You are on page 1of 10

‫قبل الخوض فيمن كان الذبيح‪ ،‬ينبغي أول اثبات أن محمد هو من نسل اسماعيل‪،‬‬

‫وهذا محال ‪ -‬انظر ملف‪ :‬نسب محمد وتواريخ و قصص زوجاته‪rtf.‬‬


‫‪http://www.sonsofi.org/templates/isaac_ishamel.html‬‬

‫كما احترف السلم العنف والرهاب هكذا أيضا احترف المسلمون التزوير‪.‬‬
‫لم يشهد التاريخ أمة احترفت التزوير مثل أمة السلم ‪ ،‬تزوير الحقائق‬
‫وطمس المعالم صفة أساسية تميز بها النسان المسلم‪.‬‬
‫ومن بين القضايا التي زورت مسألة‪:‬‬
‫هل الذبيح إسحاق أم إسماعيل؟‬
‫ورد اسم إسماعيل في القرآن اثنتي عشرة مرة ‪.‬‬
‫يذكر أولً‪ :‬في السور المكية مع الخيار‪ ،‬والصالحين‪،‬والصابرين ‪ ،‬الذين‬
‫يفضلهم الله على العالمين ‪ " .‬واذكر في الكتاب إسماعيل ‪ .‬أنه كان صادق‬
‫الوعد " مريم (‪.)54:19‬‬
‫" واذكر إسماعيل ‪ ،‬واليسع ‪ ،‬وذا الكفل ‪ ،‬وكل من الخيار " ص (‪.) 48:38‬‬
‫"… وإسماعيل ‪ ،‬وإدريس ‪ ،‬وذا الكفل ‪ ،‬كل من الصابرين " النبياء (‪. )85:21‬‬
‫"… وإسماعيل ‪ ،‬واليسع ‪ ،‬ويونس ‪ ،‬ولوطا ‪ ،‬وكل فضلنا على العالمين "‬
‫النعام (‪. )86:6‬‬
‫والجدير بالذكر أنه ل يرد ‪ ،‬في هذه السور الربع ‪ ،‬ول في غيرها من السور‬
‫المكية ‪ ،‬أية إشارة إلى أن إسماعيل هو ابن إبراهيم ‪ ،‬بل إنها تحصر أبوة‬
‫إبراهيم بإسحاق ثم بيعقوب من بعده ‪ ،‬كما في " سورة مريم " ‪:‬‬
‫" فلما اعتزلهم (إبراهيم) وما يعبدون من دون الله ‪ ،‬وهبنا له اسحق ‪،‬‬
‫ويعقوب ‪ ،‬وكل جعلنا نبيا ً " مريم (‪)49:19‬‬
‫وفي "سورة النبياء" ‪ " :‬ووهبنا له اسحق ويعقوب نافلة ‪ ،‬وكل جعلنا‬
‫صالحين " النبياء (‪)72:21‬‬
‫وفي "سورة النعام" ‪ " :‬ووهبنا له اسحق ويعقوب ‪ ،‬وكل هدينا ‪ .‬ونوحا‬
‫هدينا من قبل‪ .‬ومن ذريته داود ‪ ،‬وسليمان ‪ ،‬وأيوب ‪ ،‬ويوسف ‪ ،‬وموسى ‪،‬‬
‫وهارون وكذلك نجزي المحسنين " النعام (‪. )84:6‬‬
‫ثم إن الله لم يبشر إل بإسحاق ‪ " :‬وامرأته قائمة‪ ،‬فضحكت ‪ .‬فبشرناها‬
‫بإسحاق ‪ ،‬ومن وراء اسحق يعقوب " هود (‪.)71:11‬‬
‫ول يرد ذكر علقة البنوة بين إسماعيل وإبراهيم بصورة صريحة إل في "‬
‫السورة الرابعة عشرة " الموسومة بإبراهيم ‪ .‬وفي هذه السورة تظهر لول‬
‫مرة في القرآن أبوة إبراهيم لسماعيل ‪ ،‬إذ يقول إبراهيم ‪:‬‬
‫" الحمد لله الذي وهب لي ‪ ،‬على الكبر ‪ ،‬إسماعيل واسحق " إبراهيم (‪)39:14‬‬
‫‪.‬‬
‫فيدخل ‪ ،‬من ثم ‪ ،‬إسماعيل في سلسلة الباء المنحدرين من إبراهيم ‪،‬‬
‫فكلما ذكروا ؛ ذكر معهم متقدما ً على اسحق ‪ " :‬قالوا ‪ :‬نعبد إلهك وإله آبائك‬
‫إبراهيم ‪ ،‬وإسماعيل ‪ ،‬واسحق " البقرة (‪. )125:2‬‬
‫" قولوا ‪ :‬آمنا بالله ‪ ،‬وما أنزل إلينا ‪ ،‬ومــــا أنزل إلى إبراهيم ‪ ،‬وإسماعيل ‪،‬‬
‫واسحق ‪ ،‬ويعقوب ‪ ،‬والسباط ؛ وما أوتي موسى وعيسى ‪ ،‬وما‬
‫أوتـــــــــــي النبيون من ربهم ‪ ،‬ل نفرق بين أحد منهم ‪ ،‬ونحن له مسلمون‬
‫‪ ".‬البقرة (‪. )136:2‬‬
‫وكذلك في سورة آل عمران (‪ )84:3‬فتكرر الية ذاتها‪ " ،‬أم تقولون ‪ :‬إن‬
‫إبراهيم ‪ ،‬وإسماعيل ‪ ،‬واسحق ‪ ،‬ويعقوب ‪ ،‬والسباط ‪ ،‬كانوا هودا …"‬
‫البقرة (‪.)140:2‬‬
‫"… وأوحينا إلى إبراهيم ‪ ،‬وإسماعيل ‪ ،‬واسحق ‪ ،‬ويعقوب ‪ ،‬والسباط ‪،‬‬
‫وعيسى ‪ ،‬وأيوب ‪ ،‬ويونس ‪ ،‬وهارون ‪ ،‬وسليمان ‪ ،‬وآتينا داود زبورا ‪ ".‬النساء‬
‫( ‪.) 163:4‬‬
‫أما في تطهير البيت ‪ ،‬ورفع قواعده ‪ ،‬فيذكر إسماعيل وحده مع إبراهيم ‪:‬‬
‫"… وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين ‪ ،‬والعاكفين ‪،‬‬
‫والركع السجود " البقرة (‪.)125:2‬‬
‫" وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت ‪ ،‬وإسماعيل ‪ .‬ربنا تقبل منا ‪ .‬إنك أنت‬
‫السميع العليم ‪ ".‬البقرة (‪. )127:2‬‬
‫ويرد ذكر إسحاق في القرآن سبع عشرة مرة ‪ ،‬منها أربع مرات ذكر فيها‬
‫ذكرا ً عابرا ً مع " النبياء الصالحين " ‪:‬‬
‫إبراهيم ‪ ،‬وإسماعيل ‪ ،‬ويعقوب في البقرة (‪ )136:2،140‬؛‬
‫آل عمران (‪ )84:3‬؛‬
‫النساء (‪ )163:4‬؛‬
‫ومرة مع إبراهيم وإسماعيل في البقرة (‪ )133:2‬؛‬
‫ومرتين مع إبراهيم ويعقوب في يوسف (‪ )38:12‬و ص (‪ )45:38‬؛‬
‫ومرة مع أبيه إبراهيم بوصفهما من آباء يوسف في يوسف (‪.)6:12‬‬
‫وذكر في أربع آيات أنه هبة من الله لبراهيم ‪ ،‬مع يعقوب في النعام (‪)84:6‬‬
‫ومريم (‪ )49:19‬والنبياء (‪ )72:21‬؛ العنكبوت (‪. )27:29‬‬
‫وبشر به إبراهيم " نبيا من الصالحين " الصافات (‪ ، )112:37‬كما بشرت به‬
‫سارة ‪ ،‬وبيعقوب من ورائه في هود (‪ " ، )71:11‬فحمد إبراهيم الله الذي وهب‬
‫له ‪ ،‬على الكبر ‪ ،‬إسماعيل واسحق " إبراهيم (‪. )39:14‬‬
‫أما قصة " الذبيحة " ‪ ،‬أو التضحية ‪ ،‬فقد لخصتها سورة " الصافات " في‬
‫ست آيات ‪ ،‬دون أن تذكر اسم " الذبيح " ‪.‬‬
‫" فبشرناه بغلم حليم ‪ .‬فلما بلغ معه السعي ‪ ،‬قال ‪ :‬يا بني ‪ ،‬إني أرى في‬
‫المنام أني أذبحك ‪ .‬فانظر ماذا ترى ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬يا أبت ‪ ،‬افعل ما تؤمر ‪.‬‬
‫ستجدني ‪ ،‬إن شاء اله ‪ ،‬من الصابرين ‪ .‬فلما أسلما ‪ ،‬وتله للجبين ‪ .‬وناديناه‬
‫أن يا إبراهيم ‪ ،‬قد صدقت الرؤيا ‪ ،‬إنا كذلك نجزي المحسنين ‪ .‬إن هذا لهو‬
‫البلء المبين ‪ .‬وفديناه بذبح عظيم " الصافات (‪.)107-101:37‬‬
‫وهو قريب مما ورد في " سفر التكوين " (‪ )13-1:22‬؛ إل أن الحوار كان بين‬
‫إبراهيم وابنه إسحاق ‪.‬‬
‫على أن المفسرين ‪ ،‬وفي طليعتهم الطبري ‪ ،‬ومؤلفي " قصص النبياء "‬
‫من بعدهم ‪ ،‬كالثعلبي والكسائي ‪ ،‬توسعوا في سرد الحكاية ‪ ،‬مستعينين بما‬
‫كان متناقل ً بين اليهود ‪ ،‬مأخوذا ً عن بعض المدارج (المدارش) ‪ ،‬ول سيما "‬
‫مدرش تنومة " و" مدرش فيوشة " ‪( ،‬راجع ‪. ) sidersky, op.cit., 48 :‬‬
‫حتى كانت تلك القصة الحية الشائقة التي ظهر فيها للشيطان دور بارز ‪،‬‬
‫وهم ينسبونها ‪ ،‬في الغالب إلى كعب الحبار ‪ ،‬أشهر من نشر "‬
‫السرائيليات " في التفسير ‪ ،‬والشرح ‪ ،‬والتعليق ‪ ،‬والقصص‪ .‬قالوا ‪:‬‬
‫لما رأي إبراهيم في المنام أن يذبح ابنه ‪ ،‬وتحقق أنه أمر ربه ‪ ،‬قال لبنه ‪" :‬‬
‫يا بني ‪ ،‬خذ الحبل والمدية ‪ ،‬وانطلق بنا إلى هذا الشعب ‪ ،‬لنحتطب لهلنا " ‪.‬‬
‫فأخذ المدية والحبل ‪ ،‬وتبع والده ‪ .‬فقال الشيطان ‪ " :‬لئن لم أفتن عند هذا‬
‫آل إبراهيم ‪ ،‬ل أفتن أحدا ً منهم أبدا ً " ‪ .‬فتمثل الشيطان رجل ً ‪ .‬فأتى أم‬
‫الغلم ‪ ،‬فقال لها ‪ " :‬أتدرين ‪ ،‬أين ذهب إبراهيم بابنك ! " قالت ‪ " :‬ذهب به‬
‫ليحتطب لنا من هذا الشعب " ‪ .‬فقال لها الشيطان ‪ " :‬ل ‪ ،‬والله ‪ ،‬ما ذهب‬
‫به إل ليذبحه " ‪ .‬قالت ‪ " :‬كل ! هو أشفق به ‪ ،‬وأشد حبا ً له " ‪ .‬فقال لها ‪" :‬‬
‫إنه يزعم أن الله أمره بذلك " ‪ .‬قالت " فإن كان الله تعالى ‪ ،‬قد أمره بذلك ‪،‬‬
‫فليطع أمره " ‪ .‬فخرج الشيطان من عندها حتى أدرك البن ‪ ،‬وهو يمشي‬
‫على اثر أبيه ‪ .‬فقال له ‪ " :‬يا غلم ‪ ،‬هل تدري أين يذهب بك أبوك ؟ " قال ‪:‬‬
‫" نحتطب لهلنا من هذا الشعب " ‪ .‬فقال له ‪ " :‬والله ‪ ،‬ما يريد إل ذبحك " ‪.‬‬
‫قال ‪ " :‬لي شئ ؟ " قال ‪ " :‬زعم أن الله تعالى ‪ ،‬أمره بذلك " ‪ .‬قال ‪" :‬‬
‫فليفعل ما أمره الله تعالى ‪ ،‬سمعا ً وطاعة لمر الله ‪ ،‬تبارك وتعالى ! "‪.‬‬
‫فأقبل الشيطان إلى إبراهيم (عم) ‪ .‬فقال ‪ " :‬أين تريد ‪ ،‬أيها الشيخ ؟ "‬
‫قال ‪ " :‬أريد هذا الشعب لحاجة لي فيه " ‪ .‬قال ‪ " :‬إني أرى أن الشيطان‬
‫خدعك بهذا المنام الذي رأيته أنك تريد ذبح ابنك وفلذة كبدك ‪ .‬فتندم ‪ ،‬بعد‬
‫ذلك ‪ ،‬حيث ل ينفعك الندم " ‪ .‬فعرفه إبراهيم (عم) ‪ .‬وقال ‪ " :‬إليك عني ‪ ،‬يا‬
‫ملعون ! فوالله لمين لمر ربي " ‪ ،‬فنكص إبليس على عقبيه ‪ ،‬ورجع بخزيه‬
‫وغيظه ‪ .‬ولم ينل من إبراهيم ‪ ،‬ول من ولده ‪ ،‬ول من زوجته شيئا ً ‪.‬‬
‫ثم يضيف الرواة حوارا ً بين إبراهيم وابنه ليس في المدراش اليهودية ‪ .‬إل‬
‫أنه مستفاد من الحوار القرآني ‪ ،‬مضافا إليه ما نقله قطب الدين النهروالي‬
‫عن ابن كثير ‪ ،‬عن الرواة ‪ ،‬عن كعب الحبار ‪ .‬وقد أقحم اسم " إسماعيل "‬
‫في الحكاية ‪ .‬وسنعود إلى هذه القضية بعد قليل ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فحدثت أن إسماعيل قال له عند ذلك ‪ " :‬يا أبتاه ‪ ،‬إذا أردت ذبحي ‪،‬‬
‫فاشدد وثاقي ‪ .‬لئل يصيبك شئ من دمي ‪ ،‬فينقص أجري ‪ .‬فإن الموت شديد‬
‫‪ ،‬ول آمن أن اضطرب عنده ‪ ،‬إذا وجدت مسه ‪ .‬واستحد شفرتك حتى تجهز‬
‫على فتذبحني ‪ .‬فإذا أنت أضجعتني لتذبحني ‪ ،‬فاكببني على وجهي ‪ ،‬ول‬
‫تضجعني لشقي ‪ ،‬فإني أخشى ‪ ،‬إن أنت نظرت إلى وجهي ‪ ،‬أن تدركك‬
‫ي ‪ .‬وإن رأيت أن ترد قميصي إلى أمي ‪،‬‬ ‫الرقة فتحول بينك وبين أمر ربك ف ّ‬
‫فإنه عسى أن يكون إسلء لها ‪ ،‬فافعل ‪ ".‬فقال إبراهيم ‪ " :‬نعم العون‬
‫أنت ‪ ،‬يا بني ‪ ،‬على أمر الله ! "‪ .‬ويقال ‪ :‬إنه ربطه كما أمره بالحبل ‪،‬‬
‫فأوثقه ‪ ،‬ثم شحذ شفرته ‪ ،‬ثم تله للجبين ‪ ،‬واتقى النظر إلى وجهه ‪ .‬ثم‬
‫ادخل الشفرة حلقه‪ ،‬فقلبها جبريل في يده‪.‬‬
‫( وفي مدرج مدرش تنهومة أن الذي قلب المدية في يد إبراهيم إنما هو‬
‫إبليس ل جبريل‪ .‬راجع مجموعة ‪).jellineck, beth hamidrasch, i, 23, 33-37( :‬‬
‫ثم اجتذبها إليه ‪ ،‬ونودي أن " يا إبراهيم ‪ ،‬قد صدقت الرؤيا ‪ .‬فهذه ذبيحتك‬
‫فداء لبنك فاذبحها دونه ‪ " .‬وأتاه بكبش من الجنة ‪ ،‬قيل ‪ :‬رعى قبل ذلك‬
‫بأربعين خريفا ً ‪.‬‬
‫وأبى بعض المحدثين ‪ ،‬والمفسرين ‪ ،‬والقصاص ‪ ،‬إل أن يربطوا بين هذه‬
‫الذبيحة ‪ -‬الولى في عهد تجديد اليمان بالله على يد إبراهيم أبي المؤمنين‬
‫‪ -‬والذبيحة الولى في تاريخ العالم ‪ ،‬الدالة على إخلص أول مؤمن من ولد‬
‫آدم ‪ ،‬هابيل البار ‪ .‬فأخذوا ما ورد في بعض الحكايات التلمودية ( راجع مقال‬
‫ايزنبرغ في الطبعة الولى من " دائرة المعارف السلمية " الترجمة العربية‬
‫‪ . 97:2‬قال الفاكهي ‪ :‬ذكر أهل الكتـــــاب ‪ ،‬وكثير من العلماء ‪ ،‬أن الكبش‬
‫الذي فدي به إسماعيل كبش أملح ‪ ،‬أقرن ‪ ،‬أعين ‪ .‬ثم روى بسنده عن ابن‬
‫عباس (رضي الله عنه) أنه هو القربان المتقبل من أحد ابني آدم‪.‬‬
‫بقي السؤال المهم ‪ :‬من هو " الذبيح " أإسحاق أم إسماعيل ؟‬
‫ل شك في أن التوراة تذكر بصراحة أنه إسحاق ‪ ،‬في مستهل الصحاح‬
‫الثاني والعشرين من سفر التكوين " وكان ‪ ،‬بعد هذه المور ‪ ،‬أن الله امتحن‬
‫إبراهيم فقال ‪ :‬يا إبراهيم ‪ .‬قال ‪ :‬لبيك ‪ .‬قال ‪ :‬خذ ابنك وحيدك الذي تحبه ‪،‬‬
‫إسحق ‪ ،‬وامض به إلى أرض مورية ‪ ،‬وأصعده هناك محرقة على أحد الجبال‬
‫الذي أريك " (سفر التكوين ‪)2:22‬‬
‫أما ما افترضه البعض من أن اليهود ‪ ،‬أضافوا على هذه الية كلمة " إسحاق‬
‫" فحشروها بعد " وحيدك الذي تحبه " ‪ ،‬اعتدادا ً بجدهم ونكاية بالعرب‬
‫( راجع الترجمة العربية للطبعة الولى من الدائرة المذكورة ‪) 97:2‬‬
‫فهو إما تزلف ساذج للعرب ‪ ،‬على نحو ما روي عن ذاك اليهودي المسلماني‬
‫في عهد بني أمية ‪ ،‬إذا أراد التقرب إلى عمر بن عبد العزيز بقوله أن اليهود‬
‫وضعوا اسم جدهم إسحاق موضع اسم جد العرب إسماعيل ‪ ،‬وأما غفلة عن‬
‫واقع المر ‪ ،‬وسهو عن ملبسات القضية زمانا ً عن واقع المر ‪ ،‬وسهو عن‬
‫ملبسات القضية زمانا ً ومكانا ً ‪ ،‬إذ يصح السؤال عندئذ ‪ :‬متى كانت هذه‬
‫الضافة ؟ وفي أية غاية ؟ ول بد أنها كانت قبل المسيح ‪ ،‬لن المعتقد‬
‫المسيحي الجاري منذ البدء إلى اليوم ل يتردد في القول أن الذبيح إسحاق‪.‬‬
‫فإذا صح هذا ‪ ،‬جاز للسؤال ‪ :‬وأي دافع كان لليهود ‪ -‬قبل المسيح ‪ -‬إلى‬
‫إقحام اسم إسحاق في النص التوراتي ‪ " ،‬المقدس " ‪ ،‬وإلى إحلل جدهم‬
‫محل إسماعيل ؟ ولم يكن إسماعيل ينافس إسحاق في شئ ‪ ،‬إذ ذاك ؛ وهو‬
‫ابن الجارية المطرود عن حظيرة المنزل الوالدي ؟ بل لم تكن أبوة‬
‫إسماعيل للعرب ذات خطر في نظر أحد ‪ ،‬ول منافسة العرب لليهود لها‬
‫حساب في تاريخ بني إسرائيل ‪ ،‬ول العراك المرير بين العرب " أبناء‬
‫إسماعيل " ‪ ،‬والفرس " أبناء اسحق " واردا ً في تصور اليهود ‪.‬‬
‫وعلى هذا تتابع التقليد بين اليهود والمسيحيين ‪ ،‬وبالتالي بين العرب‬
‫المنتمين إلى هذين الدينين ‪ ،‬أو المتأثرين بهما ‪ ،‬حتى ظهور السلم ‪ .‬ومما‬
‫ل شك فيه كذلك أن القرآن ل يسمى " الذبيح " ‪.‬‬
‫وقد أوردنا اليات ‪ 107-101‬من سورة " الصافات " التي تصف التضحية ‪ ،‬ول‬
‫تتعرض لسم الولد المضحى به ‪ ،‬على كون القرآن يذكر اسمي ولدي‬
‫إبراهيم في عدة مواضع (إسحاق ‪ 17‬مرة ‪ ،‬وإسماعيل ‪ 12‬مرة) ‪.‬‬
‫بيد أن النصوص القديمة تدل على أن المعتقد الجاري بين العرب‬
‫المسلمين ‪ ،‬حتى أواخر العصر الموي ‪ ،‬كان أن الذبيح إسحاق ‪ .‬وهذا‬
‫الفرزدق يذكر " الذبيح اسحق " في قصيدتين من آخر شعره ‪ .‬يذكره عرضا ً ‪،‬‬
‫دون تعمل ول تكلف ‪ ،‬وغايته الشفاعة به وطلب دعائه ‪.‬‬
‫وأولى القصيدتين في مدح مالك بن المنذر بن الجارود ‪ ،‬عامل خالد‬
‫القسري على البصرة وكان قد حبس الفرز دق وهو في حدود التسعين من‬
‫سنيه ‪ -‬فيكون ذلك حوالي السنة ‪ - 730‬فمدحه الفرزدق تائبا مستعطفا ‪،‬‬
‫وسيرها من سجنه ‪ .‬وفيها يقول ‪:‬‬
‫إني حلفت بصارع لبن له اسحق فوق جبينه المتلول (ديوان الفرزدق ‪ ،‬ص‬
‫‪)679‬‬

‫فلم يعطف ذلك مالكا ً ‪ ،‬وطال الحبس على الفرزدق ‪ .‬فوجه القصيدة الثانية‬
‫إلى ابن الخليفة معاوية بن هشام بن عبد الملك ‪ ،‬مادحا ً ‪ ،‬مستعطفا ً ‪ ،‬راجياً‬
‫الدعاء من إبراهيم الخليل ‪ ،‬مضمنا ً حكاية الضحية على ما حفظها في‬
‫"القرآن" ‪:‬‬
‫أرجو الدعاء من الذي تل ابنه لجبينه ‪ ،‬ففداه ذو النعـــــام‬
‫إسحاق حيث يقول لما هـابه لبيه حيث رأى من الحــــلم‬
‫امضي وصدق ما أمــــرت فإنني بالصبر محتسبا لخير غلم‬
‫(الديوان ‪ ،‬ص ‪)831‬‬
‫ول سبيل إلى الشك في صحة البيات ‪ .‬من هنا كان أن بعض المفسرين في‬
‫العصر العباسي ‪ -‬وقد أخذت فكرة " الذبيح إسماعيل " تتغلغل في معتقد‬
‫القوم ‪ -‬لما وقفوا على شعر الفرزدق في الموضوع ‪ ،‬أزعجهم قوله ‪ .‬ولما‬
‫لم يمكنهم " تزييف " هذا في الشعر‪ ،‬جعلوا الفرزدق " يصحح " رأيه‬
‫متأخرا ً ‪ ،‬فوضعوا على لسانه القول ‪ " :‬سمعت أبا هريرة يقول على منبر‬
‫المدينة ‪ :‬الذبيح إسماعيل " (ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪.)296 ،‬‬
‫ول يخفى أن أبا هريرة توفي بالمدينة سنة ‪ 57‬أو ‪ 58‬أو ‪ 59‬للهجرة (‪،)679-677‬‬
‫أي قبل أن نظم الفرزدق قصيدتيه المذكورتين بما ل يقل عن خمسين سنة‬
‫‪.‬‬

‫فلو كان صحيحا ً ما قيل من أنه سمع أبا هريرة يقول ‪ " :‬الذبيح إسماعيل " ‪،‬‬
‫جاز السؤال ‪ :‬ولم لم يستفد من ذلك في شعره ‪ ،‬فظل على القول بأن‬
‫الذبيح اسحق بعد ذلك بنصف قرن ؟‬
‫على أن ابن قتيبة كان من القائلين بأن " الذبيح إسحاق " (المعارف ‪. )18 ،‬‬
‫وكذلك محمد بن سلم في تعليقه على بيت جرير في هجاء سراقة البارقي‬
‫‪:‬‬
‫ولقد هممت بأن أدمدم بارقا فحفظت فيهم عمنا إسحاقا !‬
‫قال ابن سلم ‪ " :‬يعني إسحاق الذبيح " ‪( .‬طبقات الشعراء ‪. )107 ،‬‬
‫كذلك كان رأي ابن عبد ربه ‪ ،‬وقد أورد حديثا ً في وفاة إبراهيم الخليل جاء‬
‫فيه أن الذبيح إسحاق ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وفي بعض الحديث أن إبراهيم خليل الرحمن ‪ ،‬صلوات الله عليه ‪ ،‬كان‬
‫من أغير الناس ‪ .‬فلما حضرته الوفاة ‪ ،‬دخل عليه ملك الموت في صورة‬
‫رجل أنكره ‪ .‬فقال له ‪ " :‬من أدخلك داري ؟ " قال ‪ " :‬الذي أسكنك فيها منذ‬
‫كذا وكذا سنة ! " قال ‪ " :‬من أنت؟ " قال ‪ " :‬أنا ملك الموت ‪ .‬جئت لقبض‬
‫روحك ‪ " .‬قال ‪ " :‬أتاركي أنت حتى أودع ابني إسحاق ؟ " قال ‪ " :‬نعم ‪".‬‬
‫فأرسل إلى إسحاق ‪ .‬فلما أتاه ‪ ،‬أخبره ‪ .‬فتعلق إسحاق بأبيه إبراهيم ‪.‬‬
‫وجعل يتقطع عليه بكاء ‪ .‬فخرج عنهما ملك الموت ‪ .‬وقال ‪ " :‬يا رب ‪ ،‬ذبيحك‬
‫إسحاق متعلق بخليلك ‪ ".‬فقال له الله ‪ " :‬قل له ‪ :‬إني قد أمهلتك ‪ ".‬ففعل ‪.‬‬
‫وانحل إسحاق عن أبيه ‪ .‬ودخل إبراهيم بيتا ينام فيه ‪ .‬فقبض ملك الموت‬
‫روحه ‪ ،‬وهو نائم ‪ ( " .‬العقد الفريد ‪. ) 440:2‬‬
‫وممن قالوا بكون الذبيح إسحاق عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب ‪،‬‬
‫على ما جاء في نقل النهروالي في كتاب " العلم بأعلم بيت الله الحرام "‬
‫(ص ‪. )37‬‬
‫ولعل فكرة " الذبيح إسماعيل " لم تتقدم العصر العباسي ‪ ،‬وفيه اشتدت‬
‫المنافسة ‪ ،‬حتى العراك السافر ‪ ،‬بين العرب والفرس ومن ورائهم‬
‫الشعوبية ‪ .‬فكان من متممات هذا العراك ‪ ،‬وقد استغل المناضلون من‬
‫الفريقين القرآن ‪ ،‬والحديث ‪ ،‬والشعر ‪ ،‬وأيضا ً استغلوا تاريخ النساب‬
‫ومفاخر الجدود ‪.‬‬
‫وكان الساسانيون ينتسبون إلى إسحاق ‪ ،‬فكان طبيعيا ً أن ينوهوا به ؛ وأن‬
‫يقوم الفرس جميعا ً ‪ ،‬وسائر الشعوبيين ‪ ،‬فيفخروا على العرب " بإسحاق‬
‫بن إبراهيم ‪ ،‬وأنه لسارة ‪ ،‬وأن إسماعيل لمة تسمى هاجر " ( العقد ‪. ) 409:3‬‬
‫وحق للعرب أن يفخروا بإسماعيل بكر إبراهيم ‪ ،‬وأن يصرفوا إليه فضيلة "‬
‫الذبيح " المختار من الله فكان من ذلك أن قضية اسم الذبيح ‪ ،‬التي كانت‬
‫ثانوية في نظر الوائل ‪ ،‬بدليل إهمال القرآن التدقيق فيها ‪ ،‬وبدليل أن‬
‫الغاية من الحادثة كانت بلء إبراهيم وامتحان إيمانه ‪ ،‬وهل يقدم على‬
‫التضحية بولده – ول عبرة في أي كان ذلك الولد – في طاعة الله هذه‬
‫القضية ‪ ،‬التي كانت ثانوية ‪ ،‬أول المر ‪ ،‬ثم غدت أساسية ‪ ،‬وافرة الخطر ‪،‬‬
‫إذ أقيم منها أصل من أصول المفاخرة بين العرب والفرس ؛ فغدا ً مهما جداً‬
‫أن نعرف أي جد من الجدين اختار الله للتضحية ‪ .‬وإذا بالعراك يغتذي‬
‫بموضوع جديد ‪ ،‬فيشدد الحزب العربي في الحتجاج لسماعيل ‪ .‬ويستغرب‬
‫الحزب الفارسي والشعوبي هذا القول المحدث ‪ .‬وأن في ما أورده‬
‫المسعودي لتمثيل ً حيا ً لبعض مشاهد العراك في الموضوع الذي يهمنا ‪.‬‬

‫قال المسعودي ‪ :‬وقد افتخر بعض أبناء الفرس بعد التسعين والمائتين (‪)903‬‬
‫بجده إسحاق بن إبراهيم الخليل على ولد إسماعيل بأن الذبيح كان إسحاق‬
‫دون إسماعيل ‪.‬‬
‫فقال في كلمة له ‪ :‬أيا ً بني هاجر ‪ ،‬أبنت لكم ‪ :‬ما هذه الكبرياء والعظمة ؟‬
‫ألم تكن في القديم أمكم لمنا سارة الجمال أمه ؟ والملك فينا ‪ ،‬والنبياء‬
‫لنا إن تنكروا ذاك ‪ ،‬توجدوا ظلمه ‪ ،‬إسحاق كان الذبيح قد اجمع الناس عليه ؛‬
‫إل ادعاء لمه ‪ ،‬حتى إذا ما محمد أظهر الدين ‪ ،‬وجلى بنوره الظلمة ‪ ،‬قلتم ‪:‬‬
‫" قريش ! "‪ ،‬والفخر في الدين ل الحساب ؛ إن كنتم بنيه ‪ ،‬فمه ! (مروج‬
‫الذهب ‪)282:1‬‬
‫فرد عليه ابن المعتز واتخذ الموضوع من ثم طابعا ً قوميا ً ‪ ،‬فاشتد النقاش‬
‫والجدل بين أرباب الحديث والمفسرين ‪ :‬بعضهم يميل إلي إسماعيل ‪،‬‬
‫وبعضهم إلى اسحق ‪ .‬وكان من " السحاقيين " ‪ ،‬وبالضافة إلى القدامى‬
‫الذين لم يخطر على بالهم إمكان النزاع في هذا الموضوع ‪ ،‬ابن قتيبة ‪،‬‬
‫والطبري ‪.‬‬
‫على أن الكثرية ‪ ،‬ابتداء من العصر العباسي ‪ ،‬كانت في حيز إسماعيل ‪.‬‬
‫وظل بعضهم على تردد بين الثنين ‪ ،‬ل يجزمون ‪ ،‬كما فعل الجاحظ في‬
‫الكلم على الطاعة والمطاوعة ‪ ،‬إذ قال ‪ " :‬وقد أمر الله تعالى إبراهيم ‪،‬‬
‫عليه الصلة والسلم ‪ ،‬بذبح إسحاق أو إسماعيل ‪ ،‬عليهما الصلة والسلم ‪.‬‬
‫فأطاع الوالد ‪ ،‬وطاوع الولد " (الحيوان ‪)163:1‬‬
‫وذلك حتى القرن السادس عشر كما ينتج من تفسير الجللين الية ‪ 107‬من‬
‫سورة " الصافات " ‪ " :‬وفديناه بذبح عظيم " قال ‪ " :‬وفديناه " ‪ ،‬أي المأمور‬
‫بذبحه ‪ ،‬وهو إسماعيل أو إسحق ‪ .‬قولن "‪.‬‬
‫على أن الكثرية أصبحت في حيز إسماعيل على عهد النووي ‪ ،‬قال في‬
‫كتابه " التهذيب " ‪ :‬اختلف العلماء ‪ ،‬رحمهم الله ‪ ،‬في الذبيح هل هو‬
‫إسماعيل أو إسحاق عليهما السلم ‪ ،‬والكثرون على أنه إسماعيل (عم) "‬
‫أما قضية الذبيح من هو؟ إسماعيل أم إسحاق ؟ فلنتركها للكتاب المسلمين‬
‫فان لهم فيها رأي ولنضف كلما ً لبن خلدون برهن فيه أن الذبيح إسحاق ‪،‬‬
‫مستندا ً إلى فضيلة البشارة في تعيين الولد المختار من الله ‪ .‬قال ‪" :‬‬
‫الراجح أنه اسحق لن نص القرآن يقتضي أن الذبيح هو المبشر به ‪ ،‬ولم‬
‫يبشر إبراهيم بولد ‪ ،‬إل من زوجته سارة ‪ ،‬وإن البشارة كانت قبل هاجر ‪ ،‬أي‬
‫قبل دخوله مصر ‪ .‬فإن سارة أخذت هاجر من مصر ‪ ،‬وقدمتها لبراهيم ‪ ،‬بعد‬
‫البشارة بعشر سنين ‪ .‬فالمبشر به ‪ ،‬قبل ذلك ‪ ،‬هو ابن سارة ‪ ،‬فهو الذبيح‬
‫بهذه الدللة القاطعة ‪" .‬‬
‫ت‬
‫أن الذبيح هو إسحاق قال الحاكم في ج ‪ 2‬ص ‪ 555‬ثم روى الحاكم عدة روايا ٍ‬
‫في أن الذبيح هو إسحاق ‪ ،‬وأنه هو الذي يشفع للموحدين ! ولم يذكر فيها‬
‫شيئا ً عن شفاعة نبينا صلى الله عليه وعلي آله وسلم وصحح بعضها أيضاً‬
‫على شرط الشيخين ! قال في ج ‪ 2‬ص ‪ ،557‬وفي ص ‪559‬‬
‫حدثنا إسماعيل بن الفضل بن محمد الشعراني ‪ ،‬ثنا جدي ‪ ،‬ثنا سنيد بن داود‬
‫‪ ،‬ثنا حجاج بن محمد ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن أبي الَحوص ‪ ،‬عن‬
‫عبد الله قال عبد الله قال ‪ :‬الذبيح إسحاق ‪ .‬هذا حديث صحيح على شرط‬
‫الشيخين ولم يخرجاه‪.‬‬
‫عن أبي الزبير ‪ ،‬عن جابر رضي الله عنه قال ‪ :‬لما رأى إبراهيم في المنام‬
‫أن يذبح إسحاق أخذ بيده ‪ .‬فذكره بطوله ‪ . . .‬قال الحاكم ‪ :‬وقد ذكره‬
‫الواقدي بأسانيده‪ ،‬وهذا القول عن أبي هريرة ‪ ،‬وعبد الله بن سلم ‪ ،‬وعمير‬
‫بن قتادة الليثي ‪ ،‬وعثمان بن عفان ‪ ،‬وأبي بن كعب ‪ ،‬وعبد الله بن مسعود ‪،‬‬
‫وعبد الله بن عمر ‪ ،‬وعبد الله بن عمرو ‪ ،‬والله أعلم عن وهب بن منبه قال ‪:‬‬
‫حديث إسحاق حين أمر الله إبراهيم أن يذبحه ‪ :‬وهب الله لبراهيم إسحاق‬
‫في الليلة التي فارقته الملئكة ‪ ،‬فلما كان ابن سبع أوحى الله إلى إبراهيم‬
‫ذ يتقبل ويرفع ‪ ،‬فكتم إبراهيم‬ ‫أن يذبحه ويجعله قربانا ً ‪ ،‬وكان القربان يومئ ٍ‬
‫ذلك إسحاق وجميع الناس وأسَّره إلى خليل له ‪ ،‬فقال ألعازر الصديق وهو‬
‫أول من آمن بإبراهيم وقوله ‪ ،‬فقال له الصديق ‪ :‬إن الله ل يبتلي بمثل هذا‬
‫مثلك ولكنه يريد أن يجربك ويختبرك ‪ ،‬فل تسوءن بالله ظنك ‪ ،‬فإن الله‬
‫يجعلك للناس إماما ً ول حول ول قوة لبراهيم وإسحاق إل بالله الرحمن‬
‫الرحيم ‪ .‬فذكر وهب حديثا طويل ً إلى أن قال وهب ‪ :‬وبلغني أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وآله قال ‪ :‬لقد سبق إسحاق الناس إلى دعوة ما سبقها إليه‬
‫أحد ! ويقومن يوم القيامة فليشفعن لهل هذه الدعوة ‪ ،‬وأقبل الله على‬
‫إبراهيم في ذلك المقام فقال ‪ :‬اسمع مني يا إبراهيم أصدق الصادقين ‪.‬‬
‫ء‬
‫وقال لسحاق ‪ :‬اسمع مني يا أصبر الصابرين ‪ ،‬فإني قد ابتليتكما اليوم ببل ٍ‬
‫عظيم ٍ لم أبتل به أحدا ً من خلقي ‪ ،‬ابتليتك يا إبراهيم بالحريق فصبر صبراً‬
‫ف‬‫ي وأنت وحيدٌ وضعي ٌ‬ ‫لم يصبر مثله أحد من العالمين ‪ ،‬وابتليتك بالجهاد ف َّ‬
‫فصدقت وصبرت صبرا ً وصدقا ً لم يصدق مثله أحد من العالمين ‪ ،‬وابتليتك يا‬
‫إسحاق بالذبح فلم تبخل بنفسك ولم تعظم ذلك في طاعة أبيك ‪ ،‬ورأيت‬
‫ذلك هنيئا ً صغيرا ً في الله كما يرجو من أحسن ثوابه ويسر به حسن لقائه ‪،‬‬
‫وإني أعاهدكما اليوم عهدا ً ل احبسن به ‪ :‬أما أنت يا إبراهيم فقد وجبت لك‬
‫ي فأنت خليلي من بين أهل الرض دون رجال العالمين ‪ ،‬وهي‬ ‫الجنة عل َّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فضيلة لم ينلها أحد قبلك ول أحد بعدك ‪ ،‬فخَّر إبراهيم ساجدا تعظيما لما‬
‫ي بما شئت ‪،‬‬ ‫سمع من قول الله متشكرا ً لله ‪ .‬وأما أنت يا إسحاق فتم َّ‬
‫ن عل َّ‬
‫وسلني واحتكم ‪ ،‬آوتك سؤلك ‪ .‬قال ‪ :‬أسألك يا إلَهي أن تصطفيني‬
‫لنفسك ‪ ،‬وأن تشفعني في عبادك الموحدين ‪ ،‬فل يلقاك عبدٌ ل يشرك بك‬
‫شيئا ً إل أجرته من النار ‪ .‬قال له ربه ‪ :‬أوجبت لك ما سألت وضمنت لك‬
‫ولبيك ما وعدتكما على نفسي ‪ ،‬وعدا ً ل أخلفه ‪ ،‬وعهدا ً ل أحبسن به ‪،‬‬
‫وعطاء هنيئا ً ليس بمردود ‪ .‬انتهى‬
‫يبقى السؤال ‪ :‬من أين جاء هذان الِتجاهان في المسألة ! أما البخاري فقد‬
‫تهرب في صحيحه من تعيين الذبيح ولكنه اختار في تاريخه أنه إسحاق‬
‫وليس إسماعيل رغم وجود عدة روايات صحيحة على شرطه تقول إنه‬
‫إسماعيل ومن البعيد جدا ً أنه لم يرها !‬
‫وقال عبد الرزاق في تفسيره ج ‪ 2‬ص ‪ 123‬عن الزهري عن القاسم بن محمد‬
‫في قوله ‪ :‬إني أرى في المنام أني أذبحك ‪ ،‬قال ‪ :‬اجتمع أبو هريرة وكعب‬
‫فجعل أبو هريرة يحدث كعبا ً عن النبي (ص) وجعل كعب يحدث أبا هريرة عن‬
‫الكتب ! !‬
‫فقال ‪ :‬أبو هريرة قال النبي (ص) ‪ :‬إن لكل نبي دعوة مستجابة وإني خبأت‬
‫دعوتي شفاعة لمتي يوم القيامة فقال له كعب ‪ :‬أنت سمعت هذا من‬
‫رسول الله ! قال نعم ‪ .‬قال كعب ‪ :‬فداه أبي وأمي أفل أخبرك عن إبراهيم‬
‫إنه لما رأى ذبح ابنه إسحاق قال الشيطان ‪ :‬إن لم أفتن هؤلء عند هذه لم‬
‫أفتنهما أبدا فخرج إبراهيم بابنه ليذبحه فذهب الشيطان فدخل على سارة‬
‫فقال ‪ :‬أين ذهب إبراهيم بابنك قالت ‪ :‬غدا ً به لبعض حاجته فقال ‪ :‬إنه لم‬
‫يغد به لحاجة إنما ذهب ليذبحه ‪ .‬قالت ‪ :‬ولم يذبحه ! قال ‪ :‬يزعم أن ربه‬
‫أمره بذلك ! قالت ‪ :‬فقد أحسن أن يطيع ربه في ذلك فخرج الشيطان في‬
‫أثرهما فقال للغلم أين يذهب بك أبوك قال لحاجته قال إنما يذهب بك‬
‫ليذبحك ! قال لم يذبحني قال يزعم أن ربه أمره بذلك ! قال والله لئن كان‬
‫أمره بذلك ليفعلن ‪ .‬قال فتركه ولحق بإبراهيم فقال‪ :‬أين غدوت بابنك‬
‫فقال لحاجة قال ‪ :‬فإنك لم تغد به لحاجة إنما غدوت لتذبحنه ! قال ولم‬
‫أذبحه قال تزعم أن ربك أمرك بذلك ! قال ‪ :‬فوالله لئن كان أمرني بذلك‬
‫لفعلن ‪ .‬قال ‪ :‬فتركه ويئس أن يطاع‪ .‬انتهى‬
‫وروى الطبري في تاريخه ج ‪ 1‬ص ‪ 187‬رواية معاوية وعدة روايات عن كعب‬
‫الحبار في أن الذبيح إسحاق ‪ ،‬ومنها رواية عبد الرزاق بألفاظ مشابهة وزاد‬
‫فيها ‪ :‬فلما أخذ إبراهيم إسحاق ليذبحه وسلم إسحاق أعفاه الله وفداه بذبح‬
‫عظيم قال إبراهيم لسحاق قم أي بني فإن الله قد أعفاك فأوحى الله إلى‬
‫إسحاق إني أعطيك دعوة أستجيب لك فيها قال إسحاق ‪ :‬اللهم فإني أدعوك‬
‫أن تستجيب لي أيما عبد لقيك من الولين والخرين ل يشرك بك شيئاً‬
‫فأدخله الجنة ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وبذلك يقول لنا كعب ‪ :‬إن الذبيح هو إسحاق جد اليهود وليس جد العرب ‪ ،‬ثم‬
‫إنكم تزعمون أن محمدا ً يشفع في الموحدين ‪ ،‬وقد سبقه إلى ذلك إسحاق‬
‫فلم يبق معنى لشفاعة نبيكم ! وقال السيوطي في الدر المنثور ج ‪ 5‬ص ‪282‬‬
‫وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم‬
‫والحاكم وصححه والبيهقي في شعب اليمان عن كعب رضي الله عنه أنه‬
‫قال لبي هريرة ‪ :‬أل أخبرك عن إسحاق قال بلى قال ‪ :‬لما رأى إبراهيم أن‬
‫يذبح إسحاق ‪ . . .‬وذكر شفاعة إسحاق للموحدين بنحو رواية الطبري‬
‫المتقدمة ! الدر المنثور ج ‪ 5‬ص ‪282‬‬

‫‪------------------------------------‬‬
‫المراجع‪:‬‬
‫سفر التكوين ‪ ،‬ترجمة الباء اليسوعيين‬
‫‪1952‬‬ ‫القرآن ‪ ،‬مع التفاسير ول سيما تفسير الجللين ‪ ،‬مصر‬
‫البخاري ‪ :‬كتاب الصحيح ‪ :‬باب النبياء ‪.‬‬
‫الطبري ‪ :‬كتاب الرسل والملوك ‪ ،‬طبعة ليدن ‪ ،‬الجزء الول ‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫و‬ ‫‪4‬‬ ‫و‬ ‫‪1‬‬ ‫الجاحظ ‪ :‬كتاب الحيوان ‪ ،‬طبعة هارون ‪ ،‬الجزاء‬
‫‪3‬‬ ‫و‬ ‫‪1‬‬ ‫البيان والتبيين ‪ ،‬طبعة هارون ‪ ،‬الجزءان‬
‫‪1955‬‬ ‫‪ ،‬دمشق‬ ‫‪pellat‬‬ ‫التربيع والتدوير ‪ ،‬طبعة‬
‫‪1936‬‬ ‫ديوان الفرزدق ‪ ،‬طبعة الصاوي ‪ ،‬مصر‬
‫‪1916‬‬ ‫محمد بن سلم ‪ :‬طبقات الشعراء (‪ ، )hell‬ليدن‬
‫ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء (‪ ، )de goeje‬ليدن ‪ ،1902‬المعارف ‪،‬‬
‫هـ‬ ‫‪1952‬‬ ‫مصر‬
‫‪1938‬‬ ‫الجاحظ ‪ :‬الحيوان ‪ ،‬طبعة هارون ‪ ،‬الجزء الول ‪ ،‬مصر‬
‫ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬طبعة أمين ‪ ،‬والزين ‪ ،‬والبياري ‪،‬‬
‫‪ ،‬الجزءان ‪ 2‬و‪3‬‬ ‫‪1940‬‬ ‫مصر‬
‫‪4‬‬ ‫و‬ ‫‪3‬‬ ‫و‬ ‫‪1‬‬ ‫ابن عبد ربه ‪ :‬العقد الفريد ‪ ،‬طبعة أحمد أمين … ‪ ،‬الجزاء‬
‫‪6‬‬ ‫و‬ ‫‪5‬‬ ‫و‬
‫‪1966‬‬ ‫المسعودي ‪ :‬مروج الذهب (‪ ، )pellat‬الجزء الول ‪ ،‬بيروت‬
‫هـ‬ ‫‪1312‬‬ ‫الثعلبي ‪ :‬قصص النبياء ‪ ،‬مصر‬
‫‪1922‬‬ ‫الكسائي ‪ :‬قصص النبياء ‪ ،‬ليدن‬
‫‪1956‬‬ ‫ابن خلدون ‪ :‬المقدمة ‪ ،‬طبعة بيروت‬
‫قطب الدين النهروالي ‪ :‬كتاب العلم بأعلم بيت الله الحرام (‬
‫‪ ، )wüstenfeld‬غوتنغن ‪1857‬‬
‫‪.r. blachére, le coran, 3 v., paris, 1948-1951‬‬
‫‪d. sidersky, les origines des légendes musulmanes dans le coran et dans les vies des‬‬
‫‪.prophètes, paris, 1933‬‬
.j. eisenberg, ishák, in encyclop. de l’islam¹ , iv, 1973
. ‫الترجمة العربية مع تعليقات عبد الوهاب النجار‬

.w. motgomery watt, ishák, in encyclop. de l”islam², iv, 1973


. ‫هـ‬1330 ‫ مصر‬، ‫ الخبار الطوال‬: ‫الدينوري‬
‫ بيروت‬، ‫ الجزءان الول والثاني‬، pellat ‫ طبعة‬، ‫ مروج الذهب‬: ‫المسعودي‬
1966

1890 ‫ بيروت‬، ‫ طبعة صالحاني‬، ‫ تاريخ مختصر الدول‬: ‫ابن العبري‬


. ‫هـ‬ 1339 ‫ القاهرة‬، ‫ قصص النبياء‬: ‫الثعلبي‬
1922 ‫ ليدن‬، ‫ قصص النبياء‬: ‫الكسائي‬
.0
1858 ‫ غوتنغن‬، wustenfeld ‫ طبعة‬، ‫ أخبار مكة‬: ‫لزرقي‬
.1
.r. blachére, le coran, 3 vol., paris, 1948-1951
.a. geiger, judaïsm and islam², new york, 1970
,e. beck, die gestalt des abraham am wendepunkt der entwicklung muhammeds, in le muséon
.)lxv (1952
.g. weil, biblische legenden der muselmänner, frankfort, 1845
d. sidersky, les origines des légendes musulmanes dans le coran et dans les vies des
.prophétes, paris, 1933
.michel hayek, le mystére d’ismaël, paris, 1964
.a.j. wensinck, ismãîl, in encyclop. de i’islam1
.18th. paret, mohamad und der koran², iv, stuttgart, 1966
ismêîl, in encyclop. de l’islam², iv, 1978 , _

You might also like