Professional Documents
Culture Documents
القرآن الكريم منذ اللحظة التي نزل فيها نزل مقرونا بسم ال سبحانه وتعالى ـ ولذلك حينما نتلوه
فإننا نبدأ نفس البداية التي أرادها ال تبارك وتعالى ـ وهي أن تكون البداية بسم ال .وأول
سمِ رَ ّبكَ الّذِي خَلَقَ }.
الكلمات التي نطق بها الوحي لمحمد صلى ال عليه وسلم كانت { اقْرَأْ بِا ْ
وهكذا كانت بداية نزول القرآن الكريم ليمارس مهمته في الكون ..هي بسم ال .ونحن الن حينما
نقرأ القرآن نبدأ نفس البداية.
ولقد كان محمد عليه الصلة والسلم في غار حراء حينما جاءه جبريل وكان أول لقاء بين الملك
الذي يحمل الوحي بالقرآن ..وبين رسول ال صلى ال عليه وسلم قول الحق تبارك وتعالى:
{ اقْرَأْ }.
واقرأ تتطلب أن يكون النسان ..إما حافظا لشيء يحفظه ،أو أمامه شيء مكتوب ليقرأه ..ولكن
رسول ال صلى ال عليه وسلم ما كان حافظا لشيء يقرؤه ..وما كان أمامه كتاب ليقرأ منه..
ي ل يقرأ ول يكتب.
وحتى لو كان أمامه كتاب فهو أم ّ
وعندما قال جبريل { :اقْرَأْ } ..قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ما أنا بقارئ ..وكان الرسول
عليه الصلة والسلم منطقيا مع قدراته .وتردد القول ثلث مرات ..جبريل عليه السلم بوحي من
ال سبحانه وتعالى يقول للرسول { اقْرَأْ } ورسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ما أنا بقارئ..
ولقد أخذ خصوم السلم هذه النقطة ..وقالوا كيف يقول ال لرسوله اقرأ ويرد الرسول ما أنا
بقارئ.
نقول إن ال تبارك وتعالى ..كان يتحدث بقدراته التي تقول للشيء كن فيكون ،بينما رسول ال
صلى ال عليه وسلم كان يتحدث ببشريته التي تقول إنه ل يستطيع أن يقرأ كلمة واحدة ،ولكن
قدرة ال هي التي ستأخذ هذا النبي الذي ل يقرأ ول يكتب لتجعله معلما للبشرية كلها إلى يوم
القيامة ..لن كل البشر يعلمهم بشر ..ولكن محمد صلى ال عليه وسلم سيعلمه ال سبحانه
وتعالى .ليكون معلما لكبر علماء البشر ..يأخذون عنه العلم والمعرفة .لذلك جاء الجواب من ال
ق الِنسَانَ مِنْ عََلقٍ }[العلق ]2-1 :أي أن ال
سمِ رَ ّبكَ الّذِي خََلقَ * خََل َ
سبحانه وتعالى {:اقْرَأْ بِا ْ
سبحانه وتعالى الذي خلق من عدم سيجعلك تقرأ على الناس ما يعجز علماء الدنيا وحضارات
الدنيا على أن يأتوا بمثله ..وسيكون ما تقرؤه وأنت النبي الميّ إعجازا ..ليس لهؤلء الذين
سيسمعونه منك فقط لحظة نزوله .ولكن للدنيا كلها وليس في الوقت الذي ينزل فيه فقط ،ولكن
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لكْرَمُ * الّذِى عَلّمَ بِا ْلقَلَمِ }
كاَ
حتى قيام الساعة ،ولذلك قال جل جلله {:اقْرَ ْأ وَرَ ّب َ
[العلق .]4-3 :أي أن الذي ستقرؤه يا محمد ..سيظل معلما للنسانية كلها إلى نهاية الدنيا على
لكْرَمُ { مستخدما صيغة
كاَ
الرض ..ولن المعلم هو ال سبحانه وتعالى قال } :اقْرَ ْأ وَرَ ّب َ
المبالغة .فهناك كريم وأكرم ..فأنت حين تتعلم من بشر فهذا دليل على كرم ال جل جلله ..لنه
يسر لك العلم على يد بشر مثلك ..أما إذا كان ال هو الذي سيعلمك ..يكون " أكرم " ..لن ربك
قد رفعك درجة عالية ليعلمك هو سبحانه وتعالى..
والحق يريد أن يلفتنا إلى أن محمدا عليه الصلة والسلم ل يقرأ القرآن لنه تعلم القراءة ،ولكنه
يقرؤه باسم ال ،ومادام بسم ال ..فل يهم أن يكون رسول ال صلى ال عليه وسلم تعلم من بشر
أو لم يتعلم .لن الذي علمه هو ال ..وعلمه فوق مستوى البشرية كلها.
على أننا نبدأ أيضا تلوة القرآن بسم ال ..لن ال تبارك وتعالى هو الذي أنزله لنا ..ويسر لنا أن
نعرفه ونتلوه ..فالمر ل علما وقدرة ومعرفة ..واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى {:قُل ّلوْ شَآءَ اللّهُ
عمُرا مّن قَبْلِهِ َأفَلَ َت ْعقِلُونَ }[يونس ]16 :لذلك أنت
مَا تََلوْتُهُ عَلَ ْيكُ ْم َولَ أَدْرَا ُكمْ بِهِ َفقَدْ لَبِ ْثتُ فِيكُمْ ُ
تقرأ القرآن باسم ال ..لنه جل جلله هو الذي يسره لك كلما وتنزيل وقراءة ..ولكن هل نحن
مطالبون أن نبدأ فقط تلوة القرآن بسم ال؟ إننا مطالبون أن نبدأ كل عمل باسم ال ..لننا لبد أن
نحترم عطاء ال في كونه .فحين نزرع الرض مثل ..لبد أن نبدأ بسم ال ..لننا لم نخلق
الرض التي نحرثها ..ول خلقنا البذرة التي نبذرها .ول أنزلنا الماء من السماء لينمو الزرع.
إن الفلح الذي يمسك الفأس ويرمي البذرة قد يكون أجهل الناس بعناصر الرض ومحتويات
البذرة وما يفعله الماء في التربة لينمو الزرع ..إن كل ما يفعله النسان هو أنه يعمل فكره
المخلوق من ال في المادة المخلوقة من ال ..بالطاقة التي أوجدها ال في أجسادنا ليتم الزرع.
والنسان ل قدرة له على إرغام الرض لتعطيه الثمار ..ول قدرة له على خلق الحبة لتنمو
وتصبح شجرة .ول سلطان له على إنزال الماء من السماء ..فكأنه حين يبدأ العمل باسم ال ،يبدؤه
باسم ال الذي سخر له الرض ..وسخر له الحب ،وسخر له الماء ،وكلها ل قدرة له عليها ..ول
تدخل في طاقته ول في استطاعته ..فكأنه يعلن أنه يدخل على هذه الشياء جميعا باسم من
سخرها له..
وال تبارك وتعالى سخر لنا الكون جميعا وأعطانا الدليل على ذلك .فل تعتقد أن لك قدرة أو ذاتية
في هذا الكون.
.ول تعتقد أن السباب والقوانين في الكون لها ذاتية .بل هي تعمل بقدرة خالقها .الذي إن شاء
أجراها وإن شاء أوقفها.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الجمل الضخم والفيل الهائل المستأنس قد يقودهما طفل صغير فيطيعانه .ولكن الحية صغيرة
الحجم ل يقوى أي انسان على أن يستأنسها .ولو كنا نفعل ذلك بقدراتنا ..لكان استئناس الحية أو
الثعبان سهل لصغر حجمهما ..ولكن ال سبحانه وتعالى أراد أن يجعلهما مثل لنعلم أنه بقدراته
هو قد أخضع لنا ما شاء ،ولم يخضع لنا ما شاء .ولذلك يقول الحق تبارك وتعالىَ {:أوََلمْ يَ َروْاْ أَنّا
عمَِلتْ أَ ْيدِينَآ أَنْعاما َفهُمْ َلهَا مَاِلكُونَ * وَذَلّلْنَاهَا َلهُمْ َفمِ ْنهَا َركُو ُبهُمْ َومِنْهَا يَ ْأكُلُونَ }
خََلقْنَا َلهُم ِممّا َ
[يس ]72-71 :وهكذا نعرف أن خضوع هذه النعام لنا هو بتسخير ال لها وليس بقدرتنا.
يأتي ال سبحانه وتعالى إلى أرض ينزل عليها المطر بغزارة .والعلماء يقولون إن هذا يحدث
بقوانين الكون .فيلفتنا ال تبارك وتعالى إلى خطأ هذا الكلم .بأن تأتي مواسم جفاف ل تسقط فيها
حبة مطر واحدة لنعلم أن المطر ل يسقط بقوانين الكون ولكن بإرادة خالق الكون ..فإذا كانت
القوانين وحدها تعمل فمن الذي عطلها؟ ولكن إرادة الخالق فوق القوانين إن شاءت جعلتها تعمل
وإن شاءت جعلتها ل تعمل ..اذن فكل شيء في الكون باسم ال ..هو الذي سخر وأعطى ..وهو
الذي يمنح ويمنع .حتى في المور التي للنسان فيها نوع من الختيار ..واقرأ قول الحق تبارك
ت وَالَرْضِ َيخْلُقُ مَا َيشَآءُ َي َهبُ ِلمَن يَشَآءُ إِنَاثا وَ َي َهبُ ِلمَن َيشَآءُ ال ّذكُورَ
سمَاوَا ِ
وتعالىِ {:للّهِ مُ ْلكُ ال ّ
عقِيما إِنّهُ عَلِيمٌ َقدِيرٌ }[الشورى ]50-49 :والصل
ج َعلُ مَن يَشَآءُ َ
جهُمْ ُذكْرَانا وَإِنَاثا وَيَ ْ
* َأوْ يُ َزوّ ُ
في الذرية أنها تأتي من اجتماع الذكر والنثى ..هذا هو القانون ..ولكن القوانين ل تعمل ال بأمر
ال ..لذلك يتزوج الرجل والمرأة ول تأتي الذرية لنه ليس القانون هو الذي يخلق ..ولكنها إرادة
خالق القانون ..ان شاء جعله يعمل ..وان شاء يبطل عمله ..وال سبحانه وتعالى ل تحكمه
القوانين ولكنه هو الذي يحكمها.
وكما أن ال سبحانه وتعالى قادر على ان يجعل القوانين تفعل او ل تفعل ..فهو قادر على ان
يخرق القوانين ..خذ مثل قصة زكريا عليه السلم ..كان يكفل مريم ويأتيها بكل ما تحتاج إليه..
ودخل عليها ليجد عندها ما لم يحضره لها..
وسألها وهي القديسة العابدة الملزمة لمحرابها {..قَالَ يامَرْيَمُ أَنّىا َلكِ هَـاذَا }[آل عمران]37 :
الحق سبحانه وتعالى يعطينا هذه الصورة ..مع أن مريم بسلوكها وعبادتها وتقواها فوق كل
الشبهات ..ولكن لنعرف أن الذي يفسد الكون ..هو عدم السؤال عن مصدر الشياء التي تتناسب
مع قدرات من يحصل عليها.
.
الم ترى الب ينفق ما ل يتناسب مع مرتبه ..وترى البنة ترتدي ما هو أكبر كثيرا من مرتبها
أو مصروفها ..ولو سألت الم الب أو البنة من أين لك هذا؟ لما فسد المجتمع ..ولكن الفساد
يأتي من أننا نغمض أعيننا عن المال الحرام.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
بماذا ردت مريم عليها السلم؟{ قَاَلتْ ُهوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن َيشَآءُ ِبغَيْرِ حِسَابٍ }[آل
عمران ]37 :اذن فطلقة قدرة ال ل يحكمها قانون ..لقد لفتت مريم زكريا عليهما السلم إلى
طلقة القدرة ..فدعا زكريا ربه في قضية ل تنفع فيها ال طلقة القدرة ..فهو رجل عجوز
وامرأته عجوز وعاقر ويريد ولدا ..هذه قضية ضد قوانين الكون ..لن النجاب ل يتم ال وقت
الشباب ،فإذا كبر الرجل وكبرت المرأة ل ينجبان ..فما بالك إذا كانت الزوجة أساسا عاقرا ..لم
تنجب وهي شابة وزوجها شاب ..فكيف تنجب وهي عجوز وزوجها عجوز ..هذه مسألة ضد
القوانين التي تحكم البشر ..ولكن ال وحده القادر على أن يأتي بالقانون وضده ..ولذلك شاء أن
يرزق زكريا بالولد وكان ..ورزق زكريا بابنه يحيى.
إذن كل شيء في هذا الكون باسم ال ..يتم باسم ال وبإذن من ال ..الكون تحكمه السباب نعم
ولكن ارادة ال فوق كل السباب.
أنت حين تبدأ كل شيء باسم ال ..كأنك تجعل ال في جانبك يعينك ..ومن رحمة ال سبحانه
وتعالى أنه علمنا أن نبدأ كل شيء باسم ال ..لن ال هو السم الجامع لصفات الكمال سبحانه
وتعالى ..والفعل عادة يحتاج إلى صفات متعددة ..فأنت حين تبدأ عمل تحتاج إلى قدرة ال وإلى
عونه وإلى رحمته ..فلو أن ال سبحانه وتعالى لم يخبرنا بالسم الجامع لكل الصفات ..كان علينا
أن نحدد الصفات التي نحتاج إليها ..كأن نقول باسم ال القوي وباسم ال الرازق وباسم ال
المجيب وباسم ال القادر وباسم ال النافع ..إلى غير ذلك من السماء والصفات التي نريد أن
نستعين بها ..ولكن ال تبارك وتعالى جعلنا نقول بسم ال بسم ال بسم ال الجامع لكل هذه
الصفات.
على أننا لبد أن نقف هنا عند الذين ل يبدأون أعمالهم بسم ال وإنما يريدون الجزاء المادي
وحده ..إنسان غير مؤمن ل يبدأ عمله باسم ال ..وإنسان مؤمن يبدأ كل عمل وفي باله ال..
كلهما يأخذ من الدنيا لن ال رب للجميع ..له عطاء ربوبية لكل خلقه الذين استدعاهم للحياة..
ولكن الدنيا ليست هي الحياة الحقيقية للنسان.
.بل الحياة الحقيقية هي الخرة ..الذي في باله الدنيا وحدها يأخذ بقدر عطاء الربوبية ..بقدر
عطاء ال في الدنيا ..والذي في باله ال يأخذ بقدر عطاء ال في الدنيا والخرة ..ولذلك يقول
حمْدُ فِي الخِ َرةِ
ض وَلَهُ الْ َ
سمَاوَاتِ َومَا فِي الَرْ ِ
ح ْمدُ للّهِ الّذِي لَهُ مَا فِي ال ّ
الحق تبارك وتعالى {:الْ َ
حكِيمُ الْخَبِيرُ }[سبأ ]1 :لن المؤمن يحمد ال على نعمه في الدنيا ..ثم يحمده عندما ينجيه
وَ ُهوَ الْ َ
من النار والعذاب ويدخله الجنة في الخرة ..فلله الحمد في الدنيا والخرة.
ورسول ال صلى ال عليه وسلم قال:
" كل أمر ذي بال ل يبدأ فيه بباسم ال الرحمن الرحيم أقطع "
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ومعنى أقطع أي مقطوع الذنب أو الذيل ..أي عمل ناقص فيه شيء ضائع ..لنك حين ل تبدأ
العمل باسم ال قد يصادفك الغرور والطغيان بأنك أنت الذي سخرت ما في الكون ليخدمك وينفعل
لك ..وحين ل تبدأ العمل باسم ال ..فليس لك عليه جزاء في الخرة فتكون قد أخذت عطاءه في
الدنيا ..وبترت أو قطعت عطاءه في الخرة ..فإذا كنت تريد عطاء الدنيا والخرة .فأقبل على كل
عمل باسم ال ..قبل أن تأكل قل باسم ال لنه هو الذي خلق لك هذا الطعام ورزقك به ..عندما
تدخل المتحان قل بسم ال فيعينك على النجاح ..عندما تدخل إلى بيتك قل باسم ال لنه هو الذي
يسر لك هذا البيت ..عندما تتزوج قل باسم ال لنه هو الذي خلق هذه الزوجة وأباحها لك ..في
كل عمل تفعله ابدأه باسم ال ..لنها تمنعك من أي عمل يغضب ال سبحانه وتعالى ..فأنت ل
تستطيع أن تبدأ عمل يغضب ال باسم ال ..اذا أردت أن تسرق أو أن تشرب الخمر ..أو أن
تفعل عمل يغضب ال ..وتذكرت بسم ال ..فإنك ستمتنع عنه ..ستستحي أن تبدأ عمل باسم ال
يغضب ال ..وهكذا ستكون أعمالك كلها فيما أباحه ال.
ال تبارك وتعالى حين نبدأ قراءة كلمه باسم ال ..فنحن نقرأ هذا الكلم لنه من ال ..وال هو
الله المعبود في كونه ..ومعنى معبود أنه يطاع فيما يأمر به ..ول نقدم على ما نهى عنه..
فكأنك تستقبل القرآن الكريم بعطاء ال في العبادة ..وبطاعته في افعل ول تفعل ..وهذا هو
المقصود أن تبدأ قراءة القرآن بسم ال الذي آمنت به ربا وإلها ..والذي عاهدته على أن تطيعه
فيما أمر وفيما نهى ..والذي بموجب عبادتك ل سبحانه وتعالى تقرأ كتابه لتعمل بما فيه ..والذي
خلق وأوجد ويحيي ويميت وله المر في الدنيا والخرة.
.والذي ستقف أمامه يوم القيامة ليحاسبك أحسنت أم أسأت ..فالبداية من ال والنهاية إلى ال
سبحانه وتعالى.
بعض الناس يتساءل كيف أبدأ بسم ال ..وقد عصيت وقد خالفت ..نقول اياك أن تستحي أن تقرأ
القرآن ..وأن تبدأ بسم ال إذا كنت قد عصيت ..ولذلك أعطانا ال سبحانه وتعالى الحيثية التي نبدأ
بها قراءة القرآن فجعلنا نبدؤه باسم ال الرحمن الرحيم ..فال سبحانه وتعالى ل يتخلى عن
العاصي ..بل يفتح له باب التوبة ويحثه عليها ..ويطلب منه أن يتوب وأن يعود الي ال ..فيغفر
له ذنبه ،لن ال رحمن رحيم ..فل تقل أنني أستحي أن أبدأ باسم ال لنني عصيته ..فال سبحانه
وتعالى يطلب من كل عاص أن يعود الي حظيرة اليمان وهو رحمن رحيم ..فاذا قلت كيف أقول
باسم ال وقد وقعت في معصية أمس ..نقول لك قل باسم ال الرحمن الرحيم ..فرحمة ال تسع
كل ذنوب خلقه ..وهو سبحانه وتعالى الذي يغفر الذنوب جميعا.
والرحمة والرحمن والرحيم ..مشتق منها الرحم الذي هو مكان الجنين في بطن أمه ..هذا المكان
الذي يأتيه فيه الرزق ..بل حول ول قوة ..ويجد فيه كل ما يحتاجه إليه نموه ميسرا ..رزقا من
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ال سبحانه وتعالى بل تعب ول مقابل ..انظر إلى حنو الم على ابنها وحنانها عليه ..وتجاوزها
عن سيئاته وفرحته بعودته اليها ..ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى في حديث قدسي.
" أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ،ومن قطعها قطعته "
ال سبحانه وتعالى يريد أن نتذكر دائما أنه يحنو علينا ويرزقنا ..ويفتح لنا أبواب التوبة بابا بعد
آخر ..ونعصي فل يأخذنا بذنوبنا ول يحرمنا من نعمه ..ول يهلكنا بما فعلنا .ولذلك فنحن نبدأ
تلوة القرآن الكريم بسم ال الرحمن الرحيم ..لنتذكر دائما أبواب الرحمة المفتوحة لنا ..نرفع
أيدينا إلى السماء ..ونقول يا رب رحمتك ..تجاوز عن ذنوبنا وسيئاتنا .وبذلك يظل قارئ القرآن
متصل بأبواب رحمة ال ..كلما ابتعد عن المنهج أسرع ليعود اليه ..فمادام ال رحمانا ورحيما ل
تغلق أبواب الرحمة أبدا.
على أننا نلحظ أن الرحمن الرحيم من صيغ المبالغة ..يقال راحم ورحمن ورحيم ..اذا قيل راحم
فيه صفة الرحمة ..وإذا قيل رحمن تكون مبالغة في الصفة ..وإذا قيل رحيم تكون مبالغة في
الصفة ..وال سبحانه وتعالى رحمن الدنيا ورحيم الخرة..
صفات ال سبحانه وتعالى ل تتأرجح بين القوة والضعف.
.وإياكم أن تفهموا أن ال تأتيه الصفات مرة قليلة ومرة كثيرة .بل هي صفات الكمال المطلق..
ولكن الذي يتغير هو متعلقات هذه الصفات ..اقرأ قول الحق سبحانه وتعالى {:إِنّ اللّ َه لَ يَظِْلمُ
مِ ْثقَالَ ذَ ّرةٍ }[النساء ]40 :هذه الية الكريمة ..نفت الظلم عن ال سبحانه وتعالى ،ثم تأتي الية
الكريمة بقول ال جل جللهَ {:ومَا رَ ّبكَ ِبظَلّمٍ لّ ْلعَبِيدِ }[فصلت ]46 :نلحظ هنا استخدام صيغة
المبالغة " ..ظلم " ..أي شديد الظلم ..وقول الحق سبحانه وتعالى " :ليس بظلم " ..ل تنفي الظلم
ولكنها تنفي المبالغة في الظلم ،تنفي أن يظلم ولو مثقال ذرة ..نقول انك لم تفهم المعنى ..ان ال
ل يظلم أحدا ..الية الولى نفت الظلم عن الحق تبارك وتعالى ولو مثقال ذرة بالنسبة للعبد..
والية الثانية لم تقل للعبد ولكنها قالت للعبيد ..والعبيد هم كل خلق ال ..فلو اصاب كل واحد منهم
أقل من ذرة من الظلم مع هذه العداد الهائلة ..فإن الظلم يكون كثيرا جدا ،ولو أنه قليل في كميته
لن عدد من سيصاب به هائل ..ولذلك فإن الية الولى نفت الظلم عن ال سبحانه وتعالى .والية
الثانية نفت الظلم أيضا عن ال تبارك وتعالى ..ولكن صيغة المبالغة استخدمت لكثرة عدد الذين
تنطبق عليهم الية الكريمة.
نأتي بعد ذلك إلى رحمن ورحيم ..رحمن في الدنيا لكثرة عدد الذين يشملهم ال سبحانه وتعالى
برحمته ..فرحمة ال في الدنيا تشمل المؤمن والعاصي والكافر ..يعطيهم ال مقومات حياتهم ول
يؤاخذهم بذنوبهم ،يرزق من آمن به ومن لم يؤمن به ،ويعفو عن كثير ..اذن عدد الذين تشملهم
رحمة ال في الدنيا هم كل خلقه .بصرف النظر عن ايمانهم أو عدم ايمانهم.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ولكن في الخرة ال رحيم بالمؤمنين فقط ..فالكفار والمشركون مطرودون من رحمة ال ..اذن
الذين تشملهم رحمة ال في الخرة ..أقل عددا من الذين تشملهم رحمة ال في الدنيا ..فمن أين
تأتي المبالغة؟ ..تأتي المبالغة في العطاء وفي الخلود في العطاء ..فنعم ال في الخرة اكبر كثيرا
منها في الدنيا ..المبالغة هنا بكثرة النعم وخلودها ..فكأن المبالغة في الدنيا بعمومية العطاء،
والمبالغة في الخرة بخصوصية العطاء للمؤمن وكثرة النعم والخلود فيها.
لقد اختلف عدد العلماء حول بسم ال الرحمن الرحيم ..وهي موجودة في 113سورة من القرآن
حمَـانِ الرّحِيمِ
الكريم هل هي من آيات السور نفسها ..بمعنى أن كل سورة تبدأ } ِبسْمِ اللّهِ الرّ ْ
{ تحسب البداية على أنها الية الولى من السورة ،أم أنها حسبت فقط في فاتحة الكتاب ،ثم بعد
ذلك تعتبر فواصل بين السور..
حمَـانِ الرّحِيمِ { آية من آيات القرآن الكريم ..ولكنها ليست آية من
وقال العلماء أن } ِبسْمِ اللّهِ الرّ ْ
كل سورة ما عدا فاتحة الكتاب فهي آية من الفاتحة ..وهناك سورة واحدة في القرآن الكريم ل
حمَـانِ الرّحِيمِ { وهي سورة التوبة وتكررت بسم ال الرحمن الرحيم في
سمِ اللّهِ الرّ ْ
تبدأ بـ } بِ ْ
حمَـانِ الرّحِيمِ }
سمِ اللّهِ الرّ ْ
الية 30من سورة النمل في قوله تعالى {:إِنّهُ مِن سُلَ ْيمَانَ وَإِنّهُ بِ ْ
[النمل]30 :
()1 /
فاتحة الكتاب هي أم الكتاب ،ل تصلح الصلة بدونها ،فأنت في كل ركعة تستطيع أن تقرأ آية من
القرآن الكريم ،تختلف عن الية التي قرأتها في الركعة السابقة ،وتختلف عن اليات التي قرأتها
في صلواتك ..ولكن إذا لم تقرأ الفاتحة فسدت الصلة ،ولذلك قال رسول ال صلى ال عليه وسلم
" من صلى صلة لم يقرأ فيها أم القرآن فهي خداج ثلثا غير تام " أي غير صالحة.
فالفاتحة أم الكتاب التي ل تصلح الصلة بدونها ،وال سبحانه وتعالى يقول في حديث قدسي" :
قسمت الصلة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل ..فإذا قال العبد الحمد ل رب العالمين.
قال ال عز وجل حمدني عبدي .فإذا قال :الرحمن الرحيم ،قال ال عز وجل :أثنى علي عبدي،
فإذا قال مالك يوم الدين ،قال ال عز وجل مجدني عبدي ..فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين ،قال
ال عز وجل هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل ..وإذا قال { :اهْدِنَا الصّرَاطَ ا ْلمُسْ َتقِيمَ *
صِرَاطَ الّذِينَ أَ ْن َع ْمتَ عَلَ ْيهِمْ غَيْرِ ا ْل َم ْغضُوبِ عَلَ ْيهِم َولَ الضّآلّينَ } قال ال عز وجل :هذا لعبدي
ولعبدي ما سأل ".
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وعلينا أن نتنبه ونحن نقرأ هذا الحديث القدسي ان ال تعالى يقول :قسمت الصلة بيني وبين
عبدي ،ولم يقل قسمت الفاتحة بيني وبين عبدي ،ففاتحة الكتاب هي أساس الصلة ،وهي أم
الكتاب.
نلحظ ان هناك ثلثة أسماء ل قد تكررت في بسم ال الرحمن الرحيم ،وفي فاتحة الكتاب ،وهذه
السماء هي :ال .والرحمن والرحيم .نقول أن ليس هناك تكرار في القرآن الكريم ،وإذا تكرر
اللفظ يكون معناه في كل مرة مختلفا عن معناه في المرة السابقة ،لن المتكلم هو ال سبحانه
وتعالى ..ولذلك فهو يضع اللفظ في مكانه الصحيح ،وفي معناه الصحيح..
حمَـانِ الرّحِيمِ } هو استعانة بقدرة ال حين نبدأ فعل الشياء ..إذن فلفظ
سمِ اللّهِ الرّ ْ
قولنا { :بِ ْ
الجللة { اللّهِ } في بسم ال ،معناه الستعانة بقدرات ال سبحانه وتعالى وصفاته .لتكون عونا لنا
على ما نفعل .ولكن إذا قلنا :الحمد ل ..فهي شكر ل على ما فعل لنا .ذلك اننا ل نستطيع أن نقدم
الشكر ل إل إذا استخدمنا لفظ الجللة .الجامع لكل صفات ال تعالى .لننا نحمده على كل صفاته
ورحمته بنا حتى ل نقول باسم القهار وباسم الوهاب وباسم الكريم ،وباسم الرحمن ..نقول الحمد
ل على كمال صفاته ،فيشمل الحمد كمال الصفات كلها.
سمِ اللّهِ } الذي نستعين به على ما ل قدرة لنا عليه ..لن ال هو الذي سخر
وهناك فرق بين { بِ ْ
ح ْمدُ للّهِ } فإن لفظ الجللة إنما جاء هنا لنحمد ال على
كل ما في الكون ،وجعله يخدمنا ،وبين { الْ َ
ما فعل لنا.
فكأن " بسم ال في البسملة " طلب العون من ال بكل كمال صفاته ..وكأن الحمد ل في الفاتحة
تقديم الشكر ل بكل كمال صفاته.
حمَـانِ الرّحِيمِ { في الفاتحة ،ففي البسملة
حمَـانِ الرّحِيمِ { في البسملة لها معنى غير } الرّ ْ
و } الرّ ْ
هي تذكرنا برحمة ال سبحانه وتعالى وغفرانه حتى ل نستحي ول نهاب أن نستعين باسم ال ان
كنا قد فعلنا معصية ..فال سبحانه وتعالى يريدنا أن نستعين باسمه دائما في كل اعمالنا .فإذا سقط
واحد منا في معصية ،قال كيف استعين باسم ال ،وقد عصيته؟ نقول له ادخل عليه سبحانك
وتعالى من باب الرحمة ..فيغفر لك وتستعين به فيجيبك.
وانت حين تسقط في معصية تستعيذ برحمة ال من عدله ،لن عدل ال ل يترك صغيرة ول
كبيرة إل احصاها.
ش ِفقِينَ ِممّا فِي ِه وَ َيقُولُونَ ياوَيْلَتَنَا مَالِ
وأقرأ قول ال تعالىَ {:و ُوضِعَ ا ْلكِتَابُ فَتَرَى ا ْلمُجْ ِرمِينَ مُ ْ
ظلِمُ رَ ّبكَ
عمِلُواْ حَاضِرا وَلَ يَ ْ
حصَاهَا َووَجَدُواْ مَا َ
صغِي َر ًة َولَ كَبِي َرةً ِإلّ َأ ْ
هَـاذَا ا ْلكِتَابِ لَ ُيغَادِ ُر َ
أَحَدا }[الكهف ]49 :ولول رحمة ال التي سبقت عدله .ما بقي للناس نعمة وما عاش أحد على
ظهر الرض ..فال جل جلله يقول {:وََلوْ ُيؤَاخِذُ اللّهُ النّاسَ بِظُ ْل ِم ِهمْ مّا تَ َركَ عَلَ ْيهَا مِن دَآبّ ٍة وَلكِن
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
جُلهُ ْم لَ يَسْتَ ْأخِرُونَ سَاعَ ًة َولَ يَسْ َتقْ ِدمُونَ }[النحل]61 :
سمّىا فَِإذَا جَآءَ أَ َ
جلٍ مّ َ
ُيؤَخّرُ ُهمْ إلَىا أَ َ
فالنسان خلق ضعيفا ،وخلق هلوعا .ورسول ال صلى ال عليه وسلم يقول " :ل يدخل أحدكم
الجنة بعمله إل أن يتغمده ال برحمته ،قالوا :حتى أنت يا رسول ال قال :حتى أنا ".
فذنوب النسان في الدنيا كثيرة ..إذا حكم فقد يظلم .وإذا ظن فقد يسئ ..وإذا تحدث فقد يكذب..
وإذا شهد فقد يبتعد عن الحق ..وإذا تكلم فقد يغتاب.
هذه ذنوب نرتكبها بدرجات متفاوتة .ول يمكن لحد منا ان ينسب الكمال لنفسه حتى الذين يبذلون
اقصى جهدهم في الطاعة ل يصلون الى الكمال ،فالكمال ل وحده .ورسول ال صلى ال عليه
وسلم يقول " :كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ".
ويصف ال سبحانه وتعالى النسان في القرآن الكريم {:وَآتَاكُم مّن ُكلّ مَا سَأَلْ ُتمُو ُه وَإِن َتعُدّواْ
حصُوهَا إِنّ النْسَانَ لَظَلُومٌ َكفّارٌ }[إبراهيم ]34 :ولذلك أراد الحق سبحانه وتعالى
ِن ْع َمتَ اللّ ِه لَ تُ ْ
حمَـانِ
أل تمنعنا المعصية عن ان ندخل الى كل عمل باسم ال ..فعلمنا أن نقولِ } :بسْمِ اللّهِ الرّ ْ
الرّحِيمِ { لكي نعرف أن الباب مفتوح للستعانة بال .وأن المعصية ل تمنعنا من الستعانة في كل
عمل باسم ال ..لنه رحمن رحيم ،فيكون ال قد أزال وحشتك من المعصية في الستعانة به
سبحانه وتعالى.
ولكن الرحمن الرحيم في الفاتحة مقترنة برب العالمين ،الذي أوجدك من عدم ..وأمدك بنعم ل تعد
ول تحصى .انت تحمده على هذه النعم التي أخذتها برحمة ال سبحانه وتعالى في ربوبيته ،ذلك
أن الربوبية ليس فيها من القسوة بقدر ما فيها من رحمة.
وال سبحانه وتعالى رب للمؤمن والكافر ،فهو الذي استدعاهم جميعا الى الوجود .ولذلك فإنه
يعطيهم من النعم برحمته ..وليس بما يستحقون ..فالشمس تشرق على المؤمن والكافر ..ول
تحجب أشعتها عن الكافر وتعطيها للمؤمن فقط ،والمطر ينزل على من يعبدون ال .ومن يعبدون
أوثانا من دون ال .والهواء يتنفسه من قال ل إله إل ال ومن لم يقلها.
وكل النعم التي هي من عطاء الربوبية ل هي في الدنيا لخلقه جميعا ،وهذه رحمة ..فال رب
الجميع من أطاعه ومن عصاه .وهذه رحمة ،وال قابل للتوبة ،وهذه رحمة..
حمَـانِ الرّحِيمِ { بمعنى رحمة ال في ربوبيته لخلقه ،فهو يمهل
إذن ففي الفاتحة تأتي } الرّ ْ
العاصي ويفتح ابواب التوبة لكل من يلجأ اليه.
حمَـانِ الرّحِيمِ { في
وقد جعل ال رحمته تسبق غضبه .وهذه رحمة تستوجب الشكر .فمعنى } الرّ ْ
البسملة يختلف عنها في الفاتحة .فإذا انتقلنا بعد ذلك الي قوله تعالى:
حمْدُ للّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ { فال محمود لذاته ومحمود لصفاته ،ومحمود لنعمه ،ومحمود لرحمته،
} ا ْل َ
ومحمود لمنهجه ،ومحمود لقضائه ،ال محمود قبل ان يخلق من يحمده .ومن رحمة ال سبحانه
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وتعالى أنه جعل الشكر له في كلمتين اثنتين هما الحمد ل.
والعجيب أنك حين تشكر بشرا على جميل فعله تظل ساعات وساعات ..تعد كلمات الشكر
والثناء ،وتحذف وتضيف وتأخذ رأي الناس .حتى تصل الى قصيدة أو خطاب ملئ بالثناء
والشكر .ولكن ال سبحانه وتعالى جلت قدرته وعظمته نعمه ل تعد ول تحصى ،علمنا أن نشكره
في كلمتين اثنتين هما :الحمد ل..
ولعلنا نفهم ان المبالغة في الشكر للبشر مكروهة لنها تصيب النسان بالغرور والنفاق وتزيد
العاصي في معاصيه ..فلنقلل من الشكر والثناء للبشر ..لننا نشكر ال لعظيم نعمه علينا بكلمتين
هما :الحمد ل ،ومن رحمة ال سبحانه وتعالى أنه علمنا صيغة الحمد .فلو أنه تركها دون أن
يحددها بكلمتين ..لكان من الصعب على البشر أن يجدوا الصيغة المناسبة ليحمدوا ال على هذا
الكمال اللهي ..فمهما أوتي الناس من بلغة وقدرة على التعبير .فهم عاجزون على أن يصلوا
الى صيغة الحمد التي تليق بجلل المنعم ..فكيف نحمد ال والعقل عاجز أن يدرك قدرته أو
يحصي نعمه أو يحيط برحمته؟ ورسول ال صلى ال عليه وسلم أعطانا صورة العجز البشري
عن حمد كمال اللوهية ل ،فقال " :ل أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ".
وكلمتا الحمد ل ،ساوى ال بهما بين البشر جميعا ،فلو أنه ترك الحمد بل تحديد ،لتفاوتت درجات
الحمد بين الناس بتفاوت قدراتهم على التعبير .فهذا أمي ل يقرأ ول يكتب ل يستطيع أن يجد
الكلمات التي يحمد بها ال .وهذا عالم له قدرة على التعبير يستطيع ان يأتي بصيغة الحمد بما
أوتي من علم وبلغة .وهكذا تتفاوت درجات البشر في الحمد ..طبقا لقدرتهم في منازل الدنيا.
ولكن الحق تبارك وتعالى شاء عدله أن يسوي بين عباده جميعا في صيغة الحمد له ..فيعلمنا في
ح ْمدُ للّهِ { ليعطي الفرصة المتساوية لكل عبيده بحيث
أول كلماته في القرآن الكريم ..أن نقول } الْ َ
يستوي المتعلم وغير المتعلم في عطاء الحمد ومن أوتي البلغة ومن ل يحسن الكلم.
ولذلك فإننا نحمد ال سبحانه وتعالى على أنه علمنا كيف نحمده وليظل العبد دائما حامدا .ويظل
ال دائما محمودا ..فال سبحانه وتعالى قبل أن يخلقنا خلق لنا موجبات الحمد من النعم ،فخلق لنا
السماوات والرض وأوجد لنا الماء والهواء .ووضع في الرض أقواتها الى يوم القيامة ..وهذه
نعمة يستحق الحمد عليها لنه جل جلله جعل النعمة تسبق الوجود النساني ،فعندما خلق النسان
كانت النعمة موجودة تستقبله .بل ان ال جل جلله قبل أن يخلق آدم أبا البشر جميعا سبقته الجنة
التي عاش فيها ل يتعب ول يشقى .فقد خلق فوجد ما يأكله وما يشربه وما يقيم حياته وما يتمتع
به موجودا وجاهزا ومعدا قبل الخلق ..وحينما نزل آدم وحواء الى الرض كانت النعمة قد
سبقتهما .فوجدا ما يأكلنه وما يشربانه ،وما يقيم حياتهما ..ولو أن النعمة لم تسبق الوجود
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
النساني وخلقت بعده لهلك النسان وهو ينتظر مجيء النعمة.
بل ان العطاء اللهي للنسان يعطيه النعمة بمجرد أن يخلق في رحم أمه فيجد رحما مستعدا
لستقباله وغذاء يكفيه طول مدة الحمل .فاذا خرج الى الدنيا يضع ال في صدر أمه لبنا ينزل
وقت أن يجوع ويمتنع وقت أن يشبع .وينتهي تماما عندما تتوقف فترة الرضاعة .ويجد أبا وأما
يوفران له مقومات حياته حتى يستطيع أن يعول نفسه ..وكل هذا يحدث قبل ان يصل النسان إلى
حمْدُ للّهِ {.
مرحلة التكليف وقبل أن يستطيع ان ينطق } :ا ْل َ
وهكذا نرى أن النعمة تسبق ا ْلمُ ْنعَمَ عليه دائما ..فالنسانَ حيث يقول " الحمد ل " فلن موجبات
الحمد ـ وهي النعمة ـ موجودة في الكون قبل الوجود النساني.
وال سبحانه وتعالى خلق لنا في هذا الكون أشياء تعطي النسان بغير قدرة منه ودون خضوع له،
والنسان عاجز عن أن يقدم لنفسه هذه النعم التي يقدمها الحق تبارك وتعالى له بل جهد.
فالشمس تعطي الدفء والحياة للرض بل مقابل وبل فعل من البشر ،والمطر ينزل من السماء
دون ان يكون لك جهد فيه أو قدرة على إنزاله .والهواء موجود حولك في كل مكان تتنفس منه
دون جهد منك ول قدرة .والرض تعطيك الثمر بمجرد أن تبذر فيها الحب وتسقيه ..فالزرع
ينبت بقدرة ال ..والليل والنهار يتعاقبان حتى تستطيع أن تنام لترتاح ،وأن تسعى لحياتك ..ل أنت
أتيت بضوء النهار ،ول أنت الذي صنعت ظلمة الليل ،ولكنك تأخذ الراحة في الليل والعمل في
النهار بقدرة ال دون أن تفعل شيئا.
كل هذه الشياء لم يخلقها النسان ،ولكنه خلق ليجدها في الكون تعطيه بل مقابل ول جهد منه.
أل تستحق أن نقول الحمد ل على نعمة تسخير الكون لخدمة النسان؟ إنها تقتضي وجوب الحمد.
وآيات ال سبحانه وتعالى في كونه تستوجب الحمد ..فالحياة التي وهبها ال لنا ،واليات التي
أودعها في كونه لتدلنا على أن لهذا الكون خالقا عظيما .فالكون بشمسه وقمره ونجومه وأرضه
وكل ما فيه مما يفوق قدرة النسان ..ول يستطيع أحد أن يدعيه لنفسه .فل أحد مهما بلغ علمه
يستطيع أن يدعي أنه خلق الشمس أو أوجد النجوم أو وضع الرض أو وضع قوانين الكون أو
أعطى غلفها الجوي ..أو خلق نفسه أو خلق غيره.
هذه اليات كلها أعطتنا الدليل على وجود قوة عظمى ،وهي التي أوجدت وهي التي خلقت ..وهذه
اليات ليست ساكنة ،لتجعلنا في سكونها ننساها ،بل هي متحركة لتلفتنا الي خالق هذا الكون
العظيم.
فالشمس تشرق في الصباح فتذكرنا باعجاز الخلق ،وتغيب في المساء لتذكرنا بعظمة الخالق..
وتعاقب الليل والنهار يحدث أمامنا كل يوم علمنا نلتفت ونفيق ..والمطر ينزل من السماء ليذكرنا
بألوهية من أنزله ..والزرع يخرج من الرض يسقي بماء واحد .ومع ذلك فإن كل نوع له لون
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وله شكل وله مذاق وله رائحة ،وله تكوين يختلف عن الخر ،ويأتي الحصاد فيختفي الثمر
والزرع ..ويأتي موسم الزراعة فيعود من جديد.
كل شيء في هذا الكون متحرك ليذكرنا اذا نسينا ،ويعلمنا أن هناك خالقا عظيما.
ونستطيع أن نمضي في ذلك بل نهاية فنعم ال ل تعد ول تحصى ..وكل واحدة منها تدلنا على
وجود الحق سبحانه وتعالى ،وتعطينا الدليل اليماني على ان لهذا الكون خالقا مبدعا ..وانه ل
حمْدُ للّهِ
أحد يستطيع أن يدعي أنه خلق الكون أو خلق ما فيه ..فالقضية محسومة ل ..و } ا ْل َ
{ لنه وضع في نفوسنا اليمان الفطري ثم أيده بإيمان عقلي بآياته في كونه.
بل إن كل شيء في هذا الكون يقتضي الحمد ،ومع ذلك فإن النسان يمتدح الوجود وينسى
الموجود!! فأنت حين ترى زهرة جميلة مثل أو زهرة غاية في البداع.
.أو أي خلق من خلق ال يشيع في نفسك الجمال تمتدح هذا الخلق ..فتقول :ما أجمل هذه الزهرة
أو هذه الجوهرة أو هذا المخلوق ..ولكن المخلوق الذي امتدحته ،لم يعط صفة الجمال لنفسه..
فالزهرة ل دخل لها أن تكون جميلة أو غير جميلة ،والجوهرة ل دخل لها في عظمة خلقها ..وكل
شيء في هذا الكون لم يضع الجمال لنفسه وانما الذي وضع الجمال فيه هو ال سبحانه وتعالى،
فل نخلط ونمدح المخلوق وننسى الخالق ..بل قل :الحمد ل الذي أوجد في الكون ما يذكرنا
بعظمة الخالق ودقة الخلق.
ومنهج ال سبحانه وتعالى يقتضي منا الحمد ،لن ال أنزل منهجه ليرينا طريق الخير ويبعدنا عن
طريق الشر.
فمنهج ال الذي أنزله على رسله قد عرفنا ان ال تبارك وتعالى هو الذي خلق لنا هذا الكون
وخلقنا ..فدقة الخلق وعظمته تدلنا على أن هناك خالقا عظيما ..ولكنها ل تستطيع أن تقول لنا من
هو ،ول ماذا يريد منا .ولذلك أرسل ال رسله ،ليقولوا لنا إن الذي خلق هذا الكون وخلقنا هو ال
تبارك وتعالى وهذا يستوجب الحمد.
ومنهج ال بين لنا ماذا يريد الحق منا ،وكيف نعبده ..وهذا يستوجب الحمد .ومنهج ال جل جلله
أعطانا الطريق وشرع لنا اسلوب حياتنا تشريعا حقا ..فال تبارك وتعالى ل يفرق بين أحد منا..
ول يفضل أحدا على احد إل بالتقوى ،فكلنا خلق متساوون أمام ال جل جلله..
إذن :فشريعة الحق ،وقول الحق ،وقضاء الحق ،هو من ال ،أما تشريعات الناس فلها هوى ،تميز
بعضا عن بعض ..وتأخذ حقوق بعض لتعطيها للخرين ،لذلك نجد في كل منهج بشرى ظلما
بشريا.
فالدول الشيوعية أعضاء اللجنة المركزية فيها هم أصحاب النعمة والترف .بينما الشعب كله في
شقاء ..لن هؤلء الذي شرعوا اتبعوا هواهم .ووضعوا مصالحهم فوق كل مصلحة ..وكذلك في
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الدول الرأسمالية .أصحاب رأس المال يأخذون كل الخير .ولكن ال سبحانه وتعالى حين نزل لنا
المنهج قضى بالعدل بين الناس ..وأعطى كل ذي حق حقه .وعلمنا كيف تستقيم الحياة على
الرض عندما تكون بعيدة عن الهوى البشري خاضعة لعدل ال ،وهذا يوجب الحمد.
والحق سبحانه وتعالى ،يستحق منا الحمد لنه ل يأخذ منا ولكنه يعطينا .فالبشر في كل عصر
يحاولون استغلل البشر ..لنهم يطمعون لما في ايديهم من ثروات وأموال ،ولكن ال سبحانه
وتعالى ل يحتاج الى ما في أيدينا ،إنه يعطينا ول يأخذ منا ،عنده خزائن كل شيء مصداقا لقوله
شيْءٍ ِإلّ عِندَنَا خَزَائِنُ ُه َومَا نُنَزّلُهُ ِإلّ ِبقَدَرٍ ّمعْلُومٍ }[الحجر ]21 :فال سبحانه
جل جلله {:وَإِن مّن َ
وتعالى دائم العطاء لخلقه ،والخلق يأخذون دائما من نعم ال ،فكأن العبودية ل تعطيك ول تأخذ
منك وهذا يستوجب الحمد.
.
وال سبحانه وتعالى في عطائه يجب أن يطلب منه النسان ،وأن يدعوه وان يستعين به ،وهذا
يتوجب الحمد لنه يقينا الذل في الدنيا .فأنت إن طلبت شيئا من صاحب نفوذ ،فلبد ان يحدد لك
موعدا أو وقت الحديث ومدة المقابلة ،وقد يضيق بك فيقف لينهي اللقاء ..ولكن ال سبحانه وتعالى
بابه مفتوح دائما ..فأنت بين يديه عندما تريد ،وترفع يديك الى السماء وتدعو وقتما تحب ،وتسأل
ال ما تشاء ،فيعطيك ما تريده إن كان خيرا لك ..ويمنع عنك ما تريده ان كان شرا لك.
جبْ َل ُكمْ إِنّ
وال سبحانه وتعالى يطلب منك ان تدعوه وان تسأله فيقولَ {:وقَالَ رَ ّبكُـمُ ادْعُونِي أَسْتَ ِ
جهَنّمَ دَاخِرِينَ }[غافر ]60 :ويقول سبحانه وتعالى {:وَإِذَا
الّذِينَ َيسْ َتكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَ َيدْخُلُونَ َ
ع َوةَ الدّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْ َتجِيبُواْ لِي وَلْ ُيؤْمِنُواْ بِي َلعَّلهُمْ
سَأََلكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَ ْ
يَرْشُدُونَ }[البقرة ]186 :وال سبحانه وتعالى يعرف ما في نفسك ،ولذلك فإنه يعطيك دون أن
تسأل .واقرأ الحديث القدسي:
يقول رب العزة:
" من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين ".
وال سبحانه وتعالى عطاؤه ل ينفد ،وخزائنه ل تفرغ ،فكلما سألته جل جلله كان لديه المزيد،
ومهما سألته فإنه ل شيء عزيز على ال سبحانه وتعالى ،إذا أراد أن يحققه لك..
واقرأ قول الشاعر:حسب نفسي عزا بأنني عبد يحتفي بي بل مـواعيد ربهو في قدسه العز
ولكن أنا ألقى متى وأين أحبإذن :عطاء ال سبحانه وتعالى يستوجب الحمد ..ومنعه العطاء
يستوجب الحمد.
ووجود ال سبحانه وتعالى الواجب الوجود يستوجب الحمد ..فال يستحق الحمد لذاته ،ولول عدل
ال لبغى الناس في الرض وظلموا ،ولكن يد ال تبارك وتعالى حين تبطش بالظالم تجعله عبرة..
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فيخاف الناس الظلم ..وكل من أفلت من عقاب الدنيا على معاصيه وظلمه واستبداده سيلقى ال في
الخرة ليوفيه حسابه ..وهذا يوجب الحمد ..أن يعرف المظلوم أنه سينال جزاءه فتهدأ نفسه
ويطمئن قلبه ان هناك يوما سيرى فيه ظالمه وهو يعذب في النار ..فل تصيبه الحسرة ،ويخف
احساسه بمرارة الظلم حين يعرف ان ال قائم على كونه لن يفلت من عدله أحد.
حمْدُ للّهِ { فنحن نعبر عن انفعالت متعددة ..وهي في مجموعها تحمل العبودية
وعندما نقول } :ا ْل َ
والحب والثناء والشكر والعرفان ..وكثير من النفعالت التي تمل النفس عندما تقول " :الحمد ل
" كلها تحمل الثناء العاجز عن الشكر لكمال ال وعطائه ..هذه النفعالت تأتي من النفس وتستقر
في القلب ..ثم تفيض من الجوارح على الكون كله.
.
فالحمد ليس ألفاظا تردد باللسان ،ولكنها تمر أول على العقل ليعي معنى النعم ..ثم بعد ذلك تستقر
في القلب فينفعل بها ..وتنتقل الي الجوارح فأقوم واصلي ل شاكرا ويهتز جسدي كله ،وتفيض
الدمعة من عيني ..وينتقل هذا النفعال كله الي من حولي.
ونفسر ذلك قليل ..هب انني في أزمة أو كرب أو شيء سيؤدي الي فضيحة ..وجاءني من يفرج
كربي فيعطيني مال أو يفتح لي طريقا ..أول شيء انني سأعقل هذا الجميل فأقول انه يستحق
الشكر ..ثم ينزل هذا المعنى الي قلبي فيهتز القلب الي صانع هذا الجميل ..ثم تنفعل جوارحي
لترجم هذه العاطفة إلي عمل يرضيه على جميل صنعه .ثم أحدث الناس عن جميله وكرمه
فيسارعون إلي اللتجاء اليه ..فتتسع دائرة الحمد وتنزل النعم على الناس ..فيمرون بنفس ما
حدث لي فتتسع دائرة الشكر والحمد..
شكَرْتُمْ
والحمد ل تعطينا المزيد من نعم ال مصداقا لقوله تبارك وتعالى {:وَإِذْ تَأَذّنَ رَ ّبكُمْ لَئِن َ
عذَابِي لَشَدِيدٌ }[إبراهيم ]7 :وهكذا نعرف ان الشكر على النعمة يعطينا
لَزِيدَ ّنكُ ْم وَلَئِن َكفَرْتُمْ إِنّ َ
مزيدا من النعمة ..فنشكر عليها فتعطينا المزيد وهكذا يظل الحمد دائما والنعمة دائمة ..اننا لو
استعرضنا حياتنا كلها فكل حركة فيها تقتضي الحمد ،عندما ننام ويأخذ ال سبحانه وتعالى
أرواحنا ،ثم يردها الينا عندما نستيقظ ،فإن هذا يوجب الحمد ،فال سبحانه وتعالى يقول {:اللّهُ
سلُ
ت وَيُرْ ِ
سكُ الّتِي َقضَىا عَلَ ْيهَا ا ْل َموْ َ
يَ َت َوفّى الَنفُسَ حِينَ َموْتِـهَا وَالّتِي َلمْ َت ُمتْ فِي مَنَامِـهَا فَ ُيمْ ِ
سمّى إِنّ فِي ذَِلكَ ليَاتٍ ّل َقوْمٍ يَ َت َفكّرُونَ }[الزمر ]42 :وهكذا فإن مجرد
جلٍ مّ َ
الُخْرَىا إِلَىا َأ َ
استيقاظنا من النوم ،وان ال سبحانه وتعالى رد علينا أرواحنا ،وهذا الرد يستوجب الحمد ،فإذا
قمنا من السرير فال سبحانه وتعالى هو الذي يعطينا القدرة على الحركة ،ولول عطاؤه ما
استطعنا ان نقوم ..وهذا يستوجب الحمد ..فإذا تناولنا افطارنا فال هيأ لنا طعاما من فضله ،فهو
الذي خلقه ،وهو الذي انبته ،وهو الذي زرقنا به ،وهذا يستوجب الحمد..
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فإذا نزلنا الى الطريق يسر ال لنا ما ينقلنا الى مقر اعمالنا وسخره لنا ،سواء كنا نملك سيارة او
نستخدم وسائل المواصلت ،فله الحمد ،واذا تحدثنا مع الناس فال سبحانه وتعالى هو الذي اعطى
السنتنا القدرة على النطق ولو شاء لجعلها خرساء ل تنطق ..وهذا يستوجب الحمد ،فإذا ذهبنا الى
أعمالنا ،فال يسر لنا عمل نرتزق منه لنأكل حلل ..وهذا يستوجب الحمد..
واذا عدنا الى بيوتنا فال سخر لنا زوجاتنا ورزقنا بأولدنا وهذا يستوجب الحمد.
اذن فكل حركة حياة في الدنيا من النسان تستوجب الحمد ..ولهذا لبد ان يكون النسان حامدا
دائما ..بل ان النسان يجب ان يحمد ال على اي مكروه أصابه؛ لنه قد يكون الشيء الذي يعتبره
شرا هو عينه الخير.
حلّ َلكُمْ أَن تَرِثُواْ النّسَآءَ كَرْها َولَ َت ْعضُلُوهُنّ لِتَ ْذهَبُواْ
فال تعالى يقول {:يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُو ْا لَ يَ ِ
شةٍ مّبَيّنَ ٍة وَعَاشِرُوهُنّ بِا ْل َمعْرُوفِ فَإِن كَرِهْ ُتمُوهُنّ َفعَسَىا أَن
بِ َب ْعضِ مَآ آتَيْ ُتمُوهُنّ ِإلّ أَن يَأْتِينَ ِبفَاحِ َ
ج َعلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرا كَثِيرا }[النساء ]19 :اذن فأنت تحمد ال لن قضاءه خير..
َتكْرَهُواْ شَيْئا وَيَ ْ
سواء أحببت القضاء أو كرهته فإنه خير لك ..لنك ل تعلم وال سبحانه وتعالى يعلم.
وهكذا من موجبات الحمد أن تقول الحمد ل على كل ما يحدث لك في دنياك .فأنت بذلك ترد
المر الى ال الذي خلقك ..فهو أعلم بما هو خير لك.
فاتحة الكتاب تبدأ بالحمد ل رب العالمين ..لماذا قال ال سبحانه وتعالى رب العالمين؟ نقول إن }
ح ْمدُ للّهِ { تعني حمد اللوهية .فكلمة ال تعني المعبود بحق ..فالعبادة تكليف والتكليف يأتي من
الْ َ
ال لعبيده ..فكأن الحمد اول ل ..ثم يقتضي بعد ذلك أن يكون الحمد لربوبية ال على ايجادنا من
عدم وامدادنا من عدم ..لن المتفضل بالنعم قد يكون محمودا عند كل الناس ..لكن التكليف يكون
شاقا على بعض الناس ..ولو علم الناس قيمة التكليف في الحياة ..لحمدوا ال أن كلفهم بافعل ول
تفعل ..لنه ضمن عدم تصادم حركة حياتهم ..فتمضي حركة الحياة متساندة منسجمة .اذن
فالنعمة الولى هي أن المعبود ابلغنا منهج عبادته ،والنعمة الثانية أنه رب العالمين.
في الحياة الدنيا هناك المطيع والعاصي ،والمؤمن وغير المؤمن ..والذين يدخلون في عطاء
اللوهية هم المؤمنون ..أما عطاء الربوبية فيشمل الجميع ..ونحن نحمد ال على عطاء ألوهيته،
ونحمد ال على عطاء ربوبيته ،لنه الذي خلق ،ولنه رب العالمين ..الكون كله ل يخرج عن
حكمه ..فليطمئن الناس في الدنيا ان النعم مستمرة لهم بعطاء ربوبيه ..فل الشمس تستطيع أن
تغيب وتقول لن أشرق ول النجوم تستطيع أن تصطدم بعضها ببعض في الكون ،ول الرض
تستطيع أن تمنع إنبات الزرع ..ول الغلف الجوي يستطيع أن يبتعد عن الرض فيختنق الناس
جميعا..
اذن فال سبحانه وتعالى يريد ان يطمئن عباده انه رب لكل ما في الكون فل تستطيع اى قوى
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
تخدم النسان ان تمتنع عن خدمته ..لن ال سبحانه وتعالى مسيطر على كونه وعلى كل ما
خلق ..انه رب العالمين وهذه توجب الحمد ..ان يهيئ ال سبحانه وتعالى للنسان ما يخدمه ،بل
جعله سيدا في كونه ..ولذلك فإن النسان المؤمن ل يخاف الغد ..وكيف يخافه وال رب العالمين.
اذا لم يكن عنده طعام فهو واثق ان ال سيرزقه لنه رب العالمين.
.واذا صادفته ازمة فقلبه مطمئن الي ان ال سيفرج الزمة ويزيل الكرب لنه رب العالمين..
واذا اصابته نعمة ذكر ال فشكره عليها لنه رب العالمين الذي انعم عليه.
فالحق سبحانه وتعالى يحمد على انه رب العالمين ..ل شيء في كونه يخرج عن مراده الفعلي..
اما عطاء اللوهية فجزاؤه في الخرة ..فالدنيا دار اختبار لليمان ،والخرة دار الجزاء ..ومن
الناس من ل يعبد ال ..هؤلء متساوون في عطاء الربوبية مع المؤمنين في الدنيا ..ولكن في
الخرة يكون عطاء اللوهية للمؤمنين وحدهم ..فنعم ال لصحاب الجنة ،وعطاءات ال لمن
آمن ..واقرأ قوله تبارك وتعالىُ {.قلْ مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّهِ الّتِي أَخْرَجَ ِلعِبَا ِد ِه وَالْطّيّبَاتِ مِنَ الرّ ْزقِ
ُقلْ هِي لِلّذِينَ آمَنُواْ فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا خَاِلصَةً َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ كَذَِلكَ ُن َفصّلُ اليَاتِ ِلقَوْمٍ َيعَْلمُونَ }
[العراف ]32 :على ان الحمد ل ليس في الدنيا فقط ..بل هو في الدنيا والخرة ..ال محمود
دائما ..في الدنيا بعطاء ربوبيته لكل خلقه ..وعطاء الوهيته لمن آمن به وفي الخرة بعطائه
للمؤمنين من عباده ..واقرأ قوله جل جللهَ {:وقَـالُواْ ا ْلحَـمْدُ للّهِ الّذِي صَ َدقَنَا وَعْ َد ُه وََأوْرَثَنَا
عوَاهُمْ فِيهَا
الَ ْرضَ نَتَ َبوّأُ مِنَ ا ْلجَنّةِ حَ ْيثُ نَشَآءُ فَ ِنعْمَ أَجْرُ ا ْلعَامِلِينَ }[الزمر ]74 :وقوله تعالى {:دَ ْ
حمْدُ للّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ }[يونس ]10 :فاذا
عوَاهُمْ أَنِ الْ َ
سُ ْبحَا َنكَ الّلهُ ّم وَتَحِيّ ُت ُهمْ فِيهَا سَلَمٌ وَآخِرُ دَ ْ
حمَـانِ الرّحِيمِ { فمن موجبات الحمد أن ال سبحانه وتعالى رحمن
انتقلنا الى قوله تعالى } :الرّ ْ
رحيم ..يعطي نعمه في الدنيا لكل عباده عطاء ربوبية ،وعطاء الربوبية للمؤمن والكافر ..وعطاء
الربوبية ل ينقطع ال عندما يموت النسان..
وال ل يحجب نعمه عن عبيده في الدنيا ..ونعم ال ل تعد ول تحصى ومع كل التقدم في اللت
الحاسبة والعقول اللكترونية وغير ذلك فإننا لم نجد أحدا يتقدم ويقول انا سأحصي نعم ال ..لن
موجبات الحصاء ان تكون قادرا عليه ..فانت ل تقبل على عد شيء ال اذا كان في قدرتك ان
تحصيه ..ولكن مادام ذلك خارج قدرتك وطاقاتك فانك ل تقبل عليه ..ولذلك لن يقبل احد حتى
يوم القيامة على احصاء نعم ال تبارك وتعالى لن احدا ل يمكن ان يحصيها.
ولبد ان نلتفت الى ان الكون كله يضيق بالنسان ،وان العالم المقهور الذي يخدمنا بحكم القهر
والتسخير يضيق حين يرى العاصين ..لن المقهور مستقيم على منهج ال قهرا ..فحين يرى كل
مقهور النسان الذي هو خدمته عاصيا يضيق.
واقرأ الحديث القدسي لتعرف شيئا عن رحمة ال بعباده ..يقول ال عز وجل " :ما من يوم تطلع
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شمسه إل وتنادي السماء تقول يا رب إئذن لي أن أسقط كسفا على ابن آدم؛ فقد طعم خيرك ومنع
شكرك وتقول البحار يا رب إئذن لي أن أغرق ابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك .وتقول
الجبال يا رب إئذن لي أن أطبق على ابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك .فيقول ال تعالى:
دعوهم دعوهم لو خلقتموهم لرحمتوهم إنهم عبادي فإن تابوا إلي فأنا حبيبهم ،وإن لم يتوبوا فأنا
طبيبهم "
()2 /
اذا كانت كل نعم ال تستحق الحمد ..فإن { مَـاِلكِ َيوْمِ الدّينِ } تستحق الحمد الكبير ..لنه لو لم
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يوجد يوم للحساب ،لنجا الذي مل الدنيا شرورا .دون أن يجازى على ما فعل ..ولكان الذي التزم
بالتكليف والعبادة وحرم نفسه من متع دنيوية كثيرة إرضاء ل قد شقي في الحياة الدنيا ..ولكن
لن ال تبارك وتعالى هو { مَـاِلكِ َيوْمِ الدّينِ } ..أعطى التزان للوجود كله ..هذه الملكية ليوم
الدين هي التي حمت الضعيف والمظلوم وأبقت الحق في كون ال ..إن الذي منع الدنيا أن تتحول
إلي غابة يفتك فيها القوي بالضعيف والظالم بالمظلوم هو أن هناك آخرة وحسابا ،وأن ال سبحانه
وتعالى هو الذي سيحاسب خلقه.
والِنسان المستقيم استقامته تنفع غيره؛ لنه يخشى ال ويعطي كل ذي حق حقه ويعفو ويسامح..
إذن كل من حوله قد استفاد من خلقه الكريم ومن وقوفه مع الحق والعدل
أما النسان العاصي فيشقى به المجتمع لنه ل احد يسلم من شره ول احد ال يصيبه ظلمه..
ولذلك فإن { مَـاِلكِ َيوْمِ الدّينِ } هي الميزان ..تعرف أنت ان الذي يفسد في الرض تنتظره
الخره ..لن يفلت مهما كانت قوته ونفوذه ،فتطمئن اطمئنانا كاملً إلي أن عدل ال سينال كل
ظالم.
على أن { مَـاِلكِ َيوْمِ الدّينِ } لها قراءتان { ..مَـاِلكِ َي ْومِ الدّينِ } ..وملك يوم الدين .والقراءتان
صحيحتان ..وال تبارك وتعالى وصف نفسه في القرآن الكريم بأنه { :مَـاِلكِ َيوْمِ الدّينِ }..
ومالك الشيء هو المتصرف فيه وحده ..ليس هناك دخل لي فرد آخر ..أنا أملك عباءتي..
وأملك متاعي ،وأملك منزلي ،وانا المتصرف في هذا كله أحكم فيه بما أراه..
فمالك يوم الدين ..معناها أن ال سبحانه وتعالى سيصرف أمور العباد في ذلك اليوم بدون
أسباب ..وأن كل شيء سيأتي من ال مباشرة ..دون ان يستطيع أحد أن يتدخل ولو ظاهرا..
ففي الدنيا يعطى ال الملك ظاهرا لبعض الناس ..ولكن في يوم القيامة ليس هناك ظاهر ..فالمر
مباشر من ال سبحانه وتعالى ..ولذلك يقول ال في وصف يوم الدين {:كَلّ َبلْ ُتكَذّبُونَ بِالدّينِ }
[النفطار ]9 :فكأن ال سبحانه وتعالى خلق النسان في الدنيا لتمضي بها الحياة ..ولكن في
الخرة ل توجد أسباب .الملك في ظاهر الدنيا من ال يهبه لمن يشاء ..واقرأ قوله تعالىُ {:قلِ
الّلهُمّ مَاِلكَ ا ْلمُ ْلكِ ُتؤْتِي ا ْلمُ ْلكَ مَن تَشَآ ُء وَتَنزِعُ ا ْلمُ ْلكَ ِممّنْ تَشَآ ُء وَ ُتعِزّ مَن تَشَآ ُء وَتُ ِذلّ مَن َتشَآءُ بِ َي ِدكَ
شيْءٍ قَدِيرٌ }[آل عمران ]26 :ولعل قوله تعالى " :تنزع " تلفتنا إلى أن أحدا
الْخَيْرُ إِ ّنكَ عَلَىا ُكلّ َ
في الدنيا ل يريد ان يترك الملك.
.ولكن الملك يجب ان ينتزع منه انتزاعا بالرغم عن ارادته ..وال هو الذي ينزع الملك ممن
يشاء..
وهنا نتساءل هل الملك في الدنيا والخرة ليس ل؟ ..نقول المر في كل وقت ل ..ولكن ال
تبارك وتعالى استخلف بعض خلقه أو مكنهم من الملك في الرض ..ولذلك نجد في القرآن الكريم
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
قوله تعالى {:أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِي حَآجّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ ا ْلمُ ْلكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَ ّبيَ الّذِي
شمْسِ مِنَ ا ْلمَشْرِقِ فَ ْأتِ ِبهَا مِنَ
يُحْيِـي وَ ُيمِيتُ قَالَ أَنَا ُأحْيِـي وَُأمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنّ اللّهَ يَأْتِي بِال ّ
ا ْل َمغْ ِربِ فَ ُب ِهتَ الّذِي كَفَ َر وَاللّ ُه لَ َيهْدِي ا ْلقَوْمَ الظّاِلمِينَ }[البقرة ]258 :والذي حاج ابراهيم في ربه
كافر منكر لللوهية ..ومع ذلك فإنه لم يأخذ الملك بذاته ..بل ال جل جلله هو الذي اتاه الملك..
اذن ال تبارك وتعالى هو الذي استخلف بعض خلقه ومكنهم من ملك الرض ظاهريا ..ومعنى
ذلك انه ملك ظاهر للناس فقط ..أن بشرا أصبح ملكا ..ولكن الملك ليس نابعا من ذات من يملك..
ولكنه نابع من أمر ال ..ولو كان نابعا من ذاتية من يملك لبقى له ولم ينزع منه ..والملك الظاهر
يمتحن فيه العباد ،فيحاسبهم ال يوم القيامة ..كيف تصرفوا؟ وماذا فعلوا؟ ..ويمتحن فيه الناس هل
سكتوا على الحاكم الظالم؟ ..وهل استحبوا المعصية؟ أم أنهم وقفوا مع الحق ضد الظلم؟ ..وال
سبحانه وتعالى ل يمتحن الناس ليعلم المصلح من المفسد ..ولكنه يمتحنهم ليكونوا شهداء على
أنفسهم ..حتى ل يأتي واحد منهم يوم القيامة ويقول :يا رب لو أنك أعطيتني الملك ل تبعت
طريق الحق وطبقت منهجك.
وهنا يأتي سؤال ..اذا كان ال سبحانه وتعالى يعلم كل شيء فلماذا المتحان؟ ..نقول اننا اذا أردنا
ان نضرب مثل يقرب ذلك الي الذهان ..ول المثل العلى ..نجد ان الجامعات في كل انحاء
الدنيا تقيم المتحانات لطلبها ..فهل اساتذة الجامعة الذي علموا هؤلء الطلب يجهلون ما يعرفه
الطالب ويريدون ان يحصلوا منه على العلم؟ ..طبعا ل ..ولكن ذلك يحدث حتى اذا رسب الطالب
في المتحان ..وجاء يجادل واجهوه بإجابته فيسكت ..ولو لم يعقد المتحان لدعي كل طالب انه
يستحق مرتبة الشرف.
اذا قال الحق تبارك وتعالى } :مَـاِلكِ َيوْمِ الدّينِ { ..أي الذي يملك هذا اليوم وحده يتصرف فيه
كما يشاء ..واذا قيل } :مَـاِلكِ َيوْمِ الدّينِ { ..فتصرفه أعلى على المالك لن المالك ل يتصرف
إلّ في ملكه ..ولكن الملك يتصرف في ملكه وملك غيره.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
واليوم في معناه ظرف زمان تقع فيه الحداث ..والمفسرون يقولون } :مَـاِلكِ َيوْمِ الدّينِ { اي
مالك أمور الدين لن ظرف الزمان ل يملك ..نقول ان هذا بمقاييس ملكية البشر ،فنحن ل نملك
الزمن ..الماضي ل نستطيع ان نعيده ،والمستقبل ل نستطيع ان نأتي به ..ولكن ال تبارك وتعالى
هو خالق الزمان ..وال جل جلله ل يحده زمان ول مكان ..كذلك قوله تعالى " :مالك يوم الدين
" ل يحده زمان ول مكان ..واقرأ قوله سبحانه {:وَيَسْ َت ْعجِلُو َنكَ بِا ْل َعذَابِ وَلَن يُخِْلفَ اللّهُ وَعْ َد ُه وَإِنّ
َيوْما عِندَ رَ ّبكَ كَأَ ْلفِ سَنَةٍ ّممّا َت ُعدّونَ }[الحج ]47 :وقوله تعالىَ {:تعْرُجُ ا ْلمَلَ ِئكَ ُة وَالرّوحُ إِلَيْهِ فِي
خ ْمسِينَ أَ ْلفَ سَنَةٍ }[المعارج ]4 :واذا تأملنا هاتين اليتين نعرف معنى اليوم عند
َيوْمٍ كَانَ ِمقْدَا ُرهُ َ
ال تبارك وتعالى ..ذلك ان ال جل جلله هو خالق الزمن ..ولذلك فانه يستطيع ان يخلق يوما
مقداره ساعة ..ويوما كأيام الدنيا مقداره أربع وعشرون ساعة ..ويوما مقداره ألف سنة ..ويوما
مقداره خمسون الف سنة ويوما مقداره مليون سنة ..فذلك خاضع لمشيئة ال.
ويوم الدين موجود في علم ال سبحانه وتعالى .بأحداثه كلها بجنته وناره ..وكل الخلق الذين
سيحاسبون فيه ..وعندما يريد ان يكون ذلك اليوم ويخرج من علمه جل جلله الي علم خلقه..
سواء كانوا من الملئكة او من البشر أو الجان يقول :كن ..فال وحده هو خالق هذا اليوم ..وهو
وحده الذي يحدد كل أبعاده ..واليوم نحن نحدده ظاهرا بانه اربع وعشرون ساعة ..ونحدده بأنه
الليل والنهار ..ولكن الحقيقة أن الليل والنهار موجودان دائما على الرض ..فعندما تتحرك
الرض ،كل حركة هي نهاية نهار في منطقة وبداية نهار في منطقة اخرى ..وبداية ليل في
منطقة ونهاية ليل في منطقة اخرى.
.ولذلك في كل لحظة ينتهي يوم ويبدأ يوم ..وهكذا فإن الكرة الرضية لو أخذتها بنظرة شاملة ل
ينتهي عليها نهار أبدا ..ول ينتهي عنها ليل أبدا ..إذن فاليوم نسبي بالنسبة لكل بقعة في الرض..
ولكنه في الحقيقة دائم الوجود على كل الكرة الرضية.
وال سبحانه وتعالى يريد أن يطمئن عباده ..أنهم إذا أصابهم ظلم في الدنيا ..فإن هناك يوم ل ظلم
فيه ..وهذا اليوم المر فيه ل وحده بدون أسباب ..فكل انسان لو لم يدركه العدل والقصاص في
الدنيا فإن الخرة تنتظره ..والذي أتبع منهج ال وقيد حركته في الحياة يخبره ال سبحانه وتعالى
ان هناك يوم سيأخذ فيه أجره ..وعظمة الخرة أنها تعطيك الجنة ..نعيم ل يفوتك ول تفوته.
ولقد دخل أحد الشخاص على رجل من الصالحين ..وقال له :أريد أن أعرف ..أأنا من أهل الدنيا
أم من أهل الخرة؟ ..فقال له الرجل الصالح ..ان ال أرحم بعباده ،فلم يجعل موازينهم في أيدي
أمثالهم ..فميزان كل انسان في يد نفسه ..لماذا؟ ..لنك تستطيع أن تغش الناس ولكنك ل تغش
نفسك ..ميزانك في يديك ..تستطيع أن تعرف أأنت من أهل الدنيا أم من أهل الخرة.
قال الرجل كيف ذلك؟ فرد العبد الصالح :اذا دخل عليك من يعطيك مال ..ودخل عليك من يأخذ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
منك صدقة ..فبأيهما تفرح؟ ..فسكت الرجل ..فقال العبد الصالح :اذا كنت تفرح بمن يعطيك مال
فأنت من اهل الدنيا ..واذا كنت تفرح بمن يأخذ منك صدقة فأنت من أهل الخرة ..فإن النسان
يفرح بمن يقدم له ما يحبه ..فالذي يعطيني مال يعطيني الدنيا ..والذي يأخذ مني صدقة يعطيني
الخرة ..فإن كنت من أهل الخرة ..فافرح بمن يأخذ منك صدقة ..أكثر من فرحك بمن يعطيك
مال.
ولذلك كان بعض الصالحين اذا دخل عليه من يريد صدقة يقول مرحبا بمن جاء يحمل حسناتي
الي الخرة بغير أجر ..ويستقبله بالفرحة والترحاب.
قول الحق سبحانه وتعالى } :مَـاِلكِ َيوْمِ الدّينِ { ..هي قضية ضخمة من قضايا العقائد ..لنها
تعطينا أن البداية من ال ،والنهاية الي ال جل جلله ..وبما أننا جميعا سنلقى ال ،فلبد أن نعمل
لهذا اليوم ..ولذلك فإن المؤمن ل يفعل شيئا في حياته إل وفي باله ال ..وأنه سيحاسبه يوم
القيامة ..ولكن غير المؤمن يفعل ما يفعل وليس في باله ال ..وعن هؤلء يقول الحق سبحانه{:
جدَ اللّهَ
ج ْدهُ شَيْئا َووَ َ
ظمْآنُ مَآءً حَتّىا إِذَا جَآ َءهُ َلمْ يَ ِ
حسَبُهُ ال ّ
عمَاُل ُهمْ كَسَرَابٍ ِبقِيعَةٍ يَ ْ
وَالّذِينَ َكفَرُواْ أَ ْ
حسَابَ ُه وَاللّهُ سَرِيعُ ا ْلحِسَابِ }
عِن َدهُ َف َوفّاهُ ِ
[النور ]39 :وهكذا من يفعل شيئا وليس في باله ال ..فسيفاجأ يوم القيامة بأن ال تبارك وتعالى
الذي لم يكن في باله موجود وانه جل جلله هو الذي سيحاسبه.
وقوله تعالى } :مَـاِلكِ َي ْومِ الدّينِ { هي أساس الدين ..لن الذي ل يؤمن بالخرة يفعل ما يشاء..
فمادام يعتقد انه ليس هناك آخره وليس هناك حساب ..فمم يخاف؟ ..ومن أجل مَنْ يقيد حركته في
الحياة..
ان الدين كله بكل طاعاته وكل منهجه قائم على أن هناك حسابا في الخرة ..وأن هناك يوما نقف
فيه جميعا أمام ال سبحانه وتعالى ..ليحاسب المخطئ ويثيب الطائع ..هذا هو الحكم في كل
تصرفاتنا اليمانية ..فلو لم يكن هناك يوم نحاسب فيه ..فلماذا نصلي؟ ..ولماذا نصوم؟ ..ولماذا
نتصدق؟..
ان كل حركة من حركات منهج السماء قائمة على اساس ذلك اليوم الذي لن يفلت منه أحد..
والذي يجب علينا جميعا أن نستعد له ..ان ال سبحانه وتعالى سمى هذا اليوم بالنسبة للمؤمنين
يوم الفوز العظيم ..والذي يجعلنا نتحمل كل ما نكره ونجاهد في سبيل ال لنستشهد ..وننفق اموالنا
لنعين الفقراء والمساكين ..كل هذا أساسه أن هناك يوما سنقف فيه بين يدي ال ..وال تبارك
وتعالى سماه يوم الدين ..لنه اليوم الذي سيحاسب فيه كل انسان على دينه عمل به أم ضيعه..
فمن آمن واتبع الدين سيكافأ بالخلود في الجنة ..ومن أنكر الدين وأنكر منهج ال سيجازى بالخلود
في النار..
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ومن عدل ال سبحانه وتعالى ان هناك يوما للحساب ..لن بعض الناس الذين ظلموا وبغوا في
الرض ربما يفلتون من عقاب الدنيا ..هل هؤلء الذين أفلتوا في الدنيا من العقاب هل يفلتون من
عدل ال؟ ..أبدا لم يفلتوا ..بل إنهم انتقلوا من عقاب محدود الي عقاب خالد ..وافلتوا من العقاب
بقدرة البشر في الدنيا ..الى عقاب بقدرة ال تبارك وتعالى في الخرة ..ولذلك لبد من وجود يوم
يعيد الميزان ..فيعاقب فيه كل من أفسد في الرض وأفلت من العقاب ..بل إن ال سبحانه وتعالى
يجعل انسانا يفلت من عقاب الدنيا ..فل تعتقد أن هذا خير له بل انه شر له ..لنه أفلت من عقاب
محدود إلى عقاب أبدي.
والحمد الكبير ل بأنه } مَـاِلكِ َي ْومِ الدّينِ { ..وهو وحده الذي سيقضي بين خلقه .فال سبحانه
وتعالى يعامل خلقه جميعا معاملة متساوية ..وأساس التقوى هو يوم الدين.
وقبل ان نتكلم عن قول الحق تبارك وتعالى } :إِيّاكَ َنعْبُ ُد وَإِيّاكَ نَسْ َتعِينُ { ..لبد أن نتحدث عن
قضية مهمة.
.فهناك نوعان من الرؤية ..الرؤية العينية أي بالعين ..والرؤية اليمانية أي بالقلب ..وكلهما
مختلف عن الخر ..رؤية العين هي أن يكون الشيء أمامك تراه بعينيك ،وهذه ليس فيها قضية
ايمان ..فل تقول أنني أومن أنني أراك أمامي لنك تراني فعل ..مادمت تراني فهذا يقين ..ولكن
الرؤية اليمانية هي أن تؤمن كأنك ترى ما هو غيب أمامك ..وتكون هذه الرؤية أكثر يقينا من
رؤية العين ..لنها رؤية إيمان ورؤية بصيرة ..وهذه قضية مهمة جدا.
" وقد روى عمر بن الخطاب قال :بينما نحن عند رسول ال صلى ال عليه وسلم ذات يوم اذ طلع
علينا رجل شديد بياض الثياب ،شديد سواد الشعر .ل يرى عليه أثر السفر .ول يعرفه منا أحد.
حتى جلس الى النبي صلى ال عليه وسلم .فأسند ركبتيه الى ركبتيه .ووضع كفيه على فخذيه
قال :يا محمد أخبرني عن السلم؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم :السلم أن تشهد أن ل
اله ال ال .وأن محمدا رسول ال .وتقيم الصلة .وتؤتي الزكاة .وتصوم رمضان .وتحج البيت
ان استطعت اليه سبيل قال :صدقت .فعجبنا له يسأله ويصدقه.
قال :فاخبرني عن اليمان.
قال :أن تؤمن بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر .وتؤمن بالقدر؛ خيره وشره
قال :صدقت .قال :فأخبرني عن الحسان ،قال :أن تعبد ال كأنك تراه .فان لم تكن تراه فانه
يراك.
قال :فأخبرني عن الساعة
قال :ما المسئول عنها بأعلم من السائل
قال :فاخبرني عن أماراتها
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
قال :أن تلد المة ربتها .وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان.
قال :ثم انطلق فلبثت مليا ..ثم قال لي النبي صلى ال عليه وسلم :يا عمر أتدري من السائل؟
قلت :ال ورسوله أعلم
قال :فإنه جبريل اتاكم يعلمكم دينكم "
قول رسول ال صلى ال عليه وسلم " :أن تعبد ال كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " .هو
بيان للرؤية اليمانية في النفس المؤمنة ..فالنسان حينما يؤمن ،لبد أن يأخذ كل قضاياه برؤية
ايمانية ..حتى اذا قرأ آية عن الجنة فكأنه يرى أهل الجنة وهم ينعمون ..واذا قرأ آية عن أهل
النار اقشعر بدنه ..وكأنه يرى أهل النار وهم يعذبون.
ذات يوم " شاهد رسول ال صلى ال عليه وسلم أحد صحابته وكان اسمه الحارث ..فقال له:
كيف أصبحت يا حارث؟
فقال :أصبحت مؤمنا حقا
قال الرسول :فانظر ما تقول .فإن لكل قول حقيقة .فما حقيقة إيمانك؟
قال الحارث :عزفت نفسي عن الدنيا .فأسهرت ليلي .وأظمأت نهاري .وكأني أنظر إلى عرش
ربي بارزا .وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها .وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون
فيها( .يتصايحون فيها).
قال النبي " يا حارث عرفت فالزم "
ولذلك نجد أن الحق سبحانه وتعالى وهو يخاطب الرسول صلى ال عليه وسلم ..يقول {:أََلمْ تَرَ
كَ ْيفَ َف َعلَ رَ ّبكَ بَِأصْحَابِ ا ْلفِيلِ }[الفيل ]1 :يأخذ بعض المستشرقين هذه الية في محاولة للطعن
في القرآن الكريم ..فقوله تعالى } :أَلَمْ تَرَ { ..ورسول ال صلى ال عليه وسلم ولد في عام
الفيل ..انه لم ير لنه كان طفل عمره أيام أو شهور ،لو قال ال سبحانه وتعالى ألم تعلم لقلنا علم
من غيره ..فالعلم تحصل عليه انت او يعطيه لك من عَِلمَهُ ..اي يعلمك غيرك من البشر ..ولكن
ال سبحانه وتعالى قال } :أَلَمْ تَرَ {..
نقول ان هذه قضية من قضايا اليمان ..فما يقوله ال سبحانه وتعالى هو رؤية صادقة بالنسبة
للنسان المؤمن ..فالقرآن هو كلم متعبد بتلوته حتى قيام الساعة ..وقول ال } :أَلَمْ تَرَ {..
معناها ان الرؤية مستمرة لكل مؤمن بال يقرأ هذه الية ..فما دام ال تبارك وتعالى قال } :أَلَمْ تَرَ
{ ..فأنت ترى بإيمانك ما تعجز عينك عن أن تراه ..هذه هي الرؤية اليمانية ،وهي أصدق من
رؤية العين ..لن العين قد تخدع صاحبها ولكن القلب المؤمن ل يخدع صاحبه أبدا..
على أن هناك ما يسمونه ضمير الغائب ..اذا قلت زيد حضر ..فهو موجود أمامك ..ولكن إذا
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
قلت قابلت زيدا ..فكأن زيدا غائب عنك ساعة قلت هذه الجملة ..قابلته ولكنه ليس موجودا معك
ساعة الحديث..
اذن فهناك حاضر وغائب ومتكلم ..الغائب هو من ليس موجودا أو ل نراه وقت الحديث..
والحاضر هو الموجود وقت الحديث ..والمتكلم هو الذي يتحدث .وقضايا العقيدة كلها ليس فيها
مشاهدة ،ولكن اليمان بما هو غيب عنا يعطينا الرؤية اليمانية التي هي كما قلنا أقوى من رؤية
البصر.
حمْدُ للّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ { } ..للّهِ { غيب و } َربّ ا ْلعَاَلمِينَ
فال سبحانه وتعالى حين يقول } الْ َ
{ غيب ..و } الرّحْمـانِ الرّحِيمِ { " ..غيب " ..و } مَـاِلكِ َيوْمِ الدّينِ { غيب ..وكان السياق
اللغوي يقتضي أن يقال إياه نعبد .ولكن ال سبحانه وتعالى غير السياق ونقله من الغائب الي
الحاضر ..وقال } :إِيّاكَ َنعْبُدُ { فانتقل الغيب الي حضور المخاطب ..فلم يقل إياه نعبد ..ولكنه
قال } :إِيّاكَ َنعْبُدُ { ..فأصبحت رؤية يقين ايماني.
فأنت في حضرة ال سبحانه وتعالى الذي غمرك بالنعم ،وهذه تراها وتحيط بك لنه } َربّ
ا ْلعَاَلمِينَ { ..وجعلك تطمئن الى قضائه لنه } الرّحْمـانِ الرّحِيمِ { أي أن ربوبيته جل جلله
ليست ربوبية جبروت بل هي ربوبية } الرّحْمـانِ الرّحِيمِ { فإذا لم تحمده وتؤمن به بفضل نعمه
التي تحسها وتعيش فيها.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الصلة .لعلن خضوعك ل امام البشر جميعا.
ويستوي في العبودية الغني والفقير والكبير والصغير ..حتى يطرد كل منا الكبر والستعلء من
قلبه امام الناس جميعا فيساوى الحق جل جلله بين عباده في الخضوع له وفي اعلن هذا
الخضوع.
وقول الحق سبحانه وتعالى } :إِيّاكَ َنعْ ُبدُ { تنفي العبودية لغير ال ..أي ل نعبد غير ال ول
يعطف عليها أبدا ..اذن } إِيّاكَ َنعْبُدُ { أعطت تخصيص العبادة ل وحده ل إله غيره ول معبود
سواه ..وعلينا أن نلتفت الي قوله تبارك وتعالىَ {:لوْ كَانَ فِي ِهمَآ آِلهَةٌ ِإلّ اللّهُ َلفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللّهِ
ح ْمدُ للّهِ { فإننا نستحضر
صفُونَ }[النبياء ]22 :وهكذا فإننا عندما نقول } الْ َ
عمّا َي ِ
َربّ ا ْلعَرْشِ َ
موجبات الحمد وهي نعم ال ظاهرة وباطنة ..وحين نقول } َربّ ا ْلعَاَلمِينَ { نستحضر نعم الربوبية
في خلقه وإخضاع كونه ..وحين نستحضر } الرّحْمـانِ الرّحِيمِ { فاننا نستحضر الرحمة والمغفرة
ومقابلة الساءة بالحسان وفتح باب التوبة ..وحين نستحضر } :مَـاِلكِ َيوْمِ الدّينِ { نستحضر يوم
الحساب وكيف أن ال تبارك وتعالى سيجازيك على أعمالك ..فإذا استحضرنا هذا كله نقول} :
إِيّاكَ َنعْبُدُ { أي أننا نعبد ال وحده ..اذن عرفنا المطلوب منا وهو العبادة.
وهنا نتوقف قليل لنتحدث عما يطلقون عليه في اللغة " العلة والمعلول " إذا أراد ابنك ان ينجح في
المتحان فإنه لبد أن يذاكر.
.وعلة المذاكرة هي النجاح ..فكأن النجاح ولد في ذهني اول بكل ما يحققه لي من ميزات
ومستقبل مضمون وغير ذلك مما أريده وأسعى اليه.
إذن فالدافع قبل الواقع ..أي أنك استحضرت النجاح في ذهنك ..ثم بعد ذلك ذاكرت لتجعل النجاح
حقيقة واقعة .وأنت إذا أردت مثل أن تسافر الى مكان ما فالسيارة سبب يحقق لك ما تريد وقطع
الطريق سبب آخر .ولكن الدافع الذي جعلني أنزل من بيتي واركب السيارة وأقطع الطريق هو
انني أريد أن أسافر الى السكندرية مثل ..الدافع هنا وهو الوصول الى السكندرية ..هو الذي
وجد في ذهني أول ثم بعد ذلك فعلت كل ما فعلته لتحقيقه.
وال سبحانه وتعالى خلقنا في الحياة لنعبده ..مصداقا لقوله تبارك وتعالىَ {:ومَا خََل ْقتُ ا ْلجِنّ
وَالِنسَ ِإلّ لِ َيعْ ُبدُونِ }[الذاريات ]56 :إذن فعلّة الخلق هي العبادة ..ولقد تم الخلق لتتحقق العبادة
وتصبح واقعا ..ولكن " العلة والمعلول " ل تنطبق على أفعال ال سبحانه وتعالى ..نقول ليس
هناك علة تعود على ال جل جلله بالفائدة .لن ال تبارك وتعالى غني عن العالمين ..ولكن العلة
تعود على الخلق بالفائدة ..فال سبحانه وتعالى خلقنا لنعبده .ولكن علة الخلق ليس لن هذه العبادة
ستزيد شيئا في ملكه ..وإنما عبادتنا تعود علينا نحن بالخير في الدنيا والخرة..
أن أفعال ال ل تعلل ،والمأمور بالعبادة هو الذي سينتفع بها.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ولكن هل العبادة هي الجلوس في المساجد والتسبيح أو أنها منهج يشمل الحياة كلها ..في بيتك
وفي عملك وفي السعي في الرض؟ ..ولو أراد ال سبحانه وتعالى من عباده الصلة والتسبيح
فقط لما خلقهم مختارين بل خلقهم مقهورين لعبادته ككل ما خلق ما عدا النس والجن ..وال
تبارك وتعالى له صفة القهر ..من هنا فانه يستطيع أن يجعل من يشاء مقهورا على عبادته..
سمَآءِ
سكَ َألّ َيكُونُواْ ُم ْؤمِنِينَ * إِن نّشَأْ نُنَ ّزلْ عَلَ ْيهِمْ مّنَ ال ّ
مصداقا لقوله جل جللهَ {:لعَّلكَ بَاخِعٌ ّنفْ َ
ضعِينَ }[الشعراء ]4-3 :فلو أراد ال ان يخضعنا لمنهجه قهرا ل
آيَةً فَظَّلتْ أَعْنَا ُقهُمْ َلهَا خَا ِ
يستطيع أحد أن يشذ عن طاعته ..وقد أعطانا ال الدليل على ذلك بأن في أجسادنا وفي أحداث
الدنيا ما نحن مقهورون عليه ..فالجسد مقهور ل في أشياء كثيرة .القلب ينبض ويتوقف بأمر ال
دون ارادة منا ..والمعدة تهضم الطعام ونحن ل ندري عنها شيئا ..والدورة الدموية في اجسادنا ل
ارادة لنا فيها ..وأشياء كثيرة في الجسد البشري كلها مقهورة ل سبحانه وتعالى ..وليس لرادتنا
دخل في عملها ..وما يقع على في الحياة من أحداث أنا مقهور فيه.
.ل أستطيع أن أمنعه من الحدوث ..فل استطيع أن أمنع سيارة أن تصدمني ..ول طائرة أن
تحترق بي ..ول كل ما يقع علي من أقدار ال في الدنيا..
اذن فمنطقة الختيار في حياتي محددة ..ل أستطيع أن أتحكم في يوم مولدي ..ول فيمن هو أبي
ومن هي أمي ..ول في شكلي هل أنا طويل أم قصير؟ جميل أم قبيح أو غير ذلك .اذن فمنطقة
الختيار في الحياة هي المنهج أن أفعل أو ل أفعل .ال سبحانه وتعالى له من كل خلقه عبادة
القهر ..ولكنه يريد من النس والجن عبادة المحبوبية ..ولذلك خلقنا ولنا اختيار في أن نأتيه أو ل
نأتيه ..في أن نطيعه أو نعصيه .في أن نؤمن به أو ل نؤمن.
فإذا كنت تحب ال فأنت تأتيه عن اختيار .تتنازل عما يغضبه حبا فيه ،وتفعل ما يطلبه حبا فيه
وليس قهرا ..فاذا تخليت عن اختيارك الى مرادات ال في منهجه ..تكون قد حققت عبادة
المحبوبية ل تبارك وتعالى ..وتكون قد اصبحت من عباد ال وليس من عبيد ال ..فكلنا عبيد ل
سبحانه وتعالى ،والعبيد متساوون فيما يقهرون عليه .ولكن العباد الذين يتنازلون عن منطقة
الختيار لمراد ال في التكليف ..ولذلك فإن الحق جل جلله ..يفرق في القرآن الكريم بين العباد
ع َوةَ الدّاعِ ِإذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ
والعبيد ..يقول تعالى {:وَإِذَا سَأََلكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ ُأجِيبُ دَ ْ
حمَـانِ الّذِينَ
شدُونَ }[البقرة ]186 :ويقول سبحانه وتعالى {:وَعِبَادُ الرّ ْ
لِي وَلْيُ ْؤمِنُواْ بِي َلعَّلهُمْ يَرْ ُ
َيمْشُونَ عَلَىا الَ ْرضِ َهوْنا وَِإذَا خَاطَ َبهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلَما * وَالّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَ ّبهِمْ سُجّدا َوقِيَاما
جهَنّمَ إِنّ عَذَا َبهَا كَانَ غَرَاما }[الفرقان ]65-63 :وهكذا
عذَابَ َ
* وَالّذِينَ َيقُولُونَ رَبّنَا اصْرِفْ عَنّا َ
نرى أن ال سبحانه وتعالى أعطى أوصاف المؤمنين وسماهم عبادا ..ولكن عندما يتحدث عن
البشر جميعا يقول عبيد ..مصداقا لقوله تعالى {:ذاِلكَ ِبمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنّ اللّهَ لَ ْيسَ بِظَلّمٍ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لّ ْلعَبِيدِ }[آل عمران ]182 :ولكن قد يقول قائل :أن ال تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز {:وَ َيوْمَ
حشُرُهُ ْم َومَا َيعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَ َيقُولُ أَأَن ُتمْ َأضْلَلْتُمْ عِبَادِي َه ُؤلَءِ أَمْ هُ ْم ضَلّوا السّبِيلَ }[الفرقان:
يَ ْ
]17الحديث هنا عن العاصين والضالين .ولكن ال سبحانه وتعالى قال عنهم عباد .نقول إن هذا
في الخرة ..وفي الخرة كلنا عباد لننا مقهورون لطاعة ال الواحد المعبود تبارك وتعالى ..لن
الختيار البشري ينتهي ساعة الحتضار ..ونصبح جميعا عبادا ل مقهورين على طاعته ل
اختيار لنا في شيء.
وال سبحانه وتعالى قد أعطى النسان اختياره في الحياة الدنيا في العبودية فلم يقهره في شيء
ول يلزم غير المؤمن به بأي تكليف.
.بل إن المؤمن هو الذي يلزم نفسه بالتكليف وبمنهج ال فيدخل في عقد ايماني مع ال تبارك
وتعالى ..ولذلك نجد أن ال جل جلله ل يخاطب الناس جميعا في التكليف ..وانما يخاطب الذين
آمنوا فقط فيقول {:ياأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُ ِتبَ عَلَ ْيكُمُ الصّيَامُ َكمَا كُ ِتبَ عَلَى الّذِينَ مِن قَبِْلكُمْ َلعَّل ُكمْ تَ ّتقُونَ
لةِ إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ
}[البقرة ]183 :ويقول سبحانه {:يَآأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ اسْ َتعِينُواْ بِالصّبْرِ وَالصّ َ
}[البقرة ]153 :أي أن ال جل جلله ل يكلف إل المؤمن الذي يدخل في عقد ايماني مع ال.
وسيد المرسلين محمد صلى ال عليه وسلم عندما نضعه في معيار العبادية يكون القمة فهو صلى
ال عليه وسلم الذي حقق العبادية المرادة ل من خلق ال كما يحبها ال..
اذن فالذي يقول غاية الخلق كله محمد عليه الصلة والسلم ..نقول ان هذا صحيح ،لنه صلى ال
عليه وسلم حقق العبادية المثلى المطلوبة من ال تبارك وتعالى ..والتي هي علة الخلق ..وهكذا
نعرف المقامات العالية لرسول ال صلى ال عليه وسلم عند خالقه.
وال تبارك وتعالى قرن العبادة له وحده بالستعانة به سبحانه ..فقال جل جلله } :إِيّاكَ َنعْبُدُ
وَإِيّاكَ َنسْ َتعِينُ { أي ل نعبد سواك ول نستعين إل بك .والستعانة بال سبحانه وتعالى تخرجك عن
ذل الدنيا فأنت حين تستعين بغير ال فإنك تستعين ببشر مهما بلغ نفوذه وقوته فكلها في حدود
بشريته..
ولننا نعيش في عالم أغيار فإن القوى يمكن أن يصبح ضعيفا ..وصاحب النفوذ يمكن أن يصبح
في لحظة واحدة طريدا شريدا ل نفوذ له ..ولو لم يحدث هذا .فقد يموت ذلك الذي تستعين به فل
تجد احدا يعينك.
ويريد ال تبارك وتعالى أن يحرر المؤمن من ذل الدنيا ..فيطلب منه أن يستعين بالحي الذي ل
يموت ..وبالقوي الذي ل يضعف ،وبالقاهر الذي ل يخرج عن أمره أحد ..واذا استعنت بال
سبحانه وتعالى كان ال جل جلله بجانبك .وهو وحده الذي يستطيع أن يحول ضعفك الي قوة
وَذُلك الي عز ..والمؤمن دائما يواجه قوي أكبر منه ..ذلك أن الذين يحاربون منهج ال يكونون
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
من القوياء ذوي النفوذ الذي يحبون أن يستعبدوا غيرهم ..فالمؤمن سيدخل معهم في صراع..
ولذلك فإن الحق يحض عباده المؤمنين بأنه معهم في الصراع بين الحق والباطل ..وقوله تعالى" :
وإياك نستعين " مثل " :إياك نعبد " ..أي نستعين بك وحدك وهي دستور الحركة في الحياة ..لن
استعان معناها طلب المعونة ،أي أن النسان استنفد أسبابه ولكنها خذلته ..حينئذ لبد أن يتذكر أن
له ربا ل يعبد سواه .لن يتخلى عنه بل يستعين به ..وحين تتخلى السباب فهناك رب السباب
وهو موجود دائما ..ل يغفل عن شيء ول تفوته همسة في الكون ..ولذلك فإن المؤمن يتجه دائما
الى السماء ..وال سبحانه وتعالى يكون معه.
()3 /
اهْدِنَا الصّرَاطَ ا ْل ُمسْ َتقِيمَ ( )6صِرَاطَ الّذِينَ أَ ْن َعمْتَ عَلَ ْيهِمْ غَيْرِ ا ْل َم ْغضُوبِ عَلَ ْيهِ ْم وَلَا الضّالّينَ ()7
بعد أن آمنت بال سبحانه وتعالى إلها وربا ..واستحضرت عطاء اللوهية ونعم الربوبية
وفيوضات رحمة ال على خلقه .وأعلنت أنه ل إله إل ال .وقولك { :إِيّاكَ َنعْبُدُ } أي أن العبادة ل
تبارك وتعالى ل نشرك به شيئا ول نعبد إل إياه ..وأعلنت انك ستستعين بال وحده بقولك:
{ وَإِيّاكَ نَسْ َتعِينُ } .فانك قد أصبحت من عباد ال .ويعلمك ال سبحانه وتعالى الدعاء الذي يتمناه
كل مؤمن ..ومادامت من عباد ال ،فإن ال جل جلله سيستجيب لك ..مصداقا لقوله سبحانه{:
ع َوةَ الدّاعِ ِإذَا دَعَانِ فَلْ َيسْتَجِيبُواْ لِي وَلْ ُي ْؤمِنُواْ بِي َلعَّلهُمْ
وَإِذَا سََأَلكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ ُأجِيبُ دَ ْ
يَرْشُدُونَ }[البقرة ]186 :والمؤمن ل يطلب الدنيا أبدا ..لماذا؟ ..لن الحياة الحقيقية للنسان في
الخرة .فيها الحياة البدية والنعيم الذي ل يفارقك ول تفارقه .فالمؤمن ل يطلب مثل أن يرزقه
ال مال كثيرا ول أن يمتلك عمارة مثل ..لنه يعلم أن كل هذا وقتي وزائل ..ولكنه يطلب ما
ينجيه من النار ويوصله الى الجنة..
ومن رحمة ال تبارك وتعالى أنه علمنا ما نطلب ..وهذا يستوجب الحمد ل ..وأول ما يطلب
المؤمن هو الهداية والصراط المستقيم { :اهْدِنَا الصّرَاطَ ا ْل ُمسْ َتقِيمَ }.
والهداية نوعان :هداية دللة وهداية معونة .هداية الدللة هي للناس جميعا ..وهداية المعونة هي
للمؤمنين فقط المتبعين لمنهج ال .وال سبحانه وتعالى هدى كل عباده هداية دللة أي دلهم على
طريق الخير وبينه لهم ..فمن أراد أن يتبع طريق الخير اتبعه ..ومن أراد أل يتبعه تركه ال لما
أراد..
هذه الهداية العامة هي أساس البلغ عن ال .فقد بين لنا ال تبارك وتعالى في منهجه بافعل ول
تفعل ما يرضيه وما يغضبه ..وأوضح لنا الطريق الذي نتبعه لنهتدي .والطريق الذي لو سلكناه
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حق علينا غضب ال وسخطه ..ولكن هل كل من بين له ال سبحانه وتعالى طريق الهداية
اهتدى؟ ..نقول ل ..واقرأ قوله جل جلله {:وََأمّا َثمُودُ َف َهدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبّواْ ا ْل َعمَىا عَلَى ا ْلهُدَىا
عقَةُ ا ْلعَذَابِ ا ْلهُونِ ِبمَا كَانُواْ َيكْسِبُونَ }[فصلت ]17 :اذن هناك من ل يأخذ طريق
خذَ ْتهُ ْم صَا ِ
فَأَ َ
الهداية بالختيار الذي أعطاه ال له ..فلو أن ال سبحانه وتعالى أرادنا جميعا مهديين ..ما استطاع
واحد من خلقه أن يخرج على مشيئته .ولكنه جل جلله خلقنا مختارين لنأتيه عن حب ورغبة بدل
من أن يقهرنا على الطاعة ..ما الذي يحدث للذين اتبعوا طريق الهداية والذين لم يتبعوه وخالفوا
مراد ال الشرعي في كونه؟
الذين اتبعوا طريق الهداية يعينهم ال سبحانه وتعالى عليه ويحببهم في اليمان والتقوى ويحببهم
في طاعته.
.واقرأ قوله تبارك وتعالى {:وَالّذِينَ اهْ َت َدوْاْ زَادَ ُهمْ ُهدًى وَآتَاهُمْ َتقُوَاهُمْ }[محمد ]17 :أي أن كل
من يتخذ طريق الهداية يعينه ال عليه ..ويزيده تقوى وحبا في الدين ..أما الذين إذا جاءهم الهدى
ابتعدوا عن منهج ال وخالفوه ..فإن ال تبارك وتعالى يتخلى عنهم ويتركهم في ضللهم .واقرأ
حمَـانِ ُنقَ ّيضْ َلهُ شَ ْيطَانا َف ُهوَ َلهُ قَرِينٌ }[الزخرف ]36 :وال
قوله تعالىَ {:ومَن َيعْشُ عَن ِذكْرِ الرّ ْ
سبحانه وتعالى قد بين لنا المحرومين من هداية المعونة على اليمان وهم ثلثة كما بَيّ ْنهُم لنا في
القرآن الكريم {:ذاِلكَ بِأَ ّن ُهمُ اسْ َتحَبّواْ الْحَيَاةَ الْدّنْيَا عَلَىا الخِ َرةِ وَأَنّ اللّ َه لَ َيهْدِي ا ْل َقوْمَ ا ْلكَافِرِينَ }
ج ِههَآ َأوْ يَخَافُواْ أَن تُ َردّ أَ ْيمَانٌ َبعْدَ أَ ْيمَا ِنهِمْ
شهَا َدةِ عَلَىا وَ ْ
[النحل {]107 :ذاِلكَ َأدْنَىا أَن يَأْتُواْ بِال ّ
سقِينَ }[المائدة {]108 :أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِي حَآجّ إِبْرَاهِيمَ
س َمعُواْ وَاللّ ُه لَ َي ْهدِي ا ْل َقوْمَ ا ْلفَا ِ
وَاتّقُوا اللّهَ وَا ْ
فِي رَبّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ ا ْلمُ ْلكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَ ّبيَ الّذِي ُيحْيِـي وَ ُيمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَُأمِيتُ قَالَ
شمْسِ مِنَ ا ْلمَشْ ِرقِ فَ ْأتِ ِبهَا مِنَ ا ْل َمغْ ِربِ فَ ُب ِهتَ الّذِي َكفَ َر وَاللّ ُه لَ َيهْدِي
إِبْرَاهِيمُ فَإِنّ اللّهَ يَأْتِي بِال ّ
ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ }[البقرة ]258 :اذن فالمطرودون من هداية ال في المعونة على اليمان ..هم
الكافرون والفاسقون والظالمون ..الحق سبحانه وتعالى يقول } :ا ْهدِنَا الصّرَاطَ ا ْلمُسْ َتقِيمَ { ما هو
الصراط؟ ..إنه الطريق الموصلة الى الغاية .ولماذا نص على أنه الصراط المستقيم .لن ال
سبحانه وتعالى وضع لنا في منهجه الطريق المستقيم ..وهو أقصر الطرق الى تحقيق الغاية..
فأقصر طريق بين نقطتين هو الطريق المستقيم .ولذلك إذا كنت تقصد مكانا فأقصر طريق تسلكه
هو الطريق الذي ل اعوجاج فيه ولكنه مستقيم تماما..
ول تحسب أن البعد عن الطريق المستقيم يبدأ باعوجاج كبير .بل باعوجاج صغير جدا ولكنه
ينتهي الى بُعد كبير..
ويكفي أن تراقب قضبان السكة الحديد ..عندما يبدأ القطار في اتخاذ طريق غير الذي كان يسلكه
فهو ل ينحرف في أول المر إل بضعة ملليمترات ..أي أن أول التحويلة ضيق جدا وكلما مشيت
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
اتسع الفرق وازداد اتساعا .بحيث عند النهاية تجد أن الطريق الذي مشيت فيه يبعد عن الطريق
الول عشرات الكيلو مترات وربما مئات الكيلو مترات ..إذن فأي انحراف مهما كان بسيطا
يبعدك عن الطريق المستقيم بعدا كبيرا ..ولذلك فإن الدعاء } :اهْدِنَا الصّرَاطَ ا ْلمُسْ َتقِيمَ { أي
الطريق الذي ليس فيه إعوجاج ولو بضعة ملليمترات ..الطريق الذي ليس فيه مخالفة تبعدنا عن
طريق ال المستقيم.
لذلك فإن النسان المؤمن يطلب من ال سبحانه وتعالى أن يهديه الى أقصر الطرق للوصول الى
الغاية ..وما هي الغاية؟ انها الجنة والنعيم في الخرة ..ولذلك نقول يا رب اهدنا وأعنا على أن
نسلك الطريق المستقيم وهو طريق المنهج ليوصلنا الي الجنة دون أن يكون فيه أي اعوجاج
يبعدنا عنها.
ولقد قال ال سبحانه وتعالى في حديث قدسي .انه اذا قال العبد } :ا ْهدِنَا الصّرَاطَ ا ْلمُسْ َتقِيمَ { يقول
جل جلله :هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.
يقول الحق تبارك وتعالى } :صِرَاطَ الّذِينَ أَ ْن َع ْمتَ عَلَ ْيهِمْ { ما معنى } الّذِينَ أَ ْن َعمْتَ عَلَ ْيهِمْ {؟ ..اقرأ
ن وَالصّدّيقِينَ
الية الكريمةَ {:ومَن ُيطِعِ اللّ َه وَالرّسُولَ فَُأوْلَـائِكَ مَعَ الّذِينَ أَ ْنعَمَ اللّهُ عَلَ ْيهِم مّنَ النّبِيّي َ
ن َوحَسُنَ أُولَـا ِئكَ َرفِيقا }[النساء ]69 :وأنت حين تقرأ الية الكريمة فأنت
شهَدَآ ِء وَالصّالِحِي َ
وَال ّ
تطلب من ال تبارك وتعالى أن تكون مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ..أي أنك تطلب
من ال جل جلله ..أن يجعلك تسلك نفس الطريق الذي سلكه هؤلء لتكون معهم في الخرة..
فكأنك تطلب الدرجة العالية في الجنة ..لن كل من ذكرناهم لهم مقام عال في جنة النعيم ..وهكذا
فإن الطلب من ال سبحانه وتعالى هو أن يجعلك تسلك الطريق الذي ل اعوجاج فيه .والذي
يوصلك في أسرع وقت الي الدرجة العالية في الخرة.
وعندما نعرف أن ال سبحانه وتعالى قال( :هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) ..تعرف أن الستجابة
تعطيك الحياة العالية في الخرة وتمتعك بنعيم ال .ليس بقدرات البشر كما يحدث في الدنيا..
ولكن بقدرة ال تبارك وتعالى ..واذا كانت نعم الدنيا ل تعد ول تحصى ..فكيف بنعم الخرة؟ لقد
قال ال سبحانه وتعالى عنهاَ {:لهُم مّا يَشَآءُونَ فِيهَا وََلدَيْنَا مَزِيدٌ }[ق ]35 :أي أنه ليس كل ما
تطلبه فقط ستجده أمامك بمجرد وروده على خاطرك ـ ولكن مهما طلبت من النعم ومهما تمنيت
فال جل جلله عنده مزيد ..ولذلك فانه يعطيك كل ما تشاء ويزيد عليه بما لم تطلب ول تعرف
من النعم ..وهذا تشبيه فقط ليقرب ال تبارك وتعالى صورة النعيم إلى أذهاننا ،ولكن الجنة فيها ما
ل عين رأت ول أذن سمعت ول خطر على قلب بشر.
وبما أن المعاني لبد أن توجد أول في العقل ثم يأتي اللفظ المعبر عنها ..فكل شيء ل نعرفه ل
توجد في لغتنا ألفاظ تعبر عنه .فنحن لم نعرف اسم التليفزيون مثل إل بعد أن أخترع وصار له
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
مفهوم محدد .تماما كما لم نعرف اسم الطائرة قبل أن يتم اختراعها ..فالشيء يوجد أول ثم بعد
ذلك يوضع اللفظ المعبر عنه .ولذلك فإن مجامع اللغات في العالم تجتمع بين فترة واخرى .لتضع
أسماء لشياء جديدة اخترعت وعرفت مهمتها..
ومادام ذلك هو القاعدة اللغوية ،فإنه ل توجد الفاظ في لغة البشر تعبر عن النعيم الذي سيعيشه
اهل الجنة لنه لم تره عين ولم تسمع به أذن ول خطر على القلب ..ولذلك فإن كل ما نقرؤه في
القرآن الكريم يقرب لنا الصورة فقط.
ولكنه ل يعطينا حقيقة ما هو موجود .ولذلك نجد ال سبحانه وتعالى حين يتحدث عن الجنة في
القرآن الكريم يقول {:مّ َثلُ الْجَنّةِ الّتِي وُعِدَ ا ْلمُ ّتقُونَ فِيهَآ أَ ْنهَارٌ مّن مّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَ ْنهَارٌ مّن لّبَنٍ لّمْ
سلٍ ّمصَفّى وََلهُمْ فِيهَا مِن ُكلّ ال ّثمَرَاتِ
ن وَأَ ْنهَارٌ مّنْ عَ َ
خمْرٍ لّ ّذةٍ لّلشّارِبِي َ
ط ْعمُ ُه وَأَ ْنهَارٌ مّنْ َ
يَ َتغَيّرْ َ
حمِيما َفقَطّعَ َأ ْمعَآءَهُمْ }[محمد ]15 :أي أن
سقُواْ مَآءً َ
َو َمغْفِ َرةٌ مّن رّ ّبهِمْ َكمَنْ ُهوَ خَالِدٌ فِي النّا ِر وَ ُ
هذا ليس حقيقة الجنة ولكنها مثل فقط يقرب ذلك الى الذهان ..لنه ل توجد ألفاظ في لغات البشر
يمكن أن تعطينا حقيقة ما في الجنة.
وقوله تعالى } :غَيْرِ ا ْل َم ْغضُوبِ عَلَ ْيهِم { ..أي غير الذين غضبت عليهم يا رب من الذين عصوا.
ومنعت عنهم هداية العانة ..الذين عرفوا المنهج فخالفوه وارتكبوا كل ما حرمه ال فاستحقوا
غضبه.
ومعنى غير } ا ْل َم ْغضُوبِ عَلَ ْيهِم { أي يا رب ل تيسر لن الطريق الذي نستحق به غضبك .كما
استحقه أولئك الذين غيروا وبدلوا في منهج ال ليأخذوا سلطة زمنية في الحياة الدنيا وليأكلوا
أموال الناس بالباطل..
وقد وردت كلمة } ا ْل َم ْغضُوبِ عَلَ ْيهِم { في القرآن الكريم في قوله تعالىُ {:قلْ َهلْ أُنَبّ ُئكُمْ ِبشَرّ مّن
ج َعلَ مِ ْن ُهمُ ا ْلقِرَ َد َة وَالْخَنَازِي َر وَعَبَدَ الطّاغُوتَ
غضِبَ عَلَيْهِ وَ َ
ذاِلكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن ّلعَنَهُ اللّ ُه وَ َ
سوَآءِ السّبِيلِ }[المائدة ]60 :وهذه اليات نزلت في بني اسرائيل.
ُأوْلَـا ِئكَ شَرّ ّمكَانا وََأضَلّ عَن َ
وقول ال تعالى " :ول الضالين " هناك الضال وا ْل ُمضِل ..الضال هو الذي ضل الطريق فاتخذ
منهجا غير منهج ال ..ومشى في الضللة بعيدا عن الهدى وعن دين ال ..ويقال ضل الطريق
أي مشي فيه وهو ل يعرف السبيل الى ما يريد أن يصل إليه ..أي أنه تاه في الدنيا فأصبح وليا
للشيطان وابتعد عن طريق ال المستقيم ..هذا هو الضال ..ولكن المضل هو من لم يكتف بأنه
ابتعد عن منهج ال وسار في الحياة على غير هدى ..بل يحاول أن يأخذ غيره الى الضللة..
يغري الناس بالكفر وعدم اتباع المنهج والبعد عن طريق ال ..وكل واحد من العاصين يأتي يوم
القيامة يحمل ذنوبه ..ال المضل فانه يحمل ذنوبه وذنوب من اضلهم .مصداقا لقوله سبحانه{:
حمِلُواْ َأوْزَارَ ُهمْ كَامِلَةً َيوْمَ ا ْلقِيَامَ ِة َومِنْ َأوْزَارِ الّذِينَ ُيضِلّو َنهُمْ ِبغَيْرِ عِلْمٍ َألَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ }
لِيَ ْ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
[النحل ]25 :أي أنك وأنت تقرأ الفاتحة ..فأنك تستعيذ بال أن تكون من الذين ضلوا ..ولكن الحق
سبحانه وتعالى لم يأتِ هنا بالمضلين .نقول انك لكي تكون مضل لبد أن تكون ضال أول..
فالستعاذة من الضلل هنا تشمل الثنين .لنك مادمت قد استعذت من أن تكون ضال فلن تكون
مضل أبدا.
بقى أن نتكلم عن ختم فاتحة الكتاب .بقولنا آمين أسوة برسول ال صلى ال عليه وسلم الذي علمه
جبريل عليه السلم أن يقول بعد قراءة الفاتحة آمين ،فهي من كلم جبريل لرسول ال صلى ال
عليه وسلم وليست كلمة من القرآن.
وكلمة آمين معناها استجب يا رب فيما دعوناك به من قولنا } :اهْدِنَا الصّرَاطَ ا ْل ُمسْ َتقِيمَ * صِرَاطَ
الّذِينَ أَ ْن َعمْتَ عَلَ ْيهِمْ { أي أن الدعاء هنا له شيء مطلوب تحقيقه .وآمين دعاء لتحقيق المطلوب..
وكلمة آمين اختلف العلماء فيها ..أهي عربية أم غير عربية.
وهنا يثور سؤال ..كيف تدخل كلمة غير عربية في قرآن حكم ال بأنه عربي..؟ نقول أن ورود
كلمة ليست من أصل عربي في القرآن الكريم .ل ينفي أن القرآن كله عربي .بمعنى أنه اذا
خوطب به العرب فهموه ..وهناك الفاظ دخلت في لغة العرب قبل أن ينزل القرآن ..ولكنها دارت
على اللسن بحيث أصبحت عربية وألفتها الذان العربية..
فليس المراد بالعربي هو أصل اللغة العربية وحدها ..وانما المراد أن القرآن نزل باللغة التي لها
شيوع على ألسنة العرب .وما دام اللفظ قد شاع على اللسان قول وفي الذان سمعا .فإن الجيال
التي تستقبله ل تفرق بينه وبين غيره من الكلمات التي هي من أصل عربي ..فاللفظ الجديد أصبح
عربيا بالستعمال وعند نزول القرآن كانت الكلمة شائعة شيوع الكلمة العربية.
واللغة ألفاظ يصطلح على معانيها .بحيث إذا أطلق اللفظ فهم المعنى .واللغة التي نتكلمها ل تخرج
عن اسم وفعل وحرف ..السم كلمة والفعل كلمة والحرف كلمة ..والكلمة لها معنى في ذاتها
ولكن هل هذا المعنى مستقل في الفهم أو غير مستقل ..اذا قلت محمد مثل فهمت الشخص الذي
سمى بهذا السم فصار له معنى مستقل ..واذا قلت كتب فهمت أنه قد جمع الحروف لتقرأ على
هيئة كتابة ..ولكن اذا قلت ماذا وهي حرف فليس هناك معنى مستقل ..واذا قلت " في " دَّلتْ على
الظرفية ولكنها لم تدلنا على معنى مستقل .بل لبد ان تقول الماء في الكوب ..أو فلن على
الفرس ..غير المستقل في الفهم نسميه حرفا ل يظهر معناه إل بضم شيء له ..والفعل يحتاج الي
زمن ،ولكن السم ل يحتاج الي زمن..
اذن السم هو ما دل على معنى مستقل بالفهم وليس الزمن جزءا منه ..والفعل ما دل على فعل
مستقل بالفهم والزمن جزء منه ..والحرف دل على معنى غير مستقل ..ما هي علمة الفعل هي
أنك تستطيع أن تسند اليه تاء الفاعل ..أي تقول كتبت والفاعل هو المتكلم ..ولكن السم ل يضاف
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
اليه تاء الفاعل فل تقول محمدت.
.اذا رأيت شيئا يدل على الفعل أي يحتاج الى زمن ..ولكنه ل يقبل تاء الفاعل فانه يكون اسم
على فعل.
آمين من هذا النوع ليست فعل فهي اسم مدلولة مدلول الفعل ..معناه استجب ..فأنت حين تسمع
كلمة " آه " انها اسم لفعل بمعنى أتوجع ..وساعة تقول " أف " اسم فعل بمعنى اتضجر ..وآمين
اسم فعل بمعنى استجب ..ولكنك تقولها مرة وأنت القارئ ،وتقولها مرة وأنت السامع .فساعة تقرأ
الفاتحة تقول آمين ..أي أنا دعوت يا رب فاستجب دعائي ..لنك لشدة تعلقك بما دعوت من
الهداية فانك ل تكتفي بقول اهدنا ولكن تطلب من ال الستجابة .واذا كنت تصلي في جماعة فأنت
تسمع المام وهو يقرأ الفاتحة ..ثم تقول آمين .لن المأموم أحد الداعين ..الذي دعا هو المام،
وعندما قلت آمين فأنت شريك في الدعاء ..ولذلك فعندما دعا موسى عليه السلم أن يطمس ال
عوَ ُت ُكمَا فَاسْ َتقِيمَا َولَ تَتّ ِبعَآنّ
على اموال قوم فرعون ويهلكهم قال ال لموسى {:قَالَ َقدْ أُجِي َبتْ دّ ْ
سَبِيلَ الّذِينَ لَ َيعَْلمُونَ }[يونس ]89 :أي أن الخطاب من ال سبحانه وتعالى موجهٌ الى موسى
وهارون .ولكن موسى عليه السلم هو الذي دعا ..وهارون أمن على دعوة موسى فأصبح
مشاركا في الدعاء.
()4 /
الم ()1
بدأت سورة البقرة بقوله تعالى { :الم } ..وهذه الحروف حروف مقطعة ومعنى مقطعة أن كل
حرف ينطق بمفرده .لن الحروف لها أسماء ولها مسميات ..فالناس حين يتكلمون ينطقون
بمسمى الحرف وليس باسمه ..فعندما تقول كتب تنطق بمسميات الحروف .فإذا أردت أن تنطق
بأسمائها .تقول كاف وتاء وباء ..ول يمكن أن ينطق بأسماء الحروف إل من تعلم ودرس ،أما
ذلك الذي لم يتعلم فقد ينطق بمسميات الحروف ولكنه ل ينطق بأسمائها ،ولعل هذه أول ما يلفتنا.
فرسول ال صلى ال عليه وسلم كان أميا ل يقرأ ول يكتب ولذلك لم يكن يعرف شيئا عن أسماء
الحروف .فإذا جاء ونطق بأسماء الحروف يكون هذا إعجازا من ال سبحانه وتعالى ..بأن هذا
القرآن موحى به إلى محمد صلى ال عليه وسلم ..ولو أن رسول ال صلى ال عليه وسلم درس
وتعلم لكان شيئا عاديا أن ينطق بأسماء الحروف .ولكن تعالَ إلى أي أمي لم يتعلم ..إنه يستطيع
أن ينطق بمسميات الحروف ..يقول الكتاب وكوب وغير ذلك ..فإذا طلبت منه أن ينطق بأسماء
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الحروف فإنه ل يستطيع أن يقول لك .إن كلمة كتاب مكونة من الكاف والتاء واللف والباء..
وتكون هذه الحروف دالة على صدق رسول ال صلى ال عليه وسلم في البلغ عن ربه .وأن
هذا القرآن موحى به من ال سبحانه وتعالى.
ونجد في فواتح السور التي تبدأ بأسماء الحروف .تنطق الحروف بأسمائها وتجد الكلمة نفسها في
آية أخرى تنطق بمسمياتها .فألم في أول سورة البقرة نطقتها بأسماء الحروف ألف لم ميم .بينما
ك صَدْ َركَ }[الشرح]1 :
تنطقها بمسميات الحروف في شرح السورة في قوله تعالى {:أَلَمْ نَشْرَحْ َل َ
وفي سورة الفيل في قوله تعالى {:أَلَمْ تَرَ كَ ْيفَ َف َعلَ رَ ّبكَ بَِأصْحَابِ ا ْلفِيلِ }[الفيل ]1 :ما الذي جعل
رسول ال صلى ال عليه وسلم ..ينطق { الم } في سورة البقرة بأسماء الحروف ..وينطقها في
سورتي الشرح والفيل بمسميات الحروف .لبد أن رسول ال عليه الصلة والسلم سمعها من ال
كما نقلها جبريل عليه السلم إليه هكذا .إذن فالقرآن أصله السماع ل يجوز أن تقرأه إل بعد أن
تسمعه .لتعرف أن هذه تُقرأ ألف لم ميم والثانية تقرأ ألم ..مع أن الكتابة واحدة في الثنين..
ولذلك لبد أن تستمع إلى فقيه يقرأ القرآن قبل أن تتلوه ..والذي يتعب الناس أنهم لم يجلسوا إلى
فقيه ول استمعوا إلى قارئ ..ثم بعد ذلك يريدون أن يقرأوا القرآن كأي كتاب .نقول ل ..القرآن
له تميز خاص ..إنه ليس كأي كتاب تقرؤه.
.لنه مرة يأتي باسم الحرف .ومرة يأتي بمسميات الحرف .وأنت ل يمكن أن تعرف هذا إل إذا
استمعت لقارئ يقرأ القرآن.
والقرآن مبني على الوصل دائما وليس على الوقف ،فإذا قرأت في آخر سورة يونس مثل {:وَ ُهوَ
خَيْرُ الْحَا ِكمِينَ }[ ]109ل تجد النون عليها سكون بل تجد عليها فتحة ،موصولة بقول ال سبحانه
وتعالى بسم ال الرحمن الرحيم .ولو كانت غير موصولة لوجدت عليها سكونا.
اذن فكل آيات القرآن الكريم مبنية على الوصل ..ما عدا فواتح السور المكونة من حروف فهي
مبنية على الوقف ..فل تقرأ في أول سورة البقرة } :الم { والميم عليها ضمة .بل تقرأ ألفا عليها
سكون ولما عليها سكون وميما عليها سكون .اذن كل حرف منفرد بوقف .مع أن الوقف ل يوجد
في ختام السور ول في القرآن الكريم كله.
وهناك سور في القرآن الكريم بدأت بحرف واحد مثل قوله تعالى {:ص وَا ْلقُرْآنِ ذِي ال ّذكْرِ }[ص:
سطُرُونَ }[القلم ]1 :ونلحظ أن الحرف ليس آية مستقلة .بينما " ألم " في سورة
{]1ن وَا ْلقَلَ ِم َومَا يَ ْ
البقرة آية مستقلة .و " :حم " .و " :عسق " آية مستقلة مع أنها كلها حروف مقطعة .وهناك سور
تبدأ بآية من خمسة حروف مثل " كهيعص " في سورة مريم ..وهناك سور تبدأ بأربعة حروف.
مثل " المص " في سورة " العراف " .وهناك سور تبدأ بأربعة حروف وهي ليست آية مستقلة
مثل " ألمر " في سورة " الرعد " متصلة بما بعدها ..بينما تجد سورة تبدأ بحرفين هما آية مستقلة
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
مثل " :يس " في سورة يس .و " حم " في سورة غافر وفصلت ..و " :طس " في سورة النمل.
وكلها ليست موصلة بالية التي بعدها ..وهذا يدلنا على أن الحروف في فواتح السور ل تسير
على قاعدة محددة.
" ألم " مكونة من ثلث حروف تجدها في ست سور مستقلة ..فهي آية في البقرة وآل عمران
والعنكبوت والروم والسجدة ولقمان .و " الر " ثلثة حروف ولكنها ليست آية مستقلة .بل جزء من
الية في أربع سور هي :يونس ويوسف وهود وإبراهيم ..و " :المص " من أربعة حروف وهي
آية مستقلة في سورة " العراف " و " المر " أربعة حروف ،ولكنها ليست آية مستقلة في سورة
الرعد إذن فالمسألة ليست قانونا يعمم ،ولكنها خصوصية في كل حرف من الحروف.
وإذا سألت ما هو معنى هذه الحروف؟ ..نقول إن السؤال في أصله خطأ ..لن الحرف ل يسأل
عن معناه في اللغة إل إن كان حرف معنى ..والحروف نوعان :حرف مَبْنَى وحرف معنى.
حرف المبنى ل معنى له إل للدللة على الصوت فقط.
.أما حروف المعاني فهي مثل في .ومن ..وعلى( ..في) تدل على الظرفية ..و(مِنْ) تدل على
البتداء و(إلى) تدل على النتهاء ..و(على) تدل على الستعلء ..هذه كلها حروف معنى.
وإذا كانت الحروف في أوائل السور في القرآن الكريم قد خرجت عن قاعدة الوصل لنها مبنية
على السكون لبد أن يكون لذلك حكمة ..أول لنعرف قول رسول ال صلى ال عليه وسلم " :من
قرأ حرفا من كتاب ال فله به حَسَنَةٌ والحَسَ َنةُ بعَشْر أمْثَالها ،ل أقولُ ألم حرف ولكن ألفٌ ح ْرفٌ
ولَمٌ حرف ومِيمٌ حرف "
ولذلك ذكرت في القرآن كحروف استقللية لنعرف ونحن نتعبد بتلوة القرآن الكريم أننا نأخذ
حسنة على كل حرف .فإذا قرأنا بسم ال الرحمن الرحيم .يكون لنا بالباء حسنة وبالسين حسنة
وبالميم حسنة فيكون لنا ثلثة حسنات بكلمة واحدة من القرآن الكريم .والحسنة بعشر أمثالها.
وحينما نقرأ " ألم " ونحن ل نفهم معناها نعرف أن ثواب القرآن على كل حرف نقرؤه سواء
فهمناه أم لم نفهمه ..وقد يضع ال سبحانه وتعالى من أسراره في هذه الحروف التي ل نفهمها
ثوابا وأجرا ل نعرفه.
ويريدنا بقراءتها أن نحصل على هذا الجر..
والقرآن الكريم ليس إعجازا في البلغة فقط .ولكنه يحوي إعجازا في كل ما يمكن للعقل البشري
أن يحوم حوله .فكل مفكر متدبر في كلم ال يجد إعجازا في القرآن الكريم .فالذي درس البلغة
رأى العجاز البلغي ،والذي تعلم الطب وجد إعجازا طبيا في القرآن الكريم .وعالم النباتات
رأى إعجازا في آيات القرآن الكريم ،وكذلك عالم الفلك..
وإذا أراد انسان منا أن يعرف معنى هذه الحروف فل نأخذها على قدر بشريتنا ..ولكن نأخذها
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
على قدر مراد ال فيها ..وقدراتنا تتفاوت وأفهامنا قاصرة .فكل منا يملك ِمفْتاحا من مفاتيح الفهم
كل على قدر علمه ..هذا مفتاح بسيط يفتح مرة واحدة وآخر يدور مرتين ..وآخر يدور ثلث
مرات وهكذا ..ولكن من عنده العلم يملك كل المفاتيح ،أو يملك المفتاح الذي يفتح كل البواب..
ونحن ل يجب أن نجهد أذهاننا لفهم هذه الحروف .فحياة البشر تقتضي منا في بعض الحيان أن
نضع كلمات ل معنى لها بالنسبة لغيرنا ..وإذن كانت تمثل أشياء ضرورية بالنسبة لنا .تماما
ككلمة السر التي تستخدمها الجيوش ل معنى لها إذا سمعتها .ولكن بالنسبة لمن وضعها يكون
ثمنها الحياة أو الموت ..فخذ كلمات ال التي تفهمها بمعانيها ..وخذ الحروف التي ل تفهمها
بمرادات ال فيها .فال سبحانه وتعالى شاء أن يبقى معناها في الغيب عنده.
والقرآن الكريم ل يؤخذ على نسق واحد حتى نتنبه ونحن نتلوه أو نكتبه.
لذلك تجد مثل بسم ال الرحمن الرحيم مكتوبة بدون ألف بين الباء والسين .ومرة تجدها مكتوبة
باللف في قوله تعالى {:اقْرَأْ بِاسْمِ رَ ّبكَ الّذِي خََلقَ }[العلق ]1 :وكلمة تبارك مرة تكتب باللف
ومرة بغير اللف ..ولو أن المسألة رتابة في كتابة القرآن لجاءت كلها على نظام واحد .ولكنها
جاءت بهذه الطريقة لتكون كتابة القرآن معجزة وألفاظه معجزة.
ونحن نقول للذين يتساءلون عن الحكمة في بداية بعض السور بحروف ..نقول إن لذلك حكمة
عند ال فهمناها أو لم نفهمها ..والقرآن نزل على أمة عربية فيها المؤمن والكافر ..ومع ذلك لم
نسمع أحدا يطعن في الحرف التي بدأت بها السور .وهذا دليل على أنهم فهموها بملكاتهم
العربية ..ولو أنهم لم يفهموها لطعنوا فيها.
وأنا أنصح من يقرأ القرآن الكريم للتعبد ..أل يشغل نفسه بالتفكير في المعنى .أما الذي يقرأ
القرآن ليستنبط منه فليقف عند اللفظ والمعنى ..فإذا قرأت القرآن لتتعبد فاقرأه بسر ال فيه ..ولو
جلست تبحث عن المعنى ..تكون قد حددت معنى القرآن الكريم بمعلوماتك أنت .وتكون قد أخذت
المعنى ناقصا نقص فكر البشر ..ولكن اقرأ القرآن بسر ال فيه.
إننا لو بحثنا معنى كل لفظ في القرآن الكريم فقد أخرجنا المي وكل من لم يدرس اللغة العربية
دراسة متعمقة من قراءة القرآن .ولكنك تجد أميا لم يقرأ كلمة واحدة ومع ذلك يحفظ القرآن كله.
فإذا قلت كيف؟ نقول لك بسر ال فيه.
والكلم وسيلة إفهام وفهم بين المتكلم والسامع .المتكلم هو الذي بيده البداية ،والسامع يفاجأ بالكلم
لنه ل يعلم مقدما ماذا سيقول المتكلم ..وقد يكون ذهن السامع مشغول بشيء آخر ..فل يستوعب
أول الكلمات ..ولذلك قد تنبهه بحروف أو بأصوات ل مهمة لها إل التنبيه للكلم الذي سيأتي
بعدها .وإذا كنا ل نفهم هذه الحروف .فوسائل الفهم والعجاز في القرآن الكريم ل تنتهي ،لن
القرآن كلم ال .والكلم صفة من صفات المتكلم ..ولذلك ل يستطيع فهم بشري أن يصل إلى
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
منتهى معاني القرآن الكريم ،إنما يتقرب منها .لن كلم ال صفة من صفاته ..وصفة فيها كمال
بل نهاية.
فإذا قلت إنك قد عرفت كل معنى للقرآن الكريم ..فإنك تكون قد حددت معنى كلم ال بعلمك..
ولذلك جاءت هذه الحروف إعجازا لك .حتى تعرف إنك ل تستطيع أن تحدد معاني القرآن
بعلمك..
إن عدم فهم النسان لشياء ل يمنع انتفاعه بها ..فالريفي مثل ينتفع بالكهرباء والتليفزيون وما
يذاع بالقمر الصناعي وهو ل يعرف عن أي منها شيئا .فلماذا ل يكون ال تبارك وتعالى قد
أعطانا هذه الحروف نأخذ فائدتها ونستفيد من اسرارها ويتنزل ال بها علينا بما أودع فيها من
فضل سواء أفهم العبد المؤمن معنى هذه الحروف أو لم يفهمها.
وعطاء ال سبحانه وتعالى وحكمته فوق قدرة فهم البشر ..ولو أراد النسان أن يحوم بفكره
وخواطره حول معاني هذه الحروف لوجد فيها كل يوم شيئا جديدا .لقد خاض العلماء في البحث
كثيرا ..وكل عالم أخذ منها على قدر صفائه ،ول يدعي أحد العلماء أن ذلك هو الحق المراد من
هذه الحروف ..بل كل منهم يقول وال أعلم بمراده .ولذلك نجد عالما يقول (ألر) و(حم) و(ن)
وهي حروف من فواتح السور تكون اسم الرحمن ..نقول إن هذا ل يمكن ان يمثل فهما عاما
لحروف بداية بعض سور القرآن ..ولكن ما الذي يتعبكم أو يرهقكم في محاولة ايجاد معان لهذه
الحروف؟!..
لو أن ال سبحانه وتعالى الذي أنزل القرآن يريد أن يفهمنا معانيها ..لوردها بمعنى مباشر أو
أوضح لنا المعنى .فمثل أحد العلماء يقول إن معنى (ألم) هو أنا ال اسمع وأرى ..نقول لهذا
العالم لو أن ال أراد ذلك فما المانع من أن يورده بشكل مباشر لنفهمه جميعا ..لبد أن يكون
هناك سر في هذه الحروف ..وهذا السر هو من أسرار ال التي يريدنا أن ننتفع بقراءتها دون أن
نفهمها..
ولبد أن نعرف أنه كما أن للبصر حدودا .وللذن حدودا وللمس والشم والتذوق حدودا ،فكذلك
عقل النسان له حدود يتسع لها في المعرفة ..وحدود فوق قدرات العقل ل يصل اليها.
والنسان حينما يقرأ القرآن والحروف الموجودة في أوائل بعض السور يقول إن هذا امر خارج
عن قدرته العقلية ..وليس ذلك حجرا أو سَدّا لباب الجتهاد ..لننا إن لم ندرك فإن علينا أن
نعترف بحدود قدراتنا أمام قدرات خالقنا سبحانه وتعالى التي هي بل حدود.
وفي اليمان هناك ما يمكن فهمه وما ل يمكن فهمه ..فتحريم أكل لحم الخنزير أو شرب الخمر ل
ننتظر حتى نعرف حكمته لنمتنع عنه .ولكننا نمتنع عنه بإيمان أنه مادام ال قد حرمه فقد أصبح
حراما.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ولذلك يقول رسول ال صلى ال عليه وسلم " :ما عرفتم من محكمه فاعملوا به ،وما لم تدركوا
فآمنوا به ".
ح َكمَاتٌ هُنّ أُمّ ا ْلكِتَابِ وَُأخَرُ
وال سبحانه وتعالى يقولُ {:هوَ الّذِي أَن َزلَ عَلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مّ ْ
ن في قُلُو ِبهِمْ زَيْغٌ فَيَتّ ِبعُونَ مَا تَشَا َبهَ مِنْهُ ابْ ِتغَاءَ ا ْلفِتْنَ ِة وَابْ ِتغَاءَ تَ ْأوِيلِ ِه َومَا َيعْلَمُ
مُتَشَا ِبهَاتٌ فََأمّا الّذِي َ
تَ ْأوِيلَهُ ِإلّ اللّهُ وَالرّاسِخُونَ فِي ا ْلعِلْمِ َيقُولُونَ آمَنّا بِهِ ُكلّ مّنْ عِندِ رَبّنَا َومَا يَ ّذكّرُ ِإلّ ُأوْلُواْ الَلْبَابِ }
[آل عمران ]7 :اذن فعدم فهمنا للمتشابه ل يمنع أن نستفيد من سر وضعه ال في كتابه ..ونحن
نستفيد من أسرار ال في كتابه فهمناها أم لم نفهمها.
()5 /
في الية الثانية من سورة البقرة وصف ال سبحانه وتعالى القرآن الكريم بأنه الكتاب .وكلمة
(قرآن) معناها أنه يُقرأ ،وكلمة (كتاب) معناها أنه ل يحفظ فقط في الصدور ،ولكن يُدوّن في
السطور ،ويبقى محفوظا إلى يوم القيامة ،والقول بأنه الكتاب ،تمييز له عن كل كتب الدنيا،
وتمييز له عن كل الكتب السماوية التي نزلت قبل ذلك ،فالقرآن هو الكتاب الجامع لكل احكام
السماء ،منذ بداية الرسالت حتى يوم القيامة ،وهذا تأكيد لرتفاع شأن القرآن وتفرده وسماويته
ودليل على وحدانية الخالق ،فمنذ فجر التاريخ ،نزلت على المم السابقة كتب تحمل منهج السماء،
ولكن كل كتاب وكل رسالة نزلت موقوتة ،في زمانها ومكانها ،تؤدي مهمتها لفترة محددة وتجاه
قوم مُحّددين.
فرسالة نوح عليه السلم كانت لقومه ،وكذلك ابراهيم ولوط وشعيب وصالح عليهم السلم ..كل
هذه رسالت كان لها وقت محدود ،تمارس مهمتها في الحياة ،حتى يأتي الكتاب وهو القرآن
الكريم الجامع لمنهج ال سبحانه وتعالى .ولذلك بُشر في الكتب السماوية التي نزلت قبل بعثة
محمد عليه الصلة والسلم بأن هناك رسول سيأتي ،وأنه يحمل الرسالة الخاتمة للعالم ،وعلى كل
الذين يصدقون بمنهج السماء أن يتبعوه ..وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى {:الّذِينَ يَتّ ِبعُونَ
لمّيّ الّذِي َيجِدُونَهُ َمكْتُوبا عِن َدهُمْ فِي ال ّتوْرَا ِة وَالِنْجِيلِ }[من الية 157سورة
ياُ
الرّسُولَ النّ ِب ّ
العراف] والقرآن هو الكتاب ،لنه لن يصل اليه أي تحريف أو تبديل ،فرسالت السماء السابقة
ائتمن ال البشر عليها ،فنسوا بعضها ،وما لم ينسوه حرفوه ،وأضافوا إليه من كلم البشر ،ما
نسبوه إلى ال سبحانه وتعالى ظلما وبهتانا ،ولكن القرآن الكريم محفوظ من الخالق العلى،
مصداقا لقوله تعالى {:إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا ال ّذكْ َر وَإِنّا َلهُ َلحَافِظُونَ }[الحجر ]9 :ومعنى ذلك أل يرتاب
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
انسان في هذا الكتاب ،لن كل ما فيه من منهج ال محفوظ منذ لحظة نزوله إلى قيام الساعة
بقدرة ال سبحانه وتعالى.
يقول الحق جل جلله { :لَ رَ ْيبَ فِيهِ ُهدًى لّ ْلمُ ّتقِينَ }.
والِعجاز الموجود في القرآن الكريم هو في السلوب وفي حقائق القرآن وفي اليات وفيما ُر ِوىَ
لنا من قصص النبياء السابقين ،وفيما صحح من التوراة والنجيل ،وفيما أتى به من علم لم تكن
تعلمه البشرية ولزالت حتى الن ل تعلمه ،كل ذلك يجعل القرآن ل ريب فيه ،لنه لو اجتمعت
النس والجن ما استطاعوا أن يأتوا بآية واحدة من آيات القرآن ،ولذلك كلما تأملنا في القرآن وفي
أسلوبه ،وجدنا أنه بحق ل ريب فيه ،لنه ل أحد يستطيع أن يأتي بآية ،فما بالك بالقرآن.
فهذا الكتاب ارتفع فوق كل الكتب ،وفوق مدارك البشر ،يوضح آيات الكون ،وآيات المنهج ،وله
في كل عصر معجزات.
إن كلمة الكتاب التي وصف ال سبحانه وتعالى بها القرآن تمييزا له عن كل الكتب السابقة ،تلفتنا
إلى معان كثيرة ،تحدد لنا بعض أساسيات المنهج التي جاء هذا الكتاب ليبلغنا بها .وأول هذه
الساسيات ،أن نزول هذا الكتاب ،يستوجب الحمد ل سبحانه وتعالى .واقرأ في سورة الكهف{:
شدِيدا مّن لّدُنْهُ
ع َوجَا * قَيّما لّيُنْذِرَ بَأْسا َ
جعَل لّهُ ِ
ح ْمدُ لِلّهِ الّذِي أَنْ َزلَ عَلَىا عَبْ ِدهِ ا ْلكِتَابَ وََلمْ يَ ْ
الْ َ
حسَنا }[الكهف 1 :ـ ]2ويلفت ال سبحانه
وَيُبَشّرَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ الّذِينَ َي ْعمَلُونَ الصّالِحَاتِ أَنّ َلهُمْ َأجْرا َ
وتعالى عباده الى أن إنزاله القرآن على رسوله صلى ال عليه وسلم يستوجب الحمد من البشر
جميعا ،لن فيه منهج السماء ،وفيه الرحمة من ال لعباده ،وفيه البشارة بالجنة والطريق اليها،
وفيه التحذير من النار وما يقود اليها ،وهذا التحذير أو النذار هو رحمة من ال تعالى لخلقه .لنه
لو لم ينذرهم لفعلوا ما يستوجب العذاب ،ويجعلهم يخلدون في عذاب اليم .ولكن الكتاب الذي جاء
ليلفتهم الى ما يغضب ال ،حتى يتجنبوه ،إنما جاء برحمة تستوجب الحمد ،لنها أرتنا جميعا،
الطريق الى النجاة من النار ،ولو لم ينزل ال سبحانه وتعالى الكتاب ،ما عرف الناس المنهج الذي
يقودهم الى الجنة ،وما استحق احد منهم رضا ال ونعيمه في الخرة.
وفي سورة الكهف ،نجد تأكيدا آخر ..ان كتاب ال ،وهو القرآن الكريم لن يستطيع بشر أن يبدل
ك لَ مُبَ ّدلَ ِلكَِلمَاتِ ِه وَلَن
حيَ إِلَ ْيكَ مِن كِتَابِ رَ ّب َ
منه كلمة واحدة ،واقرأ قوله جل جلله {:وَا ْتلُ مَآ ُأ ْو ِ
جدَ مِن دُونِهِ مُلْ َتحَدا }[الكهف ]27 :ويبين ال سبحانه وتعالى لنا أن هذا الكتاب ،جاء لنفع الناس،
تَ ِ
ولنفع العباد ،وأن ال ليس محتاجا لخلقه ،فهو قادر على أن يقهر من يشاء على الطاعة ،ول يمكن
لخلق من خلق ال أن يخرج من كون ال عن مرادات ال ،واقرأ قوله سبحانه وتعالى {:طسم *
سمَآءِ
علَ ْيهِمْ مّنَ ال ّ
سكَ َألّ َيكُونُواْ ُم ْؤمِنِينَ * إِن نّشَأْ نُنَ ّزلْ َ
تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْلكِتَابِ ا ْلمُبِينِ * َلعَّلكَ بَاخِعٌ ّنفْ َ
ضعِينَ }[الشعراء ]4 - 1 :ويأتي ال سبحانه وتعالى بالقسم الذي يلفتنا
آيَةً فَظَّلتْ أَعْنَا ُقهُمْ َلهَا خَا ِ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الى أن كل كلمة من القرآن هي من عند ال ،كما ابلغها جبريل عليه السلم لمحمد صلى ال عليه
عظِيمٌ * إِنّهُ َلقُرْآنٌ كَرِيمٌ
سمُ ِب َموَاقِعِ النّجُومِ * وَإِنّهُ َلقَسَمٌ ّلوْ َتعَْلمُونَ َ
وسلم في قوله سبحانه {:فَلَ ُأقْ ِ
طهّرُونَ * تَنزِيلٌ مّن ّربّ ا ْلعَاَلمِينَ }[الواقعة ]80 - 75 :ثم
* فِي كِتَابٍ ّمكْنُونٍ * لّ َيمَسّهُ ِإلّ ا ْل ُم َ
يلفتنا الحق سبحانه وتعالى الى ذلك الكتاب الذي هو منهج للنسان على الرض ،فبعد أن بين لنا
جل جلله ،بما ل يدع مجال للشك أن الكتاب منزل من عنده ،وأنه يصحح الكتب السابقة
كالتوراة ،والنجيل والتي أئتمن ال عليها البشر ،فحرفوها وبدلوها ،وهذا التحريف أبطل مهمة
المنهج اللهي بالنسبة لهذه الكتب ،فجاء الكتاب الذي لم يصل اليه تحريف ول تبديل ،ليبقى منهجا
ل ،الى ان تقوم الساعة.
أول ما جاء به هذا الكتاب هو إيمان القمة ،بأنه ل إله إل ال الواحد الحد ..وال سبحانه وتعالى
حقّ ُمصَدّقا ّلمَا بَيْنَ َيدَيْهِ
حيّ ا ْلقَيّومُ * نَ ّزلَ عَلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ بِالْ َ
يقول {:الم * اللّ ُه ل إِلَـاهَ ِإلّ ُهوَ الْ َ
وَأَن َزلَ ال ّتوْرَا َة وَالِنْجِيلَ }[آل عمران ]3 - 1 :وهكذا نعرف ان الكتاب نزل ليؤكد لنا ،ان ال
واحد أحد ،ل شريك له ،وأن القرآن يشتمل على كل ما تضمنته الشرائع السماوية من توراة
وانجيل ،وغيرها من الكتب.
فالقرآن نزل ليفرق بين الحق الذي جاءت به الكتب السابقة ،وبين الباطل الذي أضافه أولئك الذي
ائتمنوا عليها.
ثم يحدد الحق تبارك وتعالى لنا مهمتنا في أن هذا الكتاب مطلوب أن نبلغه للناس جميعا ،واقرأ
قوله سبحانه {:المص * كِتَابٌ أُن ِزلَ إِلَ ْيكَ فَلَ َيكُنْ فِي صَدْ ِركَ حَرَجٌ مّنْهُ لِتُنذِرَ بِ ِه وَ ِذكْرَىا
لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ }[العراف ]2 - 1 :فالخطاب هنا لرسول ال صلى ال عليه وسلم ،وكل خطاب لرسول
ال صلى ال عليه وسلم في القرآن الكريم ،يتضمن خطابا لمته جميعا ،فالرسول صلى ال عليه
وسلم كلف بأن يبلغ الكتاب للناس ،ونحن مكلفون بأن نتبع المنهج نفسه ونبلغ ما جاء في القرآن
للناس حتى يكون الحساب عدل ،وأنهم قد بلغوا منهج ال ،ثم كفروا به أو تركوه ،إذن فإبلغ
الكتاب من المهمات الساسية التي حددها ال سبحانه وتعالى بالنسبة للقرآن.
والكتاب فيه رد على حجج الكفار وأباطيلهم .واقرأ قول ال تبارك وتعالى {:الر تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْلكِتَابِ
س وَبَشّرِ الّذِينَ آمَنُواْ أَنّ َل ُهمْ قَ َدمَ
جلٍ مّ ْنهُمْ أَنْ أَنذِرِ النّا َ
حكِيمِ * َأكَانَ لِلنّاسِ عَجَبا أَنْ َأوْحَيْنَآ إِلَىا َر ُ
الْ َ
صِدْقٍ عِندَ رَ ّبهِمْ قَالَ ا ْلكَافِرُونَ إِنّ هَـاذَا لَسَاحِرٌ مّبِينٌ }[يونس ]2 - 1 :وفي هذه اليات الكريمة:
يلفتنا ال سبحانه وتعالى إلى حقيقتين ..الحقيقة الول هي أن الكفار يتخذون من بشرية الرسول
حُجة بأن هذا الكتاب ليس من عند ال .وكان الرد هو :أن كل الرسل السابقين كانوا بشرا ،فما هو
العجب في أن يكون محمد صلى ال عليه وسلم رسولً بشرا .واللفتة الثانية هي ان هذا القرآن
مكتوب بالحروف نفسها التي خلقها ال لنا لنكتب بها ،ومع ذلك فإن القرآن الكريم نزل مستخدما
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لهذه الحروف التي يعرفها الناس جميعا ،معجزا في أل يستطيع النس والجن ،مجتمعين أن يأتوا
بسورة واحدة منه .ثم يلفتنا الحق سبحانه وتعالى لفتة اخرى الى أن هذا الكتاب محكم اليات ،ثم
ح ِك َمتْ آيَاتُهُ ثُمّ ُفصَّلتْ مِن لّدُنْ
بينه ال لعباده ،واقرأ قوله جل جلله في سورة هود {:الر كِتَابٌ أُ ْ
حكِيمٍ خَبِيرٍ * َألّ َتعْ ُبدُواْ ِإلّ اللّهَ إِنّنِي َلكُمْ مّ ْنهُ نَذِي ٌر وَبَشِيرٌ }
َ
[هود ]2 - 1 :هذه هي بعض اليات في القرآن الكريم ،التي أراد ال سبحانه وتعالى أن يلفتنا
فيها الى معنى الكتاب ،فآياته من عند ال الحكيم الخبير ،وكل آية فيها اعجاز مُتَحدّى به النس
والجن ،وهذا الكتاب لبد أن يبلغ للناس جميعا ،فالكتاب ينذرهم أل يعبدوا إل ال ،ليكون الحساب
عدل في الخرة ،فمن أنذر وأطاع كان له الجنة ،ومن عصى كانت له النار والعياذ بال.
ثم يلفتنا ال الى ان هذا الكتاب فيه قصص النبياء السابقين منذ آدم عليه السلم ،يقول جل
جلله {:الر تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْلكِتَابِ ا ْلمُبِينِ * إِنّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنا عَرَبِيّا ّلعَّلكُمْ َت ْعقِلُونَ * نَحْنُ َنقُصّ عَلَ ْيكَ
ن وَإِن كُنتَ مِن قَبِْلهِ َلمِنَ ا ْلغَافِلِينَ }[يوسف]3 - 1:
حسَنَ ا ْل َقصَصِ ِبمَآ َأوْحَيْنَآ إِلَ ْيكَ هَـاذَا ا ْلقُرْآ َ
أَ ْ
وهكذا نجد أن القرآن الكريم ،قد جاء ليقص علينا أحسن القصص بالنسبة للنبياء السابقين،
والحداث التي وقعت في الماضي ،ولم يأت القرآن بهذه القصص للتسلية أو للترفيه ،وإنما جاء
بها للموعظة ولتكون عبرة ايمانية ،ذلك أن القصص القرآني يتكرر في كل زمان ومكان.
ففرعون هو كل حاكم طغى في الرض ،ونصب نفسه إلها ،وقارون هو كل من أنعم ال عليه
فنسب النعمة الى نفسه ،وتكبر وعصى ال ،وقصة يوسف هي قصة كل اخوة حقدوا على أخ لهم،
وتآمروا عليه ،وأهل الكهف هم كل فتية آمنوا بربهم ،فنشر ال لهم من رحمته في الدنيا والخرة،
ما عدا قصة واحدة هي قصة مريم وعيسى عليهما السلم ،فهي معجزة لن تتكرر ولذلك عرف
ال سبحانه وتعالى ابطالها ،فقال عيسى بن مريم وقال مريم ابنة عمران.
والكتاب الذي أنزله ال سبحانه وتعالى فيه لفتة الى آيات ال في كونه .واقرأ قوله تعالى {:المر
س لَ ُي ْؤمِنُونَ * اللّهُ الّذِي َرفَعَ
ب وَالّذِي أُن ِزلَ إِلَ ْيكَ مِن رّ ّبكَ ا ْلحَقّ وَلَـاكِنّ َأكْثَرَ النّا ِ
تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْلكِتَا ِ
جلٍ
س وَا ْل َقمَرَ ُكلّ يَجْرِي لَ َ
شمْ َ
عمَدٍ تَ َروْ َنهَا ثُمّ اسْ َتوَىا عَلَى ا ْلعَرْشِ وَسَخّرَ ال ّ
سمَاوَاتِ ِبغَيْرِ َ
ال ّ
صلُ اليَاتِ َلعَّلكُمْ بِِلقَآءِ رَ ّبكُمْ تُوقِنُونَ }[الرعد ]2 - 1 :وهكذا بين لنا ال
لمْرَ ُيفَ ّ
سمّـى ُيدَبّ ُر ا َ
مّ َ
في الكتاب آياته في الكون ولفتنا اليها ،فالسماء مرفوعة بغير عمد نراها ،والشمس والقمر
مسخران لخدمة النسان ،وهذه كلها آيات ل يستطيع أحد من خلق ال أن يدعيها لنفسه أو لغيره،
فل يوجد ،حتى يوم القيامة من يستطيع ان يدعي انه رفع السماء بغير عمد ،أو أنه خلق الشمس
والقمر وسخرهما لخدمة النسان .ولو تدبر الناس في آيات الكون لمنوا ولكنهم في غفلة عن هذه
اليات .ثم يحدد الحق سبحانه وتعالى مهمة هذا الكتاب وكيف أنه رحمة للناس جميعا ،فيقول جل
جلله {:الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَ ْيكَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْنِ رَ ّبهِمْ إِلَىا صِرَاطِ ا ْلعَزِيزِ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شدِيدٍ }
سمَاوَاتِ َومَا فِي الَ ْرضِ َووَ ْيلٌ لّ ْلكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ َ
حمِيدِ * اللّهِ الّذِي َلهُ مَا فِي ال ّ
الْ َ
[إبراهيم ]2 - 1 :أي أن مهمة هذا الكتاب هي أن يخرج الناس من ظلمات الجهل والكفر والشرك
الي نور اليمان ،لن كل كافر مشرك تحيط به ظلمات ،يرى اليات فل يبصرها ،ويعرف أن
هناك حسابا وآخرة ولكنه ينكرهما ،ول يرى إل الحياة الدنيا القصيرة غير المأمونة في كل شيء،
في العمر والرزق والمتعة ،ولو تطلع الى نور اليمان ،لرأى الخرة وما فيها من نعيم أبدي
وَل َعمِلَ من أجلها ،ولكن لنه تحيط به الظلمات ل يرى ..والطريقُ لن يرى هو هذا الكتاب،
القرآن الكريم لنه يخرج الناس إذا قرأوه من ظلمات الجهل والكفر الى نور الحقيقة واليقين .وبين
الحق سبحانه وتعالى أن الذين يلتفتون الى الدنيا وحدها ،هم كالنعام التي تأكل وتشرب ،بل ان
النعام افضل منهم ،لن النعام تقوم بمهمتها في الحياة ،بينما هم ل يقومون بمهمة العبادة ،فيقول
الحق تبارك وتعالى {:الرَ تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْلكِتَابِ َوقُرْآنٍ مّبِينٍ * رّ َبمَا َيوَدّ الّذِينَ كَفَرُواْ َلوْ كَانُواْ ُمسِْلمِينَ
س ْوفَ َيعَْلمُونَ }[الحجر ]3 - 1 :هكذا يخبرنا الحق أن
ل َملُ فَ َ
* ذَ ْرهُمْ يَ ْأكُلُو ْا وَيَ َتمَ ّتعُو ْا وَيُ ْل ِههِ ُم ا َ
آيات كتابه الكريم ومنهجه ل تؤخذ بالتمني ،ولكن لبد أن يعمل بها ،وأن الذين كفروا في تمتعهم
بالحياة الدنيا ل يرتفعون فوق مرتبة النعام ،وأنهم يتعلقون بأمل كاذب في أن النعيم في الدنيا
فقط ،ولكن الحقيقة غير ذلك وسوف يعلمون.
وهكذا بعد أن تعرضنا بإيجاز لبعض اليات التي ورد فيها ذكر الكتاب انه كتاب يبصرنا بقضية
القمة في العقيدة وهي أنه ل إله إل ال وأن محمدا صلى ال عليه وسلم رسول ال ،وهو بهذا
يخرج الناس من الظلمات الى النور.
وأن يلفتهم الى آيات الكون ..وأن يعرفوا أن هناك آخرة ونعيما أبديا وشقاء أبديا ،وأن يقيم الدليل
والحجة على الكافرين ،وأن قوله تعالى } :ذَِلكَ ا ْلكِتَابُ { يحمل معنى التفوق الكامل الشامل على
كل ما سبقه من كتب .وأنه سيظل كذلك حتى قيام الساعة ولذلك وصفه الحق تبارك وتعالى بأنه "
كتاب " ليكون دليل على الكمال.
ولبد أن نعرف أن ذلك ليست كلمة واحدة ..وانما هي ثلث كلمات " ..ذا " اسم اشارة " ..واللم
" تدل على البتعاد ورفعة شأن القرآن الكريم ،و " ك " لمخاطبة الناس جميعا بأن القرآن الكريم
له عمومية الرسالة الى يوم القيامة.
ونحن عندما نقرأ سورة البقرة نستطيع أن نقرأ آيتها الثانية بطريقتين ..الطريقة الولى أن نقول }
ب لَ رَ ْيبَ فِيهِ { ثم نصمت قليل ونضيف } :هُدًى لّ ْلمُ ّتقِينَ { والطريقة الثانية أن
الم * ذَِلكَ ا ْلكِتَا ُ
نقول } :الم * ذَِلكَ ا ْلكِتَابُ لَ رَ ْيبَ { ثم نصمت قليل ونضيف :فيه هدى للمتقين " وكلتا الطريقتين
توضح لنا معنى ل ريب أي ل شك.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
.أو نفي للشك وجزم مطلق أنه كتاب حكيم منزل من الخالق العلى .وحتى نفهم المنطلق الذي
نأخذ منه قضايا الدين ،والتي سيكون دستورنا في الحياة ،فلبد ان نعرف ما هو الهدى ومن هم
المتقون؟ الهدى هو الدللة على طريق يوصلك الى ما تطلبه .فالشارات التي تدل المسافر على
الطريق هي هدى له لنها تبين له الطريق الذي يوصله الى المكان الذي يقصده ..والهدى يتطلب
هاديا ومهديا وغاية تريد أن تحققه .فاذا لم يكن هناك غاية أو هدف فل معنى لوجود الهدى لنك
ل تريد أن تصل الى شيء ..وبالتالي ل تريد من أحد أن يدلك على طريق.
اذن لبد أن نوجد الغاية أول ثم نبحث عمن يوصلنا اليها.
وهنا نتساءل من الذي يحدد الهدف ويحدد لك الطريق للوصول إليه؟ اذا اخذنا بواقع حياة الناس
فإن الذي يحدد لك الهدف لبد أن تكون واثقا من حكمته ..والذي يحدد لك الطريق لبد أن يكون
له من العلم ما يستطيع به أن يدلك على أقصر الطرق لتصل الى ما تريد.
فاذا نظرنا الى الناس في الدنيا نجد أنهم يحددون مطلوبات حياتهم ويحددون الطريق الذي يحقق
هذه المطلوبات ..فالذي يريد أن يبني بيتا مثل يأتي بمهندس يضع له الرسم ،ولكن الرسم قد يكون
قاصرا على أن يحقق الغاية المطلوبة فيظل يغير ويبدل فيه .ثم يأتي مهندس على مستوى أعلى
فيضع تصورا جديدا للمسألة كلها ..وهكذا يكون الهدف متغيرا وليس ثابتا.
وعند التنفيذ قد ل توجد المواد المطلوبة فنغير ونبدل لنأتي بغيرها ثم فوق ذلك كله قد تأتي قوة
أعلى فتوقف التنفيذ أو تمنعه .إذن فأهداف الناس متغيرة تحكمها ظروف حياتهم وقدراتهم..
والغايات التي يطلبونها ل تتحقق لقصور علم البشر وامكاناته.
اذن فكلنا محتاجون الى كامل العلم والحكمة ليرسم لنا طريق حياتنا ..وأن يكون قادرا على كل
شيء ،ومالكا لكل شيء ،والكون خاضعا لرادته حتى نعرف يقينا أن ما نريده سيتحقق ،وأن
الطريق الذي سنسلكه سيوصلنا الى ما نريده .وينبهنا ال سبحانه وتعالى الى هذه القضية فيقول:
{ ُقلْ إِنّ هُدَى اللّهِ ُهوَ ا ْلهُدَىا }[البقرة]120 :
ان ال يريد أن يلفت خلقه الى انهم إذا أرادوا أن يصلوا الى الهدف الثابت الذي ل يتغير فليأخذوه
عن ال .وإذا أرادوا أن يتبعوا الطريق الذي ل توجد فيه أي عقبات أو متغيرات ..فليأخذوا
طريقهم عن ال تبارك وتعالى ..إنك اذا اردت باقيا ..فخذ من الباقي ،واذا أردت ثابتا ..فخذ من
الثابت .ولذلك كانت قوانين البشر في تحديد أهدافهم في الحياة وطريقة الوصول اليها قاصرة.
.علمت أشياء وغابت عنها أشياء ..ومن هنا فهي تتغير وتتبدل كل فترة من الزمان.
ذلك أن من وضع القوانين من البشر له هدف يريد أن يحققه ،ولكن ال جل جلله ل هوى له..
فإذا أردت أن تحقق سعادة في حياتك ،وأن تعيش آمنا مطمئنا ..فخذ الهدف عن ال ،وخذ الطريق
عن ال .فإن ذلك ينجيك من قلق متغيرات الحياة التي تتغير وتتبدل .وال قد حدد لخلقه ولكل ما
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
في كونه أقصر طريق لبلوغ الكون سعادته .والذين ل يأخذون هذا الطريق يتعبون أنفسهم
ويتعبون مجتمعهم ول يحققون شيئا.
اذن فالهدف يحققه ال لك ،والطريق يبينه ال لك ..وما عليك إل أن تجعل مراداتك في الحياة
خاضعة لما يريده ال.
ويقول ال سبحانه وتعالى } :هُدًى لّ ْلمُ ّتقِينَ { ..ما معنى المتقين؟ متقين جمع متق .والتقاء من
الوقاية ..والوقاية هي الحتراس والبعد عن الشر ..لذلك يقول الحق تبارك وتعالى {:ياأَ ّيهَا الّذِينَ
س وَا ْلحِجَا َرةُ }[التحريم ]6 :أي اعملوا بينكم وبين النار
سكُ ْم وَأَهْلِيكُمْ نَارا َوقُودُهَا النّا ُ
آمَنُواْ قُواْ أَنفُ َ
وقاية .احترسوا من أن تقعوا فيها ..ومن عجيب أمر هذه التقوى أنك تجد الحق سبحانه وتعالى
يقول في القرآن الكريم ـ والقرآن كله كلم ال ـ " اتقوا ال " ويقول " :اتقوا النار " .كيف نأخذ
سلوكا واحدا تجاه الحق سبحانه وتعالى وتجاه النار التي سيعذب فيها الكافرون؟!
ال تعالى يقول " :اتقوا النار " .أي ل تفعلوا ما يغضب ال حتى ل تعذبوا في النار ..فكأنك قد
جعلت بينك وبين النار وقاية بأن تركت المعاصي وفعلت الخير.
وقول تعالى " :اتقوا ال " كيف نتقيه بينما نحن نطلب من ال كل النعم وكل الخير دائما .كيف
يمكن أن يتم هذا؟ وكيف نتقي من نحب؟.
نقول ان ل سبحانه وتعالى صفات جلل وصفات جمال ..صفات الجلل تجدها في القهار
والجبار والمذل ..والمنتقم .والضار .كل هذا من متعلقات صفات الجلل ..بل إن النار من
متعلقات صفات الجلل.
أما صفات الجمال فهي الغفار والرحيم وكل الصفات التي تتنزل بها رحمات ال وعطاءاته على
خلقه .فاذا كنت تقي نفسك من النار ـ وهي من متعلقات صفات الجلل ـ لبد أن تقي نفسك من
صفات الجلل كلها .لنه قد يكون من متعلقاتها ما أشد عذابا وايلما من النار ..فكأن الحق
سبحانه وتعالى حين يقول " :اتقوا النار " .و " :اتقوا ال " يعني أن نتقي غضب ال الذي يؤدي بنا
الى أن نتقي كل صفات جلله ..ونجعل بيننا وبينها وقاية .فمن اتقى صفات جلل ال أخذ صفات
جماله.
.ولذلك يقول رسول ال صلى ال عليه وسلم " :إذا كانت آخر ليلة من رمضان تجلى الجبار
بالمغفرة " وكان المنطق يقتضي أن يقول رسول ال صلى ال عليه وسلم (تجلى الرحمن
بالمغفرة) ولكن مادامت هناك ذنوب ،فالمقام لصفة الجبار الذي يعذب خلقه بذنوبهم .فكأن صفة
الغفار تشفع عند صفة الجبار ..وصفة الجبار مقامها للعاصين ،فتأتي صفة الغفار لتشفع عندها،
فيغفر ال للعاصين ذنوبهم ،وجمال المقابلة هنا حينما يتجلى الجبار بجبروته بالمغفرة فساعة تأتي
كلمة جبار ..يشعر النسان بالفزع والخوف والرعب .لكن عندما تسمع (تجلى الجبار بالمغفرة)
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فإن السعادة تدخل الى قلبك .لنك تعرف أن صاحب العقوبة وهو قادر عليها قد غفر لك .والنار
ليست آمرة ول فاعلة بذاتها ولكنها مأمورة .اذن فاستعذ منها بالمر أو بصفات الجمال في المر.
يقول الحق سبحانه وتعالى } هُدًى لّ ْلمُ ّتقِينَ { ولقد قلنا ان الهدى هدى ال ..لنه هو الذي حدد
الغاية من الخلق ودلنا على الطريق الموصل اليها .فكون ال هو الذي حدد المطلوب ودلنا على
الطريق اليه فهذه قمة النعمة ..لنه لم يترك لنا أن نحدد غايتنا ول الطريق اليها .فرحمنا بذلك
مما سنتعرض له من شقاء في أن نخطئ ونصيب بسبب علمنا القاصر ،فنشقى وندخل في
تجارب ،ونمشي في طرق ثم نكتشف أننا قد ضللنا الطريق فنتجه الى طريق آخر فيكون اضل
وأشقى.
وهكذا نتخبط دون أن نصل الى شيء ..وأراد سبحانه أن يجنبنا هذا كله فأنزل القرآن الكريم..
كتابا فيه هداية للناس وفيه دللة على أقصر الطرق لكي نتقي عذاب ال وغضبه.
وال سبحانه وتعالى قال } :هُدًى لّ ْلمُ ّتقِينَ { أي أن هذا القرآن هدى للجميع ..فالذي يريد أن يتقي
عذاب ال وغضبه يجد فيه الطريق الذي يحدد له هذه الغاية ..فالهدى من الحق تبارك وتعالى
للناس جميعا .ثم خص من آمن به بهدى آخر ،وهو أن يعينه على الطاعة.
اذن فهناك هدى من ال لكل خلقه وهو أن يدلهم سبحانه وتعالى ويبين لهم الطريق المستقيم .هذا
هو هدى الدللة ،وهو أن يدل ال خلقه جميعا على الطريق الى طاعته وجنته .واقرأ قوله تبارك
وتعالى {:وََأمّا َثمُودُ َفهَدَيْنَاهُمْ فَاسْ َتحَبّواْ ا ْل َعمَىا عَلَى ا ْلهُدَىا }[فصلت ]17 :اذن الحق سبحانه
وتعالى دلهم على طريق الهداية ..ولكنهم أحبوا طريق الغواية والمعصية واتبعوه ..هذه هداية
الدللة ..أما هداية المعونة ففي قوله سبحانه {:وَالّذِينَ اهْ َت َدوْاْ زَادَ ُهمْ ُهدًى وَآتَاهُمْ َتقُوَا ُهمْ }[محمد:
]17وهذه هي دللة المعونة ..وهي ل تحق إل لمن آمن بال واتبع منهجه وأقبل على هداية
الدللة وعمل بها ..وال سبحانه وتعالى ل يعين من يرفض هداية الدللة ،بل يتركه يضل ويشقى.
.ونحن حين نقرأ القرآن الكريم نجد أن ال تبارك وتعالى :يقول لنبيه ورسوله صلى ال عليه
ت وَلَـاكِنّ اللّهَ َيهْدِي مَن يَشَآءُ }[القصص ]56 :وهكذا نفى ال
ك لَ َتهْدِي مَنْ أَحْبَ ْب َ
وسلم {:إِ ّن َ
سبحانه وتعالى عن رسوله صلى ال عليه وسلم أن يكون هاديا لمن أحب ..ولكن الحق يقول
لرسوله صلى ال عليه وسلم {:وَإِ ّنكَ لَ َت ْهدِي إِلَىا صِرَاطٍ مّسْ َتقِيمٍ }[الشورى ]52 :فكيف يأتي هذا
الختلف مع أن القائل هو ال.
نقول :عندما تسمع هذه اليات اعلم أن الجهة منفكة ..يعني ما نفى غير ما أثبت ..ففي غزوة بدر
مثل أخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم حفنة من الحصى قذفها في وجه جيش قريش .يأتي
ت وَلَـاكِنّ اللّهَ َرمَىا }
القرآن الكريم الى هذه الواقعة فيقول الحق سبحانهَ {:ومَا َرمَ ْيتَ إِذْ َرمَ ْي َ
[النفال ]17 :نفي للحدث وإثباته في الية نفسها ..كيف رمى رسول ال صلى ال عليه وسلم..
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
مع أن ال تبارك وتعالى قالَ } :ومَا َرمَ ْيتَ {؟! نقول إنه في هذه الية الجهة منفكة .الذي رمى
هو رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ولكن الذي أوصل الحصى الى كل جيش قريش لتصيب كل
مقاتل فيهم هي قدرة ال سبحانه وتعالى .فما كان لرمية رسول ال صلى ال عليه وسلم حفنة من
الحصى يمكن أن تصل الى كل جيش الكفار ،ولكن قدرة ال هي التي جعلت هذا الحصى يصيب
كل جندي في الجيش.
أما قول الحق سبحانه وتعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم } :وَإِ ّنكَ لَ َتهْدِي ِإلَىا صِرَاطٍ مّسْ َتقِيمٍ {.
فهي هداية دللة .أي أن رسول ال صلى ال عليه وسلم بتبليغه للقرآن وبيانه لمنهج ال قد دل
ك لَ َتهْدِي مَنْ َأحْبَ ْبتَ
الناس كل الناس على الطريق المستقيم وبينه لهم .وقوله تبارك وتعالى } :إِ ّن َ
وَلَـاكِنّ اللّهَ َيهْدِي مَن َيشَآءُ { ..أي إنك ل توصل الهداية الى القلوب لن ال سبحانه وتعالى هو
الذي يهدي القلوب ويزيدها هدى وإيمانا .ولذلك أطلقها ال تبارك وتعالى قضية ايمانية عامة في
قولهُ } :قلْ إِنّ ا ْلهُدَىا هُدَى اللّهِ { فالقرآن الكريم يحمل هداية الدللة للذين يريدون أن يجعلوا
بينهم وبين غضب ال وعذابه وقاية.
()6 /
الّذِينَ ُي ْؤمِنُونَ بِا ْلغَ ْيبِ وَيُقِيمُونَ الصّلَاةَ َو ِممّا رَ َزقْنَا ُهمْ يُ ْنفِقُونَ ()3
بعد أن بين ال سبحانه وتعالى لنا أن هذا الكتاب ـ وهو القرآن الكريم ـ { هُدًى لّ ْلمُتّقِينَ } ..أي
أن فيه المنهج والطريق لكل من يريد أن يجعل بينه وبين غضب ال وقاية ..أراد أن يعرفنا
صفات هؤلء المتقين ومن هم ..وأول صفة هي قوله تعالى { :الّذِينَ ُي ْؤمِنُونَ بِا ْلغَ ْيبِ }..
ما هو الغيب الذي جعله ال أول مرتبة في الهدى ..وفي الوقاية من النار ومن غضب ال؟..
الغيب هو كل ما غاب عن مدركات الحس .فالشياء المحسة التي نراها ونلمسها ل يختلف فيها
أحد ..ولذلك يقال ليس مع العين أين ..لن ما تراه ل تريد عليه دليل ..ولكن الغيب ل تدركه
الحواس ..إنما يدرك بغيرها..
ومن الدللة على دقة التعريف أنهم قالوا أن هناك خمس حواس ظاهرة هي :السمع والبصر والشم
والذوق واللمس ..ولكن هناك أشياء تدرك بغير هذه الحواس..
لنفرض أن أمامنا حقيبتين ..الشكل نفسه والحجم نفسه .هل تستطيع بحواسك الظاهرة أن تدرك
أيهما أثقل من الخرى؟ .هل تستطيع الحواس الخمس أن تقول لك أي الحقيبتين أثقل؟ ..ل ..لبد
أن تحمل واحدة منهما ثم تحمل الخرى لتعرف أيهما أثقل..
بأي شيء أدركت هذا الثقل؟ ..بحاسة العضل ..لن عضلتك أُجهدت عندما حملت احدى
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الحقيبتين ،ولم تجهد عندما حملت الثانية ..فعرفت بالدقة أيهما أثقل ..ل تقل باللمس؛ لنك لو
لمست احداهما ثم لمست الخرى ل تعرف أيهما أثقل ..إذن فهناك حاسة العضل التي تقيس بها
ثقل الشياء..
ولنفرض أنك دخلت محل لبيع القماش ،وأمامك نوعان من قماش واحد ..ولكن أحدهما أرق من
الخر ..بمجرد أن تضع القماشين بين أنامِلك تدرك أن أحدهما رقيق والخر أكثر سمكا ..بأي
حاسة أدركت هذا؟ ليس بحاسة اللمس ولكن بحاسة البينة وحكمها ل يخطئ..
وعندما تشعر بالجوع ..بأي حاسة أدركت أنك جوعان؟ ..ليس بالحواس الظاهرة ..وكذلك عندما
تظمأ ..ما هي الحاسة التي أدركت بها أنك محتاج الى الماء ..وعندما تكون نائما ..أي حاسة تلك
التي توقظك من النوم ..ل أحد يعرف..
اذن هناك ملكات في النفس وهي الحواس الظاهرة ..وهناك ادراكات في النفس ..وهي حواس ل
يعلمها إل خالقها ..لذلك عندما يأتي العلماء ليضعوا تعريفا للنفس البشرية نقول لهم :ماذا تعرفون
عن هذه النفس؟! ..انكم ل تعلمون إل ظاهرا من الحياة الدنيا ..ولكن هناك أشياء داخل النفس ل
تعرفونها ..هناك ادراكات ل يعلم عنها النسان شيئا ،وهي ادراكات كثيرة ومتعددة.
.لذلك يخطئ من يقول إن ما ل يدرك بالحواس البشرية الظاهرة هو غيب ..لن هناك ملكات
وادراكات متعددة تعمل بغير علم منا.
لو أعطى لطالب تمرين هندسي فحله وأتى بالجواب ..هل نقول أنه عَِلمَ غيبا؟ ..لن حل التمرين
كان غيبا عنه ثم وصل اليه ..ل ..لن هناك مقدمات وقوانين أوصلته الى هذا الحل ..والغيب بل
مقدمات ول قوانين تؤدي اليه ،وهل عندما تعلن الرصاد الجوية أن غدا يوم مطير شديد الرياح..
أتكون قد عَِل َمتْ غيبا؟ ..ل ..لنها أخذت المقدمات ووصلت بها الى نتائج وهذا ليس غيبا..
واذا جاء أحد من الدجالين وقال لك ان ما سرق منك عند فلن ..أيكون قد علم الغيب؟ ..ل ..لنه
يشترط في الغيب أل يكون معلوما لمثلك ..وما سرق منك معلوم لمثلك ..فالسارق والذي بيعت له
المسروقات يعرفان من الذي سرق ،وما الذي حدث ..والشرطة تستطيع بالمقدمات والبصمات
والبحث أن تصل الى السارق ومن اشترى المسروقات ..وإذا جاءك دجال من الذين يسخرون
الجن ..والمعروف أن الجن مستورعنا يمتاز بخفة الحركة وسرعتها ..وال سبحانه وتعالى يقول
ث لَ تَ َروْ َنهُمْ }[العراف ]27 :فقد يكون هذا المستعان
عن الشيطان {:إِنّهُ يَرَاكُمْ ُهوَ َوقَبِيلُهُ مِنْ حَ ْي ُ
به من الجن قد رأى شيئا ..أو انتقل من مكان إلى آخر ..فيعرف شيئا ل تعرفه أنت ..هذا ل
يكون غيبا لنك جهلته ،ولكن غيرك يعلمه بقوانينه التي خلقها ال له ..والعلماء الذين يكتشفون
أسرار الكون ..أيقال إنهم أطلعوا على الغيب؟ ..ل ..لن هؤلء العلماء اكتشفوا موجودا له
مقدمات فوصلوا الى هذه النتائج فهو ليس غيبا.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ولكن ما هو الغيب؟..
هو الشيء الذي ليس له مقدمات ول يمكن أن يصل اليه علم خَ ْلقٍ من خلق ال حتى الملئكة..
واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى حينما عَلّمَ آدم السماء كلها وعرضهم على الملئكة قال جل
سمَآءِ هَـاؤُلءِ إِن كُنْ ُتمْ
ضهُمْ عَلَى ا ْلمَلَ ِئكَةِ َفقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَ ْ
سمَآءَ كُّلهَا ثُمّ عَ َر َ
جلله {:وَعَلّمَ ءَا َد َم الَ ْ
حكِيمُ * قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِ ْئهُمْ
ك لَ عِلْمَ لَنَآ ِإلّ مَا عَّلمْتَنَآ إِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلعَلِيمُ ا ْل َ
صَا ِدقِينَ * قَالُواْ سُ ْبحَا َن َ
ت وَالَ ْرضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ
سمَاوَا ِ
سمَآ ِئهِمْ قَالَ أَلَمْ َأ ُقلْ ّلكُمْ إِنِي أَعْلَمُ غَ ْيبَ ال ّ
سمَآ ِئهِمْ فََلمّآ أَنْبََأهُمْ بَِأ ْ
بِأَ ْ
َومَا كُنْ ُتمْ َتكْ ُتمُونَ }[البقرة ]33 - 31 :والجن أيضا ل يعلم الغيب ..ولذلك عندما مات سليمان
سخّرَ له الجن لم تعلم الجن بموته إل عندما أكلت دابة
عليه السلم ..وكان ال سبحانه وتعالى قد َ
الرض عصاه ..واقرأ قوله تبارك وتعالى {:فََلمّا َقضَيْنَا عَلَيْهِ ا ْل َم ْوتَ مَا دَّلهُمْ عَلَىا َموْتِهِ ِإلّ دَابّةُ
الَ ْرضِ تَ ْأ ُكلُ مِنسَأَتَهُ فََلمّا خَرّ تَبَيّ َنتِ ا ْلجِنّ أَن ّلوْ كَانُواْ َيعَْلمُونَ ا ْلغَ ْيبَ مَا لَبِثُواْ فِي ا ْلعَذَابِ ا ْل ُمهِينِ }
[سبأ ]14 :إذن فالغيب هو ما ل يعلمه إل ال سبحانه وتعالى ..واقرأ قول الحق جل جلله {:عَالِمُ
ظهِرُ عَلَىا غَيْبِهِ أَحَدا * ِإلّ مَنِ ارْ َتضَىا مِن رّسُولٍ فَإِنّهُ يَسُْلكُ مِن بَيْنِ يَدَيْ ِه َومِنْ خَ ْلفِهِ
ا ْلغَ ْيبِ فَلَ يُ ْ
َرصَدا }[الجن ]27 - 26 :وهكذا فإن الرسل ل يعلمون الغيب ..ولكن ال سبحانه وتعالى يعلمهم
بما يشاء من الغيب ويكون هذا معجزة لهم ولمن اتبعوهم.
وقمة الغيب هي اليمان بال سبحانه وتعالى ..واليمان بملئكته وكتبه ورسله واليمان باليوم
الخر ..كل هذه أمور غيبية ،وحينما يخبرنا ال تبارك وتعالى عن ملئكته ونحن ل نراهم..
نقول مادام ال قد أخبرنا بهم فنحن نؤمن بوجودهم ..وإذا أخبرنا الحق سبحانه وتعالى عن اليوم
الخر ..فمادام ال قد أخبرنا فنحن نؤمن باليوم الخر ..لن الذي أخبرنا به هو ال جل جلله..
آمنت به أنه اله ..واستخدمت في هذا اليمان الدليل العقلي الذي جعلني أؤمن بأن لهذا الكون إلها
وخالقا ..وما يأتيني عن ال حيثية اليمان به أن ال سبحانه وتعالى هو القائل.
ولبد أن نعرف أن وجود الشيء مختلف تماما عن ادراك هذا الشيء ..فأنت لك روح في جسدك
تهبك الحياة ..أرأيتها؟ ..أسمعتها؟ ..أذقتها؟ ..أشممتها؟ ..ألمستها؟ ..الجواب طبعا ل ..فبأي
وسيلة من وسائل الدراك تدرك أن لك روحا في جسدك؟ بأثرها في إحياء الجسد..
إذن فقد عرفت الروح بأثرها ،والروح مخلوق ل ..فكيف تريد وأنت عاجز أن تدرك مخلوقا في
جسدك وذاتك وهو الروح بآثارها ..ان تدرك ال سبحانه وتعالى بحواسك.
ونحن إذا آمنا بالقمة الغيبية وهو ال جل جلله ..فلبد أن نؤمن بكل ما يخبرنا عنه وإن لم نَرَه..
ولقد أراد ال تبارك وتعالى رحمة بعقولنا أن يقرب لنا قضية الغيب فأعطانا من الكون المادي
أدلة على أن وجود الشيء ،وادراك هذا الوجود شيئان منفصلن تماما..
فالجراثيم مثل موجودة في الكون تؤدي مهمتها منذ بداية الخلق ..وكان الناس يشاهدون آثار
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
المراض في أجسادهم من ارتفاع في الحرارة وحمى وغير ذلك وهم ل يعرفون السبب ..فلما
ارتقى العلم وأذن ال لخلقه أن يروا هذا الوجود للجراثيم ..جعل ال العقول قادرة على أن تكتشف
المجهر ..الذي يعطينا الصورة مكبرة ..لن العين قدرتها البصرية أقل من أن تدرك هذه
المخلوقات الدقيقة ..فلما اكتشف العلم المجهر ..استطعنا أن نرى هذا الجراثيم ..ونعرف أن لها
دورة حياة وتكاثر إلى غير ما يكشفه ال لنا من علم كما تقدم الزمن..
إن عدم قدرتنا على رؤية أي شيء ل يعني أنه غير موجود.
.ولكن آلة الدراك ـ وهي البصر ـ عاجزة عن أن تراه ،لنه غاية في الصغر ..فاذا جئت
بالمجهر كبر لك هذا الميكروب ليدخل في نطاق وسيلة رؤيتك وهي العين ..ورؤيتنا للجراثيم
والميكروبات ليست دليل على أنها خلقت ساعة رأيناها ..بل هي موجودة تؤدي مهمتها ..سواء
رأيناها أو لم نرها.
فلو حدثنا أحد عن الميكروبات والجراثيم قبل أن نراها رؤية العين ..هل كنا نصدق؟ ..وال
سبحانه وتعالى ترك بعض خلقه غير مدرك في زمنه لبعض حقائق الكون ليرتقي النسان ويدرك
بعد ذلك ..وكان المفروض أنه يزداد ايمانا ..عندما يدرك وليعرف الخلق بالدليل المادي أن ما هو
غيب عنهم موجود وان كنا ل نراه..
وال تبارك وتعالى قد أعطانا من آياته في الكون ما يجعلنا ندرك أن لهذا الكون خالقا ..فالشمس
والقمر والنجوم والرض والنسان والحيوان والجماد ل يستطيع أحد أن يدعي انه خلقهم ..ول
أحد يمكن أن يدعي أنه خلق نفسه أو غيره ..ول يمكن لهذا الكون بهذا النظام الدقيق أن يوجد
مصادفة؛ لن المصادفات أحداث غير مرتبة أو غير منظمة ..ولو وجد هذا الكون بالصدفة
لتصادمت الشمس والقمر والنجوم والرض ولختل الليل والنهار..
ولكن كل ما في الكون من آيات يؤكد لنا أن هناك قوة هائلة هي التي خلقت ونظمت وأبدعت..
فإذا جاءنا رسول يبلغنا أن ال سبحانه وتعالى هو الذي خلق هذا الكون فلبد أن نصدقه.
ثم يقول الحق سبحانه وتعالى } :وَيُقِيمُونَ الصّلةَ { ..والصلة هي إدامة ولء العبودية للحق
تبارك وتعالى وهي ل تسقط عن النسان أبدا ..فالنسان يصلي وهو واقف ،فإن لم يستطع يصلي
وهو جالس .فإن لم يستطع ،فيصلي وهو راقد ..ول تسقط الصلة عن النسان من ساعة التكليف
إلى ساعة الوفاة كل يوم خمس مرات..
ويقول الحق تبارك وتعالى } :وَممّا رَ َزقْنَا ُهمْ يُ ْنفِقُونَ { ..وحين نتكلم عن الرزق يظن كثير من
الناس أن الرزق هو المال ..نقول له ل ..الرزق هو ما ينتفع به فالقوة رزق ،والعلم رزق،
والحكمة رزق ،والتواضع رزق ..وكل ما فيه حركة للحياة رزق ..فإن لم يكن عندك مال لتنفق
منه فعندك عافية تعمل بها لتحصل على المال ..وتتصدق بها على العاجز والمريض ..وان كان
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عندك حلم ..فإنك تنفقه بأن تقي الحمق من تصرفات قد تؤذي المجتمع وتؤذيك ..وان كان عندك
علم انفقه لتعلم الجاهل ..وهكذا نرى } :وَممّا رَ َزقْنَاهُمْ يُ ْن ِفقُونَ { تستوعب جميع حركة الحياة.
()7 /
الحق سبحانه وتعالى في هذه الية الكريمة يعطينا صفات أخرى من صفات المؤمنين ..فبعد أن
ابلغنا أن من صفات المؤمنين اليمان بالغيب واقامة الصلة والنفاق مما رزقهم ال ..يأتي بعد
ذلك الى صفات أخرى..
فهؤلء المؤمنون هم { :والّذِينَ ُي ْؤمِنُونَ ِبمَآ أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكَ } أي بالقرآن الكريم الذي أنزله ال سبحانه
وتعالى ..و " بما أنزل من قبلك " وهذه لم تأت في وصف المؤمنين إل في القرآن الكريم ..ذلك
أن السلم عندما جاء كان عليه أن يواجه صنفين من الناس ..الصنف الول هم الكفار وهم ل
يؤمنون بال ول برسول مبلغ عن ال ..وكان هناك صنف آخر من الناس ..هم أهل الكتاب
يؤمنون بال ويؤمنون برسل عن ال وكتب عن ال..
والسلم واجه الصنفين ..لن أهل الكتاب ربما ظنوا أنهم على صلة بال ..يؤمنون به ويتلقون
منه كتبا ويتبعون رسل وهذا في نظرهم كاف ..نقول ل ..فالسلم جاء ليؤمن به الكافر ،ويؤمن
به أهل الكتاب ،ويكون الدين كله ل..
وال سبحانه وتعالى في كتبه التي أنزلها أخبر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم وعن اسمه
وأوصافه ..وطلب من أهل الكتاب الذين سيدركون رسالته صلى ال عليه وسلم أن يؤمنوا به..
ولقد أعطى ال جل جلله أوصاف رسول ال صلى ال عليه وسلم لهل الكتاب حتى إنهم كانوا
يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ..بل كانت معرفتهم لرسول ال صلى ال عليه وسلم وزمنه
طلّ زمن رسول سنؤمن به ونقتلكم
وأوصافه معرفة يقينية ..وكان يهود المدينة يقولون للكفار ..أَ َ
قتل عاد وإرم ..فلما جاء رسول ال صلى ال عليه وسلم كانوا أول من حاربه وأنكر نبوته..
فأوصاف رسول ال عليه الصلة والسلم موجودة في التوراة والنجيل ..ولذلك كان أهل الكتاب
ينذرون الكفار بأنهم سيؤمنون بالرسول الجديد ويسودون به العرب ..واقرأ قول الحق سبحانه
وتعالى:
{ وََلمّا جَآءَ ُهمْ كِتَابٌ مّنْ عِندِ اللّهِ ُمصَدّقٌ ّلمَا َم َعهُمْ َوكَانُواْ مِن قَ ْبلُ يَسْ َتفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَ َكفَرُواْ فََلمّا
جَآءَهُمْ مّا عَ َرفُواْ َكفَرُواْ ِبهِ فََلعْنَةُ اللّهِ عَلَى ا ْلكَافِرِينَ } [البقرة]89 :
أي أن رسالة محمد صلى ال عليه وسلم لم تكن مفاجئة لهل الكتاب بل كانوا ينتظرونها ..كانوا
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يؤكدون أنهم سيؤمنون بها كما تأمرهم بها كتبهم ..ولكنهم رفضوا اليمان وأنكروا الرسالة عندما
جاء زمنها..
ثم يقول سبحانه وتعالى { :وَبِالخِ َرةِ هُمْ يُوقِنُونَ } ونلحظ هنا أن كلمة (وبالخرة) قد جاءت..
لنك اذا تصفحت التوراة التي هي كتاب اليهود ،أو قرأت التلمود ل تجد شيئا عن اليوم الخر.
.فقد أخذوا المر المادي فقط من كتبهم ..وال تبارك وتعالى أكد اليمان باليوم الخر حتى
عرف الذين يقولون آمنا بال وكتبه ورسله ول يلتفتون الى اليوم الخر أنهم ليسوا بمؤمنين ..فلو
لم يجئ هذا الوصف في القرآن الكريم ربما قالوا إن السلم موافق لما عندنا ..ولكن ال جل
جلله يريد تصوير اليمان تصويرا كماليا بأن اليمان بال قمة ابتداء واليمان باليوم الخر قمة
انتهاء ..فمن لم يؤمن بالخرة وأنه سيلقى ال وسيحاسبه ..وأن هناك جنة ينعم فيها المؤمن ،ونارا
يعذب فيها الكافر يكون ايمانه ناقصا ..ويكون قد اقترب من الكافر الذي جعل الدنيا غايته
وهدفه..
فالمؤمن يتبع منهج ال في الدنيا ليستحق نعيم ال في الخرة ..فلو أن الخرة لم تكن موجودة،
لكان الكافر أكثر حظا من المؤمن في الحياة ..لنه أخذ من الدنيا ما يشتهيه ولم يقيد نفسه بمنهج،
بل أطلق لشهواته العنان ..بينما المؤمن قَيّدَ حركته في الحياة طبقا لمنهج ال وتعب في سبيل ذلك.
ثم يموت الثنان وليس بعد ذلك شيء ..فيكون الكافر هو الفائز بنعم الدنيا وشهواتها .والمؤمن ل
يأخذ شيئا .والمر هنا ل يستقيم بالنسبة لقضية اليمان ..ولذلك كان اليمان بال قمة اليمان بداية
واليمان بالخرة قمة اليمان نهاية.
()8 /
أُولَ ِئكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَ ّبهِ ْم وَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ ()5
قوله تعالى( :أولئك) اشارة الى الذين تنطبق عليهم كل الصفات التي يبينها ال سبحانه وتعالى في
اليتين السابقتين ..فأولئك الذين تنطبق عليهم هذه الصفات وصلوا الى الهدى أي الى الطريق
الموصل لليمان ..ووصلوا إلى الفلح ،وهو الهدف من اليمان..
وقوله تعالىُ { :أوْلَـا ِئكَ عَلَىا هُدًى مّن رّ ّبهِمْ وَأُوْلَـا ِئكَ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ } تشمل الجميع..
ولكن لماذا استخدم ال تبارك وتعالى { ُأوْلَـا ِئكَ } مرتين؟ تلك من بلغة القرآن الكريم ،ولماذا
دمج الخبرين بعضهما مع بعض؟ حتى نعرف أنه ليس في السلم إيمانان بل إيمان واحد يترتب
عليه جزاء واحد ..وسيلته الهدى ،وغايته الفلح ..ولو نظر الى التكليفات التي هي الهدى
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الموصلة الى الغاية نجد أن ال سبحانه وتعالى رفع المهتدي على الهدى ..لنعرف أن الهدى لم
يأت ليقيد حركتك في الحياة ويستذلك ،وانما جاء ليرفعك..
إن السطحيّين يعتقدون أن الهدى يقيد حركة النسان في الحياة ويمنعه من تحقيق شهواته العاجلة..
ولكن الهدى في الحقيقة يرفع النسان ويحفظه من الضرر ،ومن غضب ال ،ومن افساد المجتمع
الذي سيكون هو أول من يعاني منه ..لذلك قال تبارك وتعالى { :عَلَىا ُهدًى }..
و (على) تفيد الستعلء .فاذا قلت أنت على الجواد فإنك تعلوه ..كأن المهتدى حين يلزم نفسه
بالمنهج ل يذل ..ولكنه يرتفع الى الهدى ويصبح الهدى يأخذه من خير الى خير ..وذلك بعكس
الضللة التي تأخذ النسان الى أسفل ..ولذلك حين تقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى {:وَإِنّآ َأوْ
للٍ مّبِينٍ }[سبأ ]24 :ترى ما يفيد الرتفاع والعلو في الهداية ،وما يفيد
إِيّاكُمْ َلعَلَىا ُهدًى َأوْ فِي ضَ َ
النخفاض والنزول في الضللة؛ وإنما كان العلوّ في الهدى ..لن المنهج قَيّدَ حركة حياتك اعزازا
لك لعلوك وسمو مقامك في أنك ل تأخذ من بشر تشريعا ..ول تأخذ من ذاتك حركة ..وإنما يرتفع
بك لتتلقي عن ال سبحانه وتعالى ..وهذا علو كبير ..ولكن عند الضللة قال " :في ضلل "..
و(في) تدل على الظرفية المحيطة ..وهو كما وصفه ال سبحانه وتعالى في آية أخرى بقوله جل
طتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَُأوْلَـ ِئكَ َأصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
سبَ سَيّ َئ ًة وَأَحَا َ
جلله {:بَلَىا مَن كَ َ
[البقرة ]81 :أحاطت به الخطيئة ..أي ل يستطيع أن يفلت منها لنه مظروف في الضلل ..وما
دامت الخطيئة محيطة به فل يجد منفذا لنها تحكمه ..وما دامت تحكمه فل يمكن أن يصل إلى
هدى مطلقا ..فالحق سبحانه وتعالى حينما قالُ { :أوْلَـا ِئكَ عَلَىا هُدًى مّن رّ ّب ِه ْم وَُأوْلَـائِكَ ُهمُ
ا ْل ُمفْلِحُونَ } ..اختار لفظا عليه دللة دنيوية تقرب المعنى الى السامع..
ما هو الفلح؟ ..المعنى العام هو الفوز وا ْل ُمفْلِحُ هو الفائز .ومعنى الية الكريمة أولئك هم
الفائزون وقال " :هم المفلحون ".
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يطلب منك الزكاة ..فالزكاة في ظاهرها نقص المال ،وإن كانت في حقيقتها بركة ونماء ..ورسول
ال صلى ال عليه وسلم يقول " :ما نقصت صدقة من مال ،وما زاد ال عبدا بعفو إل عزا ،وما
تواضع أحد ل إل رفعه "
فالحق سبحانه وتعالى اذا قيد حركتك في الحياة ..ل تظن أن هذا تضييق عليك ..بل ان هذا
لفائدتك ..لنه لم يأمرك وحدك ،ولكن المر للناس جميعا حين يقول جل جلله :ل تسرق ..فقد
قالها للناس جميعا ولذلك تكون أنت الرابح ..لنه قيدك وأنت فرد من أن تسرق من غيرك..
ولكنه قيد مليين الناس من أن يسرقوا منك ..اذن فال لم يضيق عليك ،ولكنه حمى مالك من
الناس كل الناس ..قيدك وأنت فرد أن تسرق من مال غيرك ،وقيد مليين أن يسرقوا من مالك..
فمن الفائز؟ ..أنت طبعا..
وقوله تعالى } :وَُأوْلَـائِكَ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ { (المفلحون) من مادة فلح ..فاذا كانت الرض صماء
فحينما نشقها ونبذرها تعطي محصول عظيما ،العملية أخذناها أبا عن جد .فالرض حين تشق
وتُبذر تُعطي محصول وافرا ..واذا كانت هذه العملية أخذت أبا عن جد ..يأتي السؤال من الذي
علم آدم البذر والزرع؟ ..نقول علمه ال سبحانه وتعالى كما علمه السماء ..وكما علمه ما يمكنه
به أن يباشر مهمته في الرض..
والحق جل جلله لم يكن يترك آدم في حياته على الرض دون أن يعلمه ما يضمن استمرار
حياته وحياة أولده ..يعلمه على القل بدايات ..ثم بعد ذلك تتطور هذه البدايات بما يكشفه ال من
علمه لخلقه ..وبعد ذلك جاءت القرون المتقدمة فاستطعنا أن نستخدم آلت حديثة متطورة تقوم
بعملية الحرث والبذر..
ولكن الحقيقة الثابتة التي لم تتغير منذ بداية الكون ولن تتغير حتى نهايته ..هي أن مهمة النسان
أن يحرث ويضع البذرة في الرض ويسقيها ..أما نمو الزرع نفسه فل دخل للنسان فيه.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
تضعها في الرض فإنها تبدأ أول بأن تغذي نفسها ..بحيث ينبت لها ساق وجذور وورقتان تتنفس
منهما ..كل هذا ل دخل لك فيه ول عمل لك فيه ..وتبدأ الحبة تأخذ غذاءها من الرض والهواء..
لتنمو حتى تصبح شجرة كبيرة تنتج الثمر من نوع البذرة نفسه.
ومن هنا جاءت كلمة (المفلحون) ..ليعطينا الحق جل جلله من المور المادية المشهودة ما يعين
عقولنا المحدودة على فهم الغيب ..فيشبه التكليف وجزاءه في الخرة بالبذور والفلحة ..أول لنك
حين ترمي بذرة في الرض تعطيك بذورا كثيرة..
واقرأ قول ال سبحانه وتعالى:
} مّ َثلُ الّذِينَ يُ ْنفِقُونَ َأ ْموَاَلهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ َكمَ َثلِ حَبّةٍ أَنبَ َتتْ سَبْعَ سَنَا ِبلَ فِي ُكلّ سُنبَُلةٍ مّئَةُ حَبّ ٍة وَاللّهُ
عفُ ِلمَن َيشَآ ُء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ { [البقرة]261 :
ُيضَا ِ
واذا كانت الرض وهي المخلوقة من ال تهبك أضعاف أضعاف ما أعطيتها ..فكيف بالخالق؟..
وكم يضاعف لك من الثواب في الطاعة؟ ..هذا هو السبب في أن الحق تبارك وتعالى يقول} :
وَُأوْلَـائِكَ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ { ..حتى يلفتنا بمادة الفلحة ..وهي شيء موجود نراه ونشهده كل يوم.
وكما أن التكليف يأخذ منك أشياء ليضاعفها لك ..كذلك الرض أخذت منك حبة ولم تعطك مثل
صلُ لنا شيئا
ما أخذت ،بل أعطتك بالحبة سبعمائة حبة ..وهكذا نستطيع أن نصل بشيء مشهود ُي َف ّ
غيبيا.
()9 /
سوَاءٌ عَلَ ْيهِمْ أَأَ ْنذَرْ َتهُمْ َأمْ لَمْ تُ ْنذِرْهُمْ لَا ُي ْؤمِنُونَ ()6
إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا َ
وبعد ان تحدث الحق سبحانه وتعالى عن المؤمنين وصفاتهم ..وجزائهم في الخرة وما ينتظرهم
من خير كبير ..اراد ان يعطينا تبارك وتعالى الصورة المقابلة وهم الكافرون ..وبين لنا ان
اليمان جاء ليهيمن على الجميع يحقق لهم الخير في الدنيا والخرة ..فلبد أن يكون هناك شر
يحاربه اليمان ..ولول وجود هذا الشر ..أكان هناك ضرورة لليمان ..إن النسان المؤمن يقي
نفسه ومجتمعه وعالمه من شرور يأتي بها الكفر ..والكافرون قسمان ..قسم كفر بال اول ثم
استمع الى كلم ال ..واستقبله بفطرته السليمة فاستجاب وآمن ..وصنف آخر مستفيد من الكفر
ومن الطغيان ومن الظلم ومن اكل حقوق الناس وغير ذلك ..وهذا الصنف يعرف ان اليمان اذا
جاء فانه سيسلبه جاها دنيويا ومكاسب يحققها ظلما وعدوانا..
اذن الذين يقفون امام اليمان هم المستفيدون من الكفر ..ولكن ماذا عن الذين كانوا كفارا
واستقبلوا دين ال استقبال صحيحا..
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هؤلء قد تتفتح قلوبهم فيؤمنون .والكفر معناه الستر ..ومعنى َكفَرَ (أي) سَتَرَ ..وكفر بال أي ستر
وجود ال جل جلله ..والذي يستر لبد ان يستر موجودا ،لن الستر طارئ على الوجود..
والصل في الكون هو اليمان بال ..وجاء الكفار يحاولون ستر وجود ال .فكأن الصل هو
اليمان ثم طرأت الغفلة على الناس فستروا وجود ال سبحانه وتعالى ..ليبقوا على سلطانهم او
سيطرتهم او استغللهم او استعلئهم على غيرهم من البشر..
ولفظ الكفر في ذاته يدل على ان اليمان سبق ثم بعد ذلك جاء الكفر ..كيف؟..
لن الخلق الول وهو آدم الذي خلقه ال بيديه ..ونفخ فيه من روحه وأسجد له الملئكة ..وعلمه
السماء كلها..
سجود الملئكة وتعليم السماء أمر مشهدي بالنسبة لدم ..والكفر ساعتها لم يكن موجودا ..وكان
المفروض ان ادم بعد ان نزل الى الرض واستقر فيها ..يلقن ابناءه منهج عبادة ال لنه نزل
ومعه المنهج في (افعل ول تفعل) وكان على ابناء آدم ان يلقنوا ابناءهم المنهج وهكذا..
ولكن بمرور الزمن جاءت الغفلة في أن اليمان يقيد حركة الناس في الكون ..فبدأ كل من يريد
ان يخضع حياته لشهوة بل قيود يتخذ طريق الكفر ..والعاقل حين يسمع كلمة كفر ..يجب عليه
أن يتنبه إلى أن معناها ستر لموجود واجب الوجود ..فكيف يكفر النسان ويشارك في ستر ما هو
موجود ..لذلك تجد ان الحق سبحانه وتعالى يقول {:كَ ْيفَ َتكْفُرُونَ بِاللّ ِه َوكُنْتُمْ َأ ْموَاتا فََأحْيَاكُمْ ُثمّ
جمِيعا ثُمّ اسْ َتوَىا إِلَى
جعُونَ * ُهوَ الّذِي خََلقَ َلكُمْ مّا فِي الَ ْرضِ َ
ُيمِي ُتكُمْ ثُمّ يُحْيِيكُمْ ُثمّ إِلَ ْيهِ تُرْ َ
شيْءٍ عَلِيمٌ }
سمَاوَاتٍ وَ ُهوَ ِب ُكلّ َ
سوّاهُنّ سَ ْبعَ َ
سمَآءِ فَ َ
ال ّ
[البقرة ]29 :وهكذا يأتي هذا السؤال ..ول يستطيع الكافر له جوابا!! لن ال هو الذي خلقه
وأوجده ..ول يستطيع احد منا ان يدعي انه خلق نفسه او خلق غيره ..فالوجود بالذات دليل على
قضية اليمان ..ولذلك يسألهم الحق تبارك وتعالى كيف تكفرون بال وتسترون وجود من
خلقكم؟..
والخلق قضية محسومة ل سبحانه وتعالى ل يستطيع احد ان يدعيها ..فل يمكن ان يدعي أحد أنه
خلق نفسه ..قضية انك موجود توجب اليمان بال سبحانه وتعالى الذي اوجدك ..انه عين
الستدلل على ال ..واذا نظر النسان حوله فوجد كل ما في الكون مسخر لخدمته والشياء
تستجيب له فظن بمرور الزمن ان له سيطرة على هذا الكون ..ولذلك عاش وفي ذهنه قوة
السباب ..يأخذ السباب وهو فاعلها فيجدها قد اعطته واستجابت له ..ولم يلتفت الى خالق
السباب الذي خلق لها قوانينها فجعلها تستجيب للنسان ..وقد اشار الحق تبارك وتعالى الى ذلك
طغَىا * أَن رّآهُ اسْ َتغْنَىا }[العلق ]7-6 :ذلك ان النسان
ن الِنسَانَ لَيَ ْ
في قوله جل جلله {:كَلّ إِ ّ
يحرث الرض فتعطيه الثمر ..فيعتقد انه هو الذي اخضع الرض ووضع لها قوانينها لتعطيه ما
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يريد ..يضغط على زر الكهرباء فينير المكان فيعتقد انه هو الذي اوجد هذه الكهرباء! يركب
الطائرة ..وتسير به في الجو فيعتقد انه هو الذي جعلها تطير ..وينسى الخصائص التي وضعها
ال سبحانه وتعالى في الغلف الجوي ليستطيع ان يحمل هذه الطائرة ..يفتح التليفزيون ويرى
أمامه احداث العالم فيعتقد ان ذلك قد حدث بقدرته هو ..وينسى ان ال تبارك وتعالى وضع في
الغلف الجوي خصائص جعلته ينقل الصوت والصورة من اقصى الدنيا الى اقصاها في ثوان
معدودة ..وهكذا كل ما حولنا يظن النسان انه اخضعه بذاته ..بينما كل هذا مسخر من ال
سبحانه وتعالى لخدمة النسان ..وهو الذي خلق ووضع القوانين ..نقول له انك لو فهمت معنى
ذاتية الشياء ما حدثتك نفسك بذلك ..الشيء الذاتي هو ما كان بذاتك ل يتغير ول يتخلف ابدا..
انما المر الذي ليس بذاتك هو الذي يتغير..
واذا نظرت إلى ذاتيتك تلك التي اغرتك واطغتك ..ستفهم ان كلمة ذاتية هي أل تكون محتاجا الى
غيرك بل كل شيء من نفسك ..وانت في حياتك كلها ليس لك ذاتية ..لن كل شيء حولك متغير
بدون ارادتك ..وانت طفل محتاج إلى أبيك في بدء حياتك ..فاذا كبرت وأصبح لك قوة واستجابت
الحداث لك فإنك ل تستطيع ان تجعل فترة الشباب والفتوة هذه تبقى.
.فالزمن يملك ولكن لفترة محدودة ..فاذا وصلت الى مرحلة الشيخوخة فستحتاج الى من يأخذ
بيدك ويعينك ..ربما على ادق حاجاتك وهي الطعام والشراب..
إذن فأنت تبدأ بالطفولة محتاجا إلى غيرك ..وتنتهي بالشيخوخة محتاجا إلى غيرك ..وحتى عندما
تكون في شبابك قد يصيبك مرض يقعدك عن الحركة ..فاذا كانت لك ذات حقيقية فأدفع هذا
المرض عنك وقل لن امرض ..انك ل تستطيع..
وال سبحانه وتعالى اوجد هذه المتغيرات حتى ينتهي الغرور من النسان نفسه ..ويعرف انه قوي
قادر بما اخضع ال له من قوانين الكون ..لنعلم اننا جميعا محتاجون الى القادر ،وهو ال سبحانه
وتعالى ،وان ال غني بذاته عن كل خلقه ..يغير ول يتغير ..يميت وهو دائم الوجود ..يجعل من
بعد قوة ضعفا وهو القوي دائما ..ما عند الناس ينفد وما عنده تبارك وتعالى ل ينفد أبدا ..هو ال
في السماوات والرض.
اذن فليست لك ذاتية حتى تدعي انك اخضعت الكون بقدراتك ..لنه ليس لك قدرة ان تبقى على
حال واحد وتجعله ل يتبدل ول يتغير ..فكيف تكفر بال تبارك وتعالى وتستر وجوده ..كل ما في
الكون وما في نفسك شاهد ودليل على وجود الحق سبحانه وتعالى..
قلنا ان الكافرين صنفان ..صنف كفر بال وعندما جاء الهدى حكم عقله وعرف الحق فآمن..
والصنف الخر مستفيد من الكفر ..ولذلك فهو متشبث به مهما جاءه من اليمان والدلة اليمانية
فإنه يعاند ويكفر ..لنه يريد ان يحتفظ بسلطاته الدنيوية ونفوذه القائم على الظلم والطغيان ..ول
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يقبل ان ُيجَرّ َد منهما ولو بالحق ..هذا الصنف هو الذي قال عنه ال تبارك وتعالى } :إِنّ الّذِينَ
سوَآءٌ عَلَ ْيهِمْ َأأَنذَرْ َتهُمْ َأمْ َلمْ تُنْذِرْ ُه ْم لَ ُي ْؤمِنُونَ {
َكفَرُواْ َ
إنهم لم يكفروا لن بلغا عن ال سبحانه وتعالى لم يصلهم ..ولم يكفروا لنهم في حاجة الى ان
يلفتهم رسول او نبي الى منهج ال ..هؤلء اتخذوا الكفر صناعة ومنهج حياة ..فهم مستفيدون من
الكفر لنه جعلهم سادة ولنهم متميزون عن غيرهم بالباطل ..ولنهم لو جاء اليمان الذي يساوي
بين الناس جميعا ويرفض الظلم ،لصبحوا أشخاصا عاديين غير مميزين في أي شيء..
هذا الكافر الذي اتخذ الكفر طريقا لجاه الدنيا وزخرفها ..سواء أنذرته أو لم تنذره فانه لن يؤمن..
انه يريد الدنيا التي يعيش فيها ..بل ان هؤلء هم الذين يقاومون الدين ويحاربون كل من آمن..
لنهم يعرفون ان اليمان سيسلبهم مميزات كثيرة ..ولذلك فإن عدم ايمانهم ليس عن ان منهج
اليمان لم يبلغهم ..او ان أحدا لم يلفتهم الى ايات ال في الرض ..ولكن لن حياتهم قائمة ومبنية
على الكفر.
()10 /
عظِيمٌ ()7
س ْم ِعهِ ْم وَعَلَى أَ ْبصَارِهِمْ غِشَا َوةٌ وََلهُمْ عَذَابٌ َ
خَ َتمَ اللّهُ عَلَى قُلُو ِبهِ ْم وَعَلَى َ
وكما اعطانا الحق سبحانه وتعالى أوصاف المؤمنين يعطينا صفات الكافرين ..وقد يتساءل بعض
الناس إذا كان هذا هو حكم ال على الكافرين؟ فلماذا يطلب رسول ال صلى ال عليه وسلم
اليمان منهم وقد ختم ال على قلوبهم؟! ومعنى الختم على القلب هو حكم بألّ يخرج من القلب ما
فيه من الكفر ..ول يدخل إليه اليمان..
نقول أن ال سبحانه وتعالى غني عن العالمين ..فإن استغنى بعض خلقه عن اليمان واختاروا
الكفر ..فإن ال يساعده على الستغناء ول يعينه على العودة إلى اليمان ..ولذلك فإن الحق
سبحانه وتعالى يقول في حديث قدسي:
" أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني ..فإن ذكرني في نفسه ،ذكرته في نفسي ،وإن
ذكرني في مل ذكرته في مل خير منه ،وإن اقترب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ،وإن اقترب إلي
ذراعا اقتربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ".
وقد وضح الحديث القدسي أن ال تبارك وتعالى يعين المؤمنين على اليمان ،وأن ال جل جلله
كما يعين المؤمنين على اليمان ..فإنه ل يهمه أن يأتي العبد إلى اليمان أو ل يأتي ..ولذلك نجد
القرآن دقيقا ومحكما بأن من كفروا قد اختاروا الكفر بإرادتهم .واختيارهم للكفر كان أول قبل أن
يختم ال على قلوبهم ..والخالق جل جلله أغنى الشركاء عن الشرك ..ومن أشرك به فإنه في
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
غنى عنه.
إن الذين كفروا ..أي ستروا اليمان بال ورسوله ..هؤلء يختم ال بكفرهم على آلت الدراك
كلها ..القلب والسمع والبصر .والقلب أداة إدراك غير ظاهرة ..وقد قدم ال القلب على السمع
والبصر في تلك الية لنه يريد أن يعلمنا منافذ الدراك ..وفي القرآن الكريم يقول الحق تبارك
لفْئِ َدةَ
س ْم َع وَالَبْصَا َر وَا َ
ج َعلَ َلكُمُ الْ ّ
جكُم مّن ُبطُونِ ُأ ّمهَا ِتكُ ْم لَ َتعَْلمُونَ شَيْئا وَ َ
وتعالى {:وَاللّهُ أَخْ َر َ
شكُرُونَ }[النحل]78 :
َلعَّلكُمْ تَ ْ
وهكذا يعلمنا ال أن منافذ العلم في النسان هي السمع والبصار والفئدة ..ولكن في الية الكريمة
التي نحن بصددها قدم ال القلوب على السمع والبصار ..أن ال يعلم أنهم اختاروا الكفر ..وكان
هذا الختيار قبل أن يختم ال على قلوبهم ..والختم على القلوب ..معناه أنه ل يدخلها إدراك جديد
ول يخرج منها إدراك قديم ..ومهما رأت العين أو سمعت الذن ..فل فائدة من ذلك لن هذه
القلوب مختومة بخاتم ال بعد أن اختار أصحابها الكفر وأصروا عليه ..وفي ذلك يصفهم الحق
جعُونَ }[البقرة]18 :
ع ْميٌ َفهُ ْم لَ يَرْ ِ
صمّ ُبكْمٌ ُ
جل جللهُ {:
ولكن لماذا فقدوا كل أدوات الدراك هذه؟.
.لن الغشاوة التفت حول القلوب الكافرة ،فجعلت العيون عاجزة عن تأمل آيات ال ..والسمع
غير قادر على التلقي من رسول ال صلى ال عليه وسلم..
إذن فهؤلء الذين اختاروا الكفر وأصروا عليه وكفروا بال رغم رسالته ورسله وقرآنه ..ماذا
يفعل ال بهم؟ أنه يتخلى عنهم .ولنه سبحانه وتعالى غني عن العالمين فإنه ييسر لهم الطريق
حمَـانِ ُنقَ ّيضْ
الذي مشوا فيه ويعينهم عليه ..واقرأ قوله تبارك وتعالىَ {:ومَن َيعْشُ عَن ِذكْرِ الرّ ْ
لَهُ شَيْطَانا َف ُهوَ لَهُ قَرِينٌ }[الزخرف]36 :
ويقول جل جللهَ {:هلْ أُنَبّ ُئكُمْ عَلَىا مَن تَنَ ّزلُ الشّيَاطِينُ * تَنَ ّزلُ عَلَىا ُكلّ َأفّاكٍ أَثِيمٍ }[الشعراء:
]222-221
ومن عظمة علم ال تبارك وتعالى أنه يعلم المؤمن ويعلم الكافر ..دون أن يكون جل جلله تدخل
في اختيارهم ..فعندما بعث ال سبحانه وتعالى نوحا عليه السلم ..ودعا نوح إلى منهج ال
تسعمائة وخمسين عاما .وقبل أن يأتي الطوفان علم ال سبحانه وتعالى أنه لن يؤمن بنوح عليه
السلم إل من آمن فعل ..فطلب ال تبارك وتعالى من نوح أن يبني السفينة لينجو المؤمنون من
حيَ ِإلَىا نُوحٍ أَنّهُ لَن ُي ْؤمِنَ مِن َق ْو ِمكَ ِإلّ مَن قَدْ آمَنَ فَلَ
الطوفان ..واقرأ قوله جل جلله {:وَأُو ِ
تَبْتَئِسْ ِبمَا كَانُواْ َي ْفعَلُونَ * وَاصْنَعِ ا ْلفُ ْلكَ بِأَعْيُنِنَا َووَحْيِنَا َولَ ُتخَاطِبْنِي فِي الّذِينَ ظََلمُواْ إِ ّنهُمْ
ّمغْ َرقُونَ }[هود]37-36 :
وهكذا نرى أنه من عظمة علم ال سبحانه وتعالى ..أنه يعلم من سيصر على الكفر وأنه سيموت
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
كافرا ..وإذا كانت هذه هي الحقيقة فلماذا يطلب ال تبارك وتعالى من رسوله صلى ال عليه وسلم
أن يبلغهم بالمنهج وبالقرآن؟ ..ليكونوا شهداء على أنفسهم يوم القيامة ..فل يأتي هؤلء الناس يوم
المشهد العظيم ويجادلون بالباطل ..أنه لو بلغهم الهدى ودعاهم رسول ال صلى ال عليه وسلم
لمنوا ..ولكن لماذا يختم ال جل جلله على قلوبهم؟ ..لن القلب هو مكان العقائد ..ولذلك فإن
القضية تناقش في العقل فإذا انتهت مناقشتها واقتنع بها النسان تماما فإنها تستقر في القلب ول
تعود إلى الذهن مرة أخرى وتصبح عقيدة وإيمانا ..والحق سبحانه وتعالى يقول {:فَإِ ّنهَا لَ َت ْعمَى
الَ ْبصَارُ وَلَـاكِن َت ْعمَىا ا ْلقُلُوبُ الّتِي فِي الصّدُورِ }[الحج]46 :
وإذا عمى القلب عن قضية اليمان ..فل عين ترى آيات اليمان ..ول أذن تسمع كلم ال..
وهؤلء الذين اختاروا الكفر على اليمان لهم في الخرة عذاب عظيم ..ولقد وصف ال سبحانه
وتعالى العذاب بأنه أليم ..وبأنه مهين ..وبأنه عظيم ..العذاب الليم هو الذي يسبب ألما شديدا..
والعذاب المهين هو الذي يأتي لولئك الذين رفعهم ال في الدنيا ..وأحيانا تكون الهانة أشد إيلما
للنفس من ألم العذاب نفسه ..أولئك الذين كانوا أئمة الكفر في الدنيا ..يأتي بهم ال تبارك وتعالى
يوم القيامة أمام من اتبعوهم فيهينهم ..أما العذاب العظيم فإنه منسوب إلى قدرة ال سبحانه
وتعالى ..لنه بقدرات البشر تكون القوة محدودة ..أما بقدرات ال جل جلله تكون القوة بل
حدود ..لن كل فعل يتناسب مع فاعله ..وقدرة ال سبحانه وتعالى عظيمة في كل فعل ..وبما أن
العذاب من ال جل جلله فإنه يكون عذابا عظيما.
()11 /
َومِنَ النّاسِ مَنْ َيقُولُ َآمَنّا بِاللّ ِه وَبِالْ َيوْمِ الَْآخِ ِر َومَا هُمْ ِب ُم ْؤمِنِينَ ()8
الناس في الحياة الدنيا على ثلثة أحوال :إما مؤمن ،وإما كافر ،وإما منافق.
وال سبحانه وتعالى في بداية القرآن الكريم في سورة البقرة ..أراد أن يعطينا وصف البشر جميعا
بالنسبة للمنهج وأنهم ثلث فئات :الفئة الولى هم المؤمنون ،عَرّفنا ال سبحانه وتعالى صفاتهم في
ثلث آيات ،في قوله تعالى:
ب وَ ُيقِيمُونَ الصّل َة وَممّا رَ َزقْنَاهُمْ يُ ْن ِفقُونَ * والّذِينَ ُي ْؤمِنُونَ ِبمَآ أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكَ
{ الّذِينَ ُي ْؤمِنُونَ بِا ْلغَ ْي ِ
ك وَبِالخِ َرةِ ُهمْ يُوقِنُونَ * ُأوْلَـا ِئكَ عَلَىا هُدًى مّن رّ ّبهِ ْم وَُأوْلَـا ِئكَ هُمُ
َومَآ أُنْ ِزلَ مِن قَبِْل َ
ا ْل ُمفْلِحُونَ }
والفئة الثانية هم الكفار ،وعرفنا ال سبحانه وتعالى صفاتهم في آيتين في قوله تعالى:
علَ ْيهِمْ أَأَنذَرْ َتهُمْ أَمْ لَمْ تُ ْنذِرْهُمْ لَ ُي ْؤمِنُونَ * خَ َتمَ اللّهُ عَلَىا قُلُوبِه ْم وَعَلَىا
سوَآءٌ َ
{ إِنّ الّذِينَ َكفَرُواْ َ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
س ْم ِعهِ ْم وَعَلَىا أَ ْبصَارِهِمْ غِشَا َوةٌ وََلهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ }
َ
وجاء للمنافقين فعرف صفاتهم في ثلث عشرة آية متتابعة ،لماذا..؟ لخطورتهم على الدين ،فالذي
يهدم الدين هو المنافق ،أما الكافر فنحن نتقيه ونحذره ،لنه يعلن كفره.
إن المنافق ،يتظاهر أمامك باليمان ،ولكنه يبطن الشر والكفر ،وقد تحسبه مؤمنا ،فتطلعه على
أسرارك ،فيتخذها سلحا لطعن الدين ..وقد خلق ال في النسان ملكات متعددة ،ولكن يعيش
النسان في سلم مع نفسه ،لبد أن تكون ملكاته منسجمة وغير متناقضة.
فالمؤمن ملكاته منسجمة ،لنه اعتقد بقلبه في اليمان ونطق لسانه بما يعتقد ،فل تناقض بين
ملكاته أبدا..
والكافر قد يقال إنه يعيش في سلم مع نفسه ،فقد رفض اليمان وأنكره بقلبه ولسانه وينطق بذلك،
ولكن الذي فقد السلم مع ملكاته هو المنافق ،أنه فقد السلم مع مجتمعه وفقد السلم مع نفسه ،فهو
يقول بلسانه ،ما ل يعتقد قلبه ،يظهر غير ما يبطن ،ويقول غير ما يعتقد ،ويخشى أن يكشفه
الناس ،فيعيش في خوف عميق ،وهو يعتقد أن ذلك شيء مؤقت سينتهي.
ولكن هذا التناقض يبقى معه إلى آخر يوم له في الدنيا ،ثم ينتقل معه إلى الخرة ،فينقض عليه،
س ْم ُعهُ ْم وَأَ ْبصَارُهُمْ
شهِدَ عَلَ ْي ِهمْ َ
ليقوده إلى النار ،واقرأ قوله تبارك وتعالى {:حَتّىا إِذَا مَا جَآءُوهَا َ
شيْءٍ
طقَنَا اللّهُ الّذِي أَنطَقَ ُكلّ َ
شهِدتّمْ عَلَيْنَا قَالُواْ أَن َ
وَجُلُودُهُم ِبمَا كَانُواْ َي ْعمَلُونَ * َوقَالُواْ ِلجُلُودِهِمْ لِمَ َ
جعُونَ }[فصلت]21-20 :
وَ ُهوَ خََل َقكُمْ َأ ّولَ مَ ّرةٍ وَإِلَ ْيهِ تُرْ َ
إذن كل ملكاتهم انقضت عليهم في الخرة ،فالسلم الذي كانوا يتمنونه لم يحققوه ل في حياتهم ول
في آخرتهم ،فلسان المنافق يشهد عليه ،ويداه تشهدان عليه ،ورجله تشهدان عليه ،والجلود تشهد
عليه ،فماذا بقي له؟
بينه وبين ربه تناقض ،وبينه وبين نفسه تناقض ،وبينه وبين مجتمعه تناقض ،وبينه وبين آخرته
تناقض .وبينه وبين الكافرين تناقض .يقول لسانه ما ليس في قلبه ،وبماذا وصف الحق سبحانه
وتعالى المنافقين؟ قال تعالى:
{ َومِنَ النّاسِ مَن َيقُولُ آمَنّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الخِ ِر َومَا هُم ِب ُم ْؤمِنِينَ }[البقرة]8 :
هذه أول صفات المنافقين في القرآن الكريم ،يعلنون اليمان وفي قلوبهم الكفر ،ولذلك فإن إيمانهم
كله تظاهر ،إذا ذهبوا للصلة ل تكتب لهم ،لنهم يتظاهرون بها ،ول يؤدونها عن إيمان ،وإذا
أدوا الزكاة ،فإنها تكون عليهم حسرة ،لنهم ينفقونها وهم لها كارهون ،لنها في زعمهم نقص من
مالهم .ل يأخذون عليها ثوابا في الخرة ،وإذا قتل واحد منهم في غزوة ،انتابهم الحزن ،والسى،
لنهم أهدروا حياتهم ولم يقدموها في سبيل ال.
وهكذا يكون كل ما يفعلونه شقاء بالنسبة لهم.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أما المؤمن فحين يصلي أو يؤدي الزكاة أو يستشهد في سبيل ال فهو يرجو الجنة ،وأما المنافقون
فإنهم يفعلون كل هذا ،وهم ل يرجون شيئا ..فكأنهم بنفاقهم قد حكم عليهم ال سبحانه وتعالى
بالشقاء في الدنيا والخرة ،فل هم في الدنيا لهم متعة المؤمن فيما يفعل في سبيل ال ،ول هم في
الخرة لهم ثواب المؤمن فيما يرجو من ال.
()12 /
شعُرُونَ ()9
سهُ ْم َومَا يَ ْ
يُخَادِعُونَ اللّ َه وَالّذِينَ َآمَنُوا َومَا َيخْدَعُونَ إِلّا أَ ْنفُ َ
وتأتي الصفة الثانية من صفات المنافقين ،وهي صفة تدل على غفلتهم وحمق تفكيرهم ،فإنهم
يحسبون أنهم بنفاقهم يخدعون ال سبحانه وتعالى ،وهل يستطيع بشر أن يخدع رب العالمين؟
إن ال عليم بكل شيء ،عليم بما نخفي وما نعلن ،عليم بالسر وما هو أخفى من السر ،وهل يوجد
ما هو أخفى من السر؟ نقول نعم ،السر هو ما أسررت به لغيرك ،فكأنه يعلمه اثنان ،أنت ومن
أسررت إليه .ولكن ما هو أخفى من السر ،ما تبقيه في نفسك ول تخبر به أحدا ،أنه يظل في قلبك
خفَى }[طه]7 :
جهَرْ بِا ْلقَ ْولِ فَإِنّهُ َيعْلَمُ السّ ّر وََأ ْ
ل تسر به لنسان ،وال سبحانه وتعالى يقول {:وَإِن َت ْ
فل يوجد مخلوق ،يستطيع أن يخدع خالقه ،ولكنهم من غفلتهم ،يحسبون أنهم يستطيعون خداع ال
جل جلله .وفي تصرفهم هذا ل يكون هناك سلم بينهم وبين ال .بل يكون هناك مقت وغضب.
وهم في خداعهم يحسبون أيضا أنهم يخدعون الذين آمنوا ،بأنهم يقولون أمامهم غير ما يبطنون،
ولكن هذا الخداع شقاء عليهم ،لنهم يعيشون في خوف مستمر ،وهم دائما في قلق أو خوف من
أن يكشفهم المؤمنون ،أو يستمعوا إليهم في مجالسهم الخاصة ،وهم يتحدثون بالكفر ويسخرون من
اليمان ،ولذلك إذا تحدثوا لبد أن يتأكدوا أول من أن أحدا من المؤمنين ل يسمعهم ،ويتأكدوا ثانيا
من أن أحدا من المؤمنين لن يدخل عليهم وهم يتحدثون ،والخوف يمل قلوبهم أيضا ،وهم مع
المؤمنين ،فكل واحد منهم يخشى أن تفلت منه كلمة ،تفضح نفاقه وكفره.
وهكذا فل سلم بينهم وبين المؤمنين ..والحقيقة أنهم ل يخدعون إل أنفسهم .فال سبحانه وتعالى،
يعلم نفاقهم ،والمؤمنون قد يعلمون هذا النفاق ،فإن لم يعلموه ،فإن ال يخبرهم به ،واقرأ قول الحق
سبحانه وتعالى {:وََلوْ َنشَآ ُء لَرَيْنَا َكهُمْ فََلعَ َرفْ َتهُم بِسِيمَاهُ ْم وَلَ َتعْ ِرفَ ّنهُمْ فِي لَحْنِ ا ْلقَ ْولِ وَاللّهُ َيعْلَمُ
عمَاَلكُمْ }[محمد]30 :
أَ ْ
ألم يأت المنافقون إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ليشهدوا أنه رسول ال ففضحهم ال أمام
شهَدُ إِ ّنكَ لَرَسُولُ اللّ ِه وَاللّهُ َيعْلَمُ إِ ّنكَ لَ َرسُولُهُ
رسوله وأنزل قوله تعالىِ {:إذَا جَآ َءكَ ا ْلمُنَا ِفقُونَ قَالُواْ نَ ْ
ش َهدُ إِنّ ا ْلمُنَا ِفقِينَ َلكَاذِبُونَ }[المنافقون]1 :
وَاللّهُ يَ ْ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
جاء المنافقون إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم يشهدون بصدق رسالته ،وال سبحانه وتعالى
يعلم أن هذه الشهادة حق وصدق ،لنه جل جلله ،يعلم أن رسوله صلى ال عليه وسلم ،صادق
الرسالة ،ولكنه في الوقت نفسه يشهد بأن المنافقين كاذبون .كيف؟
كيف يتفق كلم ال مع ما قاله المنافقون ثم يكونون كاذبين؟
نقول :لن المنافقين قالوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ،فهم شهدوا بألسنتهم فقط أن محمدا صلى ال
عليه وسلم رسول ال ولكن قلوبهم منكرة لذلك ،مكذبة به ،ولذلك فإن ما قاله المنافقون رغم أنه
حقيقة إل أنهم يكذبون ،ويقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ،لن الصدق هو أن يوافق الكلم
حقيقة ما في القلب ،وهؤلء كذبوا ،لنهم في شهادتهم لرسول ال صلى ال عليه وسلم لم يكونوا
ب ما يقولون.
يعبرون عن واقع في قلوبهم ،بل قلوبهم ُتكَ ّذ ُ
.
وهناك آيات كثيرة في القرآن الكريم يفضح ال سبحانه وتعالى فيها المنافقين وينبئ رسوله صلى
ال عليه وسلم بما يضمرونه في قلوبهم ،إذن فخداعهم للمؤمنين ،رغم أنه خداع بشر لبشر ،إل
أنه أحيانا تفلت ألسنتهم ،فتعرف حقيقتهم ،وإذا لم يفلت اللسان ،جاء البيان من ال سبحانه وتعالى
ليفضحهم ،وتكون حصيلة هذا كله ،أنهم ل يخدعون أحدا ،فال يعلم سرهم وجهرهم ،فمرة يعين
ال المؤمنين عليهم فيكشفونهم ،ومرة تفلت ألسنة المنافقين فيكشفون أنفسهم.
إذن فسلوك المنافق ،ل يخدع به إل نفسه ،وهو الخاسر في الدنيا والخرة ،عندما يؤدي عمل
إيمانيا ،فال يعلم أنه نفاق ،وعندما يحاول أن يخدع المؤمنين ،ينكشف ،والنتيجة أنهم يعتقدون
بأنهم حققوا لنفسهم نفعا ،بينما هم لم يحققوا لنفسهم إل الخسران المبين.
()13 /
فال سبحانه وتعالى ،شبه ما في قلوب المنافقين بأنه مرض ،والمرض أول يورث السقم ،فكأن
قلوبهم ل تملك الصحة اليمانية التي تحيي القلب فتجعله قويا شابا ،ولكنها قلوب مريضة ،لماذا
كانت مريضة؟ لقد أتعبها النفاق وأتعبها التنافر مع كل ما حولها ،وأحست أنها تعيش حياة ملؤها
الكذب ،فاضطراب القلب ،جعله مريضا ،ول يمكن أن يشفى إل بإذن ال ،وعلجه هو اليمان
الحقيقي الصادق ،ذلك الذي يعطيه الشفاء ،وال سبحانه وتعالى يقول {:وَنُنَ ّزلُ مِنَ ا ْلقُرْآنِ مَا ُهوَ
خسَارا }[السراء]82 :
حمَةٌ لّ ْل ُم ْؤمِنِينَ َولَ يَزِيدُ الظّاِلمِينَ َإلّ َ
شفَآ ٌء وَرَ ْ
ِ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
إذن فاليمان والقرآن هما شفاء القلوب ،كلهما بعيد عن قلوب هؤلء المنافقين ،فكأن المرض
يزداد في قلوبهم مع الزمن ،وال سبحانه وتعالى ـ بنفاقهم وكفرهم ـ يزيدهم مرضا .وهذه هي
الصفة الثالثة للمنافقين ..أنهم أصحاب قلوب مريضة سقيمة ،ل يدخلها نور اليمان ،ولذلك فهي
قلوب ضعيفة ،ليس فيها القوة اللزمة لمعرفة الحق .وهي قلوب خائفة من كل ما حولها ،مرتعبة
في كل خطواتها ،مضطربة بين ما في القلب وما على اللسان ،والمريض ل يقوى على شيء
وكذلك هذه القلوب ل تقوى على قول الحق ،ول تقوى على الصدق ،ول ترى ما حولها ،تلك
الرؤية التي تتناسب وتتفق مع فطرة اليمان ،التي وضعها ال تعالى في القلوب ،ولذلك إذا دخل
المنافقون في معركة في صفوف جيش المسلمين ..فأول ما يبحثون عنه هو الهرب من المعركة،
يبحثون عن مخبأ يختفون فيه ،أو مكان ل يراهم فيه أحد ،وال سبحانه وتعالى يصفهم بقولهَ {:لوْ
جمَحُونَ }[التوبة]57 :
جدُونَ مَ ْلجَئا َأوْ َمغَارَاتٍ َأوْ ُمدّخَلً ّلوَّلوْاْ إِلَ ْي ِه وَهُمْ َي ْ
يَ ِ
لماذا؟ لنهم أصحاب قلوب مريضة ،ل تقوى على شيء ،ومرضها يجعلها تهرب من كل شيء،
وتختفي .وليت المر يقتصر عند هذا الحد ،ولكن ينتظرهم في الخرة عذاب أليم ،غير العذاب
الذي عانوه من قلوبهم المريضة في الدنيا ،فبما كانوا يكذبون على ال وعلى رسوله ،ينتظرهم في
الخرة عذاب أليم أشد من عذاب الكافرين ،وال سبحانه وتعالى يقول {:إِنّ ا ْلمُنَافِقِينَ فِي الدّ ْركِ
سفَلِ مِنَ النّارِ }[النساء]145 :
الَ ْ
()14 /
وَإِذَا قِيلَ َلهُمْ لَا ُتفْسِدُوا فِي الْأَ ْرضِ قَالُوا إِ ّنمَا نَحْنُ ُمصْلِحُونَ ()11
الفساد في الرض هو أن تعمد إلي الصالح فتفسده ،وأقل ما يطلب منك في الدنيا ،أن تدع الصالح
لصلحه ،ول تتدخل فيه لتفسده ،فإن شئت أن ترتقي إيمانيا ،تأت للصالح ،وتزد من صلحه ،فإن
جئت للصالح وأفسدته فقد أفسدت فسادين ،لن ال سبحانه وتعالى ،أصلح لك مقومات حياتك في
الكون ،فلم تتركها على الصلح الذي خلقت به ،وكان تركها في حد ذاته ،بعدا عن الفساد ،بل
جئت إليها ،وهي صالحة بخلق ال لها فأفسدتها ،فأنت لم تستقبل النعمة الممنوحة لك من ال ،بأن
تتركها تؤدي مهمتها في الحياة ،ولم تزد في مهمتها صلحا ،ولكنك جئت إلى هذه المهمة
فأفسدتها ..فلو أن هناك بئرا يشرب منها الناس ،فهذه نعمة لضرورة حياتهم ،تستطيع أنت بأسباب
ال في كون ال أن تأتي وتصلحها ،بأن تبطن جدرانها بالحجارة ،حتى تمنع انهيار الرمال داخلها،
أو أن تأتي بحبل وإناء حتى تعين الناس على الوصول إلى مياهها ،ولكنك إذا جئت وردمتها تكون
قد أفسدت الصالح في الحياة.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وهكذا المنافقون ..أنزل ال تعالى منهجا للحياة الطيبة للنسان على الرض ،وهؤلء المنافقون
بذلوا كل ما في جهدهم لفساد هذا المنهج ،بأن تآمروا ضده وادعوا أنهم مؤمنون به ليطعنوا
السلم في داخله.
ولقد تنبه أعداء السلم ،إلى أن هذا الدين القوي الحق ،ل يمكن أن يتأثر بطعنات الكفر ،بل
يواجهها ويتغلب عليها .فما قامت معركة بين حق وباطل إل انتصر الحق ،ولقد حاول أعداء
السلم أن يواجهوه سنوات طويلة ،ولكنهم عجزوا ،ثم تنبهوا إلى أن هذا الدين ل يمكن أن يهزم
إل من داخله ،وأن استخدام المنافقين في الفساد ،هو الطريقة الحقيقية لتفريق المسلمين ،فانطلقوا
إلى المسلمين اسما ليتخذوا منهم الحربة التي يوجهونها ضد السلم ،وظهرت مذاهب واختلفات،
وما أسموه العلمانية واليسارية وغير ذلك ،كل هذا قام به المنافقون في السلم وغلفوه بغلف
إسلمي ،ليفسدوا في الرض ويحاربوا منهج ال.
وإذا لفت المؤمنون نظرهم إلى أنهم يفسدون في الرض ،وطلبوا منهم أن يمتنعوا عن الفساد،
ادعوا أنهم ل يفسدون ولكنهم يصلحون ،وأي صلح في عدم اتباع منهج ال والخروج عليه بأي
حجة من الحجج؟
()15 /
شعُرُونَ ()12
سدُونَ وََلكِنْ لَا َي ْ
أَلَا إِ ّنهُمْ هُمُ ا ْلمُفْ ِ
وهكذا يعطينا ال سبحانه وتعالى حكمه عليهم بأنهم كما أنهم يخدعون أنفسهم ول يشعرون
ويحسبون أنهم يخدعون ال سبحانه وتعالى والمؤمنين .كذلك فإنهم يفسدون في الرض ويدعون
أنهم مصلحون ،ولكنهم في الحقيقة مفسدون لماذا؟ ..لن في قلوبهم كفرا وعداء لمنهج ال ،فلو
قاموا بأي عمل يكون ظاهره الصلح ،فحقيقته هي الفساد ،تماما كما ينطقون بألسنتهم بما ليس
في قلوبهم.
والكون ل يصلح إل بمنهج ال ،فال سبحانه وتعالى هو الذي خلق ،وهو الذي أوجد ،وهو أدرى
بصنعته وبما يفسدها وبما يصلحها ،لنه هو الصانع ،ول يوجد من يعلم سر ما يصلح صنعته
أكثر من صانعها.
ونحن في المنهج الدنيوي إذا أردنا إصلح شيء اتجهنا لصانعه؛ فهو الذي يستطيع أن يدلنا على
الصلح الحقيقي لهذا الشيء ،فإذا لم يكن صانعه موجودا في البلدة نفسها اتجهنا إلى من دربهم
الصانع على الصلح ،أو إلى ما يسمونه " الكتالوج " الذي يبين لنا طريق الصلح ،وبدون هذا
ل نصلح ،بل نفسد ،والعجيب أننا نتبع هذه الطريقة في حياتنا الدنيوية ،ثم نأتي إلى النسان
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
والكون ،فبدلً من أن نتجه إلى صانعه وخالقه لنأخذ عنه منهج الصلح ،وهو أدرى بصنعته،
نتجه إلى خلق ال يضعون لنا المناهج التي تفسد ،وظاهرها الصلح لكنها تزيد المور سوءا
والغريب أننا نسمي هذا فلحا ،ونسميه تقدما .ولكن لماذا ل نتجه إلى الصانع أو الخالق ،الذي
أوجد وخلق؟ هو سبحانه وتعالى أدرى بخلقه وبما يصلحهم وما يفسدهم.
ومادام الحق سبحانه وتعالى ،قد حكم على المنافقين ،بأنهم هم المفسدون فذلك حكم يقيني ،وكل
من يحاول أن يغير من منهج ال ،أو يعطل تطبيقه بحجة الصلح ،فهو مفسد وإن كان ل يشعر
بذلك ،لنه لو أراد إصلحا لتجه إلى ما يصلح الكون ،وهو المنهج السماوي الذي أنزله خالق
هذا الكون وصانعه ،وهذا المنهج موجود ومُبَلّ ٌغ ول يخفى على أحد.
()16 /
والسفهاء في قصد المنافقين هم الفقراء ،ولكن ما معنى السفه في اللغة :السفه معناه الطيش
والحمق والخفة في تناول المور ،فهل تنطبق صفة السفيه على المؤمنين ،الذين آمنوا بال ،أو
أنها تنطبق على أولئك الذين لم يؤمنوا بال؟ إذا كنتم تعتقدون أن الذين آمنوا هم السفهاء فلماذا
تدعون اليمان كذبا ،لتكونوا سفهاء؟ لشك أن هناك تناقضا موجودا في كل تصرفات المنافقين.
فالرسول صلى ال عليه وسلم يدعوهم لليمان ،والمسلمون يدعونهم لليمان ،ولكنهم يصفون
الذين آمنوا بأنهم سفهاء أي فقراء ل يملكون شيئا ،لن سادة قريش لم يؤمنوا ..وهم يدعون أن
الذين آمنوا ،تصرفوا تصرفا أحمق ،طائشا ،ولكن الغفلة هي المرض الذي يمل قلوبهم ل يجعلهم
ينتبهون إلى حقيقة مهمة ،وهي أنهم يتظاهرون باليمان ،ويدعون اليمان ثم يصفون المؤمنين
بالسفهاء ،إذا كان هؤلء سفهاء كما تدعون .فهل تتظاهرون باليمان لتصبحوا سفهاء مثلهم؟!
إن المنطق ل يستقيم ويدل على سفاهة عقول المنافقين ،أنّ هذه العقول .لم تتنبه إلى أنها حينما
وصفت المسلمين بالسفهاء ،قد أدانت نفسها ،لن المنافقين يدعون أنهم مؤمنون ،إذن فكل
تصرفات المنافقين فيها تناقض .تناقض مع العقل والمنطق ،هذا التناقض يأتي من تناقض ملكات
النفس بعضها مع بعض ..فاللسان يكذب القلب .والعمل يكذب العقيدة .والتظاهر باليمان يحملهم
مشقة اليمان ول يعطيهم شيئا من ثوابه .ولو كان لهم عقول ،لتنبهوا إلى هذا كله ،ولكنهم ل
يشعرون وهم يمضون في هذا الطريق ،طريق النفاق ،إنهم يجسدون السفاهة بعينها ،بكل ما
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
تحمله من حمق واستخفاف ،وعدم التنبه إلى الحقيقة ،والرعونة التي يتصرفون بها ،وال سبحانه
وتعالى حين وصفهم بالسفهاء ،كان وصفا دقيقا ،لحالتهم وطريقة حياتهم.
()17 /
وَإِذَا َلقُوا الّذِينَ َآمَنُوا قَالُوا َآمَنّا وَإِذَا خََلوْا إِلَى شَيَاطِي ِنهِمْ قَالُوا إِنّا َم َعكُمْ إِ ّنمَا َنحْنُ مُسْ َتهْزِئُونَ ()14
وهكذا يرينا الحق سبحانه ،أن كل منافق له أكثر من حياة يحرص عليها ،والحياة لكي تستقيم،
يجب أن تكون حياة واحدة منسجمة مع بعضها البعض ،ولكن انظر إلى هؤلء ..مع المؤمنين
يقولون آمنا ،ويتخذون حياة اليمان ظاهرا ،أي أنهم يمثلون حياة اليمان ،كما يقوم الممثل على
المسرح بتمثيل دور شخصية غير شخصيته تماما ..حياتهم كلها افتعال وتناقض ،فإذا بعدوا عن
الذين آمنوا ،يقول الحق تبارك وتعالى { :وَإِذَا خََلوْاْ إِلَىا شَيَاطِي ِنهِمْ }.
وانظر إلى دقة الداء القرآني ،الشيطان هو الدس الخفي ،الحق ظاهر وواضح ،أما منهج الشيطان
وتآمره فيحدث في الخفاء لنه باطل والنفس ل تخجل من حق أبدا ،ولكنها تخشى وتخاف وتحاول
أن تخفي الباطل.
ولنضرب لذلك مثل بسيطا ،رجل يجلس مع زوجته في منزله ،وطرق الباب طارق ،ماذا يحدث؟
يقوم الرجل بكل اطمئنان ،ويفتح الباب ليرى من الطارق ،فإن وجده صديقا أو قريبا أكرمه
ورحب به وأصر على أن يدخل ليضيفه .وتقوم الزوجة بإعداد الطعام أو الشراب الذي سيقدم
للضيف ،نأخذ هذه الحالة نفسها إذا كان النسان مع زوجة غيره في شقته وطرق الباب طارق،
يحدث ارتباك عنيف ،ويبحث الرجل عن مكان يخفي فيه المرأة التي معه ،أو يبحث عن باب خفي
ليخرجها منه ،أو يحاول أن يطفئ النوار ويمنع الصوات لعل الطارق يحس أنه ل يوجد أحد في
المكان فينصرف ،وقبل أن يُخْرِجَ تلك المرأة المحرمة عليه ،فإنه يفتح الباب بحرص ،وينظر يمينا
ويسارا ليتأكد هل يراه أحد ،وعندما ل يجد أحدا يسرع بدفع المرأة إلى الخارج ،لنها إثم يريد أن
يتخلص منه ،وإذا نزل ليوصلها يمشي بعيدا عنها ،ويظل يرقب الطريق ،ليتأكد من أن أحدا لم
يره ،وعندما يركبان السيارة ينطلقان بأقصى سرعة.
هذا هو الفرق بين منهج اليمان ،ومنهج الشيطان ،الحادثة واحدة ،ولكن الذي اختلف هو الحلل
والحرام .انظر كيف يتصرف الناس في الحلل ..في النور ..في المان ،وكيف يتصرفون في
الحرام ومنهج الشيطان في الظلم وفي الخفية ويحرصون على أل يراهم أحد ،ومن هنا تأتي دقة
التعبير القرآني { ..وَإِذَا خََلوْاْ إِلَىا شَيَاطِي ِنهِمْ }.
إن منهج الشيطان يحتاج إلى خلوة ،إلى مكان ل يراك فيه أحد ،ول يسمعك فيه أحد ،لن العلن
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
في منهج الشيطان يكون فضيحة ،ولذلك تجد غير المستقيم يحاول جاهدا أن يستر حركته في عدم
الستقامة ،ومحاولته أن يستتر هي شهادة منه بأن ما يفعله جريمة وقبح ،ول يصح أن يعلمه أحد
عنه ،ومادام ل يصح أن يراه أحد في مكان ما ،فاعلم أنه يحس أن ما يفعله في هذا المكان هو من
عمل الشيطان الذي ل يقره ال ،ول يرضى عنه.
ولبد أن نعلم أن القيم ،هي القيم ،حتى عند المنحرف ،وقوله تعالى } :وَإِذَا َلقُواْ الّذِينَ آمَنُواْ قَالُوا
آمَنّا { معناها أنهم عندما يتظاهرون باليمان يأخذون جانب العلن ،بل ربما افتعلوه ،وكان
المفروض أن يكون المقابل عندما يخلون إلى شياطينهم أن يقولوا :لم نؤمن.
وهناك في اللغة جملة اسمية وجملة فعلية ،الجملة الفعلية ،تدل على التجدد ،والجملة السمية تدل
على الثبوت ،فالمنافقون مع المؤمنين يقولون آمنا ،إيمانهم غير ثابت ،متذبذب ،وعندما يلقون
الكافرين ،لو قالوا لم نؤمن ،لخذت صفة الثبات ،ولكنهم في الفترة بين لقائهم بالمؤمنين ،ولقائهم
بالكافرين ،الكفر متجدد ،لذلك قالوا } :إِنّا َم َعكُمْ إِ ّنمَا نَحْنُ مُسْ َتهْزِئُونَ {.
()18 /
أن هؤلء المنافقين قوم ل حول لهم ول قوة ،ولكن ال سبحانه وتعالى ،وهو القادر القوي حينما
يستهزئ بهم يكون الستهزاء أليما ،وإذا كان المنافق ،قد أظهر بلسانه ما ليس في قلبه ،فإن ال
سبحانه وتعالى يعامله بمثل فعله ،فإذا كان له ظاهر وباطن ،يعامله في ظاهر الدنيا ،معاملة
المسلمين ،وفي الخرة يوم تبلى السرائر يجعله في الدرك السفل من النار ،ل يسويه بالكافر لن
ذنب المنافق أشد.
{ اللّهُ يَسْ َتهْزِىءُ ِبهِمْ } والستهزاء هو السخرية ،فهم يأتون يوم القيامة محاولين أن يتمسكوا
بالظاهر ،فيظهر ال سبحانه وتعالى لهم باطنهم .والحق سبحانه وتعالى يقول {:و ْيلٌ ّل ُكلّ ُهمَ َزةٍ
ّلمَ َزةٍ }[الهمزة.]1 :
والهمزة هو الذي يسخر من الناس ولو بالشارة..
يرى إنسانا مصابا بعاهة في قدمه ،يمشي وهو يعرج فيحاول أن يقلده بطريقة تثير السخرية ،إما
بالشارة وإما بالكلم ،وهناك همز وهمزه ..الهمز الستهزاء والسخرية من الناس ،علمة عدم
اليمان ،لننا كلنا مخلوقون من إله واحد ،فهذه الصفة التي سخرت فيها من إنسان أعرج مثل ،ل
عمل له فيها ،ول حول له ول قوة ..والنسان لم يصنع نفسه ،والحقيقة أنك تسخر من صنع ال،
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
والذي يسخر من خلق ال إنسان غبي لنه سخر من خلق ال في عيب ،ولم يقدر ما تفضل ال به
عليه ،كما أنه سخر من عيب ولم يفطن إلى أن الحق سبحانه وتعالى قد أعطى ذلك النسان
سخَرْ َقوْمٌ
خصال ومميزات ربما لم يعطها له ،وال سبحانه وتعالى يقول {:ياأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُو ْا لَ يَ ْ
مّن َقوْمٍ عَسَىا أَن َيكُونُواْ خَيْرا مّ ْنهُمْ }[الحجرات.]11 :
إن مجموع كل إنسان ،يساوي مجموع كل إنسان آخر ،وذلك هو عدل ال ،فإذا كنت أحسن من
إنسان في شيء فابحث عن النقص فيك .فإن استهزأت بمؤمن في شيء ،فالستهزاء غير مفصول
عن صنعة ال ،إذن فمن المنطق عندما قالوا { :إِ ّنمَا نَحْنُ مُسْ َتهْزِئُونَ } أن يرد ال عليهم { اللّهُ
طغْيَا ِنهِمْ َي ْع َمهُونَ } أي يزيدهم في هذا الطغيان ،لن المد هو أن تزيد
يَسْ َتهْزِىءُ ِبهِمْ وَ َيمُدّهُمْ فِي ُ
الشيء ،ولكن مرة تزيد في الشيء من ذاته ،ومرة تزيد عليه من غيره ،قد تأتي بخيط وتفرده إلى
آخره ،وقد تصله بخيط آخر ،فتكون مددته من غيره ،فال يزيدهم في طغيانهم .وقوله تعالى "
يعمهون " العمه يختلف عن العمى ،والخلف في الحرف الخير ،العمى عمى البصر ،والعمه
عمى البصيرة ،ويعمهون أي يتخبطون ،لن العمه ينشأ عنه التخبط سواء التخبط الحسي ،من
عمى البصر ،أو التخبط في القيم ومنهج الحياة من عمى البصيرة .وال تعالى يقول { :فَإِ ّنهَا لَ
َت ْعمَى الَ ْبصَا ُر وَلَـاكِن َت ْعمَىا ا ْلقُلُوبُ الّتِي فِي الصّدُورِ } فكأنما العمى المادي ،قد ل يكون ،ولكن
عمَىا َوقَدْ كُنتُ َبصِيرا *
يكون هناك عمى البصيرة ،واقرأ قوله تعالى {:قَالَ َربّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَ ْ
قَالَ كَذاِلكَ أَتَ ْتكَ آيَاتُنَا فَنَسِي َتهَا َوكَذاِلكَ الْ َيوْمَ تُ ْنسَىا }[طه.]126-125 :
فكأن عمى البصيرة في الدنيا ،يعمي بصر النسان ،عن رؤية آيات ال في كونه ،ويعميه عن
اليمان والمنهج..
()19 /
يعطينا الحق سبحانه وتعالى صفة أخرى من صفات المنافقين ،فيصفهم بأنهم الذين اشتروا
الضللة بالهدى .ومادام هناك شراء ،فهناك صفقة ،تتطلب مشتريا وبائعا ،وقد كانت السلعة في
الماضي تشترى بسلعة أخرى ،أما الن فإن كل شيء يشترى بالمال ،ماذا اشتروا؟
إن هؤلء المنافقين اشتروا الضللة ،واشتروها بأي ثمن؟! ..اشتروها بالهدى! الباء في اللغة
تدخل على المتروك ،عندما تشتري شيئا تترك ثمنه ،إذن كأن هؤلء قد تركوا الهدى واشتروا
الضللة ،ولكن هل كان معهم هدى ساعة الصفقة؟.
إن الحال يقتضي أن يكون معهم هدى ،كأن يهتدي إنسان ثم يجد أن الهدى ل يحقق له النفع
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الدنيوي الذي يطلبه فيتركه ليشتري به الضلل ليحقق به ما يريد ،والهدى الذي كان معهم ،قد
يكون هدى الفطرة ،فكأن هؤلء كان يمكنهم أن يختاروا الهدى فاختاروا الضللة.
وال سبحانه وتعالى يهدي كل الناس ،هدى دللة ،فمن اختار الهدى يزده .واقرأ قوله تعالى{:
وََأمّا َثمُودُ َفهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبّواْ ا ْل َعمَىا عَلَى ا ْلهُدَىا }[فصلت]17 :
حتْ تّجَارَ ُت ُهمْ } التجارة بيع وشراء ،الشاري مستهلك ،والبائع قد يكون منتجا،
وقول الحق { َفمَا رَبِ َ
أو وسيطا بين المنتج والمستهلك .ما حظ البائع من البيع والشراء؟ أن يكسب فإذا ما كسب قيل
ربحت تجارته .وإذا لم يكسب ولم يخسر ،أو إذا خسر ولم يكسب ،ففي الحالين ل يحقق ربحا،
ونقول ما ربحت تجارته..
حتْ تّجَارَ ُت ُه ْم َومَا كَانُواْ ُمهْتَدِينَ } يدل على أنهم خسروا كل شيء لنهم لم
فقوله تعالى { َفمَا رَبِ َ
يربحوا ،فكأنهم لم يحققوا شيئا له فائدة ،وخسروا الهدى ،أي خسروا الربح ورأس المال .ما
ربحت تجارتهم ربما يكونون لم يكسبوا ولم يخسروا ،ولكن هم قدموا الهدى ثمنا للضلل فلم
يربحوا وضاع منهم الهدى ،أي رأس مالهم..
ونفسية المنافق إذا أردت أن تحددها ،فهو إنسان بل كرامة ،بل رجولة ل يستطيع المواجهة ،بل
قوة ،يحاول أن يمكر في الخفاء ،ولذلك تكون صورته حقيرة أمام نفسه ،حتى لو استطاع أن
يخفي عيوبه عن الناس ،فيكفي أنه كاذب أمام نفسه لتكون صورته حقيرة أمام نفسه ،وفي ذلك
يقول الشاعر:إذا أنا لـم آت الدنية خشـية من الناس كان الناس أكرم من نفسيكفى المرء عارا
أن يرى عيب نفسه وإن كان في كُنّ عن الجـن والنـسفالمهم رأيك في نفسك ..والتمزق الذي
عند المنافق أنه يريد أن يخفي عيوبه عن الناس.
()20 /
يريد الحق سبحانه وتعالى أن يقرب صفات التمزق في المنافقين إلى فهمنا ،ولذلك فهو يضرب لنا
المثال ،والمثال جمع مثل وهو الشبيه الذي يقرب لنا المعنى ويعطينا الحكمة ،والمثال باب من
البواب العريقة في الدب العربي .فالمثل أن تأتي بالشيء الذي حدث وقيل فيه قولة موجزة
ومعبرة ،رأى الناس أن يأخذوا هذه المقولة لكل حالة مشابهة.
ولنضرب مثل لذلك ،ملك من الملوك ،أراد أن يخطب فتاة من فتيات العرب ،فأرسل خاطبة
اسمها عصام لِترى هذه العروس وتسأل عنها وتخبره ،فلما عادت قال لها ما وراءك يا عصام؟
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أي بماذا جئت من أخبار ،قالت :له أبدي المخض عن الزبد .المخض هو أن تأتي باللبن الحليب
وتخضه في القربة حتى ينفصل الزبد عن اللبن ،فصار الثنان ـ السؤال والجواب ـ يضربان
مثل .تأتي لمن يجيئك تنتظر منه أخبارا فتقول له :ما وراءك يا عصام.
ول يكون اسمه " عصام " ..ولم ترسله لستطلع أخبار ،بينما تريد أن تسمع ما عنده من أخبار.
وحينما تريد مثل ..أن تصور تنافر القلوب ..وكيف أنها إذا تنافرت ل تلتئم أبدا ..ويريد الشاعر
أن يقرب هذا المعنى فيقول:إن القلوب إذا تنافر ودها مثل الزجاجة كسرها ل يشعب (أي ل
يجبر)وساعة تنكسر الزجاجة ل تستطيع اصلحها ..ولكي يسهل هذا المعنى عليك وتفهمه في
يسر وسهولة ..فإنك ل تستطيع أن تصور أو تشاهد معركة بين قلبين ..لن هذه مسألة غيبية..
فتأتي بشيء مشاهد وتضرب به المثل ..وبذلك يكون المعنى قد قرب ..لنك شبهته بشيء
محسوس ..تستطيع أن تفهمه وتشاهده..
ولقد استخدم ال سبحانه وتعالى المثال في القرآن الكريم في أكثر من موضع ..ليقترب من
أذهاننا معنى الغيبيات التي ل نعرفها ول نشاهدها ..ولذلك ضرب لنا المثال في قمة اليمان..
وحدانية ال سبحانه وتعالى ..وضرب لنا المثل بنوره جل جلله ..الذي ل نشهده وهو غيب
عنا ..وضرب لنا المثال بالنسبة للكفار والمنافقين ..لنعرف فساد عقيدتهم ونتنبه لها ..وضرب
لنا المثال فيما يمكن أن يفعله الكفر بالنعمة ..والطغيان في الحق ..وغير ذلك من المثال ..قال
ال تعالى {:وََلقَدْ صَ ّرفْنَا لِلنّاسِ فِي هَـاذَا ا ْلقُرْآنِ مِن ُكلّ مَ َثلٍ فَأَبَىا َأكْثَرُ النّاسِ ِإلّ ُكفُورا }
[السراء]89 :
وقد ضرب ال جل جلله لنا المثال في الدنيا وفي الخرة ،وفي دقة الخلق ..وقمة اليمان ..ومع
ذلك فإن الناس منصرفون عن حكمة هذه المثال ..كافرون بها ..مع أن الحق تبارك وتعالى..
ضربها لنا لتقرب لنا المعنى.
.تشبيها بماديات نراها في حياتنا الدنيا ..وكان المفروض أن تزيد هذه المثال الناس إيمانا..
لنها تقرب لهم معاني غائبة عنهم ..ولكنهم بدل من ذلك ازدادوا كفرا!!
حوْلَهُ ذَ َهبَ
ولبد قبل أن نتعرض للية الكريمة } :مَثَُلهُمْ َكمَ َثلِ الّذِي اسْ َت ْوقَدَ نَارا فََلمّآ َأضَا َءتْ مَا َ
ت لّ يُ ْبصِرُونَ { ..أن نتحدث عن بعض المثال التي ضُربت في
اللّهُ بِنُورِ ِه ْم وَتَ َر َكهُمْ فِي ظُُلمَا ٍ
القرآن الكريم ..لنرى كيف أن ال سبحانه وتعالى حدثنا عن قضايا غيبية بمحسات دنيوية:
ضرب ال تبارك وتعالى لنا مثل بالقمة اليمانية ..وهي أنه ل إله إل ال ..وكيف أن هذه رحمة
من ال سبحانه وتعالى ..يجب أن نسجد له شكرا عليها ..لن فيها وقاية لنا من شقاء ..ومع ذلك
فإن ال تبارك وتعالى يريد بعباده الرحمة ،ولكن بعض الناس يريد أن يشقي نفسه فيشرك بال جل
جلله ..وبدل من أن يأخذ طريق اليمان الميسر ..يأخذ طريق الكفر والنفاق والشرك بال الذي
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يملك كل شيء في الدنيا والخرة ..يقول الحق جل جلله {:ضَ َربَ اللّهُ مَثَلً رّجُلً فِيهِ شُ َركَآءُ
حمْدُ للّهِ َبلْ َأكْثَرُهُ ْم لَ َيعَْلمُونَ }[الزمر]29 :
جلٍ َهلْ يَسْ َتوِيَانِ مَثَلً ا ْل َ
سلَما لّرَ ُ
ن وَرَجُلً َ
مُتَشَاكِسُو َ
بهذه الصورة المحسة التي نراها ..ول يختلف فيها اثنان ..يريد ال تبارك وتعالى أن يقرب إلى
أذهاننا صورة العابد ل وحده ،وصورة المشرك بال ..ويعطينا المثل في عبد مملوك لشركاء..
رجل مملوك لعشرة مثل ..وليس هؤلء الشركاء العشرة متفقين ..بل هم متشاكسون أي أنهم
مختلفون ..ورجل آخر مملوك لسيد واحد ..أيهما يكون مستريحا يعيش في رحمة؟ ..طبعا
المملوك لسيد واحد في نعمة ورحمة ..لنه يتبع أمرا واحدا ونهيا واحدا ..ويطيع ربا واحدا..
ويطلب رضا سيد واحد ..أما ذلك الذي يملكه شركاء حتى لو كانوا متفقين ..فسيكون لكل واحد
منهم أمر ونهي ..ولكل واحد منهم طلب ..فما بالك إذا كانوا مختلفين؟ أحد الشركاء يقول له
تعالَ ..والخر يقول له ل تأت ،وأحد الشركاء يأمره بأمر ،والخر يأمره بأمر مناقض ..ويحتار
أيهما يرضي وأيهما يغضب؟ ..وهكذا تكون حياته شقاء وتناقضا..
إن ال سبحانه وتعالى يريد أن يقرب لنا الصورة ..في قضية هي قمة اليقين ..وهي اليمان
بالواحد الحد ..يريدنا أن نلمس هذه الصورة ..بمثل نراه ونشهده ..وأن نرى فيض ال برحمته
على عباده ..ويمضي الحق سبحانه ليلفتنا إلى أن نفكر قليل في مثل يضربه لنا في القرآن
شيْ ٍء وَ ُهوَ َكلّ عَلَىا َموْلهُ أَيْ َنمَا
الكريمَ {:وضَرَبَ اللّهُ مَثَلً رّجُلَيْنِ َأحَ ُد ُهمَآ أَ ْبكَ ُم لَ َيقْدِرُ عَلَىا َ
ُيوَجّه ّه لَ يَ ْأتِ بِخَيْرٍ َهلْ يَسْ َتوِي ُهوَ َومَن يَ ْأمُرُ بِا ْل َع ْدلِ وَ ُهوَ عَلَىا صِرَاطٍ مّسْ َتقِيمٍ }
[النحل]76 :
فالحق تبارك وتعالى في هذه الية الكريمة ..يطلب منا أن نفكر في مثل مادي محسوس ..أيهما
خير؟ ..أذلك الصنم الذي يعبده الكفار وهو ل يأتي لهم بخير أبدا ..لنه ل يستطيع أن ينفع نفسه
فكيف يأتي بالخير لغيره ..بل هو عبء على من يتخذونه إلها ..فإنهم يجب أن يضعوه وأن
يحملوه من مكان إلى آخر إذا أرادوا تغيير المعبد أو الرحيل ..وإذا سقط فتهشمت أجزاء منه..
فإنه يجب أن يصلحوها..
إذن فزيادة على أنه يأتي لهم بخير ..فإنه عبء عليهم يكلفهم مشقة ..ويحتاج منهم إلى عناية
ورعاية..
أعبادة مثل هذا الصنم خير؟ أم عبادة ال سبحانه الذي منه كل الخير وكل النعم ..والذي يأمر
بالعدل ..فل يفضل أحدا من عباده على أحد ..والذي يعطي لعباده الصراط المستقيم ..الذي ل
اعوجاج فيه ..والموصل إلى الجنة في الخرة ..إن ال سبحانه وتعالى يشرح بهذا المثل غباء
فكر المشركين الذين يعبدون الصنام ويتركون عبادة ال تبارك وتعالى.
وهكذا يعطينا هذان المثلن توضيحا لقضية الوحدانية واللوهية ..ثم يأتي ال سبحانه وتعالى بمثل
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
آخر ..يضرب لنا مثل لنوره ..هذا النور اللهي الذي يضيء الدنيا والخرة ..فيضيء القلوب
المؤمنة ..إنه يريد أن يضرب لنا مثل لهذا النور بشيء مادي محس ..فيقول جل جلله {:اللّهُ
جةٍ الزّجَاجَةُ كَأَ ّنهَا
شكَاةٍ فِيهَا ِمصْبَاحٌ ا ْل ِمصْبَاحُ فِي ُزجَا َ
سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ مَ َثلُ نُو ِرهِ َكمِ ْ
نُورُ ال ّ
َك ْوكَبٌ دُ ّريّ يُوقَدُ مِن شَجَ َرةٍ مّبَا َركَةٍ زَيْتُونَ ٍة لّ شَ ْرقِيّ ٍة َولَ غَرْبِيّةٍ َيكَادُ زَيْ ُتهَا ُيضِي ُء وََلوْ لَمْ َتمْسَسْهُ
شيْءٍ عَلَيِمٌ }
س وَاللّهُ ِب ُكلّ َ
لمْثَالَ لِلنّا ِ
نَارٌ نّورٌ عَلَىا نُورٍ َيهْدِي اللّهُ لِنُو ِرهِ مَن َيشَآ ُء وَ َيضْ ِربُ اللّ ُه ا َ
[النور]35 :
كأن ال سبحانه وتعالى ..يريدنا أن نعرف بتشبيه محس ..أن مثل نوره كمشكاة ..والمشكاة هي
(الطاقة) ..وهي فجوة في الحائط بالبيت الريفي ..ونحن نضع المصباح في هذه الطاقة ..إذن
المصباح ليس في الحجرة كلها ..ولكن نوره مركز في هذه الطاقة فيكون قويا في هذا الحيز
الضيق ..ولكن المصباح في زجاجة ..تحفظه من الهواء من كل جانب ..فيكون الضوء أقوى..
صافيا ل دخان فيه ..كما أن الزجاج يعكس الشعة فيزيد تركيزه ..والزجاجة غير عادية ولكنها:
" كوكب دري " ..أي هي مضيئة بذاتها وكأنها كوكب ..ووقودها من شجرة مباركة يملؤها النور
ل شرقية ول غربية ..أي يملؤها النور من الوسط ويخرج صافيا ..والزيت مضيء بذاته دون أن
َتمَسّهُ النار ..فهي نور على نور ..أيكون جزء من هذه المشكاة ذات المساحة الصغيرة مظلما؟.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أذن سمعت ول خطر على قلب بشر ..ومن هنا فإنه ل توجد أسماء في الحياة تعبر عما في
خفِيَ َلهُم مّن قُ ّرةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً ِبمَا كَانُواْ َي ْعمَلُونَ }
الجنة ..واقرأ قوله تعالى {:فَلَ َتعْلَمُ َنفْسٌ مّآ ُأ ْ
[السجدة]17 :
فإذا كانت النفس ل تعلم ..فل توجد ألفاظ تعبر عما يوجد في الجنة ..والمثل متى شاع استعماله
بين الناس سمي مثل ..فأنت إذا رأيت شخصا مغترا بقوته ..وتريد أن تفهمه أنك أقوى منه تقول
له ..إن كنت ريحا فقد لقيت إعصارا ..ول توجد ريح ول إعصار فيما يحدث بينكما ..وإنما
المراد المعنى دون التقيد بمدلول اللفاظ.
فالحق سبحانه وتعالى ..يريد أن يعطينا صورة ..عما في داخل قلوب المنافقين ..من اضطراب
وذبذبة وتردد في استقبال منهج ال ..وفي الوقت نفسه ما يجري في القلوب غيب عنا ..وأراد ال
أن يقرب هذا المعنى إلينا ..فقال } :مَثَُلهُمْ َكمَ َثلِ الّذِي اسْ َت ْوقَدَ نَارا { ..أي حاول أن يوقد نارا..
والذي يحاول أن يوقد نارا.
.لبد أن له هدفا ..والهدف قد يكون الدفء وقد يكون الطهي ..وقد يكون الضوء وقد يكون غير
ذلك ..المهم أن يكون هناك هدف ليقاد النار..
حوْلَهُ َذ َهبَ اللّهُ بِنُورِ ِه ْم وَتَ َر َكهُمْ فِي ظُُلمَاتٍ لّ
يقول الحق سبحانه وتعالى } :فََلمّآ َأضَا َءتْ مَا َ
يُ ْبصِرُونَ { ..ذلك أنهم في الحيرة التي تمل قلوبهم ..كانوا قد سمعوا من اليهود أن زمن نبي جديد
قد أتى ..فقرروا أن يؤمنوا به ..ولكن إيمانهم لم يكن عن رغبة في اليمان ..ولكنه كان عن
محاولة للحصول على أمان دنيوي ..لن اليهود كانوا يتوعدونهم ويقولون أتى زمن نبي سنؤمن
به ونقتلكم به قتل عاد وإرم ..فأراد هؤلء المنافقون أن يتقوا هذا القتل الذي يتوعدهم به اليهود..
فتصوروا أنهم إذا أعلنوا أنهم آمنوا بهذا النبي نفاقا أن يحصلوا على المن..
إن الحق سبحانه وتعالى يعطينا هذه الصورة ..إنهم أوقدوا هذه النار ..لتعطيهم نورا يريهم طريق
اليمان ..وعندما جاء هذا النور بدل من أن يأخذوا نور اليمان انصرفوا عنه ..وعندما حدث
ذلك ذهب ال بنورهم ..فلم يبق في قلوبهم شيء من نور اليمان ..فهم الذين طلبوا نور اليمان
أول ..فلما استجاب ال لهم انصرفوا عنه ..فكأن الفساد في ذاتهم ..وكأنهم هم الذين بدأوا
بالفساد ..وساعة فعلوا ذلك ذهب ال بنور اليمان من قلوبهم.
ونلحظ هنا دقة التعبير القرآني ..في قوله تعالى } :ذَ َهبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ { ولم يقل ذهب ال
بضوئهم ..مع أنهم أوقدوا النار ليحصلوا على الضوء ..ما هو الفرق بين الضوء والنور؟ ..إذا
س ضِيَآ ًء وَا ْل َقمَرَ نُورا }[يونس]5 :
شمْ َ
ج َعلَ ال ّ
قرأنا قول الحق سبحانه وتعالىُ {:هوَ الّذِي َ
نجد أن الضوء أقوى من النور ..والضوء ل يأتي إل من إشعاع ذاتي ..فالشمس ذاتية الضاءة..
ولكن القمر يستقبل الضوء ويعكس النور ..وقبل أن تشرق الشمس تجد في الكون نورا ..ولكن
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الضوء يأتي بعد شروق الشمس ..فلو أن الحق تبارك وتعالى قال ذهب ال بضوئهم ..لكان
المعنى أنه سبحانه ذهب بما يعكس النور ..ولكنه أبقى لهم النور ..ولكن قوله تعالى } :ذَ َهبَ اللّهُ
بِنُورِهِمْ { ..معناها أنه لم يبق لهم ضوءا ول نورا ..فكأن قلوبهم يملؤها الظلم ..ولذلك قال ال
ت لّ يُ ْبصِرُونَ { ..لنعلم أنه ل يوجد في قلوبهم أي نور ول ضوء
بعدها؛ } وَتَ َر َكهُمْ فِي ظُُلمَا ٍ
إيماني ..كل هذا حدث بظلمهم هم وانصرافهم عن نور ال.
ونلحظ هنا أن الحق سبحانه وتعالى ..لم يقل وتركهم في ظلم ..بل قال " :في ظلمات " ..أي
أنها ظلمات متراكمة.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ن وَعْ ُدهُ مَأْتِيّا }[مريم]61 :
كَا َ
مأتيا اسم مفعول واسم الفاعل آتى ..ويقول البعض وضع اسم المفعول مكان اسم الفاعل ..نقول
أنك لم تفهم ..هل وعد ال يلح في طلب العبد ..أم أن العبد يلح في طلبه بعمله فكأنه ذاهب إليه..
والموعود هو المستفيد وليس الوعد ..إذن من دقة القرآن الكريم ..أنه يريد أن ينبهنا إلى أن
الموعود هو الذي يسعى للقاء الوعد ..وليس الوعد هو الذي يطلب لقاء الموعود فيستخدم اسم
الفاعل.
فحين يقول الحق سبحانه وتعالى } :وَتَ َر َكهُمْ فِي ظُُلمَاتٍ لّ يُ ْبصِرُونَ { ..نفى النور عنهم ..والنور
ل علقة له بالسمع ول بالشم ول باللمس ..ولكنه قانون البصر..
وانظر إلى دقة التعبير القرآني ..إذا امتنع النور امتنع البصر ..أي أن العين ل تبصر بذاتها..
ولكنها تبصر بانعكاس النور على الشياء ثم انعكاسه على العين..
جعَلْنَآ آ َيةَ ال ّنهَارِ مُ ْبصِ َرةً }
حوْنَآ آيَةَ الْلّ ْيلِ وَ َ
ل وَال ّنهَارَ آيَتَيْنِ َفمَ َ
جعَلْنَا الْلّ ْي َ
واقرأ قوله تعالى {:وَ َ
[السراء]12 :
فكأن الذي يجعل العين تبصر هو الضوء أو النور ..فإذا ضاع النور ضاع البصار ..ولذلك
فأنت ل تبصر الشياء في الظلم ..وهذه معجزة قرآنية اكتشفها العلم بعد نزول القرآن.
()21 /
جعُونَ ()18
ع ْميٌ َفهُمْ لَا يَرْ ِ
صُمّ ُبكْمٌ ُ
فالحق سبحانه وتعالى ..بعد أن أخبرنا أنه بظلم هؤلء المنافقين لنفسهم ..ذهب بنور اليمان من
قلوبهم فهم ل يبصرون آيات ال ..أراد أن يلفتنا إلى أنه ليس البصر وحده هو الذي ذهب ..ولكن
كل حواسهم تعطلت ..فالسمع تعطل فهم صم ..والنطق تعطل فهم بكم ..والبصر تعطل فهم
جكُم مّن
عمى ..وهذه هي آلت الدراك في النسان ..واقرأ قوله تبارك وتعالى {:وَاللّهُ َأخْرَ َ
شكُرُونَ }[النحل]78 :
لفْئِ َدةَ َلعَّلكُمْ تَ ْ
سمْ َع وَالَ ْبصَارَ وَا َ
ج َعلَ َلكُمُ الْ ّ
بُطُونِ ُأ ّمهَا ِتكُ ْم لَ َتعَْلمُونَ شَيْئا وَ َ
ص ّمتْ
إذن كونهم في ظلمات ل يبصرون معناها أنها قد تعطلت وسائل الدراك الخرى؛ فآذانهم ُ
فهي ل تسمع منهج الحق ،وألسنتهم تعطلت عن نقل ما في قلوبهم وأبصارهم ل ترى آيات ال في
الكون إذن فآلت إدراكهم لهدى ال معطلة عندهم..
جعُونَ } ..أي لن تعود إليهم هذه الوسائل ليدركوا نور ال في كونه..
وقوله تعالىَ { :فهُ ْم لَ يَرْ ِ
الدراك غير موجود عندهم ..ولذلك فل تطمعوا أن يرجعوا إلى منهج اليمان أبدا ..لقد فسدت
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
في قلوبهم العقيدة ..فلم يفرقوا بين ضر عاجل وما هو نفع آجل ..نور الهداية كان سيجعلهم
يبصرون الطريق إلى ال ..حتى يسيروا على بينة ول يتعثروا ..ولكنهم حينما جاءهم النور
رفضوه وانصرفوا عنه ..فكأنهم انصرفوا عن كل ما يهديهم إلى طريق ال!!.
فال سبحانه وتعالى في هذه الية الكريمة ..أعطانا وصفا آخر من صفات المنافقين هو أن أدوات
الدراك التي خلقها ال جل جلله معطلة عندهم ..ولذلك فإن الصرار على هدايتهم وبذل الجهد
معهم لن يأتي بنتيجة ..لن ال تبارك وتعالى بنفاقهم وظلمهم عطل وسائل الهداية التي كان من
الممكن أن يعودوا بها إلى طريق الحق.
()22 /
حذَرَ
صوَاعِقِ َ
جعَلُونَ َأصَا ِب َعهُمْ فِي آَذَا ِنهِمْ مِنَ ال ّ
سمَاءِ فِيهِ ظُُلمَاتٌ وَرَعْ ٌد وَبَرْقٌ َي ْ
َأوْ َكصَيّبٍ مِنَ ال ّ
ا ْل َم ْوتِ وَاللّهُ مُحِيطٌ بِا ْلكَافِرِينَ ()19
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ومادام الماء هو الذي به الحياة على الرض ..فقد ضرب ال لنا به المثل كما ضرب لنا المثل
بالنار وضوئها ..فكلها أمثلة مادية لتقرب إلى عقولنا ما هو غيب عنا ..فالماء يعطينا الحياة..
لكن هؤلء المنافقين .لم يلتفوا إلى هذا الخير .الذي ينزل عليهم من السماء من غير تعب أو جهد
منهم .بل التفتوا إلى أشياء ثانوية ،كان من المفروض أن يرحبوا بها لنها مقدمات خير لهم.
فالمطر قبل أن ينزل من السماء لبد أن يكون هناك شيء من الظلمة في السحاب الذي يأتي
بالمطر .فيحجب أشعة الشمس إن كنا نهارا .ويخفي نور القمر والنجوم إن كنا ليل .هذه الظلمة
مقدمات الخير والماء..
إنهم لم يلتفتوا إلى الخير الذي مل ال به سبحانه وتعالى الرض .بل التفتوا إلى الظلمة فنفروا من
الخير ..كذلك صوت الرعد ونور البرق.
الرعد يستقبله النسان بالذن وهي آلة السمع .والبرق تستقبله العين ..وصوت الرعد قوي ،أقوى
من طاقة الذن .ولذلك عندما يسمعه النسان يفزع ،ويحاول أن يمنع استقبال الذن له ،بأن يضع
أنامله في أذنيه.
جعَلُونَ َأصَا ِب َعهُمْ فِي
وهؤلء المنافقون لم يضعوا النامل .ولكن كما قال ال سبحانه وتعالى } :يَ ْ
آذَا ِنهِم { ولم يقل أناملهم .وذلك مبالغة في تصوير تأثير الرعد عليهم .فكأنهم من خوفهم وذعرهم
يحاول كل واحد منهم أن يدخل كل إصبعه في أذنه .ليحميه من هذا الصوت المخيف .فكأنهم
يبالغون في خوفهم من الرعد.
ونلحظ هنا أن الحديث ليس عن فرد واحد ،ولكن عن كثيرين ..لنه سبحانه وتعالى يقول "
أصابعهم " نقول أن المر لجماعة يعني أمرا لكل فرد فيها ،فإذا قال المدرس للتلميذ أخرجوا
أقلمكم ،فمعنى ذلك أن كل تلميذ يخرج قلمه ..وإذا قال رئيس الجماعة اركبوا سياراتكم ،فمعنى
جعَلُونَ َأصَا ِب َعهُمْ فِي آذَا ِنهِم { أن كل واحد
ذلك أن كل واحد يركب سيارته ..لذلك فإن معنى } يَ ْ
منهم يضع إصبعيه في أذنيه..
لماذا يفعلون ذلك؟! أنهم يفعلونه خوفا من الموت .لن الرعد والبرق يصاحبهما الصواعق أحيانا،
ولذلك فإنهم من مبالغتهم في الخوف يحس كل واحد منهم أن صاعقة ستقتله ..فكأنهم يستقبلون
نعمة ال سبحانه وتعالى بغير حقيقتها ..هم ل يرون النعمة الحقيقية في أن هذا المطر يأتي لهم
بعوامل استمرار الحياة .ولكنهم يأخذون الظاهر في البرق والرعد .وكذلك المنافقون ..ل يستطيع
الواحد منهم أن يصبر على شهوات نفسه ونزواتها ..إنه يريد ذلك العاجل ول ينظر إلى الخير
الحقيقي الذي وعد ال به عباده المؤمنين في الخرة ..وهو ينظر إلى التكاليف كأنها شدة ومسألة
تحمل النفس بعض المشاق .ويغفل عن حقيقة جزاء التكاليف في الخرة .وكيف أنها ستوفر لهم
النعيم الدائم ..تماما كما ينظر النسان إلى المطر على أنه ظلمة ورعد وبرق ،وينسى أنه بدون
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هذا المطر من المستحيل أن تستمر حياته..
هم يأخذون هذه الظواهر على أنها كل شيء .بينما هي في الحقيقة تأتي لوقت قصير وتختفي،
فهي قصيرة كالحياة الدنيا ،وقتية .ولكن نظرتهم إليها وقتية ومادية لنهم ل يؤمنون إل بالدنيا
وغفلوا عن الخرة ..غفلوا عن ذلك الماء التي يبقى فترة طويلة ،وتنبهوا إلى تلك الظواهر الوقتية
التي تأتي مع المطر فخافوا منها وكان خوفهم منها يجعلهم ل يحسون بما في المطر من خير.
والمنافقون يريدون أن يأخذوا خير السلم دون أن يقوموا بواجبات هذا الدين!!
ثم يلفتنا الحق سبحانه وتعالى إلى قضية هامة .وهي أن خوفهم من زوال متع الدنيا ونفوذها لن
يفعل لهم شيئا .لن ال محيط بالكافرين ..والحاطة معناها السيطرة التامة على الشيء بحيث ل
يكون أمامه وسيلة للفلت ،وقدرة ال سبحانه وتعالى محيطة بالكافرين وغير الكافرين..
إذن عدم التفاتهم للنفع الحقيقي ،وهو منهج ال ،ل يعطيهم قدرة الفلت من قدرة ال سبحانه
وتعالى في الدنيا والخرة.
()23 /
شوْا فِيهِ وَإِذَا َأظْلَمَ عَلَ ْي ِهمْ قَامُوا وََلوْ شَاءَ اللّهُ لَذَ َهبَ
طفُ أَ ْبصَارَهُمْ كُّلمَا َأضَاءَ َلهُمْ مَ َ
خََيكَادُ الْبَ ْرقُ يَ ْ
شيْءٍ َقدِيرٌ ()20
علَى ُكلّ َ
س ْم ِعهِ ْم وَأَ ْبصَارِهِمْ إِنّ اللّهَ َ
بِ َ
أن ال سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أن البرق الذي هو وقتي وزمنه قليل .هو الذي يسترعي
انتباههم .ولو آمنوا لضاء نور اليمان والسلم طريقهم .ولكن قلوبهم مملوءة بظلمات الكفر فل
يرون طريق النور ..والبرق يخطف أبصارهم ،أي يأخذها دون إرادتهم .فالخطف يعني أن الذي
يخطف ل ينتظر الذن ،والذي يتم الخطف منه ل يملك القدرة على منع الخاطف .والخطف غير
الغصب .فالغصب أن تأخذ الشيء برغم صاحبه.
ولكن ..ما الفرق بين الخذ والخطف والغصب؟ .الخذ أن تطلب الشيء من صاحبه فيعطيه لك.
أو تستأذنه .أي تأخذ الشيء بإذن صاحبه .والخطف أن تأخذه دون إرادة صاحبه ودون أن
يستطيع منعك.
والغصب أن تأخذ الشيء رغم إرادة صاحبه باستخدام القوة أو غير ذلك بحيث يصبح عاجزا عن
منعك من أخذ هذا الشيء.
ولنضرب لذلك مثل ول المثل العلى .إذا دخل طفل على محل للحلوى وخطف قطعة منها،
يكون صاحب المحل ل قدرة له على الخاطف لن الحدث فوق قدرات المخطوف منه ،فهو بعيد
وغير متوقع للشيء ،فل يستطيع منع الخطف ..أما الغصب فهو أن يكون صاحب المحل متنبها
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ولكنه ل يملك القدرة على منع ما يحدث ،وإذا حاول أن يقاوم ..فإن الذي سيأخذ الشيء بالرغم
عنه لبد أن يكون أقوى منه .أي أن قوة ال ُمغْ َتصِب ،تكون أقوى من ال ُمغْ َتصَب منه.
طفُ أَ ْبصَارَهُمْ }.
خَوقوله تعالىَ { :يكَادُ الْبَ ْرقُ يَ ْ
لبد أن نتنبه إلى قوله تعالى " يكاد " أي يكاد أو يقترب البرق من أن يخطف أبصارهم .وليس
للنسان القدرة أن يمنع هذا البرق من أن يأخذ انتباه البصر.
شوْاْ فِيهِ }.
وقوله تعالى { كُّلمَا َأضَآءَ َلهُمْ مّ َ
أي أنهم يمشون على قدر النور الدنيوي .الذي يعطيه لهم البرق .فل نور في قلوبهم .ولذلك إذا
أظلم عليهم توقفوا ،لنه ل نور لهم.
س ْم ِعهِ ْم وَأَ ْبصَارِهِمْ }.
وقوله تعالى { وََلوْ شَآءَ اللّهُ لَ َذ َهبَ بِ َ
ع ْميٌ َف ُه ْم لَ
يدعي بعض المستشرقين أن ذلك يتعارض مع الية الكريمة التي تقول { صُمّ ُب ْكمٌ ُ
ن } كيف يكونون صما بكما عميا ..أي أن منافذ الدراك عندهم ل تعمل ،ونحن هنا
جعُو َ
يَرْ ِ
س ْم ِعهِ ْم وَأَ ْبصَارِهِمْ } مع
نتحدث عن العمى اليماني ،ثم يقول تبارك وتعالى { وََلوْ شَآءَ اللّهُ َلذَ َهبَ بِ َ
أنهم صم وبكم وعمي؟..
ع ْميٌ } أي ل يرون آيات ال ويقين اليمان ،ول
نقول أن قول الحق سبحانه وتعالى { :صُمّ ُبكْمٌ ُ
يسمعون آيات القرآن ويعقلونها ..إذن فوسائل إدراكهم للمعنويات تتعطل .ولكن وسائل إدراكهم
بالنسبة للمحسات تبقى كما هي .فالمنافق الذي ل يؤمن بيوم القيامة ،ل يرى ذلك العذاب الذي
ينتظره في الخرة.
ولو شاء ال سبحانه وتعالى أن يذهب بسمعهم وأبصارهم.
بالنسبة للشياء المحسة .لستطاع لنه قادر على كل شيء ،ولكنه سبحانه وتعالى لم يشأ ذلك.
حتى ل يأتوا مجادلين في الخرة ،من أنهم لو كان لهم بصر لرأوا آيات ال .ولو كان لهم سمع
لتدبروا القرآن .فأبقى ال لهم أبصارهم وأسماعهم .لتكون حجة عليهم ،بأن لهم بصرا ولكنهم
انصرفوا عن آيات ال إلى الشياء التي تأتيهم بفائدة عاجلة في الدنيا مهما جاءت بغضب ال.
وأن لهم سمعا يسمعون به كل شيء من خطط المؤامرات على السلم .وضرب اليمان وغير
ذلك .فإذا تليت عليهم آيات ال فأنهم ل يسمعونها .وفي ذلك يقول ال سبحانه وتعالىَ {:ومِ ْنهُمْ مّن
يَسْ َتمِعُ إِلَ ْيكَ حَتّىا إِذَا خَ َرجُواْ مِنْ عِن ِدكَ قَالُواْ لِلّذِينَ أُوتُواْ ا ْلعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفا }[محمد]16 :
أي أنهم يسمعون ول يعقلون ول يدخل النور إلى قلوبهم ،فكأنهم صم عن آيات ال ل يسمعونها.
والحق سبحانه وتعالى يريد أن يعطينا مثل المنافقين بأنهم ل يلتفتون إلى القيم الحقيقية في الحياة.
ولكنهم يأخذون ظاهرها فقط .يريدون النفع العاجل ،وظلمات قلوبهم .ل تجعلهم يرون نور
اليمان .وإنما يبهرهم بريق الدنيا مع أنه زائل ووقتي .فيخطف أبصارهم .ولنه ل نور في
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
قلوبهم ،فإذا ذهبت عنهم الدنيا ،تحيط بهم الظلمات من كل مكان لنهم ل يؤمنون بالخرة .مع أن
ال سبحانه وتعالى لو شاء لذهب بسمعهم وأبصارهم ،لنهم ل يستخدمونها الستخدام اليماني
المطلوب .والمفروض أن وسائل الدراك هذه .تزيدنا إيمانا ..ولكن هؤلء ل يرون إل متاع
الدنيا .ول يسمعون إل وسوسة الشيطان ،فالمهمة اليمانية لوسائل الدراك توقفت ،وكأن هذه
الوسائل غير موجودة.
()24 /
يَا أَ ّيهَا النّاسُ اعْبُدُوا رَ ّبكُمُ الّذِي خََل َقكُ ْم وَالّذِينَ مِنْ قَبِْلكُمْ َلعَّلكُمْ تَ ّتقُونَ ()21
بعد أن حدثنا ال سبحانه وتعالى عن صفات المنافقين في ثلث عشرة آية وأعطانا أوصافهم
الظاهرة .وأعطانا أمثلة لما يحدث في قلوبهم كي يعرفهم المؤمنون ظاهرا وباطنا .ويحذروهم ول
يأمنوا لهم .بين لنا كيف أن المنافقين لم يكفروا بال كإله فقط .ويستروا وجوده ،ولكن كفروا به
كرب .والرب عطاؤه مكفول لكل من خلق مؤمنهم وكافرهم ،فهو سبحانه وتعالى الذي استدعاهم
للوجود وخلقهم .ولذلك فإنه سبحانه يضمن لهم رزقهم وحياتهم.
وال سبحانه وتعالى ل يحرم خلقا من خلقه من عطاء ربوبيته في الدنيا .فالشمس تشرق على
المؤمن والكافر .والمطر ينزل على من قال ل إله إل ال ومن ستر وجوده تعالى :والهواء يتنفس
به ذلك الذي يقيم الصلة والذي لم يركع ركعة في حياته ..والطعام يأكله الذي يحب ال والذي
يكفر بنعم ال ..ذلك أن هذه عطاءات ربوبية يعطيها ال تعالى لكل خلقه في الدنيا..
أما عطاءات اللوهية ،فهي للمؤمنين في الدنيا والخرة.
فال سبحانه وتعالى يلفت انتباه خلقه إلى أن عطاء الربوبية من ال سبحانه وتعالى لهم يكفي
ليؤمنوا بال ويعبدوه.
والحق سبحانه وتعالى حينما يخاطب الناس في القرآن الكريم ،ذلك الكتاب الذي ل يأتيه الباطل
من بين يديه ول من خلفه ،فلبد أن يكون الخطاب للناس في كل زمان ومكان .منذ نزول القرآن
الكريم إلى يوم القيامة.
وخطاب ال سبحانه وتعالى خاص بقضية اليمان في القمة ،وهي الخضوع لله واحد ل شريك
له.
وقوله تعالى { الّذِي خََل َقكُ ْم وَالّذِينَ مِن قَبِْل ُكمْ } معناه أن من مقتضيات العبادة .أن ال هو خالق
الناس جميعا .وليس في قضية الخلق كما قلنا شبهة؛ لنه ل أحد يستطيع أن يدعي أنه خلق نفسه،
أو خلق هذا الكون ،بل إن الحق سبحانه وتعالى يطلب منا أن نحترم السببية المباشرة في وجودنا؛
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فالب والم هنا سبب في وجود النسان .فنجد ال سبحانه وتعالى يقولَ {:و َقضَىا رَ ّبكَ َألّ َتعْبُدُواْ
ف َولَ تَ ْنهَرْ ُهمَا
حدُ ُهمَا َأوْ كِلَ ُهمَا فَلَ َتقُل ّل ُهمَآ ُأ ّ
حسَانا ِإمّا يَبُْلغَنّ عِن َدكَ ا ْلكِبَرَ أَ َ
ِإلّ إِيّا ُه وَبِا ْلوَالِدَيْنِ إِ ْ
َوقُل ّل ُهمَا َق ْولً كَرِيما }[السراء]23 :
وهكذا نرى أن الحق قد احترم السببية في الموجد ،مع أنه سبحانه وتعالى الموجد الذي خلق كل
شيء .ولكن ال يحترم عمل النسان .مع أنه سبب فقط ،فالمال هو مال ال ،يعطيه لمن يشاء.
لكننا نجد الحق سبحانه وتعالى هو يحث على الصدقة يقول {:مّن ذَا الّذِي ُيقْ ِرضُ اللّهَ قَرْضا حَسَنا
}[البقرة]245 :
فكأنه سبحانه احترم عمل النسان في الحصول على المال ،رغم أن المال مال ال .فقال وهو
الخالق العظم { :مّن ذَا الّذِي ُيقْرِضُ اللّهَ قَرْضا حَسَنا } وهكذا تتجلى رحمة الحق بالخلق.
ال يقول " :وَلعَّلكُمْ تَ ّتقُونَ " نتقي ماذا؟ نتقي صفات الجلل في ال .فال سبحانه وتعالى له صفات
جلل وصفات جمال ،صفات الجلل هي " الجبار والقهار والمتكبر والقوي والقادر والمقتدر
والضار " وغيرها من صفات الجلل.
فال سبحانه وتعالى يريدنا أن نجعل بيننا وبين صفات الجلل وقاية حتى ل نغضب ال ،فيعاملنا
بمتعلقات صفات جلله ،وأن نتمسك بصفات جمال ال :الرحيم الودود ،الغفار ،التواب ،فإذا نجحنا
في ذلك كان لنا نجاة من النار التي هي أحد جنود ال ،ومتعلقات جلله.
على أننا لبد أن نتنبه إلى أن ال سبحانه وتعالى حينما يقول " يا أيها الناس " إنما يخاطب كل
الناس ،فإذا أراد الحق سبحانه وتعالى مخاطبة المؤمنين قال " :يا أيها الذين آمنوا " أي يا أيها
الذين آمنتم بال إلها ،ودخلتم معه في عقد إيماني.
()25 /
فبعد أن بين لنا الحق سبحانه وتعالى أن عطاء ربوبيته الذي يعطيه لخلقه جميعا ،المؤمن والكافر،
كان يكفي لكي يؤمن الناس ،كل الناس ..أخذ يبين لنا آيات من عطاء الربوبية .ويلفتنا إليها لعل
من لم يؤمن عندما يقرأ هذه اليات يدخل اليمان في قلبه .فيلفتنا ال سبحانه وتعالى إلى خلق
الرض في قوله تعالى:
ج َعلَ َلكُمُ الَرْضَ فِرَاشا }.
{ الّذِي َ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
والرض هي المكان الذي يعيش في الناس ول يستطيع أحد أن يدعي أنه خلق الرض أو
أوجدها .إذن فهي آية ربوبية ل تحتاج لكي نتنبه إليها إلى جهد عقلي .لنها بديهات محسومة ل
سبحانه وتعالى .وقوله تعالى " :فراشا " توحي بأنه أعد الرض إعدادا مريحا للبشر .كما تفرش
على الرض شيئا ،تجلس عليه أو تنام عليه ،فيكون فراشا يريحك.
ونحن نتوارث الرض جيل بعد جيل .وهي تصلح لحياتنا جميعا.
ومنذ أن خلقت الرض إلى يوم القيامة .ستظل فراشا للنسان.
قد يقول بعض الناس أنك إذا نمت على الرض فقد تكون غير مريحة تحتك فيها حصى أو غير
ذلك مما يضايقك .نقول أن النسان الول كان ينام عليها مستريحا ..إذن فضرورة النوم ممكنة
على الرض.
وعندما تقدمت الحضارة وزادت الرفاهية ظلت الرض فراشا رغم ما وجد عليها من أشياء لينة.
فكأن ال تعالى .قد أعدها لنا إعدادا يتناسب مع كل جيل .فكل جيل رفه في العيش بسبب تقدم
الحضارة كشف ال سبحانه من العلم ما يطوع له الرض ويجعلها فراشا.
ج َعلَ َلكُمُ الَ ْرضَ َمهْداَ }[الزخرف]10 :
ونلحظ أن ال سبحانه وتعالى في آية أخرى يقولَ {:
والمهد هو فراش الطفل ،ولبد أن يكون مريحا لن الطفل إذا وجد في الفراش أي شيء يتعبه.
فإن ل يملك المكانات التي تجعله يريحه ،ولذلك تمهد الم لطفلها مكان نومه ،حتى ينام نوما
مريحا .ولكن الذي يمهد الرض لكل خلقه هو ال سبحانه وتعالى .يجعلها فراشا لعباده .وإذا
ج َعلَ َلكُ ُم الَ ْرضَ ذَلُولً فَامْشُواْ فِي مَنَاكِ ِبهَا َوكُلُواْ مِن رّ ْز ِقهِ }[الملك:
قرأت قوله تعالىُ {:هوَ الّذِي َ
]15
فإن معنى ذلك أن الحق سبحانه جعل الرض مطيعة للنسان ،تعطيه كل ما يحتاج إليه.
ويأتي الحق سبحانه وتعالى إلى السماء فيقول " :والسماء بناءً " والبناء يفيد المتانة والتماسك .أي
أن السماء ـ وهي فوقك ـ ل نرى شيئا يحملها حتى ل تسقط عليك .إنها سقف متماسك متين..
سمَآءَ أَن َتقَعَ عَلَى الَ ْرضِ ِإلّ بِِإذْنِهِ }[الحج]65 :
سكُ ال ّ
ويؤكد الحق هذا المعنى بقوله تعالى {:وَ ُيمْ ِ
حفُوظا }[النبياء]32 :
سقْفا مّ ْ
سمَآءَ َ
جعَلْنَا ال ّ
وفي آية أخرى يقول {:وَ َ
والهدف من هذه اليات كلها .أن نطمئن ونحن نعيش على الرض أن السماء لن تتساقط علينا
لن ال يحفظها.
إذن من آيات الحق سبحانه وتعالى في الرض أنه جعلها فراشا أي ممهدة ومريحة لحياة النسان.
وحفظ السماء بقدرته جل جلله ،فهي ثابتة في مكانها ،ل تهدد سكان الرض وتفزعهم ،بأنها قد
تسقط عليهم ،ثم جاء بآية أخرى:
سمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ال ّثمَرَاتِ رِزْقا ّلكُمْ {
} وَأَن َزلَ مِنَ ال ّ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فكأن الحق سبحانه وتعالى وضع في الرض وسائل استبقاء الحياة .فلم يترك النسان على
الرض دون أن يوفر له وسائل استمرار حياته .فالمطر ينزل من السماء ،والسماء هي كل ما
علك فأظلك .فينبت به الزرع والثمر ،وهذا رزق لنا ،والناس تختلف في مسألة الرزق .والرزق
هو ما ينتفع به ،وليس هو ما تحصل عليه .فقد تربح مالً وافرا ولكنك ل تنفقه ول تستفيد منه فل
يكون هذا رزقك ولكنه رزق غيرك ،وأنت تظل حارسا عليه ،ل تنفق منه قرشا واحدا ،حتى
توصله إلى صاحبه .والرزق في نظر معظم الناس هو المال ،قال عليه الصلة والسلم:
" يقول ابن آدم مالي مالي ..وهل لك يا ابن آدم من مالك إل ما أكلت فأفنيت ،ولبست فأبليت ،أو
تصدقت فأمضيت ".
هذا هو رزق المال .وهو جزء من الرزق .ولكن هناك رزق الصحة .ورزق الولد .ورزق
الطعام .ورزق في البركة .وكل نعمة من ال سبحانه وتعالى هي رزق وليس المال وحده.
فالحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا بهذه الية الكريمة إلى أن نفكر قليلً ،فيمن خلق هذا الكون.
لنعرف أنه قبل أن يخلق النسان خلق له عناصر بقائه .ولكن هذا العداد لم يتوقف عند الحياة
المادية .بل إن ال كما أعد لنا مقومات حياتنا المادية أعد لنا مقومات حياتنا الروحية ،أو القيم في
ق الِنسَانَ *
حمَـانُ * عَلّمَ ا ْلقُرْآنَ * خََل َ
الوجود .وإذا قرأت في سورة الرحمن قوله تعالى {:الرّ ْ
عَّلمَهُ البَيَانَ }[الرحمن]4-1 :
لوجدت القرآن يعطينا قيم الحياة ،التي بدونها تصبح الدنيا كلها ل قيمة لها .لن الدنيا امتحان أو
اختبار لحياة قادمة في الخرة .فإذا لم تأخذها بمهمتها في أنها الطريق الذي يوصلك إلى الجنة.
أهدرت قيمتها تماما.
ولم تعد الدنيا تعطيك شيئا إل العذاب في الخرة.
وقد ربط الحق سبحانه وتعالى الرزق في هذه الية بالسماء فقال سبحانه:
} فََأخْرَجَ بِهِ مِنَ ال ّثمَرَاتِ رِزْقا ّل ُكمْ {
ليلفتنا إلى أن الرزق ،ل يأتي إل من أعلى ،وضرب ال سبحانه وتعالى المثل بالماء لنه رزق
مباشر محسوس منا ،والماء ينزل من السماء في أنقى صوره مقطرا .كل ما يأتينا من السماء .فيه
علو .ينزل ليزيد حياة القيم ارتقاءً ،عملية لو أراد البشر أن يقوموا بها ما استطاعوا لنها كانت
ستكلف مليين الجنيهات ،لتعطينا ماءً ل يكفي أسرة واحدة .ولكن ال سبحانه وتعالى أنزل من
السماء ماءً في أنقى صوره لينبت به الثمرات ،التي تضمن استمرار الحياة في هذا الكون.
وبعد أن نفهم هذه النعم كلها .والعجاز الذي فيها ونستوعبها يقول الحق تبارك وتعالى } :فَلَ
جعَلُواْ للّهِ أَندَادا وَأَنْتُمْ َتعَْلمُونَ {.
تَ ْ
" أندادا " جمع نِدّ ،والند هو النظير أو الشبيه .وأي عقل فيه ذرّة من فكر يبتعد عن مثل هذا ،فل
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يجعل ل تعالى شبيها ول نظيرا ول ُيشَبّهُ بال تعالى أحدا .فال واحد في قدرته ،واحد في قوته،
واحد في خلقه .واحد في ذاته ،وواحد في صفاته.
ول توجد مقارنة بين صفات الحق سبحانه وتعالى وصفات الخلق .وال خلق لكل منا عقلً يفكر
به ،لو عرضت هذه المسألة على العقل لرفضها تماما ،لنها ل تتفق مع عقل أو منطق ،ولذلك
يقول الحق سبحانه وتعالى:
} وَأَنْتُمْ َتعَْلمُونَ {
أي تعرفون هذا جيدا بعقولكم لن طبيعة العقل ترفض هذا تماما.
فمنذا الذي يستطيع أن يدعي أنه خلقكم والذين من قبلكم؟! ومنذا الذي يستطيع أن يدعي ولو كذبا،
أنه هو الذي جعل الرض فراشا ،وجعل السماء سقفا محفوظا ،أو أنزل المطر وأنبت الزرع؟ ل
أحد .إذن فأنتم تعلمون أن العقل كله ل وحده ،ومادام ل يوجد معارض ول يمكن أن يوجد.
فالقضية محسومة للحق تبارك وتعالى.
حبّ اللّ ِه وَالّذِينَ
خذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَادا ُيحِبّو َنهُمْ كَ ُ
والحق سبحانه وتعالى يقولَ {:ومِنَ النّاسِ مَن يَتّ ِ
شدّ حُبّا للّهِ }[البقرة]165 :
آمَنُواْ أَ َ
لماذا اتخذ هؤلء الناس ل تعالى أندادا؟ لنهم يريدون دينا بل منهج .يريدون أن يرضوا فطرة
اليمان التي خلقها ال فيهم .وفي الوقت نفسه يتبعون شهواتهم .عندما فكروا في هذا وجدوا أن
أحسن طريقة هي أن يختاروا إلها بل منهج ،ل يطلب منهم شيئا ،ولذلك كل دعوة منحرفة تجد
أنها تبيح ما حرم ال ،وتحل النسان من كل التكاليف اليمانية كالصلة والزكاة والجهاد وغيرها.
أما الذين آمنوا .فإنهم يعرفون أن ال سبحانه وتعالى إنما وضع منهجه لصالح النسان :فال ل
يستفيد من صلتنا ول من زكاتنا .ول من منهج اليمان شيئا ،ولكننا نحن الذين نستفيد من رحمة
ال .ومن نعم ال ومن جنته في الخرة.
ولن الذين آمنوا يعرفون هذا فإنهم يحبون ال حبا شديدا ،والذين كفروا رغم كل ما يدعون فإنهم
ساعة العسرة يلجأون إلى ال سبحانه وتعالى باعتباره وحده الملجأ والملذ .واقرأ قوله تبارك
شفْنَا عَنْهُ ضُ ّرهُ مَرّ كَأَن لّمْ
س الِنسَانَ الضّرّ دَعَانَا لِجَن ِبهِ َأوْ قَاعِدا َأوْ قَآئِما فََلمّا كَ َ
وتعالى {:وَِإذَا مَ ّ
يَدْعُنَآ إِلَىا ضُرّ مّسّهُ }[يونس]12 :
لماذا لم يستدع النداد؟ لن النسان ل يغش نفسه أبدا في ساعة الخطر ،ولن هؤلء يعرفون
بعقولهم أنه ل يمكن أن يوجد ل أنداد .ولكنه يتخذهم لغراض دنيوية .فإذا جاء الخطر .يلجأ إلى
ال سبحانه وتعالى .لنه يعلم يقينا أنه وحده الذي يكشف الضر ،فحلق الصحة الذي يعالج الناس
دجل .إذا مرض ابنه أسرع به إلى الطبيب لنه يغش الناس .ولكنه ل يمكن أن يغش نفسه.
ولقد كان الصمعي واقفا عند الكعبة ،فسمع إعرابيا يدعو ويقول:
" يا رب أنت تعلم أني عاصيك وكان من حقك علي أل أدعوك وأنا عاص .ولكني أعلم أنه ل إله
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
إل أنت فلمن أذهب " .فقال الصمعي :يا هذا إن ال يغفر لك لحسن مسألتك ".
()26 /
بعد أن بين الحق سبحانه وتعالى لنا أن هؤلء الذين يتخذون من دون ال أندادا ل يعتمدون على
منطق ول عقل .ولكنهم يعتمدون على شهوات دنيوية عاجلة .أراد أن يأتي بالتحدي بالنسبة
للقرآن الكريم ـ المعجزة الخالدة لرسول ال صلى ال عليه وسلم ـ حتى يثبت لهم أن ال
سبحانه وتعالى إذا كان قد جعل خلق الكون إعجازا محسا ..فإن القرآن منهج معجز إعجازا
قيما ..قال ال جل جلله:
{ وَإِن كُنْتُمْ فِي رَ ْيبٍ } الخطاب هنا لكل كافر ومنافق غير مؤمن ،لن الذين آمنوا بال ورسوله
ليس في قلوبهم ريب ،بل هم يؤمنون بأن القرآن موحى به من ال ،مبلغ إلى محمد صلى ال عليه
وسلم بالوحي المنزل من السماء.
والريب :هو الشك .وقوله تعالى { :إِن كُنْتُمْ فِي رَ ْيبٍ } أي إن كنتم في شك .من أين يأتي هذا
الشك والمعجزة تحيط بالقرآن وبرسوله صلى ال عليه وسلم؟ ما هي مبررات الشك ،ورسول ال
صلى ال عليه وسلم ل يقرأ ول يكتب ولم يعرف بالبلغة والشعر بين قومه حتى يستطيع أن
يأتي من عنده بهذا الكلم المعجز الذي لم يستطع فطاحل شعراء العرب الذين تمرسوا في البلغة
واللغة أن يأتوا بآيةٍ من مثله .هذه واحدة .والثانية أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يكذب أبدا
ولم يعرف عنه كذب قبل تكليفه بالرسالة بل كانوا يلقبونه صلى ال عليه وسلم بالصادق المين.
والذين كانوا يلقبون رسول ال صلى ال عليه وسلم هم الذين اتهموه بأن هذا القرآن ليس من عند
ال .أيصدق رسول ال عليه الصلة والسلم مع الناس .ويكذب على ال؟! ..هذا مستحيل.
الكلم الذي جاء به رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو القرآن لم يكن أحد ليستطيع أن يأتي به
من فطاحل علماء البلغة العرب .والعلم الذي نزل في القرآن الكريم .لم يكن يعرفه بشر في ذلك
الوقت .فكيف جاء النبي المي بهذا الكلم المعجز .وبهذا العلم الذي ل يعلمه البشر؟! لو جلس
إلى معلم أو قرأ كتب الحضارات القديمة .لقالوا ربما استنبط منها ،ولكنه لم يفعل ذلك.
فمن أين دخل الريب إلى قلوبهم؟ لشك أنه دخل من باب الباطل .والباطل ل حجة له .وبل شك
لقد فضحوا أنفسهم بأنهم ل يرتابون في القرآن ولكنهم كانوا يريدونه أن ينزل على سيد من سادة
جلٍ مّنَ ا ْلقَرْيَتَيْنِ
علَىا رَ ُ
قريش .واقرأ قول الحق سبحانه وتعالىَ {:وقَالُواْ َل ْولَ نُ ّزلَ هَـاذَا ا ْلقُرْآنُ َ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عَظِيمٍ }[الزخرف]31 :
وهؤلء المرتابون لم يجدوا حجة يواجهون بها القرآن ،فقالوا ساحر ،وهل للمسحور إرادة مع
الساحر؟ إذا كان ساحرا فلماذا لم يسحركم أنتم؟ وقالوا مجنون.
والمجنون يتصرف بل منطق ..يضحك بل سبب .ويبكي بل سبب .ويضرب الناس بل سبب.
ولذلك رد الحق سبحانه عليهم بقوله تعالى {:ن وَالْقَلَمِ َومَا َيسْطُرُونَ * مَآ أَنتَ بِ ِن ْعمَةِ رَ ّبكَ ِب َمجْنُونٍ
عظِيمٍ }[القلم]4-1 :
ك لَجْرا غَيْرَ َممْنُونٍ * وَإِ ّنكَ َلعَلَىا خُُلقٍ َ
* وَإِنّ َل َ
فهل يكون المجنون على خلق عظيم؟ إذن فأسباب الريب كلها أو السباب التي تثير الشك غير
موجودة .وغير متوافرة .ول يوجد سبب حقيقي واحد يجعلهم يشكون في أن القرآن ليس من عند
ال .ولكنهم هم القائلون كما يروي لنا الحق تبارك وتعالى {:وَإِذْ قَالُواْ الّل ُهمّ إِن كَانَ هَـاذَا ُهوَ
سمَآءِ َأوِ ائْتِنَا ِبعَذَابٍ َألِيمٍ }[النفال]32 :
حقّ مِنْ عِن ِدكَ فََأ ْمطِرْ عَلَيْنَا حِجَا َرةً مّنَ ال ّ
الْ َ
إذن فكل أسباب الشك غير موجودة وأسباب اليقين هي الموجودة ومع ذلك ارتابوا وشكوا .وقوله
سبحانه وتعالى:
} ّممّا نَزّلْنَا عَلَىا عَ ْبدِنَا {
فالقرآن الكريم وجد في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق النسان ،وعندما جاء وقت مباشرته لمهمته
في الكون نزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا دفعة واحدة ثم أنزله ال سبحانه وتعالى على
رسوله صلى ال عليه وسلم بقدر ما احتاجت إليه المناسبات والحداث.
إذن فقوله " نزلنا " أي نزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا دفعة واحدة .وقوله تعالى " أنزل
" أي أنزله آيات على محمد صلى ال عليه وسلم بحسب اقتضاء الحداث والمناسبات.
الحق سبحانه وتعالى يقول " :على عبدنا " وهذه محتاجة إلى وقفة .فال جل جلله .له عبيد وله
عباد .كل خلق ال في كونه عبيد ل سبحانه وتعالى .ل يستطيعون الخروج عن مشيئة ال أو
إرادته .هؤلء هم العبيد .ولكن العباد هم الذين اتحدت مراداتهم مع ما يريده ال سبحانه وتعالى..
تخلوا عن اختيارهم الدنيوي ،ليصبحوا طائعين ل باختيارهم ،أي أنهم تساووا مع المقهورين في
أنهم اختاروا منهج ال وتركوا أي اختيار يخالفه.
هؤلء هم العباد ،وإذا قرأت القرآن الكريم تجد أن ال سبحانه وتعالى يشير إلى العباد بأنهم
ع َوةَ
الصالحون من البشر فيقول الحق تبارك وتعالى {:وَإِذَا سَأََلكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ ُأجِيبُ دَ ْ
الدّاعِ ِإذَا دَعَانِ فَلْ َيسْتَجِيبُواْ لِي وَلْ ُي ْؤمِنُواْ بِي َلعَّلهُمْ يَ ْرشُدُونَ }[البقرة]186 :
هذا ليس لكل خلق ال ،ولكنه للعباد .الذين إذا قال ال تعالى لهم افعلوا فعلوا وإذا قال ال ل تفعلوا
لم يفعلوا .أي أنهم ل يخالفون ـ بقدرتهم على الختيار ـ منهج ال سبحانه وتعالى .ولذلك في
الجهاد ل يقول الحق سبحانه وتعالى عن المجاهدين أنهم عبيد .بل يقول جل جلله {:فَإِذَا جَآءَ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
للَ الدّيَا ِر َوكَانَ وَعْدا ّم ْفعُولً }
شدِيدٍ َفجَاسُواْ خِ َ
وَعْدُ أُول ُهمَا َبعَثْنَا عَلَ ْيكُمْ عِبَادا لّنَآ ُأوْلِي بَأْسٍ َ
[السراء]5 :
وبعض المستشرقين الذين يحاولون الطعن في القرآن الكريم يقولون أن كلمة عباد قد جاءت في
وصف غير المؤمن في قوله تعالى:
{ أَأَن ُتمْ َأضْلَلْتُمْ عِبَادِي َه ُؤلَءِ َأمْ هُمْ ضَلّوا السّبِيلَ }[الفرقان]17 :
نقول :إنكم لم تفهموا أن هذا ساعة الحساب في الخرة ،وفي الخرة كلنا عباد لننا كلنا مقهورون
فل اختيار لحد في الخرة وإنما الختيار البشري ينتهي ساعة الحتضار ،ثم يصبح النسان بعد
ذلك مقهورا.
فنحن جميعا في الخرة عباد ولكن الفرق بين العبيد والعباد هو في الحياة الدنيا فقط .والعبودية
هي أرقى مراتب القرب من ال تعالى .لنك تأتي إلى ال طائعا .منفذا للمنهج باختيارك .ولقد
عرض على رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يكون ملكا رسولً ،أو عبدا رسول .فاختار أن
يكون عبدا رسول .وإذا أردنا أن نعرف معنى العبودية نقرأ في سورة السراء {:سُ ْبحَانَ الّذِي
حوْلَهُ }[السراء]1 :
ل ْقصَى الّذِي بَا َركْنَا َ
ج ِد ا َ
جدِ ا ْلحَرَامِ ِإلَىا ا ْلمَسْ ِ
أَسْرَىا ِبعَبْ ِدهِ لَيْلً مّنَ ا ْلمَسْ ِ
لنرى أنه في أعلى درجات النعام من ال سبحانه وتعالى على رسوله صلى ال عليه وسلم في
المعجزة الكبرى التي لم تحدث لبشر قبله صلى ال عليه وسلم سواء كان رسولً أو غير رسول،
ولن تحدث لبشر بعده ..ذلك أن رسول ال صلى ال عليه وسلم صعد إلى السماوات السبع بالروح
وبالجسد ثم عاد إلى الرض .وتجاوز رسول ال صلى ال عليه وسلم منزلة جبريل فتجاوز سدرة
المنتهى وهي المكان الذي ينتهي إليه علم خلق ال من البشر والملئكة المقربين.
وبشرية الرسول أخذت جدلً كبيرا منذ بدأت الرسالت السماوية .وحتى عصرنا هذا .واقرأ قوله
تعالىَ {:فقَالَ ا ْلمَلُ الّذِينَ َكفَرُواْ مِن ِق ْومِهِ مَا نَرَاكَ ِإلّ بَشَرا مّثْلَنَا }[هود]27 :
سعُرٍ }[القمر]24 :
ل وَ ُ
لٍوقوله تعالى {:فَقَالُواْ أَبَشَرا مّنّا وَاحِدا نّتّ ِبعُهُ إِنّآ إِذا ّلفِي ضَ َ
وقوله تعالىَ {:ومَا مَنَعَ النّاسَ أَن ُي ْؤمِنُواْ إِذْ جَآءَ ُهمُ ا ْلهُدَىا ِإلّ أَن قَالُواْ أَ َب َعثَ اللّهُ بَشَرا رّسُولً }
[السراء]94 :
طعْتُمْ َبشَرا مّثَْلكُمْ إِ ّن ُكمْ إِذا لّخَاسِرُونَ }[المؤمنون]34 :
وقوله تعالى {:وَلَئِنْ أَ َ
إذن فبشرية الرسول اتخذت حجة للذين ل يريدون أن يؤمنوا والرسول مبلغ عن ال .ولبد أن
يكون من جنس القوم الذين أرسل إليهم .ولبد أن يكون قد عاش بينهم فترة قبل الرسالة واشتهر
بالمانة والصدق حتى ل يكذبوه .وفي الوقت نفسه هو قدرة .ولذلك لبد أن يكون من جنس قومه.
لنه سيطبق المنهج عمليا أمامهم .ولو كان من جنس آخر لقالوا ل نطيق ما كلفتنا به يا رب .لن
هذا رسول ال مخلوق من غير مادتنا .ومقهور على الطاعة.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
إذن فبشرية الرسول حتمية .وكل من يحاول أن يعطي الرسول صفة غير البشرية .إنما يحاول أن
ينقص من كمالت رسالت ال ،وال سبحانه وتعالى ليس عاجزا ،عن أن يحول البشر إلى ملئكة
جعَلْنَا مِنكُمْ مّلَ ِئكَةً فِي الَ ْرضِ َيخُْلفُونَ }[الزخرف]60 :
واقرأ قوله تعالى {:وََلوْ َنشَآءُ َل َ
إذن فبشرية الرسول هي من تمام الرسالة.
ثم يأتي التحدي من ال سبحانه وتعالى } فَأْتُواْ ِبسُو َرةٍ مّن مّثِْلهِ { والمطلوب أن يأتي العرب بسورة
من مثل ما جاء به القرآن الكريم.
الشهود الذين يطلب ال دعوتهم هم شهود ضعفاء .شهود من البشر وليست شهادة من ال بالغيب.
وال سبحانه وتعالى وضع في هذه الية معظم الشكوك لنفحصها ،ولنصل فيما بعد ذلك إلى
جوهر العجاز القرآني.
والحق سبحانه وتعالى تدرج في التحدي مع الكافرين .فطلب منهم أن يأتوا بمثل القرآن ،ثم طلب
عشر سور من مثله .ثم تدرج في التحدي فطلب سورة واحدة .والنزل في التحدي من القرآن كله
إلى عشر سور .إلى سورة واحدة .دليل ضد من تحداهم .فل يستطيعون أن يأتوا بمثل القرآن،
فيقول :إذن فأتوا بعشر سور .فل يستطيعون ويصبح موقفهم مدعاة للسخرية .فيقول :فأتوا
بسورة .وهذا منتهى الستهانة بالذين تحداهم ال سبحانه وتعالى وإثباتا لنهم ل يقدرون على
شيء .وكلمة بمثل .معناها أن الحق سبحانه وتعالى يطلب المثيل ول يطلب نص القرآن وهذا
إمعان وزيادة في إظهار عجز القوم الذين ل يؤمنون بال ويشككون في القرآن .وقوله تعالى} :
شهَدَآ َءكُم {.
وَادْعُواْ ُ
معناه أن ال سبحانه وتعالى زيادة في التحدي يطالبهم بأن يأتوا هم بالشهداء ويعرضوا عليهم
الية ليحكم هؤلء الشهود إذا كان ما جاءوا به مثل القرآن أم ل .أليس هذا إظهار منتهى القوة ل
سبحانه وتعالى لنه لم يشترط شهداء من الملئكة ول شهداء من الذين اشتهر عنهم الصدق.
وأنهم يشهدون بالحق .بل ترك الحق سبحانه لهم أن يأتوا بالشهداء وهؤلء الشهداء لن يستطيعوا
أن يشهدوا أن كلم هؤلء المشككين يماثل سورة من القرآن.
ال سبحانه وتعالى طلب منهم أن يأتوا بأي شهداء متحيزين لهم .وأطلقها سبحانه وتعالى على كل
أجناس الرض فقال } :مّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَا ِدقِينَ { ولكن إياكم أن تقولوا يشهد ال بأن ما
جئنا به مثل القرآن .لنكم تكونون قد كذبتم على ال وادعيتم شيئا لم يقله سبحانه وتعالى.
ولكن ما معنى قوله تعالى } :إِنْ كُنْ ُت ْم صَا ِدقِينَ { صادقين في ماذا؟ وما هو الصدق؟ الصدق يقابل
الكذب ،والصدق والكذب ،كل منهما نسبي .كلنا يعلم أن هناك كلما غير مفيد ،فإذا قلت محمد
س َكتّ فمن يسمعك سيسألك ،ماذا تقصد بقولك محمد؟ وسؤاله دليل على أنه لم يستفد شيئا ،ولكنه
وَ
لو سألك من عندك؟ وأجبت محمد فكأنك تخبره بأن عندك محمدا وهذه كلمة واحدة لكنك فهمتها
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
بالمعنى الذي أخذته من كلم السائل .إذن فل تقل كلمة واحدة ولكن قل كلما مفيدا .إذن فالكلم
المفيد هو الذي يسكت السامع عليه.
وكل متكلم قبل أن ينطق بالكلم يكون عنده نسبة ذهنية لما سيقول ،يعبر عنها بنسبة كلمية.
ولكن هناك نسبة خارجية لما يقول تمثل الواقع.
أي أنك لو قلت محمد مجتهد فلبد أن يكون هناك شخص اسمه محمد .ولبد أن يكون مجتهدا
فعلً .لتتطابق النسبة الكلمية .مع النسبة الواقعية .فإذا لم يكن هناك شخص اسمه محمد .أو كان
هناك شخص اسمه محمد ولكنه ليس مجتهدا ،فإن النسبة الكلمية تخالف النسبة الواقعية.
والصدق أن تتطابق النسبة الكلمية والنسبة الواقعية " .والكذب " أل تتطابق النسبة الكلمية مع
النسبة الواقعية ..هذا المفهوم ضرورة لعرض معنى الية الكريمة.
إذن فقوله تعالى " صادقين " أي أن تتطابق النسبة الكلمية التي ستقولونها مع نسبة واقعية
تستطيعون أن تدللوا عليها .فإن لم يحدث ذلك فأنتم كاذبون.
فال سبحانه وتعالى يريد منكم الدليل على صدقكم.
()27 /
بعد أن تحدث ال سبحانه وتعالى عن الدلة التي يستند إليها المشككون في القرآن الكريم .وهي
أدلة ل تستند إلى عقل ول إلى منطق .تحداهم بأن يأتوا بسورة مثل القرآن ،وأن يستعينوا بمن
يريدون من دون ال ،لن القرآن كلم ال ،وال سبحانه هو القائل .وبما أنهم يحاولون التشكيك
في أن القرآن كلم ال .وأنه منزل من عند ال ،فليستعينوا بمن يريدون ليأتوا بآية من مثله ،لن
التحدي هنا ل يمكن أن يتم إل إذا استعانوا بجميع القوى ما عدا ال سبحانه وتعالى.
ثم يأتي الحق سبحانه وتعالى بعد ذلك بالنتيجة قبل أن يتم التحدي .لن ال سبحانه وتعالى يعلم
أنهم لن يفعلوا ولن يستطيعوا.
إن قوله سبحانه { :فَإِن لّمْ َت ْفعَلُو ْا وَلَن َت ْفعَلُواْ } معناه أنه حكم عليهم بالفشل وقت نزول القرآن
وبعد نزول القرآن إلي يوم القيامة .لن ال ل يخفى عن علمه شيء .فهو بكل شيء عليم .وكلمة
" لم تفعلوا " عندما تأتي قد تثير الشك .فنحن نعرف أن مجيء إن الشرطية يثير الشك ..لن
المر لكي يتحقق يتعلق بشرط .وأنت إن قلت إن ذاكرت تنجح ،ففي المسألة شك ..أما إذا قلت
كقول الحق { إِذَا جَآءَ َنصْرُ اللّ ِه وَا ْلفَتْحُ } فمعنى ذلك أن نصر ال آت ل محالة.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
و " إن " حرف و " إذا " ظرف ،وكل حدث يحتاج إلى مكان وزمن .فإذا جئت بأداة الشرط فمعنى
ذلك أنك تقربها من عنصر تكوين الفعل والحدث .فإذا أردت أن تعبر عن شيء سيتحقق تقول إذا،
وإذا أردت أن تشكك فيه تقول " إن " وال سبحانه وتعالى قال " فإن لم تفعلوا " ولن الفعل ممكن
الحدث أراد أن يرجح الجانب المانع فقال " ولن تفعلوا " هذا أمر اختياري .فإذا تكلمت عن أمر
اختياري ثم حكمت أنه لن يحدث .فكأن قدرتك هي التي منعته من الفعل .فل يقال أنك قهرته على
أل يفعل .ل .علمت أنه لن يفعل .فاستعداداته ل يمكن أن تمكنه من الفعل.
وهذه أمور ضمن اخبارات القرآن الكريم في القضايا الغيبية التي أخبر عنها ،فعندما يقول ال
سهُمْ } معناه أنهم مصدقون ولكن ألسنتهم ل تعترف
جحَدُواْ ِبهَا وَاسْتَ ْيقَنَ ْتهَآ أَنفُ ُ
سبحانه وتعالى { وَ َ
بذلك .وقوله تعالى " فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا " معناه أن الشك مفتعل في نفوسهم؛ هم ل يريدون
أن يؤمنوا ولذلك يأتون بسبب مفتعل لعدم اليمان .لقد استقر فكرهم على أنهم ل يؤمنون ،ومادام
هذا هو ما قررتموه .فإنكم ستظلون تبحثون عن أسباب ملفقة لعدم اليمان.
حجَا َرةُ }.
س وَالْ ِ
وقوله تعالى { :فَا ّتقُواْ النّارَ الّتِي َوقُودُهَا النّا ُ
الحق سبحانه وتعالى يريد هنا أن يلفتنا إلى صورة أخرى عن عجز هؤلء الكفار .فهم بحثوا عن
أعذار ،ليبرروا بها عدم إيمانهم وتظاهروا بأنهم يشكون في القرآن الكريم .يقول لهم :لو كانت
لكم قدرة وذاتية فعل فامنعوا أنفسكم من دخول النار يوم القيامة .كما منعتم انفسكم من اليمان في
الدنيا.
وهذا وعيد من ال .لقد أعطاهم ذاتية الختيار في الدنيا ولم يختاروا قهرا بل اختاروا عدم اليمان
بمشيئة الختيار التي أعطاه ال لهم .ولكن هناك وقت ليس فيه اختيار وهو الخرة فحاولوا أن
تتقوا في الخرة عذاب النار يوم القيامة .ولكن لن يكون لحد اختيار .فال سبحانه وتعالى يقول
حدِ ا ْل َقهّارِ }[غافر]16 :
في ذلك اليومّ {:لمَنِ ا ْلمُ ْلكُ الْ َيوْمَ لِلّهِ ا ْلوَا ِ
لمْرُ َي ْومَئِذٍ لِلّهِ }[النفطار]19 :
ويقول جل جللهَ {:يوْ َم لَ َتمِْلكُ َنفْسٌ لِ َنفْسٍ شَيْئا وَا َ
فإرادتكم التي منعتكم من اليمان ..لن تقيكم يومئذ من عذاب النار ،واقرأ قوله تعالى {:إِ ّنكُ ْم َومَا
جهَنّمَ أَنتُمْ َلهَا وَارِدُونَ }[النبياء]98 :
صبُ َ
ح َ
َتعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ َ
لماذا هم وما يعبدون؟ لن العابد يرتجي نفع المعبود .فكأنهما عندما يرى كل منهما الخر في
العذاب .تكون الحسرة أشد .ولذلك فإن الحجارة والصنام التي يعبدونها ستكون معهم في النار
يوم القيامة .وليس هذا عقابا للحجار والصنام .لنها خلق مقهور ل مسبح له ،ولكن هذه
الصنام والحجار تكون راضية وهي تحرق الذين كفروا بال .وتقول " :عبدونا ونحن أعبد ل
من المستغفرين بالسحار ".
وقوله تعالى } :أُعِ ّدتْ لِ ْلكَافِرِينَ { ال سبحانه وتعالى يخبرهم وهم في الدنيا ،أن النار أعدت
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
للكافرين .وقوله تعالى النار أعدت للكافرين تطمين غاية الطمئنان للمؤمن .وإرهاب غاية
الرهاب للكافر ..وقوله تعالى " أعدت " معناها أنها موجودة فعلً وإن لم نكن نراها .وأنها
مخلوقة وإن كانت محجوبة عنا.
ورسول ال صلى ال عليه وسلم قال:
" عرضت عليّ الجنة ولو شئت أن آتيكم منها بقطاف لفعلت ".
وهذا دليل على أنها موجودة فعلً.
والمؤمن حينما يعلم أن الجنة موجودة فعلً وأن اليمان سيقوده إليها فإنه يحس بالسعادة ويشتاق
للجنة .فإذا سمع قول الحق سبحانه وتعالىُ {:أوْلَـا ِئكَ هُمُ ا ْلوَارِثُونَ * الّذِينَ يَرِثُونَ ا ْلفِرْ َدوْسَ هُمْ
فِيهَا خَاِلدُونَ }[المؤمنون]11-10 :
ساعة تقرأ هذه الية الكريمة تعرف أن ال سبحانه وتعالى سيجعلك في الجنة تأخذ ما كان لغيرك.
لن الميراث يأتيك من غيرك .وقد سبق علم ال سبحانه وتعالى خلق الناس جميعا .وقبل أن يخلق
أعد لكل خلقه مقعدا في النار ومقعدا في الجنة .الذين سيدخلون النار خالدين فيها ،مقاعدهم في
الجنة ستكون خالية ،فيأتي ال سبحانه وتعالى يعطيها للمؤمنين ليرثوها فوق مقاعدهم ومنازلهم
في الجنة .والحق سبحانه عندما يقول " :أعدت " فهي موجودة فعلً.
()28 /
عمِلُوا الصّاِلحَاتِ أَنّ َلهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ كُّلمَا رُ ِزقُوا مِ ْنهَا مِنْ
وَبَشّرِ الّذِينَ َآمَنُوا وَ َ
طهّ َرةٌ وَهُمْ فِيهَا
ل وَأُتُوا بِهِ مُتَشَا ِبهًا وََلهُمْ فِيهَا أَ ْزوَاجٌ ُم َ
َثمَ َرةٍ رِ ْزقًا قَالُوا هَذَا الّذِي رُ ِزقْنَا مِنْ قَ ْب ُ
خَاِلدُونَ ()25
وبعد أن بين ال سبحانه وتعالى لنا مصير الكافرين الذين يشككون في القرآن ليتخذوا من ذلك
عذرا لعدم اليمان .قال :إذا كنتم قد اخترتم عدم اليمان ،بما أعطيتكم من اختيار في الدنيا ،فإنكم
في الخرة لن تستطيعوا أن تتقوا النار .ولن تكون لكم إرادة.
ثم يأتي الحق تبارك وتعالى بالصورة المقابلة .والقرآن الكريم إذا ذكرت الجنة يأتي ال بعدها
بالصورة المقابلة وهي العذاب بالنار .وإذا ذكرت النار بعذابها ولهيبها ذكرت بعدها الجنة .وهذه
الصورة المتقابلة لها تأثير على دفع اليمان في النفوس .فإذا قرأ النسان سورة للعذاب ثم جاء
بعدها النعيم فإنه يعرف أنه قد فاز مرتين .فالذي يزحزح عن النار ول يدخلها يكون ذلك فوزا
ونعمة ،فإذا دخل الجنة تكون نعمة أخرى ،ولذلك فإن ال تعالى يقولَ {:فمَن زُحْزِحَ عَنِ النّارِ
خلَ ا ْلجَنّةَ َفقَدْ فَازَ }[آل عمران]185 :
وَأُدْ ِ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ولم يقل سبحانه ومن أدخل الجنة فقد فاز .لن مجرد أن تزحزح عن النار فوز عظيم ..وفي
الخرة .وبعد الحساب يضرب الصراط فوق جهنم ،ويعبر من فوقه المؤمنون والكافرون.
فالمؤمنون يجتازون الصراط المستقيم كل حسب عمله منهم من يمر بسرعة البرق .ومنهم من
يمر أكثر بطأً وهكذا ،والكافرون يسقطون في النار .ولكن لماذا يمر المؤمنون فوق الصراط .وال
سبحانه وتعالى قال {:وَإِن مّنكُمْ ِإلّ وَا ِردُهَا كَانَ عَلَىا رَ ّبكَ حَتْما مّ ْقضِيّا * ثُمّ نُنَجّي الّذِينَ ا ّتقَواْ
وّنَذَرُ الظّاِلمِينَ فِيهَا جِثِيّا }[مريم]72-71 :
لن مجرد رؤية المؤمنين لجهنم نعمة كبرى ،فحين يرون العذاب الرهيب الذي أنجاهم اليمان
منه يحس كل منهم بنعمة ال عليه .أنه أنجاه من هذا العذاب .وأهل النار وأهل الجنة يرى بعضهم
بعضا .فأهل الجنة حينما يرون أهل النار يحسون بعظيم نعمة ال عليهم .إذ أنجاهم منها ،وأهل
النار حين يرون أهل الجنة يحسون بعظيم غضب ال عليهم أن حرمهم من نعيمه ،فكأن هذه
الرؤية نعيم لهل الجنة وزيادة في العذاب لهل النار ..وال سبحانه وتعالى يقول:
" وبشر " والبشارة هي الخبار بشيء سار قادم لم يأت وقته بعد .فأنت إذا بشرت إنسانا بشيء
أعلنته بشيء سار قادم .والبشارة هنا جاءت بعد الوعيد للكافرين.
والنذار هو اخبار بأمر مخيف .لم يأت وقته بعد.
ولكن البشارة تأتي أحيانا في القرآن الكريم ويقصد بها الكفار .واقرأ قوله تعالى {:وَ ْيلٌ ّل ُكلّ َأفّاكٍ
س َم ْعهَا فَبَشّ ْرهُ ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ }[الجاثية:
سمَعُ آيَاتِ اللّهِ تُتْلَىا عَلَ ْيهِ ثُمّ ُيصِرّ مُسْ َتكْبِرا كَأَن لّمْ َي ْ
أَثِيمٍ * يَ ْ
] 8 -7
البشارة هنا تهكمية من ال سبحانه وتعالى .فالحق تبارك وتعالى يريد أن يزيد عذاب الكفار،
فعندما يسمعون كلمة " فبشرهم " يعتقدون أنهم سيسمعون خبرا سارا ،فيأتي بعدها العذاب الليم
ليزيدهم غما على غم.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
بمرادات ال سبحانه وتعالى.
الحق سبحانه وتعالى يُريدُ أن يلفتنا ..إلى أن قولنا " ل إله إل ال محمد رسول ال " ..لبد أن
يصاحبه عمل بمنهج السلم ..ذلك أن نطقنا بالشهادة ل يزيد في ملك ال شيئا ..فال تبارك
وتعالى شهد بوحدانية ألوهيته لنفسه ،وهذه شهادة الذات للذات ..ثم شهد الملئكة شهادة مشهد
لنهم يرونه سبحانه وتعالى ..ثم شهد أولو العلم شهادة دليل بما فتح عليهم ال جل جلله من
شهِدَ اللّهُ أَنّ ُه لَ إِلَـاهَ ِإلّ ُه َو وَا ْلمَلَ ِئكَ ُة وَُأوْلُواْ ا ْلعِلْمِ
علم ..وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالىَ {:
حكِيمُ }[آل عمران]18 :
ط لَ إِلَـاهَ ِإلّ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ
قَآ ِئمَا بِا ْلقِسْ ِ
ولكن الحق سبحانه وتعالى يريد من المؤمنين أن يعملوا بالمنهج ..لماذا؟ ..حتى ل تتعاند حركة
الحياة بل تتساند ..ومادامت حركة الحياة مستقيمة ..فإنها تصبح حياة متساندة وقوية ..وعندما
انتشر السلم في بقاع الرض لم يكن الهدف أن يؤمن الناس فقط لمجرد اليمان ..ولكن لبد أن
تنسجم حركة الحياة مع منهج السلم ..فإذا ابتعدت حركة الحياة عن المنهج ..حينئذ ل يخدم
قضية الدين أن يؤمن الناس أو ل يؤمنوا ..ولذلك لبد أن ينص على اليمان والعمل الصالح} ..
عمِلُواْ الصّالِحَاتِ { ..والصالحات هي جمع صالحة ..والصالحة هي المر المستقيم
والّذِين آمَنُو ْا وَ َ
مع المنهج ،وضدها الفساد ..وحين يستقبل النسان الوجود ..فإن أقل الصالحات هو أن يترك
الصالح على صلحه أو يزيده صلحا.
الحق تبارك وتعالى يبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات بجنات تجري من تحتها النهار..
والجنات جمع جنة ،وهي جمع لنها كثيرة ومتنوعة ..وهناك درجات في كل جنة أكثر من
ض وَلَلخِ َرةُ َأكْبَرُ دَرَجَاتٍ
ضهُمْ عَلَىا َب ْع ٍ
الدنيا ..واقرأ قوله تبارك وتعالى {:انظُرْ كَ ْيفَ َفضّلْنَا َب ْع َ
وََأكْبَرُ َت ْفضِيلً }[السراء]21 :
الجنات نفسها متنوعة ..فهناك جنات الفردوس ،وجنات عدن ،وجنات نعيم.
.وهناك دار الخلد ،ودار السلم ،وجنة المأوى ..وهناك عِلّيُون الذي هو أعلى وأفضل الجنات..
وأعلى ما فيها التمتع برؤية الحق تبارك وتعالى ..وهو نعيم يعلو كثيرا عن أي نعيم في الطعام
والشراب في الدنيا..
والطعام والشراب بالنسبة لهل الجنة ل يكون عن جوع أو ظمأ ..وإنما عن مجرد الرغبة
والتمتع .وال جل جلله في هذه الية يَعدُ بأمرٍ غيبي ..ولذلك فإنه لكي يقرب المعنى إلى ذهن
البشر ..لبد من استخدام ألفاظ مشهودة وموجودة ..أي عن واقع نشهده .واقرأ ،قوله تبارك
خ ِفيَ َلهُم مّن قُ ّرةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً ِبمَا كَانُواْ َي ْعمَلُونَ }[السجدة]17 :
وتعالى {:فَلَ َتعَْلمُ َنفْسٌ مّآ أُ ْ
إذن ما هو موجود في الجنة ل تعلمه نفس في الدنيا ..ول يوجد لفظ في اللغة يعبر عنه ..ول
ملكة من ملكات المعرفة كالسمع والنظر قد رأته ..ولذلك استخدم الحق تبارك وتعالى اللفاظ التي
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
تتناسب مع عقولنا وإدراكنا ..فقال تعالى } :جَنّاتٍ َتجْرِي مِن تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ {..
على أن هناك آيات أخرى تقولَ } :تجْرِي مِن تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ { ما الفرق بين الثنين ..تجري
تحتها النهار ..أي أن نبع الماء من مكان بعيد وهو يمر من تحتها ..أما قوله تعالى } :تَجْرِي مِن
تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ { فكأن النهار تنبع تحتها ..حتى ل يخاف إنسان من أن الماء الذي يأتي من بعيد
يقطع عنه أو يجف ..وهذه زيادة لطمئنان المؤمنين أن نعيم الجنة باق وخالد..
ومادام هناك ماء فهناك خضرة ومنظر جميل ولبُدّ أَنْ يكون هناك ثمر ..وفي قوله تعالى } :كُّلمَا
رُ ِزقُواْ مِ ْنهَا مِن َثمَ َرةٍ رّزْقا قَالُواْ هَـاذَا الّذِي رُ ِزقْنَا مِن قَ ْبلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِها { ..حديث عن ثمر
الجنة ..وثمر الجنة يختلف عن ثمر الدنيا ..إنك في الدنيا لبد أن تذهب إلى الثمرة وتأتي بها أو
يأتيك غيرك بها ..ولكن في الجنة الثمر هو الذي يأتي إليك ..بمجرد أن تشتهيه تجده في يدك..
وتعتقد أن هناك تشابها بين ثمر الدنيا وثمر الجنة ..ولكن الثمر في الجنة ليس كثمر الدنيا ل في
طعمه ول في رائحته ..وإنما يرى أهل الجنة ثمرها ويتحدثون يقولون ربما تكون هذه الثمرة هي
ثمرة المانجو أو التين الذي أكلناه في الدنيا ..ولكنها في الحقيقة تختلف تماما ..قد يكون الشكل
متشابها ولكن الطعم وكل شيء مختلف..
في الدنيا كل طعام له فضلت يخرجها النسان ..ولكن في الخرة ل يوجد لطعام فضلت بل أن
النسان يأكل كما يشاء دون أن يحتاج إلى إخراج فضلت ،وذلك لختلف ثمار الدنيا عن الخرة
في التكوين..
إذن ففي الجنة النهار مختلفة والثمار مختلفة.
.والجنة يكون الرزق فيها من ال سبحانه وتعالى الذي يقول " للشيء كن فيكون " ..ول أحد يقوم
طهّ َر ٌة وَ ُهمْ فِيهَا خَاِلدُونَ {
بعمل .ثم يقول الحق تبارك وتعالى } :وََلهُمْ فِيهَآ أَ ْزوَاجٌ مّ َ
الزوجة هي متعة النسان في الدنيا إن كانت صالحة ..والمنغصة عليه إن كانت غير صالحة..
وهناك منغصات تستطيع أن تضعها المرأة في حياة زوجها تجعله شقيا في حياته ..كأن تكون
سليطة اللسان أو دائمة الشجار ..أول تعطي اهتماما لزوجها أو تحاول إثارته بأن تجعله يشك
فيها ..أما في الخرة فتزول كل هذه المنغصات وتزول بأمر ال .فالزوجة في الخرة مطهرة من
كل ما يكرهه الزوج فيها ،وما لم يحبه في الدنيا يختفي .فالمؤمنون في الخرة مطهرون من كل
نقائص الدنيا ومتاعبها وأولها الغل والحقد ..واقرأ قوله جل جلله {:وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مّنْ
خوَانا عَلَىا سُرُرٍ مّتَقَابِلِينَ }[الحجر]47 :
غلّ إِ ْ
ِ
فمقاييس الدنيا ستختفي وكل شيء تكرهه في الدنيا لن تجده في الخرة ..فإذا كان أي شيء قد
نغص حياتك في الدنيا فإنه سيختفي في الخرة ..والحق تبارك وتعالى ضرب المثل بالزوجات
لن الزوجة هي متعة زوجها في الدنيا ..وهي التي تستطيع أن تحيل حياته إلى نعيم أو جحيم..
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وقوله تعالى } :وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ { ..أي ل موت في الخرة ولن يكون في الخرة وجود للموت
أبدا ،وإنما فيها الخلود الدائم إما في الجنة وإما في النار.
()29 /
حقّ مِنْ
إِنّ اللّهَ لَا يَسْ َتحْيِي أَنْ َيضْ ِربَ مَثَلًا مَا َبعُوضَةً َفمَا َف ْو َقهَا فََأمّا الّذِينَ َآمَنُوا فَ َيعَْلمُونَ أَنّهُ الْ َ
ضلّ
ضلّ بِهِ كَثِيرًا وَ َيهْدِي بِهِ كَثِيرًا َومَا ُي ِ
رَ ّبهِ ْم وََأمّا الّذِينَ كَفَرُوا فَ َيقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللّهُ ِبهَذَا مَثَلًا ُي ِ
سقِينَ ()26
بِهِ إِلّا ا ْلفَا ِ
بعد أن تحدث الحق تبارك وتعالى عن الجنة ..وأعطانا مثل يقرب لنا صور النعيم الهائلة التي
سينعم بها النسان في الجنة ..أراد أن يوضح لنا المنهج اليماني الذي يجب أن يسلكه كل
مؤمن ..ذلك أن ال سبحانه وتعالى ل يكلف كافرا بعبادته ..ولكن النسان الذي ارتضى دخول
اليمان بال جل جلله قد دخل في عقد إيماني مع ال تبارك وتعالى ..ومادام قد دخل العقد
اليماني فأنه يتلقى عن ال منهجه في افعل ول تفعل ..وهذا المنهج عليه أن يطبقه دون أن
يتساءل عن الحكمة في كل شيء ..ذلك أن اليمان هو إيمان بالغيب ..فإذا كان الشيء نفسه غائبا
عنا فكيف نريد أن نعرف حكمته..
إن حكمة أي تكليف إيماني هي :أنه صادر من ال سبحانه وتعالى ،ومادام صادرا من ال فهو لم
يصدر من مُساوٍ لك كي تناقشه ،ولكنه صادر من إله وجبت عليك له الطاعة لنه إله وأنت له
عابد ..فيكفي أن ال سبحانه وتعالى قال افعل حتى نفعل ..ويكفي أنه قال ل تفعل حتى ل نفعل..
الحكمة غائبة عنك ..ولكن صدور المر من ال هو الحكمة ،وهو الموجب للطاعة ..فأنا أصلي
لن ال فرض الصلة ،ول أصلي كنوع من الرياضة ..وأنا أتوضأ لن ال تبارك وتعالى أمرنا
بالوضوء قبل الصلة ..ولكنني ل أتوضأ كنوع من النظافة ..وأنا أصوم لن ال أمرني بالصوم..
ول أصوم حتى أشعر بجوع الفقير ..لنه لو كانت الصلة رياضة لستبدلناها بالرياضة في
الملعب ..ولو أن الوضوء كان نظافة لقمنا بالستحمام قبل كل صلة ..ولو أن الصوم كان
لنشعر بالجوع ما وجب على الفقير أن يصوم لنه يعرف معنى الجوع..
إذن فكل تكاليف من ال نفعلها لن ال شرعها ول نفعلها لي شيء آخر ..وكل ما يأتينا من ال
من قرآن نستقبله على أنه كلم ال ول نستقبله بأي صيغة أخرى ..ذلك هو اليمان الذي يريد ال
منا أن نتمسك به ،وأن يكون هو سلوك حياتنا.
تلك مقدمة كان لبد منها إذا أردنا أن نعرف معنى الية الكريمة { :إِنّ اللّهَ لَ َيسْتَحْى أَن َيضْ ِربَ
مَثَلً مّا َبعُوضَةً َفمَا َف ْو َقهَا } وعندما ضرب ال مثل بالبعوضة ..استقبله الكفار بالمعنى الدنيوي
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
دون أن يفطنوا للمعنى الحقيقي ..قالوا كيف يضرب ال مثل بالبعوضة ذلك المخلوق الضعيف..
الذي يكفي أن تضربه بأي شيء أو بكفك فيموت؟ .لماذا لم يضرب ال تبارك وتعالى مثل بالفيل
الذي هو ضخم الجثة شديدة القوة.
.أو بالسد الذي هو أقوى من النسان وضرب لنا مثل بالبعوضة فقالوا " :ماذا أراد ال بهذا مثل
" ..ولم يفطنوا إلى أن هذه البعوضة دقيقة الحجم خلقها معجزة ..لن في هذا الحجم الدقيق وضع
ال سبحانه وتعالى كل الجهزة اللزمة لها في حياتها ..فلها عينان ولها خرطوم دقيق جدا ولكنه
يستطيع أن يخرق جلد النسان ..ويخرج الوعية الدموية التي تحت الجلد ليمتص دم النسان..
والبعوضة لها أرجل ولها أجنحة ولها دورة تناسلية ولها كل ما يلزم لحياتها ..كل هذا في هذا
الحجم الدقيق ..كلما دق الشيء احتاج إلى دقة خلق أكبر..
ونحن نشاهد في حياتنا البشرية أنه مثل عندما اخترع النسان الساعة ..كان حجمها ضخما
لدرجة أنها تحتاج إلى مكان كبير ..وكلما تقدمت الحضارة وارتقى النسان في صناعته
وحضارته وتقدمه ،أصبح الحجم دقيقا وصغيرا ،وهكذا أخذت صناعة الساعات تدق ..حتى أصبح
من الممكن صنع ساعة في حجم الخاتم أو أقل ..وعندما بدأ اختراع المذياع أو الراديو كان حجمه
كبيرا ..والن أصبح في غاية الدقة لدرجة أنك تستطيع أن تضعه في جيبك أو أقل من ذلك ..وفي
كل الصناعات عندما ترتقي ..يصغر حجمها لن ذلك محتاج إلى صناعة ماهر وإلى تقدم علمي..
وهكذا حين ضرب ال مثل بالبعوضة وما فوقها ..أي بما هو أقل منها حجما ..فإنه تبارك وتعالى
أراد أن يلفتنا إلى دقة الخلق ..فكلما لطف الشيء وصغر حجمه احتاج إلى دقة الخلق ..ولكن
الكفار لم يأخذوا المعنى على هذا النحو وإنما أخذوه بالمعنى الدنيوي البسيط الذي ل يمثل الحقيقة.
فال سبحانه وتعالى حينما ضرب هذا المثل ..استقبله المؤمنون بأنه كلم ال ..واستقبلوه بمنطق
اليمان بال فصدقوا به سواء فهموه أم لم يفهموه ..لن المؤمن يصدق كل ما يجيء من عند ال
علَىا
سواء عرف الحكمة أو لم يعلمها ..واقرأ قوله تبارك وتعالى {:وََلقَدْ جِئْنَا ُهمْ ِبكِتَابٍ َفصّلْنَاهُ َ
حمَةً ّلقَوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ * َهلْ يَنظُرُونَ ِإلّ تَ ْأوِيلَهُ َيوْمَ يَأْتِي تَ ْأوِيلُهُ َيقُولُ الّذِينَ َنسُوهُ مِن قَ ْبلُ
عِلْمٍ هُدًى وَرَ ْ
ش َفعُواْ لَنَآ َأوْ نُ َردّ فَ َن ْعمَلَ غَيْرَ الّذِي كُنّا َن ْع َملُ َقدْ
شفَعَآءَ فَ َي ْ
سلُ رَبّنَا بِا ْلحَقّ َفهَل لّنَا مِن ُ
قَدْ جَآ َءتْ رُ ُ
سهُ ْم َوضَلّ عَ ْنهُمْ مّا كَانُواْ َيفْتَرُونَ }[العراف]53-52 :
خسِرُواْ أَ ْنفُ َ
َ
إن كل مصدق بالقرآن ل يطلب تأويله أو الحكمة في آياته ..ولذلك قال الكافرون } :مَاذَآ أَرَادَ اللّهُ
ضلّ بِهِ ِإلّ
ضلّ ِبهِ كَثِيرا وَ َيهْدِي بِهِ كَثِيرا َومَا ُي ِ
ِبهَـاذَا مَثَلً { ويأتي رد الحق تبارك وتعالىُ } :ي ِ
سقِين { ..ومن هم الفاسقون؟ ..هم الذين ينقضون عهد ال ..أول شيء في الفسق أن ينقض
ا ْلفَا ِ
الفاسق عهده.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
.ويقال فسقت الرطبة أي بعدت القشرة عن الثمر ..فعندما تكون الثمرة أو البلحة حمراء تكون
القشرة ملتصقة بالثمرة بحيث ل تستطيع أن تنزعها منها ..فإذا أصبحت الثمرة أو البلحة رطبا
تسود قشرتها وتبتعد عن الثمرة بحيث تستطيع أن تنزعها عنها بسهولة ..هذا هو الفاسق المبتعد
عن منهج ال ..ينسلخ عنه بسهولة ويسر ،لنه غير ملتصق به ..وعندما تبتعد عن منهج ال فإنك
ل ترتبط بأوامره ونواهيه ..فل تؤدي الصلة مثل وتفعل ما نهى ال عنه لنك فسقت عن دينه..
والذي أوجد الفسق هو أن النسان خلق مختارا ..قادرا على أن يفعل أو ل يفعل ..وبهذا الختيار
أفسد النسان نظام الكون ..فكل شيء ليس للنسان اختيار فيه تراه يؤدي مهمته بدقة عالية
كالشمس والقمر والنجوم والرض ..كلها تتبع نظاما دقيقا ل يختل لنها مقهورة ..ولو أن النسان
لم يخلق مختارا ..لكان من المستحيل أن يفسق ..وأن يبتعد عن منهج ال ويفسد في الرض..
ولكن هذا الختيار هو أساس الفساد كله.
()30 /
بعد أن شرح ال لنا مفهوم اليمان .في أننا نتلقى عن ال وننفذ الحكم ولو لم نعرف الحكمة .فكل
ما يأتي من ال نأخذه بمنطق اليمان ،وهو أن ال الذي قال .وليس بمنطق الكفر والتشكك .فكل
شيء عن ال حكمته أنه صادر عن الحق سبحانه وتعالى.
وأخبرنا الحق تبارك وتعالى أن الفاسقين هم المبتعدون عن منهج ال .وأراد الحق أن يبين لنا
صفات الفاسقين .فحددها في ثلث صفات ..أول :الذين ينقضون عهد ال من بعد ميثاقه ..ثانيا
الذين يقطعون ما أمر ال به أن يوصل .ثالثا :الذين يفسدون في الرض .ثم حدد لنا الحق تبارك
وتعالى حكمهم فقال :أولئك هم الخاسرون .والخسران أن الذي وصلوا إليه هو من عملهم .لنهم
تركوا المنهج وبدأوا يشرعون لنفسهم بهوى النفس .ولذلك يقول الحق جل جلله عنهمُ {:أوْلَـا ِئكَ
حتْ تّجَارَ ُت ُه ْم َومَا كَانُواْ ُمهْتَدِينَ }[البقرة]16 :
الّذِينَ اشْتَ َروُاْ الضّلَلَةَ بِا ْل ُهدَىا َفمَا رَ ِب َ
إذن هم الذين اختاروا ،وهم الذين اشتروا الضللة ودفعوا ثمنها من هدى ال .فكأنهم عقدوا صفقة
خاسرة .لن هدى ال هو الذي يقودنا إلى الحياة الخالدة والنعيم الذي ل يزول.
سهُمْ
والحق سبحانه وتعالى يعطينا الصورة في قوله تعالى {:إِنّ اللّهَ اشْتَرَىا مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ أَنفُ َ
حقّا فِي ال ّتوْرَاةِ وَالِنْجِيلِ
ن وَعْدا عَلَ ْيهِ َ
ن وَيُقْتَلُو َ
وََأمْوَاَلهُمْ بِأَنّ َلهُمُ اّلجَنّةَ ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَ َيقْتُلُو َ
وَا ْلقُرْآنِ َومَنْ َأ ْوفَىا ِب َعهْ ِدهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَ ْي ِعكُمُ الّذِي بَا َيعْتُمْ بِ ِه وَذَِلكَ ُهوَ ا ْلفَوْزُ ا ْلعَظِيمُ }
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
[التوبة]111 :
إذن فالمؤمنون باعوا ل سبحانه وتعالى أموالهم وأنفسهم ،وكانوا صادقين في عهدهم .أما الكفار
والمنافقون ،فقد باعوا هدى ال ،واشتروا به ضلل الدنيا .فالحق سبحانه وتعالى ذكر لنا أول
صفات الفاسقين أنهم ل عهد لهم .ليس بينهم وبين الناس فقط .ولكن ل عهد لهم مع ال أيضا.
وكلما عاهدوا ال عهدا نقضوه .وال يحب الوفاء بالعهد .ولذلك يقول جل جللهَ {:ولَ َتقْرَبُواْ مَالَ
سؤُولً }[السراء]34 :
الْيَتِيمِ ِإلّ بِالّتِي ِهيَ َأحْسَنُ حَتّىا يَبْلُغَ َأشُ ّد ُه وََأ ْوفُواْ بِا ْل َع ْهدِ إِنّ ا ْل َعهْدَ كَانَ َم ْ
سقِينَ }[العراف]102 :
عهْ ٍد وَإِن َوجَدْنَآ َأكْثَرَ ُهمْ َلفَا ِ
لكْثَرِهِم مّنْ َ
جدْنَا َ
ويقول تعالىَ {:ومَا وَ َ
ما هو العهد الموثق الذي أخذه ال على عباده فنقضوه؟ أنه اليمان الول .اليمان الفطري
الموجود في كل منا .فال سبحانه وتعالى أخذ من البشر جميعا عهدا ،فوفى به بعضهم ونقضه
بعضهم.
وال سبحانه وتعالى ذكر لنا في القرآن الكريم .أن هناك عهدا موثقا بينه وبين ذرية آدم .فقال جل
ستُ بِرَ ّب ُكمْ قَالُواْ
سهِمْ أَلَ ْ
ش َهدَهُمْ عَلَىا أَنفُ ِ
ظهُورِهِمْ ذُرّيّ َتهُ ْم وَأَ ْ
جلله {:وَإِذْ َأخَذَ رَ ّبكَ مِن بَنِي ءَا َدمَ مِن ُ
شهِدْنَآ أَن َتقُولُواْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ إِنّا كُنّا عَنْ هَـاذَا غَافِلِينَ }[العراف]172 :
بَلَىا َ
وهكذا أخذ ال عهدا على ذرية آدم بأن يؤمنوا به وأشهدهم أنه ربهم.
وجاءت الغفلة إلى القلوب بمرور الوقت .فنقضوا العهد واتخذوا آلهة من دون ال .إذن أول
صفات الفاسقين أنهم نقضوا عهد ال .والذي ينقض عهدا مع بشر ،فسلوكه هذا ل يقبله الحق
سبحانه وتعالى حتى مع الكفار وغير المؤمنين .واقرأ قوله تبارك وتعالىِ {:إلّ الّذِينَ عَاهَدتّم مّنَ
عهْ َدهُمْ إِلَىا ُمدّ ِتهِمْ إِنّ اللّهَ
ا ْلمُشْ ِركِينَ ثُمّ لَمْ يَن ُقصُوكُمْ شَيْئا وَلَمْ ُيظَاهِرُواْ عَلَ ْيكُمْ أَحَدا فَأَ ِتمّواْ إِلَ ْيهِمْ َ
حبّ ا ْلمُ ّتقِينَ }[التوبة]4 :
يُ ِ
وهكذا نرى أن الحق تبارك وتعالى حين أعلن براءته وبراءة رسوله صلى ال عليه وسلم وبراءة
المؤمنين من كل كافر مشرك في قضية إيمانية كبرى .حرم ال فيها على الكفار والمنافقين أن
يقتربوا من بيته الحرام في مكة ،احترم جل جلله العهد .حتى مع المشركين .وطلب من المؤمنين
أن يوفوا به .فإذا كان هذا هو المسلك اليماني مع كل كافر ومشرك إن كنت قد عاهدته عهدا
فأوف به إلى مدته .فكيف بالمشركين وقد عاهدوا الخالق العظم .ثم ينقضون عهده الموثق .أنهم
قد خانوا منهج ال وعهده .وإذا لم يكن لهم عهد مع ال سبحانه وتعالى فهل يكون لهم عهد مع
خلق ال؟!
إذن فالفاسقون أول صفاتهم أنه ل عهد لهم مع خالقهم ول عهد لهم مع الناس .ولذلك ل نأمن لهم
أبدا.
ثم تأتي بعد ذلك الصفة الثانية للفاسقين في قوله تعالى:
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
صلَ { وما أمر ال به أن يوصل هو صلة الرحم .فقد أمرنا ال
طعُونَ مَآ َأمَرَ اللّهُ ِبهِ أَن يُو َ
} وَ َيقْ َ
تعالى بأن نصل أرحامنا .فنحن كلنا أولد آدم .والرسول صلى ال عليه وسلم يقول في حجة
الوداع " كلكم لدم وآدم من تراب ".
وهكذا نرى أن هناك روابط إنسانية يلفتنا ال سبحانه وتعالى إليها .وهذه الروابط ..تبدأ بالسرة
ثم تتسع لتشمل القرية أو الحي .ثم تتسع لتشمل الدولة والمجتمع ،ثم تتسع لتشمل المؤمنين جميعا،
ثم تتسع لتشمل العالم كله .هذه هي الخوة النسانية التي يريد الحق تبارك وتعالى أن يلفتنا إليها.
ولكن اللفتة هنا ل تقتصر على الناحية النسانية ،بل تسجل أن ما فعلوا معصية ،ومخالفة لمر ال
تعالى .فال أمر بأن نصل الرحم .وجاء هؤلء وخالفوا وعصوا ما أمر ال به .وقطعوا هذه
الصلة .إذن فالمسألة فيها مخالفة لمنهج ،وعصيان لمر من أوامر ال سبحانه وتعالى .فصلة
الرحم توجد نوعا من التكافل الجتماعي بين البشر .فإذا حدث لشخص مصيبة ..أسرع أقاربه
يقفون معه في محنته .ويحاول كل منهم أن يخفف عنه .هذا التلحم بين السرة يجعلها قوية في
مواجهة الحداث .ول يحس واحد منها بالضياع في هذا الكون ،لنه متماسك مع أسرته ،متماسك
مع حيه أو قريته .هكذا يختفي الحقد من المجتمع .ويختفي التفكك السري..
ولعلنا إذا نظرنا إلي المجتمعات الغربية التي يعتريها تفكك السرة.
نجد أن كل واحد منهم قد ضل طريقه وانحرف لنه أحس بالضياع .فانحرف إلى المخدرات أو
إلى الخمر أو إلى الزنا وغير ذلك من الرذائل التي نراها .جيل ضائع .من الذي أضاعه؟ عدم
صلة الرحم.
وإذا تحدثنا عن النحرافات التي نراها بين الشباب اليوم فل نلوم الشباب ،ولكن نلوم الباء
والمهات الذين تركوا أولدهم وبناتهم وأهدروا صلة الرحم .فشب جيل يعاني من عقد نفسية ل
حدود لها ،إن البن الذي يفقد جو السرة .يفقد ميزان حياته .وال سبحانه وتعالى يريد المؤمنين
متضامنين متحابين خالين من كل العقد التي تحطم الحياة .إذن فعدم صلة الرحم تضيع أجيال
بأكملها.
ونأتي بعد ذلك إلي الصفة الثالثة من صفات الفاسقين بقوله تعالى } :وَ ُيفْسِدُونَ فِي ال ْرضِ {.
نقول :كل ما في الكون مخلوق على نظامَ " :قدّرَ َفهَدَى " أي كل شيء له هدى لبد أن يتبعه.
ولكن النسان جاء في مجال الختيار وأفسد قضية الصلح في الكون.
ومن رحمة ال أنه جعل في كونه خلقا يعمل مقهورا .ليضبط حركة الكون العلى .فالشمس
والنجوم والرض وكل الكون ما عدا النس والجان .يسير وفق نظام دقيق .لماذا؟ لنه يسير بل
اختيار له .والحق جل جلله أخبرنا بأنه لكي يعتدل ميزان حياتنا .الختيار النساني أن نبتعد عن
منهج ال .لن ال له صفة القهر .فهو يستطيع أن يخلقنا مقهورين ،ولكنه أعطانا الختيار حتى
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
نأتيه عن حب .وليس عن قهر .فأنت تحب الشهوات ولكنك تحب ال أكثر .فتقيد نفسك بمنهج ال.
إذن فالختيار لم ُي ْعطَ لنا لِ ُنفْسِ َد في الرض .ولكنه أُعْطي لنا .لنأتي ال سبحانه وتعالى طائعين
ولسنا مقهورين.
ولذلك فكل منا مختار في أن يؤمن أو ل يؤمن .وهذا الختيار يثبت محبوبية ال سبحانه وتعالى
في قلوبنا .ولكن النسان بدل من أن يأخذ الختيار ليأتي ال عن حب .فينال الجزاء العظم .أخذه
ليفسد في الرض..
والفساد أن تنقل مجال افعل ول تفعل .فتضع هذه مكان هذه .فينقلب الميزان أي أنك فيما قال ال
فيه افعل .ل تفعل ،وفيما قال ل تفعل .تفعل..
فتكون قد جعلت ميزان حياتك معكوسا .لماذا؟ لننا غير محكومين بقاعدة كلية تنظم حياة الناس.
فكل واحد سيضع قاعدة له .وكل واحد لن يفعل ما عليه .فيحدث تصادم في الحياة .وكل فساد
يشكل قبحا في الوجود .فهب أنك تسير في الطريق .وترى عمارة مبنية حديثا .قد تسربت المياه
من مواسيرها .عندما ترى ذلك تتأذى .لن هناك قبحا في الوجود .في عدم أمانة إنسان في عمله.
إذن فحين يفسد عامل واحد .بعدم الخلص في عمله .يفقد الكون نعمة يحبها ال .في أن ترى
الشيء الجميل .فتقول :ال..
فكل إنسان غير أمين في عمله.
يفسد في الكون .وكل إنسان غير أمين في خلقه يفسد في الكون .ويعتدي على حرمات الخرين
وأموالهم .وهذا يجعل الكون قبيحا ،فل يوجد إنسان يأمن على عرضه وماله..
لقد أراد المعتدي أن يحقق ما ينفع به نفسه عاجل .ولكنه أحدث فسادا في الكون كذلك عندما يغش
التاجر الناس .وعندما يكتسب النسان المال بالنهب والسرقة .فيفتح ال عليه أسوأ مصارف المال
في الوجود .فهو أخذ الحسرة بالفساد في الرض.
والفساد في الرض أن تخرج الشيء عن حد اعتداله .فتسرف في شهواتك وتسرف في أطماعك.
وتسرف في عقابك للناس .وتسرف باعتدائك على حقوق الغير .والفساد في الرض .أن يوجد
منهج مطبق غير منهج ال.
إن غياب منهج ال معناه أن يصبح كل منا عبد أهوائه .وإذا صارت المور حسب أهواء الناس.
جاءت لهم حركة الحياة بالشقاء والشر بدل من السعادة والمن .أن ما نراه اليوم من شكوى الناس
علمة على الفساد.
لن معناها أن الناس تعاني ول أحد يتحرك .ليرفع أسباب هذه الشكوى .ولن يستقيم أمر هذا
الوجود ،ويتخلص من الفساد إل إذا حكمنا منهج ل هوى له .والذي ل هوى له هو خالق البشر.
واضع ميزان الكون.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وأول مظاهر الفساد .أن يوكل المر إلى غير أهله .لنه إذا أعطى المر إلى غير أهله فانتظر
الساعة .كما يقول الرسول صلى ال عليه وسلم " :إذا وسد المر إلى غير أهله فانتظر الساعة ".
لماذا؟ لن المجتمع ـ حينئذ ـ يكون مبنيا على النفاق واختلل المور ،ل على التقان
والخلص .فالذي يجيد النفاق هو الذي يصل إلى الدرجات العل ،والذي يتقن عمله ل يصل إلى
شيء .وتكون النتيجة أن مجموعة من المنافقين الجهلة هم الذين يسيرون المور بدون علم.
والفساد في الرض هو أن يضيع الحق .ويضيع القيم .ويصبح المجتمع غابة .كل إنسان يريد أن
يحقق هواه بصرف النظر عن حقوق الخرين .ويحس من يعمل ول يصل إلى حقه ..أنه ل فائدة
من العمل ،فيتحول المجتمع كله إلى مجموعة من غير المنتجين.
والفساد في الرض هو أن نجعل عقولنا هي الحاكمة .فل نتأمل في ميزان الكون الذي خلقه ال،
وإنما نمضي بعقولنا نخطط ..فنقطع الشجار ونرمي مخلفات المصانع في النهار فنفسدها .ونأتي
بالكيماويات السامة نرش بها الزرع أو مجاري المياه والنهار كما يحدث الن فنملؤه سُما ثم
نأكله ثم نجد التلوث قد مل الكون .وطبقة الوزون قد أصابها ضرر واضح يعرض حياة البشر
على الرض لخطار كبيرة .وتفسد مياه النهار .ول تصبح صالحة للشرب ول للري .ويضيع
الخير من الدنيا بالتدريج .والفساد في الرض .هو أن ينتشر الظلم .وتصبح الحياة سلسلة ل تنتهي
من الشقاء .والفساد في الرض هو أن تضيع المانة.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وأوجب على نفسه عقاب ال.
إن قوله تعالى " :الخاسرون " تدل على أن الصفقة انتهت وضاع كل شيء لن نتيجتها كانت
الخسران ،وليس الخسران موقوتا ،ول هو خسران يمكن أن يعوض في الصفقة القادمة .بل هو
عذَابا قَرِيبا َيوْمَ
خسران أبدي ،والندم عليها سيكون شديدا .واقرأ قوله تبارك وتعالى {:إِنّآ أَنذَرْنَاكُمْ َ
يَنظُرُ ا ْلمَرْءُ مَا قَ ّد َمتْ يَدَا ُه وَ َيقُولُ ا ْلكَافِرُ يالَيْتَنِي كُنتُ تُرَابا }[النبأ]40 :
لماذا يتمنى الكافر أن يكون ترابا؟ لهول العذاب الذي يراه أمامه .وهول الخسران الذي تعرض
له .وهذا دليل على شدة الندم .يوم ل ينفع الندم .على أنه سبحانه وتعالى تحدث في هذه الية عن
الخاسرين .ولكنه جل جلله .تحدث في آية أخرى عن الخسرين .فقال تعالىُ {:قلْ َهلْ نُنَبّ ُئكُم
حسِنُونَ صُنْعا *
حسَبُونَ أَ ّن ُهمْ يُ ْ
سعْ ُيهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَ ُهمْ يَ ْ
ضلّ َ
ن َ
عمَالً * الّذِي َ
بِالَخْسَرِينَ أَ ْ
عمَاُلهُمْ فَلَ ُنقِيمُ َلهُمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَ ِة وَزْنا }[الكهف:
طتْ أَ ْ
ُأوْلَـا ِئكَ الّذِينَ َكفَرُواْ بِآيَاتِ رَ ّبهِمْ وَلِقَائِهِ َفحَبِ َ
]105-103
إذن فهناك خاسر .وهناك من أخسر منه .والخسر هو الذي كفر بال جل جلله .وبيوم القيامة.
واعتقد أن حياته في الدنيا فقط .ولم يكن ال في باله وهو يعمل أي عمل ،بل كانت الدنيا هي التي
تشغله .ثم فوجئ بالحق سبحانه وتعالى يوم القيامة .ولم يحتسب له أية حسنة ،لنه كان يقصد
بحسناته الحياة الدنيا .فل يوجد له رصيد في الخرة.
والعجيب أنك ترى الناس .يعدون للحياة الدنيا إعدادا قويا.
فيرسلون أولدهم إلى مدارس لغات .ويتحملون في ذلك مال يطيقون .ثم يدفعونهم إلى الجامعات.
أو إلى الدراسة في الخارج .هم في ذلك يعدونهم لمستقبل مظنون .وليس يقينا .لن النسان يمكن
أن يموت وهو شاب .فيضيع كل ما أنفقوه من أجله .ويمكن أن ينحرف في آخر مراحل دراسته.
فل يحصل على شيء .ويمكن أن يتم هذا العداد كله ،ثم بعد ذلك يرتكب جريمة يقضي فيها بقية
عمره في السجن .فيضيع عمره.
ولكن اليقين الذي لشك فيه هو أننا جميعا سنلقي ال سبحانه وتعالى يوم القيامة .وسيحاسبنا على
أعمالنا .ومع أن هذا يقين ،فإن كثيرا من الناس ل يلتفتون إليه .يسعون للمستقبل المظنون .ول
يحس واحد منهم بيقين الخرة .فتجد قليل من الباء هم الذين يبذلون جهدا لحمل أبنائهم على
الصلة وعبادة ال والمانة وكل ما يقربهم إلى ال ..أنهم ينسون النعيم الحقيقي .ويجرون وراء
الزائل فتكون النتيجة عليهم وبال في الخرة.
()31 /
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
جعُونَ ()28
كَ ْيفَ َت ْكفُرُونَ بِاللّ ِه َوكُنْتُمْ َأ ْموَاتًا فَأَحْيَا ُكمْ ثُمّ ُيمِي ُت ُكمْ ثُمّ ُيحْيِيكُمْ ُثمّ إِلَيْهِ تُ ْر َ
كيف في اللغة للسؤال عن الحال .والحق سبحانه وتعالى أوردها في هذه الية الكريمة ليس
بغرض الستفهام ،ولكن لطلب تفسير أمر عجيب ما كان يجب أن يحدث .وبعد كل ما رواه الحق
سبحانه وتعالى في آيات سابقة من أدلة دامغة عن خلق السماوات والرض وخلق الناس ..أدلة ل
يستطيع أحد أن ينكرها أو يخطئها ..فكيف بعد هذه الدلة الواضحة تكفرون بال؟ ..كفركم ل
حجة لكم فيه ول منطق ..والسؤال يكون مرة للتوبيخ ..كأن تقول لرجل كيف تسب أباك؟ أو
للتعجب من شيء قد فعله وما كان يجب أن يفعله ..وكلهما متلقيان .سواء كان القصد التوبيخ
أو التعجب فالقصد واحد ..فهذا ما كان يجب أن يصح منك .ثم يأتي الحق سبحانه وتعالى بأدلة
أخرى ل يستطيع أحد أن ينكرها أو يكذب بها ..فيقول جل جللهَ { :وكُنْتُمْ َأ ْموَاتا فََأحْيَاكُمْ ُثمّ
ُيمِي ُتكُمْ }.
وهكذا ينتقل الكلم إلى أصل الحياة والموت .فبعد أن بين الحق سبحانه وتعالى ..ماذا يفعل
الكافرون الفاسقون والمنافقون من إفساد في الرض ..وقطع لما أمر ال سبحانه وتعالى به أن
يوصل ..صعد الجدل إلى حديث عن الحياة والموت .وقوله تعالى { كُنْتُمْ َأ ْموَاتا فَأَحْيَا ُكمْ } قضية
ل تحتمل الجدل ..ربما استطاعوا المجادلة في مساءلة عدم اتباع المنهج ،أو قطع ما أمر ال به
أن يوصل ..ولكن قضية الحياة والموت ل يمكن لحد أن يجادل فيها .فال سبحانه وتعالى خلقنا
من عدم ..ولم يدع أحد قط أنه خلق الناس أو خلق نفسه ..وعندما جاء رسول ال صلى ال عليه
وسلم وقال للناس أن الذي خلقكم هو ال ..لم يستطع أحد أن يكذبه ولن يستطيع ..ذلك أننا كنا
فعل غير موجودين في الدنيا ..وال سبحانه وتعالى هو الذي أوجدنا وأعطانا الحياة..
وقوله تعالى " :ثم يميتكم " ..فإن أحدا ل يشك في أنه سيموت ..الموت مقدر على الناس جميعا..
والخلق من العدم واقع بالدليل ..والموت واقع بالحس والمشاهدة..
إن قضية الموت هي سبيلنا لمواجهة أي ملحد ..فإن قالوا إن العقل كاف لدارة الحياة ..وأنه ل
يوجد شيء اسمه غيب ..قلنا :الذي تحكم في الخلق إيجادا ،هو الذي يتحكم فيه موتا ..والحياة
الدنيا هي مرحلة بين قوسين ..القوس الول هو أن ال يخلقنا ويوجدنا ..وتمضي رحلة الحياة إلى
القوس الثاني ..الذي تخمد فيه بشريتنا وتتوقف حياتنا وهو الموت .أي أننا في رحلة الحياة من
ال وإليه ..إذن فحركة الحياة الدنيا هي بداية من ال بالحق ونهاية بالموت.
.إنهم عندما تحدثوا عن أطفال النابيب ..وهي عملية لعلج العقم أكثر من أي شيء آخر..
ولكنهم صوروها تصويرا جاهليا ..وكل ما يحدث أنهم يأخذون بويضة من رحم الم التي يكون
المهبل عندها مسدودا أو ل يسمح بالتلقيح الطبيعي ..يأخذون هذه البويضة من رحم الم..
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ويخصبونها بالحيوانات المنوية للزوج ..ثم يزرعونها في رحم الم.
إنهم أخذوا من خلق ال وهي بويضة الم والحيوان المنوي من الرجل ..وكل ما يفعلونه هو
عملية التلقيح ومع ذلك يسمونه أطفال النابيب ..كأن النبوبة يمكن أن تخلق طفل!! والحقيقة غير
ذلك ..فبويضة الم ،والحيوان المنوي للرجل هما من خلق ال ..وهم لم يخلقوا شيئا ..أننا نقول
لهم :إذا كنتم تملكون الموت والحياة فامنعوا إنسانا واحدا أن يموت ..بدل من إنفاق ألوف
الجنيهات في معالجة عقم قد ينجح أو ل ينجح ..ابقوا واحدا على قيد الحياة ..ولن يستطيعوا..
إن الموت أمر حسي مشاهد ..ولذلك فمن رحمة ال بالعقل البشري بالنسبة للحداث الغيبية أن ال
سبحانه وتعالى قربها لنا بشيء مشاهد ..كيف؟ ..عندما ينظر النسان إلى نفسه وهو حي ..ل
يعرف كيف أحياه ال وكيف خلقه ..ال سبحانه وتعالى ذكر لنا غيب الخلق في القرآن الكريم فقال
جل جلله أنه خلق النسان من تراب ومن طين ومن حمأ مسنون ثم نفخ فيه من روحه..
واقرأ قول الحق سبحانه {:إِن كُن ُتمْ فِي رَ ْيبٍ مّنَ الْ َب ْعثِ فَإِنّا خََلقْنَاكُمْ مّن تُرَابٍ }[الحج]5 :
وقوله تعالى {:وَلَقَدْ خََلقْنَا الِنْسَانَ مِن سُلَلَةٍ مّن طِينٍ }[المؤمنون]12 :
ن لّ ِزبٍ }[الصافات]11 :
وقوله تعالى {:إِنّا خََلقْنَاهُم مّن طِي ٍ
حمَإٍ مّسْنُونٍ }[الحجر]26 :
وقوله تعالى {:وَلَقَدْ خََلقْنَا الِنسَانَ مِن صَ ْلصَالٍ مّنْ َ
ختُ فِيهِ مِن رّوحِي َف َقعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ }[ص]72 :
سوّيْتُهُ وَنَفَ ْ
وقوله تعالى {:فَإِذَا َ
فالحق تبارك وتعالى أخبرنا عن مرحلة في الخلق لم نشهدها ..ولكن الموت شيء مشهود لنا
جميعا ..ومادام مشهودا لنا ،يأتي الحق سبحانه وتعالى به كدليل على مراحل الخلق التي لم
نشهدها ..فالموت نقض للحياة ..والحياة أخبرنا ال تبارك وتعالى بأطوارها ..ولكنها غيب لم
نشهده..
ولكن الذي خلق قال أنا خلقتك من تراب ..من طين .من حمأ مسنون .من صلصال كالفخار..
فالماء وضع على تراب فأصبح طينا ..والطين تركناه فتغير لونه وأصبح صلصال ..الصلصال..
جف فأصبح حمأ مسنونا ،ثم نحته في صورة إنسان ونفخ الحق سبحانه وتعالى فيه الروح فأصبح
بشرا ..ثم يأتي الموت وهو نقض للحياة ..ونقض كل شيء يأتي على عكس بنائه..
بناء العمارة يبدأ من أسفل إلى أعلى ..وهدمها يبدأ من أعلى إلى أسفل.
.ولذلك فإن آخر مرحلة من رحلة ما ..هي أول خطوة في طريق العودة ..فإذا كنت مسافرا إلى
السكندرية ..فأول مكان في طريق العودة هو آخر مكان وصلت إليه.
أول شيء يخرج من الجسد هو الروح وهو آخر ما دخل فيه ..ثم بعد ذلك يتصلب الجسد ويصبح
كالحمأ المسنون ..ثم يتعفن فيصبح كالصلصال ..ثم يتبخر الماء الذي فيه فيعود ترابا ..وهكذا
يكون الموت نقض صورة الحياة ..متفقا مع المراحل التي بينها لنا الحق سبحانه وتعالى..
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
جعُونَ { ..أي أن ال تبارك وتعالى يبعثكم ليحاسبكم ..لقد حاول الكفار
وقوله تعالى } :ثُمّ إِلَ ْيهِ تُرْ َ
والملحدون وأصحاب الفلسفة المادية أن ينكروا قضية البعث ..وهم في هذا لم يأتوا بجديد ..بل
جاءوا بالكلم نفسه الذي قاله أصحاب الجاهلية الولى ..واقرأ قوله تعالى عما يقوله أصحاب
ت وَنَحْيَا َومَا ُيهِْلكُنَآ ِإلّ الدّهْرُ }[الجاثية]24 :
الجاهلية الولىَ {:وقَالُواْ مَا ِهيَ ِإلّ حَيَاتُنَا الدّنْيَا َنمُو ُ
وأمنية الكافر والمسرف على نفسه ..أل يكون هناك بعث أو حساب ..والذين يتعجبون من ذلك
نقول لهم :أن ال سبحانه وتعالى الذي أوجدكم من عدم يستطيع أن يعيدكم وقد كنتم موجودين..
ل الَعْلَىا فِي
يقول جل جلله {:وَ ُهوَ الّذِي يَبْ َدؤُاْ ا ْلخَلْقَ ُثمّ ُيعِي ُد ُه وَ ُهوَ أَ ْهوَنُ عَلَ ْي ِه وَلَهُ ا ْلمَ َث ُ
حكِيمُ }[الروم]27 :
ض وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ
سمَاوَاتِ وَالَ ْر ِ
ال ّ
فإيجاد ما كان موجودا أسهل من اليجاد من عدم على غير مثال موجود ..وال سبحانه وتعالى
سيَ خَ ْلقَهُ قَالَ مَن يُحيِي ا ْل ِعظَا َم وَ ِهيَ َرمِيمٌ *
ل وَنَ ِ
يرد على الكفار فيقول سبحانهَ {:وضَ َربَ لَنَا مَثَ ً
ُقلْ ُيحْيِيهَا الّذِي أَنشَأَهَآ َأ ّولَ مَ ّر ٍة وَ ُهوَ ِب ُكلّ خَلْقٍ عَلِيمٌ }[يس]79-78 :
وهكذا فإن البعث أهون على ال من بداية الخلق ..وكل شيء مكتوب عند ال سبحانه وتعالى في
كتاب مبين ..وما أخذته الرض من جسد النسان ترده يوم القيامة ..ليعود من جديد.
سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ
وخلق السموات والرض أكبر من خلق النسان ..واقرأ قوله تعالىَ {:لخَلْقُ ال ّ
س لَ َيعَْلمُونَ }[غافر]57 :
س وَلَـاكِنّ َأكْـثَرَ النّا ِ
َأكْـبَرُ مِنْ خَ ْلقِ النّا ِ
جعُونَ { ..هو اطمئنان لمن آمن ..ومادمنا إليه نرجع ومنه
وقول ال سبحانه وتعالى } :ثُمّ إِلَيْهِ تُ ْر َ
بدأنا ..فالحياة بدايتها من ال ونهايتها إلى ال ..فلنجعلها هي نفسها ل ..ولبد أن نلتفت إلى أن ال
تبارك وتعالى أخفى عنا الموت زمانا ومكانا وسببا وعمرا ..لم يخفه ليحجبه ،وإنما أخفاه حتى
نتوقعه في كل لحظة ..وهذا إعلم واسع بالموت حتى يسرع الناس إلى العمل الصالح ..وإلى
المثوبة .لنه ل يوجد عمر متيقن في الدنيا ..فل الصغير آمن على عمره ..ول الشاب آمن على
عمره ..ول الكهل آمن على عمره.
.ولذلك يجب أن يسارع كل منا في الخيرات ..حتى ل يفاجئه الموت ..فيموت وهو عاص..
ونلحظ أن قصة الحياة جاء ال بها في آية واحدة .والرجوع إلى ال ـ وهو يقين بالنسبة
للمؤمنين ـ يلزمهم بالمنهج ،فيعيشون من حلل .والتزامهم هذا هو الذي يقودهم إلى طريق
الجنة .ويطمئنهم على أولدهم بعد أن يرحل الباء من الدنيا.
فعمل الرجل الصالح ينعكس على أولده من بعده .واقرأ قوله سبحانه وتعالى {:وَلْيَخْشَ الّذِينَ َلوْ
سدِيدا }[النساء]9 :
ضعَافا خَافُواْ عَلَ ْيهِمْ فَلْيَ ّتقُواّ اللّهَ وَلْيَقُولُواْ َق ْولً َ
تَ َركُواْ مِنْ خَ ْل ِفهِمْ ذُرّيّ ًة ِ
إذن فصاحب اللتزام بالمنهج ،يطمئن إلى لقاء ربه ويطمئن إلى جزائه ،والذي ل يؤمن بالخرة
أخذ من ال الحياة فأفناها فيما ل ينفع .ثم بعد ذلك ل يجد شيئا إل الحساب والنار ..واقرأ قوله
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ظمْآنُ مَآءً حَتّىا ِإذَا جَآ َءهُ لَمْ يَجِ ْدهُ
عمَاُلهُمْ َكسَرَابٍ ِبقِيعَةٍ َيحْسَ ُبهُ ال ّ
تبارك وتعالى {:وَالّذِينَ َكفَرُواْ أَ ْ
شَيْئا َووَجَدَ اللّهَ عِن َدهُ َف َوفّاهُ حِسَا َب ُه وَاللّهُ سَرِيعُ ا ْلحِسَابِ }[النور]39 :
أي أن الكافر سيفاجأ في الخرة بال الذي لم يكن في باله أنه سيحاسبه على ما فعل ..وقوله تعالى
جعُونَ { تقرأ قراءتان .بضمة على التاء .ومرة بفتحة على التاء .الولى معناها .أننا
} إِلَ ْيهِ تُرْ َ
نُجْبِرُ على الرجوع .فل يكون الرجوع إلى ال تعالى بإرادتنا ،وهذا ينطبق على الكفار الذين
يتمنون عدم الرجوع إلى ال .أما الثانية " تَرجعون " فهذه فيها إرادة .وهي تنطبق على المؤمنين
لنهم يتمنون الرجوع إلى ال.
()32 /
يذكرنا ال سبحانه وتعالى في هذه الية أنه هو الذي خلق ما في الرض جميعا .وقد جاءت هذه
جعُونَ } لتلفتنا إلى أن ما في
الية بعد قوله تعالى { :فَأَحْيَاكُمْ ُثمّ ُيمِي ُتكُمْ ُثمّ يُحْيِي ُكمْ ثُمّ ِإلَيْهِ تُ ْر َ
الرض كله ملك ل جل جلله ،وأننا ل نملك شيئا إل ملكية مؤقتة .وأن ما لنا في الدنيا سيصير
لغيرنا .وهكذا.
والحق سبحانه وتعالى حين خلق الحياة وقال { كُنْتُمْ َأ ْموَاتا فََأحْيَاكُمْ } كأن الحياة تحتاج إلى إمداد
من الخالق للمخلوق حتى يمكن أن تستمر .فلبد لكي تستمر الحياة أن يستمر المداد بالنعم .ولكن
النعم تظل طوال فترة الحياة ،وعند الموت تنتهي علقة النسان بنعم الدنيا .ولذلك لبد أن يتنبه
النسان إلى أن الشياء مسخرة له في الدنيا لتخدمه .وأن هذا التسخير ليس بقدرات أحد .ولكن
بقدرة ال سبحانه وتعالى .والنسان ل يدري كيف تم الخلق .ول ما هي مراحله إل أن يخبرنا ال
سهِمْ
ض َولَ خَ ْلقَ أَ ْنفُ ِ
ت وَالَرْ ِ
سمَاوَا ِ
شهَدّتهُمْ خَ ْلقَ ال ّ
سبحانه وتعالى بها .فهو جل جلله يقول {:مّآ أَ ْ
عضُدا }[الكهف]51 :
خذَ ا ْل ُمضِلّينَ َ
َومَا كُنتُ مُتّ ِ
وماداموا لم يشهدوا خلق السموات والرض ول خلق أنفسهم .فلبد أن نأخذ ذلك عن ال ما ينبئنا
به ال عن خلق السموات والرض وعن خلقنا هو الحقيقة .وما يأتينا عن غير ال سبحانه وتعالى
فهو ضلل وزيف .ونحن الن نجد بحوثا كثيرة عن كيفية السموات والرض وخلق النسان.
وكلها لن تصل إلى حقيقة .بل ستظل نظريات بل دليل .ولذلك قال ال سبحانه وتعالىَ { :ومَا
عضُدا } أي أن هناك من سيأتي ويضل .ويقول هكذا تم خلق السموات
كُنتُ مُتّخِذَ ا ْل ُمضِلّينَ َ
والرض ،وهكذا خلق النسان .هؤلء المضلون الذين جاءوا بأشياء هي من علم ال وحده .جاءوا
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
تثبيتا لمنهج اليمان .فلو لم يأت هؤلء المضلون ،ولو لم يقولوا خلقت الرض بطريقة كذا
والسماء بطريقة كذا .لقلنا أن ال تعالى قد أخبرنا في كتابه العزيز أن هناك من سيأتي ويضل في
خلق الكون وخلق النسان ولكن كونهم أتوا .فهذا دليل على صدق القرآن الذي أنبأنا بمجيئهم قبل
أن يأتوا بقرون.
والستفادة من الشيء ل تقتضي معرفة أسراره ..فنحن مثل نستخدم الكهرباء مع أننا ل نعرف ما
هي؟ وكذلك نعيش على الرض ونستفيد بكل ظواهرها وكل ما سخره ال لنا .وعدم علمنا بسر
الخلق واليجاد ل يحرمنا هذه الفائدة .فهو علم ل ينفع وجهل ل يضر .والكون مسخر لخدمة
النسان .والتسخير معناه التذليل ول تتمرد ظواهر الكون على النسان .وإذا كانت هناك ظواهر
في الكون تتمرد بقَدَر ال .مثل الفيضانات والبراكين والكوارث الطبيعية .نقول أن ذلك يحدث
ليلفتنا الحق سبحانه وتعالى إلى أن كل ما في الكون ل يخدمنا بذاتنا.
ول بسيطرتنا عليه ،وإنما يخدمنا بأمر ال له ،وإل لو كانت المخلوقات تخدمك بذاتك .فأقدر عليها
حينما تتمرد على خدمتك .وكل ما في الكون خاضع لطلقة قدرة ال .حتى السباب والمسببات
خاضعة أيضا لطلقة القدرة اللهية .فالسباب والمسببات في الكون ل تخرج عن إرادة ال.
لذلك إذا تمرد الماء بالطوفان .وتمرد الرياح بالعاصفة .وتمردت الرض بالزلزل والبراكين .فما
ذلك إل ليعرف النسان أنه ليس بقدرته أن يسيطر على الكون الذي يعيش فيه .واقرأ قوله سبحانه
عمَِلتْ أَ ْيدِينَآ أَنْعاما َفهُمْ َلهَا مَاِلكُونَ * وَذَلّلْنَاهَا َلهُمْ َفمِ ْنهَا
خَلقْنَا َلهُم ِممّا َ
وتعالىَ {:أوََلمْ يَ َروْاْ أَنّا َ
َركُو ُبهُمْ َومِنْهَا يَ ْأكُلُونَ }[يس]72-71 :
والنسان عاجز عن أن يخضع حيوانا إل بتذليل ال له ..ومن العجيب أنك ترى الحيوانات تدرك
ما ل يدركه النسان في الكون .فهي تحس بالزلزال قبل أن يقع .وتخرج من مكان الزلزال
هاربة .بينما النسان ل يستطيع بعقله أن يفهم ما سيحدث.
جمِيعا { يستوعب كل أجناس الرض.
والحق سبحانه وتعالى في قوله } :خََلقَ َلكُمْ مّا فِي الَ ْرضِ َ
ولذلك فإن النسان ل يستطيع أن يوجد شيئا إل من موجود .أي أن النسان لم يستحدث شيئا في
الكون .فأنت إذا أخذت حبة القمح .من أين جئنا بها؟ من محصول العام الماضي ..ومحصول
العالم الماضي .من أين جاء؟ ..من محصول العام الذي قبله .وهكذا يظل تسلسل الشياء حتى
تصل إلى حبة القمح الولى .من أين جاءت؟ جاءت بالخلق المباشر من ال .وكذلك كل ثمار
الرض إذا أعدتها للثمرة الولى فهي بالخلق المباشر من ال سبحانه وتعالى .فإذا حاولت أن
تصل إلى أصل وجود النسان .ستجد بالمنطق والعقل ..أن بداية الخلق هي من ذكر وأنثى .خُلقا
بالخلق المباشر من ال .لنك أنت من أبيك وأبوك من جدك .وجدك من أبيه .وهكذا تمضي حتى
تصل إلى خلق النسان الول .فنجد أنه ل بد أن يكون خلقا مباشرا من ال سبحانه وتعالى .وما
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ينطبق على النسان ينطبق على الحيوان وعلى النبات وعلى الجماد .فكل شيء إذا رددته لصله
تجد أنه لبد أن يبدأ بخلق مباشر من ال سبحانه وتعالى.
بعض الناس يتساءل عن الرقي والحضارة وهذه الختراعات الجديدة .أليس للنسان فيها خلق؟..
نقول فيها خلق من موجود .وال سبحانه وتعالى كشف من علمه للبشر ما يستطيعون باستخدام
المواد التي خلقها ال في الرض أن يرتقوا ويصنعوا أشياء جديدة .ولكننا لم نجد ولم نسمع عن
إنسان خلق مادة من عدم.
ال سبحانه وتعالى هو الذي خلق كل ما في هذا الكون من عدم .ثم بعد ذلك تكاثرت المخلوقات
بقوانين سخرها ال سبحانه وتعالى لها .ولكن كل هذا التطور راجع إلى أن ال خلق المخلوقات
وأعطاها خاصية التناسل والتزاوج لتستمر الحياة جيل بعد جيل.
وكل خلق ال الذي تراه في الكون الن قد وضع ال سبحانه وتعالى فيه من قوانين السباب ما
يعطيه استمرارية الحياة من جيل إلى جيل حتى ينتهي الكون .فإذا قال لك إنسان :أنا أزرع
بذكائي وعلمي .فقل له :أنت تأتي بالبذرة التي خلقها ال .وتضعها في الرض المخلوقة ل.
وينزل ال سبحانه وتعالى الماء عليها من السماء .وتنبت بقدرة ال الذي وضع فيها غذاءها
وطريقة إنباتها .إذن فكل ما يحدث أنك تحرث الرض .وترمي البذرة .يقول الحق سبحانه
وتعالىَ {:أفَرَأَيْتُم مّا َتحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ َنحْنُ الزّارِعُونَ }[الواقعة]64-63 :
صحيح أن النسان يقوم بحرث الرض ورمي البذرة .وربما تعهد الزرع بالعناية الري .ولكن
ليس في كل ما يفعله مهمة خلق .بل أن ال سبحانه وتعالى هو خالق كل شيء .ولو كنت تزرع
بقدرتك فأت ببذرة من غير خلق ال .وأرض لم يخلقها ال .وماء لم ينزله ال من السماء .وطبعا
لن تستطيع ..ولكن ما هو مصدر الشياء التي استحدثت؟
نقول إن هناك فرقا بين وجود الشيء بالقوة .وجوده بالفعل ..فالنخلة مثل حبة كانت موجودة
بالقوة .كانت نواة .ثم زرعت فأصبحت موجودة بالفعل .وأنت ل عمل لك في الحالتين فل أنت
بقوتك خلقت النواة ـ التي هي البذرة ـ ول أنت بفعلك جعلت النواة تكبر .لتصير نخلة بالفعل.
على أن هناك أشياء مطمورة في الكون .خلقها ال سبحانه وتعالى مع بداية الخلق .ثم تركها
مطمورة في الكون .حتى كشفها ال لمن يبحث عن أسراره في كونه.
وكل كشف له ميلد .إذا أخذنا مثل ما تحت الثرى .أو الكنوز الموجودة تحت سطح الرض .لقد
ظلت مطمورة حتى هدى ال النسان إليها .وعلمه كيف يستخرجها .فالنسان لم يخترع مثل أو
يوجد البترول أو المعادن .ولكنها كلها كانت مطمورة في الكون حتى جاء الوقت الذي يجب أن
تؤدي فيه دورها في الحياة .فدلنا الحق عليها ،فليس معنى أن الشيء كان غائبا عنا أنه لم يكن
موجودا .أو أنه وجد لحظة اكتشافنا له .فالشيء الحادث الن ،والشيء الذي سيحدث بعد سنوات..
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
خلق ال سبحانه وتعالى كل عناصره .وأودعها في الرض لحظة الخلق .والنسان بما يكشف ال
له من علم يستطيع تركيب هذه العناصر .ولكنه ل يستطيع خلقها أو إيجادها .والحق سبحانه
سمَآءِ {.
وتعالى يقول } :ثُمّ اسْ َتوَىا إِلَى ال ّ
حينما يقول ال جل جلله .استوى ..يجب أن نفهم كل شيء متعلق بذات ال على أنه سبحانه ليس
كمثله شيء .فال استوى والملوك تستوي على عروشها .وأنت تستوي على كرسيك .ولكن لننا
محكومون بقضية " ليس كمثله شيء " لبد أن نعرف أن استواء ال سبحانه وتعالى ليس كمثله
شيء.
وال حي .وأنت حي .هل حياتك كحياته؟ وال سبحانه وتعالى يعلم وأنت تعلم .هل علمك كعلمه؟
وال سبحانه وتعالى يقدر .وأنت تقدر .هل قدرتك كقدرته .طبعا ل .فعندما تأتي إلى " استوى "
فل تحاول أن تفهمها أبدا بالمفهوم البشري ..فال سبحانه وتعالى يعلم ما في الرض وما في
السماء .وهو سبحانه يعلم المكان بكل ذراته .والموجودين في هذا المكان أو المكين .بكل ذراته.
وأنت تعرف ظاهر المر ..وال سبحانه وتعالى يعلم غيب السموات والرض حتى يوم القيامة.
وبعد يوم القيامة إذن فهو جل جلله .ليس كمثله شيء .ول يمكن أن تحيط أنت بعقلك بفعل يتعلق
بذات ال سبحانه وتعالى .فعقلك قاصر عن أن يدرك ذلك .لذلك قل سبحان ال .ليس كمثله شيء
سمَآءِ { هذا الكلم هو كلم ال .فالمتحدث هو ال
في كل فعل يتصل بذات ال } :اسْ َتوَىا إِلَى ال ّ
عز وجل.
بعض الناس يقولون تلقينا القرآن وحفظناه .نقول لهم أن الذي حفظ القرآن هو ال سبحانه وتعالى.
ومادام قد حفظ كلمه فهو جل جلله يعلم أن الوجود كله لن يتعارض مع القرآن الكريم ..وال
سبحانه وتعالى حفظ القرآن ليكون حجة له على الناس .ومادام ال جل جلله هو الخالق .وهو
القائل .فل توجد حقيقة في الكون كله تتصادم مع القرآن الكريم ..واقرأ قوله سبحانه وتعالى {:إِنّا
نَحْنُ نَزّلْنَا ال ّذكْ َر وَإِنّا َلهُ لَحَا ِفظُونَ }[الحجر]9 :
وهذا من عظمة ال أن حفظ كلمه ليكون حجة على الناس .وال سبحانه وتعالى وجدت صفاته
قبل أن توجد متعلقات هذه الصفات .فهو جل جلله .خلق لنه خالق .كأن صفة الخلق وجدت
أول .وإل كيف خلق أول خلقه .إن لم يكن سبحانه وتعالى خالقا؟
وال سبحانه وتعالى رزاق .قبل أن يوجد من يرزقه .وإل فبأي قدرة رزق ال أول خلقه؟ وال
سبحانه وتعالى خلق هذا الكون بكمال صفاته .وشهد أنه ل إله إل هو قبل أن يشهد أي من خلق
شهِدَ اللّهُ أَنّ ُه لَ إِلَـاهَ ِإلّ ُهوَ وَا ْلمَلَئِكَ ُة وَُأوْلُواْ ا ْلعِلْمِ قَآ ِئمَا
ال أنه ل إله إل ال .واقرأ قوله تعالىَ {:
بِا ْلقِسْطِ }[آل عمران]18 :
فال سبحانه وتعالى شهد أنه ل إله إل هو قبل أن يوجد أحد من خلقه يشهد بوحدانية ألوهيته .شهد
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أنه ل إله إل هو قبل أن يخلق الملئكة .ليشهدوا شهادة مشهد بأنه ل إله إل ال .وأولوا العلم
شهِدَ اللّهُ أَنّهُ لَ ِإلَـاهَ ِإلّ ُهوَ { هي التي
شهادة علم .فكأن شهادة الذات للذات .في قوله تعالى } َ
يعتد بها ،وهي أقوى الشهادات؛ فال ليس محتاجا مِن خلقه إلى امتداد الشهادة.
شيْءٍ
ال سبحانه وتعالى :بعد أن خلق الرض وخلق السماء واستتب له المر .قال } وَ ُهوَ ِب ُكلّ َ
عَلِيمٌ { أي ل تغيب ذرة من ملكه عن علمه .فهو عليم بكل ذرات الرض وكل ذرات الناس .وكل
ذرات الكون .والكون كله ل يفعل إل بأذنه ومراده .واقرأ قوله تعالى {:يابُ َنيّ إِ ّنهَآ إِن َتكُ مِثْقَالَ
سمَاوَاتِ َأوْ فِي الَ ْرضِ يَ ْأتِ ِبهَا اللّهُ إِنّ اللّهَ لَطِيفٌ
حَبّةٍ مّنْ خَ ْر َدلٍ فَ َتكُنْ فِي صَخْ َرةٍ َأوْ فِي ال ّ
خَبِيرٌ }[لقمان]16 :
()33 /
س ِفكُ ال ّدمَاءَ
ج َعلُ فِيهَا مَنْ ُيفْسِدُ فِيهَا وَيَ ْ
علٌ فِي الْأَ ْرضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَ ْ
وَإِذْ قَالَ رَ ّبكَ لِ ْلمَلَا ِئكَةِ إِنّي جَا ِ
ك وَ ُنقَدّسُ َلكَ قَالَ إِنّي أَعْلَمُ مَا لَا َتعَْلمُونَ ()30
حمْ ِد َ
وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِ َ
بعد أن أخبرنا الحق سبحانه وتعالى .أنه خلق جميع ما في الكون .أراد أن يخبرنا عمن خلفه
لعمارة هذا الكون .فكأن القصة التي بدأ ال سبحانه وتعالى بها قصص القرآن كانت هي قصة آدم
أول الخلق .ولقد وردت هذه القصة في القرآن الكريم كثيرا لتدلنا لماذا أخبرنا الحق سبحانه
وتعالى بهذه القصة؟ وجاءت لتدلنا أيضا على صدق البلغ عن ال .واقرأ قوله تعالىَ {:نحْنُ
َنقُصّ عَلَ ْيكَ نبَأَهُم بِا ْلحَقّ }[الكهف]13 :
كلمة الحق التي جاءت هنا لتدلنا على أن هناك قصصا .ولكن بغير حق .وال سبحانه وتعالى أراد
أن يخرج قصصه عن دائرة القصص التي يتداولها الناس أو قصص التاريخ لمكان مخالفتها
الواقع وتأتي بغير حق .وهناك قصص تروي في الدنيا ول واقع لها ،بل هي من قبيل الخيال.
وكلمة قصة .مأخوذة من قص الثر .بمعنى أن يتبع قصاص الثر في الصحراء الثار التي
يشاهدها على الرمال حتى يصل إلى مراده .عندما يصل إلى نهاية الثر ..ومادمنا قد عرفنا أن
ال يقص الحق .نعرف أن قصص القرآن الكريم كلها أحداث وقعت فعل .ولكل قصة في القرآن
عبرة .أو شيء مهم يريد الحق سبحانه وتعالى أن يلفتنا إليه .فمرة تكون القصة لتثبيت النبي
سلِ مَا
صلى ال عليه وسلم وتثبيت المؤمنين :واقرأ قوله تعالىَ {:وكُـلّ ّن ُقصّ عَلَ ْيكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرّ ُ
نُثَ ّبتُ بِهِ ُفؤَا َدكَ }[هود]120 :
فكل قصة تثبت فؤاد الرسول والمؤمنين في المواقف التي تزلزلهم فيها الحداث .وقصص القرآن
ليست لقتل الوقت .ولكن الهدف السمى للقصة هو تثبيت ونفع حركة الحياة اليمانية .ولو نظرنا
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
إلى قصص القرآن الكريم نجد أنها تتحدث عن أشياء مضت وأصبحت تاريخا .والتاريخ يربط
الحداث بأزمانها .وقد يكون التاريخ لشخص ل لحدث .ولكن الشخص حدث من أحداث الدنيا.
ولو قرأت تاريخ كل حدث لوجدت أنه يعبر عن وجهة نظر راويه .فكل قصص التاريخ كتبت من
وجهات نظر من رووها .ولذلك .فالقصة الواحدة تختلف باختلف الراوي.
ولكن قصص القرآن الكريم .هو القصص الحق ..والعبرة في قصص القرآن الكريم أنها تنقل لنا
أحداثا في التاريخ .تتكرر على مر الزمن .ففرعون مثل هو كل حاكم يريد أن ُيعْ َبدَ في الرض.
وأهل الكهف مثل هي قصة كل فئة مؤمنة هربت من طغيان الكفر وانعزلت لتعبد ال .وقصة
يوسف عليه السلم هي قصة كل أخوة نزغ الشيطان بينهم فجعلهم يحقدون على بعضهم .وقصة
ذي القرنين هي قصة كل حاكم مصلح أعطاه ال سبحانه السباب في الدنيا ومكنه في الرض.
فعمل بمنهج ال وبما يرضي ال .وقصة صالح هي قصة كل قوم طلبوا معجزة من ال .فحققها
لهم فكفروا بها.
وقصة شعيب عليه السلم ..هي قصة كل قوم سرقوا في الميزان والمكيال.
وهكذا كل قصص القرآن .قصص تتكرر في كل زمان .حتى في الوقت الذي نعيش فيه تجد فيه
أكثر من فرعون .وأكثر من أهل كهف يفرون بدينهم .وأكثر من قارون يعبد المال والذهب..
ويحسب أنه استغنى عن ال .ولذلك جاءت شخصيات قصص القرآن مجهلة إل قصة واحدة هي
قصة عيسى بن مريم ومريم ابنة عمران .لماذا؟ لنها معجزة لن تتكرر .ولذلك عرفها ال لنا فقال
" مريم ابنة عمران " وقال " عيسى بن مريم " حتى ل يلتبس المر .وتدعي أي امرأة أنها حملت
بدون رجل .مثل مريم .نقول :ل .معجزة مريم لن تتكرر .ولذلك حددها ال تعالى بالسم .فقال:
عيسى بن مريم .ومريم ابنة عمران ..أما باقي قصص القرآن الكريم فقد جاءت مجهلة .فلم يقل
لنا ال تعالى من هو فرعون موسى .ول من هم أهل الكهف ول من هو ذو القرنين ول من هو
صاحب الجنتين .إلي آخر ما جاء في القرآن الكريم .لنه ليس المقصود بهذه القصص شخصا
بعينه .ل تتكرر القصة مع غيره ،وبعض الناس يشغلون أنفسهم بمن هو فرعون موسى؟ ومن هو
ذو القرنين ..الخ نقول لهم لن تصلوا إلى شيء لن ال سبحانه وتعالى قد روى لنا القصة دون
توضيح للشخاص .لنعرف أنه ليس المقصود شخصا بعينه .ولكن المقصود هو الحكمة من
القصة.
والقصص في القرآن ل ترد مكررة .وقد يأتي بعض منها في آيات .وبعض منها في آيات
أخرى .ولكن اللقطة مختلفة .تعطينا في كل آية معلومة جديدة .بحيث أنك إذا جمعت كل اليات
التي ذكرت في القرآن الكريم .تجد أمامك قصة كاملة متكاملة .كل آية تضيف شيئا جديدا.
وأكبر القصص في القرآن الكريم .قصة موسى عليه السلم .ويذكرنا القرآن الكريم بها دائما لن
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أحداثها تعالج قصة أسوأ البشر في التاريخ .وفي كل مناسبة يذكرنا ال بلقطة من حياة هؤلء.
خ ْفتِ عَلَ ْيهِ فَأَ ْلقِيهِ فِي اليَ ّم َولَ تَخَافِي
ضعِيهِ فَإِذَا ِ
واقرأ قوله تعالى {:وََأوْحَيْنَآ إِلَىا ُأمّ مُوسَىا أَنْ أَ ْر ِ
ك َوجَاعِلُوهُ مِنَ ا ْلمُرْسَلِينَ }[القصص]7 :
وَلَ َتحْزَنِي إِنّا رَآدّوهُ إِلَ ْي ِ
وفي آية أخرى يقول الحق سبحانه وتعالى {:إِذْ َأوْحَيْنَآ إِلَىا ُأ ّمكَ مَا يُوحَىا * أَنِ اقْ ِذفِيهِ فِي
حلِ يَ ْأخُ ْذهُ عَ ُدوّ لّي وَعَ ُدوّ لّهُ }[طه]39-38 :
التّابُوتِ فَا ْق ِذفِيهِ فِي الْيَمّ فَلُْي ْلقِهِ الْيَمّ بِالسّا ِ
ضعِيهِ
والفهم السطحي يظن أن هذا تكرار ونقول ل .فقوله تعالى } :وََأوْحَيْنَآ إِلَىا ُأمّ مُوسَىا أَنْ أَ ْر ِ
خفْتِ عَلَ ْيهِ فَأَ ْلقِيهِ فِي اليَمّ {.
فَإِذَا ِ
وهذه اللقطة تدل على أن ال سبحانه وتعالى يعد أم موسى إعدادا إيمانيا للحدث .ولكن عند وقوع
حلِ {.
الحدث تتغير القصة على نمط سريع } أَنِ ا ْق ِذفِيهِ فِي التّابُوتِ فَاقْ ِذفِيهِ فِي الْ َيمّ فَلْيُ ْلقِهِ الْيَمّ بِالسّا ِ
كلم يناسب لحظة وقوع الحدث ..فالية الولى ..بينت لنا أن أم موسى أرضعته قبل أن تضعه
في التابوت .وأنها ستلقيه في اليم عندما يحدث خطر وتخاف عليه من القتل .وفيه تطمين لها .أل
تخاف ول تحزن .لن ال منجيه .وفيها بشارتان :أن ال سيرده لمه .وأن ال قد اختاره رسول.
نأتي إلى الية الثانية التي تكمل لنا هذه اللقطة فتول } ا ْق ِذفِيهِ فِي التّابُوتِ { هنا نعرف أن أم
موسى ستلقيه في تابوت ،وهو ما لم يذكر في الية السابقة .ثم بعد ذلك نعلم أن ال سبحانه
وتعالى أصدر أمره إلى الماء أن يلقي التابوت إلى الساحل .وهذا ما لم يرد في الية السابقة.
ونعرف أيضا أن الذي سيأخذه وهو فرعون .ستكون بينهما عداوة متبادلة ..وهكذا نرى أن آيتي
القصة .يكمل بعضهما بعضا .وليس هناك تكرار .وال سبحانه وتعالى في الية الثانية يريد أن
يثبت أنه ستكون هناك عداوة متبادلة بين موسى وفرعون ..كما أثبتت عداوة فرعون ل جل
جلله ولموسى ،فقال } :عَ ُدوّ لّي وَعَ ُدوّ لّهُ { ولكن العداوة ل تستقر إل إذا كانت متبادلة .فتأتي آية
عوْنَ لِ َيكُونَ َلهُمْ عَ ُدوّا وَحَزَنا }[القصص]8 :
طهُ آلُ فِرْ َ
ثالثة لتكمل الصورة ..في قوله تعالى {:فَالْ َتقَ َ
وهكذا بينت لنا الية الكريمة كيف أن العداوة بين فرعون وموسى ستستقر حتى يقضى على
فرعون .لنه إذا كان إنسان عدوا لك .وأنت تقابل العداوة بالحسان تخمد العداوة بعد قليل .إذن
هذه اليات ليست تكرارا ولكنها آيات تكمل القصة ..وتعطينا الصورة الكاملة المتكاملة.
ولكن لماذا لم تأت قصة موسى متكاملة كقصة يوسف؟ لن ال سبحانه وتعالى يريد أن يثبت بها
نبينا عليه الصلة والسلم والمؤمنين .فتأتي هنا لقطة وهنا لقطة .لتؤدي ما هو مطلوب من
التثبيت بما ل يخل ..لن اليات تعطينا القصة متكاملة.
وهكذا قصة آدم .جاءت لنا في آيات متعددة؛ لتعطينا في مجموعها قصة كاملة .وفي الوقت نفسه
كل آية لها حكمة يحتاج إليها التوقيت الذي نزلت فيه ..فال سبحانه وتعالى يروي لنا بداية الخلق.
ورسول ال صلى ال عليه وسلم يقول " :كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب ".
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
والحق سبحانه وتعالى يريد أن يعرفنا كيف بدأ الخلق .وقصة عداوة إبليس لدم وذريته ..فتكلم
ال سبحانه وتعالى عن أول البشر .عرفنا اسمه .وهو آدم عليه السلم .وتكلم عن المادة التي خلق
منها .وتكلم عن المنهج الذي وضعه لدم .وحدثنا عن النقاش الذي دار مع الملئكة .كما أخبرنا
بأن آدم سيكون خليفة في الرض .وأنه علمه السماء كلها ليقود حركة حياته .وعلمنا منطق علم
الشياء .وعلم مسمياتها .وحدثنا عن الحوار الذي حدث بين إبليس أمام ربه حينما أبى السجود.
وبين لنا حجة إبليس في المتناع عن السجود ،وخطة إبليس ومدخله إلى قلوب المؤمنين بالغواء
والوسوسة وغير ذلك.
إذن فهناك أشياء كثيرة تتعرض لها قصة آدم ،ولو أن بشرا يريد أن يؤرخ لدم ما استطاع أن
يأتي بكل هذه اللقطات .ولكن الحق سبحانه وتعالى جعل كل لقطة تأتي للتثبيت.
والية الكريمة التي نحن بصددها لم تأت في العراف ول في الحجر ول في السراء ول في
الكهف ول في طه .وبهذا نعرف أنه ليس هناك تكرار ..فال سبحانه وتعالى أخبر ملئكته أنه
جاعل في الرض خليفة .هنا لبد لنا من وقفة .أخلق آدم كفرد .أم خلقه ال وكل ذريته مطمورة
فيه إلى يوم القيامة ،إذا قرأنا القرآن الكريم نجد أن ال سبحانه وتعالى يقول {:وََلقَدْ خََلقْنَاكُمْ ثُمّ
جدُو ْا لَدَمَ }[العراف]11 :
صوّرْنَاكُمْ ثُمّ قُلْنَا لِ ْلمَل ِئكَةِ اسْ ُ
َ
الخطاب هنا للجمع .لدم وذريته .فكأنه سبحانه وتعالى يشير إلى أن الصل الول للخلق آدم،
وهو مطمور فيه صفات المخلوقين من ذريته إلى أن تقوم الساعة وراثة .أي أنه ساعة خلق آدم..
كان فيه الذرات التي سيأخذ منها الخلق كله .هذا عن هذا ..حتى قيام الساعة.
ولقد قلتُ إن كل واحد منا فيه ذرة أو جزئ من آدم ،فأولد آدم أخذوا منه والجيل الذي بعدهم أخذ
من الميكروب الحي الذي أودعه آدم في أولده .والذين بعدهم أخذوا أيضا من الجزيء الحي الذي
خُلِق في الصل مع آدم .وكذلك الذين بعدهم .والذين بعدهم .والحياة لبد أن تكون حلقة متصلة.
كل منا يأخذ من الذي قبله ويعطي الذي بعده .ولو كان هناك حلقة مفقودة .لتوقفت الحياة .كأن
يموت الرجل قبل أن يتزوج .فل تكون له ذرية من بعده .تتوقف حلقة الحياة .فكون حلقة الحياة
مستمرة .دليل أنها حياة متصلة .لم تتوقف .ومادامت الحياة من عهد آدم إلى يومنا هذا متصلة.
فلبد أن يكون في كل منا ذرة من آدم الذي هو بداية الحياة وأصلها .وانتقلت بعده الحياة في
حلقات متصلة إلى يومنا هذا وستظل إلى يوم القيامة.
فأنا الن حي .لنني نشأت من ميكروب حي من أبي .وأبي أخذ حياته من ميكروب حي من أبيه.
وهكذا حتى تصل إلى آدم ،إذن فأنت مخلوق من جزيء حي فيه الحياة لم تتوقف منذ آدم إلى
يومنا هذا .ولو توقفت لما كان لك وجود.
إذن فحياة الذين يعيشون الن موصولة بآدم .لم يطرأ عليها موت .والذين سيعيشون وقت قيام
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الساعة حياتهم أيضا موصولة بآدم أول الخلق .والحق سبحانه وتعالى .حين أمر الملئكة بالسجود
لدم .فإنهم سجدوا لدم ولذريته إلى أن تقوم الساعة .وذرية آدم كانت مطمورة في ظهره.
صوّرْنَاكُمْ { فيه جزئية
وشهدت الخلق الول .إذن فقول الحق سبحانه وتعالىَ } :لقَدْ خََلقْنَاكُمْ ثُمّ َ
جديدة لقصة الخلق.
وقوله تعالى } :وَإِذْ قَالَ رَ ّبكَ لِ ْلمَلَ ِئكَةِ { أي أن ال سبحانه وتعالى يطلب من سيدنا محمد عليه
الصلة والسلم أن يقول أنه عند خلق آدم .خلقه خليفة في الرض .والكلم هنا ل يعني أن ال
سبحانه وتعالى يستشير أحدا في الخلق .بدليل أنه قال " إني جاعل " إذن فهو أمر مفروغ منه.
ولكنه إعلم للملئكة ..وال سبحانه وتعالى .عندما يحدث الملئكة عن ذلك فلن لهم مع آدم
مهمة .فهناك المدبرات أمرا .والحفظة الكرام .وغيرهم من الملئكة الذين سيكلفهم الحق سبحانه
وتعالى بمهام متعددة تتصل بحياة هذا المخلوق الجديد .فكان العلم .لن للملئكة عمل مع هذا
الخليفة.
قد يقول بعض الناس .أن حياة النسان على الرض تخضع لقوانين ونواميس .نقول ما يدريك أن
وراء كل ناموس ملكا؟
ولكن هذا الخليفة سيخلف من؟ قد يخلف بعضه بعضا .في هذه الحالة يكون هنا إعلم من ال بأن
كل إنسان سيموت ويخلفه غيره .فلو كانوا جميعا سيعيشون ما خلف بعضهم بعضا .وقد يكون
النسان خليفة لجنس آخر .ولكن ال سبحانه وتعالى ..نفى أن يخلف النسان جنسا آخر .واقرأ
قوله جل جلله ... {:إِن يَشَأْ ُيذْهِ ْبكُ ْم وَيَ ْأتِ بِخَ ْلقٍ جَدِيدٍ * َومَا ذاِلكَ عَلَى اللّهِ ِبعَزِيزٍ }[إبراهيم:
]20-19
والخلق الجديد هو من نوع الخلق نفسه الذي أهلكه ال .وال سبحانه وتعالى يخبرنا أن البشر
لةَ
سيخلفون بعضهم إلى يوم القيامة ..فيقول جل جلله {:فَخََلفَ مِن َبعْدِ ِهمْ خَ ْلفٌ َأضَاعُواْ الصّ َ
س ْوفَ يَ ْلقُونَ غَيّا }[مريم]59 :
ش َهوَاتِ فَ َ
وَاتّ َبعُواْ ال ّ
ولكن هذا يطلق عليه خَ ْلفٌ .ول يطلق عليه خليفة .والشاعر يقول:ذهب الذين يعاش في اكـنافهم
وبقـيت في خلف كجلد الجربولكن ال جعل الملئكة يسجدون لدم ساعة الخلق وجعل الكون
مسخرا له فكأنه خليفة ال في أرضه .أمده بعطاء السباب .فخضع الكون له بإرادة ال .وليس
بإرادة النسان .وال سبحانه وتعالى يقول في حديث قدسي " :يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أمل
س ّد فقرك "
صدرك غنى وأسد فقرك ..وإل تفعل ملت يدك شغل ولم أ ُ
إذن كلمة خليفة .تأخذ عدة معان..
ك وَ ُنقَدّسُ َلكَ
حمْ ِد َ
س ِفكُ ال ّدمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبّحُ ِب َ
ج َعلُ فِيهَا مَن ُيفْسِدُ فِيهَا وَيَ ْ
ماذا قالت الملئكة } :قَالُواْ أَتَ ْ
{.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
كيف عرف الملئكة ذلك؟ لبد أن هناك حالة قبلها قاسوا عليها .أو أنهم ظنوا أن آدم سيطغى في
الرض .ولكن كلمة سفك وكلمة دم .كيف عرفتهما الملئكة وهي لم تحدث بعد؟ لبد أنهم
سمُومِ }
عرفوها من حياة سابقة .وال سبحانه وتعالى يقول {:وَا ْلجَآنّ خََلقْنَاهُ مِن قَ ْبلُ مِن نّارِ ال ّ
[الحجر]27 :
فكأن الجن قد خلق قبل النسان .وقوله تعالى } :إِنّي أَعْلَمُ مَا لَ َتعَْلمُونَ {.
معنى ذلك أن علمك أيها المخلوق مناسب لمخلوقيتك .أما علم ال سبحانه وتعالى ..فهو أزلي ل
نهائي.
ولكن هل قال الملئكة حين أخبرهم ال بخلق آدم ذلك علنا أم أسروه في أنفسهم؟ سواء قالوه أم
أسروه .فقد علمه ال .لنه يعلم ما يسرون وما يعلنون .وأنه يعلم السر وأخفى .فما هو السر .وما
هو الخفى من السر؟ السر هو ما أسررته إلى غيرك .فما أسر به إلى غيري .فهو السر .وما
أخفيه في صدري ول يطلع عليه أحد .هو أخفى من السر .فل يقال أسررت إل إذا بحت به
لغيري .أما ما أخفيه في صدري .فل يعلمه أحد إل ال .فهذا هو ما أخفى من السر.
وعندما يقول الحق سبحانه وتعالى } :إِنّي أَعَْلمُ مَا لَ َتعَْلمُونَ { أراد أن يعطي القضية بعدها
ك وَ ُنقَدّسُ َلكَ {.
حمْ ِد َ
الحقيقي .وقد حكى القرآن الكريم قول الملئكة } :وَنَحْنُ نُسَبّحُ ِب َ
والتسبيح هو التنزيه عما ل يليق بذات المنزه .والتقديس هو التطهير ..مأخوذ من ا ْلقَدَس وهو
الدلو الذي كانوا يتطهرون به .ولذلك نحن نقول سُبّوح قُدوس .سُبّوح أي مُنزه عن كل ما ل يليق
طهّرْ ..التسبيح يحتاج إلى مُسبّح .وإلى ما نسبحه .والملئكة قالوا} :
بجلله .وقدوس .أي مُ َ
سُ ْبحَا َنكَ لَ عِ ْلمَ لَنَآ ِإلّ مَا عَّلمْتَنَآ {.
وهذا تسبيح وتنزيه ل سبحانه وتعالى ..والتسبيح والتنزيه ل يكونان إل للكمال المطلق الذي ل
تشوبه أية شائبة ..والكمال المطلق هو ل سبحانه وتعالى وحده .لذلك صرف ال ألسنة خلقه عن
أن يقولوا كلمة سبحانك لغير ال تعالى .فل تسمع في حياتك أن إنسانا قال لبشر سبحانك .وهكذا
ح ْم ِدكَ
صرفت ألسنة الخلق عن أن تسبح لغير ال سبحانه وتعالى .وقول الملئكة } :وَنَحْنُ ُنسَبّحُ بِ َ
وَنُقَدّسُ َلكَ { كأن نقول سبحان ال وبحمده .ومعناها تنزيه ل سبحانه وتعالى في ذاته ..فل تشبّه
بذات .وفي صفاته .فل تشبّه بصفات وفي أفعاله .فل تشبه بأفعال ..ولكن ما معنى كلمة وبحمده؟
معناها أننا ننزهك ونحمدك .أي يا رب تنزيهنا لك نعمة .ولذلك فإني أحمدك على أنك أعطيتني
القدرة لنزهك ..والتقديس هو تطهير ال سبحانه وتعالى من كل الغيار .ولنك يا ربي قدوس
طاهر .ل يليق أن يرفع إليك إل طاهر .ول يليق أن يصدر عمن خلقته بيديك إل طاهر..
إنه عرّفنا معنى نسبح بحمدك ونقدس لك .ثم أراد ال بحكمته أن يرد على الملئكة فقال } :إِنّي
أَعْلَمُ مَا لَ َتعَْلمُونَ { ولم يطلقها هكذا .ولكنه سبحانه أتى بالقضية التي تؤكد صدق الواقع..
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
()34 /
فالحق سبحانه وتعالى .رد على الملئكة بهذه الية الكريمة .لنه علم آدم السماء كلها ..وكلمة
كلها تفيد الحاطة .ومعنى الحاطة معرفة كل شيء عن هذه السماء.
هنا يتبادر سؤال :هل عَلّم ال سبحانه وتعالى آدم السماء منذ ساعة الخلق إلى قيام الساعة مادام
الحق سبحانه وتعالى يقول كلها .فما هو حكم تلك السماء التي هي لمخترعات ستأتي بعد خلق
آدم بقرون طويلة؟
نقول إن ال سبحانه وتعالى .حين علم آدم السماء وميزه على الملئكة يكون قد أعطى ذلك
الدنى عنصرا ميزه عن المخلوق من عنصر أعلى .فآدم مخلوق من طين .والملئكة مخلوقون
من نور .وقدرات البشر ل تستطيع أن تعطي الدنى شيئا أكثر من العلى .ولكن ال سبحانه
وتعالى وحده هو الذي يعطي ذلك ليذكرنا أن ما نأخذه ليس بقدراتنا ولكن بقدرته هو سبحانه.
ولذلك تجد سليمان وهو ملك ونبي ..أعطاه ال تعالى ملكا ل ينبغي لحد من بعده .وميزه عن
حطْ بِهِ وَجِئْ ُتكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ َيقِينٍ }.
خلقه .يأتي الهدهد ليقول لسليمانَ { :أحَطتُ ِبمَا َلمْ تُ ِ
كيف يحيط الهدهد وهو طائر ضعيف محدود بما لم يحط به سليمان وهو الملك النبي الذي حكم
النس والجن؟ لن ال سبحانه وتعالى ..يكره الغرور من خلقه .ولذلك يأتي بآية تميز الدنى عن
العلى ليعلموا جميعا أن كل قدراتهم ليست بذاتهم .وإنما هي من ال .فيأتي موسى وهو الرسول
والنبي ..فيتعلم من الخضر وهو العبد الصالح ما لم يكن يعلمه.
وقد خلق ال سبحانه المسميات وإن كنا ل نعرف وجودها وجعل الملئكة تتلقى أسماء هذه
المسميات من آدم .وأن البعض يتساءل عن وسيلة تعليم الخالق الكرم لدم عليه السلم .وتعليم
الخالق يختلف عن تعليم الخلق .لن الخالق يعلم إلهاما .يقذف في قلب آدم أسماء المسميات كلها
لكل ما في الكون من أسماء المخلوقات..
إذن فالمشهد الول .لدم مع الملئكة .كان قد تم إيجاد كل المسميات وألهمها ال لدم .بدليل أن
الملئكة لم تتعرف على هذه المسميات .بينما عرفها آدم .وهنا لبد لنا من وقفة .إن الكلم هو
ناتج السمع .واللغة ناتج البيئة ،وال سبحانه وتعالى علم آدم السماء .وهذا العلم ل يمكن أن يأتي
إل إذا كان آدم قد سمع من ال سبحانه وتعالى ..ثم نطق .فأنت إذا أتيت بطفل عربي ..وتركته
في لندن مثل ..فتراه يتكلم النجليزية بطلقة ..ول يفهم كلمة واحدة من اللغة العربية .والعكس
صحيح .إذا أتيت بطفل إنجليزي .وتركته في بلد عربي .يتكلم العربية ..ول يعلم شيئا عن
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
النجليزية .إذن فاللغة ليست وراثة ول جنسا ول بيئة.
ولكنها محاكاة يسمعها النسان فينطق بها .وإذا لم يسمع النسان شيئا وكان أصم فإنه ل يستطيع
النطق بحرف واحد .فإذا كان آدم قد نطق بهذه السماء .فلبد أنه سمع من ال سبحانه وتعالى..
والعجيب أن الطريقة التي علم ال سبحانه وتعالى آدم بها .هي الطريقة نفسها التي تتبعها البشرية
إلى يومنا هذا .فأنت ل تعلم الطفل بأن تقص عليه الفعال .ولكن لبد أن يبدأ تعليمه بالسماء
والمسميات .تقول له :هذا كوب .وهذا جبل وهذا بحر .وهذه شمس .وهذا قمر .وبعد أن يتعلم
المسميات .يستطيع أن يعرف الفعال .ويتقدم في التعليم بعد ذلك..
وهكذا نتعرف على النشأة الولى للكلم .وطلقة قدرة ال سبحانه وتعالى علمت آدم السماء.
وهنا نتوقف لنجيب عن سؤالين :الول :إذا كان ال سبحانه وتعالى قد علم آدم السماء كلها .فهل
كان فيها أسماء ما سيستجد من مخترعات في العالم؟
نقول :إنه حتى لو تعلم آدم السماء التي يحتاج إليها في أولويات الوجود ويستخدمها في متطلبات
حياته على الرض .فإذا جد جديد ،فإن أولد آدم يستخدمون هذه السماء من المقدمات والسماء
التي تعلموها .فما يجد في الوجود من أسماء .تدخل على اللغة .لم تأت من فراغ .وإنما جاءت
من اللغة التي تنطق بها وتكتب بها.
كذلك كل شيء في هذا الكون .لو أعدته الن إلى أصله .تجد أن أصله من ال .فلو أعدت البشرية
إلى أصلها لبد أن تصل إلى أن النسان الول خلقه ال سبحانه وتعالى .ولو أعدت العلم إلى
أصله .وكل علم يحتاج إلى معلم .نقول لك ..من الذي علم المعلم الول .أليس من البديهي أن
العلم بدأ بمعلم علمه ال سبحانه وتعالى .وكان هذا هو المعلم الول ..إذن فالذي علم السماء لدم
هو ال سبحانه وتعالى .وهو علمها لولده .وأولده علموها لولدهم وهكذا..
يأتي السؤال الثاني :إذا كان ال هو المعلم للكلم .فلماذا اختلفت اللغات على الرض وأصبح
هناك ألوان من اللغات واللسنة؟
نقول إن تنوع فترات التاريخ وانتشار النسان على الرض جعل كل مجموعة من البشر تقترب
من بعضها لتكون لها لغة واحدة .وكل لغة موجودة مأخوذة من لغة قديمة .فالفرنسية والنجليزية
واليطالية .مأخوذة من اللتينية .والعبرية والسريالية لهما علقة باللغة العربية .واللهجات التي
يتكلم بها العالم العربي صاحب اللغة الواحدة ،تختلف ..حتى أن لهجة الجزائر أو المغرب مثل.
تجدها مختلفة عن اللهجة المصرية أو السودانية .ولكننا إذا تكلمنا باللغة العربية َف ِه َم بعضنا بعضا،
ولغة هؤلء جميعا في الصل هي لغة القرآن .وهي العربية .ولكن في فترات الوهن التاريخي
الذي مر على العرب انعزلت البلد العربية بعضها عن بعض ومضى كل مجتمع يأخذ اللغة
كمظهر اجتماعي.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فيسقط التفاهم بين اللهجات المختلفة.
وهكذا علم ال سبحانه وتعالى آدم السماء كلها .ثم عرضهم على الملئكة وقال لهم } أَنْبِئُونِي
سمَآءِ هَـاؤُلءِ إِن كُنْ ُت ْم صَا ِدقِينَ {؟ أي أن ال سبحانه وتعالى كرم آدم في العلم .وأعطاه علما لم
بِأَ ْ
يعطه للملئكة .ثم جعل آدم هو الذي يعلمهم أسماء مسميات لم يعرفوها .وهذا دليل على طلقة
قدرة ال سبحانه وتعالى .يفعل ما يشاء في كونه .وكما قلنا إن تمييز الدنى عن العلى .ل يتم
إل بفعل ال وحده.
ولكي نقرب هذا إلى العقول :هب أن إنسانا ضعيفا يريد أن يحمل حمل ثقيل ..ل يقدر .وإذا كان
هناك إنسان قوي يعينه فإنه ل يستطيع أن يعطيه من قوته ليحمل هذا الحمل .ولكن يعينه بأن
يحمل عنه .أما الذي يستطيع أن يجعل هذا الضعيف قويا يمكنه أن يحمل هذا الحمل الثقيل فهو
ال سبحانه وتعالى ..فالنسان ل يستطيع أن يعطي إنسانا آخر من قوته .ولكن ال وحده هو
القادر على أن يجعل الضعيف قويا والقوي ضعيفا.
وقوله تعالى } :إِن كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ { وهل يكذب الملئكة؟ إن الملئكة خلق من نور يسبحون ال.
سمَآءِ هَـاؤُلءِ إِن كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ { فيما
ويفعلون ما يؤمرون ..نقول إن قوله تعالى } أَنْبِئُونِي بِأَ ْ
قستم عليه الحداث .أو فيما قلتموه ضربا بالغيب.
ولو أن الملئكة قاسوا حكمهم على حكم جنس آخر كان في الرض كالجن مثل الذين خلقوا قبل
النسان ..يقول الحق تعالى أنكم أخطأتم في قياسكم هذا .أو إن كنتم صادقين فيما تنبأتم به من
غيب؛ فل يعلم الغيب إل ال تعالى .فالقياسان جانبهما التوفيق.
وليس هذا طعنا في الملئكة .ولكنه تصحيح لهم .وتعريف لنا بأن الملئكة ل يعلمون الغيب.
ولذلك فهم حينما قاسوا أو حكموا على غيب ..جانبهم التوفيق .لن ال وحده هو علم الغيوب.
والذي دفع الملئكة إلى أن يقولوا أو يبطنوا هذا الكلم هو حبهم الشديد ل تعالى ..وكراهيتهم
لفساد في كونه.
()35 /
حكِيمُ ()32
قَالُوا سُبْحَا َنكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلّا مَا عَّلمْتَنَا إِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلعَلِيمُ الْ َ
هذه الية الكريمة .توضح لنا أن ال سبحانه وتعالى هو المعلم الول في الكون .وإذا كان لكل
علم معلم .فإن المعلم الول لبد أن يكون هو ال سبحانه وتعالى .وإذا كنا نشاهد في عصرنا
ألوانا من العلوم ..فهذه العلوم من تفاعل العقل الذي وهبه ال تعالى للنسان .من المواد التي
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وضعها ال تعالى في الكون .بالمنطق والعلم الذي علمه ال للنسان.
إن كل الختراعات والبتكارات أخذت وجودها من مقدمات كانت سابقة عليها .فالماء مثل كان
موجودا منذ الزل .والشمس كطاقة تبخر الماء لتصنع منه سحابا .فإذا استخدم النسان الطاقة
الحرارية في تبخير الماء واستخدم البخار كطاقة ،فهناك قفزة حضارية في العلوم اسمها عصر
البخار ،وهو الذي كانت تسير به القطارات واللت في المصانع .وغير ذلك.
إن هذا التقدم في العلم ،إنما هو نابع من وجود العلم والطاقة ،وزاد عليهما القدوة العقلية للنسان
الممنوحة له من الخالق ،التي جعلته يفكر في استخدام الطاقة الناتجة من البخار ،فإذا توصل
النسان لمراقبة شجرة ساقطة وهي تتدحرج إلى الرض لن جذعها أسطواني .فإنه أخذ من نظام
هذه الشجرة ما يصنع منه العجلة التي كانت تطورا هاما في تاريخ العلم..
إذن فساق الشجرة السطوانية هو الذي أعطى للنسان فكرة العجلة ،فإذا طور النسان استخدام
البخار وصنع قطارا يسير بالبخار .فهذا التطوير هو ابن للعلم السابق عن قدرة الطاقة الناتجة عن
تبخير الماء .وكيفية صناعة العجلة ..فكل علم نابع من علم سابق ..يترابط مع إمكانات وهبها ال
سبحانه وتعالى للنسان .ولذلك عندما جاء السلم ليعرض العلم التجريبي أو المادي .جاء ليلفتنا
إلى آيات الخالق في الكون .وطلب منا أن نتأمل في هذه اليات ..ونعمل فيها العقل والدراك.
علَ ْيهَا وَهُمْ عَ ْنهَا
سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ َيمُرّونَ َ
واقرأ قول الحق سبحانه وتعالىَ {:وكَأَيّن مّن آ َيةٍ فِي ال ّ
ُمعْ ِرضُونَ }[يوسف]105 :
وهكذا يلفتنا ال جل جلله إلى آياته التي في السموات والرض لنعمل فيها العقل والدراك،
لتستنبط منها ما يعطينا الحضارة ..إن القرآن يطالبنا بأن نواصل العلم الذي علمه ال لدم .وإذا
كان تاريخ العلوم يحمل لنا أخبارا عن قوم لم يكونوا مؤمنين ومع هذا سبقونا في العلم
والستنباط ،فكان الواجب علينا نحن المؤمنين أن نتأمل آيات ال تعالى في الرض .فنيوتن ـ
الذي لحظ قوة جاذبية الرض ـ كان يراقب تفاحة تسقط من أعلى الشجرة وتصطدم بالرض.
فتوصل إلى قانون الجاذبية.
وإذا أردنا أن نأخذ لمحة من علم ال الذي علمه لنا .فيكفي أن ننظر إلى النواة ففي هذه النواة
الصغيرة نخلة كاملة .متى وضعت النواة في الرض .نمت النخلة.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فإنك تصل في نهاية المر إلى أن العلم الول من ال سبحانه وتعالى ،فالمعلم الول علمه ال.
والثمرة الولى خلقها ال .وكل اكتشافات النسان منذ بداية الحياة وحتى قيام الساعة موجودة
بالقوة .مثل النواة التي فيها النخلة .تنتظر التأمل والعمل .لتصبح اكتشافا بالفعل .وال سبحانه
وتعالى وهو المعلم الول ..وضع في كونه من العلم الكثير .ويحضرني قول الشاعر أحمد شوقي
حين قال:سبحانك اللهم خير معلم علمت بالقلم القرون الولىأرسلت بالتوارة موسى مرشدا وابن
البتول فعلم النجيلوفجرت ينبوع البيان محمدا فسقى الحديث وناول التنزيلوكان شوقي يصوغ
في أبياته أن كل علم هو منسوب إلى ال وحده ..وهكذا يتضح لنا .أن قول الملئكة } :سُ ْبحَا َنكَ لَ
حكِيمُ { يتضمن العتراف بأن العلم كله مرجعه إلى ال .فال
عّلمْتَنَآ إِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلعَلِيمُ ا ْل َ
عِلْمَ لَنَآ ِإلّ مَا َ
حكِيمُ { العليم أي الذي
سبحانه وتعالى هو مصدر العلم والحكمة .وقوله سبحانه وتعالى } :ا ْلعَلِيمُ الْ َ
يعلم كل شيء خافيا كان أو ظاهرا .والعلم كله منه .وأما الحكمة فتطلق في الصل على قطعة
الحديد التي توضع في فم الفرس لتلجمه حتى يمكن للراكب أن يتحكم فيه .ذلك أن الحصان حيوان
مدلل شارد .يحتاج إلى ترويض .وقطعة الحديد التي توضع في فمه تجعله أكثر طاعة لصاحبه.
وكأن إطلق صفة الحكيم على الخالق سبحانه وتعالى هو أنه جل جلله يحكم المخلوقات حتى ل
تسير بغير هدى .ودون دراية.
والحكمة أن يوضع هدف لكل حركة لتنسجم الحركات بعضها مع بعض ،ويصير الكون محكوما
بالحق الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه .والحكيم العليم .هو الذي يضع لكل كائن
إطاره وحدوده .والحكمة هي أن يؤدي كل شيء ما هو مطلوب منه ببراعة .والحكمة في الفقه
هي أن تستنبط الحكم السليم .والحكمة في الشعر أن تزن الكلمات على المفاعيل .والحكمة في
الطب أن تعرف تشخيص المرض والدواء الذي يعالجه .والحكمة في الهندسة أن تصمم المستشفى
طبقا لحتياجات المريض والطبيب وأجهزة العلج ومخازن الدوية وغير ذلك .أو في تصميم
المنزل للسكن المريح .وحكمة بناء منزل مثل تختلف عن حكمة بناء قصر أو مكان للعمل.
والكون كله مخلوق من قبل حكيم عليم .وضع الخالق سبحانه وتعالى فيه كل شيء في موضعه
ليؤدي مهمته .ووصف ال تعالى بأنه حكيم يتطلب أن يكون عليما .لن علمه هو الذي يجعله
يصنع كل شيء بحكمة .وقد أعطى ال سبحانه وتعالى لكل خلقه من العلم على قدر حاجته ،فليس
من طبيعة الملئكة أن يعرفوا ماذا سيفعل ذلك النسان الذي سيستخلفه ال في الرض .ولكنهم
موجودون لمهمة أخرى ..وميز ال النسان بالعقل ليستكشف من آيات ال في الكون على قدر
سوّىا * وَالّذِي
حاجة حياته .والحق سبحانه وتعالى يقول {:سَبّحِ اسْمَ رَ ّبكَ الَعْلَىا * الّذِي خَلَقَ َف َ
قَدّرَ َفهَدَىا }[العلى]3-1 :
إذن فكل شيء خلق بقدر .وكل مخلوق ميسر لما هداه ال له..
()36 /
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ت وَالْأَ ْرضِ
سمَاوَا ِ
سمَا ِئهِمْ قَالَ َألَمْ َأ ُقلْ َلكُمْ إِنّي أَعَْلمُ غَ ْيبَ ال ّ
سمَا ِئهِمْ فََلمّا أَنْبَأَ ُهمْ بِأَ ْ
قَالَ يَا آَ َدمُ أَنْبِ ْئهُمْ بِأَ ْ
وَأَعْلَمُ مَا تُ ْبدُونَ َومَا كُنْتُمْ َتكْ ُتمُونَ ()33
فالحق سبحانه وتعالى أراد أن يرد على ملحظة الملئكة بالنسبة لخلق آدم وخلفته في الرض،
وأن ال سبحانه وتعالى في حكمته ما يخفي عليهم .ولذلك فهم لم يدركوا هذه الحكمة .وقبل أن
يخلق ال آدم ويجعله خليفة في الرض ..كان على علم بكل ما سيحدث من آدم وذريته حتى قيام
الساعة .وبعد قيام الساعة ،أما الملئكة .فهم لم يكونوا على علم بذلك .لن هذا ليس عملهم .وكما
قلنا :كل ميسر لما خلق له .ولذلك أراد الحق سبحانه وتعالى أن يعطي للملئكة الصورة بأنكم قد
حكمتم على آدم إما من تجربة لجنس آخر عاش في الرض ،وإما من ضرب بالغيب .والمقياسان
غير صحيحين .ولذلك ميز ال سبحانه في هذه اللحظة آدم على الملئكة فعلمه أسماء المسميات
كلها ،ثم طلب من الملئكة أن يخبروه بهذه السماء .ولكنهم قالوا :إن العلم من ال وحده .وبما أن
ال تعالى لم يعلمهم السماء فإنهم ل يعرفونها .فطلب ال من آدم أن يخبرهم بأسماء هذه
المسميات فأخبرهم بها .ولكنه لم يخبرهم بها بذاته ول من قانونه .ول بعلم علمه وحده .ولكنه
أخبرهم بتعليم ال سبحانه وتعالى له .وفي ذلك يقول ال تعالى {:نَ ْرفَعُ دَرَجَاتٍ مّن نّشَآ ُء َوفَوْقَ ُكلّ
ذِي عِ ْلمٍ عَلِيمٌ }[يوسف]76 :
إذن َفعِ ْلمُ آدم للسماء كان بمشيئة ال سبحانه وتعالى .وهذه المشيئة وحدها هي التي جعلت آدم
في ذلك الوقت يعلم ما ل تعلمه الملئكة ..وهنا رد الحق سبحانه وتعالى على قول الملئكة بأن
سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ
آدم سيفسد في الرض .فذكرهم ال تعالى بقوله { :أََلمْ َأ ُقلْ ّلكُمْ إِنِي أَعَْلمُ غَ ْيبَ ال ّ
} أي أن ال سبحانه وتعالى وحده هو الذي يعلم الغيب .والغيب هنا هو الغيب المطلق .فهناك
غيب نسبي .قد تسرق حافظة نقودي مثل وأنا ل أعلم من الذي سرقها فهو غيب عني .ولكنه
معلوم للذي سرق ،وللذي سهل له طريقة السرقة بأن حرس له الطريق حتى يسرق دون أن
يفاجئه أحد .وقد يكون قد صدر قرار هام بالنسبة لي كترقية أو فصل أو حكم .لم يصلني .فأنا ل
أعلمه .ولكن الذي وقع القرار أو الحكم يعلمه.
هذا الغيب النسبي .ل يعتبر غيبا .ولكن الغيب المطلق هو الذي ليس له مقدمات تنبئ عما
سيحدث ..هذا الغيب الذي يفاجئك .ويفاجئ كل من حولك بل مقدمات ..هذا الغيب ل يعلمه إل
ن َومَا كُنْتُمْ َتكْ ُتمُونَ } ..تعطينا هنا وقفة .هل الملئكة
ال وحده .وقوله تعالى { :وَأَعَْلمُ مَا تُبْدُو َ
ك وَ ُنقَدّسُ َلكَ
حمْ ِد َ
س ِفكُ ال ّدمَآ َء وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِ َ
ج َعلُ فِيهَا مَن ُيفْسِدُ فِيهَا وَيَ ْ
قالوا ل سبحانه وتعالى { :أَتَ ْ
} هل قالها الملئكة فعل وجهرا ،أم أنهم قالوها في أنفسهم ولم ينطقوا بها ..قوله تعالى { َومَا كُنْتُمْ
َتكْ ُتمُونَ } تعطينا إشارة إلى أن الملئكة ربما قالوا هذا سرا .ولم يبدوه ،وعلى أية حال .سواء
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
قالوه جهرا .أو قالوه سرا .فقد علمه ال .لن ال جل جلله ..بكل شيء محيط .ول نريد لهذه
النقطة أن تثير جدل ..لماذا؟ لنه في الحالتين ..سواء في الجهر أو في الكتمان ..فإن الموقف
يتساوى عند علم ال سبحانه وتعالى ..فل داعي للجدل لنه ل خلف.
()37 /
سجَدُوا إِلّا إِ ْبلِيسَ أَبَى وَاسْ َتكْبَ َر َوكَانَ مِنَ ا ْلكَافِرِينَ ()34
سجُدُوا لِآَ َدمَ فَ َ
وَإِذْ قُلْنَا لِ ْلمَلَا ِئكَةِ ا ْ
أصدر ال تعالى أمره للملئكة ليسجدوا لدم .وهذه القضية أخذت جدل طويل .قال بعض الناس:
كيف يسجد الملئكة لغير ال؟ والسجود ل وحده .وقال آخرون :هل معنى سجود الملئكة لدم
أنهم عبدوه؟ وقالت فئة أخرى :السجود لغير ال ل يجوز تحت أي ظرف من الظروف .نقول
لهؤلء :أنكم لم تدركوا المعنى ،فال سبحانه وتعالى بعد أن ميز آدم على الملئكة بعلم السماء..
طلب منهم أن يسجدوا لدم ،وهنا لبد أن نعرف أن السجود لدم ..هو إطاعة لمر ال ..وليست
عبادة لدم .فال سبحانه وتعالى هو الذي أمر الملئكة بالسجود .ولم يأمرهم بذلك آدم .ول يحق
له أن يأمرهم .فالمر بالسجود هنا من ال سبحانه وتعالى ،من أطاعه كان عابدا .ومن لم يطعه
كان عاصيا .ومن رد المر على المر كان كافرا.
ولكي نفهم معنى العبادة نقول :إن العبادة هي طاعة أوامر ال .واجتناب نواهيه .فما قال لي ال:
افعل .فإني أفعل .وما قال :ل تفعل .فإنني ل افعل ..لن العبادة هي طاعة مخلوق لخالقه في
أوامره ونواهيه .ولذلك عندما نذهب إلى الحج فإننا نقبل الحجر السود في الكعبة ،ونرجم الحجر
الذي يمثل إبليس في منى .نقبل حجرا ونرجم حجرا ..هذا هو معنى عبادة ال واتباع منهجه .كما
أمرنا نفعل .ل شيء مقدس عندنا ..إل أمر ال ومنهجه .الملئكة هنا لم يسجدوا لدم .ولكنهم
سجدوا لوامر ال بالسجود لدم .وفرق كبير بين السجود لشيء ،وبين السجود لمر ال .السجود
لمر ال سبحانه وتعالى ..ل يعتبر خروجا على المنهج ،لن الساس هو طاعة ال .وهل سجد
كل الملئكة لدم؟ ل .وإنما سجد لدم الملئكة الذين لهم مهمة معه ،وتلك المهمة قد أوضحها ال
علَ ْيكُمْ َلحَافِظِينَ * كِرَاما كَاتِبِينَ * َيعَْلمُونَ مَا َت ْفعَلُونَ }[النفطار:
سبحانه وتعالى في قوله {:وَإِنّ َ
]12-10
وقوله سبحانه {:مّا يَ ْلفِظُ مِن َق ْولٍ ِإلّ لَدَ ْيهِ َرقِيبٌ عَتِيدٌ }[ق]18 :
وقوله سبحانه {:فَا ْلمُدَبّرَاتِ َأمْرا }[النازعات]5 :
إذن هناك من الملئكة من سيسجل على النسان أعماله .وكل قول يقوله وكل فعل يفعله .بل
ويكتبون هذه الفعال .ومنهم من يحفظه من الشياطين ،ومنهم من ينفذ أقدار ال في الرض.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هؤلء جميعا لهم مهمة مع النسان .ولكن المر بالسجود لم يشمل أولئك الملئكة العالين من
حملة العرش وحراس السماء وغيرهم ممن ليست لهم مهمة مع النسان .ولذلك عندما رفض
سجُدَ ِلمَا خََل ْقتُ بِ َي َديّ أَسْ َتكْبَ ْرتَ أَمْ
إبليس السجود .قال له ال تعالى {:قَالَ ياإِبْلِيسُ مَا مَ َن َعكَ أَن تَ ْ
كُنتَ مِنَ ا ْلعَالِينَ }[ص]75 :
قوله تعالى ..كنت من العالين ـ أي أنك كنت من الملئكة العالين ..الذين لم يشملهم أمر السجود.
إذن فأمر السجود لدم ..كأمر ال لنا بالسجود إلى القبلة في الصلة .فنحن ل نسجد للقبلة ذاتها..
ولكننا نسجد لمر ال بالسجود إلى القبلة ..سجد الملئكة الذين شملهم أمر السجود لمر ال
سبحانه وتعالى ..ولكن إبليس رفض أن يسجد .وعصى أمر ال.
بعض الناس يقولون :أن إبليس لم يكن من الذين أمرهم ال تعالى بالسجود .لن المر شمل
الملئكة وحدهم ..وإبليس ليس ملكا .ولكنه من الجن .كما يروي لنا القرآن الكريم في قوله
تعالىِ {:إلّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ا ْلجِنّ َففَسَقَ عَنْ َأمْرِ رَبّهِ }[الكهف]50 :
ونقول :إن كون إبليس من الجن هو الذي جعله يعصي أمر ال بالسجود .فلو أن إبليس كان من
الملئكة ـ وهم مقهورون على الطاعة ـ كان لبد أن يطيع أمر ال ويسجد .ولكن كونه من
الجن الذين لهم اختيار في أن يطيعوا وأن يعصوا فذلك الذي مكنه أن يعصي أمر السجود .ولذلك
فإن الذين يأخذون من الية الكريمة أن إبليس كان من الجن .بأنه لم يشمله أمر السجود .نقول
لهم :إن الحق سبحانه وتعالى قد أخبرنا عن جنس إبليس حتى نفهم من أي باب إلى المعصية
دخل ..ذلك أنه دخل من باب الختيار الممنوح للنس والجن في الحياة الدنيا وحدها ،ولو أراد ال
سبحانه وتعالى أن يكون إبليس مقهورا على الطاعة ما كان يستطيع أن يعصي .ولكن معصيته
جاءت من أنه خلق مختارا ..والختيار هو الباب الذي دخل منه إلى المعصية .هذه حقيقة يجب
أن نفهمها .ولذلك يرد الحق سبحانه وتعالى على كل من سيخطر بباله أن أمر السجود لم يشمل
إبليس لكونه من الجن لقوله سبحانه وتعالى {:قَالَ مَا مَ َن َعكَ َألّ َتسْجُدَ إِذْ َأمَرْ ُتكَ }[العراف]12 :
سجُدُ ِلمَنْ خََل ْقتَ طِينا }
وكان كفر إبليس وخلوده في النار أنه رد المر على المر .وقال {:أَأَ ْ
[السراء]61 :
وقد كان وجود إبليس مع العلى منه وهم الملئكة .مبررا أكبر للسجود.
فمادام قد صدر المر إلى العلى بالسجود فإنه ينطبق على الدنى.
وقد كان إبليس كما جاء في الثر يسمى طاووس الملئكة ..وكان يزهو بخيلء بينهم ..وهذه
الخيلء أو الكبر هو الذي جعله يقع في المعصية ،ولن إبليس خلق مختارا .فقد كان مزهوا
باختياره لطاعة ال ..قبل أن يقوده غروره إلى الكفر والمعصية .ولذلك لم يكد يصدر المر من
ال بالسجود لدم .حتى امتنع إبليس تكبرا منه ..ولم يجاهد نفسه على طاعة ال ..فمعصية إبليس
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هي معصية في القمة .لنه رد المر على المر وظن أنه خير من آدم ..ولم يلتزم بطاعة ال،
ومضى غروره يقوده من معصية إلى أخرى .فطرده ال من رحمته وجعله رجيما .ولما عرف
إبليس أنه طرد من رحمة ال طلب من ال سبحانه وتعالى أن يبقيه إلى يوم الدين ،وأقسم إبليس
بعزة ال أن يغري بني آدم.
.حدد الماكن التي يأتي منها الغواء .فقال {:ثُ ّم لتِيَ ّنهُمْ مّن بَيْنِ أَيْدِيهِ ْم َومِنْ خَ ْلفِهِمْ وَعَنْ أَ ْيمَا ِن ِهمْ
جدُ َأكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ }[العراف]17 :
شمَآئِِلهِ ْم َولَ تَ ِ
وَعَن َ
نلحظ هنا أن الجهات بالنسبة للنسان ستة .اليمين والشمال .والمام والخلف وأعلى وأسفل،
ولكن إبليس لم يذكر إل أربعة فقط .أما الجهتان الخيرتان وهما العلى والسفل .فل يستطيع
إبليس أن يقترب منهما .أما السفل فهو مكان السجود والخضوع ل .وأما العلى فهو مكان
صعود الصلة والدعاء .وهذان المكانان ل يستطيع إبليس أن يقترب منهما.
وهكذا نرى أن إبليس لم يمتنع عن السجود فقط .وإنما رد المر على المر .وهذا أول الكفر .ثم
بعد ذلك مضى في غيه فتوعد آدم وذريته بأن يضلهم عن سبيل ال.
()38 /
جكَ ا ْلجَنّ َة َوكُلَا مِ ْنهَا رَغَدًا حَ ْيثُ شِئْ ُتمَا وَلَا َتقْرَبَا َه ِذهِ الشّجَ َرةَ فَ َتكُونَا مِنَ
سكُنْ أَ ْنتَ وَ َزوْ ُ
َوقُلْنَا يَا َآدَمُ ا ْ
الظّاِلمِينَ ()35
بعد أن خلق ال سبحانه وتعالى آدم وأمر الملئكة أن تسجد له وحدث كفر إبليس ومعصيته أراد
ال جل جلله أن يمارس آدم مهمته على الرض .ولكنه قبل أن يمارس مهمته أدخله ال في
تجربة عملية عن المنهج الذي سيتبعه النسان في الرض ،وعن الغواية التي سيتعرض لها من
إبليس .فال سبحانه وتعالى رحمة منه لم يشأ أن يبدأ آدم مهمته في الوجود على أساس نظري،
لن هناك فرقا بين الكلم النظري والتجربة.
قد يقال لك شيء وتوافق عليه من الناحية النظرية ولكن عندما يأتي الفعل فإنك ل تفعل شيئا .إذن
فالفترة التي عاش فيها آدم في الجنة كانت تطبيقا عمليا لمنهج العبودية ،حتى إذا ما خرج إلى
مهمته لم يخرج بمبدأ نظري ،بل خرج بمنهج عملي تعرض فيه ل فعل ول تفعل .والحلل
والحرام ،وإغواء الشيطان والمعصية .ثم بعد ذلك يتعلم كيف يتوب ويستغفر ويعود إلى ال.
وليعرف بنو آدم أن ال ل يغلق بابه في وجه العاصي ،وإنما يفتح له باب التوبة .وال سبحانه
وتعالى أسكن آدم الجنة .وبعض الناس يقول :أنها جنة الخلد التي سيدخل فيها المؤمنون في
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الخرة .وبعضهم قال :لول أن آدم عصى لكنا نعيش في الجنة .نقول لهم ل ..جنة الخرة هي
للخرة ول يعيش فيها إنسان فترة من الوقت ثم بعد ذلك يطرد منها بل هي كما أخبرنا ال تعالى
جنة الخلد ..كل من دخلها عاش في نعيم أبدي.
إذن فما هي الجنة التي عاش فيها آدم وحواء؟ هذه الجنة هي جنة التجربة أو المكان الذي تمت
فيه تجربة تطبيق المنهج .ونحن إذا قرأنا القرآن الكريم نجد أن الحق سبحانه وتعالى قد أطلق لفظ
الجنة على جنات الرض .والجنة تأتي من لفظ " جن " وهو الستر ،ذلك أن فيها أشجارا كثيفة
تستر من يعيش فيها فل يراه أحد .وفيها ثمرات تعطيه استمرار الحياة فل يحتاج إلى أن يخرج
سمُواْ
منها .ونجد في القرآن الكريم قوله تعالى {:إِنّا بََلوْنَا ُهمْ َكمَا بََلوْنَآ َأصْحَابَ الْجَنّةِ إِذْ َأقْ َ
لَ َيصْ ِرمُ ّنهَا ُمصْبِحِينَ * َولَ َيسْتَثْنُونَ }[القلم]18-17 :
وهذه قصة الخوة الذين كانوا يملكون جنة من جنان الرض فمنعوا حق الفقير والمسكين واليتيم،
فذهب ال بثمر الجنة كلها وأحرق أشجارها .وهناك في سورة الكهف قصة صاحب الجنتين :في
جعَلْنَا
ل وَ َ
خٍح َففْنَا ُهمَا بِنَ ْ
ب وَ َ
جعَلْنَا لَحَ ِد ِهمَا جَنّتَيْنِ مِنْ أَعْنَا ٍ
قوله تعالى {:وَاضْ ِربْ ل ُهمْ مّثَلً رّجُلَيْنِ َ
بَيْ َن ُهمَا زَرْعا }[الكهف]32 :
وهي قصة ذلك الرجل الذي أعطاه ال جنتين ..فبدل من أن يشكر ال تعالى على نعمه ..كفر
وأنكر البعث والحساب .وفي سورة سبأ اقرأ قوله تعالى عن أهل سبأ الذين هداهم ال وبين لهم
الطريق المستقيم ولكنهم فضلوا الكفر.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
والحق سبحانه وتعالى يقولَ } :وكُلَ مِ ْنهَا رَغَدا حَ ْيثُ شِئْ ُتمَا { فال سبحانه وتعالى أمد الجنة التي
سكنها آدم وحواء بكل ما يضمن استمرار حياتهما ،تماما كما خلق كل النعم التي تضمن استمرار
حياة آدم وذريته في الرض قبل أن تبدأ الحياة البشرية على الرض .فال سبحانه وتعالى له
عطاء ربوبية فهو الذي خلق .وهو الذي أوجد من عدم ،ولذلك فقد ضمن لخلقه ما يعطيهم
استمرار الحياة على الرض من ماء وهواء وطعام ونعم ل تعد ول تحصى فكأن ال تعالى قد أمد
الجنة التي سكن فيها آدم وزوجته بكل عوامل استمرار حياتهما قبل أن يسكناها .كما أمد الرض
سكُنْ أَ ْنتَ
بكل وسائل استمرار حياة النسان قبل أن ينزل آدم إليها .إذن فقوله تعالى } :يَآءَا َدمُ ا ْ
جكَ الْجَنّةَ {.
وَ َزوْ ُ
هذه فترة التدريب على تطبيق المنهج .والسكن هو المكان الذي يرتاح فيه النسان ويرجع إليه
دائما .فأنت قد تسافر فترات ،وكل الدول التي تمر بها خلل سفرك ل تعتبر سكنا إلى أن تعود
إلى بيتك ،فهذا هو السكن والرجل يكد ويتعب في الحياة وأينما ذهب فإنه يعود مرة أخرى إلى
المكان الذي يسكنه ليستريح فيه.
وقوله تعالى } :وَلَ َتقْرَبَا هَـا ِذهِ الشّجَ َرةَ { هو استكمال للمنهج .فهناك أمر ونهي افعل ول
جكَ الْجَنّةَ { أمرَ } :وكُلَ مِ ْنهَا رَغَدا { أمرَ } ،ولَ َتقْرَبَا هَـا ِذهِ الشّجَ َرةَ
ت وَ َزوْ ُ
سكُنْ أَ ْن َ
تفعل } :ا ْ
{ نهي وهذا أول منهج يعلم النسان الطاعة ل سبحانه وتعالى والمتناع عما نهى عنه ،وكل
رسائل السماء ومناهج ال في الرض أمر ونهي.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يقتضيها الفعل.
ولكن حين يتكلم الحق سبحانه وتعالى عن شهادة التوحيد يقول " إنني أنا ال " ول يقول :إنما نحن
ال ..لنه جل جلله .يريد توحيدا .ففي موقع التوحيد يأتي بضمير الفراد واحد أحد ..أما في
سمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَييْ ٍد وَإِنّا
صدر الحداث .فيأتي بضمير الكبرياء والعظمة .واقرأ قوله تعالى {:وَال ّ
سعُونَ }[الذاريات]47 :
َلمُو ِ
وعندما أراد الحق تبارك وتعالى أن يمتدح إبراهيم قال } :إِنّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ ُأمّةً { ما معنى ُأمّة؟ أي
جامعا لصفات الخير التي ل تجتمع في فرد ولكنها تجتمع في أمة .فالمة تجتمع فيها صفات
الخير ..هذا متميز بالصدق ،وذلك بالشجاعة .وهذا بالحلم .فأراد الحق سبحانه وتعالى أن يقول
إن إبراهيم كان أمة أي أنه كان جامعا لصفات الخير.
وفي قوله } وقُلْنَا يَآءَا َدمُ { آدم اسم علم على المسمى الذي هو أول خلق ال من البشر " واسكن "
تحتاج إلى عنصرين :الهدوء والطمئنان ..هذا هو معنى اسكن .توفير الهدوء والطمئنان ،ومنه
أخذ اسم السكن .وكلمة المسكن وأطلق على الزوجة ..وإذا فقد المكان الذي تسكن فيه عنصرا من
هذين العنصرين وهما الهدوء والطمأنينة ل يقال عليه مسكن .والزوجة سميت سكنا كما جاء في
حمَةً }
ج َعلَ بَيْ َنكُم ّموَ ّد ًة وَرَ ْ
سكُنُواْ إِلَ ْيهَا وَ َ
سكُمْ أَ ْزوَاجا لّ َت ْ
قوله تعالىَ {:ومِنْ آيَاتِهِ أَنْ خََلقَ َلكُم مّنْ أَنفُ ِ
[الروم]21 :
لن الهدوء والرحمة والبركة تتوافر في الزوجة الصالحة .والحق سبحانه وتعالى يقول:
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وهكذا نرى من الوصاف التي أعطاها ال سبحانه وتعالى لنا لهذه الجنة أنها ليست جنة الخرة.
لنه أول فيها تكليف .في قوله تعالىَ } :ولَ َتقْرَبَا هَـا ِذهِ الشّجَ َرةَ { وجنة الخرة ل تكليف فيها،
والحق تبارك وتعالى أباح لدم وحواء أن يأكل كما يشاءان من الجنة .والجنة فيها أصناف كثيرة
متعددة .ولذلك قال } :حَ ْيثُ شِئْ ُتمَا {
وأنت ل تستطيع أن تقدم لنسان صنفا أو صنفين وتقول له كل ما شئت .لنه ل يوجد أمامه إل
مجال ضيق للختيار ،كما أن قلة عدد الصناف تجعل النفس تمل .ولذلك لبد أن يكون هناك
أصناف متعددة وكثيرة.
ثم جاء النهي .في قوله تعالىَ } :ولَ َتقْرَبَا هَـا ِذهِ الشّجَ َرةَ { أي ل تقتربا من مكانها .ولكن لماذا
لم يقل الحق سبحانه وتعالى ول تأكل من هذه الشجرة؟ .لن ال جل جلله رحمة بآدم وزوجه
كان ل يريدهما أن يقعا في غواية المعصية .فلو أنه قال :ول تأكل من هذه الشجرة لكان مباحا
لهما أن يقتربا منها فتجذبهما بجمال منظرها ويقتربا من ثمارها فتفتنهما برائحتها العذبة ولونها
الجذاب .حينئذ يحدث الغواء .وتمتد أيديهما تحت هذا الغراء إلى الشجرة ليأكل منها.
ولكن ال تعالى يعلم أن النفس البشرية إذا حرم عليها شيء ولم تحم حوله كان ذلك أدعى أل
تفعله .فال تعالى حين حرم الخمر لم يقل حرمت عليكم الخمر وإل كنا جلسنا في مجالس الخمر
ومع الذين يشربونها .أو نتاجر فيها وهذا كله إغراء بشرب الخمر ..ولكنه قال {:يَاأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ
ع َملِ الشّ ْيطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ َلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ }
خمْ ُر وَا ْلمَيْسِرُ وَالَنصَابُ وَالَ ْزلَمُ ِرجْسٌ مّنْ َ
إِ ّنمَا الْ َ
[المائدة]90 :
هذا النص الكريم قد جعلنا نبتعد عن الماكن التي فيها الخمور .فل نجلس مع من يشربونها ،ول
نتاجر فيها حتى ل نقع في المعصية .فإذا رأيت مكانا فيه خمر فابتعد عنه في الحال .حتى ل
يغريك منظر الخمر وشاربها بأن تفعل مثله .والحق جل جلله يقول في المحرمات " :ل تقربوا "
واجتنبوا ..أي ل تحوموا حولها .لنها إذا كانت غائبة عنك فل تخطر على بالك فل تقع فيها.
ولذلك يقول الرسول صلى ال عليه وسلم:
ن وبينهما أمور مشتبهات ل يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات
للَ بَيّنٌ والْحَرَامَ بَيّ ٌ
" إنّ ا ْلحَ َ
فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى
حمَى أل وإِن حمى ال محارمه "
يوشك أن يقع فيه أل وإن لكل مََلكٍ ِ
ولقد كان بعض الناس يقبلون على شرب الخمر ويقولون إنه لم يرد فيها تحريم صريح ..فلم تأت
مسبوقة بكلمة حرمت ..نقول إن كلمة اجتنبوا .أشد من التحريم .فقوله تعالى } :فَاجْتَنِبُواْ الرّجْسَ
لوْثَانِ { معناه أل تنظر حتى إلى الصنم .واجتناب الخمر أل تقع عينك عليها..
ناَ
مِ َ
وقد اختلف الناس في نوع هذه الشجرة .وهل هي شجرة تفاح أو تين أو عنب أو غير ذلك .ونحن
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
نقول :ليس هذا هو المقصود .ولكن المقصود هو التحريم .لن منهج ال سبحانه وتعالى يحلل
أشياء .ويحرم أشياء.
وقوله تعالى } :فَ َتكُونَا مِنَ ا ْلظّاِلمِينَ { الظلم هو الجور والتعدي على حقوق الغير .والظالم هو من
أخذ فوق ما يستحقه بغير حق .والظلم يقتضي ظالما ومظلوما .وموضوعا للظلم .فكل حق ـ
سواء كان ماديا أو معنويا ـ يعتدي عليه إنسان بدون حق فقد حمل ظلما .حتى النسان أنه أحيانا
سهُمْ َذكَرُواْ اللّهَ }[آل عمران:
يظلم نفسه .واقرأ قوله تعالى {:وَالّذِينَ إِذَا َفعَلُواْ فَاحِشَةً َأوْ ظََلمُواْ أَ ْنفُ َ
]135
كيف يظلم النسان نفسه؟ قد يظلم النسان غيره .ولكنه ل يظلم نفسه أبدا لنه يريد أن يعطيها كل
ما تشتهيه .وهذا هو عين الظلم للنفس .لنه أعطاها شهوة عاجلة في الدنيا .ربما استمرت
ساعات .وحرمها من نعيم أبدي في الخرة .فكأنه ظلمها بأن أعطاها عذابا أليما في الخرة مقابل
متعة زائلة ل تدوم ..وهناك من يبيع دينه بدنياه .ولكن أظلم الناس لنفسه من يبيع دينه .بدنيا
غيره .يشهد زورا .ليرضي رئيسا .أو يتقرب لمسئول .أو يرتكب جريمة ..إذن قوله تعالى} :
فَ َتكُونَا مِنَ ا ْلظّاِلمِينَ { أي من الذين ظلموا أنفسهم بمعصية ال.
()39 /
بعد أن أسكن ال سبحانه وتعالى آدم وزوجه في الجنة .وأخبرهما بما هو حلل وما هو حرام .بدأ
الشيطان مهمته .مهمة عداوته الرهيبة لدم وذريته .والحق سبحانه يقول { :فَأَزَّل ُهمَا الشّيْطَانُ } أي
أن الشيطان باشر مهمته فأوقعهما في الزلة .وهي العثرة أو الكبوة .كيف حدث ذلك وال تعالى قد
نصح آدم وزوجه أل يتبعا الشيطان .وأبلغه أنه عدو لهما .في قوله تعالى .. {:إِنّ هَـاذَا عَ ُدوّ ّلكَ
شقَىا }[طه]117 :
جكَ فَلَ يُخْ ِرجَ ّن ُكمَا مِنَ الْجَنّةِ فَتَ ْ
وَلِ َزوْ ِ
إذن فالعداوة معلنة ومسبقة .ولنفرض أنها غير معلنة .ألم يشهد آدم الموقف الذي عصى فيه
إبليس أمر ال ولم يسجد لدم؟ ألم يعرف مدى تكبر إبليس عليه .في قوله { أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ } وقوله {
سجُدُ ِلمَنْ خََل ْقتَ طِينا } كل هذا كان ينبغي أن ينبه آدم إلى أن إبليس لن يأتي له بخير أبدا..
أَأَ ْ
والحق سبحانه وتعالى لم يكتف بالدللت الطبيعية التي نشأت عن موقف إبليس في رفضه
السجود .بل أخبر آدم أن الشيطان عدو له ولزوجه ..يقول الحق سبحانه وتعالى { :فَأَزَّل ُهمَا
ج ُهمَا ِممّا كَانَا فِيهِ } من ماذا أخرجهما؟ من العيش الرغيد .واسع النعمة في
الشّ ْيطَانُ عَ ْنهَا فَأَخْ َر َ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الجنة .ومن الهدوء والطمئنان في أن رزقهما يأتيهما بل تعب .ولذلك سيأتي الحق في آية أخرى
شقَىا }
ويقول { :فَلَ يُخْ ِرجَ ّن ُكمَا مِنَ الْجَنّةِ فَتَ ْ
وهنا لبد أن نتساءل :لماذا لم يقل فتشقيا؟
إن هذه لفتة من الحق سبحانه وتعالى ..إلى مهمة المرأة ومهمة الرجل في الحياة .فمهمة المرأة
أن تكون سكنا لزوجها عندما يعود إلى بيته .تذهب تعبه وشقاءه .أما مهمة الرجل فهي العمل
حتى يوفر الطعام والمسكن لزوجته وأولده .والعمل تعب وحركة.
وهكذا لفتنا الحق تبارك وتعالى إلى أن مهمة الرجل أن يكدح ويشقى .ثم يأتي إلى أهله فتكون
السكينة والراحة والطمئنان.
إذا كانت هذه هي الحقيقة .فلماذا يأتي العالم ليغير هذا النظام؟
نقول إن العالم هو الذي يتعب نفسه .ويتعب الدنيا .فعمل المرأة شقاء لها .فمهمتها هي البيت.
وليس عندها وقت لي شيء آخر .فإذا عملت فذلك على حساب أولدها وبيتها وزوجها ..ومن
هنا ينشأ الشقاء في المجتمع .فيضيع الولد .ويهرب الزوج إلى مكان فيه امرأة تعطيه السكن
الذي يحتاج إليه .وينتهي المجتمع إلى فوضى..
وكان يجب على آدم أن يتنبه إلى أن إبليس يعتبره السبب في طرده من رحمة ال .فل يقبل منه
نصيحة ول كلما ويحتاط ..كيف أزل الشيطان آدم وزوجه؟ لقد شرح ال سبحانه وتعالى لنا هذا
سوَسَ َل ُهمَا الشّيْطَانُ لِيُ ْب ِديَ َل ُهمَا
ولكن ليس في سورة البقرة وإنما في آية أخرى ..فقال تعالىَ {:فوَ ْ
سوْءَا ِت ِهمَا َوقَالَ مَا َنهَا ُكمَا رَ ّب ُكمَا عَنْ هَـا ِذهِ الشّجَ َرةِ ِإلّ أَن َتكُونَا مََلكَيْنِ َأوْ
مَا وُورِيَ عَ ْن ُهمَا مِن َ
َتكُونَا مِنَ الْخَاِلدِينَ }
[العراف]20 :
إذن فإبليس قال كاذبا أن من يأكل من هذه الشجرة يصبح ملكا .ويصبح خالدا ل يموت..
ووسوسة الشيطان تتم بكلم كاذب لتزيين المعصية ،والشيطان ل يهمه أي معصية ارتكبت .وإنما
يريدك عاصيا على أي وجه .ولكن النفس عندما توسوس لك بالمعصية ،تريد شيئا بذاته .وهذا هو
الفرق بين وسوسة الشيطان .ووسوسة النفس .فالشيطان يريدك عاصيا بأي ذنب .فإن امتنعت في
ناحية أتاك من ناحية أخرى .فقد قال لدم :هل أدلك على شجرة الخلد وملك ل يبلى " ولكن هذه
المحاولة لم تفلح .فقال لهما } :مَا َنهَا ُكمَا رَ ّب ُكمَا عَنْ هَـا ِذهِ الشّجَ َرةِ ِإلّ أَن َتكُونَا مََلكَيْنِ َأوْ َتكُونَا
مِنَ الْخَاِلدِينَ { وفات على آدم أنه لو كان هذا صحيحا ..لكل إبليس من الشجرة ..ولم يطلب من
الحق سبحانه وتعالى أن يمهله إلى يوم الدين..
ع ِهدْنَآ
ما الذي اسقط آدم في المعصية؟ إنها الغفلة أو النسيان .والحق سبحانه وتعالى يقول {:وَلَقَدْ َ
ي وَلَمْ َنجِدْ لَهُ عَزْما }[طه]115 :
سَإِلَىا ءَادَمَ مِن قَ ْبلُ فَنَ ِ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وهل النسيان معصية .حتى يقول الحق سبحانه وتعالى {:وَعَصَىا ءَادَمُ رَبّهُ َف َغوَىا }[طه]121 :
نعم النسيان كان معصية في المم السابقة .لذلك يقول النبي صلى ال عليه وسلم " رفع عن أمتي
الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه "
ونسي وعصى .تؤدي معنى واحدا..
ضكُمْ لِ َب ْعضٍ عَ ُد ّو وََلكُمْ فِي الَ ْرضِ مُسْ َتقَرّ َومَتَاعٌ إِلَىا حِينٍ }
وقوله تعالى {:قَالَ اهْبِطُواْ َب ْع ُ
[العراف]24 :
هذا الهبوط هو بداية نزول النسان إلى الرض ليباشر مهمته في الدنيا .ومادام الحق سبحانه
وتعالى قال } :وََلكُمْ فِي الَ ْرضِ مُسْ َتقَ ّر َومَتَاعٌ إِلَىا حِينٍ { .فهي إذن حياة موقوته على قدر وقتها،
وعلى قدر حجمها..
والذين يقولون بأنه لبد من وجود بشر نسميه مخَلّصا .ليفدي العالم بصلبه أو بغير ذلك من
الخطيئة التي ارتكبها آدم .نقول له :أنك لم تفهم عن ال شيئا ،لن القصة هي هنا خطأ قد حدث
وصُوب .وفرق بين الخطأ والخطيئة .فالخطأ يصوب .ولكن الخطيئة يعاقب عليها.
وآدم أخطأ وصوب ال له .وتلقى من ربه كلمات فتاب عليه .إذن ل توجد خطيئة بعد أن علمه ال
التوبة وتاب إلى ال .ثم ماذا فعل آدم .حتى نقول نخلص العالم من خطيئة آدم .إنه أكل من
الشجرة .وهل خطايا العالم كلها أكل؟!
من الذين أوجد القتل وسفك الدماء ،والزنا والغتصاب والنميمة والغيبة؟
لو أن كلمهم صحيح لكان لبد أل توجد خطيئة على الرض مادام قد وجد المخلّص الذي فدى
العالم من الخطيئة .ولكن الخطيئة باقية .ومن الذي قال أن الخطيئة تورث .حتى يرث العالم كله
خطيئة آدم؟! .وال سبحانه وتعالى يقولَ } :ولَ تَزِ ُر وَازِ َر ٌة وِزْرَ أُخْرَىا {..
ضكُمْ لِ َب ْعضٍ عَ ُدوّ { العداوة هنا بين الشيطان
وقول الحق سبحانه وتعالى } َوقُلْنَا اهْبِطُواْ َب ْع ُ
والنسان.
والعداوة أيضا بين شياطين النس والمؤمنين ،هذه العداوة التي تؤدي بنا إلى نشاط وتنبه.
فالمستشرقون يعادون السلم .ولكن معاداتهم هذه تعطينا نشاطا لكي نبحث ونطلع حتى نرد
عليهم .وجنود الشيطان من النس يعادون المؤمنين .وعداواتهم هذه تعطينا مناعة أل نخطئ ول
نغفل .فأنت مادام لك عدو ..فحاول أن تتفوق عليه بكل السبل.
ولعل الحضارة النسانية ل ترتقي بسرعة قدر ارتقائها وقت الحروب .ففيها يحاول كل خصم أن
يتغلب على خصمه .وتجند كل القوى للتفوق علميا على الدول الخرى .هذه الرتقاءات
والختراعات .قد تكون للتدمير والقتل .ولكن بعد أن تنتهي الحرب توجه إلى ارتقاءات النسان
في الرض .فتفتيت الذرة وصلوا إليه في الحروب .والصواريخ التي وصل النسان بها إلى القمر
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
كانت نتيجة حرب ،والرتقاءات العلمية المختلفة التي تمت في أمريكا والتحاد السوفيتي كان
أساسها عداء كل معسكر للخر.
ع ُدوّ { ..الهبوط قد يكون من مكان أعلى إلى مكان أسفل.
وقوله تعالى } اهْ ِبطُواْ َب ْعضُكُمْ لِ َب ْعضٍ َ
وقد يكون لهبوط معنويا .بأن تقول هذا النسان هبط في نظري منذ فعل كذا .هو لم يهبط من
مكان أعلى إلى مكان أسفل.
ولكنه هبط في قيمته .والمسافات ل تعني قربا أو بعدا .فقد يكون إنسان يجلس إلى جوارك وأنت
بعيد عنه ل تحس به .وقد يكون هناك إنسان بعيد عنك بمئات الميال ولكنه قريب إلى قلبك أكثر
من ذلك الجالس إلى جوارك .وسواء كان الهبوط ماديا أو معنويا .فإنه حدث ليباشر آدم مهمته
على الرض ..والعداوة بين اليمان والكفر مستمرة.
وهكذا بعد معصية آدم .هبط هو وحواء من الجنة ليمارسا حياتهما على الرض ..وقوله تعالى "
اهبطوا " معناه أن آدم وحواء وإبليس هبطوا إلى الرض بعد أن تمت التجربة اليمانية.
لقد بين ال تعالى لدم عمليا أن إبليس عدو له .ل يريد له الخير .وأنه كاذب في كل ما يعد به
النسان .وقد حدد ال الحياة الدنيا بأنها حياة موقوتة .قدراتها محدودة .ومتاعها محدود ..في قوله
تعالى } :وََلكُمْ فِي الَ ْرضِ مُسْ َتقَ ّر َومَتَاعٌ ِإلَىا حِينٍ {.
أي ل أحد سيبقى في الرض إل بمقدار ما قدر ال له من عمر ثم يموت .وبهذا حذر ال آدم
وذريته من أن يتخذوا من الحياة هدفا لن متاعها قليل ،وأمدها قصير.
()40 /
فَتََلقّى َآدَمُ مِنْ رَبّهِ كَِلمَاتٍ فَتَابَ عَلَ ْيهِ إِنّهُ ُهوَ ال ّتوّابُ الرّحِيمُ ()37
نزل آدم وحواء إلى الرض ليمارسا مهمتهما في الكون .وقبل أن يبدآ هذه المهمة .جعلهما ال
سبحانه وتعالى يمران بتجربة عملية بالنسبة لتطبيق المنهج وبالنسبة لغواء الشيطان .وحذرهما
بأن الشيطان عدو لهما ..كان لبد بعد أن وقعت المعصية أن يشرع ال تعالى التوبة رحمة
بعباده .ذلك أن تشريع التوبة ليس رحمة بالعاصي وحده ،ولكنه رحمة بالمجتمع كله .فالنسان إذا
عصى وعرف أنه ..ل توبة له وأنه محكوم عليه بالخلود في النار .يتمادى في إجرامه .لنه مادام
ل أمل له في النجاة من عذاب الخرة .فإنه يتمادى في المعصية .لنه ل أمل في الغفران أو
التوبة..
من الذي سيعاني في هذه الحالة؟ إنه المجتمع الذي يعيش فيه ذلك العاصي .وسيكون المؤمنون
أكثر الناس معاناة لنهم أهل خير وتسامح .ولن ال سبحانه وتعالى ..أمرهم بالعفو .والصفح.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سعَةِ أَن ُيؤْتُواْ ُأوْلِي ا ْلقُرْبَىا وَا ْلمَسَاكِينَ
ضلِ مِنكُ ْم وَال ّ
واقرأ قوله تبارك وتعالىَ {:ولَ يَأْ َتلِ ُأوْلُواْ ا ْلفَ ْ
غفُورٌ رّحِيمٌ }
صفَحُواْ َألَ تُحِبّونَ أَن َي ْغفِرَ اللّهُ َلكُ ْم وَاللّهُ َ
وَا ْل ُمهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَلْ َي ْعفُواْ وَلْ َي ْ
[النور]22 :
ضلَ بَيْ َنكُمْ }[البقرة]237 :
سوُاْ ا ْلفَ ْ
وقوله تعالى {:وَأَن َت ْعفُواْ َأقْ َربُ لِل ّتقْوَىا َولَ تَن َ
وهناك آيات كثيرة في القرآن الكريم تحث المؤمنين على العفو .ورسول ال صلى ال عليه وسلم
يقول:
" أوصاني ربي بتسع أوصيكم بها :أوصاني بالخلص في السر وفي العلنية .والقصد في الغنى
والفقر وأن أعفو عمن ظلمني ،وأعطي من حرمني ،وأصل من قطعني ،وأن يكون صمتي فكرا
ونطقي ذكرا ،ونظري عبرا "
فالتوبة لو لم تشرع لعانى المجتمع كله .وخاصة المؤمنين الذي أمروا أن يقابلوا العدوان بالصفح
والظلم بالعفو .ولذلك كان تشريع التوبة من ال سبحانه وتعالى .رحمة بالناس كلهم.
وال جل جلله شرع التوبة أول .ثم بعد أن شرعها تاب العاصي .ثم بعد ذلك يقبل ال التوبة أو
ل يقبلها تبعا لمشيئته .واقرأ قوله تعالى {:ثُمّ تَابَ عَلَ ْي ِهمْ لِيَتُوبُواْ إِنّ اللّهَ ُهوَ ال ّتوّابُ الرّحِيمُ }[التوبة:
]118
آدم تلقى من ربه كلمات فتاب عليه .أتوجد خطيئة بعد توبة آدم وقبول ال سبحانه وتعالى هذه
التوبة؟ إن بعض الناس يقول أن آدم قد عصى وتاب ال عليه .وإبليس قد عصى فجعله ال خالدا
في النار .نقول :إنكم لم تفهموا ماذا فعل آدم؟ أكل من الشجرة المحرمة .وعندما علم أنه أخطأ
وعصى .لم يصر على المعصية .ولم يرد المر على المر .ولكنه قال يا رب أمرك ومنهجك
حق .ولكنني لم أقدر على نفسي فسامحني.
أعترف آدم بذنبه .واعترف بضعفه .واعترف بأن المنهج حق .وطلب التوبة من ال سبحانه
وتعالى .ولكن إبليس رد المر على المر .قال { :قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ خََلقْتَنِي مِن نّا ٍر وَخََلقْتَهُ مِن
ج َمعِينَ * ِإلّ عِبَا َدكَ
غوِيَ ّنهُمْ َأ ْ
طكَ ا ْلمُسْ َتقِيمَ } وقال { :فَ ِبعِزّ ِتكَ لُ ْ
ل ْقعُدَنّ َلهُ ْم صِرَا َ
طِينٍ } وقال { َ
خَلصِينَ } وقال { :لَحْتَ ِنكَنّ ذُرّيّ َتهُ ِإلّ قَلِيلً } فإبليس هنا رد المر على المر.
مِ ْنهُمُ ا ْلمُ ْ
لم يعترف بذنبه .ويقول يا رب غلبني ضعفي .وأنت الحق وقولك الحق .ولكنه رد المر على ال
تعالى وعاند وقال سأفعل كذا وسأفعل كذا .وهذا كفر بال.
إياك أن ترد المر على ال سبحانه وتعالى .فإذا كنت ل تصلي ..فل تقل وما فائدة الصلة .وإذا
لم تكن تزكي .فل تقل تشريع الزكاة ظلم للقادرين .وإذا كنت ل تطبق شرع ال .فل تقل أن هذه
الشريعة لم تعد تناسب العصر الحديث .فإنك بذلك تكون قد كفرت والعياذ بال .ولكن قل يا ربي
إن فرض الصلة حق .وفرض الزكاة حق .وتطبيق الشريعة حق .ولكنني ل أقدر على نفسي.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فارحم ضعفي يا رب العالمين .إن فعلت ذلك .تكن عاصيا فقط.
إن الفرق بين معصية آدم ومعصية إبليس .أن آدم اعترف بمعصيته وذنبه .ولكن إبليس رد المر
على المر .فيكون آدم قد عصى ،وإبليس قد كفر والعياذ بال.
ويقول الحق سبحانه وتعالى } :فَتََلقّىا ءَا َدمُ مِن رّبّهِ كَِلمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ { هذه الكلمات التي تلقاها
آدم .أراد العلماء أن يحصروها .ما هذه الكلمات؟ هل هي قول آدم كما جاء في قوله تعالى {:قَالَ
حمْنَا لَ َنكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }[العراف]23 :
رَبّنَا ظََلمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لّمْ َت ْغفِرْ لَنَا وَتَرْ َ
هذه الية الكريمة .دلتنا على أن ذنب آدم لم يكن من ذنوب الستكبار .ولكن من ذنوب الغفلة..
بينما كان ذنب إبليس من ذنوب الستكبار على أمر ال .ولكن آدم عندما عصى حدث منه
انكسار.
فقال :يا ربي أمرك بأل أقرب الشجرة حق .ولكني لم أقدر على نفسي .فآدم أقر بحق ال في
التشريع .بينما إبليس اعترض على هذا المر وقال:
خَلقْتَ طِينا {
جدُ ِلمَنْ َ
} أََأسْ ُ
الكلمات التي تلقاها آدم من ال سبحانه وتعالى قد تكون } :رَبّنَا ظََلمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لّمْ َتغْفِرْ لَنَا
حمْنَا لَ َنكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ { وقد تكون ..:اللهم ل إله إل أنت سبحانك ربي وبحمدك .إني
وَتَرْ َ
ظلمت نفسي ظلما كثيرا فاغفر لي يا خير الغافرين ..أو اقبل توبتي يا خير التوابين ..أو قال:
سبحان ال والحمد ل ول إله إل ال ..المهم أن ال سبحانه وتعالى قد أوحى لدم بكلمات يتقرب
بها إليه .سواء كانت هذه الية الكريمة أو كلمات أخرى.
لو نظرنا إلى تعليم ال آدم لكلمات ليتوب عليه .لوجدنا مبدأ مهما في حياة المجتمع .لن ال
سبحانه وتعالى كما قلنا ..لو لم يشرع التوبة ولو لم يبشرنا بأنه سيقبلها .لكان الذي يذنب ذنبا
واحدا ل يرجع عن المعصية أبدا .وكان العالم كله سيعاني.
.
وال سبحانه وتعالى خلقنا مختارين ولم يخلقنا مقهورين .القهر يثبت صفة القدرة ل ،ولكن ال
سبحانه وتعالى يريد منا أن نأتي عن حب وليس عن قهر .ولذلك خلقنا مختارين .وجعل لنا طاقة
تستطيع أن تعصي وأن تطيع .ومادام هناك اختيار ..فالنسان يختار هذه أو تلك..
إن ال لم يخلق بشرا يختارون الخير على طول الخط .وبشرا يختارون الشر في كل وقت .فهناك
من الخيرين من يقع في الشر مرة ،وهناك من الشريرين من يعمل الخير مرة .فالعبد ليس مخلوقا
أن يختار خيرا مطلقا .أو أن يختار شرا مطلقا ..ولذلك فأحيانا ننسى أو نسهو .أو نعصي .ومادام
العبد معرضا للخطيئة .فال سبحانه وتعالى شرع التوبة .حتى ل ييأس العبد من رحمة ال،
ويتوب ليرجع إلى ال .وقد جاء في الحكمة " :رب معصية أورثت ذل وانكسارا .خير من طاعة
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أورثت عزا واستكبارا ".
وهكذا عندما نزل آدم ليباشر مهمته في الحياة .لم يكن يحمل أي خطيئة على كتفيه ..فقد أخطأ
وعلمه ال تعالى كلمات التوبة .فتاب فتقبل ال توبته..
وقوله سبحانه وتعالى } :إِنّهُ ُهوَ ال ّتوّابُ الرّحِيمُ { ..كلمة تواب تدل على أن ال تعالى ل يأخذ
عباده بذنب واحد .لنه سبحانه وتعالى حتى لو تاب عن ذنب واحد لكل عبد من عباده كان توابا.
والمبالغة في الصفة تأتي من ناحيتين .أول أن المر يتكرر عدة مرات من عدد قليل من
الشخاص .أو من شخص واحد .أو أن المر يقع مرة واحدة ولكن من أشخاص كثيرين..
فإذا قلت مثل :فلن أكول ،قد يكون أكول لنه يأكل كمية كبيرة من الطعام .فيسمى أكول ..إنه ل
يتجاوز طعامه في عدد مراته وجبات الطعام العادي للنسان .ولكنه يأكل كمية كبيرة .فنسميه
أكول .فيأكل مثل عشرة أرغفة في الفطار ومثلها في الغداء ومثلها في العشاء.
وقد يكون النسان أكول إذا تكرر الفعل نفسه ..كأن يأكل كميات الطعام العادية ولكنه يأكل في
اليوم خمس عشرة مرة مثل ..فال سبحانه وتعالى تواب لن خلقه كثيرون .فلو اخطأ كل واحد
منهم مرة .يكون عدد ذنوبهم التي سيتوب ال عليها كمية هائلة .فإذا وجد من يذنب عدة مرات في
اليوم .فإن ال تعالى .يكون توابا عنه أيضا إذا تاب واتجه إليه..
إذن مرة تأتي المبالغة .في الحدث وإن كان الذي يقوم به شخص واحد .ومرة تأتي المبالغة في
الحدث لن من يقوم به أفراد متعددون..
إذن فآدم أذنب ذنبا واحدا .يقتضي أن يكون ال تائبا .ولكن ذرية آدم من بعده سيكونون خلقا
كثيرا ..فتأتي المبالغة من ناحية العدد..
وقوله تعالى } :إِنّهُ ُهوَ ال ّتوّابُ الرّحِيمُ { سيدنا عمر جاءته امرأة تصيح وتصرخ لن ابنها ضبط
سارقا.
وقالت لعمر ما سرق ابني إل هذه المرة .فقال لها عمر :ال أرحم بعبده من أن يأخذه من أول
مرة .لبد أنه سرق من قبل..
وأنا أتحدى أن يوجد مجرم يضبط من أول مرة.
كلمة تواب تدل على أنه يضبط بعد مرتين أو ثلث ،فال يستر عبده مرة ومرة .ولكن إذا ازداد
وتمادى في المعصية .يوقفه ال عند حده .وهذا هو معنى تواب.
والحق سبحانه وتعالى .تواب برحمته ..لن هناك من يعفو ويظل يمن عليك بالعفو .حتى أن
المعفو عنه يقول :ليتك عاقبتني ولم تمن علي بالعفو كل ساعة .لكن الحق سبحانه وتعالى .تواب
رحيم .يتوب على العبد .ويرحمه فيمحو عنه ذنوبه.
()41 /
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
خ ْوفٌ عَلَ ْيهِ ْم وَلَا ُهمْ يَحْزَنُونَ (
جمِيعًا فَِإمّا يَأْتِيَ ّنكُمْ مِنّي هُدًى َفمَنْ تَ ِبعَ هُدَايَ فَلَا َ
قُلْنَا اهْ ِبطُوا مِ ْنهَا َ
)38
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الهدى هنا في الية الكريمة ..بمعنى الدللة على طريق الخير .ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى:
خ ْوفٌ عَلَ ْي ِه ْم َولَ ُهمْ َيحْزَنُونَ }.
{ َفمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَ َ
ما هو الخوف وما هو الحزن؟ الخوف أن تتوقع شرا مقبل ل قدرة لك على دفعه فتخاف منه..
والحزن أن يفوتك شيء تحبه وتتمناه.
والحق سبحانه وتعالى يقول في هذه الية :من مشى في طريق اليمان الذي دللته عليه .وأنزلته
في منهجي .فل خوف عليهم .أي أنه ل خير سيفوتهم فيحزنوا عليه .لن كل الخير في منهج ال.
فالذي يتبع المنهج ل يخاف حدوث شيء أبدا.
وهذه تعطينا قضية مهمة في المجتمع .الذي لم يرتكب أية مخالفة ..هل يناله خوف؟ أبدا ..ولكن
من يرتكب مخالفة تجده دائما خائفا خشية أن ينكشف أمره ..ويفاجأ بشر ل قدرة له على دفعه.
إن النسان المستقيم ل يعيش الخوف .لن الخوف أمران .إما ذنب أنا سبب فيه .والسائر على
الطريق المستقيم لم يفعل شيئا يخاف انكشافه .وإما أمر ل دخل لي فيه .يجريه على خالقي .وهذا
لبد أن يكون لحكمة .قد أدركها .وقد ل أدركها ولكني أتقبلها .فالذي يتبع هدى ال .ل يخاف ول
يحزن .لنه لم يذنب .ولم يخرق قانونا .ولم يغش بشرا .أو يخفي جريمة .فل يخاف شيئا ،ولو
قابله حدث مفاجئ ،فقلبه مطمئن .والذين يتبعون ال .ل يخافون .ول يخاف عليهم ..وقوله تعالى:
} َولَ هُمْ يَحْزَنُونَ { لن الذي يعيش طائعا لمنهج ال ..ليس هناك شيء يجعله يحزن .ذلك أن
إرادته في هذه الحالة تخضع لرادة خالقه .فكل ما يحدث له من ال هو خير .حتى ولو كان يبدو
على السطح غير ذلك .ملكاته منسجمة وهو في سلم مع الكون ومع نفسه .والكون ل يسمع منه
إل التسبيح والطاعة والصلة .وكلها رحمة .فهو في سلم مع نفسه .وفي سلم مع ربه .وفي
سلم مع المجتمع.
إن المجتمع دائما يسعد بالنسان المؤمن الذي ل يفسد في الرض .بل يفعل كل خير .فالمؤمن
نفحة جمال تشع في الكون .ونعمة حسن ورضا مع كل الناس ومادام النسان كذلك .فلن يفقد ما
يسره أبدا .فإن أصابته أحداث ..أجراها ال عليه ..ل يقابلها إل بالشكر .وإن كان ل يعرف
حكمتها ..وإياك أن تعترض على ال في حكم.
ولذلك يقول :أحمدك ربي على كل قضائك وجميع قدرك .حمد الرضا بحكمك واليقين بحكمتك..
والنسان ينفعل للحداث .ولكن هناك فرق بين النفعال للحداث وحدها وبين النفعال للحداث
مع حكمة مجريها .ولذلك فإن رسول ال صلى ال عليه وسلم يعلمنا الدقة حينما قال " :إن العين
تدمع والقلب يحزن ول نقول إل ما يرضي ربنا وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون "
انظر إلى اليمان وهو يستقبل الحداث ..العين تدمع .ول يكون القلب قاسيا مثل الحجر ،لكن فيه
حنان .والقلب يخشع ل .مقدرا حكمته وإرادته..
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وال سبحانه وتعالى ل يريدنا أن نستقبل الحداث بالحزن وحده .ولكن بالحزن مع اليمان .فال
ل يمنعك أن تحزن .ولكن عليك أل تفصل الحدث عن مجريه وحكمته فيه ..ولذلك حين تذهب
إلى طبيب العظام ..فيكسر لك عظامك لكي يصلحها .هل يفعل لك خيرا أو شرا؟ طبعا يفعل لك
خيرا .وإن كان ذلك يؤلمك.
()42 /
الحق سبحانه وتعالى بعد أن أعلمنا أن آدم حين يهبط إلى الرض سيتلقى من ال منهجا لحركة
حياته .من اتبعه خرج من حياته الخوف والحزن .وأصبح آمنا في الدنيا والخرة .أراد ال تعالى
أن يعطينا الصورة المقابلة .فالحكم في الية السابقة كان عن الذين اهتدوا .والحكم في هذه الية
عن الذين كفروا .يقول الحق تبارك وتعالى { ..وَالّذِينَ َكفَرواْ َوكَذّبُواْ بِآيَاتِنَآ } والكفر كما بينا هو
محاولة ستر وجود ال واجب الوجود .ومحاولة ستر هذا الوجود هو إعلن بأن ال تعالى
موجود .فأنت ل تحاول أن تستر شيئا إل إذا كان له وجود أول..
إن الشيء الذي ل وجود له ل يحتاج إلى ستر؛ لنه ليس موجودا في عقولنا .وعقولنا ل تفهم ول
تسع إل ما هو موجود .توجد الصورة الذهنية أول ..ثم بعد ذلك يوجد السم أو الصورة الكلمية.
ولذلك إذا حدثك إنسان عن شيء ليس له وجود فأنت ل تفهمه .ول تستطيع أن تعيه إل إذا شبه
لك بموجود .كأن يقال لك :مثل هذا الجبل أو مثل هذه البحيرة .أو مثل قرص الشمس أو غير
ذلك حتى تستطيع أن تفهم .فأنت ل تفهم غير موجود إل إذا شبه بموجود.
وكل شيء لبد أن يكون قد وجد أول .ثم بعد ذلك تجتمع مجامع اللغة في العالم لتبحث عن لفظ
يعبر عنه بعد أن وجد في الصورة الذهنية .فلم يكن هناك اسم للصاروخ مثل قبل أن يوجد
الصاروخ .ول لسفينة الفضاء قبل أن تخترع .ول لشعة الليزر قبل أن تكتشف .إذن فكل هذا
وجد أول .ووضع له السم بعد ذلك.
الذين كفروا يحاولون ستر وجود ال .وستر وجود ال سبحانه وتعالى هو إثبات لوجوده .لنك ل
تستر شيئا غير موجود .وهكذا يكون الكفر مثبتا لليمان .وعقلك ل يستطيع أن يفهم السم إل إذا
وجد المعنى في عقلك .وأنت ل تجد لغة من لغات العالم .ليس فيها اسم ال سبحانه وتعالى .بل
إن ال جل جلله ـ وهو غيب عنا ـ إذا ذكر اسمه فهمه الصغير والكبير .والجاهل والعالم.
والذي طاف الدنيا .والذي لم يخرج من بيته .كل هؤلء يفهمون ال بفطرة اليمان التي وضعها
في قلوبنا جميعا.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
إذن الذين كفروا يحاولون ستر وجود ال سبحانه وتعالى ..وقوله تعالىَ { :وكَذّبُواْ بِآيَاتِنَآ } والية
هي الشيء العجيب اللفت .فهناك في الكون آيات كونية مثل الشمس والقمر والنجوم والرض.
والجبال والبحار وغير ذلك .هذه تسمى آيات .شيء فوق قدرة البشر خلقها ال سبحانه وتعالى
لتكون آية في كونه وتخدم النسان.
وهناك اليات وهي المعجزات .عندما يرسل ال رسول أو نبيا إلى قومه فإنه سبحانه يخرق له
قوانين الكون ليثبت لقومه أنه نبي مرسل من عند ال سبحانه وتعالى.
وهذه اليات مقصود بها من شهدها .لنها تأتي لتثبيت المؤمنين بالرسل .وهم يمرون بأزمة
يحتاجون فيها إلى التثبيت .ودللة على صدق رسالة النبي لقومه ..وتطلق اليات على آيات
القرآن الكريم .كلم ال المعجز الذي وضع فيه سبحانه وتعالى ما يثبت صدق الرسالة .إلى يوم
الدين.
يحدثنا ال سبحانه في آياته .عن كيفية خلق النسان .وعن منهج السماء للرض وغير ذلك.
والذين كذبوا بآيات ال .هم الكافرون .وهم المشركون .وهم الذين يرفضون السلم .ويحاربون
الدين .هؤلء جميعا .حدد لنا ال تعالى مصيرهم .ولكن هل التكذيب عدم قدرة على الفهم؟ نقول
أحيانا يكون التكذيب متعمدا مثلما حدث لل فرعون عندما أصابهم ال بآفات وأمراض وبالعذاب
الصغر حتى يؤمنوا .ولكنهم رغم يقينهم بأن هذه اليات من ال سبحانه وتعالى .لم يعترفوا بها..
سهُمْ ظُلْما وَعُُلوّا }[النمل]14 :
ويقول الحق جل جللهَ {.وجَحَدُواْ ِبهَا وَاسْتَ ْيقَنَ ْتهَآ أَنفُ ُ
واليات في الكون كثيرة .لو أننا التفتنا إليها لمَنّا .فهي ليست محتاجة إلى فكر .بل إن ال تعالى،
رحمة بنا جعلها ظاهرة .ليدركها الناس .كل الناس .ولكن البعض رغم ذلك يكذب بآيات ال.
وهؤلء هم الذين يريدون أن يتبعوا هوى النفس .والحق سبحانه وتعالى جمع الكافرين والمكذبين
صحَابُ النّارِ { والصاحب هو الذي
بآيات ال في عقاب واحد ..وقال جل جلله } :أُولَـا ِئكَ َأ ْ
يألف صاحبه .ويحب أن يجلس معه .ويقضي أجمل أوقاته .فكان قوله تعالى :أصحاب النار .دليل
على عشق النار لهم .فهي تفرح بهم ،عندما يدخلونها .كما يفرح الصديق بصديقه .ول تريد أن
ت وَ َتقُولُ َهلْ مِن مّزِيدٍ
ل ِ
جهَنّمَ َهلِ امْتَ َ
تفارقهم أبدا ..ولذلك اقرأ الحق سبحانه وتعالىَ {:يوْمَ َنقُولُ ِل َ
}[ق]30 :
وهكذا نرى مدى العشق ،بين النار والكافرين .إن النار تصاحبهم في كل مكان .وهي ليست
مصاحبة كريهة بالنسبة للنار .ولكنها مصاحبة تحبها النار .فالنار حين تحرق كل كافر وآثم
ومنافق تكون سعيدة .لنها تعاقب الذين كفروا بمنهج ال وكذبوا بآياته في الحياة الدنيا ..وكذلك
الحال بالنسبة للجنة .فإن الجنة أيضا تحب مصاحبة كل من آمن بال وأخلص له العبادة وطبق
ت وََأخْبَتُواْ إِلَىا رَ ّبهِمْ ُأوْلَـا ِئكَ
عمِلُواْ الصّالِحَا ِ
منهجه ..واقرأ قوله تعالى {:إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَ َ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
َأصْحَابُ الجَنّةِ ُهمْ فِيهَا خَاِلدُونَ }[هود]23 :
أي أن الجنة تصاحب المؤمنين .وتحبهم وتلزمهم .مثلما تصاحب النار الكافرين والمكذبين..
وكما أن النار تكون سعيدة وهي تحرق الكافر .فالجنة تكون سعيدة وهي تمتع المؤمن ..ثم يقول
الحق سبحانه وتعالىُ } :همْ فِيهَا خَالِدُونَ { أي أن العذاب فيها دائم .ل يتغير ول يفتر .ول يخفف.
بل هو مستمر إلى البد ..واقرأ قوله سبحانه وتعالى {:أُولَـا ِئكَ الّذِينَ اشْتَ َروُاْ الْحَيَاةَ الدّنْيَا بِالخِ َرةِ
ب َولَ هُمْ يُنصَرُونَ }
خ ّففُ عَ ْن ُهمُ ا ْلعَذَا ُ
فَلَ يُ َ
[البقرة]86 :
وهكذا نعرف أن ال سبحانه وتعالى قد أنزل المنهج إلى الرض مع آدم ،وأن آدم .نزل إلى
الرض ومعه الهدى ليطبق أول منهج للسماء على الرض .فكأن ال سبحانه وتعالى لم يترك
النسان لحظة واحدة على الرض دون أن يعطيه المنهج الذي يبين له طريق الهدى وطريق
الضلل .ومع المنهج شرعت التوبة .وشرع قبول التوبة حتى ل ييأس النسان .ول يحس أنه إذا
أخطأ أو نسي أصبح مصيره جهنم .بل يحس أن أبواب السماء مفتوحة له دائما .وأن ال الذي
خلقه رحيم به .إذا أخطأ فتح له أبواب التوبة وغفر له ذنوبه .حتى يحس كل إنسان برعاية ال
سبحانه وتعالى له هو على الرض .من أول بداية الحياة.
فالمنهج موجود لمن يريد أن يؤمن .والتوبة قائمة لكل من يخطئ.
وحذر ال سبحانه وتعالى آدم وذريته أنه من يطع ويؤمن يعش الحياة الطيبة في الدنيا والخرة.
ومن يكفر ويكذب .فإن مصيره عذاب أبدي.
لقد عرف ال آدم بعدوه إبليس .وطلب منه أن يحذره .فماذا فعل بنو آدم؟ هل استقبلوا منهج ال
بالطاعة أو بالمعصية؟ وهل تمسكوا بتعاليم ال .أو تركوها وراء ظهورهم؟
()43 /
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ا ْذكُرُوا ِن ْعمَ ِتيَ الّتِي أَ ْن َعمْتُ عَلَ ْيكُمْ وََأوْفُوا ِب َعهْدِي أُوفِ ِب َع ْه ِدكُ ْم وَإِيّايَ فَارْهَبُونِ (
)40
بعد أن قص ال علينا قصة الخلق وكيف بدأت بآدم ،وعداوة إبليس لدم وسببها .قص علينا
التجربة الولى للمنهج في إحدى الجنات ،وكيف أن آدم تعرض للتجربة فأغواه الشيطان وعصى.
ثم نزل إلى الرض مسلحا بمنهج ال .ومحميا بالتوبة من أن يطغى .بدأت مهمة آدم على
الرض.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
إن الحق سبحانه وتعالى أراد أن يعرض علينا موكب الرسالت وكيف استقبل بنو آدم منهج ال
بالكفر والعصيان .فاختار جل جلله قصة بني إسرائيل لنها أكثر القصص معجزات ،وأنبياء بني
إسرائيل من أكثر النبياء الذين أرسلوا لمة واحدة وليس معنى هذا أنهم مفضلون .ولكن لنهم
كانوا أكثر المم عصيانا وآثاما فكانوا أكثرهم أنبياء .كانوا كلما خرجوا من معجزة انحرفوا.
فتأتيهم معجزة أخرى .فينحرفون .وهكذا حكم ال عليهم لظلمهم أن يتفرقوا في الرض ثم
يتجمعوا مرة أخرى في مكان واحد .ليذوقوا العذاب والنكال جزاء لهم على معصيتهم وكفرهم.
ولذلك أخذت قصة بني إسرائيل ذلك الحجم الضخم في كتاب ال .وفي تثبيت رسول ال صلى ال
عليه وسلم .فموسى عليه السلم الذي أرسله ال إلى بني إسرائيل من أولي العزم من الرسل.
ولذلك فإنك تجد فيه تربية أول .وتربية ثانيا ..ولبد أن نلتفت إلى قول الحق سبحانه وتعالى :يا
بني إسرائيل " فالحق جل جلله .حين يريد أن ينادي البشر جميعا يقول { :يَابَنِي ءَا َدمَ } واقرأ
جدٍ }[العراف]31 :
قوله تعالى {:يَابَنِي ءَا َدمَ خُذُواْ زِينَ َتكُمْ عِندَ ُكلّ مَسْ ِ
وقوله سبحانه {:يَابَنِي ءَادَ َم لَ َيفْتِنَ ّنكُمُ الشّيْطَانُ }[العراف]27 :
لماذا يخاطبنا ال تعالى بقوله :يا بني آدم؟ لنه يريد أن يذكرنا بنعمة علينا منذ بداية الخلق .لن
هذه النعم تخص آدم وذريته .فال تعالى خلق آدم بيديه .وأمر الملئكة أن تسجد له .وأعد له كونا
مليئا بكل ما يضمن استمرار حياته .ليس بالضروريات فقط .ولكن بالكماليات .ثم دربه الحق على
ما سيتعرض له من إغواء الشيطان .وأفهمه أن الشيطان عدو له .ثم علمه كلمات التوبة .ليتوب
عليه .وأمده بنعم ل تعد ول تحصى.
فال سبحانه وتعالى يريد أن يذكرنا بكل ذلك حتى نخجل من أن نرتكب معصية بعد كل هذا
التكريم للنسان .فإذا تذكرنا نعم ال علينا ..فإننا نخجل أن نقابل هذه النعم بالمعصية.
وقد علمنا ال سبحانه وتعالى علما ميزنا ال تعالى فيه عن ملئكته .لذا كان يجب أن نظل
شاكرين عابدين طوال حياتنا في هذه الدنيا.
لكننا نلحظ أن الحق سبحانه وتعالى بدأ هذه الية الكريمة بقوله { :يَابَنِي إِسْرَائِيلَ } لماذا؟ ومن
هو إسرائيل؟
إسرائيل مأخوذة من كلمتين :اسر وإيل( ..اسر) يعني عبد مصطفى أو مختار( .وإيل) معناها ال
في العبرانية .فيكون معنى الكلمة صفوة ال.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حضَرَ
ش َهدَآءَ إِذْ َ
فاذكروا ما وصاكم به حين حضرته الوفاة ..واقرأ قوله تبارك وتعالى {:أَمْ كُنتُمْ ُ
سمَاعِيلَ
ك وَإِلَـاهَ آبَا ِئكَ إِبْرَاهِي َم وَإِ ْ
َي ْعقُوبَ ا ْل َموْتُ ِإذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا َتعْبُدُونَ مِن َبعْدِي قَالُواْ َنعْ ُبدُ إِلَـا َه َ
وَإِسْحَاقَ إِلَـاها وَاحِدا وَنَحْنُ لَهُ مُسِْلمُونَ }[البقرة]133 :
طفَىا َلكُمُ الدّينَ فَلَ َتمُوتُنّ َإلّ
ثم يأتي بعد ذلك قول يعقوب ..واقرأ قوله تعالى {:يَابَ ِنيّ إِنّ اللّهَ اصْ َ
وَأَنْتُم مّسِْلمُونَ }[البقرة]132 :
تلك هي الوصية التي وصى بها يعقوب بنيه ..فيها علم وفيها عظة .علم بأن ال إله واحد .ل
شريك له .وأن الدين هو السلم .وعظة وتذكير بأن ال اختار لهم الدين .فليحرصوا عليه حتى
الموت.
ولقد جاءت هذه الوصية حين حضر يعقوب الموت .وساعة الموت يكون النسان صادقا مع
نفسه .وصادقا مع ربه .وصادقا مع ذريته .فكأنه سبحانه وتعالى حينما يقول } :يَابَنِي ِإسْرَائِيلَ
{ يريد أن يذكرهم بإسرائيل وهو يعقوب وكيف تحمل وظل صابرا .ووصيته لهم ساعة الموت.
إن ال سبحانه وتعالى يذكر البناء بفضله على الباء علهم يتعظون أو يخجلون من المعصية
تماما كما يكون هناك عبد صالح أسرف أبناؤه على أنفسهم.
فيقال لهم:
أل تخجلون؟ أنتم أبناء فلن الرجل الصالح .ل يصح أن ترتكبوا ما يغضب ال … } يَابَنِي
إِسْرَائِيلَ {
إسرائيل هو يعقوب ابن إسحاق .وإسحاق ابن إبراهيم .وإبراهيم انجب إسحاق وإسماعيل..
ورسولنا صلى ال عليه وسلم من ذرية إسماعيل .وال سبحانه وتعالى يقول } :يَابَنِي ِإسْرَائِيلَ
ا ْذكُرُواْ ِن ْعمَ ِتيَ الّتِي أَ ْن َع ْمتُ عَلَ ْيكُمْ { ولكن ال سبحانه وتعالى حين يخاطب المسلمين ل يقول
اذكروا نعمة ال .وإنما يقول " :اذكروا ال " لن بني إسرائيل ماديون ودنيويون.
فكأن الحق سبحانه وتعالى يقول لهم :مادمتم ماديين ودنيويين .فاذكروا نعمة ال المادية عليكم.
ولكننا نحن المسلمين أمة غير مادية.
وهناك فرق بين أن يكون النسان مع النعمة .وأن يكون مع المنعم .الماديون يحبون النعمة .وغير
الماديين يحبون المنعم .ويعيشون في معيته .ولذلك .فخطاب المسلمين " :اذكروا ال " لننا نحن
مع المنعم .بينما خطابه سبحانه لبني إسرائيل " :اذكروا نعمة ال "
والحديث القدسي يقول " :أنا أهل أن أَتقى فل يجعل معي إله ،فمن اتقى أن يجعل معي إلها كان
أهل أن أغفر له "
فال سبحانه وتعالى واجب العبادة .ولو لم يخلق الجنة والنار.
.ولذلك فإن المؤمنين هم أهل البتلء من ال .لماذا؟ لن البتلء منه نعمة .وال سبحانه وتعالى
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يباهي بعباده ملئكته .ويقول :إنهم يعبدونني لذاتي .فتقول الملئكة :بل يعبدونك لنعمتك عليهم.
فيقول سبحانه لهم :سأقبضها عنهم ول يزالون يحبونني ..ومن عبادي من أحب دعاءهم .فأنا
أبتليهم حتى يقولوا يا رب .لن أصواتهم يحبها ال سبحانه وتعالى .ولذلك إذا ابتلى عبدا في
صحته مثل .وسلب منه نعمة العافية .ترى الجاهل هو الذي ينظر إلى هذا نظرة عدم الرضا.
وأما المتعمق فينظر إلى قول ال في الحديث القدسي :أن ال عز وجل يقول يوم القيامة " :يا ابن
آدم مرضت فلم تعدني قال :يا رب وكيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال :أما علمت أن عبدي
فلنا مرض فلم تعده .أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده " فلو فقد المؤمن نعمة العافية ..فل
ييأس فإن ال تعالى يريده أن يعيش مع المنعم ..وأنه طوال فترة مرضه في معية ال تعالى.
ولذلك حين يقول الحق تبارك وتعالى } :يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ا ْذكُرُواْ ِن ْعمَ ِتيَ الّتِي أَ ْن َعمْتُ عَلَ ْيكُمْ { معناها.
إن لم تكونوا مؤمنين لذاتي .فاستحيوا أن ترتكبوا المعصية بنعمتي التي أنعمت عليكم .ولقد جاءت
النعمة هنا لن بني إسرائيل يعبدون ال من أجل نعمه.
} ا ْذكُرُواْ ِن ْعمَتِيَ { الذكر هو الحفظ من النسيان ،لن روتين الحياة يجعلنا ننسى المسبب للنعم.
فالشمس تطلع كل يوم .كم منا يتذكر أنها ل تطلع إل بإذن ال فيشكره .والمطر ينزل كل فترة.
من منا يتذكر أن المطر ينزله ال .فيشكره .فالذكر يكون باللسان وبالقلب .وال سبحانه وتعالى
غيب مستور عنا .وعظمته أنه مستور .ولكن نعم ال سبحانه تدلنا عليه ..فبالذكر يكون في بالنا
دائما .وبنعمه يكون ذكره وشكره دائما.
والحق سبحانه وتعالى طلب من بني إسرائيل أن يذكروا النعمة التي أنعمها عليهم فقط .وكان
يجب عليهم أن يطيعوا ال فيذكروا المنعم .لن ذكر ال سبحانه وتعالى يجعلك في ركن ركين .ل
يصل إليك مكروه ول شر.
إن ذكر ال المنعم يعطينا حركة الحياة في كل شيء .فذكر ال يوجد في القلوب الخشوع .ويقلل
من المعاصي وينتفع الناس كل الناس به ،ويجعل حركة الحياة مستقيمة .وحين يقول الحق سبحانه
وتعالى } .ا ْذكُرُواْ ِن ْعمَ ِتيَ { معناها اذكروني حتى بالنعمة التي أنعمت عليكم .وقوله تعالى} :
عهِدْنَآ إِلَىا ءَادَمَ
وََأ ْوفُواْ ِب َعهْدِي أُوفِ ِب َعهْ ِدكُمْ { العهد هو الميثاق .واقرأ قوله سبحانه وتعالى {:وََلقَدْ َ
جدْ لَهُ عَزْما }[طه]115 :
سيَ وََلمْ نَ ِ
مِن قَ ْبلُ فَ َن ِ
إذن فالعهد أمر موثق بين العبد وربه .ما هو العهد الذي يريد ال من بني إسرائيل أن يوفوا به
ليفي ال بعهده لهم؟
نقول :إما أن يكون عهد الفطرة .وعهد الفطرة كما قلنا أن نؤمن بال ونشكره على نعمه .وكما
قلنا إذا هبط النسان في مكان ليس في أحد.
ثم نام وقام فوجد مائدة حافلة بالنعم أمامه .أل يسأل نفسه :من صنع هذا؟ لو أنه فكر قليل لعرف
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أنه لبد أن يكون لها من صانع .خصوصا أن الخلق هنا فوق قدرات البشر .فإذا أرسل ال
سبحانه وتعالى رسول يقول إن ال هو الذي خلق وأوجد .ولم يوجد مدع ول معارض نظرا لن
إيجاد هذه النعم فوق قدرة البشر .تكون القضية محسومة ل سبحانه وتعالى.
إذن فذكر ال وشكره واجب بالفطرة السلمية ،ل يحتاج إلى تعقيدات وفلسفات .والوفاء بعهد ال
أن نعبده ونشكره هو فطرة اليمان لما أعطاه لنا من نعم .على أن الحق سبحانه وتعالى نجده
يقول {:وََأ ْوفُواْ ِب َعهْدِي أُوفِ ِب َعهْ ِدكُمْ }[البقرة]40 :
وفي آية أخرى {:فَا ْذكُرُونِي أَ ْذكُ ْركُمْ }[البقرة]152 :
وفي آية ثالثة {:إِن تَنصُرُواْ اللّهَ يَنصُ ْركُ ْم وَيُثَ ّبتْ َأ ْقدَا َمكُمْ }[محمد]7 :
ما هي هذه القضية التي يريد الحق سبحانه وتعالى أن ينبهنا إليها في هذه اليات الكريمة؟ ال
سبحانه وتعالى يريد أن نعرف أنه قد وضع في يدنا مفتاح الجنة .ففي يد كل واحد منا مفتاح
الطريق الذي يقوده إلى الجنة أو إلى النار .ولذلك إذا وفيت بالعهد أوفى ال .وإذا ذكرت ال
ذكرك .وإذا نصرت ال نصرك..
والحديث القدسي يقول " :وإن تقرب إليّ شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إليّ ذراعا تقربت إليه
باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة "
هكذا يريد الحق سبحانه وتعالى أن ينبهنا أن المفتاح في يدنا نحن .فإذا بدأنا بالطاعة .فإن عطاء
ال بل حدود .وإذا تقربنا إلى ال تقرب إلينا .وإذا بعدنا عنه نادانا .هذا هو إيمان الفطرة.
هل هذا هو العهد المقصود من ال سبحانه في قولهَ } :أ ْوفُواْ ِب َعهْدِي أُوفِ ِب َعهْ ِدكُمْ { أو هو العهد
الذي أخذه ال على النبياء ليبلغوا أقوامهم بأنهم إذا جاء رسول مصدق لما معهم فلبد أن يؤمنوا
به وينصروه؟ فالحق سبحانه وتعالى أخذ على النبياء جميعا العهد لرسول السلم سيدنا محمد
صلى ال عليه وسلم ..أو هو العهد الذي أخذه ال بواسطة موسى عليه السلم على علماء بني
إسرائيل الذين تلقوا التوراة ولقنوها وكتبوها وحفظوها .عهد بأل يكتموا منها شيئا ..واقرأ قوله
ظهُورِهِمْ
س َولَ َتكْ ُتمُونَهُ فَنَبَذُو ُه وَرَآءَ ُ
تعالى {:وَإِذْ َأخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الّذِينَ أُوتُواْ ا ْلكِتَابَ لَتُبَيّنُنّهُ لِلنّا ِ
وَاشْتَ َروْاْ بِهِ َثمَنا قَلِيلً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ }[آل عمران]187 :
والهدف من هذا العهد .أل يكتموا ما ورد عن السلم في التوراة .وأل يخفوا صفات رسول ال
صلى ال عليه وسلم التي جاءت بها ..وال سبحانه وتعالى قد أعطى صفات رسوله محمد صلى
ال عليه وسلم في التوراة وفي النجيل ..واقرأ قوله تعالى {:وََلمّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مّنْ عِندِ اللّهِ
ُمصَدّقٌ ّلمَا َم َعهُمْ َوكَانُواْ مِن قَ ْبلُ يَسْ َتفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَ َكفَرُواْ فََلمّا جَآءَهُمْ مّا عَ َرفُواْ َكفَرُواْ ِبهِ فََلعْنَةُ
علَى ا ْلكَافِرِينَ }
اللّهِ َ
[البقرة]89 :
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ولقد جاء القرآن الكريم .مصدقا لما نزل من التوراة .وعرف بنو إسرائيل أنفسهم صدق ما نزل
في القرآن .ولكنهم كفروا لن رسول ال لم يكن من قومهم ..وقد كان أهل الكتاب من توراة
وإنجيل يعرفون أن رسالة رسول ال هي الرسالة الخاتمة .وأنه لبد أن يؤمن به قوم كل نبي .هل
هذا هو العهد الذي يوجب على كافة المم اليمان برسالة محمد صلى ال عليه وسلم ونصرته إن
أدركوه .وإن لم يدركوه فالمسئولية على أبنائهم وأحفادهم أن ينصروه ويؤمنوا به متى أدركوه .إن
كانت هي عهد إيمان الفطرة ،أو كانت هي عهد اليمان برسول ال صلى ال عليه وسلم فكلهما
وارد.
وقوله تعالى } :أُوفِ ِب َعهْ ِد ُكمْ { أي بما وعدتكم من جنة النعيم في الخرة .فال سبحانه وتعالى بعد
نزول السلم اختص برحمته الذين آمنوا بمحمد عليه الصلة والسلم .وكل من لم يؤمن بهذا
الدين ل عهد له عند ال.
واقرأ قوله تبارك وتعالى عندما أخذت الرجفة موسى وقومه وطلب موسى من ال سبحانه وتعالى
الرحمة .قال تعالى {:وَاكْ ُتبْ لَنَا فِي هَـا ِذهِ الدّنْيَا حَسَنَ ًة َوفِي الخِ َرةِ إِنّا ُهدْنَـآ إِلَ ْيكَ قَالَ عَذَابِي
شيْءٍ َفسََأكْتُ ُبهَا ِللّذِينَ يَ ّتقُونَ وَ ُيؤْتُونَ ال ّزكَـاةَ وَالّذِينَ هُم
س َعتْ ُكلّ َ
حمَتِي وَ ِ
ُأصِيبُ ِبهِ مَنْ أَشَآ ُء وَرَ ْ
لمّيّ الّذِي يَجِدُونَهُ َمكْتُوبا عِندَهُمْ فِي ال ّتوْرَاةِ
ياُ
بِآيَاتِنَا ُي ْؤمِنُونَ * الّذِينَ يَتّ ِبعُونَ الرّسُولَ النّ ِب ّ
علَ ْيهِمُ ا ْلخَبَآ ِئثَ وَ َيضَعُ
ت وَيُحَرّمُ َ
حلّ َلهُمُ الطّيّبَا ِ
وَالِنْجِيلِ يَ ْأمُرُهُم بِا ْل َمعْرُوفِ وَيَ ْنهَاهُمْ عَنِ ا ْلمُ ْنكَ ِر وَيُ ِ
علَ ْيهِمْ فَالّذِينَ آمَنُواْ بِ ِه وَعَزّرُوهُ وَ َنصَرُو ُه وَاتّ َبعُواْ النّورَ الّذِي
عَ ْنهُمْ ِإصْرَ ُه ْم وَالَغْلَلَ الّتِي كَا َنتْ َ
أُن ِزلَ َمعَهُ ُأوْلَـا ِئكَ هُمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ }[العراف]157-156 :
فالحق سبحانه وتعالى يذكر بني إسرائيل في هذه الية الكريمة .بالعهد الذي أخذه عليهم .وينذرهم
أن رحمته هي للمؤمنين برسول ال صلى ال عليه وسلم متى جاءت رسالته..
وقوله تعالى } :وَإِيّايَ فَا ْرهَبُونِ { أي أنه ل توجد قوة ول قدرة في الكون إل قوة ال سبحانه
وتعالى .ولذلك فاتقوا يوما ستلقون فيه ال ويحاسبكم .وهو سبحانه وتعالى قهار جبار .ول نجاة
من عذابه لمن لم يؤمن.
()44 /
وَ َآمِنُوا ِبمَا أَنْزَ ْلتُ ُمصَ ّدقًا ِلمَا َم َعكُ ْم وَلَا َتكُونُوا َأ ّولَ كَافِرٍ بِ ِه وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي َثمَنًا قَلِيلًا وَإِيّايَ
فَا ّتقُونِ ()41
بعد أن َذكّرَ ال سبحانه وتعالى بني إسرائيل بالعهود التي قطعوها على أنفسهم سواء بعدم التبديل
والتغيير في التوراة .لخفاء أشياء وإضافة أشياء .وذكرهم بعهدهم بالنسبة لليمان برسول ال
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
صلى ال عليه وسلم الذي ذكر ال سبحانه وتعالى أوصافه في التوراة .حتى أن الحَبْر اليهودي
ابن سلم كان يقول لقومه في المدينة :لقد عرفته حين رأيته كمعرفتي لبني ومعرفتي لمحمد أشد.
أي أنه كان ُي َذكّرُ قومه .أن أوصاف الرسول صلى ال عليه وسلم الموجودة في التوراة .ل
تجعلهم يخطئونه .قال الحق تبارك وتعالى { :وَآمِنُواْ ِبمَآ أَن َز ْلتُ ُمصَدّقا ّلمَا َم َعكُمْ } .لن القرآن
مصدق للتوراة .والقصد هنا التوراة الحقيقية قبل أن يحرفوها .فالقرآن ليس موافقا لما معهم من
المحرف أو المبدل من التوراة .بل هو موافق للتوراة التي ل زيف فيها.
ثم يقول الحق تبارك وتعالىَ { :ولَ َتكُونُواْ َأ ّولَ كَافِرٍ بِهِ } ..ولقد قلنا أن اليهود لم يكونوا أول
كافر بمحمد صلى ال عليه وسلم .وإنما كانت قريش قد كفرت به في مكة .المقصود في هذه الية
الكريمة أول كافر به من أهل الكتاب .لماذا؟ لن قريشا ل صلة لها بمنهج السماء .ول هي تعرف
شيئا عن الكتب السابقة .ولكن أحبار اليهود كانوا يعرفون صدق الرسالة .وكانوا يستفتحون
برسول ال صلى ال عليه وسلم على أهل المدينة ويقولون " :جاء زمن رسول سنؤمن به ونقتلكم
قتل عاد وإرم " .ولما جاء رسول ال صلى ال عليه وسلم بدل من أن يسارعوا باليمان به .كانوا
أول كافر به.
وال سبحانه وتعالى لم يفاجئ أهل الكتاب بمجيء محمد صلى ال عليه وسلم .وإنما نبههم إلى
ذلك في التوراة والنجيل .ولذلك كان يجب أن يكونوا أول المؤمنين وليس أول الكافرين .لن
الذي جاء يعرفونه..
وقوله تعالى { :وَلَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي َثمَنا قَلِيلً } :الحق سبحانه وتعالى حينما يتحدث عن الصفقة
اليمانية .يستخدم كلمة الشراء وكلمة البيع وكلمة التجارة .اقرأ قوله تعالى {:إِنّ اللّهَ اشْتَرَىا مِنَ
س ُه ْم وََأمْوَاَلهُمْ بِأَنّ َلهُمُ اّلجَنّةَ }[التوبة]111 :
ا ْل ُم ْؤمِنِينَ أَنفُ َ
وفي آية أخرى يقولَ {:هلْ أَ ُدلّكمْ عَلَىا ِتجَا َرةٍ تُنجِيكُم مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * ُت ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَرَسُولِهِ
سكُمْ }[الصف]11-10 :
وَتُجَا ِهدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بَِأ ْموَاِلكُ ْم وَأَنفُ ِ
إن الحق سبحانه وتعالى ..استعمل كلمة الصفقة والشراء والبيع بعد ذلك في قوله تعالى {:ياأَ ّيهَا
س َعوْاْ إِلَىا ِذكْرِ اللّ ِه وَذَرُواْ الْبَيْعَ }[الجمعة]9 :
ج ُمعَةِ فَا ْ
لةِ مِن َيوْمِ الْ ُ
الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نُو ِديَ لِلصّ َ
ونعلم أن التجارة هي وساطة بين المنتج والمستهلك ..المنتج يريد أن يبيع إنتاجه .والمستهلك
محتاج إلى هذا النتاج .والربح عملية تطول فترة ..وتقصر فترة مع عملية تحرك السلعة والقبال
عليها إن كان سريعا أو بطيئا.
وعملية التجار استخدمها ال سبحانه وتعالى ليبين لنا أنها أقصر طريق إلى النفع .فالتجارة تقوم
على يد النسان .يشتري السلعة ويبيعها .ولكنها مع ال سيأخذ منك بعضا من حرية نفسك.
ليعطيك أخلد وأوسع منها.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وكما قلنا :لو قارنا بين الدنيا بعمرها المحدود ـ عمر كل واحد منا ـ كم سنة؟ خمسين ..ستين..
سبعين!! نجد أن الدنيا مهما طالت ..ستنتهي والنسان العاقل هو الذي يضحي بالفترة الموقوته
والمنتهية ليكون له حظ في الفترة الخالدة .وبذلك تكون هذه الصفقة رابحة.
إن النعيم في الدنيا على قدر قدرات البشر .والنعيم في الخرة على قدر قدرات ال سبحانه
وتعالى .يأتي النسان ليقول :لماذا أضيق على نفسي في الدنيا؟ لماذا ل أتمتع؟ نقول له :ل ..إن
الذي ستناله من العذاب والعقاب في الخرة ل يساوي ما أخذته من الدنيا ..إذن الصفقة خاسرة.
أنت اشتريت زائل .ودفعته ثمنا لنعيم خالد..
وال سبحانه وتعالى يقول لليهودَ } :ولَ َتشْتَرُواْ بِآيَاتِي َثمَنا قَلِيلً { أي ل تدفعوا اليات اليمانية
التي أعطيت لكم لتأخذوا مقابلها ثمنا قليل ..وعندما يأخذ النسان أقل مما يعطي ..فذلك قلب
للصفقة .والقلب تأتي من الخسارة دائما..
وكأن الية تقول :تدفعون آيات ال التي تكون منهجه المتكامل لتأخذوا عرضا من أعراض الدنيا.
قيمته قليلة ووقته قصير .هذا قلب للصفقة.
ولذلك جاء الداء القرآني مقابل لهذا القلب .ففي الصفقات ..الثمان دائما تدفع والسلعة تؤخذ.
ولكن في هذه الحالة التي تتحدث عنها الية في قوله تعالى } َولَ َتشْتَرُواْ بِآيَاتِي َثمَنا قَلِيلً { قد
جعلت الثمن الذي يجب أن يكون مدفوعا جعلته مشتري وهذا هو الحمق والخطأ.
ال يقول } َولَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي َثمَنا قَلِيلً { أي ل تقبلوا الصفقة ..الشيء الذي كان يجب أن تضحوا
به ل تجعلوه ثمنا .لنك في هذه الحالة تكون قد جعلت الثمن سلعة .مادمت ستشتري اليات
بالثمن ..فقد جعلت آيات ال ثمنا لتحصل على مكاسب دنيوية .وليتك جعلتها ثمنا غاليا .بل
جعلتها ثمنا رخيصا.
لقد تنكرت لعهدك مع ال ليبقى لك مالك أو مركزك!! أما إذا ضحى النسان بشيء من متع
الدنيا ..ليأخذ متع الخرة الباقية ..فتكون هذه هي الصفقة الرابحة .ذلك لن النسان في الدنيا ينعم
على قدر تصوره للنعيم .ولكنه في الخرة ينعم على قدر تصور ال سبحانه وتعالى في النعيم.
بعض الذين ل يريدون أن يحملوا أنفسهم على منهج ال يستعجلون مكاسب الصفقة .استعجال
أحمق .إنهم يريدون المتعة حراما أو حلل ..نقول لكل واحد منهم :إن كنت مؤمنا بالخرة :أو
غير مؤمن فالصفقة خاسرة ..لنك في كلتا الحالتين ستعذب في النار ..فكأنك اشتريت بإيمانك
ودينك متعة زائلة.
وجعلت الكفر ومعصية ال هما الثمن فقلبت الية ،وجعلت الشيء الذي كان يجب أن يشتري
بمنهج ال وهو نعيم الخرة يباع ..ويباع بماذا؟ بنعيم زائل! وعندما يأخذ النسان أقل مما
يعطي ..يكون هذا قلبا للصفقة.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فكأن الية تقول :إنكم تدفعون آيات ال وما تعطيكم من خَيْ َريْ الدنيا والخرة لتأخذوا عرضا
زائل من أعراض الدنيا وثمنه قليل .والثمن يكون دائما من العيان كالذهب والفضة وغيرهما..
وهي ليست سلعة .فهب أن معك كنز قارون ذهبا .وأنت في مكان منعزل وجائع .أل تعطي هذا
الكنز لمن سيعطيك رغيفا ..حتى ل تموت من الجوع؟ ولذلك يجب أل يكون المال غاية أو سلعة.
فإن جعلته غاية يكون معك المال الكثير ..ول تشتري به شيئا لن المال غايتك .فيفسد المجتمع.
إن المال عبد مخلص .ولكنه سيد رديء .هو عبدك حين تنفقه .ولكن حين تخزنه وتتكالب عليه
يشقيك ويمرضك .لنك أصبحت له خادما.
والية الكريمة ..تعطينا فكرة عن اليهود لن محور حياتهم وحركتهم هو المال والذهب .فال
سبحانه وتعالى حرم الربا لن المال في الربا يصبح سلعة .فالمائة تأخذ بمائة وخمسين مثل..
وهذا يفسد المجتمع ،لنه من المفروض أن يزيد المال بالعمل .فإذا أصبحت زيادة المال بدون
عمل .فسدت حركة الحياة .وزاد الفقير فقرا .وزاد الغني غنى .وهذا ما نراه في العالم اليوم.
فالدول الفقيرة تزداد فقرا لنها تقترض المال وتتراكم عليها فوائده حتى تكون الفائدة أكثر من
الدين نفسه .وكلما مر الوقت .زادت الفوائد .فيتضاعف الدين .ويستحيل التسديد .والدول الغنية
تزداد غنى ،لنها تدفع القرض وتسترده بأضعاف قيمته.
وإذا قال ال سبحانه وتعالىَ } :ولَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي َثمَنا قَلِيلً { يجب أل نفهم أنه يمكن شراء آيات
ال بثمن أعلى ..ل ..لنه مهما ارتفع الثمن وعل سيكون قليل .وقليل جدا .لنه يقابل آيات ال.
وآيات ال ل تقدر بثمن .فالصفقة خاسرة مهما كانت قيمتها.
وقول الحق تبارك وتعالى } :وَإِيّايَ فَا ّتقُونِ { وفي الية السابقة قال } :وَإِيّايَ فَارْهَبُونِ { وهي
وعيد .ولكن } وَإِيّايَ فَا ّتقُونِ { واقع .فقوله تعالى } :وَإِيّايَ فَا ْرهَبُونِ { هي وعيد وتحذير لما
سيأتي في الخرة .ولكن } وَإِيّايَ فَا ّتقُونِ { يعني اتقوا صفات الجلل من ال تعالى .وصفات
الجلل هي التي تتعلق ببطش ال وعذابه .ومن هذه الصفات الجبار والقهار والمتكبر والقادر
والمنتقم والمذل .وغيرها من صفات الجلل.
ال سبحانه وتعالى يقول " :اتقوا ال " ويقول " اتقوا النار " كيف؟ نقول إن ال سبحانه وتعالى
يريدنا أن نجعل بيننا وبين النار ـ وهي أحد جنود العذاب ل سبحانه وتعالى ـ وقاية .ويريدنا أن
نجعل بيننا وبين عذاب النار وقاية .ويريدنا أيضا ..أن نجعل بيننا وبين صفات الجلل في ال
وقاية .فقوله تعالى } وَإِيّايَ فَا ّتقُونِ { أي اجعلوا بينكم وبين صفات الجلل في ال وقاية .حتى ل
يصيبكم عذاب عظيم .وكيف نجعل بيننا وبين صفات الجلل في ال وقاية؟ أن تكون أعمالنا في
الدنيا وفقا لمنهج ال سبحانه وتعالى .إذن فالتقوى مطلوبة في الدنيا..
()45 /
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ق وَأَنْتُمْ َتعَْلمُونَ ()42
ل وَ َتكْ ُتمُوا ا ْلحَ ّ
طِوَلَا تَلْبِسُوا ا ْلحَقّ بِالْبَا ِ
بعد أن حذر الحق سبحانه وتعالى اليهود من أن يبيعوا دينهم بثمن قليل وهو المال أو النفوذ
طلِ } مادة تلبس .مأخوذة من اللباس الذي نرتديه.
حقّ بِالْبَا ِ
الدنيوي .قال تعالىَ { :ولَ تَلْ ِبسُواْ الْ َ
واللبس هو التغطية أو التعمية بأن نخفي الحق ول نظهره .فاللباس تغليف للجسم يستره فل يبين
تفصيلته..
والحق هو القضية الثابتة المقدرة التي ل تتغير .فلنفرض أننا شهدنا شيئا يقع .ثم روى كل منا ما
حدث .إذا كنا صادقين لن يكون حديثنا إل مطابقا للحقيقة .ولكن إذا كان هناك من يحاول تغيير
الحقيقة فيكون لكل منا رواية .وهكذا فالحق ثابت ول يتغير.
في التوراة آيات لم يحرفها اليهود ..وآيات محرفة .كل اليات التي تتعلق برسول ال صلى ال
عليه وسلم ووصفه ..وأنه النبي الخاتم ..حرفها اليهود .واليات التي ل تتعلق برسول ال صلى
ال عليه وسلم لم يحرفوها ..فكأنهم خلطوا الحق بالباطل ..ما الذي جعلهم يدخلون الباطل
ويحاولون إخفاء الحقائق؟ المصلحة الولى :ليشتروا بآيات ال ثمنا قليل ..والباطل هو ما ل واقع
له .ولذلك فإن أبواب الباطل متعددة.
وباب الحق واحد .فال سبحانه وتعالى يريد أن يبلغنا أن اليهود قد وضعوا في التوراة باطل لم
يأمر به ال .وكتموا الحقيقة عن رسالة محمد صلى ال عليه وسلم .ولكن هل فعلوا ذلك عن
طريق الخطأ أو السهو أو النسيان؟ ل بل فعلوه وهم يعلمون .نأتي مثل إلى قول الحق تبارك
خطَايَاكُ ْم وَسَنَزِيدُ ا ْلمُحْسِنِينَ }[البقرة:
وتعالى لليهود {:وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجّدا َوقُولُواْ حِطّةٌ ّنغْفِرْ َلكُمْ َ
]58
وحطة أي حط عنا يا رب ذنوبنا .يأتي اليهود ويغيرون قول ال .فبدل من أن يقولوا حطة .يقولوا
حنطة .من يسمع هذا اللفظ قد ل يتنبه ويعتقد أنهم قالوا ما أمرهم ال به .مع أن الواقع أنهم
حرفوه .ولذلك عندما كانوا يأتون إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم كانوا يقولون :راعنا ليا
بألسنتهم .وكان المفروض أن يقولوا راعينا ..ولكنهم قالوا راعنا من الرعونة ..وال تعالى نبه
المؤمنين برسوله صلى ال عليه وسلم أل يقولوا مثلهم .فقال جل جلله { :لَ َتقُولُواْ رَاعِنَا َوقُولُواْ
انْظُرْنَا }.
أي اتركوا هذه الكلمة نهائيا ،هذا لبس الحق بالباطل .إذن فاليهود ألبسوا الحق بالباطل .والنسان
ل يلبس الحق بالباطل ..إل إذا كان ل يستطيع مواجهة الحق .لن عدم القدرة على مواجهة الحق
ضعف َنفِرّ منه إلى الباطل ،لن الحق يتعب صاحبه ..والنسان ل يستطيع أن يَحْمل نفسه على
الحق.
ق وَأَنْتُمْ َتعَْلمُونَ } أي أنهم يفعلون ذلك عن عمد وليس عن جهل .فقد
وقوله تعالى { :وَ َتكْ ُتمُواْ ا ْلحَ ّ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يكتم النسان حقا وهو ل يعلم أنه الحق .ولكن إذا كنت تعلمه فتلك هي النكبة لنك تخفيه عامدا
متعمدا .أو وأنتم تعلمون .قد يكون معناها أن اليهود ـ وهم أهل الكتاب ـ يعلمون ما سيصيبهم
في الخرة من العذاب الليم ..بسبب إخفائهم الحق .فهم ل يجهلون ماذا سيحدث في الخرة.
ولكنهم يقدمون على عملهم مع علمهم أنه خطأ فيكون العذاب حقا.
()46 /
وََأقِيمُوا الصّلَا َة وَآَتُوا ال ّزكَا َة وَا ْر َكعُوا مَعَ الرّا ِكعِينَ ()43
إقامة الصلة معروفة .وهي تبدأ بالتكبير وتختم بالتسليم .بشرائطها من عناصر القيام والركوع
والسجود .ولكن الحق يقول { وَآتُواْ ال ّزكَا َة وَا ْر َكعُواْ مَعَ الرّا ِكعِينَ } إما أنه يريد منهم أن ينضموا
إلى موكب اليمان الجامع لن صلتهم لم يكن فيها ركوع .إذن فهو يريدهم أن يؤمنوا بمحمد
صلى ال عليه وسلم .ول يظنوا أن إيمانهم بموسى عليه السلم يعفيهم من أن يكونوا خاضعين لما
جاء به محمد صلى ال عليه وسلم .ويقولون ديننا كافينا .إنما جاء السلم لمن ل دين له وهم
الكفار والمشركون ..فيقول لهم { :ا ْر َكعُواْ َمعَ الرّا ِكعِينَ }.
إن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتهم إلى أن صلتهم لن تقبل منهم إل أن يكون فيها ركوع.
وصلة اليهود ليس فيها ركوع ..وإن كان فيها سجود ،وفي كلتا الحالتين فإن الحق سبحانه
وتعالى يلفتهم إلى ضرورة اليمان برسول ال صلى ال عليه وسلم.
الحق سبحانه وتعالى حينما قالَ { :ولَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي َثمَنا قَلِيلً } يريد أن يلفتهم إلى أن العكس
هو المطلوب وأنهم كان يجب أن يشتروا اليمان ويختاروا الصفقة الرابحة .ولن يحدث ذلك إل
إذا آمنوا بالرسول الخاتم محمد صلى ال عليه وسلم .فهذا هو الطريق الوحيد لرضا ال سبحانه
وتعالى.
ال سبحانه وتعالى يريد أن يهدم تكبرهم على الدين الجديد فأمرهم بالصلة كما يصلي المسلمون.
وبالزكاة كما يزكي المسلمون .فل يعتقدون أن إيمانهم بموسى والتوراة سيقبل منهم بعد أن جاء
الرسول الجديد الذي أمروا أن يؤمنوا به .بل إن إيمانهم بموسى والتوراة .لو كانوا مؤمنين بهما
حقا ..يستوجب هذا اليمان عليهم أن يؤمنوا بمحمد صلى ال عليه وسلم .لن التوراة تأمرهم
بذلك .فكأن عدم إيمانهم بمحمد صلى ال عليه وسلم كفر بالتوراة ونقض لتعاليمها.
والصلة كما قلنا ..استحضار العبد وقفته بين يدي ربه .وحينما يقف العبد بين يدي ال ..لبد أن
يزول كل ما في نفسه من كبرياء .ويدخل بدل منه الخشوع والخضوع والذلة ل .والمتكبر غافل
عن رؤية ربه الذي يقف أمامه .إنما عدم إيمانهم بهذا النبي .والوقوف بين يدي ال للصلة كما
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يجب أن تؤدى ،وكما فرضها ال تعالى من فوق سبع سموات .إنما هو رفض للخضوع لوامر
ال.
وبعد ذلك تأتي الزكاة .لن العبد المؤمن .لبد أن يوجه حركة حياته إلى عمل نافع يتسع له ولمن
ل يقدر على الحركة في الحياة .وال سبحانه وتعالى حينما يطالبنا بالسعي في الرض ل يطالبنا
أن يكون ذلك على قدر احتياجاتنا فقط ،بل يطالبنا أن يكون تحركنا أكثر من حاجة حياتنا .حتى
يتسع هذا التحرك ليشمل حياة غير القادر على حركة الحياة .فيتسع المجتمع للجميع .ويزول منه
الحقد والحسد ،وتصفى النفوس..
()47 /
بعد أن لفت ال أنظار اليهود .إلى أن عدم إيمانهم بالسلم هو كفر بالتوراة ..لن تعاليم التوراة
تآمرهم أن يؤمنوا بالرسول الجديد .وقد أعطوا أوصاف رسول ال صلى ال عليه وسلم ..وزمنه
سكُمْ }
سوْنَ أَ ْنفُ َ
في التوراة .وأمروا أن يؤمنوا به .قال تبارك وتعالى { :أَتَ ْأمُرُونَ النّاسَ بِالْبِ ّر وَتَنْ َ
لقد كان اليهود يبشرون بمجيء رسول جديد .ويعلنون أنهم سيؤمنون به .فلما جاء رسول ال
صلى ال عليه وسلم ولم يكن من قومهم كفروا به .لنهم كانوا يريدون أن تكون السطوة لهم .بأن
يأتي الرسول الجديد منهم .فلما جاء من العرب ..عرفوا أن سطوتهم ستزول وأن سيادتهم
القتصادية ستنتهي .فكفروا بالرسول وبرسالته.
ولبد أن ننبه إلى أنه إذا كانت هذه اليات قد نزلت في اليهود .فليس معناها أنها تنطبق عليهم
وحدهم .بل هي تنطبق على أهل الكتاب جميعا .وغير المؤمنين .فالعبرة ليست بخصوص
الموضوع .ولكن العبرة بعموم السبب.
إن الكلم منطبق هنا حتى على المسلمين الذين يشترون بآيات ال ثمنا قليل وهؤلء هم خطباء
الفتنة الذين رآهم رسول ال صلى ال عليه وسلم .تقرض شفاهم بمقارض من نار .فسأل :من
هؤلء يا جبريل :فقال خطباء الفتنة .إنهم الذين يزينون لكل ظالم ظلمه .ويجعلون دين ال في
خدمة أهواء البشر .وكان الصل أن تخضع أهواء البشر لدين ال .وهؤلء هم الذين يحاولون ـ
تحت شعار التجديد ـ أن يجعلوا للناس حجة في أن يتحللوا من منهج ال .فهم يبررون ما يقع.
ول يتدبرون حساب الخرة.
إن علماء الدين الذين يحملون منهج ال ليس من عملهم تبرير ما يقع من غيرهم .ومنهج ال ل
يمكن أن يخضع أبدا لهواء البشر .وعلى الذين يفعلون ذلك أن يتوبوا ويرجعوا إلى ال.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ويحاولوا استدراك ما وقع منهم .لن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
س ُكمْ } يعطينا منهجا آخر من
سوْنَ أَ ْنفُ َ
وقوله الحق سبحانه وتعالى { :أَتَ ْأمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرّ وَتَنْ َ
مناهج الدعاة .لن الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحمل منهج ال ..يريد أن يخرج من
ل يؤمن من حركة الباطل التي ألفها .وإخراج غير المؤمن من حركة الباطل أمر شاق على
نفسه .لنه خروج عن الذي اعتاده .وبُعد عما ألفه .واعتراف أنه كان على باطل لذلك فهو يكون
مفتوح العينين على من بين له طريق اليمان ليرى هل يطبق ذلك على نفسه أم ل؟ أيطبق الناهي
عن المنكر ما يقوله؟ فإذا طبقه عرف أنه صادق في الدعوة .وإذا لم يطبقه كان ذلك عذرا ليعود
إلى الباطل الذي كان يسيطر على حركة حياته.
إن الدين كلمة تقال .وسلوك يفعل.
فإذا انفصلت الكلمة عن السلوك ضاعت الدعوة .فال سبحانه وتعالى يقول {:ياأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ ِلمَ
َتقُولُونَ مَا لَ َتفْعَلُونَ * كَبُرَ َمقْتا عِندَ اللّهِ أَن َتقُولُواْ مَا لَ َت ْفعَلُونَ }[الصف]3-2 :
لماذا..؟ لن من يراك تفعل ما تنهاه عنه يعرف أنك مخادع وغشاش .وما لم ترتضه أنت كسلوك
لنفسك .ل يمكن أن تبشر به غيرك .لذلك نقرأ في القرآن الكريمّ {:لقَدْ كَانَ َلكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ
حسَنَةٌ ّلمَن كَانَ يَ ْرجُو اللّ َه وَالْ َيوْ َم الخِ َر وَ َذكَرَ اللّهَ كَثِيرا }[الحزاب]21 :
س َوةٌ َ
أُ ْ
فمنهج الدين وحده ل يكفي ..إل بالتطبيق .ولذلك كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يأمر
أصحابه بأمر إل كان أسبقهم إليه ،فكان المسلمون يأخذون عنه القدوة قول وعمل ،وكان عمر بن
الخطاب رضي ال عنه .حين يريد أن يقنن أمرا في السلم يأتي بأهله وأقاربه ويقول لهم :لقد
بدا لي أن آمر بكذا وكذا ،والذي نفسي بيده من خالف منكم لجعلنه نكال للمسلمين .وكان عمر
بن الخطاب بهذا يقفل أبواب الفتنة ،لنه يعلم من أين تأتي..
وفي الدعوة السلمية ..لبد أن يكون العلماء قدوة لينصلح أمر الناس .ففي كل علوم الدنيا القدوة
ليست مطلوبة .إل في الدين .فأنت إذا ُذكِرَ لك عالم كيمياء بارع .وقيل لك أنه يتناول الخمر .أو
يفعل كذا .تقول مالي وسلوكه .أنا آخذ عنه علم الكيمياء لنه بارع في ذلك .ولكن ل شأن لي
بسلوكه .وكذلك كل علماء الرض .ما عدا عالم الدين .فإذا كان هناك عالم يبصرك بالطريق
المستقيم .وتتلقى عنه علوم دينك ثم بعد ذلك تعرف أنه يشرب الخمر أو يسرق .أتستمع له؟ أبدا.
أنه يهبط من نظرك في الحال .ول تحب أن تسمعه .ول تجلس في مجلسه .مهما كان علمه.
فستقول له كفاك دجل..
وهكذا فإن عالم الدين لبد أن يكون قدوة .فل ينهى عن منكر ويفعله .أو يأمر بمعروف وهو ل
ينفذه .فالناس كلهم مفتحة أعينهم لما يصنع .والسلم قبل أن ينتشر بالمنهج العلمي ..انتشر
بالمنهج السلوكي .وأكبر عدد من المسلمين اعتنق هذا الدين من أسوة سلوكية قادته إليه .فالذين
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
نشروا السلم في الصين ..كان أغلبهم من التجار الذين تخلقوا بأخلق السلم .فجذبوا حولهم
حسَنُ َق ْولً ّممّن دَعَآ إِلَى اللّهِ
الكثيرين .فاعتنقوا السلم .ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالىَ {:ومَنْ أَ ْ
ل صَالِحا َوقَالَ إِنّنِي مِنَ ا ْلمُسِْلمِينَ }[فصلت]33 :
عمِ َ
وَ َ
فالشرط الول هو الدعوة إلى ال .والشرط الثاني العمل الصالح .وقوله } إِنّنِي مِنَ ا ْلمُسِْلمِينَ { لم
ينسب الفضل لنفسه أو لذاته .ولكنه نسب الفضل إلى السلم.
ولكن قولوا لي :أي فائدة أن نقول أننا مسلمون ونعمل بعمل غير المسلمين؟ إذن فقوله تعالى} :
سكُمْ { يذكر ال بأن اليهود يقولون ما ل يفعلون .ولو كانوا
سوْنَ أَ ْنفُ َ
أَتَ ْأمُرُونَ النّاسَ بِالْبِ ّر وَتَنْ َ
يؤمنون حقا بالتوراة لمنوا برسول ال صلى ال عليه وسلم وبالسلم .لن ذلك أمر في التوراة.
ولكنهم نسوا أنفسهم .فهم أول مخالف للتوراة .لنهم لم يتبعوها ..وهم يتلون كتابهم الذي يأمرهم
باليمان الجديد.
ومع أنهم متأكدون من صدق رسالة رسول ال صلى ال عليه وسلم .إل أنهم ل يؤمنون .ولو كان
عندهم ذرة من العقل لمنوا بما يطلبه منهم كتابهم الذي يتلونه .ولكنهم ل يفكرون بعقولهم ،وإنما
يريدون علوا في الرض .والية ـ كما قلنا ـ ل تنطبق على اليهود وحدهم .بل على كل من
يسلك هذا السلوك..
()48 /
شعِينَ ()45
وَاسْ َتعِينُوا بِالصّبْرِ وَالصّلَاةِ وَإِ ّنهَا َلكَبِي َرةٌ إِلّا عَلَى ا ْلخَا ِ
بعد أن بين الحق سبحانه وتعالى أن اليمان قدوة .وبعد أن لفتنا إلى أن التوراة تطالب اليهود .بأن
يؤمنوا بمحمد عليه الصلة والسلم .يطلب ال سبحانه وتعالى الستعانة بالصبر والصلة .ومعنى
الستعانة بالصبر أن هناك أحداثا شاقة ستقع .وأن المسألة لن تكون سهلة .بل تحتاج إلى جهد.
فالصبر معناه حمل النفس على أمر صعب .وهم ماداموا قد تعودوا على شراء آيات ال بثمن
قليل ..لنهم قلبوا الصفقة .فجعلوا آيات ال ثمنا لمتع الدنيا .واشتروا بها متعهم وملذاتهم .وبعد أن
تعودوا على الربا وغيره من وسائل الكسب الحرام .لبد أن يستعينوا بالصبر إذا أرادوا العودة
إلى طريق اليمان.
وكما قلنا فإن المسألة ليست بخصوصية الموضوع ولكن بعموم السبب .فإنها موجهة للجميع .فكل
مؤمن يدخل منهج اليمان محتاج إلى الستعانة بالصبر ليحمل نفسه على مشقة المنهج وتكاليفه.
وليمنع نفسه عن الشهوات التي حرمها ال سبحانه وتعالى.
والصبر في الية الكريمة فسره بعض العلماء بأنه الصيام ،فكأن ال تعالى يأمرهم أن يجوعوا
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ويصبروا على ألم الجوع .ومشقة اليمان والصلة كما قلنا خشوع وخضوع وذلة ل ..تنهي
استكبارهم بأن يؤمنوا بدين لم ينزل على أحد من أحبار اليهود .والحق سبحانه وتعالى يقول:
شعِينَ }.
{ وَإِ ّنهَا َلكَبِي َرةٌ ِإلّ عَلَى الْخَا ِ
لةِ } الستعانة بشيئين هما الصبر والصلة.
ويطلب الحق في قوله { :وَاسْ َتعِينُواْ بِالصّبْ ِر وَالصّ َ
وكان سياق الية يقتضي أن يقال " :وأنهما " لكن القرآن قال { :وَإِ ّنهَا َلكَبِي َرةٌ } فهل المقصود
واحدة منهما .الصلة فقط .أم الصبر؟
نقول إنه عندما يأتي أمران منضمان إلى بعضهما ل تستقيم المور إل بهما معا ..يكونان علجا
واحدا ..واقرأ قوله تعالى {:يَحِْلفُونَ بِاللّهِ َلكُمْ لِيُ ْرضُوكُمْ وَاللّ ُه وَرَسُولُهُ َأحَقّ أَن يُ ْرضُوهُ إِن كَانُواْ
ُم ْؤمِنِينَ }[التوبة]62 :
فقال يرضوه ولم يقل يرضوها .التفسير السابق نفسه نفهمه :ليس ل حق ولرسوله حق .ولكن ال
ورسوله يلتقيان على حق واحد .وكذلك قوله تعالى {:وَإِذَا رََأوْاْ ِتجَا َرةً َأوْ َلهْوا ان َفضّواْ إِلَ ْيهَا
وَتَ َركُوكَ قَآئِما }[الجمعة]11 :
وكان المفروض أن يقال إليهما .ولكن التجارة واللهو لهما عمل واحد .هو شغل المؤمنين عن
لةِ } لن العلج في الصبر مع الصلة .والصبر كبير
العبادة والذكر { :وَاسْ َتعِينُواْ بِالصّبْ ِر وَالصّ َ
أن تتحمله النفس .وكذلك الصلة .لنهما يأخذان من حركة حياة النسان .والصبر هنا مطلوب
ليصبروا على ما يمتنعون عنه من نعيم الدنيا وزخرفها .والصلة تحارب الستكبار في النفس.
فكأن الوصفة اليمانية ل تتجزأ .فل يتم الصبر بل صلة ،ول تتقن الصلة إل بالصبر.
شعِينَ } ..ما معنى الخشوع؟ الخشوع هو الخضوع لمن ترى أنه
وقوله تعالىِ { :إلّ عَلَى الْخَا ِ
فوقك بل منازع .فالناس يتفاوتون في القيم والمواهب .وكل واحد يحاول أن يفاخر بعلوه
ومواهبه.
ويقول :أنا خير من فلن .أو أنت خير من فلن .إذن فمن الممكن أن يستكبر النسان بما عنده.
ولكن النسان يخضع لمن كانت له حاجة عنده .لنه لو تكبر عليه أتعبه في دنياه .ولذلك أعطى
ال سبحانه وتعالى للناس المواهب على الشيوع والخشوع على الشيوع .فكل إنسان منا محتاج
للخر .هذا خشوع على الشيوع .وكل إنسان منا مميز بما ل يقدر عليه غيره .هذه مواهب على
الشيوع .هذا في البشر ،أما بالنسبة ل سبحانه فإنه خشوع لمن خلق ووهب وأوجد.
والخشوع يجعل النسان يستحضر عظمة الحق سبحانه ويعرف ضآلة قيمته أمام الحق سبحانه
وتعالى ومدى عجزه أمام خالق هذا الكون .ويعلم أن كل ما عنده يمكن أن يذهب به ال تعالى في
لحظة ..ذلك أننا نعيش في عالم الغيار .ولذلك فنخضع للذي ل يتغير .لن كل ما يحصل عليه
النسان هو من ال وليس من ذاته .والذين يغترون بوجود السباب نقول لهم :اعبدوا واخشعوا
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لواهب السباب وخالقها .لن السباب ل تعمل بذاتها .وال سبحانه وتعالى يجعل اليام دول ..أي
متداولة بين الناس .إنسان يفاخر بقوته .يأتي من هو أقوى منه فيهزمه .إنسان يفاخر بماله .يضيع
ك الَيّامُ
س ُكمْ قَرْحٌ َفقَدْ مَسّ ا ْل َقوْمَ قَرْحٌ مّثْلُ ُه وَتِ ْل َ
هذا المال في لحظة ..واقرأ قوله تعالى {:إِن َيمْسَ ْ
حبّ الظّاِلمِينَ }[آل عمران:
شهَدَآ َء وَاللّ ُه لَ ُي ِ
نُدَاوُِلهَا بَيْنَ النّاسِ وَلِ َيعْلَمَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُواْ وَيَتّخِذَ مِنكُمْ ُ
]140
ولذلك لبد أن نفهم .أن النسان الذي يستعلي بالسباب سيأتي وقت ل تعطيه السباب .فالنسان
إذا بلغ في عينه وأعين الناس مرتبة الكمال .اغتر بنفسه .نقول له :ل تغتر بكمالت نفسك .فإن
كانت موجودة الن .فستتغير غدا ..فالخشوع ل يكون إل ل .والحق سبحانه وتعالى يقول} :
شعِينَ { من هم الخاشعون؟ الخاشع هو الطائع ل .الممتنع عن
وَإِ ّنهَا َلكَبِي َرةٌ ِإلّ عَلَى ا ْلخَا ِ
المحرمات .الصابر على القدار .الذي يعلم يقينا داخل نفسه أن المر ل وحده .وليس لي قوة
أخرى ..فيخشع لمن خلقه وخلق هذا الكون له.
()49 /
جعُونَ ()46
الّذِينَ َيظُنّونَ أَ ّنهُمْ مُلَاقُو رَ ّبهِ ْم وَأَ ّنهُمْ إِلَيْهِ رَا ِ
بعد أن أوضح لنا الحق سبحانه وتعالى أن الصبر والصلة كبيرة إل على كل من خشع قلبه ل.
فهو يقبل عليهما بحب وإيمان ورغبة .أراد أن يعرفنا من هم الخاشعون .فقال جل جلله { :الّذِينَ
يَظُنّونَ أَ ّنهُم مّلَاقُواْ رَ ّب ِهمْ }.
ما هو الظن؟ سبق أن تحدثنا عن النسب .وقلنا هناك نسبة أنا جازم بها والواقع يصدقها .عندما
أقول مثل :محمد مجتهد .فإذا كان هناك شخص اسمه محمد ومجتهد .أكون قد جزمت بواقع.
فهذه نسبة مجزوم بها بشرط أن أستطيع أن أدلل على صدق ما أقول .فإذا كنت جازما بالنسبة
على صدق ما أقول ..فهذا تقليد .مثلما يقول ابنك البالغ من العمر ست سنوات مثل :ل إله إل ال
محمد رسول ال .ولكن عقله الصغير ل يستطيع أن يدلل على ذلك .وإنما هو يقلد أباه أو
مدرسيه..
فإذا كنت جازما بالشيء وهو ليس له وجود في الواقع .فهذا هو الجهل .والجاهل شر من المي.
لن الجاهل مؤمن بقضية ل واقع لها .ويدافع عنها .أما المي ..فهو ل يعلم .ومتى علم فإنه
يؤمن .ولذلك لبد بالنسبة للجاهل أن تخرج الباطل من قلبه أول .ليدخل الحق .وإذا كانت القضية
غير مجزوم بها ومتساوية في النفي والوجود فإن ذلك يكون شكا .فإذا رجحت إحدى الكفتين على
الخرى يكون ذلك ظنا .والحق سبحانه وتعالى يقول { :الّذِينَ يَظُنّونَ } ولم يقل :الذين تيقنوا أنهم
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ملقوا ربهم ..لماذا لم يستخدم الحق تعالى لفظ اليقين وأبدله بالظن؟ لن مجرد الظن أنك ملق
ال سبحانه وتعالى ..كاف أن يجعلك تلتزم بالمنهج .فما بالك إذا كنت متيقنا .فمجرد الظن يكفي.
وإذا أردنا أن نضرب لذلك مثل ـ ول المثل العلى ـ نقول :هب أنك سائر في طريق .وجاء
شخص يخبرك أن هذا الطريق فيه لصوص وقطاع طرق .فمجرد هذا الكلم يجعلك ل تمشي في
هذا الطريق إل إذا كنت مسلحا ومعك شخص أو اثنان .فأنت تفعل ذلك للحتياط .إذن فمجرد
الظن دفعنا للحتياط ..إذن فقوله تعالىَ { :يظُنّونَ أَ ّنهُم مّلَاقُواْ رَ ّبهِمْ } فمجرد أن القضية راجحة.
هذا يكفي لتباع منهج ال .فتقي نفسك من عذاب عظيم.
ويقول المعرّي في آخر حياته:زعم المنجّم والطبيب كلهما ل تحشر الجساد قلتُ إليكماإن صحّ
قولكما فلسْت بخاس ٍر أو صح قولي فالخسارُ عليكمافكل مكذب بالخرة خاسر .والنفس البشرية
لبد أن تحتاط للقاء ال .وأن تعترف أن هناك حشرا وتعمل لذلك.
جعُونَ } والرجوع إلى
والحق سبحانه وتعالى يقول { :الّذِينَ يَظُنّونَ أَ ّنهُم مّلَاقُواْ رَ ّبهِمْ وَأَ ّنهُمْ إِلَيْهِ رَا ِ
ال سبحانه وتعالى أمر يقيني .فمادمت قد جئت إلى الدنيا مخلوقا من ال فأنت ـ ل محالة ـ
سترجع إليه.
وهذا اليوم يجب أن نحتاط له .حيطة كبرى .وأن نترقبه .لنه يوم عظيم ..والحق سبحانه يقول{:
عمّآ
ضعَةٍ َ
شيْءٌ عَظِيمٌ * َيوْمَ تَ َروْ َنهَا تَذْ َهلُ ُكلّ مُ ْر ِ
ياأَ ّيهَا النّاسُ ا ّتقُواْ رَ ّبكُمْ إِنّ َزلْزَلَةَ السّاعَةِ َ
عذَابَ اللّهِ
سكَارَىا وَلَـاكِنّ َ
سكَارَىا َومَا هُم ِب ُ
حمَْلهَا وَتَرَى النّاسَ ُ
ح ْملٍ َ
ض َعتْ وَ َتضَعُ ُكلّ ذَاتِ َ
أَ ْر َ
شَدِيدٌ }[الحج]2-1 :
ج َعلُ ا ْلوِلْدَانَ شِيبا }[المزمل]17 :
ويقول جل جللهَ {:فكَ ْيفَ تَ ّتقُونَ إِن َكفَرْتُمْ َيوْما يَ ْ
إذا كان هذا حالنا يوم القيامة ،فكيف ل يكفي مجرد الظن لن نتمسك بمنهج ال .ونحن نحتاط
لحداث دنيوية ل تساوي شيئا بالنسبة لهوال يوم القيامة .أن الظن هنا بأننا سنلقي ال تعالى
يكفي لن نعمل له ألف حساب.
()50 /
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ا ْذكُرُوا ِن ْعمَ ِتيَ الّتِي أَ ْن َعمْتُ عَلَ ْيكُمْ وَأَنّي َفضّلْ ُتكُمْ عَلَى ا ْلعَاَلمِينَ ()47
يدّعي بعض الناس أن هناك تكرارا .لليات السبع التي سبق فيها تذكير بني إسرائيل .نقول :ل.
لم تتكرر هذه اليات ..وهي قوله تعالى {:يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ا ْذكُرُواْ ِن ْعمَتِيَ الّتِي أَ ْن َع ْمتُ عَلَ ْيكُ ْم وََأ ْوفُواْ
ِب َعهْدِي أُوفِ ِب َعهْ ِد ُك ْم وَإِيّايَ فَارْهَبُونِ * وَآمِنُواْ ِبمَآ أَنزَ ْلتُ ُمصَدّقا ّلمَا َم َعكُ ْم َولَ َتكُونُواْ َأ ّولَ كَافِرٍ بِهِ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ق وَأَنْ ُتمْ َتعَْلمُونَ
ل وَ َتكْ ُتمُواْ ا ْلحَ ّ
طِل وَإِيّايَ فَا ّتقُونِ * َولَ تَلْبِسُواْ ا ْلحَقّ بِالْبَا ِ
وَلَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي َثمَنا قَلِي ً
سكُ ْم وَأَنْتُمْ
سوْنَ أَ ْنفُ َ
ل َة وَآتُواْ ال ّزكَا َة وَا ْر َكعُواْ مَعَ الرّا ِكعِينَ * أَتَ ْأمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرّ وَتَنْ َ
* وََأقِيمُواْ الصّ َ
شعِينَ * الّذِينَ
لةِ وَإِ ّنهَا َلكَبِي َرةٌ ِإلّ عَلَى الْخَا ِ
تَتْلُونَ ا ْلكِتَابَ َأفَلَ َتعْقِلُونَ * وَاسْ َتعِينُواْ بِالصّبْ ِر وَالصّ َ
جعُونَ }[البقرة]46-40 :
يَظُنّونَ أَ ّنهُم مّلَاقُواْ رَ ّب ِه ْم وَأَ ّنهُمْ إِلَيْهِ رَا ِ
هذه اليات السبع كلها تذكر بني إسرائيل .برسالة رسول ال صلى ال عليه وسلم .والذي جاء
وصف صفاته وزمنه في التوراة ولتذكيرهم أن رسول ال صلى ال عليه وسلم .هو نعمة إليهم
وإلى الناس جميعا .وإذا كان ال قد فضل بني إسرائيل بأن أرسل رسل .فليس معنى ذلك أن
ينكروا نعمة ال عليهم بالرسول الخاتم .وبما أن أوصاف رسول ال صلى ال عليه وسلم قد
ذكرت في التوراة وطلب منهم أن يؤمنوا به وينصروه فإن عدم إيمانهم به هو كفر بالتوراة .كما
أن النجيل بشر بمحمد صلى ال عليه وسلم وطلب منهم أن يؤمنوا به .فعدم إيمانهم به كفر
بالنجيل.
وقوله تعالى { :ا ْذكُرُواْ ِن ْعمَتِي الّتِي أَ ْن َع ْمتُ عَلَ ْيكُمْ } أي اذكروا أنني جعلت في كتابكم ما يثبت
صدق محمد صلى ال عليه وسلم في نبوته .والمعنى اذكروا نعمتي بأني فضلتكم على العالمين
ممن عاصروكم وقت نزول رسالة موسى .وجعلت منكم النبياء.
ومادام الحق سبحانه وتعالى ..قد فضلهم على العالمين ..فكيف يمّن عليهم؟ نقول الّمن هنا لشدة
النكاية بهم .فال سبحانه وتعالى .لشدة معصيتهم وكفرهم جعل منهم القردة والخنازير وعبد
الطاغوت.
واقرأ قوله تعالى {:وََلقَدْ عَِلمْتُمُ الّذِينَ اعْتَدَواْ مِ ْنكُمْ فِي السّ ْبتِ فَقُلْنَا َل ُهمْ كُونُواْ قِرَ َدةً خَاسِئِينَ }[البقرة:
]65
ج َعلَ مِ ْنهُمُ
ضبَ عَلَيْ ِه وَ َ
غ ِ
وقوله تعالىُ {:قلْ َهلْ أُنَبّ ُئ ُكمْ بِشَرّ مّن ذاِلكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن ّلعَ َنهُ اللّ ُه وَ َ
سوَآءِ السّبِيلِ }[المائدة]60 :
ا ْلقِرَ َد َة وَالْخَنَازِي َر وَعَبَدَ الطّاغُوتَ ُأوْلَـا ِئكَ شَرّ ّمكَانا وََأضَلّ عَن َ
فال سبحانه وتعالى يبين لنا كيف كفر بنو إسرائيل بأنبيائهم وقتلوهم .رغم أن ال تعالى أعطاهم
خيرا كثيرا ..ولكنهم نكثوا العهد ..فاستحقوا العذاب .فهم لم يجعلوا نعمة ال عليهم سببا في
إخلصهم واليمان به سبحانه وتصديق منهجه .وتصديق الرسول الخاتم الذي ذكر عندهم في
التوراة .كان يجب أن يؤمنوا بال وأن يذكروا نعمه الكثيرة التي تفضل بها عليهم.
والحق يريد أن يلفتنا إلى أنه مادام قد أنعم عليهم.
.فل يظنون أنهم غير مطالبين باليمان بمحمد عليه الصلة والسلم .إنما كان لبد أن يفهموا أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم جاء ليصحح لهم كتابهم .ويوضح لهم الطريق الصحيح ..فكان
يجب عليهم أن ينصروه .والنعمة ل يمكن أن تستمر مع الكفر بها .وحتى ل نظن أن ال سبحانه
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وتعالى قد قسا عليهم بأن جعلهم أمما متفرقة في الرض كلها .ثم بعد ذلك يجمعون في وطن
سكُنُواْ الَرْضَ }[السراء]104 :
واحد ليقتلوا ..واقرأ قوله تعالىَ {:وقُلْنَا مِن َبعْ ِدهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ا ْ
أي أرض تلك التي طلب ال سبحانه وتعالى من بني إسرائيل أن يسكنوها؟ مادام الحق سبحانه
سكُنُواْ الَ ْرضَ { فهي الرض كل الرض .وهل تكون الرض كلها وطنا لليهود.
وتعالى قال } :ا ْ
طبعا ل .ولكن الحق سبحانه كتب عليهم أن يتفرقوا في الرض .فل تكون لهم دولة إل عندما
يشاء ال أن يجمعهم في مكان واحد .ثم يسلط عليهم عباده المؤمنين .والحق سبحانه وتعالى
ن وَلَ َتعْلُنّ عُُلوّا كَبِيرا * فَإِذَا
سدُنّ فِي الَ ْرضِ مَرّتَيْ ِ
يقولَ {:و َقضَيْنَآ إِلَىا بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ا ْلكِتَابِ لَ ُتفْ ِ
للَ الدّيَا ِر َوكَانَ وَعْدا ّم ْفعُولً *
شدِيدٍ َفجَاسُواْ خِ َ
جَآ َء وَعْدُ أُول ُهمَا َبعَثْنَا عَلَ ْيكُمْ عِبَادا لّنَآ ُأوْلِي بَأْسٍ َ
جعَلْنَاكُمْ َأكْثَرَ َنفِيرا }[السراء]6-4 :
ثُمّ َردَدْنَا َل ُكمُ ا ْلكَ ّرةَ عَلَ ْيهِ ْم وََأمْ َددْنَاكُم بَِأ ْموَالٍ وَبَنِينَ َو َ
هذه هي المرة الولى التي انتصر فيها المسلمون على اليهود .يقول الحق سبحانه وتعالىُ } .ثمّ
رَ َددْنَا َلكُمُ ا ْلكَ ّرةَ عَلَ ْي ِهمْ { ومادام الحق سبحانه وتعالى قال عليهم فهي على المسلمين .لنهم هم
الذين انتصروا على اليهود .وقوله تعالى } :وََأمْ َددْنَاكُم بَِأ ْموَالٍ وَبَنِينَ { معناها أنهم ينتصرون على
المسلمين وهذا ما هو حادث الن ،وما شاهدناه وما نشاهده في الفترة الخيرة .أي أن المدد والقوة
تأتيهم من الخارج وليس من ذاتهم.
ونحن نرى أن إسرائيل قائمة على جلب المهاجرين اليهود من الدول الخرى وجلب الموال
والمساعدات من الدول الخرى أيضا .أي أن كل هذا يأتيهم بمدد من الخارج .وإسرائيل ل
تستطيع أن تعيش إل بالمهاجرين إليها .وبالمعونات التي تأتيها .فالمدد لبد أن يأتي من الخارج.
إذا كانت هناك معركة وطلب قائد المدد ..فمعناه أنه يريد رجال يأتونه من خارج أرض المعركة
جعَلْنَاكُمْ َأكْثَرَ َنفِيرا { النفير هو الصوت العالي
ليصبحوا مددا وقوة لهذا الجيش .وقوله تعالى } :وَ َ
الذي يجذب النتباه .ونحن نرى الن أن إسرائيل تسيطر على وسائل العلم والدعاية في العالم.
وأن صوتها عال ومسموع ..ويقول الحق سبحانه وتعالى } :فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الخِ َرةِ لِيَسُوءُواْ
سجِدَ َكمَا دَخَلُوهُ َأ ّولَ مَ ّرةٍ { ..ومعنى هذا أن المسجد القصى سيضيع من
وُجُو َهكُ ْم وَلِيَ ْدخُلُواْ ا ْلمَ ْ
المسلمين ويصبح تحت حكم اليهود فيأتي المسلمون ويحاربونهم ويدخلون المسجد كما دخلوه أول
مرة في عهد عمر بن الخطاب رضي ال عنه .ويقول ال تعالى } :فَإِذَا جَآ َء وَعْدُ الخِ َرةِ جِئْنَا ِبكُمْ
َلفِيفا { واللفيف هو الجمع غير المتجانس.
الذي يتنافر مع نفسه ومع من حوله .وبما أن ال سبحانه وتعالى قد قضى أن يحدث قتال بين
اليهود وبين المسلمين ..يستعيد فيه المسلمون المسجد القصى .فكان لبد أن يجمعهم في مكان
واحد .لنهم لو بقوا كجاليات متفرقة في كل دول العالم ومعزولة عن المجتمعات التي يعيشون
فيها لقتضى ذلك أن يحارب المسلمون العالم كله .ولكن ال سبحانه وتعالى سيأتي بهم من كل
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
دولة إلى المكان الذي فيه بيت المقدس حتى يمكن أن يحاربهم المسلمون ،وأن يدخلوا المسجد كما
دخلوه أول مرة.
فالحق سبحانه وتعالى يذكر بني إسرائيل بنعمه عليهم .وبمعاصيهم وكفرهم حتى ل يقول أحد إن
ال سبحانه كان قاسيا عليهم لنهم هم الذين كفروا .وهم الذين عصوا وأفسدوا في الرض.
فاستحقوا هذا العقاب من ال سبحانه وتعالى.
()51 /
ل وَلَا هُمْ
خذُ مِ ْنهَا عَ ْد ٌ
شفَاعَ ٌة وَلَا ُيؤْ َ
وَاتّقُوا َي ْومًا لَا تَجْزِي َنفْسٌ عَنْ َنفْسٍ شَيْئًا وَلَا ُيقْبَلُ مِ ْنهَا َ
يُ ْنصَرُونَ ()48
قوله تعالى { :وَا ّتقُواْ َيوْما } يذكرهم بهذا اليوم .وهو يوم القيامة الذي ل ينفع النسان فيه إل
عمله .ويطلب الحق سبحانه وتعالى منهم أن يجعلوا بينهم وبين صفات الجلل ل تعالى في ذلك
اليوم وقاية.
ل َولَ
إن هناك آية أخرى تقول {:وَا ّتقُواْ َيوْما لّ تَجْزِي َنفْسٌ عَن ّنفْسٍ شَيْئا َولَ ُيقْ َبلُ مِ ْنهَا عَ ْد ٌ
شفَاعَ ٌة َولَ هُمْ يُنصَرُونَ }[البقرة]123 :
تَن َفعُهَا َ
شفَاعَةٌ
وهذه الية وردت مرتين .وصدر اليتين متفق .ولكن الية الولى تقولَ { :ولَ ُيقْ َبلُ مِ ْنهَا َ
شفَاعَ ٌة َولَ
ل َولَ تَنفَ ُعهَا َ
ل َولَ هُمْ يُ ْنصَرُونَ } والية الثانيةَ { :ولَ ُيقْبَلُ مِ ْنهَا عَ ْد ٌ
خذُ مِ ْنهَا عَ ْد ٌ
وَلَ ُيؤْ َ
هُمْ يُنصَرُونَ } هل هذا تكرار؟ نقول ل .والمسألة تحتاج إلى فهم .فاليتان متفقتان في مطلعهما:
في قوله تعالى { :وَاتّقُواْ َيوْما لّ َتجْزِي َنفْسٌ عَن ّنفْسٍ شَيْئا }.
ففي الية الولى قدم الشفاعة وقال :ل يقبل .والثانية أخر الشفاعة وقال ل تنفع .الشفاعة في الية
الولى مقدمة .والعدل متأخر ،وفي الية الثانية العدل مقدم والشفاعة مؤخرة ..وفي الية الولى
ل يقبل منها شفاعة .وفي الية الثانية ..ل تنفعها شفاعة .والمقصود بقوله تعالى { :ا ّتقُواْ َيوْما }
لمْرُ َي ْومَئِذٍ لِلّهِ }
هو يوم القيامة الذي قال عنه سبحانه وتعالىَ {:يوْ َم لَ َتمِْلكُ َنفْسٌ لِ َنفْسٍ شَيْئا وَا َ
[النفطار]19 :
وقوله تعالى { :لّ َتجْزِي َنفْسٌ عَن ّنفْسٍ شَيْئا } كم نفسا هنا؟ إنهما اثنتان .نفس عن نفس .هناك
نفس أولى ونفس ثانية .فما هي النفس الولى؟ النفس الولى هي الجازية .والنفس الثانية ..هي
شفَاعَةٌ } هل من النفس الولى أو
المجزي عنها ..ومادام هناك نفسان فقوله تعالى { :لَ ُيقْ َبلُ مِ ْنهَا َ
الثانية؟
إذا نظرت إلى المعنى فالمعنى أنه سيأتي إنسان صالح في يوم القيامة ويقول يا رب أنا سأجزي
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عن فلن أو أغني عن فلن أو أقضي حق فلن .النفس الولى أي النفس الجازية تحاول أن
تتحمل عن النفس المجزي عنها.
ولكي نقرب المعنى ول المثل العلى نفترض أن حاكما غضب على أحد من الناس وقرر أن
ينتقم منه أبشع انتقام .يأتي صديق لهذا الحاكم ويحاول أن يجزي عن المغضوب عليه .فبما لهذا
الرجل من منزلة عند الحاكم يحاول أن يشفع للطرف الثالث .وفي هذه الحالة إما أن يقبل شفاعته
أو ل يقبلها .فإذا لم يقبل شفاعته فإنه سيقول للحاكم أنا سأسدد ما عليه ..أي سيدفع عنه فدية ،ول
يتم ذلك إل إذا فسدت الشفاعة.
فإذا كانت المسألة وفي يوم القيامة ومع ال سبحانه وتعالى ..يأتي إنسان صالح ليشفع عند ال
تبارك وتعالى لنسان أسرف على نفسه .فلبد أن يكون هذا النسان المشفع من الصالحين حتى
تقبل شفاعته عند الحق جل جلله.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فهم عرضوا أن يكفروا عن سيئاتهم .بأن طلبوا العودة إلى الدنيا ليعملوا صالحا .فلم يقبل ال
سبحانه وتعالى منهم هذا العرض .اقرأ قوله تبارك وتعالىَ {:هلْ يَنظُرُونَ ِإلّ تَ ْأوِيلَهُ َيوْمَ يَأْتِي
شفَعُواْ لَنَآ َأوْ نُرَدّ
ش َفعَآءَ فَ َي ْ
سلُ رَبّنَا بِا ْلحَقّ َفهَل لّنَا مِن ُ
تَ ْأوِيلُهُ َيقُولُ الّذِينَ نَسُوهُ مِن قَ ْبلُ قَدْ جَآ َءتْ رُ ُ
ضلّ عَ ْنهُمْ مّا كَانُواْ َيفْتَرُونَ }[العراف]53 :
سهُ ْم َو َ
خسِرُواْ أَ ْنفُ َ
فَ َن ْعمَلَ غَيْرَ الّذِي كُنّا َن ْع َملُ َقدْ َ
لقد طلب هؤلء الشفاعة أول ولم تقبل .فدخلوا في حد آخر وهو العدل فلم يؤخذ مصداقا لقوله
خذُ مِ ْنهَا عَ ْدلٌ { ..وهكذا نرى الختلف في اليتين .فليس
شفَاعَ ٌة َولَ ُيؤْ َ
تعالىَ } :ولَ ُيقْ َبلُ مِ ْنهَا َ
هناك تكرار في القرآن الكريم..
ولكن الية التي نحن بصددها تتعلق بالنفس الجازية .أو التي تريد آن تشفع لمن أسرف على
ع ْدلٌ َولَ تَن َفعُهَا
ع ْدلٌ { .والية الثانية } :لَ ُيقْ َبلُ مِ ْنهَا َ
شفَاعَ ٌة َولَ ُيؤْخَذُ مِ ْنهَا َ
نفسه } :وَلَ ُيقْ َبلُ مِ ْنهَا َ
جعْنَا
شفَاعَةٌ { .أي أن الضمير هنا عائد على النفس المجزي عنها .فهي تقدم العدل أول } :ا ْر ِ
َ
َن ْع َملْ صَالِحا { فل يقبل منها ،فتبحث عن شفعاء فل تجد ول تنفعها شفاعة.
وهذه اليات التي أوردناها من القرآن الكريم كلها تتعلق بيوم القيامة.
على أن هناك مثل آخر في قوله تعالىَ {:ولَ َتقْتُلُواْ َأ ْولَ َدكُمْ مّنْ إمْلَقٍ نّحْنُ نَرْ ُز ُقكُ ْم وَإِيّا ُهمْ }
[النعام]151 :
خشْيَةَ ِإمْلقٍ نّحْنُ نَرْ ُز ُقهُمْ وَإِيّاكُم }[السراء:
والية الثانية في قوله سبحانه {:وَلَ َتقْتُلُواْ َأوْل َد ُكمْ َ
]31
يقول بعض الناس إن " نرزقكم " في الية الولى " ونرزقهم " في الية الثانية من جمال
لقٍ { أي من فقر موجود .ومادام الفقر
السلوب .نقول ل .قوله تعالىَ } :ولَ َتقْتُلُواْ َأ ْولَ َدكُمْ مّنْ إمْ َ
موجودا فالنسان ل يريد أولدا ليزداد فقره .ولذلك قال له الحق سبحانه وتعالى } :نّحْنُ نَرْ ُز ُقكُمْ
وَإِيّاهُمْ { .أي أن مجيء الولد لن يزيدكم فقرا .لن لكم رزقكم ولهم رزقهم .وليس معنى أن لهم
رزقهم أن ذلك سينقص من رزقكم ..فللب رزق وللولد رزق .أما في الية الثانيةَ } :ولَ َتقْتُلُواْ
خشْيَةَ ِإمْلقٍ { فكأن الفقر غير موجود .ولكنه يخشى أن رزق بأولد بأنه الفقر .يقول له
َأوْل َدكُمْ َ
الحق } :نّحْنُ نَرْ ُز ُقهُمْ وَإِيّاكُم { .أي أن رزقهم سيأتيهم قبل رزقكم.
فعندما تقرأ قول ال سبحانه وتعالى } :ا ّتقُواْ َيوْما لّ َتجْزِي َنفْسٌ عَن ّنفْسٍ شَيْئا { مكررة في
ع ْدلٌ {.
شفَاعَ ٌة َولَ ُيؤْخَذُ مِ ْنهَا َ
اليتين ل تظن أن هذا تكرار .لن إحداهما ختامها } :لَ ُيقْبَلُ مِ ْنهَا َ
شفَاعَةٌ { .فالضمير مختلف في الحالتين .مرة يرجع إلى
ل وَلَ تَن َف ُعهَا َ
ع ْد ٌ
والثانية } :لَ ُيقْ َبلُ مِ ْنهَا َ
النفس الجازية فقدم الشفاعة وأخر العدل .ولكن في النفس المجزي عنها يتقدم العدل وبعد ذلك
الشفاعة.
شوْاْ َيوْما لّ َيجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَ ِد ِه َولَ
الحق سبحانه وتعالى يقول {:ياأَ ّيهَا النّاسُ ا ّتقُواْ رَ ّبكُمْ وَاخْ َ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
َموْلُودٌ ُهوَ جَازٍ عَن وَاِل ِدهِ شَيْئا }[لقمان]33 :
أي أن النسان ل يمكن أن يجزى عن إنسان مهما بلغت قرابته ..ل يجزى الولد عن أمه أو أبيه.
أو يجزى الوالد عن أولده .واقرأ قوله تبارك وتعالىَ {:يوْمَ َيفِرّ ا ْلمَ ْرءُ مِنْ أَخِيهِ * وَُأمّ ِه وَأَبِيهِ *
َوصَاحِبَتِ ِه وَبَنِيهِ * ِل ُكلّ امْرِىءٍ مّ ْن ُهمْ َي ْومَئِذٍ شَأْنٌ ُيغْنِيهِ }[عبس]37-34 :
خذُ مِ ْنهَا عَ ْدلٌ { .العدل هو المقابل.
ع ْدلٌ { } :لَ ُيؤْ َ
وقول الحق سبحانه وتعالى } :لَ ُيقْ َبلُ مِ ْنهَا َ
كأن يقول المسرف على نفسه يا رب فعلت كذا وأسرفت على نفسي فأعدني إلى الدنيا أعمل
صالحا .وكلمة العدل مرة تأتي بكسر العين وهي مقابل الشيء من جنسه .أي أن يعدل القماش
قماش مثله ويعدل الذهب ذهب مثله .وعدل بفتح العين مقابل الشيء ولكن من غير جنسه .والعدل
معناه الحق والعدل ل يكون إل بين خصمين .ومعناه النصاف ومعناه الحق .والحق هو الشيء
الثابت الذي ل يتغير .وأنك ل تتحيز لجهة على حساب جهة أخرى .ولذلك كان رسول ال صلى
ال عليه وسلم عندما كان يجلس مع أصحابه يوزع نظره إلى كل الجالسين ..حتى ل يقال أنه
مهتم بواحد منهم عن الخر.
ولبد أن نعرف ما هي النفس.
كلمة النفس إذا وردت في القرآن الكريم .فافهم أن لها علقة بالروح .حينما تتصل الروح بالمادة
وتعطيها الحياة توجد النفس .المادة وحدها قبل أن تتصل بها الروح تكون مقهورة ومنقادة مسبحة
ل .فل تقل الحياة الروحية والحياة المادية .لن الروح مسبحة والمادة مسبحة .ولكن عندما تلتقي
الروح بالمادة وتبدأ الحياة وتتحرك الشهوات يبدأ الخلل .والموت يترتب عليه خروج الروح من
الجسد .الروح تذهب إلى عالمها التسخيري .والمادة تذهب إلى عالمها التسخيري .وذلك يجعلنا
شهَدُ عَلَ ْي ِهمْ أَلْسِنَ ُت ُه ْم وَأَيْدِيهِ ْم وَأَ ْرجُُلهُمْ ِبمَا كَانُواْ َي ْعمَلُونَ }
نفهم قول الحق سبحانه وتعالىَ {:يوْمَ تَ ْ
[النور]24 :
لماذا تشهد؟ لنها لم تعد مسخرة للنسان تتبع أوامره في الطاعة والمعصية .فحواسك مسخرة لك
بأمر ال في الحياة الدنيا وهي مسبحة وعابدة .فإذا أطاعتك في معصية فإنها تلعنك لنك أجبرتها
سوّاهَا *
س َومَا َ
على المعصية فتأتي يوم القيامة وتشهد عليك .وال سبحانه وتعالى يقول {:وَنَفْ ٍ
فَأَ ْل َه َمهَا ُفجُورَهَا وَ َتقْوَاهَا }[الشمس]8-7 :
ولقد شاع عند الناس لفظ الحياة المادية والحياة الروحية .لن الحياة الروحية تختلف عن الروح
لمِينُ }
حاَ
التي في جسدك .وهي تنطبق على الملئكة مصداقا لقوله تعالى {:نَ َزلَ ِبهِ الرّو ُ
[الشعراء]193 :
وقوله جل جللهَ {:وكَذَِلكَ َأوْحَيْنَآ إِلَ ْيكَ رُوحا مّنْ َأمْرِنَا }[الشورى]52 :
هذه هي الروح التي فيها النقاء والصفاء .وقوله تعالىَ } :ولَ هُمْ يُ ْنصَرُونَ { .أي أن ال سبحانه
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وتعالى إذا أقضى عليهم العذاب ل يستطيع أحد نصرهم أو وقف عذابهم .ل يمكن أن يحدث هذا.
لن المر كله ل.
()52 /
عوْنَ يَسُومُو َنكُمْ سُوءَ ا ْلعَذَابِ يُذَبّحُونَ أَبْنَا َءكُ ْم وَيَسْ َتحْيُونَ نِسَا َء ُك ْم َوفِي َذِلكُمْ
وَإِذْ َنجّيْنَاكُمْ مِنْ َآلِ فِرْ َ
بَلَاءٌ مِنْ رَ ّب ُكمْ عَظِيمٌ ()49
بعد أن حذر ال سبحانه وتعالى بني إسرائيل من يوم ل تنفع فيه الشفاعة .أراد أن يذكرهم بفضله
عليهم وبنعمه .قوله تعالى " :إذ " هي ظرف لشيء وسبق أن قلنا أن الظرف نوعان .لن كل
حدث من الحداث يحتاج إلى زمان يقع فيه وإلى مكان يقع فيه .وعندما أقول لك إجلس مكانك.
هذا الظرف يراد به المكان .وعندما يخاطب ال عز وجل عباده :أذكر إذ فعلت كذا .أي اذكر
وقت أن فعلت كذا ظرف زمان .وقول الحق تبارك وتعالى " :وإذ نجيناكم " أي اذكروا الوقت
الذي نجاكم فيه من فرعون.
والية التي نحن بصددها وردت ثلث مرات في القرآن الكريم .قوله تعالى { :وَإِذْ نَجّيْنَاكُم مّنْ آلِ
عوْنَ َيسُومُو َنكُمْ سُوءَ ا ْلعَذَابِ ُيذَبّحُونَ أَبْنَآ َء ُك ْم وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآ َءكُ ْم َوفِي ذَِلكُمْ بَلءٌ مّن رّ ّبكُمْ
فِرْ َ
عَظِيمٌ } [البقرة]49 :
{ وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ ا ْلعَذَابِ ُيقَتّلُونَ أَبْنَآ َءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآ َءكُمْ }
[العراف]141 :
عوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ ا ْلعَذَابِ وَيُذَبّحُونَ
وقوله جل جلله في سورة إبراهيم {:إِذْ أَنجَاكُمْ مّنْ آلِ فِرْ َ
أَبْنَآ َءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآ َءكُمْ }[إبراهيم]6 :
الختلف بين الولى والثانية هو قوله تعالى في الية الولى { :يُذَبّحُونَ أَبْنَآ َءكُمْ } .وفي الثانية{ :
ُيقَتّلُونَ أَبْنَآ َءكُمْ } " .ونجينا " في الية الولى " :وأنجينا " في الية الثانية .ما الفرق بين نجينا
وأنجينا؟ هذا هو الخلف الذي يستحق أن تتوقف عنده ..في سورة البقرة { :وَِإذْ نَجّيْنَاكُم مّنْ آلِ
عوْنَ } ..الكلم هنا من ال .أما في سورة إبراهيم فنجد { ا ْذكُرُواْ ِن ْعمَةَ اللّهِ عَلَ ْي ُكمْ إِذْ أَنجَاكُمْ }.
فِرْ َ
الكلم هنا كلم موسى عليه السلم .ما الفرق بين كلم ال سبحانه وتعالى وكلم موسى؟..
إن كلم موسى يحكي عن كلم ال .إن ال سبحانه وتعالى حين يمتن على عباده يمتن عليهم بقمم
النعمة ،ول يمتن بالنعم الصغيرة .وال تبارك وتعالى حين امتن على بني إسرائيل قال { :نَجّيْنَاكُم
عوْنَ يَسُومُو َنكُمْ سُوءَ ا ْل َعذَابِ ُيذَبّحُونَ أَبْنَآ َءكُ ْم وَيَسْ َتحْيُونَ ِنسَآ َءكُمْ } .ولم يتكلم عن العذاب
مّنْ آلِ فِرْ َ
الذي كان يلقيه قوم موسى من آل فرعون .إنهم كانوا يأخذونهم أجراء في الرض ليحرثوا وفي
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الجبال لينحتوا الحجر وفي المنازل ليخدموا .ومن ليس له عمل يفرضون عليه الجزية .ولذلك
كان اليهود يمكرون ويسيرون بملبس قديمة حتى يتهاون فرعون في أخذ الجزية منهم .وهذا
سكَنَةُ }[البقرة]61 :
معنى قول الحق سبحانه وتعالىَ {:وضُرِبَتْ عَلَ ْيهِمُ الذّلّ ُة وَا ْلمَ ْ
أي أنهم يتمسكون ويظهرون الذلة حتى ل يدفعوا الجزية .ولكن الحق سبحانه وتعالى لم يمتن
عليهم بأنه أنجاهم من كل هذا العذاب .بل يمتن عليهم بقمة النعمة .وهي نجاة البناء من الذبح
واستحياء النساء .لنهم في هذه الحالة ستستذل نساؤهم ورجالهم .فالمرأة ل تجد رجل يحميها
وتنحرف.
كلمة نجّى وكلمة أنجى بينهما فرق كبير.
كلمة نَجّى تكون وقت نزول العذاب .وكلمة أنجى يمنع عنهم العذاب .الولى للتخليص من العذاب
والثانية يبعد عنهم عذاب فرعون نهائيا .ففضل ال عليهم كان على مرحلتين .مرحلة أنه خلصهم
من عذاب واقع عليهم .والمرحلة الثانية أنه أبعدهم عن آل فرعون فمنع عنهم العذاب.
قوله تعالى } :يَسُومُو َنكُمْ سُوءَ ا ْلعَذَابِ { ما هو السوء؟ إنه المشتمل على ألوان شتى من العذاب
كالجلد والسخرة والعمل بالشغال الشاقة .ما معنى يسوم؟ يقال سام فلن خصمه أي أذله وأعنته
وأرهقه .وسام مأخوذة من سام الماشية تركها ترعى .لذلك سميت بالسام أي المتروكة .وعندما
يقال إن فرعون يسوم بني إسرائيل سوء العذاب .معناها أن كل حياتهم ذل وعذاب ..فتجد أن ال
سبحانه وتعالى عندما يتكلم عن حكام مصر من الفراعنة يتكلم عن فراعنة قدماء كانوا في عهد
شفْ ِع وَا ْلوَتْرِ * وَالّيلِ إِذَا َيسْرِ *
عشْرٍ * وَال ّ
عاد وعهد ثمود .واقرأ قوله تعالى {:وَا ْلفَجْرِ * وَلَيالٍ َ
سمٌ لّذِى حِجْرٍ * أَلَمْ تَرَ كَيْفَ َف َعلَ رَ ّبكَ ِبعَادٍ * إِ َرمَ ذَاتِ ا ْل ِعمَادِ * الّتِي لَمْ ُيخَْلقْ مِثُْلهَا
َهلْ فِي ذَِلكَ قَ َ
ط َغوْاْ فِي الْبِلَدِ *
لوْتَادِ * الّذِينَ َ
عوْنَ ذِى ا َ
فِي الْبِلَدِ * وَ َثمُودَ الّذِينَ جَابُواْ الصّخْرَ بِا ْلوَادِ * َوفِرْ َ
فََأكْثَرُواْ فِيهَا ا ْلفَسَادَ }[الفجر]12-1 :
أي أن ال تبارك وتعالى جاء بحضارة الفراعنة وقدماء المصريين بعد عاد وثمود .وهذا دليل
على أن حضارة عاد وثمود قديمة .وال سبحانه وتعالى وصف عادا بأنها التي لم يخلق مثلها في
البلد .أي أنها حضارة أرقى من حضارة قدماء المصريين.
قد يتساءل بعض الناس كيف يصف ال سبحانه وتعالى عادا بأنها التي لم يخلق مثلها في البلد.
مع أنه يوجد الن حضارات متقدمة كثيرة.
نقول إن ال قد كشف لنا حضارة الفراعنة وآثارهم .ولكنه أخفى عنا حضارة عاد .ولقد وجدنا في
حضارة الفراعنة أشياء لم نصل إليها حتى الن .مثل براعتهم في تحنيط الموتى والمحافظة على
الجثث .وبناء الهرامات وغير ذلك .وبما أن حضارة عاد كانت أرقى من حضارة الفراعنة .فإنها
تكون قد وصلت إلى أسرار مازالت خافية على العالم حتى الن .ولكنا ل نعرف شيئا عنها ،لن
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ال لم يكشف لنا آثارها.
ولقد تحدث الحق تبارك وتعالى عن الفراعنة باسم فرعون .وتكلم عنهم في أيام موسى باسم آل
فرعون .ولكن الزمن الذي كان بين عهدي يوسف وموسى لم يسم ملك مصر فرعون ،إنما سماه
العزيز الذي هو رئيس الوزراء ورئيسه الملك .وقال الحق تبارك وتعالىَ {:وقَالَ ا ْلمَِلكُ ائْتُونِي
بِهِ }[يوسف]50 :
إذن فالحاكم أيام يوسف كان يسمى ملكا ولم يسم فرعون .بينما حكام مصر قبل يوسف وبعده
كانوا يلقبون بفرعون .ذلك لنه قبل عهد يوسف عليه السلم حكم مصر الهكسوس أهل بني
إسرائيل.
فقد أغاروا على مصر وانتصروا على الفراعنة .وحكموا مصر سنوات حتى تجمع الفراعنة
وطردوهم منها.
والغريب أن هذه القصة لم تعرف إل بعد اكتشاف حجر رشيد ،وفك رموز اللغة الهيروغليفية.
وكان ملوك الهكسوس من الرعاة الذين استعمروا مصر فترة .ولذلك نرى في قصة يوسف عليه
السلم قول ال سبحانه وتعالىَ } :وقَالَ ا ْلمَِلكُ ائْتُونِي ِبهِ {.
وهكذا نعلم أن القرآن الكريم قد روى بدقة قصة كل حاكم في زمنه .وصف الفراعنة بأنهم
الفراعنة .ثم جاء الهكسوس فلم يكن هناك فرعون ولكن كان هناك ملك .وعندما جاء موسى كان
الفراعنة قد عادوا لحكم مصر .فإذا كان هذا المر لم نعرفه إل في مطلع القرن الخامس .عندما
اكتشف الفرنسيون حجر رشيد ،ولكن القرآن أرخ له التاريخ الصحيح منذ أربعة عشر قرنا .وهذه
معجزة تنضم لمعجزات كبيرة في القرآن الكريم عن شيء كان مجهول وقت نزول القرآن
وأصبح معلوما الن .لنجد أن القرآن جاء به في وضعه الصحيح والسليم.
بعد أن تحدثنا عن الفرق بين نجيناكم وأنجيناكم .نتحدث عن الفرق بين } يُذَبّحُونَ أَبْنَآ َءكُمْ { .و }
ُيقَتّلُونَ أَبْنَآ َءكُمْ { ..الذبح غير القتل ..الذبح لبد فيه من إراقة دماء .والذبح عادة يتم بقطع
الشرايين عند الرقبة ،ولكن القتل قد يكون بالذبح أو بغيره كالخنق والغراق .كل هذا قتل ليس
شرطا فيه أن تسفك الدماء.
والحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أن فرعون حينما أراد أن ينتقم من ذرية بني إسرائيل
انتقم منهم انتقامين ..انتقاما لنهم كانوا حلفاء للهكسوس وساعدوهم على احتلل مصر .ولذلك
فإن ملك الهكسوس اتخذ يوسف وزيرا .فكأن الهكسوس كانوا موالين لبني إسرائيل .وعندما
انتصر الفراعنة انتقموا من بني إسرائيل بكل وسائل النتقام .قتلوهم وأحرقوا عليهم بيوتهم.
أما مسألة الذبح في قوله تعالىُ } :يذَبّحُونَ أَبْنَآ َء ُكمْ { فلقد رأى فرعون نارا هبت من ناحية بيت
المقدس فأحرقت كل المصريين ولم ينج منها غير بني إسرائيل .فلما طلب فرعون تأويل الرؤيا.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
قال له الكهان يخرج من ذرية إسرائيل ولد يكون على يده نهاية ملكك .فأمر القوابل (الدايات)
بذبح كل مولود ذكر من ذرية بني إسرائيل .ولكن قوم فرعون الذين تعودوا السلطة قالوا
لفرعون :إن بني إسرائيل يوشك أن ينقرضوا وهم يقومون بالخدمات لهم .فجعل الذبح سنة والسنة
الثانية يبقون على المواليد الذكور .وهارون ولد في السنة التي لم يكن فيها ذبح فنجا .وموسى ولد
في السنة التي فيها ذبح فحدث ما حدث.
إذن سبب الذبح هو خوف فرعون من ضياع ملكه .وفرض الذبح حتى يتأكد قوم فرعون من
موت المولد .ولو فعلوه بأي طريقة أخرى كأن القوة من فوق جبل أو ضربوه بحجر غليظ .أو
طعنوه بسيف أو برمح قد ينجو من الموت .ولكن الذبح يجعلهم يتأكدون من موته في الحال فل
ينجو أحد.
والحق يقولَ } :يسُومُو َنكُمْ سُوءَ ا ْلعَذَابِ يُذَبّحُونَ أَبْنَآ َءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآ َءكُمْ { .كلمة البن تطلق
على الذكر ،ولكن الولد يطلق على الذكر والنثى .ولذلك كان الذبح للذكور فقط .أما النساء فكانوا
يتركونهن أحياء.
ولكن لماذا لم يقل الحق تبارك وتعالى يذبحون أبناءكم ويستحيون بناتكم بدل من قوله يستحيون
نساءكم .الحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أن الفكرة من هذا هو إبقاء عنصر النوثة يتمتع
بهن آل فرعون .لذلك لم يقل بنات ولكنه قال نساء .أي أنهم يريدونهن للمتعة وذلك للتنكيل ببني
إسرائيل .ول يقتل رجولة الرجل إل أنه يرى الفاحشة تصنع في نسائه.
والحق سبحانه وتعالى يقولَ } :وفِي ذَِلكُمْ بَلءٌ مّن رّ ّبكُمْ عَظِيمٌ { .ما هو البلء؟ بعض الناس يقول
جعُونَ {
إن البلء هو الشر .ولكن ال تبارك وتعالى يقول } :وَنَبْلُوكُم بِالشّ ّر وَا ْلخَيْرِ فِتْنَ ًة وَإِلَيْنَا تُ ْر َ
إذن هناك بلء بالخير وبلء بالشر .والبلء كلمة ل تخيف .أما الذي يخيف هو نتيجة هذا البلء؛
لن البلء هو امتحان أو اختبار .إن أديته ونجحت فيه كان خيرا لك .وأن لم تؤده كان وبال
عليك .والحق سبحانه وتعالى يقول في خليله إبراهيم {:وَإِذِ ابْتَلَىا إِبْرَاهِيمَ رَبّهُ ِبكَِلمَاتٍ فَأَ َت ّمهُنّ قَالَ
إِنّي جَاعُِلكَ لِلنّاسِ ِإمَاما }[البقرة]124 :
فإبراهيم نجح في المتحان ،والبلء جاء لبني إسرائيل من جهتين ..بلء الشر بتعذيبهم وتقتيلهم
وذبح أبنائهم .وبلء الخير بإنجائهم من آل فرعون .ولقد نجح بنو إسرائيل في البلء الول.
وصبروا على العذاب والقهر وكان بلء عظيما .وفي البلء الثاني فعلوا أشياء سنتعرض لها في
حينها.
()53 /
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ن وَأَنْتُمْ تَ ْنظُرُونَ ()50
عوْ َ
وَإِذْ فَ َرقْنَا ِبكُمُ الْبَحْرَ فَأَ ْنجَيْنَاكُ ْم وَأَغْ َرقْنَا َآلَ فِرْ َ
مرة ثانية تأتي " وإذ " .ويأتي النجاء وسيلة .هذه الوسيلة ذكرتها الية الكريمة .فقد خرج موسى
وقومه وكانوا ستمائة ألف كما تقول الروايات .وعرف فرعون بخروجهم فخرج وراءهم على
رأس جيش من ألف ألف (مليون) .عندما رآهم قوم موسى كما يروي لنا القرآن الكريم {:قَالُواْ
أُوذِينَا مِن قَ ْبلِ أَن تَأْتِينَا َومِن َبعْدِ مَا جِئْتَنَا }[العراف]129 :
وقال لهم موسى كما جاء في الكتاب العزيز {:عَسَىا رَ ّب ُكمْ أَن ُيهِْلكَ عَ ُد ّوكُ ْم وَيَسْ َتخِْل َفكُمْ فِي الَ ْرضِ
فَيَنظُرَ كَ ْيفَ َت ْعمَلُونَ }[العراف]129 :
وعندما جاء قوم فرعون بعددهم الضخم يقاومون قوم موسى وتراءى الجمعان أي أنهم رأوهم
رؤية العين قال قوم موسى " أنا لمدركون "
وهذا كلم منطقي .فأمامهم البحر ووراءهم فرعون وجنوده .ولكن حين تخرج الحداث من نطاق
السباب إلى قدرة المسبب فهي ل تخضع لسباب الكون .ولذلك قال لهم موسى بملء فمه:
{ قَالَ كَلّ إِنّ َم ِعيَ رَبّي سَ َيهْدِينِ }.
وبذلك نقل المسألة من السباب إلى المسبب تبارك وتعالى .فبمنطق الحداث يكون فرعون
وجنوده سيدركونهم .ولكن بمنطق الحق سبحانه وتعالى فإنه سيهيئ لهم طريق النجاة.
وأوحى ال سبحانه وتعالى إلى موسى بأن يضرب بعصاه البحر فانفرق .وهكذا توقف قانون الماء
وهو الستطراق والسيولة .وانفرق البحر وأصبح كل جزء منه كالجبل .ذرات الماء تماسكت مع
بعضها البعض لتكون جبلين كبيرين بينهما يابس يمر منه بنو إسرائيل.
هذا هو معنى قوله تعالى { :وَِإذْ فَ َرقْنَا ِبكُمُ الْ َبحْرَ } والفرق هو الفصل بين شيئين ..وإذا كان البحر
قد انشق ..فأين ذهب الطين المبتل في قاع البحر؟ ..قالوا إن ال أرسل ريحا مرت عليه فجففته.
ولذلك قال الحق جل جلله { :طَرِيقا فِي الْبَحْرِ يَبَسا }
ويقال إنه حين كان موسى وقومه يعبرون البحر سألوا عن بقية إخوانهم .فقال لهم موسى أنهم في
طرق أخرى موازية لطريقنا .قالوا نريد أن نطمئن عليهم .فرفع موسى يده إلى السماء وقال اللهم
أَعِنّي على أخلقهم السيئة .فأوحى ال إلى موسى أن يضرب بعصاه الحواجز فانفتحت طاقة بين
كل ممر .فكانوا يرون بعضهم بعضا.
وعندما رأى موسى عليه السلم فرعون وجيشه يتجهون إلى البحر ليعبروه .أراد أن يضرب
البحر ليعود إلى السيولة .فل يلحق بهم آل فرعون .ولكن ال أوحى إليه {:وَاتْ ُركِ الْبَحْرَ َرهْوا
إِ ّنهُمْ جُندٌ ّمغْ َرقُونَ }[الدخان]24 :
أي اترك البحر على ما هو عليه .حتى يتبعكم قوم فرعون .ظانين أنهم قادرون على أن يسلكوا
نفس الطريق ويمشوا فيه .وحينما يكون أولهم قريبا من شاطئكم وآخرهم عند الشاطئ الخر.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أعيد الماء إلى استطراقه .فأكون قد أنجيت وأهلكت بالسبب الواحد .فالحق سبحانه وتعالى يريد أن
يمن على بني إسرائيل بأنه أنجاهم من العذاب وأهلك عدوهم.
فكان العطاء عطاءين .عطاء إيجاب بأن أنجاهم .وعطاء سلب بأن أهلك عدوهم.
وقوله تعالى } :وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ { في هذه الية لم يتحدث الحق جل جلله عن فرعون .وإنما حدث
عن إغراق آل فرعون .لماذا؟ لن آل فرعون هم الذين أعانوه على جبروته وبطشه وطغيانه .هم
الداة التي استخدمها لتعذيب بني إسرائيل.
وال سبحانه وتعالى أراد أن يرى بنو إسرائيل آل فرعون وهم يغرقون فوقفوا يشاهدونهم .وأنت
حين ترى مصرع عدوك .تشعر بالمرارة التي في قلبك تزول } .وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ { تحتمل معنى
آخر .أي ينظر بعضكم إلى بعض وأنتم غير مصدقين أنكم نجوتم من هذا البلء العظيم .وفي
نفس الوقت تطمئنون وأنتم تشاهدونهم .وهم يغرقون دون أن ينجو منهم أحد حتى ل يدخل في
قلوبكم الشك .أنه ربما نجى بعضهم وسيعودون بجيش ليتبعوكم.
()54 /
قول الحق سبحانه وتعالى { وَإِ ْذ وَاعَدْنَا مُوسَىا أَرْ َبعِينَ لَيَْلةً } هذا الوعد كان لعطاء موسى
المنهج ،فحينما كلّم ال سبحانه وتعالى موسى بجانب الطور ..كان هذا لبلغ موسى عليه السلم
أنه رسول من رب العالمين ـ وأنه أرسله ليخلص بني إسرائيل من طغيان فرعون وعذابه ..وأنه
سيمده بآيات ومعجزات ..حتى يقتنع فرعون وقومه أن موسى رسول من ال تبارك وتعالى ..بعد
تكليف موسى بالرسالة وذهابه إلى فرعون ..وما حدث مع السحره ثم نجاة موسى وقومه ..بأن
شق ال جل جلله لهم البحر ..هذا في وقت لم يكن المنهج قد نزل بعد ..ولذلك بمجرد أن نجّى
ال سبحانه وتعالى موسى وقومه وأغرق فرعون ..كان لبد أن يتم إبلغ موسى بالمنهج .وكان
الوعد يشمل أربعين ليلة ..هذه الليالي الربعون حددت كثلثين أول ..تم أتمها الحق سبحانه
وتعالى بعشر أخرى ..واقرأ قوله سبحانه وتعالىَ {:ووَاعَدْنَا مُوسَىا ثَلَثِينَ لَيْلَ ًة وَأَ ْت َممْنَاهَا ِبعَشْرٍ
فَتَمّ مِيقَاتُ رَبّهِ أَرْ َبعِينَ لَيْلَةً }[العراف]142 :
وعندما يتكلم الدين عن الزمن يتكلم دائما بالليلة ..والسبب في ذلك أنك ل تستطيع أن تحدد الزمن
بدقة بالنهار ..الشمس تشرق وتغرب ثم تعود لتشرق ..فإذا نظرت إلى قرص الشمس ..ل يمكن
أن تحدد في أي وقت من الشهر نحن ..هل في أوله أو في وسطه أو في آخره ..ولكن إذا جاء
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الليل بمجرد أن تنظر إلى القمر تستطيع أن تحدد الزمن .فإذا كان القمر هلل فنحن في أوائل
الشهر ..وإذا كان بدرا فنحن في وسطه وهكذا..
إن هناك مقاييس دقيقة بالنسبة للقمر وقياس الزمن في عرف الناس؛ النسان العادي يستطيع أن
يحدد لك الزمن بالتقريب بالليالي ..ويقول لك البدوي في الصحراء ،هذا القمر ابن كذا ليلة.
وفي منطق الدين نحسب كل شيء بدخول الليل ..فهذه ليلة الول من شهر رمضان نصلي فيها
التراويح ..وليلة العيد ل تصلى فيها التراويح ..وليلة النصف من شعبان ..وليلة السراء
والمعراج..
وفي كل مقاييس الدين الليل ل يتبع النهار إل في شيء واحد هو يوم عرفة ..فل نقول ليلة عرفة
وإنما نقول يوم عرفة ..إذن الليلة هي ابتداء الزمن في الدين ..والزمن عند ال مدته اثنا عشر
شهرا للعام الواحد ..السنة الميلدية تختلف عن السنة الهجرية ..والسبب في ذلك أن ال سبحانه
وتعالى وزع رحمته على كونه ..فلو أن المواقيت الدينية سارت على مواقيت الشمس ..لجاء
رمضان مثل في شهر محدد ل يتغير.
.يصومه الناس صيفا في مناطق محددة .وشتاء في مناطق محددة ول يختلف أبدا ..فيظل
رمضان يأتي في الصيف والحر دائما بالنسبة لبعض الناس ..وفي الشتاء والبرد دائما بالنسبة
لبعض الناس..
ولكن لن السنة الهجرية تقوم على حساب الهلل ..فمعنى ذلك أن كل نفحات ال في كونه تأتي
في كل الفصول والزمان ..فتجد رمضان في الصيف والشتاء ..وكذلك وقفة عرفات وكذلك كل
المناسبات الدينية الطيبة ..لن السنة الهجرية تنقص أحد عشر يوما عن السنة الميلدية ..والفرق
سنة كل ثلث وثلثين سنة.
جلَ مِن َبعْ ِد ِه وَأَنْ ُتمْ ظَاِلمُونَ {.
والحق سبحانه يقول } :ثُمّ اتّخَذْ ُتمُ ا ْلعِ ْ
يريد أن يمّحص بني إسرائيل ..ويبين لنا كفرهم بنعم ال .فال نجاهم من آل فرعون ..ولم يكادوا
يعبرون البحر حتى رأوا قوما يعبدون الصنام ..فقالوا كما يروى لنا القرآن الكريم {:يامُوسَىا
ج َعلْ لّنَآ إِلَـاها َكمَا َلهُمْ آِل َهةٌ }[العراف]138 :
اْ
حدث هذا بمجرد خروجهم من البحر سالمين ..موسى عليه السلم أخذ النقباء وذهب لميقات ربه.
وترك أخاه هارون مع بني إسرائيل ..وبنو إسرائيل عندما كانوا في مصر ..وكانوا يخدمون نساء
آل فرعون ..أخذوا منهن بعض الحلي والذهب خلسة ..ومع أن فرعون وقومه متمردون على ال
تبارك وتعالى ..فإن هذا ل يبرر سرقة حلي نسائهم ..فنحن ل نكافئ من عصى ال فينا بأن
نعصي ال فيه ..ونصبح متساويين معهم في المعصية ..ولكن نكافئ من عصى ال فينا بأن نطيع
ال فيه..
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وأبو الدرداء رضي ال عنه حينما بلغه أن شخصا سبه ..بعث له كتابا قال فيه ..يا أخي ل
تسرف في شتمنا ..واجعل للصلح موضعا فإنا ل نكافئ من عصى ال فينا بأكثر من أن نطيع ال
فيه ..بنو إسرائيل سرقوا بعض حلي نساء آل فرعون ..فجعلها ال فتنة لغوائهم ..وزين لهم
الشيطان أن يصنعوا منها عجل يعبدونه ..صنعه لهم موسى السامري الذي رباه جبريل ..فأخذ
الحلي وصهرها ليجعلها في صورة عجل له خوار ..وقال لهم هذا إلهكم وإله موسى.
أتعرف لماذا فتنهم ال سبحانه وتعالى بالعجل؟
لن الذهب المصنوع منه العجل من أصل حرام ..والحرام ل يأتي منه خير مطلقا ..ولبد أن
نأخذ العبرة من هذه الواقعة ..وهي أن الحرام ينقلب على صاحبه شرا ووبال ،إن كان طعامك
حراما يدخل في تكوين خلياك ويصبح في جسدك الحرام ..فإذا دخل الحرام إلى الجسد يميل
فعلك إلى الحرام ..فالحرام يؤرق الجسد ويسوقه إلى المعاصي..
يقول رسول ال صلى ال عليه وسلم " إن ال تعالى طيب ل يقبل إل طيبا ،وإن ال تعالى أمر
عمَلُواْ صَالِحا
ت وَا ْ
سلُ كُلُواْ مِنَ الطّيّبَا ِ
المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى } :ياأَ ّيهَا الرّ ُ
شكُرُواْ للّهِ إِن كُنْتُمْ إِيّاهُ َتعْبُدُونَ {
{ وقال تعالى } :ياأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا رَ َزقْنَاكُ ْم وَا ْ
،ثم ذكر ،الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام
ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأَنّى يستجاب لذلك ".
وقد حصل لبني إسرائيل الشيء نفسه وسرقوا ذهب آل فرعون فانقلب عليهم ظلما ،وقال ال
جلَ مِن َبعْ ِد ِه وَأَنْتُمْ ظَاِلمُونَ {.
خذْتُمُ ا ْلعِ ْ
تعالى عنهمُ } :ثمّ اتّ َ
وعد ال لموسى كما قال أهل العلم كان ثلثين ليلة ..إتمام الثلثين ليلة يؤتيه ما وعد ..وكلمة
وعد هي الخبار بشيء سار .والوعيد هي الخبار بشيء سيئ ..فإذا سمعت وعدا فأعرف أنّ ما
سيجيء بعدها خير .وإذا سمعت وعيدا تعرف أن ما بعدها شر ،إل آية واحدة وهي قوله سبحانه
وتعالى {:النّا ُر وَعَدَهَا اللّهُ الّذِينَ َكفَرُواْ }[الحج]72 :
فهل الوعد هنا بخير أو المعنى اختلف؟ ..نقول :إن كانت النار موعودا فهي شر ..وإن كانت
النار هي الموعودة والكفار هم الموعود بهم فهي خير للنار؛ لن النار تفرح بتعذيب الكافرين من
لتِ وَ َتقُولُ َهلْ مِن مّزِيدٍ }
جهَنّمَ َهلِ امْتَ َ
عباد ال ..ونعرف هذا الفرح من قوله تعالىَ {:يوْمَ َنقُولُ لِ َ
[ق]30 :
ول يستزيد النسان إل من شيء يحبه ..والنار ـ ككل شيء مسخر ـ مسبحة ل تكره العصاة..
ولكنها غير مأمورة بحرقهم في الدنيا ..ولكن في الخرة تكون سعيدة وهي تحرق العصاة
والكافرين.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
()55 /
شكُرُونَ ()52
ع َفوْنَا عَ ْنكُمْ مِنْ َبعْدِ ذَِلكَ َلعَّلكُمْ َت ْ
ثُمّ َ
ال سبحانه وتعالى يمن على بني إسرائيل مرة أخرى ..مع أنهم ارتكبوا ذنبا من ذنوب القمة..
ومع ذلك عفا ال عنهم لنه يريد أن يستبقي عنصر الخير للناس ..يريد أن يعلم خلقه أنه رب
رحيم .يفتح أبواب التوبة للواحد بعد الخر ..لتمحو خليا الشر في النفس البشرية..
إن النسان حين يذنب ذنبا ينفلت من قضية اليمان ..ولو لم تشرع التوبة والعفو من ال لزاد
الناس في معاصيهم وغرقوا فيها ..لنه إذا لم تكن هناك توبة وكان الذنب الواحد يؤدي إلى
النار ..والعقاب سينال النسان فإنه يتمادى في المعصية .وهذا ما ل يريده ال سبحانه وتعالى
لعباده ..وفي الحديث الشريف:
سقَطَ على بعيره وقد أضلّه في أرضٍ فلةٍ "
" لَلّهُ أفرحُ بتوبةِ عبدِه مِن أحدِكم َ
معنى الحديث ..رجل معه بعير يحمل ماله وطعامه وشرابه وكل ما يملكه .هذا البعير تاه في
صحراء جرداء ..بحث عنه صاحبه فلم يجده ..لقد فقده وفقد معه كل مقومات حياته ..ثم ينظر
فيراه أمامه ..كيف تكون فرحته؟ ..طبعا بل حدود .هكذا تكون فرحة ال تعالى بتوبة عبده
المؤمن بل أشد من ذلك.
إن ال تبارك وتعالى حين يفتح باب التوبة .يريد لحركة العالم أن تسير ..هب أن نفسا غفلت
مرة ..أو قادتها شهوتها مرة إلى معصية .أو وسوس الشيطان لها كما حدث مع آدم وحواء .لو لم
تكن هناك توبة ومغفرة ..لنقلب كل هؤلء إلى شياطين ..بل إن أعمال الخير تأتي من الذين
أسرفوا على أنفسهم ..فهؤلء يحسنون كثيرا ويفعلون الخير كثيرا ..مصداقا لقوله تعالى {:إِنّ
حسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّـيّئَاتِ ذاِلكَ ِذكْرَىا لِلذّاكِرِينَ }[هود]114 :
الْ َ
طهّرُهُ ْم وَتُ َزكّيهِمْ ِبهَا }[التوبة]103 :
ص َدقَةً ُت َ
وقوله جل جلله {:خُذْ مِنْ َأ ْموَاِلهِ ْم َ
إذن فكون ال سبحانه وتعالى يتوب على بني إسرائيل مع أنهم كفروا بالقمة في عبادة العجل..
فذلك لن ال يريد استبقاء الخير في كونه ..ولقد عبد بنو إسرائيل العجل قبل أن ينزل عليهم
المنهج وهو التوراة ..ولكن هل بعد أن أنزل عليهم المنهج والتوراة تابوا وأصلحوا أو استمروا
في معصيتهم وعنادهم؟
()56 /
()57 /
سكُمْ
جلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِ ِئكُمْ فَاقْتُلُوا أَ ْنفُ َ
سكُمْ بِاتّخَا ِذكُمُ ا ْلعِ ْ
وَإِذْ قَالَ مُوسَى ِل َق ْومِهِ يَا َقوْمِ إِ ّن ُكمْ ظََلمْ ُتمْ أَ ْنفُ َ
ذَِلكُمْ خَيْرٌ َل ُكمْ عِنْدَ بَارِ ِئ ُكمْ فَتَابَ عَلَ ْيكُمْ إِنّهُ ُهوَ ال ّتوّابُ الرّحِيمُ ()54
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يذكّر ال تبارك وتعالى بني إسرائيل بقصة عبادة العجل .وهي قصة مخالفة خطيرة لمنهج ال
ومخالفة في القمة ..عبادة ال وحده .والذي حدث أن موسى عليه السلم ذهب لميقات ال ومعه
نقباء قومه ليتلقى المنهج والتوراة ..وأخبره ال سبحانه وتعالى أن قومه قد ضلوا وعبدوا غير
ال ..وعاد موسى وهو في قمة الغضب .وأمسك بأخيه هارون يجره من رأسه ولحيته ..ويقول له
لقد اخلفتك عليهم لكيل يضلوا ،فقال هارون عليه السلم {:قَالَ يَبْ َنؤُ ّم لَ تَ ْأخُذْ بِِلحْيَتِي وَلَ بِرَأْسِي
ل وَلَمْ تَ ْر ُقبْ َقوْلِي }[طه]94 :
إِنّي خَشِيتُ أَن َتقُولَ فَ ّر ْقتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَآئِي َ
فتنة عبادة العجل حدثت بسبب السامري ..والسامري اسمه موسى السامري ولدته أمه في
الصحراء وماتت فكفله جبريل ورباه ..وكان جبريل عليه السلم يأتيه على حصان ..يحمل له ما
يحتاج إليه من طعام وشراب ،وكان موسى السامري يرى حصان جبريل ،كلما مشى على
الرض وقع منه تراب فتخضر وتنبت الرض بعد هذا التراب .وأيقن أن في حافر الحصان
سرّا ..فأخذ قبضة من أثر الحصان ووضعها في العجل المصنوع من الذهب .فأخذ يحدث خوارا
كأنه حي..
ول تتعجب من أن صاحب الفتنة يجد معونة من السباب حتى يفتن بها الناس ..لن ال تبارك
وتعالى يريد أن يمتحن خلقه .والذي يحمل دعوة الحق لبد أن يهيئه ال سبحانه وتعالى تهيئة
خاصة .ورسول ال صلى ال عليه وسلم قبل أن ينتقل إلى المدينة ..تعرض هو والمسلمون
لبتلءات كثيرة ..ولقد جاء حدث السراء والمعراج لرسول ال صلى ال عليه وسلم بعد أن
تخلت عنه أسباب الدنيا في مكة وذهب إلى الطائف يدعو أهلها فسلطوا عليه غلمانهم وسفهاءهم
فقذفوه بالحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين ..ورفع يديه إلى السماء بالدعاء المأثور:
" اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس ".
وليس هذا على الرسول وحده بل والمؤمنين معه ..حتى أن مصعب بن عمير فتى قريش المدلل..
الذي كان عنده من الملبس والموال والعبيد ما ل يعد ول يحصى رئي بعد إسلمه وهو يرتدي
جلد حمار وذلك حتى يختبر الحق سبحانه وتعالى في قلب مصعب بن عمير حبه لليمان ..هل
يحب الدنيا أكثر أو يحب ال ورسوله أكثر ..حتى أن رسول ال صلى ال عليه وسلم .كان يقول
للصحابة انظروا كيف فعل اليمان بصاحبكم.
وال تبارك وتعالى لبد أن يمحص ويختبر أولئك الذين سيحملون دعوته إلى الدنيا كلها ..لبد أن
يكونوا صابرين على البلء .أقوياء أمام خصوم الدعوة ..مستعدين لتحمل العباء واللم.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
المركزية ..أما الشعب فإنه يرتدي ملبس رخيصة ..ويسكن في بيوت ضيقة .أما السادة الذين
ينفقون بل حساب فهم أعضاء اللجنة المركزية ..هذه دعوة الباطل ..وعكس ذلك دعوة الحق..
صاحب الدعوة هو الذي يدفع أول ويضحي أول .ل ينتفع بما يقول بل على العكس يضحي في
سبيل ما يقول ..إذن الباطل يأتي بالخير لصاحب الدعوة .فإذا رأيت دعوة تغدق على أتباعها
فأعلم أنها دعوة باطل ..لول أنها أعطت بسخاء ما تبعها أحد.
والية الكريمة التي نحن بصددها هي تقريع من موسى عليه السلم لقومه ..الذين نجاهم ال من
آل فرعون وأهلك عدوهم فاتخذوا العجل إلها ..ومتى حدث ذلك؟ في الوقت الذي كان موسى فيه
قد ذهب لميقات ربه ليأتي بالمنهج ..والذين اتخذوا العجل إلها ..هل ظلموا ال سبحانه وتعالى أو
ظلموا أنفسهم؟ ..ظلموا أنفسهم لنهم أوردوها مورد التهلكة دون أن يستفيدوا شيئا ..والظالم على
أنواع ..ظالم في شيء أعلى أي في القمة ..وظالم في مطلوب القمة ..الظالم في القمة هو الذي
عظِيمٌ }[لقمان]13 :
يجعل ال شريكا ولذلك قال ال تعالى {:إِنّ الشّ ْركَ َلظُلْمٌ َ
وعلقة الشرك بالظلم أنك جئت بمن لم يخلق ومن لم يرزق شريكا لمن خلق ورزق ..وذلك الذي
جعلته إلها كيف يعبد؟ ..العبادة طاعة العابد للمعبود ..فماذا قال لكم هذا العجل الذي عبدتموه من
دون ال أن تفعلوا ..لذلك فأنتم ظالمون ظلم القمة ..والظلم الخر هو الظلم فيما شرعت القمة..
بأن أخذتم حقوق الناس واستبحتموها ..في كلتا الحالتين ل يقع الظلم على ال سبحانه وتعالى
ولكن على نفسك .لماذا؟ ..لنك آمنت بال أو لم تؤمن .سيظل هو ال القوي القادر العزيز .لن
يُنْقصَ إِيمانك أو عدم إيمانك من ملكه شيئا .ثم تأتي يوم القيامة فيعذبك .فكأن الظلم وقع عليك..
وإذا أخذت حقوق الناس فقد تتمتع بها أياما أو أسابيع أو سنوات ثم تموت وتتركها وتأخذ العذاب.
فكأنك ظلمت نفسك ولم تأخذ شيئا ..لذلك يقول الحق جل جللهَ {:ومَا ظََلمُونَا وَلَـاكِن كَانُواْ
سهُمْ َيظِْلمُونَ }[البقرة]57 :
أَ ْنفُ َ
وظلم الناس يعود على أنفسهم ..لنه ل أحد من خلق ال يستطيع أن يظلم ال سبحانه وتعالى..
وقوله سبحانه } فَتُوبُواْ إِلَىا بَارِ ِئكُمْ { ..الحق تبارك وتعالى قال في الية السابقة " عفونا عنكم "
ثم يقول هذه الية } فَتُوبُواْ إِلَىا بَارِ ِئ ُكمْ { ..لن التوبة هي أصل المغفرة .أنت تتوب عن فعلك
للذنب وتعتزم أل تعود لمثله أبدا ويقبل ال توبتك ويعفو عنك.
.
وقد كان من الممكن أن يأخذهم ال بهذا الذنب ويهلكهم كما حدث بالنسبة للمم السابقة ..أما وقد
سكُمْ
شرع ال لهم أن يتوبوا .فهذا فضل من ال وعفو ..ثم يقول الحق تبارك وتعالى } :فَاقْتُلُواْ أَنفُ َ
سكُمْ
{ ..فانظروا إلى دقة التكليف ودقة الحيثية في قوله تعالى } :فَتُوبُواْ إِلَىا بَارِ ِئ ُكمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُ َ
{ ال سبحانه وتعالى يقول لهم ..أنا لم أغلب عليكم خالقا خلقكم أو آخذكم منه ..ولكن أنا الذي
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
خلقتكم .ولكن الخالق شيء والبارئ شيء آخر ..خلق أي أوجد الشيء من عدم ..والبارئ أي
سوّاهُ على هيئة مستقيمة وعلى أحسن تقويم ..ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى {:الّذِي خََلقَ
َ
سوّىا * وَالّذِي قَدّرَ َفهَدَىا }[العلى]3-2 :
فَ َ
ومن هنا نعرف أن الخلق شيء والتسوية شيء آخر ..بارئكم مأخوذة من برئ السهم ..وبرئ
السهم يحتاج إلى دقة وبراعة.
سكُمْ { لن الذي خلقك وسواك كفرت به وعبدت سواه .فكأنك في هذه
وقوله تعالى } :فَاقْتُلُواْ أَنفُ َ
الحالة لبد أن تعيد له الحياة التي وهبها لك ..وعندما نزل حكم ال تبارك وتعالى ..جعل موسى
بني إسرائيل يقفون صفوفا .وقال لهم أن الذي لم يعبد العجل يقتل من عبده ..ولكنهم حين وقفوا
للتنفيذ .كان الواحد منهم يجد ابن عمه وأخاه وذوي رحمه أمامه فيشق عليه التنفيذ ..فرحمهم ال
بأن بعث ضبابا يسترهم حتى ل يجدوا مشقة في تنفيذ القتل ..وقيل أنهم قتلوا من أنفسهم سبعين
ألفا.
وعندما حدث ذلك أستصرخ موسى وهارون ربهم ..وقال البكية البكية .أي أبكوا عسى أن يعفو
ال عنهم .ووقفوا يبكون أمام حائط المبكى فرحمهم ال..
سكُمْ { لن هذه النفس بشهوتها وعصيانها ..هي التي جعلتهم يتمردون
وقوله تعالى } :فَاقْتُلُواْ أَنفُ َ
على المنهج..
إن التشريع هنا بالقتل هو كفارة الذنب .لن الذي عبد العجل واتخذ إلها آخر غير ال .كونه يقدم
نفسه ليقتل فهذا اعتراف منه بأن العجل الذي كان يعبده باطل ..وهو بذلك يعيد نفسه التي تمردت
على منهج ال إلى العبادة الصحيحة ..وهذا أقسى أنواع الكفارة ..وهو أن يقتل نفسه إثباتا
ليمانه ..بأنه ل إله إل ال وندما على ما فعل وإعلنا لذلك ..فكأن القتل هنا شهادة صادقة للعودة
إلى اليمان.
وقوله تعالى } ذَاِل ُكمْ خَيْرٌ ّلكُمْ عِنْدَ بَارِ ِئكُمْ { ..أي أن هذه التوبة هي أصدق أنواع التوبة ..وهي
خير لنها تنجيكم من عذاب الخرة ..وقوله سبحانه } فَتَابَ عَلَ ْيكُمْ إِنّهُ ُهوَ ال ّتوّابُ الرّحِيمُ { .التوبة
الولى أنه شرع لكم الكفارة ..والتوبة الثانية عندما تقبل منكم توبتكم ..وعفا عنكم عفوا أبديا.
()58 /
بعد أن تاب ال على قوم موسى بعد عبادتهم للعجل ..عادوا مرة أخرى إلى عنادهم وماديتهم .فهم
كانوا يريدون إلها ماديا ..إلها يرونه ولكن الله من عظمته أنه غيب ل تدركه البصار ..واقرأ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ك الَ ْبصَا َر وَ ُهوَ اللّطِيفُ ا ْلخَبِيرُ }[النعام]103 :
قوله تعالى {:لّ تُدْ ِركُ ُه الَ ْبصَا ُر وَ ُهوَ يُدْ ِر ُ
فكون ال سبحانه وتعالى فوق إدراك البشر ..هذا من عظمته جل جلله ..ولكن اليهود الذين ل
يؤمنون إل بالشيء المادي المحس ..ل تتسع عقولهم ول قلوبهم إلى أن ال سبحانه وتعالى فوق
المادة وفوق البصار ..وهذه النظرة المادية نظرة حمقاء ..وال تبارك وتعالى قد لفتنا إلى قضية
سكُمْ َأفَلَ تُ ْبصِرُونَ }[الذاريات]21 :
رؤيته جهرا في الدنيا ..بقوله تعالىَ {:وفِي أَنفُ ِ
أي أن ال جل جلله وضع دليل القمة على وجود ال الذي ل تدركه البصار .وضع هذا الدليل
في نفس كل واحد منا .وهي الروح الموجودة في الجسد ..والنسان مخلوق من مادة نفخت فيها
الروح فدبت فيها الحياة والحركة والحس ..إذن كل ما في جسدك من حياة ..ليس راجعا إلى
المادة التي تراها أمامك ..وإنما يرجع إلى الروح التي ل تستطيع أن تدركها إل بآثارها ..فإذا
خرجت الروح ذهبت الحياة وأصبح الجسد رمة.
إذا كانت هذه الروح التي في جسدك ..والتي تعطيك الحياة ل تستطيع أن تدركها مع أنها موجودة
داخلك ..فكيف تريد أن تدرك ال سبحانه وتعالى ..كان يجب أول أن تسأل ال أن يجعلك تدرك
الروح التي في جسدك ..ولكن ال سبحانه وتعالى قال إنها من أمر ال ..واقرأ جل جلله{:
وَيَسْأَلُو َنكَ عَنِ الرّوحِ ُقلِ الرّوحُ مِنْ َأمْرِ رَبّي َومَآ أُوتِيتُم مّنَ ا ْلعِ ْلمِ ِإلّ قَلِيلً }[السراء]85 :
إذا كانت هذه الروح هي مخلوقة ل ل تدركها ..فكيف تطمع أن ترى خالقها ..وانظر إلى دقة
جهْ َرةً } ..فكلمة نرى تطلق ويراد بها العلم.
الداء القرآني في قوله سبحانه { .حَتّىا نَرَى اللّهَ َ
مثل {:أَرَأَ ْيتَ مَنِ اتّخَذَ إِلَـا َههُ َهوَاهُ }[الفرقان]43 :
أي أعلمت ..ولكن جاءت كلمة جهرة لتنفي العلم فقط وتطالب بالرؤية مجهورة واضحة يدركونها
بحواسهم .وهذا دليل على أنهم متمسكون بالمادية التي هي قوام حياتهم ..نقول لهؤلء إن سؤالكم
يتسم بالغباء ..فأنتم حين تطلبون أن تروا ال جهرة .والمفروض أن ال تبارك وتعالى له مدلول
عندكم ..ولذلك تطلبون رؤيته لتقارنوا المدلول على الموجود ..ذلك لو كانت القضية أصل أن
تعرفوا أن ال موجود أو غير موجود ..والذي شجعهم على أن يقولوا ما قالوا ..طلب موسى عليه
السلم من ال سبحانه وتعالى أن يراه.
واقرأ قوله تعالى {:قَالَ َربّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَ ْيكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـاكِنِ انْظُرْ إِلَى ا ْلجَ َبلِ فَإِنِ اسْ َتقَرّ
صعِقا }[العراف]143 :
جعََلهُ َدكّا وَخَرّ موسَىا َ
س ْوفَ تَرَانِي فََلمّا َتجَلّىا رَبّهُ لِلْجَ َبلِ َ
َمكَانَهُ فَ َ
ولبد أن نعرف أن قضية رؤية ال في الدنيا محسوسة ..وأنه ل سبيل إلى ذلك والنسان في
جسده البشري ..لن هذا الجسد له قوانين في ادراكاته ..ولكن يوم القيامة نكون خلقا بقوانين
تختلف ..ففي الدنيا لبد أن تخرج مخلفات الطعام من أجسادنا .وفي الخرة ل مخلفات .وفي
الدنيا يحكمنا الزمن ..وفي الخرة ل زمن .إذ يظل النسان شبابا دائما ..إذن فهناك تغيير..
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
المقاييس هنا غير المقاييس يوم القيامة في الدنيا بإعدادك وجسدك ل يمكن أن ترى ال .وفي
الخرة يسمح إعدادك وجسدك بأن يتجلى عليك ال سبحانه وتعالى ..وهذا قمة النعيم في الخرة.
أنت الن تعيش في أثار قدرة ال ..وفي الخرة تعيش عيشة الناظر إلى ال تبارك وتعالى ..وفي
ذلك يقول الحق جل جلله {:وُجُوهٌ َي ْومَئِذٍ نّاضِ َرةٌ * إِلَىا رَ ّبهَا نَاظِ َرةٌ }[القيامة]23-22 :
والنسان في الدنيا قد اخترع آلت مكنته من أن يرى ما ل يراه بعينه المجردة يرى الشياء
الدقيقة بواسطة الميكرسكوب .والشياء البعيدة بواسطة التلسكوب ..فإذا كان عمل النسان في
الدنيا جعله يبصر ما لم يكن يبصره ..فما بالك بقدرة ال في الخرة ..وإذا كان النسان عندما
يضعف نظره .يطلب منه الطبيب استعمال نظارة ..فإذا ذهب إلى طبيب أمهر ..أجرى له عملية
جراحية في عينه يستغني بها عن النظارة ويرى بدونها ..فما بالكم بإعداد الحق للخلق وبقدرة ال
التي ل حدود لها في أن يعيد خلق العين بحيث تستطيع أن تتمتع بوجهه الكريم.
ولقد حسم ال تبارك وتعالى المسألة مع موسى عليه السلم بأن أراه العجز البشري ..لن الجبل
بقوته وجبروته لم يستطع احتمال نور ال فجعله دكا ..وكأن ال يريد أن يفهم موسى ..أن ال
تبارك وتعالى حجب عنه رؤيته رحمة منه .لنه إذا كان هذا قد حدث للجبل فماذا كان يمكن أن
يحدث بالنسبة لموسى .إذا كان موسى قد صعق برؤية المتجلّى عليه ..فكيف لو رأى المتجلّي؟..
والنسان حين يعجز عن إدراك شيء في الدنيا لنه مخلوق بهذه المكانات يكون العجز عن
الدراك إدراكا لن العجز عن الدراك هو في عظمة ال سبحانه وتعالى ..وقوم موسى حينما
طلبوا منه أن يروا ال جهرة أخذتهم الصاعقة وهم ينظرون ..عندما اجترأوا هذا الجتراء على
ال أخذتهم الصاعقة ..والصاعقة إما نار تأتي وإما عذاب ينزل ..المهم أنه بلء يعمهم..
والصاعقة قد أصابت موسى.
()59 /
شكُرُونَ ()56
ثُمّ َبعَثْنَاكُمْ مِنْ َبعْدِ َموْ ِتكُمْ َلعَّلكُمْ َت ْ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فكأن قوم موسى ماتوا فعل من الصاعقة ..فموسى أفاق من تلقاء نفسه ..أما أولئك الذين أصابتهم
الصاعقة من قومه ..فقد ماتوا ثم بعثوا لعلهم يشكرون.
()60 /
ن وَالسّ ْلوَى كُلُوا مِنْ طَيّبَاتِ مَا رَ َزقْنَاكُ ْم َومَا ظََلمُونَا وََلكِنْ
وَظَلّلْنَا عَلَ ْي ُكمُ ا ْل َغمَا َم وَأَنْزَلْنَا عَلَ ْيكُمُ ا ْلمَ ّ
سهُمْ يَظِْلمُونَ ()57
كَانُوا أَ ْنفُ َ
فال سبحانه وتعالى يريد أن يمتن على بني إسرائيل بنعمه ومعجزاته ..ويرينا أنه برغم كل هذه
النعم عاش بنو إسرائيل في عنادهم وتعنتهم ،بعد أن طلب بنو إسرائيل أن يروا ال جهرة فقتلتهم
الصاعقة ..ثم بعثهم ال تبارك وتعالى لعلهم يشكرون ..ذكر لنا الحق جل جلله نعما أخرى من
نعمه على بني إسرائيل ..وقال اذكروا إذ كنتم في الصحراء وليس فيها ظل تحتمون به من
حرارة الشمس القاسية ..وليس فيها مكان تستظلون فيه ،لنه ل ماء ول نبات في الصحراء..
فظلل ال سبحانه وتعالى عليكم بالغمام ..أي جاء الغمام رحمة من ال سبحانه وتعالى ..ثم بعد
ذلك جاء المن والسلوى..
والمن نقط حمراء تتجمع على أوراق الشجر بين الفجر وطلوع الشمس ..وهي موجودة حتى الن
في العراق ..وفي الصباح الباكر يأتي الناس بالملءات البيضاء ويفرشونها تحت الشجر ..ثم
يهزون الشجر بعنف فتسقط القطرات الموجودة على ورق الشجر فوق الملءات ..فيجمعونها
وتصبح من أشهى أنواع الحلويات .فيها طعم القشدة وحلوة عسل النحل ..وهي نوع من الحلوى
اللذيذة المغذية سهلة الهضم سريعة المتصاص في الجسم .وال سبحانه وتعالى جعله بالنسبة لهم
وقود حياتهم ..وهم في الصحراء يعطيهم الطاقة .أما السلوى فهي طير من السماء ويقال أنه
السمان ..يأتيهم في جماعات كبيرة ل يعرفون مصدرها ..ويبقى على الرض حتى يمسكوا به
ويذبحوه ويأكلوه.
فال تبارك وتعالى قد رزقهم بهذا الرزق الطيب من غمام يقيهم حرارة الشمس ،ومَنّ يعطيهم
س ْلوَى كغذاء لهم ،وكل هذا يأتيهم من السماء دونما تعب منهم ..ولكنهم لعدم
وقود الحركة .و َ
إيمانهم بالغيبيات يريدون المر المادي وهم يخافون أن ينقطع المَنّ والسلْوى عنهم يوما ما فماذا
يفعلون؟
لو كانوا مؤمنين حقا لقالوا :إن الذي رزقنا بالمن والسلوى لن يضيعنا ..ولكن الحق جل جلله
ينزل لهم طعامهم يوميا من السماء وهم بدل من أن يقابلوا هذه النعمة بالشكر قابلوها بالجحود.
سهُمْ َيظِْلمُونَ } فالحق سبحانه وتعالى يتحدث للمرة
وقوله تعالىَ { :ومَا ظََلمُونَا وَلَـاكِن كَانُواْ أَ ْنفُ َ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الثالثة عن ظلم قوم موسى ..ففي المرة الولى قال " وأنتم ظالمون " .وفي الية الثانية قال" :
ظِلمُونَ }..
سهُمْ يَ ْ
ظلمتم أنفسكم " ..وفي هذه الية قالَ { :ومَا ظََلمُونَا وَلَـاكِن كَانُواْ أَ ْنفُ َ
ولقد سبق أن قلت أنه ل أحد يستطيع أن يظلم ال لن ال سبحانه وتعالى باق بقدرته وقوته
وعظمته ..ل يقلل منها لو كفر أهل الرض جميعا ول يزيد فيها لو آمن أهل الرض كلهم .فقدرة
ال باقية وكلمته ماضية.
.ولكن نحن الذين نظلم أنفسنا ..بأن نوردها مورد التهلكة والعذاب الذي ل نجاة منه دون أن
نعطيها شيئا..
إن الدنيا كما قلنا عالم أغيار .والنعمة التي أنت فيها زائلة عنك .إما أن تتركها بالموت أو تتركك
هي وتزول عنك ..وتخرج من الدنيا تحمل أعمالك فقط ..كل شيء زال وبقيت ذنوبك تحملها إلى
الخرة ..ولذلك فإن كل من عصى ال وتمرد على دينه قد ظلم نفسه لنه قادها إلى العذاب
البدي طمعا في نفوذ أو مال زال بعد فترة قصيرة ولم يدم ..فكأنه ظلمها بأن حرمها من نعيم
أبدي وأعطاها شهوة قصيرة عاجلة ".
()61 /
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا َه ِذهِ ا ْلقَرْيَةَ َفكُلُوا مِ ْنهَا حَ ْيثُ شِئْ ُتمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجّدًا َوقُولُوا حِطّةٌ َنغْفِرْ َلكُمْ
حسِنِينَ ()58
خطَايَاكُ ْم وَسَنَزِيدُ ا ْلمُ ْ
َ
من هذه الية الكريمة نعرف أن بني إسرائيل رفضوا رزق السماء من المن والسلوى مع أنه كان
رزقا عاليا ..عاليا في الجودة لنه طعام حلو نقي شهي ينزل لهم من السماء مباشرة ،وعاليا في
الكثرة من أنه كان يأتيهم بل عمل وبل تعب وبكميات هائلة تكفيهم وتزيد ..وطلبوا من موسى
طعام الرض الذي يزرعونه بأيديهم ويرونه أمامهم كل يوم فقد كانوا يخافون أن يستيقظوا يوما
فل يجدون المن والسلوى .الحق سبحانه وتعالى يكمل لنا القصة في آية قادمة {:وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَىا
حدٍ فَا ْدعُ لَنَا رَ ّبكَ ُيخْرِجْ لَنَا ِممّا تُنْ ِبتُ الَ ْرضُ مِن َبقِْلهَا َوقِثّآ ِئهَا َوفُو ِمهَا
طعَا ٍم وَا ِ
لَن ّنصْبِرَ عَلَىا َ
سهَا وَ َبصَِلهَا قَالَ أَ َتسْتَبْدِلُونَ الّذِي ُهوَ أَدْنَىا بِالّذِي ُهوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ ِمصْرا فَإِنّ َل ُكمْ مّا سَأَلْ ُتمْ }
وَعَدَ ِ
[البقرة]61 :
فال سبحانه وتعالى مازال يمتن على بني إسرائيل بنعمه وكيف قابلوها بالجحود ..فيذكرهم
بإنجائهم من عذاب آل فرعون ..ويذكرهم بالبحر الذي انشق لهم فمشوا فيه ثم انقض الماء بعد
ذلك على آل فرعون فأغرقهم ..ويذكرهم كيف أنهم عبدوا العجل بعد ذلك ..وكان من الممكن أن
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يهلكهم ال بذنوبهم .كما أهلك المم السابقة ولكنه عفا عنهم ..ثم يذكرهم بفضله عليهم بأن أعطاهم
الكتاب الذي يفرق بين الحق والباطل ..ويذكرهم بأنهم طلبوا أن يروا ال جهرة ..فصعقوا وماتوا
ثم بعثهم ال .ويذكرهم كيف ظللهم بالغمام من حرارة الشمس المحرقة ..ورزقهم بالمن
والسلوى ..ثم يذكرهم بأنهم طلبوا طعام الرض فاستجاب لهم.
في هذه الية يقول الحق تبارك وتعالىَ { :فكُلُواْ مِ ْنهَا حَ ْيثُ شِئْتُمْ رَغَدا } .وفي آية أخرى يقول:
{ رَغَدا حَ ْيثُ شِئْتُمْ } .الفرق في المعنى أن قوله تعالى { :حَ ْيثُ شِئْتُمْ رَغَدا } تدل على أن هناك
أصنافا كثيرة من الطعام.
{ ورَغَدا حَ ْيثُ شِئْ ُتمْ } يكون هناك صنف واحد والناس جائعون فيقبلون على الطعام ..عندما يقول
الحق جل جلله :كلوا رغدا يكون المخاطب هنا نوعين :إنسان غير جائع ولذلك تعد له ألوانا
متعددة من الطعام لتغريه على الكل ..فتقدم في هذه الحالة " حيث شئتم " فيقالَ { :فكُلُواْ مِ ْنهَا
حَ ْيثُ شِئْ ُتمْ رَغَدا } ..فإذا كان النسان جوعان يرضى بأي طعام ..فيقال رغدا حيث شئتم.
إن المسألة في القرآن الكريم ليست تقديما وتأخيرا في اللفاظ ..ولكن المعنى ل يستقيم بدون هذا
التغيير ..قوله تعالى { ادْخُلُواْ هَـا ِذهِ ا ْلقَرْيَةَ } ..والقرية هي هنا بيت المقدس أو فلسطين أو
خطَايَاكُمْ
الردن ..الحق تبارك وتعالى يقول { :وَا ْدخُلُواْ الْبَابَ سُجّدا َوقُولُواْ حِطّةٌ ّن ْغفِرْ َل ُكمْ َ
وَسَنَزِيدُ ا ْل ُمحْسِنِينَ }..
والحق جل جلله حين خاطبهم بين لنا أنهم لم يكونوا في حالة جوع شديد بحيث يأكلون أي شيء
فقالَ { :فكُلُواْ مِ ْنهَا حَ ْيثُ شِئْتُمْ رَغَدا } أي ستجدون فيها ألوانا كثيرة من الطعام تغريكم على الكل
ولو لم تكونوا جائعين.
وقوله تعالى } :وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجّدا { ..أي ادخلوا الباب وأنتم في منتهى الخضوعَ } ..وقُولُواْ
حطّةٌ { أي حط عنا ذنوبنا يا رب ..غير أنهم حتى في المر يغيرون مضمونه ..ويلبسون الحق
ِ
بالباطل ..وهذه خاصية فيهم ..ولذلك دخلوا الباب وهم غير ساجدين ..دخلوه زاحفين على
ظهورهم ..مع أن ما أمرهم ال به أقل مشقة مما فعلوه ..فكأن المخالفة لم تأت من أن أوامر ال
شاقة ..ولكنها أتت من الرغبة في مخالفة أمر الخالق وبدل من أن يقولوا حطة .أي حط عنا يا
رب ذنوبنا قالوا حنطة والحنطة هي القمح ..ليطوعوا اللفظ لغراضهم ..فكأن المسألة ليست عدم
قدرة على الطاعة ولكن رغبة في المخالفة.
ومع أن الحق تبارك وتعالى وعدهم بالمغفرة والرحمة والزيادة للمحسنين ..فإنهم خالفوا
وعصوا ..وقوله تعالى } :وَسَنَزِيدُ ا ْلمُحْسِنِينَ { يأتي في الية الكريمة {:لّلّذِينَ َأحْسَنُواْ ا ْلحُسْنَىا
وَزِيَا َدةٌ }[يونس]26 :
أي لهم أجر مثل ما فعلوا أضعافا مضاعفة ..وما هي الزيادة؟
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أن يروا ال يوم القيامة .هذه هي الزيادة التي ليس لها نظير في الدنيا.
()62 /
ال سبحانه وتعالى يشرح لنا في هذه الية الكريمة كيف أن اليهود قوم معصية برغم نعم ال
عليهم ..فلو أن ال سبحانه وتعالى كلفهم تكليفا لم يستطيعوه؛ لنه شاق عليهم فربما كان لهم
عذرهم ..ولكن ال تبارك وتعالى ل يكلف إل بما هو في طاقة النسان أو أقل منها ..فيقول جل
ت وَعَلَ ْيهَا مَا اكْتَسَ َبتْ }[البقرة]286 :
س َعهَا َلهَا مَا كَسَ َب ْ
ل وُ ْ
جلله {:لَ ُيكَّلفُ اللّهُ َنفْسا ِإ ّ
وال تبارك وتعالى لم يكلف بني إسرائيل بأن يدخلوا هذه القرية التي يقال :إنها القدس ويقال أنها
قرية في فلسطين أو قرية في الردن ..إل بناء على طلبهم هم .فهم الذين طلبوا من موسى أن
يدعو ال لهم أن يدخلوا واديا فيه زرع ..ليأكلوا مما تنتج الرض ويطمئنوا على طعامهم ..لنهم
يخافون أن يأتي يوم ..ل ينزل عليهم المن والسلوى من السماء ..فلما استجاب ال لدعواهم وقال
لهم ادخلوا الباب خاشعين .وقولوا يا رب حط عنا ذنوبنا ..بدل بنو إسرائيل القول فبدل من أن
يقولوا حطة قالوا حنطة ..وبدلوا طريقة الدخول فبدل من أن يدخلوا ساجدين دخلوا على ظهورهم
زاحفين ..وكان هذا رغبة في المخالفة ..فأصابهم ال بعذاب من السماء بما كانوا يفسقون ..أي
يبتعدون عن منهج ال ول يطبقونه .رغبة في المخالفة وإصرارا على العناد.
()63 /
سقَى مُوسَى ِلقَ ْومِهِ َفقُلْنَا اضْ ِربْ ِب َعصَاكَ ا ْلحَجَرَ فَا ْنفَجَ َرتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْ َرةَ عَيْنًا َقدْ عَلِمَ ُكلّ
وَإِذِ اسْ َت ْ
أُنَاسٍ مَشْرَ َب ُهمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللّ ِه وَلَا َتعْ َثوْا فِي الْأَ ْرضِ ُمفْسِدِينَ ()60
ومعناها :اذكر إذا استسقى موسى لقومه ..وهذه وردت كما بينا في عدة آيات في قوله تعالى{:
وَإِذْ أَ ْنجَيْنَاكُمْ مّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُو َنكُمْ سُوءَ ا ْلعَذَابِ }[العراف]141 :
وقول سبحانه {:وَِإ ْذ وَاعَدْنَا مُوسَىا أَرْ َبعِينَ لَيَْلةً }[البقرة]51 :
جهْ َرةً }[البقرة]55 :
وقوله جل جلله {:وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَىا لَن ّن ْؤمِنَ َلكَ حَتّىا نَرَى اللّهَ َ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وقلنا أن هذه كلها نعم امتن ال بها على بني إسرائيل وهو سبحانه وتعالى يذكرهم بها .إما مباشرة
وإما على لسان موسى عليه السلم .والحق يريد أن يذكر بني إسرائيل حينما تاهوا في الصحراء
أنه أظلهم بالغمام ..وسقاهم حين طلبوا السقيا ..ولقد وصلت ندرة الماء عند بني إسرائيل لدرجة
أنهم لم يجدوا ما يشربونه ..لن النسان يبدأ الجفاف عنده لعدم وجود ماء يسقي به زرعه ..ثم
يقل الماء فل يجد ما يسقي به أنعامه ..ثم يقل الماء فل يجد ما يشربه ..وهذا هو قمة الجفاف أو
الجدب..
وموسى عليه السلم طلب السقيا من ال تبارك وتعالى ..ول تطلب السقيا من ال إل إذا كانت
السباب قد نفدت ..وانتهت آخر نقطة من الماء عندهم؛ فالماء مصدر الحياة ينزله ال من
السماء ..وينزله نقيا طاهرا صالحا للشرب والري والزرع وسقيا النعام..
والحق سبحانه وتعالى جعل ثلثة أرباع الرض ماء والربع يابسا ..حتى تكون مساحة سطح
الماء المعرضة للتبخّر بواسطة أشعة الشمس كبيرة جدا فتسهل عملية البخر؛ فإنك إذا جئت بكوب
ماء وتركته في حجرة مغلقة لمدة يومين أو ثلثة .ثم عدت تجده ناقصا قيراطا أو قيراطين .ولكن
إذا أمسكت ما في الكوب من ماء وألقيته على أرض الحجرة ..فأنه يجف قبل أن تغادرها لماذا؟..
لن مساحة سطح الماء هنا كبيرة ..ولذلك يتم البخر بسرعة ول يستغرق وقتا.
وهذه هي النظرية نفسها التي تتم في الكون .ال تبارك وتعالى جعل سطح الماء ثلثة أرباع
الرض ليتم البخر في سرعة وسهولة ..فيتكون السحاب وينزل المطر نأخذ منه ما نحتاج إليه،
سمَآءِ
والباقي يكون ينابيع في الرض ،مصداقا لقوله تبارك وتعالى {:أََلمْ تَرَ أَنّ اللّهَ أَن َزلَ مِنَ ال ّ
مَآءً فَسََل َكهُ يَنَابِيعَ فِي الَ ْرضِ }[الزمر]21 :
هذه الينابيع تذهب إلى أماكن ل يصلها المطر .ليشرب منها الناس ِممّا نُسميه البار أو المياه
الجوفية ..وتشرب منها أنعامهم ..فإذا حدث جفاف يخرج الناس رجال ونساء وصبيانا وشيوخا.
يتضرعون إلى ال ليمطرهم بالماء ..ونحن إذا توسلنا بأطفالنا الرضع وبالضعفاء يمطرنا ال.
وبعض الناس يقولون أن المطر ينزل بقوانين علمية ثابتة ..يصعد البخار من البحار ويصبح
سحابا في طبقات الجو العليا ثم ينزل مطرا.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
مّآءً غَدَقا }[الجن]16 :
إذن فعوامل سقوط المطر ل تخضع لقوانين ثابتة .ولكن المتغير هو العامل الحاسم .ليسوق
السحاب إلى المناطق الباردة وإلى الرتفاع المطلوب ..ولبد أن نتنبه إلى أن هناك قوانين ثابتة
في الكون وقوانين تتغير ..وأن القانون المتغير هو الذي يحدث التغيير.
سقَىا مُوسَىا ِل َق ْومِهِ { ..تدل على أن هناك مُستسقى بفتح القاف وأن هناك
وقوله تعالى } :وَإِذِ اسْ َت ْ
مستسقي بكسر القاف ..مستسقي بكسر القاف أي ضارع إلى ال لينزل المطر ..أما المستسقى
بفتح القاف فهو ال سبحانه وتعالى الذي ينزل المطر..
إن هذا الموقف خاص بال تبارك وتعالى فل توجد مخازن للمياه وليس هناك ماء في الرض..
من أنهار أو آبار أو عيون ول ملجأ إل ال ..فلبد من التوسل ل تبارك وتعالى:
عن أنس رضي ال عنه أن عمر بن الخطاب رضي ال عنه كان إذا قحطوا استسقي بالعباس بن
المطلب رضي ال عنه فقال :اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى ال عليه وسلم فتسقينا ،وإنا
نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال :فيُسقون "
بعض الناس يقولون هذا دليل على أن الميت ل يستعان به ..بدليل أن عمر ابن الخطاب رضي
ال عنه لم يتوسل برسول ال صلى ال عليه وسلم بعد موته ،وإنما توسل بعم رسول ال ..نقول
وبمن توسل عمر؟ ..أتوسل بالعباس أم بعم رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ ..توسل بالرسول،
وبذلك أخذنا الحجة أن الوسيلة ليست مقصورة على رسول ال صلى ال عليه وسلم ..وإنما تتعدى
إلى أقاربه..
وهنا يأتي سؤال لماذا نقل المر من رسول ال عليه الصلة والسلم إلى عم الرسول؟ ..نقول لن
رسول ال قد انتقل ول ينتفع الن بالماء ..ولكن عمه العباس هو الحي الذي ينتفع بالماء ..لذلك
كان التوسل بعم رسول ال صلى ال عليه وسلم .ولم يكن منطقيا أن يتوسلوا برسول ال عليه
الصلة والسلم وهو ميت ول يحتاج إلى الماء ..والذين أرادوا أن يأخذوا التوسل بذوي الجاه..
نقول لهم أن الحديث ضدكم وليس معكم.
.لنه أثبت أن التوسل جائز بمن ينتسب إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم.
لبد أن نتحدث كيف أن الحق سبحانه وتعالى بعد أن قابل بنو إسرائيل النعمة بالجحود والنكران
فكيف يسقيهم؟ ..نقول إنها النبوة الرحيمة التي كانت السبب في تنزل الرحمة تلو الرحمة على
بني إسرائيل ..وكان طمع موسى في رحمة ال بل حدود ..ولذلك فإن الدعوات كانت تتوالى من
موسى عليه السلم لقومه ..وكانت الستجابة من ال تأتي.
كان من المفروض لستكمال المعنى أن يقال وإذا استسقى موسى ربه لقومه فقال يا رب اسقهم..
سقَىا مُوسَىا ِل َق ْومِهِ َفقُلْنَا اضْرِب ّب َعصَاكَ
ولكن هذه لم تأت حذفت وجاء بعدها الجابة } :وَإِذِ اسْتَ ْ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حجَرَ { ..إذن قوله يا رب اسق قومي واستجابة ال له محذوفة لنها مفهومة ..ولذلك جاء القرآن
الْ َ
باللفتات الساسية وترك اللفتات المفهومة لذكاء الناس ..تماما كما جاء في سورة النمل :الهدهد
ذهب ورأى ملكة بلقيس وعرشها .وعاد إلى سليمان وأخبره .فطلب سليمان من الهدهد أن يلقي
إلى ملكة سبأ وقومها كتابا وقال {:اذْهَب ّبكِتَابِي هَـاذَا فَأَ ْلقِهْ إِلَ ْي ِهمْ ثُمّ َت َولّ عَ ْنهُمْ فَا ْنظُرْ مَاذَا
جعُونَ * قَاَلتْ ياأَ ّيهَا ا ْلمَلُ إِنّي أُ ْل ِقيَ إَِليّ كِتَابٌ كَرِيمٌ }[النمل]29-28 :
يَرْ ِ
فسليمان أمر الهدهد أن يلقي كتابا إلى بلقيس وقومها ..والية التي بعدها جاءت بقوله تعالى :قالت
} ياأَ ّيهَا ا ْلمَلُ إِنّي أُ ْل ِقيَ إَِليّ كِتَابٌ كَرِيمٌ { كل التفاصيل حذفت من أن الهدهد أخذ الكتاب وطار إلى
مملكة سبأ وألقى الكتاب أمام عرشها ..والتقطت بلقيس ملكة سبأ الكتاب وقرأته ..ودعت قومها
وبدأت تروي إليهم قصة الكتاب ..كل هذا حُذف لنه مفهوم.
قال موسى يا رب اسق قومي ..وال سبحانه وتعالى قال له :إن أردت الماء لقومك ..كل هذا
حجَرَ {.
محذوف ..وتأتي الية الكريمة } :اضْرِب ّب َعصَاكَ الْ َ
حجَرَ { لنا معها وقفة ..النسان حين يستسقي ال ..يطلب منه أن ينزل عليه
} اضْرِب ّب َعصَاكَ الْ َ
مطرا من السماء ،والحق تبارك وتعالى كان قادرا على أن ينزل على بني إسرائيل مطرا من
السماء .ولكن ال جل جلله أراد المعجزة ..فقال سأمدكم بماء ولكن من جنس ما منعكم الماء
وهو الحجر الموجود تحت أرجلكم ..لن أعطيكم ماء من السماء ..ولكن ال سبحانه وتعالى أراد
أن يُرِي بني إسرائيل مدى العجاز ..فأعطاهم الماء من الحجر الذي تحت أرجلهم.
ولكن من الذي يتأثر بالضرب :الحجر أم العصا؟ ..العصا هي التي تتأثر وتتحطم والحجر ل
يحدث فيه شيء ..ولكن ال سبحانه وتعالى أراد بضربة واحدة من العصا أن ينفلق الحجر..
ولذلك يقول الشاعر:أيا هـازئا من صـنوف القـدرْ بنفسـك تـعنف ل بالقـدرْويا ضـاربا
صخـر ًة بالعصـا ضربْتَ العصا أم ضر ْبتَ الحجرْ
إن انفجار الماء من ضربة العصا دليل على أن العصا أشارت فقط إلى الصخرة فتفجر منها
الماء ..وحتى لو كانت العصا من حديد ..هل تكون قادرة على أن تجعل الماء ينبع من الحجر؟
فالحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أنه كان من الممكن أن ينزل الماء من السماء ..ولكن ال
أرادها نعمة مركبة ..ليعلموا أنه يستطيع أن يأتي الماء من الحجر الصلب ..وأن نبع الماء من
متعلقات " كن ".
هنا لبد أن ننظر إلى تعنت بني إسرائيل .قالوا لموسى هب أننا في مكان ل حجر فيه .من أين
ينبع الماء؟ ..لبد أن نأخذ معنا الحجر حتى إذا عطشنا نضرب الحجر بالعصا ..ونسوا أن هناك
ما يتم بالسباب وما يتم بكلمة " كن " ..ولذلك تجد مثل كبار الطباء يحتارون في علج
مريض ..ثم يشفى على يد طبيب ناشئ حديث التخرج ..هل هذا الطبيب الناشئ يعرف أكثر من
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أساتذته الذين علموه؟ ..الجواب طبعا ل.
إن التلميذ ل يتفوق على أستاذه الذي علمه فليس العلج بالسباب وحدها ولكن بقدرة المسبب..
ولذلك جاء موعد الشفاء على يد هذا الطبيب الناشئ ..فكشف ال له الداء وألهمه الدواء.
يقول الحق سبحانه وتعالى } :فَانفَجَ َرتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْ َرةَ عَيْنا { لماذا اثنتا عشرة عينا .لن اليهود
كانوا يعيشون حياة انعزال .كل مجموعة منهم كانت تسمى " سبطا " لها شيخ مثل شيخ القبيلة..
والحق تبارك وتعالى يقول } :قَدْ عَِلمَ ُكلّ أُنَاسٍ مّشْرَ َبهُمْ { أي كل سبط أو مجموعة ذهبت
لمشرب ..نبعت العيون من الحجر امتدت متشعبة إلى السباط جميعا كل في مكانه ..فإذا ما
أخذوا حاجتهم ضرب موسى الحجر فيجف .ولذلك نعرف أن الحجر كان يعطيهم الماء على قدر
الحاجة وكانت الجهة السفلى من الحجر الملمسة للرض ..والجهة العليا التي ضرب عليها
بالعصا لم ينبع منهما شيء ،أما باقي الجهات الربع فقد نبع منها كل منها ثلثة ينابيع.
وهناك شيء في اللغة يسمونه اللفظ المشترك ..وهو الذي يستخدم في معانٍ متعددة ..فإذا قلت
سقى القوم دوابهم من العين ..العين هنا عين الماء ..وإذا قلت أرسل المير عيونه في المدينة
يعني أرسل جنوده ..وإذا قلت اشتريته بعين أي بذهب ..وإذا قلت نظر إلي بعينه شذرا أي
ببصره ..إذن كلمة عين تستخدم في أشياء متعددة ..ومعناها هنا عين الماء الجارية.
قوله تعالى } :قَدْ عَلِمَ ُكلّ أُنَاسٍ مّشْرَ َب ُهمْ { أي أن كل سبط عرف مكانه الذي يلزمه ..حتى ل
يضيع من كل منهم الماء ..ولكن النسان حينما يكون مضطرا يلتزم بما يطلبه ال منه ويكون
ملتزما بالداء ،فإذا فرج ال كربه وعادت إليه النعمة يعود إلى طغيانه.
.ولذلك يقول الحق جل جلله فيها } :كُلُو ْا وَاشْرَبُواْ مِن رّزْقِ اللّ ِه َولَ َتعْ َثوْاْ فِي الَ ْرضِ ُمفْسِدِينَ
{ أي ل يكون شكركم على النعمة بالفساد في الرض ..واقرأ قوله تعالىَ {:لقَدْ كَانَ ِلسَبَإٍ فِي
غفُورٌ *
شكُرُواْ َلهُ بَلْ َدةٌ طَيّبَ ٌة وَ َربّ َ
شمَالٍ كُلُواْ مِن رّ ْزقِ رَ ّبكُ ْم وَا ْ
ن وَ ِ
سكَ ِنهِمْ آيَةٌ جَنّتَانِ عَن َيمِي ٍ
مَ ْ
شيْءٍ مّن
ل وَ َ
ط وَأَ ْث ٍ
خمْ ٍ
فَأَعْ َرضُواْ فَأَ ْرسَلْنَا عَلَ ْيهِمْ سَ ْيلَ ا ْلعَرِ ِم وَبَدّلْنَا ُهمْ ِبجَنّتَ ْيهِمْ جَنّتَيْنِ َذوَا َتيْ ُأ ُكلٍ َ
سِدْرٍ قَلِيلٍ }[سبأ]15-15 :
هنا نرى أن أهل سبأ رزقهم ال فأعرضوا عن شكره ..كانوا يتيهون بالسد الذي يحفظ لهم مياه
المطار ..ويمدهم بما يحتاجون إليه منها طوال العام ،وأخذوا يتفاخرون بعلمهم ونسوا ال الذي
علمهم ..فكان هذا السد هو النكبة أو الكارثة التي أهلكت زرعهم ..كذلك حدث لبني إسرائيل ،قيل
لهم } :كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رّزْقِ اللّ ِه َولَ َتعْ َثوْاْ فِي الَ ْرضِ ُمفْسِدِينَ { فأفسدوا في الرض ونسوا
نعمة ال فنزل بهم العذاب.
()64 /
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
طعَا ٍم وَاحِدٍ فَا ْدعُ لَنَا رَ ّبكَ ُيخْرِجْ لَنَا ِممّا تُنْ ِبتُ الْأَ ْرضُ مِنْ َبقِْلهَا
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ َنصْبِرَ عَلَى َ
سهَا وَ َبصَِلهَا قَالَ أَتَسْتَ ْبدِلُونَ الّذِي ُهوَ أَدْنَى بِالّذِي ُهوَ خَيْرٌ اهْ ِبطُوا ِمصْرًا فَإِنّ
َوقِثّا ِئهَا َوفُو ِمهَا وَعَ َد ِ
ضبٍ مِنَ اللّهِ ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ كَانُوا َي ْكفُرُونَ بِآَيَاتِ
سكَنَ ُة وَبَاءُوا ِب َغ َ
علَ ْيهِمُ الذّلّ ُة وَا ْلمَ ْ
َلكُمْ مَا سَأَلْتُ ْم َوضُرِ َبتْ َ
صوْا َوكَانُوا َيعْتَدُونَ ()61
ع َ
اللّ ِه وَ َيقْتُلُونَ النّبِيّينَ ِبغَيْرِ ا ْلحَقّ ذَِلكَ ِبمَا َ
هذه الية الكريمة أيضا من آيات التذكير بنعم ال سبحانه وتعالى على موسى وعلى بني
إسرائيل ..وكنا قد تعرضنا لمعنى طعام واحد عند ذكر المن والسلوى ..وقلنا أن تكرار نزول
المن والسلوى كل يوم جعل الطعام لونا واحدا ..وكلمة واحد هي أول العدد ..فإذا إنضم إليه مثله
يصير اثنين ..وإذا إنضم إليه مثله يصبح ثلثة ..إذن فأصل العدد هو الواحد ..والواحد يدل على
وحدة الفرد ول يدل على وحدانية ..فإذا قلنا ال واحد فإن ذلك يعني أنه ليس كمثله أحد ..ولكنه
ل يعني أنه ليس مكونا من أجزاء ..فأنت لست واحدا ولست أحدا لنك مكون من أجزاء ـ كما
أن هناك من يشبهونك ..والشمس في مجموعتنا واحدة ولكنها ليست أحدا لنها مكونة من أجزاء
وتتفاعل ..وال سبحانه وتعالى واحد ليس كمثله شيء ..وأحد ليس مكونا من أجزاء ..ولذلك من
أسمائه الحسنى الواحد الحد ..ول نقول أن السم مكرر فهذه تعني الفردية ،وهذه تنفي التجزئة.
حدٍ } ..نلحظ هنا أن الطعام وُصف بأنه واحد رغم أنه
طعَا ٍم وَا ِ
وقوله تعالى { :لَن ّنصْبِرَ عَلَىا َ
مكون من صنفين هما المن والسلوى ..ولكنه واحد لرتابة نزوله ..الطعام كان يأتيهم من السماء..
ولكن تعنتهم مع ال جعلهم ل يصبرون عليه فقالوا ما يدرينا لعله ل يأتي ..نريد طعاما نزرعه
بأيدينا ويكون طوال الوقت أمام عيوننا ..وكأن هذه المعجزات كلها ليست كافية ..لتعطيهم الثقة
جهْ َرةً }..
في استمرار رزق ال ..إنهم يريدون أن يروا ..ألم يقولوا لموسى { :أَرِنَا اللّهَ َ
ت الَ ْرضُ } { ..ا ْدعُ لَنَا رَ ّبكَ } أي أطلب
ماذا طلبوا؟ ..قالوا { :فَا ْدعُ لَنَا رَ ّبكَ ُيخْرِجْ لَنَا ِممّا تُنْ ِب ُ
من ال ..ولن الدعاء لون من الطلب فإنك حين تتوجه إلى ال طالبا أن يعطيك ..فإنك تدعو بذلة
الداعي أمام عزة المدعو ..والطلب إن كان من أدنى إلى أعلى قيل دعاء ..ومن مساوٍ إلى مساوٍ
قيل طلب ..ومن أعلى إلى أدنى قيل أمر..
لقد طلب بنو إسرائيل من موسى أن يدعو ال سبحانه وتعالى أن يخرج لهم أطعمة مما تنبت
سهَا
الرض ..وعددوا ألوان الطعمة المطلوبة ..وقالوا { :مِن َبقِْلهَا َوقِثّآ ِئهَا َوفُو ِمهَا وَعَدَ ِ
وَ َبصَِلهَا } ..ولكنها كلها أصناف تدل على أن من يأكلها هم من صنف العبيد ..والمعروف أن آل
فرعون إستعبدوا بني إسرائيل ..ويبدو أن بني إسرائيل أحبوا حياة العبودية واستطعموها..
الحق تبارك وتعالى كان يريد أن يرفع قدرهم فنزل عليهم المن والسلوى.
.ولكنهم فضلوا طعام العبيد ..والبقل ليس مقصودا به البقول فحسب ..ولكنه كل نبات ل ساق له
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
مثل الخس والفجل والكرات والجرجير ..والقثاء هو القتة صنف من الخيار ..والفوم هو القمح أو
الثوم .والعدس والبصل معروفان ..وال سبحانه وتعالى قبل أن يجيبهم أراد أن يؤنبهم :فقال }
أَتَسْتَ ْبدِلُونَ الّذِي ُهوَ َأدْنَىا بِالّذِي ُهوَ خَيْرٌ {..
عندما نسمع كلمة استبدال فاعلم أن الباء تدخل على المتروك ..تقول إشتريت الثوب بدرهم..
يكون معنى ذلك إنك أخذت الثوب وتركت الدرهم.
قوله تعالى } :الّذِي ُهوَ أَدْنَىا بِالّذِي ُهوَ خَيْرٌ { ..أي انهم تركوا الذي هو خير وهو المن
والسلوى ..وأخذوا الذي هو أدنى ..والدنو هنا ل يعني الدناءة ..لن ما تنتجه الرض من نعم ال
ل يمكن أن يوصف بالدناءة ..ولكن ال تبارك وتعالى يخلق بالسباب ويخلق بالمر المباشر ..ما
يخلقه ال بالمر المباشر منه بكلمة " كن " ..يكون خيرا مما جاء بالسباب ..لن الخلق المباشر
ل صفة لك فيه ..عطاء خالص من ال ..أما الخالق بالسباب فقد يكون لك دور فيه ..كأن تحرث
الرض أو تبذر البذور ..ما جاء خالصا من ال بدون أسبابك يقترب من عطاء الخرة التي
يعطي ال فيها بل أسباب ولكن بكلمة " كن " ..ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى {:وَلَ َتمُدّنّ
عَيْنَ ْيكَ إِلَىا مَا مَ ّتعْنَا بِهِ أَ ْزوَاجا مّ ْنهُمْ زَهْ َرةَ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا لِ َنفْتِ َنهُمْ فِي ِه وَرِزْقُ رَ ّبكَ خَيْ ٌر وَأَ ْبقَىا }[طه:
]131
فال تبارك وتعالى يصف رزق الدنيا بأنه فتنة ..ويصف رزق الخرة بأنه خير منه ..مع أن
رزق الدنيا والخرة ،وكل رزق في هذا الوجود حتى الرزق الحرام هو من ال جل جلله ..فل
رازق إل ال ولكن الذي يجعل الرزق حراما هو استعجال الناس عليه فيأخذونه بطريق حرام..
ولو صبروا لجاءهم حلل..
نقول إن ال سبحانه وتعالى هو الذي يرزق ..ولكنه سمى رزقا فتنة وسمى رزقا خيرا منه ..ذلك
أن الرزق من ال بدون أسباب أعلى وأفضل منزلة من الرزق الذي يتم بالسباب..
إذن الحق سبحانه وتعالى حين يقول } :أَتَسْتَبْدِلُونَ الّذِي ُهوَ أَدْنَىا بِالّذِي ُهوَ خَيْرٌ { ..يكون المعنى
أتستبدلون الذي هو رزق مباشر من ال تبارك وتعالى ..وهو المن والسلوى يأتيكم " بكن " قريب
من رزق الخرة بما هو أقل منه درجة وهو رزق السباب في الدنيا ..ولم يجب بنو إسرائيل
على هذا التأنيب ..وقال لهم الحق سبحانه وتعالى } :اهْ ِبطُواْ ِمصْرا فَإِنّ َل ُكمْ مّا سَأَلْ ُتمْ { ..ول يقال
لهم ذلك إل لنهم أصروا على الطلب برغم أن الحق جل جلله بين لهم أن ما ينزله إليهم خير
مما يطلبونه.
.
نلحظ هنا أن مصر جاءت منوّنةً ..ولكن كلمة مصر حين ترد في القرآن الكريم ل ترد منونة..
ومن شرف مصر أنها ذكرت أكثر من مرة في القرآن الكريم ..نلحظ أن مصر حينما يقصد بها
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وادي النيل ل يأتي أبدا منونة وإقرأ قوله تعالى {:تَ َبوّءَا ِلقَ ْو ِم ُكمَا ِب ِمصْرَ بُيُوتا }[يونس]87 :
وقوله جل جلله {:أَلَ ْيسَ لِي مُ ْلكُ ِمصْ َر وَهَـا ِذ ِه الَ ْنهَارُ َتجْرِي مِن تَحْتِي }[الزخرف]51 :
وقوله سبحانهَ {:وقَالَ الّذِي اشْتَرَاهُ مِن ّمصْرَ لِمْرَأَتِهِ َأكْ ِرمِي مَ ْثوَاهُ }[يوسف]21 :
وقوله تبارك وتعالى {:ادْخُلُواْ ِمصْرَ إِن شَآءَ اللّهُ آمِنِينَ }[يوسف]99 :
كلمة مصر ذكرت في اليات الربع السابقة بغير تنوين ..ولكن في الية التي نحن بصددها} :
اهْ ِبطُواْ ِمصْرا { بالتنوين ..هل مصر هذه هي مصر الواردة في اليات المشار إليها؟ ..نقول ل..
لن الشيء الممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث ..إذا كان لبقعة أو مكان ..مرة تلحظ أنه بقعة
فيبقى مؤنثا ..ومرة تلحظ أنه مكان فيكون مذكرا ..فإن كان بقعةً فهو علم ممنوع من الصرف..
وإن كان مكانا تكون فيه علمية وليس فيه تأنيث ..ومرة تكون هناك علمية وأهمية ولكن ال
صرفها في القرآن الكريم ..كلمات نوح ولوط وشعيب ومحمد وهود..
كل هذه السماء كان مفروضا أن تمنع من الصرف ولكنها صرفت ..فقيل في القرآن الكريم نوحا
ولوط وشعيبا ومحمدا وهودا ..إذن فهل من الممكن أن تكون مصر التي جاءت في قوله تعالى} :
اهْ ِبطُواْ ِمصْرا فَإِنّ َل ُكمْ مّا سَأَلْ ُتمْ { هي مصر التي عاشوا فيها وسط حكم فرعون ..قوله تعالى} :
اهْ ِبطُواْ ِمصْرا { من الممكن أن يكون المعنى أي مصر من المصار ..ومن الممكن أن تكون
مصر التي عاش فيها فرعون ..وكلمة مصر تطلق على كل مكان له مفتي وأمير وقاض ..وهي
مأخوذة من القتطاع ..لنه مكان يقطع إمتداد الرض الخلء ..ولكن الثابت في القرآن الكريم..
إن مصر التي لم تنون هي علم على مصر التي نعيش فيها ..أما مصرا التي خضعت للتنوين
فهي تعني كل وادٍ فيه زرع..
سكَنَةُ { ..الذلة هي المشقة التي تؤدي إلى النكسار..
وقوله تعالىَ } :وضُرِبَتْ عَلَ ْيهِمُ الذّلّةُ وَا ْلمَ ْ
ويمكن أن ترفع عنك بأن تكون في حمى غيرك فيعزك بأن يقول إنك في حماه ..وال سبحانه
وتعالى يقول عن بني إسرائيل {:ضُرِ َبتْ عَلَ ْي ِهمُ الذّلّةُ أَيْنَ مَا ُث ِقفُواْ ِإلّ بِحَ ْبلٍ مّنَ اللّ ِه وَحَ ْبلٍ مّنَ
النّاسِ }[آل عمران]112 :
حبل من ال كما حدث عندما عاهدهم رسول ال صلى ال عليه وسلم في المدينة ..وعاشوا في
حمى العهد ..إذن بحبل من ال أي على يد رسول ال صلى ال عليه وسلم أو المؤمنين به.
.وبحبل من الناس أي في حماية دولة قوية كالوليات المتحدة المريكية ..إذا عاهدتهم عزوا وإن
تركتهم ذلوا..
وقوله تعالىَ } :وضُرِبَتْ عَلَ ْيهِمُ الذّلّةُ { ضربت أي طبعت طبعة قوية بضربة قوية تجعل الكتابة
بارزة على النقود ..ولذلك يقال ضربت في مصر ..أي أعدت بضربة قوية أذلتهم وبقيت بارزة ل
يستطيعون محوها ..أما المسكنة فهي انكسار في الهيئة.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أهل الكتاب كانوا يدفعون الجزية والجزية كانت تؤخذ من الغنياء ..وكانوا يلبسون الملبس
القذرة ..ويقفون في موقف الذل والخزي حتى ل يدفعوا الجزية.
وقوله تعالى } :وَبَآءُو ِب َغضَبٍ مّنَ اللّهِ { ..أي غضب ال عليهم بذنوبهم وعصيانهم .حتى أصبح
الغضب ـ من كثرة عصيانهم ـ كأنه سمة من سماتهم لماذا؟ } :ذَِلكَ بِأَ ّن ُهمْ كَانُواْ َيكْفُرُونَ بِآيَاتِ
عصَواْ ّوكَانُواْ َيعْتَدُونَ { أي أنهم كانوا يكفرون بالنعم ول
اللّ ِه وَ َيقْتُلُونَ النّبِيّينَ ِبغَيْرِ ا ْلحَقّ ذاِلكَ ِبمَا َ
يشكرون ..ويكفرون باليات ويشترون بها ثمنا قليل ..ولم يكتفوا بذلك بل كانوا يقتلون أنبياء ال
بغير حق..
النبياء غير الرسل ..والنبياء أسوة سلوكية ولكنهم ل يأتون بمنهج جديد ..أما الرسل فهم أنبياء
بأنهم أسوة سلوكية ورسل لنهم جاءوا بمنهج جديد ..ولذلك كل رسول نبي وليس كل نبي رسول.
وال سبحانه وتعالى يعصم أنبياءه ورسله من الخطيئة ..ولكنه يعصم رسله من القتل فل يقدر
عليهم أعداؤهم ..فمجيء النبياء ضرورة ..لنهم نماذج سلوكية تسهل على الناس التزامهم
بالمنهج ،وبنو إسرائيل بعث ال لهم أنبياء ليقتدوا بهم فقتلوهم ..لماذا؟ ..لنهم فضحوا كذبهم
وفسقهم وعدم التزامهم بالمنهج ..ولذلك تجد الكافر والعاصي وغير الملتزم يغار ويكره الملتزم
بمنهج ال ..ويحاول إزالته عن طريقه ولو بالقتل ..إذن فغضب ال عليهم من عصيانهم واعتدائهم
على النبياء وما ارتكبوه من آثام.
()65 /
بعد أن تحدث الحق سبحانه وتعالى عن بني إسرائيل وكيف كفروا بنعمه ..أراد أن يعرض لنا
حساب المم التي سبقت أمم رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم القيامة ،ولقد وردت هذه الية في
سورة المائدة ولكن بخلف يسير من التقديم والتأخير ..ففي سورة المائدة {:إِنّ الّذِينَ آمَنُو ْا وَالّذِينَ
ن وَال ّنصَارَىا }[المائدة]69 :
هَادُو ْا وَالصّابِئُو َ
أي أنه في سورة المائدة تقدمت الصابئون على النصارى ..واختلف العْراب فبينما في البقرة و "
الصابئين " ..وفي المائدة و " الصابئون " ..وردت آية أخرى في سورة الحج {:إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ
س وَالّذِينَ أَشْ َركُواْ إِنّ اللّهَ َي ْفصِلُ بَيْ َنهُمْ َيوْمَ ا ْلقِيامَةِ إِنّ
وَالّذِينَ هَادُو ْا وَالصّابِئِينَ وَال ّنصَارَىا وَا ْلمَجُو َ
شهِيدٌ }[الحج]17 :
شيْءٍ َ
علَىا ُكلّ َ
اللّهَ َ
اليات الثلث تبدو متشابهة ..إل أنّ هناك خلفات كثيرة ..ما هو سبب التكرار الموجود في
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
اليات ..وتقديم الصابئين مرة وتأخيرها ..ومع تقديمها رفعت وتغير العراب ..وفي اليتين
ل صَالِحا فََلهُمْ َأجْرُهُمْ عِندَ رَ ّبهِمْ
عمِ َ
الوليين (البقرة والمائدة) تأتي { :مَنْ آمَنَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْ ِم الخِ ِر وَ َ
خوْفٌ عَلَ ْيهِمْ وَلَ ُهمْ يَحْزَنُونَ } ..أما في الية التي في سورة الحج فقد زاد فيها { :ا ْل َمجُوسَ
وَلَ َ
وَالّذِينَ َأشْ َركُواْ } ..واختلف فيها الخبر ..فقال ال سبحانه وتعالى { :إِنّ اللّهَ َي ْفصِلُ بَيْ َنهُمْ َيوْمَ
ا ْلقِيامَةِ }.
عندما خلق ال وأنزله ليعمر الرض أنزل معه الهدى ..واقرأ قوله تعالى {:فَِإمّا يَأْتِيَ ّنكُم مّنّي هُدًى
شقَىا }[طه]123 :
ضلّ َولَ يَ ْ
َفمَنِ اتّبَعَ ُهدَايَ فَلَ َي ِ
مفروض أن آدم أبلغ المنهج لولده ..وهؤلء أبلغوه لولدهم وهكذا ..وتشغل الناس الحياة
وتطرأ عليهم الغفلة ..ويصيبهم طمع الدنيا وجشعها ويتبعون شهواتهم ..فكان لبد من رحمة ال
لخلقه أن يأتي الرسل ليذكروا وينذروا ويبشروا..
الية الكريمة تقول { :إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ } ..أي إيمان الفطرة الذي نزل مع آدم إلى الرض ..وبعد
ذلك جاءت أديان كفر الناس بها فأبيدوا من على الرض ..كقوم نوح ولوط وفرعون وغيرهم..
وجاءت أديان لها اتباع حتى الن كاليهودية والنصرانية والصابئية ،وال سبحانه وتعالى يريد أن
يجمع كل ما سبق في رسالة محمد عليه الصلة والسلم ..ورسول ال صلى ال عليه وسلم جاء
لتصفية الوضع اليماني في الرض..
إذن الذين آمنوا أول سواء مع آدم أو مع الرسل ..الذين جاءوا بعده لمعالجة الداءات التي وقعت..
ثم الذين تسموا باليهود والذين تسموا بالنصارى والذين تسموا بالصابئة ..فال تبارك وتعالى يريد
أن يبلغهم لقد انتهى كل هذا ..فمن آمن بمحمد صلى ال عليه وسلم فل خوف عليهم ول هم
يحزنون ..فكأن رسالته عليه الصلة والسلم جاءت لتصفية كل الديان السابقة.
.وكل إنسان في الكون مطالب بأن يؤمن بمحمد عليه الصلة والسلم ..فقد دعى الناس كلهم إلى
اليمان برسالته ..ولو بقي إنسان من عهد آدم أو من عهد إدريس أو من عهد نوح أو إبراهيم أو
هود ..وأولئك الذين نسبوا إلى اليهودية وإلى النصرانية وإلى الصابئية ..كل هؤلء مطالبون
باليمان بمحمد صلى ال عليه وسلم والتصديق بدين السلم ..فالسلم يمسح العقائد السابقة في
خ ْوفٌ عَلَ ْي ِه ْم وَلَ ُهمْ
الرض ..ويجعلها مركزة في دين واحد ..الذين آمنوا بهذا الدين } :لَ َ
يَحْزَنُونَ { ..والذين لم يؤمنوا لهم خوف وعليهم حزن ..وهذا إعلن بوحدة دين جديد ..ينتظم فيه
كل من في الرض إلى أن تقوم الساعة ..أما أولئك الذين ظلوا على ما هم عليه ..ولم يؤمنوا
بالدين الجديد ..ل يفصل ال بينهم إل يوم القيامة ..ولذلك فإن الية التي تضمنت الحساب
والفصل يوم القيامة ..جاء فيها كل من لم يؤمن بدين محمد عليه الصلة والسلم ..بما فيهم
المجوس والذين أشركوا.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
والحق تبارك وتعالى أراد أن يرفع الظن ..عمن تبع دينا سبق السلم وبقي عليه بعد السلم..
وهو يظن أن هذا الدين نافعه ..نقول له أن الحق سبحانه وتعالى قد حسم هذه القضية في قوله
تعالىَ {:ومَن يَبْ َتغِ غَيْ َر الِسْلَمِ دِينا فَلَنْ ُيقْ َبلَ مِنْهُ }[آل عمران]85 :
وقوله جل جلله {:إِنّ الدّينَ عِندَ اللّهِ الِسْلَمُ }[آل عمران]19 :
إذن التصفية النهائية لموكب اليمان والرسالت في الوجود حسمت ..فالذي آمن بمحمد عليه
الصلة والسلم ..ل يخاف ول يحزن يوم القيامة ..والذي لم يؤمن يقول ال تبارك وتعالى له }
صلُ بَيْ َنهُمْ َيوْمَ ا ْلقِيامَةِ { ..إذن الذين آمنوا هم الذين ورثوا اليمان من عهد آدم ..والذين
إِنّ اللّهَ َيفْ ِ
هادوا هم أتباع موسى عليه السلم ..وجاء السم من قولهم " :إنا هدنا إليك " ـ أي عدنا إليك..
والنصارى جمع نصراني وهم منسوبون إلى الناصرة البلدة التي ولد فيها عيسى عليه السلم ..أو
من قول الحواريين نحن أنصار ال في قوله تعالى {:فََلمّآ َأحَسّ عِيسَىا مِ ْنهُمُ ا ْل ُكفْرَ قَالَ مَنْ
شهَدْ بِأَنّا ُمسِْلمُونَ }[آل عمران]52 :
حوَارِيّونَ َنحْنُ أَ ْنصَارُ اللّهِ آمَنّا بِاللّ ِه وَا ْ
أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ ا ْل َ
أما الصابئة فقد اختلف العلماء فيهم ..قال بعضهم هم أتباع نوح ولكنهم غيروا بعده وعبدوا من
دون ال الوسائط في الكون كالشمس والقمر والكواكب ..أو الصابئة هم الذين انتقلوا من الدين
الذي كان يعاصرهم إلى الدين الجديد ..أو هم جماعة من العقلء قالوا ما عليه قومنا ل يقنع
العقل ..كيف نعبد هذه الصنام ونحن نصنعها ونصلحها؟.
.فامتنعوا عن عبادة أصنام العرب ..فقالوا عنهم إنهم صبئوا عن دين آبائهم ..أي تركوه وآمنوا
بالدين الجديد ..وأيا كان المراد بالصابئين فهم كل من مال عن دينه إلى دين آخر.
أننا نلحظ أن ال سبحانه وتعالى ..جاء بالصابئين في سورة البقرة متأخرة ومنصوبة ..وفي
سورة المائدة متقدم ًة ومرفوعةً ..نقول هذا الكلم يدخل في قواعد النحو ..الية تقول } :إِنّ الّذِينَ
آمَنُواْ { ..نحن نعرف أَنّ (إِنّ) تنصب السم وترفع الخبر ..فالذين مبني لنه إسم موصول في
محل نصب إسم لن } :وَالّذِينَ هَادُواْ { معطوف على الذين آمنوا يكون منصوبا أيضا..
والنصارى معطوف أيضا على إسم إن ..والصابئين معطوف أيضا ومنصوب بالياء لنه جمع
مذكر سالم..
نأتي إلى قوله تعالى } :مَنْ آمَنَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الخِرِ { .هذه مستقيمة في سورة البقرة إعرابا
وترتيبا ..والصابئين تأخرت عن النصارى لنهم فرقة قليلة ..ل تمثل جمهرة كثيرة كالنصارى..
ولكن في آية المائدة تقدمت الصابئون وبالرفع في قوله تعالى } :إِنّ الّذِينَ آمَنُو ْا وَالّذِينَ هَادُواْ {..
الذين آمنوا إسم إن والذين هادوا معطوف ..و " الصابئون " كان القياس إعرابيا أن يقال
والصابئين ..وبعدها النصارى معطوفة ..ولكن كلمة (الصابئون) توسطت بين اليهود وبين
النصارى ..وكسر إعرابها بشكل ل يقتضيه الظاهر ..وللعرب إذن مرهفة لغويا ..فمتى سمع
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الصابئين التي جاءت معطوفة على اسم إن تأتي بالرفع يلتفت لفتة قسرية ليعرف السبب..
حين تولى أبا جعفر المنصور الخلفة ..وقف على المنبر ولحن لحنة أي أخطأ في نطق كلمة..
وكان هناك إعرابي يجلس فآذت أُذنيه ..وأخطأ المنصور للمرة الثانية فحرك العرابي أُذنيه
باستغراب ..وعندما أخطأ للمرة الثالثة قام العرابي وقال ..أشهد أنك وليت هذا المر بقضاء
وقدر ..أي أنك ل تستحق هذا ..هذا هو اللحن إذا سمعه العربي هز أذنيه ..فإذا جاء لفظ مرفوعا
والمفروض أن يكون منصوبا ..فإن ذلك يجعله يتنبه أن ال له حكمة وعلة ..فما هي العلة؟..
الذين آمنوا أمرهم مفهوم والذين هادوا أمرهم مفهوم والنصارى أمرهم مفهوم ..أما الصابئون
فهؤلء لم يكونوا تابعين لدين ..ولكنهم سلكوا طريقا مخالفا ..فجاءت هذه الية لتلفتنا أن هذه
التصفية تشمل الصابئين أيضا ..فقدمتها ورفعتها لتلفت إليها الذان بقوة ..فال سبحانه وتعالى
ع ِملَ صَالِحا { ..لن اليمان إن لم يقترن
ن وَ َ
يعطف اليمان على العمل لذلك يقول دائما } :آمَ َ
بعمل فل فائدة منه ..وال يريد اليمان أن يسيطر على حركة الحياة بالعمل الصالح ..فيأمر كل
مؤمن بصالح العمل وهؤلء ل خوف عليهم في الدنيا ول هم يحزنون في الخرة.
()66 /
وَإِذْ َأخَذْنَا مِيثَا َقكُ ْم وَ َر َفعْنَا َف ْو َقكُمُ الطّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ ِب ُق ّوةٍ وَا ْذكُرُوا مَا فِيهِ َلعَّلكُمْ تَ ّتقُونَ ()63
يمتنّ ال سبحانه وتعالى مرة أخرى على بني إسرائيل بالنعم التي أنعم بها عليهم ويذكرهم
بجحودهم بها ..ولكننا نلحظ أن القرآن الكريم حينما يتكلم عن اليهود ..يتكلم عنهم بالخطاب
المباشر ..فهل الذين عاصروا نزول القرآن وهم الذين أخذ ال تبارك وتعالى عليهم الميثاق..
هؤلء مخاطبون بمراد آبائهم وأجدادهم الذين عاصروا موسى عليه السلم.
نقول أنه كان المطلوب من كل جد أو أب أن يبلغ ذريته ما انتهت إليه قضية اليمان ..فحين يمتن
ال عليهم أنه أهلك أهل فرعون وأنقذهم ..يمتن عليهم لنه أنقذ آباءهم من التذبيح ..ولول أنه
أنقذهم ما جاء هؤلء اليهود المعاصرون لرسول ال صلى ال عليه وسلم ..فهم كانوا مطمورين
في ظهور آبائهم ..ولكي ينقذهم ال كان لبد أن تستمر حلقة الحياة متصلة ..فمتى انتهت حياة
الب قبل أن يتزوج وينجب انتهت في اللحظة نفسها حياة ذريته ..الشيء نفسه ينطبق على قول
سقَىا مُوسَىا ِلقَ ْومِهِ } ..إمتنان على اليهود المعاصرين لنزول
الحق سبحانه وتعالى { :وَإِذِ اسْتَ ْ
القرآن ..لنه سبحانه وتعالى لو لم ينقذ آباءهم من الموت عطشا لماتوا بل ذرية.
إذن كل إمتنان على اليهود في عهد موسى هو إمتنان على ذريته في عهد رسول ال صلى ال
عليه وسلم ..والحق سبحانه وتعالى أخذ على اليهود الميثاق القديم ..ولول هذا الميثاق ما آمنوا
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ول آمنت ذريتهم.
وقوله تعالى { :وَ َر َفعْنَا َف ْو َقكُمُ الطّورَ } ..أي أن ال تبارك وتعالى يذكرهم بأنهم بعد أن نجوا
وأغرق ال فرعون وقومه ذهب موسى لميقات ربه ليتلقى عنه التوراة ..فعبد بنو إسرائيل العجل.
وعندما عاد موسى بالتوراة وباللواح ..وجدوا في تعاليمها مشقة عليهم ..وقالوا نحن ل نطيق
هذا التكليف وفكروا أل يلتزموا به وأل يقبلوه.
التكليف هو من مكلف هو ال سبحانه وتعالى ..وهم يقولون إن ال كلفهم ما ل يطيقون ..مع أن
ال جل جلله ل يكلف نفسا إل وسعها ..هذا هو المبدأ اليماني الذي وضعه الحق جل جلله..
س َعهَا }[البقرة]286 :
ل وُ ْ
يظن بعض الناس أن معنى الية الكريمة {:لَ ُيكَّلفُ اللّهُ َنفْسا ِإ ّ
يظنون أننا نضع أنفسنا حكما على تكليف ال ..فإن كنا نعتقد أننا نقدر على هذا التكليف نقل هو
من ال وإن كنا نعتقد أننا ل نقدر عليه بحكمنا نحن ..نقل ال لم يكلفنا بهذا لنه فوق طاقتنا..
ولكن الحكم الصحيح هل كلفك ال بهذا المر أو لم يكلفك؟ إن كان ال قد كلفك فهو عليم بأن ذلك
في وسعك؛ لن ال ل يكلف نفسا إل وسعها.
.ونحن نسمع الن صيحات تقول أن العصر لم يعد يحتمل ..وإن ظروف الدنيا وسرعة الحركة
فيها وسرعة الحداث هي تبرير أنه ليس في وسعنا أن نؤدي بعض التكاليف ..ربما كان هذا
التكليف في الوسع في الماضي عندما كانت الحياة بسيطة وحركتها بطيئة ومشكلتها محدودة.
نقول لمن يردّد هذا الكلم :إن الذي كلفك قديما هو ال سبحانه وتعالى .إنه يعلم أن في وسعك أن
تؤدي التكليف وقت نزوله ..وبعد آلف السنين من نزوله وحتى قيام الساعة ..والدليل على ذلك
أن هناك من يقوم بالتكليف ويتطوع بأكثر منه ليدخل في باب الحسان؛ فهناك من يصلي
الفروض وهي التكليف ..وهناك من يزيد عليها السنن ..وهناك من يقوم الليل ..فيظل يتقرب إلى
ال تبارك وتعالى بالتطوع من جنس ما فرض ..وهناك من يصوم رمضان ومن يتطوع ويصوم
أوائل الشهور العربية ..أو كل اثنين وخميس على مدار العام أو في شهري رجب وشعبان..
وهناك من يحج مرة ومن يحج مرات ..وهناك من يلتزم بحدود الزكاة ومن يتصدق بأكثر منها.
إذن كل التكاليف التي كلفنا ال بها في وسعنا وأقل من وسعنا ..ول يقال أن العصر قد اختلف،
فنحن الذين نعيش هذا العصر ..بكل ما فيه من متغيرات نقوم بالتكاليف ونزيد عليها دون أي
مشقة ،وال سبحانه وتعالى رفع فوق بني إسرائيل الطور رحمة بهم ..تماما كما يمسك الطبيب
المشرط ليزيل صديدا تكوّن داخل الجسد ..لن الجسد ل يصح بغير هذا.
لذلك عندما أراد ال سبحانه وتعالى أن يصيب بفضله ورحمته بني إسرائيل رغم أنوفهم ..رفع
فوقهم جبل الطور الموجود في سيناء ..وقال لهم تقبلوا التكليف أو أطبق عليكم الجبل ..تماما كما
أهلك ال تبارك وتعالى الذين كفروا ورفضوا اليمان وقاوموا الرسل الذين من قبلهم ..قد يقول
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
البعض إن ال سبحانه وتعالى أرغم اليهود على تكليف وهو القائل {:لَ ِإكْرَاهَ فِي الدّينِ قَد تّبَيّنَ
شدُ مِنَ ا ْل َغيّ }[البقرة]256 :
الرّ ْ
وقوله تعالىَ {:فمَن شَآءَ فَلْ ُي ْؤمِن َومَن شَآءَ فَلْ َي ْكفُرْ }[الكهف]29 :
نقول إن ال جل جلله لم يرغم أحدا على التكليف ..ولكنه رحمة منه خيرهم بين التكليف وبين
عذاب يصيبهم فيهلكهم ..وهذا العذاب هو أن ُيطْبقَ عليهم جبل الطور ..إذن المسألة ليس فيها
إجبار ولكن فيها تخيير ..وقد خُيّرَ الذين من قبلهم بين اليمان والهلك فلن يصدقوا حتى أصابهم
الهلك ..ولكن حينما رأى بنو إسرائيل الجبل فوقهم خشعوا ساجدين على الرض ..وسجودهم
دليل على أنهم قبلوا المنهج ..ولكنهم كانوا وهم ساجدون ينظرون إلى الجبل فوقهم خشية أن
يطبق عليهم.
.ولذلك تجد سجود اليهود حتى اليوم على جهة من الوجه ..بينما الجهة الخرى تنظر إلى أعلى
وكان ذلك خوفا من أن ينقض الجبل عليهم ..ولو سألت يهوديا لماذا تسجد بهذه الطريقة يقول لك
أحمل التوراة ويهتز منتفضا ..نقول أنهم اهتزوا ساعة أن رفع ال جبل الطور فوقهم ..فكانوا في
كل صلة يأخذون الوضع نفسه ،والذين شهدوهم من أولدهم وذريتهم ..اعتقدوا أنها شرط من
شروط السجود عندهم ..ولذلك أصبح سجودهم على جانب من الوجه ..ونظرهم إلى شيء أعلهم
يخافون منه ..أي أن الصورة التي حدثت لهم ساعة رفع جبل الطور ل زالوا باقين عليها حتى
الن.
في هذه الية الكريمة يقول الحق تبارك وتعالى } :وإذا رفعنا فوقكم الطور { ..وفي آية أخرى
يقول المولى جل جلله في نفس ما حدث {:وَإِذ نَ َتقْنَا ا ْلجَ َبلَ َف ْوقَهُمْ كَأَنّهُ ظُلّ ٌة وَظَنّواْ أَنّهُ وَاقِعٌ ِبهِمْ
خذُواْ مَآ ءَاتَيْنَاكُم ِب ُق ّوةٍ وَا ْذكُرُواْ مَا فِيهِ َلعَّلكُمْ تَ ّتقُونَ }[العراف]171 :
ُ
" نتقنا " كأن الجبل وتد في الرض ونريد أن نخلعه ..فنحركه يمينا ويسارا حتى يمكن أن يخرج
من الرض ..هذه الحركة والزحزحة والجذب هي النتق ..والجبل كالوتد تماما يحتاج إلى هز
وزعزعة وجذب حتى يخرج من مكانه ..وهذه الصورة عندما حدثت خشعوا وسجدوا وتقبلوا
المنهج.
يقول الحق سبحانه وتعالى } :خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَاكُم ِب ُقوّةٍ { ..الخذ عادة مقابل للعطاء ..أنت تأخذ من
معطٍ ..والتكليف أخذ من ال حتى تعطي به حركة صلح في الكون ..إذن كل أخذ لبد أن يأتي
منه عطاء؛ فأنت تأخذ من الجيل الذي سبقك وتعطي للجيل الذي يليك ..ولكنك ل تعطيه كما هو،
ولكن لبد أن تضيف عليه .وهذه الضافة هي التي تصنع الحضارات.
وقوله تعالى " :بقوة " ..أي ل تأخذوا التكليف بتخاذل ..والنسان عادة يأخذ بقوة ما هو نافع له..
ولذلك فطبيعة مناهج ال أن تؤخذ بقوة وبيقين ..لتعطي خيرا كثيرا بقوة وبيقين ..وإذا أخذت
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
منهج ال بقوة فقد ائتمنت عليه وأن صدرك قد انشرح وتريد أن تأخذ أكثر ..لذلك تجد في القرآن
الكريم يسألونك عن كذا ..دليل على أنهم عشقوا التكليف وعلموا أنه نافع فهم يريدون زيادة النفع.
ومادام الحق سبحانه وتعالى قال } :خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَاكُم ِب ُق ّوةٍ { ..فقد عشقوا التكليف ولم يعد شاقا
على أنفسهم.
وقوله تعالى } :وَا ْذكُرُواْ مَا فِيهِ َلعَّلكُمْ تَ ّتقُونَ { ..إذكروا ما فيه أي ما في المنهج وأنه يعالج كل
قضايا الحياة واعرفوا حكم هذه القضاياَ } ..لعَّلكُمْ تَ ّتقُونَ { أي تطيعون ال وتتقون عقابه وعذابه
يوم القيامة.
()67 /
بعد أن بيّن الحق سبحانه وتعالى لنا كيف أمر اليهود بأن يتذكروا المنهج ول ينسوه ..وكان مجرد
تذكرهم للمنهج يجعلهم يؤمنون بالسلم وبرسول ال صلى ال عليه وسلم لنه مكتوب عندهم في
التوراة ومذكورة أوصافه ..ماذا فعل اليهود؟
يقول الحق تبارك وتعالى { :ثُمّ َتوَلّيْ ُتمْ مّن َبعْدِ ذاِلكَ } ..أي أعرضتم عن منهج ال ونسيتموه ولم
حمَتُهُ َلكُنْتُم مّنَ الْخَاسِرِينَ } ما هو الفضل وما هي
ضلُ اللّهِ عَلَ ْيكُ ْم وَ َر ْ
تلتفتوا إليه { ..فََل ْولَ َف ْ
الرحمة؟ الفضل هو الزيادة عما تستحق ..يقال لك هذا حقك وهذا فضل مني أي زيادة على
حقك..
عن عائشة رضي ال عنها عن النبي صلى ال عليه وسلم قال " :سدّدوا وقاربوا وأبشروا فإنه ل
خلُ أحدا الجنةَ عملهُ قالوا :ول أنت يا رسولَ ال؟ قال :ول أنا إل أن يتغمدني ال بمغفرة
يُ ْد ِ
ورحمة "
فإذا تساءلت كيف يتم هذا؟ وكيف أنه ل أحد يدخل الجنة بعمله؟ نقول نعم لن عمل الدنيا كله ل
يساوي نعمة من نعم ال على خلقه؛ فأنت تذكرت العمل ولم تتذكر الفضل ..وكل من يدخل الجنة
فبفضل ال سبحانه وتعالى ..حتى الشهداء الذين أعطوا حياتهم وهي كل ما يملكون في هذه
الدنيا ..يقول الحق سبحانه وتعالى عنهم {:فَرِحِينَ ِبمَآ آتَا ُهمُ اللّهُ مِن َفضْلِ ِه وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالّذِينَ لَمْ
خ ْوفٌ عَلَ ْي ِه ْم َولَ هُمْ َيحْزَنُونَ }[آل عمران]170 :
حقُواْ ِبهِم مّنْ خَ ْل ِفهِمْ َألّ َ
يَلْ َ
فإذا كان هؤلء الشهداء وهم في أعلى مراتب الجنة قد دخلوا الجنة بفضل ال ..فما بالك بمن هم
أقل منهم أجرا ..وال سبحانه وتعالى له فضل على عباده جميعا ..واقرأ قوله تعالى {:إِنّ اللّهَ لَذُو
شكُرُونَ }[البقرة]243 :
س لَ َي ْ
ضلٍ عَلَى النّاسِ وَلَـاكِنّ َأكْثَرَ النّا ِ
َف ْ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أما الرحمة فهي التي فتحت طريق التوبه لغفران الذنوب .وال سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى
أنه لول هذا الفضل لبني إسرائيل ..ولول أنه فتح لهم باب الرحمة والمغفرة ليعودوا مرة أخرى
إلى ميثاقهم ومنهجهم ..لول هذا لكانوا من الخاسرين الذين أصابهم خسران مبين في الدنيا
والخرة ..ولكن ال تبارك وتعالى بفضل منه ورحمة قد قادهم إلى الدين الذي حفظه ال سبحانه
وتعالى بقدرته من أي تحريف ..فرفع عنهم عبء حفظ الكتاب ..وما ينتج عن ذلك من حمل ثقيل
في الدنيا ..ورحمهم برسول ال صلى ال عليه وسلم الذي أرسله رحمة للعالمين ..مصداقا لقوله
حمَةً لّ ْلعَاَلمِينَ }[النبياء]107 :
سلْنَاكَ ِإلّ َر ْ
تبارك وتعالىَ {:ومَآ أَرْ َ
وأعطاهم فضل هذا الدين الخاتم الذي حسم قضية اليمان في هذا الكون ..ومع هذه الرحمة وهذا
الفضل ..بأن نزل إليهم في التوراة أوصاف رسول ال صلى ال عليه وسلم وموعد بعثه ..فتح
لهم بابا حتى ل يصبحوا من الخاسرين ..ولكنهم تركوا هذا الباب كما تولوا عن دينهم.
()68 /
وَلَقَدْ عَِلمْتُمُ الّذِينَ اعْتَ َدوْا مِ ْنكُمْ فِي السّ ْبتِ َفقُلْنَا َلهُمْ كُونُوا قِرَ َدةً خَاسِئِينَ ()65
بعد أن بين ال جل جلله لنا كيف أنه فتح باب الفضل والرحمة لليهود فتركوه ..أراد أن يبين لنا
بعض الذي فعلوه في مخالفة أوامر ال والتحايل عليها ..وال تبارك وتعالى له أوامر في الدين
وأوامر تتعلق بشئون الدنيا ..وهو ل يحب أن نأخذ أي أمر له يتعلق بالدين أو بالدنيا مأخذ عدم
الجد ..أو نفضل أمرا على أمر ..ولذلك تجد في سورة الجمعة مثل قول الحق تبارك وتعالى{:
س َعوْاْ إِلَىا ِذكْرِ اللّ ِه وَذَرُواْ الْبَيْعَ ذَِلكُمْ خَيْرٌ
ج ُمعَةِ فَا ْ
لةِ مِن َي ْومِ الْ ُ
ياأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نُو ِديَ لِلصّ َ
ض وَابْ َتغُواْ مِن َفضْلِ اللّهِ }[الجمعة:
لةُ فَانتَشِرُواْ فِي الَ ْر ِ
ّلكُمْ إِن كُن ُتمْ َتعَْلمُونَ * فَإِذَا ُقضِ َيتِ الصّ َ
]10-9
هذان أمران أحدهما في الدين والثاني يتعلق بالدنيا ..وكلهما من منهج ال ..فال ل يريدك أن
تتاجر وتعمل وقت الصلة ..ول أن تترك عملك بل داع وتبقى في المسجد بعد الصلة ..إذا
نودي للصلة فإلى المسجد ..وإذا قضيت الصلة فإلى السعي للرزق ..وهناك يومان في السبوع
ذكرا في القرآن بالسم وهما يوم الجمعة والسبت ..بينما أيام السبوع سبعة ،خمسة أيام منها لم
تذكر في القرآن بالسم ..وهي الحد والثنين والثلثاء والربعاء والخميس ..الجمعة هي عيد
المسلمين الذي شرع فيه إجتماعهم في المساجد وأداء صلة الجماعة ..ونلحظ أن يوم الجمعة لم
يأخذ اشتقاقه من العدد ..فأيام السبوع نسبت إلى العداد فيما عدا الجمعة والسبت .لذلك تجد
الحد منسوب إلى واحد والثنين منسوب إلى إثنين ..والثلثاء منسوب إلى ثلثة والربعاء
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
منسوب إلى أربعة والخميس منسوب إلى خمسة..
كان المفروض أن ينسب يوم الجمعة إلى ستة ولكنه لم ينسب ..لماذا؟ لنه اليوم الذي اجتمع فيه
للكون نظام وجوده ..فسماه ال تبارك وتعالى الجمعة وجعله لنا عيدا ..والعيد هو اجتماع كل
الكون في هذا اليوم ،إجتماع نعمة ال في إيجاد الكون وتمامها في ذلك اليوم ..فالمؤمنون بال
يجتمعون اجتماع حفاوة بتمام خلق الكون لهم ..والسبت ..الباء والتاء تفيد معنى القطع ..وسبت
ويسبت سبتا إذا انقطع عمله ..ونلحظ أن خلق السموات والرض تم في ستة أيام مصداقا لقوله
سمَاوَاتِ وَالَ ْرضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ }[الحديد]4:
تعالىُ {:هوَ الّذِي خَلَقَ ال ّ
وكان تمام الخلق يوم الجمعة ..وفي اليوم السابع وهو يوم السبت ..كان كل شيء قد استقر وفرغ
من خلق الكون ..ولذلك له سبات أي أن هذا اليوم يسمى سباتا ..لن فيه سكون الحركة بعد تمام
الخلق ..فلما أراد اليهود يوما للراحة أعطاهم ال يوم السبت وأراد الحق تبارك وتعالى أن يبتليهم
في هذا اليوم والبتلء هو إمتحانهم فقد كانوا يعيشون على البحر وعملهم كان صيد السمك.
.وكان البتلء في هذا اليوم حيث حرم ال عليهم فيه العمل وجعل الحيتان التي يصطادونها تأتي
إليهم وقد بدت أشرعتها وكانوا يبحثون عنها طوال السبوع وربما ل يجدونها ..وفي يوم السبت
جاءتهم ظاهرة على سطح الماء تسعى إليهم لتفتنهم ..واقرأ قوله سبحانه وتعالى {:وَسْئَ ْلهُمْ عَنِ
ا ْلقَرْيَةِ الّتِي كَا َنتْ حَاضِ َرةَ الْبَحْرِ إِذْ َي ْعدُونَ فِي السّ ْبتِ ِإذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَا ُنهُمْ َيوْمَ سَبْ ِتهِمْ شُرّعا وَ َيوْ َم لَ
سقُونَ }[العراف]163 :
ن لَ تَأْتِيهِمْ كَذَِلكَ نَبْلُوهُم ِبمَا كَانُوا َيفْ ُ
يَسْبِتُو َ
وهكذا يمتلئ سطح البحر بالسماك والحيتان يوم السبت ..فإذا جاء صباح الحد اختفت بعيدا وهم
يريدون أن يجعلوا السبت عيدا لهم ل يفعلون فيه أي شيء ..ولكنهم في الوقت نفسه يريدون أن
يحصلوا على هذه السماك والحيتان ..صنعوا شيئا اسمه الحياض العميقة ليحتالوا بها على أمر
ال بعدم العمل في هذا اليوم ..وفي الوقت نفسه يحصلون على السماك ..هذه الحياض يدخلها
السمك بسهولة ..ولنها عميقة ل يستطيع الخروج منها ويتركونه يبيت الليل وفي الصباح
يصطادونه ..وكان هذا تحايل منهم على مخالفة أمر ال ..وال سبحانه وتعالى ل يحب من يحتال
في شيء من أوامره.
عِلمْتُمُ الّذِينَ اعْتَدَواْ مِ ْنكُمْ فِي السّ ْبتِ َفقُلْنَا َلهُمْ كُونُواْ قِرَ َدةً خَاسِئِينَ {..
ويقول ال تعالى } :وَلَقَدْ َ
وهذه قصة مشهورة عند اليهود ومتواترة ..يعلمها الجداد للباء والباء للحفاد ..وهي ليست
جديدة عليهم وإن كان المخاطبون هم اليهود المعاصرين لرسول ال صلى ال عليه وسلم ..ولذلك
عندما سمع } :ولقد علمتم { أي لقد عرفتم ومعنى ذلك أن القصة عندكم معروفة ..وكأنها من
قصص التراث التي يتناقلونها..
وقوله تعالى } :الّذِينَ اعْتَدَواْ مِ ْنكُمْ فِي السّ ْبتِ { ..المفعول هنا واحد هنا حيلة مذكورة أنهم اعتدوا
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
على أمر ال بالراحة يوم السبت ..هم حقيقة لم يصطادوا يوم السبت ..ولكنهم تحايلوا على
الممنوع بنصب الفخاخ للحيتان والسماك ..وكانوا في ذلك أغبياء ..وقد كان الممنوع أن يأخذوا
السمك في حيازتهم بالصيد يوم السبت ..ولكنهم أخذوه في حيازتهم بالحيلة والفخاخ ..وقوله
تعالى " :اعتدوا " أي تجاوزوا حدود ال المرسومة لهم ..وعادة حين يحرم ال شيئا يأتي بعد
التحريم قوله تعالى {:تِ ْلكَ حُدُودُ اللّهِ فَلَ َتقْرَبُوهَا }[البقرة]187 :
لنه يريد أن يمنعك من الغراء ..حتى ل تقع في المعصية فيقول لك ل تقترب ..ولكن بني
إسرائيل اعتدوا على حكم ال متظاهرين بالطاعة وهم عاصون ..وحسبوا أنهم يستطيعون خداع
ال بأنهم طائعون مع أنهم عاصون ..وصدر حكم ال عليهم } :فَقُلْنَا َل ُهمْ كُونُواْ قِرَ َدةً خَاسِئِينَ {.
وعادة أنك ل تأمر إنسانا أمرا إل إذا كان في قدرته أن يفعله ..المر هنا أن يكونوا قردة .فهل
يستطيعون تنفيذه؟ وأن يغيروا خلقتهم إلى قردة ..إنه أمر في مقدرة ال وحده فكيف يقول لهم
كونوا قردة؟
نقول إن المر نفسه هنا هو الذي يستطيع أن يجعلهم قردة ..وهذا المر يسمى أمرا تسخيريّا ولم
يقل لهم كونوا قردة ليكونوا هم بإرادتهم قردة ..ولكنه سبحانه بمجرد أن قال كونوا قردة كانوا..
وهذا يدلنا على انصياع المأمور للمر وهو غير مختار ..ولو كان ل يريد ذلك ول يلزم أن
يكونوا قد سمعوا قول ال أو قال لهم ..لنه لو كان المطلوب منهم تنفيذ ما سمعوه ربما كان ذلك
لزما ..ولكن بمجرد صدور المر وقبل أن ينتبهوا أو يعلموا شيئا كانوا قردة.
ولقد اختلف العلماء كيف تحول هؤلء اليهود إلى قردة؟ كيف مسخوا؟ قال بعضهم لقد تم المسخ
وهم ل يدرون ..فلما وجدوا أنفسهم قد تحولوا إلى خلق أقل من النسان ..لم يأكلوا ولم يشربوا
حتى ماتوا ..وقال بعض العلماء أن النسان إذا مسخ فإنه ل يتناسل ،ولذلك فبمجرد مسخهم لم
يتناسلوا حتى انقرضوا ..ولماذا لم يتناسلوا؟ لن ال سبحانه وتعالى يقولَ {:ولَ تَزِ ُر وَازِ َر ٌة وِزْرَ
أُخْرَىا }[النعام]164 :
ولو أنهم تناسلوا ..لتحمل البناء وزر آبائهم ..وهذا مرفوض عند ال ..إذن فمن رحمة ال أنهم
ل يأكلون ول يشربون ول يتناسلون ..ويبقون فترة ثم ينقرضون بالمراض والوبئة وهذا ما
حدث لهم.
قد يقول بعض الناس لو أنهم مسخوا قردة ..فمن أين جاء اليهود الموجودون الن؟ نقول لهم أنه
لم يكن كل اليهود عاصين ..ولكن كان منهم أقلية هي التي عصت ومسخت ..وبقيت الكثرية
ليصل نسلها إلينا اليوم ..وقد قال علماء آخرون أن هناك آية في سورة المائدة تقولُ {:قلْ َهلْ
ج َعلَ مِ ْن ُهمُ ا ْلقِرَ َد َة وَالْخَنَازِي َر وَعَبَدَ
غضِبَ عَلَيْهِ وَ َ
أُنَبّ ُئكُمْ ِبشَرّ مّن ذاِلكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن ّلعَنَهُ اللّ ُه وَ َ
سوَآءِ السّبِيلِ }[المائدة]60 :
ضلّ عَن َ
الطّاغُوتَ ُأوْلَـا ِئكَ شَرّ ّمكَانا وََأ َ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
إذن هذه قضية قوم غضب ال عليهم ومسخهم قردة وخنازير وعبدة الطاغوت ..ولقد أخبرنا ال
جل جلله أن اليهود مسخوا قردة ..ولكنه لم يقل لنا أنهم مسخوا خنازير ..فهل مسخوا قردة؟ ثم
بعد ذلك إزداد غضب ال عليهم ومسخوا خنازير؟ وهل نقلهم ال من إنسانية إلى بهيمية في القيم
والرادة والخلقة؟
نقول علينا أول أن ننظر إلى البهيمية التي نقلهم ال إليها ..نجد أن القردة هي الحيوان الوحيد
المفضوح العورة دائما ..وإن عورته لها لون مميز عن جسده.
.وأنه ل يتأدب إل بالعصا ..واليهود كذلك لم يقبلوا المنهج إل عندما رفع فوقهم جبل الطور..
وما هم فيه الن ليس مسخ خلقه ولكن مسخ خُلُق ..والخنازير ل يغارون على أنثاهم وهذه لزمة
موجودة في اليهود ..وعبدة الطاغوت ..الطاغوت هو كل إنسان تجاوز الحد في البغي والظلم..
وعباد الطاغوت هم الطائعون لكل ظالم يعينونه على ظلمه وهم كذلك.
إذن فعملية المسخ هذه سواء تمت مرة واحدة أو على مرتين مسألة شكلية ..ولكن ال سبحانه
وتعالى أعطانا في الية التي ذكرناها في سورة المائدة سمات اليهود الخلقية ..فكأنهم مسخوا
خلقه ومسخوا أخلقا.
()69 /
جعَلْنَاهَا َنكَالًا ِلمَا بَيْنَ يَدَ ْيهَا َومَا خَ ْل َفهَا َو َموْعِظَةً لِ ْلمُ ّتقِينَ ()66
فَ َ
جعَلْنَاهَا
يريد ال تبارك وتعالى أن يلفتنا إلى أنه بعد أن جعل المسخة الخلقية والخلقية لليهود { :فَ َ
َنكَالً ّلمَا بَيْنَ يَدَ ْيهَا } أي ما معهاَ { :ومَا خَ ْل َفهَا } أي ما بعدها " :والنكال " هو العقوبة الشديدة..
والعقوبة لبد أن تنشأ عن تجريم أول ..هذا هو المبدأ السلمي والمبدأ القانوني ..فرجال القانون
يقولون ل عقوبة إل بتجريم ول تجريم إل بنص ..قبل أن تعاقب لبد أن تقول أن هذا الفعل
جريمة عقوبتها كذا وكذا ..وفي هذه الحالة عندما يرتكبها أي إنسان يكون مستحقا للعقوبة..
ومادام هذا هو الموقف فلبد من تشريع.
والتشريع ليس معناه أن ال شرع العقوبة ..ولكن معناه محاولة منع الجريمة بالتخويف حتى ل
يفعلها أحد ..فإذا تمت الجريمة فلبد من توقيع العقوبة ..لن توقيعها عبرة للغير ومنع له من
ارتكابها ..وهذا الزجر يسمى نكول ومنها النكول في اليمين أي الرجوع فيه.
جعَلْنَاهَا َنكَالً } ..أي جعلناهم زجرا وعقابا قويا ..حتى ل يعود أحد من بني
إذن قوله تعالى { :فَ َ
إسرائيل إلى مثل هذه المخالفةَ { :نكَالً ّلمَا بَيْنَ َيدَ ْيهَا } ..أي عقوبة حين يرويها الذين عاصروها
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
تكفي لكيل يقتربوا من هذه المعصية أبدا ..وتكون لهم موعظة ل ينسونهاَ { :ومَا خَ ْل َفهَا } يعني
جعلناها تتوارثها الجيال من بني إسرائيل جيل بعد جيل ..كما بيننا الب يحكي لبنه حتى ل
يعود أحد في المستقبل إلى مثل هذا العمل من شدة العقوبةَ { :و َموْعِظَةً لّ ْلمُ ّتقِينَ } ..أي موعظة
لكل الناس الذين سيبلغهم ال تبارك وتعالى بما حدث من بني إسرائيل وما عاقبهم به ..حتى يقوا
أنفسهم شر العذاب يوم القيامة الذي سيكون فيه ألوان أشد كثيرا من هذا العذاب ..على أننا لبد أن
نلفت النتباه إلى أن مبدأ أنه ل عقوبة إل بتجريم ول تجريم إل بنص هو مبدأ إلهي ..ولذلك يقول
ال سبحانه وتعالىَ {:ومَا كُنّا ُم َعذّبِينَ حَتّىا نَ ْب َعثَ رَسُولً }[السراء]15 :
أي يأتي الرسول أول ليجرم هذه الفعال ..فإن ارتكبها أحد من خلق ال حقت عليه العقوبة..
ومن هنا فإن كل ما يقال عن قوانين بأثر رجعي مخالف لشريعة ال تبارك وتعالى وعدله ..فل
يوجد في عدالة السماء ما يقال عنه أثر رجعي.
()70 /
تعرضنا إلى هذه الية الكريمة في بداية سورة البقرة ..لن السورة سميت بهذا السم ..ونلحظ
هنا أن ال سبحانه وتعالى أتى بحرف " :وإذ " ..يعني واذكروا { :وَإِذْ قَالَ مُوسَىا ِل َق ْومِهِ إِنّ اللّهَ
يَ ْأمُ ُركُمْ أَنْ َتذْبَحُواْ َبقَ َرةً } ..ولم يقل لماذا أمرهم بأن يذبحوا البقرة ..ولبد أن نقرأ اليات إلى آخر
القصة لنعرف السبب في قوله تعالى {:وَِإذْ قَتَلْتُمْ َنفْسا فَادّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مّا كُنْ ُتمْ َتكْ ُتمُونَ *
ضهَا كَذَِلكَ يُحْيِي اللّهُ ا ْل َموْتَىا وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ َلعَّلكُمْ َت ْعقِلُونَ }[البقرة]73-72 :
َفقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِ َب ْع ِ
والمفروض في كل المور أن المر تسبقه علته ..ولكن هذه عظمة القرآن الكريم ..لن السؤال
عن العلة أول معناه أن المر صادر من مساو لك ..فإذا قال لك إنسان إفعل كذا ..تسأله لماذا
حتى أطيع المر وأنفذه ..إذن المر من المساوي هو الذي تسأل عن علته ..ولكن المر من غير
المساوي ..كأمر الب لبنه والطبيب لمريضه والقائد لجنوده ..مثل هذا المر ل يسأل عن علته
قبل تنفيذه ..لن الذي أصدره أحكم من الذي صدر إليه المر ..ولو أن كل مكلف من ال أقبل
على المر يسأل عن علته أول ..فيكون قد فعل المر بعلته .فكأنه قد فعله من أجل العلة ..ومن
هنا يزول اليمان ..ويستوي أن يكون النسان مؤمنا أو غير مؤمن ..ويكون تنفيذ المر بل ثواب
من ال..
إن اليمان يجعل المؤمن يتلقى المر من ال طائعا ..عرف علته أو لم يعرف ..ويقوم بتنفيذه لنه
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
صادر من ال ..ولذلك فإن تنفيذ أي أمر إيماني يتم لن المر صادر من ال ..وكل تكليف يأتي..
علة حدوثه هي اليمان بال ..ولذلك فإن الحق سبحانه وتعالى يبدأ كل تكليف بقوله تعالى { :يَا
أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ } ..أي يا من آمنت بال ربا وإلها وخالقا ..خذ عن ال وافعل لنك آمنت بمن
أمرك.
في هذه اليات التي نحن بصددها أراد ال تعالى أن يبين لنا ذلك .فجاء بالمر بذبح البقرة أول..
وبالعلة في اليات التي روت لنا علة القصة ..وأنت حين تعبد ال فكل ما تفعله هو طاعة ل
سبحانه وتعالى ..سواء عرفت العلة أو لم تعرفها؛ فأنت تؤدي الصلة لن ال تبارك وتعالى
أمرك بأن تصلي ..فلو أديت الصلة على أنها رياضة أو أنها وسيلة للستيقاظ المبكر ..أو أنها
حركات لزمة لليونة المفاصل فإن صلتك تكون بل ثواب ول أجر ..إن أردت الرياضة فاذهب
إلى أحد النوادي وليدربك أحد المدربين لتكون الرياضة على أصولها.
.وأن أردت اللياقة البدنية فهناك ألف طريقة لذلك ..وإن أردت عبادة ال كما أمرك ال فلتكن
صلتك التي فرضها ال عليك لن ال فرضها ..وكذلك كل العبادات الخرى..
الصوم ليس شعورا بإحساس الجائع ..ول هو طريقة لعمل الرجيم ولكنه عباده ..إن لم تصم تنفيذا
لمر ال بالصوم فل ثواب لك ..وإن جعلت للصيام أي سبب إل العبادة فإنه صيام ل يقبله ال..
وال أغنى الشركاء عن الشرك ..فمن أشرك معه أحدا ترك ال عمله لمن أشركه ..وكذلك كل
العبادات.
هذا هو المفهوم اليماني الذي أراد ال سبحانه وتعالى أن يلفتنا إليه في قصة بقرة بني إسرائيل..
ولذلك لم يأت بالعلة أو السبب أول ..بل أتى بالقصة ثم أخبرنا سبحانه في آخرها عن السبب..
وسواء أخبرنا ال عن السبب أو لم يخبرنا فهذا ل يغير في إيماننا بحقيقة ما حدث ..وإن القصة
لها حكمة وإن خفيت علينا فهي موجودة.
قوله تعالى } :إِنّ اللّهَ يَ ْأمُ ُركُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ َبقَ َرةً { ..أعطى ال تبارك وتعالى المر أول ليختبر قوة
إيمان بني إسرائيل ..ومدى قيامهم بتنفيذ التكليف دون تلكؤ أو تمهل ..ولكنهم بدل من أن يفعلوا
ذلك أخذوا في المساومة والتباطؤ } :وَإِذْ قَالَ مُوسَىا ِلقَ ْومِهِ { ..كلمة قوم تطلق على الرجال
سخَرْ َقوْمٌ مّن َقوْمٍ عَسَىا أَن َيكُونُواْ خَيْرا
فقط ..ولذلك يقول القرآن الكريم {:ياأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُو ْا لَ يَ ْ
مّ ْنهُ ْم َولَ ِنسَآءٌ مّن نّسَآءٍ عَسَىا أَن َيكُنّ خَيْرا مّ ْنهُنّ }[الحجرات]11 :
إذن قوم هم الرجال ..لنهم يقومون على شئون أسرهم ونسائهم ..ولذلك يقول الشاعر العربي:وما
أدري ولست أخال أدري َأ َقوْمٌ آل حصنٍ أم نساءُفالقوامة للرجال ..والمرأة حياتها مبنية على
الستر في بيتها ..والرجال يقومون لها بما تحتاج إليه من شئون ..والمفروض أن المرأة سكن
لزوجها وبيتها وأولدها وهي في هذا لها مهمة أكبر من مهمة الرجال ..قوله تعالى } :إِنّ اللّهَ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يَ ْأمُ ُركُمْ { ..المر طلب فعل .وإذا كان المر أعلى من المأمور نسميه أمرا ..وإذا كان مساويا له
نسميه إلتماسا ..وإذا كان إلى أعلى نسميه رجاء ودعاء ..على أننا لبد أن نلتفت إلى قوله تعالى
على لسان زكريا {:هُنَاِلكَ دَعَا َزكَرِيّا رَبّهُ قَالَ َربّ َهبْ لِي مِن لّدُ ْنكَ ذُرّيّةً طَيّ َبةً }[آل عمران:
]38
هل هذا أمر من زكريا؟ طبعا ل .لنه دعاء والدعاء رجاء من الدنى إلى العلى ..قوله تعالى} :
اللّهَ يَ ْأمُ ُر ُكمْ { ..لو أن إنسانا يعقل أدنى عقل ثم يطلب منه أن يذبح بقرة ..أهذه تحتاج إلى إيضاح؟
لو كانوا ذبحوا بقرة لكان كل شيء قد تم دون أي جهد.
()71 /
وكان سؤالهم يبين نقص درجة اليمان عندهم ..لم يقولوا ادع لنا ربنا ..بل قالوا إدع لنا ربك،
وكأنه رب موسى وحده ..ولقد تكررت هذه الطريقة في كلم بني إسرائيل عدة مرات ..حتى إنهم
ت وَرَ ّبكَ فَقَاتِل إِنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ }[المائدة]24 :
قالوا كما يروي لنا القرآن الكريم {:فَاذْ َهبْ أَن َ
ولقد استمر الحوار بينهم وبين موسى فترة طويلة ..يوجهون السؤال لموسى فيدعو ال فيأتيه
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الجواب من ال تبارك وتعالى ..فبدل من أن ينفذوا المر وتنتهي المسألة يوجهون سؤال آخر..
فيدعو موسى ربه فيأتيه الجواب ،ويؤدي الجواب إلى سؤال في غير محله منهم ..ثم يقطع الحق
سبحانه وتعالى عليهم أسباب الجدل ..بأن يعطيهم أوصافا لبقرة ل تنطبق إل على بقرة واحدة
فقط ..فكأنهم شددوا على أنفسهم فشدد ال عليهم..
نأتي إلى أسئلة بني إسرائيل ..يقول الحق سبحانه وتعالى { :قَالُواْ ا ْدعُ لَنَا رَ ّبكَ يُبَيّن لّنَا مَا ِهيَ }..
سؤال ل معنى له ول محل ..لن ال تبارك وتعالى قال لهم إنها بقرة ..ولم يقل مثل إنها حيوان
على إطلقه فلم يكن هناك محل للسؤال ..فجاء الحق تبارك وتعالى يقول لهم { :إِ ّنهَا َبقَ َرةٌ لّ
فَا ِرضٌ وَلَ ِبكْرٌ } ..الفارض في اللغة هو الواسع والمراد به بقرة غير مسنة ..ولكن ما العلقة
بين سن البقرة وبين الواسع؟ البقرة تتعرض للحمل كثيرا وأساسا هي للبن وللنجاب ..ومادامت
قد تعرضت للحمل كثيرا يكون مكان اللبن فيها في اتساع ..أي أن بطنها يزداد اتساعا مع كل
حمل جديد ..وعندما يكون بطن البقرة واسعا يعرف أنها مسنة وولدت كثيرا وصارت فارضا.
وكلمة " بكر " لها معانٍ متعددة منها أنه لم يطأها فحل ..ومنها أنها بكر ولدت مرة واحدة ..ومنها
أنها ولدت مرارا ولكن لم يظهر ذلك عليها لنها صغيرة السن.
عوَانٌ بَيْنَ ذاِلكَ } ..يعني وسط بين هذه الوصاف كلها ..الحق بعد ذلك يقرعهم
وقوله تعالىَ { :
فيقول { :فَا ْفعَلُواْ مَا ُت ْؤمَرونَ } ..يعني كفاكم مجادلة ونفذوا أمر ال واذبحوا البقرة ..ولكنهم لم
يسكنوا أنهم يريدون أن يحاوروا ..ولذلك غيروا صيغة السؤال.
()72 /
بحثوا عن سؤال آخر :ما لونها؟ كأن ال تبارك وتعالى حين حدثهم عن السن فتحوا البواب
ليسألوا ما لونها؟ مع أنه سبحانه وتعالى قال لهم { :فَا ْفعَلُواْ مَا ُت ْؤمَرونَ } ..فلم يفعلوا بل سألوا ما
صفْرَآءُ } والصفرة لون من اللوان ..ثم قال جل جلله { :فَاقِـعٌ
لونها؟ { قَالَ إِنّهُ َيقُولُ إِ ّنهَا َبقَ َر ٌة َ
ّلوْ ُنهَا } ..يعني صفرة شديدة ..ثم قال { :تَسُرّ النّاظِرِينَ } ..يعني أن كل من ينظر إليها يُسر
لنضارتها ونظافتها وحسن مظهرها وتناسق جسدها..
وصف البقرة بأنها صفراء هذا لون معروف ..وفي اللوان ل يمكن أن تحدد لونا إل برؤيته..
ولذلك فإن المحسّات في اللوان لبد أن تسبق معرفتها وبعد ذلك تأتي باللون المطلوب ..لذلك ل
يقال صفراء فقط لنك ل تستطيع تحديده؛ لن اللون الصفر له درجات ل نهاية لها ..ومزج
اللوان يعطيك عددا ل نهائيا من درجاتها ..ولذلك فإن المشتغلين بدهان المنازل ل يستطيعون أن
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يقوموا بدهان شقة بلون إل إذا قام بعمل مزيج اللون كله مرة واحدة ..حتى يخرج الدهان كله
بدرجة واحدة من اللون ..ولكن إذا طلبت منه أن يدهن الشقة باللون نفسه ..بشرط أن يدهن
حجرة واحدة كل يوم فإنه ل يستطيع ..فإذا سمعت صفراء يأتي اللون الصفر إلى ذهنك ..فإذا
سمعت " فاقع " فكل لون من اللوان له وصف يناسبه يعطينا دقة اللون المطلوب " ..فاقع " أي
شديد الصفرة.
أظن أن المسألة قد أصبحت واضحة ..إنها بقرة لونها أصفر فاقع تسر الناظرين ..وكان من
المفروض أن يكتفي بنو إسرائيل بذلك ولكنهم عادوا إلى السؤال مرة أخرى.
()73 /
وبرغم أن ما قيل لبني إسرائيل ..واضح تمام الوضوح عن البقرة ..وعمرها وشكلها ولونها
ومنظرها ..فإن ال سبحانه وتعالى أراد أن يؤدبهم فجعلهم ينظرون إلى البقر ..وهذا يقول هذه
هي والخر يقول ل بل هي في مكان كذا ..والثالث يقول ل بل هي في موقع كذا ..وعادوا إلى
موسى يسألونه أن يعود إلى ربه ليبين لهم لن البقر تشابه عليهم ..وهنا ذكروا ال الذي نسوه ولم
ينفذوا أمره منذ أن قال لهم اذبحوا بقرة ثم قال لهم { :فَا ْفعَلُواْ مَا ُت ْؤمَرونَ } ..فطلبوا منه الهداية
بعد أن تاهوا وضاعوا بسبب عنادهم وجدلهم ..وجاء الجواب من ال سبحانه وتعالى.
()74 /
سقِي الْحَ ْرثَ مُسَّل َمةٌ لَا شِ َيةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِ ْئتَ
ض وَلَا تَ ْ
قَالَ إِنّهُ َيقُولُ إِ ّنهَا َبقَ َرةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَ ْر َ
حقّ فَذَ َبحُوهَا َومَا كَادُوا َي ْفعَلُونَ ()71
بِالْ َ
" بقرة ل ذلول " ..البقرة الذلول هي البقرة المروضة الممرنة تؤدي مهمتها بل تعب ..تماما مثل
الخيل المروضة التي ل تتعب راكبها لنها تم ترويضها ..وسيدنا إسماعيل هو أول من روض
الخيل وساسها ..وقال ال سبحانه وتعالى لهم أول وصف للبقرة أنها ليست مروضة ..ل أحد
قادها ول قامت بعمل ..إنها انطلقت على طبيعتها وعلى سجيتها في الحقول بدون قائد { ..تُثِيرُ
سقِي الْحَ ْرثَ } ..أي لم تستخدم
الَ ْرضَ } أي لم تستخدم في حراثة الرض أو فلحتهاَ { ..ولَ تَ ْ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
في إدارة السواقي لسقية الزرع { ..مُسَّلمَ ٌة لّ شِ َيةَ فِيهَا } أي خالية من العيوب ل أذنها مثقوبة.
ول فيها أي علمة من العلمات التي يميز الناس أبقارهم بها ..ول رجلها عرجاء ،خالية من
البقع واللوان غير اللون الصفر الفاقع ..وكلمة { لّ شِيَةَ فِيهَا } ..أي ل شيء فيها.
والمتأمل في وصف البقرة كما جاء في اليات يرى الصعوبة والتشدد في اختيار أوصافها ..كأن
الحق تبارك وتعالى يريد أن يجازيهم على أعمالهم ..ولم يجد بنو إسرائيل إل بقرة واحدة تنطبق
حقّ } كأن ما قاله موسى قبل ذلك كان خارجا عن
عليها هذه المواصفات فقالوا { النَ جِ ْئتَ بِالْ َ
نطاق الحق .وذبحوا البقرة ولكن عن كره منهم ..لنهم كانوا حريصين على أل يذبحوها،
حرصهم على عدم تنفيذ المنهج .هم يريدون أن يماطلوا ال سبحانه وتعالى ..وال يقول لنا أن
سمة المؤمنين أن يسارعوا إلى تنفيذ تكاليفه ..واقرأ قوله تعالى {:وَسَارِعُواْ إِلَىا َم ْغفِ َرةٍ مّن رّ ّبكُمْ
ع ّدتْ لِ ْلمُ ّتقِينَ }[آل عمران]133 :
ت وَالَ ْرضُ أُ ِ
سمَاوَا ُ
ضهَا ال ّ
وَجَنّةٍ عَ ْر ُ
وهذه السرعة من المؤمنين في تنفيذ التكاليف ..دليل على عشق التكليف ..لنك تسارع لتفعل ما
يطلبه منك من تحبه ..وقوله تعالىَ { :ومَا كَادُواْ َي ْفعَلُونَ } ..يدلنا على أنهم حاولوا البطاء في
التنفيذ والتلكؤ.
إننا لبد أن نلتفت إلى أن تباطؤ بني إسرائيل في التنفيذ خدم قضية إيمانية أخرى ..فالبقرة التي
طلبها ال منهم بسبب عدم قيامهم بتنفيذ المر فور صدوره لهم بقرة نادرة ل تتكرر..
والمواصفات التي أعطيت لهم في النهاية ..لم تكن تنطبق إل على بقرة واحدة ليتحكم صاحبها في
ثمنها ويبيعها بأغلى السعار..
والقصة أنه كان هناك في بني إسرائيل رجل صالح ..يتحرى الحلل في الرزق والصدق في
القول واليمان الحقيقي بال .وعندما حضرته الوفاة كان عنده عجلة وكان له زوجة وابنهما
الصغير ..ماذا يفعل وهو ل يملك سوى العجلة .اتجه إلى ال وقال :اللهم إني استودعك هذه
العجلة لولدي ،ثم أطلقها في المراعي.
.لم يوصّ عليها أحدا ولكن استودعها ال .استودعها يد ال المينة على كل شيء ..ثم قال
لمرأته إني ل أملك إل هذه العجلة ول آمن عليها إل ال ..ولقد أطلقتها في المراعي..
وعندما كبر الولد قالت له أمه :إن أباك قد ترك لك وديعة عند ال وهي عجلة ..فقال يا أمي وأين
أجدها؟ ..قالت كن كأبيك هو توكل واستودع ،وأنت توكل واسترد ..فقال الولد :اللهم رب إبراهيم
ورب موسى ..رد إلي ما استودعه أبي عندك ..فإذا بالعجلة تأتي إليه وقد أصبحت بقرة فأخذها
ليريها لمه ..وبينما هو سائر رآه بنو إسرائيل .فقالوا إن هذه البقرة هي التي طلبها الرب..
وذهبوا إلى صاحب البقرة وطلبوا شراءها فقال بكم ..قالوا بثلثة دنانير ..فذهب ليستشير أمه
فخافوا أن ترفض وعرضوا عليه ستة دنانير ..قالت أمه ل ..ل تباع ..فقال البن لن أبيعها إل
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
بملء جلدها ذهبا ،فدفعوا له ما أراد ..وهكذا نجد صلح الب يجعل ال حفيظا على أولده
يرعاهم وييسر لهم أمورهم.
()75 /
وَإِذْ قَتَلْتُمْ َنفْسًا فَادّارَأْ ُتمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ َتكْ ُتمُونَ ()72
قصة القتيل هي أن رجل ثريا من بني إسرائيل لم يكن له ولد يرثه ..وكان له أقارب كل منهم
يريد أن يستأثر بأموال هذا الرجل ..والمال والذهب هما حياة بني إسرائيل ..فتآمر على هذا
الرجل الثري ابن أخيه فقتله ليرثه ويستولي على أمواله ..ولكنه أراد أن يبعد التهمة عن نفسه
فحمل الجثة وألقاها على باب قرية مجاورة ليتهم أهلها بقتل الثري ..وفي الصباح قام أهل القرية
ووجدوا جثة الثري أمام قريتهم ..ووجدوه غريبا عن القرية فسألوا من هو؟ حتى وصلوا إلى ابن
أخيه ..فتجمع أهل القتيل واتهموهم بقتله ..وكان أشدهم تحمسا في التهام القاتل ابن أخيه..
وقوله تعالى { فَادّارَأْ ُتمْ فِيهَا } الدرأ هو الشيء حين يجئ إليك وكل واحد ينفيه عن نفسه ..إدارأتم
أي أن كل منكم يريد أن يدفع الجريمة عن نفسه فكل واحد يقول لست أنا..
وليس من الضروري أن يتهم أحد آخر غيره ..المهم أن يدفعها عن نفسه.
ولقد حاول أهل القريتين ..قرية القتيل ،والقرية التي وجدت أمامها الجثة .أن يدفع كل منهما شبهة
الجريمة عن نفسه وربما يتهم بها الخر ..ولم يكن هناك دليل دامغ يرجح اتهاما محددا .بل كانت
الدلة ضائعة ولذلك استحال توجيه اتهام لشخص دون آخر أو لقرية دون أخرى.
وكان التشريع في ذلك الوقت ينص على أنه إذا وجد قتيل على باب قرية ولم يستدل على قاتله..
فإن قرية القتيل وأهله يأخذون خمسين رجل من أعيان القرية التي وجدت بجوارها الجثة ..فيلقوا
اليمين بأنهم ما قتلوه ..ول علموا قاتله ..وإذا كان العيان والكابر أقل من خمسين رجل..
تكررت اليْمان حتى تصير خمسين يمينا ..فيحلفون أنهم ما قتلوه ول يعرفون قاتله ..عندما
يتحمل بيت المال دية القتيل..
ولكن ال كان يريد شيئا آخر ..يريد أن يرد بهذه الجريمة على جحود بني إسرائيل باليوم الخر..
ويجعل الميت يقف أمامهم وينطق اسم قاتله ..ويجعلهم يرون البعث وهم أحياء ..ولذلك قال
سبحانه وتعالى { :وَاللّهُ ُمخْرِجٌ مّا كُنْتُمْ َتكْ ُتمُونَ } ..أي أن بني إسرائيل أو أولئك الذين ارتكبوا
الجريمة دبروها على أن تبقى في طي الكتمان فل يعلم أحد عنها شيئا ..ولذلك جاء الشاب وقتل
عمه دون أن يراه أحد ..ثم حمل الجثة خفية في ظلم الليل وخرج بها فلم يلتفت أحد إليه ..ثم
ذهب إلى قرية مجاورة وألقى بالجثة على باب القرية وأهلها نائمون وانصرف عائدا..
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
كانت كل هذه الخطوات في رأيه ستجعل الجريمة غامضة ل تنكشف أبدا ول يعرف سرها أحد.
ولكن ال تبارك وتعالى أراد غير ذلك ..أراد أن يكشف الجريمة بطريقة ل تحتمل الجدل ،وفي
نفس الوقت يرد على جحود بني إسرائيل للبعث ..بأن يريهم البعث وهم أحياء.
()76 /
ضهَا كَذَِلكَ يُحْيِي اللّهُ ا ْل َموْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ َلعَّل ُكمْ َت ْعقِلُونَ ()73
َفقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِ َب ْع ِ
احتدم الخلف بين بني إسرائيل وكادت تحدث فتنة كبيرة ..فقرروا أن يلجأوا إلى موسى عليه
السلم ليطلب من ال تبارك وتعالى أن يكشف لهم لغز هذه الجريمة ويدلهم على القاتل ..وجاء
المر من ال سبحانه وتعالى أن اذبحوا البقرة ولو ذبحوا بقرة أية بقرة لنتهت المشكلة ..ولكنهم
ظلوا يقولون ما لونها وما شكلها إلى آخر ما رويناه ..حتى وصلوا إلى البقرة التي كان قد
استودعها الرجل الصالح عند ال حتى يكبر ابنه فاشتروها وذبحوها ..فأمرهم ال أن يضربوه
ببعضها .أي أن يضربوا القتيل بجزء من البقرة المذبوحة بعد أن سال دمها وماتت..
وانظر إلى العظمة في القصة ..جزء من ميت يُضرب به ميت فيحيا ..إذن المسألة أعدها الحق
بصورة ل تجعلهم يشكون أبدا ..فلو أن ال أحياه بدون أن يضرب بجزء من البقرة .لقالوا لم يكن
قد مات ،كانت فيه حياه ثم أفاق بعد اغماءة .ولكن ال أمرهم أن يذبحوا بقرة حتى تموت ليعطيهم
درسا إيمانيا بقدرة ال وهم الماديون الذين ل يؤمنون إل بالماديات ..وأن يأخذوا جزءا أو أجزاء
منها وأن يضربوا به القتيل فيحيا وينطق باسم قاتله ويميته ال بعد ذلك..
يقول الحق جل جلله { ..كَذَِلكَ ُيحْيِي اللّهُ ا ْل َموْتَىا وَيُرِيكُمْ آيَا ِتهِ َلعَّلكُمْ َت ْعقِلُونَ } ليرى بنو إسرائيل
وهم على قيد الحياة كيف يحيى ال الموتى وليعرفوا أن النسان ل يبقى حيا بأسباب الحياة ..ولكن
بإرادة مسبب الحياة في أن يقول " كن فيكون ".
()77 /
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لماذا ذكر الحق سبحانه وتعالى القلب ووصفه بأنه يقسو ولم يقل نفوسكم ـ لن القلب هو موضع
الرقة والرحمة والعطف ..وإذا ما جعلنا القلب كثير الذكر ل فإنه يمتلئ رحمة وعطفا ..والقلب
هو العضو الذي يحسم مشاكل الحياة ..فإذا كان القلب يعمر باليقين واليمان ..فكل جارحة تكون
فيها خميرة اليمان.
وحتى نعرف قوة وقدرة وسعة القلب على اليمان واحتوائه أوضح ال تعالى هذا المعنى في كتابه
شوْنَ
شعِرّ مِنْهُ جُلُودُ الّذِينَ يَخْ َ
العزيز حيث يقول {:اللّهُ نَ ّزلَ َأحْسَنَ ا ْلحَدِيثِ كِتَابا مّتَشَابِها مّثَا ِنيَ َتقْ َ
جلُودُهُ ْم َوقُلُو ُبهُمْ إِلَىا ِذكْرِ اللّهِ ذَِلكَ ُهدَى اللّهِ َي ْهدِي بِهِ مَن َيشَآ ُء َومَن ُيضِْللِ اللّهُ َفمَا
رَ ّبهُمْ ُثمّ تَلِينُ ُ
لَهُ مِنْ هَادٍ }[الزمر]23 :
وهكذا نرى أن الجلود تقشعر من هول الوعيد بالنار ..ومجرد قراءة ما ذكره القرآن عنها ..وبعد
ذلك تأتي الرحمة ،وفي هذه الحالة ل تلين الجلود فقط ولكن لبد أن تلين القلوب لنها هي التي
تعطي اللمحة اليمانية لكل جوارح الجسد..
ورسول ال صلى ال عليه وسلم يقول:
" أل وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله أل وهي القلب
"
إذن فالقلب هو منبع اليقين ومصب اليمان ،وكما أن اليمان في القلب فإن القسوة والكفر في
القلب ..فالقلب حينما ينسى ذكر ال يقسو ..لماذا؟ ..لنه يعتقد أنه ليس هناك إل الحياة الدنيا وإل
المادة فيحاول أن يحصل منها على أقصى ما يستطيع وبأي طريقة فل تأتي إل بالظلم والطغيان
وأخذ حقوق الضعفاء ،ثم ل يفرط فيها أبدا لنها هي منتهى حياته فل شيء بعدها.
إنه يجد إنسانا يموت أمامه من الجوع ول يعطيه رغيفا ..وإذا خرج اليمان من القلب خرجت
منه الرحمة وخرج منه كل إيمان الجوارح ..فلمحة اليمان التي في اليد تخرج فتمتد اليد إلى
السرقة والحرام ..ولمحة اليمان التي في العين تخرج فتنظر العين إلى كل ما حرم ال .ولمحة
اليمان التي في القدم تخرج فل تمشي القدم إلى المسجد أبدا ولكنها تمشي إلى الخمارة وإلى
السرقة ..لنه كما قلنا القلب مخزن اليمان في الجسم.
س َوةً } ..الحجارة هي
شدّ قَ ْ
حجَا َرةِ َأوْ أَ َ
ويشبه الحق تبارك وتعالى قسوة قلوبهم فيقولَ { :ف ِهيَ كَالْ ِ
الشيء القاسي الذي تدركه حواسنا ومألوف لنا ومألوف لبني إسرائيل أيضا ..لن لهم مع الحجارة
شوطا كبيرا عندما تاهوا في الصحراء ..وعندما عطشوا وكان موسى يضرب لهم الحجر بعصاه.
ال تبارك وتعالى لفتهم إلى أن المفروض أن تكون قلوبهم لينة ورفيقة حتى ولو كانت في قسوة
الحجارة.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
.ولكن قلوبهم تجاوزت هذه القسوة فلم تصبح في شدة الحجارة وقسوتها بل هي أشد.
ولكن كيف تكون القلوب أشد قسوة من الحجارة ..ل تنظر إلى لينونة مادة القلوب ولكن انظر إلى
أدائها لمهمتها.
الجبل قسوته مطلوبة لن هذه مهمته أن يكون وتدا للرض صلبا قويا ،ولكن هذه القسوة ليست
مطلوبة من القلب وليست مهمته ..أما قلوب بني إسرائيل فهي أشد قسوة من الجبل ..والمطلوب
في القلوب اللين ،وفي الحجارة القسوة ..فكل صفة مخلوقة لمخلوق ومطلوبة لمهمة ..فالخطاف
مثل أعوج ..هذا العوج يجعله يؤدي مهمته على الوجه الكمل ..فعوج الخطاف استقامة لمهمته..
وحين تفسد القلوب وتخرج عن مهمتها تكون أقسى من الحجارة ..وتكون على العكس تماما من
مهمتها..
شقّقُ فَ َيخْرُجُ
حجَا َرةِ َلمَا يَ َتفَجّرُ مِنْ ُه الَ ْنهَا ُر وَإِنّ مِ ْنهَا َلمَا يَ ّ
ثم يقول الحق تبارك وتعالى } :وَإِنّ مِنَ الْ ِ
مِنْهُ ا ْلمَآءُ { [البقرة]74 :
هنا يذكرهم ال لما رأوه من الرحمة الموجودة في الحجارة ..عندما ضرب موسى الحجر بالعصا
فانفجرت منه العيون .وذلك مثل حسي شهدوه .يقول لهم الحق جل جلله :أن الرحمة تصيب
الحجارة فيتفجر منها النهار ويخرج منها الماء ويقول سبحانه } :وَإِنّ مِ ْنهَا َلمَا َيهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ
اللّهِ {..
إذن فالحجارة يصيبها اللين والرحمة فيخرج منها الماء .ولكن قلوبكم إذا قست ل يصيبها لين ول
رحمة فل تلين أبدا ول تخشع أبدا .وال سبحانه وتعالى نزل عليكم التوراة وأعطاكم من فضله
ورحمته وستره ومغفرته الكثير ..كان المفروض أن تلين قلوبكم لذكر ال.
ولكن ما الفرق بين تفجر النهار من الحجارة وبين تشققها ليخرج منها الماء؟ عندما تتفجر
الحجارة يخرج منها الماء .نحن نذهب إلى مكان الماء لنأخذ حاجتنا ..ولكن عندما تتفجر منها
النهار فالماء هو الذي يأتي إلينا ونحن في أماكننا ..وفرق بين عطاء تذهب إليه وعطاء يأتي
إليك ..أما هبوط الحجر من خشية ال فذلك حدث عندما تجلى ال للجبل فجعله دكا .واقرأ قوله
صعِقا }[العراف]143 :
جعَلَهُ َدكّا وَخَرّ موسَىا َ
تعالى {:فََلمّا تَجَلّىا رَبّهُ لِلْجَ َبلِ َ
يذكرهم الحق سبحانه كيف أن الجبل حين تجلى ال له هبط وانهار من خشية ال .وهكذا ل
يعطيهم المثلة مما وقع لغيرهم ،ولكن يعطيهم المثلة مما وقع لهم.
عمّا َت ْعمَلُونَ { أي تذكروا أن ال سبحانه وتعالى ل يغيب عنه شيء
وقوله تعالىَ } :ومَا اللّهُ ِبغَا ِفلٍ َ
وأن كل ما تعملونه يعرفه وأنكم ملقونه يوم القيامة ومحتاجون إلى رحمته ومغفرته ،فل تجعلوا
قلوبكم تقسو حتى ل يطردكم ال من رحمته كما خلت قلوبكم من ذكره.
()78 /
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عقَلُو ُه وَهُمْ
س َمعُونَ كَلَامَ اللّهِ ثُمّ يُحَ ّرفُونَهُ مِنْ َبعْدِ مَا َ
ط َمعُونَ أَنْ ُي ْؤمِنُوا َل ُك ْم َوقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِ ْنهُمْ يَ ْ
َأفَتَ ْ
َيعَْلمُونَ ()75
يعطينا الحق تبارك وتعالى هنا الحكمة ..فيما رواه لنا عن بني إسرائيل وعن قصصهم .لنهم
سيكون لهم دور مع المسلمين في المدينة ،ثم في بيت المقدس ،ثم في المسجد القصى ..فهو
يروي لنا كيف أتعبوا نبيهم وكيف عصوا ربهم .وكيف قابلوا النعمة بالمعصية والرحمة بالجحود.
وإذا كان هذا موقفهم يا محمد مع ال ومع نبيهم ..فل تطمع أن يؤمنوا لك ول أن يدخلوا في
السلم ،مع أنهم عندهم التوراة تدعوهم إلى اليمان بمحمد عليه الصلة والسلم..
هذه اليات تحمل أعظم تعزية للرسول الكريم .وتطالبه أل يحزن على عدم إيمان اليهود به لنه
عليه البلغ فقط؛ ولكن حرص رسول ال صلى ال عليه وسلم على أن يؤمن كل أهل الرض
يهود ونصارى وكفارا ،ليس معناه أنه لم يفهم مهمته ،ولكن معناه أنه أدرك حلوة التكليف من
ربه ،بحيث يريد أن يهدي كل خلق ال في الرض ..فيطمئنه ال ويقول له ل تعتقد أنهم سيؤمنون
لك .وليس معنى عدم إيمانهم أنك لست صادقا ..فتكذيبهم لك ل ينبغي أن يؤثر فيك ..فل تطمع يا
محمد أن يؤمنوا لك..
ما هو الطمع؟ ..الطمع هو رغبة النفس في شيء غير حقها وإن كان محبوبا لها ..والصل في
النسان العاقل أل يطمع إل في حقه ..والنسان أحيانا يريد أن يرفه حياته ويعيش مترفا ولكن
بحركة حياته كما هي .نقول له إذا أردت أن تتوسع في ترفك فلبد أن تتوسع في حركة حياتك؛
لنك لو أترفت معتمدا على حركة حياة غيرك فسيفسد ميزان حركة الحياة في الرض ،أي إن
كنت تريد أن تعيش حياة متزنة فعش على قدر حركة حياتك؛ لنك إن فعلت غير ذلك تسرق
وترتش وتفسد .فإن كان عندك طمع فليكن فيما تقدر عليه.
إذن فكلمة " افتطمعون " هنا تحدد أنه يجب أل نطمع إل فيما نقدر عليه .هؤلء اليهود هل نقدر
على أن نجعلهم يؤمنون؟ يقول ال تبارك وتعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم ..هذا أمر زائد
على ما كلفت به ..لن عليك البلغ ،وحتى لو كان محببا إلى نفسك ..فإن مقدماتهم مع ال ل
تعطيك المل في أنك ستصل إلى النتيجة التي ترجوها..
وهذه الية فيها تسرية لرسول ال صلى ال عليه وسلم عما سيلقيه مع اليهود .وتعطيه الشحنة
اليمانية التي تجعله يقابل عدم إيمان هؤلء بقوة وعزيمة ..لنه كان يتوقعه فل يحزن ول تذهب
نفسه حسرات ،لن ال تبارك وتعالى قد وضع في نفسه التوقع لما سيحدث منهم ..فإذا جاء
تصرفهم وفق ما سيحدث.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
س َمعُونَ كَلَمَ اللّهِ { انظر إلى المانة والدقة..
والحق سبحانه وتعالى يقولَ } :وقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مّ ْنهُمْ يَ ْ
فريق منهم ليس كلهم ..هذا هو ما استنبط منه العالم نظرية صيانة الحتمال ..وهي عدم التعميم
بحيث تقول أنهم جميعا كذا .لبد أن تضع احتمال في أن شخصا ما سيؤمن أو سيشذ أو
سيخالف ..هنا فريق من أهل الكتاب عرفوا صفات رسول ال صلى ال عليه وسلم من التوراة
والنجيل ..وعندما بعث آمنوا به ،وهؤلء لم يحرفوا كلم ال .لو أن القرآن جاء بالحكم عاما
لتغيرت نظرة الكافرين للسلم ..ولقالوا لقد قال عنا هذا الدين أننا حرفنا كتاب ال ولكننا لم
نحرفه ونحن ننتظر رسوله ..فكأن هذا الحكم غير دقيق ..ولبد أن شيئا ما خطأ ..لن ال الذي
نزل هذا القرآن ل يخفي عليه شيء ويعرف ما في قلوبنا جميعا ..ولكن لن الية الكريمة تقول
أن فريقا منهم كانوا يسمعون كلم ال ثم يحرفونه ..الكلم بل تعميم ومنطبق بدقة على كل حال..
عقَلُوهُ وَ ُهمْ َيعَْلمُونَ { .هذه معصية مركبة
والحق جل جلله يقول } :ثُمّ ُيحَ ّرفُونَهُ مِن َبعْدِ مَا َ
سمعوا كلم ال وعقلوه وعرفوا العقوبة على المعصية ثم بعد ذلك حرفوه ..لقد قرأوه في التوراة
وقرأوا وصف رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى أنهم يعرفونه كأبنائهم ..ثم حرفوا كلم ال
وهم يعلمون ..ومعنى التحريف تغيير معنى الكلمة ..كانوا يقولون السّأم عليكم بدل من السلم
عليكم ..ولم يتوقف المر عند التحريف بل تعداه إلى أن جاءوا بكلم من عندهم وقالوا أنه من
التوراة.
()79 /
هذه صور من صور نفاق اليهود .والناس مقسمون إلى ثلث :مؤمنون وكافرون ومنافقون..
المؤمن انسجم مع نفسه ومع الكون الذي يعيش فيه ..والكافر انسجم مع نفسه ولم ينسجم مع
الكون ،والكون يلعنه ..والمنافق ل انسجم مع نفسه ول انسجم مع الكون ،والية تعطينا صورة
من صور النفاق وكيف ل ينسجم المنافق مع نفسه ول مع الكون ..فهو يقول ما ل يؤمن به..
وفي داخل نفسه يؤمن بما ل يقول .والكون كله يلعنه ،وفي الخرة هو في الدرك السفل من
النار .وهذه الية تتشابه مع آية تحدثنا عنها في أول هذه السورة ..وهي قوله تعالى {:وَإِذَا َلقُواْ
الّذِينَ آمَنُواْ قَالُوا آمَنّا وَإِذَا خََلوْاْ إِلَىا شَيَاطِي ِنهِمْ قَالُواْ إِنّا َم َعكُمْ إِ ّنمَا نَحْنُ مُسْ َتهْزِئُونَ }[البقرة]14 :
في الية الولى كان الدور لليهود ،وكان هناك منافقون من غير اليهود وشياطينهم من اليهود..
وهنا الدور من اليهود والمنافقين من اليهود .الحق سبحانه وتعالى يقول { :وَِإذَا َلقُواْ الّذِينَ آمَنُواْ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
قَالُواْ آمَنّا } وهل اليمان كلم؟ ..اليمان يقين في القلب وليس كلما باللسان ..والستدلل على
اليمان بالسلوك فل يوجد إنسان يسلك سبيل المؤمنين نفاقا أو رياء ..يقول آمنت نفاقا ولكن
سلوكه ل يكون سلوك المؤمن ..ولذلك كان سلوكهم هو الذي يفضحهم .يقول تعالى { :وَإِذَا خَلَ
علَ ْيكُمْ } ..وفي سورة أخرى يقول الحق {:وَإِذَا
حدّثُو َنهُم ِبمَا فَتَحَ اللّهُ َ
ضهُمْ إِلَىا َب ْعضٍ قَالُواْ أَتُ َ
َب ْع ُ
عضّواْ عَلَ ْي ُك ُم الَنَامِلَ مِنَ ا ْلغَ ْيظِ }[آل عمران]119 :
َلقُوكُمْ قَالُواْ آمَنّا وَإِذَا خََلوْاْ َ
وفي سورة المائدة يقول سبحانه {:وَإِذَا جَآءُوكُمْ قَالُواْ آمَنّا َوقَدْ دّخَلُواْ بِا ْل ُكفْرِ وَهُمْ قَدْ خَ َرجُواْ بِهِ }
[المائدة]61 :
هنا أربع صور من صور المنافقين ..كلها فيها التظاهر بإيمان كاذب ..في الية الولى { وَإِذَا
ضهُمْ إِلَىا َب ْعضٍ قَالُواْ
خََلوْاْ إِلَىا شَيَاطِي ِنهِمْ قَالُواْ إِنّا َم َعكُمْ } وفي الية الثانية { :وَإِذَا خَلَ َب ْع ُ
عضّواْ عَلَ ْيكُمُ الَنَامِلَ مِنَ ا ْلغَيْظِ } .وفي الية
حدّثُو َنهُم ِبمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَ ْيكُمْ } .وفي الية الثالثةَ { :
أَتُ َ
الرابعةَ { :وقَدْ دّخَلُواْ بِا ْل ُكفْرِ وَ ُهمْ قَدْ خَرَجُواْ ِبهِ }.
إن رسول ال صلى ال عليه وسلم حينما بعث كان اليهود يقولون للمؤمنين هذا هو نبيكم موجود
عندنا في التوراة أوصافه كذا ..حينئذ كان أحبار اليهود ينهونهم عن ذلك ويقولون لهم:
{ أَ ُتحَدّثُو َنهُم ِبمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَ ْي ُكمْ لِيُحَآجّوكُم بِهِ عِ ْندَ رَ ّبكُمْ } فكأنهم علموا صفات رسول ال صلى ال
عليه وسلم ولكنهم أرادوا أن يخفوها ..إن الغريب أنهم يقولونِ { :بمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَ ْيكُمْ } .وإذا كان
هذا فتحا من ال فل فضل لهم فيه ..ولو أراد ال لهم الفتح لمنت القلوب..
قوله تعالى { :لِ ُيحَآجّوكُم ِبهِ عِنْدَ رَ ّب ُكمْ } يدل على أن اليهود المنافقين والكفار وكل خلق الرض
يعلمون أنهم من خلق ال ،وأن ال هو الذي خلقهم.
.وماداموا يعلمون ذلك فلماذا يكفرون بخالقهم؟ } لِ ُيحَآجّوكُم ِبهِ { أي لتكون حجتهم عليكم قوية
عند ال ..ولكنهم لم يقولوا عند ال بل قالوا } عِنْدَ رَ ّبكُمْ { والمحاجة معناها أن يلتقي فريقان لكل
منهما وجهة نظر مختلفة .وتقام بينهما مناظرة يدلي فيها كل فريق بحجته .واقرأ قوله تعالى {:أَلَمْ
تَرَ إِلَى الّذِي حَآجّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ ا ْلمُ ْلكَ }[البقرة]258 :
هذه هي المناظرة التي حدثت بين إبراهيم عليه السلم والنمرود الذي آتاه ال الملك ..ماذا قال
إبراهيم؟{ ِإذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَ ّبيَ الّذِي يُحْيِـي وَ ُيمِيتُ }[البقرة]258 :
هذه كانت حجة إبراهيم في الدعوة إلى ال ،فرد عليه النمرود بحجة مزيفة .قال أنا أحيي وأميت..
ثم جاء بواحد من جنوده وقال لحراسه اقتلوه ..فلما اتجهوا إليه قال اتركوه ..ثم التفت إلى
إبراهيم {:قَالَ أَنَا ُأحْيِـي وَُأمِيتُ }[البقرة]258 :
جدل عقيم لن هذا الذي أمر النمرود بقتله .كان حيا وحياته من ال ..والنمرود حين قال اقتلوه لم
يمته ولكن أمر بقتله ..وفرق بين الموت والقتل ..القتل أن تهدم بنية الجسد فتخرج الروح منه لنه
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ل يصلح لقامتها ..والموت أن تخرج الروح من الجسد والبنية سليمة لم تهدم ..الذي يميت هو
سلُ أَفإِنْ
حمّدٌ ِإلّ رَسُولٌ قَدْ خََلتْ مِن قَبْلِهِ الرّ ُ
ال وحده ،ولذلك يقول الحق تبارك وتعالىَ {:ومَا ُم َ
عقَا ِبكُمْ }[آل عمران]144 :
مّاتَ َأوْ قُ ِتلَ ا ْنقَلَبْتُمْ عَلَىا أَ ْ
والنمرود لو قتل هذا الرجل ما كان يستطيع أن يعيده إلى الحياة ..ولكن إبراهيم عليه السلم ..لم
يكن يريد أن يدخل في مثل هذا الجدل العقيم ..الذي فيه مقارعة الحجة .بالحجة يمكن فيه الجدال
ولو زيفا ..ولذلك جاء بالحجة البالغة التي ل يستطيع النمرود أن يجادل فيها {:قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنّ
شمْسِ مِنَ ا ْلمَشْ ِرقِ فَ ْأتِ ِبهَا مِنَ ا ْل َمغْ ِربِ فَ ُب ِهتَ الّذِي َكفَ َر وَاللّ ُه لَ َيهْدِي ا ْل َقوْمَ
اللّهَ يَأْتِي بِال ّ
الظّاِلمِينَ }[البقرة]258 :
هذا هو معنى الحاجّة ..كل طرف يأتي بحجته ،وما داموا يحاجونكم عند ربكم وهم يعتقدون أن
القضية لن تمر أمام ال بسلم لنه رب الجميع وسينصف المظلوم من الظالم ..إذا كانت هذه هي
الحقيقة فهل أنتم تعملون لمصلحة أنفسكم؟ الجواب ل ..لو كنتم تعلمون الصواب ما كنتم وقعتم في
هذا الخطأ فهذا ليس فتحا..
وقوله تعالىَ } :أفَلَ َت ْعقِلُونَ { ختام منطقي للية ..لن من يتصرف تصرفهم ويقول كلمهم ل
يكون عنده عقل ..الذي يقول } لِ ُيحَآجّوكُم ِبهِ عِنْدَ رَ ّب ُكمْ { يكون مؤمنا بأن له ربا ،ثم ل يؤمن بهذا
الله ول يخافه ل يمكن أن يتصف بالعقل.
()80 /
يبين ال لنا بأنه يعلم أمرهم وما يفعلون .لقد ظنوا أن ال غافل عندما خل بعضهم إلى بعض
حدّثُو َنهُم ِبمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَ ْيكُمْ لِ ُيحَآجّوكُم ِبهِ عِنْدَ رَ ّب ُكمْ } ..ال علم وسمع ..وعندما يلقي
وقالوا { :أَتُ َ
عضّواْ عَلَ ْيكُ ُم الَنَا ِملَ مِنَ ا ْلغَيْظِ } هذا انفعال
المنافقون المؤمنين ويقولون آمنا { ..وَإِذَا خََلوْاْ َ
حركي ليس فيه كلم يقال ولكن فيه واقع يرى ..ومع ذلك فهو ليس سرا.
ما هو السر وما هو العلن؟ ..المر المعلن هو الذي يخرج منك إلى من عنده آلة السماع
ليسمعك ..والمر المعلن يخرج منك إلى من عنده آلة الرؤية ليراك ..فإن كان حركة بل صوت
فهذا عدته العين ..وإن كان بصوت فعدته الذن ..هذه وسائل الدراك الصلية.
وقوله تعالى { َيعْلَمُ مَا ُيسِرّونَ َومَا ُيعْلِنُونَ } ألم يكن أولى أن يقول سبحانه يعلم ما يعلنون وما
يسرون ..وإذا كان يعلم ما نسر أفل يعلم ما نعلن؟ ..لشك أنه يعلم ..ولكنها دقة في البلغة
القرآنية؛ ذلك أن المتكلم هو ال سبحانه.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ونحن نعلم أن ال غيب ..وغيب يعني مستور عن حواسنا ..ومادام ال غيبا فهو يعلم الغيب
المستور ..ربما كان العلن الظاهر له قوانين أخرى ..فمثل إذا كان هناك شخص في المنزل ،ثم
يقول " أنا اعلم ما في المنزل وما هو خارج المنزل ..لو قال أنا اعلم ما في المنزل لقلنا له أنت
داخله فل غرابة في ذلك ..ولكنك مستور عما في الخارج فكيف تعلمه؟
ومادام ال غيبا فقوله ما يسرون أقرب لغيبه .وما يعلنون هي التي تحتاج وقفة .ل تظنوا أن ال
تبارك وتعالى لنه غيب ل يعلم إل ما هو مستور وخفي فقط ..ل ..إنه يعلم المشهود والغائب..
إذن فالمناسب لن ال غيب عن أبصارنا وكوننا ل ندركه أن يقول ما يسرون أول..
ما معنى ما يسرون؟ ..السر هو ما لم تهمس به إلى غيرك ..لن همسك للغير بالشيء لم يعد
سرا ..ولكن السر هو ما تسره في نفسك ول تهمس به لحد من الناس ..وإذا كان السر هو ما
تسره في نفسك ،فالعلن هو ما تجاهر به .ويكون علنا مادام قد علمه اثنان ..والعلن عند الناس
واضح والسر عندهم خفي ..وال سبحانه وتعالى حين يخبرنا أنه غيب ..فليس معنى ذلك أنه ل
خفَى }
يعلم إل غيبا .إنه يعلم السر والعلن ..وال جل جلله يقول في القرآن الكريمَ {:يعْلَمُ السّ ّر وَأَ ْ
[طه]7 :
فإذا كان السر هو ما تخفيه في نفسك وله واقع داخلك " ..ما هو أخفى " هو أن ال يعلم أنك
ستفعله قبل أن تفعله .ويعلم أنه سيحدث منك قبل أن يحدث منك.
()81 /
ال سبحانه وتعالى لزال يتحدث عن أهل الكتاب ..فبعد أن بين لنا الذين يقول { :أَ ُتحَدّثُو َنهُم ِبمَا
فَتَحَ اللّهُ عَلَ ْيكُمْ لِ ُيحَآجّوكُم ِبهِ عِنْدَ رَ ّب ُكمْ } ..انتقل سبحانه وتعالى إلى طائفة أخرى وهم من أسماهم
بالميين ..وأصح قول في المي هو أنه كما ولدته أمه .أي لم يعلم شيئا من ثقافة وعلم في
الوجود منذ لحظة نزوله من بطن أمه .ولذلك فإن المي على إطلقه هو الذي ل يكتسب شيئا من
ثقافة الوجود حوله ،بصرف النظر عن أن يقال كما ولدته أمه ..لن الشائع في المجتمعات أن
الذي يعلم هم الخاصة ل العامة ..وعلى أية حال فالمعاني كلها ملتقية في تعريف المي.
قوله تعالىَ { :ومِ ْنهُمْ ُأمّيّونَ } ..تلحظ أن هناك معسكرات من الميين واجهت الدعوة
السلمية ..فالمعسكر الول كان المشركين في مكة ،والمعسكر الثاني كان أهل الكتاب في
المدينة .وأهل الكتاب تطلق على أتباع موسى وأتباع المسيح ..ولكن في الجزيرة العربية كان
هناك عدد ل يذكر من النصارى ..وكان هناك مجتمع .والمقصود من قوله تعالىَ { :ومِ ْنهُمْ ُأمّيّونَ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لَ َيعَْلمُونَ ا ْلكِتَابَ ِإلّ َأمَا ِنيّ } هم اليهود الذين كان لهم مجتمع في المدينة ..ومادام الحق سبحانه
وتعالى قالَ { :ومِ ْنهُمْ ُأمّيّونَ } ..معنى هذا أنه لبد أن يكون هناك منهم غير أميين ..وهؤلء هم
الذين سيأتي قول ال تعالى عنهم في الية التاليةَ {:فوَ ْيلٌ لّلّذِينَ َيكْتُبُونَ ا ْلكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ }[البقرة:
]79
هنا قسّم ال تبارك وتعالى اليهود إلى أقسام ..منهم قسم ُأمّي ل يعرفون الكتاب وما يقوله لهم
أحبارهم هو الذي يعرفونه فقط ..وهؤلء ربما لو كانوا يعلمون ما في التوراة ..من صفات
رسول ال صلى ال عليه وسلم لمنوا به ..والكتاب هنا يقصد به التوراة ..وال سبحانه وتعالى لم
ينف عنهم مطلق العلم ..ولكنه نفى خصوصية العلم ،لنه قال ل يعلمون إل أماني ..فكأن الماني
يعلمونها من الكتاب.
ولكن ما الماني؟ ..إنها تطلق مرة بدون تشديد الياء ومرة بتشديد الياء ..فإن كانت التخفيف تكون
جمع أمنية ..وإن كانت بالتشديد تكون جمع أمنية بالتشديد على الياء ..المنية تجدها في القرآن
الكريم في قوله تعالى {:لّيْسَ بَِأمَانِ ّيكُ ْم وَل َأمَا ِنيّ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ مَن َي ْع َملْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ }[النساء:
]123
ل َولَ نَ ِبيّ
هذه بالنسبة للجمع .أما بالنسبة للمفرد ..في قوله تعالىَ {:ومَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبِْلكَ مِن رّسُو ٍ
ِإلّ إِذَا َتمَنّىا أَ ْلقَى الشّ ْيطَانُ فِي ُأمْنِيّ ِتهِ }[الحج]52 :
ما هي المنية؟ ..المنية هي الشيء الذي يحب النسان أن يحدث ولكن حدوثه مستحيل ..إذن لن
يحدث ولن يكون له وجود.
.ولذلك قالوا إن من معاني التمني اختلق الشياء ..الشاعر الذي قال:أَل لَ ْيتَ الشّـبابَ يعـودُ
يوما فَُأخْبِ ُرهُ بما َف َعلَ المَشِـيبُهل الشباب يمكن أن يعود؟ ..طبعا مستحيل ..هذا شيء لن يحدث..
عقُـودَ مَـدْحٍ فَـما أَ ْرضَى لَـكُمْ
ت الكـواكبَ تَـدْنُو لِي فَأَنْظمَـهَا ُ
والشاعر الذي قال:لَيْـ َ
كَـِلمِهل النجوم ستنزل من السماء وتأتي إلى هذا الشاعر ..ينظمها أبيات شعر إلى حبيبته ..إذن
من معاني التمني الكذب والختلق .ولقد فسر بعض المستشرقين قول ال تبارك وتعالىَ } :ومَآ
أَرْسَلْنَا مِن قَبِْلكَ مِن رّسُولٍ َولَ نَ ِبيّ ِإلّ ِإذَا َتمَنّىا { (أي قرأ) } :أَ ْلقَى الشّيْطَانُ فِي ُأمْنِيّتِهِ { (أي في
قراءته) ..وطبعا الشيطان لن يلقي في قراءة الرسول إل كذبا وإفتراء وكفرا ..إقرأ قوله سبحانه{:
سمَ ٌة ضِيزَىا
لخْرَىا * أََلكُمُ ال ّذكَ ُر وَلَ ُه الُنْثَىا * تِ ْلكَ إِذا قِ ْ
لتَ وَا ْلعُزّىا * َومَنَاةَ الثّالِثَ َة ا ُ
َأفَرَأَيْتُمُ ال ّ
}[النجم]22-19 :
قال أعداء السلم مادام قد ذكر في القرآن أسماء الغرانيق ..وهي الصنام التي كان يعبدها
الكفار ..ومنها اللت والعزى ومناة الثالثة الخرى ..إذن فشفاعة هذه الصنام ترتجى في
الخرة ..وهذا كلم ل ينسجم مع منطق الدين كله يدعو لعبادة ال وحده ..وخرج المستشرقون
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
من ذلك بأن الدين فعل يدعو لعبادة ال وحده ..إذن فيكون الشيطان قد ألقى في أمنيته فيما يقوله
سمّيْ ُتمُوهَآ أَنتُ ْم وَآبَآ ُؤكُم مّآ
سمَآءٌ َ
رسول ال ..ثم أحكم ال سبحانه آياته فقال تعالى {:إِنْ ِهيَ ِإلّ أَ ْ
أَن َزلَ اللّهُ ِبهَا مِن سُلْطَانٍ }[النجم]23 :
هم يريدون بذلك أن يشككوا ..في أنه من الممكن أن يلقي الشيطان بعض أفكاره في قول رسول
ال صلى ال عليه وسلم ..ولكن ال سبحانه ينسخ ما يلقي الشيطان ويحكم آياته.
إن ال جل جلله لم يترك وحيه لعبث الشيطان ..ولذلك سنبحث الية بعيدا عن كل ما قيل ..نقول
ل َولَ نَ ِبيّ ِإلّ ِإذَا َتمَنّىا { لو
لو أنك تنبهت إلى قول ال تعالىَ } :ومَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبِْلكَ مِن رّسُو ٍ
قلنا تمنى بمعنى قرأ ،ثم أن ال ينسخ ما يلقي الشيطان ثم يحكم ال آياته ..إذن هو سبحانه لن
يترك رسوله يخطئ ..وبذلك ضمنا أن كل ما ينتهي إليه الرسول صواب ..وأن كل ما وصلنا عن
الرسول محكم ..فنطمئن إلى أنه ليس هناك شيء يمكن أن يلقيه الشيطان في تمني الرسول
ويصلنا دون أن ينسخ.
فإذا قلنا :إن ال ينسخ ما يلقي الشيطان فما الذي جعلكم تعرفون ما ألقاه الشيطان مادام رسول ال
حيَ إليه بمنهج من
صلى ال عليه وسلم لم يقل لكم إل المحكم ..ثم من هو الرسول؟ َبشَرٌ أُو ِ
السماء وأمر بتبليغه ..ومن هو النبي؟ ..بشر أوحي إليه بمنهج.
ولم يؤمر بتبليغه ..ومادام لم يؤمر بتبليغه يكون خاصا بهذا النبي ..ويكون النبي قدوة سلوكية..
لنه يطبق منهج الرسول الذي قبله فهو لم يأت بجديد.
الية الكريمة جاءت بكلمتي رسول أو نبي ..إذا كان معنى أمنية الشيطان مستقيما بالنسبة للرسول
فهو غير مستقيم بالنسبة للنبي ..لن النبي ل يقرأ شيئا ،ومادام النبي ذكر في الية الكريمة فلبد
أن يكون للتمني معنى آخر غير القراءة ..لن النبي لم يأت بكلم يقرؤه على الناس ..فكأنه سيقرأ
كلما محكما ليس فيه أمنية الشيطان أي قراءته.
إن التمني ل يأتي بمعنى قراءة الشيطان ..وأمنية الرسول والنبي أن ينجحا في مهمتهما..
فالرسول كمبلغ لمنهج ال ،النبي كأسوة سلوكية ..المعنى هنا يختلف ..الرسول أمنيته أن يبلغ
منهج ال ..والشيطان يحاول أن ينزع المنهج من قلوب الناس ..هذا هو المعنى ..وال سبحانه
وتعالى حين يحكم آياته ينصر اليمان ليسود منهج ال في الرض وتنتظم حركة الناس ..هذا هو
المعنى.
وكلمة تمني في هذه الية الكريمة بمعنى أن الرسول أو النبي يحب أن يسود منهجه الرض..
والشيطان يلقي العراقيل وال يحكم آياته وينصر الحق .ويجب أن نفهم الية على هذا المعنى..
وبهذا ينتفي تماما ما يدعيه المستشرقون من أن رسول ال صلى ال عليه وسلم حينما كان يقرأ ما
يوحى إليه يستطيع الشيطان أن يتدخل ويضع كلما في الوحي ..مستحيل.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وقوله تعالىَ } :ومِ ْنهُمْ ُأمّيّونَ لَ َيعَْلمُونَ ا ْلكِتَابَ ِإلّ َأمَا ِنيّ { ..معناها أنه يأتي قوم ل يعرفون شيئا
عن الكتاب إل ظنا ..فيصدقهم هؤلء الميون دون علم ..وكان ال سبحانه يريد أن يلفتنا إلى أن
كثيرا من المذاهب الدينية في الرض ينشأ عن المبلغين لها ..فهناك أناس يأتمنون آخرين ليقولوا
لهم ما إنتهت إليه الحكام الدينية ..فيأتي المي أو غير المثقف يسأل عالما عن حكم من الحكام
الشرعية ..ثم يأخذ منه الحكم ويطبقه دون أن يناقشه ..لن علمه قد إنتهى عند السؤال عن
الفتوى ..والحق سبحانه وتعالى كما يقول {:وَلَ تَزِ ُر وَازِ َر ٌة وِزْرَ ُأخْرَىا }[النعام]164 :
حمِلُواْ َأوْزَارَهُمْ كَامِلَةً َيوْمَ ا ْلقِيَامَ ِة َومِنْ
أي ل يحمل أحد ذنب أحد يوم القيامة ..فيقول تعالى {:لِ َي ْ
َأوْزَارِ الّذِينَ ُيضِلّو َنهُمْ ِبغَيْرِ عِ ْلمٍ }[النحل]25 :
بعض الناس يظن أن اليتين بينهما تعارض ..نقول ل ..ومن يرتكب إثما يحاسب عليه ..ومن
يضل غيره بفتوى غير صحيحة يحل له بها ما حرم ال ..فإنه يحمل معاصيه ومعاصي من
أضل ..فيكون له وزر لنه ضل ،ووزر لنه أضل غيره ..بل وأكثر من ذلك ..فإن رسول ال
صلى ال عليه وسلم يقول:
" من دعا إلى هدى كان له من الجر مثل أجور من تبعه ل ينقص ذلك من أجورهم شيئا ،ومن
دعا إلى ضللة كان عليه من الثم مثل آثام من تبعه ل ينقص ذلك من آثامهم شيئا "
ولبد أن نتنبه إلى خطورة الفتوى في الدين بغير علم ..الفتوى في الدنيا أقصى ما يمكن أن تؤدي
إليه هو أن تجعلك تخسر صفقة ..لكن الفتوى في الدين ستدوم عمرا طويل..
الحق تبارك وتعالى يقول } :وَإِنْ هُمْ ِإلّ َيظُنّونَ { ..والظن كما قلنا هو نسبة راجحة ولكن غير
مؤكدة ..وإذا كان التمني كما ورد في اللغة هو القراءة ..فهؤلء المّيون ل يعلمون الكتاب إل
حمّلُواْ ال ّتوْرَاةَ ُثمّ لَمْ
قراءة لسان بل فهم ..ولذلك قال ال سبحانه وتعالى عن اليهود {:مَ َثلُ الّذِينَ ُ
سفَارا }[الجمعة]5 :
ح ِملُ أَ ْ
حمَارِ َي ْ
حمِلُوهَا َكمَ َثلِ الْ ِ
يَ ْ
وهكذا نرى أن هناك صنفا يحمل التوراة وهو ل يعرف عنها شيئا ..وال جل جلله قال إن مثله
كالحمار ..ولكن أقل من الحمار ،لن الحمار مهمته أن يحمل الثقال ..ولكن النسان ليست مهمته
أن يحمل ما يجهل ..ولكن لبد أن يقرأ الكتاب ويعلم المطلوب منه.
()82 /
َفوَيْلٌ لِلّذِينَ َيكْتُبُونَ ا ْلكِتَابَ بِأَ ْيدِيهِمْ ُثمّ َيقُولُونَ َهذَا مِنْ عِنْدِ اللّهِ لِ َيشْتَرُوا ِبهِ َثمَنًا قَلِيلًا َفوَ ْيلٌ َلهُمْ ِممّا
كَتَ َبتْ أَ ْيدِيهِ ْم َووَ ْيلٌ َلهُمْ ِممّا َيكْسِبُونَ ()79
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هذه الية الكريمة جاءت في القسم الثاني من اليهود وهو المقابل للميين ..وهم إما أميون ل
يعلمون الكتاب ..وإما يعلمون ولكنهم يغيرون فيه ويكتبونه بأيديهم ويقولون هذا من عند ال.
ولذلك توعدهم ال تبارك وتعالى فقال :ويل لهم ،وبدأ الية بالوعيد بالجزاء مباشرة .نلحظ أن
كلمة ويل في اللغة تستعمل معها كلمتي ويح وويس ..وكلها تعني الهلك والعذاب ..وتستعمل
للتحسر على غفلة النسان عن العذاب ..واقرأ قوله تعالى {:ياوَيْلَتَنَا مَالِ هَـاذَا ا ْلكِتَابِ لَ ُيغَادِرُ
حصَاهَا }[الكهف]49 :
صغِي َرةً َولَ كَبِي َرةً ِإلّ أَ ْ
َ
غفْلَةٍ مّنْ هَـاذَا }[النبياء]97 :
وقوله جل جلله {:ياوَيْلَنَا قَدْ كُنّا فِي َ
هذه الويلت تعني الحسرة وقت رؤية العذاب ..وقيل إن الويل وَادٍ في جهنم يهوي النسان فيه
أربعين خريفا والعياذ بال ..والحق تبارك وتعالى ينذر الذين يكتبون الكتاب بأيديهم أن عذابهم يوم
القيامة سيكون مضاعفا ..لن كل من ارتكب إثما نتيجة لتزييفهم للكتاب سيكونون شركاء
وسيحملون عذابهم معهم يوم القيامة ،وسيكون عذابهم مضاعفا أضعافا كثيرة.
يقول الحق سبحانه وتعالىَ { :فوَ ْيلٌ لّلّذِينَ َيكْتُبُونَ ا ْلكِتَابَ بِأَيْدِي ِهمْ } ..ألم يكن يكفي أن يقول الحق
فويل للذين يكتبون الكتاب ويكون المعنى مفهوما ..يكتبون الكتاب بماذا؟ بأيديهم ..نقول ل ..لن
الفعل قد يتم بالمر وقد يتم بالفعل ..رئيس الدولة مثل يتصل بأحد وزرائه ويقول له ألم أكتب
إليك كتابا بكذا فلماذا لم تنفذه؟ هو لم يكتب هذا الكتاب بيده ولكنهم كتبوه بأمره ،ورؤساء الدول
نادرا ما يكتبون كتبا بأيديهم.
إن ال سبحانه وتعالى يريد هنا أن يبين لنا مدى تعمد هؤلء للثم ..فهم ل يكتفون مثل بأن يقولوا
لغيرهم إكتبوا ..ولكن لهتمامهم بتزييف كلم ال سبحانه وتزويره يقومون بذلك بأيديهم ليتأكدوا
بأن المر قد تم كما يريدون تماما ..فليس المسألة نزوة عابرة ..ولكنها مع سبق الصرار
والترصد ..وهم يريدون بذلك أن يشتروا ثمنا قليل ،هو المال أو ما يسمى بالسلطة الزمنية..
يحكمون ويكون لهم نفوذ وسلطان.
ولقد كان أهل الكتاب في الماضي إذا اختلفوا في شيء ..ذهبوا إلى الكهان والرهبان وغيرهم
ليقضوا بينهم ..لماذا؟ لن الناس حين يختلفون يريدون أن يستتروا وراء ما يحفظ كبرياءهم إن
كانوا مخطئين ..يعني ل أنهزم أمامه ول ينهزم أمامي ..وإنما يقولون ارتضينا حكم فلن ..فإذا
كنا سنلجأ إلى تشريع السماء ليحكم بيننا ..ل يكون هناك غالب ومغلوب أو منهزم ومنتصر ..ذلك
حين أخضع أنا وأنت لحكم ال يكون كل منا راضيا بنتيجة هذا الحكم.
ولكن رجال الدين اليهودي والمسيحي أخذوا يصدرون فتاوى متناقضة.
.كل منهم حسب مصلحته وهواه ..ولذلك تضاربت الحكام في القضايا المتشابهة ..لنه لم يعد
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الحكم بالعدل ..بل أصبح الحكم خاضعا لهواء ومصالح وقضايا البشر ..وحين يكتبون الكتاب
بأيديهم ويقولون هذا من عند ال ..إنما يريدون أن يخلعوا على المكتوب قداسة تجعل النسان
يأخذه بل مناقشة ..وبذلك يكونون هم المشرعين باسم ال ،ويكتبون ما يريدون ويسجلونه كتابه،
وحين أحس أهل الكتاب بتضارب حكم الدين بما أضافه الرهبان والحبار ،بدأوا يطلبون تحرير
الحكم من سلطة الكنيسة.
ولكن لماذا يكتب هؤلء الناس الكتاب بأيديهم ويقولون هذا من عند ال؟! ..الحق سبحانه وتعالى
يقول } :لِ َيشْتَرُواْ بِهِ َثمَنا قَلِيلً { ..وقد قلنا إن النسان ل يشتري الثمن ..ولكن يدفع الثمن ويشتري
السلعة ..ولكنك هنا تدفع لتأخذ ثمنا ..تدفع من منهج ال وحكم ال فتغيره وتبدله لتأخذ ثمنا
موقوتا ..وال سبحانه وتعالى يعطيك في الخرة الكثير ولكنك تبيعه بالقليل ..وكل ثمن مهما بلغ
تأخذه مقابل منهج ال يعتبر ثمنا قليل.
والحق سبحانه وتعالى :يقول } َفوَ ْيلٌ ّل ُهمْ ّممّا كَتَ َبتْ أَ ْيدِيهِمْ { ..الية الكريمة بدأت بقوله تعالى} :
َفوَيْلٌ لّلّذِينَ َيكْتُبُونَ ا ْلكِتَابَ بِأَ ْيدِيهِمْ { ..ثم جاء قوله تعالىَ } :فوَيْلٌ ّلهُمْ ّممّا كَتَ َبتْ أَيْدِي ِه ْم َووَيْلٌ ّلهُمْ
ّممّا َيكْسِبُونَ { ..فساعة الكتابة لها ويل وعذاب ..وساعة بيع الصفقة لها ويل وعذاب ..والذي
يكسبونه هو ويل وعذاب.
لقد انتشرت هذه المسألة في كتابة صكوك الغفران التي كانت تباع في الكنائس لمن يدفع أكثر.
والحق سبحانه وتعالى يقولَ } :ووَيْلٌ ّلهُمْ ّممّا َي ْكسِبُونَ { ..وكلمة كسب تدل على عمل من أعمال
جوارحك يجلب لك خيرا أو نفعا وهناك كسب وهناك اكتسب ..كسب تأتي بالشيء النافع،
واكتسب تأتي بالشيء الضار ..ولكن في هذه الية الكريمة الحق سبحانه وتعالى قال } :وَوَ ْيلٌ ّلهُمْ
سبَ سَيّ َئةً {.
ّممّا َيكْسِبُونَ { ..وفي آية ثانية قال } :بَلَىا مَن كَ َ
فلماذا تم هذا الستخدام؟ نقول إن هذا ليس كسبا طبيعيا ،إنما هو افتعال في الكسب ..أي
اكتساب ..ولبد أن نفهم إنه بالنسبة لجوارح النسان ..فإن هناك القول والفعل والعمل ..بعض
الناس يعتقد إن هناك القول والعمل ..نقول ل ..هناك قول هو عمل اللسان ..وفعل هو عمل
الجوارح الخرى غير اللسان ..وعمل وهو أن يوافق القول الفعل ..لذلك فإن ال سبحانه وتعالى
يقول {:ياأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ ِلمَ َتقُولُونَ مَا لَ َتفْعَلُونَ * كَبُرَ َمقْتا عِندَ اللّهِ أَن َتقُولُواْ مَا لَ َت ْفعَلُونَ }
[الصف]3-2 :
إذن هناك قول وفعل وعمل ..والنسان إذا استخدم جوارحه استخداما سليما بفعل ما هو صالح
له ..فإذا انتقل إلى ما هو غير صالح إلى ما يغضب ال فإن جوارحه ل تفعل ولكنها تفتعل.
.تتصادم ملكاتها بعضها مع بعض والنسان وهو يفتح الخزانة ليأخذ من ماله يكون مطمئنا ل
يخاف شيئا ..والنسان حين يفتح خزانة غيره يكون مضطربا وتصرفاته كلها افتعال ..والنسان
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
مع زوجته منسجم في هيئة طبيعية ،بعكس ما يكون في وضع مخالف ..إنها حالة افتعال ..وكل
من يكسب شيئا حراما افتعله ..ولذلك يقال عنه اكتسب ..إل إذا تمرس وأصبح الحرام ل يهزه،
أو ممن نقول عنهم معتادو الجرام ..في هذه الحالة يفعل الشيء بل افتعال لنه اعتاد عليه..
هؤلء الذين وصلوا إلى الحد الذي يكتبون فيه بأيديهم ويقولون من عند ال ..أصبح الثم ل
يهزهم ،ولذلك توعدهم ال بالعذاب مرتين في آية واحدة.
()83 /
هنا يكشف ال سبحانه وتعالى فكر هؤلء الناس ..لقد زين لهم الشيطان الباطل فجعلهم يعتقدون
أنهم كسبوا فعل وأنهم أخذوا المال والجاه الدنيوي وفازوا به ..لنهم لن يعذبوا في الخرة إل
عذابا خفيفا قصيرا ..ولذلك يفضح ال تبارك وتعالى ما يقولونه بعضهم مع بعض ..ماذا قالوا؟{ :
وقَالُواْ لَن َتمَسّنَا النّارُ ِإلّ أَيّاما ّمعْدُو َدةً }.
المس يعني اللمس الخفيف أو اقتراب شيء من شيء ..ولكن ل يحس أحدهما بالخر إل إحساسا
خفيفا ل يكاد يذكر ..فإذا أتيت إلى إنسان ووضعت أَنَا مَِلكَ على يده يقال مسست ..ولكنك لم
تستطع بهذا المس أن تحس بحرارة يده أو نعومة جلده ..ولكن اللمس يعطيك إحساسا بما تلمس{ :
َوقَالُواْ لَن َتمَسّنَا النّارُ ِإلّ أَيّاما ّمعْدُو َدةً } وهكذا أخذوا أقل القل في العذاب ..ثم أقل القل في
الزمن فقالوا أياما معدودة ..الشيء إذا قيل عن معدود فهو قليل ..أما الشيء الذي ل يحصى فهو
حصُوهَآ }
الكثير ..ولذلك حين يتحدث ال عن نعمه يقول سبحانه {:وَإِن َت ُعدّواْ ِن ْعمَةَ اللّ ِه لَ ُت ْ
[النحل]18 :
فمجرد القبال على العد معناه أن الشيء يمكن إحصاؤه ..فإن لم يكن ممكنا ل يُقبل أحد على
عده ،ول نرى من حاول عدّ حبات الرمل أو ذرات الماء في البحارِ ..ن َعمُ ال سبحانه وتعالى
ظاهرة وخفية ل يمكن أن تحصى ،ولذلك ل يقبل ل يُقبل أحد على إحصائها ..وإذا سمعت كلمة "
أياما معدودة " فأعلم أنها أيام قليلة ..ولذلك نرى في سورة يوسف قول الحق جل جلله {:وَشَ َر ْوهُ
بِ َثمَنٍ بَخْسٍ دَرَا ِهمَ َمعْدُو َدةٍ }[يوسف]20 :
قولهم لن تمسنا النار إل أياما معدودة ..دليل على غبائهم لن مدة المس ل تكون إل لحظة..
خذْتُمْ عِندَ
ولكنها أماني وضعها الشيطان في عقولهم ليأتي الرد من ال في قوله سبحانهُ { :قلْ أَتّ َ
عهْ َدهُ } أي إذا كان ذلك وعدا من ال ،فال ل يخلف وعده .وال يأمر
عهْدا فَلَنْ ُيخِْلفَ اللّهُ َ
اللّهِ َ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
رسوله صلى ال عليه وسلم أن يقول لهم لستم أنتم الذين تحكمون وتقررون ماذا سيفعل ال
سبحانه وتعالى بكم ..بل هو جل جلله الذي يحكم ..فإن كان قد أعطاكم عهدا فال ل يخلف
وعده.
علَى اللّهِ مَا لَ َتعَْلمُونَ } ..هنا أدب النبوة والخلق العظيم لرسول ال
وقوله تعالى { :أَمْ َتقُولُونَ َ
صلى ال عليه وسلم ..فبدل من أن يقول لهم أتفترون على ال أو أتكذبون على ال ..أو أتختلقون
على ال ما لم يقله ..قال { :أَمْ َتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لَ َتعَْلمُونَ } إن الذي يختلق الكلم يعلم أنه
مختلق.
.إنه أول من يعلم كذب ما يقول ،وقد يكون له حجة ويقنع من أمامه فيصدقه ،ولكنه يظل يعلم إن
ما قاله مختلق رغم أنهم صدقوه ..ولذلك فإن رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول " :إنما أنا بشر
وإنكم تختصمون إليّ فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع
فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها "
إذن مختلق الشيء يعرف إن هذا الشيء مختلق .وهؤلء اليهود هم أول من يعلم إن قولهم } ..لَن
َتمَسّنَا النّارُ ِإلّ أَيّاما ّمعْدُو َدةً { قول مختلق ..ولكن لمن يقولون على ال ما هو افتراء وكذب؟
يقولون للميين الذين ل يعرفون الكتاب.
()84 /
طتْ بِهِ خَطِيئَُتهُ فَأُولَ ِئكَ َأصْحَابُ النّارِ ُهمْ فِيهَا خَاِلدُونَ ()81
سبَ سَيّئَ ًة وََأحَا َ
بَلَى مَنْ كَ َ
أراد ال سبحانه وتعالى أن يوضح كذبهم ..فجاء القرآن قائل " :بلى " وهي حرف جواب مثل نعم
تماما ..ولكن " بلى " حرف جواب في النفي ..يعني ينفي الذي قبله ..هم قالوا لن تمسنا النار إل
أياما معدودة ورسول ال سألهم هل اتخذوا عند ال عهدا أو يقولون على ال ما ل يعلمون ،فجاء
صحَابُ النّارِ ُهمْ فِيهَا
خطِيـئَتُهُ فَُأوْلَـ ِئكَ َأ ْ
طتْ بِهِ َ
سبَ سَيّئَ ًة وََأحَا َ
القرآن ليقول { :بَلَىا مَن كَ َ
خَاِلدُونَ } ..بداية الجواب ببلى تنفي ما قالوا ..لن بلى تأتي بعد النفي ..ونعم تأتي بعد الجابة..
فإذا قال إنسان ليس لك عندي شيء وقلت نعم ،فمعناها أنه صحيح أنك ليس لك عندي شيء ..أما
إذا قلت بلى ،فمعنى ذلك أن لك عندي شيئا أو أشياء ..ولذلك بعد قولهم { لَن َت َمسّنَا النّارُ ِإلّ أَيّاما
ّمعْدُو َدةً } ..لو جاء بعدها نعم ،لكان قولهم صحيحا ،ولكن بلى نفت ..وجاء الكلم بعدها مؤكدا
النفي:
طتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَُأوْلَـئِكَ َأصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } هم قالوا لن
سبَ سَيّئَ ًة وَأَحَا َ
{ مَن كَ َ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
تمسنا النار ..قال لن تمسكم فقط بل أنتم فيها خالدون ..وقوله تعالىَ { :أصْحَابُ النّارِ } ..الصحبة
تقتضي نوعا من الملزمة فيها تجاذب المتصاحبين ..ومعنى ذلك أنه سيكون هناك تجاذب بينهم
وبين النار..
سبَ سَيّئَةً } ..وكان السياق يقتضي أن يقال
هنا نلحظ أن الحق سبحانه وتعالى قال { :بَلَىا مَن كَ َ
طتْ بِهِ
اكتسب ..ولكن لنهم ظنوا أنهم كسبوا ..كما بينا في الية السابقة ..وقوله تعالى { :وََأحَا َ
خطِيـئَتُهُ } ..إحاطة بحيث ل يوجد منفذ للفلت من الخطيئة لنها محيطة به .وأنسب تفسير
َ
خطِيـئَتُهُ } ..أن المراد الشرك ..لن الشرك هو الذي
طتْ بِهِ َ
سبَ سَيّئَةً وَأَحَا َ
لقوله تعالى { :كَ َ
يحيط بالنسان ول مغفرة فيه ..وال تعالى يقول {:إِنّ اللّهَ لَ َي ْغفِرُ أَن يُشْ َركَ ِب ِه وَ َيغْفِرُ مَا دُونَ
ذَِلكَ ِلمَن َيشَآءُ }[النساء]48 :
ولذلك فهؤلء لم يكونوا عصاة فقط ..ولكنهم كانوا كافرين مشركين .والدليل قوله تعالى { :هُمْ
فِيهَا خَاِلدُونَ } ..وأصحاب الصغائر أو الكبائر الذين يتوبون منها ل يخلدون في النار ..ولكن
المشرك بال والكافر به هم الخالدون في النار ..وكل من لم يؤمن بسيدنا محمد صلى ال عليه
وسلم كافر ..لن ال سبحانه وتعالى قالَ {:ومَن يَبْ َتغِ غَيْ َر الِسْلَمِ دِينا فَلَنْ ُيقْ َبلَ مِنْ ُه وَ ُهوَ فِي
الخِ َرةِ مِنَ ا ْلخَاسِرِينَ }[آل عمران]85 :
ولذلك قلت هناك فرق بين ..النسان الذي يرتكب معصية لنه ل يقدر على نفسه فيندم ويتوب..
وبين إنسان يفرح بالمعصية ..ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى {:إِ ّنمَا ال ّتوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلّذِينَ
جهَاَلةٍ ثُمّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ }[النساء]17 :
َي ْعمَلُونَ السّوءَ بِ َ
وهناك من يندم على المعصية وهذا له توبة ..وهناك من يفرح بالمعصية وهذا يزداد معصية.
()85 /
عمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولَ ِئكَ َأصْحَابُ ا ْلجَنّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ()82
وَالّذِينَ َآمَنُوا وَ َ
عندما يذكر ال سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ..العذاب والنار ،يأتي بالمقابل وهو النعيم
والجنة ..وذلك أن المقابلة ترينا الفرق ..وتعطي للمؤمن إحساسا بالسعادة ..لنه زحزح عن
عذاب الخرة ،وليس هذا فقط ..بل دخل الجنة ليقيم خالدا في النعيم ..ولذلك يقول سبحانهَ {:فمَن
خلَ الْجَنّةَ فَقَدْ فَازَ }[آل عمران]185 :
زُحْزِحَ عَنِ النّا ِر وَأُ ْد ِ
إذن الفوز في الخرة ليس على درجة واحدة ولكن على درجتين ..أولى درجات الفوز أن يزحزح
النسان على النار ولو إلى العراف وهذا فوز عظيم ..يكفي إنك تمر على الصراط المضروب
فوق النار وترى ما فيها من ألوان العذاب ،ثم بعد ذلك تنجو من هذا الهول كله ..يكفي ذلك ليكون
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فوزا عظيما ..لن الكافر في هذه اللحظة يتمنى لو كان ترابا حتى ل يدخل النار ..فمرور المؤمن
فوق الصراط ورؤيته للنار نعمة لنه يحس بما نجا منه ..فإذا تجاوز النار ودخل إلى الجنة لينعم
فيها نعيما خالدا كان هذا فوزا آخر ..ولذلك حرص ال تبارك وتعالى أن يعطينا المرحلتين .فلم
يقل :من زحزح عن النار فاز ..ولم يقل من أدخل الجنة فاز ..بل قال { َفمَن زُحْزِحَ عَنِ النّارِ
خلَ ا ْلجَنّةَ َفقَدْ فَازَ } ..وجاءت هذه الية الكريمة بعد آيات العذاب لتعطينا المقارنة.
وَأُدْ ِ
()86 /
وَإِذْ َأخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا َتعْبُدُونَ إِلّا اللّ َه وَبِا ْلوَالِدَيْنِ ِإحْسَانًا َوذِي ا ْلقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَا ْلمَسَاكِينِ
َوقُولُوا لِلنّاسِ حُسْنًا وََأقِيمُوا الصّلَا َة وَآَتُوا ال ّزكَاةَ ثُمّ َتوَلّيْتُمْ إِلّا قَلِيلًا مِ ْنكُ ْم وَأَنْتُمْ ُمعْ ِرضُونَ ()83
أخذ ال سبحانه وتعالى على بني إسرائيل ثمانية أشياء :الميثاق ..وهو العهد الموثق المربوط
ربطا دقيقا وهو عهد الفطرة أو عهد الذر ..مصداقا لقوله تعالى {:وَإِذْ َأخَذَ رَ ّبكَ مِن بَنِي ءَادَمَ مِن
ستُ بِرَ ّب ُكمْ قَالُواْ بَلَىا }[العراف]172 :
سهِمْ أَلَ ْ
ش َهدَهُمْ عَلَىا أَنفُ ِ
ظهُورِهِمْ ذُرّيّ َتهُ ْم وَأَ ْ
ُ
وهناك عهد آخر أخذه سبحانه وتعالى على رسله جميعا ..أن يبشروا برسالة رسول ال صلى ال
عليه وسلم ..ويطلبوا من أتباعهم أن يؤمنوا به عند بعثه ..أو أل يكتموا ما في كتبهم وإل
يغيروه ..والميثاق هو كل شيء فيه تكليف من ال ..ذلك أنك تدخل في عقد إيماني مع ال سبحانه
وتعالى بأن تفعل ما يأمر به وتترك ما نهى عنه ..هذا هو الميثاق ..كلمة الميثاق وردت في
القرآن الكريم بوصف غليظ ..في علقة الرجل بالمرأة ..قال سبحانه وتعالى {:وَإِنْ أَ َردْتّمُ اسْتِبْدَالَ
خذُونَهُ ُبهْتَانا وَإِثْما مّبِينا * َوكَيْفَ
حدَاهُنّ قِ ْنطَارا فَلَ تَ ْأخُذُواْ مِنْهُ شَيْئا أَتَأْ ُ
ج وَآتَيْ ُتمْ إِ ْ
َزوْجٍ ّمكَانَ َزوْ ٍ
ضكُمْ إِلَىا َب ْعضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مّيثَاقا غَلِيظا }[النساء]21-20 :
خذُونَ ُه َوقَدْ َأ ْفضَىا َب ْع ُ
تَأْ ُ
نقول نعم لن هذا الميثاق سيحل للمرأة أشياء ل تكون إل به ..أشياء ل تحل لبيها أو لخيها أو
أي إنسان عدا زوجها ..والرجل إذا دخل على ابنته وكانت ساقها مكشوفة تسارع بتغطيته ..فإذا
دخل عليها زوجها فل شيء عليها ..إذن هو ميثاق غليظ لنه دخل مناطق العورة وأباح العورة
للزوج والزوجة ..ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى {:هُنّ لِبَاسٌ ّلكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ ّلهُنّ }[البقرة]187 :
إن كل منهما يغطي ويخفي ويستر عورة الخر ..والب ل يفرح من انتقال ولية ابنته إلى
غيره ..إل انتقال هذه الولية لزوجها ..ويشعر بالقلق عندما تكبر الفتاة ول تتزوج.
خذْنَا مِيثَاقَ بَنِي ِإسْرَائِيلَ لَ َتعْ ُبدُونَ ِإلّ اللّهَ } هذا الميثاق شمل ثلثة شروط{ :
الحق يقول { :وَإِذْ أَ َ
لَ َتعْ ُبدُونَ ِإلّ اللّهَ } أي تعبدون ال وحده ..وتؤمنون بالتوراة وبموسى نبيا ..لماذا؟ لن عبادة ال
وحده هي قمة اليمان ..ولكن ل تحدد أنت منهج عبادته سبحانه ..بل الذي يحدد منهج العبادة هو
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
المعبود وليس العابد ..لبد أن تتخذ المنهج المنزل من ال وهو التوراة وتؤمن به ..ثم بعد ذلك
تؤمن بموسى نبيا ..لنه هو الذي نزلت عليه التوراة ..وهو الذي سيبين لك طريق العبادة
الصحيحة .وبدون هذه الشروط الثلثة ل تستقيم عبادة بني إسرائيل..
حسَانا } لنهما السبب المباشر في وجودك ..ربياك وأنت صغير،
وقوله تعالى { :وَبِا ْلوَالِدَيْنِ إِ ْ
ورعياك ،وقوله تعالى " :إحسانا " معناه زيادة على المفروض.
لنك قد تؤدي الشيء بالقدر المفروض منك ..فالذي يؤدي الصلة مثل بقدر الغرض يكون قد
أدى ..أما الذي يصلي النوافل ويقوم الليل يكون قد دخل في مجال الحسان ..أي عطاؤه أكثر من
ت وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَ ّب ُهمْ إِ ّنهُمْ
المفروض ..وال تبارك وتعالى يقول {:إِنّ ا ْلمُ ّتقِينَ فِي جَنّا ٍ
جعُونَ * وَبِالَسْحَارِ ُهمْ يَسْ َت ْغفِرُونَ * َوفِي
كَانُواْ قَ ْبلَ ذَِلكَ مُحْسِنِينَ * كَانُواْ قَلِيلً مّن اللّ ْيلِ مَا َيهْ َ
حقّ لّلسّآ ِئلِ وَا ْل َمحْرُومِ }[الذاريات]19-15 :
َأ ْموَاِلهِمْ َ
وهكذا نرى أن الحسان زيادة على المفروض في الصلة والتسبيح والصدقة وال تبارك وتعالى
يريد منك أن تعطي لوالديك أكثر من المفروض أو من الواجب عليك..
وقوله تعالى } :وَذِي ا ْلقُرْبَىا { ..يحدد ال لنا فيها المرتبة الثانية بالنسبة للحسان ..فال جل
جلله أوصانا أن نحسن لوالدينا ونرعى أقاربنا ..ولو أن كل واحد منا قام بهذه العملية ما وجد
محتاج أو فقير أو مسكين في المجتمع ..وال يريد مجتمعا ل فقر فيه ول حقد ..وهذا ل يتأتى إل
بالتراحم والحسان للوالدين والقارب ..فيكون لكل محتاج في المجتمع من يكفله..
ويقول ال سبحانه " :واليتامى " ..واليتيم هو من فقد أباه وهو طفل لم يبلغ مبلغ الرجال ..هذا في
النسان ..أما في الحيوان فإن اليتيم من فقد أمه ..لن المومة في الحيوان هي الملزمة للطفل،
ولن الب غير معروف في الحيوان ولكن الم معروفة ..اليتيم الذي فقد أباه فقد من يعوله ومن
يسعى من أجله ومن يدافع عنه ..وال سبحانه وتعالى جعل الم هي التي تربي وترعى ..والب
يكافح من أجل توفير احتياجات السرة ..ولكن الحال إنقلب الن ولذلك يقول شوقي رحمه
ال:لَيْسَ الْيَتِيمُ مَنِ انْ َتهَى أَ َبوَاهُ مِنْ هَمّ ا ْلحَيَا ِة وَخَّلفََاهُ ذَلِيلَإِنّ الْيَتِيمَ ُهوَ الّذِي تَ ْلقَى َلهُ ُأمّاَ تَخَّلتْ َأوْ أَباً
شغُولَإن اليتيم يكون منكسرا لنه فقد والده فأصبح ل نصير له ..فإذا رأينا في المجتمع
مَ ْ
السلمي أن كل يتيم يرعاه رعاية الب كل رجال المجتمع ..فذلك يجعل الب ل يخشى أن
يترك إبنه بعد وفاته ..إذن فرعاية المجتمع لليتيم تضمن أول حماية حقه ،لنه إذا كان يتيما وله
مال فإن الناس كلهم يطمعون في ماله ،لنه ل يقدر أن يحميه ..هذه واحدة ..والثانية أن هذا
التكافل ُيذْهِب الحقد من المجتمع ويجعل كل إنسان مطمئنا على أولده..
وقوله سبحانه وتعالى " :والمساكين " ..في الماضي كنا نقول إن المساكين هم الذين ل يملكون
سفِينَةُ
شيئا على الطلق ليقيموا به حياتهم ..إلى أن نزلت الية الكريمة في سورة الكهفَ {:أمّا ال ّ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
َفكَا َنتْ ِل َمسَاكِينَ َي ْعمَلُونَ فِي الْبَحْرِ }[الكهف]79 :
فعرفنا أن المسكين قد يملك.
.ولكنه ل يملك ما يكفيه ..وهذا نوع من التكافل الجتماعي لبد أن يكون موجودا في المجتمع..
حتى يتكافل المجتمع كله ..فأنت إن كنت فقيرا أو مسكينا ويأتيك من رجل غني ما يعينك على
حياتك ..فإنك ستتمنى له الخير لن هذا الخير يصيبك ..ولكن إذا كان هذا الغني ل يعطيك شيئا..
هو يزداد غنى وأنت تزداد فقرا ..تكون النتيجة أن حقده يزداد عليك..
ويقول الحق سبحانه وتعالىَ } :وقُولُواْ لِلنّاسِ حُسْنا { ..كلمة حسنا بضم الحاء ترد بمعنى حسن
بفتح الحاء ..والحسن هو ما حسنه الشرع ..ذلك أن العلماء اختلفوا :هل الحسن هو ما حسّنه
الشرع أو ما حسنه العقل؟ نقول :ما حسنه العقل مما لم يرد فيه نص من تحسين الشرع ..لن
العقل قد يختلف في الشيء الواحد ..هذا يعتبره حسنا وهذا يعتبره قبيحا ..وال تبارك وتعالى
حسَنَ ِة وَجَادِ ْلهُم بِالّتِي ِهيَ َأحْسَنُ }[النحل]125 :
ظةِ الْ َ
ح ْكمَ ِة وَا ْل َموْعِ َ
يقول {:ا ْدعُ إِلَىا سَبِيلِ رَ ّبكَ بِالْ ِ
لةَ
هذا هو معنى قوله تعالىَ } :وقُولُواْ لِلنّاسِ حُسْنا { ..ثم جاء قوله جل جلله } :وََأقِيمُواْ الصّ َ
{ وقد تكلمنا عن معنى إقامة الصلة وما يجعلها مقبولة عند ال .وهناك فرق بين أن تقول
صلوا ..وبين أن تقول أقيموا الصلة ..أقيموا الصلة معناها صلّ ولكن صلة على مستواها الذي
يطلب منك ..وإقامة الصلة كما قلنا هي الركن الذي ل يسقط أبدا عن النسان..
ويقول الحق } :وَآتُواْ ال ّزكَاةَ { ..بالنسبة للزكاة عندما يقول ال سبحانه } :وَذِي ا ْلقُرْبَىا وَالْيَتَامَىا
وَا ْلمَسَاكِينِ { ..نقول أن القارب واليتامى والمساكين لهم حق في الزكاة ماداموا فقراء ..لنحس
جميعا أننا نعيش في بيئة إيمانية متكاملة متكافلة ..يحاول كل منا أن يعاون الخر ..فالزكاة في
الساس تعطي للفقير ولو لم يكن يتيما أو قريبا ..فإن لكل فقير حقوقا ورعاية ..فإذا كان هناك
فقراء أقارب أو يتامى يصبح لهم حقان ..حق القريب وحق الفقير..
وإن كان يتيما فله حق اليتيم وحق الفقير ..بعد أن ذكر الحق سبحانه وتعالى عناصر الميثاق
الثمانية ..قالُ } :ثمّ َتوَلّيْتُمْ { ..تولى يعني أعرض أو لم يُطعْ أو لم يستمع ..يقول الحق سبحانه} :
ثُمّ َتوَلّيْتُمْ ِإلّ قَلِيلً مّ ْنكُ ْم وَأَنْتُمْ ّمعْ ِرضُونَ { ..هذا هو واقع تاريخ بني إسرائيل ..لن بعضهم تولى
ولم يطع الميثاق وبعضهم أطاع..
إن القرآن لم يشن حملة على اليهود ،وإنما شن حملة على المخالفين منهم .ولذلك احترم الواقع
وقالِ } :إلّ قَلِيلً { ..وهذا يقال عنه بالنسبة للبشر قانون صيانة الحتمال..
إن الحق جل جلله يتكلم بإنصاف الخالق للمخلوق ..لذلك لم يقل } ثُمّ َتوَلّيْتُمْ { بل قال إل قليل.
" توليتم " يعني أعرضتم ،ولكن ال تبارك وتعالى يقول } :ثُمّ َتوَلّيْتُمْ ِإلّ قَلِيلً مّ ْن ُك ْم وَأَنْتُمْ ّمعْ ِرضُونَ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{ نريد أن نأخذ الدقة الدائية ..إذا أردنا أن نفسر توليّ ..فمعناها أعرض أو رفض المر ..ولكن
الدقة لو نظرنا للقرآن لوجدنا أنه حين يلتقي المؤمن بالكافر في معركة ..فال سبحانه وتعالى
يقولَ {:ومَن ُيوَّلهِمْ َي ْومَئِذٍ دُبُ َرهُ ِإلّ مُ َتحَرّفا ّلقِتَالٍ َأوْ مُتَحَيّزا إِلَىا فِئَةٍ َفقَدْ بَآءَ ِب َغضَبٍ مّنَ اللّهِ }
[النفال]16 :
إذن فالتولي هو العراض ..والحق سبحانه وتعالى في هذه الية الكريمة بين لنا أن العراض يتم
بنوايا مختلفة ..المقاتل يوم الزحف يعرض أو يتولى ليس بنية الهرب من المعركة ..ولكن بنية أن
يذهب ليقاتل في مكان آخر أو يعاون إخوانه الذين تكاثر عليهم العداء ..هذا إعراض ولكن ليس
بنية الهرب من المعركة ..ولكن بنية القتال بشكل أنسب للنصر..
نفرض أن إنسانا مدين لك رأيته وهو قادم في الطريق فتوليت عنه ..أنت لم تعرض عنه كرها..
ولكن رحمة لنك ل تريد المساس بكرامته ..إذن هناك تولّ أو إعراض ليس بنية العراض .وال
سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أن هؤلء اليهود تولوا بنية العراض ،ولم يتولوا بأي نية
أخرى ..أي أنهم أعرضوا وهم متعمدون أن يعرضوا ..وليس لهدف آخر.
()87 /
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا