Professional Documents
Culture Documents
2
السياسة الشرعية
تأليف :الشيخ المجاهد
أبي عمر محمد بن عبد الله السيف
الجابر آل بوعينين التميمي
1390هـ 1426 -هـ
الطبعة الولى
1428هـ ـ 2007م
السياسة الشرعية
3
السياسة الشرعية
4
الفهرس
.....................................................................................63باب :مزايا الشريعة ومقاصدها
..........................................................................................................77باب :العدل
.......................................................................................................83باب الحضارة
................................................................................................93باب :المامة الكبرى
السياسة الشرعية
5
مقدّمة الناشر:
الحمد ل الكبير المتعال ،ذي الفضل والمنّة والجلل ،والصلة والسّلم على الضّحوك القتّال،
ن إلى يوم المآل ..وبعدُ-:
وعلى جميع الصّحب والل ،،ومن تبعهم بإحسا ٍ
ب كبير القدر ،عظيم الفائدة ،تشدّ إلى مثله الرّحال ،ويتسابقُ إليه الرّجال ،للشّيخ المجاهد
فهذا كتا ُ
المفضال أبي عمر السيف ،تغمّده ال برحمته ،وتقبّله في عِداد أهل جنّته.
وإنّنا في هذا الزّمن الذي يتكالب فيه علينا العداء ،ويت
ن ال عليك ،بوقوع هذا الكتاب بين يديك ،فإنّ ُه ل
نمّ
وإنّ من نعمة ال عليك أيها القارئ ،أ ْ
يستغنى عنه في هذا الزّمانِ ،لمَا وفّق ال مؤلّ َفهُ فيه من توسّعٍ وشمولٍ لما يحتاجه المسلم حاكما
ومحكوما ،وأميرا ومأمورا ،من أمور دينه ودنياه ،فكان كتابا شاملً ل يستغني عنه أهل الثّغور،
وطلبة العلم ،وأصحاب السياسة ،وقد أودع فيه مؤلّفه خلصة علمه وعمره ،وجعله كالوصيّة من
بعده لمّة السلم.
ن وفّق بعض إخواننا من أهل الخير
ن ال تعالى علينا بنشرِ هذا الكتاب ،بعد أ ْ
ن إذْ م ّ
ونح ُ
والصّلح لكتابته ونقله ،ليس ّرنَا أن نقدّمه هديّةً لخواننا المجاهدين في الشيشان وأفغانستان
ل أرضٍ وتحت كلّ سماء ،سائلين ال
والعراق والجزيرة العربيّة والمغرب السلميّ ،وفوق ك ّ
ب الجر لكلّ من ساهم في نشره وتعليمه.
تعالى أنْ يكتُ َ
ن علينا وعليكم بالعفو والمغفرة ،والرّحمة الرضوان.
وال تعالى نسأل أن يم ّ
وصلى ال وسلم وبارك على نبينا محمّد بن عبد ال وعلى آله وصحبه أجمعين.
دار الجبهة
للنّشر والتوزيع
الجبهة العلمية السلميّة
العالميّة
السياسة الشرعية
6
ترجمة المؤلف
هو أبو عمر :محمد بن عبدال بن سيف الجابر آل بوعينين ،وترجع عائلة آل بوعينين إلى قبيلة
بني تميم ،وهي من أشهر القبائل العربية.
(البدايات)
ولد أبو عمر رحمه ال عام 1390في بلدة القيصومة ،شمالي المملكة العربية السعودية ،وعاش
فيها قرابة العقدين من الزمان ،وكان من صغره هادئ الطباع محبوبا عند معارفه.
بدأت علقة الشيخ بالجهاد في سنة ،1410حين بلغ العشرين من عمره؛ حيث سافر إلى
أفغانستان للعداد للجهاد ،ومكث هناك ستة أشهر ،ثم رجع إلى بلده ،ثم عاد مرة ثانية إلى
أفغانستان ومكث عاما وزيادة في جبهة (لوقر) ،استغلها بالدعوة إلى ال وإقامة الدروس ،مع
جهاده ورباطه في الثغور.
بعد عودته من سفره الثاني واصل الشيخ ارتباطه بالجهاد عن طريق جمع التبرعات ،ثم قرر
الشيخ رحمه ال أن يعمق تحصيله العلمي؛ فالتحق بجامعة المام محمد بن سعود السلمية
بالقصيم ،واتصل بالشيخ محمد بن عثيمين في حلقاته العلمية ،ومكث كذلك حتى تخرجه من
الجامعة.
كانت قضية الجهاد حاضرة معه ،وفور تخرجه من الجامعة التحق بركب المجاهدين ،وذلك في
ربيع الخر عام 1417حيث ألقى عصا الترحال في بلد الشيشان ،وكان ذلك إبان الحرب
الولى وقبيل انسحاب الروس منها بثلثة أشهر.
(مرحلة الشيشان)
حين وصول أبي عمر إلى الشيشان انخرط في معسكرات التدريب ،ولم يكن معروفا آنذاك
لرغبته في أن يكون في غمار الناس ،ولم يكن ممن يشهر نفسه ،حتى رآه بعض قيادات
المجاهدين فعرف الناس به ونبه على فضله.
وبعد توقف الحرب ،طفق الشيخ أبو عمر يقيم الدروس ،ويركز على التعليم والتربية ،وله
تعليقات على كتاب طريق الهجرتين ومدارج السالكين لبن القيم ،وحمل عن كاهل القيادة حملً
ثقيلً في هذا الباب.
في هذه المرحلة أراد الرئيس الشيشاني سليم خان باندرييف رحمه ال أن يطبق الشريعة
السلمية ،وتمت المراسلت بينه وبين الشيخ أبي عمر عن طريق مندوب الرئيس الخاص
وبعض المشايخ الشيشانيين؛ وهم ممن رأوا الشيخ أبا عمر وعلموا فضله ،فلما ظهر لبي عمر
جدية الرئيس في ذلك طلب مقابلته.
السياسة الشرعية
7
تمت المقابلة في رجب 1417بحضور أحد القادة والمشايخ الشيشانيين ،وجرى حديث مطول عن
ضرورة إقامة الشريعة ،والنتقال إلى خطوات عملية تفصيلية ،وتتابعت اللقاءات بعد ذلك ،ووقف
الشيخ أبوعمر معه وقفة قوية ،ودعمه ماديا ومعنويا ،وكان يؤكد دائما أن هذا هو ثمرة الجهاد
في سبيل ال.
وكان من آثار ذلك أن أصدر الرئيس سليم خان عدة مراسيم؛ كمرسوم تأسيس المحاكم الشرعية،
وجهاز الحسبة المسمى حرس الشريعة ،ومراسيم أخرى لتنظيم التعليم والمساجد وغيرها.
(خاتمة)
السياسة الشرعية
9
قتل رحمه ال في شهر شوال عام ،1426بعد مواجهة مع العدو ،مقبلً غير مدبر ،تقبله ال في
الشهداء.
ويعد كتابه "السياسة الشرعية" من آخر ما كتب ،وقد جعله بمثابة الوصية بعد موته ،بعد تجربة
ناضجة في العلم والعمل ،وفي السياسة الشرعية سلمها وحربها ،وفي التقلب بين الجندية والقيادة،
ختمها بتوقيع من حبر دمه.
رحم ال أبا عمر ،وتقبله في الشهداء ،ونفع بهذا الكتاب مؤلفه وقارئه وناشره ،والحمد ل رب
العالمين.
السياسة الشرعية
10
المقدمة
المد ل رب العالي والصلة والسلم على خي الرسلي وإمام الجاهدين نبينا ممد وعلى آله وصحبه
أجعي أما بعد:
فهذا الكتاب ف السياسة الشرعية الت يب على السلمي أن يتمسكوا با ،وأل ييدوا عنها إل ما
انتحله وافتراه الكافرون الفترون من السياسات والنظمة والقواني والحكام الت أكثرت ف الرض
الفساد ,وارتفع بسببها صوت الكفر واللاد ,وقد ازداد خطرها واستطار شرها ف هذه السنوات مع
الملة الصليبية العالية التحالفة مع اليهود والشركي والرتدين لحاربة السلم والسلمي.
وقد تصدرت هذه الملة وتولت كبها ,رأس الشر ف هذه الملة الوليات التحدة الت أجلبت
بنودها وأسلحتها وضجيج إعلمها على المة السلمية ,وغزتا ف قعر دارها ف أفغانستان والعراق,
ونشرت قواعدها ف دول الليج وف باكستان وغيها ,وسارع إل موالتا ,والدخول ف حلفها,
والقتال ف صفها ,واليان بفتنتها -السماة بالديقراطية -الارقون الرتدون والنافقون الذين قال ال
ضهُمْ
تعال عنهم وهو أحكم الاكميَ{ :يـۤأَّيهَا ٱلّذِي َن آمَنُواْ َل تَتّخِذُواْ ٱلَْيهُودَ وَٱلّنصَا َرىٰ َأ ْولِيَآءَ َب ْع ُ
ض َومَن َيَتوَّلهُمْ منكُمْ َفإِّنهُ ِمْنهُمْ إِ ّن ٱلّلهَ َل َيهْدِي ٱْل َقوْمَ ٱلظّالِ ِميَ .فََترَى ٱلّذِينَ فِي قُلُوِبهِم ّم َرضٌ َأوْلِيَآءُ َبعْ ٍ
خشَىٰ أَن ُتصِيبَنَا دَآِئ َرةٌ َفعَسَى ٱلّلهُ أَن يَأِْتيَ بِٱْلفَْتحِ َأوْ َأ ْمرٍ م ْن عِن ِدهِ فَُيصِْبحُوْا عََلىٰ
يُسَا ِرعُونَ فِيهِمْ َيقُولُونَ نَ ْ
ت عَلَْيهِمْ منْ أَ ْقطَا ِرهَا ثُمّ ُسئِلُواْ ٱْلفِتْنَةَ لَت ْوهَا َومَا
سهِمْ نَا ِد ِميَ} وقال تعالَ { :وَلوْ دُ ِخَل ْ مَآ أَ َسرّواْ فِيۤ َأْنفُ ِ
َتلَبّثُواْ ِبهَآ إِ ّل يَسِيا} ,وكثي من الرتدين والنافقي ف زماننا قبل أن تدخل البلد من أقطارها ,وتقتحم
من حدودها ,قد استجابوا لفتنة الديقراطية ,وائتمروا بأمر راعيتها الوليات التحدة.
وقد قام لهاد هؤلء الصليبيي وحلفائهم ,وتصدى لدافعتهم ومقارعتهم ,الجاهدون طلئع اللفة
السلمية ,وجنود ال ف الرض ,الطائفة الناجية النصورة الجاهدة الت قال عنها رسول ال صلى ال
عليه وسلم" :ل تزال طائفة من أمت يقاتلون على الق ،ظاهرين إل يوم القيامة" أخرجه مسلم.
وعن جابر بن سرة عن النب صلى ال عليه وسلم أنه قال" :لن يبح هذا الدين قائما ،يقاتل عليه
عصابة من السلمي حت تقوم الساعة" أخرجه مسلم.
وعن معاوية بن أب سفيان رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :من يرد ال به
خيا يفقهه ف الدين ،ولتزال عصابة من السلمي يقاتلون على الق ،ظاهرين على من ناوأهم إل
يوم القيامة" أخرجه مسلم.
السياسة الشرعية
11
و عن جابر بن عبدال رضي ال عنهما قال :سعت النب صلى ال عليه وسلم يقول" :ل تزال طائفة من
أمت يقاتلون على الق ظاهرين إل يوم القيامة" .قال" :فينل عيسى ابن مري صلى ال عليه وسلم،
فيقول أميهم :تعال صل لنا .فيقول :ل .إن بعضكم على بعض أمراء .تكرمة ال هذه المة".
أخرجه مسلم.
وعن عقبة بن عامر رضي ال عنه قال :سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول" :ل تزال عصابة
من أمت يقاتلون على أمر ال ،قاهرين لعدوهم ،ل يضرهم من خالفهم حت تأتيهم الساعة وهم على
ذلك" أخرجه مسلم ,فكسروا شوكة الغزاة الصليبيي ,ومزقوا بفضل ال حلفهم وشتتوا جعهم ,وألقوا
الزائم التوالية ف أعت دولة من دول العال وأشدها تردا وكفرا ,وحربا ل ورسوله صلى ال عليه
وسلم ,فحاق مكر الصليبيي بم ,ودارت الدائرة عليهم ,وفشلت أهدافهم ومططاتم ,وجاءت النتائج
على عكس ماكانوا يظنون ويتمنون ويريدون ,فقد ازدادت ول المد قوة الجاهدين الذين جددوا ف
نفوس السلمي معان الهاد والستشهاد والعزة والشجاعة والصدق ,حيث تددت فريضة الهاد ف
المة تددا ل يسبق مثله منذ أزمان ,وأقبل الكثي من السلمي على دينهم الذي هو مصدر عزهم
وقوتم ورفعتهم بعد أن تساقطت الشعارات اللدينية ( العلمانية ) ف النطقة ,كما قال أمي الؤمني
عمر بن الطاب رضي ال عنه "إنا كنا أذل قوم فأعزنا ال بالسلم ،فمهما نطلب العز بغي ما أعزنا
ال به أذلنا ال" رواه الاكم.
و يئس الصليبيون وحلفاؤهم من رد السلمي الصادقي عن دينهم ,وأصبح حالم كحال سلفهم من
شوْنِ ٱلَْي ْومَ
ش ْوهُ ْم وَٱخْ َ
الكفار ،الذين قال ال تعال عنهم{ :ٱلَْي ْومَ َيِئسَ ٱلّذِينَ َك َفرُوْا مِن دِيِنكُمْ فَلَ َتخْ َ
لمَ دِينا}. أَكْمَ ْلتُ لَ ُكمْ دِينَكُ ْم وََأتْمَ ْمتُ َعلَيْكُ ْم ِنعْمَتِي َو َرضِيتُ لَكُ ُم ٱلِسْ َ
و الجاهدون الذين يسيون بصدق وثبات على طريق الهاد ,لتكون كلمة ال هي العليا ,ويكم
السلم ف الرض ,ويشرق نور اللفة السلمية من جديد ,عليهم أل يقتصروا ف حذرهم على
الكفار الحاربي والرتدين الديقراطيي الذين يسعون لزالة السلم ,وتكيم الكفر السمى بالديقراطية
ف بلد السلمي ,بل عليهم أن يذروا أيضا من بعض من ينتسبون إل العلم الشرعي الذين يلطون الق
بالباطل ,وقد قال تعال{ :وَلَ َتلِْبسُواْ ٱلْحَقّ بِٱلْبَاطِ ِل َوتَكْتُمُواْ ٱْلحَ ّق وَأَنْتُ ْم َتعْلَمُونَ} ,وهذا اللط واللبس
من صفات اليهود ,ومن تشبه بم من أهل العلم ف هذه المة السلمية من يرفعون شعارات إسلمية,
ويتصدرون للفتوى والرشاد ,ث يلطون ما عندهم من الق بالدعوة إل الباطل كالدعوة إل الكفر
السمى بالديقراطية بجة الصلحة الوطنية أو غيها.
السياسة الشرعية
12
و تكمن خطورة هذا الصنف ف مكانة بعضهم عند بعض عوام السلمي ,وربا كان من بينهم من
يدعون إل قتال الحتلي ,ولكنهم قد زلوا ف فتنة الديقراطية الت ضل فيها كثي من الناس كما ضل
الكثي من الناس ف عبادة الصنام كما قال تعال{ :وَِإ ْذ قَالَ إِْبرَاهِي ُم رَب ٱ ْجعَ ْل َهـٰذَا ٱلَْبلَ َد آمِنا
وَٱجْنُْبنِي وَبَِنيّ أَن ّنعْبُ َد ٱ َلصْنَامَ .رَب إِّنهُنّ َأضَْللْنَ كَثِيا منَ ٱلنّاسِ}.
إن الواجب على كل مسلم فضل عمن تصدر للفتوى وانتسب للدعوة السلمية أن يأمر با أمر ال به
من اليان ,ول يأمر بالكفر كدعوة السلمي وحثهم على القبول بالديقراطية ,وقد قال تعال{ :وَلَ
سلِمُونَ} ,فالنب صلى ال عليه يَ ْأ ُمرَكُمْ أَن تَتّخِذُواْ ٱلْمَلَِئكَ َة وَٱلنّبِيْينَ َأرْبَابا أَيَ ْأ ُمرُكُم بِٱلْ ُك ْفرِ َبعْدَ ِإذْ أَنْتُ ْم مّ ْ
وسلم ل يأمر السلمي بالكفر كاتاذ بعضهم بعضا أربابا من دون ال ,وكذلك من تصدر للفتوى
وتبليغ أحكام ال ,ل يأمر إل با أمر ال به ورسوله صلى ال عليه وسلم ،ول ينهى إل عما نى ال عنه
ورسوله صلى ال عليه وسلم ,وأعظم ما أمر ال به ورسوله صلى ال عليه وسلم توحيد ال ,وإفراده
بالعبادة ,ومنها الكم والتشريع ,وأعظم ما نى ال عنه ورسوله صلى ال عليه وسلم الشرك ,ومنه
التحاكم إل الديقراطية وقوانينها وبرلاناتا ,وقد روى ابن عباس رضي ال عنهما كتاب النب صلى ال
عليه وسلم إل هرقل ولفظه "بسم ال الرحن الرحيم من ممد رسول ال إل هرقل عظيم الروم سلم
على من اتبع الدى أما بعد فإن أدعوك بدعاية السلم أسلم تسلم وأسلم يؤتك ال أجرك مرتي
وإن توليت فإن عليك إث الريسيي {قل يا أهل الكتاب تعالوا إل كلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد
إل ال ول نشرك به شيئا ول يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون ال فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا
مسلمون}" أخرجه البخاري ومسلم ،وأخرج ابن جرير وابن النذر عن ابن جريج ف قوله {ول يتخذ
بعضنا بعضا أربابا من دون ال} قال" :ل يطيع بعضنا بعضا ف معصية ال" وهي كقوله تعال:
{ٱتّخَ ُذ ۤواْ أَحْبَا َرهُمْ َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابا من دُونِ ٱلّلهِ} ,وقد كانوا أربابا لم حي اتذوهم مشرعي ،يلون
لم الرام ويرمون عليهم اللل ,فهذا هو دأب اليهود والنصارى من القدي إل يومنا هذا أن يتخذ
بعضهم بعضا أربابا مشرعي من دون ال ،وإن اختلفت السميات والصور ,وهذا من الشرك الذي دعا
رسول ال صلى ال عليه وسلم هرقل عظيم الروم لتركه ,والواجب على حلة العلم الشرعي أن يقتدوا
بنبيهم صلى ال عليه وسلم وينكروا شرك الديقراطية,ويدعوا عظيم الروم ف زماننا إل تركه ,ولكن
انعكس المر عند بعض النتسبي للعلم فاستجابوا لفتنة الديقراطية الت يروج لا ويدعوا لا"عظيم الروم"
وحلفاؤه.
السياسة الشرعية
13
فهذا أحد المثلة الكثية على خلط الق بالباطل ,وما قد شاب السياسة الشرعية ,وخلط با من
السياسات الائرة الت أخذت من النظمة الكفرية كالديقراطية وغيها ث نسبت إل السياسة الشرعية
كذبا وزورا.
ولذا فالواجب على أهل العلم أن يبينوا السياسة الشرعية ,وأن ييزوا بينها وبي ما خلط با من الباطل
ويذروا منه ,وأن يعتنوا بالكتابة الادة ف السياسة الشرعية ,وأن يدرسوها ف حلق العلم كغيها من
العلوم الشرعية.
و هذا الكتاب قد كتب للمجاهدين الصادقي الادين ف جهادهم وسعيهم لقامة دين ال ف الرض ف
العراق وأفغانستان وفلسطي والشيشان وغيها ,وقد تضمن قواعد كلية وأصول وأحكاما عامة ف
السياسة الشرعية مع التفصيل ف عدد من الواضع ,فما كان فيه من حق فهو من ال تعال وحده ,وما
كان فيه من خطأ ما يالف الكتاب والسنة فأنا راجع عنه ف دنياي وبعد وفات.
كتبه
أبو عمر ممد بن عبد ال السيف.
السياسة الشرعية
14
باب :الحكم لله تبارك وتعالى
إن الكم والتشريع من خصائص اللوهية ,ومن نازع ال تعال ف الكم والتشريع فقد تاوز حد
العبودية ,ورام اللوهية ,فهو طاغوت ,وكلمة طاغوت مشتقة من الطغيان وهو ماوزة الد ,وكل من
آمن بذا الطاغوت ,واتذه حكما ومشرعا ,فقد اتذه ربا ,وعبده من دون ال تعال ,كما قال تعال:
{اتّخَذُواْ أَحْبَا َرهُمْ َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابا مّن دُونِ الّلهِ} ,وقد روى المام أ حد ,والترمذي عن عدي بن
حات رضي ال عنه ,أنه دخل على رسول ال صلى ال عليه وسلم ,وف عنق عدي صليب من فضة,
فقرأ رسول ال صلى ال عليه وسلم هذه الية{ :اتّخَذُواْ أَحْبَا َرهُمْ َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابا مّن دُونِ الّلهِ} قال:
فقلت ,إنم ل يعبدوهم ،فقال" :بلى إنم حرموا عليهم اللل ,وأحلوا لم الرام ,فاتبعوهم فذلك
عبادتم إياهم" ,وأخرج ابن جرير بإسناده عن ابن عباس رضي ال عنهما أنه قال "ل يأمروهم أن
يسجدوا لم ,ولكن أمروهم بعصية ال ,فأطاعوهم ,فسماهم ال بذلك أربابا".
و أخرج ابن جرير بإسناده عن حذيفة رضي ال عنه أنه قال " أما إنم ل يكونوا يصومون لم ,ول
يصلون لم ,ولكنهم كانوا إذا أحلوا لم شيئا استحلوه ,وإذا حرموا عليهم شيئا أحله ال لم حرموه,
فتلك كانت ربوبيتهم".
وأخرج ابن جرير بإسناده عن أب البختري رحه ال قال " انطلقوا إل حلل ال فجعلوه حراما,
وانطلقوا إل حرام ال فجعلوه حلل ,فأطاعوهم ف ذلك ,فجعل ال طاعتهم عبادتم ,ولو قالوا لم:
اعبدونا .ل يفعلوا ".
وأخرج ابن جرير بإسناده عن أب العالية أنه قال" :قالوا :ما أمرونا به ائتمرنا ،وما نونا عنا انتهينا
لقولم :وهم يدون ف كتاب ال ما أمروا به وما نوا عنه ،فاستنصحوا الرجال ،ونبذوا كتاب ال وراء
ظهورهم " .وهذه الية كقوله تعال{ :قُلْ يَأ ْهلَ الْ ِكتَابِ َتعَاَلوْاْ ِإلَى كَلَ َمةٍ َسوَآءٍ َبيَْننَا وَبَْينَكُمْ أَ ّل َنعْبُدَ إِلّ
شرِكَ ِبهِ َشيْئا وَلَ َيتّخِذَ َب ْعضُنَا َبعْضا َأرْبَابا مّن دُونِ الّلهِ فَإِن َتوَّلوْْا َفقُولُواْ ا ْشهَدُواْ بِأَنّا
الّلهَ وَ َل نُ ْ
مُسْلِمُونَ} ،وقد أخرج ابن جرير وغيه عن ابن جريج ف قوله تعال{ :وَلَ َيتّخِذَ َب ْعضُنَا َبعْضا َأرْبَابا مّن
دُونِ ٱلّلهِ َشيْئا} قال "ل يطع بعضنا بعضا ف معصية ال".
فكانت عبادتم لم باتباعهم ف التشريع ،وهو التحري والتحليل ,وقد قرن ال تعال من اتذ الحبار
والرهبان أربابا مشرعي ،بن اتذ السيح عليه السلم ربا ،فكما أن من عبد السيح ,فقد اتذه ربا,
وكفر بال العظيم ,فكذلك من اتذ غي ال مشرعا ,فقد اتذه ربا وعبده من دون ال ,وكفر كفرا
يرج من اللة.
والية الكرية تشي إل أن الشرك ف التشريع ,والتحاكم إل غيال ,من سجايا اليهود والنصارى
القدية ,الت ل تزال باقية ,ولكن زادوا صورا وأشكال جديدة من التحاكم إل غي ال تعال,كالتحاكم
السياسة الشرعية
15
إل قوانينهم ,وماكمهم الكفرية ,وإل برلاناتم ,وهيئاتم الحلية والدولية كهيئة المم التحدة ،وغيها
من الصور والشكال ,الت تتمع ف حقيقة واحدة ,وهي رجوعهم إليها ف الكم والتشريع ,وأنا
أصبحت أربابا تعبد من دون ال تعال.
فمن تاكم إل غي ال تعال ,واتذ غي ال حكما ومشرعا ,فقد أشرك بال شركا أكب يرج من
شرِك فِي حُ ْك ِمهِ شرِكُ فِي حُكْ ِمهِ أَحَدا} ,وف قراءة{ :وَلَ ُت ْ ارتكبه من السلم ,كما قال تعال{ :وَ َل يُ ْ
شرِكْ أَحَدا} ،بصيغة النهي عن الشراك بال تعال ف الكم والتشريع ,وهذه الية كقوله تعال{ :وَلَ ُي ْ
ِبعِبَا َد ِة رَّبهِ أَحَدَا} ,فالشرك ف التشريع والتحاكم هو من الشرك ف العبادة ,فإن التحاكم من العبادة,
كما قال تعال{ :إِ ِن الْحُكْمُ إِ ّل لّلهِ َأ َمرَ أَلّ َت ْعبُدُواْ إِلّ إِيّاهُ ذِلكَ الدّي ُن اْلقَيّ ُم وَلَـكِنّ أَ ْكَثرَ النّاسِ لَ
َيعْلَمُونَ}.
س ٌق وَإِنّ الشّيَا ِطيَ لَيُوحُونَ إِلَى وقال تبارك وتعال{ :وَلَ تَأْ ُكلُوْا مِمّا لَ ْم يُذْ َكرِ اسْ ُم الّلهِ عََلْيهِ وَِإّنهُ َلفِ ْ
شرِكُونَ} ,أي إذا أطعتم الشركي ف حل أكل اليتة َأوْلِيَآِئهِمْ لُِيجَادِلُوكُ ْم وَإِنْ أَ َطعْتُمُوهُمْ إِنّكُمْ َلمُ ْ
شرِكُونَ} ,فتأمل هذه الية ,فقد حكم ال تعال عليهم بأنم مشركون إذا أطاعوا الشركي {ِإنّكُمْ لَمُ ْ
ف مسألة واحدة ,فكيف بن تاكم إل غي ال كالقواني ,أو اليئات ,أو غيها ,ف جيع شؤون الياة
أو بعضها ،وكيف بن اتذ نفسه مشرعا ،وحكّم القواني الوضعية ف البلد ,وألزم الناس با ,وحاها
ودافع عنها بنده وإعلمه ,فإذا حكم ال تعال على من أطاع الشركي ف مسألة واحدة بالشرك,
فالكم على الكام البدلي لشرع ال بالكفر والشرك,و الروج من السلم من باب أول.
وهذه السألة من مسائل الجاع ,والدلة عليها واضحة وصرية ,ول يتعامى عنها إل من أعمى ال
بصيته وصرفه عن الق ،قال شيخ السلم ابن تيمية رحه ال "والنسان مت حلل الرام الجمع عليه,
وحرم اللل الجمع عليه ,أو بدل الشرع الجمع عليه ,كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء".))1
و قال المام ابن كثي رحه ال " فمن ترك الشرع الحكم النل على ممد بن عبد ال خات النبياء,
وتاكم إل غيه من الشرائع النسوخة كفر ،فكيف بن تاكم إل الياسق وقدمها عليه ,من فعل ذلك
))2
كفر بإجاع السلمي "
وتأمل اليات الت تصف من أطاع الشيطان واتبع تشريعه بأنه قد أشرك بال ,وعبد الشيطان من دون
شرِكُونَ}. ال ,كقوله تعال{ :إِنّمَا سُلْطَاُنهُ َعلَى الّذِي َن يََتوَّلوَْن ُه وَالّذِي َن هُم ِب ِه مُ ْ
وقوله تعال{ :أَلَمْ َأ ْعهَدْ ِإلَيْكُ ْم يٰبَِنيۤ آ َدمَ أَن ّل َتعْبُدُواْ ٱلشّيطَانَ ِإّنهُ لَ ُكمْ عَ ُد ّو مِّبيٌ .وَأَ ِن ٱعْبُدُونِي َهـٰذَا
ط مّسَْتقِيمٌ}.
صرَا ٌ
ِ
( )1مموع الفتاوى.
( )2البداية والنهاية.
السياسة الشرعية
16
وأخب تعال عن إبراهيم عليه السلم أنه قال لبيه{ :يٰأََبتِ لَ َتعُْبدِ ٱلشّيْطَانَ إِنّ ٱلشّيْطَانَ كَا َن لِلرّحْ َمـٰنِ
َعصِيّا}.
ح ّق َو َوعَدتّكُمْ فََأخَْلفْتُكُمْ وقال تبارك وتعال{ :وَقَالَ ٱلشّيْطَا ُن لَمّا ُقضِ َي ٱ َلمْرُ إِنّ ٱلّل َه َوعَدَكُ ْم َوعْدَ ٱلْ َ
جبْتُمْ لِي فَلَ َتلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُ ْم مّآ أَنَاْ َومَا كَانَ لِ َي عََليْكُ ْم مّن سُ ْلطَانٍ إِلّ أَن َد َعوْتُكُمْ فَٱسْتَ َ
صرِخِيّ إِنّي َك َف ْرتُ بِمَآ أَ ْشرَ ْكتُمُو ِن مِن قَبْلُ إِنّ ٱلظّالِ ِميَ َلهُ ْم عَذَابٌ َألِيمٌ} ،فتبأ صرِخِكُ ْم َومَآ أَنتُمْ بِ ُم ْبِ ُم ْ
الشيطان من الشركي وشركهم وبي الشيطان أن شركهم وعبادتم له كانت بطاعتهم لدعوته ,كما
قال تعال مبينا قول الشيطان لتباعهَ { :ومَا كَانَ لِ َي َعلَيْكُ ْم مّن ُسلْطَانٍ إِلّ أَن َد َعوْتُكُ ْم فَٱسَْتجَبْتُ ْم لِي فَلَ
صرِخِكُ ْم َومَآ أَنتُ ْم بِ ُمصْرِخِيّ ِإنّي َك َف ْرتُ ِبمَآ أَ ْشرَكْتُمُو ِن مِن َقبْلُ}. َتلُومُونِي َولُومُوۤاْ أَنفُسَكُ ْم مّآ أَنَ ْا بِ ُم ْ
وقال تعالَ { :و َجعَلُوْا لّلهِ ُشرَكَآءَ الْجِ ّن وَ َخَل َقهُمْ} ,أي جعل الشركون الشياطي شركاء ل ف العبادة,
وعبادتم لم إنا هي ف الطاعة والتشريع ,وال تعال هو خالقهم ,وهو تبارك وتعال الذي له الكم
والتشريع ,فكيف يشرك معه غيه ف الكم والتشريع ،وقال تعالَ { :ومَن يُشَاِق ِق ٱلرّسُولَ مِن َبعْدِ مَا
َتبَيّنَ َلهُ ٱْلهُ َدىٰ وََيتّبِ ْع غَْيرَ َسبِيلِ ٱلْ ُم ْؤمِِنيَ ُنوَّل ِه مَا َتوَلّ ٰى وَُنصِْلهِ َجهَنّ َم َوسَآءَت َمصِيا .إِ ّن ٱلّلهَ َل َيغْ ِفرُ أَن
شرِ ْك بِٱلّلهِ َفقَ ْد ضَ ّل ضَلَلً َبعِيدا .إِن يَ ْدعُونَ مِن دُوِنهِ إِلّ شرَ َك ِبهِ وََي ْغ ِفرُ مَا دُو َن ذِٰلكَ لِمَن يَشَآءُ َومَن يُ ْ يُ ْ
خذَنّ مِ ْن ِعبَادِكَ َنصِيبا ّم ْفرُوضا .وَ ُلضِلّّنهُمْ إِنَاثا وَإِن يَ ْدعُونَ إِلّ َشيْطَانا مّرِيداّ .لعََنهُ ٱلّلهُ وَقَالَ لَتّ ِ
وَ ُلمَنَّيّنهُمْ وَ َل ُمرَّنهُمْ َفلَُيبَتّكُ ّن آذَا َن ٱلَْنعَا ِم وَ َلمُرَّنهُ ْم فََلُيغَّيرُنّ خَلْ َق ٱلّلهِ َومَن يَتّخِذِ ٱلشّيْطَا َن وَلِيّا مّن دُونِ
سرَانا مّبِينا}. سرَ ُخ ْ ٱلّلهِ َفقَدْ خَ ِ
فقوله تبارك وتعال{ :وَإِن يَ ْدعُونَ إِلّ شَْيطَانا ّمرِيدا} أي إن يعبدون إل شيطانا مريدا ,لنم إذا عبدوا
الوثان الت يسمونا بتسمية الناث ,فقد عبدوا الشيطان ف نفس المر ,لن الشيطان هو الذي حسن
لم هذا الشرك وأمرهم به ,فعبادتم للشيطان كانت بطاعته واتباع تشريعه ,فدلت الية على أن من
اتذ غي ال مشرعا وحكما ,فقد عبده من دون ال.
شرِكِيَ َقتْلَ َأوْ َل ِدهِمْ ُشرَكَآ ُؤهُمْ} ,فسماهم ال تعال شركاء, وقال تعال{ :وَ َكذِٰلكَ َزيّنَ لِ َكثِ ٍي مّنَ ٱلْ ُم ْ
لنم أطاعوهم ف قتل أولدهم ،وانقادوا لتشريعهم.
ـؤُلَءِ إِيّاكُمْ كَانُواْ َيعْبُدُونَ .قَالُواْ سُْبحَاَنكَ ش ُرهُمْ جَمِيعا ثُمّ َيقُولُ ِللْمَلَئِ َكةِ َأ َه ٰ و قال تعالَ { :وَي ْومَ يَحْ ُ
ت وَلِيّنَا مِن دُوِنهِمْ بَلْ كَانُواْ َيعْبُدُونَ ٱلْجِنّ أَكْـَث ُرهُم ِبهِم ّم ْؤمِنُونَ} ,فنهت اللئكة ال تعال عن أَن َ
الشريك ,وتبأت من الشركي وشركهم ,وذكرت أن الشياطي كانوا يعبدون الن أي الشياطي الذين
أمروهم بعبادة اللئكة وغيهم ,فكانت عبادتم للشياطي بطاعتهم لم ف الشرك ,فهم مؤمنون
بالشياطي ,ومصدقون لم ,ومنقادون لتشريعهم ,كما قال تعالَ{ :بلْ كَانُواْ َيعْبُدُونَ ٱلْجِنّ أَكْـَث ُرهُم
ِبهِم ّم ْؤمِنُونَ} ,فدل على أن من اتذ غي ال مشرعا ,فقد آمن به ربا ,وعبده من دون ال ,ول فرق
السياسة الشرعية
17
بي من أطاع الشيطان واتذه مشرعا ,وبي من اتذ القواني ,والبلانات ,أو هيئة المم ,أو غيها
مرجعا ف الكم والتشريع ,فالميع قد صرفوا العبادة لغي ال ,فهم مشركون خارجون عن السلم.
و قال تعالَ{ :أمْ َلهُ ْم ُشرَكَاءُ َش َرعُوْا َلهُمْ مّ َن الدّي ِن مَا لَمْ يَ ْأذَن ِبهِ الّلهُ} ,فسمى تبارك وتعال الشرعي
شركاء ,فكل من اتذ غي ال مشرعا ,فقد أشركه ف العبادة.
حرّمُوَن ُه عَاما لُّيوَاطِئُواْ و قال تعال{ :إِنّمَا ٱلنّسِ ۤيءُ ِزيَا َدةٌ فِي ٱلْ ُك ْفرِ ُيضَلّ ِبهِ ٱلّذِينَ َك َفرُوْا يُحِلّوَنهُ عَاما وَُي َ
عِ ّدةَ مَا َح ّرمَ ٱلّلهُ فَُيحِلّواْ مَا َحرّمَ ٱلّل ُه زُيّنَ َلهُمْ ُس ۤوءُ َأعْمَاِلهِ ْم وَٱلّلهُ لَ َيهْدِي ٱْلقَ ْومَ ٱلْكَاِفرِينَ} ,فبي تعال
أن الكفار الذين يلون ما حرم ال ,قد ازدادوا كفرا على كفرهم الصلي ,والزيادة ف الكفر كفر.
ك هُمُ الْكَاِفرُونَ} ،وقال تعالَ { :ومَن لّ ْم يَحْكُم بِمَآ وقال تعالَ { :ومَن لّ ْم يَحْكُم بِمَآ أَنزَ َل الّلهُ فَُأوْلَـِئ َ
ك هُمُك هُمُ ٱلظّالِمُونَ} ،وقال تعالَ { :ومَن لّمْ َيحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱلّلهُ فَُأوَْلـِٰئ َ أنزَلَ ٱلّلهُ فَُأوَْلـِٰئ َ
ٱْلفَا ِسقُونَ} ،وألفاظ الكفر ,والظلم ,والفسق تأت ف الكتاب والسنة ,ويراد با ف مواطن الكفر الكب,
والظلم الكب ,والفسق الكب ,وكلها ما يرج من اللة ,وتأت ف مواطن ,ويراد با الكفر الصغر,
والظلم الصغر ,والفسق الصغر ,وهي ل ترج من اللة.
فإذا كان الاكم ل يكم با أنزل ال ,وقد بدل شرع ال ,وسن القواني الكفرية ,وتاكم إل غي ال
تعال ,فهذا كفره ,وظلمه ,وفسقه ,ما يرج من اللة ،وأما الكفر دون كفر ,أو الكفر الصغر الذي ل
يرج من اللة ,فهو الكم ف قضية معينة بغي ما أنزل ال ,لقرابة ,أو لرشوة ,أو لوى ,كالاكم السلم
الذي يكم بالسلم ف جيع شؤون الياة ,ول يتحاكم لغي شرع ال من القواني ,أو اليئات أو
غيها ,ولكنه حكم ف قضية معينة بغي ما أنزل ال ,ول يسن قانونا لذه القضية ,أو غيها ,ول يستحل
هذا الور ف الكم الذي ارتكبه ,وإنا حله هواه على ترك الكم با أنزل ال ف هذه القضية العينة,
فهذا قد ارتكب كفرا أصغر ل يرجه من اللة.
وقال تعال{ :فَإِن َتنَا َزعْتُ ْم فِي شَ ْيءٍ َف ُردّوهُ إِلَى ٱلّلهِ وَٱلرّسُولِ إِن ُكنْتُمْ ُت ْؤمِنُونَ بِٱلّل ِه وَٱلَْي ْومِ ٱل ِخ ِر ذِٰلكَ
ك َومَآ أُنزِ َل مِن قَْبِلكَ ُيرِيدُونَ أَن خَْي ٌر وَأَ ْحسَنُ تَ ْأوِيلً .أَلَ ْم َترَ إِلَى ٱلّذِي َن َي ْزعُمُونَ َأّنهُ ْم آمَنُواْ بِمَآ ُأْنزِلَ ِإلَْي َ
َيتَحَاكَ ُموۤاْ ِإلَى ٱلطّاغُوتِ َوقَدْ ُأ ِمرُوۤاْ أَن يَ ْك ُفرُواْ ِبهِ َوُيرِيدُ ٱلشّْيطَانُ أَن ُيضِّلهُ ْم ضَلَلً َبعِيدا .وَِإذَا قِيلَ َلهُمْ
ك صُدُوداَ .فكَيْفَ ِإذَآ َأصَابَْتهُ ْم ّمصِيبَةٌ َتعَاَل ْواْ إِلَ ٰى مَآ أَنزَلَ ٱلّل ُه وَإِلَى ٱلرّسُو ِل رَأَْيتَ ٱلْمُنَاِفقِيَ َيصُدّو َن عَن َ
بِمَا قَ ّد َمتْ َأيْدِيهِمْ ثُ ّم جَآءُوكَ يَحِْلفُونَ بِٱلّلهِ إِنْ َأ َردْنَآ إِلّ إِ ْحسَانا وََت ْوفِيقا} ,فجعل ال تعال الرد إل ال
ورسوله صلى ال عليه وسلم عند التنازع شرطا ف اليان ,وذكر كلمة {شَ ْيءٍ} وهي نكرة ف سياق
الشرط ,فتعم كل ما تنازع فيه التنازعون ف جيع شؤون الياة ,وبي تعال أن التحاكم إل كتابه وسنة
رسوله صلى ال عليه وسلم ,هو خي ف الدنيا والخرة ,وأحسن عاقبة ف الدنيا والخرة ,ث قال تعال:
ك َومَآ أُنزِ َل مِن قَْبِلكَ ُيرِيدُونَ أَن َيتَحَاكَ ُموۤاْ ِإلَى {أَلَ ْم َترَ إِلَى ٱلّذِي َن َي ْزعُمُونَ َأّنهُ ْم آمَنُواْ بِمَآ ُأْنزِلَ ِإلَْي َ
السياسة الشرعية
18
ٱلطّاغُوتِ} ,وهي صيغة تعجب من حال النافقي وتناقضهم ,فهم يزعمون اليان با أنزل إل رسول
ال صلى ال عليه وسلم ,وما أنزل من قبله ,ث يالفون هذا الزعم بإرادتم التحاكم إل الطاغوت ,فهذا
تناقض ونقض لا يدعون من اليان ,كقوله تعال ف الية الخرىَ { :وِيقُولُونَ آمَنّا بِٱلّل ِه وَبِٱلرّسُولِ
وَأَ َطعْنَا ثُ ّم يََتوَلّ ٰى َفرِي ٌق مّْنهُ ْم مّن َبعْ ِد ذِٰلكَ َومَآ ُأوَْلـِٰئكَ بِٱلْ ُم ْؤمِِنيَ} ,فإن اليان يقتضي التحاكم إل ال
ورسوله صلى ال عليه وسلم والكفر بالطاغوت وليس التحاكم إليه ,ولذا قال تعالَ { :وقَدْ ُأ ِم ُروۤاْ أَن
يَ ْك ُفرُواْ ِب ِه وَُيرِيدُ ٱلشّيْطَانُ أَن ُيضِّلهُمْ ضَلَ ًل َبعِيدا} ,وإنا ضلوا هذا الضلل البعيد لشركهم وكفرهم
شرِكْ شرَكَ ِبهِ َوَيغْ ِف ُر مَا دُو َن ذِٰلكَ لِمَن َيشَآءُ َومَن ُي ْ
بال تعال ,كما قال تعال{ :إِنّ ٱلّلهَ َل َي ْغفِرُ أَن ُي ْ
بِٱلّلهِ َفقَدْ ضَ ّل ضَلَلً َبعِيدا}.
والطاغوت مشتق من الطغيان ,قال المام ابن جرير رحه ال ف تعريفه " :والصواب من القول عندي
ف الطاغوت أنه كل ذي طغيان على ال ,فيعبد من دونه ,إما بقهر منه لن عبده ,وإما بطاعة من عبد
له ,إنسانا كان ذلك العبود ,أو شيطانا ,أو وثنا ,أو كائنا ما كان من شيء ".))1
وقال المام ابن القيم رحه ال " والطاغوت كل ما تاوز به العبد حده ,من معبود ,أو متبوع ,أو
مطاع ,فطاغوت كل قوم ,من يتحاكمون إليه غي ال ورسوله صلى ال عليه وسلم ,أو يعبدونه من
دون ال ,أو يتبعونه على غي بصية من ال ,أو يطيعونه فيما ل يعلمون أنه طاعة ل.فهذه طواغيت
العال إذا تأملتها ,وتأملت أحوال الناس معها ,رأيت أكثرهم أعرض عن عبادة ال إل عبادة الطاغوت,
وعن التحاكم إل ال وإل الرسول صلى ال عليه وسلم إل التحاكم إل الطاغوت ,وعن طاعته ومتابعة
رسوله صلى ال عليه وسلم إل الطاغوت ومتابعته " ،))1فاليان ل يتحقق إل بالكفر بالطاغوت ,كما
سكَ بِٱْل ُع ْروَةِ ٱْلوُْثقَىٰ} ,والعروة الوثقى هي قال تعال{ :فَمَ ْن يَ ْك ُفرْ بِٱلطّاغُوتِ َوْي ْؤمِن بِٱلّلهِ َفقَ ِد ٱسْتَ ْم َ
السلم ,وشهادة أن ل إله إل ال ،والشهادة :نفي وإثبات ,والنفي هو "ل إله"و هو الكفر بالطاغوت,
والثبات "إل ال" وهو اليان بال تعال ,فدل على أن من ل يكفر بالطاغوت كالديقراطية ,أو اليئات
والبلانات التشريعية ,أو غيها من الطواغيت ,أنه ل يؤمن بال ول يقق شهادة أن ل إله إل ال ,ث
ك صُدُودا} قال تعال{ :وَِإذَا قِيلَ َلهُمْ َتعَاَلوْاْ ِإلَ ٰى مَآ أَنزَلَ ٱلّل ُه وَإِلَى ٱلرّسُو ِل رَأَْيتَ ٱلْمُنَاِفقِيَ َيصُدّو َن عَن َ
أي يعرضون إعراضا عن التحاكم إل كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم ،ث قال تعال:
حِلفُونَ بِٱلّلهِ إِنْ َأ َردْنَآ إِلّ ِإحْسَانا وََتوْفِيقا},
{َفكَيْفَ ِإذَا َأصَاَبْتهُ ْم مّصِيبَ ٌة بِمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِيهِمْ ثُمّ جَآءُوكَ يَ ْ
أي فكيف إذا حلت بم مصيبة بسبب ذنوبم ,وإعراضهم عن كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه
حِلفُونَ بِٱلّلهِ إِنْ َأ َردْنَآ إِلّ إِ ْحسَانا َوَتوْفِيقا} ,أي إن أردنا إل الحسان والتوفيق وسلمُ{ ،ثمّ جَآءُوكَ يَ ْ
( )1جامع البيان
( )1إعلم الوقعي
السياسة الشرعية
19
بي السلم والنظمة الخالفة له ,واليان يقتضي الكفر بالنظمة الخالفة للسلم ,وليس التوفيق
والمع بينها وبي السلم ,وهذا كحال من يسعى من الفراد أو الحزاب إل التوفيق بي السلم وبي
الديقراطية أو غيها من الطواغيت.
سهِمْ ج َر بَيَْنهُ ْم ثُمّ لَ يَجِدُواْ فِي َأْنفُ ِ وقال تبارك وتعالَ{ :فلَ َو َرّبكَ َل ُي ْؤمِنُونَ حَتّى ُيحَكّمُوكَ فِيمَا شَ َ
سلِيما} ,فنفى اليان عمن ل يتحاكم إل الرسول صلى ال عليه وسلم, ت وَُيسَلّمُواْ تَ ْ
َحرَجا مّمّا َقضَْي َ
وأكد النفي بتكرار أداة النفي وبالقسم ،ول يقتصر على مرد التحاكم بل ضم إليه انتفاء الرج من
الكم والنقياد والتسليم له ،وقد ذكر البخاري عن المام ممد بن شهاب الزهري رحه ال أنه قال "
من ال الرسالة ,ومن الرسول البلغ ,وعلينا التسليم ".
وقال تعال{ :إِنّ ٱلّذِي َن ٱرْتَدّوْا َعلَىٰ َأدْبَا ِرهِ ْم مّن َبعْ ِد مَا تََبيّنَ َلهُمُ ٱْلهُدَى ٱلشّيْطَانُ َسوّلَ َلهُ ْم وََأمْلَ ٰى َلهُمْ.
ض ٱ َل ْمرِ وَٱلّلهُ َي ْعلَمُ إِ ْسرَا َرهُمْ .فَ َكيْفَ ِإذَا
ذَِلكَ بِأَّنهُمْ قَالُواْ ِللّذِينَ َك ِرهُوْا مَا َنزّلَ ٱلّلهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي َبعْ ِ
ضوَاَنهُ فَأَ ْحَبطَخطَ ٱلّلهَ وَ َك ِرهُوْا ِر ْ ضرِبُو َن وُجُو َههُمْ وََأدْبَا َرهُمْ .ذَِلكَ بِأَّنهُمُ ٱتَّبعُواْ مَآ َأسْ َ َتوَفّْتهُمُ ٱلْمَلَئِ َكةُ َي ْ
ض ٱ َل ْمرِ" فإذا كفر هؤلء بجرد الوعد َأعْمَاَلهُمْ} ,فهؤلء ارتدوا عن السلم لقولم "سَنُطِيعُكُمْ فِي َبعْ ِ
بالطاعة سرا وإن ل يفعلوا ,فكيف بن أطاعهم واستجاب لم ,وحكّم قوانينهم ف بلد السلمي,
وحاها ,وألزم الناس با ,وتاكم إل هيئاتم ,وماكمهم ,وبدل أحكام ال وغي مناهج التعليم طلبا
لرضاتم ،فل شك أن ردته من باب أول.
ى عَلَى ٱْل َع ْرشِ ت وَٱ َل ْرضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُ ّم ٱ ْسَتوَ ٰ وقال تبارك وتعال{ :إِ ّن رَبّ ُكمُ ٱلّلهُ ٱلّذِي خََلقَ ٱلسَمَاوَا ِ
خرَاتٍ بَِأمْ ِرهِ أَلَ َلهُ ٱْلخَلْ ُق وَٱ َل ْمرُ َتبَارَكَُيغْشِي ٱْللّيْلَ ٱلّنهَارَ َيطُْلُبهُ َحثِيثا وَٱلشّ ْمسَ وَٱْلقَ َمرَ وَٱلنّجُومَ مُسَ ّ
ٱلّل ُه َربّ ٱْلعَالَ ِميَ} ,فال تعال هو خالق كل شيء ,وهو رب كل شيء ومليكه ,وله تبارك وتعال المر
وحده ل شريك له ,فكما أن له اللق ,فكذلك له المر والتشريع ,وهو تبارك وتعال خالق العباد ,وهو
أعلم با فيه صلحهم وسعادتم ف الدنيا والخرة ,قال شيخ السلم ابن تيمية رحه ال" :فإنه سبحانه
له اللق والمر ,فكما ل يلق غيه ل يأمر غيه".)11
ت وَإِلَْيهِ أُنِيبُ .فَا ِطرُ
وقال تعالَ { :ومَا ٱخَْتَلفْتُمْ فِيهِ مِن َش ْيءٍ فَحُكْ ُمهُ إِلَى ٱلّل ِه ذَلِكُمُ ٱلّل ُه رَبّي َعلَْيهِ َتوَكّ ْل ُ
ت وَٱ َل ْرضِ َجعَلَ َلكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ َأ ْزوَاجا َومِنَ ٱلَْنعَامِ َأزْواجا يَ ْذ َرؤُكُمْ فِيهِ َلْيسَ كَ ِمثِْلهِ شَ ْيءٌ ٱلسّمَاوَا ِ
سطُ ٱل ّرزْقَ لِمَن َيشَآءُ َوَيقْ ِدرُ ِإّنهُ بِكُلّ شَ ْيءٍ ت وَٱ َل ْرضِ يَْب َُو ُهوَ ٱلسّمِيعُ ٱلَْبصِيَُ .لهُ َمقَالِيدُ ٱلسّمَاوَا ِ
عَلِيمٌ} ,قال العلمة الشنقيطي ف كلم قيم له عند هذه اليات "اعلم أن ال جل وعل بي ف آيات
كثية صفات من يستحق أن يكون الكم له ،فعلى كل عاقل أن يتأمل الصفات الذكورة الت
سنوضحها الن إن شاء ال ،ويقابلها مع صفات البشر الشرعي للقواني الوضعية فينظر هل تنطبق
)1مموع الفتاوى 1
السياسة الشرعية
20
عليهم صفات من له التشريع؟! سبحان ال وتعال عن ذلك ،فإن كانت تنطبق عليهم ولن تكون فليتبع
تشريعهم ,وإن ظهر يقينا أنم أحقر وأخس وأذل وأصغر من ذلك فليقف بم عند حدهم ,ول ياوزه
بم إل مقام الربوبية ،سبحانه وتعال أن يكون له شريك ف عبادته أو حكمه أو ملكه.
فمن اليات القرآنية الت أوضح با تعال صفات من له الكم والتشريع قوله هنا { َومَا اخَْتَلفْتُمْ فِيهِ مِن
ت وَإَِلْيهِ ُأنِيبُ فَا ِطرُ حكْ ُمهُ إِلَى الّلهِ} ث قال مبينا صفات من له الكم {ذَلِكُ ُم الّل ُه رَبّى َعلَْيهِ َتوَكّ ْل ُ شَ ْىءٍ فَ ُ
ت وَال ْرضِ َجعَلَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ َأ ْزوَاجا َومِنَ الْنعَامِ َأزْواجا يَ ْذ َرؤُكُمْ فِيهِ لَْيسَ كَمِْثِلهِ شَ ْىءٌ السّمَاوَا ِ
سطُ ال ّرزْقَ لِمَن َيشَآءُ َوَيقْ ِدرُ ِإّنهُ بِكُلّ شَ ْى ٍء عَلِيمٌ} ت وَال ْرضِ َيبْ َُو ُهوَ السّمِيعُ الَْبصِيُ َلهُ َمقَالِيدُ السّمَاوَا ِ
فهل ف الكفرة الفجرة الشرعي للنظم الشيطانية من يستحق أن يوصف بأنه الرب الذي تفوض إليه
المور ويتوكل عليه ،وأنه فاطر السماوات والرض ،أي خالقهما ومترعهما على غي مثال سابق ,وأنه
ج مّنَ هو الذي خلق البشر أزواجا ،وخلق لم أزواج النعام الثمانية الذكورة ف قوله تعال {ثَمَانَِيةَ َأ ْزوَا ٍ
ت وَال ْرضِ} وأنه الضّأْنِ اثَْنيْنِ} وأنه {َلْيسَ كَ ِمثِْلهِ شَىْء َو ُهوَ السّمِيعُ الَْبصِيُ} وأنه {ّلهُ َمقَالِيدُ السّمَاوا ِ
سطُ ال ّرزْقَ لِمَ ْن يَشَاء وََيقَ ِدرُ} أي يضيقه على من يشاء { َو ُهوَ ِبكُلّ شَىْء عَلِيمٌ} { ُهوَ الّذِى َيبْ ُ
فعليكم أيها السلمون أن تتفهموا صفات من يستحق أن يشرع ويلل ويرم ول تقبلوا تشريعا من كافر
خسيس حقي جاهل.
ونظي هذه الية الكرية قوله تعال {فَإِن َتنَا َزعْتُ ْم فِى شَ ْىءٍ َف ُردّوهُ إِلَى الّلهِ وَالرّسُولِ إِن كُنتُمْ ُت ْؤمِنُونَ بِالّلهِ
وَاْلَي ْومِ ال ِخرِ ذِلكَ خَْي ٌر وَأَحْسَ ُن تَ ْأوِيلً} فقوله فيها {َف ُردّوهُ إِلَى الّلهِ} كقوله ف هذه {فَحُكْ ُمهُ إِلَى
الّلهِ}
وقد عجب نبيه صلى ال عليه وسلم بعد قوله {َف ُردّوهُ إِلَى الّلهِ} من الذين يدعون اليان مع أنم
يريدون الحاكمة إل من ل يتصف بصفات من له الكم العب عنه ف الية بالطاغوت ،وكل تاكم إل
غي شرع ال فهو تاكم إل الطاغوت ،وذلك ف قوله تعال{ :أَلَ ْم َترَ إِلَى الّذِي َن َي ْزعُمُونَ َأّنهُمْ ءَامَنُواْ
ك َومَآ أُنزِ َل مِن قَْبِلكَ ُيرِيدُونَ أَن َيتَحَاكَمُواْ إِلَى الطّاغُوتِ َوقَدْ ُأ ِمرُواْ أَن يَ ْك ُفرُواْ ِب ِه وَُيرِيدُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَْي َ
الشّيْطَانُ أَن ُيضِّلهُ ْم ضَللً َبعِيدا}.
فالكفر بالطاغوت الذي صرح ال بأنه أمرهم به ف هذه الية شرط ف اليان ،كما بينه تعال ف قوله:
سكَ بِاْل ُع ْروَةِ اْلوُْثقَى} ,فيفهم منه أن من ل يكفر {َفمَنْ يَ ْك ُفرْ بِالطّاغُوتِ وَُي ْؤمِن بِالّلهِ َفقَدِ اسْتَمْ َ
بالطاغوت ل يستمسك بالعروة الوثقى ومن ل يستمسك با فهو مترد مع الالكي.
صرْ ِبهِ وَأَسْ ِمعْ مَا َلهُم مّن دُوِنهِ ومن اليات الدالة على ذلك قوله تعالَ{ :لهُ َغْيبُ السّمَاوَاتِ وَال ْرضِ أَْب ِ
شرِكُ فِى حُكْ ِمهِ أَحَدًا} مِن َولِ ّى وَلَ يُ ْ
السياسة الشرعية
21
فهل ف الكفرة الفجرة الشرعي من يستحق أن يوصف بأن له غيب السماوات والرض ،وأن يبالغ ف
سعه وبصره لحاطة سعه بكل السموعات وبصره بكل البصرات ,وأنه ليس لحد دونه من ول.
سبحانه وتعال عن ذلك علوا كبيا.
ع مَعَ الّلهِ إِلا ءَا َخرَ لَ ِإَلهَ إِ ّل ُهوَ كُلّ َش ْىءٍ هَاِلكٌ إِلّ ومن اليات الدالة على ذلك قوله تعال{ :وَ َل تَدْ ُ
وَ ْج َههُ َلهُ الْحُكْ ُم وَإَِلْيهِ ُترْ َجعُونَ}
فهل ف الكفرة الفجرة الشرعي من يستحق أن يوصف بأنه الله الواحد ,وأن كل شيء هالك إل
وجهه وأن اللئق يرجعون إليه.
تبارك ربنا وتعاظم وتقدس أن يوصف أخس خلقه بصفاته.
شرَكْ ِبهِ ُت ْؤمِنُواْ
ومن اليات الدالة على ذلك قوله تعالَ { :ذلِكُم بَِأّنهُ ِإذَا ُدعِ َى الّل ُه وَحْ َدهُ َك َفرْتُ ْم وَإِن يُ ْ
فَالْحُكْمُ لّلهِ اْلعَلِ ّى الْ َكبِيِ} ,فهل ف الكفرة الفجرة الشرعي النظم الشيطانية من يستحق أن يوصف ف
أعظم كتاب ساوي بأنه العلي الكبي.
سبحانك ربنا وتعاليت عن كل ما ل يليق بكمالك وجللك.
ومن اليات الدالة على ذلك قوله تعال{ :قُلْ َأرَأَْيتُمْ إِن َجعَلَ ٱلّل ُه عََليْكُمُ ٱلْلّيْلَ َس ْرمَدا إِلَ ٰى َي ْومِ ٱْلقِيَامَةِ
ـهٌ غَْيرُ ٱلّلهِ يَ ْأتِيكُ ْم ِبضِيَآءٍ َأفَلَ َتسْ َمعُونَ .قُلْ َأرََأيْتُمْ إِن َجعَلَ ٱلّل ُه عََليْكُمُ ٱلّنهَارَ َس ْرمَدا ِإلَىٰ َي ْومِ مَنْ إَِل ٰ
ـهٌ غَْيرُ ٱلّلهِ يَ ْأتِيكُ ْم بَِليْلٍ َتسْكُنُونَ فِيهِ أَفلَ ُتْبصِرُونََ .ومِن رّحْمَِتهِ َجعَلَ لَ ُكمُ ٱْللّيْ َل وَٱلّنهَارَ ٱْلقِيَامَ ِة مَنْ إَِل ٰ
لَِتسْكُنُواْ فِي ِه وَلِتَبَتغُوْا مِن َفضِْل ِه وََلعَلّكُ ْم تَشْ ُكرُونَ} ,فهل ف مشرعي القواني الوضعية من يستحق أن
يوصف بأن له المد ف الول والخرة ،وأنه هو الذي يصرف الليل والنهار مبينا بذلك كمال قدرته
وعظمة إنعامه على خلقه.
سبحان خالق السماوات والرض جل وعل أن يكون له شريك ف حكمه أو عبادته أو ملكه.
ومن اليات الدالة على ذلك قوله تعال{ :إِنِ اْلحُكْمُ إِلّ لّلهِ َأ َمرَ أَلّ َتعْبُدُواْ ِإلّ إِيّاهُ ذاِلكَ الدّي ُن اْلقَيّمُ
وَلَكِنّ أَ ْكَثرَ النّاسِ َل َيعْلَمُونَ} ,فهل ف أولئك من يستحق أن يوصف بأنه هو الله العبود وحده ،وأن
عبادته وحده هي الدين القيم.
سبحان ال وتعال عما يقول الظالون علوا كبيا.
ومنها قوله تعال{ :إِ ِن الْحُكْمُ إِ ّل لّل ِه عَلَْيهِ َتوَكّ ْلتُ َو َعلَْيهِ فَ ْليََتوَكّ ِل الْمَُتوَكّلُونَ} ,فهل فيهم من يستحق
أن يتوكل عليه وتفوض المور إليه.
ض مَآ ومنها قوله تعال{ :وَأَنِ احْكُم َبيَْنهُمْ بِمَآ أَنزَلَ الّل ُه وَلَ تَتّبِعْ َأ ْهوَآ َءهُ ْم وَاحْ َذ ْرهُمْ أَن َيفْتِنُو َك عَن َبعْ ِ
ض ذُنُوِبهِ ْم وَإِنّ كَثِيا مّنَ النّاسِ َلفَا ِسقُونَ أَنزَ َل الّلهُ إَِلْيكَ فَإِن َتوَّلوْْا فَاعْلَمْ َأنّمَا ُيرِيدُ الّلهُ أَن ُيصِيَبهُم ِبَبعْ ِ
حكْمَ اْلجَاهِِليّةِ َيْبغُونَ َومَنْ أَ ْحسَ ُن مِنَ الّلهِ حُكْما ّل َق ْومٍ يُوقِنُونَ}. أَفَ ُ
السياسة الشرعية
22
فهل ف أولئك الشرعي من يستحق أن يوصف بأن حكمه با أنزل ال وأنه مالف لتباع الوى ،وأن
من تول عنه أصابه ال ببعض ذنوبه ،لن الذنوب ل يؤاخذ بميعها إل ف الخرة ،وأنه ل حكم أحسن
من حكمه لقوم يوقنون.
سبحان ربنا وتعال عن كل ما ل يليق بكماله وجلله.
ومنها قوله تعال{ :إِ ِن الْحُكْمُ إِ ّل لّلهِ َيقُصّ الْحَ ّق َو ُهوَ خَْيرُ اْلفَاصِِليَ} ,فهل فيهم من يستحق أن
يوصف بأنه يقص الق وأنه خي الفاصلي.
ومنها قوله تعالَ{ :أَفغَْيرَ الّلهِ َأبَْتغِى حَكَما َو ُهوَ الّذِى َأَنزَلَ إِلَيْكُ ُم الْ ِكتَابَ ُم َفصّلً وَالّذِي َن ءَاتَْينَاهُمُ
ل تَكُونَ ّن مِنَ الْمُمَْترِي َن وَتَ ّمتْ كَلِ َم ُة رَّبكَ صِدْقا َوعَدْلً}, اْلكِتَابَ َيعْلَمُونَ َأّنهُ مَُنزّ ٌل مّن رّّبكَ بِالْحَقّ فَ َ
فهل ف أولئك الذكورين من يستحق أن يوصف بأنه هو الذي أنزل هذا الكتاب مفصلً ،الذي يشهد
أهل الكتاب أنه منل من ربك بالق ،وبأنه تت كلماته صدقا وعدلً ،أي صدقا ف الخبار وعدلً ف
الحكام ،وأنه ل مبدل لكلماته وهو السميع العليم .سبحان ربنا ما أعظمه وما أجل شأنه.
للً قُ ْل ءَآلّلهُ َأذِنَ َلكُمْ َأمْ جعَلْتُ ْم مّْنهُ َحرَامًا وَحَ َ
ومنها قوله تعالُ{ :قلْ َأرَأَيْتُ ْم مّآ أَنزَلَ الّلهُ َلكُ ْم مّن ّرزْقٍ َف َ
عَلَى الّلهِ َتفَْترُونَ} ,فهل ف أولئك الذكورين من يستحق أن يوصف بأنه هو الذي ينل الرزق للخلئق
وأنه ل يكن أن يكون تليل ول تري إل بإذنه ،لن من الضروري أن من خلق الرزق وأنزله هو الذي
له التصرف فيه بالتحليل والتحري .سبحانه جل وعل أن يكون له شريك ف التحليل والتحري...
ب هَذَا حَل ٌل َوهَذَا َحرَامٌ لَّتفَْترُوْا عَلَى الّلهِ سنَتُكُ ُم الْكَ ِذ َ
ومنها قوله تعال{ :وَلَ َتقُولُوْا لِمَا َتصِفُ أَلْ ِ
ع قَلِي ٌل وََلهُ ْم عَذَابٌ أَلِيمٌ} ,فقد أوضحت الية اْلكَ ِذبَ إِ ّن الّذِينَ َيفَْترُو َن عَلَى الّلهِ الْكَ ِذبَ لَ ُيفْلِحُو َن مَتَا ٌ
أن الشرعي غي ما شرعه ال إنا تصف ألسنتهم الكذب لجل أن يفتروه على ال ،وأنم ل يفلحون،
وأنم يتعون قليلً ،ث يعذبون العذاب الليم ،وذلك واضح ف بعد صفاتم من صفات من له أن يلل
ويرم.
شهَ ْد َم َعهُمْ}, شهَدُونَ أَ ّن الّلهَ َح ّر َم هَذَا َفإِن َشهِدُواْ َفلَ تَ ْ ومنها قوله تعالُ{ :ق ْل هَلُمّ ُشهَدَآءَكُمُ الّذِينَ َي ْ
فقولهَ { :هلُمّ ُشهَدَاءكُمُ} صيغة تعجيز ،فهم عاجزون عن بيان مستند التحري ،وذلك واضح ف أن غي
ال ل يتصف بصفات التحليل ول التحري ،ولا كان التشريع وجيع الحكام شرعية كانت أو كونية
قدرية من خصائص الربوبية ،كما دلت عليه اليات الذكورة كان كل من اتبع تشريعا غي تشريع ال
قد اتذ ذلك الشرع ربا وأشركه مع ال".)11
وعد ال تعال عباده الؤمني إن حقّقوا اليان والعمل الصال أن ينصرهم على أعدائهم ،وأن يكّن لم
ستَخِْلفَّنهُ ْم فِي ٱ َل ْرضِ كَمَا ف الرض فقال تعالَ { :وعَ َد ٱلّلهُ ٱلّذِي َن آمَنُواْ ِمنْكُ ْم َوعَمِلُوْا ٱلصّالِحَاتِ َليَ ْ
خلَفَ ٱلّذِي َن مِن َقبِْلهِ ْم وَلَُيمَكّنَنّ َلهُ ْم دِيَنهُمُ ٱلّذِي ٱرَْتضَىٰ َلهُ ْم وَلَُيبَدّلَّنهُ ْم مّن َبعْدِ َخ ْوِفهِمْ َأمْنا ٱسْتَ ْ
ك هُمُ ٱْلفَا ِسقُونَ}،فالصحابة رضي ال عنهم شرِكُونَ بِي َشيْئا َومَن َك َفرَ َبعْدَ ذِٰلكَ فَُأوَْلـِٰئ َ َيعْبُدُونَنِي لَ ُي ْ
حقّقوا اليان التام والعمل الصال التام ،فحصل لم التمكي التام ف الرض ،وعندما نقص إيان مَن
بعدهم ،ونقصت أعمالم الصالة نقص تكينهم بسب ما نقص من إيانم وأعمالم الصالة.
و ال تعال عليم بنوايا العباد ،وما تنطوي عليه قلوبم ،وهو عال با هم فاعلون لو مكّن لم ف الرض،
فإذا علم ال تعال من عباده الصدق ف نصرة دينه ،وإقامة شريعته ،ف حاضرهم ومستقبلهم نصرهم
ص ُرهُ إِنّ ٱلّلهَ
صرَنّ ٱلّل ُه مَن يَن ُ على أعدائهم ،ومكّن لم ف الرض ,كما قال ال تبارك وتعالَ { :ولَيَن ُ
لةَ وَآَت ُوْا ٱلزّكَـا َة وََأ َمرُوْا بِٱلْ َم ْعرُوفِ وََن َه ْواْ َعنِ ي َعزِيزٌ .ٱلّذِينَ إِ ْن مّكّنّاهُمْ فِي ٱ َل ْرضِ أَقَامُوْا ٱلصّ َ َل َقوِ ّ
ٱلْمُنْ َك ِر وَلِّل ِه عَاِقبَ ُة ٱ ُلمُورِ}.
ت وَٱلسّيئَاتِ َلعَّلهُمْ وال تعال يبتلي العباد بالسرّاء والضرّاء ،كما قال تبارك وتعالَ { :وبََل ْونَاهُمْ بِٱْلحَسَنَا ِ
ش ّر وَٱلْخَْيرِ ِفتَْنةً وَِإلَيْنَا ُترْجَعون}، َيرْ ِجعُونَ} أي بالنعم والصائب ،وقال تبارك وتعال{ :وََنبْلُوكُم بِٱل ّ
والؤمن يتقي ال تعال ف جيع أحواله فيشكر عند السرّاء ،ويصب عند الصيبة،كما قال صلى ال عليه
وسلّم" :عجبا لمر الؤمن ،إن أمره كله له خي ،وليس ذلك لحد إل للمؤمن ،إن أصابته سرّاء
شكر ،فكان خيا له ،وإن أصابته ضرّاء صب ،فكان خيا له" رواه مسلم
ب مّن قَبْلِ أَن نّْبرََأهَآ إِنّ ض وَلَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلّ فِي ِكتَا ٍ ب مِن مّصِيبَةٍ فِي ٱ َلرْ ِ وقال تعال{ :مَآ َأصَا َ
ختَالٍ
حبّ كُ ّل مُ ْ ذَِلكَ َعلَى ٱلّلهِ يَسِيٌ .لّ َكيْلَ تَ ْأ َسوْْا عَلَ ٰى مَا فَاتَكُ ْم وَلَ َت ْفرَحُواْ بِمَآ آتَاكُ ْم وَٱلّلهُ لَ ُي ِ
فَخُورٍ} ،قال العلمة السعدي رحه ال" :ويقول تعال مبا عن عموم قضائه وقدره{ :مَآ َأصَابَ مِن
مّصِيبَ ٍة فِي ٱ َل ْرضِ وَلَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ} ،وهٰذا شامل لعموم الصائب الت تصيب اللق ،من خي وشر،
فكلها قد كتب ف اللوح الحفوظ صغيها وكبيها ،وهٰذا أمر عظيم ل تيط به العقول ،بل تذهل عنه
أفئدة أول اللباب ،ولٰكنه على ال يسي ،وأخب ال عباده بذٰلك لجل أن تتقرر هٰذه القاعدة عندهم،
ويبنوا عليها ما أصابم من الي والشر ,فل يأسوا ويزنوا على ما فاتم ،ما طمحت له أنفسهم،
وتشوفوا إليه لعلمهم أن ذٰلك مكتوب ف اللوح الحفوظ ،ل بد من نفوذه ووقوعه ،فل سبيل إل دفعه،
ول يفرحوا با آتاهم ال ،فرح بطر وأشر ،لعلمهم أنم ما أدركوه بولم وقوتم ،وإنا أدركوه بفضل
السياسة الشرعية
27
حبّ كُ ّل مُخْتَا ٍل فَخُورٍ}
ال ومَنّه ،فيشتغلوا بشكر مَن أول النعم ،ودفع النقم ،ولٰذا قال{ :وَٱلّلهُ َل يُ ِ
أي :متكب فظ ،معجب بنفسه ،فخور بنعم ال ،ينسبها إل نفسه ،وتطغيه وتلهيه كما قال تعال{ :وَِإذَآ
َأذَقْنَاهُ رَحْ َم ًة مّنّاقَالَ إِنّمَآ أُوتِيُتهُ َعلَ ٰى عِلْمٍ َب ْل هِيَ فِْتنَةٌ}".)11
وقال تعالَ { :ولَئِنْ َأذَ ْقنَا ٱلِنْسَا َن مِنّا رَحْمَ ًة ثُمّ َن َزعْنَاهَا مِْنهُ إِّنهُ َليَئُوسٌ َكفُورٌَ .ولَئِنْ َأذَ ْقنَاهُ َنعْمَآءَ َبعْ َد
ت عَنّيۤ ِإّنهُ َل َفرِحٌ َفخُورٌ .إِلّ ٱلّذِي َن صََبرُوْا َوعَ ِملُوْا ٱلصّالِحَاتِ ُأوَْلـِٰئكَ ضرّآءَ مَسّْتهُ َلَيقُولَ ّن َذهَبَ ٱلسّيّئَا ُ
َ
صرِ إِ ّن الْإِنسَانَ َلفِي َلهُ ْم ّمغْ ِف َرةٌ وَأَ ْجرٌ َكبِيٌ} والراد بالنسان ف الية جنس النسان،كقوله تعال{ :وَاْل َع ْ
سرٍ}وقد وصفه ال تعال بصفتي :اليأس من رحة ال إذا أصابته مصيبة بعد نعمة ،وبالفرح والفخر خُ ْ
وترك الشكر إذا ذاق نعمة بعد ضراء أصابته .ث استثن الذين آمنوا وعملوا الصالات ,قال المام ابن
كثي رحه ال" :يب تعال عن النسان وما فيه من الصفات الذميمة إل من رحم ال من عباده الؤمني
أنه إذا أصابته شدّة بعد نعمة حصل له اليأس وقنوط من الي بالنسبة إل الستقبل وكفر وجحود لاضي
الال ،كأنه ل ير خيا ول يرج بعد ذلك فرَجا ,وهكذا إذا أصابته نعمة بعد نقمة {لََيقُولَ ّن َذ َهبَ
السّيّئَاتُ َعنّي} أي يقول ما ينالن بعد هذا ضيم ول سوء {ِإّنهُ َل َفرِحٌ َفخُورٌ} أي فرح با ف يده بطر
فخور على غيه ،قال تعال{ :إِلّ ٱلّذِي َن صََبرُواْ} أي على الشدائد والكاره { َوعَمِلُوْا ٱلصّالِحَاتِ} أي
ف الرخاء والعافية {ُأوَْلـِٰئكَ َلهُمْ ّم ْغ ِفرَةٌ} أي با يصيبهم من الضرّاء {وَأَ ْجرٌ كَِبيٌ} با أسلفوه ف زمن
الرخاء" ،)21وخلف الصب عند الضرّاء،والشكر على السرّاء ،أن يظهرالعبد الزع وعدم الصب عند
الصيبة كالنياحة على اليت ،وشقّ اليوب ،ولطم الدود،و أن يقابل نعمة ال بعصيته كالفخر،
والبطر ،وإظهار العازف أو غيها من العاصي ،وقد قال صلى ال عليه وسلّم" :صوتان ملعونان ف
الدنيا والخرة :مزمار عند نعمة ،ورنّة عند الصيبة"رواه البزّار.
فنعمة النصر على العداء ،وتكي الجاهدين ف الرض ،من أعظم النعم الت تستوجب الشكرمن
الجاهدين ،بالستقامة على طاعة ال ،وتقواه ف جيع سياسات الدولة الداخلية والارجية ،وقد قال
تعال{ :يَٰأّيهَا ٱلّذِي َن آمَنُوْا ٱسَْتجِيبُواْ لّلهِ وَلِلرّسُولِ ِإذَا َدعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُ ْم وَا ْعلَمُواْ أَنّ ٱلّلهَ يَحُو ُل بَيْنَ
شرُونَ .وَٱّتقُواْ فِْتنَةً ّل ُتصِيبَنّ ٱلّذِينَ َظلَمُوْا مِنكُمْ خَآصّ ًة وَٱعْلَ ُموۤاْ أَ ّن ٱلّلهَ َشدِيدُ حَ ٱلْ َمرْ ِء وََقلِْب ِه وَأَّنهُ ِإلَْيهِ تُ ْ
خ ّطفَكُمُ ٱلنّاسُ فَآوَاكُ ْم وَأَيّدَكُم ضعَفُونَ فِي ٱ َل ْرضِ تَخَافُونَ أَن يَتَ َ ٱْلعِقَابِ .وَٱذْ ُك ُروۤاْ ِإذْ أَنتُ ْم قَلِي ٌل مّسَْت ْ
ِبَنصْ ِر ِه َو َرزَقَكُ ْم مّنَ ٱلطّيّبَاتِ َلعَلّكُمْ تَشْ ُكرُونَ}.
صرَكُمُ ٱلّلهُ ِببَ ْد ٍر وَأَنْتُمْ َأذِلّةٌ فَٱّتقُواْ ٱلّلهَ َلعَلّكُمْ َتشْ ُكرُونَ}.وقال تعالَ { :وَلقَدْ َن َ
باب :السياسة
السياسة الشرعية هي العمل لقامة دين ال ف الرض ،وإصلح أحوال الناس ف أمور دينهم حت تكون
كلمة ال هي العليا ،ويقام العدل بي الناس ،وتكم شريعة السلم ف جيع شؤون الياة ،وإصلح
أحوال الناس ف أمور دنياهم ،وتدبي شؤون معاشهم ،وقد قال تعال{ :إِنّ ٱلّلهَ يَ ْأ ُمرُكُمْ أَن تُؤدّواْ
ٱ َلمَانَاتِ ِإلَىۤ َأهِْلهَا وَِإذَا حَكَمْتُ ْم بَيْنَ ٱلنّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱْلعَدْلِ إِنّ ٱلّلهَ ِنعِمّا َيعِظُكُمْ ِبهِ إِنّ ٱلّلهَ كَانَ
سَمِيعا َبصِيا .يَا أَّيهَا ٱلّذِي َن آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱلّل َه وَأَطِيعُوْا ٱلرّسُو َل وَُأوْلِي ٱ َل ْمرِ مِنْكُ ْم فَإِن َتنَا َزعْتُمْ فِي شَ ْيءٍ
سنُ تَ ْأوِيلً}َف ُردّوهُ إِلَى ٱلّلهِ وَٱلرّسُولِ إِن ُكنْتُمْ ُت ْؤمِنُونَ بِٱلّل ِه وَٱلَْي ْومِ ٱل ِخ ِر ذِٰلكَ خَْي ٌر وَأَحْ َ
س بِٱلْحَ ّق وَلَ َتتّبِعِ ٱْل َه َوىٰ
وقال تبارك وتعالٰ { :يدَاوُودُ ِإنّا َجعَ ْلنَاكَ َخلِي َفةً فِي ٱ َل ْرضِ فَٱحْكُ ْم بَيْنَ ٱلنّا ِ
َفُيضِّلكَ عَن سَبِيلِ ٱلّلهِ إِنّ ٱلّذِينَ َيضِلّو َن عَن َسبِي ِل ٱلّلهِ َلهُ ْم عَذَابٌ شَدِيدُ ِبمَا نَسُواْ َي ْومَ ٱْلحِسَابِ} ،قال
المام ابن كثي رحه ال" :هذه وصية من ال عزّ وجلّ لولة المور أن يكموا بي الناس بالق النّل
من عنده تبارك وتعال ،ول يعدلوا عنه فيضلّوا عن سببيل ال ،وقد تواعد تبارك وتعال من ضل عن
سبيله وتناسى يوم الساب بالوعيد الكيد والعذاب الشديد".)11
قال شيخ السلم ابن تيمية رحة ال" :فالقصود الواجب بالوليات إصلح دين اللق ،الذي إذا فاتم
خسروا خسرانا مبينا ،ول ينفعهم ما نعموا به ف الدنيا ،وإصلح ما ل يقوم الدين إل به من أمر دنياهم"
وقال أيضا" :جيع الوليات ف السلم مقصودها أن يكون الدين كله ل ،وأن تكون كلمة ال هي
العليا ،فإن ال سبحانه وتعال إنا خلق اللق لذلك ،وبه أنزل الكتب ،وبه أرسل الرسل ،وعليه جاهد
الرسول والؤمنون .قال ال تعالَ { :ومَا َخَل ْقتُ الْجِ ّن وَالِنسَ إِلّ لَِيعْبُدُونِ} وقال تعالَ { :ومَآ َأرْ َسلْنَا
مِن قَْبِلكَ مِن رّسُولٍ إِ ّل نُوحِي إَِلْيهِ َأّنهُ ل ِإلَـهَ إِلّ أَنَ ْا فَاعْبُدُونِ} وقال تعالَ { :وَلقَدْ َبعَثْنَا فِي كُلّ ُأمّةٍ
رّسُولً أَ ِن ٱعْبُدُواْ ٱلّل َه وَٱجْتَِنبُواْ ٱلْطّاغُوتَ} وقد أخب عن جيع الرسلي أن كل ّ منهم يقول لقومه:
{ا ْعبُدُوْا الّل َه مَا لَكُ ْم مّنْ إِلَـهٍ َغْي ُرهُ} ".)21
فتحقيق عبودية ال تعال ،وتكيم شرع ال ف الرض ،وإقامة دولة السلم ،هو الغاية الت خلق ال
اللق لجلها ،وهو مقصود الهاد ف سبيل ال ،وهو الدف السياسي الذي ياهد لجله
الجاهدون،ويبذل فيه الدماء الصادقون الستشهاديون ،كما قال تعال{ :وَقَاتِلُوهُمْ َحتّىٰ لَ َتكُونَ فِْتنَةٌ
ي رضِي ال عنه قالَُ :سئِلَ رسول ال وَيَكُونَ الدّينُ ُكّلهُ ل} ،وعَنْ أب مُوسَى عبْدِ الّلهِ بْنِ َقْيسٍ الَشعرِ ّ
السياسة العادلة:
السياسة العادلة هي جزء من شرع ال تعال ،وأما السياسة الظالة فليست من شرع ال تعال ،بل شرع
ال تعال جاء بإنكارها وإزالتها كغيها من النكرات والحرّمات.
وقد قال صلى ال عليه وسلّم" :كانت بنو إسرائيل تسوسهم النبياء ،كلما هلك النب خلفه النب،
وإنه ل نب بعدي ،وستكون خلفاء فتكثر" ،قالوا :فما تأمرنا؟ قال" :فوا ببيعة الول فالول،
وأعطوهم حقّهم ،فإن ال سائلهم عمّا استرعاهم" متفق عليه ،فولة المر ف المة يلفون رسول ال
صلى ال عليه وسلم ف سياسة المة السياسة العادلة ،وعن عبد خي قال :قام علي رضي ال عنه على
النب فذكر رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال" :قبض رسول ال صلى ال عليه وسلم واستخلف أبو
السياسة الشرعية
33
بكر ،فعمل بعمله ،وسار بسيته حت قبضه ال على ذلك ،ث استخلف عمر فعمل بعملهما وسار
بسيتما ،حت قبضه ال على ذلك "رواه أحد ،وقال اليثمي :رجاله ثقات.
وقال شيخ السلم ابن تيمية رحه ال" :وولة المور فينا هم خلفاء الرسول قال النب صلى ال عليه
وسلّم ف الصحيح" :إن بن إسرائيل كان تسوسهم النبياء كلما هلك النب قام النب ،وأنه ل نب
بعدي ،وسيكون خلفاء ويكثرون" قالوا :فما تأمرونا يا رسول ال قال" :أوفوا بيعة الول فالول،
وأدوا لم الذي لم ،فإن ال سائلهم عما استرعاهم" ،وقال أيضا" :العلماء ورثة النبياء" ،وروي عنه
أنه قال" :وددت أن قد رأيت خلفائي" قالوا :ومن خلفاءك قال" :الذين ييون سنت يعلّمونا الناس"
فهؤلء ولة المور بعده ،وهم المراء والعلماء.)11
وقال الافظ ابن حجر رحه ال " :أي أنم كانوا إذا ظهر فيهم فساد بعث ال لم نبيا يقيم لم أمرهم،
ويزيل ما غيّروا من أحكام الدولة .وفيه إشارة إل أنه ل بد للرعية من قائم بأمورها يملها على الطريق
السنة وينصف الظلوم من الظال ".)22
وعن طارق بن شهاب عن رافع بن عمرو الطائي قال" :بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم عمرو بن
العاص على جيش ذات السلسل ،وبعث معه ف ذلك اليش أبا بكر وعمر رضي ال عنهما وسراة
أصحابه ،فانطلقوا حت نزلوا جبل طي ،فقال عمرو :انظروا إل رجل دليل بالطريق .فقالوا :ما نعلمه إل
رافع بن عمرو ،فإنه كان ربيل ف الاهلية ،فسألت طارقا :ما الربيل؟ قال :اللص الذي يغزو القوم
وحده فيسرق ،قال رافع :فلما قضينا غزاتنا وانتهيت إل الكان الذي كنا خرجنا منه توست أبا بكر
رضي ال عنه فأتيته ،فقلت :يا صاحب اللل إن توستك من بي أصحابك فائتن بشيء إذا حفظته
كنت مثلكم ،فقال :أتفظ أصابعك المس؟ قلت :نعم .قال :تشهد أن ل إله إل ال وأن ممدا عبده
ورسوله ،وتقيم الصلوات المس ،وتؤت الزكاة إن كان لك ،وتج البيت ،وتصوم رمضان حفظت؟
قلت :نعم ،قال :وأخرى ل تؤمرن على اثني ،قلت :هل تكون المرة إل فيكم أهل بدر؟ قال :يوشك
أن تفشو حت تبلغك ومن هو دونك ،إن ال عز وجل لا بعث نبيه صلى ال عليه وسلم دخل الناس ف
السلم فمنهم من دخل فهداه ال ،ومنهم من أكرهه السيف فهم عواد ال وجيان ال ف خفارة ال،
إن الرجل إذا كان أميا فتظال الناس بينهم فلم يأخذ لبعضهم من بعض انتقم ال منه إن الرجل لتؤخذ
شاة جاره فيظل ناتئ عضلته غضبا لاره وال من وراء جاره ،قال رافع :فمكثت سنة ،ث إن أبا بكر
استخلف فركبت إليه ،فقلت :أنا رافع كنت لقيتك يوم كذا وكذا مكان كذا وكذا ،قال :عرفت.
ل يصح إيان العباد إل بالعتصام بالكتاب والسنة ،والتحاكم إليهما ف جيع القوال والعمال
والسياسات،فإن سياسة الدولة كغيها من شؤون الياة الكم فيها لشرع ال تعال ،ول يوز اتباع غي
شرع ال ف شيء منها،كاتباع الهواء والستحسانات العقلية ،أو اتباع أنظمة الكفار وقوانينهم أو
غيها ،فإن هذا من الشرك بال تعال ف الكم والتشريع ،وقد قال ال تبارك وتعال{ :يَا َأّيهَا ٱلّذِينَ
آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱلّل َه وَأَطِيعُوْا ٱلرّسُو َل وَُأوْلِي ٱ َل ْمرِ مِنْكُ ْم فَإِن َتنَا َزعْتُمْ فِي شَ ْيءٍ َف ُردّوهُ إِلَى ٱلّلهِ وَٱلرّسُولِ إِن
كُْنتُمْ ُت ْؤمِنُونَ بِٱلّلهِ وَٱلَْي ْومِ ٱل ِخ ِر ذِٰلكَ َخْي ٌر وَأَحْسَ ُن تَ ْأوِيلً}.
وقال تعال{ :وَاعَْتصِمُوْا بِحَبْ ِل الّلهِ جَمِيعا وَلَ َت َفرّقُوْا وَاذْ ُكرُوْا ِنعْمَةَ الّلهِ َعلَيْ ُكمْ ِإذْ ُكنْتُمْ َأعْدَآءً فَأَلّفَ
َبيْنَ ُقلُوبِكُمْ فََأصَْبحْتُ ْم بِِنعْمَِتهِ إِ ْخوَانا وَكُْنتُ ْم عَلَى َشفَا ُحفْ َر ٍة مّنَ النّارِ فَأَنقَذَكُ ْم مّْنهَا كَذِلكَ يُبَيّنُ الّلهُ َلكُمْ
آيَاِتهِ َلعَلّكُ ْم َتهْتَدُونَ},وقد أخرج ابن جرير وغيه عن ابن مسعود ف قوله تعال{ :وَاعَْتصِمُوْا بِحَبْ ِل الّلهِ
جَمِيعا} قال" :حبل ال القرآن" ،فأمر تعال بالعتصام بكتابه والجتماع على ذلك ،ونى عن التفرق
والختلف الذي منشأه من اتباع الهواء والبدع والشهوات ،وعن أب شريح الزاعي قال :خرج علينا
رسول ال صلى ال عليه وسلّم فقال " أبشروا ،أليس تشهدون أن ل إله إل ال وأن رسول ال؟"،
قالوا :بلى قال" :إن هذا القرآن سبب طرفه بيد ال وطرفه بأيديكم فتمسكوا به ،فإنكم لن تضلوا
ولن تلكوا بعده أبدا " رواه الطبان ف الكبي ،وقد نى ال تعال عباده أن يتفرّقوا كما تفرّق واختلف
الذين من قبلهم من المم الاضية اتباعا لهوائهم ،من بعد ما جاءهم البيّنات الوجبة لدايتهم
واجتماعهم ,فقال تبارك وتعال{ :وَ َل تَكُونُواْ كَٱلّذِي َن َت َفرّقُوْا وَٱخَْتَلفُواْ مِن َبعْدِ مَا جَآ َءهُمُ ٱلَْبيّنَاتُ
س َو ّد وُجُوهٌ فََأمّا ٱلّذِي َن ٱ ْس َو ّدتْ وُجُو ُههُمْ أَ ْك َفرْتُمْ َبعْدَ
ض وُجُوٌه وَتَ ْ ب عَظِيمٌَ .ي ْومَ تَْبيَ ّوَُأوَْلـِٰئكَ َلهُمْ عَذَا ٌ
ضتْ ُوجُو ُههُمْ َففِي َرحْمَةِ ٱلّل ِه هُمْ فِيهَا ِإيَانِكُ ْم فَذُوقُواْ ٱْلعَذَابَ بِمَا كُنُْتمْ تَ ْك ُفرُونَ .وََأمّا ٱلّذِينَ ٱبَْي ّ
خَاِلدُونَ} ،وقد أخرج ابن جرير وابن أب حات عن ابن عباس ف قوله " :كالذين تفرّقوا واختلفوا "
قال :أمر ال الؤمني بالماعة وناهم عن الختلف والفرقة وأخبهم أنا هلك من كان قبلكم بالراء
والصومات ف دين ال ".
وأخرج ابن جرير عن الربيع ف قوله{ :كَٱلّذِينَ َت َفرّقُوْا وَٱخَْتَلفُواْ} قال" :هم أهل الكتاب نى ال أهل
السلم أن يتفرّقوا ويتلفوا ،كما تفرّق واختلف أهل الكتاب".
وأخرج عبد بن حيد عن السن " قال :كيف يصنع أهل هذه الهواء البيثة بذه الية ف آل عمران
{كَٱلّذِينَ َت َفرّقُواْ وَٱ ْختََلفُوْا مِن َبعْ ِد مَا جَآ َءهُمُ ٱلْبَيّنَاتُ}قال :نبذوها وربّ الكعبة وراء ظهورهم " .
السياسة الشرعية
37
ض وجوه أهل اليان ،وتسو ّد وجوه أهل الكفر س َو ّد وُجُوهٌ} أي تبي ّ ض وُجُوٌه وَتَ ْ
و قوله تعالَ{ :ي ْومَ تَْبيَ ّ
وأهل البدعة والفرقة .وقد أخرج ابن أب حات وغيه عن ابن عباس ف قوله تعالَ{ :ي ْومَ َتبَْيضّ ُوجُوهٌ
س َو ّد وُجُوهٌ} قال" :تبيضّ وجوه أهل السنة والماعة ،وتسودّ وجوه أهل البدعة والضللة ". وَتَ ْ
سَتقِيما فَٱتِّبعُو ُه وَلَ تَتِّبعُواْ ٱلسّبُ َل فََت َفرّقَ بِكُ ْم عَن َسبِيِلهِ ذٰلِكُمْ
صرَاطِي مُ ْ وقال تعال{ :وَأَ ّن َهـٰذَا ِ
َوصّاكُمْ ِبهِ َلعَلّكُمْ َتّتقُونَ} ،وقد أخرج المام أحد وغيه عن ابن مسعود رضي ال عنه قال " :خطّ
رسول ال صلى ال عليه وسلّم خطاّ بيده ،ث قال" :هذا سبيل ال مستقيما" ث خطّ خطوطا عن يي
ذلك الط وعن شاله ،ث قال" :وهذه السبل ليس منها سبيل إل عليه شيطان يدعو إليه" ،ث قرأ:
صرَاطِي مُسَْتقِيما فَٱتِّبعُوهُ وَلَ َتتِّبعُواْ ٱلسّبُلَ َفَتفَرّقَ ِبكُ ْم عَن سَبِيِلهِ} ". {وَأَ ّن َهـٰذَا ِ
سَتقِيما فَٱتِّبعُو ُه وَلَصرَاطِي مُ ْ وأخرج عبد بن حيد وأبو الشيخ عن قتادة ف قوله تعال {وَأَ ّن َهـٰذَا ِ
َتتِّبعُواْ ٱلسُّبلَ} قال "اعلموا إنا السبيل سبيل واحد ،جاعه الدى ومصيه النّة ،وأن إبليس اشترع سبل
متفرّقة ،جاعها الضللة ومصيها النار".
وأخرج عبد بن حيد وغيه عن ماهد ف قوله تعال{ :وَ َل تَتِّبعُواْ ٱلسّبُلَ} قال :البدع والشبهات"،
وأخرج ابن جرير وابن أب حات عن ابن عباس{ :وَ َل تَتِّبعُواْ ٱلسّبُلَ} قال" :الضللت" ،فوحّد ال تعال
سبيل الق ,وعدّد سبل الضللة ف الية لكثرتا ،كما وحّد ال تعال النور وعدّد الظلمات ف قوله
خرِ ُجهُ ْم مّنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّو ِر وَالّذِينَ َك َفرُواْ َأوْلِيَآ ُؤهُمُ الطّاغُوتُتعال{ :الّل ُه وَلِيّ الّذِي َن آمَنُوْا يُ ْ
خرِجُوَنهُ ْم مّنَ النّورِ إِلَى الظّلُمَاتِ ُأوْلَـِئكَ َأصْحَابُ النّارِ هُ ْم فِيهَا خَالِدُونَ} فصراط ال تعال الستقيم يُ ْ
واحد وهو دين السلم ،وأما طرق الشيطان فهي كثية ومتعدّدة ،وهي الت تشعّبت بأكثر الناس،
وأخذت بم إل أنواع الكفر وصنوف النراف.
و قد أمر ال تعال عباده بإقامة الدين وعدم التفرق فيه ،فقال تبارك وتعالَ { :شرَعَ َلكُم مّنَ ٱلدّي ِن مَا
ك َومَا َوصّيْنَا ِبهِ إِْبرَاهِي َم َومُوسَ ٰى َوعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدّي َن وَلَ تََت َفرّقُواْ
َوصّىٰ ِبهِ نُوحا وَٱلّ ِذيۤ َأوْ َحيْنَآ ِإلَْي َ
فِيهِ}.
وقد أخب النب صلى ال عليه وسلّم أن المة سوف تفترق ،وبيّن سبيل النجاة عند الفتراق والختلف،
كما ف حديث العرباض بن سارية رضي ال عنه أنه سع رسول ال صلى ال عليه وسلّم يقول " :لقد
تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها ،ل يزيغ عنها إل هالك " رواه ابن أب عاصم ف كتاب
السنة ،وعنه رضي ال عنه قال :وعظنا رسول ال صلى ال عليه وسلّم موعظة بليغة وجلت منها
القلوب ،وذرفت منها العيون ،فقلنا :يا رسول ال كأنا موعظة مودّع فأوصنا ،قال" :أوصيكم بتقوى
ال والسمع والطاعة وإن تأمّر عليكم عبد حبشيّ ،وأنه من يعش منكم فسيى اختلفا كثيا،
فعليكم بسنّت وسنة اللفاء الراشدين الهديّي ،عضوا عليها بالنواجذ ،وإيّاكم ومدثات المور ،فإن
السياسة الشرعية
38
كل بدعة ضللة" رواه أبو داود والترمذي ،وقد روى عوف بن مالك عن النب صلى ال عليه وسلّم أنه
قال" :افترقت اليهود على إحدى وسبعي فرقة فواحدة ف النة وسبعون ف النار ،وافترقت النصارى
على ثنتي وسبعي فرقة فإحدى وسبعون ف النار وواحدة ف النة ،والذي نفس ممد بيده لتفترقن
أمت على ثلث وسبعي فرقة واحدة ف النة وثنتان وسبعون ف النار" قيل :يا رسول ال من هم؟
قال" :الماعة" رواه ابن ماجة ،وف رواية عبد ال بن عمرو :قالوا :ومن هي يا رسول ال؟ قال" :ما أنا
عليه وأصحاب" رواه الترمذي ،فبيّن صلى ال عليه وسلّم أن الطائفة الناجية هي الت تكون على مثل ما
كان عليه النب صلى ال عليه وسلّم وأصحابه رضي ال عنهم ،وهو التمسّك بالقرآن والسنة علما
وعمل والجتماع عليهما ،وقد قال تعال{ :وَٱلسّاِبقُو َن ٱ َلوّلُونَ مِنَ ٱلْ ُمهَا ِجرِي َن وَٱلَْنصَا ِر وَٱلّذِينَ
جرِي تَحَْتهَا ٱلَْنهَارُ خَالِدِي َن فِيهَآ َأبَدا ٱتَّبعُوهُم بِإِ ْحسَا ٍن ّرضِيَ ٱلّلهُ َعْنهُمْ َو َرضُوْا عَْن ُه وََأعَدّ َلهُمْ َجنّاتٍ تَ ْ
ذِٰلكَ ٱْل َف ْوزُ ٱْلعَظِيمُ} ,وقال صلى ال عليه وسلّم" :خيكم قرن ث الذين يلونم ث الذين يلونم ث
يكون بعدهم قوم يشهدون ول يستشهدون ويونون ول يؤتنون ويَنذُرون ول يوفون وتظهر فيهم
السمن" رواه البخاري ومسلم.
وقال عبد ال بن مسعود رضي ال عنه" :من كان منكم مستنّا فليست بن قد مات فإن الي ل تؤمن
عليه الفتنة ،أولئك أصحاب ممد صلى ال عليه وسلّم كانوا أفضل هذه المة :أبرّها قلوبا ،وأعمقها
علما ،وأقلّها تكلّفا ،قوم اختارهم ال لصحبة نبيّه وإقامة دينه ،فاعرفوا لم فضلهم ،واتبعوهم ف آثارهم،
وتسّكوا با استطعتم من أخلقهم ودينهم ،فإنم كانوا على الدى الستقيم " ،وقال أيضا رضي ال
عنه" :إن ال نظر ف قلوب العباد فوجد قلب ممد صلى ال عليه وسلّم خي قلوب العباد فاصطفاه
لنفسه فابتعثه برسالته ،ث نظر ف قلوب العباد بعد قلب ممد فوجد قلوب أصحابه خي قلوب العباد،
فجعلهم وزراء نبيّه يقاتلون عن دينه ،فما رأى السلمون حسنا ،فهو عند ال حسن وما رأوا سيّئا فهو
عند ال سيّء " رواه المام أحد.
وأخرج ابن أب حات عن مالك قال :كان عمر بن عبد العزيز يقول" :سن رسول ال صلى ال عليه
وسلم وولة المر من بعده سننا الخذ با تصديق لكتاب ال واستكمال لطاعة ال وقوة على دين ال،
ليس لحد تغييها ول تبديلها ول النظر فيما خالفها ،من اقتدى با مهتد ومن استنصر با منصور ،ومن
خالفها اتبع غي سبيل الؤمني ووله ال ما تول وصله جهنم وساءت مصيا " ،وولة المر ف هذا
الثر هم اللفاء الراشدون رضي ال عنهم ،قال المام الشاطب رحه ال" :وكان يعجبهم فإنه كلم
متصر جع أصول حسنه من السنة ،منها ما نن فيه ،لن قوله ليس لحد تغييها ول تبديلها ول النظر
ف شيء من خالفها .قطع لادة البتداع جله ،وقوله" :من عمل با مهتد" إل آخر الكلم مدح لتبع
السياسة الشرعية
39
السنة وذم لن خالفها بالدليل الدال على ذلك ،وهو قول ال سبحانه وتعالَ { :ومَن يُشَاِققِ الرّسُو َل مِن
ت مَصِيًا} ومنها ما َبعْ ِد مَا تََبيّنَ َلهُ اْلهُدَى وَيَتّبِ ْع غَْيرَ َسبِي ِل الْ ُم ْؤمِِنيَ ُنوَّلهِ مَا َت َولّى وَُنصِْلهِ َجهَنّ َم وَسَاء ْ
سنه ولة المر من بعد النب صلى ال عليه وسلم فهو سنة ول بدعة فيه ألبتة ،وإن ل يعلم ف كتاب ال
ول سنة نبيه صلى ال عليه وسلم نص عليه على الصوص ،فقد جاء ما يدل عليه ف الملة ،وذلك
نص حديث العرباض بن سارية رضي ال عنه ،حيث قال فيه" :فعليكم بسنت وسنة اللفاء الراشدين
والهديي تسكوا با وعضوا عليها بالنواجذ وإٍياكم ومدثات المور" فقرن عليه السلم كما ترى سنة
اللفاء الراشدين بسنته ،وأن من اتباع سنته اتباع سنتهم ،وأن الحدثات خلف ذلك ليست منها ف
شيء ،لنم رضي ال عنهم فيما سنوه ،إما متبعون لسنة نبيهم عليه السلم نفسها ،وإما متبعون لا
فهموا من سنته صلى ال عليه وسلم ف الملة والتفصيل على وجه يفى على غيهم مثله ل زائد على
ذلك ...ومن الصول الضمنة ف أثر عمر بن عبد العزيز أن سنة ولة المر وعملهم تفسي لكتاب ال
وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم لقوله :الخذ با تصديق لكتاب ال ،واستكمال لطاعة ال ،وقوة على
دين ال ،وهو أصل مقرر ف غي هذا الوضع ،فقد جع كلم عمر بن عبد العزيز رحه ال أصول حسنة
وفوائد مهمة ".)11
قال ابن أب العز رحه ال " :السنة طريقة الرسول صلى ال عليه وسلّم ،والماعة جاعة السلمي ،وهم
الصحابة والتابعون لم بإحسان إل يوم الدين ،فاتباعهم هدى وخلفهم ضلل ،قال ال تعال لنبيّه صلى
حبِبْكُ ُم الّل ُه وََي ْغ ِفرْ َلكُ ْم ذُنُوبَكُ ْم وَالّل ُه َغفُو ٌر رّحِيمٌ}
حبّونَ الّلهَ فَاتِّبعُونِي يُ ْال عليه وسلّمُ{ :قلْ إِن كُنُتمْ تُ ِ
وقالَ { :ومَن يُشَاقِ ِق الرّسُو َل مِن َبعْ ِد مَا تََبيّنَ َلهُ اْلهُدَى وَيَتّبِ ْع غَْيرَ سَبِيلِ الْ ُم ْؤمِِنيَ ُنوَّلهِ مَا َتوَلّى َوُنصِْلهِ
ت َمصِيا} ".)22
َجهَنّ َم وَسَآءَ ْ
وقال شيخ السلم ابن تيمية رحه ال عن الصحابة رضي ال عنهم " :ولذا كان معرفة أقوالم ف
العلم والدين وأعمالم خي وأنفع من معرفة أقوال التأخرين وأعمالم ف جيع علوم الدين وأعماله:
كالتفسي وأصول الدين وفروعه والزهد والعبادة والخلق والهاد وغي ذلك ،فإنم أفضل من بعدهم،
كما دل عليه الكتاب والسنة ،فالقتداء بم خي من القتداء بن بعدهم ،ومعرفة إجاعهم ونزاعهم ف
العلم والدين خي وأنفع من معرفة ما يذكر من إجاع غيهم ونزاعهم ،وذلك أن إجاعهم ل يكون إل
معصوما ،وإذا تنازعوا فالق ل يرج عنهم فيمكن طلب الق ف بعض أقوالم ،ول يكم بطأ قول من
أقوالم حت يعرف دللة الكتاب والسنة على خلفه قال تعال{ :أَطِيعُواْ الّل َه وَأَطِيعُواْ الرّسُو َل وَُأوْلِي
)1العتصام 1
)2العتصام 2
السياسة الشرعية
41
لوَِتهِ} قال" :أي يل حلله وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن ابن مسعود قال ف قولهَ{ :يتْلُوَنهُ َحقّ تِ َ
ويرّم حرامه ،و يقرأ ه كما أنزل ،ول يرف الكلم عن مواضعه ،ول يتأوّل منه شياء غي تأويله".
لوَِتهِ} قال " :يتبعونه حق اتباعه". وأخرج ابن جرير عن ماهد ف قوله تعال{ :يَْتلُوَنهُ حَقّ ِت َ
لوَِتهِ ُأوْلَِئكَ
و أخرج ابن أب حات عن زيد بن أسلم ف قوله تعال{ :الّذِينَ آتَْينَاهُمُ الْكِتَابَ َيتْلُوَنهُ حَ ّق تِ َ
ُي ْؤمِنُونَ ِبهِ} قال" :يتكلّمون به كما أنزل ول يكتمونه".
وعن القاسم بن معوّف الشيبان قال :سعت ابن عمر يقول :لقد لبثنا برهة من الدهر وأحدنا ليؤتى
اليان قبل القرآن ،تنل السورة على ممد صلى ال عليه وسلم فنتعلم حللا وحرامها وأمرها
وزجرها ،وما ينبغي أن يوقف عنده منها ،كما يتعلم أحدكم السورة ،ولقد رأيت رجال يؤتى أحدهم
القرآن قبل اليان ،يقرأ ما بي فاتته إل خاتته ما يعرف حلله ول حرامه ول أمره ول زاجره ،ول ما
ينبغي أن يقف عنده منه ،وينثره نثر الدقل". )11
وعن جندب بن عبد ال قال :كنا مع النب صلى ال عليه وسلم ونن فتيان ،فتعلّمنا اليان قبل أن
نتعلّم القرآن ،ث تعلّمنا القرآن فازددنا به إيانا".)22
و قال السن " :من أحب أن يعلم ما هو فليعرض نفسه على القرآن".)33
وقال ابن جرير حدثنا ابن حيد ،قال :حدثنا جرير ،عن عطاء ،عن أب عبد الرحن ،قال" :حدثنا الذين
كانوا يقرئوننا أنم كانوا يستقرئون من النب صلى ال عليه وسلم ،فكانوا إذا تعلموا عشر آيات ل
يلفوها حت يعملوا با فيها من العمل ،فتعلمنا القرآن والعمل جيعا ".
وقال ابن جرير حدثنا ممد بن علي بن السن بن شقيق الروزي ،قال :سعت أب يعقوب يقول :حدثنا
السي بن واقد ،قال :حدثنا العمش ،عن شقيق ،عن ابن مسعود ،قال " :كان الرجل منا إذا تعلم
عشر آيات ل ياوزهن حت يعرف معانيهن والعمل بن " ،فتأمل قوله رضي ال عنه " حت يعرف
معانيهن والعمل بن " وهو يبي منهج الصحابة رضي ال عنهم ف تلقي القرآن ،فقد كانوا يتدبرون
آياته ،وينقادون لوامره وينتهون عما نى عنه ،وبذا حصل لم التمكي ف الرض والنصر على
أعدائهم ،وهذه الداية ف التلقي هي الت خالفهم با كثي من اللف ،وهذه الخالفة ف التلقي عند
الكثي من اللف هي السبب القيقي ف تنكب الكثي عن التمسك بالكتاب والسنة علما وعمل ف
السياسة وغيها ،وإبطائهم عن الهاد ف سبيل ال ،وهي السبب القيقي وراء ظاهرة غياب من تصل
باب :العقل
لقد أرسل ال تعال الرسل عليهم الصلة والسلم بالكتاب واليزان ليقوم الناس بالقسط ،وهو العدل
ب وَالْمِيزَانَ ِلَيقُومَ النّاسُ ت وَأَنزَلْنَا مَ َعهُمُ اْلكِتَا َ
والق ،كما قال ال تعالَ{ :لقَدْ َأرْسَ ْلنَا رُسَُلنَا بِالَْبيّنَا ِ
ص ُرهُ َورُ ُسَلهُ بِاْلغَْيبِ إِنّ الّلهَ َق ِويّ
س وَِلَيعْلَمَ الّل ُه مَن يَن ُ
سطِ وَأَنزْْلنَا الْحَدِي َد فِيهِ بَ ْأسٌ شَدِي ٌد َومَنَافِعُ لِلنّا ِبِاْلقِ ْ
َعزِيزٌ} ،فجعل تعال القصود من إرسال الرسل وإنزال الكتب أن يقوم الناس بالقسط وهو العدل ف
حقوق ال وحقوق العباد ،وجعل ال تعال الكتاب واليزان متلزمي كما ف هذه الية وكما ف قوله
تعال{ :ٱلّلهُ ٱلّ ِذيۤ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ بِٱْلحَ ّق وَٱلْمِيزَا َن َومَا يُ ْدرِيكَ َلعَلّ ٱلسّا َعةَ َقرِيبٌ} ،وقال تعال:
{وَٱلسّمَآ َء رََف َعهَا َووَضَعَ ٱلْمِيزَانَ .أَ ّل تَ ْط َغوْاْ فِي ٱلْمِيزَانِ} أي ووضع العدل لتكون أحوال اللق كلها
قائمة بالعدل والق ،واليزان هو العدل وما يعرف به العدل كالقيسة الصحيحة ،والعلل والكم
الشرعية ،واليزان العروف ونوه ،والفطر والعقول السليمة فإن ال تعال فطر العباد على توحيده تبارك
س عََلْيهَا لَ َتبْدِيلَ ِلخَلْقِ وتعال كما قال ال تعال{ :فََأقِ ْم وَ ْج َهكَ لِلدّينِ َحنِيفا فِ ْط َرةَ الّلهِ الّتِي فَ َطرَ النّا َ
ك الدّي ُن اْلقَيّ ُم وَلَـكِنّ أَ ْكَثرَ النّاسِ لَ َيعْلَمُونَ} فأمر تعال بأن يسدّد وجهه وقصده لذ الدين الّلهِ ذَِل َ
خلْ ِق الّلهِ} أي ل تغيّروا الناس الذي هو فطرة ال تعال الت فطر الناس عليها،وقوله تعال{ :لَ تَبْدِيلَ لِ َ
عن فطرتم الت فطرهم ال عليها ،فيكون خبا بعن الطلب ،وقيل :العن أن ال تعال خلق العباد،
وسوّى بينهم ف الفطرة ،ول اختلف بينهم ف أصل الفطرة ،وإنا تفسد الفطرة با يطرأ عليها من الكفر
والنراف ،كما جاء عن أب هريرة رضي اال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :ما من
مولود إل يولد على الفطرة ،فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يجّسانه ،كما تنتج البهيمة بيمة جعاء،
هل تسّون فيها من جدعاء؟" ث يقول {فِ ْط َرةَ الّلهِ الّتِي فَ َطرَ النّا َ
س عََلْيهَا لَا َتبْدِي َل لِخَ ْلقِ الّلهِ ذَِلكَ الدّينُ
اْل َقيّمُ} رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري ،أي تلد البهيمة بيمة جعاء ،وهي الت ل نقص ف
خلقها ،فل يس فيها من جدعاء وهي مقطوعة الذن ،والعن أن أهلها هم الذين غيّروا خلقها بدع
أذنا ،وكذلك الولود يولد وقد فطر على معرفة التوحيد ,ولكن أبواه يغيّرانه عن فطرته ،وقال صلى ال
عليه وسلم" :قال ال عز وجل :إن خلقت عبادي حنفاء فجاءتم الشياطي فاجتالتهم عن دينهم"
رواه مسلم.
وقال تعال{ :أَفَمَن كَا َن َعلَى َبيَّن ٍة مّن رّّبهِ وََيتْلُوهُ شَاهِ ٌد مّْنهُ} فالؤمن على إيان وهدى من ربه ،ويتبع
هذا اليان ويوافقه ول يالفه شاهد من ال وهو القرآن.
السياسة الشرعية
45
و قال ال تبارك وتعال{ :ٱلّلهُ نُورُ ٱلسّمَاوَاتِ وَٱ َل ْرضِ مََثلُ نُو ِرهِ كَ ِمشْكَاةٍ فِيهَا ِمصْبَاحٌ ٱلْ ِمصْبَاحُ فِي
ج َرةٍ مّبَارَ َك ٍة زَيْتُونَةٍ لّ َشرِْقيّ ٍة وَ َل َغرِْبيّةٍ َيكَادُ َزيُْتهَا
ب ُدرّيّ يُوقَ ُد مِن َش َ
زُجَا َج ٍة ٱلزّجَا َجةُ كَأَّنهَا َكوْ َك ٌ
س وَٱلّلهُضرِبُ ٱلّل ُه ٱ َلمْثَالَ لِلنّا ِ سهُ نَارٌ نّورٌ َعلَىٰ نُورٍ َيهْدِي ٱلّلهُ لِنُو ِر ِه مَن يَشَآ ُء وََي ْ
سْ ُيضِ ۤيءُ وََلوْ َلمْ تَمْ َ
بِكُ ّل شَ ْيءٍ َعلَيِمٌ} ،قال المام ابن القيم رحه ال " والصباح هو نور اليان ف قلبه ،والشجرة الباركة
هي شجرة الوحي التضمّنة للهدى ودين الق ،وهي مادّة الصباح الت يتّقد منها ،والنورعلى النور
نورالفطرة الصحيحة والدراك الصحيح ،ونور الوحي والكتاب ،فينضاف أحد النورين إل الخر،
فيزداد العبد نورا على نور ،ولذا يكاد ينطق بالق والكمة قبل أن يسمع ما فيه بالثر ،ث يبلغه الثر
بثل ما وقع ف قلبه ونطق به ،فيتفق عنده شاهد العقل والشرع والفطرة والوحي ،فييه عقله وفطرته
وذوقه الذي جاء به الرسول هو الق ،ل يتعارض عنده العقل والنقل ألبتة ،بل يتصادقان ويتوافقان،
فهذا علمة النور على النور ،عكس من تلطمت ف قلبه أمواج الشبه الباطلة ،واليالت الفاسدة من
حرٍ لّجّيّ الظنون الهليّات الت يسميها أهلها القواطع العقليّات ،فهي ف صدره {َأوْ َكظُلُمَاتٍ فِي بَ ْ
ضهَا َفوْقَ َبعْضٍ ِإذَا َأ ْخرَجَ يَ َدهُ لَمْ َيكَدْ َيرَاهَا َومَن ج مّن َفوِْق ِه َموْجٌ مّن َف ْوِقهِ َسحَابٌ ُظلُمَاتٌ َب ْع ُ َيغْشَا ُه َموْ ٌ
جعَلِ الّلهُ َلهُ نُورًا فَمَا َل ُه مِن نّورٍ} .)11
لّمْ َي ْ
فالقلب السليم الباقي على فطرته يطمئنّ إل الق ،ويصدقه ويؤمن به ،وينكر الكذب والباطل ول
يطمئن إليه ،بل يدث له ريبة وقلقا لخالفته لفطرته السليمة ،وقد قال صلى ال عليه وسلم "الب حسن
اللق والث ما حاك ف نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس" رواه مسلم.
ب ما سكنت
وعن أب ثعلبة الشن قال :قلت :يا رسول ال أخبن ما ي ّل ل وما يرم علي قال" :ال ّ
إليه النفس واطمأن إليه القلب ،والث ما ل تسكن إليه النفس ول يطمئن إليه القلب ،وإن أفتاك
الفتون" رواه أحد.
وعن أب أمامة رضي ال عنه قال :سأل رجل النب صلى ال عليه وسلم :ما الث؟ قال" :إذا حاك ف
نفسك شيء فدعه" قال :فما اليان؟ قال" :إذا ساءتك سيّئتك وسرّتك حسنتك فأنت مؤمن" رواه
أحد.
وعن عبد ال بن مسعود رضي ال عنه قال " :الث حواز القلوب" وف رواية " حواز الصدور" وف
رواية " ما كان من نظرة فللشيطان فيها مطمع والث حواز القلوب" رواه الطبان ،قال ابن رجب رحه
ال" :وهذا يدل على أن ال فطر عباده على معرفة الق ،والسكون إليه وقبوله ،وركز ف الطباع مبة
ذلك والنفور من ضده ...ولذا سى ال ما أمر به معروفا وما نى عنه منكرا ،فقال تعال{ :إِ ّن الّلهَ يَ ْأ ُمرُ
تتميز الشريعة السلمية بزايا تتلف فيها اختلفا كامل عن جيع القواني والنظمة الت هي من تشريع
البشر ،ومن هذه الزايا:
سادسا :كمال الشريعة السلمية وشولا ووفاؤها بميع الحكام والقضية ف كل زمان ومكان:
لقد جاءت الشريعة السلمية بالنصوص والقواعد العامة والحكام الكلية ،الت تندرج فيها جيع
الوادث والنوازل الطارئة إل يوم القيامة ،وقد ال تعال{ :ٱلَْي ْومَ أَكْمَ ْلتُ لَ ُكمْ دِينَكُ ْم وََأتْمَ ْمتُ َعلَيْكُمْ
ل َم دِينا} ,قال المام الشاطب رحه ال" :إن ال تعال أنزل الشريعة على ِنعْمَتِي َو َرضِيتُ لَكُ ُم ٱلِسْ َ
رسوله صلى ال عليه وسلم فيها تبيان كل شىء ،يتاج إليه اللق ف تكاليفهم الت أمروا با ،وتعبداتم
الت طوقوها ف أعناقهم ،ول يت رسول ال صلى ال عليه وسلم حت كمل الدين بشهادة ال تعال
السياسة الشرعية
72
لمَ
بذلك ،حيث قال تعال{ :ٱلَْي ْومَ أَكْمَ ْلتُ لَ ُكمْ دِينَكُ ْم وََأتْمَ ْمتُ َعلَيْكُ ْم ِنعْمَتِي َو َرضِيتُ لَكُ ُم ٱلِسْ َ
دِينا} ,فكل من زعم أنه بقي ف الدين شيء ل يكمل فقد كذب بقوله{ :ٱلَْي ْومَ أَكْمَ ْلتُ لَ ُكمْ}...
ولكن الراد كلياتا فلم يبق للدين قاعدة يتاج إليها ف الضروريات والاجيات أو التكميليات إل وقد
بينت غاية البيان .نعم يبقى تنيل الزئيات على تلك الكليات موكول إل نظر الجتهد ،فإن قاعدة
الجتهاد أيضا ثابتة ف الكتاب والسنة ،فل بد من إعمالا ول يسع تركها" ,)11وعن أب ذر رضي ال
عنه قال " :تركنا رسول ال صلى ال عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه ف الواء إل وهو يذكرنا منه
علما قال فقال صلى ال عليه وسلم "ما بقي شيء يقرب من النة ويباعد من النار إل وقد بي لكم"
رواه الطبان ف الكبي.
شرَىٰ ِللْمُسِْل ِميَ .إِنّ ٱلّلهَ يَ ْأ ُمرُ
وقال تعالَ { :وَنزّلْنَا َعلَْيكَ ٱلْكِتَابَ ِتبْيَانا لّكُ ّل شَ ْيءٍ َوهُدًى َورَحْمَ ًة وَُب ْ
بِٱْلعَدْ ِل وَٱلحْسَانِ وَإِيتَآ ِء ذِي ٱْل ُقرْبَ ٰى وَيَْنهَ ٰى عَنِ ٱْلفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْ َك ِر وَٱلَْبغْيِ َيعِظُكُ ْم َلعَلّكُمْ تَ َذ ّكرُونَ},
أخرج ابن جرير عن ماهد ف قوله تعال {ِتبْيَانا لّ ُكلّ شَ ْيءٍ} قال" :ما أحل لم وحرم عليهم " وف
رواية " :ما أمر به وما نى عنه " ,وقال العلمة السعدي رحه ال " :وقوله{ :وََنزّْلنَا عََلْيكَ ٱلْ ِكتَابَ
ِتبْيَانا لّكُلّ َش ْيءٍ} ف أصول الدين وفروعه ،وف أحكام الدارين ،وكل ما يتاج إليه العباد ،فهو مبي فيه
أت تبيي ،بألفاظ واضحة ،ومعان جلية ،حت إنه تعال يثن فيه المور الكبار ،الت يتاج القلب لرورها
عليه كل وقت ،وإعادتا ف كل ساعة ،ويعيدها ،ويبديها بألفاظ متلفة وأدلة متنوعة ،لتستقر ف القلوب
فتثمر من الي والب ،بسب ثبوتا ف القلب .وحت إنه تعال يمع ف اللفظ القليل الواضح ،معان
كثية ،يكون اللفظ لا ،كالقاعدة والساس .واعتب هذا بالية الت بعد هذه الية ،وما فيها من أنواع
الوامر والنواهي ،الت ل تصى .فلما كان هذا القرآن تبيانا لكل شيء ،صار حجة ال على العباد
كلهم .فانقطعت به حجة الظالي ،وانتفع به السلمون ،فصار هدى لم ،يهتدون به إل أمر دينهم
ودنياهم ،ورحة ينالون به كل خي ف الدنيا والخرة ...فالعدل الذي أمر ال به ،يشمل العدل ف حقه،
وف حق عباده .فالعدل ف ذلك ،أداء القوق كاملة موفورة ،بأن يؤدي العبد ما أوجب ال عليه من
القوق الالية والبدنية ،والركبة منهما ،ف حقه ،وحق عباده .ويعامل اللق بالعدل التام ،فيؤدي كل
وال ما عليه تت وليته ،سواء ف ذلك ولية المامة الكبى ،وولية القضاء ،ونواب الليفة ،ونواب
القاضي ،والعدل هو :ما فرضه ال عليهم ف كتابه ،وعلى لسان رسوله ،وأمرهم بسلوكه ،ومن العدل
ف العاملت ،أن تعاملهم ف عقود البيع والشراء وسائر العاوضات ،بإيفاء جيع ما عليك ،فل تبخس
لم حقا ،ول تغشهم ،ول تدعهم وتظلمهم فالعدل واجب ،والحسان فضيلة مستحبة ،وذلك كنفع
)1العتصام 1
السياسة الشرعية
73
الناس ،بالال والبدن ،والعلم ،وغي ذلك من أنواع النفع ،حت يدخل فيه الحسان إل اليوان البهيم
الأكول ،وغيه .وخص ال إيتاء ذوي القرب ـ وإن كان داخلً ف العموم ـ لتأكد حقهم ،وتعي
صلتهم وبرهم ،والرص على ذلك .ويدخل ف ذلك جيع القارب :قريبهم ،وبعيدهم ،لكن كل من
كان أقرب ،كان أحق بالب ،وقوله{ :وََيْنهَ ٰى عَن الفحشاءِ} وهو :كل ذنب عظيم ،استفحشته الشرائع
والفطر ،كالشرك بال ،والقتل بغي حق ،والزنا ،والسرقة ،والعجب ،والكب ،واحتقار اللق ،وغي ذلك
من الفواحش .ويدخل ف النكر ،كل ذنب ومعصية تتعلق بق ال تعال .وبالبغي ،كل عدوان على
اللق ،ف الدماء ،والموال ،والعراض ،فصارت هذه الية جامعة لميع الأمورات والنهيات ،ل يبق
شيء ،إل دخل فيها ،فهذه قاعدة ترجع إليها سائر الزئيات .فكل مسألة مشتملة على عدل ،أو
إحسان ،أو إيتاء ذي القرب ،فهي ما أمر ال به .وكل مسألة مشتملة على فحشاء أو منكر ،أو بغي،
فهي ما نى ال عنه .وبا يعلم حسن ما أمر ال به ،وقبح ما نى عنه .وبا يعتب ما عند الناس من
القوال ،وترد إليها سائر الحوال ،فتبارك من جعل من كلمه :الدى ،والشفاء ،والنور ،والفرقان بي
جيع الشياء" (تيسي الكري الرحن ).
وقال تعالَ{ :فمَن َيعْمَ ْل مِْثقَا َل َذ ّرةٍ َخيْرا َي َرهَُ .ومَن َيعْـمَ ْل مِْثقَا َل َذ ّرةٍ َشرّا َي َرهُ},وقال صلى ال عليه
وسلم "الَ ْيلُ ثلَثةٌ :هِي ِلرَجُ ٍل وِزرٌ ،وهِيَ ِلرَجُلٍ سِ ْترٌ ،وهِي لرجُلٍ أَ ْجرٌ ،فَأمّا الت هي ل ُه وزر فَرَجُلٌ
ربطَها رِياءً وفَخْرا ونِواءً عَلى َأهْلِ الِسْلمِ ،فهي َل ُه وِزرٌ ،وَأمّا الت هِيَ َلهُ سِ ْترٌَ ،فرَجُل ربَ َطهَا ف
سَبِي ِل ال ّلهُِ ،ثمّ ل ي ْنسَ حقّ ال ّلهِ ف ُظهُورِها ،ول رِقاباَ ،فهِي َلهُ ِس ْترٌ ،وَأمّا الت هِيَ َلهُ أَ ْجرٌ ،فرجُلٌ
ض ِة مِن
ضةٍ ،فَمَا أَ َكلَت مِن ذلك ا َلرْجِ أَو الرّو َ
رب َطهَا ف سبِي ِل ال ّلهِ َلهْل الِسْل ِم ف َمرْجٍ ،أَو رَو َ
شَيءٍ إِلّ كُتِب َل ُه عدد ما أَ َكلَت حسنَاتٌ ،وكُتِب لَه عدد َأ ْروَاِثهَا وأَْبوَاِلهَا حَسنَاتٌ ،وَل َتقْطَعُ
ِطوََلهَا فاستَنّت َشرَفا أَو شَرفَيْنِ إِلّ كَتَب ال ّلهُ َلهُ عددَ آثَا ِرهَا ،وَأ ْروَاثهَا حَسنَاتٍ ،ول مرّ با صاحُِبهَا
ب اللّه َلهُ ع َد َد ما َشرِبَت حَسنَاتٍ " .قِيلَ :يا
سقَِيهَا إِلّ كََت َ
عَلى َن ْه ٍر فَشَرِبَت مِ ْنهُ ،وَل يُريدُ أَ ْن يَ ْ
رسولَ الّلهِ فالُ ُمرُ؟ قال" :ما أُْنزِل علَيّ ف الُ ُمرِ شَيءٌ إِ ّل هذِهِ اليةُ اْلفَاذّةُ الَامِ َعةُ{ :فمن يعْملْ
مِثقَال ذ ّرةٍ َخيْرا يرهُ،ومَن يعْملْ مْثقَا َل َذ ّرةٍ َشرّا يرهُ} " مُّتفَقٌ عليهِ وهذا لفظُ مُسْلمٍ ,قال المام ابن
القيم رحه ال" :فقد بي ال سبحانه على لسان رسوله بكلمه وكلم رسوله جيع ما أمر به ،وجيع ما
نى عنه ،وجيع ما أحله ،وجيع ما حرمه ،وجيع ما عفا عنه ،وبذا يكون دينه كامل ،كما قال تعال:
لمَ دِينا} ولكن قد يقصر فهم {الَْي ْومَ أَكْمَ ْلتُ لَكُ ْم دِينَكُ ْم وَأَْتمَ ْمتُ َعلَيْكُ ْم ِنعْمَتِي َو َرضِيتُ َلكُمُ ٱلسْ َ
أكثر الناس عن فهم ما دلت عليه النصوص وعن وجه الدللة وموقعها وتفاوت المة ف مراتب الفهم
عن ال ورسوله ل يصيه إل ال ،ولو كانت الفهام متساوية لتساوت أقدام العلماء ف العلم ،ولا خص
السياسة الشرعية
74
سبحانه سليمان بفهم الكومة ف الرث ،وقد أثن عليه وعلى داود بالعلم والكم ،وقد قال عمر لب
موسى ف كتابه إليه :الفهم الفهم فيما أدل إليك .وقال علي :إل فهما يؤتيه ال عبدا ف كتابه وقال أبو
سعيد :كان أبو بكر أعلمنا برسول ال صلى ال عليه وسلم ،ودعا النب صلى ال عليه وسلم لعبد ال بن
عباس أن يفقهه ف الدين ويعلمه التأويل" ،وقال" :فإنه صلى ال عليه وسلم يأت بالكلمة الامعة ،وهي
قاعدة عامة وقضية كلية ،تمع أنواعا وأفرادا ،وتدل دللتي دللة طرد ودللة عكس .وهذا كما سئل
صلى ال عليه وسلم عن أنواع من الشربة كالبتع والزر ،وكان قد أوت جوامع الكلم فقال" :كل
مسكر حرام" ،و"كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد" ،و"كل قرض جر نفعا فهو ربا" ،و"كل شرط
ليس ف كتاب ال فهو باطل" ،و"كل السلم على السلم حرام دمه وماله وعرضه" ،و"كل أحد أحق
باله من ولده ووالده والناس أجعي" ،و"كل مدثة بدعة وكل بدعة ضللة" ،و"كل معروف صدقة"
وسى النب صلى ال عليه وسلم هذه الية جامعة فاذة {فمن يعْم ْل مِثقَال ذ ّرةٍ خَيْرا يرهُ،ومَن يعْملْ
سرُ وَالَنصَابُ مْثقَا َل َذ ّرةٍ َشرّا يرهُ} ومن هذا قوله تعال{ :يَـَأّيهَا الّذِي َن آمَنُواْ إِنّمَا الْخَ ْم ُر وَالْمَْي ِ
وَا َلزْ َل ُم رِ ْجسٌ مّ ْن عَمَ ِل الشّيْطَانِ فَاجَْتنِبُوهُ َلعَلّكُمْ ُت ْفلِحُونَ} فدخل ف المر كل مسكر جامدا كان أو
مائعا من العنب أومن غيه ،ودخل ف اليسر كل أكل مال بالباطل ،وكل عمل مرم ،يوقع ف العداوة
والبغضاء ،ويصد عن ذكر ال وعن الصلة ،ودخل ف قوله{ :قَدْ َف َرضَ الّلهُ لَكُمْ َتحِلّةَ أَيْمَانِكُمْ} كل
يي منعقدة ،ودخل ف قوله{ :يَسَْألُوَنكَ مَاذَآ أُحِلّ َلهُمْ ُقلْ أُحِلّ لَ ُكمُ الطّيّبَاتُ} كل طيب من الطاعم
والشارب واللبس والفروج ،ودخل ف قولهَ { :و َجزَآءُ سَيّئَةٍ َسيَّئ ٌة مّثُْلهَا} {فَ َمنِ اعْتَدَى عََليْكُمْ فَا ْعتَدُواْ
عََلْيهِ ِبمِثْ ِل مَا ا ْعتَدَى َعلَيْكُمْ} ما ل تصى أفراده من النايات وعقوباتا حت اللطمة والضربة والكسعة،
ش مَا َظ َه َر مِْنهَا َومَا بَطَ َن وَالِثْ َم وَالَْبغْيَ كما فهم الصحابة ودخل ف قولهُ{ :قلْ إِنّمَا َحرّ َم رَبّ َي اْل َفوَا ِح َ
شرِكُواْ بِالّلهِ مَا َلمْ يَُنزّ ْل ِبهِ ُسلْطَانا وَأَن َتقُولُوْا عَلَى الّلهِ مَا لَ َت ْعلَمُونَ} تري كل فاحشة ِبغَْيرِ الْحَ ّق وَأَن ُت ْ
ظاهرة وباطنة ،وكل ظلم وعدوان ف مال أو نفس أو عرض وكل شرك بال وإن دق ف قول أو عمل
أو إرادة ...وكل قول على ال ل يأت به نص عنه ول عن رسوله ف تري أو تليل أو إياب أو إسقاط
أو خب عنه باسم أو صفة نفيا أو إثباتا أو خبا عن فعله ،فالقول عليه بل علم حرام ف أفعاله وصفاته
ح ِقصَاصٌ} وجوبه ف كل جرح يكن القصاص منه ،وليس هذا جرُو َ
ودينه ،ودخل ف قوله {وَالْ ُ
تصيصا ،بل هو مفهوم من قوله {ِقصَاصٌ} وهو الماثلة ،ودخل ف قوله { َو َعلَى اْلوَا ِرثِ مِْثلُ
ذِلكَ}وجوب نفقة الطفل وكسوته ونفقة مرضعته على كل وارث قريب أو بعيد ،ودخل ف قوله
{وََلهُ ّن مِثْ ُل الّذِي َعلَْيهِ ّن بِالْ َم ْعرُوف} جيع القوق الت للمرأة وعليها".)11
باب :العدل
لقد جعل ال تعال الكتاب واليزان متلزمي ,فكل ما جاء به الشرع فهو موافق للميزان ,وكل ما
خالف الشرع فهو مالف للميزان ،واليزان هو العدل وما يعرف به العدل ,كما قال تعالَ( :لقَدْ َأرْ َسلْنَا
سطِ وَأَنزْْلنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَ ْأسٌ شَدِيدٌ
ب وَٱلْمِيزَانَ ِلَيقُومَ ٱلنّاسُ بِٱْلقِ ْ
ت وَأَنزَلْنَا َم َعهُمُ ٱلْكِتَا َ
رُسَُلنَا بِٱلْبَيّنَا ِ
ص ُرهُ َورُ ُسَلهُ بِٱْلغَْيبِ إِنّ ٱلّلهَ َق ِويّ َعزِيزٌ) ,فالعدل ف حق ال وف حق َومَنَافِعُ لِلنّاسِ وَِلَيعْلَمَ ٱلّل ُه مَن يَن ُ
العباد هو القصود من إرسال الرسل وإنزال الكتب ,وقال تعالَ { :ومَن لّمْ َيحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱلّلهُ
ك هُمُ ٱلظّالِمُونَ} ,فالية تدل على أن كل ما خالف شرع ال فهو ظلم وجور ولو ساه أهلها فَُأوَْلـِٰئ َ
عدل ,قال المام ابن القيم رحه ال" :فإن الشريعة مبناها وأساسها على الكم ومصال العباد ف العاش
والعاد وهي عدل كلها ،ورحة كلها ،ومصال كلها ،وحكمة كلها ،فكل مسألة خرجت عن العدل
إل الور ،وعن الرحة إل ضدها ،وعن الصلحة إل الفسدة ،وعن الكمة إل العبث ،فليست من
الشريعة ،وإن أدخلت فيها بالتأويل ،فالشريعة عدل ال بي عباده ،ورحته بي خلقه ،وظله ف أرضه،
وحكمته الدالة عليه ،وعلى صدق رسوله صلى ال عليه وسلم أت دللة وأصدقها" ,)11وقال تعال{ :إنّ
ٱلّلهَ يَ ْأ ُمرُكُمْ أَن تُؤدّوْا ٱ َلمَانَاتِ ِإلَىۤ َأهِْلهَا وَِإذَا حَكَمْتُ ْم بَيْنَ ٱلنّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱْلعَدْلِ} ,وقال تعال:
ك صِدْقا َوعَدْلً ّل مُبَدّلِ ِلكَلِمَاِتهِ َو ُهوَ ٱلسّمِيعُ ٱْلعَلِيمُ} أي صدقا ف الخبار وعدل ف {وَتَ ّمتْ َكلِمَ ُة رَّب َ
الحكام ,وقال تعال{ :إِنّ ٱلّلهَ يَ ْأ ُمرُ بِٱْلعَدْ ِل وَٱلحْسَا ِن وَإِيتَآ ِء ذِي ٱْل ُقرْبَ ٰى وَيَْنهَ ٰى عَنِ ٱْلفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْ َكرِ
وَٱلَْبغْيِ َيعِظُكُمْ َلعَلّكُمْ تَذَ ّكرُونَ} ,وقال تعال{ :وَِإذَا ُقلْتُمْ فَٱعْ ِدلُوْا وََلوْ كَا َن ذَا ُق ْربَىٰ} ,وقال تعال:
{إِ ّن َهـٰذَا ٱْل ُقرْآنَ ِيهْدِي لِلّتِي هِيَ أَ ْق َومُ} ,أي أصوب وأعدل ف العقائد والحكام وف جيع المور
والحوال والسياسات ,فمن اهتدى بالقرآن وتاكم إليه من الولة وغيهم فهم أقوم الناس وأعدلم,
وقال تعال{ :يٰدَاوُودُ إِنّا َجعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱ َل ْرضِ فَٱ ْحكُمْ بَْينَ ٱلنّاسِ بِٱْلحَ ّق وَلَ تَتّبِعِ ٱْل َهوَىٰ َفُيضِّلكَ
عَن سَبِيلِ ٱلّلهِ إِنّ ٱلّذِي َن َيضِلّونَ عَن سَبِيلِ ٱلّلهِ َلهُ ْم عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُوْا َي ْومَ ٱلْحِسَابِ} ,فبي ال
تعال أن الواجب على ولة المر الكم بي الناس بالق والعدل ,ونى عما يضاد العدل ويصد عن
حقّ َوِبهِ َيعْدِلُونَ} ,أي يهتدون سبيل ال وهو اتباع الوى ,وقال تعالَ { :ومِمّ ْن خََلقْنَآ ُأمّ ٌة َيهْدُونَ بِٱلْ َ
بالق ويهدون غيهم ,فهم صالون مصلحون لغيهم ,وبالعدل يكمون بي الناس ويقضون ,وهؤلء
سطِ ُشهَدَآءِ لّلهِ هم أئمة الناس ف العدل والداية ،وقال تعال{ :يَا َأّيهَا ٱلّذِي َن آمَنُواْ كُونُوْا َقوّا ِميَ بِٱْلقِ ْ
وََل ْو عَلَىۤ َأْنفُسِكُمْ َأوِ ٱْلوَالِدَْي ِن وَٱلَ ْق َرِبيَ إِن يَكُ ْن غَِنيّا َأوْ َفقَيا فَٱلّلهُ َأوْلَىٰ ِبهِمَا فَلَ َتتِّبعُواْ ٱْل َه َوىٰ أَن
باب الحضارة
إن الضارة القة هي الضارة الت تنشأ لتحقيق الغاية الت خلق لجلها النس والن ،وهي عبادة ال
وحده ل شريك له ،كما قال تعالَ { :ومَا خََل ْقتُ ٱلْجِ ّن وَٱلِنسَ إِ ّل لَِيعْبُدُونِ} ,وقال تعال{ :قُلْ إِنّ
سلِ ِميَ}, ت وَأَنَاْ َأوّلُ ٱلْمُ ْ
ي َومَمَاتِي لّلهِ َربّ ٱْلعَالَ ِميَ .لَ َشرِيكَ َلهُ َوبِذِٰلكَ ُأ ِمرْ ُ صَلَتِي وَُنسُكِي َومَحْيَا َ
وقال تعال عمن ظن أن ال تعال خلق اللق عبثا وباطل ،ول يلقهم لعبادتهَ { :ومَا خََل ْقنَا ٱلسّمَآءَ
جعَلُ ٱلّذِي َن آمَنُواْ
ل ذَِلكَ ظَنّ ٱلّذِينَ َك َفرُواْ َف َويْلٌ لّلّذِينَ َك َفرُوْا مِنَ ٱلنّارَِ .أمْ َن ْ ض َومَا بَْيَنهُمَا بَاطِ ً
وَٱ َلرْ َ
جعَلُ ٱلْمُّت ِقيَ كَٱْلفُجّارِ}. َوعَمِلُوْا ٱلصّالِحَاتِ كَٱْل ُمفْسِدِي َن فِي ٱ َلرْضِ َأمْ نَ ْ
و العبادة ف السلم ل تعن الرهبانية ،والنقطاع عن إعمار الرض ،والستفادة من خياتا ,واكتشاف
منافعها وكنوزها ,فإن النقطاع عن الصال والنافع الدنيوية ل يتوافق مع السلم ،الذي جاء لتكون
كلمة ال هي العليا,وتقام دولة السلم ،ويكم السلم ف جيع شؤون الياة ،وياهد ف سبيل
ال،وتعد العدة اللزمة ,ويقام العدل بي الناس ،ويتول ولة المور سياسة الرعية ,ورعاية شؤونم,
ض ذَلُولً فَٱمْشُوْا فِي وتأدية حقوقهم ,والحسان إليهم,وقد قال تعالُ { :هوَ ٱلّذِي َجعَلَ َلكُ ُم ٱ َلرْ َ
ت َومَا فِي ٱ َل ْرضِ خرَ لَكُ ْم مّا فِي ٱلسّمَاوَا ِ مَنَاكِِبهَا وَ ُكلُوْا مِن ّرزِْقهِ وَِإلَْيهِ ٱلنّشُورُ} ،وقال تعالَ { :وسَ ّ
جَمِيعا مّْنهُ إِنّ فِي ذَِلكَ ليَاتٍ ّل َق ْومٍ يََتفَ ّكرُونَ} ,وقال تعال{ :وََأعِدّواْ َلهُ ْم مّا ٱسْتَ َطعْتُ ْم مّن ُق ّو ٍة َومِن
خيْلِ ُت ْرهِبُو َن ِبهِ عَ ْدوّ ٱلّل ِه َوعَ ُدوّكُمْ وَآ َخرِينَ مِن دُوِنهِمْ لَ َت ْعلَمُوَنهُمُ ٱلّلهُ َيعْلَ ُمهُ ْم َومَا تُنفِقُوْا مِنرّبَاطِ ٱلْ َ
شَ ْيءٍ فِي سَبِيلِ ٱلّلهِ ُيوَفّ ِإلَيْكُ ْم وََأنْتُمْ لَ ُتظْلَمُونَ}.
فإن إعداد القوة ،وصناعة أنواع السلحة،و استخدام وسائل العلم الديثة ،وتصنيعها لبلغ الدعوة
وإرشاد الناس ,والتصدي لعلم العداء الفسد ،وتوفي جيع ما تتاجه البلد ف الجال التقن
والصناعي وغيها ما يساهم ف بناء الدولة السلمية ،وتقويتها ،وقيادتا للبشرية ،كل هذا من
الواجبات الشرعية ,الت ل يسع السلمي تركها ،فإن ما ل يتم الواجب إل به فهو واجب.
كما أن العلوم الدنيوية النافعة :كالطب ,والصناعة ,والزراعة وغيها ,هي من فروض الكفاية الت يب
على الدولة السلمية أن تقوم با ,وتؤهل من الرعية من يقوم بذا الفرض.
و أما الكفار فقد أعرضوا عن الغاية الت خلقهم ال لجلها ،وهي عبادته وحده ل شريك له ،وانصرفت
أذهانم وهمهم إل التمتع بالدنيا ،وتصيل شهواتا ،واستفرغوا ف هذا قدراتم وطاقاتم ،وبنوا على
هذا حياتم ودولم وسياساتم ،واقتصرت على هذا علومهم,وقد قال تعالَ { :وَلـٰكِنّ أَكَْثرَ ٱلنّاسِ لَ
حيَاةِ ٱلدّنْيَا َوهُ ْم عَنِ ٱل ِخ َر ِة هُمْ غَافِلُونَ} ,أخرج ابن جرير وغيه عن ابن َيعْلَمُونََ .يعْلَمُونَ ظَاهِرا منَ ٱلْ َ
السياسة الشرعية
84
عباس رضي ال عنهما أنه قال" :يعن معايشهم مت يغرسون ومت يزرعون ومت يصدون؟" ،وأخرج
ابن جرير وغيه عنه أنه قال" :يعرفون عمران الدنيا وهم ف أمر الخرة جهال" ،وأخرج ابن جرير
حيَاةِ الدّنْيَا} قال" :يعلمون تارتا وحرفتها وبيعها "،
وغيه عن قتادة ف قوله {َي ْعلَمُونَ ظَا ِهرًا مّنَ الْ َ
وأخرج ابن أب حات وغيه عن السن ف الية قال" :ليبلغ من حذق أحدهم بأمر دنياه أنه يقلب
الدرهم على ظفره ،فيخبك بوزنه ,وما يسن يصلي" ،وقال ابن كثي رحه ال " أي أكثر الناس ليس
لم علم إل بالدنيا وأكسابا وشؤونا وما فيها ،فهم حذاق أذكياء ف تصيلها ووجوه مكاسبها ،وهم
غافلون عما ينفعهم ف الدار الخرة ،كأن أحدهم مغفل ل ذهن له ول فكرة".)11
وقال تعال{ :فََأ ْع ِرضْ عَن مّن َتوَلّ ٰى عَن ذِ ْكرِنَا وَلَمْ ُي ِردْ إِلّ ٱلْحَيَاةَ ٱلدّْنيَا .ذَِلكَ مَْبَل ُغهُمْ منَ ٱْلعِلْمِ إِ ّن
ك ُهوَ َأ ْعلَمُ بِمَن ضَ ّل عَن َسبِيِلهِ َو ُهوَ َأعْلَ ُم بِمَ ِن ٱهْتَدَى} ،قال الزجاج" :إنا يعلمون ما يتاجون إليه رَّب َ
ف معايشهم وقد نبذوا أمر الخرة " ,وقال المام ابن كثي رحه ال" :أي أعرض عن الذي أعرض عن
الق واهجره .وقولهَ { :ولَمْ ُي ِردْ إِلّ ٱلْحََي ٰوةَ ٱلدّنْيَا} أي وإنا أكثر هه ومبلغ علمه الدنيا ،فذاك هو غاية
ك مَبَْل ُغهُ ْم مّنَ ٱْلعِ ْلمِ} أي طلب الدنيا والسعي لا هو غاية ما وصلوا ما ل خي فيه ،ولذا قال تعال{ :ذَِل َ
إليه ...وف الدعاء الأثور« :اللهم ل تعل الدنيا أكب هنا ،ول مبلغ علمنا" ،)21وقال صلى ال عليه
وسلم" :إن ال يبغض كل جعظري جواظ ،سخاب ف السواق ،جيفة بالليل ،حار بالنهار ،عال
بالدنيا ،جاهل بالخرة" رواه البيهقي ،وقال صلى ال عليه وسلم" :إن ال تعال يبغض كل عال بالدنيا
جاهل بالخرة" رواه الاكم ف تاريه ،فالساس الذي تقوم عليه حياة الكفار ،وما تدف إليه سياساتم
وقوانينهم ،هو توفي الكل ،وحصول التمتع بأنواعه :كالتمتع بالال واللباس والركب والسكن والتمتع
بارتكاب الفواحش كفاحشة الزنا وغيها ،والتمتع بسائر الحرمات كمشاهدة الفلم الحرمة واستماع
العازف وغيها ،والتمتع باللهو واللعب ,وتتع حكامهم الظلمة بالعلو ف الرض ،والتسلط على
الخرين ونب خياتم ،والنشغال بصناعة وإنتاج أدوات التعة والترف ،وقد قال ال تبارك وتعال:
{وَٱلّذِينَ َك َفرُواْ َيتَمَّتعُو َن وَيَأْ ُكلُونَ َكمَا تَأْكُ ُل ٱلَْنعَا ُم وَٱلنّا ُر مَْثوًى ّلهُمْ} ,فيتمتعون التاع القليل الليء
بالنغصات،والحشو بالرزايا والعقوبات،ث مصيهم إل جهنم وبئس الصي ,كما قال تعال{ :لَ َي ُغرّّنكَ
ع قَلِيلٌ ثُ ّم مَ ْأوَاهُمْ َج َهنّ ُم وَبِْئسَ ٱلْ ِمهَادُ} وقال تعالُ { :كلُوْا وَتَ َمّتعُواْ لدِ .مَتَا ٌ
َتقَّلبُ ٱلّذِينَ َك َفرُواْ فِي ٱلْبِ َ
ج ِرمُونَ} وقال تعال{ :قَا َل َومَن َك َفرَ فَُأمَت ُعهُ قَلِيلً ثُمّ َأضْ َط ّرهُ إِلَ ٰى عَذَابِ ٱلنّا ِر وَِبْئسَ َقلِيلً ِإنّكُ ْم مّ ْ
ٱلْ َمصِيُ} وقال تعالَ { :و َجعَلَ لِّلهِ أَندَادا لُيضِلّ عَن سَبِيِلهِ قُلْ َتمَتّعْ ِب ُكفْرِكَ َقلِيلً ِإّنكَ مِنْ َأصْحَابِ
المامة واجبة على السلمي ،وهي ضرورة لقيام دينهم،وحكمه ف الرض ،وإصلح أمور دنياهم
ومعاشهم ،وقد قال تعال ( :إِ ّن ٱلّلهَ يَ ْأ ُمرُكُمْ أَن تُؤدّوْا ٱ َلمَانَاتِ إِلَىۤ َأ ْهِلهَا وَِإذَا حَكَ ْمتُمْ َبيْنَ ٱلنّاسِ أَن
حكُمُواْ بِٱْلعَدْلِ إِ ّن ٱلّلهَ ِنعِمّا َيعِظُكُمْ ِبهِ إِنّ ٱلّلهَ كَانَ سَمِيعا َبصِيا .يَا َأّيهَا ٱلّذِي َن آمَنُواْ أَطِيعُوْا ٱلّلهَ تَ ْ
وَأَطِيعُوْا ٱلرّسُو َل وَُأوْلِي ٱ َلمْ ِر مِنْكُ ْم فَإِن تَنَا َزعْتُمْ فِي شَ ْيءٍ َف ُردّوهُ إِلَى ٱلّل ِه وَٱلرّسُولِ إِن كُْنتُمْ ُت ْؤمِنُونَ بِٱلّلهِ
سنُ تَ ْأوِيلً .أَلَ ْم َترَ ِإلَى ٱلّذِينَ َي ْزعُمُونَ أَّنهُ ْم آمَنُوْا بِمَآ أُْنزِلَ إَِلْيكَ َومَآ أُنزِلَ
وَٱلَْي ْومِ ٱل ِخ ِر ذِٰلكَ خَْي ٌر وَأَحْ َ
مِن قَْبِلكَ ُيرِيدُونَ أَن َيتَحَاكَ ُم ۤواْ إِلَى ٱلطّاغُوتِ َوقَدْ ُأ ِمرُوۤاْ أَن يَ ْك ُفرُواْ ِب ِه وَُيرِيدُ ٱلشّيْطَانُ أَن ُيضِّلهُ ْم ضَلَلً
َبعِيدا ) ,وقال أمي الؤمني عمر رضي ال عنه " إنه ل إسلم إل بماعة ,ول جاعة إل بإمارة ,ول
إمارة إل بطاعة ,فمن سوده قومه على الفقه كان حياة له ولم ,ومن سوده قومه على غي فقه كان
هلكا له ولم" رواه الدارمي ,وقال الاوردي رحه ال" :المامة موضوعة للفة النبوة ف حراسة الدين
وسياسة الدنيا ,وعقدها لن يقوم با من المة واجب بالجاع" ,)11وقال شيخ السلم ابن تيمية رحه
ال" :يب أن يعرف أن ولية الناس من أعظم واجبات الدين ،بل ل قيام للدين إل با ،فإن بن آدم ل
تتم مصلحتهم إل بالجتماع لاجة بعضهم إل بعض ،ول بد لم عند الجتماع من رأس ،حت قال
النب صلى ال عليه وسلم" :إذا خرج ثلثة ف سفر فليؤمروا أحدهم" ،رواه أبو داود من حديث أب
سعيد وأب هريرة .وروى المام أحد ف السند عن عبد ال بن عمرو ،أن النب صلى ال عليه وسلم
قال" :ل يل لثلثة يكونون بفلة من الرض إل أمروا عليهم أحدهم" فأوجب صلى ال عليه وسلم
تأمي الواحد ف الجتماع القليل العارض ف السفر ،تنبيها على سائر أنواع الجتماع ،ولن ال تعال
أوجب المر بالعروف والنهي عن النكر ول يتم ذلك إل بقوة وإمارة .وكذلك سائر ما أوجبه من
2
الهاد والعدل وإقامة الج والمع والعياد ونصر الظلوم ،وإقامة الدود ،ل تتم إل بالقوة والمارة "
.)1
الشرط الول:
وف هذا الفصل نذكر بعض الواجبات الساسية على المام على سبيل الختصار:
وأولا:
إقامة الدين كامل ف جيع شؤون الياة ,والدعوة إل دين السلم ف داخل البلد وخارجها ,وحفظ
الدين ونصرته ,والمر بالعروف والنهي عن النكر ,والتصدي لهل النفاق والبدع الذين يسعون إل
الفساد ف الرض ،وصد الناس عن كتاب ال وسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم ,وقد أمر ال تعال
بالدخول ف السلم كافة ،فقال تعال{ :يَأّيهَا الّذِي َن آمَنُواْ ا ْدخُلُوْا فِي السّ ْلمِ كَآفّ ًة وَلَ تَتِّبعُواْ خُ ُطوَاتِ
الشّيْطَانِ إِّنهُ لَكُ ْم عَ ُد ّو مِّبيٌ} ,والسلم هو السلم ,وقال تعال{ :وَأَ ِن احْكُم َبيَْنهُ ْم بِمَآ أَنزَ َل الّل ُه وَلَ
ض مَآ أَنزَلَ الّلهُ إِلَْيكَ فَإِن َتوَّلوْاْ فَاعْلَمْ َأنّمَا ُيرِي ُد الّلهُ أَن
َتتّبِعْ َأ ْهوَآ َءهُ ْم وَاحْ َذ ْرهُمْ أَن َيفْتِنُو َك عَن َبعْ ِ
حكْمَ اْلجَاهِِليّةِ َيْبغُونَ َومَنْ أَ ْحسَ ُن مِنَ الّلهِ ض ذُنُوِبهِمْ وَإِنّ َكثِيا مّ َن النّاسِ َلفَا ِسقُونَ .أَفَ ُ ُيصِيَبهُم بَِبعْ ِ
حُكْما ّل َقوْمٍ يُوِقنُونَ} ,فحذر ال تعال من أن يصدوه عن بعض ما أنزل ال إليه ,وقال تعال{ :وَإِن
ي عََليْنَا غَْي َر ُه وَإِذا لّتّخَذُوكَ َخلِيلً .وََلوْلَ أَن ثَبّتْنَا َك َلقَدْ ك عَنِ ٱلّذِي َأ ْوحَيْنَآ إِلَْيكَ لِت ْفَترِ َ
كَادُواْ َلَيفْتِنُوَن َ
ك عََليْنَا
ضعْفَ ٱلْمَمَاتِ ُثمّ لَ تَجِدُ َل َ ضعْفَ ٱلْحَيَاةِ َو ِ كِدتّ َترْكَنُ إَِلْيهِمْ شَيْئا َقلِيلً .إِذا لذَ ْقنَا َك ِ
َنصِيا} ,وقال تعال{ :فَلَ ُتطِعِ ٱلْمُكَذِّبيََ .ودّواْ َلوْ ُت ْدهِنُ فَيُ ْد ِهنُونَ} ,قال المام ابن جرير رحه ال:
السياسة الشرعية
100
"معن ذلك :ودّ هؤلء الشركون يا ممد لو تلي لم ف دينك بإجابتك إياهم إل الركون إل آلتهم،
فيلينون لك ف عبادتك إلك ،كما قال ج ّل ثناؤهَ { :وَلوْلَ أَن ثَبّتْنَا َك َلقَدْ كِدتّ َترْكَنُ ِإلَْيهِمْ َشيْئًا قَلِيلً
ضعْفَ الْمَمَاتِ} وإنا هو مأخوذ من الدّهن شبه التليي ف القول بتليي ضعْفَ الْحَيَواةِ َو ِ
ِإذًا َلذَ ْقنَا َك ِ
الدّهن" ,)11وأخرج ابن النذر وابن أب حات عن ابن عباس ف قولهَ { :ودّوا َلوْ تُ ْدهِ ُن فَيُ ْد ِهنُونَ} قال:
"لو ترخص لم فيخصون " ,وأخرج عبد بن حيد وابن النذر عن ماهدَ { :ودّوا َلوْ تُ ْدهِنُ َفيُ ْدهِنُونَ}
يقول " لو تركن إليهم وتترك ما أنت عليه من الق فيمالئونك" ,وقال القرطب" وقال الفراء والكلب :لو
خرِجُونَ أَْنفُسَ ُكمْ مّن سفِكُونَ ِدمَآءِكُمْ وَ َل تُ ْ تلي فيلينون لك" ,وقال تعال{ :وَِإذْ أَخَ ْذنَا مِيثَاقَكُمْ لَ َت ْ
خرِجُونَ َفرِيقا مّنْكُ ْم مّن دِيَا ِرهِمْ ـؤُ ۤلءِ َتقُْتلُونَ أَْنفُسَكُ ْم َوتُ ْ
شهَدُونَ .ثُمّ َأنْتُ ْم َه ٰدِيَارِكُمْ ثُمّ َأ ْق َررْتُ ْم وَأَْنتُمْ تَ ْ
ح ّرمٌ عََليْكُمْ إِ ْخرَا ُجهُمْ أََفُت ْؤمِنُونَ
تَظَا َهرُو َن عََلْيهِمْ بِٱلِْثمِ وَاْلعُ ْدوَا ِن وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَا َرىٰ ُتفَادُوهُمْ َو ُه َو مُ َ
حيَاةِ ٱلدّنْيَا وََي ْومَ ٱْلقِيَامَةِ
ك مِنكُمْ إِ ّل ِخزْيٌ فِي ٱلْ َ ض فَمَا َجزَآ ُء مَن َي ْفعَلُ ذِٰل َ ب وَتَ ْك ُفرُونَ بَِبعْ ٍ ِبَبعْضِ ٱلْكِتَا ِ
ب َومَا ٱلّلهُ ِبغَافِ ٍل عَمّا َتعْمَلُونَ .أُوَلـِٰئكَ ٱلّذِي َن ٱ ْشَت َروُاْ ٱلْحَيَاةَ ٱلدّْنيَا بِٱل ِخ َرةِ فَلَ ُي َردّونَ ِإلَىٰ أَشَدّ ٱّلعَذَا ِ
صرُونَ ,}.وقال تعال{ :إِنّ ٱلّذِينَ ٱرْتَدّوْا عَلَىٰ َأدْبَا ِرهِمْ مّن َبعْ ِد مَا َتبَيّنَ ب وَ َل هُمْ يُن َ ف عَْنهُمُ ٱْلعَذَا ُ خفّ ُيُ َ
َلهُمُ ٱْلهُدَى ٱلشّيْطَانُ َسوّلَ َلهُ ْم وََأمْلَ ٰى َلهُمْ .ذَِلكَ بِأَّنهُ ْم قَالُوْا لِلّذِينَ َك ِرهُوْا مَا َنزّلَ ٱلّلهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي
ض ٱ َل ْمرِ وَٱلّلهُ َيعْلَمُ ِإ ْسرَا َرهُمْ ,}.فكل هذه اليات توجب على ولة المر وعموم السلمي التمسك َبعْ ِ
بدين ال كامل ,وأل يعرضوا عن شيء منه طاعة للكافرين والنافقي أو اتباعا للهوى ،وقد قال أبو بكر
الصديق رضي ال عنه " :لست تاركا شيئا كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يعمل به إل عملت به.
إن أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ " رواه البخاري ومسلم.
الثان:
الكم بي الناس بالعدل ,وفصل الصومات ,وأداء القوق إل أهلها ,ونصرة الظلوم ,وتنفيذ أحكام
القضاء والقصاص والدود وسائر العقوبات ,وقد قال تعال{ :إِنّ ٱلّلهَ يَ ْأ ُمرُكُمْ أَن تُؤدّوْا ٱ َلمَانَاتِ إِلَىۤ
َأهِْلهَا وَِإذَا حَكَمْتُ ْم بَيْنَ ٱلنّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱْلعَدْلِ إِنّ ٱلّلهَ ِنعِمّا َيعِظُ ُكمْ ِبهِ إِ ّن ٱلّلهَ كَا َن سَمِيعا َبصِيا}.
الثالث:
تقيق المن ف البلد ,وبسط نفوذ الدولة ،وسيطرتا على جيع أطراف البلد لنع الفسدين والعتدين
من ترويع المني ،والعتداء عليهم ,حت ينعم الناس بنعمة المن ف مساكنهم ،وأعمالم ،وأسفارهم,
فإن المن من نعم ال على العباد ،كما قال تعالَ{ :فلَْيعُْبدُوْا َربّ َهـٰذَا ٱْلبَْيتِ .ٱلّ ِذيۤ أَ ْطعَ َمهُم مّن
ولة المر هم المراء والعلماء ،وبصلح هذين الصنفي يصلح الناس ,وبفسادها يفسد الناس ,وقد
جعل ال تعال وجوب نصرة الدين وتبليغ العلم والمر بالعروف والنهي عن النكر على ولة المر آكد
من غيهم ,لا اجتمع عندهم من العلم والقدرة والسلطان ,قال تعال{ :وََت َرىٰ كَثِيا مْنهُمْ يُسَا ِرعُونَ فِي
حتَ لَِبْئسَ مَا كَانُواْ َيعْ َملُونََ .لوْلَ َيْنهَاهُ ُم ٱلرّبّاِنيّو َن وَٱلَ ْحبَا ُر عَن َقوِْلهِمُ
ٱلِثْ ِم وَٱْلعُ ْدوَانِ وَأَ ْكِلهِمُ ٱلسّ ْ
س مَا كَانُوْا َيصَْنعُونَ} ,والربانيون :هم العلماء أصحاب الوليات ,والحبار: حتَ َلبِْئ َ
ٱلِثْ َم وَأَكِْلهِمُ ٱلسّ ْ
هم العلماء فقط ,قال المام ابن كثي رحه ال " :أي يبادرون إل ذلك من تعاطي الآث والحارم،
والعتداء على الناس ،وأكلهم أموالم بالباطل{ ،لَِبْئسَ مَا كَانُواْ َيعْمَلُونَ} أي لبئس العمل كان عملهم،
ـهُ ُم ٱلرّّبـٰنِيّو َن وَٱلْحْبَا ُر عَن َقوِْلهِمُ ٱلثْ َم وَأَكِْلهِمُ وبئس العتداء اعتداؤهم ,وقوله تعالَ{ :لوْ ل يَْن َه ٰ
حتَ لَِبْئسَ مَا كَانُواْ َيصَْنعُونَ} يعن هل كان ينهاهم الربانيون والحبار عن تعاطي ذلك ،والربانيون ٱلسّ ْ
وهم العلماء العمال أرباب الوليات عليهم ،والحبار هم العلماء فقط {لَِبْئسَ مَا كَانُواْ َيصَْنعُونَ} يعن
من تركهم ذلك" ,)11وقال المام ابن جرير رحه ال "ربانيوهم ،وهم أئمتهم الؤمنون ،وساستهم
العلماء بسياستهم ،وأحبارهم ،وهم علماؤهم وقوّادهم" .)22فالناس يطيعون ولة المر ,ويستجيبون
لدعوتم أكثر من غيهم من ل يكن ف مكانتهم وقدرهم ,وقد قال عمر رضي ال عنه" :فساد الدين
إذا جاء العلم من قبل الصغي استعصى عليه الكبي ,وصلح الناس إذا جاء العلم من قبل الكبي تابعه
عليه الصغي" وهذا أثر عظيم عزاه الافظ ابن حجر إل مصنف قاسم بن أصبغ وصحح إسناده ,والراد
بعد أن بايع السلمون أبا بكر الصديق رضي ال عنه باللفة خطب الناس خطبة عظيمة ،جعت أصول
من أصول السياسة الشرعية ،فقد روى ابن إسحاق أن السلمي بايعوا أبا بكر رضي ال عنه ،ث "تكلم
أبو بكر فحمد ال وأثن عليه بالذي هو أهله ،ث قال :أما بعد أيها الناس فإن قد وليت عليكم ولست
بيكم ،فإن أحسنت فأعينون ،وإن أسأت فقومون ،الصدق أمانة والكذب خيانة ،والضعيف فيكم
قوي عندي حت أرجع عليه حقه إن شاء ال ،والقوي فيكم ضعيف حت آخذ الق منه إن شاء ال ،ل
يدع قوم الهاد ف سبيل ال إل خذلم ال بالذل ،ول تشيع الفاحشة ف قوم إل عمهم ال بالبلء،
( )1مموع الفتاوى
السياسة الشرعية
114
أطيعون ما أطعت ال ورسوله ،فإذا عصيت ال ورسوله فل طاعة ل عليكم قوموا إل صلتكم يرحكم
ال" ,قال ابن كثي :وهذا إسناد صحيح.
فقوله رضي ال عنه" :قد وليت عليكم ولست بيكم" ,فهو رضي ال عنه أفضل المة بعد نبيها صلى
ال عليه وسلم ,وإنا قال هذا لتواضعه رضي ال عنه ,وهذا الذي يب أن يكون عليه المام مع رعيته،
ض جَنَا َحكَ فيعاملهم بالتواضع واللي من غي ضعف ,ويتحبب إليهم ويرحهم ,وقد قال تعال{ :وَٱ ْخفِ ْ
ك مِنَ ٱلْ ُمؤْمِِنيَ} ,وقال تعال{ :فَبِمَا رَحْمَ ٍة مّنَ ٱلّلهِ لِنتَ َلهُ ْم وََلوْ كُْنتَ َفظّا غَلِيظَ ٱْلقَ ْلبِ
لِمَنِ ٱتَّبعَ َ
لَْن َفضّوْا مِنْ َحوِْلكَ}.
معاونة المام على الب والتقوى:
وقوله رضي ال عنه" فإن أحسنت فأعينون" ,يدل على أن من الواجبات على الرعية ف حق المام
معاونته على الب والتقوى ,وقد قال ال تعال{ :وََتعَاوَنُوْا عَلَى ٱلْ ّب وَٱلّت ْق َوىٰ وَلَ َتعَاوَنُوْا عَلَى ٱلِثْمِ
وَٱْلعُدْوَانِ} ,وقال عمر ابن الطاب رضي ال عنه" :أيها الرعية إن لنا عليكم حقا :النصيحة بالغيب
والعاونة على الي ،إنه ليس من حلم أحب إل ال ،ول أعم نفعا من حلم إمام ورفقه ،أيها الرعية إنه
ليس من جهل أبغض إل ال ،ول أعم شرا من جهل إمام وخرقه".)11
فالواجب على السلمي أن يعاونوا المام على الكم بشرع ال وإقامة العدل بي الناس ,وأداء المانات
والقوق إل أهلها ,والخذ على أيدي الفسدين والناة ,وأما إذا أمرهم بعاونته على الث والعدوان فل
يعاون ,بل يب النكار عليه وماسبته وماكمته ,وقد نى ال تعال عن التعاون على الث والعدوان,
فقال تعالَ { :وَتعَاوَنُوْا عَلَى ٱلْ ّب وَٱلّت ْق َوىٰ وَ َل َتعَاوَنُوْا عَلَى ٱلِْثمِ وَٱْلعُ ْدوَانِ} ,وعن جابر بن عبد ال
رضي ال عنهما أن النب صلى ال عليه وسلم قال لكعب بن عجرة" :أعاذك ال من إمارة السفهاء"
قال وما إمارة السفهاء؟ قال" :أمراء يكونون بعدي ل يقتدون بديي ول يستنون بسنت ،فمن
صدقهم بكذبم وأعانم على ظلمهم فأولئك ليسوا من ولست منهم ،ول يردوا على حوضي .ومن
ل يصدقهم بكذبم ،ول يعنهم على ظلمهم ،فأولئك من وأنا منهم ،وسيدوا على حوضي .يا كعب
بن عجرة الصوم جنة والصدقة تطفئ الطيئة والصلة قربان" أو قال" :برهان .يا كعب بن عجرة
إنه ل يدخل النة لم نبت من سحت النار أول به .يا كعب بن عجرة الناس غاديان ،فمبتاع نفسه
فمعتقها وبائع نفسه فموبقها" أخرجه أحد وغيه واللفظ لحد ,وقال صلى ال عليه وسلم" :ليأتي
عليكم أمراء يقربون شرار الناس ويؤخرون الصلة عن مواقيتها فمن أدرك ذلك منكم فل يكونن
)1الغن. 1
السياسة الشرعية
127
ثوبان قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :يوشك المم أن تداعى عليكم ،كما تداعى الكلة
إل قصعتها" ،فقال قائل :ومن قلة نن يومئذ؟ قال" :بل أنتم يومئذ كثي ،ولكنكم غثاء كغثاء السيل،
ولينعن ال من صدور عدوكم الهابة منكم ،وليقذفن ال ف قلوبكم الوهن" ،فقال قائل :يا رسول
ال وما الوهن؟ قال" :حب الدنيا وكراهية الوت" .أخرجه أبو داود.وف رواية لحد "حبكم الدنيا
وكراهيتكم القتال".
وقول أب بكر الصديق رضي ال عنه يشي إل أهية العداد والهاد ف نصرة الدين ,وحاية دولة
السلم من العداء التربصي ف الداخل والارج .والواجب على ولة المر تربية الناس تربية إيانية
جهادية ,وتريضهم على الهاد والستشهاد ف سبيل ال ,وإعداد العدة ,وصناعة السلحة ,وأخذ
الذر ,واليطة من العداء ,والستعداد لربم ,وأن يذروا من السترخاء والركون إل الدنيا ,والتثاقل
إل الرض ,وترك العداد والهاد ,والغفلة عما يططه ويبمه العداء لستهداف دولة السلم
وإزالتها.
التحذير من شيوع الفاحشة ف الجتمع:
وقول أب بكر رضي ال عنه " ول تشيع الفاحشة ف قوم إل عمهم ال بالبلء " فيدعو رضي ال عنه إل
إصلح الناس وطهارتم من الفواحش ،فإنا ما شاعت ف قوم إل كانت سببا للعقوبة والبلء العام
كاليدز وغيه ،وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :ما نقض قوم العهد إل كان القتل بينهم،
ول ظهرت الفاحشة ف قوم إل سلط ال عليهم الوت ،ول منع قوم الزكاة إل حبس عنهم القطر"
رواه الاكم ،وقال الافظ ابن حجر عن إسناده :جيد.
وعن ميمونة زوج النب صلى ال عليه وسلم قالت :سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول" :ل
تزال أمت بي ما ل يفش فيهم ولد الزنا ،فإذا فشا فيهم ولد الزنا فيوشك أن يعمهم ال عز وجل
بعقاب" رواه أحد ،وقال النذري :إسناده حسن.
وعن عبد ال بن عمر قال :أقبل علينا رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال" :يا معشر الهاجرين خس
إذا ابتليتم بن ،وأعوذ بال أن تدركوهن :ل تظهر الفاحشة ف قوم قط حت يعلنوا با إل فشا فيهم
الطاعون والوجاع ،الت ل تكن مضت ف أسلفهم الذين مضوا .ول ينقصوا الكيال واليزان إل
أخذوا بالسني وشدة الئونة وجور السلطان عليهم .ول ينعوا زكاة أموالم إل منعوا القطر من
السماء ولول البهائم ل يطرو .ول ينقضوا عهد ال وعهد رسوله إل سلط ال عليهم عدوا من
غيهم فأخذوا بعض ما ف أيديهم .وما ل تكم أئمتهم بكتاب ال ويتخيوا ما أنزل ال إل جعل ال
بأسهم بينهم" رواه ابن ماجه.
السياسة الشرعية
128
اللفة على منهاج النبوة واجبة على المة ،ول يوز تركها واستبدالا باللك ,وقد قال رسول ال صلى
ال عليه وسلم" :اقتدوا باللذين من بعدي أب بكر وعمر" رواه أحد والترمذي واللفظ له ,ومن
القتداء بما أن تكون المامة خلفة على منهاج النبوة وليست ملكا ,وعن العرباض بن سارية رضي ال
عنه قال :وعظنا رسول ال صلى ال عليه وسلم موعظة بليغة ،وجلت منها القلوب ،وذرفت منها
العيون .فقلنا :يا رسول ال كأنا موعظة مودع ،فأوصنا قال" :أوصيكم بتقوى ال والسمع والطاعة،
وإن تأمر عليكم عبد حبشي ،وأنه من يعش منكم فسيى اختلفا كثيا ،فعليكم بسنت وسنة
اللفاء الراشدين الهديي ،عضوا عليها بالنواجذ ،وإياكم ومدثات المور ،فإن كل بدعة ضللة"
رواه أبو داود والترمذي وقال :حديث حسن صحيح ,فالتمسك بسنة اللفاء الراشدين هو طاعة
لرسول ال صلى ال عليه وسلم الذي أمر بتمسك بسنتهم ،وأكد هذا المر بقوله" :عضوا عليها
بالنواجذ" ,وطاعة رسول ال صلى ال عليه وسلم هي طاعة ل تعال ،كما قال تعال{ :مّ ْن يُطِعِ
السياسة الشرعية
130
الرّسُولَ َفقَدْ أَطَاعَ الّلهَ} ,ومن سنة اللفاء الراشدين رضي ال عنهم أن إمامتهم كانت خلفة راشدة
على منهاج النبوة ,ول تكن ملكا ,فدل هذا على أن اللفة على منهاج النبوة واجبة بالقرآن وبسنة
النب صلى ال عليه وسلم وبسنة اللفاء الراشدين رضي ال عنهم أجعي ,فعن عبيد ال بن ممد بن
هارون يقول :سعت ممد بن إدريس الشافعي يقول بكة :سلون عما شئتم أخبكم من كتاب ال
وسنة نبيه صلى ال عليه وسلم .فقال له رجل :أصلحك ال ما تقول ف الحرم قتل زنبورا؟ قال :بسم
ال الرحن الرحيم قال ال تعالَ { :ومَا آتَاكُ ُم الرّسُو ُل فَخُذُوهُ}حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد اللك بن
عمي عن ربعي بن حراش عن حذيفة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :اقتدوا باللذين من
بعدي أب بكر وعمر" وحدثنا سفيان عن مسعر عن قيس بن مسلم عن طاوس عن ابن شهاب عن عمر
أنه أمر بقتل الزنبور " رواه البيهقي ف معرفة السنن والثار وغيه ،قال ابن رجب رحه ال" :وقوله
صلى ال عليه وسلم" :فإنه من يعش منكم بعدي فسيى اختلفا كثيا ،فعليكم بسنت وسنة اللفاء
الراشدين الهديي من بعدي ،عضوا عليها بالنواجذ" ,هذا إخبار منه صلى ال عليه وسلم با وقع ف
أمته بعده من كثرة الختلف ف أصول الدين وفروعه وف العمال والقوال والعتقادات ,وهذا موافق
لا روي عنه من افتراق أمته على بضع وسبعي فرقة ،وأنا كلها ف النار إل فرقة واحدة ،وهي ما كان
عليه وأصحابه ,ولذلك ف هذا الديث أمر عند الفتراق والختلف بالتمسك بسنته وسنة اللفاء
الراشدين من بعده .والسنة هي الطريق السلوك ،فيشمل ذلك التمسك با كان عليه هو وخلفاؤه
الراشدون من العتقادات والعمال والقوال وهذه هي السنة الكاملة ...واللفاء الراشدون الذين أمرنا
بالقتداء بم أبو بكر وعمر وعثمان وعلى رضي ال عنهم".)11
وأخرج ابن أب حات عن مالك قال :كان عمر بن عبد العزيز يقول" :سن رسول ال صلى ال عليه
وسلم وولة المر من بعده سننا الخذ با تصديق لكتاب ال ،واستكمال لطاعة ال ،وقوة على دين
ال ،ليس لحد تغييها ول تبديلها ول النظر فيما خالفها ،من اقتدى با مهتد ،ومن استنصر با
منصور ،ومن خالفها اتبع غي سبيل الؤمني ،ووله ال ما تول ،وصله جهنم وساءت مصيا " ،وولة
المر ف هذا الثر اللفاء الراشدون رضي ال عنهم ،قال المام الشاطب رحه ال" :وكان يعجبهم فإنه
كلم متصر جع أصول حسنة من السنة منها ما نن فيه ،لن قوله ليس لحد تغييها ول تبديلها ول
النظر ف شيء خالفها .قطع لادة البتداع جلة ،وقوله" :من عمل با مهتد" إل آخر الكلم مدح لتبع
السنة وذم لن خالفها بالدليل الدال على ذلك ،وهو قول ال سبحانه وتعالَ { :ومَن يُشَاِققِ الرّسُو َل مِن
ت مَصِيًا} ومنها ما َبعْ ِد مَا تََبيّنَ َلهُ اْلهُدَى وَيَتّبِ ْع غَْيرَ َسبِي ِل الْ ُم ْؤمِِنيَ ُنوَّلهِ مَا َت َولّى وَُنصِْلهِ َجهَنّ َم وَسَاء ْ
( )1العتصام.
السياسة الشرعية
132
أمي الؤمني ف يزيد رأيا حسنا ،وإن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر وعمر قوله فقال له عبد الرحن بن
أب بكر شيئا قيل قال له بيننا وبينكم ثلث ,مات رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبو بكر وعمر ول
يعهدوا .كذا قال بعض الشراح ،وقد اختصره فأفسده ,والذي ف رواية الساعيلي فقال عبد الرحن :ما
هي إل هرقلية .وله من طريق شعبة عن ممد بن زياد فقال مروان :سنة أب بكر وعمر فقال عبد
الرحن :سنة هرقل وقيصر .ولبن النذر من هذا الوجه أجئتم با هرقلية تبايعون لبنائكم؟ ولب يعلى
وابن أب حات من طريق إساعيل بن أب خالد حدثن عبد ال الدن قال :كنت ف السجد حي خطب
مروان فقال :إن ال قد أرى أمي الؤمني رأيا حسنا ف يزيد ،وإن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر
وعمر .فقال عبد الرحن :هرقلية إن أبا بكر وال ما جعلها ف أحد من ولده ول ف أهل بيته ،وما
جعلها معاوية إل كرامة لولده" ،فاللفة هي الت تكون على منهاج النبوة ,ويتول المامة فيها أفضل
من توفرت فيه شروط المامة من السلمي ,وأما اللك ف هذه المة ,فل ينظر فيه بشروط المامة ,وإنا
يتوارث أبناء العائلة الواحدة المامة بينهم ،وهذا يترتب عليه ف كثي من الحيان ترك الكثي من
الواجبات الشرعية ف سياسة المة ،وارتكاب الحرمات من ظلم الرعية واعتسافها مع غياب الشورى
وماسبة الولة وماكمتهم ,وقد وصف النب صلى ال عليه وسلم اللك بالعاض والبية ،فعن سلمان
أن عمر قال له" :أملك أنا أم خليفة؟ فقال له سلمان :إن أنت جبيت من أرض السلمي درها أو أقل
أو أكثر ث وضعته ف غي حقه فأنت ملك غي خليفة فاستعب عمر".)11
وعن سفيان بن أب العوجاء قال قال عمر بن الطاب" :وال ما أدري أخليفة أنا أم ملك؟ فإن كنت
ملكا فهذا أمر عظيم ,قال قائل :يا أمي الؤمني إن بينهما فرقا ,قال :ما هو؟ قال :الليفة ل يأخذ إل
حقا ول يضعه إل ف حق فأنت بمد ال كذلك ,واللك يعسف الناس فيأخذ من هذا ويعطي هذا
فسكت عمر".
فالوليات من المانات الت يب أن تسند إل أهلها ,كما ف حديث أب هريرة رضي ال عنه قال "
ل َعلَْيهِ وسَلّم ف مَجِْلسٍ يُحَ ّدثُ اْل َق ْومَ ،جاءَهُ أعْرابِيّ َفقَالَ :مَتَى السّاعَ ُة فَ َمضَى رسُولُ صلّى ا ُ بيْنَمَا النّبّ َ
ض اْل َقوْمِ :سَمِ َع مَا قَالَ ،فَ َكرِه ما قَالَ ،وقَا َل َب ْعضُهمْ :بَلْ لَمْ
ل َعلَْيهِ وسَلّم يُحَ ّدثُ ،فقَال َبعْ ُ
صلّى ا ُ
اللّه َ
سمَعَْ ،حتّى إذَا َقضَى حَدِيَثهُ قَا َل "أيْنَ السّاِئلُ عَنِ السّا َعةِ" قَال :ها أنَا يَا رسُولَ اللّه ،قَا َل "إذَا ضُّي َعتِ
يَ ْ
ف إضَاعَُتهَا قَالَ" :إذَا وُسّد ال ْمرُ إل غَ ْيرِ أ ْه ِل ِه فَانْتَ ِظرِ السّاعة" رواهُ
ا َلمَان ُة فاْنتَ ِظرِ السّاعةَ" قَالَ :كَيْ َ
البُخاري ،فإذا أسند المام الولية لبنه واستبد بالمر مع وجود من هو أول وأحق بالولية وكان المام
قادرا على إسناد المامة للول ول يفعل فقد خالف أمر ال بأداء المانة إل أهلها ،وقد قال تعال{ :إِنّ
لقد نى النب صلى ال عليه وسلم عن سؤال المارة ,كما ف حديث عبد الرحنِ بن سَمُر َة رضي اللّه
سرَةَ :ل تَسأَل المارَةَ ،فَإّنكَ
ل عََلْيهِ و َسلّم" :يَا عَبدَ الرّحن ابن ُ
عنه ،قال :قال ل رسول اللّه صَلّى ا ُ
إن أُعْطِيتَها عَن غَ ْيرِ مسأََلةٍ أُعنتَ علَيها ،وإن أُعطِيتَها عَن مسأَلةٍ وُكِلتَ إَليْها ،وإذَا َح َل ْفتَ عَلى
يَمِيَ ،فرَأَيت غَيها خَيا مِنهَاَ ،فأْتِ الذي هُو خيٌ ،وكفّر عَن يَميِنكَ" متفقٌ عليه.
إذا طرأ على الاكم الكفر البواح الظاهر الذي دل الكتاب والسنة على أنه من الكفر البواح ،فقد خرج
عن المامة ،ويب ف هذه الالة عزل الاكم والروج عليه بالقوة عند وجود القدرة ،كما ف حديث
ل عََلْيهِ و َسلّم على السّم ِع والطّا َعةِ ف ت رضي اللّه عنه قال" :بايعنا رسول اللّه صَلّى ا ُ عُبَا َدةَ ب ِن الصّامِ ِ
شطِ والَ ْك َرهِ ،وَعلى أََث َر ٍة عَليْنَا ،وعَلَى أَنْ َل نُنَازِعَ ا َلمْرَ َأهَْلهُ ،إِلّ أَنْ َت َروْا ُكفْرا َبوَاحا
سرِ وا َلنْ َ
س ِر وَاليُ ْ
العُ ْ
عِنْدكُ ْم مِنَ اللّه تعالَى فيه بُرهانٌ ،وعلى أن نقول بالقّ أينَما كُنّا ،ل نافُ ف اللّه َلوْمةَ لئ ٍم " متفقٌ
عليه ،وقال الافظ ابن حجر رحه ال" :إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فل توز طاعته ف ذلك،
بل تب ماهدته لن قدر عليها " ،)11وقال المام النووي رحه ال" :قال القاضي عياض :أجع العلماء
باب :الصلة
الصلة هي الركن الثان من أركان السلم بعد الشهادتي ,وهي عمود السلم ،وهي أهم ما يدعى
إليه الناس بعد توحيد ال تعال ,وقد قال صلى ال عليه وسلم" :بن السلم على خس :شهادة أن ل
إله إل ال وأن ممدا رسول ال وإقام الصلة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان" متفق عليه.
لهَادُ" رواه
وقال صلى ال عليه وسلم" :رْأسُ ال ْمرِ السْلمُ ،وعَمُودُهُ الصّلةُ ,وذرو ُة سنا ِمهِ ا ِ
الترمذي.
ل عََلْيهِ و َسلّم فقال" :إّنكَ َتأْتِي قوْما مِنْ َأهْلِ
وعن مُعا ٍذ رضي اللّه عنه قال :ب َعثَنِي رسو ُل اللّه صَلّى ا ُ
الْكِتَاب ،فادْ ُع ُهمْ إِلَى شَهَادة َأنْ ل إَِلهَ إ ّل اللّه ،وَأنّي رسول اللّه ،فإِ ْن ُهمْ أَطاعُوا ِلذَِلكََ ،فأَ ْعلِم ُهمْ أَنّ
صلَواتٍ ف كُلّ يو ٍم وَلَ ْي َلةٍَ ،فإِ ْن ُهمْ أَطَاعُوا لِذلكََ ،فأَعلِ ْم ُهمْ أَنّ اللّه َقدِ
اللّه َقدِ افْترضَ علَيْهم خَ ْمسَ َ
افَْت َرضَ َعلَيهمْ ص َد َقةً ُتؤْخ ُذ مِنْ أَغنياِئ ِه ْم فَُترَدّ َعلَى ُفقَرائهمَ ،فإِنْ ُهمْ أَطَاعُوا لِذلكَ َفإِيّاكَ وكَراِئمَ
َأمْوالِهم ,واتّ ِق دعْو َة الْمَ ْظلُو ِم َفإِّنهُ َليْس بينها وبيْنَ اللّه حِجَابٌ" متفقٌ عليه.
وهي أول ما ياسب به العبد يوم القيامة ،كما قال صلى ال عليه وسلم" :أول ما ياسب به العبد يوم
القيامة الصلة فإن صلحت صلح له سائر عمله ،وإن فسدت فسد سائر عمله" رواه الطبان ف
الوسط.
وأخب النب صلى ال عليه وسلم أن من ترك الصلة فقد كفر ,فقال صلى ال عليه وسلم" :بي الرجل
وبي الشرك والكفر ترك الصلة"رواه مسلم.
وقال صلى ال عليه وسلم" :العهد الذي بيننا وبينهم الصلة فمن تركها فقد كفر" رواه أبو داود
والنسائي والترمذي وأحد.
وقال ابن مسعود رضي ال عنه" :من ترك الصلة فل دين له" رواه ممد بن نصر.
وعن عبد ال بن شقيق العقيلي قال" :كان أصحاب ممد صلى ال عليه وسلم ل يرون شيئا من
العمال تركه كفر غي الصلة " رواه الترمذي .وعن أب الدرداء رضي ال عنه قال " ل إيان لن ل
صلة له ،ول صلة لن ل وضوء له " رواه ابن عبد الب وغيه موقوفا.
عمارة الساجد:
يب على ولة المر أن يقيموا الصلة ،وأن يعلموها الناس ،ويأمروهم بإقامتها ,وأن يبنوا الساجد الت
ي َعزِيزٌ .ٱلّذِينَ إِنْ
صرَنّ ٱلّلهُ مَن يَنصُ ُرهُ إِنّ ٱلّلهَ َل َقوِ ّ
تقام با المع والماعات ,وقد قال ال تعال{ :وََليَن ُ
السياسة الشرعية
149
ل َة وَآَت ُوْا ٱلزّكَـا َة وََأ َمرُوْا بِٱلْ َم ْعرُوفِ وََن َه ْوْا عَنِ ٱلْمُنْ َك ِر وَلِّل ِه عَاِقبَ ُة
مّكّنّاهُمْ فِي ٱ َلرْضِ أَقَامُوْا ٱلصّ َ
ٱ ُلمُورِ}،وقد أخرج ابن أب حات عن ممد بن كعب{ :الّذِينَ إِن مّكّنّاهُمْ فِي الَْأ ْرضِ} قال" :هم الولة
" ،وأخرج ابن أب حات عن قتادة ف قوله{ :الّذِينَ إِن مّكّنّاهُمْ فِي الَْأ ْرضِ} قال" :هذا شرط ال على
هذه المة" ،وقال الضحاك" :هو شرط شرطه ال عز وجل على من آتاه اللك " ،وقال ابن أب نيح" :
يعن الولة " ،وقال السن وأبو العالية" :هم هذه المة إذا فتح ال عليهم أقاموا الصلة".
ـهُمْ فِى
وقال الصباح بن سوادة الكندي :سعت عمر بن عبد العزيز يطب وهو يقول{ :ٱلّذِينَ إِ ْن مّكّّن ٰ
ٱ ّل ْرضِ} الية ،ث قال " :أل إنا ليست على الوال وحده ،ولكنها على الوال والول عليه ،أل أنبئكم
با لكم على الوال من ذلكم ،وبا للوال عليكم منه ،إن لكم على الوال من ذلكم أن يؤاخذكم بقوق
ال عليكم ،وأن يأخذ لبعضكم من بعض ،وأن يهديكم للت هي أقوم ما استطاع ،وإن عليكم من ذلك
الطاعة غي البزوزة ول الستكرهة ،ول الخالف سرها علنيتها ".
وقال العلمة السعدي رحه ال " ذكر علمة من ينصره ،وبا يعرف ،أن من ادعى أنه ينصر ال ،وينصر
دينه ،ول يتصف بذا الوصف ،فهو كاذب فقال {ٱلّذِينَ إِنْ مّكّنّاهُمْ فِي الرض} أي :ملكناهم إياها،
وجعلناهم التسلطي عليها ،من غي منازع ينازعهم ،ول معارض.
{أقاموا الصلة} ف أوقاتا ،وحدودها ،وأركانا ،وشروطها ،ف المعة والماعات.
{وَآَتوُْا ٱلزّكَـاةَ} الت عليهم ،خصوصا ،وعلى رعيتهم عموما ،آتوها أهلها ،الذين هم أهلها.
ل من حقوق ال ،وحقوق الدمي. {وََأ َمرُواْ بِٱلْ َم ْعرُوفِ} وهذا يشمل كل معروف حسنه شرعا وعق ً
{وََن َهوْْا عَنِ ٱلْ ُمنْ َكرِ} كل منكر شرعا وعقلً ،معروف قبحه ،والمر بالشيء والنهي عنه ،يدخل فيه ،ما
ل يتم إل به ،فإذا كان العروف والنكر ،يتوقف على تعلم وتعليم ،أجبوا الناس على التعلم والتعليم،
وإذا كان يتوقف ،على تأديب مقدر شرعا ،أو غي مقدر ،كأنواع التعزير ،قاموا بذلك ،وإذا كان
يتوقف على جعل أناس ،متصدين له ،لزم ذلك ،ونو ذلك ما ل يتم المر بالعروف ،والنهي عن
النكر ،إل به".)11
وقال تعال{ :فِي ُبيُوتٍ َأذِنَ ٱلّلهُ أَن ُترَْفعَ َويُذْ َكرَ فِيهَا ٱسْ ُمهُ ُيسَبّحُ َلهُ فِيهَا بِٱْلغُ ُد ّو وَٱلصَالِ .رِجَالٌ لّ
لةِ وَإِيتَآ ِء ٱلزّكَـاةِ َيخَافُونَ َيوْما َتَتقَلّب فيه ٱْلقُلُوبُ ُت ْلهِيهِمْ تِجَا َرةٌ وَلَ َبيْ ٌع عَن ذِ ْكرِ ٱلّلهِ وَإِقَامِ ٱلصّ َ
ق مَن يَشَآءُ ِبغَْيرِ ِحسَابٍ}، جزَِيهُمُ ٱلّلهُ أَحْسَ َن مَا عَ ِملُوْا وََيزِي َدهُ ْم مّن َفضِْل ِه وَٱلّلهُ َي ْرزُ ُ
وَٱلَْبصَارُ .لَِي ْ
والراد بالبيوت الساجد الت أمر ال تعال أن ترفع ,ورفعها هو بناؤها واحترامها وتطهيها وتطييبها،
وأن تفظ وتنب كل ما ل يليق با كاللهو واللغو والبيع والشراء وإنشاد الضالة أو النجاسات أو
صلة الماعة:
صلة الماعة واجبة على الرجال البالغي ،كما دل على ذلك قول النب صلى ال عليه وسلم" :إن أثقل
صلة على النافقي صلة العشاء وصلة الفجر ،ولو يعلمون ما فيهما لتوها ولو حبوا ،ولقد
همت أن آمر بالصلة فتقام ،ث آمر رجل فيصلي بالناس ،ث أنطلق معي برجال معهم حزم من
حطب إل قوم ل يشهدون الصلة ،فأحرق عليهم بيوتم بالنار" أخرجه البخاري ومسلم ,وف رواية
لسلم "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم فقد ناسا ف بعض الصلوات فقال" :لقد همت أن آمر رجل
يصلي بالناس ,ث أخالف إل رجال يتخلفون عنها ,فآمر بم فيحرقوا عليهم بزم الطب بيوتم ,ولو
علم أحدهم أنه يد عظما سينا لشهدها يعن صلة العشاء" ,والديث يدل على أن صلة الماعة
على الرجال فرض عي ،فلو كانت مستحبة وليست واجبة لا هم النب صلى ال عليه وسلم
بتعزيرالتخلفي ،ولو كانت صلة الماعة فرض كفاية لكتفى صلى ال عليه وسلم بن شهدوا الصلة.
وعن أب الدرداء رضي ال عنه قال :سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول" :ما من ثلثة ف قرية
ول بدو ل تقام فيهم الصلة إل قد استحوذ عليهم الشيطان ,فعليكم بالماعة ,فإنا يأكل الذئب
من الغنم القاصية" رواه أحد وأبو داود والنسائي.
وعن عمرو بن أم مكتوم رضي ال عنه قال" :قلت :يا رسول ال أنا ضرير شاسع الدار ول قائد ل
يلين ,فهل تد ل رخصة أن أصلي ف بيت؟ قال" :أتسمع النداء؟" قال :نعم قال" :ما أجد لك
رخصة" رواه أحد وأبو داود وابن ماجه ,وف رواية لحد عنه أيضا "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم
أتى السجد فرأى ف القوم رقة ,فقال" :إن لهم أن أجعل للناس إماما ث أخرج فل أقدر على إنسان
يتخلف عن الصلة ف بيته إل أحرقته عليه" فقال ابن أم مكتوم :يا رسول ال إن بين وبي السجد
نل وشجرا ,ول أقدر على قائد كل ساعة ,أيسعن أن أصلي ف بيت؟ قال" :أتسمع القامة؟" قال نعم
قال" :فائتها".
السياسة الشرعية
154
وعن أب هريرة رضي ال عنه قال :أتى النب صلى ال عليه وسلم رجل أعمى فقال :يا رسول ال ليس
ل قائد يقودن إل السجد فسأل رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يرخص له يصلي ف بيته ,فرخص
له فلما ول دعاه ,فقال" :هل تسمع النداء بالصلة؟" قال نعم قال" :فأجب" رواه مسلم.
وعن ابن مسعود رضي ال عنه قال" :من سره أن يلقى ال غدا مسلما فليحافظ على هؤلء الصلوات
حيث ينادى بن ,فإن ال تعال شرع لنبيكم صلى ال عليه وسلم سنن الدى ,وإنن من سنن الدى,
ولو أنكم صليتم ف بيوتكم كما يصلي هذا التخلف ف بيته لتركتم سنة نبيكم ,ولو تركتم سنة نبيكم
لضللتم ,وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ث يعمد إل مسجد من هذه الساجد إل كتب ال له بكل
خطوة يطوها حسنة ويرفعه با درجة ,ويط عنه با سيئة ,ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إل منافق
معلوم النفاق ,ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بي الرجلي حت يقام ف الصف" ,وف رواية" :لقد
رأيتنا وما يتخلف عن الصلة إل منافق ,قد علم نفاقه أو مريض ,إن كان الرجل ليمشي بي رجلي
حت يأت الصلة ,وقال :إن رسول ال صلى ال عليه وسلم علمنا سنن الدى ,وإن من سنن الدى
الصلة ف السجد الذي يؤذن فيه" رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
وعن ابن عمر رضي ال عنهما قال" :كنا إذا فقدنا الرجل ف الفجر والعشاء أسأنا به الظن" رواه البزار
والطبان وابن خزية ف صحيحه.
باب :الزكاة
الزكاة هي الركن الثالث من أركان السلم ،وقد دل على وجوبا الكتاب والسنة والجاع ،فقال
صيَ َلهُ ٱلدّينَ حَُنفَآءَ
تعال{وََأقِيمُوْا ٱلصّلَ َة وَآتُوْا ٱلزّكَاةَ} ،وقال تعال { َومَآ ُأ ِم ُروۤاْ إِلّ ِلَيعْبُدُواْ ٱلّل َه مُخِْل ِ
ل َة وَُيؤْتُوْا ٱلزّكَا َة َوذَِلكَ دِينُ ٱلقَيّ َمةِ} ،وَعنِ اب ِن عُ َمرَ َرضِيَ اللّه عَْنهُما ،أَنّ َرسُول الّلهِ صَلّى وَُيقِيمُوْا ٱلصّ َ
ل َعلَْيهِ وسَلّم قَالَ" :بُنِيَ الِسْلمُ عَلى خَ ْمسٍَ :شهَادَ ِة أَنْ ل إِلهَ إِ ّل اللّه ،وأَ ّن مُحمّدا عَ ْبدُهُ ورسُولهُ،
اُ
ص ْو ِم رمضَان" متفقٌ عليه ،وعن َطلْحَ َة ب ِن عُبيْدِ الّلهِ َرضِي
ج الَب ْيتِ ،وَ َ
وإِقامِ الصّلةِ ،وَإِيتَاءِ الزّكَاةِ ،وحَ ّ
ل َعلَْيهِ وسَلّم مِنْ َأهْ ِل نَجْدٍ ،ثَاِئ ُر الرّْأسِ نَسَمْ ُع َد ِو ّ
ي صلّى ا ُ
اللّه عْنهُ ،قالَ :جَاءَ رجُلٌ إِل رسُولِ الّلهِ َ
ل َعلَْيهِ وسَلّم فإِذا ُهوَ َيسْأَ ُل عَنِ ا ِلسْلمَِ ،فقَالَ صلّى ا ُصوِْتهِ ،ول َن ْفقَهُ ما يقُولُ ،حَت دَنَا مِ َن رَسُولِ الّلهِ َ
َ
صلَواتٍ ف الي ْومِ واللّ ْي َلةِ" قالَ :هَ ْل َعلَ ّي غَْي ُرهُنّ؟ قَالَ" :ل،
رَسُولُ الّل ِه صَلّى الُ َعلَْيهِ وسَلّم" :خَ ْمسُ َ
ل َعلَْيهِ وسَلّم" :وصِيَامُ َش ْه ِر رَمضَانَ" قَالَ :هَ ْل َعلَيّ غْي ُرهْ؟ قَالَ:
إِ ّل أَنْ تَ ّطوّعَ" َفقَالَ َرسُولُ اللّه صَلّى ا ُ
"ل ،إِ ّل أَنْ تَ ّطوّعَ" قَالََ :وذَ َكرَ َل ُه رَسُو ُل الّل ِه صَلّى ا ُ
ل عََلْيهِ و َسلّم ،الزّكَاةَ َفقَالَ :هَ ْل عَلَ ّي غَْي ُرهَا؟ قَالَ:
"ل ،إ ّل أَنْ تَ ّطوّعَ" فََأدْبَر الرّجُ ُل و ُهوَ َيقُولُ :والّلهِ ل أَزي ُد عَلى هذا وَل أَْنقُ ُ
ص مِْنهَُ ،فقَا َل رَسُولُ الّلهِ
صدَقَ" مُتفقٌ عليهِ ،وعن ابن عبّاس رَض َي اللّه عَنهُ ،أَ ّن النّبِ ّي صَلّى الُ
ل عَلَْيهِ و َسلّمَ" :أ ْفلَحَ إِ ْن َ
صَلّى ا ُ
ث ُمعَاذا رضيَ اللّه عَْنهُ إِل اليَمنِ َفقَالَ" :ادْ ُع ُهمْ إِل شهادَةِ أَنْ ل إِلهَ إِلّ اللّه وََأنّي
عََلْيهِ و َسلّم ،ب َع َ
رسُولُ ال ّلهِ ،فإِ ْن ُهمْ أَطَاعُوا لِذلكَ ،فَأَ ْعلِ ْمهُم أَنّ ال ّلهَ َتعَال افترض عَلي ِهمْ خَمسَ صَلواتٍ ف ُكلّ َي ْومِ
ك َفأَعْل ْمهُمْ أَ ّن اللّه افترض عَلي ِهمْ صَد َقةً تُؤ َخذُ مِنْ أَ ْغنِيَاِئ ِهمْ ،وَتُردّ عَلى
وليلةٍَ ،فإِن ُهمْ أَطاعُوا لِذل َ
فُقَرائهِم" متفقٌ عليه.
وقد بي ال تعال أن من صفات الذين وعدهم بالنصر ،أنم إذا مكنوا ف الرض أعطوا زكاة أموالم
ص ُرهُ إِنّ ٱلّلهَ َل َق ِويّ َعزِيزٌ .ٱلّذِينَ صرَنّ ٱلّل ُه مَن يَن ُوزكاة أموال رعيتهم إل مستحقيها ،فقال تعال { َولَيَن ُ
ل َة وَآَت ُوْا ٱلزّكَـا َة وََأ َمرُوْا بِٱلْ َم ْعرُوفِ وََن َه ْوْا عَنِ ٱلْمُنْ َك ِر وَلِّل ِه عَاِقبَةُ
إِ ْن مّكّنّاهُمْ فِي ٱ َلرْضِ أَقَامُوْا ٱلصّ َ
ٱ ُلمُورِ}.
والزكاة تب ف الذهب والفضة والزروع والثمار والواشي وعروض التجارة إذا توفرت الشروط ،وهي
مبسوطة ف كتب الفقه ،وقد كان النب صلى ال عليه وسلم يبعث السعاة لباية زكاة الموال الظاهرة،
وهي الواشي والزروع والثمار ،وقد قال تعال{ :خُ ْذ مِنْ َأ ْموَاِلهِ ْم صَدَقَ ًة تُطَه ُرهُمْ َوُتزَكيهِمْ ِبهَا َوصَل
صَلوَاَتكَ سَ َكنٌ ّلهُ ْم وَٱلّلهُ سَمِي ٌع عَلِيمٌ} ،وعن عبدال بن أب أوف .قال :كان رسول ال صلى عََلْيهِمْ إِ ّن َ
ال عليه وسلم ،إذا أتاه قوم بصدقتهم ،قال" :اللهم صل عليهم" فأتاه أب ،أبو أوف بصدقته ،فقال:
"اللهم صل على آل أب أوف" متفق عليه ،وعن جرير بن عبدال ؛ قال :جاء ناس من العراب إل
السياسة الشرعية
158
رسول ال صلى ال عليه وسلم .فقالوا :إن ناسا من الصدقي يأتوننا فيظلموننا .قال فقال رسول ال
صلى ال عليه وسلم" :أرضوا مصدقيكم" .قال جرير :ما صدر عن مصدق ،منذ سعت هذا من رسول
ال صلى ال عليه وسلم إل وهو عن راض" رواه مسلم ,وعن أنس بن مالك أنه قال أتى رجل من بن
تيم رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال :يا رسول ال إن ذو مال كثي وذو أهل وولد وحاضرة،
فأخبن كيف أنفق وكيف أصنع؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :ترج الزكاة من مالك فإنا
طهرة تطهرك وتصل أقرباءك وتعرف حق السائل والار والسكي" فقال :يا رسول ال أقلل ل قال
"فآت ذا القرب حقه والسكي وابن السبيل ول تبذر تبذيرا" فقال :حسب يا رسول ال إذا أديت
الزكاة إل رسولك فقد برئت منها إل ال ورسوله فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :نعم إذا
أديتها إل رسول فقد برئت منها فلك أجرها وإثها على من بدلا" رواه أحد ،وعن أب جحيفة قَالَ:
ت غُلما جعَلهَا ف ُف َقرَائِنَا ،وكُن ُ
ب صَلّى ال عََلْيهِ وَ َسلّمَ فأَخذَ الصّدََقةَ من أَغنِيائِنَا ف َ
قَ ِد َم عَلَينَا ُمصَدّقُ النّ ّ
يتيما فأَعطان منها َقلُوصا" رواه الترمذيَ ،وعَنْ أَب هُريرةَ َرضِي اللّه َعْنهُ ،قالَ :لّا ُتوُف َرسُولُ الّلهِ صَلّى
ل َعلَْيهِ وسَلّم ،وَكانَ أَبُو بَكْرَ ،رضِي اللّه َعْنهُ ،وَ َك َفرَ مَنْ َك َفرَ مِنَ العربَِ ،فقَا َل عُمرُ رَضيَ اللّه عَْنهُ: اُ
ل عَلَْيهِ و َسلّمُ" :أمِرتُ أَ ْن أُقاتِل النّاسَ حتّى َيقُولُوا ل إِلهَ
س وَق ْد قَالَ رسُولُ الّل ِه صَلّى ا ُ
كيفَ ُتقَاتِلُ النّا َ
حقّه ،وَحِسَاُبهُ عَلى ال ّلهِ" َفقَالَ أَبُو بَ ْكرٍ :والّلهِ
سهُ إِلّ بِ َ
ص َم مِن مَاَل ُه وََنفْ َ
إِ ّل اللّه فَمَ ْن قَالَا ،ف َقدْ َع َ
لُقَاتِلَ ّن مَ ْن َفرّقَ بَيْ َن الصّلةِ والزّكاةِ ،فإِن الزّكَاةَ َحقّ الَالِ .والّلهِ لَو مَنعُون ِعقَالً كانَوا ُيؤَدوَنهُ إِل
رَسُولِ الّل ِه صَلّى الُ َعلَْيهِ وسَلّمَ ،لقَاتَلُْتهُ ْم على من ِعهِ ،قَا َل عُم ُر َرضِيَ اللّه َعْنهَُ :فوَالّل ِه مَا هُو إِلّ أَن رََأْيتُ
ح صَ ْدرَ أَب بَ ْك ٍر للقِتَالَِ ،فعَر ْفتُ أَّنهُ الَقّ .مُتف ٌق عليه ،وعن ابن عمر رضي ال عنه قال" اللّه قَدْ َشرَ َ
ادفعوها إل من وله ال أمركم ،فمن بر لنفسه ومن أث فعليها " رواه أبو عبيد ف الموال وغيه ،وعن
سهيل بن أب صال عن أبيه قال :سألت سعد بن أب وقاص وأبا هريرة وأبا سعيد الدري وابن عمر
فقلت :إن هذا السلطان يصنع ما ترون أفأدفع زكات إليهم؟ قال فقالوا كلهم ادفعها إليهم" رواه أبو
عبيد ف الموال وهذا كان ف عهد بن أمية.
فالكومة السلمية تتول جباية زكاة الموال الظاهرة ،وتعطيها لستحقيها وهم الصناف الثمانية الذين
ي عََلْيهَا وَٱلْ ُمؤَّل َفةِ قُلُوُبهُمْ َوفِي
ي وَٱلْعَامِِل َ
ذكرهم ال تعال ف قوله{ :إِنّمَا ٱلصّدَقَاتُ ِل ْلفُ َقرَآ ِء وَٱلْمَسَا ِك ِ
ٱلرّقَابِ وَٱْلغَا ِر ِميَ وَفِي سَبِيلِ ٱلّلهِ وَٱبْنِ ٱلسّبِي ِل َفرِيضَ ًة مّنَ ٱلّل ِه وَٱلّلهُ َعلِيمٌ َحكِيمٌ}
السياسة الشرعية
159
باب :الشورى
الشورى ف السلم من قواعد الكم الواجبة الت يقصد منها إقامة العدل والتحاكم إل الشريعة
السلمية ف جيع مالت الياة ،ومنع الستبداد والظلم والفساد ف الرض ،وقد أمر ال تعال نبيه
صلى ال عليه وسلم بالشورى فقال تبارك وتعال{ :وَشَا ِو ْرهُمْ فِي ٱ َل ْمرِ فَِإذَا َع َز ْمتَ فََتوَكّ ْل عَلَى ٱلّلهِ إِنّ
حبّ ٱلْمَُتوَكِّليَ} ,والمر يقتضي الوجوب والصل أن المر الوجه إل النب صلى ال عليه وسلم ٱلّلهَ يُ ِ
يشمل المة إل إذا دل الدليل على أن الكم خاص به صلى ال عليه وسلم ,وليس هناك دليل يقتضي
التخصيص فيكون المر بالشورى من الواجبات الناطة بالمة ،الت ل يوز للحاكم تعطيلها والغاؤها،
قال اب ُن عَطِية رحه ال " :والشّورَى من قواعد الشريعة وعزائم الحكام؛ من ل يَسْتشِيُ أهلَ العِلم
والدّين فَعزُْلهُ واجبٌ .هذا ما لَ خلف فيه".)11
وقال اب ُن ُخوَْيزٍ َمنْدَاد " :واجب على الوُ َلةِ مشاو َرةُ العلماء فيما ل َيعْلَمُونِ ،وفيما أَ ْشكَل عليهم من
أُمور الدّين ،ووُجوه الَيش فيما يت َعلّقُ بالرب ،ووجوه الناس فيما يََتعَلّ ُق بالصال ،ووُجُوهِ ال ُكتّابِ
والوزراءِ والعُمَا ِل فيما يتعّلقُ بِمصال البلد وعِمَارتا".)22
فإذا كان النب صلى ال عليه وسلم الذي أغناه ال بالوحي عن الرجوع إل الناس لعرفة الق ,قد أمره
ال تعال بالشاورة فغيه من باب أول.
وقال السن ف قوله تعالَ { :وشَا ِو ْرهُمْ فِى ٱ ّل ْمرِ} قال " قد علم ال ما به إليهم من حاجة ،ولكن أراد
أن يست به من بعده " أخرجه سعيد بن منصور وغيه.
حبّ ٱلْمَُتوَكِّليَ} " أمر
وعن قتادة ،قولهَ { :وشَا ِو ْرهُمْ فِى ٱل ْمرِ َفِإذَا َع َزمْتَ فََتوَكّلْ َعلَى ٱلّلهِ إِنّ ٱلّلهَ يُ ِ
ال عزّ وج ّل نبيه صلى ال عليه وسلم أن يشاور أصحابه ف المور ،وهو يأتيه وحي السماء ،لنه أطيب
لنفس القوم ،وإن القوم إذا شاور بعضهم بعضا ،وأرادوا بذلك وجه ال عزم لم على أرشده " أخرجه
ابن جرير وغيه.
وأخرج ابن جرير عن ابن إسحاق {وَشَا ِو ْرهُمْ فِى ٱ َل ْمرِ} " أي لتريهم أنك تسمع منهم وتستعي ،بم
وإن كنت عنهم غنيا ،تؤلفهم بذلك على دينهم".
أول :أن الشورى عبادة ل تعال والقائمون با مطيعون ل تعال ومستجيبون لمره بالعمل با.
ثانيا :أن الشورى يصل با سداد رأي والتوصل إل الق والصواب ,والبعد عن الطأ فهي من الزم
وهوكما قال ابن عطية" :جودة النظر ف المر وتنقيحه ،والذر من الطأ فيه" ,ث إذا اختار المام ما
ترجح عنده من الراء بعد الشورة فعليه أن يعزم على فعله متوكل على ال تعال ،كما قال ال تعال:
{وَشَا ِو ْرهُمْ فِى ٱ ّل ْمرِ فَِإذَا َع َز ْمتَ فََتوَكّ ْل عَلَى ٱلّلهِ} والعزم هو أن يقصد إمضاء المر ،وقال المام ابن
جرير رحه ال عن بعض أهل العلم "فيتشاوروا بينهم ،ث يصدروا عما اجتمع عليه ملؤهم؛ لن الؤمني
إذا تشاوروا ف أمور دينهم متبعي القّ ف ذلك ،ل يلهم ال عزّ وجلّ من لطفه ،وتوفيقه للصواب من
الرأي والقول فيه " ،)11وقال المام ابن القيم رحه ال " ولذا كان من سداد الرأي وإصابته أن يكون
شورى بي أهله ،ول ينفرد به واحد ،وقد مدح ال سبحانه الؤمني بكون أمرهم شورى بينهم "،)22
وأخرج ابن أب حات عن السن ف قولهَ { :وشَا ِو ْرهُمْ فِي ا َلمْرِ} قال" :وال ما تشاور قط إل عزم ال
و أهل الشورى هم الذين اتصفوا بصفات معينة جعلتهم أهل للمشاورة والنظر فيما يقق الصال
الشرعية ف أمور الدولة السلمية والرعية:
و أول صفات أهل الشورى العلم:
فإن القرارات الت تصدر من أهل الشورى ل ترج عن نصوص الشرع وأصوله العامة وتقيق مقاصده،
وهذا يقتضي أن يكون أعضاء الشورى من أهل العلم الشرعي حت تساس أمور الدولة وتنفذ أعمالا با
يوافق شرع ال ويقق مقاصده ,وقد قال ال تعال{ :فَاسَْألُواْ َأهْ َل الذّ ْكرِ إِن كُْنتُم لَ َتعْلَمُونَ} ,وقال
صلى ال عليه وسلم" :إن ال ل يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ،ولكن يقبض العلم بقبض
العلماء حت إذا ل يبق عالا اتذ الناس رؤوسا جهال فسئلوا فأفتوا بغي علم فضلوا وأضلوا" متفق
عليه ،وعن ممد ابن النفية عن علي رضي ال عنه قال " قلت :يا رسول ال إن نزل بنا أمر ليس فيه
بيان أمر ول ني فما تأمرنا؟ قال" :تشاورون الفقهاء والعابدين ول تضوا فيه رأي خاصة" رواه
الطبان ف الوسط ،وقال عنه اليثمي ف الجمع :ورجاله موثوقون من أهل الصحيح ،وعن ابن عباس
رضي ال عنهما قال" :قدم عيينة بن حصن فنل على ابن أخيه الر ابن قيس ،وكان من النفر الذين
يدنيهم عمر رضي ال عنه ،وكان القراء أصحاب ملس عمر رضي ال عنه ومشاورته كهول كانوا أو
شبانا ،فقال عيينة لبن أخيه :يا ابن أخي لك وجه عند هذا المي فاستأذن ل عليه .فاستأذن له فأذن له
عمر رضي ال عنه فلما دخل قال :هي يا ابن الطاب فوال ما تعطينا الزل ول تكم فينا بالعدل.
فغضب عمر رضي ال عنه حت هم أن يوقع به فقال له الر :يا أمي الؤمني إن ال تعال قال لنبيه صلى
تشرع الشورى ف القضاء وف الفتوى ف جيع شؤون الياة للتوصل إل الكم الشرعي إذا ل يتبي
للمام الكم من الكتاب أو السنة أو الجاع أو القياس اللي الستوف للشروط ,وكذلك يتشاور المام
مع أهل الشورى ف أمور الرب والسلم والدنة ،وف الموال العامة وصرفها ،وف تولية المراء والقضاة
وغيهم ،وف النوازل الطارئة ،وف تنظيم الدولة وإدارتا ،وتشرع الشورى ف مراقبة أعمال المام
والولة والقضاة وغيهم وماسبتهم ,وكذلك ف تعيي المام العام ،قال العلمة السعدي رحه ال ف
قوله تعال {وََأ ْم ُرهُمْ شُورَى بَيَْنهُمْ} " وأمرهم الدين والدنيوي {شُورَى بَْيَنهُمْ} أي ل يستبد أحد منهم
برأيه ف أمر من المور الشتركة بينهم ،وهذا ل يكون إل فرعا عن اجتماعهم وتوالفهم وتواددهم
وتاببهم ،فمن كمال عقولم أنم إذا أرادوا أمرا من المور الت تتاج إل إعمال الفكر والرأي فيها
اجتمعوا لا وتشاوروا وبثوا فيها ،حت إذا تبينت لم الصلحة انتهزوها وبادروها ،وذلك كالرأي ف
الغزو والهاد وتولية الوظفي لمارة أو قضاء أو غيها ،وكالبحث ف السائل الدينية عموما ،فإنا من
المور الشتركة ،والبحث فيها لبيان الصواب ما يبه ال ،وهو داخل ف هذه الية".)21
ومن الدلة والمثلة على الشورى ف الهاد والسلم والدنة أن النب صلى ال عليه وسلم شاور الصحابة
ف يوم بدر ،فعن أنس رضي ال عنه " أن رسول ال صلى ال عليه وسلم شاور ،حي بلغه إقبال أب
سفيان .قال :فتكلم أبو بكر رضي ال عنه فأعرض عنه .ث تكلم عمر رضي ال عنه فأعرض عنه .فقام
سعد بن عبادة رضي ال عنه فقال :إيانا تريد يا رسول ال والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نيضها البحر
لخضناها .ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إل برك الغماد لفعلنا" .أخرجه مسلم.
وشاورهم ف أسرى بدر فقد جاء عن ابن عباس رضي ال عنهما عن عمر رضي ال عنه ف أسرى بدر
وفيه " فهزم ال عز وجل الشركي فقتل منهم سبعون رجل ،وأسر منهم سبعون رجل ،فاستشار
رسول ال صلى ال عليه وسلم أبا بكر وعليا وعمر رضي ال عنهم " رواه مسلم وأحد واللفظ له.
يتول المام تعيي المراء والوزراء وكبار السؤولي ،ويشاور ف تعيينهم حت يتبي له أول الناس بالتعيي
ف كل وزارة أو إمارة ،فإن الوليات من المانات الت يب أن تسند إل أهلها ،كما قال تعال{ :إِنّ
ب صَلّى الُ الّلهَ يَ ْأ ُمرُكُمْ أَن تُؤدّواْ ا َلمَانَاتِ ِإلَى َأهِْلهَا} ,وعن أب هريرة رضي ال عنه قَالَ" :بيَْنمَا النّ ّ
ل عَلَْيهِ ث اْل َقوْمَ ،جا َءهُ أعْرابِيّ َفقَالَ :مَتَى السّا َعةُ فَ َمضَى رسُولُ اللّه صَلّى ا ُ عََلْيهِ و َسلّم ف مَجِْلسٍ يُحَ ّد ُ
ض اْل َقوْمِ :سَمِ َع مَا قَالَ ،فَ َكرِه ما قَالَ ،وقَا َل َب ْعضُهمْ :بَلْ لَ ْم يَسْمَعْ ،حَتّى إذَا
وسَلّم يُحَ ّدثُ ،فقَال َبعْ ُ
َقضَى حَدِيَثهُ قَا َل "أيْنَ السّاِئلُ عَنِ السّا َعةِ؟" قَال :ها أنَا يَا رسُولَ اللّه ،قَا َل "إذَا ضُّي َعتِ ا َلمَانةُ فانْتَ ِظرِ
ف إضَاعَُتهَا؟ قَالَ" :إذَا وُسّد ال ْمرُ إل غَ ْيرِ أ ْه ِلهِ فَانْتَ ِظرِ السّاعة" رواهُ البُخاري.
السّاعةَ" قَالََ :كيْ َ
وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :سيأت على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب،
ويكذب فيها الصادق ،ويؤتن فيها الائن ،ويون فيها المي ،وينطق فيها الرويبضة" قيل :وما
الرويبضة؟ قال" :الرجل التافه ف أمر العامة" رواه ابن ماجه،وعند أحد بلفظ" :قيل :وما الرويبضة؟
قال" :السفيه يتكلم ف أمر العامة" ،وعند أحد من حديث أنس "قيل :وما الرويبضة؟ قال" :الفويسق
يتكلم ف أمر العامة" والرويبضة هو تصغي رابضة وهو الذي ربض وقعد عن مكارم الخلق والمور
العالية ،فأول الناس ف كل عمل أفضلهم أمانة واستقامة وعلما وخبة ف العمل والختصاص ،وقد قال
تعال{ :إِنّ َخْيرَ مَ ِن اسْتَ ْأ َج ْرتَ اْل َقوِيّ ا َل ِميُ} ,وقال تعال{ :قَالَ ا ْجعَلْنِي َعلَى َخزَآئِنِ ا َل ْرضِ ِإنّي
ظ عَلِيمٌ} أي خازن حافظ للمانة وعليم ف تدبي عمله الذي يتوله وتصريف أموره،وقال تعال: َحفِي ٌ
{وَٱ ْجعَل لّي َوزِيرا مّنْ َأهْلِي .هَارُونَ أَخِي .ٱشْ ُددْ ِبهِ َأ ْزرِي .وَأَ ْشرِ ْكهُ فِيۤ َأ ْمرِي} ،وعن أب سعيدٍ وأب
خلَف
ل عَلَْيهِ و َسلّم قال" :مَا َب َعثَ ال ّلهُ مِن نب ،ول استَ ْ
هريرة رضي اللّه عنهما أن رسولَ اللّه صَلّى ا ُ
شرّ و ُتضّ ُه عليهِ
ضهُ عليه ،وِبطَاَنةٌ َت ْأمُرُ ُه بِال ّ
ف وَ ُت ّ
مِنْ خَلي َفةٍ إلّ كَاَنتْ َلهُ بِطَانتَانِ :بِطَاَنةٌ َت ْأمُرُ ُه بِالَ ْعرُو ِ
صمَ ال ّلهُ" رواه البخاري.
والَعصُومُ من َع َ
ي خيا،
ل عََلْيهِ و َسلّم" :إذا أرَادَ اللّه بالمِ ِ
وعن عائشة رضي اللّه عنها قالتْ :قال رسو ُل اللّه صَلّى ا ُ
ي ذلك جعَ َل له َوزِيرَ سُوءٍ ،إن
َجعَلَ له وزيرَ صِدقٍ ،إن نَسي ذكّرهُ ،وَإن ذَ َكرَ أعَاَنهُ ،وَإذا َأرَاد بهِ غَ َ
نَسي ل ُيذَكّره ،وَإن ذَ َكرَ ل ُيعِ ْنهُ" رواه أبو داود.
وعن عمر بن الطاب رضي ال عنه قال" :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يسمر مع أب بكر ف
المر من أمر السلمي وأنا معهما" رواه الترمذي.
السياسة الشرعية
188
وعن ابن عباس رضي ال عنهما قال" :وضع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن
يرفع ،وأنا فيهم فلم يرعن إل رجلٌ قد أخذ بنكب ،فالتفت فإذا هو علي بن أب طالب فترحم على
عمر ،وقال :ما ظننت أحدا أحب إل أن ألقى ال بثل عمله منك ،واي ال إن كنت لظن ليجعلنك ال
مع صاحبيك ،ذلك أن كنت كثيا أسع النب صلى ال عليه وسلم يقول :ذهبت أنا وأبو بكر وعمر،
ودخلت أنا وأبو بكر وعمر ،وخرجت أنا وأبو بكر وعمر ،فإن كنت لرجو أو أظن أن يعلك ال
معهما" متفق عليه ،وقال الافظ ابن حجر رحه ال " ف فضائل الصحابة لسد بن موسى والعرفة
ليعقوب بن سفيان بسند ل بأس به عن عبد الرحن بن غنم بفتح العجمة وسكون النون ،وهو متلف
ف صحبته أن النب صلى ال عليه وسلم قال لب بكر وعمر :لو أنكما تتفقان على أمر واحد ما
عصيتكما ف مشورة أبدا" ،ورواه أحد بلفظ نوه.
وف صحيح مسلم "أن نافع بن عبدالارث لقي عمر بعسفان .وكان عمر يستعمله على مكة .فقال :من
استعملت على أهل الوادي؟ فقال :ابن أبزى .قال :ومن ابن أبزى قال :مول من موالينا .قال:
فاستخلفت عليهم مول؟ قال :إنه قارئ لكتاب ال عز وجل .وإنه عال بالفرائض .قال عمر :أما إن
نبيكم صلى ال عليه وسلم قد قال "إن ال يرفع بذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين".
وعن حذيفة قال" :جاء العاقب والسيد ،صاحبا نران ،إل رسول ال صلى ال عليه وسلم يريدان أن
يلعناه ،قال :فقال أحدها لصاحبه :ل تفعل ،فوال لئن كان نبيا فلعننا ل نفلح نن ول عقبنا من
بعدنا .قال :إنا نعطيك ما سألتنا ،وابعث معنا رجل أمينا ،ول تبعث معنا إل أمينا .فقال" :لبعثن معكم
رجل أمينا حق أمي" .فاستشرف له أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقال" :قم يا أبا عبيدة
بن الراح" .فلما قام ،قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :هذا أمي هذه المة" رواه البخاري
وروى مسلم نوه ،وعن أنس رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "لكل أمة أمي،
وأمي هذه المة أبو عبيدة بن الراح" أخرجه البخاري ،وقال صلى ال عليه وسلم "أرحم أمت بأمت
أبو بكر ،وأشدهم ف أمر ال عمر ،وأصدقهم حياء عثمان ،وأقرؤهم لكتاب ال أب بن كعب،
وأفرضهم زيد بن ثابت ،وأعلمهم باللل والرام معاذ بن جبل ،ولكل أمة أمي ،وأمي هذه المة
أبو عبيدة بن الراح" رواه أحد والترمذي وغيها.
وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :العامل على الصدقة بالق :كالغازي ف سبيل ال حت يرجع
إل بيته" رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.
السياسة الشرعية
189
وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :إن الازن السلم المي الذي ينفذ" وربا قال" :يعطى ما أمر
به فيعطيه كامل موفرا طيبة به نفسه فيدفعه إل الذي أمر له به أحد التصدقي" أخرجه البخاري
ومسلم.
وقال صلى ال عليه وسلم" :أيا راع استرعي رعيه فغشها فهو ف النار" رواه أحد.
وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم "خي الكسب كسب العامل إذا نصح" رواه أحد.
وعن سعد بن عبادة رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال له" :قم على صدقة بن
فلن ،وانظر أن تأت يوم القيامة ببكر تمله على عاتقك أو كاهلك له رغاء يوم القيامة" قال :يا
رسول ال اصرفها عن فصرفها عنه" رواه أحد.
وقال صلى ال عليه وسلم" :من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول"
رواه أبو داود.
وعن عدي بن عمية رضي ال عنه قال :سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول" :من استعملناه
منكم على عمل فكتمنا ميطا فما فوقه كان غلول يأت به يوم القيامة" فقام إليه رجل أسود من
النصار كأن أنظر إليه فقال :يا رسول ال اقبل عن عملك قال" :وما لك؟" قال :سعتك تقول كذا
وكذا قال" :وأنا أقول الن من استعملناه منكم على عمل فليجىء بقليله وكثيه فما أوت منه أخذ
وما ني عنه انتهى" رواه مسلم وأبو داود وغيها.
وقال صلى ال عليه وسلم" :ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك إل أتى ال مغلول يده إل
عنقه فكه بره أو أوثقه إثه :أولا ملمة ،وأوسطها ندامة ،وآخرها خزي يوم القيامة" رواه أحد.
وقال المام البخاري رحه ال ف صحيحه "باب :يستحب للكاتب أن يكون أمينا عاقل" ويريد بذلك
كاتب الاكم وغيه ،ث ذكر قصة زيد بن ثابت مع أب بكر وعمر رضي ال عنهما ف جع القرآن،
والشاهد منها قول أب بكر رضي ال عنه لزيد" :إنك رجل شاب عاقل ل نتهمك" ,وعن عبد ال بن
الزبي رضي ال عنه أن النب استكتب عبد ال بن أرقم فكان يكتب عبد ال بن أرقم ،وكان ييب عنه
اللوك ،فبلغ من أمانته أنه كان يأمره أن يكتب إل بعض اللوك فيكتب ،ث يأمره أن يكتب ويتم ول
يقرأه لمانته عنده ،ث استكتب أيضا زيد بن ثابت ،فكان يكتب الوحي ،ويكتب إل اللوك أيضا،
وكان إذا غاب عبد ال بن أرقم وزيد بن ثابت واحتاج أن يكتب إل بعض أمراء الجناد واللوك أو
يكتب لنسان كتابا يقطعه أمر جعفرا أن يكتب ،وقد كتب له عمر وعثمان ،وكان زيد والغية
ومعاوية وخالد بن سعيد بن العاص وغيهم من قد سي من العرب".)11
المر بالعروف والنهي عن النكر فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الث عن الباقي ,وإذا ل يقوموا به
جيعا أث الميع ,وف النكر العي يأث من علم به ول ينكره مع قدرته على إنكاره وقد قال ال تعال:
{وَْلتَكُن مّنْكُمْ ُأمّ ٌة يَ ْدعُونَ ِإلَى الْخَْي ِر وَيَ ْأ ُمرُونَ بِالْ َم ْعرُوفِ َويَْن َهوْ َن عَنِ الْ ُمنْ َك ِر وَُأوْلَـِئكَ هُمُ
ل َعلَْيهِ وسَلّم" :مَ ْن رَأَى مِنْكُم مُنْكرا َفلْيغّيرْهُ بِيَدهَِ ،فإِنْ َلمْ يَسْتَط ْع فِبلِسَاِنهِ،
اْل ُمفْلِحُونَ} ,وقال صَلّى ا ُ
ض َعفُ الِيانِ" رواه مسلم ,فمن رأى منكرا فيغيه باليد عند
َفإِنْ َلمْ يَسْتَطِ ْع فَبقَلب ِه َوذََلكَ أَ ْ
الستطاعة,و إذا ل يستطع فبلسانه ,فإن ل يستطع فبقلبه ,والنكار بالقلب ل يسقط بال.
وإذا كان إنكار النكر يتطلب القدرة ,فل شك أن السلطان أقدر من سائر الرعية ،فيجب عليه وعلى
جيع المراء والوزراء من المر بالعروف والنهي عن النكر أكثر من غيهم ،كما يب على الكومة
السلمية تأسيس ولية السبة ،وتعي الحتسبي الذين يقومون بأمر الناس بالعروف ونيهم عن النكر.
المر بالعروف والنهي عن النكر من أعظم الواجبات على الدولة السلمية ،الت مكن ال لا ف
ص ُرهُ إِنّ ٱلّلهَ َل َق ِويّ َعزِيزٌ .ٱلّذِينَ إِ ْن مّكّنّاهُ ْم فِي ٱ َل ْرضِ صرَنّ ٱلّل ُه مَن يَن ُ الرض ،وقد قال ال تعالَ { :ولَيَن ُ
لةَ وَآَت ُوْا ٱلزّكَـا َة وََأ َمرُوْا بِٱلْ َم ْعرُوفِ وََن َه ْواْ َعنِ ٱلْ ُمنْ َك ِر وَلِّل ِه عَاِقبَ ُة ٱ ُلمُورِ} ,فجميع الوليات أَقَامُوْا ٱلصّ َ
من خلفة أو إمارة أو وزارة أو غيها القصود منها القيام بالمر بالعروف والنهي عن النكر ،ليكون
الدين كله ل تعال ,ويعم الصلح بي الناس ويزال الكفر والفساد من الجتمع.
وقد قال ال تبارك وتعالُ { :كنْتُمْ َخْيرَ ُأمّةٍ أُ ْخرِ َجتْ لِلنّاسِ تَ ْأ ُمرُونَ بِالْ َم ْعرُوفِ َوتَْن َهوْ َن عَنِ الْ ُمنْ َكرِ
وَُت ْؤمِنُونَ بِالّلهِ} ,وأخرج ابن جرير وغيه عن ماهد ف قول ال عز وجل{ :كُنتُمْ َخْيرَ ُأمّةٍ أُ ْخرِ َجتْ
لِلنّاسِ} يقول " :على هذا الشرط أن تأمروا بالعروف ،وتنهوا عن النكر ،وتؤمنوا بال " ,فباليان
والمر بالعروف والنهي عن النكر نالت المة السلمية خييتها على سائر المم.
والمر بالعروف والنهي عن النكر هو سبيل أهل الصلح من النبياء عليهم الصلة والسلم
والصالي ،وبه تنال الجور العظيمة والفوز والفلح ،وقد قال ال تبارك وتعال{ :ٱلّذِينَ َيتِّبعُونَ
ٱلرّسُولَ ٱلنّبِ ّي ٱ ُلمّيّ ٱلّذِي َيجِدُوَن ُه مَكْتُوبا عِن َدهُمْ فِي ٱلّت ْورَا ِة وَٱلِنْجِيلِ يَ ْأ ُم ُرهُم بِٱلْ َم ْعرُوفِ َويَْنهَاهُ ْم عَنِ
ح ّرمُ عََلْيهِمُ ٱلْخَبَآِئثَ}. حلّ َلهُمُ ٱلطّيّبَاتِ وَُي َ
ٱلْمُنْ َك ِر وَيُ ِ
السياسة الشرعية
194
وقال تعال{ :وَٱلْ ُم ْؤمِنُو َن وَٱلْ ُم ْؤمِنَاتِ َب ْعضُهُمْ َأوْلِيَآءُ َبعْضٍ يَ ْأ ُمرُونَ بِٱلْ َم ْعرُوفِ وََيْن َهوْنَ عَنِ ٱلْ ُمنْ َكرِ
لةَ وَُي ْؤتُونَ ٱلزّكَا َة وَيُطِيعُونَ ٱلّل َه َورَسُوَلهُ ُأوَْلـِٰئكَ سََيرْحَ ُمهُمُ ٱلّلهُ إِنّ ٱلّل َه َعزِيزٌ حَكِيمٌ}. وَُيقِيمُو َن ٱلصّ َ
والمر بالعروف والنهي عن النكر هو سبيل النجاة من عذاب ال تعال ف الدنيا والخرة ،وقد قال ال
ل مّمّنْ عز وجل{ :فََلوْلَ كَانَ مِنَ ٱْل ُقرُونِ مِن َقبْلِ ُكمْ ُأوْلُواْ َبقِيّةٍ َيْن َهوْنَ عَنِ ٱْلفَسَادِ فِي ٱ َل ْرضِ إِلّ َقلِي ً
ج ِرمِيََ .ومَا كَا َن رَّبكَ ِلُيهِْلكَ ٱْلقُ َرىٰ بِظُلْ ٍم وََأ ْهُلهَا أَنَْينَا مِْنهُ ْم وَٱتّبَعَ ٱلّذِينَ َظلَمُوْا مَآ أُْت ِرفُواْ فِيهِ وَكَانُوْا مُ ْ
مُصِْلحُونَ} أي فهل كان من القرون الت مضت بقية من الصالي تنهى عن العاصي والفساد ف
الرض ,وقد وجد من هؤلء قليل من الصلحي الناهي عن النكر ,الذين أناهم ال تعال عند حلول
ج ِر ِميَ} أي استمر عذابه بأهل الفساد ،وقوله تعال{ :وَٱتّبَعَ ٱلّذِينَ ظَلَمُوْا مَآ ُأْترِفُوْا فِي ِه وَكَانُوْا مُ ْ
الظالون ف ترفهم ,وفسقهم ,وإجرامهم ,ول يصغوا لنصيحة الناصحي حت فاجأهم العذاب ,وقوله
تعالَ { :ومَا كَا َن رَّبكَ لُِي ْهِلكَ ٱْل ُقرَىٰ بِ ُظلْ ٍم وََأهُْلهَا ُمصْلِحُونَ} أي وما كان ربك يا ممد صلى ال عليه
وسلم بهلك القرى الت ذكر ال تعال أمرها بظلم منه ,وهم مصلحون مستمسكون بطاعة ال ،ل
يرتكبوا من النكرات والعاصي ما يستحقون عليها العقوبة واللك ,ولكنه تبارك وتعال أهلك أهل هذه
القرى لكفرهم ,وظلمهم ,وارتكابم النكرات والوبقات.
وقال تعال{ :وَِإذَا قَاَلتْ ُأمّ ٌة مّْنهُمْ لِ َم َتعِظُونَ َقوْما ٱلّلهُ ُمهْلِ ُكهُمْ َأ ْو ُمعَذُّبهُ ْم عَذَابا شَدِيدا قَالُوْا َمعْ ِذ َرةً
س ۤوءِ وََأخَذْنَا ٱلّذِينَ ظَلَمُواْ إِلَ ٰى رَبّكُ ْم وََلعَّلهُمْ يَّتقُونَ .فَلَماّ نَسُوْا مَا ذُ ّكرُوْا ِبهِ أَ َنيْنَا ٱلّذِينَ يَْن َهوْ َن عَنِ ٱل ُ
سقُونَ .فَلَمّا عََتوْْا عَن مّا ُنهُواْ َعْنهُ قُ ْلنَا َلهُمْ كُونُوْا ِق َر َدةً خَاسِِئيَ}. ِبعَذَابٍ َبئِيسٍ بِمَا كَانُوْا َيفْ ُ
وقال تبارك وتعال{ :وَاّتقُواْ ِفتْنَةً ّل ُتصِيبَ ّن الّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصّ ًة وَاعْلَمُواْ أَ ّن الّلهَ َشدِيدُ اْل ِعقَابِ}،
قال ابن عباس رضي ال عنهما ف هذه الية" :أمر ال الؤمني أل يقروا النكر بي أظهرهم فيعمهم ال
بالعذاب " أخرجه ابن جرير وغيه ,فالسكوت عن النكرات من أسباب العقوبات العامة ,وقد قال
ل عَلَْيهِ و َسلّم" :واّلذِي َنفْسِي بَِيدِ ِه لََت ْأ ُمرُنّ بالْمعرُوفِ ،وَلتَ ْن َهوُنّ عَنِ ا ُلنْ َكرَِ ،أ ْو لَيُوشِكَنّ اللّه أَنْ
صَلّى ا ُ
يَبْعثَ َعلَيْكمْ ِعقَابا مِ ْنهُُ ،ثمّ َتدْعُوَنهُ فَلَ يُسْتَجابُ لَ ُكمْ" رواه الترمذي.
وعن أَب بَ ْك ٍر الصّدّيق رضي اللّه عنه .قال :يا أَّيهَا النّاسُ إِنّكُمْ تقرءو َن هَ ِذهِ اليةَ{ :يَا َأّيهَا الّذِي َن آمَنُوا
ل عَلَْيهِ و َسلّم َيقُولُ: ضرّكُمْ م ْن ضَلّ ِإذَا ا ْهتَدَْيتُمْ} وإِن سَمِعت رسول اللّه صَلّى ا ُ عَليْكُمْ أَْنفُسَكُمْ ل َي ُ
ب مِ ْنهُ" رواه أبو داود
"إِنّ النّاسَ ِإذَا َرَأوْا الظّاِل َم َف َلمْ َيأْ ُخذُوا َعلَى َيدَْيهِ َأوْ َشكَ أَنْ َيعُ ّم ُهمُ اللّه ِب ِعقَا ٍ
والترمذي والنسائي.
ل عَلَْيهِ و َسلّم قال" :مَثَ ُل القَاِئمِ ف حُدودِ اللّه،
ب صَلّى ا ُ
وعن النعمان بن بشي رضي ال عنهما عن الن ّ
واْلوَاقِعِ فيها كَمَثَ ِل قَومٍ اسَْتهَمُوا على سفينةٍ فصارَ بعضُهم أعلهَا وبعضُهم أسفلَها وكانَ الذينَ ف
أسفلها ِإذَا اسَْت َقوْا مِ َن الاءِ َمرّوا َعلَى مَنْ َف ْو َقهُ ْم فَقَالُواَ :ل ْو أَنّا َخ َرقْنَا ف َنصَيبِنا َخرْقا وََلمْ ُن ْؤ ِذ مَنْ
السياسة الشرعية
195
َفوْقَنَاَ ،فإِنْ َترَكُو ُهمْ َومَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعا ،وإِنْ َأ َخذُوا َعلَى أَْيدِيهِم نَجوْا ونوْا جَمِيعا" .رواهُ
البخاري.
وقال صلى ال عليه وسلم" :إن ال عز وجل ل يعذب العامة بعمل الاصة حت يروا النكر بي
ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فل ينكروه ،فإذا فعلوا ذلك عذب ال الاصة والعامة" رواه
أحد ,وقال بلل بن سعد رحه ال " إن العصية إذا أخفيت ل تضر إل صاحبها ,وإذا أعلنت فلم تغي
ضرت العامة" رواه ابن البارك ف الزهد وغيه.
صرَنّ ٱلّلهُ كما أن ترك المر بالعروف والنهي عن النكر من موانع تقق النصر ،كما قال تعال{ :وََليَن ُ
ص ُرهُ إِ ّن ٱلّلهَ َل َق ِويّ َعزِيزٌ .ٱلّذِينَ إِ ْن مّكّنّاهُ ْم فِي ٱ َل ْرضِ َأقَامُوْا ٱلصّلَ َة وَآَتوُْا ٱلزّكَـاةَ وََأ َمرُواْ مَن يَن ُ
ف وََن َهوْْا عَنِ ٱلْمُنْ َك ِر وَِلّلهِ عَاقَِبةُ ٱ ُلمُورِ}.
بِٱلْ َم ْعرُو ِ
كما أن ترك إنكار النكرات من أسباب اللعن ،كما قال تبارك وتعالُ{ :لعِنَ ٱلّذِينَ َك َفرُوْا مِن بَنِيۤ
صوْا وّكَانُوْا َيعْتَدُونَ .كَانُواْ لَ َيتَنَا َهوْ َن عَن مّن َكرٍ إِ ْسرَائِي َل َعلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ َوعِيسَى ٱبْ ِن َمرْيَ َم ذِٰلكَ بِمَا َع َ
َفعَلُوهُ لَِبْئسَ مَا كَانُواْ َي ْفعَلُونَ} ,ومن صفات أهل النفاق أن يأمروا بالنكر وينهوا عن العروف ،كما قال
ض يَ ْأ ُمرُونَ بِٱْلمُن َك ِر وَيَْن َهوْ َن عَنِ ٱلْ َم ْعرُوفِ ،وََيقِْبضُونَ
ضهُمْ مّن َبعْ ٍ تعال{ :ٱلْمُنَاِفقُونَ وَٱلْ ُمنَاِفقَاتُ َب ْع ُ
ي هُمُ اْلفَا ِسقُونَ} أَيْ ِدَيهُمْ نَسُواْ ٱلّلهَ فََنسَِيهُمْ إِنّ ٱلْمُنَاِفقِ َ
والواجب البدء بالهم فالهم ف المر بالعروف والنهي عن النكر ،فأول يبدأ بتعليم الناس اليان
وتوحيد ال تعال ,وتطهي النفوس والبلد من الشرك كدعاء الموات ,والستغاثة بم ,أو الذبح لم ,أو
تاكم إل قواني وضعية أو عادات جاهلية أو غيها من أنواع الشرك ،فإن التوحيد هو أصل دعوة
النبياء عليهم الصلة والسلم ،كما قال تعالَ { :وَلقَدْ َبعَثْنَا فِي كُلّ ُأمّ ٍة رّسُولً أَ ِن اعْبُدُوْا الّلهَ وَاجَْتنِبُواْ
ل َعلَْيهِ وسَلّم فقال "إّنكَ َتأْتِي قوْما
صلّى ا ُ
اْلطّاغُوتَ} ،وعن مُعاذٍ رضي اللّه عنه قال :بعََثنِي رسولُ اللّه َ
مِنْ َأهْلِ الْكِتَاب ،فادْ ُع ُهمْ إِلَى شَهَادة َأنْ ل إَِلهَ إ ّل اللّه ،وَأنّي رسول اللّه فإِنْ ُهمْ أَطاعُوا ِلذَِلكَ،
صلَواتٍ ف كُ ّل يومٍ َولَ ْي َلةٍَ ،فإِنْ ُهمْ أَطَاعُوا لِذلكَ،
َفأَ ْعلِم ُهمْ أَ ّن اللّه َق ِد افْترضَ ع َليْهم خَ ْمسَ َ
َفأَعلِمْ ُهمْ أَ ّن اللّه َق ِد افَْت َرضَ َعلَيهمْ ص َد َقةً ُتؤْخ ُذ مِنْ أَغنياِئ ِه ْم فَُترَدّ َعلَى ُفقَرائهمَ ،فإِنْ ُهمْ أَطَاعُوا
لِذلكََ ،فإِيّاكَ وكَراِئمَ َأمْوالِهم .واتّ ِق دعْو َة الْمَ ْظلُو ِم فَإِّنهُ لَيْس بينها وبيْنَ اللّه حِجَابٌ" متفقٌ عليه.
السياسة الشرعية
197
وأخرج البخاري عن عائشة رضي ال عنها قالت" :إنا نزل أول ما نزل منه سورة من الفصل ،فيها
ذكر النة والنار ،حت إذا ثاب الناس إل السلم ،نزل اللل والرام ،ولو نزل أول شيء :ل تشربوا
المر .لقالوا :ل ندع المر أبدا ,ولو نزل :ل تزنوا .لقالوا :ل ندع الزنا أبدا .لقد نزل بكة على ممد
صلى ال عليه وسلم وإن لارية ألعب {بَ ِل السّا َع ُة َم ْوعِ ُدهُمْ وَالسّا َعةُ َأ ْدهَى وََأ َمرّ} وما نزلت سورة
البقرة والنساء إل وأنا عنده ".
وعن القاسم بن عوف الشيبان قال :سعت ابن عمر رضي ال عنه يقول " :لقد لبثنا برهة من دهر،
وأحدنا ليؤت اليان قبل القرآن ،تنل السورة على ممد صلى ال عليه وسلم فنتعلم حللا وحرامها
وأمرها وزاجرها ،وما ينبغي أن يوقف عنده منها ،كما يتعلم أحدكم السورة ,ولقد رأيت رجال يؤتى
أحدهم القرآن قبل اليان ،يقرأ ما بي فاتته إل خاتته ،ما يعرف حلله ول حرامه ،ول أمره ول
زاجره ،ول ما ينبغي أن يوقف عنده منه ،وينثره نثر الدقل".)11
وعن جندب بن عبد ال رضي ال عنه قال" :كنا مع النب صلى ال عليه وسلم ونن فتيان حزاورة،
فتعلمنا اليان قبل أن نتعلم القرآن ،ث تعلمنا القرآن ،فازددنا به إيانا" رواه ابن ماجة وغيه.
ول يعن دعوة الناس إل التوحيد ترك إنكار النكرات الت ل تصل إل الشرك الكب ,بل القصود أن
تكون الدعوة إل التوحيد هي الساس والقاعدة ،الت يتفرع منها إنكار بقية النكرات ،وهذا بي ف
سية النبياء عليهم الصلة والسلم ،الذين كانوا يدعون إل التوحيد ،وينكرون الشرك ،وينهون أيضا
عن العاصي التفشية بي الناس.
ول بد للحكومة السلمية أن تسعى لياد البدائل الصالة النافعة الت تساعد ف إبعاد الكثي من الناس
عن النكرات الت ألفوها ,واعتادوا عليها ,فإن النفوس الضعيفة إذا ل تشغل با فيه نفعها ,وإل انشغلت
با فيها ضررها ,ومن المثلة على ذلك أن الكثي من السلمي اعتادوا متابعة وسائل إعلم الدول
الكافرة ,ووسائل العلم الت تبثها حكومات لدينية (علمانية) ,وقد اجتهد القائمون على هذه
الوسائل ,ف تزيي باطلهم ,واستخدام أساليب النتاج الت تذب وتستميل الشاهدين إليها ,وعندما
تقوم الكومة السلمية بنع هذه الوسائل من بث سومها ,والترويج لكفرها وفسادها ,فإن الكومة
السلمية ينبغي لا أن توفر البديل الصال من وسائل العلم النافعة التنوعة الت على درجة كبية من
تدف السياسة الشرعية إل إصلح أحوال الناس ف أمور دينهم،وتكيم شرع ال ف جيع شؤون
حياتم ،لتحقيق الغاية الت خلق ال اللق لجلها ،كما قال تعالَ { :ومَا خََل ْقتُ ٱلْجِ ّن وَٱلِنسَ إِلّ
لَِيعُْبدُونِ} ,ومت ما فرط العبد بعبودية ال فلن ينفعه ما نعم به من متاع الدنيا الزائل ,وقد قال صلى ال
عليه وسلم" :من كان هه الخرة جع ال شله ،وجعل غناه ف قلبه ،وأتته الدنيا وهي راغمة .ومن
كانت نيته الدنيا فرق ال عليه ضيعته ،وجعل فقره بي عينيه ،ول يأته من الدنيا إل ما كتب له" رواه
ابن ماجة وأحد واللفظ له.
وقال معاذ بن جبل رضي ال عنه" :إنه ل غن بك عن نصيبك من الدنيا ،وأنت إل نصيبك من الخرة
أحوج ،فآثر نصيبك من الخرة على نصيبك من الدنيا ،فإنه يأت بك أو ير بك على نصيبك من الدنيا
فيتنظمه لك انتظاما ،فيزول معك أينما زلت" رواه ابن أب شيبة وغيه.
ومع إصلح أحوال الناس ف أمور دينهم ,يب على الكومة السلمية إصلح أحوال الناس ف شؤون
دنياهم ومعاشهم ,وقد قال تعال{ :قُ ْل مَنْ َح ّرمَ زِيَنةَ ٱلّلهِ ٱلّتِيۤ أَ ْخرَجَ ِلعِبَا ِدهِ وَالْطّيّبَاتِ مِ َن ٱل ّرزْقِ قُ ْل هِي
لِلّذِي َن آمَنُواْ فِي ٱْلحَيَاةِ ٱلدّْنيَا خَاِلصَ ًة َي ْومَ ٱْلقِيَامَةِ َكذَِلكَ ُن َفصّلُ ٱليَاتِ ِل َق ْومٍ َيعْلَمُونَ} ,وقال تعال:
ك وَلَ َتبْغِ{وَٱبْتَ ِغ فِيمَآ آتَاكَ ٱلّلهُ ٱلدّارَ ٱل ِخ َرةَ وَلَ تَنسَ َنصِيَبكَ مِنَ ٱلدّنْيَا وَأَ ْحسِن كَمَآ أَ ْحسَنَ ٱلّلهُ إِلَْي َ
حبّ ٱلْ ُمفْسِدِينَ} ,قال المام ابن كثي رحه ال" وقوله {وَٱبْتَ ِغ فِيمَآ آتَاكَ ٱْلفَسَادَ فِي ٱ َل ْرضِ إِنّ ٱلّلهَ لَ ُي ِ
ك مِنَ ٱلدّنْيَا} أي استعمل ما وهبك ال من هذا الال الزيل والنعمة ٱلّلهُ ٱلدّارَ ٱل ِخ َرةَ وَلَ تَنسَ َنصِيَب َ
الطائلة ف طاعة ربك والتقرب إليه بأنواع القربات الت يصل لك با الثواب ف الدنيا والخرة{ :وَلَ
تَنسَ َنصِيَبكَ مِنَ ٱلدّْنيَا} أي ما أباح ال فيها من الآكل والشارب واللبس والساكن والناكح ،فإن
لربك عليك حقا ،ولنفسك عليك حقا ،ولهلك عليك حقا ،ولزورك عليك حقا ،فآت كل ذي حق
حقه {وََأحْسِن كَمَا أَحْسَ َن الّلهُ إَِلْيكَ} أي أحسن إل خلقه كما أحسن هو إليك { َولَا َتبْغِ اْلفَسَا َد فِي
حبّ الَْأ ْرضِ}أي ل تكن هتك با أنت فيه أن تفسد به ف الرض وتسيء إل خلق ال {إِنّ الّلهَ لَا يُ ِ
اْل ُمفْسِدِينَ}".)11
س َفهَآءَ
وقد جعل ال تعال بالموال قيام أحوال الناس ف أمور دينهم ودنياهم ،فقال تعال{ :وَلَ ُت ْؤتُواْ ٱل ّ
َأ ْموَالَكُمُ ٱلّتِي َجعَلَ ٱلّلهُ لَكُمْ ِقيَاما} ,وقد أخرج ابن جرير عن السدي قال " :فإن الال هو قيام الناس
قوام معايشهم " ,فبالموال تقوى دولة السلم ,وياهد ف سبيل ال ,وتعد العدة ،وتنتج الصناعات
)1تفسي القرآن العظيم. 1
السياسة الشرعية
200
العسكرية وغيها ,وتقسم الجور والعطاءات والساعدات على الناس ,وبا تبن الساجد والستشفيات
والدارس وغيها من الصال.
ومع صلح النية ف طلب الربح والكسب ،فإن السعي ف طلب الرزق يكون من العبادات الت يؤجر
عليها العبد إذا قصد ف سعيه النفقة على من تب عليه نفقتهم ,أو قصد نصرة دين ال تعال باله،
والهاد ف سبيل ال ،وإطعام الفقراء والساكي ،أو غيها من وجوه الب والصدقات ،وقد قال تعال
{يَٰأّيهَا ٱلّذِي َن آمَنُوْا هَلْ َأدُلّك ْم َعلَىٰ ِتجَا َرةٍ تُنجِيكُم مّ ْن عَذَابٍ أَلِيمٍُ .ت ْؤمِنُو َن بِٱلّل ِه َورَسُوِلهِ َوتُجَاهِدُونَ فِي
سَبِيلِ ٱلّلهِ بَِأ ْموَاِلكُ ْم وَأَنفُسِكُ ْم ذَلِكُ ْم خَْيرٌ لّكُمْ إِن كُنتُمْ َت ْعلَمُونََ .ي ْغ ِفرْ لَكُ ْم ذُنُوبَ ُكمْ َويُدْ ِخلْكُمْ َجنّاتٍ
ت عَدْنٍ ذَِلكَ ٱْل َف ْوزُ ٱْلعَظِيمُ} ،وقال صلى ال عليه جرِي مِن تَحِْتهَا ٱلَْنهَا ُر َومَسَاكِنَ َطيَّبةً فِي َجنّا ِ تَ ْ
وسلم" :ل بأس بالغن لن اتقى ،والصحة لن اتقى خي من الغن وطيب النفس من النعيم" رواه أحد
وغيه،فل بأس بالغن لن اتقى ال تعال ،لن العبد التقي يتقي ال تعال ف كسبه للمال وف إنفاقه،
ل عَلَْيهِ و َسلّم فقالُوا :ذَهب أهْلُ
وعنْ أب هُريرةَ رضي اللّه عَْنهُ أنّ ُف َقرَاءَ الُها ِجرِينَ َأَتوْا رَسُولَ اللّه صَلّى ا ُ
الدّثُورِ بالدّرجَاتِ العُلى ،وَالّنعِيمِ الُقيمُِ :يصَلّونَ كَما نُصلّي ،وَيصُومُونَ كما َنصُومُ ،ولمُ َفضْ ٌل مِنْ
أمْوالٍ :يجّونَ ،وَيعَْت ِمرُونَ ،وَيُجاهِدُونَ ،ويَتصَدّقُون .فقا َل "أل أُعلمُ ُكمْ شَيْئا ُت ْدرِكُونَ ِب ِه مَنْ سَبقَ ُكمْ،
وتَسِبقُونَ ِب ِه منْ َبعْد ُكمْ .ول يَكُونُ أَ َحدٌ َأفْض َل مِنْ ُكمْ إ ّل مَنْ صَنَ ِع مِثلَ ما صََنعْتُم" قالُوا :بَلَى يا
رسول اللّه ،قال" :تُسبّحُونَ ،وتَحْمدُونَ وُتكَّبرُونَ ،خ ْلفَ كُلّ صلةٍ ثلثا وثَلثيَ" قال أبُو صالٍ
الرّاوي عنْ أب ُهرَيْرةَ ،لَّا سئِل عنْ كْيفِي ِة ذِ ْكرِهنّ ،قال :يقولُ :سبْحان اللّه ،والمْدُ للّه ،واللّه أ ْكبُ،
حتّى يكُو َن مِْنهُنّ كُلّه ّن ثلثا وثلثي .متف ٌق عليهِ وزاد مُسْلمٌ ف روايِتهِ :فَرجع ُفقَراءُ ا ُلهَا ِجرِينَ إل
رسُولِ الّل ِه صَلّى الُ َعلَْيهِ وسَلّم ،فقالوا :سِع إخْوانُنا أه ُل المْوال بِما فعَ ْلنَا ،فف َعلُوا مِثْلهُ فقا َل رَسُو ُل اللّه
ل عَلَْيهِ و َسلّم" :ذلكَ َفضْلُ اللّه ُي ْؤتِيهِ منْ يشاءُ".
صَلّى ا ُ
وعن أب هريرة رضي ال عنه قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :ما لحد عندنا يد إل وقد
كافيناه ،ما خل أبا بكر ،فإن له عندنا يدا يكافئه ال با يوم القيامة ،وما نفعن مال أحد قط ما نفعن
مال أب بكر ،ولو كنت متخذا خليل لتذت أبا بكر خليل ،أل وإن صاحبكم خليل ال" رواه
الترمذي ،وعند أحد عن أب هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :ما نفعن مال قط ما
نفعن مال أب بكر" فبكى أبو بكر ،وقال :هل أنا ومال إل لك يا رسول ال.
سدَ إِ ّل ف اثنتيِ :رَ ُجلٌ آتَاهُ
ل عََلْيهِ و َسلّم قال" :ل حَ َ
وعَنِ ابنِ مسعو ٍد رضي اللّه عنه ،عن النب صَلّى ا ُ
سلّطَه َعلَى َهلَكَِتهِ ف الَقَّ ،ورَجُ ٌل آتَاه اللّه حِكْ َمةًَ ،ف ُهوَ َيقْضِي ِبهَا وَُي َعلّمُها" متفقٌ عليه.
اللّه مَالً ،فَ َ
السياسة الشرعية
201
وعن أب ُأمَامَ َة صُ َديّ بنِ َعجْل َن رضي الّلهُ عنه قال :قال رسُولُ اللّه صَلّى الُ َعلَْيهِ وسَلّم" :يا ابْنَ آ َدمَ
ِإّنكَ إِن تَ ْبذُلَ ال َفضْلَ َخيٌ َلكََ ،وإِن تُمْسِ َكهُ َشرّ َلكَ ،وَل تُلمُ عَلى َكفَافٍ ،وَابْدأْ بِمَ ْن َتعُولُ ،والَيدُ
س ْفلَى" رواه مسلم.
العُليَا خَ ْي ٌر مِنَ الَي ِد ال ّ
ل عََلْيهِ و َسلّم قال" :بيْنَما رَجُ ٌل يَمشِي ِبفَل ٍة مِن الَرض ،فَسَمِعَ صَوتا ف
وقال رسول ال صَلّى ا ُ
سَحَاَبةٍ :اسقِ َحدِي َقةَ فُلنٍ ،فَتَنَحّى ذلكَ السّحَابُ َفَأ ْفرَغَ مَاءَهُ ف َحرّةٍ ،فإِذا شرجة من ِت ْلكَ الشّراجِ
حوّ ُل الَا َء بِسحَاِتهِ ،فقال له :يا
َقدِ اسْتَوعََبتْ ذِلكَ الاءَ ُك ّلهُ فَتَتَبّ َع الاءَ ،فإِذا رَ ُجلٌ قَاِئمٌ ف َحدِيقَِتهِ يُ َ
سأَلُنِي عَنِ
عَ ْبدَ ال ّل ِه ما اسْ ُمكَ قال :فُلنٌ ،لل ْسمِ اّلذِي سَمِعَ ف السّحَاَبةِ ،فقال له :يَا عَ ْبدَ ال ّلهِ ِل َم تَ ْ
سكَ ،فما
اسْمِي َفقَال :إن سَ ِم ْعتُ صَوتا ف السّحَابِ الذي هذَا مَاؤُهُ يقُولُ :اسقِ َحدِي َقةَ فُلنٍ ل ِ
صدّقُ بُثلُثِه ،وآ ُكلُ أَنا وعِيال
ج مِنهاَ ،فأَّت َ
خرُ ُ
َتصْنَ ُع فِيها فقال :أَما ِإذْ ُق ْلتَ َهذَا ،فَإن أَنْ ُظرُ إِل ما يَ ْ
ُثلُثا ،وأَردّ فِيها ثُلَثهُ" رواه مسلم.
ل عََلْيهِ و َسلّم َيقُولُ
ي رضي اللّه عنه أَنه سَع رسو َل اللّه صَلّى ا ُ
وعن أب كَبشَ َة عُمرو بِنَ سَع ٍد ا َلنَار ّ
ص َدقَةٍ ،وَل ُظ ِلمَ عَ ْب ٌد مَ ْظلَمَةً
سمُ َعلَيهِنّ َوأُ َحدّثُكُم َحدِيثا فَا ْحفَظُوهُ :مَا َنقَصَ مَالُ عَب ٍد مِن َ
"ثَلَثةٌ ُأقْ ِ
ح َوهَا.
صََبرَ َعلَيهَا إِ ّل زَا َدهُ ال ّلهُ ِعزّا ،وَل فَتَحَ َع ْبدٌ باب مَسأََلةٍ إِ ّل فَتَحَ اللّه َعلَ ْيهِ باب َف ْقرٍَ ،أوْ َكلِ َمةً نَ ْ
وَأُ َحدّثُكُم َحدِيثا فَا ْحفَظُوهُ .قال ِإنّمَا الدّنْيَا َلرَْب َعةِ َنفَر :عَب ٍد َر َزقَه اللّه مَا ًل وَ ِعلْماَ ،فهُو َيتّقي فِيهِ َرّبهُ,
وََيصِ ُل فِيهِ رَحِ َمهُ ،وََي ْع َلمُ ل ّلهِ فِيهِ حَقا فَهذَا بأَفضَل الَنازل.
وَعَ ْب ٍد َرزَ َقهُ اللّه ِعلْما ،وََلمْ َي ْرزُقهُ مَا ًل فَ ُهوَ صَادِقُ النّّيةِ َيقُولُ :لَو أَ ّن ل مَالً لَع ِم ْلتُ ِبعَمَل فُلنٍَ ،ف ُهوَ
نِيُّتهَُ ،فأَ ْج ُرهُمَا َسوَاءٌ.
وَعَ ْب ٍد َرزَ َقهُ ال ّل ُه مَالً ،وََلمْ ي ْر ُزقْهُ ِعلْما ،ف ُهوَ يَخْبِطُ ف ماِلهِ ِبغَي عِلمٍ ،ل يَتّقي فِي ِه رَّبهُ وَل َيصِلُ
ث الَنَازِلِ.
رَحِ َمهُ ،وَل يَع َلمُ ل ّلهِ فِيهِ حَقاَ ،ف َهذَا بأَخَْب ِ
وَعَ ْبدٍ َلمْ ي ْر ُزقْهُ اللّه مَا ًل وَل ِعلْماَ ،ف ُهوَ َيقُولَُ :لوْ أَ ّن ل مَالً َلعَ ِم ْلتُ فِيهِ ِبعَمَل فُلنٍَ ،فهُوَ نِيُّتهُ،
َف ِوزْ ُرهُمَا َسوَاءٌ" رواه الترمذي وقال :حديث حسن صحيح.
وعن موسى بن علي عن أبيه قال :سعت عمرو بن العاص يقول :بعث إلّ رسول ال صلى ال عليه
وسلم فقال" :خذ عليك ثيابك وسلحك ث ائتن" فأتيته وهو يتوضأ فصعد ف النظر ث طأطأه ،فقال
"إن أريد أن أبعثك على جيش فيسلمك ال ويغنمك وأرغب لك من الال رغبة صالة" قال :قلت:
يا رسول ال ما أسلمت من أجل الال ولكن أسلمت رغبة ف السلم وأن أكون مع رسول ال صلى
ال عليه وسلم فقال" :يا عمرو نعم الال الصال للمرء الصال"رواه أحد.
السياسة الشرعية
202
وعن أب سعيد الدري رضي ال عنه " :أن النب صلى ال عليه وسلم جلس ذات يوم على النب،
وجلسنا حوله ،فقال" :إن ما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها" .فقال
رجل :يا رسول ال ،أو يأت الي بالشر؟ فسكت النب صلى ال عليه وسلم ،فقيل له :ما شأنك ،تكلم
النب صلى ال عليه وسلم ول يكلمك؟ فرأينا أنه ينل عليه ،قال فمسح عنه الرحضاء ،فقال" :أين
السائل؟" .وكأنه حده فقال" :إنه ل يأت الي بالشر ،وإن ما ينبت الربيع يقتل أو يلم ،إل آكلة
الضراء ،أكلت حت إذا امتدت خاصرتاها ،استقبلت عي الشمس ،فثلطت ،وبالت ،ورتعت ،وإن
هذا الال خضرة حلوة ،فنعم صاحب السلم ما أعطى منه السكي واليتيم وابن السبيل" -أو كما
قال النب صلى ال عليه وسلم – و"إنه من يأخذه بغي حقه ،كالذي يأكل ول يشبع ،ويكون شهيدا
عليه يوم القيامة" رواه البخاري ومسلم.
وعن كعب بن عجرة قال :مر على النب صلى ال عليه وسلم رجل فرأى أصحاب رسول ال صلى ال
عليه وسلم من جلده ونشاطه ،فقالوا :يا رسول ال لو كان هذا ف سبيل ال؟ فقال رسول ال صلى ال
عليه وسلم" :إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو ف سبيل ال ،وإن كان خرج يسعى على
أبوين شيخي كبيين فهو ف سبيل ال ،وإن كان يسعى على نفسه يعفها فهو ف سبيل ال ،وإن كان
خرج رياء ومفاخرة فهو ف سبيل الشيطان" رواه الطبان.
ول يناف الزهد ف الدنيا السعي ف الكسب اللل والتوسع ف التجارة والقيام بالشاريع التجارية الكبية
إذا ما نوى العبد ف تارته نصرة دين ال والهاد بالال ف سبيل ال ،والحسان إل الناس ،وإطعام
الساكي ،والنفقة على من يعول من غي إسراف أو ميلة ،وأما التكاثر الذموم من الدنيا فهو ما ألى
صاحبه عن طاعة ال ،وأدى به إل الغفلة والركون إل الدنيا ،كما قال تعال{ :أَْلهَاكُمُ ٱلتّكّاُثرُ .حَتّىٰ
ل َسوْفَ َتعْلَمُونَ .ثُمّ كَلّ َسوْفَ َتعْلَمُونَ .كَلّ َلوْ َتعَْلمُونَ ِعلْمَ ٱلَْي ِقيِ .لََت َروُنّ ٱلْجَحِيمَ. ُزرْتُمُ ٱلْ َمقَاِبرَ .كَ ّ
ثُمّ َلَت َروُّنهَا عَيْنَ ٱلَْي ِقيِ .ثُمّ لَُتسْأَلُنّ َي ْومَئِ ٍذ عَنِ ٱلّنعِيمِ}.
وقد جاءت الشريعة السلمية مستوفية لميع أنواع العاملت وأحكام الموال كالصرف والتجارة
والزراعة وغيها ,وقد بي ال تعال أحكام العاملت وفصلها ليكون السلم على بصية من أمره فيما
يل ويرم من العاملت.
فالصل ف العاملت الل إل إذا اشتمل العقد على نوع من الظلم كالربا أو الغرر والهالة أو الداع
والغش أو غيها من أنواع الظلم ف العاملت ,وهذا الصل يدل على يسر الشريعة وسعتها لكل ما
يستجد ويطرأ من العاملت بي الناس.
السياسة الشرعية
203
والواحب على الكومة السلمية أن تتفقه ف أحكام العاملت والقتصاد والتجارة والزراعة والصناعة
وغيها ،حت تكون على بينة من أمرها فيما يل ويرم ،كما يب عليها أن تأمر الناس بذلك ف
معاملتم ,وقد قال عمر رضي ال عنه" :ل يبع ف سوقنا إل من قد تفقه ف الدين" رواه الترمذي.
وأما التعامل بالموال بسب أطماع الناس ،وأهوائهم ،وجشعهم ,وظلمهم دون الرجوع إل حكم ال
ورسوله صلى ال عليه وسلم ,فهو وصف الكافرين ف القدي والاضر ،كما قال تعال عن قوم شعيب:
شعَْيبُ َأصَلَوُتكَ تَ ْأ ُمرُكَ أَن نّْترُ َك مَا َيعُْبدُ ءابَاؤُنَآ َأوْ أَن ّن ْفعَلَ فِيۤ َأ ْموَالِنَا مَا نَشَاءُ إِّنكَ لَنتَ {قَالُوْا يٰ ُ
ٱلْحَلِي ُم ٱلرّشِيدُ}.
خبّ ُطهُ ٱلشّيْطَا ُن مِنَ ٱلْ َمسّ ذَِلكَ بَِأّنهُمْ وقال تعال{ :ٱلّذِينَ يَأْ ُكلُو َن ٱلرّبَا لَ َيقُومُونَ إِلّ كَمَا َيقُومُ ٱلّذِي يَتَ َ
قَاُلوۤاْ إِنّمَا ٱْلبَيْ ُع مِثْ ُل ٱلرّبَا وََأحَلّ ٱلّلهُ ٱلْبَيْ َع وَ َح ّر َم ٱلرّبَا فَمَن جَآ َءهُ َم ْوعِظَ ٌة مّ ْن رّّبهِ فَٱْنَتهَىٰ َفَلهُ مَا َسلَفَ
وََأ ْمرُهُ إِلَى ٱلّل ِه َومَ ْن عَادَ فَُأوَْلـِٰئكَ َأصْحَابُ ٱلنّارِ هُ ْم فِيهَا خَالِدُونَ .يَمْحَقُ ٱلّلهُ ٱْلرّبَا وَُيرْبِي ٱلصّدَقَاتِ
لةَ وَآَتوُْا ٱلزّكَاةَ َلهُمْ ت وَأَقَامُوْا ٱلصّ َ حبّ كُلّ َكفّارٍ أَثِيمٍ .إِنّ ٱلّذِي َن آمَنُوْا َوعَ ِملُوْا ٱلصّالِحَا ِ وَٱلّلهُ َل يُ ِ
حزَنُونَ .يٰأَّيهَا ٱلّذِي َن آمَنُواْ ٱّتقُواْ ٱلّلهَ َو َذرُوْا مَا َبقِ َي مِ َن ٱلرّبَا ف عََلْيهِ ْم وَ َل هُمْ يَ ْ أَ ْج ُرهُ ْم عِن َد رَّبهِ ْم وَلَ َخوْ ٌ
ح ْربٍ مّنَ ٱلّل ِه َورَسُوِل ِه وَإِنْ تُْبتُمْ َفلَكُ ْم ُرؤُوسُ َأ ْموَالِ ُكمْ لَ إِن كُْنتُ ْم ّمؤْمِِنيَ .فَإِن لّمْ َت ْفعَلُواْ فَ ْأذَنُوْا بِ َ
تَ ْظلِمُو َن وَلَ تُ ْظلَمُونَ}.
فبتقوى ال تعال ف جيع شؤون الياة ومنها القتصادية تنال سعادة الدنيا والخرة،والرزق الطيب
والياة الطيبة ،كما قال تعالَ { :وَلوْ َأّنهُمْ أَقَامُوْا ٱلّت ْورَاةَ وَٱلِْنجِي َل َومَآ أُنزِلَ إِلَيهِ ْم مّن رّّبهِمْ َلكَلُوْا مِن
حتِ َأرْ ُجِلهِم مّْنهُمْ ُأمّ ٌة ّمقَْتصِدٌَة وَكَثِ ٌي مّْنهُمْ سَآءَ مَا َيعْمَلُونَ}. َفوِْقهِ ْم َومِن تَ ْ
جزِيَّنهُمْ أَ ْج َرهُم
حيِيَّنهُ َحيَاةً طَيَّب ًة وَلََن ْ
وقال تعال{ :مَ ْن عَمِ َل صَالِحا مّن ذَ َكرٍ َأوْ أُْنثَ ٰى َو ُهوَ ُم ْؤمِنٌ َفلَنُ ْ
بِأَ ْحسَ ِن مَا كَانُواْ َيعْمَلُونَ} ،وعن ابن عباس رضي ال عنهما قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
"خس بمس" قالوا :يا رسول ال وما خس بمس؟ قال" :ما نقض قوم العهد إل سلط عليهم
عدوهم ،وما حكموا بغي ما أنزل ال إل فشا فيهم الفقر ،ول ظهرت فيهم الفاحشة إل فشا فيهم
الوت ،ول طففوا الكيال إل منعوا النبات وأخذوا بالسني ،ول منعوا الزكاة إل حبس عنهم القطر"
رواه الطبان ف الكبي.
أمر ال تعال الولة بالعدل ف القسم بي الناس ،فقال تعال{ :إِنّ ٱلّلهَ يَ ْأ ُمرُكُمْ أَن تُؤدّوْا ٱلَمَانَاتِ ِإلَ ۤى
َأهِْلهَا} ,فإن الموال والقوق من المانات الت يب أن تؤدى إل أهلها بعدل وإنصاف ول يُحاب فيها
السياسة الشرعية
204
أحد لقرابة أو صداقة ,فإن المي خازن مؤتن فيجب أن يؤدي القوق إل أهلها ،كما أمره ال تعال,
ول يتصرف فيها با تشتهيه النفس وتواه ,وقد أخرج ابن أب شيبة ف الصنف وابن جرير وابن النذر
وابن أب حات عن زيد بن أسلم ف قوله{ :إِ ّن الّلهَ يَ ْأ ُمرُكُمْ أَن تُؤدّواْ ا َلمَانَاتِ إِلَى َأهِْلهَا} الية قال
"أنزلت هذه الية ف ولة المر وفيمن ول من أمور الناس شيئا".
وأخرج ابن جرير وابن أب حات عن شهر بن حوشب قال" :نزلت ف المراء خاصة {إِ ّن الّلهَ يَ ْأ ُمرُكُمْ
أَن تُؤدّواْ ا َلمَانَاتِ إِلَى َأهِْلهَا} ".
وأخرج ابن جرير وابن أب حات عن ابن عباس ف قوله{ :إِ ّن الّلهَ يَ ْأ ُمرُكُمْ أَن تُؤدّواْ ا َلمَانَاتِ إِلَى َأهِْلهَا}
قال "يعن السلطان يعطون الناس ".
وأخرج سعيد بن منصور والفرياب وابن جرير وابن النذر وابن أب حات عن علي بن أب طالب رضي
ال عنه قال" :حق على المام أن يكم با أنزل ال ،وأن يؤدي المانة ،فإذا فعل ذلك فحق على الناس
أن يسمعوا له ،وأن يطيعوا ،وأن ييبوا إذا دعوا".
وقال المام ابن جرير رحه ال ف معن الية" :هو خطاب من ال ولة أمور السلمي بأداء المانة إل
من ولوا ف فيئهم وحقوقهم وما ائتمنوا عليه من أمورهم بالعدل بينهم ف القضية والقسم بينهم بالسوية،
يدل على ذلك ما وعظ به الرعية ف{ :أَطِيعُواْ الّل َه وَأَطِيعُواْ الرّسُو َل وَُأوْلِي ا َل ْم ِر مِنكُمْ} فأمرهم
بطاعتهم وأوصى الراعي بالرعية ،وأوصى الرعية بالطاعة " ,وقال" :إن ال يأمركم يا معشر ولة أمور
السلمي أن تؤدوا ما ائتمنتكم عليه رعيتكم من فيئهم وحقوقهم وأموالم وصدقاتم إليهم على ما
أمركم ال بأداء كل شيء من ذلك إل من هو له بعد أن تصي ف أيديكم ،ل تظلموها أهلها ،ول
تستأثروا بشيء منها ،ول تضعوا شيئا منها ف غي موضعه ،ول تأخذوها إل من أذن ال لكم بأخذها
منه قبل أن تصي ف أيديكم ،ويأمركم إذا حكمتم بي رعيتكم أن تكموا بينهم بالعدل والنصاف،
وذلك حكم ال الذي أنزله ف كتابه وبينه على لسان رسوله ،ل تعدوا ذلك فتجوروا عليهم".)11
فالمام والمراء يتساوون مع الرعية ف الق والنصيب من الموال العامة ،ول يتميزون عن الرعية بزيادة
النفقات والعطاءات ,فعن عبادة بن الصامت رضي ال عنه قال" :قام رسول ال صلى ال عليه وسلم
فتناول وبرة بي أنلتيه فقال" :إن هذه من غنائمكم وإنه ليس ل فيها إل نصيب معكم إل المس
والمس مردود عليكم فأدوا اليط والخيط وأكب من ذلك وأصغر ول تغلوا ،فإن الغلول نار
وعار على أصحابه ف الدنيا والخرة ،وجاهدوا الناس ف ال تبارك وتعال القريب والبعيد ،ول
الناس تبع لئمتهم ،فإذا صلحوا وتورعوا عن أكل الال العام بغي حق ،فإن الكثي من الناس سوف
يقتدون بم ويتعلمون من ورعهم ،ويكفون عن أخذ الال بغي حق،كما قال عمر رضي ال عنه:
"الرعية مؤدية إل المام ما أدى المام إل ال ،فإذا رتع رتعوا" أخرجه ابن أب شيبة وغيه.
وقد جاء عن عمر رضي ال عنه أنه أنزل نفسه من مال السلمي منلة ول اليتيم إذا استغن استعفف،
وإذا احتاج اقترض من مال السلمي ،وإذا أيسر رد القرض،والرد هو أحد القولي ف قوله تعالَ { :ومَن
سَت ْعفِفْ َومَن كَانَ َفقِيا فَ ْليَأْكُلْ بِٱلْ َم ْعرُوفِ} ،فقد أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور
كَا َن غَِنيّا َفلْيَ ْ
وابن سعد وغيهم من طرق عن عمر بن الطاب قال" :إن أنزلت نفسي من مال ال بنلة ول اليتيم:
إن استغنيت استعففت ،وإن احتجت أخذت منه بالعروف ،فإذا أيسرت قضيت".
وعن عمرو بن العاص قال" :لئن كان أبو بكر وعمر تركا هذا الال لقد غبنا وضل رأيهما ،واي ال ما
كانا مغبوني ول ناقصي الرأي ،وإن كان ل يل لما فأخذناه بعدها لقد هلكنا ،واي ال ما جاء الوهم
إل من قبلنا "رواه الطبان ،وقال اليثمي :رجاله رجال الصحيح.
ومن المثلة على ورع المام ما رواه الطبان ف الكبي عن السن بن علي رضي ال عنه قال" :لا
احتضر أبو بكر رضي ال عنه قال :يا عائشة انظري اللقحة الت كنا نشرب من لبنها ،والفنة الت كنا
نصطبح فيها ،والقطيفة الت كنا نلبسها ،فإنا كنا ننتفع بذلك حي كنا ف أمر السلمي ،فإذا مت
فاردديه إل عمر .فلما مات أبو بكر رضي ال عنه أرسلت به إل عمر رضي ال عنه فقال عمر رضي
ال عنه :رضي ال عنك يا أبا بكر لقد أتعبت من جاء بعدك".
وعن مسروق عن عائشة رضي ال عنها قالت" :قال أبو بكر رضي ال عنه حي حضر :انظري كل
شيء زاد ف مال منذ دخلت ف هذه المارة فرديه إل الليفة من بعدي .قالت :فلما مات نظرنا فما
وجدنا زاد ف ماله :إل ناضحا كان يسقى بستانا له ،وغلما نوبيا كان يمل صبيا له .قالت :فأرسلت
به إل عمر رضي ال عنه قالت :فأخبت أن عمر رضي ال عنه بكى ،وقال :رحم ال أبا بكر لقد
أتعب من بعده تعبا شديدا" رواه البيهقي ف السنن الكبى وغيه .
الواجب على ولة أمر السلمي أن يفظوا أموال السلمي العامة من الضياع ,وأن ل يونوا أماناتم
بالتعدي عليها ,أو التفريط ف حفظها ,وقد قال تعال{ :يٰأَّيهَا ٱلّذِي َن آمَنُواْ لَ تَخُونُواْ ٱلّل َه وَٱلرّسُولَ
السياسة الشرعية
210
ل َعلَْيهِ وسَلّم
صلّى ا ُ
وَتَخُوُن ۤواْ َأمَانَاتِكُ ْم وَأَْنتُمْ َتعْلَمُونَ} ،وعن أَب هريرة ،رضي اللّه عنه ،أن رسولَ اللّه َ
قال" :آَي ُة الُنَافِقِ ثَلثٌِ :إذَا َح ّدثَ َك َذبَ ،وَِإذَا وَ َعدَ أَ ْخ َلفَ ،وِإذَا آ ْؤتُمِنَ خَانَ" متف ٌق عليه.
ل َعلَْيهِ وسَلّم" :إن ال عز وجل حرم عليكم عقوق المهات ووأد البنات ومنعا وهات،
وقال صَلّى ا ُ
وكره لكم ثلثا :قيل وقال ،وكثرة السؤال ،وإضاعة الال" رواه البخاري ومسلم ,وإضاعة الال
تكون ف صرفه ف غي مصارفه الشرعية أو بإهال أموال السلمي والتقصي ف حفظها حت تضيع أو
تفسد ,أو التهاون ف حفظ القليل منها ,وقد أخرج ابن أب شيبة ف مصنفه عن زيد بن أسلم عن أبيه
قال :كنت أمشي مع عمر بن الطاب فرأى ترة مطروحة فقال :خذها قلت وما أصنع بتمرة؟ قال :ترة
وترة حت تتمع ،فأخذتا ،فمر بربد تر فقال ألقها به".
خوّضُو َن فِي مالِ ال ّلهِ ِبغَ ْيرِ حَـ ّق فَل ُهمُ النّارُ َي ْومَ
ل عََلْيهِ و َسلّم" :إِ ّن رِجَالً يََت َ
و قال رسو َل اللّه صَلّى ا ُ
اْلقِيَامةِ" رواه البخاري ,ومعن يتخوضون أي يتصرفون ف أموال السلمي ف غي مصارفها الشرعية.
والصارف الشرعية كالنفاق لقامة شرع ال تعال ف الرض ,ودعوة الناس وتعليمهم ,وقسم
العطاءات ,والجور على السلمي ,وتنفيذ الشاريع العامة النافعة ,كالدارس والستشفيات وإصلح
الطرق وغيها من الشاريع النافعة والرافق والدمات ومصال السلمي العامة ,فعن أب موسى رضي ال
عنه قال" :إن أمي الؤمني بعثن إليكم أعلمكم كتاب ربكم وسنة نبيكم ،وأنظف لكم طرقكم "رواه
الطبان.
والذي يب على ولة المر ف النفاق أن يتخذوا سياسة إنفاق عادلة بعيدا عن السراف والتقتي,
فيسلكوا ما بي ذلك ,وهو القتصاد ف النفقة.
والسراف هو ماوزة اللل إل حرام ,أو الزيادة على ما ينبغي ف المور الباحة ,وقد قال تعال}:
سرِِفيَ},وقد أخرج ابن جرير وابن أب حات عن ابن عباس حبّ ٱلْمُ ْسرُِف ۤواْ إِّنهُ لَ يُ ِ
وكُلُوْا وَٱ ْشرَبُوْا وَلَ تُ ْ
قال " :أحل ال الكل والشرب ما ل يكن سرفا أو ميلة " ،وقال تعال{ :وَآتِ ذَا ٱْل ُقرْبَىٰ َح ّقهُ
ي وَكَانَ ٱلشّيْطَانُ ِلرَبهِ وَٱلْمِسْ ِكيَ وَٱبْ َن ٱلسّبِيلِ وَ َل تُبَذرْ َتبْذِيرا .إِنّ ٱلْمُبَذرِينَ كَاُنوۤاْ إِ ْخوَانَ ٱلشّيَا ِط ِ
جعَلْ يَدَ َك َمغْلُوَلةً َكفُورا .وَِإمّا ُت ْع ِرضَنّ َعْنهُمُ ٱبِْتغَآءَ َرحْمَ ٍة من رّبكَ َترْجُوهَا َفقُل ّلهُ ْم َقوْلً مّيْسُورا ً .وَلَ تَ ْ
سطِ َفَت ْقعُدَ مَلُوما مّحْسُورا} ,وقد أخرج ابن أب حات وغيه عن ابن ك وَلَ تَْبسُ ْطهَا كُلّ ٱلَْب ْ إِلَ ٰى عُُن ِق َ
مسعود رضي ال عنه ف قوله{ :وَلَ ُتبَذرْ تَبْذِيرا} قال " التبذير :إنفاق الال ف غي حقه " ،وأخرج ابن
جرير عن ابن مسعود رضي ال عنه قال" :كنا أصحاب ممد صلى ال عليه وسلم نتحدث أن التبذير
النفقة ف غي حقه ".
وأخرج سعيد بن منصور والبخاري ف الدب وابن جرير وغيهم عن ابن عباس رضي ال عنهما ف
قوله {إِنّ ٱلْمُبَذرِينَ} قال" :هم الذين ينفقون الال ف غي حقه".
السياسة الشرعية
211
وأخرج ابن جرير عن قتادة قوله {وَ َل تُبَذرْ َتبْذِيرا} قال" :التبذير النفقة ف معصية ال وف غي الق وف
الفساد ".
وقال المام ابن جرير رحه ال "وأما قوله{ :إِنّ ٱلْمُبَذرِينَ كَاُن ۤواْ إِ ْخوَا َن ٱلشّيَا ِطيِ}فإنه يعن إن الفرقي
أموالم ف معاصي ال النفقيها ف غي طاعته أولياء الشياطي ،وكذلك تقول العرب لكل ملزم سنة قوم
وتابع أثرهم هو أخوهم {وَكَانَ ٱلشّيْطَانُ ِلرَبهِ َكفُورا} يقول :وكان الشيطان لنعمة ربه الت أنعمها
عليه جحودا ل يشكره عليه ،ولكنه يكفرها بترك طاعة ال وركوبه معصيته ،فكذلك إخوانه من بن آدم
البذرون أموالم ف معاصي ال ،ل يشكرون ال على نعمه عليهم ،ولكنهم يالفون أمره ويعصونه".)11
سرِفُوْا وَلَمْ َيقُْترُوْا وَكَا َن بَيْ َن ذَِلكَ َقوَاما} ،وقال صلى ال عليه
وقال تعال{ :وَٱلّذِينَ ِإذَآ أَنفَقُواْ َلمْ يُ ْ
وسلم" :كلوا واشربوا وتصدقوا ما ل يالطه إسراف ول ميلة" رواه النسائي وابن ماجه ،ومن إضاعة
الال والسراف أن تصرف أموال السلمي ف الحرمات :كطباعة الكتب والجلت الت تتوي على
النكرات ،أو صناعة المور أو غيها من العاصي ،ومن إضاعة الال أيضا أن يبذل إل غي الستحقي
من الولة أوغيهم من بعض أفراد الرعية ،ومنه أيضا تشييد اللعب الضخمة والبان الفاخرة بطرا
وفخرا وعبثا ،ل لفائدة ول لنفعة ،وإنا لقصد التفاخر وإظهار الباعة ف البناء والعبث ،وقد أخب ال
تعال عن هود عليه الصلة والسلم أنه أنكر على قومه تشييدهم البان عبثاَ{ :أتَبْنُو َن بِكُل رِيعٍ آَيةً
جبَا ِل بُيُوتا
حتُو َن مِنَ ٱلْ ِ
َتعَْبثُونَ} ،وأخب تعال عن صال عليه الصلة والسلم أنه قال لقومهَ { :وتَنْ ِ
فَا ِر ِهيَ} ،قال المام ابن كثي رحه ال" :فإنم كانوا يتخذون تلك البيوت النحوتة ف البال أشرا
وبطرا وعبثا من غي حاجة إل سكناها ،وكانوا حاذقي متقني لنحتها ونقشها".)22
فصل :النفقات
من مقاصد الشريعة السلمية الرحة باللق وإطعام الفقراء وتوفي حاجاتم وتقيق كفاياتم با يرجهم
من فقرهم ,ومن مقاصد الشريعة أل يكون الال متداول بي الغنياء دون الفقراء ،كما قال تعال ف
أموال الفيء{ :كَيْ َل يَكُو َن دُولَةً َبيْ َن ٱ َلغْنِيَآ ِء مِنكُمْ}.
فقد جاءت الشريعة السلمية بنظام متكامل ف النفقات لسد حاجات الحتاجي ورفع معاناة الفقراء
وإزالة فقرهم وحاجتهم ،وهو نظام تتجلى فيه الخلق العظيمة :كالعدل والرحة والحبة والب والصلة،
والتعاون على الب والتقوى ،والكرم ،والخوة اليانية ،ومبة السلم لخيه ما يب لنفسه من الي.
)1الحلى. 1
السياسة الشرعية
215
الناس أعمال ،فإذا أعطيت العمالة كرهتها .فقلت بلى .فقال عمر :ما تريد إل ذلك؟ فقلت :إن ل
أفراسا وأعبدا وأنا بي ،وأريد أن تكون عمالت صدقة على السلمي .قال عمر :ل تفعل فإن كنت
أردت الذي أردت ،فكان رسول ال صلى ال عليه وسلم " يعطين العطاء فأقول :أعطه أفقر إليه من
حت أعطان مرة مال فقلت :أعطه أفقر إليه من .فقال النب صلى ال عليه وسلم" :خذه فتموله
وتصدق به فما جاءك من هذا الال وأنت غي مشرف ول سائل فخذه وإل فل تتبعه نفسك" رواه
البخاري ,قال الافظ ابن حجر رحه ال "قال الطبي ف حديث عمر الدليل الواضح على أن لن شغل
بشيء من أعمال السلمي أخذ الرزق على عمله ذلك كالولة والقضاة وجباة الفيء وعمال الصدقة
وشبههم لعطاء رسول ال صلى ال عليه وسلم عمر العمالة على عمله .وذكر ابن النذر أن زيد بن
ثابت كان يأخذ الجر على القضاء واحتج أبو عبيد ف جواز ذلك با فرض ال للعاملي على الصدقة
وجعل لم منها حقا لقيامهم وسعيهم فيها".)11
وعن الستورد بن شداد رضي ال عنه أن النب صلى ال عليه وسلم قال" :من ول للناس عمل وليس له
منل فليتخذ منل ,وليس له الزوجة فليتزوج ,أو ليس له خادم فليتخذ خادما ,أو ليست له دابة
فليتخذ دابة ,ومن أصاب شيئا سوى ذلك فهو غال" رواه أحد وأبو داود ,والديث يدل على أن
رزق العامل ينبغي أن يكون بقدر الكفاية.
كما يب على الكومة إعطاء الوظفي والعمال أجورهم دون تأخي أو ماطلة أو نقص ,وقد قال
تعال{ :يَا أَّيهَا ٱلّذِي َن آمَنُواْ َأ ْوفُواْ بِٱْلعُقُودِ} ,وهذا أمر يقتضي وجوب الوفاء بالعقود ،ومنها العقود الت
بي الناس ف العاملت كالجارة وغيها ,وقال صلى ال عليه وسلم" :قال ال عز وجل :ثلثة أنا
خصمهم يوم القيامة ,رجل أعطى ب ث غدر ,ورجل باع حرا فأكل ثنه ,ورجل استأجر أجيا
فاستوف منه ول يعطه أجره" رواه مسلم ,وقال صلى ال عليه وسلم" :أعطوا الجي أجره قبل أن يف
عرقه" رواه ابن ماجه وغيه ,وف الديث الث على إعطاء الجرة والتعجيل ف ذلك.
كما يب العدل ف العطاء بي السلمي والتسوية بينهم ف القسم ،وأل يقدم أحد على أحد لجل قرابة
ونوها ,وإن ضاق الال عن الميع فيقدم أصحاب الاجات على الغنياء ،والعطاء هو ما يعطى
للمسلمي ف كل عام مرة واحدة أو مرتي ,وأما الرزق فهو الال الذي يعطى ف كل شهر لن يقوم
بصال السلمي.
كما يب على الدولة أن تسد حاجات العاجزين على العمل والكسب كالطفال وغيهم حت تصل
لم الكفاية ,وقد قال صلى ال عليه وسلم" :والذي نفس ممد بيده إن على الرض من مؤمن إل أنا
فصل :التجارة
لقد حثت ورغبت الشريعة السلمية بالتجارة وطلب الرزق ,فقال تعالُ { :هوَ ٱلّذِي َجعَلَ َلكُ ُم ٱ َلرْضَ
شرُواْلةُ فَٱنتَ ِ
ذَلُولً فَٱمْشُوْا فِي مَنَاكِِبهَا وَ ُكلُوْا مِن ّرزِْقهِ وَِإلَْيهِ ٱلنّشُورُ},و قال تعال{ :فَِإذَا ُقضَِيتِ ٱلصّ َ
فِي ٱ َل ْرضِ وَٱْبَتغُوْا مِن َفضْلِ ٱلّلهِ وَٱذْ ُكرُواْ ٱلّلهَ َكثِيا ّلعَلّكُمْ ُت ْفلِحُونَ} ,فإذا أدى السلم الصلة فليسعَ
ف الكسب وطلب الرزق مع مداومته على ذكر ال ف جيع أحواله وتصرفاته ف طلب الرزق وغيه.
خرِجُوْا مِْنهُ ِحلَْيةً تَ ْلبَسُوَنهَا َوَترَى
ستَ ْ
حرَ لِتَأْ ُكلُوْا مِْنهُ لَحْمًا َط ِريّا وَتَ ْ
خرَ اْلبَ ْ
وقال تعالَ { :و ُه َو الّذِى سَ ّ
اْل ُف ْلكَ َموَا ِخرَ فِي ِه وَلِتَْبَتغُوْا مِن َفضِْل ِه وََلعَلّكُمْ َتشْ ُكرُونَ} ،وقال تعال { َومَآ َأرْ َسلْنَا قَْبَلكَ مِنَ ٱلْ ُمرْ َسِليَ إِلّ
إِّنهُمْ َليَأْكُلُونَ ٱل ّطعَامَ َويَمْشُونَ فِي ٱلَ ْسوَاقِ} ،وقال تعال {وَقَالُوْا مَا ِل َهـٰذَا ٱلرّسُولِ يَأْكُلُ ٱل ّطعَامَ
وَيَمْشِي فِي ٱلَ ْسوَاقِ}.
وقد كان الصحابة رضي ال عنهم يشتغلون بالتجارة والزراعة ،فعن أب هريرة رضي ال عنه قال"
يقولون :إن أبا هريرة يكثر الديث ،وال الوعد ،ويقولون :ما للمهاجرين والنصار ل يدثون مثل
أحاديثه ،وإن أخوت من الهاجرين كان يشغلهم الصفق بالسواق ،وإن إخوت من النصار كان يشغلهم
عمل أموالم ،وكنت امرأ مسكينا ،ألزم رسول ال صلى ال عليه وسلم على ملء بطن ،فأحضر حي
يغيبون ،وأعي حي ينسون ،وقال النب صلى ال عليه وسلم يوما" :لن يبسط أحد منكم ثوبه حت
أقضي مقالت هذه ،ث يمعه إل صدره فينسى من مقالت شيئا أبدا" فبسطت نرة ليس عل ّي ثوب
غيها ،حت قضى النب صلى ال عليه وسلم مقالته ،ث جعتها إل صدري ،فوالذي بعثه بالق ،ما
نسيت من مقالته تلك إل يومي هذا ،وال لول آيتان ف كتاب ال ،ما حدثتكم شيئا أبدا{ :إِنّ الّذِينَ
يَ ْكتُمُو َن مَا أَنزَلْنَا مِ َن الَْبيّنَاتِ} -إل قوله – {الرحيم}" متفق عليه.
وعن عبيد بن عمي" أن أبا موسى استأذن على عمر ثلثا،فكأنه وجده مشغول فرجع ،فقال عمر :أل
أسع صوت عبدال بن قيس ،ائذنوا له ،فدعي له فقال :ما حلك على ما صنعت .قال :إنا كنا نؤمر
بذا ،قال :لتقيمن على هذا بينة أو لفعلن ،فخرج فانطلق إل ملس من النصار ،فقالوا :ل يشهد لك
على هذا إل أصغرنا ،فقام أبو سعيد فقال :كنا نؤمر بذا ،فقال عمر :خفي علي هذا من أمر رسول ال
صلى ال عليه وسلم ،ألان عنه الصفق بالسواق" رواه البخاري ومسلم.
وعن أم سلمة رضي ال عنها قالت" :لقد خرج أبو بكر على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم
تاجرا إل بصرى ل ينع أبا بكر من الضن برسول ال صلى ال عليه وسلم شحه على نصيبه من
الشخوص للتجارة ،وذلك كان لعجابم كسب التجارة وحبهم للتجارة ،ول ينع رسول ال صلى ال
السياسة الشرعية
219
عليه وسلم أبا بكر من الشخوص ف تارته لبه صحبته وضنه بأب بكر ،فقد كان بصحبته معجبا
لستحسان رسول ال صلى ال عليه وسلم للتجارة وإعجابه با" رواه الطبان ف الكبي والوسط
بنحوه ،وقال اليثمي :ورجال الكبي ثقات.
والتجارة ف السلم لا أحكامها وأخلقها وآدابا ,وليست كالتجارة ف الدول الكافرة الت تقوم على
الظلم والربا والشع والحتكار ,وقد قال تعال {وَيْ ٌل لّلْمُ َط ّف ِفيَ .ٱلّذِينَ ِإذَا ٱ ْكتَالُوْا َعلَى ٱلنّاسِ
ـِئكَ َأّنهُمْ مّْبعُوثُونَ .لَِي ْو ٍم عَظِيمٍَ .ي ْومَ َيقُومُ سرُونَ .أَل يَظُنّ ُأوَْل ٰ سَتوْفُونَ .وَِإذَا كَالُوهُمْ َأ ْو ّوزَنُوهُمْ يُخْ ِ
يَ ْ
ٱلنّاسُ ِل َربّ ٱْلعَالَ ِميَ} ،وقال تعال {يَا أَّيهَا ٱلّذِي َن آمَنُواْ َل تَأْكُُل ۤواْ َأ ْموَالَكُمْ َبيْنَ ُكمْ بِٱْلبَاطِلِ إِلّ أَن تَكُونَ
تِجَا َرةً عَن َترَاضٍ منْكُ ْم وَلَ َتقُْتُلوۤاْ أَْنفُسَ ُكمْ إِنّ ٱلّلهَ كَانَ بِكُ ْم رَحِيما}.
ل َعلَْيهِ وسَلّم قَالَ" :رَحِم اللّه رجُل سَمْحا إذا بَاع
وعَنْ جابرٍ ،رضي اللّه عْنهُ ،أن َرسُولَ الّلهِ صَلّى ا ُ
وَإذا اشْتَرى ،وَإذا اقْتَضىَ" رواه البخاريّ.
وعن أب سعيد الدري رضي ال عنه عن النب صلى ال عليه وسلم قال" :التاجر الصدوق المي مع
النبيي والصديقي والشهداء" ،رواه الترمذي وقال :حديث حسن.
وعن حكيم بن حزام رضي ال عنه عن النب صلى ال عليه وسلم قال" :البيعان باليار ما ل يتفرقا ،فإن
صدقا وبينا بورك لما ف بيعهما ،وإن كذبا وكتما مقت بركة بيعهما" ،رواه البخاري ومسلم.
وقال صلى ال عليه وسلم "ل يتكر إل خاطئ" رواه مسلم.
وعن واثلة بن السقع رضي ال عنه قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يرج إلينا وكنا تارا
وكان يقول" :يا معشر التجار إياكم والكذب" ،رواه الطبان ف الكبي.
وعن أب هريرة؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم مر على صبة طعام .فأدخل يده فيها .فنالت أصابعه
بلل .فقال" :ما هذا يا صاحب الطعام؟" قال :أصابته السماء .يا رسول ال قال" :أفل جعلته فوق
الطعام كي يراه الناس من غش فليس من"رواه مسلم.
ل َعلَْيهِ وسَلّم" :أّيهَا النّاسُ إ ّن اللّه طّيبٌ ل
وعَنْ أب هُرْي َرةَ رضي اللّه عْنهُ قَالَ :قَا َل رسُولُ اللّه صَلّى ا ُ
ي بِمَا أمَر ِب ِه ا ُلرْسلِيََ ،فقَال َتعَال{ :يَا أيّها الرّسْلُ ُكلُوا مِنَ الطّيّباتِ
يقْب ُل إلّ طيّبا ،وَإ ّن اللّه أمَر الُؤمِنِ َ
واعملوا صَالا} وَقَال تَعالَى{ :يَا أَّيهَا الّذِي َن آمنُوا ُكلُوا مِنَ طَيّبَات مَا رزَ ْقنَاكُمْ} ُثمّ ذَ َكرَ الرّجُلَ يُطِيلُ
شرَبُه حرَامٌ ،و َملْبسُهُ حرامٌ،
سفَر أ ْش َعثَ أغْب ُيدّ يدَْيهِ إلَى السّمَاءِ :يَاربّ يَارَبَّ ،ومَ ْطعَ ُمهُ حَرامٌ ،ومَ ْ
ال ّ
و ُغذِيَ بِاْلحَرامَِ ،فأَنّى يُسْتَجابُ ِلذَِلكَ" رواه مسلم.
وقال رسو ُل ال صلى ال عليه وسلم" :يأت على النّاسِ زمانٌ ل يُبال الرءُ ما أخ َذ منه أمِنَ الَللِ أمْ
منَ الرَامِ" رواه البخاري.
السياسة الشرعية
220
وقال صلى ال عليه سلم" :لعن ال اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثانا ،وإن ال عز
وجل إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثنه" رواه أحد أبو داود.
صرَها
صرَها ومُعت ِ
وعن أنسٍ رضي ال عنه قال " لعَنَ رسولُ اللّه صلى ال عليه وسلمِ ف المرِ عشر ًة عا ِ
وشارِبا وحامِلَها والحمولَةَ إِليهِ وساقيَها وبائعهَا وآكلَ ثنِها والشتَري لا والشتراة ل ُه " رواه الترمذي
وابن ماجه.
وقول صلى ال عليه وسلم" :ما تزال قدما عبد يوم القيامة حت يسأل عن أربع :عن عمره فيم أفناه؟
وعن شبابه فيم أبله؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه؟" رواه البيهقي
وغيه.
ب رضي اللّه عْنهُ,
خ ِر ب ِن َودَاعَةَ الغامِدِيّ الصّحا ّ
كما رغبت الشريعة ف البكور ف طلب الرزق ,فعن ص ْ
أَنّ رسُول الّل ِه صَلّى الُ َعلَْيهِ وسَلّم قَالَ" :ال ّل ُهمّ بَارِكْ ُلمّت ف بُكُورِها" وكَان إِذا بعثَ َس ِريّةً َأوْ جيشا
خرٌ تَاجِرا ،وَكَانَ َيبْعثُ تِجارتهُ َأوّلَ النّهار ،فَأَثْرى و َكُثرَ ماُلهُ .رواه أبو
بعََثهُم مِنْ َأوّلِ الّنهَا ِر وَكان ص ْ
داود والترمذيّ وقال :حديثٌ حسن.
وتفاصيل أحكام التجارة وسائر العاملت كالشركة والضاربة والوالة وغيها ف كتب الفقه ,وأما هذا
الكتاب فيقتصر على الحكام العامة الت يتاج إل معرفتها عموم المراء والوزراء والجاهدين وغيهم.
لقد جاءت الشريعة السلمية بالث على العمل والكل من كسب اليد ,وطلب الرزق اللل ،فعنْ
ل عََلْيهِ و َسلّم" :لَنْ َيأْ ُخذَ
أب عب ِد اللّه الزّبَْي ِر بنِ العوّا ِم رضي اللّه عنه قالَ :قالَ رسو ُل اللّه صَلّى ا ُ
أَ َحدُكُم أَحُب َلهُ ُث ّم َيأْتِيَ الََبلَ ،فََيأْتِيَ ُب ْز َمةٍ مِن حَ َطبٍ عَلى َظ ِهرِ ِه فَيَبي َعهَا ،فَيَ ُكفّ اللّه با وَ ْج َههُ ،خَ ْيرٌ
َل ُه مِنْ أَن يَسأَلَ النّاسَ ،أَع َط ْوهُ َأ ْو مََنعُوهُ" رواه البخاري.
ل َعلَْيهِ وسَلّم "لَنْ يتَ ِطبَ أَ َحدُكُم حُزمَةً
وعن أب هُريرة رضي اللّه عنه قال :قال رسولُ اللّه صَلّى ا ُ
على ظَهرِه ،خَ ْي ٌر من أَنْ يَسأَل َأحَدا ،فَُيعُطيَه أَو يَنعَهُ" متف ٌق عليه.
ل َعلَْيهِ وسَلّم قال" :مَا أَكَ َل أَ َحدٌ َطعَاما
صلّى ا ُ
وعن الِقدَامِ بن َمعْدِ يكَربَ رضي اللّه عنه ،عن النب َ
صلّى الُ َعلَ ْيهِ و َسلّم كان َيأْك ُل مِن عَمَ ِل َيدِهِ"
خَيْرا مِن أَ َن َيأْكُ َل مِن ع َملِ َيدِهِ ،وَإِنّ َنبّ اللّه دَا ُودَ َ
رواه البخاري.
السياسة الشرعية
221
ل عََلْيهِ و َسلّم سئل أي الكسب أطيب قال" :عمل
وعن رفاعة بن رافع رضي اللّه عنه أن النب صَلّى ا ُ
الرجل بيده ،وكل بيع مبور" رواه البزار.
س ِلمٍ صدقةٌ" قال:
ل عََلْيهِ وسَلّم قالَ " :علَى كُ ّل مُ ْ
وعن أَبِي موسى رضي اللّه عنه ،عن النب صَلّى ا ُ
َأرَأَْيتَ إِنْ لَمْ يَجدْ؟ قالَ" :يعْمَل بِيَدِي ِه فَي ْنفَعُ َنفْسَه وَيَتَصدّقُ" قَالَ :أرََأْيتَ إِ ْن لَمْ يسْتطِعْ؟ قالُ" :يعِيُ ذَا
الْحَا َجةِ الْملْهوفَ" قالَ :أَرأَيْت إِنْ لَ ْم يسْتَ ِطعْ؟ قالََ" :ي ْأ ُمرُ بِالَ ْعرُوفِ َأ ِو الْخَ ْيرِ" قالَ :أَرَأْيتَ إِ ْن لَمْ
ش ّر فَإِّنهَا صدَقةٌ" متف ٌق عليه ،فقوله صَلّى الُ َعلَْيهِ وسَلّم "يعْمَل ِبيَدِيهِ فَي ْنفَعُ
سكُ عَ ِن ال ّ
يفْعلْ؟ قالْ" :يُمْ ِ
َنفْسَه وََيتَصدّقُ" فيه الث على العمل لينفق السلم على نفسه ويتصدق.
وينبغي للدولة أن تيئ الوظائف والعمال للناس ,وأن تعال مشكلة البطالة ,وقد قال عبد ال بن مسعود
رضي ال عنه" :إن لمقت الرجل أن أراه فارغا ،ليس ف شيء من عمل الدنيا ،ول عمل الخرة" رواه
ابن أب شيبة وغيه.
ل عَلَْيهِ و َسلّمِ" :نعْمتا ِن مغبو ٌن فيهما كثي
وعن ابن عباس رضي اللّه عنه قال :قال رسول اللّه صَلّى ا ُ
من الناس :الصحة والفراغ" رواه البخاري.
وقال الافظ ابن حجر رحه ال " وقال (يعن المام أحد ) ينبغي للناس كلهم أن يتوكلوا على ال،
وأن يعودوا أنفسهم التكسب ،ومن قال بترك التكسب فهو أحق يريد تعطيل الدنيا .نقله عنه أبو بكر
الروزي وقال :أجرة التعليم والتعلم أحب إل من اللوس لنتظار ما ف أيدي الناس .وقال أيضا :من
جلس ول يترف دعته نفسه إل ما ف أيدي الناس ،وأسند عن عمر :كسب فيه بعض الشيء خي من
الاجة إل الناس".)11
صبْ} حل لشكلة الفراغ الت شغلت
وقال العلمة الشنقيطي رحه ال" :وف قولهَ{ :فِإذَا َف َر ْغتَ فَان َ
العال حيث ل تترك للمسلم فراغًا ف وقته ،لنه إما ف عمل للدنيا ،وإما ف عمل للخرة".)22
وقال ابن عبد الب رحه ال" :ذكر العقيلي قال حدثنا السن بن سهل قال أخبنا أبو عاصم قال أخبنا
عبدالرحن بن عبدالؤمن قال حدثنا غالب القطان عن بكر بن عبدال الزن قال قال عمر بن الطاب"
مكسبة فيها بعض الدناءة خي من مسألة الناس" قال العقيلي عبدالرحن بن عبدالؤمن هذا هو عبدالرحن
بن عبدالؤمن بن فيوز العول الرامي بصري ثقة .وقال أبو حات الرازي سعت السن بن الربيع يقول
قال ل ابن البارك :ما حرفتك قلت أنا بوران قال :ما بوران؟ قلت ل غلمان يصنعون البواري قال :لو
ل تكن للصناعة ما صحبتن؟ وقال أيوب السختيان قال ل أبو قلبة :يا أيوب الزم سوقك ،فإن الغن
فصل :الزراعة
الزراعة من فروض الكفاية على السلمي ,وقد جاءت الشريعة السلمية بالترغيب فيها ,فعن أنس قال
النب صلى ال عليه وسلم "ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طي أو إنسان أو بيمة
إل كان له به صدقة" رواه البخاري ومسلم.
وعن جابر رضي ال عنه أن النب صلى ال عليه وسلم دخل على أم مبشر النصارية ف نل لا .فقال لا
النب صلى ال عليه وسلم" :من غرس هذا النخل أمسلم أم كافر؟" فقالت بل مسلم .فقال" :ل يغرس
مسلما غرسا ،ول يزرع زرعا ،فيأكل منه إنسان ول دابة ول شيء ،إل كانت له صدقة" رواه
مسلم.
)1التمهيد. 3
السياسة الشرعية
223
وقال صلى ال عليه وسلم" :ما من مسلم يغرس غرسا إل كان ما أكل منه له صدقة ،وما سرق منه
له صدقة ،وما أكل السبع منه فهو له صدقة ،وما أكلت الطي فهو له صدقة ،ول يرزؤه أحد إل
كان له صدقة إل يوم القيامة" رواه مسلم.
وعن عبد ال بن عمرو بن العاص رضي ال عنهما قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :ل يغرس
مسلم غرسا ول يزرع زرعا فيأكل منه إنسان ول طائر ول شيء إل كان له أجر" رواه الطبان ف
الوسط.
وعن خلد بن السائب عن أبيه رضي ال عنهما قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :من زرع
زرعا فأكل منه الطي أو العافية كان له صدقة" رواه أحد والطبان.
وعن أب الدرداء رضي ال عنه أن رجل مر به وهو يغرس غرسا بدمشق فقال له أتفعل هذا وأنت
صاحب رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ فقال :ل تعجل عليّ ،سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم
يقول" :من غرس غرسا ل يأكل منه آدمي ول خلق من خلق ال إل كان له به صدقة" رواه أحد.
وقال صلى ال عليه وسلم" :من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر ،وما أكلت العافية منها فهو له صدقة"
رواه أحد ،وقال صلى ال عليه وسلم" :من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظال حق" رواه أحد
وأبو داود وغيها.
وعن أنس رضي ال عنه عن النب صلى ال عليه وسلم قال" :إن قامت الساعة وف يد أحدكم فسيلة
فإن استطاع أن ل يقوم حت يغرسها فليفعل" رواه أحد ,قال العلمة اللبان رحه ال " وكذا
الطيالسي( ) 2068والبخاري ف الدب الفرد ( )479وابن العراب ف معجمه ( ق ) 1/21عن
هشام بن زيد عنه ( .وهذا سند صحيح على شرط مسلم ) ( الفسيلة هي النخلة الصغية وهي الودية ).
ث روى (يعن البخاري ف الدب الفرد) عن الارث بن لقيط قال :كان الرجل منا تنتج فرسه فينحرها
فيقول :أنا أعيش حت أركب هذه ،فجاءنا كتاب عمر أن أصلحوا ما رزقكم ال ،فإن ف المر تنفسا.
وسنده صحيح .وروى أيضا بسند صحيح قال قال ل عبد ال بن سلم :إن سعت بالدجال قد خرج
وأنت على ودية تغرسها فل تعجل أن تصلحه ،فإن للناس بعد ذلك عيشا .وروى ابن جرير عن عمارة
بن خزية بن ثابت قال سعت عمر بن الطاب يقول لب :ما ينعك أن تغرس أرضك؟ فقال له أب :أنا
شيخ كبي أموت غدا .فقال له عمر :أعزم عليك لتغرسنها .فلقد رأيت عمر بن الطاب يغرسها بيده
مع أب كذا ف الامع الكبي للسيوطي .2/337/3لذلك عد بعض الصحابة الرجل يعمل ف إصلح
أرضه عامل من عمال ال عز وجل .فروى البخاري ف الدب الفرد 448عن نافع بن عاصم أنه سع
عبدال بن عمرو قال لبن أخ له خرج من الوهط :أيعمل عمالك؟ قال :ل أدري .قال أما لو كنت
السياسة الشرعية
224
ثقفيا لعلمت ما يعمل عمالك .ث التفت إلينا فقال :إن الرجل إذا عمل مع عماله ف داره ( وقال الراوي
مرة ف ماله ) كان عامل من عمال ال عز وجل .وسنده حسن إن شاء ال تعال ( .الوهط البستان
وهي أرض عظيمة كانت لعمرو بن العاص بالطائف على ثلثة أميال من ( وج ) يبدو أنه خلفها
لولده .وقد روى ابن عساكر ف تاريه 2/264/13بسند صحيح عن عمرو بن دينار قال :دخل
عمرو بن العاص ف حائط له بالطائف ،يقال له ( الوهط ) ( فيه ) ألف ألف خشبة اشترى كل خشبة
بدرهم .يعن يقيم با العناب" سلسلة الحاديث الصحيحة.
و على الكومة السلمية أن تعتن بالشاريع والنتجات الزراعية ،وأن تستغل الراضي الشاسعة والياه
التوفرة ف تنفيذ مشاريع زراعية عامة تكفي حاجة البلد ,ويصدر ما يفيض منها إل خارجها ،وقد جاء
ف تعبي يوسف عليه الصلة والسلم لرؤيا اللك الت تققت ف الواقع ما يدل على أهية وضع الطط
الزراعية العامة -للحاضر والستقبل -الت تقق الصلحة العامة والنفعة للناس ,كما قال تعال{ :قَالَ
ل مّا تَأْ ُكلُونَ .ثُ ّم يَأْتِي مِن َبعْ ِد ذِٰلكَ سَبْعٌ
َت ْز َرعُونَ سَبْعَ ِسِنيَ دَأَبا فَمَا َحصَدتّمْ فَ َذرُوهُ فِي سُنُبِلهِ إِ ّل قَلِي ً
س وَفِيهِ
ك عَامٌ فِيهِ ُيغَاثُ ٱلنّا ُحصِنُو َن .ثُمّ يَأْتِي مِن َبعْدِ ذِٰل َ ل مّا تُ ْ شِدَادٌ يَأْكُلْ َن مَا قَ ّدمْتُمْ َلهُنّ إِلّ َقلِي ً
صرُونَ}. َي ْع ِ
وعن ابن عمر رضي ال تعال عنهما " أن رسول ال صلى ال عليه وسلم " عامل أهل خيب بشطر ما
يرج منها من ثر أو زرع " متفق عليه ,وف رواية لما :فسألوه أن يقرهم با على أن يكفوه عملها
ولم نصف الثمر ،فقال لم رسول ال صلى ال عليه وسلم" :نقركم با على ذلك ما شئنا" فقروا با
حت أجلهم عمر ،ولسلم :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم دفع إل يهود خيب نل خيب وأرضها
على أن يعتملوها من أموالم ولم شطر ثرها ".
و تفاصيل الحكام التعلقة بالزراعة ف كتاب الزكاة وف باب الربا وباب الساقاة وباب الزارعة وباب
بيع الصول الثمار وباب إحياء الوات وغيها من البواب.
من فروض الكفاية على المة السلمية الصناعة بشقيها العسكري وغي العسكري ,وقد أرشد القرآن
ف سورة الديد إل أثر الديد ف الصناعات العسكرية وغي العسكرية ,فقال تعالَ{ :لقَدْ َأرْ َسلْنَا رُ ُسلَنَا
ط وَأَنزْْلنَا ٱلْحَدِي َد فِيهِ بَ ْأسٌ شَدِي ٌد َومَنَافِعُ لِلنّاسِ
سِب وَٱلْمِيزَانَ ِلَيقُومَ ٱلنّاسُ بِٱْلقِ ْ
بِٱْلبَينَاتِ وَأَنزَلْنَا َم َعهُمُ ٱلْ ِكتَا َ
السياسة الشرعية
225
ي َعزِيزٌ} ,فقوله تعال {فِيهِ بَ ْأسٌ شَدِيدٌ} أي آلت صرُ ُه َورُسَُلهُ بِٱْل َغْيبِ إِنّ ٱلّلهَ َق ِو ّ
وَلَِيعْلَ َم ٱلّلهُ مَن يَن ُ
الرب والصناعات العسكرية بميع أنواعها الت تصنع من الديد ,وقوله تعال { َومَنَافِعُ لِلنّاسِ} وهي
سائر الصناعات النافعة للناس من أوان وسيارات وآلت حرث وغيها ،وذكر ال تعال عن داود عليه
حصِنَكُمْ من بَ ْأسِكُمْ
الصلة والسلم أنه كان يصنع الدروع ،فقال تعالَ { :و َعلّمْنَا ُه صَْنعَ َة لَبُوسٍ لّكُمْ ِلتُ ْ
َفهَلْ أَنتُمْ شَا ِكرُونَ} ،أي علمه صنعة الدروع الت يتحصن با ف القتال ،قال القرطب رحه ال" :هذه
الية أصل ف اتاذ الصنائع والسباب ،وهو قول أهل العقول واللباب ،ل قول الهلة الغبياء القائلي
بأن ذلك إنا شرع للضعفاء ،فالسبب سنة ال ف خلقه ،فمن طعن ف ذلك فقد طعن ف الكتاب والسنة
" ،)11وتأمل كيف قرن ال تعال بي المر بصناعة الدروع والمر بعمل الصالات ،فقال تعال{ :وَأََلنّا
س ْر ِد وَٱعْمَلُوْا صَالِحا ِإنّي بِمَا َتعْمَلُونَ َبصِيٌ} ،فالصنعة إذا
ت وَقَ ّدرْ فِي ٱل ّ
َلهُ ٱْلحَدِيدَ .أَ ِن ٱعْمَلْ سَاِبغَا ٍ
أخلص العبد فيها نيته ل تعال فهي من العمال الصالة ،وليس المر كما يدعيه الجرمون الفترون من
أن التقدم الصناعي ل يكن الوصول إليه إل بترك الستقامة والتقوى ،وهم يريدون بذه الفرية أن
يصوروا للمسلمي أن التقدم الصناعي والسلم نقيضان ل يتمعان ،وأن يفتنوا السلمي عن دينهم،
ويبعدوهم عن مصدر عزتم وقوتم وطريق حضارتم ،لتسهل السيطرة عليهم بعد ذلك وتطويعهم
لهدافهم ومططاتم.
و ف الية إرشاد إل أهية صناعة الدروع ،حيث علم ال تعال نبيه داود عليه الصلة والسلم صنعتها
وكيفية إحكامها ،فالسابغات هي الدروع التوامّ الكوامل ،وقد أرشد ال تعال إل كيفية إحكام صنعتها
س ْردِ} ،والسرد هو نسج الدروع ،والعن أن يعل السمار بقدر فل يعله ف قوله تعال{ :وََق ّدرْ فِي ٱل ّ
رقيقا فيقلق ف اللقة ول غليظا فيقصمها.
و ف الية الرشاد إل إحكام صناعة السلح ونوها من الصناعات النافعة وإتقانا ،كما قال تعال:
س ْردِ} فهو إرشاد إل أن تكون أجزاء الصنعة بقادير متناسبة. {وَقَ ّد ْر فِي ٱل ّ
و ف الية تعليم ال تعال نبيه داود عليه الصلة والسلم صناعة الدروع وكيفية إحكامها ،وهو يدل
على أن تعلم الصناعات النافعة وتعلم كيفية إحكامها وإتقانا من العلوم النافعة الت ينبغي للمة أن
تتعلمها وترص على دراستها.
وف الية الرشاد إل التصنيع العسكري ،واتاذ أسباب القوة ،والستعداد لهاد العداء ودفعهم.
و ف الية الرشاد إل اتاذ السباب الت يصل با التحصن والتحرز والوقاية من شرور العداء
وأخطار أسلحتهم وضررها.
لقد من ال تعال على عباده بتسخي الرض وتذليلها لم ليستفيدوا من خياتا ،ويكتشفوا ثرواتا
وينتفعوا با ،والكومة السلمية والسلمون عموما ينبغي لم أن يسعوا ويتهدوا ف استغلل ثروات
ومنافع الب والبحر والكشف عنها ،والتنقيب ف باطن الرض عن النفط والعادن وغيها ،حت يققوا
الكتفاء الذات ،ويستغنوا عن استياد البضائع والنتجات الجنبية ،وعن تنقيب الشركات الجنبية
وإخراجها لثروات المة كالنفط وغيه.
فالقوة القتصادية للدولة هي من أعظم السباب ف زيادة قوة الدولة السياسية والعسكرية والعلمية،
حت تقوم المة بواجب حل الرسالة وتبليغها للعال ،وتاهد ف سبيل ال وتعد العدة اللزمة،وتقق
الكتفاء الذات وتصدر إل خارج البلد ،ولتكن العداء من جعل بلد السلمي سوقا لبضائعهم،
ض ذَلُولً فَٱمْشُواْ ومرتعا لشركاتم الت تن الرباح الطائلة ،وقد قال تعالُ { :هوَ ٱلّذِي َجعَلَ َلكُ ُم ٱ َلرْ َ
خرَ لَكُ ْم مّا فِي ٱلسّمَاوَاتِ فِي مَنَاكِِبهَا وَكُلُوْا مِن ّرزِْق ِه وَإِلَْيهِ ٱلنّشُورُ} ،وقال تعال{ :أَلَ ْم َت َروْاْ أَنّ ٱلّلهَ سَ ّ
َومَا فِي ٱ َل ْرضِ وَأَ ْسبَ َغ عََليْكُمْ ِنعَ َمهُ ظَا ِهرَ ًة وَبَا ِطنَةً} ،وقال تعال{ :ٱلّلهُ ٱلّذِي خَلَقَ ٱلسّمَاوَاتِ وَٱ َل ْرضَ
حرِ بَِأ ْم ِرهِ
ج ِريَ فِي ٱلْبَ ْخرَ لَ ُكمُ ٱْلفُ ْلكَ ِلتَ ْ
وَأَنزَ َل مِنَ ٱلسّمَآ ِء مَآءً فََأ ْخرَجَ ِبهِ مِنَ ٱلثّ َمرَاتِ ِرزْقا لّكُ ْم وَسَ ّ
خرَ لَكُمُ ٱلْلّيْ َل وَٱلّنهَارَ .وَآتَاكُم مّن كُ ّل مَا ي وَسَ ّ س وَٱْلقَمَ َر دَآئَِب َ خرَ لَكُ ُم ٱلَْنهَارَ .وَسَخّر لَكُمُ ٱلشّ ْم َ وَسَ ّ
خرَ حصُوهَا إِنّ ٱلنْسَانَ لَظَلُومٌ َكفّارٌ} ،وقال تعال{ :أَلَ ْم َترَ أَنّ ٱلّلهَ سَ ّ سَأَْلتُمُوهُ وَإِن َتعُدّواْ ِنعْمَةَ ٱلّلهِ لَ ُت ْ
سكُ ٱلسّمَآءَ أَن َتقَعَ َعلَى ٱ َل ْرضِ إِ ّل بِِإذِْنهِ إِنّ حرِ بَِأ ْم ِرهِ وَيُ ْم ِ
جرِي فِي ٱْلبَ ْ ض وَٱلْفُ ْلكَ َت ْ لَكُم مّا فِي ٱ َل ْر ِ
ف رّحِيمٌ} ،فقد ذلل ال تعال لعباده ما ف الرض من حيوانات ونباتات ومعادن ٱلّلهَ بِٱلنّاسِ َل َرءُو ٌ
خرِجُوْا مِْنهُ حِ ْليَةً حرَ ِلتَأْكُلُوْا مِْنهُ َلحْما َطرِيّا وََتسْتَ ْخ َر الْبَ ْ
وغيها لينتفعوا با ،وقال تعالَ { :و ُهوَ الّذِي سَ ّ
خرَ َتلْبَسُوَنهَا وََترَى اْلفُ ْلكَ َموَا ِخرَ فِي ِه وَلَِتبَْتغُوْا مِن َفضِْل ِه وََلعَلّكُ ْم تَشْ ُكرُونَ} ،وقال تعال{ :ٱلّلهُ ٱلّذِي سَ ّ
خرَ لَكُ ْم مّا فِي ٱلسّمَاوَاتِ ج ِريَ ٱْلفُ ْلكُ فِيهِ بَِأ ْمرِ ِه وَلَِتبَْتغُوْا مِن َفضِْل ِه وََلعَلّكُ ْم تَشْ ُكرُونَ .وَ َس ّ
حرَ لِتَ ْ
لَكُمُ ٱلَْب ْ
َومَا فِي ٱ َل ْرضِ جَمِيعا مّْنهُ إِ ّن فِي ذَِلكَ ليَاتٍ ّل َقوْمٍ َيَتفَ ّكرُونَ} ،والبتغاء من فضله هو بالتجارة ونقل
حرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنّاسَ} ،ويدل جرِي فِي ٱلْبَ ْ البضائع وغي ذلك من النافع كما قال تعال{ :وَٱْلفُ ْلكِ ٱلّتِي تَ ْ
خرَ َلكُ ْم مّا فِي ٱلسّمَاوَاتِ َومَا فِي ٱ َل ْرضِ جَمِيعا مّْنهُ} ،على أن ال تعال سخر ما ف قوله تعال{ :وَسَ ّ
السماوات من شس وقمر ونوم ،وما ف الرض من حيوان ونبات وجادات للنتفاع با والستفادة
السياسة الشرعية
229
منها ف وجوه الصلح والنافع ،وقال تعالُ { :هوَ ٱلّذِي خََلقَ لَكُ ْم مّا فِي ٱ َل ْرضِ جَمِيعا} ،قال المام
ابن جرير رحه ال" :فأخبهم جل ذكره أنه خلق لم ما ف الرض جيعا ،لن الرض وجيع ما فيها
لبن آدم منافع .أما ف الدين فدليل على وحدانية ربم ،وأما ف الدنيا فمعاش وبلغ لم إل طاعته وأداء
فرائضه ،فلذلك قال جل ذكرهُ { :ه َو الّذِي خَلَ َق لَكُمْ ما فِي ال ْرضِ جَمِيعا} ".)11
ل مّا َتشْ ُكرُونَ} ،والعايش جع
وقال تعالَ { :وَلقَدْ مَكّنّاكُمْ فِي ا َل ْرضِ َو َجعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا َمعَاِيشَ َقلِي ً
معيشة ،وهي تعم ما يعيش به النسان من الأكول ،وأسباب الكاسب من صنائع وتارة وحرف وغيها
من أنواع الكاسب.
باب :الدارة
إن التقان ف العمال الدارية ،وتسهيل الجراءات ,وسرعة العمل والناز ،وحسن التخطيط
والتنظيم ,كل ذلك من الحسان ف العمال الت جاءت الشريعة بالمر به ,فقد قال صلى ال عليه
وسلم" :إن ال كتب الحسان على كل شيء ،فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ،وإذا ذبتم فأحسنوا
الذبة ،وليحد أحدكم شفرته وليح ذبيحته" رواه مسلم ،أي أن ال كتب الحسان ف كل شيء من
أعمال العباد ومنها الوليات والوظائف وسياسات الكومة السلمية ،وذكر قتل الذبيحة ف الديث
على سبيل الثال ،أو للحاجة إل بيان إحسان الذبح ف ذلك الوقت.
فالديث يدل على أن الكومة السلمية يب عليها أن تتصف بالحسان والتقان ف سياستها وتنظيم
شؤونا وإدارة أعمالا.
فالسلم جاء بالحسان والستقامة على طاعة ال والتحاكم إل كتاب ال تعال وسنة رسوله صلى ال
عليه وسلم ف جيع القوال والعمال ،وتقوى ال ف السر والعلن ،وطاعة ولة المر بالعروف ،وهذه
هي الستقامة القيقية والتنظيم الرشيد للحياة على طاعة ال ف جيع الحوال والتقلبات.
ومن المثلة على ذلك الهاد ف سبيل ال،فإن ال تعال أمر بالهاد ،وبالثبات والصب عند القتال،
وبالصابرة والرباط ,وحرم القعود عن الهاد الواجب ،وحرم الفرار من الزحف ،والتناز ع الذي يؤدي
إل الفشل ،وأمر بالعداد وأخذ الذر ،وطاعة المراء بالعروف ،وأرشدهم إل رص الصف وإل
الترتيب والنضباط ،وبي أن من صفات الؤمني أنم إذا كانوا على أمر جامع كالهاد أو الشاورة أو
نوها ،ل يذهبوا لبعض شأنم حت يستئذنوا ،فقال تعال{ :يٰأَّيهَا ٱلّذِي َن آمَُن ۤواْ ِإذَا َلقِيتُمْ فَِئةً فَٱثُْبتُواْ
ب رِيُكُ ْم وَٱصِْب ُروۤاْ وَٱذْ ُكرُواْ ٱلّلهَ كَثِيا ّلعَلّ ُكمْ ُتفْلَحُونَ .وَأَطِيعُواْ ٱلّل َه َورَسُوَلهُ وَ َل تَنَا َزعُوْا فََتفْشَلُوْا وَتَ ْذ َه َ
إِنّ ٱلّل َه مَعَ ٱلصّاِبرِينَ}.
وقال تعال{ :يَا َأّيهَا ٱلّذِي َن آمَنُوْا ٱصِْبرُواْ َوصَاِبرُوْا َورَابِطُوْا وَٱّتقُوْا ٱلّلهَ َل َعلّكُمْ ُتفِْلحُونَ}.
خيْلِ ُت ْرهِبُونَ ِب ِه عَ ْدوّ ٱلّلهِ َوعَ ُدوّكُ ْم وَآ َخرِينَ وقال تعال{ :وََأعِدّواْ َلهُ ْم مّا ٱسْتَ َطعْتُ ْم مّن ُق ّو ٍة َومِن رّبَاطِ ٱلْ َ
مِن دُوِنهِمْ َل َتعْلَمُوَنهُمُ ٱلّلهُ َيعَْل ُمهُمْ َومَا تُن ِفقُوْا مِن َش ْيءٍ فِي سَبِيلِ ٱلّلهِ ُيوَفّ إَِليْكُ ْم وَأَنُْتمْ لَ تُ ْظلَمُونَ}.
وقال تعال{ :يَا َأّيهَا ٱلّذِي َن آمَنُواْ خُذُواْ حِ ْذرَكُمْ فَٱن ِفرُوْا ثُبَاتٍ َأوِ ٱْن ِفرُوْا جَمِيعا}.
حبّ ٱلّذِينَ ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيِل ِه صَفّا كََأّنهُم بُْنيَا ٌن ّمرْصُوصٌ}. وقال تعال{ :إِنّ ٱلّلهَ يُ ِ
السياسة الشرعية
231
وقال تعال{ :إِنّمَا ٱلْ ُم ْؤمِنُونَ ٱلّذِي َن آمَنُوْا بِٱلّل ِه َورَسُوِلهِ وَِإذَا كَانُوْا َم َعهُ َعلَىٰ َأ ْمرٍ جَامِعٍ لّمْ يَ ْذهَبُواْ حَتّ ٰى
ستَ ْأذِنُوهُ إِنّ ٱلّذِينَ َيسْتَ ْأذِنُوَنكَ ُأوَْلـِٰئكَ ٱلّذِي َن ُي ْؤمِنُونَ بِٱلّلهِ َورَسُوِلهِ فَِإذَا ٱ ْستَ ْأذَنُوكَ ِلَبعْضِ شَأِْنهِ ْم فَ ْأذَن
يَ ْ
ت مِْنهُ ْم وَٱسَْت ْغ ِفرْ َلهُمُ ٱلّلهَ إِنّ ٱلّل َه َغفُو ٌر رّحِيمٌ}.
لَن شِْئ َ
وعن معاذ بن جبل رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :الغزو غزوان .فأما من
ابتغى وجه ال وأطاع المام وأنفق الكرية ،وياسر الشريك ،واجتنب الفساد فإن نومه ونبهه أجر
كله ،وأما من غزا فخرا ورياء وسعة وعصى المام وأفسد ف الرض فإنه لن يرجع بالكفاف" .رواه
أبو داود.
وقال عمر رضي ال عنه" :إنه ل إسلم إل بماعة ،ول جاعة إل بإمارة ،ول إمارة إل بطاعة ،فمن
سوده قومه على الفقه كان حياة له ولم ،ومن سوده قومه على غي فقه كان هلكا له ولم" رواه
الدارمي.
وقد جاءت الشريعة السلمية بقواعد عامة لضبط العمال ,وحسن إدارتا ,وتنظيمها،ومن هذه
القواعد:
)1الستقامة. 2
السياسة الشرعية
238
رابعا :مراقبة العمال والوظفي ومتابعة أعمالم وماسبتهم:
على الكومة أن تراقب أعمال الوظفي ،وتتابع تنفيذهم للوامر ،فعن ابن طاوس عن أبيه أن عمر بن
الطاب رضي ال عنه قال" :أرأيتم إن استعملت عليكم خي من أعلم وأمرته بالعدل أقضيت ما علي
قالوا :نعم قال ل حت أنظر ف عمله أعمل ما أمرته أم ل "رواه عبد الرزاق ف مصنفه وغيه ،وتاسب
على التقصي والهال ف العمل والفوضى الدارية ،وعدم النضباط بالنظمة والوامر،وتاسب على
استغلل الوظيفة لختلس الال العام ,أو أخذ الرشا ,أو الدايا بسبب العمل،أو ماباة الناس لم ف
العاملت كالبيع وغيه بسبب عملهم ،أو تقدي غي الستحقي ف الوظائف والعمال ،أو غيها من
الخالفات.
ويكن تصيص هيئة قضائية شرعية ف قضاء الظال للقضايا التعلقة بالدارة والعمل ،وتتفرع منها عدة
ماكم للفصل ف جيع القضايا التعلقة باختصاصها ،وتتلقى دعاوى الناس والوظفي الذين يدعون حقا
لم أو يطالبون برفع ظلم قد وقع عليهم ،أو غيها من الدعاوى الت هي من اختصاص اليئة.
إن أول ما يب أن يدعى إليه الناس هو توحيد ال تعال ،وأن يتهد الولة بتعليم الناس :كتاب ال
ك مِن تعال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم،وتزكيتهم وتربيتهم،كما قال تعالَ { :ومَآ َأرْسَ ْلنَا مِن قَْبِل َ
ـهَ إِلّ َأنَاْ فَٱ ْعبُدُونِ} ,وقال تعالَ{ :لقَ ْد مَنّ ٱلّل ُه عَلَى ٱلْمُؤمِِنيَ ِإ ْذ َبعَثَ رّسُولٍ إِلّ نُو ِحيۤ إِلَْيهِ أَّنهُ لۤ إَِل ٰ
ب وَٱلْحِكْمَ َة وَإِن كَانُوْا مِن َقبْلُ َلفِي سهِمْ يَْتلُوْا عََلْيهِمْ آيَاِت ِه وَُيزَكّيهِ ْم وَُي َعلّ ُمهُمُ ٱلْ ِكتَا َ
فِيهِمْ َرسُولً مّنْ َأْنفُ ِ
ضَل ٍل مِّبيٍ},وقال تعالُ { :هوَ ٱلّذِي َب َعثَ فِي ٱ ُلمّّييَ َرسُولً مّْنهُمْ يَْتلُو َعلَْيهِمْ آيَاِتهِ وَُيزَكّيهِ ْم وَُيعَلّ ُمهُمُ
ب وَٱلْحِكْ َمةَ وَإِن كَانُوْا مِن َقبْلُ َلفِي ضَلَ ٍل مِّبيٍ}. ٱلْكِتَا َ
وعن ابن عمر رضي ال عنهما قال :حدثن أب عمر بن الطاب ،قال :بينما نن عند رسول ال صلى
ال عليه وسلم ذات يوم ،إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب .شديد سواد الشعر .ل يرى عليه أثر
السفر .ول يعرفه منا أحد .حت جلس إل النب صلى ال عليه وسلم .فأسند ركبتيه إل ركبتيه .ووضع
كفيه على فخذيه .وقال" :يا ممد أخبن عن السلم" .فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
"السلم أن تشهد أن ل إله إل ال وأن ممدا رسول ال صلى ال عليه وسلم .وتقيم الصلة.
وتؤت الزكاة .وتصوم رمضان .وتج البيت ،إن استطعت إليه سبيل" قال" :صدقت" .قال فعجبنا
له .يسأله ويصدقه .قال :فأخبن عن اليان .قال" :أن تؤمن بال ،وملئكته ،وكتبه ،ورسله ،واليوم
الخر .وتؤمن بالقدر خيه وشره" قال :صدقت .قال :فأخبن عن الحسان .قال" :أن تعبد ال
كأنك تراه .فإن ل تكن تراه ،فإنه يراك" .قال :فأخبن عن الساعة .قال" :ما السؤول عنها بأعلم
من السائل" قال :فأخبن عن أمارتا .قال" :أن تلد المة ربتها .وأن ترى الفاة العراة العالة رعاء
الشاء ،يتطاولون ف البنيان" .قال ث انطلق .فلبثت مليا .ث قال ل" :يا عمر أتدري من السائل؟"
قلت :ال ورسوله أعلم .قال" :فإنه جبيل أتاكم يعلمكم دينكم" رواه مسلم.
وف صحيح مسلم أن عمر بن الطاب رضي ال عنه خطب يوم المعة فقال" :اللهم إن أشهدك على
أمراء المصار ،وإن إنا بعثتهم عليهم ،ليعدلوا عليهم ،وليعلموا الناس دينهم وسنة نبيهم صلى ال عليه
وسلم ،ويقسموا فيهم فيئهم ،ويرفعوا إل ما أشكل عليهم من أمرهم "
ويب على الكومة أن تعد العلمي والدعاة الذين يقومون بواجب التبليغ والتعليم والتربية،فقد كان
النب صلى ال عليه وسلم يبعث أصحابه رضي ال عنهم لدعوة الناس وتعليمهم ،فعن مُعاذٍ رضي ال
ل عَلَْيهِ و َسلّم فقال" :إّنكَ َت ْأتِي قوْما مِنْ َأ ْهلِ الْ ِكتَاب ،فادْ ُع ُهمْ إِلَى
عنه قال :بعََثنِي رسولُ اللّه صَلّى ا ُ
شَهَادة أَنْ ل ِإَلهَ إلّ اللّه ،وأَنّي رسول اللّه فإِ ْن ُهمْ أَطاعُوا ِل َذِلكَ ،فَأَ ْعلِم ُهمْ أَنّ اللّه َق ِد افْترضَ علَيْهم
السياسة الشرعية
240
صلَواتٍ ف كُلّ يو ٍم وَلَ ْي َلةٍَ ،فإِ ْن ُهمْ أَطَاعُوا لِذلكَ ،فَأَعلِ ْم ُهمْ أَنّ اللّه َق ِد افَْت َرضَ َعلَيهمْ ص َد َقةً
خَ ْمسَ َ
ُتؤْخ ُذ مِنْ أَغنياِئ ِه ْم فَُت َردّ َعلَى ُفقَرائهمَ ،فإِنْ ُهمْ أَطَاعُوا لِذلكََ ،فإِيّاكَ وكَراِئمَ َأمْوالِهم ,واتّ ِق دعْوةَ
الْمَ ْظلُومِ َفإِّنهُ لَيْس بينها وبيْ َن اللّه حِجَابٌ" متفقٌ عليه ،وف رواية لسلم" ...إنك تقدم على قوم أهل
الكتاب .فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة ال عز وجل .فإذا عرفوا ال ،فأخبهم أن ال فرض
عليهم خس صلوات ف يومهم وليلتهم .فإذا فعلوا ،فأخبهم أن ال قد فرض عليهم زكاة" ،وعن
السود ابن يزيد قال" أتانا معاذ بن جبل باليمن معلما وأميا فسألناه عن رجل توف وترك ابنته وأخته
فأعطى البنة النصف والخت النصف" رواه البخاري.
وعن أنس بن مالك؛ قال :نينا أن نسأل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن شيء .فكان يعجبنا أن
ييء الرجل من أهل البادية .العاقل .فيسأله ونن نسمع .فجاء رجل من أهل البادية .فقال :يا ممد
أتانا رسولك .فزعم لنا أنك تزعم أن ال أرسلك؟ قال" :صدق" قال :فمن خلق السماء؟ ،قال" :ال"
قال" :فمن خلق الرض؟ قال" :ال" قال :فمن نصب هذه البال؟ ،وجعل فيها ما جعل .قال" :ال"
قال :فبالذي خلق السماء وخلق الرض ونصب هذه البال آل أرسلك .قال" :نعم" قال :وزعم
رسولك أن علينا خس صلوات ف يومنا وليلتنا .قال" :صدق" قال :فبالذي أرسلك .آل أمرك بذا
قال" :نعم" قال :وزعم رسولك أن علينا زكاة أموالنا .قال" :صدق" قال :فبالذي أرسلك .آل أمرك
بذا قال" :نعم" قال :وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان ف سنتنا .قال "صدق" قال :فبالذي
أرسلك .آل أمرك بذا قال" :نعم" قال :وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيل.
قال" :صدق" قال :ث ول قال :والذي بعثك بالق ل أزيد عليهن ول أنقص منهن .فقال :النب صلى
ال عليه وسلم "لئن صدق ليدخلن النة" رواه مسلم وأخرج البخاري من وجه آخر نوه.
ل عَلَْيهِ و َسلّم أنِ ابْعث معنَا رجالً ُي َعلّمونَا وعن أنس رضي ال عنه قال :جاءَ ناسٌ إل النب صَلّى ا ُ
القُرآنَ والسّنّةَ ،فَبعثَ إَلْيهِم سب ِعيَ رجل مِ َن النْصارِ ُيقَا ُل لُمُ :ال ُقرّاءُ ،فيهِم خَال حرَامٌ ،يقرؤُون
القُرآنَ ،ويتَدَارسُوَنهُ باللّيْلِ يتعلّمُونَ ،وكانُوا بالنّهار ييئُونَ بالاءِ ،فَيَضعونهُ ف السجِدِ ،ويْتَ ِطبُون
ل عََلْيهِ و َسلّم ،فعرضوا لم صفّةِ ولِلفُقراءِ ،فبعثَهم النب صَلّى ا ُ فَيبيعُونه ،ويَشَْترُونَ ِبهِ الطّعام له ِل ال ّ
ك ورضيت عَنا ،وأَتى فقتلُوهُم قبل أ ْن يبُلغُوا الكانَ ،فقَالُوا :الّلهُ ّم بلّغ عنّا نَبيّنَا َأنّا قَد َلقِينَا َك فَرضِينَا عْن َ
رجُلٌ حراما خا َل أنس مِنْ خَ ْل ِفهِ ،فَطعَنهُ ِبرُمحٍ حت أْنفَذهَُ ،فقَال حرامٌُ :ف ْزتُ وربّ ال َكعْبةِ ،فقال رسولُ
ل َعلَْيهِ وسَلّم " :إ ّن إخْوانَكم قَد ُقتِلُوا وإنم قالُوا :الّلهُ ّم بلّغ عنّا نبينا َأنّا قَد َلقِينا َك فَرضِينَا صلّى ا ُ
اللّه َ
ت عَنّا " متفقٌ عليه ،وهذا لفظ مسلم. ك ورضِي َ عن َ
السياسة الشرعية
241
وعن الباء رضي ال عنه قال :أول من قدم علينا من أصحاب النب صلى ال عليه وسلم مصعب بن
عمي وابن أم مكتوم ،فجعل يقرئاننا القرآن ،ث جاء عمار وبلل وسعد ،ث جاء عمر بن الطاب ف
عشرين ،ث جاء النب صلى ال عليه وسلم ،فما رأيت أهل الدينة فرحوا بشيء فرحهم به ،حت رأيت
الولئد والصبيان يقولون :هذا رسول ال قد جاء ،فما جاء حت قرأت{ :سَبّحِ اسْ َم َرّبكَ الَْأعْلَى} .ف
سور مثلها" رواه البخاري.
وقد جاء ف القرآن والسنة بيان فضل تعلم القرآن وتعليمه ،والتفقه ف الدين،فقال تعالَ{ :يرْفَ ِع الّلهُ
ل َعلَْيهِ وسَلّم:ت وَالّلهُ بِمَا َتعْمَلُونَ َخبِيٌ} ،وقال صَلّى ا ُ
الّذِي َن آمَنُوْا مِنكُ ْم وَالّذِينَ أُوتُواْ اْلعِلْ َم َدرَجَا ٍ
"خَيكُم مَنْ َت َع ّلمَ ال ُقرْآ َن وَعلّمهُ" رواه البخاري.
ل َعلَْيهِ وسَلّم "مَنْ ُيرِد اللّه ِبهِ خيْرا ُي َف ّقهْهُ ف الدّينِ" متف ٌق عليه.
وقَال صَلّى ا ُ
ل عََلْيهِ وسَلّم "طلب العلم فريضة على كل مسلم" رواه ابن ماجه.
و قال صَلّى ا ُ
وقال صلى ال عليه وسلم "من علم علما فله أجر من عمل به ل ينقص من أجر العامل" رواه ابن
ماجه.
ل عََلْيهِ وسَلّم قال "ُيقَالُ لِصاحبِ اْل ُقرَآنِ :اقْرْأ وَارْتَ ِق َورَتّلْ كَما كُ ْنتَ ُترَتّلُ ف الدّنْيَا،
وقال صَلّى ا ُ
فَإنّ م ْنزِلََتكَ عِنْد آ ِخرِ آي ٍة َت ْق َرؤُهَا" رواه أبو داود ،والترْمذي وقال :حديث حسن صحيح.
ت من
ل َعلَْيهِ وسَلّم "ومَا ا ْجتَمَ َع َقوْمٌ ف بَ ْي ٍ
وعَنْ أَب ُهرَْي َرةَ رَضيَ اللّه عَْنهُ قَالَ :قَا َل َرسُول الّلهِ صَلّى ا ُ
بُيوتِ ال ّلهِ َي ْتلُونَ كتاب ال ّلهِ ،ويَتدَارسُونَه بيَْنهُم ،إِ ّل َنزَلتْ علَيهم السّكِينَة ،وغَشَِي ْت ُهمْ الرّحْمَة،
وَ َحفّ ْتهُم اللئِ َكةُ ،وذَكَرهُمْ اللّه فيِمنْ عِنده" رواه مسلم.
ل َعلَْيهِ وسَلّم قال "ب ّلغُوا َعنّي
وعن عبدِ اللّه بن عمرو بن العاص ،رضي اللّه عْنهُما ،أنّ النب صَلّى ا ُ
وَلوْ آَيةً ،و َحدّثُوا ع ْن بن إ ْسرَائيل وَل حَرجَ ،ومنْ َكذَب علَ ّي مُتَعمّدا َفلْيتَبوّْأ مَ ْقعَد ُه من النّار" رواه
البخاري.
ل َعلَْيهِ وسَلّم ،قالَ ...." :ومَنْ سلَك طرِيقا
صلّى ا ُ
وعنْ أب هُريرةَ ،رضي اللّه َعْنهُ ،أنّ رسُول اللّه َ
س فِيهِ ِعلْما ،سهّ َل اللّه َلهُ ِبهِ َطرِيقا إل الَّنةِ" رواهُ مسلمٌ.
َيلْتَ ِم ُ
ل عَلَْيهِ و َسلّم قَا َل "مَنْ دعا إل هُدىً كانَ ل ُه مِنَ
َوعَنهُ ،أيضا ،رضي اللّه عنْه أ ّن رَسُول اللّه صَلّى ا ُ
الجْر مِثلُ أُجو ِر منْ تَبِعهُ ل ي ْنقُصُ ذلكَ من أُجُو ِرهِم شَيْئا" رواهُ مسلمٌ.
ل عََلْيهِ و َسلّم َيقُو ُل "الدّنْيَا م ْلعُوَنةٌ ،ملْعُو ٌن ما فِيهَا ،إ ّل ذِكرَ اللّه
س ْعتُ رسُول اللّه صَلّى ا ُ
وَعْنهُ قَالَِ :
َتعَال ،وما والَهُ ،وعَالا ،أوْ مُتَعلّما" رواهُ الترمذيّ وقال :حدي ٌ
ث حسنٌ.
السياسة الشرعية
242
ل َعلَْيهِ وسَلّم "مَن خرَج ف َط َلبِ العِلمِ ،فهو
صلّى ا ُ
و َعنْ أنسٍ ،رضي اللّه عْنهُ قالَ :قَا َل رَسُو ُل الّلهَِ ،
ف سَبي ِل ال ّلهِ حت يرجِعَ" رواهُ الت ْرمِذيّ وقال :حديثٌ حَس ٌن .
ل عََلْيهِ و َسلّم قال "فضْلُ الْعالِم على الْعاِبدِ
وعَنْ أب ُأمَامة ،رضي اللّه عْنهُ ،أ ّن رَسُول اللّه صَلّى ا ُ
ل عََلْيهِ وسَلّم "إ ّن اللّه وملِئكََتهُ وَأهْلَ السّمواتِ
َكفَضْلي على َأدْنَا ُكمْ" ثُ ّم قال :رسُو ُل الّلهِ صَلّى ا ُ
صلّونَ عَلى مُعلّمِي النّاسِ الَ ْيرْ" رواهُ الترمذي وقالَ:
ح ِرهَا وحت الُوتَ لَُي َ
والرضِ حتّى النّ ْم َلةَ ف جُ ْ
حَديثٌ حَسنٌ.
ل عََلْيهِ وسَلّم ،يقو ُل "منْ سلك طَريقا
س ْعتُ رَسُول الّلهِ صَلّى ا ُ
َوعَنْ أب ال ّدرْداءِ ،رضي اللّه عَْنهُ ،قَالِ :
يَبَْتغِي فِيهِ علْما سهّل اللّه لَه طَريقا إل النةِ ،وَإنّ اللئِ َكةَ لََتضَعُ أجْنِحََتهَا لِطالب اْل ِع ْلمِ رِضا بِما
ت ومنْ ف ال ْرضِ حتّى الِيتا ُن ف الاءِ ،و َفضْلُ اْلعَالِم
َيصْنَعُ ،وَإنّ الْعالِم َليَسَْتغْ ِفرُ َلهُ منْ ف السّمَوا ِ
على الْعاِبدِ َك َفضْلِ اْلقَمر عَلى سائر الْ َكوَا ِكبِ ،وإنّ اْل ُعلَماءَ َورََثةُ النْبِياءِ وإنّ النْبِياءَ َلمْ يُورّثُوا
دِينَارا وَل ِد ْرهَما وإنّما ورّثُوا اْل ِع ْلمَ ،فَمنْ أَ َخذَ ُه أَ َخذَ بِحظّ وَا ِفرٍ" .روا ُه أبو داود والترمذيّ.
ل عََلْيهِ و َسلّم "ل حَسَد إ ّل ف اثَْنتَيْنِ:
سعُودٍ ،رضي اللّه عنْه ،قَال :قَال رسُو ُل الّل ِه صَلّى ا ُ
وعنْ ابنِ م ْ
رَجُلٌ آتَاهُ اللّه مَا ًل فَسلّطهُ عَلى هلَكَِتهِ ف الَقّ ،ورَجُ ٌل آتا ُه اللّه الِكْ َم َة ف ُهوَ َي ْقضِي ِبهَا ،وَُي َعلّ ُمهَا"
مُّتفَ ٌق عَليهِ.
والواجب على ولة المر والباء تربية الطفال والشباب تربية شاملة ،بتعليمهم وأمرهم بتوحيد ال
تعال ،والصلة ،والزكاة ،وصوم رمضان ،والج ،وبر الوالدين ،وحسن اللق مع الناس ،والمر
بالعروف والنهي عن النكر والصب ف ذلك ،والهاد ف سبيل ال ،وتقوى ال ف السر والعلن ،والتأدب
بالداب الشرعية.
ومن المثلة على التربية الشاملة التكاملة للبناء وصية لقمان لبنه ،الت ذكرها ال تعال ف كتابه فقال
س ِه َومَن َك َفرَ فَإِنّ ٱلّل َه غَنِيّ تعال{ :وََلقَدْ آتَْينَا ُلقْمَانَ ٱلْحِكْ َمةَ أَ ِن ٱشْ ُكرْ لّل ِه َومَن يَشْ ُكرْ فَِإنّمَا َيشْ ُكرُ لَِنفْ ِ
شرْكَ لَ ُظلْ ٌم عَظِيمٌَ .و َوصّيْنَا ٱلِنْسَانَ شرِكْ بِٱلّلهِ إِنّ ٱل ّحَمِيدٌ .وَِإذْ قَا َل ُلقْمَانُ لبِْن ِه َو ُهوَ َيعِ ُظهُ يٰبَُنيّ لَ تُ ْ
ِبوَالِدَْيهِ حَ َملَْتهُ ُأمّ ُه َوهْنا عََل ٰى َوهْنٍ َوِفصَاُلهُ فِي عَامَيْنِ أَ ِن ٱشْ ُكرْ لِي وَِلوَالِدَْيكَ إِلَيّ ٱلْ َمصِيُ .وَإِن جَاهَدَاكَ
شرِكَ بِي مَا َلْيسَ َلكَ ِب ِه عِلْ ٌم فَلَ تُ ِط ْعهُمَا َوصَاحِْبهُمَا فِي ٱلدّْنيَا َمعْرُوفا وَٱتّبِ ْع سَبِي َل مَنْ َأنَابَ عَلَىٰ أَن تُ ْ
ك مِْثقَالَ حَبّ ٍة مّنْ َخ ْردَلٍ فَتَ ُكنْ فِي إِلَ ّي ثُمّ إِلَ ّي َمرْ ِجعُكُمْ فَأَُنبّئُكُ ْم بِمَا كُنتُمْ َتعْ َملُونَٰ .يبُنَيّ ِإّنهَآ إِن َت ُ
لةَ وَْأ ُمرْ
خ َرةٍ َأوْ فِي ٱلسّمَاوَاتِ َأوْ فِي ٱ َل ْرضِ يَ ْأتِ ِبهَا ٱلّلهُ إِنّ ٱلّلهَ لَطِيفٌ َخبِيٌ .يُٰبنَيّ أَقِ ِم ٱلصّ َ صَ ْ
س وَلَ ك مِ ْن َع ْزمِ ٱ ُلمُورِ .وَ َل ُتصَ ّعرْ خَدّكَ لِلنّا ِ ف وَٱْن َه عَنِ ٱلْمُنْ َك ِر وَٱصِْبرْ َعلَ ٰى مَآ َأصَاَبكَ إِ ّن ذَِل َ بِٱلْ َم ْعرُو ِ
صوِْتكَ إِنّ ض مِن َ ك وَٱغْضُ ْ ختَالٍ َفخُورٍ .وَٱ ْقصِدْ فِي مَشِْي َ حبّ ُكلّ مُ ْ تَ ْمشِ فِي ٱ َل ْرضِ َمرَحا إِ ّن ٱلّلهَ لَ ُي ِ
السياسة الشرعية
243
صوَاتِ َلصَ ْوتُ ٱلْحَمِيِ} ،قال العلمة السعدي رحه ال" :وهذه الوصايا ،الت وصى با لقمان
أَن َك َر ٱ َل ْ
ابنه ،تمع أُمهات الكم ،وتستلزم ما ل يذكر منها .وكل وصية يقرن با ما يدعو إل فعلها إن كانت
أمرا ،وإل تركها إن كانت نيا .وهذا يدل على ما ذكرنا ف تفسي الكمة ،أنا العلم بالحكام،
وحِكمِها ومناسباتا فأمره بأصل الدين ،وهو التوحيد ،وناه عن الشرك ،وبيّن له الوجب لتركه ،وأمره
بب الوالدين ،وبي له السبب الوجب لبها ،وأمره بشكره وشكرها ،ث احترز بأن مل برها وامتثال
أوامرها ،ما ل يأمرا بعصية ،ومع ذلك ،فل يعقهما ،بل يسن إليهما ،وإن كان ل يطيعهما إذا جاهداه
على الشرك وأمره براقبة ال ،وخوّفه القدوم عليه .وأنه ل يغادر صغية ول كبية من الي والشر ،إل
أتى با وناه عن التكب ،وأمره بالتواضع ،وناه عن البطر والشر ،والرح ،وأمره بالسكون ف الركات
والصوات ،وناه عن ضد ذلك .وأمره بالمر بالعروف ،والنهي عن النكر ،وإقامة الصلة وبالصب
اللذين يسهل بما كل أمر".)11
لئِكَ ٌة
س وَٱلْحِجَا َر ُة عَلَْيهَا مَ َ
وقال تعال{ :يٰأَّيهَا ٱلّذِي َن آمَنُواْ ُقوۤاْ أَنفُسَكُ ْم وََأهْلِيكُمْ نَارا وَقُو ُدهَا ٱلنّا ُ
غِلَظٌ شِدَادٌ لّ َي ْعصُونَ ٱلّل َه مَآ َأ َمرَهُ ْم وََي ْفعَلُو َن مَا ُي ْؤ َمرُونَ} ,وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حيد عن
قتادة ف قولهُ{ :ق ۤواْ أَنفُسَكُ ْم وََأ ْهلِيكُ ْم نَارا} قال "مروهم بطاعة ال وانوهم عن معصية ال" ,وأخرج
عبد الرزاق والفرياب وسعيد بن منصور وعبد بن حيد وابن جرير وابن النذر والاكم وصححه
والبيهقي ف الدخل عن علي بن أب طالب ف قولهُ{ :ق ۤواْ أَنفُسَكُ ْم وََأ ْهلِيكُ ْم نَارا} قال " علموا أنفسكم
وأهليكم الي وأدبوهم " ،وأخرج ابن جرير عن ماهد ف قول الُ{ :قوۤاْ أَنفُسَكُ ْم وََأهْلِيكُمْ نَارا} قال:
سكُ ْم وََأهْلِي ُكمْ نَارا َوقُو ُدهَا ٱلنّاسُ " اتقوا ال وأوصوا أهليكم بتقوى ال " وأخرج عن قتادة {ُقوۤاْ أَنفُ َ
وَٱلْحِجَا َرةُ} قال " يقيهم أن يأمرهم بطاعة ال وينهاهم عن معصيته وأن يقوم عليهم بأمر ال يأمرهم به
ويساعدهم عليه فإذا رأيت ل معصية ردعتهم عنها وزجرتم عنها ".
حنُ َن ْرزُُقكَ وَٱْلعَاِقبَةُ لِلّت ْق َوىٰ} ،وقدك ِرزْقا نّ ْ وقال تعال{ :وَْأ ُمرْ َأهَْلكَ بِٱلصّلَ ِة وَٱصْ َطِبرْ َعلَْيهَا لَ َنسْأَُل َ
روى مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الطاب كان يصلي من الليل ما شاء ال حت إذا كان
من آخر الليل أيقظ أهله للصلة ،يقول لم :الصلة الصلة .ث يتلو هذه الية {وَْأ ُمرْ َأهَْلكَ بِالصّلَاةِ
ك وَاْلعَاِقبَةُ لِلّت ْقوَى}.
حنُ َن ْرزُُق َ
ك ِرزْقا نّ ْ
وَاصْطَِب ْر عََلْيهَا لَا َنسْأَُل َ
ل عََلْيهِ و َسلّم يوْما فَقال "يَا غُلمُ
ف النّبِ ّي صَلّى ا ُ
وعن ابنِ عبّاسٍ ،رضيَ اللّه عنهمَا ،قال" :كُْنتُ خَلْ َ
ج ْدهُ تُجَا َهكَِ ،إذَا َسأَْلتَ فَا ْسأَل اللّه ،وَِإذَا
حفَ ْظكَ ا ْحفَظِ ال ّلهَ تَ ِ
ظ ال ّلهَ يَ ْ
ِإنّي أُعلّمكَ َكلِمَاتٍ ا ْحفَ ِ
ت فَاسْتَعِنْ بِال ّلهِ ،واع َلمَْ :أنّ ا ُل ّمةَ لَو اجتَمعتْ َعلَى أَنْ ينْفعُوكَ بِش ْيءٍَ ،ل ْم يَنْفعُوكَ إِ ّل بِشَ ْيءٍ قَد
اسَْتعَ ْن َ
على ولة المر أن يتخلقوا بالرفق والرحة لعامة الرعية ،فإن الرفق ف دعوة الناس وتعليمهم وف
سياستهم ،وتنب العسف والعنف ف معاملتهم ودعوتم من الواجبات ،الت جاءت النصوص الشرعية
بالمر با والترغيب فيها،قال تعال{ :فَبِمَا رَحْمَ ٍة مّنَ ٱلّلهِ لِنتَ َلهُ ْم وََلوْ كُْنتَ َفظّا غَلِيظَ ٱْلقَ ْلبِ لَْن َفضّواْ
حبّ ف عَْنهُ ْم وَٱسَْت ْغ ِفرْ َلهُ ْم وَشَا ِو ْرهُمْ فِي ٱ َل ْمرِ فَِإذَا َع َز ْمتَ فََتوَكّ ْل عَلَى ٱلّلهِ إِ ّن ٱلّلهَ يُ ِ
مِنْ َحوِْلكَ فَٱعْ ُ
ٱلْمَُتوَكِّليَ} ،وقد أخرج عبد بن حيد وغيه عن قتادة ف قوله {فَبِمَا رَحْمَ ٍة مّنَ ٱلّلهِ} يقول فبحة من
ال {لِنتَ َلهُ ْم وََلوْ كُْنتَ فَظّا َغلِيظَ ٱْلقَ ْلبِ َلْن َفضّوْا مِنْ َحوِْلكَ} أي وال طهره من الفظاظة والغلظة
وجعله قريبا رحيما رؤوفا بالؤمني ".
وأخرج ابن أب حات عن السن أنه سئل عن هذه الية فقال" :هذا خلق ممد صلى ال عليه وسلم نعته
ال ".
وقال الصاص رحه ال" :قوله تعال{ :وََلوْ كُْنتَ َفظّا غَلِيظَ ٱْلقَ ْلبِ لَْن َفضّواْ مِ ْن َحوِْلكَ} يدل على
وجوب استعمال اللي والرفق وترك الفظاظة والغلظة ف الدعاء إل ال تعال ".
وقال العلمة السعدي رحه ال" :أي برحة ال لك ولصحابك منّ ال عليك أن ألنت لم جانبك،
وخفضت لم جناحك ،وترققت عليهم ،وحسنت لم خلقك ،فاجتمعوا عليك ،وأحبوك ،وامتثلوا أمرك
{وََلوْ كُْنتَ َفظّا} أي سيء اللق {غَلِيظَ ٱْلقَ ْلبِ} أي قاسيه {لَْن َفضّوْا مِنْ َحوِْلكَ} لن هذا ينفرهم
ويبغضهم لن قام به هذا اللق السيء .فالخلق السنة من الرئيس ف الدنيا تذب الناس إل دين ال
وترغبهم فيه مع ما لصاحبه من الدح والثواب الاص ,والخلق السيئة من الرئيس ف الدين تنفر الناس
عن الدين ،وتبغضهم إليه مع ما لصاحبها من الذم والعقاب الاص ،فهذا الرسول العصوم يقول ال له
ما يقول ،فكيف بغيه أليس من أوجب الواجبات وأهم الهمات القتداء بأخلقه الكرية ومعاملة الناس
با كان يعاملهم به صلى ال عليه وسلم من اللي وحسن اللق والتأليف ،امتثال لمر ال ،وجذبا لعباد
ال لدين ال".)11
و عن عطاء بن يسار قال :لقيت عبد ال بن عمرو بن العاص رضي ال عنهما :قلت :أخبن عن صفة
رسول ال صلى ال عليه وسلم ف التوراة ،قال :أجل ،وال إنه لوصوف ف التوراة ببعض صفته ف
القرآن{ " :يَا َأّيهَا النّبِيّ ِإنّا َأرْسَ ْلنَاكَ شَاهِدا َومُبَشّرا وَنَذِيرا} .وحزرا للميي ،أنت عبدي ورسول،
سيتك التوكل ،ليس بفظ ول غليظ ،ول سخاب ف السواق ،ول يدفع بالسيئة السيئة ،ولكن يعفو
التيسي:
الشريعة السلمية مبناها على التيسي فهي ميسرة ف أصلها،وعند الطارئ كالرض والسفر ونوه حيث
سرَ وَلَ
جاءت بالتيسي والتخفيف ف حق الريض والسافر ونوها ،وقد قال تعالُ{ :يرِيدُ ٱلّلهُ بِكُمُ ٱلُْي ْ
سرَ} ،وقال تعالَ { :وجَاهِدُوا فِي ٱلّلهِ حَقّ ِجهَا ِد ِه ُهوَ ٱ ْجتَبَاكُ ْم َومَا َجعَ َل عََليْكمْ فِي ٱلدّينِ ُيرِي ُد بِكُمُ ٱْلعُ ْ
سلِ ِميَ مِن َقبْ ُل وَفِي َهـٰذَا ِليَكُو َن ٱلرّسُولُ َشهِيدا عََليْكُمْ ج مّلّةَ َأبِيكُمْ ِإْبرَاهِيمَ ُهوَ َسمّاكُمُ ٱلْمُ ْ
مِنْ َحرَ ٍ
العرفاء:
العرفاء جع عريف وهو القيم على طائفة من الناس كالقبيلة أو غيها ،فيتعرف على أحوالم ،ويتفقد
أمورهم ،ويستطلع حاجاتم ومطالبهم ليبلغها للمي ،قال الافظ ابن حجر رحه ال ف العرفاء" :جع
عريف بوزن عظيم وهو القائم بأمر طائفة من الناس من عرفت بالضم وبالفتح على القوم أعرف بالضم،
السياسة الشرعية
258
فأنا عارف وعريف ،أي وليت أمر سياستهم ،وحفظ أمورهم ،وسي بذلك لكونه يتعرف أمورهم ،حت
يعرف با من فوقه عند الحتياج".)11
شرَ َنقِيبا} ،قال المام ابن
وقد قال ال تعال {وََلقَدْ أَخَ َذ ٱلّلهُ مِيثَاقَ َبنِيۤ إِ ْسرَآئِي َل َوَبعَثْنَا مِنهُمُ ٱثَْن ْي عَ َ
كثي رحه ال" :يعن عرفاء على قبائلهم بالبايعة والسمع والطاعة ل ولرسوله ولكتابه ...وهكذا لا بايع
رسول ال صلى ال عليه وسلم النصار ليلة العقبة ،كان فيهم اثنا عشر نقيبا ...والقصود أن هؤلء
كانوا عرفاء على قومهم ليلتئذ عن أمر النب صلى ال عليه وسلم لم بذلك ،وهم الذين ولوا البايعة
العاقدة عن قومهم للنب صلى ال عليه وسلم على السمع والطاعة".)21
وقال العلمة السعدي رحه ال" :أي رئيسا وعريفا على ما تته ليكون ناظرا عليهم حاثا لم على القيام
با أمروا به مطالبا يدعوهم" ،)32وقال المام ابن جرير رحه ال" :والنقيب ف كلم العرب كالعريف
على القوم غي أنه فوق العريف" ،)43وقد بوب البخاري رحه ال ف صحيحه فقال" :باب :العرفاء
للناس" ث روى بإسناده عن عروة ابن الزبي :أن مروان بن الكم والسور بن مرمة أخباه" :أن رسول
ال صلى ال عليه وسلم قال حي أذن لم السلمون ف عتق سب هوازن" :إن ل أدري من أذن فيكم
من ل يأذن ،فارجعوا حت يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم" .فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ،فرجعوا إل
رسول ال صلى ال عليه وسلم فأخبوه :أن الناس قد طيّبوا وأذنوا " والديث يدل على مشروعية اتاذ
العرفاء ،وعن جابر بن عبد ال رضي ال عنه قال" لا ول عمر رضي ال عنه اللفة فرض الفرائض
ودون الدواوين وعرف العرفاء وعرفن على أصحاب " رواه البيهقي ف السنن الكبى وغيه ،وف إقامة
العرفاء فوائد ومصال شرعية ،منها معاونة المام ف سياسة الرعية وتفقد شؤونا ،ومنها إبلغ المي
باجات الناس وشكاياتم لتلبية حاجاتم ورفع الظلم عنهم ،ومنها ضبط اليش وترتيب البعوث والند
والعطاءات وغيها ،ومنها اجتماع الكلمة وتعزيز العلقة وزيادة الصلة بي الكومة السلمية والقبائل
وغيها ،وهذا من أعظم المور الت يب على الكومة السلمية أن تعتن با ،فإن من أقوى أسلحة
العداء ،وما يفزهم على العدوان ويسهل غزوهم لبلد السلمي ،التفرق والتباغض والتنافر بي الرعية
والولة.
والواجب أن يتصف العريف بالتقوى والمانة كسائر السؤولي وقد أخرج ابن سعد ف الطبقات
بإسناده عن مسلمة بن مارب قال كتب عمر ( يعن ابن عبد العزيز ) إل عدي :إن العرفاء من
)1فتح الباري. 1
باب :العلم
مهمة العلم ف السلم أن يقق واجب الدعوة ,وإبلغ الرسالة للناس جيعا ,وتربية السلمي تربية
صالة ,وتوجيههم وإرشادهم ،وإصلح السرة ,وتزكية الجتمع ,وتطهيه من الشرك والفواحش
ومساوئ الخلق ،وتبيي ما يططه العداء وما يبمونه من كيد وعدوان على السلم والسلمي ,وقد
ف وَتَْن َهوْ َن عَنِ ٱلْمُنْ َك ِر وَُت ْؤمِنُونَ بِٱلّلهِ} .
س تَ ْأ ُمرُونَ بِٱْل َمعْرُو ِ
قال تعال{ :كُنُْتمْ خَْيرَ ُأمّةٍ أُ ْخ ِر َجتْ لِلنّا ِ
الغزو الفكري:
من أخطر أنواع الغزو الت تستهدف السلمي ف هذا الوقت الغزو الفكري والثقاف الذي تغلغل ف
الجتمعات السلمية من خلل مناهج التعليم ,ووسائل العلم وغيها ,حيث شن اليهود والنصارى
وأعوانم حربا إعلمية عالية على السلم والسلمي بدف صرف السلمي عن دينهم وصبغهم بعقائد
الكفار ,وجر السلمي إل التشبه بم ف طريقة حياتم وعيشهم ,ليسهل على العداء بعد ذلك أن
يسيطروا على بلد السلمي وينهبوا خياتم ,وقد قال تعالُ{ :يرِيدُونَ أَن يُ ْطفِئُوْا نُورَ ٱلّلهِ بِأَ ْفوَا ِههِمْ
وَيَأَْبىٰ ٱلّلهُ إِلّ أَن يُتِ ّم نُو َرهُ وََلوْ َك ِرهَ ٱلْكَاِفرُونَ} ,والية عامة ف الشركي وأهل الكتاب ,وقد أخرج ابن
جرير عن السدي قال " يريدون أن يطفؤوا السلم بكلمهم " ،وقال تعال{ :وَٱلّلهُ ُيرِيدُ أَن يَتُوبَ
ل عَظِيما} ,قال ابن كثي رحه ال" :أي يريد أتباع ش َهوَاتِ أَن تَمِيلُوْا مَيْ ً
عََليْكُ ْم وَُيرِيدُ ٱلّذِينَ يَتِّبعُونَ ٱل ّ
الشياطي من اليهود والنصارى والزناة {أَن َتمِيلُواْ} عن الق إل الباطل ميلً عظيما" ،)11وقد أخرج
ل عَظِيما }
ش َهوَاتِ} قال الزنا {أَن تَمِيلُوْا مَيْ ً عبد بن حيد وغيه عن ماهد {وَُيرِيدُ ٱلّذِينَ يَتِّبعُونَ ٱل ّ
قال" يريدون أن تكونوا مثلهم تزنون كما يزنون" ،فصاحب الباطل يود لو شاركه غيه ف باطله ،كما
قال تعال عن اليهود والنضارى{ :وَلَ ْن َت ْرضَىٰ عَنكَ ٱلَْيهُو ُد وَلَ ٱلّنصَارَىٰ حَتّىٰ تَتّبِ َع مِلَّتهُمْ} ,وقال تعال
عن النافقيَ { :ودّواْ َلوْ تَ ْك ُفرُونَ كَمَا َك َفرُواْ فََتكُونُونَ َسوَآءً} ,وقال عثمان رضي ال عنه" :ودت
الزانية لو زنا النساء كلهن".
والواجب على ولة المر أن يتصدوا للغزو الفكري ،وأن يطهروا البلد من آثاره ف التعليم ,ووسائل
العلم وغيها ,وأن يبينوا للمسلمي مططات العداء وأساليب كيدهم ،لكي تكون جلية واضحة
ج ِر ِميَ} ,وقال
ستَِبيَ َسبِيلُ ٱلْمُ ْ ت وَلِتَ ْ
للمسلمي حت يذروها ,وقد قال تعال{ :وَكَذَِلكَ نفَصلُ ٱليَا ِ
صلى ال عليه وسلم" :جاهدوا الشركي بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم" رواه أبو داود.
طهارة العلم:
وسائل العلم ف الدولة السلمية هي من وسائل إصلح الجتمع ,وتزكيته ,فل يوز أن يشوبا شيء
من الحرمات كالتمكي لعداء السلم من الكفار والنافقي من بعض وسائل العلم لنشر كفرهم
وفسادهم ,وقد قال تعال{ :وَلَ ْن َت ْرضَىٰ عَنكَ ٱلَْيهُو ُد وَلَ ٱلّنصَارَىٰ حَتّىٰ تَتّبِ َع مِلَّتهُمْ} ,وقال تعال:
ض يَ ْأ ُمرُونَ بِٱْلمُن َك ِر وَيَْن َهوْ َن عَنِ ٱلْ َم ْعرُوفِ وََيقِْبضُونَ أَيْ ِدَيهُمْ نَسُواْ
ضهُمْ من َبعْ ٍ
{ٱلْمُنَاِفقُونَ وَٱلْ ُمنَاِفقَاتُ َب ْع ُ
ٱلّلهَ فََنسَِيهُمْ إِنّ ٱلْمُنَاِف ِقيَ هُمُ اْلفَا ِسقُونَ} ,وكذلك ل يوز تكي أهل البدع والهواء من نشر بدعهم
وشبههم ف وسائل العلم أو من خلل التأليف والكتابة ,وقد عزر عمر رضي ال عنه صبيغ بن عسل
على سؤاله عن متشابه القرآن ,وقال المام ابن القيم رحه ال" :هذه الكتب الشتملة على الكذب
والبدع يب إتلفها وإعدامها ,وهي أول بذلك من إتلف آلت اللهو والعازف ,وإتلف آنية المر,
فإن ضررها أعظم من ضرر هذه ,ول ضمان فيها ,كما ل ضمان ف كسر أوان المر وشق زقاقها".)11
ومن الحرمات ف وسائل العلم ,إظهار العازف ,وإخراج النساء ,فإن هذا من أعظم أسباب الفتنة,
وشيوع الفاحشة.
فالواجب على الكومة السلمية أن تطهر وسائل العلم من سائر الحرمات ،الت تقدم ذكرها
وغيها.
الصطلحات العلمية:
يب على القائمي على وسائل العلم ف الدولة السلمية تنب إطلق مصطلحات الكفار وأتباعهم,
الت يرددونا ف وسائل إعلمهم ،لا تتضمن من معان فاسدة توافق عقيدتم ,وسياساتم ,وقد نى ال
تعال عن قول كلمة "راعنا" حي استغلها اليهود ليضمنوا لفظها معن سيئا ,فقال تعال{ :يَاأَّيهَا الّذِينَ
آمَنُواْ لَ َتقُولُوْا رَا ِعنَا وَقُولُوْا انْ ُظ ْرنَا وَاسْ َمعُوْا وَلِلكَاِفرِي َن عَذَابٌ أَلِيمٌ} فل تذكر مصطلحاتم دون
تولية القضاة:
يتول المام تعيي القضاة إن كان له معرفة بن يصلح لتول القضاء،فإذال تكن له معرفة بالناس فيشاور
حت يتبي له الصلح للقضاء ،وإذا ل يد من تتوفر فيه شروط من يتول القضاء متمعة ،فيقدم المثل
فالمثل ,ول يوز للمام أن يول رجل للقضاء لوى ف نفسه ،وقد قال تعال{ :يٰدَاوُودُ إِنّا َجعَلْنَاكَ
َخلِيفَةً فِي ٱ َلرْضِ فَٱحْكُمْ َبيْنَ ٱلنّاسِ بِٱْلحَ ّق وَلَ تَتّبِعِ ٱْل َهوَىٰ َفُيضِّلكَ عَن سَبِيلِ ٱلّلهِ إِنّ ٱلّذِينَ َيضِلّو َن عَن
حسَابِ}،فنهى تبارك وتعال عن اتباع الوى الذي يضل سَبِيلِ ٱلّلهِ َلهُ ْم عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُوْا َي ْومَ ٱلْ ِ
عن سبيل ال،فإن الاكم إذا اتبع هواه فقد عدل عن العدل والق ووقع ف الظلم والور ،وعن عبد
الرحن بن غنم الشعري قال قال عمر" :ويل لديان أهل الرض من ديان أهل السماء يوم يلقونه إل من
أم العدل وقضى بالق ،ول يقض لوى ول قرابة ول لرغبة ول لرهبة وجعل كتاب ال مرآة بي عينيه "
أخرجه ابن أب شيبة ف مصنفه وغيه،ومن اتباع الوى أن يقدم المام رجل على غيه للقضاء لجل
قرابة أو صداقة ،أويول قضاة جائرين موالي له ف الحاكم التخصصة بحاسبة وماكمة السؤولي الت
تفصل الناع بي الولة وبي الولة والرعية،وف هذه الالة ،فل يقر على جوره ف التعيي ويرد التعيي
التنازع فيه إل قضاة شرعيي من العلماء الذين عرفوا بالتقوى والصدع بالق،وقد قال تعال{ :يَا أَّيهَا
ٱلّذِي َن آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱلّلهَ وَأَطِيعُوْا ٱلرّسُولَ وَُأوْلِي ٱ َل ْمرِ ِمنْكُمْ فَإِن تَنَا َزعْتُ ْم فِي شَ ْيءٍ َف ُردّوهُ ِإلَى ٱلّلهِ
وَٱلرّسُولِ إِن ُكنْتُ ْم ُت ْؤمِنُونَ بِٱلّلهِ وَٱلَْي ْومِ ٱل ِخرِ ذِٰلكَ َخْيرٌ وَأَ ْحسَنُ تَ ْأوِيلً} ،فإذا بي القضاء الشرعي من
الول بالتعيي ف منصب القضاء من الرشحي،فيجب على المام أن ينقاد للحكم الشرعي ويعي الول
لنصب القضاء.
عزل القاضي:
ل يوز للمام على القول الصحيح أن يعزل القاضي دون سبب شرعي،قال القاضي أبو يعلى رحه ال:
"وقد قيل ليس للمول عزله ماكان مقيما على الشرائط،لنه بالولية يصي ناظرا للمسلمي على سبيل
الصلحة ل عن المام".)11
)2الغن. 1
السياسة الشرعية
269
فيما قص ال من نبأ داود وسليمان عليهما السلم ،والنبياء حكما يرد قول هؤلء الناس عن قولم ،قال
شتْ فِي ِه غَنَ ُم اْل َق ْومِ وَكُنّا لِحُكْ ِمهِمْ
ح ْرثِ ِإذْ َنفَ َ
ال تعالَ { :ودَاوُودَ وَ ُسلَيْمَانَ ِإذْ َيحْكُمَانِ فِي الْ َ
شَاهِدِينَ}فأثن ال على سليمان ول يذم داود ،ث قال يعن السن إن ال اتذ على الكام ثلثا ل
يشتروا به ثنا قليل ،ول يتبعوا فيه الوى ،ول يشوا فيه أحدا ،ث تل {يَا دَاوُودُ إِنّا َجعَلْنَا َك خَلِيفَةً فِي
ك عَن َسبِي ِل الّلهِ إِ ّن الّذِي َن َيضِلّو َن عَن سَبِيلِ الّلهِ} س بِالْحَ ّق وَلَا تَتّبِعِ اْل َهوَى فَُيضِّل َ
الَْأ ْرضِ فَاحْكُم بَيْ َن النّا ِ
شوْنِ} وقال {وَلَ َتشَْترُواْ بِآيَاتِي ثَمَنا َقلِيلً}. شوُْا النّاسَ وَاخْ َ وقال {فَلَ َتخْ َ
وقال ابن قدامة رحه ال" :وينبغي أن يكون الاكم قويا من غي عنف لينا من غي ضعف ,ل يطمع
القوي ف باطله ,ول ييأس الضعيف من عدله ,ويكون حليما متأنيا ذا فطنة وتيقظ ل يؤت من غفلة ول
يدع لغرة ,صحيح السمع والبصر ,عالا بلغات أهل وليته ,عفيفا ورعا نزها بعيدا عن الطمع ,صدوق
اللهجة ذا رأي ومشورة ,لكلمه لي إذا قرب ,وهيبة إذا أوعد ,ووفاء إذا وعد ,ول يكون جبارا ,ول
عسوفا ,فيقطع ذا الجة عن حجته ..
ول يكون ضعيفا مهينا ،لن ذلك يبسط التخاصمي إل التهاتر والتشات بي يديه ,قال عمر رضي ال
عنه :لعزلن فلنا عن القضاء ،ولستعملن رجل إذا رآه الفاجر فرقه".
)1الغن. 1
السياسة الشرعية
270
وقاضي الظال يب أن يتصف بالشروط الواجب توفرها ف القضاة ويتصف أيضا بالقوة واليبة الت ل
بد منها ف مثل هذا النوع من القضاء لتعلقه بحاكمة الولة ورفع ظلمهم عن الناس ,ومنع عسفهم
بالرعية وعزل من يستحق العزل منهم.
ويتصفح قاضي الظال أحوال الولة ،ويتابع أعمالم ،وينظر ف سيتم ،فيقوي من عدل منهم ،ويقوم
من أساء منهم ,ويرد الغصوب إل أهلها سواء كان الغاصب من الولة أو غيهم ,وينفذ قاضي الظال
ما عجز القضاة عن تنفيذه ,ويزيل النكر الذي عجز الحتسبون عن رفعه ,ويسمع دعاوى الناس ف
نقص أرزاقهم أو تأخرها وغيها من القضايا.
الشورى ف القضاء:
ينبغي للقاضي أن يشاور أهل العلم حت يصل إل الق ف القضايا ،الت يكم فيها،وعلى الكومة توفي
الستشارين العلماء الذين يكن للقضاة التشاور معهم ،وكذلك ينبغي توفي مستشارين للقضاة ف المور
الندسية والدارية والطبية وغيها ،ما يساعد القضاة على معرفة الواقع ،وتصور القضايا الت يقضون
فيها ،قال الشعب" :من سره أن يأخذ بالوثيقة من القضاء فليأخذ بقضاء عمر فإنه كان يستشي "رواه
البيهقي ف السنن الكبى.
وقال المام الشافعي رحه ال " :أحب للقاضي أن يشاور ول يشاور ف أمره إل عالا بكتاب وسنة
وآثار وأقاويل الناس وعاقل يعرف القياس ،ول يرف الكلم ووجوهه ،ول يكون هذا ف رجل حت
يكون عالا بلسان العرب ،ول يشاوره إذا كان هذا متمعا فيه حت يكون مأمونا ف دينه ،ل يقصد إل
قصد الق عنده ،ول يقبل من كان هكذا عنده شيئا أشار به عليه على حال حت يبه أنه أشار به من
خب يلزم ،وذلك كتاب أو سنة أو إجاع أو من قياس على أحدها ،وإنا أمرته بالشورة ،لن الشي
ينبهه لا يغفل عنه ويدله من الخبار على ما لعله أن يهله ،فأما أن يقلد مشيا فلم يعل ال هذا أحد
بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم".)11
و قال ابن قدامة رحه ال" :قال أحد لا ول سعيد بن إبراهيم قضاء الدينة كان يلس بي القاسم
وسال يشاورها وول مارب بن دثار قضاء الكوفة فكان يلس بي الكم وحاد يشاورها ما أحسن
هذا لو كان الكام يفعلونه يشاورون وينتظرون ،ولنه قد ينتبه بالشاورة ويتذكر ما نسيه بالذاكرة
ولن الحاطة بميع العلوم متعذرة وقد ينتبه لصابة الق ومعرفة الادثة من هو دون القاضي ،فكيف
بن يساويه أو يزيد عليه..
)2الغن. 1
)1الوافقات. 1
السياسة الشرعية
274
فلن عن عمر بن الطاب بكذا وكذا وفلن عن إبراهيم بكذا ويأخذ بقول إبراهيم قال مالك وصح
عندهم قول عمر قلت إنا هي رواية كما صح عندهم قول إبراهيم فقال مالك هؤلء يستتابون " ،قال
المام ابن القيم رحه ال" :وقد صرح مالك بأن من ترك قول عمر بن الطاب لقول إبراهيم النخعي أنه
يستتاب ,فكيف بن ترك قول ال ورسوله لقول من هو دون إبراهيم أو مثله".)11
وما أجع سلف المة على ترمه أن يقدم قول عال على نصوص الكتاب والسنة ،قال المام ابن القيم
رحه ال" :وأيضا فإنا نعلم بالضرورة أنه ل يكن ف عصر الصحابة رجل واحد اتذ رجل منهم يقلده
ف جيع أقواله ,فلم يسقط منها شيئا ,وأسقط أقوال غيه فلم يأخذ منها شيئا ,ونعلم بالضرورة أن هذا
ل يكن ف عصر التابعي ول تابعي التابعي فليكذبنا القلدون برجل واحد سلك سبيلهم الوخيمة ف
القرون الفضيلة على لسان رسول ال صلى ال عليه وسلم ,وإنا حدثت هذه البدعة ف القرن الرابع
الذموم على لسان رسول ال صلى ال عليه وسلم".
وقال العلمة الشنقيطي رحه ال" :وأما نوع التقليد الذي خالف فيه التأخرون الصحابة وغيهم من
القرون الشهود لم بالي فهو تقليد رجل واحد معي دون غيه من جيع العلماء ,فإن هذا النوع من
التقليد ل يرد به نص من كتاب ول سنة ول يقل به أحد من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم
ول أحد من القرون الثلثة الشهود لم بالي وهو مالف لقوال الئمة الربعة رحهم ال ,فلم يقل
أحد منهم بالمود على قول رجل واحد معي دون غيه من جيع علماء السلمي ,فتقليد العال العي
ل واحدا من القرون الثلثة الول التزم
من بدع القرن الرابع ,ومن يدعي خلف ذلك فليعي لنا رج ً
مذهب رجل واحد معي ,ولن يستطيع ذلك أبدا ,لنه ل يقع ألبتة" ,)21وقد نى الئمة الربعة عن
الخذ بأقوالم إذا خالفت الكتاب والسنة ،فقال المام أبو حنيفة رحه ال" :إذا صح الديث فهو
مذهب " ,وقال" :ل يل لحد أن يأخذ بقولنا ما ل يعلم من أين أخذناه" ,وف رواية" :حرام على من
ل يعرف دليلي أن يُفت بكلمي " ,وف رواية" :ويك يا يعقوب ل تكتب كل ما تسمع من ،فإن قد
أرى الرأي اليوم وأتركه غدا ،وأرى الرأي غدا وأتركه بعد غد" ,وقال" :إذا قلت قولً يالف كتاب
ال تعال وخب الرسول صلى ال عليه وسلم فاتركوا قول".
وقال المام مالك بن أنس رحه ال" :إنا أنا بشر أخطئ وأصيب ،فانظروا ف رأيي؛ فكل ما وافق
الكتاب والسنة فخذوه ،وكل ما ل يوافق الكتاب والسنة فاتركوه" ,وقال" :ليس أحد بعد النب صلى
ال عليه وسلم إل ويؤخذ من قوله ويترك؛ إل النب صلى ال عليه وسلم".
القصاص:
لقد شرع ال تعال القصاص حياة للناس وحفظا للنفس من التعدي فقال تعالَ { :ولَكُمْ فِي اْل ِقصَا ِ
ص
حَيَاةٌ يأُولِي ا َللْبَابِ َلعَلّ ُكمْ تَّتقُونَ} ,فإذا قُتل مسلم أو مسلمة فإن لولياء القتيل أن يتاروا القصاص ,أو
الدية ,أو العفو ,وهذا هو العدل الذي أمر ال تعال به فل يوز العتداء على أقارب الان كما كان
يفعله أهل الاهلية ,وهو ما يفعله بعض عصاة السلمي ,وقد قال ال تعال{ :وَلَ َتقُْتلُواْ ٱلّن ْفسَ ٱلّتِي
سرِف فّي ٱْلقَتْلِ إِّنهُ كَا َن مَْنصُورا}, َح ّرمَ ٱلّلهُ إِ ّل بِٱلَ ّق َومَن قُتِ َل مَ ْظلُوما َفقَدْ َجعَلْنَا ِلوَلِّيهِ سُ ْلطَانا فَلَ يُ ْ
أي ل يثل الول بالان فيسرف ف القتل ,وقيل ل يقتل غي القاتل ،وقد أخرج البيهقي ف سننه عن زيد
بن أسلم " أن الناس ف الاهلية إذا قتل الرجل من القوم رجل ل يرضوا حت يقتلوا به رجل شريفا إذا
كان قاتلهم غي شريف ل يقتلوا قاتلهم وقتلوا غيه فوعظوا ف ذلك بقول ال تبارك وتعال {وَ َل َتقْتُلُواْ
سرِف فّي اْلقَتْلِ ِإّنهُ كَانَ ل يُ ْ
لقّ َومَن ُقتِ َل مَظْلُوما َفقَدْ َجعَ ْلنَا ِلوَِلّيهِ سُلْطَانا فَ َ
الّن ْفسَ الّتِي َحرّمَ الّلهُ إِلّ بِا َ
سرِف فّي اْلقَتْلِ} قال" ل مَْنصُورا} " ،وأخرج ابن أب شيبة وغيه عن طلق بن حبيب ف قوله {فَلَ ُي ْ
سرِف فّي يقتل غي قاتله ول يثل به" ،وأخرج ابن أب حات عن ماهد رضي ال عنه ف قوله {َفلَ يُ ْ
اْل َقتْلِ} قال" ل يقتل غي قاتله".
و عن ابن عباس أن النب صلى ال عليه وسلم قال "أبغض الناس إل ال ثلثة ملحد ف الرم ,ومبتغي
ف السلم سنة الاهلية ومطلب دم امرئ بغي حق ليهريق دمه" أخرجه البخاري.
والقصاص كما يشرع ف النفس فكذلك يشرع ف الراح والطراف مع الساواة ,وكذلك يشرع ف
الضربة واللطمة واللكمة واللكزة أو السب مع الساواة ف القصاص ،وتفصيل ذلك ف كتب الفقه.
الدود والتعزيرات:
الدود هي العقوبات القدرة شرعا وهي حد الزنا ,وحد السرقة ,وحد المر ,وحد القذف ,وحد
الرابة ,وحد الردة ,فإن العاصي منها ما فيه حد وليس فيه كفارة كالعاصي الت شرعت فيها الدود,
ومن العاصي ما فيه كفارة ول حد فيه كجماع الصائم ف نار رمضان ,والماع ف الحرام ,ومن
العاصي ما ليس فيه حد ول كفارة فيشرع فيه التعزير وهو العقوبة على كل العصية ل حد فيها ول
كفارة ,فهو عقوبة غي مقدرة فيجتهد القاضي ف قدرها بسب كثرة الذنب ف الناس وقلته فإذا كثر
الذنب زاد ف التعزير ,وبسب حال الان فيزيد ف تعزير الان الصر على ارتكاب العاصي والفجور
أكثر من القل ف ذلك ,وكذلك يتلف قدر التعزير بسب كب الذنب وصغره.
السياسة الشرعية
277
والتعزير ليس لقله حد ول يقيد أكثره بأقل الدود ،ولكن إذا كانت العصية من جنس حد من الدود
فل يبلغ بعقوبة الان قدر الد كمن قبل امرأة أو مسها بيده فل يبلغ تعزيره حد الزنا.
والتعزير أنواع :فيكون بالتوبيخ والزجر ,ويكون بالبس والسجن ,ويكون بالنفي والتغريب ،ويكون
بالضرب ،ويكون بالعقوبات الالية وهي أقسام فمنها ما هو إتلف كتحريق موسى عليه السلم العجل،
وكهم النب صلى ال عليه وسلم بتحريق بيوت من يتخلفون عن صلة الماعة ،وكهدم مسجد
الضرار ،وكحرق عمر رضي ال عنه حانوتا يباع فيه المر ،وكأمر علي رضي ال عنه بتحريق قرية
يباع فيها المر ،ومن العقوبات الالية التغيي كتغيي الصور الجسمة وغي الجسمة ،ومن العقوبات
الالية التغري كتغري مانع الزكاة ،وتغري السارق من غي حرز.
ويكون التعزير بالجر وترك السلم على من ارتكب معصية حت يتوب إذا ترجحت الصلحة ف هذا،
ويكون التعزير بالعزل من العمل كما عزل عمر رضي ال عنه أحد عماله حي بلغه أنه كان يتمثل
بأبيات من الشعر فيها ذكر المر ،قال المام ابن كثي رحه ال " وقد ذكر ممد بن إسحاق وممد بن
سعد ف الطبقات والزبي بن بكار ف كتاب الفكاهة أن أمي الؤمني عمر بن الطاب رضى ال عنه
استعمل النعمان بن عدى بن نضلة على ميسان من أرض البصرة وكان يقول الشعر فقال:
بيسان يسقي ف زجاج وحنتم أل هل أتى السناء أن خليلها
ورقاصة تنو على كل منسم إذا شئت غنتن دهاقي قرية
ول تسقن بالصغر التثلم فإن كنت ندمان فبالكب اسقن
تنادمنا بالوسق التهدم لعل أمي الؤمني يسوؤه
فلما بلغ ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى ال عنه قال :أي وال إنه ليسوءني
ذلك ،ومن لقيه فليخبره أني قد عزلته وكتب إليه عمر {بِسْ ِم الِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ * حم*تَنِيلُ
ب ذِي ال ّطوْلِ لَا ِإَلهَ إِلّا ُهوَ إَِلْيهِ
ب وَقَابِلِ الّت ْوبِ شَدِي ِد اْل ِعقَا ِ
ب مِنَ الّلهِ اْل َعزِيزِ اْلعَلِيمِ* غَاِفرِ الذّن ِ
اْلكِتَا ِ
اْل َمصِيُ} أما بعد فقد بلغن قولك:
لعل أمي الؤمني يسوءه تنادمنا بالوسق التهدم
وأي ال إنه ليسوؤن وقد عزلتك ،فلما قدم على عمر بكته بذا الشعر ،فقال :وال يا أمي الؤمني ما
شربتها قط وما ذاك الشعر إل شيء طفح على لسان .فقال عمر أظن ذلك ،ولكن وال ل تعمل ل
عمل أبدا وقد قلت ما قلت" ،)11وقال بعض أهل العلم بواز القتل تعزيرا كقتل الاسوس السلم.
لقد خلق ال تعال اللق لغاية واحدة ،وهي عبادته وحده ل شريك له ،كما قال تعالَ { :ومَا خََل ْقتُ
اْلجِ ّن وَالِنسَ إِلّ ِلَيعْبُدُونِ} ،وختم الرسالت بدين السلم ,الذي ل يقبل من أحد سواه ,كما قال
ل ِم دِينا فَلَ ْن ُيقْبَ َل مِْنهُ َو ُهوَ فِي
لمُ} ،وقال تعالَ { :ومَن يَْبتَ ِغ غَْي َر ٱلِسْ َ تعال{ :إِ ّن الدّي َن عِندَ ٱلّل ِه ٱلِسْ َ
ٱل ِخ َرةِ مِنَ ٱلْخَا ِسرِينَ} ،فاللق خلق ال تعال وعبيده ,والرض أرض ال ,كما قال ال تعال{ :قَالَ
مُوسَى ِل َق ْومِهِ ا ْسَتعِينُواْ بِالّلهِ وَاصِْبرُواْ إِنّ ا َل ْرضَ لّلهِ يُورُِثهَا مَن يَشَآ ُء مِ ْن عِبَا ِدهِ وَاْلعَاِقبَةُ ِللْمُّت ِقيَ} ،وقال
ي ٱلصّالِحُونَ} ,وليست الرض ملكا تعال { َوَلقَدْ َكتَْبنَا فِي ٱلزّبُو ِر مِن َبعْدِ ٱلذ ْكرِ أَ ّن ٱ َل ْرضَ َيرُِثهَا عِبَادِ َ
وحقا للطواغيت الذين يتسلطون على قطعة من الرض هنا أو هناك ,ويستعبدون أهلها.
فقارة أمريكا الشمالية مثل ,أو قارة أمريكا النوبية ,أو غيها من القارات هي أرض ل تعال الذي له
ملك السماوات والرض ,ومن يسكن ف هذه القارات من الناس هم خلق ال تعال ,خلقهم لعبادته
وحده ل شريك له ,ول يلقهم لتستعبدهم الحزاب السياسية الكافرة ,فإذا تيقن السلم بذا الصل من
أصول العتقاد تبي له نعمة ال تعال على العباد ,ورحته بم إذ شرع جهاد الطلب وهو قتال الكفار ف
قعر دارهم لتكون كلمة ال هي العليا ,وترر الرض من استيلء الطواغيت عليها ,ويرر الناس من
العبودية لغي ال تعال.
وقد دل على جهاد الطلب ,وابتداء الكفار بالقتال ,الكتاب والسنة والجاع ,فأما الكتاب ,فقال ال
تعال{ :وَقَاتِلُوهُمْ َحتّى لَ َتكُونَ فِْتنَ ٌة وَيَكُو َن الدّينُ كُّلهُ} ,وقال تعال{ :قَاِتلُواْ الّذِينَ َل ُي ْؤمِنُونَ بِالّلهِ
حقّ مِ َن الّذِينَ أُوتُوْا الْكِتَابَ حَتّى ح ّرمُونَ مَا َحرّمَ الّل ُه َورَسُوُلهُ وَلَ َيدِينُو َن دِي َن الْ َ
وَلَ بِاْلَي ْومِ ال ِخ ِر وَلَ يُ َ
جزَْي َة عَن يَ ٍد َوهُ ْم صَا ِغرُونَ} ,وغيها من اليات ,وقال صلى ال عليه وسلم" :أمرت أن أقاتل
ُيعْطُوْا الْ ِ
الناس حت يشهدوا أن ل إله إل ال وأن ممدا رسول ال ,ويقيموا الصلة ,ويؤتوا الزكاة ,فإذا
فعلوا ذلك عصموا من دماءهم وأموالم إل بق السلم وحسابم على ال تعال" رواه البخاري
ومسلم.
وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم "بعثت بي يدي الساعة بالسيف حت يعبد ال وحده ل شريك
له ,وجعل رزقي تت ظل رمي ,وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ،ومن تشبه بقوم فهو
منهم" رواه أحد ,وغيها من الحاديث ,وقد أجع علماء المة على جهاد الطلب ,وهو من أظهر
الجاعات وأبينها.
السياسة الشرعية
284
فقد تواترت على جهاد الطلب نصوص الكتاب والسنة ودلت عليه غزوات النب صلى ال عليه وسلم
وسيته ,كما دلت عليه أقوال الصحابة رضي ال عنهم وتابعيهم وجهادهم وفتوحاتم ,ومضى على هذا
من اتبعهم بإحسان إل يومنا هذا ,فمن تدبر أقوال الصحابة رضي ال عنهم وتابعيهم ,وغزواتم
وفتوحاتم ,,وتدبر آثار فتوحاتم الت ل تزال باقية وشاهدة إل اليوم ,ودخول الناس ف دين ال أفواجا
من أطراف الصي إل الغرب ,حصل له بجموع ذلك علم ضروري أن هذا الجاع من أبي
الجاعات وأظهرها ,قال ابن النحاس رحه ال" :اعلم أن جهاد الكفار ف بلدهم فرض كفاية باتفاق
العلماء .وحكي عن ابن السيب وابن شبمة أنه فرض عي".)11
و قال الشربين رحه ال (" :فللكفار حالن أحدها يكونون ببلدهم ) مستقرين با غي قاصدين شيئا
من بلد السلمي ( ففرض كفاية ) كما دل عليه سي اللفاء الراشدين وحكى القاضي عبد الوهاب فيه
الجاع" ،)21ونقل ابن عطية رحه ال الجاع ف كتابه الحرر الوجيز.
فكل من قرأ من صغار السلمي أو كبارهم سية النب صلى ال عليه وسلم ,وسية الصحابة رضي ال
عنهم ,وجهادهم وفتوحاتم ,تيقن بداهة أن جهادهم لقامة دين ال ف الرض وإبلغ الدعوة للناس,
ول يتبادر إل ذهن أحدهم عندما يقرأ ف فتوحات الندلس مثل ,أن السلمي فتحوها دفاعا عن دولة
السلم ,لن ساكنيها كانوا يشكلون خطرا وتديدا للدولة السلمية ,ولو تاشى ساكنوها تديد
السلمي ودولتهم لا فتحها السلمون.
فجهاد الطلب من المور الواضحة البينة ,ومن القررات عند علماء السلمي وعوامهم ,وقد مضى
السلمون على هذا ,حت أظهر ف زماننا بعض الهزومي البتدعة القول بإنكار جهاد الطلب وأن الهاد
ف السلم إنا هو جهاد دفع فقط ,وخالفوا بذا كتاب ال تعال ,وسنة نبيه صلى ال عليه وسلم,
والجاع ,واتبعوا التشابه وحرفوا الكلم عن مواضعه وافتروا على ال الكذب وأنكروا فريضة من
فرائض ال ,وجعلوا ل شركاء ف أرضه وخلقه ,فغاية قولم أن طواغيت الكفار وأحزابم السياسية من
حقهم أن يتسلطوا على أجزاء من أرض ال ويكموا فيها ,ومن حقهم أن يستعبدوا الشعوب الت تت
ح ْرثِ وَالَْنعَامِ َنصِيبا تسلطهم وقهرهم ,كقول الذين قال ال تعال عنهم{ :وَ َجعَلُواْ لّل ِه مِمّا َذرَأَ مِ َن الْ َ
ل َيصِلُ ِإلَى الّلهِ َومَا كَا َن لّلهِ َف ُهوَ شرَكَآِئهِمْ فَ َ شرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ ِل ُ
َفقَالُواْ هَـذَا لّلهِ ِب َزعْ ِمهِ ْم َوهَـذَا لِ ُ
َيصِلُ إِلَى ُشرَكَآِئهِمْ سَآ َء مَا يَحْكُمُونَ} ،فتأمل قوله تعال {مِمّا َذرَأَ} ،أي ما خلق ،فهو تبارك وتعال
خالق كل شيء ،والشركون يعلون له من خلقه جزءا،كما قال تعال {وَ َجعَلُواْ َلهُ مِ ْن عِبَا ِدهِ ُج ْزءًا إِنّ
ٱلنسَانَ َل َكفُو ٌر مِّبيٌ}.
)1مشارع الشواق. 1
فصل :العداد
لقد أمر ال تعال بالعداد للجهاد ,والخذ بميع أساليب وأسباب القوة الت تيف العداء وترهبهم
خيْلِ ُت ْرهِبُو َن ِبهِ عَ ْدوّ الّلهِ
وتردعهم ,كما قال تعال{ :وََأعِدّواْ َلهُ ْم مّا اسْتَ َط ْعتُ ْم مّن ُق ّوةٍ َومِن رّبَاطِ الْ َ
َوعَ ُدوّكُمْ وَآ َخرِينَ مِن دُوِنهِمْ لَ َت ْعلَمُوَنهُمُ الّلهُ َيعْلَ ُمهُ ْم َومَا تُن ِفقُوْا مِن شَ ْيءٍ فِي سَبِيلِ الّلهِ ُيوَفّ ِإلَيْكُمْ
وَأَنُْتمْ لَ تُ ْظلَمُونَ} ,وقد جعل ال تعال علة الكم إرهاب أعداء ال وأعداء السلمي ,فالعلة هي
الرهاب ,والكم وجوب إعداد القوة ,والكم يدور مع علته وجودا وعدما ,أي أن كل ما يصل به
إرهاب العداء من أسباب القوة ,فالمة مأمورة بتحصيله ,وهذا يتلف باختلف الزمان ,فكل زمان له
ما يناسبه من السلحة ,وأسباب القوة الت ترهب العداء.
فالكم عام لعموم العلة ,فيجب على المة أن تتخذ من السلحة ,وأسباب القوة ما يرهب العداء
وييفهم ,كالرشاشات الصغية والكبية ,والدبابات ,والدرعات ,والطائرات ,والسفن الربية ,وجيع
السياسة الشرعية
290
السلحة البية ,والوية ,والبحرية ,وكذلك السلحة النووية ,والكيماوية ,والرثومية ,لا فيها من
إرهاب العداء ,وردعهم عن العدوان على السلمي بثل هذه السلحة وغيها ,وقد بي تعال ف قوله:
{ُت ْر ِهبُونَ ِبهِ عَ ْدوّ الّل ِه َوعَ ُدوّكُمْ وَآ َخرِينَ مِن دُوِنهِمْ لَ َت ْعلَمُوَنهُمُ الّلهُ َيعْلَ ُمهُمْ} أن هذا الرهاب موجه
إل أعداء ال وأعداء السلمي من الكفار ,وآخرين متفي غي ظاهرين ,وهم النافقون ,وليس موجها
للمسلمي ،كما ياول الصليبيون وعملؤهم الفترون أن يصوروه للناس ف وسائل إعلمهم لغرض صد
السلمي عن الهاد ف سبيل ال ونصرة الجاهدين ,وإرهابم بصطلح الرهاب.
والق أن المة مقصرة ف إعداد العدة الواجبة الت ترهب العداء ,فلو كانت المة مرهوبة من أعدائها,
لا استباحها الصليبيون واليهود وحلفاؤهم ،وتداعوا من كل صوب على ماربتها واقتسام أراضيها,
ونب نفطها وخياتا.
ت وَأَنزَلْنَا
ومن وسائل العداد الواجبة التصنيع العسكري ،وقد قال تعالَ{ :لقَدْ َأرْسَ ْلنَا رُسَُلنَا بِٱلْبَينَا ِ
س وَلَِيعْلَ َم ٱلّلهُ مَن سطِ وَأَنزْلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَ ْأسٌ شَدِي ٌد َومَنَافِعُ لِلنّا ِ ب وَٱلْمِيزَا َن لَِيقُومَ ٱلنّاسُ بِٱْلقِ ْ
َمعَهُمُ ٱلْكِتَا َ
حدِيدَ فِيهِ بَ ْأسٌ شَدِيدٌ} أي آلت يَنصُ ُر ُه َورُسَُلهُ بِٱْلغَْيبِ إِنّ ٱلّلهَ َق ِويّ َعزِيزٌ} ،فقوله تعال{ :وَأَنزْلْنَا ٱلْ َ
الرب والصناعات العسكرية بميع أنواعها الت تصنع من الديد ،وقوله تعالَ { :ومَنَافِعُ لِلنّاسِ} أي
ص ُرهُ َورُ ُسَلهُ سائر الصناعات النافعة من آلت وسيارات وأوان وغيها ،ث قال تعال{ :وَِلَيعْلَمَ ٱلّل ُه مَن يَن ُ
بِٱْلغَْيبِ} ،فأنزل ال تعال الكتاب والديد ابتلءً للعباد حت يتبي من ينصر ال تعال ورسله عليهم
الصلة والسلم بالكتاب الادي وبالسلح الذي ينصر ،فالكتاب يتضمن شرع ال والوامر والنواهي،
والهاد يقيم شرع ال تعال ف الرض وينصره ،ول تقوم دولة السلم إل بالكتاب والهاد ،وهذا ما
كان عليه نبينا صلى ال عليه وسلم وسار عليه صحابته رضي ال عنهم من بعده ،ومن أراد نصرة
السلم بغي هذا الطريق فقد ضل سواء السبيل.
ومن العداد الواجب العداد اليان والتربوي بدعوة السلمي إل التوبة والستقامة على طاعة ال
تعال ،فإن العاصي من أسباب الزية كما قال ال تعالَ{ :أوَ لَمّا َأصَاَبتْكُ ْم مّصِيبَ ٌة قَدْ َأصَبْتُمْ مْثلَْيهَا قُلُْتمْ
أَنّ ٰى َهـٰذَا قُ ْل ُه َو مِنْ عِندِ أَْنفُسِكُمْ إِ ّن ٱلّلهَ َعلَىٰ كُل شَ ْيءٍ قَدِيرٌ} كما يب تريض السلمي على
الهاد ،وطلب الستشهاد ف سبيل ال وتربيتهم على العزة والصب والقوة والشدة على الكفار ،كما قال
سكَ َوحَرضِ ٱلْ ُم ْؤمِِنيَ َعسَى ٱلّلهُ أَن يَكُفّ بَ ْأسَ ٱلّذِينَ تعالَ{ :فقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱلّلهِ َل تُكَلّفُ إِ ّل َنفْ َ
َك َفرُواْ وَٱلّلهُ َأشَدّ بَأْسا وََأشَدّ تَنكِيلً} ،وقال تعال {مّحَمّ ٌد رّسُولُ ٱلّل ِه وَٱلّذِي َن َم َعهُ أَ ِشدّآ ُء عَلَى ٱلْ ُكفّارِ
ضوَانا سِيمَاهُمْ فِي وُجُو ِههِمْ منْ أََثرِ ٱلسّجُودِ رُحَمَآءُ بَْيَنهُمْ َترَاهُ ْم رُكّعا ُسجّدا يَبَْتغُونَ َفضْلً منَ ٱلّلهِ َو ِر ْ
ى عَلَىٰ سُوِقهِ ج شَطَْأهُ فَآ َز َرهُ فَٱ ْسَتغَْلظَ فَٱسَْت َو ٰ ذَِلكَ مََثُلهُمْ فِي ٱلّت ْورَاةِ َومََثُلهُمْ فِي ٱلِنِيلِ َك َزرْعٍ أَ ْخرَ َ
ت مِْنهُم ّمغْ ِف َرةً وَأَجْرا عَظِيما}. ب ٱل ّزرّاعَ لَِيغِيظَ ِبهِمُ ٱلْ ُكفّا َر َوعَدَ ٱلّلهُ ٱلّذِي َن آمَنُواْ َوعَ ِملُوْا ٱلصّالِحَا ِج ُ ُيعْ ِ
السياسة الشرعية
291
ومن العداد الواجب العداد البدن والتدريب العسكري لكل مسلم بالغ قادر حت ،يتعلم السلم
س ْعتُ رسُولَ
لهَنّ ،رضي اللّه عَْنهُ ،قالِ :
الرماية وفنون القتال واستعمال السلحة ،فعن ُعقْبةُ ب ِن عا ِمرٍ ا ُ
ل َعلَْيهِ وسَلّم َو ُه َو عَلى الِنْبِ ،يقولُ" :وَأَ ِعدّوا لُم ما استَ َطعْتُم من ُقوّةٍ ،أل إ ّن ال ُقوّةَ ال ّرمْيُ،
صلّى ا ُ
الّلهِ َ
أل إنّ ال ُقوّ َة ال ّرمْيُ ،أل إنّ ال ُقوّةَ ال ّرمْيُ" رواه مسلم.
ل عََلْيهِ و َسلّم "منْ ُع ّلمَ ال ّرمْيَ ُثمّ
ل َهنّ ،رضي ال عنه قال :قَال رَسُو ُل الّل ِه صَلّى ا ُ
وعن عقبة بن عامر ا ُ
تر َكهَُ ،فلَيس مِنّا ،أ ْو فقَد عَصى" رواه مسلم.
وعن جابر بن عبد ال وجابر بن عمي وكانا يرميان فقال أحدها لصاحبه :سعت رسول ال صلى ال
عليه وسلم يقول "كل شيء ليس من ذكرال فهو لو ولعب إل أربع :ملعبة الرجل امرأ ته ،وتأديب
الرجل فرسه ،ومشيه بي الغرضي ،وتعليم الرجل السباحة" رواه النسائي .و" الغرضي" أي الدفي.
وقال صلى ال عليه وسلم "عليكم بالرمي فإنه خي أو من خي لعبكم" رواه البزار والطبان ف
الوسط وقال "فإنه من خي لعبكم".
وأخرج ابن أب شيبة بإسناده إل رافع بن سال الزان قال :مر عمر بن الطاب بنا فقال" :ارموا فإن
الرمي عدة وجلدة".
وقال بلل بن سعد رحه ال :أدركتهم يشتدون بي الغراض ويضحك بعضهم إل بعض فإذا كان
الليل كانوا رهبانا " أخرجه ابن مبارك ف الزهد وغيه.
وعن ابن عمر رضي ال تعال عنهما قال "سابق النب صلى ال عليه وسلم باليل الت قد أضمرت من
الفياء ،وكان أمدها ثنية الوداع ،وسابق بي اليل الت ل تضمر من الثنية إل مسجد بن زريق ،وكان
ابن عمر فيمن سابق" متفق عليه.
وعن عائشة رضي ال عنها أنا كانت مع النب صلى ال ف سفر قالت فسابقته فسبقته على رجلي فلما
حلت اللحم سابقته فسبقن فقال "هذه بتلك السبقة" رواه أبو داود وغيه.
وينبغي للحكومة السلمية أن توجه الرياضة إل تقيق القاصد الشرعية العالية كما قال صلى ال عليه
وسلم "إن ال كري يب الكرم ،ويب معال الخلق ،ويكره سفسافها" رواه الاكم وغيه ،فيب
رجال المة على أن الرياضة من وسائل إعداد الجاهدين ف سبيل ال الذين يملون رسالة السلم،
ويدافعون عن السلم والسلمي ،وليست كالرياضة ف الكومات الاهلية الت جعلتها أداة للهزل
واللعب والغفلة وإضاعة الموال والوقات.
فقد استخدم أعداء السلم اللعبي والفسدين من الغني والغنيات والمثلي والمثلت وغيهم،
كأداة لبعاد الناس عن التمسك بدينهم وإشغالم بالعاصي والوبقات وبتوافه المور وسفسافها،
السياسة الشرعية
292
ويروجون ف وسائل إعلمهم لؤلء الفسدين ويقدمونم للناس كأبطال ونوم وغيها من القوال
والوصاف الزخرفة الضللة ،لترسيخ العراض عن السلم والغفلة ف الجتمع ،وبذا يسب الطواغيت
وأعوانم أنم قد أمنوا حكمهم من الزوال ،وأن الموع الغافلة طيعة وسهلة النقياد لم.
والكومة السلمية ل يوز لا إضاعة الال العام ف الرياضة الت الغرض منها مرد اللعب وإضاعة
الوقات ،وإنا عليها أن توجه الرعية إل الرياضة النافعة الت ترب جيل جادا صالا ماهدا.
ومع التوجيه الصحيح للرياضة فل بأس أن يتخللها بعض اللعب الباح الذي تيل إليه بعض النفوس ول
يشغل عن طاعة ال تعال ول يصل به إضاعة للمال العام ،فإن هذا من السياسة الشرعية الت تراعي
تفاوت الناس ،وجاءت با فيه تسكينهم وبا يقربم من الصلح.
والكلم الذي تقدم عن الرياضة هو متعلق بسياسة الكومة السلمية ،وأما أفراد الرعية فمن مارس
منهم لعبا مباحا ول ينشغل به عن طاعة ال فل إنكار عليه.
وف هذا الفصل تذكر بعض الخلق والداب ف الهاد على سبيل الختصار.
و أولا :الحسان إل الكفار الذين ل يقاتلوا السلمي ف دينهم ول يرجوهم من ديارهم:
لقد نى ال تعال السلم عن مولة الكفار ومودتم فقال تعالَ{ :يـَۤأّيهَا ٱلّذِي َن آمَنُواْ لَ َتتّخِذُواْ ٱلَْيهُودَ
ض َومَن َيَتوَّلهُ ْم مّنكُمْ فَِإّنهُ مِْنهُمْ إِ ّن ٱلّلهَ لَ َيهْدِي ٱْل َقوْمَ
ضهُمْ َأوْلِيَآءُ َبعْ ٍ
وَٱلّنصَارَىٰ َأوْلِيَآءَ َب ْع ُ
ٱلظّالِ ِميَ}،فقوله تعالَ { :ومَن يََتوَّلهُ ْم مّنكُ ْم فَإِّن ُه مِْنهُمْ} أي كافر مثلهم :كالذين يعاونون الصليبي
ويظاهرونم على السلمي ف العراق أو أفغانستان أو غيها ،وقال تعالَ{ :ت َرىٰ َكثِيا مّْنهُ ْم يََتوَّلوْنَ
ب هُمْ خَاِلدُونَ .وََلوْ كَانُوا خطَ ٱلّلهُ َعلَْيهِ ْم وَفِي ٱْلعَذَا ِ سهُمْ أَن سَ ِ ٱلّذِينَ َك َفرُواْ َلبِْئسَ مَا قَ ّدمَتْ َلهُمْ أَنفُ ُ
ُي ْؤمِنُونَ بِال والنّبِ ّي َومَا أُْنزِلَ إَِلْيهِ مَا اتّخَذُوهُمْ َأوِْليَآءَ وََلـٰكِنّ َكثِيا مّْنهُ ْم فَا ِسقُونَ} ،فدلت اليتان على
انتفاء اليان عن الذين يوالون الكفار كالمريكان وغيهم ،فانتفاء الشرط يدل على انتفاء الشروط
وهو اليان.
وقال تعال ف تري مودتم {لّ َتجِدُ َقوْما ُي ْؤمِنُونَ بِٱلّلهِ وَٱْلَي ْومِ ٱل ِخرِ ُيوَآدّونَ مَنْ حَآدّ ٱلّل َه َورَسُوَلهُ وََلوْ
كَاُن ۤواْ آبَآ َءهُمْ َأوْ َأبْنَآ َءهُمْ َأوْ إِ ْخوَاَنهُمْ َأوْ َعشِيََتهُمْ ُأوَْلـِٰئكَ كََتبَ فِي قُلُوِبهِمُ ٱ ِليَا َن وَأَيّ َدهُ ْم ِبرُوحٍ مْنهُ
حِتهَا ٱلَْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا َرضِيَ ٱلّلهُ عَْنهُ ْم َو َرضُوْا عَْنهُ ُأوَْلـِٰئكَ ِح ْزبُ ٱلّلهِ جرِي مِن تَ ْ وَيُدْ ِخُلهُمْ جَنّاتٍ تَ ْ
أَلَ إِنّ ِح ْزبَ ٱلّلهِ هُمُ ٱلْ ُمفِْلحُونَ} ،وأجاز ال تعال للمسلم أن يسن إل الكفار من أقاربه أو غيهم
ويصلهم إذا ل يقاتلوا السلمي ف دينهم ول يرجوهم من ديارهم ،فقال تعال {لّ َيْنهَاكُمُ ٱلّل ُه عَنِ
السياسة الشرعية
293
ح ّ
ب خرِجُوكُ ْم مّن دِيَارِكُمْ أَن تََبرّوهُمْ َوُتقْسِ ُطوۤاْ إَِلْيهِمْ إِنّ ٱلّلهَ يُ ِ
ٱلّذِينَ لَ ْم ُيقَاِتلُوكُمْ فِي ٱلدّي ِن وََلمْ يُ ْ
ٱلْ ُمقْسِ ِطيَ} ،قال ابن جرير" :وأول القوال ف ذلك بالصواب قول من قال عن بذلك ل ينهاكم ال
عن الذين ل يقاتلوكم ف الدين من جيع أصناف اللل والديان أن تبوهم وتصلوهم وتقسطوا إليهم
لن ال عز وجل عم بقوله الذين ل يقاتلوكم ف الدين ول يرجوكم من دياركم جيع من كان ذلك
صفته فلم يصص به بعضا دون بعض ول معن لقول من قال ذلك منسوخ ،لن بر الؤمن من أهل
الرب من بينه وبينه قرابة نسب أو من ل قرابة بينه وبينه ولنسب غي مرم ول منهى عنه إذا ل يكن
ف ذلك دللة له أو لهل الرب على عورة لهل السلم أو تقوية لم بكراع أو سلح" ،)11وعن
هشام بن عروة عن أبيه عن أساء قالت :قدمت علي أمي وهي مشركةٌ ف عهد رسول ال صلى ال
عليه وسلم فاستفتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم قلت :قدمت علي أمي وهي راغبةٌ ،أفأصل أمي؟
قال" :نعم صلي أمك" متفق عليه ،وقال ابن القيم رحه ال" :فإن ال سبحانه لا نى ف أول السورة
عن اتاذ السلمي الكفار أولياء وقطع الودة بينهم وبينهم توهم بعضهم أن برهم والحسان إليهم من
الوالة والودة ،فبي ال سبحانه أن ذلك ليس من الوالة النهي عنها ،وأنه ل ينه عن ذلك ،بل هو من
2
الحسان الذي يبه ويرضاه ،وكتبه على كل شيء ،وإنا النهي عنه تول الكفار واللقاء إليهم بالودة"
.)1
شرِكَ بِي مَا لَْيسَ َلكَ ِبهِ ِعلْمٌ فَلَ وقال تعال ف بر السلم لبويه الكافرين{ :وَإِن جَاهَدَا َك عََلىٰ أَن تُ ْ
تُ ِط ْعهُمَا َوصَاحِْبهُمَا فِي ٱلدّْنيَا َمعْرُوفا وَٱتّبِ ْع سَبِي َل مَنْ َأنَابَ إِلَيّ ُثمّ إِلَ ّي َمرْ ِجعُكُمْ فَأَُنبّئُكُ ْم بِمَا كُنتُمْ
ل َعلَْيهِ وسَلّم قال" :بَيْنمَا رَجُ ٌل يَمْشِي
َتعْمَلُونَ} ،وعن أب هريرة رضي ال عنه أن رسول اللّه صَلّى ا ُ
ب يلهثُ َيأْكُلُ الّثرَى مِنَ
بطَري ٍق اشَْتدّ علَ ْيهِ اْلعَطشُ ،فَوجد بِئرا فَنَ َل فيها فَشَربَُ ،ث ّم خرج فإِذا ك ْل ٌ
ب مِنَ العطشِ مِثْ َل اّلذِي كَا َن َقدْ َبلَ َغ مِنّي ،فََنزَلَ الِْب ْئرَ فَملَ
اْلعَطَشِ ،فقال الرّجُلَُ :ل َقدْ بلَغَ َهذَا الْ َك ْل ُ
سقَى الْ َك ْلبَ ،فَشَ َكرَ ال ّلهُ لَه فَ َغ َفرَ لَه" .قَالُوا :يا رسو َل اللّه إِنّ َلنَا
ُخفّه مَاءً ُثمّ َأمْسَكَه بِفيهِ ،حتّى رقِيَ فَ َ
ف الَْبهَائِم أَجْرا َفقَالَ" :ف كُلّ كَِب ٍد رَطْبةٍ أَ ْجرٌ" متف ٌق عليه .والكبد الرطبة أي الية كاليوان ،ويدخل
ف عموم الديث الكافر الذمي والعاهد والسي كما قال تعال {وَيُ ْطعِمُونَ ٱل ّطعَامَ َعلَىٰ ُحّبهِ مِسْكِينا
وَيَتِيما وَأَسِيا}.
الثان :حكم قتل نساء الكفار الحاربي وأطفالم وشيوخهم:
( )1الغن.
السياسة الشرعية
296
نريده .ما نريد إل الدينة .فأخذوا منا عهد ال وميثاقه لننصرفن إل الدينة ول نقاتل معه .فأتينا رسول
ال صلى ال عليه وسلم فأخبناه الب .فقال "انصرفا .نفي بعهدهم ،ونستعي ال عليهم" رواه مسلم،
ل َعلَْيهِ وسَلّم قال" :أرْبع مِنْ
وعن عبدِ الّلهِ بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما ،أ ّن رسول اللّه صَلّى ا ُ
صلَة مِن النّفاقِ حَتّى َيدَ َعهَا:
ت فِيهِ َخ ْ
ت فِيه خَص َلةٌ مِ ْنهُنّ كاَن ْ
كُ ّن فِيهِ كَا َن مُنَافِقا خَالِصا .ومنْ كَاَن ْ
جرَ" متفقُ عليه ،وقَالَ الن ّ
ب صَلّى إذا اؤُتُمِنَ خَان ،وإذَا ح ّدثَ ك َذبَ ،وَإذا عَا َهدَ َغدَر ،وَإذا خَاصَم فَ َ
ل َعلَْيهِ وسَلّم" :لِكُلّ غَا ِدرٍ ِلوَاءٌ ي ْومَ القِيامةُِ ،يقَالُ :هذِهِ َغ ْدرَ ُة فُلنٍ" متف ٌق عليه ،وقال صلى ال عليه
اُ
وسلم "من أمن رجل على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل وإن كان القتول كافرا" رواه ابن حبان
والطبان واللفظ له.
والكفار إما أهل حرب ،وإما أهل عهد ،وأهل العهد ينقسمون إل ثلثة أقسام ،أهل هدنة ،وأهل أمان،
وأهل ذمة.
فأما أهل الدنة فهم الذين يقيمون ف دارهم وصالوا الدولة السلمية على وقف الرب إل أجل،
وهذه الصالة أو العاهدة ليست مؤبدة ،ول يقدم عليها المام إل إذا اقتضت الصلحة الشرعية ذلك
كما لو كان بالسلمي ضعف ،وأما ف حال القوة فل يوز للمام أن يقدم على الصالة ،وقد قال
تعالَ{ :فلَ َتهِنُوْا َوتَ ْد ُعوۤاْ إِلَى ٱلسّلْ ِم وَأَنتُ ُم ٱ َلعَْلوْ َن وَٱلّلهُ َمعَكُ ْم وَلَن َيِترَكُمْ َأعْمَالَكُمْ} ،قال المام ابن
كثي رحه ال" :أي ل تضعفوا عن العداء {وَتَ ْد ُع ۤواْ إِلَى ٱلسّلْمِ} أي الهادنة والسالة ووضع القتال
بينكم وبي الكفار ف حال قوتكم وكثرة عددكم وعددكم ...،ولذا قالَ{ :فلَ َتهِنُوْا َوتَ ْد ُعوۤاْ إِلَى
ٱلسّلْ ِم وَأَنتُ ُم ٱ ّلعَْلوْنَ} أي ف حال علوكم على عدوكم ...فأما إذا كان الكفار فيهم قوة وكثرة
بالنسبة إل جيع السلمي ،ورأى المام ف الهادنة ،والعاهدة مصلحة فله أن يفعل ذلك ،كما فعل
رسول ال صلى ال عليه وسلم حي صده كفار قريش عن مكة ودعوه إل الصلح ،ووضع الرب بينهم
وبينه عشر سني فأجابم صلى ال عليه وسلم إل ذلك".)11
وأما أهل المان فهم الذين يعطون المان ،ليدخلوا دولة السلم دون أن يسـتوطنوا
فيها :كالرسل ،والتجار ،ومن له غرض من زيارة قريب أو نوها ،ومن يعرض عليه السلم والقرآن
لمَ ٱلّلهِ ثُمّ َأبِْل ْغهُ مَ ْأمََن ُه ذِٰلكَ
ي ٱسْتَجَارَ َك فَأَ ِج ْرهُ حَتّ ٰى يَسْمَعَ كَ َ
شرِ ِك َ
كما قال تعال{ :وَإِنْ أَحَدٌ منَ ٱلْمُ ْ
بَِأّنهُمْ َق ْومٌ ّل َيعْلَمُونَ}.
وأما أهل الذمة فهم القيمون ف دولة السلم ،وتري عليهم أحكام السلم ،وتؤخذ منهم الزية ،كما
قال تعال{ :قَاتِلُواْ ٱلّذِينَ لَ ُي ْؤمِنُونَ بِٱلّلهِ وَ َل بِٱلَْي ْومِ ٱل ِخرِ وَ َل يُحَرمُونَ مَا َح ّرمَ ٱلّلهُ َورَسُوُل ُه وَلَ يَدِينُونَ
إذا امتنعت طائفة تنتسب إل السلم عن شعية من شعائر السلم الظاهرة :كالصلة أو الزكاة أو
صيام رمضان أو الج أو الهاد ف سبيل ال أوغيها من الشعائر ،فإنا تقاتل حت يكون الدين كله ل،
وقد قال تعال{ :وَقَاتِلُوهُمْ َحتّىٰ لَ َتكُونَ فِْتنَ ٌة وَيَكُو َن الدينُ كُّلهُ ل} ،وقد قاتل الصحابة رضي ال
عنهم من امتنعوا عن أداء الزكاة كما ف حديث أب هريرة رضي ال عنه قال :لا توف رسول ال صلى
ال عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده ،وكفر من كفر من العرب ،قال عمر بن الطاب لب بكر:
كيف تقاتل الناس ،وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :أمرت أن أقاتل الناس حت يقولوا :ل
إله إل ال .فمن قال :ل إله إل ال فقد عصم من ماله ونفسه إل بقه .وحسابه على ال" .فقال أبو
بكر :وال لقاتلن من فرق بي الصلة والزكاة فإن الزكاة حق الال .وال لو منعون عقال كانوا يؤدونه
إل رسول ال صلى ال عليه وسلم لقاتلتهم على منعه .فقال عمر بن الطاب :فوال ما هو إل أن رأيت
ال عز وجل قد شرح صدر أب بكر للقتال .فعرفت أنه الق" رواه البخاري ومسلم ،وأمر النب صلى
ال عليه وسلم بقتال الوارج ،ففي الصحيحي عن سويد بن غفلة .قال :قال علي :إذا حدثتكم عن
رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فلن أخرّ من السماء أحبّ إل من أن أقول عليه ما ل يقل .وإذا
حدثتكم فيما بين وبينكم فإن الرب خدعة .سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول" :سيخرج
ف آخر الزمان قوم أحداث السنان ،سفهاء الحلم ،يقولون من خي قول البية .يقرؤون القرآن ل
ياوز حناجرهم .يرقون من الدين كما يرق السهم من الرمية .فإذا لقيتموهم فاقتلوهم .فإن ف
قتلهم أجرا ،لن قتلهم ،عند ال يوم القيامة".
وعن زيد بن وهب الهن؛ أنه كان ف اليش الذين كانوا مع علي رضي ال عنه .الذين ساروا إل
الوارج .فقال علي رضي ال عنه :أيها الناس إن سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول" :يرج
قوم من أمت يقرؤون القرآن .ليس قراءتكم إل قراءتم بشيء .ول صلتكم إل صلتم بشيء .ول
صيامكم إل صيامهم بشيء .يقرؤون القرآن .يسبون أنه لم وهو عليهم .ل تاوز صلتم تراقيهم.
يرقون من السلم كما يرق السهم من الرمية" .لو يعلم اليش الذي يصيبونم ،ما قضي لم على
لسان نبيهم صلى ال عليه وسلم ،لتكلوا عن العمل .وآية ذلك أن فيهم رجل له عضد ،وليس له
السياسة الشرعية
300
ذراع .على رأس عضده مثل حلمة الثدي .عليه شعرات بيض .فتذهبون إل معاوية وأهل الشام
وتتركون هؤلء يلفونكم ف ذراريكم وأموالكم وال إن لرجو أن يكونوا هؤلء القوم .فإنم قد
سفكوا الدم الرام .وأغاروا ف سرح الناس .فسيوا على اسم ال .قال سلمة بن كهيل :فنلن زيد بن
وهب منل .حت قال :مررنا على قنطرة .فلما التقينا وعلى الوارج يومئذ عبدال بن وهب الراسب.
فقال لم :ألقوا الرماح .وسلوا سيوفكم من جفونا فإن أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم
حروراء .فرجعوا فوحّشوا برماحهم .وسلوا السيوف .وشجرهم الناس برماحهم .قال :وقتل بعضهم
على بعض .وما أصيب من الناس يومئذ إل رجلن .فقال علي رضي ال عنه :التمسوا فيهم الخدج.
فالتمسوه فلم يدوه .فقام علي رضي ال عنه بنفسه حت أتى ناسا قد قتل بعضهم على بعض .قال:
أخّروهم .فوجدوه ما يلي الرض .فكّب .ث قال :صدق ال .وبلّغ رسوله .قال :فقام إليه عبيدة
السلمان .فقال :يا أمي الؤمني أل الذي ل إله إل هو لسمعت هذا الديث من رسول ال صلى ال
عليه وسلم فقال :إي .وال الذي ل إله إل هو حت استحلفه ثلثا .وهو يلف له ".رواه مسلم ،وقال
شيخ السلم ابن تيمية رحه ال" :كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع السلم الظاهرة التواترة
فإنه يب قتالا باتفاق أئمة السلمي ،وإن تكلمت بالشهادتي ،فإذا أقروا بالشهادتي وامتنعوا على
الصلوات المس وجب قتالم حت يصلوا ،وإن امتنعوا عن الزكاة وجب قتالم حت يؤدوا الزكاة،
وكذلك إن امتنعوا عن صيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق ،وكذلك إن امتنعوا عن تري الفواحش
أو الزنا أو اليسر أو المر أو غي ذلك من مرمات الشريعة ،وكذلك إن امتنعوا عن الكم ف الدماء
والموال والعراض والبضاع ونوها بكم الكتاب والسنة ،وكذلك إن امتنعوا عن المر بالعروف
والنهي عن النكر وجهاد الكفار إل أن يسلموا ويؤدوا الزية عن يد وهم صاغرون ،وكذلك إن
أظهروا البدع الخالفة للكتاب والسنة واتباع سلف المة وأئمتها مثل أن يظهروا اللاد ف أساء ال
وآياته أو التكذبب بأساء ال وصفاته أو التكذيب بقدره وقضائه أو التكذيب با كان عليه جاعة
السلمي على عهد اللفاء الراشدين ،أو الطعن ف السابقي الولي من الهاجرين والنصار والذين
اتبعوهم بإحسان ،أو مقاتلة السلمي حت يدخلوا ف طاعتهم الت توجب الروج عن شريعة السلم
وأمثال هذه المور قال ال تعال{ :وَقَاتِلُوهُمْ َحتّى لَ َتكُونَ فِْتنَ ٌة وَيَكُو َن الدّينُ كُّلهُ لِلّه} فإذا كان بعض
الدين ل وبعضه لغي ال وجب القتال حت يكون الدين كله ل".))1
تتحاكم الكومة السلمية ف جيع سياساتا إل كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم ,ومن
ذلك السياسة الارجية للدولة السلمية ,وف هذا الباب تذكر بعض العال الساسية ف السياسة
الارجية للدولة السلمية.
الباحات:
ل يوز للولة أن يرموا على الناس ما أحل ال تعال أو يلوا لم ما حرم ال تعال ،فإن التحري
والتحليل من خصائص اللوهية ,فمن ادعاه لنفسه فقد جعلها طاغوتا وندا ل تعال وقد قال تعال:
{ٱتّخَ ُذ ۤواْ أَحْبَا َرهُمْ َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابا من دُونِ ٱلّلهِ}.
وقال تعال{ :إِنّمَا ٱلنّسِ ۤيءُ ِزيَا َدةٌ فِي ٱلْ ُك ْفرِ ُيضَلّ ِبهِ ٱلّذِينَ َك َفرُوْا يُحِلّوَنهُ عَاما وَُيحَرمُوَن ُه عَاما لُيوَاطِئُواْ
عِ ّدةَ مَا َح ّرمَ ٱلّلهُ فَُيحِلّواْ مَا َحرّمَ ٱلّل ُه زُينَ َلهُمْ ُس ۤوءُ َأعْمَاِلهِ ْم وَٱلّلهُ لَ َيهْدِي ٱْلقَ ْومَ ٱلْكَاِفرِينَ}.
ج مّ َن ٱلضّأْنِ ٱثَْنيْ ِن َومِنَ ٱلْ َم ْعزِ ٱثَْنيْنِ قُ ْل ءَآلذّ َكرَيْنِ َح ّرمَ َأمِ ٱلُنثََييْنِ َأمّا ٱشْتَمََلتْ وقال تعال{ :ثَمَانَِيةَ َأ ْزوَا ٍ
عََلْيهِ َأرْحَا ُم ٱلُنثَيَْينِ نَبئُونِي ِب ِعلْمٍ إِن كُنتُ ْم صَادِِقيََ .ومِنَ ٱلِبْلِ ٱْثنَيْ ِن َومِنَ ٱلَْب َقرِ ٱْثنَيْ ِن قُ ْل ءَآلذّ َكرَيْنِ َح ّرمَ
َأمِ ٱلُْنثََييْنِ َأمّا ٱشْتَ َمَلتْ َعلَْيهِ َأرْحَامُ ٱ ُلنْثََييْنِ َأمْ كُنُتمْ ُشهَدَآءَ ِإ ْذ َوصّاكُمُ ٱلّلهُ ِب َهـٰذَا فَمَنْ أَ ْظلَ ُم مِمّنِ
ٱفَْت َرىٰ َعلَى ٱلّلهِ كَذِبا لُِيضِلّ ٱلنّاسَ ِبغَْي ِر عِلْمٍ إِ ّن ٱلّلهَ َل َيهْدِي ٱْل َقوْمَ ٱلظّالِ ِميَ}.
شهَدْ َم َعهُ ْم وَلَ شهَدُونَ أَنّ ٱلّلهَ َح ّرمَ َهـٰذَا فَإِن َشهِدُوْا فَلَ َت ْ وقال تعال{ :قُ ْل هَُلمّ ُشهَدَآءَكُمُ ٱلّذِي َن يَ ْ
َتتّبِعْ َأ ْهوَآءَ ٱلّذِينَ كَذّبُوْا بِآيَاتِنَا وَٱلّذِينَ لَ ُي ْؤمِنُونَ بِٱل ِخ َر ِة َوهُم ِب َربِمْ َيعْدِلُونَ}.
وقال تعال{ :فَ ُكلُوْا مِمّا َرزَقَكُمُ ٱلّلهُ حَللً طَيبا وَٱشْ ُكرُواْ ِنعْ َمةَ ٱلّلهِ إِن كُنْتُمْ ِإيّاهُ َتعْبُدُونَ .إِنّمَا َح ّرمَ
غ وَلَ عَا ٍد فَإِنّ ٱلّلهَ َغفُورٌ عََليْكُمُ ٱلْمَيَْت َة وَٱلْ ّدمَ وََلحْمَ ٱلْخَْنزِي ِر َومَآ ُأهِلّ ِلغَْيرِ ٱلّلهِ ِبهِ فَمَ ِن ٱضْ ُطرّ غَْيرَ بَا ٍ
ب َهـٰذَا حَلَ ٌل َو َهـٰذَا َحرَامٌ لَتفَْترُوْا َعلَىٰ ٱلّلهِ ٱلْ َك ِذبَ إِنّ رّحِيمٌ .وَلَ َتقُولُواْ لِمَا َتصِفُ َألْسَِنتُكُمُ ٱلْكَ ِذ َ
ٱلّذِي َن َيفَْترُونَ َعلَىٰ ٱلّلهِ ٱلْ َك ِذبَ َل ُيفْلِحُونَ .مَتَاعٌ قَلِي ٌل وََلهُ ْم عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
وهناك حالت أجازت الشريعة السلمية تدخل الكومة فيها بالنع من مباح أو اللزام به لتحقيق
مصلحة شرعية ،فهو منع أو إلزام بكم شرعي وليس بسب أهواء الناس ,وقد جاء ف مذكرة النصيحة
ذكر هذه الالت " .
الالة الول :أن يكون الباح مؤديا إل ضرر أو إل حرام ،فللدولة أو المام التدخل ف هذه الالة لنع
حصول الضرر والحرم ،وذلك نو منع من كان مريضا باليدز أو الذام العدي -عياذا بال -من
السياسة الشرعية
312
الزواج لنع نقل العدوى ،ونو منع من كف أو ضعف بصره من قيادة الركبات ف الطرق للضر
الاصل .وهذه القاعدة ثابتة بأحاديث منع الضرر والضرار وقاعدة منع مايوصل إل حرام نو النع من
سب آلة الشركي إذا ظن أنم يسبون ال عدوا بغي علم ،ونو منع الرسول عليه الصلة والسلم ف
أول المر السلمي من ادخار لوم الضاحي فوق ثلث لضرر الجاعة ،ونو فعل عثمان رضي ال عنه
باللزام بالصحف المام بلهجة قريش عند خشية الحرم من فرقة السلمي وفتنتهم ف المصار إذا ل
يفعل ذلك ،ونو منع عمر رضي ال عنه بعض الصحابة من الروج من الدينة للضرر الاصل بذهاب
أهل الفقه والجتهاد الذين يرجع إليهم ف النوازل ومعضلت المور من قاعدة السلم .وموضوع
الضرر أو الحرم هذا أمر يكن أدراكه والتحقق من واقعه وليس أمرا مبهما كالصلحة العامة ،ولذا إذا
تدخلت الدولة لنع أمر مباح أصلً بجة الضرر أو حصول الحرم ،فإن عليها إثبات الدليل على وجود
الضرر أو الرام حت يكون عملها وفق الشرع ف ذلك.
الالة الثانية :أن يكون أمر الباح متعلقا بشؤون الدولة الاصة با كشؤون جيشها وموظفيها ونوه
فلها حينئذ اللزام والنع لن يتعلق به ذلك من موظفيها وجنودها لتحقيق مقصد شرعي وذلك كإلزام
موظفي الدولة بدوام مصوص ...ومن هذا الباب كان عمر رضي ال عنه يقاسم عماله أموالم
ويشترط عليهم ف ذلك ،ومنع عماله من وضع أبواب أو حجب مغلقة دون رعيتهم …
الالة الثالثة :تنظيم الرافق والموال العامة ،حيث ثبت بالسنة أن ما كان من مرافق السلمي يشتركون
فيه نو الاء والكل والنار والطرق العامة ،وما كان من الموال العامة كالفيء فإن تنظيمه متروك للدولة
لتحقيق القصد الشرعي بعدم اختصاص أحد به دون أحد ،ولا عندئذ اللزام أو النع من بعض أفراد
الباح على هذا الوجه الشرعي .حيث أن النب عليه الصلة والسلم حى النقيع ،واسترجع إقطاع أبيض
بن حال لنجم اللح لاجة الناس إليه ،ووزع أبوبكر رضي ال عنه أموال الفيء بالتساوي بي الناس،
بينما وزعها عمر رضي ال عنه بسب السبقية ف السلم ،وأمر الرسول عليه الصلة والسلم بعل
الطريق سبعة أذرع لتنظيم السي فيه ،وقضى بكمه ف السيل بأن يُرسٍل العلى على السفل ،وحى
عمر رضي ال عنه الشرف والربذة..إل غي ذلك من أمثلة تدل على أن للمام أو الدولة التدخل لتنظيم
الرافق والموال العامة الت يشترك فيها السلمون لتحقيق مقصد شرعي.
الالة الرابعة :تنفيذ فروض الكفاية النوطة بالدولة ،حيث جعل الشرع تنفيذ بعض فروع الكفاية منوطا
بالدولة كجمع الزكاة والهاد ونو ذلك .فللدولة حينئذ وضع تنظيم إجرائي لتنفيذ هذه الفروض
الناطة با ،ومن ذلك أن عثمان رضي ال عنه كان يدد شهرا معينا لمع الزكاة كما ورد ف الوطأ.
ومن هذا العرض للشواهد الشرعية الت تبي الحوال الخصوصة الت أذن الشارع للدولة بالتدخل فيها
بالنع أو باللزام من بعض أفراد الباح بدف تقيق مقصود شرعي يظهر جليا أن الصل ف غي هذه
السياسة الشرعية
313
الحوال أن ليس للدولة تري الباح والنع منه ،أو إيابه ،أوقصر فعله على من حصل على ترخيص
منها ،لن الباحة حكم من خالق العباد وربم تعال ،ومت ثبت بالدليل الشرعي إباحة الفعل فليس
لخلوق النع أو اللزام به على وجه الطلق ،كمايدل على ذلك حديث عدي بن حات ف تفسي قوله
تعال{ :اتّخَذُواْ أَحْبَا َرهُمْ َو ُرهْبَاَنهُمْ َأرْبَابا مّن دُونِ الّلهِ }....الية.
السياسة الشرعية
314
باب :الشرطة
جيع الوليات ومنها ولية الشرطة القصود منها المر بالعروف والنهي عن النكر ،وإقامة دين ال ف
ف وََن َهوْاْ
الرض ،قال تعال{ :ٱلّذِينَ إِ ْن مّكّنّاهُ ْم فِي ٱ َل ْرضِ َأقَامُوْا ٱلصّلَ َة وَآَتوُْا ٱلزّكَاةَ وََأ َمرُواْ بِٱلْ َم ْعرُو ِ
عَنِ ٱلْمُنْ َك ِر وَلِّل ِه عَاِقبَ ُة ٱ ُلمُورِ} ،وفال شيخ السلم ابن تيمية رحه ال "وجيع الوليات السلمية إنا
مقصودها المر بالعروف والنهى عن النكر سواء ف ذلك ولية الرب الكبى مثل نيابة السلطنة
والصغرى مثل ولية الشرطة وولية الكم أو ولية الال وهى ولية الدواوين الالية وولية السبة"،)11
فمن واجبات الشرطة المر بالعروف والنهي عن النكر،وحفظ أمن البلد والعباد،والخذ على أيدي
الناة والعتدين،وإقامة الدود وتنفيذ أحكام القضاء ،وتنظيم الناس وكفهم عن التزاحم والفوضى
والتعدي ف مالس القضاء ،وحراسة المراء،وغيها من العمال الت يتول المام أو من ينوبه تفصيلها
وتبيينها لم ،وما يصهم من عمل دون غيهم من أصحاب الوليات الخرى.
وهذا التفصيل ف اختصاصهم من العمال ،وتنظيم أعمالم الدارية يتول تبيينها وتنظيمها لم ولة
المر ف نطاق الشريعة السلمية قواعدها وأصولا العامة ،فعن أنس"أن قيس بن سعد كان يكون بي
يدي النب صلى ال عليه وسلم بنلة صاحب الشرط من المي" رواه البخاري ،وذكره ابن حبان ف
باب ذكر احتراز الصطفى صلى ال عليه وسلم من الشركي ف ملسه إذا دخلوا عليه.
وعن حنيش بن العتمر أن عليا رضي ال عنه بعث صاحب شرطة فقال" :أبعثك لا بعثن له رسول ال
صلى ال عليه وسلم :ل تدع قبا إل سويته ،ول تثال إل وضعته" رواه أحد.
وعن أب وائل عن ابن مُعيز السعدي قال :خرجت أسقي فرسا ل ف السحر فمررت بسجد بن حنيفة،
وهم يقولون .إن مسيلمة رسول ال ،فأتيت عبد ال فأخبته فبعث الشرطة فجاؤوا بم فاستتابم فتابوا،
فخلى سبيلهم ،وضرب عنق عبد ال بن النواحة فقالوا :أخذت قوما ف أمر واحد فقتلت بعضهم
وتركت بعضهم ،قال :إن سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم وقدم عليه هذا وابن أثال بن حجر
فقال" :أتشهدان أن رسول ال" فقال :نشهد أن مسيلمة رسول ال .فقال النب صلى ال عليه وسلم:
"آمنت بال ورسله ولو كنت قاتل وفدا لقتلتكما" قال فلذلك قتلته" رواه أحد.
وأخرج ابن أب شيبة ف مصنفه عن عقبة بن حريث قال" سعت ابن عمر وجاء رجل قاص وجلس ف
ملسه فقال ابن عمر قم من ملسنا فأب أن يقوم فأرسل ابن عمر إل صاحب الشرط أقم القاص فبعث
إليه فأقامه".
إن بناء الدولة السلمية وتثبيت أركانا ليحكم السلم ف جيع شؤونا ،يتطلب جهودا كبية ,وأعمال
منظمة لكي تبسط الكومة قوتا على جيع البلد وتكم السيطرة الكاملة عليها ،وتول دون أي نوع
من النفلت والفوضى الت اعتادها البعض ف أثناء الرب.
وف هذا الباب بعض العال الهمة الت تب العناية با ف هذه الرحلة التأسيسية للدولة.
من القاصد العظيمة الت جاءت با الشريعة السلمية الحسان إل الناس ،وبذل الصدقات والوقاف
والعروف بأنواعه إليهم ،وتقدي العون والدمات لم ،وتفريج كربم ،وقضاء حوائجهم ،وكف الذى
عنهم ،وقد دل على هذا الصل نصوص الكتاب والسنة ،فقال تعال{ :وَإِّنكَ َلعََلىٰ خُلُ ٍق عَظِيمٍ}،وقال
ت وَٱ َل ْرضُ ُأعِ ّدتْ لِ ْلمُّت ِقيَ .ٱلّذِي َن يُن ِفقُونَ ضهَا ٱلسّمَاوَا ُ تعال{ :وَسَا ِر ُعوۤاْ ِإلَ ٰى َمغْ ِف َرةٍ من رّبكُ ْم َوجَنّ ٍة َع ْر ُ
سِنيَ}،وقال تعالَ{ :أرَأَْيتَ حبّ ٱلْمُحْ ِ س وَٱلّلهُ يُ ِي عَنِ ٱلنّا ِ ضرّآءِ وَٱلْكَاظِ ِميَ ٱْلغَْيظَ وَٱْلعَاِف َ سرّآءِ وَٱل ّ فِي ال ّ
ض عَلَىٰ َطعَامِ ٱلْمِسْ ِكيِ} ،وقال تعال{ :كَلّ بَل ح ّ ٱلّذِي ُيكَذبُ بِٱلدينِ .فَذَِلكَ ٱلّذِي يَدُعّ ٱْليَتِيمَ .وَلَ يَ ُ
س ِكيِ .وَتَأْكُلُونَ ٱلّترَاثَ أَ ْكلً لّمّاَ .وتُحِبّونَ ٱلْمَا َل حُبّا لّ تُ ْك ِرمُونَ ٱْليَتِيمَ .وَلَ َتحَاضّونَ َعلَىٰ َطعَامِ ٱلْمِ ْ
سغََبةٍ.ك رََقبَةٍَ .أوْ إِ ْطعَامٌ فِي َي ْومٍ ذِي مَ ْ جَمّا} ،وقال تعالَ{ :فلَ ٱقتَحَمَ ٱْل َعقَبَةََ .ومَآ َأ ْدرَا َك مَا ٱْل َعقَبَةَُ .ف ّ
صوْْا بِٱلْ َمرْحَ َمةِ. صوْْا بِٱلصّْب ِر وََتوَا َ
َيتِيما ذَا َم ْقرَبَةٍَ .أ ْو مِسْكِينا ذَا مَْترََبةٍ .ثُمّ كَا َن مِنَ ٱلّذِي َن آمَنُوْا وََتوَا َ
ُأوَْلـِٰئكَ َأصْحَابُ ٱلْ َميْمََنةِ} ،وقال تعال{ :فََأمّا ٱلَْيتِي َم فَلَ َت ْق َهرْ .وََأمّا ٱلسّآئِ َل فَلَ َتْن َهرْ} ،وقال تعال:
{َفمَن َيعْمَ ْل مِْثقَا َل َذ ّرةٍ َخيْرا َي َرهَُ .ومَن َيعْمَلْ مِْثقَا َل َذ ّرةٍ َشرّا َي َرهُ} ،وقال تعال{ :لّْيسَ اْلِبرّ أَن ُتوَلّواْ
ب وَالنِّبّييَ ق وَالْ َم ْغ ِربِ وَلَـكِ ّن الِْب ّر مَ ْن آمَنَ بِالّلهِ وَالَْي ْومِ ال ِخ ِر وَالْمَلئِ َك ِة وَاْلكِتَا ِ شرِ ِوُجُوهَكُمْ ِقبَلَ اْلمَ ْ
ب وَأَقَامَ الصّلةَ ي وَفِي الرّقَا ِ وَآتَى الْمَا َل عَلَى حُّبهِ َذوِي اْل ُقرْبَى وَالَْيتَامَى وَالْمَسَا ِكيَ وَابْ َن السّبِي ِل وَالسّآئِِل َ
ضرّا ِء وَ ِحيَ اْلبَ ْأسِ أُولَـِئكَ الّذِينَ وَآتَى الزّكَا َة وَالْمُوفُونَ ِب َعهْ ِدهِمْ ِإذَا عَاهَدُوْا وَالصّاِبرِي َن فِي اْلبَأْسَآءِ وال ّ
شرِكُواْ ِبهِ شَيْئا وَبِٱْلوَالِدَْينِ إِحْسَانا ك هُمُ الْمُّتقُونَ} ،وقال تعال{ :وَٱعْبُدُواْ ٱلّل َه وَلَ ُت ْ صَدَقُوآ وَأُولَـِئ َ
ب وَٱبْنِ ٱلسّبِيلِ جُنبِ وَٱلصّا ِحبِ بِٱلَْن ِ وَبِذِي ٱْل ُقرْبَ ٰى وَٱلَْيتَامَ ٰى وَٱلْمَسَا ِكيِ وَٱلْجَارِ ذِي ٱْل ُقرْبَ ٰى وَٱلْجَارِ ٱلْ ُ
ب مَن كَا َن مُخْتَالً َفخُورا} ،وقال تعال{ :إِنّ ٱلّلهَ يَ ْأ ُمرُ بِٱْلعَدْلِ ح ّ َومَا مََل َكتْ َأيْمَاُنكُمْ إِنّ ٱلّلهَ َل يُ ِ
وَٱلحْسَا ِن وَإِيتَآءِ ذِي ٱْلقُرْبَ ٰى َويَْنهَ ٰى عَنِ ٱْلفَحْشَا ِء وَٱلْمُنْ َك ِر وَٱلَْبغْيِ َيعِظُكُمْ َلعَلّ ُكمْ تَذَ ّكرُونَ} ،قال ابن
عبد الب رحه ال" :وقد قالت العلماء إن أجع آية للب والفضل ومكارم الخلق قوله عز وجل{ :إِنّ
ٱلّلهَ يَ ْأ ُمرُ بِٱْلعَدْ ِل وَٱلحْسَا ِن وَإِيتَآءِ ذِي ٱْلقُرْبَ ٰى َويَْنهَ ٰى عَنِ ٱْلفَحْشَا ِء وَٱلْمُنْ َك ِر وَٱلَْبغْيِ َيعِظُكُمْ َلعَلّكُمْ
تَذَ ّكرُونَ}" ،)11وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :كل معروف صدقة" رواه البخاري ومسلم،
والديث عام ف كل أنواع العروف والحسان،وعن أب هريرة رضي ال عنه قال قال رسول ال صلى
ال غليه وسلم" :إنا بعثت لتم صال الخلق" رواه أحد وغيه ،وبذل العروف والحسان إل اللق
)1التمهيد. 1
السياسة الشرعية
338
ل َعلَْيهِ وسَلّم:
صلّى ا ُ
من صال الخلق ،وعن الّنعْمَانِ ب ِن بشِيٍ رضي اللّه عنهما قال :قال رسولُ اللّه َ
ضوٌ تَداعَى لهُ ساِئرُ
سدِِ ،إذَا اشْتَكَى مِ ْنهُ ُع ْ
ي فِي َتوَا ّد ِهمْ وَترَاحُ ِم ِهمْ وتَعا ُطفِ ِهمْ ،مَثَ ُل الْجَ َ
"مثَ ُل الْ ُم ْؤمِنِ َ
الْجسدِ بالس َهرِ والْحُمّى" متفقٌ عليه ،وعن أب أمامة رضي ال عنه قال قال رسول ال صلى ال عليه
وسلم" :صنائع العروف تقي مصارع السوء ،وصدقة السر تطفىء غضب الرب ،وصلة الرحم تزيد
ف العمر" رواه الطبان ف الكبي ،والصنائع جع صنيعة وهي ما اصطنعته من خي ،وعن أَبِي هريرة
لمَى مِنَ النّاسِ علَ ْيهِ صدَقةٌ كُلّ َي ْومٍ
ل عَلَْيهِ و َسلّم" :كُلّ سُ َ
رضي اللّه عنه قال :قال رسُولُ اللّه صَلّى ا ُ
تَ ْطلُ ُع فيه الشّ ْمسُ :تعدِلُ بيْن الثَْنيْنِ ص َد َقةٌ ،وُتعِيُ الرّ ُجلَ ف دابِّتهِ ،فَتحْ ِم ُلهُ َعلَ ْيهَا ،أوْ ت ْرفَعُ َلهُ علَ ْيهَا
ط الذَى عَن
لةِ صد َقةٌ ،وَتُمي ُ
متَاعَ ُه صدقةٌ ،والكلمةُ الطّيّبةُ صدَقةٌ ،وبِكُلّ َخ ْطوَ ٍة تْشِيها إل الصّ َ
صدَقةٌ" متفق عليه ،ورواه مسلم أيضا من رواية عائشة رضي اللّه عنها قالت :قال رسُول اللّه
الطرِيق َ
ي وثلثاَئةِ َم ْفصِلٍ ،فَمنْ َكبّر اللّه،
ل عَلَْيهِ و َسلّم" :إّنهُ ُخلِقَ كُ ّل إنْسا ٍن مِنْ بن آدم علَى سِتّ َ
صَلّى ا ُ
ح اللّه واسَت ْغفَر اللّه ،وعَزلَ حَجرا ع ْن َطرِيقِ النّاسِ أوْ َشوْ َكةً أوْ عظْما
حدَ اللّهَ ،و َهلّ َل اللّه ،وسبّ َ
وِ
ي والثّلَثائةَ ،فإِّنهُ يُمْسي َيوْمِئ ٍذ َوقَد
عن َطرِيقِ النّاسِ ،أ ْو أمر بعرُوفٍ أوْ نى ع ْن مُنْ َكرٍ ،عَددَ السّتّ َ
سهُ عنِ النّارِ" ،وعن أَبِي ذ ّر رضي اللّه عنه أيضا أنّ رسُو َل الّل ِه صَلّى ا ُ
ل عََلْيهِ و َسلّم قال: زَحزحَ نفْ َ
لمَى مِنْ َأ َحدِ ُكمْ صدقَةٌ ،فَكُلٌ تَسِبيْحةٍ صَدقةٌ ،وكُلّ ْتمِيدَةٍ صد َقةٌ ،وكُ ّل ْتلِي َلةٍ
"ُيصْبِحُ على كلّ سُ َ
ئ مِنْ ذَلكَ
جزِ ُ
ص َدقَةٌ ،وأمْ ٌر بالعْرُوفِ صدقَةٌ ،وَنهْيٌ عَنِ ا ُلنْ َكرِ صدقَةٌ .ويُ ْ
صدَقةٌ ،وكلّ تَكْبِي ٍة َ
َ
رَكعَتَانِ يرْ َك ُعهُما مِنَ الضّحى" رواه مسلم ،وعنه :أ ّن ناسا قالوا :يا رسُولَ الّلهَِ ،ذهَب أهْ ُل الدّثُور
بالجُورُِ ،يصَلّونَ كَمَا ُنصَلّى ،وََيصُومُونَ كَمَا َنصُومُ ،وََيَتصَدّقُونَ َب ُفضُولِ أ ْموَالِمْ قال" :أوَ َليْس َقدْ
حةٍ صَدقَةً ،وكُ ّل تَكبِيةٍ صدقة ،وكلّ َتحْمِيد ٍة صدقةً ،وكلّ
َجعَلَ لَ ُك ْم مَا َتصَ ّدقُونَ ِبهِ :إ ّن بِكُلّ تَسْبِي َ
ف صدقةٌ ،وَنهْىٌ ع ِن الُنْكر صدقةٌ وف ُبضْعِ أحدِ ُك ْم صدقةٌ" قالوا :يا
ِت ْهلِي َلةٍ صَدقَةً ،وأم ٌر بال ْعرُو ِ
رسولَ الّلهِ أيأت أحدُنَا َش ْهوَتَه ،ويكُونُ لَه فيها أجْر ،قال" :أرأيُْتمْ لو وضَعهَا ف حرامٍ أَكَا َن عليهِ ِو ْزرٌ
فكذلكَ إذا وضَعهَا ف اللَلِ كانَ َلهُ أ ْجرٌ" رواه مسلم ،وعن أب ذر رضي ال عنه قال :قال ل النبّ
صلى اللّه عليه وآله وسلم " َل تَحقِرنّ مِن العْرُوفِ شَيْئا وَلوْ أ ْن ت ْلقَى أخَاكَ بِوج ٍه طلِيقٍ" رواه مسلم،
وعن أب ذر رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال" :ليس من نفس بن آدم إل عليها
صدقة ف كل يوم طلعت فيه الشمس" قيل :يا رسول ال ومن أين لنا صدقة نتصدق با؟ فقال" :إن
أبواب الي لكثية التسبيح والتحميد والتكبي والتهليل والمر بالعروف والنهي عن النكر وتيط
الذى عن الطريق وتسمع الصم وتدي العمى وتدل الستدل على حاجته وتسعى بشدة ساقيك
مع اللهفان الستغيث وتمل بشدة ذراعيك مع الضعيف ،فهذا كله صدقة منك على نفسك" رواه
السياسة الشرعية
339
ابن حبان ،ورواه أحد والنسائي ولفظه " قال" :لن من أبواب الصدقة التكبي ،وسبحان ال ،والمد
ل ،ول إله إل ال ،وأستغفر ال ،وتأمر بالعروف وتنهى عن النكر ،وتعزل الشوكة عن طريق الناس
والعظم والجر ،وتدي العمى وتسمع الصم والبكم حت يفقه ،وتدل الستدل على حاجة له قد
علمت مكانا ،وتسعى بشدة ساقيك إل اللهفان الستغيث ،وترفع بشدة ذراعيك مع الضعيف ،كل
ذلك من أبواب الصدقة منك على نفسك ،ولك ف جاعك زوجتك أجر" وهذا جزء من
الديث،وعند الترمذي عن أب ذر رضي ال عنه قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "تبسمك ف
وجه أخيك لك صدقة ،وأمرك بالعروف ونيك عن النكر صدقة ،وإرشادك الرجل ف أرض
الضلل لك صدقة ،وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة ،وإماطتك الجر والشوكة والعظم
عن الطريق لك صدقة ،وإفراغك من دلوك ف دلو أخيك لك صدقة".
وعن أب جري الجيمي رضي ال عنه قال :أتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم فقلت :يا رسول ال
إنا قوم من أهل البادية فعلمنا شيئا ينفعنا ال به فقال" :ل تقرن من العروف شيئا ،ولو أن تفرغ من
دلوك ف إناء الستسقي ،ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط ،وإياك وإسبال الزار ،فإنه من
الخيلة ،ول يبها ال ،وإن امرؤ شتمك با يعلم فيك ،فل تشتمه با تعلم فيه ،فإن أجره لك ووباله
على من قاله" ،رواه أبو داود والترمذي وقال :حديث حسن صحيح وابن حبان ف صحيحه واللفظ له
والنسائي مفرقا وف رواية للنسائي فقال" :ل تقرن من العروف شيئا أن تأتيه ،ولو أن تب صلة
البل ،ولو أن تفرغ من دلوك ف إناء الستسقي ،ولو أن تلقى أخاك السلم ووجهك بسط إليه ،ولو
أن تونس الوحشان بنفسك ولو أن تب الشسع".
لهَادُ
وعن أَبِي ذ َرّ رضي اللّه عنه قال :قلت يا رسو َل اللّه ،أيّ العْمالِ أ ْفضَلُ؟ قال "الِيانُ بِال ّلهِ ،وَا ِ
فِي َسبِيلِه" .قُ ْلتُ :أيّ الرّقَابِ أ ْفضَلُ؟ قال "أْنفَسُهَا عِنْد أ ْه ِلهَا ،وأكَث ُرهَا ثَمَنا" .قُ ْلتُ :فَإِنْ لَ ْم أفْعلْ؟ قال
ض الْعملِ؟ قال "تَ ُكفّ
ت عَنْ َبعْ ِ "تُعيُ صَانِعا أوْ َتصْنَعُ ل ْخرَقَ" ُق ْلتُ :يا رسول اللّه أرَأيتَ إ ْن َ
ض ُعفْ ُ
سكَ" .متفقٌ عليه ،وعن َأبِي موسى رضي اللّه عنه ،عن النب
َشرّكَ عَن النّاسِ َفإِنّها صدق ٌة مِ ْنكَ على نَف ِ
س ِلمٍ صدقةٌ" قالَ :أرََأْيتَ إِ ْن لَمْ يَجدْ؟ قا َل "يعْمَل بِيَدِي ِه فَي ْنفَعُ
ل عَلَْيهِ و َسلّم قال " َعلَى كُ ّل مُ ْ
صَلّى ا ُ
َنفْسَه وََيتَصدّقُ" :قَالَ :أرَأَْيتَ إِنْ لَ ْم يسْتطِعْ؟ قالُ" :يعِيُ ذَا اْلحَا َجةِ الْملْهوفَ" قالَ :أَرأَيْت إِنْ لَمْ
ش ّر فَإِّنهَا صدَقةٌ"
سكُ عَ ِن ال ّ
ستَطِعْ؟ قالَ "َي ْأ ُمرُ بِالَ ْعرُوفِ َأ ِو الْخَ ْيرِ" قالَ :أَرَأْيتَ إِ ْن لَمْ يفْعلْ؟ قا ْل "يُمْ ِ
يْ
متفقٌ عليه ،وعن عقبة بن عامر رضي ال عنه قال ث لقيت رسول ال صلى ال عليه وسلم فأخذت بيده
فقلت :يا رسول ال أخبن بفواضل العمال؟ فقال" :يا عقبة صل من قطعك وأعط من حرمك
وأعرض عمن ظلمك" وف رواية" :واعف عمن ظلمك" رواه أحد ،وعن ابن عمر .قال :أصاب عمر
السياسة الشرعية
340
أرضا بيب .فأتى النب صلى ال عليه وسلم يستأمره فيها .فقال :يا رسول ال إن أصبيت أرضا بيب .ل
أصب مال قط هو أنفس عندي منه .فما تأمرن به قال "إن شئت حبست أصلها وتصدقت با" .قال:
فتصدق با عمر؛ أنه ل يباع أصلها .ول يبتاع .ول يورث .ول يوهب .قال :فتصدق عمر ف الفقراء.
وف القرب .وف الرقاب .وف سبيل ال .وابن السبيل .والضيف .ل جناح على من وليها أن يأكل منها
بالعروف .أو يطعم صديقا .غي متمول فيه" متفق عليه واللفظ لسلم ,والديث ف الوقف ،وقال النب
ل عَلَْيهِ و َسلّم قال" :ا ِليَانُ ِبضْعٌ وَس ْبعُونَ ،أوْ ِبضْعٌ وَ ِستّونَ َشعْبَةً :فَأفْض ُلهَا قوْلُ لَ إَلهَ إلّ
صَلّى ا ُ
ال ّلهُ ،وَأدْنَاهَا إمَا َطةُ الذَى ع ِن ال ّطرِيقِ ،وَاليَاءُ ُشعْبةٌ مِنَ الِيانِ" متف ٌق عليه ،وقال النب صَلّى ا ُ
ل عَلَْيهِ
ت ف مَحاسِنِ أعْماِلهَا الذَى يُماطُ عن
ضتْ َعلَيّ أعْمالُ ُأمّت حسَُنهَا وسيُّئهَا فو َجدْ ُ
وسَلّم " ُعرِ َ
جدِ لَ ُت ْدفَنُ" رواه مسلم ،وقال صلى
ال ّطرِيقِ ،وَو َج ْدتُ ف مَساوَىءِ أعْمالِها النّخَا َعةُ تَكُو ُن فِي الَسْ ِ
ال عليه وسلم "طهروا أفنيتكم فان اليهود ل تطهر أفنيتها" رواه الطبان ،وقال صلى ال عليه وسلم
"طيبوا ساحاتكم فإن أنت الساحات ساحات اليهود" رواه الطبان ،وعن أيي موسى رضي ال عنه
قال " إن أمي الؤمني بعثن إليكم أعلمكم كتاب ربكم وسنة نبيكم وأنظف لكم طرقكم" رواه
الطبان.
ل َعلَْيهِ وسَلّم قال "بَيْنمَا رَجُلٌ يَمْشِي بطَريقٍ ا ْشَتدّ علَ ْيهِ اْلعَطشُ ،فَوجد بِئرا فَنَ َل فيها
وقال صَلّى ا ُ
فَشَربَُ ،ث ّم خرج فإِذا ك ْلبٌ يلهثُ َيأْكُ ُل الّثرَى مِنَ اْلعَطَشِ ،فقال الرّجُلَُ :ل َقدْ بلَ َغ َهذَا الْ َك ْلبُ مِنَ
سقَى
ش مِثْلَ اّلذِي كَانَ َقدْ َبلَ َغ مِنّي ،فََنزَلَ الْبِ ْئ َر فَملَ ُخفّه مَاءً ُثمّ َأمْسَكَه بِفيهِ ،حتّى رقِ َي فَ َ
العط ِ
الْ َك ْلبَ ،فَشَكَرَ ال ّلهُ لَه َفغَ َفرَ لَه" .قَالُوا :يا رسولَ اللّه إِنّ َلنَا ف الَْبهَائِم أَجْرا َفقَا َل "ف ُكلّ كَِب ٍد رَطْبةٍ
ل َعلَْيهِ وسَلّم "ما مِ ْن مُسْ ِلمٍ َي ْغ ِرسُ َغرْسا إلّ كا َن ما أُكِ َل مِ ْنهُ
أَ ْجرٌ" متف ٌق عليه ،وقال رسول اللّه صَلّى ا ُ
ق مِنْه لَه صد َقةً ،ول يرْزؤه َأ َحدٌ إلّ كَا َن له صدقةً" رواه مسلم ,وف رواية له "فَل
ل ُه صدقةً ،وما ُسرِ َ
سلِم غرسا ،فََيأْكُلَ مِ ْنهُ إِنسانٌ ول دابةٌ ول َطيٌ إلّ كانَ له صد َقةً إِلَى َي ْومِ اْلقِيَامة".
ي ْغرِس الْمُ ْ
وعَنْ أَبَي عَمروٍ جَرير ب ِن عبدِ اللّه ،رضي اللّه عنه ،قال :كُنّا ف صَدْر النّها ِر عِنْد رسولِ اللّه صَلّى الُ
ف عامّتُهمْ ،بل كلهم مِنْ مُضرَ، عََلْيهِ و َسلّم فَجاءهُ ق ْو ٌم ُعرَاةٌ مُجْتاب النّمار أَو اْلعَباءِ .مُتَقلّدي السّيو ِ
ل َعلَْيهِ وسَلّم ،لِما رَأَى ِبهِ ْم مِنْ اْلفَاقة ،فدخلَ ثُمّ خرج ،فَأَمر بل ًل فََأذّن صلّى ا ُفَتمعّر وجهُ رسولِ اللّه َ
س اّتقُوا رَبّكُ ُم الذي خلقكُ ْم مِنْ َن ْفسٍ وَاحِدةٍ} إِلَى آ ِخرِ وأَقَامَ ،فَصلّى ثُ ّم خَطبَ ،فَقالَ{ :يَا أَّيهَا النا ُ
شرِ{ :يَا َأّيهَا الّذِي َن آمنُوا اّتقُوا اللّه
الية{ :إِ ّن اللّه كَا َن عَليْكُ ْم رَقِيبا} ،وَاليةُ الُ ْخرَى الّتِي ف آخر الْح ْ
ولْتن ُظرْ َن ْفسٌ مّا قَدّمتْ ِلغَدٍ} "تَصدق رَجُ ٌل مِ ْن دِينَارِ ِه مِ ْن ِد ْرهَم ِه مِنْ َثوِْبهِ مِنْ صَاع ُبرّه مِنْ صَاعِ
تَمرِه" حَتّى قَالَ" :وَلوْ بِشقّ تَمْرةٍ" فَجَا َء رَجُ ٌل مِنْ الَْنصَارِ ِب ُ
صرّةٍ كادتْ َكفّهُ تَعج ُز عَْنهَا ،بَلْ َقدْ
السياسة الشرعية
341
ل عََلْيهِ
عَجزتْ ،ثُ ّم تَتابَعَ النّاسُ حَتّى رَأَْيتُ َكوْميْ ِن مِنْ طَعا ٍم وَثيابٍ ،حتّى رَأَْيتُ و ْجهَ رسو ِل اللّه صَلّى ا ُ
ل َعلَْيهِ وسَلّم" :مَنْ سَنّ ف الِسْلم سُنةً حَسن ًة َفلَهُ
صلّى ا ُ
وسَلّم ،يَتهلّلُ كََأّنهُ م ْذهََبةٌ ،فقال رسولُ اللّه َ
ص مِنْ أُجُور ِهمْ شَيءٌ ،ومَنْ سَنّ ف الِسْلمِ سُّنةً
أَ ْج ُرهَا ،وَأ ْجرُ منْ عَملَ ِبهَا مِنْ َب ْعدِ ِه مِنْ غَ ْي ِر أَنْ ي ْنقُ َ
سيّئةً كَانَ عَليه ِوزْرها َووِز ُر مَنْ َعمِلَ ِبهَا مِنْ بعْده مِنْ غَ ْيرِ أَ ْن يَ ْنقُصَ مِنْ َأوْزارهمْ شَ ْيءٌ" رواه مسلم.
وعن عبد ال بن سلم رضي ال عنه قال لا قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم الدينة انفل الناس إليه
وقيل قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم قدم رسول ال صلى ال
عليه وسلم فجئت ف الناس لنظر إليه ،فلما استثبت وجه رسول ال صلى ال عليه وسلم عرفت أن
وجهه ليس بوجه كذاب ،وكان أول شيء تكلم به أن قال "أيها الناس أفشوا السلم ،وأطعموا
الطعام ،وصلوا والناس نيام تدخلون النة بسلم" رواه الترمذي وغيه ،وعن أب هريرة رضي ال عنه
أنه أتى النب صلى ال عليه وسلم فقال إن إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عين فأنبئن عن كل شيء
قال" :كل شيء خلق ال عز وجل من الاء" قال أنبئن بأمر إذا أخذت به دخلت النة قال "أفش
السلم ،وأطعم الطعام ،وصل الرحام ،وصل والناس نيام ،ث ادخل النة بسلم" رواه أحد وغيه،
وعن معاذ بن جبل رضي ال عنه قال" احتبس عنا رسول ال صلى ال عليه وسلم ذات غداة عن صلة
الصبح حت كدنا نتراءى عي الشمس فخرج سريعا فثوب بالصلة فصلى رسول ال صلى ال عليه
وسلم وتوز ف صلته فلما سلم دعا بصوته فقال لنا" على مصافكم كما أنتم" ث انفتل إلينا ث قال "أما
إن سأحدثكم ما حبسن عنكم الغداة إن قمت من الليل فتوضأت وصليت ما قدر ل فنعست ف
صلت حت استثقلت فإذا أنا برب تبارك وتعال ف أحسن صورة فقال :يا ممد قلت :لبيك رب.
قال :فيم يتصم الل العلى؟ قلت :ل أدري قالا ثلثا قال فرأيته وضع كفه بي كتفي حت وجدت
برد أنامله بي ثديي فتجلى ل كل شيء وعرفت فقال :يا ممد قلت :لبيك رب قال :فيم يتصم
الل العلى؟ قلت :ف الكفارات .قال :وما هن؟ قلت :مشي القدام إل الماعات واللوس ف
الساجد بعد الصلوات وإسباغ الوضوء حي الكريهات قال ث فيم قلت ف الدرجات قال وما هن
قلت إطعام الطعام ولي الكلم والصلة والناس نيام ث قال سل قل اللهم إن أسألك فعل اليات
وترك النكرات وحب الساكي وأن تغفر ل وترحن وإذا أردت فتنة ف قوم فتوفن غي مفتون
وأسألك حبك وحب من يبك وحب عمل يقربن إل حبك" فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم
"إنا حق فادرسوها ث تعلموها" رواه أحد والترمذي وقال :هذا حديث حسن صحيح .وسألت ممد
بن إساعيل عن هذا الديث ،فقال :هذا حديث صحيح ،وقال صلى ال عليه وسلم" :أطعموا الائع،
وعودوا الريض ،وفكوا العان" رواه البخاري ،والعان :السي.
السياسة الشرعية
342
وعن أنس رضي ال عنه قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :سبع يرى للعبد أجرهن ،وهو ف
قبه بعد موته :من علم علما ،أو كرى نرا ،أو حفر بئرا ،أو غرس نل ،أو بن مسجدا ،أو ورث
مصحفا ،أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته" رواه البزار.
ل عَلَْيهِ و َسلّم قال" :السلمُ أَخــو السلم ،ل
وعن ابن عمرَ رضي الّلهُ عنهما أَن رسولَ اللّه صَلّى ا ُ
سلِ ُمهُ .ومَنْ كَا َن فِي حاجةِ أَخِيهِ كانَ ال ّل ُه فِي حاجِتهِ ،وم ْن َفرّجَ ع ْن مُسلمٍ ُكرْبةً َفرّجَ
يَظلِمُه ول يُ ْ
ال ّل ُه عنه با ُكرْبةً من ُك َربِ يو َم القيامةِ ،ومن َسَترَ مُسْلما سََترَهُ ال ّلهُ يَومَ اْلقِيامَةِ" متفق عليه ،وعن أَب
ل َعلَْيهِ وسَلّم قال" :من َنفّس عن مؤمن ُكرْبة منْ كُرب الدّنْيا،
ب صَلّى ا ُ
هريرة رضي اللّه عنهُ ،عن الن ّ
سرَ اللّه عليْه ف الدّنْيَا والخِرةِ،
س َر على ُمعْسرٍ ي ّ
نفّس اللّه عنْه ُكرْبة منْ ُكرَب يومِ اْلقِيا َمةِ ،ومنْ ي ّ
سلِما سَترهُ اللّه فِي الدنْيا والخرة ،واللّه فِي ع ْونِ العبْد ما كا َن الع ْبدُ ف عوْن أَخيهِ ،ومنْ
ومنْ سَتَر مُ ْ
ت منْ بُيُوتِ
س فيهِ ِعلْما سهّل اللّه ل ُه به طريقا إل النّة .وما اجْتَمَ َع ق ْومٌ فِي ب ْي ٍ
سلك طَريقا يلْتَم ُ
ت عليهم السّكِينةُ ،وغَشِيَ ْت ُهمُ الرّحْمةُ،
اللّه تعالَى ،ي ْتلُون كِتَابَ اللّه ،ويَتَدارسُونهُ بيَْن ُهمْ إلّ َنزََل ْ
وحفّ ْت ُهمُ اللئ َكةُ ،وذكَرهُمُ اللّه فيمَنْ عنده .ومنْ بَ ّطأَ به عَم ُلهُ لْ يُسرعْ به نَسَُبهُ" رواه مسلم ،وقال
صلى ال عليه وسلم" :أحب الناس إل ال أنفعهم للناس ،وأحب العمال إل ال عز وجل :سرور
تدخله على مسلم ،أو تكشف عنه كربة ،أو تقضي عنه دينا ،أو تطرد عنه جوعا ،ولن أمشي مع
ل من أن اعتكف ف هذا السجد شهرا ،ومن كف غضبه ستر ال
أخي السلم ف حاجة أحب إ ّ
عورته ،ومن كظم غيظا ولو شاء أن يضيه أمضاه مل ال قلبه رضا يوم القيامة ،ومن مشى مع أخيه
السلم ف حاجة حت يثبتها له أثبت ال تعال قدمه يوم تزول القدام ،وإن سوء اللق ليفسد العمل
كما يفسد الل العسل" رواه ابن أب الدنيا وغيه ،وعن عمر بن الطاب رضي ال عنه قال سئل
رسول ال صلى ال عليه وسلم أي العمال أفضل قال "إدخالك السرور على مؤمن أشبعت جوعته
أو كسوت عورته أو قضيت له حاجة" رواه الطبان ف الوسط ،وعن عبد ال بن عمر رضي ال
عنهما قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "إن ل أقواما اختصهم بالنعم لنافع العباد يقرهم فيها
ما بذلوها ،فإذا منعوها نزعها منهم ،فحولا إل غيهم" رواه ابن أب الدنيا والطبان ف الكبي
والوسط ،وعن ابن عباس رضي ال عنهما قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "ما من عبد أنعم
ال عليه نعمة فأسبغها عليه ،ث جعل من حوائج الناس إليه فتبم فقد عرض تلك النعمة للزوال"
ل َعلَْيهِ وسَلّم "َأنَا وكافلُ
رواه الطبان ،وعن سهلِ بن سعدٍ رضي اللّه عنه قال :قال رسول اللّه صَلّى ا ُ
الْيتِيمِ ف الّن ِة هَ َكذَا" وأَشَار بِالسّبّابَ ِة وَاْلوُسْطَى ،وَفرّ َ
ج بَيَْنهُمَا " .رواه البخاري ،وعن أب هريرة رضي
ال عنه أن رجل شكا إل رسول ال صلى ال عليه وسلم قسوة قلبه فقال "امسح رأس اليتيم وأطعم
السياسة الشرعية
343
ل عََلْيهِ و َسلّم قال "السّاعِي علَى
السكي" رواه أحد ،وعن أب هريرة رضي ال عنه عن النب صَلّى ا ُ
ا َل ْر َم َلةِ وَالِسْكِيِ :كَالُجاهِدِ ف سبيلِ اللّه" وأَ ْحسُبهُ قال "وَكَالْقاِئمِ الّذي ل َيفُْترُ ،وَكَالصّاِئمِ ل
ُيفْ ِطرِ" متف ٌق عليه ،وعن أنس رضي ال عنه قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :ما آمن ب من
بات شبعانا وجاره جائع إل جنبه وهو يعلم" رواه الطبان والبزار ،وعن ابن عباس رضي ال عنهما
قال النب صلى ال عليه وسلم "ليس الؤمن بالذي يشبع وجاره جائع إل جنبه"رواه البخاري ف الدب
الفرد والطبان وغيها،والدلة على هذا الصل كثية ،فينبغي على الكومة السلمية أن يكون من
أصول سياستها للرعية الحسان إليهم وبذل العروف بأنواعه لم،وتقدي الدمات لم،وإصلح الرافق
العامة ،وتفريج كربم من مرض أو جوع أو غيه ،وتنظيف طرقهم وإزالة الذى عنها.
وهذا الصل العام ف بذل كل ما هو معروف وإحسان إل الناس ،ل يتاج معه ولة المر إل أن ينص
على أن ذلك العروف بعينه ،يب على ولة المر القيام به ،مادام أن ذلك العروف قد جاءت نص
شرعي بالترغيب فيه ،أو دلت عليه النصوص العامة ،ودل عليه مموع الدلة على هذا الصل العام -
وهو بذل كل ما هو معروف وإحسان إل الناس -الت لو جعت لحتجنا مصنفا كامل ،ويبقى على
ولة المر أمام هذا الباب الواسع من أبواب الي والحسان إل الناس ،أن يتهدوا ف الترتيب والتنظيم
الداري لذه العمال -من إنشاء الرافق وتقدي الدمات العامة وغيها -با يقق القاصد الشرعية.
السياسة الشرعية
344
إن الدولة السلمية تتميز عن غيها من الدول الاهلية بأنا تقوم على الخوة اليانية والب ف ال
والبغض ف ال ،وقد قال صلى ال عليه وسلم" :من أحب ل ،وأبغض ل ،وأعطى ل ،ومنع ل ،فقد
استكمل اليان" أخرجه أبو داود ,وقال صلى ال عليه وسلم "أوثق عرى اليان :الوالة ف ال،
والعاداة ف ال ،والب ف ال ،والبغض ف ال عز وجل" أخرجه الطبان.
فأكرم الناس أتقاهم ل تعال ،فالتقوى هي ميزان التفضيل وليس العصبيات الاهلية كالقومية أو القبلية
أو القليمية أوغيها ،وقد قال تعال{ :يَٰأّيهَا ٱلنّاسُ إِنّا خََلقْنَاكُم مّن ذَ َك ٍر وَأُْنثَ ٰى وَ َجعَ ْلنَاكُمْ ُشعُوبا وََقبَآِئلَ
لَِتعَارَُف ۤواْ إِنّ أَ ْك َرمَكُمْ عَندَ ٱلّلهِ أَْتقَاكُمْ إِنّ ٱلّل َه عَلِيمٌ خَِبيٌ} ،وعَ ْن اب ِن عُمَر أ ّن رَسُولَ اللّه صَلّى اللّه عليهِ
وسَلّ َم خَ َطبَ النّاسَ يومَ فتحِ مَكّةََ :فقَالَ" :يا أّيهَا الناسُ إنّ اللّه َقدْ أ ْذ َهبَ عَنكم ُعبِّيةَ الَاهِليةِ
وَتعَاظُ َمهَا بآباِئهَا ،فالنّاسُ رَجُلنِ :رَجُلٌ َبرّ َتقِىّ َكرِيٌ َعلَى اللّه وفَا ِجرٌ َشقِيّ هيّنٌ َعلَى اللّه .والنّاسُ
بَنُو آدَم و َخلَقَ اللّه آ َد َم مِنْ التّرابِ قَالَ اللّه{ :يا أّيهَا النّا ُ
س إنّا خَل ْقنَاكُ ْم مِن ذكرٍ وأُْنثَى و َجعْلنَاكُمْ
ُشعُوبا وقبَائِ َل لَِتعَارَفُوا إ ّن أكرمَكُ ْم عِْندَ اللّه أْتقَاكُمْ إنّ اللّه علي ٌم خبيٌ} " رواه الترمذي ،وقال ابن عباس
رضي ال عنهما" ل أرى أحدا يعمل بذه الية{ :يَا أَّيهَا النّاسُ ِإنّا َخَلقْنَاكُم مّن ذَ َكرٍ وَأُنثَى وَ َج َعلْنَاكُمْ
ُشعُوبا وََقبَائِ َل لَِتعَارَفُوا إِنّ َأ ْكرَمَكُ ْم عِندَ الّلهِ َأْتقَاكُمْ} فيقول الرجل للرجل :أنا أكرم منك فليس أحد
أكرم من أحد إل بتقوى ال" أخرجه البخاري ف الدب الفرد ,وقال ابن عباس رضي ال عنهما" :ما
تعدون الكرم؟ قد بي ال الكرم فأكرمكم عند ال أتقاكم .ما تعدون السب؟ أفضلكم حسبا أحسنكم
خلقا" أخرجه البخاري ف الدب الفرد.
وعن جابر بن عبد ال رضي ال عنهما قال :خطبنا رسول ال صلى ال عليه وسلم ف أوسط أيام
التشريق خطبة الوداع فقال "يا أيها الناس إن ربكم واحد ،وإن أباكم واحد ،أل ل فضل لعرب على
عجمي ،ول لعجمي على عرب ،ول لحر على أسود ،ول لسود على أحر إل بالتقوى ،إن
أكرمكم عند ال أتقاكم ،أل هل بلغت؟" قالوا بلى يا رسول ال قال "فليبلغ الشاهد الغائب" رواه
البيهقي.
وعن أب ذر رضي ال عنه أن النب صلى ال عليه وسلم قال له "انظر فإنك لست بي من أحر ول
أسود إل أن تفضله بتقوى" رواه أحد.
السياسة الشرعية
345
وليست الخوة اليانية كلمة تقال دون أن تكون حقيقة عملية ،بل يب أن تكون منهجا يسلكه
السلمون ف حياتم ،فتسود بينهم الخلق السنة والحسان والتراحم ،ويؤدي بعضهم إل بعض
القوق والواجبات.
لقد تيز متمع الصحابة رضي ال عنهم بأنه كان متمعا فريدا متآخيا متماسكا،فسادت فيه الخلق
الكرية والصال الميدة،كاليثار والنفاق ما يبون ،فكان أحدهم يقدم حاجة أخيه على حاجته،
حبّونَويب لخيه من الي مايب لنفسه ،وقد قال تعال{ :وَٱلّذِينَ َتَب ّوءُوا ٱلدّارَ وَٱ ِليَا َن مِن قَْبِلهِمْ يُ ِ
سهِ ْم وََلوْ كَانَ ِبهِمْ مَنْ هَا َجرَ إِلَْيهِ ْم وَلَ َيجِدُونَ فِي صُدُو ِرهِمْ حَا َج ًة مّمّآ أُوتُوْا وَُيؤِْثرُو َن عََلىٰ أَنفُ ِ
سهِ فَُأوَْلـِٰئكَ هُمُ ٱلْ ُمفِْلحُونَ} ،وقال تعال{ :لَن تَنَالُواْ ٱلِْبرّ َحتّىٰ تُْن ِفقُوْا مِمّا َخصَاصَ ٌة َومَن يُوقَ شُ ّح َنفْ ِ
حبّونَ}. تُ ِ
جهُودٌ ،فأَر َسلَ ل عََلْيهِ و َسلّم فقال :إن مَ ْ وعن أب هُريرة رضي اللّه عنه قال :جَا َء رَجُلٌ إل النّبِ ّي صَلّى ا ُ
ض نِساِئهَِ ،فقَالت :والّذِي َبعََثكَ بِالَ ّق ما عِندِي إِ ّل مَاءٌ ،ثُمّ َأ ْرسَلَ إِل أُ ْخرَىَ .فقَاَلتْ مِثْ َل ذَِلكَ، إِل بَع ِ
ب صَلّى الُ َعلَْيهِ وسَلّم "من
حتّى قُ ْلنَ كُلّه ّن مِثل ذَِلكَ :ل وَالذِي بعَثكَ بِالَ ّق ما عِندِي إِ ّل مَاءٌ .فقال الن ّ
ف هَذا اللّ ْي َلةَ" فقال رَجُ ٌل مِن الَنْصارَِ :أنَا يَا رَسُو َل الّلهِ ،فَانْطَلَ َق ِبهِ إِل رحِْلهَِ ،فقَال ل ْمرَأَِتهِ:
ُيضِي ُ
ل عََلْيهِ وسَلّم ,وف رواية قال لمرَأَِتهِ :هل ِعنْدَكِ شَيءٌ َفقَاَلتْ :ل ،إِ ّل أَك ِرمِي ضَيْفَ رسو ِل الّلهِ صَلّى ا ُ
سرَاجَ ،وأَرِيهِ
ضْيفُنَا ،فَأَطفِئي ال ّ
ت صِبيانِي قال :عَلّليه ْم بِشَيءٍ وإِذا َأرَادُوا العَشَاءََ ،فَنوّميهِم ،وِإذَا دَ َخلَ َ
قُو َ
ل َعلَْيهِ وسَلّم :فقال
أَنّا نَأْكُلَُ ،ف َقعَدُوا وأَكَلَ الضّيفُ وبَاتا طَا ِويَيْنَِ ،فلَمّا َأصْبح ،غَدَا على النّبِ ّي صَلّى ا ُ
جبَ اللّه مِن صَنِيعِكُمَا ِبضَيفِكُمَا اللّ ْي َلةَ" متف ٌق عليه.
"َلقَد عَ ِ
ل عَلَْيهِ و َسلّم "إِنّ الش َعرِيي ِإذَا أَرملُوا ف
وعن أب موسى رضي اللّه عنه قال :قال رسولُ اللّه صَلّى ا ُ
اْلغَ ْزوِ ،أَو قَ ّل َطعَامُ عِيَاِلهِم با َلدِيَنةَِ ،ج َمعُوا ما كَانَ عِن َدهُم ف ثَوبٍ وَاحدٍُ ،ثمّ اقتَسَمُوهُ بَيَْنهُم ف ِإنَاءٍ
وَا ِحدٍ بالسّوّيةِ َفهُم مِنّي وََأنَا مِنهُم" متف ٌق عليه.
وعن أنس رضي ال عنه قال :قدم عبد الرحن بن عوف ،فآخى النب صلى ال عليه وسلم بينه وبي
سعد بن الربيع النصاري ،وعند النصاري امرأتان ،فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله ،فقال :بارك ال
ف أهلك ومالك ،دلون على السوق ،فأتى السوق فربح شيئا من أقط وشيئا من سن ،فرآه النب صلى
ال عليه وسلم بعد أيام وعليه وضر من صفرة ،فقال" :مهيم يا عبد الرحن" فقال :تزوجت أنصارية،
قال" :فما سقت إليها" ،قال :وزن نواة من ذهب ،قال" :أول ولو بشاة" متفق عليه.
السياسة الشرعية
346
وعن أنس رضي ال عنه قال :قال الهاجرون :يا رسول ال ذهب النصار بالجر كله ما رأينا قوما
أحسن بذل لكثي ،ول أحسن مواساة ف قليل منهم ،ولقد كفونا الؤنة قال "أليس تثنون عليهم به
وتدعون لم؟" قالوا :بلى قال "فذاك بذاك" رواه أبو داود والنسائي واللفظ له.
وعن أب هريرة رضي ال عنه قال " قالت النصار للنب صلى ال عليه وسلم اقسم بيننا وبي إخواننا
النخيل قال" :ل" فقالوا :تكفوننا الؤونة ونشرككم ف الثمرة قالوا سعنا وأطعنا" رواه البخاري .
وعن مالك الدار "أن عمر بن الطاب رضي ال عنه أخذ أربعمائة دينار ،فجعلها ف صرة ،فقال للغلم:
اذهب با إل أب عبيدة بن الراح ،ث تله ف البيت ساعة ،حت تنظر ما يصنع فذهب با الغلم إليه،
فقال يقول لك أمي الؤمني اجعل هذه ف بعض حاجتك فقال :وصله ال ورحه .ث قال :تعال يا
جارية اذهب بذه السبعة إل فلن ،وبذه المسة إل فلن ،وبذه المسة إل فلن .حت أنفذها،
ورجع الغلم إل عمر فأخبه ،فوجده قد أعد مثلها لعاذ بن جبل فقال :اذهب با إل معاذ بن جبل،
وتله ف البيت ساعة حت تنظر ما يصنع؟ فذهب با إليه فقال :يقول لك أمي الؤمني اجعل هذه ف
بعض حاجتك .فقال :رحه ال ووصله ،تعال يا جارية اذهب إل بيت فلن بكذا اذهب إل بيت فلن
بكذا ،اذهب إل بيت فلن بكذا .فاطلعت امرأة معاذ ،وقالت :نن وال مساكي فأعطنا فلم يبق ف
الرقة إل ديناران فدحى بما إليها ،ورجع الغلم إل عمر ،فأخبه فسر بذلك ،فقال :إنم إخوة بعضهم
من بعض" رواه الطبان ف الكبي.
إن من مقاصد الشريعة السلمية أن تسود الحبة بي السلمي،وأل تقع بينهم العداوة والبغضاء،ولذا
جاءت بالنهي عما يؤدي إل التباغض والشحناء والعداوة والتصارم،وجاءت بالمر والترغيب با يزيد ف
الحبة والتآلف من الصال الكرية ،والخلق الصالة ،والداب النبيلة،وقد قال تعال{ :إِنّمَا ُيرِيدُ
لةِ َفهَلْسرِ َوَيصُدّكُمْ عَن ذِ ْكرِ الّل ِه َوعَنِ الصّ َ خ ْمرِ وَالْمَْي ِ
الشّيْطَانُ أَن يُوقِ َع بَيَْنكُمُ اْلعَدَا َوةَ وَالَْب ْغضَآءَ فِي الْ َ
أَْنتُ ْم مّنَتهُونَ}.
لنّ َة حَتّى ُت ْؤمِنُوا
ل عََلْيهِ و َسلّم " ل تَدْ ُخلُوا ا َ
وعن أب هريرة رضي ال عنه قال :قال رسول ال صَلّى ا ُ
وَل تُؤمِنوا حَت تَابّواَ ،أوَل أدُلّكُ ْم َعلَى شَئٍ إذا َفعَلُْتمُوهُ تَحاََببْتُم أفْشُوا السّلم َبيْنَكُم " رواه مسلم.
وقال صلى ال عليه وسلم" :تادوا تابوا" رواه البخاري ف الدب الفرد وأبو يعلى.
فإن من أسباب زوال الدولة السلمية،ومن أعظم التهديدات لا ،أن تبقى رواسب جاهلية عند ولة
المر أو بعضهم كالقومية أو القبلية أو القليمية الت رسخها الحتلل الصليب ( الستعمار) من خلل
الدود الصطنعة والدويلت الزائفة الفاقدة للشرعية.
وهذه الرواسب الاهلية من المراض الفتاكة الت يب أن يذر منها الجاهدون ف ساحات الهاد ف
فلسطي والعراق وأفغانستان والشيشان وغيها،وأن يطهروا قلوبم من العصبيات الاهلية كالقومية
السياسة الشرعية
347
والقليمية الت تباعد بي القلوب ،وتفرق الصف ،وتنع النصر،وتكن لفتنة الكفار ولفسادهم ف الرض،
ب رِيُكُ ْم وَٱصِْب ُروۤاْ إِنّ ٱلّلهَ مَعَ
شلُوْا وَتَ ْذ َه َ
كما قال تعال{ :وَأَطِيعُوْا ٱلّلهَ َورَسُوَل ُه وَلَ تَنَا َزعُواْ فََتفْ َ
ض وَفَسَادٌضهُمْ َأوِْليَآءُ َبعْضٍ إِلّ َت ْفعَلُوهُ تَكُ ْن فِتَْنةٌ فِي ٱ َل ْر ِٱلصّاِبرِينَ} ،وقال تعال{ :وَٱلّذينَ َك َفرُواْ َب ْع ُ
كَبِيٌ} ،وعن الارث الشعري عن النب صلى ال عليه وسلم قال "وأنا آمركم بمس ال أمرن بن:
السمع ،والطاعة ،والهاد ،والجرة ،والماعة فإنه من فارق الماعة قيد شب فقد خلع ربقة
السلم من عنقه إل أن يراجع ومن ادعى دعوى الاهلية فإنه من جُثى جهنم" فقال رجل :يا رسول
ال ،وإن صلى وصام قال "وإن صلى وصام ،فادعوا بدعوى ال الذي ساكم السلمي الؤمني عباد
ال" .رواه الترمذي وأحد ،فقوله صلى ال عليه وسلم "من ادعى بدعوى الاهلية" :أي نادى ف
السلم بنداء الاهلية وعصبيتها.
السياسة الشرعية
348
إن من خصال أهل اليان أن يوقنوا بوعد ال ونصره لعباده الؤمني الجاهدين ،كما قال تعالِ{ :إنّا
ي َمعْ ِذرَُتهُمْ وََلهُمُصرُ رُ ُسلَنَا وَٱلّذِينَ آمَنُوْا فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدّنْيَا وََي ْومَ َيقُومُ ٱلَ ْشهَادَُ .ي ْومَ َل يَنفَعُ ٱلظّالِ ِم َلَنَن ُ
ٱلّْلعَْن ُة وََلهُمْ ُس ۤوءُ ٱلدّارِ} ,وقال تعال{ :وََلقَدْ َسَبقَتْ كَلِ َمتُنَا ِلعِبَادِنَا ٱلْ ُمرْ َسِليَ .إِّنهُمْ َلهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ.
وَإِنّ جُن َدنَا َلهُمُ ٱْلغَالِبُونَ} ,وأما التكذيب والشك بوعد ال ونصره فهو من صفات النافقي الالكي
ـؤُلۤ ِء دِيُنهُ ْم َومَن يََتوَكّلْ الذين قال ال تعال عنهمِ{ :إذْ َيقُولُ ٱلْمُنَاِفقُونَ وَٱلّذِي َن فِي ُقلُوِبهِم ّم َرضٌ َغ ّر َه ٰ
عَلَى ٱلّلهِ َفإِنّ ٱلّلهَ َعزِيزٌ َحكِيمٌ} ،وقال تعال{ :وَِإ ْذ َيقُولُ ٱلْمُنَاِفقُونَ وَٱلّذِينَ فِي قُلُوِبهِم ّم َرضٌ مّا َوعَدَنَا
ٱلّل ُه َورَسُوُلهُ إِ ّل ُغرُورا} ،وقال تعال{ :بَلْ ظََننْتُمْ أَن لّن يَن َقِلبَ ٱلرّسُو ُل وَٱلْ ُم ْؤمِنُونَ إِلَىٰ َأهْلِيهِمْ أَبَدا
س ْوءِ وَكُنتُمْ َقوْما بُورا} ,وما أكثر هؤلء الخذلي الهزومي ف َوزُيّ َن ذَِلكَ فِي ُقلُوبِكُ ْم وَ َظنَنتُمْ َظنّ ٱل ّ
زماننا الذين يرجفون ف البلد ،ويذلون السلمي عن جهاد الصليبيي واليهود,و ينادون بأن يسلم
السلمون البلد والعباد للغزاة من خلل وسائل إعلمهم الخذلة الفسدة.
فدأبم التهويل من قوة العداء ,وبث الرعب والزية والور ف قلوب الناس ،وتصوير شراذم اليهود ف
فلسطي بالقوة الكبى ف النطقة ،وإظهار الصليبيي المريكان الهزومي ف العراق وأفغانستان بأنم
أكب قوة ف العال.
إن الواجب على السلمي الجاهدين أل يعبأوا بأراجيف الرجفي ،وأل ييك تذيلهم ف صدورهم،
وأل تزنم وتيفهم أكاذيبهم وافتراءاتم ولومهم ف وسائل إعلمهم ،أو غيها ،وقد قال ال تعال:
حزُنكَ َقوُْلهُمْ إِنّ ٱْلعِ ّزةَ لّلهِ جَمِيعا ُهوَ ٱلسّمِيعُ ٱْلعَلِيمُ} ،وقال تعال{ :يَٰأّيهَا ٱلّذِي َن آمَنُوْا مَن َيرَْتدّ {وَلَ َي ْ
حبّوَنهُ َأذِلّ ٍة عَلَى ٱلْ ُم ْؤمِِنيَ َأ ِع ّزةٍ عَلَى ٱلْكَاِفرِي َن يُجَاهِدُونَ حّبهُ ْم وَيُ ِ
سوْفَ يَأْتِي ٱلّلهُ ِب َقوْمٍ يُ ِ
مِنكُ ْم عَن دِيِنهِ َف َ
فِي سَبِيلِ ٱلّلهِ وَ َل يَخَافُونَ َل ْومَةَ ۤلئِ ٍم ذِٰلكَ َفضْلُ ٱلّلهِ ُيؤْتِي ِه مَن يَشَآءُ وَٱلّل ُه وَاسِ ٌع َعلِيمٌ}.
إن التحالف الجرامي الث الذي يمع الصليبيي واليهود والرتدين والنافقي على حرب السلم ،ليس
عدوانا وظلما للمسلمي فحسب بل هو ظلم للبشرية كلها ،الت ل خلص لا ول ناة ول سعادة إل
بالدخول ف دين السلم وإخلص العبودية ل تعال.
إن هؤلء الصليبيي وحلفاءهم ل يعادون الجاهدين لعرض من أعراض الدنيا ،وإنا يعادونم ليانم بال
تعال وإخلصهم العبودية والطاعة والضوع ل تبارك وتعال ،كما قال تعالَ { :ومَا َنقَمُوْا مِْنهُمْ إِلّ أَن
ُي ْؤمِنُوْا بِٱلّلهِ ٱْل َعزِيزِ ٱلْحَمِيدِ} ،وقال تعال{ :قَاُلوۤاْ ِإنّآ إِلَ ٰى رَبّنَا مُنقَِلبُونََ .ومَا تَنقِ ُم مِنّآ إِلّ أَ ْن آمَنّا بِآيَاتِ
السياسة الشرعية
349
غ عََليْنَا صَبْرا وََتوَفّنَا مُسْلِ ِميَ} ،وقال تعال{ :قُلْ يَـَأهْ َل الْكِتَابِ هَ ْل تَنقِمُونَ رَبّنَا لَمّا جَآءَْتنَا رَبّنَآ أَ ْفرِ ْ
مِنّآ إِلّ أَ ْن آمَنّا بِالّل ِه َومَآ أُنزِلَ إِلَْينَا َومَآ أُنزِ َل مِن قَبْلُ}.
إن هؤلء الصليبيي يعادون السلم لنه جاء بإنكار العبودية والضوع والطاعة لغي ال والكفر با،
وهم يريدون استعباد الشعوب القهورة وإخضاعها لنظمتهم وقوانينهم :كالديقراطية وغيها.
وهم يبغضون السلم لنه دين الطهارة والعفة والياء ،وهم فاسدون مفسدون ،قد اعتادوا العفن
والرذيلة والنطاط ،فل يطيقون العيش ف الجواء الطاهرة والياة الصالة ،وقد قال ال تعال عن قوم
ط مّن َقرْيَتِكُمْ ِإنّهمْ أُنَاسٌ َيتَ َط ّهرُونَ} ،فقد لوطَ{ :فمَا كَانَ َجوَابَ َق ْو ِمهِ إِلّ أَن قَالُواْ أَ ْخرِجُوْا آلَ لُو ٍ
انتكست فطرتم ،وأصبحوا يعيبون على الؤمني طهارتم وتنهم عن الفاحشة.
والسلم يوجب الهاد ف سبيل ال لتكون كلمة ال هي العليا ،ويدفع الفساد ف الرض ،وينصر
الستضعفي الظلومي ،كما قال تعال{ :وَقَاتِلُوهُمْ َحتّى لَ َتكُونَ فِْتنَ ٌة وَيَكُو َن الدّينُ كُّلهُ ل} ،وقال
ضعَ ِفيَ مِ َن الرّجَا ِل وَالنّسَآءِ وَاْلوِلْدَا ِن الّذِينَ َيقُولُونَ سَت ْتعالَ { :ومَا لَكُمْ لَ ُتقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الّلهِ وَالْمُ ْ
ك وَلِيّا وَا ْجعَلْ لّنَا مِن لّ ُدْنكَ َنصِيا}، رَبّنَآ أَ ْخرِجْنَا مِ ْن هَـ ِذهِ اْل َقرَْيةِ الظّالِمِ َأهُْلهَا وَا ْجعَلْ لّنَا مِن لّدُْن َ
وهذا يعن التصدي لا تسميه الوليات التحدة (بنشر الديقراطية) ،وإيقاف نبها وسطوها على خيات
السلمي ونفطهم ،ولذا يرى الصليبيون السلم القوة الكب ،الت تقف أمام أطماعهم ومططاتم،
وتستأصل بنيانم الاري من أصوله الفاسدة التهالكة.
إن على السلمي أن يستعدوا لعركة شرسة طويلة مع العداء ،وأن يتخلقوا بالخلق والوصاف الت
بتحقيقها ينصرهم ال على أعدائهم ،وقد قال تعال{ :يٰأَّيهَا ٱلّذِي َن آمَُن ۤواْ ِإذَا َلقِيتُمْ فَِئةً فَٱثُْبتُوْا وَٱذْ ُكرُواْ
ٱلّلهَ كَثِيا ّلعَلّكُ ْم ُتفْلَحُونَ .وَأَطِيعُواْ ٱلّلهَ َورَسُوَلهُ وَلَ َتنَا َزعُواْ َفَتفْشَلُواْ َوتَ ْذ َهبَ رِيُكُ ْم وَٱصِْب ُروۤاْ إِنّ ٱلّلهَ
مَعَ ٱلصّاِبرِينَ}.
وعلى السلمي أن يوقنوا بوعد ال ونصره ،وأن يصبوا ويصابروا ويثبتوا ،وأن يذروا من الضعف
جلٍ سَُأ ْورِيكُمْ آيَاتِي فَلَ والضجر واستعجال النتائج ،وقد قال تعالُ { :خلِقَ ٱلنْسَانُ مِ ْن عَ َ
سَتعْجِلُونِ} ،أي سأريكم حكمي واقتداري وانتقامي من الكفار فل تستعجلون ،وعنْ أب عب ِد الّلهِ تَ ْ
ل َعلَْيهِ وسَلّم َوهُو مُتَوسّدٌ بُردةً َلهُ ت رضيَ الّلهُ عنه قال" َش َكوْنَا إِلَى رسولِ الّلهِ صَلّى ا ُ خَبّابِ بْن الَر ّ
ح َفرُ َلهُ ف
ستَنْصرُ لَنَا أَل تَ ْدعُو لَنَا َفقَالَ" :قَد كَا َن مَنْ قَبْل ُكمْ يؤْ َخ ُذ الرّجُ ُل فيُ ْ
ف ظلّ الْ َكعْبةَِ ،ف ُقلْنَا :أَل تَ ْ
صفَيْن ،ويُمْشطُ ِبَأمْشاطِ الْحديدِ
ا َل ْرضِ فيجْعلُ فِيهَاّ ،ث ُيؤْتِى بالْمِنْشارِ ،فَيُوضَعُ علَى رَأْ ِسهِ ،فيُجعلُ ن ْ
صدّ ُه ذلكَ عَ ْن دِيِنهِ ،واللّه ليتِمنّ ال ّل ُه هَذا ا َلمْر حتّى يسِي الرّا ِكبُ مِنْ
مَا دُونَ لَحْ ِم ِه وَعظْ ِمهِ ،ما َي ُ
جلُونَ" رواه البخاري ،وف
صنْعاءَ إِلَى َحضْرمْوتَ ،ل يافُ إِ ّل ال والذّْئبَ َعلَى غنَ ِمهِ ،ولكِنّ ُكمْ تَسَْتعْ ِ
رواية " :و ُهوَ مُتَوسّدٌ ُبرْدةً وقَدْ لقِينَا مِنَ الْمُشْركِي شِ ّد ًة ".
السياسة الشرعية
350
إن المة السلمية أمة منصورة ومبشرة بالنصر والتمكي ف كتاب ربا تبارك وتعال وف سنة رسوله
صلى ال عليه وسلم ،وقد تقق لا ف الواقع ما أخب ال به ورسوله صلى ال عليه وسلم من النصر
والتمكي والبشارة بالنتصار على الفرس وعلى الروم وفتح القسطنطينية وغيها من البشائر ،وهناك
بشائر سوف تتحقق ف الستقبل كفتح روما وعودة اللفة على منهاج النبوة وغيها ،وقد قال تعال:
شرِكُونَ} ،وقال { ُهوَ ٱلّ ِذيۤ َأرْسَ َل َرسُوَلهُ بِٱْلهُ َدىٰ َودِينِ ٱلْحَ ّق لِيُ ْظ ِه َرهُ َعلَى ٱلدّينِ ُكّلهِ َوَلوْ َك ِرهَ ٱلْمُ ْ
خلَفَ ٱلّذِينَخِلفَّنهُمْ فِي ٱ َل ْرضِ كَمَا ٱسْتَ ْ تعالَ { :وعَدَ ٱلّلهُ ٱلّذِي َن آمَنُوْا مِنْكُ ْم َوعَ ِملُوْا ٱلصّالِحَاتِ لََيسْتَ ْ
شرِكُونَ مِن قَْبِلهِ ْم وَلَيُمَكنَنّ َلهُ ْم دِيَنهُمُ ٱلّذِي ٱرَْتضَىٰ َلهُ ْم وََليُبَدلَّنهُمْ من َبعْدِ َخوِْفهِمْ َأمْنا َيعْبُدُوَننِي لَ يُ ْ
بِي شَيْئا َومَن َك َفرَ َبعْ َد ذِٰلكَ فَُأوَْلـِٰئكَ هُمُ ٱْلفَا ِسقُونَ} ،قال ابن كثي رحه ال" :هذا وعد من ال تعال
لرسوله صلوات ال وسلمه عليه بأنه سيجعل أمته خلفاء الرض ،أي أئمة الناس والولة عليهم ،وبم
تصلح البلد ،وتضع لم العباد .وليبدلنهم من بعد خوفهم من الناس أمنا وحكما فيهم ،وقد فعله تبارك
وتعال ،وله المد والنة ،فإنه صلى ال عليه وسلم ل يت حت فتح ال عليه مكة وخيب والبحرين
وسائر جزيرة العرب وأرض اليمن بكمالا ،وأخذ الزية من موس هجر ومن بعض أطراف الشام،
وهاداه هرقل ملك الروم وصاحب مصر والسكندرية وهو القوقس ،وملوك عمان والنجاشي ملك
البشة الذي تلك بعد أصحمة رحه ال وأكرمه.
ث لا مات رسول ال صلى ال عليه وسلم واختار ال له ما عنده من الكرامة ،قام بالمر بعده خليفته أبو
بكر الصديق ،فلمّ شعث ما وهى بعد موته صلى ال عليه وسلم ،وأَطّدَ جزيرة العرب ومهدها ،وبعث
اليوش السلمية إل بلد فارس صحبة خالد بن الوليد رضي ال عنه ،ففتحوا طرفا منها ،وقتلوا خلقا
من أهلها .وجيشا آخر صحبة أب عبيدة رضي ال عنه ومن اتبعه من المراء إل أرض الشام ،وثالثا
صحبة عمرو بن العاص رضي ال عنه إل بلد مصر ،ففتح ال للجيش الشامي ف أيامه بصرى ودمشق
وماليفهما من بلد حوران وما والها وتوفاه ال عز وجل واختار له ما عنده من الكرامة.
ومنّ على أهل السلم بأن ألم الصديق أن يستخلف عمر الفاروق ،فقام بالمر بعده قياما تاما ،ل يدر
الفلك بعد النبياء على مثله ف قوة سيته وكمال عدله .وتّ ف أيامه فتح البلد الشامية بكمالا وديار
مصر إل آخرها وأكثر إقليم فارس .وكسر كسرى وأهانه غاية الوان وتقهقر إل أقصى ملكته ،وقصر
قيصر ،وانتزع يده عن بلد الشام ،واندر إل القسطنطينية ،وأنفق أموالما ف سبيل ال ،كما أخب
بذلك ووعد به رسول ال ،عليه من ربه أت سلم وأزكى صلة.
ث لا كانت الدولة العثمانية (يعن خلفة عثمان رضي ال عنه) امتدت المالك السلمية إل أقصى
مشارق الرض ومغاربا ،ففتحت بلد الغرب إل أقصى ما هنالك الندلس وقبص ،وبلد القيوان،
وبلد سبتة ما يلي البحر الحيط ،ومن ناحية الشرق إل أقصى بلد الصي ،وقتل كسرى وباد ملكه
السياسة الشرعية
351
بالكلية ،وفتحت مدائن العراق وخراسان والهواز ،وقتل السلمون من الترك مقتلة عظيمة جدا ،وخذل
ال ملكهم العظم خاقان ،وجب الراج من الشارق والغارب إل حضرة أمي الؤمني عثمان بن عفان
رضي ال عنه ،...ولذا ثبت ف الصحيح أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال "إن ال زوى ل
الرض فرأيت مشارقها ومغاربا ،ويبلغ ملك أمت ما زوى ل منها" فها نن نتقلب فيما وعدنا ال
ورسوله ،وصدق ال ورسوله فنسأل ال اليان به وبرسوله ،والقيام بشكره على الوجه الذي يرضيه
عنا".)11
وتأمل كيف كان النب صلى ال عليه وسلم يبشر أصحابه بفتح الشام وفتح بلد الفرس وفتح اليمن،
وأحزاب الكفار قد اجتمعت للقضاء على السلم والسلمي ف الدينة ،فعن الباء بن عازب قال لا
أمرنا رسول ال صلى ال عليه وسلم أن نفر الندق عرض لنا فيه حجر ،ل يأخذ فيه العول ،فاشتكينا
ذلك إل رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فجاء رسول ال صلى ال عليه وسلم فألقى ثوبه ،وأخذ
العول ،وقال" :بسم ال" فضرب ضربة فكسر ثلث الصخرة قال "ال أكب أعطيت مفاتيح الشام ،وال
إن لبصر قصورها المر الن من مكان هذا" قال :ث ضرب أخرى وقال "بسم ال" وكسر ثلثا آخر
وقال" :ال أكب أعطيت مفاتيح فارس وال إن لبصر قصر الدائن البيض الن" ث ضرب ثالثة
وقال" :بسم ال" فقطع الجر قال" :ال أكب أعطيت مفاتيح اليمن وال إن لبصر باب صنعاء" رواه
أحد والنسائي ،وقال الافظ ابن حجر عن إسناده :حسن.
وروى الطبان أن النب صلى ال عليه وسلم قال "لصحابه دعون فأكون أول من ضربا" فقال "بسم
ال" فضربا فوقعت فلقة ثلثها فقال" :ال أكب قصور الروم ورب الكعبة" ث ضرب بأخرى فوقعت
فلقة فقال" :ال أكب قصور فارس ورب الكعبة" فقال عندها النافقون :نن نندق على أنفسنا ،وهو
يعدنا قصور فارس والروم" ،قال اليثمي :ورجاله رجال الصحيح غي عبد ال بن أحد بن حنبل ونعيم
العنبي وها ثقتان.
وعن عدي بن حات قال :بينا أنا عند النب صلى ال عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ،ث أتاه
آخر فشكا قطع السبيل ،فقال" :يا عدي ،هل رأيت الية؟" قلت :ل أرها ،وقد أنبئت عليها ،قال:
"فإن طالت بك الياة ،لترين الظعينة ترتل من الية ،حت تطوف بالكعبة ل تاف أحدا إل ال -
قلت فيما بين وبي نفسي :فأين دعار طيء الذين قد سعروا ف البلد – "ولئن طالت بك حياة لتفتحن
كنوز كسرى" قلت :كسرى بن هرمز قال" :كسرى بن هرمز ،ولئن طالت بك حياة ،لترين الرجل
يرج ملء كفه من ذهب أو فضة ،يطلب من يقبله فل يد أحدا يقبله منه ،وليلقي ال أحدكم يوم