪ 1899‬ضد برنشتين ول عن مهام الثورة الجتماعية بصرف النظممر عمن‬
‫زمن حدوثها كما هو حال كراس »الثورة الجتماعية« )سنة ‪ ،(1902‬بل عن ظروف ملموسة تحملنمما‬
‫على العتراف بأن »عصر الثورات«يحل‪.‬‬

‫لقد أشار المؤلف بوضوح إلى اشتداد التناقضات الطبقية بوجه عام وإلى المبريالية التي تلعب‬
‫دورا كبيرا بخاصة في هذا المر‪ .‬بعد »المرحلة الثورية في سنوات ‪ «1871-1879‬في غرب أوروبمما‪،‬‬
‫بدأت من سنة ‪ 1905‬مرحلة مماثلة في الشرق‪ .‬إن الحرب العالمية تقممترب بسممرعة مقلقممة‪» .‬لقممد‬
‫دخلنا المرحلة الثورية«‪» .‬إنه ليبدأ العصر الثوري«‪.‬‬

‫إن هذه العبممارات واضممحة كممل الوضمموح‪ .‬وأن كممراس كاوتسممكي هممذا يجممب أن يكممون مقياسمما‬
‫للمقارنة بين ما كان من المتوقممع أن تكممون عليممه الشممتراكية‪-‬الديموقراطيممة اللمانيممة قبممل الحممرب‬
‫المبريالية وبين مدى انحطاطها المشين )ومعهمما كاوتسممكي نفسممه( عنممد انممدلع الحممرب‪ .‬وقممد كتممب‬
‫كاوتسكي في الكراس الممذي نتنمماوله‪» :‬إن الحالممة الراهنممة تنطمموي علممى خطممر إمكممان اعتبارنمما )أي‬
‫الشتراكية‪-‬الديموقراطية اللمانية( بسممهولة معتمدلين أكمثر ممما نحمن فممي الواقممع«‪ .‬ولكمن تمبين أن‬
‫الحزب الشتراكي‪-‬الديموقراطي اللماني هو في الواقع أكثر اعتدال وانتهازية مما كان يبدو عليه!‬

‫والبليغ أبلغ الدللة أن كاوتسكي‪ ،‬بعد أن أعلن بكل الوضوح أن عصر الثممورات قممد بممدأ‪ ،‬تجنممب‬
‫من جديد مسألة الدولة حتى في الكراس المخصممص‪ ،‬كممما قممال هممو نفسممه‪ ،‬لبحممث مسممألة »الثممورة‬
‫السياسية« بالذات‪.‬‬

‫ومن مجمل وقائع تجنب المسألة والسكوت عنها والتملص منهمما نشممأ بالضممرورة هممذا النتقممال‬
‫التام إلى النتهازية‪ ،‬المر الذي يترتب علينا أن نتناوله الن‪.‬‬

‫وكأني بالشتراكية‪-‬الديموقراطية اللمانية تعلن بشممخص كاوتسممكي‪ :‬أحتفممظ بنظراتممي الثوريممة‬


‫)سنة ‪ .(1899‬أعترف خاصة بأن الثورة الجتماعيمة البروليتاريمة أممر محتموم )‪ ,(1902‬أعمترف بمأن‬
‫عصر الثورات البروليتارية حيال الدولة أتقهقر إلى الوراء بالمقارنة مع ما قاله ماركس سنة ‪) 1852‬‬
‫‪.(1912‬‬

‫هكذا بالضبط طرحت المسألة مجابهة في جدال كاوتسكي مع بانيكوك‪.‬‬

‫‪ -3‬جدال كاوتسكي مع بانيكوك‪.‬‬


‫لقد انبرى بانيكوك ضد كاوتسكي بوصفه أحد ممثلي التيار »الراديكممالي اليسماري« الممذي كمان‬
‫يضم في صفوفه روزا لوكسمبورغ وكارل رادك وغيرهما‪ ،‬التيار الذي كان يذود عممن التكتيممك الثمموري‬
‫ويوحده العتقاد بأن كاوتسكي ينتقل إلى موقف »الوسط« المتأرجح دونممما مبدئيممة بيممن الماركسممية‬
‫والنتهازية‪ .‬وقد تأكدت صحة تأكدت صحة هذه النظرة بصورة تامة أثناء الحمرب‪ ،‬عنمدما كشمف تيمار‬
‫»الوسط« )المدعو غلطا بالماركسي( أو »الكاوتسكية« عن كل حقارته الشنيعة‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫في مقال »العمال الجماهيرية والثورة« )»‪ (Neue Zeit»، 1912، 30، 2‬تطرق بممانيكوك إلممى‬
‫مسألة الدولة ونعت موقف كاوتسكي بأنه »راديكالية سلبية«‪ ،‬بأنه »نظرية النتظممار السمملبي«‪» .‬إن‬
‫كاوتسكي ل يريد أن يرى سير الثورة« )ص ‪ .(616‬وإذ طرح بممانيكوك المسممألة بهممذا الشممكل وصممل‬
‫إلى الموضوع الذي يهمنا نحن‪ ،‬إلى مهام الثورة البروليتارية حيال الدولة‪ .‬وقد كتب‪:‬‬

‫»إن نضال البروليتاريا ليس مجرد نضال ضد البرجوازية في سبيل سلطة الدولة‪ ،‬بممل إنممما هممو‬
‫نضال ضد سلطة الدولمة… فمضممون الثمورة البروليتاريمة همو تحطيمم أدوات قمموة الدولممة وإزاحتهمما‬
‫)حرفيا‪ :‬حلها‪ (Auflösung ،‬بأدوات قوة البروليتاريا… ول يتوقممف النضممال إل ّ عنممدما يتحقممق‪ ،‬كنممتيجته‬
‫النهائية‪ ،‬تحطيم منظمة الدولة بصورة نهائية‪ .‬إن منظمة الكثرية تبرهن تفوقها بقضائها على منظمممة‬
‫القلية السائدة« )ص ‪.(548‬‬

‫إن الصيغة التي أعرب بها بانيكوك عن أفكاره تشوبها نواقص كبيرة جدا‪ .‬ولكن الفكرة واضحة‬
‫على كل حال‪ .‬وخليق بنا أن نرى كيف حاول كاوتسكي دحضها‪ .‬فقد كتب‪:‬‬

‫»حتى الن كان التضاد بين الشتراكيين‪-‬الديموقراطيين والفوشويين في كون الوليممن يريممدون‬
‫ما بانيكوك فيريد هذا وذاك« )ص ‪.(724‬‬ ‫الستيلء على سلطة الدولة بينما يريد الخرون تحطيمها‪ .‬أ ّ‬

‫ما في مقاله من نممواقص أخممرى‬ ‫وإذا كان عرض بانيكوك يشكو الغموض ونقص الدقة )فضل ً ع ّ‬
‫ل علقة لها بالموضوع الذي نبحثه( فإن كاوتسكي قد أخذ بالضبط فحوى المر المبدئي الذي رسمممه‬
‫بانيكوك‪ .‬وفي المسألة المبدئية الجذرية حاد كاوتسكي بصورة تامة عممن موقممف الماركسممية وانتقممل‬
‫إلى النتهازية بصورة تامة‪ .‬فقد حدد الفرق بين الشتراكيين‪-‬الديموقراطيين والفوضويين بصورة غير‬
‫صحيحة بتاتا‪ ،‬وشوه الماركسية وابتدلها بصورة نهائية‪.‬‬

‫إن الفرق بين الماركسيين والفوضويين يتلخص‪ (1 :‬فممي كممون الوليممن‪ ،‬إذ يسممتهدفون القضمماء‬
‫التام على الدولة‪ ،‬يعترفون بأن هذا الهدف غير ممكن التحقيق إل ّ بعد قضاء الثورة الشممتراكية علممى‬
‫الطبقات وكنتيجة لقامة الشتراكية التي تؤدي إلى اضمممحلل الدولممة؛ وفممي كممون الخريممن يريممدون‬
‫القضاء التام على الدولة بين عشية وضحاها‪ ،‬دون أن يفهموا الشروط الممتي تجعممل هممذا المممر قابممل‬
‫التحقيق‪ (2 .‬في كون الولين يعترفون بأن من الضممروري للبروليتاريمما أن تحطممم بصممورة تامممة‪ ،‬بعممد‬
‫استيلئها على السلطة السياسية‪ ،‬آلممة الدولممة القديمممة وأن تسممتعيض عنهمما بآلممة جديممدة تتممألف مممن‬
‫منظمة العمال المسلحين على طممراز الكومونممة؛ وفممي كممون الخريممن يقولممون بتحطيممم آلممة الدولممة‬
‫متصورين بغموض تام ما تستعيض به البروليتاريا عنها وكيف تستفيد من السمملطة الثوريممة؛ حممتى أن‬
‫الفوضويين ينكرون ديكتاتوريتها الثورية‪ (3 .‬في كون الولين يطالبون أعممداد البروليتاريما للثمورة عممن‬
‫ما الفوضويون فينكرون ذلك‪.‬‬ ‫طريق الستفادة من الدولة الراهنة‪ ،‬أ ّ‬

‫إن بانيكوك هو الذي يمثل الماركسية ضد كاوتسكي في هذا الجدال‪ ،‬لن ماركس ذاته قد علم‬
‫أن البروليتاريا ل تستطيع الكتفاء بمجرد الستيلء علممى سمملطة الدولممة بمعنممى انتقممال جهمماز الدولممة‬
‫القديم إلى أيد جديدة‪ ،‬بل ينبغي عليها تحطيم هذا الجهاز وكسره والستعاضة عنه بجهاز جديد‪.‬‬

‫يخرج كاوتسكي عن الماركسية إلى النتهازيين‪ ،‬لنه يتلشى عنده كليا تحطيم آلممة الدولممة هممذا‬
‫غير المقبول إطلقا من قبل النتهازيين فيبقى لديهم منفذ بمعنى تفسير »الستيلء« على أنه مجممرد‬
‫كسب الكثرية‪.‬‬

‫ويسلك كاوتسكي سلوك حفظة الحممديث بغيممة سممتر تشممويهه للماركسممية‪ :‬فهممو ينممتر »فقممرة«‬
‫يقتبسها من ماركس نفسه‪ .‬فقد كتب ماركس في سنة ‪ 1850‬مؤكدا ضممرورة »تركيممز القمموة بحممزم‬
‫ل‪ :‬أل يريد بانيكوك هدم »المركزية«؟‬ ‫في يدي سلطة الدولة«‪ .‬ويسأل كاوتسكي متهل ً‬

‫إن هذا مجرد بهلوانية تشبه محاولة برنشممتين لثبممات تطممابق نظممرات الماركسممية والبرودونيممة‬
‫بصدد الستعاضة عن المركزية بالتحادية‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫إن »الفقرة« التي أوردها كاوتسكي هي غير مناسممبة‪ .‬فالمركزيممة أمممر ممكممن مممع آلممة الدولممة‬
‫القديمة والجديدة على حد سممواء‪ .‬فممإذا ممما وحممد العمممال طوعمما قممواهم المسمملحة‪ ،‬يكممون ذلممك مممن‬
‫المركزية‪ ،‬لكنها مركزية تقمموم علممى »التحطيممم التممام« لجهمماز الدولممة المتمركممز والجيممش النظممامي‬
‫والشرطة والبيروقراطية‪ .‬إن كاوتسكي يسلك تماما سلوك المحتالين إذ يغفل آراء ماركس وانجلس‬
‫المعروفة جدا بصدد الكومونة ليبتر فقرة ل علقة لها بالموضوع‪.‬‬

‫ويستطرد كاوتسكي‪:‬‬

‫»… لعل بانيكوك يريد إلغاء وظائف الموظفين في الدولة؟ ولكننا ل نستغني عن الممموظفين ل‬
‫في منظمات الحزب ول في المنظمات النقابية‪ ،‬فضل عن إدارة الدولة‪ .‬إن برنامجنا ل يطلب القضاء‬
‫على موظفي الدولة‪ ،‬بل انتخاب المموظفين ممن قبمل الشمعب… ل يمدور الحمديث عنمدنا الن حمول‬
‫الشكل الذي يتخذه جهاز الدارة في »الدولة المقبلة«‪ ،‬بل حول ما إذا كان نضالنا السياسممي يقضممي‬
‫على )حرفيا‪ :‬يحل‪ (auflöst ،‬سلطة الدولة قبل استيلئنا عليها )التشديد لكاوتسكي(‪ .‬أية وزارة يمكممن‬
‫القضاء عليها مع موظفيها؟« ثم يعدد كاوتسكي وزارات المعممارف والعدليممة والماليممة والحربيممة‪» .‬ل‪.‬‬
‫إن نضالنا السياسي ضد الحكومة لممن يلغممي أيممة وزارة مممن المموزارات الراهنممة…أكممرر لتلفممي سمموء‬
‫التفاهم‪ :‬ليست القضية قضية الشكل الذي تضفيه الشممتراكية‪-‬الديموقراطيممة الظممافرة علممى »دولممة‬
‫الغد«‪ ،‬بل قضية الكيفية التي تغير بها معارضتنا الدولة الراهنة )ص ‪.(725‬‬

‫وهذه هي الشعوذة عينها‪ .‬لقد طرح بانكوك مسألة الثورة بالذات‪ .‬وقد أعرب عن ذلك بوضمموح‬
‫مما كاوتسمكي فهمو بقفمزه إلمى مسمألة »المعارضمة«‬ ‫في عنوان مقماله وفمي الفقمرات المقتبسمة‪ .‬أ ّ‬
‫يستعيض بالضبط عن وجهة النظر الثورية بوجهة النظر النتهازية‪ .‬فالحاصممل عنممده كممما يلممي‪ :‬اليمموم‬
‫ممما ممما بعممد السممتيلء علممى السمملطة فسممنرى‪ .‬الثممورة تتمموارى! وهممو بالممذات ممما يحتمماجه‬
‫معارضممة‪ ،‬أ ّ‬
‫النتهازيون‪.‬‬

‫ل يدور الحديث عن المعارضة ول عن النضال السياسي بوجه عام‪ ،‬بممل إنممما يممدور عممن الثممورة‬
‫ما الثورة فتتلخص في كون البروليتاريا تحطم »جهاز الدارة« وكامل جهاز الدولممة مستعيضممة‬ ‫عينها‪ .‬أ ّ‬
‫عنه بجهاز جديد قوامه العمال المسلحون‪ .‬يظهمر كاوتسممكي »خشموعا خرافيمما« أمممام »المموزارات«‪،‬‬
‫ل‪ ،‬بلجممان مممن الختصاصمميين لممدى سمموفييتات )مجممالس(‬ ‫م ل تمكن الستعاضة عنها‪ ،‬لنقل مث ً‬‫ولكن ل َ‬
‫نواب العمال والجنود التي تمارس كامل السيادة والسلطة؟‬

‫إن فحوى المر ليس البتة في ما إذا كانت »الوزارات« ستبقى أو تقموم »لجمان اختصاصميين«‬
‫أو أية مؤسسات أخرى؛ فليس لهذا المر أهمية‪ .‬إم فحوى المر في ما إذا كانت ستبقى آلممة الدولممة‬
‫القديمة )المرتبطة بالبرجوازية بآلف الروابط والمشبعة حتى أعماقها بروح المحافظة والجمود(‪ ،‬أم‬
‫أنها ستحطم ويستعاض عنها بآلة جديدة‪ .‬فالثورة ليست في أن تسود وتحكم بواسطة آلة جديدة بعد‬
‫أن تحطم القديمة‪ -‬إن كاوتسكي يطمس هذه الفكرة الماركسية الساسية‪ ،‬أو أنه لم يفهمها بتاتا‪.‬‬

‫فسؤال بشأن الموظفين يظهر بصورة بينمة أنمه لمم يفهمم دروس الكومونمة وتعماليم مماركس‪.‬‬
‫»نحن ل نستغني عن الموظفين ل في المنظمات الحزبية ول في المنظمات النقابية…«‬

‫نحن ل نستغني عن الموظفين في ظل الرأسمالية‪ ،‬في ظل سمميادة البرجوازيممة‪ .‬فالرأسمممالية‬


‫تظلم البروليتاريمما وتسممتعبد جممماهير الشممغيلة‪ .‬وفممي ظمل الرأسمممالية تكممون الديموقراطيممة مقيممدة‪،‬‬
‫مكبوسة‪ ،‬بتراء‪ ،‬يشوهها كل ظرف عبودية العمل المأجور وفاقة الجممماهير وبؤسممها‪ .‬ولهممذا السممبب‪،‬‬
‫وما من سبب آخر‪ ،‬يفسد الموظفين في منظماتنا السياسية والنقابية )أو بالصممح يظهممرون ميل ً إلممى‬
‫الفساد( من جممراء ظممروف الرأسمممالية ويظهممرون الميممل إلممى التحممول إلممى بيروقراطييممن‪ ،‬أي إلممى‬
‫أشخاص ذوي امتيازات منفصلين عن الجماهير ويقفون فوقها‪.‬‬

‫هذا هو جوهر البيروقراطية‪ .‬وما لم تصادر أملك الرأسماليين‪ ،‬ما لم تسقط البرجوازية‪ ،‬يظممل‬
‫حتما شيء من »البيروقراطية« حتى في الموظفين البروليتاريين‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫والحاصممل عنممد كاوتسممكي هممو كممما يلممي‪ :‬ممما دام هنالممك مسممؤولون ينتخبممون‪ ،‬يبقممى بالتممالي‬
‫الموظفون في ظل الشتراكية وتبقى البيروقراطية! وهذا هو الغلط عينه‪ .‬فبمثممل الكومونممة نفسممها‪،‬‬
‫بين ماركس أن المسؤولين في ظل الشتراكية يكفون عن أن يكونوا »بيروقراطيين«‪» ،‬موظفين«‪،‬‬
‫يكفون بمقدار ما يطبق‪ ،‬عدا مبدأ انتخابهم‪ ،‬كذلك مبدأ سممحبهم فممي أي وقمت‪ ،‬إضممافة إلممى تخفيممض‬
‫الرواتب إلى المستوى المتوسط لجر العامل‪ ،‬وإضافة إلى الستعاضممة عممن المؤسسممات البرلمانيممة‬
‫بمؤسسات »عاملة‪ ،‬أي تصدر القوانين وتنفذها«‪.‬‬

‫وفي الجوهر‪ ،‬تظهر جميع حجج كاوتسكي ضد بانيكوك ول سيما حجته الرائعة حيمث يقمول أننما‬
‫ن كاوتسممكي يكممرر‬ ‫ل نستغني عن الموظفين ل في المنظمات النقابية ول في المنظمممات الحزبيممة‪ ،‬أ ّ‬
‫»الحجج« القديممة المتي أشممهرها برنشممتين ضممد الماركسمية بمموجه عمام‪ .‬فمإن برنشمتين‪ ،‬فممي كتممابه‬
‫»ممهدات الشتراكية« المشبع بروح الرتداد‪ ،‬يشمن الحمرب علمى أفكمار الديموقراطيمة »البدائيمة«‪،‬‬
‫على ما يسميه بم»الديموقراطية العقائدية«‪ -‬تفويضات الزامية‪ ،‬مسؤولون ل يكافأون‪ ،‬تمثيل مركزي‬
‫عمماجز الممخ‪ ..‬وللبرهممان علممى بطلن هممذه الديموقراطيممة »البدائيممة« يستشممهد برنشممتين بخممبرة‬
‫التريديونيونات النجليزية كما يشرحها الزوجان ويب‪ .‬ويقول أن التريديونيونات‪ ،‬فممي غضممون سممبعين‬
‫سنة من تطورها »في ظل الحرية التامة« كما يزعم‪) ،‬ص ‪ 137‬من الطبعممة اللمانيممة(‪ ،‬قممد اقتنعممت‬
‫بعدم صلح الديموقراطية البدائية واستعاضت عنهمما بالديموقراطيممة العاديممة‪ :‬بممالجمع بيممن البرلمانيممة‬
‫والبيروقراطية‪.‬‬

‫وفي الحقيقمة لمم تتطمور التريمديونيونات »فمي ظمل الحريمة التاممة«‪ ،‬بمل فمي ظمل العبوديمة‬
‫الرأسمالية التامة التي ل يمكن طبعا فمي ظلهما »السمتغناء« عمن جملمة ممن التنمازلت أممام الشمر‬
‫السائد‪ ،‬أمام العنف‪ ،‬أمام الباطل وإبعاد الفقراء عممن أمممور الدارة »العليمما«‪ .‬وفممي ظممل الشممتراكية‬
‫ينبعث حتما الكثير من وجوه الديموقراطيممة »البدائيممة«‪ ،‬لن جمهممور السممكان يرتفممع لول مممرة فممي‬
‫تاريخ المجتمعات المتحضرة إلى الشتراك المستقل ليس فقط في التصويت والنتخابات‪ ،‬بممل أيضمما‬
‫في الدارة اليومية‪ .‬ففي ظل الشتراكية سيقوم الجميع بوظائف الدارة بالتناوب ويعتممادون بسممرعة‬
‫على أن يحكم أحد‪.‬‬

‫إن ماركس ذا العقل العبقري النقاد المحلل قد رأى في التدابير العملية التي اتخذتها الكومونة‬
‫ذلك النعطاف الذي يخشاه النتهازيون ول يريدون العتراف به لجبنهم ولعدم رغبتهم في قطممع كممل‬
‫ممما لنهمم ل يفهمممون ظمروف‬ ‫مما لتسممرعهم وأ ّ‬
‫صلة بالبرجوازية والذي ل يريد الفوضمويون أن يمروه أ ّ‬
‫التغيرات الجتماعية الكبرى بوجه عام‪» .‬ل ينبغي حتى التفكير بتحطيم آلة الدولممة القديمممة‪ ،‬إذ كيممف‬
‫لنا أن نستغني عن الوزارات والموظفين«‪- ،‬هكذا يفكر النتهازي المبتذل حتى الصميم والممذي فضممل‬
‫عن أنه ل يؤمن في الجوهر بالثورة ول بقوتهما الخلقمة‪ ،‬يخافهما خوفما مميتما )كمما يخافهما المناشمفة‬
‫والشتراكيون‪-‬الثوريون عندنا(‪.‬‬

‫»ل ينبغي التفكير إل ّ بتحطيم آلة الدولة القديمة‪ ،‬ل حاجة إلى التعميق في الدروس الملموسممة‬
‫ممما نحطمممه« ‪-‬هكممذا‬
‫التي أعطتها الثورات البروليتارية السابقة ول الى تحليل ما وكيف نستعيض به ع ّ‬
‫يحاكم الفوضوي )خير الفوضويين طبعا‪ ،‬ل الذي يتبع السممادة كروبمموتكين وشممركاه ويحبممو فممي ذنممب‬
‫البرجوازية(؛ ولذا يخلص الفوضوي إلى تكتيك اليممأس‪ ،‬ل إلممى تكتيممك نشمماط ثمموري جريممء ل يعممرف‬
‫الهوادة ويضع نصب عينيه مهام ملموسة ويأخذ في المموقت نفسممه بعيممن العتبمار الظمروف الواقعيممة‬
‫المحيطة بحركة الجماهير‪.‬‬

‫يعلمنا ماركس أن نتجنب الوقوع في غلطتين‪ ،‬يعلمنا أن نتحلى بممأكبر الجممرأة فممي تحطيممم آلممة‬
‫الدولة القديمة عن آخرها ويعلمنا في الوقت نفسه طرح المسألة بصورة ملموسمة‪ :‬لقمد اسمتطاعت‬
‫الكومونة في غضون عدة أسابيع أن تشرع ببناء آلممة دولممة جديممدة‪ ،‬بروليتاريممة بهممذا الشممكل‪ ،‬متخممذة‬
‫التدابيرالمممذكورةأعله بقصدضمممان ديموقراطيممة أوفممى واستئصممال البيروقراطيممة‪ .‬فلنأخممذ إذن عممن‬
‫الكومونيين جرأتهم الثورية‪ ،‬ولنَر فيما اتخذوه مممن تممدابير عمليممة صممورة أولممى لتممدابير عمليممة ملحممة‬
‫ممكنة التطبيق على الفور‪ ،‬وعندئذ‪ ،‬بسيرنا في هذه الطريق‪ ،‬نستأصل شأفة البيروقراطية‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫ويضمن إمكان هذا الستئصال واقع أن الشتراكية تنقص يوم العمل وتسممتنهض الجممماهير إلممى‬
‫الحياة الجديدة‪ ،‬وتضع أكثرية السكان في ظروف تمكن الجميع بدون استثناء من القيمام بمم»وظمائف‬
‫الدولة«‪ ،‬وهذا ما يؤدي إلى الضمحلل التام للدولة‪ ،‬كل دولة‪.‬‬

‫يستطرد كاوتسكي‪:‬‬

‫»… ل يمكن بحال أن تكون مهمة الضممراب الجمماهيري تحطيمم سملطة الدولمة‪ ،‬ل يمكنهمما أن‬
‫تكون إل ّ في حمل الحكومة على التنازل في مسألة ما معينة أو في الستعاضة عممن حكومممة معاديممة‬
‫للبروليتاريا بحكومة تلبي )‪ (entgegenkommende‬مطالبها… ولكن هذا« )أي انتصار البروليتاريمما علممى‬
‫الحكومة المعادية( »ل يمكنه في حال من الحوال ول في أي ظممرف مممن الظممروف أن يفضممي إلممى‬
‫تحطيم سلطة الدولة‪ ،‬ل يمكنه أن يسفر إل ّ عن بعممض تغيممر )‪ (Verschiebung‬فممي نسممبة القمموى فممي‬
‫داخل سلطة الدولة… إن هدف نضالنا السياسي يبقى إذن كما هو الن‪ ،‬الستيلء على سلطة الدولة‬
‫عن طريق اكتساب الكثرية في البرلمان وجعل البرلمان سيد الحكومة« )ص ‪.(732 ،727 ،726‬‬

‫هذه هي النتهازية المحضة‪ ،‬أحقر النتهازية‪ ،‬الرتداد عن الثورة فعل مع العتراف بها قممول‪ ،‬إن‬
‫فكرة كاوتسكي ل تمضي أبعد من »حكومة تلبي مطالب البروليتاريا« ‪-‬وهي خطوة إلممى المموراء فممي‬
‫اتجاه التفاهة وضيق الفممق بالمقارنممة مممع سممنة ‪ 1848‬عنممدما نممادى »البيممان الشمميوعي« بممم»تنظيممم‬
‫البروليتاريا في طبقة سائدة«‪.‬‬

‫يتأتى على كاوتسكي أن يحقق ما يهواه من »الوحممدة« مممع شمميدمان وبليخممانوف وفاندرفيلممده‬
‫وأضرابهم الموافقين جميعهم على النضال من أجل حكومة »تلبي مطالب البروليتاريا«‪.‬‬

‫ما نحن فسنقدم على قطع صلتنا بخونة الشتراكية هؤلء وسنناضل من أجل هدم آلممة الدولممة‬ ‫أ ّ‬
‫القديمممة بأكملهمما لكيممما تصممبح البروليتاريمما المسمملحة نفسممها حكومممة‪ .‬وهممما »أمممران مختلفممان كممل‬
‫الختلف«‪.‬‬

‫يتأتى على كاوتسكي أن يكون بصحبة الجماعة المستطابة‪ :‬جماعممة ليغيممن ودافيممد وبليخممانوف‬
‫وبوتروسوف وتسيريتيلي وتشيرنوف ومن لف لفهم من الموافقين كل الموافقممة علممى النضممال مممن‬
‫أجل »تغيير نسبة القوى داخل سلطة الدولممة«‪ ،‬مممن أجممل »اكتسمماب الكثريممة فممي البرلمممان وجعممل‬
‫البرلمان سيد الحكومة المطلق«‪- ،‬إنه هدف نبيممل منهممى النبممل يقبلممه النتهممازيون بقضممه وقضيضممه‪،‬‬
‫ويبقى معه كل شيء في إطار الجمهورية البرجوازية البرلمانية‪.‬‬

‫ما نحن فسنقدم على قطع صلتنا بالنتهازيين وستكون البروليتاريمما الواعيممة بأكملهمما معنمما فممي‬ ‫أ ّ‬
‫النضال‪ ،‬ل مممن أجممل »تغييممر نسممبة القمموى«‪ ،‬بممل مممن أجممل إسممقاط البرجوازيممة‪ ،‬مممن أجممل تحطيممم‬
‫البرلمانية البرجوازية‪ ،‬من أجل جمهورية ديموقراطيممة مممن طممراز الكومونممة أو جمهوريممة سمموفييتات‬
‫نواب العمال والجنود‪ ،‬من أجل الديكتاتورية الثورية للبروليتاريا‪.‬‬

‫*******‬

‫في الشتراكية العالمية تيارات تيامن أكثر من كاوتسكي‪ ،‬منها »المجلة الشممتراكية الشممهرية«‬
‫في ألمانيا )ليغين ودافيد وكولب وكثيرون غيرهم بمن فيهم السكانينافيان ستاونينغ وبرانتينغ( وأتبمماع‬
‫جوريس وفاندرفيلده في فرنسا وبلجيكا وتوراتي وتريفيس وغيرهم من ممثلي الجنمماح اليمينممي فممي‬
‫الحزب اليطالي والفابيون و»المستقلون« )»حزب العمال المستقل« الممذي كممان فممي الواقممع علممى‬
‫الدوام في تبعية الليبراليين( في انجلترا ومن على شاكلتهم‪ .‬إن جميمع همؤلء السمادة المذين يلعبمون‬
‫دورا جسيما غالبا ما يكون الدور الراجح في النشماط البرلمماني وفمي المنشمورات الحزبيمة ينكمرون‬
‫على المكشوف ديكتاتورية البروليتاريا ويطبقون النتهازية السافرة‪» .‬فديكتاتوريممة« البروليتاريمما فممي‬
‫نظر هؤلء السادة »تناقض« الديموقراطية!! وفي الجوهر ل يوجد بينهم وبين الديموقراطيين صممغار‬
‫البرجوازيين أي فرق جدي‪.‬‬
‫‪62‬‬
‫ونظرا لهذا يحق لنا أن نخلص إلى استنتاج مفاده أن الممية الثانية في الغلبيممة السمماحقة مممن‬
‫ممثليها الرسميين قد انزلقت تماما إلى النتهازية‪ .‬ولم يقتصر المر على نسيان خبرة الكومونة‪ ،‬بممل‬
‫إنما تعداه إلى تشويهها‪ .‬إنهم لم يبينوا لجماهير العمال أنه تقترب الساعة الممتي يتمموجب عليهممم فيهمما‬
‫أن ينهضوا ويحطموا آلة الدولة القديمة وأن يستعيضوا عنها بجديدة محممولين بهممذا الشممكل سمميادتهم‬
‫السياسية إلى قاعدة لتحويل المجتمع على الساس الشتراكي‪ ،‬بل كانوا يلقنون الجممماهير النقيممض‪.‬‬
‫وقد فسروا »الستيلء على السلطة« بشكل يترك ألف منفذ للنتهازية‪.‬‬

‫إن تشويه وإغفال مسألة موقف الثورة البروليتارية من الدولة لم يمكنهما إل ّ يلعبا دورا جسيما‬
‫في الوقت الذي غدت فيه الدول‪ ،‬وقد قوت جهازها العسمكري بنتيجمة التنمافس المبريمالي‪ ،‬وحوشما‬
‫حربية تزهق المليين من الرواح لكيما تحسم وتفصل فيما إذا كانت السيطرة علممى العممالم لنجلممترا‬
‫أو للمانيا‪ ،‬لهذا الرأسمال المالي أو ذاك‪.‬‬

‫تنبيه إلى القارئ في الطبعة الولى‬


‫كتب هذا الكراس في غشت وشتنبر سنة ‪ .1917‬وقد وضممعت منهمماج الفصممل التممالي‪ ،‬السممابع‬
‫»خبرة ثورتي سنة ‪ 1905‬وسنة ‪ 1917‬الروسيتين«‪ .‬ولكن لم يتسن لي أن أكتممب مممن هممذا الفصممل‬
‫أي سطر عدا العنوان‪ ،‬فقد »أعاقتني« الزمة السياسية‪ ،‬عشية ثورة أكتوبر سنة ‪ .1917‬ومن شممأن‬
‫مثل هذه »العقبة« أن تدخل السرور فعل على قلب المرء‪ .‬ولكني أعتقد أني سممأرجئ لزمممن طويممل‬
‫الجزء الثاني من هذا الكراس )الذي يتناول »خبرة ثورتي سنة ‪ 1905‬وسنة ‪ 1917‬الروسمميتين«(‪ ،‬إذ‬
‫أن تطبيق »خبرة الثورة« أطيب وأجدى من الكتابة عنها‪.‬‬

‫المؤلف‬
‫بتروغراد‬
‫‪ 30‬نونبر سنة ‪1917‬‬
‫كتب في غشت –شتنبر سنة ‪ 1917‬؛ كتبت الفقرة ‪ 3‬من الفصل ‪ 2‬قبل ‪ 17‬ديسمبر ‪1918‬‬
‫صدر في سنة ‪ 1918‬ببتروغراد في كتاب على حدة عن دار الطبع والنشر »جيزن أي‬
‫زنانييه« )»الحياة والمعرفة«(‬
‫ص ص ‪120 -1‬‬
‫المجلد ‪.33‬‬

‫‪63‬‬
‫الملحظات‬
‫* إضافة إلى الطبعة الثانية‪.‬‬
‫* راجع مقال لينين »مسألة مبدئية« ‪ .‬الناشر‪.‬‬
‫* هذا المبلغ يعادل تقريبا‪ ،‬مممن الناحيممة الروسممية‪ 2400 ،‬روبممل ويقممرب مممن ‪ 6000‬روبممل حسممب السممعر‬
‫الحالي‪ .‬ول يغتفر قط سلوك أولئك البلشفة الذين يقترحون‪ ،‬مثل‪ ،‬أن تكون الرواتب ‪ 9000‬روبل فممي‬
‫بلديات المدن ول يقترحون أن يكون الراتب القصى في نطمماق الدولممة كلهمما ‪ 6000‬روبممل‪ ،‬وهممو مبلممغ‬
‫كاف‪.‬‬
‫* »في المواضيع الممية من »الدولة الشعبية««‪ .‬الناشر‪.‬‬
‫§ »بولشفيك« )بولشفي( اشتقاق من كلمة »بولشنستفو« التي تعني بالروسية »الكثرية«‪ .‬المترجم‪.‬‬
‫* عندما يقتصر القسم الرئيسي من وظائف الدولة على الحساب والرقابة من قبل العمال أنفسهم‪ ،‬عندئذ‬
‫تكف الدولة عن أن تكون »دولة سياسية«‪،‬عندئذ »تتحول الوظائف العامة مممن وظممائف سياسممية إلممى‬
‫مجممرد وظممائف إداريممة« )راجممع ممما تقممدم‪ ،‬الفصممل الرابممع‪ ،‬المقطممع الثمماني حممول جممدال انجلممس مممع‬
‫الفوضويين(‪.‬‬
‫•‪ 0‬ثم يأتي في المخطوطة‪» 1• :‬الفصل السابع‬
‫خبرة ثورتي سنة ‪ 1905‬وسنة ‪ 1917‬الروسيتين‬
‫إن الموضوع المشار إليه في العنوان هذا الفصل من السعة بحيث يمكن وينبغي أن تكممرس لممه مجلممدات‪.‬‬
‫ويتأتى علينا أن نقتصر في هذا الكراس بطبيعة الحال على الدروس الرئيسية التي تعطيها هذه الخبرة‬
‫والتي تخص مباشرة مهام البروليتاريا في الثورة حيال سلطة الدولة « )وعلى هذا تنقطع المخطوطة(‬
‫الناشر‬

‫‪64‬‬

You might also like