You are on page 1of 21

‫‪http://www.holyquran.net/books/tahreef/9.

html‬‬
‫نماذج من روايات التحريف في كتب أهل السنة‬
‫نذكر هنا جملة من الروايات الموجودة في كتب أهل السنة‪ ،‬ونبيّن ما ورد في‬
‫تأويلها‪ ،‬وما قيل في بطلنها وإنكارها‪ ،‬وعلى أمثال هذه النماذج يقاس ما سواها‪،‬‬
‫وهي على طوائف‪:‬‬

‫الطائفة الولى‪ :‬الروايات التي ذكرت سورا ً أو آيات ُز ِ‬


‫عم أنّها كانت من القرآن‬
‫ذفت منه‪ ،‬أو زعم البعض نسخ تلوتها‪ ،‬أو أكلها الداجن‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬ ‫ح ِ‬
‫و ُ‬
‫ن سورة الحزاب تعدل سورة البقرة‬
‫الولى‪ :‬أ ّ‬
‫‪.1‬‬

‫قرأ في زمان النبي (صلى الله‬‫ن سورة الحزاب كانت ت ُ ْ‬


‫ُروي عن عائشة‪" :‬أ ّ‬
‫ّ‬
‫عليه وآله وسلم) في مائتي آية‪ ،‬فلم نقدر منها إل على ما هو الن"‪ .1‬وفي لفظ‬
‫الراغب‪" :‬مائة آية"‪.2‬‬
‫‪.2‬‬

‫ن سورة الحزاب‬ ‫ُ‬


‫وُروي عن عمر وأبي بن كعب وعكرمة مولى ابن عباس‪" :‬أ ّ‬
‫كانت تقارب سورة البقرة‪ ،‬أو هي أطول منها‪ ،‬وفيها كانت آية الرجم"‪.3‬‬
‫‪.3‬‬

‫ت سورة الحزاب على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)‬ ‫وعن حذيفة‪" :‬قرأ ُ‬
‫ت منها سبعين آية ما وجدتها"‪.4‬‬
‫فنسي ُ‬
‫وقد حمل ابن الصلح المدّعى زيادته على التفسير‪ ،‬وحمله السيوطي وابن حزم‬
‫مل لهذه الروايات يلحظ وجود اختلف فاحش بينها في‬ ‫على نسخ التلوة‪ ،‬والمتأ ّ‬
‫حة هذه النصوص‬‫مقدار ما كانت عليه سورة الحزاب‪ ،‬المر الذي يشير إلى عدم ص ّ‬
‫ما آية الرجم الواردة في الحديث الثاني فستأتي في القسم الرابع من‬‫وبطلنها‪ ،‬أ ّ‬
‫هذه الطائفة‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬لو كان لبن آدم واديان‪...‬‬

‫ُروي عن أبي موسى الشعري أنّه قال لقّراء البصرة‪" :‬كنّا نقرأ سورة نُشبّهها في‬
‫الطول والشدّة ببراءة فأنسيتها‪ ،‬غير أنّي حفظت منها‪ :‬لو كان لبن آدم واديان من‬
‫ل لبتغى واديا ً ثالثاً‪ ،‬ول يمل َ جوف ابن آدم إل ّ التراب"‪.5‬‬
‫ما ٍ‬
‫ن هذا معروف في حديث‬ ‫وقد حمل ابن الصلح هذا الحديث على السنة‪ ،‬قال‪" :‬إ ّ‬
‫ب‬‫النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على أنّه من كلم الرسول‪ ،‬ل يحكيه عن ر ِّ‬
‫العالمين في القرآن ويؤيده حديث روي عن العباس بن سهل‪ ،‬قال‪ :‬سمعت ابن‬
‫ن‬
‫الزبير على المنبر يقول‪" :‬قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)‪" :‬لو أ ّ‬
‫ابن آدم أُعطي واديان‪ ،" "..‬وعدّه الزبيدي الحديث الرابع والربعين من الحاديث‬
‫المتواترة وقال‪" :‬رواه من الصحابة خمسة عشر نفساً"‪ .6‬ورواه أحمد في‬
‫ي‪7.‬‬
‫(المسند) عن أبي واقد الليثي على أنّه حديث قدس ّ‬
‫مة سورة تشبه براءة في الشدّة والطول‪ ،‬فلو‬ ‫ما إخبار أبي موسى بأنّه كان ث ّ‬‫أ ّ‬
‫كانت لحصل العلم بها‪ ،‬ولما غفل عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)‬
‫فاظه و ُ‬
‫قّراؤه‪.‬‬ ‫والصحابة وكُتّاب الوحي و ُ‬
‫ح ّ‬

‫الثالثة‪ :‬سورتا الخلع والحفد‬

‫ن سورتي الخلع والحفد كانتا في مصحف ابن عباس وأُبي بن كعب وابن‬ ‫روي أ ّ‬
‫ن أبا موسى الشعري كان‬‫ّ‬ ‫وأ‬ ‫الصلة‪،‬‬ ‫في‬ ‫بهما‬ ‫قنت‬ ‫الخطاب‬ ‫بن‬ ‫عمر‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫وأ‬ ‫مسعود‪،‬‬
‫يقرأهما‪ ..‬وهما‪:‬‬

‫‪.1‬‬

‫"اللّهم إنا نستعينك ونستغفرك‪ ،‬ونثني عليك ول نكفرك‪ ،‬ونخلع ونترك من‬
‫يفجرك"‪.‬‬
‫‪.2‬‬

‫"اللّهم إياك نعبد‪ ،‬ولك نصلي ونسجد‪ ،‬وإليك نسعى ونحفد‪ ،‬نرجو رحمتك‪،‬‬
‫ن عذابك بالكافرين ملحق"‪.8‬‬
‫ونخشى عذابك‪ ،‬إ ّ‬
‫وقد حملهما الزرقاني والباقلني والجزيري وغيرهم على الدعاء‪ ،‬وقال صاحب‬
‫ن أُبي بن كعب أثبته في مصحفه‪ ،‬لم تقم‬ ‫ن كلم القنوت المروي‪ :‬أ ّ‬ ‫النتصار‪" :‬إ ّ‬
‫جة بأنّه قرآن منزل‪ ،‬بل هو ضرب من الدعاء‪ ،‬ولو كان قرآنا ً لنقل إلينا وحصل‬ ‫الح ّ‬
‫ح ذلك عنه‪ ،‬وإنّما روي عنه أنّه أثبته في‬ ‫ّ‬ ‫يص‬ ‫"ولم‬ ‫قال‪:‬‬ ‫أن‬ ‫إلى‬ ‫حته"‬ ‫ّ‬ ‫بص‬ ‫العلم‬
‫مصحفه‪ ،‬وقد أثبت في مصحفه ما ليس بقرآن من دعاء أو تأويل‪ ..‬الخ"‪.9‬‬

‫وقد روي هذا الدعاء في (الدر المنثور) والتقان والسنن الكبرى و(المصنّف)‬
‫وغيرها من عديد من الروايات عن ابن الضرس والبيهقي ومحمد بن نصر‪ ،‬ولم‬
‫يُصّرحوا بكونه قرآناً ‪.10‬‬

‫الرابعة‪ :‬آية الرجم‬

‫ن عمر بن الخطاب‪ ،‬قال‪" :‬إيّاكم أن تهلكوا عن آية الرجم‪..‬‬ ‫روي بطرق متعدّدة أ ّ‬
‫والذي نفسي بيده لول أن يقول الناس‪ :‬زاد عمر في كتاب الله لكتبتها‪ :‬الشيخ‬
‫والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة‪ ،‬نكال ً من الله‪ ،‬والله عزيز حكيم‪ .‬فإنّا قد‬
‫قرأناها"‪.11‬‬

‫د‬
‫ن عمر أتى إلى زي ٍ‬
‫وأخرج ابن أشتة في (المصاحف) عن الليث بن سعد‪ ،‬قال‪" :‬إ ّ‬
‫بآية الرجم‪ ،‬فلم يكتبها زيد لنّه كان وحده"‪.12‬‬

‫ما نسخ لفظه وبقي حكمه‪،‬‬ ‫وقد حمل ابن حزم آية الرجم في (المحلى) على أنّها م ّ‬
‫ل‪ ،‬لنّها لو كانت منسوخة التلوة لما جاء عمر ليكتبها في المصحف‪،‬‬ ‫ل باط ٌ‬‫وهو حم ٌ‬
‫ن خبر الواحد ل يُثبت‬ ‫َ‬
‫ما نسخ تلوةً‪ ،‬وقال‪" :‬ل ّ‬‫وأنكر ابن ظفر في (الينبوع) عدّها م ّ‬
‫القرآن"‪.13‬‬

‫ح‪ ،‬إل ّ أنّه ليس‬


‫سنّة‪ ،‬وقال‪" :‬إسناد الحديث صحي ٌ‬ ‫وحملها أبو جعفر النحاس على ال ُ‬
‫ة‪ ،‬وقد يقول‬ ‫ة ثابت ٌ‬
‫سن ّ ٌ‬
‫حكمه حكم القرآن الذي نقله الجماعة عن الجماعة‪ ،‬ولكنها ُ‬
‫ت أقرأ كذا لغير القرآن‪ ،‬والدليل على هذا أنّه قال‪ :‬لول أنّي أكره أن‬ ‫النسان كن ُ‬
‫يقال زاد عمر في القرآن‪ ،‬لزدته"‪.14‬‬

‫الخامسة‪ :‬آية الجهاد‬

‫ن عمر قال لعبد الرحمن بن عوف‪" :‬ألم تجد فيما أُنزل علينا‪ :‬أن جاهدوا كما‬‫ُروي أ ّ‬
‫ول مّرة‪ ،‬فأنا ل أجدها؟ قال‪ :‬أُسقطت فيما أسقط من القرآن"‪.15‬‬ ‫جاهدتم ّ‬
‫أ‬

‫ن الية تُكتَب بشهادة شاهدين من‬ ‫نقول‪ :‬ألم يرووا في أحاديث جمع القرآن أ ّ‬
‫ما أنزل الله في كتابه؟ فما منع عمر وعبد الرحمن بن عوف‬ ‫الصحابة على أنّها م ّ‬
‫ع على وضع‬ ‫ٌ‬ ‫قاط‬ ‫ٌ‬
‫ل‬ ‫دلي‬ ‫فهذا‬ ‫فيه؟‬ ‫وإثباتها‬ ‫القرآن‬ ‫من‬ ‫الية‬ ‫ن‬
‫من الشهادة على أ ّ‬
‫ح ّ‬
‫فاظه في‬ ‫ُ‬ ‫و‬ ‫القرآن‬ ‫اب‬ ‫ّ‬ ‫ت‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫عن‬ ‫عاة‬‫ّ‬ ‫د‬ ‫الم‬ ‫الية‬ ‫هذه‬ ‫سقطت‬ ‫كيف‬ ‫هذه الرواية‪ ،‬وإل ّ‬
‫ّ‬
‫طول البلد وعرضها‪ ،‬ولم تبق إل مع عمر وعبد الرحمن بن عوف؟‬

‫السادسة‪ :‬آية الرضاع‬


‫ُروي عن عائشة أنّها قالت‪":‬كان فيما أُنزل من القرآن‪ :‬عشر رضعات معلومات‬
‫يحرمن‪ ،‬ثم نسخن بخمس معلومات‪ ،‬فتوفي رسول الله (صلى الله عليه وآله‬
‫ما يقرأ من القرآن"‪.16‬‬
‫نم ّ‬
‫وسلم) وه ّ‬
‫ة من‬ ‫ن ذلك كان آي ً‬ ‫ققين خبر عائشة هذا بأنّه ليس الغرض منه أ ّ‬ ‫ول بعض المح ّ‬ ‫لقد أ ّ‬
‫كتاب الله‪ ،‬بل كان حكما ً من الحكام الشرعية التي أوحى الله بها إلى رسوله‬
‫(صلى الله عليه وآله وسلم) في غير القرآن‪ ،‬وأمر القرآن باتّباعها‪ ،‬فمعنى قولها‪:‬‬
‫"كان فيما أُنزل من القرآن‪ "...‬كان من بين الحكام التي أنزلها الله على رسوله‬
‫م نسخ هذا الحكم بخمس‬ ‫وأمرنا باتّباعها في القرآن أن عشر رضعات يحرمن‪ ،‬ث ّ‬
‫رضعات معلومات يحرمن‪ ،‬وتوفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا‬
‫ما كونه منزل ً موحى به فذلك لنّه (صلى الله عليه وآله‬ ‫ق لم ينسخ‪ ،‬فأ ّ‬ ‫الحكم با ٍ‬
‫ما كوننا مأمورين باتّباع ما جاء به الرسول من‬ ‫ّ‬ ‫وأ‬ ‫الهوى‪،‬‬ ‫عن‬ ‫ينطق‬ ‫وسلم) ل‬
‫هوا))‬ ‫َ‬
‫ه فانْت َ ُ‬
‫عن ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ما نَهاكم َ‬
‫و َ‬
‫خذُوهُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫سول ف ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما آتاكم ال ّر ُ‬‫و َ‬ ‫َ‬
‫الحكام فلن الله تعالى قال‪َ (( :‬‬
‫ما نسخت تلوته وحكمه فأبطلوه‪ ،‬وهذا‬ ‫( الحشر‪ )7 :59‬وحمله البعض على أنّه م ّ‬
‫ل على ما سيأتي بيانه‪ .‬لكن بعض الشافعية والحنابلة حملوه على نسخ‬ ‫الحمل باط ٌ‬
‫ن النسخ كان بعد وفاة النبي (صلى‬ ‫ن الظاهر من الحديث أ ّ‬ ‫حل ّ‬ ‫التلوة‪ ،‬وذلك ل يص ّ‬
‫ل بالجماع‪ ،‬وقد ترك العمل بهذا الحديث مالك‬ ‫الله عليه وآله وسلم) وهو أمٌر باط ٌ‬
‫بن أنس وهو راوي الحديث‪ ،‬وأحمد بن حنبل وأبو ثور وغيرهم‪ ،‬وقال الطحاوي‬
‫والسرخسي وغيرهما ببطلنه وشذوذه وعدم صحته‪ ،‬ومن المتأخرين الَُستاذ‬
‫السايس وتلميذه الَُستاذ العريض وعبد الرحمن الجزيري وابن الخطيب وغيرهم‪.18‬‬

‫ما يقرأ من القرآن" رواه أنس بن‬ ‫نم ّ‬‫وهذا الحديث بلفظ "فتوفي رسول الله وه ّ‬
‫مالك عن عبد الله بن أبي بكر‪ ،‬وقد ُروي عن غيره بدون هذا اللفظ‪ ،‬قال أبو جعفر‬
‫النحاس‪" :‬قال بعض أجلّة أصحاب الحديث‪ :‬قد روى هذا الحديث رجلن جليلن أثبت‬
‫ن هذا فيه‪ ،‬وهما القاسم بن محمد بن أبي‬ ‫من عبد الله بن أبي بكر‪ ،‬فلم يذكرا أ ّ‬
‫ما ل نعلم أحدا ً رواه كما‬
‫ّ‬ ‫م‬ ‫"هذا‬ ‫الطحاوي‪:‬‬ ‫وقال‬ ‫بكر ويحيى بن سعيد الَنصاري"‪،19‬‬
‫م منه"‪.20‬‬‫ذكرنا غير عبد الله بن أبي بكر‪ ،‬وهو عندنا وه ٌ‬
‫حح كونها قرآنا ً يُتلى ول ينفيه‪ ،‬قال صاحب‬
‫و الرواية من هذا اللفظ ل يص ّ‬ ‫ن خل ّ‬
‫لك ّ‬
‫ن ذلك كان قرآنا ً يتلى لما بقي علمه خاصا ً بعائشة‪ ،‬بل كانت‬ ‫حأ ّ‬
‫ّ‬ ‫ص‬ ‫"لو‬ ‫المنار‪:‬‬
‫الروايات تكثر فيه‪ ،‬ويعمل به جماهير الناس‪ ،‬ويحكم به الخلفاء الراشدون‪ ،‬وكل‬
‫ن ردّ هذه الرواية عن عائشة لَهون من قبولها مع عدم عمل‬ ‫ذلك لم يكن" وقال‪" :‬إ ّ‬
‫جمهور من السلف والخلف بها"‪.21‬‬
‫السابعة‪ :‬آية رضاع الكبير عشراً‬

‫ُروي عن عائشة أنَّها قالت‪" :‬نزلت آية الرجم ورضاع الكبير عشراً‪ ،‬ولقد كانت في‬
‫ما مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتشاغلنا‬‫صحيفة تحت سريري‪ ،‬فل ّ‬
‫بموته دخل داجن فأكلها"‪.22‬‬

‫وظاهٌر من هذه الرواية أنّه لم يحفظ القرآن ولم يكتبه غير عائشة‪ ،‬وهو أمٌر في‬
‫فاظ والكتبة منهم‪ ،‬قال السرخسي‪:‬‬ ‫ح ّ‬
‫غاية البعد والغرابة‪ ،‬فأين سائر الصحابة وال ُ‬
‫ن بهذا ل ينعدم حفظه من القلوب‪ ،‬ول يتعذّر عليهم‬ ‫ح ؛ لَ ّ‬
‫"حديث عائشة ل يكاد يص ّ‬
‫ما بالنسبة لية‬ ‫أ‬ ‫‪.‬‬ ‫الحديث"‬ ‫لهذا‬ ‫لأصل‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫فعرفنا‬ ‫خرى‪،‬‬ ‫به إثباته في صحيفة أ ُ‬
‫ّ‬ ‫‪23‬‬
‫ح اعتبارها قرآنا لكونها من أخبار‬ ‫الرجم المذكورة في الحديث فقد تقدم أنّه ل يص ّ‬
‫الحاد‪ ،‬وحكم الرجم من السنن الثابتة عن الرسول الَكرم (صلى الله عليه وآله‬
‫وسلم)‪.‬‬

‫ن هذا الحكم ـ في رضاع الكبير عشرا ً ـ قد انفردت به عائشة‪ ،‬وعارضها فيه‬


‫ثم إ ّ‬
‫ن بقولها في‬‫سائر أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)‪ ،‬ولم تأخذ واحدة منه ّ‬
‫ذلك‪ ،‬وأنكره أيضا ً ابن مسعود على أبي موسى الَشعري‪ ،‬وقال‪" :‬إنّما الرضاعة ما‬
‫أنبت اللحم والدم" فرجع أبو موسى عن القول به‪.24‬‬
‫الثامنة‪ :‬آية الصلة على الذين يصلون في الصفوف الولى!‬

‫ي أبي‪ ،‬وهو ابن ثمانين سنة‪ ،‬في‬ ‫عن حميدة بنت أبي يونس‪ ،‬قالت‪" :‬قرأ عل ّ‬
‫ي يا أيُّها الذين آمنوا صلوا عليه‬
‫ّ‬ ‫النب‬ ‫على‬ ‫ن الله وملئكته يصلّون‬
‫مصحف عائشة‪ :‬إ ّ‬
‫وسلّموا تسليما ً وعلى الذين يصلون في الصفوف الولى"‪ .‬قالت‪" :‬قبل أن يغيّر‬
‫عثمان المصاحف"‪.25‬‬

‫ن هذا من الحاد التي ل يثبت بها قرآن‪ ،‬وإل ّ فكيف فات هذا عن سائر‬ ‫وظاهر أ ّ‬
‫ح‬
‫ّ‬ ‫ص‬ ‫ولو‬ ‫دونهم؟‬ ‫عائشة‬ ‫به‬ ‫واختصت‬ ‫ماعه‪،‬‬ ‫ج‬
‫ُ ّ‬ ‫و‬ ‫فاظه‬‫ّ‬ ‫ح‬
‫ُ‬ ‫و‬ ‫منهم‬ ‫الوحي‬ ‫اب‬ ‫ّ‬ ‫ت‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫الصحابة‬
‫ة عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)‪ ،‬فاعتقدت عائشة كونها من‬ ‫ٌ‬ ‫رواي‬ ‫فهو‬
‫ث روي عن البراء بن عازب أنّه قال‪" :‬قال رسول الله (صلى‬ ‫القرآن فكتبتها‪ ،‬حي ُ‬
‫ول"‪ ،26‬وروي عن‬ ‫ن الله وملئكته يصلون على الصفوف ال َُ ّ‬ ‫الله عليه وآله وسلم)‪ :‬إ ّ‬
‫ن الله وملئكته‬
‫عائشة أنّها قالت‪" :‬قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)‪ :‬إ ّ‬
‫ما يُكْتب في حاشية المصحف‪،‬‬ ‫صلُون الصفوف"‪ ،27‬ولعلّه أيضا ً م ّ‬ ‫يصلّون على الذين ي َ ِ‬
‫صة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الخا‬ ‫مصاحفهم‬ ‫حاشية‬ ‫في‬ ‫ً‬ ‫وشأنا‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫أهمي‬ ‫له‬ ‫يرون‬ ‫ما‬ ‫جلون‬‫حيث كانوا يس ّ‬
‫التاسعة‪ :‬عدد حروف القرآن‬

‫أخرج الطبراني عن عمر بن الخطاب‪ ،‬قال‪" :‬القرآن ألف ألف وسبعة وعشرون‬
‫ألف حرف"‪ .28‬بينما القرآن الذي بين أيدينا ل يبلغ ثلث هذا المقدار‪ ،‬قال الذهبي‪:‬‬
‫مد بن عبيد بهذا الخبر الباطل"‪ ،29‬هذا فضل ً عن الختلف في رواية عدد‬ ‫"تفّرد مح ّ‬
‫الحروف‪ ،‬فقد روي ألف ألف وواحد وعشرون ألفا ً ومئة وخمسون حرفاً‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫غير ذلك‪ ،‬المر الذي يضعف الثقة بصحة صدورها‪.‬‬

‫ح ذلك فلعلّه من الوحي الذي ليس بقرآن كالحاديث القدسية؛ وقد لحظنا‬ ‫وإذا ص ّ‬
‫قة والتحّري في ثبت آيات القرآن أن يحمل‬‫في أدلّة نفي التحريف أنّه بلغ من الد ّ‬
‫بعض الصحابة السيف لحذف حرف واحد منه‪ ،‬فكيف يحذف ثلثاه ولم نجد معارضاً‬
‫منهم‪ ،‬ول مطالبا ً بتدوين ما بقي من ثلثيه؟! هذا فضل ً عن وجود كثير من الصحابة‬
‫من جمع القرآن كلّه أو بعضه في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ‬ ‫م ّ‬
‫كما سيأتي بيانه ـ حفظا ً في الصدور‪ ،‬أو تدوينا ً في القراطيس‪ ،‬فكانت القراطيس‬
‫شاهدة على ما في الصدور‪ ،‬والصدور شاهدة على ما في القراطيس‪ ،‬فكيف يضيع‬
‫ثلثاه في حال كهذه؟!‬

‫ما أدّعي أنّه من القرآن مخالفته لقواعد اللغة‬


‫ن الملحظ على كثير م ّ‬‫وأخيرا ً فأ ّ‬
‫ما يدل على أنّه ليس بكلم الخالق‬ ‫ُ‬
‫وأسلوب القرآن الكريم وبلغته السامية‪ ،‬م ّ‬
‫تعالى‪ ،‬وليست له طلوته‪ ،‬ول به حلوته وعذوبته‪ ،‬وليست عليه بهجته‪ ،‬بل يتبّرأ من‬
‫مو كتابه المبين؟!‬‫ركاكته وانحطاطه وتهافته المخلوقون‪ ،‬فكيف برب العالمين‪ ،‬وس ّ‬
‫ومن أراد الطلع على ما ذكرناه‪ ،‬فليراجع مقدمة (تفسير آلء الرحمن)‪ ،‬للشيخ‬
‫البلغي ففيه مزيد بيان‪.‬‬

‫سنّة والحكام التي‬‫ن قسما ً منه هو من الحاديث النبوية‪ ،‬أو من ال ُ‬ ‫والملحظ أيضا ً أ ّ‬
‫ن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم)‪" :‬الولد للفراش‪،‬‬ ‫ظنّوها قرآناً‪ ،‬كما روي أ ّ‬
‫ن أغلبه روي‬ ‫ً‬
‫ك أحدٌ في أنّه حديث‪ .‬و الملحظ أيضا أ ّ‬ ‫وللعاهر الحجر" هو آية‪ ،‬ول يش ّ‬
‫حدت ألفاظه‪.‬‬ ‫بألفاظ متعدّدة وتعابير مختلفة‪ ،‬فلو كان قرآنا ً لتو ّ‬
‫السابق‬

‫(‪ )1‬التقان ‪ ،82 :3‬تفسير القرطبي ‪ ،113 :14‬مناهل العرفان ‪ ،273 :1‬الدر المنثور ‪.560 :6‬‬
‫(‪ )2‬محاضرات الراغب ‪.434 | 4 :2‬‬
‫‪،113 :14‬‬ ‫(‪ )3‬التقان ‪ ،82 :3‬مسند أحمد ‪ ،132 :5‬المستدرك ‪ ،359 :4‬السنن الكبرى ‪ ،211 :8‬تفسير القرطبي‬
‫الكشاف ‪ ،518 :3‬مناهل العرفان ‪ ،111 :2‬الدر المنثور ‪.559 :6‬‬
‫(‪ )4‬الدر المنثور ‪.559 :6‬‬
‫(‪ )5‬صحيح مسلم ‪.1050 | 726 :2‬‬
‫ـ ‪.88‬‬
‫(‪ )6‬مقدمتان في علوم القرآن‪85 :‬‬
‫(‪ )7‬مسند أحمد ‪.219 :5‬‬
‫(‪ )8‬مناهل العرفان ‪ ،257 :1‬روح المعاني ‪.25 :1‬‬
‫(‪ )9‬مناهل العرفان ‪.264 :1‬‬
‫(‪ )10‬السنن الكبرى ‪ ،210 :2‬المصنف لعبد الرزاق ‪.212 :3‬‬
‫(‪ )11‬المستدرك ‪ 359 :4‬و ‪ ،360‬مسند أحمد ‪ 23 :1‬و ‪ 29‬و ‪ 36‬و ‪ 40‬و ‪ ،50‬طبقات ابن سعد ‪ ،334 :3‬سنن‬
‫الدارمي ‪.179 :2‬‬
‫(‪ )12‬التقان ‪.206 :3‬‬
‫(‪ )13‬البرهان للزركشي ‪.43 :2‬‬
‫(‪ )14‬الناسخ والمنسوخ‪.8 :‬‬
‫(‪ )15‬التقان ‪ ،84 :3‬كنز العمال ‪567 :2‬حديث | ‪.4741‬‬
‫(‪ )16‬صحيح مسلم ‪ ،1452|1075 :2‬سنن الترمذي ‪ ،456 :3‬المصنف للصنعاني ‪467 :7‬و ‪..470‬‬
‫(‪ )17‬الفقه على المذاهب الربة ‪.259 :4‬‬
‫(‪ )18‬مشكل الثار ‪ 6 :3‬ـ ‪ ،8‬الناسخ والمنسوخ‪ 10 :‬ـ ‪ ،11‬أُصول السرخسي ‪ ،78 :2‬فتح المنان‪ 223 :‬ـ ‪،230‬‬
‫التمهيد في علوم القرآن ‪ ،282 :2‬الفقه على المذاهب الربعة ‪ 258 :4‬ـ ‪.260‬‬
‫(‪ )19‬الناسخ والمنسوخ‪ 10 :‬ـ ‪.11‬‬
‫(‪ )20‬مشكل الثار ‪ 7 :3‬ـ ‪.8‬‬
‫(‪ )21‬تفسير المنار ‪.472 :4‬‬
‫(‪ )22‬مسند أحمد ‪ ،269 :6‬المحلّى ‪ ،235 :11‬سنن ابن ماجة ‪ ،625 :1‬الجامع لحكام القرآن ‪.113 :14‬‬
‫(‪ )23‬أُصول السرخسي ‪.79 :2‬‬
‫(‪ )24‬جامع بيان العلم ‪.105 :2‬‬
‫(‪ )25‬التقان ‪.82 :3‬‬
‫(‪ )26‬المصنف لعبد الرزاق ‪.484 :2‬‬
‫(‪ )27‬المستدرك ‪.214 :1‬‬
‫(‪ )28‬التقان ‪.242 :1‬‬
‫(‪ )29‬ميزان العتدال ‪.639 :3‬‬
‫‪---------------------------------------------------------------------------‬‬

‫نسخ التلوة‬
‫سموا النسخ في الكتاب العزيز إلى ثلثة أقسام‪:‬‬
‫ق ّ‬
‫‪.1‬‬

‫نسخ الحكم دون التلوة‪ ،‬وهذا هو القسم الذي نطق به محكم التنزيل‪ ،‬وهو‬
‫ن بعض الحكام‬‫ثإ ّ‬ ‫ل مقبو ٌ‬
‫ل‪ ،‬حي ُ‬ ‫المشهور بين العلماء والمفسرين‪ ،‬وهو أمر معقو ٌ‬
‫ة واحدةً‪ ،‬بل نزل تدريجيا ً لتألفه النفوس وتستسيغه العقول‪ ،‬فنسخت‬ ‫لم ينزل دفع ً‬
‫ة يعلمها الله تعالى‪.‬‬
‫ة وتشريعي ٍ‬‫ر تربوي ٍ‬
‫ٍ‬ ‫لسرا‬ ‫ألفاظها‪،‬‬ ‫وبقيت‬ ‫تلك الحكام‬
‫‪.2‬‬

‫نسخ التلوة دون الحكم‪ ،‬وقد مثّلوا له بآية الرجم‪ ،‬فقالوا‪ :‬إ ّ‬
‫ن هذه الية كانت‬
‫م نسخت تلوتها وبقي حكمها‪.‬‬ ‫من القرآن ث ّ‬
‫‪.3‬‬

‫نسخ التلوة والحكم معاً‪ ،‬وقد مثّلوا له بآية الرضاع‪.‬‬

‫ن البعض حمل قسما ً من الروايات الدالة على‬ ‫وقد تقدّم في ثنايا البحث السابق أ ّ‬
‫النقصان على أنّها آيات نسخت تلوتها وبقيت أحكامها‪ ،‬أو نسخت تلوةً وحكماً‪،‬‬
‫وذلك تحاشيا ً من التسليم بها الذي يفضي إلى القول بتحريف القرآن‪ ،‬وفرارا ً من‬
‫ردّها وتكذيبها الذي يؤول إلى الطعن في الكتب الصحاح والمسانيد المعتبرة‪ ،‬أو‬
‫ن القول بالضربين الخيرين من‬ ‫كأ ّ‬‫الطعن في العيان الذين نُقلت عنهم‪ ،‬ول ش ّ‬
‫النسخ هو عين القول بالتحريف‪ ،‬وهو باطل لما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬يستحيل عقل ً أن يرد النسخ على اللفظ دون الحكم‪ ،‬ل ّ‬


‫ن الحكم لبدّ له من لفظ‬
‫ل عليه؟ فالحكم تابع للّفظ‪ ،‬ول‬
‫ل عليه‪ ،‬فإذا رفع اللفظ فما هو الدليل الذي يد ّ‬
‫يد ّ‬
‫يمكن أن يرفع الصل ويبقى التابع‪.‬‬

‫ص‪ ،‬ول انفكاك بينهما‪ ،‬ول دليل على نسخ‬ ‫‪ .2‬النسخ حكم‪ ،‬والحكم لبدّ أن يكون بالن ّ‬
‫النصوص التي حكتها الثار المتقدّمة وسواها‪ ،‬إذ لم ينقل نسخها ولم يرد في‬
‫د منها أنّها منسوخة‪،‬‬‫ي (صلى الله عليه وآله وسلم) في واح ٍ‬ ‫حديث عن النب ّ‬
‫ن ذلك لم يحدث‬‫ّ‬ ‫أ‬ ‫وبما‬ ‫بالنزول‪،‬‬ ‫غ‬‫ّ‬ ‫بل‬ ‫كما‬ ‫بالنسخ‬ ‫المة‬ ‫غ‬‫ّ‬ ‫بل‬‫ُ‬ ‫ي‬ ‫أن‬ ‫يقتضي‬ ‫والواجب‬
‫فالقول به باطل‪.‬‬

‫‪ .3‬الخبار التي زعم نسخ تلوتها أخبار آحاد‪ ،‬ول تقوى دليل ً وبرهانا ً على حصوله‪ ،‬إذ‬
‫صرحوا باتّفاق العلماء أجمع على عدم جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد‪ ،1‬ونسبه‬
‫ن خبر الواحد إذا اقتضى عملً‬ ‫القطّان إلى الجمهور‪ ،2‬وعلّله رحمة الله الهندي "بأ ّ‬
‫ن الشافعي وأصحابه‬ ‫ل عليه وجب ردّه"‪ ،3‬بل إ ّ‬ ‫ولم يوجد في الدلّة القاطعة ما يد ّ‬
‫سنّة المتواترة‪ ،‬وبهذا صّرح‬‫وأكثر أهل الظاهر‪ ،‬قد قطعوا بامتناع نسخ القران بال ُ‬
‫سنّة‬
‫ُ‬ ‫بال‬ ‫الكتاب‬ ‫نسخ‬ ‫بإمكان‬ ‫أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه‪ ،‬بل من قال‬
‫ح دعوى نسخ التلوة مع بقاء الحكم أو بدونه‪ ،‬حتّى‬ ‫المتواترة منع وقوعه‪ ،4‬لذا ل تص ّ‬
‫ً‬
‫لو ادّعي التواتر في أخبار النسخ‪ ،‬فضل عن كونها أخبار آحاد ضعيفة السناد واهية‬
‫المتن كما تقدّم‪.‬‬

‫‪ .4‬أنكر بعض المعتزلة وعامة علماء المامية وأعلمهم الضربين الخيرين من النسخ‬
‫واعتبروهما نفس القول بالتحريف‪ ،‬وكذا أنكرهما أغلب علماء ومحققي أهل السنة‬
‫المتقدمين منهم والمتأخرين‪ ،‬وحكى القاضي أبو بكر في "النتصار" عن قوم ٍ إنكار‬
‫قل عن أبي‬ ‫الضرب الثاني منه‪ ،5‬وأنكره أيضا ً ابن ظفر في كتاب "الينبوع"‪ ،6‬ون ُ ِ‬
‫ن نسخ التلوة ممنوع شرعاً"‪ 7‬وفيما يلي بعض أقوال محققي أهل السنة‬ ‫مسلم‪" :‬أ ّ‬
‫في إبطال القول بنسخ التلوة‪:‬‬

‫‪.1‬‬

‫ة أنزلها الله تعالى لتفيد حكما ً ث ّ‬


‫م يرفعها‬ ‫قال الخضري‪" :‬أنا ل أفهم معنى لي ٍ‬
‫ن القرآن يقصد منه إفادة الحكم والعجاز معا ً بنظمه‪ ،‬فما هي‬ ‫مع بقاء حكمها ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن ذلك غير مفهوم‪ ،‬وقد أرى أنّه ليس هناك‬ ‫المصلحة في رفع آية مع بقاء حكمها؟ إ ّ‬
‫ما يدعو إلى القول به"‪.8‬‬
‫‪.2‬‬

‫ما الجرأة العجيبة ففي الضربين الثاني‬ ‫وقال الدكتور صبحي الصالح‪" :‬أ ّ‬
‫ما دون‬‫ما مع نسخ أحكامها وإ ّ‬
‫والثالث اللذين نسخت فيهما بزعمهم آيات معينة‪ ،‬إ ّ‬
‫نسخ أحكامها‪ ،‬والناظر في صنيعهم هذا سرعان ما يكتشف فيه خطأ ً مركباً‪،‬‬
‫ة‬
‫ة أو كافي ٍ‬‫ب شواهد كثير ٍ‬
‫ل ضر ٍ‬‫فتقسيم المسائل إلى أضرب إنّما يصلح إذا كان لك ّ‬
‫شاق النسخ إل شاهدٌ أو اثنان على‬ ‫ة منها‪ ،‬وما لع ّ‬‫سر استنباط قاعد ٍ‬‫على القل ليتي ّ‬
‫ل من هذين الضربين‪ ،‬وجميع ما ذكروه منها أخبار آحاد‪ ،‬ول يجوز القطع على‬ ‫ك ّ‬
‫جة فيها"‪9‬‬‫إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد ل ح ّ‬
‫‪.3‬‬

‫م يبقى منسوخ التلوة باقي الحكم مجّرد‬ ‫وقال الدكتور مصطفى زيد‪" :‬ومن ث ّ‬
‫ل ول‬
‫ة‪ ،‬ولهذا نرفضه‪ ،‬ونرى أنّه غير معقو ٍ‬
‫ة واحد ٍ‬ ‫فرض لم يتح ّ‬
‫قق في واقع ٍ‬
‫مقبول"‪.10‬‬
‫‪.4‬‬

‫ة 'من كتاب‬‫ن الخبار التي جاء فيها ذكر كلم ٍ‬ ‫وقال عبد الرحمن الجزيري‪" :‬إ ّ‬
‫الله' على أنّها كانت فيه ونسخت في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)‬
‫ن كان‬
‫م ينظر إ ّ‬‫فهذه ل يُطلق عليها أنّها قرآن‪ ،‬ول تُعطى حكم القرآن باتّفاق‪ ،‬ث ّ‬
‫ن الخبار بها يعطي حكم الحديث‪ ،‬وإن‬ ‫يمكن تأويلها بما يخرجها عن كونها قرآناً‪ ،‬فإ ّ‬
‫ن دللتها‬
‫لم يمكن تأويلها فالذي أعتقده أنّها ل تصلح للدللة على حكم شرعي ‪ ،‬ل ّ‬
‫ق‪ ،‬فكيف يمكن الستدلل‬‫ح نفيها باتّفا ٍ‬
‫ة على ثبوت صيغتها‪ .‬وصيغتها يص ّ‬‫موقوف ٌ‬
‫ل الخير في ترك مثل هذه الروايات"‪11‬‬ ‫بها؟! فالخير ك ّ‬
‫‪.5‬‬

‫ما ما يدّعونه من نسخ تلوة بعض اليات مع بقاء حكمها‪،‬‬ ‫وقال ابن الخطيب‪" :‬أ ّ‬
‫فأمر ل يقبله إنسان يحترم نفسه‪ ،‬ويقدّر ما وهبه الله تعالى من نعمة العقل‪ ،‬إذ ما‬
‫هي الحكمة من نسخ تلوة آية مع بقاء حكمها؟ ما الحكمة من صدور قانون واجب‬
‫التنفيذ ورفع ألفاظ هذا القانون مع بقاء العمل بأحكامه؟ ويستدلّون على باطلهم‬
‫ة من هذا النوع يدّعون نسخها‪ ،‬ويعلم الله تعالى أنّها ليست من‬‫هذا بإيراد آي ٍ‬
‫القرآن‪ ،‬ولو كانت لما أغفلها الصحابة (رضوان الله عليهم) ولدونّها السلف الصالح‬
‫في مصاحفهم"‪.12‬‬

‫الروايات الدالّة على الخطأ واللحن والتغيير‪:‬‬ ‫الطائفة الثانية‪:‬‬

‫ن في المصحف لحناً‪ ،‬وستقيّمه العرب‬ ‫الولى‪ :‬روي عن عثمان أنّه قال‪" :‬إ ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫بألسنتها‪ .‬فقيل له‪ :‬أل تغيره؟ فقال‪ :‬دعوه‪ ،‬فإنّه ل يحل حراما‪ ،‬ول يحّرم حلل"‪.13‬‬

‫حمل ابن أشتة اللحن الوارد في الحديث على الخطأ في اختيار ماهو أولى من‬
‫مها‪ ،‬وهذا الحمل غير مستقيمٍ‪،‬‬ ‫الحرف السبعة‪ ،‬وعلى أشياء خالف لفظُها َر ْ‬
‫س َ‬
‫والولى منه هو ترك الرواية وتكذيبها وإنكارها‪ ،‬كما فعل الداني والرازي‬
‫والنيسابوري وابن النباري واللوسي والسخاوي والخازن والباقلني وجماعة‬
‫ن‬
‫جة‪ ،‬ل ّ‬ ‫ح بها دليل ول تقوم بمثلها ح ّ‬ ‫ن هذه الرواية ل يص ّ‬ ‫ث صّرحوا أ ّ‬ ‫آخرين‪ ،14‬حي ُ‬
‫ل بالتواتر‬ ‫ن المصحف منقو ٌ‬ ‫إسنادها ضعيف‪ ،‬وفيه اضطراب وانقطاع وتخليط‪ ،‬ول ّ‬
‫ن ما‬ ‫مإ ّ‬ ‫عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)‪ ،‬فل يمكن ثبوت اللحن فيه‪ ،‬ث ّ‬
‫فتين هو كلم الله بإجماع المسلمين‪ ،‬ول يجوز أن يكون كلم الله لحناً‬ ‫بين الد ّ‬
‫مة من بعدهم إلى أنّه لفظ صحيح‬ ‫مة الصحابة وسائر علماء ال ّ‬ ‫وغلطاً‪ ،‬وقد ذهب عا ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫ب ول من غيره‪ ،‬واستدلوا أيضا على إنكار هذه الرواية‬ ‫ليس فيه أدنى خطأ من كات ٍ‬
‫ن عثمان جعل للناس إماماً‪ ،‬فكيف يرى فيه لحنا ً ويتركه لتقيّمه العرب‬ ‫بقولهم‪ :‬إ ّ‬
‫خر شيئا ً فاسدا ً ليصلحه غيره؟! وإذا كان الذين تولوا جمعه وكتابته‬ ‫بألسنتها‪ ،‬أو يؤ ّ‬
‫لم يقيّموا ذلك ‪ -‬وهم الخيار وأهل اللغة والفصاحة والقدرة على ذلك ‪ -‬فكيف‬
‫ن عثمان لم يكتب مصحفا ً واحدا بل‬
‫ً‬ ‫مإ ّ‬ ‫يتركون في كتاب الله لحنا ً يصلحه غيرهم؟ ث ّ‬
‫ّ‬
‫ت المصاحف مختلفة قط‪ ،‬إل فيما هو من وجوه‬ ‫كتب عدة مصاحف‪ ،‬فلم تأ ِ‬
‫القراءات والتلوة دون الرسم‪ ،‬وليس ذلك باللحن"‪.15‬‬

‫ون الخطب في هذه الرواية ومثيلتها التية أنّها برواية عكرمة مولى ابن‬‫والذي يه ّ‬
‫عبّاس‪ ،‬وكان من أعلم الضلل ودعاة السوء‪ ،‬وكان يرى رأي الخوارج‪ ،‬ويُضرب به‬
‫المثل في الكذب والفتراء‪ ،‬حتى قدح به الكابر وكذّبوه‪ ،‬أمثال ابن عمر ومجاهد‬
‫وعطاء وابن سيرين ومالك بن أنس والشافعي وسعيد بن المسيب ويحيى بن‬
‫سعيد‪ ،‬وحّرم مالك الرواية عنه‪ ،‬وأعرض عنه مسلم‪.16‬‬

‫سوا وتُسلّموا)) (النور‬‫ستَأن ِ ُ‬‫حتّى ت َ ْ‬


‫الثانية‪ :‬روي عن ابن عباس في قوله تعالى‪َ (( :‬‬
‫ول خطأ ٌ من الكاتب"‪ ،17‬والمراد‬ ‫ن ال ّ‬
‫‪ )24:27‬قال‪" :‬إنّما هو (حتّى تستأذنوا)‪ ،‬وأ ّ‬
‫ة‬
‫بالستئناس هنا الستعلم‪ ،‬أي حتى تستعلموا من في البيت‪ ،‬فهذه الرواية مكذوب ٌ‬
‫ن مصاحف السلم كلّها قد ثبت فيها ((حتى‬ ‫ح عنه ‪ ،‬ل ّ‬ ‫على ابن عباس ول تص ّ‬
‫ح الجماع فيها منذ عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلى‬ ‫سوا)) وص ّ‬ ‫ستَأن ِ ُ‬
‫تَ ْ‬
‫ن هذا القول من ابن‬ ‫ول على مثل هذه الرواية‪ ،‬قال الرازي‪" :‬إعلم أ ّ‬ ‫الن‪ ،‬فل يع ّ‬
‫حة‬‫قل بالتواتر‪ ،‬ويقتضي ص ّ‬ ‫عبّاس فيه نظر‪ ،‬لنّه يقتضي الطعن في القرآن الذي ن ُ ِ‬
‫ل القرآن‪،‬‬ ‫فتح هذين البابين يطرق الش ّ‬
‫ك في ك ِّ‬ ‫قل بالتواتر‪ ،‬و َ‬‫القرآن الذي لم يُن ْ َ‬
‫وإنّه باطل"‪.18‬‬

‫ستَأن ِسوا)) خطأ‬


‫حتّى ت َ ْ‬
‫ن قوله تعالى‪َ (( :‬‬
‫وقال أبو حيان‪" :‬من روى عن ابن عبّاس أ ّ‬
‫مل ْ ِ‬
‫حدٌ في‬ ‫ستَأِذنُوا) فهو كافٌر في السلم‪ُ ،‬‬
‫م من الكاتب‪ ،‬وأنّه قرأ (حتى ت َ ْ‬
‫أو وه ٌ‬
‫الدين‪ ،‬وابن عباس بريءٌ من هذا القول‪.19‬‬

‫الثالثة‪ :‬روى عروة بن الزبير عن عائشة‪ :‬أنّه سألها عن قوله تعالى‪(( :‬لكن‬
‫ن‬
‫م قال‪(( :‬والمقيمين))‪ ،‬وفي المائدة‪(( :‬إ ّ‬ ‫الراسخون في العلم)) (النساء‪ ) 62 :4‬ث ّ‬
‫ن هذان لساحران)) (طه‬ ‫الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون))‪( ،‬المائدة‪ )69 :5‬و((إ ّ‬
‫‪ )63 :20‬فقالت يا بن أُختي‪ ،‬هذا عمل الكُتّاب‪ ،‬أخطأوا في الكتاب‪.20‬‬

‫ما قوله تعالى‪(( :‬والمقيمين)) فانّه على العطف يكون (والمقيمون) كما في‬ ‫أ ّ‬
‫ي والجمهور‬ ‫ب‬‫قراءة الحسن ومالك بن دينار‪ ،‬والذي في المصاحف وقراءة أ ُ‬
‫ّ‬
‫صب على المدح‪ ،‬أي وأعني المقيمين" وذكر له‬ ‫((والمقيمين)) قال سيبويه‪" :‬ن ُ ِ‬
‫شواهد وأمثلة من كلم العرب‪.21‬‬

‫ن الصواب‬‫ن هذا من لحن القرآن‪ ،‬وأ ّ‬ ‫قال اللوسي‪" :‬ول يُلْت َ َ‬


‫فت إلى من زعم أ ّ‬
‫(والمقيمون) بالواو‪ ..‬إذ ل كلم في نقل النظم متواتراً‪ ،‬فل يجوز اللحن فيه أصلً"‬
‫‪.22‬‬

‫ن‪.‬‬ ‫ف على مح ّ‬
‫ل اسم إ ّ‬ ‫ما قوله تعالى‪(( :‬والصابئون)) بالرفع فهو معطو ٌ‬
‫وأ ّ‬
‫ما لم يتبيّن فيه العراب‪ ،‬كالمضمر‬
‫قال الفراء‪" :‬ويجوز ذلك إذا كان السم م ّ‬
‫والموصول‪ ،‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬

‫ب‬
‫فإنّي وقياٌر بها لغري َ‬ ‫من ي ُ‬
‫ك أمسى بالمدينة رحله‬

‫وقد أجاز الكوفيون والبصريون الرفع‬ ‫المتكلّم"‪23‬‬ ‫برفع (قيار) عطفا ً على مح ّ‬
‫ل ياء‬
‫في الية واستدلّوا بنظائر من كلم العرب‪.‬‬

‫وقال صاحب المنار‪" :‬قد تجرأ بعض أعداء السلم على دعوى وجود الغلط النحوي‬
‫ع بين السخف‬ ‫في القرآن‪ ،‬وعدّ رفع (الصابئين) هنا من هذا الغلط‪ ،‬وهذا جم ٌ‬
‫والجهل‪ ،‬وإنّما جاءت هذه الجرأة من الظاهر المتبادر من قواعد النحو‪ ،‬مع جهل أو‬
‫ن النحو استنبط من اللغة‪ ،‬ولم تستنبط اللغة منه"‪.24‬‬
‫تجاهل أ ّ‬
‫ن القراءة التي عليها جمهور المسلمين‬‫ن)) فإ ّ‬
‫حرا ِ‬ ‫ن لَ َ‬
‫سا ِ‬ ‫هذا ِ‬
‫ن َ‬
‫ما قوله تعالى‪(( :‬إ ّ‬
‫وأ ّ‬
‫ة‪ ،‬ورفع‬
‫ة من الثقيلة غير عامل ٍ‬
‫هي تخفيف إن المكسورة الهمزة‪ ،‬فتكون مخفف ٌ‬
‫(هذان)‪.‬‬

‫ن زيد لمنطلق‪ ،‬واللم هي‬


‫ن هذان لساحران على قولك‪ :‬إ ّ‬ ‫قال الزمخشري‪" :‬إ ّ‬
‫الفارقة بين إن النافية والمخففة من الثقيلة"‪ ،25‬وعليه فل إشكال في هذه الية‪،‬‬
‫ول لحن من الكُتّاب!‬

‫قال الرازي‪" :‬لما كان نقل هذه القراءة في الشهرة كنقل جميع القرآن‪ ،‬فلو‬
‫حكمنا ببطلنها جاز مثله في جميع القرآن‪ ،‬وذلك يفضي إلى القدح في التواتر‪،‬‬
‫وإلى القدح في ك ِّ‬
‫ل القرآن‪ ،‬وإنّه باطل"‪.26‬‬

‫ن الحجاج بن يوسف غيّر في المصحف اثني عشر موضعاً‪ ،‬منها‪:‬‬


‫الرابعة‪ :‬روي أ ّ‬
‫‪.1‬‬

‫سنَّه)) بالهاء‪.‬‬ ‫س َّ‬


‫ن) فغيّرها ((لم يَت َ َ‬ ‫(لم يَت َ َ‬ ‫‪59‬‬ ‫كانت في سورة البقرة ‪:2‬‬
‫‪.2‬‬

‫ة ومنهاجاً))‪.‬‬ ‫ة ومنهاجاً) فغيّرها (( ِ‬


‫شرع ً‬ ‫(شريع ً‬ ‫‪48‬‬ ‫وكانت في سورة المائدة ‪:4‬‬
‫‪.3‬‬

‫(هو الذي ينشركم) فغيّرها ((هو الذي‬ ‫‪22‬‬ ‫وكانت في سورة يونس ‪:10‬‬
‫يسيّركم))‪.27‬‬

‫ة من (مصاحف السجستاني) برواية عباد ابن صهيب‬ ‫وهذه المثلة‪ ،‬وسواها منقول ٌ‬
‫مة الحديث والجرح والتعديل‪ ،‬ومغموٌز فيه بالكذب‬
‫‪ ،28‬وعباد متروك الحديث لدى أئ ّ‬
‫والختلق‪.29‬‬

‫قال السيد الخوئي‪" :‬هذه الدعوى تشبه هذيان المحمومين وخرافات المجانين‬
‫جاج واحدٌ من ولة بني أُمية‪ ،‬وهو أقصر باعا ً وأصغر قدرا ً من أن‬ ‫ن الح ّ‬
‫والطفال‪ ،‬فإ ّ‬
‫ء‪ ،‬بل هو أعجز من أن يغيّر شيئا ً من الفروع الِسلمية‪ ،‬فكيف‬ ‫ينال القرآن بشي ٍ‬
‫يغير ما هو أساس الدين وقوام الشريعة؟! ومن أين له القدرة والنفوذ في جميع‬
‫ممالك السلم وغيرها مع انتشار القرآن فيها؟ وكيف لم يذكر هذا الخطب العظيم‬
‫مؤرخ في تاريخه‪ ،‬ول ناقد في نقده مع ما فيه من الهمية‪ ،‬وكثرة الدواعي إلى‬
‫نقله؟ وكيف لم يتعرض لنقله واحد من المسلمين في وقته؟ وكيف أغضى‬
‫المسلمون عن هذا العمل بعد انقضاء عهد الحجاج وانتهاء سلطته؟ وهب أنّه تمكّن‬
‫ة واحدةٌ من أقطار‬ ‫من جمع نسخ المصاحف جميعها‪ ،‬ولم تشذّ عن قدرته نسخ ٌ‬
‫المسلمين المتباعدة‪ ،‬فهل تمكّن من إزالته عن صدور المسلمين وقلوب حفظة‬
‫القرآن وعددهم في ذلك الوقت ل يحصيه إل الله"‪ ،30‬وقد بيّنا في أدلّة نفي‬
‫ّ‬
‫ف منه‪ ،‬وقد بلغ من دقة‬ ‫ن خلفاء الصدر الول لم يجرأوا على حذف حر ٍ‬ ‫التحريف أ ّ‬
‫دم على ذلك‪ ،‬فكيف‬ ‫وتحّري المسلمين أن يهدّدوا برفع السيف في وجه من يُق ِ‬
‫فاظه أن يغيّر اثني عشر موضعاً‬ ‫جاج بعد اشتهار القرآن وتعدّد نسخه وح ّ‬ ‫يتمكّن الح ّ‬
‫من كتاب الله على مرأى ومسمع جمهور المسلمين ومصاحفهم؟"‬
‫(‪ )1‬الموافقات للشاطبي ‪.106 :3‬‬
‫(‪ )2‬مباحث في علوم القرآن‪.237 :‬‬
‫(‪ )3‬إظهار الحق ‪.90 :2‬‬
‫(‪ )4‬الحكام للمدي ‪ ،139 :3‬أُصول السرخسي ‪.67 :2‬‬
‫(‪ )5‬البرهان في علوم القرآن ‪.47 :2‬‬
‫(‪ )6‬البرهان في علوم القرآن ‪.43 :2‬‬
‫(‪ )7‬مناهل العرفان ‪.112 :2‬‬
‫(‪ )8‬التحقيق في نفي التحريف‪ ،279 :‬صيانة القرآن من التحريف‪.30 :‬‬
‫(‪ )9‬مباحث في علوم القرآن‪.265 :‬‬
‫(‪ )10‬فتح المنان‪.229 :‬‬
‫(‪ )11‬الفقه على المذاهب الربعة ‪.260 :4‬‬
‫(‪ )12‬الفرقان‪.157 :‬‬
‫(‪ )13‬التقان ‪.321 ،320 :2‬‬
‫(‪ )14‬تاريخ القرآن الكردي‪ ،65 :‬التفسير الكبير ‪ ،105 :11‬تفسير النيسابوري ‪ 23 :6‬المطبوع في هامش‬
‫تفسير الطبري‪ ،‬تفسير الخازن ‪.422 :1‬‬
‫(‪ )15‬روح المعاني ‪.13 :6‬‬
‫‪،373‬‬ ‫(‪ )16‬أُنظر وفيات العيان ‪ ،319 :1‬ميزان العتدال ‪ ،93 :3‬المغني في الضعفاء ‪ ،84 :2‬الضعفاء الكبير ‪:3‬‬
‫طبقات ابن سعد ‪ ،287 :5‬تهذيب الكمال ‪.263 :7‬‬
‫(‪ )17‬التقان ‪ ،327 :2‬لباب التأويل ‪ ،324 :3‬فتح الباري ‪.7 :11‬‬
‫(‪ )18‬التفسير الكبير ‪.196 :23‬‬
‫(‪ )19‬البحر المحيط ‪.445 :6‬‬
‫(‪ )20‬التقان ‪.320 :2‬‬
‫(‪ )21‬الكتاب ‪ 288 :1‬ـ ‪.291‬‬
‫(‪ )22‬روح المعاني ‪.13 :6‬‬
‫(‪ )23‬معاني القرآن ‪ ،310 :1‬مجمع البيان ‪ ،346 :3‬صيانة القرآن من التحريف‪.183 :‬‬
‫(‪ )24‬تفسير المنار ‪.478 :6‬‬
‫(‪ )25‬الكشاف ‪.72 :3‬‬
‫(‪ )26‬التفسير الكبير ‪.75 :22‬‬
‫(‪ )27‬الفرقان‪.50 :‬‬
‫(‪ )28‬المصاحف‪.49 :‬‬
‫(‪ )29‬أُنظر المغني ‪. 3037 | 326 : 2‬‬
‫(‪ )30‬البيان في تفسير القرآن ‪:‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------‬‬

‫الطائفة الثالثة‪ :‬الروايات الدالّة على الزيادة‬


‫‪ .1‬روي عن عبد الرحمن بن يزيد أنّه قال‪" :‬كان عبدالله بن مسعود يح ّ‬
‫ك المعوذتين‬
‫من مصحفه‪ ،‬ويقول‪ :‬إنّهما ليستا من كتاب الله"‪.1‬‬

‫‪ .2‬وروي عن عبد الله بن مسعود أنّه لم يكتب الفاتحة في مصحفه‪ ،‬وكذلك أُبي بن‬
‫ع على‬‫ن التحريف بالزيادة في القرآن مجم ٌ‬ ‫كعب ‪ .2‬تقدّم في معنى التحريف أ ّ‬
‫ة وحرفاً‬ ‫بطلنه‪ ،‬لنه يفضي إلى التشكيك في كتاب الله المتواتر يقينا ً كلم ً‬
‫ة كلم ً‬
‫حرفاً‪ ،‬ومن ينكر شيئا ً من القرآن فإنّه يخرج عن الدين‪ ،‬والنقل عن ابن مسعود‬
‫ن‬
‫ف لما أجمع عليه المسلمون منذ عهد الرسالة وإلى اليوم من أ ّ‬ ‫ح‪ ،‬ومخال ٌ‬
‫غير صحي ٍ‬
‫الفاتحة والمعوذتين من القرآن العزيز‪..‬‬

‫والرأي السائد بين العلماء في هاتين الروايتين هو إنكار نسبتهما إلى ابن مسعود‪،‬‬
‫وقالوا‪" :‬إن النقل عنه باطل ومكذوب عليه‪ "،‬كما صّرح به الرازي وابن حزم‬
‫والنووي والقاضي أبو بكر والباقلني وابن عبد الشكور وابن المرتضى وغيرهم‪،3‬‬
‫ن الرواية شاذّة ومولّدة‪ 4".‬واستدلّوا على الوضع في هاتين‬‫وقال الباقلني‪" :‬إ ّ‬
‫الروايتين بما روي من قراءة عاصم عن زّر ابن حبيش عن عبد الله بن مسعود‪،‬‬
‫وفيها الفاتحة والمعوذتين‪ ،‬فلو كان ينكر كون هذه السور من القرآن ل َ َ‬
‫ما قرأهما‬
‫لزر بن حبيش‪ ،‬وطريق القراءة صحيح عند العلماء ‪.5‬‬
‫ن ابن مسعود أسقط المعوذتين من مصحفه إنكارا ً لكتابتهما‪ ،‬ل جحداً‬ ‫وقيل إ ّ‬
‫وذ بهما‬ ‫لكونها قرآنا ً يُتلى‪ ،‬أو لنّه سمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يع ّ‬
‫ما تبيّن له‬‫ن أنّهما ليستا من القرآن‪ ،‬فل ّ‬
‫الحسن والحسين (عليهما السلم)‪ ،‬فظ ّ‬
‫م التواتر‪ ،‬وانعقد الجماع على ذلك‪ ،‬كان في مقدمة من آمن‬ ‫قرآنيتهما بعدُ‪ ،‬وت َّ‬
‫بأنّهما من القرآن فقرأهما لزّر بن حبيش‪ ،‬وأخذهما عاصم عن زّر ‪.6‬‬
‫(‪ )1‬مسند أحمد ‪ ،129 :5‬الثار ‪ ،33 :1‬التفسير الكبير ‪ ،213 :1‬مناهل العرفان ‪ ،268 :1‬الفقه على المذاهب‬
‫الَربعة ‪ ،258 :4‬مجمع الزوائد ‪.149 :7‬‬
‫خار ‪.249‬‬
‫(‪ )2‬الجامع لحكام القرآن ‪ ،251 :20‬الفهرست لبن النديم‪ ،29 :‬المحاضرات ‪ ،434 | 4 :2‬البحر الز ّ‬
‫خار ‪،249 :2‬‬
‫(‪ )3‬التفسير الكبير ‪ ،213 :1‬فواتح الرحموت بهامش المستصفى ‪ ،9 :2‬التقان ‪ ،79 :1‬البحر الز ّ‬
‫المحلّى ‪.13 :1‬‬
‫(‪ )4‬اعجاز القرآن بهامش التقان ‪.194 :2‬‬
‫(‪ )5‬أُنظر البرهان للزركشي ‪ ،128 :2‬شرح الشفاء للقاري ‪ ،315 :2‬فواتح الرحموت ‪ ،9 :2‬مناهل العرفان ‪:1‬‬
‫‪ ،269‬المحلى ‪.13 :1‬‬
‫(‪ )6‬شرح الشفاء ‪ ،315 :2‬مناهل العرفان ‪.269 :1‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------‬‬

‫جمع القرآن‬
‫مراحل جمع القرآن‬
‫ن مراحل الجمع ثلث‪:‬‬
‫صل من جميع الروايات الواردة في جمع القرآن أ ّ‬
‫المتح ّ‬
‫فظ في‬ ‫ح ِ‬
‫ث ُ‬ ‫الولى‪ :‬بحضرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حفظا ً وكتاب ً‬
‫ة‪ ،‬حي ُ‬
‫الصدور‪ ،‬وكُت ِب على السطور في قراطيس وألواح من الرقاع والعسب واللخاف‬
‫والكتاف وغيرها‪ .‬أخرج الحاكم بسند صحيح على شرط الشيخين‪ ،‬عن زيد بن ثابت‪،‬‬
‫قال‪" :‬كنّا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نؤلّف ـ أي‪ :‬نكتب ـ القرآن‬
‫من الرقاع"‪1‬‬

‫الثانية‪ :‬على عهد أبي بكر‪ ،‬وذلك بانتساخه من العسب والرقاع وصدور الرجال‬
‫ف واحد‪.‬‬
‫وجعله في مصح ٍ‬
‫الثالثة‪ :‬ترتيب السور على عهد عثمان بن ع ّ‬
‫فان‪ ،‬وحمل الناس على قراءة واحدة‪،‬‬
‫دة مصاحف أرسلها إلى المصار‪ ،‬وأحرق باقي المصاحف‪.‬‬‫وكتب منه ع ّ‬
‫جمع القرآن وشبهة التحريف‬

‫ست فيها‬ ‫ن موضوع جمع القرآن من الموضوعات التي أُثيرت حولها الشبهات‪ ،‬ودُ َّ‬ ‫إ ّ‬
‫ن في القرآن تحريفا ً وتغييرا‪ً،‬‬
‫الروايات‪ ،‬وتذّرع بها القائلون بالتحريف فزعموا أ ّ‬
‫ة في العادة‬ ‫ن كيفية جمعه بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مستلزم ٌ‬ ‫وأ ّ‬
‫ء منه على‬ ‫ن العادة تقتضي فوات شي ٍ‬ ‫ثإ ّ‬
‫لوقوع هذا التحريف والتغيير فيه‪ ،‬حي ُ‬
‫المتصدّي لذلك إذا كان غير معصوم‪.‬‬

‫من ل صناعة لهم إل ّ الظ ّ‬


‫ن والتأويل‬ ‫قال الرافعي‪" :‬ذهب جماعة من أهل الكلم م ّ‬
‫ل قول إلى جواز أن يكون قد‬ ‫ل حكم ٍ ومن ك ِّ‬
‫واستخراج الساليب الجدلية من ك ِّ‬
‫سقط عنهم من القرآن شيءٌ حمل ً على ما وصفوه من كيفية جمعه"‪.2‬‬

‫ن امتداد زمان جمع القرآن إلى ما بعد حروب اليمامة‪ ،‬كما نطقت به الروايات‪،‬‬ ‫إ ّ‬
‫وتضارب الخبار الواصفة لطريقة جمعه‪ ،‬أثارا الشبهة لدى الكثيرين‪ ،‬فعن الثوري‬
‫ن أُناسا ً من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا‬
‫أنّه قال‪" :‬بلغنا أ ّ‬
‫يقرأون القرآن‪ ،‬أُصيبوا يوم مسيلمة‪ ،‬فذهبت حروف من القرآن"‪.3‬‬

‫ن حقيقة جمع القرآن في عهد الرسول الكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) تُعدّ‬ ‫إ ّ‬
‫من الحقائق التاريخية الناصعة‪ ،‬التي ل تحتاج إلى مزيد من البحث والستقصاء‬
‫ل القاويل والشبهات‪،‬‬ ‫ة لك ّ‬‫ة تاريخيا ً دامغ ً‬
‫وإثارة الشبهات‪ ،‬وتعدّ أيضا ً ضرورةً ثابت ً‬
‫س من الخبار والروايات حول هذه المسألة‪.‬‬ ‫ولكل ما دُ ّ‬
‫(‪ )1‬المستدرك ‪.611 :2‬‬
‫(‪ )2‬إعجاز القرآن‪.41 :‬‬
‫(‪ )3‬الدر المنثور ‪.179 :5‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------‬‬

‫جمع القرآن وشبهة التحريف‬


‫ست فيها‬ ‫ن موضوع جمع القرآن من الموضوعات التي أُثيرت حولها الشبهات‪ ،‬ودُ َّ‬ ‫إ ّ‬
‫ن في القرآن تحريفا ً وتغييراً‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫فزعموا‬ ‫بالتحريف‬ ‫القائلون‬ ‫بها‬ ‫رع‬
‫ّ‬ ‫وتذ‬ ‫الروايات‪،‬‬
‫ة في العادة‬ ‫ن كيفية جمعه بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مستلزم ٌ‬ ‫وأ ّ‬
‫ء منه على‬ ‫ن العادة تقتضي فوات شي ٍ‬ ‫ثإ ّ‬
‫لوقوع هذا التحريف والتغيير فيه‪ ،‬حي ُ‬
‫المتصدّي لذلك إذا كان غير معصوم‪.‬‬

‫من ل صناعة لهم إل ّ الظ ّ‬


‫ن والتأويل‬ ‫قال الرافعي‪" :‬ذهب جماعة من أهل الكلم م ّ‬
‫ل قول إلى جواز أن يكون قد‬ ‫ل حكم ٍ ومن ك ِّ‬
‫واستخراج الساليب الجدلية من ك ِّ‬
‫سقط عنهم من القرآن شيءٌ حمل ً على ما وصفوه من كيفية جمعه"‪.1‬‬

‫ن امتداد زمان جمع القرآن إلى ما بعد حروب اليمامة‪ ،‬كما نطقت به الروايات‪،‬‬ ‫إ ّ‬
‫وتضارب الخبار الواصفة لطريقة جمعه‪ ،‬أثارا الشبهة لدى الكثيرين‪ ،‬فعن الثوري‬
‫ن أُناسا ً من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا‬
‫أنّه قال‪" :‬بلغنا أ ّ‬
‫يقرأون القرآن‪ ،‬أُصيبوا يوم مسيلمة‪ ،‬فذهبت حروف من القرآن"‪.2‬‬

‫ن حقيقة جمع القرآن في عهد الرسول الكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) تُعدّ‬ ‫إ ّ‬
‫من الحقائق التاريخية الناصعة‪ ،‬التي ل تحتاج إلى مزيد من البحث والستقصاء‬
‫ل القاويل والشبهات‪،‬‬ ‫ة لك ّ‬‫ة تاريخيا ً دامغ ً‬
‫وإثارة الشبهات‪ ،‬وتعدّ أيضا ً ضرورةً ثابت ً‬
‫س من الخبار والروايات حول هذه المسألة‪.‬‬ ‫ولكل ما دُ ّ‬
‫أدلّة جمع القرآن في زمان الرسول‬
‫ن القرآن كان مجموعا ً على عهد رسول الله (صلى الله‬ ‫أجمع علماء المامية على أ ّ‬
‫عليه وآله وسلم) وأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يترك دنياه إلى آخرته إل ّ بعد‬
‫أن عارض ما في صدره بما في صدور الحفظة الذين كانوا كثرة‪ ،‬وبما في مصاحف‬
‫الذين جمعوا القرآن في عهده (صلى الله عليه وآله وسلم)‪ ،‬وقد اعتُبِر ذلك بحكم‬
‫ع كبيٌر من علماء أهل السنة‪ ،‬وجميع الشواهد‬ ‫ما علم ضرورة‪ ،‬ويوافقهم عليه جم ٌ‬
‫ة على ذلك‪ ،‬واليك بعضها‪:‬‬ ‫والدلة والروايات قائم ٌ‬
‫‪ 1‬ـ اهتمام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والصحابة بحفظ القرآن وتعليمه‬
‫ث على حفظه‪ ،‬قوله (صلى‬ ‫ما روي من الح ّ‬‫وقراءته وتلوة آياته بمجرد نزولها‪ ،‬وم ّ‬
‫الله عليه وآله وسلم)‪" :‬من قرأ القرآن حتى يستظهره ويحفظه‪ ،‬أدخله الله الجنّة‪،‬‬
‫فعه في عشرة من أهل بيته كلّهم قد وجبت لهم النار"‪ ،3‬وفي هذا المعنى‬ ‫وش ّ‬
‫وحول تعليم القرآن أحاديث ل تحصى كثرة‪ ،‬فعن عبادة بن الصامت قال‪" :‬كان‬
‫ل منّا يعلّمه‬
‫الرجل إذا هاجره دفعه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى رج ٍ‬
‫جة بتلوة القرآن حتى أمرهم رسول الله‬ ‫القرآن‪ ،‬وكان لمسجد رسول الله ض ّ‬
‫(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يخفضوا أصواتهم لئل يتغالطوا"‪.4‬‬

‫فاظ القرآن بشكل ملحوظ لتوفر الدواعي لحفظه‪ ،‬ولما فيه من‬ ‫ح ّ‬
‫وقد ازداد عدد ُ‬
‫ث من لدن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والجر والثواب الذي‬ ‫الح ّ‬
‫قه الحافظ عند الله تعالى ‪ ،‬والمنزلة الكبيرة والمكانة المرموقة التي يتمتّع‬ ‫يستح ّ‬
‫بها بين الناس ‪ ،‬وحسبك ما يقال عن كثرتهم على عهد الرسول (صلى الله عليه‬
‫قت ِل منهم سبعون في غزوة بئر معونة خلل حياته‬ ‫وآله وسلم) وبعد عهده أن ُ‬
‫ُ‬
‫(صلى الله عليه وآله وسلم)‪ ،‬وقتل أربعمائة ـ وقيل‪ :‬سبعمائة ـ منهم في حروب‬
‫اليمامة عقيب وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)‪ ،‬وحسبك من كثرتهم أيضا ً أنّه‬
‫م ورقة بنت عبد الله ابن الحارث‪ ،‬وكان رسول الله (صلى‬ ‫كان منهم سيّدة‪ ،‬وهي أ ُّ‬
‫ميها الشهيدة‪ ،‬وقد أمرها رسول الله (صلى الله‬ ‫الله عليه وآله وسلم) يزورها ويس ّ‬
‫م أهل دارها‪.5‬‬ ‫عليه وآله وسلم) أن تؤ ّ‬
‫ة كان‬ ‫ما حفظ بعض السور فقد كان مشهورا ً ورائجا ً بين المسلمين‪ ،‬وك ّ‬
‫ل قطع ٍ‬ ‫أ ّ‬
‫ل أو‬ ‫يحفظها جماعة كبيرة أقلّهم بالغون حدّ التواتر‪ ،‬وق ّ‬
‫ل أن يخلو من ذلك رج ٌ‬
‫ن المسلمة قد تجعل مهرها تعليم‬ ‫أمرأةٌ منهم‪ ،‬وقد اشتدّ اهتمامهم بالحفظ حتى إ ّ‬
‫سورة من القرآن أو أكثر‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ ل يرتاب أحدٌ أنّه كان من حول الرسول الكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)‬
‫كُتّاب يكتبون ما يملي عليهم من لسان الوحي ‪ ،‬وكان (صلى الله عليه وآله وسلم)‬
‫د صحيح عن زيد بن ثابت ‪ ،‬قال‪" :‬كنّا عند رسول‬‫قد رتّبهم لذلك ‪ ،‬روى الحاكم بسن ٍ‬
‫الله صلى الله عليه وآله وسلم نؤلّف القرآن من الرقاع"‪.6‬‬

‫ص المؤرخون على أسماء كُتّاب الوحي ‪ ،‬وأنهاهم البعض إلى اثنين وأربعين‬ ‫وقد ن ّ‬
‫رجل ً ‪ ،‬وكان صلى الله عليه وآله وسلم كلّما نزل شيءٌ من القرآن أمر بكتابته‬
‫لساعته ‪ ،‬روى البراء‪ :‬أنّه عند نزول قوله تعالى‪(( :‬ل يستوي القاعدون من‬
‫ع لي‬
‫المؤمنين)) (النساء‪ )95 :4‬قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)‪" :‬اد ُ‬
‫م قال‪ :‬اكتب ((ل يستوي‪.7"))...‬‬‫قل يجيء بالكتف والدواة واللّوح‪ ،‬ث ّ‬‫زيداً‪ ،‬و ُ‬

‫وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يشرف بنفسه مباشرة على ما يُكْتَب ويراقبه‬
‫ت أكتب الوحي‬ ‫ححه بمجرد نزول الوحي‪ ،‬روي عن زيد بن ثابت قال‪" :‬كن ُ‬ ‫ويص ّ‬
‫ه برحاء‬‫خذَت ْ ُ‬
‫لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)‪ ،‬وكان إذا نزل عليه الوحي أ َ‬
‫ي‪ ،‬فإذا‬
‫شديدة‪ ...‬فكنت أدخل عليه بقطعة الكتف أو كسرة‪ ،‬فأكتب وهو يُملي عل ّ‬
‫م أخرج إلى الناس"‪.8‬‬ ‫فرغت قال‪' :‬اقرأه'‪ ،‬فأقرؤه‪ ،‬فإن كان فيه سقط أقامه‪ ،‬ث ّ‬
‫ن رسول الله (صلى الله‬ ‫ما في مفّرقات اليات فقد روي عن ابن عباس‪ ،‬قال‪" :‬إ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫عليه وآله وسلم) كان إذا نزل عليه الشيء دعا من كان يكتب فيقول‪' :‬ضعوا هذه‬
‫قة والضبط‬‫اليات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا'"‪ 9‬وذلك منتهى الد ّ‬
‫والكمال‪.‬‬

‫ن جبرئيل كان يعارض رسول الله (صلى الله عليه‬ ‫‪ 3‬ـ روي في أحاديث صحيحة "أ ّ‬
‫وآله وسلم) القرآن في شهر رمضان‪ ،‬في ك ِّ‬
‫ل عام ٍ مّرة‪ ،‬وأنّه عارضه عام وفاته‬
‫مّرتين"‪ 10‬وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعرض ما في صدره على‬
‫ما في صدور الحفظة الذين كانوا كثرة‪ ،‬وكان أصحاب المصاحف منهم يعرضون‬
‫ن الذين عرضوا‬‫القرآن على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)‪ ،‬فعن الذهبي‪" :‬أ ّ‬
‫القرآن على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سبعة‪ :‬عثمان بن عفان‪ ،‬وعلي بن‬
‫أبي طالب‪ ،‬وعبد الله بن مسعود‪ ،‬وأُبي ابن كعب‪ ،‬وزيد بن ثابت‪ ،‬وأبو موسى‬
‫الشعري‪ ،‬وأبو الدرداء"‪.11‬‬

‫ن العرضة الخيرة كانت على مصحف زيد بن ثابت"‪ ،12‬وفي‬


‫وعن ابن قتيبة‪" :‬أ ّ‬
‫ن العرضة الخيرة كانت على مصحف عبد الله‬
‫رواية ابن عبد البّر عن أبي ظبيان‪" :‬أ ّ‬
‫بن مسعود"‪.13‬‬

‫ن الصحابة كانوا يختمون القرآن من أوله إلى آخره‪،‬‬ ‫‪ 4‬ـ وفي عديد من الروايات أ ّ‬
‫ً‬
‫وكان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد شّرع لهم أحكاما في ذلك‪ ،‬وكان‬
‫ن لصاحب‬ ‫يحثّهم على ختمه‪ ،‬فقد روي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال‪" :‬إ ّ‬
‫ة"‪ .14‬وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال‪:‬‬ ‫ل ختم دعوةً مستجاب ٍ‬ ‫القرآن عند ك ِّ‬
‫س فذلك عمل‬ ‫ٍ‬ ‫خم‬ ‫في‬ ‫قرأه‬ ‫ومن‬ ‫المقربين‪،‬‬ ‫عمل‬ ‫فذلك‬ ‫ع‬
‫ٍ‬ ‫سب‬ ‫في‬ ‫القرآن‬ ‫"من قرأ‬
‫الصدّيقين"‪ .15‬وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال‪" :‬من شهد فاتحة الكتاب‬
‫حين يستفتح كان كمن شهد فتحا ً في سبيل الله‪ ،‬ومن شهد خاتمته حين يختمه‬
‫وله من‬‫ن القرآن كان مجموعا ً معروفا ً أ ّ‬ ‫كان كمن شهد الغنائم"‪ .16‬ومعنى ذلك أ ّ‬
‫آخره على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)‪ ،‬فعن محمد بن كعب‬
‫من يختم القرآن ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)‬ ‫القرظي‪ ،‬قال‪" :‬كان م ّ‬
‫ن جماعة من‬ ‫ّ‬ ‫"إ‬ ‫الطبرسي‪:‬‬ ‫وقال‬ ‫‪.‬‬‫‪17‬‬ ‫مسعود"‬ ‫بن‬ ‫الله‬ ‫وعبد‬ ‫ي‪،‬‬
‫ي‪ :‬عثمان‪ ،‬وعل ّ‬ ‫ح ّ‬
‫ي‬ ‫ُ‬
‫الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وأبي ابن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النب ّ‬
‫(صلى الله عليه وآله وسلم) عدّة ختمات"‪.18‬‬

‫وروي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) "أنّه قد أمر عبد الله بن عمرو بن العاص‬
‫ل ـ أو ثلث ـ مّرة‪ ،‬وقد كان يختمه في كل ليلة"‬ ‫بأن يختم القرآن في ك ِّ‬
‫ل سبع ليا ٍ‬
‫ي (صلى الله عليه وآله وسلم) سعد بن المنذر أن يقرأ القرآن في‬ ‫‪ .19‬وأمر النب ّ‬
‫ثلث‪ ،‬فكان يقرؤه كذلك حتى تُوفي‪.20‬‬

‫ونون القرآن في صحف وقراطيس ول يكتفون بالحفظ‬ ‫‪ 5‬ـ كان الصحابة يد ّ‬


‫ً‬
‫ن رجل من قريش‬ ‫ّ‬
‫والتلوة‪ ،‬فلعلك قرأت ما روي في إسلم عمر بن الخطاب‪" :‬أ ّ‬
‫قال له‪ :‬أختك قد صبأت ؛ أي خرجت عن دينك‪ ،‬فرجع إلى أخته ودخل عليها بيتها‪،‬‬
‫ة في ناحية‬ ‫ما سكت عنه الغضب نظر فإذا صحيف ٌ‬ ‫ج بها وجهها‪ ،‬فل ّ‬ ‫ولطمها لطمة ش ّ‬
‫البيت‪ ،‬فيها ((بسم الله الرحمن الرحيم‪ ،‬سبّح لله ما في السماوات والرض وهو‬
‫العزيز الحكيم‪( ))...‬الحديد‪ )1 :57‬واطّلع على صحيفة أُخرى فوجد فيها ((بسم الله‬
‫الرحمن الرحيم‪ ،‬طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى‪( ))...‬طه‪ )1 :20‬فأسلم بعدما‬
‫ل على أنهم كانوا‬ ‫ز ليس من قول البشر"‪ ،21‬وهذا يد ّ‬‫وجد نفسه بين يدي كلم ٍ معج ٍ‬
‫يكتبون بإملء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأن هذا المكتوب كان يتناقله‬
‫الناس‪.‬‬

‫‪ 6‬ـ جمع القرآن طائفة من الصحابة على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله‬
‫وسلم)‪ ،‬هم أربعة على ما في رواية عبد الله بن عمرو‪ ،‬وأنس بن مالك‪ ،22‬وقيل‪:‬‬
‫خمسة كما في رواية محمد بن كعب القرظي‪ ،23‬وقيل‪ :‬ستة كما في رواية الشعبي‬
‫‪ ،24‬وكذا عدّهم ابن حبيب في (المحبّر)‪ ،25‬وأنهاهم ابن النديم في (الفهرست) إلى‬
‫فاظ القرآن على عهد رسول‬ ‫نح ّ‬
‫سبعة‪ ،26‬وليس المراد من الجمع هنا الحفظ‪ ،‬ل ّ‬
‫الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا أكثر من أن تُحصى أسماؤهم في أربعة أو‬
‫ماع القرآن‬
‫ج ّ‬
‫سبعة‪ ،‬كما تقدّم بيانه في الدليل الول‪ ،‬وفيما يلي قائمة بأسماء ُ‬
‫ة من جميع الروايات‬
‫على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي حصيل ٌ‬
‫الواردة بهذا الشأن ؛ وهم‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ أُبي بن كعب‪ 2 .‬ـ أبو أيوب النصاري‪ 3 .‬ـ تميم الداري‪ 4 .‬ـ أبو الدرداء‪ 5 .‬ـ أبو زيد‬
‫ثابت بن زيد بن النعمان‪ 6 .‬ـ زيد بن ثابت‪ 7 .‬ـ سالم مولى أبي حذيفة‪ 8 .‬ـ سعيد بن‬
‫عبيد بن النعمان‪ ،‬وفي الفهرست‪ :‬سعد‪ 9 .‬ـ عبادة بن الصامت‪ 10 .‬ـ عبد الله بن‬
‫عمرو بن العاص‪ 11 .‬ـ عبد الله بن مسعود‪ 12 .‬ـ عبيد بن معاوية بن زيد‪ 13 .‬ـ عثمان‬
‫ي بن أبي طالب‪ 15 .‬ـ قيس بن السكن‪ 16 .‬ـ قيس بن أبي صعصعة‬ ‫بن عفان‪ 14 .‬ـ عل ّ‬
‫م ورقة‬ ‫ُ‬
‫بن زيد النصاري‪ 17 .‬ـ مجمع بن جارية‪ 18 .‬ـ معاذ بن جبل بن أوس‪ 19 .‬ـ أ ّ‬
‫ي عليه‬ ‫بنت عبد الله بن الحارث‪ ،‬وبعض هؤلء كان لهم مصاحف مشهورة كعل ّ‬
‫السلم وعبد الله بن مسعود‪.‬‬

‫ح‬
‫ر من آياته الكريمة‪ ،‬ول يص ّ‬ ‫‪ 7‬ـ إطلق لفظ الكتاب على القرآن الكريم في كثي ٍ‬
‫إطلق الكتاب عليه وهو في الصدور‪ ،‬بل لبدّ أن يكون مكتوبا ً مجموعاً‪ ،‬وكذا ورد‬
‫في الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)‪" :‬إنّي تار ٌ‬
‫ك فيكم الثقلين‪:‬‬
‫ل على أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قد تركه‬ ‫كتاب الله‪ ،‬وعترتي"‪ ،27‬وهو دلي ٌ‬
‫مكتوبا ً في السطور على هيئة كتاب‪.‬‬

‫ن المصاحف كانت موجودة على عهد رسول الله‬ ‫‪ 8‬ـ تفيد طائفة من الحاديث أ ّ‬
‫م وبعضها ناقص‪ ،‬وكانوا‬‫ّ‬ ‫تا‬ ‫بعضها‬ ‫الصحابة‪،‬‬ ‫عند‬ ‫(صلى الله عليه وآله وسلم)‬
‫يقرأونها ويتداولونها‪ ،‬وقرر لها الرسول الكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)‬
‫ة من الحكام‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫طائف ً‬
‫عن أوس الثقفي‪ ،‬قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)‪" :‬قراءة الرجل في‬
‫غير المصحف ألف درجة‪ ،‬وقراءته في المصحف تضاعف على ذلك ألفي درجة"‪.28‬‬

‫وعن عائشة‪ ،‬عن رسوللله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال‪"+ :‬النظر في‬
‫المصحف عبادة"‪29‬‬

‫وعن ابن مسعود‪ ،‬عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال‪" :‬أديموا النظر‬
‫في المصحف"‪.30‬‬

‫وعن أبي سعيد الخدري‪ ،‬عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)‪" :‬أعطوا‬
‫أعينكم حظّها من العبادة‪ "،‬قالوا‪" :‬وما حظّها من العبادة‪ ،‬يا رسول الله؟" قال‪:‬‬
‫"النظر في المصحف‪ ،‬والتفكّر فيه‪ ،‬والعتبار عند عجائبه"‪.31‬‬

‫متي تلوة القرآن نظراً"‪.32‬‬ ‫ُ‬


‫وقال (صلى الله عليه وآله وسلم)‪" :‬أفضل عبادة أ ّ‬

‫وقال (صلى الله عليه وآله وسلم)‪" :‬من قرأ القرآن نظرا ً ُ‬
‫متّع ببصره مادام في‬
‫الدنيا"‪.33‬‬

‫ن إطلق لفظ المصحف على الكتاب الكريم لم يكن‬ ‫ل على أ ّ‬‫ل هذه الروايات تد ّ‬ ‫وك ّ‬
‫خرا ً إلى زمان الخلفاء‪ ،‬كما صرحت به بعض الروايات‪ ،‬بل كان القرآن مجموعاً‬ ‫متأ ّ‬
‫ن‬‫في مصحف منذ عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)‪ .‬ونزيد على ما تقدّم أ ّ‬
‫رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان لديه مصحف أيضاً‪ ،‬ففي حديث عثمان‬
‫بن أبي العاص حين جاء وفد ثقيف إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال‬
‫ت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسألته مصحفا ً كان‬ ‫عثمان‪" :‬فدخل ُ‬
‫عنده فأعطانيه"‪ ،34‬بل وترك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مصحفا ً في‬
‫بيته خلف فراشه ـ ل حسبما صرحت به بعض الروايات ـ مكتوبا ً في العسب والحرير‬
‫ي عليه السلم‪:‬‬ ‫والكتاف‪ ،‬وقد أمر عليّا ً عليه السلم بأخذه وجمعه‪ ،‬قال المام عل ّ‬
‫ن أن ل أرتدي برداء إل ّ إلى الصلة حتّى أجمعه"‪ .35‬فجمعه عليه السلم‪،‬‬ ‫"آليت بيمي ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وكان مشتمل على التنزيل والتأويل‪ ،‬ومرتّبا وفق النزول على ما مضى بيانه‪.‬‬
‫ن القرآن قد كتب كله على عهد‬ ‫ة قاطعة وبراهين ساطعة على أ ّ‬ ‫وجميع ما تقدّم أدل ّ ٌ‬
‫النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تدوينا ً في السطور علوة على حفظه في‬
‫ول وآخر‪ ،‬وكان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يشرف‬ ‫الصدور‪ ،‬وكان له أ ّ‬
‫ء في المكان الذي ينبغي أن يكون فيه‪ ،‬إذن فكيف يمكن‬ ‫ل شي ٍ‬‫بنفسه على وضع ك ّ‬
‫خر إلى زمان خلفة أبي بكر‪ ،‬وإنّه احتاج إلى شهادة‬
‫ن جمع القرآن قد تأ ّ‬ ‫أن يقال إ ّ‬
‫شاهدين يشهدان أنّهما سمعاه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟‬
‫(‪ )1‬اعجاز القرآن‪.41 :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المنثور ‪.179 :5‬‬
‫(‪ )3‬مجمع البيان ‪.85 :1‬‬
‫(‪ )4‬مناهل العرفان ‪ ،234 :1‬مسند أحمد ‪ ،324 :5‬تاريخ القرآن للصغير‪ ،80 :‬مباحث في علوم القرآن‪،121 :‬‬
‫حياة الصحابة ‪ ،260 :3‬مستدرك الحاكم ‪.356 :3‬‬
‫(‪ )5‬التقان ‪.250 :1‬‬
‫(‪ )6‬المستدرك ‪.611 :2‬‬
‫(‪ )7‬كنز العمال ‪ :2‬حديث ‪.4340‬‬
‫(‪ )8‬مجمع الزوائد ‪.152 :1‬‬
‫(‪ )9‬المستدرك ‪ ،222 :2‬الجامع الصحيح للترمذي ‪ ،272 :5‬تاريخ اليعقوبي ‪ ،43 :2‬البرهان للزركشي ‪،304 :1‬‬
‫مسند أحمد ‪ 57 :1‬و ‪ ،69‬تفسير القرطبي ‪.60 :1‬‬
‫(‪ )10‬كنز العمال ‪ :12‬حديث ‪ ،34214‬مجمع الزوائد ‪ ،23 :9‬صحيح البخاري ‪.319 :6‬‬
‫(‪ )11‬البرهان للزركشي ‪.306 :1‬‬
‫(‪ )12‬المعارف‪.260 :‬‬
‫(‪ )13‬الستيعاب ‪.992 :3‬‬
‫(‪ )14‬كنز العمال ‪513 :1‬حديث ‪.2280‬‬
‫(‪ )15‬كنز العمال ‪538 :1‬حديث ‪.2417‬‬
‫(‪ )16‬كنز العمال ‪524 :1‬حديث ‪.2430‬‬
‫(‪ )17‬الجامع لَحكام القرآن ‪.58 :1‬‬
‫(‪ )18‬مجمع البيان ‪.84 :1‬‬
‫(‪ )19‬سنن الدارمي ‪ ،471 :2‬سنن أبي داود ‪ ،54 :2‬الجامع الصحيح للترمذي ‪ ،196 :5‬مسند أحمد ‪.163 :2‬‬
‫(‪ )20‬مجمع الزوائد ‪.171 :7‬‬
‫(‪ )21‬الموسوعة القرآنية ‪.352 :1‬‬
‫(‪ )22‬مناهل العرفان ‪ ،236 :1‬الجامع لَحكام القرآن ‪ ،56 :1‬أُسد الغابة ‪ ،216 :4‬الجامع الصحيح ‪.666 :5‬‬
‫(‪ )23‬طبقات ابن سعد ‪ :2‬قسم ‪ ،113 | 2‬فتح الباري ‪ ،48 :9‬مناهل العرفان ‪ ،237 :1‬حياة الصحابة ‪.221 :3‬‬
‫(‪ )24‬طبقات ابن سعد ‪ :2‬قسم ‪ ،112 | 2‬البرهان للزركشي ‪ ،305 :1‬الصابة ‪ ،50 :2‬مجمع الزوائد ‪.312 :9‬‬
‫(‪ )25‬المحبر‪.286 :‬‬
‫(‪ )26‬الفهرست‪.41 :‬‬
‫(‪ )27‬صحيح مسلم ‪ ،1873 :4‬سنن الترمذي ‪ ،662 :5‬سنن الدارمي ‪ ،431 :2‬مسند أحمد ‪ 367 :4‬و ‪ 371‬و ‪:5‬‬
‫‪ ،182‬المستدرك ‪.148 :3‬‬
‫(‪ )28‬مجمع الزوائد ‪ ،165 :7‬البرهان للزركشي ‪.545 :1‬‬
‫(‪ )29‬البرهان للزركشي ‪.546 :1‬‬
‫(‪ )30‬مجمع الزوائد ‪.171 :7‬‬
‫(‪ )31‬كنز العمال ‪ :1‬حديث ‪.2262‬‬
‫(‪ )32‬كنز العمال ‪ :1‬حديث ‪ 2265‬و ‪ 2358‬و ‪.2359‬‬
‫(‪ )33‬كنز العمال ‪ :1‬حديث ‪.2407‬‬
‫(‪ )34‬مجمع الزوائد ‪ ،371 :9‬حياة الصحابة ‪.244 :3‬‬
‫(‪ )35‬كنز العمال ‪ :2‬حديث ‪.4792‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------‬‬

‫جمع القرآن في عهد أبي بكر وعمر‬


‫تتضارب الخبار حول جمع القرآن في هذه المرحلة حتى تكاد أن تكون متكاذبة‪،‬‬
‫وفيما يلي نورد بعضها لنبيّن مدى تناقضها ومخالفتها للدلة التي ذكرناها آنفاً‪:‬‬

‫ي أبو بكر مقتل أهل اليمامة‪ ،‬فإذا عمر بن‬ ‫‪ - 1‬عن زيد بن ثابت‪ ،‬قال‪" :‬أرسل إل ِ ّ‬
‫ن القتل استمّر ب ُ‬
‫قّراء القرآن‪،‬‬ ‫ن عمر أتاني‪ ،‬فقال‪ :‬إ ّ‬ ‫الخطاب عنده‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬إ ّ‬
‫قّراء في المواطن‪ ،‬فيذهب كثيٌر من القرآن‪ ،‬وإنّي‬ ‫وإنّي أخشى أن يستمّر القتل بال ُ‬
‫أرى أن تأمر بجمع القرآن‪ ،‬فقلت لعمر‪ :‬كيف تفعل شيئا ً لم يفعله رسول الله‬
‫(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال عمر‪ :‬هو والله خير‪ .‬فلم يزل يراجعني حتّى‬
‫شرح الله صدري لذلك‪ ،‬ورأيت في ذلك الذي رأى عمر‪ .‬قال زيد‪ :‬قال أبو بكر‪ :‬إنّك‬
‫ب عاقل‪ ،‬ل نتّهمك‪ ،‬وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله (صلى الله عليه وآله‬ ‫شا ّ‬
‫ل من الجبال ما كان‬ ‫ٍ‬ ‫جب‬ ‫نقل‬ ‫فوني‬ ‫ّ‬ ‫كل‬ ‫لو‬ ‫فوالله‬ ‫‪-‬‬ ‫فاجمعه‬ ‫القرآن‬ ‫ع‬‫ّ‬ ‫ب‬ ‫فتت‬ ‫وسلم)‬
‫ما أمرني به من جمع القرآن ‪ -‬قلت‪ :‬كيف تفعلن شيئا ً لم يفعله‬ ‫يم ّ‬ ‫أثقل عل َّ‬
‫رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال‪ :‬هو والله خير‪ .‬فلم يزل أبو بكر‬
‫يراجعني حتّى شرح الله صدري للذي شرح به صدر أبي بكر وعمر‪ .‬فتتبّعت القرآن‬
‫أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال‪ ،‬ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي‬
‫خزيمة النصاري‪ ،‬لم أجدها مع غيره ((لقد جاءكم رسول‪( ))...‬التوبة ‪ )128 :9‬حتّى‬
‫م‬
‫م عند عمر حياته‪ ،‬ث ّ‬ ‫خاتمة براءة‪ ،‬فكانت الصحف عند أبي بكر حتّى تو ّ‬
‫فاه الله‪ ،‬ث ّ‬
‫عند حفصة بنت عمر"‪.1‬‬

‫ض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)‬ ‫‪ - 2‬وعن زيد بن ثابت أيضاً‪ ،‬قال‪ُ " :‬‬
‫قب ِ َ‬
‫ولم يكن القرآن جمع في شيء"‪.2‬‬

‫مى المصحف مصحفا ً حين جمعه ورتّبه أبو بكر ‪ -‬وفي‬ ‫ول من س ّ‬ ‫نأ ّ‬‫‪ - 3‬وُروي "أ ّ‬
‫رواية‪ :‬سالم مولى أبي حذيفة‪ -3‬وكان مفّرقا ً في الكتاف والرقاع‪ .‬فقال لصحابه‪:‬‬
‫موه إنجيلً‪ ،‬فكرهوه‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬س ّ‬
‫موه‬ ‫التمسوا له اسماً‪ .‬فقال بعضهم‪ :‬س ّ‬
‫ت للحبشة كتابا ً يدعونه‬
‫ُ‬ ‫رأي‬ ‫مسعود‪:‬‬ ‫بن‬ ‫الله‬ ‫عبد‬ ‫السفر‪ ،‬فكرهوه من يهود‪ .‬فقال‬
‫موه به"‪.4‬‬ ‫المصحف‪ ،‬فس ّ‬
‫‪ -‬وعن محمد بن سيرين‪ُ " :‬‬
‫قت ِل عمر ولم يجمع القرآن"‪.5‬‬ ‫‪4‬‬

‫ن عمر بن الخطاب سأل عن آية من كتاب الله‪ ،‬فقيل‪ :‬كانت مع‬ ‫‪ - 5‬وعن الحسن‪" :‬أ ّ‬
‫ول من جمعه‬ ‫فلن‪ ،‬ف ُ‬
‫قت ِل يوم اليمامة‪ ،‬فقال‪ :‬إنّا لله‪ ،‬وأمر بالقرآن فجمع‪ ،‬فكان أ ّ‬
‫في المصحف"‪.6‬‬

‫ن شبهة القول‬ ‫ة من الروايات الواردة بهذا الخصوص‪ ،‬والملحظ أ ّ‬ ‫هذه طائف ٌ‬


‫حة أمثال‬
‫ة على فرض ص ّ‬ ‫ول بحث جمع القرآن مبتني ٌ‬ ‫بالتحريف التي ذكرناها في أ ّ‬
‫هذه الروايات الواردة في كيفية جمع القرآن‪ ،‬والملحظ أنّه ل يمكن العتماد على‬
‫ة فيها‪ ،‬والقارئ‬
‫ت مدسوس ٍ‬ ‫ء منها‪ ،‬وقد اعترف محمد أبو زهرة بوجود روايا ٍ‬ ‫شي ٍ‬
‫مس نقاط ضعفها على الوجه التالي‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫يتل‬ ‫وسواها‬ ‫الروايات‬ ‫لهذه‬

‫ن جمع القرآن في مصحف‬ ‫‪ - 1‬اضطراب هذه الروايات وتناقضها‪ ،‬فصريح بعضها أ ّ‬


‫ن آخر براءة لم توجد إل مع خزيمة بن‬ ‫كان في زمان أبي بكر‪ ،‬والكاتب زيد‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن رسول الله قد جعل شهادته بشهادة رجلين"‪،7‬‬ ‫ثابت‪ ،‬فقال أبو بكر‪" :‬اكتبوها‪ ،‬فإ ّ‬
‫ن التي باليتين خزيمة‬ ‫ّ‬ ‫وأ‬ ‫عمر‪،‬‬ ‫زمان‬ ‫في‬ ‫كان‬ ‫الجمع‬ ‫ن‬‫وظاهر بعض هذه الروايات أ ّ‬
‫ل من النصار وقال عمر‪:‬‬ ‫بن ثابت‪ ،‬والشاهد معه عثمان‪ ،‬وفي حديث آخر‪" :‬جاء رج ٌ‬
‫ل أسألك عليها بيّنة أبداً‪ ،‬كذلك كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)"‪.8‬‬
‫وفي غيره‪ :‬فقال زيد‪ :‬من يشهد معك؟ قال خزيمة‪ :‬ل والله ما أدري‪ .‬فقال عمر‪:‬‬
‫خر إلى زمان عثمان‬‫ن الجمع تأ ّ‬ ‫أنا أشهد معه"‪ .9‬وظاهر بعض هذه الروايات أيضا ً أ ّ‬
‫بن عفان‪.‬‬

‫مة جمع القرآن زمن أبي بكر‪ ،‬ففي‬ ‫واضطربت الروايات في الذي تصدّى لمه ّ‬
‫بعضها أنّه زيد بن ثابت‪ ،‬وفي أُخرى أنّه أبو بكر نفسه وإنّما طلب من زيد أن ينظر‬
‫دي هو زيد وعمر‪ ،‬وفي أُخرى أن‬‫ن المتص ّ‬
‫فيما جمعه من الكتب‪ ،‬ويظهر من غيرها أ ّ‬
‫نافع بن ظريب هو الذي كتب المصاحف لعمر"‪.10‬‬

‫ن المصاحف واستحداث لفظها لم يكن في زمان أبي‬‫ح الرواية الثالثة ؛ ل ّ‬


‫‪ - 2‬ل تص ّ‬
‫بكر‪ ،‬بل هي موجودة منذ زمان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)‪ ،‬واستخدمت‬
‫هذه المفردة لهذا المعنى‪ ،‬وهو القرآن الذي بين الد ّ‬
‫فتين‪ ،‬منذ فجر الرسالة كما‬
‫ن كلمة "مصحف" حبشيّة‪ ،‬بل هي عربية أصيلة‪،‬‬ ‫دم بيانه‪ ،‬وتقول هذه الرواية أ ّ‬‫تق ّ‬
‫م إنّهم لماذا تحيّروا في تسمية كتاب الله وهو‬ ‫ّ‬ ‫ث‬ ‫‪،‬‬‫ً‬ ‫عربيا‬ ‫يكن‬ ‫لم‬ ‫الحبشة‬ ‫ولسان‬
‫ماه في محكم التنزيل قرآنا ً وفرقانا ً وكتاباً‪.‬‬ ‫تعالى س ّ‬
‫ن جمع القرآن كان بعد وفاة رسول الله‬ ‫ن هذه الروايات تؤكّد على أ ّ‬‫‪ - 3‬الملحظ أ ّ‬
‫دم بطلن ذلك ؛ لنّه كان مؤلّفا ً مجموعا ً على‬‫ّ‬ ‫تق‬ ‫وقد‬ ‫وسلم)‬ ‫وآله‬ ‫عليه‬ ‫(صلى الله‬
‫ُ‬
‫عهده (صلى الله عليه وآله وسلم) يقرأ بالمصاحف ويختم‪ ،‬وكان له كتّاب‬
‫مخصوصون يتولون كتابته وتأليفه بحضرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)‬
‫شّرعت فيها‬ ‫وهو يشرف على أعمالهم بنفسه‪ ،‬وكان لدى الصحابة مصاحف كثيرة ُ‬
‫بعض السنن‪ ،‬وكانوا يعرضون على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ما عندهم‬
‫باستمرار‪ ،‬وكان كثير من الصحابة قد جمعوا القرآن في حياته (صلى الله عليه وآله‬
‫وسلم)‪.‬‬

‫ن القرآن ل طريق‬‫ة من أ ّ‬
‫‪ - 4‬هذه الروايات مخالفة لما أجمع عليه المسلمون قاطب ً‬
‫ً‬ ‫منحصرا‬ ‫ن إثبات بعض آيات القرآن حين الجمع كان‬ ‫لثباته إل التواتر‪ ،‬فإنّها تقول إ ّ‬
‫د‪ ،‬ويلزم من هذا أن يثبت القرآن بخبر الواحد‬ ‫ل واح ٍ‬
‫بشهادة شاهدين أو بشهادة رج ٍ‬
‫ب للقطع‬ ‫أيضاً‪ ،‬وهي دعوى خطيرةٌ ل ريب في بطلنها‪ ،‬إذ القطع بتواتر القرآن سب ٌ‬
‫بكذب هذه الروايات أجمع وبوجوب طرحها وإنكارها ؛ لنّها تثبت القرآن بغير‬
‫التواتر‪ ،‬وقد ثبت بطلن ذلك بإجماع المسلمين‪ ،‬فهذه الروايات باطلة مادامت‬
‫تخالف ما هو ثابت بالضرورة‪.‬‬

‫ن جمع زيد بن ثابت للمصحف‬ ‫وإذا سلّمنا بصحة هذه الروايات‪ ،‬فإننا ل نشك في أ ّ‬
‫ن الصحابة من‬ ‫صا ً للخليفة‪ ،‬لنّه ل يملك مصحفا ً تاماً‪ ،‬ل لعموم المسلمين‪ ،‬ل ّ‬ ‫كان خا ّ‬
‫ذوي المصاحف قد احتفظوا بمصاحفهم مع أنّها تختلف في ترتيبها عن المصحف‬
‫الذي جمعه زيد‪ ،‬وكان أهل المصار يقرأون بهذه المصاحف‪ ،‬فلو كان هذا المصحف‬
‫مَر بجمعه من اللخاف والعسب‬ ‫ل المسلمين لماذا أمر أبو بكر زيدا ً و ُ‬
‫ع َ‬ ‫عاما ً لك ِّ‬
‫ً‬
‫وصدور الرجال؟ وكان بإمكانه أخذه تاما من عبد الله بن مسعود الذي كان يملي‬
‫القرآن عن ظهر قلب في مسجد الكوفة‪ ،‬والذي قال عنه الرسول (صلى الله عليه‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وآله وسلم)‪" :‬إذا أردتم أن تأخذوا القرآن رطبا ً كما أنزل‪ ،‬فخذوه من ابن أ ّ‬
‫م عبد ‪-‬‬
‫أي من عبد الله بن مسعود "‪ ..11‬والذي يروي عنه أنّه قال عندما طلب منه تسليم‬
‫مصحفه أيام عثمان‪" :‬أخذت من في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)‬
‫ن زيد بن ثابت لذو ذؤابة يلعب مع الغلمان"‪..12‬‬ ‫سبعين سورة‪ ،‬وإ ّ‬
‫ي (عليه السلم) الذي استودعه رسول الله‬ ‫ما ً من المام عل ّ‬
‫وبإمكانه أن يأخذه تا ّ‬
‫(صلى الله عليه وآله وسلم) القرآن‪ ،‬وطلب منه جمعه عقيب وفاته (صلى الله‬
‫ة إل وهي‬ ‫عليه وآله وسلم)‪ ،‬فجمعه وجاء به إليهم‪ ،‬فلم يقبلوه منه‪ ،13‬وما من آي ٍ‬
‫ط يده وإملء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)‪ ،‬قال أبو عبد‬ ‫عنده بخ ّ‬
‫ي (عليه‬ ‫الرحمن السلمي‪" :‬ما رأيت ابن أنثى أقرأ لكتاب الله تعالى من عل ّ‬
‫السلم)"‪.14‬‬

‫وبإمكانه أن يأخذه من أُبي بن كعب الذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله‬
‫متي أُبي بن كعب"‪ .15‬أو يأخذه من‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وسلم)‪" :‬أقرأهم أبي بن كعب"‪ .‬أو قال‪" :‬أقرأ أ ّ‬
‫الربعة الذين أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس بأخذ القرآن عنهم‪،‬‬
‫وهم‪ :‬عبد الله بن مسعود‪ ،‬وسالم مولى أبي حذيفة‪ ،‬وأُبي بن كعب‪ ،‬ومعاذ بن جبل‬
‫مة وترجمان القرآن بل‬ ‫‪ ،16‬وكانوا أحياءً عند الجمع‪ ،‬أو يأخذه من ابن عباس حبر ال ّ‬
‫ن جامع القرآن في مصحف هو أبو بكر في أيام خلفته‪ ،‬فل‬ ‫خلف‪ ،‬ولو سلّمنا أ ّ‬
‫ن كيفية الجمع المذكورة بثبوت القرآن بشهادة شاهدين‬ ‫ك في أ ّ‬ ‫ينبغي الش ّ‬
‫ن‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫المر‬ ‫غاية‬ ‫المسلمين‪،‬‬ ‫بين‬ ‫التواتر‬ ‫إلى‬ ‫ً‬ ‫مستندا‬ ‫كان‬ ‫القرآن‬ ‫جمع‬ ‫ن‬
‫ة؛ل ّ‬ ‫مكذوب ٌ‬
‫ون في المصحف ما كان محفوظا ً في الصدور على نحو التواتر‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫د‬ ‫قد‬ ‫الجامع‬
‫‪8‬‬ ‫|‬ ‫‪314 :6‬‬ ‫(‪ )1‬صحيح البخاري‬
‫(‪ )2‬التقان ‪.202 :1‬‬
‫(‪ )3‬التقان ‪.205 :1‬‬
‫(‪ )4‬مستدرك الحاكم ‪ ،656 :3‬تهذيب تاريخ دمشق ‪ ،69 :4‬محاضرات الدباء مجلد ‪ 2‬ج‪ 4‬ص ‪ ،433‬فتح الباري‬
‫‪ ،13 :9‬تاريخ الخلفاء‪ ،77 :‬مآثر النافة ‪ ،85 :1‬البرهان للزركشي ‪ ،281 :1‬التمهيد في علوم القرآن ‪،246 :1‬‬
‫المصاحف‪.14 - 11 :‬‬
‫(‪ )5‬طبقات ابن سعد ‪ ،211 :3‬تاريخ الخلفاء‪.44 :‬‬
‫(‪ )6‬التقان ‪.204 :1‬‬
‫(‪ )7‬التقان ‪.206 :1‬‬
‫(‪ )8‬كنز العمال ‪ :2‬ح ‪.4397‬‬
‫(‪ )9‬كنز العمال ‪ :2‬ح ‪.4764‬‬
‫(‪ )10‬أُنظر منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ‪ ،52 - 43 :2‬وأُسد الغابة‪ :‬ترجمة نافع بن ظريب‪.‬‬
‫(‪ )11‬مستدرك الحاكم ‪ ،318 :3‬مجمع الزوائد ‪ ،287 :9‬مسند أحمد ‪.445 :1‬‬
‫(‪ )12‬الستيعاب ‪.993 :3‬‬
‫(‪ )13‬الحتجاج ‪ ،383 :1‬البحار ‪.40 :92‬‬
‫(‪ )14‬الغدير ‪ 308 :6‬عن مفتاح السعادة ‪ ،351 :1‬وطبقات القراء ‪.546 :1‬‬
‫(‪ )15‬الستيعاب ‪ ،49 :1‬أُسد الغابة ‪ ،49 :1‬الجامع الصحيح ‪ ،665 :5‬الجامع لحكام القرآن ‪ ،82 :1‬مشكل الثار‬
‫‪.350 :1‬‬
‫(‪ )16‬صحيح البخاري ‪ ،294 | 117 :5‬مجمع الزوائد ‪.311 :9‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------‬‬

‫جمع القرآن في عهد عثمان‬


‫ن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان‪ ،‬وكان يغازي أهل‬ ‫روى البخاري عن أنس‪" :‬أ ّ‬
‫الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق‪ ،‬فأفزع حذيفة اختلفهم في‬
‫القراءة‪ ،‬فقال لعثمان‪ :‬أدرك المة قبل أن يختلفوا اختلف اليهود والنصارى‪.‬‬
‫م نردّها إليك‬
‫فأرسل إلى حفصة‪ :‬أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف‪ ،‬ث ّ‬
‫؛ فأرسلت بها حفصة إلى عثمان‪ ،‬فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن‬
‫العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف‪ .‬وقال عثمان‬
‫ء من القرآن‪،‬‬ ‫للرهط القرشيين الثلثة‪ :‬إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شي ٍ‬
‫فأكتبوه بلسان قريش‪ ،‬فإنّه إنما نزل بلسانهم‪ ،‬ففعلوا‪ ،‬حتّى إذا نسخوا الصحف‬
‫ما‬ ‫في المصاحف‪ ،‬رد عثمان الصحف إلى حفصة‪ ،‬وأرسل إلى ك ّ ُ‬
‫ق بمصحف م ّ‬ ‫ل أف ٍ‬ ‫ّ‬
‫ف أن يحرق‪ .‬قال زيد‪:‬‬ ‫ة ومصح ٍ‬ ‫نسخوا‪ ،‬وأمر بما سواه من القرآن في ك ِّ‬
‫ل صحيف ٍ‬
‫ت أسمع رسول الله (صلى الله‬ ‫فقدت آية من الحزاب حين نسخنا المصحف‪ ،‬قد كن ُ‬
‫عليه وآله وسلم) يقرأ بها‪ ،‬فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الَنصاري‪:‬‬
‫((من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)) (الحزاب ‪ )23 :33‬فألحقناها في‬
‫سورتها في المصحف"‪.1‬‬

‫وهناك صور مختلفة وألفاظ شتّى لهذه الرواية‪ ،‬والملحظ عليها جميعاً‪:‬‬

‫‪ - 1‬كيف تفقد آية من سورة الَحزاب‪ ،‬وقد اعتمد عين الصحف المودعة عند حفصة‪،‬‬
‫والكاتب في الزمانين هو زيد بن ثابت؟ وقد كانت النسخة المعتمدة أصل ً كاملة إلّ‬
‫آخر براءة ‪ -‬كما تقدم ‪ -‬فهل كان الجمع الول فاقدا ً لهذه الية التي من الحزاب‬
‫ولسواها؟ أم أنّهم لم يعتمدوا النسخة التي عند حفصة؟ وهل ليس ثمة مصاحف‬
‫ك وبرزت‬ ‫فاظ لهذه الية إل ّ رجل واحد؟! من هذه الرواية وسواها تسرب الش ّ‬ ‫وح ّ‬
‫ف‬
‫ن مستندهم ضعي ٌ‬ ‫الشبهة للذين يحلو لهم القول بتحريف القرآن‪ ،‬وقد رأيت أ ّ‬
‫ن الية تضيع في‬ ‫ت ل يمكن العتماد عليه‪ ،‬ول أدري هل من قبيل المصادفة أ ّ‬ ‫متهاف ٌ‬
‫زمان أبي بكر وتوجد عند خزيمة بن ثابت‪ ،‬وتضيع غيرها في زمان عثمان وتوجد‬
‫عند خزيمة أيضاً‪ ،‬فهل كان خزيمة معدودا ً في الذين جمعوا القرآن‪ ،‬أو الذين أمر‬
‫رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأخذ القرآن عنهم؟‬

‫ة في تعيين من تولى الكتابة لمصحف عثمان‪،‬‬ ‫‪ - 2‬هذه الرواية ومثيلتها مضطرب ٌ‬


‫ن عثمان عيّن للكتابة زيدا ً وابن‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫الروايات‬ ‫بعض‬ ‫وكذا الذي تولّى الملء‪ ،‬فصريح‬
‫الزبير وسعيدا ً وعبد الرحمن‪ ،‬وصريح بعضها الخر أنّه عيّن زيدا ً للكتابة‪ ،‬وسعيداً‬
‫ن سعيدا ً كان يعرب ما كتبه‬ ‫ُ‬
‫ن المملي كان أبي بن كعب‪ ،‬وأ ّ‬‫للملء‪ ،‬وصريح بعضها أ ّ‬
‫زيد‪ ،‬وفي بعضها أنّه عيّن رجل ً من ثقيف للكتابة‪ ،‬وعين رجل ً من هذيل للِملء‪،‬‬
‫ن المملي أُبي بن كعب‪ ،‬والكاتب زيد بن ثابت‪ ،‬والذي يعربه سعيد‬ ‫وعن مجاهد‪" :‬أ ّ‬
‫بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث"‪.2‬‬

‫‪ - 3‬الملحظ في جميع هذه الروايات‪ ،‬وكذا في الرواية المذكورة آنفاً‪ ،‬أ ّ‬


‫ن زيد بن‬
‫ل ؛ لنه مخالف‬ ‫ثابت قد اعتمد رجل ً واحدا ً في الشهادة على الية‪ ،‬وهو أمر باط ٌ‬
‫لتواتر القرآن الثابت بالضرورة والجماع بين المسلمين‪.‬‬

‫ن عثمان قد أرسل عدّة مصاحف إلى الفاق‪ ،‬وقد جعل‬ ‫ونحن ل نريد التشكيك في أ ّ‬
‫فيها عين القرآن المتواتر بين المسلمين إلى اليوم‪ ،‬ولكنّنا نخالف كيفية الجمع‬
‫التي وصفتها الخبار ونكذّبها ؛ لنها تطعن بضرورة التواتر القاطع‪ ،‬ول يش ّ‬
‫ك أحد‬
‫ن القرآن كان مجموعا ً ومكتوبا ً على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)‬ ‫أ ّ‬
‫ن عثمان قد جمع الناس‬‫ن طويل‪ ،‬غاية ما في المر أ ّ‬ ‫بزم‬ ‫عثمان‬ ‫عهد‬ ‫قبل‬ ‫ً‬ ‫ومدونا‬
‫ٍ‬
‫ة‪ ،‬وهي القراءة المتعارفة بينهم والمتواترة عن النبي (صلى الله‬ ‫ة واحد ٍ‬
‫على قراء ٍ‬
‫عليه وآله وسلم) ومنعهم من سائر القراءات الخرى التي توافق بعض لغات‬
‫العرب‪ ،‬وأحرق سائر المصاحف التي تخالف القراءة المتواترة‪ ،‬وكتب إلى المصار‬
‫أن يحرقوا ما عندهم منها‪ ،‬ونهى المسلمين عن الختلف في القراءة‪.‬‬

‫ن جامع القرآن عثمان‪ ،‬وليس‬ ‫قال الحارث المحاسبي‪" :‬المشهور عند الناس أ ّ‬
‫ر وقع بينه وبين‬
‫ٍ‬ ‫اختيا‬ ‫على‬ ‫د‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫واح‬ ‫ه‬
‫كذلك‪ ،‬إنّما حمل عثمان الناس على القراءة بوج ٍ‬
‫ما خشي الفتنة عند اختلف أهل العراق‬ ‫من شهده من المهاجرين والنصار‪ ،‬ل ّ‬
‫والشام في حروف القراءات"‪.3‬‬

‫ن‬
‫ة؛ل ّ‬ ‫ة واحد ٍ‬
‫ولم ينتقد أحدٌ من المسلمين عثمان على جمعه المسلمين على قراء ٍ‬
‫اختلف القراءة يؤدّي إلى اختلف بين المسلمين ل تحمد عقباه‪ ،‬وإلى تمزيق‬
‫صفوفهم وتفريق وحدتهم وتكفير بعضهم بعضاً‪ ،‬غاية ما قيل فيه هو إحراقه بقية‬
‫حّراق المصاحف‪ ،‬حيث أصّر البعض على عدم تسليم‬ ‫موه‪َ :‬‬
‫المصاحف حتى س ّ‬
‫مصاحفهم كابن مسعود‪.‬‬

‫ي (عليه السلم) لما‬ ‫وقد نقل في كتب أهل السنة تأييد أمير المؤمنين المام عل ّ‬
‫ة‪ ،‬حيث أخرج ابن أبي داود في‬ ‫ة واحد ٍ‬‫فعله عثمان من جمع المسلمين على قراء ٍ‬
‫ي رضي الله عنه‪" :‬ل تقولوا في‬ ‫ّ‬ ‫عل‬ ‫(المصاحف) عن سويد بن غفلة قال‪ :‬قال‬
‫عثمان إل ّ خيراً‪ ،‬فو الله ما فعل الذي فعل في المصاحف إل ّ عن مل ٍ َ منّا" ؛ قال‪:‬‬
‫ن قراءتي خيٌر من‬ ‫ن بعضهم يقول‪ :‬إ ّ‬ ‫"ما تقولون في هذه القراءة؟ فقد بلغني أ ّ‬
‫مع الناس على‬ ‫ج َ‬ ‫قراءتك‪ ،‬وهذا يكاد يكون كفراً"‪ .‬قلنا‪" :‬فما ترى؟" قال‪" :‬أرى أن ي ُ ْ‬
‫مصحف واحد‪ ،‬فل تكون خرقة ول اختلف"‪ .‬قلنا‪" :‬فنعم ما رأيت"‪!4‬‬

‫وروي أنّه (عليه السلم) قال‪" :‬لو وليّت لعملت بالمصاحف التي عمل بها عثمان"‪،5‬‬

‫وبعد تأييد أمير المؤمنين (عليه السلم) وخيار الصحابة المعاصرين لهذا العمل‪ ،‬بدأ‬
‫ول تدريجيا ً إلى المصاحف التي بعث بها عثمان إلى الفاق‪ ،‬فاحتلّت مكانها‬ ‫التح ّ‬
‫مة القلوب‪ ،‬وبدأت بقيّة المصاحف التي تخالفها في الترتيب‬‫ّ‬ ‫بأز‬ ‫وأخذت‬ ‫الطبيعي‪،‬‬
‫أو التي كُت ِب فيها التأويل والتفسير وبعض الحديث والدعاء تنحسر بمرور الَيام‪ ،‬أو‬
‫تصير طعمة للنار‪ ،‬حتّى أصبحت أثرا ً بعد عين‪ ،‬وحفظ القرآن العزيز عن أن يتطّرق‬
‫ي لبس‪.‬‬ ‫إليه أ ّ‬
‫الخاتمة‬

‫ن جميع المزاعم التي تذّرع بها المتربصون بالسلم‬ ‫لقد تبيّن من ثنايا البحث أ ّ‬
‫للقول بتحريف القرآن الكريم والكيد بكتاب الله العزيز الذي ل يأتيه الباطل من‬
‫بين يديه ول من خلفه‪ ،‬والذي تكفلت العناية الربانيّة بحفظه وصيانته‪ ،‬قد ذهبت‬
‫ف‪ ،‬من خلل‬‫ة اشتدّت به الريح في يوم ٍ عاص ٍ‬ ‫أدراج الرياح‪ ،‬وما هي إل ّ كرماٍد بقيع ٍ‬
‫الدلة الحاسمة التي ذكرناها والتي تؤكّد عدم وقوع التحريف في الكتاب الكريم‪،‬‬
‫ك والريب‪ ،.‬فقد‬ ‫ل ما يوجب الش ّ‬‫وأنّه بقي وسوف يبقى بإذن الله مصونا ً من ك ِّ‬
‫وقف علماء الشيعة وعلماء أهل السنة عموما ً من روايات التحريف موقفا ً سلبياً‪،‬‬
‫ورفضوا القول بمضمونها وفنّدوه بما ل مزيد عليه‪ ،‬ورأوا في هذه الخبار أنّها‬
‫س العقيدة التي لبدّ فيها من الدلة‬ ‫أخبار آحاد ل يمكن العتماد عليها في أمر يم ّ‬
‫القاطعة والبراهين الساطعة‪ ،‬ول تكفي فيها الظنون ول أخبار الحاد‪ .‬هذا‬
‫بالضافة إلى وجوه ضعف أُخرى تعاني منها هذه الخبار‪ ،‬سواء من حيث دللتها‪ ،‬أو‬
‫جهات من صدرت عنهم‪.‬‬ ‫من حيث ظروف صدورها‪ ،‬أو من حيث مرامي وأهداف وتو ّ‬
‫وفيما يلي نبين بعض أقوال علماء المسلمين التي تؤيد إجماع كلمة أهل السلم‬
‫على نفي القول بوقوع التحريف في القرآن الكريم‪ ،‬وهذه القوال وسواها تقطع‬
‫ل محاولت العداء المغرضين والحاقدين ومن عداهم من السذّج‬ ‫الطريق أمام ك ّ‬
‫والمغ ّ‬
‫فلين‪:‬‬

‫ن‬‫‪ - 1‬الشيخ محمد محمد المدني عميد كلية الشريعة في الجامع الزهر‪" :‬أما أ ّ‬
‫المامية يعتقدون نقص القرآن‪ ،‬فمعاذ الله‪ ،‬وإنّما هي روايات رويت في كتبهم‪،‬‬
‫كما روي مثلها في كتبنا‪ ،‬وأهل التحقيق من الفريقين قد زيّفوها‪ ،‬وبينوا بطلنها‪،‬‬
‫وليس في الشيعة المامية أو الزيدية من يعتقد ذلك‪ ،‬كما أنّه ليس في االسنة من‬
‫سنّي‬ ‫يعتقده‪ ،‬ويستطيع من شاء أن يرجع إلى مثل كتاب (التقان) للسيوطي ال ُ‬
‫ن أهل السنة‬ ‫ليرى فيه أمثال هذه الروايات التي نضرب عنها صفحاً‪ ،‬أفيقال إ ّ‬
‫ّ‬
‫ب ألفه‬ ‫ة رواها فلن‪ ،‬أو لكتا ٍ‬ ‫ينكرون قداسة القرآن‪ ،‬أو يعتقدون نقص القرآن لرواي ٍ‬
‫فلن"‪6‬؟!‬

‫قق عند علماء الفرقة‬ ‫ن المذهب المح ّ‬ ‫‪ - 2‬المام المحقق رحمة الله الهندي‪" :‬إ ّ‬
‫ن القرآن الذي أنزله الله على نبيّه هو ما بين الد ّ‬
‫فتين‪،‬‬ ‫المامية الثني عشرية أ ّ‬
‫وهو ما في أيدي الناس‪ ،‬ليس بأكثر من ذلك‪ ،‬وأنّه كان مجموعا ً مؤلّفا ً في عهده‬
‫ف من الصحابة"‪.7‬‬ ‫قله أُلو ٌ‬‫فظه ون َ َ‬
‫ح َ‬
‫(صلى الله عليه وآله وسلم) و َ‬
‫‪ - 3‬الدكتور محمد التيجاني السماوي‪" :‬لو جبنا بلد المسلمين شرقا ً وغربا ً شمالً‬
‫وجنوبا ً وفي كل بقاع الدنيا‪ ،‬فسوف نجد نفس القرآن بدون زيادة ول نقصان‪ ،‬وإن‬
‫اختلف المسلمون إلى مذاهب وفرق وملل ونحل‪ ،‬فالقرآن هو الحافز الوحيد الذي‬
‫يجمعهم‪ ،‬ول يختلف فيه من المة اثنان"‪.8‬‬

‫ن المعروف من مذهب أهل السنة هو نفي التحريف عن‬‫ي الميلني‪" :‬إ ّ‬


‫‪ - 4‬السيد عل ّ‬
‫القرآن الشريف‪ ،‬وبذلك صّرحوا في تفاسيرهم وكتبهم في علوم القرآن"‪.9‬‬

‫‪ - 5‬السيد جعفر مرتضى العاملي‪" :‬إنّنا ل يجب أن ننسى الجهد الذي بذله أهل‬
‫السنة لتنزيه القرآن عن التحريف‪ ،‬وحاولوا توجيه تلكم الحاديث بمختلف الوجوه‬
‫التي اهتدوا إليها"‪.10‬‬

‫وغيرها من الشهادات الضافية التي لو ذكرناها جميعا ً لطال بنا المقام‪ ،‬وجميعها‬
‫ر اتفقت عليه كلمة المسلمين مثلما اتّفقت على تنزيه كتاب‬ ‫تؤكّد أنّه ليس من أم ٍ‬
‫ه‬
‫ن يَدي ِ‬
‫ن بَي ِ‬
‫م ْ‬ ‫ه البَاطِ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫ك والريب قال تعالى‪(( :‬ل يأت ِي ِ‬ ‫ل ما يثير الش ّ‬ ‫الله العزيز من ك ِّ‬
‫د)) ‪.11‬‬
‫حمي ٍ‬‫حكِيم ٍ َ‬
‫ن َ‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫ل‬ ‫زي‬
‫ه تَن ِ‬
‫ف ِ‬
‫خل ِ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ول ِ‬
‫َ‬
‫ب العالمين‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله ر ِّ‬
‫صحيح البخاري ‪9 | 315 :6‬‬ ‫(‪) 1‬‬
‫ـ ‪.52‬‬ ‫‪43 :2‬‬ ‫أُنظر منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد‬ ‫(‪) 2‬‬
‫التقان ‪.211 :1‬‬ ‫(‪) 3‬‬
‫فتح الباري ‪.15 :9‬‬ ‫(‪) 4‬‬
‫البرهان للزركشي ‪.302 :1‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫ـ ‪.385‬‬ ‫‪382‬‬ ‫ص‬ ‫‪44‬‬ ‫مجلة رسالة الِسلم ـ القاهرة السنة ‪ 11‬العدد‬ ‫(‪) 6‬‬
‫الفصول المهمة‪ 164 :‬ـ ‪.166‬‬ ‫(‪) 7‬‬
‫(‪ )8‬لَكون مع الصادقين ‪ 168‬ـ ‪.176‬‬
‫(‪ )9‬التحقيق في نفي التحريف‪.138 :‬‬
‫(‪ )10‬حقائق هامة‪.34 :‬‬
‫(‪ )11‬فصلت ‪.42 :41‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------‬‬

You might also like