Professional Documents
Culture Documents
مقاربة مفهومية:
عتبيية أولييى :إنسييان/حيييوان :يقللوم فعللل الحيللوان علللى
الفطرة ،والسد ل يحتاج إلى مشروعية ليأكل الخروف ،بل يكتفللي
بدافع الحاجللة لكللله وكفللى ،ولكللن النسللان كنللوع بيولللوجي تأهللل
تاريخيا لمتلك الوعي بنفسه وبالعللالم مللن حللوله .ربمللا كللان هللذا
الوعي هو الدافع لختلق )أسطورة آدم( للتأكيللد المعنللوي علللى
وقائعية تميزه عن الحيوانات الخرى ،وبالتالي مشروعية تسخيرها،
والمشروعية هي التبرير العقلي للفعل ،إذ ل تكفي الحاجة لوحللدها
كمبرر في وجود )العقل( و)الوعي( .لمللاذا وكيللف؟؟ فعنللدما يذبللح
الخروف مثل فإن ذلك يبدو عاديا ً بالنسبة لغالبية النللاس ،ولكللن إن
ذبح شخص ،فللإن المسللألة تأخللذ طابعلا ً آخللر ،وتنشللأ سلسلللة مللن
المواقللف والفعللال تجللاه هللذا الفعللل الخيللر تبللدأ مللن الشللعور
بالفظاعة ،وتنتهي بالنتقام .ومن مقاربة الحللالتين يظهللر اللمفكللر
فيه ،وهو أن اللم الذي يحسلله الخلروف مسللاوٍ علللى القلل لللذلك
الذي يحسه "الشخص" وأن الخروف يحب الحياة كما نحبهللا .وهللذا
ما يورطنا فيه وعينا .فالسد ل يفكللر فللي ذلللك مطلقللا .إذن كيللف
نجرؤ على ذبح الخروف؟ لجل ذلك لبد من تغييب جزء من الوعي
بآلية "اللتفكير" في الموضوع لل أي ألللم الخللروف وحبلله للحيللاة لل
2
حللتى تسلللك المسللألة وتأخللذ مشللروعيتها المعنويللة بالضللافة
للمشللروعية الماديللة )الحاجللة( أو الحيوانيللة ،سللمها كمللا شللئت،
واستساغة ذلك بحكم العادة .وما يشجع على ذلك كله هللو الفللارق
النوعي بين النسان والحيوان.
عتبة ثانية :الشخص والقرابيية :ففللي حالللة ذبللح الشللخص
يتكون لدى الناس "شعور" بالفظاعة ،ويبدون درجات متفاوتة مللن
ردود الفعال ،بمقدار القرابة بمعناها العللام .وهللذه القرابللة إمللا أن
تكون انتماءا أساسيا ً في علقللة إثنيللة ثقافيللة بكللل مللا تحمللله مللن
مضللامين؛ أو انتمللاًء ثانويللا عرضلليا ً فللي علقللة العمللل والمهنللة أو
السكن أو القليم أو الطبقة الجتماعية؛ أو انتماًء وضعيا في علقللة
المواطنة والدولة.
عتبة ثالثة :تعقيدات الييوعي الجمعييي :وقياس لا ً علللى مللا
سبق ،وفللي أمللور أخللرى فقللد تطللورت علقللات البشللر باتجاهللات
مختلفة ونشللأت تقسلليمات وفللوارق عديللدة .ففللي وقللت مللا كللان
الناس ينقسمون إلى أحرار وعبيد ،ونسللاء ورجللال يهيمللن بعضللهم
على البعض ويسخره ،وقد تصل المسألة في النظر إلى الخر إلللى
ما يقارب وضعية الخروف في مثالنا ل كما في النظريللات العرقيللة،
مثل شعب الله المختللار والجنللس الري والرجللل البيللض والنازيللة
والفاشية والعروبة والبراهمية ..إلخ لل وهكللذا حللاول البعللض إعللادة
إنتلللاج )أسلللطورة آدم( فلللي الحقلللل النسلللاني لتأكيلللد تفلللوقه
الثني/الثقافي .وفي كللل ذلللك هنللاك "لمفكللر فيلله" وهللو )كينونللة
الخللر وحللاجته النسللانية( .هللذا اللمفكللر فيلله أدى إلللى خلللق
)المشروعيات( عبر آليات التغييب وترسخها بحكم العللادة أو الرث
حيث تشرعنت الفوارق بمرور الزمن في الوعي الجمعي.
ومن أمثلة اللمفكر فيه فللي الللوعي الجمعللي؛ العقللائد الدينيللة؛
فالمسلللمون مثل ،ل يللرون فللي بقللرة الهنللدوس )المعبللودة( إل
مضحكة ،ولكن الهندوس يرونها بمقدار )الله( عند المسلمين .كمللا
يرون )الله( من زاويتهم هم كما )البقرة( في عيللن المسلللمين .أي
3
أن اللهة متساوين بعيون عابديهم ،في الللوعي الجمعللي بللاللمفكر
فيه .ولكنهم غير متساوين بالمفكر فيه وبالحكام.
عتبة رابعة :المواطنة والدولة :فالسللوداني عنللدما يللذهب
إلى أي بلد آخر ،فلنقل مصر مثلن فإنه يجلد معامللة مختلفلة علن
المصريين في أمور كثيرة ،فمثل ل يمكن أن يجد نفسه في كشللف
المتقدمين للخطة السكانية لعتبارات وضعيته الجنبية.
وفي كل ما سبق ذكره ،فإن الشخص )هو( أو الجماعة )هم(
بضمير الكينونة هذا ل يتحددون إل إزاء )آخر( أو )آخرين( ،وإل ل
يكون هناك معنى لهذا الضمير في الواقع ،ما لم يوجد فارق
موضوعي .وإذا جردنا الضمير بإرجاعه إلى المصدر )الهوية(
فيمكن أن نعرفها في هذا السياق بأنها :كينونة وانتماء مبنيان
على أساس فارق موضوعي يكون مبررا للتحيز )مع أو
ضد( بلمفكر فيه أحيانا ً وبمفكر فيه أحيانا أو بالثنين
معا في أحيان أخرى .وقد يكون هذا الفارق
الموضوعي:
1ي نوعيًا :كما في حالة إنسان/حيوان .أو؛
2ي أساسيا :كما في حال كيان إثني ثقافي/كيان إثني
ثقافي آخر .أو؛
3ي عرضيا ً ثانويًا :كما في حال علقات العمل ،السكن
والطبقة الجتماعية .أو؛
4ي وضعيًا :كما في علقة مواطنين/أجانب أي مواطن
دولة /دولة أخرى.
وفي الحالة الخيرة؛ فطالما أن المريكان أمريكان ،والمصريين
مصريون ،والسودانيين سودانيون ،فما هي المشكلة في
السودان؟
المشكلة في السودان هي أن علقة المواطن بللدولته مأزومللة،
فهي قائمة في داخلها على أساس فارق )أساسللي( بتحيزهللا ل ل أي
الدولللة ل ل لكيللان إثنللي ثقللافي يقللوم باسللتثمارها إقصللائيا ويفللرض
توجهاته ضد كيانات إثنية ثقافية أخرى .وهذا لب موضوع بحثنا.
4
خلفية تاريخية:
السودان بحيزه الجغرافي ،وحللدوده السياسللية القائمللة اليللوم،
كان ل وما يزال لل فضللاءا تقطنلله مجموعللات إثنيللة ثقافيللة متنوعللة
عرقي لا ً وثقافيللا ومتفاوتللة تاريخيللا ومتوزعللة فللي أرجللائه .ومللا زال
بعضها يعيش في بيئاتلله الطبيعيللة التاريخيللة بنمللط عيشلله الخللاص
وتركيباته الجتماعية وقيمه وعاداته ولغاته وعقللائده .وقللد تطللورت
بعض الكيانات النيلية وأسست لها نظما حضارية متقدمة كمللا فللي
الدولة المرويللة فلي شلمال السللودان .وعللى هللذا السللاس ،كللان
مفهوم الدولة جزءا من ثقافة تلك الكيانات ،وهللو وجلله مللن وجللوه
التفاوت التاريخي مع الكيانات الخرى التي لللم تصللل إلللى مرحلللة
الدولة بعد .ويمكن افتراض تخالط تلك الكيانات مع بعضها بدرجات
متفاوتللة ،كمللا يمكللن افللتراض انشللقاق وتفللرع بعضللها واسللتقللها
تاريخيا ،وقد ل يكون ذلللك متأكللدا ً منلله )تاريخيللا( ولكللن الدراسللات
الثنوغرافية والتحليلت الثقافية تدعو لخللذ هللذه الفتراضللات فللي
الحسبان في سياق الحديث عن )تاريخ السودان القللديم( ،وخاصللة
في العصور المسيحية.
أما في العهللد السلللمي ،فقللد دخلللت إلللى السللودان الكيانللات
والثقافة العربية السلمية علللى شللاكلة )السللتعمار السللتيطاني(،
وظلت تكتسب لهللا مواقلع فيلله ضلمن كيانللاته وثقافللاته المتعلددة.
وهي في ذلك مسنودة بخلفيتها المبراطورية من الناحيللة الماديللة،
ومللن الناحيللة المعنويللة بمللا يعللرف بللل)المللد الحضللاري( العربللي
السلمي ،الذي من أهدافه بالطبع إعادة إنتاج الخر داخل )الهوية(
السلموعربية أو على القل إلحاقه بسياقها الحضللاري .هللذا النهللج
الستتباعي قد يبدو عاديا ومفهوما ومعقول فللي إطللاره العللام فللي
ذلك الوقت ،ولكن استمراره بعد انهيار الحضارة العربية السلللمية
أصبح إشكاليا ً بالضافة لشكاليات أخرى في بنية ومحددات الثقافة
العربية السلمية نفسها وكيانها الجتمللاعي فللي السللودان ،مضللافا
إلللى ذلللك الملبسللات التاريخيللة الللتي جعلللت مللن هللذه الثقافللة
5
)المأزومة( )مركزيللة( فللي الوضللعية التاريخيللة للدولللة السللودانية.
ويمكن مناقشة هذه الشكاليات في البعاد التالية:
أول :الشيييييكاليات الداخليييييية أو أزمييييية الثقافييييية
السلموعربية :المتمثلة في نزعة الهيمنللة والقصللاء المتشللددة
وتجليها في:
أ /البطرياركية البوية القائمة علييى التشييدد العرقييي:
فعللبر ميكللانيزم النفللي الللبيولوجي للرجللال فللي معادلللة الللتزاوج
الحادية التجاه ،التي يأخذ فيها الكيان العربي ول يعطي ،تللم طبللع
أجزاء عديدة من شمال وأواسط السودان بالطللابع العربللي عرقيللا
وثقافيللا ،وعللبر السلللمة لل أي التحللرك عللبر المقللدس لل تللم ويتللم
التوسع.
ويقلللوم ميكلللانيزم النفلللي اللللبيولوجي للرجلللال )السلللتعراب
العرقللي/الثقللافي( علللى تللزوج الرجللال العللرب بنسللاء )الخريللن(،
وتكون الذرية وفق البطريركية البوية )عربية( ول يعللترف بمكونهللا
الخر .البنات يتزوجن حصريا في الكيان العروبي ،أما البناء الذكور
فيواصلللون طريللق السلللف ،وهكللذا بمللرور الزمللن ينمللو الكيللان
العربللي علللى حسللاب الكيانللات الخللرى الللتي تتآكللل فللي نهايللة
المطاف.
أمللا السلللمة ،فعللبر الللدعاة للل الفكللي ،والطريقللة الصللوفية
ومؤسسات التعليم الحديثللة لحقللا ل ل يللدخل النللاس السلللم ،وهللو
بالطبع يتضمن "أيديولوجيا العروبة" خاصللة فللي تفسلليراته السللنية
ومسللوغاته لعلويللة المللؤمن والعربللي وتشللريعاته فللي حصللر زواج
المسلمة .وتلقائيا يصبح العرب )أو بالحد الدنى يتم تصويرهم على
أنهم( أعلى شللأنا عرقيلا ً باعتبللارهم علللى القللل "حللاملي الرسللالة
الصليين" ،وهكذا يواصل الكيان العربللي تغلغللله .وتبقللى المشللكلة
فيما يولللده هللذا النهللج مللن وقللائع السللتعلء العرقللي والجتمللاعي
خاصة في وجود التعددية والتباين العرقي والثقافي في ظل هيمنللة
الكيان السلموعروبي على جهاز الدولة.
6
ب /نمييط القتصيياد الريعييي العشييائري )الطفيلييي(:
ومعروف تاريخيللا عللن العللرب والثقافللة العربيللة ومللن ثللم الثقافللة
السلللموعربية احتقللار المهللن والحللرف والعمللل اليللدوي باعتبللاره
عمل العبيد أو الموالي .فحتى القطاع الحضللري لل غيللر الرعللوي لل
يتبنللى هللذا النمللط مللن القتصللاد القللائم علللى اسللتثمار السلللطة
والتجارة التي ل تعنى بالنتاج .ومن ثم التمسللك بللالجوهر العبللودي
في تقسيم العمل .وهذا النمللط يتطلللب بللالطبع فللرض )هويييات(
جزئية في المجتمع أي سادة )أحرار( وعبيد.
ج /النزعة الستبدادية المتشددة :فبسبب نظام التراتبية
الجتماعية القائمة على التشدد العرقي ،ونمط القتصاد الطفيلي
الذي يستلزم ليس فقط امتلك السلطة بل الستبداد بها ،فقد كان
وما يزال وعي السلطة في هذه الثقافة وعيا ً استبداديًا ،والستبداد
لزيم القصاء ،والقصاء يتطلب في الواقع فرض هويات جزئية
حتى في المجتمع الواحد لتحجيم وعي التنافس على السلطة مثل
ما كان يوضع من أحاديث لتبرير ذلك كل)الئمة من قريش(.
7
الحديث كشف الحقائق المتعلقللة بهللم ممللا أدى فللي تقللديرنا إلللى
خلق عقدة النقص تجاه العروبة ،ومن ثم التشدد فيمللا ل يسللتدعي
تشددًا ،خاصة في قضية "الهوية السودانية" ومحاولة التأكيللد علللى
)عروبة( السللودان بمناسللبة وبللدونها .وهنللاك طبعللا أسللباب أخللرى
لذلك سنناقشها لحقًا.
8
علللى جهللاز الدولللة وتسللتثمره إقصللائيا علللى مسللتويات عديللدة،
وتتحول المحددات الثقافية من لغة وآداب وفنون وعللادات وتقاليللد
وعقللائد وتراتبيللات اجتماعيللة إلللى أسلللحة أيديولوجيللة ،ويتمفصللل
العرق واللون مع الطبقة وتقسيم العمل ،والللديني مللع السياسللي،
والمذهبي واللغوي مع الجتماعي ،وتكون النتيجللة وضللعية تاريخيللة
مأزومللة ويكللون الصللراع فيهللا صللراعا شللامل ،صللراع هويللات ضللد
هويات ،صراع كللل ضللد كللل ،صللراع ثللوابت ومتحللولت عنللد كيللان
اجتماعي ما ضد ثوابت ومتحللولت عنللد كيللان آخللر .هلذه الوضلعية
نسميها جدلية المركز والهامش التي هي ليسللت بالضللرورة قائمللة
علللى البعللد الجغرافلي ،بللل هللي جوهريللا تمركللز وتهميللش عرقللي
وثقافي وسياسي واقتصادي وديني .وقللد تأخللذ أبعللادا مذهبيللة فللي
الللدين الواحللد ،وتتطللور بإعللادة إنتللاج نفسللها فللي شللكل أزمللات
متصلللاعدة .وتتعلللارض هلللذه الوضلللعية التاريخيلللة جوهريلللا ملللع
الديمقراطية والتنميللة ممللا يقللود إلللى أقصللى تجليللات أزمتهللا فللي
الحروب الهلية وأزمات الهوية.
فبعد صللنع الدوللة الحديثلة فلي السللودان ،مللع عهلد السلتعمار
اللتركي المصلري 1820لل 1885م ،نشللأت فيله مركزيلة الكيانللات
السلموعربية بسبب تفوقها النسبي على الكيانات الخرى وبسبب
توجهات الستعمار في التعاون مع هذه الكيانات ،وخاصة الحضللرية
منها ،بالضافة لرغبتها هي في التعاون معلله لتمكيللن وضللعها .وقللد
ملكهللا السللتعمار أهللم أدوات السلليطرة ،أل وهللي جهللاز الدولللة
الحديثللة وفتللح شللهيتها مللن خلل تطللوير السللواق والتجللارة علللى
شللاكلة القتصللاد الطفيلللي .وبسللبب انتشللار بعللض أبنللاء الكيللان
السلموعروبي من التجار المعروفين بالجلبة في أصقاع السودان
واسللتنزاف ثرواتلله لمصلللحة )أوطييانهم( الطبيعيللة فللي أواسللط
وشللمال السللودان عللبر تجللارة الرقيللق وجلللب العبيللد وتسللخيرهم
كأيدي عاملة ،بالضافة لشكال التجارة الخرى غير المتكافئة ،ممللا
زاد تفوق هذه الكيانات التي أسست لمللا يمكللن أن نسللميه قوميللة
عربيللة فللي السللودان .وتدشللن ذلللك فللي زمللن المهديللة بسللبب
9
التحولت الديموغرافية التي أحدثتها حروبها وأيديولوجيتها ومن ثللم
انكبللاب الكيانللات الخللرى فللي مللاعون السلللموعروبية بشللروطه
القصائية المللذكورة آنفللا .وبسللبب ضللآلة الللوعي السياسللي لهللذه
الكيانات والتزام أغلبهللا أنمللاط القتصللاد الكتفللائي البسلليط ،فقللد
ظلللت "مفعللول بلله" وآلللت إلللى مللا هللي عليلله الن فيمللا يعللرف
بل"الكيانات المهمشة" أو الهامش.
التطورات:
ولن الستعمار عادة ل يكون معنيا بتطللوير المسللتعمرات علللى
أسس )العدالة( كما يدعي ،وإنما على أسللس السللتغلل حسللبما
يقتضي الظرف ،فإنه بالتللالي تمسللك بالسللير مللع التوجهللات الللتي
كلللانت تفرزهلللا اللللديناميات الداخليلللة )السلللتغللية أصلللل( فلللي
المسللتعمرات مللع إجللراء بعللض التعللديلت الللتي تخللدم مصللالحه
بالدرجة الولى.
ولن الرأسمالية الغربية قد بلغت سن الرشد في نهايات القرن
التاسللع عشللر ،فكللان مللن اسللتراتيجياتها تعللديل توجهللات النسللان
بشكل من الشكال بما يتوافق مللع مصللالحها علللى المللدى البعيللد.
وبما أن النظمة العبودية تتنللاقض مللع توجهللات الرأسللمالية )الللتي
تستلزم أفرادا ً مستقلين لسوق العمل ولسوق السلع( ،فكللان لبللد
مللن )تحرير العبيييد( ل ل ليللس مللن أجللل سللواد عيللونهم طبعللا ل ل
وتأسيس نمط الدولة الوطنية )شكل الدولة الحديثة( الللذي يتللواءم
مع تلك التوجهلات كقنلاة تسللكها إجرائيلا عللى القلل .فكلان ملن
أولويات الستعمار النكليزي في السودان أن قام بإلغللاء مؤسسللة
الرق .وقد كان لللذلك وقع لا ً صللعبا ً علللى الكيانللات السلللموعروبية
بمساواتها ضربة لزب هكذا مع العبيد ل شكليا ً علللى القللل ل ل أمللام
الدولة والقانون .وهذا في رأينا من أهم السباب الللتي قللادت إلللى
تشدد الخطاب في التأكيد على عروبة السللودان ونفللي الخريللن ل ل
أي العبيد ل من )السيرة( و)الييذات( السللودانية )الرسييمية(؛ أي
الكيان المسلليطر اجتماعيللا فطالمللا ل مفللر مللن )سللودان( الدولللة
10
فليكن الشعب السوداني )شللعب عربللي كريللم( ،وليللس فقللط لن
الستعمار النكليزي "هزم ثورتهم ]المهدية[ واغتصب بلدهللم وكللاد
أن يحتويهم بحضارته الوروبية" كما يقول يوسف فضل ،فهللم فللي
ذلك متعاونون لحد كبير في عهده.
وقللد ظللل خطللاب المركزيللة السلللموعروبية المعللبر عللن
أيديولوجيتها مواصل تشدده في تعابير مثللل "شللعب عربللي كريللم"
ليللواجه بالخطللاب الخللر )شللعب سللوداني كريللم( ويسللتمر فللي
مشاتمات أولد الهاشماب )محمللد أحمللد محجللوب وأحمللد يوسللف
هاشللم ومحمللد عبللد الحليللم( لولد المللوردة ل ل أو عبيللد المللوردة
بالمسكوت عنه ل )محمد وعبد الله عشري الصللديق وآخريللن( بعللد
النشقاق ومواجهة الخيريللن لخطللاب التشللدد )الرومللي( بخطللاب
الموهبة .وقد اندثرت سيرة هؤلء الخيريللن بسللبب هيمنللة خطللاب
المركزية ومآلت أصحابه بعد ذلك .فقد أصبح محمد أحمد محجوب
رئيسا للللوزراء وأحمللد يوسللف هاشللم اعتلللى رئاسللة القضللاء ،أمللا
محمد عبد الحليم فوصل إلى رئاسة التحاد الفريقي لكللرة القللدم
ممثل للسللودان ممللا يكشللف دور النتمللاءات الثنيللة الثقافيللة فللي
عملية الل .Access to Power
وقد ثار الجدال مرة أخرى في مجال الدب ،وقللد انللبرى حمللزة
الملك طمبل لمواجهة الخطاب العروبي الذي يمثله العباسي والبنا
كما ذكرنا ،في مقالته التي جمعها في كتابه )الدب السوداني ومللا
يجب أن يكون عليه1928 ،م( في محاولة للجللم الغلللو .ول ننسللى
الخلفيات الجتماعية القتصادية والسياسية التي تعبر عنها خطابات
الدب ،فكل التعبيرات الهويوية هي في الواقع نابعة من الحراكللات
الجتماعيللة .ويمكللن أن نقللول أن الخطللاب المللوازي أو اللجللم
للخطاب العروبي هو نتاج صحوة الكيانات الخرى )المدينية خاصة(
التي ل يعبر عنها خطاب العروبة .ولكن بالضافة لسطوة الكيانللات
العروبيللة وغيللاب التللوازن الكمللي للخريللن ،فيمكللن عللزو ضللعف
الخطاب )السوداني( الموازي لعوامل أخللرى .فأصللحابه لللم يجللدوا
في الواقع سندا ً حضاريا ً أو ماضويا ً يتكئون عليلله للتبللاهي .فمبللادئ
11
المساواة المفترضة ضمنا في الهويللة )السودانية( علللى أسللاس
الدولة الوطنية ل تجد لها سندا ً إل في خطاب التنللوير الغربللي وهللو
فللي ذلللك الللوقت يمثللل السللتعمار موضللوعيا ،ول )يجييوز( تبنللي
نظرياته أو على القل يصعب تبنيها علنًا .أما التجاه نحو السييلم
مجردا ً هكذا فغير ممكن لنه ملغللم بللالعتراف بالتقسلليم العبللودي
والستعلء العروبي اجتماعيًا ،على القللل علللى مسللتوى تفسلليراته
الفقهية .لقد كان هذا التعقيد هو السبب وراء تبني النخب المدينيللة
لشعار )وحدة وادي النيل( في محاولة لسقاط صللورة مصللر علللى
سودان متخيل أو التطلع لصورة مصر كسللقف لللوعي ذلللك الجيللل
باعتبار أن المسائل العرقية لللم تعللد ذات وزن كللبير ،قللدر مللا هللي
الحال في السودان ،بالضللافة للسللطوة )الحضللارية( لمصللر علللى
مثقفي السودان .وقد ظهرت في تلك الفترة تنظيمات مثللل اتحللاد
القبائل الذي كان على عبد اللطيف عضوا فيه ،والتحاد السللوداني
واللواء البيض ،والكتلة السللوداء فيمللا بعللد ،تلللك التنظيمللات الللتي
كان يغذيها شعبيا كيان المنبتين قبليا ً ل أي الجيال الولى مللن أبنللاء
العبيد المحرريللن لل بالدرجللة الولللى ،تلللك التنظيمللات الللتي كللانت
تبحللث عللن هويتهللا ضللمن هويللة )شللعب السللودان( خللارج الطللر
العشائرية الطائفية السائدة اللتي تمثلل المركزيللة السللموعربية،
وهذا البحللث مللن قبللل المنبللتين قبليلا ً لبللد أنلله نللابع مللن ومللدفوع
بوضعيتهم الشاذة كأبناء عبيد محررين ،تعلموا واكتسبوا وعيا ً جديدا
بذواتهم تجاوز عتبة التحرير الشكلية في وسللط سللادتهم القللدامى
المهيمنين اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا.
وعلى هذا الساس يمكننا افتراض عللدم وضللوح الرؤيللة بالقللدر
الكافي بالنسبة لخطاب )السودانية( المللوازي لخطللاب )العروبيللة(
مما أوقعه في ماعونه في نهاية المطاف ،المر الذي دفللع البللاحث
محمللد جلل هاشللم إلللى تصللنيفه )جوهريللا( كامتللداد للخطللاب
السلللموعروبي .وذلللك لعللدم تللوفر الشللروط التاريخيللة لكتمللال
)خطاب مواز أو مقابل( في ذلك الوقت.
12
أما فيمللا يتعلللق ببعللض الكيانللات الثنيللة الثقافيللة الخللرى ،فللي
جنوب السودان وجبلال النوبلة ،فقلد خضلعت لسياسلات المنلاطق
المقفولة Closed District Policiesفي الفترة مللن 22ل ل 1947م.
وفي تقييمنا لللذلك ،فنحللن لسللنا مللن أنصللار )جملللة وتفصلليل( لن
الستعمار هو جوهريا استغلل مادي وإعادة إنتاج ثقللافي أو إلحللاق
واستتباع حضاري ،أي علقة تابع بمتبلوع .وبهللذا الفهللم فإننلا ننظللر
إلللى المسللألة علللى أسللاس أن الكيانللات الثنيللة الثقافيللة غيللر
السلللموعربية فللي السللودان ،كللانت تتعللرض لسللتعمار مللزدوج؛
السلللتعمار النكليلللزي الخلللارجي ،والسلللتعمار السللللموعروبي
الللداخلي .وبالتللالي ،فللإذا كللان لبللد مللن )نظر( للمسللألة فليكللن
بمنظللور هللذه الكيانللات المقفولللة نفسللها The Closed Entities
Paradigmوليلللس بمنظلللور المركزيلللة الروبيلللة Eurocentric
Paradigmأو منظور المركزية السلللموعربية Islamoarabocentric
. Paradigmفبمنظور الل ، Closed Entitiesوبعبر النتائج ،فإن أهم
)إيجابيللات( السللتعمار النكليللزي فللي السللودان ،أنلله قللام بإلغللاء
مؤسسة الرق أول ً ثم ألحقهلا بسياسلات المنلاطق المقفوللة ،مملا
ساهم في محافظة هذه الكيانات على هوياتها .والمنطق فللي ذلللك
هو أنه إذا كان لبد مللن )مسللرحية الثعلللب فللي حظيللرة الللدجاج(،
فالقل سوءا ً هو )ثعلب واحد( وليس ثعلبين أو أكثر ،خاصة إذا كان
هذا الثعلب الواحد على شاكلة )العدو العاقل( وهو بكل تأكيللد خيللر
من )العدو الجاهل( .ولنترك المنطق )الصرف( جانبلًا ،لنتجلله إلللى
ماهية هذه السياسات الخاصة بالمنللاطق المقفولللة الللتي أصللبحت
شماعة الخطاب الرسمي يعلق عليها أخطائه فللي إدارة مشللكلت
السودان وتسببه فيها .وتتلخص أهم ثلثة بنود منها في:
1ل محاصللرة تجللارة الرقيللق .مللع العلللم بللأن )الجلبة( الللذين
التزموا بهذا البند سمح لهم بالعمل فللي المنللاطق المقفولللة طيلللة
سريانها.
2ل الحفاظ على هويات الكيانات المقفولة باعتبار واقعها،
وتوجيهها )غربًا( في أسوأ الحوال.
13
3ل منع تسرب المراض التناسلية Venereal Diseasesالمتفشية
في شمال السودان إلى الجنوب )العذري( في ذلك الوقت .ونأمللل
أن نجد من بين البحاثة الشجعان من يستطيع أن يفتح لنا صللفحات
من تاريللخ الدعارة فللي السللودان وعلقتلله بأركيولوجيللا الللثروات
المسكوت عنها ،حتى نستبين أهمية هذا البند في الواقع.
وبالطبع ظل الخطاب الرسمي يغّيب مضمون هذه البنود ويصر
علللى أن سياسللات المنلاطق المقفولللة هلي السلبب فلي مشللاكل
السودان ويعتبرها أساس أسس المنطق )التبريري( .ولكن الواقللع
هللو أن هللذه السياسللات قللد عييوقت مشللروع السلللموعروبية
الستغللي وفي لحظة حاسمة مللن لحظللات نهوضلله السللترجاعي
لبناء الدولة العبودية بآليات الحداثللة .لللذلك كللان التبللاكي والعويللل
والصراخ ،وتحميل هذه القوانين ما ل يمكن أن تحتمله .فإذا سلللمنا
جدل ً بأحقية المركزية السلموعروبية في فرض هويتها علللى هللذه
الكيانات وحسب مزاجها؛ وهي التي احتاجت لمللا يزيللد عللن الثنللي
عشر قرنا ً لتعريب وأسلمة شللمال السللودان فحسللب ،وقللد كللانت
هذه المناطق المقفولة مفتوحة أمامها في ظل الدولة الحديثة من
1821وحتى 1922م ،ولمدى قللرن مللن الزمللان كللانت تقيللم فيلله
الللزرائب والديللام مثللل ديم زبييير ولللم تعللرب ولللم تأسلللم تلللك
المناطق والكيانات ،فما الذي يجعلها قادرة على أسلمتها وتعريبهللا
في 25عاما ً هي عمر هللذه السياسللات كقللوانين ومللا ل يزيللد عللن
15عاما تنفيذًا؟ ثم ها هي الن كيانات ومنللاطق أخللرى فللي شللرق
السللودان وغربلله وأقصللى شللماله تقللف نفللس موقللف المنللاطق
المقفولة وكياناتها ،في الحرب وفي السلم ،فهل كانت هللذه أيضللا ً
مقفولة بقوانين سرية لم نسمع عنها؟ )الله أعلم(.
ل ،فأنه بعد تأسيس نللوع مللن الحيللاة الحضللرية وانتشللار على ك ٍ
التعليم وتخّرج أجيال جديدة من أبناء الكيانللات المهمشللة ودخولهللا
معترك الحياة المدينيللة ،تللم اكتشللاف الفللوارق وأسللس السلليطرة
وربما أبعادها التاريخية وأشكال الهيمنة والقصاء المادي والمعنوي.
14
فكللان الجنوبيللون البللدر صللحوة بعللد كيللان المنبللتين قبلي لا ً وأبنللاء
العشائر غير العربية من المدينيين والنتلجنسيا.
وأثنللاء ذلللك المخللاض جللاء السللتقلل ،الللذي يمكللن أن نسللميه
"هجمة البدو" ،فقد ورثللت المركزيللة السلللموعربية جهللاز الدولللة
وهشمت جو )العدالة النسبية( التي كللانت توفرهللا دولللة الحكللم
النكليللزي )السللتعمار( وبللدأت تسللتثمره إقصللائيا ً علللى كافللة
المستويات )المر الذي كان يمنعها منه الستعمار النكليزي نسبيا(
وفرضت سيطرتها مللن خلل نخبهللا وطوائفهللا .أمللا علللى مسللتوى
الهوية فقد سعت لفللرض هويتهللا علللى السللودان عللبر مؤسسللات
التعليللم وأجهللزة العلم مللن خلل مشللروع بوتقللة النصللهار علللى
أساس الثقافة السلموعربية التي تغلف بإسم "القومية" بللالمعنى
السوداني للمصطلح كمصطلح من مصللطلحات الللترميز التضللليلي
للخطاب .وفي البداية كان لغيللاب التللوازن الكمللي والنللوعي علللى
مستوى الوعي أثره في اكتساح هذا التوجه الملغم ل بتعللبير الناقللد
حسلللن موسلللى لللل فقلللد كلللانت الغالبيلللة السلللاحقة للمتعلميلللن
والمسللليطرين عللللى مفاصلللل الدوللللة هلللم أبنلللاء المركزيلللة
السلللموعروبية ومللواليهم .ولكللن كللان لليسللار دورا ً لجم لا ً للغلللو
والتطرف نسبة لوعيه بل)ديالكتيك( المسللألة الللذي يمكللن أن يولللد
النقائض التي ستطيح بوضعية المركزية .ولكن هذا اليسار المنتمي
اجتماعيا ً لهذه المركزيلة المهيمنلة كلان متلواطئا ً أيلديولوجيا ،إذ أن
مللوقفه مللن فللرض الهيمنللة السلللموعربية هللو موقللف تكللتيكي
وإجرائي متستر )بالممية( وليس موقفا مبدئيا.
وبالرغم من كل شيء ،فلم يكف الخطاب المتشدد عن الطلل
برأسه من هنا وهناك .وها هو السلليد إسللماعيل الزهللري لل رئيللس
الدولة ل يدلي بشهادته … " :أشعر في هذا المنعطف بأنني مضطر
لعلن أننا نعتز بأصلنا العربي ،بعروبتنا ،وبكوننا مسلمون ..العللرب
جاءوا إلى هذه القارة كلرواد ،لنشلر ثقافلة أصللية ،وإعلزاز مبلادئ
سامية ،أشاعت العلم والحضارة في كل بقاع أفريقيللا ،وفللي وقللت
كللانت فيلله أوروبللا غارقللة فللي ديللاجير الظلم والجهللل والكهنللوت
15
والتخلف المريللع ..أن أجدادنا هللم الللذين حملللوا المشللعل عالي لا ً
وقادوا قافلة التحرر والتقللدم "..أمللا التجللاني عللامر فيكللون أكللثر
إفصاحا ،وفي تبريره لعروبة السودان يقول "كللان الغللزو السلللمي
للقبائل العربية منتشرا ً في كل أرجاء السودان الشمالي والشرقي
والغربللي بالنسللبة الللتي اقتضللتها حيللاة العللرب وطريقللة عيشللهم.
فسكن المستقرون والزراع على ضفاف النيل .وانتشر الرعاة فللي
شرق البلد وغربها وقد ظلوا كما ذكرنا ]يكرر هنللا مللدخل مقللالته[
يحررون ويعربون بين السللت المحلية حتى صار السودان
كله عربيا ً في ثقافته ومسلما ً فللي عقيللدته" .ومللا بهللذه المقللولت
من مغالطات تاريخية هو جللزء ل يتجللزأ مللن إكليشلليهات الخطللاب
الرسمي .وتنفضح هنا نزعة الستعلء المسكوت عنها عند أطللراف
أخرى .ولكن المشكلة كمللا يللرى د .موسللى الخليفللة هللي أنلله "إذا
كانت ثقافة قد افترضت أن لغتها هي الحسن ،ودينها هو الحسللن،
وعنصلللرها هلللو الحسلللن ]وهلللذا ملللا ظللللت تشللليعه المركزيلللة
السللللموعربية فلللي مؤسسلللات التعليلللم وأجهلللزة العلم فلللي
السودان[ فإنها تربي مواطنها بالسقاط بأن الثقافات الخرى أقل.
وعند النظر للمشاكل الموجللودة فللي السللودان ،خاصللة المشللاكل
العنصرية ،نجد أنها ناجمة عن هيمنة ثقافة معينة والنظر إليها علللى
أنها متقدمة ومختارة .وهذا يتأسللس علللى مفهللوم أن هنللاك ثقافللة
أعلى Superiorوثقافة أدنى ،Inferiorوبالتالي صار هناك مفهوم
اجتماعي باختلف درجة بين العناصر المختلفة".
وفي سياق التأرجح بين التشدد ولجماته ،برزت فللي السللتينات
خطابات داعية )للعتراف( بالمكون الفريقي للللذات السللودانية.
وسنحاول تلمس الظروف الللتي تسللاوقت لللبروز هللذه الخطابللات،
والخلفيات التي شحذت همللم "المثقفاتيللة" للنللدفاع لهللذا التجللاه
الذي تبدى توفيقيًا؟
هناك في رأينا عدة أسباب لذلك ،منها ما هو داخلي في الحراك
الجتماعي ،ومنها ما هو خارجي.
16
على الصعيد الداخلي ،فقد تنامى نوع من الوعي )القومي( لدى
أبنللاء الكيانللات المهمشللة خاصللة فيمللا يعللرف )سللابقا( بمشللكلة
الجنوب وبروز إشكالت الحرب الهلية .وقد شهدت الستينات أيضا ً
تنللامي وعللي كيانللات إثنيللة ثقافيللة )غيللر جنوبيللة( كقللوى سياسللية
تجاوزت حللاجز التخويللف اليللديولوجي المجهّللز فللي الللدمغ وأختللام
التهام بالعنصرية ،الذي كان وما يزال من أهللم أسلللحة أيللديولوجيا
الهيمنللة المركزيللة السلللموعروبية .وقللد خاضللت تلللك الكيانللات
النتخابات في فترة الديمقراطية الستينية مثل مللؤتمر البجللا الللذي
تأسس عام 1958م ،واتحاد جبال النوبة ،ووحللدة غللرب السللودان،
هذا من جانب ،ومن جانب آخر ،فإنه كمللا ذكرنللا ،مللن خلل توسللع
قاعدة التعليم والحيللاة الحضللرية والللتراكم الكمللي والنللوعي لبنللاء
الهوامش في حلبة الصراع فقد تطللور وعيهللم بلذاتهم وبمصللالحهم
في ظل الهيمنة الثقافية والقصاء المادي والمعنللوي المتمثللل فللي
العنصرية الجتماعية والسللتعلء العرقللي ،وتجلللي ذللك فللي توزيللع
الثروة وتقسلليم العمللل ،ومللن ثللم بينونللة الطبقيللات ذات الطوابللع
العرقيللة .هللذا بالضللافة لطلع المتعلميللن منهللم علللى فلسللفات
التقدم عامة .ولما لتطور أجهزة التصللال مللن أدوار ،وممللا ل شللك
فيلله أن كللان لللذلك دور فللي محاصللرة اليللديولوجيا المركزيللة
وشللروطها القصللائية وإكسللاب الخريللن مسللاحة للتحللرك .ولكنهللا
بالطبع لها خبرة تاريخية كبيرة في المواجهة ،فكان تنامي التيللارات
الدينيللة الللتي أصللبحت تهللدد الجنللاح العلمللاني داخللل اليللديولوجيا
المركزية نفسها ،مما دفع هذا الجناح للتجاه الخر سواء تكتيكيللا ل ل
على القل في سعيه للجم الجناح الديني من جهة ،واحتللواء نهضللة
الكيانللات الثنيللة الثقافيللة الخللرى مللن جهللة ثانيللة .وبللالطبع لكللل
أيديولوجيا نظام خطابها القادر على التوسع والمتداد دون أن يفقد
اتصاله بمحللوره مللتى مللا تعللرض للضللغوط الداخليللة أو الخارجيللة.
وذلك من خلل )فضفضة( المعايير عبر سلسلللة مللن الللترميزات
التضليلية لمجابهة التكاثر الكمي والنوعي )الواعي( للذين ل تنطبق
عليهم أو يعدون خارج هذه المعايير اليديولوجية السائدة في حلبللة
17
الصراع كاستراتيجية خطاب تمهد الطريق لعادة النتاج)في بوتقللة
النصهار على الساس السلموعروبي فللي حالللة السللودان( ومنللع
الستقطاب الللذي يمكللن أن يطيللح بمشللروع الهيمنللة برمتلله وبمللا
يستضمنه من مصالح مادية ومعنوية.
ولما كان ما هو)أفريقي( فللي الواقللع مصللدر )إشانة( ،بسللبب
احتقار اللون السود ،وبسللبب تاريللخ مؤسسللة الللرق قريبللة العهللد
الللتي ل تتيللح أي فرصللة )للتبيياهي( بأصللل أفريقللي ،أو كسللب
الوجاهللة أو تحقيللق مصلللحة ماديللة علللى هللذا السللاس لعتبللارات
مرتبطة بالتقسيم العبودي في الوعي السلموعروبي السائد؛ فلللم
يكن ممكنللا بهللذا الشللرط التللاريخي العللتراف بأفريقيللة )العللرب(
و)أولد العرب( أي )أولد السلراري بالمسلكوت عنله( ،ناهيلك علن
الندغام في أفريقية العبيد أولد العبيد أولد الخديم "في بلللد يتللبرأ
فيه الناس من العرق الزنجي تبرؤهم من الجذام" كمللا يقللول عبللد
الله بول.
ولكللن علللى الصللعيد الخللارجي ،فقللد كللانت السللتينات فللترة
للتحولت .فظهور نماذج القادة الفارقللة )المحللترمين( أمثللال الب
جوليوس نلايريري ،وجومللو كينياتللا ،ونكرومللا ولوممبللا الللذين ملت
سيرهم الناشيد التي باتت تغنيهم في أرجاء الدنيا ،في أيام صللعود
المميللة ،وبللاتوا مصللدر احللترام أكللثر مللن غالبيللة قللادة العللرب
والمسلمين والبيض ،فكان لبد أن يكون لذلك أثللرا ،ودافعللا نفسلليا
ومعنويا للوعي )الفريقي( المكبوت للتعبير عن نفسه .خاصللة بعللد
انفتلللاح السللللموعروبيين السلللودانيين عللللى العلللالم واكتشلللاف
هامشلليتهم ومنقصللة عروبتهللم بالنسللبة للعللرب وحللتى فللي مصللر
القريبة حيث يعتللبرهم )الشللارع( ليللس أكللثر مللن )سللمارات( .ثللم
تنامي خطاب الخصوصيات في مواجهة الهيمنللة الحضللارية الغربيللة
وأثره حتى في الخطاب العربي .وفي هذا الجو كان لبد من إيجللاد
مخارج من هذه الورطة وردم الهوة النفسية ،إما بالتشدد الخطابي
لتأكيد الدعللاء )العروبللة( لل وهللذا مللا حللدث علللى مسللتوى الللوعي
الجمعي السلموعروبي في السودان ل أو العتراف بمنطق الواقع
18
بالنسبة لقليللة مللن المثقفيللن ل تسللتطيع تنكللب طريللق المغالطللة
)بالظاهر والمشكوف( في حال وضعيتها الجهيرة .وقد كانت تلك ل ل
في رأينا ل هي الظروف التي تساوقت لبروز خطاب الفروعروبية،
تكتيكيا على القل كمحاولة لرسم الطريق لعادة التوازن النفسللي
للكيان السلموعروبي .وهذا يعني في الساس العتراف بمكونهم
)هم( الفريقي ،وليس بأفريقية الفارقللة فلي السللودان .ويشللاركنا
في هذا الرأي الباحث محمد جلل هاشم الذي ذهب إلى ذلللك مللن
قبل .هذا هو الساس الذي قللام عليلله الللوعي الفروعروبللي الللذي
تلقفلله الخللرون مللن المثقفيللن المتحلقيللن حللول حلبللة الخطللاب
الرسمي واعتبروه تنازل )ول حتى تحلم بيه( وتعلقللوا بلله )والغريللق
يتعلق بالقشة( .وكانت النتيجللة هزيمللة الللوعي القللومي )الللوطني(
وإعادة إنتاج الزمة .وبعبرة النتائج فقد كانت الفروعروبيللة ليسللت
أكثر من شكل من أشكال التواطؤ اليديولوجي مللع المركللز محللور
الزمة في الوضعية التاريخيللة للدولللة السللودانية ل ل جدليللة المركللز
والهامش .فمواقف أصحاب اللمعية صلللح أحملد إبراهيلم ومحمللد
المكي إبراهيم المؤيلدة للنقلاذ ،وتللوجه د .محمللد عبللد الحلي نحللو
حللزب المللة وعللودته فللي أواخللر أيللامه للحظيللرة السلللموعربية
وتحّفظ النور عثمان أبكر عن إكمال إفادته في قوله "لست عربيللا ً
مللل الدللللة ،أي التمهيللد )الرصللين( لسللير الهيمنللة … ولكللن!" تك ّ
السلموعربية التي آلت في النهاية إلى )المشروع الحضاري(.
أما المتحلقون حول خطاب الفروعروبية من دعاة السللودانوية
فقد تاهوا في سللديم صللنعوه بأنفسللهم بتجللاوزهم للواقللع وأسللس
إشللكالته ،وتغاضلليهم عللن ذكللر حقللائقه المتعقلللة بآليللات الهيمنللة
والقصاء ،إذ لم يمتلكوا الشللجاعة فللي قللول أن )أم المللك عزبللاء(
بالسوداني أي )ثّيب( بالعربي الفصيح .أو أن )البغلة فللي البريللق(،
واكتفوا بالحلم وبل)الذاتي( في المسألة وتركوا مللا هللو موضللوعي،
فلم تأخذهم الرجل الواحدة بعيدا باتجاه الحلم.
ولكن الواقع اليوم تجاوز أطروحللات الفروعروبيللة بالللذات ،لن
قضية الهوية في السودان لم تعد مسللالة "ذاتيللة" سللودانية يبحللث
19
لها عن متكأ عربي أو أفريقي أو آفروعروبي أو سودانوي .كمللا لللم
تعد مشكلتها محصورة في الللترميزات السللتفزازية مثللل إكليشلليه
"منذ دخللول العللرب السللودان" فلي الجابلة علللى طلللب الجنسلية
السودانية ،أو تسمية شارع فللي العاصللمة )القوميللة( باسللم الزبيللر
باشا أكبر تاجر رقيللق فللي السللودان ،ول حللتى فللي تجللاوز قللوانين
الجدوى القتصادية واختيار مسقط رأسه )الجيلللي( لنشللاء محطللة
تكرير البترول المجلوب من آباره في الجنوب كما سبق وتم جلللب
العبيد .ولكن المسألة تبدت أبعادها في الواقع المادي المتعين :في
التراتبية الجتماعية ،والل ، Access to Powerوفي تقسيم العمللل،
وفي تجليات ما يسميه د .منصور خالد بالتعالي العنصري المسللتتر
والبرتهايد الديني.
وقد )جاهد( د .فرنسيس دينق لبراز هذا الجانب ولكنه حصللره
خطيا في علقة )شمال ل جنوب( مما أنقلص خطلابه الماضلي فلي
سللبيل الكشللف عللن الشللكالت الحقيقيللة للهويللة فللي السللودان
المتعددة الخطوط.
وسنحاول أن نسرد هنا بعض المثلة على ما ذهبنا إليه:
فبالرغم من إلغاء مؤسسة الرق )رسميا( إل أنها ظلت
ممارسة شعبية في الكثير من المجالت.
فاجتماعيا؛ ما زالت معادلة التزاوج الحادية مستمرة لحد كللبير.
وإذا كللانت المسللألة مفهومللة ومقللدرة فللي القطاعللات الريفيللة
المغلقة ،فإنها ما زالت تفعل فعلها في القطاعللات المدينيللة وكللان
من آثارها الطبقيللة العرقيللة البائنللة .واسللتمرار الللوعي الجتمللاعي
على أساس التقسيم العبللودي عللبر مللا أسللميناه بميكللانيزم النفللي
البيولوجي للرجال في معادلت التخالط الجتماعي .هللذا بالضللافة
للتدجين المتصاعد للمرأة في السودان كأثر مباشر لهذا النمط من
الوعي الجتماعي.
أما اقتصاديًا؛ فما زال تقسلليم العمللل العبللودي واقعلًا ،فقللد تللم
إعلء العمل الذهني على العمل اليدوي/الجسماني ل باعتباره عمل
العبيد ل بما ل يقاس ووزع على كل فريق حظه .وممللا ل يمكللن أن
20
تخطئه العين هو تجلي هذا الوعي فللي الواقللع .فالغالبيللة السللاحقة
من )الخدامين( و)الخدامات( أي )العبيد بالمسكوت عنله( هلم مللن
أبنللاء الكيانللات السللوداء الللتي كللانت مصللدرا لتجللارة الرقيللق
وللسللتغلل العبللودي .وكللذلك الغسللالين والكناسللين ومنظفللي
المراحيض فللي كللل مكللان ،والعمللال الحللرة الشللاقة فللي تشللييد
المباني والخفراء فغالبيتهم من الكيانات السوداء )جنوبيللون ونوبللة
وغّرابة وبقارة( .في الوقت الذي نجد فيه أن الغالبية الساحقة مللن
)أصللحاب الياقللات البيضللاء( وخاصللة المراكللز العليللا ،هللم مللن
المنللدوكروز ) Mandocoroosجمللع منللدكورو للل أي أصللحاب الذان
الحمراء ل بتعبير أهلنا في الجنوب( ،بالضافة للمنتمين إليهم قيميللا ً
وثقافيا ً )مواليهم(.
وفللي نفللس السللياق تللدخل اللغللة واللللون فللي تقسلليم العمللل
)الرسمي( فكل من لللديه )لكنللة( محللروم مللن العمللل فللي أمللاكن
معينللة مثللل الجهللزة العلم والعلقللات العامللة بسللبب )الحاديللة
الرسمية للغة العربية( واحتقار اللغات الخرى خوفا ً من إبراز وجلله
السودان )غير الحضاري!( وهذا بالضافة لتقلص أعداد )الملكونين(
عامة في مؤسسللات التعليللم العللالي ومللا يسللتتبعها مللن وظللائف،
بسبب اشتراط النجاح في اللغة العربية لمنللح الشللهادة السللودانية
ومن ثم تضاؤل فرص هؤلء في عملية الل .Access to Power
أما موضوع اللون ،فسواد لون النسان السللوداني ]كللذا[ كفيللل
بإبعاده عن العمل في جهللاز مثللل التلفزيللون!! فهنللاك تواطللؤ غيللر
معلن على )الحد الدنى مللن اللللون( للعمللل كمللذيع أو مذيعللة فللي
البللد السلمه السلودان .هلذا بالضلافة للتوجهلات العشلائرية فلي
الخدمة العامة طبعًا.
أما على مستوى الملكية وتوزيع الثروة في السودان ،فمثل في
مشروع الجزيرة تم توزيع الراضي الزراعيللة فللي المشللروع علللى
أبناء الكيانات ذات الصول العربية بحجة أنهم ملك سابقين للرض
قبل قيام المشروع .بينما ترك أبناء الكيانات الخرى يعيشللون فللي
الكنابي كعمال منذ تأسيسه في العشرينات .وقد ظل هللذا التللوجه
21
مستمرا بعد الستقلل وحتى الن دون أن تقوم الدولة )المستقلة(
التي غيللرت كللل شلليء بمراجعللة وضللعية توزيللع وتمليللك الراضللي
الزراعية ومراعاة ظروف سكان الكنللابي )المزارعيللن الحقيقييللن(
المسللتقرين منللذ ذلللك الللوقت .وقللد ظللل هللذا التللوجه قائمللا عنللد
تأسيس امتداد المناقل بعللد السللتقلل .ولكللن الحجللج الللتي كللانت
تسللاق لتللبرير عمليللة توزيللع الراضللي وتمليكهللا فللي الجزيللرة ،تللم
التخلي عنها عندما تعلق المللر بمنللاطق الزراعللة الليللة فللي جبللال
النوبة والنيل الزرق وأعالي النيل .بل قامت الدولللة بإزالللة القللرى
وطرد المللواطنين لقامللة المشللاريع الللتي تللم توزيعهللا علللى تجللار
المللدن وكبللار )البيروقراطييية( المدنيللة والنظاميللة ،الللذين فللي
غالبيتهم ليسوا من تلك المناطق.
أما تجليللات القضللية فللي السللكن وتركيللب المدينللة السللودانية،
فواضح للعيان وزيارة واحدة إلللى الحيللاء )الراقيللة( ذات الطوابللق
وأخرى للغيتوهات Ghettosأي الحياء الشعبية جدا ً تكفي للتأكد من
الزمة وتغني عن المجادلت .ومن أمثلللة التوجهللات المنحللازة مللن
قبل الدولة ،عندما تم ترحيللل كرتللون شللمبات إلللى الحللاج يوسللف
الجديدة ،فقللد قسللمت الراضللي ووزعللت إلللى أسللر كللبيرة وأسللر
صغيرة ودرجة رابعة فيما سمي بل)الوحدة الوطنية( ل وهذه واحللدة
من الترميزات التضللليلية لل كللان التقسلليم فللي الواقللع قللائم علللى
أسس عرقية وجهوية ،إذ احتللل أبنللاء المنللاطق المهمشللة )الزنللوج
والبقارة( الذين هم في الواقع السر الكبيرة لل بالمعيللار العللددي لل
مساكن الدرجة الرابعة ذات المسللاحات الضلليقة )200مللتر مربللع(
والتي تخلو من خدمات الكهرباء والماء .بينما وزعت منللازل السللر
الكبيرة وغالبية السر الصغيرة )الوسع والفضل المزودة بخدمات
الكهرباء والماء( لناس آخرين ذوي أصول عرقية وجهوية مختلفة.
أما فيما يتعلق بما يسمى بالسكن العشللوائي ،فبللالرغم مللن أن
معظم الحياء السكنية فللي العاصللمة مثل ،غيللر مخططللة وينطبللق
عليهللا عملي لا ً تعريللف السللكن العشللوائي ،إل أن التكسللير والزالللة
تطللال غالبللا ً المنللاطق الللتي يقطنهللا أبنللاء المنللاطق والكيانللات
22
المهمشة بالدرجة الولى .وبطريقة مهينة ،وبللدون تعويضللات علللى
الخسائر المادية .في الوقت الذي تترك فيه مناطق أخرى مجللاورة
تنطبق عليها كل المعايير الموضوعية ،ل لسبب إل الصول العرقية
والجهوية لقاطنيها.
ويتجلللى تحيللز الدولللة علللى السللاس العرقللي فللي ظللاهرة
)الكشات( )خاصة في أيام النميري( ،حيث كللان يتللم القبللض علللى
المواطنين )السود( وترحيلهم )عللراة إل مللن سللراويلهم الداخليللة(
إلى أقاليمهم بحجة تفريغ المدن من المتبطلين.
وأخيرًا ،المماحكة في إيجاد حلول للحرب الهلية لنهللا ببسللاطة
تدور في المناطق المهمشللة ،ويتضللرر منهللا بالدرجللة الولللى أبنللاء
هللذه المنللاطق .بللل واتجللاه الدولللة إلللى سياسللة الخلء والتنزيللح
القسري بمد نطاق الحرب إلى مناطق كللان فللي إمكللان الحكومللة
السلليطرة عليهللا ولكنهللا تتركهللا كمنللاطق علميللات وتمنللع وصللول
المسللاعدات النسللانية إليهللا )بسللبب مركزيللة الطللرق لل حيللث أن
الطرق دائما ً تبدأ من المركز ل وسيطرتها عليها( وكللل ذلللك بهللدف
تهشللليم السلللياق الثنلللي الثقلللافي والجغرافلللي الطلللبيعي لهلللذه
المجموعات بغرض مسح هويتها بواسطة سياسات هوامش المدن
عللبر المنظمللات السلللمية .وتكشللف ذلللك التقللارير والدراسللات
المتعلقة بالحرب في جبال النوبة وإثارة الحكومات للفتللن العرقيللة
فللي غللرب السللودان ،وأخيللرا بالهيكلللة المبتدعللة للدارة الهليللة
وتحيزها لبعض القبائل ضد الخرى.
الصيييدام القيييومي وميييأزق السيييلموعروبية فيييي
السودان:
إن الوضعية التاريخية للدولة السودانية ل كما ذكرنا ل هي وضعية
مأزومة بسبب ميكانيزمات التمركز والتهميش القائمة على التحيللز
على أساس الفارق الثني الثقافي ،ومن ثم اسللتثمار جهللاز الدولللة
إقصائيا وتمفصل العرق واللون مع الطبقة وتقسيم العمل ،والديني
واللغوي والجهوي مللع السياسللي ،فمللن الطللبيعي أن ينشللأ صللراع
الهويللات .ولن هللذه الوضللعية تتنللاقض جوهريللا مللع الديمقراطيللة
23
والتنمية ،فكان لبد من أن تتولد المضادات اليديولوجيلة للمركزيلة
المسيطرة .والن ،بعد تتويج مشروع المركزية السلموعربية فللي
السودان نفسه في نظام الجبهة السلللمية )المشللروع الحضللاري(
الذي أخرج المسكوت عنلله إلللى حيللز الممارسللة العلنيللة ،وتشللديد
الخطاب في قمة تجلياته الدينية لمواجهة نهوض القوميات وخاصللة
المسلمة منها ،وبعد تفشي الحللروب الهليللة ،فقللد وصلللت الزمللة
إلى قمة تجلياتها .والواقع هو أن مللا تفعللله الجبهللة السلللمية كللان
دافعه وعيهلا الحقيقلي بمهلددات هلذا النهللوض القلومي للمركزيلة
السلللموعربية وهيمنتهللا ومكاسللبها التاريخيللة .إن الشللراهة فللي
النهب والتفكيك والستيلء والعنف الزائد هللي فللي الواقللع محاولللة
لنقاذ مللا يمكللن إنقللاذه لل لللذلك سللمو أنفسللهم "ثللورة النقللاذ" لل
لحسللاس النخبللة السلللموية باحتمللالت مللا يمكللن أن تللؤول إليلله
الحداث وحللتى ل تخللرج مللن المولللد بللدون حمللص قبللل )التحللول
التاريخي( فهي كانت تسابق الزمن للخللروج بأقللل الخسللائر عامللة
وبأكبر المكاسب الحزبية خاصة ،لذلك أقنعت نفسها بللدور الوصللي
على الكيان .وجملة القول ،أن السلموعروبية فللي السللودان فللي
مأزق خطير ،فالتاريخ قد كشف عورتها التاريخية ،والواقع قللد أنتللج
أو في طريقه إلى إنتاج مضاداتها اليديولوجية المكافئة قوة ووعيًا،
وهللي مللن جللانب آخللر عللاجزة عللن التخلللي عللن مكاسللبها غييير
المشروعة في سياق الدولة الوطنية في السودان.
الريتوريكا وازدواجييية الخطيياب السييلموعروبي فييي
السودان:
ففي سللياق تللأرجحه بيللن )السلللمي( و )العروبللي( مللن جهللة،
و)اللللوطني( و)المملللي( ملللن جهلللة أخلللرى ،فلللإن الخطلللاب
السلللموعروبي ظللل مسللتندا ً فللي جللله علللى النزعللة البلغيللة
والنشلللائية العاطفيلللة )الريتوريكلللا( المسلللتترة وراء اللللترميزات
التضللليلية كالقوميللة ،والمللة السللودانية والوحللدة الوطنيللة وبقيللة
المصطلحات المذكورة ،بالضافة لستضللمان إكليشلليهات التعدديللة
والتنللوع كللديكور خطللابي يقللوم بطلء برنامللج )بوتقللة النصللهار(
24
التذويبي سبب المشاكل في السللودان .وبللذلك فهللو محللدد بللوعي
)الهيمنة والقصاء( .ول ننسى تضامن جميع أطرافه فللي المغالطللة
إزاء وقائع السترقاق التي تدور في السودان هذه اليام.
من جانب آخر هو أيضا خطللاب مللزدوج ومتنللاقض ويقللوم علللى
مبدأ الكيل بمكيالين؛ ففي مواجهللة )الغللرب( يسللتعمل كللل أدوات
النبذ للهيمنة والقهللر الثقللافي وإلحللاق الحضللاري بحجللج خصوصللية
القيم الثقافيللة والللدفاع عللن الهويللات الحضللارية والدينيللة ،ورفللض
آليللات القصللاء القائمللة علللى اللتكللافؤ بيللن المركزيللة )الغربيللة(
وهوامشللها فللي العللالم الثللالث ،والللدعوة إلللى إعطللاء الفرصللة
للثقافللات والحضللارات المختلفللة للمسللاهمة )بعدالللة( فللي تحديللد
ملمح الحضارة النسانية؛ وكل ذلك صحيح في رأينللا؛ لنلله بللالرغم
مللن أن حيللاة البشللر فللي تحللولت مسللتمرة ،وأن مسللألة النتمللاء
والهوية "قابلة للتغير والتبدل وهي مع ذلك مفهوم دينللاميكي قللادر
على التكيف" إل أن المسألة ل تتأتى بضللربة لزب أو بللالكراه لن
منظومات القيم التي تشكل معنللى حيللاة النسللان فللي مجتمعلله ل
يمكن إزالتها جزافا ً وبمبررات )برانية( بل هي عزيزة ول تشترى إل
بعملللة )التاريللخ( .ولكللن هللؤلء السلللموعروبيين أمرهللم عجللب!
فبمجرد النتهاء من الخطب الموجهة إلللى الخللارج ،واللتفللات إلللى
الداخل ،يدعون ذلك دبر آذانهم وأعينهللم ويصللادرون حللق الخريللن
بل)التلّفظ بهذا المنطق( مدخلين أياديهم فللي جيللوبهم اليديولوجيللة
مخرجين الدمغ والختام والسكاكين .فكل داعية لحقوق خصوصللية
ثقافيللة وإثنيللة فللي السللودان عنصللري .وكللل متكلللم عللن حقللوق
سياسللية للقوميللات الخللرى وشللائر إلللى حقيقللة هيمنللة ومركزيللة
السلموعروبية ،معاد ٍ وكائد للعروبة والسلم ،وربما عميل للغرب.
وكل مطالب بعدالة اقتصادية للقاليم )المهمشة( داعيللة للتشللرذم
وتفتيت وحدة الوطن .والجهللة الوحيللدة المصللرح لهللا بللالكلم هللي
)العترافية الرسللمية( أي مركزيللة الللذات السلللموعروبية الللتي ل
يتجاوز اعترافها العور ل الذي يسكت عللن ممارسللاتها التاريخيللة ل ل
تسويد أوراق المؤتمرات والدساتير والقوانين التي ل تساوى قيمللة
25
الحبر الذي تكتب به .ويظل هذا )العتراف( في حد ذاته شكل مللن
أشكال الستعلء ،طالما هناك جهللة )ترانسللدنتال=أوليللة ومسلللمة
سللابقة لجللراءات المنطللق( )تعللترف( )كللاعتراف الب ببنللوة إبللن
الحرام تفاديا ً للمشاكل( وتفترض في نفسها أنها هي الللتي )تللوزع(
الحقوق دون أن تسمح بمناقشة المصدر الذي )اشترت منه ملكيللة
الدولة( الذي أعطاها هذا الموقع العترافي التوزيعي المعطاء.
26
المدى الطويل ل إلى التحولت الضرورية ،وإنجاز ما كان يمكللن أن
ينجزه فعل الثورة .أو؛
3ي النهيار :فإذا استمرت المساومات السياسية التي ل تعنى
بجوهر المشكلة ،واستمر العجز عن تشكيل كتلللة تاريخيللة ناضللجة
)وعيللا وقللوة( وعجللزت المركزيللة عللن تقللدير الواقللع حللق قللدره
وأصللرت علللى مشللروعها ،فيبقللى احتمللال النهيللار علللى شللاكلة
الصوملة أو تفتت الدولة السودانية إلى أقاليم متحاربة .ول تستبعد
التللدخلت الخارجيللة كنتيجللة طبيعيللة لللذلك .وقللد يكللون انفصللال
الجنوب البداية لهذا النهيار ،وربملا سللاعد ذلللك فلي إعللادة النتللاج
للزمة في السودان الشللمالي واسللتمرار الوضللعية فيلله إلللى حيللن
اكتمللال نهللوض قوميللات الخللرى والللدخول فللي مللأزق جديللد .مللع
احتمال نشوء نفس الزمة فللي الجنللوب إن لللم يسللتفد الجنوبيللون
من الدرس التاريخي.
خاتمة:
إذن فقضية الهوية في السودان ،معقدة للغاية .ول يمكللن حلهللا
بآليللات الحسللم الظرفللي والطلء التنظيللري المثقفللاتي .ولللم يعللد
ممكنللا التحايللل علللى الواقللع بللدعاوى الحللرص علللى وحللدة أو
مشتركات واقعية أم مفترضة .وأن المشكلة فللي جوهرهللا ليسللت
في نظللام الجبهللة السلللمية فحسللب بللل فللي الوضللعية التاريخيللة
وهيمنللة )المركزيللة السلللموعروبية( برمتهللا .وبالتللالي بللات مللن
الضروري مناقشة هذا الواقع بوضوح حتى تقوم علقات المستقبل
ل إن أريدت ل على الحقائق الكاملللة والللوعي الكامللل وليللس علللى
)التلغيم( بالجندة السرية أو الغش والتللدليس ،لن مللن هللو جاهللل
بالحقائق اليوم لبد عارف بها غدًا .ومن ل يملك سلحا ً اليوم يدافع
به عن هويته وحقه المستلب تاريخيًا ،فلبد مالكه غللدًا .وقللد يكللون
سلحا ً ذريا ً فليللس ذلللك بمتعللذر فللي عللالم اليللوم .وهنللا لللن تغنللي
المجادلت عن الحق في شيء.
27
وإن أردنا أن نبقى سويا ً فلبد من العمل على إعادة تأسيييس
)الدولللة( علللى )شييرعية الختلف( .ولتبقللى المشللتركات زادا ً
للمسير .وعلى رأي عبلد اللله عللي إبراهيلم "فأهلدى السلبل إللى
السلم والنهضة الثقافية في السودان هو القرار بقللوامين أو أكللثر
للثقافة السودانية" ولسياسات الدولة السودانية .وعلللى حللد قللوله
"أن يكف أبناء الشمال العربي المسلم عن خلع حضللارتهم بللدعوى
الهجنة" ولكن الهم في رأينا هو أن يكف )هؤلء( ومعهم عبللد الللله
على إبراهيم عن فرض هويتهم على )الدولة السودانية( وأن يقللروا
بحقائق التاريخ .وهي )نعم( أن الحضللارة العربيللة السلللمية كللانت
في يوم من حضارة عظيمة ،ولكنهللا أكملللت دورتهللا وانهللارت كمللا
انهار )التحاد السوفيتي( .ونرجو من الدكتور عبد الله على إبراهيم
أن يبصر أهله بأن التاريخ ليس )بعيرًا( يمكن قيادته إلى حيث نشاء
)الّرجعى( .وأن )النهر ل يمكن عبوره مرتين( .ولهم بعللد كللل ذلللك
مطلق الحرية في تنكب هذا الطريق .لكن دون أن يحاولوا سللوقنا
معهم فيه .وأنه كما للهجناء الحللق فللي أن يكونللوا عربلا ً أقحاحلا ً أو
دعون ،فللخرين أيضا ً حرية أن يكونوا دينكا ونوبا وفور وبجللا .وأن ي ّ
دعوا النجلوساكسللونية والفرانكوفونيللة والمريكانيللة والكنغوليللة يل ّ
دعى العروبللة ،وأن ينضللموا إلللى الكمونولثيللة وحلللف والرية كما ت ُ ّ
شمال الطلنطي كما هم منضمون إلى جامعة الدولة العربية ،دون
أن يصادرهم السلموعروبيون عبر أجهزة الدولة بادعاءات الحفاظ
على هوية حضارية )للسودان(.
28
في ذلك أنظر :د .يوشيكو كوريتا؛ على عبد اللطيف وثورة
1924م :بحث في مصادر الثورة السودانية ،مركز
الدراسات السودانية ،القاهرة1997 ،م.
محمد جلل هاشم؛ "السودانوعروبية أو تحالف الهاربين:
المشللروع الثقللافي لعبللد الللله علللي إبراهيللم فللي السللودان"،
1998م،ورقة غيللر منشللورة قللدمت فللي نللدوة التنميللة ،القللاهرة،
1999م.
"الفروعروبية في نظر دعاتها هي عمل واع لسللتعادة الللدم
الزنجي ودراسة الجانب في ميراثنا الللذي أهمللل لمللدة طويلللة …
)وهي( كمشللروع حضللاري ،هللو المشللروع الللذي رمللزو للله بالغابللة
والصحراء فللي دللللة التصللالح بيللن الللدغل والباديللة ،بيللن الثقافللة
العربية والثقافة الفريقية فللي السللودان" .فللي د .عبللد الللله علللي
إبراهيم؛ الثقافة والديمقراطية في السودان ،مقللال :الفروعروبيللة
أو تحالف الهاربين ،دار المين ،القاهرة1999 ،م.
السودانوية كمللا عرفللت فللي خطللاب د .أحمللد الطيللب زيللن
العابدين يعبر عنها د .نور الدين ساتي بقوله "السودانوية يمكللن أن
تعرف بأنها ذلك الوجود وذلك الحساس الذي يجعل كل فرد يعيش
داخل الحدود الدارية للدولة السودانية ،يحس بأنه ينتمي إلللى أمللة
فللي طريقهللا إلللى التكللوين ،دون تمييللز بيللن أفرادهللا مهمللا كللان
انتماؤهم العرقي أو اللغوي أو الديني… السودانوية فاحمة السللواد
وصللفراء اللللون ،فللي الللوقت ذاتلله دينكاويللة وهدندويللة ودنقلويللة
ونويراوية ،تتحدث لغة الزانللدي والتبللداوي والعربيللة والنوبيللة تللدين
بالسلم والوثنية فللي الللوقت ذاتلله" مقللال الحللوار بيللن المكونللات
الثقافيللة للمللة السللودانية :مجلللة الثقافللة السللودانية ،السللنة
الخامسة ،العدد ،17فبراير 1981م ص .11نقل عللن محمللد جلل
هاشم ،مرجع سابق.
29
يعرفهللا محمللد جلل هاشللم نللاحت المصللطلح بأنهللا إيللديولوجيا
واتجاه "يقوم على سودنة السلم والعروبة ،وبالتللالي رسللم هويللة
إسلموعربية خاصة بالسودان ودونما عداه مللن دول أخللرى ضللمن
المنظومة السلمية عامة وتلك الناطقللة بالعربيللة خاصللة" مرجييع
سابق.
لتفاصيل أوفى :أنظر :موريس دوفيرجيه؛ مدخل إلى علم
السياسة ،دار دمشق ،بدون تاريخ.
حسب إحصاء 1956م؛ بالسودان ما يزيد عن 25مليون من
البشر ،يتحدثون 115لغة ولهجة ،ويتوزعون على 65مجموعة
إثنية مقسمة بدورها إلى 597جماعة فرعية.
في ذلك راجع :د .فرنسيس دينق؛ مشكلة الهوية في
السودان:أسس التكامل القومي ،مركز الدراسات
السودانية ،القاهرة.1999 ،
وقد أورد د .منصور خالد في ذلك "أن هذا الرهط ل ينطلق في
أحكامه المشتطة هذه إل من عقللدة نقللص ،فحللاكم مصللر وسللوريا
ومليللك الردن ليسللوا مطللالبين بللأن يثبتللوا للنللاس عروبتهللم لنهللا
حقيقة يرونهللا فللي سللحنتهم ويعللبرون عنهللا بلسللانهم .أمللا هجللائن
السودان ومهاجينه فقد أوهموا النفس بأن ل سبيل لثبات عروبتهم
إل بأن يكونوا عربا أكثر من أهل نجد وتهامة" ،النخبة السودانية
وإدمان الفشييل ،الجللزء الثللاني ،ص .184بللل حللاولوا تأسلليس
نظرية لونية للعرب بأن الصل فيهم هو لللون السللودانيين .راجللع ،
محمد جلل هاشم؛ "السودانوعروبية" ،مرجع سابق.
أبكر آدم إسماعيل؛ جدلية المركز والهامش :قراءة
جديدة في دفاتر الصراع في السودان ،مخطوطة كتاب.
في ذلك أنظر مقال خالد حسين الكد؛ "الفندية ومفهوم
القومية في الثلثين سنة التي أعقبت الفتح في السودان 1898ل
30
1928م" ،مجلة الدراسات السودانية ،العدد الول ،المجلد
الثاني عشر1992 ،م ،صل صل 44ل .76
ذلك في أنظر د .يوشيكو كوريتا؛ مرجع سابق.
د .فرانسيس دينق؛ مشكلة الهوية في السودان ،مرجع
سابق ،ص .91
التجاني عامر؛ مجلة القلم1967 ،م.
د .موسى الخليفة؛ "مقابلة" ،مجلة الخرطوم1981 ،م.
د .حيدر إبراهيم علي؛ المجتمع المدني والتحول
الديمقراطي في السودان ،مركز بن خلدون ،القاهرة،
1996م ،ص .147
محمد جلل هاشم؛ "السودانوعروبية" ،مرجع سابق.
د .منصور خالد" ،النخبة السودانية" ،مرجع سابق ،ص .185
في ذلك أنظر :د .منصور خالد ،النخبة السودانية ،مرجع سابق،
ص 485وما بعدها.
د .فرنسيس دينق؛ مرجع سابق ،ص .8
31