Professional Documents
Culture Documents
عليه وسلم
ذلك أنه كان على الرغم من حداثة سنه ،زينة الجالس والندوات ،ترص كل ندوة أن يكون مصعب
بي شهودها ،ذلك أن أناقة مظهره ورجاحة عقله كانتا من خصال "ابن عمي الت تفتح له القلوب
والبواب..
ولقد سع فيما سع أن الرسول ومن آمن معه ،يتمعون بعيدا عن فضول قريش وأذاها ..هناك على
الصفا ف درا "الرقم بن أب الرقم" فلم يطل به التردد ،ول التلبث والنتظار ،بل صحب نفسه ذات
مساء ال دار الرقم تسبقه أشواقه ورؤاه...
هناك كان الرسول صلى ال عليه وسلم يلتقي بأصحابه فيتلو عليهم القرآن ،ويصلي معهم ل العل يّ
القدير.
ول ي كد م صعب يأ خذ مكا نه ،وتن ساب اليات من قلب الر سول متأل فة على شفت يه ،ث آخذة
طريقها ال الساع والفئدة ،حت كان فؤاد ابن عمي ف تلك المسية هو الفؤاد الوعود!..
ولقد كادت الغبطة تلعه من مكانه ،وكأنه من الفرحة الغامرة يطي.
ولكن الرسول صلى ال عليه وسلم بسط يينه الانية حت لمست الصدر التوهج ،والفؤاد التوثب،
فكانت ال سكينة العميقة ع مق الح يط ..و ف لح الب صر كان الفت الذي آ من وأسلم يبدو ومعه من
الكمة ما بفوق ضعف سنّه وعمره ،ومعه من التصميم ما يغيّر سي الزمان!!!..
**
كانت أم مصعب "خنّاس بنت مالك" تتمتع بقوة فذة ف شخصيتها ،وكانت تاب ال حد الرهبة..
ول يكن مصعب حي أسلم ليحاذر أو ياف على ظهر الرض قوة سوى امه.
فلو أن مكة بل أصنامها وأشرافها وصحرائها ،استحالت هول يقارعه ويصارعه ،لستخف به مصعب
ال حي..
أما خصومة أمه ،فهذا هو الول الذي ل يطاق!..
ولقد فكر سريعا ،وقرر أن يكتم اسلمه حت يقضي ال أمرا.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
و ظل يتردد على دار الر قم ،ويلس ال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ،و هو قر ير الع ي بايا نه،
وبتفاديه غضب أمه الت ل تعلم خب اسلمه خبا..
ولكن مكة ف تلك اليام بالذات ،ل يفى فيها سر ،فعيون قريش وآذانا على كل طريق ،ووراء
كل بصمة قدم فوق رمالا الناعمة اللهبة ،الواشية..
ولقد أبصر به "عثمان بن طلحة" وهو يدخل خفية ال دار الرقم ..ث رآه مرة أخرى وهو سصلي
كصلة ممد صلى ال عليه وسلم ،فسابق ريح الصحراء وزوابعها ،شاخصا ال أم مصعب ،حيث
ألقى عليها النبأ الذي طار بصوابا...
ووقف مصعب أمام أمه ،وعشيته ،وأشراف مكة متمعي حوله يتلو عليهم ف يقي الق وثباته،
القرآن الذي يغسل به الرسول قلوبم ،ويلؤها به حكمة وشرفا ،وعدل وتقى.
وهّت أمه أن تسكته بلطمة قاسية ،ولكن اليد الت امتدت كالسهم ،ما لبثت أم استرخت وتنحّت
أمام النور الذي زاد وسامة وجهه وباءه جلل يفرض الحترام ،وهدوءا يفرض القناع..
ولكن ،اذا كانت أمه تت ضغط أمومتها ستعفيه من الضرب والذى ،فان ف مقدرتا أ ،تثأر لللة
الت هجرها بأسلوب آخر..
وهكذا مضت به ال ركن قصي من أركان دارها ،وحبسته فيه ،وأحكمت عليه اغلقه ،وظل رهي
مبسه ذاك ،حت خرج بعض الؤمني مهاجرين ال أرض البشة ،فاحتال لنفسه حي سع النبأ ،وغافل
أمه وحراسه ،ومضى ال البشة مهاجرا أوّابا..
ولسوف يكث بالبشة مع اخوانه الهاجر ين ،ث يعود معهم ال مكة ،ث يهاجر ال الب شة للمرة
الثانية مع الصحاب الذين يأمرهم الرسول بالجرة فيطيعون.
ول كن سواء كان م صعب بالب شة أم ف م كة ،فان تر بة ايا نه تارس تفوّق ها ف كل مكان وزمان،
ول قد فرغ من اعداة صياغة حيا ته على الن سق الد يد الذي أعطا هم م مد نوذ جه الختار ،واطمأن
مصعب ال أن حياته قد صارت جديرة بأن تقدّم قربانا لبارئها العلى ،وخالقها العظيم..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
خرج يوما على بعض السلمي وهم جلوس حول رسول ال ،فما ان بصروا به حت حنوا رؤوسهم
وغضوا أبصارهم وذرفت بعض عيونم دمعا شجيّا..
ذلك أن م رأوه ..يرتدي جلبا با مرق عا بال يا ،وعاودت م صورته الول ق بل ا سلمه ،ح ي كانت ثيا به
كزهور الديقة النضرة ،وألقا وعطرا..
وتلى رسول ال مشهده بنظرات حكيمة ،شاكرة مبة ،وتألقت على شفتيه ابتسامته الليلة ،وقال:
" لقد رأيت مصعبا هذا ،وما بكة فت أنعم عند أبويه منه ،ث ترك ذلك كله حبا ل ورسوله"!!.
لقد منعته أمه حي يئست من ردّته كل ما كانت تفيض عليه من نعمة ..وأبت أن يأكل طعامها
انسان هجر اللة وحاقت به لعنتها ،حت ولو يكون هذا النسان ابنها!!..
ولقد كان آخر عهدها به حي حاولت حبسه مرّة أخرى بعد رجوعه من البشة .فآل على نفسه لئن
هي فعلت ليقتلن كل من تستعي به على حبسه..
وانا لتعلم صدق عزمه اذا همّ وعزم ،فودعته باكية ،وودعها باكيا..
وكشفت ل ظة الوداع عن اصرار عج يب على الك فر من جانب الم وا صرار أ كب على اليان من
جا نب ال بن ..فح ي قالت له و هي ترجه من بيت ها :اذ هب لشأ نك ،ل أ عد لك أمّا .اقترب من ها
وقال":ينا أمّنه انن لك ناصنح ،وعلينك شفوق ،فاشهدي بأننه ل اله ال ال ،وأن ممدا عبده
ورسوله"...
أجابته غاضبة مهتاجة ":قسما بالثواقب ،ل أدخل ف دينك ،فيزرى برأيي ،ويضعف غقلي"!!..
وخرج مصعب من العنمة الوارفة الت كان يعيش فيها مؤثرا الشظف والفاقة ..وأصبح الفت التأنق
العطّر ،ل يرى ال مرتدينا أخشنن الثياب ،يأكنل يومنا ،ويوع أياماو ولكنن روحنه التأنقنة بسنمو
العقيدة ،والتألقة بنور ال ،كانت قد جعلت منه انسانا آخر يل العي جلل والنفس روعة...
**
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وآنئذ ،اختاره الرسول لعظم مهمة ف حينها :أن يكون سفيه ال الدينة ،يفقّه النصار الذين آمنوا
وبايعوا الرسول عند العقبة ،ويدخل غيهم ف دين ال ،ويعدّ الدينة ليوم الجرة العظيم..
كان ف أ صحاب ر سول ال يومئذ من هم أ كب م نه سنّا وأك ثر جا ها ،وأقرب من الر سول قرا بة..
ولكن الرسول اختار مصعب الي ،وهو يعلم أنه يكل اليه بأخطر قضايا الساعة ،ويلقي بي يديه
م صي ال سلم ف الدي نة ال ت ستكون دار الجرة ،ومنطلق الدعوة والدعاة ،والبشر ين والغزاة ،ب عد
حي من الزمان قريب..
وحل مصعب المانة مستعينا با أنعم ال عليه من رجاحة العقل وكري اللق ،ولقد غزا أفئدة الدينة
وأهلها بزهده وترفعه واخلصه ،فدخلوا ف دين ال أفواجا..
لقد جاءها يوم بعثه الرسول اليها وليس فيها سوى اثن عشر مسلما هم الذين بايعوا النب من قبل
بيعة العقبة ،ولكنه ام يكد يتم بينهم بضعة أشهر حت استجابوا ل وللرسول!!..
و ف مو سم ال ج التال لبي عة العق بة ،كان م سلمو الدي نة ير سلون ال م كة للقاء الر سول وفدا يثل هم
وينوب عنهم ..وكان عدد أعضائه سبعي مؤمنا ومؤمنة ..جاءوا تت قيادة معلمهم ومبعوث نبيهم
اليهم "مصعب ابن عمي".
لقد أثبت "مصعب" بكياسته وحسن بلئه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم عرف كيف يتار..
فل قد ف هم م صعب ر سالته تا ما وو قف ع ند حدود ها.ز عرف أ نه داع ية ال ال تعال ،ومب شر بدي نه
الذي يدعوا الناس ال الدى ،وال صراط مستقيم .وأنه كرسوله الذي آمن به ،ليس عليه ال البلغ..
هناك ن ض ف ضيا فة "أ سعد ب زرارة" يفشيان م عا القبائل والبو يت والجالس ،تال يا على الناس ما
كان معه من كتاب ربه ،هاتفا بينهم ف رفق عظيم بكلمة ال (انا ال اله واحد)..
ولقد تعرّض لبعض الواقف الت كان يكن أن تودي به وبن معه ،لول فطنة عقله ،وعظمة روحه..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ذات يوم فاجأه و هو ي عظ ال نس "أ سيد بن خض ي" سيد ب ن ع بد الش هل بالدي نة ،فاجأه شاهرا
حربت هو يتو هج غض با وحن قا على هذا الذي جاء يف ت قو مه عن دين هم ..ويدعو هم ل جر آلت هم،
ويدثهم عن اله واحد ل يعرفوه من قبل ،ول يألفوه من قبل!..
ان آلتهم معهم رابضة ف ماثهاو اذا حتاجها أحد عرف مكانا وول وجهه ساعيا اليها ،فتكشف
ضرّه وتلب دعاءه ...هكذا يتصورون ويتوهون..
أ ما اله م مد الذي يدعو هم ال يه با سه هذا ال سفي الوا فد الي هم ،ف ما أ حد يعرف مكا نه ،ول أ حد
يستطيع أن يراه!!..
و ما ان رأى ال سلمون الذ ين كانوا يال سون م صعبا مقدم أ سيد ا بن حض ي متوش حا غض به التل ظي،
وثورته التحفزة ،حت وجلوا ..ولكن مصعب الي ظل ثابتا وديعا ،متهلل..
وقف اسيد أمامه مهتاجا ،وقال ياطبه هو وأسعد بن زرارة:
"ما جاء بكما ال حيّنا ،تسهفان ضعفاءنا..؟ اعتزلنا ،اذا كنتما ل تريدان الروج من الياة"!!..
وف مثل هدوء البحر وقوته..
و ف م ثل تلل ضوء الف جر ووداع ته ..انفر جت أ سارير م صعب ال ي وترّك بالد يث الط يب ل سانه
فقال:
"أول تلس فتستمع..؟! فان رضيت أمرنا قبلته ..وان كرهته كففنا عنك ما تكره".
ال أكب .ما أروعها من بداية سيسعد با التام!!..
كان أسيد رجل أريبا عاقل ..وها هو ذا يرى مصعبا يتكم معه ال ضميه ،فيدعوه أن يسمع ل
غ ي ..فان اقت نع ،تر كه لقتناع هو وان ل يقت نع ترك م صعب حيّ هم وعشيت م ،وتول ال حي آ خر
وعشية أخرى غي ضارّ ول مضارّ..
هنالك أجابه أسيد قائل :أنصفت ..وألقى حربته ال الرض وجلس يصغي..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ول يكد مصعب يقرأ القرآن ،ويفسر الدعوة الت جاء با ممد بن عبدال عليه الصلة والسلم ،حت
أخذت أسارير أسيد تبق وتشرق ..وتتغي مع مواقع الكلم ،وتكتسي بماله!!..
ول يكد مصعب يفرغ من حديثه حت هتف به أسيد بن حضي وبن معه قائل:
"ما أحسن هذا القول وأصدقه ..كيف يصنع من يريد أن يدخل ف هذا الدين"..؟؟
وأجابوه بتهليلة رجّت الرض رجّا ،ث قال له مصعب:
"يطهر ثوبه وبدنه ،ويشهد أن ل اله ال ال".
فعاب أ سيد عن هم غ ي قل يل ث عاد يق طر الاء الطهور من ش عر رأ سه ،وو قف يعلن أن ل اله ال ال،
وأن ممدا رسول ال..
وسرى الب كالضوء ..وجاء سعد بن معاذ فأصغى لصعب واقتنع ،وأسلم ث تله سعد بن عبادة،
وت ت با سلمهم النعمة ،وأق بل أ هل الدي نة بعضهم على ب عض يت ساءلون :اذا كان أ سيد بن حض ي،
و سعد ا بن معاذ ،و سعد بن عبادة قد أ سلموا ،فف يم تلف نا..؟ ه يا ال م صعب ،فلنؤ من م عه ،فان م
يتحدثون أن الق يرج من بي ثناياه!!..
**
لقد نح أول سفراء الرسول صلى ال عليه وسلم ناحا منقطع النظي ..ناه\حا هو له أهل ،وبه
جدير..
وت ضي اليام والعوام ،ويها جر الر سول و صحبه ال الدي نة ،وتتل مظ قر يش بأحقاد ها ..وتعدّ عدّة
باطل ها ،لتوا صل مطاردت ا الظال ة لعباد ال ال صالي ..وتقوم غزوة بدر ،قيتلقون في ها در سا يفقد هم
بقية صوابم ويسعون ال الثأر،و تيء غزوة أحد ..ويعبئ السلمون أنفسهم ،ويقف الرسول صلى
ال عل يه و سلم و سط صفوفهم يتفرّس الوجوه الؤم نة ليختار من بين ها من ي مل الرا ية ..ويد عو
مصعب الي ،فيتقدم ويمل اللواء..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وت شب العر كة الرهي بة ،ويتدم القتال ،ويالف الرماة أ مر الر سول عل يه ال صلة وال سلم ،ويغادرون
موقعهم ف أعلى البل بعد أن رأوا الشركي ينسحبون منهزمي ،لكن عملهم هذا ،سرعان ما يوّل
نصر السلمي ال هزية ..ويفاجأ السلمون بفرسان قريش تغشاهم من أعلى البل ،وتعمل فيهم على
حي غرّة ،السيوف الظامئة الجنونة..
حي رأوا الفوضى والذعر ف صفوف السلمي ،ركزا على رسول ال صلى ال عليه وسلم لينالوه..
وأدرك مصنعب بنن عمين الطنر الغادر ،فرفنع اللواء عالينا ،وأطلق تكنبية كالزئين ،ومضنى يول
ويتواثب ..وكل هه أن يلفت نظر العداء اليه ويشغلهم عن الرسول صلى ال عليه وسلم بنفسه،
وجرّد من ذاته جيشا بأسره ..أجل ،ذهب مصعب يقاتل وحده كأنه جيش لب غزير..
يد تمل الراية ف تقديس..
ويد تضرب بالسيف ف عنفزان..
ولكن العداء يتكاثرون عليه ،يريدون أن يعبوا فوق جثته ال حيث يلقون الرسول..
لندع شاهد عيان يصف لنا مشهد الات ف حياة مصعب العظيم!!..
يقول ابن سعد :أخبنا ابراهيم بن ممد بن شرحبيل العبدري ،عن أبيه قال:
[حل مصعب بن عمي اللواء يوم أحد ،فلما جال السلمون ثبت به مصعب ،فأقبل ابن قميئة وهو
فارس ،فضربنه على يده اليمنن فقطعهنا ،ومصنعب يقول :ومنا ممند ال رسنول قند خلت منن قبله
الرسل..
وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه ،فضرب يده اليسرى فقطعها ،فح نا على اللواء وضمّه بعضديه
ال صدره وهو يقول :وما ممد ال رسول قد خلت من قبله الرسل..
ث حل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه وأندق الرمح ،ووقع مصعب ،وسقط اللواء].
وقع مصعب ..وسقط اللواء!!..
وقع حلية الشهادة ،وكوكب الشهداء!!..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
له ش يء يك فن ف يه ال نرة ..فك نا اذا وضعنا ها على رأ سه تعرّت رجله ،واذا وضعنا ها على رجل يه
برزت رأسه ،فقال لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم ":اجعلوها ما يلي رأسه ،واجعلوا على رجليه
من نبات الذخر"..]..
وعلى الر غم من الل الز ين العم يق الذي سببه رزء الر سول صلى ال عل يه و سلم ف ع مه حزة،
وتثيل الشركي يثمانه تثيل أفاض دموع الرسول عليه السلم ،وأوجع فؤاده..
وعلى الرغم م امتاتء أرض العركة بثث أصحابه وأصدقائه الذين كان كل واحد منهم يثل لديه
نننننننر والنور.. ننننننندق والطهن نننننننن الصن ننننننن من عالان
على الرغم من كل هذا ،فقد وقف على جثمان أول سفرائه ،يودعه وينعاه..
أ جل ..و قف الر سول صلى ال عل يه و سلم ع ند م صعب بن عم ي وقال وعيناه تلفا نه بضيائه ما
وحنانما ووفائهما:
(من الؤمني رجال صدقوا ما عاهدوا ال عليه)
ث ألقى ف أسى نظرة على بردته الت مفن با وقاللقد رأيتك بكة ،وما با أرق حلة ،ول أحسن لّة
منك" .ث هأنتذا شعث الرأس ف بردة"..؟!
وهتف الرسول عليه الصلة والسلم وقد وسعت نظراته الانية أرض العركة بكل من عليها من رفاق
مصعب وقال:
"ان رسول ال يشهد أنكم الشهداء عند ال يوم القيامة".
ث أقبل على أصحابه الحياء حوله وقال:
"أي ها الناس زورو هم،وأتو هم ،و سلموا علي هم ،فوالذي نف سي بيده ،ل ي سلم علي هم م سلم ال يوم
القيامة ،ال ردوا عليه السلم"..
**
السلم عليك يا مصعب..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ووض عت خ طة الرب الغادرة ،على أن يه جم ج يش قر يش وغطفان "الدي نة" من خارج ها ،بين ما
يها جم ب نو قري ظة من الدا خل ،و من وراء صفوف ال سلمي ،الذ ين سيقعون آنئذ ب ي شقّى ر حى
تطحنهم ،وتعلهم ذكرى!..
وفوجىء الرسول والسلمون يوما بيش لب يقترب من الدينة ف عدة متفوقة وعتاد مدمدم.
وسقط ف أيدي السلمي ،وكاد صوابم يطي من هول الباغتة.
وصوّر القرآن الوقف ،فقال ال تعال:
(اذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم واذ زاغت البصار وبلغت القلوب الناجر وتظنون بال
الظنونا).
أرب عة وعشرون ألف مقا تل ت ت قيادة أ ب سفيان وعيي نة بن ح صن يقتربون من الدي نة ليطوقو ها
وليبطشوا بطشتهم الاسة كي ينتهوا من ممد ودينه ،وأصحابه..
وهذا ال يش ل ي ثل قري شا وحد ها ..بل ومع ها كل القبائل وال صال ال ت رأت ف ال سلم خطرا
عليها.
انا ماولة أخية وحاسة يقوم با جيع أعداء الرسول :أفرادا ،وجاعات ،وقبائل ،ومصال..
ورأى السلمون أنفسهم ف موقف عصيب..
وجع الرسول أصحابه ليشاورهم ف المر..
وطبعا ،أجعوا على الدفاع والقتال ..ولكن كيف الدفاع؟؟
هنالك تقدم الرجل الطويل الساقي ،الغزير الشعر ،الذي كان الرسول يمل له حبا عظيما ،واحتراما
كبيا.
تقدّم سلمان الفارسي وألقى من فوق هضبة عالية ،نظرة فاحصة على الدينة ،فألفاها مصنة بالبال
والصخور الحيطة با ..بيد أن هناك فجوة واسعة ،ومهيأة ،يستطيع اليش أن يقتحم منها المى ف
يسر.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وكان سلمان قد خب ف بلد فارس الكثي من وسائل الرب وخدع القتال ،فتقدم للرسول صلى ال
عليه وسلم بقترحه الذي ل تعهده العرب من قبل ف حروبا ..وكان عبارة عن حفر خندق يغطي
جيع النطقة الكشوفة حول الدينة.
وال يعلم ،ماذا كان الصني الذي كان ينتظنر السنلمي فن تلك الغزوة لو ل يفروا الندق الذي ل
تكد قريش تراه حت دوختها الفاجأة ،وظلت قواتا جاثة ف خيامها شهرا وهي عاجزة عن اقتحام
الدينة ،حت أرسل ال تعال عليها ذات ليلة ريح صرصر عاتية اقتلعت خيامها ،وبدّدت شلها..
ونادى أبو سفيان ف جنوده آمرا بالرحيل ال حيث جاءوا ..فلول يائسة منهوكة!!..
**
خلل ح فر الندق كان سلمان يأ خذ مكا نه مع ال سلمي و هم يفرون ويدأبون ..وكان الر سول
عل يه ال صلة وال سلم ي مل معوله ويضرب مع هم .و ف الرق عة ال ت يع مل في ها سلمان مع فري قه
وصحبه ،اعترضت معولم صخور عاتية..
كان سلمان قوي البنية شديد السر ،وكانت ضر بة واحدة من ساعده الوث يق تفلق الصخر وتنشره
شظايا ،ولكنه وقف أمام هذه الصخرة عاجزا ..وتواصى عليها بن معه جيعا فزادتم رهقا!!..
وذ هب سلمان ال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ي ستأذنه ف أن يغيّروا مرى ال فر تفاد يا لتلك
الصخرة العنيدة التحدية.
وعاد الرسول عليه الصلة والسلم مع سلمان يعاين بنفسه الكان والصخرة..
وحي رآها دعا بعول ،وطلب من أصحابه أن يبتعدوا قليلعن مرمى الشظايا..
و سّى بال ،ورفع كلتا يديه الشريفتي القابضتي على العول ف عزم وقوة ،وهوى به على الصخرة،
فاذا با تنثلم ،ويرج من ثنايا صدعها الكبي وهجا عاليا مضيئا.
ويقول سلمان لقد رأيته يضيء ما بي ل بتيها ،أي يضيء جوانب الدينة ..وهتف رسول ال صلى
ال عليه وسلم مكبا:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
"ال أكب..أعطيت مفاتيح فارس ،ولقد أضاء ل منها قصور الية ،ومدائن كسرى ،وان أمت ظاهرة
عليها"..
ث ر فع العول ،وهوت ضرب ته الثان ية ،فتكررت لظاهرة ،وبر قت ال صخرة الت صدعة بو هج مض يء
مرتفع ،وهلل الرسول عليه السلم مكبا:
"ال أكب ..أعطيت مفاتيح الروم ،ولقد أضار ل منها قصورها المراء ،وان أمتيظاهرة عليها".
ث ضري ضرب ته الثال ثة فأل قت ال صخرة سلمها وا ستسلمها ،وأضاء برق ها الشد يد البا هر ،وهلل
الرسول وهلل السلمون معه ..وأنبأهم أنه يبصر الن قصور سورية وصنعاء وسواها من مدائن الرض
الت ستخفق فوقها راية ال يوما ،وصاح السلمون ف ايان عظيم:
هذا ما وعدنا ال ورسوله.ز
وصدق ال ورسوله!!..
كان سلمان صاحب الشورة بفر الندق ..وكان صاحب الصخرة الت تفجرت منها بعض أسرار
الغ يب وال صي ،ح ي ا ستعان علي ها بر سول ال صلى ال ع يه و سلم ،وكان قائ ما ال جوار الر سول
يرى الضوء ،ويسنمع البشرى ..ولقند عاش حتن رأى البشرى حقيقنة يعيشهنا ،وواقعنا يياه ،فرأى
مداءن الفرس والروم..
رأى قصور صنعاء وسوريا ومصر والعراق..
رأى جنبات الرض كل ها ت تز بالدوي البارك الذي ينطلق من ر با الآذن العال ية ف كل مكان مش عا
أنوار الدى والي!!..
**
و ها هو ذا ،جالس هناك ت ت ظل الشجرة الوار فة اللت فة أ ما داره "بالدائن" يدث جل ساءه عن
مغامر ته العظمى ف سبيل القي قة ،وي قص علي هم ك يف غادر د ين قو مه الفرس ال ال سيحية ،ث ال
السلم..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
كيف غادر ثراء أبيه الباذخ ،ورمى نفسه ف أحضان الفاقة ،بثا عن خلص عقله وروحه!!!..
كيف بيع ف سوق الرقيق ،وهو ف طريق بثه عن القيقة..؟؟
كيف التقى بالرسول عليه الصلة والسلم ..وكيف آمن به..؟؟
تعالوا نقترب من ملسه الليل ،ونصغ ال النبأ الباهر الذي يرويه..
**
[كنت رجل من أهل أصبهان ،من قرية يقال لا "جي"..
وكان أب دهقان أرضه.
وكنت من أحب عباد ال اليه..
وقد اجتهدت ف الجوسية ،حت كنت قاطن النار الت نوقدها ،ول نتركها نبو..
وكان ل ب ضي عة ،أر سلن الي ها يو ما ،فخر جت ،فمررت بكني سة للن صارى ،ف سمهتهم ي صلون،
فدخلت علي هم أن ظر ما ي صنعون ،فأعجب ن ما رأ يت من صلتم ،وقلت لنف سي هذا خ ي من دين نا
الذي ن ن عل يه ،ف ما برحت هم ح ت غا بت الش مس ،ول ذه بت ال ضي عة أ ب ،ول رج عت ال يه ح ت
بعث ف أثري...
وسألت النصارى حي أعجبن أمرهم و صلتم عن أصل دينهم ،فقالوا ف الشام..
وقلت لب حي عدت اليه :ان مررت على قوم يصلون ف كنيسة لم فأعجبتن صلتم ،ورأيت أن
دينهم خي من ديننا..
فحازرن وحاورته ..ث جعل ف رجلي حديدا وحبسن..
وأر سلت ال الن صارى أ خبهم أ ن دخلت ف دين هم و سألتهم اذا قدم علي هم ر كب من الشام ،أن
يبون قبل عودتم اليها لرحل ال الشام معهم ،وقد فعلوا ،فحطمت الديد وخرجت ،وانطلقت
معهم ال الشام..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وهناك سألت عن عالهم ،فقيل ل هو السقف ،صاحب الكنيسة ،فأتيته وأخبته خبي ،فأقمت معه
أخدم ،وأصلي وأتعلم..
وكان هذا ال سقف ر جل سوء ف دي نه ،اذ كان ي مع ال صدقات من ال نس ليوزع ها ،ث يكتن ها
لنفسه.
ث مات..
وجاءوا بآخر فجعلوه مكانه ،فما رأيت رجل على دينهم خيا منه ،ول أعظم منه رغبة ف الخرة،
وزهدا ف الدنيا ودأبا على العبادة..
وأحببته حبا ما علمت أن أحببت أحدا مثله قبله ..فلما حضر قدره قلت له :انه قد حضرك من أمر
ال تعال ما ترى ،فبم تأمرن وال من توصي ب؟؟
قال :أي بن ،ما أعرف أحدا من الناس على مثل ما أنا عليه ال رجل بالوصل..
فلما توف ،أتيت صاحب الوصل ،فأخبته الب ،وأقمت معه ما شاء ال أن أقيم ،ث حضرته الوفاة،
سألته فأمرن أن ألق برجل ف عمورية ف بلد الروم ،فرحلت اليه ،وأقمت معه ،واصطنعت لعاشي
بقرات وغنمات..
ث حضرته الوفاة ،فقلت له :ال من توصي ب؟ فقال ل :يا بن ما أعرف أحدا على مثل ما كنا عليه،
آمرك أن تأتيه ،ولكنه قد أظلك زمان نب يبعث بدين ابراهيم حنيفا ..يهاجر ال أرض ذات نل بي
جرّتي ،فان استطعت أن تلص اليه فافعل.
وان له آيات ل ت فى ،ف هو ل يأ كل ال صدقة ..ويق بل الد ية .وان ب ي كتف يه خا ت النبوة ،اذا رأي ته
عرفته.
ومر ب ركب ذات يوم ،فسألتهم عن بلدهم ،فعلمت أنم من جزيرة العرب .فقلت لم :أعطيكم
بقرات هذه وغنمي على أن تملون معكم ال أرضكم؟ ..قالوا :نعم.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
واصنطحبون معهنم حتن قدموا بن وادي القرى ،وهناك ظلمونن ،وباعونن ال رجنل منن يهود..
وب صرت بن خل كث ي ،فطم عت أن تكون هذه البلدة ال ت و صفت ل ،وال ت ستكون مها جر ال نب
النتظر ..ولكنها ل تكنها.
وأق مت عند الر جل الذي اشترا ن ،ح ت قدم عل يه يوما ر جل من يهود ب ن قري ظة ،فابتاعن م نه ،ث
خرج ب حت قدمت الدينة!! فوال ما هو ال ان رأيتها حت أيقنت أنا البلد الت وصفت ل..
وأقمت معه أعمل له ف نله ف بن قريظة حت بعث ال رسوله وحت قدم الدينة ونزل بقباء ف بن
عمرو بن عوف.
وان لفي رأس نلة يوما ،وصاحب جالس تتها اذ أقبل رجل من يهود ،من بن عمه ،فقال ياطبه:
قاتل ال بن قيلة اهنم ليتقاصفون على رجل بقباء ،قادم من مكة يزعم أنه نب..
فوال ما أن قال ا ح ت أخذت ن العرواء ،فرج فت النخلة ح ت كدت أ سقط فوق صاحب!! ث نزلت
سريعا ،أقول :ماذا تقول.؟ ما الب..؟
فرفع سيدي يده ولكزن لكزة شديدة ،ث قال :مالك ولذا..؟
أقبل على عملك..
فأقبلت على عملي ..ول ا أمسيت جعت ما كان عندي ث خر جت حت جئت رسول ال صلى ال
عليه وسلم بقباء ..فدخلت عليه ومعه نفر من أصحابه ،فقلت له :انكم أهل حاجة وغربة ،وقد كان
عندي طعام نذرته للصدقة ،فلما ذكر ل مكانكم رأيتم أحق الناس به فجئتكم به..
ث وضعته ،فقال الرسول لصحابه :كلوا باسم ال ..وأمسك هو فلم يبسط اليه يدا..
فقلت ف نفسي :هذه وال واحدة ..انه ل يأكل الصدقة!!..
ث رجعت وعدت ال الرسول عليه السلم ف الغداة ،أحل طعاما ،وقلت له عليه السلم :ان رأيتك
ل تأكنل الصندقة ..وقند كان عندي شينء أحنب أن أكرمنك بنه هدينة ،ووضعتنه بين يدينه ،فقال
لصحابه كلوا باسم ال..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وأكل معهم..
قلت لنفسي :هذه وال الثانية ..انه يأكل الدية!!..
ث رجعت فمكثت ما شاء ال ،ث أتيته ،فوجدته ف البقيع قد تبع جنازة ،وحوله أصحابه وعليه شلتلن
مؤتزرا بواحدة ،مرتديا الخرى ،فسلمت عليه ،ث عدلت لن ظر أعلى ظهره ،فعرف أن أريد ذلك،
فألقى بردته عن كاهله ،فاذا العلمة بي كتفيه ..خات النبوة ،كما وصفه ل صاحب..
فأكببت عليه أقبله وأبكي ..ث دعان عليه الصلة والسلم فجلست بي يديه ،وحدثته حديثي كما
أحدثكم الن..
ث أسلمت ..وحال الرق بين وبي شهود بدر وأحد..
وفن ذات يوم قال الرسنول علينه الصنلة والسنلم ":كاتنب سنيدك حتن يعتقنك" ،فكاتبتنه ،وأمنر
الر سولصحابه كي يعونو ن .وحرر ال رقب ت ،وع شت حرا م سلما ،وشهدت مع ر سول ال غزوة
الندق ،والشاهد كلها .هذه القصة مذكورة ف الطبقات الكبى لبن سعد ج .
**
بذه الكلمات الوضاء العذاب ..تدث سلمان الفارسي عن مغامرته الزكية النبيلة العظيمة ف سبيل
بثه عن القيقة الدينية الت تصله بال ،وترسم له دوره ف الياة..
فأي انسان شامخ كان هذا النسان..؟
أي تفوق عظيم أحرزته روحه الطلعة ،وفرضته ارادته الغلبة على الصاعب فقهرتا ،وعلى الستحيل
فجعلته ذلول..؟
أي تب تل للحقي قة ..وأي ولء ل ا هذا الذي أخرج صاحبه طائ عا متارا من ضياع أب يه وثرائه ونعمائه
ال الجهول بكنل أعبائه ،ومشاقنه ،ينتقنل منن أرض ال أرض ..ومنن بلد ال بلد ..ناصنبا ،كادحنا
عابدا ..تفحنص بصنيته الناقدة الناس ،والذاهنب والياة ..ويظنل فن اصنراره العظينم وراء القن،
وتضحياته النبيلة من أجل الدى حت يباع رقيقا ..ث يثيبه ال ثوابه الوف ،فيجمعه بالق ،ويلقيه
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
برسوله ،ث يعطيه من طول العمر ما يشهد معه بكلتا عينيه رايات ال تفق ف كل مكان من الرض،
وعباده السلمون يلؤن أركانا وأناءها هدى وعمرانا وعدل..؟!!
**
ماذا نتوقع أن يكون اسلم رجل هذه هته ،وهذا صدقه؟
لقد كان اسلم البرار التقي ..وقد كان ف زهده ،وفطنته ،وورعه أشبه الناس بعمر بن الطاب.
أقام أياما مع أب الدرداء ف دار واحدة ..وكان أبو الدرداء رضي ال عنه يقوم الليل ويصوم النهار..
وكان سلمان يأخذ عليه مبالغته ف العبادة على هذا النحو.
وذات يوم حاول سلمان أن يثن عزمه على الصوم ،وكان نافلة..
فقال له أبو الدرداء معاتبا :أتنعن أن أصوم لرب ،وأصلي له..؟ّ
فأجابه سلمان قائل:
ان لعينك عليك حقا ،وان لهلك عليك حقا ،صم وافطر ،وصل ون..
فبلغ ذلك الرسول صلى ال عليه وسلم فقال:
" لقد أشبع سلمان علما ".
وكان الرسول عليه السلم يرى فطنته وعلمه كثيا ،كما كان يطري خلقه ودينه..
ويوم الندق ،وقف النصار يقولون :سلمان منا ..وقف الهاجرون يقولون بل سلمان منا..
وناداهم الرسول قائل ":سلمان منا آل البيت".
وانه بذا الشرف لدير..
وكان علي بن أب طالب رضي ال عنه يلقبه بلقمان الكيم سئل عنه بعد موته فقال:
[ذاك امرؤ منا والينا أهل البيت ..من لكم بثل لقمان الكيم..؟
أوت العلم الول ،والعلم الخر ،وقرأ الكتاب الول والكتاب الخر ،وكان برا ل ينف].
ولقد بلغ ف نفوس أصحاب الرسول عليه السلم جيعا النلة الرفيعة والكان السى.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ف في خل فة ع مر جاء الدي نة زائرا ،ف صنع ع مر ما ل نعرف أ نه صنعه مع أ حد غيه أبدا ،اذ ج ع
أصحابه وقال لم:
"هيا بنا نرج لستقبال سلمان"!!.
وخرج بم لستقباله عند مشارف الدينة.
لقد عاش سلمان مع الرسول منذ التقى به وآمن معه مسلما حرّا ،وماهدا وعابدا.
وعاش مع خليفته أب بكر ،ث أمي الؤمني عمر ،ث الليفة عثمان حيث لقي ربه أثناء خلفته.
وف معظم هذه السنوات ،كانت رايات السلم تل الفق ،وكانت الكنوز والموال تمل ال الدينة
فيئا وجزية ،فتورّع النس ف صورة أعطيت منتظمة ،ومرتبات ثابتة.
وكثرت مسؤوليات الكم على كافة مستوياتا ،فكثرت العمال والناصب تبعا لا..
فأين كان سلمان ف هذا الضم..؟ وأين نده ف أيام الرخاء والثراء والنعمة تلك..؟
**
افتحوا ابصاركم جيدا..
أترون هذا الشيخ الهيب الالس هناك ف الظل يضفر الوص ويدله ويصنع منه أوعية ومكاتل..؟
انه سلمان..
انظروه جيدا..
انظروه جيدا ف ثوبه القصي الذي انسر من قصره الشديد ال ركبته..
انه هو ،ف جلل مشيبه ،وبساطة اهابه.
لقد كان عطاؤه وفيا ..كان بي أربعة وستة آلف ف العام ،بيد أنه كان يوزعه جيعا ،ويرفض أن
يناله منه درهم واحد ،ويقول:
"أشتري خو صا بدر هم ،فأعمله ،ث أبي عه بثل ثة درا هم ،فأع يد دره ا ف يه ،وأن فق دره ا على عيال،
وأتصدّق بالثالث ..ولو أن عمر بن الطاب نان عن ذلك ما انتهيت"!
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
**
ث ماذا يا أتباع ممد..؟
ث ماذا يا شرف النسانية ف كل عصورها وواطنها..؟؟
لقد كان بعضنا يظن حي يسمع عن تقشف بعض الصحابة وورعهم ،مثل أب بكر الصديق وعمر
وأب ذر واخوانم ،أن مرجع ذلك كله طبيعة الياة ف الزيرة العربية حيث يد العرب متاع نفسه ف
البساطة..
فها نن أمام رجل من فارس ..بلد البذخ والترف والدنية ،ول يكن من الفقراء بل من صفوة الناس.
ما باله يرفض هذا الال والثروة والنعيم ،ويصر أن يكتفي ف يومه بدرهم يكسبه من عمل يده..؟
ما باله يرفض اامارة ويهرب منها ويقول:
"ان استطعت أن تأكل التراب ول تكونن أميا على اثني؛ فافعل."..
ما باله يهرب من المارة والنصب ،ال أن تكون امارة على سريّة ذاهبة ال الهاد ..وال أن تكون ف
ظروف ل يصلح لا سواه ،فيكره عليها اكراها ،ويضي اليها باكيا وجل..؟
ث ما باله حي يلي على المارة الفروضة عليه فرضا يأب أنيأخذ عطاءها اللل..؟؟
روى هشام عن حسان عن السن:
" كان عطاء سلمان خ سة آلف ،وكان على ثلث ي أل فا من الناس ي طب ف عباءة يفترش نصفها،
ويلبس نصفها"..
"وكان اذا خرج عطاؤه أمضاه ،ويأكل من عمل يديه."..
ما باله يصنع كل هذا الصنيع ،ويزهد كل ذلك الزهد ،وه الفارسي ،ابن النعمة ،وربيب الضارة..؟
لنستمع الواب منه .وهو على فراش الوت .تتهيأ روحه العظيمة للقاء ربا العلي الرحيم.
دخل عليه سعد بن أب وقاص يعوده فبكى سلمان..
قال له سعد ":ما يبكيك يا أبا عبد ال..؟ لقد توف رسول ال وهو عنك راض".
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
فأجابه سلمان:
" وال ما أبكي جزعا من الوت ،ولحرصا على الدنيا ،ولكن رسول ال صلى ال عليه وسلم عهد
الينا عهدا ،فقال :ليكن حظ أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب ،وهأنذا حول هذه الساود"!!
يعن بالساود الشياء الكثية!
قال سعد فنظرت ،فلم أرى حوله ال جف نة ومطهرة ،فقلت له :يا أ با عبدال اع هد الي نا بع هد نأخذه
عنك ،فقال:
" يا سعد:
اذكر عند ال هّتك اذا همت..
وعند حكمتك اذا حكمت..
وعند يدك اذا قسمت"..
هذا هو اذن الذي مل نف سه غ ن ،بقدر ما مل ها عزو فا عن الدن يا بأموال ا ،ومنا صبها وجاه ها..
عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم اليه وال أصحابه جيعا :أل يدعو الدنيا تتملكهم ،وأل يأخذ
أحدهم منها ال مثل زاد الركب..
ولقد حفظ سلمان العهد ومع هذا فقد هطلت دموعه حي رأى روحه تتهيأ للرحيل ،مافة أن يكون
قد جاوز الدى.
ليس حوله ال جفنة يأكل فيها ،ومطهرة يشرب منها ويتوضأ ومع هذا يسب نفسه مترفا..
أل أقل لكم انه أشبه الناس بعمر..؟
وف اليام الت كان فيها أميا على الدائن ،ل يتغي من حاله شيء .فقد رفض أن يناله من مكافأة
المارة درهم ..وظل يأكل من عمل الوص ..ولباسه ليس ال عباءة تنافس ثوبه القدي ف تواضعها..
وذات يوم وهو سائر على الطريق لقيه رجل قادم من الشام ومعه حل تي وتر..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
كان المل يؤد الشامي ويتعبه ،فلم يكد يبصر أمامه رجل يبدو أنه من عامة الناس وفقرائهم ،حت
بدا له أن يضع المل على كاهله ،حت اذا أبلغه وجهته أعطاه شيئا نظي حله..
وأشار للرجل فأقبل عليه ،وقال له الشامي :احل عن هذا ..فحمله ومضيا معا.
واذ ها على الطريق بلغا جاعة من النس ،فسلم عليهم ،فأجابوا واقفي :وعلى المي السلم..
وعلى المي السلم..؟
أي أمي يعنون..؟!!
هكذا سأل الشامي نفسه..
ولقد زادت دهشته حي رأى بعض هؤلء يسارع صوب سلمان ليحمل عنه قائلي:
عنك أيها المي!!..
فعلم الشامي أنه أمي الدائن سلمان الفارسي ،فسقط ف يده ،وهربت كلمات العتذار والسف من
بي شفتيه ،واقترب ينتزع المل .ولكن سلمان هز رأسه رافضا وهو يقول:
" ل ،حت أبلغك منلك"!!..
**
سئل يوما :ما الذي يبغض المارة ال نفسك.؟
فأجاب " :حلوة رضاعها ،ومرارة فطامها"..
ويدخل عليه صاحبه يوما بيته ،فاذا هو يعجن ،فيسأله:
أين الادم..؟
فيجيبه قائل:
" لقد بعثناها ف حاجة ،فكرهنا أن نمع عليها عملي"..
وحي نقول بيته فلنذكر تاما ،ماذا كان ذاك البيت..؟ فحي ه مّ سلمان ببناء هذا الذي يسمّى مع
التجوّز بيتا ،سأل البنّاء :كيف ستبنيه..؟
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وكان البنّاء حصيفا ذكيا ،يعرف زهد سلمان وورعه ..فأجابه قائل ":ل تف ..انا بناية تستظل با
من ال ر ،وت سكن في ها من البد ،اذا وق فت في ها أ صابت رأ سك ،واذا اضطج عت في ها أ صابت
رجلك"!..
فقال له سلمان" :نعم هكذا فاصنع".
ل يكن هناك من طيبات الياة الدنيا شيء ما يركن اليه سلمان لظة ،أو تتعلق به نفسه اثارة ،ال
شيئا كان يرص عل يه أبلغ الرص ،ول قد ائت من عل يه زوج ته ،وطلب الي ها أن تف يه ف مكان بع يد
وأمي.
وف مرض موته وف صبيحة اليوم الذي قبض فيه ،ناداها:
"هلمي خبيّك الت استخبأتك"!!..
فجاءت ب ا ،واذا هي صرة م سك ،كان قد أ صابا يوم ف تح "جلولء" فاحت فظ ب ا لتكون عطره يوم
ماته.
ث دعا بقدح ماء نثر السك فيه ،ث ماثه بيده ،وقال لزوجته:
"انضجيه حول ..فانه يصرن الن خلق من خلق ال ،ل يأكلون الطعام ،وانا يبون الطيب".
فلما فعلت قال لا ":اجفئي علي الباب وانزل" ..ففعلت ما أمرها به..
وبعد حي صعدت اليه ،فاذا روحه الباركة قد فارقت جسده ودنياه.
قد ل قت بالل العلى ،و صعدت على أجن حة الشوق ال يه ،اذ كا نت على مو عد هناك مع الر سول
ممد ،وصاحبيه أب بكر وعمر ..ومع ثلة ميدة من الشهداء والبرار.
**
لطالا برّح الشوق الظامئ بسلمان..
وآن اليوم أن يرتوي ،وينهل..
أبو ذر الغفاري
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وحي أسلم كلن الرسول يهمس بالدعوة هسا ..يهمس با ال نفسه ،وال المسة الذين آمنوا معه،
ول يكن أمام أب ذر ال أن يمل ايانه بي جنبيه ،ويتسلل به مغادرا مكة ،وعائدا ال قومه...
ولكن أبا ذر ،جندب بن جنادة ،يمل طبيعة فوارة جيّاشة.
ل قد خلق ليتمرّد على البا طل أ ن يكون ..و ها هو ذا يرى البا طل بعين يه ..حجارة مر صوصة ،ميلد
عابديها أقدم من ميلدها ،تنحن أمامها الباه والعقول ،ويناديها الناس :لبيك ..لبيك!!..
و صحيح أ نه رأى الر سول يؤ ثر ل مس ف أيا مه تلك ..ول كن ل بدّ من صيحة ي صيحها هذا الثائر
الليل قبل أن يرحل.
لقد توجه ال الرسول عليه الصلة والسلم فور اسلمه بذا السؤال:
يا رسول ال ،ب تأمرن..؟
فأجابه الرسول :ترجع ال قومك حت يبلغك أمري..
فقال أبو ذر :والذي نفسي بيده ل أرجع حت أصرخ بالسلم ف السجد!!..
أل أقل لكم..؟؟
تلك طبيعة متمرّدة جيّاشة ،أف اللحظة الت يكشف فيها أبو ذر عالا جديدا بأسره يتمثل ف الرسول
الذي آمن به ،وف الدعوة الت سع بتباشيها على لسانه ..أف هذه اللحظة يراد له أن يرجع ال أهله
صامتا.؟
هذا أمر فوق طاقته..
هنالك دخل السجد الرام ونادى بأعلى صوته:
[أشهد أن ل اله ال ال ..وأشهد أن ممدا رسول ال]...
كا نت هذه ال صيحة أول صيحة بال سلم تدّت كبياء قر يش وقر عت أ ساعها ..صاحها ر جل
غريب ليس له ف مكّة حسب ول نسب ول حى..
ولقد لقي ما ل يكن يغيب عن فطنته أنه ملقيه ..فقد أحاط به الشركون وضربوه حت صرعوه..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وترامى النبأ ال العباس عم النب ،فجاء يسعى ،وما استطاع أن ينقذه من بي أنيابم ال باليلة لذكية،
قال له:
"يا معشر قريش ،أنتم تار ،وطريقكم على غفار ،،وهذا رجل من رجالا ،ان يرّض قومه عليكم،
يقطعوا على قوافلكم الطريق" ..فثابوا ال رشدهم وتركوه.
ول كن أ با ذر ،و قد ذاق حلوة الذى ف سبيل ال ،ل ير يد أن يغادر م كة ح ت يظ فر من طيبا ته
بزيد!!...
وهكذا ل يكاد ف اليوم الثا ن ورب ا ف ن فس اليوم ،يل قى امرأت ي تطوفان بال صنمي (أ ساف ،واثلة)
ودعوانمنا ،ح ت ي قف عليه ما وي سفه ال صنمي ت سفيها مهي نا ..فت صرخ الرأتان ،ويهرول الرجال
كالراد ،ث ل يفتون يضربونه حت يفقد وعيه..
وحي يفيق يصرخ مرة أخرى بأنه " يشهد أن ل اله ال ال وأن ممدا رسول ال" .ويدرك الرسول
عليه الصلة والسلم طبيعة تلميذه الديد الوافد ،وقدرته الباهرة على مواجهة الباطل .بيد أن وقته ل
يأت بعد ،فيعيد عليه أمره بالعودة ال قومه ،حت اذا سع بظهور الدين عاد وأدل ف مرى الحداث
دلوه..
**
ويعود أبو ذر ال عشيته وقومه ،فيحدثههم عن النب الذي ظهر يدعو ال عبادة ال وحده ويهدي
لكارم الخلق ،ويدخل قومه ف السلم ،واحدا اثر واحد ..ول يتفي بقبيلته غفار ،بل ينتقل ال
قبيلة أسلم فيوقد فيها مصابيحه!!..
وتتابع اليام رحلتها ف موكب الزمن ،ويهاجر الرسول صلى ال عليه وسلم ال الدينة ،ويستقر با
والسلمون معه.
وذات يوم تستقبل مشارفها صفوفا طويلة من الشاة والركبان ،أثارت أقدامهم النقع ..ولول تكبياتم
الصادعة ،لبسهم الرائي جيشا مغيا من جيوش الشرك..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
اقترب الو كب الل جب ..ود خل الدي نة ..وي م وج هه ش طر م سجد الر سول صلى ال عل يه و سلم
ومقامه..
لقد كان الوكب قبيلت غفار وأسلم ،جاء بما ابو ذر مسلمي جيعا رجال ونساءا .شيوخا وشبابا،
وأطفال!!..
وكان من حق الرسول عليه الصلة والسلم أن يزداد عجبا ودهشة..
فبال مس البع يد عجب كثيا ح ي رأى أما مه رجل واحدا من غفار يعلن ا سلمه وايا نه ،وقال معبّرا
عن دهشته:
"ان ال يهدي من يشاء"!!..
أما اليوم فان قبيلة غفار بأجعها تيئه مسلمة..وقد قطعت ف السلم بضع سني منذ هداها ال على
يد أب ذر ،وتيء معها قبيلة أسلم..
ان عمالقة السطور وحلفاء الشيطان ،قد أصبحوا عمالقة ف الي وحلفاء للحق.
أليس ال يهدي من يشاء حقا..؟؟
لقد ألقى الرسول عليه الصلة والسلم على وجوههم الطيبة نظرات تفيض غبطة وحنانا وودا..
ونظر ال قبيلة غفار وقال:
"غفار غفر ال لا".
ث ال قبيلة أسلم فقال:
"وأسلم سالها ال"..
وأبو ذر هذا الداعية الرائع ..القوي الشكيمة ،العزيز النال ..أل يتصه الرسول عليه الصلة والسلم
بتحية..؟؟
أجل ..ولسوف يكون جزاؤه موفورا ،وتيته مباركة..
ولسوف يمل صدره ،ويمل تاريه ،أرفع الوسة وأكثرها جلل وعزة..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ولسوف تفن القرون والجيال ،والناس يرددون رأي الرسول صلى ال عليه وسلم ف أب ذر:
" ما أقلّت الغباء ،ول أظلّت الصحراء أصدق لجة من أب ذر"!!..
ويدرك الرسنول علينه الصنلة والسنلم طبيعنة تلميذه الديند الوافند ،وقدرتنه اباهرة على مواجهنة
الباطل ..بيد أن وقته ل يأت بعد ،فيعيد عليه أمره بالعودة ال قومه ،حت اذا سع بظهور الدين عاد
وأدل ف مرى الحداث دلّوه..
**
أصدق لجة ف أب ذر..؟
لقد قرأ الرسول عليه الصلة والسلم مستقبل صاحبه ،ولص حياته كلها ف هذه الكلمات..
فالصدق السور ،هو جوهر حياة أب ذر كلها..
صدق باطمه ،وصدق ظاهره..
صدق عقيدته وصدق لجته..
ولسوف ييا صادقا ..ل يغالط نفسه ،ول يغالط غيه ،ول يسمح لحد أن يغالطه..
ولئن يكون صدقه فضيلة خرساء ..فالصدق الصامت ليس صدقا عند أب ذر..
انا الصدق جهر وعلن ..جهر بالق وتد للباطل..تأييد للصواب ودحض للخطأ..
الصدق ولء رشيد للحق ،وتعبي جريء عنه ،وسي حثيث معه..
ول قد كان الر سول صلى ال عل يه و سلم بب صيته الثاق بة عب الغ يب الق صيّ والجهول البع يد كل
التا عب ال ت سيفيئها على أ ب ذر صدقه و صلبته ،فكان يأمره دائ ما أن ي عل الناة وال صب ن جه
وسبيله.
وألقى الرسول يوما هذا السؤال:
" يا أبا ذر كيف أنت اذا أدركك أمراء يستأثرون بالفيء"..؟
فأجاب قائل:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ان واليا من ولته ف العراق ،أو ف الشام ،أ ،ف صنعاء ..أو ف أي من البلد النائية البعيدة ،ل يكاد
يصل اليها نوعا من اللوى ،ل يد عامة الناس قدرة على شرائه ،حت يكون الب قد وصل ال عمر
بعند أيام .وحتن تكون أوامره الصنارمة قند ذهبنت لتسنتدعي ذلك الوال ال الديننة ليلقنى حسنابه
العسي!!..
ليهنأ أبو ذر اذن ..وليهنأ أكثر ما دام الفاروق العظيم أميا للمؤمني..
و ما دام ل يضا يق أ با ذر ف حيا ته ش يء مثل ما يضاي قع ا ستغلل ال سلطة ،واحتكارالثروة ،فان ا بن
الطاب براقبته الصارمة للسلطة ،وتوزيعه العادل للثروة سيتيح له الطمأنينة والرضا..
وهكذا تفرغ لعبادة ربه ،وللجهاد ف سبيله ..غي لئذ بالصمت اذا رأى مالفة هنا ،أو هناك ..وقلما
كان يرى..
بيد أن أعظم ،وأعدل ،وأروع حكام البشرية قاطبة يرحل عن الدنيا ذات يوم ،تاركا وراءه فراغا
هائل ،ومد ثا رحيله من ردود الف عل ما ل مفرّ م نه ول طا قة للناس به .وت ستمر القتوح ف مدّ ها،
ويعلو معها مد الرغبات والتطلع ال مناعم الياة وترفها..
ويرى أبو ذر الطر..
ان ألوية الجد الشخصي توشك أن تفت الذين كل دورهم ف الياة أن يرفعوا راية ال..
ان الدن يا بزخرف ها وغرور ها الضاري ،تو شك أن تف ت الذ ين كل ر سالتهم أن يعلوا من ها مزر عة
للعمال الصالات..
ان الال الذي جعله ال خادما مطيعا للنسان ،يوشك أن يتحوّل ال سيّد مستبد..
ومع من؟
مع أصحاب ممد الذي مات ودرعه مرهونة ،ف حي كانت أكوام الفيء والغنائم عند قدميه!!..
ان خيات الرض ال ت ذرأ ها ال للناس جي عا ..وج عل حق هم في ها متكافئا تو شك أن ا صي حكرا
ومزية..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ان السنلطة التن هني مسنؤولية ترتعند منن هول حسناب ال عليهنا أفئدة البرار ،تتحول ال سنبيل
للسيطرة ،وللثراء ،وللترف الدمر الوبيل..
رأى أبو ذر كل هذا فلم يبحث عن واجبه ول عن مسؤوليته ..بل راح يد يينه ال سيفه ..وهز به
الواء فمز قه ،ون ض قائ ما يوا جه الجت مع ب سيفه الذي ل تعرف له كبوة ..ل كن سرعان ما ر نّ ف
فؤاده صدى الو صية ال ت أو صاه ب ا الر سول ،فأعاد ال سيف ال غمده ،ف ما ينب غي أن يرف عه ف و جه
مسلم..
(وما كان لؤمن أن يقتل مؤمنا ال خطأ)
ليس دوره اليوم أن يقتل ..بل أن يعترض..
وليس السيف أداة التغيي والتقوي ،بل الكلمة الصادقة ،المينة الستبسلة..
الكلمة العادلة الت ل تضل طريقها ،ول ترهب عواقبها.
لقد أخب الرسول يوما وعلى مل من أصحابه ،أن الرض ل تقلّ ،وأن السماء ل تظلّ أصدق لجة
من أب ذر..
ومن كان يلك هذا القدر من صدق اللهجة ،وصدق القتناع ،فما حاجته ال السيف..؟
ان كلمة واحدة يقولا ،لمضى من ملء الرض سيوفا..
فليخرج بصدقه هذا ،ال المراء ..ال الغنياء .ال جيع الذين أصبحوا يشكلون بركونم ال الدنيا
خطرا على الدينن الذي جاء هادينا ،ل جابينا ..ونبوة ل ملكنا ..،ورحةن ل عذابنا ..وتواضعنا ل
استعلء ..وتكافؤ ل تايز ..وقناعة ل جشعا ..وكفاية ل ترفا ..واتئادا ف أخذ الياة ،ل فتونا با ول
تالكا عليها..
فليخرج ال هؤلء جيعا ،حت يكم ال بينهم وبينه بالق ،وهو خي الاكمي.
**
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وخرج أبو ذر ال معاقل السلطة والثروة ،يغزوها بعارضته معقل معقل ..وأصبح ف أيام معدودات
الراية الت الت فت حول ا الماه ي والكادحون ..حت ف القطار النائية الت ل يره أهل ها ب عد ..طاره
الي ها ذكره .وأ صبح ل ي ر بأرض ،بل ول يبلغ ا سه قو ما ال أثار ت سؤلت هامّة تدد م صال ذوي
الشلطة والثراء.
ولو أراد هذا الثائر الل يل أن يت خذ لنف سه ولرك ته عل ما خا صا ل ا كان الشعار النقوش على العلم
سوى مكواة تتوهج حرة ولبا ،فقد جعل نشيده وهتافه الذي يردده ف كل مكان وزمان ..ويردده
النس عنه كأنه نشيد ..هذه الكلمات:
"بشّر الكانز ين الذ ين يكنون الذهنب والفضنة بكاو من نار تكوى بان جباههنم وجنوبمن يوم
القيامة"!!..
ل يصغد جبل ،ول ينل سهل ،ول يدخل مدينة ،ول يواجه أميا ال وهذه الكلمات على لسانه.
ول يعد النس يبصرونه قادما ال استقبلوه بذه الكلمات:
" بشّر الكانزين بكاو من نار"..
ل قد صارت هذه العبارة عل ما على ر سالته ال ت نذر حيا ته ل ا ،ح ي رأى الثروات تتر كز وتت كر..
وح ي رأى ال سلطة ا ستعلء وا ستغلل ..وح ي رأى حب الدن يا يط غى ويو شك أن يط مر كل ما
صنعته سنوات الرسالة العظمى من جال وورع ،وتفان واخلص..
لقد بدأ بأكثر تلك العاقل سيطرة ورهبة ..هناك ف الشام حيث "معاوية بن أب سفيان" يكم أرضا
من أكثر بلد السلم خصوبة وخيا وفيضا ،وانه ليعطي الموال ويوزعها بغي حساب ،يتألف با
الناس الذين لم حظ ومكانة ،ويؤمن با مستقبله الذي كان يرنو اليه طموحه البعيد.
هناك الضياع والق صور والثروات تف ت الباق ية من حلة العوة ،فليدرك أ بو ذر ال طر ق بل أن ي يق
ويدمّر..
وحسر زعيم العارضة رداءه التواضع عن ساقيه ،وسابق الريح ال الشام..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ول ي كد الناس العاديون ي سمعون بقد مه ح ت ا ستقبلوه ف حا سة وشوق ،والتفوا حوله أين ما ذ هب
وسار..
حدثنا يا أبا ذر..
حدثنا يا صاحب رسول ال..
ويلقي أبو ذر على الموع حوله نظرات فاحصة ،فيى أكثرها ذوي حصاصة وفقر ..ث يرنو ببصره
نو الشارف القريبة فيى القصور والضياع..
ث يصرخ ف الافي حوله قائل:
" عجبت لن ل يد القوت ف بيته ،كيف ل يرج على النس شاهرا سيفه"..؟؟!!
ثن يذكنر منن فوره وصنية رسنول ال أن يضنع الناة مكان النقلب ،والكلمنة الشجاعنة مكان
السيف ..فيترك لغة الرب هذه ويعود ال لغة النطق والقناع ،فيعلم الناس جيعا أنم جيعا سواسية
كأسنان الشط ..وأنم جيعا شركاء ف الرزق ..وأنه ل فضل لحد على أحد ال بالتقوى ..وأن أمي
القوم ووليهم ،هو أول من يوع اذا جاعوا ،وآخر من شبع اذا شبعوا..
ل قد قرر أن يلق بكلما ته وشجاع ته رأ يا عامّا من كل بلد ال سلم يكون له من الفط نة والنا عة،
والقوة منا يعله شكيمنة لمرائه وأغنيائه ،ومنا يول دون ظهور طبقات مسنتغلة للحكنم ،أو متكرة
للثروة.
وف أيام قلئل ،كانت الشام كلها كخليا نل وجدت ملكتها الطاعة ..ولو أعطى أبو ذر اشارة
عابرة بالثورة لشتعلت نارا ..ولكننه كمنا قلننا ،حصنر اهتمامنه فن خلق رأي عام يفرض احترامنه،
وصارت كلماته حديث الجالس والساجد والطريق.
ول قد بلغ خطره على المتيازات الناشئة مداه ،يوم نا ظر معاو ية على مل من الناس .ث أبلغ الشا هد
للمناظرة ،الغائب عنها .وسارت الرياح بأخبارها..
ولقد وقف أبو ذر أصدق العالي لجة ،كما وصفه نبيه وأستاذه..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وقف يسائل معاوية ف غي خوف ول مداراة عن ثروته قبل أن يصبح حاكما ،وعن ثروته اليوم!!..
وعن البيت الذي كان يسكنه بكة ،وعن قصوره بالشام اليوم!!..
ث يوجه السؤال للجالسي حوله من الصحابة الذين صحبوا معاوية ال الشام وصار لبعضهم قصور
وضياع.
ث يصيح فيهم جيعا :أفأنت الذين نزل القرآن على الرسول وهو بي ظهرانيهم..؟؟
ويتول الجابة عنهم :نعم أنتم الذين نزل فيكم القرآن ،وشهدت مع الرسول الشاهد..
ث يعود ويسأل :أل تدون ف كتاب ال هذه الية:
(والذين يكنون الذهب والفضة ول ينفقونا ف سبيل ال فبشرهم بعذاب أليم ..يوم يمى عليها ف
نار جهنّم ،فتكوى ب ا جباه هم ،وجنوب م ،وظهور هم ،هذا ما كن ت لنف سكم ،فذوقوا ما كن تم
تكنون)..؟؟
ويتلم معاوية طريق الديث قائل :لقد أنزلت هذه الية ف أهل الكتاب..
ويصيح أبو ذر :ل بل أنزلت لنا ولم..
ويتابع أبو ذر القول ناصحا معاوية ومن معه أن يرجوا كل ما بأيديهم من ضياع وقصور وأموال..
وأل يدّخر أحدهم لنفسه أكثر من حاجات يومه..
وتتناقل الحافل والموع نبأ هذه الناظرة وأنباء أب ذر..
ويتعال نشيد أب ذر ف البيوت والطرقات:
(بشّر الكانزين بكاو من نار يوم القيامة)..
وي ستشعر معاو ية ال طر ،وتفز عه كلمات الثائر الل يل ،ولك نه يعرف له قدره ،فل يقرّ به ب سوء،
ويكتب عن فوره للخليفة عثمان رضي ال عنه يقول له ":ان أبا ذر قد أفسد النس بالشام"..
ويكتب عثمان لب ذر يستدعيه للمدينة.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وي سر أ ب ذر طرف ردائه عن ساقيه مرّة أخرى وي سافر ال الدي نة تار كا الشام ف يوم ل تش هد
دمشق مثله يوما من أيام الفاوة والوداع!!..
**
(ل حاجة ل ف دنياكم)!!..
هكذا قال أبو ذر للخليفة عثمان بعد أن وصل ال الدسنة ،وجرى بينهما حوار طويل.
لقد خرج عثمان من حواره مع صاحبه ،ومن النباء الت توافدت عليه من كل القطار عن مشايعة
الماهي لراء أب ذر ،بادراك صحيح لطر دعوته وقوتا ،وقرر أن يتفظ به ال جواره ف الدينة،
مددا با اقامته.
ولقد عرض عثمان قراره على أب ذر عرضا رفيقا ،رقيقا ،فقال له ":ابق هنا يانب ،تغدو عليك القاح
وتروح"..
وأجابه أبو ذر:
(ل حاجة ل ف دنياكم)!.
أ جل ل حا جة له ف دن يا الناس ..ا نه من أولئك القدي سي الذ ين يبحثون عن ثراء الروح ،وييون
الياة ليعطوا ل ليأخذوا!!..
ولقد طلب من الليفة عثمان رضي ال عنه أن يأذن له الروج ال الرّبذة فأذن له..
ولقد ظل وهو ف احتدام معارضته أمينا ل ورسوله ،حافظا ف اعماق روحه النصيحة الت وجهها
اليه الرسول عليه الصلة والسلم أل يمل السيف ..لكأن الرسول رأى الغيب كله ..غيب أب ذر
ومستقبله ،فأهدى اليه هذه النصيحة الغالية.
ومن ث ل يكن أبو ذر ليخفي انزعاجه حي يرى بعض الولعي بايقاد الفتنة يتخذون من دعوته سببا
لشباع ولعهم وكيدهم.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
جاءه يوما وهو ف الرّبدة وفد من الكوفة يسألونه أن يرفع راية الثورة ضد الليفة ،فزجرهم بكلمات
حاسة:
" وال لو أن عثمان صنلبن على أطول خشبنة ،أ جبنل ،لسنمعت ،وأطعنت ،وصنبت واحتسنبت،
ورأيت ذلك خيا ل"..
" ولوسيّرن ما بي الفق ال الفق ،لسمعت وأطعت ،وصبت واحتسبت ،ورأيت ذلك خيا ل..
" ولو ردّن ال منل ،لسمعت وأطعت ،وصبت واحتسبت ،ورأيت ذلك خيا ل"..
ذلك رجل ل يريد غرضا من أغراض الدنيا ،ومن ث أفاء ال عليه نور البصية ..ومن ث مرة أخرى
أدرك ما تنطوي عليه الفتنة السلحة من وبال وخطر فتحاشاها ..كما أدرك ما ينطوي عليه الصمت
من وبال وخطر ،فتحاشاه أيضا ،ورفع صوته ل سيفه بكلمة الق ولجة الصدق ،ل أطماع تغريه..
ول عواقب تثنيه!..
لقد تفرّغ أبو ذر للمعارضة المينة وتبتّل.
وسيقضي عمره كله يدّق ف أخطاء الكم وأخطاء الال ،فالكم والال يلكان من الغراء والفتنة
ما يافه أبو ذر على اخوانه الذين حلوا راية السلم مع رسولم صلى ال عليه وسلم ،والذين يب
أن يظلوا لا حاملي.
والكم والال أيضا ،ها عصب الياة للمة والماعات ،فاذا اعتورها الضلل تعرضت مصاير الناس
للخطر الكيد.
ول قد كان أ بو ذر يتم ن ل صحاب الر سول أل يلي أ حد من هم امارة أو ي مع ثروة ،وأن يظلوا ك ما
كانوا روّاد للهدى ،وعبّادا ل..
وقد كان يعرف ضراوة الدنيا وضراوة الال ،وكان يدرك أن أبا بكر وعمر لن يتكررا ..ولطالا سع
النب صلى ال عليه وسلم يذر أصحابه من اغراء المارة ويقول عنها:
" ..انا أمانة ،وانا يوم القيامة خزي وندامة ..ال من أخذها بقها ،وأدّى الذي عليه فيها"...
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ولقد بلغ المر بأب ذر ل تنّب اخوانه ان ل يكن مقاطعتهم،لنم ولوا المارات ،وصار لم بطبيعة
الال ثراء وفرة..
لقيه أبو موسى الشعري يوما ،فلم يكد يراه حت فتح له ذراعيه وهو يصيح من الفرح بلقائه ":مرحبا
أبا ذر ..مرحبا بأخي".
ولكن أبا ذر دفعه عنه وهو يقول:
" لست بأخيك ،انا كنت أخاك قبل أن تكون واليا وأميا"!..
كذلك لقيه أبو هريرة يوما واحتضنه مرحّبا ،ولكن أبا ذر نّاه عنه بيده وقال له:
(اليك عن ..ألست الذي وليت المارة ،فتطاولت ف البنيان ،واتذت لك ماشية وزرعا)..؟؟
ومضى أبو هريرة يدافع عن نفسه ويبئها من تلك الشائعات..
وقد يبدو أبو ذر مبالغا ف موقفه من الكم والثروة..
ول كن ل ب ذر منط قه الذي يشكله صدقه مع نف سه ،و مع ايا نه ،فأ بو ذر ي قف بأحل مه وأعماله..
بسلوكه ورؤاه ،عند الستوى الذي خلفه لم رسول ال وصاحباه ..أبو بكر وعمر..
واذا كان البعض يرى ف ذلك الستوى مثالية ل يدرك شأوها ،فان ابا ذر يراها قدوة ترسم طريق
الياة والعمل ،ول سيما لولئك الرجال الذين عاصروا الرسول عليه السلم ،وصلوا وراءه ،وجاهدوا
معه ،وبايعوه على السمع والطاعة.
كما أنه يدرك بوعيه الضيء ،ما للحكم وما للثروة من أثر حاسم ف مصاير الناس ،ومن ث فان أي
خلل يصيب أمانة الكم ،أو عدالة الثروة ،يشكل خطرا يب دحضه ومعارضته.
**
ول قد عاش أ بو ذر ما ا ستطاع حامل لواء القدوة العظ مى للر سول عل يه ال سلم و صاحبيه ،أمي نا
عليها ،حارسا لا ..وكان أستاذ ف فن التفوق على مغريات المارة والثروة...،
عرضت عليه المارة بالعراق فقال:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وان ابن مسعود ليبصر الشهد قبل أن يبلغه ..مشهد جسد متد يبدو كأنه جثمان ميّت ،وال جواره
سيدة وغلم يبكيان..
ويلوي زمام دابته والركب معه صوب الشهد ،ول يكاد يلقي نظرة على الثمان ،حت تقع عيناه على
وجه صاحبه وأخيه ف ال والسلم أب ذر.
وتف يض عيناه بالد مع ،ويقف على جثمانه الطا هر يقول ":صدق ر سول ال ..ن شي وحدك ،وتوت
وحدك ،وتبعث وحدك"!.
ويلس ا بن مسعود رضي ال ع نه ل صحبه تفسي تلك العبارة الت نعاه با ":ت شي وحدك ..وتوت
حدك ..وتبعث وحدك"...
**
كان ذلك ف غزوة تبوك ..سنة تسع من الجرة ،وقد أمر الرسول عليه السلم بالتهيؤ للقاة الروم،
الذين شرعوا يكيدون للسلم ويأترون به.
وكانت اليام الت دعى فيها الناس للجهاد أيام عسر وقيظ..
وكانت الشقة بعيدة ..والعدو ميفا..
ولقد تقاعس عن الروج نفر من السلمي ،تعللوا بشت العاذير..
وخرج الرسنول وصنحبه ..وكلمنا أمعنوا فن السني ازدادوا جهدا ومشقنة ،فجعنل الرجنل يتخلف،
ويقولون يا رسول اللهتخلف فلن ،فيقول:
" دعوه.
فان يك فيه خي فسيلحقه ال بكم..
وان يك غي ذلك فقد أراحكم ال منه"!!..
وتلفت القوم ذات مرة ،فلم يدوا أبا ذر ..وقالوا للرسول عليه الصلة والسلم:
لقد تلف أبو ذر ،وأبطأ به بعيه..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ويوت وحده..
ويبعث وحده.]..
وبعد مضي عشرين عاما على هذا اليوم أو تزيد ،مات أبو ذر وحيدا ،ف فلة الربذة ..بعد أن سار
حيا ته كل ها وحيدا على طر يق ل يتألق فو قه سواه ..ول قد ب عث ف التار يخ وحيدا ف عظ مة زهده،
وبطولة صموده..
ولسنوف يبعنث عنند ال وحيدا كذلك؛ لن زحام فضائله التعددة ،لن يترك بانبنه مكاننا لحند
سواه!!!..
بلل بن رباح
الساخر من الهوال
كان عمر بن الطاب ،اذا ذكر أبو بكر قال:
" أبو بكر سيدنا وأعتق سيّدنا"..
يعن بلل رضي ال عنه..
وان رجل يلقبه عمر بسيدنا هو رجل عظيم ومظوظ..
لكن هذا الرجل الشديد السمرة ،النحيف الناحل ،الفرط الطول الكث الشعر ،الفيف العارضي ،ل
ي كن يسنمع كلمات الدح والثناء توجنه ال يه ،وتغدق علينه ،ال وينن رأ سه وي غض طرفنه ،ويقول
وعباته على وجنتيه تسيل:
"انا أنا حبشي ..كنت بالمس عبدا"!!..
فمن هذا البشي الذي كان بالمس عبدا!!..
انه "بلل بن رباح" مؤذن السلم ،ومزعج الصنام..
انه احدى معجزات اليان والصدق.
احدى معجزات السلم العظيم..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ف كل عشرة مسلمي .منذ بدأ السلم ال اليوم ،وال ما شاء ال سنلتقي بسبعة على القل يعرفون
بلل..
أي أن هناك مئات الليي من البشر عب القرون والجيال عرفوا بلل ،وحفظوا اسه ،وعرفوا دوره.
تاما كما عرفوا أعظم خليفتي ف السلم :أب بكر وعمر!!...
وانك لتسأل الطفل الذي ل يزال يبو ف سنوات دراسته الول ف مصر ،أ ،باكستان ،أ ،الصي..
وف المريكيتي ،وأوروبا وروسيا..
وف تاعراق ،وسوريا ،وايران والسودان..
ف تونس والغرب والزائر..
ف أعماق أفريقيا ،وفوق هضاب آسيا..
ف كل يقعة من الرض يقتنها مسلمون ،تستطيع أن تسأل أي طفل مسلم :من بلل يا غلم؟
فيجي بك :ا نه مؤذن الر سول ..وا نه الع بد الذي كان سيّده يعذ به بالجارة ال ستعرّة ليدّه عن دي نه،
فيقول:
"أحد ..أحد"..
وحينما تبصر هذا اللود الذي منحه السلم بلل ..فاعلم أن بلل هذا ،ل يكن قبل السلم أكثر
من ع بد رق يق ،ير عى ا بل سيّده على حفنات من الت مر ،ح ت ي طو به الوت ،ويطوّح به ال أعماق
النسيان..
لكن صدق ايانه ،وعظمة الدين الذي آمن به بوأه ف حياته ،وف تاريه مكانا عليّا ف السلم بي
العظماء والشرفاء والكرماء...
ان كثيا من عليّة الب شر ،وذوي الاه والنفوذ والثروة في هم ،ل يظفروا بعشار اللود الذي ظ فر به
بلل العبد البشي!!..
بل ان كثيا من أبطال التاريخ ل ينالوا من الشهرة التاريية بعض الذي ناله بلل..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ان سواد بشرته ،وتواضع حسبه ونسبه ،وهوانه على النس كعبد رقيق ،ل يرمه حي آثر السلم
دينا ،من أن يتبوأ الكان الرفيع الذي يؤهله له صدقه ويقينه ،وطهره ،وتفانيه..
ان ذلك كله ل ي كن له ف ميزان تقيي مه وتكري ه أي ح ساب ،ال ح ساب الده شة ح ي تو جد
العظمة ف غي مظانا..
فل قد كان الناس يظنون أن عبدا م ثل بلل ،ينت مي ال أ صول غري بة ..ل يس له أ هل ،ول حول ،ول
يلك من حيا ته شيئا ،ف هو ملك ل سيّده الذي اشتراه باله ..يروح ويغدو و سط شويهات سيده وابله
وماشيته..
كانوا يظنون أن مثل هذا الكائن ،ل يكن أن يقدر على شيء ول أن يكون شيئا..
ثن اذا هنو يلف الظنون جيعنا ،فيقدر على ايان ،هيهات أن يقدر على مثله سنواه ..ثن يكون أول
مؤذن للرسول والسلم العمل الذي كان يتمناه لنفسه كل سادة قريش وعظمائها من الذين أسلموا
واتبعوا الرسول!!..
أجل ..بلل بن رباح!
أيّة بطولة ..وأيّة عظمة تعب عنها هذه الكلمات الثلث بلل ابن رباح..؟!
**
انه حبشي من أمة السود ...جعلته مقاديره عبدا لناس من بن جح بكة ،حيث كانت أمه احدى
امائهم وجواريهم..
كان يعيش عيشة الرقيق ،تضي أيامه متشابة قاحلة ،ل حق له ف يومه ،ول أمل له ف غده!!..
ول قد بدأت أنباء ممند تنادي سعه ،ح ي أ خذ ال نس ف م كة يتناقلون ا ،وح ي كان ي صغي ال
أحاديث ساداته وأضياف هم ،سيما "أمية بن خلف" أحد شيوخ ب ن جح ال قبيلة الت كان بلل أحد
عبيدها..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
لطالا سع أمية وهو يتحدّث مع أصدقائه حينا ،وأفراد قبيلته أحيانا عن الرسول حديثا يطفح غيظا،
وغمّا وشرا..
وكانت أذن بلل تلتقط من بي كلمات الغيظ الجنون ،الصفات الت تصور له هذا الدين الديد..
وكان ي س أن ا صفات جديدة على هذه البيئة ال ت يع يش في ها ..ك ما كا نت أذ نه تلت قط من خلل
أحاديثهم الراعدة التوعدة اعترافهم بشرف ممد وصدقه وأمانته!!..
أجل انه ليسمعهم يعجبون ،ويارون ،ف هذا الذي جاء به ممد!!..
ويقول بعض هم لب عض :ما كان م مد يو ما كاذ با .ول ساحرا..ول منو نا ..وان ام ي كن ل نا بد من
وصمه اليوم بذلك كله ،حت نصدّ عنه الذين سيسارعون ال دينه!!..
سعهم يتحدّثون عن أمانته..
عن وفائه..
عن رجولته وخلقه..
عن نزاهته ورجاحة عقله..
وسعهم يتهامسون بالسباب الت تملهم على تد يّ وعداوته ،تلك هي :ولؤهم لدين آبائهم أول.
والوف على مد قريش ثانيا ،ذلك الجد الذي يفيئه عليها مركزها الدين ،كعاصمة للعبادة والنسك
ف جزيرة العرب كلها ،ث القد على بن هاشم ،أن يرج منهم دون غيهم نب ورسول!...
**
وذات يوم يب صر بلل ب رباح نور ال ،ويسمع ف أعماق رو حه اليّرة رنينه ،فيذ هب ال رسول
ال صلى ال عليه وسلم ،ويسلم..
ول يل بث خب ا سلمه أن يذ يع ..وتدور الرض برؤوس أ سياده من ب ن ج ح ..تلك الرؤوس ال ت
نفخها الكب وأثقلها الغرور !!..وتثم شياطي الرض فوق صدر أميّة بن خلف الذي رأى ف اسلم
عبد من عبيدهم لطمة جللتهم جيعا بالزي والعار..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ويتكرر هذا العذاب الوحشي كل يوم ،حت رقّت لبلل من هول عذابه بعض قلوب جلديه ،فرضوا
آ خر ال مر أن يلوا سبيله ،على أن يذ كر آلت هم ب ي ولو بكل مة واحدة ت فظ ل م كبياءهم ،ول
تتحدث قريش أنم انزموا صاغرين أمام صمود عبدهم واصراره..
ول كن ح ت هذه الكل مة الواحدة العابرة ال ت ي ستطيع أن يلقي ها من وراء قل به ،ويشتري ب ا حيا ته
نفسه ،دون أن يفقد ايانه ،ويتخلى عن اقتناعه..
حت هذه الكلمة الواحدة رفض بلل أن يقولا!..
نعم لقد رفض أن يقولا ،وصار يردد مكانا نشيده الالد":أحد أحد"
يقولون له :قل كما نقول..
فيجيبهم ف تكم عجيب وسخرية كاوية:
"ان لسان ل يسنه"!!..
ويظل بلل ف ذوب الميم وصخره ،حت اذا حان الصيل أقاموه ،وجعلوا ف عنقه حبل ،ث أمروا
صبيانم أن يطوفوا به جبال مكة وشوارعها .وبلل ل يلهج لسانه بغي نشيده القدس ":أحد أحد".
وكأن اذا جنّ عليهم الليل يساومونه:
غدا قل كلمات خي ف آلتنا ،قل رب اللت والعزى ،لنذرك وشأتك ،فقد تعبنا من تعذيبك ،حت
لكأننا نن العذبون!
فيهز رأسه ويقول ":أحد ..أحد."..
ويلكزه أم ية بن خلف وينف جر غمّا وغي ظا ،وي صيح :أي شؤم رما نا بك يا ع بد ال سوء..؟واللت
والعزى لجعلنك للعبيد والسادة مثل.
وييب بلل ف يقي الؤمن وعظمة القديس:
"أحد ..أحد"..
ويعود للحديث والساومة ،من وكل اليه تثيل دور الشفق عليه ،فيقول:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
خل عنك يا أميّة ..واللت لن يعذب بعد اليوم ،ان بلل منا أمه جاريتنا ،وانه لن يرضى أن يعلنا
باسلمه حديث قريش وسخريّتها..
ويدّق بلل فن الوجوه الكاذبنة الاكرة ،ويفتنر ثغره عنن ابتسنامة كضوء الفجنر ،ويقول فن هدوء
يزلزلم زلزال:
"أحد ..أحد"..
وتيء الغداة وتقترب الظهية ،ويؤخذ بلل ال الرمضاء ،وهو صابر متسب ،صامد ثابت.
ويذهب اليهم أبو بكر الصديق وهو يعذبونه ،ويصيح بم:
(أتقتلون رجل أن يقول رب ال)؟؟
ث يصيح ف أميّة بن خلف :خذ أكثر من ثنه واتركه حرا..
وكأنا كان أمية يغرق وأدركه زورق النجاة..
لقد طابت نفسه وسعدت حي سع أبا بكر يعرض ثن تريره اذ كان اليأس من تطويع لل قد بلغ
ف ف نفوسهم أشده ،ولنم كانوا من التجار ،فقد أردكوا أن بيعه أربح لم من موته..
باعوه لب بكر الذي حرّره من فوره ،وأخذ بلل مكانه بي الرجال الحرار...
وحي كان الصدّيق يتأبط ذراع بلل منطلقا به ال الرية قال له أمية:
خذه ،فواللت والعزى ،لو أبيت ال أن تشتريه بأوقية واحدة لبعتكه با..
وفطن أبو بكر لا ف هذه الكلمات من مرارة اليأس وخيبة المل وكان حريّا بأل ييبه..
ولكن لن فيها مساسا بكرامة هذا الذي قد صار أخا له ،وندّا،أجاب أمية قائل:
وال لو أبيتم أنتم ال مائة أوقية لدفعتها!!..
وانطلق بصاحبه ال رسول ال يبشره بتحريره ..وكان عيدا عظيما!
وبعد هجرة الرسول والسلمي ال الدينة ،واستقرارهم با ،يشرّع الرسول للصلة أذانا..
فمن يكون الؤذن للصلة خس مرات كل يوم..؟ وتصدح عب الفق تكبياته وتليلته..؟
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
انه بلل ..الذي صاح منذ ثلث عشرة سنة والعذاب يهدّه ويشويه أن" :ال أحد..أحد".
لقد وقع اختيار الرسول عليه اليوم ليكون أول مؤذن للسلم.
وبصوته النديّ الشجيّ مضى يل الفئدة ايانا ،والساع روعة وهو ينادى:
ال أكب ..ال أكب
ال أكب ..ال أكب
أشهد أن لاله ال ال
أشهد أن ل اله ال ال
أشهد أن ممدا رسول ال
أشهد أن ممدا رسول ال
حي على الصلة
حي على الصلة
حي على الفلح
حي على الفلح
ال أكب ..ال أكب
لاله ال ال...
ونشب القتال بي السلمي وجيش قريش الذي قدم ال الدينة غازيا..
وتدور الرب عنيفة قاسية ضار ية..وبلل هناك ي صول ويول ف أول غزوة يوضها ال سلم ،غزوة
بدر ..تلك الغزوة الت أمر الرسول عليه السلم أن يكون شعارها" :أحد..أحد".
**
ف هذه الغزوة ألقت قريش بأفلذ أكبادها ،وخرج أشرافها جيعا لصارعهم!!..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ولقد همّ بالنكوص عن الروج "أمية بن خلف" ..هذا الذي كان سيدا لبلل ،والذي كان يعذبه ف
وحشيّة قاتلة..
ه مّ بالنكوص لول أن ذ هب ال يه صديقه "عق بة بن أ ب مع يط" ح ي علم عن ن بأ تاذله وتقاع سه،
حامل ف يينه ممرة حت اذا واجهه وهو جالس وسط قومه ،ألقى المرة بي يديه وقال له :يا أبا
علي ،استجمر ببذ ،فانا أنت من النساء!!!..
وصاح به أمية قائل :قبحك ال ،وقبّح ما جئت به..
ث ل يد بدّا من الروج مع الغزاة فخرج..
أيّة أسرار للقدر ،يطويها وينشرها..؟
لقند كان عقبنة بنن أبن معينط أكنب مشجنع لمينة على تعذينب بلل ،وغين بلل منن السنلمي
الستضعفي..
واليوم هو نفسه الذي يغريه بالروج ال غزوة بدر الت سيكون فيها مصرعه!!..
كما سيكون فيها مصرع عقبة أيضا!
لقند كان أمينة منن القاعدينن عنن الرب ..ولول تشهين عقبنة بنه على هذا النحنو الذي رأيناه لان
خرج!!..
ول كن ال بالغ أمره ،فليخرج أم ية فان بي نه وب ي ع بد من عباد ال ح سابا قدي ا ،جاء أوان ت صفيته،
فالديّان ل يوت ،وكما تدينون تدانون!!..
وان القدر ليحلو له أن يسخر بالبارين ..فعقبة الذي كان أمية يصغي لتحريضه ،ويسارع اى هواه
ف تعذيب الؤمني البرياء ،هو نفسه الذب سيقود أميّة ال مصرعه..
وبيد من..؟
بيد بلل نفسه ..وبلل وحده!!
نفس اليد الت طوّقها أميّة بالسلسل ،وأوجع صاحبها ضربا ،وعذابا..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
مع هذه ال يد ذات ا ،هي اليوم ،و ف غزوة بدر ،على مو عد أجاد القدر توقي ته ،مع جلد قر يش الذي
أذل الؤمني بغيا وعدوا..
ولقد حدث هذا تاما..
وح ي بدأ القتال ب ي الفريق ي ،وار تج جا نب العر كة من ق بل ال سلمي بشعار هم ":أ حد ..أ حد"
انلع قلب أمية ،وجاءه النذير..
ان الكلمة الت كان يرددها بالمس عبد تت وقع العذاب والول قد صارت اليوم شعار دين بأسره
وشعار المة الديدة كلها!!..
"أحد..أحد"؟؟!!
أهكذا..؟ وبذه السرعة ..وهذا النمو العظيم..؟؟
**
وتلحت السيوف وحي القتال..
وبين ما العر كة تقترب من نايت ها ،ل ح أم ية بن خلف" ع بد الرح ن بن عوف" صاحب ر سول ال،
فاحتمى به ،وطلب اليه أن يكون أسيه رجاء أن يلص بياته..
وقبل عبد الرحن عرضه وأجاره ،ث سار به وسط العمعمة ال مكان السرى.
وف الطريق لح بلل فصاح قائل:
"رأس الكفر أميّة بن خلف ..ل نوت ان نا".
ورفع سيفه ليقطف الرأس الذي لطالا أثقله الغرور والكب ،فصاح به عبد الرحن بن عوف:
"أي بلل ..انه أسيي".
أسي والرب مشبوبة دائرة..؟
أسي وسيفه يقطر دما ما كان يصنع قبل لظة ف أجساد السلمي..؟
ل ..ذلك ف رأي بلل ضحك بالعقول وسخرية ..ولقد ضحك أمية وسخر با فيه الكفاية..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
سخر حت ل يترك من السخرية بقية يدخرها ليوم مثل هذا اليوم ،وهذا الأزق ،وهذا الصي!!..
ورأى بلل أنه لن يقدر وحده على اقتحام حى أخيه ف الدين عبد الرحن بن عوف ،فصاح بأعلى
صوته ف السلمي:
"يا أنصار ال ..رأس الكفر أمية بن خلف ،ل نوت ان نا"!...
وأقبلت كوكبة من السلمي تقطر سيوفهم النايا ،وأحاطت بأمية وابنه ول يستطع عبد الرحن بن
عوف أن يصنع شيئا ..بل ل يستطع أن يمي أذراعه الت بددها الزحتم.
وأل قى بلل على جثمان أم ية الذي هوى ت ت ال سيوف القا صفة نظرة طويلة ،ث هرول ع نه م سرعا
وصوته النديّ يصيح:
"أحد ..أحد"..
**
ل أظن أن من حقنا أن نبحث عن فضيلة التسامح لدى بلل ف مثل هذا القام..
فلو أن اللقاء بي بلل وأمية تّ ف ظروف أخرى ،لازنا أن نسال بلل حق التسامح ،وما كان لرجل
ف مثل ايانه وتقاه أن يبخل به.
لكن اللقاء الذي ت بينهما ،كان ف حرب ،جاءها كل فريق ليفن غريه..
السيوف تتوهج ..والقتلى يسقطون ..والنايا تتواثب ،ث يبصر بلل أمية الذي ل يترك ف جسده
موضع أنلة ال ويمل آثار تعذيب.
وأين يبصره وكيف..؟
يبصره ف ساحة الرب والقتال يصد بسيفه كل ما يناله من رؤوس السلمي ،ولو أدرك رأس بلل
ساعتئذ لطوّح به..
ف ظروف كهذه يلت قي الرجلن في ها ،ل يكون من الن طق العادل ف ش يء أن ن سأل بلل :لاذا ل
يصفح الصفح الميل..؟؟
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
**
وتضي اليام وتفتح مكة..
ويدخلها الرسول شاكرا مكبا على رأس عشرة آلف من السلمي..
ويتوجه ال الكعبة رأسا ..هذا الكان القدس الذي زحته قريش بعدد أيام السنة من الصنام!!..
لقد جاء الق وزهق الباطل..
ومن اليوم ل عزى ..ول لت ..ول هبل ..لن ين النسان بعد اليوم هامته لجر ،ول وثن ..ولن
يعبد الناس ملء ضمائرهم ال ال ال ليس كمثله شيء ،الواحد الحد ،الكبي التعال..
ويدخل الرسول الكعبة ،مصطحبا معه بلل!..
ول يكاد يدخلها حت يواجه تثال منحوتا ،يثل ابراهيم عليه السلم وهو يستقسم بالزلم ،فيغضب
الرسول ويقول:
"قاتلهم ال..
ما كان شيخنا يستقسم بالزلم ..ما كان ابراهيم يهوديا ول نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما
كان من الشركي".
ويأمر بلل أن يعلو ظهر السجد ،ويؤذن.
ويؤذن بلل ..فيالروعة الزمان ،واملكان ،والناسبة!!..
كفت الياة ف مكة عن الركة ،ووقفت اللوف السلمة كالنسمة الساكنة ،تردد ف خشوع وهس
كلمات الذان ورء بلل.
والشركون ف بيوتم ل يكادون يصدقون:
أهذا هو ممد وفقراؤه الذين أخرجوا بالمس من هذا الديار..؟؟
أهذا هو حقا ،ومعه عشرة آلف من الؤمني..؟؟
أهذا هو حقا الذي قاتلناه ،وطاردنبه ،وقتلنا أحب الناس اليه..؟
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
أهذا هو حقا الذي كان ياطبنا من لظات ورقابنا بي يديه ،ويقول لنا:
"اذهبوا فأنتم الطلقاء"!!..
ولكن ثلثة من أشراف قريش ،كانوا جلوسا بفناء الكعبة ،وكأنا يلفحهم مشهد بلل وهو يدوس
أ صنامهم بقدم يه ،وير سل من فوق ركام ها اله يل صوته بالذان النت شر ف آفاق م كة كل ها ك عبي
الربيع..
أما هؤلء الثلثة فهم ،أبوسفيان بن حرب ،وكان قد أسلم منذ ساعات ،وعتّاب بن أسيد ،والارث
بن هشام ،وكانا ل يسلما بعد.
قال عتاب وعينه على بلل وهو يصدح بأذانه:
لقد أكرم ال اسيدا ،أل يكون سع هذا فيسمع منه ما يغيظه .وقال الارث:
أما وال لو أعلم أن ممدا مق لتبعته!!..
وعقب أبو سفيان الداهية على حديثهما قائل:
ا ن ل أقول شيئا ،فلو تكل مت ل خبت ع ن هذه ال صى!! وح ي غادر ال نب الكع بة رآ هم ،وقرأ
وجوههم ف لظة ،قال وعيناه تتألقان بنور ال ،وفرحة النصر:
قد علمت الذي قلتم!!!..
ومضى يدثهم با قالوا..
فصاح الارث وعتاب:
نشهد أنك رسول ال ،وال ما سعنا أحد فنقول أخبك!!..
واستقبل بلل بقلوب جديدة..ف أفئدتم صدى الكلمات الت سعوها ف خطاب الرسول أول دخول
مكة:
" يامعشر قريش..
ان ال قد أذهب عنكم نوة الاهلية وتعظمها بالباء..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
قال بلل :ان كنت أعتقتن لكون لك فليكن لك ما تريد .وان كنت أعتقتن ل فدعن وما أعتقتن
له..
قالبو بكر :بل أعتقتك ل يا بلل..
ويتلف الرواة ،فيوي بعضهم أنه سافر ال الشام حيث بقي فيها ماهدا مرابطا.
ويروي بعضهم الخر ،أنه قبل رجاء أب بكر ف أن يبقى معه بالدينة ،فلما قبض وول عمر اللفة
استأذنه وخرج ال الشام.
على أ ية حال ،ف قد نذر بلل بق ية حيا ته وعمره للمراب طة ف ثغور ال سلم ،م صمما أن يل قى ال
ورسوله وهو على خي عمل يبانه.
ول يعد يصدح بالذان بصوته الشجي الف يّ الهيب ،ذلك أنه ل ينطق ف أذانه "أشهد أن ممدا
رسول ال" حت تيش به الذمؤيات فيختفي صوته تت وقع أساه ،وتصيح بالكلمات دموعه وعباته.
وكان آخر أذان له أيام زار أمي الؤمني عمر وتوسل السلمون اليه أن يمل بلل على أن يؤذن لم
صلة واحدة.
ودعا أمي الؤمني بلل ،وقد حان وقت الصلة ورجاه أن يؤذن لا.
و صعد بلل وأذن ..فب كى ال صحابة الذ ين كانوا أدركوا ر سول ال وبلل يؤذن له ..بكوا ك ما ل
يبكوا من قبل أبدا ..وكان عمر أشدهم بكاء!!..
**
ومات بلل ف الشام مرابطا ف سبيل ال كما أراد.
وتتن ثرى دم شق يثوي اليوم رفات ر جل من أع ظم رجال الب شر صنلبة فن الوقوف ال جاننب
العقيدة والقتناع...
عبد ال بن عمر
الثابر ،الوّاب
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
هنا مثل ،كان الرسول عليه الصلة والسلم يصلي ..فيصلي ابن عمر ف ذات الكان..
وهنا كان الرسول عليه الصلة والسلم يدعو قائما ،فيدعو ابن عمر قائما...
وهنا كان الرسول يدعو جالسا ،فيدعو عبدال جالسا..
وهنا وعلى هذا الطريق نزل الرسول يوما من فوق ظهر ناقته ،وصلى ركعتي ،فصنع ابن عمر ذلك
اذا جعه السفر بنفس البقعة والكان..
بل انه ليذكر أن ناقة الرسول دارت به دورتي ف هذا الكان بكة ،قبل أن ينل الرسول من فوق
ظهرها ،ويصلي ركعتي ،وقد تكون الناقة فعلت ذلك تلقائيا لتهيئ لنفسها مناخها.
ل كن عبدالل بن ع مر ل يكاد يبلغ ها الكان يو ما ح ت يدور بناق ته ،ث ينيخ ها ،ث ي صلي ركعت ي
للله ..تاما كما رأى الشهد من قبل مع رسول ال..
ولقد أثار فرط اتباعه هذا ،أم الؤمني عائشة رضي ال عنها فقالت:
"ما كان أحد يتبع آثار النب صلى ال عليه وسلم ف منازله ،كما كان يتبعه ابن عمر".
ولقند قضنى عمره الطوينل البارك على هذا الولء الوثينق ،حتن لقند حاء على السنلمي زمان كان
صالهم يدعو ويقول:
"اللهم أبق عبدال بن عمر ما أبقيتن ،كي أقتدي به ،فان ل أعلم أحد على المر الول غيه".
وبقوة هذا التحري لشديد الويق لطى لبسول وسنته ،كان ابن عمر يتهيّب الديث عن رسول ال
ول يروي عنه عليه السلم حديثا ال اذا كان ذاكرا كل حروفه ،حرفا ..حرفا.
وقد قال معاصروه..
"ل يكن من أصحاب رسول ال أحد أشد حذرا من أل يزيد ف حديث رسول ال أو ينقص منه ،من
عبدال بن عمر"!!..
وكذلك كان شديد الذر والتحوّط ف الفتيا..
جاءه يوما رجل يستفتيه ،فلماألقى على ابن عمر سؤاله أجابه قائل:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ذلك أن عثمان يعلم مكانة ابن عمر ف أفئدة الناس ،وانه ليخشى اذا عرف التقياء الصالون عزوفه
عن القضاء أن يتابعوا وينهجوا نجه ،وعندئذ ل يد الليفة تقيا يعمل قاضيا..
وقد يبدو هذا الوقف لعبد ال بن عمر سة من سات السلبية.
بيد أنه ليس كذلك ،فعبد ال بن عمر ل يتنع عن القضاء وليس هناك من يصلح له سواه ..بل هناك
كثيون من أصحاب رسول ال الورعي الصالي ،وكان بعضهم يشتغل بالقضاء والفتية بالفعل..
ول يكن ف تلي ابن عمر عنه تعطيل لوظيفة القضاء ،ول القاء با بي أيدي الذين ل يصلحون لا..
ومن ّث قد آثر البقاء مع نفسه ،ينمّيها ويزكيها بالزيد من الطاعة ،والزيد من العبادة..
كما أنه ف ذلك الي من حياة السلم ،كانت الدنيا قد فتحت على السلمي وفاضت الموال،
وكثرت الناصب والمارات.
وشرع اغراء الال والنا صب يقترب من ب عض القلوب الؤم نة ،م ا ج عل ب عض أ صحاب الر سول،
ومنهم ابن عمر ،يرفعون راية القاومة لذا الغراء باتذهم من أنفسهم قدوة ومثل ف الزهد والورع
والعزوف عن الانصب الكبية ،وقهر فتنتها واغرائها...
**
لقد كان ابن عمر،أخا الليل ،يقومه مصليا ..وصديق السحر يقطعه مستغفرا وباكيا..
ولقد رأى ف شبابه رؤيا ،فسرها الرسول تفسيا جعل قيام الليل منتهى آمال عبدال ،ومناط غبطته
وحبوره..
ولنصغ اليه يدثنا عن نبأ رؤياه:
"رأيت على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم كأن بيدي قطعة استبق ،وكأنن ل أريد مكانا ف
النة ال طارت ب اليه..
ورأيت كأن اثني أتيان ،وأرادا أن يذهبا ب ال النار ،فتلقاها ملك فقال :ل ترع ،فخليّا عن..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
فق صت حف صة -أخ ت -على ال نب صلى ال عل يه و سلم رؤياي ،فقال ر سول ال صلى ال عل يه
وسلم :نعم الرجل عبدال ،لو كان يصلي من الليل فيكثر"..
ومن ذلك اليوم وال أن لقي ربه ،ل يدع قيام الليل ف حله ،ول ف ترحاله..
فكان يصلي ويتلو القرآن ،ويذكر ربه كثيا ..وكان كأبيه ،تطل دموعه حي يسمع آيات النذير ف
القرآن.
يقول عبيد بن عمي :قرأت يوما على عبدال بن عمر هذه الية:
(فكيف اذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلء شهيدا.يومئذ يود الذين كفروا وعصوا
الرسول لو تسوّى بم الرض ول يكتمون ال حديثا)..
فجعل ابن عمر يبكي حت نديت ليته من دموعه.
وجلس يوما بي اخوانه فقرا:
(و يل للمطفف ي ،الذ ين اذا اكتالوا على الناس يستوفون ،واذا كالوهم أو وزنوهم ي سرون ،أل ي ظن
أولئك أنم ميعوثون ،ليوم عظيم ،يوم يقوم الناس لرب العالي)..
ث مضى يردد الية:
(..يوم يقوم الناس لرب العالي).
ودموعه تسيل كالطر .حت وقع من كثرة وجده وبكائه!!..
**
ول قد كان جوده ،وزهده ،وور عه ،تع مل م عا ف فن عظ يم ،لتش كل أروع فضائل هذا الن سان
العظيم ..فهو يعطي الكثي لنه جواد..
ويعطي اللل الطيب لنه ورع..
ول يبال أن يتركه الود فقيا ،لنه زاهد!!..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وكان ابن عمر رضي ال عنه ،من ذوي الدخول الرغيدة السنة ،اذ كان تاجرا أمينا ناجحا شطر
حياته ،وكان راتبه من بيت الال وفيا ..ولكنه ل يدخر هذا العطاء لنفسه قط ،انا كان يرسله غدقا
على الفقراء ،والساكي والسائلب..
يدث نا أيوب بن وائل الرا سب عن أ حد مكرما ته ،فيخب نا أن ا بن ع مر جاءه يو ما بأرب عة آلفدر هم
وقطيفة..
وف اليوم التال ،رآه أيوب بن وائل ف السوق يشتري لراحلته علفا نسيئة – أي دينا.. -
فذهب ابن وائل ال أهل بيته وسالم أليس قد أتى لب عبد الرحن – يعن ابن عمر – بالمس أربعة
آلف،وقطيفة..؟
قالوا :بلى..
قال :فان قد رأيته اليوم بالسوق يشتر علفا لراحلته ول يد معه ثنه..
قالوا :ا نه ل ي بت بال مس ح ت فرق ها جيع ها ،ث أ خذ القطي فة وألقا ها على ظهره ،خرج ..ث عاد
وليست معه ،فسألناه عنهتا .فقال :انه وهبها لفقي!!..
فخرج ابن وائل يضرب كفا بكف .حت أتى السوق فتوقل مكانا عاليا ،وصاح ف الناس:
" يا معشر التجار..
ما تصنعون بالدنيا ،وهذا بن عمر تأتيه الف درهم فيوزعها ،ث يصلح فيستدين علفا لراحلته"..؟؟!!
أل ان من كان ممد أستاذه ،وعمر أباه ،لعظيم ،كفء لكل عظيم!!..
ان وجود عبد ال بن عمر ،وزهزد وور عه ،هذه ال صال الثل ثة ،كانت تكي لدى عبد ال صدق
القدوة ..وصدق البنوّة..
ف ما كان ل ن ي عن ف التأ سي بر سول ال ،ح ت ا نه لي قف بناق ته ح يث رأى الر سول صلى ال عل يه
وسلم يوقف ناقته .ويقول" لعل خفا يقع على خف"!.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
والذي يذهب برأيه ف برأبيه وتوقيه والعجاب به ال الدى الذي كانت شخصية عمر تفرضه على
العداء ،فضل عن القرباء .فضل عن البناء..
أقول ما ينبغي لن ينتمي لذا الرسول ،ولذا الوالد أن يصبح للمال عبدا..
ولقد كانت الموال تاتيه وافرة كثية ..ولكنها تر به مرورا ..وتعب داره عبورا..
ول يكن جوده سبيل ال الزهو ،وال ال حسن الحدوثة.
و من ث .ف قد كان ي ص به الحتاج ي والفقراء ..وقل ما كان يأ كل الطعام وحده ..فل بد أن يكون
معه أيتام ،أو فقراء ..وطالا كان يعاتب بعض أبنائه ،حي يولون للغنياء ،ول يأتون معهم بالفقراء،
ويقول لم:
"تدعون الشباع .وتدعون الياع"!!..
وعرف الفقراء عطفه ،وذاقوا حلوة بره وحنانه ،فكانوا يلسون ف طريقه ،كي يصحبهم ال داره
حي يراهم ..وكانوا يفون به كما تف أفواج النحل بالزاهي ترتشف منها الرحيق!..
**
لقد كان الال بي يديه خادما ل سيدا،،
وكان وسيلة لضروات العيش ل للترف..
ول يكن ماله وحده ،بل كان للفقراء فيه حق معلوم ،بل حق متكافئ ل يتميز فيه بنصيب..
ولقد أعانه على هذا الود الواسع زهده ..فما كان ابن عمر يتهالك على الدنيا ،ول يسعى اليها ،بل
ول رجو منها ال كا يستر السد من لباس ،ويقيم الود من الطعام..
أهداه أحد اخوانه القادمي من خراسان حلة ناعمة أنيقة ،وقال له:
لقد جئتك بذا الثوب من خراسان ،وانه لتقر عيناي ،اذ أراك تنع عنك ثيابك الشنة هذه ،وترتدي
هذا الثوب الميل..
قال له ابن عمر :أرنيه اذن..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وفيما بعد ..وبينما الزمان ير ،والفت تكثر ،كان ابن عمر دوما هو المل ،فيلح الناس عليه ،كي
يقبل منصب اللفة ،وييئوا له بالبيعة ،ولكنه كان دائما يأب..
ولقد يشكل هذا الرفض مأخذا يوجه ال ابن عمر..
بيد أن كان له منطقه وحجته.فبعد مقتل عثمان رضي ال عنه ،ساءت المور وتفاقمت على نو ينذر
بالسوء والطر..
وابن عمر وان يك زاهدا ف جاه اللفة ،فانه يتقبل مسؤلياتا ويمل أخطارها ،ولكن شريطة أن
يتاره جيع السلمي طائي ،متارين ،أما أن يمل واحد ل غي على بيعته بالسيف ،فهذا ما يرفضه،
ويرفض اللفة معه..
وآنئذ ،ل ي كن ذلك مك نا ..فعلى الر غم من فضله ،واجاع ال سلمي على ح به وتوقيه ،فان ات ساع
المصار ،وتنائبها ،واللفات الت احتدمت بي ال سلمي ،وجعلتهم شيعا تتنابذ بالرب ،وتتنادى
للسيف ،ل يعل الو مهيأ لذا الجاع الذي يشترطه عبدال بن عمر..
لقيه رجل يوما فقال له :ما أحد شر لمة ممد منك!..
قال ابن عمر :ول..؟ فوال ما سفكت دماءهم ،ول فرقت جاعتهم ،ول شققت عصاهم..
قال الرجل :انك لو شئت ما اختلف فيك اثنان..
قال ابن عمر :ما أحب أنا أتتن ،ورجل يقول :ل ،وآخر يقول :نعم.
وحت بعد أن سارت الحداث شوطا طويل ،واستقر المر لعاوية ..ث لبنه يزيد من بعده.ز ث ترك
معاوية الثان ابن يزيد اللفة زاهدا فيها بعد أيام من توليها..
حت ف ذلك اليوم ،وابن عمر شيخ مسن كبي ،كان ل يزال أمل الناس ،وأمل اللفة ..فقد ذهب
اليه مروان قال له:
هلم يدك نبايع لك ،فانك سيد العرب وابن سيدها..
قال له ابن عمر :كيف نصنع بأهل الشرق..؟
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ولكننه برغنم قوتنه وجرأتنه ظنل ال آخنر أيامنه ،حريصنا على أل يكون له فن الفتننة السنلحة دور
ونصيب ،رافضا أن ينحاز لي فريق...
يقول أبو العالية الباء:
" كنت أمشي يوما خلف ابن عمر ،وهو ل يشعر ب ،فسمعته يقول لنفسه:
" واضعي سيوفهم على عواتقهم ،يقتل بعضهم بعضا يقولون :يا عبد ال بن عمر ،أعط يدك"..؟!
وكان ينفجر أسى وألا ،حي يرى دماء السلمي تسيل بأيديهم!!..
ولو استطاع أن ينع القتال ،ويصون الدم لفعل ،ولكن الحداث كانت أقوى منه فاعتزلا.
ولقد كان قلبه مع علي رضي ال عنه ،بل وكان معه يقينه فيما يبدو ،حت لقد روي عنه أنه قال ف
أخريات أيامه:
" ما أجدن آسى على شيء فاتن من الدنيا ال أن ل أقاتل مع عليّ ،الفئة الباغية"!!..
على أنه حي رفض أن يقاتل مع المام علي الذي كان الق له ،وكان الق معه ،فانه ل يفعل ذلك
هر با ،وال التما سا للنجاة ..بل رف ضا للخلف كله ،والفت نة كل ها ،وتن با لقتال ل يدو ب ي م سلم
ومشرك ،بل بي مسلمي يأكل بعضهم بعضا..
ولقد أوضح ذلك تاما حي سأله نافع قال ":يا أبا عبد الرحن ،أنت ابن عم ..وأنت صاحب رسول
ال صلى ال عليه وسلم ،وأنت وأنت ،فما ينعك من هذا المر_ يعن نصرة علي_؟؟
فأجابه قائل:
" ينع ن أن ال تعال حرّم عل يّ دم ال سلم ،ل قد قال عز و جل( :قاتلو هم ح ت ل تكون فت نة ،ويكون
الدين )..
ولقد فعلنا وقاتلنا الشركي حت كان الدين ل،اما اليوم .فيم نقاتل..؟؟
لقد قاتلت الوثان تل الرم ..من الركن ال الباب ،حت نضاها ال من أرض العرب..
أفأقاتل اليوم من يقول ل اله ال ال".؟!
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وف العام الثاث والسبعي للهجرة ..مالت الشمس للمغيب ،ورفعت احدى سفن البدية مراسيها،
مبحرة ال العال الخر والرفيق العلى ،حاملة جثمان آخر مثل لعصر الوحي _ف مكة والدينة_ عبد
ال بن عمر بن الطاب .كان آخر الصحابة رحيل عن الدنيا كلها أنس بن مالك رضي ال عنه،
توف بالبصرة ،عام واحد وتسعي ،وقيل عام ثلث وتسعي.
سعد بن أب وقاص
السد ف براثنه
أقلقت النباء أمي الؤمني عمر بن الطاب ،عندما جاءته تترى بالجمات الغادرة الت تشنها قوات
الفرس على السلمي ..وبعركة السر الت ذهب ضحيتها ف يوم واحد أربعة آلف شهيد ..وبنقض
أهل العراق عهودهم ،والواثيق الت كانت عليهم ..فقرر أن يذهب بنفسه لبقود جيوش السلمي ،ف
معركة فاصلة ضد الفرس.
وركب ف نفر من أصحابه مستخلفا على الدينة علي ابن أب طالب كرّم ال وجهه..
ولكنه ل يكد يضي عن الدينة حت رأى بعض أصحابه أن يعود ،وينتدب لذه المة واحدا غيه من
أصحابه..
وتبنّى هذا الرأي عبند الرحنن بنن عوف ،معلننا أن الخاطرة بياة أمين الؤمنين على هذا النحنو
والسلم يعيش أيامه الفاصلة ،عمل غي سديد..
وأ مر ع مر أن يت مع ال سلمون للشورى ونودي_:ال صلة جام عة_ وا ستدعي علي ا بن أ ب طالب،
فانتقل مع بعض أهل الدينة ال حيث كان أمي الؤمني وأصحابه ..وانتهى الرأي ال ما نادى به عبد
الرحننبنن عوف ،وقرر الجتمعون أن يعود عمنر ال الديننة ،وأن يتار للقاء الفرس قائدا آخنر منن
السلمي..
ونزل أمي الؤمني على هذا الرأي ،وعاد يسأل أصحابه:
فمن ترون أن نبعث ال العراق..؟؟
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
فانصرف سعد وتوضأ وصلى ركعتي ،ث رفع يديه وقال :اللهم ان كنت تعلم أن هذا الرجل قد سبّ
أقواما سبقت لم منك السن ،وأنه قد أسخطك سبّه ايّاهم ،فاجعله آية وعبة..
فلم ي ض غ ي و قت ق صي ،ح ت خر جت من احدى الدور نا قة نادّة ل يردّ ها ش يء ح ت دخلت ف
زحام الناس ،كأنا تبحث عن شيء ،ث اقتحمت الرجل فأخذته بي قوائمها ..وما زالت تتخبطه حت
مات"..
ان هذه الظاهرة ،تنبء أوّل ما تنبء عن شفافية روحه ،وصدق يقينه ،وعمق اخلصه.
وكذل كم كان سعد ،رو حه حر ..ويقي نه صلب ..واخل صه عم يق ..وكان دائب ال ستعانة على
دعم تقواه باللقمة اللل ،فهو يرفض ف اصرار عظيم كل درهم فيه اثارة من شبهة..
ول قد عاش سعد ح ت صار من أغنياء ال سلمي وأثريائ هم ،ويوم مات خلف وراءه ثروة غ ي قليلة..
ومع هذا فاذا كانت وفرة الال وحلله قلما يتمعان ،فقد اجتمعا بي يدي سعد ..اذ آتاه ال الكثي،
اللل ،الطيب..
وقدرته على جع الال من اللل الالص ،يضاهيها ،قدرته ف انفاقه ف سبيل ال..
ف ح جة الوداع ،كان هناك مع رسول ال صلى ال عليه و سلم ،وأ صابه الرض ،وذهب الرسول
يعوده ،فساله سعد قائل:
"يا رسول ال ،ان ذو مال ول يرثن ال ابنة ،أفأتصدّق بثلثي مال..؟
قال النب :ل.
قلت :فبنصفه؟
قال النب :ل.
قلت :فبثلثه..؟
قال النب :نعم ،والثلث كثي ..انك ان تذر ورثتك أغنياء ،خي من أن تذرهم عالة يتكففون الناس،
وانك لن تنفق نفقة تبتغي با وجه ال ال أجرت با ،حت اللقمة تضعها ف فم امرأتك"..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ول يظل سعد أبا لبنت واحدة ..فقد رزق بعد هذا أبناء آخرين..
**
وكان سعد كثي البكاء من خشية ال.
وكان اذا استمع للرسول يعظهم ،ويطبهم ،فاضت عيناه من الدمع حت تكاد دموعه تلؤ حجره..
وكان رجل أوت نعمة التوفيق والقبول..
ذات يوم والنب جالس مع أصحابه ،رنا بصره ال الفق ف اصغاء من يتلقى هسا وسرا ..ث نظر ف
وجوه أصحابه وقال لم:
" يطلع علينا الن رجل من أهل النة"..
وأخذ الصحاب يتلفتون صوب كل اتاه يستشرفون هذا السعيد الوفق الحظوظ..
وبعد حي قريب ،طلع عليهم سعد بن أب وقاص.
ولقد لذ به فيما بعد عبد ال بن عمرو بن العاص سائل اياه ف الاح أن يدله على ما يتقرّب ال ال
من عمل وعبادة ،جعله أهل لذه الثوبة ،وهذه البشرى ..فقال له سعد:
" ل شيء أكثر ما نعمل جيعا ونعبد..
غي أن ل أحل لحد من السلمي ضغنا ول سوءا".
هذا هو السد ف براثنه ،كما وصفه عبد الرحن بن عوف..
وهذا هو الرجل الذي اختاره عمر ليوم القادسية العظيم..
كانت كل مزاياه تتألق أما بصية أمي الؤمني وهو يتاره لصعب مهمة تواجه السلم والسلمي..
انه مستجاب الدعوة ..اذا سأل ال النصر أعطاه اياه..
زانه عفّ الطعمة ..عف اللسان ..عف الضمي..
وانه واحد من أهل النة ..كما تنبأ له الرسول..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وانه الفارس يوم بدر .والفارس يوم أحد ..والفارس ف كل مشهد شهده مع رسول ال صلى ال عليه
وسلم..
وأخرى ،ل ينساها عمر ول يغفل عن أهيتها وقيمتها وقدرها بي لصائص الت يب أن تتوفر لكل
من يتصدى لعظائم المور ،تلك هي صلبة اليان..
ان عمر ل ينسى نبأ سعد مع أمه يوم أسلم واتبع الرسول..
يومئذ أخفقت جيع ماولت رده وصده عن سبيل ال ..فلجأت أمه ال وسيلة ل يكن أحد يشك ف
أنا ستهزم روح سعد وترد عزمه ال وثنية أهله وذويه..
ل قد أعل نت أ مه صومها عن الطعام والشراب ،ح ت يعود سعد ال د ين آبائه وقو مه ،وم ضت ف
تصميم مستميت تواصل اضرابا عن الطعام والسراب حت أوشكت على اللك..
كل ذلك وسعد ل يبال ،ول يبيع ايانه ودينه بشيء ،حت ولو يكون هذا الشيء حياةأمه..
وحي كانت تشرف على الوت ،أخذه بعض أهله اليها ليلقي عليها نظرة وداع مؤملي أن يرق قلبه
حي يراها ف سكرة الوت..
وذهب سعد ورأى مشهد يذيب الصخر..
ب يد أن ايا نه بال ور سوله كان قد تفوّق على كل صخر ،وعلى كل لذ ،فاقترب بوج هه من و جه
أمه ،وصاح با لتسمعه:
" تعلمي وال يا أمّه ..لو كانت لك مائة نفس ،فخرجت نفسا نفسا ما تركت دين هذا لشيء..
فكلي ان شئت أو ل تأكلي"!!..
وعدلت أمه عن عزمهت\ا ..ونزل الوحي ييي موقف سعد ،ويؤيده فيقول:
( وان جاهداك على أن تشرك ب ما ليس لك به علم فل تطعهما)..
أليس هو السد ف براثنه حقا..؟؟
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
اذن فليغرس أمي الؤمني لواء القادسية ف يينه .وليم به الفرس الجتمعي ف أكثر من مائةألف من
القاتلي الدربي .الدججي بأخطر ما كانت تعرفه الرض يومئذ من عتاد وسلح ..تقودهم أذكى
عقول الرب يومئذ ،وأدهى دهاتا..
أ جل ال هؤلء ف فيالق هم الرهي بة..خرج سعد ف ثلث ي ألف مقا تل ل غ ي ..ف أيدي هم رماح..
ولكن ف قلوبم ارادة الدين الديد بكل ما تثله من ايان وعنفوان ،وشوق نادر وباهر ال الوت و
ال الشهادة!!..
والتقى المعان.
ولكن ل ..ل يلتق المعان بعد..
وأن سعدا هناك ينت ظر ن صائح أم ي الؤمن ي ع مر وتوجيها ته ..و ها هو ذا كتاب ع مر ال يه يأمره ف يه
بالبادرة ال القادسية ،فانا باب فارس ويلقي على قلبه كلمات نور وهدى:
" يا سعد بن وهيب..
ل يغرّنّك من ال ،أن قيل :خال رسول ال وصاحبه ،فان ال ليس بينه وبي أحد نسب ال بطاعته..
والناس شريفهم ووضيع هم ف ذات ال سوء ..ال ربم ،و هم عباده ..يتفاضلون بالعاف ية ،ويدركون
ما عند ال بالطاعة .فانظر المر الذي رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم منذ بعث ال أن فارقنا
عليه ،فالزمه ،فانه المر".
ث يقول له:
" اكتب الّ بميع أحوالكم ..وكيف تنلون..؟
وأين يكون عدوّكم منكم..
واجعلن بكتبك الّ كأن أنظر اليكم"!!..
ويك تب سعد ال أم ي الؤمن ي في صف له كل ش يء ح ت ا نه ليكاد يدد له مو قف كل جندي
ومكانه.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وينل سعد القاد سية ،ويتجمّع الفرس جي شا وشع با ،ك ما ل يتجمعوا من ق بل ،ويتول قيادة الفرس
أشهر وأخطر قوّادهم "رستم"..
ويكتب سعد ال عمر ،فيكتب اليه أمي الؤمني:
" ل يكربنّك ما تسمع منهم ،ول ما يأتونك به ،واستعن بال ،وتوكل عليه ،وابعث اليه رجال من
أهل لنظر والرأي واللد ،يدعونه ال ال ..واكتب الّ ف كل يوم"..
ويعود سعد فيكتب لمي الؤمني قائل:
" ان رستم قد عسكر ب ساباط وجرّ اليول والفيلة وزحف علينا".
وييبه عمر مطمئنا مشيا..
ان سنعد الفارس الذكني القدام ،خال رسنول ال ،والسنابق ال السنلم ،بطنل العارك والغزوات،
والذي ل ينبو له سيف ،ول يزيغ منه رمح ..يقف على رأس جيشه ف احدى معارك التاريخ الكبى،
وي قف وكأ نه جندي عادي ..ل غرور القوة ،ول صلف الزعا مة ،يمل نه على الركون الفرط لثق ته
بنفسه ..بل هو يلجأ ال أمي الؤمني ف الدينة وبينهما أبعاد وأبعاد ،فيسل له كل يوم كتابا ،ويتبادل
معه والعركة الكبى على وشك النشوب ،الشورة والرأي...
ذلك أن سعدا يعلم أن عمر ف الدينة ل يفت وحده ،ول يقرر وحجه ..بل يستشي الذين حوله من
السلمي ومن خيار أصحاب رسول ال ..وسعد ل يريد برغم كل ظروف الرب ،أن يرم نفسه،
ول أن يرم جيشه ،من بركة الشورى وجدواها ،ل سيّما حي يكون بي أقطابا عمر اللهم العظيم..
**
وينفذ سعد وصية عمر ،فيسل ال رستم قائد الفرس نفرا من صحابه يدعونه ال ال وال السلم..
ويطول الوار بينهم وبي قائد الفرس ،وأخيا ينهون الديث معه اذ يقول قائلهم:
" ان ال اختارنا ليخرج بنا من يشاء من خلقه من الوثنية ال التوحيد ...ومن ضيق الدنيا ال سعتها،
ومن جور الكام ال عدل السلم..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
فمن قبل ذلك منا ،قبلنا منه ،ورجعنا عنه ،ومن قاتلنا قاتلناه حت نفضي ال وعد ال"..
ويسأل رستم :وما وعد ال الذي وعدكم اياه..؟؟
فيجيبه الصحاب:
" النة لشهدائنا ،والظفر لحيائنا".
ويعود لبوفد ال قائد السلمي سعد ،ليخبوه أنا الرب..
وتتلىء عينا سعد بالدموع..
لقد كان يود لو تأخرت العركة قليل ،أو تقدمت قليل ..فيومئذ كان مرضه قد اشتد عليه وثقلت
وطأتنه ..وملت الدمامنل جسنده حتن منا كان يسنتطيع أن يلس ،فضل أن يعلو صنهوة جواده
ويوض عليه معركة بالغة الضراوة والقسوة!!..
فلو أن العر كة جاءت ق بل أن يرض وي سقم ،أولوأن ا ا ستأخرت ح ت ي بل ويش فى ،اذن لبلى في ها
بلءه العظيم ..أما الن ..ولكن ،ل ،فرسول ال صلى ال عليه وسلم علمهم أل يقول أحدهم :لو.
لن لو هذه تعن العجز ،والؤمن القوي ل يعدم اليلة ،ول يعجز أبدا..
عنئذ هب السد ف براثنه ووقف ف جيشه خطيبا ،مستهل خطابه بالية الكرية:
(بسم ال الرحن الرحيم..
ولقد كتبنا ف الزبور من بعد الذكر أن الرض يرثها عبادي الصالون)..
وب عد فرا غه من خطب ته ،صلى بال يش صلة الظ هر ،ث ا ستقبل جنوده مكبّرا أرب عا :ال أ كب ..ال
أكب ..ال أكب ..ال أكب..
ودوّى الكن وأوّب مع الكبين ،ومد ذراعه كالسهم النافذ مشيا ال العدو ،وصاح ف جنوده :هيا
على بركة ال..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وصنعد وهنو متحامل على نفسنه وآلمنه ال شرفنة الدار التن كان ينل بان ويتخذهنا مركزا
لقيادته..وف الشرفة جلس متكئا على صدره فوق وسادة .باب داره مفتوح ..وأقل هجوم من الفرس
على الدار يسقطه ف أيديهم حيا أو ميتا ..ولكنه ل يرهب ول ياف..
دمامله تنبح وتنف ،ولكنه عنها ف شغل ،فهو من الشرفة يكب ويصيح ..ويصدر أوامره لؤلء :أن
تقدّموا صوب اليم نة ..وللئك :أن سدوا ثغرات الي سرة ..أما مك يا مغية ..وراء هم يا جر ير..
اضرب يا نعمان ..اهجم يا أشعث ..وأنت يا قعقاع ..تقدموا يا أصحاب ممد!!..
وكان صوته الفعم بقوة العزم والمل ،يعل من كل جندي فردا ،جيشا بأسره..
وتاوى جنود الفرس كالذباب الترنّح.ز وتاوت معهم الوثنية وعبادة النار!!..
وطارت فلولم الهزومة بعد أن رأوا مصرع قائدهم وخية جنودهم ،وطاردهم كاليش السلم عت
ناوند ..ث الدائن فدخلوها ليحملوا ايوان كسرى وتاجه ،غنيمة وفيئا!!..
**
وف موقعة الدائن أبلى سعد بلء عظيما..
وكانت موقعة الدائن ،بعد موقعة القادسية بقرابة عامي ،جرت خللما مناوشات مستمرة بي الفرس
وال سلمي ،ح ت تم عن كل فلول ال يش الفار سي ويقاياه ف الدائن نف سها ،متأه بة لو قف أخ ي
وفاصل..
وأدرك سعد أن الوقت سيكون بانب أعدائه .فقرر أن يسلبهم هذه الزية ..ولكن أنّى له ذلك وبينه
وبي الدائن نر دجلة ف موسم فيضانه وجيشانه..
هنا موقف يثبت فيه سعد حقا كما وصفه عبد الرحن بن عوف السد ف براثنه!!..
ان ايان سعد وتصميمه ليتألقان ف وجه الطر ،ويتسوّران الستحيل ف استبسال عظيم!!..
وهكذا أصدر سعد أمره ال جيشه بعبور نر دجلة ..وأمر بالبحث عن ماضة ف النهر تكّن من عبور
هذا النهر ..وأخيا عثروا على مكان ل يلو عبوره من الخاطر البالغة..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وق بل أن يبدأ ال يش ال يش عمل ية الرور ف طن القائد سعد ال وجوب تأم ي مكان الو صول على
الضفة الخرى الت يرابط العطو حولا ..وعندئذ جهز كتيبتي..
الول :وا سها كتي بة الهوال وأمّر سعد علي ها عا صم ابنعمرو والثان ية :ا سها الكتي بة الر ساء وأمّر
عليها القعقاع ابن عمرو..
وكان على جنود هاتي الكتيبتي أن يوضوا الهوال لكي يفسحوا على الضفة الخرى مكانا آمنا
للجيش العابر على أثرهم ..ولقد أدوا العمل بهارة مذهلة..
ونحت خطة سعد يومئذ ناحا يذهل له الؤرخون..
ناحا أذهل سعد بن أب وقاص نفسه..
وأذ هل صاحبه ورفي قه ف العر كة سلمان الفار سي الذي أ خذ يضرب ك فا ب كف ده شة وغب طة،
ويقول:
" ان السلم جديد..
ذلّلت وال لم البحار ،كما ذلّل لم البّ..
والذي نفس سلمان بيده ليخرجنّ منه أفواجا ،كما دخلوه أفواحا"!!..
ول قد كان ..وك ما اقتحموا ن ر دجلة أفوا جا ،خرجوا م نه أفوا جا ل ي سروا جند يا واحدا ،بل ل
تضع منهم شكيمة فرس..
ولقد سقط من أحد القاتلي قدحه ،فعز عليه أن يكون الوحيد بي رفاقه الذي يضيع منه شيء،
فنادى فن أصنحابه ليعاونوه على انتشاله ،ودفعتنه موجنة عالينة ال حينث اسنتطاع بعنض العابرينن
التقاطه!!..
وتصف لنا احدى الروايات التاريية ،روعة الشهد وهم يعبون دجلة ،فتقول:
[أمر سعد السلمي أن يقولوا :حسبنا ال ونعم الوكيل ..ث اقتحم بفرسه دجلة ،واقتحم الناس وراءه،
ل يتخلف عنه أحد ،فساروا فيها كأنا يسيون على وجه الرض حت ملؤا ما بي الانبي ،ول يعد
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وجه الاء يرى من أفواج الفرسان والشاة ،وجعل الناس يتحدثون وهم يسيون على وجه الاء كأنم
يتحدون على وجه الرض؛ وذلك بسبب ما شعروا به من الطمأنينة والمن ،والوثوق بأمر ال ونصره
ووعيده وتأييده]!!..
ويوم ول عمر سعدا امارة العراق ،راح يبن للناس ويعمّر ..كوّف الكوفة ،وأرسى قواعد السلم
ف البلد العريضة الواسعة..
وذات يوم شكاه أهل الكوفة لمي الؤمن ي ..لقد غلبهم طبع هم التمرّد ،فزعموا زعمهم الضا حك،
قالوا ":ان سعدا ل يسن يصلي"!!..
ويضحك سعد من ملء فاه ،ويقول:
"وال ان لصلي بم صلة رسول ال ..أطيل ف الركعتي الوليي ،وأقصر ف الخريي"..
ويستدعيه عمر ال الدينة ،فل يغضب ،بل يلب نداءه من فوره..
وبعد حي يعتزم عمر ارجاعه ال الكوفة ،فيجيب سعد ضاحكا:
" اأترن أن أعود ال قوم يزعمون أن ل أحسن الصلة"..؟؟
ويؤثر البقاء ف الدينة..
وحي اعتدي على أمي الؤمني عمر رضي ال عنه وأرضاه ،اختار من بي أصحاب الرسول عليه
الصلة والسلم ،ستة رجال ،ليكون اليهم أمر الليفة الديد قائل انه اختار ستة مات رسول ال وهو
عنهم راض ..وكان من بينهم سعد بن أب وقاص.
بل يبدو من كلمات عمر الخية ،أنه لو كان متارا للفة واحدا من الصحابة لختار سعدا..
فقد قال لصحابه وهو يودعهم ويوصيهم:
" ان وليها سعد فذاك..
وان وليه غيه فليستعن بسعد".
**
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وي تد الع مر ب سعج ..وت يء الفت نة ال كبى ،فيعتزل ا بل ويأ مر أهله وأولده أل ينقلوا ال يه شيئا من
أخبارها..
وذات يوم تشرئب العناق نوه ،ويذهب اليه ابن أخيه هاشم بن عتبة بن أب وقاص ،ويقول له:
يا عم ،ها هنا مائة ألف سيف يروك أحق الناس بذا المر.
فيجيبه سعد:
" أريد من مائة ألف سيف ،سيفا واحدا ..اذا ضربت به الؤمن ل يصنع شيئا ،واذا ضربت به الكافر
قطع"!!..
ويدرك ابن أخيه غرضه ،ويتركه ف عزلته وسلمه..
وحي انتهى المر لعاوية ،واستقرت بيده مقاليد الكم سأل سعدا:
مالك ل تقاتل معنا..؟؟
فأجابه:
" ان مررت بريح مظلمة ،فقلت :أخ ..أخ..
واتذت من راحلت حت انلت عن"..
فقل زعاوية :ليس ف كتاب ال أخ ..أخ ..ولكن قال ال تعال:
(وان طائفتان من الؤمني اقتتلوا ،فأصلحوا بينهما ،فان بغت احداها على الخرى ،فقاتلوا الت تبغي
حت تفيء ال أمر ال).
وأنت ل تكن مع الباغية على العادلة ،ول مع العادلة على الباغية.
أجابه سعد قائل:
" ما كنت لقاتل رجل قال له رسول ال :أنت من بنلة هرون من موسى ال أنه ل نب بعدي".
**
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وذات يوم من أيام الرا بع والم سي للهجرة ،و قد جاوز سعد الثمان ي ،كان هناك ف داره بالعق يق
يتهيأ لقاء ال.
ويروي لنا ولده لظاته الخية فيقول:
[ كان رأس أب ف حجري ،وهو يقضي ،فبكيت وقال :ما يبكيك يا بنّ..؟؟
ان ال ل يعذبن أبدا وأن من أهل النة]!!..
ان صلبة ايانه ل يوهنها حت رهبة الةت وزلزاله.
ول قد بشره الر سول عل يه ال صلة وال سلم ،و هو مؤ من ب صدق الر سول عل يه ال صلة وال سلم أو ثق
ايان..ز واذن ففيم الوف..؟
[ ان ال ل يعذبت أبدا ،وان من أهل النة].
بيد أنه يريد أن يلقى ال وهو يمل أروع وأجل تذكار جعه بدينه ووصله برسوله ..ومن ثّ فقد
أشار ال خزانته ففتوحها ،ث أخرجوا منها رداء قديا قي بلي وأخلق ،ث أمر أهله أن يكفنوه فيه قائل:
[ لقد لقيت الشركي فيه يوم بدر ،ولقد ادخرته لذا اليوم]!!..
اجنل ،ان ذلك الثوب ل يعند مرّد ثوب ..اننه العلم الذي يفنق فوق حياة مديدة شامةن عاشهنا
صاحبها مؤمنا ،صادقا شجاعا!!
وفوق أعناق الرجال حل ال الدينة جثمان آخر الهاجرين وفاة ،ليأخذ مكانه ف سلم ال جوار ثلة
طاهرة عظيمة من رفاقه الذين سبقوه ال ال ،ووجدت أجسامهم الكادحة مرفأ لا ف تراب البقيع
وثراه.
**
وداعا يا سعد!!..
وداعا يا بطل القادسية ،وفاتح الدائن ،ومطفىء النار العبودة ف فارس ال البد!!..
صهيب بن سنان
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
فعبور الباب الشب الذي كان يفصل داخل دار الرقم عن خارجها ل يكن يعن مرّد تطي عتبة..
بل كان يعن تطي حدود عال بأسره!..
عال قدي بكل ما يثله من دين وخلق ،ونظام وحياة..
وتطي عتبة دار الرقم ،الت ل يكن عرضها ليزيد عن قدم واحدة كان يعن ف حقيقة المر وواقعه
عبور خضمّ من الهوال ،واسع ،وعريض..
واقتحام تلك العتبة ،كان ايذانا بعهد زاخر بالسؤليات السام!..
وبالنسبة للفقراء ،والغرباء ،والرقيق ،كان اقتحام عقبة دار الرقم يعن تضحية تفوق كل مألوف من
طاقات البشر.
وان صاحبنا صهيبا لرجل غريب ..وصديقه الذي لقيه على باب الدار ،عمّار بن ياسر رجل فقي..
فما بالما يستقبلن الول ويشمّران سواعدها للقاته..؟؟
انه نداء اليان الذي ل يقاوم..
وانا شائل ممد عليه الصلة والسلم ،الذي يلؤ عبيها أفئدة البرار هدى وحبا..
وانا روعة الديد الشرق .تبهر عقول سئمت عفونة القدي ،وضلله وافلسه..
وانا قبل هذا كله رحة ال يصيب با من يشاء ..وهداه يهدي اليه من ينيب...
أخذ صهيب مكانه ف قافلة الؤمني..
وأخذ مكانا فسيحا وعاليا بي صفوف الضطهدين والعذبي!!..
ومكانا عاليا كذلك بي صفوف الباذلي والفتدين..
وا نه ليتحدث صادقا عن ولئه العظ يم ل سؤولياته كم سلم با يع الر سول ،و سار ت ت را ية ال سلم
فيقول:
" ل يشهد رسول ال صلى ال عليه وسلم مشهدا قط ال كنت حاضره..
ول يبايع بيعة قط ال كنت حاضرها..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وحاور صهيب وداور ،حت استطاع أن يفلت من شانئيه ،وامت طى ظهر ناق ته ،وانطلق با الصحراء
وثبا..
بيد أن قريشا أرسلت ف أثره قناصتها فأدركوهخ ..ول يكد صهيب يراهم ويواجههم من قريب حت
صاح فيهم قائل:
" يا معشر قريش..
لقد علمتم أن من أرماكم رجل ..وأي وال ل تصلون الّ حت ارمي كبل سهم معي ف كنانت ث
أضربكم بسيفي حت ل يبقى ف يدي منه شيء ،فأقدموا ان شئتم..
وان شئتم دللتكم على مال ،وتتركون وشان"..
ولقد استاموا لنفسهم ،وقبلوا أن يأخذوا ماله قائلي له:
أتيتنا صعلوكا فقيا ،فكثر مالك عندنا ،وبلغت بيننا ما بلغت ،والن تنطلق بنفسك وبالك..؟؟
فدلم على الكان الذي خبأ فيه ثروته ،وتركوه وشأنه ،وقفلوا ال مكة راجعي..
والعجب أنم صدقوا قوله ف غي شك ،وف غي حذر ،فلم يسألوه بيّنة ..بل ول يستحلفوه على
صدقه !!..وهذا موقف يضفي على صهيب كثيا من العظمة يستحقها كونه صادق وأمي!!..
واستأنف صهيب هجرته وحيدا سعيدا ،حت أردك الرسول صلى ال عليه وسلم ف قباء..
كان الرسول حالسا وحوله بعض أصحابه حي أهل عليهم صهيب ول يكد يراه الرسول حت ناداه
متهلا:
" ربح البيع أبا يي!!..
ربح البيع أبا يي!!..
وآنئذ نزلت الية الكرية:
( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات ال ،وال رؤوف بالعباد)..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
أجل لقد اشترى صهيب نفسه الؤمنة ابتغاء مرضات ال بكل ثروته الت أنفق شبابه ف جعها ،ول
يس قط أنه الغبون..
فمال الال ،و ما الذ هب و ما الدن يا كل ها ،اذا ب قي له ايا نه ،واذا بق يت لضميه سيادته ..ول صيه
ارادته..؟؟
كان الرسول يبه كثيا ..وكان صهيب ال جانب ورعه وتقواه ،خفيف الروح ،حاضر النكتة..
رآه الرسول يأكل رطبا ،وكان باحدى عينيه رمد..
فقال له الرسول ضاحكا ":أتأكل الرطب وف عينيك رمد"..؟
فأجاب قائل ":وأي بأس..؟ ان آكله بعين الخرى"!!..
وكان جوّادا معطاء ..ين فق كل عطائه من ب يت الال ف سبيل ال ،يع ي متا جا ..يغ يث مكرو با"..
ويطعم الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيا".
حت لقد أثار سخاؤه الفرط انتباه عمر فقال له :أراك تطعم كثيا حت انك لتسرف..؟
فأجابه صهيب لقد سعت رسول ال يقول:
" خياركم من أطعم الطعام".
**
ولئن كانت حياة صهيب مترعة بالزايا والعظائم ،فان اختيار عمر بن الطاب اياه ليؤم السلمي ف
الصلة مزية تل حياته ألفة وعظمة..
فعندما اعتدي على أمي الؤمني وهو يصلي بالسلمي صلة الفجر..
وعندما احس ناية الجل ،فراح يلقي على اصحابه وصيته وكلماته الخية قال:
" وليصلّ بالناس صهيب"..
لقد اختار عمر يومئذ ستة من الصحابة ،ووكل اليهم أمر الليفة الديد..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وخلي فة ال سلمي هو الذي يؤم هم ف ال صلة ،ف في اليام الشاغرة ب ي وفاة أم ي الؤمن ي ،واختيار
الليفة الديد ،من يؤم السلمي ف الصلة..؟
ان ع مر وخا صة ف تلك الللحظات ال ت تأ خذ في ها رو حه الطاهرة طريق ها ال ال لي ستأن ألف مرة
قبل أن يتار ..فاذا اختار ،فل أحد هناك أوفر حظا من يقع عليه الختيار..
ولقد اختار عمر صهيبا..
اختاره ليكون امام السلمي ف الصلة حت ينهض الليفة الديد ..بأعباء مهمته..
اختاره وهو يعلم أن ف لسانه عجمة ،فكان هذا الختيار من تام نعمة ال على عبده الصال صهيب
بن سنان..
معاذ بن جبل
أعلمهم باللل والرام
عندما كان الرسول عليه الصلة والسلم يبابع النصار بيعة العقبة الثانية .كان يلس بي السبعي
الذين يتكوّن منهم وفدهم ،شاب مشرق الوجه ،رائع النظرة ،برّاق الثنايا ..يبهر البصار بوئه وسته.
فاذا تدّث ازدادت البصار انبهارا!!..
ذلك كان معاذ بن جبل رضي ال عنه..
هو اذن رجل من النصار ،بايع يوم العقبة الثانية ،فصار من السابقي الولي.
ورجل له مثل اسبقيته ،ومثل ايانه ويقينه ،ل يتخلف عن رسول ال ف مشهد ول ف غزاة .وهكذا
صنع معاذ..
على أن آلق مزاياه ،وأعظم خصائصه ،كان فقهه..
بلغ من الفقه والعلم الدى الذي جعله أهل لقول الرسول عنه:
" أعلم أمت باللل والرام معاذ بن جبل"..
وكان شبيه عمر بن الطاب ف استنارة عقله ،وشجاعة ذكائه .سأله الرسول حي وجهه ال اليمن:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
" دخلت مسجد حص فاذا جاعة من الكهول يتوسطهم شاب برّاق الثنايا ،صامت ل يتكلم.ز فاذا
امترى القوم ف شيء توجهوا اليه يسألونه.ز فقلت لليس ل :من هذا..؟ قال :معاذ بن جبل ..فوقع
ف نفسي حبه".
وهذا شهر بن حوشب يقول:
" كان أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم اذا تدثوا وفيهم معاذ بن جبل ،نظروا اليه هيبة له"..
ولقد كان أمي الؤمني عمر رضي ال عنه يستثيه كثيا..
وكان يقول ف بض الواطن الت يستعي با برأي معاذ وفقهه:
" لول معاذ بن جبل للك عكر"..
ويبدو أن معاذ كان يتلك عقل أحسن تدريبه ،ومنطقا آسرا مقنعا ،ينساب ف هدوء واحاطة..
فحيثما نلتقي به من خلل الروايات التاريية عنه ،نده كما أسلفنا واسط العقد..
فهو دائما جالس والناس حوله ..وهو صموت ،ل يتحدث ال على شوق الالسي ال حديثه..
واذا اختلف الالسون ف أمر ،أعادوه ال معاذ لبفصل فيه..
فاذا تكلم ،كان كما وصفه أحد معاصريه:
" كأنا يرج من فمه نور ولؤلؤ"..
ولقد بلغ كل هذه النلة ف علمه ،وف اجلل السلمي له ،أيام الرسول وبعد ماته ،وهو شاب..
فلقد مات معاذ ف خلفة عمر ول ياوز من العمر ثلثا وثلثي سنة!!..
وكان معاذ سح اليد ،والنفس ،واللق..
فل يسأل عن شيء ال أعطاه جزلن مغتبطا..ولقد ذهب جوده وسخاؤه بكل ماله.
ومات الرسول صلى ال عليه وسلم ،ومعاذ باليمن منذ وجهه النب اليها يعلم السلمي ويفقههم ف
الدين..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وف خلفة أب بكر رجع معاذ من اليمن ،وكان عمر قد علم أن معاذا أثرى ..فاقترح على الليفة
أب بكر أن يشاطره ثروته وماله!..
ول ينتظر عمر ،بل نض مسرعا ال دار معاذ وألقى عليه مقالته..
كان معاذ ظاهر الكف ،طاهر الذمة ،ولئن كان قد أثري ،فانه ل يكتسب اثا ،ول يقترف شبهة،
ومن ث فقد رفض عرض عمر ،وناقشه رأيه..
وتركه عمر وانصرف..
وف الغداة ،كان معاذ يطوي الرض حثيثا شطر دار عمر..
ول يكاد يلقاه ..حت يعنقه ودموعه تسبق كلماته وتقول:
" لقد رأيت الليلة ف منامي أن أخوض حومة ماء ،أخشى على نفسي الغرق ..حت جئت وخلصتن
يا عمر"..
وذهبا معا ال أب بكر ..وطلب اليه معاذ أن يشاطره ماله ،فقال أبو بكر ":ل آخذ منك شيئا"..
فنظر عمر ال معاذ وقال ":الن حلّ وطاب"..
ما كان أبو بكر الورع ليترك لعاذ درها واحدا ،لو علم أنه أخذه بغي حق..
وما كان عمر متجنيا على معاذ بتهمة أو ظن..
وانا هو عصر الثل كان يزخر بقوم يتسابقون ال ذرى الكمال اليسور ،فمنهم الطائر الحلق ،ومنهم
الهرول ،ومنهم القتصد ..ولكنهم جيعا ف قافلة الي سائرون.
**
ويهاجر معاذ ال الشام ،حيث يعيش بي أهلها والوافدين عليها معلما وفقيها ،فاذا مات أميها أبو
عبيدة الذي كان ال صديق الم يم لعاذ ،ا ستخلفه أم ي الؤمن ي ع مر على الشام ،ول ي ضي عل يه ف
المارة سوى بضعة أشهر حت يلقى ربه مبتا منيبا..
وكان عمر رضي ال عنه يقول:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
" لو استخلفت معاذ بن جبل ،فسألن رب :لاذا استخلفته؟ لقلت :سعن نبيك يقول :ان العلماء اذا
حضروا ربم عز وجل ،كان معاذ بي أيديهم"..
والستخلف الذي يعنيه عمر هنا ،هو الستخلف على السلمي جيعا ،ل على بلد أو ولية..
فلقد سئل عمر قبل موته :لو عهدت الينا..؟ أي اختر خليفتك بنفسك وبايعناك عليه..
لاجاب قائل:
" لو كان معاذ بن جبل حيا ،ووليته ث قدمت على رب عز وجل ،فسألن :من ولّيت على أمة ممد،
لقلت :ولّيت عليهم معاذ بن جبل ،بعد أن سعت النب يقول :معاذ بن جبل امام العلماء يوم القيامة".
**
قال الرسول صلى ال عليه وسلم يوما:
" يا معاذ ..وال ان لحبك فل تنس أن تقول ف عقب كل صلة :اللهم أعن على ذكرك وشكرك
وحسن عبادتك"..
أجل اللهم أعنّي ..فقد كان الرسول دائب اللاح بذا العن العظيم الذي يدرك الناس به أنه ل حول
لم ول قوة ،ول سند ول عون ال بال ،ومن ال العلي العظيم..
ولقد حذق معاذ لدرس وأجاد تطبيقه..
لقيه الرسول ذات صباح فسأله:
"كيف أصبحت يامعاذ"..؟؟
قال:
" أصبحت مؤمنا حقا يا رسول ال".
قال النب:
:ان لكل حق حقيقة ،فما حقيقة ايانك"..؟؟
قال معاذ:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
" ما أصبحت قط ،ال ظننت أن ل أمسي ..ول أمسيت مساء ال ظننت أن ل أصبح..
ول خطوت خطوة ال ظننت أن ل أتبعها غيها..
وكأن أنظر ال كل امة جاثية تدعى ال كتابا..
وكأن أرى أهل النة ف النة ينعمون..
وأهل النار ف النار يعذبون"..
فقال له الرسول:
" عرفت فالزم"..
أجل لقد أسلم معاذ كل نفسه وكل مصيه ل ،فلم يعد يبصر شيئا سواه..
ولقد أجاد ابن مسعود وصفه حي قال:
"ان معاذا كان أمّة ،قانتا ل حنيفا ،ولقد كنا نشبّه معاذا بابراهيم عليه السلم"..
**
وكان معاذ دائب الدعوة ال العلم ،وال ذكر ال..
وكان يدعو الناس ال التماس العلم الصحيح النافع ويقول:
" احذروا زيغ الكيم ..وارفوا الق بالق ،فان الق نورا"!!..
وكان يرى العبادة قصدا ،وعدل..
قال له يوما أحد السلمي :علمن.
قال معاذ :وهل أنت مطيعي اذا علمتك..؟
قال الرجل :ان على طاعتك لريص..
فقال له معاذ:
" صم وافطر..
وصلّ ون..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
واكتسب ول تأث.
ول توتنّ ال مسلما..
واياك ودعوة الظلوم"..
وكان يرى العلم معرفة ،وعمل فيقول:
" تعلموا ما شئتم أن تتعلموا ،فلن ينفعكم ال بالعلم جت تعملوا"..
وكان يرى اليان بال وذكره ،استحضارا دائما لعظمته ،ومراجعة دائمة لسلوك النفس.
يقول السود بن هلل:
" كنا نشي مع معاذ ،فقال لنا :اجلسوا بنا نؤمن ساعة"..
ولعل سبب صمته الكثي كان راجعا ال عملية التأمل والتفكر الت ل تدأ ول تكف داخل نفسه..
هذا الذي كان كمنا قال للرسنول :ل يطنو خطوة ،ويظنن أننه سنيتبعها بأخرى ..وذلك منن فرط
استغراقه ف ذكره ربه ،واستغراقه ف ماسبته نفسه..
**
وحان أجل معاذ ،ودعي للقاء ال...
وف سكرات الوت تنطلق عن اللشعور حقيقة كل حي ،وتري على لسانه ،ان استكاع الديث،
كلمات تلخص أمره وحياته..
وف تلك اللحظات قال معاذ كلمات عظيمة تكشف عن مؤمن عظيم.
فقد كان يدق ف السماء ويقول مناجيا ربه الرحيم:
" الم ان كنت أخافك ،لكنن اليوم أرجوك ،اللهم انك تعلم أن ل أكن أح بّ الدنيا لري النار،
ول لغرس الشجار ..ولكنن لظمنأ الواجنر ومكابدة السناعات ،ونينل الزيند منن العلم واليان
والطاعة"..
وبسط يينه كأنه يصافح الوت ،وراح ف غيبوبته يقول:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وراح يشاورهم ف المر ،وأصحاب الرسول يعلمون أنه حي يطلب الشورة والرأي ،فانه يفعل ذلك
حقا ،وأنه يطلب من كل واحد حقيقة اقتناعه وحقيقة رأيه ،فان قال قائلهم رأيا يغاير رأي الماعة
كلها ،ويالفها فل حرج عليه ول تثريب..
وخاف القدادا أن يكون بين السنلمي منن له بشأن العركنة تفظات ...وقبنل أن يسنبقه أحند
بالديث همّ هو بالسبق ليصوغ بكلماته القاطعة شعار العركة ،ويسهم ف تشكيل ضميها.
ولك نه ق بل أن يرك شفت يه ،كان أ بو ب كر ال صديق قد شرع يتكلم فاطمأن القداد كثيا ..وقال أ بو
بكر فأحسن ،وتله عمر بن الطاب فقل وأحسن..
ث تقدم القداد وقال:
" يا رسول ال..
امض لا أراك ال ،فنحن معك..
وال ل نقول لك كما قالت بنو اسرائيل لوسى
اذهب أنت وربك فقاتل انا هاهنا قاعدون..
بل نقول لك :اذهب أنت وربك فقاتل انا معكما مقاتلون!!..
والذي بعثك بالق ،لو سرت بنا ال برك العماد لالدنا معك من دونه حت تبلغه .ولنقاتلن عن يينك
وعن يسارك وبي يديك ومن خلفك حت يفتح ال لك" ..انطلقت الكلمات كالرصاص القذوف..
وتلل وجه رسول ال وأشرق فمه عن دعوة صالة دعاها للمقداد ..وسرت ف الشد الصال الؤمن
حا سة الكلمات الفاضلة ال ت أطلق ها القداد بن عمرو وال ت حددت بقوت ا واقناع ها نوع القول ل ن
أراد قول ..وطراز الديث لن يريد حديثا!!..
أجل لقد بلغت كلمات القداد غايتها من أفئدة الؤمني ،فقام سعد بن معاذ زعيم النصار ،وقال:
" يا رسول ال..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
لقد آمنا بك وصدّقناك ،وشهدنا أ نّ ما جئت به هو الق ..وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا،
فا مض يا ر سول ال ل ا أردت ،فن حن م عك ..والذي ع ثك بال ق ..لو ا ستعرضت ب نا هذا الب حر
فخضته لضناه معك ،ما تلف منا رجل واحد ،وما نكره أن تلقى بنا عدوّنا غدا..
انا لصب ف الرب ،صدق ف اللقاء ..ولعل ال يريك منا ما تقر عينك ..فسر على بركة ال"..
وامتل قلب الرسول بشرا..
وقال لصحابه ":سيوا وأبشروا"..
والتقى المعان..
وكان من فر سان ال سلمي يومئذ ثل ثة ل غ ي :القداد بن عمرو ،ومر ثد بن أ ب مر ثد ،والزب ي بن
العوّام ،بينما كان بقية الجاهدين مشاة ،أو راكبي ابل..
**
ان كلمات القداد التن مرّت بننا منن قبنل ،ل تصنور شجاعتنه فحسنب ،بنل تصنور لننا حكمتنه
الراجحة ،وتفكيه العميق..
وكذلك كان القداد..
كان حكيما أريبا ،ول تكن حته تعبّر عن نفسها ف مرّد كلمات ،بل هي تعبّر عن نفسها ف مبادئ
نافذة ،وسلوك قوي مطرّد .وكانت تاربه قوتا لكته وريا لفطنته..
وله الرسول على احدى الوليات يوما ،فلما رجع سأله النب:
" كيف وجدت المارة"..؟؟
فأجاب ف صدق عظيم:
" لقد جعلتن أنظر ال نفسي كما لو كنت فوق الناس ،وهم جيعا دون..
والذي بعثك بالق ،ل اتآمرّن على اثني بعد اليوم ،أبدا"..
واذا ل تكن هذه الكمة فماذا تكون..؟
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ولكن بصية القداد الاذق الكيم تكشف البعد الفقود ف هذه المنية..
أل يكن من الحتمل لذا الذي يتمن لو أنه عاش تلك اليام ..أن يكون من أصحاب الحيم..
أل يكون من الحتمل أن يكفر مع الكافرين.
وأل يس من ال ي اذن أن ي مد ال الذي رز قه الياة ف ع صور ا ستق ّر في ها ال سلم ،فأخذه صفوا
عفوا..
هذه نظرة القداد ،تتألق حكمة وفطنة ..وف كل مواقفه ،وتاربه ،وكلماته ،كان الريب الكيم..
**
وكان حب القداد للسلم عظيما..
وكان ال جانب ذلك ،واعيا حكيما..
والب حي يكون عظيما وحكيما ،فانه يعل من صاحبه انسانا عليّا ،ل يد غبطة هذا الب ف
ذاته ..بل ف مسؤولياته..
والقداد بن عمرو من هذا الطراز..
فحبه الرسول .مل قلبه وشعوره بسؤولياته عن سلمة الرسول ،ول يكن تسمع ف الدينة فزعة ،ال
ويكون القداد فن مثنل لحن البصنر واقفنا على باب رسنول ال متطينا صنهوة فرسنه ،متشقنا مهنّده
وحسامه!!..
وحبه للسلم ،مل قلبه بسؤولياته عن حاية السلم ..ليس فقط من كيد أعدائه ..بل ومن خطأ
أصدقائه..
خرج يوما ف سريّة ،تكن العدو فيها من حصارهم ،فأصدر أمي السرية أمره بأل يرعى أحد دابته..
ولكن أحد السلمي ل يط بالمر خبا ،فخالفه ،فتلقى من المي عقوبة أكثر ما يستحق ،أ ،لعله ل
يستحقها على الطلق..
فمر القداد بالرجل يبكي ويصيح ،فسأله ،فأنبأه ما حدث
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
فأخذ القداد بيمينه ،ومضيا صوب المي ،وراح القداد يناقشه حت كشف له خطأه وقال له:
" والن أقده من نفسك..
ومكّنه من القصاص"!!..
وأذعن المي ..بيد أن الندي عفا وصفح ،وانتشى القداد بعظمة الوقف ،وبعظمة الدين الذي أفاء
عليهم هذه العزة ،فراح يقول وكأنه يغن:
" لموتنّ ،والسلم عزيز"!!..
أ جل تلك كا نت أمني ته ،أن يوت وال سلم عز يز ..ول قد ثابر مع الثابر ين على تق يق هذه المن ية
مثابرة باهرة جعلته أهل لن يقول له الرسول عليه الصلة والسلم:
"ان ال أمرن ببك..
وأنبأن أنه يبك"...
سعيد بن عامر
العظمة تت السال
أيّنا سع هذا السم ،وأيّنا سع به من قبل..؟
أغلب الظن أن أكثنا ،ان ل نكن جيعا ،ل نسمع به قط ..وكأن بكم اذ تطالعونه الن تتساءلون:
ومن يكون عامر هذا..؟؟
أجل سنعلم من هذا السعيد!!..
**
ا نه وا حد من كبار ال صحابة ر ضي ال عن هم ،وان ل ي كن ل سه ذلك الرن ي الألوف ل ساء كبار
الصحابة.
انه واحد من كبار التقياء الخفياء!!..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ول عل من نافلة القول وتكراره ،أن ننوه بلزم ته ر سول ال ف ج يع مشاهده وغزوا ته ..فذلك كان
نج السلمي جيعا .وما كان لؤمن أن يتخلف عن رسول ال ف سلم أو جهاد.
أسلم سعيد قبيل فتح خيب ،ومنذ عانق السلم وبايع الرسول ،أعطاها كل حياته ،ووجوده ومصيه.
فالطاعة ،والزهد ،والسمو ..والخبات ،والورع ،والترفع.
كل الفضائل العظيمة وجدت ف هذا النسان الطيب الطاهر أخا وصديقا كبيا..
وحي نسعى للقاء عظمته ورؤيتها ،علينا أن نكون من الفطنة بيث ل ندع عن هذه العظمة وندعها
تفلت منا وتتنكر..
فحي تقع العي على سعيد ف الزحام ،لن ترى شيئا يدعوها للتلبث والتأمل..
ستجد العي واحدا من أفراد الكتيبة النية ..أشعث أغب . .ليس ف ملبسه ،ول ف شكله الخرجي،
ما ييزه عن فقراء السلمي بشيء!!.
فاذا جعلنا من ملبسه ومن شكله الارجي دليل على حقيقته ،فلن نبصر شيئا ،فان عظمة هذا الرجل
أكثر أصالة من أن تتبدى ف أيّ من مظاهر البذخ والزخرف.
انا هناك كامنة مبوءة وراء بساطته وأساله.
أتعرفون اللؤلؤ الخبوء ف جوف الصدف..؟ انه شيء يشبه هذا..
**
عندما عزل أمي الؤمني عمر بن الطاب معاوية عن ولية الشام ،تلفت حواليه يبحث عن بديل
يوليه مكانه.
وأسلوب عمر ف اختيار ولته ومعاونيه ،أسلوب يمع أقصى غايات الذر ،والدقة ،والناة ..ذلك
أنه كان يؤمن أن أي خطأ يرتكبه وال ف أقصى الرض سيسأل عنه ال اثني :عمر أول ..وصاحب
الطأ ثانيا..
ومعاييه ف تقييم الناس واختيار الولة مرهفة ،وميطة،وبصية ،أكثر ما يكون البصر حدة ونفاذا..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
والشام يومئذ حاضرة كبية ،والياة فيها قبل دخول السلم بقرون ،تتقلب بي حضارات متساوقة..
و هي مر كز هام لتجارة .ومرتع رح يب للنعمة ..و هي بذا ،ولذا درء اغراء .ول ي صلح ل ا ف رأي
عمر ال قديس تفر كل شياطي الغراء أمام عزوفه ..وال زاهد ،عابد ،قانت ،أواب..
وصاح عمر :قد وجدته ،الّ بسعيد بن عامر!!..
وفيما بعد ييء سعيد ال أمي الؤمني ويعرض عليه ولية حص..
ولكن سعيجا يعتذر ويقول " :ل تفتنّي يا أمي الؤمني"..
فيصيح به عمر:
" وال ل أدعك ..أتضعون أمانتكم وخلفتكم ف عنقي ..ث تتركون"..؟؟!!
واقتنع سعيد ف لظة ،فقد كانت كلمات عمر حريّة بذا القناع.
أ جل .ل يس من العدل أن يقلدوه أمانت هم وخلفت هم ،ث ينركوه وحيدا..واذا ان فض عن م سؤولية
الكم أمثال سعيد بن عامر ،فأنّى لعمر من يعينه على تبعات الكم الثقال..؟؟
خرج سعيد ال ح ص وم عه زوج ته ،وكا نا عرو سي جديد ين ،وكا نت عرو سه م نذ طفولت ها فائ قة
المال والنضرة ..وزوّده عمر بقدر طيّب من الال.
ولا استقرّا ف حص أرادت زوجته أن تستعمل حقها كزوجة ف استثمار الال الذي زوده به عمر..
وأشارت هليه بأن يشتري ما يلزمهما من لباس لئق ،ومتاع وأثاث ..ث يدخر الباقي..
وقال ل ا سعيد :أل أدلك على خ ي من هذا..؟؟ ن ن ف بلد تارت ا راب ة ،و سوقها رائ جة ،فلن عط
الال م يتجر لنا فيه وينمّيه..
قالت :وان خسرت تارته..؟
قال سعيد :سأجعل ضمانا عليه!!..
قالت :فنعم اذن..
وخرج سعيد فاشترى بعض ضروريات غعيشه التقشف ،ث فرق جيع الال ف الفقراء والحتاجي..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ومرّت اليام ..وبي الي والي تسأله زوجه عن تارتما وأيّان بلغت من الرباح..
وييبها سعيد :انا تارة موفقة ..وان الرباح تنمو وتزيد.
وذات يوم سألته ن فس ال سؤال أمام قر يب له كان يعرف حقي قة ال مر فابت سم .ث ض حك ضح كة
أو حت ال روع الزو جة بال شك والر يب ،فأل ت عل يه أن يصارحها الد يث ،فقا لا :ل قد تصدق
باله جكيعه من ذلك اليوم البعيد.
فبكت زوجة سعيد ،وآسفها أنا ل تذهب من هذا الال بطائل فل هي ابتاعت لنفسها ما تريد ،وال
الال بقي..
ونظر اليها سعيد وقد زادتا دموعها الوديعة السية جال وروعة.
وق بل أن ينال الش هد الفا تن من نف سه ضع فا ،أل قى ب صيته ن و ال نة فرأى في ها أ صحابه ال سابقي
الراحلي فقال:
" لقد كان ل أصحاب سبقون ال ال ...وما أحب أن أنرف عن طريقهم ولو كانت ل الدنيا با
فيها"!!..
واذ خشي أن تدل عليه بمالا ،وكأنه يوجه الديث ال نفسه معها:
" تعلمين أن فن الننة منن الور العين واليات السنان ،منا لو أطلت واحدة منهنن على الرض
لضاءتا جيعا ،ولقهر نورها نور الشمس والقمر معا ..فلن أضحي بك من أجلهن ،أحرى أول من
أن أضحي بن من أجلك"!!..
وأنى حديثه كما بدأه ،هادئا مبتسما راضيا..
و سكنت زوج ته ،وأدر كت أ نه ل ش يء أف ضل ل ما من ال سي ف طر يق سعيد ،وح ل الن فس على
ماكاته ف زهده وتقواه!!..
**
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
كانت حص أيامئذ ،توصف بأنا الكوفة الثانية وسبب هذا الو صف ،كثرة ترّد أهلها واختلفهم
على ولتم.
ولا كانت الكوفة ف العراق صاحبة السبق ف هذا التمرد فقد أخذت حص اسها لا شابتها...
وعلى الرغم من ولع المصيي بالتمرّد كما ذكرنا ،فقد هدى ال قلوبم لعبده الصال سعيد ،فأحبوه
وأطاعوه.
ولقد سأله عمر يوما فقال " :ان أهل الشام يبونك".؟
فأجابه سعيد قائل ":لن أعاونم وأواسيهم"!..
بيد أن مهما يكن أهل حص حب لسعيد ،فل مفر من أن يكون هناك بعض التذمر والشكوى ..على
القل لتثبت حص أنا ل تزال الانفس القوي لكوفة العراق...
وتقدم الب عض يشكون م نه ،وكا نت شكوى مبار كة ،ف قد كش فت عن جا نب من عظ مة الر جل،
عجيب عجيب جدا..
طلب عمر من الزمرة الشاكية أن تعدد نقاط شكواها ،واحدة واحدة..
فنهض التحدث بلسان هذه الجموعة وقال :نشكو منه أربعا:
" ل يرج الينا حت يتعال النهار..
وا ييب أحدا بليل..
وله ف الشهر يومان ل يرج فيهما الينا ول نراه،
وأخرى ل حيلة له فيها ولكنها تضايقنا ،وهي أنه تأخذه الغشية بي الي والي"..
وجلس الرجل:
وأطرق عمر مليا ،وابتهل ال ال هسا قال:
" اللهم ان أعرفه من خي عبادك..
اللهم ل تيّب فيه فراست"..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
**
أي حظ من الدى ناله هذا الطراز من الق..؟
أي معلم كان رسول ال..؟
اي نور نافذ ،كان كتاب ال..؟؟
وأي مدرسة ملهمة ومعلمة ،كان السلم..؟؟
ولكن ،هل تستطيع الرض أن تمل فوق ظهرها عددا كثيا من هذا الطراز..؟؟
انه لو حدث هذا ،لا بقيت أرضا ،انا تصي فردوسا..
أجل تصي الفردوس الوعود..
ول ا كان الفردوس ل يأت زما نه بعد فان الذ ين يرون بالياة وي عبون الرض من هذا الطراز الجيد
الليل ..قللون دائما ونادرون..
وسعيد بن عامر واحد منهم..
كان عطاؤه وراتبه بكم عمله ووظيفته ،ولكنه كان يأخذ منه ما يكفيه وزوجه ..ث يوزع باقيه على
بيوت أخرى فقية...
ولقد قيل له يوما:
" توسّع بذا الفائض على أهلم وأصهارك"..
فأجاب قائل:
" ولاذا أهلي وأصهاري..؟
ل وال ما أنا ببائع رضا ال بقرابة"..
وطالا كان يقال له:
" توسّع وأهل بيتك ف النفقة وخذ من طيّبات الياة"..
ولكنه كان ييب دائما ،ويردد أبدا كلماته العظيمة هذه:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
" ما أنا بالنتخلف عن الرعيل الول ،بعد أن سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول :يمع ال
عز وجل الناس للحساب ،فيحيء فقراء الؤمني يزفون كما تزف الامام ،فيقال لم :قفوا للحساب،
فيقولون :ما كان لنا شيء ناسب عليه ..فيقول ال :صدق عبادي ..فيدخلون النة قبل الناس"..
**
وف العام العشرين من الجرة ،لقي سعيد ربه أنقى ما يكون صفحة ،وأتقى ما يكون قلبا ،وأنضر ما
يكون سية..
لقد طال شوقه ال الرعيل الول الذي نذر حياته لفظه وعهده ،وتتبع خطاه..
أجل لقد طال شوقه ال رسوله ومعلمه ..وال رفاقه الوّابي التطهرين..
واليوم يلقيهم قرير العي ،مطمئن النفس ،خفيف الظهر..
ليس معه ول وراءه من أحال الدنيا ومتاعها ما يثقل ظهره وكاهله،،
ليس معه ال ورعه ،وزهده ،وتقاه ،وعظمة نفسه وسلوكه..
وفضائل تثقل اليزان ،ولكنها ل تثقل الظهور!!..
ومزايا هز با صاحبها الدنيا ،ول يهزها غرور!!..
**
سلم على سعيد بن عامر..
سلم عليه ف مياه ،وأخراه..
وسلم ..ث سلم على سيته وذكراه..
وسلم على الكرام البرة ..أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم.
حزة بن عبد الطلب
أسد ال وسيّد الشهداء
كانت مكة تغطّ ف نومها ،بعد يوم مليء بالسعي ،وبالكدّ ،وبالعبادة وباللهو..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
والقرشيون يتقلبون ف مضاجع هم هاجع ي ..غ ي وا حد هناك يتجا ف عن الض جع جنباه ،يأوي ال
فراشه مبكا ،ويستريح ساعات قليلة ،ث ينهض ف شوق عظيم ،لنه مع ال على موعد ،فيعمد ال
م صله ف حجر ته ،وي ظل ينا جي ر به ويدعوه ..وكلما ا ستيقظت زوج ته على أز ير صدره الضارع
وابتهالته الارّو اللحة ،وأخذتا الشفقة عليه ،ودعته أن يرفق بنفسه ويأخذ حظه من النوم ،ييبها
ودموع عينيه تسابق كلماته:
" لقد انقضى عهد النوم يا خدية"!!..
ل ي كن أمره قد أرّق قر يش ب عد ،وان كان قد بدأ يشغل انتباه ها ،فل قد كان حد يث عهد بدعو ته،
وكان يقول كلمته سرا وهسا.
كان الذين آمنوا به يومئذ قليلي جدا..
وكان هناك من غي الؤمني به من يمل له كل الب والجلل ،ويطوي جوانه على شوق عظيم
ال اليان به وال سي ف قافل ته البار كة ،ل ين عه سوى مواضعات العرف والبيئة ،وضغوط التقال يد
والوراثة ،والتردد بي نداء الغروب ،ونداء الشروق.
من هؤلء كان حزة بن عبد الطلب ..عم النب صلى ال عليه وسلم وأخوه من الرضاعة.
**
كان حزة يعرف عظمة ابن أخيه وكماله ..وكان على بيّنة من حقيقة أمره ،وجوهر خصاله..
ف هو ل يعرف معر فة ال عم با بن أخ يه فح سب ،بل معر فة الخ بالخ ،وال صديق بال صديق ..ذلك أن
رسول ال وحزة من جيل واحد ،وسن متقاربة .نشأ معا وتآخيا معا ،وسارا معا على الدرب من أوله
خطوة خطوة..
ولئن كان شباب كل منه ما قد م ضى ف طر يق ،فأ خذ حزة يزا حم أنداده ف ن يل طيبات الياة،
وافساح مكان لنفسه بي زعماء مكة وسادات قريش ..ف حي عكف ممد على اضواء روحه الت
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
انطلقت تني له الطريق ال ال وعلى حديث قلبه الذي نأى به من ضوضاء الياة ال التأمل العميق،
وال التهيؤ لصافحة الق وتلقيه..
نقول لئن كان شباب كل منه ما قد ات ذ وج هة مغايرة ،فان حزة ل ت غب عن وع يه ل ظة من نار
فضائل تربه وا بن أخيه ..تلك الفضائل والكارم الت كا نت تلّ لصاحبها مكانا عليّا ف أفئدة الناس
كافة ،وترسم صورة واضحة لستقبله العظيم.
ف صبيحة ذلك اليوم ،خرج حزة كعادته.
وعند الكعبة وجد نفرا من أشراف قريش وساداتا فجلس معهم ،يستمع لا يقولون..
وكانوا يتحدثون عن ممد..
ولول مرّة رآهم حزة يستحوذ عليهم القلق من دعوة ابن أخيه ..وتظهر ف أحاديثهم عنه نبة القد،
والغيظ والرارة.
لقد كانوا من قبل ل يبالون ،أو هم يتظاهرون بعدم الكتراث واللمبالة.
أما اليوم ،فوجوههم توج موجا بالقلق ،والمّ ،والرغبة ف الفتراس.
وضحك حزة من أحاديثهم طويل ..ورماهم بالبالغة ،وسوء التقدير..
وعقب أبو جهل مؤكدا للسائه أن حزة أكثر النس علما بطر ما يدعو اليه ممد ولكنه يريد أم
يهوّن المر حت تنام قريش ،ث تصبح يوما وقد ساء صاحبها ،وظهر أمر ابن أخيه عليها...
ومضوا ف حديث هم يزمرون ،ويتوعدون ..وحزة يبت سم تارّة ،ويت عض أخرى ،وح ي ان فض الم يع
وذهب كل ال سبيله ،كان حزة مثقل الرأس بأفكار جديدة ،وخواطر جديدة .راح يستقبل با أمر
ابن أخيه ،ويناقشه مع نفسه من جديد!!!...
**
ومضت اليام ،ينادي بعضها بعضا ومع كل يوم تزداد ههمة قريش حول دعوة الرسول..
ث تتحوّل ههمة قريش ال ترّش .وحزة يرقب الوقف من بعيد..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ان ثبات ابن أخيه ليبهره ..وان تفانيه ف سبيل ايانه ودعوته لو شيء جديد على قريش كلها ،برغم
ما عرفت من تفان وصمود!!..
ولو استطاع الشك يومئذ أن يدع أحدا عن نفسه ف صدق الرسول وعظمة سجاياه ،فما كان هذا
الشك بقادر على أن يد ال وعي حزة منفا أو سبيل..
فحمزة خي من عرف ممدا ،من طفولته الباكرة ،ال شباب الطاهر ،ال رجولته المينة السامقة..
انه يعرفه تاما كما يعرف نغسه ،بل أكثر ما يعرف نفسه ،ومنذ جاءا ال الياة معا ،وترعرعا معا،
وبلغا أشدّها معا ،وحياة ممد كلها نقية كأشعة الشمس !!..ل يذكر حزة شبهة واحدة ألّت بذه
الياة ،ل يذكر أنه رآه يوما غاضبا ،أو قانطا ،أو طامعا،أو لهيا ،أو مهزوزا...
وحزة ل يكن يتمتع بقوة السم فحسب ،بل وبرجاحة العقل ،وقوة اارادة أيضا..
ومن ث ل يكن من الطبيعي أن يتخلف عن متابة انسان يعرف فيه كل الصدق وكل المانة ..وهكذا
طوى صدره ال حي على أمر سيتكشّف ف يوم قريب..
**
وجاء اليوم الوعود..
وخرج حزة من داره،متوش حا قو سه ،ميمّ ما وج هه ش طر الفلة ليمارس هواي ته الحب بة ،ورياض ته
الثية ،الصيد ..وكان صاحب مهارة فائقة فيه..
وقضى هناك بعض يومه ،ولا عاد من قنصه ،ذهب كعادته ال الكعبة ليطوف با قبل أن يقفل راجعا
ال داره.
وقريبا من الكعبة ،لقته خادم لعبدال بن جدعان..
ول تكد تبصره حت قالت له:
" يا أ با عمارة ..لو رأ يت ما ا قي ا بن أخ يك م مد آن فا ،من أ ب ال كم بن هشام ..وجده جال سا
هناك ،فآذاه وسبّه وبلغ منه ما يكره"..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وحي عاد ال بيته ونضا عنه متاعب يومه .جلس يفكر ،ويدير خواطره على هذا الذي حدث له من
قريب..
كيف أعلن اسلمه ومت..؟
لقد أعلنه ف لظات الميّة ،والغضب ،والنفعال..
لقد ساءه أن يساء ال ابن اخيه ،ويظلم دون أن يد له ناصرا ،فيغضب له ،وأخذته الميّة لشرف بن
هاشم ،فشجّ رأس أب جهل وصرخ ف وجهه باسلمه...
ولكن هل هذا هو الطريق المثل لك يغدار النسان دين آبائه وقومه ...دين الدهور والعصور ..ث
يستقبل دينا جديدا ل يتب بعد تعاليمه ،ول يعرف عن حقيقته ال قليل..
صحيح أنه ل يشك لظة ف صدق ممد ونزاهة قصده..
ولكن أيكن أن يستقبل امرؤ دينا جديدا ،بكل ما يفرضه من مسؤوليات وتبعات ،ف لظة غضب،
مثلما صنع حزة الن..؟؟؟
وشرع يفكّر ..وقضى أياما ،ل يهدأ له خاطر ..وليال ل يرقأ له فيها جفن..
وحي ننشد القيقة بواسطة العقل ،يفرض الشك نفسه كوسيلة ال العرفة.
وهكذا ،ل يكد حزة يستعمل ف بث قضية السلم ،ويوازن بي الدين القدي ،والدين الديد ،حت
ثارت ف نفسه شكوك أرجاها الني الفطري الوروث ال دين آبائه ..والتهيّب الفطري الوروث من
كل جيد..
واستيقظت كل ذكرياته عن الكعبة ،وآلاها وأصنامها ...وعن الماد الدينية الت أفاءتا هذه اللة
النحوتة على قريش كلها ،وعلى مكة بأسرها.
لقد كان يطوي صدره على احترام هذه الدعوة الديدة الت يمل ابن أخيه لواءها..
ول كن اذا كان مقدورا له أن يكون أح أتباع هذه الدعوة ،الؤمني با ،والذائدين عنها ..فما الوقت
الناسب للدخول ف هذا الدين..؟
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ول ي ستطع حزة أن ي نع كل الذى ول كن ا سلمه مع ذلك كان وقا ية ودر عا ..ك ما كان اغراء
ناجحا لكثي من القبائل الت قادها اسلم حزة أول .ث اسلم عمر بن الطاب بعد ذلك ال السلم
فدخلت فيه أفواجا!!..
ومنذ أسلم حزة نذر كل عافيته ،وبأسه ،وحياته ،ل ولدينه حت خلع النب عليه هذا اللقب العظيم:
"أسد ال ،وأسد رسوله"..
وأول سرية خرج فيها السلمون للقاء عدو ،كان أميها حزة..
وأول راية عقدها رسول ال صلى ال عليه وسلم لحد من السلمي كانت لمزة..
ويوم التقى المعان ف غزوة بدر ،كان أسد ال ورسوله هناك يصنع العاجيب!!..
**
وعادت فلول قريش من بدر ال مكة تتعثر ف هزيتها وخيبتها ...ورجع أبو سفيان ملوع القلب،
مطأطئ ال{اس .وقد خلّف على أرض العركة جثث سادة قريش ،من أمثال أب جهل ..وعتبة بن
ربيعة ،وشيبة بن ربيعة ،وأميّة بن خلف .وعقبة بن أب معيط ..والسود بن عبدال الخزومي ،والوليد
بن عتبة ..والنفر بن الارث ..والعاص بن سعيد ..وطعمة ابن عد يّ ..وعشرات مثلهم من رجال
قريش وصناديدها.
و ما كا نت قر يش لتتجرّع هذه الزي ة النكرة ف سلم ...فرا حت تعدّ عدّت ا وت شد بأ سها ،لتثأر
لنفسها ولشرفها ولقتلها ..وصمّمت قريش على الرب..
**
وجاءت غزوة أحد حيث خرجت قريش على بكرة أبيها ،ومعها حلفاؤها من قبائل العرب ،وبقيادة
أب سفيان مرة أخرى.
وكان زعماء قر يش يهدفون بعركت هم الديدة هذه ال رجل ي اثن ي :الر سول صلى اله عل يه و سلم،
وحزة رضي ال عنه وأرضاه..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
أجنل والذي كان يسنمع أحاديثهنم ومؤامراتمن قبنل الروج للحرب ،يرى كينف كان حزة بعند
الرسول بيت القصيد وهدف العركة..
ول قد اختاروا ق بل الروج ،الر جل الذي وكلوا ال يه أ مر حزة ،و هو ع بد حب شي ،كان ذا مهارة
خارقة ف قذف الربة ،جعلوا كل دوره ف العركة أن يتصيّد حزة ويصوّب اليه ضربة قاتلة من رمه،
وحذروه من أن ينشغل عن هذه الغاية بشيء آخر ،مهما يكن مصي العركة واتاه القتال.
ووعدوه بثمن غال وعظيم هو حريّته ..فقد كان الرجل واسه وحشي عبدا لبي بن مطعم ..وكان
عم جبي قد لقي مصرعه يوم بدر فقال له جبي"
" اخرج مع الناس وان أنت قتلت حزة فأنت عتيق"!!..
ث أحالوه ال هند بنت عتبة زوجة أب سفيان لتزيده تريضا ودفعا ال الدف الذي يريدون..
وكانت هند قد فقدت ف معركة بدر أباها ،وعمها ،وأخاها ،وابنها ..وقيل لا ان حزة هو الذي قتل
بعض هؤلء ،وأجهز على البعض الخر..
من أ جل هذا كا نت أك ثر القرشي ي والقرشيّات تري ضا على الروج للحرب ،ل لش يء ال لتظ فر
برأس حزة مهما يكن الثمن الذي تتطلبه الغامرة!!..
ول قد لب ثت أيا ما ق بل الروج للحرب ،ول ع مل ل ا ال افراغ كل حقد ها ف صدر وح شي ور سم
الدور الذي عليه أن يقوم به..
ولقد وعدته ان هو نح ف قال حزة بأثن ما تلك الرأة من متاع وزي نة ،فل قد أمسكت بأناملها
الاقدة قرطها اللؤلؤي الثمي وقلئدها الذهبية الت تزدحم حول عنقها ،ث قالت وعيناها تدّقان ف
وحشي:
" كل هذا لك ،ان قتلت حزة"!!..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وسال لعاب وحشي ،وطارت خواطره توّاقة مشتاقة ال العركة الت سيبح فيها حريّته ،فل يصي بعد
عبدا أو رقي قا ،وال ت سيخرج من ها ب كل هذا اللي الذي يزيّن ع نق زعي مة ن ساء قر يش ،وزو جة
زعيمها ،وابنة سيّدها!!..
كانت الؤمرة اذن ..وكانت الرب كلها تريد حزة رضي ال عنه بشكل واضح وحاسم..
**
وجاءت غزوة أحد...
والت قى اليشان .وتو سط حزة أرض الوت والقتال ،مرتد يا لباس الرب ،وعلى صدره ري شة النعام
الت تعوّد أن يزيّن با صدره ف القتال..
وراح يصول ويول ،ل يريد رأسا ال قطعه بسيفه ،ومضى يضرب ف الشركي ،وكأن النايا طوع
أمره ،يقف با من يشاء فتصيبه ف صميمه!!.
و صال ال سلمون جي عا ح ت قاربوا الن صر الا سم ..وح ت أخذت فلول قر يش تن سحب مذعورة
هاربنة ..ولول أن ترك الرماة مكانمن فوق البنل ،ونزلوا ال أرض العركنة ليجمعوا غنائم العدو
الهزوم ..لول تركهم مكانم وفتحوا الثغرة الواسعة لفرسان قريش لكانت غزوة أحد مقبة لقريش
كلها ،رجالا ،ونسائها بل وخيلها وابلها!!..
ل قد د هم فر سانا ال سلمي من ورائ هم على ح ي غفلة ،واعملوا في هم سيوفهم الظامئة الجنو نة..
وراح ال سلمون يمعون أنف سهم من جديدو ويملون سلحهم الذي كان بعض هم قد وض عه ح ي
رأى جيش ممد ينسحب ويول الدبار ..ولكن الفاجأة كانت قاسية عنيفة.
ورأى حزة ما حدث فضاعف قوته ونشاطه وبلءه..
وأخذ يضرب عن يينه وشاله ..وبي يديه ومن خلفه ..ووحشيّ هناك يراقبه ،ويتحيّن الفرصة الغادرة
ليوجه ننوه ضربته..
ولندع وحشا يصف لنا الشهد بكلماته:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
[ ..وك نت جل حبش يا ،أقذف بالر بة قذف لب شة ،فقل ما أخ طئ ب ا شيئا ..فل ما الت قى ال نس
خرجت أنظر حزة وأتبصّره حت رأيته ف عرض الناس مثل المل الورق ..يهدّ الناس بسيفه هدّا ،ما
يقف امامه شيء ،فوال ان لتيأ له أريده ،وأستتر منه بشجرة لقتحمه أو ليدنو من ،اذ تقدّمن اليه
سباع بن عبد العزى .فلما رآه حزة صاح به :هل ّم الّ يا بن مقطّعة البظرو .ث ضربه ضربة فما أخطأ
رأسه..
عندئذ هززت حربت حت اذا رضيت منها دفعتها فوقعت ف ثنّته حت خرجت من بي رجليه ..ونض
نوي فغلب على امره ث مات..
وأتي ته فأخذت حرب ت ،ث رج عت ال الع سكر فقعدت ف يه ،اذ ل ي كن ل ف يه حا جة ،فقند قتل ته
لعتق]..
ول بأس ف أن ندع وحشيا يكمل حديثه:
[فلما قدمت مكة أعتقت ،ث أقمت با حت دخلها رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم الفتح فهربت
ال الطائف..
فلما خرج وفد الطائف ال رسول ال صلى ال عليه وسلم ليسلم تعيّت عل يّ الذاهب .وقلت :الق
بالشام أو اليمن أو سواها..
فوال ا ن ل في ذلك من ه ي اذ قال ل ر جل :وي ك !..ان ر سول اله ،وال ل يق تل أ حد من الناس
يدخل دينه..
فخر جت ح ت قد مت على ر سول ال صلى ال عل يه و سلم الدي نة فلم ير ن ال قائ ما أما مه أش هد
شهادة الق .فلما رآن قال :أوحش يّ أنت..؟ قلت :نعم يا رسول ال ..قال :فحدّثن كيف قتلت
حزة ،فحدّث ته ..فل ما فر غت من حدي ثي قال :وي ك ..غيّب ع ن وج هك ..فك نت أتنكّب طر يق
رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث كان ،لئل يران حت قبضه ال اليه..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
فلما خرج السلمون ال مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة خرجت معهم ،وأخذت حربت الت قتلت
ب ا حزة ..فل ما الت قى ال نس رأ يت م سيلمة الكذاب قائ ما ،ف يده ال سيف ،فتهيأت له ،وهززت
حربت ،حت اذا رضيته منها دفعتها عليه فوقعت فيه..
فان ك نت قد قتلت برب ت هذه خ ي الناس و هو حزة ..فا ن لر جو أن يغ فر ال ل اذ قتلت ب ا شرّ
الناس مسيلمة]..
**
هكذا سقط أسد ال ورسوله ،شهيدا ميدا!!..
وكما كانت حياته مدوّية ،كانت موتته مدوّية كذلك..
فلم يك تف أعداؤه بقتله ..وك يف يكتفون أو يقتنعون ،و هم الذ ين جنّدوا كل أموال قر يش و كل
رجالا ف هذه العركة الت ل يريدوا با سوى الرسول وعمّه حزة..
لقد أمرت هند بنت عتبة زوجة أب سفيان ..أمرت وحشيا أن يأتيها بكبد حزة ..واستجاب البشي
لذه الرغبة السعورة ..وعندما عاد با ال هند كان يناولا الكبد بيمناه ،ويتلقى منها قرطها وقلئدها
بيسراه ،مكافأة له على اناز مهمته..
ومضغنت هنند بننت عتبنة الذي صنرعه السنلمون ببدر ،وزوجنة أبن سنفيان قائد جيوش الشرك
الوثنية،مضغت كبد حزة ،راجية أن تشفي تلك الماقة حقدها وغلها .ولكن الكبد استعصت على
أنيابا ،وأعجزتا أن تسيغها ،فأخرجتها من فمها ،ث علت صخرة مرتفعة ،وراحت تصرخ قائلة:
نن جزيناكم بيوم بدر
والرب بعد الرب ذات سعر
ما كان عن عتبة ل من صب
ول أخي وعمّه وبكري
شفيت نفسي وقضيت نذري
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ويسمعها سعد بن معاذ فيظن أن الرسول عليه الصلة والسلم يطيب نفسا اذا بكت النساء عمه،
فيسنرع ال نسناء بنن عبند الشهنل ويأمرهنن أن يبكين حزة فيفعلن… ول يكاد الرسنول يسنمع
بكاءهن حت يرج اليهن ،ويقول
" ما ال هذا قصدت ،ارجعن يرحكن ال ،فل بكاء بعد اليوم"
ولقد ذهب أصحاب رسول ال يتبارون ف رثاء حزة وتجيد مناقبه العظيمة.
فقال حسان بن ثابت:
دع عنك دارا قد عفا رسها
وابك على حزة ذي النائل
اللبس اليل اذا أحجمت
كالليث ف غابته الباسل
أبيض ف الذروة من بن هاشم
ل ير دون الق بالباطل
مال شهيدا بي أسيافكم
شلت يدا وحشي من قاتل
وقال عبد ال بن رواحة:
بكت عين وحق لا بكاها
وما يغن البكاء ول العويل
على أسد الله غداة قالوا:
أحزة ذاكم الرجل القتيل
أصيب السلمون به جيعا
هناك وقد أصيب به الرسول
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وحي أبصرت السلمي عائدين من الغزو ،سارعت نوهم تسألم عن أنباء العركة..
فنعوا اليها الزوج..والب ..والخ..
واذا با تسألم ف لفة:
" وماذا فعل رسول ال"..؟؟
قالوا:
" خيا ..هو بمد ال كما تبي"!!..
قالت:
" أرونيه ،حتىأنظر اليه"!!..
ولبثوا بوارها حت اقترب الرسول صلى ال عليه وسلم ،فلما رأته أقبلت نوه تقول:
" كل مصيبة بعدك ،أمرها يهون"!!..
**
أجل..
لقد كان هذا أجل عزاء وأبقاه..
ولعل الرسول صلى ال عليه وسلم قد ابتسم لذا الشهد الفذّ الفريد ،فليس ف دنيا البذل ،والولء،
والفداء لذا نظي..
سيدة ضعي فة ،م سكينة ،تف قد ف ساعة واحدة أبا ها وزوج ها وأخا ها ..ث يكون ردّ ها على النا عي
لظة سعها الب الذي يهدّ البال:
" وماذا فعل رسول ال"..؟؟!!
لقد كان مشهد أجاد القدر رسه وتوقيته ليجعل منه للرسول الكري صلى ال عليه وسلم عزاء أي
عزاء ..ف أسد ال ،وسيّد الشهداء!!..
عبدال بن مسعود
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
بل ما كان يدري يومها ،أنه وهو ذلك الغلم الفقي الضعيف الجي الذي يرعى غنم عقبة بن معيط،
سيكون احدى هذه العجزات يوم يلق السلم منه منه مؤمنا بايانه كبياء قريش ،ويقهر جبوت
ساداتا..
فيذهب وهو الذي ل يكن يرؤ أن ير بجلس فيه أحد أشراف مكة ال مطرق الرأس حثيث الطى..
نقول :يذ هب ب عد ا سلمه ال م مع الشراف ع ند الكع بة ،و كل سادات قر يش وزعمائ ها هنالك
جالسون فيقف على رؤوسهم .ويرفع صوته اللو الثي بقرآن ال:
(بسم ال الرحن الرحيم ،الرحن ،علّم القرآن ،خلق النسان ،علّمه البيان ،الشمس والقمر بسبان،
والنجم والشجر يسجدان).
ث يواصل قراءته .وزعماء قريش مشدوهون ،ل يصدقون أعينهم الت ترى ..ول آذانم الت تسمع..
ول يت صورون أن هذا الذي يتحدى بأ سهم ..و كبيائهم..ان ا هو أج ي وا حد من هم ،ورا عي غ نم
لشريف من شرفائهم ..عبدال بن مسعود الفقي الغمور!!..
ولندع شاهد عيان يصف لنا ذلك الشهد الثي..
انه الزبي رضي ال عنه يقول:
" كان أول من جهر بالقرآن بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم بكة ،عبدال بن مسعود رضي ال
عنه ،اذ اجتمع يوما أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالوا:
وال ما سعت قريش مثل هذا القرآن يهر لا به قط ،فمن رجل يسمعهموه..؟؟
فقال عبدال بن مسعود:أنا..
قالوا :ان نشاهم عليك ،انا نريد رجل له عشيته ينعونه من القوم ان أرادوه..
قال :دعون ،فان ال سيمنعن..
فغدا ابن مسعود حت اتى القام ف الضحى ،وقريش ف أنديتها ،فقام عند القام ث قرأ :بسم ال الرحن
الرحيم _رافعا صوته_ الرحن ..علم القرآن ،ث استقبلهم يقرؤها..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
فتأملوه قائلي :ما يقول ابن ام عبد..؟؟ انه ليتلو بعض ما جاء به ممد..
فقاموا اليه وجعلوا يضربون وجهه ،وهو ماض ف قراءته حت بلغ منها ما شا ال أن يبلغ..
ث عاد ال أصحابه مصابا ف وجهه وجسده ،فقالوا له:
هذا الذي خشينا عليك..
فقال :ما كان أعداء ال أهون عليّ منهم الن ،ولئن شئتم لغادينّهم بثلها غدا..
قالوا :حسبك ،فقد أسعتهم ما يكرهون"!!..
أجل ما كان ابن مسعود يوم بره الضرع الافل باللب فجأة وقبل أوانه ..ما كان يومها يعلم أنه هو
ونظراؤه منن الفقراء والبسنطاء ،سنيكونون احدى معجزات الرسنول الكنبى يوم يملون راينة ال،
ويقهرون با نور الشمس وضوء النهار!!..
ما كان يعلم أن ذلك اليوم قريب..
ولكنن سنرعان منا جاء اليوم ودقنت السناعة ،وصنار الغلم الجين الفقين الضائع معجزة منن
العجزات!!..
**
ل تكن العي لتقع عليه ف زحام الياة..
بل ول بعيدا عن الزحام!!..
فل مكان له ب ي الذ ين أوتوا ب سطة من الال ،ول ب ي الذ ين أوتوا ب سطة ف ال سم ،ول ب ي الذ ين
أوتوا حظا من الاه..
فهو من الال معدم ..وهو ف السم ناحل ،ضامر ..وهو ف الاه مغمور..
ولكن السلم ينحه مكان الفقر نصيبا رابيا وحظوظا وافية من خزائن كسرى وكنوز قيصر!..
وينحه مكان ضمور جسمه وضعف بنيانه ارادة تقهر البارين ،وتسهم ف تغيي مصي التاريخ!..
وينحه مكان انزوائه وضياعه ،خلودا ،وعلما وشرفا تعله ف الصدارة بي أعلم التاريخ!!..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ولقد صدقت فيه نبوءة الرسول عليه الصلة والسلم يوم قال له " :انك غلم معلّم" فقد علمه ربه،
حت صار فقيه المة ،وعميد حفظة القرآن جيعا.
يقول على نفسه:
" أخذت من فم رسول ال صلى ال عليه زسلم سبعي سورة ،ل ينازعن فيها أحد"..
ولكأن ا أراد ال مثوب ته ح ي خا طر بيا ته ف سبيل ان ي هر بالقرآن ويذي عه ف كل مكان ب كة أثناء
سنوات الضطهاد والعذاب فأعطاه سبحانه موه بة الداء الرائع ف تلو ته ،والف هم ال سديد ف ادراك
معانيه..
ولقد كان رسول ال يوصي أصحابه أن يقتدوا بابن مسعود فيقول:
" تسّكوا بعهد ابن أم عبد".
ويوصيهم بأن ياكوا قراءته،ويتعلموا منه كيف يتلو القرآن.
يقول عليه السلم:
" من أحب أن يسمع القرآن عصّا كما أنزل فليسمعه من ابن أم عبد"..
" من أحب أن يقرأ القرآن غصا كما أنزل ،فليقرأه على قراءة ابن أم عبد"!!..
ولطالا كان يطيب لرسول ال عليه السلم أن يستمع للقرآن من فم ابن مسعود..
دعاه يوما الرسول ،وقال له:
" اقرأ عليّ يا عبد ال"..
قال عبد ال:
" أقرأ عليك ،وعليك أنزل يا رسول ال"؟!
فقال له الرسول:
"ان أحب أن أسعه من غيي"..
فأخذ ابن مسعود يقرأ من سورة النساء حت وصل ال قوله تعال:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
"يا أمي الؤمني ،ما رأينا رجل كان أحسن خلقا ول أرفق تعليما ،ول أحسن مالسة ،ول أشد ورعا
من عبدال بن مسعود..
قال علي:
نشدتكم ال ،أهو صدق من قلوبكم..؟؟
قالوا:
نعم..
قال:
اللهم ان أشهدك ..اللهم ان أقول مثل ما قالواو أو أفضل..
لقد قرأ القرآن فأحلّ حلله ،وحرّم حرامه..فقيه ف الدين ،عال بالسنة"!..
وكان أصحاب رسول ال عليه الصلة والسلم يتحدثون عن عبدال بن مسعود فيقولون:
" ان كان ليؤذن له اذا حججنا ،ويشهد اذا غبنا"..
و هم يريدون بذا ،أن عبد ال ر ضي ال ع نه كان يظ فر من الر سول صلى ال عل يه و سلم بفرص ل
يظفر با سواه ،فيدخل عليه بيته أكثر ما يدخل غيهو ويالسه أكثر ما يالس سواه .وكان دون
غيه من الصّحب موضع سرّه ونواه ،حت كان يلقب بن صاحب السواد أي صاحب السر..
يقول أبو موسى الشعري رضي ال عنه:
"لقد رأيت النب عليه الصلة والسلم ،وما أرى ال ابن مسعود من أهله"..
ذلك أن ال نبيب صلى ال عل يه و سلم كان يبّه ح با عظي ما ،وكان ي ب ف يه ور عه وفطن ته ،وعظ مة
نفسه ..حت قال الرسول صلى ال عليه وسلم فيه:
" لو كنت مؤمّرا أحدا دون شورى السلمي ،لمّرت ابن أم عبد"..
وقد مرّت بنا من قبل ،وصية االرسول لصحابه:
" تسكوا بعهد ابن أم عبد"...
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وهذا الب ،وهذه الثقة أهله لن يكون شديد لبقرب من رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وأعطي
ما ل يعط أحد غيه حي قال له الرسول عليه الصلة والسلم ":اذنك عليّ أن ترفع الجاب"..
فكان هذا ايذا نا ب قه ف أن يطرق باب الر سول عل يه أف ضل ال سلم ف أي و قت يشاء من ل يل أو
نار...
وهكذا قال عنه أصحابه:
" كان يؤذن له اذا حججنا ،ويشهد اذا غبنا"..
ولقد كان ابن مسعود أهل لذه الزيّة ..فعلى الرغم من أن اللطة الدانية على هذا النحو ،من شأنا
أن ترفع الكلفة ،فان ابن مسعود ل يزدد با ال خشوعا ،واجلل ،وأدبا..
ولعل خي ما يصوّر هذا اللق عنده ،مظهره حي كان يدّث عن رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد
وفاته...
فعلى الرغم من ندرة تدثه عن الرسول عليه السلم ،نده اذا حرّك شفتيه ليقول :سعت رسول ال
يدث ويقول :سنعت رسنول ال يدث ويقول ...تأخذه الرّعدة الشديدة ويبدو علينه الضطراب
والقلق ،خشية أن ينسى فيضع حرفا مكان حرف!!..
ولنستمع لخوانه يصفون هذه الظاهرة..
يقول عمرو بن ميمون:
" اختلفت ال عبدال بن مسعود سنة ،ما سعه يتحدث فيها عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ال
أننه حدّث ذات يوم بدينث فجرى على لسنانه :قال رسنول ال ،فعله الكرب حتن رأينت العرق
يتحدّر عن جبهته ،ث قال مستدركا قريبا من هذا قال الرسول"!!..
ويقول علقمة بن قيس:
" كان عبدال بن مسعود يقوم عشيّة كل خيس متحدثا ،فما سعته ف عشية منها يقول :قال رسول
ال غي مرة واحدة ..فنظرت اليه وهو معتمد على عصا ،فاذا عصاه ترتف ،وتتزعزع"!!..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ان هذا الوقف الليل الورع يصلنا بوقف ابن مسعود من اللبيفةعثمان ..فلقد حدث بينهما حوار
وخلف تفاقما حت حجب عن عبدال راتبه ومعاشه من بيت المل ،،ومع ذلك ل يقل ف عثمان
رضي ال عنه كلمة سوء واحدة..
بل وقف موقف الدافع والحذر حي رأى التذمّر ف عهد عثمان يتحوّل ال ثورة..
وحي ترامى ال مسمعه ماولت اغتيال عثمان ،قال كلمته الأثورة:
" لئن قتلوه ،ل يستخلفون بعده مثله".
ويقولبعض أصحاب ابن مسعود:
" ما سعت ابن مسعود يقول ف عثمان سبّة قط"..
**
ولقد آتاه ال الكمة مثلما أعطاه التقوى.
وكان يلك القدرة على رؤية العماق ،والتعبي عنها ف أناقة وسداد..
لنستمع له مثل وهو يلخصحياة عمر العظيمة ف تركيزباهر فيقول:
" كان اسلمه فتحا ..وكانت هجرته نصرا ..وكانت امارته رحة."..
ويتحدث عما نسميه اليوم نسبية الزمان فيقول:
" ان ربكم ليس عنده ليل ول نار ..نور السموات والرض من نور وجهه"!!..
ويتحدث عن الع مل وأهي ته ف ر فع ال ستوى الد ب ل صاحبه ،فيقول ":ا ن لم قت الر جل ،اذ أراه
فارغا ..ليس ف شيء من عمل الدنيا ،ول عمل الخرة"..
ومن كلماته الامعة:
" خي الغن غن النفس ،وخي الزاد التقوى ،وشر العمى عمى القلب ،وأعظم الطايا الكذب ،وشرّ
الكاسب الربا ،وشرّ الأكل مال اليتيم ،ومن يعف ال عنه ،ومن يغفر ال له"..
**
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
قد مات واذا هم قد حفروا له ،ورسول ال صلى ال عليه وسلم ف حفرته ،وأبو بكر وعمر يدليانه
ال يه ،والر سول يقول :ادن يا الّ أخاك ما ..فدلياه ال يه ،فل ما هيأه للحده قال :الل هم ا ن أم سيت ع نه
راضيا فارض عنه ..فيا ليتن كنت صاحب هذه الفرة"!!..
**
تلك أمنيته الوحيد الت كان يرجوها ف دنياه.
وهي ل تت بسبب ال ما يتهافت الناس عليه من مد وثراء ،ومنصب وجاه..
ذلك أنا أمنية رجل كبي القلب ،عظيم النفس ،وثيق اليقي ..رجل هداه ال ،وربّاه الرسول ،وقاده
القرآن!!..
حذيفة بن اليمان
عد ّو النفاق وصديق الوضوح
خرج أ هل الدائن أفوا جا ي ستقبلون والي هم الد يد الذي اختاره ل م أم ي الؤمن ي ع مر ر ضي ال
عنه..
خرجوا تسبقهم أشواقهم ال هذا الصحاب الليل الذي سعوا الكثي عو ورعه وتقاه ..وسعوا أكثر
عن بلئه العظيم ف فتوحات العراق..
واذ هم ينتظرون الوكب الوافد ،أبصروا أمامهم رجل مضيئا ،يركب حارا على ظهره اكاف قدي،
وقد أسدل الرجل ساقيه ،وأمسك بكلتا يديه رغيفا وملحا ،وهو يأكل ويضغ طعامه!..
وحي توسط جعهم ،وعرفوا أنه حذيفة بن اليمان الوال الذي ينتظرون ،كاد صوابم يطي!!..
ولكن فيم العجب..؟!
وماذا كانوا يتوقعون أن ييء ف اختيار عمر..؟!
الق أنم معذورون ،فما عهدت بلدهم أيام فارس ،ول قبل فارس ولة من هذا الطراز الليل!!.
**
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
فلم ي كن ث ة مال ترعرع ف يه موه بة حذي فة وتزد هر م ثل هذا الجال ،ف رحاب هذا الد ين ،وب ي
يدي هذا الرسول ،ووسط هذا ارّعيل العظيم من الصحاب!!..
ول قد ن ت موهب ته فعل أع ظم ناء ..وت صص ف قراءة الوجوه وال سرائر ..يقرأ الوجوه ف نظرة..
ويبلوكنه العماق الستترة ،والدخائل الخبوءة .ف غي عناء..
ولقد بلغ من ذلك ما يريد ،حت كان أمي الؤمني عمر رضي ال عنه ،وهو اللهم الفطن الريب،
يستدل برأي حذيفة ،وببصيته ف اختيار الرجال ومعرفتهم.
ولقد أوت حذيفة من الصافة ما جعله يدرك أن الي ف هذه الياة واضح لن يريده ..وانا الشر هو
الذي يتنكر ويتخفى ،ومن ث يب على الريب أن يعن بدراسة الشر ف مآتيه ،ومظانه..
وهكذا عكف حذيفة رضي ال عنه على دراسة الشر والشرار ،والنفاق والؤمني..
يقول:
" كان الناس ي سألون ر سول ال صلى ال عل يه و سلم عن ال ي ،وك نت أ سأله عن ال شر ما فة أن
يدركن..
قلت :يا رسول ال فهل بعد هذا الي من شر؟
قال :نعم..
قلت :فهل بعد هذا الشر من خي؟
قال :نعم ،وفيه دخن..
قلت :وما طخنه..؟
قال :قوم يستنون بغي سنت ..ويهتدون يغي هديي ،وتعرف منهم وتنكر..
قلت :وهل بعد ذلك الي من شر..؟
قال :نعم! دعاة على أبواب جهنم ،من أجابم اليها قذفوه فيها..
قلت :يا رسول ال ،فما تأمرن ان أدركن ذلك..؟
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ث انطلق بسيفه صوب العركة الشبوبة يبلي فيها بلءه ،ويؤدي واجبه..
وتنتهي العركة ،ويبلغ الب رسول ال صلى ال عليه وسلم فيأمر بالدية عن والد حذيفة "حسيل بن
جابر" رضي ال عنه ،ويتصدّق با على السلمي ،فيزداد الرسول حبا له وتقديرا...
**
وايان حذيفة وولؤه ،ل يعترفان
بالعجز ،ول بالضعف..بل ول بالستحيل....
ف غزوة الندق..وبعد أن د بّ الفشل ف صفوف كفار قريش وحلفائهم من اليهود ،أراد رسول ال
عليه الصلة والسلم أن يقف على آخر تطوّرات الوقف هناك ف معسكر أعدائه.
كان اليل مظلما ورهيبا ..وكانت العواصف تزأر وتصطخب ،كأنا تريد أن تقتلع جبال الصحراء
الراسنيات منن مكانان ..وكان الوقنف كله بان فينه منن حصنار وعناد واصنرار يبعنث على الوف
والزع ،وكان الوع الضن قد بلغ مبلغا وعرا بي اصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم..
فمن يلك آنئذ القوة،وأي قوة ليذهب وسط ماطر حالكة ال معسكر العداء ويقتحمه ،أو يتسلل
داخله ث يبلوا أمرهم ويعرف أخبارهم..؟؟
ان الرسول هو الذي سيختار من أصحابه من يقوم بذه الهمة البالغة العسر..
ترى من يكون البطل..؟
انه هو..حذيفة بن اليمان!..
دعاه الرسول صلى ال عليه وسلم فلب ،ومن صدقه العظيم يبنا وهو يروي النبأ أنه ل يكن يلك ال
أن يلب ..مشيا بذا ال أنه كان يرهب الهمة الوكولة اليه ،ويشى عواقبها ،والقيام با تت وطأة
الوع ،والصقيع ،والعياء الديد الذي خلفهم فيه حصار الشركي شهرا أو يزيد!..
وكان أمر حذيفة تلك الليلة عجيبا...
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
فاقد قطع السافة بي العسكرين ،واخترق الصار ..وتسلل ال معسكر قريش ،وكانت الريح العاتية
قد أطفأت نيان الع سكر ،فخيّم عل يه الظلم،وات ذ حذي فة ر ضي ال ع نه مكا نه و سط صفوف
الحاربي...
وخ شي أبو سفيان قائد قؤ يش ،أن يفجأ هم الظلم بت سللي من ال سلمي ،فقام يذر جي شه ،و سعه
حذيفة يقول بصوته الرتفع:
" يا معشر قريش ،لينظر كل منكم جليسه ،وليأخذ بيده ،وليعرف اسه".
يقول حذيفة"
" فسارعت ال يد الرجل الذي بواري ،وقلت لمن أنت..؟ قال :فلن بن فلن؟"...
وهكذا أمّن وجوده بي اليش ف سلم!..
واستأنف أبو سفيان نداءه ال اليش قائل ":يا معشر قريش ..انكم وال ما أصبحتم بدار مقام ..لقد
هل كت الكراع _ أي ال يل_ وال ف_ أي ال بل_ ،وأخلفتناب نو قري ظة ،وبلغ نا عن هم الذي نكره،
ولقي نا من شدّة الر يح ،ما تطمئن ل نا قدر ،ول تقوم ل نا نار ،ول ي ستمسك ل نا بناء ،فارتلوا فا ن
مرتل"..
ث نض فوق جله ،وبدأ السي فتبعه الحاربون..
يقول حذيفة:
" لول عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم الّ أل تدث شيئا حت تأتين ،لقتلته بسهم"..
وعاد حذيفة ال الرسول عليه الصلة والسلم فأخبه الب ،وزف البشرى اليه...
**
ومع هذا فان حذيفة يلف ف هذا الجال كل الظنون..
ورجل الصومعة العابد ،التأمل ل يكاد يمل شيفه ويقابل جيوش الوثنية والضلل حت يكشف لنا
عن عبقرية تبهر البصار..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وحسبنا أن نعلم ،أنه كان ثالث ثلثة ،أو خامس خسة كانوا أصحاب السبق العظيم ف فتوح العراق
جيعها!..
وف هدان والري والدينور ت الفتح على يديه..
وف معركة ناوند العظن ،حيث احتشد الفرس ف مائة ألف مقاتل وخسي الفا ..اختار عمر لقيادة
اليوش السلمة النعمان بن مقرّن ث كتب ال حذيفة أن يسي اليه على رأس جيش من الكوفة..
وأرسل عمر ال القاتلي كتابه يقول:
" اذا اجتمع السلمون فليكن على كل أمي جيشه ..وليكن أمي اليوش جيعها النعمان بن مقرّن..
فاذا استشهد النعمان ،فليأخذ الراية حذيفة ،فاذا استشهد فجرير بن عدال..
وهكذا مضى أمي الؤمني يتار قوّاد العركة حت سّى منهم سبع...
والتقى اليشان..
الفرس ف مائة ألف وخسي ألفا..
والسلمون ف ثلثي ألفا لغي...
وينشب قتال يفوق كل تصور ونظي ودارت معركة من أشد معارك التاريخ فدائية وعنفا..
و سقط قائد ال سلمي قتيل ،سقط النعمان بن مقرّن ،وق بل أن توي الرا ية ال سلمة ال الرض كان
القائد الديد قد تسلمها بيمينه ،وساق با رياح النصر ف عنفوان لب واستبسال عظيم ...ول يكن
هذا القائد سوى حذيفة بن اليمان...
حل الراية من فوره ،وأوصى بأل ندع نبأ موت النعمان حت تنجلي العركة ..ودعا نعيم بن مقرن
فجعله مكان أخيه النعمان تكريا له..
أنزت اله مة ف لظات والقتال يدور ،بديهي ته الشر قة ..ث انث ن كالع صار الدمدم على صفوف
الفرس صائحا:
" ال أبكر صدق وعده!!
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
لقد كان حذيفة واسع الذكاء ،متنوع البة ،وكان يقول للمسلمي دائما:
" ل يس خيار كم الذ ين يتركون الدن يا للخرة ..ول الذ ين يتركون الخرة للدن يا ..ول كن الذ ين
يأخذون من هذه ومن هذه"...
**
وذات يوم من أيام العام الجري ال سادس والثلث ي..د عي للقاء ال ..واذ هو يته يأ للرحلة الخية
دخل عليه بعض أصحابه ،فسألم:
أجئتم معكم بأكفان..؟؟
قالوا :نعم..
قال :أرونيها..
فلما رآها ،وجدها جديدة فارهة..
فارتسمت على شفتيه آخر بسماته الساخرة ،وقال لم:
" ما هذا ل بكفن ..انا يكفين لفافتان بيضاوان ليس معهما قميص..
فان لن أترك ف القب ال قليل ،حت أبدّل خيا منهما ...أو شرّ منهما"!!..
وتتم بكلمات ،ألقى الالسون أساعهم فسمعوها:
" مرحبا بالوت..
حبيب جاء على شوق..
ل أفلح من ندم"..
وصعدت ال ال روح من أعظم أرواح البشر ،ومن أكثرها تقى ،وتآلقا ،واخباتا...
عمّار بن ياسر
رجل من النة!!..
لو كان هناك أناس يولدون ف النة ،ث يشيبون ف رحابا ويكبون..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ث ياء بم ال الرض ليوكون زينة لا ،ونورا ،لكان عمّار ،وأمه سيّة ،وأبوه ياسر من هؤلء!!..
ولكن لاذا نقول :لو ..لاذا مفترض هذا التراض ،وقد كان آل ياسر فعل من أهل النة..؟؟
وما كان الرسول عليه الصلة والسلم مواسيا لم فحسب حي قال:
" صبا آل ياسر ان موعدكم النة"..
بل كان يقرر حقيقة يعرفها ويؤكد واقعا يبصره ويراه..
**
خرج ياسر والد عمّار ،من بلده ف اليمن يطلب أخا له ،ويبحث عنه..
وف مكة طاب له القام ،فاستوطنها مالفا أبا حذيفة بن الغية..
وزوّجه أبو حذيفة احدى امائه سيّة بنت خياط..
ومن هذا الزواج البارك رزق ال البوين عمارا..
وكان اسلمهم مبكرا ..شأن البرار الذين هداهم ال..
وشأن البرار البكّرين أيضا ،أخذوا نصيبهم الوف من عذاب قريش وأهوالا!!..
ولقد كانت قريش تتربّص بالؤمني الدوائر..
فان كانوا من لم ف قومهم شرف ومنعة ،تولوهم بالوعيد والتهديد ،ويلقى أبو جهل الؤمن منهم
فيقول له ":تركنت دينن آبائك وهنم خين مننك ..لنسنفّهنّ حلمنك ،ولنضعنّن شرفنك ،ولنكسندنّ
تارتك ،ولنهلكنّ مالك" ث يشنون عليه حرب عصبية حامية.
وان كان الؤمن من ضعفاء مكة وفقرائها ،أو عبيدها ،أصلتهم سعيا.
ولقد كان آل ياسر من هذا الفريق..
ووكل أمر تعذيبهم ال بن مزوم ،يرجون بم جيعا ..ياسر ،سية وعمار كل يوم ال رمضاء مكة
اللتهبة ،ويصبّون عليهم جحيم العذاب ألوانا وفنونا!!
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ولقد كان نصيب سية من ذلك العذاب فادحا رهيبا .ولن نفيض ف الديث عنها الن ..فلنا ان
شاء ال مع جلل تضحيت ها ،وعظ مة ثبات ا لقاء نتحدث عن ها و عن نظيات ا وأخوات ا ف تلك اليام
الالدات..
وليكن حسبنا الن أن نذكر ف غي كبالغة أن سية الشهيدة وقفت يوم ذاك موقفا ينح البشرية كلها
من أول ال آخرها شرفا ل ينفد ،وكرامة ل ينصل باؤها!..
موقفا جعل منها أمّا عظيمة للمؤمني ف كل العصور ..وللشرفاء ف كل الزمان!!..
**
كان الرسول عليه الصلة والسلم يرج ال حيث علم أن آل ياسر يعذبون..
ول يكن ىنذاك يلك من أسباب القاومة ودفع الذى شيئا..
وكانت تلك مشيئة ال..
فالدين الديد ،ملة ابراهيم حنيفا ،الدين الذي يرفع ممد لواءه ليس حركة اصلح عارضة عابرة..
وانا هو نج حياة للبشرية الؤمنة ..ول بد للبشربة الؤمنة هذه أن ترث مع الدين تاريه بكل تاريه
بكا بطولته ،وتضحياته وماطراته...
ان هذه التضحيات الننبيلة الائلة ،هني الرسنانة التن تبن الدبنن والعقيدة ثباتنا ل يزول ،وخلودا ل
يبلى!!!..
انا العبي يل أفئدة الؤمني ولء ،وغبطة وحبورا.
وانا النار الذي يهدي الجيال الوافدة ال حقيقة الدين ،وصدقه وعظمته..
وهكذا ل ي كن هناك بد من أن يكون لل سلم تضحيا ته وضحاياه ،ول قد أضاء القرآن الكر ي هذا
العن للمسلمي ف أكثر من آية...
فهو يقول:
(أحسب الناس أن يتركوا ،أن يقولوا آمنّا ،وهم ل يفتنون)؟!
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
(أم حسبتم أن تدخلوا النة ،ولّا يعلم ال الذين جاهدوا منكم ،ويعلم الصابرين)؟
(ولقد فتنّا الذين من قبلهم ،فليعلمنّ ال الذين صدقوا ،وليعلمنّ الكاذبي).
(أم حسبتم أن تتركوا ،ولا يعلم ال الذين جاهدوا منكم)..
(ما كان ال ليذر الؤمني على ما أنتم عليه حت ييز البيث من الطيّب)..
(وما أصابكم يوم التقى المعان ،فباذن ال ،وليعلم الؤمني).
أجنل هكذا علم القرآن حلتنه وأبناءه ،أن التضحينة جوهنر اليان ،وأن مقاومنة التحديّات الغاشةن
الظالة بالثبات وبالصب وبالصرار ..انا تشكّل أبى فضائل اليان وأروعها..
ومن ثّ فان دين ال هذا وهو يضع قواعده ،ويرسي دعائمه ،ويعطي مثله ،ل بد له أن يدعم وجوده
بالتضحية ،ويزكّي نفسه بالفداء ،متارا لذه الهمة الليلة نفرا من أبنائه وأوليائه وأبراره يكنون قدوة
سامقة ومثل عاليا للمؤمني القادمي.
ول قد كا نت سيّة ..وكان يا سر ..وكان عمّار من هذه الثلة البار كة العظي مة ال ت اهتارت ا مقاد ير
السلم لتصوغ من تضحياتا وثباتا واصراراها وثيقة عظمته وخلوده..
**
قلننا ان رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم كان يرج كنل يوم ال أسنرة ياسنر ،ميّينا صنمودها،
وبطولتها ..وكان قلبه الكبي يذوبرحة وحنانا لشهدهم وهم يتلقون العذاب ما ل طاقة لم به.
وذات يوم وهو يعودهم ناداه عمّار:
" يا رسول ال ..لقد بلغ منا العذاب كل مبلغ"..
فنا داه الرسول :صبا أبا اليقظان..
صبا آل ياسر..
فان موعدكم النة"..
ولقد وصف أصاب عمّار العذاب الذي نزل به ف أحاديث كثية.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ولا ذهب الرسول صلى ال عليه وسلم ال الرفيق العلى ،واصل العملق زحفه..
ف في لقاء ال سلمي مع الفرس ،و مع الروم ،و من ق بل ذلك ف لقائ هم مع جيوش الردّة الرّراة كان
عمّار هناكفي الصفوف الول دوما ..جنديا باسل أمينا ،ل تنبو لسيفه ضربة ..ومؤمنا ورعا جليل،
ل تأخذه عن ال رغبة..
وحي كان أمي الؤمني عمر بن الطاب رضي ال عنه يتار ولة السلمي ف دقة وتفّظ من يخ\تار
مصيه ،كانت عيناه تقعان دوما ف ثقة أكيدة على عمّار بن ياسر"..
وهكذا سارع اليه ووله الكوفة ،وجعل ابن مسعود معه على بيت الال..
وكتب ال أهلها كتابا يبشرهم فيه بواليهم الديد ،فقال:
" ان بعثت اليكم عمّار بن ياسر أميا ..وابن مسعود معلما ووزيرا..
وانما من النجباء ،من أصحاب ممد ،ومن أهل بدر"..
ولقد سار عمّار ف وليته سيا شق على الطامعي ف الدنيا تمّله حت تألبوا عليه أو كادوا..
لقد زادته الولية تواضعا وورعا وزهدا..
يقول ابن أب الذيل ،وهو من معاصريه ف الكوفة:
" رأ يت عمّار بن يا سر و هو أم ي الكو فة يشتري من قثائ ها ،ث يربط ها ب بل ويمل ها فوق ظهره،
ويضي با ال داره"!!..
ويقول له وا حد من العامّة و هو ام ي الكو فة ":يا أجدع الذن يعيّره بأذ نه ال ت قط عت ب سيوف
الرتدين ف حرب اليمامة ..فل يزيد المي الذي بيده السلطة على أن يقول لشاته:
" خي أذنّ سببت ..لقد أصيبت ف سبيل ال"!!..
أجل لقد أصيب ف سبيل ال ف يوم اليمامة ،وكان يوما من أيام عمّار الجيدة ..اذا انطلق العملق
ف استبسال عاصف يصد ف جيش مسيلمة الكذاب ،ويهدي اليه النايا والدمار..
واذا يرى ف السلمي فتورا يرسل بي صفوفهم صياحه الزلزل ،فيندفعون كالسهام القذوفة.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
أ جل ان عمارا ليدور مع ال ق ح يث يدور ..والن ن ن نق فو آثاره البار كة ،ونتت بع معال حيا ته
العظيمة ،تعلوْا نقترب من مشهد عظيم..
ولكن قبل أن نواجه هذا الشهد ف روعته وجلله ،ف صولته وكماله ،ف تفانيه واصراره ،ف تفوقه
واقتداره ،تعالْوا نبصر مشهد مشهدا يسبق هذا الشهد ،ويتنبأ به ،ويهيئ له...
كان ذلك اثر استقرار السلمي ف الدينة ،وقد نض الرسول المي وحوله الصحابة البرار ،شعثا
لربم وغبا ،بنون بيته ،ويقيمون مسجده ..قد امتلت أفئدتم الؤمنة غبطة ،وتألقت بشرا ،وابتهلت
حدا لربا وشكرا..
الميع يعملون ف خبور وأمل ..يملون الجارة ،أو يعجنون اللط ..أو يقيمون البناء..
فوج هنا وفوج هناك..
والفق السعيد يردد تغريدهم الذي يرفعون به أصواتم الحبورة:
لئن قعدنا والنب يعمل لذاك منا العمل الضلل
هكذا يغنون وينشدون..
ث تتعال أصواتم الصادحة بتغريدة أخرى:
اللهم ان العيش عيش الخرة فارحم النصار والهاجرة
وتغريدة ثالثة:
ل يستوب من يعمّر مسجدا
يدأب فيها قائما وقاعدا
ومن يرى الغبار عنه حائدا
انا خليا ل تعمل ..انم جنوده ،يملون لواءه ،ويرفعون بناءه..
ورسوله الطيّب المي معهم ،يمل من الجارة أعتاها ،ويارس من العمل أشقه ..وأصواتم الغرّدة
تكي غبطة أنفسهم الراضية الخبتة..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
والسماء من فوقهم تغبط الرض الت تملهم فوق ظهرها ..والياة التهللة تشهد أبى أعيادها!!..
وعمار بن ياسر هناك وسط الهرجان الافل يمل الجارة الثقيلة من منحتها ال مستقرّها...
ويب صره الرح ة الهداة م مد ر سول ال ،فيأخذه ال يه حنان عظ يم ،ويقترب م نه وين فض بيده البارّة
الغبار الذي كسى رأ سه ،ويتأمّل وجهه الوديع الؤمن بنظرات ملؤها نور ال ،ث يقول على مل من
أصحابه جيعا:
" ويح ابن سيّة !!..تقتله الفئة الباغية"...
وتتكرر النبوءة مرّة أخرى ح ي ي سقط جدار كان يع مل ت ته ،في ظن ب عض اخوا نه أ نه قد مات،
فيذهب ينعاه ال رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ويفزّع الصحاب من وقع النبأ ..لكن رسول ال
صلى ال عليه وسلم يقول ف طمأنينة وثقة:
" ما مات عمّار تقتله الفئة الباغية"..
فمن تكون هذه الفئة يا ترى..؟؟
ومت..؟ وأي..؟
لقد أصغى عمّار للنبوءة اصغاء من يعرف صدق البصية الت يملها رسوله العظيم..
ولكنه ل يروّع ..فهو منذ أسلم ،وهو مرشّح للموت والشهادة ف كل لظة من ليل أو نار...
ومضت اليام ..والعوام..
ذهب الرسول صلى ال عليه وسلم ال الرفيق العلى ..ث لق به ال رضوان ال أبو بكر ..ث لق
بما ال رضوان ال عمر..
وول اللفة ذي النورين عثمان بن عفان رضي ال عنه..
وكاننت الؤمرات ضدّ السنلم تعمنل عملهنا االسنتميت ،وتاول أن تربنح بالغدر واثارة الفتن منا
خسرته ف الرب..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وكان مق تل ع مر أول ناح أحرز ته هذه الؤامرات ال ت أخذت ت بّ على الدي نة كر يح ال سموم من
تلك البلد الت دمّر السلم ملكها وعروشها..
وأغراها استشهاد عمر على مواصلة مساعيها ،فألّبت الفت وأيقظتها ف معظم بلد السلم..
ولعل عثمان رضي ال عنه ،ل يعط المور ما تستحقه من الهتمام والذر ،فوقعت الواقعة واستشهد
عثمان رضي ال عنه ،وانفتحت على السلمي أبواب الفتنة ..وقام معاوية ينازع الليفة الديد عليّا
كرّم ال وجهه حقه ف المر ،وف اللفة...
وتعددت اتاهات ال صحابة ..فمن هم من ن فض يد يه من اللف وأوى ال بيت هخ ،جاعل شعاره
كلمة ابن عمر:
" من قال حيّ على الصلة أجبته...
ومن قال حيّ على الفلح أجبته..
ومن قال حيّ على قتل أخيك السلم وأخذ ماله ،قلت :ل؟..
ومنهم من اناز ال معاوية..
ومنهم من وقف ال جوار عليّ صاحب البيعة ،وخليفة السلمي..
ترى أين يقف اليوم عمّار؟؟
أين يقف الرجل الذي قال عنه رسول ال صلى ال عليه وسلم:
" واهتدوا بدي عمّار"..؟
أين يقف الرجل الذي قال عنه رسول ال صلى ال عليه وسلم:
" من عادى عمّارا عاداه ال"..؟
والذي كان اذا سع رسول ال صلى ال عليه وسلم صوته يقترب من منله قال:
" مرحبا بالطيّب القدام ،ائذنوا له"!!..
لقد وقف ال جوار عليّ ابن أب طالب ،ل متحيّزا ول متعصبا ،بل مذعنا للحق ،وحافظا للعهد..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
فعليّ خليفة السلمي ،وصاحب البيعة بالمامة ..ولقد أخذ اللفة وهو لا أهل وبا جدير..
وعليّ قبل هذا وبعد هذا ،صاحب الزايا الت جعلت منلته من رسول ال صلى ال عليه وسلم كمنلة
هارون من موسى..
ان عمارا الذي يدور مع الق حيث دار ،ليهتدي بنور بصيته واخلصه ال صاحب الق الوحد ف
الناع ..ول يكن صاحب الق يومئذ ف يقينه سوى عليّ ،فأخذ مكانه ال جواره..
وفرح علي رضي ال عنه بنصرته فرحا لعله ل يفرح يئذ مثله وازداد ايانا بأنه على الق ما دام رجل
الق العظيم عمّار قد أقبل عليه وسار معه..
وجاء يوم صفي الرهيب.
وخرج المام علي يواجه العمل الطي الذي اعتبه ترّدا يمل هو مسؤولية قمعه.
وخرج معه عمار..
كان عمار قد بلغ من العمر يومئذ ثلثة وتسعي..
ثلث وتسعون عاما ويرج للقتال..؟
أجل ما دام يتعقد أن القتال مسؤليته وواجبه ..ولقد قاتل أشدّ وأروع ما يقاتل أبناء الثلثي!!...
كان الرجل الدائم الصمت ،القليل الكلم ،ل يكاد يرّك شفتيه حي يرّكهما ال بذه الضراعة:
" عائذ بال من فتنة...
عائذ بال من فتنة."..
وبعيد وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم ظلت هذه الكلمات ابتهاله الدائم..
وكلما كانت اليام تر ،كان هو يكثر من لجه وتعوّذه ..كأنا كان قلبه الصاف ي سّ الطر الداهم
كلما اقتربت أيامه..
وحي وقع الطر ونشبت الفتنة ،كان ابن سيّة .يعرف مكانه فوقف يوم صفي حامل سيفه وهو ابن
الثالثة والتسعي كما قلنا ليناصر به حقا من يؤمن بوجوب مناصرته..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
بيد أن شجاعة عمار الذي كان يقتل وكأنه جيش واحد ،أفقدتم صوابم ،فأخذ بعض جنود معاوية
يتحيّنون الفرصة لصابته ،حت اذا تكّنوا منه أصابوه...
**
كان ج يش معاوي بة ينت ظم من كثي ين من ال سلمي الدد ..الذ ين أ سلموا على قرع طبول الف تح
ال سلمي ف البلد الكثية الت حرر ها ال سلم من سيطرة الروم والفرس ..وكان أك ثر هؤلء وقود
الرب الت سببها ترّد معاوية ونكوصه على بيعة علي ..الليفة ،والمام ،كانوا وقودها وزيتها الذي
يزيدها اشتعال..
وهذا اللف على خطور ته ،كان ي كن أن ينت هي ب سلم لو ظلت المور بأيدي ال سلمي الوائل..
ولكنه ل يكد يتخذ أشكاله الادة حت تناولته أيد كثية ل يهمها مصي السلم ،وذهبت تذكي النار
وتزيدها ضراما..
شاع ف الغداة خب مقتل عمار وذهب السلمون يتناقل بعضهم عن بعض نبوءة رسول ال صلى ال
عليه وسلم الت سعها أصحابه جيعا ذات يوم بعيد ،وهم يبنون السجد بالدينة..
" ويح ابن سية ،تقتله الفئة الباعغية".
وعرف الناس الن من تكون الفئة الباغية ..انا الفئة الت قتلت عمّارا ..وما قتله ال فئة معاوية..
وازداد أصحاب عليّ بذا ايانا..
أما فريق معاوية ،فقد بدأ الشك يغز قلوبم ،وتيأ بعضهم للتمرد ،والنضمام ال عليّ..
ول يكد معاوية يسمع با حدث .حت خرج يذيع ف الناس أن هذه النبوءة حق ،وأن الرسول صلى
ال عليه وسلم تنبأ حقا بأن عمّارا ستقتله الفئة الباغية ..ولكن من الذي قتل عمّارا...؟ ث صاح ف
الناس الذين معه قائل:
" انا قتله الذين خرجوا به من داره ،وجاؤا به ال القتال"..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
واندع بعنض الذينن فن قلوبمن هوى بذا التأوينل التهالك ،واسنتأنفت العركنة سنيها ال ميقاتان
العلوم...
**
أمّا عمّار ،فقد حله المام علي فوق صدره ال حيث صلى عليه والسلمون معه ..ث دفنه ف ثيابه..
أجل ف ثيابه الضمّخة بدمه الزكي الطهور ..فما ف كل حرير الدنيا وديباجها ما يصلح أن يكون
كفنا لشهيد جليل ،وقدّيس عظيم من طراز عمّار...
ووقف السلمون على قبه يعجبون..
م نذ ساعات كان عمّار يغرّد بين هم فوق أرض العر كة ..تلؤ نف سه غب طة الغر يب الض ن يزف ال
وطنه ،وهو يصيح:
" اليوم ألقى الحبة ،ممدا وصحبة"!!..
أكان معهم اليوم على موعد يعرفه ،وميقات ينتظره...؟؟!!
وأقبل بعض الصحاب على بعضهم يتساءلون...
قال أحد هم ل صاحبه :أتذ كر أ صيل ذلك اليوم بالدينةون ن جال سون مع ر سول ال صلى ال عل يه
وسلم ..وفجأة تلل وجهه وقال:
" اشتاقت النة لعمّار"..؟؟
قال له صاحبه نعم ،ولقد ذكر يومها آخرين منهم علي وسلمان وبلل..
اذن فالنة كانت مشتاقة لعمّار..
واذن ،فقد طال شوقها اليه ،وهو يستمهلها حت يؤدي كل تبعاته ،وينجز آخر واجباته..
ولقد أدّاها ف ذمّة ،وأنزها ف غبطة..
أفما آن له أن يلب نداء الشوق الذي يهتف به من رحاب النان..؟؟
بلى آن له أن يبلي النداء ..فما جزاء الحسان ال الحسان ..وهكذا ألقى رمه ومضى..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وحي كان تراب قبه يسوّى بيد أصحابه فوق جثمانه ،كانت روحه تعانق مصيها السعيد هناك..
ف جنات اللق ،الت طال شوقها لعمّار!...
عبادة بن الصامت
نقيب ف حزب ال
انه واحد من النصار الذين قال فيهم رسول ال صلى ال عليه وسلم:
" لو أن الن صار سلكوا واد يا أو شع با ،ل سلكت وادي الن صار وشعب هم ،ولول الجرة لك نت من
أمراء النصار"..طوعبادة بن الصامت بعد كونه من النصار ،فهو واحد من زعمائهم الذين اتذهم
نقباء على أهليهم وعشائرهم...
وحين ما جاء و فد النصار الول ال م كة ليبا يع الر سول عل يه ال سلم ،تلك البيعة الشهورة ب ن بي عة
العق بة الول ،كان عبادة بن ال صامت ر ضي ال ع نه أ حد الث ن ع شر مؤم نا ،الذ ين سارعوا ال
ال سلم ،وب سطوا أيان م ال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم مبايع ي ،وشدّوا على يي نه مؤازر ين
ومسلمي...
وحينما كان موعد الج ف العام التال ،يشهد بيعة العقبة الثانية يبابعها وفد النصار الثان ،مكّونا
من سبعي مؤمنا ومؤمنة ،كان عبادة أيضا من زعماء الوفد ونقباء النصار..
وفي ما ب عد والشا هد تتوال ..وموا قف التضح ية والبذل ،والفداء تتا بع ،كان عبادة هناك ل يتخلف
عن مشهد ول يبخل بتضحية...
ومنذ اختار ال ورسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يقوم على أفضل وجه بتبعات هذا الختيار..
كنل ولئه ل ،و كل طاع ته ل ،وكل علق ته بأقربائه بلفائه وبأعدائه انان يشكل ها ايا نه ويشكل ها
السلوك الذي يفرضه هذا اليان..
كانت عائلة عبادة مرتبطة بلف قدي مع يهود بن قينقاع بالدينة..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
زمنذ هاجر الرسول وأصحابه ال الدينة ،ويهودها يتظاهرون بسالته ..حت كانت اليام الت تعقب
غزوة بدر وتسبق غزوة أحد ،فشرع يهود الدينة يتنمّرون..
وافتعلت احدى قبائلهم بنو قينقاع أسبابا للفتنة وللشغب على السلمي..
ول يكذد عبادة يرى موقفهم هذا ،حت ينبذ ال عهدهم ويفسخ حلفهم قائل:
" انا أتول ال ،ورسوله ،والؤمني...
فيتنل القرآن مييا موقفه وولءه ،قائل ف آياته:
( ومن يتول ال ورسوله ،والذين آمنوا ،فان حزب ال هم الغالبون)...
**
لقد أعلنت الية الكرية قيام حزب ال..
وحزب ال ،هم أولئك الؤمنون الذ ين ينهضون حول ر سول ال صلى ال عل يه و سلم حامل ي را ية
الدى وال ق ،والذ ين يشكلون امتدادا مبار كا ل صفوف الؤمن ي الذ ين سبقوهم عب التار يخ حول
أنبيائهم ورسلهم ،مبلّغي ف أزمانم وأعصارهم كلمة ال الي القيّوم..
ولن يقت صر حزب ال على أ صحاب م مد صلى ال عل يه و سلم ،بل سيمتد عب الجيال الوافدة،
والزمنة القبلة حت يرث ال الرض ومن عليها ،ضمّا ال صفوفه كل مؤمن بال وبرسوله..
وهكذا فان الر جل الذي نزلت هذه ال ية الكري ة ت يي موق فه وتش يد بولئه وايا نه ،لن ي ظل مرّد
نقيب النصار ف الدينة ،بل سيصي نقيبا من نقباء الدين الذي ستزوى له أقطار الرض جيعا.
أجل لقد أصبحعبادة بن الصامت نقيب عشيته من الزرج ،رائدا من روّاد السلم ،وامام من أئمة
السلمي يفق اسه كالراية ف معظم أقطار الرض ل ف جبل ،ول ف جبلي ،أو ثلثة بل ال ما شاء
ال من أجيال ..ومن أزمان ..ومن آماد!!..
**
سع رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما يتحدث عن مسؤلية المراء والولة..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
سعه يتحدث عليه الصلة والسلم ،عن الصي الذي ينتظر من يفرّط منهم ف الق ،أو تعبث ذمته
بال ،فزلزل زلزال ،وأقسم بال أل يكون أميا على أثني أبدا..
ولقد برّ بقسمه..
و ف خل فة أم ي الؤمن ي عمر ؤضي ال عنه ،ل يستطع الفاروق أن يمله على قبول منصب ما ،ال
تعليم النس وتفقيههم ف الدين.
أ جل هذا هو الع مل الوح يد الذي آثره عبادة ،مبتعدا بنف سه عن العمال الخرى ،الحفو فة بالز هو
وبالسلطان وبالثراء ،والحفوفة أيضا بالخطار الت يشاها على مصيه ودينه
وهكذا سافر ال الشام ثالث ثلثة :هو ومعاذ بن ج بل وأبو الدرداء ..حيث ملؤا البلد علما وفقها
ونورا...
وسنافر عبادة ال فلسنطي حينث ول قضاءهنا بعنض الوقنت وكان يكمهنا باسنم الليفنة آنذاك،
معاوية..
**
كان عبادة بن الصامت وهو ثاو ف الشام يرنو ببصره ال ما وراء الدود ..ال الدينة النورة عاصمة
السلم ودار اللفة ،فيى فيها عمر ابن الطاب..رجل ل يلق من طرازه سواه!!..
ث يرتد بصره ال حيث يقيم ،ف فلسطي ..فيى معاوية بن أب سفيان..رجل يب الدنيا ،ويعشق
السلطان...
وعبادة من الرعيل الول الذي عاش خي حياته وأعظمها وأثراها مع الرسول الكري ..الرّعيل الذي
صهره النضال وصقلته التضحية ،وعانق السلم رغبا ل رهبا ..وباع نفسه وماله...
عبادة من الرعيل الذي رباه ممد بيديه ،وأفرغ عليه من روحه ونوره وعظمته..
واذا كان هناك من الحياء م ثل أعلى للحا كم يل ن فس عبادة رو عة ،وقل به ث قة ،ف هو ذلك الر جل
الشاهق الرابض هناك ف الدينة ..عمر بن الطاب..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
فاذا م ضى عبادة يق يس ت صرّفات معاو ية بذا القياس ،ف ستكون الش قة ب ي الثن ي وا سعة ،و سيكون
الصراع متوما ..وقد كان!!..
**
يقول عبادة رضي ال عنه:
" بايعنا رسول ال صلى ال عليه وسلم على أل ناف ف ال لومة لئم"..
وعبادة خي من يفي بالبيعة .واذن فهو لن يشى معاوية بكا سلطانه ،وسيقف بالرصاد لكل أخطائه..
ولقد شهد أهل فلسطي يومئذ عجبا ..وترامت أنباء العارضة السورة الت يشنّها عبادة على معاوية
ال أقطار كثية من بلد السلم فكانت قدوة ونباسا..
وعلى الرغم من اللم الواسع الرحيب الذي اشتهر به معاوية فقد ضاق صدره بواقف عبادة ورأى
فيها تديدا مباشرا ليبة سلطانه..
ورأى عبادة منن جانبنه أن مسنافة اللف بيننه وبين معاوينة تزداد وتتسنع ،فقال لعاوينة ":وال ل
أساكنك أرضا واحدة أبدا" ..وغادر فلسطي ال الدينة..
**
كان أمي الؤمن ي ع مر ،عظيم الفط نة ،بعيد الن ظر ..وكان حري صا على أل يدع أمثال معاوية من
الولة الذينن يعتمدون على ذكائهنم ويسنتعملونه بغين حسناب دون أن ييطهنم بنفنر منن الصنحابة
الورعي الزاهدين والنصحاء الخلصي ،كي يكبحوا جاح الطموح والرغبة لدى أولئك الولة ،وكي
يكونوا لم وللناس تذكرة دائمة بأيام الرسول وعهده..
من أجل هذا ل يكد أمي الؤمني يبصر عبادة بن الصامت وقد عاد ال الدينة حت ساله ":ما الذي
جاء بك يا عبادة"...؟؟ ولا قصّ عليه ما كان بينه وبي معاوية قال له عمر:
" ارجع ال مكانك ،فقبّح ال أرضا ليس فيها مثلك!!..
ث أرسل عمر ال معاوية كتابا يقول فيه:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
كل ما يذكره أنه أفاق من غيبوبته بعد ساعات طويلة ليى زوّاره قد انفضوا ..وجسمه وعظامه تعان
رضوضا وآلما ،ودمه النازف يضمّخ ثوبه وجسده!!..
وحدّقت عيناه الواسعتان فيما حوله ..وكان الكان أضيق من أن يتسع لنظراتما النافذة ،فتحمّل
على آلمه ،ونض شطر الفضاء وأمام باب داره وقف متوكئا على جدارها ،وانطلقت عيناه الذكيتان
ف رحلة طويلة تدّقان ف الفق ،وتدوران ذات اليمي وذات الشمال..انما ل تقفان عند البعاد
الألوفة للناس ..انما تبحثان عن البعد الفقود...أجل تبحثان عن البعد الفقود ف حياته ،وف حياة
الناس الذين معه ف مكة ،والناس ف كل مكان وزمان..
ترى هل يكون الديث الذي سعه من ممد عليه الصلة والسلم اليوم ،هو النور الذي يهدي ال
ذلك البعد الفقود ف حياة البشر كافة..؟؟
واستغرق خبّاب ف تأمّلت سامية ،وتفكي عميق ..ث عاد ال داخل داره ..عاد يضمّد جراح
جسده ،ويهيءه لستقبال تعذيب جديد،
وآلم جديدة!!..
ومن ذلك اليوم أخذ خبّاب مكانه العال بي العذبي والضطهدين..
أخذ مكانه العال بي الذين وقفوا برغم فقرهم ،وضعفهم يواجهون كبياء قريش وعنفها وجنونا..
أخذ مكانه العال بي الذين غرسوا ف قلوبم سارية الراية الت أخذت تفق ف الفق الرحيب ناعية
عصر الوثنية ،والقيصرية ..مبشرة بأيام الستضعفي والكادحي ،الذين سيقفون تت ظل هذه الراية
سواسية مع أولئك الذين استغلوهم من قبل ،وأذاقوهم الرمان والعذاب..
وف استبسال عظيم ،حل خبّاب تبعاته كرائد..
يقول الشعب:
" لقد صب خبّاب ،ول تلن له أيدي الكفار قناة ،فجعلوا يلصقون ظهره العاري بالرضف حت ذهب
لمه"!!..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
أجل كان حظ خبّاب من العذاب كبيا ،ولكن مقاومته وصبه كانا أكب من العذاب..
لقد حوّل كفار قريش جيع الديد الذي كان بنل خبّاب والذي كان يصنع منه السيوف ..حولوه
كله ال قيود وسلسل ،كان يمى عليها ف النار حت تستعر وتتوهج ،ث يطوّق با جسده ويداه
وقدماه..
ولقد ذهب يوما مع بعض رفاقه الضطهدين ال رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ل جوعي من
التضحية ،بل راجي العافية ،فقالوا ":يا رسول ال ..أل تستنصر لنا..؟؟" أي تسأل ال لنا النصر
والعافية...
ولندع خبّابا يروي لنا النبأ بكلماته:
" شكونا ال رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو متوسد ببد له ف ظل الكعبة ،فقلنا :يا رسول ال،
أل تستنصر لنا..؟؟
فجلس صلى ال عليه وسلم ،وقد احرّ وجهه وقال:
قد كان من قبلكم يؤخذ منهم الرجل ،فيحفر له ف الرض ،ث ياء بنشار ،فيجعل فوق رأسه ،ما
يصرفه ذلك عن دينه!!..
وليتمّ ّن ال هذا المر حت يسي الراكب من صنعاء ال حضرموت ل يشى ال ال عز وجل ،والذئب
على غنمه ،ولكنكم تعجلون"!!..
سع خبّاب ورفاقه هذه الكلمات ،فازداد ايانم واصرارهم وقرروا أن يري كل منهم ربّه ورسوله
ما يبّان من تصميم وصب ،وتضحية.
وخاض خبّاب معركة الول صابرا ،صامدا ،متسبا ..واستنجد القرشيون أم أنار سيدة خبّاب الت
كان عبدا لا قبل أن تعتقه ،فأقبلت واشتركت ف حلة تعذيبه..
وكانت تأخذ الديد الحمى اللتهب ،وتضعه فوق رأسه ونافوخه ،وخبّاب يتلوى من الل ،لكنه
يكظم أنفاسه ،حت ل ترج منه زفرة ترضي غرور جلديه!!..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ومرّ به رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما ،والديد الحمّى فوق رأسه يلهبه ويشويه ،فطار قلبه
حنانا وأسى ،ولكن ماذا يلك عليه الصلة والسلم يومها لبّاب..؟؟
ل شيء ال أن يثبته ويدعو له..
هنالك رفع الرسول صلى ال عليه وسلم كفيه البسوطتي ال السماء ،وقال:
" اللهم أنصر خبّابا"..
ويشاء ال أل تضي سوى أيام قليلة حت ينل بأم أنار قصاص عاجل ،كأنا جعله القدر نذيرا لا
ولغبها من اللدين ،ذلك أنا أصيبت بسعار عصيب وغريب جعلها كما يقول الؤرخون تعوي مثل
الكلب!!..
وقيل لا يومئذ ل علج سوى أن يكوى رأسها بالنار!!..
وهكذا شهد رأسها العنيد سطوة الديد الحمّى يصبّحه ويسّيه!!..
**
كانت قريش تقاوم اليان بالعذاب ..وكان الؤمنون يقاومون العذاب بالتضحية ..وكان خبّاب
واحدا من أولئك الذين اصطفتهم القادير لتجعل منهم أساتذة ف فن التضحية والفداء..
ومضى خبّاب ينفق وقته وحياته ف خدمة الدين الذي خفقت أعلمه..
ول يكتف رضي ال عنه ف أيام الدعوة الول بالعبادة والصلة ،بل استثمر قدرته على التعليم ،فكان
يغشى بيوت بعض اخوانه من الؤمني الذين يكتمون اسلمهم خوفا من بطش قريش ،فيقرأ معهم
القرآن ويعلمهم اياه..
ولقد نبغ ف دراسة القرآن وهو يتنل آية آية ..وسورة ،سورة حت ان عبدال بن مسعود ،وهو
الذي قال عنه رسول ال صلى ال عليه وسلم ":من أراد أن يقرأ القرآن غصّا كما أنزل ،فليقراه
بقراءة ابن أم عبد"..
نقول:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
حت عبد ال بن مسعود كان يعتب خبّابا مرجعا فيما يتصل بالقرآن حفظا ودراسة..
وهو الذي كان يدرّس القرآن لن فاكمة بنت الطاب وزوجها سعيد بن زيد عندام فاجأهم عمر
بن الطاب متقلدا سيفه الذي خرج به ليصفي حسابه مع السلم ورسوله ،لكنه ل يكد يتلو القرآن
السطور ف الصحيفة الت كان يعلّم منها خبّاب ،حت صاح صيحته الباركة:
" دلون على ممد"!!...
وسع خبّاب كلمات عمر هذه ،فخرج من مبئه الذي كان قد توارى فيه وصاح:
" يا عمر..
وال ان لرجوا أن يكون ال قد خصّك بدعوة نبيّه صلى ال عليه وسلم ،فان سعته بالمس يقول:
اللهم أعز السلم بأحبّ الرجلي اليك ..أب الكم بن هشام ،وعمربن الطاب"..
وسأله عمر من فوره :وأين أجد الرسول الن يا خبّاب:
" عند الصفا ،ف دار الرقم بن أب الرقم"..
ومضى عمر ال حظوظه الوافية ،ومصيه العظيم!!..
**
شهد خبّاب بن الرت جيع الشهد والغزوات مع النب صلى ال عليه وسلم ،وعاش عمره كله
حفيظا على ايانه ويقينه....
وعندما فاض بيت مال لسلمي بالال أيام عمر وعثمان ،رضي ال عنهما ،كان خبّاب صاحب راتب
كبي بوصفه من الهاجرين لسابقي ال السلم..
وقد أتاح هذا الدخل الوفي لبّاب أن يبتن له دارا بالكوفة ،وكان يضع أمواله ف مكان ما من الدار
يعرفه أصحابه وروّاده ..وكل من وقعت عليه حاجة ،يذهب فيأخذ من الال حاجته..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ومع هذا فقد كان خبّاب ل يرقأ له جفن ،ول تف له دمعة كلما ذكر الرسول عليه الصلة والسلم
وأصحابه الذين بذلوا حياهم للله ،ث ظفروا بلقائه قبل أن تفتح الدنيا على السلمي ،وتكثر ف أيديهم
الموال.
اسعوه وهو يتحدث اال عوّاده الذين ذهبوا يعودونه وهو رضي ال عنه ف مرض موته.
قالوا له:
أبشر يا أبا عبدال ،فانك ملق اخواتك غدا..
فأجابم وهو يبكي:
" أما انه ليس ب جزع ..ولكنكم ذكّرتون أقواما ،واخوانا ،مضوا بأجورهم كلها ام ينالوا من الدنيا
شيئا..
وانّا بقينا بعدهم حت نلنا من الدنيا ما ل ند له موضعا ال التراب"..
وأشار ال داره التواضعة الت بناها.
ث أشار مرة أخرى ال الكان الذي فيه أمواله وقال:
" وال ما شددت عليها من خيط ،ول منعتها من سائل"!..
ث التفت ال كنفه الذي كان قد أعدّ له ،وكان يراه ترفا واسرافا وقال ودموعه تسيل:
" أنظروا هذا كفن..
لكنّ حزة عم الرسول صلى ال عليه وسلم ل يوجد له كفن يوم استشهد ال بردة ملحاء ....اذا
جعلت على رأسه قلصت عن قدميه ،واذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه"!!..
**
ومات خبّاب ف السنة السابعة والثلثي للهجرة..
مات أستاذ صناعة السيوف ف الاهلية..
وأستاذ صناعة التضحية والفداء ف السلم!!..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
مات الرجل الذي كان أحد الماعة الذين نزل القرآن يدافع عنهم ،ويييهم ،عندما طلب بعض
السادة من قريش أن يعل لم رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما ،وللفراء من أمثال :خبّاب،
وصهيب ،وبلل يوما آخر.
فاذا القرآن العظيم يتص رجال ال هؤلء ف تجيد لم وتكري ،وتل آياته قائلة للرسول الكري:
( ول تطرد الذين يدعون ربم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه ،ما عليك من حسابم من شيء
فتطردهم فتكون من الظالي وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا :أهؤلء م ّن ال عليهم من بيننا؟!
أليس ال بأعلم بالشاكرين واذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا ،فقل سلم عليكم ،كتب ربكم على نفسه
الرحة)..
وهكذا ،ل يكن الرسول صلى ال عليه وسلم يراهم بعد نزول اليات حت يبالغ ف اكرامهم فيفرش
لم رداءه ،ويربّت على أكتافهم ،ويقول لم:
" أهل بن أوصان بم رب"..
أجل ..مات واحد من البناء البرة ليام الوحي ،وجيل التضحية...
ولعل خي ما نودّعه به ،كلمات المام علي كرّم ال وجهه حي كان عائدا من معركة صفي،
فوقعت عيناه على قب غضّ رطيب ،فسأل :قب من هذا..؟
فأجابوه :انه قب خبّاب..
فتمله خاشعا آسيا ،وقال:
رحم ال خبّابا..
لقد أسلم راغبا.
وهاجر طاءعا..
وعاش ماهدا..
أبو عبيدة بن الرّاح
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ومنذ بسط يينه مبايعا رسوله ،وهو ل يرى ف نفسه ،وف ايّامه وف حياته كلها سوى أمانة
استودعها ال اياها لينفقها ف سبيله وف مرضاته ،فل يري وراء حظ من حظوظ نفسه ..ول تصرفه
عن سبيل ال رغبة ول رهبة..
ولا وفّى أبو عبيدة بالعهد الذي وف به بقية الصحاب ،رأى الرسول ف مسلك ضميه ،ومسلك
حياته ما جعله أهل لذا اللقب الكري الذي أفاءه عليه،وأهداه اليه ،فقال عليه الصلة والسلم:
" أمي هذه المة ،أبو عبيدة بن الرّاح".
**
ان أمانة أب عبيدة على مسؤولياته ،لي أبرز خصاله ..فففي غزوة أحد أحسّ من سي العركة
حرص الشركي ،ل على احراز النصر ف الرب ،بل قبل ذلك ودون ذلك ،على اغتيال حياة
الرسول صلى ال عليه وسلم ،فاتفق مع نفسه على أن يظل مكانه ف العركة قريبا من مكان
الرسول..
ومضى يضرب بسيفه المي مثله ،ف جيش الوثنية الذي جاء باغيا وعاديا يريد أن يطفئ نور ال..
وكلما استدرجته ضرورات القتال وظروف العركة بعيدا عن رسول ال صلى اله عليه وسلم قاتل
وعيناه ل تسيان ف اتاه ضرباته ..بل ها متجهتان دوما ال حيث يقف الرسول صلى ال عليه
وسلم ويقاتل ،ترقبانه ف حرص وقلق..
وكلما تراءى لب عبيدة خطر يقترب من النب صلى ال عليه وسلم ،انلع من موقفه البعيد وقطع
الرض وثبا حيث يدحض أعداء ال ويردّهم على أعقابم قبل أن ينالوا من الرسول منال!!..
وف احدى جولته تلك ،وقد بلغ القتال ذروة ضراوته أحاط بأب عبيدة طائفة من الشركي ،وكانت
عيناه كعادتما تدّقان كعين الصقر ف موقع رسول ال ،وكاد أبو عبيدة يفقد صوابه اذ رأى سهما
ينطلق من يد مشرك فيصيب النب ،وعمل سيفه ف الذين ييطون به وكأنه مائة سيف ،حت فرّقهم
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
عنه ،وطار صواب رسول ال فرأى الدم الزكي يسيل على وجهه ،ورأى الرسول المي يسح الدم
بيمينه وهو يقول:
" كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيّهم ،وهو يدعهم ال ربم"..؟
ورأى حلقتي من حلق الغفر الذي يضعه الرسول فوق رأسه قد دخانا ف وجنت النب ،فلم يطق
صبا ..واقترب يقبض بثناياه على حلقة منهما حت نزعها من وجنة الرسول ،فسقطت ثنيّة ،ث نزع
اللقة الخرى ،فسقطت ثنيّة الثانية..
وما أجل أن نترك الديث لب بكر الصدسق يصف لنا هذا الشهد بكلماته:
" لا كان يوم أحد ،ورمي رسول ال صلى ال عليه وسلم حت دخلت ف وجنته حلقتان من الغفر،
أقبلت أسعى ال رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وانسان قد أقبل من قبل الشرق يطي طيانا ،فقلت:
اللهم اجعله طاعة ،حت اذا توافينا ال رسول ال صلى ال عليه وسلم ،واذا هو أبو عبيدة بن الرّاح
قد سبقن ،فقال :أسألك بال يا أبا بكر أن تتركن فأنزعها من وجه رسول ال صلى ال عليه وسلم..
فتركته ،فأخذ أبو عبيدة بثنيّة احدى حلقت الغفر ،فنعها ،وسقط على الرض وسقطت ثنيته معه..
ث أخذ اللقة الخرى بثنية أخرى فسقطت ..فكان أبو عبيدة ف الناس أثرم!!".
وأيام اتسعت مسؤوليات الصحابة وعظمت ،كان أبو عبيدة ف مستواها دوما بصدقه وبأمانته..
فاذا أرسله النب صلى ال عليه وسلم ف غزوة البط أميا على ثلثائة وبضعة عشر رجل من القاتلي
وليس معهم زاد سوى جراب تر ..والهمة صعبة ،والسفر بعيد ،استقبل ابو عبيدة واجبه ف تفان
وغبطة ،وراح هو وجنوده يقطعون الرض ،وزاد كل واحد منهم طوال اليوم حفنة تل ،حت اذا
أوشك التمر أن ينتهي ،يهبط نصيب كل واحد ال ترة ف اليوم ..حت اذا فرغ التمر جيعا راحوا
يتصيّدون البط ،أي ورق الشجر بقسيّهم ،فيسحقونه ويشربون عليه المء ..ومن اجل هذا سيت
هذه الغزوة بغزوة البط..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
لقد مضوا ل يبالون بوع ول حرمان ،ول يعنيهم ال أن ينجزوا مع أميهم القوي المي الهمة
الليلة الت اختارهم رسول ال لا!!..
**
لقد أحب الرسول عليه الصلة والسلم أمي المة أبا عبيدة كثيا ..وآثره كثيا...
ويوم جاء وفد نلان من اليمن مسلمي ،وسألوه أن يبعث معهم من يعلمهم القرآن والسنة
والسلم ،قال لم رسول ال:
" لبعثن معكم رجل أمينا ،حق أمي ،حق أمي ..حق أمي"!!..
وسع الصحابة هذا الثناء من رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فتمن كل منهم لو يكون هو الذي يقع
اختيار الرسول عليه ،فتصي هذه الشهادة الصادقة من حظه ونصيبه..
يقول عمر بن الطاب رضي ال عنه:
" ما أحببت المارة قط ،حبّي اياها يومئذ ،رجاء أن أكون صاحبها ،فرحت ال الظهر مهجّرا ،فلما
صلى بنا رسول ال صلى ال عليه وسلم الظهر ،سلم ،ث نظر عن يينه ،وعن يساره ،فجعلت أتطاول
له ليان..
فلم يزل يلتمس ببصره حت رأى أبا عبيدة بن الرّاح ،فدعاه ،فقال :أخرج معهم ،فاقض بينهم بالق
فيما اختلفوا فيه ..فذهب با أبا عبيدة؟!!..
ان هذه الواقعة ل تعن طبعا أن أبا عبيدة كان وحده دون بقية الصحاب موضع ثقة الرسول
وتقديره..
انا تعن أنه كان واحدا من الذين ظفروا بذه الثقة الغالية ،وهذا التقدير الكري..
ث كان الواحد أو الوحيد الذي تسمح ظروف العمل والدعوة يومئذ بغيابه عن الدينة ،وخروجه ف
تلك الهمة الت تيئه مزاياه لنازها..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وكما عاش أبو عبيدة مع الرسول صلى ال عليه وسلم أمينا ،عاش بعد وفاة الرسول أمينا ..بمل
مسؤولياته ف أمانة تكفي أهل الرض لو اغترفوا منها جيعا..
ولقد سار تت راية السلم أنذى سارت ،جنديّا ،كأنه بفضله وباقدامه المي ..وأميا ،كأن
بتواضعه وباخلصه واحدا من عامة القاتلي..
وعندما كان خالد بن الوليد ..يقود جيوش السلم ف احدى العارك الفاصلة الكبى ..واستهل أمي
الؤمني عمر عهده بتولية أب عبيدة مكان خالد..
ل يكد أبا عبيدة يستقبل مبعوث عمر بذا المر الديد ،حت استكتمه الب ،وكتمه هو ف نفسه
طاويا عليه صدر زاهد ،فطن ،أمي ..حت أتّ القائد خالد فتحه العظيم..
وآنئذ ،تقدّم اليه ف أدب جليل بكتاب أمي الؤمني!!
ويسأله خالد:
" يرحك ال يا أبا عبيدة.ز ما منعك أن تبن حي جاءك الكتاب"..؟؟
فيجيبه أمي المة:
" ان كرهت أن أكسر عليك حربك ،وما سلطان الدنيا نريد ،ول للدنيا نعمل ،كلنا ف ال
اخوة"!!!.
**
ويصبح أبا عبيدة أمي المراء ف الشام ،ويصي تت امرته أكثر جيوش السلم طول وعرضا..
عتادا وعددا..
فما كنت تسبه حي تراه ال واحدا من القاتلي ..وفردا عاديا من السلمي..
وحي ترامى ال سعه أحاديث أهل الشام عنه ،وانبهارهم بأمي المراء هذا ..جعهم وقام فيهم
خطيبا..
فانظروا ماذا قال للذين رآهم يفتنون بقوته ،وعظمته ،وأ/انته..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
واعلم كذلك أن ابن مظعون هذا ،كان أول الهاجرين وفاة بالدينة ..كما كان أول السلمي دفنا
بالبقيع..
واعلم أخيا أن هذا الصحاب الليل الذي تطالع الن سيته كان راهبا عظيما ..ل من رهبان
الصوامع ،بل من رهبان الياة!!...
أجل ..كانت الياة بكل جيشانا ،ومسؤولياتا ،وفضائلها هي صومعته..
وكانت رهبانيته عمل دائبا ف سبيل الق ،وتفانيا مثابرا ف سبيل الي والصلح...
**
عندما كان السلم يتسرّب ضوؤه الباكر االنديّ من قلب الرسول صلى ال عليه عليه وسلم ..ومن
كلماته ،عليه الصلة والسلن ،الت يلقيها ف بعض الساع سرا وخفية..
كان عثمان بن معظون هناك ،وحدا من القلة الت سارعت ال ال والتفت حول رسوله..
ولقد نزل به من الذى والضر ،ما كان ينل يومئذ بالؤمني الصابرين الصامدين..
وحي آثر رسول ال صلى ال عليه وسلم هذه القلة الؤمنة الضطهدة بالعافية .آمرا ايّاها بالجرة ال
البشة .مؤثرا أن يبقى ف مواجهة الذى وحده ،كان عثمان بن مظعون أمي الفوج الول من
الهاجرين ،مصطحبا معه ابنه السائب موليّا وجهه شطر بلد بعيدة عن مكايد عدو ال أب جهل.
وضراوة قريش ،وهو عذابا....
**
وكشأن الهاجرين ال البشة ف كلتا الجرتي ...الول والثانية ،ل يزدد عثمان بن مظعون رضي
ال عنه ال استمساكا بالسلم .واعتصاما به..
والق أن هجرت البشة تثلن ظاهرة فريدة ،وميدة ف قضية السلم..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
فالذين آمنوا بالرسول صلى ال وصدّقوه ،واتبعوا النور الذي أنزل معه ،كانوا قد سئموا الوثنية بكل
ضللتا وجهالتا ،وكانوا يملون فطرة سديدة ل تعد تسيغ عبادة أصنام منحوتة من حجارة أو
معجونة من صلصال!!..
وحي هاجروا ال البشة واجهوا فيها دينا سائدا ،ومنظما ..له منائسه وأحباره ورهبانه..
وهو ،مهما تكن نظرتم اليه ،بعيد عن الوثنية الت ألفوها ف بلدهم ،وعن عبادة الصنام بشكلها
العروف وطقوسها الت خلفوها وراء ظهورهم..
ول بدّ أن رجال الكنيسة ف البشة قد بذلوا جهودا لستمالة هؤلء الهاجرين لدينهم ،واقناعهم
بالسيحية دينا...
ومع هذا كله نرى أولئك الهاجرين يبقون على ولئهم العميق للسلم ولحمد صلى ال عليه
وسلم ..مترقبي ف شوق وقلق ،ذلك أن اليوم القريب الذي يعودون فيه ال بلدهم البيبة ،ليعبدوا
ال وحده ،وليأخذوا مكانم خلف رسولم العظيم ..ف السجد أيام السلم ..وف ميدان القتال ،اذا
اضطرتم قوى الشرك للقتال..
ف البشة اذن عاش الهاجرون آمني مطمئني ..وعاش معهم عثمان بن مظعون الذي ل ينس ف
غربته مكايد ابن عمّه أمية بن خلف ،وما ألقه به وبغيه من أذى وضرّ ،فراح يتسلى بجائه
ويتوعده:
تريش نبال ل يواتيك ريشها
وتبي نبال ،ريشها لك أجع
وحاربت أقواما مراما أعزة
وأهلكت أقواما بم كنت تزغ
ستعلم ان نابتك يوما ملمّة
وأسلمك الوباش ما كنت تصنع
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
**
وبينما الهاجرون ف دار هجرتم يعبدون ال ،ويتدارسون ما معهم من القرآن ،ويملون برغم
الغربة توهج روح منقطع النظي ..اذ النباء تواتيهم أن قريش أسلمت ،وسجدت عم الرسول ل
الواحد القهار..
هنالك حل النهاجرون أمتعتهم وطاروا ال مكة تسبقهم أشواقهم ،ويدوهم حنينهم..
بيد أنم ما كادوا يقتربون من مشارفها حت تبيّنوا كذب الب الذي بلغهم عن اسلم قريش..
وساعتئذ سقط ف أيديهم ،ورأوا أنم قد عجلوا ..ولكن أنّى يذهبون وهذه مكة على مرمى
البصر!!..
وقد سع مشركو مكة بقدم الصيد الذي طالا ردوه ونصبوا شباكهم لقتناصه ..ث ها هو ذا الن،
تيّن فرصته ،وتأت به مقاديره!!..
كان الوّار يومئذ تقليدا من تقاليد العرب ذات القداسة والجلل ،فاذا دخل رجل مستضعف
جوار سيّد قرشي ،أصبح ف حى منيع ل يهدر له دم ،ول يضطرب منه مأمن...
ول يكن العائدون سواء ف القدرة على الظفر بوار..
من أجل ذلك ظفر بالوار منهم قلة ،كان من بي أفرادها عثمان بن مظعون الذي دخل ف جوار
الوليد ب الغية.
وهكذا دخل مكة آمنا مطمئنا ،ومضى يعب درزبا ،ويشهد ندواتا ،ل يسام خسفا ول ضيما.
**
ولكن ابن مظعون ..الرجل الذي يصقله القرآن ،ويربيه ممد صلى ال عليه وسلم ،يتلفت حواليه،
فيى اخوانه السلمي من الفقراء والستضعفي ،الي ل يدوا لم جوارا ول ميا ..يراهم والذى
ينوشهم من كل جانب ..والبغي يطاردهم ف كل سبيل ..بينما هو آمن ف سربه ،بعيد من أذى
قومه ،فيثور روحه الر ،وييش وجدانه النبيل ،ويتفوق بنفسه على نفسه ،ويرج من داره مصمما
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
على أن يلع جوار الوليد ،وأن ينصو عن كاهله تلك الماية الت حرمته لذة تمل الذى ف سبيل
ال ،وشرف الشبه باخوانه السلمي ،طلئع الدنيا الؤمنة ،وبشائر العال الذي ستتفجر جوانبه غدا
ايانا ،وتوحيدا ،ونورا..
ولندع شاهد عيان يصف لنا ما حدث:
" لا رأى عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول اللهصلى ال عليه وسلم من البلء .وهو يغدو
ويروح ف أمان الوليد بن الغية ،قال :وال ان غدوّي ورواحي آمنا بوار رجل من أهل الشرك،
واصحاب وأهل دين يلقون من البلء والذى ما ليصيبن ،لنقص كبي ف نفسي..
فمشى ال الوليد بن الغية فقال له:
يا أبا عبد شس وفت ذمتك .وقد ردت اليك جوارك..
فقال له:
ل يا ابن أخي ..لعله آذاك أحد من قومي..؟
قال ..ل .ولكن أرضى بوار ال ،ول أريد أن أستجي بغيه...
فانطلق ال السجد فاردد عليّ جواري علنية ..
فانطلقا حت أتيا السجد ،فقال الوليد :هذا عثمان..
قد جاء يردد عليّ جواري..
قال عثمان :صدق ..ولقد وجدته وفيّا كريا الوار ،ولكنن أحببت أل أستجي بغي ال..
ث انصرف عثمان ،ولبيد بن ربيعة ف ملس من مالس قريش ينشهدم ،فجلس معهم عثمان فقال
لبيد:
أل كل شيء ما خل ال باطل
فقال عثمان :صدقت..
قال لبيد:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
**
هكذا ضرب عثمان بن مظعون مثل ،هو له أهل ،وبه جدير..
وهكذا شهدت الياة انسانا شاما يعطّر الوجود بوقفه الفذ هذا..
وبكلماته الرائعة الالدة:
" وال ان عين الصحيحة ،لفقية ال مثل ما أصاب أختها ف ال ..وان لفي جوار من هو أعز منك
وأقدر"!!..
ولقد ذهب عثمان بن مظعون بعد ردّ جوار الوليد يتلقى من قريش أذاها ،وكان بذا سعيدا جدّ
سعيد ..فقد كان ذلك الذىبمثابة النر الت تنضج اليان وتصهره وتزكّيه..
وهكذا سار مع اخوانه الؤمني ،ل يروعهم زجر ..وبل يصدّهم اثخان!!..
**
ويهاجر عثمان ال الدينة ،حيث ل يؤرّقه أبو جهل هناك ،ول أبو لب ....ول أميّة ..ول عتبة،
ول شيء من هذه الغيلن الت طالا أرّقت ليلهم ،وأدمت نارهم..
يذهب ال الدينة مع أولئك الصحاب العظام الذين نحوا بصمودهم وبثباتم ف امتحان تناهت
عسرته ومشقته ورهبته ،والذين ل يهاجروا ال الدينة ليستريوا ويكسروا ..بل لينطلقوا من بابا
الفسيح الرحب ال كل أقطار الرض حاملي راية ال ،مبشرين بكلماته وآياته وهداه..
وف دار الجرة النوّرة ،يتكشفّ جوهر عثمان بن مظعون وتستبي حقيقته العظيمة الفريدة ،فاذا هو
العابد ،الزاهد ،التبتل ،الوّاب...
واذا هو الراهب الليل ،الذكي الذي ل يأوي ال صومعة يعتزل فيها الياة..
بل يل الياة بعمله ،وبهاده ف سبيل ال..
أجل..
راهب الليل فارس النهار ،بل راهب الليل والنهار ،وفارسهما معا..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ولئن كان أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ل سيّما ف تلك الفترة من حياتم ،كانوا جيعا
يملون روح الزهد والتبتل ،فان ابن مظعون كان له ف هذا الجال طابعه الاص ..اذ أمعن ف زهده
وتفانيه امعانا رائعا ،أحال حياته كلها ف ليله وناره ال صلة دائمة مضيئة ،وتسبيحة طويلة عذبة!!..
وما ان ذاق حلوة الستغراق ف العبادة حت همّ بتقطيع كل السباب الت تربط الناس بناعم
الياة..
فمضى ل يلبس ال اللبس الشن ،ول يأكل ال الطعام الشب..
دخل يوما السجد ،ورسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه جلوس ،وكان يرتدي لباسا تزق،
فرقّعه بقطعة من فروة ..فرق له قلب الرسول صلى ال عليه وسلم ،ودمعت عيون أصحابه ،فقال لم
النب صلى ال عليه وسلم:
" كيف أنتم يوم يغدو أحدكم ف حلة ،ويروح ف أخرى ..وتوضع ف قصعة .وترفع أخرى ..وسترت
بيوتكم كما تستر الكعب..؟!"..
قال الصحاب:
" وددنا أن يكون ذلك يا رسول ال ،فنصيب الرخاء والعيش"..
فأجابم الرسول صلى ال عليه وسلم قائل:
" ان ذلك لكائن ..وأنتم اليوم خي منكم يومئذ"..
وكان بديهيا ،وابن مظعون يسمع هذا ،أن يزداد اقبال على الشظف وهربا من النعيم!!..
بل حت الرفث ال زوجته نأى عنه وانتهى ،لول أن علم أن رسول ال عليه السلم علم عن ذلك
فناداه وقال له:
" ان لهلك عليك حقا"..
**
وأحبّه الرسول صلوات ال وسلمه عليه حبّا عظيما..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وحي كانت روحه الطاهرة تتهيأ للرحيل ليكون صاحبها أول الهاجرين وفاة بالدينة ،وأولم ارتياد
لطريق النة ،كان الرسول عليه الصلة والسلم ،هناك ال جواره..
ولقد أكبّ على جبينه يقبله ،ويعطّره بدموعه الت هطلت من عينيه الودودتي فضمّخت وجه عثمان
الذي بدا ساعة الوت ف أبى لظات اشراقه وجلله..
وقال الرسول صلى ال عليه وسلم يودّع صاحبه البيب:
" رحك ال يا أبا السائب ..خرجت من النيا وما أصبت منها ،ول أصابت منك"..
**
ول ينس الرسول الودود صاحبه بعد موته ،بل كان دائم الذكر له ،والثناء عليه..
حت لقد كانت كلمات وداعه عليه السلم لبنته رقيّة ،حي فاضت روحها:
" القي بسلفنا اليّر ،عثمان بن مظعون"!!!..
زيد بن حارثة
ل يبّ حبّه أحد
وقف رسول ال صلى ال عليه وسلم يودع جيش السلم الذاهب للقاة الروم ف غزوة مؤتة
ويعلن أساء أمراء اليش الثلثة ،قائل:
" عليكم زيد بن حارئة ..فان أصيب زيد فجعفر بن أب طاب ..فان أصيب جعفر ،فعبدال بن
رواحة".
فمن هو زيد بن حارثة"..؟؟
من هذا الذي حل دون سواه لقب البّ ..حبّ رسول ال..؟
أما مظهره وشكله ،فكان كما وصفه الؤرخون والرواة:
" قصي ،آدم ،أي أسر ،شديد الدمة ،ف أنفه فطس"..
أمّا نبؤه ،فعظيم جدّ عظيم!!..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
**
أعدّ حارثة أبو زيد الراحلة والتاع لزوجته سعدى الت كانت تزمع زيارة أهلها ف بن معن.
وخرج يودع زوجته الت كانت تمل بي يديها طفلهما الصغي زيد بن حارثة ،وكلما همّ أن
يستودعهما القافلة الت خرجت الزوجة ف صحبتها ويعود هو ال داره وعمله ،ودفعه حنان خفيّ
وعجيب لواصلة السي مع زوجته وولده..
لكنّ الشقّة بعدت ،والقافلة أغذّت سيها ،وآن لارثة أن يودّع الوليد وأمّه ،ويعود..
وكذا ودّعهما ودموعه تسيل ..ووقف طويل مسمرا ف مكانه حت غابا عن بصره ،وأحسّ كأن قلبه
ل يعد ف مكانه ..كأنه رحل مع الراحلي!!..
**
ومكثت سعدى ف قومها ما شاء ال لا أن تكث..
وذات يوم فوجئ اليّ ،حي بن معن ،باحدى القبائل الناوئة له تغي عليه ،وتنل الزية ببن معن ،ث
تمل فيما حلت من السرى ذلك الطفل اليفع ،زيد بن حارثة..
وعادت الم ال زوجها وحيدة.
ول يكد حارثة يعرف النبأ حت خرّ صعقا ،وحل عصاه على كاهله ،ومضى يوب الديار ،ويقطع
الصحارى ،ويسائل القبائل والقوافل عن ولده وحبّة قلبه زيد ،مسايّا نفسه ،وحاديا ناقته بذا الشعر
الذي راح ينشده من بديهته ومن مآقيه:
بكيت على زيد ول ادر ما فعل
أحيّ فثرجى؟ أم أتى دونه الجل
فوال ما أدري ،وان لسائل
أغالك بعدي السهل؟ أم غالك البل
تذكرينه الشمس عنج طلوعها
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
يا لن سيّد قومه ،أنتم أهل حرم ،تفكون العان ،وتطعمون السي ..جئناك ف ولدنا ،فامنن علينا
وأحسن ف فدائه"..
كان الرسول صلى ال عليه وسلم يعلم تعلق زيد به ،وكان ف نفس الوقت يقدّر حق ابيه فيه..
هنالك قال حارثة:
"ادعوا زيدا ،وخيّروه ،فان اختاركم فهو لكم بغي فداء ..وان اختارن فوال ما أنا بالذي أختار على
من اختارن فداء"!!..
وتلل وجه حارثة الذي لك يكن يتوقع كل هذا السماح وقال:
" لقد أنصفتنا ،وزدتنا عن النصف"..
ث بعث النب صلى ال عليه وسلم ال زيد ،ولا جاء سأله:
" هل تعرف هؤلء"..؟
قال زيد :نعم ..هذا أب ..وهذا عمّي.
وأعاد عليه الرسول صلى ال عليه وسلم ما قاله لارثة ..وهنا قال زيد:
" ما أنا بالذي أختار عليك أحدا ،أنت الب والعم"!!..
ونديت عينا رسول ال بدموعشاكرة وحانية ،ث أمسك بيد زيد ،وخرج به ال فناء الكعبة ،حيث
قريش متمعة هناك ،ونادى الرسول:
" اشهدوا أن زيدا ابن ..يرثن وأرثه"!!..
وكاد قلب حارثة يطي من الفرح ..فابنه ل يعد حرّا فحسب ،بل وابنا للرجل الذي تسمّيه قريش
الصادق المي سليل بن هاشم وموضع حفاوة مكة كلها..
وعاد الب والعم ال قومهما ،مطمئني على ولدها والذي تركاه سيّدا ف مكة ،آمنا معاف ،بعد أن
كان أبوه ل يدري :أغاله السهل ،أم غاله البل!!..
**
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
تبنّى الرسول زيدا ..وصار ل يعرف ف مكة كلها ال باسه هذا زيد بن ممد..
وف يوم باهر الشروق ،نادى الوحي ممدا:
( اقرأ باسم ربك الذي خلق ،خلق النسان من علق ،اقرأ وربك الكرم الذي علم بالقلم ،علّم
النسان ما لك يعلم)...
ث تتابعت ناءاته وكلماته:
( يا أيها الكدثر ،قم فأنذر ،وربّك فكبّر)...
(يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل اليك من ربك ،وان ل تفعل فما بلّغت رسالته ،وال يعصمك من الناس،
ان ال ليهدي القوم الكافرين)...
وما ان حل رسول ال صلى ال عليه وسلم تبعة الرسالة حت كان زيد ثان السلمي ..بل قيل انه
كان أول السلمي!!...
**
أحبّه رسول ال صلى ال عليه وسلم حبا عظيما ،وكان بذا الب خليقا وجديرا ..فوفاؤه الذي ل
نظي له ،وعظمة روحه ،وعفّة ضميه ولسانه ويده...
ب كما كان يلقبه أصحاب كل ذلك وأكثر من ذلك كان يزين خصال زيد بن حارثة أو زيد ال ّ
رسول ال عليه الصلة والسلم..
تقول السيّدة عائشة رضي ال عنها:
" ما بعث الرسول صلى ال عليه وسلم ف جيش قط ال أمّره عليهم ،ولو بقي حيّا بعد رسول
اللهلستخلفه...
ال هذا الدى كانت منلة زيد عند رسول ال صلى ال عليه وسلم..
فمن كان زيد هذا..؟؟
انه كما قلنا ذلك الطفل الذي سب ،ث بيع ،ث حرره الرسول وأعتقه..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وانه ذلك الرجال القصي ،السر ،الفطس النف ،بيد أنه أيضا ذلك النسان الذي" قلبه جيع
وروحه حر"..
ومن ث وجد له ف السلم ،وف قلب رسول ال صلى ال عليه وسلم أعلى منلة وأرفع مكان ،فل
السلم ول رسوله من يعبأ لظه باه النسب ،ول بوجاهة الظهر.
ففي رحاب هذا الدين العظيم ،يتألق بلل ،ويتألق صهيب ،ويتألق عمار وخبّاب وأسامة وزيد...
يتألقون جيعا كأبرا ،وقادة..
لقد صحح السلم قيم السلم ،قيم الياة حي قال ف كتابه الكري:
( انّ أكرمكم عند ال أتقاكم)...
وفتح البواب والرحاب للمواهب اليّرة ،وللكفايات النظيفة ،المينة ،العطية..
وزوّج رسول ال صلى ال عليه وسلم زيدا من ابنة عمته زينب ،ويبدو أن زينب رضي ال عنها قد
قبلت هذا الزواج تت وطأة حيائها أن ترفض شفاعة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،أو ترغب
بنفسها عن نفسه..
ولكن الياة الزوجية أخذت تتعثر ،وتستنفد عوامل بقائها ،فانفصل زيد عن زينب.
وحل الرسول صلى ال عليه وسلم مسؤوليته تاه هذا الزواج الذي كان مسؤول عن امضائه ،والذي
انتهى بالنفصال ،فضمّ ابنة عمته اليه واختارها زوجة له ،ث اختار لزيد زوجة جديدة هي أم كلثوم
بنت عقبة..
وذهب الشنئون يرجفون الدينة :كيف يتزوّج ممد مطلقة ابنه زيد؟؟
فأجابم القرآن مفرّقا بي الدعياء والبنياء ..بي التبن والبنّوة ،ومقررا الغاء عادة التبن ،ومعلنا:
( ما كان ممد أبا أحد من رجالكم ،ولكن رسول ال ،وخات النبي).
وهكذا عاد لزيد اسه الول ":زيد بن حارثة".
**
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
والن..
هل ترون هذه اقوات السلمة الارجة ال معارك ،الطرف ،أو العيص ،وحسمي ،وغيها..
ان أميها جيعا ،هو زيد بن حارثة..
فهو كما سعنا السيدة عائشة رضي ال عنها تقول ":ل يبعثه النب صلى ال عليه وسلم ف جيش قط،
ال جعله أميا هلى هذا اليش"..
حت جاءت غزوة مؤتة..
كان الروم بأمباطوريتهم الرمة ،قد بدأوا يوجسون من السلم خيفة..بل صاروا يرون فيها خطرا
يهدد وجودهم ،ول سيما ف بلد الشام الت يستعمرونا ،والت تتاخم بلد هذا الدين الديد ،النطلق
ف عنفوان واكتساح..
وهكذا راحوا يتخذون من الشام نقطة وثوب على الزيرة العربية ،وبلد السلم...
**
وأدرك رسول ال صلى ال عليه وسلم هدف الناوشات الت بدأها الروم ليعجموا با عود السلم،
فقرر أن يبادرهم ،ويقنعهم بتصميم السلم ال أرض البلقاء بالشام ،حت اذا بلغوا تومها لقيتهم
جيوش هرقل من الروم ومن القبائل الستعربة الت كانت تقطن الدود..
ونزل جيش الروم ف مكان يسمّى مشارف..
ف حي نزل جيش السلم يوار بلدة تسمّى مؤتة ،حيث سّيت الغزوة باسها...
**
كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يدرك أهية هذه الغزوة وخطرها فاختار لا ثلثة من الرهبان
ف الليل ،والفرسان ف النهار..
ثلثة من الذين باعوا أنفسهم ل فلم يعد لم مطمع ول أمنية ال ف استشهاد عظيم يصافحون اثره
رضوان ال تعال ،ويطالعون وجهه الكري..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
انظروا فيه كل رائعة من روائع السن ،والفضيلة ،والعظمة ،ث ل تعجبوا ،فأنتم أمام أشبه الناس
بالرسول خلقا ،وخلقا..
أنتم أمام من كنّاه الرسول بن أب الساكي..
أنت تاه من لقبه الرسول بن ذي الناحي..
أنتم تلقاء طائر النة الغريد ،جعفر بن أب طالب !!..عظيم من عظماء الرعيل الول الذين أسهموا
أعظم اسهام ف صوغ ضمي الياة!!..
**
أقبل على الرسول صلى ال عليه وسلم مسلما ،آخذا مكانه العال بي الؤمني البكرين..
وأسلمت معه ف نفس اليوم زوجته أساء بنت عميس..
وحل نصيبهما من الذى ومن الضطهاد ف شجاعة وغبطة..
فلما اختار الرسول لصحابه الجرة ال البشة ،خرج جعفر وزوجه حيث لبيا با سني عددا ،رزقا
خللا بأولدها الثلثة ممد ،وعبد ال ،وعوف...
**
وف البشة كان جعفر بن أب طالب التحدث اللبق ،الوفق باسم السلم ورسوله..
ذلك أن ال أنعم عليه فيما أنعم ،بذكاء القلب ،واشراق العقل ،وفطنة النفس ،وفصاحة اللسان..
ولئن كان يوم مؤتة الذي سيقاتل فيه فيما بعد حت يستشهد ..أروع أيامه وأماده وأخلدها..
فان يوم الحاورة الت أجراها أمام النجاشي باليشة ،لن يقلّ روعة ول باء ،ول مدا..
لقد كان يوما فذّا ،ومشهدا عجبا...
**
وذلك أن قريشا ل يهدئ من ثورتا ،ول يذهب من غيظها ،ول يطامن كم أحقادها ،هجرة
السلمي ال البشة ،بل خشيت أن يقوى هناك بأسهم ،ويتكاثر طمعهم ..وحت اذا ل تواتم فرصة
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
التكاثر والقوّة ،فقد عز على كبيائها أن ينجو هؤلء من نقمتها ،ويفلتوا من قبضتها ..يظلوا هناك ف
مهاجرهم أمل رحبا تتز له نفس الرسول ،وينشرح له صدر السلم..
هنالك قرر ساداتا ارسال مبعوثي ال النجاشي يملن هدايا قريش النفيسة ،ويملن رجاءها ف
أن يرج هؤلء الذين جاؤوا اليها لئذين ومستجيين...
وكان هذان البعوثان :عبدال بن أب ربيعة ،وعمرو بن العاص ،وكانا ل يسلما بعد...
**
كان النجاشي الذي كان يلس أيامئذ على عرش البشة ،رجل يمل ايانا مستنيا ..وكان ف
قرارة نفسه يعتنق مسيحية صافية واعية ،بعيدة عن النراف ،نائية عن التعصب والنغلق...
وكان ذكره يسبقه ..وسيته العادلة ،تنشر غبيها ف كل مكان تبلغه..
من أجل هذا ،اختار الرسول صلى ال عليه وسلم بلده دار هجرة لصحابه..
ومن أجل هذا ،خافت قريش أل تبلغ لديه ما تريد فحمّلت مبعوثيها هدايا ضخمة للساقفة ،وكبار
رجال الكنيسة هناك ،وأوصى زعماء قريش مبعوثيهاأل يقابل النجاشي حت يعطيا الدايا للبطارقة
أول ،وحت يقنعاهم بوجهة نظرها ،ليكونوا لم عونا عند النجاشي.
وحطّ الرسولن رحالما بالبشة ،وقابل با الزعماء الروحانيي كافة ،ونثرا بي أيديهم الدايا الت
حلها اليهم ..ث أرسل للنجاشي هداياه..
ومضيا يوغران صدور القسس والساقفة ضد السلمي الهاجرين ،ويستنجدان بم لمل النجاشي،
ويواجهان بي يديه خصوم قريش الذين تلحقهم بكيدها وأذاها.
**
وف وقار مهيب ،وتواضع جليل ،جلس النجاشي على كرسيه العال ،تفّ به الساقفة ورجال
الاشية ،وجلس أمامه ف البهو الفسيح ،السلمون الهاجرون ،تغشاهم سكينة ال ،وتظلهم رحته..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ووقف مبعوثا قريش يكرران التام الذي سبق أن ردّداه أمام النجاشي حي أذن لم بقابلة خاصة قبل
هذ الجتماع الاشد الكبي:
" أيها اللك ..انه قد ضوى لك ال بلدك غلمان سفهاء ،فارقوا دين قومهم ول يدخلوا ف دينك ،بل
جاؤوا بدين ابتدعوه ،ل نعرفه نن ول أنت ،وقد بعثنا اليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم،
أعمامهم ،وعشائرهم ،لتردّهم اليهم"...
وولّى النجاشي وجهه شطر السلمي ،ملقيا عليهم سؤاله:
" ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ،واستغنيتم به عن ديننا"..؟؟
ونض جعفر قائما ..ليؤدي الهمة الت كان السلمون الهاجرون قد اختاروه لا ابّان تشاورهم ،وقبل
ميئهم ال هذا الجتماع..
نض جعفر ف تؤدة وجلل ،وألقى نظرات مبّة على اللك الذي أحسن جوارهم وقال:
" يا أيها اللك..
كنا قوما أهل جاهلية :نعبد الصنام ،ونأكل اليتة ،ونأت الفواحش ،ونقطع الرحام ،ونسيء الوار،
ويأكل القوي منا الضعيف ،حت بعث ال الينا رسول منا ،نعرف نسبه وصدقه ،وأمانته ،وعفافه،
فدعانا ال ال لنوحّده ونعبده ،ونلع ما كنا نعبد نن وآباؤنا من الجارة والوثان..
وأمرنا بصدق الديث ،وأداء المانة ،وصلة الرحم ،وحسن الوار ،والكفّ عن الحارم والدماء..
ونانا عن الفواحش ،وقول الزور ،وأكل مال اليتيم ،وقذف الحصنات ..فصدّقناه وآمنّا به ،واتبعناه
على ما جاءه من ربه ،فعبدنا ال وحده ول نشرك به شيئا ،وحرّمنا ما حرّم علينا ،وأحللنا ما أحلّ
لنا ،فغدا علينا قومنا ،فعذبونا وفتنونا عن ديننا ،ليدّونا ال عبادة الوثان ،وال ما كنّا عليه من
البائث..
فلما قهرونا ،وظلمونا ،وضيّقوا علينا ،وحالوا بيننا وبي ديننا ،خرجنا ال بلدك ورغبنا ف جوارك،
ورجونا أل نظلم عندك"...
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
**
ألقى جعفر بذه الكلمات السفرة كضوء الفجر ،فملت نفس النجاشي احساسا وروعة ،والتفت
ال جعفر وساله:
" هل معك ما أنزل على رسولكم شيء"..؟
قال جعفر :نعم..
قال النجاشي :فاقرأه علي..
ومضى حعفر يتلو ليات من سورة مري ،ف أداء عذب ،وخشوع فبكى النجاشي ،وبكى معه
أساقفته جيعا..
ولا كفكف دموعه الاطلة الغزيرة ،التفت ال مبعوثي قريش ،وقال:
" ان هذا ،والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة..
انطلقا فل وال ،ل أسلمهم اليكما"!!..
**
انفضّ الميع ،وقد نصر ال عباده وآرهم ،ف حي رزئ مندوبا قريش بزية منكرة..
لكن عمرو بن العاص كان داهية واسع اليلة ،ل يتجرّع الزية ،ول يذعن لليأس..
وهكذا ل يكد يعود مع صاحبه ال نزلما ،حت ذهب يفكّر ويدبّر ،وقال لزميله:
" وال لرجعنّ للنجاشي غدا ،ولتينّه عنهم با يستأصل خضراءهم"..
وأجابه صاحبه " :ل تفعل ،فان لم أرحاما ،وان كانوا قد خالفونا"..
قال عمرو " :وال لخبنّه أنم يزعمون أن عيسى بن مري عبد ،كبقية العباد"..
هذه اذن هي الكيدة الديدة الديدة الت دبّرها مبعوث قريش للمسلمي كي يلجئهم ال الزاوية
الادة ،ويضعهم بي شقّي الرحى ،فان هم قالوا عيسى عبد من عباد ال ،حرّكوا ضدهم أضان اللك
والساقفة ..وان هم نفوا عنه البشرية خرجوا عن دينهم!!...
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
**
وف الغداة أغذا السي ال مقابلة اللك ،وقال له عمرو:
" أيها اللك :انم ليقولون ف عيسى قول عظيما".
واضطرب الساقفة..
واهتاجتهم هذه العبارة القصية..
ونادوا بدعوة السلمي لسؤالم عن موقف دينهم من السيح..
وعلم السلمون بالؤامرة الديدة ،فجلسوا يتشاورون..
ث تفقوا على أن يقولوا الق الذي سعون من نبيهم عليه الصلة والسلم ،لييدون عنه قيد شعرة،
وليكن ما يكن!!..
وانعقد الجتماع من جديد ،وبدأ النجاشي الديث سائل جعفر:
"ماذا تقولون ف عيسى"..؟؟
ونض جعفر مرة أخرى كالنار الضيء وقال:
" نقول فيه ما جاءنا به نبينا صلى ال عليه وسلم :هو عبدال ورسوله ،وكلمته ألقاها ال مري وروح
منه"..
فهتف النجاشي نصدّقا ومعلنا أن هذا هو ما قاله السيح عن نفسه..
لك ّن صفوف الساقفة ضجّت با يسبه النكي..
ومضى النجاشي الستني الؤمن يتابع حديثه قائل للمسلمي:
" اذهبوا فأنتم آمنون بأرضي ،ومن سبّكم أو آذاكم ،فعليه غرم ما يفعل"..
ث التفت صوب حاشيته ،وقال وسبّابته تشي ال مبعوثي قريش:
" ردّوا عليهما هداياها ،فل حاجة ل با...
فوال ما أخذ ال من الرشوة حي ردّ عليّ ملكي ،فآخذ الرشوة فيه"!!...
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وخرج مبعوثا قريش مذولي ،حيث وليّا وجهيهما من فورها شطر مكة عائي اليها...
وخرج السلمون بزعامة جعفر ليستأنفوا حياتم المنة ف البشة ،لبثي فيها كما قالوا ":بي دار..
مع خي جار "..حت يأذن ال لم بالعودة ال رسولم واخوانم وديارهم...
**
كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يتفل مع السلمي بفتح خيب حي طلع عليهم قادما من
البشة جعفر بن أب طالب ومعه من كانوا ل يزالون ف البشة من الهاجرين..
وأفعم قلب الرسول عليه الصلة والسلم بقدمة غبطة ،وسعادة وبشرا..
وعانقه النب صلى ال عليه وسلم وهو يقول:
" ل أدري بأيهما أنا أسرّ بفتح خيب ..أم بقدوم جعفر."..
وركب رسول ال صلى ال عليه وسلم وصحبه ال مكة ،حيث اعتمروا عمرة القضاء ،وعادوا ال
الدينة ،وقد اكتلت نفس جعفر روعة با سع من انباء اخوانه الؤمني الذين خاضوا مع النب صلى
ال عليه وسلم غزوة بدر ،وأحد ..وغيها من الشاهد والغازي ..وفاضت عيناه بالدمع على الذين
صدقوا ما عاهدوا ال عليه ،وقضوا نبهم شهداء أبرار..
وطار فؤداه شوقا ال النة ،وأخذ يتحيّن فرصة الشهادة ويترقب لظتها الجيدة!!..
**
وكانت غزوة مؤتة الت أسلفنا الديث عنها ،تتحرّك راياتا ف الفق متأهبة للزحف ،وللمسي..
ورأى جعفر ف هذه الغزوة فرصة العمر ،فامّا أن يقق فيها نصرا كبيا لدين ال ،واما أن يظفر
باستشهاد عظيم ف سبيل ال..
وتقدّم من رسول ال صلى ال عليه وسلم يرجوه أن يعل له ف هذه الغزوة مكانا..
كان جعفر يعلم علم اليقي أنا ليست نزهة ..بل ول حربا صغية ،انا هي حرب ل يض السلم
منها من قبل ..حرب مع جيوش امباطورية عريضة باذخة ،تلك من العتاد والعداد ،والبة
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
والموال ما ل قبل للعرب ول للمسلمي به ،ومع هذا طار شوقا اليها ،وكان ثالث ثلثة جعلهم
رسول ال قواد اليش وأمراءه..
وخرج اليش وخرج جعفر معه..
والتقى المعان ف يوم رهيب..
وبينما كان من حق جعفر أن تأخذ الرهبة عنده عندما بصر جيش الروم ينتظم مائت ألف مقاتل،
فانه على العكس ،أخذته نشوة عارمة اذا احسّ ف أنفه الؤمن العزيز ،واعتداد البطل القتدر أنه
سيقاتل أكفاء له وأندادا!!..
وما كادت الراية توشك على السقوط من يي زيد بن حارثة ،حت تلقاها جعفر باليمي ومضى يقاتل
با ف اقدام خارق ..اقدام رجل ل يبحث عن النصر ،بل عن الشهادة...
وتكاثر عليه وحوله مقاتلي الروم ،و{اى فرسه تعوق حركته فاقتحم عنها فنل ..وراح يصوب سيفه
ويسدده ال نور أعدائه كنقمة القدر ..ولح واحدا من األعداء يقترب من فرسه ليعلو ظهرها ،فعز
عليه أن يتطي صهوتا هذا الرجس ،فبسط نوها سيفه ،وعقرها!!..
وانطلق وسط الصفوف التكالبة عليه يدمدم كالعثار ،وصوته يتعال بذا الزجر التوهج:
طيّبة ،وبارد شرابا يا حبّذا النة واقترابا
كافرة بعيدة أنسابا والروم روم ،قد دنا عذابا
عليّ اذا لقيتها ضرابا
وأدرك مقاتلو الروم مقدرة هذا الرجل الذي يقاتل ،وكانه جيش لب..
وأحاطوا به ف اصرار منون على قتله ..وحوصر بم حصارا ل منفذ فيه لنجاة..
وضربوا بالسيوف يينه ،وقبل أن تسقط الراية منها على الرض تلقاها بشماله ..وضربوها هي
الخرى ،فاحتضن الراية بعضديه..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ف هذه اللحظة تركّزت كل مسؤوليته ف أل يدع راية رسول ال صلى ال عليه وسلم تلمس التراب
وهو حيّ..
وحي تكّومت جثته الطاهرة ،كانت سارية الراية مغروسة بي عضدي جثمانه ،ونادت خفقاتا
عبدال بن رواحة فشق الصفوف كالسهم نوها ،واخذها ف قوة ،ومضى با ال مصي عظيم!!..
**
وهكذا صنع جعفر لنفسه موتة من أعظم موتات البشر!!..
وهكذا لقي الكبي التعال ،مضمّخا بفدائيته ،مدثرا ببطولته..
وأنبأ العليم البي رسوله بصي العركة ،وبصي جعفر ،فاستودعه ال ،وبكى..
وقام ال بيت ابن عمّه ،ودعا بأطفاله وبنيه ،فشمّمهم ،وقبّلهم ،وذرفت عيناه..
ث عاد ال ملسه ،وأصحابه حافون به .ووقف شاعرالسلم حسّان بن ثابت يرثي جعفر ورفاقه:
غداة مضوا بالؤمني يقودهم
ال الوت ميمون النقيبة أزهر
أغرّ كضوء البدر من آل هاشم
أبّ اذا سيم الظلمة مسر
فطاعن حت مال غي موسد
لعترك فيه القنا يتكسّر
فصار مع الستشهدين ثوابه
جنان ،ومتلف الدائق أخضر
وكنّا نرى ف جعفر من ممد
وفاء وأمرا حازما حي يأمر
فما زال ف السلم من آل هاشم
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
أجل تلك كانت أمنيته ول شيء سواها ..ضربة سيف أ ،طعنة رمح ،تنقله ال عال الشهداء
والظافرين!!..
**
وترّك اليش ال مؤتة ،وحي استشرف السلمون عدوّهم حزروا جيش الروم بائت ألف مقاتل ،اذ
رأوا صفوفا ل آخر لا ،وأعداد نفوق الصر والساب!!..
ونظر السلمون ال عددهم القليل ،فوجوا ..وقال بعضهم:
" فلنبعث ال رسول ال ،نبه بعدد عدوّنا ،فامّا أن يدّنا بالرجال ،وأمّا أن يأمرنا بالزحف فنطيع"..
بيد أن ابن رواحة نض وسط صفوفهم كالنهار ،وقال لم:
" يا قوم..
انّا وال ،ما نقاتل ال بذا الدين الذي أكرمنا ال به..
فانطلقوا ..فانا هي احدى السنيي ،النصر أو الشهادة"...
وهتف السلمون القلون عددا ،الكثرون ايانا..،
هتفوا قائلي:
"قد وال صدق ابن رواحة"..
ومضى اليش ال غايته ،يلقي بعدده القليل مائت ألف ،حشدهم الروم للقال الضاري الرهيب...
**
والتقى اليشان كما ذكرنا من قبل..
وسقط المي الول زيد بن حارثة شهيدا ميدا..
وتله المي الثان جعفر بن عبد الطلب حت أدرك الشهادة ف غبطة وعظمة..
وتله ثالث المراء عبداله بن رواحة فحمل الراية من يي جعفر ..وكان القتال قد بلغ ضراوته،
وكادت القلة السلمة تتوه ف زحام العرمرم اللجب ،الذي حشده هرقل..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وحي كان ابن رواحة يقاتل كجندي ،كان يصول ويول ف غي تردد ول مبالة..
أما الن ،وقد صار أميا للجيش ومسؤول عن حياته ،فقد بدا أمام ضراوة الروم ،وكأنا مرّت به لسة
تردد وتيّب ،لكنه ما لبث أن استجاش كل قوى الخاطرة ف نفسه وصاح..
مال أراك تكرهي النّة؟؟ أقسمت يا نفس لتنلنّه
هذا حام الوت قد صليت يا نفس ال تقتلي توت
ان تفعلي فعلهما هديت وما تنّت فقد أعطيت
يعن بذا صاحبيه الذين سبقاه ال الشهادة :زيدا وجعفر..
"ان تفعلي فعلهما هديت.
انطلق يعصف بالروم عصفا..
ول كتاب سبق بأن يكون موعده مع النة ،لظلّ يضرب بسيفه حت يفن الموع القاتلة ..لكن
ساعة الرحيل قد دقّت معلنة بدء السية ال ال ،فصعد شهيدا..
هوى جسده ،فصعدت ال الرفيق العلى روحه الستبسلة الطاهرة..
وتققت أغلى أمانيه:
حت يقال اذا مرّوا على جدثي
يا أرشد ال من غار ،وقد رشدا
نعم يا ابن رواحة..
يا أرشد ال من غاز وقد رشدا!!..
**
وبينما كان القتال يدور فوق أرض البلقاء بالشام ،كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يلس مع
أصحابه ف الدينة ،يادثهم ويادثونه..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وفجأة والديث ماض ف تلل وطمأنينة ،صمت رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وأسدل جفنيه
قليل ..ث رفعهما لينطلق من عينيه بريق ساطع يبلله أسى وحنان!!..
وطوفّت نظراته السية وجوه أصحابه وقال:
"أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل با حت قتل شهيدا.
ث أخذها جعفر فقاتل با ،حت قتل شهيدا"..
وصمت قليل ث استأنف كلماته قائل:
" ث أخذها عبدال بن رواحة فقاتل با ،حت قتل شهيدا"..
ث صمت قليل وتألقت عيناه بومض متهلل ،مطمئن ،مشتاق .ث قال:
" لقد رفعوا ال النة"!!..
أيّة رحلة ميدة كانت..
وأي اتفاق سعيد كان..
لقد خرجوا ال الغزو معا..
وكانت خي تيّة توجّه لذكراهم الالدة ،كلمات رسول ال صلى ال عليه وسلم:
" لقد رفعوا ال النة"!!..
خالد بن الوليد
ل ينام ول يترك أحدا ينام
ان أمره لعجيب!!..
هذا الفاتك بالسلمي يوم أحد والفاتك بأعداء السلم بقية اليام!!..
أل فلنأت على قصته من البداية..
ولكن أية بداية..؟؟
انه هو نفسه ،ل يكاد يعرف لياته بدءا ال ذلك اليوم الذي صافح فيه الرسول مبايعا..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ولو استطاع لنحّى عمره وحياته ،كل ماسبق ذلك اليوم من سني ،وأيام..
فلنبدأ معه اذنن حيث يب ..من تلك اللحظة الباهرة الت خشع فيها قلبه ل ،وتلقت روحه فيها
لسة من يي الرحن ،وكلتا يديه يي ،فنفجّرت شوقا ال دينه ،وال رسوله ،وال استشهاد عظيم ف
سبيل الق ،ينضو عن كاهله أوزار مناصرته الباطل ف أيامه الاليات..
**
لقد خل يوما ال نفسه ،وأدار خواطره الرشيدة على الدين الديد الذي تزداد راياته كل يوما تألقا
وارتفاعا ،وتنّى على ال علم الغيوب أن ي ّد اليه من الدى بسبب ..والتمعت ف فؤاده الذكي بشائر
اليقي ،فقال:
" وال لقد استقام النسم....
وان الرجل لرسول..
فحت مت..؟؟
أذهب وال ،فأسلم"..
ولنصغ اليه رضي ال عنه وهو يدثنا عن مسيه البارك ال رسول ال عليه الصلة والسلم ،وعن
رحلته من مكة ال الدينة ليأخذ مكانه ف قافلة الؤمني:
" ..وددت لو أجد من أصاحب ،فلقيت عثمان بن طلحة ،فذكرت له الذي أريد فأسرع الجابة،
وخرجنا جيعا فأدلنا سحرا ..فلما كنا بالسهل اذا عمرو بن العاص ،فقال مرحبا يا قوم،
قلنا :وبك..
قال :أين مسيكم؟ فأخبناه ،وأخبنا أيضا أنه يريد النب ليسلم.
فاصطحبنا حت قدمنا الدينة أول يوم من صفر سنة ثان..فلما اطّلعت على رسول ال صلى ال عليه
وسلم سلمت عليه بالنبوّة فردّ على السلم بوجه طلق ،فأسلمت وشهدت شهادة الق..
فقال الرسول :قد كنت أرى لك عقل رجوت أل يسلمك ال ال خي..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
قالوا :نعم..
واعتلى العبقري جواده .ودفع الراية بيمينه ال المام كأنا يقرع أبوابا مغلقة آن لا أن تفتح على
طريق طويل لحب سيقطعه البطل وثبا..
ف حياة الرسول وبعد ماته ،حت تبلغ القادير بعبقريته الارقة أمرا كان مقدورا...
ولّي خالد امارة اليش بعد أن كان مصي العركة قد تدد .فضحايا السلمي كثيون ،وجناهم
مهيض ..وجيش الروم ف كثرته الساحقة كاسح ،ظافر مدمدم..
ول يكن بوسع أية كفاية حربية أن تغي من الصي شيئا ،فتجعل الغلوب غالبا ،والغالب مغلوبا..
وكان العمل الوحيد الذي ينتظر عبقريا لكي ينجزه ،هو وقف السائر ف جيش السلم ،والروج
ببقيته سالا ،أي النسحاب الوقائي الذي يول دون هلك بقية القوة القاتلة على أرض العركة.
بيد أن انسحابا كهذا كان من الستحالة بكان..
ولكن ،اذا كان صحيحا أنه ل مستحيل على القلب الشجاع فمن أشجع قلبا من خالد ،ومن أروع
عبقرية وأنفذ بصية..؟؟!
هنالك تقدم سيف ال يرمق أرض القتال الواسعة بعيني كعين الصقر ،ويدير الطط ف بديهته
بسرعة الضوء ..ويقسم جيشه ،والقتال دائر ،ال مموعات ،ث يكل ال كل مموعة بهامها ..وراح
يستعمل فنّه العجز ودهاءه البليغ حت فتح ف صفوف الروم ثغرة فسيحة واسعة ،خرج منها جيش
السلمي كله سليما معاف .بعد أن نا بسبب من عبقرية بطل السلم من كارثة ماحقة ما كان لا
من زوال!!...
وف هذه العركة أنعم الرسول على خالد بذا اللقب العظيم..
**
وتنكث قريش عهدها مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فيتحرك السلمون تت قيادته لفتح
مكة..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ويظل خالد ال جانب رسول ال ،واضعا كفاياته التفوقة ف خدمة الدين الذي آمن به من كل
يقينه ،ونذر له كل حياته.
وبعد أن يلحق الرسول بالرفيق العلى ،ويمل أبو بكر مسؤولية اللفة ،وتبّ أعاصي الردّة غادرة
ماكرة ،مطوقة الدين الديد بزئيها الصمّ وانتفاضها الدمدم ..يضع أبو بكر عينه لول وهلة على
بطل الوقف ورجل الساعة ..أل سليمان ،سيف ال ،خالد بن الوليد!!..
وصحيح أن أبا بكر ل يبدأ معارك الرتدين ال بيش قاده هو بنفسه ،ولكن ذلك ل ينع أنه ادّخر
خالدا ليوم الفصل ،وأن خالدا ف العركة الفاصلة الت كانت أخطر معارك الردة جيعا ،كان رجلها
الفذ وبطلها اللهم..
**
عندما بدأت جوع الرتدين تتهيأ لناز مؤامرتا الضخمة ،صمم الليفة العظيم أبو بكر على أن
يقود جيوش السلمي بنفسه ،ووقف زعماء الصحابة يبذلون ماولت يائسة لصده عن هذا العزم.
ولكنه ازداد تصميما ..ولعله أراد بذا أن يعطي القضية الت دعا الناس لوض الرب من أجلها أهيّة
وقداسة ،ل يؤكدها ف رأيه ال اشتراكه الفعلي ف العارك الضارية الت ستدور رحاها بي قوى
اليان ،وبي جيوش الضلل والردة ،وال قيادته الباشرة لبعض أو لكل القوات السلمة..
ولقد كانت انتفاضات الردة بالغة الطورة ،على الرغم من أنا بدأت وكأنا ترّد عارض..
لقد وجد فيها جيع الوتورين من السلم والتربصي به فرصتهم النادرة ،سواء بي قبائل العرب ،أم
على الدود ،حيث يثم سلطان الروم والفرس ،هذا السلطان الذي بدأ يسّ خطر السلم الكب
عليه ،فراح يدفع الفتنة ف طريقه من وراء ستار!!..
ونشبت نيان الفتننة ف قبائل :أسد ،وغطفان ،وعبس ،وطيء ،وذبيان..
ث ف قبائل :بن غامر ،وهوزان ،وسليم ،وبن تيم..
ول تكد الناوشات تبدأ حت استحالت ال جيوش جرّارة قوامها عشرات اللوف من القاتلي..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
واستجاب للمؤامرة الرهيبة أهل البحرين ،وعمان ،والهرة ،وواجه السلم أخطر منة ،واشتعلت
الرض من حول السلمي نارا ..ولكن ،كان هناك أبو بكر!!..
عبّأ أبو بكر السلمي وقادهم ال حيث كانت قبائل بن عبس ،وبن مرّة ،وذبيان قد خرجوا ف
جيش لب..
ودار القتال ،وتطاول ،ث كتب للمسلمي نصر مؤزر عظيم..
ول يكد اليش النتصر يستقر بالدينة .حت ندبه الليفة للمعركة التالية..
وكانت أنباء الرتدين وتمّعاتم تزداد كل ساعة خطورة ..وخرج أبو بكر على رأس هذا اليش
الثان ،ولكن كبار الصحابة يفرغ صبهم ،ويمعون على بقاء الليفة بالدينة ،ويعترض المام علي
طريق أبا بكر ويأخذ بزمام راحلته الت كان يركبها وهو ماض امام جيشه الزاحف فيقول له:
" ال أين يا خليفة رسول ال..؟؟
ان أقول لك ما قاله رسول ال يوم أحد:
لّ سيفك يا أبا بكر ل تفجعنا بنفسك"...
وأمام اجاع مصمم من السلمي ،رضي الليفة أن يبقى بالدينة وقسّم اليش ال احدى عشرة
مموعة ..رسم لكل مموعة دورها..
وعلى مموعة ضخمة من تلك الجموعات كان خالد بن الوليد أميا..
ولا عقد الليفة لكل أمي لواءه ،اته صوب خالد وقال ياطبه:
" سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول :نعم عبدال .وأخو العشية ،خالد ابن الوليد ،سيف
من سيوف ال .سلّه ال على الكفار والنافقي"..
**
ومضى خالد ال سبيله ينتقل بيشه من معركة ال معركة ،ومن نصر ال مصر حت كانت العركة
الفاصلة..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
فهناك باليمامة كان بنو حنيفة ،ومن اناز اليهم من القبائل ،قد جيّشوا أخطر جيوش الردو قاطبة،
يقوده مسيلمة الكذاب.
وكانت بعض القوات السلمة قد جرّبت حظها مع جيوش مسيلمة ،فلم تبلغ منه منال..
وجاء أمر الليفة ال قائده الظفر أن سر ال بن حنيفة ..وسار خالد..
ول يكد مسيلمة يعلم أن ابن الوليد ف الطريق اليه حت أعاد تنظيم جيشه ،وجعل منه خطرا حقيقيا،
وخصما رهيبا..
والتقى اليشان:
وحي تطالع ف كتب السية والتاريخ ،سي تلك العركة الائلة ،تأخذك رهبة مضنية ،اذ تد نفسك
أمام معركة تشبه ف ضراوتا زجبوتا معارك حروبنا الديثة ،وان تلّفت ف نوع السلح وظروف
القتال..
ونزل خالد بيشه على كثيب مشرف على اليمامة ،وأقبل مسيلمة ف خيلئه وبغيه ،صفوف جيشه
من الكثرة كأنا ل تؤذن بانتهاء!!..
وسّلم خالد اللوية والرايات لقادة جيشه ،والتحم اليشان ودار القتال الرهيب ،وسقط شهداء
السلمي تباعا كزهور حديقة طوّحت با عاصفة عنيدة!!..
وأبصر خالد رجحان كفة العداء ،فاعتلى بواده ربوة قريبة وألقى على العركة نظرة سريعة ،ذكية
وعميقة..
ومن فوره أدرك نقاط الضعف ف جيشه وأحصاها..
رأى الشعور بالسؤولية قد وهن تت وقع الفاجأة الت دههم با جيش مسيلمة ،فقرر ف نفس
اللحظة أن يشدّ ف أفئدة السلمي جيعا ال أقصاه ..فمضى ينادي اليه فيالق جيشه وأجنحته ،وأعاد
تنسيق مواقعه على أرض العركة ،ث صاح بصوته النتصر:
" امتازوا ،لنرى اليوم بلء كل حيّ".
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وامتازوا جيعا..
مضى الهاجرون تت راياتم ،والنصار تت رايتهم " وكل بن أب على رايتهم".
وهكذا صار واضحا تاما ،من أين تيء الزية حي تيء واشتعلت النفس حاسة ،اتّقدت مضاء،
وامتلت عزما وروعة..
وخالد بي الي والي ،يرسل تكبية أو تليلة أو صيحة يلقى با امرا ،فتتحوّل سيوف جيشه ال
مقادير ل رادّ لمرها ،ول معوّق لغاياتا..
وف دقائق معدودة توّل اتاه العركة وراح جنود مسيلمة يتساقطون بالعشرات ،فالئات فاللوف،
كذباب خنقت أنفاس الياة فيه نفثات مطهر صاعق مبيد!!..
لقد نقل خالد حاسته كالكهرباء ال جنوده ،وحلّت روحه ف جيشه جيعا ..وتلك كانت احدى
خصال عبقريّته الباهرة..
وهكذا سارت أخطر معارك الردة وأعنف حروبا ،وقتل مسيلمة..
وملت جثث رجاله وجيشه أرض القتال ،وطويت تت التراب ال البد راية الدّع ّي الكذاب..
**
وف الدينة صلى الليفة لربه الكبي التعال صلة الشكر ،اذ منحهم هذا النصر ،وهذا البطل..
وكان أبو بكر قد أدرك بفطنته وبصيته ما لقوى الشر الاثة وراء حدود بلده من دور خطي ف
تديد مصي السلم واهله ..الفرس ف العراق ..والروم ف بلد الشام..
امبطوريتان خرعتان ،تتشبثان بيوط واهنة من حظوظهما الغاربة وتسومان الناس ف العراق وف
الشام سوء العذاب ،بل وتسخرهم ،وأكثرهم عرب ،لقتال السلمي العرب الذين يملون راية الدين
الديدة ،يضربون بعاوله قلع العال القدي كله ،ويتثون عفنه وفساده!..
هنالك أرسل الليفة العظيم البارك توجيهاته ال خالد أن يضي بيشه صوب العراق..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ويضي البطل ال العراق ،وليت هذه الصفحات كانت تتسع لتتبع مواكب نصره ،اذن لرأينا من
أمرها عجبا.
لقد استهلّ عمله ف العراق بكتب أرسلها ال جيع ولة كسرى ونوابه على ألوية العراق ومدائنه..
" بسم ال الرحن الرحيم
من خالد بن الوليد ..ال مرازبة فارس..
يلم على من اتبع الدى
أما بعد ،فالمد ل الذي فضّ خدمكم ،وسلب ملككم ،ووهّن كيدكم
من صلى صلتنا ،واستقبل قبلتنا ،واكل ذبيحتنا فذلكم السلم ،له ما لنا وعليه ما علينا
اذا جاءكم كتاب فابعثوا الّ بالرهن واعتقدوا من الذمّة
وال ،فوالذي ل اله غيه لبعثن اليكم قوما يبون الوت كما تبون الياة"!!..
وجاءته طلئعه الت بثها ف كل مكان بأنباء الزّخوف الكثية الت يعدها له قوّاد الفرس ف العراق،
فلم يضيّع وقته ،وراح يقذف بنوده على الباطل ليدمغه ..وطويت له الرض طيّا عجيبا.
ف البلّة ،ال السّدير ،فالنّجف ،ال الية ،فالنبار ،فالكاظمية .مواكب نصر تتبعها مواكب ...وف
كل مكان تلّ به رياحه البشريات ترتفع للسلم راية يأوي ال فيئها الضعفاء والستعبدون.
أجل ،الضعفاء والستعبدون من أهل البلد الذين كان الفرس يستعمرونم ،ويسومونم سوء العذاب..
وكم كان رائعا من خالد أن بدأ زحفه بأمر أصدره ال جيع قوّاته:
" ل تتعرّضوا للفلحي بسوء ،دعوهم ف شغلهم آمني ،ال أن يرج بعضهم لقتالكم ،فآنئذ قاتلوا
القاتلي".
وسار بيشه الظافر كالسكي ف الزبد الطريّ حت وقف على توم الشام..
وهناك دوّت أصوات الؤذني ،وتكبيات الفاتي.
ترى هل سع الروم ف الشام..؟
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ومن عجب أن العركة دارت كما رسم خالد وتوقع ،خطوة خطوة ،وحركة حركة ،حت ليبدو
وكأنه لو تنبأ بعدد ضربات السيوف ف العركة ،لا أخطأ التقدير والساب!!..
كل مناورة توقعها من الروم صنعوها..
كا انسحاب تنبأ به فعلوه..
وقبل أن يوض القتال كان يشغل باله قليل ،احتمال قيام بعض جنود جيشه بالفرار ،خاصة أولئك
الذين هم حديثو العهد بالسلم ،بعد أن رأى ما ألقاه منظر جيش الروم من رهبة وجزع..
وكان خالد يتمثل عبقرية النصر ف شيء واحد ،هو الثبات..
وكان يرى أن حركة هروب يقوم با اثنان أو ثلثة ،يكن أن تشيع ف اليش من اللع والتمزق ما ل
يقدر عليه جيش العدو بأسره...
من أجل هذا ،كان صارما ،تاه الذي يلقي سلحه ويول هاربا..
وف تلك الوقعة بالذات موقعة اليموك ،وبعد أن أخذ جيشه مواقعه ،دعا نساء السلمي ،ولول مرّة
سلّمهن السيوف ،وأمرهن ،بالوقوف وراء صفوف السلمي من كل جانب وقال لن:
" من يولّي هاربا فاقتلنه"..
وكانت لفتة بارعة أدت مهمتها على أحسن وجه!!..
وقبيل بدء القتال طلب قائد الروم أن يبز اليه خالد ليقول له بضع كلمات ..
وبرز اليه خالد ،حيث تواجها فوق جواديهما ف الفراغ الفاصل بي اليشي..
وقال ماهان قائد الروم ياطب خالدا"
" قد علمنا أنه ل يرجكم من بلدكم ال الوع والهد..
فان شئتم ،أعطيت كل واحد منكم عشرة دناني ،وكسوة ،وطعاما ،وترجعون ال بلدكم ،وف العام
القادم أبعث اليكم بثلها"!!.
وضغط خالد الرجل والبطل على أسنانه ،وأدرك ما ف كلمات قائد الروم من سوء الدب..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
" لطالا قاتلت رسول ال صلى ال عليه وسلم قبل أن يهدن ال السلم ،افأفرّ من أعداء ال اليوم"؟؟
ث يصيح ":من يبايع على الوت"..
فيبايعه على الوت كوكبة من السلمي ،ث ينطلقون معا ال قلب العركة ل باحثي عن النصر ،بل عن
الشهادة ..ويتقبّل ال بيعتهم وبيعهم،
فيستشهدون!!..
وهؤلء آخرون أصيبوا براح أليمة ،وجيء لم باء يبللون به أفواههم ،فلما قدم الاء ال أولم ،أشار
ال الساقي أن أعط أخي الذي بواري فجرحه أخطر ،وظمؤه أشد ..فلما قدّم اليه المء ،اشار بدوره
لاره .فل انتقل اليه أشار بدوره لاره..
وهكذا ،حت ..جادت أرواح أكثرهم ظامئة ..ولكن أنضر ما تكون تفانيا وايثارا!!..
أجل..
لقد كانت معركة اليموك مال لفدائية يعز نظيها.
ومن بي لوحات الفداء الباهرة الت رستها عزمات مقدرة ،تلك اللوحة الفذة ..لوحة تمل صورة
خالد بن الوليد على رأس مائة ل غي من جنده ،ينقضّون على ميسرة الروم وعددها أربعون ألف
جندي ،وخالد يصيح ف الائة الذين معه:
" والذي نفسي بيده ما بقي مع الروم من الصب واللد ال ما رأيتم.
وان لرجو أن ينحكم ال أكتافهم".
مائة يوضون ف أربعي ألف ..ث ينتصرون!!..
ولكن أي عجب؟؟
أليس مالء قلوبم ايان بال العلي الكبي..؟؟
وايان برسوله الصادق المي صلى ال عليه وسلم؟؟
وايان بقضية هي أكثر قضايا الياة برا ،وهدى ونبل؟
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وأليس خليفتهم الصديق رضي ال عنه ،هذا الذي ترتفع راياته فوق الدنيا ،بينما هو ف الدينة’
العاصمة الديدة للعال الديد ،يلب بيده شياه اليامى ،ويعجن بيده خبز اليتامى..؟؟
وأليس قائدهم خالد بن الوليد ترياق وساوس التجب ،والصفلف ،والبغي ،والعدوان ،وسيف ال
السلول على قوى التخلّف والتعفّن والشرك؟؟
أليس ذلك ،كذلك..؟
اذن ،هب رياح النصر...
هبّي قويّة عزيزة ،ظافرة ،قاهرة...
**
لقد برت عبقرية خالد قوّاد الروم وأمراء جيشهم ،ما حل أحدهم ،واسه جرجح على أن يدعو
خالدا للبوز اليه ف احدى فترات الراحة بي القتال.
وحي يلتقيان ،يوجه القائد الرومي حديثه ال خالد قائل:
" يا خالد ،أصدقن ول تكذبن فان الرّ ل يكذب..
هل أنزل على نبيّكم سيفا من السماء فأعطاك ايّاه ،فل تسلّه على أحد ال هزمته"؟؟
قال خالد :ل..
قال الرجل:
فبم سيّت يبف ال"؟
قال خالد :ان ال بعث فينا نبيه ،فمنا من صدّقه ومنا من كذّب.ز وكنت فيمن كذّب حت أخذ ال
قلوبنا ال السلم ،وهدانا برسوله فبايعناه..
فدعا ل الرسول ،وقال ل :أنت سيف من سيوف ال ،فهكذا سيّت ..سيف ال".
قال القائد الرومي :والم تدعون..؟
قال خالد:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
استأنف قيادته للمعركة مفيا موت أب بكر ،وأوامر عمر حت يتحقق النصر الذي بات وشيكا
وقريبا..
ودقّت ساعة الظفر ،واندحر الروم..
وتقدّم البطل من أب عبيدة مؤديا اليه تيّة الندي لقائده ...وظنها أبو عبيدة ف أول المر دعابة من
دعابات القائد الذي حققق نصرا ل يكن ف السحبان ..بيد أنه ما فتئ أن رآها حقيقة وجدّا ،فقبّل
خالد بي عينيه ،وراح يطري عظمة نفسه وسجاياه..
وثّت رواية تاريية أخرى ،تقول :ان الكتاب أرسل من أمي الؤمني عمر ال أب عبيدة ،وكتم أبو
عبيدة النبأ عن خالد حت انتهت العركة..
وسواء كان المر هذا أو ذاك ،فان مسلك خالد ف كلتا الالتي هو الذي يعنينا ..ولقد كان مسلكا
بالغ الروعة والعظمة واللل..
ول أعرف ف حياة خالد كلها موقفا ينبئ باخلصه العميق وصدقه الوثيق ،مثل هذا الوقف...
فسواء عليه أن يكون أميا ،أو جنديا..
ان المارة كالندية ،كلها سبب يؤدي به واجبه نو ال الذي آمن به ،ونو الرسول الذي بايعه،
ونو الدين الذي اعتنقه وسار تت رايته..
وجهده البذول وهو أمي مطاع ..كجهده البذول وهو جندي مطيع!..
ولقد هيأ له هذا النتصار العظيم على النفس ،كما هيأه لغيه ،طراز اللفاء الذين كانوا على راس
المة السلمة والدولة السلمة يوم ذاك..
أبو بكر وعمر..
اسان ل يكاد يتحرّك بما لسان ،حت يطر على البال كل معجز من فضائل النسان ،وعظمة
النسان..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وعلى الرغم من الودّ الذي كان مفقودا أحيانا بي عمر وخالد ،فان نزاهة عمر وعدله،وورعه
وعظمته الارقة ،ل تكن قط موضع تساؤول لدى خالد..
ومن ث ل تكن قراراته موضع سك ،لن الضمي الذي يليها ،قد بلغ من الورع ،ومن الستقامة،
ومن الخلص والصدق أقصى ما يبلغه ضمي منه ورشيد..
**
ل يكن أمي الؤمني عمر يأخذ على خالد من سوء ،ولكنه كان يأخذ على سيفه التسرّع ،والدّة..
ولقد عبّر عن هذا حي اقترح على أب بكر عزله اثر مقتل مالك بن نويرة ،فقال:
" ان ف سيف خالد رهقا"
أي خفة وحدّة وتسرّع..
فأجابه الصدّيق قائل:
" ما كنت لشيم سيف سلّه ال على الكافرين".
ل يقل عمر ان ف خالد رهقا ..بل جعل الرهق لسيفه ل لشخصه ،وهي كلمات ل تنمّ عن أدب أمي
الؤمني فحسب ،بل وعن تقديره لالد أيضا..
وخالد رجل حرب من الهد ال اللحد..
فبيئته ،ونشأته ،وتربيته وحياه كلها ،قبل السلم وبعده كانت كلها وعاء لفارس ،ماطر ،داهية..
ث ان الاح ماضيه قبل السلم ،والروب الت خاضها ضد الرسول وأصحابه ،والضربات الت
أسقط با سيفه أيام الشرك رؤوسا مؤمنة ،وجباها عابدة ،كل هذا كان له على ضميه ثقل مبهظ،
جعل سيفه توّاقا ال أن يطوّح من دعامات الشرك أضعاف ما طوّح من حلة السلم..
وانكم لتذكرون العبارة الت أوردناها أوّل هذا الديث والت جاءت ف سياق حديثه مع رسول ال
صلى ال عليه وسلم اذ قال له:
" يا رسول ال..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
فهو يضرب بيمينه ،وبشماله ،وبقدمه ،ويصيح ف الشظايا التناثرة ،والتراب التساقط:
" يا عزّى كفرانك ،ل سبحانك
ان رأيت ال قد أهانك"!!..
ث يرقها ويشعل النيان ف ترابا!..
كانت كل مظاهر الشرك وبقاياه ف نظر خالد كالعزّى ل مكان لا ف العال الديد الذي وقف خالد
تت أعلمه..
ول يعرف خالد أداة لتصفيتها ال سيفه..
وال "..كفرانك ل سبحانك..
ان رأيت ال قد أهانك"!!..
على أننا اذ نتمن مع أمي الؤمني عمر ،لوخل سيف خالد من هذا الرهق ،فاننا سنظل نردد مع أمي
الؤمني قوله:
" عجزت النساء أن يلدن مثل خالد"!!..
لقد بكاه عمر يوم مات بكاء كثيا ،وعلم النس فيما بعد أنه ل يكن يبكي فقده وحسب ،بل
ويبكي فرصة أضاعها الوت عن عمر اذ كان يعتزم رد المارة ال خالد بعد أن زال افتتان الناس به.
ومصت أسباب عزله ،لول أن تداركه الوت وسارع خالد ال لقاء ربه.
نعم سارع البطل العظيم ال مثواه ف النة..
أما آن له أن يستريح..؟؟ هو الذي ل تشهد الرض عدوّا للراحة مثله..؟؟
أما آن لسده الجهد أن ينام قليل..؟؟ هو الذي كان يصفه أصحابه وأعداؤه بأنه:
" الرجل الذي ل ينام ول يترك أحدا ينام"..؟؟
أما هو ،فلو خيّر لختار أن يدّ ال له ف عمره مزيدا من الوقت يواصل فيه هدم البقايا التعفنة القدية،
ويتابع عمله وجهاده ف سبيل ال والسلم..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ان روح هذا الرجل وريانه ليوجدان دائما وابدا ،حيث تصهل اليل ،وتلتمع السنّة ،وتفق رايات
التوحيد فوق اليوش السلمة..
وأنه ليقول:
ب الّ من ليلة شديدة الليد ،ف سريّة من
" ما ليلة يهدى الّ فيها عروس ،أو أبشّر فيها بوليد ،بأح ّ
الهاجرين ،أصبح بم الشركي"..
من أجل ذلك ،كانت مأساة حياته أن يوت ف فراشه ،وهو الذي قضى حياته كلها فوق ظهر
جواده ،وتت بريق سيفه...
هو الذي غزا مع الرسول صلى ال عليه وسلم ،وقهر أصحاب الردّة ،وسوّى بالتراب عرش فارس
والروم ،وقطع الرض وثبا ،ف العراق خطوة خطوة ،حت فتحها للسلم ،وف بلد الشام خطوة
خطوة حت فتحها كلها للسلم...
أميا يملشظف الندي وتواضعه ..وجنديا يمل مسؤولية المي وقدوته..
كانت مأساة حياة البطل أن يوت البطل على فراشه!!..
هنالك قال ودموعه تنثال من عينيه:
" لقد شهدت كذا ،وكذا زحفا ،وما ف جسدي موضع ال وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح ،أ ،رمية
سهم..
ث هأنذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يوت البعي ،فل نامت أعي البناء"!..
كلمات ل ييد النطق با ف مثل هذا الوطن ،ال مثل هذا الرجل ،وحي كان يستقبل لظات
الرحيل ،شرع يلي وصيّته..
أترون ال من أوصى..؟
ال عمر بن الطاب ذاته!!..
أتدرون ما تركته..؟
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
فرسه وسلحه!!..
ث ماذا؟؟
ل شيء قط ،ما يقتن الناس ويتلكون!!..
ذلك أنه ل يكن يستحزذ عليه وهو حيّ ،سوى اقتناء النصر وامتلك الظفر على أعداء الق.
وما كان ف متاع الدنيا جيعه ما يستحوذ على حرصه..
شيء واحد ،كان يرص عليه ف شغف واستماتة ..تلك هي قلنسوته"..
سقطت منه يوم اليموك .فأضن نفسه والناس ف البحث عنها ..فلما عوتب ف ذلك قال:
" ان فيها بعضا من شعر ناصية رسول ال وان أتافاءل با ،وأستنصر".
**
وأخيا ،خرج جثمان البطل من داره ممول على أعناق أصحابه ورمقته أم البطل الراحل بعيني
اختلط فيهما بريق العزم بغاشية الزن فقالت تودّعه:
م اذا ما كبت وجوه الرجال أنت خي من ألف ألف من القو
ث غضنفر يذود عن أشبال أشجاع..؟ فأنت أشجع من ل
ل غامر يسيل بي البال أجواد..؟ فأنت أجود من سي
وسعها عمر فازداد قلبه خفقا ..ودمعه دفقا ..وقال:
" صدقت..
وال ان كان لكذلك".
وثوى البطل ف مرقده..
ووقف أصحابه ف خشوع ،والدنيا من حولم هاجعة ،خاشعة ،صامتة..
ل يقطع الصمت الهيب سوى صهيل فرس جاءت تركض بعد أن خلعت رسنها ،وقطعت شوارع
الدينة وثبا وراء جثمان صاحبها ،يقودها عبيه وأريه..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
واذ بلغت المع الصامت والقب الرطب لوت برأسها كالراية ،وصهيلها يصدح ..تاما مثلما كانت
تصنع والبطل فوق ظهرها ،يهدّ عروش فارس والروم ،ويشفي وساوس الوثنية والبغي ،ويزيح من
طريق السلم كل قوى التقهقر والشرك...
وراحت وعيناها على القب ل تزيغان تعلو برأسها وتبط ،ملوّحة لسيدها وبطلها مؤدية له تية
الوداع!!..
ث مقفت ساكنة ورأسها مرتفع ..وجبهتها عالية ..ولكن من آقيها تسيل دموع غزار وكبار!!..
لقد وقفها خالد مع سلحه ف سبيل ال..
ولكن هل سيقدر فارس على أن يتطي صهوتا بعد خالد..؟؟
وهل ستذلل ظهرها لحد سواه..؟؟
ايه يا بطل كل نصر..
ويا فجر كل ليلة..
لقد كنت تعلو بروح جيشك على أهوال الزحف بقولك لندك:
" عند الصباح يمد القوم السرى"..
حت ذهبت عنك مثل..
وهأنتذا ،قد أتمت مسراك..
فلصباحك المد أبا سليمان!!..
ولذكراك الجد ،والعطر ،واللد ،يا خالد!!..
ودعنا ..نردد مع أمي الؤمني عمر كلماته العذاب الرطاب الت ودّعك با ورثاك:
" رحم ال أبا سليمان
ما عند ال خي ما كان فيه
ولقد عاش حيدا
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ومات سعيدا
قيس بن سعد بن عبادة
أدهى العرب ،لول السلم
كان النصار يعاملونه على حداثة سنه كزعيم..
وكانوا يقولون ":لو استطعنا أن نشتري لقيس لية بأموالنا لفعلنا"..
ذلك أنه كان أجرد ،ول يكن ينقصه من صفات الزعامة ف عرف قومه سوى اللحية الت كان الرجال
يتوّجون با وجوههم.
فمن هذا الفت الذي ودّ قومه لو يتنازلون عن أموالم لقاء لية تكسو وجهه ،وتكمل الشكل
الارجي لعظمته القيقية ،وزعامته التفوقة..؟؟
انه قيس بن سعد بن عبادة.
من أجود بيوت لعرب وأعرقها ..البيت الذي قال فيه الرسول عليه الصلة والسلم:
" ان الود شيمة أهل هذا البيت"..
وانه الداهية الذي يتفجر حيلة ،ومهارة ،وذكاء ،والذي قال عن نفسه وهو صادق:
" لول السلم ،لكرت مكرا ل تطيقه العرب"!!..
ذلك أنه حادّ الذكاء ،واسع اليلة ،متوقّد الذهن.
ولقد كان مكانه يوم صفي مع علي ضدّ معاوية ..وكان يلس مع نفسه فيسم الدعة الت يكن
أن يؤدي بعاوية وبن معه ف يوم أو ببعض يوم ،بيد أنه يتفحص خدعته هذه الت تفتق عنها ذكاؤه
فيجدها من الكر السيء الطر ،ث يذكر قول ال سبحانه:
( ول ييق الكر السوء ال بأهله)..
فيهبّ من فوره مستنكرا ،ومستغفرا ،ولسان حاله يقول:
" وال لئن قدّر لعاوية أن يغلبنا ،فلن يغلبنا بذكائه ،بل بورعنا وتقوانا"!!..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ان هذا النصاري الزرجي من بيت زعامة عظيم ،ورث الكارم كابرا عن كابر ..فهو ابن سعد بن
عبادة ،زعيم الزرج الذي سيكون لنا معه فيما بعد لقاء..
وحي أسلم سعد أخذ بيد ابنه قيس وقدّمه ال الرسول قائل:
" هذا خادمك يا رسول ال"..
ورأى لرسول ف قيس كل سات التفوّق وأمائر الصلح..
فأدناه منه وقرّبه اليه وظل قيس صاحب هذه الكانة دائما..
يقول أنس صاحب رسول ال:
" كان قيس بن سعد من النب ،بكان صاحب الشرطة من المي"..
وحي كان قيس ،قبل السلم يعامل الناس بذكائه كانوا ل يتملون منه ومضة ذهن ،ول يكن ف
الدينة وما حولا ال من يسب لدهائه ألف حساب ..فلما أسلم ،علّمه السلم أن يعامل الناس
باخلصه ،ل بدهائه ،ولقد كان ابنا بارّا للسلم ،ومن ثّ نّى دهاءه جانبا ،ول يعد ينسج به
مناوراته القاضية ..وصار كلما واجه موقعا صعبا ،يأخذه الني ال دهائه القيد ،فيقول عبارته
الأثورة:
" لول السلم ،لكرت مكرا ل تطيقه العرب"!!...
**
ول يكن بي خصاله ما يفوق ذكائه سوى جوده ..ول يكن الود خلقا طارئا على قيس ،فهو من
بيت عريق ف الود والسخاء ،كان لسرة قيس ،على عادة أثرياء وكرام العرب يومئذ ،مناد يقف
فوق مرتفع لم وينادي الضيفان ال طعامهم نارا ...أو يوقد النار لتهدي الغريب الساري ليل..
وكان الناس يومئذ يقولون ":من أحبّ الشحم ،واللحم ،فليأت أطم دليم بن حارثة"...
ودليم بن حارثة ،هو الد الثان لقيس..
ففي هذا البيت العريق أرضع قيس الود والسماح..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
تّث يوما أبا بكر وعمر حول جود قيس وسخائه وقال:
" لو تركنا هذا الفت لسخائه ،لهلك مال أبيه"..
وعلم سعد بن عبادة بقالتهما عن ابنه قيس ،فصاح قائل:
" من يعذرن من أب قحافة ،وابن الطّاب ..يبخلن عليّ ابن"!!..
وأقرض أحد اخوانه العسرين يوما قرضا كبيا..
وف الوعد الضروب للوفاء ذهب الرجل ير ّد ال قيس قرضه فأب أن يقبله وقال:
" انا ل نعود ف شيء أعطيناه"!!..
**
وللفطرة النسانية نج ل يتخلف ،وسنّة ل تتبدّل ..فحيث يوجد الود توجد الشجاعة..
أجل ان الود القيقي والشجاعة القيقية توأمان ،ل يتخلف أحدها عن الخر أبدا ..واذا وجدت
جودا ول تد شجاعة فاعلم أن هذا الذي تراه ليس جودا ..وانا هو مظهر فارغ وكاذب من مظاهر
الزهو الدّعاء ...واذا وجدت شجاعة ل يصاحبها جود ،فاعلم أنا ليست شجاعة ،انا هي نزوة من
نزوات التهوّر والطيش...
ولا كان قيس بن سعد يسك أعنة الود بيمينه فقد كان يسك بذات اليمي أعنّة الشجاعة
والقدام..
لكأنه العنّ بقول الشاعر:
اذا ما راية رفعت لجد تلقاها عرابة باليمي
تألقت شجاعته ف جيع الشاهد الت صاحب فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو حيّ..
وواصلت تألقها ،ف الشاهد الت خاضها بعد أن ذهب الرسول ال الرفيق العلى..
والشجاعة الت تعتمد على الصدق بدل الدهاء ..وتتوسل بالوضوح والاوجهة ،ل بالناورة والراوغة،
تمّل صاحبها من الصاعب والشاق من يؤوده ويضنيه..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ومنذ ألقى قيس وراء ظهره ،قدرته الارقة على الدهاء والناورة ،وحل هذا الطراز من الشجاعة
السفرة الواضحة ،وهو قرير العي با تسببه له من متاعب وما تلبه من تبعات...
ان الشجاعة القة تنقذف من اقتناع صاحبها وحده..
هذا القتناع الذي ل تكوّنه شهوة أو نزوة ،انا يكوّنه الصدق مع النفس ،والخلص للحق...
وهكذا حي نشب اللف بي عليّ ومعاوية ،نرى قيسا يلوبنفسه ،ويبحث عن الق من خلل
اقتناعه ،حت اذا ما رآه مع عليّ ينهض ال جواره شاما ،قويا مستبسل..
وف معارك صفّي ،والمل ،ونروان ،كان قيس أحد أبطالا الستبسلي..
كان يمل لواء النصار وهو يصيح:
هذا اللواء الذي كنا نفّ به
مع النب وجبيل لنا مدد
ما ضرّ من كانت النصار عيبته
أل يكون له من غيهم أحد
ولقد وله المام عليّ حكم مصر..
وكانت عي معاوية على مصر دائما ...كان ينظر اليها كأثن درّة ف تاجه النتظر...
من أجل ذلك ل يكد يرى قيسا يتول امارتا حت جنّ جنونه وخشي أن يول قيس بينه وبي مصر
ال البد ،حت لو انتصر هو على المام عل ّي انتصارا حاسا..
وهكذا راح بكل وسائله الاكرة ،وحيله الت ل تجم عن أمر ،يدسّ عند علي ضدّ قيس ،حت
استدعاه المام منمصر..
وهنا وجد قيس فرصة سعيدة ليستكمل ذكاءه استعمال مشروعا ،فلقد أدرك بفطنته أن معاوية
لعب ضدّه هذه اللعبة بعد أن فشل ف استمالته ال جانبه ،لكي يوغر صدره ض ّد المام علي ،ولكي
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
يضائل من ولئه له ..واذن فخي رد على دهاء معاوية هو الزيد من الولء لعليّ وللحق الذي يثله
عليّ ،والذي هو ف نفس الوقت مناط القتناع الرشيد والكيد لقيس بن سعد بن عبادة..
وهكذا ل يس لظة أن عليّا عزله عن مصر ..فما الولية ،وما المارة ،وما الناصب كلها عند قيس
ال أدوات يدم با عقيدته ودينه ..ولئن كانت امارته على مصر وسيلة لدمة الق ،فان موقفه بوار
عليّ فوق أرض العركة وسيلة أخرى ل تقل أهيّة ول روعة..
**
وتبلغ شجاعة قيس ذروة صدقها وناها ،بعد استشهاد عليّ وبيعة السن..
لقد اقتنع قيس بأن السن رضي ال عنه ،هو الوارث الشرعي للمامة فبايعه ووقف ال جانبه غي ملق
ال الخطار وبال..
وحي يضطرّهم معاوية لمشاق السيوف ،ينهض قيس فيقود خسة آلف من الذين حلقوا رؤوسهم
حدادا على المام علي..
ويؤثر السن أن يضمّد جراح السلمي الت طال شحوبا ،ويضع حدّا للقتال الفن البيد فيفاوض
معاوية ث يبايعه..
هنا يدير قيس خواطره على السألة من جديد ،فيى أنه مهما يكن ف موقف السن من الصواب،
فان لنود قيس ف ذمّته حق الشورى ف اختيار الصي ،وهكذا يمعهم ويطب فيهم قائل:
" ان شئتم جالدت بكم حت يوت العجل منا ،وان شئتم أخذت لكم أمانا..:
واختار جنوده المر الثان ،فأخذ لم المام من معاوية الذي مل البور نفسه حي رأى مقاديره تريه
من أقوى خصومه شكيمة وأخطرهم عاقبة...
وف الدينة النوّرة ،عام تسع وخسي ،مات الداهية الذي روّض السلم دهاءه..
مات الرجل الذي كان يقول:
لول أن سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم ب\يقول:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وذات يوم ضمّه ملس ابن عمّه صفوان بن أميّة ..وكان صفوان يضغ أحقاده ف مرارة قاتلة ،فان أباه
أميّة بن خلف قد لقي مصرعه ف بدر وسكنت عظامه القليب.
جلس صفوان وعمي يترّان أحقادها..
ولندع عروة بن الزبي ينقل الينا حديثهما الطويل:
" قال صفوان ،وهو يذكر قتلى بدر :وال ما ف العيش بعدهم من خي!..
وقال له عمي :صدقت ،ووال لول دين ممد عليّ ل أملك قضاءه ،وعيال أخشى عليهم الضيعة
بعدي لركبت ال ممد حت أقتله ،فان ل عنده علة أعتلّ با عليه :أٌقول قدمت من أجل ابن هذا
السي.
فاغتنمها صفوان وقال :عليّ دينك ..أنا أقضيه عنك ..وعيالك مع عيال أواسيهم ما بقوا..
فقال له عمي:اذن فاكتم شأن وشأنك"...
ث أمر عمي بسيفه فشحذ له وسمّ ،ث انطلق حت قدم الدينة.
وبينما عمر بن الطاب ف نفر من السلمي يتحدثون عن يوم بدر ،ويذكرون ما أكرمهم ال به ،اذ
نظر عمر فرأى عمي بن وهب ،قد أناخ راحلته على باب السجد ،متوشحا سيفه ،فقال:
هذا الكلب عدو ال عمي بن وهب ،وال ما جاء ال لشرّ..
فهو الذي حرّش بيننا وحزرنا للقوم يوم بدر..
ث دخل عمر على رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فال:
يا نب ال هذا عدو ال عمي بن وهب قد جاء متوشحا سيفه..
قال صلى ال عليه وسلم:
أدخله عليّ "..فأقبل عمر حت أخذ بمالة سيفه ف عنقه فلبّبه با ،وقال لرجال من كانوا معه من
النصار ،ادخلوا على رسول ال صلى ال عليه وسلم فاجلسوا عنده واحذروا عليه من هذا البيث،
فانه غي مأمون".
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ودخل به عمر على النب صلى ال عليه وسلم ،وهو آخذ بمّالة سيفه ف عنقه فلما رآه الرسول قال:
دعه يا عمر..
اذن يا عمي..
فدنا عمي وقال :انعموا صباحا ،وهي تيّة الاهلية،
فقال له النب صلى ال عليه وسلم :قد أكرمنا ال بتحية خي من تيتك يا عمي ،بالسلم ..تية أهل
النة.
فقال عمي :أما وال يا ممد ان كنت با لديث عهد.
قال لرسول :فما جاء بك يا عمي..؟؟
قال :جئت لذا السي الذي ف أيديكم.
قال النب :فما بال السيف ف عنقك..؟؟
قال عمي :قبّحها ال من سيوف ،وهل أغنت عنا شيئا..؟!
قال الرسول صلى ال عليه وسلم :أصدقن يا عمي ،ما الذي جئت له..؟
قال :ما جئت ال لذلك.
قال الرسول صلى ال عليه وسلم :بل قعدت أنت وصفوان بن أميّة ف الجر فذكرتا أصحاب
القليب من قريش ،ث قلت ،لول دين عليّ ،وعيال عندي لرجت حت أقتل ممدا ،فتحمّل لك
صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلن له ،وال حائل بينك وبي ذلك!!!..
وعندئذ صاح عمي :أشهد أن ل اله ال ال ،وأشهد أنك رسول ال ..هذا أمر ل يضره ال أنا
وصفوان ،فوال ما أنبأك به ال ال ،فالمد ل الذي هدان للسلم..
فقال الرسول لصحابه :فقّهوا أخاكم ف الدين وأقرئه القرآن ،وأطلقوا أسيه!!....
**
خكذا أسلم عمي بن وهب..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
هكذا أسلم شيطان قريش ،وغشيه من نور الرسول والسلم ما غشيه فاذا هو ف لظة يتقلب ال
حواريّ السلم!!..
يقول عمر بن الطاب رضي ال عنه:
" والذي نفسي بيده ،لنير كان أحبّ الّ من عمي حي طلع علينا..
ولو اليوم أحبّ الّ من بعض ولدي"!!..
**
جلس عمي يفكّر بعمق ف ساحة هذا الدين ،وف عظمة هذا الرسول:
ث تذكر بلءه يوم بدر وقتاله.
وتذكر أيامه الوال ف مكة وهو يكيد للسلم وياربه قبل هجرة الرسول وصحبه ال الدينة.
ث هاهو ذا ييء اليوم متوشحا سيفه ليقتل به الرسول.
كل ذلك يحوه ف لظة من الزمان قوله ":ل اله ال ال ،ممد رسول ال"!!..
أيّة ساحة ،وأي صفاء ،وأية ثقة بالنفس يملها هذا الدين العظيم!!..
أهكذا ف لظة يحو السلم كل خطاياه السالفة ،وينسى السلمون كل جرائره وعداواته السابقة،
ويفتحون له قلوبم ،ويأخذونه بالحضان..؟!
أهكذا والسيف الذي جاء معقودا على شرّ طوية وشرّ جرية ،ل يزال يلمع أمام أبصارهم ،ينسي
ذلك كله ،ول يذكر الن ال أن عميا باسلمه ،قد أصبح احدا من السلمي ومن أصحاب الرسول،
له ما لم ..وعليه ما عليهم..؟!!!
أهكذا وهو الذي ودّ عمر بن الطاب منذ لظتي أن يقتله ،يصبح أحب ال عمر من ولده
وبنيه..؟؟؟!!!
اذا كانت لظة واحدة من الصدق ،تلك الت أعلن فيها عمر اسلمه ،تظى من السلم بكل هذا
التقدير والتكري والثوبة والجلل ،فان السلم اذن لو دين عظيم!!..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
**
وف لظات عرف عمي واجبه تاه هذا الدين ..أن يدمه بقدر ما حاربه ،وان يدعو اليه ،بقدر ما
دعا ضدّه ..وأن يري ال ورسوله ما يب ال ورسوله من صدق ،وجهاد وطاعة ..وهكذا أقبل على
رسول ال ذات يوم ،قائل:
" يا رسول ال :انب كنت جاهدا على اطفاء نور ال ،شديد الذى لن كان على دين ال عز وجل،
وان أحب أن تأذن ل فأقدم مكة ،فأدعوهم ال ال تعال ،وال رسوله ،وال السلم ،لع ّل ال
يهيدهم ،وال آذيتهم ف دينهم كما كنت أوذي أصحابك ف دينهم"..
ف تلك اليام ،ومنذ فارق عمي مكة متوجها ال الدينة كان صفوان بن أمية الذي اغرى عميا
بالروج لقتل الرسول ،يشي ف شوارع مكة متال ،ويغشي مالسها وندواتا فرحا مبورا!..
وكلما سأله قومه واخوته عن شسر فرحته ونشوته ،وعظام أبيه ل تزال ساخنة ف حظائر بدر ،يفرك
كفّيه ف غرور يقول للناس ":أبشروا بوقعة يأتيكم نبأها بعد أيام تنسيكم وقعة بدر"!..
وكان يرج ال مسارف مكة كل صباح يسأل القوافل والركبان ":أل يدث بالدينةأمر".
وكانوا ييبونه با ل يب ويرضى ،فما منهم من أحد سع أو رأى ف الدينة حدثا ذا بال.
ول ييأس صفوان ..بل ظلّ مثابرا على مساءلة الركبان ،حت لقي بعضهم يوما فسأله ":أل يدث
بالدينةأمر"..؟؟
فأجابه السافر :بلى حدث أمر عظيم!!..
وتللت أسارير صفوان وفاضت نفسه بكل ما ف الدنيا من بجة وفرح..
وعاد يسأل الرجل ف عجلة الشتاق ":ماذا حدث اقصص عليّ" ..وأجابه الرجل :لقد أسلم عمي بن
وهب ،وهو هناك يتفقه ف الدين ،ويتعلم القرآن"!!..
ودرات الرض بصفوان ..والوقعة الت كان يبشر با قومه ،والت كان ينتظهرا لتنسيه وقعة بدر جاءته
اليوم ف هذا النبأ الصاعق لتجعله حطاما!!..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
**
وذات يوم بلغ السافر داره ..وعاد عمي ال مكة شاهرا سيفه ،متحفزا للقتال ،ولقيه أول ما لقيه
صفوان بن أمية..
وما كاد يراه حت هم بهاجته ،ولكن السيف التحفز ف يد عمي ردّه ال صوابه ،فاكتفى بأن ألقى
على سع عمي بعض شتائمه ث مضى لسبيله..
دخل عمي بن وهب مكة مسلما ،وهو الذي فارقها من أيام مشركا ،دخلها وف روعة صورة عمر
بن الطاب يوم أسلم ،ث صاح فور اسلمه قائل:
" وال ل أدع مكانا جلست فيه بالكفر ،ال جلست فيه باليان".
ولكأنا اتذ عمي من هذه الكلمات شعارا ،ومن ذلك الوقف قدوة ،فقد صمم على نذر حياته
للدين الذي طالا حاربه ..ولقد كان ف موقف يسمح له بأن ينل الذى بن يريد له الذى..
وهكذا راح يعوّض ما فاته ..ويسابق الزمن ال غايته ،فيبشر بالسلم ليل ونارا ..علنية واجهارا..
ف قلبه ايانه يفيض عليه أمنا ،وهدى ونورا..
وعلى لسانه كلمات حق ،يدعو با ال العدل والحسان والعروف والي..
وف يينه سيف يرهب به قطاع الطق الذين يصدّون عن سبيل ال من آمن به ،ويبغونا عوجا.
وف بضعة أسابيع كان الذين هدوا ال السلم على يد عمي يفوق عددهم كل تقدير يكن أن يطر
ببال.
وخرج عمي بم ال الدينة ف موكب طويل مشرق.
وكانت الصحراء الت يتازونا ف سفرهم ل تكتم دهشتها وعجبها من هذا الرجل الذي مرّ من
قريب حامل سيفه ،حاثّا خطاه ال الدينة ليقتل الرسول ،ث عبها مرّة أخرى راجعا من الدينة بغي
الوجه الذي ذهب به يرتل القرآن من فوق ظهر ناقته الحبورة ..ث ها هو ذا يتازها مرة ثالثة على
رأس موكب كبي من الؤمني يلؤون رحابا تليل وتكبيا..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
**
أجل لنه لنبأ عظيم ..نبأ شيطان قريش الذي أحالته هداية ال ال حواريّ باسل من حوارييّ
السلم ،والذي ظلّ زاقفا ال جوار رسول ال ف الغزوات والشاهد ،وظ ّل ولؤه لدين ال راسخا
بعد رحيل الرسول عن الدنيا.
وف يوم فتح مكة ل ينس عمي صاحبه وقريبه صفوان بن أمية فراح اليه يناشده السلم ويدعوه اليه
بعد أن ل يبق شك ف صدق الرسول ،وصدق الرسالة..
بيد أن صفوان كان قد شدّ رحاله صوب جدّة ليبحر منها ال اليمن..
واشتدّ اشفاق عمي على صفوان ،وصمم على أن يستردّه من يد الشيطان بكل وسيلة.
وذهب مسرعا ال رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال له:
ب ال ان صفوان بن أميّة سيّد قومه ،وقد خرج هاربا منك ليقذف نفسه ف البحر فأمّنه صلى " يا ن ّ
ال عليك،
فقال النب :هو آمن.
قال رسول ال فأعطن آية يعرف با أمانك ،فأعطاه الرسول صلى ال عليه وسلم عمامته الت دخل
فيها مكة"..
ولندع عروة بن الزبي يكمل لنا الديث:
" فخرج با عمي حت أدركه وهو يريد أن يركب البحر فقال :يا صفوان ،فداك أب وأمي ..ال ال
ف نفسك أن تلكها ..هذا أمان رسول ال صلى ال عليه وسلم قد جئتك به..
قال له صفوان :ويك ،اغرب عن فل تكلمن .قال :أي صفوان..فداك أب وأمي ،ان رسول ال
صلى ال عليه وسلم أفضل الناس ،وأبرّ الناس ،وأحلم الناس ،وخي النس ..عزّه عزّك ،وشرفه
شرفك..
قال :ان أخاف على نفسي..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ولذكر ال أكب"..
**
ل يكن هذا الكيم العجيب يبشر بفلسفة انعزالية ول يكن بكلماته هذه يبشر بالسلبية ،ول
بالنسحاب من تبعات الدين الديد ..تلك التبعات الت يأخذ الهاد مكان الصدارة منها...
أجل ..ما كان أبو الدرداء ذلك الرجل ،وهو الذي حل سيفه ماهدا مع رسول ال صلى ال عليه
وسلم منذ أسلم ،حت جاء نصر ال والفتح..
بيد أنه كان من ذلك الطراز الذي يد نفسه ف وجودها المتلئ اليّ ،كلما خل ال التأمل ،وأوى
ال مراب الكمة ،ونذر حياته لنشدان القيقة واليقي..؟؟
ولقد كان حكيم تلك اليام العظيمة أبو الدرداء رضي ال عنه انسانا يتملكه شوق عارم ال رؤية
القيقة واللقاء با..
واذ قد آمن بال وبرسوله ايانا وثيقا ،فقد آمن كذلك بأن هذا اليان با يليه من واجبات وفهم،
هو طريقه المثل والوحد ال القيقة..
وهكذا عكف على ايانه مسلما ال نفسه ،وعلى حياته يصوغها وفق هذا اليان ف عزم ،ورشد،
وعظمة..
ومضى على الدرب حت وصل ..وعلى الطريق حت بلغ مستوى الصدق الوثيق ..وحت كان يأخذ
مكانه العال مع الصادقي تاما حي يناجي ربه مرتل آته..
( ان صلت ونسكي ومياي ومات ل رب العلمي).
أجل ..لقد انتهى جهاد أب الدرداء ضدّ نفسه ،ومع نفسه ال تلك الذروة العالية ..ال ذلك التفوق
البعيد ..ال ذلك التفان الرهبان ،الذي جعل حياته ،كل حياته ل رب العالي!!..
**
والن تعالوا نقترب من الكيم والقدّيس ..أل تبصرون الضياء الذي يتلل حول جبينه..؟
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وهو يدعو الناس ال امتلك الدنيا والستغناء عنها ..فذلك هو المتلك القيقي لا ..أما الري وراء
أطماعها الت ل تؤذن بالنتهاء ،فذلك شر ألوان العبودية والرّق.
هنالك يقول:
" من ل يكن غنيا عن الدنيا ،فل دنيا له"..
والال عنده وسيلة للعيش القنوع تامعتدل ليس غي.
ومن ث فان على الناس أن يأخذوه من حلل ،وأن يكسبوه ف رفق واعتدال ،ل ف جشع وتالك.
فهو يقول:
" ل تأكل ال طيّبا..
ول تكسب ال طيّبا..
ول تدخل بيتك ال طيّبا".
ويكتب لصاحب له فيقول:
" ..أما بعد ،فلست ف شيء من عرض الدنيا ،وال وقد كان لغيك قبلك ..وهو صائر لغيك بعدك..
وليس لك منه ال ما قدّمت لنفسك ...فآثرها على من تمع الال له من ولدك ليكون له ارثا ،فأنت
انا تمع لواحد من اثني:
اما ولد صال يعمل فيه بطاعة ال ،فيسعد با شقيت به..
واما ولد عاص ،يعمل فيه بعصية ال ،فتشقى با جعت له،
فثق لم با عند ال من رزق ،وانج بنفسك"!..
كانت الدنيا كلها ف عي أب الدرداء مرّد عارية..
عندما فتحت قبص وحلت غنائم الرب ال الدينة رأى الناس أبا الدرداء يبكي ...واقتربوا دهشي
يسألونه ،وتول توجيه السؤال اليه ":جبي بن نفي":
قال له:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
" يا أبا الدرداء ،ما يبكيك ف يوم أعز ال فيه السلم وأهله"..؟؟
فأجاب أبو الدرداء ف حكمة بالغة وفهم عميق:
ويك يا جبي..
ما أهون اللق على ال اذا هم تركوا أمره..
بينما هي أمة ،ظاهرة ،قاهرة ،لا اللك ،تركت أمر ال ،فصارت ال ما ترى"!..
أجل..
وبذا كان يعلل النيار السريع الذي تلحقه جيوش السلم بالبلد الفتوحة ،افلس تلك البلد من
روحانية صادقة تعصمها ،ودين صحيح يصلها بال..
ومن هنا أيضا ،كان يشى على السلمي أياما تنحلّ فيها عرى اليان ،وتضعف روابطهم بال،
وبالق ،وبالصلح ،فتنتقل العارية من أيديهم ،بنفس السهولة الت انتقلت با من قبل اليهم!!..
**
وكما كانت الدنيا بأسرها مرّد عارية ف يقينه ،كذلك كانت جسرا ال حياة أبقى وأروع..
دخل عليه أصحابه يعودونه وهو مريض ،فوجدوه نائما على فراش من جلد..
فقالوا له ":لو شئت كان لك فراش أطيب وأنعم"..
فأجابم وهو يشي بسبّابته ،وبريق عينيه صوب المام البعيد:
" ان دارنا هناك..
لا نمع ..واليها نرجع..
نظعن اليها .ونعمل لا"!!..
وهذه النظرة ال الدنيا ليست عند أب الدرداء وجهة نظر فحسب بل ومنهج حياة كذلك..
خطب يزيد بن معاوية ابنته الدرداء فردّه ،ول يقبل خطبته ،ث خطبها واحد من فقراء السلمي
وصاليهم ،فزوّجها أبو الدرداء منه.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
**
واذاكان هذا أحد وجهي العبادة عند أب الدرداء ،فان وجهها الخر هو العلم والعرفة..
ان أبا الدرداء يقدّس العلم تقديسا بعيدا ..يقدّسه كحكيم ،ويقدّسه كعابد فيقول:
" ل يكون أحدكم تقيا جت يكون عالا..
ولن يكون بالعلم جيل ،حت يكون به عامل".
أجل..
فالعلم عنده فهم ،وسلوك ..معرفة ،ومنهج ..فكرة حياة..
ولن تقديسه هذا تقديس رجل حكيم ،نراه ينادي بأن العلم كالتعلم كلها سواء ف الفضل،
والكانة ،والثوبة..
ويرى أن عظمة الياة منوطة بالعلم اليّر قبل أي شيء سواه..
ها هو ذا يقول:
" مال أرى العلماء كم يذهبون ،وجهّالكم ل يتعلمون؟؟ أل ان معلّم الي والتعلّم ف الجر سواء..
ول خي ف سائر الناس بعدها"..
ويقول أيضا:
" الناس ثلثة..
عال..
ومتعلم..
والثالث هج ل خي فيه".
وكما رأينا من قبل ،ل ينفصل العلم ف حكمة أب الدرداء رضي ال عنه عن العمل.
يقول:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
" ان أخشى ما أخشاه على نفسي أن يقال ل يوم القيامة على رؤوس اللئق :يا عوير ،هل
علمت؟؟
فأقول نعم..
فيقال ل :فماذا عملت فيما علمت"..؟
وكان يلّ العلماء العاملي ويوقرهم توقيا كبيا ،بل كان يدعو ربّه ويقول:
" اللهم ان أعوذ بك أن تلعنن قلوب العلماء"..
قيل له:
وكيف تلعنك قلوبم؟
قال رضي ال عنه:
" تكرهن"!..
أرأيتم؟؟
انه يرى ف كراهيّة العال لعنة ل يطيقها ..ومن ّث فهو يضرع ال ربه أن يعيذه منها..
وتستوصي حكمة أب الدرداء بالخاء خيا ،وتبن علقة النسان بالنسان على أساس من واقع
الطبيعة النسانية ذاتا فيقول:
" معاتبة الخ خي لك من فقده ،ومن لك بأخيك كله..؟
أعط أخاك ولن له..
ول تطع فيه حاسدا ،فتكون مثله.
غدا يأتيك الوت ،فيكفيك فقده..
وكيف تبكيه بعد الوت ،وف الياة ما كنت أديت حقه"..؟؟
ومراقبة ال ف عباده قاعدة صلبة يبن عليها أبو الدرداء حقوق الخاء..
يقول رضي ال عنه وأرضاه:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
" ان أبغض أن أظلم أحدا ..ولكن أبغض أكثر وأكثر ،أن أظلم من ل يستعي عليّ ال بال العليّ
الكبي"!!..
يل لعظمة نفسك ،واشراق روحك يا أبا الدرداء!!..
انه يذّر الناس من خداع الوهك ،حي يظنون أن الستضعفي العزّل أقرب منال من أيديهم ،ومن
بأسهم!..
ويذكّرهم أن هؤلء ف ضعفهم يلكون قوّة ماحقة حي يتوسلون ال ال عز وجل بعجزهم،
ويطرحون بي يديه قضيتهم ،وهو أنم على الناس!!..
هذا هو أبو الدرداء الكيم!..
هذا هو أبو الدرداء الزاهد ،العابد ،الوّاب..
هذا هو أبو الدرداء الذي كان اذا أطرى الناس تقاه ،وسألوه الدعاء ،أجابم ف تواضع وثيق قائل:
" ل أحسن السباحة ..وأخاف الغرق"!!..
**
كل هذا ،ول تسن السباحة يا أبا الدرداء..؟؟
ولكن أي عجب ،وأنت تربية الرسول عليه الصلة والسلم ...وتلميذ القرآن ..وابن السلم الوّل
وصاحب أب بكر وعمر ،وبقيّة الرجال!..؟
زيد بن الطاب
صقر يوم اليمامة
جلس النب صلى ال عليه وسلم يوما ،وحوله جاعة من السلمي وبينما الديث يري ،أطرق
الرسول لظات ،ث وجّه الديث لن حوله قائل:
" ان فيكم لرجل ضرسه ف النار أعظم من جبل أحد"..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وظل الوف بل لرعب من الفتنة ف الدين ،يراود ويلحّ على جيع الذين شهدوا هذا الجلس مع
رسول ال صلى ال عليه وسلم ...كل منهم ياذر ويشى أن يكون هو الذي يتربّص به سوء النقلب
وسوء التام..
ولكن جيع الذين وجّه اليهم الديث يومئذ ختم لم بي ،وقضوا نبهم شهداء ف سبيل ال .وما
بقي منهم حيّا سوى أب هريرة والرّجّال لن عنفوة.
ولقد ظلّ أبو هريرة ترتعد فرائصه خوفا من أن تصيبه تلك النبوءة .ول يرقأ له جفن ،وما هدأ له
بال حت دفع القدر الستار عن صاحب الظ التعس .فارتدّ الرّجّال عن السلم ولق بسيلمة
الكذاب ،وشهد له بالنبوّة.
هنالك استبان الذي تنبأ له الرسول صلى ال عليه وسلم بسوء النقلب وسوء الصي..
والرّجّال بن عنفوة هذا ،ذهب ذات يوم ال الرسول مبايعا ومسلما ،ولا تلقّى منه السلم عاد ال
قومه ..ول يرجع ال الدينة ال اثر وفاة الرسول واختيار الصدّيق خليفة على السملي ..ونقل ال أب
بكر أخبار أهل اليمامة والتفافهم حول مسيلمة ،واقترح على الدّيق أن يكون مبعوثه اليهم يثبّتهم على
السلم ،فأذن له الليفة..
وتوجّه الرّجّال ال أهل اليمامة ..ولا رأى كثرتم الائلة ظنّ أنم الغالبون ،فحدّثته نفسه الغتدرة أن
يتجز له من اليوم مكانا ف دولة الكذّاب الت ظنّها مقبلة وآتية ،فترك السلم ،وانض ّم لصفوف
مسيلمة الذي سخا عليه بالوعود.
وكان خطر الرّجّال على السلم أشدّ من خطر مسيلمة ذاته.
ذلك ،لنه استغلّ اسلمه السابق ،والفترة الت عاشها بالدينة أيام الرسول ،وحفظه ليات كثية من
القرآن ،وسفارته لب بكر خليفة السلمي ..استغلّ ذلك كله استغلل خبيثا ف دعم سلطان مسيلمة
وتوكيد نبوّته الكاذبة.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
لقد سار بي الناس يقول لم :انه سع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ":انه أشرك مسيلمة بن
حبيب ف المر" ..وما دام الرسول صلى ال عليه وسلم قد مات ،فأحق الناس بمل راية النبوّة
والوحي بعده ،هو مسيلمة!!..
ولقد زادت أعي اللتفي حول مسيلمة زيادة طافحة بسبب أكاذيب الرّجّال هذا .وبسبب استغلله
الاكر لعلقاته السابقة بالسلم وبالرسول.
وكانت أنباء ال ّرجّال تبلغ الدينة ،فيتحرّق السلمون غيظا من هذا الرتدّ الطر الذي يضلّ الناس
ضلل بعيدا ،والذي يوسّع بضلله دائرة الرب الت سيضطر السلمون أن يوضوها.
وكان أكثر السلمي تغيّظا ،وترّقا للقاء الرّجّال صحاب جليل تتألق ذكراه ف كتب السية والتاريخ
تت هذا السم البيب زيد بن الطّاب!!..
زيد بن الطّاب..؟
ل بد أنكم عرفتموه..
انه أخو عمر بن الطّاب..
أجل أخوه الكب ،والسبق..
جاء الياة قبل عمر ،فكان أكب منه سنا..
وسبقه ال السلم ..كما سبقه ال الشهادة ف سبيل ال..
وكان زيد بطل باهر البطولة ..وكان العمل الصامت .المعن ف الصمت جوهر بطولته.
وكان ايانه بال وبرسوله وبدينه ايانا وثيقا ،ول يتخلّف عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ف
مشهد ول ف غزاة.
وف كل مشهد ل يكن يبحث عن النصر ،بقدر ما يبحث عن الشهادة!..
يوم أحد ،حي حي القتال بي السلمي والشركي والؤمني .راح زيد بن الطاب يضرب
ويضرب..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وأبصره أخوه عمر بن الطّاب ،وقد سقط درعه عنه ،وأصبح أدن منال للعداء ،فصاح به عمر.
" خذ درعي يا زيد فقاتل با"..
فأجابه زيد:
" ان أريد من الشهادة ما تريد يا عمر"!!!..
وظل يقاتل بغي درع ف فدائية باهرة ،واستبسال عظيم.
**
قلنا انه رضي ال عنه ،كان يتحرّق شوقا للقاء الرّجّال متمنيّا أن يكون الجهاز على حياته البيثة
من حظه وحده ..فالرّجّال ف رأي زيد ،ل يكن مرتدّا فحسب ..بل كان كذّابا منافقا ،وصوليا.
ل يرتدّ عن اقتناع ..بل عن وصولية حقية ،ونفاق يغيض هزيل.
وزيد ف بغضه النفاق والكذب ،كأخيه عمر تاما!..
كلها ل يثي اشئزازه ،ول يستجسش بغضاءه ،مثل النفاق الذي تزجيه النفعيّة الابطة ،والغراض
الدنيئة.
ومن أجل تلك الغراض النحطّة ،لعب الرّجّال دوره الث ،فأرب عدد اللتفي حول مسيلمة ارباء
فاحشا ،وهو بذا يقدّم بيديه ال الوت واللك أعدادا كثية ستلقي حتفها ف معارك الردّة..
أضلّها أول ،وأهلكها أخيا ..وف سبيل ماذا..؟ ف سبيل أطماع لئيمة زيّنتها له نفسه ،وزخرفها له
هواه ،ولقد أعدّ زيد نفسه ليختم حياته الؤمنة بحق هذه الفتنة ،ل ف شخص مسيلمة بل ف شخص
من هو أكب من خطرا ،وأشدّ جرما الرّجّال بن عنفوة.
**
وبدأ يوم اليمامة مكهرّا شاحبا.
وجع خالد بن الوليد جيش السلم ،ووزعه على مواقعه ودفع لواء اليش ال من..؟؟
ال زيد بن الطّاب.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
حت الذين كانوا على شفا الوت ،ل يصلهم بالياة سوى بقية وهنانة من رمق غارب ،مسّ النبأ
أساعهم كاللم الميل ،فودّوا لو أ ّن بم قوّة يعودون با ال الياة ليقاتلو ،وليشهدوا النصر ف روعة
ختامه..
ولكن أنّى لم هذا ،وقد تفتحل أبواب النّة لستقبالم وانم الن ليسمعون أساءهم وهم ينادون
للمثول..؟؟!!
**
رفع زيد بن الطاب ذراعيه ال السماء مبتهل لربّه ،شاكرا نعمته..
ث عاد ال سيفه وال صمته ،فلقد أقسم بال من لظات أل يتكلم حت يتم النصر أو ينال الشهادة..
ولقد أخذت العركة تضي لل السلمي ..وراح نصرهم الحتوم يقترب ويسرع..
هنالك وقد رأى زيد رياح النر مقبلة ،ل يعرف لياته ختاما أروع من هذا التام ،فتمنّى لو يرزقه
ال الشهادة ف يوم اليمامة هذا..
وهبّت رياح النة فملت نفسه شوقا ،ومآقيه دموعا،وعزمه اصرارا..
وراح يضرب ضرب الباحث عن مصيه العظيم..
وسقط البطل شهيدا..
بل قولوا :صعد شهيدا..
صعد عظيما ،مجّدا ،سعيدا..
وعاد جيش السلم ال الدينة ظافرا..
وبينما كان عمر ،يستقبل مع الليفة أب بكرو أولئك العائدين الظافرين ،راح يرمق بعيني مشتاقي
أخاه العائد..
وكان زيد طويل بائن الطول ،ومن ثّ كان تعرّف العي عليه أمرا ميسورا..
ولكن قبل أن يهد بصره ،اقترب اليه من السلمي العائدين من عزّاه ف زيد..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وقال عمر:
" رحم ال زيدا..
سبقن ال السنيي..
أسلم قبلي..
واستشهد قبلي".
**
وعلى كثرة النتصارات الت راح السلم يظفر با وينعم ،فان زيدا ل يغب عن خاطر أخيه
الفاروق لظة..
ودائما كان يقول:
" ما هبّت الصبا ،ال وجدت منها ريح زيد".
أجل..
ان الصبا لتحمل ريح زيد ،وعبي شائله التفوقة..
ولكن ،اذا اذن أمي الؤمني ،أضفت لعبارته الليلة هذه ،كلمات تكتمل معها جوانب الطار.
تلك هي:
" ..وما هبّت رياح النصر على السلم منذ يوم اليمامة ال وجد السلم فيها ريح زيد ..وبلء
زيد ..وبطولة زيد ..وعظمة زيد"!!..
**
بورك آل الطّاب تت راية رسول ال صلى ال عليهوسلم..
بوركوا يوم أسلموا ..وبوركوا أيام جاهدوا ،واستشهدوا ..وبوركوا يوم يبعثون!!..
طلحة بن عبيد ال
صقر يوم أحد
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
( من الؤمني رجال صدقوا ما عاهدوا ال عليه فمنهم من قضى نبه ومنهم من ينتظر ،وما بدّلوا
تبديل)...
تل الرسول صلى ال عليه وسلم هذه الية الكرية ،ث استقبل وجوه أصحابه ،وقال وهو يشي ال
طلحة:
" من سرّه أن ينظر ال رجل يشي على الرض ،وقد قضى نبه ،فلينظر ال طلحة"!!..
ول تكن ثة بشرى يتمنّاها أصحاب رسول ال ،وتطي قلوبم شوقا اليها أكثر من هذه الت قلّدها
النب طلحة بن عبيد ال..
لقد اطمأن اذن ال عاقبة أمره ومصي حياته ..فسيحيا ،ويوت ،وهو واحد من الذين صدقوا ما
عاهدوا ال عليه ولن تناله فتنة ،ولن يدركه لغوب..
ولقد بشّره الرسول بالنة ،فماذا كانت حياة هذا البشّر الكري..؟؟
**
لقد كان ف تارة له بأرض بصرى حي لقي راهبا من خيار رهبانا ،وأنبأه أن النب الذي سيخرج
من بلد الرم ،والذي تنبأ به النبياء الصالون قد أهلّ عصره وأشرقت أيامه..
وحّر طلحة أن يفوته موكبه ،فانه موكب الدى والرحة واللص..
وحي عاد طلحة ال بلده مكة بعد شهور قضاها ف بصرى وف السفر ،الفى بي أهلها ضجيجا..
وسعهم يتحدثون كلما التقى بأحدهم ،أو بماعة منهم عن ممد المي ..وعن الوحي الذي يأتيه..
وعن الرسالة الت يملها ال العرب خاصة ،وال الناس كافة..
وسأل طلحة أول ما سأل أب بكر فعلم أنه عاد مع قافلته وتارته من زمن غي بعيد ،وأنه يقف ال
جوار ممد مؤمنا منافحا ،أوّابا..
وحدّث طلحة نفسه :ممد ،وأبو بكر..؟؟
تال ل يتمع الثنان على ضللة أبدا!!.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ولقد بلغ ممد الربعي من عمره ،وما عهدنا عليه خلل هذا العمر كذبة واحدة ..أفيكذب اليوم
على ال ،ويقول :أنه أرسلن وأرسل الّ وحيا..؟؟
وهذا هو الذي يصعب تصديقه..
وأسرع طلحة الطى ميمما وجهه شطر دار أب بكر..
ول يطل الديث بينهما ،فقد كان شوقه ال لقاء الرسول صلى ال عليه وسلم ومبايعته أسرع من
دقات قلبه..
فصحبه أبو بكر ال الرسول عليه الصلة والسلم ،حيث أسلم وأخذ مكانه ف القافلة الباركة..
وهكذا كان طلحة من السلمي البكرين.
**
وعلى الرغم من جاهه ف قومه ،وثرائه العريض ،وتارته الناجحة فقد حل حظه من اضطهاد
قريش ،اذ وكل به وبأب بكر نوفل بن خويلد ،وكان يدعى أسد قريش ،بيد أن اضطهادها ل يطل
مداه ،اذ سرعان ما خجلت قريش من نفسها ،وخافت عاقبة أمرها..
وهاجر طلحة ال الدينة حي أمر السلمون بالجرة ،ث شهد الشاهد كلها مع رسول ال صلى ال
عليه وسلم ،عدا غزوة بدر ،فان الرسول صلى ال عليه وسلم كان قد ندبه ومعه سعيد بن زيد لهمة
خارج الدينة..
ولا أنزاها ورجعا قافلي ال الدينة ،كان النب وصحبه عائدين من غزوة بدر ،فآل نفسيهما أن
يفوتما أجر مشاركة الرسول صلى ال عليه وسلم بالهاد ف أول غزواته..
بيد أن الرسول أهدى اليهما طمأنينة سابغة ،حي انبأها أن لما من الثوبة والجر مثل ما للمقاتلي
تاما ،بل وقسم لما من غنائم العركة مثل من شهدوها..
وتيء غزوة أحد لتشهد كل جبوت قريش وكل بأسها حيث جاءت تثأر ليوم بدر وتؤمّن مصيها
بانزال هزية نائية بالسلمي ،هزية حسبتها قريش أمرا ميسورا ،وقدرا مقدورا!!..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ودارت حرب طاحنة سرعان ما غطّت الرض بصادها الليم ..ودارت الدائرة على الشركي..
ث لا رآهم السلمون ينسحبون وضعوا أسلحتهم ،ونزل الرماة من مواقعهم ليحوزوا نصيبهم من
الغنائم..
وفجأة عاد جيش قريش من الوراء على حي بغتة ،فامتلك ناصية الرب زمام العركة..
واستأنف القتال ضراوته وقسوته وطحنه ،وكان للمفاجأة أثرها ف تشتيت صفوف السلمي..
وأبصر طلحة جانب العركة الت يقف فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فألفاه قد صار هدفا
لقوى الشرك والوثنية ،فسارع نو الرسول..
وراح رضي ال عنه يتاز طريقا ما أطوله على قصره !..طريقا تعترض كل شب منه عشرات السيوف
السعورة وعشرات من الرماح الجنونة!!
ورأى رسول ال صلى ال عليه وسلم من بعيد يسيل من وجنته الدمو ويتحامل على نفسه ،فجنّ
جنونه ،وقطع طريق الول ف قفزة أو قفزتي وأمام الرسول وجد ما يشاه ..سيوف الشركي تلهث
نوه ،وتيط به تريد أن تناله بسوء..
ووقف طلحة كاليش اللجب ،يضرب بسيفه البتار يينا وشال..
ورأى دم الروسل الكري ينف ،وآلمه تئن ،فسانده وحله بعيدا عن الفرة الت زلت فيها قدمه..
كان يساند الرسول عليه الصلة والسلم بيسراه وصدره ،متأخرا به ال مكان آمن ،بينما بيمينه،
بارك ال يينه ،تضرب بالسيف وتقاتل الشركي الذين أحاطوا بالرسول ،وملؤا دائرة القتال مثل
الراد!!..
ولندع الصدّيق أبا بكر رضي ال عنه يصف لنا الشهد..
تقول عائشة رضي ال عنها:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
" كان أبو بكر اذا ذكر يوم أحد يقول :ذلك كله كان يوم طلحة ..كنت أول من جاء ال النب
صلى ال عليه وسلم ،فقال ل الرسول صلى ال عليه وسلم ولب عبيدة بن الرّاح :دونكم اخاكم..
ونظرنا واذا به بضع وسبعون بي طعنة ..وضربة ورمية ..واذا أصبعه مقطوع .فأصلحنا من شانه" .
**
وف جيع الشاهد والغزوات ،كان طلحة ف مقدّمة الصفوف يبتغي وجه ال ،ويفتدي راية رسوله.
ويعيش طلحة وسط الماعة السلمة ،يعبد ال مع العابدين ،وياهد ف سبيله مع الجاهدين ،ويرسي
بساعديه مع سواعد اخوانه قواعد الدين الديد الذي جاء ليخرج الناس من الظلمات ال النور..
فاذا قضى حق ربه ،راح يضرب ف الرض ،ويبتغي من فضل ال منمّيا تارته الرابة ،وأعماله
الناجحة.
فقد كان طلحة رضي ال عته من أكثر السلمي ثراء ،وأناهم ثروة..
وكانت ثروته كلها ف خدمة الدين الذي حل مع رسول ال صلى ال عليه وسلم رايته...
كان ينفق منها بغي حساب..
وكان اله ينمّيها له بغي حساب!
لقد لقّبه رسول ال صلى ال عليه وسلم بن طلحة الي ،وطلحة الود ،وطلحة الفيّاض اطراء
لوده الفيض.
وما أكثر ما كان يرج من ثروته مرة واحدة ،فاذا ال الكري يردها اليه مضاعفة.
تدّثنا زوجته سعدى بنت عوف فتقول:
" دخلت على طلحة يوما فرأيته مهموما ،فسألته ما شانك..؟
فقال الال الذي عندي ..قد كثر حت أهّن وأكربن..
وقلت له ما عليك ..اقسمه..
فقام ودعا الناس ،واخذ يقسمه عليهم حت ما بقي منه درهم"...
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ومرّة أخرى باع أرضا له بثمن مرتفع ،ونظر ال كومة الال ففاضت عيناه من الدمع ث قال:
" ان رجل تبيت هذه الموال ف بيته ل يدري ما يطرق من أمر ،لغرور بال"...
ث دعا بعض أصحابه وحل معهم أمواله هذه ،ومضى ف شوارع الدينة وبيوتا يوزعها ،حت أسحر
وما عنده منها درهم!!..
ويصف جابر بن عبدال جود طلحة فيقول:
" ما رأيت أحد اعطى لزيل مال من غي مسألة ،من طلحة بن عبيد ال".وكان أكثر الناس برّا بأهله
وبأقربائه ،فكان يعولم جيعا على كثرتم..
وقد قيل عنه ف ذلك:
" ..كان ل يدع أحدا من بن تيم عائل ال كفاه مؤنته ،ومؤنة عياله..
وكان يزوج أيامهم ،ويدم عائلهم ،ويقضي دين غارمهم"..
ويقول السائب بن زيد:
" صجبت طلحة بن عبيدال ف السفر والضر فما وجدت أحدا ،أعمّ سخاء على الدرهم ،والثوب
والطعام من طلحة"!!..
وتنشب الفتنة العروفة ف خلفة عثمان رضي ال عنه..
ويؤيد طلحة حجة العارضي لعثمان ،ويزكي معظمهم فيما كانوا ينشدونه من تغيي واصلح..
أكان بوقفه هذا ،يدعو ال قتل عثمان ،أو يرضى به..؟؟ كل...
ولو كان يعلم أن الفتنة ستتداعى حت تتفجر آخر المر حقدا مبول ،ينفس عن نفسه ف تلك الناية
البشعة الت ذهب ضحيتها ذو النورين عثمان رضي ال عنه..
نقول :لو كان يعلم أن الفتنة ستتمادى ال هذا الأزق والنتهى لقاومها ،ولقاومها معه بقية الصحاب
الذين آزروها أول أمرها باعتبارها حركة معارضة وتذير ،ل أكثر..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
على أن موقف طلحة هذا ،توّل ال عقدة حياته بعد الطريقة البشعة الت حوصر با عثمان وقتل،
فلم يكد المام عليّ يقبل بيعة السلمي بالدينة ومنهم طلحة والزبي ،حت استأذن الثنان ف الروج
ال مكة للعمرة..
ومن مكة توجها ال البصرة ،حيث كانت قوات كثية تتجمّع للخذ بثأر عثمان..
وكانت وقعة المل حيث التقى الفريق الطالب بدم عثمان ،والفريق الذي يناصر عليّا..
وكان عل ّي كلما أدار خواطره على الوقف العسر الذي يتازه السلم والسلمون ف هذه الصومة
الرهيبة ،تنتفض هومه ،وتطل دموعه ،ويعلو نشيجه!!..
لقد اضطر ال امأزق الوعر..
فبوصفه خليفة السلمي ل يستطيع ،وليس من حقه أن يتسامح تاه أي ترّد على الدولة ،أو أي
مناهضة مسلحة للسلطة الشروعة..
وحي ينهض لقمع ترّد من هذ النوع ،فان عليه أن يواجه اخوانه وأصحابه وأصدقاءه ،وأتباع رسوله
ودينه ،أولئك الذين طالا قاتل معهم جيوش الشرك ،وخاضوا معا تت راية التوحيد معارك صهرتم
وصقلتهم ،وجعلت منهم اخوانا بل اخوة متعاضدين..
فأي مأزق هذا..؟ وأي ابتلء عسي..؟
وف سبيل التماس مرج من هذا الأزق ،وصون دماء السلمي ل يترك المام علي وسيلة ال توسّل
با ،ول رجاء ال تعلق به.
ولكن العناصر الت كانت تعمل ضدّ السلم ،وما أكثرها ،والت لقيت مصيها الفاجع على يد الدولة
السلمة ،أيام عاهلها العظيم عمر ،هذه العناصر كانت قد أحكمت نسج الفتنة ،وراحت تغذيها
وتتابع سيها وتفاقمها...
**
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
بكى عليّ بكاء غزيرا ،عندما أبصر أم الؤمني عائشة ف هودجها على رأس اليش الذي يرج الن
لقتاله..
وعندما أبصر وسط اليش طلحة والزبي ،حوراييّ رسول ال..
فنادى طلحة والزبي ليخرجا اليه ،فخرجا حت اختلفت أعناق أفراسهم..
فقال لطلحة:
" يا طلحة ،أجئت بعرس رسول ال تقاتل با .وخبأت عرسك ف البيت"..؟؟
ث قال للزبي:
" يا زبي ،نشدتك ال ،أتذكر يوم مرّ بك رسول ال صلى ال عليه وسلم ونن بكان كذا ،فقال
لك :يا زبي ،أل تبّ عليّا..؟
فقلت :أل أحب ابن خال ،وابن عمي ،ومن هو على دين..؟؟
فقال لك :يا زبي ،أما وال لتقاتلنه وأنت له ظال"!!..
قال الزبي رضي ال عنه :نعم أذكر الن ،وكنت قد نسيته ،وال ل أقاتلك..
وأقلع الزبي وطلحة عن الشتراك ف هذه الرب الهلية..
أقلعا فور تبيّنهما المر ،وعندما أبصرا عمار بن ياسر يارب ف صف عليّ ،تذكرا قول رسول ال
صلى ال عليه وسلم لعمّار:
" تقتلك الفئة الباغية"..
فان قتل عمّار اذن ف هذه العركة الت يشترك فيها طلحة ،فسيكون طلحة باغيا...
**
انسحب طلحة والزبي من القتال ،ودفعا ثن ذلك النسحاب حياتما ،ولكنهما لقيا ال قريرة
أعينهما با منّ عليهما من بصية وهدى..
أما الزبي فقد تعقبه رجل اسه عمرو بن جرموز وقتله غيلة وغدرا وهو يصلي!!..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
" ان لرجو أن أكون أنا ،وطلحة والزبي وعثمان من الذين قال ال فيهم( :ونزعنا ما صدورهم من
غلّ اخوانا على سرر متقابلي)"..
ث ضمّ قبيهما بنظراته الانية الصافية السية وقال:
" سعت أذناي هاتان رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول:
" طلحة والزبي ،جاراي ف النّة"...
الزبي بن العوّام
حواريّ رسول ال
ل ييء ذكر طلحة ال ويذكر الزبي معه..
ول ييء ذكر الزبي ال ويذكر طلحة معه..
فحي كان الرسول عليه الصلة والسلم يؤاخي بي أصحابه ف مكة قبل الجرة ،آخى بي طلحة
والزبي.
وطالا كان عليه السلم يتحدث عنهما معا ..مثل قوله:
" طلحة والزبي جاراي ف النة".
وكلها يتمع مع الرسول ف القرابة والنسب.
أما طلحة ،فيجتمع ف نسبه مع الرسول ف مرة بن كعب.
وأما الزبي ،فيلتقي ف نسبه مع الرسول ف قصّي بن كلّب كما أن أمه صفية عمة الرسول صلى ال
عليه وسلم..
وكل منهما طلحة والزبي كان أكثر الناس شبها بالخر ف مقادير الياة..
فالتماثل بينهما كبي ،ف النشأة ،ف الثراء ،ف السخاء ،ف قوة الدين ،ف روعة الشجاعة ،وكلها من
السلمي البكرين باسلمهم...
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ومن العشرة الذين بشّرهم الرسول بالتة .ومن أصحاب الشورى الستة الذين وكّل اليهم عمر
اختيار الليفة من بعده.
وحت مصيها كان كامل التماثل ..بل كان مصيا واحدا.
**
ولقد أسلم الزبي ،اسلما مبكرا ،اذ كان واحدا من السبعة الوائل الذين سارعوا ال السلم،
وأسهموا ف طليعته الباركة ف دار الرقم..
وكان عمره يومئذ خس عشر سنة ..وهكذا رزق الدى والنور والي صبيا..
ولقد كان فارسا ومقداما منذ صباه .حت ان الؤرخي ليذكرون أن أول سيف شهر ف السلم كان
سيف الزبي.
ففي اليام الول للسلم ،والسلمون يومئذ قلة يستخفون ف دار الرقم ..سرت اشاعة ذات يوم أن
الرسول قتل ..فما كان من الزبي ال أن استلّ سيفه وامتشقه ،وسار ف شوارع مكة ،على حداثة سنه
كالعصار!..
ذهب أول يتبيّن الب ،معتزما ان ما ألفاه صحيحا أن يعمل سيفه ف رقاب قريش كلها حت يظفربم
أو يظفروا به..
وف أعلى مكة لقيه رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فسأله ماذا به....؟ فأنى اليه الزبي النبأ ..فصلى
عليه الرسول ،ودعا له بالي ،ولسيفه بالغلب.
وعلى الرغم من شرف الزبي ف قومه فقد حل حظه من اضطهاد قريش وعذابا.
وكان الذي تول تعذيبع عمه ..كان يلفه ف حصي ،ويدخن عليه بالنار كي تزهق أنفاسه ،ويناديه
وهو تت وطأة العذاب ":أكفر برب ممد ،أدرأ عنك العذاب".
فيجيبه الزبي الذي ل يكن يوم ذاك أكثر من فت ناشئ ،غضّ العظام ..ييب عمه ف تدّ رهب:
" ل..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وكان يقول:
" ان طلحة بن عبيد ال يسمي بنيه بأساء النبياء ،وقد علم أل نب بعد ممد...
وان لسي بنّ بأساء الشهداء لعلهم يستشهدون"!.
وهكذا سى ولده ،عبدال بن الزبي تيمنا بالصحاب الشهيد عبدال بن جحش.
وسى ولده النذر ،تيمنا بالشهيد النذر بن عمرو.
وسى عروة تيمنا بالشهيد عروة بن عمرو.
وسى حزة تيمنا بالشهيد الليل عم الرسول حزة بن عبدالطلب.
وسّى جعفر ،تيمنا بالشهيد الكبي جعفر بن أب طالب.
وسى مصعبا تيمنا بالشهيد مصعب بن عمي.
وسى خالد تيمنا بالصحاب الشهيد خالد بن سعيد..
وهكذا راح يتار لبنائه أساء الشهداء .راجيا أن يكونوا يوم تأتيهم آجالم شهداء.
ولقد قيل ف تاريه:
" انه ما ول امارة فط ،ول جباية ،ول خراجا ول شيئا ال الغزو ف سبيل ال".
وكانت ميزته كمقاتل ،تتمثل ف ف اعتماده التام على نفسه ،وف ثقته التامة با.
فلو كان يشاركه ف القتال مائة ألف ،لرأيته يقاتل وحده ف لعركة ..وكأن مسؤولية القتال والنصر
تقع على كاهله وحده.
وكان فضيلته كمقاتل ،تتمثل ف الثبات ،وقوة العصاب..
رأى مشهد خاله حزة يوم أحد وقد كثّل الشركون بثمانه القتيل ف قسوة ،فوقف أمامه كالطود
ضاغطا على أسنانه ،وضاغطا على قبضة سيفه ،ل يفكر ال ف ثأر رهيب سرعان ما جاء الوحي
ينهى الرسول والسلمي عن مرّد التفكي فيه!!..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وحي طال حصار بن قريظة دون أن يستسلموا أرسله الرسول صلى ال عليه وسلم مع علي ابن أب
طالب ،فوقف أمام الصن النيع يردد مع علي قوله:
" وال لنذوقنّ ما ذاق حزة ،أو لنفتحنّ عليهم حصنهم"..
ث ألقيا بنفسيهما وحيدين داخل الصن..
وبقوة أعصاب مذهلة ،أحكما انزال الرعب ف أفئدة التحصني داخله وفتحا أبوابه للمسلمي!!..
ويوم حني أبصر مالك بن عوف زعيم هوزان وقائد جيش الشرك ف تلك الغزوة ..أبصره بعد
هزيتهم ف حني واقفا وسط فيلق من أصحابه ،وبقايا جيشه النهزم ،فاقتحم حشدهم وحده ،وشتت
شلهم وحده ،وأزاحهم عن الكمن الذي كانوا يتربصون فيه ببعض زعماء السلمي ،العائدين من
العركة!!..
**
ولقد كان حظه من حب الرسول وتقديره عظيما..
وكان الرسول عليه الصلة والسلم يباهي به ويقول:
" ان لكل نب حواريا وحواريي الزبي ن العوّام"..
ذلك أنه ل يكن ابن عمته وحسب ،ول زوج أساء بنت أب بكر ذات النطاقي ،بل كان ذلك الوف
القوي ،والشجاع البّ ،والوّاد السخيّ ،والبائع نفسه وماله ل رب العالي:
ولقد أجاد حسان بن ثابت وصفه حي قال:
أقام على عهد النب وهديه
حواريّه والقول بالفعل يعدل
أقام على منهاجه وطريقه
يوال ولّ الق ،والق أعدل
هو الفارس الشهور والبطل الذي
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
لكن عليّا صاح حي علم أن بالباب قاتل الزبي يستأذن ،صاح آمرا بطرده قائل:
" بشّر قاتل ابن صفيّة بالنار"..
وحي أدخلوا عليه سيف الزبي ،قبّله المام وأمعن بالبكاء وهو يقول:
" سيف طالا وال جل به صاحبه الكرب عن رسول ال"!!..
أهناك تيّة نوجهها للزبي ف ختام حديثنا عنه ،أجل وأجزل من كلمات المام..؟؟
سلم على الزبي ف ماته بعد مياه..
سلم ،ث سلم ،على حواري رسول ال...
خبيب بن عديّ
بطل ..فوق الصليب!!..
والن..
افسحوا الطريق لذا البطل يا رجال..
وتعالوا من كل صوب ومن كل مكان..
تعالوا ،خفاقا وثقال..
تعاولوا مسرعي ،وخاشعي..
وأقبلوا ،لتلقنوا ف الفداء درسا ليس له نظي!!..
تقولون :أوكل هذا الذي قصصت علينا من قبل ل تكن دروسا ف الفداء ليس لا نظي..؟؟
أجل كانت دروسا..
وكانت ف روعتها تلّ عن الثيل وعن النظي..
ولكنكم الن أمام أستاذ جديد ف فن التضحية..
أستاذ لوفاتكم مشهده ،فقد فاتكم خي كثي ،جدّ كثي..
الينا يا أصحاب العقائد ف كل أمة وبلد..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وكان من بي الشركي الذين وقعوا ف طريقه ابّان العركة فصرعهم بسيفه الارث بن عمرو بن
نوفل.
وبعد انتهاء العركة ،وعودة البقايا الهزومة من قريش ال مكة عرف بنو الارث مصرع أبيهم،
وحفظوا جيدا اسم السلم الذي صرعه ف العركة :خبيب بن عديّ!!..
**
وعاد السلمون من بدر ال الدينة ،يثابرون على بناء متمعهم الديد..
وكان خبيب عابدا ،وناسكا ،يمل بي جبينه طبيعة الناسكي ،وشوق العابدين..
هناك أقبل على العبادة بروح عاشق ..يقوم الليل ،ويصوم الناهر ،ويقدّس ل رب العالي..
**
وذات يوم أراد الرسول صلوات ال وسلمه عليه أن يبلو سرائر قريش ،ويتبيّن ما ترامى اليه من
ترّكاتا ،واستعدادها لغزو جديد ..فاهتار من أصحابه عشرة رجال ..من بينهم خبيب وجعل أميهم
عاصم بن ثابت.
وانطلق الركب ال غايته حت اذا بلغوا مكانا بي عسفان ومكة ،ني خبهم ال حيّ من هذيل يقال
لم بنو حيّان فسارعوا اليهم بائة رجل من أمهر رماتم ،وراحوا يتعقبونم ،ويقتفون آثارهم..
وكادوا يزيغون عنهم ،لول أن أبصر أحدهم بعض نوى التمر ساقطا على الرمال ..فتناول بعض هذا
النوى وتأمله با كان للعرب من فراسة عجيبة ،ث صاح ف الذين معه:
" انه نوى يثرب ،فلنتبعه حت يدلنا عليهم"..
وساروا مع النوى البثوث على الرض ،حت أبصروا على البعد ضالتهم الت ينشدون..
وأحس عاصم أمي العشرة أنم يطاردون ،فدعا أصحابه ال صعود قمة عالية على رأس جبل..
واقترب الرماة الائة ،وأحاطوا بم عند سفح البلو وأحكموا حولم الصار..
ودعوهم لتسليم أنفسهم بعد أن أعطوهم موثقا أل ينالم منهم سوء.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
**
أسلم خبيب قلبه ،وأمره،ومصيه ل رب العالي.
وأقبل على نسكه ثابت النفس ،رابط الأش ،معه من سكينة ال الت افاءها عليه ما يذيب الصخر،
ويلشي الول.
كان ال معه ..وكان هو مع ال..
كانت يد ال عليه ،يكاد يد برد أناملها ف صدره!..
دخلت عليه يوما احدى بنات الارث الذي كان أسيا ف داره ،فغادرت مكانه مسرعة ال الناس
تناديهم لكييبصروا عجبا..
" وال لقد رأيته يمل قطفا كبيا من عنب يأكل منه..
وانه لوثق ف الديد ..وما بكة كلها ثرة عنب واحدة..
ما أظنه ال رزقا رزقه ال خبيبا"!!..
أجل آتاه ال عبده الصال ،كما آتى من قبل مري بنت عمران ،يوم كانت:
( كلما دخل عليها زكريا الحراب وجد عندها رزقا..
قال يا مري أنّى لك هذا
قالت هو من عند ال ان ال يرزق من يشاء بغي حساب)..
**
وحل الشركون ال خبيب نبأ مصرع زميله وأخيه زيد رضي ال عنه.
ظاني أنم بذا يسحقون أعصابه ،ويذيقونه ضعف المات وما كانوا يعلمون أن ال الرحيم قد
استضافه ،وأنزل عليه سكينته ورحته.
وراحوا يساومونه على ايانه ،ويلوحون له بالنجاة اذا ما هو كفر لحمد ،ومن قبل بربه الذي آمن
به ..لكنهم كانوا كمن ياول اقتناص الشمس برمية نبل!!..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
كان خبيب عندما رفعوه ال جذوع النخل الت صنعوا منها صليبا ،قد يّم وجهه شطر السماء
وابتهل ال ربه العظيم قائل:
" اللهم انا قد بلّغنا رسالة رسولك فبلّغه الغداة ما يصنع بنا"..
واستجاب ال دعاءه..
فبينما الرسول ف الدينة اذ غمره احساس وثيق بأن أصحابه ف منة..
وتراءى له جثمان أحدهم معلقا..
ومن فوره دعا القداد بن عمرو ،والزبي بن العوّام..
فركبا فرسيهما ،ومضيا يقطعان الرض وثبا.
وجعهما ال بالكان النشود ،وأنزل جثمان صاحبهما خبيب ،حيث كانت بقعة طاهرة من الرض
ف انتظاره لتضمّه تت ثراها الرطيب.
ول يعرف أحد حت اليوم أين قب خبيب.
ولعل ذلك أحرى به وأجدر ،حت يظل مكانه ف ذاكرة التاريخ ،وف ضمي الياة ،بطل ..فوق
الصليب!!!..
عمي بن سعد
نسيج وحده
أتذكرون سعيد بن عامر..؟؟
ذلك الزاهد العابد الوّاب الذي حله أمي الؤمني عمر على قبول امارة الشام ووليتها..
لقد تدثنا عنه ف كتابنا هذا ،ورأينا من زهده وترفعه ،ومن ورعه العجب كله..
وها نن أولء ،نلتقي على هذه الصفات بأخ له ،بل توأم ،ف الورع وف الزهد ،وف الترفع ..وف
عظمة النفس الت تل عن النظي!!..
انه عمي بن سعد..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وهو ثالثا أعطى جلس فرصة للرجوع عن خطئه واستغفار ال منه حي صارحه بأنه سيبلغ الرسول
صلى ال عليه وسلم ،ولو أنه فعل آنئذ ،لستراح ضمي عمي ول تعد به حاجة لبلغ الرسول عليه
السلم..
بيد أن جلسا أخذته العزة بالث ،ول تتحرك شفتاه بكلمة أسف أو اعتذار ،وغادرهم عمي وهو
يقول:
" لبلغنّ رسول ال قبل أن ينل وحي يشركن ف اثك"...
وبعث رسول ال صلى ال عليه وسلم ف طلب جلس فأنكر أنه قال ،بل حلف بال كاذبا!!..
لكن آية القرآن جاءت تفصل بي الق والباطل:
( يلفون بال ما قالوا ..ولقد قالوا كلمة الكفر ،وكفروا بعد اسلمهم ،وهّوا با ل ينالوا ..وما
نقموا ال أن أغناهم ال ورسوله من فضله ..فان يتوبوا خيا لم ،وان يتولوا يعذبم ال عذابا أليما ف
الدنيا والخرة،وما لم ف الرض من ول ول نصي)..
واضطر جلس أن يعترف بقاله ،وأن يعتذر عن خطيئته ،ل سيما حي رأى الية الكرية الت تقرر
ادانته ،تعده ف نفس اللحظة برحة اله ان تاب هو وأقلع:
" فان يتوبوا ،يك خيا لم"..
وكان تصرّف عمي هذا خيا وبركة على جلس فقد تاب وحسن اسلمه..
وأخذ النب بأذن عمي وقال له وهو يغمره بسناه:
" يا غلم..
وفت اذنك..
وصدّقك ربك"!!..
**
لقد سعدت بلقاء عمي لول مرة ،وأنا أكتب كتاب بي يدي عمر.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وبرن ،كما ل يبهرن شيء ،نبأه مع أمي الؤمني ..هذا النبأ الذي سأرويه الن لكم ،لتشهدوا من
خلله العظمة ف أبى مشارقها..
**
تعلمون أن أمي الؤمني عمر رضي ال عنه كان يتار ولته وكأنه يتار قدره!!..
كان يتارهم من الزاهدين الورعي ،والمناء الصادقي ..الذين يهربون من المارة والولية ،ول
يقبلونا ال حي يكرههم عليها أمي الؤمني..
وكان برغم بصيته النافذة وخبته الحيطة يستأن طويل ،ويدقق كثيا ف اختيار ولته ومعاونيه..
وكان ل يفتأ يردد عبارته الأثورة:
" أريد رجل اذا كان ف القوم ،وليس أميا عليهم بدا وكأنه أميهم ..واذا كان فيهم وهو عليهم
امي ،بدا وكأنه واحد منهم!!..
أريد واليا ،ل ييز نفسه على الناس ف ملبس ،ول ف مطعم ،ول ف مسكن..
يقيم فيهم الصلة ..ويقسم بينهم بالق ..ويكم فيهم بالعدل ..ول يغلق بابه دون حوائجهم"..
وف ضوء هذه العايي الصارمة ،اختار ذات يوم عمي بن سعد واليا على حص..
وحاول عمي أن يلص منها وينجو ،ولكن أمي الؤمني ألزمه با الزاما ،وفرضها عليه فرضا..
واستخار ال ،ومضى ال واجبخ وهله..
وف حص مضى عليه عام كامل ،ل يصل ال الدينة منه خراج..
بل ول يبلغ أمي الؤمني رضي ال عنه منه كتاب..
ونادى أمي الؤمني كاتبه وقال له:
" اكتب ال عمي ليأت الينا"..
وهنا أستأذنكم ف أن أنقل صورة اللقاء بي عمر وعمي ،كما هي ف كتاب بي يدي عمر.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
" ذات يوم شهدت شوارع الدينة رجل أشعث أغب ،تغشاه وعثاء السفر ،يكاذ يقتلع خطاه من
الرض اقتلعا ،من طول ما لقى من عناء ،وما بذل من جهد..
على كتفه اليمن جراب وقصعة..
وعلى كتفه اليسرى قربة صغية فيها ماء!..
وانه ليتوكأ على عصا ،ل يؤدها حله الضامر الوهنان!!..
ودلف ال ملس عمر ف خطى وئيدة..
السلم عليك يا امي الؤمني..
ويرد عمر السلم ،ث يسأله ،وقد آله ما رآه عليه من جهد واعياء:
ما شأنك يا عمي..؟؟
شأن ما ترى ..ألست تران صحيح البدن ،طاهر الدم ،معي الدنيا أجرّها بقرنيها..؟؟!!
قال عمر :وما معك..؟
قال عمي :معي جراب أحل فيه زادي..
وقصعت آكل فيها ..واداوت أحل فيها وضوئي وشراب ..وعصاي أتوكأ عليها ،وأجاهد با عدوّا ان
عرض ..فوال ما الدنيا ال تبع لتاعي!!..
قال عمر :أجئت ماشيا..
عمي :نعم..
عمر :أول تد من يعطيك دابة تركبها..؟
عمي :انم ل يفعلوا ..وان ل أسألم..
عمر :فماذا عملت فيما عهدنا اليك به...؟
عمي :أتيت البلد الذي يعثتن اليه ،فجمعت صلحاء أهله ،ووليتهم جباية فيئهم وأموالم ،حت اذا
جعوها وضعوها ف مواضعها ..ولو بقي لك منها شيء لتيتك به!!..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
بدأ زيد مع اخزانه دوره كمقاتل ف سب لل بدءا من غزوة الندق ،سنة خس من الجرة.
كانت شخصيته السلمة الؤمنة تنمو نوّا سريعا وباهرا ،فهو ل يبع كمجاهد فحسب ،بل
كمثقف متنوع الزايا أيضا ،فهو يتابع القرآن حفظا ،ويكتب الوحي لرسوله ،ويتفوق ف العلم
والكمة ،وحي يبدأ رسول ال ف ابلغ دعوته للعال الارجي كله ،وارسال كتبه للوك الرض
وقياصرتا ،يأمر زيدا أن يتعلم بعض لغاتم فيتعلمها ف وقت وجيز..
وهكذا تألقت شخصية زيد بن ثابت وتبوأ ف الجتمع مكانا عليّا ،وصار موضع احترام السلمي
وتوقيهم..
يقول الشعب:
" ذهب زيد بن ثابت ليكب ،فأمسك ابن عباس بالرّكاب.
فقال له زيد :تنحّ يا ابن عم رسول ال ..فأجابه ابن عباس :ل ،هكذا نصنع بعلمائنا"..
ويقول قبيصة:
" كان زيدا رأسا بالدينة ف القضاء ،والفتوى والقراءة ،والفرائض"..
ويقول ثابت بن عبيد:
" ما رأيت رجل أفكه ف بيته ،ول أوقر ف ملسه من زيد".
ويقول ابن عباس:
" لقد علم الحفوظن من أصحاب ممد أن زيد بن ثابت كان من الراسخي ف العلم"..
ان هذه النعوت الت يرددها عنه أصحابه لتزيدنا معرفة بالرجل الذي تدّخر له القادير شرف مهمة من
أنبل الهام ف تاريخ السلم كله..
مهمة جع القرآن..
**
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
منذ بدأ الوحي يأخذ طريقه ال رسول ال ليكون من النذرين ،مستهل موكب القرآن والدعوة بذه
اليات الرائعة..
( اقرأ باسم ربك الذي خلق ،خلق النسان من علق ،اقرأ وربك الكرم ،الذي علم بالقلم ،علم
النسان ما ل يعلم)..
منذ تلك البداية ،والوحي يصاحب رسول ال عليه الصلة والسلم ،ويف اليه كلما ولّى وجهه
شطر ال راجيا نوره وهداه..
وخلل سنوات الرسالة كلها ،حيث يفرغ النب من غزوة ليبدأ بأخرى ،وحيث يبط مكيدة وحربا،
ليواجه خصومة بأخرى ،وأخرى .وحيث يبن عالا جديدا بكل ما تمله من الدّة من معن..
كان الوحي يتنل ،والرسول يتلو ،ويبلّغ ،وكان هناك ثلة مباركة ترّك حرصها على القرآن من
أول يوم ،فراح بعضهم يفظ منه ما استطاع ،وراح البعض الخر من ييدون الكتابة ،يتفظون
باليات مسطورة.
وخلل احدى وعشرين سنة تقريبا ،نزل القرآن خللا آية آية ،أو آيات ،تلو آيات ،ملبيا مناسبات
النول وأسبابا ،كان أولئك الفظة ،والسجلون ،يوالون عملهم ف توفيق من ال كبي..
ول ييء القرآن مرة واحدة وجكلة واحدة ،لنه ليس كتابا مؤلفا ،ول موضوعا.
انا هو دليل أمة جديدة تبن على الطبيعة ،لبنة لبنة ،ويوما يوما ،تنهض عقيدتا ،ويتشكل قلبها،
وفكرها ،وارادتا وفق مشيئة الية ،ل تفرض نفسها من عل ،وانا تقود التجربة البشرية لذه المة ف
طريق القتناع الكامل بذه الشيئة..
ومن ثّ ،كان ل بد للقرآن أن ييء منجّما ،ومرأ ،ليتابع التجربة ف سيها النامي ،ومواقفها
التجددة .وأزماتا التصديّة.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
توافر الفاظ ،والكتبة ،كما ذكرنا من قبل ،على حفظ القرآن وتسجيله،وكان على رأسهم علي ابن
اب طالب ،وأبّ بن كعب ،وعبدال ابن مسعود ،وعبدال بن عباس ،وصاحب الشخصية الليلة الت
نتحدث عنها الن زيد بن ثابت رضي ال عنهم أجعي..
**
وبعد أن تّ نزول ،وخلل الفترة الخية من فترات تنيله ،كان الرسول يقرؤه على السلمي..
مرتبا سوره وآياته.
وبعد وفاته عليه الصلة والسلم شغل السلمون من فورهم بروب الردّة..
وف معركة اليمامة ..الت تدثنا عنها من قبل خلل حديثنا عن خالد بن الوليد وعن زيد بن الطاب
كان عدد الشهدا من قرّاء القرآن وحفظته كبيا ..فما كادت نار الردّة تبو وتنطفئ حت فزع عمر
ال الليفة أب بكر رضي ال عنهما راغبا اليه ف الاح أن يسارعوا ال جع القرآن قبلما يدرك الوت
والشهادة بقية القرّاء والفاظ.
واستخار الليفة ربه ..وشاور صحبه ..ث دعا زيد بن ثابت وقال له:
" انك شاب عاقل ل نتهمك".
وأمره أن يبدأ بمع القرآن الكري ،مستعينا بذوي البة ف هذا الوضوع..
ونض زيد بالعمل الذي توقف عليه مصي السلم كله كدين!..
وأبلى بلء عظيما ف اناز أشق الهام وأعظمها ،فمضى يمع اليات والسور من صدور الفاظ،
ومن مواطنها الكتوبة ،ويقبابل ،ويعارض ،ويتحرّى ،حت جع القرآن مرتبا ومنسقا..
ولقد زكّى عمله اجاع الصحابة رضي ال عنهم الذين عاشوا يسمعونه من رسولم صلى ال عليه
وسلم خلل سنوات الرسالة جيعها ،ل سيّما العلماء منهم والفاظ والكتبة..
وقال زيد وهو يصوّر الصعوبة الكبى الت شكلتها قداسة الهمة وجللا..
" وال لو كلفون نقل جبل من مكانه ،لكان أهون عليّ ما أمرون به من جع القرآن"!!..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
أجل..
فلن يمل زيد فوق كاهله جبل ،أو جبال ،أرضى لنفسه من أن يطئ أدن خطأ ،ف نقل آية أو اتام
سورة..
كل هول يصمد له ضميه ودينه ..ال خطأ كهذا مهما يكن ضعيفا وغي مقصزد..
ولكن توفيق ال كان معه ،كان معه كذلك وعده القائل:
( انا نن نزلنا الذكر وان له لافظون)..
فنجح ف مهمته ،وأنز على خي وجه مسؤوليته وواجبه.
**
كانت هذه هي الرحلة الول ف جع القرآن..
بيد أنه جع هذه الرة مكتوبا ف أكثر من مصحف..
وعلى لرغم من أن مظاهر التفاوت والختلف بي هذه الصاحف كانت شكلية ،فان التجربة
أكّدت لصحاب الرسول عليه الصلة والسلم وجوب توحيدها جيعها ف مصحف واحد.
ففي خلفة عثمان رضي ال عنه ،والسلمون يواصلون فتوحاتم وزحوفهم ،مبتعدين عن الدين،
مغتربي عنها..
ف تلك اليام ،والسلم يستقبل كل يوم أفواجا تلو أفواج من الداخلي فيه ،البايعي اياه ،ظهر جليّا
ما يكن أن يفضي اليه تعدد الصاحف من خطر حي بدأت اللسنة تتلف على القرآن حت بي
الصحابة القدمي والولي..
هنالك تقدم ال الليفة عثمان فريق من الصحاب رضي ال عنهم على رأسهم حذيفة بن اليمان
مفسرين الضرورة الت تتم توحيد الصحف..
واستخار الليفة ربه وشاور صحبه..
وكما استنجد أبو بكر الصديق من قبل بزيد بن ثابت ،استنجد به عثمان أيضا..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
فجمع زيد أصحابه وأعوانه ،وجاؤوا بالصاحف من بيت حفصة بنت عمر رضي ال عنها ،وكانت
مفوظة لديها ،وباشر ويد وصحبه مهمتهم العظيمة الليلة..
كان كل الذين يعونون زيدا من كتاب الوحي ،ومن حفظة القرآن..
ومع هذا فما كانوا يتلفون ،وقلما كانوا يتلفون ،ال جعلوا رأي زيد وكلمته هي الجة والفيصل.
**
والن نن نقرأ القرآن العظيم ميسّرا ،أو نسمعه مرتل ،فان الصعوبات الائلة الت عاناها الذين
اصطنعهم ال لمعه وحفظه ل تطر لنا على بال!!..
تاما مثل الهوال الت كابدوها ،والرواح الت بذلوها ،وهم ياهدون ف سبيل ال ،ليقرّوا فوق
الرض دينا قيّما ،وليبددوا ظلمها بنوره البي..
خالد بن سعيد
فدائيّ ،من الرعيل الول
ف بيت وارف النعمة ،مزهو بالسيادة ،ولب له ف قريش صدارة وزعامة ،ولد خالد بن سعيد بن
العاص ،وان شئتم مزيدا من نسبه فقولوا :ابن اميّة بن عبد شس بن عبد مناف..
ويوم بدأت خيوط النور تسري ف أناء مكة على استحياء ،هامسة بأن ممدا المي يتحدث عن
وحي جاءه ف غار حراء ،وعن رسالة تلقاها من ال ليبلغها ال عباده ،كان قلب خالد يلقي للنور
الامس سنعه وهو شهيد!!..
وطارت نفسه فرحا ،كأنا كان وهذه الرسالة على موعد ..وأخذ يتابع خيوط النور ف سيها
ومسراها ..وكلما سع مل من قومه يتحدثون عن الدين الديد ،جلس اليهم وأصغى ف حبور
مكتوم ،وبي الي والي يطعّم الديث بكلمة منه ،أو كلمات تدفعه ف طريق الذيوع ،والتأثي،
والياء!..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
كان الذي يراه أنئذ ،يبصر شابا هادئ السمت ،ذكيّ الصمت ،بينما هو ف باطنه وداخله ،مهرجان
حافل بلحركة والفرح ..فيه طبول تدق ..ورايات ترتفع ..وأبواق تدوّي ..وأناشيد تصلي ..وأغاريد
تسبّح..
عيد بكل جال العيد ،وبجة العيد وحاسة العيد ،وضجة العيد!!!..
وكان الفن يطوي علىهذا العيد الكبي صدره ،ويكتم سرّه ،فان أباه لو علم أنه يمل ف سريرته كل
هذه الفاوة بدعوة ممد ،لزهق حياته قربانا للة عبد مناف!!..
ولكن أنفسنا الباطنة حي تفعم بأمر ،ويبلغ منها حدّ المتلء فانا ل تبك لفاضته دفعا..
وذات يوم..
ولكن ل ..فان انلهر ل يطلع بعد ،وخالد ما زال ف نومه اليقظان ،يعال رؤيا شديدة الوطأة ،حادة
التأثي ،نفاذة العبي..
نقول اذن :ذات ليلة ،رأى خالد بن سعيد ف نومه أنه واقف على شفي نار عظيمة ،وأبوه من ورائه
يدفعه بكلتا يديه ،ويريد أن يطرحه فيها ،ث رأى رسول ال يقبل عليه ،ويذبه بيمينه الباركة من
ازاره فيأخذه بعيدا عن النار واللهب..
ويصحو من نومه مزوّدا بطة العمل ف يومه الديد ،فيسارع من فوره ال دار أب بكر ،ويقصّ عليه
الرؤيا ..وما كانت الرؤيا باجة ال تعبي..د
وقال له أبو بكر:
" انه الي أريد لك ..وهذا رسول ال صلى ال عليه وسلم فاتبعه ،فان الاسلم حاجزك عن النار".
وينطلق خالد باحثا عن رسول ال صلى ال عليه وسلم حت يهتدي ال مكانه فيلقاه ،ويسأل النب عن
دعوته ،فيجيبه عليه السلم:
" تؤمن بال وحده ،ول تشرك به شيئا..
وتؤمن بحمد عبده ورسوله ..وتلع عبادة الوثان الت ل يسمع ول تبصر ،ول تضر ول تنفع"..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ويبسط خالد يينه ،فتلقاها يي رسول ال صلى ال عليه وسلم ف حفاوة ،ويقول خالد:
" ان أشهد أن ل اله ال ال...
وأشهد أن ممدا رسول ال"!!..
وتنطلق أغاريد نفسه وأناشيدها..
ينطلق لهرجان كله الذي كان ف باطنه ..ويبلغ النبأ أباه.
**
يوم أسلم سعيد ،ل يكن قد سبقه ال السلم سور اربعة أو خسة،فهو اذن من المسة الوائل
البكرين ال السلم.
وحي يباكر بالسلم واحد من ولد سعيد بن العاص ،فان ذلك ف رأي سعيد ،عمل يعرّضه للسخرية
والوان من قريش ،ويهز الرض تت زعامته.
وهكذا دعا اليه خالد ،وقال له ":أصحيح أنك اتبعت ممدا وأنت تسمعه يهيب آلتنا"..؟؟
قال خالد " :انه وال لصادق..
ولقد آمنت به واتبعته"..
هنالك انال عليه أبوه ضربا ،ث زجّ به ف غرفة مظلمة من داره ،حيث صار حبيسها ،ث راح يضنيه
ويرهقه جوعا وظكأ..
وخالد يصرخ فيهم من وراء الباب الغلق عليه:
" وال انه لصادق ،وان به لؤمن".
وبدا لسعيد أن ما أنزل بولده من ضرر ل يكفي ،فخرج به ال رمضاء مكة ،حيث دسّه بي حجارتا
الثقيلة الفادحة اللتهبة ثلثة أيام ل يواريه فيها ظل!!..
ول يبلل شفتيه قطرة ماء!!..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ويئس الوالد من ولده ،فعاد به ال داره ،وراح يغريه ،ويرهبه ..يعده ،ويتوعّده ..وخالد صامد
كالق ،يقول لبيه:
" لن أدع السلم لشيء ،وسأحيا به وأموت عليه"..
وصاح سعيد:
" اذن فاذهب عن يا لكع ،فواللت لمنعنّك القوت"..
وأجابه خالد:
" ..وال خي الرازقي"!!..
وغادر الدار الت تعجّ بالرغد ،من مطعم وملبس وراحة..
غادرها ال الصاصة والرمان..
ولكن أي بأس..؟؟
أليس ايانه معه..؟؟
أل يتفظ بكل سيادة ضميه ،وبكل حقه ف مصيه..؟؟
ما الوع اذن ،وما الرمان ،وما العذاب..؟؟
واذا وجد انسان نفسه مع حق عظيم كهذا الق الذي يدعو اليه ممد رسول ال ،فهل بقي ف
العال كله شيء ثي ل يتلكه من ربح نفسه ف صفقة ،ال صاحبها وواهبها...؟؟
وهكذا راح خالد بن سعيد يقهر العذاب بالتضحية ،ويتفوق على الرمان باليان..
وحي أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم أصحابه الؤمني بالجرة الثانية ال البشة ،كان خالد بن
سعيد ،من شدّوا رحالم اليها..
ويكث خالد هناك ال ما شاء ال ان يكث ،ث يعود مع اخوانه راجعي ال بلدهم ،سنة سبع،
فيجدون السلمي قد فرغوا لتوهم من فتح خيب..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ويقيم خالد بالدينة وسط الجتمع السلم الديد الذي كان أحد المسة الوائل الذين شهدوا ميلده،
وأسسوا بناءه ،ول يغزو النب غزوة ،ول يشهد مشهدا ،ال وخالد بن سعيد من السابقي..
وكان خالد بسبقه ال السلم ،وباستقامة ضميه ونجه موضع الب والتكري..
كان يترم اقتناعه فل يزيفه ول يضعه موضع الساومة.
قبل وفاة الرسول جعله عليه السلم واليا على اليمن..
ولا ترامت اليه أنباء استخلف أب بكر ،ومبايعته غادر عمله قادما ال الدينة..
وكانه يعرف لب بكر الفضل الذي ل يطاول..
بيد أنه كان يرى أن أحق السلمي باللفة واحد من بي هاشم:
العباس مثل ،أو عليّ ابن أب طالب..
ووقف ال جانب اقتناعه فلم يبايع أبا بكر..
وظل أبو بكر على حبه له ،وتقديره اياه ل يكرهه على أن يبايع ،ول يكرهه لنه ل يبايع ،ول يأت
ذكره بي السلمي ال أطراه الليفة العظيم ،وأثن عليه با هو أهله..
ث تغيّر اقتناع خالد بن سعيد ،فاذا هو يشق الصفوف ف السجد يوما وأبو بكر فوق النب ،فيبايعه
بيعة صادقة وثقى..
**
ويسيّر أبا بكر جيوشه ال الشام ،ويعقد لالد بن سعيد لواء ،فيصي أحد أمراء اليش..
ولكن يدث قبل أن تتحرك القوات من الدينة أن يعارض عمر ف امارة خالد بن سعيد ،ويظل يلح
على الليفة أن يغيّر قراره بشأن امارة خالد..
ويبلغ النبأ خالد ،فل يزيد على قول:
" وال ما سرّتنا وليتكم ،ول ساءنا عزلكم"!!..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ويفّ الصدّيق رضي ال عنه ال دار خالد معتذرا له ،ومفسرا له موقفه الديد ،ويسأله مع من من
القوّاد والمراء يب أن يكون :مع عمرو بن العاص وهو ابن عمه ،أ /مع شرحبيل بن حسنة؟
فيجيب خالد اجابة تنمّ على عظمة نفسه وتقاها:
ب الّ ف دينه"..ب الّ ف قرابته ،وشرحبيل أحبّ ف أح ّ " ابن عمّي أح ّ
ث اختار أن يكون جنديا ف كتيبة شرحبيل بن حسنة..
ودعا ابو بكر شرحبيل اليه قبل أ ،ستحرّك اليش ،وقال له:
" انظر خالد بن سعيد ،فاعرف له من الق عليك ،مثل مل كنت تبّ أن يعرف من الق لك ،لو
كنت مكانه ،وكلن مكانك..
انك لتعرف مكانته ف السلم..
وتعلم أن رسول ال توف وهو له وال..
ولقد كنت وليته ث رأيت غي ذلك..
وعسى أن يكون ذلك خيا له ف دينه ،فما أغبط أحد بالمارة!!..
وقد خيّرته ف أمراء الند فاختارك على ابن عمّه..
فاذا نزل بك أمر تتاج فيه ال رأي التقي الناصح ،فليكن أول من تبدأ به :أبو عبيدة بن الرّاح،
ومعاذ بن جبل ..وليك خالد بن سعيد ثالثا ،فانك واجد عندهم نصحا وخيا..
واياك واستبداد الرأي دونم ،أو اخفاءه عنهم"..
وف موقعه مرج الصفر بأرض الشام ،حيث كانت العارك تدور بي السلمي والروم ،رهيبة ضارية،
كان ف مقدمة الذين وقع أجرهم على اله ،شهيد جليل ،قطع طريق حياته منذ شبابه الباكر حت لظة
استشهاده ف مسية صادقة مؤمنة شجاعة..
ورآه السلمون وهم يفحصون شهداء العركة ،كما كان دائما ،هادئ الّمت ،ذكي الصمت ،قوي
التصميم ،فقاول:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
أجل كان الرسول عليه الصلة والسلم معنا ف ترك هذا الختيار للقدر الذي يقود خطاه..
من اجل هذا ،ترك هو أيضا زمام ناقته وأرسله ،فل هو يثن به عنقها ول يستوقف خطاها ..وتوجه
ال ال بقلبه ،وابتهل اليه بلسانه:
" اللهم خر ل ،واختر ل"..
وأمام دار بن مالك بن النجار بركت الناقة ..ث نضت وطوّفت بالكان ،ث عادت ال مبكها الول،
وألقت جرانا .واستقرت ف مكانا ونزل الرسول للدخول ..وتبعه رسول ال يف به اليمن
والبكة..
أتدرون من كان هذا السعيدالوعود الذي بركت الناقة أمام داره ،وصار الرسول ضيفه ،ووقف أهل
الدينة جيعا يغبطونه على حظوظه الوافية..؟؟
انه بطل حديثنا هذا ..أبو أيوب النصاري خالد بن زيد ،حفيد مالك بن النجار..
ل يكن هذا أول لقاء لب أيوب مع رسول ال..
فمن قبل ،وحي خرج وفد الدينة لبايعة الرسول ف مكة تلك البيعة الباركة العروفة بن بيعة العقبة
الثانية ..كان أبو أيوب النصاري بي السبعي مؤمنا الذين شدّوا أيانم على يي الرسول مبايعي،
مناصرين.
والن رسول ال يشرف الدينة ،ويتخذها عاصكة لدين ال ،فان الظوظ الوافية لب أيوب جعلت
من داره أول دار يسكنها الهاجر العظيم ،والرسول الكري.
ولقد آثر الرسول أن ينل ف دورها الول ..ولكن ما كاد أبو أيوب يصعد ال غرفته ف الدور
العلوي حت أخذته الرجفة ،ول يستطع أن يتصوّر نفسه قائما أو نائما ،وف مكان أعلى من الكان
الذي يقوم فيه رسول ال وينام!!..
وراح يلح على النب ويرجوه ان ينتقل ال طابق الدور العلى فاستجاب النب لرجائه..
ولسوف يكث النب با حت يتمّ السجد ،وبناء حجرة له بواره..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ومنذ بدأت قريش تتنمّر للسلم وتشن اغاراتا على دار الجرة بالدينة ،وتؤلب القبائل ،وتيش
اليوش لتطفئ نور ال..
منذ تلك البداية ،واحترف أبو أيوب صناعة الهاد ف سبيل ال.
ففي بدر ،وأحد والندق ،وف كل الشاهد والغازي ،كان البطل هناك بائعا نفسه وماله ل ربو
العالي..
وبعد وفاة الرسول ،ل يتخلف عن معركة كتب على السلمي أن يوضوها ،مهما يكن بعد الشقة،
وفداحة الشقة!..
وكان شعاره الذي يردده دائما ،ف ليله وناره ..ف جهره واسراره ..قول ال تعال:
( انفروا خفافا وثقال)..
مرة واحدة ..تلف عن جيش جعل الليفة أميه واحدا من شباب السلمي ،ول يقتنع أبو أ]وب
بامارته.
مرة واحدة ل غي ..مع هذا فان الندم على موقفه هذا ظل يزلزل نفسه ،ويقول:
" ما عليّ من استعمل عليّ"..؟؟
ث ل يفته بعد ذلك قتال!!
كان حسبه أن يعيش جنديا ف جيش السلم ،يقاتل تت رايته ،ويذود عن حرمته..
ولا وقع اللف بي علي ومعاوية ،وقف مع علي ف غي تردد ،لنه المام الذي أعطي بيعة
السلمي ..ولا استشهد وانتهت اللفة خعاوية وقف أبو أيوب بنفسه الزاهدة ،الصامدة التقية ل
يرجو من الدنيا سوى أن يضل له مكان فوق أرض الوغى ،وبي صفوف الجاهدين..
وهكذا ،ل يكد يبصر جيش السلم يتحرك صوب القسطنطينية حت ركب فرسه ،وحل سيفه،
وراح يبحث عن استشهاد عظيم طالا حنّ اليه واشتاق!!..
وف هذه العركة أصيب.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وذهب قائد جيشه ليعوده ،وكانت أنفاسه تسابق أشواقه ال لقاء ال..
فسأله القائد ،وكان يزيد بن معاوية:
" ما حاجتك أبا أيوب"؟
ترى ،هل فينا من يستطيع أن يتصوّر أو يتخيّل ماذا كانت حاجة أبا أيوب..؟
كل ..فقد كانت حاجته وهو يود بروحه شيئا يعجز ويعيي كل تصوّر ،وكل تيّل لبن النسان!!..
لقد طلب من يزيد ،اذا هو مات أن يمل جثمانه فوق فرسه ،ويضي به ال أبعد مسافة مكنة ف
أرض العدو ،وهنالك يدفنه ،ث يزحف بيشه على طول هذا الطريق ،حت يسمع وقع حوافر خيل
السلمي فوق قبه ،فيدرك آنئذ ننهم قد أدركوا ما يبتغون من نصر وفوز!!..
أتسبون هذا شعرا..؟
ل ..ول هو بيال ،بل واقع ،وحق شهدته الدنيا ذات يوم ،ووقفت تدق بعينيها ،وبأذنيها ،ل تكاد
تصدق ما تسمع وترى!!..
ولقد أنز يزيد وصيّة أب أيوب..
وف قلب القسطنطينية ،وهي اليوم استامبول ،ثوى جثمان رجل عظيم ،جدّ عظيم!!..
وحت قبل أن يغمر السلم تلك البقاع ،كان أهل القسطنطينية من الروم ،ينظرون ال أب أيوب ف
قبه نظرتم ال قدّيس...
وانك لتعجب اذ ترى جيع الؤرخي الذين يسجلون تلك الوقائع ويقولون:
" وكان الروم يتعاهدون قبه ،ويزورونه ..ويستسقون به اذا قحطوا"!!..
وعلى الرغم من العارك الت انتظمت حياة أب أيول ،والت ل تكن تهله ليضع سيفه ويستريح ،على
الرغم من ذلك ،فان حياته كانت هادئة ،نديّة كنسيم الفجر..
ذلك انه سع من الرسول صلى ال عليه وسلم حديثا فوعاه:
" واذا صليت فصل صلة مودّع..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
أجل..
ان الرسول الذي نى عن أن يستغفر لعمه أب طالب على كثرة ما أسدى أبو طالب له وللسلم من
أياد وتضحيات..
ليس هو منطقا وبداهة من ييء ف غزوة بدر ليقول لن يقتلون آباءهم واخوانم من الشركي:
استثنوا عمي ول تقتلوه!!..
أما اذا كان الرسول يعلم حقيقة عمه ،ويعلم أنه يطوي على السلم صدره ،كما يعلم أكثر من
غيه ،الدمات غي النظورة الت أدّاها للسلم ..كما يعلم أخيا أنه خرج مكرها ومرجا فآنئذ يصي
من واجبه أن ينقذ من هذا شأنه ،وأن يعصم من القتل دمه ما استطاع لذا سبيل..
واذا كان أبو البختري بن حارث وهذا شأنه ،قد ظفر بشفاعة الرسول لدمه حت ل يهدر ،ولياته
كي ل تزهق..
أفل يكون جديرا بذه الشفاعة ،مسلم يكتم اسلمه ...ورجل له ف نصرة السلم مواقف مشهودة،
وأخرى طوي عليها ستر الفاء..؟؟
بلى..ولقد كان العباس ذلك السلم ،وذلك النصي.
ولنعد ال الوراء قليل لنرى..
**
ف بيعة العقبة الثانية عندما قدم مكة ف موسم الاج وفد النصار ،ثلثة وسبعون رجل وسيدتان،
ليعطوا ال ورسوله بيعتهم ،وليتفقوا مع النب عليه الصلة والسلم على الجرة ال الدينة ،أنى
الرسول ال عمه العباس نبأ هذا الوفد ،وهذه البيعة ..وكان الرسول عليه الصلة والسلم يثق بعمه ف
رأيه كله..
ولا جاء موعد اللقاء الذي انعقد سرا وخفية ،خرج الرسول وعمه العباس ال حيث النصار
ينتظرون..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ف السنة الثامنة للهجرة ،وبعد ان فتح ال مكة لرسوله ولدينه عز بعض القبائل السائدة ف الزيرة
العربية أن يقق الدين الديد كل هذا النصر بذه السرعة..
فاجتمعت قبائل هوزان وثقيف ونصر وجشم وآخرون .وققروا شنّ حرب حاسة ضدّ الرسول
والسلمي..
ان كلمة قبائل ل ينبغي أن تدعنا عن طبيعة تلك الروب الت كان يوضها الرسول طوال حياته.
فنظن انا كانت مرّد مناوشات جبلية صغية ،فليس هناك حروب أشدّ ضراوة من حروب تلك
القبائل ف معاقلها!!..
وادراك هذه القيقة ل يعطينا تقديرا سديدا للجهد الارق الذي بذله رسول ال صلى ال عليه وسلم
وأصحابه فحسب ،بل يعطينا تقديرا صحيحا وأمينا لقيمة النصر العظيم الذي أحرزه السلم
والؤمنون ،ورؤية واضحة لتوفيق ال الاثل ف هذا النجاح وذلك النتصار..
احتشدت تلك القبائل ف صفوف لبة من القاتلي الشدّاء..
وخرج اليهم السلمون ف اثن عشر ألفا..
اثنا عشر ألفا..؟؟
ومن..؟؟
من الذين فتحوا مكة بالمس القريب ،وشيعوا الشرك والصنام ال هاويتها الخية والسحيقة،
وارتفعت راياتم تل الفق دون مشاغب عليها أو مزاحم لا!!..
هذا شيء يبعث الزهو..
والسلمون ف آخر الطاف بشر ،ومن ث ،فقد ضعفوا امام الزهو الذي ابتعثته كثرتم ونظامهم،
وانتصارهم بكة ،وقالوا:
" لن نغلب اليوم عن قلة".
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ولا كانت السماء تعدّهم لغاية أجلّ من الرب وأسى ،فان ركونم ال قوتم العسكرية ،وزهزهم
بانتصارهم الرب ،عمل غي صال ينبغي أن يبؤا منه سريعا ،ولو بصدمة شافية..
وكانت الصدمة الشافية هزية كبى مباغتة ف أول القتال ،حت اذا ضرعوا ال ال ،وبرؤا من حولم
ال حوله ،ومن قوتم ال قوته ،انقلبت الزية نصرا ،ونزل القرآن الكري يقول للمسلمي:
( ..ويوم حني اذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا ،وضاقت الرض با رحبت ،ث وليتم
مدبرين .ث أنزل ال سكينته على رسوله وعلى الؤمني ،وأنزل جنودا ل تروها ،وعذب الذين كفروا،
وذلك جزاء الكافرين)..
كان صوت العباس يومئذ وثباته من ألع مظاهر السكينة والستبسال..
فبينما كان السلمون متمعي ف أحد أودية تامة ينتظرون ميء عدوّهم ،كان الشركون قد سبقوهم
ال الوادي وكمنوا لم ف شعابه وأحنائه ،شاحذين أسلحتهم ،مسكي زمام البادرة بأيديهم..
وعلى حي غفلة ،انقضّوا على السلمي ف مفاجأة مذهلة ،جعلتهم يهرعون بعيدا ،ل يلوي أحد على
أحد..
ورأى رسول ال صلى ال عليه وسلم ما أحدثه الجوم الفاجئ الاطف على السلمي ،فعل صهوة
بغلته البيضاء ،وصاح:
" ال أين أيها الناس..؟؟
هلموا الّ..
أنا النب ل كذب..
انا ابن عبد الطلب"..
ل يكن حول النب ساعتئذ سوى أب بكر ،وعمر ،وعلي بن أب طالب ،والعباس بن عبد الطلب،
وولده الفضل بن العباس ،وجعفر بن الارث ،وربيعة بن الارث ،وأسامة بن زيد ،وأين بن عبيد،
وقلة أخرى من الصحاب..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وانقلبوا راجعي كالعصار ،حت ان أحدهم ليحرن بعيه أو فرسه ،فيقتحم عنها ويترجل ،حامل
درعه وسيفه وقوسه ،ميممّا صوب موت العباس..
ودارت العركة من جديد ..ضارية ،عاتية..
وصاح رسول ال صلى ال عليه وسلم:
" الن حي الوطيس"..
وحي الوطيس حقا..
وتدحرج قتلى هوزان وثقيف ،وغلبت خيل ال خيل اللت ،وأنزل ال سكينته على رسوله وعلى
الؤمني!!!..
**
كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يب العباس عمه حبا كبيا ،حت انه ل ينم يوم انتهت غزوة
بدر ،وقضى عمه ليله ف السر..
ول يف النب عليه السلم عاطفته هذه ،فحي سئل عن سبب أرقه ،وقد نصره ال نصرا مؤزرا
أجاب:
" سعت أني العباس ف وثاقه"..
وسع بعض السلمي كلمات الرسول ،فأسرع ال مكان السرى ،وحلّ وثاق العباس ،وعاد فأخب
الرسول قائل:
" يا رسول ال..
ان أرخيت من وثاق العباس شيئا"..
ولكن لاذا وثاق العباس وحده..؟
هنالك قال الرسول لصاحبه:
" اذهب ،فافعل ذلك بالسرى جيعا".
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
أجل فحب النب صلى ال عليه وسلم لعمه ل يعن أن ييزه عن الناس الذين تمعهم معه ظروف
ماثلة..
وعندما تقرر أخذ الفدية من السرى ،قال الرسول لعمه:
" يا عباس..
افد نفسك ،وابن اخيك عقيل بن أب طالب ،ونوفل بن الارث ،وحليفك عتبة بن عمرو وأخا بن
الارث بن فهر ،فانك ذومال"..
وأردا العباس أن يغادر أسره با فدية ،قائل:
" يا رسول ال ،ان كنت مسلما ،ولكن القوم استكرهون"..
ولكن الرسول صلى ال عليه وسلم أصرّ على الفدية ،ونزل لقرآن الكري ف هذه الناسبة يقول:
" يا ايها النب قل لن ف أيديكم من السرى ان يعلم ال ف قلوبكم خيا يؤتكم خيا ما أخذ منكم
ويغفر لكم ،وال غفور رحيم".
وهكذا فدى العباس نفسه ومن معه ،وقفل راجعا ال مكة ..ول تدعه قريش بعد ذلك عن عقله
وهداه ،فبعد حي جع ماله وحل متاعه ،وأدرك الرسول بيب ،ليأخذ مكانه ف موكب السلم،
وقافلة الؤمني ..وصار موضع حب السلمي واجللم العظيم ،ل سيما وهم يرون تكري الرسول له
وحبه اياه وقوله عنه:
" انا العباس صنو أب..
فمن آذى العباس فقد آذان".
وأنب العباس ذريّة مباركة.
وكان حب المة عبدال بن عباس واحدا من هؤلء البناء الباركي.
**
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وف يوم المعة لربع عشرة سنة خلت من رجب سنة اثنتي وثلثي سع اهل العوال بالدينة مناديا
ينادي:
" رحم ال من شهد العباس بن عبد الطلب".
فأدركوا أن العباس قد مات..
وخرج الناس لتشييعه ف أعداد هائلة ل تعهد الدينة مثلها..
وصلى عليه خليفة السلمي يومئذ عثمان رضي ال عنه.
وتت ثرى البقيع هدأ جثمان أب الفضل واستراح..
ونام قرير العي ،بي البرار الذين صدقوا ما عاهدوا ال عليه!!
أبو هريرة
ذاكرة عصر الوحي
صحيح أن ذكاء الرء مسوب عليه..
وأصحاب الواهب الارقة كثيا ما يدفعون الثمن ف نفس الوقت الذي كان ينبغي أن يتلقوا فيه
الزاء والشكران!!..
والصحاب الليل أبو هريرة واحد من هؤلء..
فقد كان ذا موهبة خارقة ف سعة الذاكرة وقوتا..
كان رضي ال عنه ييد فنّ الصغاء ،وكانت ذاكرته تيد فن الفظ والختزان..
يسمع فيعي ،فيحفظ ،ث ل يكاد ينسى ما وعى كلمة ول حرفا مهما تطاول العمر ،وتعاقبت
اليام!!..
من أجل هذا هيأته موهبته ليكون أكثر أصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم حفظا لحاديثه،
وبالتال أكثرهم رواية لا.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
فلما جاء عصر الوضّاعي الذين تصصوا ف الكذب على رسول ال صلى ال عليه وسلم ،اتذوا أبا
هريرة غرضا مستغلي أسوأ استغلل سعته العريضة ف الرواية عن رسول ال عليه السلم موضع
الرتياب والتساؤول .لول تلك الهود البارة والارقة الت بذلا أبرار كبار نذور حياتم وكرّسوها
لدمة الديث النبوي ونفي كل زيف ودخيل عنه.
هنالك نا أبو هريرة رضي ال عنه من أخطبوط الكاذيب والتلفيقات الت أراد الفسدون أن يتسللوا
با ال السلم عن طريقه ،وأن يمّلوه وزرها وأذاها!!..
**
والن ..عندما نسمع واعظا ،أو ماضرا ،أو خطيب جعة يقول تلك العبارة الأثورة ":عن أب هريرة
رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم."..
أقول :عندما تسمع هذا السم على هذه الصورة ،أ ،عندما تلقاه كثيا ،وكثيا جدّا ف كتب
الديث ،والسية والفقه والدين بصفة عامة ،فاعلم أنك تلقى شخصية من أكثر شخصيات الصحابة
اغراء بالصحبة والصغاء..
ذلك أن ثروته من الحاديث الرائعة ،والتوجيهات الكيمة الت حفظها عن النب عليه السلم ،قلّ أن
يوجد لا نظي..
وانه رضي ال عنه با يلك من هذه الوهبة ،وهذه الثروة ،لن أكثر الصحاب مقدرة على نقلك ال
تلك اليام الت عاشها رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه رضي ال عنهم ،وال التحليق بك،
اذا كنت وثيق اليان مرهف النفس ،ف تاك الفاق الت شهدت روائع ممد وأصحابه ،تعطي الياة
معناها ،وتدي اليها رشدها وناها.
واذا كانت هذه السطور قد حرّكت أشواقك لن تتعرّف لب هريرة وتسمع من أنبائه نبأ ،فدونك
الن وما تريد..
انه واحد من الذين تنعكس عليهم ثروة السلم بكل ما أحدثته من تغيات هائلة.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وكان أكثر ملوكها وعلى رأسهم شارلان أميّي ل يقرءون ول يكتبون ،مع أنم ف نفس الوقت
كانوا على حظ كبي من الذكاء والقدرة..
**
نعود ال حديثنا لنرى أبا هريرة يدرك بفطرته حاجة الجتمع الديد الذي يبنيه السلم ال من
يفظن تراثه وتعاليمه ،كان هناك يومئذ من الصحابة كتّاب يكتبون ولكنهم قليلون ،ث ان بعضهم ل
يلك من الفراغ ما يكّنه من تسجيل كل ما ينطق به الرسول من حديث.
ل يكن أبا هريرة كاتبا ،ولكنه كان حافظا ،وكان يلك هذا الفراغ ،أو هذا الفراغ النشود ،فليس له
أرض يزرعها ول تارة يتبعها!!
وهو اذا رأى نفسه وقد أسلم متأخرا ،عزم على أن يعوّض ما فاته ،وذلك بأن يواظب على متابعة
الرسول صلى ال عليه وسلم وعلى مالسته..
ث انه يعرف من نفسه هذه الوهبة الت أنعم ال با عليه ،وهي ذاكرته الرحبة القوية ،والت زادت
مضاء ورحابة وقوة ،بدعوة الرسول صلى ال عليه وسلم لصاحبها أن يبارك ال له فيها..
فلماذا اذن ل يكون واحدا من الذين يأخذون على عاتقهم حفظ هذا التراث ونقله لللجيال..؟؟
أجل ..هذا دوره الذي تيئه للقيام به مواهبه ،وعليه أن يقوم به ف غي توان..
**
ول يكن أبو هريرة من يكتبون ،ولكنه كان كما ذكرنا سريع الفظ قوي الذاكرة..
ول تكن له أرض يزرعها ،ول تارة تشغله ،ومن ثّ ل يكن يفارق الرسول ف سفر ول ف حضر..
وهكذا راح يكرّس نفسه ودقة ذاكرته لفظ أحاديث رسول ال عليه الصلة والسلم وتوجيهاته..
فلما انتقل النب صلى ال عليه وسلم ال الرفيق العلى ،راح أبو هريرة يدث ،ما جعل بعض أصحابه
يعجبون :أنّى له كل هذه الاديث ،ومت سعها ووعاها..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ولقد ألقى أبوهريرة رضي ال عنه الضوء على هذه الظاهرة ،وكانه يدفع عن نفسه مغبة تلك الشكوك
الت ساورت بعض أصحابه فقال:
" انكم لتقولون أكثر أبو هريرة ف حديثه عن النب صلى ال عليه وسلم..
وتقولون :ان الهاجرين الذين سبقوه ال السلم ل يدثون هذه الحاديث..؟؟
أل ان أصحاب من الهاجرين ،كانت تشغلهم صفقاتم بالسوق ،وان أصحاب من النصار كانت
تشغلهم أرضهم..
وان كنت أميا مسكينا ،أكثر مالسة رسول ال ،فأحضر اذا غابوا ،وأحفظ اذا نسوا..
وان النب صلى ال عليه وسلم حدثنا يوما فقال :من يبسط رداءه حت يفرغ من حديثي ث يقبضه اليه
فل ينسى شيئا كان قد سعه من !..فبسطت ثزب فحدثن ث ضممته الّ فوال ما كنت نسيت شيئا
سعته منه..
وأي وال ،لول آية ف كتاب ال ما حدثتكم بشيء أبدا ،وهي:
( ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والدى من بعد ما بيّناه للناس ف الكتاب ،أولئك يلعنهم ال
ويلعنهم اللعنون)."..
هكذا يفسر أبو هريرة سر تفرّده بكثرة الرواية عن الرسول صلى ال عليه وسلم.
فهو أول كان متفرغا لصحبة النب أكثر من غيه..
وهو ثانيا كان يمل ذاكرة قوية ،باركها الرسول فزادت قوة..
وهو ثالثا ل يدّث رغبة ف أن يدّث ،بل لن افشاء هذه الحاديث مسؤولية دينه وحياته ،وال كان
كاتا للخي والق ،وكان مفرطا ينتظره جزاء الفرّطي..
من أجل هذا راح يدّث ويدّث ،ل يصدّه عن الديث صادّ ،ول يعتاقه عائق ..حت قال له عمر
يوما وهو أمي الؤمني:
" لتتركنّ الديث عن رسول ال،أو للقنك بأرض دوس"..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
على أن هناك سببا هامّا ،كان له دور ف اثارة التاعب حول أب هريرة لكثرة تدثه وحديثه.
ذلك أنه كان هناك يومئذ مدّث آخر يدّث عن الرسول صلى ال عليه وسلم ويكثر ويسرف ،ول
يكن السلمون الصحاب يطمئنون كثيا لحاديثه ذلكم هو كعب الحبار الذي كان يهوديا وأسلم.
**
أراد مروان بن الكم يوما أن يبلو مقدرة أب هريرة على الفظ ،فدعاه اليه وأجلسه معه ،وطلب
منه أن يدثه عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ف حي أجلس كاتبه وراء حجاب ،وأمره أن
يكتب كل ما يقول أبو هريرة..
وبعد مرور عام ،دعاه مروان بن الكم مرة أخرى ،أخذ يستقرئه نفس الحاديث الت كان كاتبه قد
سطرها ،فما نسي أبو هريرة كلمة منها!!
وكان يقول عن نفسه:
" ما من أحد من أصحاب رسول ال أكثر حديثا عنه من ،ال ما كان من عبدال بن عمرو بن
العاص ،فانه كان يكتب ،ول أكتب"..
وقال عنه المام الشافعي أيضا:
" أبو هريرة أحفظ من روى الديث ف دهره".
وقال البخاري رضي ال عنه:
" روي عن أبو هريرة مدرسة كبية يكتب لا البقاء واللود..
وكان أبو هريرة رضي ال عنه من العابدين الوّابي ،يتناوب مع زوجته وابنته قيام الليل كله ..فيقوم
هو ثلثه ،وتقوم زوجته ثلثه ،وتقوم ابنته ثلثله .وهكذا ل تر من الليل ساعة ال وف بيت أب هريرة
عبادة وذكر وصلة!!
وف سبيل أن يتفرّغ لصحبة رسول ال صلى ال عليه وسلم عان من قسوة الوع ما ل يعان مثله
أحد..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وانه ليحدثنا :كيف كان الوع يعض أمعاءه فيشدّ على بطمه حجرا ويعتصر كبده بيديه ،ويسقط ف
السجد وهو يتلوى حت يظن بعض أصحابه أن به صرعا وما هو بصروع!..
ولا أسلم ل يكن يئوده ويضنيه من مشاكل حياته سوى مشكلة واحدة ل يكن رقأ له بسببها جفن..
كانت هذه الشكلة أمه :فانا يومئذ رفضت أن تسلم..
ليس ذلك وحسب ،بل كلنت تؤذي ابنها ف رسول ال صلى ال عليه وسلم وتذكره بسوء..
وذات يوم أسعت أبا هريرة ف رسول ال صلى ال عليه وسلم ما يكره ،فانفضّ عنها باكيا مزونا،
وذهب ال مسجد الرسول..
ولنصغ اليه وهو يروي لنا بقيّة النبأ:
" ..فجئت ال رسول ال وأنا أبكي ،فقلت :يا رسول ال ،كنت أدعو أم أب هريرة ال السلم فتأب
علي ،وان دعوتا اليوم فأسعتن فيك ما أكره ،فادع ال أن يهدي أم أبا هريرةال السلم..
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم :اللهم اهد أم أب هريرة..
فخرجت أعدو أبشرها بدعاء رسول ال ،فلما أتيت الباب اذا هو ماف ،أي مغلق ،وسعت
خضخضة ماء ،ونادتن يا أبا هريرة مكانك..
ث لبست درعها ،وعجلت عن خارها وخرجت وهي تقول :أشهد أن ل اله ال ال ،وأِهد أن ممدا
عبده ورسوله..
فجئت أسعى ال رسول ال صلى ال عليه وسلم أبكي من الفرح ،كما بكيت من الزن ،وقلت:
أبشر يا رسول ال ،فقد أجاب ال دعوتك..
قد هدى أم أب هريرة ال السلم..
ث قلت يا رسول ال :ادع ال أن يبّبن وأمي ال الؤمني والؤمنات..
فقال :اللهم حبّب عبيدك هذا وأمه ال كل مؤمن ومؤمنة"..
**
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وراح يندل أتباع مسيلمة الكذاب بسيفه ..وهم يتساقطون كأوراق الريف تت وميض بأسه..
ل يكن جيش مسيلمة هزيل ،ول قليل ..بل كان أخطر جيوش الردة جيعا..
وكان بأعداده ،وعتاده ،واستماتة مقاتليه ،خطرا يفوق كل خطر..
ولقد أجابوا على هجوم السلمي شيء من الزع .وانطلق زعماؤهم وخطباؤهم يلقون من فوق
صهوات جيادهم كلمات التثبيت .ويذكرون بوعد ال..
وكان الباء بن مالك جيل الصوت عاليه..
وناداه القائد خالد تكلم يا براء..
فصاح الباء بكلمات تناهت ف الزالة ،والدّللة ،القوة..
تلك هي:
" يا أهل الدينة..
ل مدينة لكم اليوم..
انا هو ال والنة"..
كلمات تدل على روح قائلها وتنبئ بصاله.
أجل..
انا هو ال ،والنة!!..
وف هذا الوطن ،ل ينبغي أن تدور الواطر حول شيء آخر..
حت الدينة ،عاصمة السلم ،والبلد الذي خلفوا فيه ديارهم ونساءهم وأولدهم ،ل ينبغي أن يفكروا
فيها ،لنم اذا هزموا اليوم ،فلن تكون هنلك مدينة..
وسرت كلمات الباء مثل ..مثل ماذا..؟
ان أي تشبيه سيكون ظلما لقيقة أثرها وتأثيها..
فلنقل :سرت كلمات الباء وكفى..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
توهب لك الياة"!!..
صحيح أن جسد البطل تلقى يومئذ من سيوف الشركي بضعا وثاني ضربة ،أثخنته ببضع وثاني
جراحة ،حت لقد ظل بعد العركة شهرا كامل ،يشرف خالد بن الوليد نفسه على تريضه..
ولكن كل هذا الذي أصابه كان دون غايته وما يتمن..
بيد أن ذلك ل يمل الباء على اليأس ..فغدا تيء معركة ،ومعركة ،ومعركة..
ولقد تنبأ له رسول ال صلى ال عليه وسلم بأنه مستجاب الدعوة..
فليس عليه ال أن يدعو ربه دائما أن يرزقه الشهادة ،ث عليه أل يعجل ،فلكل أجل كتاب!!..
ويبأ الباء من جراحات يوم اليمامة..
وينطلق مع جيوش السلم الت ذهبت تشيّع قوى الظلم ال مصارعها ..هناك حيث تقوم
امباطوريتان خرعتان فانيتان ،الروم والفرس ،تتلن بيوشهما الباغية بلد ال ،وتستعبدان عباده..
ويضرب الباء بسيفه ،ومكان كل ضربة يقوم جدار شاهق ف بناء العال الديد الذي ينمو تت راية
السلم نوّا سريعا كالنهار الشرق..
**
وف احدى حروب العراق لأ الفرس ف قتالم ال كل وحشية دنيئة يستطيعونا..
فاستعملوا كلليب مثبتة ف أطراف سلسل ممأة بالنار ،يلقونا من حصونم ،فتخطف من تناله من
السلمي الذين ل يستطيعون منها فكاكا..
وكان الباء وأخوه العظيم أنس بن مالك قد وكل اليهما مع جاعة من السلمي أمر واحد من تلك
الصون..
ولكن أحد هذه الكلليب سقط فجأة ،فتعلق بأنس ول يستطع أنس أن السلسلة ليخلص نفسه ،اذ
كانت تتوهج لبا ونارا..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وأبصرالباء الشهد لاسرع نو أخيه الذي كانت السلسلة الحمأة تصعد به على سطح جدار
الصن ..وقبض على السلسلة بيديه وراح يعالها ف بأس شديد حت قصمها وقطعها ..ونا أنس
وألقى الباء ومن معه نظرة على كفيه فلم يدوها مكانما!!..
لقد ذهب كل ما فيهما من لم ،وبقي هيكلهما العظمي مسمّرا مترقا!!..
وقضى البطل فترة أخرى ف علج بطيء حت بريء..
**
أما آن لعاشق الوت أن يبلغ غايته..؟؟
بلى آن!!..
وهاهي ذي موقعة تستر تيء ليلقي السلمون فيها جيوش فارس
ولتكون لن الباء عيدا أي عيد..
**
احتشد أهل الهواز ،والفرس ف جيش كثيف ليناجزوا السلمي..
وكتب امي الؤمني عمر بن الطاب ال سعد بن أب وقاص بالكوفة ليسل ال الهواز جيشا..
وكتب ال أب موسى الشعري بالبصرة ليسل ال الهواز جيشا ،قائل له ف رسالته:
" اجعل امي الند سهيل بن عديّ..
وليكن معه الباء بن مالك"..
والتقى القادمون من الكوفة بالقادمي من البصرة ليواجهوا جيش الهواز وجيش الفرس ف معركة
ضارية..
كان الخوان العظيمان بي النود الؤمني ..أنس بن مالك ،والباء بن مالك..
وبدأت الرب بالبارزة ،فصرع الباء وحده مائة مبارز من الفرس..
ث التحمت اليوش ،وراح القتلى يتساقطون من الفرقي كليهما ف كثرة كاثرة..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ومن بي الرماة الفذاذ الذين أبلوا ف سبيل ال بلء حسنا ،هذا الرجل الفارع الطول ،الشرق الوجه،
الخبت القلب عتبة بن غزوان...
**
كان سابع سبعة سبقوا ال السلم ،وبيطوا أيانم ال يي الرسول صلى ال عليه وسلم ،مبايعي
ومتحدّين قريش بكل ما معها من بأس وقدرة على النتقام..
وف اليام الول للدعوة.ز أيام العسرة والول ،صمد عتبة بن غزوان ،مع اخوانه ذلك الصمود الليل
الذي صار فيما بعد زادا للضمي النسان يتغذى به وينمو على مر الزمان..
ولا أمر رسول ال عليه الصلة والسلم أصحابه بالجرة ال البشة ،خرج عتبة مع الهاجرين..
بيد أن شوقه ال النب صلى ال عليه وسلم ل يدعه يستقر هناك ،فسرعان ما طوى البّ والبحر عائدا
ال مكة ،حيث لبث فيها بوار الرسول حت جاء ميقات الجرة ال الدينة ،فهاجر عتبة مع
السلمي..
ومنذ بدأت قريش ترشاتا فحروبا ،وعتبة حامل رماحه ونباله ،يرمي با ف أستاذية خارقة ،ويسهم
مع اخوانه الؤمني ف هدم العال القدي بكل أوثانه وبتانه..
ول يضع سلحه يوم رحل عنهم الرسول الكري ال الرفيق العلى ،بل ظل يضرب ف الرض ،وكان
له مع جيوش الفرس جهاد عظيم..
**
أرسله أمي الؤمني عمر ال البلّة ليفتحها ،وليطهر أرضها من الفرس الذين كانوا يتخذونا نقطة
وثوب خطرة على قوات السلم الزاحفة عب بلد المباطورية الفارسية ،تستخلص منها بلد ال
وعباده..
وقال له عمر وهو يودّعه وجيشه:
" انطلق أنت ومن معك ،حت تأتوا أقصى بلد العرب ،وأدن بلد العجم..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
" وال ،لقد رأيتن مع رسول ال صلى ال عليه وسلم سابع سبعة ومالنا طعام ال ورق الشجر حت
قرحت أشداقنا..
ولقد رزقت يوما بردة ،فشققتها نصفي ،أعطيت نصفها سعد بن مالك ،ولبست نصفها الخر"..
**
كان عتبة ياف الدنيا على دينه أشد الوف ،وكان يافها على السلمي ،فراح يملهم على القناعة
والشظف.
وحاول الكثيون أن يوّلوه عن نجه ،ويثيوا ف نفسه الشعور بالمارة ،وبا للمارة من حق ،ل
سيما ف تلك البلد الت ل تتعود من قبل أمراء من هذا اطراز التقشف الزاهد ،والت تعود أهلها
احترام الظاهر التعالية الزهوّة ..فكان عتبة ييبهم قائل:
" ان أعوذ بال أن أكون ف دنياكم عظيما ،وعند ال صغيا"!..
ولا رأى الضيق على وجوه الناس بسبب صرامته ف حلهم على الادّة والقناعة قال لم:
" غدا ترون المراء من بعدي"..
وجاء موسم الج ،فاستخلف على البصرة أحد اخوانه وخرج حاجا .ولا قضى حجه ،سافر ال
الدينة ،وهناك سأل أمي الؤمني أن يعفيه المارة..
لكن عمر ل يكن يفرّط ف هذا الطراز الليل من الزاهدين الاربي ما يسيل له لعاب البشر جيعا.
وكان يقول لم:
" تضعون أماناتكم فوق عنقي..
ث تتركون وحدي..؟
ل وال ل أعفكيم أبدا"!!..
وهكذا قال لن عتبة لغزوان..
ولا ل يكن ف وسع عتبة ال الطاعة ،فقد استقبل راحلته ليكبها راجعا ال البصرة.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
لكنه قبل أن يعلو ظهرها ،استقبل القبلة ،ورفع كفّيه الضارعتي ال السماء ودعا ربه عز وجل أل
يردّه ال البصرة ،ول ال المارة أبدا..
واستجيب دعاؤه..
فبينما هو ف طريقه ال وليته أدركه الوت..
وفاضت روحه ال بارئها ،مغتبطة با بذلت وأعطت..
وبا زهدت وعفت..
وبا أت ال عليها من نعمة..
وبا هيأ لا من ثواب...
ثابت بن قيس
خطيب رسول ال
كان حسّان بن ثابت شاعر رسول ال والسلم..
وكان ثابت خطيب خطيب رسول ال والسلم..
وكانت الكلمات ترج من فمه قوية ،صادعة ،جامعة رائعة..
وف عام الوفود ،وفد على لدينة وفد بن تيم وقال لرسول ال صلى ال عليه وسلم:
" جئنا نفاخرك ،فأذن لشاعرنا وخطيبنا"..
فابتسم الرسول صلى ال عليه وسلم وقال لم:
" قد أذنت لطيبكم ،فليقل"..
وقام خطيبهم عطارد بن حاجب ووقف يزهو بفاخر قومه..
ولا آذن بانتهاء ،قال النب صلى ال عليه وسلم لثابت بن قيس :قم فأجبه..
ونض ثابت فقال:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
" المد ل ،الذي ف السموات والرض خلقه ،قضى فيهنّ أمره ،ووسع كرسيّه علمه ،ول يك شيء
قط ال من فضله..
ث كان من قدرته أن جعلنا أئمة .واصطفى من خي خلقه رسول ..أكرمهم نسبا .وأصدقهم حديثا.
وأفضلهم حسبا ،فأنزل عليه كتابه ،وائتمنه على خلقه ،فكان خية ال من العالي..
ث دعا الناس ال اليان به ،فآمن به الهاجرون من قومه وذوي رحه ..أكرم الناس أحسابا ،وخيهم
فعال..
ث كنا نن النصار أول اللق اجابة..
فنحن أنصار ال ،ووزراء رسوله"..
**
شهد ثابت بن قيس مع رسول ال صلى ال عليه وسلم غزوة أحد ،والشاهد بعدها.
وكانت فدائيته من طراز عجيب ..جد عجيب!!..
ف حروب الردّة ،كان ف الطليعة دائما ،يمل راية النصار ،ويضرب بسيف ل يكبو ،ول ينبو..
وف موقعة اليمامة ،الت سبق الديث عنها أكثر من مرة ،رأى ثابت وقع الجوم الاطف لذي شنّه
جيش مسيلمة الكذاب على السلمي أول العركة ،فصاح بصوته النذير الهي:
" وال ،ما هذا كنا نقاتل مع رسول ال صلى ال عليه وسلم"..
ث ذهب بغي بعيد ،وعاد وقد تنّط ،ولبس اكفانه ،وصاح مرة أخرى:
" ان أبرأ اليك ما جاء به هؤلء..
يعن جيش مسيلمة..
وأعتذر اليك ما صاع هؤلء..
يعن تراخي السلمي ف القتال"..
وانضم اليه سال مول رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وكان يمل راية الهاجرين..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وحفر الثنان لنفسيهما حفرة عميقة ث نزل فيها قائمي ،وأهال الرمال عليهما حت غطت وسط كل
منهما..
وهكذا وقفا..طودين شامي ،نصف كل منهما غائص ف الرمال مثبت ف أعماق الفرة ..ف حي
نصفهما العلى ،صدرها وجبهتهما وذراعهما يستقبلن جيوش الوثنية والكذب..
وراحا يضربان بسيفهما كل من يقترب منهما من جيش مسيلمة حت استشهدا ف مكانما ،ومالت
شس كل منهما للغروب!!..
وكان مشهدها رضي ال عنهما هذا أعظم صيحة أسهمت ف ردّ السلمي ال مواقعهم ،حيث جعلوا
من جيش مسيلمة الكذاب ترابا تطؤه القدام!!..
**
وثابت بن قيس ..هذا الذي تفوّق خطيبا ،وتفوّق ماربا كان يمل نفسا أوابة ،وقلبا خاشعا مبتا،
وكان من أكثر السلمي وجل من ال ،وحياء منه..
**
لا نزلت الية الكرية:
( ان ال ل يب كل متال فخور)..
أغلق ثابت باب داره ،وجلس يبكي..وطال مكثه على هذه الال ،حت نى ال رسول ال صلى ال
عليه وسلم أمره ،فدعاه وسأله.
فقال ثابت:
" يا رسول ال ،ان أحب الثوب الميل ،والنعل الميل ،وقد خشيت أن أكون بذا من الختالي"..
فأجابه النب صلى ال عليه وسلم وهو يضحك راضيا:
" انك لست منهم..
بل تعيش بي..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وتوت بي..
وتدخل النة".
ولا نزل قول ال تعال:
( يا أيها الذين آمنوا ل ترفعوا أصواتكم فوق صوت النب..
ول تهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ،أن تبط أعمالكم وأنتم ل تشعرون)..
أغلق ثابت عليه داره ،وطفق يبكي..
وافتقده الرسول فسأل عنه ،ث أرسل من يدعوه...
وجاء ثابت..
وسأله الرسول عن سببب غيابه ،فأجابه:
" ان امرؤ جهي الصوت..
وقد كنت أرفع صوت فوق صوتك يا رسول ال..
واذن فقد حبط عملي ،وأنا من أهل النار"!!..
وأجابه الرسول عليه الصلة والسلم:
" انك لست منهم..
بل تعيش حيدا..
وتقتل شهيدا..
ويدخلك ال النة".
**
بقي ف قصة ثابت واقعة ،قد ل يستريح اليها أولئك الذين حصروا تفكيهم وشعورهم ورؤاهم
داخل عالهم الاديّ الضيّق الذي يلمسونه ،أو يبصرونه ،أو يشمّونه!..
ومع هذا ،فالواقعة صحيحة ،وتفسيها مبي وميّسر لكل من يستخدم مع البصر ،البصية..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
بعد أن استشهد ثابت ف العركة ،مرّ به واحد من السلمي الذين كانوا حديثي عهد بالسلم ورأى
على جثمان ثابت دعه الثمينة ،فظن أن من حقه أن يأخذها لنفسه ،فأخذها..
ولندع راوي الواقعة يرويها بنفسه:
" ..وبينما رجل من السلمي نائم أتاه ثابت ف منامه.
فقال له :ان أوصيك بوصية ،فاياك أن تقول :هذا حلم فتضيعه.
ان لا استشهدت بالمس ،مرّ ب رجل من السلمي.
فأخذ درعي..
وان منله ف أقصى الناس ،وفرسه يستّ ف طوله ،أي ف لامه وشكيمته.
وقد كفأ على الدرع برمة ،وفوق البرمة رحل..
فأت خالدا ،فمره أن يبعث فيأخذها..
فاذا قدمت الدينة على خليفة رسول ال أب بكر ،فقل له :ان
عليّ من الدين كذا كذا..
فليقم بسداده..
فلما استيقظ الرجل من نومه ،أتى خالد بن الوليد ،فقصّ عليه رؤياه..
فأرسل خالد من يأت بالدرع ،فوجدها كما وصف ثابت تاما..
ولا رجع السلمون ال الدينة ،قصّ السلم على الليفة الرؤيا ،فأنز وصيّة ثابت..
وليس ف السلم وصيّة ميّت أنزت بعد موته على هذا النحو ،سوى وصيّة ثابت بن قيس..
حقا ان النسان لسرّ كبي..
( ول تسبّ الذين قتلوا ف سبيل ال أمواتا بل أحياء عند ربم يرزقون).
أسيد بن خضي
بطل يوم السقيفة
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وحل أسيد حربته ،وأغذ السي ال حيث كان مصعب ف ضيافة أسعد بن زرارة من زعماء الدينة
الذين سبقوا ال السلم.
وعند ملس مصعب وأسعد بن زرارة رأى أسيد جهرة من الناس تصغي ف اهتمام للكلمات الرشيدة
الت يدعوهم با ال ال ،مصعب بن عمي..
وفجأهم أسيد بغضبه وثورته..
وقال له مصعب:
" هل لك ف أن تلس فتسمع ..فان رضيت أمرنا قبلته ،ون كرهته ،كففنا عنك ما تكره"..؟؟
**
كان أسيد رجل ..وكان مستني العقل ذكيّ القلب حت لقبه أهل الدينة بالكامل ..وهو لقب كان
يمله أبوه من قبله..
فلما رأى مصعبا يتكم به ال النطق والعقل ،غرس حربته ف الرض ،وقال لصعب:
لقد أنصفت :هات ما عندك..
وراح مصعب يقرأ عليه من القرآن ،ويفسّر له دعوة الدين الديد .الدين الق الذي أمر ممد عليه
الصلة والسلم بتبليغه ونشر رايته.
ويقول الذين حضروا هذا الجلس:
" وال لقد عرفنا ف وجه أسيد السلم قبل أن يتكلم..
عرفناه ف اشراقه وتسهّله"!!..
**
ل يكد مصعب ينتهي من حديثه حت صاح أسيد مبهورا:
" ما أحسن هذا الكلم وأجله..
كيف تصنعون اذا أردت أن تدخلوا ف هذا الدين".؟
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
قال له مصعب:
" تطهر بدنك ،وثوبك ،وتشهد شهادة الق ،ث تصلي"..
ان شخصية أسيد شخصية مستقيمة قوية مستقيمة وناصعة ،وهي اذ تعرف طريقها ،ل تتردد لظة
أمام ارادتا الازمة..
ومن ثّ ،قام أسيد ف غي ارجاء ول ابطاء ليستقبل الدين الذي انفتح له قلبه ،وأشرقت به روحه،
فاغتسل وتطهر ،ث سجد ل رب العالي ،معلنا اسلمه ،مودّعا أيام وثنيّته ،وجاهليته!!..
كان على أسيد أن يعود لسعد بن معاذ ،لينقل اليه أخبار الهمة الت كلفه با ..مهمة زجر مصعب بن
عمي واخراجه..
وعاد ال سعد..
وما كاد يقترب من ملسه ،حت قال سعد لن حوله:
" أقسم لقد جاءكم أسيد بغي الوجه الذي ذهب به"!!.
أجل..
لقد ذهب بوجه طافح بالرارة ،والغضب والتحدي..
وعاد بوجه تغشاه السكينة والرحة والنور!!..
**
وقرر أسيد أن يستخدم ذكاءه قليل..
انه يعرف أن سعد بن معاذ مثله تاما ف صفاء جوهره ومضاء عزمه ،وسلمة تفكيه وتقديره..
ويعلم أنه ليس بينه وبي السلم سوى أن يسمع ما سع هو من كلم ال ،الذي يسن ترتيله
وتفسيه سفي الرسول اليهم مصعب بن عمي..
لكنه لو قال لسعد :ان أسلمت ،فقم وأسلم ،لكانت مابة غي مأمونة العاقبة..
اذن فعليه أن يثي حيّة سعد بطريقة تدفعه ال ملس مصعب حت يسمع ويرى..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
سع الصحاب الليل زيد بن الرقم هذه الكلمات ،بل هذه السموم النافقة السعورة ،فكان حقا عليه
أن يب رسول ال صلى ال عليه وسلم..
وتأل رسول ال صلى ال عليه وسلم كثيا ،وقابله أسيد فقال له النب عليه السلم:
أوما بلغك ما قال صاحبكم..؟؟
قال أسيد:
وأيّ صاحب يا رسول ال..؟؟
قال الرسول:
عبدال بن أبّ!!
قال أسيد:
وماذا قال..؟؟
قال الرسول:
زعم انه ان رجع ال الدينة لرجنّ العز منها الذل.
قال أسيد:
فأنت وال ،يا رسول ال ،ترجه منها ان شاء ال ..هو وال الذليل ،وأنت العزيز..
ث قال أسيد:
" يا رسول ال ارفق به ،فوال لقد جاءنا ال بك وان قومه لينظمون له الرز ليتوّجوه على الدينة
ملكا ،فهو يرى أن السلم قد سلبه ملكا"..
بذا التفكي الادئ اعميق التزن الواضح ،كان أسيد دائما يعال القضايا ببديهة حاضرة وثاقبة..
وف يوم السقيفة ،اثر وفاة رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث أعلن فريق من النصار ،وعلى
رأسهم سعد بن عبادة أحقيتهم باللفة ،وطال الوار ،واحتدمت الناقشة ،كان موقف أسيد ،وهو
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
كما عرفنا زعيم أنصاري كبي ،كان موقفه فعال ف حسم الوقف ،وكانت كلماته كفلق الصبح ف
تديد التاهه..
وقف أسيد فقال ماطبا فريق النصار من قومه:
" تعلمون أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان من الهاجرين..
فخليفته اذن ينبغي أن يكون من الهاجرين..
ولقد كنا أنصار رسول ال..
وعلينا اليوم أن نكون أنصار خليفته"..
وكانت كلماته ،بردا ،وسلما..
**
ولقد عاش أسيد بن خضي رضي ال عنه عابدا ،قانتا ،باذل روحه وماله ف سبيل الي ،جاعل
وصية رسول ال صلى ال عليه وسلم للنصار نصب عينيه:
" اصبوا ..حت تلقون على الوض"..
ولقد كان لدينه وخلقه موضع تكري الصدّيق حبّه ،كذلك كانت له نفس الكانة والنلة ف قلب أمي
الؤمني عمر ،وف أفئدة الصحابة جيعا.
وكان الستماع لصوته وهو يرتل القرآن احدى الغان الكبى الت يرص الصحاب عليها..
ذلك الصوت الاشع الباهر الني الذي أخب رسول ال صلى ال عليه وآله وصحبه وسلم أن اللئكة
دنت من صاحبه ذات ليلة لسماعه..
وف شهر شعبان عام عشرين للهجرة ،مات أسيد..
وأب أمي الؤمني عمر ال أن يمل نعشه فوق كتفه..
وتت ثرى البقيع وارى الصحاب جثمان مؤمن عظيم..
وعادوا ال الدينة وهم يستذكرون مناقبه ويرددون قول الرسول الكري عنه:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
بل أسلم ف الساعات الول للدعوة ،وقبل أن يدخل رسول ال دار الرقم ويتخذها مقرا للتقائه
بأصحابه الؤمني..
فهو أحد الثمانية الذن سبقوا ال السلم..
عرض عليه أبوبكر السلم هو وعثمان بن عفان والزبي بن العوام وطلحة بن عبيد ال وسعد بن أب
وقاص ،فما غمّ عليهم المر ول أبطأ بم الشك ،بل سارعوا مع الصدّيق ال رسول ال يبايعونه
ويملون لواءه.
ومنذ أسلم ال أن لقي ربه ف الامسة والسبعي من عمره ،وهو نوذج باهر للمؤمن العظيم ،ما جعل
النب صلى ال عليه وسلم يضعه مع العشرة الذين بشّرهم بالنة ..وجعل عمر رضي ال عنه يضعه
مع أصحاب الشورى الستة الذين جعل اللفة فيهم من بعده قائل ":لقد توف رسول ال وهو عنهم
راض".
وفور اسلم عبدالرحن بن عوف حل حظه الناسب ،ومن اضطهاد قريش وتدّياتا..
وحي أمر النب صلى ال عليه وسلم أصحابه بالجرة ال البشة هاجر ابن عوف ث عاد ال مكة ،ث
هاجر ال البشة ف الجرة الثانية ث هاجر ال الدينة ..وشهد بدرا ،وأحدا ،والشاهد كلها..
**
وكان مظوظا ف التجارة ال حدّ أثار عجبه ودهشه فقال:
" لقد رأيتن ،لو رفعت حجرا ،لوجدت تت فضة وذهبا"!!..
ول تكن التجارة عند عبدالرحن بن عوف رضي ال عنه شرها ول احتكارا..
بل ل تكن حرصا على جع الال شغفا بالثراء..
كل..
انا كانت عمل ،وواجبا يزيدها النجاح قربا من النفس ،ومزيدا من السعي..
وكان ابن عوف يمل طبيعة جيّاشة ،تد راحتها ف العمل الشريف حيث يكون..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
فهو اذا ل يكن ف السجد يصلي ،ول ف الغزو ياهد فهو ف تارته الت نت نوا هائل ،حت أخذت
قوافله تفد على الدينة من مصر ،ومن الشام ،مملة بكل ما تتاج اليه جزيرة العرب من كساء
وطعام..
ويدلّنا على طبيعته اليّاشة هذه ،مسلكه غداة هجر السلمي ال الدينة..
لقد جرى نج الرسول يومئذ على أن يؤاخي بي كل اثني من أصحابه ،أحدها مهاجر من مكة،
والخر أنصاري من الدينة.
وكانت هذه الؤاخات ت على نسق يبهر اللباب ،فالنصاري من أهل الدينة يقاسم أخاه الهاجر كل
ما يلك ..حت فراشه ،فاذا كان تزوجا باثني طلق احداها ،ليتزوجها أخوه!!..
ويومئذ آخى الرسول الكري بي عبدالرحن بن عوف ،وسعد بن الربيع..
ولنصغ للصحاب الليل أنس بن مالك رضي ال عنه يروي لنا ما حدث:
" ..وقال سعد لعبدالرحن :أخي ،أنا أكثر أهل الدينة مال ،فانظر شطر مال فخذه!!
وتت امرأتان ،فانظر أيتهما أعجب لك حت أطلقها ،وتتزوجها!..
فقال له عبدالرحن بن عوف:
بارك ال لك ف أهلك ومال..
دلون على السوق..
وخرج ال السوق ،فاشترى ..وباع ..وربح"!!..
وهكذا سارت حياته ف الدينة ،على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم وبعد وفاته ،أداء كامل لق
الدين ،وعمل الدنيا ..وتارة رابة ناجحة ،لو رفع صاحبها على حد قوله حجرا من مكانه لوجد
تته فضة وذهبا!!..
وما جعل تارته ناجحة مباركة ،ترّيه اللل ،ونأيه الشديد عن الرام ،بل عن الشبهات..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
كذلك ما زادها ناخا وبركة أنا ل تكن لعبدالرحن وحده ..بل كان ل فيها نصيب أوف ،يصل به
أهله ،واخوانه ،ويهّز به جيوش السلم..
واذا كانت الارة والثروات ،انا تصى بأعداد رصيدها وأرباحها فان ثروة عبدالرحن بن عوف انا
تعرف مقاديرها وأعدادها با كان ينفق منها ف سبيل ال رب العالي!!..
لقد سع رسول ال يقول له يوما:
" يا بن عوف انك من الغنياء..
وانك ستدخل النة حبوا..
فأقرض ال يطلق لك قدميك"..
ومن سع هذا النصح من رسول ال ،وهو يقرض ربه قرضا حسنا ،فيضاعفه له أضعافا كثية.
باع ف يوم أرضا بأربعي ألف دينار ،ث فرّقها ف أهله من بن زهرة ،وعلى أمهات الؤمني ،وفقراء
السلمي.
وقدّم يوما ليوش السلم خسمائة فرس ،ويوما آخر الفا وخسمائة راحلة.
وعند موته ،أوصى بمسن ألف دينار ف سبيل ال ،وأ،صى لكل من بقي من شهدوا بدرا بأربعمائة
دينار ،حت ان عثمان بن عفان رضي ال عنه ،أخذ نصيبه من الوصية برغم ثرائه وقال ":ان مال
عبدالرحن حلل صفو ،وان الطعمة منه عافية وبركة".
**
كان ابن عوف سيّد ماله ول يكن عبده..
وآية ذلك أنه ل يكن يشقى بمعه ول باكتنازه..
بل هو يمعه هونا ،ومن حلل ..ث ل ينعم به وحده ..بل ينعم به معه أهله ورحه واخوانه ومتمعه
كله.
ولقد بلغ من سعة عطائه وعونه أنه كان يقال:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وهكذا ل يكد الستة الختارون يعقدون اجتماعهم ليختاروا أحدهم خليفة بعد الفاروق عمر حت
أنبأ اخوانه المسة الخرين أنه متنازل عن الق الذي أضفاه عمر عليه حي جعله أحد الستة الذين
يتار الليفة منهم ..وأنّ عليهم أن يروا عملية الختيار بينهم وحدهم أي بي المسة الخرين..
وسرعان ما أحله هذا الزهد ف النصب مكان الكم بي المسة الجلء ،فرضوا أن يتار هو الليفة
من بينهم ،وقال المام علي:
" لقد سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يصفك بأنك أمي ف أهل السماء ،وأمي ف أهل
الرض"..
واختار ابن عوف عثمان بن عفان للخلفة ،فأمضى الباقون اختياره.
**
هذه حقيقة رجل ثري ف السلم..
فهل رأيتم ما صنع السلم به حت رفعه فوق الثرى بكل مغرياته ومضلته ،وكيف صاغه ف أحسن
تقوي..؟؟
وها هو ذا ف العام الثان والثلثي للهجرة ،يود بأنفاسه..
وتريد أم الؤمني عائشة أن تصّه بشرف ل تتصّ به سواه ،فتعرض عليه وهو على فراش الوت أن
يدفن ف حجرتا ال جوار الرسول وأب بكر وعمر..
ولكنه مسلم أحسن السلم تأديبه ،فيستحي أن يرفع نفسه ال هذا الوار!!...
ث انه على موعد سابق وعهد وثيق مع عثمان بن مظعون ،اذ تواثقا ذات يوم :أيهما مات بعد الخر
يدفن ال جوار صاحبه..
**
وبينما كانت روحه تتهيأ لرحلتها الديدة كانت عيناه تفيضان من الدمعو ولسانه يتمتم ويقول:
" ان أخاف أن أحبس عن أصحاب لكثرة ما كان ل من مال"..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ولكن سكينة ال سرعان ما تغشته ،فكست وجهه غللة رقيقة من الغبطة الشرقة التهللة الطمئنة..
وأرهفت أذناه للسمع ..كما لو كان هناك صوت عذب يقترب منهما..
لعله آنئذ ،كان يسمع صدق قول الرسول صلى ال عليه وسلم له منذ عهد بعيد:
" عبدالرحن بن عوف ف النة"..
ولعله كان يسمع أيضا وعد ال ف كتابه..
( الذين ينفقون أموالم ف سبيل ال ،ث ل يتبعون ما أنفقوا منّا ول أذى ،لم أجرهم عند ربم ول
خوف عليهم ول هم يزنون)..
أبو جابر عبدال بن عمرو بن حرام
ظليل اللئكة
عندما كان النصار السبعون يبايعون رسول ال صلى ال عليه وسلم بيعة العقبة الثانية ،كان عبدال
بن عمرو بن حرام ،أبو جابر بن عبدال أحد هؤلء النصار..
ولا اختار الرسول صلى ال عليه وسلم منهم نقباء ،كان عبدال بن عمرو أحد هؤلء النقباء ..جعله
رسول ال صلى ال عليه وسلم نقيبا على قومه من بن سلمة..
ولا عاد ال الدينة وضع نفسه ،وماله ،وأهله ف خدمة السلم..
وبعد هجرة الرسول ال الدينة ،كان أبو جابر قد وجد كل حظوظه السعيدة ف مصاحبة النب عليه
السلم ليله وناره..
**
وف غزوة بدر خرج ماهدا ،وقاتل قتال البطال..
وف غزوة أحد تراءى له مصرعه قبل أن يرج السلمون للغزو..
وغمره احساس صادق بأنه لن يعود ،فكاد قلبه يطي من الفرح!!
ودعا اليه ولد جابر بن عبدال الصحاب الليل ،وقال له:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
**
كان ايان أبو جابر متألقا ووثيقا..
وكان حبّه بالوت ف سبيل ال منتهى أطماحه وأمانيه..
ولقد أنبأ رسول ال صلى ال عليه وسلم عنه فيما بعد نبأ عظيم ،يصوّر شغفه بالشهادة..
قال عليه السلم لولده جابر يوما:
" يا جابر..
ما كلم ال أحدا قط ال من وراء حجاب..
ولقد كلّم كفاحا _أي مواجهة_
فقالفقال له :يا عبدي ،سلن أعطك..
فقال :يا رب ،أسألك أن تردّن ال الدنيا ،لقتل ف سبيلك ثانية..
قال له ال:
انه قد سبق القول من :أنم اليها ل يرجعون.
قال :يا رب فأبلغ من ورائي با أعطيتنا من نعمة..
فأنزل ال تعال:
ب الذين قتلوا ف سبيل ال أمواتا ،بل أحياء عند ربم يرزقون ،فرحي با أتاهم ال من (ول تس ّ
فضله ،ويستبشرون بالذين ل يلحقوا بم من خلفهم .أل خوف عليهم ول هم يزنون)".
**
وعندما كان السلمون يتعرفون على شهدائهم البرار ،بعد فراغ القتال ف أحد..
وعندما تعرف أهل عبدال بن عمرو على جثمانه ،حلته زوجته على ناقتها وحلت معه أخاها الذي
استشهد أيضا ،وهّت بما راجعة ال الدينة لتدفنهما هناك ،وكذلك فعل بعض السلمي بشهدائهم..
بيد أن منادي رسول ال صلى ال عليه وسلم لق بم وناداهم بأمر رسول ال أن:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
فكانا يدلان عليه ليل ،ث يملنه ويطرحانه ف حفرة يطرح الناس فيه فضلتم..
ويصيح عمرو فل يد منافا ف مكانه ،ويبحث عنه حت يده طريح تلك الفرة ..فيثور ويقول:
ويلكم من عدا على آلتنا الليلة!..؟
ث يغسله ويطهره ويطيّبه..
فاذا جاء ليل جديد ،صنع العاذان معاذ بن عمرو ومعاذ بن جبل بالصنم مثل ما يفعلن به كل ليلة.
حت اذا سئم عمرو جاء بسيفه ووضعه ف عنق مناف وقال له :ان كان فيك خي فدافع عن
نفسك!!..
فلما اصبح فلم يده مكانه ..بل وجده ف الفرة ذاتا طريا ،بيد أن هذه الرة ل يكن ف حفرته
وحيدا ،بل كان مشدودا مع كلب ميت ف حبل وثيق.
واذا هو ف غضبه ،وأسفه ودهشه ،اقترب منه بعض أشراف الدينة الذين كانوا قد سبقوا ال
السلم ..وراحوا ،وهم يشيون بأصابعهم ال الصنم النكّس القرون بكلب ميت ،ياطبون ف عمرو
بن الموح عقله وقلبه ورشده ،مدثينه عن الله الق ،العلي العلى ،الذي ليس كمثله شيء.
وعن ممد الصادق المي ،الذي جاء الياة ليعطي ل ليأخذ ..ليهدي ،ل ليضل..
وعن السلم ،الذي جاء يرر البشر من العلل ،جيع الغلل ،وجاء يي فيهم روح ال وينشر ف
قلوبم نوره.
وف لظات وجد عمرو نفسه ومصيه..
وف لظات ذهب فطهر ثوبه ،وبدنه ..ث تطيّب وتأنق ،وتألق ،وذهب عال البهة مشرق النفس،
ليبايع خات الرسلي ،وليأخذ مكانه مع الؤمني.
**
قد يسأل سائل نفسه ،كيف كان رجال من أمثال عمرو بن الموح ..وهم زعماء قومهم
وأشراف ..كيف كانوا يؤمنون بأصنام هازلة كل هذا اليان..؟
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وكيف ل تعصمهم عقولم عن مثل هذا الراء ..وكيف نعدّهم اليوم ،حت مع اسلمهم وتضحياتم،
من عظماء الرجال..؟
ومثل هذا السؤال يبدو ايراده سهل ف أيامنا هذه حيث ل ند طفل يسيغ عقله أن ينصب ف بيته
خشبة ث يعبدها..
لكن ف أيام خلت ،كانت عواطف البشر تتسع لثل هذا الصنيع دون أن يكون لذكائهم ونبوغهم
حيلة تاه تلك التقاليد!!..
وحسبنا لذا مثل أثينا..
أثينا ف عصر باركليز وفيتاغورس وسقراط..
أثينا الت كانت قد بلغت رقيّا فكريا يبهر الباب ،كان أهلها جيعا :فلسفة ،وحكاما ،وجاهي
يؤمنون بأصنام منحوتة تناهي ف البلهة والسخرية!!
ذلك أن الوجدان الدين ف تلك العصور البعيدة ،ل يكن يسي ف خط مواز للتفوق العقلي...
**
أسلم عمرو بن الموح قلبه ،وحياته ل رب العالي ،وعلى الرغم من أنه كان مفطورا على الود
والسخاء ،فان السلم زاد جوده مضاء ،فوضع كل ماله ف خدمة دينه واخوانه..
سأل الرسول عليه الصلة والسلم جاعة من بن سلمة قبيلة عمرو بن الموح فقال:
من سيّدكم يا بن سلمة..؟
قالوا :الدّ بن قيس ،على بل فيه..
فقال عليه الصلة والسلم:
وأي داء أدوى من البخل!!
بل سيّدكم العد البيض ،عمرو بن الموح..
فكانت هذه الشهادة من رسول ال صلى ال عليه وسلم تكريا لبن الموح ،أي تكري!..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وبعد مضي ست وأربعي سنة على دفنهما ،نزل سيل شديد غطّى أرض القبور ،بسبب عي من الاء
أجراها هناك معاوية ،فسارع السلمون ال نقل رفات الشهداء ،فاذا هم كما وصفهم الذين اشتركوا
ف نقل رفاتم:
" ليّنة أجسادهم..
تتثن أطرافهم"!..
وكان جابر بن عبدال ل يزال حيا ،فذهب مع أهله لينقل رفات أبيه عبدال بن عمرو بن حرام،
ورفات زوج عمته عمرو بن الموح..
فوجدها ف قبها ،كأنما نائمان ..ل تأكل الرض منهما شيئا ،ول تفارق شفاههما بسمة الرضا
والغبطة الت كانت يوم دعيا للقاء ال..
أتعجبون..؟
كل ،ل تعجبوا..
فان الرواح الكبية ،التقية ،النقية ،الت سيطرت على مصيها ..تترك ف الجساد الت كانت موئل
لا ،قدرا من الناعة يدرأ عنها عوامل التحلل ،وسطوة التراب..
حبيب بن زيد
أسطورة فداء وحب
ف بيعة العقبة الثانية الت مر بنا ذكرها كثيا ،والت بايع الرسول صلى ال عليه وسلم فيها سبعون
رجل وسيدتان من أهل الدينة ،كان حبيب بن زيد وأبوه زيد بن عاصم رضي ال عنهما من السبعي
الباركي..
وكانت أمه نسيبة بنت كعب أول السيدتان اللتي بايعتا رسول ال صلى ال عليه وسلم..
أم السيدة الثانية فكانت خالته!!..
هو اذن مؤمن عريق جرى اليان ف أصلبه وترائبه..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ولقد عاش ال جوار رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد هجرته ال الدينة ل يتخلف عن غزوة ،ول
يقعد عن واجب..
**
وذات يوم شهد جنوب الزيرة العربية كذابي عاتيي يدّعيان النبوة ويسوقان الناس ال الضلل..
خرج أحدها بصنعاء ،وهو السود بن كعب العنسي..
وخرج الثان باليمامة ،وهو مسيلمة الكذاب..
وراح الكذابان يرّضان الناس على الؤمني الذين استجابوا ل ،وللرسول ف قبائلهما ،ويرّضان على
مبعوثي رسول ال ال تلك الديار..
وأكثر من هذا ،راحا يشوّشان على النبوة نفسها ،ويعيثان ف الرض فسادا وضلل..
**
وفوجئ الرسول يوما ببعوث بعثه مسيلمة يمل منه كتابا يقول فيه "من مسيلمة رسول ال ،ال
ممد رسول ال ..سلم عليك ..أم بعد ،فان قد أشركت ف المر معك ،وان لنا نصف الرض،
ولقريش نصفها ،ولك ّن قريشا قوم يعتدون"!!!..
ودعا رسول ال أحد أصحابه الكاتبي ،وأملى عليه ردّه على مسيلمة:
" بسم ال الرحن الرحيم..
من ممد رسول ال ،ال مسيلمة الكذاب.
السلم على من اتبع الدى..
أما بعد ،فان الرض ل يورثها من يشاء من عباده ،والعاقبة للمتقي"!!..
وجاءت كلمات الرسول هذه كفلق الصبح .ففضحت كذاب بن حنيفة الذي ظ ّن النبوّة ملكا ،فراح
يطالب بنصف الرض ونصف العباد!..
وحل مبعوث مسيلمة رد الرسول عليه السلم ال مسيلمة الذي ازداد ضلل واضلل..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
**
ومضى الكذب ينشر افكه وبتانه ،وازداد أذاه للمؤمني وتريضه عليهم ،فرأى الرسول أن يبعث
اليه رسالة ينهاه فيها عن حاقاته..
ووقع اختياره على حبيب بن زيد ليحمله الرسالة مسيلمة..
وسافر حبيب يغذّ الطى ،مغتبطا بالهمة الليلة الت ندبه اليها رسول ال صلى ال عليه وسلم منّيا
نفسه بأن يهتدي ال الق ،قلب مسيلمة فيذهب حبيب بعظيم الجر والثوبة.
**
وبلغ السافر غايته..
وفضّ مسيلمة الكذاب الرسالة الت أعشاه نورها ،فازداد امعانا ف ضلله وغروره..
ولا ل يكن مسيلمة أكثر من أفّاق دعيّ ،فقد تلى بكل صفات الفّاقي الدعياء!!..
وهكذا ل يكن معه من الروءة ول من العروبة والرجولة ما يردّه عن سفك دم رسول يمل رسالة
مكتوبة ..المر الذي كانت العرب تترمه وتقدّسه!!..
وأراد قدر هذا الدين العظيم ،السلم ،أن يضيف ال دروس العظمة والبطولة الت يلقيها على البشرية
بأسرها ،درسا جديدا موضوعه هذه الرة ،وأستاذه أيضا ،حبيب بن زيد!!..
**
جع الكذاب مسيلمة قومه ،وناداهم ال يوم من أيامه الشهودة..
وجيء ببعوث رسول ال صلى ال عليه وسلم ،حبيب بن زيد ،يمل آثار تعذيب شديد أنزله به
الجرمون ،مؤملي أن يسلبوا شجاعة روحه ،فيبدو امام الميع متخاذل مستسلما ،مسارعا ال اليان
بسيلمة حي يدعى ال هذا اليان أمام الناس ..وبذا يقق الكذاب الفاشل معجزة موهومة أمام
الخدوعي به..
**
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ومن ثّ ل يكن أمامه لكي يربح حياته كلها مثل هذه الفرصة الفريدة الت تثلت فيها قصة ايانه
كلها ..ثبات ،وعظمة ،وبطولة ،وتضحية ،واستشهاد ف سبيل الدى والق يكاد يفوق ف حلوته،
وف روعته كل ظفر وكل انتصار!!..
**
وبلغ رسول ال صلى ال عليه وسلم نبأ استشهاد مبعوثه الكري ،واصطب لكم ربه ،غهو يرى بنور
ال مصي هذا الكذاب مسيلمة ،ويكاد يرى مصرعه رأي العي..
أما نسيبة بنت كعب أم حبيب فقد ضغطت على أسنانا طويل ،ث أطلقت يينا مبرا لتثأرن لولدها
من مسيلمة ذاته ،ولتغوصنّ ف لمه البيث برمها وسيفها..
وكان القدر الذي يرمق آنئذ جزعها وصبها وجلدها ،يبدي اعجابا كبيا با ،ويقرر ف نفس الوقت
أن يقف بوارها حت تبّ بيمينها!!..
ودارت من الزمان دورة قصية ..جاءت على أثرها الوقعة الالدة ،موقعة اليمامة..
وجهّز أبو بكر الصدّيق خليفة رسول ال صلى ال عليه وسلم جيش السلم الذاهب ال اليمامة
حيث أعدّ مسيلمة أضخم جيش..
وخرجت نسيبة مع اليش..
وألقت بنفسها ف خضمّ العركة ،ف يناها سيف ،وف يسراها رمح ،ولسانا ل يكفّ عن الصياح:
" أين عد ّو ال مسيلمة".؟؟
ولا قتل مسيلمة ،وسقط أتباعه كالعهن النفوش ،وارتفعت رايات السلم عزيزة ظافرة ..وقفت
نسيبة وقد ملىء جسدها الليل ،القوي بالراح وطعنات الرمح..
وقفت تستجلي وجه ولدها البيب ،الشهيد حبيب فوجدته يل الزمان والكان!!..
أجل..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ما صوّبت نسيبة بصرها نو راية من الرايات الفاقة النتصرة الضاحكة ال رأت عليها وجه ابنها
حبيب خفاقا ..منتصرا ..ضاحكا..
أبّ بن كعب
ليهنك العلم ،أبا النذر
سأله رسول ال صلى ال عليه وسلم ذات يوم:
" يا أبا النذر..؟
أي آية من كتاب ال أعظم..؟؟
فأجاب قائل:
ال ورسوله أعلم..
وأعاد النب صلى ال عليه وعلى آله وسلم سؤاله:
أبا النذر..؟؟
أيّ أية من كتاب ال أعظم..؟؟
وأجاب أبّ:
ال ل اله ال هو ال ّي القيّوم..
فضرب رسول ال صلى ال عليه وسلم صدره بيده ،وقال له والغبطة تتألق على ميّاه:
ليهنك العلم أبا النذر"...
**
ان أبا النذر الذي هنأه الرسول الكري با أنعم ال عليه من علم وفهم هو أبّ بن كعب الصحاب
الليل..
هو أنصاري من الزرج ،شهد العقبة ،وبدرا ،وبقية الشاهد..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وبلغ من السلمي الوائل منلة رفيعة ،ومكانا عاليا ،حت لقد قال عنه أمي الؤمني عمر رضي ال
عنهما:
" أبّ سيّد السلمي"..
وكان أبّ بن كعب ف مقدمة الذين يكتبون الوحي ،ويكتبون الرسائل..
وكان ف حفظه القرآن الكري ،وترتيله اياه ،وفهمه آياته،من التفوقي..
قال له رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما:
" يا أبّ بن كعب..
ان أمرت أن أعرض عليك القرآن"..
وأبّ يعلم أن رسول ال صلى ال عليه وسلم انا يتلقى أوامره من الوحي..
هنالك سأل رسول ال صلى ال عليه وسلم ف نشوة غامرة:
" يا رسول ال بأب أنت وأمي ..وهل ذكرت لك بأسي"..؟؟
فأجاب الرسزل:
" نعم..
باسك ،ونسبك ،ف الل العلى"!!..
وان مسلما يبلغ من قلب النب صلى ال عليه وسلم هذه النلة لو مسلم عظيم جد عظيم..
وطوال سنوات الصحبة ،وأبّ بن كعب قريب من رسول ال صلى ال عليه وسلم ينهل من معينه
العذب العطاء..
وبعد انتقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ال الرفيق العلى ،ظلّ أبّ على عهده الوثيق ..ف عبادته،
وف قوة دينه ،وخلقه..
وكان دائما نذيرا ف قومه..
يذكرهم بأيام رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وماكانوا عليه من عهد ،وسلوك وزهد..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وعلىأن آية من تلك اليات الكرية ،كان اذا سعها أو تلها تغشاه من السى ما ل يوصف..
تلك هي:
( قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم ،أو من تت أرجلكم ،أو يلبسكم شيعا..
ويذيق بعضكم بأس بعض)..
كان أكثر ما يشاه أبّ على المة السلمو أن يأت عليها اليوم الذي يصي بأس أبنائها بينهم شديدا..
وكان يسأل ال العافية دوما ..ولقد أدركها بفضل من ال ونعمة..
ولقي ربه مؤمنا ،وآمنا ومثابا..
سعد بن معاذ
هنيئا لك يا أبا عمرو
ف العام الواحد والثلثي من عمره ،أسلم..
وف السابع والثلثي مات شهيدا..
وبي يوم اسلمه ،ويوم وفاته ،قضى سعد بن معاذ رضي ال عنه أياما شاهقة ف خدمة ال ورسوله..
**
انظروا..
أترون هذا الرجل الوسيم ،الليل ،الفارع الطول ،الشرق الوجه ،السيم ،الزل.؟؟
انه هو..
يقطع الرض وثبا وركضا ال دار أسعد بن زرارة بيى هذا الرجل الوافد من مكة مصعب بن عمي
الذي بعث به ممدا عليه الصلة والسلم ال الدينة يبشّر فيها بالتوحيد والسلم..
أجل ..هو ذاهب ال هناك ليدفع بذا الغريب خارج حدود الدينة ،حامل معه دينه ..وتاركا للمدينة
دينها!!..
**
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ولكنه ل يكاد يقترب من ملس مصعب ف دار ابن خالته أسيد بن زرارة ،حت ينتعش فؤاده
بنسمات حلوة هبّت عليه هبوب العافية..
ول يكاد يبلغ الالسي ،ويأخذ مكانه بينهم ،ملقيا سعه لكلمات مصعب حت تكون هداية ال قد
أضاءت نفسه وروحه..
وف احدى مفاجآت القدر الباهرة الذهلة ،يلقي زعيم النصار حبته بعيدا ،ويبسط يينه مبايعا رسول
ال صلى ال عليه وسلم..
وباسلم سعد بن معاذ تشرق ف الدينة شس جديدة ،ستدور ف فلكها قلوب كثية تسلم مع حد ل
رب العالي!!..
أسلم سعد ..وحل تبعات اسلمه ف بطولة وعظمة..
وعندما هاجر رسول ال وصحبه ال الدينة كانت دور بن عبد الشهل قبيلة سعد مفتحة البواب
للمهاجرين ،وكانت أموالم كلها تت تصرّفهم ف غي منّ ،ول أذى ..ول حساب!!..
**
وتيء غزوة بدر..
ويمع رسول ال صلى ال عليه وسلم أصحابه من الهاجرين والنصار ،ليشاورهم ف المر.
وييمّم وجهه الكري شطر النصار ويقول:
" أشيوا عليّ أيها الناس"..
ونض سعد بن معاذ قائما كالعلم ..يقول:
" يا رسول ال..
لقد آمنا بك ،وصدّقناك ،وشهدنا أن ما جئت به هو الق ،وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا..
فامض يا رسول ال لا أردت ،فنحن معك..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ووالذي بعثك بالق ،لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لضناه معك ،وما تلف منا رجل واحد،
وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا..
انا لصب ف الرب ،صدق ف اللقاء..
ولعلّ ال يريك ما تقرّ به عينك...
فسر بنا على بركة ال"...
**
أهلت كلمات سعد كالبشريات ،وتألق وجه الرسول رضا وسعادة وغبطة ،فقال للمسلمي:
" سيوا وأبشروا ،فان ال وعدن احدى الطائفتي ..وال لكأن أنظر ال مصرع القوم"..
وف غزوة أحد ،وعندما تشتت السلمون تت وقع الباغتة الداهة الت فاجأهم با جيش الشركي ،ل
تكن العي لتخطئ مكان سعد بن معاذ..
لقد سّر قدميه ف الرض بوار رسول ال صلى ال عليه وسلم ،يذود عنه ويدافع ف استبسال هو له
أهل وبه جدير..
**
وجاءت غزوة الندق ،لتتجلى رجولة سعد وبطولته تليا باهرا وميدا..
وغزوة الندق هذه ،آية بينة على الكايدة الريرة الغادرة الت كان السلمون يطاردون با ف غي
هوادة ،من خصوم ل يعرفون ف خصومتهم عدل ول ذمّة..
فبينما رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه ييون بالدينة ف سلم يعبدون ربم ،ويتواصون
بطاعته ،ويرجون أن تكف قريش عن اغارتا وحروبا ،اذا فريق من زعماء اليهود يرجون خلسة ال
مكة مرّضي قريشا على رسول ال ،وباذلي لا الوعود والعهود أن يقفوا بانب القرشيي اذا هم
خرجوا لقتال السلمي..
واتفقوا مع الشركي فعل ،ووضعوا معا خطة القتال والغزو..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وف طريقهم وهم راجعون ال الدينة حرّضوا قبيلة من أكب قبائل العرب ،هي قبيلة غطفان واتفقوا مع
زعمائها على النضمام ليش قريش..
وضعت خطة الرب ،ووظعت أدوارها ..فقريش وغطفان يهاجان الدينة بيش عرمرم كبي..
واليهود يقومون بدور تريب داخل الدينة وحولا ف الوقت الذي يباغتها فيه اليش الهاجم..
ولا علم النب عليه الصلة والسلم بالؤامرة الغادرة راح يعدّ لا العدّة ..فأمر بفر خندق حول الدينة
ليعوق زحف الهاجي.
وأرسل سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ال كعب بن أسد زعيم يهود بن قريظة ،ليتبيّنا حقيقة موقف
هؤلء من الرب الرتقبة ،وكان بي رسول ال صلى ال عليه وسلم وبي يهود بن قريظة عهود
ومواثيق..
فلما التقى مبعوثا الرسول بزعيم بن قريظة فوجئا يقول لكم:
" ليس بيننا وبي ممد عهد ول عقد"!!..
**
عز على الرسول عليه الصلة والسلم أن يتعرض أهل الدينة لذا الغزو الدمدم والصار النهك،
ففكر ف أن يعزل غطفان عن قريش ،فينقض اليش الهاجم بنصف عدده ،ونصف قوته ،وراح
بالفعل يفاوض زعماء غطفان على أن ينفضوا أيديهم عن هذه الرب ،ولم لقاء ذلك ثلث ثار
الدينة ،ورضي قادة غطفان ،ول يبق ال أن يسجل التفاق ف وثيقة مهورة..
وعند هذا الدى من الحاولة ،وقف رسول ال صلى ال عليه وسلم اذ ل ير من حقه أن ينفرد بالمر،
فدعا اليه أصحابه رضي ال عنهم ليشاورهم..
واهتم عليه الصلة والسلم اهتماما خاصا برأي سعد بن معاذ ،وسعد بن عبادة ..فهما زعيما الدينة،
وها بذا أصحاب حق أول ف مناقشة هذا المر ،واختيار موقف تاهه..
**
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
قصّ رسول ال صلى ال عليه وسلم عليهما حديث التفاوض الذي جرى بينه وبي زعماء غطفان..
وأنبأها أنه انا لأ ال هذه الحاولة ،رغبة منه ف أن يبعد عن الدينة وأهلها هذا الجوم الطي،
والصار الرهيب..
وتقدم السعدان ال رسول ال بذا السؤال:
" يا رسول ال..
أهذا رأي تتاره ،أم وحي أمرك ال به"؟؟
قال الرسول:
" بل أمر أختاره لكم..
وال ما أصنع ذلك ال لنن رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة ،وكالبوكم من كل جانب،
فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم ال أمر ما"..
وأحسّ سعد بن معاذ أن أقدارهم كرجال ومؤمني تواجه امتحانا ،أي امتحان..
هنالك قال:
" يا رسول ال..
قد كنا وهؤلء على الشرك وعبادة الوثان ل نعبد ال ول نعرفه ،وهم ل يطمعون أن يأكلوا من
مدينتنا ترة ،ال قرى ،أي كرما وضيفة ،أ ،بيعا..
أفحي أكرمنا ال بالسلم ،وهدانا له ،وأعزنا بك وبه ،نعطيهم أموالنا..؟؟
وال ما لنا بذا من حاجة..
ووال ل نعطيهم ال السيف ..حت يكم ال بيننا وبينهم"!!..
وعلى الفور عدل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن رأيه ،وأنبأ زعماء غطفان أن أصحابه رفضوا
مشروع الفاوضة ،وأنه أقرّ رأيهم والتزم به..
**
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ذلك أنه بعد أن يئست قريش من اقتحام الدينة ،ودبّ ف صفوف جيشها اللع ،حل الميع متاعهم
وسلحهم ،وعادوا مذولي ال مكة..
ورأى رسول ال صلى ال عليه وسلم أن ترك بن قريظة ،يفرضون على الدينة غدرهم كما شاؤوا،
أمر ل يعد من حقه أن يتسامح تاهه..
هنالك أمر أصحابه بالسي ال بن قريظة.
وهناك حاصروهم خسة وعشرين يوما..
ولا رأى هؤلء أل منجى لم من السلمي ،استسلموا ،وتقدموا ال رسول ال صلى ال عليه وسلم
برجاء أجابم اليه ،وهو أن يكم فيهم سعد بن معاذ ..وكان سعد حليفهم ف الاهلية..
**
أرسل النب صلى ال عليه وسلم من أصحابه من جاؤوا بسعد بن معاذ
من ميمه الذي كان يرّض فيه بالسجد..
جاء ممول على دابة ،وقد نال منه العياء والرض..
وقال له الرسول:
" يا سعد احكم ف بن قريظة".
وراح سعد يستعيد ماولت الغدر الت كان آخرها غزوة الندق والت كادت لبمدينة تلك فيها
بأهلها..
وقال سعد:
" ان أرى أن يقتل مقاتلوهم..
وتسب ذراريهم..
وتقسّم أموالم"..
وهكذا ل يت سعد حت شفي صدره من بن قريظة..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
**
كان جرح سعد يزداد خطرا كل يوم ،بل كل ساعة..
وذات يوم ذهب رسول ال صلى ال عليه وسلم لعيادته ،فألفاه يعيش ف لظات الوداع فأخذ عليه
الصلة والسلم رأسه ووضعه ف حجره ،وابتهل ال ال قائل:
" اللهم ان سعدا قد جاهد ف سبيلك ،وصدّق رسولك وقضى الذي عليه ،فتقبّل روحه بي ما تقبّلت
به روحا"!..
وهطلت كلمات النب صلى ال عليه وسلم على الروح الودّعة بردا وسلما..
فحاول ف جهد ،وفتح عينيه راجيا أن يكون وجه رسول ال آخر ما تبصرانه ف الياة وقال:
" السلم عليك يا رسول ال..
أما ان لشهد أنك رسول ال"..
وتلى وجه النب وجه سعد آن ذاك وقال:
" هنيئا لك يا أبا عمرو".
**
يقول أبو سعيد الدري رضي ال عنه:
" كنت من حفروا لسعد قبه..
وكنا كلما حفرنا طبقة من تراب ،شمنا ريح السك ..حت انتهينا ال اللحد"..
وكان مصاب السلمي ف سعد عظيما..
ولكن عزاءهم كان جليل ،حي سعوا رسولم الكري يقول:
" لقد اهتز عرش الرحن لوت يعد بن معاذ"..
سعد بن عبادة
حامل راية النصار
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
غادر سعد بعد هذا العدوان الذي صادفه ف أوانه ليعلم كم تتسلح قريش بالرية ض ّد قوم عزل،
يدعون ال الي ،والق والسلم..
ولقد شحذ هذا العدوان ،وقرر أن يتفان ف نصرة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،والصحاب
والسلم..
**
ويهاجر رسول ال صلى ال عليه وسلم ال الدينة ..ويهاجر قبله أصحابه..
وهناك سخّر سعد أمواله لدمة الهاجرين..
كان سعد جوادا بالفطرة وبالوراثة..
فهو ابن عبادة بن دليم بن حارثة الذي كانت شهرة جوده ف الاهلية أوسع من كل شهرة..
ولقد صار جود سعد ف السلم آية من آيات ايانه القوي الوثيق..
قال الرواة عن جوده هذا:
" كانت جفنة سعد تدور مع النب صلى اله عليه وسلم ف بيوته جيعا"..
وقالوا:
" كان الرجل من النصار ينطلق ال داره ،بالواحد من الهاجرين ،أو بالثني ،أو بالثلثة.
وكان سعد بن عبادة ينطلق بالثماني"!!..
من أجل هذا ،كان سعد يسأل ربه دائما الزيد من خره ورزقه..
وكان يقول:
" اللهم انه ل يصلحن القليل ،ول أصلح عليه"!!..
ون\من أجل هذا كان خليقا بدعاء رسول ال صلى ال عليه وسلم له:
" اللهم اجعل صلواتك ورحتك على آل سعد بن عبادة"..
**
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ول يضع سعد ثروته وحدها ف خدمة السلم النيف ،بل وضع قوته ومهارته..
فقد كان ييد الرمي اجادة فائقة ..وف غزواته مع رسول ال صلى ال عليه وسلم كانت فدائيته
حازمة وحاسة.
يقول ابن عباس رضي ال عنهما:
" كان لرسول ال صلى ال عليه وسلم ف الواطن كلها رايتان..
مع علي ابن أب طالب راية الهاجرين..
ومع سعد بن عبادة ،راية النصار"..
**
ويبدو أن الشدّة كانت طابع هذه الشخصية القوية..
فهو شديد ف الق..
وشديد ف تشبثه با يرى لنفسه من حق..
واذا اقتنع بأمر نض لعلنه ف صراحة ل تعرف الداراة ،وتصميم ل يعرف السايرة..
وهذه الشدة ،أ ،هذا التطرّف ،هو الذي دفع زعيم النصار الكبي ال مواقف كانت عليه أكثر ما
كانت له..
**
فيوم فتح مكة ،جعله الرسول صلى ال عليه وسلم أميا على فيلق من جيوش السلمي..
ول يكد يشارف أبواب البلد الرام حت صاح:
" اليوم يوم اللحمة..
اليوم تستحل الرمة"..
وسعها عمر بن الطاب رضي ال عنه فسارع ال رسول ال صلى ال عليه وسلم قائل:
" يا رسول ال..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
**
ولكن سعد بن عبادة بوقفه هذا ،كان يستجيب ف صدق لطبيعته وسجاياه..
فهو كما ذكرنا شديد التثبت باقتناعه ،ومعن ف الصرار على صراحته ووضوحه..
ويدلنا على هذه السجيّة فيه ،موقفه بي يدي رسول ال صلى ال عليه وسلم بعيد غزوة حني..
فحي انتهى السلمون من تلك الغزوة ظافرين ،راح رسول ال صلى ال عليه وسلم يوزع غنائمها
على السلمي ..واهتم يومئذ اهتماما خاصا بالؤلفة قلوبم ،وهم أولئك الشراف الذين دخلوا
السلم من قريب ،ورأى رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يساعدهم على أنفسهم بذا التألف،
كما أعطى ذوي الاجة من القاتلي.
وأما أولو السلم الكي ،فقد وكلهم ال اسلمهم ،ول يعطهم من غنائم هذه الغزوة شيئا..
كان عطاء رسول ال صلى ال عليه وسلم ،مرّد عطائه ،شرفا يرص عليه جيع الناس..
وكانت غنائم الرب قد أصبحت تشكّل دخل هاما تقوم عليه معايش السلمي..
وهكذا تساءل النصار ف مرارة :لاذا ل يعطهم رسول ال حظهم من الفيء والغنيمة..؟؟
وقال شاعرهم حسان بن ثابت:
وأت الرسول فقل يا خي مؤتن
للمؤمني اذا ما عدّد البشر
علم تدعى سليم ،وهي نازحة
قدّام قوم ،هوا آووا وهم نصروا
سّاهم ال النصار بنصرهم
دين الدى ،وعوان الرب تستعي
وسارعوا ف سبيل ال واعترفوا
للنائبات ،وما جاموا وما ضجروا
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ففي هذه البيات عبّر شاعر الرسول والنصار عن الرج الذي أحسّه النصار ،اذ أعطى النب صلى
ال عليه وسلم من الصحابة ،ول يعطهم شيئا.
ورأى زعيم النصار سعد بن عبادة ..وسع قومه يتهامس بعضهم بذا المر ،فلم يرضه هذا الوقف،
واستجاب لطبيعته الواضحة السفرة الصرية ،وذهب من فوره ال رسول ال صلى ال عليه وسلم
وقال:
" يا رسول ال..
ان هذا اليّ من النصار قد وجدوا عليك ف أنفسهم ،لا صنعت ف هذا الفيء الذي أصبت..
قسمت ف قومك ،وأعطيت عطايا عظاما ف قبائل العرب ،ول يك ف هذا الي من النصار منها
شيء"..
هكذا قال الرجل الواضح كل ما ف نفسه ،وكل ما ف أنفس قومه ..وأعطى الرسول صورة أمينة عن
الوقف..
وسأله رسول ال صلى ال عليه وسلم:
" وأين أنت من ذلك يا سعد"..؟؟
أي اذا كان هذا رأي قومك ،فما رايك أنت..؟؟
فأجاب سعد بنفس الصراحة قائل:
" ما أنا ال من قومي"..
هنالك قال له النب ":اذن فاجع ل قومك"..
ول بدّ لنا من أن نتابع القصة ال نايتها ،فان لا روعة ل تقاوم!..
جع سعد قومه من النصار..
وجاءهم رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فتملّى وجوههم السية .وابتسم ابتسامة متألقة بعرفان
جيلهم وتقدير صنيعهم..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ث قال:
" يا معشر النصار..
مقالة بلغتن عنكم ،وجدة وجدتوها عليّ ف أنفسكم..؟؟
أل آتكم ضلل فهداكم ال..؟؟
وعالة ،فأغناكم ال..؟
وأعداء ،فألف ال بي قلوبكم..؟؟"
قالوا:
" بلى ال ورسوله أمنّ وأفضل..
قال الرسول:
أل تيبونن يا معشر النصار..؟
قالوا:
ب نيبك يا رسول ال..؟؟
ل ولرسوله الن والفضل..
قال الرسول:
أما وال لو شئتم لقلتم ،فلصدقتم وصدّقتم:
أتيتنا مكذوبا ،فصدّقناك..
ومذول ،فنصرناك...
وعائل ،فآسيناك..
وطريدا ،فآويناك..
أوجدت يا معشر النصار ف أنفسكم ف لعاعة من الدنيا تألفت با قوما ليسلموا ،ووكلتم ال
اسلمكم..؟؟
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
أل ترضون يا معشر النصار أن يذهب الناس بالشاة والبعي ،وترجعوا أنتم برسول ال ال
رحالكم..؟؟
فوالذي نفسي بيده ،لول الجرة لكنت امرءا من النصار..
ولو سلك الناس شعبا لسلكت شعب النصار..
اللهم ارحم النصار..
وأبناء النصار..
وأبناء أبناء النصار"!!...
هنالك بكى النصار حت أخضلوا لاهم.
فقد ملت كلمات الرسول الليل العظيم أفئدتم سلما ،وأرواحهم ثراء ،وأنفسهم عافية..
وصاحوا جيعا وسعد بن عبادة معهم:
" رضينا برسول ال قسما وحظا"..
**
وف اليام الول من خلفة عمر ذهب سعد ال أمي الؤمني ،وبنفس صراحته التطرفة قال له:
" كان صاحبك أبو بكر،وال ،أحب الينا منك..
وقد ،وال ،أصبحت كارها لوارك"!!..
وف هدوء أجابه عمر:
" ان من كره جوار جاره ،توّل عنه"..
وعاد سعد فقال:
" ان متحوّل ال جوار من هو خي منك"!!..
**
ما كان سعد رضي ال عنه بكلماته هذه لمي الؤمني عمر ينفّس عن غيظ ،أو يعبّر عن كراهية..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
فان من رضي رسول ال صلى ال عليه وسلم قسما وحظا ،ل يرفض الولء لرجل مثل عمر ،طالا
رآه موضع تكري الرسول وحبّه..
انا أراد سعد وهو واحد من الصحاب الذين نعتهم القرآن بأنم رحاء بينهم..
أل ينتظر ظروفا ،قد تطرأ بلف بينه وبي أمي الؤمني ،خلف ل يريده ،ول يرضاه..
**
وشدّ رحاله ال الشام..
وما كاد يبلغها وينل أرض حوران حت دعاه أجله ،وأفضى ال جوار ربه الرحيم..
أسامة بن زيد
البّ بن البّ
جلس أمي الؤمني عمر بن الطاب رضي ال عنه يقسّم أموال بيت الال على السلمي..
وجاء دور عبدال بن عمر ،فأعطاه عمر نصيبه.
ث جاء دور أسامة بن زيد ،فأعطاه عمر ضعف ما أعطى ولده عبدال..
وذا كان عمر يعطي الناس وفق فضلهم ،وبلئهم ف السلم ،فقد خشي عبدال بن عمر أن يكون
مكانه ف السلم آخرا ،وهو الذي يرجو بطاعته ،وبهاده ،وبزهده ،وبورعه،أن يكون عند ال من
السابقي..
هنالك سأل أباه قائل ":لقد فضّلت عليّ أسامة ،وقد شهدت مع رسول ال ما ل يشهد"..؟
فأجابه عمر:
" ان أسامة كان أحبّ ال رسول ال صلى ال عليه وسلم منك..
وأبوه كان أحب ال رسول ال من أبيك"!..
فمن هذا الذي بلغ هو وأبوه من قلب الرسول وحبه ما ل يبلغه ابن عمر ،وما ل يبلغه عمر بذاته..؟؟
انه أسامة بن زيد.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
فهو ابن مسلمي كريي من أوائل السلمي سبقا ال السلم ،ومن أكثرهم ولء للرسول وقربا منه.
وهو من أبناء السلم النفاء الذين ولدوا فيه ،وتلقوا رضعاتم الول من فطرته النقية ،دون أن
يدركهم من غبار الاهلية الظلمة شيء..
وهو رضي ال عنه على حداثة سنه ،مؤمن ،صلب ،ومسلم قوي ،يمل كل تبعات ايانه ودينه ،ف
ولء مكي ،وعزية قاهرة..
وهو مفرط ف ذكائه ،مفرط ف تواضعه ،ليس لتفانيه ف سبيل ال ورسوله حدود..
ث هو بعد هذا ،يثل ف الدين الديد ،ضحايا اللوان الذين جاء السلم ليضع عنهم أوزار التفرقة
وأوضارها..
فهذا السود الفطس يأخذ ف قلب النب ،وف صفوف السلمي مكانا عليّا ،لن الدين الذي ارتضاه
ال لعباده قد صحح معايي الدمية والفضلية بي الناس فقال:
( ان أكرمكم عند ال أتقاكم)..
وهكذا رأينا رسول ال صلى ال عليه وسلم يدخل مكة يوم الفتح العظيم ورديفه هذا السود
الفطس أسامة بن زيد..
ث رأيناه يدخل الكعبة ف أكثر ساعات السلم روعة ،وفوزا ،وعن يينه ويساره بلل ،وأسامة..
رجلن تكسوها البشرة السوداء الداكنة ،ولكن كلمة ال الت يملنا ف قلبيهما الكبيين قد أسبغت
عليهما كل الشرف وكل الرفعة..
**
وف سن مبكرة ،ل تاوز العشرين ،أمر رسول ال أسامة بن زيد على جيش ،بي أفراده وجنوده أبو
بكر وعمر!!..
وسرت ههمة بي نفر من السلمي تعاظمهم المر ،واستكثروا على الفت الشاب ،أسامة بن زيد،
امارة جيش فيه شيوخ النصار وكبار الهاجرين..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وبلغ هسهم رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فصعد النب ،وحد ال وأثن عليه ،ث قال:
" ان بعض الناس يطعنون ف امارة أسامة بن زيد..
ولقد طعنوا ف امارة أبيه من قبل..
وان كان أبوه لليقا للمارة..
وان أسامة لليق لا..
ب الناس الّ بعد أبيه..وانه لن أح ّ
وان لرجو أن يكون من صاليكم..
فاستوصوا به خيا"..
وتوف رسول ال صلى ال عليه وسلم قبل أن يتحرّك اليش ال غايته ولكنه كان قد ترك وصيته
الكيمة لصحابه:
" أنفذوا بعث أسامة..
أنفذوا بعث أسامة"..
وهكذا قدّس الليفة أبو بكر هذه الوصاة ،وعلى الرغم من الظروف الديدة الت خلفتها وفاة
الرسول ،فان الصدّيق أصرّ على اناز وصيته وأمره ،فتحرّك جيش أسامة ال غايته ،بعد أن استأذنه
الليفة ف أن يدع عمر ليبقى ال جواره ف الدينة.
وبينما كان امباطور الروم هرقل ،يتلقى خب وفاة الرسول ،تلقى ف نفس الوقت خب اليش الذي
يغي على توم الشام بقيادة أسامة بن زيد ،فحيّره أن يكون السلمون من القوة بيث ل يؤثر موت
رسولم ف خططهم ومقدرتم.
وهكذا انكمش الروم ،ول يعودوا يتخذون من حدود الشام نقط وثوب على مهد السلم ف الزيرة
العربية.
وعاد اليش بل ضحايا ..وقال عنه السلمون يومئذ:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
فلم يزل يرددها عليّ حت لوددت أن انسلخت من كل عمل عملته .واستقبلت السلم يومئذ من
جديد.
فل وال ل أقاتل أحدا قال ل اله ال ال بعدما سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم".
**
هذا هو الدرس العظيم الذي وجّه جياة أسامة البيب بن البيب منذ سعه من رسول ال ال أن
رحل عن الدينا راضيا مرضيّا.
وانه لدرس بليغ.
درس يكشف عن انسانية الرسول ،وعدله ،وسوّ مبادئه ،وعظمة دينه وخلقه..
فهذا الرجل الذي أسف النب لقتله ،وأنكر على أسامة قتله ،كان مشركا وماربا..
وهو حي قال :ل اله ال ال ..قالا والسيف ف يينه ،تتعلق به مزغ اللحم الت نشها من أجساد
السلمي ..قالا لينجو با من ضربة قاتلة ،أو ليهيء لنفسه فرصة يغي فيها اتاهه ث يعاود القتال من
جديد..
ومع هذا ،فلنه قالا ،وترّك با لسانه ،يصي دمه حراما وحياته آمنة ،ف نفس اللحظة ،ولنفس
السبب!..
ووعى أسامة الدرس ال منتهاه..
فاذا كان هذا الرجل ،ف هذا الوقف ،ينهى الرسول عن قتله لجرّد أنه قل :ل اله ال ال ..فكيف
بالذين هم مؤمنون حقا ،ومسلمون حقا..؟
وهكذا رأيناه عندما نشبت الفتنة الكبى بي المام علي وأنصاره من جانب ،ومعاوية وأنصاره من
جانب آخر ،يلتزم حيادا مطلقا.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
كان يبّ عليّا أكثر الب ،وكان يبصر الق ال جانبه ..ولكن كيف يقتل بسيفه مسلما يؤمن بال
وبرسله ،وهو لذي لمه الرسول لقتله مشركا ماربا قال ف لظة انكساره وهروبه :ل اله ال
ال..؟؟!!
هنالك أرسل ال المام علي رسالة قال فيها:
" انك لو كنت ف شدق السد،
لحببت أن أدخل معك فيه.
ولكن هذا أمر ل أره"!!..
ولزم داره طوال هذا الناع وتلك الروب..
وحي حاءه بعض أصحابه يناقشونه ف موقفه قال لم:
" ل أقاتل أحدا يقول ل اله ال ال أبدا".
قال أحدهم له :أل بقل ال ( :وقاتلوهم حت ل تكون فتنة ويكون الدين كله ل)..؟؟
فأجابم أسامة قائل:
" أولئك هم الشركون ،ولقد قاتلناهم حت ل تكن فتنة وكان الدين كله ل"..
وف العام الرابع والمسي من الجرة ..اشتاق أسامة للقاء ال ،وتلملمت روحه بي جوانه ،تريد
أن ترجع ال وطنها الول..
وتفتحت أبواب النان ،لتستقبل واحدا من البرار التقي.
عبدالرحن بن أب بكر
بطل حت النهاية
هو صورة مبيّنة للخلق العرب بكل أعماقه ،وأبعاده..
فبينما كان أبوه أول الؤمني ..والصدّيق الذي آمن برسوله ايانا ليس من طراز سواه ..وثان اثني اذ
ها ف الغار..كان هو صامدا كالصخر مع دين قومه ،وأصنام قريش!!.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
" وال ما الخيار أردت لمة ممد ،ولكنكم تريدون أن تعلوها هرقلية ..كلما مات هرقل قام
هرقل"!!..
لقد رأى عبدالرحن ساعتئذ كل الخطار الت تنتظر السلم لو أنز معاوية أمره هذا ،وحوّل الكم
ف السلم من شورى تتار با المة حاكمها ،ال قيصرية أو كسروية تفرض على المة بكم اليلد
والصادفة قيصرا وراء قيصر!!..
**
ل يكد عبدالرحن يصرخ ف وجه مروان بذه الكلمات القوارع ،حت أيّده فريق من السلمي على
رأسهم السي بن علي ،وعبدال بن الزبي ،وعبدال بن عمر..
ولقد طرأت فيما بعد ظروف قاهرة اضطرت السي وابن الزبي وابن عمر رضي ال عنهم ال
الصمت تاه هذه البيعة الت قرر معاوية أن يأخذها بالسيف..
لكن عبدالرحن بن أب بكر ظل يهر ببطلن هذه البيعة ،وبعث اليه معاوية من يمل مائة ألف
درهم ،يريد أن يتألفه با ،فألقاها ابن الصدّيق بعيدا وقال لرسول معاوية:
" ارجع اليه وقل له :ان عبدالرحن ل يبيع دينه بدنياه"..
ولا علم بعد ذلك أن معاوية يشدّ رحاله قادما ال الدينة غادرها من فوره ال مكة..
وأراد ال أن يكفيه فتنة هذا الوقف وسوء عقباه..
فلم يكد يبلغ مشارف مكة ويستقر با حت فاضت ال ال روحه ،،وحله الرجال على العناق ال
أعال مكة حيث دفن هناك ،تت ثرى الرض الت شهدت جاهليته..
وشهدت اسلمه!!..
وكان اسلم رجل صادق ،حرّ شجاع...
عبدال بن عمرو بن العاص
القانت الوّاب
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
القانت ،التائب ،العابد ،الواب ،الذي نستها الديث عنه الن هو :عبدال بن عمرو بن العاص..
بقجر ما كان أبوه أستاذا ف الدكاء والدهاء وسعة اليلة ..كان هو أستاذا ذا مكانة عالية بي
العابدين الزاهدين ،الواضحي..
لقد أعطى العبادة وقته كله ،وحياته ملها..
وثل بلوة اليان ،فلم يعد الليل والنهار يتسعان لتعبّده ونسكه..
**
ولقد سبق أباه ال السلم ،ومنذ وضع يينه ف يي الرسول صلى ال عليه وسلم مبايعا ،وقلبه
مضاء كالصبح النضي بنور ال ونور طاعته..
عكف أول على القرآن الذي كان يتنل منجّما ،فكان كلما نزلت منه آيات حفظها وفهمها ،حت
اذا ّت واكتمل ،كان لميعه حافظا..
ول يكن يفظه ليكون مرّد ذاكرة قوية ،تضمّ بي دفتيها كتابا مفوظا..
بل كان يفظه ليعمر به قلبه ،وليكون بعد هذا عبده الطيع ،يلّ ما أحلّ ،ويرّم ما يرّم ،ويتجيب له
ف كل ما يدعو اليه ث يعكف على قراءته ،وتدبّره وترتيله ،متأنقا ف روضاته اليانعات ،مبور النفس
با تفيئه آياته الكرية من غبطة ،باكي العي با تثيه من خشية!!..
كان عبدال قد خلق ليكون قد
قدّيسا عابدا ،ول شيء ف الدنيا كان قادرا على أن يشغله عن هذا الذي خلق له ،وهدي اليه..
اذا خرج جيش السلم ال جهاد يلقي فيه الشركي الذين يشنون عليه لروب والعداوة ،وجدناه ف
مقدمة الصفوف يتمن الشهادة بروح مب ،والاح عاشق!!..
فاذا وضعت الرب أوزارها ،فأين نراه..؟؟
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
هناك ف السجد الامع ،أو ف مسجد داره ،صائم ناره ،قائم ليله ،ل يعرف لسانه حديثا من
أحاديث الدنيا مهما يكن حلل ،انا هو رطب دائما بذكر ال ،تاليا قرآنه ،أو مسبّحا بمده ،أو
مستغفرا لذنبه..
وحسبنا ادراكا لبعاد عبادته ونسكه ،أن نرى الرسول الذي جاء يدعو الناس ال عبادة ال .يد نفسه
مضطرا للتدخل كما يد من ايغال عبدال ف العبادة!!..
وهكذا اذا كان أحد وجهي العظة ف حياة عبدال بن عمرو ،الكشف عما تزخر به النفس النسانية
من قدرة فائقة على بلوغ أقضى درجات التعبّد والتجرّد والصلح ،فان وجهها الخر هو حرص
الدين على القصد والعتدال ف نشدان كل تفوّق واكتمال ،حت يبقى للنفس حاستها وأشواقها..
وحت تبقى للجسد عافيته وسلمته!!..
لقد علم رسول ال صلى ال عليه وسلم أن عبدال بن عمرو بن العاص يقضي حياته على وتية
واحدة..
وما ل يكن هناك خروج ف غزوة فان أيامه كلها تتلخص ف أنه من الفجر ال الفجر ف عبادة
موصولة ،صيام وصلة ،وتلوة قرآن..
فاستدعاه النب اليه ،وراح يدعوه ال القصد ف عبادته..
قال له الرسول عليه الصلة والسلم:
" أل اخب أنك تصوم الناهر ،ول تفطر ،وتصلي الليل ل تنام..؟؟
فحسبك أن تصوم من كل شهر ثلثة أيام..
قال عبدال:
ان أطيق أكثر من ذلك..
قال النب صلى ال عليه وسلم:
فحسبك ان تصوم من كل جعة يومي..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
قال عبدال:
فان أطيق أكثر من ذلك..
قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
فهل لك اذن ف خي الصيام ،صيام داود ،كان يصوم يوما ويفطر يوما..
وعاد الرسول عليه الصلة والسلم يسأله قائل:
وعلمت أنك تمع القرآن ف ليلة
وان أخشى أن يطول بك العمر
وأن تلّ قراءته!!..
اقرأه ف كل شهر مرّة..
اقرأه ف كل عشرة أيام مرّة..
اقرأه ف كل ثلث مرّة..
ث قال له:
ان أصوم وأفطر..
وأصلي وأنام.
وأتزوج النساء ،فمن رغب عن سنت
فليس من".
ولقد عمّر عبدال بن عمرو طويل ..ولا تقدمت به السن ووهن منه العظم كان يتذكر دائما نصح
الرسول فيقول:
" يا ليتن قبلت رخصة رسول ال"..
**
ان مؤمنا من هذا الطراز ليصعب العثور عليه ف معركة تدور رحاها بي جاعتي من السلمي.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
فكيف حلته ساقاه اذن من الدينة ال صفي حيث أخذ مكانا ف جيش معاوية ف صراعه مع المام
علي..؟
الق أن موقف عبدال هذا ،جدير بالتدبّر ،بقدر ما سيكون بعد فهمنا له جديرا بالتوقي والجلل..
رأينا كيف كان عبدال بن عمرو مقبل على العبادة اقبال كاد يشكّل خطرا حقيقيا على حياته،
المر الذي كان يشغل بال أبيه دائما ،فيشكوه ال رسول ال كثيا.
وف الرة الخية الت امره الرسول فيها بالقصد ف العبادة وحدد له مواقيتها كان عمرو حاضرا ،فأخذ
الرسول يد عبدال ،ووضعها ف يد عمرو ابن العاص أبيه ..وقال له:
" افعل ما أمرتك ،وأطع أباك".
وعلى الرغم من أن عبدال ،كان بدينه وبلق ،مطيعا لبويه فقد كان أمر الرسول له بذه الطريقة وف
هذه الناسبة ذا تأثي خاص على نفسه.
وعاش عبدال بن عمرو عمره الطويل ل ينسى لظة من نار تلك العبارة الوجزة.
" افعل ما أمرتك ،وأطع أباك".
**
وتتابعت ف موكب الزمن أعوام وأيام
ورفض معاوية بالشام أن يبايع عليا..
ورفض علي أن يذعن لتمرّد غي مشروع.
وقامت الرب بي طائفتي من السلمي ..ومضت موقعة المل ..وجاءت موقعة صفي.
كان عمر بن العاص قد اختار طريقه ال جوار معاوية وكان يدرك مدى اجلل السلمي لبنه عبدال
ومدى ثقتهم ف دينه ،فأراد أن يمله على الروج ليكسب جانب معاوية بذلك الروجكثيا..
كذلك كان عمرو يتفاءل كثيا بوجود عبدال ال جواره ف قتا ،وهو ل ينسى بلءه معه ف فتوح
الشام ،ويوم اليموك.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وكانت الحجار عاتية ضخمة ل يطيق أشد الناس قوة أن يمل منها أكثر من حجر واحد ..لكن
عمارا من فرط غبطته وتشوته ،راح يمل حجرين حجرين ،وبصر به الرسول فتمله بعيني دامعتي
وقال:
" ويح ابن سيّة ،تقتله الفئة الباغية".
سع كل اصحاب رسول ال الشتركي ف البناء يومئذ هذه النبوءة ،ول يزالون لا ذاكرين.
وكان عبدال بن عمر أحد الذين سعوا.
وفد بدء القتال بي جاعة عليّ وجاعة معاوية ،كان عمّار يصعد الرواب ويرّض بأعلى صوته
ويصيح.
" اليوم نلقى الحبة ،ممدا وصحبه".
وتواصى بقتله جاعة من جيش معاوية ،فسددوا نوه رمية آثة ،نقلته ال عال الشهداء البرار.
وسرى النبأ كالريح أن عمّار قد قتل..
ض عبدال بن عمرو ثائرا مهتاجا: وانق ّ
أوقد قتل عمار..؟
وأنتم قاتلوه..؟
اذن انتم الفئة الباغية.
أنتم القاتلون على ضللة!!..
وانطلق ف جيش معاوية كالنذير ،يثبط عزائمهم ،ويهتف فيهم أنم بغاة ،لنم قتلوا عمارا وقد تنبأ له
الرسول منذ سبع وعشرين سنة على مل من السلمي بأنه ستقتله الفئة الباغية..
وحلت مقالة عبدال ال معاوية ،ودعا عمرا وولده عبدال ،وقال لعمرو:
" أل تكف عنا منونك هذا..؟
قال عبدال:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ما أنا بجنون ولكن سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول لعمار :تقتلك الفئة الباغية.
فقال له معاوية:
فلم خرجت معنا:؟
قال عبدال:
لن رسول ال أمرن أن أطيع أب ،وقد أطعته ف الروج ،ولكن ل أقاتل معكم.
واذ ها يتحاوران دخل على معاوية من يستأذن لقاتل عمار ف الدخول ،فصاح عبدال بن عمرو:
ائذن له وبشره بالنار.
وأفلتت مغايظ معوية على الرغم من طول أناته ،وسعة حلمه ،وصاح بعمرو :أو ما تسمع ما يقول..
وعاد عبدال ف هدوء التقي واطمئنانم ،يؤكد لعاوية أنه ما قال ال الق ،وأن الذين قتلوا عمارا
ليسوا ال بغاة..
والتفت صوب أبيه وقال:
لول أن رسول ال أمرن بطاعتك ما سرت معكم هذا السي.
وخرج معاوية وعمرو يتفقدان جيشهما ،فروّعا حي سعوا الناس جيعا يتحدثون عن نبوءة الرسول
لعمار:
تقتلك الفئة الباغية.
وأحس عمرو ومعاوية أن هذه الهمة توشك أن تتحول ال نكوص عن معاوية وترّد عليه ..ففكرا
حت وجدا حيلتهما الت مضيا يبثانا ف الناس..
قال:
نعم ان رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لعمار ذات يوم:
تقتلك الفئة الباغية..
ونبوءة الرسول حق..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وتنكّر أبو سفيان بن الارث حت أخفى معاله ،وأخذ بيد ابنه جعفر ،وسار مشيا على القدام شوطا
طويل ،حت أبصر رسول ال قادما ف كوكبة من أصحابه ،فتنحّى حت نزل الركب..
وفجأة ألقى بنفسه أمام رسول ال مزيا قناعه فعرفه الرسول ،وحو ل وجهه عنه ،فأتاه أبو سفيان من
الناحية أخرى ،فأعرض النب صلى ال عليه وسلم.
وصاح أبو سفيانوولده جعفر:
" نشهد أن ل اله ال ال
ونشهد أن ممدا رسول ال".
واقترب من النب صلى ال عليه وسلم قائل:
" ل تثريب يا رسول ال"..
وأجابه الرسول:
" ل تثريب يا أبا سفيان.
ث أسلمه ال علي بن أب طالب وقال له:
" علم ابن عمّك الوضوء والسنة ورح به الّ"..
وذهب به علي ث رجع فقال له الرسول:
" ناد ف الناس أن رسول ال قد رضي عن أب سفيان فارضوا عنه"..
لظة زمن ،يقول ال لا :كون مباركة ،فتطوي آمادا وأبعادا من الشقوة والضلل ،وتفتح أبواب
رحة ما لا حدود!!..
لقد كاد أبو سفيان يسلم ،بعد أن رأى ف بدر وهو يقاتل مع قريش ما حيّر لبّه..
ففي تلك الغزوة تلّف أبو لب وأرسل مكانه العاص بن هشام..
وانتظر أبو لب أخبار العركة بفارغ الصب وبدأت النباء تأت حاملة هزية قريش النكرة..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وذات يوم ،أ[و لب مع تفر من القرشيي يلسون عند زمزم ،اذ أبصروا فارسا مقبل فلما دنا منهم
اذا هو :أبو سفيان بن الارث ..ول يهله أبو لب ،فناداه ":هل ّم الّ يا بن أخي .فعندك لعمري
الب ..حدثنا كيف كان أمر الناس"؟؟
قال أبو سفيان بن الارث:
" وال نا هو ال أن أن لقينا القوم حت منحناهم أكتافنا ،يقتلوننا كيف شاءوا ،ويأسروننا كيف
شاءوا..
وأي ال ما لت قريشا ..فلقد لقينا رجال بيضا على خيل بلق ،بي السماء والرض ،ما يشبهها شيء،
ول يقف أمامها شيء"!!..
وأبو سفيان يريد بذا أن اللئكة كانت تقاتل مع الرسول والسلمي..
فما باله ل يسلم يومئذ وقد رأى ما رأى..؟؟
ان الشك طريق اليقي ،وبقدر ما كانت شكوك أب الارث عنيدة وقوية ،فان يقينه يوم ييء سيكون
صلبا قويا..
ولقد جاء يوم يقينه وهداه ..وأسلم ل رب العالي..
**
ومن أول لظات اسلمه ،راح يسابق الزمان عابدا ،وماهدا ،ليمحو آثار ما ضيه ،وليعوّض
خسائره فيه..
خرج مع الرسول فيما تل فتح مكة من غزوات..
ويوم حني ،حيث نصب الشركون للمسلمي كمينا خطيا ،وانقضوا عليهم فجأة من حيث ل
يتسبون انقضاضا وبيل أطار صواب اليش السلم ،فولّى أكثر أجناده الدبار وثبت الرسول مكانه
ينادي:
" الّ أيها الناس..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
كان سلمة من رماة العرب العدودين ،وكان كذلك من البزين ف الشجاعة والكرم وفعل اليات.
وحي أسلم نفسه للسلم ،أسلمها صادقا منيبا ،فصاغها السلم على نسقه العظيم.
وسلمة بن الكوع من أصحاب بيعة الرضوان.
**
حي خرج الرسول وأصحابه عام ست من الجرة ،قاصدين زيارة البيت الرام ،وتصدّت لم
قلريش تنعهم.
أرسل النب اليهم عثمان بن عفان ليخبهم أن النب جاء زائرا ل مقاتل..
وف انتظار عودة عثمان ،سرت اشاعة بأن قريشا قد قتلته،وجلس الرسول ف ظل الشجرة يتلقى بيهة
أصحابه واحدا واحدا على الوت..
يقول سلمة:
" بايعت رسول ال صلى ال عليه وسلم الوت تت الشجرة .،ث تنحيّت ،فلما خف الناس قال يا
سلمة مالك ل تبايع..؟
قلت :قد بايعت ي رسول ال ،قال :وأبضا ..فبايعته".
ولقد وف بالبعة خي وفاء.
بل وف با قبل أن يعطيها ،منذ شهد أن ل اله ال ال ،وأن ممدا رسول ال..
يقول:
" غزوت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ومع زيد بن حارثة تسع غزوات".
**
كان سلمة من أمهر الذين يقاتلون مشاة ،ويرمون بالنبال والرماح،
وكانت طريقته تشبه طريقة بعض حروب العصابات الكبية الت تتبع اليوم ..فكان اذا هاجه عدوه
تقهقر دونه ،فاذا أدبر العدو أو وقف يستريح هاجه ف غي هوادة..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وبذه الطريقة استطاع أن يطارد وحده ،القوة الت أغارت على مشارف الدينة بقيادة عيينة بن حصن
الفزاري ف الغزوة العروفة بغزو ذي قرد..
خرج ف أثرهم وحده ،وظل يقاتلهم ويراوغهم ،ويبعدهم عن الدينة حت أدركه الرسول ف قوة وافرة
من أصحابه..
وف هذا اليوم قال الرسول لصحابه:
" خي رجّالتنا ،أي مشاتنا ،سلمة بن الكوع"!!
**
ول يعرف سلمة السى والزع ال عند مصرع أخيه عامر بن الكوع ف حرب خيب..
وكان عامر يرتز أمام جيش السلمي هاتفا:
ل ه ّم لول أنت ما اهتدينا
ول تصدّقنا ول صلّينا
فأنزلن سكينة علينا
وثبت القدام ان لقينا
ف تلك العركة ذهب عامر يضرب بسيفه أحد الشركي فانثن السيف ف يده وأصابت ذوّابته منه
مقتل ..فقال بعض السلمي:
" مسكي عامر حرم الشهادة"
عندئذ ل غي جزع سلمة جزعا شديدا ،حي ظنّ كما ظن غيه أن أخاه وقد قتل نفسه خطأ قد حرم
أجر الهاد ،وثواب الشهادة.
لكن الرسول الرحيم سرعان ما وضع المرو ف نصابا حي ذهب اليه سلمة وقال له:
أصحيح يا رسول ال أن عامرا حبط عمله..؟
فأجابه الرسول عليه السلم:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وارتدى مرحلة الشباب ،فكان شبابه طهرا ،وعفة ونسكا ،وبطولة تفوق اليال..
ومضى مع أيامه وقدره ،ل تتغيّر خلئقه ول تنبوبه رغائبه ..انا هو رجل يعرف طريقه ،ويقطعه
بعزية جبارة ،وايان وثيق وعجيب..
**
وف فتح افريقية والندلس ،والقسطنطينية .كان وهو ل ياوز السابعة والعشرين بطل من أبطال
الفتوح الالدين..
وف معركة افريقية بالذات وقف السلمون ف عشرين ألف جندي أمام عدو قوام جيشه مائة
وعشرون ألفا..
ودار القتال ،وغشي السلمي خطر عظيم..
وألقى عبد ال بن الزبي نظرة على قوات العدو فعرف مصدر قوتم .وما كان هذا الصدر سوى ملك
الببر وقائد اليش ،يصيح ف جنوده ويرضهم بطريقة تدفعهم ال الوت دفعا عجيبا..
وأدرك عبدال أن العركة الضارية لن يسمها سوى سقوط هذا القائد العنيد..
ولكن أين السبيل اليه ،ودون بلوغه جيش لب ،يقاتل كالعصار..؟؟
بيد أن جسارة ابن الزبي واقدامه ل يكونا موضع تساؤول قط!!..
هنالك نادى بعض اخوانه ،وقال لم:
" احوا ظهري ،واهجموا معي"...
وشق الصفوف التلحة كالسهم صامدا نو القائد ،حت اذا بلغه ،هو عليه ف كرّة واحدة فهوى ،ث
استدار بن معه ال النود الذين كانوا ييطون بلكهم وقائدهم فصرعوهم ..ث صاحوا ال أكب..
ورأى السلمون رايتهم ترتفع ،حيث كان يقف قائد الببر يصدر أوامره ويرّض جيشه ،فأدركوا أنه
النصر ،فشدّوا شدّة رجل واحدة ،وانتهى كل شيء لصال السلمي..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وعلم قائد اليش السلم عبدال بن أب سرح بالدور العظيم الذي قام به ابن الزبي فجعل مكافأته أن
يمل بنفسه بشرة النصر ال الدينة وال خليفة السلمي عثمان بن عفان رضي ال عنه..
**
على أن بطولته ف القتال كانت برغم تفوقها واعجازها تتوارى أمام بطولته ف العبادة.
فهذا الذي يكن أن يبتعث فيه الزهو ،وثن العطاف ،أكثر من سبب ،يذهلنا بكانه الدائم والعال
بي الناسكي العابدين..
فل حسبه ،ول شبابه ،ول مكانته ورفعته ،ول أمواله ول قوته..
ل شيء من ذلك كله ،استطاع أن يول بي عبدال بن الزبي وبي أن يكون العابد الذي يصوم يومه،
ويقوم ليله ،ويشع ل خشوعا يبهر اللباب.
قال عمر بن عبدالعزيز يوما لبن أب مليكة:صف لنا عبدال بن الزبي..فقال:
" وال ما رأيت نفسا ركبت بي جنبي مثل نفسه..
ولقد كات يدخل ف الصلة فيخرج من كل شيء اليها..
وكان يركع أو يسجد ،فتقف العصافي فوق ظهره وكاهله،
ل تسبه من طول ركوعه وسجوده ال جدارا ،أو ثوبا مطروحا..
ولقد مرّت قذيفة منجنيق بي ليته وصدره وهو يصلي ،فوال ما أحسّ با ول اهتز لا ،ول قطع من
أجلها قراءته ،ول تعجل ركوعه"!!..
ان النباء الصادقة الت يرويها التاريخ عن عبادة ابن الزبي لشيء يشبه الساطي..
فهو ف صيامه ،وف صلته ،وف حجه ،وف علوّ هّته ،وشرف نفسه..
ف سهره طوال العمر قانتا وعبدا..
وف ظمأ الواجر طوال عمره صائما ماهدا..
وف ايانه الوثيق بال ،وف خشيته الداشة له..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ولقد سعهم يتحدثون عن الليفة الراحل عثمان رضي ال عنه ،حديثا ل ورع فيه ول انصاف،
فعنّفهم وقال لم ":وال ما أحبّ أن أستظهر على عدوي بن يبغض عثمان"!!..
ث صرفهم عنه ف منة هو فيها متاج للعون ،حاجة الغريق ال أمل!!..
ان وضوحه مع نفسه ،وصدقه مع عقيدته ومبادئه ،جعله ل يبال بأن يسر مائتي من أكفأ الرماة ،ل
يعد دينهم موضع ثقته واطمئنانه ،مع أنه ف معركة مصي طاحنة ،وكان من الحتمل كثيا أن يغي
اتاهها بقاء هؤلء الرماة الكفاء ال جانبه!!..
**
ولقد كان صموده ف وجه معاوية وابنه يزيد بطولة خارقة حقا..
فقد كا يرى أن يزيد بن معاوية بن أب سفيان آخر رجل يصلح للفة السلمي ،ان كان يصلح على
الطلق ..هو مق ف رأيه ،فن يزيد هذا كان فاسدا ف كل شيء ..ل تكن له فضيلة واحدة تشفع
لرائمه وآثامه الت رواها النا التاريخ..
فكيف يبايعه ابن الزبي؟؟
لقد قال كلمة الرفض قوية صادعة لعاوية وهو حي..
وها هو ذا يقولا ليزيد بعد أن صار خليفة ،وأرسل ال ابن الزبي يتوعده بشرّ مصي..
هناك قال ابن لزبر:
" ل أبايع السكّي أبدا".
ث أنشد:
حت يلي لضرس الاضغ الجر ول الي لغي الق أساله
**
وظل ابن الزبي أميا للمؤمني ،متخذا من مكة الكرّمةعاصمة خلفته ،باسطا حكمه على الجاز،
واليمن والبصرة الكوفة وخراسان والشام كلها ما عدا دمشق بعد أن بايعه أهل المصار جيعا..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ولكن المويي ل يقرّ قرارهم ،ول يهدأ بالم ،فيشنون عليه حروبا موصولة ،يبوءون ف أكثرها
بالزية والذلن..
حت جاء عهد عبداللك بن مروان حي ندب لهاجة عبدال ف مكة واحدا من أشقى بن آدم
وأكثرهم ايغال ف القسوة والجرام..
ذلكم هو الجاج الثقفي الذي قال عنه المام العادل عمر بن عبدالعزيز:
" لو جاءت كل أمة بطاياها ،وجئنا نن بالجاج وحده ،لرجحناهم جيعا"!!..
**
ذهب الجاج على رأس جيشه ومرتزقته لغزومكة عاصمة ابن الزبي ،وحاصرها وأهلها قرابة ستة
أشهر مانعا عن الناس الاء والطعام ،كي يملهم على ترك عبدال بن الزبي وحيدا ،بل جيش ول
أعوان.
وتت وطأة الوع القاتل استسلم الكثرون ،ووجد عبدال نفسه ،وحيدا أو يكاد ،وعلى الرغم من
أن فرص النجاة بنفسه وبياته كانت ل تزال مهيأة له ،فقد قرر أن يمل مسؤوليته ال النهاية ،وراح
يقاتل جيش الجاج ف شجاعة أسطورية ،وهو يومئذ ف السبعي من عمره!!..
ولن نبصر صورة أمينةلذلك الوقف الفذ ال اذا اصغينا للحوار الذي دار بي عبدال وأمه .العظيمة
الجيدة أساء بنت أب بكر ف تلك الساعات الخية من حياته.
لقد ذهب اليها ،ووضع أمامها صورة دقيقة لوقفه ،وللمصي الذي بدأ واضحا أنه ينتظره..
قالت له أساء:
" يا بنّ :أنت أعلم بنفسك ،ان كنت تعلم أنك على حق ،وتدعو ال حق ،فاصب عليه حت توت ف
سبيله ،ول تكّن من رقبتك غلمان بن أميّة..
وان كنت تعلم أنك أردت الدنيا ،فلبئس العبد أنت ،أهلكت نفسك وأهلكت من قتل معك.
قل عبد ال:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وبقوة ايانه ،وقوة خلقه ،وغزارة علمه ،اقتعد ابن عباس رضي ال عنه مكانا عاليا بي الرجال حول
الرسول.
**
هو ابن العباس بن عبد الطلب بن هاشم ،عم الرسول صلى ال عليه وسلم.
ولقبه الب ..حب هذه المة ،هيأه لذا اللقب ،ولذه النلة استنارة عقله وذكاء قلبه ،واتساع معارفه.
لقد عرف ابن عباس طريق حياته ف أوليات أيامه وازداد با معرفة عندما رأى الرسول عليه الصلة
والسلم يدنيه منه وهو طفل ويربّت على كتفه وهو يقول:
" اللهم فقهه ف الدين وعلمه التأويل".
ث توالت الناسبات والفرص الت يكرر فيها الرسول هذا الدعاء ذاته لبن عمه عبدال بن عباس..
وآنئذ أدرك ابن عباس أنه خلق للعلم ،والعرفة.
وكان استعداده العقلي يدفعه ف هذا الطريق دفعا قويا.
فعلى الرغم من أنه ل يكن قد جاوز الثالثة عشرة من عمره يوم مات رسول ال ،فانه ل يصنع من
طفولته الواعية يوما دون أن يشهدمالس الرسول ويفظ عنه ما يقول..
وبعد ذهاب الرسول ال الرفيق العلى حرص ابن عباس على أن يتعلم من أصحاب الرسول السابقي
ما فاته ساعه وتعلمه من الرسول نفسه..
هنالك ،جعل من نفسه علمة استفهام دائمة ..فل يسمع أن فلنا يعرف حكمة ،أو يفظ حديثا ،ال
سارع اليه وتعلم منه..
وكان عقله الضيء الطموح يدفعه لفحص كل ما يسمع ..فهو ل يغن بمع العرفة فحسب ،بل
ويغن مع جعها بفحصها وفحص مصادرها..
يقول عن نفسه:
" ان كنت لسأل عن المر الواحد ،ثلثي من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم".
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ولقد رأيت عمر يدعوه للمعضلت ،وحوله أهل بدر من الهاجرين والنصار فيتحدث ابن عباس،
ول ياوز عمر قوله"..
وتدث عنه عبيد بن عتبة فقال:
" ما رأيت أحدا كان أعلم با سبقه من حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم من ابن عباس..
ول رأيت أحدا ،أعلم بقضاء أب بكر وعمر وعثمان منه..
ول أفقه ف رأي منه..
ول أعلم بشعر ول عربية ،ول تفسي للقرآن ،ول بساب وفريضة منه..
ولقد كان يلس يوما للفقه ..ويوما للتأويل ..يوما للمغازي ..ويوما للشعر ..ويوم ليام العرب
وأخبارها..
وما رأيت عالا جلس اليه ال خضع له ،ول سائل ال وجد عنده علما"!!..
**
ووصفه مسلم من أهل البصرة ،وكان ابن عباس قد عمل واليا عليها للمام عليّ ابن أب طالب،
فقال:
" انه آخذ بثلث ،تارك لثلث..
آخذ بقلوب الرجال اذا حدّث..
وبسن الستماع اذا حدّث..
وبأيسر المرين اذا خولف..
وتارك الراء..
ومصادقة اللئام..
وما يعتذر منه"!!..
**
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وكان تنوّع ثقافته ،وشول معرفته ما يبهر اللباب ..فهو الب الاذق الفطن ف كل علم ..ف
تفسي القرآن وتأويله وف الفقه ..وف التاريخ ..وف لغة العرب وآدابم ،ومن ّث فقد كان مقصد
الباحثي عن العرفة ،يأتيه الناس أفواجا من أقطار السلم ،ليسمعوا منه ،وليتفقهوا عليه..
حدّث أحد أصحابه ومعاصريه فقال:
" لقد رأيت من ابن عباس ملسا ،لو أن جيع قريش فخرت به ،لكان لا به الفخر..
رأيت الناس اجتمعوا على بابه حت ضاق بم الطريق ،فما كان أحد يقدر أن ييء ول أن يذهب..
فدخلت عليه فأخبته بكانم على بابه ،فقال ل :ضع ل وضوءا ،فتوضأ وجلس وقال :أخرج اليهم،
فادع من يريد أن يسأل عن القرآن وتأويله..فخرجت فآذنتهم :فدخلوا حت ملؤا البيت ،فما سالوا
عن شيء ال اخبهم وزاد..
ث قال لم :اخوانكم ..فخرجوا ليفسحوا لغيهم.
ث قال ل :أخرج فادع من يريد أن يسأل عن اللل والرام..
فخرجت فآذنتهم :فدخلوا حت ملؤا البيت ،فما سألوا عن شيء ال أخبهم وزادهم..
ث قال :اخوانكم ..فخرجوا..
ث قال ل :ادع من يريد أن يسأل عن الفرائض ،فآذنتهم ،فدخلوا حت ملؤا البيت ،فما سألوه عن
شيء ال أخبهم وزادهم..
ث قال ل :ادع من يريد أن يسال عن العربية ،والشعر..
فآذنتهم فدخلوا حت ملؤا البيت ،فما سألوه عن شيء ال أخبهم وزادهم"!!
وكان ابن عباس يتلك ال جانب ذاكرته القوية ،بل الارقة ،ذكاء نافذا ،وفطنة بالغة..
كانت حجته كضوء الشمس ألقا ،ووضوحا ،وبجة ..وهو ف حواره ومنطقه ،ل يترك خصمه
مفعما بالقتناع وحسب ،بل ومفعما بالغبطة من روعة النطق وفطنة الوار..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ومع غزارة علمه ،ونفاذ حجته ،ل يكن يرى ف الوار والناقشة معركة ذكاء ،يزهو فيها بعلمه ،ث
بانتصاره على خصمه ..بل كان يراها سبيل قويا لرؤية الصواب ومعرفته..
ولطالا روّع الوارج بنطقه الصارم العادل..
بعث به المام عليّ كرّم ال وجهه ذات يوم ال طائفة كبية منهم فدار بينه وبينهم حوار رائع وجّه
فيه الديث وساق الجة بشكل يبهر اللباب..
ومن ذلك الوار الطويل نكتفي بذه الفقرة..
سألم ابن عباس:
" ماذا تنقمون من عليّ..؟"
قالوا:
" ننتقم منه ثلثا:
أولهنّ :أنه حكّم الرجال ف دين ال ،وال يقول ان الكم ال ل..
والثانية :أنه قاتل ،ث ل يأخذ من مقاتليه سبيا ول غنائم ،فلئن كانوا كفارا ،فقد حلّت أموالم ،وان
كانوا مؤمني فقد حرّمت عليه دماؤهم!!..
والثالثة :رضي عند التحكيم أن يلع عن نفسه صفة أمي الؤمني ،استجابة لعدائه ،فان ل يكن امي
الؤمني ،فهو أمي الكافرين"..
وأخذ ابن عباس يفنّد أهواءهم فقال:
" أما قولكم :انه حكّم الرجال ف دين ال ،فأيّ بأس..؟
ان ال يقول :يا أيها الذين آمنوا ،ل تقتلوا الصيد وأنتم حرم ،ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما
قتل من النعم يكم به ذوا عدل منكم..
فنبؤن بال :أتكيم الرجال ف حقن دماء السلمي أحق وأول ،أم تكيمهم ف أرنب ثنها
درهم..؟؟!!
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وتلعثم زعماؤهم تت وطأة هذا النطق الساخر والاسم ..واستأنف حب المة حديثه:
" وأما قولكم :انه قاتل فلم يسب ول يغنم ،فهل كنتم تريدون أن يأخذ عائشة زوج الرسول وأم
الؤمني سبيا ،ويأخذ أسلبا غنائم..؟؟
وهنا كست وجوههم صفرة الحل ،وأخذوا يوارون وجوههم بأيديهم..
وانتقل ابن عباس ال الثالثة:
" وأما قولكم :انه رضي أن يلع عن نفسه صفة أمي الؤمني ،حت يتم التحكيم ،فاسعوا ما فعله
الرسول يوم الديبية ،اذ راح يلي الكتاب الذي يقوم بينه وبي قريش ،فقال للكاتب :اكتب .هذا ما
قاضى عليه ممد رسول ال .فقال مبعوث قريش :وال لو كنا نعلم أنك رسول ال ما صددناك عن
البيت ول قاتلناك..
فاكتب :هذا ما قاضى عليه ممد بن عبدال ..فقال لم الرسول :وال ان لرسول ال وان كذبتم ..ث
قال لكاتب الصحيفة :أكتب ما يشاءون :اكتب :هذا ما قاضى عليه ممد بن عبدال"!!..
واستمرّ الوار بي ابن عباس والوارج على هذا النسق الباهر العجز ..وما كاد ينتهي النقاش بينهم
حت نض منهم عشرون ألفا ،معلني اقتناعهم ،ومعلني خروجهم من خصومة المام عليّ!!..
**
ول يكن ابن عباس يتلك هذه الثروة الكبى من العلم فحسب .بل كان يتلك معها ثروة أكب ،من
أخلق العلم وأخلق العلماء.
فهو ف جوده وسخائه امام وعلم..
انه ليفيض على الناس من ماله ..بنفس السماح الذي يفيض به عليهم من علمه!!..
ولقد كان معاصروه يتحدثون فيقولون:
" ما رأينا بيتا أكثر طعاما ،ول شرابا ،ول فاكهة ،ول علما من بيت ابن عباس"!!..
وهو طاهر القلب ،نقيّ النفس ،ل يمل لحد ضغنا ول غل.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وهوايته الت ل يشبع منها ،هي تنّيه الي لكل من يعرف ومن ل يعرف من الناس..
يقول عن نفسه:
" ان لت على الية من كتاب ال فأود لو أن الناس جيعا علموا مثل الذي أعلم..
وان لسع بالاكم من حكام السلمي يقضي بالعدل ،ويكم بالقسط ،فأفرح به وأدعو له ..ومال
عنده قضيّة!!..
وان لسع بالغيث يصيب للمسلمي أرضا فأفرح به ،ومال بتلك الرض سائمة"!!..
**
وهو عابد قانت أوّاب ..يقوم من الليل ،ويصوم من اليام ،ول تطئ العي مرى الدموع تت
خديّه ،اذ كان كثي البكاء كلما صلى ..وكلما قرأ القرآن..
فاذا بلغ ف قراءته بعض آيات الزجر والوعيد ،وذكر الوت ،والبعث عل نشيجه ونيبه.
**
وهو ال جانب هذا شجاع ،أمي ،حصيف ..ولقد كان له ف اللف بي عليّ ومعاوية آراء تدلّ
على امتداد فطنته ،وسعة حيلته.
وهو يؤثر السلم على الرب ..والرفق على العنف ..والنطق على القسر..
عندما ه ّم السي رضي ال عنه بالروج ال العراق ليقاتل زيادا ،ويزيد ،تعلق ابن عباس به واستمات
ف ماولة منعه ..فلما بلغه فيما بعد نبأ استشهاده ،أقضّه الزن عليه ،ولزم داره.
وف كل خلف ينشب بي مسلم ومسلم ،ل تكن تد ابن عباس ال حامل راية السلم ،والتفاهم
واللي..
صحيح أنه خاض العركة مع المام عل ّي ضد معاوية .ولكنه فعل ذلك لن العركة ف بدايتها كانت
تثل ردعا لزما لركة انشقاق رهيبة ،تدد وحدة الدين ووحدة السلمي.
**
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وعاش ابن عباس يأ دنباه علما وحكمة ،وينشر بي الناس عبيه وتقواه..
وف عامه الادي والسبعي ،دعي للقاء ربه العظيم وشهدت مدينة الطائف مشهدا حافل لؤمن
يزف ال النان.
وبينما كان جثمانه يأخذ مستقره المن ف قبه ،كانت جنبات الفق تتز بأصداء وعد ال الق:
( يا أيتها النفس الطمئنة
ارجعي ال ربك راضية مرضية
فادخلي ف عبادي
وادخلي جنت)
عباد بن بشر
معه من ال نور
عندما نزل مصعب بن عمي الدينة موفدا من لدن رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ليعلم النصار
الذين بايعوا الرسول على السلم ،وليقيم بم الصلة ،كان عباد بن بشر رضي ال عنه واحدا من
البرار الذين فتح ال قلوبم للخي ،فأقبل على ملس مصعب وأصغى اليه ث بسط يينه يبايعه على
السلم ،ومن يومئذ أخذ مكانه بي النصار الذين رضي ال عنهم ورضوا عنه..
وانتقل النب ال الدينة مهاجرا ،بعد أن سبقه اليها الؤمنون بكة.
وبدأت الغزوات الت اصطدمت فيها قوى الي والنور مع قوى الظلم والشر.
وف تلك الغازي كان عباد بن بشر ف الصفوف الول ياهد ف سبيل ال متفانيا بشكل يبهر
اللباب.
**
ولعل هذه الواقعة الت نرويها الن تكشف عن شيء من بطولة هذا الؤمن العظيم..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
بعد أن فرغ رسول ال والسلمي من غزوة ذات الرقاع نزلوا مكانا يبيتون فيه ،واختار الرسول
للحراسة نفرا من الصحابة يتناوبونا وكان منهم عمار بن ياسر وعباد بن بشر ف نوبة واحدة.
ورأى عباد صاحبه عمار مهدا ،فطلب منه أن ينام أول الليل على أن يقوم هو بالراسة حت يأخذ
صاحبه من الراحة حظا يكنه من استئناف الراسة بعد أن يصحو.
ورأى عباد أن الكان من حوله آمن ،فلم ل يل وقته اذن بالصلة ،فيذهب بثوبتها مع مثوبة
الراسة..؟!
وقام يصلي..
واذ هو قائم يقرأ بعد فاتة الكتاب سور من القرآن ،احترم عضده سهم فنعه واستمر ف صلته!..
ث رماه الهاجم ف ظلم الليل بسهم ثان نزعه وأنى تلوته..
ث ركع ،وسجد ..وكانت قواه قد بددها العياء والل ،فمدّ يينه وهو ساجد ال صاحبه النائم
جواره ،وظل يهزه حت استيقظ..
ث قام من سجوده وتل التشهد ..وأت صلته.
وصحا عمار على كلماته التهدجة التعبة تقول له:
" قم للحراسة مكان فقد أصبت".
ووثب عمار مدثا ضجة وهرولة أخافت التسللي ،ففرّوا ث التفت ال عباد وقال له:
" سبحان ال..
هل أيقظتن أوّل ما رميت"؟؟
فأجابه عباد:
" كنت أتلو ف صلت آيات من القرآن ملت نفسي روعة فلم أحب أن أقطعها.
ووال ،لول أن أضيع ثغرا أمرن الرسول بفظه ،لثرت الوت على أن أقطع تلك اليات الت كنت
أتلوها"!!..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
**
كان عباد شديد الولء والب ل ،ولرسوله ولدينه..
وكان هذا الولء يستغرق حياته كلها وحسه كله.
ومنذ سع النب عليه الصلة والسلم يقول ماطبا النصار الذين هو منهم:
" يا معشر النصار..
أنتم الشعار ،والناس الدثار..
فل أوتيّن من قبلكم".
نقول منذ سع عباد هذه الكلمات من رسوله ،ومعلمه ،وهاديه ال ال ،وهو يبذل روحه وماله
وحياته ف سبيل ال وف سبيل رسوله..
ف مواطن التضحية والوت ،ييء دوما أول..
وف مواطن الغنيمة والخذ ،يبحث عنه أصحابه ف جهد ومشقة حت يدوه!..
وهو دائما :عابد ،تستغرقه العبادة..
بطل ،تستغرقه البطولة..
جواد ،يستغرقه الود..
مؤمن قوي نذر حياته لقضية اليان!!..
وقالت أم الؤمني عائشة رضي ال عنها:
" ثلثة من النصار ل ياوزهم ف الفضل أحد:
" سعد بن معاذ..
وأسيد بن خضي..
وعبّاد بن بشر...
**
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وعرف السلمون الوائل عبادا بأنه الرجل الذي معه نور من ال..
فقد كانت بصيته الجلوّة الضاءة تتدي ال مواطن الي واليقي ف غي بث أو عناء..
بل ذهب ايان اخوانه بنوره ال الد الذي أسبغوا عليه ف صورة الس والادة ،فأجعوا على ان عبادا
كان اذا مشى ف الظلم انبعثت منه أطياف نور وضوء ،تضيء له الطريق..
**
وف حروب الردة ،بعد وفاة الرسول عليه السلم ،حل عباد مسؤولياته ف استبسال منقطع النظي..
وف موقعة اليمامة الت واجه السلمون فيها جيشا من أقسى وأمهر اليوش تت قيادة مسيلمة
الكذاب أحسّ عبّاد بالطر الذي يتهدد السلم..
وكانت تضحيته وعنفوانه يتشكلن وفق الهام الت يلقيها عليه ايانه ،ويرتفعان ال مستوى احساسه
بالطر ارتفاعا يعل منه فدائيا ل يرص على غي الوت والشهادة..
**
وقبل أن تبدأ معركة اليمامة بيوم ،رأى ف منامه رؤيا ل تلبث أن فسرت مع شس النهار ،وفوق
أرض العركة الائلة الضارية الت خاضها السلمون..
ولندع صحابيا جليل هو أبو سعيد الدري رضي ال عنه يقص علينا الرؤيا الت رآها عبّاد وتفسيه
لا ،ث موقفه الباهر ف القتال الذي انتهى باستشهاده..
يقول أبو سعيد:
" قال ل عباد بن بشر يا أبا سعيد رأيت الليلة ،كأن السماء قد فرجت ل ،ث أطبقت عليّ..
وان لراها ان شاء ال الشهادة!!..
فقلت له :خيا وال رأيت..
وان لنظر اليه يوم اليمامة ،وانه ليصيح بالنصار:
احطموا جفون السيوف ،وتيزوا من الناس..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
فسارع اليه أربعمائة رجل ،كلهم من النصار ،حت انتهوا ال باب الديقة ،فقاتلوا أشد القتال..
واستشهد عباد بن بشر رحه ال..
ورأيت ف وجهه ضربا كثيا ،وما عرفته ال بعلمة كانت ف جسده..
**
هكذا ارتفع عباد ال مستوى واجباته كؤمن من النصار ،بايع رسول ال على الياة ل ،والوت ف
سبيله..
وعندما رأى العركة الضارية تتجه ف بدايتها لصال العداء ،تذكر كلمات رسول ال لقومه النصار:
" أنتم الشعار..
فل أوتيّن من قبلكم"..
ومل الصوت روعه وضميه..
حت لكأن الرسول عليه الصلة والسلم قائم الن يردده كلماته هذه..
وأحس عباد أن مسؤولية العركة كلها انا تقع على كاهل النصار وحدهم ..أو على كاهلهم قبل
سواهم..
هنالك اعتلى ربوة وراح يصيح:
" يا معشر النصار..
احطموا جفون السيوف..
وتيزوا من الناس..
وحي لبّى نداءه أربعمائة منهم قادهم هو وأبو دجانة والباء ابن مالك ال حديقة الوت حيث كان
جيش مسيلمة يتحصّن ..وقاتل البطل القتال اللئق به كرجل ..وكمؤمن ..وكأنصاري..
**
وف ذلك اليوم الجيد استشهد عباد..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وتوّل الشرك اللدود ..ال مؤمن أوّاب ،ل تكف عيناه من البكاء من خشية ال!!..
وتوّل واحد من كبار زعماء قرسش وقادة جيوشها ال مقاتل صلب ف سبيل السلم ..مقاتل عاهد
نفسه أن يظل ف رباط وجهاد حت يدركه الوت على ذلك ،عسى ال أن يغفر ما تقدم من ذنبه!!..
فمن كان ذلك الشرك العنيد ،والؤمن التقي الشهيد..؟؟
**
انه سهيل بن عمرو..
واحد من زعماء قريش البّرين ،ومن حكمائها وذوي الفطنة والرأي فيها..
وهو الذي انتدبته قريش ليقنع الرسول بالعدول عن دخول مكة عام الديبية..
ففي أخريات العام الجري السادس خرج الرسول وأصحابه ال مكة ليزوروا البيت الرام ،وينشؤا
عمرة ،ل يريدون حربا ،وليسوا مستعدين لقتال..
وعلمت قريش بسيهم ال مكة ،فخرجت لتقطععليهم الطريق ،وتصدّهم عن وجهتهم..
وتأزم الوقف ،وتوترت النفس..
وقال الرسول لصحابه:
" ل تدعون قريش اليوم ال خطة يسألونن فيها صلة الرحم ال أعطيتهم اياها"..
وراحت قريش ترسل رسلها ومندوبيها ال النب عليه الصلة والسلم ،فيخبهم جيعا أنه ل يأت
لقتال ،انا جاء يزور البيت الرام ،ويعظم حرماته:
وكلما عاد ال قريش أحد مندوبيها ،أرسلوا من بعده آخر أقوى شكيمة ،وأشد اقناعا حت اختاروا
عروة بن مسعود الثقفي وكان من أقواهم وأفطنهم ..وظنت قريش أن عروة قادر على اقناع الرسول
بالعودة.
ولكنه سرعان ما رجع اليهم يقول لم:
" يا معشر قريش..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
فاستقبل وجوههم ف تسامح وأناة ،وقال لم ونبات صوته الرحيم تقطر حنانا ورفقا:
" يا معشر قريش..
ما تظنون أن فاعل بكم"..؟؟
هنالك تقدم خصم السلم بالمس سهيل بن عمرو وقال ميبا:
" نظن خيا ،أخ كري ،وابن أخ كري".
وتألقت ابتسامة من نور على شفت حبيب ال وناداهم:
" اذهبوا...
فأنتم الطلقاء"!!..
ل تكن هذه الكلمات من الرسول النتصر لتدع انسانا حيّ الشاعر ال أحالته ذوبا من طاعة وخجل،
بل وندم..
وف نفس اللحظة استجاش هذا الوقف المتلئ نبل وعظمة ،كل مشاعر سهيل بن عمرو فأسلم ل
رب العالي.
ول يكن اسلمه ساعتئذ ،اسلم رجل منهزم مستسلم للمقادير.
بل كان كما سيكشف عنه مستقبله فيما بعد اسلم رجل برته وأسرته عظمة ممد وعظمة الدين
الذي يتصرّف ممد وفق تعاليمه ،ويمل ف ولء هائل رايته ولواءه!!..
**
أطلق على الذين أسلموا يوم الفتح اسم الطلقاء ..أي الذين نقلهم عفو الرسول من الشرك ال
السلم حي قال لم:
" اذهبوا فأنتم الطلقاء"
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
بيد أن نفرا من أولئك الطلقاء جاوزوا هذا الط باخلصهم الوثيق ،وسوا ال آفاق بعيدة من
التضحية والعبادة والطهر ،وضعتهم ف الصفوف الول بي أصحاب النب البرار ومن هؤلء سهيل
بن عمرو.
**
لقد صاغه السلم من جديد.
وصقل كل مواهبه الول ،وأضاف اليها ،ث وضعها جيعا ف خدمة الق ،والي ،واليان..
ولقد نعتوه ف كلمات فقالوا:
" السّمح ،الواد..
كثي الصلة ،والصوم ،والصدقة ،وقراءة القرآن ،والبكاء من خشية ال"!!..
وتلك هي عظمة سهيل.
فعلى الرغم من أنه أسلم يوم الفتح ،ل قبله ،نراه يصدق ف اسلمه وف يقينه ،ال مدى الذي يتفوّق
فيه على كل نفسه ،ويتحوّل ال عابد ،زاهد وال فدائي ماهد ف سبيل ال والسلم.
ولا انتقل الرسول ال الرفيق العلى ،ل يكد النبأ يبلغ مكة ،وكان سهيل يومئذ مقيما با ،حت غشي
السلمي هناك من الرج والذهول ما غشي السلمي بالدينة.
واذا كان ذهول الدينة ،قد بدّده أبو بكر رضي ال عنه ساعتئذ بكلماته الاسة:
" من كان يعبد ممد ،فان ممدا قد مات..
ومن كان يعبد ال ،فان ال حيّ ل يوت"..
فسيأخذنا العجب حي نرى سهيل رضي ال عنه هو الذي وقف بكة ،نفس موقف أب بكر
بالدينة.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
فقد جع السلمي كلهم هناك ،ووقف يبهرهم بكلماته الناجعة ،يبهم أن ممدا كان رسول ال
حقا ..وأنه ل يت حت أدّى المانة ،وبلّغ الرسالة .وأنه واجب الؤمني به أن يعنوا من بعده السي
على منهجه.
وبوقف سهيل هذا ،وبكلماته الرشيدة وايانه الوثيق ،درأ الفتنة الت كادت تقلع ايان بعض الناس
بكة حي بلغهم نبأ وفاة الرسول!!..
وف هذا اليوم أكثر من سواه تألقت نبوءة رسول ال صلى ال عليه وسلم.
أل يكن لعمر يوم استأذنه ف نزع ثنيت سهيل أثناء أسره ببدر:
" دعها فلعلها تسرك يوما"..؟!
ففي هذا اليوم ..وحي بلغ السلمي بالدينة موقف سهيل بكة وخطابه الباهر الذي ثبت اليان ف
الفئدة ،تذكر عمر بن الطاب نبوءة الرسول ..وضحك طويل ،اذ جاء اليوم الذي انتفع فيه السلم
بثنيت سهيل اللتي كان عمر يريد تشيمهما واقتلعهما!!..
**
عندما أسلم سهيل يوم الفتح.
وبعد أن ذاق حلوة اليان ،أخذ على نفسه عهدا لصه ف هذه الكلمات:
" وال ل أدع موقفا من الشركي ،ال وقفت مع السلمي مثله ...ول نفقة أنفقتها مع الشركي ال
أنفقت مع السلمي مثلها ،لعل أمري أن يتلو بعضه بعضا"!!..
ولقد وقف مع الشركي طويل أمام أصنامهم..
فليقف الن طويل وطويل مع الؤمني بي يدي ال الواحد الحد.
وهكذا راح يصلي ..ويصلي..
ويصوم ..ويصوم..
ول يدع عبادة تلو روحه ،وتقربه من ربه العلى ال أخذ منها حظا وافيا..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
عندما بعثه أمي الؤمني عمر بن الطاب ال البصرة ،ليكون أميها وواليها ،جع أهلها وقام فيهم
خطيبا فقال:
" ان أمي الؤمني عمر بعثن اليكم ،أعلمكم كتار بكم ،وسنة نبيكم ،وأنظف لكم طرقكم"!!..
وغشي النس من الدهش والعجب ما غشيهم ،فانم ليفهمون كيف يكون تثقيف الناس وتفقيههم
ف دينهم من واجبات الاكم والمي ،أما أن يكون من واجباته تنظيف طرقاتم ،فذاك شيء جديد
عليهم بل مثي وعجيب..
فمن هذا الوال الذي قال عنه السن رضي ال عنه:
" ما أتى البصرة راكب خي لهلها منه"..؟
**
انه عبدال بن قيس الكنّى بن أب موسى الشعري..
غادر اليمن بلده ووطنه ال مكة فور ساعه برسول ظهر هناك يهتف بالتوحيد ويدعو ال ال على
بصية ،ويأمر بكارم الخلق..
وف مكة ،جلس بي يدي رسول ال صلى ال عليه وسلم وتلقى منه الدى واليقي..
وعاد ال بلده يمل كلمة ال ،ث رجع ال رسول ال صلى ال عليه وسلم وتلقى منه الدى
واليقي..
وعاد ال بلده يمل كلمة ال ،ث رجع ال رسول ال صلى ال عليه وسلم اثر فراغه من فتح خيب..
ووافق قدومه قدوم جعفر بن أب طالب مقبل مع أصحابه من البشة فأسهم الرسول لم جيعا..
وف هذه الرّة ل يأت أبو موسى الشعري وحده ،بل جاء معه بضعة وخسون رجل من أهل اليمن
الذين لقنهم السلم ،وأخوان شقيقان له ،هم ،أبو رهم ،وأبو بردة..
وسّى الرسول هذا الوفد ..بل سّى قومهم جيعا بالشعريي..
ونعتهم الرسول بأنم أرق الناس أفئدة..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
جيش السلمي بقيادة أبو موسى ..وجيش الفرس بقيادة الرزمان ف معركة من أشد العارك ضراوة
وبأسا..
وانسحب الفرس ال داخل مدينة تستر الحصنة..
وحاصرها السلمون أياما طويلة ،حت أعمل أبو موسى عقله وحيلته..
وأرسل مائت فارس مع عميل فارسي ،أغراه أبو موسى بأن يتال حت يفتح باب الدينة ،أمام الطليعة
الت اختارها لذه الهمة.
ول تكد البواب تفتح ،وجنود الطليعة يقتحمون الصن حت انقض أبو موسى بيشه انقضاضا
مدمدما.
واستول على العقل الطي ف ساعات .واستسلم قادة الفرس ،حيث بعث بم أبو موسى ال الدينة
ليى أمي الؤمني فيهم رأيه..
**
على أن هذا القاتل ذا الراس الشديد ،ل يكن يغادر أرض العركة حت يتحوّل ال أوّاب ،بكّاء
وديع كالعصفور...
يقرأ القرآن بصوت يهز أعماق من سعه ..حت لقد قال عنه الرسول:
" لقد أوت أبو موسى مزمارا من مزامي آل داود"!..
كان عمر رضي ال عنه كلما رآه دعاه ليتلو عليه من كتاب ال ..قائل له:
" شوّقنا ال ربنا يا أبا موسى"..
كذلك ل يكن يشترك ف قتال ال أن يكون ضد جيوش مشركة ،جيوش تقاوم الدين وتريد أن تطفئ
نور ال..
أما حي يكون القتال بي مسلم ومسلم ،فانه يهرب منه ول يكون له دور أبدا.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ولقد كان موقفه هذا واضحا ف نزاع عليّ ومعاوية ،وف الرب الت استعر بي السلمي يومئذ
أوراها.
ولعل هذه النقطة من الديث تصلنا بأكثر مواقف حياته شهرة ،وهو موقفه من التحكيم بي المام
علي ومعاوية.
هذا الوقف الذي كثيا ما يؤخذ آية وشاهدا على افراط أب موسى ف الطيبة ال حد يسهل خداعه.
بيد أن الوقف كما سنراه ،وبرغم ما عسى أن يكون فيه تسرّع أو خطأ ،انا يكشف عن عطمة هذا
الصحاب الليل ،عظمة نفسه ،وعظمة ايانه بالق ،وبالناس ،ان راي أب موسى ف قضية التحكيم
يتلخص ف أنه وقد رأى السلمي يقتل بعضهم بعضا ،كل فريق يتعصب لمام وحاكم ..كما رأى
الوقف بي القاتلي قد بلغ ف تأزمه واستحالة تصفيته الدى الذي يضع مصي المة السلمة كلها على
حافة الاوية.
نقول :ان رأيه وقد بلغت الال من السوء هذا البلغ ،كان يتلخص ف تغيي الوقف كله والبدء من
جديد.
ان الرب الهلية القائمة يوم ذاك انا تدور بي طائفتي من السلمي تتنازعان حول شخص الاكم،
فليتنازل المام علي عن اللفة مؤقتا ،وليتنازل عنها معاوية ،على أن يرد المر كله من جديد ال
السلمي يتارون بطريق الشورى الليفة الذي يريدون.
هكذا ناقش أبو موسى القضية ،وهكذا كان حله.
صحيح أن عليّا بويع باللفة بيعة صحيحة.
وصحيح أن كل ترد غي مشروع ل ينبغي أن يكّن من غرضه ف اسقاط الق الشروع .بيد أن
المور ف الناع بي المام ومعاوية وبي أهل العراق وأهل الشام ،ف رأي أب موسى ،قد بلغت
الدى الذي يفرض نوعا جديدا من التفكي واللول ..فعصيان معاوية ،ل يعد مرّد عصيان ..وترّد
أهل الشام ل يعد مرد ترد ..واللف كله يعود مرد خلف ف الرأي ول ف الختيار..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
بل ان ذلك كله تطوّر ال حرب أهلية ضارية ذهب ضحيتها آلف القتلى من الفريقي ..ول تزال
تدد السلم والسلمي بأسوأ العواقب.
فازاحة أسباب الناع والرب ،وتنحية أطرافه ،مثّل ف تفكي أب موسى نقطة البدء ف طريق
اللص..
ولقد كان من رأي المام علي حينما قبل مبدأ التحكيم ،أن يثل جبهته ف التحكيم عبدال بن عباس،
أو غيه من الصحابة .لكن فريقا كبيا من ذوي البأس ف جاعته وجيشه فرضا عليه أبا موسى
الشعري فرضا.
وكانت حجتهم ف اختيار أبا موسى أنه ل يشترك قط ف الناع بي علي ومعاوية ،بل اعتزل كل
الفريقي بعد أن يئس من حلهما على التفاهم والصلح ونبذ القتال .فهو بذه الثابة أحق الناس
بالتحكيم..
ول يكن ف دين أب موسى ،ول ف اخلصه وصدقه ما يريب المام ..لكنه كان يدرك موايا الانب
الخر ويعرف مدى اعتمادهم على الناورة والدعة .وأبو موسى برغم فقهه وعلمه يكره الداع
والناورة ،ويب أن يتعامل مع الناس بصدقه ل بذكائه .ومن ث خشي المام علي أن ينخدع أبو
موسى للخرين ،ويتحول التحكيم ال مناورة من جانب واحد ،تزيد المور سوءا...
**
بدأ التحيكم بي الفريقي..
أبو موسى الشعري يثل جبهة المام علي..
وعمرو بن العاص ،يثل جانب معاوية.
والق أن عمرو بن العاص اعتمد على ذكائه الاد وحيلته الواسعة ف أخذ الراية لعاوية.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ولقد بدأ الجتماع بي الرجلي ،الشعري ،وعمرو باقتراح طرحه أبو موسى وهو أن يتفق الكمان
على ترشيح عبدال بن عمر بل وعلى اعلنه خليفة للمسلمي ،وذلك لا كان ينعم به عبدال بن عمر
من اجاع رائع على حبه وتوقيه واجلله.
ورأى عمرو بن العاص ف هذا التاه من أب موسى فرصة هائلة فانتهزها..
ان مغزى اقتراح أب موسى ،أنه ل يعد مرتبطا بالطرف الذي يثله وهو المام علي..
ومعناه أيضا أنه مستعد لسناد اللفة ال آخرين من أصحاب الرسول بدليل أنه اقترح عبدال بن
عم..
وهكذا عثر عمرو بدهائه على مدخل فسيح ال غايته ،فراح يقترح معاوية ..ث اقترح ابنه عبدال بن
عمرو وكان ذا مكانة عظيمة بي أصحاب رسول ال.
ولك يغب ذكاء أب موسى أمام دهاء عمرو ..فانه ل يكد يرى عمرا يتخذ مبدأ الترشيح قاعدة
الترشيح للحديث والتحكيم حت لوى الزمام ال وجهة أسلم ،فجابه عمرا بأن اختيار الليفة حق
للمسلمي جيعا ،وقد جعل ال أمرهم شورى بينهم ،فيجب أن يترك المر لم وحدهم وجيعهم لم
الق ف هذا الختيار..
وسوف نرى كيف استغل عمرو هذا البدأ الليا لصال معاوية..
ولكن قبل ذلك لنقرأ نص الوار التاريي الذي دار بي أب موسى وعمرو بن العاص ف بدء
اجتماعهما:
أبو موسى :يا عمرو ،هل لك ف صلح المة ورضا ال..؟
عمرو :وما هو..؟
أبو موسى :نول عبدال بن عمر ،فانه ل يدخل نفسه ف شيء من هذه الرب.
عمرو :وأين أنت من معاوية..؟
أبو موسى :ما معاوية بوضع لا ول يستحقها.
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ان هذا الوار يغي تاما وجه الصورة الت تعوّدنا أن نرى با أبا موسى الشعري كلما ذكرنا واقعة
التحكيم هذه..
ان أبا موسى كان أبعد ما يكون عن الغفلة..
بل انه ف حواره هذا كان ذكاؤه أكثر حركة من ذكاء عمرو بن العاص الشهور بالذكاء والدهاء..
فعندما أراد عمرو أن يرّع أبا موسى خلفة معاوية بجة حسبه ف قريش ،ووليته لدم عثمان ،جاء
رد أب موسى حاسا لمعا كحد السيف..
اذا كانت اللفة بالشرف ،فأبرهة بن الصباح سليل اللوك أول با من معاوية..
واذا كانت بدم عثمان والدفاع عن حقه ،فابن عثمان رضي ال عنه ،اول بذه الولية من معاوية..
**
لقد سارت قضية التحيكم بعد هذا الوار ف طريق يتحمّل مسؤليتها عمرو بن العاص وحده..
فقد أبرأ أبو موسى ذمته بر ّد المر ال المة ،تقول كلمتها وتنار خليفتها..
ووافق عمرو والتزم بذا الرأي..
ول يكن يطر ببال أب موسى أن عمرو ف هذا الوقف الذي يهدد السلم والسلمي بشر بكارثة،
سيلجأ ال الناورة ،ها يكن اقتناعه بعاوية..
ولقد حذره ابن عباس حي رجع اليهم يبهم با ت التفاق عليه..
حذره من مناورات عمرو وقال له:
" أخشى وال أن يكون عمرو قد خدعك ،فان كنتما قد اتفقتما على شيء فقدمه قبلك ليتكلم ،ث
تكلم أنت بعده"!..
لكن أبا موسى كان يرى الوقف أكب وأجل من أن يناور فيه عمرو ،ومن ث ل ياله أي ريب
أوشك ف التزام عمرو با اتفقنا عليه..
واجتمعا ف اليوم التال ..أبو موسى مثل لبهة المام علي ،وعمرو بن العاص مثل لبهة معاوية..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
" ما كنت لتقدمك وأنت أكثر من فضل ..وأقدم هجرة ..وأكب سنا"!!..
وتقد أبو موسى واستقبل الشود الرابضة من كل الفريقي.
وقال:
" أيها الناس ..انا قد نظنا فيما يمع ال به ألفة هذه المة ،ويصلح أمرها ،فلم نر شيئا أبلغ من خلع
الرجلي علي ومعاوية ،وجعلها شورى يتار الناس لنفسهم من يرونه لا..
وان قد خلعت عليا ومعاوية..
فاستقبلوا أمركم وولوا عليكم من أحببتم"...
وجاء دور عمرو بن العاص ليعلن خلع معاوية ،كما خلع أبو موسى عليا ،تنفيذا للتفاق البم
بالمس...
وصعد عمرو النب ،وقال:
" أيها الناس ،ان أبا موسى قد قال كما سعتم وخلع صاحبه،
أل وان قد خلعت صاحبه كما خلعه ،وأثبت صاحب معاوية ،فانه ول أمي الؤمني عثمان والطالب
بدمه ،وأحق الناس بقامه!!"..
ول يتمل أبو موسى وقع الفاجأة ،فلفح عمرا بكلمات غاضبة ثائرة..
وعاد من جديد ال عزلته ،وأغذّ خطاه ال مكة ..ال جوار البيت الرام ،يقضي هناك ما بقي له من
عمر وأيام..
كان أبو موسى رضي ال عنه موضع ثقة الرسول وحبه ،وموضع ثقة خلفائه واصحابه وحبهم...
ففيحياته عليه الصلة والسلم وله مع معاذ بن جبل أمر اليمن..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وبعد وفاة الرسول عاد ال الدينة ليجمل مسؤولياته ف الهاد الكبي الذي خاضته جيوش السلم
ضد فارس والروم..
وف عهد عمر وله أمي الؤمني البصرة..
ووله الليفة عثمان الكوفة..
**
وكان من أهل القرآن ،حفظا ،وفقها ،وعمل..
ومن كلماته الضيئة عن القرآن:
" اتبعوا القرآن..
ول تطمعوا ف أن يتبعكم القرآن"!!..
وكان من اهل العبادة الثابرين..
وف اليام القائظة الت يكاد حرّها يزهق النفاس ،كنت تد أبا موسى يلقاها لقاء مشتاق ليصومها
ويقول:
" لعل ظمأ الواجر يكون لنا ريّا يوم القيامة"..
**
وذات يوم رطيب جاءه أجله..
وكست ميّاه اشراقة من يرجو رحة ال وحسن ثوابه.ز
والكلمات الت كان يرددها دائما طوال حياته الؤمنة ،راح لسانه الن وهو ف لظات الرحيل
يرددها.ز
تلك هي:
" اللهم أنت السلم..ومنك السلم"...
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ومكثت حت انصرف ال بيته ،فاتبعته حت دخل بيته ،فدخلت وراءه ،وقلت له :يا ممد ،ان قومك
قد حدثون عنك كذا وكذا ..فوال ما برحوا يوّفون أمرك حت سددت أذنّ بكرسف لئل أسع
قولك..
ولكن ال شاء أن أسع ،فسمعت قول حسنا ،فاعرض عليّ أمرك..
فعرض الرسول عليّ السلم ،وتل عليّ من القرآن..
فأسلمت ،وشهدت شهادة الق ،وقلت :يا رسول ال :ان امرؤ مطاع ف قومي وان راجع اليهم،
وداعيهم ال السلم ،فادع ال أن يعل ل آية تكون عونا ل فيما أدعهوهم اليه ،فقال عليه السلم:
اللهم اجعل له آية"..
**
لقد أثن ال تعال ف كتابه على " الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه"..
وها نن أولء نلتقي بواحد من هؤلء..
انه صورة صادقة من صور الفطرة الرشيدة..
فما كاد سعه يلتقط بعض آيات الرشد والي الت أنزلا ال على فؤاد رسوله ،حت تفتح كل سعه،
وكل قلبه .وحت بسط يينه مبايعا ..ليس ذلك فحسب ..بل حّل نفسه من فوره مسؤولية دعوة قومه
وأهله ال هذا الدين الق ،والصراط الستقيم!..
من أجل هذا ،نراه ل يكاد يبلغ بلده وداره ف أرض دوس حت يواجه أباه بالذي من قلبه من عقيدة
واصرار ،ويدعو أباه ال السلم بعد أن حدّثه عن الرسول الذي يدعو ال ال ..حدثه عن عظمته..
وعن طهره وأمانته ..عن اخلصه واخباته ل رب العالي..
وأسلم أبوه ف الال..
ث انتقل ال أمه ،فأسلمت
ث ال زوجه ،فأسلمت..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ولا اطمأن ال أن السلم قد غمر بيته ،انتقل ال عشيته ،وال أهل دوس جيعا ..فلم يسلم منهم
أحد سوى أب هريرة رضي ال عنه..
ولقد راحوا يذلونه ،وينأون عنه ،حت نفذ صبه معهم وعليهم .فركب راحلته ،وقطع الفياف عائدا
ال رسول ال صلى ال عليه وسلم يشكو اليه ويتزوّد منه بتعاليمه..
وحي نزل مكة ،سارع ال دار الرسول تدوه أشواقه..
وقال للنب:
" يا رسول ال..
انه ق غلبن على دوس الزن ،والربا ،فادع ال أن يهلك دوسا"!!..
وكانت مفاجأة أذهلت الطفيل حي رأى الرسول يرفع كفيه ال السماء وهو يقول:
" اللهم اهد دوسا وأت بم مسلمي"!!..
ث التفت ال الطفيل وقال له:
" ارجع ال قومك فادعهم وارفق بم".
مل هذا الشهد نفس الطفيل روعة ،ومل روحه سلما ،وحد اله أبلغ المد أن جعل هذا الرسول
النسان الرحيم معلمه وأستاذه .وأن جعل السلم دينه وملذه.
ونض عائدا ال أرضه وقومه وهناك راح يدعوهم ال السلم ف أناة ورفق ،كما أوصاه الرسول عليه
السلم.
وخلل الفترة الت قضاها بي قومه ،كان الرسول قد هاجر ال الدينة وكانت قد وقعت غزوة بدر،
أحد والندق.
وبينما رسول ال ف خيب بعد أن فتحها ال على السلمي اذا موكب حافل ينتظم ثاني اسرة من
دوس أقبلوا على الرسول مهللي مكبّرين ..
وبينما جلسوا يبايعون تباعا..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ولا فرغوا من مشهدهم الافل ،وبيعتهم الباركة جلس الطفيل بن عمرو مع نفسه يسترجع ذكرياته
ويتأمل خطاه على الطريق!!..
تذكر يوم قدوم الرسول يسأله أن يرفع كفيه ال السماء ويقول:
اللهم اهلك دوسا ،فاذا هو يبتهل بدعاء آخر أثار يومئذ عجبه..
ذلك هو:
" اللهم اهد دوسا وأت بم مسلمي"!!..
ولقد هدى ال دوسا..
وجاء بم مسلمي..
وها هم أولء ..ثانون بيتا ،وعائلة منهم ،يشكلون أكثرية أهلها ،يأخذون مكانم ف الصفوف
الطاهرة خلف رسول ال المي.
**
ويواصل الطفيل عمله مع الماعة الؤمنة..
ويوم فتح مكة ،كان يدخلها مع عشرة آلف مسلم ل يثنون أعطافهم زهوا وصلفا ،بل ينون
جباههم ف خشوع واذلل ،شكرا ل الذي أثابم فتحا قريبا ،ونصرا مبينا..
ورأى الطفيل رسول ال وهو يهدم أصنام الكعبة ،ويطهرها بيده من ذلك الرجس الذي طال مداه..
وتذكر الدوسي من فوره صنما كان لعمرو بن حمة .طالا كان عمرو هذا يصطحبه اليه حي ينل
ضيافته ،فيتخشّع بي يديه ،ويتضرّع اليه!!..
الن حانت الفرصة ليمحو الطفيل عن نفسه اث تلك اليام ..هنالك تقدم من الرسول عليه الصلة
والسلم يستأذنه ف أن يذهب ليحرق صنم عمرو بن حمة وكان هذا الصنم يدعى ،ذا الكفي ،وأذن
له النب عليه السلم..
ويذهب الطفيل ويوقد عليه النار ..وكلما خبت زادها ضراما وهو ينشد ويقول:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ففي موقعة اليموك بالشام خرج عمرو بن الطفيل ماهدا وقضى نبه شهيدا..
وكان وهو يود بأنفاسه ،يبسط ذراعه اليمن ويفتح كفه ،كما لو كان سيصافح با أحدا ..ومن
يدري..؟؟
لعله ساعتئذ كان يصافح روح أبيه!!..
عمرو بن العاص
مرّر مصر من الرومان
كانوا ثلثة ف قريش ،اتبعوا رسول ال صلى ال عليه وسلم بعنف مقاومتهم دعوته وايذائهم
أصحابه..
وراح الرسول يدعو عليهم ،ويبتهل ال ربه الكري أن ينل بم عقابه..
واذ هو يدعو ويدعو ،تنل الوحي على قلبه بذه الية الكرية..
( ليس لك من المر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبم ،فانم ظالون)..
وفهم الرسول من الية أنا أمر له بالكف عن الدعاء عليهم ،وترك أمرهم ال ال وحده..
فامّا أن يظلوا على ظلمهم ،فيحلّ بم عذابه..
أو يتوب عليهم فيتوبوا ،وتدركهم رحته..
كان عمرو بن العاص أحد هؤلء الثلثة..
ولقد اختار ال لم طريق التوبة والرحة وهداهم ال السلم..
وتول عمرو بن العاص ال مسلم مناضل .وال قائد من قادة السلم البواسل..
وعلى الرغم من بعض مواقف عمرو الت ل نستطيع أن نقتنع بوجهة نظره فيها ،فان دوره كصحابّ
جليل بذل وأعطى ،ونافح وكافح ،سيظل يفتح على ميّاه أعيننا وقلوبنا..
وهنا ف مصر بالذات ،سيظل الذين يرون السلم دينا قيما ميدا..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ويرون ف رسوله رحة مهداة ،ونعمة موجاة ،ورسول صدق عظيم ،دعا ال ال على بصية ،وألم
الياة كثيا من رشدها وتقاها..
سيظل الذين يملون هذا اليان مشحوذي الولء للرجل الذي جعلته القدار سببا ،وأي سبب،
لهداء السلم ال مصر ،واهداء مصر ال السلم ..فنعمت الداية ونعم مهديها..
ذلكم هو :عمرو بن العاص رضي ال عنه..
ولقد تعوّد الؤرخون أن ينعتوا عمرا بن فاتح مصر..
بيد أنا نرى ف هذا الوصف توزا وتاوزا ،ولعل أحق النعوت بعمرو أن ندعوه بن مرر مصر..
فالسلم ل يكن يفتح البلد بالفهوم الديث للفتح ،انا كان يررها من تسلط امباطوريتي سامتا
العباد والبلد سوء العذاب ،تانك ها:
امباطورية الفرس.ز وامباطورية الروم..
ومصر بالذات ،يوم أهلت عليها طلئع السلم كانت نبا للرومان وكان أهلها يقاومون دون
جدوى..
ولا دوّت فوق مشارف بلدهم صيحات الكتائب الؤمنة أن:
" ال أكب..
ال أكب"..
سارعوا جيعا ف زحام ميد صوب الفجر الوافد وعانقوه ،واجدين فيه خلصهم من قيصر ومن
الرومان..
فعمرو بن العاص ورجاله ،ل يفتحوا مصر اذن ..انا فتحوا الطريق أمام مصر لتصل بالق مصايرها..
وتربط بالعدل مقاديرها ..وتد نفسها وحقيقتها ف ضوء كلمات ال ،ومبادئ السلم..
ولقد كان رضي ال عنه حريصا على أن يباعد أهل مصر وأقباطها عن العركة ،ليظل القتال مصورا
بينه وبي جنود الرومان الي يتلون البلد ويسرقون أرزاق أهلها..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
من أجل ذلك نده يتحدث ال زعماء النصارى يومئذ وكبار أشاقفتهم ،فيقول:
" ...ان ال بعث ممدا بالق وأمره به..
وانه عليه الصلة والسلم ،قد أدّى رسالته ،ومضى بعد أن تركنا على الواضحة أي الطريق الواضح
الستقيم..
وكان ما أمرنا به العذار ال الناس ،فنحن ندعوكم ال السلم..
فمن أجابنا ،فهو منا ،له ما لنا وعليه ما علينا..
ومن ل يبنا ال السلم ،عرضنا عليه الزية أي الضرائب وبذلنا له الماية والنعة..
ولقد أخبنا نبينا أن مصر ستفتح علينا ،وأوصانا بأهلها خيا فقال ":ستفتح عليكم بعدي مصر،
فاستوصوا بقبطها خيا ،فان لم ذمّة ورحا"..
فان أجبتمونا ال ما ندعوكم اليه كانت لكم ذمة ال ذمة"...
وفرغ عمرو من كلماته ،فصاح بعض الساقفة والرهبان قائل:
" ان الرحم الت أوصاكم با نبيّكم ،لي قرابة بعيدة ،ل يصل مثلها ال النبياء"!!..
وكانت هذه بداية طيبة للتفاهم الرجو بي عمرو أقباط مصر ..وان يكن قادة الرومان قد حاولوا
العمل لحباطها..
**
وعمرو بن العاص ل يكن من السابقي ال السلم ،فقد أسلم مع خالد بن الوليد قبيل فتح مكة
بقليل..
ومن عجب أن اسلمه بدأ على يد النجاشي بالبشة وذلك أن النجاشي يعرف عمرا ويترمه بسبب
تردده الكثي على البشة والدايا الزيلة الت كان يملها للنجاشي ،وف زيارته الخية لتلك البلد
جاء ذكر لرسول الذي يهتف بالتوحيد وبكارم الخلق ف جزيرة العرب..
وسأل عاهل البشة عمرا ،كيف ل يؤمن به ويتبعه ،وهو رسول من ال حقا..؟؟
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
اذن لكان قد تفوّق كثيا على بعض الواقف الت ورّطه فيها الب.
على أن حب عمرو المارة ،كان ال حد ما ،تعبيا تلقائيا عن طبيعته الياشة بالواهب..
بل ان شكله الارجي ،وطريقته ف الشي وف الديث ،كانت تومي ال أنه خلق للمارة !!..حت
لقد روي أن أمي الؤمني عمر بن الطاب رآه ذات يوم مقبل ،فابتسم لشيته وقال:
" ما ينبغي لب عبدال أن يشي على الرض ال أميا"!..
والق أن أبا عبدال ل يبخس نفسه هذا الق..
وحت حي كانت الحداث الطية تتاح السلمي ..كان عمرو يتعامل مع هذه الحداث بأسلوب
أمي ،أمي معه من الذكاء والدهاء ،والقدرة ما يعله واثقا بنفسه معتزا بتفوقه!!..
ولكن معه كذلك من المانة ما جعل عمر بن الطاب وهو الصارم ف اختيار ولته ،واليا على
فلسطي والردن ،ث على مصر طوال حياة أمي الؤمني عمر...
حي علم أمي الؤمني عمر أن عمرا قد جاوز ف رخاء معيشته الد الذي كان أمي الؤمني يطلب
من ولته أن يقفوا عنده ،ليظلوا دائما ف مستوى ،أو على القل قريبي من مستوى عامة الناس..
نقول :لو علم الليفة عن عمرو كثرة رخائه ،ل يعزله ،انا أرسل اليه ممد بن مسلمة وأمره أن
يقاسم عمرا جيع أمواله وأشيائه ،فيبقي له نصفها ويمل معه ال بيت الال بالدينة نصفها الخر.
ولو قد علم أمي الؤمني أن حب عمرو للمارة ،يمله على التفريط ف مسؤولياته ،لا احتمل ضميه
الرشيد ابقاءه ف الولية لظة.
**
وكان عمرو رضي ال عنه حادّ الذكاء ،قوي البديهة عميق الرؤية..
ك كفيّه عجباحت لقد كان أمي الؤمني عمر رضي ال عنه ،كلما رأى انسانا عاجز اليلة ،ص ّ
وقال:
" سبحان ال!!..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ودخل عمرو على القائد ،ل يريبه شيء ،وانفض لقاؤها ،وبينما هو ف الطريق ال خارج الصن ،لح
فوق أسواره حركة مريبة حركت فيه حاسة الذر بشدّة.
وعلى الفور تصرّف بشكل باهر.
لقد عاد ال قائد الصن ف خطوات آمنة مطمئنة وئيدة ومشاعر متهللة واثقة ،كأن ل يفرّعه شيء
قط ،ول يثر شكوكه أمر!!
ودخل على القائد وقال له:
لقد بادرن خاطر أردت أن أطلعك عليه ..ان معي حيث يقيم أصحاب جاعة من أصحاب الرسول
السابقي ال السلم ،ل يقطع أمي الؤمني أمرا دونشورتم ،ول يرسل جيشا من جيوش السلم ال
جعلهم على رأس مقاتلته وجنوده ،وقد رأيت أن آتيك بم ،حت يسمعوا منك مثل الذي سعت،
ويكونوا من المر على مثل ما أنا عليه من بيّنة..
وأدرك قائد الروم أن عمرا بسذاجة قد منحه فرصة العمر!!..
فليوافقه اذن على رأيه ،حت اذا عاد ومعه هذا العدد من زعماء السلمي وخية رجالم وقوادهم،
أجهز عليهم جيعا ،بدل من أن يهز على عمرو وحده..
وبطريقة غي منظورة أعطى أمره بارجاء الطة الت كانت معدّة لغتيال عمرو..
ودّع عمرو بفاوة ،وصافحه برارة،
وابتسم داهية العرب ،وهو يغادر الصن..
وف الصباح عاد عمرو على رأس جيشه ال الصن ،متطيا صهوة فرسه ،الت راحت تقهقه ف
صهيل شامت وساخر.
أجل فهي الخرى كانت تعرف من دهاء صاحبها الشيء الكثي!!..
**
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
وف السنة الثالثة والربعي من الجرة أدركت الوفاة عمرو بن العاص بصر ،حيث كان واليا
عليها..
وراح يستعرض حياته ف لظات الرحيل فقال:
" ..كنت أول أمري كافرا ..وكنت أشد الناس على رسول ال ،فلو مت يومئذ لوجبت ل النار..
ث بايعت رسول ال ،فما كان ف الناس أحد أحب الّ منه ،ول أجلّ ف عين منه ..ولو سئلت أن
أنعته ما استطعت ،لن ل أكن أقدر أن أمل عين منه اجلل له ..فلو متّ يومئذ لرجوت أن أكون
من أهل النة..
ث بليت بعد ذلك بالسلطان ،وبأشياء لأدري أهي ل أم عليّ"..
**
ث رفع بصره ال السماء ف ضراعة ،مناجيا ربه الرحيم العظيم قائل:
" اللهم ل بريء فأعتذر ،ول عزيز فأنتصر،
وال تدركن رحتك أكن من الالكي"!!
وظل ف ضراعاته ،وابتهالته حت صعدت ال ال روحه .وكانت آخر كلماته ل اله ال ال..
وتت ثرى مصر ،الت عرّفها عمرو طريق السلم ،ثوى رفاته..
وفوق أرضها الصلبة ،ل يزال ملسه حيث كان يعلم ،ويقضي ويكم ..قائما عب القرون تت سقف
مسجده العتيق جامع عمرو ،أول ميجد ف مصر يذكر فيه اسم ال الواحد الحد ،وأعلنت بي
أرجائه ومن فوق منبه كلمات ال ،ومبادئ السلم.
سال مول أي حذيفة
بل نعم حامل القرآن
أوصى رسول ال صلى ال عليه وسلم أصحابه يوما ،فقال:
" خذوا القرآن من أربعة:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
عبدال بن مسعود..
وسال مول أب حذيفة..
وأبّ بن كعب..
ومعاذ بن جبل"..
ولقد التقينا من قبل بابن مسعود ،وأبّ،ومعاذ..
فمن هذا الصحاب الرابع الذي جعله الرسول حجّة ف تعليم القرآن ومرجعا..؟؟
انه سال ،مول أب حذيفة..
كان عبدا رقيقا ،رفع السلم من شأنه حت جعل منه ابنا لواحد من كبار السلمي كان قبل اسلمه
شريفا من أشراف قريش ،وزعيما من زعمائها..
ولا أبطل السلم عادة التبن ،صار أخا ورفيقا ،ومول للذي كان يتبناه وهو الصحاب الليل :أبو
حذيفة بن عتبة..
وبفضل من ال ونعمة على سال بلغ بي السلمي شأوا رفيعا وعاليا ،أهّلته له فضائل روحه ،وسلوكه
وتقواه ..وعرف الصحاب الليل بذه التسمية :سال مول أب حذيفة.
ذلك أنه كان رقيقا وأعتق..
وآمن باله ايانا مبكرا..
وأخذ مكانه بي السابقي الولي..
وكان حذيفة بن عتبة ،قد باكر هو الخر وسارع ال السلم تاركا أباه عتبة بن ربيعة يتر مغايظه
وهوهه الت عكّرت صفو حياته ،بسبب اسلم ابنه الذي كان وجيها ف قومه ،وكان أبوه يعدّه
للزعامة ف قريش..
وتبن أبو حذيفة سالا بعد عتقه ،وصار يدعى بسال بن أب حذيفة..
وراح الثنان يعبدان ربما ف اخبات ،وخشوع ..ويصبان أعظم الصب على أذى قريش وكيدها..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
لقد ارتفع بتقواه واخلصه ال أعلى مراتب الجتمع الديد الذي جاء السلم يقيمه وينهضه على
أساس جديد عادل عظيم...
أساس تلخصه الية الليلة:
" ان أكرمكم عند ال أتقاكم"!!..
والديث الشريف:
" ليس لعرب على عجمي فضل ال بالتقوى"..
و" ليس لبن البضاء على ابن السوداء فضل ال بالتقوى"..
**
ف هذا الجتمع الديد الراشد ،وجد أبو حذيفة شرفا لنفسه أن يوال من كان بالمس عبدا..
بل ووجد شرفا لسرته ،أن يزوج سالا ابنه أخيه فاطمة بنت الوليد بنت عتبة!!..
وف هذا الجتمع الديد ،والرشيد ،الذي هدّم الطبقية الظالة ،وأبطل التمايز الكاذب ،وجد سال
بسبب صدقه ،وايانه ،وبلئه ،وجد نفسه ف الصف الول دائما!!..
أجل ..لقد كان امام للمهاجرين من مكة ال الدينة طوال صلتم ف مسجد قباء..
وكان حجة ف كتاب ال ،حت أمر النب السلمي أن يتعلموا منه!!..
وكان معه من الي والتفوق ما جعل الرسول عليه السلم يقول له:
" المد ل ،الذي جعل ف أمت مثلك"!!..
وحت كان اخوانه الؤمني يسمونه:
" سال من الصالي"!!..
ان قصة سال كقصة بلل وكقصة عشرات العبيد ،والفقراء الذين نفض عنهم عوادي الرق والضعف،
وجعلهم ف متمع الدى والرشاد أئمة ،وزعماء وقادة..
كان سال ملتقى لكل فضائل السلم الرشيد..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
كانت الفضائل تزدحم فيه وحوله ..وكان ايانه العميق الصادق ينسقها أجل تنسيق.
وكان من أبرز مزاياه الهر با يراه حقا..
انه ل يعرف الصمت تاه كلمة يرى من واجبه أن يقولا..
ول يون الياة بالسكوت عن خطأ يؤدها..
**
بعد أن فتحت مكة للمسلمي ،بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم بعض السرايا ال ما حول مكة
من قرى وقبائل ،وأخبهم أنه عليه السلم ،انا يبعث بم دعاة ل مقاتلي..
وكان على رأس احدى هذه السرايا خالد بن الوليد..
وحي بلغ خالد وجهته ،حدث ما جعله يستعمل السيوف ،ويرق الدماء..
هذه الواقعة الت عندما سع النب صلى ال عليه وسلم نبأها ،اعتذر ال ربه طويل ،وهو يقول:
" اللهم ان أبرأ اليك ما صنع خالد"!!..
والت ظل أمي الؤمني عمر يذكرها له ويأخذها عليه ،ويقول:
" ان ف سيف خالد رهقا"..
وكان يصحب خالد ف هذه السرية سال مول أب حذيفة مع غيه من الصحاب..
ول يكد سال يرى صنيع خالد حت واجهه بناقشة حامية ،وراح يعدّد له الخطاء الت ارتكبت..
وخالد البطل القائد ،والبطل العظيم ف الاهلية ،والسلم ،ينصت مرة ويدافع عن نفسه مرة ثانية
ويشتد ف القول مرة ثالثة وسال مستمسك برأيه يعلنه ف غي تيّب أو مداراة..
ل يكن سال آنئذ ينظر ال خالد كشريف من أشراف مكة ..بينما هو من كان بالمس القريب
رقيقا.
ل ..فقد سوّى السلم بينهما!!..
ول يكن ينظر اليه كقائد تقدّس أخطاؤه ..بل كشريك ف السؤولية والواجب..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
ول يكن يصدر ف معارضته خالدا عن غرض ،أو سهوه ،بل هي النصيحة الت قدّس السلم حقها،
والت طالا سع نبيه عليه الصلة والسلم يعلها قوام الدين كله حي يقول:
" الدين النصيحة..
الدين النصيحة..
الدين النصيحة".
**
ولقد سأل الرسول عليه السلم ،عندما بلغه صنيع خالد بن الوليد..
سأل عليه السلم قائل:
" هل أنكر عليه أحد"..؟؟
ما أجله سؤال ،وما أروعه..؟؟!!
وسكن غضبه عليه السلم حي قالوا له:
" نعم ..راجعه سال وعارضه"..
وعاش سال مع رسوله والؤمني..
ل يتخلف عن غزوة ول يقعد عن عبادة..
وكان اخاؤه مع أب حذيفة يزداد مع اليام تفانيا وتاسكا..
**
وانتقل الرسول ال الرفيق العلى..
وواجهت خلفة أب كب رضي ال عنه مؤامرات الرتدّين..
وجاء يوم اليمامة..
وكانت حربا رهبة ،ل يبتل السلم بثلها..
وخرج السلمون للقتال..
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم
( وكأيّ من نب قاتل معه ربيّون كثي ،فما وهنوا لا أصابم ف سبيل ال وما ضعفوا وما استكانوا
وال يب الصابرين)...
أل أعظم به من شعار ..ذلك الذي اختاره يوم الوت شعارا له!!..
**
وأحاطت به غاشية من الرتدين فسقط البطل ..ولكن روحه ظلت تتردد ف جسده الطاهر ،حت
انتهت العركة بقتل نسلمة الكذاب واندحار جيش مسيلمة وانتصار السلمي..
وبينما السلمون يتفقدون ضحاياهم وشهداءهم وجدوا سالا ف النع الخي..
وسألم:
ما فعل أبو حذيفة..؟؟
قالوا :استشهد..
قال :فأضجعون ال جواره..
قالوا :انه ال جوارك يا سال ..لقد استشهد ف نفس الكان!!..
وابتسم ابتسامته الخية..
ول يعد يتكلم!!..
لقد أدرك هو وصاحبه ما كانا يرجوان!!..
معا أسلما..
ومعا عاشا..
ومعا استشهدا..
يا لروعة الظوظ ،وجال القادير!!..
وذهب ال ال ،الؤمن الكبي الذي قال عنه عمر بن الطاب وهو يوت:
رجال حول الرسول صلى الله مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم