You are on page 1of 11

‫إن الدين عند الله السلم‬

‫د‪ .‬ناصر بن محمد الحمد‬

‫إن السلم هو الدين الحق‪ ،‬الذي يكلف الله به الخلق‪ ،‬ول يقبل منهم سواه‪،‬‬
‫عند َ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬‫ن ال ّ‬ ‫إذ ما عداه من الدين باطل وضلل‪ ،‬كما قال تعالى‪) :‬إ ّ‬
‫ه وَهُوَ ِفي‬ ‫من ْ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫سلم ِ ِديًنا فََلن ي ُ ْ‬
‫قب َ َ‬ ‫من ي َب ْت َِغ غَي َْر ال ْ‬
‫سلم( وقال تعالى‪) :‬وَ َ‬ ‫ال ْ‬
‫رين(‪ ،‬وهذا من حقائق الدين الواضحة الجلية التي يؤمن‬ ‫س ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫خا ِ‬ ‫م َ‬
‫خَرةِ ِ‬‫ال ِ‬
‫ً‬
‫بها كل من شهد أن ل إله إل الله وأن محمدا رسول الله‪ ،‬بل إن هذه‬
‫الحقيقة اكتسبت أنصارا ً ومؤيدين من رجالت العلم والمعرفة والتعقل من‬
‫أصحاب الديانات المخالفة للسلم‪ ،‬ممن أطلقوا عقولهم من عقال التقليد‬
‫والتعصب‪ ،‬فجذبتهم إليها عندما رأوا أن معارفهم وعلومهم التي أفنوا شطرا ً‬
‫كبيرا ً من حياتهم للوصول إليها‪ ،‬توافق ما يقرره هذا الدين من حقائق‬
‫وقواعد‪ ،‬لذلك أقبل الكثير منهم على الدخول تحت لواء هذا الدين‪ ،‬ورغم‬
‫هذه المكاسب والختراقات التي يحققها السلم على صعيد النخبة العقلية‬
‫والعلمية‪ ،‬فإن المسلمين يواجههم اليوم تحد ٍ كبير‪ ،‬ليس من قَِبل أعداء‬
‫السلم عن طريق إثارة الشكوك والشبهات‪ ،‬وإنما يكمن التحدي أيضا ً في‬
‫القرار بأن السلم هو دين الحق‪ ،‬ثم محاولة تفريغه بعد ذلك من مضمونه‬
‫الحقيقي في أذهان العامة الذين ل يستطيعون في كثير من الحيان التمييز‬
‫بين القشر واللباب‪ ،‬فيتحول السلم في وجدانهم إلى مظهر أجوف ل ثمرة‬
‫له عند البحث عن المضمون‪.‬‬
‫إن خطورة هذا التحدي ل تستمد من قوة الطرح ول من صدقيته‪ ،‬وإنما‬
‫تأتي الخطورة من كونه ُيطرح باسم الفهم الصحيح للسلم في ظل عصر‬
‫التقنيات والتصالت‪ ،‬ويقدمه مسلمون يظهرون في زي وسمت إسلمي‪.‬‬
‫نحن اليوم في هذه الفترة العصيبة من أوقات المسلمين أمام مرحلة‬
‫جديدة‪ ،‬مرحلة ما يمكن أن تسمى بمرحلة تسويق السلم الجديد‪ ،‬ففي‬
‫ظل الضعف الشديد الذي تعانيه أمة المسلمين على مختلف الصعدة‪ ،‬وفي‬
‫ظل سطوة الكافرين وظلمهم وطغيانهم بعدما حازوا أسباب القوة‪،‬‬
‫ور في نفوس‬ ‫خ َ‬ ‫ب الضعف وال َ‬ ‫وتفوقوا فيها على المسلمين واحتكروها‪ ،‬د َ ّ‬
‫ً‬
‫طائفة من المسلمين من الوجهاء‪ ،‬ومن بعض من يتعاطون شيئا من العلوم‬
‫الشرعية‪ ،‬فلم يروا مخرجا ً من ذلك إل عن طريق التقارب‪ ،‬مع ما أفرزته‬
‫الحضارة الغربية المادية التي ل تتعامل إل مع المحسوسات‪ ،‬والقبول بما‬
‫جاءت به وعدم معارضتها‪ .‬وفي ظل ذلك فقد بدأ العالم السلمي بعد‬
‫الصحوة القوية التي شهدها مع مطلع القرن الخامس عشر المتزامن مع‬
‫مطلع السبعينيات من القرن الميلدي المنصرم بدأ الن يتراجع إلى قريب‬
‫من الحالة التي كان عليها مع قرب نهاية القرن الثامن عشر عندما دهمته‬
‫قوى الستعمار بما لديها من تقدم مادي وعسكري‪ ،‬فرجع إلى نصوص‬
‫الشريعة يلوي أعناقها ويحرفها عبر دروب كثيرة من التأويلت الفجة التي ل‬
‫تستقيم من أجل إيجاد أرضية مشتركة بين ما دلت عليه الشريعة وبين ما‬
‫أتت به الحضارة الغازية‪ ،‬فبدأت تغزو أسماعنا الن كلمات مثل‪ :‬السلم‬
‫المدني‪ ،‬والسلم الديمقراطي‪ ،‬والسلم الليبرالي‪ ،‬ثم الحديث عن قيم‬
‫السلم التنويري‪ ،‬والنفتاح على الخر في المختلف الثقافي والديني‪،‬‬
‫والتعاون في سبيل المشترك النساني‪ ،‬وعدم نفي الخر أو تهميشه‪،‬‬
‫والتواصل بين المؤمنين في العالم‪ ،‬اليهود والنصارى والمسلمين في سبيل‬
‫خير النسانية‪ .‬والكثير الكثير من أمثال هذه الجمل والتعبيرات التي تتداخل‬
‫فيها اللفاظ والمعاني لنتاج خلطة متقنة فيها الكثير من المور والمسائل‬
‫والقضايا التي تخالف عقائد السلم وأحكامه‪ ،‬إضافة إلى القليل من الطلء‬
‫الذي يبدو وكأنه ينتمي إلى عناصر الدين الصحيح‪ ،‬حتى يبتلع المسلمون‬
‫دة‪ ،‬كما يحتال الصياد بحبة من القمح يوقع بها الطائر في‬ ‫الخلطة المع ّ‬
‫شراكه‪ ،‬فل يخرج منها إل إلى الذبح‪.‬‬
‫إن المعركة اليوم شديدة وقائمة على أشدها‪ ،‬وهي بكل أسف وأسى ل‬
‫يديرها العدو الكافر المعلن بكفره وعداوته فحسب‪ ،‬وإنما يديرها مسلمون‬
‫من جلدتنا‪ ،‬ويتكلمون بألسنتنا‪ ،‬ويحتجون بما نحتج به من القرآن والسنة‬
‫لكن على غير الوجه السليم والستدلل المستقيم‪ ،‬وقد بين لنا هذه‬
‫ة بن اليمان رضي الله عنه كما في صحيح البخاري‬ ‫الحقيقة الساطعة حذيف ُ‬
‫حيث يقول‪" :‬كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن‬
‫الخير‪ ،‬وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول الله! إّنا‬
‫كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير‪ ،‬فهل بعد هذا الخير من شر؟‬
‫خن‪ ،‬قلت‪:‬‬ ‫قال‪ :‬نعم! قلت‪ :‬وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال‪ :‬نعم! وفيه د َ َ‬
‫وما دخنه؟ قال‪ :‬قوم يهدون بغير هديي‪ ،‬تعرف منهم وتنكر‪ ،‬قلت‪ :‬فهل بعد‬
‫ذلك الخير من شر؟ قال‪ :‬نعم! دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها‬
‫قذفوه فيها‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول الله! صفهم لنا؟ فقال‪ :‬هم من جلدتنا‪،‬‬
‫ويتكلمون بألسنتنا"‪.‬‬
‫فالسلم الجديد الذي ُيرّوج له اليوم في الدوائر العلمية والرسمية يتكلم‬
‫دنا الله‬ ‫به ناس من جلدتنا‪ ،‬ويتحدثون عنه بلغتنا‪ ،‬وهو ليس السلم الذي تعب ّ َ‬
‫به ورضيه لنا‪ ،‬فليس هو إسلم السعي لنشر دعوة الله بين العالمين‪ ،‬لن‬
‫ذلك وفق الفهم العصري للسلم عدوان وهمجية تأباها النسانية المتمدنة‪،‬‬
‫وإنما هو إسلم التعاون والتآخي بين المسلمين واليهود والنصارى على‬
‫أساس أن المؤمنين إخوة‪ ،‬وليس هو إسلم الدفاع عن الحقوق والبلد‬
‫والعباد‪ ،‬لن ذلك إرهاب يهدد السلم العالمي‪ ،‬وإنما هو إسلم المحبة‬
‫والتصالح مع العداء من أجل أمن المجتمعات‪ ،‬والقرار بحق العداء في‬
‫العدوان على ديار المسلمين من أجل الحفاظ على أمنهم ومصالحهم‪ ،‬وحق‬
‫احتلل الراضي واقتطاع أجزاء منها تضمن لهم ذلك‪ ،‬وليس هو إسلم الولء‬
‫للمؤمنين والبراءة من الكافرين‪ ،‬وإنما هو إسلم بذل المحبة للجميع‪،‬‬
‫للمسلم الصالح وللكافر المعاند‪ ،‬لن ذلك من قيم التحضر والتمدن التي‬
‫غابت عن المسلمين قرونا ً طويلة بسبب التأزم النفسي من الصراع مع غير‬
‫المسلمين‪ ،‬وليس هو السلم الذي يمنع الربا في المعاملت المالية‬
‫والقتصادية‪ ،‬لن ربا اليوم ليس كربا المس ربا الجاهلية القائم على‬
‫الجشع‪ ،‬وإنما ربا اليوم إنما يعمل على رفاهية المجتمعات وتحقيق التنمية‪،‬‬
‫وأن القتصاد ل يقوم إل به‪ ،‬وأن الدول ل تنهض إل عليه‪ ،‬وليس هو إسلم‬
‫التمسك والعتصام بالكتاب والسنة‪ ،‬وتقديم كلم الله وكلم رسوله على‬
‫مت يرفضه دين السماحة واليسر‪،‬‬ ‫دد وتز ّ‬ ‫قول كل أحد‪ ،‬لن هذا تن ّ‬
‫طع وتش ّ‬
‫خّير رسول الله بين أمرين إل اختار أيسرهما‪ ،‬ويتركون بقية الحديث‪:‬‬ ‫فما ُ‬
‫ً‬
‫"ما لم يكن حراما"‪ .‬وليس هو إسلم التزام المرأة بما حد ّ الله لها‪ ،‬لن هذا‬
‫يعبر عن النظرة الدونية للمرأة‪ ،‬والهيمنة الذكورية التي تغلب على ثقافة‬
‫المسلمين التي نشأت بسبب الموروثات البيئية‪ ،‬إضافة إلى عدم الثقة في‬
‫المرأة مما يحرم المجتمع من قدراتها العظيمة‪ ،‬وإنما هو السلم الذي ل‬
‫يمنع من تبرج المرأة وإظهارها لزينتها واختلطها بالرجال‪ ،‬ومشاركتها لهم‬
‫في كل مجالت العمل‪ ،‬ما دام الجميع محافظا ً على الداب العامة مع‬
‫الحترام المتبادل بين الطرفين‪ ،‬وليس هو إسلم الثبات الذي يظل الحرام‬
‫فيه حراما ً والحلل حلل ً والواجب واجبًا‪ ،‬لن هذا تحجر وجمود ول يراعي‬
‫خصوصيات الزمان والمكان والمستجدات العصرية‪ ،‬وإنما هو إسلم التطور‬
‫والمرونة ومجاراة العصر‪ ،‬حتى لو أدى ذلك للخروج على أحكامه المعلومة‪،‬‬
‫ما دام أن ذلك الخروج يحقق المصلحة‪ ،‬فالدين ما جاء إل لتحقيق المصالح‪.‬‬
‫وهكذا والقائمة طويلة‪.‬‬
‫ً‬
‫ولكن نقول‪ :‬إن السلم ليس نظرية علمية أو اكتشافا قابل ً للتغيير والتبديل‬
‫مع تطور النظريات العلمية أو تجدد الكتشافات‪ ،‬كما أنه ليس موضة من‬
‫الموضات التي تتغير وتتبدل بتغير أذواق الناس وأوضاعهم‪ ،‬بل إن هذا الدين‬
‫قد أكمله الله‪ ،‬وأتم به النعمة علينا‪ ،‬ورضيه لنا دينا ً )ال ْيو َ‬
‫م ِدين َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫م أك ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِديًنا(‪ ،‬فل ينبغي للمسلمين أن‬ ‫سل َ‬ ‫م ال ْ‬ ‫ُ‬
‫ت لك ُ‬‫ضي ُ‬
‫مِتي وََر ِ‬ ‫ت عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م ن ِعْ َ‬ ‫م ُ‬
‫م ْ‬
‫وَأت ْ َ‬
‫يضّيعوا نعمة الله التي حباهم بها‪ ،‬بل واجبهم أن يقدروا هذه النعمة حق‬
‫قدرها‪ ،‬ويعلموا أن ما لم يكن دينا ً على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫أو على عهد خلفائه الراشدين فليس اليوم دينًا‪ ،‬فما لم يعرفه أبو بكر‪ ،‬ول‬
‫عمر‪ ،‬ول عثمان‪ ،‬ول علي‪ ،‬ول السابقون الولون‪ ،‬ول أصحاب الشجرة‬
‫فليس من الدين‪.‬‬
‫إن قوة الهجمة التي يراد منها تغيير الدين ولو باسم تجديد الدين أو باسم‬
‫الدخول إلى عصر التقنيات الحديثة‪ ،‬أو باسم النفتاح على الخر‪ ،‬أو غير‬
‫ذلك من المسوغات ينبغي أن تقاَبل برد مكافئ في منتهى الوضوح بعيدا ً‬
‫عن التعميم والتداخل في اللفاظ والمناورات الكلمية‪ ،‬وتمييع القضايا‪،‬‬
‫ن فَي ُد ْهُِنون(‪ ،‬وأمر‬ ‫فالمر جد ل هزل فيه‪ ،‬وقد قال الله تعالى‪) :‬وَّدوا ل َوْ ت ُد ْهِ ُ‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم بالوضوح التام في القضايا المصيرية التي ل‬
‫دون(‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ل َيا أ َي َّها ال ْ َ‬
‫تحتمل إل وجها ً واحدا ً فقال له‪) :‬قُ ْ‬
‫ما ت َعْب ُ ُ‬
‫كافُِرون‪ ،‬ل أعْب ُد ُ َ‬
‫وقد حذرنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من هذا الصنف الذي‬
‫يعمل على إفساد الدين في جمل قاطعة وواضحة‪ ،‬فقال‪" :‬سيكون في آخر‬
‫أمتي أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ول آباؤكم‪ ،‬فإياكم وإياهم"‪ .‬رواه‬
‫مسلم‪ .‬وقد بّين الرسول صلى الله عليه وسلم أن هؤلء دجالون كذابون‪،‬‬
‫وحذر من الستجابة لهم‪ ،‬لن في ذلك الفتنة والضلل‪ ،‬فقال‪" :‬يكون في‬
‫آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الحاديث بما لم تسمعوا أنتم ول‬
‫آباؤكم‪ ،‬فإياكم وإياهم ل ُيضلونكم ول يفتنونكم"‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬
‫إن مهمة العلماء الراسخين في رد تلك الهجمة مهمة جليلة وعظيمة‪ ،‬وهذا‬
‫هو دورهم‪ ،‬ول يصلح أن ُتترك قيادة السفينة في بحر قد تلطمت أمواجه إل‬
‫للربان الخبير‪ ،‬فهل من مستجيب؟‪.‬‬
‫لقد كثر من يظهر على شاشات القنوات الفضائية‪ ،‬وعبر صفحات المجلت‬
‫اليومية‪ ،‬وكل يوم يظهر لنا شخص جديد‪ ،‬ممن هم في الحقيقة نكرات‪ ،‬لم‬
‫ُيعرفوا بعلم أو دعوة أو تأليف ولو لكتيب‪ ،‬فتفاجأ به ُيخرج لنا فتاوى ينقض‬
‫بها فتاوى كبار العلماء من السلف والخلف‪.‬‬

‫فوجئ المسلمون بالعديد من الفتاوى التي ل فائدة من ورائها سوى تغريب‬


‫المجتمعات وإفسادها‪ ،‬وما هي إل استجابة لضغوطات المؤسسات أو الهيئات‬
‫أو التوجهات المناوئة للسلم‪:‬‬
‫ظر إليهم على أنهم من العلماء‬ ‫صدمتنا الفتوى الموّقع عليها من عدد ممن ُين َ‬
‫التي تقول‪ :‬إنه يجوز للمسلم المريكي أو البريطاني ونحوه العامل في جيش‬
‫بلده أن يقاتل معهم إذا حدثت مواجهة عسكرية بين بلده وبين بلد إسلمي‬
‫ولو أدى ذلك لقتل إخوانه من المسلمين؛ وذلك إثباتا ً لولئه لبلده‪ ،‬فقدموا‬
‫الولء للوطن )ولو كان دار كفر( على الولء لله ورسوله والمؤمنين‪.‬‬

‫علمانية بأنه يحق لها أن تسن قانونا ً يمنع‬ ‫وفوجئنا بمن يفتي لدولة نصرانية َ‬
‫المسلمات من اللتزام بلباسهن الشرعي‪ ،‬وأن على المسلمات الخضوع‬
‫للقوانين التي تتدخل في حقوقهن الشرعية بالمنع‪ ،‬وأن من ل يروق لها ذلك‬
‫فعليها أن تهاجر من بلدها الذي هو موطنها وموطن آبائها وأجدادها‪ ،‬وليس لها‬
‫وطن غيره‪.‬‬
‫ي‪ ،‬وصدر بذلك‬ ‫استقرت الفتوى عقودا ً طويلة على أن فوائد البنوك ِربا ً جل ّ‬
‫فتاوى من عدد من المجامع الفقهية‪ ،‬حتى ظهر من يتبجح ويقول بحل الفوائد‬
‫وأنها ليست من الربا ويقول عن البنوك الربوية‪ :‬إنها أكثر التزاما ً بالشرع من‬
‫البنوك السلمية؛ مجّرئا ً بذلك المسلمين على أكل الحرام‪ ،‬ومثبتا ً للبنوك‬
‫الربوية على نهجها الخاطئ ووأدا ً لي بادرة لتوبة البنوك ورجوعها عن الربا‪.‬‬

‫ضع المرأة الموظفة زميلها في العمل حتى يكون‬


‫وجدنا من يفتي بجواز أن ُتر ِ‬
‫محرما ً لها للنجاة من عوار مشكلت الختلط‪ ،‬ولو طولب هذا المفتي أن‬
‫فه ذلك عن‬‫يبين لنا قول شراح الحديث في شرح الحديث الذي يستدل به لك ّ‬
‫كثير من قوله في هذه المسألة‪.‬‬

‫ثم وجدنا من يقول بجواز فك السحر بالسحر‪.‬‬

‫ل الختلط ويجهد نفسه في البحث‬‫ح ّ‬


‫ووجدنا بعد ذلك من يتطوع بالفتاء ب ِ‬
‫والتنقيب عما يمكن أن يستدل به لرأيه حتى جاء من ذلك بما يعجب منه‬
‫المرء غاية العجب‪.‬‬
‫ل الغاني حتى ما كان منها مصحوبا ً‬
‫ح ّ‬
‫ومنذ وقت قريب وجدنا من يقول ب ِ‬
‫طئ جمهور أهل العلم القائلين بعكس ذلك‪.‬‬‫باللت‪ ،‬ويخ ّ‬

‫ل بها لجرفت المجتمع بعيدا ً عن دائرة‬


‫م َ‬
‫فهذه عّينة من الفتاوى التي لو عُ ِ‬
‫السداد وأدخلته في دوائر متعددة من النحراف‪.‬‬

‫وأصبح مجتمعا ً تزيغ فيه العقائد؛ حيث الذهاب للسحرة والستعانة بهم‪،‬‬
‫دم الولء للتراب على الولء‬ ‫مجتمعا ً تضيع فيه معاني الولء والبراء؛ حيث ُيق ّ‬
‫للعقيدة‪ ،‬وُيتعّيش من المال الحرام؛ إذ يشيع التعامل بالربا‪ ،‬وتفسد الخلق؛‬
‫إذ يشيع الختلط‪ ،‬وتضيع معاني الرجولة؛ حيث الستماع للغاني المصحوبة‬
‫بآلت الطرب‪ ،‬وغير ذلك مما يترتب على تلك الفتاوى؛ فلو تصورنا المجتمع‬
‫وقد وصل إلى تلك الحالة جراء تلك الفتاوى ل َب َعُد َ علينا تصور أن ذلك المجتمع‬
‫ينتمي إلى المنظومة السلمية‪.‬‬

‫ض من يفتي هنا أحق بالسجن‬ ‫ورحم الله ربيعة شيخ مالك حينما قال‪» :‬ل ََبع ُ‬
‫جر على المفتي الماجن‪،‬‬
‫ح ْ‬
‫من السراق«‪ ،‬ورحم الله الحنفية عندما أفتوا بال َ‬
‫وقالوا‪ :‬هو أحق بالحجر من الذي يمارس الطب وليس بطبيب‪ ،‬فإذا كان من‬
‫ت حقيقة‬
‫يتطبب وهو ليس بطبيب يفسد البدان‪ ،‬فإن من يفتي وهو ليس بمف ٍ‬
‫فإنه يفسد الديان‪.‬‬

‫فالمسؤولية عظيمة وكبيرة على العلماء وطلب العلم‪ ،‬ول يسعهم السكوت‬
‫والمجاملة لفلن وعلن‪ ،‬بل يجب عليهم اليضاح والبيان بكل أنواع البيان‪،‬‬
‫بالكلمة المقروئة والمسموعة والمرئية‪ ،‬ول مانع من التكرار بل هو‬
‫الواجب‪ ،‬كلما نعق ناعق بمثل هذه القضايا أن يرد عليه مباشرة وأن يبين‬
‫حكم الله عز وجل للناس في مثل هذه المسائل‪.‬‬

‫وأهل العلم يمكرون‪ ،‬يتبنون قضية من القضايا ويعملون على إثارتها خاصة‬
‫ما يتعلق منها بالشريعة‪ ،‬أو قال فيها علماء الشريعة بكلم يصادم أهواء أهل‬
‫العلم‪ ,‬فيستغل العلميون وبعض المنافقين غفلة بعض المحسوبين على‬
‫الخير‪ ,‬ليتصدر الصفحات‪ ,‬أو َيخرج في الشاشات فيقول بما يوافق أهواء‬
‫م عائم ٍ يستغلونه أبشع استغلل‪,‬‬
‫المنافقين‪ ,‬أو يستنطقه بعضهم بكلم عا ّ‬
‫فل‬‫ويعزفون به على وتر التشكيك والفتنة‪ ,‬حتى إذا دهم الناس ذلك المستغ َ‬
‫واستنكروا قوله وفعله قال‪ :‬فهمتوني غلط‪ ،‬أو أنا ما أقصد هذا‪ .‬فياسبحان‬
‫الله العظيم! كيف لم تقصد هذا وأنت قلت فيه بما يوافق أهواء المنافقين؟‬
‫ومن الذي ألجألك لن تقول بهذا القول وقد كنت في غنية عن البوح به؟‬
‫ولماذا اتهمت أفهام الناس ولم تتهم نفسك؟ أما كان يسعك السكوت حين‬
‫ما بمكر القوم وخداعهم؟ وحين انبريت للحديث لماذا لم تقل ما‬ ‫لم تكن مل ّ‬
‫تدين الله به بصراحة حتى ل يختلط ما تعتقده بما ند ّ عن لسانك من‬
‫هفوات؟‪.‬‬

‫وفي خضم هذه القفزات التغفيلية هل سنرى من يتحفنا بجواز ضرب‬


‫ف"‪ ,‬أخذا ً بقول بعض الظاهرية؟ أو بقول من يبيح‬‫الوالدين وحرمة قول "أ ّ‬
‫للخاطب النظر إلى المخطوبة عريانة؟ أو غير ذلك من المسائل الشاذة التي‬
‫قد ل تخلو منها بعض كتب السادة الفقهاء في جميع المذاهب!‪ .‬ل أدري ما‬
‫سر تهافت بعض المحسوبين على الخير ومسارعتهم للخذ بالشذوذات‬
‫وكأنهم يبشرون الناس بها ويتحمسون لها وكأنها المنقذ من الهلكات‪,‬‬
‫والعاصم من القواصم‪ ,‬والباعث من ركام التخلف والتبعية‪ ,‬كالقول بسماع‬
‫الغناء‪ ,‬أو الختلط‪ ,‬أو قيادة المرأة‪ ,‬أو إرضاع الكبير‪ ,‬أو حل السحر بالسحر‪,‬‬
‫أوعدم وجوب صلة الجماعة‪ ،‬أو نحو ذلك‪ ,‬مع أن تلك القوال ل تعدو أن‬
‫تكون أقوال باعثة على الزدراء‪ ,‬أو آراء موصلة إلى فتنة‪ ,‬أو مذاهب تخالف‬
‫عمل المسلمين الذي تلقوه عن الثقات الثبات‪.‬‬

‫أحد مدعي هذه الفتاوى‪ ,‬صرح أن الذي دفعه للبحث في تلك المسألة جلسة‬
‫ضمته مع بعض سفهاء العلم‪ ,‬فتمخض عن تلك الجلسة بحث خالف فيه‬
‫ة‬
‫عامة علماء المة‪ ,‬فكانت بهيمة النعام أزكى نتاجا منه‪ ،‬وهذا إنما أنتج فتن ً‬
‫وفسادًا‪ ,‬وقول ً خداجًا‪ ,‬ولم يكفه ذلك بل صار يصم من خالفه الرأي بالجهل‬
‫واتباع الهوى عياذا بالله من الضلل وسوء الحال‪.‬‬

‫نحن اليوم في عالم طغت ظلمات الفتن فيه على معالم السنن‪ ،‬وغطى‬
‫دخان الحرائق على الحقائق‪ ،‬فتعسرت الرؤية‪ ،‬وتداخل الحق بالباطل‪،‬‬
‫وتشابهت طرائق السير على السائرين‪ ،‬واختّلت الموازين لدى كثير من‬
‫الناس‪ ،‬بفعل سحرة العصر وكهانة الك ُّبار‪ ،‬من رموز السلم العصراني‬
‫مَرد َةِ الخراج والتصوير‪ ،‬حيث صار للدين‬ ‫التنويريين‪ ،‬ومن شياطين العلم و َ‬
‫َ‬
‫صورة كاريكاتورية مرعبة في مخيلة كثير من المستلبين‪ ،‬وجموع التائهين‬
‫ك بعض مشايخ‬ ‫ة سلو ُ‬ ‫من المسلمين المتغربين‪ .‬وزاد في ذلك بشاع ً‬
‫الفضائيات‪ ،‬وخطاُبهم اللين دائما ً وفي كل شيء وفي كل مسألة‪ ،‬رغبة‬
‫التنفيس عن المعاناة واللم اللذين يعتصران قلب المؤمن في هذا الزمان‬
‫جّراء الظلم والظلمات التي تجتاح هذا العالم الجديد‪ ،‬فكان تدّين بعضهم‬
‫إلى النحراف أقرب منه إلى العتدال في السلوك والعتقاد‪ ،‬فساعدوا‬
‫أبالسة العلم على صناعة الصورة المخيفة للسلم والمسلمين‪ ،‬وبدأت‬
‫تؤثر بالفعل على كثير من شرائح المجتمع‪ ،‬ولقد وجدنا شرائح من هؤلء‬
‫أيضا ً ممن ضاعت منهم هويتهم أو ماتت‪.‬‬
‫ل شك أن من واجبات الدعوة إلى الله أن ينهض أهل الفضل والعلم بإنجاز‬
‫شتى ضروب البيان‪ ،‬مما يحتاج إليه إنسان هذا الزمان الذي وقع ضحية‬
‫التغريب والتخريب في السلوك والعتقاد‪ ،‬ووقع أسيرا ً بالشبكة التي نصبها‬
‫َ‬ ‫ما أ َل ْ َ‬
‫س‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫حُروا أعْي ُ َ‬ ‫س َ‬ ‫وا َ‬ ‫ق ْ‬ ‫حَرة ُ الفضائيات )فَل َ ّ‬ ‫س َ‬
‫ة العلم‪ ،‬و َ‬ ‫ك َهَن َ ُ‬
‫ة‬
‫ظيم(‪ .‬وما أحسب هذا ببعيد عن معنى "فتن ِ‬ ‫حرٍ عَ ِ‬ ‫س ْ‬‫جاُءوا ب ِ ِ‬
‫م وَ َ‬
‫ست َْرهَُبوهُ ْ‬ ‫َوا ْ‬
‫طر" المذكورة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬الذي راه‬ ‫ق ْ‬ ‫ال َ‬
‫ن الن ِّبي‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ة بن زيد رضي الله عنه‪ ،‬أ ّ‬ ‫م ُ‬ ‫سا َ‬ ‫البخاري في صحيحه‪ ،‬فيما رواه أ َ‬
‫ُ‬ ‫صلى الله عليه وسلم أ َ ْ‬
‫ل‪" :‬هَ ْ‬
‫ل‬ ‫م َقا َ‬ ‫ة‪ .‬ث ُ ّ‬‫دين َ ِ‬‫م ِ‬ ‫طام ِ ال ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف عََلى أط ُم ٍ ِ‬ ‫شَر َ‬
‫ق ْ‬ ‫واقِِع ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫طر!"‪.‬‬ ‫م َ‬‫م‪ ،‬ك َ َ‬ ‫ل ب ُُيوت ِك ُ ْ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫فت َ ِ‬‫واقِعَ ال ْ ِ‬
‫م َ‬
‫ما أَرى؟ إ ِّني لَرى َ‬ ‫ن َ‬ ‫ت ََروْ َ‬
‫إن هذا التوجه وهو ما يسمى بالسلم التنويري والذي بدأ ينتشر في‬
‫مجتمعات المسلمين‪ ،‬بل وفي مجتمع كمجتمعنا الذي ظل مدة طويلة من‬
‫الزمن متماسك البنيان‪ ،‬ومحط أنظار العالم السلمي في العلم والتعليم‬
‫والفتوى‪ ،‬بدأ هذا التيار ولكل أسف يقدم خدمة مجانية للتيار العلماني‬
‫والليبرالي علم أو لم يعلم‪.‬‬
‫والشاهد هو أنه ما أن ُيظِهر أحد هؤلء الشخاص كلمة أو فتوى أو مقال‬
‫يوافق هوى التيار الليبرالي إل وتلقفته الصحف بالمقابلت وتلقفته القنوات‬
‫بالحوارات‪ .‬أين أنت من هذا الظهور العلمي قبل شذوذاتك الخيرة؟ بل‬
‫أين أنت من الساحة الدعوية بدرس أو محاضرة أو شرح كتاب تنفع به‬
‫الناس لو كنت من أهل العلم والفتوى؟‪.‬‬
‫هناك من شياطين النس والجن في كل زمان ومكان ومجتمع من يحاول‬
‫أن يحرف توجه الناس من التدين إلى مسار مخالف أو منحرف‪ ،‬مع كونه‬
‫يبدو في مظهره أنه المسار الصحيح‪ ،‬وأغلب انحرافات المم عن التدين‬
‫إنما وقعت في بداياتها الولى بشيء يسير من المخالفات التي لبست‬
‫م ما لبثت أن صارت طرقا ً‬ ‫عليهم الشياطين فيها ليصبغوها بصبغة التدين‪ ،‬ث ّ‬
‫مضاهية للدين‪ ،‬ولكل طريقة أشياع‪ ،‬ولكل شيعة مطاع!‪.‬‬
‫ظهر في الفترة الخيرة من العقد الماضي دعاة استطاعوا أن ينتقلوا‬
‫بالفكار الدعوية والتربوية إلى مدارات جديدة ومختلفة‪ ،‬ومنها إعادة عرض‬
‫الفكار الدعوية بشكل جديد‪ ،‬معتمدين على تقنيات حديثة وأساليب‬
‫مّيعوا الدين‪ ،‬وأباحوا كثيرا ً من المسائل‬ ‫مستحدثة‪ ،‬لكنهم في الوقت نفسه َ‬
‫التي توارث الناس حرمتها‪ ،‬ونشروا ثقافة التسامح مع الكفار فضل عن‬
‫المبتدعة‪ ،‬وهو تسامح يتجاوز الثوابت الشرعية في تأصيل الرؤية تجاههم‬
‫وإبداء المواقف إزاء أعمالهم والتعامل معهم! يسيرون في مسعى توفيقي‬
‫بين السلم والواقع الذي تعيشه الشريحة المخاطبة‪.‬‬
‫إن هذا النوع من الدعوة يشبه في ذلك اتجاه بعض الكنائس في أمريكا والتي‬
‫يتبعها الغنياء في الساس‪ ،‬لنه يمكنهم في ظلها الجمع ببساطة بين اليمان‬
‫والثروة‪ ،‬وهذا ما يفعله الدعاة الجدد‪ ،‬مما جعل الغنياء يشعرون بالرضا عن‬
‫ثرواتهم‪ .‬إن هدفهم الرئيس هو تصحيح القيم الخلقية لدى الفراد فيما‬
‫يتعلق بسلوكياتهم اليومية‪ ،‬وليس لدى هؤلء من مشروع سوى رفع المستوى‬
‫الخلقي لدى الشباب المنفتحين على الحداثة والتغريب‪ ،‬من خلل خطاب‬
‫ديني يحمل قيم تحقيق الذات على النمط الليبرالي الجديد‪ :‬الطموح‪،‬‬
‫والثروة‪ ،‬والنجاح‪ ،‬والمثابرة في العمل‪ ،‬والفاعلية‪ ،‬والهتمام بالذات‪ ،‬وصناعة‬
‫الحياة‪ ،‬والتنمية‪ ،‬ونحوها‪.‬‬

‫إن البداية تكون بفتاوى تيسر على الناس وترخص لهم في بعض المسائل‪،‬‬
‫وشيئا ً فشيئا ً يتولد عند هؤلء التباع فقه مبني على تتبع القوال والجتهادات‬
‫الموافقة للهوى‪ ،‬وإذا كانت إرادة الفقيه من التيسير تقريب الناس من الدين‬
‫وتحبيبه إليهم فإن النتيجة تكون بابا ً يخرج منه الناس من الدين وهم يحسبون‬
‫أنهم يحسنون صنعًا!‪ .‬وهذه الفتاوى تستند في غالبها إلى دليل شرعي أو‬
‫قاعدة شرعية أو قول سابق‪ ،‬وصادرة عن أشخاص منتسبين للفقه‪ ،‬لكنها في‬
‫الحقيقة فتاوى تأخذ بالقوال الشاذة والدلة الضعيفة أو المرجوحة‪ ،‬وَتفترض‬
‫في بيئة المستفتي أنها محافظة سليمة من الفتن! وتشكل عند الجمهور‬
‫المتساهل منهجا ً مبيحا ً للمحرمات التي هي دون الكبائر المعدودة على أصابع‬
‫اليدين! ويقابل هذه الفتاوى المتساهلة إلحاح الدعاة الجدد على الرجاء‬
‫ورحمة الله وغفران الذنوب مهما كانت‪ ،‬وهي مساحة ل شك فيها ول إنكار‬
‫لها‪ ،‬إن اللحاح عليها كأنها المسار الوحيد والخيار الفذ ّ أوجد خلل لدى‬
‫المتعرضين لهذا الخطاب‪ ،‬ووجههم إلى مزيد من الجرأة على الحرام مع‬
‫التأكد من مغفرة الله لهم‪ ،‬وكذلك من تركيز بعض الدعاة الجدد على مسألة‬
‫أعمال القلوب وأهميتها والتقليل من شأن أعمال الجوارح والسلوكيات‬
‫والخلق‪.‬‬

‫ومن المآخذ أيضا ً على هؤلء الدعاة الجدد هو محاولة تطبيق المور الدارية‬
‫والدورات على القضايا الشرعية‪ .‬فنحن ل نحّرم ول نمنع من الدورات الدارية‬
‫وغيرها من الدورات النافعة والتي تخلو من المحاذير الشرعية‪ ،‬لكن ل يلزم‬
‫من هذه الدورات أنها تتطابق مع القضايا والحكام الشرعية في كل شيء‪،‬‬
‫لن معظمها مأخوذة من تجارب الغرب وغيرهم‪ ،‬وهم قد يغيروها أو ينقضوها‬
‫بغيرها بعد زمن‪ .‬فالمبالغة في هذه القضايا مع ضعف في العلم الشرعي من‬
‫بعض الدعاة الجدد هو الذي يوقع في المحذور‪.‬‬

‫ثم هذا التضخيم في قضية الحوار مع الخر‪ ،‬نحن ل ننكر الحوار‪ ،‬لكن لبد‬
‫للحوار أن يصل إلى نتيجة‪ ،‬لكن هؤلء يريدون الحوار أن يكون غاية‪ ،‬الحوار‬
‫من أجل الحوار‪ ،‬بحيث ينتهي إلى أن الزنديق له رأيه‪ ،‬والمسلم له رأيه‪،‬‬
‫الرافضي له رأيه‪ ،‬والسني له رأيه‪.‬‬

‫لم يكن لدى العلماء المسلمين سابقا ً في التعامل مع الديان إل الدعوة أو‬
‫الجهاد بحسب الشروط الموضوعية والحوال المتغيرة في التعامل مع أهل‬
‫الديان المختلفة التي واجهوها‪ ،‬ولم يكن هناك ثمة رأي يرى الحوار مع‬
‫الديان لتحقيق مصالح مشتركة مع الهمال الكامل للدعوة وإقامة الحجة‬
‫وبيان الحق وإبطال الشرك‪.‬‬

‫والصل الشرعي في الحوار مع أهل الديان‪ ,‬الدعوة إلى الله وبيان الحق‬
‫َ‬ ‫ورد الباطل بالدلة الصحيحة‪ ،‬قال الله تعالى‪) :‬وم َ‬
‫عا إ ِلى‬
‫ن دَ َ‬
‫م ْ‬‫م ّ‬‫ن قَوْل ً ِ‬‫س ُ‬ ‫ح َ‬‫نأ ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫سِبيِلي‬
‫ل هَذِهِ َ‬ ‫مين(‪ ،‬وقال تعالى‪) :‬قُ ْ‬ ‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫صاِلحا ً وََقا َ‬
‫ل إ ِن ِّني ِ‬ ‫ل َ‬ ‫الل ّهِ وَعَ ِ‬
‫م َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ َد ْ ُ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ما أَنا ِ‬ ‫ن الل ّهِ وَ َ‬‫حا َ‬‫سب ْ َ‬
‫ن ات ّب َعَِني وَ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫صيَرةٍ أَنا وَ َ‬ ‫عو إ َِلى الل ّهِ عََلى ب َ ِ‬
‫كين(‪ .‬وهذا الصل الشرعي مأخوذ ٌ من بيان الله تعالى لدعوة الرسل‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫الكرام لقوامهم‪ ,‬وقد كان أقوامهم على أديان مختلفة ومتباينة‪ ،‬يقول تعالى‪:‬‬
‫جت َن ُِبوا ال ّ‬ ‫َ‬ ‫قد بعث ْنا في ك ُ ّ ُ‬
‫غوت( ومن خلل‬ ‫طا ُ‬ ‫ه َوا ْ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫ن اعْب ُ ُ‬ ‫سول ً أ ِ‬ ‫مةٍ َر ُ‬ ‫لأ ّ‬ ‫)وَل َ َ ْ َ َ َ ِ‬
‫تتبع اليات والحاديث المبينة لحوار النبياء والرسل مع أقوامهم‪ ,‬نجد أنها‬
‫دعوة وبيان للحق وكشف للباطل وبيان لضرره في الدنيا والخرة‪ ،‬ولم نجد‬
‫شيئا ً يدل على محاولة القرب من الديان أو العمل معهم في القضايا‬
‫المشتركة والبعد عن نقاط الخلف‪ ,‬ل سيما العقائد كما هو حال أكثر‬
‫مؤتمرات الحوار اليوم‪ ،‬بل نجد محاولة من المشركين للتقارب معهم‪ ،‬ولكنه‬
‫ُترفض من النبياء الكرام كما حدث في عرض كفار قريش التقارب من‬
‫السلم حيث قالوا‪ :‬يا محمد هلم فلنعبد ما تعبد‪ ,‬وتعبد ما نعبد‪ ،‬فنشترك نحن‬
‫وأنت في المر‪ ،‬فنـزلت سورة الكافرون‪ .‬فليس في المنهج الرباني تحاور مع‬
‫الديان بمعنى التقارب فضل ً عن الوحدة‪ ,‬بل هو دعوة ومجادلة وبيان للحق‪،‬‬
‫لن الحوار من أجل الحوار يؤدي إلى تمييع مسائل الولء والبراء كما هو‬
‫حاصل الن‪.‬‬

‫قال الشيخ المام العلمة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى‪" :‬وكنا‬
‫قبل هذا الوقت نقول‪ :‬ل حاجة لقراءة الجهاد لنه ل يوجد جهاد‪ ،‬ول لقراءة‬
‫أحكام أهل الذمة لنهم غير موجودين عندنا‪ .‬أما الن فل بد لطلبة العلم من‬
‫أن يقرؤوا ويحققوا أحكام الجهاد وأحكام أهل الذمة وسائر الكفار لنه في‬
‫هذا الوقت انفتحت جبهات للجهاد ولله الحمد في سبيل الله‪ ،‬وأما الكفار فقد‬
‫ابتلينا بهم وكثروا بيننا ل كّثرهم الله فالواجب أن نعرف كيف نعامل هؤلء‬
‫الكفار"‪ .‬أهـ]‪.[1‬‬

‫وبمناسبة الحديث عن الحوار مع أهل الديان فإن من أكبر دعاة التقريب بين‬
‫الديان روجيه جارودي‪ ،‬أشيع نبأ إسلمه عام ‪1402‬هـ‪ ،‬يقول جارودي‪" :‬إنني‬
‫عندما أعلنت إسلمي لم أكن أعتقد بأني أتخلى عن مسيحيتي ول عن‬
‫ماركسيتي ول أهتم بأن يبدو هذا متناقضا ً أومبتدعًا"‪ .‬ويقول‪" :‬هذا النضال هو‬
‫نضال كل أصحاب العقيدة‪ ،‬أوالمؤمنين بعقيدة‪ ،‬مهما يكن نوع إيمانهم ول‬
‫يهمني ما يقوله النسان عن عقيدته‪ :‬أنا مسلم أو‪ :‬أنا مسيحي أو‪ :‬أنا يهودي‬
‫أو‪ :‬أنا هندوسي"‪ .‬وبعدما انتشرت عنه مثل هذه العبارات قيل إنه ارتد عن‬
‫السلم! فقال حينها سماحة المام العلمة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه‬
‫الله تعالى‪" :‬ل يحكم عليه بأنه مرتد عن دين السلم كما توهمه بعضهم‪،‬‬
‫وإنما هو كافر أصلي لم يدخل في السلم"]‪.[2‬‬

‫إن من أهم أسباب ظهور التدين الجديد هي تلك الحرب العلمية والدعائية‬
‫التي مورست ضد التدين الصيل في الصحوة‪ ،‬والذي يحتكم إلى الكتاب‬
‫والسنة وفهم الصحابة والقرون المفضلة الولى في اليمان والتباع‪ ،‬وهو‬
‫المسمى بالتوجه السلفي! وهو ما شكل حاجزا ً نفسيا ً بين الناس وبين هذا‬
‫الشكل من أشكال التدين المعروضة على الساحة! إضافة إلى ذلك‬
‫السياسات التي تتبناها بعض الدول لتضيق الخناق بها على المتدينين عمومًا‪،‬‬
‫وتحرمهم من ممارسة حقوقهم الخاصة حتى في ظل النظمة الديموقراطية‬
‫زورًا! تدفع بالبعض إلى البحث عن رخص الفتاوى في مقابلة البطش‬
‫والتعذيب الذي قد تتعرض له‪.‬‬

‫إن الجماهير مّيالة بطبعها إلى تدين غير باهض التكاليف‪ ،‬وما توجيه موسى‬
‫عليه الصلة والسلم للرسول صلى الله عليه وسلم في قصة المعراج‬
‫والسراء ليطالب ربه بالتخفيف في شأن الصلة‪ ،‬نظرا ً لما قد عالج من بني‬
‫إسرائيل‪ ،‬إل دليل على ذلك‪ .‬وإذا أضفنا إلى هذه الطبيعة الخوف على‬
‫المصالح والمتع الدنيوية والميول إلى الترف والشهوات فإن المر يكون آكد‬
‫وتبقى هذه الجماهير تبحث عمن يسهل عليها التكاليف والتبعات‪.‬‬

‫إن بنو "ليبرال" كما يسميهم البعض‪ ،‬لم يستطيعوا أن يجاهروا بمحاربة الدين‬
‫وروا مسمى الدين‬ ‫صراحة حتى ل تنكشف مخططاتهم‪ ،‬ولكنهم ح ّ‬
‫بالخصوصية‪ ،‬فوجدوا أن مهاجمتهم لخصوصية المجتمع بقصد مهاجمة الدين‬
‫هو أخف وطأة رغم أن هدفهم واحد‪ .‬ولريب أنه ل يغيب عن ذهن فطين ُ‬
‫كنه‬
‫مقاصد هؤلء‪ ،‬فهم يحاولون شرعنة بعض المحظورات من خلل المقارنة‬
‫المجحفة‪ ،‬فالختلط المباشر بين الجنسين الذين ل يقره الدين وتأباه كل‬
‫أعراف وعادات وتقاليد المجتمع‪ ،‬يحاولون إضفاء البراءة على ذلك من خلل‬
‫المقارنة بالختلط في المسجد الحرام‪ ،‬رغم أن هذا الختلط المحفوف بغاية‬
‫العبادة والتقرب إلى الله يخلو من الهواء والمطامع الشهوانية في هذه‬
‫مطهرة التي ل ُتخالج النفوس فيها نوازع الشيطان ومغريات‬‫البقعة ال ُ‬
‫الختلء‪ ،‬وليس كالختلط الذي يحاولون شرعنته بأماكن قد تخلو فيها نوازع‬
‫مراقبة النفس لربها‪ .‬والحجاب تتم محاربتة من قبل هؤلء وأنه يتم فرضه‬
‫على المرأة من قبل ولي أمرها وليس بتوجيه رباني‪.‬‬

‫لم يبق شئ يتعلق بالدين إل وتطرق إليه اليبراليون وكأنهم عندما يحاربون‬
‫الدين بقناع الخصوصية يرفعون الحصانة بذلك عن المحظورات التي‬
‫دعون بحرية الرأي والرأي الخر‬ ‫يرتكبونها‪ .‬والشد غرابة في هؤلء أنهم ي ّ‬
‫والحياد‪ ،‬وهم أبعد ما يكونون عنه‪ ،‬فواقعهم يشهد بذلك‪ ،‬فهم عندما يتحدثون‬
‫في وسائلهم العلمية يصادرون كل الراء التي ل تتلئم مع توجهاتهم‪.‬‬
‫يهاجمون الثوابت بل أدلة‪ ،‬ويصادرون الحقائق بما فيها من أدلة‪ .‬إنه بل شك‬
‫هوى النفس المارة بالسوء‪.‬‬

‫ل على‬ ‫ل ما هو دخي ٌ‬ ‫حياز التام وغير المبرر إلى ك ّ‬‫ب الليبرالي بالن ْ ِ‬ ‫اّتسم الخطا ُ‬
‫ن المجتمع‬‫ث في نتاجاتهم الفكرّية‪ :‬أ ّ‬ ‫ت الحتجاجات التي تنب ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫ض َ‬‫المجتمع‪ ،‬فأ ْ‬
‫ن التغيير‪ ،‬ول‬ ‫صورته الجتماعّية والثقافية الحاضرة‪ ،‬ولبد ّ م َ‬ ‫غير لئق في ُ‬
‫ت‬
‫شْرع التي جاء ِ‬ ‫س الّتراث الجتماعي‪ ،‬وتهميش ضوابط ال ّ‬ ‫َ‬
‫يكون ذلك إل ّ ب ِط ْ‬
‫م ِ‬
‫مَتواِفقة معها‪.‬‬ ‫ف ُ‬
‫العرا ُ‬
‫ت لدى ُدعاة الت ّّيار الّليبرالي‪ ،‬هي نفس رؤية‬
‫ؤية التي تشك ّل َ ْ‬‫ن هذه الّر ْ‬ ‫إ ّ‬
‫معات الغربّية لنا‪ ،‬لذا فدعاة التغريب الليبراليون استعاروا مرآة الخر‬ ‫مجت َ َ‬‫ال ُ‬
‫لينظروا فيها‪ ،‬فأصبحوا غير قادرين على رؤية الُهوّية الصحيحة للمجتمع‪ ،‬بعد‬
‫مجتمعهم‬ ‫عيهم في هذا المنظار‪ ،‬فهم يرون ما يراه الخر عن ُ‬ ‫حبس و ْ‬ ‫أن ُ‬
‫الذي خرجوا منه‪.‬‬

‫سب مع ما‬ ‫جملة المفاهيم والفكار والثقافات التي توجه حركة المجتمع ل ت ََتنا َ‬ ‫ُ‬
‫شه المجتمعُ في‬ ‫ي الذي يعي ُ‬‫عي الجتماع َ‬ ‫ن الوَ ْ‬
‫جاء به الت ّّيار الليبرالي‪ ،‬حيث إ ّ‬
‫ق‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن الطر والمفاهيم السلمية‪ ،‬وهذا أكبر عائ ٍ‬ ‫اللحظة الراهنة ل يخرج ع ِ‬
‫َ‬
‫عي هو المخطط الجديد لذلك‬ ‫ف الوَ ْ‬ ‫يواجه الفراخ الليبراليين‪ ،‬لذا كان تزيي ُ‬
‫التيار‪ ،‬وهو تزييف المفاهيم لدى المجتمع التي َيبِني عليها رؤيته للمستقبل‬
‫دينّية‪ ،‬حيث إّنها ل تتواَفق مع‬ ‫صوص ال ّ‬ ‫ث مفاهيم ضرورة تمييع الن ّ ُ‬ ‫من خلل ب َ ّ‬
‫ل‬‫ع‪ ،‬وك ّ‬‫قَيم التي َترّبى عليها المجتم ُ‬ ‫صر‪ ،‬والتخّلي عن العراف وال ِ‬ ‫الواقع المعا ِ‬
‫كبة العاَلم الخارجي‪،‬‬ ‫موا َ‬
‫دم‪ ،‬وضرورة التغيير‪ ،‬و ُ‬ ‫ذلك تحت شعار النهضة والتق ّ‬
‫والُبعد عن النغلق‪.‬‬
‫هم يستطيعون أن يخدعوا بعض أفراد المجتمع في بعض الوقات‪ ،‬لكن ل‬
‫كر الجتماعي‬ ‫ن التن ّ‬ ‫ل الوقات‪ ،‬ل ّ‬ ‫يستطيعون أن يخدعوا المجتمع كله في ك ّ‬
‫غربة‪ ،‬وإن كانوا يعيشون وسط هذا‬ ‫لهم ظاهر‪ ،‬وهم الن يعيشون في ُ‬
‫ن مطالباتهم غير المقبولة باتت مكشوفة أمام المجتمع‪،‬‬ ‫المجتمع‪ ،‬حيث إ ّ‬
‫سيما أنهم ُوضعوا في قفص التهام‪ ،‬وهذا هو الذي سيجهض حركتهم التي‬
‫من رحم الحلم بأنهم سيكونون شيًئا‪.‬‬ ‫خض ِ‬‫م ّ‬
‫ت َت َ َ‬

‫إن المعركة قائمة معهم إلى قيام الساعة‪ ،‬والبشرية اليوم تتخبط في‬
‫عمايات لن ينجيها منها إل الهداية إلى السلم‪ ،‬وقد جربت نظريات وتصورات‬
‫ل‪ ،‬وبدأ كثير من‬ ‫للكون والحياة ومناهج مختلفة فلم يزدها ذلك إل حيرة وضل ً‬
‫الناس في الرض يرمون بأبصارهم نحو السلم‪ ،‬بعضها ينظر إليه باعتبار أنه‬
‫العقيدة المؤهلة لتسود العالم أجمع في المرحلة المتبقية من عمر الدنيا‪،‬‬
‫والبعض الخر يراه المنافس القوى لدينه ومبادئه فتحمله عقيدته ومصالحه‬
‫الخاصة على الدس والتشويه والطعن في السلم وأهله وافتعال المعارك‬
‫وتأجيج رحى الحرب على كافة المستويات كما هي عادة أئمة الكفر‪ ،‬وتبقى‬
‫شرائح كبيرة من الناس في العالم تائهة ضالة ل إلى هؤلء ول إلى هؤلء‪.‬‬
‫أفيتركون كل ً مباحا ً لدعاة التقريب بين الديان؟ أم يتركون هنيئا ً مريئا ً للدعاة‬
‫الجدد من العصرانيين والتنويريين؟‪.‬‬

‫لقد استجابت أمة السلم لنداء القرآن في القرون المفضلة فاهتّز العالم‬
‫والوجود بحركتها‪ ،‬حمل أسلفنا في تلك القرون لواء السلم بصدق وإخلص‬
‫فعمروا الكون وأخرجوا العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد‪ ،‬فأضاء‬
‫م منا اللواء في مواطن دون‬ ‫نور أمة السلم في تاريخ الوجود‪ ،‬ثم َترك أقوا ٌ‬
‫مواطن ومشاهد دون مشاهد وأزمان دون أزمان ورجال دون رجال‪ ،‬كان مّنا‬
‫الظالم لنفسه‪ ،‬وكان مّنا المقتصد‪ ،‬وكان مّنا السابق بالخيرات‪ ،‬ول زلنا نعتقد‬
‫ونؤمن أننا خير أمة أخرجت للناس‪ ،‬وعندنا من الخيرية والصطفاء على أهل‬
‫الرض ما يجعلنا ُنخرج العالم من ضيق الدنيا إلى سعتها‪ ،‬ومن رق الهوى إلى‬
‫رحاب عبودية الله‪ ،‬ونرفع راية أنوار النبوة وأعلمها ل مشعل النار وحرياته‬
‫المزعومة!‪.‬‬
‫ولن يصل المسلمون إلى النصر والتمكين إل بفيئتهم للكتاب والسنة بفهم‬
‫ل‪ ،‬وكفى بهم تربصا ً وتلفتا ً تارةً في الشرق وأخرى‬ ‫السلف الصالح علما ً وعم ً‬
‫ن عزموا‬
‫ن الله غفور رحيم‪ ،‬وإ ْ‬ ‫ن فاءوا فإ ّ‬
‫في الغرب‪ ،‬فهم نقاوة العالم‪ ،‬فإ ْ‬
‫ن الله سميع عليم‪ ،‬وسيظل باب التوبة مفتوحا ً ل يؤصد إلى أن‬ ‫الطلق فإ ّ‬
‫تطلع الشمس من مغربها‪.‬‬
‫ن الواجب في مثل هذه الزمان على من أعطاه الله هدىً وتوفيقا ً وعلما ً‬ ‫إ ّ‬
‫وبصيرة ً أن يوصل ما خوله الله من نعمته إلى من به إليه حاجة من البشر‪،‬‬
‫حقّ على علماء أمة السلم ودعاتها ومثقفيها المخلصين أن يتهيأوا لقيادة‬ ‫و َ‬
‫العالم كل وما يستطيع‪ ،‬ول تهولنهم الراجيف فـ"المسلمون في مشارق‬‫ٌ‬
‫الرض ومغاربها قلوبهم واحدة‪ ،‬موالية لله ولرسوله ولعباده المؤمنين‪ ،‬معادية‬
‫لعداء الله ورسوله وأعداء عباده المؤمنين‪ ،‬وقلوبهم الصادقة وأدعيتهم‬
‫الصالحة هي العسكر الذي ل يغلب‪ ،‬والجند الذي ل يخذل‪ ،‬فإنهم هم الطائفة‬
‫المنصورة إلى يوم القيامة"]‪ .[3‬فالسعيد من كان له في ذلك حظ ونصيب‪،‬‬
‫ولن يهدي الله بك رجل ً واحدا ً خير لك من حمر النعم‪.‬‬

‫والحمد لله أول ً ‪...‬‬

You might also like