Professional Documents
Culture Documents
قوله تعالى { ذاِلكَ[ } ..السجدة ]6 :إشارة إلى تدبير المر من السماء إلى الرض ،ثم متابعة
شهَا َدةِ[ } ..السجدة ]6 :وأنه سبحانه { ا ْلعَزِيزُ
ب وَال ّ
المر ونتائجه ،هذا كله لنه سبحانه { عَاِلمُ ا ْلغَ ْي ِ
الرّحِيمُ } [السجدة ]6 :فالحق سبحانه يُعلّمنا أن المر ل بد أنْ يتابع المأمور.
وقلنا :إن عالم الغيب تعني أنه بالوْلى يعلم الشهادة ،لكن ذكر الحق سبحانه علمه بالشهادة حتى ل
يظن أحد أن ال غَيْب ،فل يعلم إل الغيب ،وقد بيّنّا معنى الشهادة هنا حينما تكلّمنا عن قوْل ال
ل وَ َيعْلَمُ مَا َتكْ ُتمُونَ }[النبياء]110 :
جهْرَ مِنَ ا ْل َقوْ ِ
تعالىَ {:يعْلَمُ ا ْل َ
والجهر أو الشهادة يعني الجهر المختلط حين تتداخل الصوات ،فل تستطيع أنْ تُميّزها ،مع أنها
جهر أمامك وشهادة ،أما الحق سبحانه فيعلم كل صوت ،ويردّه إلى صاحبه ،فعِلْم الجهر هنا أقوى
من علم الغيب.
ومعنى { ا ْلعَزِيزُ[ } ..السجدة ]6 :أي :الذي ل يُغلَب وليُقهر ،فل يلويه أحد من علمه ،ول عن
مراداته في َكوْنه ،ومع عِزّته فهو سبحانه (الرحيم).
()3434 /
الخَلْق إيجاد من عدم بحكمة ،ولغاية ومهمة مرسومة ،وليس عَبَثا هكذا يخلق الشياء كما اتفق،
فالخالق -عز وجل -قبل أنْ يخلق يعلم ما يخلق ،ويعلم المهمة التي سيؤديها؛ لذلك يخلق
سبحانه على مواصفات تحقق هذه الغاية ،وتؤدي هذه المهمة.
وقد يُخيّل لك أن بعض المخلوقات ل مهمةَ لها في الحياة ،أو أن بعضها كان من الممكن أنْ يُخلَق
على هيئة أفضل مما هي عليها.
ونذكر هنا الرجل الذي تأمل في كون ال فقال :ليس في المكان أبدعُ مما كان .والولد الذي رأى
الحداد يأخذ عيدان الحديد المستقيمة ،فيلويها و ُيعْوِجها ،فقال الولد لبيه :لماذا ل يترك الحداد
عيدان الحديد على استقامتها؟ فعلّمه الوالد أن هذه العيدان ل تؤدي مهمتها إل باعوجاجها ،وتأمل
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
مثلً الخطّاف وآلة جمع الثمار من على الشجار ،إنها لو كانت مستقيمة لما أ ّدتْ مهمتها.
وفي ضوء هذه المسألة نفهم الحديث النبوي الذي قال فيه النبي صلى ال عليه وسلم -عن
النساء " :إنهن خُِلقْنَ من ضلع ،وإن أعوج ما في الضلع أعله ،فإنْ ذهبتَ تقيمه كسرته ،وإنْ
تركته لم يَ َزلْ أعوج ،فاستوصوا بالنساء ".
وحين تتأمل الضلوع في قفصك الصدري تجد أنها ل تؤدي مهمتها في حماية القلب والرئتين إل
بهذه الهيئة الم ْعوَجة التي تحنو على أهم عضوين في جسمك ،فكأن هذا العوجاج رأفة وحُنُو
وحماية ،وهكذا مهمة المرأة في الحياة ،ألَ تراها في أثناء الحمل مثلً تترفق بحملها وتحافظ عليه،
وتحميه حتى إذا وضعتْه كانت أشدّ رفقا ،وأكثر حنانا عليه؟
إذن :هذا الوصف من رسول ال ليس سُبّة في حق النساء ،ول إنقاصا من شأنهن؛ لن هذا
العوجاج في طبيعة المرأة هو المتمم لمهمتها؛ لذلك نجد أن حنان المرأة أغلب من استواء عقلها،
ومهمة المرأة تقتضي هذه الطبيعة ،أما الرجل فعقله أغلب ليناسب مهمته في الحياة ،حيث يُنَاط به
العمل وترتيب المور فيما وُلّي عليه.
إذن :خلق ال كلً لمهمة ،وفي كل مِنّا مهما كان فيه من نقص ظاهر -مَيْزة يمتاز بها ،فالرجل
الذي تَراه ل عقلَ له ول ذكاءَ عنده تقول :ولماذا خلق ال مثل هذا؟ لكن تراه قويّ البنية ،يحمل
من الثقال والمشاقّ ما ل تتحمله أنت ،والرجل القصير مثلً ،ترى أنت عيبه في ِقصَر قامته ،لكن
يراها غيرك ميزة من مزاياه ،وربما استدعاه للعمل عنده لهذه الصفة فيه.
وحين تتأمل مثلً عملية التعليم ،وتقارن بين أعداد التلميذ في المرحلة البتدائية ،وكم منهم يصل
إلى مرحلة التعليم العالي .وكم منهم يتساقطون في الطريق؟ ولو أنهم جميعا أخذوا شهادات عليا
لما استقام الحال ،وإلّ فمَر للمهن المتواضعة والحرف وغيرها.
إذن :ل بُدّ أنْ يوجد هذا التفاوت؛ لن العقل الواحد يحتاج إلى آلف ينفذون خطته ،وقيمة كل
امرئ ما يُحسنه مهما كان عمله.
لذلك قلنا :إنه ل ينبغي لحد أنْ يتعالى على أحد؛ لنه يمتاز عنه في شيء ما ،إنما ينظر فيما
يمتاز به غيره؛ لن الخالق عز وجل وزّع المواهب بين الخَلْق جميعا ،ويكفي أن تقرأ قول الحق
عسَىا أَن َيكُونُواْ خَيْرا مّ ْنهُمْ[} ...الحجرات:
سخَرْ َقوْمٌ مّن َقوْمٍ َ
سبحانه {:ياأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُو ْا لَ يَ ْ
]11
شيْءٍ خََلقَهُ[ { ..السجدة ]7 :لن لكل مخلوق مهمة مُهيّأ لها ،وتعجب
فال تعالى } :الّذِي َأحْسَنَ ُكلّ َ
من تصاريف القدر في هذه المسألة فتجد أخوين ،يعمل أحدهما في العطور ،ويعمل الخر في
الصرف الصحي ،وتجد هذا راضيا بعمله ،وهذا راضٍ بعمله.
حتى أنك تجد الناس الذين خلقهم ال على شيء من النقص أو الشذوذ حين يرضى الواحد منهم
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
بقسمة ال له وقدره فيه يسود بهذا النقص ،أو بهذا الشذوذ ،وبعضنا لحظ مثلً الكتع إذا ضرب
شخصا بهذه اليد الكتعاء ،كم هي قوية! وكم يخافه الناس لجل قوته! وربما يجيد من العمال ما
ل يجيده الشخص السوّي.
ن قلتَ :إذا كان الخالق سبحانه أحسن كل شيء خلقه ،فما بال الكفر ،خلقه ال وما يزال
فإ ْ
موجودا ،فأيّ إحسان فيه؟
نقول :وال لول طغيان الكافرين ما عشق الناسُ اليمانَ ،كما أنه لول وجود الظلم والظالمين لما
طعْم العدل .إذن :فالحق سبحانه يخلق الشيء ،ويخلق من ضده دافعا له.
شعر الناس ب َ
ق الِنْسَانِ مِن طِينٍ { [السجدة ]7 :فالنسان الذي كرّمه ال على سائر
ثم يقول سبحانه } :وَبَدَأَ خَ ْل َ
المخلوقات بدأه ال من الطين ،وهو أدنى أجناس الوجود ،وقلنا :إن جميع الجناس تنتهي إلى
خدمة النسان .الحيوان وهو أقربها للنسان ،ثم النبات ،ثم الجماد ،ومن الجماد خُلِق النسان.
وقد عوّض ال عز وجل الجماد الخادم لباقي الجناس حين أمر النسان المكرّم بأن يُقبّله في
فريضة كُتبت عليه مرة واحدة في العمر ،وهي فريضة الحج ،فأمره أن يُقبّل الحجر السود ،وأنْ
يتعبد ل تعالى بهذا التقبيل؛ لذلك يتزاحم الناس على الحجر ،ويتقاتلون عليه ،وهو حجر ،وهم
بشر كرّمهم ال ،وما ذلك إل ليكسر التعالي في النفس النسانية ،فل يتعالى أحد على أحد.
وسبق أنْ بيّنا أن المغرضين الذين يحبون أنْ يستدركوا على كلم ال قالوا :إن ال تعالى قال في
مسألة الخَلْق مرة{ مّن مّآءٍ[} ...المرسلت ]20 :ومرة{ مِن تُرَابٍ[} ...الكهف ]37 :ومرة{ مّن
حمَإٍ مّسْنُونٍ }[الحجر:
طِينٍ }[المؤمنون ]12 :ومرة{ مِن صَ ْلصَالٍ[} ...الحجر ]33 :ومرة{ مّنْ َ
..]26الخ ،فأيّ هذه العناصر أصل للنسان؟
وقلنا :إن هذه مراحل مختلفة للشيء الواحد ،والمراحل ل تقتضي النية الولية ،فالماء والتراب
يُكوّنان الطين ،فإذا تُرك الطين حتى تتغير رائحته فهو الحمأ المسنون ،فإذا تُرك حتى يجفّ
ن تقول :إن النسان خُلِق من
ويتجمد فهو الصلصال ،فهذه العناصر ل تعارض بينها ،ويجوز لك أ ْ
ماء ،أو من تراب ،أو من طين.
..إلخ.
والمراد هنا النسان الول ،وهو سيدنا آدم -عليه السلم -ثم أخذ ال سللته من ماء مهين،
والسللة هي خلصة الشيء ،فالخالق سبحانه خلقنا أولً من الطين ،ثم جعل لنا الزواج والتناسل
الذي نتج عنه رجال ونساء.
ن تفهم أنني
ثم يحتفظ الخالق سبحانه لنفسه بطلقة القدرة في هذه المسألة ،وكأنه يقول لك :إياك أ ْ
ل أخلق إل بالزوجية ،إنما أنا أستطيع أنْ أخلق بل زوجية كما خلقْتُ آدم ،وأخلق من رجل بل
امرأة كما خلقتُ حواء ،وأخلق من امرأة بل رجل كما خلقتُ عيسى عليه السلم.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وقد تتوفر علقة الزوجية ويجعلها ال عقيما ل ثمرةَ لها ،وهكذا تناولت طلقة القدرة كل ألوان
سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ يَخُْلقُ مَا يَشَآءُ َي َهبُ
القسمة العقلية في هذه المسألة ،واقرأ إنْ شئتَ {:لِلّهِ مُ ْلكُ ال ّ
عقِيما إِنّهُ
ج َعلُ مَن َيشَآءُ َ
جهُمْ ُذكْرَانا وَإِنَاثا وَ َي ْ
ِلمَن يَشَآءُ إِنَاثا وَ َي َهبُ ِلمَن َيشَآءُ ال ّذكُورَ * َأوْ يُ َزوّ ُ
عَلِيمٌ َقدِيرٌ }[الشورى]50-49 :
إذن :هذه مسألة طلقة قدرة للخالق سبحانه ،وليست عملية (ميكانيكية) ،لنها هِبَة من ال{ َي َهبُ
ِلمَن يَشَآءُ إِنَاثا[} ...الشورى ]49 :ولحظ أن ال قدّم هنا الناث ،وهم الجنس الذي ل يفضّله
الناس أن يُولد لهم ،ولكن تجد الذي يرزقه ال بالبنت فيفرح بها ،ويعلم أنها هِبَة من ال يُعوّضه
ال بزوج لها يكون أطوعَ له من ولده.
كما أنه لو رضي صاحب ال ُعقْم ب ُعقْمه ،وعلم أنه هِبَة من ال َلعّوضه ال في أبناء الخرين ،وشعر
أنهم جميعا أبناؤه ،ولماذا نقبل هبة ال في الذكور وفي الناث ،ول نقبل العقم ،وهو أيضا هبة
ال؟
ن يقتل أباه ،ومَنْ يقتل أمه؟ إذن :المسألة تحتاج منّا إلى الرضا
ثم ألستَ ترى من الولد مَ ْ
والتسليم واليمان بأن ال ُعقْم هبة ،كما أن النجاب هبة.
ثم إن خَلْق النسان الول وهو آدم عليه السلم من طين جاء من البداية على صورته التامة
الكاملة ،فخلقه ال رجلً مستويا ،فلم يكُنْ مثلً طفلً ثم كبر وجرتْ عليه سنة التطور ،ل إنما خلقه
ال على صورته ،أي :على صورة آدم.
والبعض يقول :خلق ال آدم على صورته أي على صورة الحق ،فالضمير يعود إلى ال تعالى،
والمراد :على صورة الحق ل على حقيقة الحق ،فال تعالى حيّ َيهَب من حياته حياة ،وال قوي
يهب من قوته قوة ،وال غنيّ يهب من غِنَاه غِنَي ،وال عليم يَهبُ من علمه علما.
لذلك قيل " :تخلّقوا بأخلق ال "؛ لنه سبحانه وهبكم صفات من صفات تجلّيه ،وقد وهبكم هذه
الصفات ،فاجعلوا للصفة فيكم مزية وتخلّقوا بها ،فمثلً كُنْ قويا على الظالم ،ضعيفا متواضعا
حمَآءُ بَيْ َن ُهمْ} ...
للمظلوم ،على حَ ّد قول ال تعالى في صفات المؤمنينَ {:أشِدّآءُ عَلَى ا ْل ُكفّارِ رُ َ
[الفتح]29 :
وقال {:أَذِلّةٍ عَلَى ا ْل ُمؤْمِنِينَ أَعِ ّزةٍ عَلَى ا ْلكَافِرِينَ[} ...المائدة]54 :
وهذه الصفات المتناقصة تجتمع في المؤمن؛ لنه ليس له طبع واحد ،إنما الموقف والتكليف هو
الذي يصبغه ويلويه إلى الصفة المناسبة.
صدْق القرآن في هذه الحقيقة ،وهي خَلْق النسان من
وقلنا :إن علماء التحاليل في معاملهم أثبتوا ِ
طين حينما وجدوا أن العناصر المكوّنه لجسم النسان هي ذاتها العناصر الموجودة في التربة،
وعددها 16عنصرا ،أقواها الكسوجين ،ثم الكربون ،ثم الهيدروجين ،ثم النيتروجين ،ثم
الصوديوم ،ثم الماغنسيوم ،ثم البوتاسيوم..الخ.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
()3435 /
النسل هو النجال والذرية ،والسللة :خلصة الشيء تُسلّ منه كما يُسلّ السيف من غمده،
فالسللة هي أجود ما في الشيء ،ولذلك نقول :فلن من سللة كذا ،وفلن سليل المجد .يعني :في
مقام المدح .حتى في الخيل يحتفظون لها بسللت معروفة أصيلة ويُسجلون لها شهادات ميلد
تثبت أصالة سللتها.
هذا النسل وهذه السللة خلقها ال من ماء ،وهو منيّ الرجل وبويضة المرأة.
هذا الماء وصفه ال بأنه { ّمهِينٍ } [السجدة ]8 :لنه يجري في مجرى البول ،ويذهب مذهبه إذا لم
يصل إلى الرحم ،وفي هذا الماء المهين عجائب ،ويرحم ال العقاد حين قال :إن أصول ذرات
العالم كله يمكن أن تُوضع في نصف كستبان الخياطة ،وتأمل كم يقذف الرجل في المرة الواحدة
من هذا المقدار؟ إذن :المسألة دقة تكوين وعظمة خالق ،ففي هذه الذرة البسيطة خصائص إنسان
كامل ،فهي تحمل :لونه ،وجنسه ،وصفاته..الخ.
وسبق أن قلنا في عالم الذر :إن في كل منا ذرة وجزيئا حيا من لَدُنْ أبيه آدم عليه السلم.
سوّا ُه وَ َنفَخَ فِيهِ.} ...
ثم يقول الحق سبحانهُ { :ثمّ َ
()3436 /
شكُرُونَ ()9
سمْ َع وَالْأَ ْبصَا َر وَالَْأفْئِ َدةَ قَلِيلًا مَا َت ْ
ج َعلَ َلكُمُ ال ّ
ح ِه وَ َ
سوّاهُ وَ َنفَخَ فِيهِ مِنْ رُو ِ
ثُمّ َ
سوّيْتُهُ
وهذه التسوية كانت أولً للنسان الول الذي خلقه ال من الطين ،كما قال سبحانه {:فَإِذَا َ
جدِينَ }[الحجر ]29 :وقد مَرّ آدم -عليه السلم -في هذه
ختُ فِيهِ مِن رّوحِي فَ َقعُواْ لَهُ سَا ِ
وَنَفَ ْ
التسوية بالمراحل التي ذكرت ،كذلك المر في سللته يُسوّيها الخالق -عز وجل -وتمر بمثل
هذه المراحل :من نطفة ،ثم من علقة ،ثم من مضغة..الخ ،ثم تُنفخ فيه الروح.
وإذا كان النسان لم يشهد كيفية خَلْقه ،فإن ال تعالى يجعل من المشَاهد لنا دليلً على ما غاب
عَنّا ،فإنْ كنّا لم نشهد الخَلْق فقد شاهدنا الموت ،والموت َت ْقضٌ للحياة وللخَلْق ،ومعلوم أن َنقْض
الشيء يأتي على عكس بنائه ،فإذا أردنا مثلً هدم عمارة من عدة أدوار فإن آخر الدوار بناءً هو
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أول الدوار هدما.
كذلك الحال في الموت ،أول شيء فيه خروج الروح ،وهي آخر شيء في الخَلْق ،فإذا خرجت
الروح تصلّب الجسد ،أو كما يقولون (شضّب) ،وهذه المرحلة أشبه بمرحلة الصلصالية ،ثم يُنتن
وتتغير رائحته ،كما كان في مرحلة الحمأ المسنون ،ثم يتحلل هذا الجسد ويتبخر ما فيه من مائية،
وتبقى بعض العناصر التي تتحول إلى تراب ليعود إلى أصله الول.
إذن :خُ ْذ من رؤيتك للموت دليلً على صِدْق ربك -عز وجل -فيما أخبرك به من أمر الخَلْق
الذي لم تشهده.
لفْئِ َدةَ[ } ..السجدة ]9 :سبق أن تكلمنا عن هذه
سمْ َع وَالَبْصَا َر وَا َ
ج َعلَ َلكُمُ ال ّ
وقوله تعالى { :وَ َ
العضاء ،وقد قرر علماء وظائف العضاء مهمة كل عضو وجارحة ،ومتى تبدأ هذه الجارحة
في أداء مهمتها ،وأثبتوا أن الذن هي الجارحة الولى التي تؤدي مهمتها في الطفل ،بدليل أنك إذا
ت أصبعك أمام عين الطفل بعد ولدته ل (يرمش) ،في حين يفزع إنْ أحدثت َ بجواره
وضع َ
صوتا :ذلك لنه يسمع بعد ولدته مباشرة ،أما الرؤية فتتأخر من ثلثة إلى عشرة أيام.
لذلك كانت حاسة السمع هي المصاحبة للنسان ،ول تنتهي مهمتها حتى في النوم ،وبها يتم
الستدعاء ،أما العين فل تعمل أثناء النوم.
وهذه المسألة أوضحها الحق سبحانه في قصة أهل الكهف ،فلما أراد الحق سبحانه أنْ يُنيم أهل
الكهف هذه المدة الطويلة ،والكهف في صحراء بها أصوات الرياح والعواصف والحيوانات
المتوحشة؛ لذلك ضرب ال على آذانهم وعطّل عندهم هذه الحاسة كما قال سبحانهَ {:فضَرَبْنَا
عَلَىا آذَا ِنهِمْ فِي ا ْل َك ْهفِ سِنِينَ عَدَدا }[الكهف.]11 :
إذن :الذن هي أول العضاء أدا ًء لمهمتها ،ثم العين ،ثم باقي العضاء ،وآخرها عملً
ل إلى الربعين درجة ،ونراه يجري ويلعب دون أن
العصاب ،بدليل أن الطفل تصل حرارته مث ً
يشعر بشيء ،لماذا؟ لن جهازه العصبي لم ينضج َبعْد ،فل يشعر بهذه الحرارة.
لذلك نجد دائما القرآن يُقدّم السمع على البصر ،ويتقدم البصرَ إل في آية واحدة هي قوله تعالى{:
س ِمعْنَا[} ...السجدة ]12 :لنها تصور مشهدا من مشاهد القيامة وفيه يفاجأ الكفار بأهوال
أَ ْبصَرْنَا وَ َ
القيامة ،ويأخذهم المنظر قبل أنْ يسمعوا الصوت حين ينادي المنادي.
سمْعَ
ومن عجائب الداء البياني في القرآن أن كلمة أسماع يقابلها أبصار ،لكن المذكور هنا } :ال ّ
وَالَبْصَارَ[ { ..السجدة ]9 :فالسمع مفرد ،والبصار جمع ،فلماذا أفرد السمع وجمع البصر؟
قالوا :لن الذن ليس لها غطاء يحجب عنها الصوات ،كما أن للعين غطاءً يُسْدل عليه ويمنع
عنها المرئيات ،فإن فهو سمع واحد لي ولك وللجميع ،الكل يسمع صوتا واحدا ،أما المرئيات
فمتعددة ،فما تراه أنت قد ل أراه أنا.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سمْعَ
ولم ي ْأتِ البصر مفردا -في هذا السياق -إل في موضع واحد هو قوله تعالى {:إِنّ ال ّ
سؤُولً }[السراء ]36 :ذلك لن الية تتكلم عن
وَالْ َبصَرَ وَا ْل ُفؤَادَ ُكلّ أُولـا ِئكَ كَانَ عَ ْنهُ مَ ْ
ن يكون واحدا.
المسئولية ،والمسئولية واحدة ذاتية ل تتعدى ،فل ُبدّ أ ْ
ومن المناسب أن يذكر الحق سبحانه السمع والبصار والفئدة بعد الحديث عن مسألة الخَلْق؛ لن
النسان يُولَد من بطن أمه ل يعلم شيئا ،وبهذه العضاء والحواس يتعلّم ويكتسب المعلومات
سمْعَ
ج َعلَ َل ُكمُ الْ ّ
جكُم مّن ُبطُونِ ُأ ّمهَا ِتكُمْ لَ َتعَْلمُونَ شَيْئا َو َ
والخبرات كما قال سبحانه {:وَاللّهُ أَخْ َر َ
شكُرُونَ }[السراء]78 :
لفْئِ َدةَ َلعَّلكُمْ تَ ْ
وَالَبْصَا َر وَا َ
إذن :فهذه العضاء ضرورية لوجود النسان الخليفة في الرض ،وبها يتعايش مع غيره ،ول ُبدّ
له من اكتساب المعلومات ،وإلّ فكيف سيتعايش مع بيئته؟
وقلنا :إن النسان لكي يتعلم ل بُدّ له من استعمال هذه الحواس المدركة ،كل منها في مناطه،
فاللسان في الكلم ،والعين في الرؤية ،والذن في السمع ،والنف في الشم ،والنامل في اللمس.
وقلنا :إن هذه الحواس هي أمهات الحواس المعروفة ،حيث عرفنا فيما بعد حواسّ أخرى؛ لذلك
احتاط العلماء لهذا التطور ،فأطلقوا على هذه الحواس المعروفة اسم " الحواس الظاهرة " ،وبعد
سمْكه ،وحاسة العضل التي نعرف بها الثقل.
ذلك عرفنا حاسة البَيْن التي نعرف بها رقّة القماش و ُ
إذن :حينما يُولَد النسان يحتاج إلى هذه الحواس ليتعايش بها ويدرك ويتفاعل مع المجتمع الذي
يعيش فيه ،ولو أن النسان يعيش وحده ما احتاج مثلً لنْ يتكلم ،لكنه يعيش بطبيعته مع الجماعة،
فل بُدّ له أن يتكلم ليتفاهم معهم ،وقبل ذلك ل بُدّ له أنْ يسمع ليتعلم الكلم.
وعرفنا سابقا أن اللغة وليدة السماع ،فالطفل الذي يُولَد في بيئة عربية ينطق بالعربية ،والذي
يعيش في بيئة إنجليزية ينطق النجليزية وهكذا ،فما تسمعه الذن يحكيه اللسان ،فإذا لم تسمع
الذن ل ينطق اللسان.
صمّ ُبكْمٌ[} ...البقرة ]18 :أن ال َبكَم وهو
لذلك سبق أن قلنا في سورة البقرة في قول ال تعالىُ {:
عدم الكلم نتيجة الصمم ،وهو عدم السماع ،فالسمع -إذن -هو أول مهمة في النسان ،وهو
الذي يعطيني الرضية الولى في حياتي مع المجتمع من حولي.
ومعلوم أن تعلّم القراءة مثلً يحتاج إلى معلم أسمع منه النطق ،فهذه ألف ،وهذه باء ،هذه فتحة،
وهذه ضمة..الخ ،فإذا لم أسمع ل أستطيع النطق الصحيح ،ول أستطيع الكتابة.
وبالسماع يتم البلغ عن ال من السماء إلى الرض؛ لذلك تقدّم ِذكْر السمع على ِذكْر البصر.
والحق سبحانه لما تكلّم عن السمع بهذه الصورة قال :أنا سأُسْمع أسماء الشياء ،فهذه أرض ،وهذه
سماء..الخ ،لذلك حينما نُعلّم التلميذ نقول له :هذه عين ،وهذه أذن.
وبعد أنْ يتعلم التلميذ من مُعلّمه القراءة يستطيع بعد ذلك أنْ يقرأ بذاته ،فيحتاج إلى حاسّة البصر
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
في مهمة القراءة ،فإذا أتم تعليمه واستطاع أن يصحح قراءته بنفسه ،واختمرت عنده المعلومات
التي اكتسبها بسمعه وبصره استطاع أنْ يقرأ أشياء أخرى غير التي قرأها له معلمه ،واستطاع أن
يربي نفسه ويُعلّمها حتى تتكون عنده خلية علمية يستحدث من خللها أشياء جديدة ،ربما ل
لفْئِ َدةَ[ { ..السجدة]9 :
سمْعَ وَالَ ْبصَا َر وَا َ
ج َعلَ َل ُكمُ ال ّ
يعرفها معلمه ،وهذه مهمة الفؤاد } َو َ
فالمعاني تتجمع بهذه الحواس ،حتى يصير النسان سَويا لديه الملَكة التي يتعلم بها ،ثم يُعلّم هو
غيره.
واللغة المنطوقة ل تُتعلّم إلبالسماع ،فأنا سمعت من أبي ،وأبي سمع من أبيه ،وتستطيع أنْ تسلسل
ن قلتَ :فممّنْ سمع آدم؟ نقول :سمع
هذه المسألة لتصل إلى آدم عليه السلم أبي البشر جميعا ،فإ ْ
ضهُمْ عَلَى ا ْلمَلَ ِئكَةِ َفقَالَ أَنْبِئُونِي
سمَآءَ كُّلهَا ُثمّ عَ َر َ
ال حينما علّمه السماء كلها {:وَعَلّمَ آ َد َم الَ ْ
سمَآءِ هَـاؤُلءِ إِن كُنْ ُت ْم صَا ِدقِينَ }[البقرة]31 :
بِأَ ْ
وهذا أمر منطقي؛ لن اللغة المسموعة بالذن ل يمكن لحد اختراعها ،ومع ذلك يوجد مَنْ
خلَ لنا فيها .بمعنى :أننا ل
يعترض على هذه المسألة ،يقول :هذا يعني أن اللغة توقيفية ،ل د ْ
نستحدث فيها جديدا.
ونقول :نعم ،اللغة أمر توقيفي ،لكن أعطى ال آدم السماء وعلّمه إياها ،وبهذه السماء يستطيع
أنْ يتفاهم على وضع غيرها من السماء في المعلومات التي تستجد في حياته.
وإل ،فكيف سمّينْا (الراديو والتليفزيون..الخ) وهذه كلها مُستجدات ل بُدّ لها من أسماء ،والسم ل
ن يوجد مُسمّاة ،وهذه مهمة المجامع اللغوية التي تقرر هذه السماء ،وتوافق على
يوجد إل بعد أ ْ
استخدامها ،وقد اصطلح المَجْمع على تسمية الهاتف :مسرة .والتليفزيون :تلفاز..الخ.
إذن :أتينا بهذه اللفاظ واتفقنا عليها؛ لنها تعبر عن المعاني التي نريدها ،وهذه اللفاظ وليدة
السماء التي تعلمها آدم عليه السلم ،فاللغة بدأت توقيفية ،وانتهت وضعية.
شكُرُونَ { [السجدة ]9 :دليل على أن هذه النعم تستوجب
وقوله تعالى بعد هذه النعم } :قَلِيلً مّا تَ ْ
الشكر ،لكن قليل منّا مَنْ يشكر ،وكان ينبغي أن نشكر المنعم كلما سمعنا ،وكلما أبصرنا ،وكلما
عملتْ عقولنا وتوصلتْ إلى جديد.
لذلك ،كان شكر المؤمن لربه ل ينتهي ،كما أن أعياده وفرحته ل تنتهي ،فنحن مثلً نفرح يوم عيد
الفطر بفطرنا وبأدائنا للعبادة التي فرضها ال علينا ،وفي عيد الضحى نفرح؛ لن سيدنا إبراهيم
-عليه السلم -تحمّل عنّا الفداء بولده ،لكي يعفينا جميعا من أنْ يفدي كل منّا ،ويتقرب إلى ال
بذبح ولده ،وإل لكانت المسألة شاقة علينا؛ لذلك نفرح في عيد الضحى ،ونذبح الضاحي ،ونؤدي
النّسُك في الحج.
وما دام المؤمن ينبغي له أن يفرح بأداء الفرائض وعمل الطاعات ،فلماذا ل نفرح كلما صلّينا أو
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
صمْنا أو زكّيْنا؟ لماذا ل نفرح عندما نطيع ال بعمل المأمورات ،وترْك المنهيات؟ لماذا ل نفرح
ُ
في الدنيا حتى يأتي يوم الفرح الكبر ،يوم تتجمع حصيلة هذه العمال ،وننال ثوابها الجنة
ونعيمها؟
عمِلُواْ الصّالِحَاتِ َيهْدِيهِمْ رَ ّب ُهمْ بِإِيمَا ِنهِمْ َتجْرِي مِن
واقرأ إن شئت قول ربك {:إِنّ الّذِينَ آمَنُو ْا وَ َ
عوَاهُمْ أَنِ
ل ٌم وَآخِرُ دَ ْ
عوَا ُهمْ فِيهَا سُ ْبحَا َنكَ الّلهُ ّم وَ َتحِيّ ُتهُمْ فِيهَا سَ َ
تَحْ ِتهِمُ الَ ْنهَارُ فِي جَنّاتِ ال ّنعِيمِ * دَ ْ
ح ْمدُ للّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ }[يونس]10-9 :
الْ َ
()3437 /
معنى { ضَلَلْنَا فِي الَ ْرضِ[ } ..السجدة ]10 :أي :غِبْنا فيها ،واندثرتْ ذراتنا ،بحيث ل نعرف أين
ذهبت ،وإلى أيّ شَيء انتقلت ،إلى حيوان أم إلى نبات؟ إذا حدث هذا { أَئِنّا َلفِي خَ ْلقٍ جَدِيدٍ} ..
[السجدة ]10 :يعني :أيخلقنا ال من جديد مرة أخرى؟
والحق سبحانه يرد عليهمَ { :بلْ هُم بَِلقَآءِ رَ ّب ِهمْ كَافِرُونَ } [السجدة ]10 :بل تفيد الضراب عن
كلمهم السابق ،وتقرير حقيقة أخرى ،هي أنهم ل ينكرون البعث والحشر ،إنما ينكرون لقاء ال
{ َبلْ هُم بَِلقَآءِ رَ ّبهِمْ كَافِرُونَ } [السجدة ]10 :لن مسألة الحشر مستحيل أنْ ينكروها؛ لن الدليل
عليها واضح.
ل ّولِ َبلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ }[ق ]15 :والذي خلق من
قاَ
كما قال سبحانهَ {:أ َفعَيِينَا بِا ْلخَلْ ِ
العدم أولً قادر على العادة من موجود ،لن ذراتك وخاماتك موجودة ،فالعادة أسهل من ال َبدْء؛
لذلك قال سبحانه {:وَ ُهوَ الّذِي يَبْ َدؤُاْ الْخَ ْلقَ ثُمّ ُيعِي ُد ُه وَ ُهوَ أَ ْهوَنُ عَلَيْهِ[} ...الروم]27 :
حدّ ذاته ،إنما للقاء ال وللحساب ،لكنهم ينكرون البعث؛ لنه يؤدي
إذن :تكذيبهم ليس للبعث في َ
إلى لقاء ال ،وهم يكرهون لقاء ال ،فينكرون المسألة من بدايتها.
()3438 /
جعُونَ ()11
ُقلْ يَ َت َوفّاكُمْ مََلكُ ا ْل َموْتِ الّذِي ُو ّكلَ ِبكُمْ ُثمّ إِلَى رَ ّبكُمْ تُ ْر َ
تلحظ هنا أنهم يتكلمون عن البعث{ َوقَالُواْ أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الَ ْرضِ أَئِنّا َلفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ[} ...السجدة:
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
]10ومعلوم أن البعث إيجاد حياة ،فإذا بالقرآن يُحدّثهم عن الوفاة ،وهي ن ْقضٌ للحياة ،ليُذكّرهم
بهذه الحقيقة.
ومعنى { يَ َت َوفّاكُم[ } ..السجدة ]11 :من توفيت دَيْنا من المدين .أي :أخذتهُ كاملً غيرَ منقوص،
والمراد هنا الموت ،والتوفّي يُنسَب مرة إلى ال عز وجل {:اللّهُ يَ َت َوفّى الَنفُسَ حِينَ َموْتِـهَا }
[الزمر]42 :
ويُنسَب لملك الموت{ ُقلْ يَ َت َوفّاكُم مَّلكُ ا ْل َم ْوتِ الّذِي ُو ّكلَ ِبكُمْ[} ...السجدة ]11 :ويُنسب إلى أعوانه
ح َدكُمُ ا ْل َم ْوتُ َت َوفّتْهُ رُسُلُنَا وَ ُه ْم لَ ُيفَرّطُونَ }[النعام]61 :
من الملئكة{ حَتّىا إِذَا جَآءَ أَ َ
لن مسألة الموت أمرها العلى بيد الخالق سبحانه ،فهو وحده واهب الحياة ،وهو وحده صاحب
المر في َنقْضها وسَلْبها من صاحبها؛ لذلك حرّم ال القتل ،وجعل القاتل ملعونا؛ لنه يهدم بنيان
ال ،فإذا قدّر ال على إنسان الموت إذِن لملَك الموت في ذلك ،وهو عزرائيل.
إذن :هذه المسألة لها مراحل ثلث :التوفّي من ال يأمر به عزرائيل ،ثم يأمر عزرائيلُ ملئكته
الموكّلين بهذه المسألة ،ثم ينفذ الملئكةُ هذا المر.
سلُنَا[} ...النعام ]61 :أي :أخذتْه كاملً ،فلم ي ُقلْ :أعدمتُه مثلً؛ لذلك نقول
وتأمل لفظة{ َت َوفّتْهُ رُ ُ
قُبضت روحه أي :ذهبتْ إلى حيث كانت قبل أن تُنفخ فيه ،ذهبت إلى المل العلى ،ثم تحلّل
الجسد وعاد إلى أصله ،وذاب في الرض ،جزئية هنا وجزئية هناك ،كما قالوا {:أَ ِئذَا ضَلَلْنَا فِي
الَ ْرضِ أَئِنّا َلفِي خَ ْلقٍ جَدِيدٍ[} ...السجدة]10 :
فالذي يُتوفّى لم يُعدم ،إنما هو موجود وجودا كاملً ،روحه وجسده ،وال قادر على إعادته يوم
القيامة؛ لذلك لم ي ُقلْ أعدمنا .وهذه المسألة تحلّ لنا إشكالً في قصة سيدنا عيسى -عليه السلم -
ك وَرَا ِف ُعكَ إَِليّ[} ...آل عمران]55 :
فقد قال ال فيهِ {:إذْ قَالَ اللّهُ ياعِيسَىا إِنّي مُ َت َوفّي َ
فالبعض يقول :إنه عليه السلم تُوفّي أولً ،ثم رفعه ال إليه .والصواب أن واو العطف هنا تفيد
ت قول الحق سبحانه وتعالى {:وَإِذْ َأخَذْنَا
مطلق الجمع ،فل تقتضي ترتيبا ول تعقيبا ،واقرأ إنْ شئ َ
ح وَإِبْرَاهِي َم َومُوسَىا وَعِيسَى ابْنِ مَرْ َيمَ[} ...الحزاب]7 :
ك َومِن نّو ٍ
مِنَ النّبِيّيْنَ مِيثَا َقهُ ْم َومِ ْن َ
والخطاب هنا للنبي محمد صلى ال عليه وسلم ونوح عليه السلم قبله.
فالمعنى هنا أن ال تعالى قدّم الوفاة على الرفع ،حتى ل يظن أحد أن عيسى -عليه السلم -تبرأ
من الوفاة ،فقدّم الشيء الذي فيك شكّ أو جدال ،وما دام قد توفّاه ال فقد أخذه كاملً غير منقوص،
وهذا يعني أنه لم ُيصْلَب ولم يُقتل ،إنما رفعه ال إليه كاملً.
وقوله تعالىُ { :قلْ يَ َت َوفّاكُم مَّلكُ ا ْل َموْتِ[ } ..السجدة ]11 :جاءت ردّا على قولهم {:أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي
الَ ْرضِ أَئِنّا َلفِي خَ ْلقٍ جَدِيدٍ[} ...السجدة ]10 :فالحق الذي قال أنا خلقتُ النسان لم ي ُقلْ وأنا
سأعدمه إنما سأتوفاه ،فهو عندي كاملٌ بروحه وبذراته التكوينية ،والذي خلق في البَدْء قادر على
العادة ،وجمع الذرات التي تشتتت.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وقوله عن ملك الموت { الّذِي ُو ّكلَ ِبكُمْ[ } ..السجدة ]11 :أي :يرقبكم ول يغفل عنكم ،يلزمكم
ول ينصرف عنكم ،بحيث ل مهربَ منه ول فكَاك ،كما قال أهل المعرفة :الموت سهم انطلق إليك
سمّيت مصيبة
فعلً ،وعمرك بمقدار سفره إليك ،فهو واقع ل محالة .كما قلنا في المصيبة وأنها ما ُ
إل أنها ستصيبك ل محالة.
جعُونَ } [السجدة ]11 :أي :يوم القيامة.
وقوله { :ثُمّ إِلَىا رَ ّبكُمْ تُ ْر َ
ثم يقول الحق سبحانه { :وََلوْ تَرَىا ِإذِ ا ْلمُجْ ِرمُونَ.} ...
()3439 /
ل صَالِحًا إِنّا
جعْنَا َن ْع َم ْ
س ِمعْنَا فَارْ ِ
س ِهمْ عِنْدَ رَ ّب ِهمْ رَبّنَا أَ ْبصَرْنَا وَ َ
وََلوْ تَرَى ِإذِ ا ْلمُجْ ِرمُونَ نَاكِسُو رُءُو ِ
مُوقِنُونَ ()12
تصوّر لنا هذه الية مشهدا من مشاهد يوم القيامة ،يوم يُساق المجرم ذليلً إلى ما يستحق من
العذاب ،كأنْ ترى مجرما مثلً تسوقه الشرطة وهو مُكبّل بالقيود يذوق الهانة والمذلّة ،فتشفى
نفسك حين تراه ينال جزءاه بعد أنْ أتعب الدنيا وأداخ الناس.
وفي هذا المشهد يخاطب الحق سبحانه نبيه صلى ال عليه وسلم ،وهو أول مخاطب ،ثم يصبح
سهِمْ عِندَ رَ ّبهِمْ[ } ..السجدة ]12 :أي :حالة
خطابا لمته { :وََلوْ تَرَىا إِذِ ا ْلمُجْ ِرمُونَ نَاكِسُواْ رُءُو ِ
وجودهم أنهم ناكسو رءوسهم .وتقدير جواب الشرط :لرأيتَ أمرا عجيبا يشفى صدرك مما فعلوه
بك.
ونلحظ في هذا السلوب دقة الداء في قوله تعالى { :وََلوْ تَرَى[ } ..السجدة ]12 :فلم يقل مثلً:
ولو تعلم؛ لن إخبار ال كأنه رؤيا العين ،فحين يخبرك ال بأمر ،فاعلم أنه أصدق من عينك حين
ترى؛ لن عينك قد تخدعك ،أما إخبار ال لك فهو الحق.
جعْل العلى أسفل ،والرأس دائما في
سهِمْ[ } ..السجدة ]12 :النكس هو َ
ومعنى { نَا ِكسُواْ ُرءُو ِ
النسان أعلى شيء فيه.
وقد وردتْ هذه المادة في قوله تعالى في قصة إبراهيم عليه السلم حين حطم الصنام ،وعلّق
طقُونَ }[النبياء]65 :
سهِمْ َلقَدْ عَِل ْمتَ مَا هَـاؤُلءِ يَن ِ
الفأس على كبيرهم {:ثُمّ ُنكِسُواْ عَلَىا ُرءُو ِ
فبعد أنْ عادوا إلى رشدهم واتهموا أنفسهم بالظلم انتكسوا وعادوا إلى باطلهم ،فقالواَ {:لقَدْ عَِل ْمتَ
طقُونَ }[النبياء]65 :
مَا هَـاؤُلءِ يَن ِ
سهُ فِي الْخَ ْلقِ َأفَلَ َي ْعقِلُونَ }[يس]68 :
وورد هذا اللفظ أيضا في قوله تعالىَ {:ومَن ّن َعمّ ْرهُ نُ َنكّـ ْ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
والمعنى :نرجعه من حال القوة والفتوة إلى حال الضعف والهرم وعدم القدرة ،كما قال سبحانه{:
َومِنكُم مّن يُرَدّ إِلَىا أَ ْر َذلِ ا ْل ُعمُرِ ِل َكيْ لَ َيعْلَمَ َبعْدَ عِ ْلمٍ شَيْئا[} ...النحل]70 :
فبعد القوة يتكئ على عصا ،ثم ل يستطيع السير فيحبو ،أو يُحمل كما يُحمل الطفل الصغير ،هذا
خلْق ،وحين نتأمله نقول :الحمد ل لو عافانا من هذه الفترة وهذه التنكيسة ،ونعلم
هو التنكيس في ال َ
ن وصل إلى هذه المرحلة يضيق به أهله،
أن الموت لُطْف من ال ورحمة بالعبادَ ،ألَ ترى أن مَ ْ
وربما تم ّنوْا وفاته ليستريح وليستريحوا؟
وتنكيس رءوس المجرمين فيه إشارة إلى أن هذه هي العاقبة فاحذر المخالفة ،فمَنْ تكبر وتغطرس
ستْ رأسه في الخرة ،ومَنْ تواضع ل في الدنيا ُرفِعت رأسه ،وهذا معنى الحديث
في الدنيا ُنكّ َ
الشريف " :من تواضع ل رفعه ".
وفي تنكيس رءوس المجرمين يوم القيامة معنى آخر؛ لن الحق -سبحانه وتعالى -سيفعل في
كل مخالف في الخرة من جنس ما فعل في الدنيا ،وهؤلء الذين نكّس ال رءوسهم في الخرة
خفُواْ مِنْهُ[} ...هود:
فعلوا ذلك في الدنيا ،واقرأ إن شئتَ قول ربك {:أَل إِ ّن ُهمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِ َيسْتَ ْ
]5
صوْلة وقوة ل يثبت الباطل أمامها؛
أي :يطأطئون رءوسهم؛ لكي ل يواجهوا رسول ال ،فللحق َ
لذلك نسمع من أصحاب الحق :تعالَ واجهني ،هات عيني في عينك ،ول بُدّ أنْ يستخزي أهل
الباطل ،وأنْ يجبنوا عن المواجهة؛ لنها ليست في صالحهم.
وهذا العجز عن المواجهة يدعو النسان إلى ارتكاب أفظع الجرائم ،ويصل به إلى القتل ،والقتل ل
يدل على القوة ،إنما يدل على عجز وضعف وجُبْن عن المواجهة ،فالقاتل أقرّ بأنه ل يستطيع أنْ
يواجه حياة عدوه فقتله ،ولو كان قويا لواجه حياته.
ومن العذاب الذي يأتي من جنس ما فعل النسان في الدنيا قول ال تعالى في الذين يكنزون الذهب
ب وَا ْل ِفضّ َة َولَ يُن ِفقُو َنهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ
والفضة ،ول ينفقونها في سبيل ال {:وَالّذِينَ َيكْنِزُونَ الذّ َه َ
ظهُورُهُمْ
جهَنّمَ فَ ُت ْكوَىا ِبهَا جِبَا ُه ُه ْم وَجُنو ُبهُ ْم وَ ُ
علَ ْيهَا فِي نَارِ َ
حمَىا َ
فَبَشّرْ ُهمْ ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ * َيوْمَ ُي ْ
س ُكمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ َتكْنِزُونَ }[التوبة]35-34 :
هَـاذَا مَا كَنَزْ ُت ْم لَنْفُ ِ
سبحان ال ،كأنها صورة طبق الصل مما فعلوه في الدنيا ،فالواحد منهم يأتيه طالب العطاء
فيعبس في وجهه ،ثم يُعرض عنه ،ويعطيه جنبه ،ثم يعرض عنه ويعيطه ظهره ،ويأتي العذاب
بنفس هذا التفصيل .إذن :فعلى العاقل أن يحذر هذه المخالفات ،فمن جنسها يكون العذاب في
الخرة.
س ِمعْنَا[ { ..السجدة ]12 :هذا كلمهم،
وهؤلء المجرمون حال تنكيسهم يقولون } :رَبّنَآ أَ ْبصَرْنَا وَ َ
حذْف الفعل هنا يدل على أن القول ليس سهلً
ومع ذلك لم يقل القرآن :قالوا أبصرنا وسمعنا ،ف َ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عليهم؛ لنه إقرار بخطئهم الول وإعلن لذّلة التوبة.
وقلنا :إن هذه هي الية الوحيدة التي تقدّم فيها البصر على السمع؛ لن الساعة حين تأتي بأهوالها
نرى الهول أولً ،ثم نسمع ما نراه.
سكَارَىا وَلَـاكِنّ عَذَابَ
سكَارَىا َومَا هُم ِب ُ
لذلك يقول تعالى مُصوّرا أثر هذا الهول {:وَتَرَى النّاسَ ُ
اللّهِ شَدِيدٌ }[الحج]2 :
وفي معرض حديثنا السابق عن الحواس :السمع والبصر والفؤاد فاتنا أنْ نذكر آية مهمة جاءت
س ْم ِعهِ ْم وَعَلَىا
على غير هذا الترتيب ،وهي قول ال تعالى {:خَ َتمَ اللّهُ عَلَىا قُلُوبِه ْم وَعَلَىا َ
غشَا َوةٌ وََلهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ }[البقرة]7 :
أَ ْبصَارِهِمْ ِ
فجاء الفؤاد هنا أولً ،وجمع الفؤاد مع السمع في الختم لنهما اشتركا فيه ،أما البصر فاختص
بشيء آخر ،وهو الغشاوة التي تُغطّي أبصارهم؛ ذلك لن الية السابقة في السمع والبصر والفؤاد
كانت عطاءً من ال ،فبدأ بالسمع ،ثم البصر ،ثم ترقى في العطاء إلى الفؤاد ،لكن هنا المقام مقام
سلب لهذه النعم ،فيسلب الهم أولً ،فأتى بالفؤاد ثم السمع ثم البصار.
س ِمعْنَا[ { ..السجدة]12 :؟
لكن أي شيء أبصروه؟ وأي شيء سمعوه في قولهم } رَبّنَآ أَ ْبصَرْنَا وَ َ
جدَ اللّهَ عِن َدهُ[} ...النور ]39 :وحده سبحانه ليس معه
أول شيء يبصره الكافر يوم القيامة{ َووَ َ
شريك من الشركاء الذين عبدوهم في الدنيا ،وليس لهم من دونه سبحانه وليّ ،ول شفيع ،ول
نصير.
س ِمعْنَا[ { ..السجدة ]12 :أي :ما أنزلته يا رب على رسولك ،ونشهد أنه الحق وصدّقنا
ومعنى } وَ َ
الرسول في البلغ عنك ،وأنه ليس ُمفْتريا ،ول هو شاعر ،ول هو ساحر ،ول هو كذاب.
لكن ،ما فائدة هذا العتراف الن؟ وبماذا ينفعهم وهو في دار الحساب؟ ل في دار العمل
والتكليف؟! وما أشبه هذا العتراف باعتراف فرعون قبل أنْ يغرق {:آمَنتُ أَنّهُ ل إِلِـاهَ ِإلّ الّذِي
ل َوكُنتَ مِنَ
عصَ ْيتَ قَ ْب ُ
ن َوقَدْ َ
آمَ َنتْ بِهِ بَنواْ ِإسْرَائِيلَ[} ...يونس ]90 :لذلك ردّ ال عليه {:آل َ
ا ْل ُمفْسِدِينَ }[يونس]91 :
س ِمعْنَا[ { ..السجدة ]12 :إقرار منهم بأنهم كانوا على خطأ ،وأنهم
فقولهم } :رَبّنَآ أَ ْبصَرْنَا وَ َ
حدَهُمُ
يرغبون في الرجوع إلى الصواب ،كما قال سبحانه في موضع آخر {:حَتّىا إِذَا جَآءَ أَ َ
ل صَالِحا فِيمَا تَ َر ْكتُ[} ...المؤمنون ،]100-99 :وردّ ال
ع َم ُ
جعُونِ * َلعَلّي أَ ْ
ا ْل َم ْوتُ قَالَ َربّ ارْ ِ
عليه {:كَلّ إِ ّنهَا كَِلمَةٌ ُهوَ قَآئُِلهَا }[المؤمنون]100 :
ثم كشف حقيقة أمرهم {:وََلوْ رُدّواْ َلعَادُواْ ِلمَا ُنهُواْ عَ ْن ُه وَإِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ }[النعام]28 :
جعْنَا َن ْع َملْ صَالِحا إِنّا مُوقِنُونَ { [السجدة ]12 :وهل يكون
س ِمعْنَا فَا ْر ِ
وهنا يقولون } :رَبّنَآ أَ ْبصَرْنَا وَ َ
اليقين في هذا الموقف؟ اليقين إنما يكون بالمر الغيبي ،وأنتم الن في اليقين الحسيّ المشَاهدَ ،فهو
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
إذن يقين ل يُجدى.
ثم يقول الحق سبحانه } :وََلوْ شِئْنَا لتَيْنَا.{ ...
()3440 /
ج َمعِينَ ()13
جهَنّمَ مِنَ الْجِنّةِ وَالنّاسِ أَ ْ
وََلوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا ُكلّ َنفْسٍ هُدَاهَا وََلكِنْ حَقّ ا ْلقَ ْولُ مِنّي لََأمْلَأَنّ َ
هنا قد يسأل سائل :لماذا جعل ال الناسَ :مؤمنا وكافرا ،وطائعا وعاصيا؟ لماذا لم يجعلنا جميعا
مهتدين طائعين؟ أهذا صعب على ال سبحانه؟ ل ،ليس صعبا على ال تعالى ،بدليل أنه خلق
الملئكة طائعين مُنفّذين لوامره سبحانه{ لّ َي ْعصُونَ اللّهَ مَآ َأمَرَ ُه ْم وَ َي ْفعَلُونَ مَا ُي ْؤمَرُونَ }
[التحريم]6 :
كذلك الرض والسماء والجبال..الخ ،كلها تُسبّح ال وتعبده{ ُكلّ قَدْ عَِل َم صَلَتَ ُه وَتَسْبِيحَهُ} ...
[النور]41 :
حهُمْ[} ...السراء ،]44 :وبعد ذلك
حمْ ِد ِه وَلَـاكِن لّ َت ْف َقهُونَ تَسْبِي َ
شيْءٍ ِإلّ يُسَبّحُ ِب َ
وقال {:وَإِن مّن َ
يعطي ال تعالى لبعض خَلْقه معرفة هذا التسبيح ،كما قال في حق داود عليه السلم {:وَسَخّرْنَا مَعَ
دَاوُودَ ا ْلجِبَالَ يُسَبّحْنَ[} ...النبياء]79 :
نعم ،هي تُسبّح أيضا مع غير داود ،لكن الميزة أنها تشترك معه في تسبيح واحد ،كأنهم (كورس)
يرددون نشيدا واحدا.
وعرفنا في قصة الهدهد وسليمان -عليه السلم -أنه كان يعرف قضية التوحيد على أت ّم وجه،
شمْسِ
سجُدُونَ لِل ّ
كأحسن الناس إيمانا بال ،وهو الذي قال عن بلقيس ملكة سبأ {:وَجَدّتهَا َو َقوْ َمهَا يَ ْ
عمَاَلهُمْ َفصَدّهُمْ عَنِ السّبِيلِ َفهُ ْم لَ َيهْتَدُونَ }[النمل]24 :
مِن دُونِ اللّ ِه وَزَيّنَ َلهُمُ الشّيْطَانُ أَ ْ
ن َومَا ُتعْلِنُونَ }
خفُو َ
ض وَ َيعْلَمُ مَا ُت ْ
ت وَالَرْ ِ
سمَاوَا ِ
خبْءَ فِي ال ّ
جدُواْ للّهِ الّذِي يُخْرِجُ الْ َ
وقال{ َألّ َيسْ ُ
[النمل]25 :
والحق سبحانه وتعالى -حينما يريد أنْ يُدلّل لخَلْقه على قدرته يجعل من الضعف قوة ،ومن القوة
ضعفا ،وانظر إلى حال المؤمنين الوائل ،وكم كانوا أذلة مستضعفين ،فلما أسلموا رفعهم ال
بالسلم وجعلهم سادة.
ومشهورة قصة الصّدّيق أبي بكر لما أَدخل عليه المستضعفين أمثال :عمار وبلل..وترك صناديد
قريش بالباب ،فعاتبه أبوه على ذلك :كيف يُدخِل العبيد ويترك هؤلء السادة بالباب؟ فقال أبو بكر:
يا أبي ،لقد رفع السلم الخسيسة ،وإذا كان هؤلء قد ورمتْ أنوفهم أن يدخل العبيد قبلهم ،فكيف
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
بهم حين يُدخِلهم الُ الجنةَ قبلهم؟
وعجيب أن يصدر هذا الكرم من الصّدّيق أبي بكر ،مع ما عُرِف عنه من اللين و ِرقّة القلب
والحلم.
وهذا لون من تبديل الحوال واجتماع الضداد ،وقد عرض الحق -تبارك وتعالى -لهذه المسألة
حكُونَ * وَإِذَا مَرّواْ ِبهِمْ يَ َتغَامَزُونَ }
في قوله تعالى {:إِنّ الّذِينَ أَجْ َرمُواْ كَانُواْ مِنَ الّذِينَ آمَنُواْ َيضْ َ
[المطففين ]30-29 :يعني :يسخرون منهم ويهزأون بهم ،كما نسمع من أهل الباطل يقولون
للنسان المستقيم (خدنا على جناحك).
وليت المر ينتهي عند هذا الحد ،إنما إذا عادوا إلى أهلهم كرروا هذا الستهزاء ،وتبجحوا به،
وفرحوا ليذائهم لهل التقوى والستقامة {:وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَىا َأهِْلهِ ُم انقَلَبُواْ َف ِكهِينَ * وَإِذَا رََأوْهُمْ
قَالُواْ إِنّ هَـا ُؤلَءِ َلضَالّونَ * َومَآ أُ ْرسِلُواْ عَلَ ْيهِمْ حَافِظِينَ }[المطففين ]33-31 :لكن يُنهي الحق
علَى الَرَآ ِئكِ
حكُونَ }ثم يسألهم ال{ َ
سبحانه هذا الموقف بقوله {:فَالْ َيوْمَ الّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ا ْل ُكفّارِ َيضْ َ
يَنظُرُونَ * َهلْ ُث ّوبَ ا ْل ُكفّارُ مَا كَانُواْ َي ْفعَلُونَ }
[المطففين]36-34 :
فهنا يقول الحق سبحانه :ل تفهموا أن أحدا تأبى عليّ ،من خَلْقي ،إنما أردتُ لهم الختيار ،ثم
ل يؤمن .وإل
ن يفعلوه ،فيريد ال أن يعلم علم وقوع بمَنْ آمن به ،وهو يملك أ ّ
أخبرتهم بما أحبّ أ ْ
فهو سبحانه عالم أزلً؛ ليكون الفعل حجة على أصحابه ،إذن :إياك أنْ تظنّ أنك باختيارك كسرت
قهر العلى.
وسبق أنْ قُلْنا :إن الذين أَلِفوا التمرد على ال إيمانا به ،فكفروا وتمردوا على طاعته فعصوه..الخ
ل أو على
نقول لهم :ما ُدمْتم قد تعودتم التمرد على أوامر ال ،فلماذا ل تتمردون على المرض مث ً
الموت؟ إذن :أنت عبد رغم أنفك.
يقول سبحانه هنا } :وََلوْ شِئْنَا لتَيْنَا ُكلّ َنفْسٍ هُدَاهَا[ { ..السجدة ]13 :أي :لَجعل الناس كالملئكة،
وكالمخلوقات المسيّرة التي ل اختيار لها ،وسبق أنْ قُلْنا :إن المخلوقات كلها خُيّرت في حمل
المانة ،وليس النسان وحده ،لكن الفرق أن ابن آدم أخذ الختيار مُفصّلً ،وبقية الخَلْق أخذوا
سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن
لمَانَةَ عَلَى ال ّ
الختيار جملة ،بدليل قوله تعالى {:إِنّا عَ َرضْنَا ا َ
جهُولً }[الحزاب]72 :
حمََلهَا الِنْسَانُ إِنّهُ كَانَ ظَلُوما َ
ش َفقْنَ مِ ْنهَا وَ َ
حمِلْ َنهَا وَأَ ْ
يَ ْ
ومعنى الهداية في } وََلوْ شِئْنَا لتَيْنَا ُكلّ َنفْسٍ هُدَاهَا[ { ..السجدة ]13 :أي :هدى المعونة ،وإل فقد
هدى الُ جميعَ الناس هُدى الدللة على طريق الخير ،فالذي اخذ بهدى الدللة وقال على العين
والرأس يأخذ هدى المعونة ،كما قال سبحانه {:وَالّذِينَ اهْتَ َدوْاْ زَا َدهُمْ هُدًى وَآتَا ُهمْ َت ُقوَاهُمْ }[محمد:
]17
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ولكي نفهم الفرق بين الهديين ،اقرأ {:وََأمّا َثمُودُ َف َهدَيْنَاهُمْ[} ...فصلت ]17 :أي :دللناهم
وأرشدناهم{ فَاسْتَحَبّواْ ا ْل َعمَىا عَلَى ا ْلهُدَىا[} ...فصلت]17 :
ج َمعِينَ { [السجدة:
جهَنّمَ مِنَ ا ْلجِنّ ِة وَالنّاسِ َأ ْ
لمْلَنّ َ
حقّ ا ْل َقوْلُ مِنّي َ
ثم يقول سبحانه } :وَلَـاكِنْ َ
]13
لوْلَى بالحكمة في الخَلْق ،بدليل أن الذي يشذ عن مراد
الحق سبحانه يريد أنْ يثبت لخَلْقه أنه هو ا َ
ال ل بُدّ أن يفسد به المجتمع ،كما نرى المجتمعات تشقى بكفر الكافر ،وبعصيان العاصي.
والحق سبحانه يترك الكافر يكفر باختياره ،والعاصي يعصي باختياره ليؤذي الناس بإثم الكافر
وبإثم العاصي ،وعندها يعودون إلى تشريع ال ويلجئون إلى ساحته سبحانه ،ولو أن الناس عملوا
بشرع ال ما حدث فساد في الكون ول خََللٌ في حياتهم أبدا.
لذلك نفرح حينما ينتقم ال من أهل الكفر ومن أهل المعصية ،ونقول :الحمد ل الذي أراح منهم
البلد والعباد.
إذن :مخالفة منهج ال في القمة كفرا به سبحانه ،وفي غيرها معصية لمره هو الذي يبين مزايا
اليمان وحلوة التشريع .وقلنا :إن التشريع يجب أنْ يأخذه المكلّف َأخْذا أَخْذا كاملً بما له وبما
عليه ،فال كلّفك ألّ تسرق من الناس ،وكلّف الناسَ جميعا ألّ يسرقوا منك.
حقّ ا ْل َق ْولُ مِنّي[ { ..السجدة ]13 :أي :وقع وثبت وقُطع به ،ويأتي هذا المعنى
ومعنى } وَلَـاكِنْ َ
بلفظ سبق ،كما في{ وََلقَدْ سَ َب َقتْ كَِلمَتُنَا ِلعِبَادِنَا ا ْلمُرْسَلِينَ }
()3441 /
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فَذُوقُوا ِبمَا نَسِيتُمْ ِلقَاءَ َي ْومِكُمْ هَذَا إِنّا نَسِينَاكُ ْم وَذُوقُوا عَذَابَ ا ْلخُلْدِ ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ ()14
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ل يُحسب بعمرها ،إنما بمدة بقائك فيها ،فهو عمر محدود ،أما الخرة فخلود ل ينتهي ،فلو أن
النعيم فيهما سواء لكان امتداد الزمن مرجحا للخرة.
ثم إن نعيمك في الدنيا على قدر إمكاناتك وحركتك فيها ،أما نعيم الخرة فعلى قدر إمكانات ال في
ن يفوتك أو تفوته أنت ،ونعيم الخرة باقٍ ل يفوتك أبدا لنك مخلد فيه.
الكون ،نعيم الدنيا إما أ ْ
إذن :هي صفقة ينبغي أنْ ُتحْسبَ حسابا صحيحا ،وتستحق أن نبيع من أجلها الدنيا بكل ما فيها من
غالٍ ونفيس؛ لذلك سماها رسول ال تجارة رابحة.
حتْ تّجَارَ ُتهُمْ
وقال سبحانه وتعالى عن الكافرين{ ُأوْلَـائِكَ الّذِينَ اشْتَ َروُاْ الضّلَلَةَ بِا ْلهُدَىا َفمَا رَبِ َ
َومَا كَانُواْ ُمهْتَدِينَ }[البقرة]16 :
ثم يقول الحق سبحانه { :إِ ّنمَا ُي ْؤمِنُ بِآيَاتِنَا.} ...
()3442 /
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وجل.
ثم يقول الحق سبحانه عنهم { :تَتَجَافَىا جُنُو ُبهُمْ عَنِ.} ...
()3443 /
التجافي يعني الترك ،لكن الترك قد يكون معه شوق ويصاحبه ألم ،كما تودع حبيبا وتتركه وأنت
غير زاهد فيه ول قَالٍ له ،أما الجفوة فترك فيه كراهية للمتروك ،فهؤلء الؤمنون الذين يتركون
مضاجعهم كأن جنوبهم تكره المضجع وتجفوه؛ لنها تتركه إلى لذة أبقى وأعظم هي لذة التصال
بال ومناجاته.
ونذكر هنا إن المام عليا رضي ال عنه حينما ذهب ليدفن فاطمة بنت رسول ال صلى ال عليه
وسلم رضي ال عنها وقف عند قبر رسول ال وقال :السلم عليك يا سيدي يا رسول الَ ،قلّ عن
صفيتك صبري ،ورقّ عنها تجلّدي ،إل أن لي في التعزي بعظيم فُرْقتك وفادح مصيبتك موضع
تأسّ -يعني :الذي تحمّل َفقْدك يا رسول ال يهون عليه أيّ َفقْد بعدك -فلقد وسدتُك يا رسول ال
سحْري ونَحْري نفسك ،أما ليلي فمُسهّد ،وأما حزني َفسَ ْرمَد ،إلى
في ملحودة قبرك ،وفاضت بين َ
أنْ يختار ال لي دارك التي أنت بها مقيم ،هذا وستخبرك ابنتك عن حال أمتك وتضافرها على
خلُ منك الذكر.
صغِها السؤال ،واستخبرها الحال ،هذا ولم يَطلّ منك العهد ،ولم ي ْ
هضمها ...فَأ ْ
ثم لما أراد أنْ ينصرف عن قبر حبيبه قال :والسلم عليك سلم مُودّع ،ل قال ول سئم ،فإنْ
انصرف فل عن مللة ،وإنْ ُأقِم فل عن سوء ظنّ بما وعد ال به عباده الصابرين.
فقوله تعالى { :تَتَجَافَىا جُنُو ُبهُمْ عَنِ ا ْل َمضَاجِعِ[ } ..السجدة ]16 :أي :تكرهها وتجفوها ،مع أنها
أعزّ ما يركن إليه النسان عند راحته ،فالنسان حين تدبّ فيه الحياة ،ويستطيع أنْ تكون له قوة
ونشاط يعمل في الحياة ،فالعمل فرع وجود الحياة ،وبالقوة يمشي ،وبالقوة يحمل الثقال.
حمْل وضعه عن نفسه ليستريح ،لكنه يستطيع أن يمشي بدون حمل ،فإنْ أتعبه
فإذا ما أتعبه ال ِ
المشي وقف ،فإذا أتعبه الوقوف جلس؛ لذلك يحدث أن تقول لصاحبك :لو سمحت احمل عني هذا
ل فيقول :يا شيخ ،هل أنا قادر أن أحمل نفسي؟
ح ْم َ
ال ِ
إذن :التعب في هذه الحالة ناشئ من ِثقَل الجسم على القدمين فيتعبه الوقوف ،إلَ ترانا إذا أطال
المام في الصلة مثلً نراوح بين القدمين مرة على هذه ،ومرة على هذه ،أما القعود فيريح
النسان؛ لنه يُوسّع دائرة العضو المحتمل ،فثِقَل الجسم في حالة القعود يُوزّع على المقعدة كلها،
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فإذا بلغ به التعب حدا بحيث أتعبه القعود فإنه يستلقي على جنبه ،ويمد جسمه كله على الرض
فيتوزع الثقل على كل العضاء ،فل يحمل العضو إل ثقله فقط.
فإنْ شعر النسان بتعب بعد هذا كله تقلّب على جنبه الخر أو على ظهره ،هذه كلها ألوان من
الراحة لجسم النسان ،لكنه ل يرتاح الراحة الكاملة إل إذا استغرق في النوم ،ويُسمّون هذا
التسلسل متواليات عضلية.
ن كنت
والدليل على أن النوم راحة تامة أنك ل تشعر فيه باللم الذي تشعر به حال اليقظة -إ ْ
تتألم من مرض مثلً -وهذه كلها متواليات يمر بها المؤمن ،وبالتالي إذا مات استراح أكثر ،ثم
إذا ُبعِث يوم القيامة ارتاح الراحة الكبرى ،فهي مراحل نمرّ بها إلى أنْ نرتمي في حضن خالقنا
عز وجل.
إذن :فالمضاجع آخر مرحلة في اليقظة ،ولم ت ْأتِ إل بعد عدة مراحل من التعب ،ومع ذلك شوق
المؤمنين إلى ربهم ورغبتهم في الوقوف بين يديه سبحانه يُنسبهم هذه الراحة ،ويُزهّدهم فيها،
فيجفونها ليقفوا بين يدي ال.
جعُونَ }[الذاريات ]17 :ثم يقول
وفي موضع آخر قال تعالى عنهم {:كَانُواْ قَلِيلً مّن اللّ ْيلِ مَا َيهْ َ
سبحانه } :يَدْعُونَ رَ ّبهُمْ[ { ..السجدة ]16 :أي :يدعون ربهم وهم على حال التعب ،كأن الدعاء
مجرد الدعاء يريحهم ،لماذا ولم ُيحَابوا بعد؟ قالوا :لنهم وضعوا حاجاتهم وطلبهم عند قادر على
النفاذ ،ثم إن حلوة لقائهم بربهم في الصلة تُنسيهم التعب الذي يعانون.
طمَعا[ { ..السجدة ]16 :أي :خوفا مما حدث منهم من تقصير
خوْفا وَ َ
والمؤمنون يدعون ربهم } َ
طمَعا[ { ..السجدة:
في حق ال ،وأنهم لم يُقدّموا ل تعالى ما يستحق من التقوى ومن الطاعة } وَ َ
]16أي :في المغفرة } َو ِممّا رَ َزقْنَا ُهمْ يُن ِفقُونَ { [السجدة ]16 :والمراد هنا الزكاة.
لذلك نرى في قوله تعالى } :تَ َتجَافَىا جُنُو ُبهُمْ عَنِ ا ْل َمضَاجِعِ[ { ..السجدة ]16 :أن هذا التجافي كان
بقصد الصلة؛ لن القرآن عادةً ما يقرن بالصلة بالزكاة ،فقال بعدهاَ } :و ِممّا رَ َزقْنَا ُهمْ يُنفِقُونَ
{ [السجدة]16 :
()3444 /
خفِيَ َلهُمْ مِنْ قُ ّرةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ ()17
فَلَا َتعْلَمُ َنفْسٌ مَا ُأ ْ
قلنا :إن الحق سبحانه أخفى أسرار الخير عن الخَلْق ،ولم ُيعْطهم منها إل على قدر حاجتهم منها،
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فإذا أراد سبحانه أنْ يُجازي عباده المؤمنين ل يجازيهم بما يعملون من خيرات الدنيا وإمكاناتهم
فيها ،إنما يجازيهم بما يعلم هو سبحانه ،وبما يتناسب مع إمكانات قدرته.
وهذه المكانات ل نستطيع نحن التعبير عنها؛ لن ألفاظ اللغة ل تستطيع التعبير عنها ،ومعلوم أن
النسان ل يضع السم إل إذا وُجد المسمى والمعنى أولً؛ لذلك قال تعالى في التعبير عن هذا
خفِيَ َلهُم مّن قُ ّرةِ أَعْيُنٍ[ } ..السجدة]17 :
النعيم { :فَلَ َتعْلَمُ َنفْسٌ مّآ ُأ ْ
وقال النبي صلى ال عليه وسلم عن الجنة " :فيها ما ل عين رأتْ ،ول أذن سمعت ،ول خظر
على قلب بشر " إذن :كيف نُسمّي هذه الشياء؟ وكيف نتصّورها وهي فوق إدراكاتنا؟ لذلك
سنفاجأ بها حين نراها إنْ شاء ال.
ثم َألَ ترى أن الحق سبحانه حينما يعرض علينا طرفا من ذكر الجنة ل يقول لنا الجنة كذا وكذا،
إنما يقول {:مّ َثلُ الْجَنّةِ الّتِي وُعِدَ ا ْلمُ ّتقُونَ[} ...الرعد ]35 :أي :أن ما نعرضه عليك ليس هو
الجنة ،إنما شبيه بها ،أما هي على الحقيقة ففوق الوصف الذي تؤديه اللغة ،فأنا أعطيكم الصورة
القريبة لذهانكم.
ثم يُنقى الحق سبحانه المثل الذي يضربه لنا من شوائبه في الدنيا ،وتأمل في ذلك قول ال تعالى
عن نعيم الجنة {:مّ َثلُ الْجَنّةِ الّتِي وُعِدَ ا ْلمُ ّتقُونَ فِيهَآ أَ ْنهَارٌ مّن مّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ[} ...محمد]15 :
وكانت آفة الماء عندهم أن يأسن ويتغير في الجرار ،فنقّاه ال من هذه الفة.
ط ْعمُهُ[} ...محمد ]15 :وكان العربي إذا سار باللبن يحمض
وكذلك في{ وَأَ ْنهَارٌ مّن لّبَنٍ لّمْ يَ َتغَيّرْ َ
خمْرٍ لّ ّذةٍ لّلشّارِبِينَ[} ...محمد ]15 :وآفة خمر الدنيا أنها تغتال العقل ،وتذهب
فيعافه{ وَأَ ْنهَارٌ مّنْ َ
به ،وليس في شربها لذة؛ لذلك نرى شاربها والعياذ بال يتجرّعها مرة واحدة ،ويسكبها في فمه
سكْبا ،دليلً على أنها غير طيبة ،وهل رأيت شارب الخمر يمتصّها مثلً كما تمتص كوبا من
َ
العصير ،وتشعر بلذة شربه؟
ل َولَ هُمْ عَ ْنهَا يُن َزفُونَ }[الصافات]47 :
غوْ ٌ
وقد وصف ال خمر الخرة بقوله {:لَ فِيهَا َ
سلٍ ّمصَفّى[} ...محمد ]15 :فوصف العسل بأنه مُصفّى؛ لن آفة
ثم يقول سبحانه {:وَأَ ْنهَارٌ مّنْ عَ َ
العسل عندهم ما كان يعلَق به من الحصى والشوائب حين ينحدر من بيوت النحل في الجبال،
فصفّى ال عسل الخرة من شوائب العسل في الدنيا.
ظ َمتْ إمكاناتنا في الدنيا ،فلن نرى فيها نهرا من
ومهما بلغ بنا ترف الحياة ونعيمها ،ومهما عَ ْ
الخمر ،أو من اللبن ،أو من العسل ،ثم إن هذه النهار تجري في الجنة بل شطآن ،بل ويتداخل
بعضها في بعض دون أن يطغى أحد منها على الخر ،وهذه طلقة القدرة التي ل حدود لها.
إذن :الحق سبحانه حين يشرح لنا نعيم الجنة ،وحين يَصفُها يعطينا المثال ل الحقيقة ،ثم يُنقّى هذا
المثال مما يشوبه في الدنيا.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ومن ذلك أن العربي كان يحب شجرة السّدر أي النبق ،فيستظل بظلها ،ويأكل ثمرها ،لكن كان
ينغص عليه هذه اللذة ما بها من أشواك ل ُبدّ أنْ تؤذى مَنْ يقطف ثمارها ،فلما ذكرها ال تعالى
خضُودٍ }[الواقعة ]28 :أي :منزوع الشوك ،فالمتعة به تامة
في نعيم الجنة قال عنها {:فِي سِدْرٍ مّ ْ
ل يُنغّصها شيء.
طمِ ْثهُنّ إِنسٌ قَبَْلهُ ْم َولَ جَآنّ }
ولما تكلم عن نساء الجنة قال سبحانه عن الحور العينَ {:لمْ َي ْ
[الرحمن ]74 :فنفى عنهن ما يُنغّص على الرجل جمال المرأة في الدنيا ،وطمأنك أنها ِبكْر لم
ينظر إليها أحد قبلك.
خ ِفيَ َلهُم مّن قُ ّرةِ أَعْيُنٍ[ { ..السجدة ]17 :والقرة
لهذا قال تعالى عن نعيم الجنة } فَلَ َتعْلَمُ َنفْسٌ مّآ ُأ ْ
والقُرور أي :السكون ،ومنه قرّ في المكان أي :استقر فيه ،والمعنى أن النسان ل يستقر في
المكان إل إذا وجد فيه راحته ومُقوّمات حياته ،فإذا أردتَ أنْ تستقر في مكان أو تشتري شقة مثلً
تسأل عن المرافق والخدمات من ماء وكهرباء وطرق..الخ.
حتى نحن في تعبيراتنا العامية وفي الريف الذي يحتفظ لنا بخصائص الفطرة النقية التي لم يَشُبْها
زيف الحضارات ول زخرفة المدينة ،وهذه الفطريات تستهوي النفوس وتجذبها ،بدليل أن النسان
الحضاري مهما بلغ القمة وسكن ناطحات السحاب ،وتوفرتْ له كل كماليات الحياة ل ُبدّ أنْ يأتي
اليوم الذي يلجأ فيه إلى أحضان الطبيعة ،فل ترتاح نفسه ،ول تستقر إل في الريف ،فيقضي هناك
عدة أيام حيث تهدأ هناك نفسه ،وتستريح من ضوضاء المدينة ،والبعض يسمونها (الويك إند).
فمعنى (قرة العين) أي :استقرارها على شيء بحيث ل تتحول عنه إلى غيره ،والعين ل تستقر
على الشيء إل إذا أعجبها ،ورأتْ فيه كل ما تصبو إليه من متعة.
ومن ذلك قولنا (فلن عينه مليانة) يعني :ل يحتاج مزيدا من المرائي غير ما يراه (وفلن عينه
فارغة) يعني :ل يكتفي بما يرى ،بل يطلب المزيد ،فينظر هنا وهناك.
ت لها المعاني ،فل ينبغي لها أنْ تطمع
ففي الجنة تق ّر العيون بحيث لم َيعُدْ لها تطلعات ،فقد َكمَُل ْ
في شيء آخر إل الدوام.
لذلك يخاطب ال رسوله صلى ال عليه وسلمَ {:ولَ َت ُمدّنّ عَيْنَ ْيكَ إِلَىا مَا مَ ّتعْنَا بِهِ أَ ْزوَاجا مّ ْنهُمْ
زَهْ َرةَ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا لِ َنفْتِنَهُمْ فِيهِ[} ...طه]131 :
فالنسان إذا كانت عينه فارغة تراه زائغ العينين ،ينظر هنا وهناك ،ولو كانت عينه (مليانة)
لنتهى عندها.
ومن معاني مادة (قرّ) القُرّ وهو البرد الشديد ،وهذا المعنى َيكْنُون به عن سرور النفس ،فالعين
الباردة أي :المسرورة ،أما العين الساخنة فهي الحزينة المتألمة.
ومن المعاني أيضا لقرور العين سكونها وعدم حركتها لِعلّة أو عمى ،ومن ذلك قول المرأة التي
دخلتْ على الخليفة فقالت :أقرّ ال عينك ،وأتمّ عليك نعمتك.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ت لي ،إنما دعتْ علي ،فهي تقصد أقرّ ال عينك
ففهم الحاضرون أنها تدعو له ،فقال :وال ما دع ْ
يعني :أسكنها ل تتحرك ،وأتمّ عليك نعمتك .أي :أزالها؛ لن النعمة إذا تمتْ زالت ،فل شيء بعد
التمام إل النقصان.
ثم يُعلّل الحق سبحانه هذا النعيم الي أخفاه لعباده المؤمنين في الجنة بأنه } جَزَآءً ِبمَا كَانُواْ َي ْعمَلُونَ
{ [السجدة ]17 :وهذه أثارت معركة بين العلماء هي معركة الحباء :فريق قال إن المؤمن يدخل
صتْ هذه الية أي :أن الجنة بالعدل ل بالفضل ،وفريق قال :بل يدخل الجنة
الجنة بعمله ،كما ن ّ
حمَتِهِ فَبِ َذِلكَ فَلْ َيفْرَحُواْ ُهوَ
بفضل ال ،كما جاء في قول الحق سبحانه وتعالىُ {:قلْ ِب َفضْلِ اللّهِ وَبِرَ ْ
ج َمعُونَ }[يونس]58 :
خَيْرٌ ّممّا َي ْ
وقول النبي صلى ال عليه وسلم " :لن يدخل أحدٌ الجنةَ بعمله قالوا :ول أنت يا رسول ال؟ قال:
ول أنا إل أن يتغمدني ال برحمته ".
فلما حم َيتْ هذه المعركة أرادوا أنْ يوحدوا هذين الرأيين ،ويُوفّقوا بينهما ،فقالوا :لقد سبق ال
ن يوجد ،ثم تركه يرتع في ِنعَمه دون أنْ
تعالى المكلف بالحسان ،فخلق له مُقومات حياته قبل أ ْ
يطالبه بشيء حتى بلغ سِنّ التكليف.
فإذا ما كلّفه ال بعد سابق نعمه عليه ،فعليه أنْ يطيع هذا التكليف جزاء ما سبق من إحسان ال
إليه الحسان الول ،وبذلك يكون الجزاء في الخرة ليس على العمل ،إنما محْض فضل من ال
على عباده.
إذن :حينما تؤدي ما كلّفك ربك به كأنك تجازي ربك بطاعته على سابق إحسانه إليه ،فكأن الجنة
ونعيمها زيادة وفضل من ال ،فال سبحانه له الفضل عليك في الولى ،وله الفضل عليك في
الخرة.
ثم إن الحق -تبارك وتعالى -حين يُشرع لك ويكلّفك ،فشَرْعه وتكليفه في ذاته فضلَ ،ألَ ترى
أن الحسنة عنده سبحانه بعشر أمثالها ،وأنها تضاعف إلى أضعاف كثيرة ،ونحن مِلْكه سبحانه،
يعطينا أو ل يعطينا.
وبعض أهل المعرفة والشطح يقولون :ال قدّم الحسان أولً ،فيجب على العبد أن يأتي بالحسان
ل الِحْسَانُ }[الرحمن]60 :
لحْسَانِ ِإ ّ
جزاء الحسان؛ لنه{ َهلْ جَزَآ ُء ا ِ
وحين يُحسِن العبد في التكليف يُحيّيه ربه بإحسان آخر ،فيرد العبد على إحسان ربه إليه
بالحسان ،وهكذا يتواصل الحسان بين العبد وربه إلى ما ل نهاية.
ثم يقول الحق سبحانهَ } :أ َفمَن كَانَ ُم ْؤمِنا.{ ...
()3445 /
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سقًا لَا َيسْ َتوُونَ ()18
َأ َفمَنْ كَانَ ُم ْؤمِنًا َكمَنْ كَانَ فَا ِ
أولً :نلحظ في اللفظ أن مؤمنا وفاسقا جاءت بصيغة المفرد ،فكان القياس أنْ نقول :ل يستويان،
إنما سياق القرآن { لّ َيسْ َتوُونَ } [السجدة ]18 :وسبق أنْ قُلْنا :إن (من وما) الموصولتين تأتي
للمفرد أو للمثنى أو للجمع ،وللمذكر وللمؤنث ،فمرة يراعي السياق لفظها ،ومرة يراعى معناها.
والمعنى هنا { َأ َفمَن كَانَ ُم ْؤمِنا َكمَن كَانَ فَاسِقا } [السجدة ]18 :الحق سبحانه ل يتكلم عن المفرد،
إنما عن الجمع ،أو أنها قيلت ردا لحالة مخصوصة بين مؤمن وكافر وأراد الحق سبحانه أن
يعطيها العموم ل خصوص السبب ،فراعى السياق خصوص السبب في مؤمن وكافر ،وراعى
عموم الموضوع فقال { لّ َيسْ َتوُونَ } [السجدة ]18 :والقاعدة الفقهية تقول :إن العبرة في القرآن
بعموم اللفظ ل بخصوص السبب.
وقيل :إن هذه الية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط حين جادل عليا رضي ال عنه .فقال
له :أنا أشبّ منك شباباً ،وأجلد منك جَلَدا ،وأذرب منك لسانا ،وأحدّ منك سنانا ،وأشجع منك
وجدانا ،وأكثر منك مَرَقا ،فردّ عليه عليّ -كرّم ال وجهه -بما يدحض هذا كله ويبطله ،فقال
له :اسكت يا فاسق ،ول موهبة لفاسق.
ت قوة شبابك وجَلَدك وذَرَب
ن كنت كما تقول فقد ضيعتَ هذا كله بفسقك ،حيث استعمل َ
والمعنى :إ ْ
لسانك وشجاعة وجدانك في الباطل وفي المعصية ،وفي الصدّ عن سبيل ال.
وهكذا جمعتْ الية بين خصوصية هذا السبب في { َأ َفمَن كَانَ ُم ْؤمِنا َكمَن كَانَ فَاسِقا[ } ..السجدة:
]18وبين عموم الموضوع في { لّ يَسْ َتوُونَ } [السجدة ،]18 :فهذا الحكم ينسحب على الجمع
أيضا.
وجاء قوله تعالى { :لّ َيسْ َتوُونَ } [السجدة ]18 :كأنه جواب للسؤال { َأ َفمَن كَانَ ُم ْؤمِنا َكمَن كَانَ
فَاسِقا[ } ..السجدة ]18 :لكن ،لماذا لم يأت الجواب مثلً :ل يستوي المؤمن والفاسق؟ قالوا :لن
هذا السلوب يسمى أسلوب القناع التأكيدي ،وهو أن تجعل الخصم هو الذي ينطق بالحكم.
ن تقول له :وقفتُ بجانبك
كما لو قال لك صديق :لقد مررتُ بأزمة ولم تقف بجانبي .فتستطيع أ ْ
يوم كذا ويوم كذا -على سبيل الخبر منك ،لكن الخبار منك يحتمل الصدق ويحتمل الكذب ،فتلجأ
إلى أسلوب آخر ل يستطيع معه النكار ،ول يملك إل العتراف لك بالجميل فتقول بصيغة
السؤال :ألم أقدم لك كذا وكذا يوم كذا وكذا؟ وأنت ل تسأله إل إذا وثقتَ بأن جوابه ل بُدّ أنْ يأتي
َوفْق مرادك وعندها يكون كلمه حجة عليه.
لذلك طرح الحق سبحانه هذه المسألة في صورة سؤالَ { :أ َفمَن كَانَ ُم ْؤمِنا َكمَن كَانَ فَاسِقا} ..
[السجدة ]18 :ول بد أن نقول نحن في جواب هذا السؤال :ل يستوي مؤمن وفاسق ،ومَنْ يقُلْ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
بهذا فقد وافق مراد ربه.
وما دام أن المؤمن ل يستوي والفاسق ،فلكل منهما جزاء يناسبهَ { :أمّا الّذِينَ آمَنُواْ.} ...
()3446 /
عمِلُوا الصّاِلحَاتِ فََلهُمْ جَنّاتُ ا ْلمَ ْأوَى نُزُلًا ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ ()19
َأمّا الّذِينَ َآمَنُوا وَ َ
وإنْ كانت لفظة (مؤمن) جاءت مفردة ،فقد أوضحتْ هذه الية أن المراد الجمع { َأمّا الّذِينَ آمَنُواْ
عمِلُواْ الصّاِلحَاتِ[ } ..السجدة ]19 :أي :العموم؛ لنه ُأخِذ مما كان مفردا جمعا ،وهذا دليل على
وَ َ
خسْرٍ }
ن الِنسَانَ َلفِى ُ
أن هذا المفرد في جنسه جمع كثير ،كما في قوله تعالى{ وَا ْل َعصْرِ * إِ ّ
عمِلُواْ الصّاِلحَاتِ[} ...العصر:
[العصر ]2-1 :فالنسان مفرد يُستثنى منه الجمع{ ِإلّ الّذِينَ آمَنُواْ وَ َ
]3لن لفظة النسان هنا تدل على الجماعة ،و (ال) فيها ال الستغراقية.
فالحق سبحانه ينقلنا من المؤمن إلى العموم { َأمّا الّذِينَ آمَنُواْ[ } ..السجدة ]19 :ومن الفاسق إلى{
سقُواْ[} ...السجدة ]20 :فهما جماعتان متقابلتان لكل منهما جزاؤه الذي يناسبه:
وََأمّا الّذِينَ فَ َ
عمِلُواْ الصّالِحَاتِ فََلهُمْ جَنّاتُ ا ْلمَ ْأوَىا[ } ..السجدة ]19 :والمأوى هو المكان
{ َأمّا الّذِينَ آمَنُو ْا وَ َ
الذي يأوي إليه النسان ويلجأ إليه ليحفظه من كل مكروه ،كما قال تعالى في شأن عيسى وأمه
مريم عليهما السلم {:وَآوَيْنَا ُهمَآ ِإلَىا رَ ْب َوةٍ ذَاتِ قَرَا ٍر َو َمعِينٍ }[المؤمنون ]50 :يعني :يمكنهما
الستقرار فيها؛ لن بها مُقوّمات الحياة (ومعين) يعني :عيْن ماء.
صمُنِي مِنَ ا ْلمَآءِ} ...
ومن ذلك قوله تعالى في قصة ابن نوح حين قال لبيه {:سَآوِي إِلَىا جَ َبلٍ َي ْع ِ
[هود ]43 :فنبّهه أبوه وحذره ،فقال {:لَ عَاصِمَ الْ َيوْمَ مِنْ َأمْرِ اللّهِ ِإلّ مَن رّحِمَ[} ...هود]43 :
ونلحظ في هذه القصة حنان البوة من سيدنا نوح حين قال{ َربّ إِنّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي[} ...هود]45 :
ع َملٌ غَيْرُ
لكن ربه عز وجل ل يتركه على هذه القضية ،إنما يُصحّحها له{ إِنّهُ لَ ْيسَ مِنْ أَهِْلكَ إِنّهُ َ
صَالِحٍ[} ...هود]46 :
إذن :فالبنوة هنا ليست بنوة نسب ،إنما بنوة إيمان وعملَ ،ألَ ترى أن سيدنا رسول ال قال لسلمان
الفارسي وهو من غير العرب بالمرة " :سلمان منا آل البيت ".
وإنْ كان النسب ينفع من الباء إلى البناء ،فهذه ليست خصوصية للنبياء ،إنما لكل الناس ،كما
عمَِلهِم مّن
حقْنَا ِبهِمْ ذُرّيّ َتهُ ْم َومَآ أَلَتْنَا ُهمْ مّنْ َ
قال سبحانه {:وَالّذِينَ آمَنُو ْا وَاتّ َبعَ ْتهُمْ ذُرّيّ ُتهُم بِإِيمَانٍ أَلْ َ
شيْءٍ[} ...الطور]21 :
َ
وإلحاق البناء بالباء في الحقيقة كرامة للباء أنْ يجدوا أولدهم معهم في الجنة جزاء إيمان
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الباء وعملهم الصالح ،فإنْ كان الولد دون سِنّ التكليف فطبيعي أنْ يلحقوا بالباء ،بل وتكون
منزلتهم أعظم من منزلة آبائهم؛ لن الطفال الذين يموتون قبل الرّشْد ليس لهم أماكن محددة ،إنما
ينطلقون في الجنة يمرحون فيها كما يشاؤون.
وقد مثّلنا لذلك بالولد الصغير تأخذه معك في زيارة أحد الصدقاء ،فتجلس أنت في حجرة
الجلوس ،بينما الولد الصغير يجري في أنحاء البيت ،ويدخل أي مكان فيه ل يمنعه أحد ،لذلك
يسمون الطفال (دعاميص) الجنة.
والبعض هنا يثير مسألة أن النسان مرتهن بعمله ،ول ينتفع بعمل غيره ،فكلّ مُعلّق من (عرقوبه)
كما نقول ،فالبعض يسأل :لماذا إذا نصلى على الميت ،والصلة عليه ليست من عمله؟ فإنْ كانت
الصلة عليه لها فائدة تعود عليه فقد انتفع بغير عمله ،وإن لم تكُنْ لها فائدة فهي عبث ،وحاشَ ل
أنْ يضع تشريعا عبثا.
ونقول :هل صليت على كل ميت مؤمنا كان أو كافرا؟ ل إنما نصلي على المؤمن ،إذن :صلتك
أنت عليه نتيجة إيمانه ،وجزء من عمله ،ولول إيمانه ما صلّينا عليه.
نعود إلى معنى كلمة (المأوى) ،فالجنة مأوى المؤمن ،تحفظه من النار وأهوالها } نُ ُزلً ِبمَا كَانُواْ
َي ْعمَلُونَ { [السجدة ]19 :أي :جزاء عملهم الصالح ،والنزُل هو المكان المعَدّ لينزل فيه الضيف
الطارئ عليك؛ لذلك يسمون الفندق (نُزُل) ،فإذا كانت الفنادق الفاخرة التي نراها الن ما أعَدّه
البشر للبشر ،فما بالك بما أع ّدهُ ربّ البشر لعباده الصالحين؟
()3447 /
عذَابَ
سقُوا َفمَ ْأوَاهُمُ النّارُ كُّلمَا أَرَادُوا أَنْ َيخْرُجُوا مِ ْنهَا أُعِيدُوا فِيهَا َوقِيلَ َلهُمْ ذُوقُوا َ
وََأمّا الّذِينَ فَ َ
النّارِ الّذِي كُنْتُمْ بِهِ ُتكَذّبُونَ ()20
سقُواْ[ } ..السجدة ]20 :من الفسوق أي الخروج ،نقول :فسقتْ البلحة يعني خرجن عن قشرتها،
{ َف َ
والمراد هنا الذين خرجوا عن طاعة ال وعن مطلوبات الحق سبحانه { َفمَ ْأوَا ُهمُ النّارُ} ..
[السجدة ]20 :قلنا :إن المأوى هو المكان الذي تأوي إليه ،فيحميك من كل مكروه ،فكيف تُوصف
به النار هنا؟
قالوا :المأوى المكان الذي ينزل فيه النسان على هواه وعلى (كيفه) ،أما هؤلء فينزلون هنا
رغما عنهم ،أو أن الكلم هنا على سَبْق التهكم والسخرية ،كما قوله تعالى {:فَ َبشّرْهُم ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ }
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
[آل عمران]21 :
ومعلوم أن البشرى ل تكوم إل بالشيء السّار ،ومثل {:ذُقْ إِ ّنكَ أَنتَ ا ْلعَزِيزُ ا ْلكَرِيمُ }[الدخان،]49 :
وهذا كثير في أسلوب القرآن؛ لنه أسلوب يؤلم الكافرين ،ويحطّ من شأنهم.
ثم يُصوّر لنا الحق سبحانه ما فيه أهل النار من اليأس { :كُّلمَآ أَرَادُواْ أَن َيخْرُجُواُ مِ ْنهَآ أُعِيدُواْ
فِيهَ[ } ..السجدة ]20 :وفي موضع آخر قال عنهم{ وَنَا َدوْاْ يامَاِلكُ لِ َي ْقضِ عَلَيْنَا رَ ّبكَ قَالَ إِ ّنكُمْ
مّاكِثُونَ }[الزخرف ]77 :إذن :ل أمل لهم في الخروج ،ول حتى في الموت الذي يريحهم مما هم
فيه ،بل تردهم الملئكة في العذاب ،ويقولون لهم { :ذُوقُواْ عَذَابَ النّارِ الّذِي كُنتُمْ بِهِ ُتكَذّبُونَ }
[السجدة]20 :
فالذاقة تع ّدتْ اللسان واستولتْ على كل العضاء ،فكل ذرة فيه تذوق عذاب النار جزاء ما كانوا
يكذبون بها في الدنيا ،حيث كذّبوا بالصل ،وهو الرجوع إلى ال يوم القيامة.
ثم إن عذاب الفاسقين ل يقتصر على عذاب الخرة ،إنما سيكون لهم عذاب آخر يذوقونه في
الدنيا:
ب الَدْنَىا.} ...
{ وَلَنُذِيقَ ّنهُمْ مّنَ ا ْلعَذَا ِ
()3448 /
جعُونَ ()21
وَلَنُذِيقَ ّنهُمْ مِنَ ا ْلعَذَابِ الَْأدْنَى دُونَ ا ْلعَذَابِ الَْأكْبَرِ َلعَّلهُمْ يَرْ ِ
لكْبَرِ} ..
{ ا ْل َعذَابِ الَدْنَىا[ } ..السجدة ]21 :أي :القريب والمراد في الدنيا { دُونَ ا ْل َعذَابِ ا َ
[السجدة ]21 :أي :عذاب الخرة ،وهذا العذاب الذي سيصيبهم في الدنيا مظهر من مظاهر رحمة
جعُونَ } [السجدة]21 :
ال حتى بالكافرين والفاسقين؛ لن ال تعالى علّله بقولهَ { :لعَّلهُمْ يَ ْر ِ
إذن :المراد ما يلحقهم من عذاب في دار التكليف كالَسْر والذلّة والهوان من كثرة المؤمنين
وقوتهم ،ألم يركب عبد ال بن مسعود مع ما عُرِف عنه من ضآلة الجسم على أبي جهل في إحدى
الغزوات ،وقد طرحه في الرض وداسه بقدمه ،ويُرْوى أن أبا جهل نظر إليه وهو على هذه
الحال وقال :لقد ارتقيتَ مُرْتقىً صعبا يا رُويعي الغنم.
ووصف العذاب في الخرة بأنه العذاب الكبر؛ لنه العذاب المحيط الذي ل مهرب منه ول ملجأ.
جعُونَ } [السجدة ]21 :أي :رجاء أنْ يعودوا إلى ساحة اليمان .وقلنا:
وقوله سبحانه { َلعَّلهُمْ يَرْ ِ
ن كان الفعل من ال عز وجل ،أما الرجاء هنا فرجاء في العبد الذي
إن لعلّ تفيد الرجاء المحقق إ ْ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يملك الختيار؛ لذلك رجع منهم البعض ،ولم يرجع الخرون.
ثم يقول الحق سبحانهَ { :ومَنْ َأظْلَمُ ِممّن.} ...
()3449 /
َومَنْ َأظْلَمُ ِممّنْ ُذكّرَ بِآَيَاتِ رَبّهِ ُثمّ أَعْ َرضَ عَ ْنهَا إِنّا مِنَ ا ْل ُمجْ ِرمِينَ مُنْتَ ِقمُونَ ()22
هنا أيضا يعرض علينا ربنا -تبارك وتعالى -هذه القضية في صورة هذا السؤال التقريري،
كأنه سبحانه يقول لنا :أنا رضيت ذمتكم يا عبادي ،فقولوا لي :هل يوجد أحد أظلم ممّنْ ُذكّر بآيات
ربه ،ثم أعرض عنها .والمنطق الطبيعي أن نقول :ل أحدَ أظلم من هذا .وهذا إقرار مِنّا بهذه
الحقيقة؛ لذلك عرضها الحق سبحانه في صورة سؤال بدل الخبار بها.
ومعنى { ُذكّرَ[ } ..السجدة ]20 :أي :أن رسالت ال إلى خَلْقه ما هي إل تذكير بعهد اليمان
ستُ بِرَ ّبكُمْ[} ...العراف ]172 :وسبق أنْ
القديم الذي أخذه ال على عباده حين قال سبحانه {:أَلَ ْ
قُلْنا إن في كل منّا ذرةً شهدتْ هذا العهد ،وعلى كل منا أنْ يحفظ إشراقات هذه الذرة في نفسه بأنْ
يُغذّيها بالحلل ،ويُعوّدها الطاعة لتبقى فيه إشراقات اليمان.
سوّاهَا * فَأَ ْل َه َمهَا فُجُورَهَا وَ َت ْقوَاهَا * قَدْ َأفْلَحَ مَن َزكّاهَا * َوقَدْ خَابَ
س َومَا َ
كما قال تعالى {:وَ َنفْ ٍ
مَن دَسّاهَا }[الشمس]10-7 :
ثم يقول الحق سبحانه { :وََلقَدْ ءَآتَيْنَا مُوسَى.} ...
()3450 /
واليتاء يختلف ،فهناك مَنْ ُيؤْتَى بمنهج أو بمعجزة أو بهما معا ،وهناك إيتاء لكتاب موقوت،
لزمن موقوت ،لقوم موقوتين ،وإيتاء آخر لكل الزمان لكل المكنة.
و { ا ْلكِتَابَ } [السجدة ]23 :أي :التوراة { فَلَ َتكُن فِي مِرْيَةٍ } [السجدة ]23 :أي :في شك { مّن
ّلقَآئِهِ[ } ..السجدة ]23 :لقاء موسى عليه السلم أم لقاء الكتاب؟ إنْ كان لقاء موسى فهو تبشير بأن
ي بقانون الحياء وموسى عليه السلم الميت بقانون
حّال سيجمع بين سيدنا رسول ال وهو َ
الموات ،وهذا ل يتأتّى إل إذا كان حديث السراء والمعراج في أنهما التقيا فيه صادقا.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لذلك في القرآن آية ينبغي أن نقف عندها ،وأن نتأملها بيقظة ،وهي قوله تعالى {:وَسْ َئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا
حمَـانِ آِلهَةً ُيعْبَدُونَ }[الزخرف]45 :
جعَلْنَا مِن دُونِ الرّ ْ
مِن قَبِْلكَ مِن رّسُلِنَآ َأ َ
هذا تكليف من ال تعالى لمحمد صلى ال عليه وسلم أنْ يسأل الرسل ،فمتى يسألهم؟ فهذه الية
تنبئ بأنهم ل بُدّ أنْ يلتقوا .فهذه الية في لقاء موسى والخرى في لقاء كل الرسل .إذن :علينا أن
نصدق بحديث السراء والمعراج ،وأن رسول ال صلى ال عليه وسلم اجتمع بإخوانه من النبياء
وصلى بهم ودار بينهم حوار.
أما إذا كان المعنى { فَلَ َتكُن فِي مِرْ َيةٍ مّن ّلقَآئِهِ[ } ..السجدة ]23 :أي :لقاء الكتاب ،فالتوراة كما
قلنا أصابها التحريف والتبديل ،وزِيدَ عليها وكُذِب فيها ،لكن سيأتيك يا محمد من أهل التوارة
أمثال عبد ال بن سلم مَنْ يعرفون التوراة بل تحريف ويُسرّون إليك بها ،هؤلء الذين قال ال
جدُونَ }[آل عمران]113 :
ل وَهُمْ َيسْ ُ
فيهم {:مّنْ َأ ْهلِ ا ْلكِتَابِ ُأمّةٌ قَآ ِئمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَآءَ اللّ ْي ِ
ألم يواجه عبد ال بن سلم قومه من اليهود ،فيقول لهم :كيف تُكذّبون بمحمد ،وقد كنتم تستفتحون
به على الذين كفروا ،فتقولون لهم :لقد أطلّ زمان نبي يأتي فنتبعه ،ونقتلكم به قتل عاد وإرم ،لقد
تجمعتم من شتى البلد التي اضطهدتكم ،وجئتم إلى يثرب تنتظرون َمقْدِم هذا النبي ،فما بالكم
تكذّبونه؟
وقال القرآن عنهم {:وََلمّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مّنْ عِندِ اللّهِ ُمصَدّقٌ ّلمَا َم َعهُ ْم َوكَانُواْ مِن قَ ْبلُ يَسْ َتفْتِحُونَ
عَلَى الّذِينَ َكفَرُواْ فََلمّا جَآ َءهُمْ مّا عَ َرفُواْ َكفَرُواْ ِبهِ[} ...البقرة]89 :
ومن لقاء الكتاب الذي وعد به النبي صلى ال عليه وسلم ما رُوي عن عبد ال بن سلم أنه لما
ن يؤمن أتى النبي صلى ال عليه وسلم فقال :يا رسول ال ،إن اليهود قوم ُب ْهتٌ -يعني:
أراد أ ْ
يتبجحون بالكذب -فإذا أسلمتُ قالوا فيّ ما ليس فيّ .فاسألهم عني يا رسول ال قبل أنْ أعلن
إسلمي ،فلَما اجتمع اليهود سألهم رسول ال :ما تقولون في ابن سلم؟ فقالوا :سيدنا وابن سيدنا
وحبرنا وابن حبرنا ...فقال عبد ال :أما وقد قالوا ما قالوا يا رسول ال فأشهد أنْ ل إله إل ال،
وأنك رسول ال ،فقالوا :شرّنا وابن شرنّا.
فقال عبد ال :ألم َأ ُقلْ لك يا رسول ال أنهم قوم ُب ْهتٌ؟
جعَلْنَاهُ ُهدًى لّبَنِي ِإسْرَائِيلَ } [السجدة ]23 :أي :جعلنا الكتاب هدى ،وهذا دليل
وقوله تعالى { :وَ َ
على أن منهم مهتدين بدليل شهادة القرآن لهم {:مّنْ َأ ْهلِ ا ْلكِتَابِ ُأمّةٌ قَآ ِئمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَآءَ
جدُونَ }[آل عمران]113 :
ل وَهُمْ َيسْ ُ
اللّ ْي ِ
جعَلْنَا مِ ْن ُهمْ أَ ِئمّةً.} ...
وقوله تعالى في الية بعدها { :وَ َ
()3451 /
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
جعَلْنَا مِ ْنهُمْ أَ ِئمّةً َيهْدُونَ بَِأمْرِنَا َلمّا صَبَرُوا َوكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ ()24
وَ َ
أئمة :ليس المقصود بالمامة هنا السلطة الزمنية من باطنهم ،إنما إمامة القدوة بأمر ال؛ لذلك قال
سبحانهَ { :يهْدُونَ بَِأمْرِنَا[ } ..السجدة ،]24 :فهم ل يصدرون في شيء إل على هدى من ال.
ت وَِإقَامَ
جعَلْنَا ُهمْ أَ ِئمّةً َي ْهدُونَ بَِأمْرِنَا وََأوْحَيْنَآ إِلَ ْيهِمْ ِف ْعلَ الْخَيْرَا ِ
وفي سورة النبياء قال تعالى {:وَ َ
الصّلَة وَإِيتَآءَ ال ّزكَـا ِة َوكَانُواْ لَنَا عَا ِبدِينَ }[النبياء]73 :
اليقان :هو اليمان الذي ل يتزعزع ،ول يطفو إلى العقل ليبحث من جديد ،يعني :أصبحت مسألة
مُسلّما بها ،مستقرة في النفس.
()3452 /
إِنّ رَ ّبكَ ُهوَ َي ْفصِلُ بَيْ َنهُمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَِلفُونَ ()25
تلحظ على أسلوب الية أنها لم تقل مثلً :إن ربك يفصل بينهم ،إنما استخدمت الضمير المنفصل
(هو) ليفيد التأكيد والختصاص ،فالمعنى ل أح َد يفصل بينهم في القيامة إل ال ،كما قال سبحانه{:
حدِ ا ْل َقهّارِ }[غافر]16 :
ّلمَنِ ا ْلمُ ْلكُ الْ َيوْمَ لِلّهِ ا ْلوَا ِ
إذن :جاءت (هو) لتقطع الشك في وجود الغير.
ولك أنْ تتأمل هذا الضمير في هذه اليات ،ومتى استعمله السلوب ،يقول تعالى في قصة سيدنا
إبراهيم عليه السلم {:فَإِ ّنهُمْ عَ ُدوّ لِي[} ...الشعراء ]77 :أي :الصنام{ ِإلّ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ * الّذِي
شفِينِ * وَالّذِي ُيمِيتُنِي ُثمّ
ضتُ َف ُهوَ َي ْ
سقِينِ * وَإِذَا مَ ِر ْ
ط ِعمُنِي وَيَ ْ
خََلقَنِي َفهُوَ َيهْدِينِ * وَالّذِي ُهوَ ُي ْ
يُحْيِينِ }[الشعراء]81-77 :
سقْيا والشفاء ،وهذه الفعال مظنة
فاستخدم الضمير الدالّ على الختصاص في الهداية والطعام وال ّ
أنْ يدعيها أحد لنفسه ،أما الحياء والماتة فهي ل وحده ل يمكن أنْ يدّعيها أحد؛ لذلك جاءت
بدون هذا التوكيد ،فهي مسألة مُسلّم بها ل تعالى.
والشك يأتي في مسألة الفصل يوم القيامة؛ لن ال تعالى جعل الملئكة المدبرات أمرا لتدبر أمر
حفَظُونَهُ مِنْ َأمْرِ اللّهِ[} ...الرعد]11 :
الخلق ،وقال سبحانه{ َلهُ ُمعَقّبَاتٌ مّن بَيْنِ يَدَ ْي ِه َومِنْ خَ ْلفِهِ َي ْ
أي :تبعا لمر ال فيه ،فقد يفهم البعض أن للملئكة دورا في الفصل بين الناس يوم القيامة ،كما
أن لهم مهمة في الدنيا.
وتأمل هنا أن ال تعالى ذكر لفظ الربوبية فقال { إِنّ رَ ّبكَ[ } ..السجدة ]25 :ولم ي ُقلْ :إن ال،
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
والربوبية كما قُلْنا عطاء وتربية ،وكأنه سبحانه يقول :اطمئنوا فالذي سيتولّى مسألة الفصل هو
ربكم.
وقوله سبحانه { :فِيمَا كَانُواْ فِيهِ َيخْتَِلفُونَ } [السجدة ]25 :لن الفصل ل يكون إل عن نزاع،
والنزاع ل ُبدّ أن يكون عن قضية تريد مراجعة من حكم حاكم.
ثم يقول الحق سبحانهَ { :أوَلَمْ َيهْدِ َل ُهمْ كَمْ.} ...
()3453 /
س َمعُونَ (
َأوَلَمْ َيهْدِ َلهُمْ كَمْ أَهَْلكْنَا مِنْ قَبِْلهِمْ مِنَ ا ْلقُرُونِ َيمْشُونَ فِي َمسَاكِ ِنهِمْ إِنّ فِي ذَِلكَ لَآَيَاتٍ َأفَلَا َي ْ
)26
الحق -سبحانه وتعالى -تكلم عن الرسالة التي أرسل بها رسوله صلى ال عليه وسلم ليؤكد في
الناس عقيدة أعلى ،وهي عقيدة الوجود للله الواحد الذي ل شريك له ،ثم بيّن أن لنا مع ال لقاء
آخر حين تنتهي هذه الدنيا الفانية ،ثم نستقبل حياة خالدة ،إما إلى جنة إنْ شاء ال ،وإما إلى نار
ونعوذ بال.
والحق سبحانه حين يعرض آياته في الكون يعرضها لتثبت أنه هو الذي خلق هذه اليات العجيبة،
فلم يتركنا سبحانه ننظر وننصرف إنما لفتنا ونبّهنا إلى وجوب النظر إلى آياته في الكون ،وحين
يأتي مَنْ يريد أنْ يُنبه عقلك فاعلم أنه ل يريد أنْ يخدعك ،أو أن يأخذك على غرّة ،فربك يقول
لك :استقبل كلمي هذا بمنتهى التدّبر والتذكّر والتعقّل.
ن واثقا من أنه سيصل بالتدبّر والتعقّل والتذكر إلى الغاية التي يريدها لما نبّه عقلَك
ولو لم يكُ ْ
لياته ،كما ترى عارض السلعة الجيدة الواثق من جودتها يعرضها عليك ،ويكشفها لك ،ويدعوك
إلى فحصها وتأمّل ما فيها ،فهو ل يفعل ذلك إل لثقته في بضاعته وأنها ستنال رضاك.
أما صاحب السلعة المغشوشة فيخدعك ويسلك معك أساليب اللفّ والدوران والتغرير ،فحين تدهب
مثلً لشراء حذاء وجاء ضيقا يقول لك :سيتسع بعدما تمشي فيه ،فإنْ جاء واسعا يقول لك :أحضر
لك واحدا أوسع؟ ليوهمك أنه ضيّق ،وأساليب هؤلء مكشوفة ل تخفى على أحد ،فالذي يريد أنْ
يغشّ أو يخدع يلف القضايا ليسترها عن عقلك المتدبر المتذكر المتمعن.
أما الحق سبحانه ،فكثيرا ما قال في قرآنه :أفل يسمعون ،أفل يعقلون ،أفل يتدبرون القرآن؛ لذلك
ن يتعقلها الناس ،وأن يتدبروها ،في حين أن بعض أصحاب الديانات الخرى
من مصلحة الدعوة أ ْ
ت بالعقل لردها
يقول لك حين تناقشه :أبعِدْ العقل عن هذه المسألة ،لماذا؟ لنه واثق أنها لو بُح َث ْ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
العقل ولم يقبلها -والحق سبحانه يريد إلّ يترك عذرا لحد في البلغ ،فالدعوة قد بلغتْ الجميع
بلغا سليما واضحا ،تلك آيات ال في الكون.
ثم يأتي الحق سبحانه بآيات معجزة ليثبت صِدْق الرسول ،فيجعلها تخالف نواميس الكون فيما نبغ
فيه القوم ليقطع عليهم الحجة ،ثم يأتي بآيات الحكام التي تحمل المنهج بافعل ول تفعل ،ويُبيّن أنّ
صلح حركة الحياة في تطبيق هذا المنهج ويترك للمخالفات أن تُظهِر بعض العيوب ،فإذا ما
نظرتَ إلى عيب أو عورة في المجتمع عرفتَ أنها نتيجة طبيعية لمخالفة منهج ال ،فكأن المخالفة
ذاتها من مُؤكّدات الحكم.
ثم يُبيّن سبحانه أنه أرسل رسلً كثيرين من َلدُنْ آدم عليه السلم؛ لن النسان الذي هو خليفته في
الكون تصيبه غفلة حين ينخرط في أسباب الدنيا ،وتأخذ عليه كل فكره وكل همه ،فينسى ما طلب
ل ما ينفعه النفع العاجل.
ال منه ،فمن عادة النسان ألّ يتذكر إ ّ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
التي لم تدخلها الشهوة ،ولم يخالطها النسيان ،هذه الذرة التي شهدت العهد الول الذي قال ال
ستُ بِرَ ّبكُمْ قَالُواْ
سهِمْ َألَ ْ
شهَدَ ُهمْ عَلَىا أَنفُ ِ
ظهُورِهِمْ ذُرّيّ َت ُه ْم وَأَ ْ
خذَ رَ ّبكَ مِن بَنِي ءَادَمَ مِن ُ
فيه {:وَِإذْ أَ َ
شهِدْنَآ أَن َتقُولُواْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ إِنّا كُنّا عَنْ هَـاذَا غَافِلِينَ }[العراف]173 :
بَلَىا َ
أي :قبل أنْ تأخذكم شهوات الدنيا ونسيانها فتُنكروا هذه الشهادة ،وتقولون {:إِنّا كُنّا عَنْ هَـاذَا
غَافِلِينَ * َأوْ َتقُولُواْ إِ ّنمَآ َأشْ َركَ آبَاؤُنَا مِن قَ ْبلُ َوكُنّا ذُرّيّةً مّن َبعْ ِدهِمْ َأفَ ُتهِْلكُنَا ِبمَا َف َعلَ ا ْلمُبْطِلُونَ }
[العراف]173-172 :
فالذي يحافظ على هذه الذرة ،وعلى هذه اللمسة الربانية التي وضعها ال فيه بيده ،وعلى العهد
الذي أخذه ال عليه يبقى له نور هذه الفطرة ،وتظل هذه النورانية متأججة في نفسه ،فإن أهملها
طمستْها الذنوب والغفلة.
لذلك فالنبي صلى ال عليه وسلم يضرب لنا المثل فيقول " :تُعرض المانة -أي :التكاليف
الختيارية من ال -على القلوب كالحصير عودا عودا ،فأيّما قلب ُأشْرِبها نُك َتتْ فيه نكتة بيضاء،
وأيّما قلب أنكرها ُنكِتت فيه نكتة سوداء حتى تكون على قلبين :أبيض مثل الصّفا ،ل تضره فتنة
جخّيا ممقوتا ،ل يعرف معروفا ،ول
ت السماوات والرض ،والخر أسود مُربَادا كالكوز م َ
ما دام ْ
ينكر منكرا ".
صفّ عيدان الحصير عودا بجوار عود ،فيبيضّ
فالطاعات أو الذنوب تتراكم على القلب كما ُت َ
القلب بالطاعات ،أو يسو ّد بالمعاصي.
والنسان منه مادة ومنه روح ،الروح في المادة تعطيها الحياة والحركة والفهم والفكر والتصرف،
وهما قبل أن يلتقيا كانا مُسبّحَيْن ل تعالى ،فكل شيء في الوجود مُسبّح{ ُكلّ َقدْ عَلِمَ صَلَتَهُ
حهُ[} ...النور]41 :
وَتَسْبِي َ
وعلى النسان أنْ يفهم هذه الحقيقة ،وأن يحافظ على الطبيعة اليمانية في ذراته ومكوناته لتظل
ن غفل عن هذه الطبيعة حدثتْ الغيار ،وحدث عدم النسجام بين
مشرقة نيّرة بنور اليمان ،فإ ْ
ذراته في الذات البشرية ،فحين تحمل إرادتُك الجس َم والروحَ على المعصية يكرهك جسمك،
وتكرهك روحك؛ لنك خالفتَ منهج خالقها -عز وجل -فهي مُسبّحة عابدة وأنت لهٍ غافل
عَاصٍ؛ لذلك تلعنك روحك وتلعنك أبعاضك.
ومن رحمة ال بالعاصي أن ينام فترتاح أبعاضه ،وترتاح روحه من معاصيه ،وتأخذ راحتها في
عبادة ربها ،حيث ل منازع لها ،ول معاند من إرادة صاحبها ،لذلك يشعر النسان بالراحة عند
النوم ،ويقوم منه نشيطا لما حدث من انسجام وتعادل بين ذرات ذاته أثناء النوم.
لذلك ورد أن سيدنا رسول ال صلى ال عليه وسلم كانت تنام عينه ول ينام قلبه؛ لن أبعاضه
منسجمة دائما في نومه وفي يقظته ،فإذا رأيتَ إنسانا يغلب عليه أنه مُنْهك القوى فاعرف أنه قد
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أتعب ذراته ،وأنها تودّ الخلص منه بالنوم ،وكأنها تقول له نَمْ فلم َتعْدُ صالحا للتعايش معي.
إذن :الحق سبحانه يُنبّهنا دائما من هذه الغفلة بواسطة الرسل ،ثم يترك سبحانه للرسالت التي
سبقتْ أدلة تؤيد الرسل الموجودين ،وتعينهم على أداء مهمتهم؛ لذلك يقول لنا :انظروا إلى الرسل
الذين سبقوا ،وكيف كانت عاقبة المكذّبين بهم.
} َأوََلمْ َيهْدِ َلهُمْ كَمْ أَهَْلكْنَا مِن قَبِْل ِهمْ مّنَ ا ْلقُرُونِ[ { ..السجدة ]26 :كما قال سبحانه {:أَلَمْ تَرَ كَ ْيفَ
َف َعلَ رَ ّبكَ ِبعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ ا ْل ِعمَادِ * الّتِي َلمْ ُيخْلَقْ مِثُْلهَا فِي الْبِلَدِ * وَ َثمُودَ الّذِينَ جَابُواْ الصّخْرَ
لوْتَادِ }[الفجر]10-6 :
عوْنَ ذِى ا َ
بِا ْلوَادِ * َوفِرْ َ
فهذه الهرامات التي َيفِد إليها الناس ،والتي ُتعَدّ مزارا سياحيا هي آية من آيات ال تقوم دليلً
على هلك أصحابها من المكذّبين للرسل ،فالحق سبحانه لم يترك لحد من خَلْقه عذرا بعد أنْ
كشف له اليات الكونية تشهد بوحدانيته تعالى وألوهيته ،والمعجزات التي تثبت صدق الرسل في
البلغ عن ربه ،ثم آيات الحكام التي تحمل أقضية الحياة ،والتي ل يمكن لبشر أنْ يستدرك
عليها ،والتي تحمل الحلّ الشافي والدواء الناجع لكل داءات المجتمع.
وبعد ذلك تركت لهم تكذيب المكذّبين أمام أعينهم ،كما قال سبحانه {:وَإِ ّنكُمْ لّ َتمُرّونَ عَلَ ْيهِمْ
ّمصْبِحِينَ * وَبِالّيلِ َأفَلَ َت ْعقِلُونَ }[الصافات]138-137 :
فها هي آثار عاد وثمود وغيرهم ما تزال شاهدةً عليهم ،بعضها فوق الرض ،ومعظمها مطمور
تحت طبقات الثّرى؛ لذلك نجد أن كل الثار القديمة يجدونها في الحفريات تحت الرض ،ولم ل
وقد كانت العاصفة تهبّ الهبّة الواحدة ،فتبتلع القافلة بأكملها ،فما بالك بهبّات الرياح من أيام عاد
حتى الن .إذن :خذوا عبرة من مصير هؤلء.
ومعنى } َأوََلمْ َيهْدِ َل ُهمْ[ { ..السجدة ]26 :يهدي :أي :يدلّ ويرشد ويُبيّن ويُوضّح ،والهداية لها
عناصر ثلثة :هاد ومهديّ والشيء المهْدَى إليه ،ومادة( :هدى) تُستعمل في كتاب ال ثلثة
استعمالت:
الول :أنْ يُذكر الهادي ،وهو ال عز وجل ،والثاني :أن يُذكر المهديّ وهم الخَلْق ،والثالث :وهو
أنْ يُذكر المهدي إليه ،وهي الغاية التي يريدها ال.
وهذا الفعل يأتي مرة متعدّيا بنفسه ،كما في سورة الفاتحة {:اهْدِنَا الصّرَاطَ ا ْلمُسْ َتقِيمَ }[الفاتحة]6 :
أي :يا ال ،فال هو الهادي ،ونحن المهديون ،والغاية هي الصراط المستقيم.
حمْدُ للّهِ الّذِي هَدَانَا ِلهَـاذَا[} ...العراف ]43 :فلم َيقُلْ :هِدانا
ومرة يُعدّى الفعل باللم ،كما في{ ا ْل َ
هذا ،ومرة يتعدى بإلى كما في{ ..وَاللّهُ َيهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىا صِرَاطٍ مّسْ َتقِيمٍ }[البقرة]213 :
خلْق ،لكن المهْدَي إليه هو المختلف ،أما في
فتلحظ أن الهادي واحد وهو ال تعالى ،والمهديّ هو ال َ
هذه الية فالمر مختلف ،حيث يقول سبحانهَ } :أوََلمْ َيهْدِ َل ُهمْ[ { ..السجدة ]26 :فلم تدخل اللم
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
على المهْدى إليه ،إنما دخلتْ على المهدى ،فلم ي ُقلْ الحق سبحانه :أو لم َي ْهدِ ال هؤلء القوم لكذا.
فلماذا؟
قالوا :لن بعض الناس يظنون أن ال حين يهدي إلى الطريق يُحمّلك مشقات التكاليف؛ لذلك نرى
بعض الناس ينفرون من التكاليف ويروْنَ فيها عبئا عليهم ،ومن هنا عبد بعضهم الصنام ،وعبد
بعضهم الشمس أو القمر..الخ؛ لنها آلهة بدون منهج وبدون تكاليف ،ليس لها أوامر ،وليس عندها
نَواهٍ ،وما أيسر أنْ يعبد النسان مثل هذه اللهة التي ل مطلوبات لها.
والذي يرى في التكاليف مشقة ،ويراها عبئا عليه يراها كذلك؛ لنها تصادم مراد نفسه في
الشهوات وتحدّ من رغباته ،ومرادات النفس ربما أعطتْك لذة عاجلة ،لكن يعقبها حسرة وشر
آجل.
ومثّلْنا لذلك بالتلميذ الذي يتحمل مشقة المذاكرة والدرس طمعا في التفوق الذي ينتظر حلوته،
وآخر يفضل اللذة السريعة العاجلة فيلعب ول يهتم،فيلقي مذلّة الفشل والحتقار آخر العام.
إذن :عليك أنْ تقرن بين مشقة العمل والنتيجة والثمرة التي تنالها من ورائه ،وعندها تهون عليك
مشقة التكاليف؛ لن ما ينتظرك من الجر عليها أعظم مما قدّمتَ وأبقى.
فالحق سبحانه يريد منا أنْ نُقبل على التكاليف ،ونعرف أنها لمصلحتنا نحن ،وأنها في الحقيقة
تشريف لنا ل تكليف؛ لن الذي كلفني ل يحتاج مني إلى هذا ،ول ينتفع من عبادتي بشيء ،بل هو
سبحانه يتحنن إليّ؛ لكون أهل لنعامه وجديرا بفضله وكرمه.
شكَرْتُ ْم لَزِيدَ ّن ُكمْ[} ...إبراهيم ]7 :فالمسألة إذن منك وإليك ،فال سبحانه له
ألم ي ُقلْ سبحانه {:لَئِن َ
صفات الكمال قبل أنْ يخلق عباده.
فاللم في } َأوَلَمْ َيهْدِ َل ُهمْ[ { ..السجدة ]26 :أي :لصالحهم ومن أجلهم ،وليس عليهم ،فالهدى
لصالح المهدي ل الهادي ،ولو فهم النسان هذه الحقيقة وعرف أن الهداية راجعة إليه لَقبّل يد مَنْ
بلَغه عن ال هذا الفضل.
ويؤكد هذا المعنى -لمن فطن -قوله تعالى عن المؤمنينُ {:أوْلَـا ِئكَ عَلَىا هُدًى مّن رّ ّب ِهمْ} ...
حمْلً يحملونه ،إنما مطية يركبونها إلى الغاية النبيلة التي أرادها ال لهم.
[لقمان ]5 :فالهدى ليس ِ
فما الذي بيّنه ال للمؤمنين ودلّهم عليه؟
يقول سبحانه } :كَمْ أَهَْلكْنَا مِن قَبِْل ِهمْ مّنَ ا ْلقُرُونِ َيمْشُونَ فِي مَسَاكِ ِنهِمْ[ { ..السجدة ]26 :أي:
انظروا إلى المخالفين للرسل من قبلكم ،وكيف أخذهم ال فلم يُمكّنهم من رسله ،بل انتصر الرسل
عليهم.
وكم هنا تفيد الستفهام عن العدد ،وهي بمعنى كثير ،كما تقول لمن ينكر جميلك :كم أحسنتُ إليك
أي :مرات كثيرة ل ُتعَدّ ،والمراد أننا بيّنا لكم كثيرا من المم التي عادتْ رسلها ،وكيف كانت
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عاقبتهم وغايتهم التي انتهوا إليهاَ {.فكُلّ َأخَذْنَا ِبذَنبِهِ َفمِ ْنهُم مّن أَرْسَلْنَا عَلَ ْيهِ حَاصِبا َومِ ْنهُمْ مّنْ
سفْنَا بِ ِه الَ ْرضَ َومِنْهُمْ مّنْ أَغْ َرقْنَا َومَا كَانَ اللّهُ لِ َيظِْل َمهُ ْم وَلَـاكِن كَانُواْ
خذَتْهُ الصّ ْيحَ ُة َومِ ْنهُمْ مّنْ خَ َ
أَ َ
سهُمْ َيظِْلمُونَ }[العنكبوت]40 :
أَنفُ َ
ومن مصلحتنا أن يُبيّن ال لنا عاقبة المكذبين؛ لنه ينبهنا إلى الخطر قبل أنْ نقع فيه .وسبق أنْ
شوَاظٌ مّن
سلُ عَلَ ْي ُكمَا ُ
أوضحنا هذه المسألة في كلمنا عن قوله تعالى -من سورة الرحمن {:يُ ْر َ
نّا ٍر وَنُحَاسٌ فَلَ تَن َتصِرَانِ * فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ }[الرحمن ]36-35 :فاعتبر الشواظ والنار
من النّعم التي ينبغي ألّ نُكذّب بها ،لماذا؟ لنه نبّهنا إليها حتى ل نقع فيها.
وقوله تعالى } :مّنَ ا ْلقُرُونِ[ { ..السجدة ]26 :القرن حدده العلماء بمائة عام ،لكن هذه المائة
تتداخل ،ويقترن فيها عدة أجيال يجتمعون على مذهب أو مبدأ واحد ،فالقرن يقرن بين الجد والبن
والحفيد ،هذا إنْ أردتَ الزمن وحده ،فإنْ قُرِن الزمن بعصر دين من الديان أو نبي أو ملك ،فقد
يطول القرن إلى اللف عام ،كما في قرن نوح عليه السلم.
فالقرن مرتبط بما قُرن به؛ لذلك نقول :العصر الجاهلي ،عصر صدر السلم ،عصر بني أمية،
العصر العباسي ،عصر المماليك ،وما نزال حتى الن نقول عن عصرنا :العصر الحديث.
والحق سبحانه يبين لنا في الحياة التي نعيشها أن الزمن متغير ،إلى أعلى في الماديات ،وإلى أدنى
في المعنويات ،فكلما تقدّم الزمن انحلّ الناس من رِبْقة الدين وتفلّتوا منه؛ ذلك لن الرتقاءات
المادية ينتج عنها حضارات تستهوي النفوس وتغريها ،والنتيجة انحدار في القيم وفي الدين ،ولو
أن الرتقاء كان متساويا لسار المران في خطين متوازيين.
ت الَ ْرضُ ُزخْ ُر َفهَا وَازّيّ َنتْ وَظَنّ أَهُْلهَآ أَ ّنهُمْ قَادِرُونَ عَلَ ْيهَآ أَتَاهَآ
خ َذ ِ
لذلك يقول تعالى {:حَتّىا إِذَآ أَ َ
َأمْرُنَا لَيْلً َأوْ َنهَارا[} ...يونس]24 :
ثم إنك لو نظرتَ إلى جزئيات الحضارة في الكون تجد أن المم صاحبة الحضارات لم تستطع أنْ
تجعل لنفسها وقاية من اندحار حضارتهم ،ولم يستطيعوا صيانتها .حتى العصور التقدمية :كنا في
العصر الحجري ،ثم عصر البخار ،ونحن الن في عصر الفضاء.
إذن :نحن مرتقون فقط في الماديات ،لكن منحدرون في المعنويات ،لكن هل هذا الرتقاء المادي
جاء عن امتلك لمعالم هدى ال في الرض؟ ل ،لن ال تعالى بيّن لنا {:إِنّا َنحْنُ نَزّلْنَا ال ّذكْ َر وَإِنّا
لَهُ َلحَافِظُونَ }[الحجر]9 :
فأنا الذي أنزلتُ ،وأنا الذي ضمنتُ حفظه ،فلم أتركه لكم تحفظوه ،إذن :المسألة عن عجز منا،
وإل فكتاب البداية موجود حجة علينا.
وقوله تعالىَ } :يمْشُونَ فِي َمسَاكِ ِنهِمْ[ { ..السجدة ]26 :أي :أنني ل ألقى القضايا بدون حجة أو
دليل ،بل هي شاخصة أمامكم تمرون بها ،وتروْنَها ليل نهار ،كما قال سبحانه {:وَإِ ّنكُمْ لّ َتمُرّونَ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عَلَ ْيهِمْ ّمصْبِحِينَ * وَبِالّيلِ َأفَلَ َت ْعقِلُونَ }[الصافات]138-137 :
س َمعُونَ { [السجدة ]26 :فال يحضّهم على أنْ يستمعوا
ثم يقول سبحانه } :إِنّ فِي َذِلكَ ليَاتٍ َأفَلَ يَ ْ
إلى سِيَر المكذّبين المعاندين ،وما حاق بهم من انتقام ال منهم.
وبال :النسان مهما َقصُر عمره ،ألم يَرَ ظالما ،وألم يَ َر مصرع هذا الظالم وعاقبة ظلمه ،فإنْ لم
يَرَ ظالما ألم يُحدّث عنه؟ إذن :مما يصلح حال الناس أنْ يستمعوا إلى حكايات عن الظالمين وعن
نهايتهم ،وما ينزل بهم من النتقام الذي ل ينتظر الخرة ،بل ُيعَجّل لهم في الدنيا.
وفي ذلك حكمة ل بالغة؛ لن الظالم ربما ل يرعوى ول يرجع في الدنيا عن ظلمه ،فيظل يُعربد
في الخَلْق ما أحياه ال ،لكن إنْ مسّه شيء من العذاب ،فلربما عاد إلى رُشْده ،وإن لم َيعُدْ كان
عبرة لغيره.
لذلك قال أهل المعرفة :لن يموت ظلوم حتى ينتقم ال منه .وربما مَنْ رآه ظالما يراه مظلوما،
ومَنْ أراد أن يرى نهاية ظالم فلينظر إلى مصارع الظالمين قبله.
وتأمل قول ربكَ {:وكَذاِلكَ ُنوَلّي َب ْعضَ الظّاِلمِينَ َبعْضا[} ...النعام ]129 :فكأن الظالم له رسالة،
هي أن ينتقم من ظالم مثله ،وهكذا يُهلك ال هؤلء بعضهم ببعض؛ لن الخيّر طيّب القلب ل
يؤدب ظالما ،فإن اعتديتَ عليه غلب عليه طابع التسامح والعفو.
ألم َي ُقلْ سيدنا رسول ال صلى ال عليه وسلم لكفار مكة " :اذهبوا فأنتم الطلقاء " فكأن ال عز
وجل يقول للخيّر :اجلس أنت واسترح ،واترك الشرار لي ،فسوف أرسل عليهم من هو أشرّ
منهم ليؤدبهم.
س َمعُونَ { [السجدة ]26 :لنها وسيلة الدراك المناسبة
واختار الحق هنا حاسة السمع } َأفَلَ يَ ْ
للموقف ،فبها نسمع ما يُحكَى عن الظالمين وبها نعتبر ،وفي موضع آخر سيقول{ َأفَلَ يُ ْبصِرُونَ }
[السجدة ]27 :ويقولَ {:أفَلَ َي ْعقِلُونَ }[يس ]68 :فيُنوّع لنا ،ويُقلّب كل وسائل الدراك لينبهنا من
خللها.
س َمعُونَ { [السجدة ]26 :ما يُ ْروَى لهم عن مصارع الظالمين ،لقد نبهناهم
والمعنى } َأفَلَ يَ ْ
وذكّرناهم ،ومع ذلك أشركوا وجعلوا سمعهم (ودن من طين ،وودن من عجين).
()3454 /
س ُهمْ َأفَلَا
َأوَلَمْ يَ َروْا أَنّا َنسُوقُ ا ْلمَاءَ إِلَى الْأَ ْرضِ الْجُرُزِ فَ ُنخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَ ْأ ُكلُ مِنْهُ أَ ْنعَا ُمهُ ْم وَأَنْفُ ُ
يُ ْبصِرُونَ ()27
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أولً لك أن تلحظ هنا توافق النسق القرآني بين صدر اليات وعَجُزها ،ففي الية السابقة قال
سبحانه{ َأوَلَمْ َيهْدِ َل ُهمْ[} ...السجدة ]26 :أي :يدلّ ويرشد ،والكلم فيها عن قصص تاريخي،
س َمعُونَ }[السجدة ]26 :أما هنا فالكلم عن مشاهد مرئية ،فناسبها { َأفَلَ يُ ْبصِرُونَ }
فناسبها{ َأفَلَ َي ْ
[السجدة ]27 :فهذا ينبغي أنْ يُسمع ،وهذا ينبغي أنْ يُرى.
وفي الية السابقة قال سبحانه{ َأهَْلكْنَا[} ...السجدة ]26 :لنعتبر بإهلك المكذبين في الماضي ،أما
هنا فيلفتنا إلى آية من آياته في الكون ،فيأتي الفعل { نَسُوقُ ا ْلمَآءَ[ } ..السجدة ]27 :بصيغة
المضارع الدالّ على التجدّد والستمرار ،ففي كل الوقات يسوق ال السحب ،فينزل منها المطر
على الرض (الجرز) أي :المجدبة ،فتصبح مُخضرة بأنواع الزروع والثمار ،وهذه آية مستمرة
نراها جميعا ،ول تزال في الحال وفي الستقبال ،ولن هذه الية واقعة الن تحتاج منا المشاهدة
والتأمل قال في ختامها { َأفَلَ يُ ْبصِرُونَ } [السجدة]27 :
عمَلً *
جعَلْنَا مَا عَلَى الَ ْرضِ زِي َنةً ّلهَا لِنَبُْلوَ ُهمْ أَ ّيهُم َأحْسَنُ َ
وفي موضع آخر قال سبحانه {:إِنّا َ
صعِيدا جُرُزا }[الكهف ]8-7 :فالجُرُز هي الرض المقطوع منها النبات،
وَإِنّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَ ْيهَا َ
إما لن الماء شحّ عليه فجفّ ،وإما أنه استُحصد فحصدوه.
حثّ بسرعة؛ لذلك تقول للذي يتعجلك (ما لك
سوْقَ :
ومعنى { َنسُوقُ ا ْلمَآءَ[ } ..السجدة ]27 :ال ّ
سوْق يكون من الوراء ،على خلف القيادة ،فهي من المام ،فالذي
سايقنا كده) ،ومعلوم أن ال ّ
تسوقه تسوقه وهو أمامك ،تراه فل يتفلت منك ،ولو كان خلفك فهو عُرْضة لنْ يهرب منك ،فل
تشعر به.
سقْنَاهُ
سلَ الرّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابا َف ُ
سوْق مرة يكون للسحاب ،كما في قول ال تعالى{ وَاللّهُ الّذِي أَرْ َ
وال ّ
إِلَىا بَلَدٍ مّ ّيتٍ[} ...فاطر]9 :
سوْق الماء له عدة مظاهر :فال يسوق الماء
سوْق للماء نفسه كما في هذه الية ،و َ
ومرة يكون ال ّ
من السحاب إلى الرض ،فإذا نزل إلى الرض ساقه في النهار ،أو سلكه ينابيع في الرض
ليحتفظ لنا به لحين الحاجة إليه.
فربّنا -عز وجل -جعل لنا خزانات للماء تحت الرض ،ل لنحرم منه حين يوجد ،لكن لنجده
حين يُفقد ،وكون الماء ينابيع في الرض يجعلنا نتغلب على مشاكل كثيرة ،فالرض تحفظه لنا،
فل يتبخر ول نحتاج إلى بناء السدود وغيرها ،مما يحفظ لنا الماء ال َعذْب.
لذلك يقول النبي صلى ال عليه وسلم " :مثل ما بعثني ال به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير
أصاب أرضا ،فكان منها نقيا -أرض خصبة -قبلتْ الماء ،فأنبتت الكل والعُشْب ،وكان منها
سقُوا أنعامهم وزروعهم ،وكان منها قيعان ل تمسك ماء
أجادب أمسكت الماء ،فشرب الناس منه و َ
ول تنبت كل ،فذلك مثل ما بعثني ال به من الهدى والعلم ".
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فهذه أنواع ثلثة من الرض تمثل انتفاع الناس بالعلم ،فالولى تسمك الماء ،وتُخرِج الزرع،
والثانية تمسك الماء حتى ينتفع الناس به ،ولك أن تسأل :فما فائدة الثالثة :القيعان التي ل تُمسِك
ماء ،ول تنبت كل؟ ولماذا خلقها ال إذن؟
سمَآءِ مَاءً
نقول :هذه القيعان هي التي تسلك الماء في باطن الرض ،وصدق ال {:فَأَنزَلْنَا مِنَ ال ّ
غوْرا
سقَيْنَا ُكمُو ُه َومَآ أَنْتُمْ َلهُ بِخَازِنِينَ }[الحجر ]22 :وقال سبحانهُ {:قلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ َأصْبَحَ مَآ ُؤكُمْ َ
فَأَ ْ
َفمَن يَأْتِيكُمْ ِبمَآءٍ ّمعِينٍ }[الملك]30 :
إذن :هذه القيعان لها مهمة يعرفها مَنْ فَطِن لهذه المسألة ،وإل فال تعالى لم يخلق شيئا عبثا أبدا،
كذلك يكون انتفاع الناس بالعلم ،فمنهم مَنْ نرى أثر علمه خيرا عاجلً ،ومنهم مَنْ يتأخر َنفْع علمه
للجيال القادمة.
ثم إياك أنْ تظن أنّ الماء حين يسلكه الُ ينابيع في باطن الرض يسيح فيها ،أو يحدث له
استطراق سائلي يختلط فيه العذب بالمالح ،ل ..إنما يسير الماء ال َعذْب في شبه أنابيب ومسارب
خاصة ،يجدونها حتى تحت مياه الخليج المالحة.
وهذه من عجائب الخَلْق الدالة على قدرة الخالق عز وجل ،وكما يوجد برزخ بين المائيْن على
خ لّ يَ ْبغِيَانِ }[الرحمن ]20-19 :كذلك هناك
وجه الرض{ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْ َتقِيَانِ * بَيْ َن ُهمَا بَرْزَ ٌ
برزخ للماءين تحت الرض.
فالحق سبحانه يلفت أنظارنا إلى هذه الية المشاهدة } َأوَلَمْ يَ َروْاْ أَنّا َنسُوقُ ا ْلمَآءَ إِلَى الَرْضِ
الْجُرُزِ[ { ..السجدة ]27 :نعم ،هذه آية نشاهدها جميعا ،لكن المراد هنا مشاهدة تمعّن وتذكّر
وعظة وتعقّل ،نهتدي من خللها إلى قدرة الخالق عز وجل.
وقوله سبحانه } أَنّا نَسُوقُ[ { ..السجدة ]27 :فيه دليل على قيّوميته تعالى على الخلق ،فإنْ كان
سوْق الماء يتم بواسطة الملئكة المكلفين به ،إل إنه تعالى صاحب المر الول والمتتبع لعملية
َ
تنفيذه.
وقدّم الحق سبحانه النعامَ على النسان في الكل من الزرع ،مع أنها كلها مملوكة للنسان؛ لن
النعام في الغالب ما تأكل من الزرع ،وهو ما يزال أخضر لم ينضج َبعْد ،ليأكل منه النسان،
وأيضا هو سبحانه حين يطعم النعام فإنما يطعم مَنْ جعله له فاكهة طعام ،وهي النعام.
وأشرنْا إلى أن ِدقّة البيان القرآني اقتضتْ أنْ تختم هذه الية المشاهدة بقوله تعالىَ } :أفَلَ
يُ ْبصِرُونَ { [السجدة ]27 :لن هذه مسألة تتعلق بالبصر.
ج َعلَ اللّهُ عَلَ ْي ُكمُ الْلّ ْيلَ سَ ْرمَدا إِلَىا َيوْمِ
ولك أن تقرأ في مثل هذه الدقّة قوله تعالىُ {:قلْ أَرَأَيْتُمْ إِن َ
ج َعلَ اللّهُ عَلَ ْيكُمُ ال ّنهَارَ
س َمعُونَ * ُقلْ أَرَأَيْ ُتمْ إِن َ
ا ْلقِيَامَةِ مَنْ إِلَـاهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُمْ ِبضِيَآءٍ َأفَلَ َت ْ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سكُنُونَ فِيهِ أَفلَ تُ ْبصِرُونَ }[القصص-71 :
سَ ْرمَدا إِلَىا َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ مَنْ إِلَـاهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَ ْيلٍ َت ْ
]72
س َمعُونَ }[القصص ]71 :لنها تتكلم عن آية الليل ،والسمع هو وسيلة
فقال في الولى{ َأفَلَ َت ْ
الدراك فيه ،وقال في الخرى{ أَفلَ تُ ْبصِرُونَ }[القصص ]72 :لنها تتكلم عن آية النهار،
والبصر هو وسيلة الدراك في النهار ،إذن :نلحظ دقّة الداء وإعجازه؛ لن المتكلم إله ورب ،فل
بُدّ أنْ تجد كل لفظة في مكانها المناسب.
ثم يقول الحق سبحانه } :وَ َيقُولُونَ مَتَىا هَـاذَا.{ ...
()3455 /
(متى) يُستفهم بها عن الزمان ،والستفهام بها يدل على أنك استبطأت الشيء فاستفهمتَ :متى
يحدث؟
الرسول صلى ال عليه وسلم حين ُبعِث أخبر قومه أنه مُرْسَل إليهم بمنهج من ال ،وقد أيده ال
بالمعجزات ،وأخبرهم بمصير مَن اتبعه ومصير مَنْ خالفه ،وأن ربه -عز وجل -ما كان
ليرسله إليهم ،ثم يُسلْمه أو يتخلى عنه ،فهو ل بُدّ منتصر عليهم ،فهذه سنة ال في أنبيائه ورسله،
حيث قال سبحانه {:وََلقَدْ سَ َبقَتْ كَِلمَتُنَا ِلعِبَادِنَا ا ْلمُرْسَلِينَ * إِ ّنهُمْ َلهُمُ ا ْلمَنصُورُونَ * وَإِنّ جُندَنَا َلهُمُ
ا ْلغَالِبُونَ }[الصافات]173-171 :
لذلك قلنا :إذا رأيت موقفا لم ينتصر فيه المسلمون ،حتى في حياة الرسول صلى ال عليه وسلم
وحياة الصحابة ،فاعلم أن الجندية عندهم قد اختلتْ شروطها ،فلم يكونوا في حال الهزيمة جنودا
ل متجردين.
وحين نتأمل الحداث في (أحُد) نجد أن ال تعالى يقول للمسلمين :ل تظنوا أن وجود رسول ال
بينكم يحميكم أو يُخرِجكم عن هذه القضية ،فهذه سنة ال في كونه ل تتبدل.
ففي (أُحُد) خالف المسلمين أوامر رسول ال ،حين نزل الرماة وتركوا أماكنهم طمعا في الغنائم،
فالتفّ عليهم المشركون ،وكانت النتيجة ل نقول انهزموا إنما هم لم ينتصروا؛ لن المعركة
(ماعت) والرسول موجود بينهم.
والبعض يرى في هذه النتيجة التي انتهتْ إليها الحرب في أُحُد مأْخذا ،فيقول:كيف يُهزم جيش
يقوده رسول ال؟ وهذه المسألة تُحسَب للرسول ل عليه ،فالرسول لن يعيش بينهم دائما ،ول بُدّ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لهم أن يروْا بأعينهم عاقبة مخالفتهم لمر رسول ال ،وأنْ يشعروا بقداسة هذه الوامر ،ولو أنهم
انتصروا مع المخالفة لفقدوا الثقة في أوامر رسول ال بعد ذلك ،ولِمَ ل وقد خالفوه في أُحُد
وانتصروا!!
عجَبَ ْتكُمْ كَثْرَ ُتكُمْ فََلمْ ُتغْنِ عَنكُمْ شَيْئا َوضَاقَتْ
كذلك في يوم حنين الذي قال ال فيه {:وَ َيوْمَ حُنَيْنٍ ِإذْ أَ ْ
عَلَ ْيكُ ُم الَ ْرضُ ِبمَا رَحُ َبتْ[} ...التوبة]25 :
وكان من إعجاب المؤمنين بكثرتهم أن يقول أبو بكر نفسه :لن ُنغْلَب اليوم عن قلة ،لذلك لقّنهم ال
تعالى درسا ،وكادوا أنْ يُهزموا ،لول أن ال تداركهم في النهاية برحمته ،وتحوّلت كفّة الحرب
لصالحهم ،وكأن التأديب جاء على قدر المخالفة.
فالحق سبحانه يُعلّمنا امتثال أمره ،وأنْ نخلص في الجندية ل سبحانه ،وأن ننضبط فيها لنصل إلى
الغاية منها ،فإنْ خالفنا حُ ِرمْنا هذه الغاية؛ لنني لو أعطيتُك الغاية مع المخالفة لما أصبح لحكَمي
مكان احترام ول توقير.
وهنا يحكي الحق -تبارك وتعالى -عن المشركين قولهم لرسول ال { :مَتَىا هَـاذَا ا ْلفَتْحُ} ..
[السجدة ]28 :أي :النصر الذي وعدكم ال به ،وقد كان هذا النصر غاية بعيدة المنال أمام
المؤمنين ،فما زالوا قلّة مُستْضعفة.
لذلك لما نزل قول ال تعالى:
جمْ ُع وَ ُيوَلّونَ الدّبُرَ }[القمر ]45 :تعجب عمر حتى قال :أيّ جمع هذا ،ونحن ل نستطيع
{ سَ ُيهْزَمُ ا ْل َ
أنْ نحمي أنفسنا؟ لكن الحق سبحانه لم يُطل عليهم هذا الوضع ،وسرعان ما جاءتْ بدر ،ورأى
جمْع المشركين ،ورددها بنفسه بعد المعركة :نعم يا
عمر بعينه كيف تحقّق وعد ال ،وكيف هُزِم َ
رب ،سَيُهزم الجمع ويولون الدبر.
ومن العجيب أنْ يدل رسول ال على الكفار وعلى أصحابه وأنصاره بفيض ال عليه ،وأنه أخبره
بنتيجة المعركة قبل حدوثها ،فيقف صلى ال عليه وسلم في أرض بدر ،ويشير بعصا في يده إلى
مصارع المشركين :هذا مصرع أبي جهل ،وهذا مصرع عتبة ،وهذا مصرع الوليد..الخ.
فمَنْ يستطيع أنْ يحدد نتيجة معركة بهذا التفصيل ،والمعركة َأخْذٌ وردّ وكرّ وفرّ واختلط ،مع
أنهم لم يخرجوا لحرب ،إنما خرجوا لملقاة قافلة قريش التجارية ،فما بالك لو خرجوا على حال
استعداد للحرب ،وهذه سيأخذها الكفار قياسا يقيسون عليه قوة المسلمين الوليدة ،وسيقذف ال بهذه
النتيجة الرعب في قلوب الكفار ،ولم ل وقد انتصرتْ القلة المستضعفة غير المجهزة علة الكثرة
المتعجرفة المستعدة للحرب.
والستفهام هنا } مَتَىا هَـاذَا ا ْلفَتْحُ[ { ...السجدة ]28 :ليس استفهاما على حقيقته ،إنما يراد به
الستهزاء والسخرية ،وجواب ال على هذا الستفهام يحدد نيتهم منه ،فهم يستبعدون هذا النصر
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وهذه الغلبة التي وعد ال بها عباده المؤمنين ،لكنهم يستبعدون قريبا ،ويستعلجون أمرا آتيا ل
ريب فيه.
وقد سجّل القرآن عليهم مثل هذا الموقف في قوله تعالى حكاية عن الكفار يقولون لرسولهم {:فَأْتِنَا
ِبمَا َتعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ }[العراف]70 :
كلمة (الفتح) إنْ جاءت مُعرّفة بأل فخيرها مضمون ،فاعلم أنها نعمة محروسة لك سينالك نفعها،
فإنْ جاءت نكرة فل ُبدّ لها من متعلق يوضح الغاية منها :أهذا الفتح لك أم عليك؛ فقوله تعالى في
خطاب النبي صلى ال عليه وسلم {:إِنّا فَتَحْنَا َلكَ فَتْحا مّبِينا }[الفتح ]1 :دلّ على أن هذا الفتح
لصالحه صلى ال عليه وسلم ،فهو غُنْم ل غُرْم ،كما يقولون في حسابات البنوك :له وعليه.
شيْءٍ[} ...النعام:
أما الخرى ،ففي قوله تعالى {:فََلمّا َنسُواْ مَا ُذكّرُواْ بِهِ فَ َتحْنَا عَلَ ْيهِمْ أَ ْبوَابَ ُكلّ َ
]44
إذن :تنبّه لما يفتحه ال عليك؛ ول تغتَرّ به ،وتأمّل :أهو لك أم عليك؟ وإياك أنْ تُطغيك النعمة إذا
(زهزهتْ) لك الدنيا ،فلعلها استدراج وأنت ل تدري ،فالفتح يحتمل المعنيين ،واقرأ إنْ شئتَ {:وََلوْ
سمَآ ِء وَالَ ْرضِ[} ...العراف ]96 :أي:
أَنّ أَ ْهلَ ا ْلقُرَىا آمَنُو ْا وَا ّتقَواْ َلفَتَحْنَا عَلَ ْي ِهمْ بَ َركَاتٍ مّنَ ال ّ
احذروا هذه النعمة ل تطغيكم.
وكلمة (الفتح) تأتي بمعانٍ متعددة ،يحددها السياق ،كما قلنا في كلمة العين ،فتأتي بمعنى العين
الباصرة .تقول :رأيت فلنا بعيني ،وتقول :جُدْت على فلن بعيْن مني أي :بالذهب أو الفضة،
وتقول :سمحتُ له أنْ يروي أرضه من عيني أي :عين الماء ،وتقول :هؤلء عيون فلن أي:
جواسيسه.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ن يقول المؤمنون في إجابة هذا السؤال :نحن ل نقول أننا
صَا ِدقِينَ { [السجدة ]28 :ول بد أ ْ
خلَ لنا بها ،إنما هي من ال
صادقون أو كاذبون في هذا الخبر؛ لن هذه مسألة بعيدة عنا ،ول د ْ
الذي أخبرنا هذا الخبر ،فنحن ل نُوصَف فيه ،ل بصدق ول بكذب.
ولكي يكون النسان عادلً ينبغي أنْ ينسب الفعل إلى فاعله ،أرأيت رسول ال صلى ال عليه
وسلم حين أخبر قومه خبر إسرائه قال " :لقد ُأسْرِي بي الليلة من مكة إلى بيت المقدس " ولم يقل
سريت ومع ذلك سأله القوم :أتدّعى أنك أتيتها في ليلة ،ونحن نضرب إليها أكباد البل شهرا؟
وهذه مغالطة منهم ،ل عدم فهم لمقالة رسول ال؛ لنهم أمة كلم ،ويفهمون جيدا معاني اللفاظ.
إذن :رسول ال ما سَرَى بذاته ،إنما أَسْرى ال به ،فمَنْ أراد أن يبحث هذه المسألة فليبحثها في
ضوء قدرة ال ،وكيف يكون الزمن بالنسبة ل تعالى ،وقلنا :إن الفعل الذي يستغرق زمنا هو
ن فيكون ،والفعل
الفعل العلجي ،إنما ربنا -تبارك وتعالى -ل يعالج الفعال ،فقط يقول كُ ْ
يتناسب مع زمنه تناسبا عكسيا ،فكلما زادت قوة الفاعل َقلّ زمن الفعل .وعليه لو نسبتَ حادثة
السراء إلى قوة الحق تبارك وتعالى لوجدتَ الزمن ل زمن.
ثم يجيب الحق تبارك وتعالى عن سؤالهم } مَتَىا هَـاذَا ا ْلفَتْحُ[ { ..السجدة ]28 :بما يفيد أنه سؤال
استبعاد واستهزاء ،فيقول سبحانهُ } :قلْ َي ْومَ ا ْلفَتْحِ.{ ...
()3456 /
ُقلْ َي ْومَ ا ْلفَتْحِ لَا يَ ْنفَعُ الّذِينَ َكفَرُوا إِيمَا ُنهُ ْم وَلَا ُهمْ يُنْظَرُونَ ()29
أي :لِمَ تسألون عن يوم الفتح؟ وماذا ينفعكم العلم به؟ إن يوم الفتح إذا جاء أُسْدل الستار على
جرائمكم ،ولن تنفعكم فيه توبة أو إيمان ،ولن تنفعكم فيه توبة أو إيمان ،ولن يُنْظِرَكم ال إلى وقت
آخر.
ومعلوم أن اليمان ل ينفع صاحبه إل إذا كانت لديه فُسْحة من الوقت ،أما اليمان الذي يأتي في
النزع الخير ،وإذا بلغت الروح الحلقوم فهو كإيمان فرعون الذي قال حين أدركه الغرق {:قَالَ
آمَنتُ أَنّهُ ل إِلِـاهَ ِإلّ الّذِي آمَ َنتْ بِهِ بَنواْ ِإسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ا ْلمُسِْلمِينَ }[يونس ]90 :فردّ ال عليه
عصَ ْيتَ قَ ْبلُ َوكُنتَ مِنَ ا ْل ُمفْسِدِينَ }[يونس]91 :
ن َوقَدْ َ
هذا اليمان{ آل َ
حلّ أوان الحساب ،اليمان
الن ل ينفع منك إيمان؛ لنك مُقْبل على ال ،وقد فات أوان العمل ،و َ
ن تؤمن وأنت حريص صحيح تستقبل الحياة وتحبها ،اليمان أن تؤمن عن طواعية.
أْ
{ َولَ هُمْ يُنظَرُونَ } [السجدة ]29 :أي :ليس لكم الن إمهال؛ لن الذي خلقكم يعلم سرائركم،
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ويعلم أنه سبحانه لو أمهلكم َلعُدْتم لما كنتم عليه{ وََلوْ رُدّواْ َلعَادُواْ ِلمَا ُنهُواْ عَ ْن ُه وَإِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ }
[النعام]28 :
ثم يقول الحق سبحانه { :فَأَعْ ِرضْ عَ ْن ُه ْم وَانتَظِرْ.} ...
()3457 /
هذا المعنى كما نقول في العامية (اديني عرض كتافك) أي :انصرف عنهم ،فلم َي ُعدْ بينك وبينهم
لقاءٌ ،ول جدوى من مناقشتهم والتناظر معهم فقد استنفدوا كل وسائل القناع ،ولم يَ ْبقَ لهم إل
ع ّقبْ بعدَها وَعيدا فَإنْ لَمْ ُيغْنِ أَغَ َنتْ
السيف يردعهم ،على حَدّ قول الشاعر:أنَاةٌ فإنْ لَمْ ُتغْنِ َ
عَزَائمهُفقد بلّغهم رسول ال وأنذرهم ،لقد بشّرهم بالجنة لمن آمن ،وحذرهم النار لمن كفر فلم
حدّ مُرْهَف فالعاقل الوحي يقنعه ،والجاهل السيف يردعه.
ل الوَحْي أو َ
يسمعوا .إذنَ :فمَا ُه َو إ ّ
وقوله سبحانه { :وَان َتظِرْ[ } ..السجدة ]30 :أمر من ال تعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم ،أي:
انتظر وعدي لك بالنصر والغلبة ،وقلنا :إن وعد ال محقق ،حيث ل توجد قوة أخرى تمنعه من
إنفاذ وعده ،أما النسان فعليه حين َيعِد أنْ يتنبه إلى بشريته ،وأنه ل يملك شيئا من أسباب تنفيذ ما
وعد به.
علٌ ذاِلكَ غَدا * ِإلّ أَن يَشَآءَ اللّهُ[} ...الكهف]24 :
شيْءٍ إِنّي فَا ِ
لذلك يُعلّمنا ربنا {:وَلَ َتقْولَنّ لِ َ
وتعليق أمرك على مشيئة ال عز وجل يحميك أن تكون كاذبا إذا لم َتفِ بما وعدتَ به ،فأسباب
الوفاء بالوعد ل يملكها البشر ،إنما يملكها خالق البشر سبحانه ،فإذا وعد فاعلم أن وعده متحقق ل
محالة.
وقلنا :إنك حين تقول لصاحبك مثلً :سأقابلك غدا أو سأفعل لك كذا وكذا ،نعم أنت صادق وتنوي
الوفاء ،لكنك ل تملك في الغد سببا واحدا من أسباب الوفاء ،فلربما طرأ لك طارئ ،أو منعك
مانع ،وربما تغيّر رأيك..الخ.
وفَرْق بين انتظار رسول ال حين ينفذ أمر ربه { وَانتَظِرْ } [السجدة ]30 :وبين { إِ ّنهُمْ مّنتَظِرُونَ }
[السجدة ]30 :فانتظار رسول ال لشيء محقق ،له رصيد من القوة والقدرة ،أما انتظارهم فتسويل
نفس ووسوسة شيطان ،ل رصيد لها من قوة وإنقاذ.
ومعنى{ إِ ّن ُهمْ مّنتَظِرُونَ }[السجدة ]31 :أي :ينتظرون أن يحدث لرسول ال صلى ال عليه وسلم
شيء يمنعه من تبليغ رسالة ربه ،وهذا حمق منهم ،فقد كان عليهم أن يعلموا أن الرسول مُؤيّد من
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ال مُرْسَل من قِبَله لهدايتهم ،وما كان ال تعالى ليرسل رسولً ثم يُسْلمه أو يخذله ،فسنة ال في
الرسل أن لهم الغلبة مهما قويتْ شوكة المعاندين لهم.
إذن :ل سبيلَ إلى ذلك ،ول سبيلَ أيضا إلى الخلص منه أو حتى تخويفه ليرتدع ،ويدع ما يدعو
إليه من منهج ربه.
وقد ورد هذا النتظار في موضع آخر بلفظ (التربص) في قوله تعالى {:تَرَ ّبصُواْ فَإِنّي َم َعكُمْ مّنَ
ا ْلمُتَرَ ّبصِينَ }[الطور]31 :
حسْنَيَيْنِ[} ...التوبة ]52 :أي :ماذا تنتظرون
حدَى الْ ُ
وفي قوله تعالىُ {:قلْ َهلْ تَرَ ّبصُونَ بِنَآ ِإلّ إِ ْ
منا ونحن أمام حُسْنيين :إما النصر والغلبة عليكم ،وساعتها ندحركم ونُذلكم .أو الشهادة التي
تضمن لنا حياة النعيم الباقية الخالدة
{ وَنَحْنُ نَتَرَ ّبصُ ِبكُمْ أَن ُيصِي َبكُمُ اللّهُ ِبعَذَابٍ مّنْ عِن ِدهِ َأوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَ ّبصُواْ[} ...التوبة]52 :
يعني :تربّصوا بنا ،فنحن أيضا نتربص بكم ،لكن فَرْق بين تربّصنا وتربّصكم.
وهذه السورة سميت (السجدة) أولً :لن بها سجدة تلوة ينبغي أن نسجد ال شكرا عندها،
والسجود يمثل منتهى الخضوع للحق -تبارك وتعالى -فإذا جاءت هذه الية التي تهز كيان
النسان يعلمنا ربنا أن ننفعل لهزّة الكيان ،وأن نسارع بالسجود ،ول ننتظر سجودنا بعد ذلك في
الصلة.
فكأن في هذه الية آمرا قويا وسرا عظيما استدعى أنْ نُخرِج السجود عن موقعه بأمر مَنْ شرع
السجود الول .إذن :ل ُبدّ أن في آيات سجود التلوة طاقاتٍ جميلة من ِنعَم ال تُذكّرني به.
والحق سبحانه يريد أنْ يشعر الخَلْق أنهم يستقبلون نعما جديدة ،ل يكفي في شكرها السجود
الرتيب الذي نعرفه ،فيشرع لها سجودا خاصا بها.
وفي السورة أيضا بعض الشارات التي وقف عليها العارفون وقالوا :إنها تضع نماذج لصيانة
النفس النسانية ،وعدم ُبعْدها عن حكمة خالقها ،ومن هذه الشارات أن العين ترى الشياء فتقول:
هذا حسن ،وهذا قبيح ،ذلك من مجرد الشكل الخارجي ،لكن على المرء أنْ يتأمل الشياء ويعرف
معنى القبح.
القبح ليس ما قَبُحَ في نظرك ،إنما القبيح الذي يُخرِج الحُسْن التكليفي عن مناطه؛ لن الخالق -
شيْءٍ خََلقَهُ[} ...السجدة]7 :
عز وجل -خلق كل شيء جميلً ،كما قال سبحانه {:الّذِي أَحْسَنَ ُكلّ َ
فإذا قَبُحَ الشيء في نظرك فاعلم أنك نظرتَ إلى جانب الشكل ،وأهملتَ جوانب أخرى ،و ُقلْ إنني
لم أتوصل إلى سرّ الجمال فيه.
وسبق أنْ قُلْنا :إن الخالق سبحانه نثر المواهب بين خَلْقه بحيث تجد مجموع مواهب كل إنسان
تساوي مجموع مواهب كل إنسان ،فل تنظر إلى جانب واحد فتقول :هذا غني ،وهذا فقير ،لكن
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
انظر إلى الجوانب الخرى.
ويُ ْروَى أن سيدنا نوحا عليه السلم رأى كلبا أجرب فبصق عليه ،فأنطق ال الكلب الجرب ،وقال
له :أتعيبني أم تعيب خالقي؟ والمعنى أنه خلقني لحكمة ،ولمعنى من المعاني.
وصدق القائل:لِلقُبْح َو ْقتٌ فِيهِ َيظْهر حُسْنُه وَيُحمد مَنْ غشّ البناءَ لَدَى الهَدْمكذلك نثر الحق سبحانه
حكمه ،ونثر خيره في كتابه ،فل تغنى آية عن آية ،ول تغني كلمة عن كلمة ،ول حرف عن
ن تقف على أسرار ال.
حرف ،لكن البصائر التي تَتَلقّى عن ال هي التي تستطيع أ ْ
()3458 /
حكِيمًا ()1
ن وَا ْلمُنَا ِفقِينَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا َ
يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ اتّقِ اللّ َه وَلَا ُتطِعِ ا ْلكَافِرِي َ
قوله تعالى { :يَاأَ ّيهَا النّ ِبيّ[ } ..الحزاب ]1 :نداء لرسول ال صلى ال عليه وسلم ،والمنادي هو
الحق سبحانه ،رسول ال لقبه ،واسمه محمد ،واسمه أحمد كما ذُكر في القرآن ،والنسان حين
يُولَد يُوضع له اسم يدل على مُسمّاه ،بحيث إذا أطلقه الواضع انصرف إلى المسمى ،والقوم الذين
سمّوا لهم محيط يُعرفون فيه ،وغيرهم بنفس السماء لهم محيط آخر ،فمحمد هذا المحيط غير
ُ
محمد هذا المحيط.
وتعريف النسان يكون بالسم أو بالكُنْية أو باللقب ،فالسم هو العلم الذي يُوضع لمسمّى ليُعلَم به
صدّر بأب أو أم كما نقول :أبو بكر ،وأم المؤمنين،
ويُنادَى به ،ويُميّز عن غيره ،أما الكنية فاسم ُ
جعِل عَلَما على شخص فهو اسم ،وليس كنية ،أما اللقب فما أشعر برفعة أو
سمّي بد بدايةً و ُ
فإنْ ُ
ضِع ًة كما تقول :فلن الشاعر أو الشاطر..إلخ.
فإذا ُأطِلق السم الواحد على عدة مسميات ،بحيث ل تتميز بعضها عن بعض وجب أنْ تُوصَف
بما يميزها كأسرة مثلً عشقتْ اسم محمد فس ّمتْ كل أولدها (محمد) فل بُدّ أن نقول :محمد
الكبير ،محمد الصغير ،محمد الوسط..الخ.
ورسول ال صلى ال عليه وسلم له اسم وكُنْية ولقب ،أما اسمه فمحمد وقد ورد في القرآن الكريم
سلُ[} ...آل عمران {.]144 :مّا كَانَ
حمّدٌ ِإلّ رَسُولٌ َقدْ خََلتْ مِن قَبِْلهِ الرّ ُ
أربع مراتَ {:ومَا مُ َ
حمّدٌ رّسُولُ اللّ ِه وَالّذِينَ َمعَهُ
حدٍ مّن رّجَاِل ُك ْم وَلَـاكِن رّسُولَ اللّهِ[} ...الحزاب {.]40 :مّ َ
حمّدٌ أَبَآ أَ َ
مُ َ
حمّ ٍد وَ ُهوَ ا ْلحَقّ مِن
حمَآءُ بَيْ َنهُمْ[} ...الفتح {.]29 :وَآمَنُواْ ِبمَا نُ ّزلَ عَلَىا مُ َ
علَى ا ْل ُكفّارِ رُ َ
شدّآءُ َ
أَ ِ
رّ ّبهِمْ[} ...محمد]2 :
ح َمدُ[} ...الصف:
س ُمهُ أَ ْ
وورد باسم أحمد في موضع واحد هوَ {:ومُبَشّرا بِ َرسُولٍ يَأْتِي مِن َبعْدِي ا ْ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
]6وسبق أنْ تكلّمنا في علة هذه التسمية.
أما كنيته :فأبو القاسم ،ولقبه :رسول ال.
وهكذا استوفى سيدنا رسول ال العَلَمية في أوضاعها الثلثة :السم ،والكُنْية ،واللقب.
واللقب يضعه أيضا الب أو الم أو الناس المحيطون بالنسان ،إما يدل على الرفعة تفاؤلً بأنه
ضعَة ،وهذه في الغالب تحدث في الولد الذين يُخاف عليهم
سيكون له شأن ،أو يدل على ال ّ
حطّة والضّعة وما أشبهه (بالفاسوخة) يُعلّقونها على الصغار
العين ،فيختارون لهم لقبا يدل على ال ِ
مخافة العين.
أما لقب رسول ال صلى ال عليه وسلم فقد اختاره له ربه عز وجل ،وطبيعي أنْ يأتي لقبه صلى
شعِرا برفعة أيما رفعة ،فهي ليست عند الخلق فحسب ،إنما رفعةَ عند الخالق ،فلما
ال عليه وسلم مُ ْ
وَلِد رسول ال أسماه جده بأحب السماء عنده ،وقال :سمّيْته محمدا ليُحمد في الرض وفي
السماء.
ولما وُلِد القاسم كُنّى به رسول ال فقيل :أبو القاسم ،فلما اختاره ال للرسالة وللسفارة بينه تعالى
وبين الخَلْق لقّبه برسول ال وبالنبي ،وهذان اللقبان على قدر عظيم من الرفعة لو جاءت من
البشر ،فما بالك وهي من عند ال ،فأنت حين تضع المقاييس تضعها على َقدْر معرفتك وإمكاناتك.
فالرسول صلى ال عليه وسلم رسول ال ونبي ال بمقاييس ال ،فهو إذن مُشرّف عندكم ،مُشرّف
ج َعلُ رِسَالَتَهُ[} ...النعام]124 :
عند مَنْ أرسله و{ اللّهُ أَعَْلمُ حَ ْيثُ َي ْ
فأحبّ شيء في العلم برسول ال أن نقول :محمد ،أو أبو القاسم ،أو رسول ال ،أو النبي،
والحق سبحانه حين نادى رسوله صلى ال عليه وسلم لم يُنَاده باسمه أبدا ،فلم يقُلْ يا محمد ،إنما
بلقبه الذي يُشعر برفعته عند الحق سبحانه ،فقال في ندائه {:ياأَ ّيهَا النّ ِبيّ[} ...النفال {،]65 :ياأَ ّيهَا
الرّسُولُ[} ...المائدة]41 :
ولو تتبعت نداء ال للرسل من َلدُنْ آدم عليه السلم ل تجد رسولً نُودِي بغير اسمه إل محمد
صلى ال عليه وسلم .أما لفظ (محمد) فقد ورد في القرآن ،لكن في غير النداء ،ورد على سبيل
الخبار بأن محمدا رسول ال.
وحتى في الخبار عنه صلى ال عليه وسلم أخبر ال عنه بلقبهَ {:لقَدْ جَآ َءكُمْ َرسُولٌ مّنْ
سكُمْ[} ...التوبة]128 :
أَنفُ ِ
وقالَ {:وقَالَ الرّسُولُ يا َربّ إِنّ َق ْومِي اتّخَذُواْ هَـاذَا ا ْلقُرْآنَ َمهْجُورا }[الفرقان]30 :
إذن :في النداء استقل بيا أيها النبي ،ويا أيها الرسول ،أما في الخبار فل بُدّ أنْ يذكر اسمه (محمد
رسول ال) ،وإل فكيف يعرف أنه رسول ال؟ فيخبر به أولً اسما ومُسمّى.
ونُودِي صلى ال عليه وسلم بياأيها النبي ،وياأيها الرسول تعظيما له صلى ال عليه وسلم ،ونحن
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حين نريد أنْ نُعظّم مَنْ ننادي نسبق السم بمقدمات ،نقول :يا سيدي فلن ،يا فضيلة الشيخ ،يا
صاحب العزة..الخ.
وقد تقدمتْ (أَ ّيهَا) على المنادي هنا؛ لن السم المنادى المحلّى بأل ل يُنادى مباشرة إل في لفظ
الجللة (ال) فنقول :يا ال ،فكأن الحق سبحانه توحّد حتى في النداء ،هذا في نداء المفرد.
والحق سبحانه نادى رسوله بياأيها النبي ،وياأيها الرسول ،الرسول هو سفير بين ال وبين خَلْقه؛
ليُبلغهم منهجه الذي يريد أنْ تسير عليه حياتهم فالرسول مُبلّغ ،أما النبي فمُرْسَل أيضا من قِبلَ
الحق سبحانه ،لكن ليس معه شرع جديد ،إنما يسير على شرع مَنْ سبقه من الرسل ،أما فهو
فقدوة وأُسْوة سلوكية لقومه.
ومحمد صلى ال عليه وسلم جمع المرين معا ،فهو نبي ورسول له خصوصيات ُأمِر بها ،ولم
ُي ْؤمَر بتبليغها -وهذه مسائل خاصة بالنبوة -وله أمور أخرى ُأمِر بها ،وُأمِر بتبليغها.
ومعلوم من أقوال العلماء أن كل رسول نبي ،وليس كل نبي رسول بالمعنى الصطلحي ،وإل
َفهُم جميعا مُ ْرسَلون من قِبَل ال.
وكلمة (النبي) مأخوذة من النبأ وهو الخبر الهام ،فالخبر يكون من البشر للبشر ،فإنْ كان من خالق
البشر فهو نبأ أي :أمر عظيم ينبغي الهتمام به ،وأصله من النّبوَة ،وهي الشيء العالي المستدير
في وسط شيء مسْ َتوٍ.
فحين تقول :رأيتُ فلنا اليوم ،هذا ل يُسمّى نبأ إنما خبر؛ لذلك قال سبحانه {:عَمّ يَ َتسَآءَلُونَ * عَنِ
النّبَإِ ا ْل َعظِيمِ }[النبأ ]2-1 :أي :الخبر الهائل الذي هزّ الدنيا كلها ،ومل السماع ،وزلزل العروش.
ثم يقول سبحانه مخاطبا نبيه صلى ال عليه وسلم } اتّقِ اللّهَ[ { ..الحزاب ]1 :سبق أنْ قُلْنا :إن
الكلم العربي مُقسّم إلى خبر وإنشاء ،فالخبر نسبة كلمية ،فإنْ كان لها معنى ومدلول فهي نسبة
واقعية ،والخبر هو القول الذي يُوصَف بالصدق إنْ طابق الواقع ،ويُوصَف بالكذب إن خالف.
أما النشاء فهو مقابل الخبر يعني :ق ْولٌ ل يُوصَف بصدق ول بكذب ،كأن تقول لنسانِ :قفْ،
فهذا أمر ل يقال لقائله :صادق ،ول كاذب.
فقوله تعالى لنبيه } اتّقِ اللّهَ[ { ..الحزاب ]1 :هذه نسبة كلمية من ال لرسوله ،ليحدث مدلول
هذا المر ،وهو التقوى ،لكن أكان رسول ال صلى ال عليه وسلم غير تقي حتى يأمره ربه
بالتقوى؟
ن يكون الرسول عصى ،فيأمره ال بتقواه ،لكن الحق سبحانه ينشئ مع
نقول :ليس بالضرورة أ ْ
رسوله كلما بداية دون سابقة عصيان .أو :أنه المر الول بالتقوى كما تقول لولدك في بداية
الدراسة :اجتهد وذاكر دروسك ،وأنت تعرف أنه مجتهد ،لكن ل بُدّ من تقرير المبدأ في بداية
المر.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ثم إن الحدث يحدث في أزمنة ثلثة :ماضٍ وحال ومستقبل ،فإذا طلب من شخص فعل شيء هو
مقيم عليه بالفعل كقوله تعالى {:يَاأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّ ِه وَرَسُولِهِ[} ...النساء]136 :
فالحق سبحانه يأمرهم باليمان ،مع أنه وصفهم وخاطبهم بلفظ اليمان؛ لن المعني :أنتم آمنتم قبل
أنْ أُكلمكم ،وهذا اليمان السابق لكلمي ماضٍ ،وأنا أريد منكم أنْ تُحدِثوا إيمانا جديدا ،حالً
ومستقبلً ،أريد أنْ تُجدّدوا إيمانكم ،وأنْ تستَمروا عليه.
فمعنى } يَاأَ ّيهَا النّ ِبيّ اتّقِ اللّهَ[ { ..الحزاب ]1 :أي :واصل تقواك حالً ،كما فعلتها سابقا،
وواصلها مستقبلً ،فل تنقطع عنها أبدا.
أو :أن تقوى ال أمر يلصق النسانَ بربه ،وال كلّف بأشياء ،ثم أباح لك من جنس التكليف أشياء،
فإذا قال ال لرسوله } اتّقِ اللّهَ[ { ..الحزاب ]1 :فهي غير قوله لنا :اتقوا ال ،فالمر لنا نحن
بالتقوى ،أي :نفّذ ما فُرِض عليك ،أما في حق رسول ال فهي بمعنى :ادخل في مقام الحسان،
وجدّده دائما؛ لن مراقي القبول من ال ل تنتهي ،كما أن كمالت العطاء في ال ل تنتهي.
لذلك قال صلى ال عليه وسلم " :من استوى يوماه فهو مغبون " أي :من استوى يومه مع أمسه
في قُرْبه من ال فهو خاسر ،لماذا؟ لنه ينبغي للمؤمن أنْ يزيد في قُرْبه وفي مودته ،وعلقته بال
يوما بعد يوم؛ لن ِنعَم ال عليك متوالية تستوجب شكرا متواليا ،وحمدا دائما.
كما أن الحق سبحانه ل يكتفي من رسوله بما يكتفي به من سائر الخلق ،إذن :فالتقوى بالنسبة
لرسول ال غير التقوى بالنسبة لسائر الخَلْق ،التقوى في حق رسول ال مجالها أوسع ،وللرسول
مع ال فيوضات ل تنتهي.
لذلك حين يناديك ربك للصلة في كل يوم خمس مرات ،فاعلم أن فضله عليك غير مكرر ،بل
فضله متجدد ،فعطاؤه لك في الظهر غير عطائه لك في العصر ،غير عطائه لك في المغرب،
ل متواصلً ممتدا.
وهكذا تكون التقوى عم ً
ولذلك يحذرنا أهل الخير أن نداوم مع ال في شيء من الطاعة ،ثم نقصر عنها ،كذلك يحذرنا
الشرع أنْ ننذر ال ما ل نستطيع الوفاء به ،لنك بالنذر تفرض على نفسك الطاعة ،فأج ِملْ بك أنْ
تظل في مقام التطوع ،إنْ خفّت نفسك للطاعة أدّها ،وإنْ قصُرت فل شيء عليك.
وكونك تفرض على نفسك شيئا من الطاعات من جنس ما فرض ال عليك .يعني :أنك أحببتَ
ت ال منها ،فقلت مثلً :نذرتُ ل أن أصلي من الركعات كذا،
الطاعة وحََلتْ لك العبادة ،حتى زد َ
ت في الصلوات الخمس إشراقات وفيوضات من ال فز ْدتَ
أو أتصدّق بكذا من المال؛ لنك رأي َ
منها.
والحق سبحانه يطلب منا حين ينادينا للصلة أنْ نسعى للمسجد ،ومع أن الرض كلها مسجد وكلها
خصّص للصلة ،فينبغي أنْ تُؤدّى فيه ،وأنت في صلة ما ُد ْمتَ تسعى
طهور ،لكن المسجد ُ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
للصلة ،فمَنْ كان بعيد البيت عن المسجد عليه أنْ يأتي الصلة في سكينة ووقار ،ول يخرج عن
سمْت حتى وإنْ تأخر عن تكبيرة الحرام.
هذا ال ّ
وقد ورد في حديث سيدنا رسول ال " :إذا أقيمت الصلة فل تأتوها تسعون ،وأتوها تمشون
وعليكم السكينة ،فما أدركتم فصلّوا وما فاتكم فأتموا ".
وهناك مطلوب إيمان ومطلوب إحسان :مطلوب اليمان هو ما فرضه ال عليك ،وجاء في
ب إلىّ مما افترضته عليه "
الحديث القدسي " :ما تقرّب إليّ عبدي بشيء أح ّ
فإنْ أردتَ أن تتقرب إلى ال فتقرّب إليه بما يحب ،ومن جنس ما فرضه عليك ،فال أمرك بصلة
وصيام وزكاة ،فإنْ حََلتْ لك هذه العبادات فزدْ منها فوق ما فرضه ال عليك ،وحين تزيد اعرف
أنه مسّ ْتكَ نورانية الشراق في العبادة فقلت :ال يستحق مني فوق ما كلّفني ،وهذا هو مقام
الحسان.
ت وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ
وسبق أنْ تحدثنا عن هذا المعنى في قوله تعالى {:إِنّ ا ْلمُتّقِينَ فِي جَنّا ٍ
سحَارِ ُهمْ
جعُونَ * وَبِالَ ْ
رَ ّبهُمْ إِ ّنهُمْ كَانُواْ قَ ْبلَ ذَِلكَ مُحْسِنِينَ * كَانُواْ قَلِيلً مّن اللّ ْيلِ مَا َيهْ َ
يَسْ َت ْغفِرُونَ }[الذاريات]18-15 :
وهل فرض ال على عبده ألّ يهجع إل قليلً من الليل؟ ل بل لك أنْ تُصلي العشاء ،وتنام حتى
ل ويقوم في السّحَر
صلة الفجر ،كذلك في الستغفار ،أما الذي ل يهجع من الليل إل قلي ً
للستغفار ،فل ُبدّ أنه حََلتْ له العبادة ،وحل له الوقوف في حضرة ربه -عز وجل -فدخل في
مقام الحسان.
ثم الحسان نوعان :إحسان كم ،وإحسان كيف ،إحسان الكم بأنْ تزيد على ما فُرِض عليك،
فتصلي فوق الفرض وتُزكّي فوق الفرض ،أما إحسان الكيف فبأنْ تخلص في عبادتك ل ،وأنْ
تعبد ال كأنك تراه ،فإنْ لم تكُنْ تراه فإنه يراك يعني :إذا لم يكُن لديك الشراق والشفافية التي
تريك ال ،فل أقلّ من أنْ تعبده على أنه يراك.
وساعة تدخل في مقام الحسان فأنت حرّ إذن فيما تقدم من الحسان ،كما قال سبحانه {:مَا عَلَى
حسِنِينَ مِن سَبِيلٍ[} ...التوبة ]91 :على حسب ما تخفّ نفسك للطاعة ،خ ّفتْ لخمس ركعات،
ا ْلمُ ْ
خ ّفتْ لعشر ،خفّت لخمسة بالمائة في الزكاة ،خ ّفتْ لعشرة..الخ أنت حر.
ل وَا ْلمَحْرُومِ }
حقّ لّلسّآ ِئ ِ
أل ترى أن الحق سبحانه لما تكلم عن هذا المقام قالَ {:وفِي َأ ْموَاِلهِمْ َ
حقّ ّمعْلُومٌ }[المعارج]24 :
[الذاريات ]19 :أما في الزكاة المفروضة فقال {:وَالّذِينَ فِي َأ ْموَاِلهِمْ َ
إذن } يَاأَ ّيهَا النّ ِبيّ اتّقِ اللّهَ[ { ..الحزاب ]1 :أي :تقوى تناسب مقامك من ربك؛ لن عطاءات ال
سبحانه ل تتناهى ،كما أن كمالته ل تتناهى ،لذلك كان سيدنا رسول ال يقدم الليل حتى تتفطر
قدماه ولما سألته السيدة عائشة :تفعل هذا وقد غفر ال لك ما تقدم من ذنبك؟ قال " :أفل أكون
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عبدا شكورا ".
يعني :العبادة ل تكون لمجرد الثواب والمغفرة ،إنما هناك درجات وارتقاءات أخرى.
والتقوى :قلنا أنْ تجعل بينك وبين ما يمكن أنْ ينشأ منه ضرر لك وقاية ،لكن كيف نجعل بيننا
وبين ربنا سبحانه وقاية ،ومهمة التقوى أن تندمج مع ال في معيته؟ هذا في حق مَنْ يتحكم جيدا
في نفسه ،ويحملها على منهج ال.
قالوا :لن ل تعالى صفات جلل وصفات جمال ،ولكل صفة منها مطلوب ،فال تعالى غفور
رحيم ،وهو أيضا سبحانه القهار الجبار المنتقم ،ال سبحانه هو الضار وهو النافع ،إذن :فصفات
الجمال هي التي تُؤتي النسان الخير الذي يحبه ،وصفات الجلل هي التي تتسلط على مَنْ
يخالف .فعلى العبد دائما أنْ يظل خائفا من صفات الجلل راجيا صفات الجمال.
إذن :تقوى ال تكون بأنْ تجعل بينك وبين صفات الجلل وقاية؛ لنك لستَ مطيقا لهذه الصفات،
ول تطيق مسّة خفيفة من النار ،وهي جند من جنود ال فاحذرها.
وعرفنا في مسألة الشفاعة أن الصيام والقرآن يشفعان لصاحبهما ،وأن ال يُشفّع بعض المؤمنين،
ويُشفّع النبياء والملئكة ،ثم بعد ذلك تبقى شفاعة أرحم الراحمين ،فكيف يشفع ال عند ال؟
قالوا :أي تشفع صفات الجمال عند صفات الجلل ،فحين يذنب العبد ذنبا تتسلط عليه صفات
الجلل لتعاقبه ،فتتصدى لها صفات الجمال ،وتشفع عندها لتسقط ما لها عنده من حق.
ن وَا ْلمُنَا ِفقِينَ.
ثم يقول سبحانه مخاطبا رسوله صلى ال عليه وسلم } :وَلَ ُتطِعِ ا ْلكَافِرِي َ
[ { .الحزاب ]1 :فهل حين يتقي رسول ال ربه أيطيع الكافرين والمنافقين؟ قالوا :جمع القرآن
بين المر بالتقوى والنهي عن طاعة الكافرين والمنافقين على اللتزام ،تقول :أكرم فلنا وفلنا
أيضا ،فلم تقل ل تكرم إل فلنا ،إذن :فعطف ل تُطع الكافرين والمنافقين على } اتّقِ اللّهَ..
{ [الحزاب ]1 :باللتزام.
والنبي صلى ال عليه وسلم حينما جاء جاء على نظام كوني أعده ال تعالى لخَلْقه ،وحين خلق ال
ستُ
الخَلْق أخذ على النسانية كلها بكل أفرادها من آدم إلى أن تقوم الساعة -أخذ عليهم العهد{ أََل ْ
بِرَ ّبكُمْ قَالُواْ بَلَىا[} ...العراف ]172 :فشهدوا ل تعالى قبل أنْ تتهيأ لهم المعاصي والشهوات.
فإذا أصابت الناسَ غفلةٌ أو نسُوا هذا العهد بعث ال لهم من رسله مَنْ يُذكّرهم؛ لذلك خُوطِب النبي
صلى ال عليه وسلم بقوله تعالى {:إِ ّنمَآ أَنتَ مُنذِرٌ[} ...الرعد]7 :
ن َومُنذِرِينَ[} ...النساء ]165 :يعني :ليسوا منشئين تقوى
وقال سبحانه عن الرسل {:رّسُلً مّبَشّرِي َ
وطاعة ،إنما مذكرون بقضية معلومة سَلَفا من الزل ،وما هم إل مبشرين بالثواب لمن أطاع،
ومنذرون بالعذاب لمن عصى ،والحق سبحانه يريد من عباده أن يكونوا على ذكر دائم لهذه
الحقيقة وألّ يغفلواعنها.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
والغفلة تأتي إما من شهوة النفس أو كسلها عن مطلوب شاق للعبادة أو وسوسة من غير مطيع في
ضهُمْ إِلَىا
أذنك ،سواء أكان من شياطين النس أو من شياطين الجن ،كما قال تعالى {:يُوحِي َب ْع ُ
َب ْعضٍ[} ...النعام]112 :
وقلنا :إن المنحرف يحسد المستقيم على استقامته ،لكنه ل يستطيع أنْ يتحمل تبعات هذه الطاعة،
فل أقلّ من أنْ يحاول أنْ يجذب المستقيم إليه ،فيوسوس له ويصرفه عن صفة الكمال التي له؛
لذلك حين يوسوس لك صاحبك بشيء من معصية ال فأول شيء ينبغي أنْ تفطن إليه أنه يكرهك،
ول يريد لك الخير الذي يعجز هو عن إدراكه ،فهو ل يريد لك أنْ تتميز عليه بشيء.
إذن :الكافرون والمنافقون الذي يصادمون دعوة الرسل لم يقدروا على أنْ يحملوا أنفسهم على
منهج ال ،ول أنْ يلتزموا كما التزم المؤمنون ،فل أقلّ من أنْ يحولوا بين المؤمنين وبين المنهج
الجديد الذي جاء به رسول ال.
ت إل لضرورة ،هي انطماس معالم المنهج عند المرسل إليهم ،وانعدام
وقلنا :إن الرسول لم يأ ِ
الرادع في النفس البشرية أولً ثم في المجتمع ككل ،فالنسان حين يغفل تُذكّره النفس اللوامة
وتردّه عن المعصية ،فإذا ما ضعف سلطان هذه النفس تحكمتْ فيه النفس المّارة بالسوء وصرفتْه
عن الخير كله ،فلم يَبْقَ له رادع إل في المجتمع اليماني الذي يقوم بدوره في المر بالمعروف
والنهي عن المنكر.
جتْ لِلنّاسِ تَ ْأمُرُونَ
وهذه هي ميزة الخيرية في هذه المة التي قال ال فيها {:كُنْتُمْ خَيْرَ ُأمّةٍ ُأخْرِ َ
ف وَتَ ْن َهوْنَ عَنِ ا ْلمُ ْنكَرِ وَ ُت ْؤمِنُونَ بِاللّهِ} ...
بِا ْل َمعْرُو ِ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ظةِ
ح ْكمَ ِة وَا ْل َموْعِ َ
عليه ،فعلىّ أنْ أغيره بلساني في ضوء قوله تعالى {:ا ْدعُ ِإلَىا سَبِيلِ رَ ّبكَ بِالْ ِ
حسَنَ ِة وَجَادِ ْلهُم بِالّتِي ِهيَ َأحْسَنُ[} ...النحل ]125 :بالسلوب الحسن الجميل ،لكن تجد بعض
الْ َ
الدعاة يدعون على غير بصيرة ،فيغفلون مسألة الستطاعة ،ول يجعلون لعدم الستطاعة مجالً،
ويميلون إلى تغيير المنكر كله باليد ،وهذا مخالف لمر رسول ال.
ن توقعتَ أنْ يصيبك ضرر فلتغير المنكر بقلبك؛ لن الهدف أن تستقطب المنحرف إلى جهة
فإ ْ
العتدال ،وهذا ل يتم إل باللين وبالرفق حتى تجمع عليه شدتين :الولى أنْ تُخرِجه مما يألف،
والثانية :أنْ تُخرِجه عما يألفه بما يكرهه.
ويخطئ الكثيرون في فهم تغيير المنكر بالقلب فيظنون مثلً أن تقول في نفسك :اللهم إن هذا منكر
ل يرضيك وأنا أنكره ،هذا مجرد إنكار باللسان وال ل يريد كلمة تخرج من أفواههم ،إنما يريد
منا عمل القلب الذي يتبعه عمل الجوارح ،فقالبك في هذا النكار تابع لقلبك.
فحين ترى مَنِ استشرى في العصيان والطغيان وأنت ل تقدر على نهيه ،ل بيدكَ ول بلسانك ،ول
تستطيع مواجهته ،فعليك أن تكون كارها لعمله معرضا عنه ،مهملً له ،فل تجامله في حزن ول
تُهنّئه في فرح ول تساعده إن احتاج..الخ.
عليكْ أنْ تعزله عن مجتمعك ،فإذا فعل معه الجميع هذا الفعل ،وسلكوا معه هذا المسلك سقط
واحده وارتدع.
لذلك لم نر النبي صلى ال عليه وسلم صنع سجنا للمسلمين المخالفين ،إنما جعل سجنهم في عزل
المجتمع اليماني لهم ،أو سجن المجتمع عنهم ،ل يكلمهم ول يتعامل معهم ،حتى الزوجة عزلها
الشرع عن زوجها ل يقربها حتى يقضي ال في أمره.
أتذكرون قصة كعب بن مالك ،وكيف عزله المجتمع اليماني وكان من الثلثة الذين خُلّفوا عن
رسول ال في غزوة تبوك ،حتى قاطعه أقرب الناس إليه ،فلما تسوّر الحديقة على ابن عمه وقال:
تعلم أني أحب رسول ال فلم يرد عليه.
وتأتي زوجة هلل إلى رسول ال وقد كان أحد الثلثة أيضا ،وتقول :يا رسول ال ،إن هللً
رجل كبير السن ،ليس له ما للرجال في النساء ،فقال لها :اخدميه لكن ل يقربنك .وقد ظل هؤلء
ت َوضَا َقتْ
في هذه العزلة حتى أن القرآن قال فيهم {:حَتّىا ِإذَا ضَا َقتْ عَلَ ْيهِ ُم الَ ْرضُ ِبمَا رَحُ َب ْ
سهُمْ وَظَنّواْ أَن لّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ ِإلّ إِلَيْهِ[} ...التوبة]118 :
عَلَ ْيهِمْ أَنفُ ُ
هكذا التزم المسلمون الوائل بشرع ال ،واستطاعوا ل نقول سجن المخالف ،إنما سجن المجتمع
عنه ،وهذه المسألة هي سبب الزمة التي تعيشها بلدنا الن ،فالمجرم الذي يعيش بيننا ،أليس
معلوما لهل المنزل الذي يعيش فيه ،بل لهل الحي والشارع؟
فهل ذهب واحد منهم إلى تاجر فقال له :أعطني كذا فقال :ل ليس عندي وقطاعه؟ هل سلّم واحد
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
منهم على شخص ،فلم يردّ عليه السلم؟
إذن :المجتمع كله يتحمل هذه المسئولية ،ويتحمل الثم عليها؛ لنه تستّر على هؤلء ،لدرجة أن
نقول :إن المجتمع نفسه مجرم أكثر من المجرمين.
وينبغي قبل أنْ نتكلم عن المجرم نتكلم معه نحاوره وننصحه ونحسن إليه قبل أن نقاطعه ،نفهم
هذا المعنى من قول سيدنا رسول ال صلى ال عليه وسلم " :أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان
جائر " ولم يقل على سلطان جائر .فقبل أنْ نفضحه ونُشنّع عليه يجب أنْ نتكلم معه ،وأنْ ننصحه
حتى يعلم أنك تريد به الخير ،وتريد أنْ ترده إلى الجادة فيقبل منك ،وعلى القل ل يضرك ،إنما
آفتنا أننا نُشنّع على المجرم ،وربما نُحمّله فوق الصدق الواحد ألف كذب لمجرد كراهيتنا له.
لذلك قال العربي في صفات الناس :إنْ علموا الخير أخفوه ،وإنْ علموا الشر أذاعوه ،وإنْ لم
يعلموا كذبوا.
إذن :معنى التغيير بالقلب أن يكون قالبك موافقا لقلبك ،وهذه ل تُكلّفك شيئا ،على خلف التغيير
باليد أو باللسان؛ لذلك وصفه رسول ال بأضعف اليمان ،يعني أنها مسألة يقوم بها الضعيف.
وبعزل المجتمع عن المجرم تنتهي ظاهرة الجرام ،وما استشرى الجرام إل حين خاف الناس
من المجرمين وتملّقوهم وتودّدوا إليهم ربما لتقاء شَرّهم ،ولم ل يزداد المجرم في إجرامه والمر
كذلك؟
لذلك جعل الشارع الحكيم الدية في القتل الخطأ ليست على القاتل وحده ،إنما على العاقلة أي :على
جميع العائلة لنها المنوط بها تقويم أبنائها ،والخذ على أيدي المنحرف منهم؛ لنها هي التي
ستتحمل العاقبة ،وبذلك يحدث التوازن في المجتمع.
والحق -سبحانه وتعالى -حين وضع المنهج الذي يُنظّم حياة الخَلْق يريد سبحانه الخير لخلقه،
خلْق جميعا كانوا على أتقى قلب رجل
وهو سبحانه صاحب الخير ول ينتفع منه بشيء ،فلو أن ال َ
واحد منهم ما زاد ذلك في مُلْك ال شيئا.
ثم هو سبحانه خلق النسان ،وحدد مهمته في الحياة ،ووضع له قانون صيانته فيها ،كما أن صانع
اللة يحدد الهدف منها قبل صناعتها ،وحدد لها قانون صيانتها ،فالذي صنع الغسالة مثلً رأى
كيف تتعب المرأة في عملية غسيل الملبس ،فصنع هذه اللة لتقوم بهذه المهمة ،ولم يحدث أنْ
صنع صانع آلة ،ثم قال :انظروا في أيّ شيء يمكن أنْ تُستخدم.
شلُ العالم كله يأتي من أن الخَلْق يريدون أنْ يحددوا مهمة النسان ،ويضعوا له قانون
لذلك ،فَ َ
صيانته ،ويغفلون أنه صنعة ال ،والذي يحدد مهمة الصّ ْنعَة هو صانعها.
ت ق ْولَ ربك{:
والحق سبحانه حدّد لنا مهمتنا في الحياة قبل أنْ يستدعينا إليها ،واقرأ إنْ شئ َ
ق الِنسَانَ }[الرحمن]3-1 :
حمَـانُ * عَلّمَ ا ْلقُرْآنَ * خََل َ
الرّ ْ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فالحق سبحانه قبل أنْ يخلق النسان وضع له المنهج ،وحدّد له مهمته وقانون صيانته في قرآنه
الكريم ،كما يحدد الصانع مهمة صَنْعته أولً ،فإنْ حدث في هذه الصنعة عَطَب فيجب أنْ تُر ّد إلى
الصانع ،وإلى قانون الصيانة بافعل ول تفعل؛ لنه سبحانه هو الذي خلق ،وهو الذي يعلم ما
ق وَ ُهوَ اللّطِيفُ الْخَبِيرُ }[الملك:
يصلح صنعته ويضمن سلمتها ،واقرأ إنْ شئتََ {:ألَ َيعْلَمُ مَنْ خَلَ َ
]14
شيْءٍ فَرُدّوهُ إِلَى اللّ ِه وَالرّسُولِ[} ...النساء]59 :
ويقول تعالى {:فَإِن تَنَازَعْ ُتمْ فِي َ
إذن :فآفة المجتمع البشري أولً :أنه يريد أن يُحدّد لخَلْق ال مهمتهم ،وأن يتدخل في صنعة ليست
صنعته .ثانيا :حين يفسد المجتمع يجعلون له قوانين إصلحية من عندهم ،وهل تركنا ال بدون
منهج ،وبدون قانون صيانة؟
لقد كان سيدنا رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو قدوتنا إذا حزبه أمر أو عَزّ عليه شيء ُيهْرع
إلى ربه ،ويقف بين يديه في الصلة ،كما تعرض أنت آلتك أو جهازك على المهندس المختص،
فيصلح لك ما فيه من عطب ،وهذه مسألة مادية يصلحها المهندس بشيء مادي.
أما الحق سبحانه فغيب ،فحين يصلحك أنت أيها العبد يصلحك بقانون الغيب ،بحيث ل تدري أنت
كيف أصلحك ،المهم حين تعرض نفسك على ربك وعلى خالقك -عز وجل -تعود مُنْشرح
الصدر ،راضيا طّيب النفس.
ن وَا ْلمُنَا ِفقِينَ[ { ..الحزاب ]1 :لنهم أهل فساد
طعِ ا ْلكَافِرِي َ
الحق سبحانه يقول لرسوله } :وَلَ تُ ِ
يمارسونه وينتفعون به؛ لذلك ل بُدّ أنْ يصادموا الحق ،وأنْ يعترضوا طريقه ،وأساس الفساد في
الكون أنْ يحب النسان أنْ يأخذ خير غيره ،وأن يكون دمه من عرق الخرين ،فإذا جاء مَنْ يعدل
هذا الميزان المائل وقفوا له بالمرصاد؛ لن دعوته تتعارض ومنافعهم.
والحق سبحانه بيّن لنا على مدى موكب الرسل جميعا أنه ما من رسول إل كان له أعداء
ومعاندون ،لكن سنة ال في الرسل أنْ تكون لهم الغَلَبة في نهاية المر ،كما قال سبحانه:
{ وََلقَدْ سَ َب َقتْ كَِلمَتُنَا ِلعِبَادِنَا ا ْلمُ ْرسَلِينَ * إِ ّنهُمْ َلهُمُ ا ْلمَنصُورُونَ * وَإِنّ جُندَنَا َل ُهمُ ا ْلغَالِبُونَ }
[الصافات]173-171 :
إذن :فال تعالى يريد منا الستقامة على منهجه ،وأهل الفساد يريدون النحراف عن هذا المنهج،
واقرأ {:وَأَنّ هَـاذَا صِرَاطِي مُسْ َتقِيما[} ...النعام ]153 :يعني :استقامة على إطلقها ،فمَنْ منكم
يرينا فيه التواءً أو اعوجاجا؟{ فَاتّ ِبعُوهُ َولَ تَتّ ِبعُواْ السّ ُبلَ فَ َتفَرّقَ ِبكُمْ عَن سَبِيلِهِ[} ...النعام]153 :
فالصراط المستقيم واحد ،وسبيل الحق واحد ،أما الباطل والفساد فله سُبْل شتى ،وقد نبهنا سيدنا
خطّ للصحابة خطا واحدا مستقيما،
سيدنا رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى هذه القضية حين َ
وعلى جانبيه خطوطا ،ثم تل {:وَأَنّ هَـاذَا صِرَاطِي مُسْ َتقِيما فَاتّ ِبعُوهُ َولَ تَتّ ِبعُواْ السّ ُبلَ فَ َتفَرّقَ ِبكُمْ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عَن سَبِيِلهِ[} ...النعام]153 :
وتعلّمنا في علم الهندسة أن الخط المستقيم هو أقرب مسافة بين نقطتين ،فلو خَطّ مهندس طريقا
مستقيما بين بلدين مثلً تراه لو انحرف في بداية الطريق عدة سنتيمترات فإنها تبعده عن البلدة
الخرى عدة كيلو مترات.
إذن :الطريق المستقيم هو الذي يُسهّل لك السفر ،ويقرب لك المسافة ،أما السبل المتعددة فإنها
تهدر مجهودك وتشقّ عليك ،حتى أنت في لغتنا العامية تقول لصاحبك( :تعال دغُري) أو تقول
(بلش لف ودوران) كذلك يقول لك ربك {:وَأَنّ هَـاذَا صِرَاطِي مُسْ َتقِيما فَاتّ ِبعُوهُ َولَ تَتّ ِبعُواْ
السّ ُبلَ[} ...النعام]153 :
وإن كان طريق الحق واحدا ،فطرق الضلل متعددة ،فواحد فساده من ناحية المال ،وواحد من
ناحية النساء ،وواحد يفسده المنصب والسلطان..إلخ.
فإذا ما جاء رسول من عند ال يكبح جماح هؤلء ل بُدّ أن يتصادموا معه؛ لذلك ينبه الحق -
تبارك وتعالى -نبيه صلى ال عليه وسلم :أول مراتب التقوى أن تتقي ال وحده ،ثم ل تُطِع
الكافرين والمنافقين؛ لنهم يريدون أنْ يأخذوك للشر وال يريدك للَخير.
ن وَا ْلمُنَا ِفقِينَ[ { ..الحزاب ]1 :تعني :أنه ل مانع أن تطيع غيرهم
وقوله تعالى } :وَلَ ُتطِعِ ا ْلكَافِرِي َ
من أصحاب الرأي والمشورة من المؤمنين فيما لم يأتكَ فيه أمر من ال؛ لذلك " نزل سيدنا رسول
ال في غزوة بدر على رأَي الصحابي الجليل الحباب بن المنذر لما قال له :يا رسول ال ،أهذا
منزلٌ أنزلكه ال ،أم هو الحرب والمكيدة؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم " :بل هو الحرب
والمكيدة " ،فقال :إذن هذا ليس لك بمنزل.
وقد أشار سلمان الفارسي على رسول ال بحفر الخندق فأخذ بمشورته ،والقاعدة الشرعية تقول:
ل اجتهاد مع النص ،فإذا لم يكُنْ في المسألة نصّ فل مانع من أنْ تطيع المؤمنين الناصحين لك،
المشيرين عليك بالخير.
فالحق سبحانه لم يمنه عن رسوله ُنصْح الناصحين ،ولم يحرمه مشورة أهل الرأي.
وقد اختلف الناس حول استشارة الحاكم :أهي ملزمة له أم غير ملزمة؟ وإجابة هذا السؤال في
لمْرِ فَإِذَا عَ َز ْمتَ فَ َت َو ّكلْ عَلَى اللّهِ[} ...آل عمران]159 :
قوله تعالى {:وَشَاوِرْهُمْ فِي ا َ
فللحاكم أنْ يسمع المشورة ،وأنْ يقارن بين الراء ويفاضل بينها ،ثم يكون له وحده القرار النهائي{
فَإِذَا عَ َز ْمتَ[} ...آل عمران ]159 :أي :أنت وحدك.
وفي العالم المعاصر نرى النظمة إذا احتاجت إلى أَخْذ الراء في موضوع ما ترجح الجانب الذي
به الرئيس ،وهذا ل يصح ،فالراء تنير للرئيس الطريق ،وتوضح له الصورة ،وله هو القرار
الخير؛ لن الحيثية التي انتخبته من خللها أنك تشهد له بالتفوق ،إذن :فهو الذي يرجح أحد
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الراء.
وفَرْق بين المشورة والتفويض ،فحين يُفوّض رئيس الدولة شخصا أو هيئة لدراسة أمر من
المور ،أو اتخاذ قرار ،فهي صاحبة الرأي ،وحين تعرض عليه ما توصلتْ إليه يعطيها الموافقة؛
لنه فوّضها في هذا المر ،إذن :التفويض يجيز لك اتخاذ القرار ،أمّا المشورة فتقف عند عرض
الرأي فحسب.
والرسول صلى ال عليه وسلم كان ل يريد الخروج لغزوة أُحُد ،لكن لما شاور صحابته أشاروا
عليه بالخروج لما عندهم من العزة والحماس لنصرة دين ال ،وظلوا برسول ال حتى استعد
للحرب ،ولبس لها ملبسها ،ثم عادوا إلى رأيه صلى ال عليه وسلم في عدم الخروج .فقال صلى
ال عليه وسلم " :ما كان لنبي يلبس لمة الحرب." ...
وحدث ما حدث في أُحُد ولم ينتصر المسلمون ،أما أبو بكر رضي ال عنه -فلم يستمع لمشورة
المسلمين في حرب الردة وصمّم عليها ،وقال :وال لقاتلنهم ولو بالذر يعني :بالحصى ،وانتصر
الصّديق ،وإليه يرجع الفضل في إنقاذ دين ال من فتنة كادت تذهب به.
إذن :فاجعلوا من اختيار ال لرسوله صلى ال لرسوله صلى ال عليه وسلم مُرجّحا ،فيأخذ منكم
جميع الراء ،ويستشيركم ،ثم ينفذ هو ما يراه مناسبا.
وهنا فَرْق بين الكافرين والمنافقين ،ولدينا بعض المصطلحات التي ينبغي أن نكون على علم
بمدلولها :اليمان والكفر والنفاق والجحد.
اليمان :النسان منا له قلب يحمل النوايا ،وله قالب يعبر عنها ،كما قال الشاعر:إنّ الكَلَم َلفِي
ج ِعلَ اللسَانُ عَلَى الفُؤادِ دَليلًفاليمان هو الحق الذي يعتقده القلب ،ويقتنع به ،ويوافقه
الفُؤادِ وإ ّنمَا ُ
اللسان والقالب ،أما إنْ وافق اللسان القلب في الباطل فهذا هو الكفر.
لذلك قلنا :إن الكافر منطقي مع نفسه؛ لنه نطق بما في قلبه ،لكنه غير منطقي مع الحق لنه
جحده بقلبه وجحده بلسانه ،فليس عنده اختلف بين القلب واللسان.
أما النفاق فهو أنْ يعتقد القلب الكفر ويضمره ،ويعلن اللسان كلمة اليمان ،فالمنافق يخالف لسانُه
قلبَه ،فهو غير منطقي ل مع الحق ول مع نفسه؛ لذلك كان المنافق في الدّرْك السفل من النار،
لنه أشرّ من الكافر.
لذلك لما طلب سيدنا رسول ال من القوم أنْ يقولوا :ل إله إل ال قالتها القلة المؤمنة ،وامتنعت
الكثرة الكافرة ،لماذا؟ لنهم يعرفون معناها ،وإل َلقَالوها من بداية المر ،وانتهت المواجهة بين
اليمان والكفر ،فعدم ُنطْقهم بها دليل على فهمهم لها ولمطلوباتها.
أما الجاحد فعلى النقيض من المنافق ،فهو مقتنع في نفسه ،لكنه ل يقدر على النطق بما يقتنع به
سهُمْ ظُلْما وَعُُلوّا[} ...النمل]14 :
جحَدُواْ ِبهَا وَاسْتَ ْيقَنَ ْتهَآ أَنفُ ُ
من الحق؛ لذلك يقول تعالى عنهم {:وَ َ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ولما طال الجدل بينهم وبين رسول ال قالوا {:الّل ُهمّ إِن كَانَ هَـاذَا ُهوَ ا ْلحَقّ مِنْ عِن ِدكَ فََأمْطِرْ
سمَآءِ َأوِ ائْتِنَا ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ }[النفال ]32 :بدل أن يقولوا :فاهدنا إليه.
حجَا َرةً مّنَ ال ّ
عَلَيْنَا ِ
وبعد أنْ قالوا في القرآن أنه سحر ،وأنه أساطير الولين..الخ زهق باطلهم ،وكشف ال جحودهم،
عظِيمٍ }[الزخرف]31 :
جلٍ مّنَ ا ْلقَرْيَتَيْنِ َ
حين حكى قولهمَ {:وقَالُواْ َلوْلَ نُ ّزلَ هَـاذَا ا ْلقُرْآنُ عَلَىا رَ ُ
إذن :فالقرآن ل غبارَ عليه وهو حق ،لول أنه نزل على هذا الرجل بالذات ،ولو نزل على عظيم
ن يؤمنوا
من عظماء مكة أو المدينة لمنّا به ،وهكذا أثبتوا إيمانهم بالقرآن ،والقرآن يستوجب أ ْ
أيضا بمحمد.
ومعلوم أن السلم صاح صيحته الولى في أُذن مَنْ؟ في أذن كفار مكة وسادة قريش والجزيرة
كلها ،وقد كانت لهم الكلمة المسموعة والمنزلة الرفيعة بين العرب جميعا لقيامهم على خدمة
الحجيج ،ووقوع بلدهم على طرق التجارة بين الشمال والجنوب.
إذن :السلم لم يستضعف جماعة ليعلن فيهم صيحته الولى ،إنما اختار السادة ،لكن ال تعالى لم
يشأ أنْ ينتصر السلم في مكة؛ لنه لو انتصر فيها لكان من الممكن أن يقال :قوم من قريش
تعصبوا لواحد منهم ليسودوا به العالم كما سادوا الجزيرة.
ن كنتَ تريد مُلْكا
لذلك لما أعلن سيدنا رسول ال دعوته بين قومه أسرعوا إليه يقولون :يا محمد إ ْ
ملّكناك علينا ،وإنْ كنت تريد مالً جمعنا لك المال حتى تصير أغنانا..فقال قولته المشهورة" :
وال لو وضعوا الشمس في يميني ،والقمر في يساري على أنْ أترك هذا المر ما تركتُه حتى
يُظهِره ال ،أو أهلك دونه ".
فشاء ال أن تكون الصرخة الولى في أذن السادة أصحاب الكلمة والسلطة في مكة ،وأن تكون
نصرة الدين في المدينة ،لتعلم الدنيا كلها أن اليمان بمحمد هو الذي خلق العصبية لمحمد ،وليست
العصبية لمحمد هي التي خلقتْ اليمان بمحمد.
ن وَا ْلمُنَا ِفقِينَ[ { ..الحزاب ]1 :أن غير الكافرين
ونفهم أيضا من قوله تعالى } :وَلَ ُتطِعِ ا ْلكَافِرِي َ
وغير المنافقين ل يكون لهم أمر يُطاع مع أمر رسول ال؛ لن المؤمن برسول ال يتلقّى من
رسول ال.
لذلك ُي َعدّ من الخطأ بمكان أن نقول :كيف فعل رسول ال كذا وكذا؟ فنناقشه ونستدرك عليه صلى
حكَما يحكم على أفعال الرسول
ال عليه وسلم ،وكيف تجعل من نفسك أيها المؤمن ميزانا و َ
ويضعها في الميزان؟
كمن يناقشون مثلً مسألة تعدد الزوجات ،ويصل بهم الحدّ إلى انتقاد رسول ال ،وكأنه يُجري له
محاكمة.
وكيف نعارض رسول ال في هذا ،وال تعالى لم يعارضه ،ولم ُيقِلْه من مسألة الرسالة ،بل
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ارتضى ال ِفعْل رسوله وباركه ،فل تجعل من نفسك مقياسا على رسول ال؛ لن الصل أنه هو
ن فعل فعلنا.
المقياس الذي نقيس عليه أفعالنا ،فنسأل :أفعل رسول ال ذلك أم لم يفعل؟ فإ ْ
صدّيقا ،فلما حدّثوه أن رسول ال يخبر أنه أتى بيت المقدس في
سمّي الصّديق ِ
ومن هذا المنطلق ُ
ليلة قال :إنْ كان قال فقد صدق.
والحق سبحانه حين ينهى رسوله عن طاعة الكافرين والمنافقين إنما يُبيّن له طبيعتهم ،وحقيقة
عدائهم له ،فهُمْ غير مخلصين له ،وعليه أن يتهم أمرهم إنْ أمروه ويتهم نهيهم إنْ نَهوْه ،وكيف
يُخلِصون في أمره أو نهيه ،وقد جاء ليصادم سيادتهم ،ويكسر جبروتهم وكفرهم؟
وهَبْهم مخلصين لك لنك من قريش ،ويريدون نصرتك فينقصهم في ُنصْحهم لك العلم والحكمة،
فل يصح إذن أنْ تقارن بين طاعة ال وطاعة هؤلء ،مهما كانوا مخلصين لك.
كما نلحظ أن القوم فعلً طلبوا من رسول ال أشياء ،فكأن ال نبهه قبل أنْ يطلبوا منه إلى ما
يُطلب منه من مخالفتهم وعدم طاعتهم ،والطاعة فيها مطيع ومطاع ،وهم يريدون ان يكونوا
مطاعين ،ورسول ال طائع ممتثل لمرهم ،لكن كيف تقلب المسألة بهذا الشكل ،وما جاء رسول
ال إل ليُشرّع للناس فيطيعوه ،فهو الذي يأمر ،وهو الذي يُطاع.
فكأن الرسول صلى ال عليه وسلم يقول لهم :كيف أقارن بينكم وبين ربي؟ وقد ثبت ذلك فقد جاء
أبو سفيان وعكرمة بن أبي جهل والوليد بن المغيرة والعور السلمي وانضم إليهم وفد ثقيف،
جاءوا جميعا إلى المدينة واجتمعوا بعبد ال بن أُبيّ ،وعبد ال بن سعد بن أبي السرح ،وقد أمّنهم
رسول ال فقالوا :يا محمد ُكفّ عن آلهتنا :اللت والعزى ومناة ،واشهد بأن شفاعتهم تُقبل عند
ال ،ونريد أن تحفظ لنا كرامتنا ومهابتنا بين العرب ،فمتّعنا بآلهتنا سنة وأقرنا على ذلك ،ونتركك
وشأنك مع ربك.
فنهاه ال } َولَ تُطِعِ ا ْلكَافِرِينَ وَا ْلمُنَافِقِينَ[ { ..الحزاب ]1 :لنك ل ينبغي أن تتراجع أمامهم في
شيء أبدا ،وإلّ لكنتَ خاضعا لهذه السيادة المزعومة ،ولعطيتهم الفرصة حين تطاوعهم؛ لنْ
يقولوا :لقد أطاعنا محمد فيصيرون هم الهادين ،وأنت المهدي.
ثم إن هذا المر بعدم طاعتهم وهم القادة والصناديد وما زالت الدعوة وليدة تحتاج إلى مهادنة مع
أعدائها ،وربما يقول قائل :ولِمَ لم يهادنهم رسول ال حتى يشتدّ عود الدعوة ،فهم سادة القوم
وأصحاب الكلمة والمهابة؟ لكن منطق الحق يرفض هذه المهادنة ،ويرفض أن يعتمد رسول ال
إل على ال؛ لذلك قال في الية بعدها:
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لمِينُ }[القصص]18 :
ياَ
متلزمتان متكاملتان ،كما في قوله تعالى {:إِنّ خَيْرَ مَنِ اسْتَ ْأجَ ْرتَ ا ْلقَ ِو ّ
ن كان المين ضعيفا فل تنفعك أمانته؛ لذلك لما
فالقوي إنْ كان خائنا لم تنفعك قوته ،كذلك إ ْ
اشتكى أمير المؤمنين إلى أحد خاصته من أهل العراق ،يقول :إن استعملتُ عليهم القوي َيفْجُروه،
وإن استعملتُ عليهم الضعيف يُهينَوه ،فقال له :إن استعملت عليهم القوي فلك قوته وعليه فجوره،
فقال له أمير المؤمنين :ما ُد ْمتَ قد عرفتَ هذا فل ُأوَلّى عليهم غيرك.
إذن :فالعلم يعطيك قضايا الخير كله ،والحكمة أنْ تضع الشيء في موضعه ،والقضية في مكانها.
ثم يقول الحق سبحانه } :وَاتّبِعْ مَا يُوحَىا إِلَـ ْيكَ.{ ...
()3459 /
وَاتّبِعْ مَا يُوحَى إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّبكَ إِنّ اللّهَ كَانَ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرًا ()2
نلحظ هنا نهيا بين أمرين :الول{ يَاأَ ّيهَا النّ ِبيّ اتّقِ اللّهَ[} ...الحزاب ]1 :والخر { :وَاتّبِعْ مَا
يُوحَىا إِلَـ ْيكَ مِن رَ ّبكَ[ } ..الحزاب ]2 :وبينهما النهيَ {:ولَ تُطِعِ ا ْلكَافِرِينَ وَا ْلمُنَافِقِينَ} ...
[الحزاب ]1 :ووقوع هذا النهي بين هذين المرين ترتيب طبيعي؛ لنك إذا اتقيتَ ال ستُعلى
منهج الحق ،وهذا يؤذي أهل الباطل وأهل الفساد المستفيدين به ،فل ُبدّ أنْ يأتوا إليك يوسوسون
في أُذنك ليصرفوك عن منهج ربك ،وعليك إذن أنْ ترد المر إلى ما يوحى إليك وأنْ تتبعه.
وقلنا :إن الوحي :إعلم بخفاء ،فإنْ كان علنية فل ُيعَدّ وحيا ،ول تعالى في وحيه وسائل كثيرة
مع جميع خَلْقه ،فيوحي سبحانه إلى الجماد؛ لنه قادر على أن يخاطب الجماد ،كما في قوله
سبحانه وتعالى عن الرضَ {:ي ْومَئِذٍ تُحَ ّدثُ َأخْبَارَهَا * بِأَنّ رَ ّبكَ َأوْحَىا َلهَا }[الزلزلة]5-4 :
خذِي مِنَ ا ْلجِبَالِ بُيُوتا َومِنَ الشّجَ ِر َو ِممّا
حلِ أَنِ اتّ ِ
ويوحي إلى النحل {:وََأوْحَىا رَ ّبكَ إِلَىا النّ ْ
َيعْرِشُونَ }[النحل]68 :
حوَارِيّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي[} ...المائدة:
ويُوحى إلى غير رسول أو نبي {:وَإِذْ َأوْحَ ْيتُ إِلَى الْ َ
]111
ضعِيهِ[} ...القصص]7 :
وقال {:وََأوْحَيْنَآ إِلَىا أُمّ مُوسَىا أَنْ أَ ْر ِ
هذا هو الوحي في معناه العام ،أما الوحي الخاص فيكون من ال تعالى لرسول مُرْسَل من عنده
إلى الخَلْق ،وله طرق متعددة ،فمر َة يكون بالنفث في الروع ،ومرة يكون بالوحي بكلم ل يُرى
قائله ،ول يُعرف مصدره ،ومرة يكون عن طريق رسول ينزل به من الملئكة.
سلَ رَسُولً} ...
حجَابٍ َأوْ يُرْ ِ
ل وَحْيا َأوْ مِن وَرَآءِ ِ
يقول تعالىَ {:ومَا كَانَ لِ َبشَرٍ أَن ُيكَّلمَهُ اللّهُ ِإ ّ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
[الشورى]51 :
حجُب ،إنما جاء عن طريق رسول
والقرآن الكريم لم ي ْأتِ باللهام ول بالكلم من وراء الغيب وال ُ
مَلَك نزل به على رسول ال ،فثبت القرآن من هذا الطريق.
ول ُبدّ في هذه المسألة من التقارب بين الرسول الملَك ،والرسول البشر ،فلكل منهما طبيعته
الخاصة ،ولكي يلتقيا ل ُبدّ من أمرين :إما أنْ يرتفع البشر إلى مرتبة الملئكية بحيث يستقبل
منها ،أو ينزل الملَك إلى مرتبة البشرية بحيث يستطيع أنْ يُلقنها.
لذلك جاء في الحديث أن جبريل عليه السلم نزل إلى مجلس رسول ال في صورة بشرية ليُعلّم
الناس أمور دينهم .وكان النبي صلى ال عليه وسلم في أول الوحي تأخذه قشعريرة ،ويتصبب
جبينه عرقا ،حينما يأتيه جبريل بالوحي ،وما ذاك إل للتقاء الملكية بالبشرية ،فكان صلى ال
عليه وسلم يبلغ به الجهد حتى يقول :زمّلوني زمّلوني ،دثّروني دثّروني.
وإذا جاءه الوحي وهو جالس مع أصحابه وركبته على ركبة أحدهم يشعر لها بثقل كأنها الجبل،
أو يأتيه الوحي وهو على دابة فكانت تئط ،لذلك فتر عن رسول ال الوحي بعد فترة ليستريح من
هذا الجهاد ،وتبقى له حلوة ما أُوحي إليه ،فيتشوق إليه من جديد.
ظهْ َركَ *
ك وِزْ َركَ * الّذِي أَنقَضَ َ
ك صَدْ َركَ * َو َوضَعْنَا عَن َ
وبعدها خاطبه ربهَ {:ألَمْ نَشْرَحْ َل َ
وَ َر َفعْنَا َلكَ ِذكْ َركَ }[الشرح]4-1 :
والهدف حينما يكون غاليا ،والغاية سامية يهون في سبيلها كل جهد ،وقد عاد الوحي إلى رسول
س ْوفَ ُيعْطِيكَ رَ ّبكَ
ال بعد شوق ،وخاطبه ربه بقوله {:وَلَلخِ َرةُ خَيْرٌ ّلكَ مِنَ الُولَىا * وَلَ َ
فَتَ ْرضَىا }[الضحى]5-4 :
إذن :ثبت القرآن بالوحي عن طريق الرسول الملَك ،ولم يثبت باللهام أو النفث في ال ّروْع ،أو
الكلم من وراء حجاب ،يقول تعالىَ {:وكَذَِلكَ َأوْحَيْنَآ إِلَ ْيكَ رُوحا مّنْ َأمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا
ل الِيمَانُ[} ...الشورى]52 :
ا ْلكِتَابُ وَ َ
والوحي هنا } :وَاتّبِعْ مَا يُوحَىا إِلَـ ْيكَ[ { ..الحزاب ]2 :مِنْ مَنْ؟ } مِن رَ ّبكَ[ { ..الحزاب]2 :
ولم يقل مثلً رب الخلق ،نعم هو سبحانه رب الخَلْق جميعا ،لكن محمدا صلى ال عليه وسلم سيد
الخلق ،فهو رب الخلق من باب َأوْلَى ،وكلمة (ربك) تدل على الحب وعلى الهتمام ،وأنه تعالى
لن يخذلك أبدا ،وما اتصاله بك إل للخير لك ولمتك.
ن وصل إلى منتهى
ثم يقول تعالى } :إِنّ اللّهَ كَانَ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرا { [الحزاب ]2 :الخبير مَ ْ
العلم الدقيق ،ومنه قولنا :اسأل أهل الخبرة .يعني :ل يسأل أهل العلم السطحي ،فالخبير هو الذي
ل يغيب عنه شيء.
حكِيما }[الحزاب ]1 :أي :عليما
علِيما َ
وتلحظ أن الية السابقة خُتمتْ بقوله تعالى {:إِنّ اللّهَ كَانَ َ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
بما يُشرّع ،حكيما يضع المر في موضعه ،وقال هنا } :إِنّ اللّهَ كَانَ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرا
{ [الحزاب ]2 :أي :بما ينتهي إليه أمرك مع التشريع ،استجابةً أو رفضا ،فربّك لن يُشرّع لك ثم
يتركك ،إنما يَخْبُر ما تصنع ،ولو حتى نوايا القلوب.
فالخبرة تدل على منتهى العلم وعلى العلم الواسع ،وهذا المعنى واضح في قوله تعالى في قصة
سمَاوَاتِ َأوْ فِي الَ ْرضِ
لقمان {:يابُ َنيّ إِ ّنهَآ إِن َتكُ مِ ْثقَالَ حَبّةٍ مّنْ خَ ْر َدلٍ فَ َتكُنْ فِي صَخْ َرةٍ َأوْ فِي ال ّ
يَ ْأتِ ِبهَا اللّهُ إِنّ اللّهَ َلطِيفٌ خَبِيرٌ }[لقمان]16 :
فالخبرة تدل على العلم الواسع الذي ل تفوته جزئية مهما صغرت ،واللطف هو التغلغل في
طفَ عَ ُنفَ.
الشياء مهما كانت دقيقة ،وقلنا :إن الشيء كلما َل ُ
فكأن الحق سبحانه يقول لرسوله :اطمئن ،فمهما صُودِمتَ من خصومك ،ومهما تألّبوا عليك،
فربّك من ورائك لم يتخلى عنك ،وهؤلء الخصوم خَلْقي ،وأنا معطيهم الطاقات المفكرة والطاقات
العاقلة والطاقات المتآمرة ،وسوف أنصرك عليهم في كل مرحلة من مراحل كيدهم لك.
لذلك لم يقووا عليك مناظرة ول جدلً ،ولم يقدروا عليك حين بيّتوا لك ليضربوك ضربة رجل
واحد ،فيتفرق دمك بين القبائل ،وخرجتَ من بينهم سالما تحثو التراب على رؤوسهم ،حتى لما
استعانوا عليك بالسحر وبالجن أخبرتُك بما يدبرون لك ،ولم أُسِ ْلمْك لكيدهم.
علَىا اللّهِ.{ ...
ثم يقول الحق سبحانه } :وَ َت َو ّكلْ َ
()3460 /
يعني :إياك أن تظن أن واحدا من هؤلء سوف يساعدك في أمرك ،او أنه يملك لك ضرا ول
نفعا ،فل تُحسِن الظن بأوامرهم ل بنواهيهم ،ول تتوكل عليهم في شيء ،إنما توكل على ال.
ول ُبدّ أن نُفرق هنا بين التوكل والتواكل :التوكل أن تكون عاجزا في شيء ،فتذهب إلى مَنْ هو
أقوى منك فيه ،وتعتمد عليه في أن يقضيه لك ،شريطة أن تستنفد فيه السباب التي خلقها ال لك،
فالتوكل إذن أن تعمل الجوارح وتتوكل القلوب.
وقد ضرب لنا سيدنا رسول ال صلى ال عليه وسلم مثلً توضيحيا في هذه المسألة بالطير ،فقال:
" لو توكلتم على ال حقّ توكله ،لرزقكم كما يرزق الطير ،تغدو خماصا وتروح بطانا ".
أما التواكل فأنْ ترفضَ السباب التي قدمها ال لك ،وتقعد عن الَخْذ بها ،وتقول :توكلت على ال،
ل إنما استنفد السباب الموجودة لك من ربك ،فإنْ ع ّزتْ عليك السباب فل تيأس؛ لن لك ربا
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أقوى من السباب؛ لنه سبحانه خالق السباب.
لذلك ،كثير من الناس يقولون :دعوتُ ال فلم يستجب لي ،نقول :نعم صدقت ،وصدق ال معك؛
لن ال تعالى أعطاك السباب فأهملتها ،فساعة تستنفد أسبابك ،ف ِثقْ أن ربك سيستجيب لك حين
تلجأ إليه.
شفُ السّوءَ[} ...النمل ]62 :والمضطر هو
واقرأ قوله تعالىَ {:أمّن يُجِيبُ ا ْل ُمضْطَرّ إِذَا دَعَا ُه وَ َيكْ ِ
الذي ع ّزتْ عليه السباب ،وخرجتْ عن نطاق قدرته كما حدث لسيدنا موسى -عليه السلم -
حين حاصره فرعون وجنوده حتى قال قوم موسى {:إِنّا َلمُدْ َركُونَ }[الشعراء]61 :
نعم ،مدركون؛ لن البحر من أمامهم ،والعدو من خلفهم ،هذا رأي البشر وواقع المر ،لكن
لموسى منفذ آخر فقال( :كل) يعني لن ُندْرَك{ إِنّ َم ِعيَ رَبّي سَ َيهْدِينِ }[الشعراء ]62 :قالها موسى
رصيد إيماني وثقة في أن ال سيستجيب له.
والبعض يقول :دعوتُ ال في كذا وكذا ،وأخذت بكل السباب ،فلم يستجب لي ،نقول :نعم لكنك
ستَ مضطرا ،بل تدعو ال عن ترف كمن يسكن مثلً في شقة ويدعو ال أنْ يسكن في فيل أو
لَ ْ
قصر ،فأنت في هذه الحالة لست مضطرا.
ثم يذكر الحق سبحانه حيثية التوكل على ال ،فيقولَ { :و َكفَىا بِاللّ ِه َوكِيلً } [الحزاب ]3 :أي:
ن يكون ال وكيلك؛ لنه ل شيء يتأبّى عليه ،ول يستحيل عليه شيء.
يكفيك أ ْ
ل مكفوف البصر
وأحكي لكم قصة حدثت بالفعل معنا ،وكنا نسير مع بعض الخوان فرأينا رج ً
يريد أنْ يعبر الشارع فقلنا لزميل لنا :اذهب وخذ بيده ،فنزل وعبر به الشارع ثم قال له :إلى أين
تذهب؟ قال :إلى المنزل رقم كذا في هذا الشارع ،فأخرج صاحبنا من جيبه عشرة جنيهات
ووضعها في يد الرجل ،فلما أمسك بورقة العشرة جنيهات لم يلتفت إلى المعطي ،إنما رفع وجهه
إلى السماء وقال :ل شيء يستحيل عليك أبدا ،ثم قال لصحابنا :يا بني أرجعني مكان ما كنت!!
فقد قضيت حاجته التي كان يسعى لها!!
نعم { َوكَفَىا بِاللّ ِه َوكِيلً } [الحزاب ]3 :لنه ل تعوزه أسباب ،ول يُثنيه عن إرادته شيء
{ مَا عِن َدكُمْ يَنفَ ُد َومَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ[} ...النحل]96 :
وفي التوكل ملحظ آخر ينبغي أنْ نتنبه إليه ،هو أنك إذا توكلتَ على أحد يقضي لك أمرا فاضمن
له أنْ يعيش لك حتى يقضي حاجتك ،فكيف تتوكل على شخص وتُعلّق به كل آمالك ،وفي الصباح
تسمع نعيه :مات فلن؟
حيّ الّذِي لَ َيمُوتُ
إذن :ل ينبغي أن تتوكل إل على ال الحي الذي ل يموت {:وَ َت َو ّكلْ عَلَى ا ْل َ
ح ْم ِدهِ[} ...الفرقان ]58 :واستغنِ بوكالة ال عن كل شيء } َو َكفَىا بِاللّ ِه َوكِيلً
وَسَبّحْ بِ َ
{ [الحزاب]3 :
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
جلٍ.{ ...
ج َعلَ اللّهُ لِ َر ُ
ثم يقول الحق سبحانه } :مّا َ
()3461 /
ج َعلَ
جكُمُ اللّائِي ُتظَاهِرُونَ مِ ْنهُنّ ُأ ّمهَا ِتكُمْ َومَا َ
ج َعلَ أَ ْزوَا َ
ج ْوفِ ِه َومَا َ
جلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي َ
ج َعلَ اللّهُ لِرَ ُ
مَا َ
ق وَ ُهوَ َيهْدِي السّبِيلَ ()4
حّأَدْعِيَا َءكُمْ أَبْنَا َء ُكمْ ذَِل ُكمْ َقوُْلكُمْ بَِأ ْفوَا ِهكُ ْم وَاللّهُ َيقُولُ الْ َ
ترتبط هذه الية باليات قبلها ،فقد ذكر ال تعالى معسكرين :معسكرا يحب أنْ يُطاع ،فقال تعالى
لرسوله{ يَاأَ ّيهَا النّ ِبيّ اتّقِ اللّهَ[} ...الحزاب ]1 :وقال {:وَاتّبِعْ مَا يُوحَىا إِلَـ ْيكَ مِن رَ ّبكَ} ...
ن وَا ْلمُنَافِقِينَ} ...
[الحزاب ]2 :وبينهما معسكر آخر ُنهِي رسول ال عن طاعته{ َولَ تُطِعِ ا ْلكَافِرِي َ
[الحزاب]1 :
إذن :نحن هنا أمام معسكرين :واحد يمثل الحق في أجلي معانيه وصوره ،وآخر يمثل الباطل،
وللقلب هنا َدوْر ل يقبل المواربة ،إما أنْ ينحاز ويغلب صاحب الحق ،وإما أنْ يغلب جانب
الباطل ،وما دمت أنت أمام أمرين متناقضين ل يمكن أنْ يجتمعا ،فل ُبدّ أن تُغلّب الحق؛ لن ال
ج ْوفِهِ[ } ..الحزاب ]4 :إما الحق وإما الباطل ،ول
جلٍ مّن قَلْبَيْنِ فِي َ
ج َعلَ اللّهُ لِرَ ُ
تعالى { :مّا َ
يمكن أن تتقي ال وتطيع الكافرين والمنافقين؛ لن القلب الذي يميل ويغلب قلب واحد.
ومعلوم أن القلب هو أهم عضو في الجسم البشري فإذا أصيب النسان بمرض مثلً يصف له
الطبيب دواءً ،الدواء يُؤخذ عن طريق الفم ويمرّ بالجهاز الهضمي ،ويحتاج إلى وقت ليتمثل في
الجسم ،فإنْ كانت الحالة أش ّد يصف حقنة في العضل ،فيصبّ الدواء في الجسم مباشرة ،فإنْ كان
المرض أشد ُيعْطَى حقنة في الوريد لماذا؟
ليصل الدواء المطلوب جاهزا إلى الدم مباشرة ،ليضخه القلب إلى جميع العضاء في أسرع
وقت .إذن :فالدم هو الذي يحمل خصائص الشفاء والعافية إلى البدن كله ،والقلب هو (الموتور)
الذي يؤدي هذه المهمة؛ لذلك عليك أنْ تحتفظ به في حالة جيدة ،بأن تمله بالحق حتى ل يفسده
الباطل.
وسبق أنْ أوضحنا أن الحيز الواحد ل يمكن أنْ يسع شيئين في وقت واحد فما بالك إنْ كانا
متناقضين؟ وقد مثّلْنا هذه العملية بالزجاجة الفارغة إنْ أردتَ أن تملها بالماء ل بُدّ أنْ يخرج
منها الهواء أولً ليدخل مكانه الماء.
كذلك الحال في المعاني ،فل يجتمع حق وباطل في قلب واحد أبدا ،وليس لك أنْ تجعل قلبا للحق
وقلبا للباطل؛ لن الخالق جعل لك قلبا واحدا ،وجعله محدودا ل يسع إل إيمانك بربك ،فل تزاحمه
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
بشيء آخر.
ن والذكاء ،فكان
ويُ ْروَى أنه كان في العرب رجل اسمه جميل بن أسد الفهري وكان مشهورا باللسَ ِ
يقول :إن لي قلبين ،أعقل بواحد منهما مثل ما يعقل محمد ،فشاء ال أنْ يراه أبو سفيان وهو
منهزم بعد بدر ،فيقول له :يا جميل ،ما فعل القوم؟ قال :منهم مقتول ومنهم هارب ،قال :وما لي
أراك هكذا؟ قال :مالي؟ قال :نعل في كفّك ،ونعل في ِرجْلك ،قال :وال لقد ظننتهما في رجلي،
فضحك أبو سفيان وقال له :فأين قلباك؟
وإذا كان القلب هو المضخة التي تضخ الدم إلى كل الجوارح والعضاء حاملً معه الغذاء
والشفاء والعافية ،كذلك حين تستقر عقائد الخير في القلب ،يحملها الدم كذلك إلى الجوارح
والعضاء ،فتتجه جميعها إلى طاعة ال ،فالرّجْل تسعى إلى الخير ،والعين ل تنظر إل إلى
الحلل ،والذن تسمع القول فتتبع أحسنه ،واللسان ل ينطق إل حقا.
فكل الجوارح إذن ل تنضح إل الحق الذي تشرّبته من طاقات الخير في القلب.
ت صَلُحَ الجسد
ح ْ
لذلك يُعلّمنا سيدنا رسول ال هذا الدرس ،فيقول " :إن في الجسد مضغة ،إذا صَلُ َ
كله ،وإذا فسدتْ فسد الجسد كله ،أل وهي القلب ".
ثم يأخذ الحق سبحانه من مسألى اجتماع المتناقضين في قلب واحد مقدمة للحديث عن قضايا
ج ْوفِ ِه َومَا
جلٍ مّن قَلْبَيْنِ فِي َ
ج َعلَ اللّهُ لِ َر ُ
المتناقضات التي شاعتْ عند العرب ،فيقول سبحانه } :مّا َ
جكُمُ اللّئِي ُتظَاهِرُونَ مِ ْنهُنّ ُأ ّمهَا ِتكُمْ[ { ..الحزاب]4 :
ج َعلَ أَ ْزوَا َ
َ
وقد شاع في الجاهلية حين يكره الرجل زوجته ،يقول لها :أنت عليّ كظهر أمي ،ومعلوم أن ظهر
الم مُحرّم على البن حرمة مؤبدة ،لذلك كانوا يعتبرون هذه الكلمة تقع موقع الطلق ،فلما جاء
السلم لم يجعلها طلقا ،إنما جعل لها كفارة كذب؛ لن الزوجة ليست أما لك ،وحدد هذه الكفارة
إما :عتق رقبة ،أو إطعام ستين مسكينا ،أو صيام ستين يوما.
وهذه المسألة تناولتها سورة (قد سمع){ الّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مّن نّسَآ ِئهِمْ مّا هُنّ ُأ ّمهَا ِتهِمْ إِنْ
ُأ ّمهَا ُتهُمْ ِإلّ اللّئِي وَلَدْ َنهُ ْم وَإِ ّنهُمْ لَ َيقُولُونَ مُنكَرا مّنَ ا ْلقَ ْولِ وَزُورا[} ...المجادلة ]2 :أي :كذبا ،لن
الزوجة ل تكون أما.
فالحق سبحانه جاء بمتناقض ،وأدخل فيه متناقضا آخر ،فكما أن القلب الواحد ل تجتمع فيه طاعة
ال وطاعة الكافرين والمنافقين ،فكذلك الزوجة ل تكون أبدا أما ،فهي إما أم ،وإما زوجة.
كذلك وُجد عند العرب تناقض آخر في مسألة التبني ،فكان الرجل يستوسم الولد الصغير ،أو يرى
فيه علمات النجابة فيتبناه ،فيصير الولد ابنا له ،يختلط ببيته كولده ،ويرثه كما يرثه ولده ،وله
عليه كل حقوق البن.
وهذه متناقضة أيضا كالسابقة ،فكما أن الرجل ل يكون له قلبان ،وكما أن الزوجة ل تكون أما
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ج َعلَ َأدْعِيَآ َءكُمْ أَبْنَآ َءكُمْ[ { ..الحزاب]4 :
بحال ،كذلك المتبنّى ل يكون ولدا ،فيقول سبحانهَ } :ومَا َ
الدعيّ :هو الذي تدعى أنه ابنٌ وليس بابن ،وكان هذا شائعا عند العرب ،وأراد ال سبحانه أنْ
يبطل هذه العادة ،ومثلها مسألة الظّهار ،فألغى القرآن هذه العادات ،وقال :ضعوا كل شيء
موضعه ،فجعل للظهار كفارة ،ونهى عن التبني بهذه الصورة.
والحق سبحانه ساعةَ يريد أنْ يلغي حكما يقدم صاحب الدعوى نفسه ليطبق هو أمام الناس؛ لذلك
جعل سيدنا رسول ال يبدأ بنفسه ،ويبطل التبني الذي عنده.
تعلمون أن سيدنا رسول ال صلى ال عليه وسلم تزوج من السيدة خديجة ،وكان لها منزلة عند
رسول ال ،وقد اشترى لها حكيم بن حزام عبدا من سوق الرقيق هو زيد بن حارثة ،وكان من
بني كلب ،سرقه اللصوص من أهله ،وادعوْا أنه عبد فباعوه ،ثم أهدتْه السيدة خديجة لسيدنا رسول
ال ،فصار مولىً لرسول ال ،يخدمه طيلة عدة سنوات ،وما بالكم بمَنْ يكون في خدمة رسول ال؟
لقد أحبّ زيدٌ رسول ال ،وعَشِق خدمته ،وقال عن معاملته صلى ال عليه وسلم له:
" لقد خدمتُ رسول ال عشر سنين ،فما قال لشيء فعلتُه :لِمَ فعلتَه ،ول لشيء تركتُه لِمَ تركتَه ".
وفي يوم من اليام ،رآه واحد من بني كَلْب في طرقات مكة ،فأخبر أهله به ،فأسرع أبو زيد إلى
مكة يبحث عن ولده ،فدلّوه عليه ،وأنه عند محمد ،فذهب إلى سيدنا رسول ال ،وأخبره خبر ولده،
وطلب منه أنْ يعود معه إلى بني كلب.
ولكن ،ما كان رسول ال ليتخلّى عن خادمه الذي يحبه كل هذا الحب ،فقال لبيه :خيّره ،فإنِ
اختاركم فخذوه ،وإن اختارني فأنا له أبٌ ،فلما خيّروه -قال سيدنا زيد :وال ما كنت لختار على
رسول ال أحدا.
عندها أحب رسول ال أن يكافئه على هذا الموقف ،وعلى تمسّكه بخدمته ،فتبنّاه كما تتبنى العرب،
وس ّموْه بعدها :زيد بن محمد.
فلما أراد الحق سبحانه أنْ يبطل التبني بدأ بمتبنّى رسول ال ،ليكون هو القدوة لغيره في هذه
المسألة ،فكيف أبطل ال تعالى هذه البنوة؟
كان سيدنا رسول ال قد زوّج زيدا من ابنة عمته زينب بنت جحش ،أخت عبدال بن جحش ،وقد
تعب رسول ال في إقناع عبدال وزينب بهذه الزيجة التي رفضتها زنيب ،تقول :كيف أتزوج زيدا
وهو عبد وأنا سيدة قرشية؟
ن َولَ ُم ْؤمِنَةٍ ِإذَا َقضَى اللّهُ
ثم تزوجته إرضاءً لرسول ال ،وعملً بقوله تعالىَ {:ومَا كَانَ ِل ُم ْؤمِ ٍ
وَرَسُولُهُ َأمْرا أَن َيكُونَ َلهُمُ الْخِيَ َرةُ مِنْ َأمْرِ ِهمْ[} ...الحزاب]36 :
طقْ فأحبّ أنْ
لكنها بعد الزواج تعالتْ عليه ،أنها من السادة ،وهو من العبيد ،فكَرِه زيد ذلك ،ولم يُ ِ
يطلقها ،فذهب إلى رسول ال وشكا إليه ما كان من زينب ،وعرض عليه رغبته في طلقها.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فقال له رسول ال :أمسك عليك زوجك ،فعاوده مرة أخرى فقال له :أمسك عليك زوجك فعاوده
زيد ،عندها علم رسول ال أن رغبتهما في الطلق ،وكراهيتهما للحياة الزوجية أمر قدري ،أراده
ال لحكمة ،ولمر تشريعي جديد ،شاء ال أنْ يُوقِع البغض بين زيد وزينب ،ف ُبغْض زينب لزيد
كان تعاليا واستكبارا ،و ُبغْض زيد لزينب كان اعتزازا بالنفس.
ولكي يبطل الحق سبحانه تبنّي رسول ال لزيد قضى بأن يتزوّج رسول ال من زينب بعد طلقها
من زيد ،ومعلوم أن امرأة البن تحرم على أبيه ،فزواج سيدنا رسول ال من زينب يعني أن زيدا
ليس ابنا لرسول ال ،ويبطل عادة التبني ،والثر المترتب على هذه العادة.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وإل ،فلماذا يحثّنا الحق دائما على برّ الوالدين؟ ولماذا قرن بين عبادته سبحانه وبين الحسان إلى
الوالدين في أكثر من موضع من كتابه العزيز ،فقال سبحانه {:وَاعْبُدُواْ اللّ َه َولَ ُتشْ ِركُواْ ِبهِ شَيْئا
حسَانا} ...
حسَانا[} ...النساء ]36 :وقالَ {:و َقضَىا رَ ّبكَ َألّ َتعْبُدُواْ ِإلّ إِيّا ُه وَبِا ْلوَالِدَيْنِ إِ ْ
وَبِا ْلوَالِدَيْنِ إِ ْ
[السراء]23 :
قالوا :لن الب هو سبب الوجود المباشر ،فإذا لم تبره ،وأنكرتَ أبوته وتمر ْدتَ عليها ،فلعلّك
تتمرد أيضا على سبب الوجود الصلي ،فالوالدان لهما حق البر والحسان ،حتى لو كانا كافرين.
لذلك ،لما سُئِل صلى ال عليه وسلم :أيسرق المؤمن؟ قال :نعم ،أيزني المؤمن ،قال :نعم ،أيكذب
المؤمن؟ قال :ل؟ .فالشرع حين يضع للجريمة حَدا وعقوبة ،فهذا إيذان بأنها ستحدث في المجتمع
المسلم ،أما الكذب فلم يضع له الشارع حدّا ،مع أنه أشد من السرقة ،أوعظم من الزنى ،لماذا؟
قالوا :لن المؤمن ل يُتصوّر منه الكذب ،ول يجترئ هو عليه؛ لنه إنْ عُرِف عنه الكذب وقال
أمامك :أشهد أنْ ل إله إل ال يمكنك أنْ تقول له :أنت كاذب.
جعْل
جعْل الزوجة أما ،أو َ
ثم يقول الحق سبحانه } :ذَاِلكُمْ[ { ..الحزاب ]4 :أي :ما تقدّم من َ
الدّعي ابنا ،فالزوجة ل تكون أبدا أما؛ لن الم هي التي ولدتْ ،كذلك ل يكون للولد إل أب
ت الفواه
واحد } ذَاِلكُمْ َقوُْلكُم بَِأ ْفوَا ِهكُمْ[ { ..الحزاب ]4 :وهل يكون القول إل بالفواه؟ فماذا أضاف ْ
هنا؟ قالوا :نعم ،القول بالفم ،لكن أصله في الفؤاد ،وما اللسان إل دليل على ما في الفؤاد ،كما قال
الشاعر:
ج ِعلَ اللسَانُ علَى ال ُفؤَادِ دَليلً
إنّ الكَلمَ َلفِي الفُؤاد وَإنّما ُ
ن يكون الكلم نسبة في القلب ،منها تأتي النسبة الكلمية ،فهل ما تقولونه له واقع،
إذن :ل بدّ أ ْ
ي يكون ابنا .فهذا كلم من مجرد الفواه ،ل رصيد له في
هل الزوجة تكون أما؟ وهل الولد الدع ّ
القلب ول في الواقع ،فهو -إذن -باطل ،أما الحق فما يقوله الحق سبحانه } وَاللّهُ َيقُولُ ا ْلحَقّ
وَ ُهوَ َي ْهدِي السّبِيلَ { [الحزاب ]4 :والحق هو أن يكون المعتقد في القلب مطابقا للكائن الواقع.
فالنسان قد يتكلم بكلم استقر في قلبه حتى صار عقيدة عنده ،وهو كلم غير صحيح ،فحين يخبر
بهذا الكلم ل يُسمّى كاذبا لنه أخبر على َوفْق اعتقاده ،مع أن الخبر كاذب ،فهناك فَرْق بين كذب
الخبر ،وكذب المخبر.
فالحق سبحانه يعاملنا في المر المعتقد في القلب :إنْ كان له واقع ،فهو صِدْق في الخبر ،وصِدْق
في المخبر ،وإنْ كان المعتقد ل واقعَ له فهو كذب في الخبر ،وصدق في المخبر.
إذن :المر المعتقد يكون حقا ،إنْ كان له واقع ،ويكون كاذبا إنْ لم يكُنْ له واقع ،فإذا لم يكُنْ هنك
ل فهو مجرد كلم بالفم ،وهذا أقل مرتبةً من القول الذي تعتقده وهو غير
اعتقاد في القلب أص ً
واقع.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فمعنى } وَاللّهُ َيقُولُ ا ْلحَقّ { [الحزاب ]4 :أي :الواقع الذي يجب أنْ يعتقد ،والعجاز هنا ليس في
أن ال تعالى يقول الحق الواقع بالفعل ،إنما ويخبر بالشيء فيقع في المستقبل على َوفْق ما أخبر
سبحانه.
جمْ ُع وَ ُيوَلّونَ الدّبُرَ }[القمر]45 :
واقرأ قوله تعالى {:سَ ُيهْزَمُ الْ َ
فالحق سبحانه صادق حين يقول ما كان ،ويصدق حين يقول ما سيكون.
حقّ[ { ..الحزاب ]4 :كأنه يقول :قارنوا بين قولين:
والحق سبحانه حين يقول } :وَاللّهُ َيقُولُ الْ َ
َقوْل بالفواه ،وقول بالواقع والعتقاد ،وإذا كان َقوْل ال أقوى من العتقاد فقط فهو من باب َأوْلَى
أقوى من القول بالفواه فقط.
وقوله تعالى } :وَ ُهوَ َي ْهدِي السّبِيلَ { [الحزاب ]4 :يهدي السبيل إلى القول الحق.
ثم يقول الحق سبحانه } :ادْعُوهُ ْم لبَآ ِئهِمْ ُهوَ.{ ...
()3462 /
علَ ْيكُمْ
خوَا ُنكُمْ فِي الدّينِ َومَوَالِيكُ ْم وَلَيْسَ َ
ادْعُو ُهمْ لِآَبَا ِئهِمْ ُهوَ َأ ْقسَطُ عِ ْندَ اللّهِ فَإِنْ لَمْ َتعَْلمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِ ْ
غفُورًا َرحِيمًا ()5
جُنَاحٌ فِيمَا َأخْطَأْ ُتمْ بِ ِه وََلكِنْ مَا َت َعمّ َدتْ قُلُو ُبكُ ْم َوكَانَ اللّهُ َ
معنى { ادْعُو ُه ْم لبَآ ِئهِمْ[ } ..الحزاب ]5 :يعني :قولوا :زيد بن حارثة ،لكن كيف يُنزع من زيد
هذا التاج وهذا الشرف الذي منحه له سيدنا رسول ال؟ نعم ،هذا صعب على زيد -رضي ال
عنه -لكنه { ُهوَ َأقْسَطُ عِندَ اللّهِ[ } ..الحزاب ]5 :ل عندكم أنتم.
سطُ[ } ..الحزاب ]5 :أفعل تفضيل ،نقول هذا قِسْط وهذا أقسط ،مثل عدل وأعدل ،ومعنى
و { َأقْ َ
ذلك أن الذي اختاره رسول ال من نسبة زيد إليه ُيعَدّ قِسْطا وعدلً بشريا ،في أنه صلى ال عليه
وسلم أحسّ بالبنوة وصار أبا لمن اختاره وفضّله على أبيه.
لكن الحق سبحانه يريد لنا القسط ،والقسط أنْ ندعو البناء لبائهم { فَإِن لّمْ َتعَْلمُواْ آبَا َءهُمْ
ن َومَوَالِيكُمْ[ } ..الحزاب ]5 :أي :نُعرّفهم بأنهم إخواننا في الدين.
فَإِخوَا ُنكُمْ فِي الدّي ِ
ومعنى الموالي :الخدم والنصراء الذين كانوا يقولون لهم " العبيد " ،فالولد الذي ل نعرف له أبا
هو أخ لك في ال تختار له اسما عاما ،فنقول مثلً في زيد :زيد بن عبد ال ،وكلنا عبيد ال
تعالى.
والبنوة تثبت بأمرين :بالعقل وبالشرع ،فالرجل الذي يتزوج زواجا شرعيا ،وينجب ولدا ،فهو ابنه
كونا وشرعا ،فإذا زَنَت المرأة -والعياذ بال -على فراش زوجها ،فالولد ابن الزوج شَرْعَا ل
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
كونا؛ لن القاعدة الفقهية تقول :الولد للفراش ،وللعاهر الحَجَر.
كذلك في حالة الزوجة التي تتزوج مرة أخرى بعد وفاة زوجها أو بعد طلقها ،لكنها تنجب لستة
أشهر ،فتقوم هنا شبهة أن يكون الولد للزوج الول ،لذلك ُيعَدّ ابنا شَرْعا ل كونا؛ لنه وُلد على
فراشه.
فإن جاء الولد من الزنا -والعياذ بال -في غير فراش الزوجية فهو ابنه كونا ل شرعا؛ لذلك
نقول عنه " ابن غير شرعي ".
سطُ عِندَ اللّهِ[ } ..الحزاب ]5 :تشريفا للنبي صلى ال عليه وسلم،
كما أن في قوله تعالىُ { :هوَ َأقْ َ
جوْرا وظلما ،لكن أقسط تعني :أن عمل النبي قِسْط
فلو قال تعالى :هو قسْط لكان عمل النبي إذن َ
وعَدْل.
خطَأْتُمْ بِ ِه وَلَـاكِن مّا َت َعمّ َدتْ قُلُو ُبكُمْ[ } ..الحزاب]5 :
وقوله تعالى { :وَلَيْسَ عَلَ ْيكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَ ْ
يُخْرجنا من حرج كبير في هذه المسألة ،فكثيرا ما نسمع وما نقول لغير أبنائنا :يا بني على سبيل
العطف والتودد ،ونقول لكبار السن :يا أبي فلن احتراما لهم.
فالحق سبحانه يحتاط لنا ويُعفينا من الحرج والثم ،لننا نقول هذه الكلمات ل نقصد الُبوّة ول
البنوة الحقيقية ،إنما نقصد تعظيمَ الكبار وتوقيرهم ،والعطف والتحنّن للصغار ،فليس عليكم إثْ ٌم ول
عمْد.
ذَ ْنبٌ في هذه المسألة ،إنْ أخطأتم فيها ،والخطأ هو ألّ تذهب إلى الصواب ،لكن عن غير َ
وإذا كان ربنا -تبارك وتعالى -قد رفع عنا الحرج ،وسمح لنا باللغو حتى في الحلف بذاته
عقّدتّ ُم الَ ْيمَانَ[} ...المائدة:
سبحانه ،فقال {:لَ ُيؤَاخِ ُذكُمُ اللّهُ بِالّل ْغوِ فِي أَ ْيمَا ِنكُ ْم وَلَـاكِن ُيؤَاخِ ُذكُم ِبمَا َ
]89فكيف ل يُعفينا من الخرج في هذه المسألة؟
غفُورا رّحِيما { [الحزاب ]5 :سبق أنْ قُلْنا :أن الفعل إذا أُسْنِد إلى
ثم يقول سبحانهَ } :وكَانَ اللّهُ َ
الحق سبحانه انحلّ عنه الزمن ،فليس مع ال تعالى زمن ماض ،وحاضر ومستقبل ،وهو سبحانه
خالق الزمن.
غفُورا رّحِيما { [الحزاب ]5 :يعني :كان ول يزال غفورا رحيما؛ لن
لذلك نقولَ } :وكَانَ اللّهُ َ
الختلف في زمن الحدث إنما ينشأ من صاحب الغيار ،والحق سبحانه ل يطرأ عليه تغيير.
لذلك نخاف نحن من صاحب الغيار لنه مُتقلّب ،ويقول أهل المعرفة :تغّيروا من أجل ربكم -
يعني :من النحراف إلى الستقامة -لن ال ل يتغير من أجلكم ،أنت تتغير من أجل ال ،لكن ال
ل يتغير من أجل أحد ،وما دام الحق سبحانه كان غفورا رحيما ،وهو سبحانه ل يتغير ،فبالتالي
سيبقى سبحانه غفورا رحيما.
وتلحظ في أسلوب القرآن أنه يقرن دائما بين هذين الوصفين غفور ورحيم؛ لن الغفر سَلْب عقوبة
غفِر ،كأن تُمسِك في بيتك لصا يسرق ،فلك
الذنب ،والرحمة مجيء إحسان جديد بعد الذنب الذي ُ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أنْ تذهب به للشرطة ،ولك أن تعفو عنه وتتركه ينصرف إلى حال سبيله ،وتستر عليه ،وبيدك أنْ
تساعده بما تقدر عليه ليستعين به على الحياة ،وهذه رحمة به وإحسان إليه بعد المغفرة.
جتْ هذه المسألة في قوله تعالى {:وَإِنْ عَاقَبْ ُتمْ َفعَاقِبُواْ ِبمِ ْثلِ مَا عُوقِبْتُمْ ِبهِ[} ...النحل:
وقد عُول َ
]126وهذا التوجيه يضع لنا أول أساس من أسس المغفرة؛ لنك ل تستطيع أبدا تقرير هذه
المثلية ،ول تضمن أبدا إذا عاقبتَ أنْ تعاقب بالمثل ،ول تعتدي؛ لذلك تلجأ إلى جانب المغفرة،
لكي ل تُدخِل نفسك في متاهة اعتداء جديد ،يُوجب القصاص منك.
وسبق أنْ حكْينا قصة المرابي الذي اشترط على مدينه إذا لم يسدّد ما عليه في الوقت المحدد أن
يأخذ رطلً من لحمه ،فلما تأخر اشتكاه المرابي عند القاضي ،وذكر ما كان بينهما من شروط،
خذْ رطلً من لحمه ،لكن بضربة
فأقرّه القاضي على شرطه ،لكن ألهمه ال أنْ يقول للمرابي :نعم ُ
ت وفّيناها من لحمك أنت ،عندها تراجع المرابي ،وتنازل عن
ص َ
واحدة ،فإنْ ِز ْدتَ عنها أو نق ْ
شَرْطه.
إذن :أجاز لك الشرع القصاصَ بالمثل ليجعل هذه المرحلة صعبة التنفيذ ،ثم يفتح لك الحق سبحانه
غفُورٌ رّحِيمٌ }
باب العفو والصفح في المرحلة الثانية {:وَإِن َت ْعفُو ْا وَ َتصْفَحُو ْا وَ َت ْغفِرُواْ فَإِنّ اللّهَ َ
[التغابن]14 :
حبّ
س وَاللّهُ ُي ِ
ظ وَا ْلعَافِينَ عَنِ النّا ِ
ظمِينَ ا ْلغَيْ َ
ثم يُفسرها بحيثية أخرى ،فيقول سبحانه {:وَا ْلكَا ِ
حسِنِينَ }[آل عمران]134 :
ا ْلمُ ْ
ومعنى كظم الغيظ أنني لم أنفعل انفعالً غضبيا ينتج عنه ر ّد فعل انتقامي ،وجعلتُ غضبي في
قلبي ،وكظمتُه في نفسي ،وهذه المرحلة الولى ،أما الثانية فتُخرِج ما في نفسك من غَيْظ وغضب
وتتسامح وتعفو.
ثم المرحلة الثالثة أنْ ترتقي إلى مرتبة الحسان ،فتُحسِن إلى مَنْ أساء إليك ،وهذه رحمة،
والرحمة؛ أنْ يميل النسان بالحسان لعاجز عنه ،فإنْ كان المر بعكس ذلك فل تُسمّى رحمة،
كأن يميلَ العبدُ بإحسان إلى سيده.
هذه صور أتتْ فيها الرحمة بعد المغفرة ،وهذا هو الصل في المسألة ،وقد تأتي الرحمة قبل
المغفرة ،كأنْ تُمسك باللص الذي يسرق فتشعر أنه ُمكْره على ذلك ،وليس عليه أمارات الجرام،
ل وتبعتها
فيرقّ له قلبك ،وتمتد يدك إليه بالمساعدة ،ثم تطلق سراحه ،وتعفو عنه ،فالرحمة هنا أو ً
المغفرة.
ن يقول :ما موقف زيد بعد أنْ أبطل ال تعالى التبني ،فصار زيدَ بن حارثة بعد أنْ
بعد ذلك لقائل أ ْ
ضفْ إلى ذلك ما
كان زيد بن محمد؟ وكيف به بعد أنْ سُلِب هذه النعمة وحُرِم هذا الشرف؟ أ ِ
يلقيه من عنتَ المرجفين ،وألسنة الذين يُوغرون صدره ،ويُوقِعون بينه وبين رسول ال ،وهو
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الذي اختاره على أبيه.
ل شكّ أن الجرعة اليمانية التي تسلّح بها زيد جعلتْه فوق هذا كله ،فقد تشرّب قلبه حبّ رسول
ال ،ووقر في نفسه قوله تعالىَ {:ومَا كَانَ ِل ُم ْؤمِنٍ وَلَ ُم ْؤمِنَةٍ إِذَا َقضَى اللّ ُه وَرَسُولُهُ َأمْرا أَن َيكُونَ
َلهُمُ ا ْلخِيَ َرةُ مِنْ َأمْرِ ِهمْ[} ...الحزاب]36 :
ثم تأتي اليات لتوضح للناس :لستم أحنّ على زيد من محمد ،لن محمدا صلى ال عليه وسلم
أوْلى بالمؤمنين جميعا من أنفسهم ،ل بزيد وحده.
سهِمْ.{ ...
ثم يقول الحق سبحانه } :النّ ِبيّ َأوْلَىا بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ مِنْ أَ ْنفُ ِ
()3463 /
فالمعنى :إذا كان النبي صلى ال عليه وسلم َأوْلَى بالمؤمنين جميعا من أنفسهم فما بالكم بزيد؟
إذن :لستُم أحنّ على زيد من ال ،ول من رسول ال ،وإذا كنتم تنظرون إلى الوسام الذي نُزِع من
زيد حين صار زبد ابن حارثة بعد أنْ كان زيدَ بن محمد.
فلماذا تُغمضون أعينكم عن فضل أعظم ،ناله زيد من ال تعالى حين ُذكِر اسمه صراحة في قرآنه
وكتابه العزيز الذي يُ ْتلَى ويُتعبّد بتلوته إلى يوم القيامة ،فأيّ وسام أعظم من هذا؟ فقوله تعالى{:
فََلمّا َقضَىا زَ ْيدٌ مّ ْنهَا وَطَرا َزوّجْنَا َكهَا[} ...الحزابَ ]37 :قوْل خالد يَخلُد معه ِذكْر زيد ،وهكذا
عوّض ال زيدا عما فاته من تغيير اسمه.
سهِمْ[ } ..الحزاب ]6 :ما المراد بهذه الولوية من
وقوله تعالى { :النّ ِبيّ َأوْلَىا بِا ْل ُمؤْمِنِينَ مِنْ أَ ْنفُ ِ
النبي صلى ال عليه وسلم؟
قالوا :هي ارتقاءات في مجال الحسان إلى النفس ،ثم إلى الغير ،فالنسان أولً يُحسن إلى نفسه،
ثم إلى القرابة القريبة ،ثم القرابة البعيدة ،ثم على الباعد؛ لذلك يقول صلى ال عليه وسلم " :ابدأ
ن تعول ".
بنفسك ،ثم بمَ ْ
ويقولون :أوطان الناس تختلف باختلف ِهمَمها ،فرجل وطنه نفسه ،فيرى كل شيء لنفسه ،ول
يرى نفسه لحد ،ورجل وطنه أبناؤه وأهله ،ورجل يتعدّى الصول إلى الفروع ،ورجل وطنه بلده
أو قريته ،ورجل وطنه العالم كله والنسانية كلها.
فرسول ال صلى ال عليه وسلم تعدّى خيره إلى النسانية كلها على وجه العموم ،والمؤمنين على
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وجه الخصوص؛ لذلك " كان صلى ال عليه وسلم إذا مات الرجل من أمته وعليه دَيْن ،وليس
عنده وفاء ل يُصلّي عليه ويقول " :صَلّوا على أخيكم " ".
صلّ عليه الرسول؟
والنظرة السطحية هنا تقول :وما ذنبه إنْ مات وعليه دَيْن؟ ولماذا لم ُي َ
قالوا :لم يمنع الرسولُ الصلة عليه وقال :صَلّوا على أخيكم؛ لنه قال في حديث آخر " :مَنْ أخذ
أموال الناس يريد أداءها -لم َيقُل أدّاها -أدى ال عنه ".
أما وقد مات دون أنْ يؤدي ما عليه ،فغالب الظن أنه لم يكُنْ ينوي الداء؛ لذلك ل أصلي عليه،
سهِمْ[ } ..الحزاب ]6 :صار رسول ال
فلما نزل قوله تعالى { :النّ ِبيّ َأوْلَىا بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ مِنْ أَ ْنفُ ِ
يتحمل الدّيْن عمّنْ يموت من المسلمين وهو مدين ،ويؤدي عنه رسول ال ،وهذا معنى { النّ ِبيّ
سهِمْ[ } ..الحزاب ]6 :فالنبي َأوْلى بالمسلم من نفسه.
َأوْلَىا بِا ْل ُمؤْمِنِينَ مِنْ أَ ْنفُ ِ
ثم ألم َي ُقلْ سيدنا رسول ال صلى ال عليه وسلم أمام عمر " :ل يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه
من :نفسه ،وماله ،والناس أجمعين " ولصدْق عمر -رضي ال عنه -مع نفسه قال :نعم يا
ي من أهلي ومالي ،لكن نفسي.
ب إل ّ
رسول ال ،أنت اح ّ
.فقال النبي صلى ال عليه السلم " :والذي نفسي بيده ،ل يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من
نفسه " فلما رأى عمر أن المسألة عزيمة فَطِن إلى الجواب الصحيح ،فل بُدّ أن ال أنطق رسوله
حبّ غير الحبَ الذي أعرفه ،إنه الحب العقلي ،فمحمد صلى ال عليه وسلم أحبّ إليه من نفسه،
بُ
والنسان حين يحب الدواء المرّ إنما يحبه بعقله ل بعاطفته ،وكما تحب الولد الذكي حتى ولو كان
ابنا لعدوك ،أما ابنك فتحبه بعواطفك ،وتحب مَنْ يثني عليه حتى ولو كان غيبا مُتخلّفا.
ومشهورة عند العرب قصة الرجل الغني الذي روقه ال بولد متخلف ،وكَبر الولد على هذه الحالة
حتى صار رجلً ،فكان الطالبون للعطاء يأتونه ،فيُثْنون عَلى هذا الولد ،ويمدحونه إرضاء لبيه،
وطمعا في عطائه ،مع أنهم يعلمون بلهته وتخلّفه ،إلى أن احتاج واحد منهم ،فنصحوه بالذهاب
ضعْفه في ولده.
إلى هذا الغنى ،وأخبروه بنقطة َ
وفعلً ذهب الرجل ليطلب المساعدة ،وجلس مع هذا الغني في البهو ،وفجأة نزل هذا الولد على
السّلم كأنه طفل يلعب ل تخفى عليه علمات البَلَه والتخلف ،فنظر الرجل إلى صاحب البيت،
وقال :أهذا ولدك الذي يدعو الناس له؟ قال :نعم ،قال :أراحك ال منه ،والرزاق على ال.
وقوله تعالى } :وَأَ ْزوَاجُهُ ُأ ّمهَا ُتهُمْ[ { ..الحزاب ]6 :أي :أن أزواجه صلى ال عليه وسلم أمهات
للمؤمنين ،وعليه فخديجة رضي ال عنها أم لرسول ال بهذا المعنى؛ لنه أول المؤمنين؛ لذلك
كانت ل تعامله معاملة الزوجة ،إنما معاملة الم الحانية.
ألَ تراها كيف كانت تحنُو عليه وتحتضنه أول ما تعرّض لشدة الوحي ونزول الملَك عليه؟ وكيف
كانت تُطمئنه؟ ولو كانت بنتا صغيرة لختلفَ المر ،ولتهمتْه في عقله .إذن :رسول ال في هذه
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
المرحلة كان في حاجة إلى أم رحيمة ،ل إلى زوجة شابة قليلة الخبرة.
وزوجاته صلى ال عليه وسلم ُيعْتبرن أمهات للمؤمنين به؛ لن ال تعالى قال مخاطبا المؤمنين{:
َومَا كَانَ َل ُكمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ اللّ ِه وَلَ أَن تَن ِكحُواْ أَ ْزوَاجَهُ مِن َب ْع ِدهِ أَبَدا[} ...الحزاب ]53 :لماذا؟
لن الرجال الذين يختلفون على امرأة توجد بينهم دائما ضغائن وأحقاد.
فالرجل يُطلّق زوجته ويكون كارها لها ،لكن حين يتزوجها آخر تحلو في عينه مرة أخرى ،فيكره
مَنْ يتزوجها ،وهذه كلها أمور ل تنبغي مع شخص رسول ال ،ول يصح لمن كانت زوجة
لرسول ال أن تكون فراشا لغيره أبدا؛ لذلك جعلهن ال أمهات للمؤمنين جميعا ،وهذه الحرمة ل
تتعدى أمهات المؤمنين إلى بناتهن ،فمَنْ كانت لها بنت فلتتزوج بمَنْ تشاء.
إذن :ل يجوز لنسان مؤمن برسول ال ويُقدّره قدره أنْ يخلفه على امرأته.
لذلك كان تعدد الزوجات في الجاهلية ليس له حَدّ معين ،فكان للرجل أن يتزوج ما يشاء من
النساء ،فلما جاء السلم أراد أنْ يحدد العدد في هذه المسألة ،فأمر أنْ يُمسك الرجل أربعا منهن،
ثم يفارق الباقين ،بمعنى أنه ل يجمع من الزوجات أكثر من أربع.
أما رسول ال صلى ال عليه وسلم فقد أمسك تسعا من الزوجات ،وهذه المسألة أخذها
المستشرقون مَأخذا على رسول ال وعلى شرع ال ،كذلك مَنْ َلفّ َلفّهم من المسلمين.
ف لفكم غبي مثلكم؛ لن هذا الستثناء لرسول ال جاء من قول
نل ّ
ونقول لهؤلء :أنتم أغبياء ،ومَ ْ
حلّ َلكَ النّسَآءُ مِن َبعْ ُد َولَ أَن تَبَ ّدلَ ِبهِنّ مِنْ أَ ْزوَاجٍ[} ...الحزاب]52 :
ال تعالى له {:لّ َي ِ
يعني :إنْ ماتت إحداهن ل تتزوج غيرها ،حتى لو مُتْنَ جميعا ل يحل لك الزواج بغيرهن ،في
ن ماتت ،أو إنْ طلقها ،وله أنْ يُطلّق
حين أن غيره من أمته له أنْ يتزوج بدل إحدى زوجاته ،إ ْ
منهن مَنْ يشاء ويتزوج مَنْ يشاء ،شريطة ألّ يجمع منهن أكثر من أربع ،فعلى مَنْ ضيّق هذا
الحكم؟ على رسول ال؟ أم على أمته؟ إذن :ل تظلموا رسول ال.
ثم ينبغي على هؤلء أنْ يُفرّقوا بين الستثناء في العدد والستثناء في المعدود ،ف َكوْن رسول ال
يكتفي بهؤلء التسع ل يتعدّّاهن إلى غيرهن ،فالستثناء هنا في المعدود ،فلو انتهى هذا المعدود ل
يحلّ له غيره ،ولو كان الستثناء في العدد لجاز لكم ما تقولون.
ومن ناحية أخرى :حين يمسك الرجل أربعا ،ويفارق الباقين من زوجاته لهن أنْ يتزوجن بغيره،
ن أمهات المؤمنين ،ول يحل
لكن كيف بزوجاته صلى ال عليه وسلم إنْ طلق خمسا منهن ،وهُ ّ
لحد من أمته الزواج منهن؟ إذن :الخير والصلح في أنْ تبقى زوجات الرسول في عصمته.
س ِهمْ[ { ..الحزاب ]6 :كذلك يجب أن يكون المؤمنون
وما دام } النّ ِبيّ َأوْلَىا بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ مِنْ أَ ْنفُ ِ
أوْلى برسول ال من نفسه ،ليردّوا له هذه التحية ،بحيث إذا أمرهم أطاعوه.
ن وَا ْل ُمهَاجِرِينَ
ثم يقول تعالى } :وَُأوْلُو الَرْحَامِ َب ْعضُهُمْ َأوْلَىا بِ َب ْعضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِي َ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{ [الحزاب]6 :
كلمة } وَأُوْلُو الَرْحَامِ { مأخوذة من الرحم ،وهو مكان الجنين في بطن أمه ،والمراد القارب،
وجعلهم ال أوْلى ببعض؛ لن المسلمين الوائل حينما هاجروا إلى المدينة تركوا في مكة أهلهم
وأموالهم وديارهم ،ولم يشأ أنصار رسول ال أن يتركوهم بقلوب متجهة إلى الزواج.
فكانوا من شدة إيثارهم لخوانهم المهاجرين يعرض الواحد منهم على أخيه المهاجر أنْ يُطلّق له
إحدى زوجاته ليتزوجها ،وهذا لوْن من اليثار لم يشهده تاريخ البشرية كلها؛ لن النسان يجود
على صديقه بأغلى ما في حوزته وملكه ،إل مسألة المرأة ،فما فعله هؤلء الصحابة لون فريد من
اليثار.
وحين آخى النبي صلى ال عليه وسلم بين المهاجرين والنصار هذه المؤاخاة اقتضت أنْ يرث
المهاجر أخاه النصارى ،فلما أعزّ ال السلم ،ووجد المهاجرون سبيلً للعيش أراد الحق سبحانه
ن تعود المور إلى مجراها الطبيعي ،فلم َتعُدْ هناك ضرورة لنْ يرث المهاجر أخاه النصاري.
أْ
فقررت اليات أن أُولى الرحام بعضهم أولى ببعض في مسألة الميراث ،فقال سبحانه } :وَُأوْلُو
ن وَا ْل ُمهَاجِرِينَ[ { ..الحزاب ]6 :فقد
ضهُمْ َأوْلَىا بِ َب ْعضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِي َ
الَرْحَامِ َب ْع ُ
ب أموره ،والرحام في هذه الحالة أوْلَى
استقرت أمور المهاجرين ،وعرف كل منهم طريقه ورت ّ
بهذا الميراث.
وقوله تعالى } :وَُأوْلُو الَرْحَامِ[ { ..الحزاب ]6 :تنبيه إلى أن النسان يجب عليه أنْ يحفظ ُبضْعة
اللقاء حتى من آدم عليه السلم؛ لنك حين تتأمل مسألة خَلْق النسان تجد أننا جميعا من آدم ،ل
من آدم وحواء.
يُرْوى أن الحاجب دخل على معاوية ،فقال له :رجل بالباب يقول :إنه أخوك ،فقال معاوية :كيف
ل تعرف إخوتي ،وأنت حاجبي؟ قال :هكذا قال ،قال :أدخله ،فلما دخل الرجل سأله معاوية :أي
ن أول مَنْ يصلها.
إخوتي أنت؟ قال :أخوك من آدم ،فقال معاوية :نعم ،رحم مقطوعة ،وال لَكونَ ّ
وقوله تعالىِ } :إلّ أَن َت ْفعَلُواْ إِلَىا َأوْلِيَآ ِئكُمْ ّمعْرُوفا[ { ..الحزاب ]6 :الحق سبحانه يترك باب
الحسان إلى المهاجرين مفتوحا ،فمَنْ حضر منهم قسمة فَليكُنْ له منها نصيب على سبيل التطوع،
سمَةَ ُأوْلُواْ ا ْلقُرْبَىا وَالْيَتَامَىا وَا ْلمَسَاكِينُ فَارْ ُزقُوهُمْ مّنْهُ
حضَرَ ا ْلقِ ْ
كما جاء في قوله تعالى {:وَِإذَا َ
َوقُولُواْ َلهُمْ َق ْولً ّمعْرُوفا }[النساء]8 :
وقوله سبحانه } :كَانَ ذَِلكَ فِي ا ْلكِتَابِ َمسْطُورا { [الحزاب ]6 :أي :في أم الكتاب اللوح
المحفوظ ،أو الكتاب أي :القرآن.
خذْنَا مِنَ النّبِيّيْنَ مِيثَا َقهُمْ.{ ...
ثم ينقلنا الحق سبحانه إلى قضية عامة لموكب الرسل جميعا } :وَإِذْ أَ َ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
()3464 /
خذْنَا مِ ْنهُمْ
ح وَإِبْرَاهِي َم َومُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَ َم وَأَ َ
وَإِذْ َأخَذْنَا مِنَ النّبِيّينَ مِيثَا َقهُ ْم َومِ ْنكَ َومِنْ نُو ٍ
مِيثَاقًا غَلِيظًا ()7
كلمة (إذ ،إذا) ظرف لحدث ،تقول :إذا جاءك فلن فأكرمه ،فالكرام مُعلّق بالمجئ ،والمعنى هنا:
واذكر إذْ أخذ ال من النبيين ميثاقهم ،وهذه قضية عامة في الرسل جميعا ،ثم فصلّها الحق سبحانه
ح وَإِبْرَاهِيمَ َومُوسَىا وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ[ } ..الحزاب]7 :
بقولهَ { :ومِ ْنكَ َومِن نّو ٍ
خلْق جميعا ،وهم في
الميثاق :هو العهد يُؤخذ بين اثنين ،كالعهد الذي أخذه ال تعالى أولً على ال َ
شهَدَ ُهمْ عَلَىا
ظهُورِ ِهمْ ذُرّيّ َتهُمْ وَأَ ْ
خذَ رَ ّبكَ مِن بَنِي ءَا َدمَ مِن ُ
مرحلة الذّرّ ،والذي قال ال عنه {:وَإِذْ أَ َ
ستُ بِرَ ّب ُكمْ[} ...العراف]172 :
سهِمْ أََل ْ
أَنفُ ِ
فما العهد الذي أخذه ال على النبيين؟ العهد هنا هو :الصطفاء والختيار من ال لبشر أنْ يكون
رسولً وسفيرا بين ال تعالى والخلق ،وحين يصطفي ال رسولً ليبلّغ الناس شرع ال ،هذا
الصطفاء ل يرد ،إذن ،فهو عرض مقبول ،وحين يقبله الرسول كأنه أخذ عهدا وميثاقا من ال
تعالى بأنْ يحمل رسالة ال إلى الخَلْق ،فهي -إذن -مسألة إيجاب وقبول.
خذْنَا مِنَ النّبِيّيْنَ مِيثَا َقهُمْ[ ]..الحزاب ]7 :الخذ هو الحق سبحانه ،والمأخوذ
فقوله تعالى { :وَإِذْ أَ َ
منه هم النبيون ،والميثاق :العهد الموثّق ،والعهد تعاهد وتعاقد بين طرفين على أمر يُحقّق الصالح
عندهما معا ،ولو اختلف واحد منهما ما تَمّ العقد ،فإنْ كان الطرفان متساويين اشترط كل منهما ما
يراه لنفسه في العقد.
فإنّ كان الميثاق من العلى إلى الدنى فهو الذي يأخذ العهد للدنى ،لماذا؟ لنك جعلتَه في مرتبة
أنْ يعطي عهدا ،ويُوثق بينك وبينه أشياء؛ لذلك يقول الحق سبحانهَ {:ومِيثَاقَهُ الّذِي وَاثَ َقكُم ِبهِ} ...
[المائدة]7 :
والمواثقة مفاعلة بين الطرفين :أنتم واثقتُموه به وهو واثقكم به؛ لن الرسل حين يختارهم ال ،ل
شكّ أنه سبحانه يعلم حيث يجعل رسالته ،فإذا اختار ال رسولً ،فقبول الرسول للرسالة ارتضاء
منه بما يريده ال من العهد.
ضتْ عليه الرسالة فرفضها؟ إذن :قبول الرسالة كأنه
وهل رأينا رسولً في موكب الرسالت عُ ِر َ
العهد ،جاء من طرف واحد في إملء شروطه؛ لنه الطرف العلى ،وحيثية التوثيق في أن ال
اختاره ،وجعله أهْلً للصطفاء للرسالة.
لذلك رأينا في قصة سيدنا موسى -عليه السلم -لما اصطفاه ال للرسالة آنس من نفسه أنها
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
مسألة كبيرة بالنسبة له ،لكن لم يردّها ،إنما طلب من ال أنْ يسانده في هذه المسئولية أخوه
هارون ،فقال للحق سبحانه وتعالى {:وََأخِي هَارُونُ ُهوَ َأ ْفصَحُ مِنّي لِسَانا فَأَرْسِلْهُ َم ِعيَ رِدْءا
ُيصَ ّدقُنِي[} ...القصص]34 :
فلم يقل :أنا ل أصلح لهذه المسألة ،إنما أذعن لمر ال ،فال أعلم حيث يجعل رسالته ،ومسألة
العقدة التي في لسانه يستعين عليها بأخيه.
إذن :كلمة (الميثاق) تدور حول الشيء المؤكّد الموثّق ،ومنه قوله تعالى عن العداء:
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
بصِدْق دعوته؛ لذلك كانوا يستفحتون بمحمد على الذين كفروا ويقولون لعبدة الصنام :لقد أطلّ
زمان نبي سنتبعه ،وتقتلكم به قتْل عاد وإرم ،فكانوا يعرفون زمان رسول ال وموطنه ،وأنه
سيُبعث في أرض ذات نخل ،ومن صفاتها كذا وكذا ،لذلك لما قطّعهم ال في الرض أمما
وشتتهم ،جاء المشتغلون منهم بالعلم إلى يثرب ينتظرون بعثته صلى ال عليه وسلم.
شهِيدا بَيْنِي وَبَيْ َنكُ ْم َومَنْ عِن َدهُ
ستَ مُرْسَلً ُقلْ َكفَىا بِاللّهِ َ
لذلك يقول تعالى {:وَ َيقُولُ الّذِينَ َكفَرُواْ لَ ْ
عِلْمُ ا ْلكِتَابِ }[الرعد]43 :
إذن :فأهل الكتاب كان من المفترض فيهم أنْ يشهدوا لرسول ال بِصدْق الرسالة ،لكن يحكي
القرآن عنهم بعد هذا كله {:فََلمّا جَآ َءهُمْ مّا عَ َرفُواْ َكفَرُواْ ِبهِ فََلعْنَةُ اللّهِ عَلَى ا ْلكَافِرِينَ }
[البقرة]89 :
فكيف إذن تم هذا التحول؟ وكيف تنقلب عقيدة القلب إلى تمرّد القالب؟ قالوا :إنها السلطة الزمنية
ن تبقى ،وأنْ تدوم لهم .فقد ُبعِث الرسول وهم أهل مال وتجارة وأهل حِرَف وعمارة،
التي أحبوا أ ْ
وخافوا من رسول ال ومن الدين الجديد أن يسلبهم هذه المكانة ،وأنْ يقضي على هذه السيادة،
سهُمْ أَن َي ْكفُرُواْ ِبمَآ أنَ َزلَ اللّهُ َبغْيا أَن يُنَ ّزلُ اللّهُ مِن
سمَا اشْتَ َروْاْ بِهِ أَ ْنفُ َ
لذلك قال القرآن عنهم {:بِئْ َ
عذَابٌ ّمهِينٌ }[البقرة]90 :
ضبٍ وَلِ ْلكَافِرِينَ َ
غ َ
ضبٍ عَلَىا َ
َفضْلِهِ عَلَىا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَا ِدهِ فَبَآءُو ِب َغ َ
لهذا خصّ بالذكْر هنا موكب النبياء موسى وعيسى عليهما السلم.
ونلحظ أن السياق ذكر موسى عليه السلم ،ولم يذكر له أبا ،أما في عيسى عليه السلم فقال} :
وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ[ { ..الحزاب ]7 :وهذا دليل على أنه يؤكد الصالة في النجاب ،فالب هو
ن وَجِد مع الزوجة ،فإنْ لم يوجد الب فالبوة للزوجة؛ لذلك نسب عليه السلم إلى إمه.
الصل إ ْ
وجاءت هذه المسألة لتبرهن على طلقة القدرة اللهية ،فمسألة الخَلْق ليست عملية ميكانيكية
تخضع لقانون ،إنما هي قدرة ال التي خلقتْ آدم بدون أب ول أم ،وخلقت حواء من أب دون أم،
خلْق من أب وأم ،وهكذا استوفى
وخلقتْ عيسى عليه السلم من أم بدون أب ،وخلقتْ سائر ال َ
الخَلْق القسمة العقلية في كل صورها.
وقوله تعالى } :وَأَخَذْنَا مِ ْنهُمْ مّيثَاقا غَلِيظا { [الحزاب ]7 :أي :من النبياء ،والميثاق الغليظ أي
المؤكد ،فقد وسّعه ال وأكده حينما أخبر أنبياءه ورسله أنهم سيُضطهدون وسيُحاربون من أممهم.
لذلك لم يُوصَف الميثاق بأنه غليظ إل في هذا الموضوع ،وفي علقة الرجل بالمرأة حين يطلقها،
وقد فرض لها مهرا ،فينبغي أنْ يُؤديه إليها ،ولو كان قنطارا ،يقول سبحانهَ {:وكَيْفَ تَ ْأخُذُونَ ُه َوقَدْ
ضكُمْ إِلَىا َب ْعضٍ وََأخَذْنَ مِنكُم مّيثَاقا غَلِيظا }[النساء]21 :
َأ ْفضَىا َب ْع ُ
فسمّى الميثاق بين الزوجين ميثاقا غليظا أي :قويا ومتينا؛ لنه في العِرْض ،ولم يُوصَف الميثاق
فيما دون ذلك بأنه غليظ.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وهذا الميثاق الذي أخذه ال تعالى على الرسل المذكّرين المبشّرين المنذرين جاء تفصيله في قوله
ح ْكمَةٍ ثُمّ جَآ َءكُمْ رَسُولٌ ّمصَدّقٌ ّلمَا َم َعكُمْ
تعالى {:وَإِذْ َأخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النّبِيّيْنَ َلمَآ آتَيْ ُتكُم مّن كِتَابٍ َو ِ
شهَدُو ْا وَأَنَاْ َم َعكُمْ
لَ ُت ْؤمِنُنّ ِب ِه وَلَتَنصُرُنّهُ قَالَ أََأقْرَرْتُ ْم وََأخَذْتُمْ عَلَىا ذاِل ُكمْ ِإصْرِي قَالُواْ َأقْرَرْنَا قَالَ فَا ْ
مّنَ الشّا ِهدِينَ }[آل عمران]81 :
والشيء الذي شهد ال عليه ل يحتاج إلى قضاء ،لكن لماذا أخذ ال هذا العهد؟ قالوا :لن الذي ل
يؤمن بإله ليس لديه دين يتعصّب له حين يأتي رسول جديد ،لكن من الصّعب على النسان أن
يكون له دين ،ثم يأتي رسول جديد ليزحزحه عن دينه ،وهنا تكمن المشقة التي يعانيها الرسل.
لذلك قال ال تعالى للرسل :من تمام ميثاقكم أن تقولوا لقوامكم إذا جاءكم رسول مُصدّق لما معكم
لتُؤمنن به ولتنصرنه ،ثم أقررهم على ذلك ،وأشهدهم عليه فشهدوا ،والمعنى :إياكم أن تتركوا
أممكم التي تؤمن بكم بدون أنْ تضعوا لهم هذه القاعدة ،ففيها الوقاية لهم.
ثم يقول الحق سبحانه } :لّيَسْ َئلَ الصّا ِدقِينَ عَن.{ ...
()3465 /
اللم هنا في { لّيَسَْألَ[ } ..الحزاب ]8 :لم التعليل ،فالمعنى أننا أخذنا من النبيين الميثاق ،لكن لن
خذْنَا مِنَ النّبِيّيْنَ مِيثَا َقهُمْ[} ...الحزاب ]7 :لماذا؟ { لّيَسَْألَ الصّا ِدقِينَ عَن
نتركهم دون سؤال{ وَإِذْ أَ َ
صِ ْد ِقهِمْ[ } ..الحزاب ]8 :لكن إذا كان المبلّغ صادقا ،فكيف يسأل عن صدقه؟
سؤال الصادق عن صِدْقه ليس تبكيتا للصادق ،إنما تبكيتا لمن كذّب به ،سنسأل الرسل :أبلغتم
سلَ فَ َيقُولُ مَاذَآ ُأجِبْتُمْ[} ...المائدة ]109 :ويسأل ال
جمَعُ اللّهُ الرّ ُ
هؤلء؟ ويقول تعالىَ {:يوْمَ يَ ْ
سلٌ مّ ْنكُمْ َيقُصّونَ عَلَ ْيكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُو َنكُمْ ِلقَآءَ َي ْومِكُمْ هَـاذَا[} ...النعام]130 :
القوم {:أََلمْ يَأْ ِتكُمْ رُ ُ
فالستفهام هنا للتقريع والتبكيت لمن كذّب.
أو :يكون المعنى { لّ َيسَْألَ الصّا ِدقِينَ عَن صِ ْد ِق ِهمْ[ } ..الحزاب ]8 :أي :أنتم بشّرتم بأن الله
واحد ،فأنتم صادقون؛ لنكم أخذتُمْ هذه مني ،ولما قامت الساعة ولم تجدوا إلها آخر يحمي
الكافرين ،إذن :فقد صدقت فيما أخبرت به ،وصدقتم فيما بلغتم عني ،حيث لم تجدوا في الخرة
إل الله الواحد.
لذلك يقول سبحانهَ {:ووَجَدَ اللّهَ عِن َدهُ َف َوفّاهُ حِسَابَهُ }[النور ]39 :ولو كان معه سبحانه إله آخر
لَدافع عن هؤلء الكافرين ،ومنعهم من العذاب.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
كذلك يسأل الرسل عن البعث الذي وعد ال به ،وبلّغوه لممهم ،وعن الحساب وما فيه من ثواب
وعقاب ،وكأن الحق سبحانه يسألهم :هل تخلّف شيء مما أخبرتكم به؟ هل قصرت في إثابة
المحسن أو معاقبة المسيء؟ إذن :صدق كلمي كله.
كما تجلس مع ولدك مثلً تراجع معه المواد الدراسية ،وتحثّه على المذاكرة فيُوفّق في المتحان،
ثم تسأله :ماذا فعلت في إجابة السؤال الفلني؟ فأنت ل تقصد الستفهام ،إنما تستعيد معه أمجاد ما
أنجزه بالفعل تسأله عن توفيق ال له ،كذلك الحق سبحانه يستعيد مع الرسل َوقَفْتهم لدين ال
وإعلءَهم كلمة الحق في هذه الساعة ول مردّ لها.
إذن :فسؤال الصادقين عن صدقهم تكريم لهم ،وشهادة بأنهم أ ّدوْا ما عليهم ،وهو كذلك تبكيت لمن
كذّب بهم.
ثم يقول سبحانه { :وَأَعَدّ لِ ْلكَافِرِينَ عَذَابا أَلِيما } [الحزاب ]8 :والفعل الماضي هنا دليل على أن
كل شيء معدّ وموجود سَلَفا ،ولن ينشيء الحق سبحانه شيئا جديدا ،كذلك قال عن الجنة{ أُعِ ّدتْ
لِ ْلمُ ّتقِينَ }[آل عمران]133 :
وسبق أنْ أوضحنا أن ال تعالى خلق الجنة لتسع الناس جميعا إنْ آمنوا ،وخلق النار كذلك تسع
الناس جميعا إن كفروا ،يعني :لن تكون هناك أزمة أماكن ،فإذا ما أخذ أهل اليمان أماكنهم من
الجنة تتبقى أماكن الذين كفروا شاغرة ،فيقول تعالى للمؤمنين :خذوها أنتم {:وَتِ ْلكَ ا ْلجَنّةُ الّتِي
أُورِثْ ُتمُوهَا ِبمَا كُن ُتمْ َت ْعمَلُونَ }[الزخرف]72 :
وقد وصف العذاب مرة بأنه أليم ،ومرة بأنه مهين ،ومرة بأنه عظيم ،ومرة بأنه شديد ،ولكل منها
ملحظ ،فالليم يُلحظ فيه القسوة واليلم ،والعذاب المهين يُلحظ فيه إهانة المعذّب والنيل من
كرامته ،فمن الناس مَنْ يحاول التجلّد ،ويُظهر تحمل اللم وعدم الكتراث به ،في حين يؤلمه أنْ
تنال من كرامته ،فيناسبه العذاب المهين.
()3466 /
أراد الحق سبحانه أنْ يُدلّل على قوله لرسوله في اليات السابقة {:وَ َت َو ّكلْ عَلَىا اللّ ِه َو َكفَىا بِاللّهِ
َوكِيلً }[الحزاب ]3 :فجاء بحادثة جمعتْ كل فلول خصومه ،فقد سبق أن انتصر عليهم متفرقين،
ل على كفار مكة في بدر ،وانتصر على اليهود في بني النضير وبني قينقاع ،وهذه
فانتصر أو ً
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
المرة اجتمعوا جميعا لحربه صلى ال عليه وسلم ،ومع ذلك لن يؤثر جمعهم في الصدّ عن
دعوتك ،وسوف تُنصَر عليهم بجنود من عند ال.
علَ ْيكُمْ} ..
إذن :فحيثية (وتوكل على ال) هي قوله تعالى { :ياأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ ا ْذكُرُواْ ِن ْعمَةَ اللّهِ َ
[الحزاب ]9 :النعمة :الشيء الذي يخالط النسان بسعادة وبِشْر وطلب استدامته ،وهذه الصفات ل
تتوافر إل في اليمان؛ لن استدامة النعمة فيه تع ّدتْ زمن الدنيا إلى زمن آخر دائم وباقٍ في
الخرة ،وإنْ كانت نعمة الدنيا على َقدْر أسبابك وإمكاناتك ،فنعمة الخرة على قَدْر المنعمِ سبحانه،
فهي إذن :نعمة النعم.
وال تعالى يخاطب هنا المؤمنين ،ومعنى اليمان هو اليقين بوجود إله واحد له كل صفات الجلل
والكمال ،وال سبحانه يكفي العقل أنْ يهتدي إلى القوة الخالقة الواحدة التي ل تعاند ،لكن ليس من
عمل العقل أنْ يعرف مثلً اسم هذا الله ،ول أن يعرف مراده ،فكان ول ُبدّ من البلغ عن ال.
وسبق أنْ مثّلْنا لذلك بمَنْ يطرق علينا الباب ،فنتفق جميعا بالعقل على أن طارقا بالباب ،هذا هو
عمل العقل ،لكن أمن عمل العقل أن نعرف مَنْ هو؟ أو نعرف مقصده من المجيء؟ وهذا ما
نسميه التصور.
فآفة العقل البشري أنه لم يقنع بالتعقل للقوة القاهرة الفاعلة ،فكان يكفيه أن يتعقل أن وراء هذا
الكون قوةً ،هذه القوة لها صفات الكمال التي بها أوجدتْ هذا الكون ،فإنْ أردنا معرفة ما هي هذه
القوة فلبُدّ أنْ نترك هذا الطارق ليخبرنا عن نفسه ،ويفصح عن هدفه وسبب مجيئه ،ول يتم ذلك
إل من خلل رسول يأتي من عند ال يخبرنا عن هذه القوة ،عن ال ،عن أسمائه وصفاته ومنهجه
الذي ارتضاه لخَلْقه ،وما أعدّه ال لمَنْ أطاعه من النعيم ،وما أعدّه لمَنْ عصاه من العذاب.
فإنْ كذّبنا هذا الرسول ،وطلبنا دليلً على صِدْقه في البلغ أخرج لنا من المعجزات ما يؤيده وما
يحملنا على تصديقه؛ لنه أتى بلونٍ مما ننبغ فيه نحن ،وفن من فنوننا ،ومع ذلك عجزنا عن
التيان بمثله.
إذن :فالتعقّل أول مراحل اليمان :لذلك فإن أبسط ردّ على مَنْ يعبدون غير ال أن نقول لهم :بماذا
أمرتكم آلهتكم؟ وعمّ نهتْكم؟ وماذا أع ّدتْ لمن أطاعها؟ وماذا أعدّت لمنْ عصاها؟ ما المنهج الذي
تستعبدكم به؟
فكان من منطق العقل ساعةَ يأتينا رسول من عند ال أنْ نستشرف له ،ونُقبل عليه ،ونسأله عن
اللغز الذي ل نعرفه من أمور الحياة والكون ،كان علينا أن نستمع له ،وأن ننصاع لوامره؛ لنه
ما جاء إل ليُخرجنا من مأزق فكري ،ومن مأزق عقلي ل يستطيع أحد مِنّا أنْ يُحلّله ،كان على
القوم أن يتلهفوا على هذا الرسول ،ل أن يعادوه ويعاندوه ،لما لهم من سلطة زمنية ظنوها باقية.
وقوله تعالى } :ا ْذكُرُواْ ِن ْعمَةَ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ[ { ..الحزاب ]9 :ما هو الذكر؟ العقل حين يتلقّى
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
المعلومات من الحواسّ يقارن بينها ويُغربلها ،ثم يحتفظ بها في منطقة منه تمثل خزينة
للمعلومات ،وما أشبه العقل في تلقي المعلومات بلقطة (الفوتوغرافيا) التي تلتقط الصورة من مرة
واحدة ،والناس جميعا سواء في تلقي المعلومات ،المهم أن تصادف المعلومة خُلوّ الذّهْن مما
يشغله.
وهذه المنطقة في العقل يسمونها بؤرة الشعور ،وهي ل تلتقط إل جزئية عقلية واحدة ،فإذا أردتَ
استدعاء معلومة من الحافظة ،أو من حاشية الشعور ،فالذاكرة هي التي تستدعي لك هذه
المعلومة ،وتُخرِجها من جديد من حاشية الشعور إلى بؤرة الشعور.
ثم هناك ما يُسمّى بتداعي المعاني ،حين يُذكّرك شيء بشيء آخر ،وهناك المخيّلة ،وهي التي تُلفّق
أو تُؤلّف من المعلومات المختزنة شيئا جديدا ،ونسميه التخيّل ،فالشاعر العربي حين أعجبه الوشم
س َمكٌ
شمِ المُزَرّدْ َ
خوْدٌ كأنّ بَنَا َنهَا فِي َنقْشِ ِه الوَ ْ
باللون الخضر على بشرة شابة بيضاء تخيّلها هكذاَ .
ك تكوّنَ مِنْ زَبَرْجَدْفهذه صورة تخيّلية خاصة بالشاعر ،وإل َفمْن مِنّا رأى سمكا
مِنَ البلّلوْرِ فِي شَ َب ِ
من البللور في شبك من زبرجد؟ فللشاعر نظرته الخاصة للصور التي يراها ،وسبق أنْ ذكرنا
الصورة التي رسمها الشاعر للحدب ،فقالَ :قصُ َرتْ َأخَادِعُه وغَاصَ َقذَالُه فَكأنّهُ مُترّبصٌ أنْ
ص ِف َعتْ قفَاهُ مرةً فَأحسّ ثانيةً َلهَا فَتَجمّعاومنذ القِدَم يعتبر الشعراء محلً للحب
ُيصْ َفعَاوكأ ّنمَا ُ
وللمشاعر ،لكن يخرج علينا هذا الشاعر بصورة أخرى جديدة من نَسْج خياله ،فيقول:خَطَرَاتُ
عضَائي خُِلقْنَ
ل وَفي ِه صَبَابَةٌ فَكأنّ أَ ْ
عضْوَ لِي إ ّ
ِذكْ ِركَ تَسْتَثِيرُ مَودّتيِ فَُأحِسّ مِنْها فِي الفُؤادِ دَبيبالَ ُ
قُلُوبَافمعنى } :ا ْذكُرُواْ ِن ْعمَةَ اللّهِ عَلَ ْي ُكمْ[ { ..الحزاب ]9 :ل تمروا على النعم بغفلة لرتابتها عندكم،
بل تذكروها دائما ،واجعلوها في بؤرة شعوركم؛ لذلك جعل ال الذكر عبادة ،وهو عبادة بل مشقة،
فأنت حين تصلي مثلً تستغرق وقتا ومجهودا للوضوء وللذهاب للمسجد ،كذلك حين تزكي تُخرِج
من مالك ،أما الذكْر فل يُكلّفك شيئا.
لذلك في سورة الجمعة حينما يستدعي الحق سبحانه عباده للصلة ،يقول {:ياأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ ِإذَا
س َعوْاْ إِلَىا ِذكْرِ اللّ ِه وَذَرُواْ الْبَ ْيعَ[} ...الجمعة ]9 :فهنا حركتان:
ج ُمعَةِ فَا ْ
لةِ مِن َيوْمِ ا ْل ُ
نُو ِديَ لِلصّ َ
حركة إيجاب بالسعي إلى الصلة ،وحركة سَلْب بت ْركِ البيع والشراء ،وكلّ ما يشغلك عن الصلة.
ضلِ اللّ ِه وَا ْذكُرُواْ اللّهَ
ض وَابْ َتغُواْ مِن َف ْ
لةُ فَان َتشِرُواْ فِي الَ ْر ِ
ثم يقول تعالى {:فَِإذَا ُقضِ َيتِ الصّ َ
كَثِيرا[} ...الجمعة]10 :
وفي موضع آخر قال:
{ وَلَ ِذكْرُ اللّهِ َأكْبَرُ }[العنكبوت ]45 :فإياك أن تظن أن ال يريد أنْ تذكره ساعة الصلة فحسب،
إنما اذكره دائما وأبدا ،وإنْ كانت الصلة لها ظرف تُؤدّي فيه ،ف ِذكْر ال ل وقتَ له؛ لذلك جعله
ال يسيرا سهلً ،ل مشقة فيه ،ل بالوقت ول بالجهد ،فيكفي في ِذكْر ال أنْ تتأمل المرائي التي
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
تمر بها ويقع عليها نظرك لترى فيها قَدرة ال.
والحق سبحانه يُذكّرنا بنعمه؛ لن النعمة بتواليها على النفس البشرية تتعوّد عليها النفس ،ويحدث
لها رتابة ،فل تلتفت إليها ،فأنت مثلً ترى الشمس كل صباح ،لكن قلّما تتذكر أنها آية من آيات
الخالق -عز وجل -ونعمة من نعمه؛ لنك تعوّدت على رؤيتها ،وأصبحت رتيبة بالنسبة لك.
كذلك يلفتنا الحق سبحانه إلى نعمه حين يسلبها من الخرين ،فحين ترى السقيم تذكّر نعمة العافية،
وحين ترى العمى تذكّر نعمة البصر..الخ وساعتها ينبغي عليك أنْ تشكر المنعم الذي عافاك مما
ابتلى به غيرك ،إذن :فهذه الشواذ جعلها ال وسائل لليضاح وتذكيرا للخلق ب ِنعَم الخالق.
حصُوهَا }[إبراهيم:
والنعمة وردتْ هنا مفردة ،وكذلك في قوله تعالى {:وَإِن َتعُدّواْ ِن ْع َمتَ اللّ ِه لَ تُ ْ
]34وقد وقف أعداء السلم من المستشرقين أمام هذه الية يعترضون على أن النعمة فيها
مفردة ،يقولون :فكيف ُتعَدّ؟ وهذا العتراض منهم ناشئ عن عدم َفهْم لمعاني وأساليب القرآن.
ونقول :الذي تروْنه نعمة واحدة ،لو تأملتُم فيها لوجدتم بداخلها ِنعَما متعددة تفوق العَدّ؛ لذلك
استخدم القرآن هنا (إنْ) الدالة على الشك؛ لن ِنعَم ال ليست مظنّة ال َعدّ والحصاء كرمال
الصحراء ،هل تعرّض أحد لعدّها؟ لنك ل تقبل على عَدّ شيء إل إذا كان مظنّةَ ال َعدّ ،وإحصاء
المعدود.
لذلك ،فالحق سبحانه يوضح لنا :إنْ حاولتم إحصاء ِنعَم ال -وهذا لن يحدث -فلن تستطيعوا
عدّها ،مع أن الحصاء أصبح عِلْما مستقلً ،له جامعات وكليات تبحث فيه وتدرسه.
ولك أنْ تأخذ نعمة واحدة من ِنعَم ال عليك ،ثم تتأمل فيها وفي عناصرها ومُكوّناتها وفوائدها
وصفاتها ،وسوف تجد في طيّات النعمة الواحدة ِنعَما شتّى ،فالتفاحة مثلً في ظاهرها نعمة واحدة،
لكن في ألوانها ومذاقها وعناصر مكوناتها ورائحتها واختلف وتنوّع هذا كله ِنعَم كثيرة.
والحق سبحانه جعل ِنعَمه عامة للمؤمن وللكافر؛ لنه سبحانه جعل لها أسبابا ،مَنْ أحسَنَ هذه
السباب أعطتْه ،حتى لو كان كافرا.
حصُوهَا }[إبراهيم ]34 :أنها وردتْ في
ثم نلحظ في قوله تعالى {:وَإِن َتعُدّواْ ِن ْع َمتَ اللّهِ لَ ُت ْ
القرآن مرتين ،ولكل منهما تذييل مختلف ،فمرّة يقول تعالى {:وَآتَاكُم مّن ُكلّ مَا سَأَلْ ُتمُوهُ وَإِن
حصُوهَا إِنّ النْسَانَ لَظَلُومٌ كَفّارٌ }[إبراهيم ،]34 :ومرة يقول {:وَإِن َتعُدّواْ
َتعُدّواْ ِن ْع َمتَ اللّ ِه لَ تُ ْ
حصُوهَآ إِنّ اللّهَ َل َغفُورٌ رّحِيمٌ }[النحل]18 :
ِن ْعمَةَ اللّهِ لَ ُت ْ
وفيه إشارة إلى أن ال تعالى لو عامل المنعَم عليهم من الخَلْق بما يقتضيه إيمانهم ،وما يقتضيه
كفرهم ،لعطى المؤمن وسَلبَ الكافر ،لكنه سبحانه غفور رحيم بخَلْقه ،فبهاتين الصفتين يُنعِم
سبحانه على الجميع ،وما ترفلون فيه من ِنعَم ال عليكم أثر من آثار الغفران والرحمة ،فغفر لكم
عمّن هو دونك.
معايبكم أولً ،والغفر :أنْ تستر الشيء القبيح َ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ثم الرحمة ،وهي أنْ تمتدّ يدك بالحسان إلى مَنْ دونك ،وسبق أنْ أوضحنا أن المغفرةَ تسبق
الرحمةَ ،وهذه هي القاعدة العامة ،لكن قد تسبق الرحم ُة المغفرةَ؛ ذلك لن السّلب للشيء المذموم
ينبغي أن يسبق النعمة ،أو :أنْ َدفْع الضرر مُقدّم على جَلْب المنفعة.
وقد مثّلْنا لذلك باللصّ تجده في دارك ،فتستر عليه أولً حين ل تسلمه للبوليس ،ثم يرقّ له قلبك،
فتمتد يدُك إليه بالحسان ،وهنا تسبق المغفرة الرحمةَ ،وقد تتصرف معه بطريقة أخرى ،بحيث
تقدّم فيها الرحم َة على المغفرة ،والمغفرة ل تكون إل من العلى للدنى ،فتستر على القبيح قُبْحه،
وأنت أعلى منه ،فل يقال مثلً للخادم :إنه ستر على سيده.
ثم يرسل لنا الحق -سبحانه وتعالى -هذه البرقية الدالّة على تأييده سبحانه لعبادة المؤمنين } :إِذْ
جَآءَ ْتكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَ ْي ِهمْ رِيحا َوجُنُودا لّمْ تَ َروْهَا َوكَانَ اللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرا { [الحزاب]9 :
فالجنود تُؤذِن بالحرب ،وجاءت نكرة مُبْهمة ،ثم جاءت نهاية هذه المعركة في هاتين الجملتين
القصيرتين } فَأَرْسَلْنَا عَلَ ْي ِهمْ رِيحا وَجُنُودا لّمْ تَ َروْهَا[ { ..الحزاب ]9 :ولم يذكر ما هية هؤلء
الجنود ،إل أنهم من عند ال ،جاءوا لردّ هؤلء الكفار وإبطال كيدهم.
ثم يأتي بمذكرة تفسيرية توضح مَنْ هم هؤلء الجنودِ } :إذْ جَآءُوكُمْ مّن َف ْو ِقكُمْ.{ ...
()3467 /
هذا وَصف لما جرى في غزوة الحزاب التي جمعتْ فُلول أعداء رسول ال ،فقد سبق أنْ حاربهم
مُتفرّقين ،والن يجتمعون لحربه صلى ال عليه وسلم ،فجاءت قريش ومَنْ تبعها من غطفان وأسد
وبني فزارة وغيرهم ،وجاء اليهود من بني النضير وبني قريظة ،وعجيب أنْ يجتمع كل هؤلء
لحرب السلم على ما كان بينهم من العداوة والخلف.
وقلنا :إن أهل الكتاب كانوا يستفتحون برسول ال على كفار مكة ،ثم جاءت اليات لتجعل من
ستَ مُرْسَلً ُقلْ كَفَىا
أهل الكتاب شهداء على صِدْق رسول ال ،فقال تعالى {:وَيَقُولُ الّذِينَ َكفَرُواْ َل ْ
شهِيدا بَيْنِي وَبَيْ َنكُ ْم َومَنْ عِن َدهُ عِ ْلمُ ا ْلكِتَابِ }[الرعد]43 :
بِاللّهِ َ
ن يؤمنوا بصِدْق
ولو قدّر أهل الكتاب هذه الشهادة التي قرنها الحق سبحانه بشهادتهَ ،لكَان عليهم أ ْ
رسول ال صلى ال عليه وسلم.
والمعنى { إِذْ جَآءُوكُمْ[ } ..الحزاب ]10 :أي :اذكر يا محمد وتخيّل وتصوّر إذ جاءكم الحزاب،
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وتجمّعوا لحربك { مّن َف ْوقِكُمْ[ } ..الحزاب ]10 :أي :من ناحية الشرق ،وهُمْ :غطفان ،وبنو
سفَلَ مِنكُمْ[ } ..الحزاب ]10 :أي :من ناحية الغرب وهم قريش،
قريظة ،وبنو النضير { َومِنْ َأ ْ
ت الَ ْبصَارُ[ } ..الحزاب ]10 :أي :اذكر
غ ِ
ومَنْ تبعهم من الفزاريين والسديين وغيرهم { وَإِذْ زَا َ
طغَىا }
إذ زاغت البصار ،ومعنى زاغ البصر أي :مال ،ومنه قوله تعالى {:مَا زَاغَ الْ َبصَرُ َومَا َ
[النجم]17 :
سمْتها وسنمها ،وقد خلق ال العين على هيئة خاصة،
فـ (زاغت البصار) يعني :مالتْ عن َ
بحيث تتحرك إلى أعلى ،وإلى أسفل ،وإلى اليمين ،وإلى الشمال ،ولكل اتجاه منها اسم في اللغة،
جمْع عَيْنه ،ولمح بمؤخّر مُوقِه ،ورمق أي :من ناحية أنفه..الخ
فيقولون :رأى أي :ب ُ
سمْت العين وسَنمها أنْ تتحرك في هذه التجاهات ،فإذا فزعتْ من شيء أخذ البصر ،مال عن
فَ
صةٌ أَ ْبصَارُ الّذِينَ َكفَرُواْ[} ...النبياء]97 :
خ َ
سمْته من التحول ،لذلك يقول تعالى {:فَإِذَا ِهيَ شَا ِ
َ
جفْن
خصُ فِي ِه الَ ْبصَارُ }[إبراهيم ]42 :وشخوص البصر أنْ يرتفع ال َ
شَوقال {:إِ ّنمَا ُيؤَخّرُهُمْ لِ َيوْمٍ تَ ْ
العلى ،وتثبت العين على شيء ،ل تتحرّك إلى غيره.
خوْفُ رَأَيْ َتهُمْ
وفي موضع آخر قال تعالى عن المنافقين والمعوّقين {:أَشِحّةً عَلَ ْيكُمْ فَِإذَا جَآءَ ا ْل َ
خ ْوفُ سََلقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ
علَيْهِ مِنَ ا ْل َم ْوتِ فَإِذَا ذَ َهبَ الْ َ
يَنظُرُونَ إِلَ ْيكَ َتدُورُ أَعْيُ ُنهُمْ كَالّذِي ُيغْشَىا َ
حدَادٍ[} ...الحزاب]19 :
ِ
لن الهول ساعة يستولي العين ،فمرة تشخص العين على ما ترى ل تتعداه إلى غيره من شدة
ج مما هي فيه ،فهذه حالت يتعرّض لها
الهول ،ومرة تدور هنا وهناك تبحث عن مفرّ أو مخر ٍ
الخائف المفزّع.
وقوله تعالى { :وَبََلغَتِ ا ْلقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ[ } ..الحزاب ]10 :معلوم ان الحنجرة أعلى القصبة
الهوائية في هذا التجويف المعروف ،فكيف تبلغ القلوبُ الحناجرَ؟ هذا أثر آخر من آثار الهول
والفزع ،فحين يفزع النسان يضطرب في ذاته ،وتزداد دقّات قلبه ،وتنشط حركة التنفس ،حتى
ليُخيّل للنسان من شدة ضربات قلبه أن قلبه سينخلع من مكانه ،ويقولون فعلً في العامية (قلبي
هينط مني)
وقوله تعالى { :وَتَظُنّونَ بِاللّهِ الظّنُونَاْ } [الحزاب]10 :
أي :ظنونا مختلفة تأخذهم وتستولي عليهم ،فكلّ له ظنّ يخدم غرضه ،فالمؤمنون يظنون أن ال
لن يُسلمهم ،ولن يتخلى عنهم ،والكافرون يظنون أنهم سينتصرون وسيستأصلون المؤمنين ،بحيث
ل تقوم لهم قائمة بعد ذلك.
ونلحظ في هذه الية أن الحق سبحانه ل يكتفي بأنْ يحكي له ما حدث ،إنما يجعله صلى ال عليه
وسلم يستحضر الصورة نفسه ،فيقول له :اذكُرْ إذ حدث كذا وكذا.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ثم يقول الحق سبحانه } :هُنَاِلكَ ابْتُِليَ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ.{ ...
()3468 /
()3469 /
وَإِذْ َيقُولُ ا ْلمُنَا ِفقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ مَا وَعَدَنَا اللّ ُه وَرَسُولُهُ إِلّا غُرُورًا ()12
المنافقون هم أنفسهم الذين في قلوبهم مرض ،فهما شيء واحد ،وهذا العطف يُسمّونه " عطف
البيان ".
والغرور أنْ تخدع إنسانا بشيء ُمفْرح في ظاهره ،محزن في باطنه ،تقول :ما غرّك بالشيء
الفلني كأن في ظاهره شيئا يخدعك ويغرّك ،فإذا ما جئتَ لتختبره لم تجده كذلك.
()3470 /
{ وَإِذْ[ } ..الحزاب ]13 :هنا أيضا بمعنى :واذكر { وَإِذْ قَالَت طّآ ِئفَةٌ مّ ْنهُمْ ياأَ ْهلَ يَثْ ِربَ} ..
[الحزاب ]13 :يثرب :اسم للبقعة التي تقع فيها المدينة ،وقد غيّر رسول ال صلى ال عليه وسلم
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
اسمها إلى (طَيْبة).
جعُواْ[ } ..الحزاب ]13 :يعني:
ومعنى { :لَ ُمقَامَ َلكُمْ[ } ..الحزاب ]13 :أي :في الحرب { فَا ْر ِ
اتركوا محمدا وأتباعه في أرض المعركة واذهبوا ،أو { لَ ُمقَامَ َلكُمْ } [الحزاب ]13 :أي :على
هذا الدين الذي تنكرونه بقلوبكم ،وتساندونه بقوالبكم.
ثم يكشف القرآن حيلة فريق آخر يريد الفرار { وَيَسْتَ ْأذِنُ فَرِيقٌ مّ ْن ُهمُ النّ ِبيّ[ } ..الحزاب]13 :
عوْ َرةٌ[ } ..الحزاب ]13 :أي :ليست مُحصّنة،
أي :في عدم الخروج للقتال { َيقُولُونَ إِنّ بُيُوتَنَا َ
ول تمنع مَنْ أرادها بسوء .يقال :بيت عورة إذا كان غير مُحْرز ،أو غير محكم ضد مَنْ يطرقه
يريد به الشر ،كأن يكون منخفضا أو مُتهدّم الجدران يسهل تسلّقه ،أو أبوابه غير محكمة..إلخ.
كما نقول في العامية (مَنَطّ) ،لكن الحق سبحانه يثبت كذبهم ،ويبطل حجتهم ،فيقول { َومَا ِهيَ
ِب َعوْ َرةٍ } [الحزاب ]13 :إنما العلة في ذلك { إِن يُرِيدُونَ ِإلّ فِرَارا } [الحزاب ]13 :أي :من
المعركة إشفاقا من نتائجها ومخاف َة القتل.
ثم يقول سبحانه { :وََلوْ ُدخَِلتْ عَلَ ْيهِمْ.} ...
()3471 /
وََلوْ دُخَِلتْ عَلَ ْيهِمْ مِنْ َأقْطَارِهَا ثُمّ سُ ِئلُوا ا ْلفِتْنَةَ لَآَ َتوْهَا َومَا َتلَبّثُوا ِبهَا إِلّا يَسِيرًا ()14
{ دُخَِلتْ عَلَ ْيهِمْ } [الحزاب ]14 :أي :البيوت { :مِنْ َأقْطَا ِرهَا } [الحزاب ]14 :من نواحيها { ثُمّ
سُئِلُواْ ا ْلفِتْنَةَ } [الحزاب ]14 :أي :طُلب منهم الكفر { لتَوْهَا } [الحزاب ]14 :يعني :لكفروا.
{ َومَا تَلَبّثُواْ ِبهَآ ِإلّ يَسِيرا } [الحزاب ]14 :يعني :ما يجعل ال لهم لُبْثا وإقامة إل يسيرا ،ثم ينتقم
ال منهم.
()3472 /
{ عَاهَدُواْ اللّهَ[ } ..الحزاب ]15 :أخذ ال عليهم العهد وقَبلوه ،وهو ما حدث في بيعة العقبة حين
عاهدوا رسول ال على الّنصْرة والمؤازرة .أو :يكون الكلم لقوم فاتتهم بدر وفاتتْهم ُأحُد ،فقالواك
وال لئن وقفنا في حرب أخرى لنبلونّ فيها بلءً حسنا.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عهْد ال هو الشيء الذي تعاهد ال عليه ،وأول عهد لك مع ال تعالى هو اليمان به ،وما ُد ْمتَ
وَ
خلّ بأمر من أموره ،لن الختلل
قد آمنتَ بال فانظر إلى ما طلبه منك وما كلّفك به ،وإياك أنْ ُت ِ
ن تنقض ما أكّدته من اليْمان،
في أي أمر تكليفي من ال ُيعَد نقصا في إيمانك بال ،فل يليق بك أ ْ
ن وفّ ْيتَ بها ُوفّي لك بها أيضا ،فل تأخذ المر من جانبك وحدك،
بل يلزمك أن توفي به؛ لنك إ ْ
ولكن انظر إلى المقابل.
واعلم أن ال مُطلع عليك ،يعلم خفايا الضمائر وما ُتكِنّه الصدور ،فاحذر حينما تعطي العهد أنْ
تعطيه وأنت تنوي أنْ تخالفه ،إياك أنْ تعطي العهد خداعا ،فربك -سبحانه وتعالى -يعلم ما
تفعل.
()3473 /
قوله تعالى لنبيه صلى ال عليه وسلم { قُل } [الحزاب ]16 :أي :لهؤلء الذين يريدون الفرار من
المعركة { لّن يَن َفعَكُمُ ا ْلفِرَارُ إِن فَرَرْتُمْ مّنَ ا ْل َم ْوتِ َأوِ ا ْلقَتْلِ } [الحزاب ]16 :والقرآن هنا يحتاط
لمسألة إزهاق الروح ،وسبق أن تحدثنا عن الفرق بين الموت والقتل؛ لذلك يقول تعالى عن نبيه
عقَابِكُمْ} ...
سلُ أَفإِنْ مّاتَ َأوْ قُ ِتلَ ا ْنقَلَبْتُمْ عَلَىا أَ ْ
حمّدٌ ِإلّ رَسُولٌ قَدْ خََلتْ مِن قَبْلِهِ الرّ ُ
محمدَ {:ومَا ُم َ
[آل عمران]144 :
فالموت ل يقدر عليه إل واهب الحياة سبحانه ،ويكون بنقض الروح أولً بأمر خالقها ،ثم يتبعه
ل بنقض البنية الذي يترتب عليه إزهاق الروح؛
َنقْض البنية ،أما القتل فيقدر عليه الخَلْق ،ويتم أو ً
ت المواصفات المطلوبة لبقاء الروح.
لن البنية لم َتعُدْ صالحة لستمرار الروح فيها ،بعد أنْ فقد ْ
والفرار لن يُجدِي في هذه المسألة؛ لن لها أجلً محددا ،سواء أكان بال واهب الحياة ،أو كان
بفعل واحد من الخَلْق عصى أمر ال ،فهدم البنية التي بناها ال ،وما جدوى الفرار من المعركة،
وقد رأينا مَنْ شهد المعارك كلها ،ثم يموت على فراشه ،كخالد بن الوليد الذي يقول :لقد شهدتُ
مائة َزحْف أو زهاءها ،وما في جسدي شبر إل وفيه ضربة بسيف ،أو طعنة ب ُرمْح ،وها أنذا
أموت على فراشي كما يموت البعير ،فل نامتْ أعين الجبناء.
ثم يناقشهم القرآن :هَبُوا أنكم فررتُم من الموت أو القتل ،أتدوم لكم هذه السلمة؟ أتخلدون في هذه
الحياة؟ { وَإِذا لّ ُتمَ ّتعُونَ ِإلّ قَلِيلً } [الحزاب ]16 :وسرعان ما تنتهي الحياة ،وتواجهون الموت
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الذي ل َمفَرّ منه ،وكلنا ذاهب إلى هذا المصير.
ص ُمكُمْ.} ...
ثم يقول الحق سبحانهُ { :قلْ مَن ذَا الّذِي َي ْع ِ
()3474 /
المعنى :قل لهم يا محمد مَن الذي { َي ْعصِ ُمكُمْ[ } ..الحزاب ]17 :أي :يمنعكم { مّنَ اللّهِ إِنْ أَرَادَ
حمَةً[ } ..الحزاب ]17 :كما قال في موضع آخر {:لَ عَاصِمَ الْ َيوْمَ مِنْ
ِبكُمْ سُوءا َأوْ أَرَادَ ِب ُكمْ رَ ْ
َأمْرِ اللّهِ ِإلّ مَن رّحِمَ[} ...هود]43 :
فإذا أراد ال بقوم سوءا فل عاصمَ لهم؛ لنه ل يمتنع أحد مع ال؛ لنه ل يوجد معه سبحانه إله
آخر يدفع السوء عن هؤلء.
حمَةً[ ]..الحزاب ]17 :فكيف
والشكال الذي يحتاج إلى توضيح هنا قوله تعالىَ { :أوْ أَرَادَ ِبكُمْ رَ ْ
تكون العصمة من الرحمة؟ قالوا :يعصم هنا بمعنى يمنع ،والمعنى :ل يمنع أحد من أعدائكم
رحمة ال إنْ أراد ال بكم رحمة.
ت على صورة الخبر ،فلم َي ُقلْ القرآن
ونلحظ على سياق الية أنها جاءت بأسلوب الستفهام ،ولم ت ْأ ِ
لمحمد صلى ال عليه وسلم :قل يا محمد ،ل يُعصَم أحد من ال إنْ أرادكم بسوء ،لن الجملة
الخبرية محتملة للصدق وللكذب ،إنما شاء ال أن يجعلها جملة إنشائية استفهامية؛ ليقرروا هم
بأنفسهم هذه الحقيقة ،كأنه تعالى يقول لهم :لقد ارتضيتُ حكمكم أنتم ،ولو لم يكُنْ الحق سبحانه
واثقا من أن الجواب لن يأتي إل :ل أحدَ َلمَا جاء بالسلوب في صورة استفهام ،إذن :فالستفهام
هنا آكد في تقرير صِدْق هذه الجملة.
كذلك أنت تلجأ إلى هذا السلوب في الردّ على مَنْ ينكر جميلك ،فتقول :ألم ُأحْسِن إليك يوم كذا
وكذا؟ فل يملك عندها إل القرار.
ثم يقول سبحانهَ { :ولَ يَجِدُونَ َل ُهمْ مّن دُونِ اللّ ِه وَلِيّا وَلَ َنصِيرا } [الحزاب ]17 :الولي :هو
القريب منك ،وأنت ل تُقرّب منك إل مَنْ ترجو نفعه ،هو الذي يليك أو يُواليك ،فحبّه يسبق
الحدث ،فإذا ما جاء الحدث حمله حبّه لك على أنْ يدافع عنك.
والنصير :قريب من معنى الولي ،ويدافع أيضا عنك ،لكن يأتي دفاعه بعد الحدث ،وقد يكون ممّنْ
ل قرابةَ بينك وبينهم.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
والمعنى :حين يريد ال أحدا بسوء فلن يجد أحدا يمنعه من ال ،ل الولّي ول النصير.
ثم يقول الحق سبحانهَ { :قدْ َيعْلَمُ اللّهُ ا ْل ُم َع ّوقِينَ.} ...
()3475 /
خوَا ِنهِمْ هَلُمّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلّا قَلِيلًا ()18
قَدْ َيعَْلمُ اللّهُ ا ْل ُمعَ ّوقِينَ مِ ْنكُ ْم وَا ْلقَائِلِينَ لِإِ ْ
قد :حرف يفيد التحقيق ،خاصة إذا جاءتْ من الحق سبحانه ،ويأتي معها الفعل في صيغة
الماضي ،لكن هنا { َقدْ َيعْلَمُ[ } ...الحزاب ]18 :فجاء الفعل بصيغة المضارع ،وهذا يعني أن
الحدث الذي يقع الن سيثبت أن ال يعلم المُعوّقين ،وقد علم أزلً.
فإنْ قُ ْلتَ :فالحق سبحانه يعلم قبل أنْ يكون هناك تعويق ،نقول :فَرْق بين أنْ يعلم المر قبل أنْ
يقع ،وأنْ يعلمه إذ يقع ،فقد يقول قائل :علمتُ وسوف تجازيني على ما تعلم سابقا ،لكن لو تركتني
في المستقبل لن تحدث مني مخالفة .إذن :فالحق سبحانه يريد أن يؤكد هذا المر .والمعوّق :هو
الذي يضع العوائق أمام مرادك ،ويُثبّط ِهمّتك ويُخذّلك.
وقوله { :هَُلمّ إِلَيْنَا[ } ..الحزاب ]18 :يعني :أقبل وتعال .وكلمة (هلم) تأتي هكذا بصيغة المفرد
شهَدَآ َءكُمُ الّذِينَ
دائما مع المفرد والمثنى والجمع ،ومع المذكر والمؤنث ،ومنه قوله تعالىُ {:قلْ هَُلمّ ُ
شهَدُونَ أَنّ اللّهَ حَرّمَ هَـاذَا[} ...النعام ]150 :أي :هاتوا ،وهذه هي اللغة الفصيحة.
يَ ْ
وفي لغة من لغات تهامة يُلحقون بها علمة التثنية والجمع ،والتذكير والتأنيث ،فيقولون :هلم
وهلمي وهلما وهلموا ،ولجمع الناث هَُلمْنَ.
وقوله تعالى :قوله { َولَ يَأْتُونَ الْبَأْسَ ِإلّ قَلِيلً } [الحزاب ]18 :البأس أي :الحرب ،كما جاء في
س ُكمْ[} ...النبياء]80 :
حصِ َنكُمْ مّن بَأْ ِ
قوله تعالى {:وَعَّلمْنَاهُ صَ ْنعَةَ لَبُوسٍ ّلكُمْ لِ ُت ْ
وقال سبحانه {:وَالصّابِرِينَ فِي الْبَ ْأسَآ ِء والضّرّا ِء َوحِينَ الْبَأْسِ[} ...البقرة ]177 :ففَرْق بين البأس
والبأساء :البأس أي :الحرب .أما البأساء ،فكل ما يصيب النسان من مكروه في غير ذاته كفَقْد
ولد ،أو خسارة مال..إلخ ،أما الضراء فما يصيب النسان في ذاته ،كمرض أو نحوه.
سكُمْ} ...
حصِ َنكُمْ مّن بَ ْأ ِ
ومن ذلك قول ال تعالى عن سيدنا داود {:وَعَّلمْنَا ُه صَ ْنعَةَ لَبُوسٍ ّلكُمْ لِتُ ْ
[النبياء]80 :
ن المقَاتِل فيه ،وعلى أجهزته الحيوية
والمراد :صناعة الدروع التي يلبسها النسان على مظا ّ
كالصدر والقلب والرأس ،ولها غطاء خاص (الخوذة) ،وتُصنع الدروع مُسنّنة .أي :بها تموّج
وتجاويف ،بحيث تتلقى ضربات السيف بإحكام ،فل تنفلت الضربة إلى مكان آخر فتؤذيه.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لذلك يقول تعالى لنبيه داود عن هذه الصنعة{ َوقَدّرْ فِي السّ ْردِ[} ...سبأ ]11 :أي :في إحكام هذه
الحلقات المتداخلة.
وفَرْق أيضا هنا بين لَبُوس ولباس :اللباس هو ما يقي النسان تقلبات الجو ،ويستر عورته أثناء
المن وسلم الحياة ،وهذه هي الملبس العادية التي يرتديها الناس.
ج َعلَ َل ُكمْ
ج َعلَ َلكُمْ مّنَ ا ْلجِبَالِ َأكْنَانا وَ َ
للً وَ َ
ج َعلَ َلكُمْ ّممّا خَلَقَ ظِ َ
وفيها يقول الحق سبحانه {:وَاللّهُ َ
سكُمْ َكذَِلكَ يُتِمّ ِن ْعمَتَهُ عَلَ ْي ُكمْ َلعَّلكُمْ ُتسِْلمُونَ }[النحل]81 :
سَرَابِيلَ َتقِيكُمُ ا ْلحَ ّر وَسَرَابِيلَ َتقِيكُم بَأْ َ
أما كلمة (لَبُوس) فهي المُعدّة لحالة الحرب كالدروع ونحوها؛ لذلك جاءت بصيغة دالة على
التضخيم (لَبُوس).
وهذه الية تلفتنا إلى مظهر من مظاهر الدقة في الداء القرآني المعجز ،فالية هنا ذكرت (الحَرّ)،
ولم تذكر شيئا عن المقابل له ،وهو البرد ،والعلماء عادةً ما يلجئون إلى تقدير هذا المحذوف عند
ن يكملوا أسلوب القرآن ،وهذا ل يجوز.
تفسير الية ،فيقولون :أي تقيكم الحر والبرد ،يريدون أ ْ
وحين نمعن النظر في هذه الية ،نجد أن ال تعالى خلق الظلل لتقينا حرارة الشمس ،وجعل
اللباس ،وكذلك جعل لنا الكنان في الجبال ،وال خلق الحرّ على هذه الصورة التي ل يتحملها
النسان؛ لن للحر مهمة في حياتنا ،فحرارة الشمس تخدمك في أمور كثيرة ،وإنْ كانت تضايقك
حمَاك بالظل واللباس والكنان من
بعض الوقت ،فالحق سبحانه أبقاها لتؤدي مهمةَ خير لك ،ثم َ
شّرها.
فإنْ قُ ْلتَ :فهذه الشياء تقيني أيضا البرد ،نقول :إياك أنْ تظن أن الدفء يأتيك من غطاء ثقيل أو
ملبس شتوية ،إنما الدفء من ذاتك أنت ،فأنت تدفئ (البطانية) والفراش الذي تنام عليه ،بدليل
أنك ساعة تأتي فراشك لتنام تجده باردا ،ثم بعد مرور ساعات الليل تجده في الصباح دافئا.
إذن :فحرارتك الذاتية انتقَلتْ إلى الغطاء فأدفأَته ،وكل ما يؤديه الغطاء أنه يحفظ حرارة جسمك
بداخله ،فل تتبدد في الهواء المحيط بك.
لذلك ،لما درس العلماء مسألة حرارة جسم النسان وجدوا فيها مظهرا من مظاهر قدرة ال،
فالنسان تُشع منه حرارة تكفي في أربع وعشرين ساعة ِلغَلْي سبعة عشر لترا من الماء ،ومعدل
هذه الحرارة في الجسم ْ 37ثابتة في قيظ الحر وبرد الشتاء ،مما يدل على أن لجسمك ذاتية
منفصلة تماما عن الجو المحيط بك.
ومن عجائب خَلْق النسان أن هذه الحرارة تتفاوت من عضو إلى عضو آخر ،والجسم واحد،
فأعضاء حرارتها ما بين 7درجه 9 -درجه كالنف والذن والعين ،ولو زادتْ حرارة العين عن
هذا المعدل تنفجر ،أما الكبد فحرارته 40درجه..إلخ ،ومعلوم أن الحرارة تُحدِث استطراقا في
الجسم الواحد ،وفي المكان الواحد.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ومن عجائب خَلْق النسان في هذه المسألة العَرَق الذي يتصبب منك في حالة تعرضك للحرارة
الشديدة ،فيخرج العرق من مسامّ الجسم ،ليُلطف من درجة حرارته ،ويُحدِث عملية تبريد ،كالتي
ل في موتور السيارة ،حتى عندنا في الفلحين تجد الفلح من كثرة عمله في الرض
نراها مث ً
وكثرة عرقه تتكون على جسمه طبقة مثل الجير ،وهذه أملح تخرج مع العرق؛ لذلك يكثر في
هؤلء الفلحين أكل (المش) و (المخللت) لتعويض نسبة الملح المفقودة مع العرق ،إذن:
فالحق سبحانه لم يقل (والبرد) ،لن الدفء كما رأينا ذاتي.
وقوله تعالى } :وَلَ يَأْتُونَ الْبَأْسَ ِإلّ قَلِيلً { [الحزاب ]18 :وهذه القلة مستثناه :إما من التيان ،أو
أنهم يأتون البأس ،لكن قلة منهم يُقاتلون بهمة ونشاط ،والباقون أتوْا ذَرّا للرماد في العيون -كما
يقولون ولئل يُتهموا بالتخلف عن رسول ال.
ثم يقول الحق سبحانه } :أَشِحّةً عَلَ ْيكُمْ فَِإذَا.{ ...
()3476 /
خ ْوفُ رَأَيْ َت ُهمْ يَنْظُرُونَ إِلَ ْيكَ َتدُورُ أَعْيُ ُنهُمْ كَالّذِي ُي ْغشَى عَلَ ْيهِ مِنَ ا ْل َم ْوتِ فَِإذَا
شحّةً عَلَ ْيكُمْ فَإِذَا جَاءَ ا ْل َ
أَ ِ
عمَاَلهُ ْم َوكَانَ ذَِلكَ
شحّةً عَلَى ا ْلخَيْرِ أُولَ ِئكَ لَمْ ُي ْؤمِنُوا فَأَحْ َبطَ اللّهُ أَ ْ
خ ْوفُ سََلقُوكُمْ بِأَ ْلسِنَةٍ حِدَادٍ أَ ِ
ذَ َهبَ ا ْل َ
عَلَى اللّهِ َيسِيرًا ()19
علَ ْيكُمْ[ } ..الحزاب ]19 :الشح في معناه العام هو البخل ،لكن الشحيح الذي
شحّةً َ
قوله تعالى { :أَ ِ
يبخل على الغير ،وقد يكون كريما على نفسه وعلى أهله ،أما البخيل فهو الذي يبخل حتى على
نفسه؛ لذلك قال تعالى { :أَشِحّةً عَلَ ْيكُمْ[ } ..الحزاب ]19 :ليس على أنفسهم.
وأنت حين تتأمل الصفات المذمومة في الكون تجدها ضرورية لحقائق تكوين الكون ،وتجد لها
ن الشحّاءَ أسْخَى الناسِ قَاطِب ًة لنّهم مَلكُوا الدّنيا
مهمة؛ لذلك َفطِن الشاعر إلى هذه المسألة ،فقال:إ ّ
طوْا هُموا كُل الذِي ج َمعُواوآخر يرى
َومَا انت َفعُوالم َيحْ ِرمُوا الناسَ من َب ْعضِ الذي مَلكُوا إلّ لِ ُيعْ َ
خفّتِهِ علَى َنفْسِينعم ،البخيل خفيف على
للبخيل فضلً عليه ،فيقول:جُزِى البخيلُ عليّ صالحةً مِنّّى ل ِ
النفس؛ لنه لم َيجُدْ عليك بشيء يأسرك به ،ولم يستعبدك في يوم من اليام بالحسان إليك ،فهو
خفيف على نفسك؛ لنك لستَ مدينا له بشيء.
حسَانُفالبخل
ن إلىَ النّاسِ تَسْتعبدِ قُلُو َبهُم وطَالَما اسْتعبَد النْسانَ إ ْ
وهذا على حَ ّد قول الشاعرَ:أحْسِ ْ
وإنْ كان مذموما ،فقد ركزه ال في بعض الطباع ليعين التضاد ،ومعنى " يعين التضاد " أن البخل
مقابله الكرم ،والبخيل يعاون الكريم على أداء مهمته ،فالكريم عادة (إيده سايبه) ،ينفق هنا وهناك
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حتى ينفد ما معه ،ومن أهل الكرم مَنْ يلجأ إلى أنْ يبيع أرضه أو بيته في سبيل كرمه ،فمَنْ
يشتري منه إذن إذا لم يكُنْ هناك مَنْ يكنز المال ويبخل به؟
إذن :لو نظرتَ إلى كل شيء في الوجود تجد له مهمة ،حتى إنْ كان مذموما ،ثم إن البخيل كثيرا
ما يكون ظريفا ل يخلو مجلسه من ظُرْفه ،فقد كنا في بواكير شبابنا نشرب السجائر ،فكان الواحد
منا يُخرج علبة السجائر يوزعها على الحاضرين ،وربما ل تكفي واحدة فأخرج الخرى ،وكان
في مجلسنا واحد من هؤلء ،فنظر إليّ في غَيْظ وقال (يا قلبك يا أخي).
وقد كانت هذه السجائر سببا في أننا جُرْنا على شبابنا ،فكان لها أثر بالغ علينا في الكِبَر ،فليحْمِ
الشباب شبابهم ول يدمروه بمثل هذه الخبائث المحرمة.
خ ْوفُ رَأَيْ َتهُمْ يَنظُرُونَ إِلَ ْيكَ تَدُورُ أَعْيُ ُنهُمْ[ } ..الحزاب ]19 :أي:
ثم يقول سبحانه { :فَإِذَا جَآءَ الْ َ
في ساعة الفزع ،يأخذ الفزع أبصارهم ،فينظرون هنا وهناك ،ل تستقر أبصارهم ،ول تسكن إلى
شيء ،زاغتْ أبصارهم { كَالّذِي ُيغْشَىا عَلَيْهِ مِنَ ا ْل َم ْوتِ[ } ..الحزاب]19 :
ومن ذلك الخبر " :إنكم لتكثرون عند الفزع ،وتَقلّون عند الطمع ".
سَلقُوكُمْ بِأَ ْلسِنَةٍ حِدَادٍ[ } ..الحزاب]19 :
خوْفُ َ
كان هذا حالهم عند الخوف والفزع { فَإِذَا ذَ َهبَ ا ْل َ
معنى { سََلقُوكُمْ[ } ..الحزاب ]19 :آلموكم وآذوكم بألسنتهم ،وقالوا لكم :أعطونا حقنا ،فقد حاربنا
معكم ،ولول نحن ما انتصرتُمْ على عدوكم ،إلى غير ذلك من التطاول بالقول واليذاء والتأنيب.
وهذا كله من معاني (السلق) ومنه :سلق اللحم ونحوه ،وهو أنْ يغلي في الماء دون أنْ تضيف إليه
شيئا ،ومثله السلخ ،فكلها معانٍ تلتقي في اليلم.
وعادةً ما تجد في اللغة إذا اشترك اللفظان في حرفين ،واختلفا في الثالث تجد أن لهما معنى عاما
يجمعهما كما في سلق وسلخ ،وفي :قطف ،وقطر ،وقطم .وكلها تلتقي في النفصال.
حدَادٍ[ { ..الحزاب ]19 :حداد يعني :حادة فصيحة بملء الفم ،كما في قوله
وقوله تعالى } :بِأَلْسِنَةٍ ِ
حدِيدٌ }[ق]22 :
تعالى {:فَ َبصَ ُركَ الْ َيوْمَ َ
شحّةً عَلَ ْيكُمْ[ { ..الحزاب ]19 :أكدّ
ومعنى } َأشِحّةً عَلَى الْخَيْرِ[ { ..الحزاب ]19 :بعد أنْ قال } أَ ِ
هذا المعنى بقوله } أَشِحّةً عَلَى الْخَيْرِ[ { ..الحزاب ]19 :أي :في عمومه.
} أوْلَـا ِئكَ لَمْ ُي ْؤمِنُواْ[ { ..الحزاب ]19 :لنهم لو آمنوا لَعلموا أن الشحّ ،شُحّ عليهم هم ،وليس في
صالحهم؛ لن الكريم يستزيد من ال العطاء ،أما الشحيح فليس له زيادة؛ لذلك يقول تعالى {:هَاأَن ُتمْ
خلُ عَن ّنفْسِهِ[} ...محمد:
خلْ فَإِ ّنمَا يَبْ َ
ل َومَن يَبْ َ
خُعوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ َفمِنكُم مّن يَبْ َ
هَـا ُؤلَءِ تُدْ َ
]38
وربك حين يراك تنفق مما أعطاك يزيدك؛ لنك مؤتمن على الرزق؛ لذلك يقول أحد الصالحين:
اللهم إنك عوّدتني خيرا ،وعوّ ْدتُ خلقك خيرا ،فل تقطع ما عوّدتني حتى ل أقطع عن الناس ما
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عوّدتهم .إذن :فالعطاء استدرار لنعمة ال ،وسبب للمزيد منها.
و َهبْ أن لك عدة أولد ،أعطيتَ لواحد منهم جنيها مثلً ،فذهب واشترى به حلوى ،ثم وزّعها
على إخوته ،ولم يُؤثِر نفسه عليهم ،ل بُدّ أنك ستأتمنه ،وتعطيه المزيد؛ لن الخير في يده يفيض
على الخرين.
عمَاَلهُ ْم َوكَانَ ذَِلكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرا { [الحزاب ]19 :أي :أنهم
ونتيجة عدم اليمان } فَأَحْ َبطَ اللّهُ أَ ْ
عملوا ،لكن أعمالهم ل رصيدَ لها من إيمان؛ لذلك أحبطها ال أي :جعلها غير ذات جدوى ول
عمَاُلهُمْ
فائدةَ تعود عليهم .وهذه القضية أوضحها القرآن في قوله تعالى {:مّ َثلُ الّذِينَ َكفَرُواْ بِرَ ّبهِمْ أَ ْ
شيْءٍ ذاِلكَ ُهوَ الضّلَلُ الْ َبعِيدُ
ف لّ َيقْدِرُونَ ِممّا كَسَبُواْ عَلَىا َ
ص ٍ
كَ َرمَادٍ اشْ َت ّدتْ بِهِ الرّيحُ فِي َيوْمٍ عَا ِ
}[إبراهيم]18 :
ق ال تعالى نقول :هذا صعب ،وهذا يسير؟
وهذا الحباط أمر يسير على ال تعالى ،لكن أفي حَ ّ
قالوا :كلّ أمر ال يسير؛ لنه تعالى ل يفعل بمعالجة الشيء إنما يفعل سبحانه بكن ،وسبق أن مثلنا
لمعالجة الفعال بمَنْ يريد أنْ ينقل مثلً عشرة أرادبّ من القمح ،فإنه ل يستطيع إل أنْ يحملها
مُجزّأة ،فينقل (الجُوال) من هنا إلى هناك ،ثم الخر ،إلى أنْ ينتهي من الكمية كلها ،ويأخذ في هذا
العمل وقتا يتناسب مع قوته.
فلما تقدّم العلم ،وتطوّر الفكر النساني رأينا اللة التي تحمل كل هذه الكمية وتنقلها في حركة
واحدة ،وبمجرد الضغط على مجموعة من الزرار والمفاتيح ،فإذا كان العبد المخلوق ل عز
وجل قد استطاع أنْ يصل إلى هذا التيسير ،فما بالك بالخالق عز وجل؟
لذلك يقول تعالى:
{ إِ ّنمَآ َأمْ ُرهُ ِإذَآ أَرَادَ شَيْئا أَن َيقُولَ لَهُ كُن فَ َيكُونُ }[يس ]82 :ول تتعجب من هذه المسألة؛ لن ربك
أعطاك في ذاتك شيئا منها ،لماذا تستبعد ِفعْل ال تعالى بكُنْ ،وأنت ترى جوارحك تنفعل لمجرد
إرادتك للفعل ،مجرد رغبتك في القيام ترى نفسك قد ُق ْمتَ ،دون حتى أن تأمر جوارحك
وعضلتك بالقيام.
ن قلتَ :فلماذا ل يأمر النسان جوارحه وأعضاءه بما يريد؟ نقول :لنك ل تملك أنْ تأمرها،
فإ ْ
فهي تنقاد لك ولمرادك بأمر ال ،فالشياء كلها إنما تأتمر بأمر الخالق سبحانه ،ول تتخلف عن
حقّتْ }[النشقاق]2 :
أمره أبدا ،ألم تقرأ عن السماء{ وَأَذِ َنتْ لِرَ ّبهَا َو ُ
فالسماء مع عِظَم خَلْقها تسمع وتطيع أمر خالقها؛ أما أنت أيها العبد ،فأيّ شيء تأمر ،وأنت ل
تعرف أصلً ما تأمره؟ وهل تعرف أنت العضلت والعضاء والعصاب التي تشترك بداخلك
لداء عملية القيام؟ لذلك ولعدم علمك بما تأمره جعل ال أعضاءك وجوارحك تنفعل لمجرد
إرادتك.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أما هو سبحانه فيقول (كُنْ) لنه خالق كل شيء ،وكل شيء مؤتمر بأمره ،وقال سبحانه (كُنْ)
حتى ل تقولها أنت ،فكأنها سبقتْ منه سبحانه لصالحك أنت ،وأنت تفعل من باطن كُنْ الولى التي
عتْ علينا جميعا.
توزّ َ
()3477 /
حسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَ ْأتِ الَْأحْزَابُ َيوَدّوا َلوْ أَ ّنهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ
يَ ْ
أَنْبَا ِئكُ ْم وََلوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلّا قَلِيلًا ()20
القرآن الكريم يحكي هذا الموقف عن المنافقين ،ويكشف نواياهم السيئة ،فبعد أنْ تجمّع الحزاب
لحْزَابَ لَمْ
حسَبُونَ ا َ
وخرجوا لمحاربة النبي صلى ال عليه وسلم ما يزال هؤلء المنافقون { يَ ْ
يَذْهَبُواْ[ } ....الحزاب ]20 :فهذا التجمّع يخيفهم ويروعهم؛ لذلك لم يُصدّقوه ،فقد رأوا النبي
صلى ال عليه وسلم ينتصر على أعدائه متفرقين ،وهذه هي المرة الولى التي يجتمع فيها أعداء
السلم على اختلفهم.
حدَثا يُذكر
ن يصنعوا َ
إذن :استبعد المنافقون تجمّع الحزاب هذا التجمع ،وبعد ذلك ينفضون دون أ ْ
في التاريخ.
والحُسْبان :ظن ،أي :ليس حقيقة.
ت الَحْزَابُ َيوَدّواْ َلوْ أَ ّنهُمْ بَادُونَ فِي الَعْرَابِ[ } ...الحزاب ]20 :أي :إنْ يتجمع
{ وَإِن يَ ْأ ِ
الحزاب يو ّد المنافقون لو أنهم بادون أي :مقيمون في البادية بعيدا عن المدينة؛ لنهم يخافون من
مطلق التجمع ،ولنهم إنْ َبقَوْا في المدينة إما أنْ يحاربوا الحزاب وهم غير واثقين من النصر،
وإما ألّ يحاربوا فيصيرون أعداءً للمسلمين.
فهم يريدون -إذن -أنْ يعيشوا في النفاق ،وألّ يخرجوا منه؛ لذلك يودون عيشة البادية مع
العراب ،ومن بعيد { يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَآ ِئ ُكمْ[ } ...الحزاب ]20 :أي :ما حدث لكم في هذه
المواجهة.
ثم يقرر القرآن هذه الحقيقة { :وََلوْ كَانُواْ فِيكُمْ مّا قَاتَلُواْ ِإلّ قَلِيلً } [الحزاب ]20 :أي :درْءا
للشبهات ،وذَرّا للرماد في العيون ،إذن :ل ت ْأسَ عليهم ،ول تحزن لتخلّفهم.
()3478 /
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حسَنَةٌ ِلمَنْ كَانَ يَ ْرجُو اللّ َه وَالْ َيوْمَ الْآَخِ َر وَ َذكَرَ اللّهَ كَثِيرًا ()21
س َوةٌ َ
َلقَدْ كَانَ َلكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُ ْ
أسوة :قدوة ونموذج سلوكي ،والرسول صلى ال عليه وسلم مُبلّغ عن ال منهجه لصيانة حركة
النسان في الحياة ،وهو أيضا صلى ال عليه وسلم أُسْوة سلوك ،فما أيسر أنْ يعظ النسانُ ،وأنْ
ن يعمل على َوفْق منطوق كلمه ومراده ،وكذلك كان سيدنا رسول ال مُبلّغا وأسوة
يتكلّم ،المهم أ ْ
سلوكية؛ لذلك قالت عنه السيدة عائشة رضي ال عنها " :كان خلقه القرآن ".
لكن ،ما السوة الحسنة التي قدّمها رسول ال في مسألة الحزاب؟ لمّا تجمّع الحزاب كان من
دعائه صلى ال عليه وسلم " :اللهم مُنزلَ الكتاب ،سريعَ الحساب ،اهزم الحزاب ،اللهم اهزمهم
وزلزلهم ".
وجعل شعاره اليماني فيما بعد " ل إله إل ال وحده ،صدق وعده ،ونصر عبده ،وأعزّ جنده،
وهزم الحزاب وحده " وما دام هذه شعار المصطفى صلى ال عليه وسلم ،فهو لكم ُأسْوة.
وقال تعالى عن المؤمنين في هذه الغزوة {:وَزُلْزِلُواْ حَتّىا َيقُولَ الرّسُولُ وَالّذِينَ آمَنُواْ َمعَهُ مَتَىا
َنصْرُ اللّهِ[} ...البقرة]214 :
وفي بدر يقول أبو بكر :يا رسول ال ،بعض مناشدتك ربك ،فإن ال منجز لك ما وعدك.
ن يقول :إذا كان ال تعالى قد وعد نبيه بالنصر ،فَلِم اللحاح في الدعاء؟ نقول :ما كان
ولقائل أ ْ
سيدنا رسول ال يُلح في الدعاء من أجل النصر؛ لنه وَعْد مُحقّق من ال تعالى.
ش ْوكَةِ َتكُونُ َلكُمْ
حدَى الطّا ِئفَتِيْنِ أَ ّنهَا َلكُ ْم وَ َتوَدّونَ أَنّ غَيْرَ ذَاتِ ال ّ
واقرأ قوله تعالى {:وَإِذْ َيعِ ُد ُكمُ اللّهُ إِ ْ
طعَ دَابِرَ ا ْلكَافِرِينَ }[النفال]7 :
حقّ الحَقّ ِبكَِلمَا ِت ِه وَيَقْ َ
وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُ ِ
فالرسول ل يريد النتصار على العِير ،وعلى تجارة قريش ،إنما يريد النفير الذي خرج للحرب.
وقوله تعالى { :فِي َرسُولِ اللّهِ[ } ..الحزاب ]21 :كأن الُسْوة الحسنة مكانها كل رسول ال ،فهو
صلى ال عليه وسلم ظرف للُسْوة الحسنة في كل عضو فيه صلى ال عليه وسلم ،ففي لسانه
أُسْوة حسنة ،وفي عينه أُسْوة حسنة ،وفي يده ُأسْوة حسنة..إلخ ،كله صلى ال عليه وسلم أُسْوة
حسنة.
هذه الُسْوة لمَنْ؟ { ّلمَن كَانَ يَرْجُو اللّ َه وَالْ َيوْمَ الخِ َر وَ َذكَرَ اللّهَ كَثِيرا } [الحزاب]21 :
وصف ذكر ال بالكثرة؛ لن التكاليف اليمانية تتطلب من النفس استعدادا وتهيؤا لها ،وتؤدي إلى
مشقة ،أما ِذكْر ال فكما قُلْنا ل يكلفك شيئا ،ول يشق عليك؛ لذلك قال تعالى {:وَلَ ِذكْرُ اللّهِ
َأكْبَرُ[} ...العنكبوت]45 :
يعني :أكبر من أيّ طاعة أخرى؛ لنه يسير على لسانك ،تستطيعه في كل عمل من أعمالك ،وفي
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لةُ فَانتَشِرُواْ فِي الَ ْرضِ
كل وقت ،وفي أيّ مكان ،ولذلك قُلْنا في آية الجمعة {:فَإِذَا ُقضِيَتِ الصّ َ
ضلِ اللّ ِه وَا ْذكُرُواْ اللّهَ كَثِيرا[} ...الجمعة]10 :
وَابْ َتغُواْ مِن َف ْ
()3479 /
وََلمّا َرأَى ا ْل ُم ْؤمِنُونَ الَْأحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللّ ُه وَرَسُولُهُ وَصَ َدقَ اللّ ُه وَرَسُولُ ُه َومَا زَادَ ُهمْ إِلّا
إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ()22
أي :لما رأى المؤمنون الحزاب منصرفين مهزومين { قَالُواْ هَـاذَا مَا وَعَدَنَا اللّهُ وَرَسُولُ ُه َوصَدَقَ
اللّ ُه وَرَسُوُل ُه َومَا زَادَ ُهمْ[ } ..الحزاب ]22 :أي :هذا النصر ،وهذا الوعد الذي تحقق ما زادهم
{ ِإلّ إِيمَانا وَتَسْلِيما } [الحزاب]22 :
وهذه المسألة دليل من أدلة أن اليمان يزيد وينقص ،فاليمان يزيد بزيادة الجزئيات التي تُعليه،
صدْق الحق في كلّ
فبعد اليمان بالحق -سبحانه وتعالى -هناك إيمان بالجزئيات التي تثبت ِ
تصرف.
وتسليما :أي ل في كلّ ما يُجريه على العباد.
()3480 /
ل صَ َدقُوا مَا عَاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ َفمِ ْنهُمْ مَنْ َقضَى َنحْبَ ُه َومِ ْنهُمْ مَنْ يَنْ َتظِ ُر َومَا َبدّلُوا
مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ ِرجَا ٌ
تَبْدِيلًا ()23
نزلت هذه الية في جماعة من المؤمنين صادقي اليمان ،إل أنهم لم يشهدوا بدرا ول أُحُدا،
ولكنهم عاهدوا ال إنْ جاءت معركة أخرى لَيُبَادِرُونّ إليها ،ويبلُون فيها بلءً حسنا.
وورد أنها نزلت في أنس بن النضر ،فقد عاهد ال لما فاتته بدر لو جاءت مع المشركين حرب
أخرى لَيبلونّ فيها بلء حسنا ،وفعلً لما جاءت أُحُد أبلى فيها بلءً حسنا حتى استشهد فيها،
فوجدوا جسده في نيّفا وثمانين طعنةً برمح ،وضربة بسيف ،وهذا معنى { صَ َدقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللّهَ
عَلَيْهِ[ } ..الحزاب]23 :
وساعة تسمع كلمة { رِجَالٌ[ } ..الحزاب ]23 :في القرآن ،فاعلم أن المقام مقام جدّ وثبات على
الحق ،وفخر بعزائم صُلْبة ل تلين ،وقلوب رسخ فيها اليمان رسوخ الجبال ،وهؤلء الرجال َوفّوا
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
العهد الذي قطعوه أمام ال على أنفسهم ،بأنْ يبلُوا في سبيل نصرة السلم ،ولو يصل المر إلى
الشهادة.
وقوله تعالىَ { :فمِ ْنهُمْ مّن َقضَىا نَحْبَهُ َومِنْهُمْ مّن يَن َتظِرُ[ } ..الحزاب ]23 :قضى نحبه :أي أدّى
العهد ومات ،والنحب في الصل هو النذر ،فالمراد :أدى ما نذره ،أو ما عاهد ال عليه من
القتال ،ثم اسْتُعمِلَت (النحب) بمعنى الموت.
لكن ،ما العلقة بين النذر والموت؟ قالوا :المعنى إذا نذرتَ فاجعل الحياةَ ثمنا للوفاء بهذا النذر،
وجاء هذا التعبير { َفمِ ْنهُمْ مّن َقضَىا نَحْ َبهُ[ } ..الحزاب ]23 :لتعلم أن الموت يجب أن يكون
ن تموت ،لكن في ُنصْرة الحق وفي سبيل ال ،فكأن المؤمن هو الذي
منك نذرا .أي :انذر ل أ ْ
ينذر نفسه وروحه ل ،وكأن الموت عنده مطلوب ليكون في سبيل ال.
فالمؤمن حين يستصحب مسألة الموت ويستقرئها يرى أن جميع الخَلْق يموتون من لُدن آدم عليه
السلم حتى الن؛ لذلك تهون عليه حياته ما دامت في سبيل ال ،فينذرها ويقدمها ل عن رضا،
ولِمَ ل وقد ضحيتَ بحياة ،مصيرها إلى زوال ،واشتريتَ بها حياة باقية خالدة مُنعّمة.
وقد ورد في الثر " :ما رأيتُ يقينا أشبه بالشك من يقين الناس بالموت " ومع أننا نرى الموت ل
يُبقى على أحد فينا إل أن كل إنسان في نفسه يتصور أنه لن يموت.
وحَقّ للمؤمن أنْ ينذر نفسه ،وأنْ يضحي بها في سبيل ال؛ لن ال يقولَ {:ولَ تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُواْ
فِي سَبِيلِ اللّهِ َأ ْموَاتا َبلْ َأحْيَاءٌ عِندَ رَ ّبهِمْ يُرْ َزقُونَ * فَرِحِينَ ِبمَآ آتَا ُهمُ اللّهُ مِن َفضْلِ ِه وَيَسْتَبْشِرُونَ
خ ْوفٌ عَلَ ْيهِ ْم َولَ هُمْ َيحْزَنُونَ * يَسْتَ ْبشِرُونَ بِ ِن ْعمَةٍ مّنَ اللّهِ
حقُواْ ِبهِم مّنْ خَ ْل ِفهِمْ َألّ َ
بِالّذِينَ َلمْ يَ ْل َ
ل وَأَنّ اللّهَ لَ ُيضِيعُ أَجْرَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ }[آل عمران]171-169 :
َو َفضْ ٍ
وهذه الحياة التي عند ال حياة على الحقيقة ،لن الرزق سِمة الحيّ الذي يعيش ويأكل ويشرب.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وقوله تعالىَ } :ومِ ْنهُمْ مّن يَنتَظِرُ[ { ..الحزاب ]23 :أي :ينتظر الوفاء بعهده مع ال ،وكأن ال
تعالى يقول :الخير فيكم يا أمة محمد باقٍ إلى يوم القيامة } َومَا بَدّلُواْ تَ ْبدِيلً { [الحزاب]23 :
معنى التبديل هنا :أي ما تخاذلوا في شيء عاهدوا ال عليه ونذروه ،فما جاءت بعد ذلك حرب،
وتخاذل أحد منهم عنها ،ول أُدخِل أحد منهم الحرب مواربة ورياء ،فقاتل من بعيد ،أو تراجع
خوفا من الموت ،بل كانوا في المعمعة حتى الشهادة.
ثم يقول الحق سبحانه } :لّيَجْ ِزيَ اللّهُ الصّا ِدقِينَ.{ ...
()3481 /
غفُورًا رَحِيمًا
ص ْد ِقهِ ْم وَ ُيعَ ّذبَ ا ْلمُنَا ِفقِينَ إِنْ شَاءَ َأوْ يَتُوبَ عَلَ ْيهِمْ إِنّ اللّهَ كَانَ َ
لِيَجْ ِزيَ اللّهُ الصّا ِدقِينَ ِب ِ
()24
تأمل هنا رحمة الخالق بالخَلْقِ ،هذه الرحمة التي ما حُرم منها حتى المنافق ،فقال سبحانه:
{ وَ ُيعَ ّذبَ ا ْلمُنَا ِفقِينَ إِن شَآءَ َأوْ يَتُوبَ عَلَ ْيهِمْ[ } ..الحزاب]24 :
وسبق أنْ تحدثنا عن صفتي المغفرة والرحمة وقلنا :غفور رحيم من صيغ المبالغة ،الدالة على
كثرة المغفرة وكثرة الرحمة ،وأن القرآن كثيرا ما يقرن بينهما ،فالمغفرة أولً لستر العيب
والنقائص ،ثم يتلوها الرحمة من ال ،بأن تمتد يده سبحانه بالحسان.
وقد أوضحنا ذلك باللص تجده في بيتك ،فتشفق عليه ،ثم تمتد إليك يدك بالمساعدة التي تعينه على
عدم تكرار ذلك .وقلنا :إن الغالب أن تسبق المغفرةُ الرحمةَ ،وقليلً ما تسبق الرحمةُ المغفرةَ.
وقلنا :أنه يشترط في المغفرة أن تكون من العلى للدنى ،فإذا ستر العبد على سيده قبحا ل يقال:
غفر له ،وكذلك في الرحمة فإن مال القل بالحسان إلى العلى ل يقال رحمة؛ لنه قد يعطيه
عوَضا عما قدّم له أو يعطيه انتظار أنْ يرد إليه ما أعطاه مرة أخرى.
ِ
ثم يقول الحق سبحانه { :وَ َردّ اللّهُ الّذِينَ.} ...
()3482 /
ظهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا َوكَفَى اللّهُ ا ْل ُمؤْمِنِينَ ا ْلقِتَالَ َوكَانَ اللّهُ َقوِيّا عَزِيزًا ()25
وَرَدّ اللّهُ الّذِينَ َكفَرُوا ِبغَيْ ِ
الغيظ :احتدام حقد القلب على مقابل منافس ،والمعنى :أن ال تعالى ردّ الكافرين والغيظ يمل
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
قلوبهم؛ لنهم جاءوا وانصرفوا دون أنْ ينالوا من المسلمين شيئا { لَمْ يَنَالُواْ خَيْرا[ } ..الحزاب:
]25ليس الخير المطلق ،إنما لم ينالوا الخير في نظرهم ،وما يبتغونه من النصر على المسلمين،
فهو خير لهم وإنْ كان شرا يُرادَ بالسلم.
وقد رد ال الكافرين إلى غير رَجْعة ،ولن يفكروا بعدها في الهجوم على السلم؛ لذلك قال سيدنا
رسول ال بعد انصرافهم خائبين " :ل يغزونا أبدا ،بل نغزوهم نحن " وفعلً كان بعدها فتح مكة.
وقوله تعالىَ { :وكَفَى اللّهُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ ا ْلقِتَالَ[ } ..الحزاب ]25 :أي :أن ردّ الكافرين لم يكُنْ بسبب
قوتكم وقتالكم ،إنما تولّى ال ردّهم وكفاكم القتال ،صحيح كانت هناك مناوشات لم تصل إلى حجم
المعركة ،ولو حدثت معركة بالفعل لكانت في غير صالح المؤمنين؛ لنهم كانوا ثلثة آلف ،في
حين كان المشركون عشرة آلف.
إذن :كانت رحمة ال بالمؤمنين هي السبب الساسي في النصر؛ لذلك ذُيلت الية بقوله تعالى:
{ َوكَانَ اللّهُ َقوِيّا عَزِيزا } [الحزاب ]25 :قويا ينصركم دون قتال منكم ،وعزيزا :أي يغلب ول
يُغلب.
هذا ما كان من أمر قريش وحلفائها ،أما بنو قريظة فيقول ال فيهم { :وَأَن َزلَ الّذِينَ
ظَاهَرُوهُم.} ...
()3483 /
معنى { ظَاهَرُوهُم[ } ...الحزاب ]26 :أي :عاونوهم { مِن صَيَاصِيهِمْ[ } ...الحزاب ]26 :أي:
عبَ[ } ...الحزاب ]26 :أي :الخوف وهو جندي
من حصونهم وقلعهم { َوقَ َذفَ فِي قُلُو ِبهِمُ الرّ ْ
من جنود ال ،وهذا الرعب الذي ألقاه ال في قلوب الكافرين هو الذي فرّقهم ،ولم يجعل لكثرة
حةٍ عَلَ ْيهِمْ[} ...المنافقون:
حسَبُونَ ُكلّ صَيْ َ
العدد لديهم قيمة ،وما فائدة أعداد كثيرة خائفة مذعورة{ يَ ْ
.]4
ألم يُحدّثنا صحابة رسول ال أنهم كانوا يستعملون السواك ،فظن الكفار أنهم يسنّون أسنانهم
ليأكلوهم ،هذا هو الرعب الذي نصر ال به عباده المؤمنين.
ومعنى { فَرِيقا َتقْتُلُونَ[ } ...الحزاب ]26 :أي :المقاتلين الذين يحملون السلح { وَتَأْسِرُونَ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فَرِيقا } [الحزاب ]26 :وهم النساء والذراري وغيرهم ِممّنْ ل يحملون السلح.
ضهُمْ وَدِيَارَهُ ْم وََأ ْموَاَلهُمْ.} ...
ثم يقول الحق سبحانه { :وََأوْرَ َثكُمْ أَ ْر َ
()3484 /
معنى { وََأوْرَثَكُمْ[ } ...الحزاب ]27 :أي :أعطاكم أرضَ وديار وأموال أعدائكم من بعد زوالهم
وانهزامهم { وَأَرْضا لّمْ تَطَئُوهَا[ } ...الحزاب ]27 :أي :أماكن جديدة لم تذهبوا إليها بعد،
والمراد بها خيبر ،وكأن ال يقول لهم :انتظروا فسوف تأخذون منهم الكثير { َوكَانَ اللّهُ عَلَىا ُكلّ
شيْءٍ قَدِيرا } [الحزاب.]27 :
َ
وهكذا انتهى التعبير القرآني من قصة الحزاب.
عمّا في هذه القصة من
وينبغي علينا الن أنْ نستعرض القصة بفلسفة أحداثها ،وأن نتحدث َ
بطولت ،ففيها بطولت متعددة ،لكل بطل فيها دور.
وتبدأ القصة حين ذهب كل من حيي بن أخطب ،وسلم بن أبي الحقيق ،وكانا من قريظة ،ذهبا
إلى قريش في أماكنها ،وقالوا :جئناكم لنتعاون معكم على إبطال دعوة محمد ،فأتُوا أنتم من أسفل،
وننزل نحن من أعلى ،ونحيط محمدا ومن معه ونقضي عليهم.
وكان في قريش بعض التعقّل فقالوا لحيي بن أخطب وصاحبه :أنتم أهل كتاب ،وأعلم بأمر
الديان فقولوا لنا :أديننا الذي نحن عليه خير أم دين محمد؟ فقال :بل أنتم أصحاب الحق.
سمعتْ قريش هذا الكلم بما لديها من أهواء ،وكما يقال :آفة الرأي الهوى؛ لذلك لم يناقشوه في
هذه القضية ،بل نسجوا على منواله ،ولم يذكروا ما كان من أهل الكتاب قبل بعثته صلى ال عليه
وسلم ،وأنهم كانوا يستفتحون على الكافرين برسول ال ويقولون لهم :لقد أطلّ زمان نبي جديد
نتبعه ونقتلكم به قَ ْتلَ عاد وإرم ،لقد فات قريشا أنْ تراجع حيي بن أخطب ،وأن تسأله لماذا غيّرتم
رأيكم في محمد؟
ثم جاء القرآن بعد ذلك ،وفضح هؤلء وهؤلء ،فقال سبحانهَ {:ألَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُواْ َنصِيبا مّنَ
ت وَ َيقُولُونَ لِلّذِينَ كَفَرُواْ هَاؤُلءِ أَ ْهدَىا مِنَ الّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلً }
ت وَالطّاغُو ِ
ا ْلكِتَابِ ُي ْؤمِنُونَ بِالْجِ ْب ِ
[النساء.]51 :
فكانت هذه أول مسألة تغيب فيها العقول ،ويفسد فيها الرأي ،فتنتهز قريش أول فرصة حين تجد
مَنْ يناصرها ضد محمد ودعوته ،ومن هنا اجتمع أهل الباطل من قريش وأحلفها من بني فزارة،
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ومن بني مرة ،ومن غطفان وبني أسد والشجعيين وغيرهم ،اجتمعوا جميعا للقضاء على الدين
الوليد.
ثم كانت أولى بطولت هذه المعركة ،لرجل ليس من العرب ،بل من فارس عبدة النار والعياذ
بال ،وكأن الحق سبحانه يُعد لنصرة الحق حتى من جهة الباطل ،إنه الصحابي الجليل سلمان
جوّالً يبحث عن الحقيقة ،إلى أنْ ساقتْه القدار إلى المدينة ،وصادف
الفارسي ،الذي قضي حياته َ
بعثة رسول ال وآمن به.
وكان سلمان أول بطل في هذه المعركة ،حين أشار على رسول ال بحفر الخندق ،وقال :يا رسول
ال كنا -يعني في فارس -إذا حَزَبنا أمرُ القتال خندقنا يعني :جعلنا بيننا وبين أعدائنا خندقا،
ولقت هذه الفكرة استحسانا من المهاجرين ومن النصار ،فأراد كل منهم أن يأخذ سلمان في
صَفّه ،فلما تنازعا عليه ،قال سيدنا رسول ال لهم " بل سلمان منا آل البيت " وهذا أعظم وسام
يوضع على صدر سلمان رضي ال عنه.
وهذه الفكرة دليل على أن الحق سبحانه يُجنّد حتى الباطل لخدمة الحق ،فنحن لم يسبق لنا أنْ رأينا
خندقا ول أهل الفارسي الذين جاءوا بهذه الفكرة ،لكن ساقها ال لنا ،وجعلها جُنْدا من جنوده على
يد هذا الصحابي الجليل ،لنعلم كما قال تعالى{ وَاعَْلمُواْ أَنّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ ا ْلمَرْ ِء َوقَلْبِهِ[} ...النفال:
.]24
وقد أوضحنا هذا المعنى في قصة فرعون الذي كان يذبح الطفال بعد النبوءة التي سمعها ،ثم
يأتيه طفل على غير العادة يحمله إليه الماء ،وهو في صندوقه ،ول يخفي على أحد أنّ أهله
قصدوا بذلك إبعاده عن خطر فرعون ،ومع ذلك حال ال يبين فرعون وبين ما في قلبه ،فأخذ
الولدَ وربّاه في بيته.
وقد أحسن الشاعر الذي عبّر عن هذا المعنى ،فقال:إذاَ لَمْ ُتصَا ِدفْ في بنَيكَ كَافِرٌ َفقَد كَذَب الراجي
عوْنُ مُرْسَلُالبطل الثاني في هذه
وَخَاب المُؤمّلُ َفمُوسىَ الذِي ربّاه جِبْريلُ كَافِ ٌر ومُوسىَ الذي ربّاهُ فر َ
المعركة رجل ُيدْعَى نعيم بن مسعود الشجعي ،جاء لرسول ال يقول :يا رسول ال لقد مال قلبي
للسلم ،ول أحد يعلم ذلك من قومي ،فقال له رسول ال " :وما تغني أنت؟ ولكن خذّل عنا " أي:
ادفع عنا القوم بأيّ طريقة ،أبعدهم عنّا ،أو ضلّلهم عن طريقنا ،أو ُقلْ لهم أننا كثير ليرهبونا..
إلخ.
هذا رجل كان بالمس كافرا ،فماذا فعل اليمان في قلبه ،وهو حديث عهد به؟ نظر ُنعَيْم ،فرأى
قريشا وأتباعها يأتون من أسفل ،وبني قريظة وأتباعهم يأتون من أعلى ،فأراد أنْ يدخل بالدسيسة
بينهما ،فذهب لبي سفيان ،وقال :يا أبا سفيان ،أنا صديقكم ،وأنتم تعلمون مفارقتي لدين محمد،
ولكني سمعت َهمْسا أن بني قريظة تداركوا أمرهم مع محمد ،وقالوا :إن قريشا وأحلفهم ليسوا
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
مقيمين في المدينة مثلنا ،فإنْ صادفوا نصرا ينتصرون ،وإنْ صادفوا هزيمة فروا إلى بلدهم ،ثم
ل يقاتلوا معكم إلّ أنْ تعطوهم عشرة من كبرائكم
يتركون بني قريظة لمحمد؛ لذلك قرروا أ ّ
ليكونوا رهائن عندهم.
سمع أبو سفيان هذا الكلم ،فذهب إلى قومه فقال لهم :أنتم المقيمون هنا ،وليس هذا موطن بني
قريظة ،وسوف يتركونكم لمواجهة محمد وحدكم ،فإنْ أردتم البقاء على عهدهم في محاربة محمد،
فاطلبوا منهم رهائن تضمنوا بها مناصرتهم لكم.
ف والحافر -يعني :البل
بعدها ذهب أبو سفيان ليكلّم بني قريظة في هذه المسألة ،فقال :هلك الخ ّ
ن مكثوا نيّفا وعشرين يوما
والخيل -ولسنا بدار مقام لنا ،فهيا بنا نناجز محمدا -هذا بعد أ ْ
يعدون ويتشاورون -فقالوا له :هذا يوم السبت ،ولن نفسد ديننا من أجل قتال محمد وعلى كل
حال نحن لن نشترك معكم في قتال ،إل أنْ تعطونا عشرة من كبرائكم يكونون رهائن عندنا،
ساعتها علم أبو سفيان أن كلم نعيم الشجعي صِدْق ،فجمع قومه وقال لهم :الرض ليست أرض
مقام لنا ،وقد هلك الخف والحافر ،فهيا بنا ننجو.
قالوا :إن رسول ال صلى ال عليه وسلم لما جاء نعيم بن مسعود ،وأخبر رسول ال بما حدث،
ووجد رسول ال الجو هادئا ،فقال " :أل رجل منكم يذهب فيُحدّثنا الن عنهم ،وهو رفيقي في
الجنة؟ " والمراد :أن يندسّ بين صفوف العداء ليعلم أخبارهم.
ومع هذه البشارة التي بشر بها سيدنا رسول ال مَنْ يؤدي هذه المهمة ،لم َيقُمْ من الحاضرين أحد،
و َدلّ هذا على أن الهول ساعتها كان شديدا ،والخطر كان عظيما ،وكان القوم في حال من الجهد
والجوع والخوف ،جعلهم يتخاذلون عن القيام ،فلم يأنس أحد منهم قوة من نفسه يؤدي بها هذه
المهمة.
لذلك كلّف رسول ال يُدْهي حذيفة بن اليمان بهذه المهمة قال حذيفة :ولكن رسول ال قال لي :ل
تُحدِث أمرا حتى ترجع إليّ ،فلما ذهبتُ وتسللتُ ليلً جلستُ بين القوم ،فجاء أبو سفيان بالنبأ من
بني قريظة ،يريد أنْ يرحل بمَنْ معه ،فقال :ليتعرّف كل واحد منكم على جليسة ،مخافة أن يكون
بين القوم غريب.
ن على يميني :مَنْ أنت؟ قال:
وهنا تظهر لباقة حذيفة وحُسْن تصرفه -قال :فأسرعتُ وقلت لمَ ْ
ن أنت؟ قال :عمرو بن العاص ،وسمعت أبا
معاوية بن أبي سفيان ،وقلت لمَنْ على يساري :مَ ْ
سفيان يقول للقوم :هلك الخفّ والحافر ،وليستْ الرض دارَ مقام فهيا بنا ،وأنا أولكم ،وركب
راحلته وهي معقولة من شدة تسرّعه ،قال حذيفة :فهممتُ أن أقتله ،فأخرجت قوسي ووترتُها
وجعلت السهم في كبدها ،لكني تذكرت قول رسول ال " ل تحدثن شيئا حتى تأتيني " فلم أشأْ أن
أقتله ،فلما ذهبت إلى رسول ال وجدته يصلي ،فلما أحسنّ بي فَرج بين رجليه -وكان الجو شديد
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
البرودة -فدخلتُ بين رجليه فنثر عليّ مُرْطه ليدفئني ،فلما سلم قال لي :ما خطبك فقصصت عليه
قصتي.
وبعد أنْ جند الحق سبحانه كلً من نعيم الشجعي وحذيفة لنصرة الحق ،جاءت جنود أخرى لم
يروْهَا ،وكانت هذه الليلة باردة ،شديدة الرياح ،وه ّبتْ عاصفة اقتلعتْ خيامهم ،وكفأتْ قدورهم
ن بقي منهم.
وشرّدتهم ،ففرّ مَ ْ
وهذا معنى قوله تعالىَ {:وكَانَ اللّهُ َقوِيّا عَزِيزا }[الحزابَ {]25 :ومَا َيعَْلمُ جُنُودَ رَ ّبكَ ِإلّ ُهوَ} ...
[المدثر.]31 :
بعد أنْ ردّ الحق سبحانه كفار مكة بغيظهم ،وكفى المؤمنين القتال أراد أنْ يتحوّل إلى الجبهة
الخرى ،جبهة بني قريظة ،فلما رجع رسول ال من الحزاب لقيه جبريل عليه السلم فقال:
ت لْمتَك يا محمد ،ولم تضع الملئكة لمتها للحرب؟ اذهب فانتصر لنفسك من بني قريظة،
أوضع َ
فقال رسول ال للقوم:
" مَنْ كان سامعا مطيعا فل يصلين العصر إل في بني قريظة ".
فاختلف الصحابة حول هذا المر :منهم مَنْ انصاع له حرفيا ،وأسرع إلى بني قريظة ينوي صلة
ن يفوته وقت العصر فصلى ثم ذهب ،فلما اجتمعوا عند رسول ال
العصر بها ،ومنهم مَنْ خاف أ ْ
أق ّر الفريقين ،وصوّب الرأيين.
ح َدثٌ ،والحدث له
وكانت هذه المسألة مرجعا من مراجع الجتهاد في الفكر السلمي ،والعصر َ
ن تغيب فصلّي،
الزمان ،وله مكان ،فبعض الصحابة نظر إلى الزمان الرأي الشمس توشك أ ْ
وبعضهم نظر إلى المكان فلم ُيصَلّ إل في بني قريظة؛ لذلك أقر رسول ال هذا وهذا.
ظلّ كل
وينبغي على المسلم أنْ يحذر تأخير الصلة عن وقتها؛ لن العصر مثلً وقته حين يصير ِ
شيء مِثْلَيْه وينتهي بالمغرب ،وهذا ل يعني أن تُؤخّر العصر لخر وقته ،صحيح إنْ صل ْيتَ آخر
الوقت ل شيء عليك ،لكن مَنْ يضمن لك أن تعيش لخر الوقت.
إذن أنت ل تأثم إنْ صلّيْت آخر الوقت ،تأثم في آخر لحظة من حياتك حين يحضرك الموت وأنت
صلّ؛ لذلك يقول سيدنا رسول ال صلى ال عليه وسلم " :خير العمال الصلة لوقتها " فليس
لم ُت َ
معنى امتداد الوقت إباحة أنْ تُؤخّر.
وفي مسألة الحزاب بطولة أخرى لسيدنا علي بن أبي طالب رضي ال عنه ،وقد ظهرت هذه
البطولة عندما وجد الكفار في الخندقة نقطة ضعيفة ،استطاعوا أنْ يجترئوا على المسلمين منها،
وأن يقذفوا منها خيولهم ،فلما قذفوا بخيولهم إلى الناحية الخرى ،فجالت الخيل في السبخة بين
الخندق وجبل سلع ،ووقف واحد من الكفار وهو عمرو بن ود العامري وهو يؤمئذ أشجع العرب
وأقواها حتى ع ّدوْه في المعارك بألف فارس.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شهِر سيفه :مَنْ يبارز؟ فقال علي لرسول
" وقف عمرو بن ود أمام معسكر المسلمين يقول وهو مُ ْ
ال :أبارزه يا رسول ال؟ قال صلى ال عليه وسلم " :اجلس يا علي ،إنه عمرو " فأعاد عمرو:
أين جَنّتكم التي وعدتم به مَنْ قُتِل في هذا السبيل؟ أجيبوني.
فقال علي :أبارزه يا رسول ال؟ قال :اجلس يا علي ،إنه عمرو " وفي الثالثة قال عمرو* :وََلقَدْ
حتُ من النّداءِ * بجم ِعكُمُ َهلْ مِنْ مُبَارِزْ*
حْبُ ِ
*وَوق ْفتُ إذ جَبُنَ المشجّعُ * ٌمُ ْو ِقفَ القرْن المنَاجزْ*
*إنّ الشّجاعَة في الفَتَى * والجودَ مِنْ خير الغرائِز*
عندها انتفض علي رضي ال عنه وقال :أنا له يا رسول ال ،فأَذِن له رسول ال ،فأشار علي
لعمرو ،وقال:
*لَ تَعجَلَنّ َفقَدْ أتَاكَ * مجيب صو ِتكَ غير عَاجِز*
*ذُو نية وبَصيرة * والصّ ْدقُ مُنجِي ُكلّ فَائزْ*
علْيك نَائِحةَ الجنَائزْ_*
*إنّي لَرْجُو أنْ أُقيم * َ
ن ضَرْبةٍ نَجْلَء * يَ ْبقَى ِذكْرُهَا عِنْدَ الهَزَاهِزْ* أي :الحروب.
*مِ ْ
وكانت لسيدنا رسول ال درع سابغة اسمها ذات الفضول ،فألبسها رسول ال عليا وأعطاه سيفه ذا
الفقار وعمامته السحاب ،وكانت تسعة أكوار ،وخرج علي رضي ال عنه لمبارزة عمرو بن ود،
فضرب عمرو الدرقة فشقّها ،فعاجله على بضربة سيف علي عاتقه أردتْهُ قتيلً ،فقال عليّ ساعة
وقع :ال أكبر سمعه رسول ال فقال " :قُتِل عدو ال " .ثم حدثت زوبعة العِثْيَر -وهو غبار
الحرب -فحَجبت المعركة ،فذهب سيدنا عمر رضي ال عنه ليرى ما حدث ،فوجد عليا يمسح
سيفه في درع عمرو بن ود ،فقال :ال أكبر ،فقال رسول ال " :قُتِل وأَيْم ال ".
عمْرا سأله رسول
ومن الخلق الكريمة التي سجّلها سيدنا علي في هذه الحادثة أنه بعد أنْ قتل َ
ال صلى ال عليه وسلمَ " :ألَ سل ْبتَ دِرْعه ،فإنه أفخر درع في العرب "؟ فقال علي :وال لقد
بانت سوأته ،فاستحييت أنْ أصنع ذلك .ثم أنشد رضي ال عنه وكرم ال وجهه ،وهو يشير إلى
عمرو:
سفَاهَة َرأْيه * و َنصَ ْرتُ ربّ مُحمدٍ بصَوابي*
* َنصَر الحجَارةَ من َ
ج ْذعِ بين َدكَا ِدكَ و َروَابي*
*فصَد ْدتُ حِينَ تركْتُه مُتج ّدلً * كال ِ
وعَ َف ْفتُ عن أ ْثوَاب ِه وَلَو أنّني * كنتُ ال ُمقَنْطَر بَزّنِي أثْوابِي*
وفي هذه الواقعة قال سيدنا رسول ال صلى ال عليه وسلم " :لو لم يكن لك يا علي غيرها في
السلم َل َكفَ ْتكَ " ".
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لذلك قال العارفون بال كأن عليا رضي ال عنه حُسِد حين قتل عمرو بن ود ،فأصابته العين في
ذاته ،فقُتِل بسيف ابن ملجم ،ومن هنا قالوا :أعزّ ضربة في السلم ضربة عليّ لعمرو بن ود،
وأشأم ضربة في السلم ضربة ابن ملجم لعلي.
وفي المعركة بطولة أخرى لسيدنا سعد بن معاذ رضي ال عنه حيث يقول :ضربني يوم الحزاب
خذْها وأنا ابن العَرِقة -فقلت :عرّقَ ال وجهك في النار ،فلما
حِبّان بن قيس بن العَرِقة ،وقالُ :
أصابني في أكحلي -والكحل هو :العِرْق الذي نضع فيه الحقنة ،ومنه يخرج دم ال َفصْد
والحجامة.
فقلت :اللهم إنْ كانت هذه آخر موقعة بيننا وبين قريش فاجعلني شهيدا ،وإنْ كنت تعلم أنهم
يعودون فأبقني لشقي نفسي ِممّنْ أخرج رسول ال وآذاه ،ول ُتمِتْني حتى أشفى غليلي من بني
قريظة.
وقد كان ،فبعد أنْ مكث الحزاب وبنو قريظة قرابة خمسة وعشرين يوما دون قتال ،وانتهى
المر بالمفاوضات اختار سيدنا رسول ال سعد بن معاذ ليكون حكَما في هذه المسألة ،فحكم سعد
بقتل المقاتلين منهم ،وأسر الذراري والنساء والموال ،فلما بلغ هذا الحكم رسول ال صلى ال
عليه وسلم قال:
" لقد حكمتَ فيهم حكم ربك من فوق سبع سماوات ".
ثم ثار الجرح على سيدنا سعد حتى مات به ،فحملوه إلى خيمة رسول ال بالمسجد ،فجاءت
الملئكة تقول لرسول ال :مَنْ هذا الذي مات ،وقد اهتزّ له عرش الرحمن؟ قال " :إنه سعد بن
معاذ ".
وقد قال تعالى {:فَرِيقا َتقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقا }[الحزاب.]26 :
وفي قوله تعالى } :وَأَرْضا لّمْ تَطَئُوهَا[ { ...الحزاب ]27 :بشارة للمسلمين بأن البلد ستُفتح لهم
حتْ بالُسوْة السلوكية
دون قتال ،وهذا حال جمهرة البلد التي دخلها السلم ،فغالبية هذه البلد فُتِ َ
ن يقول :إن السلم انتشر بحدّ السيف.
للمسلمين آنذاك ،وبذلك نستطيع أن نردّ على مَ ْ
وإذا كان السلم انتشر بحَدّ السيف ،فأيّ سيف حمل المسلمين الوائل على السلم وكانوا من
ضعاف القوم ل يستطيعون حتى حماية أنفسهم؟ إذن :ل شيء إل قدوة السلوك التي حملت كل
هؤلء على اليمان.
وسبق أن ذكرنا أن عمر -رضي ال عنه -وما أدراك ما عمر قوة وصلب ًة يقول حين سمع
جمْ ُع وَ ُيوَلّونَ الدّبُرَ }[القمر.]45 :
قول ال تعالى {:سَ ُيهْزَمُ ا ْل َ
قال :أيّ جمع هذا ،ونحن ل نستطيع حماية أنفسنا؟ مما يراه من ضعف المسلمين وبطش
الكافرين.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ثم لو انتشر السلم بالسيف لصبح سكان البلد التي دخلها السلم كلهم مسلمين ،وَلمَا كانت
للجزية وجود في الفقه السلمي ،إذن :بقاء الجزية على مَنْ لم يؤمن دليل على بطلن هذه
المقولة ،ودليل على عدم الكراه في الدين ،فالفتح السلمي كفل حرية العقيدة{ َفمَن شَآءَ فَلْ ُي ْؤمِن
َومَن شَآءَ فَلْ َي ْكفُرْ[} ....الكهف ]29 :وعليه الجزية لبيت مال المسلمين مقابل ما تقدمه الدولية إليه
من خدمات.
حمْل السيف
فالجزية التي تتخذونها سُبة في السلم دليل على أن السلم أقرّكم على دينكم ،إنما َ
كان فقط لحماية الختيار في الدعوة ،فأنا سأعرض السلم على الناس ،ومن حقي أنْ أقاتل مَنْ
يعارضني بالسلح ،من حقي أن أعرض السلم كمبدأ ،فمَنْ آمن به فعلى العين والرأس ،ومَنْ لم
يؤمن فليَ ْبقَ في ذمتنا.
ثم ينقلنا الحق سبحانه إلى بيوت أزواج النبي صلى ال عليه وسلم ،فيقول سبحانه } :ياأَ ّيهَا النّ ِبيّ
جكَ.{ ...
قُل لَ ْزوَا ِ
()3485 /
حكُنّ سَرَاحًا
ن وَأُسَرّ ْ
جكَ إِنْ كُنْتُنّ تُ ِردْنَ الْحَيَاةَ الدّنْيَا وَزِينَ َتهَا فَ َتعَالَيْنَ ُأمَ ّت ْعكُ ّ
يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ُقلْ لِأَ ْزوَا ِ
جمِيلًا ()28
َ
لسائل أنْ يسأل :ما سِرّ هذه النقلة الكبيرة من الكلم عن حرب الحزاب وحرب بني قريظة إلى
هذا التوجيه لزوجاته صلى ال عليه وسلم؟
ضهُ ْم وَدِيَارَهُمْ وََأمْوَاَلهُ ْم وَأَرْضا لّمْ
ت بقوله تعالى {:وََأوْرَثَكُمْ أَ ْر َ
قالوا :لن مسألة الحزاب انته ْ
تَطَئُوهَا[} ...الحزاب ]27 :فربما طلبت زوجات الرسول أنْ يُمتّعهن وينفق عليهن ،مما يفتح ال
جكَ[ } ...الحزاب]28 :
عليه من خيرات هذه البلد ،فجاءتْ هذه الية { :ياأَ ّيهَا النّ ِبيّ قُل لَ ْزوَا ِ
لتقرر أن السلم ما جاء ليحقق مزيّة لرسول ال ،ول لل رسول ال ،حتى الزكاة ل تصح لحد
من فقراءبني هاشم.
جكَ إِن كُنتُنّ تُ ِردْنَ[ } ...الحزاب:
لكن مجيء الية هكذا بصيغة المر { :ياأَ ّيهَا النّ ِبيّ قُل لَ ْزوَا ِ
]28دليل على حدوث شيء منهن يدلّ على تطلعهن إلى زينة الحياة ومُتَعها .وقد ُروِي عن عمر
-رضي ال عنه أنهن اجتمعْنَ يسألْنَ رسول ال النفقة ،وأنْ يُوسّع عليهن بعد أنْ قال صلى ال
عليه وسلم عن الكفار :لن يغزونا ،بل نغزوهم وبعد أنْ بشّرتهم اليات بما سيُفتح من أرض
جديدة.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
جمِيلً } [الحزاب ]28 :يعني :ليس عندي ما
حكُنّ سَرَاحا َ
وقوله تعالى { :فَ َتعَالَيْنَ ُأمَ ّت ْعكُنّ وَُأسَرّ ْ
تتطّلعْن إليه من زينة الدنيا وزخرفها ،ومعنى { فَ َتعَالَيْنَ[ } ...الحزاب ]28 :نقول :تعاليْن يعني:
أقبلْنَ ،لكنها هنا بمعنى ارتفعْنَ من العلو ،ارتفعْنَ عن مناهج البشر والرض ،وارتقينَ إلى مناهج
خالق البشر ،وخالق الرض؛ لن السيادة في منهج ال ،ل في مُتَع الحياة وزخرفها.
علَ ْيكُمْ[} ...النعام]151 :
وقد ورد هذا المعنى أيضا في قوله تعالىُ {:قلْ َتعَاَلوْاْ أَ ْتلُ مَا حَرّمَ رَ ّبكُمْ َ
فتعالوْا أي :ارتفعوا عن قوانين البشر وقوانين الرض إلى قوانين السماء؛ لنه يُشترط فيمَنْ يضع
القانون ألّ يفيد من هذا القانون ،وأن يكون مُلِما بكل الجزئيات التي يتعرض لها القانون والبشر
مهما بلغتْ قدرتهم ،فإنهم يعلمون شيئا ويجهلون آخر؛ لذلك ل ينبغي أَنْ يُقنّن لهم إل خالقهم عز
وجل.
ومعنى { ُأمَ ّت ْعكُنّ[ } ...الحزاب ]28 :أي :أعطيكُنّ المتعة الشرعية التي ُتفْرض للزوجة عند
حقّا عَلَى ا ْلمُ ّتقِينَ }[البقرة.]241 :
مفارقة زوجها ،والتي قال ال فيها {:وَلِ ْلمُطَّلقَاتِ مَتَاعٌ بِا ْل َمعْرُوفِ َ
جمِيلً } [الحزاب]28 :
حكُنّ } [الحزاب ]28 :التسريح هنا يعني الطلق { سَرَاحا َ
وقوله { وَأُسَرّ ْ
ن تمتْ إنما تتم بالجمال أي :اللطف والرقة والرحمة
ذلك يدلّ على أن المفارقة بين الزوجين إ ْ
بدون بشاعة وبدون عنف؛ لن التسريح في ذاته مفارقة مؤلمة ،فل يجمع ال عليها شدتين :شدة
الطلق ،وشدة العنف والقسوة.
ولك أنْ تلحظ أن لفظ الجمال يأتي في القرآن مع المور الصعبة التي تحتاج شدة ،واقرأ قوله
جمِيلٌ[} ...يوسف ]83 :والصبر يكون جميلً حين ل يصاحبه ضَجَر ،أو شكوى،
تعالىَ {:فصَبْرٌ َ
أو خروج عن حَدّ العتدال.
ورسول ال صلى ال عليه وسلم يعرض على زوجاته التسريح الجميل الذي ل مشاحنةَ فيه ول
خصومةَ إنْ اخترْنَهُ بأنفسهن ،وما كان رسول ال ليمسك زوجة اختارتْ عليه أمرا آخر مهما
كان.
وللعلماء كلم طويل في هذه المسألة :هل يقع الطلق بهذا التخيير؟ قالوأ :التخيير َلوْنٌ من حب
صمَة في يدها -فهي إذن تختار لنفسها ،فإنْ
المفارقة الذي يعطي للمرأة -كما نقول مثلً :ال ِع ْ
قَبِلت الخيار الول وقع الطلق ،وإن اختارت الخر فَبِها ونعمتْ ،وانتهتْ المسألة.
وأمرُ ال لرسوله أن يقول لزوجاته هذا الكلم ل ُبدّ أنْ يكون له رصيد من خواطر خطرتْ على
زوجاته صلى ال عليه وسلم َلمّا رأيْنَ السلم ُتفْتح له البلد ،وتُجبى إليه الخيرات ،فتطّلعْن إلى
شيء من النفقة.
وكلمة الزواج :جمع زوج ،وتُقال للرجل وللمرأة ،والزوج ل يعني اثنين معا كما يظن البعض،
إنما الزوج يعني الفرد الذي معه مثله من جنس ،ومثله تماما كلمة التوأم ،فهي تعني (واحد) لكن
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شيْءٍ خََلقْنَا َزوْجَيْنِ[} ...الذاريات ]49 :يعني:
معه مثله ،والدليل على ذلك قوله تعالىَ {:ومِن ُكلّ َ
ذكر وأنثى ،فالذكر وحده زوج ،والنثى وحدها زوج ،وهذه القسمة موجودة في كل المخلوقات.
وتُجمع زوج أيضا على زوجات.
ونلحظ في السلوب هنا أن الحق سبحانه حين يعرض على رسوله أنْ يُخيّر زوجاته بين زينة
الدنيا ونعيم الخرة يستخدم (إنْ) الدالة على الشكّ ،ول يستخدم مثلً (إذَا) الدالة على التحقيق،
ن يكون خواطر جالتْ في أذهان
وفي هذا إشارة إلى عدم المبالغة في اتهامهن ،فالمر ل يعدو أ ْ
بعض زوجاته.
وتعلمون أن سيدنا رسول ال جمع من النساء تسعا معا ،منهن خمسٌ من قريش ،وهُنّ :عائشة،
وحفصة ،وأم حبيبة ،وسودة بنت زمعة ،وأم سلمة ابنة أبي أمية ،ومن غير قريش :صفية بنت
حيي بن أخطب الذي ذكرنا قصته في الحزاب ،ثم جويرية بنت الحارث من بني المصطلق ،ثم
ميمونة بنت الحارث الهللية -ومَنْ ذهب عند التنعيم وجد هناك بئر ميمونة ،ثم زينب بنت
ن أمهات المؤمنين التسعة اللئي جمعهنّ رسولُ ال معا.
جحش من بني أسد ،هؤلء هُ ّ
فلما سألْنَ رسول ال النفقة كانت أجرأهُنّ في ذلك السيدة حفصة بنت عمر ،وقد حدث بينها وبين
رسول ال مُشَادّة في الكلم ،فقال لها " :أل تحبين أنْ أستدعي رجلً بيننا؟ " فوافقتْ ،فأرسل إلى
عمر ،فلما جاء قال لها رسول ال :تكلّمي أنت -يعني :اعرضي حاجتك -فقالت :بل تكلم أنت،
ول تقل إل حقا.
أثارت هذه الكلمة حفيظة سيدنا عمر ،فهاج وقام إلى ابنته فوجأها ،فحجزه رسول ال فتناولها
ثانية فوجأها ،ثم قال لها :إن رسول ال ل يقول إل حقا ،ووال لول أنّا في مجلسه ما تركتُك حتى
تموتي ،فقام رسول ال من المجلس ليفضّ هذا النزاع ،وذهب إلى حجرته ،واعتكف بها ،وقاطع
المر كله مدة شهر.
ي وَصْف
وتأمل قول ال تعالى } :إِن كُنتُنّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدّنْيَا وَزِينَ َتهَا[ { ...الحزاب ]28 :فأ ّ
أحقر ،وأقلّ لهذه الحياة من أنها دُنْيا؟ وما فيها من مُتَع إنما هي زينة ،يعني :ترف في المظهر ،ل
ب وََل ْهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ
في الجوهر ،كما قال سبحانه في موضع آخر {:اعَْلمُواْ أَ ّنمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا َل ِع ٌ
ل ْولَدِ[} ...الحديد ]20 :ثم يعرض رسول ال على زوجاته الخيار
ل ْموَالِ وَا َ
بَيْ َنكُ ْم وَ َتكَاثُرٌ فِي ا َ
الثاني المقابل للحياة الدنيا } :وَإِن كُنتُنّ تُرِدْنَ اللّ َه وَرَسُولَهُ.{ ....
()3486 /
عظِيمًا ()29
حسِنَاتِ مِ ْنكُنّ أَجْرًا َ
عدّ لِ ْلمُ ْ
وَإِنْ كُنْتُنّ تُرِدْنَ اللّ َه وَرَسُولَ ُه وَالدّارَ الْآَخِ َرةَ فَإِنّ اللّهَ أَ َ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
صعْب يوحي برفض التخيير بين طرفي
المتأمل جانبيّ التخيير هنا يجد أن المقارنة بينهما أمر َ
ن تكون له حياة دنيا مقابل ال ،وأن تكون له زينتها مقابل رسول ال ،ثم
ن يقبل أ ْ
هذه المسألة ،فمَ ْ
زِدْ على ذلك الدار الخرة التي لم يُذكَر قبالتها شيء في الجانب الخر ،ثم إن الحياة الدنيا التي لم
صفْ بأنها دنيا
يُذكَر قبالتها شيء في الجانب الخر ،ثم إن الحياة الدنيا التي نعيشها حتى لو لم تُو َ
كان يجب أنْ يُزهد فيها.
والحق أنهن َف ِهمْنَ هذا النص واخترْنَ ال ورسوله والدار الخرة ،ومَنْ يرضى بها بديلً :والحمد
لَ {.و َكفَى اللّهُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ ا ْلقِتَالَ[} ...الحزاب.]25 :
عظِيما }
عدّ لِ ْل ُمحْسِنَاتِ مِنكُنّ أَجْرا َ
ثم يأتي جزاء مَن اختار ال ورسوله والدار الخرة { فَإِنّ اللّهَ أَ َ
[الحزاب ]29 :المحسنة هي الزوجة التي تعطي من الرحمة والمودة الزوجية فوق ما طُلب منها.
()3487 /
الحق -سبحانه وتعالى -بعد أنْ خيّر زوجات النبي صلى ال عليه وسلم فاخترْنَ ال ورسوله
والدارالخرة أراد سبحانه أنْ يُعطيهن المنهج والمباديء التي سيسِرْنَ عليها في حياتهن ،ونلحظ
أن آية التخيير كانت من كلم النبي عن ربه ،أما هنا فالكلم من ال مباشرة لنساء النبي.
جكَ[} ...الحزاب]28 :
{ يا ِنسَآءَ النّ ِبيّ[ } ...الحزاب ]30 :فبداية المسألة{ ياأَ ّيهَا النّ ِبيّ قُل لَ ْزوَا ِ
فلما اخترْن ال ورسوله والدار الخرة كأنهن ارتفعْنَ إلى مستوى الخطاب المباشر من ال تعالى،
كأنهن ح ّققْنَ المراد من المر السابق{ فَ َتعَالَيْنَ[} ...الحزاب.]28 :
كلمة { نِسَآءَ[ } ...الحزاب ]30 :نعلم أنها جمع ،لكن ل نجد لها مفردا من لفظها ،إنما مفردها
من لفظ آأخر هو امرأة ،وفي اللغة جموع تُنُوسِي مفردها بشهرة مفرد آخر أرقّ أو أسهل في
الستعمال ،وامرأة أو (مَرة) يصح أيضا من (امرؤ) ،وهذه اللفظة تختلف عن ألفاظ اللغة كلها،
بأن حركة العراب فيها ل تقتصر على الحرف الخير إنما تمتد أيضا إلى الحرف قبل الخير،
فنقول :قال امْ ُرؤُ القيس ،وسمعت امْرَأَ القيس ،وقرأت لمْرِيء القيس.
وبعض الباحثين في اللغة قال :إن (نساء) من النّسْأ والتأخير ،على اعتبار أن خَلْقها جاء متأخرا
عن خَلْق الرجل ،ومفردها إذن (نَسْءٌ) وإنْ كان هذا تكلفا ل داعيَ له.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وبعد هذا النداء { يا ِنسَآءَ النّ ِبيّ } [الحزاب ]30 :يأتي الحكم الول من المنهج الموجّه إليهن { :مَن
ض ْعفَيْنِ[ } ...الحزاب ]30 :نلحظ أن الحق سبحانه
حشَةٍ مّبَيّنَةٍ ُيضَاعَفْ َلهَا ا ْل َعذَابُ ِ
يَ ْأتِ مِنكُنّ ِبفَا ِ
لم يبدأ الكلم مع نساء النبي بقوله مثلً :مَنْ يتق ال منكن ،إنما بدأ بالتحذير من إتيان الفاحشة؛
لن القاعدة الشرعية في التقنين والصلح تقوم على أن " درء المفسدة مُقدّم على جَلْب المصلحة
ن نتوضأ للصلة نبريء أنفسنا من النجاسة.
" كما أننا قبل أ ْ
ومثّلْنَا لذلك وقُلْناَ :هبْ أن واحدا رماك بتفاحة ،وآخر رماك بحجر ،فأيهما َأوْلَى باهتمامك؟ ل شكّ
ل وهو
ن تكون ثوبك مث ً
أنك تحرص أولً على ردّ الحجر والنجاة من أذاه ،وكذلك لو أردتَ أ ْ
مُتسخ ،ل بُدّ أن تغسله أولً.
حشَةٍ مّبَيّنَةٍ[ } ...الحزاب:
لذلك بدأ الحق سبحانه التوجيه لنساء النبي بقوله { مَن يَ ْأتِ مِنكُنّ ِبفَا ِ
]30لكن الفاحشة أمر مستبعد ،فكيف يتوقع منتهي الذنوب من نساء رسول ال؟ قالوا :ولم ل ،وقد
عمَُلكَ[} ...الزمر.]65 :
خاطب ال تعالى نبيه صلى ال عليه وسلم بقوله {:لَئِنْ أَشْ َر ْكتَ لَ َيحْبَطَنّ َ
ومعلوم أن رسول ال ليس مظنة الوقوع في الشرك ،إذن :فالمعنى ،يا محمد ليس اصطفاؤك يعني
أنك فوق المحاسبة ،كذلك الحال بالنسبة لنسائه :إنْ فعَلتْ إحداكن فاحشة ،فسوف نضاعف لها
العذاب ،ولن نستر عليها لمكانتها من رسول ال ،فإياكُنّ أنْ تظننّ أن هذه المكانة ستشفع لكُنّ،
وإل دخلتْ المسألة في نطاق إذا سرق الوضيع أقاموا عليه الحد ،وإذا سرق الشريف تركوه.
إذن :منزلة الواحدة منكُنّ ليست في كونها مجرد زوجة لرسول ال ،إنما منزلتها بمدى التزامها
بأوامر ال ،وإل فهناك زوجات للرسل خُنّ أزواجهن واقرأ {:ضَ َربَ اللّهُ مَثَلً لّلّذِينَ َكفَرُواْ امْرََأتَ
حتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ َفخَانَتَا ُهمَا فََلمْ ُيغْنِيَا عَ ْن ُهمَا مِنَ اللّهِ شَيْئا
نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا َت ْ
َوقِيلَ ادْخُلَ النّارَ مَعَ الدّاخِلِينَ }[التحريم.]10 :
ولك أن تسأل :هذا حكم الفاحشة المبيّنة ،أنْ يُضاعَف لها العذاب ،فما بال الفاحشة منهن إنْ كانت
غير مُبيّنة؟
قالوا :هذا الحكم خاصّ بنساء النبي صلى ال عليه وسلم ،فإن حدث من إحداهن ذنب بينها وبين
نفسها فهو ذنب واحد مقصور عليها ،فإنْ كان علنيةً فهو ُمضَاعف؛ لنهن أسوة وقدوة تتطلع
العيون إلى سلوكهن ،فإنْ ظهرت منهن فاحشة كان تشجيعا للخريات ،ولم ل وقد جاءت الفاحشة
من زوجة النبي.
فمضاعفة العذاب -إذن -لن الفساد تعدّى الذات إلى الخرين ،وأحدث قدوة سوء في بيت
النبي ،فاتسحقتْ مضاعفة العذاب ،لنها آتْ شعور رسول ال ،ولم تُقدّر منزلته وفضّلَت عليه
غيره لتأتي معه الفاحشة ،وهذا يستوجب أضعاف العذاب ،فإنْ ضاعف لها ال العذاب ضعفين
فحسب ،فهو ِرفْق بها ،ومراعاة لماضيها في زوجية رسول ال.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ن فعلتْ إحداهن حسنة ،فلها أجرها أيضا ُمضَاعفا؛ لنها فعلتْ صالحا في ذاتها كأيّ إنسانه
كذلك إ ْ
أخرى ،ثم أعطتْ قدوة حسنة ،وأُسْوة طيبة لغيرها.
فإنْ أخذْنا في العتبار حديث النبي صلى ال عليه وسلم " :مَنْ سَنّ سنة حسنة ،فَلَهُ أجرها وأجر
مَنْ عمل بها إلى يوم القيامة ،ومَنْ سَنّ سنة سيئة فعليه وِزْرها ،ووِزْر مَنْ عمل بها إلى يوم
القيامة ".
ضعْف
علمنا أن أجر الحسنة ل يُضاعف فقط مرتين ،إنما بعدد ما أثّرت فيه السوة ،وفَرْق بين ال ّ
ضعْف الشيء أي مثله ،أما الضّعف فهو َفقْد هذا المثل ،فهو أقلّ.
ضعْفِ :
ضعْف .ال ّ
وال ّ
ثم يقول سبحانهَ } :وكَانَ ذَِلكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرا { [الحزاب ]30 :يعني :مسألة مضاعفة العذاب
أمر يسير ،ولن تغني عنكُنّ منزلتكُنّ من رسول ال شيئا ،فهذا أمر ل يسألني فيه أحد ،ول أحابي
فيه أحدا ،ول بُدّ أن أُسَيّر المور كما يجب أن تكون ،ول يعارضني فيها أحد ،لذلك كثيرا ما تُذيّل
حكِيمٌ }[البقرة ]220 :فالعزة تقتضي أن يكون الحكم
أحكام الحق سبحانه بقوله {:إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ َ
ماضيا ل يُعدّله أحد ،ول يعترض عليه أحد.
وهذا المعنى واضح في قوله تعالى لسيدنا عيسى عليه السلم {:وَإِذْ قَالَ اللّهُ ياعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ
أَأَنتَ قُلتَ لِلنّاسِ اتّخِذُونِي وَُأ ّميَ إِلَـاهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُ ْبحَا َنكَ مَا َيكُونُ لِي أَنْ َأقُولَ مَا لَيْسَ
سكَ إِ ّنكَ أَنتَ عَلّمُ ا ْلغُيُوبِ *
حقّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ َفقَدْ عَِلمْتَهُ َتعْلَمُ مَا فِي َنفْسِي َولَ أَعْلَمُ مَا فِي َنفْ ِ
لِي بِ َ
شهِيدا مّا ُد ْمتُ فِيهِمْ فََلمّا
مَا قُ ْلتُ َلهُمْ ِإلّ مَآ َأمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْ ُبدُواْ اللّهَ رَبّي وَرَ ّبكُ ْم َوكُنتُ عَلَ ْيهِمْ َ
ك وَإِن َت ْغفِرْ
شهِيدٌ * إِن ُتعَذّ ْبهُمْ فَإِ ّنهُمْ عِبَا ُد َ
شيْءٍ َ
َت َوفّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ ال ّرقِيبَ عَلَ ْيهِ ْم وَأَنتَ عَلَىا ُكلّ َ
حكِيمُ }
َلهُمْ فَإِ ّنكَ أَنتَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ
[المائدة.]118-116 :
فقوله {:وَإِن َتغْفِرْ َلهُمْ[} ...المائدة ]118 :يقتضي أن يقول :فإنك غفور رحيم ،لكن الحق سبحانه
حكِيمُ }[المائدة ]118 :لن الذنب الذي وقع فيه القوم ذنب في القمة،
عدل إلى{ فَإِ ّنكَ أَنتَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ
في اللوهية التي أخذوها من ال وجعلوها لعيسى عليه السلم ،وهذا بمقتضى العقل يستوجب
العذاب الشديد ،لكن الحق سبحانه ل يُسأل عما يفعل ،يُعذّب مَنْ يشاء ،ويغفر لمَنْ يشاء ،فإنْ غفر
لهم فبصفة العزة التي ل يعارضها أحد ،فكأن المنطق أن يُسأل ال :لماذا لم تُعذّب هؤلء على ما
ارتكبوه؟ لذلك دخل هنا من ناحية العزة ،التي ل تُعارَض ،والحكمة التي ل تخطيء.
وبعد أن ذكر الحق سبحانه مسألة الفاحشة ،وما يترتب عليها من عقاب ذكر سبحانه المقابل ،فقال
تعالىَ } :ومَن َيقْنُتْ مِنكُنّ للّ ِه وَرَسُولِهِ.{ ....
()3488 /
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ن وَأَعْتَدْنَا َلهَا رِ ْزقًا كَرِيمًا ()31
َومَنْ َيقْ ُنتْ مِ ْنكُنّ لِلّ ِه وَرَسُولِ ِه وَ َت ْع َملْ صَالِحًا ُنؤْ ِتهَا أَجْ َرهَا مَرّتَيْ ِ
معنى { َيقْنُتْ[ } ...الحزاب ]31 :أي :يخضع ل تعالى الخضوع التام ،ويخشع ويتذلّل ل في
دعائه ،واختار الحق سبحانه القنوت؛ لنه سبحانه ل يحب من الطائع أنْ يُ ِدلّ على الناس بطاعته؛
لذلك يقول العارفونُ :ربّ معصية أورثت ذلً وانكسارا ،خير من طاعة أورثتْ عِزّا واستكبارا.
أو { َومَن َيقْ ُنتْ[ } ...الحزاب ]31 :أي :بالغ في الصلح ،وبالغ في الورع حتى ذهب إلى
القنوت ،وهو الخضوع والخشوع.
والنتيجة { ُنؤْ ِتهَـآ أَجْرَهَا مَرّتَيْنِ[ } ...الحزاب ]31 :فالية السابقة تقرر مضاعفة العذاب لمن
تأتي بالفاحشة ،وهذه تقرر مضاعفة الجر لمن تخضع ل وتخشع وتعمل صالحا.
{ وَأَعْتَدْنَا َلهَا رِزْقا كَرِيما } [الحزاب ]31 :أي :أعددناه وجهّزناه لها من الن ،فهو ينتظرها.
وحين تتأمل السلوب القرآني في هاتين اليتين تطالعك عظمة الداء ،فحين ذكر الفاحشة
سمّ فاعله ،أما في الكلم
عفْ[} ...الحزاب ]30 :مبنيا لما لم يُ َ
ومضاعفة العذاب جاء الفعل{ ُيضَا َ
عن القنوت ل ،فقال { ُنؤْ ِتهَـآ َأجْرَهَا[ } ...الحزاب ]31 :فجاء الفعل ُمسْندا إلى الحق سبحانه
مباشرة ،وكأن الحق سبحانه لم يُرِدْ أنْ يواجه بذاته في مقام العذاب ،إنما واجه العذاب فقط.
ومجرد بناء الفعل{ ُيضَاعَفْ[} ...الحزاب ]30 :للمجهول يدل على رحمة ال وُلطْفه في العبارة،
فالحق سبحانه يحب خَلْقه جميعا ،ويتحبب ويتودد إليهم ،ويرجو من العاصي أنْ يرجع ويفرح
سبحانه بتوبة عبده المؤمن أكثر من فرح أحدكم حين يجد راحلته وقد ضّلتْ منه في فلة.
وجاء في الثر " :يا ابن آدم ،ل تخافنّ من ذي سلطان ما دام سلطاني باقيا وسلطاني ل ينفد أبدا،
يا ابن آدم ،ل تخْشَ من ضيق الرزق وخزائني ملنة وخزائني ل تنفد أبدا ،يا ابن آدم ،خلق ُتكَ
للعبادة فل تلعب -والمراد باللعب العمل الذي ل جدوى منه -وقسمتُ لك رزقك فل تتعب ".
والمراد هنا ل تتعب ،ول تشغل قلبك ،فالتعب يكون للجوارح ،كلما جاء في الحديث الشريف" :
مَنْ بات كالً من عمل يده بات مغفورا له " ولما رأى رسول ال صلى ال عليه وسلم يدا خشنة
من العمل قال " :هذه يد يحبها ال ورسوله ".
فالتعب تعب القلب ،فالشيء الذي يطيقه صدرك ،وتقدر على تحمّله ل يُتعبك؛ لذلك نجد خالي
الصدر من الهموم يعمل في الصخر وهو هاديء البال ،يغني بحداء جميل ونشيد رائع يُقوّي
عزيمته ،ويعينه على المواصلة ،فتراه مع هذا المجهود فَرِحا منشرحَ الصدر.
ل إلّ مَا وَعَأهُ
وقد فطن الشاعر العربي لهذه المسألة فقال:لَيْسَ بح ْملٍ مَا أطَاقَ الظّهر مَا الح ْم ُ
الصّدْرُفالمعنى :أتعب جوارحك ،لكن ل تُتعِب قلبك ،والكَلَل والتعب ل يأتي على الجوارح إنما
على القلب ،فأتعب جوارحك في العمل الجاد النافع الذي تأخذ من ثمرته على قدر حاجتك،
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وتفيض بالباقي على غير القادرين.
()3489 /
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ل في العدد :أحد عشر إنْ كان المعدودُ
كلمة (أحد) تُستخدم في اللغة عدة استخدامات ،فنقول مث ً
مذكرا ،وإحدى عشرة إن كان المعدود مؤنثا ،أما في حالة النفي فل تُستعمل إل بصيغة واحدة
(أحد) ،وتدل على المفرد والمثنى والجمع ،وعلى المذكر والمؤنث ،فتقول :ما عندي أحد ،ل رجلٌ
ول امرأة ول رجلن ول امرأتان ،ول رجال ول نساء ،لذلك جاء قوله تعالى {:وََلمْ َيكُنْ لّهُ ُكفُوا
حدٌ }[الخلص.]4 :
أَ َ
حدٍ مّنَ النّسَآءِ[ } ...الحزاب ]32 :هذه خصوصية لهن؛ لن الشياء
وقوله سبحانهَ { :لسْتُنّ كَأَ َ
تمثل أجناسا وتحت الجنس النوع ،فالنسان مثلً جنس ،منه ذكر ومنه أنثى ،وكل نوع منهما تحته
أفراد ،والذكر والنثى لم يفترقا إلى نوعين بعد أنْ كانا جنسا واحدا ،إل لختلف نشأ عنهما بعد
اتفاق في الجنس فالجنس حَدّ مُشترك :حيّ ناطق مفكر ،فلما افترقا إلى نوعين صار لكل منهما
خصوصيته التي تُميّزه عن الخر.
كما قلنا في الزمن مثلً ،فهو ظرف للحداث ،فإنْ كانت أحداثَ حركة فهي النهار ،وإنْ كانت
سكُون فهي الليل ،فالليل والنهار نوعان تحت جنس واحد هو الزمن ،ولكل منهما
أحداثَ ُ
خصوصيته ،وعلينا أن نراعي هذه الخصوصية ،فل نخلط بينهما.
جلّىا * َومَا خَلَقَ ال ّذكَ َر وَالُنثَىا * إِنّ
وتأمل قول ال تعالى {:وَالْلّ ْيلِ ِإذَا َيغْشَىا * وَال ّنهَارِ ِإذَا تَ َ
سعْ َيكُمْ َلشَتّىا }[الليل.]4-1 :
َ
فالليل والنهار متقابلن متكاملن لمتضادان ،كذلك الذكر والنثى ،ولكلّ دوره ومهمته الخاصة،
فإنْ حاولتَ أنْ تجعلَ الليل نهارا ،أو الذكر أنثى أو العكس ،فقد خالفتَ هذه الطبيعة التي اختارها
الخالق سبحانه.
وحكينا قصة الرجل الذي مرّ على عمدة القرية ،فوجده يضرب غفيرا عنده ،فدافع عن الغفير
وقال للعمدة :لماذا تضربه يا عم إبراهيم؟ قال :مررتُ عليه ووجدتُه نائما ،فقال الرجل :نام؛ لنه
قضي النهار يروي لك أرضك ،ومَنْ يحرث ل يحرس.
إذن :تحت الجنس النوع ،وهذا النوع غير متكافيء؛ لنه لو تساوى لكان مكررا ل فائدة منه ،إنما
يختلف الفراد ويتميزون؛ لذلك ل تظن أنك تمتاز عن الخرين؛ لن ال تعالى وزّع المواهب بين
خَلْقه ،فأنت تمتاز في شيء ،وغيرك يمتاز في شيء آخر ،ذلك ليرتبط الناس في حركة الحياة
ط تفضّل كما قُلْنا.
ارتباطَ حاجةٍ ،ل ارتبا َ
لذلك ،فالرجل الذي يكنس لك الشارع مُميّزٌ عنك؛ لنه يؤدي عملً تستنكف أنت عن أدائه ،وإذا
ل وأنت العالم أو
أدّى لك هذا العامل عملً ل بُدّ أنْ تعطيه أجره ،في حين إذا سألك مثلً سؤا ً
صاحب المنصب...إلخ فإنك تجيبه ،لكن دون أنْ تأخذ منه أجرا على هذا الجواب ،وقد مكثتَ أنت
ن وصلتَ إلى هذه الدرجة ،وصارت لك
السنوات الطوالَ تجمع العلم وتقرأ وتسمع ،إلى أ ْ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
خصوصية ،إذن :لكل منا ،ذكر أو أنثى ،فردية شخصية تُميّزه.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فالحق سبحانه يريد لزوجات النبي صلى ال عليه وسلم أولً أنْ يُكّلمْنَ الناس من وراء حجاب،
وأنْ يُكّلمْنَ الناس بالمعروف كلما ل لينَ فيه ،ول ميوعة حتى ل يَتع ّرضْنَ لسوء ،ول يتجزأ
عليهن بذيء أو مستهتر.
ن وَلَ تَبَرّجْنَ تَبَرّجَ الْجَاهِلِيّةِ.{ ...
ثم يقول الحق سبحانهَ } :وقَرْنَ فِي بُيُو ِتكُ ّ
()3490 /
طعْنَ اللّهَ
ن وَلَا تَبَرّجْنَ تَبَرّجَ الْجَا ِهلِيّةِ الْأُولَى وََأ ِقمْنَ الصّلَاةَ َوآَتِينَ ال ّزكَا َة وَأَ ِ
َوقَرْنَ فِي بُيُو ِتكُ ّ
طهِيرًا ()33
طهّ َركُمْ تَ ْ
وَرَسُولَهُ إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ لِ ُيذْ ِهبَ عَ ْنكُمُ الرّجْسَ َأ ْهلَ الْبَ ْيتِ وَيُ َ
معنى { َوقَرْنَ فِي بُيُو ِتكُنّ[ } ...الحزاب ]33 :الزمنها ول تُكثِرْن الخروج منها ،وهذا أدب للنساء
عامة؛ لن المرأة إذا شغلتْ نفسها بعمل المطلوب منها في بيتها وفي خدمة زوجها وأولدها
ومصالحهم لما اتسع الوقت للخروج؛ لذلك كثيرا ما يعود الزوج ،فيجد زوجته مُنهمِكة في أعمال
البيت ،وربما ضاق هو نفسه بذلك؛ لنه ل يجدها متفرغة له.
إذن :المرأة المفلسة في بيتها هي التي تُكثِر الخروج ،وتقضي مصالح بيتها من خارج البيت ،ولو
ت مصالح بيتها ،ووفّرتْ على زوجها ،وقد حكوا لنا عن
ض ْ
أنها تعلمتْ الصناعات البسيطة لَق َ
النساء في دمياط مثلً ،كيف أن المرأة هناك تعمل كل شيء وتساعد زوجها ،حتى أن البنت تتعلم
حرفة ،ول ترهق أباها عند زواجها ،بل وتوفر من المال ما يساعد زوجها بعد أن تتزوج.
وقوله تعالى { :وَلَ تَبَرّجْنَ تَبَرّجَ ا ْلجَاهِلِيّ ِة الُولَىا[ } ...الحزاب ]33 :كلمة التبرج من البُرْج،
وهو الحصن ،ومعنى تبرّج أي :خرج من البرج وبرز منه ،والمعنى :ل تخرجن من حصن
التستر ،ول تبدين الزينة والمحاسن الواجب سَتْرُها.
وقال { تَبَرّجَ ا ْلجَاهِلِيّ ِة الُولَىا[ } ...الحزاب ]33 :أي :ما كان من التبرج قبل السلم ،وكانت
لمَة ل الحرة -تبدي مفاتن جسمها ،بل وتظهر شبه عارية ،وكُنّ ل يجدْنَ
المرأة -ونعني بها ا َ
غضاضة في ذلك ،وقد رأينا مثل هذا مثلً في إفريقيا.
أما الحرائر في الجاهلية ،فكانت لهُنّ كرامة وعِفّة ،في حين كانت تُقام للماء أماكن خاصة
للدعارة والعياذ بال؛ لذلك لما أخذ رسول ال العهد على النساء المؤمنات ألّ يَزْنين قالت امرأة
أبي سفيان :أو تزني الحرة يا رسول ال؟ يعني :هذا شيء مستنكف من الحرة ،حتى في الجاهلية.
سعْنَ دائرة التبرج التي حددها الشرع ،وهي
ومن معاني البرج :التساع ،فيكون المعنى :ل تُو ّ
الوجه والكفان.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وفي موضع آخر ،قال تعالى {:وَا ْل َقوَاعِدُ مِنَ النّسَآءِ الّلَتِي لَ يَرْجُونَ ِنكَاحا فَلَيْسَ عَلَ ْيهِنّ جُنَاحٌ أَن
ضعْنَ ثِيَا َبهُنّ غَيْرَ مُتَبَرّجَاتٍ بِزِينَةٍ[} ...النور.]60 :
َي َ
وتعجب من المرأة تبلغ الخمسين والستين ،ثم تراها تضع الحمر والبيض ،ول تخجل من
تجاعيد وجهها ،ول تحترم السنّ التي بلغتْها.
ل َة وَآتِينَ ال ّزكَـاةَ[ } ...الحزاب ]33 :كثيرا ما قرن القرآن بين
ثم يقول سبحانه { :وََأ ِقمْنَ الصّ َ
ن كنتَ في الزكاة تنفق بعض المال،
الصلة والزكاة ،وبدأ بالصلة؛ لنها عمدة التكاليف كلها ،وإ ْ
والمال فرع العمل ،والعمل فرع الزمن ،فأنت في الصلة تنفق الزمن نفسه وتضحي به ،فكأنك
في الصلة تنفق نسبة سبعة وتسعين ونصف بالمائة ،فضلً عن الثنين ونصف نسبة الزكاة.
كما يُفهم من إيتاء الزكاة هنا أن للمرأة ذمتها المالية الخاصة المستقلة عن ذمة الغير من أب أو
زوج أو غيره ،بدليل أن ال كلفها بإيتاء الزكاة ،لكن الحضارة الحديثة جعلتْ مال المرأة قبل
الزواج للب ،وبعد الزواج للزوج ،ثم سلبتْ المرأة نسبتها إلى أبيها ،ونسبتها بعد الزواج لزوجها.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
َفضْلِهِ[} ...التوبة.]74 :
فلم َي ُقلْ :وأغناهم رسوله حتى يقول قائل :كل منهما ُيغْنى بقدرة ،انما جاء الفعل واحدا{ أَغْنَاهُمُ
اللّ ُه وَرَسُوُلهُ[} ...التوبة ]74 :واقرأ أيضا قوله تعالى {:وَاللّ ُه وَرَسُولُهُ َأحَقّ أَن يُ ْرضُوهُ إِن كَانُواْ
ُم ْؤمِنِينَ }[التوبة ]62 :ولم يقل :يرضوهما.
لمْرِ مِ ْنكُمْ[} ...النساء ]59 :فلم يُكرّر المر
ل وَُأوْلِي ا َ
أما قوله تعالىَ {:أطِيعُواْ اللّ َه وَأَطِيعُواْ الرّسُو َ
ي المر إل من باطن طاعة ال ،وطاعة رسول ال.
بالطاعة مع أولي المر؛ لنه ل طاعة لول ّ
طهِيـرا
طهّ َركُمْ تَ ْ
ثم يقول سبحانه } :إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْ ِهبَ عَنكُـمُ الرّجْسَ َأ ْهلَ الْبَ ْيتِ وَيُ َ
{ [الحزاب ]33 :الرجس بالسّين هو الرّجز بالزاي ،وهو القذارة ،سواء أكانت حسية كالميتة
خمْرُ وَا ْلمَيْسِ ُر وَالَنصَابُ
مثلً ،وكالخمر ،أو معنوية كالثام والذنوب ،وقد جمعتْها الية {:إِ ّنمَا ا ْل َ
ع َملِ الشّ ْيطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ َلعَّلكُمْ ُتفِْلحُونَ }[المائدة ]90 :وقد يُراد بالرجس :النفاق
وَالَزْلَمُ ِرجْسٌ مّنْ َ
والمرض.
وكلمة (أهل) تُقال :لعشيرة الرجل ،لكنها تُطلَق في عُرْف الستعمال على امرأته ،ومن بقية
الصطلحات لهذا المعنى ما نقوله الن حين نذهب لزيارة صديق مثلً فنقول :معي الهل أو
الجماعة ،والبعض يقول :معي الولد ،ونقصد بذلك الزوجة ،لماذا؟ قالوا :لن أمر المرأة مبنيّ
على الستر ،فإذا كان اسمها مبنيا على الستر ،فكذلك معظم تكليفاتها مبنية على الستر في الرجل،
ونادرا ما يأتي الحكم خاصا بها.
لذلك ،السيدة أسماء بنت عميس زوجة سيدنا جعفر بن أبي طالب ،وكانت قد هاجرت إلى الحبشة،
فلما عادت سألتْ :أنزلَ شيء من أمر المرأة في غَيْبَتي؟ فقالوا لها :لم ينزل شيء ،فذهبت إلى
سيدنا رسول ال صلى ال عليه وسلم وقالت :يا رسول ال ،ما أعظم خيبتنا وخسارتنا ،فليس لنا
في الحكام شيء ،فقال لها رسول ال صلى ال عليه وسلم " :إنكن مستورات في الرجال ".
ت وَا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ
ن وَا ْلمُسِْلمَا ِ
ومع ذلك نزل القرآن الكريم بقوله تعالى {:إِنّ ا ْلمُسِْلمِي َ
شعَاتِ
ن وَالْخَا ِ
شعِي َ
ن وَالصّابِرَاتِ وَا ْلخَا ِ
ت وَالصّابِرِي َ
ن وَالصّا ِدقَا ِ
وَا ْلقَانِتِينَ وَا ْلقَانِتَاتِ وَالصّا ِدقِي َ
ت وَالذّاكِـرِينَ
جهُ ْم وَا ْلحَافِـظَا ِ
ت وَالْحَا ِفظِينَ فُرُو َ
ن والصّا ِئمَا ِ
وَا ْلمُ َتصَ ّدقِينَ وَا ْلمُ َتصَ ّدقَاتِ والصّا ِئمِي َ
عظِيما }[الحزاب.]35 :
اللّهَ كَثِيرا وَالذّاكِرَاتِ أَعَدّ اللّهُ َلهُم ّمغْفِ َر ًة وَأَجْرا َ
طهِيـرا {
طهّ َركُمْ تَ ْ
ت وَيُ َ
وتلحظ في هذه الية أيضا } إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ لِ ُيذْ ِهبَ عَنكُـمُ الرّجْسَ أَ ْهلَ الْبَ ْي ِ
[الحزاب ]33 :أنها تتحدث عن النساء ،لكنها تراعي مسألة سَتْر المرأة فتعود إلى ضمير
طهِيـرا
طهّ َر ُكمْ تَ ْ
الذكور } لِيُذْ ِهبَ عَنكُـمُ[ { ...الحزاب ]33 :ولم ت ُقلْ عنكُنّ ،كذلك في } وَيُ َ
{ [الحزاب ]33 :ويصحّ أنه يريد أهلَ البيت جميعا رجالً ونساءً.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
()3491 /
قوله تعالى { وَا ْذكُـرْنَ مَا يُتْـلَىا فِي بُيُو ِتكُـنّ[ } ...الحزاب ]34 :أي :نساء النبي { مِنْ آيَاتِ
حكْـمَةِ[ } ...الحزاب ]34 :أي :حديث
اللّهِ[ } ...الحزاب ]34 :أي :آيات القرآن الكريم { وَا ْل ِ
رسول ال صلى ال عليه وسلم ،أو :أن عطف الحكمة على آيات ال من عطف الصفة على
الموصوف ،لكن القول الول َأوْلَى ما دام أن المر فيه سعة.
ومعنى { وَا ْذكُـرْنَ[ } ...الحزاب ]34 :قلنا :إن الذكْر استحضار واستدعاء معلومة من حاشية
الشعور إلى بؤرة الشعور ،والمعنى :استحضر ِذكْر ال واجعلْه على بالك دائما؛ لذلك قال تعالى{:
وَلَ ِذكْرُ اللّهِ َأكْبَرُ[} ...العنكبوت ]45 :أي :أكبر من أيّ عبادة؛ لن العبادات كما ذكرنا تحتاج إلى
استعداد ،وإلى وقت ،وإلى مشقة ،وإلى تفرّغ وعدم مشغولية.
ي وقت ،وبدون استعداد أو مشقة ،ويلهج به لسانك في
أمّا ذكر ال فهو يجري على لسانك في أ ّ
أي وقت ،وعلى أي حال أنت فيه ،واقرأ في ذلك قوله تعالى من سورة الجمعة {:فَِإذَا ُقضِ َيتِ
ض وَابْ َتغُواْ مِن َفضْلِ اللّ ِه وَا ْذكُرُواْ اللّهَ كَثِيرا ّلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ }[الجمعة:
لةُ فَانتَشِرُواْ فِي الَ ْر ِ
الصّ َ
س ْعيٌ ول عمل؛ لن ال ّذكْر
]10فما دام أن الذكر هو أنْ تجعل ال على بالك ،فل يمنعك من ذلك َ
أخف العبادات وأيسَرُها على النفس ،وأثقلها في الميزان.
س َوةٌ حَسَ َنةٌ ّلمَن كَانَ يَرْجُو اللّ َه وَالْ َيوْمَ الخِ َر وَ َذكَرَ اللّهَ
ثم تأملّ {:لقَدْ كَانَ َلكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ ُأ ْ
كَثِيرا }[الحزاب.]21 :
خلُ لحظة من ذكر ربه أبدا؛ لذلك
فمن عظمة سيدنا رسول ال صلى ال عليه وسلم أن باله لم يَ ْ
ورد عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال عن نفسه " :تنام عيني ،ول ينام قلبي ".
ثم تُختم الية بقوله تعالى { :إِنّ اللّهَ كَانَ لَطِيفا خَبِيرا } [الحزاب ]34 :اللطف هو الدقّة في تناول
حسْن تأتّي المور مهما كانت وسائلها ضيقة ،وسبق أنْ أوضحنا هذا المعنى وقلنا :إن
الشياء و ُ
طفَتْ عَنُفتْ ،فالحديد الذي تجعله على النوافذ ليحميك من الذئاب ،غير
الشياء الضارة مثلً كما ل ُ
الحديد الذي يحميك من الثعابين ،أو من الناموس والذباب ..إلخ؛ لذلك نجد أن أفتك المراض تأتي
من الفيروسات اللطيفة التي لم تُعرف.
وحُسْن التأتّي للمور يعني التغلغل في الشياء مهما َد ّقتْ ،فقد تُضطر مثلً لنْ تُدخِل يدك في
شيء ضيق لتتناول شيئا بداخله ،فل تستطيع ،فتستعيَن على ذلك بالولد الصغير؛ لن يده ألطف
من يدك ،أو تستعين على ذلك بآلة أدقّ لتؤدي بها هذا الغرض.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ووَصْف اللطيف يُتمّمه وصف الخبير ،فإذا كان اللطيف يعني الدقة في تناول الشياء وحُسْن
التأتّي ،فالخبرة تعني معرفة الموضع ،فاللطف ل يتأتي إل بالخبرة.
ت وَا ْل ُم ْؤمِنِينَ.} ...
ن وَا ْلمُسِْلمَا ِ
ثم يقول الحق سبحانه { :إِنّ ا ْلمُسِْلمِي َ
()3492 /
ن وَالصّا ِدقَاتِ
ت وَالصّا ِدقِي َ
ن وَا ْلقَانِتَا ِ
ت وَا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ وَا ْلقَانِتِي َ
ن وَا ْلمُسِْلمَا ِ
إِنّ ا ْلمُسِْلمِي َ
ن وَالصّا ِئمَاتِ
ن وَا ْلمُ َتصَ ّدقَاتِ وَالصّا ِئمِي َ
ت وَا ْلمُ َتصَ ّدقِي َ
شعَا ِ
شعِينَ وَالْخَا ِ
ت وَالْخَا ِ
وَالصّابِرِينَ وَالصّابِرَا ِ
ت وَالذّاكِرِينَ اللّهَ كَثِيرًا وَالذّاكِرَاتِ أَعَدّ اللّهُ َل ُهمْ َم ْغفِرَ ًة وَأَجْرًا عَظِيمًا
جهُ ْم وَالْحَا ِفظَا ِ
وَالْحَافِظِينَ فُرُو َ
()35
قلنا :إن هذه الية نزلة تطيبا لخاطر السيدة أسماء بنت عميس زوجة سيدنا جعفر بن أبي طالب،
لما حدّ َثتْ سيدنا رسول ال في أمر الحكام ،وأنها تنزل وتتوجّه في الغالب إلى الرجال ،ويبدو
أنها حدّ َثتْ رسول ال في أمر النساء ،وأن منهن مثل الرجال مسلمات ومؤمنات ..إلخ.
ونلحظ أن الية بدأت بذكر السلم ،ثم اليمان ،فأيّهما يسبق الخر؟ ونجد إجابة هذا السؤال في
خلِ
ت الَعْرَابُ آمَنّا قُل لّمْ ُت ْؤمِنُو ْا وَلَـاكِن قُولُواْ َأسَْلمْنَا وََلمّا يَدْ ُ
قول الحق سبحانه وتعالى {:قَاَل ِ
الِيمَانُ فِي قُلُو ِبكُمْ[} ...الحجرات.]14 :
فالسلم أنْ تؤدي أعمال السلم بصرف النظر ،أكان أداؤك لها عن إيمان أو عن غير إيمان؟
ن تؤمن بمَنْ حكم ،وتُصدّق مَنْ بلّغك هذا الحكم ،وعليه
لن السلم تلقّي حكم ،أما اليمان فأ ْ
فاليمان سابق للسلم.
لذلك جاءت هذه الية لتفضح هؤلء العراب الذين تستروا وراء العمال الظاهرة للسلم ،وهم
غير مؤمنين بها ،وقد يأتي اليمان بعد السلم حين تؤدي أعمال السلم فتحلُو لك ،وتجذبك إلى
اليمان والتصديق.
ل الِيمَانُ فِي قُلُو ِبكُمْ[} ...الحجرات]14 :
خِلذلك ،فرح هؤلء العراب لقوله تعالى {:وََلمّا َيدْ ُ
وقالوا الحمد ل؛ لن (َلمّا) ل تدخل إل على ما يمكن أنْ يجيء ،كأن تقولَ :لمّا يثمر بستاننا ،وثد
أثمرتْ البساتين ،والمعنى :أنه سيثمر فيما بعد.
قالوا :لن هناك كثيرا من الحكام أنت ل تؤمن بالذي حكم بها إل إذا أدركتَ حلوتها ،فالرجل
الذي جاء سيدنا إبراهيم عليه السلم ،وطلب منه أنْ يبيت عنده ،أو :أنْ يضيفه ،فسأله إبراهيم
عليه السلم عن دينه فقال :إنه مجوسي ،فردّ الباب في وجهه ،فعاتبه ربه في ذلك ،وقال له :يا
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سعُه طوال عمره وهو كافر بي؟ فأسرع إبراهيم في
إبراهيم تريده أنْ يغير دينه لضيافة ليلة ،وأنا َأ َ
إثر الرجل حتى لحق به ودعاه إلى بيته ،فقال الرجل :ألم تنهرني منذ قليل ،فماذا حدث؟ فقال :لقد
عاتبني ربي فيك ،فقال الرجلِ :نعْم الربّ ربّ يعاتب أحبابه في أعدائه ،أشهد ألّ إله إل ال.
وقد اشتملتْ هذه الية على عشر صفات ،بدأت بالمسلمين والمسلمات ،وانتهت بالذاكرين ال
كثيرا والذاكرات ،وكأن ال تعالى أوجد مراد السيدة أسماء بنت عُميس في هذه الصفات العَشْر
التي جمعتْ الرجال والنساء ،واشتملت على كل أنواع التكليف ،وهي برقية تدلّ على أن حكم
المرأة التكليفي مطمور في باطن الرجل ،وهذه هي الصول.
ومعنى { وَا ْلقَانِتِينَ[ } ...الحزاب ]35 :المداومون على عبادة ال وطاعته في خشوع وتضرّع
ن وَا ْلمُ َتصَ ّدقَاتِ[ } ...الحزاب ]35 :أن للمرأة ذمتها المالية
كما نفهم من قوله تعالى { وَا ْلمُ َتصَ ّدقِي َ
المستقلة وحرية التصرّف في مالها بغير إذن زوجها إذا كانت تملك إرثا أو هبة من زوجها أو من
غيره ،فل وليةَ عليها من أحد.
وسبق أن أوضحنا هذه المسألة في كلمنا عن الزكاة ،وهذه من مَيْزات المرأة في السلم ،حيث
كانت قبل السلم ،وحتى في الحضارات الحديثة تابعة لبيها أو لزوجها ،والصدقة تشمل الزكاة؛
ن وَا ْلعَامِلِينَ عَلَ ْيهَا[} ...التوبة.]60 :
لن ال قال فيها {:إِ ّنمَا الصّ َدقَاتُ لِ ْلفُقَرَآ ِء وَا ْلمَسَاكِي ِ
فالصدقة هي العنوان العم ،ومعناها أنك ص ّد ْقتَ الحق سبحانه حين استأمنك على خير ،فاستنبط
بمجهودك وسعيك في أرض ال التي خلقها ،فكأنك تُحقّق ما كان من سيدنا أبي بكر حين سأله
رسول ال صلى ال عليه وسلم :ماذا صنع بماله الذي كسبه في الغنيمة؟ قال تص ّد ْقتُ به كله،
فقال له " :وماذا أبقيتَ لهلك؟ " قال :أبقيت لهم ال ورسوله .فلما سأل عمر -رضي ال عنه -
قال :تص ّد ْقتُ بنصفه ،ول عندي نصفه.
فكلّ منهما تصرّف في ماله تصرّفا منطقيا يناسبه.
وإنْ كانت الزكاة يُراد بها نماء المال وطهارته ،فالصدقة عطاء ل يُرَاد به إل وجه ال وثوابه في
الخرة ،فكأن المتصدّق يريد أنْ يبرّ ،وأنْ يعترف ل المعطي بالفضل؛ لن ال مكّنه من مال لم
يُمكّن منه الضعيف ،ول غير القادر.
ثم ذكر الحق سبحانه تكليف الصوم } والصّا ِئمِينَ والصّا ِئمَاتِ[ { ...الحزاب ]35 :والصوم أخذ
حكْما فريدا من بين أحكام التكاليف كلها ،والحق سبحانه جعل لكل تكليف من التكاليف (كادر
ُ
خاص) في الجزاء إل الصوم ،فليس له (كادر) محدد ،لذلك قال عنه الحق سبحانه " :إل الصوم،
فإنه لي ،وأنا أجزي به " يعني :قرار عالٍ فوق الجميع ،فلماذا أخذ الصوم هذه المنزلة؟
قالوا :لن الصوم هو العبادة الوحيدة التي لم يعبد بها بشرٌ بشرا أبدا ،فمن الممكن مثلً في شهادة
أنْ ل إله إل ال أنْ يأتي مَنْ يمدح آخر ،فيقول له :ليس في الكون إل أنت ،أنت النافع وأنت
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الضار ،وهناك من قال عن نفسه :أنا الزعيم الوحيد ،كذلك في الصلة نرى مَنْ يخضع ويسجد
لغير ال كما نخضع ونسجد نحن في الصلة ،وكذلك في الزكاة نتقرب إلى العظيم أو الكبير
بالهدايا له أو لمن حوله.
لكن ،هل قال بشر لبشر :أنا أصوم شهرا ،أو يوما تقرّبا إليك؟ ل ..لن الصيام للغير المماثل
تذنيب للمصوم له ل للصائم؛ لنه سيُضطرّ لنْ يظل طوال اليوم يراقبك ،أكلتَ أم لم تأكل؟
ولن الصوم هو العبادة الوحيدة التي لم يتقرب بها بشر لبشر قال ال عنها في الحديث القدسي:
كل عمل ابن آدم له إل الصوم ،فإنه لي ،وأنا أجزي به " يعني :جزاؤه خارج المقرر كما قلنا.
ومن عظمة تكليف الصوم أيضا أن ال تعالى أحلّ لنا أشياء ،وحرّم علينا أشياء أخرى تحريما
أبديا ،فالذي تحمّل التكليف أَِلفَ الحلل ولم يألف ما حُرّم عليه ،ورسختْ هذه العقيدة في نفسه،
حتى أن الحرام ل يخطر بباله أبدا ،فلم ي ْأتِ على باله مرة مثلً أنْ يشرب الخمر ،أو يأكل الميتة،
فهذه مسألة منتهية بالنسبة له ،فأراد ال تعالى أنْ يديم لذّة التكليف على البشر ،ففرضَ الصومَ
الذي يُحرّم عليك اليوم ما كان مُحلّلً لك بالمس ومألوفا حتى صار عادة.
إذن :هناك فَرْق بين دوام العادة ولذة العبادة ،وتأمل مثلً يوم الفطر ،والفطر عادة لك في غير هذا
اليوم ،وأنت حر تفطر أو ل تفطر ،فإذا ما جاء يوم عيد الفطر أخرجك ربك من العادة إلى
العبادة ،وجعله تكليفا أنْ تفطر قبل الخروج للصلة.
حفْظ
ج ُه ْم وَالْحَافِـظَاتِ[ { ...الحزاب ]35 :جاءتْ مسألة ِ
ثم يقول تعالى } :وَا ْلحَافِظِينَ فُرُو َ
الفروج بعد ذكر الصيام؛ لن الصيام امتناعٌ عن شهوتَيْ البطن والفرج ،شهوة البطن جعلها ال
تعالى لحفظ الحياة بالطعام والشراب ،وشهوة الفرج جعلها ال تعالى لحفظ النوع بالنكاح والتناسل.
قُلْنا :إن ال تعالى أرضى السيدة أسماء رضي ال عنها الممثّلة لجنس النساء ،فذكر أنواع التكاليف
مرة للمذكّر ،ومرة للمؤنث ،لكنه راعي في ذلك سَتْر المرأة ،وهنا أيضا يُراعي هذه المسألة،
جهُمْ وَالْحَافِـظَاتِ[ { ...الحزاب ]35 :حينما تكلم عن المذكّر قال }
فيقول } :وَالْحَا ِفظِينَ فُرُو َ
جهُمْ[ { ...الحزاب ]35 :ولم ي ُقلْ :والحافظات فروجهن؛ لن أمر النساء ينبغي أنْ
وَالْحَافِظِينَ فُرُو َ
يُسْتر وأنْ ُيصَان.
ثم يقول سبحانه } وَالذّاكِـرِينَ اللّهَ كَثِيرا وَالذّاكِرَاتِ[ { ...الحزاب ]35 :ويعود إلى مسألة السّتْر
عظِيما { [الحزاب ]35 :فقال (لهم) على سبيل
مرة أخرى في قوله } :أَعَدّ اللّهُ َلهُم ّم ْغفِ َر ًة وَأَجْرا َ
التغليب ،وسَتْر المرأة في الرجل ،وهذه مسألة مقصودة يُراد بها شرف للمرأة ،وصيانة لها ،ل
إهمالها كما يدّعي البعض ،ومن هذه الصيانة ما نقوله نحن عن المرأة :معي أهلي أو الولد أو
الجماعة ،ونقصد بذلك سَتْرها وصيانتها ل إهمالها ،أو التقليل من شأنها.
فكأن الحق سبحانه حينما أرضى السيدة أسماء نيابةً عن المرأة المسلمة ،فذكر ما ذكر من جمع
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
المؤنث الذي يقابل جمع المذكر ،أراد أنْ يبني حول المرأة سياجا من الستر في كل شيء حتى في
التكاليف.
ونلحظ على سياق الية هنا أيضا أنه قدّم المغفرة على الجر؛ لن القاعدة كما قُلْنا :إن دَرْء
المفسدة مُقدّم على جَلْب المصلحة ،والحق سبحانه يُعد لعباده الجر على الحسنة التي فعلوها ،مع
أنه سبحانه ل ينتفع منها بشيء إنما يعود َنفْعها على المكلّف نفسه’،فهو يستفيد بالطاعة وينال
عليها الجر في الخرة.
أما الحق سبحانه فغنيّ عنّا ،وعن طاعتنا ،واقرأ الحديث القدسي " :يا عبادي ،لو أن أولكم
وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ،ما زاد ذلك في مُلْكي شيئا ،ولو أن
أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ،ما نقص ذلك من ملكي شيئا
".
إذن :نحن المستفيدون من التكاليف ،ففيها صلحُنَا في الدنيا ،ثم نأخذ عليها الجر يوم القيامة.
لذلك نجد الكثير من الرسل يقولون لقوامهمَ {:ومَآ أَسْأَُلكُمْ عَلَ ْيهِ مِنْ َأجْرٍ[} ...الشعراء ]109 :كأنه
يقول :الذي أؤديه لكم من تبليغ دعوة ال في عرف القتصاد والتبادل يقتضي أنْ آخذَ عليه أجرا؛
لنني أؤدي لكم خدمة ،لكن ماذا سآخذ منكم أيها العرايا وأجري عالٍ ل يقدر عليه المكلّف{ إِنْ
أَجْ ِريَ ِإلّ عَلَى اللّهِ[} ...يونس ]72 :فهو وحده القادر على أنْ يجازيني بما أستحق.
ووَصْف الجر بأنه عظيم يدلّ على كِبَر في الحجم ،و َنفَاسة في الصفات ،وامتداد في الزمن ،وهذه
هي عناصر العظمة في الشيء ،وأيّ أجر عظيم من أجر ال لعباده في الخرة؟
ن وَلَ ُم ْؤمِنَةٍ إِذَا َقضَى.{ ...
ثم يقول الحق سبحانهَ } :ومَا كَانَ ِل ُم ْؤمِ ٍ
()3493 /
ن وَلَا ُم ْؤمِنَةٍ إِذَا َقضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ َأمْرًا أَنْ َيكُونَ َلهُمُ الْخِيَ َرةُ مِنْ َأمْرِ ِه ْم َومَنْ َي ْعصِ
َومَا كَانَ ِل ُم ْؤمِ ٍ
ضلّ ضَلَالًا مُبِينًا ()36
اللّ َه وَرَسُوَلهُ َفقَ ْد َ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عبد ال بن جحش ،والمؤمنة أخته زينب من حيث هما سبب لنزول الية ،وإل فهي لجميع
المؤمنين وجميع المؤمنات.
وسبق أنْ ذكرنا قصة زيد بن حارثة ،وملخصها أنه سُرِق من أهله ،وبِيع في سوق العبيد على أنه
عبد ،فاشتراه حكيم بن حزام ،ثم وهبه للسيدة خديجة أم المؤمنين ،فوهبته خديجة رضي ال عنها
لسيدنا رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فصار َموْليً لرسول ال.
وبينما هو ذات يوم بالسوق ،إذ رآه جماعة من قومه فعرفوه ،وأخبروا أباه أنه بالمدينة ،فجاءه
أبوه وأعمامه ،وح َكوْا لرسول ال قصته ،وطلبوا عودته معهم ،فقال رسول ال :خيّروه ،فإن
اختاركم فهنيئا لك ،وإن اختارنيَ ،فمَا كان لي أنْ أُسْلِمه ،فردّ زيد وقال :وال ما كنت لختار على
رسول ال أحدا.
فأراد سيدنا رسول ال أنْ يكافيء زيدا على هذا التصرف ،فنسبه إليه على عادة العرب في هذا
الوقت ،فسمّاه زيد بن محمد.
ج َعلَ اللّهُ
فلما أراد الحق سبحانه أن ينهي هذه العادة ،ومثلها عادة الظهار ،نزل قوله سبحانه { :مّا َ
ج َعلَ َأدْعِيَآ َءكُمْ
جكُمُ اللّئِي تُظَاهِرُونَ مِ ْنهُنّ ُأ ّمهَا ِتكُمْ َومَا َ
ج َعلَ أَ ْزوَا َ
ج ْوفِهِ َومَا َ
جلٍ مّن قَلْبَيْنِ فِي َ
لِرَ ُ
أَبْنَآ َءكُمْ[ } ...الحزاب.]4 :
فكما أن الرجل ل يكون له إل قلب واحد ،كذلك ل يكون له إل أب واحد ،وشاء ال أنْ يبدأ بمُتَبنّي
رسول ال؛ ليكون نموذجا تطبيقيا عمليا أمام الناس ،وكانت هذه الظاهرة يترتب عليها أنْ يرث
المتبنّي من المتبنّي بعد موته ،وأنْ تُحرم زوجة المتبنّي أنْ يتزوجها المتبنّي.
صحيح أن القضاء على هذه العادة قضاءٌ على نظام اجتماعي فاسد موجود في الجزيرة العربية،
لكنه في الوقت نفسه دليل على أن رسول ال صلى ال عليه وسلم تبنّي كما يتبنّى العرب ،وأن ال
تعالى أبطل من رسول ال هذا التصرّف؛ وهذا سيفتح الباب أمام معاندي رسول ال أنْ يَشْمتوا
فيه ،وأن تتناوله ألسنتهم؛ لذلك عالج الحق سبحانه هذه القضية علج ربّ بإنفاذ المر في ُنصْرة
ع ْدلً ،وحكمه سبحانه أعدل ،فقال {:ادْعُو ُهمْ
حبيب له ،فلم يُشوّه عمل الرسول ،إنما جعل ِفعْله َ
سطُ عِندَ اللّهِ[} ...الحزاب.]5 :
لبَآ ِئهِمْ ُهوَ َأقْ َ
ن تكفلوا هؤلء الولد ،وأنْ تنسبوهم إليكم ،فهذا
والمعنى :إنْ كُنتم جعلتم من العدل والمحبة أ ْ
عَدْل بشريّ ،لكن حكم ال أعدل وأقْسَط ،وشرفٌ لرسول ال أنْ يردّ الُ حكمه إلى حكم ربه،
وشرفٌ لرسول ال أن يكون له الصل في المسألة ،وأنه يحكُم ،فيردّ ال حكمه إلى حكمه ،فهذا
تكريم لرسول ال.
ل بقانون
فقوله تعالى{ ُهوَ َأقْسَطُ عِندَ اللّهِ[} ...الحزاب ]5 :يعني :أن ِفعْل محمد كان قسْطا وعَ ْد ً
البشر ،وقد جاء محمد ليُغيّر قوانين البشر بقوانين ربّ البشر ،وبهذا خرج سيدنا رسول ال من
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هذا المأزق.
أما زيد فقد عوّضه ال عما لحقه من ضرر بسبب انتهاء نسبه إلى رسول ال ،فصار زيد بن
حارثة بعد أنْ كان زيد بن محمد ،عوّضه ال وأنصفه بأنْ جعله العَلَم الوحيد من صحابة رسول
ال الذي ذُكر اسمه في القرآن الكريم بنصّه وفصّه ،فقال سبحانه {:فََلمّا َقضَىا زَيْدٌ مّ ْنهَا وَطَرا
َزوّجْنَا َكهَا[} ...الحزاب ]37 :فَخُلَد زيد في كتاب يُتْلى ،ويُتعبد بتلوته إلى يوم القيامة.
وعلقة زيد بن حارثة بما نحن بصدده من قوله تعالى } َومَا كَانَ ِل ُم ْؤمِنٍ َولَ ُم ْؤمِنَةٍ...
{ [الحزاب ]36 :أنه تزوج من السيدة زينب بنت جحش ،زوّجه إياها رسول ال ،وقد نزلتْ هذه
الية في زينب ،وفي أخيها عبد ال.
ومعنى } َومَا كَانَ ِل ُم ْؤمِنٍ وَلَ ُم ْؤمِنَةٍ[ { ...الحزاب ]36 :معنى (ما كان) أي :أنه شيء بعيد ،ل
جحْد هذه
يمكن أنْ يَرِد على العقل ،أي :أنه أمر مُسْتبعد غير مُتصوّر ،وكان المنفية تدل على َ
المسألة ،فالمؤمن والمؤمنة ،ما دام أن اليمان باشر قلبيهما ل يمكن أنْ يتركا أمر ال وحكمه ،أو
أمر رسوله إلى اختيارهما.
} َومَا كَانَ ِل ُم ْؤمِنٍ وَلَ ُم ْؤمِنَةٍ إِذَا َقضَى اللّ ُه وَرَسُولُهُ َأمْرا أَن َيكُونَ َلهُمُ الْخِيَ َرةُ مِنْ َأمْرِ ِهمْ...
ن ل بال ،ول برسول ال.
{ [الحزاب ]36 :وإل فل إيما َ
فإنْ قُ ْلتَ :كيف وقد أثبتَ ال الختيار؟ نقول :هناك فرق بين اختيارٍ داخل في التكليف ،إنْ ش ْئتَ
فعلْته أو لم تفعله ،وشيء في إيجاد التكليف بداية ،فليس للعباد دخْل في إيجاد الشيء المكلّف به،
إنما إذا كلّفتهم أنا ،فأنا صاحب التكليف ،وكونهم يطيعونه أو ل يطيعونه ،فهذا أمر آخر ،ليس
للعباد أن يقترحوا التكليف على هواهم؛ لن التكليف لي ،ولهم الختيار في طاعته وفي قبوله ،وما
ن يرتضوا المر ،وألّ
دام قد ثبت أنهم آمنوا بال وآمنوا برسول ال فكان من الواجب عليهم أ ْ
يُعرضوا عنه إلى غيره.
وقصة طلق زيد وزينب ،ثم زواج سيدنا رسول ال صلى ال عليه وسلم منها قصة خاضَ فيها
المستشرقون والمغرضون كثيرا ،وتجرأوا على سيدنا رسول ال بكلم ل ينبغي في حقه صلى ال
عليه وسلم ،ومن قولهم أن محمدا أحبّ زينب وأرادها لنفسه ،فأمرها أن تشاغب زيدا حتى يطلقها
فيتزوجها.
ونقول لهؤلء الغبياء :أولً زينب بنت جحش السدية هي بنت عمة رسول ال ،وكان صلى ال
عليه وسلم مُكلّفا بإدارة أموالها ورعاية شئونها ،وقد نشأتْ تحت عينه ،ولو أرادها لنفسه لتزوّجها
بداية ،وهذا بنصّ القرآن:
سكَ مَا اللّهُ مُبْدِيهِ[} ...الحزاب ]37 :فإن أردت أن تعرف ما أخفاه رسول ال
خفِي فِي َنفْ ِ
{ وَتُ ْ
علَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَ ْزوَاجِ
ي لَ َيكُونَ َ
فخذه مما أبداه ال والذي أبداه ال قوله تعالىِ {:ل َك ْ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أَدْعِيَآ ِئهِمْ[} ...الحزاب ]37 :وهذا يهدم كلّ ادعاءاتكم على رسول ال.
أما قولهم بانشغال قلب رسول ال بزينب ،فنقول :ولماذا تجعلون انشغالَ قلب محمد انشغالً
جنسيا؟ ولوتتبِعتُم القصة من أولها لظهر لكم غير ذلك ،فحينما أرسل رسول ال مَنْ يخطب زينب
حمْنة أنه جاء ليخطبها لرسول ال ،فلما علموا أنه يخطبها لموله زيد
ظنّ أخوها عبد ال وأختها َ
غضبوا جميعا ،فكيف تتزوج السيدة القرشية وبنت عمة رسول ال من عبد ،لكن لما علموا أن
المر من ال أذعنُوا له ووافقوا.
ثم بعد أنْ تزوجتْ زينب من زيد تعالتْ عليه ،بل وشعر أنها تحتقره لهذا الفارق بينهما ،فكان زيد
يشتكي لرسول ال سوءَ معاملة زوجته له ،وأنها كما نقول (منكدة عليه عيشته) ،وأنها تعيش معه
في بيت الزوجية بالقالب ل بالقلب ،لكن حبه لرسول ال كان يمنعه من طلقها ،وهو أيضا ل
يريد أن يخسر هذا الشرف الذي ناله بالزواج من ابنة عمة رسول ال.
ك وَاتّقِ
جَسكْ عَلَ ْيكَ َزوْ َ
وكان سيدنا رسول ال في كل مرة يشتكي فيها زيدٌ من زينب يقول له{ َأمْ ِ
اللّهَ[} ...الحزاب ]37 :ولو أرادها الرسول لنفسه لقال له طلّقها ،ولوجد الفرصة أمامه سانحة.
ويجب أن نبحث هنا علقة المرأة بالرجل ،فالخالق سبحانه خلق الرجل للمرأة ،والمرأة للرجل؛
لذلك نجد المرأة العربية أم إياس ،وهي تُوصي ابنتها لما خطبها الحارث ،تقول " :أيْ بُنية ،إنك
لو تُر ْكتِ بل نصيحة لكنت أغنى الناس عنها ،ولو أن امرأة استغنتْ عن الزوج لغني أبويها وشَدّة
خِلقْن ،ولهُنّ خُلِق الرجال ،وأن النصيحة لو
حاجتهما إليها لكنتِ أغنى الناس ،ولكن الرجال للنساء ُ
تركتْ لفضل أدبٍ لتركت لذلك منك ،ولكنها تذكرةٌ للغافل ومعونة للعاقل ".
وقلنا :إن النسان يستطيع أنْ يعيش أفضل ما يكون من مأكل ومَشْرب وملبس ومسكن ،لكنه مع
ذلك ل يستغني بحال عن الزوجة والمرأة كذلك؛ لذلك يقول رسول ال صلى ال عليه وسلم " :لو
كنت آمرا أحدا أن يسجد لحد لمرتُ الزوجة أن تسجد لزوجها ".
لماذا؟ لن الزوج يعطيها ما يعطيه الب والم والخوة ،ويزيد على ذلك مما يقدرون ول
يستطيعون.
الشاهد أن المرأة للرجل ،والرجل للمرأة ،مهما وضعوا من أسوار من عِزّ أو من جبروت ،أو
غيره.
إن المسألة بالنسبة لزيد كانت صعبة؛ لن ال تعالى جعل للزواج ثل مراحل ،وردتْ في قوله
حمَةً} ...
ج َعلَ بَيْ َنكُم ّموَ ّد ًة وَرَ ْ
سكُنُواْ إِلَ ْيهَا َو َ
سكُمْ أَ ْزوَاجا لّ َت ْ
تعالىَ {:ومِنْ آيَاتِهِ أَنْ خََلقَ َلكُم مّنْ أَنفُ ِ
[الروم.]21 :
فالولى أنْ يسكن الزوج إلى زوجته ،وأنْ يطمئن إليها ،ويرتاح بجوارها حين تمسح عنه عرقه،
سكَن بسبب مُنغّصات للحياة ،فليكُنْ بينهما مودة
وتحتويه بعد تعب اليوم ومشاق الحياة ،فإن امتنع ال ّ
تجمعهما ،ولِ َم ل ،وأنت حين تصاحب صديقا مثلً مدة طويلة تجد له مودة في قلبك ،وتجد أن لهذه
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
المودة ثمنا ،فتتحمله إنْ أخطأ ،وتسامحه إنْ أساء ،فما بالك بالزوجة ،أليست أحق بهذه المودة؟
فإذا ما ُفقِدَت المودة أيضا ،فلي ْبقَ بين الزوجين التراحم ،فليرحم كل منهما الخر إنْ أصابه الكِبَر
أو المرض ،أو غير ذلك.
" لما رآه بعض أصحابه مع امرأة ،فمالوا عنه صلى ال عليه وسلم خشيةَ أنْ يتسببوا له في
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حرج ،فناداهما رسول ال " :على رِسْلكما إنها صفية " فقالوا :نحن ل نشك فيك يا رسول ال،
فقال " :إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم " ".
فرسول ال يريد أن ينفض عن نفسه أيّ شبهة ،يريد أل يجعل لحد جميلً عليه ،بأنه ستر على
رسول ال.
ول أدلّ على حيائه صلى ال عليه وسلم من قصته مع عبد ال بن سعد بن أبي السرح ،فلما دخل
صلى ال عليه وسلم مكة فاتحا ومنتصرا كان قد أهدر دم عبد ال بن سعد بن أبي السرح؛ لنه
نال كثيرا من رسول ال ،فجاء عثمان بن عفان رضي ال عنه يستأمن لعبد ال من رسول ال -
يعني :يطلب له المان -فما ردّ عليه رسول ال ،وكان ينتظر أن يقوم رجل من القوم فيقتل عبد
ال ،لكن عثمان أعادها مرارا على رسول ال حتى أنه استحي من عثمان فأمّن عبد ال ،فلما أمّنه
أخذه عثمان وانصرف من مجلس رسول ال.
فقال رسول ال لصحابته " :ألم يكن فيكم رجل رشيد يقوم إليه فيقتله؟ " يعني :قبل أن يُكلّمه
عثمان فيكون قد سبق السيف العذل كما يقولون ،فقام عبد ال بن بشر وقال :يا رسول ال ،لقد
كانت عيني في عينك ،أنتظر إشارة منك لقتله ،لكنك لم تفعل ،فقال سيدنا رسول ال -انظر إلى
العظمة " ما كان لنبي أن تكون له خائنة العين ".
أذكر أنه كان لنا أستاذ ،هو سيدنا الشيخ موسى شريف رحمه ال ورضي ال عنه ،وكان رجلً له
مدد من ال ،وقد فسر لنا هذه الية ،وكنا نذاكر دروسنا قبل أن نحضر درسه ،وكان يصطفيني
من بين إخواني الموجودين أمثال الشيخ حسن جاد ،والدكتور خفاجة وأبي العينين وغيرهم،
ليسألني عن مذاكرتنا وما وقف أمامنا من قضايا ،فناداني وكان قد علم من أبي اسم أمي ،فناداني
بها فتقدّمت إليه ،فضربني على قفاي ضربة انحّلتْ معها القضية التي كانت تقف أمامنا ،تماما كما
تضرب الذي يعاني من (الزغطة) ضربة على ظهره فتذهب.
ولما حدّثنا الشيخ عن قصة سيدنا عثمان هذه جاء في اليوم التالي وقال :يا أولد ،رأينا الليلة سيدنا
عثمان بحيائه ،فقلت له :كيف تستأمن لرجل قال في رسول ال كذا وكذا؟ فقال لي :ألَ تعلم أن ال
ن تاب ،فقلت لرسول ال صلى ال عليه وسلم -ولم يقل " :أنا رأيت رسول ال -ما الذي
يحب مَ ْ
جعلك تقبل شفاعة عثمان؟ فقال :أل أستحي من رجل تستحي منه الملئكة؟
فالنبي صلى ال عليه وسلم بطبيعته كان شديد الحياء.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ن يفتح عليه ويدلّه ،أما هذا الذي يعصي ال ورسوله ،فضلله ضلل مبين ل يجد مَنْ يدلّه ،ول
مَ ْ
مَنْ يهديه أبدا؛ لن هذا الطريق الذي يسير فيه مُوصّل إلى الخرة ،وليس هناك شيء من ذلك.
كانت هذه (لقطة) لسيدنا رسول ال صلى ال عليه وسلم مع عثمان وعباد بن بشر أوضحتْ صفة
الحياء في رسول ال ،نعود بعدها إلى ما كنا بصدده من الحديث عن الرياضة اليمانية التي
جمعتْ بين رسول ال وكل من زيد وزينب.
وكان سيدنا رسول ال إذا غاب زيد يذهب فيسأل عنه ،فذهب مرة ،فرأى زينب منشغلة في أمور
بيتها ،وكانت زينب على حالة طيبة ،فقال صلى ال عليه وسلم " :تبارك ال أحسن الخالقين " كما
ترى مثلً ابنتك في مظهر حسن ،فتقول :ما شاء ال.
وكأن رسول ال أراد أنْ يُطيّب خاطرها ،أو يرفع من روحها نظير ما أجبرها عليه من الزواج
بزيد ،ونظير أنها تعيش معه على مضض ،فلما جاء زيد قالت له :لقد جاء رسول ال وسأل عنك
ن تكوني لرسول ال؛ لنك وقعت
وقال لي :تبارك ال أحسن الخالقين ،فقال لها :يا زينب أرى أ ْ
في قلبه ،وأرى أنْ أُطلّقك ليتزوجك رسول ال ،فبدا عليها الرتياح ،وتعجبتْ كأنها لم تصدق :إذا
طّلقْتني أتزوج برسول ال ،كان هذا الحوار مجرد كلم.
وبال لو قيل هذا الكلم في غير هذا الموقف ،ولواحد غير زيد لغلي الدم في عروقه ،وفعل ما
أفعل ،إنما تأمل الرياضة اليمانية التي تحلّي بها زيد.
يقول تعالى في هذه المسألة } :وَإِذْ َتقُولُ لِلّذِي أَنعَمَ اللّهُ عَلَ ْي ِه وَأَ ْن َع ْمتَ.{ ...
()3494 /
معنى { وَإِذْ َتقُولُ[ } ...الحزاب ]37 :واذكر جيدا وأدِرْ مسألة زيد في رأسك ،اذكر إذ تقول
للذي أنعم ال عليه باليمان -والمراد زيد وأنعمتَ عليه بالعتق أولً ،وأنعمت عليه بقانون
البشرية بأنْ جعلْتَه ابنا لك وأنعمتَ عليه بأن زوّجته ،وهو عبد ،من قرشية ،هي ابنة عمتك ،ثم
ك وَاتّقِ اللّهَ[ } ....الحزاب.]37 :
جَسكْ عَلَ ْيكَ َزوْ َ
أنعمتَ عليه حين قُلْت له { َأمْ ِ
ن يقولوا :تزوّج من امرأة مُتبنّاه؟
لكن ،لماذا قُ ْلتَ له هذه الكلمة يا محمد؟ أخوفا من كلم الناس أ ْ
كيف وهذا مقصود من ال تعالى ،إنه يريد أن يُنهي عادة التبني ،وأنْ يُنهيها على يدك أنت ،فأنت
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
تخفيه خوفا من كلم الناس ،وقد أبداه ال حين أخبرك بهذه المسألة ،وأن نهايتها ستكون على يديك
عكَ من الناس.
حقّ أَن َتخْشَاهُ[ } ...الحزاب ]37 :فد ْ
بأنْ تتزوج امرأة مُتبنّاك { وَاللّهُ أَ َ
شوْنَ أَحَدا ِإلّ
شوْنَ ُه َولَ َيخْ َ
خَلتِ اللّ ِه وَيَ ْ
لذلك قال سبحانه في موضع آخر {:الّذِينَ يُبَّلغُونَ رِسَا َ
اللّهَ[} ...الحزاب.]39 :
وسبق أن أوضحنا أن خشيته صلى ال عليه وسلم لم تكن خشية خوف من شيء يضره ،إنما
خشية استحياء ليدفع رسول ال الشبهة عن نفسه.
وقوله تعالى { :فََلمّا َقضَىا زَ ْيدٌ مّ ْنهَا وَطَرا َزوّجْنَا َكهَا[ } ...الحزاب ]37 :الوطر :هو الشياء
التي تناسب معاش الرجل ،فمعناه الغاية أو الحاجة ،وسبق أن قُلْنا :إن وطر الرجل من زوجته أن
تكون سكنا ،فإن لم يكُنْ ،فمودة تجمعهما ،فإنْ لم َيكُنْ فرحمة متبادلة.
وقد افتقد زيد في زوجته كل هذه المراحل ،فلم يجد معها ،ل السكن ،ول المودة ،ول الرحمة،
فلماذا -إذن -يستمر في الرتباط بها؟ لذلك كان يذهب إلى رسول ال ،فيشتكي له ما يلقي من
زينب ،فكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول له:
ك وَاتّقِ اللّهَ[ } ....الحزاب.]37 :
جَسكْ عَلَ ْيكَ َزوْ َ
{ َأ ْم ِ
وتأمل هنا هذه الرياضة اليمانية بين سيدنا رسول ال وزيد وزينب رضي ال عنهما :لما طلّق
زيدٌ زينب تركها رسول ال لتقضي عدّتها ،فلما قضتْ العِدّة قال :يا زيد اذهب إلى زينب فاخطبها
عليّ ،فما هذه العظمة؟ رسول ال يبعث المطلق ليخطب له المطلّقة ،وهذا يدل على ثقته في زيد،
وأنه قد قضي وطره من زينب ،ولم َيعُدْ فيها حاجة.
ويدخل زيد على زينب ،فيقول لها :أبشري يا زينب ،لقد بعثني رسول ال لخطبك له ،فقالت:
وال ل أجيب حتى أسجد شكرا ل ،فقامت زينب فسجدتْ ،عندها عاد زيد إلى رسول ال ،فأخبره
ما كان من زينب فجاءها رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فدخل عليها بل استئذان.
تُرى لماذا يدخل عليها سيدنا رسول ال بل استئذان؟ قالوا لنها حينئذ صارت زوجته ،كما قال
سبحانه { فََلمّا َقضَىا زَ ْيدٌ مّ ْنهَا وَطَرا َزوّجْنَا َكهَا.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
إنما كان جبريل.
فأيّ عظمة هذه التي نلحظها في هذه القصة ،وأيّ رياضة إيمانية عالية من رسول ال وصحابته؟
إذن :لم يتزوج رسول ال من زينب ،إنما زوّجه ربه؛ لذلك نقول للمغرمين بالخوض في هذه
المسألة ،يحسبونها سُبّة في حق رسول ال :افهموا الفرق بين ُزوّج وتزوج .تزوج أي :بنفسه
وبرغبته ،إنما ُزوّج أي زوّجه غيره ،وكلمة } َزوّجْنَا َكهَا[ { ...الحزاب ]37 :تحتوي على الفعل
زوّج والضمير (نا) فاعل يعود على الحق سبحانه ،والكاف لخطاب رسول ال ،وهي مفعول أول،
ن للفعل زوّج.
والهاء تعود على السيدة زينب ،وهي مفعول ثا ٍ
فرسول ال في هذه المسألة ،وفي كل زوجاته لم يخالف عن أمر ال .فلتكونوا منصفين؛ لن
عسَىا رَبّهُ إِن طَّل َقكُنّ أَن يُبْدَِلهُ
المسألة ليستْ عند محمد ،إنما عند رب محمد ،واقرأوا إن شئتمَ {:
ت وَأَ ْبكَارا }[التحريم.]5 :
أَ ْزوَاجا خَيْرا مّنكُنّ مُسِْلمَاتٍ ّم ْؤمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَا ِبدَاتٍ سَا ِئحَاتٍ ثَيّبَا ٍ
ثم هَبُوا -جدلً -أن محمدا فعلها ،ما العيب فهيا وقد كان التعدّد موجودا ،ولم ينشيء رسول ال
تعدّدا ،كان التعدّد موجودا في النبياء والرسل ،وفيكم وعندكم.
أما الذين يتهمون رسول ال صلى ال عليه وسلم بأنه وسّع على نفسه ،فتزوّج تسعا ،وضيّق على
ت للمؤمنين ،وما ُدمْنَ
أمته بأربعة ،فالرد على ذلك أن ال تعالى حكم بأن زوجات الرسول أمها ٌ
أمهات للمؤمنين ،فليس لحد أنْ يتزوّجهُنّ بعد رسول ال ،أمّا غيرهن من المؤمنات فإنْ كان مع
الرجل سبعة مثلً ،فعليه أنْ يفارق ثلثة منهن ،وهؤلء الثلثة سيجدْنَ مَنْ يتزوج بهنّ ،إذن :على
ن يفارقوا ما زاد على أربع.
الرسول أنْ يُمسِك زوجاته كلهن ،وعلى غيره من المؤمنين أ ْ
شيء آخر :تظنون أن رسول ال وسّع ال له هذه المسألة ،والحقيقة أن ال ضيّق عليه إذا ما
قارناه بغيره من عامة المؤمنين ،فالمؤمن له أنْ يمسك أربعَ زوجات ،فإذا ماتت إحداهن تزوج
ل منها ،فإن مُتْنَ جميعا أو طلّقهن ،فله أنْ يتزوّج غيرهن
بأخرى ،وإنْ طلّق إحداهن تزوج بد ً
حتى يكمل الربعة ،وهكذا يكون للمؤمن أن يتزوّج بعدد كثير من النساء.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
المور وَأمِن ال رسولَه قال له :افعل ما تشاء ،لنك مأمون على أمتك.
ثم نقول :هَبُوا أن رسول ال له اختيار في هذه المسألة ،ولم تكن ُمسْبقة ،ألم يُؤدّ ِفعْلُه هذا إلى
ن فعل ما فعل؟ إذن :ل يتناقض مراد
عتْ الرسالة من رسول ال بعد أ ْ
إلغاء عادة التبني؟ ثم أنُزِ َ
ال ومراد رسول ال.
والذين تناولوا سيدنا رسول ال في هذه المسألة مثل الذين تناولوا سيدنا يوسف -عليه السلم -
لما قال ال فيه {:وََلقَدْ َه ّمتْ بِهِ وَهَمّ ِبهَا[} ...يوسف ]24 :وكأنهم أكثر غيرةً على يوسف من ربه
عز وجل ،نعم همّ بها يوسف أي :فكّر فيها أو غير ذلك ،ولن نقول لكم على الصواب لتظلوا في
حيرتكم ،لكن أنزعَ ال منه الرسالةَ بعد ما همّ بها؟ إذن :همّه بها لم يناقض الرسالة ،فما تقولونه
في هذه المسألة فضول منكم.
ضوْاْ
ثم تأتي العلة في هذه المسألة } ِل َكيْ لَ َيكُونَ عَلَى ا ْل ُمؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَ ْزوَاجِ أَدْعِيَآ ِئهِمْ ِإذَا َق َ
ن وَطَرا[ { ...الحزاب ]37 :ثم تختم الية بما ل يدع مجالً للشك في رسول الَ } :وكَانَ
مِ ْنهُ ّ
َأمْرُ اللّهِ مَ ْفعُولً { [الحزاب ]37 :أي :ل بُدّ أن يحدث ،ولن يترك ليّ شخص آخر ،حتى ل تفسد
القضية في إلغاء عادة التبني ،إذن ،فزواج رسول ال من امرأة مُتبنّاه ما كان إل لرفع الحرج عن
جميع المؤمنين ،والن يصح لكل مُتبنّ أن يتزوج امرأة مُتبنّاه.
()3495 /
مَا كَانَ عَلَى النّ ِبيّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَ َرضَ اللّهُ لَهُ سُنّةَ اللّهِ فِي الّذِينَ خََلوْا مِنْ قَ ْبلُ َوكَانَ َأمْرُ اللّهِ
قَدَرًا َمقْدُورًا ()38
قوله تعالى { :مّا كَانَ عَلَى النّ ِبيّ مِنْ حَرَجٍ[ } ...الحزاب ]38 :أي :إثم أو ملمة { فِيمَا فَ َرضَ
اللّهُ لَهُ[ } ...الحزاب ]38 :أي :كيف تلومون رسول ال على تنفيذ أمر فرضه ال له وتأمل
{ فَ َرضَ اللّهُ لَهُ[ } ...الحزاب ]38 :أي :لصالحه ولم ي ُقلْ فرض عليه؟ ما دام أن ال هو الذي
فرض هذا ،فلتُصعّدوا المر إليه ،فليس لرسوله ذنب فيه.
وهذه المسألة تشبه تماما مسألة السراء ،فحين أخبر سيدنا رسول ال قومه بخبر السراء قالوا :يا
محمد أتدّعي أنك أتيتَ بيت المقدس في ليلة ،ونحن نضرب إليها أكباد البل شهرا؟ وهذا غباء
منهم لن محمدا لم يقل :سريْت إنما قالُ :أسْرِي بي .فالذي أسري به ربه -عز وجل -إذن:
المسألة ليست من فعل محمد ،ولكن من فعل ال.
وسبق أن ضربنا لذلك مثلً توضيحيا -ول المثل العلى -قُلْناَ :هبْ أن رجلً قال لك :أنا
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
صعدتُ بولدي الصغير قمة (إفرست) أتقول له :كيف صعد ولدك قمة (إفرست)؟
لكن انتفعنا الن بقول المكذّبين :أتدّعي يا محمد أنك أتيتَ بيت المقدس في ليلة ونحن نضرب إليها
أكباد البل شهرا؛ لن غباء المكذّب يؤدي به إلى عكس ما قصده من غبائه ،فهذا القول اتخذناه
الن دليلً للرد على مَنْ يقولون بأن السراء كان رؤيا ،أو كان بالروح دون الجسد.
فلو قال رسول ال :رأيتُ في الرؤيا أني أتيتُ بيت المقدس ما قالوا هذه المقالة ،إذنَ :فهِمَ القومُ أن
رسول ال أتي بيت المقدس بروحه وجسده ،وإل ما قارنوا بين ذهابهم وذهابه ،فالذين عاصروا
هذه الحادثة قالوا هذه المقالة ،فكيف نأتي اليوم لنقول :إن السراء كنا مناما ،أو كان بالروح دون
الجسد؟
وقوله تعالى { :سُنّةَ اللّهِ فِي الّذِينَ خََلوْاْ مِن قَ ْبلُ[ } ...الحزاب ]38 :أي :إخوانه من الرسل
السابقين ،أو فيما كان قبل السلم من التعدّد ،فلم يكُنْ رسول ال بدَعا في هذه المسألة.
{ َوكَانَ َأمْرُ اللّهِ قَدَرا ّمقْدُورا } [الحزاب ]38 :تلحظ أن الية السابقة خُ ِت َمتْ بقوله تعالىَ {:وكَانَ
َأمْرُ اللّهِ مَ ْفعُولً }[الحزاب ]37 :فلقائل أن يقول نعم مفعولً في هذا الوقت الذي حدثتْ فيه هذه
الحداث؛ لذلك قال هنا { َوكَانَ َأمْرُ اللّهِ قَدَرا مّقْدُورا } [الحزاب ]38 :أي :أن ما حدث لرسول
جفّ على ما كُتِب،
ال كان مقدرا أزلً ،ول شيء يخرج عن تقدير ال ،وقد صَحّ أن القلم قد َ
وعلى ما ُقدِر.
()3496 /
حقّ أَن
س وَاللّهُ أَ َ
وكأن الحق سبحانه يُعيدنا إلى قوله تعالى في نبيه محمد {:وَ َتخْشَى النّا َ
خشَاهُ[} ...الحزاب ]37 :فالرسل ل يخشوْنَ شيئا في البلغ عن ال ،فكأنه تعالى نفى عن
تَ ْ
الرسول صلى ال عليه وسلم أن تكون خشيته في البلغ ،إنما خشيته استحياؤه مخافة أنْ تلوكه
ألسنة قومه ،وإلّ َفهُمْ ل يملكون له شيئا يضره أو يخيفه.
شوْنَ َأحَدا ِإلّ اللّهَ[ } ...الحزاب]39 :
شوْنَ ُه َولَ َيخْ َ
خَلتِ اللّ ِه وَيَ ْ
نلحظ هنا أن { الّذِينَ يُبَّلغُونَ رِسَا َ
هذه العبارة مبتدأ لم يُخبر عنه؛ لن قوله تعالى { َوكَفَىا بِاللّهِ حَسِيبا } [الحزاب ]39 :ليس خبرا
لهذا المبتدأ ،إنما هو تعليق عليه ،فأين خبر هذا المبتدأ؟ قالوا :تقديره ،الذين يُبلّغون رسالت ال..
ل يمكن أنْ يُتّهموا بأنهم خشنوا الناس من أجل البلغ.
حسِيبا } [الحزاب ]39 :أي :أنكم لن تحاسبوهم ،إنما سيحاسبهم ال ،وكان مقتضى
{ َو َكفَىا بِاللّهِ َ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ن فعل ما ل يصحّ منه أنْ تسحب منه الرسالة ،وأنْ يأتي ال بنبي آخر،
الحساب مع رسول ال إ ْ
ولم يحدث شيء من هذا.
حمّدٌ أَبَآ َأحَدٍ مّن
ثم يعود السياق إلى أمر آخر في قضية التبني ،فيقول سبحانه { :مّا كَانَ مُ َ
رّجَاِل ُكمْ.} ...
()3497 /
حمّدٌ أَبَآ َأحَدٍ مّن رّجَاِلكُمْ[ } ...الحزاب ]40 :لن علج قضية التبني أهمّ
قال سبحانه { مّا كَانَ ُم َ
من أُبوته صلى ال عليه وسلم لحد منكم أن يكون أبوه رسول ال؛ لن أبوته لخر ل تنفعه
بشيء ،إنما ينفعه البلغ عن ال ،وأن يحمل له منهج ربه الذي يسعده في دينه ودنياه.
إذن :ففرحكم برسول ال كرسول َأوْلَى من فرحكم به كأب ،وإلّ فما أكثر من لهم آباء ،وهم
أشقياء في الحياة ل قيمة لهم.
وقوله { مّا كَانَ[ } ...الحزاب ]40 :النفي هنا يفيد الجحود ،فهو ينكر ويجحد أنْ يكون محمدا أَبا
لحد من رجالكم ،وتأمل عظمة الداء القرآني في كلمة { مّن رّجَاِلكُمْ[ } ...الحزاب ]40 :ولم
َيقُلْ مثلً أبا أحد منكم ،لماذا؟ قالوا :لنه صلى ال عليه وسلم كان أبا لعبد ال وللقاسم ولبراهيم،
وكانوا جميعا منهم ،وهو صلى ال عليه وسلم أبوهم ،فجاءت كلمة { رّجَاِلكُمْ[ } ...الحزاب]40 :
لتُخرج هؤلء الثلثة؛ لنهم لم يبلُغوا مبلغ الرجال ،فمحمد ما كان أبدا أبا أحد من الرجال ،وإنْ
كان أبا لولد صغار لم يصلوا إلى مرحلة الرجولة.
وقوله { وَلَـاكِن[ } ...الحزاب ]40 :أي :أهم من أُبوّته أن يكون رسول ال { وَلَـاكِن رّسُولَ
اللّهِ[ } ...الحزاب ]40 :ليس هذا فحسب ،ولكن أيضا { وَخَاتَمَ النّبِيّينَ[ } ...الحزاب ]40 :أي:
الرسول والنبي الذي يختم الرسالت ،فل يستدرك عليه برسالة جديدة.
خذَ
وهذه من المسائل التي وقف عندها المستشرقون معترضين ،يقولون :جاء في القرآن {:وَإِذْ أَ َ
ح ْكمَةٍ ُثمّ جَآ َءكُمْ رَسُولٌ ّمصَدّقٌ ّلمَا َم َعكُمْ لَ ُت ْؤمِنُنّ ِبهِ
ب وَ ِ
اللّهُ مِيثَاقَ النّبِيّيْنَ َلمَآ آتَيْ ُتكُم مّن كِتَا ٍ
وَلَتَنصُرُنّهُ[} ...آل عمران.]81 :
خذْنَا مِنَ
ومحمد صلى ال عليه وسلم من ضمن النبياء الذين أُخذَ عليهم هذا العهد ،بدليل {:وَإِذْ أَ َ
ك َومِن نّوحٍ[} ...الحزاب.]7 :
النّبِيّيْنَ مِيثَا َقهُ ْم َومِ ْن َ
إذن :أخذ ال العهد على النبياء أنه من ضمن مبادئهم أنْ يُبلّغوا قومهم بمقدم رسول جديد ،وأنه
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
إذا جاءهم عليهم أن يؤمنوا به ،وأنْ ينصرونه ،كما بشّر مثلً عيسى عليه السلم برسالة محمد
ح َمدُ[} ...الصف.]6 :
سمُهُ أَ ْ
صلى ال عليه وسلم فقالَ {:ومُبَشّرا بِ َرسُولٍ يَأْتِي مِن َبعْدِي ا ْ
فكيف يخبر ال عن محمد أنه خاتم النبيين وهو واحد منهم؟ نقول :نعم هو واحد منهم ،لكن إنْ
كانوا قد ُأمِروا بأنْ يُبشّروا وأنْ يُبلغوا أقوامهم برسول يأتي ،فقد أمر صلى ال عليه وسلم أن يَبلّغ
قومه أنه خاتم النبياء والرسل.
لذلك يُ ْروَى أن رجلً ادّعَى النبوة في زمن المأمون ،فأمر به َفوُضِع في السجن ،وبعد عدة أشهر
ظهر رجل آخر يدعي النبوة ،فرأى المأمون أن يواجه كل منهما الخر ،فأحضر المدعي الول
وقال له :إن هذا الرجل يدّعي أنه نبي ،فماذا تقول فيه؟ قال :هو كذاب؛ لنني لم أرسل أحدا -
فارتقى إلى منزلة اللوهية ،ل مجدر أنه نبي.
عتْ النبوة أيضا في زمن المأمون لما أوقفها أمامه يسألها قالها لها :ألم تعلمي أن
والمرأة التي ادّ َ
رسول ال قال :ل نبيّ بعدي؟ قالت :بلى ،ولكنه لم يقل ل نبية بعدي!
علِيما { [الحزاب ]40 :وما دام
شيْءٍ َ
ثم يختم الحق سبحانه هذه المسألة بقولهَ } :وكَانَ اللّهُ ِب ُكلّ َ
أن ال تعالى عليهم بكل شيء فليس لحد أنْ يعترض؛ لنه سبحانه هو الذي يضع الرسول
المناسب في المكان المناسب والزمان المناسب ،وقد علم سبحانه أن رسالة محمد تستوعب كل
الزمان وكل المكان.
ثم يقول الحق سبحانه } :ياأَ ّيهَا الّذِينَ.{ ...
()3498 /
يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا ا ْذكُرُوا اللّهَ ِذكْرًا كَثِيرًا ( )41وَسَبّحُوهُ ُبكْ َرةً وََأصِيلًا ()42
أمرنا ربنا سبحانه بذكره ِذكْرا كثيرا؛ لن الذكْر عمدة العبادات وأيسرها على المؤمن؛ لذلك نجد
ربنا يأمرنا به عند النتهاء من العبادات كالصلة والصيام والحج ،وجعله سبحانه أكبر فقال{
وَلَ ِذكْرُ اللّهِ َأكْبَرُ[} ...العنكبوت.]45 :
والذكر شغل الذاكرة ،وهي منطقة في المخ ،قُلْنا :إن المعلومة يستقبلها النسان في بؤرة شعوره،
فإذا أراد أنْ يحفظ بها لحين الحاجة إليها حفظها في الحافظة ،أو في حاشية الشعور ،فأنت مثلً
ترى شخصا فتقول :هذا الرجل لم أَ َرهُ منذ عشرين سنة ،وآخر مرة رأيته كان في المكان الفلني.
إذن :الذكر لشيء كان موجودا في بؤرة الشعور ،الذكر يعني قضية موجودة عندك بواقع كان لها
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ساعة وجودها ،لكن حصلتْ عنها غفلة نقلتها إلى حاشية الشعور أو الحافظة ،بعد ذلك نريد منك
أل تنساها في الحاشية أو في منطقة بعيدة بحيث تحتاج إلى مجهود لتذكرها ،إنما اجعلها دائما في
منطقة قريبة لك ،بحيث يسهل عليك تذكّرها دون عناء.
وكذلك ينبغي أنْ يكون ذكرك ل ،فهو القضية الحيوية التي ينبغي أنْ تظلّ على ِذكْر لها دائما
وأبدا ،وكيف تنسى ذكر ربك وقد أخذ عليك العهد ،وأنت في عالم الذرّ ،وأخذ منك القرار بأنه
سبحانه ربّك ،الحق سبحانه خلق العقل ليستقبل المعلومات بوسائل الدراك ،كما قال تعالى {:وَاللّهُ
شكُرُونَ }
لفْئِ َدةَ َلعَّلكُمْ تَ ْ
سمْعَ وَالَ ْبصَا َر وَا َ
ج َعلَ َل ُكمُ الْ ّ
جكُم مّن ُبطُونِ ُأ ّمهَا ِتكُ ْم لَ َتعَْلمُونَ شَيْئا وَ َ
أَخْ َر َ
[النحل.]78 :
عمْدة الحواسّ ،وبهما نعلم ما لم نكُنْ نعلمه حين نزولنا من بطون
فكأن السمع والبصر هما ُ
أمهاتنا ،ونحن حين نستقبل المعلومات يظن بعض الناس أن الناس يختلفون في ذلك ذكاء وبلدةً،
فواحد يلتقط المعلومة من مرة واحدة ،وآخر يحتاج إلى أنْ تعيدها له عدة مرات.
والواقع أن العقل مثل آلة (الفوتوغرافيا) يلتقط المعلومة من مرة واحدة شريطةَ أن يكون خاليا
ومستعدا لستقبالها غير مشغول بغيرها؛ لن بؤرة الشعور ل تسع ول تستوعب إل فكرة واحدة،
ج ْوفِهِ[} ...الحزاب.]4 :
جلٍ مّن قَلْبَيْنِ فِي َ
ج َعلَ اللّهُ لِ َر ُ
وهذه المسألة تناولناها في قوله تعالى {:مّا َ
فالنسان الذكي هو الذي ل يشغل باله بأمرين في وقت واحد ،ول يفكر في شيء وهو بصدد
شيء آخر ،فإذا كانت ُبؤْرة الشعور خالية فالناس جميعا سواسية في التقاط المعلومة.
لذلك ،المدرس الموفّق هو الذي يستطيع أنْ يجتذب إليه انتباه التلميذ ،ول يعطيهم الفرصة
للنشغال بغير الدرس ،وهذا ل يتأتى إل بالتلطّف إليهم وإشراكهم في الدرس بالسئلة من حين
لخر ،ليظل التلميذ متوقعا لنْ يسألَ فل ينشغل ،لذلك رأينا أن الطريقة الحوارية هي أنجح طرق
التدريس ،أما طريقة سَرْد المعلومات فهي تجعل المدرس في وادٍ والتلميذ في واد آخر ،كل منهم
يفكر في شيء يشغله.
وسبق أنْ قُلْنا :إن الطالب حين يعلم بأهمية درس من الدروس فيذاكره وهو ذاهب للمتحان وهو
يصعد السلم إذا جاءه هذا الدرس يجيب عنه بنصه ،لماذا؟ لنه ذاكره في الوقت الحرج والفرصة
ضيقة ل تحتمل انشغالً ول تهاونا ،فيلتقط العقل كل كلمة ويُسجّلها ،فإنْ أراد استرجاعها جاءت
كما هي ،لماذا؟ لنها صادفتْ العقل خاليا غير مشغول.
وتأمل عظمة الخالق سبحانه في مسألة التذكّر ،فالذاكرة جزء صغير في المخ ،فكيف بالطفل
ي وقت ،ونحن نتعجب من
الصغير الذي ل يتجاوز الثامنة يحفظ القرآن كاملً ويُعيده عليك في أ ّ
شريط التسجيل الذي يحفظ لنا حلقة أو حلقتين.
والقرآن ليس حفظا فحسب ،إنما معايشة ،فحروف القرآن ملئكة ،لكل حرف منه ملك ،والملَك
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يحب مَنْ يودّه ،فإذا كنتَ على صلة بالقرآن تكثر من تلوته ،فكأنك تود الملئكة ،فساعة تريد
استرجاع ما حفظت تراصتْ لك الملئكة ،وجرى القرآن على لسانك .فإنْ هجرْته هجرك ،وتفلّت
من ذاكرتك؛ لذلك حذرنا رسول ال صلى ال عليه وسلم من هجر القرآن ،فقال " :تعاهدوا
القرآن ،فوالذي نفسي بيده لهو أش ّد تفصيا من البل في عقلها ".
وسبق أنْ قُلْنا :إن الذكر هو العبادة الوحيدة التي ل تكلفك شيئا ،ول تُعطل جارحة من جوارحك،
ول يحتاج منك إلى وقت ،ول إلى مجهود ،وليس له وقت مخصوص ،فمَنْ ذكر ال قائما وذكر
عدّ من الذاكرين -هذا بالنسبة لوضعك -ومَنْ ذكر ال ُبكْرة،
ال قاعدا وذكر ال على جَنْبه ُ
وذكر ال أصيلً ،أو غدوا وعشيا ،أصبح من الذاكرين -هذا بالنسبة للزمان.
ل ول قوة إل بال العلي
ومن قال :سبحان ال ،والحمد ل ،ول إله إل ال ،وال أكبر ،ول حْو َ
العظيم ،ثلثين مرة في اليوم كُ ِتبَ من الذاكرين ،ومَنِ استيقظ ليلً فأيقظ أهله ،وصلّى ركعتين فهو
من الذاكرين.
إذن :ف ِذكْر ال مسألة سهلة تستطيع أنْ تذكر ال ،وأنت تعمل بالفأس ،أو تكتب بالقلم ،تذكر ال
وأنت تأكل أو تشرب ..إلخ فذكر ال وإنْ كان أكبر إل أنه على المؤمن سهل هَيّن.
وقوله تعالى } :وَسَبّحُوهُ ُبكْ َر ًة وََأصِيلً { [الحزاب ]42 :التسبيح :هو التقديس ،والتقديس هو
التنزيه ،فعن أيّ شيء نُنزه ال؟ قالوا :ننزه ال في ذاته ،وفي أفعاله ،وفي صفاته ،فال تعالى له
وجود ،ولك أنت وجود ،وللنهر وللجبل وجود ،لكن وجوده تعالى ليس كوجود ما سواه ،وجوده
تعالى عن غير عدم ،أما وجود ما سواه فوجود عن عدم ،هذا في الذات.
ن يكون فعله كفعلك ،وهذا ما
أما في الفعال ،فال تعالى له ِفعْل كما أن لك فعلً ،لكن نزّه ربك أ ْ
قلناه في حادثة السراء والمعراج ،وفي الفرق بين سَرَى وأسرى به ،فإذا كان الفعل ل تعالى فل
ل ال ،وفعل ال بل علج ،إنما يقول للشيء :كٌنْ
تنظر إلى الزمن لنه ليس فعلك أنت ،بل فع ْ
فيكون.
وقلنا :إنه حتى في طاقات البشر نجد الفعل يأخذ من الزمن على قدر قوة فاعله ،فالولد الصغير
ستَ فعلَ ال بقدرته تعالى وجدت الفعل بل زمن.
ينقل في ساعة ما ينقله الكبير في دقيقة ،فلو قِ ْ
ن يكون
كذلك نُنزه ال في صفاته ،فال تعالى له سمع نُزّه أن يكون كسمعك ،وله وجه نُزّه أ ْ
شيْءٌ[} ...الشورى.]11 :
كوجهك ..إلخ كل هذا في إطار{ لَيْسَ َكمِثْلِهِ َ
وحين تستعرض آيات التسبيح في القرآن تجدها كثيرة ،لكن للتسبيح طابع خاص إذا جاء في
استهللت السور ،ففي أول السراء {:سُبْحَانَ الّذِي أَسْرَىا ِبعَبْ ِدهِ[} ...السراء.]1 :
فبدأت السورة بتنزيه ال لما تحتويه من أحداث عجيبة وغريبة؛ لذلك قال بداية{ سُبْحَانَ الّذِي
ن يفعل ،وسبحان ال قبل أنْ
أَسْرَىا ِبعَبْ ِدهِ[} ...السراء ]1 :فال له التسبيح والتقديس ثابت قبل أ ْ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ن يوجد من خلق ،فهو بالخالقية فيه أولً خلق ،كما قلنا في
يوجد المسبّح ،كما أنه تعالى خالق قبل أ ْ
الشاعر :تقول فلن شاعر ،هل لنك سمعت له قصيدة أم هو شاعر قبل أن يقولها؟ هو شاعر قبل
ن يقولها ،ولول أنه شاعر ما قال:
أْ
والمتتبع للفاظ التسبيح في القرآن يجد أنه ثابت ل تعالى قبل أن يخلق المسبّحين في قوله{ سُ ْبحَانَ
سمَاوَاتِ َومَا فِي
الّذِي َأسْرَىا ِبعَبْ ِدهِ[} ..السراء ]1 :ثم بعد أن خلق ال الخَلْق{ سَبّحَ لِلّهِ مَا فِي ال ّ
الَ ْرضِ[} ...الحشر.]1 :
سمَاوَاتِ َومَا فِي الَ ْرضِ[} ...الجمعة]1 :
وما يزال الخلق يُسبّح في الحاضر {:يُسَبّحُ لِلّهِ مَا فِي ال ّ
فتسبيح ال كان وما يزال إلى قيام الساعة ،لذلك يأمر الحق سبحانه نبيه صلى ال عليه وسلم
ك الَعْلَىا }[العلى:
ومعه أمته ألّ يخرج عن هذه المنظومة المسبّحة ،فيقول له {:سَبّحِ اسْمَ رَ ّب َ
.]1
وجاء المر بذكر ال وبعد المر بتسبيحه تعالى ،وكأنه يقول لك كلما ذكرته :نزّهه ذاتا وصفاتا
وأفعالً ،فمن مصلحتك في رحلة الحياة ألّ يكون ل مثيل ول شبيه ول نظير ول ِندّ؛ لن الجميع
سيكونون تحت عَدْله سبحانه ،فتنزيه ال لمصلحَتك أنت أيها المسبّح.
وسبق أنْ ذكرنا في ذلك قول أهل الريف (اللي ملوش كبير يشتري له كبير) فوجود كبير فوق
الجميع يحميك أنْ يتكبر أحد عليه ،إذن :عظمته تعالى وكبرياؤه من أعظم النعم علينا ،فساعة
تُسبّحه وتُنزّهه أحمد ال لنه مُنزّه ،أحمد ال أنه ل شريك له ،وأن الناس جميعا عنده سواء ،أحمد
ال لن كلمه وأمره نافذ على الجميع ،أحمد ال أنه لم يتخذ صاحبة ول ولدا ،وليس بينه وبين
أحد من خَلْقه َنسَب.
وكيف ل نذكر ال ول نسبّحه ونحمده ،وهو سبحانه الذي خلق الخَلْق ،وقبل أنْ يخلقهم رتّب لهم
غاياتهم -والخَلْق :إيجاد على تقدير لغاية -بل وأعدّ لهم ما يخدمهم ،فطرأ النسان على كون
ُمعَدّ لستقباله ،فقبل أنْ يخلقه خلق له.
ثم ما كلفك بمنهجه مباشرة ،إنما تركك تربع في نعمه ،منذ ميلدك إلى سِنّ البلوغ بدون تكليف،
ومعنى البلوغ أنْ تصل سنّ الرشد فتُقبل على ال بعقل وفكر ،فالدين ليس تقليدا إنما عقدة واقتناع.
وسبق أنْ شبّهنا نضج النسان بنضج الثمرة ،فالثمرة ل تحلو إل حين تنضج بذرتها ،وتصير
صالحة للنبات إنْ زُرعت ،وهذه من عظمة الخالق سبحانه ،ولو أن الثمرة تحلو وتستوي قبل
ُنضْج بذرتها لكلنا الثمار مرة واحدة ،ولما انتفع بها أحد بعدنا ،ومثّلْنا لذلك ببذرة البطيخ إن
ت وصارتْ صالحة للكل ،وهذه المسألة جعلها
وجدتها سوداء صلبة فاعلم أن ثمرتها استوت وحََل ْ
الخالق سبحانه لحفظ النوع.
شيء آخر :بعد أن بلغتْ سنّ التكليف ،أجاءك التكليف مستوعبا لكل حركة في حياتك؟ أجاء قَيْدا
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لك؟ حين تتأمل مسائل التكليف تجدها في نطاق محدود أمرك ال فيه بافعل كذا ول تفعل كذا،
وهذه المنطقة ل تشغل أكثر من خمسة في المائة من حركة حياتك ،وترك لك نسبة الخمسة
والتسعين أنت حُ ّر فيها ،تفعل أو ل تفعل ،فأيّ عظمة هذه! وأيّ رحمة التي يعاملنا بها ربنا عز
وجل! وهذا إنْ دلّ فإنما يدلّ على حبّ الخالق سبحانه لخَلْقه وصنعته .أفل يستوجب ذلك منّا ألّ
نغفل عن ذكره ،وأن نكثر من تسبيحه وشكره ،في كل غدوة وعشية.
والعظم من هذا كله أنه -سبحانه وتعالى -جعل ذكْرك له وتسبيحك إياه لصالحك أنت ،وفي
ميزانك؛ لذلك قال في الية التي بعدهاُ } :هوَ الّذِي ُيصَلّي عَلَ ْيكُمْ.{ ...
()3499 /
ج ُكمْ مِنَ الظُّلمَاتِ إِلَى النّو ِر َوكَانَ بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ َرحِيمًا ()43
ُهوَ الّذِي ُيصَلّي عَلَ ْيكُ ْم َومَلَا ِئكَتُهُ لِ ُيخْرِ َ
معنى { ُهوَ الّذِي ُيصَلّي عَلَ ْيكُمْ[ } ...الحزاب ]43 :الصلة هي الدعاء ،والدعاء ل يكون إل
بطلب الخير للداعي ،ول يدعو إل قادر على هذا الخير ،وعليه كيف نفهم هذا المعنى؟ أيدعو ربنا
نفسه تبارك وتعالى؟ قالوا :إذا كانت نهاية الصلة طلبَ الخير ،وهذا الخير إذا طلب حصل،
فالحق سبحانه هو الداعي ،وهو الذي يملك مفاتح الخير كله ،فهو الذي يُصلّي عليكم ،وهو الذي
يعطيكم ،وهو الذي يرحمكم.
وأيضا يُصلّي عليكم الملئكة { َومَلَ ِئكَتُهُ[ } ...الحزاب ]43 :وقد أخبرنا سبحانه عنهم أنهم{ عِبَادٌ
ل وَهُمْ بَِأمْ ِرهِ َي ْعمَلُونَ }[النبياء.]27 :
ّمكْ َرمُونَ * لَ يَسْ ِبقُونَهُ بِا ْل َقوْ ِ
وقال {:لّ َي ْعصُونَ اللّهَ مَآ َأمَ َرهُ ْم وَ َي ْفعَلُونَ مَا ُي ْؤمَرُونَ }[التحريم.]6 :
والملئكة أقسام :منهم المكلفون بخدمتنا ومنافعنا في الرض ،ومنهم مَنْ يحفظنا من الحداث التي
قد تفاجئنا بإقدار ال لهم عليها ،ومنهم الحفظة والكرام الكاتبون ،وهؤلء الملئكة المتعلقون بنا هم
ختُ فِيهِ مِن رّوحِي َف َقعُواْ لَهُ
سوّيْتُهُ وَنَفَ ْ
الذين أُمروا بالسجود لدم عليه السلم في قوله تعالى {:فَِإذَا َ
سَاجِدِينَ }[الحجر.]29 :
وهذا دليل على أنهم سيكونون في خدمته.
ن كنتَ
وكأن ال تعالى قال لبليس :طلبتُ منك أنْ تسجد لدم ،وطلبت من الملئكة وأنت معهم ،فإ ْ
من الملئكة فينبغي أن تستجيب ،وإنْ لم تكُنْ من الملئكة وحشرتك بطاعتك في زمرتهم كان
يجب عليك أنْ تطيع لن العلى منك سجد.
وقد أوضحنا هذه المسألة بمثَل ،ول تعالى المثل العلى قُلْنا :إذا أعلن في أحد الدواوين الحكومية
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أن الرئيس سيزور هذ االديوان يوم كذا ،وعلى الوزراء أنْ يصطفّوا لتحيته ،ألم يشمل هذا المر
وكلء الوزارة من باب َأوْلى؟
فإذا قال ال للملئكة :اسجدوا لدم وكان معهم إبليس وهو أقلّ منهم ،فكان عليه أنْ يسجد .ثم إنْ
كنتَ يا إبليسُ أخذتَ منزلة أعلى من الملئكة بالطاعة ،فل ُبدّ أنْ تكون طاعتك ل على هذه
المنزلة ،فأنت مَلُوم على أيّ حال ،إل أنه كان من الجن ،والجن مختار ،ففسق عن أمر ربه.
وهناك نوع آخر من الملئكة ل دخلَ لهم بالنسان ول بدنياه ،وهم الملئكة العالون أو المهيّمون،
وهم الذين قال ال فيهم لما أبى إبليس أنْ يسجد قال له ربهَ {:أسْ َتكْبَ ْرتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ا ْلعَالِينَ }[ص:
.]75
وهؤلء العالون لم يشملهم المر بالسجود؛ لنهم ل يدرون شيئا عن آدم ،وليس لهم علقة به،
حمَلة العرش وهم أكرم الملئكة ،وهؤلء هم الذين يُصلّون عليكم بعد أنْ صلّى ال
وأخصّهم َ
عليكم؛ لذلك يُبيّن لنا الحق سبحانه هؤلء الملئكة ودورهم في الصلة علينا والستغفار لنا ،فيقول
ح ْمدِ رَ ّبهِ ْم وَ ُي ْؤمِنُونَ بِهِ وَيَسْ َتغْفِرُونَ لِلّذِينَ
حوْلَهُ يُسَبّحُونَ بِ َ
ش َومَنْ َ
حمِلُونَ ا ْلعَرْ َ
سبحانه {:الّذِينَ َي ْ
آمَنُواْ[} ...غافر.]7 :
ص الملئكة وأكرمهم يُسبّحون بحمد ربهم ويؤمنون به ،لكن ما فائدة (يؤمنون به)
فهؤلء هم أخ ّ
بعد أن سبّحوه؟ قالوا :لن التسبيح قد يكون عن خوف ورهبة ،أما تسبيح هؤلء فتسبيح عن حبّ
وعن إيمان ،وأنه سبحانه وتعالى يستحق أنْ يُسبّح ،ومن مهام هؤلء أيضا أنهم يستغفرون للذين
آمنوا ،وإنْ لم تكن لهم علقة بالناس وليسوا في خدمتهم ،إل أنهم ُيصَلّون عليهم ويستغفرون لهم.
إذن :نقول الصلة من مالك الدعوة القادر على الجابة رحمة وعطف وحنان ،والصلة ممّنْ دونه
دعاء للقادر المالك للخير ،فهم يدعون ال للمؤمنين ويستغفرون ال لهم ،بل ويبالغون في الدعاء
ك َو ِقهِمْ
غفِرْ لِلّذِينَ تَابُو ْا وَاتّ َبعُواْ سَبِيَل َ
حمَ ًة وَعِلْما فَا ْ
شيْءٍ رّ ْ
س ْعتَ كُـلّ َ
ويتعطّفون فيه {:رَبّنَا وَ ِ
عَذَابَ ا ْلجَحِيمِ }[غافر.]7 :
حدّ طلب النجاة للمؤمنين من النار ،إنما يطلبون لهم الجنة{ رَبّنَا وَأَدْخِ ْل ُهمْ جَنّاتِ
بل لم يقفوا عند َ
حكِيمُ }[غافر:
جهِ ْم َوذُرّيّا ِتهِمْ إِ ّنكَ أَنتَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ
عَدْنٍ الّتِي وَعَدْ ّت ُه ْم َومَن صَـلَحَ مِنْ آبَآ ِئهِ ْم وَأَ ْزوَا ِ
.]8
حمْتَ ُه وَذَِلكَ ُهوَ ا ْلفَوْزُ ا ْلعَظِيمُ }
ثم يزيدون على ذلكَ {:و ِقهِمُ السّيّئَاتِ َومَن َتقِ السّيّئَاتِ َي ْومَئِذٍ َفقَدْ َر ِ
[غافر.]9 :
ووال ،لو أراد المؤمن أنْ يدعو لنفسه ما وجد أعمّ ول أشمل من دعاء الملئكة له ،فبعد أنْ طلبوا
له المغفرة والنجاة من النار لم يتركوه هكذا في أهل العراف ،ل هُمْ في الجنة ،ول هُمْ في النار،
خلَ ا ْلجَنّةَ َفقَدْ فَازَ[} ...آل
إنما سألوا ال لهم الجنة عملً بقوله تعالىَ {:فمَن ُزحْزِحَ عَنِ النّارِ وَأُدْ ِ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عمران.]185 :
وهذه المسألة من المسائل التي وقف أمامها المستشرقون ،فقالوا :إنها تتناقض مع الحديث النبوي:
" ما من يوم تطلع شمسه إل وينادي ملكان يقول أحدهما :اللهم أَعْط مُنفقا خَلَفا ،ويقول الخر:
اللهم أعْط مُمسكا تَلَفا " ،فكيف تقولون :إن الملئكة يدعون للناس بالخير وهم يدعون عليهم
بالشر؟
وهم معذورون في اعتراضهم؛ لن ملكاتهم ل تستطيع َفهْم المعاني في الحديث الشريف،
والتناقض في نظرهم في قوله صلى ال عليه وسلم " :ويقول الخر :اللهم أعط ممسكا تلفا " ،
فالولى واضحة ل تناقض فيها؛ لنها دعوة بالخير ،أما الثانية فهي دعوة بالشر " .اللهم أعْط
ممسكا تلفا ".
ولو تأملوا نصّ هذه العبارة لوجدوا فيها الجواب ،فالتلف يُعطي أم يؤخذ؟ المفروض أنه يُؤخذ،
فحين يقول رسول ال " :اللهم أعط ممسكا تلفا " فاعلم أنه عطاء ل َأخْذٌ وإن كان في ظاهره تلفا،
والمعنى أن شيئا شغلك ،وفتنك فتصيبك فيه مصيبة تخلصك منه فتعود إلى ربك ،إذن :هو أَخْذ
في الظاهر عطاء في الحقيقة.
جكُمْ مّنَ
ثم يبيّن لنا الحق سبحانه العلّة في صلة ال وصلة الملئكة على المؤمنين ،فيقول } لِ ُيخْرِ َ
الظُّلمَاتِ إِلَى النّورِ[ { ...الحزاب ]43 :فكأن منهج ال بافعل ول تفعل هو أول صلة ال علينا؛
سيّ لنقيس عليه المعنوي،
لنه الوسيلة التي تُخرجنا من الظلمات إلى النور ،وجاء هنا بالشيء الح ّ
خطَاك وتضلّ
فأنت في النور ترى طريقك وتهتدي إلى غايتك بل معاطب ،أمّا في الظلم فتتخبط ُ
الطريق في الظلم ،تسير على غير هُدى ،وعلى غير بصيرة ،فتحطم الضعف منك ،ويُحطّمك
القوى منك.
والنبي صلى ال عليه وسلم يُوجّهنا حين ننام بالليل أنْ نطفيء المصابيح فيقول " :واطفئوا
المصابيح إذا رقدتم " وقد أثبت العلم أن للنوار المضاءة أثناء النوم تأثيرا ضارا على صحة
النسان ،وأنه ل يرتاح في الضوء الراحة التامة لما يصيبه أثناء النوم من إشعاع الضوء ،كما
حذرونا أيضا من التعرّض لضواء التليفزيون مثلً.
إذن :للنور مهمة ،وللظلمة مهمة -هذا في الحسّيات.
كذلك منهج ال بافعل ول تفعل هو النور المعنوي الذي يقيك العطب ،ويمنحك الشراقات التي
تهتدي بها في دروب الحياة ،لذلك قال تعالى بعدهاَ } :وكَانَ بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ رَحِيما { [الحزاب.]43 :
لكن إنْ كان سبحانه رحيما بالمؤمنين ،فما بال الكافرين؟ قالوا :هو سبحانه بالكافرين رحمن ،فال
تعالى رحمن الدنيا ورحيم الخرة؛ لن رحمن الدنيا يعني أن خيره يعُمّ الجميع المؤمن والكافر،
ص المؤمنين
والطائع والعاصي ،أما في الخرة فتتجلّى صفة الرحيم؛ لن رحمته في الخرة تخ ّ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
دون غيرهم.
سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ[} ...النور ]35 :ل يعني هذا َوصْفا لذاته
والحق سبحانه حين يقول {:اللّهُ نُورُ ال ّ
سبحانه ،إنما يعني أنه سبحانه نور السماوات والرض أي :مُنوّرهما كما نقول :المصباح نور
المسجد.
سمَاحةِ حاتم في
وسبق أنْ أوضحنا هذه المسألة بقول أبي تمام في مدح المعتصم:إقْدَامُ عَمروٍ في َ
حِلْم أح ْنفَ في َذكَاءِ إيَاسِوعمرو مضرب المثل عند العرب في الشجاعة ،وحاتم في الكرم ،وأحنف
حلْم ،وإياس بن معاوية في الذكاء ،فقام إليه أحد الحاضرين وقال له -وكان حاقدا
بن قيس في ال ِ
عليه :-أمير المؤمنين فوق ما تقول ،أتُشبّهه بأجلف العرب؟ وأنشأ يقول:وشبّهه المدّاح في
خمْسونَ ألْفا كعنتْر وفي خُزّانِهِ أَ ْلفُ
ن لوْ رآهُ كَانَ أصْغر خَا ِدمِفَفِي جَيْشهِ َ
البَأسِ والنّدَى بمَ ْ
حَا ِتمِعندها أطرق أبو تمام هُنيهة ،ثم قال:لَ تُنكِرُوا ضَرْبي له مَنْ دُونَهُ مَثَلً شَرُودا في النّدَى
سفَالُ َق ْد ضَربَ القلّ لِنُو ِرهِ مثَلً من المشْكاةِ والنّبراسإذن :فالنور المعنوي يُجنّبك العطب
والبَا ِ
سيّ؛ لذلك قال سبحانه عن نوره{ نّورٌ عَلَىا
المعنوي ،كما أن النور الحسيّ يُجنّبك العطب الح ّ
سيّ يقيكم المعاطب الحسية ،ونور معنوي يقيكم المعاطب
نُورٍ[} ...النور ]35 :يعني :نور حِ ّ
المعنوية{ َيهْدِي اللّهُ لِنُو ِرهِ مَن يَشَآءُ[} ...النور ]35 :والمراد به هنا النور المعنوي الذي يهتدي به
المؤمن ويسير عليه ،أما الكافر فهو ل يعرف إل النور الحسيّ فقط.
فإنْ سألت :فأين نجد هذا النور يا رب؟ يُجيبك ربك {:فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَن تُ ْرفَ َع وَيُ ْذكَرَ فِيهَا
ل لّ تُ ْلهِيهِمْ ِتجَا َر ٌة وَلَ بَيْعٌ عَن ِذكْرِ اللّهِ[} ...النور:
سمُهُ ُيسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِا ْلغُ ُد ّو وَالصَالِ * رِجَا ٌ
اْ
.]37-36
فإنْ أردتَ النور الحق فهو في خَلْوتك مع ربك وفي بيته ،حيث تتجلّى عليك إشراقاته ويغمرك
نوره.
وقبل أن نترك مسألة صلة ال وصلة الملئكة على المؤمنين نذكر صلتنا نحن على النبي صلى
ل بقوله تعالى {:إِنّ اللّهَ َومَلَئِكَـتَهُ ُيصَلّونَ عَلَى النّ ِبيّ ياأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ صَلّواْ
ال عليه وسلم ،عم ً
سلِيما }[الحزاب.]56 :
عَلَيْ ِه وَسَّلمُواْ تَ ْ
فالصلة من ال تعالى تعني الحنان والرحمة والعطف ،والصلة من الملئكة تعني الدعاء والطلب
من الذي يملك ،أما الصلة منا نحن على سيدنا رسول ال ،فلبعض يظن أنها دعاء منا لرسول
صلّ على محمد ،فأنت ل
ال ،وهي ليست كذلك؛ لنك تقول في الصلة على رسول ال :اللهم َ
تصلي عليه صلى ال عليه وسلم ،إنما تطلب من ال تعالى أنْ يصلي عليه ،لكن كيف تطلب من
ال أن يصلي على رسوله؟ قالوا :لن كل خير ينال الرسول منثور على أمته.
والحق سبحانه وتعالى لم يدع محمدا يصلي عليه كل مَنْ آمن به ،ثم ل يرد رسول ال عليه هذه
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سكَنٌ ّل ُهمْ[} ...التوبة ]103 :وكأنها
ن صَلَاوتَك َ
صلّ عَلَ ْيهِمْ إِ ّ
التحية بصلة مثلها ،فقال سبحانهَ {:و َ
رَدّ للتحية ولصلة المؤمنين على رسول ال صلى ال عليه وسلم.
ثم يقول الحق سبحانهَ } :تحِيّ ُتهُمْ َيوْمَ يَ ْلقَوْنَهُ سَلَمٌ.{ ...
()3500 /
تَحِيّ ُتهُمْ َيوْمَ يَ ْل َقوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدّ َلهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ()44
الكلم هنا عن الخرة ،وهذه التحية ،وهذا السلم ليس منا ،ولكن من ال ،كما قال في موضع
آخر{ سَلَمٌ َق ْولً مّن ّربّ رّحِيمٍ }[يس.]58 :
فالرحمة التي ننالها ،والعطف والحنان من ال لنا في الدنيا يعني :سدادا في حركة الحياة،
واستقامة في السلوك ،وراحةَ للبال ،واطمئنانا للنفس ،لكن مع هذا ل تخلو الدنيا من مُنغّصات
وأحداث تُصيبك ،أما رحمة ال في الخرة فهي سلم تام ل يُنغّصه شيء ،والنسان أيضا يتمتع
بنعم ال في الدنيا ،لكن يُنغّصها عليه خشية فواتها.
أما في الخرة فيتمتع متعة خالصة ،ل ينغصها شيء ،فالنعمة دائمة باقية ل يفوتها ول تفوته ،لقد
كان في الدنيا في عالم السباب وهو الن في الخرة مع المسبّب سبحانه الذي يقولّ {:لمَنِ ا ْلمُ ْلكُ
حدِ ا ْل َقهّارِ }[غافر.]16 :
الْ َيوْمَ لِلّهِ ا ْلوَا ِ
لكن ،ما المراد بقوله تعالىَ { :يوْمَ يَ ْلقَوْنَهُ[ } ...الحزاب ]44 :أيوم القيامة للثوابَ ،أمْ يوم يلقوْنَهُ
بالموت وبانتهاء الحياة ،كما نقول مثلً في الموت :فلن لقي ربه؟ قالوا :المؤمن ل يأتيه مَلَك
الموت إل إذا سلّم عليه أولً قبل أن يقبض روحه ،فإذا سلم عليه فهذا يعني أنه من أهل السلم،
وهذه أول مراتبه .وقد يكون المراد السلم التام الذي يَلْقاه المؤمن يوم القيامة حيث يجد سلما ل
مُنغّصات بعده.
لذلك نجد أن سيدنا رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يعاني سكرات الموت تقول له السيدة
فاطمة لما رأتْ ما يعانيه :واكرباه يا أبتاه ،فيقول لها " ل كرب على أبيك بعد اليوم " فأيّ كرب
على رسول ال بعد أن ينتقل إلى جوار ربه ،إلى السلم النهائي الذي ل خوفَ بعده.
ثم يقول سبحانه { :وَأَعَدّ َلهُمْ َأجْرا كَرِيما } [الحزاب ]44 :فوصف الجر نفسه بأنه كريم ،والذي
يُوصَف بالكرم الذي أعدّ الجر ،فوصف الجر بأنه كريم يعني أن الكرم تعدّى من الرب سبحانه
الذي أعده إلى الجر نفسه ،حتى صار هو أيضا كريما.
ومثال ذلك قوله تعالى { :وَأَعْتَدْنَا َلهَا رِزْقا كَرِيما } [الحزاب ]31 :فتعدّى الكرم من الرازق إلى
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الرزق؛ لن الرزق في الدنيا له أسباب بأيدي الخَلْق ،لكن الرزق في الخرة يأتيك بل أسباب،
سعْي منك ،وبمجرد الخاطر
وليس لحد فيه شيء ،ولماذ ل يُوصَف بالكرم وهو يأتيك دون َ
تستدعيه فتراه بين يديك.
ثم يقول الحق سبحانه { :ياأَ ّيهَا النّ ِبيّ إِنّآ أَرْسَلْنَاكَ.} ...
()3501 /
يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ إِنّا أَ ْرسَلْنَاكَ شَا ِهدًا َومُبَشّرًا وَنَذِيرًا ( )45وَدَاعِيًا إِلَى اللّهِ بِِإذْنِ ِه وَسِرَاجًا مُنِيرًا ()46
الشاهد :هو الذي يؤيد ويُثبّت الحق لصاحبه؛ لذلك يطلب القاضي شهادة الشهود ليأتي حكمه في
القضية عن تحقيق وبيّنة ودليل؛ لذلك يقولون إن القاضي ل يحكم بعلمه ،إنما بالبينة حتى إنْ علم
شيئا في حياته العامة ،ثم جاء أمامه في القضاء يتركه ويتنحّى عنه لقاضٍ آخر يحكم فيه حتى ل
يبني حكمه على علمه هو.
وحين نتأمل هذه المسألة تجد أن ال تعالى يريد أنْ يُوزّع مسئولية الحكم على عدة جهات ،حتى
إذا ما صدر الحكم يصدر بعد تدقيق وتمحيص وتصفية لضمان الحق.
فنرى مثلً إذا حدثتْ حادثة نذهب إلى القسم لعمل (محضر) بالحادث( ،المحضر) يحيله ضابط
الشرطة إلى النيابة ،فتحيله النيابة للقاضي ليحكم فيه ،ثم ُيعَاد مرة أخرى للسلطة التنفيذية ليُنفّذ،
كل هذه الدورة يُراد بها تحري الحق ووضعه في نصابه.
فما بالك إذا كان الحق سبحانه هو الذي يشهد ،وهو الذي يحكم ،وهو الذي يُنفّذ الحكم؟ ل شكّ أن
ن قلتَ :إذن عَلَم يشهد رسول ال؟
العدالة هنا ستكون عدالة مطلقة .فإ ْ
قالوا :يشهد رسول ال أنه بلّغ أمته ،كما يشهد الرسل جميعا أنهم بلّغوا أممهم كما قال سبحانه{:
شهِيدا }[النساء.]41 :
شهِي ٍد َوجِئْنَا ِبكَ عَلَىا هَـاؤُلءِ َ
َفكَ ْيفَ ِإذَا جِئْنَا مِن ُكلّ ُأمّةٍ بِ َ
إذن :كل رسول شهيد على أمته ،وأنت شهيد على هذه المة أنك قد بلّغتها ،لكن ميْزتُك على مَنْ
سبقك من إخوانك الرسل أن تكون خاتمهم ،فل نبيّ بعدك؛ ولذلك سأجعل من أمتك من يخلف
النبياء الذين يأتون بعد الرسل في مهمتهم.
لذلك جاء في الحديث الشريف قول رسول ال صلى ال عليه وسلم " :علماء أمتي كأنبياء بني
إسرائيل ".
إذن :ضمن الحق سبحانه في أمة محمد أنْ يوجد فيه مَنْ يقوم بمهمة النبياء في البلغ ،وهذا
ش َهدَآءَ عَلَى النّاسِ[} ...البقرة.]143 :
معنى{ لّ َتكُونُواْ ُ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ن قلتَ كيف؟ نقول:
وكلمة الناس هنا عامة ،تشمل آدم عليه السلم وذريته إلى قيام الساعة ،فإ ْ
يشهدون على الناس بشهادة القرآن أن الرسل قد بّل َغتْ أممها ،هذا بالنسبة لمن مضى منهم ،أما
مَنْ سيأتي فأنتم مطالبون بأن تشهدوا عليهم أنكم قد بلّغتموهم ،كما يشهد عليكم رسول ال أنه قد
بلّغكم.
إذن :فأمة محمد أخذت حظا من النبوة ،وهو أنها سُتسْتدعي وتشهد على الناس.
لذلك ُي ِعدّ رسول ال صلى ال عليه وسلم أمته لهذه المهمة ،فيقول " :نضّر الُ امرءا ،سمع مقالتي
فوعاها ،ثم أدّاها إلى مَنْ يسمعها ،ف ُربّ مُبلّغٍ أوعى من سامع ".
جعَلْنَاكُمْ ُأمّةً وَسَطا[} ...البقرة ]143 :لماذا؟{ لّ َتكُونُواْ
واقرأ أيضا في ذلك قول ال تعالىَ {:وكَذَِلكَ َ
شهِيدا[} ...البقرة ]143 :فهذه المة في الوسط ،بحيث ل
شهَدَآءَ عَلَى النّاسِ وَ َيكُونَ الرّسُولُ عَلَ ْيكُمْ َ
ُ
إفراط ول تفريط ،وما أشبهها بالميزان الذي ل تميل كفة عن الخرى إل بما يُوضعَ فيها ،فهي
كالميزان العادل الذي ل يميل هنا أو هناك.
وقوله سبحانه } َومُبَشّرا[ { ...الحزاب ]45 :لمن استجاب لك بثواب ال ،والبشارة هي الخبار
بالخير قبل أوانه } وَنَذِيرا[ { ...الحزاب ]45 :أي :منذرا لمن لم يُصدقك بعقاب ال ،والنذار هو
طوّعا
التخويف بشرّ لم يأْت أوانه } وَدَاعِيا إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ[ { ...الحزاب ]46 :أي :بأمر منه ،ل ت َ
من عندك ،فقد يأتي زعيم من الزعماء أو مصلح من المصلحين بمنهج أو بأفكار من عنده ويبثّها
في مجتمعه.
فقوله تعالى } :بِإِذْنِهِ[ { ...الحزاب ]46 :يبين الفرق بين الرسول والمصلح من البشر ،فهذا الذي
جاء به محمد من عند ال ،وما بلّغكم به إل بأمر ال.
ويُشترط فيمَنْ يدعو إلى منهج الخير ثلثة شروط:
الول :ألّ ينتفع بشيء مما يدعو إليه ،وهذا ل يوجد في بشر أبدا ،وقد رأينا :حينما قنّنَ
الرأسماليون غَبَنُوا العمال ،وحينما قنّنَ الشتراكيون غبنوا الرأسمالين ..وهكذا.
وذلك لن البشر لهم أهواء مختلفة متعددة ،وكلّ يريد أنْ يُقنّن على هواه ،وبما يخدم مصالحه،
يريد أنْ يُسخّر غيره لخدمة هواه ،وبعد فترة قد تطول تفضحهم التجارب ،ويفضحهم الواقع،
وتُظهِر لهم أنفسهم مساويء ما قنّنُوا حتى يثوروا هم على قوانينهم ،وينتفضوا على أنفسهم،
ويعودوا إلى تعديل هذه القوانين.
الشرط الثاني :أن يكون على علم بالحداث المحتملة بعد أنْ يُقنّن ،وألّ تغيب عنه جزئية من
جزئيات الموضوع ،فيحتاج إلى تعديل القانون أو الستدراك عليه.
ثالثا :يُشترط فيمَنْ يُقنّن أن يكون حكيما فيما يُقنّن ،بحيث يضع المر في موضعه ،فل ينصف
جماعة على حساب أخرى ،وأن يكون الجميع أمامه سواء.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وحين تتأمل هذه الشروط الثلثة تجدها ل تتوفر إل في الحق سبحانه وتعالى ،إذن :ينبغي ألّ
ييُقنّن للبشر إل ربّ البشر ،وسبق أنْ أوضحنا هذه المسألة بمثال من المحسوسات ،فالناس في
الظلمة يحتاجون لبعض النور؛ ليهتدوا به إلى قضاء مصالحهم في الليل ،فينير كلّ منا ليله بما
يناسبه من وسائل الضاءة ،فواحد يشعل شمعة ،وآخر لمبة (نمرة خمسة) وآخر لمبة (نمرة
عشرة) ،وبعد ما استخدمنا الكهرباء رأينا اللمبة العادية والفوروسنت والنيون والكرستال ...إلخ.
إذن :أنتم تنيرون ظلمتكم على قدر إمكاناتكم ،فإذا ما أشرقتْ شمس الصباح ،أَتُبْقون على هذه
النوار؟ ل بل يطفيء الجميع أنواره؛ لن نور الشمس يأتي على قدر إمكانات خالقها عز وجل،
ي فهو أيضا
لذلك نقول :أطفئوا مصابيحكم ،فقد طلعت شمس ال ،فإذا كان ذلك في النور الحس ّ
ومن باب َأوْلَى في النور المعنوي ،فإذا جاءك نور التشريع ونور المنهج من ال ،فأطفيء ما عداه
من تشريعات ومناهج.
وقوله تعالى } :وَسِرَاجا مّنِيرا { [الحزاب ]46 :شبّه الحق سبحانه نبيه صلى ال عليه وسلم
بالسراج ،ول تستقلّ هذا الوصف في حقّ رسول ال ،فليس معنى السراج أنه كالسراج الذي
يضيء لك الحجرة مثلً ،إنما هو كالسراج الذي قال له عنه:
()3502 /
نقول في الدعاء :اللهم عاملنا بالفضل ل بالعدل؛ لن العدل أن تأخذ الجزاء المساوي للعمل ،أو
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ضلِ اللّهِ
تأخذ حقك ،أمّا الفضل فأنْ تأخذ فوق حقك وزيادة ،ومن ذلك قوله تعالىُ {:قلْ ِبفَ ْ
حمَتِهِ فَ ِبذَِلكَ فَلْ َيفْرَحُواْ[} ...يونس.]58 :
وَبِرَ ْ
ويقول النبي صلى ال عليه وسلم " :لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله " قالوا :ول أنت يا رسول
ال؟ قال " :ول أنا إل أن يتغمدني ال برحمته " لنني حين أحسب عملي مقابل ما أعطاني ربي
من ِنعَم قبل أنْ أُخلق ،وإلى أن أبلغ وأُكلّف ،أجد أنني لو قضيتُ حياتي كلها في طاعة ربي ما
وفّيتُ بحقه عليّ.
ثم من ناحية أخرى تجد أن العبادة والطاعة نفعُها يعود إليك أنت ،ول ينتفع ال تعالى منها بشيء،
فإذا كانت الطاعة والعبادة يعود نفعها إليك ،إذن :فالثواب عليها يكون فضلً من ال.
ومثّلْنا لذلك -ول المثل العلى -بولدك تُشجّعه على المذاكرة ،وتُحضر له أدواته ،وتنفق عليه
طوال العام ،فإذا ما نجح آخر العام أعطيْتَه هدية أو مكافأة ،فهذه الهدية من باب الفضل.
لذلك ،إنْ أردتَ أنْ تصلح بين متخاصمين ،أو تُؤلّف بينهما ف ُقلْ لهم :أتحبون أنْ أحكم بينكم بالعدل
أم بالفضل؟ سيقولون لك :ليس هناك أفضل من العدل ،وعندها لك أن تقول :بل الفضل أحسن من
العدل؛ لن العدل أنْ تأخذ حقك من خصمك ،والفضل أنْ تترك حقّك لخصمك لتأخذه من يد ربك
عز وجل.
وهذا ما رأيناه مُطبّقا في قصة الفك بين سيدنا أبي بكر حين عفا عن مسطح بعد أن نزل قوله
ن وَا ْل ُمهَاجِرِينَ فِي
س َعةِ أَن ُيؤْتُواْ ُأوْلِي ا ْلقُرْبَىا وَا ْلمَسَاكِي َ
تعالى {:وَلَ يَأْ َتلِ ُأوْلُواْ ا ْل َفضْلِ مِنكُ ْم وَال ّ
غفُورٌ رّحِيمٌ }[النور.]22 :
سَبِيلِ اللّهِ وَلْ َيعْفُواْ وَلْ َيصْفَحُواْ َألَ تُحِبّونَ أَن َي ْغفِرَ اللّهُ َلكُ ْم وَاللّهُ َ
سوْأتَهُ.
فمن أراد أنْ يغفر ال له ذنوبه فليغفر لخيه زلّته و َ
ن وَا ْلمُنَافِقِينَ.} ...
طعِ ا ْلكَافِرِي َ
ثم يقول الحق سبحانهَ { :ولَ تُ ِ
()3503 /
في أول السورة خاطب الحق سبحانه نبيه صلى ال عليه وسلم بقوله {:يَاأَ ّيهَا النّ ِبيّ اتّقِ اللّ َه وَلَ
ن وَا ْلمُنَافِقِينَ
طعِ ا ْلكَافِرِي َ
ن وَا ْلمُنَافِقِينَ[} ...الحزاب ]1 :وهنا خاطبه ربه بقولهَ { :ولَ تُ ِ
تُطِعِ ا ْلكَافِرِي َ
وَ َدعْ أَذَا ُه ْم وَ َت َوكّـلْ عَلَى اللّ ِه َو َكفَىا بِاللّ ِه َوكِـيلً } [الحزاب ]48 :فالولى كانت في بداية
الدعوة ،حين أخذ الكفار يكيدون لرسول ال ،فما بالك وقد قويتْ الدعوة ،واشتدّ عودها ،ل ُبدّ أنْ
يتضاعف كيْد الكافرين لرسول ال.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ن وَ َدعْ أَذَاهُمْ[ } ..الحزاب ]48 :ول يعني ذلك
لذلك يكرر له مسألة { َولَ تُطِعِ ا ْلكَافِرِينَ وَا ْلمُنَافِقِي َ
أنني سأُْسْلِمك ،إنما أنا وكيلك { وَتَ َوكّـلْ عَلَى اللّ ِه َوكَفَىا بِاللّهِ َوكِـيلً } [الحزاب.]48 :
فإنْ قلت ::كيف والوكيل أقل من الصيل؟ نقول :ل ،فالصيل ما وكّل غيره ،إل لنه عجز أنْ
يفعل ،فاختار القوى ليفعل له.
ثم يقول الحق سبحانه { :ياأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا.} ...
()3504 /
ع ّدةٍ
يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا إِذَا َنكَحْتُمُ ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ ثُمّ طَّلقْ ُتمُوهُنّ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ َت َمسّوهُنّ َفمَا َلكُمْ عَلَ ْيهِنّ مِنْ ِ
جمِيلًا ()49
ن وَسَرّحُوهُنّ سَرَاحًا َ
َتعْتَدّو َنهَا َفمَ ّتعُوهُ ّ
تتحدث الية عن مسألة اجتماعية تخصّ حفظ النوع ،وحفظ النوع النساني ل يتأتّى إل بالزواج،
خطْبة
خطْبة ،وكثيرون ل يفهمون معنى ال ِ
وهو وسيلة التكاثر ،وأولى مراحل الزواج مرحلة ال ِ
وحدودها لكل من الرجل والمرأة ،فالخِطبة مجرد أنْ يذهب طالب البنت إلى وليّها ليقول له :أإذا
تقدمتُ لطلب يد ابنتك أكون أهلً للقبول؟
فيقول وليّها :مرحبا بك ،هذه تسمى خِطْبة ،وربما ل يتقدم ،فإنْ تقدّم لها ،له أنْ يراها مرة واحدة
بين محارمها؛ لن النبي صلى ال عليه وسلم قال للشاب الذي أراد الخطبة " :انظر إليها ،فإنه
أحْرَى أنْ يُؤدَم بينكما ".
وعجيب أنْ يخلط الناس بين الخِطْبة والعقد ،فيعطون الخِطْبة صفة العقد ،فإذا قيل الوليّ الخاطبَ
ل تفاصيل الزواج ،وأباح له أنْ يجلس مع ابنته ،وأنْ
اتفق معه على المهر أو الشبكة وعلى ك ّ
يتحدث معها ،وربما يختلي بها ،ويا ليتهم جعلوها عقدا ،فأخرجوا أنفسهم من هذا الحرج.
فالخطبة إنْ عدل عنها الخاطب ما عليهم إل أنْ يذهب إلى وليّ البنت فيقول له :لقد طلبتُ منك يد
حلّ من هذا المر ،أما العقد فل يُفسخ قبل الدخول إل بالطلق ،إذن :ل تجعلوها
ابنتك وأنا في ِ
صورة خطبة وموضوعية عقد.
والحق سبحانه وتعالى يُبيّن لنا في هذه الية الكريمة ما يتعلّق بأحكام الطلق إنْ وقع قبل الدخول
بالزوجة { :ياأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا َنكَحْتُمُ ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ ثُمّ طَّلقْ ُتمُوهُنّ مِن قَ ْبلِ أَن َتمَسّوهُنّ َفمَا َلكُمْ
عَلَ ْيهِنّ مِنْ عِ ّدةٍ َتعْ َتدّو َنهَا[ } ...الحزاب.]49 :
فالنكاح هنا مقصود به العقد فقط ،وإل لو قصد به المعنى الخر لما قال { مِن قَ ْبلِ أَن َتمَسّوهُنّ...
} [الحزاب ]49 :والمسّ كناية عن الجماع ،وهو عملية دائما يسترها القرآن بألفاظ ل تدل عليه
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حقيقة.
والحكم هنا { َفمَا َل ُكمْ عَلَ ْيهِنّ مِنْ عِ ّدةٍ َتعْ َتدّو َنهَا[ } ...الحزاب ]49 :فليس للزوج على زوجته عِدّة
إنْ طلّقها قبل أنْ يدخل بها؛ لن العِدّة إنما كانت لحكمة :فالعدة في حالة الطلق الرجعي تعطي
للزوج فرصة أنْ يراجع زوجته ،وأنْ يعيدها بنفسه إلى عصمته ،والعدة تكون لستبراء الرحم
والتأكد من خُلوّه من الحمل ،وقد تكون العِدّة ،ل لهذا ول لذاك ،ولكن لنه تُوفّي عنها.
فالعِدّة قبل الدخول لها حكم ،وبعد الدخول لها حكم آخر ،وهذا الفرق يتضح كذلك في مسألة
صفُ مَا فَ َرضْ ُتمْ[} ...البقرة:
المهر ،فقبل الدخول للزوجة نصف مهرها ،كما قال سبحانه {:فَ ِن ْ
سمّي المهر بين
جمِيلً } [الحزاب ]49 :فإنْ ُ
ن وَسَرّحُوهُنّ سَرَاحا َ
]237وقال هناَ { :فمَ ّتعُوهُ ّ
الطرفين فلها نصفه ،وإنْ لم يُسَمّ فلها نصف مهر المثْل.
أما العِدّة بعد الدخول ففيها تفصيل ،بحيث تختلف من حالة لخرى بما يناسب الحالة التي تشرع
فيها العِدّة ،والعِدّة كما قلنا :تدل على أنها شيء معدود ،فإنْ كانت المرأة من ذوات الحيض ،فهي
ثلث حيضات ،ليتأكد خللها استبراء الرحم ،لكن الرحم يستبريء من مرة واحدة ،فلماذا جعلها
ال ثلث حيضات؟
قالوا :الهدف من ذلك إعطاء الزوج فرصة ،فقد يراجع نفسه وتهدأ نفسه ،فيراجع زوجته في هذه
المدة ،فالشرع هنا يراعي بناء السرةَ ،ألَ ترى أن الحق سبحانه شرع التقاء الزوج بزوجته
بكلمة :زوّجني وزوّجتك ،أما في حالة الطلق والفراق بين الزوجين ،فجعله على ثلث مراحل؛
ل لن ْقضِ كلمة ال في الزواج.
لن ال تعالى يريد ألّ يجعل للغضب العابر سبي ً
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ضتَ له باليذاء ،أما إنْ جاء من الباب ،وطلب يدها منك
ويفور دمك ،وتأخذك الغَيْرة ،وربما تعر ْ
ترحب به وتسعد ويفرج الجميع ،فما الذي حدث؟ وما الفرق بين الموقفين؟ فالذي أهاجك أنه
تلصّص عليها من غير إذن خالقها ،لذلك يقول صلى ال عليه وسلم " :اتقوا ال في النساء ،فإنكم
أخذتموهن بأمان ال ،واستحللتم فروجهن بكلمة ال ".
" ويقول رسول ال لرجل كان مشهورا بالغيرة على بناته ،وقد جاء يدعو رسول ال صلى ال
عليه وسلم إلى زواج إحدى بناته ،فضحك رسول ال وقال " :جدع الحلل انف الغيرة " ".
فالعقد الذي يجمع الزوجين على كلمة ال يجعل ال به بين الزوجين سِيَالً حللً عند كل منهما،
ويلتقي هذان السيالن في الحلل وتحت مظلة الشرع الذي جمعهما.
وعادة ما يصاحب الطلق ُب ْغضٌ من الطرفين ،أو كُرْه من أحدهما للخر؛ لذلك تكون العِدّة بينهما
ثلثة أشهر أو َوضْع الحمل؛ لن الكراهية التي حدثتْ بينهما تميت خليا اللتقاء بين النسجة،
وتُسرِع بانتهاء ما بينهما من سِيال وتطْعسه.
أما في حالة موت الزوج ،فقد قطع النكاح قدريا من ال ،فعادة ما تكون الزوجة مُحبّة لزوجها،
حزينة على فَقْده ،وتأتي فاجعة الموت ،فتزيدها حُبا له ،وفي هذه الحالة ليس من السهل أنْ ينتهي
السيّال بينهما؛ لذلك يشاء الخالق سبحانه أنْ يطيل أمد العِدّة إلى أنْ ينتهي هذا السّيال الذي
جمعهما ،فل يدخل على سيال الرجل سيال جديد ،فيحدث صراع بين السيالين؛ لذلك كانت عِدّة
المتوفي عنها زوجها أطول من عدة المطلقة.
وقوله تعالى } :ثُمّ طَّلقْ ُتمُوهُنّ مِن قَ ْبلِ أَن َتمَسّوهُنّ[ { ...الحزاب ]49 :يعني :أن الطلق قبل
س والدخول كان موجودا كما هو موجود الن ،ونحن نرى الطرفين أو أحدهما يتعجّل العقد،
الم ّ
رغم أنه غير مُستعد لنفقات الزواج ،إنما يتعجله لمصلحة تعود عليه من هذا الرتباط.
وقد ذكر لنا التاريخ أن كثيرا من السر ،خاصة السر العربية الصيلة كانت تفعل ذلك ،لكنهم لم
يكونوا يسمحون للزوج في هذه الحالة أنْ يختلي بالزوجة ،وإنْ كان عاقدا عليها ،وبعض فيتاتنا
لهن قصص مُشرّفة في هذه المسألة.
ومما رُوى في هذا الصدد قصة بهيثة بنت أوس بن حارثة الطائي والحارث بن عوف ،وهو سيد
من سيادات بني مُرّة ،وكان للحارث ابن عوف صديق اسمه ابن سنان ،وفي ليلة جلس الحارث
يتسامر مع صديقه ابن سنان فقال له :ترني لو أنني خطبتُ إلى أحد من العرب ابنته أيردّني؟
قالها وهو ُمعْتَزّ بنفسه فخور بسيادته على قومه.
فلما رآه صاحبه على هذه الحالة قال له :نعم هناك مَنْ يردّك ،قال :مَنْ؟ قال :أوس بن حارثة
الطائي ،فنادي الحارث على غلمة وقال :أحضر المراكب ،وهيا بنا إلى أوس بن حارثة الطائي،
فذهبوا إليه ،فوجدوه جالسا في فناء بيته ،فلما رآه أوس قال له :ما الذي جاء بك يا حارث ،فأقبل
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عليه الحارث ،وقال :ويك يا أوس ،ما الذي جاء بك؟ وتركه على دابته -قال :جئتُك خاطبا
لبنتك ،فقال له :لستَ هنك -يعني لستَ أهْلً لها -فلوى الحارث زمام دابته منصرفا ،في حين
بدا على ابن سنان الرتياح؛ لن كلمه صدق في صاحبه.
ل وقف معك فلم يُطل ولم ينزل؟ قال :إنه الحارث بن
فلما دخل أوس على امرأته سألتْه :مَنْ رج ٌ
عوف سيد من سادات بني مُرّة ،فقالت :ولماذا لم تستنزله عندك؟ قال :لقد استحمق -يعني:
حمْقا -قالت :وكيف هذا؟ قال :إنه جاء يخطب ابنتي ،قالت :عجبا أو ل تريد أن تُزوّج
ارتكب ُ
بناتك؟ قال :بلى ،قالت :فإذا كنتَ ل تُزوّجهن من سادات العرب ،فمَنْ تُزوّجهن؟ يا أوس ،اذهب
فتدارك المر ،قال :كيف وقد فرطَ مني ما فرط؟ قالت :الحقْ به ،و ُقلْ له :إنك جئتني وأنا
خلَ لك فيه ،ولما راجعتُ نفسي جئتُك معتذرا أطلب منك أنْ تعود ،ولك
ُمغْضب من أمر ل د ْ
عندي ما تحب.
فذهب الرجل ،فلم يجد الر ْكبَ ،فشدّ على راحلته ،حتى صار بينهما في الركْب ،فالتفت ابنُ سنان،
وقال :ابن عوف ،هذا أوس يلحق بنا ،فقال :وماذا أصنع به ا ْمضِ ،فناداه أوس :يا حارث :اربع
عليّ ساعة ،يعني :انتظرني -ولك عندي ما تحب ،ففرح يا حارث وعاد معه.
عاد أوس إلى بيته ،وقال لمرأته :ادْعي ابنتك الكبرى ،فجاءت ،فقال :با بُنيّة إن الحارث بن
عوف سيد بني مرة جاء ليخطبك فقالت :ل تفعل يا أبي ،فقال :ولم؟ قالت :إنني امرأة في وجهي
عهْدة -أي عيب -وليس بابن عم لي فيرعى
خلُقي ُ
ردّة -يعني قُبْح يردّ مَنْ يراني -وفي ُ
رحمي ،ول بجَار لك في بلدك فيستحي منك ،وأخاف أنْ يكره مني شيئا ،فيُطلّقني فيكون عليّ فيه
ما تعرف .فقال لها :قُومي ،بارك ال فيك.
ثم قال لمرأته :ادْعِي ابنتك الوُسْطى فجاءتْ ،فقال لها ما قال لختها ،فقالت :ل تفعل يا أبي،
قال :ولم؟ قالت :أنا امرأة خرقاء -يعني :ل تُحسِن عملً -وليست لي صناعة ،وأخاف أنْ يرى
ي ما يكون فقال لها :قومي بارك ال فيك ،وادْعِي أختك
مني ما يكره فيُطلّقني ،ويكون ف ّ
الصغرى ،وكانت هذه هي ُبهَيْثة التي نضرب بها المثل في هذا الموقف.
لما عرض عليها أبوها المر قالت :افعل ما ترى يا أبي ،قال :يا بُنيّتي ،لقد عرضتُه على أُختيك
فأبتَاهُ ،قالت :لكني أنا الجميلة وجها الصّناع يدا ،الرفيعة خُلُقا ،فإنْ طلّقني فل أخلفَ الُ عليه،
فقال :بارك ال فيك .ثم قام إلى الحارث وقال :بُو ِركَ لك يا حارث ،فإنّي زوّجتك ابنتي بهيثة،
فبارك ال لكما ،قال :وأنا قبلتُ زواجها.
ثم قال لمرأته :هَيّئي ابنتك ،واصنعي لها فُسْطاطا بفناء البيت ،ولما صُنع الفسطاط حُملت إليه
بهيثة ،ودخل عليها الحارث ،لكنه لم يلبث طويلً حتى خرج ،فسأله ابنُ سنان :أفرغتَ من شأنك؟
قال :ل وال ،يا بن سنان ،قال :ولم؟ قال :جئتُ لقترب منها .فقالت :أعند أبي وإخوتي؟ وال ل
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يكون ذلك أبدا ،فخرجتُ.
فقال :ما دامتْ ل ترضى وهي عند أبيها وإخوتها ،فهيّا بنا نرحل ،فأمر بالرحيل ،وسار الركب
بهم طويلً ،ثم قال :يا بن سنان تقدّم أنت -يعني :أعطنا الفرصة 0-فتقدّم ابن سنان بالر ْكبِ،
وانحاز الحارث بزوجته إلى ناحية من الطريق ونصب خيمته ،ثم دخل عليها فقالت له :ما شاء
لمَة الجليبة؟ وال ل يكون ذلك حتى أذهب إلى أهلك
ال ،أتفعل بي كما يُفعل بالسّبِيّة الخيذة ،وا َ
وبلدك ،وتذبح لي الذبائح ،وتدعو سادة العرب ،وتصنع ما يصنعه مثلك لمثلي.
الشاهد هنا -وهو درس لبنات اليوم -أنها لم ت ْرضَ لزوجها ،ولم تقبل منه في بيت أبيها ،ول
في الطريق ،ولم تتنازل عن شيء من عِزّتها وكبريائها ،مع أنها زوجته.
حتْ لها الذبائح ،ودُعي لها سادات العرب ،فلما دخل عليها وحاول
وفعلً تمّ لها ما أرادت ،وذُ ِب َ
القتراب منها ،قالت :لقد ذكرتَ لي شرفا ما رأيتُ فيك شيئا منه ،فقال :ولم؟ قالت :أتفرغُ لمر
النساء والعرب يقتلُ بعضُهم بعضا -تريد الحرب الدائرة وقتها بين عبس وذبيان -اذهب فأصلح
بينهما ،ثم عُدْ لهلك ،فلن يفوتك مني شيء ،فذهب الحارث وابن سنان ،وأصلحا بين عبس
وذُبْيان ،وتحمّل ديات القتلى ثلثة آلف بعير يُؤدّونها في ثلث سنوات ،ثم عاد إليها ،فقالت له:
الن لك ما تريد.
وهذه الية } ياأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا َنكَحْتُمُ ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ ثُمّ طَّلقْ ُتمُوهُنّ[ { ...الحزاب ]49 :بظاهرها
أعطتْ فهما لبعض الناس الذين يريدون أن يتحلّلوا من أحكام الدين في أشياء قد ترهقهم :فمثلً
الذي طلّق امرأته ثلث مرات ،واستوفى ما شُرِع له من مرات الطلق حكمه أنه ل تحلّ له
زوجته هذه إل بعد أن تنكَح زوجا غيره ،فيأتي مَنْ يقول -بناءً على الية السابقة -ما دام
حلّ لزوجها
النكاح هنا بمعنى العقد فهو إذن كَافٍ في حالة المرأة التي طُلّقت ثلث مرات ،وأنها ت ِ
الول بمجرد العقد على آخر.
ونقول :لكن فاتك أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ُفوّض من ربه بالتشريع وبيان وتفصيل ما
جاء في كتاب ال من أحكام ،كما قال سبحانه مخاطبا نبيه {:وَأَنْزَلْنَا إِلَ ْيكَ ال ّذكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنّاسِ مَا
نُ ّزلَ إِلَ ْيهِمْ[} ...النحل.]44 :
فلو أن سُنّة سول ال لم تتعرّض لهذه المسألة ،لَكانَ هذا الفهم جائزا في أن مجرد العقد يبيح عودة
الزوجة لزوجها ثانية ،لكن الذي أناط ال به مهمة بيان القرآن وقال عنهَ {:ومَآ آتَاكُمُ الرّسُولُ
خذُوهُ َومَا َنهَاكُمْ عَ ْنهُ فَان َتهُواْ[} ...الحشر.]7 :
فَ ُ
إذن :فهو صلى ال عليه وسلم له حَقّ التشريع ،وقد بيّن لنا المراد هنا في قوله تعالى {:حَتّىا
تَ ْنكِحَ َزوْجا غَيْ َرهُ[} ...البقرة.]230 :
فأبقى كلمة النكاح على أنها مجرد العقد ،ثم بيّن المراد من ذلك ،فقال للرجل " :حتى تذوق
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عسيلته ،ويذوق عسيلتها " إذن :تمام الية ل يجيز لمن يقول :إن مجرد العقد يبيح للرجل أن يعيد
زوجته التي طُّل َقتْ ثلث مرات إل بعد أن تذوق عُسَيْلته ،ويذوق عُسيَلْتها ،وهذه المسألة جعلها ال
س ُهلَ عليه النطق به ،حتى صار على لسانه دائما.
تأديبا للرجل الذي تعوّد الطلق ،و َ
ومن رحمة الخالق بالخَلْق ،ومن حرصه -تبارك وتعالى -على رباط السرة أنْ أحلّ المرأة
للرجل كما قلنا بكلمة زوّجني وزوّجتك لكن عند الفراق لم يجعله بكلمة واحدة إنما جعله على
مراحل ثلث؛ لُيبقِي للمودة وللرحمة بين الزوجين مجالً ،فإنِ استنفد الزوج هذه الفرص ،وطلّق
للمرة الثالثة فل بُدّ أن نحرق أنفك بأنْ تتزوج امرأ ُتكَ من زوجٍ غيرك زواجا حقيقيا تمارس فيه
هذه العملية ،وهي أصعب ما تكون على الزوج.
ونلحظ هنا أن دقّة التشريع أو صعوبته في كثير من المسائل ل يريد ال منه أنْ يُصعّب على
ن تفعل ذلك ،يريدك أنْ تبتعد عن لفظ الطلق ،وألّ تلجأ إليه إل
الناس ،وإنما يريد أن يرهّب من أ ْ
عند الضرورة القصوى.
لذلك يُعلّمنا سيدنا رسول ال فيقول " :إن أبغض الحلل عند ال الطلق " فالذين يعترضون على
الطلق في شرعنا ،ويتعجّبون كيف يفارق الزوجُ زوجته بعد العِشْرة الطويلة والحب والمودة
يفارقها بكلمة ،وفاتَ هؤلء أن الطلقَ وإنْ كان البغض إل أنه حللٌ ،ويكفي أن ال تعالى جعله
على مراحل ثلث ،وجعله ل يُستخدم إل عند الضرورة ،وحذّؤ الرجل أنْ يتساهل فيه ،أو يُجرِيه
على لسانه ،فيتعوّده.
ص المؤمنات في قوله } :إِذَا َن َكحْتُمُ ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ[ { ...الحزاب ]49 :مع
ونلحظ أن الحق سبحانه خ ّ
أن المؤمن يُبَاح له أنْ يتزوج من الكتابية ،مسيحية كانت أو يهودية ،فكأن في الية إشارةً لطيفة
لمن أراد أنْ يتزوج فليتزوج مؤمنة ،ول يُمكّن من مضجعه إل مؤمنة معه ،وهذا احتياط في
الدين ،فالمؤمنة تكون مأمونة على حياته وعلى عِرْضه ،وعلى أولده وماله ،فإن غير المؤمنة ل
تُؤتمن على هذا كله.
وقد رأينا بعض بعض شبابنا الذين ذهبوا إلى بلد الغرب ،وتزوجوا من أجنبيات ،وبعد الزواج
ظهرت النكبات والمصائب ،فالم ل تنسى أنها يهودية أو نصرانية ،وتبثّ أفكارها ،ومعتقداتها في
الولد ،إذن :فعلى المؤمن أنْ يختار المؤمنة؛ لنها مؤتمنة عليه وعلى بيته.
وأذكر حين سافرنا إلى الخارج ،كنا نُسْأل :لماذا أبحتُم لنفسكم أنْ تتزوجوا الكتابية ،ولم تبيحوا لنا
أن نتزوج المسلمة؟ وكان بعض الباء يأتون ببناتهم اللئي وُلِدْن في ألمانيا مثلً ،وكانت البنت
جتَ أنت ألمانية؟
تُحاج والدها بهذه المسألة ،لماذا ل أتزوج ألمانيا كما تزو ْ
فكنا نرد على بناتنا هناك :بأن المسلم له أن يتزوج كتابية؛ لنه يؤمن بكتابها ،ويؤمن بنبيّها ،لكن
كيف تتزوجين أنت من الكتابي ،وهو ل يؤمن بكتابك ،ول يؤمن بنبيك؟ إذن :فالمسلم ُمؤْتَمن على
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الكتابية ،وغير المسلم ليس مُؤتمنا على المسلمة.
جمِيلً { [الحزاب ]49 :وفي موضع آخر قال
ن وَسَرّحُوهُنّ سَرَاحا َ
وقوله تعالىَ } :فمَ ّتعُوهُ ّ
ن َوقَدْ فَ َرضْتُمْ َلهُنّ فَرِيضَةً
سبحانه في نفس هذه المسألة {:وَإِن طَّلقْ ُتمُوهُنّ مِن قَ ْبلِ أَن َت َمسّوهُ ّ
فَ ِنصْفُ مَا فَ َرضْتُمْ[} ...البقرة.]237 :
ويمكن أنْ نُوفّق بين هاتين اليتين بأن الولى نزلتْ فيمَنْ لم ُيفْرض لها مهر ،والثانية فيمَنْ فُرِض
لها مهر ،التي لم يُفرض لها مهر لها المتعة } َفمَ ّتعُوهُنّ[ { ...الحزاب ]49 :والتي فُرض لها
مهر لها نصفه ،فكل آية تخصّ وتعالج حالة معينة ،وليس بين اليتين َنسْخ.
وبعض العلماء يرى أنه ل مانع ،إنْ فُ ِرضَ لها مهر أنْ يعطيها المتعة فوق نصف مهرها ،وهذا
رأي وجيه ،فالعدل أنْ تأخذ نصف ما فُرِض لها ،والفضل أنْ يعطيها المتعة فوق هذا النصف،
ن تبنى المعاملت دائما على الفضل ل على مجرد العدل ،وربنا عز وجل يُعلّمنا ذلك،
وينبغي أ ْ
حين يعاملنا سبحانه بفضله ل بعدله ،ولو عاملنا بالعدل لهلكنا جميعا.
لذلك جاء في دعاء الصالحين :اللهم عاملْنَا بالفضل ل بالعدل ،وبالحسان ل بالميزان ،وبالجبر ل
بالحساب .نعم ،فإن لم يكُنْ في الخرة إل الحساب ،فلن يكسب منا أحدٌ ،وقد ورد في الحديث" :
عذّب ".
مَنْ نُوقِشَ الحساب ُ
ج َمعُونَ }[يونس.]58 :
حمَتِهِ فَبِ َذِلكَ فَلْ َيفْرَحُواْ ُهوَ خَيْرٌ ّممّا َي ْ
ويقول سبحانهُ {:قلْ ِب َفضْلِ اللّهِ وَبِرَ ْ
فالفرح ل يكون إل حين يشملك فضْل ال ،وتعمّك رحمته ،وفي الحديث الشريف " :لن يدخل أحدٌ
الجنة بعمله " قالوا :ول أنت يا رسول ال؟ قال " :ول أنا إل أنْ يتغمدني ال برحمته ".
فإنْ قُ ْلتَ :فكيف نجمع بين هذه النصوص من القرآن والسنة ،وبين مكانة العمل ومنزلته في مثل
قوله تعالى {:ا ْدخُلُواْ ا ْلجَنّةَ ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ }[النحل.]32 :
قالوا :صحيح أن للعمل منزلته وفضله ،لكنك حين تعبد ال ل تُقدم ل تعالى خدمة بعبادتك له ،إنما
الخدمة مُقدّمة من ال لك في مشروعية العبادة ،وإل فال تعالى بكل صفات الكمال خلقك وخلق
الكون كله لك ،فإنْ كلّفك بعد ذلك بشيء ،فإنما هو لصالحك ،كما تكلف ولدك بالجد والمذاكرة.
ثم لو أنك وضعتَ عملك في ِكفّة ،و ِنعَم ال عليك في كفة لما وفّتْ أعمالك بما أخذْتَه من ِنعَم
ربك .إذن :إنْ أثابك بعد ذلك في الخرة فإنما بفضله تعالى عليكَ ورحمته لك.
ومثّلْنا لذلك -ول تعالى المثل العلى -بقولك لولدك :لو نجحتَ آخر العام سأُعطيك هدية أو
حبّ له وتحب له الخير.
مكافأة ،فمع أنه هو المستفيد من نجاحه إل أنك تزيده؛ لنك مُ ِ
إذن :ينبغي أنْ نتعامل بهذه القاعدة ،وأنْ نتخلّق بهذا الخلق ،خاصة في مثل هذه الحالة ،حالة
الزوجة التي طُّل َقتْ قبل الدخول بها.
فإنْ قُ ْلتَ :ولماذا تأخذ الزوجة التي طُلّقت قبل الدخول بها نصف المهر والمتعة أيضا؟ نقول :هو
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عوَض لها عن المفارقة ،فإنْ كانت هي ال ُمفَارقة الراغبة في الطلق ،فليس لها شيء من المهر أو
ِ
المتعة ،إنما عليها أنْ تردّ على الزوج ما دفعه ،كما جاء في حديث المرأة التي جاءت رسول ال
صلى ال عليه وسلم تخبره أنها ل تريد البقاء مع زوجها ،فقال لهاً " :ردّي عليه ما دفعه لك "
وهذه العملية يسميها العلماء (الخُلْع).
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
النسان الخليفة ،وهو آدم عليه السلم ،وخلق منه الزوجة ليُحقّق منهما الخلفة في الرض ،لكن
لماذا هذه الخلفة؟ قالوا :ليستمتعوا بآثار قدرة ربهم وحكمته في كونه ،كما تسعد أنت حين تأتي
لولدك بما لَذّ وطابَ من الطعام ،وتفرح حين تراهم يأكلون ويتمتعون بما جئتَ به ،تفرح لنك
عدّ ْيتَ أثر قدرتك للغير -ول تعالى المثل العلى .-
ن الَ ْرضِ
فما دام الحق سبحانه جعل الخليفة في الرض ثم حدد مهمته ،فقالُ {:هوَ أَنشََأكُمْ مّ َ
وَاسْ َت ْعمَ َركُمْ فِيهَا[} ...هود ]61 :إذن :ل ُبدّ أنْ يضمن لهذا الخليفة مُقوّمات حياته ومُقوّمات
استبقاء هذه الحياة ل تكتمل إل بمُقوّمات بقاء النوع ،فإنه لن يعيش في الدنيا وحيدا لخر الزمان.
واستبقاء الحياة يكون بالقوت؛ لذلك فإن ربك عز وجل قبل أنْ يستدعيك إلى الوجود ،وقبل أنْ
يخلقك خلق لك ،خلق لك الشمس والقمر والنجوم والكواكب والرض والهواء والماء ،فأعدّ للخليفة
كل مُقوّمات حياته.
جعَلُونَ َلهُ أَندَادا َذِلكَ
ق الَ ْرضَ فِي َي ْومَيْنِ وَتَ ْ
واقرأ قول ال تعالىُ {:قلْ أَئِ ّنكُمْ لَ َت ْكفُرُونَ بِالّذِي خَلَ َ
سوَآءً
سيَ مِن َف ْو ِقهَا وَبَا َركَ فِيهَا َوقَدّرَ فِيهَآ َأ ْقوَا َتهَا فِي أَرْ َبعَةِ أَيّامٍ َ
ج َعلَ فِيهَا َروَا ِ
َربّ ا ْلعَاَلمِينَ * وَ َ
لّلسّآئِلِينَ }[فصلت.]10 :
إذن :فمخازن القوت مملوؤة{ َومَا نُنَزُّلهُ ِإلّ ِبقَدَرٍ ّمعْلُومٍ }[الحجر ]21 :وما دام خالق البشر قدّر
لهم القوات مُقدّما ،فليست لك أن تقول " انفجار سكاني " ُقلْ :إنك قص ْرتَ في استنباط هذا القوت
بما أصباك من كسل أو سوء تخطيط.
طمَئِنّةً يَأْتِيهَا رِ ْز ُقهَا رَغَدا
ونلحظ هذا المعنى في قوله تعالىَ {:وضَ َربَ اللّهُ مَثَلً قَرْيَةً كَا َنتْ آمِ َنةً مّ ْ
خ ْوفِ ِبمَا كَانُواْ َيصْ َنعُونَ }[النحل:
ع وَالْ َ
مّن ُكلّ َمكَانٍ َف َكفَ َرتْ بِأَ ْن ُعمِ اللّهِ فََأذَا َقهَا اللّهُ لِبَاسَ ا ْلجُو ِ
.]112
ومن الكفر بنعمة ال سَتْرها بالكسل والقعود عن استنباطها ،وقد يَشْقي جيل بكسل جيل قبله ،لذلك
لما تنبّهنا إلى هذه المسألة ،وبدأنا نزرع الصحراء ونُعمّرها انفرجتْ أزمتنا إلى حَدّ ما ،ولو بكّرْنا
بزراعة الصحراء ما اشتكينا أزمة ،ول ضاقَ بنا المكان.
والحق سبحانه يُعلّمنا أنه إذا ضاق بنا المكان ألّ نتشبثَ به ،ففي غيره سعة ،واقرأ {:إِنّ الّذِينَ
ضعَفِينَ فِي الَ ْرضِ قَالْواْ أََلمْ َتكُنْ أَ ْرضُ
سهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُن ُتمْ قَالُواْ كُنّا مُسْ َت ْ
َت َوفّاهُمُ ا ْلمَل ِئكَةُ ظَاِلمِي أَ ْنفُ ِ
سعَةً فَ ُتهَاجِرُواْ فِيهَا[} ...النساء.]97 :
اللّ ِه وَا ِ
لذلك يخاطب الحق سبحانه نبيه صلى ال عليه وسلم ،حتى في الخلوة الليلية معه {:إِنّ رَ ّبكَ َيعْلَمُ
أَ ّنكَ َتقُومُ أَدْنَىا مِن ثُلُ َثيِ الْلّ ْيلِ[} ...المزمل ]20 :إلى أن يقول {:عَلِمَ أَن سَ َيكُونُ مِنكُمْ
مّ ْرضَىا[} ...المزمل ]20 :والمرضى غير قادرين على العمل ،فعلى القادر إذن أنْ يعمل ل ِيسُدّ
ضلِ اللّ ِه وَآخَرُونَ ُيقَاتِلُونَ
حاجته وحاجة غير القادر{ وَآخَرُونَ َيضْرِبُونَ فِي الَ ْرضِ يَبْ َتغُونَ مِن َف ْ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فِي سَبِيلِ اللّهِ[} ...المزمل.]20 :
سعْي
إذن :قانون الصلح الذي جعله ال لحياة البشر يقوم على دعامتين :الضرب في الرض وال ّ
في مناكبها ،وفيه مُقوّمات الحياة ،ثم نقاتل في سبيل ال لبقاء الدعوة والمنهج ،فالولى للقالب،
وبها نأكل ونشرب ونعيش ،والخرى للقيم.
فإنْ قعدتْ المة أو تكاسلتْ عن أيّ من هاتين الدعامتين ضاعتْ وهلكتْ وصارتْ مطمعا
لعدائها؛ لذلك تجد الن المم المتخلفة فقيرة ،تعيش على صدقات المم الغنية؛ لنها كفرتْ بأنعم
ال وسترتها ،ولم تعمل على استنباطها ،قعدتْ عن الستعمار والستصلح.
أما الغنياء فعندهم فائض ل ُيعْطي للفقراء ،إنما يُرْمي في البحر ويُعدَم ،لتظل لهم السيادة
ن نقول بأن شر العالم كله والفساد إنما يأتي بكفر نعم ال ،إما بسترها
القتصادية ،لذلك نستطيع أ ْ
وعدم استنباطها ،أو بالبخل بها على غير الواجد.
ولهمية القوت يأتي في مقدمة ما يمتنّ ال به على عباده في قوله {:فَلْ َيعْ ُبدُواْ َربّ هَـاذَا الْبَ ْيتِ *
خوْفٍ }[قريش.]4 :
ع وَآمَ َنهُم مّنْ َ
ط َع َمهُم مّن جُو ٍ
الّذِي َأ ْ
ضمِن له أيضا بقاء نوعه ونَسْله،
وكما ضَمن الحق سبحانه للخليفة في الرض مُقوّمات حياته َ
وجعل ذلك بالزواج الذي شرّعه ال؛ ليأتي النسل بطريقة طاهرة شريفة ،ل بطريقة خسيسة دَنِسة،
وفَرْق بين هذا وذاك ،فالولد الشرعي تتلقفه أيدي الوالدين وتتباهَى به ،أما الخر فإذا لم تتخلّص
منه أمه وهو جنين تخلصت منه بعد ولدته ،لنه عار عليها.
فالحق سبحانه شرع الزواج لطهارة المجتمع المسلم ونظافته وسلمته ،مجتمع يكون جديرا بأن
يتباهى به سيدنا رسول ال يوم القيامة ،فقد ورد في الحديث الشريف " :تناكحوا تناسلوا ،فإنّي مُبَاهٍ
بكم المم يوم القيامة ".
ثم يقول الحق سبحانه } :ياأَ ّيهَا النّ ِبيّ إِنّآ أَحْلَلْنَا.{ ...
()3505 /
ن َومَا مََل َكتْ َيمِي ُنكَ ِممّا َأفَاءَ اللّهُ عَلَ ْيكَ
جكَ اللّاتِي آَتَ ْيتَ أُجُورَهُ ّ
يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ إِنّا َأحْلَلْنَا َلكَ أَ ْزوَا َ
ن وَهَ َبتْ
ك وَامْرََأةً ُم ْؤمِنَةً إِ ْ
ك وَبَنَاتِ خَالَا ِتكَ اللّاتِي هَاجَرْنَ َم َع َ
عمّا ِتكَ وَبَنَاتِ خَاِل َ
ك وَبَنَاتِ َ
ع ّم َ
وَبَنَاتِ َ
حهَا خَاِلصَةً َلكَ مِنْ دُونِ ا ْل ُمؤْمِنِينَ قَدْ عَِلمْنَا مَا فَ َرضْنَا عَلَ ْيهِمْ
سهَا لِلنّ ِبيّ إِنْ أَرَادَ النّ ِبيّ أَنْ يَسْتَ ْنكِ َ
َنفْ َ
غفُورًا َرحِيمًا ()50
ج َوكَانَ اللّهُ َ
جهِ ْم َومَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُن ُهمْ ِلكَيْلَا َيكُونَ عَلَ ْيكَ حَرَ ٌ
فِي أَ ْزوَا ِ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الحق -تبارك وتعالى -لم يخاطب نبيه محمدا صلى ال عليه وسلم باسمه العَلم أبدا ،كما خاطب
غيره من النبياء فقال :يا نوح ،يا عيسى ،يا موسى ،يا إبراهيم ..إلخ ،أما رسول ال ،فناداه ربه
بقوله { ياأَ ّيهَا النّ ِبيّ[ } ...الحزاب ]50 :و{ ياأَ ّيهَا الرّسُولُ[} ...المائدة.]41 :
ونداء الشخص باسمه العَلَم دليلٌ على أنه ليستْ له صفة مميزة ،فإنْ ملك صفة مميزة نُودِي بها
تقول :يا شجاع ،يا شاعر ..إلخ ،الن الجميع يشتركون في العَلَمية .إذن :فنداء النبي صلى ال
عليه وسلم بيأيها النبي ،ويأيها الرسول تكريم له صلى ال عليه وسلم.
جكَ[ } ...الحزاب ]50 :ما معنى { َأحْلَلْنَا[ } ...الحزاب]50 :
وقوله تعالى { :إِنّآ َأحْلَلْنَا َلكَ أَ ْزوَا َ
هنا ما دام الحديث عن أزواجه صلى ال عليه وسلم؟ قالوا :معناها أنها كانت في منطقة مُحرّمة
ثم أحلّها ال له أي :جعلها حللً ،وهذا المعنى يتضح بقوله تعالى بعدها { اللّتِي آتَ ْيتَ
ل أولً ،بدليل أنه آتى الجر والمهر.
حّأُجُورَهُنّ[ } ...الحزاب ]50 :كأن رسول ال أخذ بال ِ
ولقد كان للعلماء َوقْفة عند تسمية المهر أجرا ،قالوا :كيف يُسمّي المهر أجرا ،ومعنى الجر في
ج ْعلٌ على منفعة موقوتة يؤديها المُستأجر للمُستأجِر ،أما النكاح فليس موقوتا ،إنما من
اللغةُ :
شروطه نية التأبيد والدوام؟
وللجواب على هذه المسألة نقول :ل يصح أنْ تُؤخَذ اليات ،منفصلة بعضها عن بعض ،إنما
ينبغي أنْ نجمع اليات الواردة في نفس الموضوع جَنْبا إلى جنب؛ ليأتي فهمها تاما متكاملً.
فالحق سبحانه يقول في موضع آخر مخاطبا نبيه صلى ال عليه وسلم في شأن زوجاته {:تُ ْرجِي
مَن تَشَآءُ مِ ْنهُنّ[} ...الحزاب ]51 :أي :تؤخر استمتاعك بها{ وَ ُت ْؤوِي إِلَ ْيكَ مَن َتشَآءُ} ...
[الحزاب ]51 :أي :تضمّها إليك.
إذن :ما دم لك أن ترجيء أزواجا منهن وتمنعهن من القسمة ،ثم تضم غيرهن ،فكأن المنفعة هنا
موقوتة ،فناسب ذلك أن يُسمّى المهر أجرا.
والحق سبحانه يعطي نبيه صلى ال عليه وسلم في كل مراحل سيرته أزكى المواقف وأطهرها
وأنبلها ،فقوله تعالى { :اللّتِي آتَ ْيتَ ُأجُورَهُنّ[ } ...الحزاب ]50 :دليل على أنه صلى ال عليه
وسلم ما انتفع بهن إل بعد أنْ أدّى مهرهن ،في حين أن للنسان أنْ يسمى المهر ،ويدخل بزوجته
دون أن يدفع من المهر شيئا ،ويكون المهر كله أو بعضه مُؤخّرا ،لكن تأخير المهر يعطي للمرأة
حتْ له فهو تفضّل منها .إذن :فرسول ال اختار أكمل شيء.
حق أنْ تمتنع عن مضاجعته ،فإنْ سم َ
رسول ال صلى ال عليه وسلم جاء ليبُيّن للناس ما نُزّل إليهم ،وجعله ربه أُسْوة سلوكية في
المور التي يعزّ على الناس أن يستقبلوها ،فنفّذها رسول ال في نفسه أولً كما قلنا في مسألة
التبني.
كذلك في مسألة تعدد الزوجات ،فرسول ال أُرسِل والتعدد موجود عند العرب وموجود حتى عند
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
النبياء السابقين ،لكن أراد ال أنْ يحدد هذا التعدد تحديدا يمتص الزائد من النساء ،ول يجعله
مباحا في كل عدد ،فأمر رسوله أن يقول لمته :مَنْ كان عنده أكثر من أربع فليمسك معه أربعا،
ويفارق ما زاد عنهن ،في حين كان عنده صلى ال عليه وسلم تسع زوجات.
فلو أن الحكم شمله ،فأمسك أربعا ،وسَرّح خمسا لصابهُنّ ضرر كبير ،ولصِرْنَ مُعلّقات؛ لنهن
زوجات رسول ال وأمهات المؤمنين ،وليس لحد أن يتزوج إحداهن بعد رسول ال.
إذن :الحكم يختلف مع رسول ال ،والعدد بالنسبة له أن يقتصر على هؤلء التسعة بذواتهن ،بحيث
حلّ َلكَ النّسَآءُ
لو ماتت إحداهن أو طُلّقت فليس له أنْ يتزوّج بغيرها؛ لن ال خاطبه بقوله {:لّ يَ ِ
ج وََلوْ أَعْجَ َبكَ حُسْ ُنهُنّ[} ...الحزاب.]52 :
مِن َبعْ ُد َولَ أَن تَبَ ّدلَ ِبهِنّ مِنْ أَ ْزوَا ٍ
وقد بيّنا للمستشرقين الذين خاضوا في هذه المسألة أن رسول ال لم يُسْتثْن في العدد ،إنما استُثنى
في المعدود ،حيث وقف عند هؤلء التسع بذواتهن ،وليس له أنْ يتزوج بأخرى ،أما غيره من
ضعْف أو أضعاف هذا العدد ،شريطة ألّ يزيد عن أربع في وقت واحد.
أمته فلن أنْ يتزوج ِ
حلّ َلكَ النّسَآءُ مِن َبعْدُ} ...
جكَ[ { ...الحزاب ]50 :جاءت قبل{ لّ َي ِ
وكلمة } َأحْلَلْنَا َلكَ أَ ْزوَا َ
[الحزاب ]52 :وقد ورد عن السيدة عائشة أنها قالت :ما مات رسول ال حتى أبيح له أنْ يتزوج
ما شاء ،فكيف ذلك؟
قالوا :لن ال تعالى أراد أنْ يعطي لرسوله تميّز الوفاء لزواجه ،فمع أن ال أباح له أنْ يتزوج
بغيرهن ،إل أنه صلى ال عليه وسلم لم يفعل وفاءً لهُنّ ،والرسول صلى ال عليه وسلم يفعل ذلك
لنه كان إذا حُيي بتحية يُحييّ بأحسن منها أو يردّها بمثلها ،وقد رأى صلى ال عليه وسلم من
أزواجه سابقة خير حين خيرّهُنّ فاخترْته وفضّلْن العيش معه على زينة الدنيا ومتعها ،فكأنه يردّ
لهم هذه التحية بأحسن منها.
حلّ َلكَ النّسَآءُ مِن َبعْدُ[} ...الحزاب:
جكَ[ { ...الحزاب ]50 :قبل{ لّ يَ ِ
ومجيء } َأحْلَلْنَا َلكَ أَ ْزوَا َ
]52دليل على تكريم الرسول ومعاملته معاملة خاصة ،فال قد أحل له قبل أنْ يُحرّم عليه ،ومثال
عفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ َلهُمْ[} ...التوبة ]43 :فسبُق العتاب بالعفو.
هذا التكريم قوله تعالىَ {:
جكَ[ { ...الحزاب ]50 :أن الزواج جاءت بصيغة
حلَلْنَا َلكَ أَ ْزوَا َ
ونلحظ في قوله تعالى } :إِنّآ أَ ْ
المذكّر ولم يقل زوجاتك؛ لن الزوج يُطلق على الرجل وعلى المرأة ،والزوج في اللغة هو الواحد
المفرد ومعه غيره من جنسه ،وليس الزوج يعني الثنين كما يعتقد البعض ،ومثلها كلمة (توأم)
فهي تعني الواحد الذي معه غيره ،فكل منهما يسمّى توأما ،ومن ذلك قوله تعالىَ {:ثمَانِيَةَ أَ ْزوَاجٍ
ن َومِنَ ا ْل َمعْزِ اثْنَيْنِ} ...
مّنَ الضّأْنِ اثْنَيْ ِ
[النعام.]143 :
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ثم يقول تعالىَ } :ومَا مََل َكتْ َيمِي ُنكَ ِممّآ َأفَآءَ اللّهُ عَلَ ْيكَ[ { ...الحزاب ]50 :نعرف أن ملْك اليمين
يُقصَد به المرأة المملوكة ،وجاء قوله تعالىِ } :ممّآ َأفَآءَ اللّهُ عَلَ ْيكَ[ { ...الحزاب ]50 :احتياط،
فمِلْك اليمين بالنسبة لرسول ال جاء من طريق شرعي ،جاء من الفيء والمراد أسرى الحروب.
خذْنَ عُنْوة أو سُ ِرقْنَ،
وقد باشر صلى ال عليه وسلم عملية السّبْي بنفسه؛ لن من الماء حرائر أُ ِ
ومنهم من بيعتْ في سوق الرقيق على أنها َأمَة ،وهذا ما رأيناه فعلً في قصة سيدنا زيد بن
حارثة ،إذن :فقوله تعالىِ } :ممّآ َأفَآءَ اللّهُ عَلَ ْيكَ[ { ...الحزاب ]50 :أي :أنك ملكتها ،وأنت واثق
تمام الثقة أنها أمَة َوفَيءٌ أحله ال لك.
ك وَامْرََأةً ّم ْؤمِنَةً إِن
ك وَبَنَاتِ خَالَ ِتكَ اللّتِي هَاجَرْنَ َم َع َ
ك وَبَنَاتِ خَاِل َ
عمّا ِت َ
ع ّمكَ وَبَنَاتِ َ
} وَبَنَاتِ َ
حهَا خَاِلصَةً ّلكَ مِن دُونِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ[ { ...الحزاب.]50 :
سهَا لِلنّ ِبيّ إِنْ أَرَادَ النّ ِبيّ أَن َيسْتَنكِ َ
وَهَ َبتْ َنفْ َ
وكذلك أحلّ ال لنبيه أنْ يتزوّج من بنات عمه ،أو بنات عماته ،أو بنات خاله ،أو بنات خالته،
والعمومة :أقاربه من جهة أبيه ،والخئولة أقاربه من جهة أمة ،ونلحظ أن رسول ال لم يتزوج ل
من بنات عمه ،ول من بنات عماته ،ول من بنات خاله ،ول من بنات خالته.
والمعنى أن ال تعالى أحلّ له أنْ يتزوّج من هؤلء ما وُجد؛ لن قرابته سيكونون مأمونين عليه،
ومعينين له على أمره.
وحين تتأمل هذه الية نجد أن العم والخال جاءت مفردة ،في حين جاءت العمات والخالت جمعا،
لماذا؟ قالوا :لن العم والخال اسم جنس ،واسم الجنس يُطلَق على المفرد وعلى الجمع ،بدليل أنك
ن الِنسَانَ َلفِى خُسْرٍ * ِإلّ
تجد اسم الجنس في القرآن يُستثنى منه الجمع ،كما في{ وَا ْل َعصْرِ* إِ ّ
صوْاْ بِالصّبْرِ }[العصر.]3-1 :
ق وَ َتوَا َ
حّصوْاْ بِالْ َ
عمِلُواْ الصّاِلحَاتِ وَ َتوَا َ
الّذِينَ آمَنُواْ وَ َ
فالنسان اسم جنس مفرد ،واستثني منه الذين آمنوا وهي جمع ،أما العمّات والخالت فليستْ اسم
جنس؛ لذلك جاءتْ بصيغة الجمع المؤنث.
وأيضا ،لن العم صِنْو الب ،فعلى فرض أنهم أعمام كثيرون ،فهم في منزلة الب ،واقرأ في ذلك
حضَرَ َيعْقُوبَ ا ْل َموْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا َتعْبُدُونَ مِن َبعْدِي قَالُواْ َنعْبُدُ
ش َهدَآءَ إِذْ َ
قوله تعالى {:أَمْ كُنتُمْ ُ
ل وَإِسْحَاقَ[} ...البقرة ]133 :فدخل العَ ّم في مُجْمل الباء.
سمَاعِي َ
ك وَإِلَـاهَ آبَا ِئكَ إِبْرَاهِي َم وَإِ ْ
إِلَـا َه َ
سمّي العمّ أبا في قوله تعالى {:وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِي ُم لَبِيهِ آزَرَ[} ...النعام ]74 :ومعلوم أنه
وكذلك َ
كان عمه.
ج َولَ عَلَى
عمَىا حَرَ ٌ
وفي موضع آخر ،جاءت عم بصيغة الجمع ،وهو قوله تعالى {:لّيْسَ عَلَى الَ ْ
سكُمْ أَن تَ ْأكُلُواْ مِن بُيُو ِتكُمْ َأوْ بُيُوتِ آبَآ ِئكُمْ َأوْ
علَىا أَنفُ ِ
ج َولَ َ
ج َولَ عَلَى ا ْلمَرِيضِ حَرَ ٌ
الَعْرَجِ حَرَ ٌ
عمّا ِتكُمْ َأوْ بُيُوتِ
عمَا ِمكُمْ َأوْ بُيُوتِ َ
خوَا ِتكُمْ َأوْ بُيُوتِ أَ ْ
خوَا ِنكُمْ َأوْ بُيُوتِ َأ َ
بُيُوتِ ُأ ّمهَا ِتكُمْ َأوْ بُيُوتِ إِ ْ
خوَاِلكُمْ َأوْ بُيُوتِ خَالَ ِتكُمْ[} ...النور.]61 :
أَ ْ
فجاءت العم والخال هنا بصيغة الجمع ،لماذا؟ قالوا :لن الحديث هنا عن البيوت التي يُبَاح لك أنْ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
تأكل منها ،وجاءت (بيوت) بصيغة الجمع ،والعم له بيت واحد ،فما دام قال بيوت فل ُبدّ أنْ تأتي
(أعمامكم) و (أخوالكم) بصيغة الجمع.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
المهمة التي هو بصددها ،بحيث إذا ما عشق عملية البلغ عن ال واندمج فيها ومعها تموت في
ل الهواء ،ول يبقى إل انشغاله بمهمة الدعوة.
نفسه ك ّ
بدليل أن الوحي في أوله كان يجهد سيدنا رسول ال ،وكان جبينه يتفصّد عرقا ،ويذهب إلى أهله
فربما يقولَ :زمّلوني زمّلوني ،ودثّروني دثّروني ،ثم شاء ال تعالى أنْ يرفع عنه هذه المعاناة،
وأنْ يريحه مما أنقض ظهره وأتعبه ،ففتر الوحي فترة عن رسول ال حتى استراحتْ أعصابه،
وهدأتْ طاقته ،وبقيت معه حلوة ما أوحي إليه هذه الحلوة التي جعلتْ سيدنا رسول ال يتشوّق
للوحي من جديد ،وشوقك إلى الشيء يُنسِيك التعب في سبيله.
عكَ رَ ّبكَ َومَا قَلَىا * وَلَلخِ َرةُ خَيْرٌ
وفي ذلك قوله تعالى {:وَالضّحَىا * وَاللّ ْيلِ إِذَا سَجَىا * مَا َودّ َ
س ْوفَ ُيعْطِيكَ رَ ّبكَ فَتَ ْرضَىا }[الضحى.]5-1 :
ن الُولَىا * وَلَ َ
ّلكَ مِ َ
وعجيبٌ أن يقول المشركون عند انقطاع الوحي :إن ربّ محمد قله ،ففي الجفوة عرفوا أن لمحمد
ربا يجفوه ،أما حين الخلوة والجَلْوة قالواُ :مفْترٍ وكذّاب وشاعر ..إلخ.
ن الُولَىا }[الضحى ]4 :يعني :ستكون عودة الوحي خيرا لك من
ومعنى{ وَلَلخِ َرةُ خَيْرٌ ّلكَ مِ َ
بدايته؛ لنه جاءك أولً فوق طاقتك فأجهدك ،أما في الخرى فسوف تستدعيه أنت بنفسك وتنتظره
على شوق إليه ،فطاقتك هذه المرأة مستعدة لستقباله ،قادرة على تحمّله دون تعب أو إجهاد.
إذن :فالحق سبحانه جعل لرسوله ما يُيسّر له أمر الندماج في المستقبل ،لذلك لما عاوده الوحي لم
يتفصّد جبينه عرقا ،ول أُجهد كالمرة الولى ،لن طاقة الشوق عنده وطاقة الحب تغلبتا على هذا
التعب وهذا الجتهاد.
جهِـ ْم َومَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنهُمْ[ { ...الحزاب:
ثم يقول سبحانه } :قَدْ عَِلمْنَا مَا فَ َرضْنَا عَلَ ْيهِمْ فِي أَ ْزوَا ِ
سمّي ساعة العقد ،والمراد أن لكلّ حكمه
حدّد بأربعة ،ومن المهر الذي ُ
]50أي :من العدد الذي ُ
وقانونه ،فلكَ يا محمد حكم يناسبك ،ولمتك حكم.
وبمناسبة ما نحن بصدده من الحديث عن أحكام الزواج والتعدد يجدر بنا أن نشير إلى الضجة
التي يثيرها أعداء السلم بسبب مسألة " تعدد الزوجات " ،مع أن التعدد في مصر لم يصل إلى
حدّ الظاهرة ،وليس وباءً كما يُصوّره البعض.
َ
فالذين أحصوا هذه المسألة وجدوا أن الذين عدّدوا بزوجتين ثلثة بالمائة ،والذين عددوا بثلث
واحد في اللف ،والذين عدّدوا بأربع نصف في اللف ،فلماذا إذن إثارة الناس ضد ما شرع ال،
ثم ألم يمتصّ التعدد فائضا من النساء؟
شتُ معه كذا وكذا ،وخدمته كذا وكذا يتزوج عليّ؟ فأقول لها:
عْوتأتي الزوجة تشتكي :بعد أنْ ِ
أضَرّك أنتِ؟ تقول :نعم ،أقول :لكنه نفع أخرى ،فواحدة بواحدة ،ولماذا ننظر إلى المتزوجة،
ونغفل التي لم تتزوج ،أليس من حقّها هي الخرى أن تتزوج؟
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ن تكون الولى ،وكذلك الثالثة
ثم إن المرأة التي قبَلتْ أن تكون الثانية ما قبلت إل لنها لم تستطع أ ْ
ما قبلتْ ،إل لنها لم تستطع أن تكون الثانية.
.إلخ ثم نقول لهؤلء :أألزمك ربك أنْ تعدد؟ هذه مسألة أباحها الشارع لحكمة ،ولم يلزمك بها،
فإنْ كان التعدد ل يعجبك فاكتفِ بواحدة.
والذين أثاروا الضجة في تعدّد الزوجات أثاروا أكثر منك في مسألة مِلْك اليمين في السلم،
وراحوا يتهمون السلم والمسلمين :كيف يجمَع الرجل فوق زوجاته كذا وكذا من ملْك اليمين؟
ومعلوم أن مِلْك اليمين كان موجودا قبل السلم ،وظل موجودا حتى دعا القانون الدولي العام إلى
منع ظاهرة العبودية ،ودعا إلى تحرير العبيد ،فسرّح الناس ما عندهم من العبيد ،وكان منهم مَنْ
يشتري العبيد من أصحابهم ثم يُطلِق سراحهم.
ومن هؤلء العبيد مَنْ كان يعود إلى صاحبه وسيده مرة أخرى يريد العيش في كنفه وفي عبوديته
مرة أخرى؛ لنه ارتاح في ظل هذه العبودية ،وعاش في حمايتها ،وكان بعضهم يفخر بعبوديته
ول يسترها فيقول :أنا عتيق آل فلن.
والمنصف يجد أن مِلْك اليمين في السلم ليست سُبّة فيه ،إنما مفخرة للسلم؛ لن مِلْك اليمين
وسيلته في السلم واحدة ،هي الحرب المشروعة ،فالسلم ما جاء لينشيء رِقا ،إنما جاء لينشيء
عتقا.
السلم جاء والرق موجود ،وكان العبيد يُباعون مع الرض التي يعملون بها ،ول سبيل للحرية
غير إرادة السيد في عِتْق عبده ،في حين كانت منابع الرقّ كثيرة متعددة ،فكان المدين الذي ل
يقدر على سداد دَيْنه يبيع نفسه أو ولده لسداد هذا الدين ،وكان اللصوص وقُطّاع الطرق يسرقون
الحرار ،ويبيعونهم في سوق العبيد ..إلخ.
فلما جاء السلم حرّم كل هذه الوسائل ومنعها ،ولم يُ ْبقِ إل منبعا واحدا هو السّبْي في حرب
مشروعة ،وحتى في الحرب ليس من الضروري أن ينتج عنها ِرقّ؛ لن هناك تبادلَ أسري،
ومعاملة بالمثل ،وهذا التبادل يتم على أقدار الناس ،فالقائد أو الفيلسوف أو العالم الكبير ل يُفتدى
بواحد من العامة ،إنما بعدد يناسب قدره ومكانته ،واقرأ في ذلك قوله تعالى {:فَِإمّا مَنّا َبعْدُ وَِإمّا
فِدَآءً حَتّىا َتضَعَ الْحَ ْربُ َأوْزَارَهَا[} ...محمد.]4 :
عتْ في السلم ليُرغم الناسُ على الدين ،لكن ليُحمي اختيارهم للدين ،بدليل أن
لن الحرب ما شُرِ َ
البلد التي دخلها الفتح السلمي بقي فيها كثير من الناس على كفرهم ،ثم ألزمهم دفع الجزية
مقابل الزكاة التي يدفعها المسلم ،ومقابل الخدمات التي تؤديها إليه الدولة.
ثم تأمل كيف يعامل السلم السري ،وعلى المجتمع الظالم الذي ينتقد السلم في هذه الجزئية أن
يعلم أن الذي أَسرْتَه في المعركة قد قد ْرتَ عليه ،وتمكّنْتَ منه ،وإنْ شئت قتل َتهُ ،فحين يتدخّل
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حقْن دمه أولً ،ثم النتفاع به ثانية ،إما
الشرع هنا ويجعل السير مِلْكا لك ،فإنما يقصد من ذلك َ
بالمال حين يدفع أهله فديته ،وإما بأنْ يخدمك بنفسه.
ق وقتل.
إذن :المقارنة هنا ليستْ بين ِرقّ وحرية كما يظن البعض ،إنما هي بين ِر ّ
إذن :مشروعية الرق في أسرى الحرب إنما جاءتْ لتحقِنَ دم المأسور ،وتعطي الفرصة للنتفاع
ظلّ أسيرك بيدك ،فاعلم أن له أحكاما ل يصح تجاوزها،
به ،فإذا لم يتم الفداء ول تبادل أسرى و َ
حقِنَ
فهو شريكك في النسانية المخلوقة ل تعالى ،وما أباح ال لك أنْ تأسره ،وأن تملكه إل لكي َت ْ
دمه ،ل أن ُتذِلّهُ.
واقرأ قول النبي صلى ال عليه وسلم " :إخوانكم خَوَلكُم ،جعلهم ال تحت أيديكم ،فمَنْ كان أخوه
عنده فل ُيطْعمه مما يطعم ،وليُلبِسْه مما يلبس ،ول يُكلّفه ما ل يطيق ،فإن كَلّفه فَلْ ُيعِنه ".
فأيّ إكرام للسير بعد هذا ،بعد أنْ حقن دمه أولً ،ثم كرّمه بأنْ جعله أخا لك ،واحترم آدميته
بالمعاملة الطيبة ،ثم فتح له عدة منافذ تؤدي إلى عِتْقه وحريته ،فإنْ كان للرقّ في السلم باب
واحد ،فللحرية عدة أبواب ،منها العتق في الكفارات وهي في تكفير الذنوب التي بين العبد وربه.
فإذا لم تكُنْ هناك ذنوب فقد رغّبَنا الشرع في عِتْق الرقاب لجتياز العقبة كما في قوله تعالى {:فَلَ
حمَ ا ْل َعقَبَةَ * َومَآ أَدْرَاكَ مَا ا ْل َعقَبَةُ * َفكّ َرقَ َبةٍ }[البلد.]13-11 :
اقتَ َ
هذا إنْ كان السير رجلً ،فإنْ كان امرأة ،ففيها نفس التفصيل السابق ،وتُعامَل نفس المعاملة
لمَة -وهي في بيت سيدها -وضعها خاصا ،فهي ترى سيدتها تتمتع
الطيبة يزيد على ذلك أن ل َ
بزوجها ،وترى البنت تتزوج ،فيأخذها زوجها إلى بيت الزوجية ،إلى آخر مثل هذه المور ،وهي
تقف موقف المتفرج ،وربما أخذتها الغيرة من مثل هذه المسائل ،فيكرمها ال حين يُحلّها لسيدها،
فيكون لها ما لسيدتها الحرة ،فإذا ما أنجبتْ لسيدها ولدا صارت حُرّة به ،وهذا منفذ آخر من منافذ
القضاء على الرق.
وقوله تعالىِ } :لكَيْلَ َيكُونَ عَلَ ْيكَ حَرَجٌ[ { ...الحزاب ]50 :هذه هي الهبة الخالصة للنبي صلى
ال عليه وسلم دون أمته ،كأن ال يقول لنبيه :ل نريد أنْ نُحمّلك ضيقا في أيّ شيء لتفرغ أنت
غفُورا رّحِيما { [الحزاب.]50 :
لمهمتك الصعبةَ } .وكَانَ اللّهُ َ
ثم يقول الحق سبحانه } :تُ ْرجِي مَن تَشَآءُ مِ ْنهُنّ.{ ...
()3506 /
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ن وَتُ ْؤوِي إِلَ ْيكَ مَنْ تَشَاءُ َومَنِ ابْ َتغَ ْيتَ ِممّنْ عَزَ ْلتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَ ْيكَ ذَِلكَ َأدْنَى أَنْ
تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِ ْنهُ ّ
ن وَاللّهُ َيعَْلمُ مَا فِي قُلُو ِبكُمْ َوكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (
ن وَيَ ْرضَيْنَ ِبمَا آَتَيْ َتهُنّ كُّلهُ ّ
ن وَلَا َيحْزَ ّ
َتقَرّ أَعْيُ ُنهُ ّ
)51
قوله { تُ ْرجِي مَن تَشَآءُ مِ ْنهُنّ[ } ...الحزاب ]51 :أي :تؤخر مَنْ تشاء من زوجاتك عن ليلتها
{ وَ ُت ْؤوِي إِلَ ْيكَ مَن َتشَآءُ[ } ...الحزاب ]51 :أي :تضم إليك ،وتضاجع مَنْ تشاء منهن { َومَنِ
ابْ َتغَ ْيتَ[ } ...الحزاب ]51 :من طلبتَ من زوجاتك وقرّبت { ِممّنْ عَزَ ْلتَ[ } ...الحزاب]51 :
علَ ْيكَ[ } ...الحزاب ]51 :أي :ل إثم ول حرج.
أي :اجتنبتَ بالرجاء والتأخير { فَلَ جُنَاحَ َ
ن وَيَ ْرضَيْنَ ِبمَآ آتَيْ َتهُنّ كُّلهُنّ[ } ...الحزاب ]51 :أي :أنهُنّ
ن َولَ يَحْزَ ّ
{ ذَِلكَ أَدْنَىا أَن َتقَرّ أَعْيُ ُنهُ ّ
جميعا سيفرَحْنَ ،التي تضمها إليك ،والتي تُرجئها وتؤخرها ،وسوف يرضيْنَ بذلك؛ لنهن يعلَمنَ
أن مشيئتك في ذلك بأمر ال ،فالتي ضمها رسول ال إيه تفرح بحب رسول ال ولقائه ،والتي
أُخّ َرتْ تفرح؛ لن رسول ال أبقى عليها ،ثم عاد إليها مرة أخرى وضمّها إليه وقرّبها ،وهذا يدل
على أن لها دورا ومنزلة ،وأيضا حين يكون ذلك من تشريع رب محمد لمحمد ،فإنه ل يعني أنه
كرهها أو زهد فيها ،فإنْ فع ْلتَ ذلك يا محمد -مع أن فيه مشقة -فإنما فعلْتَه طاعة لمر مَنْ؟
لمر ال ،فتأخذ ثواب ال عليه.
وحين نتأمل كلمة { َتقَرّ[ } ...الحزاب ]51 :تجد أنها كعامة كلمات القرآن (كاللماس) ،لكل ذرة
تكوينية فيه بريق خاص وإشعاع؛ لذلك يقولون عنه( :دا بيللي) ومع كثرة بريقه ل يطمس شعاعٌ
فيه شعاعا آخر ،كذلك كلمات القرآن.
(قرّ) وردتْ كثيرا في القرآن كما في{ قُ ّرةُ عَيْنٍ لّي وََلكَ[} ...القصص.]9 :
كلمة قرّ معناها سكن ،نقول :قَرّ بالمكان أي :استقر فيه وسكن ،والقرّ هو البرد ،وقُرّة العين تأتي
بالمعنيين ،فالعين تسكن عند شيء ما ،ول تنتقل إلى غيره إنْ كان جميلً يأسرها فل تفارقه،
يقولون :فلن قيْد النظر.
شعَة) عند إخواننا
وفي المقابل يقولون :فلن عينه زائغة يعني :ل تستقر على شيء أو (عينه د ْ
الذين ينطقون الجيم دالً مثل (دِرْدَة) يقصدون جرجا ،والعين الجشعة بنفس المعنى ،وفي المعنى
السياسي يقولون :فلن له تطلّعات يعني :كلما وصل إلى منصب نظر إلى العلى منه.
أما القُ ّر بمعنى البرودةَ ،فقُرّة العين تعني :برودتها ،وهي كناية عن سرورها؛ لن العين ل تسخُن
إل في الحزن واللم؛ لذلك ثبت أخيرا أن حبة العين (ترمومتر) دقيق لحالة الجسم كله ،وميزان
لصحته أو مرضه.
ولهمية العين نقول في التوكيد :جاءني فلن عينه ،وسبق أن تحدثنا عن ظاهرة الستطراق
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الحراري في جسم النسان وقلنا :إن من المعجزات في تكوين النسان أن الستطراق الحراري
في جسمه يتم بنظام خاص ،بحيث يحتفظ كل عضو في الجسم بحرارة تناسبه ،فإن كانت حرارة
الجسم العامة والمثالية - 37ومن العجيب أنها كذلك عند سكان القطب الشمالي ،وهي كذلك عند
سكان خط الستواء -فإن حرارة الكبد مثلً ل تقل عن 40مئوية ،أما العين فإذا زادت حرارتها
عن عشر درجات تنفجر.
إذن :فقُرّة عَيْن زوجات النبي وسُرورهن في مشيئته ،حين يُقرّب إليه مَنْ يُقرّب ،أو يؤخر من
يؤخر؛ لن مشيئته نابعة من أمر ال له.
وقوله تعالى } :وَيَ ْرضَيْنَ ِبمَآ آتَيْ َتهُنّ كُّلهُنّ[ { ...الحزاب ]51 :أي :في أيّ الحالت ،ثم جاء قوله
تعالى } :وَاللّهُ َيعَْلمُ مَا فِي قلُو ِبكُمْ َوكَانَ اللّهُ عَلِيما حَلِيما { [الحزاب ]51 :ليشير إلى أن الرضا
هنا ليس هو رضا القوالب ،إنما يراد رضا القلب بتنفيذ أوامر ال دون أنْ يكون في النفوس دخائل
أو اعتراض.
فال سبحانه } َوكَانَ اللّهُ عَلِيما[ { ...الحزاب ]51 :يعلم ما في القلوب } حَلِيما { [الحزاب]51 :
ل يجازيكم على ما يعلم من قلوبكم ،ولو جازاكم على قَدْر ما يعلم لتعبكم ذلك.
وتأمل حِلْم ال علينا ورحمته بنا في مسألة البدء ببسم ال ،فالنبي صلى ال عليه وسلم يُعلّمنا أن
كل عمل ل يبدأ ببسم ال فهو أبتر أي :مقطوع البركة ،فالنسان حين يبدأ في الفعل ل يفعله
بقدرته عليه ،ولكن بتسخير مَنْ خلقه له ،فحين تقول :بسم ال أفعل كذا وكذا ،فإنك تفعل باسم
الذي سخّر لك هذا الشيء.
ك وَالَنْعَامِ مَا
ج َعلَ َلكُمْ مّنَ ا ْلفُ ْل ِ
ق الَ ْزوَاجَ كُّلهَا وَ َ
لذلك يقول الحق سبحانه وتعالى {:وَالّذِي خََل َ
علَيْ ِه وَ َتقُولُواْ سُ ْبحَانَ الّذِي
ظهُو ِرهِ ثُمّ َت ْذكُرُواْ ِن ْعمَةَ رَ ّبكُمْ ِإذَا اسْ َتوَيْتُمْ َ
تَ ْركَبُونَ * لِتَسْ َتوُواْ عَلَىا ُ
سخّرَ لَنَا هَـاذَا َومَا كُنّا َلهُ ُمقْرِنِينَ }[الزخرف.]13-12 :
َ
ستَ أهلً لهذه الكلمة؛ لن
ن كنتَ عاصيا ل ،إياك أن تظنّ أنك ل ْ
فعليك أنْ تبدأ ببسم ال حتى إ ْ
ربك حليم ،ورحمن رحيم.
حلّ َلكَ النّسَآءُ مِن َبعْدُ.{ ...
ثم يقول الحق سبحانه } :لّ َي ِ
()3507 /
ج وََلوْ أَعْجَ َبكَ حُسْ ُنهُنّ إِلّا مَا مََلكَتْ َيمِي ُنكَ
حلّ َلكَ النّسَاءُ مِنْ َب ْع ُد وَلَا أَنْ تَبَ ّدلَ ِبهِنّ مِنْ أَ ْزوَا ٍ
لَا يَ ِ
شيْءٍ َرقِيبًا ()52
َوكَانَ اللّهُ عَلَى ُكلّ َ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سبق أن تناولنا تفسير هذه الية في إطار سياق اليات السابقة ،ونلخصها هنا في أن الحق سبحانه
جكَ[} ...الحزاب ]50 :ثم
بدأ رسوله أولً بأن أحلّ له في قوله {:ياأَ ّيهَا النّ ِبيّ إِنّآ َأحْلَلْنَا َلكَ أَ ْزوَا َ
ج وََلوْ أَعْجَ َبكَ
حلّ َلكَ النّسَآءُ مِن َبعْ ُد َولَ أَن تَبَ ّدلَ ِبهِنّ مِنْ أَ ْزوَا ٍ
قيد هذا التحليل هنا ،فقال { :لّ يَ ِ
حسْ ُنهُنّ[ } ...الحزاب.]52 :
ُ
فالحق سبحانه يأتي بالمخفّف في أشياء ،ثم يأتي بالمثقّل؛ ليعلم القوم أن ال تعالى بدأ رسوله
عفَا اللّهُ عَنكَ[} ...التوبة]43 :
بالعطف والرحمة والحنان ،ويُبيّن فضله عليه ،كما قال له سبحانه{ َ
قبل أنْ يعاتبه بقولهِ {:لمَ أَذِنتَ َلهُمْ[} ...التوبة.]43 :
عجَ َبكَ حُسْ ُنهُنّ} ...
ج وََلوْ أَ ْ
حلّ َلكَ النّسَآءُ مِن َبعْ ُد َولَ أَن تَ َب ّدلَ ِبهِنّ مِنْ أَ ْزوَا ٍ
وهذه الية { لّ يَ ِ
[الحزاب ]52 :توضح أنْ ما شُرِع لرسول ال في مسألة تعدّد الزوجات غير ما شُرِع لمته،
فرسول ال استثناه ال تعالى في المعدود ل في العدد ،والفرق بين الستثناء في العدد والستثناء
في المعدود أن العدد ُيدَار في أشياء متعددة ،فلو أنه أباح له عدد تسع ثم تُوفّين َلكَان له أن يتزوج
ل منها.
بتسع أُخَر ،وإنْ ماتت واحدة منهن له أن يتزوج بواحدة بد ً
لكن الستثناء لم يكُنْ لرسول ال في العدد كأمته ،إنما في المعدود ،بحيث يقتصر على هؤلء
بخصوصهن ،والحكمة في ذلك أن التي يفارقها زوجها من عامة نساء المؤمنين لها أنْ تتزوج
بغيره ،على خلف زوجات رسول ال ،فإنهن أمهات للمؤمنين ،فل يحل لهُنّ الزواج بعد رسول
ال.
ثم أوضحنا أن مسألة مِلْك اليمين ليستْ سُبّة في جبين السلم ،إنما هي ميزة من ميزاته ،فال
مَلَك الرقبة ليحميها من القتل ،والمقارنة هنا ليستْ بين رق وحرية ،إنما بين رق وقتل كما
أوضحنا ،والذي يتأمل حال المملوك أو المملوكة في ظل السلم ل يسعه إل العتراف بحكمة
الشرع في هذه المسألة.
ثم يقول الحق سبحانه { :ياأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ.} ...
()3508 /
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الحق -سبحانه وتعالى -وزّع المر بين رسول ال وبين أمته ،فكما قال للرسول في أول
السورة{ يَاأَ ّيهَا النّ ِبيّ اتّقِ اللّهَ[} ...الحزاب ]1 :أمر أمته بذكْره وطاعته ،وكما تكلّم عن أمر يتعلّق
برسول ال تكلّم كذلك عن أمر يتعلق بأمته في قوله{ ياأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا َنكَحْتُمُ ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ ثُمّ
طَّلقْ ُتمُوهُنّ[} ...الحزاب.]49 :
بعد ذلك لرسول ال {:ياأَ ّيهَا النّ ِبيّ إِنّآ أَ ْرسَلْنَاكَ شَاهِدا َومُبَشّرا وَنَذِيرا }[الحزاب ]45 :ليُبيّن عموم
َنفْعه لمته ،فجازاه عن المة بأن يُصلّوا عليه ،وأنْ يتأدبوا حين دخولهم بيته صلى ال عليه
وسلم ،فقال هنا { :ياأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ لَ َتدْخُلُواْ بُيُوتَ النّ ِبيّ ِإلّ أَن ُيؤْذَنَ َلكُمْ[ } ...الحزاب]53 :
لن التكليف ل بُدّ أن يكون لمن آمن بال .وقلنا :إن الحق سبحانه رب وإله ،ومعنى (رب) أنه
سبحانه خلق وربّي وأنعم وتفضّل ،والخَلْق والتربية والنعام والتفضّل ليس خاصا بالمؤمنين ،بل
لكل مَن استدعاه ال لوجود من مؤمنين وكافرين.
فالشمس تشرق على الجميع ،والمطر يروى أرض المؤمن والكافر ،والرض تستجيب للكل،
فالذي يُحسِن َأخْذ أسباب ال من عطاء الربوبية يأخذ النتيجة ،وينال نصيبه موقَوتا بمدى الربوبية
في الدنيا{ مَن كَانَ يُرِيدُ حَ ْرثَ الخِ َرةِ نَزِدْ َلهُ فِي حَرْثِهِ َومَن كَانَ يُرِيدُ حَ ْرثَ الدّنْيَا ُنؤْتِهِ مِ ْنهَا َومَا
لَهُ فِي الخِ َرةِ مِن ّنصِيبٍ }[الشورى ]20 :وال ل يضيع أجر مَنْ أحسن عملً.
فالمؤمن الذي ل يأخذ يد ال الممدودة له بالسباب ويهملها يعيش مُتخلّفا عالةً على غيره ،يعيش
شحاذا يستجدي قُوتَه حتى من الكافر ،فإذا ما خََلتْ الساحة للكافر ،وأخذ هو بالسباب ،وأعطاها
حقوقها أخذ هو عطاء الرب ،وكان َأوْلَى بالمؤمن ألّ يترك عطاء ربه ،يأخذه مَنْ ل يؤمن بال،
ثم يتخلف هو عن َركْب الحضارة ،وإنْ كانت الحضارة التي وصل إليها الكفار اليوم حضارة في
الماديات فحسب.
أما القيم والخلقيات فقد انحدرتْ في هذه المجتمعات ،بدليل أنك حين تذهب إلى هذه البلد
وتنزل مثلً في فندق -كما نزلنا -تجد مكتوبا على باب الحجرة :إذا دخل عليك اللصوص فل
تقاوم ،فإن حياتك أثمن مما معك ،إذا خرجتَ إلى الشارع فل تحمل من المال إل بقدر
ضرورياتك .إذن :ارتقوا في شيء ،وانحدروا في أشياء.
خلٍ للفرد في العالم تجده في
وإذا كان مظهر ارتقائهم في الناحية القتصادية ،فانظر إلى أعلى َد ْ
السويد ،ومع ذلك تكثر عندهم المراض النفسية والعصبية والنتحار والجنون والشذوذ وغيرها
من المراض الجتماعية.
لقد تحضّرتْ هذه البلد حضارة مادية؛ لنهم أخذوا بأسبابها ،فأتقن ُكلّ عمله ،وأعطى وقت العمل
للعمل ،فما بين الثامنة إلى الثانية عشرة ل تجد إنسانا في الشارع ،ول تجد أحدا يجلس على
(القهوة) مثلً أو يضيع وقت العمل ،وفي وقت الراحة يذهب الجميع إلى المطعم ليأكل
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
(السندوتش) الجاهز ،ثم يعود إلى عمله.
هكذا يعيش المجتمع المادي ،فالذي ل يعمل فيه يموت من الجوع ،والحمد ل أن شبابنا تنبهوا إلى
أهمية العمل وتخّلوْا عن الطفولة التي كانوا يعيشون فيها حتى الثلثين ،وهم عَالَة على البوين.
والحق سبحانه هنا يُعلّمنا الدب مع رسول ال ،ويجعله لنا قدوة ،فهو صلى ال عليه وسلم عاش
عيشة الكفاف مطعما وملبسا ومسكنا ،فليس عنده إل عدة حجرات ،لكل زوجة من زوجاته حجرة
واحدة ،فليس لديه حجرة صالون أو استقبال ،فل بُدّ أن تتعلم المة آداب الدخول وآداب الزيارة
في مثل هذه الحالة ،وخاصة مع رسول ال في بيوته.
خلُواْ بُيُوتَ النّ ِبيّ ِإلّ أَن ُيؤْذَنَ َل ُكمْ[ { ...الحزاب ]53 :كلمة
فقال سبحانه } :ياأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُو ْا لَ تَدْ ُ
عدّ للبيتوتة أي :للمبيت فيه ،والمبيت في الغلب العَمّ لليل ،فهو
(بيوت) جمع بيت ،وهو ما أُ ِ
محل السكون والبيات ،أما النهار فهو محلّ الحركة ،ول بد للنسان بعد التعب والجهد أن يأوي
سمّيت الزوجة سكنا للسبب
سمّي البيت سكنا ،كذلك ُ
بالليل إلى مكان يستريح فيه ويفيء إليه؛ لذلك ُ
نفسه.
سكَن ليواء القلب وراحة النفس ،فكلهما ينبغي أن
فالبيت مسكن ليواء القالب وراحته ،والمرأة َ
يكون مصدرا للراحة.
سمّي
والبيت يُجمع على بيوت إنْ أردنا المسكن ،ويجمع على أبيات إنْ أردنا البيت الشعري ،و ُ
الشعر بيتا عند العرب وهم أمة فصاحة وبيان؛ لنه تأوي إليه المعاني ،كما نأوي نحن إلى بيوتنا
ونسكن فيها ،كذلك المعاني تسكن بيت الشعر ،فيصير البيت نفسه حكمة.
لذلك يقول أحمد شوقي رحمه ال :ل يزال الشعر عاقلً -يعني :ل زينة له من قولهم المرأة
العاقل أي :التي ل زينة لها -ما لم تُزيّنه الحكمة ،فهو بدونها هراء ل فائدة منه.
ول تزال الحكمة شاردة حتى يؤويها بيت من الشعر يُحفظ ويُتداول على مَ ّر العصور ،كما
نستشهد نحن الن بأبيات المتنبي والمعري وشوقي ..إلخ.
والبيتوتة في كل شيء بحسبها ،فالذين يعملون بالنهار بيتوتهم بالليل ،والذين يعملون بالليل بيتوتهم
بالنهار ،وإنْ كان الصل في البيات أن يكون ليلً ،وإياك أنْ تشغل إنسانا وقت بيتوته سواء أكانت
بالليل أو بالنهار ،فوقت العمل للعمل ،ووقت السكن للسكن.
لذلك فإن أهل الحكمة عندنا في الفلحين يقولون( :مَنْ يحرس) يعني :بالليل (ل يحرث) يعني:
بالنهار؛ لن النسان إنْ انشغل وقت راحته ل يجيد عمله ول يتقنه.
بصرف النظر ،أكان وقت الراحة في الليل أو في النهار ،فأنت مثلً حين تتأمل البلد التي تشرق
فيها الشمس ثلثة أشهر أو ستة أشهر ،وتغيب أيضا ثلثة أشهر أو ستة أشهر ،هل نتصور أن
يعمل أهل هذه البلد طوال الثلثة أشهر ،وينامون ثلثة أشهر؟ ل إنما يُقسّمون هذه الفترة في ليل
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أو نهار إلى فترات :فترة للعمل ،وفترة للراحة.
لذلك تجد من عظمة القرآن أنْ يحتاط لمثل هذه المور ،فيقول سبحانه {:مِنْ آيَاتِهِ مَنَا ُمكُم بِالّيلِ
وَال ّنهَارِ وَابْ ِتغَآ ُؤكُمْ مّن َفضْلِهِ[} ...الروم ]23 :فالنوم يكون بالليل ،ويكون أيضا بالنهار لمن
تستدعي طبيعة عمله أن يعمل بالليل.
والبيت يكون على قدر إمكانات صاحبه ،المهم أنْ يكون له مكان يأوي إليه ويستريح فيه ،مهما
َقلّ ،حتى لو كان مكانا ضيّقا على قَدْر ما يسع النسان أنْ يضع جنبه على الرض ،فإنْ كان فيه
مُتّسع فبها و ِنعْمت ،وعلى طارق البيت أنْ يراعي مدى البيتوتة لمن يطرق عليه.
وكما يتفاوت الناس في البيوت ،كذلك يتفاوتون في ترف الحياة وأسباب الراحة في البيت على
حسب المكانات ،وما دامت الراحة على قدر المكانات ،فينبغي أنْ يتحلّى كلّ بالرضا ،وأنْ يربط
بين عمله و َدخْله وبين ترف حياته ،فقبل أنْ تفرض لنفسك حياة مترفة ،افرض لها أولً عملً
مترفا بنفس المستوى ،بحيث توفر منه إمكانات هذا الترف.
وكما يقول المثل (على قدر لحافظ ِمدّ رجليك) فإذا كانت إمكاناتك ل تفر لك إل الكفاف ،فلتكُنْ
راضيا به ،وإنْ تمر ّدتَ وطل ْبتَ المزيد فلتتمرد أولً على نفسك ،ولتعمل العمل الذي يوفر لك ما
تتطلع إليه.
وآفة الناس في اقتصادهم أنْ يحددوا مستوى الحياة أولً ،ثم يرغمون دخولهم وإمكاناتهم على هذا
المستوى ،فيحدث العجز ،ول تفي المكانات بالمتطلبات ،إنما الواجب أنْ أُحدّد مستوى حياتي
على ضوء دَخْلي وإمكاناتي ،وبذلك يعيش النسان سعيدا مرتاحا ل يرهقه شيء ،ول يفوتنا ونحن
نتحدث عن الدخول والمكانات أنْ نراعي الحلل في الكسب وفي النفاق.
ن تكون أحوالهم النفسية
وإذا كانت البيوت وأسباب الراحة فيها بحَسْب إمكانات أصحابها ،فينبغي أ ْ
حقْدا على صاحب النعمة.
أيضا على قدر إمكاناتهم حتى ل يمتليء قلب الفقير ِ
إذن :ل بُدّ لنا أن نتحلّى بالرضا ،وأنْ نقنع بما في أيدينا ،ومَنْ يدريك لعل صاحب النعمة هذا
ورثها ،وإنْ كان لم يتعب هو فيها فقد تعب أباؤه وأجداده ،وسبق أن قلنا :إن الذي يعرق عشر
سنين من حياته يرتاح بقية عمره ،والذي يعرق عشرين سنة يُريح أولده ،والذي يعرق ثلثين
يُريح أحفاده ،ومَنْ ذا الذي عرق وكدّ ولم يجد ثمرة عرقه؟
فمَنْ أراد أنْ يعيش محترما مكرما حال شيخوخته فليعمل في شبابه وحال قدرته ،وليعرق قبل أنْ
يأتيه يوم ل يجد فيه هذه القدرة؛ لذلك يراعي سيدنا رسول ال هذا المعنى في قوله صلى ال عليه
وسلم:
" أعْطوا الجير حقه قبل أنْ يجفّ عرقه ".
أما الذين يتسكعون في الشوارع أو على القهاوي فليسوا أهلً لهذه الحياة الكمرية حال شيخوختهم،
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
كذلك العامل الذي ل يعطي للعمل حقه ،أو ل يتقنه ،أو يجلس يراقب صاحب العمل يتحيّن
الفرصة لضاعة الوقت.
ومعلوم أن القرش إذا اكتسبه صاحبه دون وجه حق كان وبالً عليه وفسادا لحاله؛ لنه لم يعرق
به.
ن أصاب مالً من مهاوش ،أذهبه
ت قول سيدنا رسول ال صلى ال عليه وسلم " :مَ ْ
واقرأ إنْ شِ ْئ َ
ال في نهابر " والمهاوش هي الطرق غير المشروعة لجمع المال ،وهو نفس المعنى الذي نقصده
حين نقول مثلً :فلن جمع هذا المال من (الهَبْش) أو (النتش) ،والنهابر هي البواب التي تُفتح
لصرف هذا المال ل فائدة منه .وكثيرا ما نرى بعض الناس دخولهم ورواتبهم كبيرة ،ومع ذلك
يعيشون عيشة الفقراء ،ل ترى عليهم ول على أولدهم أثرا لهذه النعمة.
والناس يختلفون في نظرتهم إلى النعمة في أيدي الخرين فقويّ اليمان ساعة يرى النعمة في يد
غيره ل يحسده عليها ،إنما يرى أنها َفضْل ال على عباده ،وتراه يدعو لصاحب النعمة بالبركة،
جدّ واجتهد.
ويقول :وال إنه يستحق هذه النعمة وأكثر منها؛ لنه َ
المؤمن يقول :ما شاء ال ،ل قوة إل بال ،اللهم بارك له وأعطني من نعمك ،المؤمن يرى في
نعمة الدنيا نموذجا مُصغّرا نعمة الخرة ،فيقول :هذا ما أعدّه البشر لنفسهم ،فكيف بما أعدّه ال
لخَلْقه؟ عندها يتراءى له نعيم الجنة ،فيُقبل عليها بقلب يملؤه اليمان واليقين ،وهذه النظرة للنعمة
عند الخرين تسمى غِبْطة.
أما غير المؤمن -والعياذ بال -فيحقد على صاحب النعمة ،ويراه غير أَهْل لها ،ويتمنى زوالها
ضعْف اليمان والعتراض على أقدار ال في
من عنده ،ويحسده عليها ،وهذا كله دليل على َ
خَلْقه.
جعِل خصيصا لكي نقابل فيه ال حينما
سمّي المسجد بيت ال؛ لنه ُ
ونُسمّي المساجد بيوت ال ،و ُ
نسمع نداء الصلة؛ لذلك حذرنا رسول ال أنْ نُدخل الدنيا معنا بيوت ال ،فحذّر أنْ تُقعد الصفقات
في المساجد ،أو تُنشَد فيها الضالة ،ول أدلّ على ذلك من قوله صلى ال عليه وسلم لمن عقد
ل لك في صفقتك " وقال لمن نشد ضالته في المسجد " :ل
صفقة تجارية في بيت ال " :ل بارك ا ُ
ردّ الُ عليك ضالّتك ".
لن النسان يعيش طوال وقته للدنيا ،فل يجوز أن يأخذها معه حتى في وقت الصلة ،فوقت
الصلة للقاء ال ،وهذا الوقت ل يعطل حركة حياتك ،إنما يعطيك شحنة إيمانية تُقوّيك على متابعة
حركة حياتك ،وسبق أن قلنا :إن هذه الشحنة أشبه بشحنة البطارية ،فهل يقال لمن أخذ البطارية
ليشحنها أنه عطّل البطارية؟
كذلك أنت صَنْعة ال وخِلْقته ،وما بالك بصنعة تُعرض على صانعها كل يوم خمس مرات،
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أيصيبها عطب بعد ذلك؟ وكذلك أنت حين تعرض نفسك على ربك ،تأخذ من هذا اللقاء شحنة
إيمان ويقين ،وتتخلّص من همومك ومشاكلك.
لذلك كان سيدنا رسول ال صلى ال عليه وسلم كلما حَزَبَه أمر فزع إلى الصلة ،ففي الصلة
ترمي بنفسك وترمي بهمومك ومشاكلك في (أحضان) ربك؛ لنه سبحانه أعطى الكون أسبابا ،فإذا
ع ّزتْ عليك السباب ولم ُتفِ ْدكَ بشيء فات ُركْ السباب ،والجأ إلى المسبّب سبحانه.
وقلنا :إن المسجد بيت ال باختيار الخَلْق ،أما بيت ال الحرام فهو بيت ال باختيار ال؛ لذلك جعله
ال قِبْلة كل البيوت ،فإذا ما زُرْته ولو مرة واحدة أصلح حياتك كلها.
نعود إلى بيوت النبي صلى ال عليه وسلم وما ينبغي أنْ يتحلى به المؤمنون من أدب في دخولها،
وما يجب أنْ يُراعَي في دخول هذه البيوت بالذات؛ لن لها طبيعة خاصة تناسب مهمة صاحبها
صلى ال عليه وسلم.
} ياأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُو ْا لَ تَ ْدخُلُواْ بُيُوتَ النّ ِبيّ ِإلّ أَن ُي ْؤذَنَ َلكُمْ[ { ...الحزاب ]53 :يعني :ل تتهجّموا
عليها؛ لنها ضيّقة وليستْ فيها سعة للستقبال في كل الوقات ،والذن هنا مُقيّد بالطعام } ِإلّ أَن
طعَامٍ[ { ...الحزاب.]53 :
ُيؤْذَنَ َلكُمْ إِلَىا َ
وحتى إذا دُعِيتَ إلى طعام رسول ال ل تذهبْ إليه قبل وقته ،فإذا كان الغداء مثلً الساعة الثانية،
فل تذهب أنت الساعة العاشرة؛ لنه ل يليق أن تشغل رسول ال وله في بيته مهمات يجب ألّ
ينشغلَ عنها ،مهام مع ربه ،ومهام مع أهل بيته ،وهذا معنى } :غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ[ { ...الحزاب:
]53أي :نضج الطعام واستوائه وإعداده ،والفعل (إِنَي) على وزن رضا ،وفي لغة :إني أنيا مثل:
رمي رميا.
وهنا تحذير للمؤمنين إذا دُعُوا إلى طعام رسول ال أنْ يدخلوا بيوته ينتظرون ُنضْج الطعام ،إنما
عليهم ألّ يدخلوا إل بعد ُنضْج الطعام وإعداده ،بحيث يقول لهم تفضلوا الطعام } وَلَـكِنْ ِإذَا دُعِي ُتمْ
ط ِعمْتُمْ فَانْ َتشِرُواْ[ { ...الحزاب]53 :
فَا ْدخُلُواْ[ { ...الحزاب ]53 :فالطعام جاهز و ُمعَدّ } فَإِذَا َ
فكما نهاهم في أوّليّة الطعام عن انتظار ُنضْجه ،كذلك نهاهم في آخريته عن عدم الجلوس بعده،
إنما ينبغي عليهم إذا أكلوا أنْ ينتشروا.
والنتشار :أنْ يأخذ الشيء حيّزا أوسع من حجمه ،والنتشار يُعينك على تحقيق الغاية ،ألسْنَا ننشر
الملبس بعد غَسلْها؟ لماذا؟ لن نَشْر الغسيل يساعد على جفافه ،ولو تركْتَه في حيّزه الضيق
لحتاج أسبوعا لكي يجفّ ،إذن :في النتشار فائدة.
وسبق أنْ أوضحنا هذه الظاهرة بكوب الماء إذا تركْتَه مثلً وسافرتَ لمدة شهر ،فإنك ستعُود
فتجده كما هو لم ينقص إل القليل ،لكن إنْ سكبْتَه في أرض الحجرة فسوف يجفّ قبل أنْ تخرج
منها.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ط ِعمْتُمْ فَانْتَشِرُواْ[ { ...الحزاب ]53 :أي تفرّقوا؛ لن المكان الذي
فقوله تعالى هنا } فَا ْدخُلُواْ فَإِذَا َ
أنتم فيه في بيت النبي ضيّق ،إذن :ليذهب ُكلّ إلى عمله ،وماذا يُراد من المؤمن بعد أنْ تناول
طعامه؟ أنْ يسعى في مناكب الرض ،ل أنْ يجلس خاملً عَالةً على غيره ،وتأمل أيضا قول ال
تعالى في سورة الجمعة:
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شيْءٍ قَدِيرٌ }[العنكبوت ]20 :ويقول
بَدَأَ الْخَ ْلقَ ثُمّ اللّهُ يُنشِىءُ النّشَْأةَ الخِ َرةَ إِنّ اللّهَ عَلَىا ُكلّ َ
سبحانه في موضع آخرُ {:قلْ سِيرُواْ فِي الَ ْرضِ ثُمّ انْظُرُواْ[} ...النعام.]11 :
والمعنى أن السّيْر في الرض لبتغاء الرزق ينبغي أنْ يصاحبه نظر وتأمّل ليات ال.
ثم يقول سبحانهَ } :ولَ مُسْتَئْنِسِينَ ِلحَدِيثٍ إِنّ ذَاِلكُمْ كَانَ ُيؤْذِي النّ ِبيّ فَ َيسْتَحْيِي مِنكُ ْم وَاللّ ُه لَ َيسْتَحْيِي
حقّ[ { ...الحزاب ]53 :أي :ل ينبغي أنْ تجلسوا بعد الطعام للحديث ،وتجعلوها (سهراية)
مِنَ الْ َ
في بيت رسول ال ،وهذا النهي كان له سبب وحادثة وقعتْ ،فنزلت هذه الية.
سيدنا رسول ال لم يُؤلِم وليمة في عُرْس من أعراسه إل لزينب بنت جحش ،فذبح صلى ال عليه
وسلم شاة ،وأعدّ لهم الحَيْس ،وهو التمر المخلوط بالزبد والسمن ،ثم يوضع عليه اللبن الحامض
أو الرايب.
ن يقوموا وينصرفوا ،فلم َيقُمْ منهم أحد،
فلما أكل الناس جلسوا يتحدثون ،انتظر رسول ال أ ْ
ن يقول لهم :قوموا ،فأراد صلى ال عليه وسلم أنْ يُظهِر لهم
وحياؤه صلى ال عليه وسلم يمنعه أ ْ
أنه يريد أنْ يقوم ،وقام فعلً وخرج ،فلم يقُم منهم أحد ووجدَ صلى ال عليه وسلم آخرين جالسين
بالخارج ،فعاد إلى مجلسه ،فشعر القوم بما يريده رسول ال فانصرفوا.
يقول سيدنا أنس :فجئتُ فأخبرتُ رسول ال أنهم انطلقوا ،فجاء صلى ال عليه وسلم ودخل،
فذهبت لدخل وراءه ،فألقى الحجاب بيني وبينه -يعني :ل أحد يدخل حتى أنت.
ومعنى } :إِنّ ذَاِلكُمْ كَانَ ُيؤْذِي النّ ِبيّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ[ { ...الحزاب ]53 :لنه صلى ال عليه وسلم
يريد أنْ تنصرفوا ،لكن يمنعه حياؤه ،وهذا لن المكان ضيّق ،ورسول ال في يوم عُرْس ،وليس
من المناسب الجلوس عنده.
} وَاللّ ُه لَ َيسْتَحْيِي مِنَ ا ْلحَقّ[ { ...الحزاب ]53 :لذلك قالوا :حَسْب الثقلء أن ال لم يحتملهم.
هكذا حدثتنا الية في صدرها عن :آداب الدخول ،وآداب الستئذان ،وآداب الكل ،وآداب الجلوس
عند رسول ال.
ثم تحدّثنا بعد ذلك عن الداب التي يجب أنْ يتحلّى بها المؤمنون في علقتهم بزوجاته صلى ال
طهَرُ ِلقُلُو ِبكُ ْم َوقُلُو ِبهِنّ...
عليه وسلم } :وَِإذَا سَأَلْ ُتمُوهُنّ مَتَاعا فَاسَْألُوهُنّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذاِلكُمْ َأ ْ
{ [الحزاب.]53 :
المتاع :أواني البيت التي ل تتيسّر للجميع ،فعادة ما يكون في الشارع أو الحارة بيت أو بيتان
مَسْتوران ،عندهم مثل هذه الشياء :ماجور العجين ،أو المنخل ،أو الغربال ،أو الهون..إلخ.
ومثل هذه الشياء عادة ل تتوفر للفقير ،فيذهب إلى جاره فيستعيرها منه ،وهذا ما قال ال فيه{:
سكِينِ * َفوَيْلٌ
طعَامِ ا ْلمِ ْ
حضّ عَلَىا َ
أَرَأَ ْيتَ الّذِي ُي َك ّذبُ بِالدّينِ * َفذَِلكَ الّذِي َي ُدعّ الْيَتِيمَ * َولَ يَ ُ
لّ ْل ُمصَلّينَ * الّذِينَ هُمْ عَن صَلَ ِتهِمْ سَاهُونَ * الّذِينَ ُهمْ يُرَآءُونَ * وَ َيمْنَعُونَ ا ْلمَاعُونَ }[الماعون:
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
.]7-1
فالمتاع هو الماعون ،وهو أدوات البيت التي يستعيرها منك جارك غير القادر على توفيرها في
بيته.
إذن :الحق سبحانه في حين جعل للمؤمنين أدبا خاصا مع رسول ال في الدخول عليه أو الكل في
بيته والجلوس عنده ،لم يمنع النتفاع بما عنده صلى ال عليه وسلم من متاع البيت ،ومتاع البيت
يُطلَب بأنْ تطرق الباب على أهله تقول :أعطونا كذا وكذا ،وعادة ما ُتسْأل المرأة لنها ربةُ البيت
والمسئولة عن هذا المتاع ،فإذا طلبتُم شيئا من زوجات النبي فاطلبوه من وراء حجاب } ذاِل ُكمْ
طهَرُ ِلقُلُو ِبكُ ْم َوقُلُو ِبهِنّ.
أَ ْ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أن نظره إلى جمال المرأة ل يترك فيه هذا الثر فهو مخالف للطبيعة ،حتى وإنْ كان متزوجا،
وإياك أنْ تظن أن امرأة تُغني بجمالها عن جمال في سواها؛ لذلك يقولون :النساء كالخمر ،كل
مليحة بمذاق ،فمهما كانت زوجتك جميلة ،وفيها كل المواصفات التي تعجبك فسوف تجد في
غيرها الجديد مما ليس فيها .إذن :من رحمة ال بك أنْ ل تدخل في هذه المسألة من أول
مراحلها ،فحرّم مجرد النظر.
وإذا كان هذا في المعنى العام للناس ،فكيف يكون مع زوجات النبي صلى ال عليه وسلم ،وقد قال
تعالى مخاطبا المؤمنين } َومَا كَانَ َل ُكمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ اللّهِ[ { ...الحزاب ]53 :أي بالنظر إلى
زوجاته؛ لن النظر إدراك يتبعه أنْ تجد في نفسك شيئا ،صحيح أنت ل تستطيع أنْ تُقدِم؛ لنهن
أمهات المؤمنين ،إنما سينشغل قلبك ،ومجرد خواطر القلب هنا إيذاء لسيدنا رسول ال ،بدليل أنه
قال بعدها } :وَلَ أَن تَن ِكحُواْ أَ ْزوَاجَهُ مِن َب ْع ِدهِ.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لذلك ،تأمل هذا الوصف الذي وصف ال به النصار لما استقبلوا المهاجرين ،وأفسحوا لهم في
أملكهم وفي بيوتهم ،فوصفهم ال وصفا أرقى ما يُوصف به مكان في مكين.
فقال سبحانه {:وَالّذِينَ تَ َبوّءُوا الدّا َر وَالِيمَانَ[} ...الحشر ]9 :فكأنهم يسكنون في اليمان{ مِن قَبِْلهِمْ
سهِمْ وََلوْ كَانَ
صدُورِهِمْ حَاجَةً ّممّآ أُوتُو ْا وَ ُيؤْثِرُونَ عَلَىا أَنفُ ِ
جدُونَ فِي ُ
يُحِبّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَ ْيهِمْ وَلَ يَ ِ
خصَاصَةٌ[} ...الحشر.]9 :
ِبهِمْ َ
وما استحق النصارُ هذا الوصفَ من الحق سبحانه إل ليثارهم إخوانهم المهاجرين وبَذْل شيء لم
يبذله أحد قبلهم ،حيث كان الواحد منهم يعرض على أخيه المهاجر أنْ يُطلّق له إحدى زوجاته
ليتزوجها ،وهذه هي المسألة التي تثبت أن إيمانَ هؤلء طغي على كل ما عداه ،وصار أحبّ
شيء إليهم حتى من المرأة ،ومن الغيرة عليها.
وقوله تعالى } :إِنّ ذاِلكُمْ[ { ...الحزاب ]53 :أي :ما سبق أنْ ُذكِر من سؤال أمهات المؤمنين من
وراء حجاب ،وألّ تؤذوا رسول ال ،أو تنكحوا أزواجه من بعده ،كل هذا } كَانَ عِندَ اللّهِ عَظِيما {
[الحزاب ]53 :وكيف ُيؤْذَي رسولُ ال ،وهو ما جاء إل ليحمينا من اليذاء في الدنيا في الخرة.
خفُوهُ.{ ...
ثم يقول الحق سبحانه } :إِن تُبْدُواْ شَيْئا َأوْ ُت ْ
()3509 /
فكأن في الية إشارة تحذير :إياكم أنْ تسرقكم خواطركم في هذه المسألة؛ لن ربكم ل تخفي عليه
خافية ،ول يع ُزبُ عن علمه شيء ،وإنْ كانت الخواطر والهواجس ل يُحاسب عليها المرء ،إل
أنها محظورة منهي عنها ،إنْ كانت في حَقّ رسول ال.
لقد ورد في الحديث الشريف " :مَنْ َهمّ بسيئة فلم يعملها كُتبت له حسنة " هذا في المور العامة،
أما إنْ تعلّق المر برسول ال فل؛ لن مراد الحق سبحانه أنْ يُوفّر طاقة رسول ال للمهمة التي
فل؛ لن مراد الحق سبحانه أنْ يُوفّر طاقة رسول ال للمهمة التي أُرسِل بها ،وألّ يشغله عنها
ي مهمة أعظم من مهمة هداية العالم كله ،ليس في زمنه صلى ال عليه وسلم ،وإنما منذ
شاغل ،وأ ّ
بعثته وحتى قيام الساعة.
خفُوهُ فَإِنّ اللّهَ
وقوله تعالى { :إِن تُبْدُواْ شَيْئا[ } ...الحزاب ]54 :أي :أيّ شيء مهما كان { َأوْ ُت ْ
شيْءٍ عَلِيما } [الحزاب ]54 :وعليم صيغة مبالغة في العلم؛ لن عِلْم ال تعالى عِلْم
كَانَ ِب ُكلّ َ
أزليّ ليس مُتجدّدا بتجدّد الحدث ،فال يعلم قبل الفعل وأثناء الفعل وبعده.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لذلك قلنا :إن الزمن عندنا نحن ماض وحاضر ومستقبل ،أما بالنسبة للحق سبحانه فليس هناك
ماض ول حاضر ول مستقبل؛ لذلك يتكلم سبحانه عن المستقبل وكأنه ماض.
جلُوهُ[} ...النحل ]1 :وأتى فعل ماض ومع ذلك قال بعده{ فَلَ
واقرأ مثلً {:أَتَىا َأمْرُ اللّهِ فَلَ تَسْ َتعْ ِ
تَسْ َتعْجِلُوهُ[} ...النحل ]1 :والستعجال ل يكون إل لشيء لم يَ ْأتِ وقته ،فكأن (أتى) معناها بالنسبة
لكم سيأتي ،أما بالنسبة للحق سبحانه فإنه أتى بالفعل؛ لن الزمن كله في علم ال سواء.
شيْءٍ عَلِيما } [الحزاب ]54 :أي :كان وما يزال عليما؛ لنه سبحانه
ومعنى { :فَإِنّ اللّهَ كَانَ ِب ُكلّ َ
ما دام كان عليما ،وهو سبحانه ل تتأتى فيه الغيار ،فهو سبحانه عليم فيما مضى ول يزال؛ لنه
ل يتغير ،فكان هنا ل تعني أن علمه تعالى نتيجة لحدثكم الذي أحدثتموه ،إنما هو سبحانه عالم قبل
أنْ يحدث منكم.
وهذه الية من اليات التي وقف عندها المستشرقون؛ ليستدركوا كما يظنون على كلم ال؛ لنهم
دائما يتهموننا أننا ننظر إلى القرآن بقداسة ،وأنه كلم ال فل نُعمل فيه عقولنا ،وأنهم حين يُدقّقون
في القرآن ويتجرّأون على البحث فيه يجدون فيه مآخذ -على حَدّ زعمهم.
شيْءٍ عَلِيما }
خفُوهُ فَإِنّ اللّهَ كَانَ ِب ُكلّ َ
ووَجْه اعتراضهم في قوله تعالى { :إِن تُبْدُواْ شَيْئا َأوْ ُت ْ
ن َومَا َتكْ ُتمُونَ }[النور.]29 :
[الحزاب ]54 :ومثله {:وَاللّهُ َيعْلَمُ مَا تُ ْبدُو َ
يقولون :إذا كان ال يمتنّ بعلم ما نُخفي ،فما الميزة وما العظمة في علم ما نبدي؟
ن تؤمن أنه صادر من ال تعالى ،وأن هذا
نقول :إياك حين تقرأ كلم ال أنْ تُحكّم فيه عقلك قبل أ ْ
كلمه سبحانه ،وعندها أَدِرْ المسألة في عقلك وابحثها حتى تصل إلى الحكمة ووجه العجاز فيها.
فقوله تعالى } إِن تُبْدُواْ[ { ....الحزاب ]54 :ال ل يخاطب فردا ،إنما يخاطب جمهرة الناس،
والبداء من الجمهرة ل يمكن لك أن تحدد مصدر الفعل فيه ،بحيث تردّ كلّ صوت ،وكلّ حركة
إلى صاحبها.
وسبق أنْ مثّلنا لذلك بالمظاهرة مثلً التي تختلط فيها الصوات وتعلوا الهتافات ،وسمعنا مثلً مَنْ
ينادي بسقوط فلن ،أنستطيع في هذه الحالة أنْ نحدد صاحب هذا الهتاف؟ ل ل نستطيع بسبب
جهْر أعلنه صاحبه بأعلى صوته أبداه على المل ،ومع ذلك ل
اختلط وتداخل الصوات ،مع أنه َ
تستطيع أنت تحديده.
أما الحق سبحانه ،فيعلم الصوت ،ويعلم صاحبه ،ويعلم أثره ونتيجته ،ويريد كل كلمة ،بل وكل
َنفَس إلى صاحبه ،فالذين يحاولون التستّر والستخفاء في جمهرة الناس عليهم أنْ يحذروا إنْ
خلْق ،واستْخفوا منهم ،فلن يستخفوا من ال ،فال ل تشتبه عليه اللغات ،ول تختلط
شوّشوا على ال َ
عليه الصوات.
ثم يقول الحق سبحانه } :لّ جُنَاحَ عَلَ ْيهِنّ فِي آبَآ ِئهِنّ.{ ...
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
()3510 /
بعد أنْ نزلت آية الحجاب {:وَإِذَا سَأَلْ ُتمُوهُنّ مَتَاعا فَاسْأَلُوهُنّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ[} ...الحزاب]53 :
اشتكى أقارب أمهات المؤمنين وقالوا :حتى نحن يا رسول ال؟ فأنزل ال هذه الية { .لّ جُنَاحَ
عَلَ ْيهِنّ فِي آبَآ ِئهِنّ[ } ...الحزاب.]55 :
ج ول إثمَ أنْ يدخل عليهن هؤلء
ومعنى { لّ جُنَاحَ عَلَ ْيهِنّ[ } ...الحزاب ]55 :أي :ل حر َ
المذكورون؛ لن مكانتهم من المرأة معلومة ،ول ُيخْشَى من دخولهم عليها ،وهم :الب ،والبن،
والخ ،وابن الخ ،وابن الخت.
والكلم في { َولَ نِسَآ ِئهِنّ[ } ...الحزاب ]55 :وهي مضاف ومضاف إليه ،والضافة في اللغة
تأتي بمعانٍ ثلثة :بمعنى (مِنْ) مثل أردب شعير يعني :من شعير ،وبمعنى (في) مثل (مكر الليل)
أي :في الليل ،وتأتي بمعنى (اللم) مثل مال زيد يعني لزيد ،واللم هنا للملكية أو للختصاص،
فمعنى مال زيد يعني :مِلْك لزيد ،وتقول :لجام الفرس ،فاللجام ليس مِلْكا للفرس ،إنما يختص به.
فهنا كلمة { ِنسَآ ِئهِنّ[ } ...الحزاب ]55 :تأتي بمعنى (من) وبمعنى اللم أي :نساء َلهُنّ ،أو نساء
منهن ،ول تأتي هنا بمعنى (في) إذن :فالمراد نساء منهن يعني :من قرابتهن أو نسائهن يعني:
ن مؤمنات؛ لن المؤمنة هي المؤتمنة على المؤمنة ،أما
التابعين لهن مثل الخدم شريطة أنْ يكُ ّ
الكتابية أو الكافرة فل يصح أنْ تقوم على خدمة المؤمنة؛ لنها ربما َتصِفُها لقومها.
لذلك نلحظ دقة التعبير هنا في عدم ِذكْر العمام والخوال؛ لن العم أو الخال -رغم أنه في
منزلة الوالد -إل أنه قد يصف البنت لبنه ،فإنْ كان العم أو الخال ليس له ولد ،فالعلة مفقودة،
ويجوز التساهل معهما -إذن -في الدخول في المرأة ،وإبداء الزينة أمامهما.
وقوله تعالى { :وَلَ مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنهُنّ[ } ...الحزاب ]55 :قلنا :إن مِلْك اليمين يأتي من السرى
في حرب مشروعة ،وقد باشرتَ َأسْره بنفسك ،بمعنى أنه لم يكُنْ حرا ،ثم أُخذ وبيع على أنه عبد،
ثم بعد الَسْر يمكن أن تأخذ مِلْك اليمين بأنْ تشتريه ،أو تأخذه إرثا ،أو تأخذه هِبة ،ومِلْك اليَمين قد
يكون من النساء فتدخل في نسائهن ،أو يكون من الصبيَان الذين لم يبلغوا مبلغ الرجال.
عوْرَاتِ النّسَآءِ[} ...النور:
ظهَرُواْ عَلَىا َ
ط ْفلِ الّذِينَ َلمْ يَ ْ
كما قال سبحانه في موضع آخرَ {:أوِ ال ّ
.]31
ويدخل في ذلك أيضا التابعون الذين يعملون في البيت كالبوابين والسائقين والطباخين ..إلخ،
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
والشرع يتساهل مع هؤلء؛ لن العرف الجتماعي يأبى أنْ تنشأ علقة بين هؤلء وبين أهل
البيت ،فهؤلء التابعون يعملون في البيوت ،وبها نساء وبنات جميلت ،لكن كم من هؤلء تجرّأ
على أنْ ينظر إلى سيدته؛ ذلك لن المركز الجتماعي جعل بينهما حاجزا.
ثم يقول سبحانه { :وَا ّتقِينَ اللّهَ[ } ...الحزاب ]55 :كأن الحق سبحانه يقول :لقد بينتُ لكُنّ الحكم
ن في هذا
في الدخول على المرأة ،وبينت النواع التي ل جناحَ عليكُنّ في دخولهم ،والحارس عليكُ ّ
تقواكُنّ ل ،فتقوى ال هي التي تحملك على طاعته ،وتمنعك من الخروج عنها ،ويكفي بعد المر
شهِيدا }
شيْءٍ َ
بالتقوى أنْ تعلم { إِنّ اللّهَ كَانَ[ } ...الحزاب ]55 :وما يزال { عَلَىا ُكلّ َ
[الحزاب.]55 :
ثم يقول الحق سبحانه { :إِنّ اللّ َه َومَل ِئكَـتَهُ ُيصَلّونَ.} ...
()3511 /
إِنّ اللّ َه َومَلَا ِئكَتَهُ ُيصَلّونَ عَلَى النّ ِبيّ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا صَلّوا عَلَيْهِ وَسَّلمُوا َتسْلِيمًا ()56
جاء النبي صلى ال عليه وسلم بالخير لمته مُبشّرا للمؤمنين ،نذيرا للكافرين ،وكان صلى ال
سكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا
عليه وسلم حريصا على هداية قومه ،كما قال تعالىَ {:لقَدْ جَآ َءكُمْ َرسُولٌ مّنْ أَنفُ ِ
عَنِتّمْ حَرِيصٌ عَلَ ْيكُمْ بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ رَءُوفٌ رّحِيمٌ }[التوبة.]128 :
ن تفّلتَ أحدٌ من يده ،وخرج عن ساحة اليمان ،وكان
كان صلى ال عليه وسلم يألم ويحزن إ ْ
يُكلّف نفسه في أمر الدعوة فوق ما يطيق ،وفوق ما طلب منه ،حتى خاطبه ربه بقوله {:فََلعَّلكَ
حدِيثِ َأسَفا }[الكهف.]6 :
علَىا آثَارِ ِهمْ إِن لّمْ ُي ْؤمِنُواْ ِبهَـاذَا الْ َ
سكَ َ
بَاخِعٌ ّنفْ َ
سبْ ،أما الهداية فمن ال عز وجل؛ لنه
ومعلوم أن سيدنا رسول ال لم يُطلَب منه إل البلغ فح َ
ضعِينَ }[الشعراء.]4 :
سمَآءِ آيَةً َفظَّلتْ أَعْنَا ُقهُمْ َلهَا خَا ِ
تعالى قال {:إِن نّشَأْ نُنَ ّزلْ عَلَ ْيهِمْ مّنَ ال ّ
فلشدة حرصه صلى ال عليه وسلم على هداية قومه عاتبه ربه؛ لنه شَقّ على نفسه ،فالعتاب هنا
حلّ اللّهُ َلكَ
لصالحه صلى ال عليه وسلم ،كما جاء في قوله تعالى {:ياأَ ّيهَا النّ ِبيّ ِلمَ تُحَرّمُ مَآ أَ َ
جكَ[} ...التحريم.]1 :
تَبْ َتغِي مَ ْرضَاتَ أَ ْزوَا ِ
وهذا العتاب أشبه بعتابك لولدك الذي أرهق نفسه في المذاكرة ،حتى أنك أشفقتَ عليه ،فأنت ل
تلومه على تقصير ،إنما على المبالغة في عمل ل تطيقه قوته.
وقد ظهرت قمة حرْصه صلى ال عليه وسلم على أمته حين أنزل ال عليه {:وَالضّحَىا * وَاللّ ْيلِ
س ْوفَ ُي ْعطِيكَ رَ ّبكَ
ن الُولَىا * وَلَ َ
عكَ رَ ّبكَ َومَا قَلَىا * وَلَلخِ َرةُ خَيْرٌ ّلكَ مِ َ
إِذَا سَجَىا * مَا َودّ َ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فَتَ ْرضَىا }[الضحى.]5-1 :
فالتقطها رسول ال من ربه وجعلها لمته ،فقال " :إذن :ل أرضى وواحد من أمتي في النار ".
فإذا كان رسول ال حريصا عليكم بهذا الشكل ،فهو يستحق منكم أنْ تُصلّوا عليه؛ لن كل خير
يناله ي ُعمّ عليكم ،ويعود إليكم؛ لذلك قال سبحانه { :إِنّ اللّهَ َومَلَ ِئكَـتَهُ ُيصَلّونَ عَلَى النّ ِبيّ ياأَ ّيهَا
الّذِينَ آمَنُواْ صَلّواْ عَلَ ْي ِه وَسَّلمُواْ تَسْلِيما } [الحزاب.]56 :
وتلحظ أن الخبر { ُيصَلّونَ[ } ...الحزاب ]56 :خبر عن ال والملئكة؛ فجمع الحق سبحانه بين
صلته وصلة ملئكته ،والنبي صلى ال عليه وسلم مرة خطيبا يخطب ،يقول :مَنْ يتّقِ ال
ن يعصهما يعاقبه ال ،فقال صلى ال عليه وسلم له " :بِ ْئسَ خطيب القوم أنت
ورسوله يُثبْه ال ،ومَ ْ
" لماذا؟
ن يقول :ومَنْ َي ْعصِ ال
قالوا :لنه جمع بين ال تعالى ورسوله في( :ومن يعصهما) ،وكان عليه أ ْ
ورسوله ،فال وحده هو الذي يجمع معه سبحانه مَنْ يشاء .قال سبحانهَ {:ومَا َن َقمُواْ ِإلّ أَنْ أَغْنَاهُمُ
اللّ ُه وَرَسُوُلهُ مِن َفضْلِهِ[} ...التوبة.]74 :
أما نحن ،فليس لنا أبدا أنْ نأتي بصيغة تشريكية بين ال تعالى وأحد من خَلْقه.
وقوله تعالى { :إِنّ اللّ َه َومَلَئِكَـتَهُ ُيصَلّونَ عَلَى النّ ِبيّ[ } ...الحزاب ]56 :هكذا قال ال ،وجمع
معه سبحانه مَنْ يشاء من خَلْقه ،وأنت ل يجوز لك أنْ تجمعَ هذا الجمع إل إذا كنتَ تقرأه على أنه
قرأن ،فإن أردتَ أنْ تنشيء كلما من عندك فل بُدّ أن تقول :ال يُصلّي على النبي ،والملئكة
يُصلّون على النبي.
لذلك احتاط علماء التفسير لهذه المسألة فقالوا أن (يصلون) ليست خبرا للكل ،إنما تقدير الخبر أن
ال يصلي على النبي ،والملئكة يُصلّون على النبي.
وإذا كان ال يُصلّي على النبي ،والملئكة يُصلّون على النبي ،فماذا عنكم أنتم؟ يجب أنْ تُصلوا
أنتم كذلك على النبي } ياأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُو ْا صَلّواْ عَلَيْ ِه وَسَّلمُواْ َتسْلِيما { [الحزاب.]56 :
سبق أنْ بينّا أن الصلة من ال لها معنى ،ومن الملئكة لها معنى ،ومن المؤمنين المأمورين بها
حسْبه ،والصلة في الصل هي الدعاء ،والدعاء يقتضي داعيا ومدعوا له
لها معنى ،ف ُكلّ ب َ
ومدعوا ،فمثلً حين أدعو ال أنْ يغفر لفلن ،فأنا الداعي ،وال تعالى مدعو ،وفلن مدعو له ،فإذا
كان المصلي والداعي هو ال عز وجل ،فمَنْ يدعو؟ إذن :معنى الدعاء ل يأتي مع ال تعالى.
عدُك أنْ أعطيك غدا كذا
لذلك قلنا :إنك لو نظرتَ إلى الحداث تجد أن صاحبك مثلً إذا قال لك أَ ِ
وكذا ،فهذا وَعْد منه ،ل يملك هو من أسباب الوفاء به شيئا ،أما إنْ قال لك :أدعو ال أنْ يعطيك
كذا وكذا ،ونسب العطاء ل تعالى ،فهذا أَ ْرجَى للتحقيق؛ لنه منسوب إلى ال ،فإنْ قبل الدعاء
تحقق المطلوب ،فإنْ كان ال تعالى هو الذي يأمر لك بهذا العطاء فل ُبدّ أنْ تناله ل محالة.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
إذن :الصلة من ال ليست بمعنى الدعاء ،إنما هي تنفيذ مباشر ورحمة شاملة وعامة ،ويكفي من
رحمته تعالى لنبيه صلى ال عليه وسلم أنْ جعله خاتم الرسل ،فل يستدرك عليه أحد ،يكفيه من
رحمته وإنعامه وثنائه عليه أنْ قرن اسمه باسمه؛ لذلك خاطبه بقوله {:وَ َر َفعْنَا َلكَ ِذكْ َركَ }[الشرح:
.]4
يكفيه من تكريم ال له أنه سيقبل شفاعته يوم القيامة ،ل لمته فحسب ،إنما للخَلْق جميعا ،يكفيه أن
ال تعالى خاطب كل رسله بأسمائهم المشخّصة لهم ،وخاطبه هو بالوصف المكرم في{ ياأَ ّيهَا
النّ ِبيّ[} ...الممتحنة ]12 :و{ ياأَ ّيهَا الرّسُولُ[} ...المائدة.]41 :
ح ْمدِ رَ ّبهِمْ
حوْلَهُ ُيسَبّحُونَ بِ َ
ش َومَنْ َ
حمِلُونَ ا ْلعَرْ َ
أما عن صلة الملئكة ،فهي دعاء ،واقرأ {:الّذِينَ َي ْ
غفِرْ لِلّذِينَ تَابُواْ
حمَ ًة وَعِلْما فَا ْ
شيْءٍ رّ ْ
س ْعتَ كُـلّ َ
وَ ُيؤْمِنُونَ بِ ِه وَيَسْ َت ْغفِرُونَ ِللّذِينَ آمَنُواْ رَبّنَا وَ ِ
وَاتّ َبعُواْ سَبِيَلكَ َو ِقهِمْ عَذَابَ ا ْلجَحِيمِ * رَبّنَا وَأَ ْدخِ ْلهُمْ جَنّاتِ عَدْنٍ الّتِي وَعَدْ ّتهُمْ َومَن صَـلَحَ مِنْ
ت َومَن تَقِ السّيّئَاتِ َي ْومَئِذٍ َفقَدْ
حكِيمُ * َو ِقهِمُ السّيّئَا ِ
جهِ ْم وَذُرّيّا ِتهِمْ إِ ّنكَ أَنتَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ
آبَآ ِئهِمْ وَأَزْوَا ِ
حمْتَهُ وَذَِلكَ ُهوَ ا ْل َفوْزُ ا ْل َعظِيمُ }[غافر.]9-7 :
رَ ِ
فإذا كان الخَلْق جميعا محلّ صلة الملئكة واستغفارهم ودعائهم ،حتى الذين أذنبوا منهم ،ثم تابوا،
فما بالك برسول ال ،وهو هادي الناس جميعا.
أما الصلة من المؤمنين ،فهي الستغفار ،واستغفارهم ليس لرسول ال ،إنما هو استغفارهم
لنفسهم؛ لن رسول ال جاء رحمةً لهم ،وما دام جاء رحمةً لهم كان من الواجب ألّ يغيب توقيره
عن بالهم أبدا َفهُمْ إنِ استغفروا ،فاستغفار عن الغفلة عنه صلى ال عليه وسلم ،أو عن أنهم لم
يتقدم اسمه ،فيصلون عليه.
والمؤمن حين يُصلّي على رسول ال ،ماذا يملك من عطاء يُؤدّيه لرسول ال؟ ماذا بأيدينا؟ لذلك
صلّ على محمد ،أو
تأمل لفظ صلتك على رسول ال ،إنك ل تقول أصلي ،ولكن تقول :اللهم َ
صلّى ال على محمد ،فتطلب ِممّنْ هو أعلى منك أنْ يُصلي على رسول ال؛ لنه ل يوجد عطاء
عندك تُؤدّيه لرسول ال.
إذن :فالصلة من ال الرحمة العامة المطلقة ،والصلة من الملئكة الدعاء ،والصلة من المؤمنين
الستغفار.
لذلك " سُ ِئلَ سيدنا رسول ال :يا رسول ال تلك صلة ال ،وتلك صلة الملئكة ،فما الصلةُ
صلّ على محمد وعلى آل محمد ،كما
عليك؟ يعني كيف؟ قال صلى ال عليه وسلم " :قولوا اللهم َ
صلّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ،وبارك على محمد وعلى آل محمد ،كما باركتَ على
إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العاملين ،إنك حميدٌ مجيدٌ " ".
ودخل عليه صحابي ،فقال :يا رسول ال ،ما رأيتك بهذه الطلقة والبِشْر قبل اليوم؟ فقال صلى ال
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ي صلة صلّى ال بها عليه عشرا،
ن صلى عل ّ
عليه وسلم " :إن جبريل جاءني فأخبرني أن مَ ْ
وكُتِب له عشر حسنات ومُحي عنه عَشْر سيئات ".
وقال عمر رضي ال عنه :دخل رجل على رسول ال ،فسأله :ما الصلة عليك يا رسول ال؟ قال
صلى ال عليه وسلم " :ذلك من العلم المكنون ،ولول أنكم سألتموني ما قلته :إن ال وكّل بي
ملكيْنِ ،فإذا صلّى واحد عليّ قال الملكان :غفر ال لك .ويقول ال :آمين وتقول الملئكة :أمين ".
سبحان ال :ال عز وجل بذاته يُؤمّن على دعاء الملكين.
وقالوا :الصلة على رسول ال فَرْض على المؤمن ،كالحج مرة واحدة من العمر ،لكنها واجبة
صلّ
عليه عند كل ِذكْر لرسول ال ،لذلك جاء في الحديث " :أبخل البخلء من ُذكِ ْرتُ عنده فلم ُي َ
عليّ ".
وقوله تعالى بعدها } :وَسَّلمُواْ َتسْلِيما { [الحزاب ]56 :لك أنْ تلحظ في صدر الية } إِنّ اللّهَ
َومَلَئِكَـتَهُ ُيصَلّونَ عَلَى النّ ِبيّ[ { ...الحزاب ]56 :ولم َي ُقلْ سبحانه ويسلمون ،فلما أمر المؤمنين
قال } صَلّواْ عَلَيْ ِه وَسَّلمُواْ َتسْلِيما { [الحزاب ]56 :فزاد :وسلّموا تسليما.
قال العلماء :لن الصلة على رسول ال ل يزن إل مع التسليم له بمعنى طاعته والذعان لمره،
وأن تُسْلِم زمامك له في كل صغيرة وكبيرة ،وإلّ فكيف تُصلّي عليه وأنت تعصي أوامره ،وقد
سهِمْ حَرَجا
ح ّكمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْ َن ُهمْ ثُ ّم لَ َيجِدُواْ فِي أَ ْنفُ ِ
ك لَ ُي ْؤمِنُونَ حَتّىا يُ َ
ل وَرَ ّب َ
قال تعالى {:فَ َ
ت وَيُسَّلمُواْ تَسْلِيما }[النساء.]65 :
ّممّا َقضَيْ َ
ومن معاني التسليم أن نقول :السلم عليك أيها النبي كما نقول في التشهّد ،والسلم اسم من أسماء
ال ،ومعنى :السلم عليك يا رسول ال أي :جعل ال لك وقاية ،فل ينالك أحد بسوء.
ثم يقول الحق سبحانه } :إِنّ الّذِينَ ُي ْؤذُونَ.{ ...
()3512 /
اليذاء :إيقاع اللم من المؤذي للمؤذَي ،سواء أكان اليذاء بالقول أم بالفعل ،واليذاء بهذا المعنى
أمر ل يتناسب مع الحق سبحانه وتعالى .إذن ما معنى :يؤذون ال؟
قالوا :ال تعالى ل يُؤذَي بالفعل؛ لنهم ل يستطيعون ذلك ،فهو أمر غير ممكن ،أما القول فممكن،
واليذاء هنا يكون بمعنى إغضاب ال تعالى بالقول الذي ل يليق به سبحانه ،كقولهم {:إِنّ اللّهَ َفقِيرٌ
وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ[} ...آل عمران ]181 :وبعضهم أنكر وجود ال.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وقولهم {:يَدُ اللّهِ َمغْلُولَةٌ[} ...المائدة.]64 :
وقولهم {:عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ[} ...التوبة.]30 :
سبّ الدهر ،وال يقول في الحديث القدسي " :يؤذيني عبدي ،وما كان له أنْ يؤذيني،
وبعضهم ي ُ
يسبّ الدهر ،وأنا الدهر ،بيدي المر ،أُقّلبُ الليل والنهار ".
وهل الزمن له ذَنْب في الحداث التي تؤلمك؟ الزمن مجرد ظرف للحدث ،أما الفاعل فهو ال عز
وجل ،إذن :ل تسبّوا الدهر ،فالدهر هو ال ،وهم أنفسهم قالوا {:مَا ِهيَ ِإلّ حَيَاتُنَا الدّنْيَا َنمُوتُ
وَنَحْيَا َومَا ُيهِْلكُنَآ ِإلّ الدّهْرُ[} ...الجاثية.]24 :
كل هذا إيذاء بالقول ،لكن ينبغي أنْ ننظر فيه :أهو كذب وبهتان؟ أم قول صادق يقوم عليه دليل؟
وقد يُؤذيك شخص بكلمة ،لكنك ل تُؤذَي منها ،وفي هذه الحالة يأخذ هو إثمها ،وتسْلَم أنت من
شرها وتسلم من ألمها ..فهذه القوال منهم في الواقع فيها إيذاء ،لكن ليس ل تعالى ،إنما إيذاء
لهم ،كيف؟
الحق -سبحانه وتعالى -حينما استخلف النسان في الرض خلق له الكون قبل أنْ يخلقه فطرأ
النسان على كون ُمعَدّ لستقباله ،فيه مُقوّمات بقاء الحياة ،ومُقوّمات بقاء النوع ،ثم أعدّ له أيضا
قانون صيانته ،بحيث إنْ أصابه عطب استطاع أنْ يصلحه ،هذا القانون هو منهجه سبحانه
ق الِنسَانَ * عَّلمَهُ
حمَـانُ * عَلّمَ ا ْلقُرْآنَ * خَلَ َ
المحفوظ في كتابه ،واقرأ قول الحق سبحانه {:الرّ ْ
البَيَانَ }[الرحمن.]4-1 :
فقانون الصيانة في القرآن موجود قبل أنْ يخلق النسانَ؛ لن النسان خَلْق ال وصَنْعته خلقه ال
ي التكوين في كل شيء ،فإذا ما
في أحسن تقويم ،وعلى أحسن هيئة ،ويريد له أنْ يظل هكذا سو ّ
ن يغضب ال ،لن ال يريد
خرج هذا الخليفة المخلوق ل على قانون صيانته ،فإنه ول شكّ ل بُدّ أ ْ
أنْ تظلّ صنعته جميلة ،كما أبدعها سبحانه.
إذن :فالذين أنكروا وجود ال ،أو الذين أشركوا به ،والذين قالوا " :إن ال فقير ونحن أغنياء " أو
قالوا :الملئكة بنات ال ..إلخ هذه القوال التي ترتب عليها غضب الحق سبحانه؛ لنه خليفته في
الرض لم ُيؤَدّ المطلوب منه على حَسْب منهج ال.
ونقول لهؤلء :إياكم أنْ تظنوا أنكم بكفركم خرجتم من قبضة الحق سبحانه ،بل أنتم في قبضته،
وتحت مشيئته ،ولو شاء سبحانه لقهركم على طاعته ،أو خلقكم على هيئة الصلح ل تأتي منكم
المعصية كما خلق الملئكة ،إنما جعلكم مختارين فيما كلفكم به ،مَنْ شاء آمن ،ومَنْ شاء كفر،
ن يقبل عليه بحب ل بقهر.
ليعلم مَ ْ
والدليل على ذلك أنكم مخلوقون ،على هيئتين .هيئة لكم فيها اختيار وهي التكاليف ،وهيئة
مقبوضين في قبضة الحق سبحانه وهي القضاء ،فما دمتم تعودتم التمرد على التكاليف ،فلماذا ل
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
تتمرّدُون على أقدار ال فيكم ،كالمرض والموت مثلً؟
ومع ذلك ما ُد ْمتَ قد اخت ْرتَ الكفر وأنا رَب ،ومطلوب مني أنْ أعينك على ما تحب ،فسوف أختم
على قلبك ،بحيث ل يدخله اليمان ،ول يخرج منه الكفر الذي تحبه .إذن :أنا جئت على مرادك
مما يدل على أن كفرك بي ل يضرني ول يؤذيني.
وقد ورد في الحديث القدسي( :يا عبادي ،إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني ،ولن تبلغوا ضُرّي
فتضروني).
وإنْ كانت لكم منطقة اختيار في الدنيا هي أمور التكاليف ،فسيأتي يوم القيامة ،ويمتنع الختيار
كله ،فل اختيارَ لحد في شيء يوم يقول الحق سبحانه{ ّلمَنِ ا ْلمُ ْلكُ الْ َيوْمَ[} ...غافر ]16 :فل
يجيب أحد ،ل مالك ول مملوك ،فيجيب الحق سبحانه على ذاته {:لِلّهِ ا ْلوَاحِدِ ا ْل َقهّارِ }[غافر.]16 :
هذا في معنى إيذاء ال تعالى ،أما اليذاء في حقّ سيدنا رسول ال ،فرسول ال بشر ،يمكن أنْ
يصيبه اليذاء بالفعل واليذاء بالقول ،فكما قالوا :إن ال فقير ونحن أغنياء قالوا عن رسول ال:
كاهن وساحر ومجنون وشاعر ،ثم تعدّى اليذاء إلى الفعل الذي أصاب رسول ال وآلمه بالفعل.
ألم يُ ْرمَ بالحجارة حتى َدمِيتْ قدماه في الطائف؟ ألم يضعوا على ظهره الشريف سَلَ البعير في
سقَط البعير -ألم تكسَر رباعيته يوم أحد ويُشَجّ ويسيل دمه صلى ال عليه وسلم؟
مكة -أي َ
فرسول ال ناله مع ربه -عز وجل -إيذاء بالقول ،ثم ناله إيذاء آخر بالفعل ،إيذاء بشرى فيه
إيلم ،وقمة اليذاء بالفعل ما يتعرّض لمر محارمه وأزواجه صلى ال عليه وسلم.
لذلك قال تعالىَ {:ومَا كَانَ َلكُمْ أَن ت ْؤذُواْ َرسُولَ اللّهِ[} ...الحزاب ]53 :أي :بمخالفة ما جاء به،
ن تتهموه بما ليس فيه ،أو تتعرّضوا له بإيلم حسي ،ثم لم يخص من ألوان اليذاء إل مسألة
أو بأ ْ
الزواج ،فقالَ {:ولَ أَن تَن ِكحُواْ أَ ْزوَاجَهُ مِن َبعْ ِدهِ أَبَدا[} ...الحزاب ]53 :وذكر هذه المسألة
بالذات صراحةً مراعاة لطبيعة النفس البشرية ،فقد قلنا :إن الرجل يمكن أن يتجمل على أصحابه
أو أحبابه بأغلى ما يملك ،لكنه أبدا ل يقبل أن ينظر أحد إلى زوجته ،يحميها ويغَارُ عليها من
مجرد النظر.
لذلك فإن سيدنا حذيفة ،وكان يحب امرأته ،فقال لها :ألَ تحبين أن تكوني معي في الجنة؟ فقالت:
بلى ،فقال لها :إذن إذا متّ فل تتزوجي بعدي -فهو يغار عليها حتى بعد موته -لني سمعت
رسول ال يقول:
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ل يُراد بها آخرية الزمن ،إنما آخرية النتقال ،كما لو تمتعت برحلة جميلة مع أحد الصدقاء منذ
عشرين سنة ،فلما ذكّرته بها قال :كانت آخر متعة ،مع أنك تمتعت بعدها برحلت أخرى.
حسْن الخلق ،إذن :فالمعنيان متفقان ،ل
فالمعنى :تكون لخر أزواجها في المتعة ،وإن كان مُتقدّما ب ُ
تعارض بينهما.
ومسألة غَيْرة الرجل على المرأة لها جذور في تاريخنا وأدبنا العربي ،ومن ذلك قول الشاعر:أَهِيمُ
ن يموت ،لكن
سفَي مَنْ ذَا يهيمُ بهَا َبعْديفهو مشغول بها حتى بعد أ ْ
ت فوَا أ َ
عدٍ مَا حيَيتُ فإن َأ ُم ْ
بِدَ ْ
ُيؤْخذ عليه أنه شغل بمن يحل محله في هيامه بمحبوبته؛ لذلك كان أبلغ منه َقوْل الخر:أَهِيمُ بدَعْدٍ
عدٌ لذِي خُلّةٍ َبعْديإذن :فهذه الغيرة مراتب ودرجات.
حتْ دَ ْ
ل صَلُ َ
مَا حَييتُ فإن َأ ُمتْ فَ َ
ويُحدّثنا التاريخ أن أحد الخلفاء العباسيين -أظنه الهادي -كان يحب جارية اسمها غادر ،ولشدة
حبه لها قالوا إنه تزوجها ،وفي خلوة من خلوات الهيام والعِشْق قال لها :عاهديني -لن صحته
لم تكُنْ على ما يرام -إذا أنا ِمتّ أن ل تتزوجي بعدي ،وفعلً أعطتْه هذا العهد ،فلما مات الهادي
لم تلبث أن نس َيتْ غادر عشقها للهادي ،ونسيتْ حُزْنها عليه -وهذا من رحمة ال بنا أن كل شيء
يبدأ صغيرا ثم يكبر إل المصائب ،فإنها تبدأ كبيرة ثم تصغر.
بعدها تزوجت غادر من أخي الهادي ،وفي يوم من اليام استيقظت فَزِعة صارخة ،حتى اجتمع
ع ْهدِي
عليها مَنْ في القصر ،وسألوها :ماذا بك؟ قالت :جاءني الهادي في المنام ،وقال لي:خَاَل ْفتِ َ
سمّاكِ غَأدِرْل َيهْنك ال ْلفُ الجدي ُد ول
صدَق الذِي َ
حتِ غادرةً أخِي َ
ن المقَابرْونك ْ
سكّا َ
َبعْ َدمَا جَاوَ ْرتُ ُ
عَدتْ عَنْك الدّوائرْوَلَحقتِ بي مُنْذُ الصّباح وصِ ْرتِ حَ ْيثُ ذهَ ْبتُ صائِروما كادت تنتهي من قولها
حتى لفظت أنفاسها الخيرة ،وماتت لذلك ،فالحق سبحانه يراعي هذه الغرائز النسانية وهذه
الطبيعة ،أَل ترى أن عِدّة المتوفّي عنها زوجُها كانت سَنةً كاملة ،كما في قوله تعالى {:وَالّذِينَ
حوْلِ غَيْرَ ِإخْرَاجٍ[} ...البقرة.]240 :
جهِمْ مّتَاعا إِلَى ا ْل َ
يُ َت َوفّوْنَ مِنكُ ْم وَيَذَرُونَ أَ ْزوَاجا َوصِيّ ًة لَزْوَا ِ
ثم جُعَلتْ عِدّة المتوفي عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام احتراما لهذه الغريزة في المرأة.
ثم يُبيّن الحق سبحانه الجزاء العادل لمن يؤذي ال ويؤذي رسول ال ،فيقول سبحانهَ } :لعَ َنهُمُ
اللّهُ[ { ...الحزاب ]57 :أي :طردهم من رحمته } فِي الدّنْيَا وَالخِ َر ِة وَأَعَدّ َلهُمْ عَذَابا ّمهِينا
{ [الحزاب.]57 :
ثم يعطينا الحق سبحانه إشارةً إلى أن هذا الجزاء العادل الذي أعدّه لمن يؤذي ال ورسوله ليس
تعصّبا ل ،ول تعصبا لرسول ال ،بدليل أن الذي يؤذي مؤمنا أو مؤمنة ل بُدّ أن يُجازَي عن هذا
اليذاء ،فسوّى المؤمن والمؤمنة في إرادة اليذاء بإيذاء ال ،وبإيذاء رسول ال ،فقال سبحانه} :
وَالّذِينَ ُيؤْذُونَ.{ ...
()3513 /
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ن وَا ْل ُمؤْمِنَاتِ ِبغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا َفقَدِ احْ َتمَلُوا ُبهْتَانًا وَإِ ْثمًا مُبِينًا ()58
وَالّذِينَ ُيؤْذُونَ ا ْل ُم ْؤمِنِي َ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فإنك تتلصص لذلك وتسرق النظرات ،خشية أن يطلع أحد على ِفعْلتِك ،هذا هو الفرق بين الحلل
والحرام.
سبَ
وفي آية واحدة في كتاب ال جاء الفعل كسب في الشر ،وذلك في قوله تعالى {:بَلَىا مَن كَ َ
خطِيـئَتُهُ فَُأوْلَـ ِئكَ َأصْحَابُ النّارِ} ...
طتْ بِهِ َ
سَيّئَةً وَأَحَا َ
[البقرة.]81 :
سهَُلتْ
ن تعوّد السيئات ،وأحاطت به الخطايا حتى أصبحت عادة ،و َ
فلماذا؟ قالوا :لن الية فيمَ ْ
عليه حتى صارت عنده كالحلل ،يفعله بل تكلّف ،بل ويجاهر به ويتباهى ،هذا هو المجَاهر الذي
قال فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم " :كل أمتي ُمعَافَى إل المجَاهرين " وفيه " :ستر ال عليه
وأصبح يفضح نفسه ".
وهذا الذي يُسَرّ بالمعصية ويتباهى بها بلغ به الحتراف أنه يستطيع أنْ يستر حركات انفعاله في
الحرام ،كأنها الحلل بعينه؛ لذلك جاء الفعل كسب هنا ،وكأن السيئة أصبحت مَلكةً.
أذكر بمناسبة التكلّف والفتعال في الحرام رجلً من بلدتنا اسمه الشيخ مصطفى ،ذهب إلى السوق
لشراء بقرة ،وأخذ النقود في جيبه ،ومن حرصه وضع يده على جيبه خوفا من اللصوص ،فلما
رأوه في السوق يمسك جيبه بيده عرفوا أنه ضالتهم ،فكيف احتالوا ليسرقوه؟ لطخ أحدهم كتفه
بروَث البهائم ،ثم احتكّ بالشيخ مصطفى ،حتى اتسخت ملبسه فغضب ،وأخذ ينظف ملبسه من
الروث ،ونسي مسألة النقود التي في جيبه فسرقوه.
وكما يأتي الحرام بافتعال ،كذلك يكون العقاب فيه أيضا افتعال ومبالغة تناسب افتعال الفعل؛ لذلك
يقول سبحانه في عقاب الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبواَ } :فقَدِ احْ َتمَلُواْ...
حمْله ،إنما
{ [الحزاب ]58 :ولم َي ُقلْ حملوا ،وفَرْق بين حمل واحتمل ،حمل تُقال لما في طاقتك َ
احتمل يعني فوق الطاقة ،وإنْ حملْته تحمله بمشقة ،فالجزاء هنا من جنس العمل ،فكما تفاع ْلتَ
وتكلّ ْفتَ في المعصية كذلك يكون الجزاء عليها.
} َفقَدِ احْ َتمَلُواْ ُبهْتَانا وَإِثْما مّبِينا { [الحزاب ]58 :البهتان :أن تقول في غيرك ما ليس فيه ،فالبهتان
ن تصفِه
كذب ،أمّا الثم :فأنْ ترتكب ذنبا في حقه بأن تؤذيه بصفة هي فيه بالفعل ،لكنه يكره أ ْ
بها ،كما تقول للعمى مثلً :يا أعمى.
لذلك ورد في الحديث لما سُئل سيدنا رسول ال صلى ال عليه وسلم :أرأيتَ إنْ كان في أخي ما
أقول؟ قال " :إنْ كان فيه ما تقول فقد اغتبْتَهُ ،وإنْ لم يكن فيه ما تقول فقد بَهته " أي :كذ ْبتَ
وافتر ْيتَ عليه.
ي واضح؛ لن
ووصف الحق سبحانه الثم هنا بأنه مبين } وَإِثْما مّبِينا { [الحزاب ]58 :يعني :جَل ّ
ن يكون بالبينة ،فلو
الوضوح في الثم إما أن يكون بأنْ ُتقِر أنت به وتعترف بذنبك ،وإما أ ْ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سألناك :أنت قلت لهذا الرجل يا أعمى ،أتحب أنْ تُوصَف أنت بصفة تكرهها؟ ل بُدّ أنْ تقول :ل
أحب .إذن :فالثم هنا واضح ،ويكفي إقرارك به.
وينبغي أن تعامل الناس كما تحب أن يعاملوك كما عّلمَنَا سيدنا رسول ال ،فكما أنه ل يُرضيك أنْ
يسرق الناس منك ،كذلك أنت ل تسرق منهم ،وكما يُؤذيك الثمُ كذلك يؤذيهم.
ثم يأخذنا الحق سبحانه إلى أدب آخر من آداب السرة ،فيقول سبحانه } :ياأَ ّيهَا النّ ِبيّ.{ ....
()3514 /
ك وَبَنَا ِتكَ وَنِسَاءِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَ ْيهِنّ مِنْ جَلَابِي ِبهِنّ َذِلكَ أَدْنَى أَنْ ُيعْ َرفْنَ
جَيَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ُقلْ لِأَ ْزوَا ِ
غفُورًا رَحِيمًا ()59
ن َوكَانَ اللّهُ َ
فَلَا ُيؤْذَيْ َ
نلحظ أن المر توجّجه أولً لزواج النبي ،ثم لبناته صلى ال عليه وسلم ،وهذا يعني أن رسول
ال ل يأمر أمته بشيء هو عنه بنجوى ،إنما يأمرهم بشيء بدأ فيه بأهل بيته ،وهذا أدْعَى لقبول
المر وتنفيذه ،فقبل أنْ آمركم أمرت نفسي فلم أتميز عنكم بشيء.
لذلك جاء في سيرة القائد المسلم " طارق بن زياد " أنه لما ذهب لفتح الندلس وقف بجنوده على
شاطيء البحر ،وأعداؤه على الشاطيء الخر ،ثم قال للجنود :أيها الناس أنا لن آمركم بأمر أنا
عنه بنجوى ،وإنني عند ملتقى القوم سابقكم ،فمبارز سيّدَ القوم ،فإنْ قتلتُه فقد كُفيتم أمره ،وإنْ
قتلني فلن يعوزكم أمير بعدي.
أي :أنني سابقكم إلى القتال ،ولن أرسلكم وأجلس أتفرج وأرقب ما يحدث ،يعني :أنا ل أتميز
عنكم بشيء.
وبهذه المساواة أيضا ساد عمر -رضي ال عنه -القوم وقاد العالم وهو يرتدي مُرقّعته بالمدينة؛
لذلك لما رآه رجل وهو نائم تحت شجرة كعامة الناس قال :حكمتَ فعد ْلتَ فأم ْنتَ ،فنمتَ يا عمر.
وكان -رضي ال عنه -إذا أراد أنْ يأخذ قرارا في أمر من أمور رعيته يعلم أن الفساد إنما
يأتي أولً من الحاشية والقارب والتباع ومن مراكز القوى التي تحيط به؛ لذلك كان يجمع قرابته
ويحذرهم :أنا اعتز ْمتُ أنْ صدر قرارا في كذا وكذا ،فوالذي نفسي بيده مَنْ خالفني منكم إلى شيء
منه لجعلته نكالً للمسملين ،أيها القوم إياكم أنْ يدخل عليكم مَنْ يدّعي صلته بي ،فتعطونه غير
حق مَنْ لم يعرفني ،وال إنْ فعلتُم لجعلنكم نكالً للمسلمين.
جكَ[} ...الحزاب ]59 :دليل على أن سيدنا
وورود النص القرآني بلفظ{ ياأَ ّيهَا النّ ِبيّ قُل لَزْوَا ِ
رسول ال كان ينقل النص الذي جاءه ،والصيغة التي تكلّم ال بها دون أنْ يٌغيّر فيها شيئا ،وإل
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فقد كان بإمكانه أن ينقل المر لزواجه ،فيقول :يا أيها النبي أزواجك وبناتك يدنين عليهن من
جلبيبهن .إنما نقل النص القرآني كما أُنزل عليه؛ ليعلم الجميع أن المر من ال ،وما محمد إل
مُبلّغ عن ال ،فمَنْ أراد أنْ يناقش المر فليناقش صاحبه.
وأزواج النبي صلى ال عليه وسلم ساعة نزلتْ عليه هذه الية كُنّ تسعة أزواج ،كرّمهن ال
وخيّرهن فاخترْنَ رسول ال ،كان منهن خمس من قريش هُنّ :عائشة ،وحفصة ،وأم حبيبة ،وأم
سلمة ،وسودة بنت زمعة ،وثلث من سائر العرب هُنّ :ميمونة بنت الحارث ،وزينب بنت جحش،
وجُويرية بنت الحارث من بني المصطلق ،وواحدة من نسل هارون أخي موسى -عليهما السلم
-هي السيدة صفية بنت حيي بن أخطب.
صغَر ،أما البنات
أما بنات رسول ال ،فرسول ال أنجب البنين والبنات :البنون ماتوا جميعا في ال ّ
فأبقاهُنّ ال حتى تزوّجْنَ جميعا ،وهُنّ :زينب ،ورقية ،وأم كلثوم.
وأصغرهن فاطمة ،وهي الوحيدة التي بقيتْ بعد موت سيدنا رسول ال ،أما زينب ورقية وأم
كلثوم فقد مُتْنَ في حياة رسول ال.
ولفاطمة قصة في الضحك والبكاء؛ لذلك بعض العارفين كان يقول في قوله تعالى {:وَأَنّهُ ُهوَ
ك وَأَبْزىا }[النجم ]43 :أن السيدة فاطمة حينما سُئلت ما الذي أبكاكِ وما الذي أضحكك؟
حََأضْ َ
قالت :لنني لما دخلتُ على أبي وهو مريض قال لي :إن هذا هو مرض الموت يا فاطمة فبكيت،
ي وقال لي :يا فاطمة ستكونين أول أهل بيتي لحوقا بي فضحكت .لذلك لم
ثم انصرفت فأشار إل ّ
تمكث فاطمة بعد رسول ال إل ستة أشهر.
وقد أخذ العلماء من هذا الحديث أن لقاء الموات يكون بمجرد الموت ،وإل لو كان اللقاء في
البعث والقيامة لستوى في ذلك مَنْ مات أولً ،ومَنْ مات آخرا ،فدلّ قوله " :ستكونين أول أهل
بيتي لحوقا بي " على أن لقاءه صلى ال عليه وسلم بها سيكون بمجرد أنْ تموت.
حكَ
الشاهد في هذه القصة أن أحدهم -أظنه المام عليا -قال لفاطمة :ال يقول{ وَأَنّهُ ُهوَ َأضْ َ
وَأَ ْبكَىا }[النجم ]43 :أما رسول ال فأبكاك أولً ،ثم أضحكك حتى ل يكون أضحك وأبكى كربه.
أما السيدة زينب فتزوجت العاص بن الربيع قبل أنْ يُحرّم الزواج من الكفار ،وقد ُأسِر العاص في
غزوة بدر ،فذهبتْ زينب لتفديه ،وقدمت قلدة كانَت معها ،فلم رآها رسول ال وجد أنها قلدة
خديجة -رضي ال عنها -قد وهبتْها لبنتها ،فقال :إنْ رأيتم أنْ تردوا لها قلدتها وتفكّوا لها
أسيرها فافعلوا ،فردّ صلى ال عليه وسلم المر إلى مَنْ ينتفع به ،فتنازلوا عن القلدة.
أما رقية وأم كلثوم فلهما حوادث ،منها حوادث مؤسفة ،ومنها حوادث مبهجة ،أما المؤسف فإنّ
عتبة بن أبي لهب عقد على رقية ،وأخوه عتيبة عقد على أم كلثوم ،وكان هذا قبل بعثة رسول ال
صلى ال عليه وسلم ،فلما بُعث رسول ال وحدث ما حدث بينه وبني أبي لهب وأنزل ال تعالى{:
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سبَ }[المسد.]2-1 :
ب وَ َتبّ * مَآ أَغْنَىا عَنْهُ مَاُل ُه َومَا َك َ
تَ ّبتْ يَدَآ أَبِي َل َه ٍ
قال لبنه عتبة :رأسي ورأسك عليّ حرام حتى تُطلّق رقية فطلّقها ،بعدها مَرّ عتبة على رسول
ال ،وفعل َفعْلةً فيها استهزاء برسول ال ،فقال له صلى ال عليه وسلم " :أكلك كلب من كلب ال
".
أخبر عتبة أباه بما كان من دعاء رسول ال عليه ،وكان أبو لهب يعلم صدْق رسول ال ،وأن
دعاءه مستجاب ل يرَدّ ،فخاف على ابنه ،وأخذ يحتاط له ،ويوصي به رفاقه في رحلت تجارته
-وعجيب أنه مع هذا كله لم يؤمن.
وفعلً كان عتبة في رحلت التجارة ينام في وسط القوم ،وهم يحيطون به من كل جانب ،وفي
إحدى الليالي جاءه أسد ،فأخذه من بين القوم ،ولم يَبْقَ منه إل ما يُعرف به.
علّق على هذه الحادثة أحد المغرضين فقال :إن رسول ال قال " :أكلك كلب " وهذا أسد ،فردّ
عليه أحد العارفين فقال :إذا ُنسِب الكلب إلى ال ،فل ُبدّ أنْ يكون أسدا ،فرسول ال لم يقل :كلب
من كلبكم ،إنما من كلب ال.
هذا ما كان من أمر عتبة ،أما عتيبة فقد طلّق أم كلثوم ،لكنه لم يتعرض لرسول ال بإيذاء ،بل
قالوا :إنه كان يستحي أنْ يواجه رسول ال ،لذلك لم يَ ْدعُ عليه رسول ال.
أما الحادث المبهج في حياة رقية وأم كلثوم ،فقد أبدلهما ال خيرا من عتبة وعتيبة ،حيث تزوجت
رقية من سيدنا عثمان ،فلما ماتت تزوج بعدها من أم كلثوم؛ لذلك ُلقّب -رضي ال عنه -بذي
حسَن مَا رأى إنْسَانٌ رُقيّة وزوجُها
النورين ،وكانت النساء يُغنين حين تزوج عثمان برقية:أَ ْ
عُ ْثمَانُفانظر إلى عِظَم هذا العوض أنْ يُبدَِل ُهمَا ال بعتبة وعتيبة مَنْ؟ عثمان ،نعم ال ِعوَض هذا،
وال ِعوَض في مثل هذه المسائل إنما يتأتّى بقبول القضاء في نظائره ،فإذا أُصيب النسان فاستسلم
وسلّم المر ل؛ فقال كما علّمنا رسول ال " :إنّا ل وإنّا إليه راجعون ،اللهم أَجْرني في مصيبتي -
أيّا كانت هذه المصيبة -وأخُْلفْنِي خَيْرا منها ".
إذا قال ذلك وعلم أن ل حكمة في كل قضاء يقضيه ل بُدّ أنْ يُعوّضه ال خيرا ،وأظن أن قصة
السيدة أم سلمة مشهورة في هذا المقام ،فلما توفي زوجها أبو سلمة حزنتْ عليه حزنا شديدا ،ولما
جاءها النسوة يُعزّينها في زوجها قالت إحداهن :يا أم سلمة ،قولي كما قال رسول ال :إنّا ل وإنّا
إليه راجعون ،اللهم أأجرني في مصيبتي ،واخُْلفْني خيرا منها ،فقالت :وهل هناك خير من أبي
سلمة ،يعني :هو في نظرها أحسن الناس وخيرهم.
عدّتها حتى طرق عليها طارق يقول :يا أم سلمة ،إن
ضتْ ِ
لكنها مع هذا رض َيتْ بقضاء ال فما انق َ
ت لن ال عوّضها بمَنْ هو خير من أبي
رسول ال صلى ال عليه وسلم يخطبِك لنفسه ،فضحك ْ
سلمة.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
بعد أن أمر الحق سبحانه أزواج النبي وبناته أولً بهذا الدب ثِنّى بنساء المؤمنين ،فقال } ياأَ ّيهَا
ك وَنِسَآءِ ا ْل ُمؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَ ْيهِنّ مِن جَلَبِي ِبهِنّ ذاِلكَ أَدْنَىا أَن ُيعْ َرفْنَ فَلَ
ك وَبَنَا ِت َ
جَالنّ ِبيّ قُل لَ ْزوَا ِ
غفُورا رّحِيما { [الحزاب ]59 :لن أسرة رسول ال ليست أزواجه وبناته
ن َوكَانَ اللّهُ َ
ُيؤْذَيْ َ
فحسب ،إنما العالم كله ،وكلمة (نساء) جمع ،ل واحد له من لفظه ،فمفرد أزواج زوج ،ومفرد
بنات بنت ،أما (نساء) فمفردها من معناها ،ل من لفظها ،فتقول :امرأة ،واسْتُ ْثقِل جمع امرأة على
جلَ خَ ْلقُها بعد خَلْق الرجل.
امرآت فقالوا :نساء وأصلها في اللغة من النسيء ،قالوا :لن المرأة ُأ ّ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ثم يُبيّن الحق -تبارك وتعالى -الحكمة من هذا الدب في مسألة اللباس ،فيقول } :ذاِلكَ...
{ [الحزاب ]59 :أي :إدناء الجلباب إلى الرض ،وسَتر الجسم ،وعدم إبداء الزينة } أَدْنَىا...
{ [الحزاب ]59 :أي :أقرب } أَن ُيعْ َرفْنَ فَلَ ُيؤْذَيْنَ[ { ...الحزاب.]59 :
حشْمتها ،فل يجرؤ أحد على التعرض لها بسوء أو مضايقتها،
فالمرأة المسلمة ُتعْرف بزيّها و ِ
فلباسها ووقارها يقول لك :إنها ليست من هذا النوع الرخيص الذي ينتظر إشارة منك ،وليست
ممّنْ َيعْرض نفسه عَرْضا مُهيّجا مستميلً مُلْفتا.
غفُورا رّحِيما { [الحزاب ]59 :جاء َوصْف
وقوله تعالى بعد ذلك وفي ختام الية } َوكَانَ اللّهُ َ
المغفرة والرحمة هنا ليشير إلى أن عقوبة ال ليست بأثر رجعي ،فما سبق هذا المر من
تجاوزات مغفور معفوّ عنه برحمة ال ،والعبرة بسلوك المؤمنة بعد أنْ تسمع هذا المر بإدناء
الجلباب والتستّر.
والحق سبحانه بمثل هذا الدب إنما يُؤمّن حياة المرأة المسلمة ،كيف؟ نقول :معنى التأمين أنْ نأخذ
منك حال يُسْرك ،وحين تكون واجدا ،لنعطيك حينما تكون غير واجد.
كذلك السلم حين يستر جمال المرأة ومفاتنها حال شبابها ونضارتها يسترها حين تكبر ،وحين
يتلشى الجمال ،ويحلّ محلّه أمور تحرص المرأة على سترها ،فالسلم في هذه الحالة يحمي
المرأة ويحفظ لها عِزّتها.
ثم يقول الحق سبحانه } :لّئِن لّمْ يَن َتهِ ا ْلمُنَا ِفقُونَ.{ ...
()3515 /
المتتبع لموكب الرسالت يجد أن الرسل واجهوا في نشر رسالتهم ثلثة أصناف من البشر :صنف
آمن ،وصنف كفر ،وصنف وقف مترددا بين الكفر واليمان ،وهؤلء هم المنافقون.
ذلك؛ لن الرسول حين يُبعث إنما يُبعَث لتغيير وضع اجتماعي بلغ من السوء درجةً ل يحتملها
الناس ،فالذي يعاني من هذا الوضع ينتظر هذا الرسول الجديد ،فما أنْ يُبعث حتى يبادر إلى
اليمان به؛ لنه جاء بمباديء جديدة ،ل ظُلْم فيها ،ول قهر ،ول استبداد ،ول رشوة ،ول فساد.
إذن :مَنْ عضته هذه الحداث ،وشقى بهذا الفساد سارع إلى اليمان ،وكذلك آمن أهل مصر ،وما
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شقُوا قبله بحكم الرومان ،وكذلك آمن الفُرْس
إنْ دخلها السلم حتى أسرعوا إليه ،لماذا؟ لنهم َ
عضّهم فساد غير
بمجرد أنْ سمعوا بالسلم ،ورأوا السوة الحسنة في المسلمين بعد أنْ َ
المسلمين.
شقَى الناسُ بفساد الوضاع يتطلّعون إلى منقذ ،فإنْ جاءهم اتبعو ،خاصة إنْ كان منهم وله
ساعة ي ْ
فيهم مَاضٍ مُشرّف لم يُجربوا عليه كذبا ول نقيصة.
وهذا ما رأيناه مثلً في قصة إسلم سيدنا أبي بكر ،فما أنْ أعلن محمد أنه رسول ال حتى سارع
إلى اليمان به دون أنْ يسأله عن شيء ،لماذا؟ لنه عرف صِدْقه ،وعرف أمانته ،ووثق من ذلك.
ومثله كان إيمان السيدة خديجة -رضي ال عنها -فما إنْ جاءها رسول ال مُضطربا مما لقى
من نزول المَلك عليه حتى احتضنته ،وهدّأتْ من َروْعه ،وأنصفته ،وذهبتْ به إلى ورقة بن نوفل
لتثبت له أنه على الحق ،وأن ال تعالى لن يُسلمه ولن يتخلى عنه.
وكان مما قالتْ " :وال إنك لتقري الضيف ،وتحمل الكلّ ،وتُكسِب المعدوم ،وتعين على نوائب
الدهر." ...
لذلك قال العلماء :إن السيدة خديجة كانت أول فقيهة في السلم قبل أنْ ينزل السلم.
وطبيعي أن يكون أهل الفساد والمستفيدون منه على النقيض ،فهم ينتفعون بالفساد والستبداد،
ويريدون أن تظلّ لهم سيادتهم ومكانتهم ،وأنْ يظل الناسُ عبيدا لهم ،يأكلون خيراتهم ويستذلونهم.
وهؤلء الذين استعبدوا الناس ،وجعلوا من أنفسهم سادةً بل آلهة ،ويعلمون أن الرسول ما جاء إل
ن يكفروا بها،
للقضاء على سيادتهم وألوهيتهم الكاذبة ،هؤلء ل ُبدّ أن يصادموا الدعوة ،ل ُبدّ أ ْ
حفَاظا على سيادتهم وسلطتهم الزمنية.
وأن يحاربوهاِ ،
وعجيب أن نرى من عامة الناس مَنْ أَلِف هذه العبودية ،ورضي هذه المذلة ،واكتفى بأنْ يعيش
في كَنَف هؤلء السادة مهما كانت التبعاتُ ،هؤلء وأمثالهم هم الذين كقالواَ {:وقَالُواْ َل ْولَ نُ ّزلَ
جلٍ مّنَ ا ْلقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ }[الزخرف.]31 :
هَـاذَا ا ْلقُرْآنُ عَلَىا رَ ُ
فبعد أنْ جاءهم الرسول المنقذ ما زالوا يتطلعون إلى عظيم يستعبدهم.
وكلّ من هذيْن الفريقين (المؤمن ،والكافر) كان منطقيا مع نفسه ،فالمؤمن آمن بقلبه ،ونطلق
بلسانه ،والكافر كفر بقلبه ،وكفر بلسانه ،والكافر كفر بقلبه ،وكفر بلسانه ،لنه لم ينطق بكلمة
ب ما في القلب.
ب وقالبٌ ،ول بُدّ في اليمان أنْ يوافق القال ُ
التوحيد ،والنسان قل ٌ
أما الصنف الثالث وهو المنافق ،فليس منطقيا مع نفسه ،لنه آمن بلسانه ،ولم يؤمن بقلبه ،فهو
جبان يُظهر لك الحب ،ويُضمِر الكره؛ لذلك جعلهم ال في الدّرْك السفل من النار.
ن يقولوا :ل إله إل ال ،ليبطل بها سيادة زعماء الكفر أبوْا
لذلك ،فالعرب لما سألهم رسول ال أ ْ
أن يقولوها ،لماذا؟ لنهم يعلمون أنها ليست كلمة تُقال ،إنما لها تبعات ،ويترتب عليها مسئوليات
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ل يقدرون هم على القيام بها ،ولو أنها كلمة ُتقَال لقالوها ،وانتهى العداء بينهم وبين رسول ال.
فمعنى ل إله إل ال :ل عبودية إل ل ،ول خضوعَ إل ل ،ول تشريعَ إل ل ،ول نافع إل ال...
إلخ ،وكيف تستقيم هذه المعاني مع مَنْ أَلِف العبودية والخضوع لغير ال؟
خصّ المدينة ،فقال سبحانه } لّئِن لّمْ يَن َتهِ
والحق -تبارك وتعالى -لما تكلّم هنا عن المنافقين َ
جفُونَ فِي ا ْلمَدِي َنةِ[ { ...الحزاب ]60 :فالنفاق لم يظهر
ض وَا ْلمُرْ ِ
ن وَالّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مّ َر ٌ
ا ْلمُنَا ِفقُو َ
في مكة ،وهي َمعْقل الكفر والصنام ،إنما ظهر في المدينة ،وهي التي آ َوتْ مهاجري رسول ال،
وكان غالبية أهلها من أهل الكتاب ،وهم أقرب إلى اليمان من الكفار ،فلماذا هذه الظاهرة؟
قالوا :إن السلم كان ضعيفا في مكة ،وصار قويا في المدينة ،فالنفاق ظاهرة صحية للسلم؛
لنه لول قوته ما نافقه المنافقون ،فظهور النفاق في المدينة دليل على قوة السلم فيها ،وأنه
صارت له شوكة ،وصارت له سطوة؛ لذلك نافق ضعافُ اليمان؛ ليأخذوا خير السلم ،وليحتموا
بحماه ،وإل فالضعيفُ ل يُنَافَق.
نعم ،ظهر النفاق في المدينة التي قال ال في حق أهلها {:وَالّذِينَ تَ َبوّءُوا الدّا َر وَالِيمَانَ مِن قَبِْل ِهمْ
سهِمْ وََلوْ كَانَ
صدُورِهِمْ حَاجَةً ّممّآ أُوتُو ْا وَ ُيؤْثِرُونَ عَلَىا أَنفُ ِ
جدُونَ فِي ُ
يُحِبّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَ ْيهِمْ وَلَ يَ ِ
خصَاصَةٌ[} ...الحشر.]9 :
ِبهِمْ َ
ويقول عنها رسول ال صلى ال عليه وسلم " :إن اليمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى
جحْرها ".
ُ
وأيضا القرآن هو الذي قال عن أهل المدينةَ {:ومِنْ َأ ْهلِ ا ْلمَدِينَةِ مَ َردُواْ عَلَى ال ّنفَاقِ[} ...التوبة:
]101وهذا ليس استضعافا للمدينة ،إنما إظهار لقوة السلم فيها ،بحيثُ أصبحتْ له سطوة وقوة
تُنافَق.
هنا قوله تعالى } :لّئِن لّمْ يَن َتهِ ا ْلمُنَا ِفقُونَ[ { ...الحزاب ]60 :ساعة تسمع } لّئِن لّمْ يَنتَهِ...
{ [الحزاب ]60 :فاعلم أن ال تعالى أقسم بشيء وهذا القول هو جواب القسم ،والحق سبحانه ل
يُقسِم إل على الشيء العظيم ،ونحن البشر نُقسِم لنؤكد كلمنا ،كما تقول :وال إنْ ما حدث من
فلن كذا وكذا سأفعل كذا وكذا.
أما الحق سبحانه ،فكلمه صادق ونافذ دون قَسَم ،فما باُلكَ إنْ أقسم؟ لذلك يقول بعض العارفين إذ
سمع ال تعالى يُقسِم :مَنْ أغضب الكريم حتى ألجأه أن يقسم؟
كلمة } ا ْلمُنَافِقُونَ.
[ { ...الحزاب ]60 :مفردها منافق ،مأخوذ من نَافَقاء اليربوع ،واليربوع حيوان صغير يشبه
جحْره ،لكن
الفأر ،يعرفه أهل البادية ،يعيش في جحور ،فيترصدونه ليصطادوه ساعة يخرج من ٌ
هذا الحيوان الصغير فيه ُلؤْم ودهاء ،فماذا يفعل؟ يجعل لجُحْره مدخلين ،واحد معروف ،والخر
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
مستتر بشيء ،فإذا أحس بالصياد على هذا المدخل ذهب إلى المدخل الخر؛ لذلك أشبه المنافق
تماما الذي له قلب كافر ولسان مؤمن.
ن وَالّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مّ َرضٌ
وتلحظ أن المنافقين وصفهم ال هنا بصفات ثلث } ا ْلمُنَا ِفقُو َ
جفُونَ فِي ا ْلمَدِي َنةِ[ { ...الحزاب ]60 :فالعطف هنا ل يقتضي المغايرة ،إنما عطف صفات
وَا ْلمُرْ ِ
مختلفة لشيء واحد ،وجاءتْ هذه الصفات مستقلةً؛ لنها أصبحتْ من الوضوح فيهم ،بحيث تكاد
تكون نوعا منفردا بذاته.
وقد وصف القرآن في موضع آخر المنافقين بأن في قلوبهم مرضا ،فقال سبحانهَ {:ومِنَ النّاسِ مَن
َيقُولُ آمَنّا بِاللّ ِه وَبِالْ َيوْمِ الخِ ِر َومَا هُم ِب ُمؤْمِنِينَ * ُيخَادِعُونَ اللّ َه وَالّذِينَ آمَنُوا َومَا َيخْدَعُونَ ِإلّ
عذَابٌ أَلِيمٌ ِبمَا كَانُوا َيكْذِبُونَ }
شعُرُونَ * فِي قُلُو ِبهِم مّ َرضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضا وََلهُم َ
سهُم َومَا يَ ْ
أَ ْنفُ َ
[البقرة.]10-8 :
وفي هذا دليل على أن الواو هنا أفادت عطف صفة على صفة ،ل طائفة على طائفة ،ومِثْله
العطف في قوله تعالى {:وَالّذِينَ تَ َبوّءُوا الدّا َر وَالِيمَانَ[} ...الحشر ]9 :فالدار أي المدينة ،وكذلك
اليمان يُراد به المدينة أيضا.
جفُونَ[ { ...الحزاب ]60 :المرجف من الرجاف ،وهو الهزّة العنيفة التي تزلزل،
ومعنى } وَا ْلمُ ْر ِ
جفَةُ * تَتْ َب ُعهَا الرّا ِدفَةُ }[النازعات ]7 :فالمرجفون هم الذين
جفُ الرّا ِ
ومنه قوله تعالىَ {:يوْمَ تَ ْر ُ
يحاولون زلزلة الشيء الثابت ،وزعزعة الكيان المستقر ،كذلك كان المنافقون كلما رأو للسلم
قوةً حاولوا زعزتها وهزّها لضعافه والقضاء عليه.
وهؤلء هم الذين نسميهم في التعبير السياسي الحديث (الطابور الخامس) ،وهم الجماعة الذين
يُروّجحون الشاعات ،ويذيعون الباطيل التي ُتضِعف التيار العام وتهدد استقراره.
وكثيرا ما قعد المنافقون يقولون :إن قبيلة فلن وقبيلة فلن اجتمعوا للهجوم على المدينة والقضاء
على محمد ورسالته ،وهدفهم من هذه الشاعات إضعاف وهزيمة الروح المعنوية لدى المسلمين
الجدد والمستضعفين منهم.
ن يفكر في السلم ،أو يرون أنه ارتاح إليه،
حتى على مستوى الفراد ،كانوا يذهبون إلى مَ ْ
فيقولون له :ألم تعلم أن فلنا أخذه قومه ،أو أخذه سيده وعذّبه حتى الموت لنه اتبع محمدا ،ذلك
ليصرفوا الناس عن دين ال.
جفُ يعني الذي يمشي بالفتنة والكاذيب؛ ليصرف أهل الحق عن حقهم ،بما يُشيع من
إذن :المر ِ
بهتان وأباطيل.
لذلك يهددهم الحق سبحانه :لئن لم ينته هؤلء المنافقون عن الرجاف في المدينة وتضليل الناس
لَيكُونَنّ لنا معهم شأن آخر ،كان هذا وقت مهادنة ومعاهدة بين المسلمين واليهود وأتباعهم من
ن قو َيتْ شوكة السلم ،أما وقد
المنافقين ،وكأن ال تعالى يقول :لقد سكتنا على جرائمهم إلى أ ْ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ن نقضوا عهدهم معنا فسوف نواجههم.
صار للسلم شوكة فإ ْ
وعجيب من هؤلء المرجفين أنْ يظنّوا أن ال ل يعلم أباطيلهم ،ول يعلمها رسوله ،وال تعالى
ضغَا َنهُمْ * وََلوْ َنشَآ ُء لَرَيْنَا َكهُمْ
سبَ الّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مّ َرضٌ أَن لّن ُيخْرِجَ اللّهُ َأ ْ
حِيقولَ {:أمْ َ
عمَاَل ُكمْ }[محمد.]30-29 :
فََلعَ َرفْ َتهُم بِسِيمَا ُه ْم وَلَ َتعْ ِرفَ ّنهُمْ فِي لَحْنِ ا ْل َق ْولِ وَاللّهُ َيعْلَمُ أَ ْ
ومعنى لحن القول :أن يميلوا عن غير معناه ،ومن ذلك قولهم في السلم على رسول ال :السام
عليكم ،والسام هو الموت ،وكما لووا ألسنتهم بكلمة (راعنا) فقالوا :راعونا يقصدون الرعونة.
سهِمْ َل ْولَ ُي َعذّبُنَا اللّهُ ِبمَا َنقُولُ} ...
وأغرب من ذلك ما حكاه القرآن عنهم {:وَ َيقُولُونَ فِي أَنفُ ِ
[المجادلة ]8 :فهذا القول منهم دليل على غبائهم .أولً :لنهم يتمنوْنَ العذاب.
ثانيا :لنهم قالوا ذلك في أنفسهم لم يقولوا للناس ،ولم يقولوا حتى لبعضهم البعض؛ لن (يقولون)
جمع ،و (في أنفسهم) جمع ،فكأن كلً منهم كان يقول ذلك في نفسه.
إذن :ألم يسأل واحد منهم نفسه :مَنِ الذي أعلم رسولَ ال بما في نفسي؟ َألَ يدل ذلك على أن
محمدا موصول بربه ،وأنه ل بُدّ فاضحهم ،وكاشفٌ مكنونات صدورهم ،إذن :هذا غباء منهم.
والمتتبع لتاريخ اليهود والمنافقين في المدينة يجد أن السلم لم يأخذهم على غرّة ،إنما أعطاهم
العهد وأمنّهم ووسّع لهم في المسكن والمعيشة طالما لم يُؤذُوا المسلمين ،لكن بلغ رسول ال صلى
ال عليه وسلم أنه يتناجوْنَ بالثم والعدوان ،فبعث إليهم ونهاهم عن التناجي بالثم والعدوان ،لكنهم
جوَىا ثُمّ َيعُودُونَ ِلمَا ُنهُواْ
عادوا مرة أخرى ،كما قال القرآن عنهم{ أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ ُنهُواْ عَنِ النّ ْ
عَنْهُ[} ...المجادلة.]8 :
ن عقّبَ َبعْدهَا وَعيدا فإنْ لم ُيغْنٍ
ح ّد قول الشاعر:أَنَاةٌ فإنْ َلمْ ُتغْ ِ
إذن :لم يَبْقَ إل المواجهة على َ
ن وَالّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مّ َرضٌ
أغ َنتْ عَزَائمهُلذلك يأتي جواب الشرط } :لّئِن لّمْ يَن َتهِ ا ْلمُنَا ِفقُو َ
جفُونَ فِي ا ْلمَدِي َنةِ لَ ُنغْرِيَ ّنكَ ِبهِمْ[ { ...الحزاب.]60 :
وَا ْلمُرْ ِ
فجواب الشرط } :لَ ُنغْرِيَ ّنكَ ِب ِهمْ[ { ...الحزاب ]60 :من الغراء ،وهو باب من أبواب الدراسات
النحوية اسمه الغراء ،ويقابله التحذير ،الغراء :أنْ تحمل المخاطب وتُحبّبه في أمر محبوب
ليفعله ،كما تقول لولدك مثلً :الجتهادَ الجتهادَ.
أما التحذير فأنْ تُخوّفه من أمر مكروه ليجتنبه ،كما تقول :السدَ السدَ ،أو الكسلَ الكسلَ.
فمعنى } لَ ُنغْرِيَ ّنكَ ِبهِمْ[ { ...الحزاب ]60 :أي :نُسلّطك عليهم ،ونُغريك بمواجهتهم والتصدّي لهم،
فكأن هذه المواجهة صارتْ أمرا محبوبا ُيغْري به؛ لنها ستكون جزاءَ ما فزّعوك وأقلقوك.
وما دمنا سنسلطك عليهم ،وما دمتم ستصيرون إلى قوة وشوكة تُغري بعدوها ،فلن يستطيعوا
البقاء معكم في المدينة.
} ُث ّم لَ يُجَاوِرُو َنكَ فِيهَآ ِإلّ قَلِيلً { [الحزاب ]60 :أي :في المدينة ،وكلمة } ِإلّ قَلِيلً { [الحزاب:
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ن يكون المعنى :قليل منهم ،أو قليل من الزمن ريَثْما يجدوا لهم مكانا آخر ،يرحلون
]60يمكن أ ْ
إليه مُشيّعين بلعنة ال.
()3516 /
بعد أن بيّن الحق سبحانه نهاية أعدائه بالتقتيل وانتصار رسوله صلى ال عليه وسلم ،أوضح أن
هذا ليس شيئا جديدا في موكب الرسالت ،إنما هي سنة متُبعة ومتواترة ،وهل رأيتم في موكب
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الرسالت رسولً أرسله ال ،ثم خذله أو تخلى عنه ،وانتهى أمره بنصر أعدائه عليه؟
والسنة :هي الطريقة الفِطْرية الطبيعية المتواترة التي ل تتخلّف أبدا ،فالمر إذا حدث مرة أو
مرتين ل يسمى سُنة ،فالسنة إذن لها رتابة واستدامة.
فالمراد بالسنة هنا غَلَبة الحق على الباطل { فِي الّذِينَ خََلوْاْ[ } ...الحزاب ]62 :يعني :الذين
َمضَوْا من المم السابقة ،وما زالتْ سنة ال في نصر الحق قائمة ،وستظل إلى قيام الساعة؛ لنها
سنة.
{ وَلَن َتجِدَ ِلسُنّةِ اللّهِ تَبْدِيلً } [الحزاب ]62 :نعم ل تتبدل ول تتغير؛ لنها سنة مَنْ؟ سنة ال،
وال سبحانه ليس له نظير ،وليس له شريك يُبدل عليه ،أو يستدرك على حكمه بشيء.
بعد ذلك أراد الحق سبحانه أنْ يخبرنا أن المنهج الذي جاء به رسول ال صلى ال عليه وسلم من
ربه وفيه أوامره ،وفيه نواهيه ،وفيه سبل الخلص من الخصوم ،هذا المنهج ل ُبدّ أنْ يٌحترمَ؛ لنه
سيُسلم الناس جميعا إلى حياة أخرى يُستقبلون فيها استقبالً ،ل ينفعهم فيه إل أعمالهم.
حياة أخرى يعيشون فيها مع المسبّب سبحانه ،ل مع السباب فإياكم أنْ تظنوا أن ال خلقكم
ورزقكم وتنعمتُمْ بنعمه في الدنيا ،وانتهت المسألة ،وأفلت من عقابه مَنْ خرج على منهجه ،ل بل
تذكروا دائما أنكم راجعون إليه ،ولن ُتفِلتوا من يده.
()3517 /
سُئِل رسول ال كثيرا عن الساعة ،والسؤال ظاهرة صحية إذا كان في المر التكليفي؛ لن السؤال
ب التكليف ،فأراد أنْ يبني حركة
عن التكاليف الشرعية دليل على أن السائل آمن برسول ال ،وأح ّ
حياته على أسس إسلمية من البداية.
فعلى فرض أن السلم جاء على أشياء كانت مُتوارثة من الجاهلية فأقرّها السلم ،فيأتي مَنْ
يسأل عن رأي السلم فيها حِرْصا منه على سلمة دينه وحركة حياته.
لكن أراد الحق سبحانه أنْ يُهوّن المسائل على الناس ،فقال سبحانه {:ياأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ لَ َتسْأَلُواْ
س ْؤكُمْ[} ...المائدة.]101 :
عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ َلكُمْ تَ ُ
وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم " :دعوني ما تركتكم ،فإنما أُهلك مَنْ كان قبلكم بكثرة
سؤالهم واختلفهم على أنبيائهم ".
إذن :السؤال المطلوب هو السؤال عن المور التكليفية التي تهم المسلم ،حتى وإنْ كانت من أمور
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الجاهلية ،وقد أقرّ السلم كثيرا منها ،فالدية مثلً في السلم جاءت من جذور كانت موجودة عند
الجاهليين وأقرّها السلم ،وقد أمر ال تعالى المسلم بأنْ يسأل عن مثل هذه المسائل في قوله
تعالى {:فَاسْأَلُواْ أَ ْهلَ ال ّذكْرِ إِن كُنْتُم لَ َتعَْلمُونَ }[النحل.]43 :
أما السؤال عن الساعة ،فالساعة أمر غيبي ل يعلمه إل ال ،فهو سؤال ل جدوى منه ،لذلك لما
سُئِل رسول ال :متى الساعة؟ قال للسائل " :وماذا أعددتَ لها " فأخذه إلى ما ينبغي له أنْ يسأل
عنه ويهتمّ به.
وهذه الية الكريمة { َيسْأَُلكَ النّاسُ عَنِ السّاعَةِ[ } ...الحزاب ]63 :جاءت بعد معركة اليذاء ل
تعالى ،واليذاء لرسوله وللمؤمنين به ،هذا اليذاء جاء ممّنْ ل يُؤمنون بالسماء ،ول يؤمنون بال،
ول يؤمنون بالبلغ عن ال بواسطة رسوله.
وإيذاء هؤلء ل تعالى هو في الحقيقة إيذاء لنفسهم؛ لنه ل يصل إلى ال تعالى ،وال يريد لهم
الخير؛ لنهم عباده وصَنْعته ،فحين يخرجون على منهجه فإنما يؤذون أنفسهم ،أما إيذاؤهم لرسول
ال فقد آذوه صلى ال عليه وسلم في أهله وفي نفسه ،فقد تعرّضوا له صلى ال عليه وسلم بما
يتأبّى عنه أيّ إنسان كريم ،آذوْه بالقول وبالفعل ،ومع ذلك صبر صلى ال عليه وسلم ،وصبر
أصحابه ،وقد أوذوا في أنفسهم وفي أموالهم.
والمتأمل يجد أن هذا اليذاء مقصود وله فلسفة ،فقد أراده ال تعالى ليُمحّص المؤمنين ،وليرى -
سبَ النّاسُ أَن يُتْ َركُواْ أَن َيقُولُواْ
وهو أعلم سبحانه -مَنْ يثبت على اليمان؛ لذلك قال تعالىَ {:أحَ ِ
آمَنّا وَهُمْ لَ ُيفْتَنُونَ }[العنكبوت.]2 :
وسبق أن أوضحنا أن اليمان ليس كلمةً تُقال ،إنما اليمان مسئولية وعمل ،ولهذا السبب امتنع
كفار مكة عن النطق بكلمة اليمان؛ لنهم يعلمون حقيقتها ،وهم أهل بيان وفَهْم للساليب
وللمعاني.
وثبات سيدنا رسول ال وصبره هو والذين آمنوا معه دليل على أنهم أج َروْا مقارنة بين هذا اليذاء
في الدنيا من بشر له قدرة محدودة ،وإيذاء ال سبحانه في الخرة ،وهذا إيذاء يناسب قدرته تعالى،
ول يمكن أنْ يفرّ منه أحدٌ.
إذن :نقول :إن لليذاء فلسفةً مقصودة ،وإل فقد كان من الممكن أن يأخذ ال أعداء دينه أَخْذ عزيز
مقتدر ،كما أخذ قوم نوح بالطوفان ،وقوم فرعون بالغرق ،وكما خسف بقارون الرض ،لكن أراد
سبحانه أن يعذب هؤلء بأيدي المؤمنين وبأيدي رسول ال ،وربما لو نزلت بهم أخذه عامة لقالوا:
آية كونية كالزلزل والبراكين مثلً؛ لذلك قال تعالى مخاطبا المؤمنين {:قَاتِلُوهُمْ ُيعَذّ ْب ُهمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ
وَيُخْزِ ِه ْم وَيَ ْنصُرْكُمْ عَلَ ْيهِمْ[} ...التوبة.]14 :
جعُونَ }
ثم يُصبّر الحق سبحانه نبيه ويُسلّيه {:فَـِإمّا نُرِيَ ّنكَ َب ْعضَ الّذِي َن ِعدُهُمْ َأوْ نَ َت َوفّيَ ّنكَ فَإِلَيْنَا يُ ْر َ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
[غافر.]77 :
إذن :ردّ الحق سبحانه على هذا اليذاء جاء على نوعين :نوع في الدنيا بأنْ ينصرَ الُ نبيّه عليهم،
جمْ ُع وَ ُيوَلّونَ الدّبُرَ }[القمر.]45 :
كما بشّره ال بقوله {:سَ ُيهْ َزمُ ا ْل َ
والخر رَدّ أخروي يوم القيامة؛ لذلك قال تعالىَ } :يسْأَُلكَ النّاسُ عَنِ السّاعَةِ[ { ...الحزاب.]63 :
والسؤال الذي سُئِلَه رسول ال صلى ال عليه وسلم كان متوجها إلى أمرين :الول :إعجازي
لنهم كانوا يعملون من كتبهم وأنبيائهم بعض المور ،فيريدون أنْ يُحرِجوا بها رسول ال حين
ي ل يقرأ ول يكتب ،ولم يجلس أبدا
يسألونه عنها ،فلم يجدوا جوابا ،وهم يعرفون أن رسول ال ُأ ِم ّ
إلى مُعلّم ،لكن الحق سبحانه كان يُسِعف رسوله ويُعلمه الجواب ،فيجيب عليهم الجواب الصحيح،
فيموتون غيظا ،ويتمحكون في أيّ مسألة ليثبتوا لنفسهم أن محمدا ل يعلمها.
من ذلك مثلً سؤالهم عن أهل الكهف :كم لبثوا؟ فأجابهم ال تعالى {:وَلَبِثُواْ فِي َك ْه ِفهِمْ ثَلثَ مِاْ َئةٍ
ن وَازْدَادُواْ تِسْعا }[الكهف ]25 :فقالوا :نحن نعلم أنها ثلثمائة ،فمن أين هذه الزيادة؟ وجهلوا
سِنِي َ
أن تقويت المناسك اللهية في الدين إنما يقوم على التقويم الهللي ل على حركة الشمس؛ لن
ُمقْتضى ما تعطيه لنا الشمس أن نعلم بها بداية اليوم ونهايته ،لكن ل نعرف بها أول الشهر ول
آخره.
أما التوقيت العربي الهللي ،فله علمة مميزة هي ظهور الهلل أول الشهر ،وإذا ما قار ْنتَ بين
التقويم الهللي والتقويم الميلدي تجد أن كل سنة هجرية تنقص أحد عشر يوما عن السنة
الشمسية ،فالثلثمائة سنة الميلدية تساوي في السنة الهجرية ثلثمائة وتسعة.
فكأنهم أرادوا تجهيل محمد ،فنبّههم ال إلى أنهم هم الجهلة .وعجيب أن يعترض اليهود على هذا
التوقيت ،مع أنه التوقيت العبادي لسيدنا موسى عليه السلم ،ألم يقل سبحانهَ {:ووَاعَدْنَا مُوسَىا
ثَلَثِينَ لَيْلَ ًة وَأَ ْت َممْنَاهَا ِبعَشْرٍ فَتَمّ مِيقَاتُ رَبّهِ[} ...العراف.]142 :
إذن :فقوله تعالى {:وَازْدَادُواْ تِسْعا }[الكهف ]25 :فيه إعجاز أدائي بليغ ،يدل على أنّ التسْع سنين
إنما جاءتْ زيادةً من داخل الثلثمائة ،وليستْ خارجة عنها.
ثم سألوه صلى ال عليه وسلم عن رجل جوّال ،فأنزل ال {:وَيَسْأَلُو َنكَ عَن ذِي ا ْلقَرْنَيْنِ} ...
[الكهف.]83 :
فكان ينبغي أن يلفتهم ذلك إلى صدق محمد صلى ال عليه وسلم ،وأن يسألوا أنفسهم :من أين له
هذا العلم ،وهو الميّ الذي لم يجلس مرة إلى مُعلّم؟
لذلك قلنا :إن الُمية عَ ْيبٌ في كل إنسان ،إل أنها كانت شرفا وميزة في رسول ال بالذات؛ لنها
تعني في حقّ رسول ال أنه لم يُعلّمه بشر كما اتهموه ،إنما علمه ربه.
كذلك كانت المة الت نزل فيها القرآن أمة أمية ،وهذا أيضا شرف في حقها ،فلو أن هذه المة
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
كانت أمةَ علم وثقافة لقالوا عن السلم :إنه قفزة حضارية ،لكنها كانت أمة أمية يسودها النظام
القبلي ،فلكل قبيلة قانونها ونظامها ،ولكل قبيلة رئيسها ،ومع ذلك خرج منهم مَنْ جاء بنظام عام
يصلح لسياسة الدنيا كلها ،إلى أنْ تقوم الساعة ،وهذا ل يتأتّى إل بمنهج إلهي.
إذن :المية في العرب شرف ،وعجزهم عن محاكاة القرآن ،والتيان بمثله أيضا شرف لهم،
فكوْن الحق سبحانه يتحدّاهم بأسلوب القرآن دليل على عظمتهم في هذا المجال ،وإل فأنت ل
تتحدّى الضعيف إنما تتحدّى القوي في مجال التحدي ،فكأن تحدّى ال العرب شهادة منه سبحانه
بأنهم أفصح الخَلْق؛ لذلك جاءهم بمعجزة من جنس ما نبغوا فيه.
ثم يسأل اليهود رسول ال عن الساعة } َيسْأَُلكَ النّاسُ عَنِ السّاعَةِ[ { ...الحزاب ]63 :وهم
ل يكون هذا اليوم،
يسألون عن الساعة يعني :عن يوم القيامة؛ لنهم ينكرونه ،ومن مصلحتهم أ ّ
س ْفكٍ
حتى ل يقفوا موقف المساءلة والحساب على ما أجرموه في الدنيا من ظلم وشرك وعربدة و َ
للدماء ،وَلغْو في أعراض الناس.
ولو بحث هؤلء قضية القيامة والحساب بالعقل -ل بنصوص القرآن -لوجدوا أنها أمر منطقي
ل ُبدّ أنْ يحدث ،فمثلً نحن عاصرنا الحزب الشيوعي في روسيا سنة ،1917ورأينا كيف أخذوا
القطاعين والرأسماليين وعذّبوهم ،وفعلوا بهم الفاعيل ،وصادروا ممتلكاتهم جزاءً لهم على
ن تقتصّ من الظالم ،لكن ما بال كثير من
ظلمهم للناس ،وكنا نقول لهم :نعم هذا أمر منطقي أ ْ
الظّلمة الذين ماتوا أو لم تدركوهم وأفلتوا من قبضتكم؟
بال ،لو جاء شخص ودلّكم على مكان أحد الظلمة هؤلء ،ألستم تحمدون له هذه المساعدة؟ فكيف
به لو قال :بل سأحضره وأحاسبه وأقتصّ منه ،أليست هذه إعانة لكم على مهمة النتقام من
الظالمين؟
لذلك نقول :كان من الواجب أن يكون الشيوعيون أول الناس إيمانا بيوم القيامة وبالبعث والحساب
ليتداركوا مَنْ أفلت من أيديهم.
شيء آخر :ألستم تضعون -في أيّ نظام من أنظمتكم الوضعية -القوانين المنظمة؟ ما معنى
القانون :القانون قواعد تحدد للمواطن ما له وما عليه ،أليس في قوانينكم هذا مبدأ الثواب للمحسن،
والعقاب للمقصر؟
إذن :كل مجتمع ل ُبدّ أن تكون فيه عناصر خارجة على نظامه ،وتستحق العقوبة ،فمَنِ استطاع
أنْ يُدلّس على المجتمع ،وأنْ يداري جريمته ما حظه من العقوبة ،وقد استشرى فساده وكَثُر
ظلمه؟
خفَي عليها أحد ،ول يُدلّس عليها أحد ،ول يهرب منها أحد،
ن نؤمن بقدرة أخرى ل يَ ْ
إذن :ل بُدّ أ ْ
قدرة تعرف الخفايا وتفضحها وتحاسب أصحابها.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سقُطُ
هذه القضية ل ُبدّ أنْ تسوقك إلى فطرية اليمان بال تعالى ،وأنه سبحانه خبير عالم{ َومَا تَ ْ
ب َولَ يَا ِبسٍ إل فِي[} ...النعام.]59 :
ط ٍ
ت الَ ْرضِ َولَ رَ ْ
مِن وَ َرقَةٍ ِإلّ َيعَْل ُمهَا َولَ حَبّةٍ فِي ظُُلمَا ِ
حصُون
لماذا إذن تنكرون القيامة وأنتم في أنظمتكم الدنيوية تُجنّدون الجواسيس والمخابرات،وتُ ْ
َهمْسَ الناس لمعرفة الذين يحتالون في ألّ يراهم القانون؟ أليس من فضل ال عليكم أنه سبحانه
خفِي عليكم ويقتصّ لكم من خصومكم؟
يعلم ما َ
فقضية القيامة والحساب واضحة بالفطرة؛ لذلك تجد أن المنكرين لها هم الذين أسرفوا على أنفسهم
ويخافون ما ينتظرهم من العقاب في هذا اليوم ،ول يملكون إل إنكاره وعدم العتراف به ،وكأن
هذا الهروب هو الحل.
عةَ قَا ِئمَةً} ...
وسورة الكهف تعطينا نموذجا لهؤلء ،وهو صاحب الجنة الذي قالَ {:ومَآ َأظُنّ السّا َ
[الكهف ]36 :بعد أنْ أسرف على نفسه وجحد نعمة ال عليه ،ولما تنبّه وراجع فطرته قال {:وَلَئِن
جدَنّ خَيْرا مّ ْنهَا مُنْقَلَبا }[الكهف.]36 :
رّدِدتّ ِإلَىا رَبّي لَ ِ
فالتكذيب بيوم القامة هو الغلب والكد والشكّ في{ وَلَئِن رّدِدتّ إِلَىا رَبّي[} ...الكهف]36 :
يعني :وعلى فرض أَنّي رُد ْدتُ إلى ربي يوم القيامة فسوف يكون لي عنده أفضل مما أعطاني في
الدنيا ،فكما أكرمني هنا سيكرمني هناك.
وهذا اعتقاط خاطيء و َفهْم أحمق ،فال تعالى ل يكرم في الخرة إل مَنْ أكرم نفسه باتباع منهجه
في الدنيا ،ومَنْ لم يكرم نفسه هنا بمنهج ال ل يكرمه ال في الخرة.
لذلك كثيرا ما نسمع :دَع ْوتُ فلم يُستجب لي ،خصوصا السيدات ،جاءتني إحداهن تشتكي أنها
توجهت إلى ال بالدعاء ،ومع ذلك البنت لم تتزوج والولد كذا والزوج كذا .فكنت أقول لها (كتر
خيرك) أولً أنك عرفت أن لك ربا تفزعين إليه وقت الشدة كما قال سبحانه {:فََلوْل ِإذْ جَآءَ ُهمْ
بَأْسُنَا َتضَرّعُواْ[} ...النعام.]43 :
إنما أسألك :هل أنت أجبت ال أولً فيما طلبه منك كي تنتظري منه أنْ يُجيبك إلى ما طلبتِ؟
خلْقة ال؟ فكانت ل تجد جوابا ،إل
أأجبت ال في شعرك هذا؟ أأجبتِ ال في (شفايفك) وتغييرك ل ِ
ن تقول :وال أنا قلبي (صافي) ول أوذي أحدا ..إلخ.
أْ
إذن :أخذتم على ال أنكم دعوتُم فلم يَسْتجب لكم ،ولم تأخذوا على أنفسكم أنه سبحانه دعاكم أولً
وناداكم فلم تستجيبوا لندائه ،احرصوا أولً على إجابة نداء ال ،وثقوا أنه سبحانه سيجيبكم.
نعود إلى ما كنا بصدده من الحديث عن السؤال في القرآن الكريم ،فسؤالهم عن الساعة إمّا ليتأكد
السائل أنها ستحدث ،وإما لنه يستبطئها ويريدها الن.
ومادة السؤال جاءت كثيرا في كتاب ال؛ لن القرآن لم ينزل على رسول ال جمل ًة واحدة ،إنما
حسْب الحداث ليعطيهم الفرصة للسؤال ،وجاء السؤال إما لتحدي رسول ال ،وإما
نزل مُنجّما َ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
للستزادة من أحكام ال التي أنزلها على رسوله صلى ال عليه وسلم ،وهذا جاء ِممّنْ عشقوا
اليمان ،فأحبوا أنْ تُبني حركة حياتهم على هدى اليمان.
حتى المسائل التي كانت لها جذور في الجاهلية راحوا يسألون عنها ،لماذا ،مع أن السلم أقرها؟
قالوا :لنهم أرادوا أنْ يَبْنوا أعمالهم على العبادة ،ل على العادة الجاهلية.
والقرآن حينما عرض لهذه السئلة قال مرة {:وَيَسْأَلُو َنكَ عَنِ ا ْلمَحِيضِ ُقلْ ُهوَ َأذًى[} ...البقرة:
]222فرسول ال صلى ال عليه وسلم حينما سُئِل هذا السؤال لم َيقُلْ :هو أذى؛ لن الجواب ليس
من عنده ،إنما هو مُبَلّغ عن ال ،وال هو الذي يقول ،فقال{ ُقلْ ُهوَ أَذًى[} ...البقرة ]222 :فكلمة
ُقلْ هذه من مقول ال تعالى ،وأنا أقولها كما هي.
لذلك نعجب ممن ينادي بحذف كلمة } قلْ { من القرآن ،بحجة أنها ل تضيف جديدا للمعنى في
حين أنها دليل على صدق سيدنا رسول ال صلى ال عليه وسلم ودليل على أن ما جاء به لس من
عنده إنما من عند ال وهو مبلغ فحسب فرب ُه قال له قل وهو يقولها كما هي{ وَيَسْأَلُو َنكَ مَاذَا
يُنفِقُونَ ُقلِ ا ْل َع ْفوَ[} ..البقرة ]219 :وفي موضع آخر {:يَسْأَلُو َنكَ مَاذَا يُ ْنفِقُونَ ُقلْ مَآ أَ ْن َفقْتُمْ مّنْ خَيْرٍ
لقْرَبِينَ[} ...البقرة.]215 :
ن وَا َ
فَلِ ْلوَالِدَيْ ِ
لكن ُقلْ تأتي مرة مقترنة بالفاء ،ومرة أخرى غير مقترنة بها ،فلماذا؟ هذا مَلْمح إعجازي في أداء
ن الَهِلّةِ ُقلْ ِهيَ
القرآن ،لن الجواب ب ُقلْ يعني أن السؤال قد حدث بالفعل ،مثل{ يَسْأَلُو َنكَ عَ ِ
َموَاقِيتُ لِلنّاسِ وَالْحَجّ[} ...البقرة.]189 :
أما الجواب حين يقترن بالفاء ،فإنه يعني وجودَ شرطٍ ،فالسؤال لم يحدث بالفعل ،إنما سيحدث في
س ُفهَا رَبّي َنسْفا }[طه.]105 :
المستقبل ،كما في قوله تعالى {:وَيَسْأَلُو َنكَ عَنِ ا ْلجِبَالِ َف ُقلْ يَن ِ
والمعنى :إن سألوك في المستقبل عن الجبال ف ُقلْ ينفسها ربي نَسْفا ،فالجواب ُمعَدّ مسْبقا لسؤال لم
يُسأل َبعْد ،لكنه ل ُبدّ أنْ يُسأل ،وأنْ يقع منهم ،وهذا وجه آخر من وجوه العجاز في القرآن
ن ينقض أحد كلم ال ،أو ينقض علمه
الكريم ،وإل فقد كان بإمكانهم ألّ يسألوا ،لكن هيهات أ ْ
تعالى.
ن يقولوا ،وهذه المسألة أوضحناها في قوله تعالى {:تَ ّبتْ يَدَآ أَبِي َل َهبٍ وَتَبّ
ما دام ال قال فل بُدّ أ ْ
طبِ * فِي جِيدِهَا
حَحمّالَةَ الْ َ
سبَ * سَ َيصْلَىا نَارا ذَاتَ َل َهبٍ * وَامْرَأَتُهُ َ
* مَآ أَغْنَىا عَنْهُ مَاُل ُه َومَا كَ َ
سدٍ }[المسد.]5-1 :
حَ ْبلٌ مّن مّ َ
فحكم ال تعالى على هذا الكافر العنيد أنه سيموت على كفره ،وسيكون مصيره وزوجته النار،
وقد سمع أبو لهب وامرأته هذه الية ،وعرفوا صِدْقها ،لكنه مع ذلك لم يؤمن ولو نفاقا ،وقد آمن
مَنْ هو أش ّد كفرا وعنادا ،أمثال :عمرو بن العاص ،وخالد بن الوليد وغيرهما.
لكن الذي حكم وأخبر أنه لن يؤمن يعلم أنه سينتهي إلى هذه النهاية مهما حذّره وأنذره؛ لذلك كان
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أبو لهب مثالً لغباء الشرك ،فلو أنه جاء في مَحْفل من محافل قريش بعد نزول هذه السورة،
وقال :أشهد أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال لحرجَ رسول ال وكذّب القرآن ،لكن لم
يحدث شيء من هذا ،وما كان ليحدث بعد أنْ قال ال ،مع أنه حُرّ مختار.
وفي آية واحدة من كتاب ال وردت الجابة عن السؤال غير مُصدّرة ( ُقلْ) ول (فقل) ،وهي قوله
سبحانه {:وَِإذَا سَأََلكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ[} ...البقرة ،]186 :لماذا؟
قالوا :لن السؤال هنا عن ذات ال تعالى؛ لذلك جعل الجواب منه سبحانه مباشرة بل واسطة؛ لن
المقامَ مقامُ سؤال عن قريب مباشر لك ،كذلك جاءتْ الجابة مباشرة.
هذا عن السؤال ،أما عن الساعة التي سألوا عنها ،فكلمة الساعة حين نطلقها في هذا العصر نريد
بها اللة المعروفة التي تحدد أجزاء الوقت من ليل أو نهار بالسوية ،فليس هناك ساعة أكبر من
ساعة.
والعرب حينما اخترعوا الساعة أو المزولة ،كانت ساعة دقّاقة بالماء ،وهي عبارة عن خزان
سمّيت
يقطر منه الماء قطرة قطرة ،وكلما نزلت قطرة الماء حرّكتْ عقارب الساعة بالتساوي ،و ُ
ساعة بالذات؛ لن الساعة هي أقرب أجزاء الوقت لليل أو للنهار ،وبعد ذلك عرفنا الدقيقة والثانية
والجزء من الثانية.
وقد حرص العرب بالذات على حساب الوقت ،وفكّروا في آلة تضبطه؛ لن السلم يقوم على
عبادات موقوتة ل ُبدّ أنْ تُؤدّي في وقتها ،من هنا اخترعوا الساعة.
سمّي القيامة (الساعة) فالساعة التي
وكأن الحق سبحانه استعار فطرة البشرة منهم ،حين َ
تنتظرونها هي آلة مواقيتكم في الحركة؛ لذلك قال شوقي رحمه الَ :دقّاتُ قَ ْلبِ المْرءِ قَائِلةٌ لَهُ إنّ
ق وثَوانِوالحق سبحانه يقول {:وَيَوْمَ َتقُومُ السّاعَةُ[} ....الروم ]55 :أي القيامةُ {:يقْسِمُ
الحَياةَ َدقَائِ ُ
عةٍ[} ...الروم ]55 :أي ساعتكم وآلتكم التي تعارفتم عليها لضبط
ا ْلمُجْ ِرمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَا َ
الوقت ،فجمع سبحانه بين الساعة الفاصلة بالقيامة ،وبين الساعة التي هي جزء من الليل ،أو من
النهار.
والمعنىَ } :يسْأَُلكَ النّاسُ عَنِ السّاعَةِ[ { ..الحزاب ]63 :يعني :أتوجد أم ل توجد؟ وإذا كانت
تُوجَد ،قالوا {:فَأْتِنَا ِبمَا َتعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ }[العراف.]70 :
عةِ ُقلْ إِ ّنمَا
الحق سبحانه تكلّم في السؤال عن الساعة في موضعين :هنا } يَسْأَُلكَ النّاسُ عَنِ السّا َ
عةَ َتكُونُ قَرِيبا { [الحزاب.]63 :
عِ ْل ُمهَا عِندَ اللّ ِه َومَا يُدْرِيكَ َل َعلّ السّا َ
عةَ قَرِيبٌ }
ن َومَا يُدْرِيكَ َل َعلّ السّا َ
ق وَا ْلمِيزَا َ
حّوفي سورة الشورى {:اللّهُ الّذِي أَن َزلَ ا ْلكِتَابَ بِالْ َ
[الشورى.]17 :
ونلحظ أولً أن كلمة (قريب) جاءت بدون تأنيث ،والساعة مؤنثة ،فلم َي ُقلْ قريبة ،قالوا :لن المراد
وقت قيامها :وما يدريك لعل وقت قيامها قريب.
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وقال اللغويون :إن (قريب) على وزن فعيل ،وهذا الوزن يستوي فيه المذكّر والمؤنث ،كما في
ظهِيرٌ }[التحريم.]4 :
قوله سبحانه {:وَا ْلمَلَئِكَةُ َب ْعدَ ذَِلكَ َ
ثم في الية الولى جاء بالفعل تكون ،فقالَ } :تكُونُ قَرِيبا { [الحزاب ]63 :وفي الخرى قال:
(قريب) لماذا؟ قالوا :لن السؤال مرة يكون عن أصل الوجود ،ومرة يكون عن شيء تابع لصل
الوجود ،وفي الدراسات النحوية نُدرّس للتلميذ كان وأخواتها ،وهي فعل مَاضٍ ناقص ،يرفع
عسْ َرةٍ[} ...البقرة:
المبتدأ وينصب الخبر ،وقد تأتي كان تامة تكتفي بفاعلها كما في{ وَإِن كَانَ ذُو ُ
عسْرة.
ن ُوجِد ذو ُ
]280يعني :إ ْ
إذن :إنْ أردتَ الوجود الول فهي تامة ،وإنْ أردتَ وجودا ثانيا طارئا على الوجود الول فهي
ناقصة ،كما لو قُ ْلتَ :كان زيد مجتهدا ،فأنت ل تتكلم عن الوجود الول لزيد ،إنما تتكلم عن شيء
طرأ على وجوده ،وهو اجتهاده ،وهذه هي كان الناقصة؛ لن الفعل ينبغي أنْ يدلّ على زمن
وحدث ،والفعل كان دلّ على زمن فقط ،فاحتاج إلى خبر ليدل على الحدث ،فكأنك قُ ْلتَ :اجتهد
زيد ..في الزمن الماضي.
كذلك نقول في الوجود الول وكان التامة " :كان ال ول شيء معه " هذا هو الوجود العلى ،فإنْ
غفُورا رّحِيما }[النساء.]152 :
أردتَ شيئا آخر مُتعلّقا بهذا الوجود الول تقولَ {:وكَانَ اللّهُ َ
فالحق سبحانه في هاتين اليتين يردّ على الذين يسألون عن الساعة ،إما لنهم ينكرونها وجودا ،أو
عةَ َتكُونُ قَرِيبا { [الحزاب ]63 :ومرة{
يؤمنون بها ،ويسألون عن وقتها ،فقال مرةَ } :ل َعلّ السّا َ
َل َعلّ السّاعَةَ قَرِيبٌ }[الشورى.]17 :
ت بالموضوع
كلمة{ َومَا يُدْرِيكَ[} ...الشورى ]17 :معنى الدراية :العلم ،كما نقول :هل در ْي َ
الفلني ،يعني :علمتَ به.
()3518 /
سعِيرًا ()64
ن وَأَعَدّ َل ُهمْ َ
إِنّ اللّهَ َلعَنَ ا ْلكَافِرِي َ
( )1/3519
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
تفسير هذه الية غير موجودة
( )1/3520
( )1/3521
( )1/3522
( )1/3523
يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا لَا َتكُونُوا كَالّذِينَ َآ َذوْا مُوسَى فَبَرَّأهُ اللّهُ ِممّا قَالُوا َوكَانَ عِنْدَ اللّ ِه وَجِيهًا ()69
( )1/3524
يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا ا ّتقُوا اللّ َه َوقُولُوا َقوْلًا سَدِيدًا ()70
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/3525
عظِيمًا ()71
عمَاَلكُمْ وَ َيغْفِرْ َلكُمْ ذُنُو َبكُ ْم َومَنْ ُيطِعِ اللّ َه وَرَسُولَهُ َفقَدْ فَازَ َفوْزًا َ
ُيصْلِحْ َلكُمْ أَ ْ
( )1/3526
حمََلهَا الْإِنْسَانُ
شفَقْنَ مِ ْنهَا وَ َ
حمِلْ َنهَا وَأَ ْ
ض وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ َي ْ
ت وَالْأَ ْر ِ
سمَاوَا ِ
إِنّا عَ َرضْنَا الَْأمَانَةَ عَلَى ال ّ
جهُولًا ()72
إِنّهُ كَانَ ظَلُومًا َ
( )1/3527
( )1/3528
( )1/3529
َوقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا لَا تَأْتِينَا السّاعَةُ ُقلْ بَلَى وَرَبّي لَتَأْتِيَ ّنكُمْ عَاِلمِ ا ْلغَ ْيبِ لَا َيعْ ُزبُ عَ ْنهُ مِ ْثقَالُ ذَ ّرةٍ فِي
صغَرُ مِنْ َذِلكَ وَلَا َأكْبَرُ إِلّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ()3
ض وَلَا َأ ْ
سمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَ ْر ِ
ال ّ
( )1/3531
عمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولَ ِئكَ َلهُمْ َم ْغفِ َرةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ()4
لِيَجْ ِزيَ الّذِينَ َآمَنُوا وَ َ
( )1/3532
( )1/3533
حمِيدِ ()6
وَيَرَى الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِلْمَ الّذِي أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّبكَ ُهوَ ا ْلحَقّ وَ َيهْدِي إِلَى صِرَاطِ ا ْلعَزِيزِ ا ْل َ
( )1/3534
جدِيدٍ ()7
جلٍ يُنَبّ ُئ ُكمْ إِذَا مُ ّزقْ ُتمْ ُكلّ ُممَزّقٍ إِ ّنكُمْ َلفِي خَ ْلقٍ َ
َوقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا َهلْ َندُّلكُمْ عَلَى رَ ُ
( )1/3535
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ب وَالضّلَالِ الْ َبعِيدِ ()8
َأفْتَرَى عَلَى اللّهِ َكذِبًا أَمْ ِبهِ جِنّةٌ َبلِ الّذِينَ لَا ُي ْؤمِنُونَ بِالَْآخِ َرةِ فِي ا ْلعَذَا ِ
( )1/3536
سقِطْ
سفْ ِب ِهمُ الْأَ ْرضَ َأوْ نُ ْ
خِسمَا ِء وَالْأَ ْرضِ إِنْ َنشَأْ نَ ْ
خ ْلفَهُمْ مِنَ ال ّ
َأفَلَمْ يَ َروْا إِلَى مَا بَيْنَ أَ ْيدِيهِ ْم َومَا َ
سمَاءِ إِنّ فِي ذَِلكَ لَآَ َيةً ِل ُكلّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ()9
سفًا مِنَ ال ّ
عَلَ ْيهِمْ كِ َ
( )1/3537
حدِيدَ ()10
وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنّا َفضْلًا يَا جِبَالُ َأوّبِي َمعَهُ وَالطّيْ َر وَأَلَنّا َلهُ الْ َ
( )1/3538
( )1/3539
شهْ ٌر وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ا ْلقِطْ ِر َومِنَ الْجِنّ مَنْ َي ْع َملُ بَيْنَ يَدَ ْيهِ
حهَا َ
شهْ ٌر وَ َروَا ُ
غ ُدوّهَا َ
وَلِسُلَ ْيمَانَ الرّيحَ ُ
سعِيرِ ()12
بِإِذْنِ رَبّ ِه َومَنْ يَ ِزغْ مِ ْنهُمْ عَنْ َأمْرِنَا نُ ِذقْهُ مِنْ عَذَابِ ال ّ
( )1/3540
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شكْرًا
عمَلُوا َآلَ دَاوُودَ ُ
ب َوقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ ا ْ
جوَا ِ
جفَانٍ كَالْ َ
ب وَ َتمَاثِيلَ وَ ِ
َي ْعمَلُونَ َلهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِي َ
شكُورُ ()13
َوقَلِيلٌ مِنْ عِبَا ِديَ ال ّ
( )1/3541
فََلمّا َقضَيْنَا عَلَيْهِ ا ْل َم ْوتَ مَا دَّلهُمْ عَلَى َموْتِهِ ِإلّا دَابّةُ الْأَ ْرضِ تَ ْأ ُكلُ مِ ْنسَأَتَهُ فََلمّا خَرّ تَبَيّ َنتِ الْجِنّ أَنْ َلوْ
كَانُوا َيعَْلمُونَ ا ْلغَ ْيبَ مَا لَبِثُوا فِي ا ْلعَذَابِ ا ْل ُمهِينِ ()14
( )1/3542
( )1/3543
شيْءٍ مِنْ
ل وَ َ
ط وَأَ ْث ٍ
خمْ ٍ
فَأَعْ َرضُوا فَأَ ْرسَلْنَا عَلَ ْيهِمْ سَ ْيلَ ا ْلعَرِ ِم وَبَدّلْنَا ُهمْ ِبجَنّتَ ْيهِمْ جَنّتَيْنِ َذوَا َتيْ ُأ ُكلٍ َ
سِدْرٍ قَلِيلٍ ()16
( )1/3544
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/3545
جعَلْنَا بَيْ َنهُ ْم وَبَيْنَ ا ْلقُرَى الّتِي بَا َركْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِ َر ًة َوقَدّرْنَا فِيهَا السّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَاِليَ وَأَيّامًا
وَ َ
َآمِنِينَ ()18
( )1/3546
جعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ َومَ ّزقْنَا ُهمْ ُكلّ ُممَزّقٍ إِنّ فِي ذَِلكَ
سهُمْ َف َ
سفَارِنَا وَظََلمُوا أَ ْنفُ َ
عدْ بَيْنَ أَ ْ
َفقَالُوا رَبّنَا بَا ِ
شكُورٍ ()19
لَآَيَاتٍ ِل ُكلّ صَبّارٍ َ
( )1/3547
وَلَقَدْ صَدّقَ عَلَ ْي ِهمْ إِبْلِيسُ ظَنّهُ فَاتّ َبعُوهُ إِلّا فَرِيقًا مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ ()20
( )1/3548
( )1/3549
ض َومَا َلهُمْ
ت وَلَا فِي الْأَ ْر ِ
سمَاوَا ِ
عمْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ لَا َيمِْلكُونَ مِ ْثقَالَ ذَ ّرةٍ فِي ال ّ
ُقلِ ادْعُوا الّذِينَ زَ َ
ظهِيرٍ ()22
ك َومَا لَهُ مِ ْنهُمْ مِنْ َ
فِي ِهمَا مِنْ شِ ْر ٍ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
تفسير هذه الية غير موجودة
( )1/3550
ق وَ ُهوَ
حّشفَاعَةُ عِنْ َدهُ إِلّا ِلمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتّى إِذَا فُ ّزعَ عَنْ قُلُو ِبهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَ ّب ُكمْ قَالُوا الْ َ
وَلَا تَ ْنفَعُ ال ّ
ا ْلعَِليّ ا ْلكَبِيرُ ()23
( )1/3551
ت وَالْأَ ْرضِ ُقلِ اللّ ُه وَإِنّا َأوْ إِيّاكُمْ َلعَلَى ُهدًى َأوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ()24
سمَاوَا ِ
ُقلْ مَنْ يَرْ ُز ُق ُكمْ مِنَ ال ّ
( )1/3552
( )1/3553
( )1/3554
حكِيمُ ()27
حقْتُمْ ِبهِ شُ َركَاءَ كَلّا َبلْ ُهوَ اللّهُ ا ْلعَزِيزُ الْ َ
ُقلْ أَرُونِيَ الّذِينَ أَلْ َ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/3555
َومَا أَ ْرسَلْنَاكَ إِلّا كَافّةً لِلنّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ لَا َيعَْلمُونَ ()28
( )1/3556
( )1/3557
( )1/3558
ن وَلَا بِالّذِي بَيْنَ َيدَيْ ِه وََلوْ تَرَى إِذِ الظّاِلمُونَ َم ْوقُوفُونَ عِنْدَ
َوقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا لَنْ ُن ْؤمِنَ ِبهَذَا ا ْلقُرْآَ ِ
ض ِعفُوا لِلّذِينَ اسْ َتكْبَرُوا َلوْلَا أَنْتُمْ َلكُنّا ُم ْؤمِنِينَ (
ضهُمْ إِلَى َب ْعضٍ ا ْل َقوْلَ َيقُولُ الّذِينَ اسْ ُت ْ
رَ ّبهِمْ يَ ْرجِعُ َب ْع ُ
)31
( )1/3559
ن صَ َددْنَاكُمْ عَنِ ا ْلهُدَى َبعْدَ ِإذْ جَا َءكُمْ َبلْ كُنْتُمْ ُمجْ ِرمِينَ (
ضعِفُوا أَنَحْ ُ
قَالَ الّذِينَ اسْ َتكْبَرُوا ِللّذِينَ اسْ ُت ْ
)32
ج َعلَ َلهُ
ل وَال ّنهَارِ إِذْ تَ ْأمُرُونَنَا أَنْ َن ْكفُرَ بِاللّهِ وَنَ ْ
ض ِعفُوا لِلّذِينَ اسْ َتكْبَرُوا َبلْ َمكْرُ اللّ ْي ِ
َوقَالَ الّذِينَ اسْ ُت ْ
جعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الّذِينَ َكفَرُوا َهلْ ُيجْ َزوْنَ إِلّا مَا
أَنْدَادًا وَأَسَرّوا النّدَامَةَ َلمّا رََأوُا ا ْلعَذَابَ َو َ
كَانُوا َي ْعمَلُونَ ()33
( )1/3561
َومَا أَ ْرسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ َنذِيرٍ إِلّا قَالَ مُتْ َرفُوهَا إِنّا ِبمَا أُرْسِلْ ُتمْ بِهِ كَافِرُونَ ()34
( )1/3562
( )1/3563
ُقلْ إِنّ رَبّي يَ ْبسُطُ الرّزْقَ ِلمَنْ َيشَا ُء وَ َيقْدِ ُر وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ لَا َيعَْلمُونَ ()36
( )1/3564
حضَرُونَ ()38
س َعوْنَ فِي آَيَاتِنَا ُمعَاجِزِينَ أُولَ ِئكَ فِي ا ْل َعذَابِ مُ ْ
وَالّذِينَ يَ ْ
( )1/3566
( )1/3567
جمِيعًا ثُمّ َيقُولُ لِ ْلمَلَا ِئكَةِ أَ َهؤُلَاءِ إِيّا ُكمْ كَانُوا َيعْ ُبدُونَ ()40
وَ َيوْمَ يَحْشُ ُرهُمْ َ
( )1/3568
قَالُوا سُبْحَا َنكَ أَ ْنتَ وَلِيّنَا مِنْ دُو ِنهِمْ َبلْ كَانُوا َيعْ ُبدُونَ الْجِنّ َأكْثَرُ ُهمْ ِبهِمْ ُم ْؤمِنُونَ ()41
( )1/3569
ضكُمْ لِ َب ْعضٍ َن ْفعًا وَلَا ضَرّا وَ َنقُولُ لِلّذِينَ ظََلمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النّارِ الّتِي كُنْتُمْ ِبهَا
فَالْ َيوْمَ لَا َيمِْلكُ َب ْع ُ
ُتكَذّبُونَ ()42
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/3570
( )1/3571
َومَا آَتَيْنَاهُمْ مِنْ كُ ُتبٍ َيدْرُسُو َنهَا َومَا أَ ْرسَلْنَا إِلَ ْيهِمْ قَبَْلكَ مِنْ نَذِيرٍ ()44
( )1/3572
َوكَ ّذبَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ َومَا بََلغُوا ِمعْشَارَ مَا آَتَيْنَاهُمْ َفكَذّبُوا رُسُلِي َفكَ ْيفَ كَانَ َنكِيرِ ()45
( )1/3573
ظكُمْ ِبوَاحِ َدةٍ أَنْ َتقُومُوا لِلّهِ مَثْنَى َوفُرَادَى ثُمّ تَ َت َفكّرُوا مَا ِبصَاحِ ِبكُمْ مِنْ جِنّةٍ إِنْ ُهوَ إِلّا
ُقلْ إِ ّنمَا أَعِ ُ
عذَابٍ شَدِيدٍ ()46
نَذِيرٌ َل ُكمْ بَيْنَ يَ َديْ َ
( )1/3574
شهِيدٌ ()47
شيْءٍ َ
ُقلْ مَا سَأَلْ ُتكُمْ مِنْ َأجْرٍ َف ُهوَ َلكُمْ إِنْ َأجْ ِريَ إِلّا عَلَى اللّ ِه وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/3575
ُقلْ إِنّ رَبّي َيقْ ِذفُ بِا ْلحَقّ عَلّامُ ا ْلغُيُوبِ ()48
( )1/3576
( )1/3577
( )1/3578
وََلوْ تَرَى ِإذْ فَزِعُوا فَلَا َف ْوتَ وَُأخِذُوا مِنْ َمكَانٍ قَرِيبٍ ()51
( )1/3579
( )1/3580
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
َوقَدْ َكفَرُوا بِهِ مِنْ قَ ْبلُ وَ َيقْ ِذفُونَ بِا ْلغَ ْيبِ مِنْ َمكَانٍ َبعِيدٍ ()53
( )1/3581
( )1/3582
علِ ا ْلمَلَا ِئكَةِ ُرسُلًا أُولِي أَجْ ِنحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي
ت وَالْأَ ْرضِ جَا ِ
سمَاوَا ِ
ح ْمدُ لِلّهِ فَاطِرِ ال ّ
الْ َ
شيْءٍ قَدِيرٌ ()1
الْخَ ْلقِ مَا يَشَاءُ إِنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ َ
( )1/3583
حكِيمُ (
سلَ لَهُ مِنْ َب ْع ِدهِ وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ
سكْ فَلَا مُرْ ِ
سكَ َلهَا َومَا ُي ْم ِ
حمَةٍ فَلَا ُممْ ِ
مَا َيفْتَحِ اللّهُ لِلنّاسِ مِنْ رَ ْ
)2
( )1/3584
( )1/3585
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ك وَإِلَى اللّهِ تُ ْرجَعُ الُْأمُورُ ()4
سلٌ مِنْ قَبِْل َ
وَإِنْ ُيكَذّبُوكَ فَقَدْ كُذّ َبتْ رُ ُ
( )1/3586
حقّ فَلَا َتغُرّ ّنكُمُ ا ْلحَيَاةُ الدّنْيَا وَلَا َيغُرّ ّنكُمْ بِاللّهِ ا ْلغَرُورُ ()5
ن وَعْدَ اللّهِ َ
يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِ ّ
( )1/3587
سعِيرِ ()6
ع ُدوّا إِ ّنمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِ َيكُونُوا مِنْ َأصْحَابِ ال ّ
خذُوهُ َ
إِنّ الشّ ْيطَانَ َلكُمْ عَ ُدوّ فَاتّ ِ
( )1/3588
( )1/3589
سكَ
ضلّ مَنْ َيشَا ُء وَ َيهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَ ْذ َهبْ َنفْ ُ
حسَنًا فَإِنّ اللّهَ ُي ِ
عمَلِهِ فَ َر َآهُ َ
َأ َفمَنْ زُيّنَ لَهُ سُوءُ َ
عَلَ ْيهِمْ حَسَرَاتٍ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ ِبمَا َيصْ َنعُونَ ()8
( )1/3590
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سقْنَاهُ إِلَى بََلدٍ مَ ّيتٍ فََأحْيَيْنَا بِهِ الْأَ ْرضَ َبعْدَ َموْ ِتهَا كَذَِلكَ
سلَ الرّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا َف ُ
وَاللّهُ الّذِي أَرْ َ
النّشُورُ ()9
( )1/3591
( )1/3592
( )1/3593
حمًا طَرِيّا
ج َومِنْ ُكلّ تَ ْأكُلُونَ لَ ْ
ع ْذبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَاُب ُه وَهَذَا مِلْحٌ أُجَا ٌ
َومَا َيسْ َتوِي الْبَحْرَانِ هَذَا َ
شكُرُونَ ()12
وَتَسْتَخْ ِرجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُو َنهَا وَتَرَى ا ْلفُلْكَ فِيهِ َموَاخِرَ لِتَبْ َتغُوا مِنْ َفضْلِ ِه وََلعَّلكُمْ تَ ْ
( )1/3594
سمّى َذِلكُمُ
جلٍ مُ َ
س وَا ْل َقمَرَ ُكلّ َيجْرِي لِأَ َ
شمْ َ
سخّرَ ال ّ
ل وَ َ
يُولِجُ اللّ ْيلَ فِي ال ّنهَارِ وَيُولِجُ ال ّنهَارَ فِي اللّ ْي ِ
طمِيرٍ ()13
اللّهُ رَ ّب ُكمْ لَهُ ا ْلمُ ْلكُ وَالّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا َيمِْلكُونَ مِنْ ِق ْ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/3595
س ِمعُوا مَا اسْ َتجَابُوا َلكُ ْم وَ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َي ْكفُرُونَ بِشِ ْر ِك ُك ْم وَلَا يُنَبّ ُئكَ
س َمعُوا دُعَا َءكُ ْم وََلوْ َ
إِنْ تَدْعُو ُهمْ لَا يَ ْ
مِ ْثلُ خَبِيرٍ ()14
( )1/3596
حمِيدُ ()15
يَا أَ ّيهَا النّاسُ أَنْتُمُ ا ْل ُفقَرَاءُ إِلَى اللّهِ وَاللّهُ ُهوَ ا ْلغَ ِنيّ الْ َ
( )1/3597
( )1/3598
( )1/3599
( )1/3601
( )1/3602
( )1/3603
( )1/3604
( )1/3605
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حقّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ ُأمّةٍ إِلّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ()24
إِنّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْ َ
( )1/3606
( )1/3607
ثُمّ َأخَ ْذتُ الّذِينَ َكفَرُوا َفكَ ْيفَ كَانَ َنكِيرِ ()26
( )1/3608
سمَاءِ مَاءً فَأَخْ َرجْنَا بِهِ َثمَرَاتٍ مُخْتَِلفًا أَ ْلوَا ُنهَا َومِنَ الْجِبَالِ جُ َددٌ بِيضٌ
أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ أَنْ َزلَ مِنَ ال ّ
حمْرٌ مُخْتَِلفٌ أَ ْلوَا ُنهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ()27
وَ ُ
( )1/3609
( )1/3610
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
إِنّ الّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللّ ِه وََأقَامُوا الصّلَاةَ وَأَنْ َفقُوا ِممّا رَ َزقْنَا ُهمْ سِرّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَا َرةً لَنْ تَبُورَ
()29
( )1/3611
شكُورٌ ()30
غفُورٌ َ
لِ ُي َوفّ َيهُمْ أُجُورَ ُه ْم وَيَزِيدَ ُهمْ مِنْ َفضْلِهِ إِنّهُ َ
( )1/3612
حقّ ُمصَ ّدقًا ِلمَا بَيْنَ َيدَيْهِ إِنّ اللّهَ ِبعِبَا ِدهِ َلخَبِيرٌ َبصِيرٌ ()31
وَالّذِي َأوْحَيْنَا ِإلَ ْيكَ مِنَ ا ْلكِتَابِ ُهوَ الْ َ
( )1/3613
طفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا َفمِ ْنهُمْ ظَاِلمٌ لِ َنفْسِ ِه َومِ ْنهُمْ ُمقْ َتصِ ٌد َومِ ْنهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ
ثُمّ َأوْرَثْنَا ا ْلكِتَابَ الّذِينَ اصْ َ
بِإِذْنِ اللّهِ َذِلكَ ُهوَ ا ْل َفضْلُ ا ْلكَبِيرُ ()32
( )1/3614
( )1/3615
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شكُورٌ ()34
حمْدُ ِللّهِ الّذِي أَذْ َهبَ عَنّا الْحَزَنَ إِنّ رَبّنَا َل َغفُورٌ َ
َوقَالُوا ا ْل َ
( )1/3616
( )1/3617
( )1/3618
وَهُمْ َيصْطَ ِرخُونَ فِيهَا رَبّنَا أَخْ ِرجْنَا َن ْع َملْ صَالِحًا غَيْرَ الّذِي كُنّا َن ْع َملُ َأوََلمْ ُن َعمّ ْركُمْ مَا يَتَ َذكّرُ فِيهِ مَنْ
تَ َذكّ َر وَجَا َءكُمُ النّذِيرُ فَذُوقُوا َفمَا لِلظّاِلمِينَ مِنْ َنصِيرٍ ()37
( )1/3619
( )1/3620
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
جعََلكُمْ خَلَا ِئفَ فِي الْأَ ْرضِ َفمَنْ َكفَرَ َفعَلَيْهِ ُكفْ ُرهُ وَلَا يَزِيدُ ا ْلكَافِرِينَ ُكفْرُهُمْ عِ ْندَ رَ ّبهِمْ إِلّا
ُهوَ الّذِي َ
َمقْتًا وَلَا يَزِيدُ ا ْلكَافِرِينَ ُكفْرُهُمْ إِلّا خَسَارًا ()39
( )1/3621
ُقلْ أَرَأَيْتُمْ شُ َركَا َءكُمُ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ أَرُونِي مَاذَا خََلقُوا مِنَ الْأَ ْرضِ َأمْ َلهُمْ شِ ْركٌ فِي
ضهُمْ َب ْعضًا إِلّا غُرُورًا ()40
سمَاوَاتِ أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا َفهُمْ عَلَى بَيّنَةٍ مِنْهُ َبلْ إِنْ َيعِدُ الظّاِلمُونَ َب ْع ُ
ال ّ
( )1/3622
( )1/3623
جهْدَ أَ ْيمَا ِنهِمْ لَئِنْ جَا َءهُمْ َنذِيرٌ لَ َيكُونُنّ أَهْدَى مِنْ ِإحْدَى الُْأمَمِ فََلمّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا
سمُوا بِاللّهِ َ
وََأقْ َ
زَادَ ُهمْ إِلّا ُنفُورًا ()42
( )1/3624
ئ وَلَا يَحِيقُ ا ْل َمكْرُ السّ ّيئُ إِلّا بَِأهْلِهِ َف َهلْ يَنْظُرُونَ إِلّا سُنّةَ الَْأوّلِينَ
ض َو َمكْرَ السّ ّي ِ
اسْ ِتكْبَارًا فِي الْأَ ْر ِ
حوِيلًا ()43
جدَ لِسُنّةِ اللّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ َتجِدَ ِلسُنّةِ اللّهِ تَ ْ
فَلَنْ تَ ِ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/3625
( )1/3626
سمّى فَإِذَا
جلٍ مُ َ
ظهْرِهَا مِنْ دَابّ ٍة وََلكِنْ ُيؤَخّرُ ُهمْ إِلَى أَ َ
علَى َ
وََلوْ ُيؤَاخِذُ اللّهُ النّاسَ ِبمَا َكسَبُوا مَا تَ َركَ َ
جَاءَ أَجَُل ُهمْ فَإِنّ اللّهَ كَانَ ِبعِبَا ِدهِ َبصِيرًا ()45
( )1/3627
يس ()1
( )1/3628
حكِيمِ ()2
وَا ْلقُرْآَنِ الْ َ
( )1/3629
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/3630
( )1/3631
( )1/3632
( )1/3633
( )1/3634
جعَلْنَا فِي أَعْنَا ِقهِمْ أَغْلَالًا َف ِهيَ إِلَى الْأَ ْذقَانِ َفهُمْ ُم ْقمَحُونَ ()8
إِنّا َ
( )1/3635
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سدّا َومِنْ خَ ْل ِفهِمْ سَدّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ َفهُمْ لَا يُ ْبصِرُونَ ()9
جعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَ ْيدِيهِمْ َ
وَ َ
( )1/3636
سوَاءٌ عَلَ ْيهِمْ أَأَنْذَرْ َتهُمْ أَمْ َلمْ تُنْذِرْ ُهمْ لَا ُي ْؤمِنُونَ ()10
وَ َ
( )1/3637
حمَنَ بِا ْلغَ ْيبِ فَبَشّ ْرهُ ِب َم ْغفِ َر ٍة وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ()11
شيَ الرّ ْ
إِ ّنمَا تُنْذِرُ مَنِ اتّ َبعَ ال ّذكْ َر َوخَ ِ
( )1/3638
( )1/3639
وَاضْرِبْ َلهُمْ مَثَلًا َأصْحَابَ ا ْلقَرْيَةِ إِذْ جَا َءهَا ا ْلمُرْسَلُونَ ()13
( )1/3640
إِذْ أَ ْرسَلْنَا إِلَ ْيهِمُ اثْنَيْنِ َفكَذّبُو ُهمَا َفعَزّزْنَا بِثَاِلثٍ َفقَالُوا إِنّا إِلَ ْيكُمْ مُرْسَلُونَ ()14
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
تفسير هذه الية غير موجودة
( )1/3641
( )1/3642
( )1/3643
( )1/3644
( )1/3645
قَالُوا طَائِ ُركُمْ َم َعكُمْ أَئِنْ ُذكّرْ ُتمْ َبلْ أَنْتُمْ َقوْمٌ ُمسْ ِرفُونَ ()19
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/3646
( )1/3647
( )1/3648
جعُونَ ()22
َومَا ِليَ لَا أَعْبُدُ الّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُ ْر َ
( )1/3649
( )1/3650
( )1/3651
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
س َمعُونِ ()25
إِنّي َآمَ ْنتُ بِرَ ّبكُمْ فَا ْ
( )1/3652
( )1/3653
( )1/3654
( )1/3655
( )1/3656
حسْ َرةً عَلَى ا ْلعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلّا كَانُوا بِهِ يَسْ َتهْزِئُونَ ()30
يَا َ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
تفسير هذه الية غير موجودة
( )1/3657
جعُونَ ()31
أَلَمْ يَ َروْا َكمْ أَهَْلكْنَا قَبَْلهُمْ مِنَ ا ْلقُرُونِ أَ ّنهُمْ إِلَ ْيهِمْ لَا يَ ْر ِ
( )1/3658
حضَرُونَ ()32
جمِيعٌ َلدَيْنَا مُ ْ
وَإِنْ ُكلّ َلمّا َ
( )1/3659
وَآَيَةٌ َل ُهمُ الْأَ ْرضُ ا ْلمَيْتَةُ َأحْيَيْنَاهَا وََأخْرَجْنَا مِ ْنهَا حَبّا َفمِنْهُ يَ ْأكُلُونَ ()33
( )1/3660
( )1/3661
شكُرُونَ ()35
عمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ َأفَلَا يَ ْ
لِيَ ْأكُلُوا مِنْ َثمَ ِرهِ َومَا َ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/3662
( )1/3663
وَآَيَةٌ َل ُهمُ اللّ ْيلُ نَسْلَخُ مِ ْنهُ ال ّنهَارَ فَإِذَا هُمْ ُمظِْلمُونَ ()37
( )1/3664
شمْسُ َتجْرِي ِلمُسْ َتقَرّ َلهَا ذَِلكَ َتقْدِيرُ ا ْلعَزِيزِ ا ْلعَلِيمِ ()38
وَال ّ
( )1/3665
وَا ْلقَمَرَ قَدّرْنَاهُ مَنَا ِزلَ حَتّى عَادَ كَا ْلعُرْجُونِ ا ْلقَدِيمِ ()39
( )1/3666
شمْسُ يَنْ َبغِي َلهَا أَنْ تُدْ ِركَ ا ْل َقمَرَ وَلَا اللّ ْيلُ سَابِقُ ال ّنهَا ِر َوكُلّ فِي فََلكٍ يَسْ َبحُونَ ()40
لَا ال ّ
( )1/3667
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شحُونِ ()41
حمَلْنَا ذُرّيّ َتهُمْ فِي ا ْلفُ ْلكِ ا ْلمَ ْ
وَآَيَةٌ َل ُهمْ أَنّا َ
( )1/3668
( )1/3669
وَإِنْ نَشَأْ ُنغْ ِر ْقهُمْ فَلَا صَرِيخَ َل ُه ْم وَلَا هُمْ يُ ْنقَذُونَ ()43
( )1/3670
( )1/3671
حمُونَ ()45
وَإِذَا قِيلَ َلهُمُ ا ّتقُوا مَا بَيْنَ أَ ْيدِيكُ ْم َومَا خَ ْل َفكُمْ َلعَّلكُمْ تُرْ َ
( )1/3672
َومَا تَأْتِي ِهمْ مِنْ آَ َيةٍ مِنْ آَيَاتِ رَ ّبهِمْ ِإلّا كَانُوا عَ ْنهَا ُمعْ ِرضِينَ ()46
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
تفسير هذه الية غير موجودة
( )1/3673
ط َعمَهُ إِنْ
طعِمُ مَنْ َلوْ يَشَاءُ اللّهُ أَ ْ
وَإِذَا قِيلَ َلهُمْ أَ ْن ِفقُوا ِممّا رَ َز َقكُمُ اللّهُ قَالَ الّذِينَ َكفَرُوا لِلّذِينَ َآمَنُوا أَ ُن ْ
أَنْتُمْ ِإلّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ()47
( )1/3674
( )1/3675
صمُونَ ()49
خ ّ
خذُهُمْ وَهُمْ َي ِ
ح َدةً تَأْ ُ
مَا يَنْظُرُونَ إِلّا صَ ْيحَ ًة وَا ِ
( )1/3676
جعُونَ ()50
فَلَا يَسْ َتطِيعُونَ َت ْوصِيَ ًة وَلَا إِلَى أَ ْهِلهِمْ يَرْ ِ
( )1/3677
وَنُفِخَ فِي الصّورِ فَِإذَا ُهمْ مِنَ الَْأجْدَاثِ إِلَى رَ ّبهِمْ يَ ْنسِلُونَ ()51
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/3678
( )1/3679
حضَرُونَ ()53
جمِيعٌ لَدَيْنَا ُم ْ
ح ًة وَاحِ َدةً فَِإذَا ُهمْ َ
إِنْ كَا َنتْ إِلّا صَيْ َ
( )1/3680
فَالْ َيوْمَ لَا ُتظْلَمُ َنفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْ َزوْنَ إِلّا مَا كُنْ ُتمْ َت ْعمَلُونَ ()54
( )1/3681
( )1/3682
( )1/3683
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
َلهُمْ فِيهَا فَا ِكهَ ٌة وََلهُمْ مَا َيدّعُونَ ()57
( )1/3684
( )1/3685
( )1/3686
عهَدْ إِلَ ْيكُمْ يَا بَنِي آَ َدمَ أَنْ لَا َتعْ ُبدُوا الشّ ْيطَانَ إِنّهُ َل ُكمْ عَ ُدوّ مُبِينٌ ()60
أَلَمْ أَ ْ
( )1/3687
( )1/3688
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
تفسير هذه الية غير موجودة
( )1/3689
( )1/3690
( )1/3691
( )1/3692
طمَسْنَا عَلَى أَعْيُ ِنهِمْ فَاسْتَ َبقُوا الصّرَاطَ فَأَنّى يُ ْبصِرُونَ ()66
وََلوْ َنشَاءُ َل َ
( )1/3693
جعُونَ ()67
سخْنَا ُهمْ عَلَى َمكَانَ ِتهِمْ َفمَا اسْتَطَاعُوا ُمضِيّا وَلَا يَ ْر ِ
وََلوْ َنشَاءُ َلمَ َ
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/3694
( )1/3695
شعْ َر َومَا يَنْ َبغِي َلهُ إِنْ ُهوَ إِلّا ِذكْ ٌر َوقُرْآَنٌ مُبِينٌ ()69
َومَا عَّلمْنَاهُ ال ّ
( )1/3696
( )1/3697
/http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا