Professional Documents
Culture Documents
إن السلم هو الدين الحق ،الذي يكلف الله به الخلق ،ول يقبل منهم سواه،
عند َ الل ّ ِ
ه ن ِ دي َن ال ّ إذ ما عداه من الدين باطل وضلل ،كما قال تعالى) :إ ّ
ه وَهُوَ ِفي من ْ ُ
ل ِ سلم ِ ِديًنا فََلن ي ُ ْ
قب َ َ من ي َب ْت َِغ غَي َْر ال ْ
سلم( وقال تعالى) :وَ َ ال ْ
رين( ،وهذا من حقائق الدين الواضحة الجلية التي يؤمن س ِ ن ال ْ َ
خا ِ م َ
خَرةِ ِال ِ
ً
بها كل من شهد أن ل إله إل الله وأن محمدا رسول الله ،بل إن هذه
الحقيقة اكتسبت أنصارا ً ومؤيدين من رجالت العلم والمعرفة والتعقل من
أصحاب الديانات المخالفة للسلم ،ممن أطلقوا عقولهم من عقال التقليد
والتعصب ،فجذبتهم إليها عندما رأوا أن معارفهم وعلومهم التي أفنوا شطرا ً
كبيرا ً من حياتهم للوصول إليها ،توافق ما يقرره هذا الدين من حقائق
وقواعد ،لذلك أقبل الكثير منهم على الدخول تحت لواء هذا الدين ،ورغم
هذه المكاسب والختراقات التي يحققها السلم على صعيد النخبة العقلية
والعلمية ،فإن المسلمين يواجههم اليوم تحد ٍ كبير ،ليس من قَِبل أعداء
السلم عن طريق إثارة الشكوك والشبهات ،وإنما يكمن التحدي أيضا ً في
القرار بأن السلم هو دين الحق ،ثم محاولة تفريغه بعد ذلك من مضمونه
الحقيقي في أذهان العامة الذين ل يستطيعون في كثير من الحيان التمييز
بين القشر واللباب ،فيتحول السلم في وجدانهم إلى مظهر أجوف ل ثمرة
له عند البحث عن المضمون.
إن خطورة هذا التحدي ل تستمد من قوة الطرح ول من صدقيته ،وإنما
تأتي الخطورة من كونه ُيطرح باسم الفهم الصحيح للسلم في ظل عصر
التقنيات والتصالت ،ويقدمه مسلمون يظهرون في زي وسمت إسلمي.
نحن اليوم في هذه الفترة العصيبة من أوقات المسلمين أمام مرحلة
جديدة ،مرحلة ما يمكن أن تسمى بمرحلة تسويق السلم الجديد ،ففي
ظل الضعف الشديد الذي تعانيه أمة المسلمين على مختلف الصعدة ،وفي
ظل سطوة الكافرين وظلمهم وطغيانهم بعدما حازوا أسباب القوة،
ور في نفوس خ َ ب الضعف وال َ وتفوقوا فيها على المسلمين واحتكروها ،د َ ّ
ً
طائفة من المسلمين من الوجهاء ،ومن بعض من يتعاطون شيئا من العلوم
الشرعية ،فلم يروا مخرجا ً من ذلك إل عن طريق التقارب ،مع ما أفرزته
الحضارة الغربية المادية التي ل تتعامل إل مع المحسوسات ،والقبول بما
جاءت به وعدم معارضتها .وفي ظل ذلك فقد بدأ العالم السلمي بعد
الصحوة القوية التي شهدها مع مطلع القرن الخامس عشر المتزامن مع
مطلع السبعينيات من القرن الميلدي المنصرم بدأ الن يتراجع إلى قريب
من الحالة التي كان عليها مع قرب نهاية القرن الثامن عشر عندما دهمته
قوى الستعمار بما لديها من تقدم مادي وعسكري ،فرجع إلى نصوص
الشريعة يلوي أعناقها ويحرفها عبر دروب كثيرة من التأويلت الفجة التي ل
تستقيم من أجل إيجاد أرضية مشتركة بين ما دلت عليه الشريعة وبين ما
أتت به الحضارة الغازية ،فبدأت تغزو أسماعنا الن كلمات مثل :السلم
المدني ،والسلم الديمقراطي ،والسلم الليبرالي ،ثم الحديث عن قيم
السلم التنويري ،والنفتاح على الخر في المختلف الثقافي والديني،
والتعاون في سبيل المشترك النساني ،وعدم نفي الخر أو تهميشه،
والتواصل بين المؤمنين في العالم ،اليهود والنصارى والمسلمين في سبيل
خير النسانية .والكثير الكثير من أمثال هذه الجمل والتعبيرات التي تتداخل
فيها اللفاظ والمعاني لنتاج خلطة متقنة فيها الكثير من المور والمسائل
والقضايا التي تخالف عقائد السلم وأحكامه ،إضافة إلى القليل من الطلء
الذي يبدو وكأنه ينتمي إلى عناصر الدين الصحيح ،حتى يبتلع المسلمون
دة ،كما يحتال الصياد بحبة من القمح يوقع بها الطائر في الخلطة المع ّ
شراكه ،فل يخرج منها إل إلى الذبح.
إن المعركة اليوم شديدة وقائمة على أشدها ،وهي بكل أسف وأسى ل
يديرها العدو الكافر المعلن بكفره وعداوته فحسب ،وإنما يديرها مسلمون
من جلدتنا ،ويتكلمون بألسنتنا ،ويحتجون بما نحتج به من القرآن والسنة
لكن على غير الوجه السليم والستدلل المستقيم ،وقد بين لنا هذه
ة بن اليمان رضي الله عنه كما في صحيح البخاري الحقيقة الساطعة حذيف ُ
حيث يقول" :كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
الخير ،وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ،فقلت :يا رسول الله! إّنا
كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير ،فهل بعد هذا الخير من شر؟
خن ،قلت: قال :نعم! قلت :وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال :نعم! وفيه د َ َ
وما دخنه؟ قال :قوم يهدون بغير هديي ،تعرف منهم وتنكر ،قلت :فهل بعد
ذلك الخير من شر؟ قال :نعم! دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها
قذفوه فيها ،قلت :يا رسول الله! صفهم لنا؟ فقال :هم من جلدتنا،
ويتكلمون بألسنتنا".
فالسلم الجديد الذي ُيرّوج له اليوم في الدوائر العلمية والرسمية يتكلم
دنا الله به ناس من جلدتنا ،ويتحدثون عنه بلغتنا ،وهو ليس السلم الذي تعب ّ َ
به ورضيه لنا ،فليس هو إسلم السعي لنشر دعوة الله بين العالمين ،لن
ذلك وفق الفهم العصري للسلم عدوان وهمجية تأباها النسانية المتمدنة،
وإنما هو إسلم التعاون والتآخي بين المسلمين واليهود والنصارى على
أساس أن المؤمنين إخوة ،وليس هو إسلم الدفاع عن الحقوق والبلد
والعباد ،لن ذلك إرهاب يهدد السلم العالمي ،وإنما هو إسلم المحبة
والتصالح مع العداء من أجل أمن المجتمعات ،والقرار بحق العداء في
العدوان على ديار المسلمين من أجل الحفاظ على أمنهم ومصالحهم ،وحق
احتلل الراضي واقتطاع أجزاء منها تضمن لهم ذلك ،وليس هو إسلم الولء
للمؤمنين والبراءة من الكافرين ،وإنما هو إسلم بذل المحبة للجميع،
للمسلم الصالح وللكافر المعاند ،لن ذلك من قيم التحضر والتمدن التي
غابت عن المسلمين قرونا ً طويلة بسبب التأزم النفسي من الصراع مع غير
المسلمين ،وليس هو السلم الذي يمنع الربا في المعاملت المالية
والقتصادية ،لن ربا اليوم ليس كربا المس ربا الجاهلية القائم على
الجشع ،وإنما ربا اليوم إنما يعمل على رفاهية المجتمعات وتحقيق التنمية،
وأن القتصاد ل يقوم إل به ،وأن الدول ل تنهض إل عليه ،وليس هو إسلم
التمسك والعتصام بالكتاب والسنة ،وتقديم كلم الله وكلم رسوله على
مت يرفضه دين السماحة واليسر، دد وتز ّ قول كل أحد ،لن هذا تن ّ
طع وتش ّ
خّير رسول الله بين أمرين إل اختار أيسرهما ،ويتركون بقية الحديث: فما ُ
ً
"ما لم يكن حراما" .وليس هو إسلم التزام المرأة بما حد ّ الله لها ،لن هذا
يعبر عن النظرة الدونية للمرأة ،والهيمنة الذكورية التي تغلب على ثقافة
المسلمين التي نشأت بسبب الموروثات البيئية ،إضافة إلى عدم الثقة في
المرأة مما يحرم المجتمع من قدراتها العظيمة ،وإنما هو السلم الذي ل
يمنع من تبرج المرأة وإظهارها لزينتها واختلطها بالرجال ،ومشاركتها لهم
في كل مجالت العمل ،ما دام الجميع محافظا ً على الداب العامة مع
الحترام المتبادل بين الطرفين ،وليس هو إسلم الثبات الذي يظل الحرام
فيه حراما ً والحلل حلل ً والواجب واجبًا ،لن هذا تحجر وجمود ول يراعي
خصوصيات الزمان والمكان والمستجدات العصرية ،وإنما هو إسلم التطور
والمرونة ومجاراة العصر ،حتى لو أدى ذلك للخروج على أحكامه المعلومة،
ما دام أن ذلك الخروج يحقق المصلحة ،فالدين ما جاء إل لتحقيق المصالح.
وهكذا والقائمة طويلة.
ً
ولكن نقول :إن السلم ليس نظرية علمية أو اكتشافا قابل ً للتغيير والتبديل
مع تطور النظريات العلمية أو تجدد الكتشافات ،كما أنه ليس موضة من
الموضات التي تتغير وتتبدل بتغير أذواق الناس وأوضاعهم ،بل إن هذا الدين
قد أكمله الله ،وأتم به النعمة علينا ،ورضيه لنا دينا ً )ال ْيو َ
م ِدين َك ُ ْ
م ت ل َك ُ ْ مل ْ ُ
م أك ْ َ َ ْ َ ّ
َ َ
م ِديًنا( ،فل ينبغي للمسلمين أن سل َ م ال ْ ُ
ت لك ُضي ُ
مِتي وََر ِ ت عَل َي ْك ُ ْ
م ن ِعْ َ م ُ
م ْ
وَأت ْ َ
يضّيعوا نعمة الله التي حباهم بها ،بل واجبهم أن يقدروا هذه النعمة حق
قدرها ،ويعلموا أن ما لم يكن دينا ً على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم
أو على عهد خلفائه الراشدين فليس اليوم دينًا ،فما لم يعرفه أبو بكر ،ول
عمر ،ول عثمان ،ول علي ،ول السابقون الولون ،ول أصحاب الشجرة
فليس من الدين.
إن قوة الهجمة التي يراد منها تغيير الدين ولو باسم تجديد الدين أو باسم
الدخول إلى عصر التقنيات الحديثة ،أو باسم النفتاح على الخر ،أو غير
ذلك من المسوغات ينبغي أن تقاَبل برد مكافئ في منتهى الوضوح بعيدا ً
عن التعميم والتداخل في اللفاظ والمناورات الكلمية ،وتمييع القضايا،
ن فَي ُد ْهُِنون( ،وأمر فالمر جد ل هزل فيه ،وقد قال الله تعالى) :وَّدوا ل َوْ ت ُد ْهِ ُ
رسوله صلى الله عليه وسلم بالوضوح التام في القضايا المصيرية التي ل
دون(. َ ل َيا أ َي َّها ال ْ َ
تحتمل إل وجها ً واحدا ً فقال له) :قُ ْ
ما ت َعْب ُ ُ
كافُِرون ،ل أعْب ُد ُ َ
وقد حذرنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من هذا الصنف الذي
يعمل على إفساد الدين في جمل قاطعة وواضحة ،فقال" :سيكون في آخر
أمتي أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ول آباؤكم ،فإياكم وإياهم" .رواه
مسلم .وقد بّين الرسول صلى الله عليه وسلم أن هؤلء دجالون كذابون،
وحذر من الستجابة لهم ،لن في ذلك الفتنة والضلل ،فقال" :يكون في
آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الحاديث بما لم تسمعوا أنتم ول
آباؤكم ،فإياكم وإياهم ل ُيضلونكم ول يفتنونكم" .رواه مسلم.
إن مهمة العلماء الراسخين في رد تلك الهجمة مهمة جليلة وعظيمة ،وهذا
هو دورهم ،ول يصلح أن ُتترك قيادة السفينة في بحر قد تلطمت أمواجه إل
للربان الخبير ،فهل من مستجيب؟.
لقد كثر من يظهر على شاشات القنوات الفضائية ،وعبر صفحات المجلت
اليومية ،وكل يوم يظهر لنا شخص جديد ،ممن هم في الحقيقة نكرات ،لم
ُيعرفوا بعلم أو دعوة أو تأليف ولو لكتيب ،فتفاجأ به ُيخرج لنا فتاوى ينقض
بها فتاوى كبار العلماء من السلف والخلف.
علمانية بأنه يحق لها أن تسن قانونا ً يمنع وفوجئنا بمن يفتي لدولة نصرانية َ
المسلمات من اللتزام بلباسهن الشرعي ،وأن على المسلمات الخضوع
للقوانين التي تتدخل في حقوقهن الشرعية بالمنع ،وأن من ل يروق لها ذلك
فعليها أن تهاجر من بلدها الذي هو موطنها وموطن آبائها وأجدادها ،وليس لها
وطن غيره.
ي ،وصدر بذلك استقرت الفتوى عقودا ً طويلة على أن فوائد البنوك ِربا ً جل ّ
فتاوى من عدد من المجامع الفقهية ،حتى ظهر من يتبجح ويقول بحل الفوائد
وأنها ليست من الربا ويقول عن البنوك الربوية :إنها أكثر التزاما ً بالشرع من
البنوك السلمية؛ مجّرئا ً بذلك المسلمين على أكل الحرام ،ومثبتا ً للبنوك
الربوية على نهجها الخاطئ ووأدا ً لي بادرة لتوبة البنوك ورجوعها عن الربا.
وأصبح مجتمعا ً تزيغ فيه العقائد؛ حيث الذهاب للسحرة والستعانة بهم،
دم الولء للتراب على الولء مجتمعا ً تضيع فيه معاني الولء والبراء؛ حيث ُيق ّ
للعقيدة ،وُيتعّيش من المال الحرام؛ إذ يشيع التعامل بالربا ،وتفسد الخلق؛
إذ يشيع الختلط ،وتضيع معاني الرجولة؛ حيث الستماع للغاني المصحوبة
بآلت الطرب ،وغير ذلك مما يترتب على تلك الفتاوى؛ فلو تصورنا المجتمع
وقد وصل إلى تلك الحالة جراء تلك الفتاوى ل َب َعُد َ علينا تصور أن ذلك المجتمع
ينتمي إلى المنظومة السلمية.
ض من يفتي هنا أحق بالسجن ورحم الله ربيعة شيخ مالك حينما قال» :ل ََبع ُ
جر على المفتي الماجن،
ح ْ
من السراق« ،ورحم الله الحنفية عندما أفتوا بال َ
وقالوا :هو أحق بالحجر من الذي يمارس الطب وليس بطبيب ،فإذا كان من
ت حقيقة
يتطبب وهو ليس بطبيب يفسد البدان ،فإن من يفتي وهو ليس بمف ٍ
فإنه يفسد الديان.
فالمسؤولية عظيمة وكبيرة على العلماء وطلب العلم ،ول يسعهم السكوت
والمجاملة لفلن وعلن ،بل يجب عليهم اليضاح والبيان بكل أنواع البيان،
بالكلمة المقروئة والمسموعة والمرئية ،ول مانع من التكرار بل هو
الواجب ،كلما نعق ناعق بمثل هذه القضايا أن يرد عليه مباشرة وأن يبين
حكم الله عز وجل للناس في مثل هذه المسائل.
وأهل العلم يمكرون ،يتبنون قضية من القضايا ويعملون على إثارتها خاصة
ما يتعلق منها بالشريعة ،أو قال فيها علماء الشريعة بكلم يصادم أهواء أهل
العلم ,فيستغل العلميون وبعض المنافقين غفلة بعض المحسوبين على
الخير ,ليتصدر الصفحات ,أو َيخرج في الشاشات فيقول بما يوافق أهواء
م عائم ٍ يستغلونه أبشع استغلل,
المنافقين ,أو يستنطقه بعضهم بكلم عا ّ
فلويعزفون به على وتر التشكيك والفتنة ,حتى إذا دهم الناس ذلك المستغ َ
واستنكروا قوله وفعله قال :فهمتوني غلط ،أو أنا ما أقصد هذا .فياسبحان
الله العظيم! كيف لم تقصد هذا وأنت قلت فيه بما يوافق أهواء المنافقين؟
ومن الذي ألجألك لن تقول بهذا القول وقد كنت في غنية عن البوح به؟
ولماذا اتهمت أفهام الناس ولم تتهم نفسك؟ أما كان يسعك السكوت حين
ما بمكر القوم وخداعهم؟ وحين انبريت للحديث لماذا لم تقل ما لم تكن مل ّ
تدين الله به بصراحة حتى ل يختلط ما تعتقده بما ند ّ عن لسانك من
هفوات؟.
أحد مدعي هذه الفتاوى ,صرح أن الذي دفعه للبحث في تلك المسألة جلسة
ضمته مع بعض سفهاء العلم ,فتمخض عن تلك الجلسة بحث خالف فيه
ة
عامة علماء المة ,فكانت بهيمة النعام أزكى نتاجا منه ،وهذا إنما أنتج فتن ً
وفسادًا ,وقول ً خداجًا ,ولم يكفه ذلك بل صار يصم من خالفه الرأي بالجهل
واتباع الهوى عياذا بالله من الضلل وسوء الحال.
نحن اليوم في عالم طغت ظلمات الفتن فيه على معالم السنن ،وغطى
دخان الحرائق على الحقائق ،فتعسرت الرؤية ،وتداخل الحق بالباطل،
وتشابهت طرائق السير على السائرين ،واختّلت الموازين لدى كثير من
الناس ،بفعل سحرة العصر وكهانة الك ُّبار ،من رموز السلم العصراني
مَرد َةِ الخراج والتصوير ،حيث صار للدين التنويريين ،ومن شياطين العلم و َ
َ
صورة كاريكاتورية مرعبة في مخيلة كثير من المستلبين ،وجموع التائهين
ك بعض مشايخ ة سلو ُ من المسلمين المتغربين .وزاد في ذلك بشاع ً
الفضائيات ،وخطاُبهم اللين دائما ً وفي كل شيء وفي كل مسألة ،رغبة
التنفيس عن المعاناة واللم اللذين يعتصران قلب المؤمن في هذا الزمان
جّراء الظلم والظلمات التي تجتاح هذا العالم الجديد ،فكان تدّين بعضهم
إلى النحراف أقرب منه إلى العتدال في السلوك والعتقاد ،فساعدوا
أبالسة العلم على صناعة الصورة المخيفة للسلم والمسلمين ،وبدأت
تؤثر بالفعل على كثير من شرائح المجتمع ،ولقد وجدنا شرائح من هؤلء
أيضا ً ممن ضاعت منهم هويتهم أو ماتت.
ل شك أن من واجبات الدعوة إلى الله أن ينهض أهل الفضل والعلم بإنجاز
شتى ضروب البيان ،مما يحتاج إليه إنسان هذا الزمان الذي وقع ضحية
التغريب والتخريب في السلوك والعتقاد ،ووقع أسيرا ً بالشبكة التي نصبها
َ ما أ َل ْ َ
س
ن الّنا ِ حُروا أعْي ُ َ س َ وا َ ق ْ حَرة ُ الفضائيات )فَل َ ّ س َ
ة العلم ،و َ ك َهَن َ ُ
ة
ظيم( .وما أحسب هذا ببعيد عن معنى "فتن ِ حرٍ عَ ِ س ْجاُءوا ب ِ ِ
م وَ َ
ست َْرهَُبوهُ ْ َوا ْ
طر" المذكورة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ،الذي راه ق ْ ال َ
ن الن ِّبي َ ُ
ة بن زيد رضي الله عنه ،أ ّ م ُ سا َ البخاري في صحيحه ،فيما رواه أ َ
ُ صلى الله عليه وسلم أ َ ْ
ل" :هَ ْ
ل م َقا َ ة .ث ُ ّدين َ ِم ِ طام ِ ال ْ َ نآ َ م ْ ف عََلى أط ُم ٍ ِ شَر َ
ق ْ واقِِع ال ْ َ َ َ
طر!". م َم ،ك َ َ ل ب ُُيوت ِك ُ ْ خل َ َ ن ِ فت َ ِواقِعَ ال ْ ِ
م َ
ما أَرى؟ إ ِّني لَرى َ ن َ ت ََروْ َ
إن هذا التوجه وهو ما يسمى بالسلم التنويري والذي بدأ ينتشر في
مجتمعات المسلمين ،بل وفي مجتمع كمجتمعنا الذي ظل مدة طويلة من
الزمن متماسك البنيان ،ومحط أنظار العالم السلمي في العلم والتعليم
والفتوى ،بدأ هذا التيار ولكل أسف يقدم خدمة مجانية للتيار العلماني
والليبرالي علم أو لم يعلم.
والشاهد هو أنه ما أن ُيظِهر أحد هؤلء الشخاص كلمة أو فتوى أو مقال
يوافق هوى التيار الليبرالي إل وتلقفته الصحف بالمقابلت وتلقفته القنوات
بالحوارات .أين أنت من هذا الظهور العلمي قبل شذوذاتك الخيرة؟ بل
أين أنت من الساحة الدعوية بدرس أو محاضرة أو شرح كتاب تنفع به
الناس لو كنت من أهل العلم والفتوى؟.
هناك من شياطين النس والجن في كل زمان ومكان ومجتمع من يحاول
أن يحرف توجه الناس من التدين إلى مسار مخالف أو منحرف ،مع كونه
يبدو في مظهره أنه المسار الصحيح ،وأغلب انحرافات المم عن التدين
إنما وقعت في بداياتها الولى بشيء يسير من المخالفات التي لبست
م ما لبثت أن صارت طرقا ً عليهم الشياطين فيها ليصبغوها بصبغة التدين ،ث ّ
مضاهية للدين ،ولكل طريقة أشياع ،ولكل شيعة مطاع!.
ظهر في الفترة الخيرة من العقد الماضي دعاة استطاعوا أن ينتقلوا
بالفكار الدعوية والتربوية إلى مدارات جديدة ومختلفة ،ومنها إعادة عرض
الفكار الدعوية بشكل جديد ،معتمدين على تقنيات حديثة وأساليب
مّيعوا الدين ،وأباحوا كثيرا ً من المسائل مستحدثة ،لكنهم في الوقت نفسه َ
التي توارث الناس حرمتها ،ونشروا ثقافة التسامح مع الكفار فضل عن
المبتدعة ،وهو تسامح يتجاوز الثوابت الشرعية في تأصيل الرؤية تجاههم
وإبداء المواقف إزاء أعمالهم والتعامل معهم! يسيرون في مسعى توفيقي
بين السلم والواقع الذي تعيشه الشريحة المخاطبة.
إن هذا النوع من الدعوة يشبه في ذلك اتجاه بعض الكنائس في أمريكا والتي
يتبعها الغنياء في الساس ،لنه يمكنهم في ظلها الجمع ببساطة بين اليمان
والثروة ،وهذا ما يفعله الدعاة الجدد ،مما جعل الغنياء يشعرون بالرضا عن
ثرواتهم .إن هدفهم الرئيس هو تصحيح القيم الخلقية لدى الفراد فيما
يتعلق بسلوكياتهم اليومية ،وليس لدى هؤلء من مشروع سوى رفع المستوى
الخلقي لدى الشباب المنفتحين على الحداثة والتغريب ،من خلل خطاب
ديني يحمل قيم تحقيق الذات على النمط الليبرالي الجديد :الطموح،
والثروة ،والنجاح ،والمثابرة في العمل ،والفاعلية ،والهتمام بالذات ،وصناعة
الحياة ،والتنمية ،ونحوها.
إن البداية تكون بفتاوى تيسر على الناس وترخص لهم في بعض المسائل،
وشيئا ً فشيئا ً يتولد عند هؤلء التباع فقه مبني على تتبع القوال والجتهادات
الموافقة للهوى ،وإذا كانت إرادة الفقيه من التيسير تقريب الناس من الدين
وتحبيبه إليهم فإن النتيجة تكون بابا ً يخرج منه الناس من الدين وهم يحسبون
أنهم يحسنون صنعًا! .وهذه الفتاوى تستند في غالبها إلى دليل شرعي أو
قاعدة شرعية أو قول سابق ،وصادرة عن أشخاص منتسبين للفقه ،لكنها في
الحقيقة فتاوى تأخذ بالقوال الشاذة والدلة الضعيفة أو المرجوحة ،وَتفترض
في بيئة المستفتي أنها محافظة سليمة من الفتن! وتشكل عند الجمهور
المتساهل منهجا ً مبيحا ً للمحرمات التي هي دون الكبائر المعدودة على أصابع
اليدين! ويقابل هذه الفتاوى المتساهلة إلحاح الدعاة الجدد على الرجاء
ورحمة الله وغفران الذنوب مهما كانت ،وهي مساحة ل شك فيها ول إنكار
لها ،إن اللحاح عليها كأنها المسار الوحيد والخيار الفذ ّ أوجد خلل لدى
المتعرضين لهذا الخطاب ،ووجههم إلى مزيد من الجرأة على الحرام مع
التأكد من مغفرة الله لهم ،وكذلك من تركيز بعض الدعاة الجدد على مسألة
أعمال القلوب وأهميتها والتقليل من شأن أعمال الجوارح والسلوكيات
والخلق.
ومن المآخذ أيضا ً على هؤلء الدعاة الجدد هو محاولة تطبيق المور الدارية
والدورات على القضايا الشرعية .فنحن ل نحّرم ول نمنع من الدورات الدارية
وغيرها من الدورات النافعة والتي تخلو من المحاذير الشرعية ،لكن ل يلزم
من هذه الدورات أنها تتطابق مع القضايا والحكام الشرعية في كل شيء،
لن معظمها مأخوذة من تجارب الغرب وغيرهم ،وهم قد يغيروها أو ينقضوها
بغيرها بعد زمن .فالمبالغة في هذه القضايا مع ضعف في العلم الشرعي من
بعض الدعاة الجدد هو الذي يوقع في المحذور.
ثم هذا التضخيم في قضية الحوار مع الخر ،نحن ل ننكر الحوار ،لكن لبد
للحوار أن يصل إلى نتيجة ،لكن هؤلء يريدون الحوار أن يكون غاية ،الحوار
من أجل الحوار ،بحيث ينتهي إلى أن الزنديق له رأيه ،والمسلم له رأيه،
الرافضي له رأيه ،والسني له رأيه.
لم يكن لدى العلماء المسلمين سابقا ً في التعامل مع الديان إل الدعوة أو
الجهاد بحسب الشروط الموضوعية والحوال المتغيرة في التعامل مع أهل
الديان المختلفة التي واجهوها ،ولم يكن هناك ثمة رأي يرى الحوار مع
الديان لتحقيق مصالح مشتركة مع الهمال الكامل للدعوة وإقامة الحجة
وبيان الحق وإبطال الشرك.
والصل الشرعي في الحوار مع أهل الديان ,الدعوة إلى الله وبيان الحق
َ ورد الباطل بالدلة الصحيحة ،قال الله تعالى) :وم َ
عا إ ِلى
ن دَ َ
م ْم ّن قَوْل ً ِس ُ ح َنأ ْ َ َ ْ
سِبيِلي
ل هَذِهِ َ مين( ،وقال تعالى) :قُ ْ سل ِ ِم ْ ن ال ْ ُم َ صاِلحا ً وََقا َ
ل إ ِن ِّني ِ ل َ الل ّهِ وَعَ ِ
م َ
َ َ أ َد ْ ُ
ن
م َما أَنا ِ ن الل ّهِ وَ َحا َسب ْ َ
ن ات ّب َعَِني وَ ُ م ِ صيَرةٍ أَنا وَ َ عو إ َِلى الل ّهِ عََلى ب َ ِ
كين( .وهذا الصل الشرعي مأخوذ ٌ من بيان الله تعالى لدعوة الرسل شرِ ِ م ْال ْ ُ
الكرام لقوامهم ,وقد كان أقوامهم على أديان مختلفة ومتباينة ،يقول تعالى:
جت َن ُِبوا ال ّ َ قد بعث ْنا في ك ُ ّ ُ
غوت( ومن خلل طا ُ ه َوا ْ دوا الل ّ َ ن اعْب ُ ُ سول ً أ ِ مةٍ َر ُ لأ ّ )وَل َ َ ْ َ َ َ ِ
تتبع اليات والحاديث المبينة لحوار النبياء والرسل مع أقوامهم ,نجد أنها
دعوة وبيان للحق وكشف للباطل وبيان لضرره في الدنيا والخرة ،ولم نجد
شيئا ً يدل على محاولة القرب من الديان أو العمل معهم في القضايا
المشتركة والبعد عن نقاط الخلف ,ل سيما العقائد كما هو حال أكثر
مؤتمرات الحوار اليوم ،بل نجد محاولة من المشركين للتقارب معهم ،ولكنه
ُترفض من النبياء الكرام كما حدث في عرض كفار قريش التقارب من
السلم حيث قالوا :يا محمد هلم فلنعبد ما تعبد ,وتعبد ما نعبد ،فنشترك نحن
وأنت في المر ،فنـزلت سورة الكافرون .فليس في المنهج الرباني تحاور مع
الديان بمعنى التقارب فضل ً عن الوحدة ,بل هو دعوة ومجادلة وبيان للحق،
لن الحوار من أجل الحوار يؤدي إلى تمييع مسائل الولء والبراء كما هو
حاصل الن.
قال الشيخ المام العلمة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى" :وكنا
قبل هذا الوقت نقول :ل حاجة لقراءة الجهاد لنه ل يوجد جهاد ،ول لقراءة
أحكام أهل الذمة لنهم غير موجودين عندنا .أما الن فل بد لطلبة العلم من
أن يقرؤوا ويحققوا أحكام الجهاد وأحكام أهل الذمة وسائر الكفار لنه في
هذا الوقت انفتحت جبهات للجهاد ولله الحمد في سبيل الله ،وأما الكفار فقد
ابتلينا بهم وكثروا بيننا ل كّثرهم الله فالواجب أن نعرف كيف نعامل هؤلء
الكفار" .أهـ].[1
وبمناسبة الحديث عن الحوار مع أهل الديان فإن من أكبر دعاة التقريب بين
الديان روجيه جارودي ،أشيع نبأ إسلمه عام 1402هـ ،يقول جارودي" :إنني
عندما أعلنت إسلمي لم أكن أعتقد بأني أتخلى عن مسيحيتي ول عن
ماركسيتي ول أهتم بأن يبدو هذا متناقضا ً أومبتدعًا" .ويقول" :هذا النضال هو
نضال كل أصحاب العقيدة ،أوالمؤمنين بعقيدة ،مهما يكن نوع إيمانهم ول
يهمني ما يقوله النسان عن عقيدته :أنا مسلم أو :أنا مسيحي أو :أنا يهودي
أو :أنا هندوسي" .وبعدما انتشرت عنه مثل هذه العبارات قيل إنه ارتد عن
السلم! فقال حينها سماحة المام العلمة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه
الله تعالى" :ل يحكم عليه بأنه مرتد عن دين السلم كما توهمه بعضهم،
وإنما هو كافر أصلي لم يدخل في السلم"].[2
إن من أهم أسباب ظهور التدين الجديد هي تلك الحرب العلمية والدعائية
التي مورست ضد التدين الصيل في الصحوة ،والذي يحتكم إلى الكتاب
والسنة وفهم الصحابة والقرون المفضلة الولى في اليمان والتباع ،وهو
المسمى بالتوجه السلفي! وهو ما شكل حاجزا ً نفسيا ً بين الناس وبين هذا
الشكل من أشكال التدين المعروضة على الساحة! إضافة إلى ذلك
السياسات التي تتبناها بعض الدول لتضيق الخناق بها على المتدينين عمومًا،
وتحرمهم من ممارسة حقوقهم الخاصة حتى في ظل النظمة الديموقراطية
زورًا! تدفع بالبعض إلى البحث عن رخص الفتاوى في مقابلة البطش
والتعذيب الذي قد تتعرض له.
إن الجماهير مّيالة بطبعها إلى تدين غير باهض التكاليف ،وما توجيه موسى
عليه الصلة والسلم للرسول صلى الله عليه وسلم في قصة المعراج
والسراء ليطالب ربه بالتخفيف في شأن الصلة ،نظرا ً لما قد عالج من بني
إسرائيل ،إل دليل على ذلك .وإذا أضفنا إلى هذه الطبيعة الخوف على
المصالح والمتع الدنيوية والميول إلى الترف والشهوات فإن المر يكون آكد
وتبقى هذه الجماهير تبحث عمن يسهل عليها التكاليف والتبعات.
إن بنو "ليبرال" كما يسميهم البعض ،لم يستطيعوا أن يجاهروا بمحاربة الدين
وروا مسمى الدين صراحة حتى ل تنكشف مخططاتهم ،ولكنهم ح ّ
بالخصوصية ،فوجدوا أن مهاجمتهم لخصوصية المجتمع بقصد مهاجمة الدين
هو أخف وطأة رغم أن هدفهم واحد .ولريب أنه ل يغيب عن ذهن فطين ُ
كنه
مقاصد هؤلء ،فهم يحاولون شرعنة بعض المحظورات من خلل المقارنة
المجحفة ،فالختلط المباشر بين الجنسين الذين ل يقره الدين وتأباه كل
أعراف وعادات وتقاليد المجتمع ،يحاولون إضفاء البراءة على ذلك من خلل
المقارنة بالختلط في المسجد الحرام ،رغم أن هذا الختلط المحفوف بغاية
العبادة والتقرب إلى الله يخلو من الهواء والمطامع الشهوانية في هذه
مطهرة التي ل ُتخالج النفوس فيها نوازع الشيطان ومغرياتالبقعة ال ُ
الختلء ،وليس كالختلط الذي يحاولون شرعنته بأماكن قد تخلو فيها نوازع
مراقبة النفس لربها .والحجاب تتم محاربتة من قبل هؤلء وأنه يتم فرضه
على المرأة من قبل ولي أمرها وليس بتوجيه رباني.
لم يبق شئ يتعلق بالدين إل وتطرق إليه اليبراليون وكأنهم عندما يحاربون
الدين بقناع الخصوصية يرفعون الحصانة بذلك عن المحظورات التي
دعون بحرية الرأي والرأي الخر يرتكبونها .والشد غرابة في هؤلء أنهم ي ّ
والحياد ،وهم أبعد ما يكونون عنه ،فواقعهم يشهد بذلك ،فهم عندما يتحدثون
في وسائلهم العلمية يصادرون كل الراء التي ل تتلئم مع توجهاتهم.
يهاجمون الثوابت بل أدلة ،ويصادرون الحقائق بما فيها من أدلة .إنه بل شك
هوى النفس المارة بالسوء.
ل على ل ما هو دخي ٌ حياز التام وغير المبرر إلى ك ّب الليبرالي بالن ْ ِ اّتسم الخطا ُ
ن المجتمعث في نتاجاتهم الفكرّية :أ ّ ت الحتجاجات التي تنب ّ ح ِ ض َالمجتمع ،فأ ْ
ن التغيير ،ول صورته الجتماعّية والثقافية الحاضرة ،ولبد ّ م َ غير لئق في ُ
ت
شْرع التي جاء ِ س الّتراث الجتماعي ،وتهميش ضوابط ال ّ َ
يكون ذلك إل ّ ب ِط ْ
م ِ
مَتواِفقة معها. ف ُ
العرا ُ
ت لدى ُدعاة الت ّّيار الّليبرالي ،هي نفس رؤية
ؤية التي تشك ّل َ ْن هذه الّر ْ إ ّ
معات الغربّية لنا ،لذا فدعاة التغريب الليبراليون استعاروا مرآة الخر مجت َ َال ُ
لينظروا فيها ،فأصبحوا غير قادرين على رؤية الُهوّية الصحيحة للمجتمع ،بعد
مجتمعهم عيهم في هذا المنظار ،فهم يرون ما يراه الخر عن ُ حبس و ْ أن ُ
الذي خرجوا منه.
سب مع ما جملة المفاهيم والفكار والثقافات التي توجه حركة المجتمع ل ت ََتنا َ ُ
شه المجتمعُ في ي الذي يعي ُعي الجتماع َ ن الوَ ْ
جاء به الت ّّيار الليبرالي ،حيث إ ّ
ق ُ ُ
ن الطر والمفاهيم السلمية ،وهذا أكبر عائ ٍ اللحظة الراهنة ل يخرج ع ِ
َ
عي هو المخطط الجديد لذلك ف الوَ ْ يواجه الفراخ الليبراليين ،لذا كان تزيي ُ
التيار ،وهو تزييف المفاهيم لدى المجتمع التي َيبِني عليها رؤيته للمستقبل
دينّية ،حيث إّنها ل تتواَفق مع صوص ال ّ ث مفاهيم ضرورة تمييع الن ّ ُ من خلل ب َ ّ
لع ،وك ّقَيم التي َترّبى عليها المجتم ُ صر ،والتخّلي عن العراف وال ِ الواقع المعا ِ
كبة العاَلم الخارجي، موا َ
دم ،وضرورة التغيير ،و ُ ذلك تحت شعار النهضة والتق ّ
والُبعد عن النغلق.
هم يستطيعون أن يخدعوا بعض أفراد المجتمع في بعض الوقات ،لكن ل
كر الجتماعي ن التن ّ ل الوقات ،ل ّ يستطيعون أن يخدعوا المجتمع كله في ك ّ
غربة ،وإن كانوا يعيشون وسط هذا لهم ظاهر ،وهم الن يعيشون في ُ
ن مطالباتهم غير المقبولة باتت مكشوفة أمام المجتمع، المجتمع ،حيث إ ّ
سيما أنهم ُوضعوا في قفص التهام ،وهذا هو الذي سيجهض حركتهم التي
من رحم الحلم بأنهم سيكونون شيًئا. خض ِم ّ
ت َت َ َ
إن المعركة قائمة معهم إلى قيام الساعة ،والبشرية اليوم تتخبط في
عمايات لن ينجيها منها إل الهداية إلى السلم ،وقد جربت نظريات وتصورات
ل ،وبدأ كثير من للكون والحياة ومناهج مختلفة فلم يزدها ذلك إل حيرة وضل ً
الناس في الرض يرمون بأبصارهم نحو السلم ،بعضها ينظر إليه باعتبار أنه
العقيدة المؤهلة لتسود العالم أجمع في المرحلة المتبقية من عمر الدنيا،
والبعض الخر يراه المنافس القوى لدينه ومبادئه فتحمله عقيدته ومصالحه
الخاصة على الدس والتشويه والطعن في السلم وأهله وافتعال المعارك
وتأجيج رحى الحرب على كافة المستويات كما هي عادة أئمة الكفر ،وتبقى
شرائح كبيرة من الناس في العالم تائهة ضالة ل إلى هؤلء ول إلى هؤلء.
أفيتركون كل ً مباحا ً لدعاة التقريب بين الديان؟ أم يتركون هنيئا ً مريئا ً للدعاة
الجدد من العصرانيين والتنويريين؟.
لقد استجابت أمة السلم لنداء القرآن في القرون المفضلة فاهتّز العالم
والوجود بحركتها ،حمل أسلفنا في تلك القرون لواء السلم بصدق وإخلص
فعمروا الكون وأخرجوا العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ،فأضاء
م منا اللواء في مواطن دون نور أمة السلم في تاريخ الوجود ،ثم َترك أقوا ٌ
مواطن ومشاهد دون مشاهد وأزمان دون أزمان ورجال دون رجال ،كان مّنا
الظالم لنفسه ،وكان مّنا المقتصد ،وكان مّنا السابق بالخيرات ،ول زلنا نعتقد
ونؤمن أننا خير أمة أخرجت للناس ،وعندنا من الخيرية والصطفاء على أهل
الرض ما يجعلنا ُنخرج العالم من ضيق الدنيا إلى سعتها ،ومن رق الهوى إلى
رحاب عبودية الله ،ونرفع راية أنوار النبوة وأعلمها ل مشعل النار وحرياته
المزعومة!.
ولن يصل المسلمون إلى النصر والتمكين إل بفيئتهم للكتاب والسنة بفهم
ل ،وكفى بهم تربصا ً وتلفتا ً تارةً في الشرق وأخرى السلف الصالح علما ً وعم ً
ن عزموا
ن الله غفور رحيم ،وإ ْ ن فاءوا فإ ّ
في الغرب ،فهم نقاوة العالم ،فإ ْ
ن الله سميع عليم ،وسيظل باب التوبة مفتوحا ً ل يؤصد إلى أن الطلق فإ ّ
تطلع الشمس من مغربها.
ن الواجب في مثل هذه الزمان على من أعطاه الله هدىً وتوفيقا ً وعلما ً إ ّ
وبصيرة ً أن يوصل ما خوله الله من نعمته إلى من به إليه حاجة من البشر،
حقّ على علماء أمة السلم ودعاتها ومثقفيها المخلصين أن يتهيأوا لقيادة و َ
العالم كل وما يستطيع ،ول تهولنهم الراجيف فـ"المسلمون في مشارقٌ
الرض ومغاربها قلوبهم واحدة ،موالية لله ولرسوله ولعباده المؤمنين ،معادية
لعداء الله ورسوله وأعداء عباده المؤمنين ،وقلوبهم الصادقة وأدعيتهم
الصالحة هي العسكر الذي ل يغلب ،والجند الذي ل يخذل ،فإنهم هم الطائفة
المنصورة إلى يوم القيامة"] .[3فالسعيد من كان له في ذلك حظ ونصيب،
ولن يهدي الله بك رجل ً واحدا ً خير لك من حمر النعم.