You are on page 1of 483

‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫عليه وسلم‬

‫رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم‬


‫خالد محمد خالد‬
‫نبذة ‪ :‬عرض لسي بعض صحابة رسول ال ‪ :‬أيامهم ومواقفهم ف خدمة الدين ‪ ،‬بأسلوب أدب راق ‪ ،‬وسرد‬
‫مشوق ‪ ،‬يثي النفس لعزائم المور ويقوي روابطها بالصحب الكرام ‪ ،‬وينمي فيها روح العمل والتضحية‬
‫‪.‬‬ ‫لذا الدين‬
‫مصعب بن عمي‬
‫أول سفراء السلم‬
‫هذا رجل من أصحاب ممد ما أجل أن نبدأ به الديث‪.‬‬
‫غرّة فتيان قريش‪ ،‬وأوفاهم جال‪ ،‬وشبابا‪..‬‬
‫يصف الؤرخون والرواة شبابه فيقولون‪ ":‬كان أعطر أهل مكة"‪..‬‬
‫ولد ف النعمة‪ ،‬وغذيّ با‪ ،‬وشبّ تت خائلها‪.‬‬
‫ولعله ل يكن بي فتيان مكة من ظفر بتدليل أبويه بثل ما ظفر به "مصعب بن عمي"‪..‬‬
‫ذلك الفتر الريّان‪ ،‬الدلل النعّم‪ ،‬حديث حسان مكة‪ ،‬ولؤلؤة ندواتا ومال سها‪ ،‬أيكن أن يتحوّل ال‬
‫أسطورة من أساطي اليان والفداء‪..‬؟‬
‫بال ما أروعه من نبأ‪ ..‬نبأ "مصعب بن عمي"‪ ،‬أو "مصعب الي" كما كان لقبه بي السلمي‪.‬‬
‫انه واحد من أولئك الذين صاغهم السلم وربّاهم "ممد" عليه الصلة والسلم‪..‬‬
‫ولكن أي واحد كان‪..‬؟‬
‫ان قصة حياته لشرف لبن النسان جيعا‪..‬‬
‫لقد سع الفت ذات يوم‪ ،‬ما بدأ أهل مكة يسمعونه من ممد المي صلى ال عليه وسلم‪..‬‬
‫"ممد" الذي يقول أن ال أرسله بشيا ونذيرا‪ .‬وداعيا ال عبادة ال الواحد الحد‪.‬‬
‫وحي كانت مكة تسي وتصبح ول ه مّ لا‪ ،‬ول حديث يشغلها ال الرسول عليه الصلة والسلم‬
‫ودينه‪ ،‬كان فت قريش الدلل أكثر الناس استماعا لذا الديث‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ذلك أنه كان على الرغم من حداثة سنه‪ ،‬زينة الجالس والندوات‪ ،‬ترص كل ندوة أن يكون مصعب‬
‫بي شهودها‪ ،‬ذلك أن أناقة مظهره ورجاحة عقله كانتا من خصال "ابن عمي الت تفتح له القلوب‬
‫والبواب‪..‬‬
‫ولقد سع فيما سع أن الرسول ومن آمن معه‪ ،‬يتمعون بعيدا عن فضول قريش وأذاها‪ ..‬هناك على‬
‫الصفا ف درا "الرقم بن أب الرقم" فلم يطل به التردد‪ ،‬ول التلبث والنتظار‪ ،‬بل صحب نفسه ذات‬
‫مساء ال دار الرقم تسبقه أشواقه ورؤاه‪...‬‬
‫هناك كان الرسول صلى ال عليه وسلم يلتقي بأصحابه فيتلو عليهم القرآن‪ ،‬ويصلي معهم ل العل يّ‬
‫القدير‪.‬‬
‫ول ي كد م صعب يأ خذ مكا نه‪ ،‬وتن ساب اليات من قلب الر سول متأل فة على شفت يه‪ ،‬ث آخذة‬
‫طريقها ال الساع والفئدة‪ ،‬حت كان فؤاد ابن عمي ف تلك المسية هو الفؤاد الوعود‪!..‬‬
‫ولقد كادت الغبطة تلعه من مكانه‪ ،‬وكأنه من الفرحة الغامرة يطي‪.‬‬
‫ولكن الرسول صلى ال عليه وسلم بسط يينه الانية حت لمست الصدر التوهج‪ ،‬والفؤاد التوثب‪،‬‬
‫فكانت ال سكينة العميقة ع مق الح يط‪ ..‬و ف لح الب صر كان الفت الذي آ من وأسلم يبدو ومعه من‬
‫الكمة ما بفوق ضعف سنّه وعمره‪ ،‬ومعه من التصميم ما يغيّر سي الزمان‪!!!..‬‬
‫**‬
‫كانت أم مصعب "خنّاس بنت مالك" تتمتع بقوة فذة ف شخصيتها‪ ،‬وكانت تاب ال حد الرهبة‪..‬‬
‫ول يكن مصعب حي أسلم ليحاذر أو ياف على ظهر الرض قوة سوى امه‪.‬‬
‫فلو أن مكة بل أصنامها وأشرافها وصحرائها‪ ،‬استحالت هول يقارعه ويصارعه‪ ،‬لستخف به مصعب‬
‫ال حي‪..‬‬
‫أما خصومة أمه‪ ،‬فهذا هو الول الذي ل يطاق‪!..‬‬
‫ولقد فكر سريعا‪ ،‬وقرر أن يكتم اسلمه حت يقضي ال أمرا‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫و ظل يتردد على دار الر قم‪ ،‬ويلس ال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬و هو قر ير الع ي بايا نه‪،‬‬
‫وبتفاديه غضب أمه الت ل تعلم خب اسلمه خبا‪..‬‬
‫ولكن مكة ف تلك اليام بالذات‪ ،‬ل يفى فيها سر‪ ،‬فعيون قريش وآذانا على كل طريق‪ ،‬ووراء‬
‫كل بصمة قدم فوق رمالا الناعمة اللهبة‪ ،‬الواشية‪..‬‬
‫ولقد أبصر به "عثمان بن طلحة" وهو يدخل خفية ال دار الرقم‪ ..‬ث رآه مرة أخرى وهو سصلي‬
‫كصلة ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فسابق ريح الصحراء وزوابعها‪ ،‬شاخصا ال أم مصعب‪ ،‬حيث‬
‫ألقى عليها النبأ الذي طار بصوابا‪...‬‬
‫ووقف مصعب أمام أمه‪ ،‬وعشيته‪ ،‬وأشراف مكة متمعي حوله يتلو عليهم ف يقي الق وثباته‪،‬‬
‫القرآن الذي يغسل به الرسول قلوبم‪ ،‬ويلؤها به حكمة وشرفا‪ ،‬وعدل وتقى‪.‬‬
‫وهّت أمه أن تسكته بلطمة قاسية‪ ،‬ولكن اليد الت امتدت كالسهم‪ ،‬ما لبثت أم استرخت وتنحّت‬
‫أمام النور الذي زاد وسامة وجهه وباءه جلل يفرض الحترام‪ ،‬وهدوءا يفرض القناع‪..‬‬
‫ولكن‪ ،‬اذا كانت أمه تت ضغط أمومتها ستعفيه من الضرب والذى‪ ،‬فان ف مقدرتا أ‪ ،‬تثأر لللة‬
‫الت هجرها بأسلوب آخر‪..‬‬
‫وهكذا مضت به ال ركن قصي من أركان دارها‪ ،‬وحبسته فيه‪ ،‬وأحكمت عليه اغلقه‪ ،‬وظل رهي‬
‫مبسه ذاك‪ ،‬حت خرج بعض الؤمني مهاجرين ال أرض البشة‪ ،‬فاحتال لنفسه حي سع النبأ‪ ،‬وغافل‬
‫أمه وحراسه‪ ،‬ومضى ال البشة مهاجرا أوّابا‪..‬‬
‫ولسوف يكث بالبشة مع اخوانه الهاجر ين‪ ،‬ث يعود معهم ال مكة‪ ،‬ث يهاجر ال الب شة للمرة‬
‫الثانية مع الصحاب الذين يأمرهم الرسول بالجرة فيطيعون‪.‬‬
‫ول كن سواء كان م صعب بالب شة أم ف م كة‪ ،‬فان تر بة ايا نه تارس تفوّق ها ف كل مكان وزمان‪،‬‬
‫ول قد فرغ من اعداة صياغة حيا ته على الن سق الد يد الذي أعطا هم م مد نوذ جه الختار‪ ،‬واطمأن‬
‫مصعب ال أن حياته قد صارت جديرة بأن تقدّم قربانا لبارئها العلى‪ ،‬وخالقها العظيم‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫خرج يوما على بعض السلمي وهم جلوس حول رسول ال‪ ،‬فما ان بصروا به حت حنوا رؤوسهم‬
‫وغضوا أبصارهم وذرفت بعض عيونم دمعا شجيّا‪..‬‬
‫ذلك أن م رأوه‪ ..‬يرتدي جلبا با مرق عا بال يا‪ ،‬وعاودت م صورته الول ق بل ا سلمه‪ ،‬ح ي كانت ثيا به‬
‫كزهور الديقة النضرة‪ ،‬وألقا وعطرا‪..‬‬
‫وتلى رسول ال مشهده بنظرات حكيمة‪ ،‬شاكرة مبة‪ ،‬وتألقت على شفتيه ابتسامته الليلة‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫" لقد رأيت مصعبا هذا‪ ،‬وما بكة فت أنعم عند أبويه منه‪ ،‬ث ترك ذلك كله حبا ل ورسوله"‪!!.‬‬
‫لقد منعته أمه حي يئست من ردّته كل ما كانت تفيض عليه من نعمة‪ ..‬وأبت أن يأكل طعامها‬
‫انسان هجر اللة وحاقت به لعنتها‪ ،‬حت ولو يكون هذا النسان ابنها‪!!..‬‬
‫ولقد كان آخر عهدها به حي حاولت حبسه مرّة أخرى بعد رجوعه من البشة‪ .‬فآل على نفسه لئن‬
‫هي فعلت ليقتلن كل من تستعي به على حبسه‪..‬‬
‫وانا لتعلم صدق عزمه اذا همّ وعزم‪ ،‬فودعته باكية‪ ،‬وودعها باكيا‪..‬‬
‫وكشفت ل ظة الوداع عن اصرار عج يب على الك فر من جانب الم وا صرار أ كب على اليان من‬
‫جا نب ال بن‪ ..‬فح ي قالت له و هي ترجه من بيت ها‪ :‬اذ هب لشأ نك‪ ،‬ل أ عد لك أمّا‪ .‬اقترب من ها‬
‫وقال‪":‬ينا أمّنه انن لك ناصنح‪ ،‬وعلينك شفوق‪ ،‬فاشهدي بأننه ل اله ال ال‪ ،‬وأن ممدا عبده‬
‫ورسوله"‪...‬‬
‫أجابته غاضبة مهتاجة‪ ":‬قسما بالثواقب‪ ،‬ل أدخل ف دينك‪ ،‬فيزرى برأيي‪ ،‬ويضعف غقلي"‪!!..‬‬
‫وخرج مصعب من العنمة الوارفة الت كان يعيش فيها مؤثرا الشظف والفاقة‪ ..‬وأصبح الفت التأنق‬
‫العطّر‪ ،‬ل يرى ال مرتدينا أخشنن الثياب‪ ،‬يأكنل يومنا‪ ،‬ويوع أياماو ولكنن روحنه التأنقنة بسنمو‬
‫العقيدة‪ ،‬والتألقة بنور ال‪ ،‬كانت قد جعلت منه انسانا آخر يل العي جلل والنفس روعة‪...‬‬
‫**‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وآنئذ‪ ،‬اختاره الرسول لعظم مهمة ف حينها‪ :‬أن يكون سفيه ال الدينة‪ ،‬يفقّه النصار الذين آمنوا‬
‫وبايعوا الرسول عند العقبة‪ ،‬ويدخل غيهم ف دين ال‪ ،‬ويعدّ الدينة ليوم الجرة العظيم‪..‬‬
‫كان ف أ صحاب ر سول ال يومئذ من هم أ كب م نه سنّا وأك ثر جا ها‪ ،‬وأقرب من الر سول قرا بة‪..‬‬
‫ولكن الرسول اختار مصعب الي‪ ،‬وهو يعلم أنه يكل اليه بأخطر قضايا الساعة‪ ،‬ويلقي بي يديه‬
‫م صي ال سلم ف الدي نة ال ت ستكون دار الجرة‪ ،‬ومنطلق الدعوة والدعاة‪ ،‬والبشر ين والغزاة‪ ،‬ب عد‬
‫حي من الزمان قريب‪..‬‬
‫وحل مصعب المانة مستعينا با أنعم ال عليه من رجاحة العقل وكري اللق‪ ،‬ولقد غزا أفئدة الدينة‬
‫وأهلها بزهده وترفعه واخلصه‪ ،‬فدخلوا ف دين ال أفواجا‪..‬‬
‫لقد جاءها يوم بعثه الرسول اليها وليس فيها سوى اثن عشر مسلما هم الذين بايعوا النب من قبل‬
‫بيعة العقبة‪ ،‬ولكنه ام يكد يتم بينهم بضعة أشهر حت استجابوا ل وللرسول‪!!..‬‬
‫و ف مو سم ال ج التال لبي عة العق بة‪ ،‬كان م سلمو الدي نة ير سلون ال م كة للقاء الر سول وفدا يثل هم‬
‫وينوب عنهم‪ ..‬وكان عدد أعضائه سبعي مؤمنا ومؤمنة‪ ..‬جاءوا تت قيادة معلمهم ومبعوث نبيهم‬
‫اليهم "مصعب ابن عمي"‪.‬‬
‫لقد أثبت "مصعب" بكياسته وحسن بلئه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم عرف كيف يتار‪..‬‬
‫فل قد ف هم م صعب ر سالته تا ما وو قف ع ند حدود ها‪.‬ز عرف أ نه داع ية ال ال تعال‪ ،‬ومب شر بدي نه‬
‫الذي يدعوا الناس ال الدى‪ ،‬وال صراط مستقيم‪ .‬وأنه كرسوله الذي آمن به‪ ،‬ليس عليه ال البلغ‪..‬‬
‫هناك ن ض ف ضيا فة "أ سعد ب زرارة" يفشيان م عا القبائل والبو يت والجالس‪ ،‬تال يا على الناس ما‬
‫كان معه من كتاب ربه‪ ،‬هاتفا بينهم ف رفق عظيم بكلمة ال (انا ال اله واحد)‪..‬‬
‫ولقد تعرّض لبعض الواقف الت كان يكن أن تودي به وبن معه‪ ،‬لول فطنة عقله‪ ،‬وعظمة روحه‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ذات يوم فاجأه و هو ي عظ ال نس "أ سيد بن خض ي" سيد ب ن ع بد الش هل بالدي نة‪ ،‬فاجأه شاهرا‬
‫حربت هو يتو هج غض با وحن قا على هذا الذي جاء يف ت قو مه عن دين هم‪ ..‬ويدعو هم ل جر آلت هم‪،‬‬
‫ويدثهم عن اله واحد ل يعرفوه من قبل‪ ،‬ول يألفوه من قبل‪!..‬‬
‫ان آلتهم معهم رابضة ف ماثهاو اذا حتاجها أحد عرف مكانا وول وجهه ساعيا اليها‪ ،‬فتكشف‬
‫ضرّه وتلب دعاءه‪ ...‬هكذا يتصورون ويتوهون‪..‬‬
‫أ ما اله م مد الذي يدعو هم ال يه با سه هذا ال سفي الوا فد الي هم‪ ،‬ف ما أ حد يعرف مكا نه‪ ،‬ول أ حد‬
‫يستطيع أن يراه‪!!..‬‬
‫و ما ان رأى ال سلمون الذ ين كانوا يال سون م صعبا مقدم أ سيد ا بن حض ي متوش حا غض به التل ظي‪،‬‬
‫وثورته التحفزة‪ ،‬حت وجلوا‪ ..‬ولكن مصعب الي ظل ثابتا وديعا‪ ،‬متهلل‪..‬‬
‫وقف اسيد أمامه مهتاجا‪ ،‬وقال ياطبه هو وأسعد بن زرارة‪:‬‬
‫"ما جاء بكما ال حيّنا‪ ،‬تسهفان ضعفاءنا‪..‬؟ اعتزلنا‪ ،‬اذا كنتما ل تريدان الروج من الياة"‪!!..‬‬
‫وف مثل هدوء البحر وقوته‪..‬‬
‫و ف م ثل تلل ضوء الف جر ووداع ته‪ ..‬انفر جت أ سارير م صعب ال ي وترّك بالد يث الط يب ل سانه‬
‫فقال‪:‬‬
‫"أول تلس فتستمع‪..‬؟! فان رضيت أمرنا قبلته‪ ..‬وان كرهته كففنا عنك ما تكره"‪.‬‬
‫ال أكب‪ .‬ما أروعها من بداية سيسعد با التام‪!!..‬‬
‫كان أسيد رجل أريبا عاقل‪ ..‬وها هو ذا يرى مصعبا يتكم معه ال ضميه‪ ،‬فيدعوه أن يسمع ل‬
‫غ ي‪ ..‬فان اقت نع‪ ،‬تر كه لقتناع هو وان ل يقت نع ترك م صعب حيّ هم وعشيت م‪ ،‬وتول ال حي آ خر‬
‫وعشية أخرى غي ضارّ ول مضارّ‪..‬‬
‫هنالك أجابه أسيد قائل‪ :‬أنصفت‪ ..‬وألقى حربته ال الرض وجلس يصغي‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ول يكد مصعب يقرأ القرآن‪ ،‬ويفسر الدعوة الت جاء با ممد بن عبدال عليه الصلة والسلم‪ ،‬حت‬
‫أخذت أسارير أسيد تبق وتشرق‪ ..‬وتتغي مع مواقع الكلم‪ ،‬وتكتسي بماله‪!!..‬‬
‫ول يكد مصعب يفرغ من حديثه حت هتف به أسيد بن حضي وبن معه قائل‪:‬‬
‫"ما أحسن هذا القول وأصدقه‪ ..‬كيف يصنع من يريد أن يدخل ف هذا الدين"‪..‬؟؟‬
‫وأجابوه بتهليلة رجّت الرض رجّا‪ ،‬ث قال له مصعب‪:‬‬
‫"يطهر ثوبه وبدنه‪ ،‬ويشهد أن ل اله ال ال"‪.‬‬
‫فعاب أ سيد عن هم غ ي قل يل ث عاد يق طر الاء الطهور من ش عر رأ سه‪ ،‬وو قف يعلن أن ل اله ال ال‪،‬‬
‫وأن ممدا رسول ال‪..‬‬
‫وسرى الب كالضوء‪ ..‬وجاء سعد بن معاذ فأصغى لصعب واقتنع‪ ،‬وأسلم ث تله سعد بن عبادة‪،‬‬
‫وت ت با سلمهم النعمة‪ ،‬وأق بل أ هل الدي نة بعضهم على ب عض يت ساءلون‪ :‬اذا كان أ سيد بن حض ي‪،‬‬
‫و سعد ا بن معاذ‪ ،‬و سعد بن عبادة قد أ سلموا‪ ،‬فف يم تلف نا‪..‬؟ ه يا ال م صعب‪ ،‬فلنؤ من م عه‪ ،‬فان م‬
‫يتحدثون أن الق يرج من بي ثناياه‪!!..‬‬
‫**‬
‫لقد نح أول سفراء الرسول صلى ال عليه وسلم ناحا منقطع النظي‪ ..‬ناه\حا هو له أهل‪ ،‬وبه‬
‫جدير‪..‬‬
‫وت ضي اليام والعوام‪ ،‬ويها جر الر سول و صحبه ال الدي نة‪ ،‬وتتل مظ قر يش بأحقاد ها‪ ..‬وتعدّ عدّة‬
‫باطل ها‪ ،‬لتوا صل مطاردت ا الظال ة لعباد ال ال صالي‪ ..‬وتقوم غزوة بدر‪ ،‬قيتلقون في ها در سا يفقد هم‬
‫بقية صوابم ويسعون ال الثأر‪،‬و تيء غزوة أحد‪ ..‬ويعبئ السلمون أنفسهم‪ ،‬ويقف الرسول صلى‬
‫ال عل يه و سلم و سط صفوفهم يتفرّس الوجوه الؤم نة ليختار من بين ها من ي مل الرا ية‪ ..‬ويد عو‬
‫مصعب الي‪ ،‬فيتقدم ويمل اللواء‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وت شب العر كة الرهي بة‪ ،‬ويتدم القتال‪ ،‬ويالف الرماة أ مر الر سول عل يه ال صلة وال سلم‪ ،‬ويغادرون‬
‫موقعهم ف أعلى البل بعد أن رأوا الشركي ينسحبون منهزمي‪ ،‬لكن عملهم هذا‪ ،‬سرعان ما يوّل‬
‫نصر السلمي ال هزية‪ ..‬ويفاجأ السلمون بفرسان قريش تغشاهم من أعلى البل‪ ،‬وتعمل فيهم على‬
‫حي غرّة‪ ،‬السيوف الظامئة الجنونة‪..‬‬
‫حي رأوا الفوضى والذعر ف صفوف السلمي‪ ،‬ركزا على رسول ال صلى ال عليه وسلم لينالوه‪..‬‬
‫وأدرك مصنعب بنن عمين الطنر الغادر‪ ،‬فرفنع اللواء عالينا‪ ،‬وأطلق تكنبية كالزئين‪ ،‬ومضنى يول‬
‫ويتواثب‪ ..‬وكل هه أن يلفت نظر العداء اليه ويشغلهم عن الرسول صلى ال عليه وسلم بنفسه‪،‬‬
‫وجرّد من ذاته جيشا بأسره‪ ..‬أجل‪ ،‬ذهب مصعب يقاتل وحده كأنه جيش لب غزير‪..‬‬
‫يد تمل الراية ف تقديس‪..‬‬
‫ويد تضرب بالسيف ف عنفزان‪..‬‬
‫ولكن العداء يتكاثرون عليه‪ ،‬يريدون أن يعبوا فوق جثته ال حيث يلقون الرسول‪..‬‬
‫لندع شاهد عيان يصف لنا مشهد الات ف حياة مصعب العظيم‪!!..‬‬
‫يقول ابن سعد‪ :‬أخبنا ابراهيم بن ممد بن شرحبيل العبدري‪ ،‬عن أبيه قال‪:‬‬
‫[حل مصعب بن عمي اللواء يوم أحد‪ ،‬فلما جال السلمون ثبت به مصعب‪ ،‬فأقبل ابن قميئة وهو‬
‫فارس‪ ،‬فضربنه على يده اليمنن فقطعهنا‪ ،‬ومصنعب يقول‪ :‬ومنا ممند ال رسنول قند خلت منن قبله‬
‫الرسل‪..‬‬
‫وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه‪ ،‬فضرب يده اليسرى فقطعها‪ ،‬فح نا على اللواء وضمّه بعضديه‬
‫ال صدره وهو يقول‪ :‬وما ممد ال رسول قد خلت من قبله الرسل‪..‬‬
‫ث حل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه وأندق الرمح‪ ،‬ووقع مصعب‪ ،‬وسقط اللواء]‪.‬‬
‫وقع مصعب‪ ..‬وسقط اللواء‪!!..‬‬
‫وقع حلية الشهادة‪ ،‬وكوكب الشهداء‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وقع بعد أن خاض ف استبسال عظيم معركة الفداء واليان‪..‬‬


‫كان يظن أنه اذا سقط‪ ،‬فسيصبح طريق القتلة ال رسول ال صلى ال عليه وسلم خاليا من الدافعي‬
‫والماة‪..‬‬
‫ولكنه كان يعزي نفسه ف رسول ال عليه الصلة والسلم من فرط حبه له وخوفه عليه حي مضى‬
‫يقول مع كل ضربة سيف تقتلع منه ذراعا‪:‬‬
‫(وما ممد ال رسول قد خلت من قبله الرسل)‬
‫هذه الية الت سينل الوحي فيما بعد يرددها‪ ،‬ويكملها‪ ،‬ويعلها‪ ،‬قرآنا يتلى‪..‬‬
‫**‬
‫وبعد انتهاء العركة الريرة‪ ،‬وجد جثمان الشهيد الرشيد راقدا‪ ،‬وقد أخفى وجهه ف تراب الرض‬
‫الضمخ بدمائه الزكية‪..‬‬
‫لكأنا خاف أن يبصر وهو جثة هامدة رسول ال يصيبه السوء‪ ،‬فأخفى وجهه حت ل يرى هذا الذي‬
‫ياذره ويشاه‪!!..‬‬
‫أو لكأننه خجلن اذ سنقط شهيدا قبلن يطمئن على ناة رسنول ال‪ ،‬وقبنل أن يؤدي ال النهاينة‬
‫واجب حايته والدفاع عنه‪!!..‬‬
‫لك ال يا مصعب‪ ..‬يا من ذكرك عطر الياة‪!!..‬‬
‫**‬
‫وجاء الرسول وأصحابه يتفقدون أرض العركة ويودعون شهداءها‪..‬‬
‫وعند جثمان مصعب‪ ،‬سالت دموع وفيّة غزيرة‪..‬‬
‫يقوا خبّاب بن الرت‪:‬‬
‫[هاجرنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ف سبيل اله‪ ،‬نبتغي وجه ال‪ ،‬فوجب أجرنا على ال‪..‬‬
‫فمنا من مضى‪ ،‬ول يأكل من أجره ف دنياه شيئا‪ ،‬منهم مصعب بن عمي‪ ،‬قتل يوم أحد‪ ..‬فلم يوجد‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫له ش يء يك فن ف يه ال نرة‪ ..‬فك نا اذا وضعنا ها على رأ سه تعرّت رجله‪ ،‬واذا وضعنا ها على رجل يه‬
‫برزت رأسه‪ ،‬فقال لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ":‬اجعلوها ما يلي رأسه‪ ،‬واجعلوا على رجليه‬
‫من نبات الذخر"‪..]..‬‬
‫وعلى الر غم من الل الز ين العم يق الذي سببه رزء الر سول صلى ال عل يه و سلم ف ع مه حزة‪،‬‬
‫وتثيل الشركي يثمانه تثيل أفاض دموع الرسول عليه السلم‪ ،‬وأوجع فؤاده‪..‬‬
‫وعلى الرغم م امتاتء أرض العركة بثث أصحابه وأصدقائه الذين كان كل واحد منهم يثل لديه‬
‫نننننننر والنور‪..‬‬ ‫ننننننندق والطهن‬ ‫نننننننن الصن‬ ‫ننننننن من‬ ‫عالان‬
‫على الرغم من كل هذا‪ ،‬فقد وقف على جثمان أول سفرائه‪ ،‬يودعه وينعاه‪..‬‬
‫أ جل‪ ..‬و قف الر سول صلى ال عل يه و سلم ع ند م صعب بن عم ي وقال وعيناه تلفا نه بضيائه ما‬
‫وحنانما ووفائهما‪:‬‬
‫(من الؤمني رجال صدقوا ما عاهدوا ال عليه)‬
‫ث ألقى ف أسى نظرة على بردته الت مفن با وقاللقد رأيتك بكة‪ ،‬وما با أرق حلة‪ ،‬ول أحسن لّة‬
‫منك‪" .‬ث هأنتذا شعث الرأس ف بردة"‪..‬؟!‬
‫وهتف الرسول عليه الصلة والسلم وقد وسعت نظراته الانية أرض العركة بكل من عليها من رفاق‬
‫مصعب وقال‪:‬‬
‫"ان رسول ال يشهد أنكم الشهداء عند ال يوم القيامة"‪.‬‬
‫ث أقبل على أصحابه الحياء حوله وقال‪:‬‬
‫"أي ها الناس زورو هم‪،‬وأتو هم‪ ،‬و سلموا علي هم‪ ،‬فوالذي نف سي بيده‪ ،‬ل ي سلم علي هم م سلم ال يوم‬
‫القيامة‪ ،‬ال ردوا عليه السلم"‪..‬‬
‫**‬
‫السلم عليك يا مصعب‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫السلم عليكم يا معشر الشهداء‪..‬‬


‫السلم عليكم ورحة ال وبركاته‪..‬‬
‫سلمان الفارسي‬
‫الباحث عن القيقة‬
‫من بلد فارس‪ ،‬ييء البطل هذه الرة‪..‬‬
‫ومن بلد فارس‪ ،‬عانق السلم مؤمنون كثيون فيما بعد‪ ،‬فجعل منهم أفذادا ل يلحقون ف اليان‪،‬‬
‫وف العلم‪ ..‬ف الدين‪ ،‬وف الدنيا‪..‬‬
‫وان ا لحدى روائع ال سلم وعظمائه‪ ،‬أل يد خل بلدا من بلد ال اا ويث ي ف اعجاز با هر‪ ،‬كل‬
‫نبوغهنا ويرّ‪ :‬كنل طاقاتان‪ ،‬ويرج خبنء العبقرينة السنتكنّة فن أهلهنا وذويهنا‪ ..‬فاذا الفلسنفة‬
‫السلمون‪ ..‬والطباء السلمون‪ ..‬والفقهاء السلمون‪ ..‬والفلكيون السلمون‪ ..‬والخترعون السلمون‪..‬‬
‫وعلماء الرياضة السامون‪..‬‬
‫واذا ب م يبزغون من كل أ فق‪ ،‬ويطلعون من كل بلد‪ ،‬ح ت تزد حم ع صور ال سلم الول بعبقريات‬
‫هائلة ف كل مالت العقل‪ ،‬والرادة‪ ،‬والضمي‪ ..‬أوطانم شت‪ ،‬ودينهم واحد‪!!..‬‬
‫ول قد تن بأ الر سول عل يه ال سلم بذا ال د البارك لدي نه‪ ..‬ل‪ ،‬بل و عد به و عد صدق من ر به ال كبي‬
‫العلينم‪ ..‬ولقند زوي له الزمان والكان ذات يوم ورأى رأي العين راينة السنلم تفنق فوق مدائن‬
‫الرض‪ ،‬وقصور أربابا‪..‬‬
‫وكان سلمان الفارسي شاهدا‪ ..‬وكان له با حدث علقة وثقى‪.‬‬
‫كان ذلك يوم الندق‪ .‬ف ال سنة الام سة للهجرة‪ .‬اذ خرج ن فر من زعماء اليهود قا صدين م كة‪،‬‬
‫مؤلبي الشركي ومزّبي الحزاب على رسول ال والسلمي‪ ،‬متعاهدين معهم على أن يعاونوهم ف‬
‫حرب حاسة تستأصل شأفة هذا الدين الديد‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ووض عت خ طة الرب الغادرة‪ ،‬على أن يه جم ج يش قر يش وغطفان "الدي نة" من خارج ها‪ ،‬بين ما‬
‫يها جم ب نو قري ظة من الدا خل‪ ،‬و من وراء صفوف ال سلمي‪ ،‬الذ ين سيقعون آنئذ ب ي شقّى ر حى‬
‫تطحنهم‪ ،‬وتعلهم ذكرى‪!..‬‬
‫وفوجىء الرسول والسلمون يوما بيش لب يقترب من الدينة ف عدة متفوقة وعتاد مدمدم‪.‬‬
‫وسقط ف أيدي السلمي‪ ،‬وكاد صوابم يطي من هول الباغتة‪.‬‬
‫وصوّر القرآن الوقف‪ ،‬فقال ال تعال‪:‬‬
‫(اذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم واذ زاغت البصار وبلغت القلوب الناجر وتظنون بال‬
‫الظنونا)‪.‬‬
‫أرب عة وعشرون ألف مقا تل ت ت قيادة أ ب سفيان وعيي نة بن ح صن يقتربون من الدي نة ليطوقو ها‬
‫وليبطشوا بطشتهم الاسة كي ينتهوا من ممد ودينه‪ ،‬وأصحابه‪..‬‬
‫وهذا ال يش ل ي ثل قري شا وحد ها‪ ..‬بل ومع ها كل القبائل وال صال ال ت رأت ف ال سلم خطرا‬
‫عليها‪.‬‬
‫انا ماولة أخية وحاسة يقوم با جيع أعداء الرسول‪ :‬أفرادا‪ ،‬وجاعات‪ ،‬وقبائل‪ ،‬ومصال‪..‬‬
‫ورأى السلمون أنفسهم ف موقف عصيب‪..‬‬
‫وجع الرسول أصحابه ليشاورهم ف المر‪..‬‬
‫وطبعا‪ ،‬أجعوا على الدفاع والقتال‪ ..‬ولكن كيف الدفاع؟؟‬
‫هنالك تقدم الرجل الطويل الساقي‪ ،‬الغزير الشعر‪ ،‬الذي كان الرسول يمل له حبا عظيما‪ ،‬واحتراما‬
‫كبيا‪.‬‬
‫تقدّم سلمان الفارسي وألقى من فوق هضبة عالية‪ ،‬نظرة فاحصة على الدينة‪ ،‬فألفاها مصنة بالبال‬
‫والصخور الحيطة با‪ ..‬بيد أن هناك فجوة واسعة‪ ،‬ومهيأة‪ ،‬يستطيع اليش أن يقتحم منها المى ف‬
‫يسر‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وكان سلمان قد خب ف بلد فارس الكثي من وسائل الرب وخدع القتال‪ ،‬فتقدم للرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم بقترحه الذي ل تعهده العرب من قبل ف حروبا‪ ..‬وكان عبارة عن حفر خندق يغطي‬
‫جيع النطقة الكشوفة حول الدينة‪.‬‬
‫وال يعلم ‪ ،‬ماذا كان الصني الذي كان ينتظنر السنلمي فن تلك الغزوة لو ل يفروا الندق الذي ل‬
‫تكد قريش تراه حت دوختها الفاجأة‪ ،‬وظلت قواتا جاثة ف خيامها شهرا وهي عاجزة عن اقتحام‬
‫الدينة‪ ،‬حت أرسل ال تعال عليها ذات ليلة ريح صرصر عاتية اقتلعت خيامها‪ ،‬وبدّدت شلها‪..‬‬
‫ونادى أبو سفيان ف جنوده آمرا بالرحيل ال حيث جاءوا‪ ..‬فلول يائسة منهوكة‪!!..‬‬
‫**‬
‫خلل ح فر الندق كان سلمان يأ خذ مكا نه مع ال سلمي و هم يفرون ويدأبون‪ ..‬وكان الر سول‬
‫عل يه ال صلة وال سلم ي مل معوله ويضرب مع هم‪ .‬و ف الرق عة ال ت يع مل في ها سلمان مع فري قه‬
‫وصحبه‪ ،‬اعترضت معولم صخور عاتية‪..‬‬
‫كان سلمان قوي البنية شديد السر‪ ،‬وكانت ضر بة واحدة من ساعده الوث يق تفلق الصخر وتنشره‬
‫شظايا‪ ،‬ولكنه وقف أمام هذه الصخرة عاجزا‪ ..‬وتواصى عليها بن معه جيعا فزادتم رهقا‪!!..‬‬
‫وذ هب سلمان ال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ي ستأذنه ف أن يغيّروا مرى ال فر تفاد يا لتلك‬
‫الصخرة العنيدة التحدية‪.‬‬
‫وعاد الرسول عليه الصلة والسلم مع سلمان يعاين بنفسه الكان والصخرة‪..‬‬
‫وحي رآها دعا بعول‪ ،‬وطلب من أصحابه أن يبتعدوا قليلعن مرمى الشظايا‪..‬‬
‫و سّى بال‪ ،‬ورفع كلتا يديه الشريفتي القابضتي على العول ف عزم وقوة‪ ،‬وهوى به على الصخرة‪،‬‬
‫فاذا با تنثلم‪ ،‬ويرج من ثنايا صدعها الكبي وهجا عاليا مضيئا‪.‬‬
‫ويقول سلمان لقد رأيته يضيء ما بي ل بتيها‪ ،‬أي يضيء جوانب الدينة‪ ..‬وهتف رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم مكبا‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫"ال أكب‪..‬أعطيت مفاتيح فارس‪ ،‬ولقد أضاء ل منها قصور الية‪ ،‬ومدائن كسرى‪ ،‬وان أمت ظاهرة‬
‫عليها"‪..‬‬
‫ث ر فع العول‪ ،‬وهوت ضرب ته الثان ية‪ ،‬فتكررت لظاهرة‪ ،‬وبر قت ال صخرة الت صدعة بو هج مض يء‬
‫مرتفع‪ ،‬وهلل الرسول عليه السلم مكبا‪:‬‬
‫"ال أكب‪ ..‬أعطيت مفاتيح الروم‪ ،‬ولقد أضار ل منها قصورها المراء‪ ،‬وان أمتيظاهرة عليها"‪.‬‬
‫ث ضري ضرب ته الثال ثة فأل قت ال صخرة سلمها وا ستسلمها‪ ،‬وأضاء برق ها الشد يد البا هر‪ ،‬وهلل‬
‫الرسول وهلل السلمون معه‪ ..‬وأنبأهم أنه يبصر الن قصور سورية وصنعاء وسواها من مدائن الرض‬
‫الت ستخفق فوقها راية ال يوما‪ ،‬وصاح السلمون ف ايان عظيم‪:‬‬
‫هذا ما وعدنا ال ورسوله‪.‬ز‬
‫وصدق ال ورسوله‪!!..‬‬
‫كان سلمان صاحب الشورة بفر الندق‪ ..‬وكان صاحب الصخرة الت تفجرت منها بعض أسرار‬
‫الغ يب وال صي‪ ،‬ح ي ا ستعان علي ها بر سول ال صلى ال ع يه و سلم‪ ،‬وكان قائ ما ال جوار الر سول‬
‫يرى الضوء‪ ،‬ويسنمع البشرى‪ ..‬ولقند عاش حتن رأى البشرى حقيقنة يعيشهنا‪ ،‬وواقعنا يياه‪ ،‬فرأى‬
‫مداءن الفرس والروم‪..‬‬
‫رأى قصور صنعاء وسوريا ومصر والعراق‪..‬‬
‫رأى جنبات الرض كل ها ت تز بالدوي البارك الذي ينطلق من ر با الآذن العال ية ف كل مكان مش عا‬
‫أنوار الدى والي‪!!..‬‬
‫**‬
‫و ها هو ذا‪ ،‬جالس هناك ت ت ظل الشجرة الوار فة اللت فة أ ما داره "بالدائن" يدث جل ساءه عن‬
‫مغامر ته العظمى ف سبيل القي قة‪ ،‬وي قص علي هم ك يف غادر د ين قو مه الفرس ال ال سيحية‪ ،‬ث ال‬
‫السلم‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫كيف غادر ثراء أبيه الباذخ‪ ،‬ورمى نفسه ف أحضان الفاقة‪ ،‬بثا عن خلص عقله وروحه‪!!!..‬‬
‫كيف بيع ف سوق الرقيق‪ ،‬وهو ف طريق بثه عن القيقة‪..‬؟؟‬
‫كيف التقى بالرسول عليه الصلة والسلم‪ ..‬وكيف آمن به‪..‬؟؟‬
‫تعالوا نقترب من ملسه الليل‪ ،‬ونصغ ال النبأ الباهر الذي يرويه‪..‬‬
‫**‬
‫[كنت رجل من أهل أصبهان‪ ،‬من قرية يقال لا "جي"‪..‬‬
‫وكان أب دهقان أرضه‪.‬‬
‫وكنت من أحب عباد ال اليه‪..‬‬
‫وقد اجتهدت ف الجوسية‪ ،‬حت كنت قاطن النار الت نوقدها‪ ،‬ول نتركها نبو‪..‬‬
‫وكان ل ب ضي عة‪ ،‬أر سلن الي ها يو ما‪ ،‬فخر جت‪ ،‬فمررت بكني سة للن صارى‪ ،‬ف سمهتهم ي صلون‪،‬‬
‫فدخلت علي هم أن ظر ما ي صنعون‪ ،‬فأعجب ن ما رأ يت من صلتم‪ ،‬وقلت لنف سي هذا خ ي من دين نا‬
‫الذي ن ن عل يه‪ ،‬ف ما برحت هم ح ت غا بت الش مس‪ ،‬ول ذه بت ال ضي عة أ ب‪ ،‬ول رج عت ال يه ح ت‬
‫بعث ف أثري‪...‬‬
‫وسألت النصارى حي أعجبن أمرهم و صلتم عن أصل دينهم‪ ،‬فقالوا ف الشام‪..‬‬
‫وقلت لب حي عدت اليه‪ :‬ان مررت على قوم يصلون ف كنيسة لم فأعجبتن صلتم‪ ،‬ورأيت أن‬
‫دينهم خي من ديننا‪..‬‬
‫فحازرن وحاورته‪ ..‬ث جعل ف رجلي حديدا وحبسن‪..‬‬
‫وأر سلت ال الن صارى أ خبهم أ ن دخلت ف دين هم و سألتهم اذا قدم علي هم ر كب من الشام‪ ،‬أن‬
‫يبون قبل عودتم اليها لرحل ال الشام معهم‪ ،‬وقد فعلوا‪ ،‬فحطمت الديد وخرجت‪ ،‬وانطلقت‬
‫معهم ال الشام‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وهناك سألت عن عالهم‪ ،‬فقيل ل هو السقف‪ ،‬صاحب الكنيسة‪ ،‬فأتيته وأخبته خبي‪ ،‬فأقمت معه‬
‫أخدم‪ ،‬وأصلي وأتعلم‪..‬‬
‫وكان هذا ال سقف ر جل سوء ف دي نه‪ ،‬اذ كان ي مع ال صدقات من ال نس ليوزع ها‪ ،‬ث يكتن ها‬
‫لنفسه‪.‬‬
‫ث مات‪..‬‬
‫وجاءوا بآخر فجعلوه مكانه‪ ،‬فما رأيت رجل على دينهم خيا منه‪ ،‬ول أعظم منه رغبة ف الخرة‪،‬‬
‫وزهدا ف الدنيا ودأبا على العبادة‪..‬‬
‫وأحببته حبا ما علمت أن أحببت أحدا مثله قبله‪ ..‬فلما حضر قدره قلت له‪ :‬انه قد حضرك من أمر‬
‫ال تعال ما ترى‪ ،‬فبم تأمرن وال من توصي ب؟؟‬
‫قال‪ :‬أي بن‪ ،‬ما أعرف أحدا من الناس على مثل ما أنا عليه ال رجل بالوصل‪..‬‬
‫فلما توف‪ ،‬أتيت صاحب الوصل‪ ،‬فأخبته الب‪ ،‬وأقمت معه ما شاء ال أن أقيم‪ ،‬ث حضرته الوفاة‪،‬‬
‫سألته فأمرن أن ألق برجل ف عمورية ف بلد الروم‪ ،‬فرحلت اليه‪ ،‬وأقمت معه‪ ،‬واصطنعت لعاشي‬
‫بقرات وغنمات‪..‬‬
‫ث حضرته الوفاة‪ ،‬فقلت له‪ :‬ال من توصي ب؟ فقال ل‪ :‬يا بن ما أعرف أحدا على مثل ما كنا عليه‪،‬‬
‫آمرك أن تأتيه‪ ،‬ولكنه قد أظلك زمان نب يبعث بدين ابراهيم حنيفا‪ ..‬يهاجر ال أرض ذات نل بي‬
‫جرّتي‪ ،‬فان استطعت أن تلص اليه فافعل‪.‬‬
‫وان له آيات ل ت فى‪ ،‬ف هو ل يأ كل ال صدقة‪ ..‬ويق بل الد ية‪ .‬وان ب ي كتف يه خا ت النبوة‪ ،‬اذا رأي ته‬
‫عرفته‪.‬‬
‫ومر ب ركب ذات يوم‪ ،‬فسألتهم عن بلدهم‪ ،‬فعلمت أنم من جزيرة العرب‪ .‬فقلت لم‪ :‬أعطيكم‬
‫بقرات هذه وغنمي على أن تملون معكم ال أرضكم؟‪ ..‬قالوا‪ :‬نعم‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫واصنطحبون معهنم حتن قدموا بن وادي القرى‪ ،‬وهناك ظلمونن‪ ،‬وباعونن ال رجنل منن يهود‪..‬‬
‫وب صرت بن خل كث ي‪ ،‬فطم عت أن تكون هذه البلدة ال ت و صفت ل‪ ،‬وال ت ستكون مها جر ال نب‬
‫النتظر‪ ..‬ولكنها ل تكنها‪.‬‬
‫وأق مت عند الر جل الذي اشترا ن‪ ،‬ح ت قدم عل يه يوما ر جل من يهود ب ن قري ظة‪ ،‬فابتاعن م نه‪ ،‬ث‬
‫خرج ب حت قدمت الدينة!! فوال ما هو ال ان رأيتها حت أيقنت أنا البلد الت وصفت ل‪..‬‬
‫وأقمت معه أعمل له ف نله ف بن قريظة حت بعث ال رسوله وحت قدم الدينة ونزل بقباء ف بن‬
‫عمرو بن عوف‪.‬‬
‫وان لفي رأس نلة يوما‪ ،‬وصاحب جالس تتها اذ أقبل رجل من يهود‪ ،‬من بن عمه‪ ،‬فقال ياطبه‪:‬‬
‫قاتل ال بن قيلة اهنم ليتقاصفون على رجل بقباء‪ ،‬قادم من مكة يزعم أنه نب‪..‬‬
‫فوال ما أن قال ا ح ت أخذت ن العرواء‪ ،‬فرج فت النخلة ح ت كدت أ سقط فوق صاحب!! ث نزلت‬
‫سريعا‪ ،‬أقول‪ :‬ماذا تقول‪.‬؟ ما الب‪..‬؟‬
‫فرفع سيدي يده ولكزن لكزة شديدة‪ ،‬ث قال‪ :‬مالك ولذا‪..‬؟‬
‫أقبل على عملك‪..‬‬
‫فأقبلت على عملي‪ ..‬ول ا أمسيت جعت ما كان عندي ث خر جت حت جئت رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم بقباء‪ ..‬فدخلت عليه ومعه نفر من أصحابه‪ ،‬فقلت له‪ :‬انكم أهل حاجة وغربة‪ ،‬وقد كان‬
‫عندي طعام نذرته للصدقة‪ ،‬فلما ذكر ل مكانكم رأيتم أحق الناس به فجئتكم به‪..‬‬
‫ث وضعته‪ ،‬فقال الرسول لصحابه‪ :‬كلوا باسم ال‪ ..‬وأمسك هو فلم يبسط اليه يدا‪..‬‬
‫فقلت ف نفسي‪ :‬هذه وال واحدة ‪ ..‬انه ل يأكل الصدقة‪!!..‬‬
‫ث رجعت وعدت ال الرسول عليه السلم ف الغداة‪ ،‬أحل طعاما‪ ،‬وقلت له عليه السلم‪ :‬ان رأيتك‬
‫ل تأكنل الصندقة‪ ..‬وقند كان عندي شينء أحنب أن أكرمنك بنه هدينة‪ ،‬ووضعتنه بين يدينه‪ ،‬فقال‬
‫لصحابه كلوا باسم ال‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وأكل معهم‪..‬‬
‫قلت لنفسي‪ :‬هذه وال الثانية‪ ..‬انه يأكل الدية‪!!..‬‬
‫ث رجعت فمكثت ما شاء ال‪ ،‬ث أتيته‪ ،‬فوجدته ف البقيع قد تبع جنازة‪ ،‬وحوله أصحابه وعليه شلتلن‬
‫مؤتزرا بواحدة‪ ،‬مرتديا الخرى‪ ،‬فسلمت عليه‪ ،‬ث عدلت لن ظر أعلى ظهره‪ ،‬فعرف أن أريد ذلك‪،‬‬
‫فألقى بردته عن كاهله‪ ،‬فاذا العلمة بي كتفيه‪ ..‬خات النبوة‪ ،‬كما وصفه ل صاحب‪..‬‬
‫فأكببت عليه أقبله وأبكي‪ ..‬ث دعان عليه الصلة والسلم فجلست بي يديه‪ ،‬وحدثته حديثي كما‬
‫أحدثكم الن‪..‬‬
‫ث أسلمت‪ ..‬وحال الرق بين وبي شهود بدر وأحد‪..‬‬
‫وفن ذات يوم قال الرسنول علينه الصنلة والسنلم‪ ":‬كاتنب سنيدك حتن يعتقنك"‪ ،‬فكاتبتنه‪ ،‬وأمنر‬
‫الر سولصحابه كي يعونو ن‪ .‬وحرر ال رقب ت‪ ،‬وع شت حرا م سلما‪ ،‬وشهدت مع ر سول ال غزوة‬
‫الندق‪ ،‬والشاهد كلها‪ .‬هذه القصة مذكورة ف الطبقات الكبى لبن سعد ج ‪.‬‬
‫**‬
‫بذه الكلمات الوضاء العذاب‪ ..‬تدث سلمان الفارسي عن مغامرته الزكية النبيلة العظيمة ف سبيل‬
‫بثه عن القيقة الدينية الت تصله بال‪ ،‬وترسم له دوره ف الياة‪..‬‬
‫فأي انسان شامخ كان هذا النسان‪..‬؟‬
‫أي تفوق عظيم أحرزته روحه الطلعة‪ ،‬وفرضته ارادته الغلبة على الصاعب فقهرتا‪ ،‬وعلى الستحيل‬
‫فجعلته ذلول‪..‬؟‬
‫أي تب تل للحقي قة‪ ..‬وأي ولء ل ا هذا الذي أخرج صاحبه طائ عا متارا من ضياع أب يه وثرائه ونعمائه‬
‫ال الجهول بكنل أعبائه‪ ،‬ومشاقنه‪ ،‬ينتقنل منن أرض ال أرض‪ ..‬ومنن بلد ال بلد‪ ..‬ناصنبا‪ ،‬كادحنا‬
‫عابدا‪ ..‬تفحنص بصنيته الناقدة الناس‪ ،‬والذاهنب والياة‪ ..‬ويظنل فن اصنراره العظينم وراء القن‪،‬‬
‫وتضحياته النبيلة من أجل الدى حت يباع رقيقا‪ ..‬ث يثيبه ال ثوابه الوف‪ ،‬فيجمعه بالق‪ ،‬ويلقيه‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫برسوله‪ ،‬ث يعطيه من طول العمر ما يشهد معه بكلتا عينيه رايات ال تفق ف كل مكان من الرض‪،‬‬
‫وعباده السلمون يلؤن أركانا وأناءها هدى وعمرانا وعدل‪..‬؟!!‬
‫**‬
‫ماذا نتوقع أن يكون اسلم رجل هذه هته‪ ،‬وهذا صدقه؟‬
‫لقد كان اسلم البرار التقي‪ ..‬وقد كان ف زهده‪ ،‬وفطنته‪ ،‬وورعه أشبه الناس بعمر بن الطاب‪.‬‬
‫أقام أياما مع أب الدرداء ف دار واحدة‪ ..‬وكان أبو الدرداء رضي ال عنه يقوم الليل ويصوم النهار‪..‬‬
‫وكان سلمان يأخذ عليه مبالغته ف العبادة على هذا النحو‪.‬‬
‫وذات يوم حاول سلمان أن يثن عزمه على الصوم‪ ،‬وكان نافلة‪..‬‬
‫فقال له أبو الدرداء معاتبا‪ :‬أتنعن أن أصوم لرب‪ ،‬وأصلي له‪..‬؟ّ‬
‫فأجابه سلمان قائل‪:‬‬
‫ان لعينك عليك حقا‪ ،‬وان لهلك عليك حقا‪ ،‬صم وافطر‪ ،‬وصل ون‪..‬‬
‫فبلغ ذلك الرسول صلى ال عليه وسلم فقال‪:‬‬
‫" لقد أشبع سلمان علما "‪.‬‬
‫وكان الرسول عليه السلم يرى فطنته وعلمه كثيا‪ ،‬كما كان يطري خلقه ودينه‪..‬‬
‫ويوم الندق‪ ،‬وقف النصار يقولون‪ :‬سلمان منا‪ ..‬وقف الهاجرون يقولون بل سلمان منا‪..‬‬
‫وناداهم الرسول قائل‪ ":‬سلمان منا آل البيت"‪.‬‬
‫وانه بذا الشرف لدير‪..‬‬
‫وكان علي بن أب طالب رضي ال عنه يلقبه بلقمان الكيم سئل عنه بعد موته فقال‪:‬‬
‫[ذاك امرؤ منا والينا أهل البيت‪ ..‬من لكم بثل لقمان الكيم‪..‬؟‬
‫أوت العلم الول‪ ،‬والعلم الخر‪ ،‬وقرأ الكتاب الول والكتاب الخر‪ ،‬وكان برا ل ينف]‪.‬‬
‫ولقد بلغ ف نفوس أصحاب الرسول عليه السلم جيعا النلة الرفيعة والكان السى‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ف في خل فة ع مر جاء الدي نة زائرا‪ ،‬ف صنع ع مر ما ل نعرف أ نه صنعه مع أ حد غيه أبدا‪ ،‬اذ ج ع‬
‫أصحابه وقال لم‪:‬‬
‫"هيا بنا نرج لستقبال سلمان"‪!!.‬‬
‫وخرج بم لستقباله عند مشارف الدينة‪.‬‬
‫لقد عاش سلمان مع الرسول منذ التقى به وآمن معه مسلما حرّا‪ ،‬وماهدا وعابدا‪.‬‬
‫وعاش مع خليفته أب بكر‪ ،‬ث أمي الؤمني عمر‪ ،‬ث الليفة عثمان حيث لقي ربه أثناء خلفته‪.‬‬
‫وف معظم هذه السنوات‪ ،‬كانت رايات السلم تل الفق‪ ،‬وكانت الكنوز والموال تمل ال الدينة‬
‫فيئا وجزية‪ ،‬فتورّع النس ف صورة أعطيت منتظمة‪ ،‬ومرتبات ثابتة‪.‬‬
‫وكثرت مسؤوليات الكم على كافة مستوياتا‪ ،‬فكثرت العمال والناصب تبعا لا‪..‬‬
‫فأين كان سلمان ف هذا الضم‪..‬؟ وأين نده ف أيام الرخاء والثراء والنعمة تلك‪..‬؟‬
‫**‬
‫افتحوا ابصاركم جيدا‪..‬‬
‫أترون هذا الشيخ الهيب الالس هناك ف الظل يضفر الوص ويدله ويصنع منه أوعية ومكاتل‪..‬؟‬
‫انه سلمان‪..‬‬
‫انظروه جيدا‪..‬‬
‫انظروه جيدا ف ثوبه القصي الذي انسر من قصره الشديد ال ركبته‪..‬‬
‫انه هو‪ ،‬ف جلل مشيبه‪ ،‬وبساطة اهابه‪.‬‬
‫لقد كان عطاؤه وفيا‪ ..‬كان بي أربعة وستة آلف ف العام‪ ،‬بيد أنه كان يوزعه جيعا‪ ،‬ويرفض أن‬
‫يناله منه درهم واحد‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫"أشتري خو صا بدر هم‪ ،‬فأعمله‪ ،‬ث أبي عه بثل ثة درا هم‪ ،‬فأع يد دره ا ف يه‪ ،‬وأن فق دره ا على عيال‪،‬‬
‫وأتصدّق بالثالث‪ ..‬ولو أن عمر بن الطاب نان عن ذلك ما انتهيت"!‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫**‬
‫ث ماذا يا أتباع ممد‪..‬؟‬
‫ث ماذا يا شرف النسانية ف كل عصورها وواطنها‪..‬؟؟‬
‫لقد كان بعضنا يظن حي يسمع عن تقشف بعض الصحابة وورعهم‪ ،‬مثل أب بكر الصديق وعمر‬
‫وأب ذر واخوانم‪ ،‬أن مرجع ذلك كله طبيعة الياة ف الزيرة العربية حيث يد العرب متاع نفسه ف‬
‫البساطة‪..‬‬
‫فها نن أمام رجل من فارس‪ ..‬بلد البذخ والترف والدنية‪ ،‬ول يكن من الفقراء بل من صفوة الناس‪.‬‬
‫ما باله يرفض هذا الال والثروة والنعيم‪ ،‬ويصر أن يكتفي ف يومه بدرهم يكسبه من عمل يده‪..‬؟‬
‫ما باله يرفض اامارة ويهرب منها ويقول‪:‬‬
‫"ان استطعت أن تأكل التراب ول تكونن أميا على اثني؛ فافعل‪."..‬‬
‫ما باله يهرب من المارة والنصب‪ ،‬ال أن تكون امارة على سريّة ذاهبة ال الهاد‪ ..‬وال أن تكون ف‬
‫ظروف ل يصلح لا سواه‪ ،‬فيكره عليها اكراها‪ ،‬ويضي اليها باكيا وجل‪..‬؟‬
‫ث ما باله حي يلي على المارة الفروضة عليه فرضا يأب أنيأخذ عطاءها اللل‪..‬؟؟‬
‫روى هشام عن حسان عن السن‪:‬‬
‫" كان عطاء سلمان خ سة آلف‪ ،‬وكان على ثلث ي أل فا من الناس ي طب ف عباءة يفترش نصفها‪،‬‬
‫ويلبس نصفها‪"..‬‬
‫"وكان اذا خرج عطاؤه أمضاه‪ ،‬ويأكل من عمل يديه‪."..‬‬
‫ما باله يصنع كل هذا الصنيع‪ ،‬ويزهد كل ذلك الزهد‪ ،‬وه الفارسي‪ ،‬ابن النعمة‪ ،‬وربيب الضارة‪..‬؟‬
‫لنستمع الواب منه‪ .‬وهو على فراش الوت‪ .‬تتهيأ روحه العظيمة للقاء ربا العلي الرحيم‪.‬‬
‫دخل عليه سعد بن أب وقاص يعوده فبكى سلمان‪..‬‬
‫قال له سعد‪ ":‬ما يبكيك يا أبا عبد ال‪..‬؟ لقد توف رسول ال وهو عنك راض"‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فأجابه سلمان‪:‬‬
‫" وال ما أبكي جزعا من الوت‪ ،‬ولحرصا على الدنيا‪ ،‬ولكن رسول ال صلى ال عليه وسلم عهد‬
‫الينا عهدا‪ ،‬فقال‪ :‬ليكن حظ أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب‪ ،‬وهأنذا حول هذه الساود"!!‬
‫يعن بالساود الشياء الكثية!‬
‫قال سعد فنظرت‪ ،‬فلم أرى حوله ال جف نة ومطهرة‪ ،‬فقلت له‪ :‬يا أ با عبدال اع هد الي نا بع هد نأخذه‬
‫عنك‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫" يا سعد‪:‬‬
‫اذكر عند ال هّتك اذا همت‪..‬‬
‫وعند حكمتك اذا حكمت‪..‬‬
‫وعند يدك اذا قسمت‪"..‬‬
‫هذا هو اذن الذي مل نف سه غ ن‪ ،‬بقدر ما مل ها عزو فا عن الدن يا بأموال ا‪ ،‬ومنا صبها وجاه ها‪..‬‬
‫عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم اليه وال أصحابه جيعا‪ :‬أل يدعو الدنيا تتملكهم‪ ،‬وأل يأخذ‬
‫أحدهم منها ال مثل زاد الركب‪..‬‬
‫ولقد حفظ سلمان العهد ومع هذا فقد هطلت دموعه حي رأى روحه تتهيأ للرحيل‪ ،‬مافة أن يكون‬
‫قد جاوز الدى‪.‬‬
‫ليس حوله ال جفنة يأكل فيها‪ ،‬ومطهرة يشرب منها ويتوضأ ومع هذا يسب نفسه مترفا‪..‬‬
‫أل أقل لكم انه أشبه الناس بعمر‪..‬؟‬
‫وف اليام الت كان فيها أميا على الدائن‪ ،‬ل يتغي من حاله شيء‪ .‬فقد رفض أن يناله من مكافأة‬
‫المارة درهم‪ ..‬وظل يأكل من عمل الوص‪ ..‬ولباسه ليس ال عباءة تنافس ثوبه القدي ف تواضعها‪..‬‬
‫وذات يوم وهو سائر على الطريق لقيه رجل قادم من الشام ومعه حل تي وتر‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫كان المل يؤد الشامي ويتعبه‪ ،‬فلم يكد يبصر أمامه رجل يبدو أنه من عامة الناس وفقرائهم‪ ،‬حت‬
‫بدا له أن يضع المل على كاهله‪ ،‬حت اذا أبلغه وجهته أعطاه شيئا نظي حله‪..‬‬
‫وأشار للرجل فأقبل عليه‪ ،‬وقال له الشامي‪ :‬احل عن هذا‪ ..‬فحمله ومضيا معا‪.‬‬
‫واذ ها على الطريق بلغا جاعة من النس‪ ،‬فسلم عليهم‪ ،‬فأجابوا واقفي‪ :‬وعلى المي السلم‪..‬‬
‫وعلى المي السلم‪..‬؟‬
‫أي أمي يعنون‪..‬؟!!‬
‫هكذا سأل الشامي نفسه‪..‬‬
‫ولقد زادت دهشته حي رأى بعض هؤلء يسارع صوب سلمان ليحمل عنه قائلي‪:‬‬
‫عنك أيها المي‪!!..‬‬
‫فعلم الشامي أنه أمي الدائن سلمان الفارسي‪ ،‬فسقط ف يده‪ ،‬وهربت كلمات العتذار والسف من‬
‫بي شفتيه‪ ،‬واقترب ينتزع المل‪ .‬ولكن سلمان هز رأسه رافضا وهو يقول‪:‬‬
‫" ل‪ ،‬حت أبلغك منلك"‪!!..‬‬
‫**‬
‫سئل يوما‪ :‬ما الذي يبغض المارة ال نفسك‪.‬؟‬
‫فأجاب‪ " :‬حلوة رضاعها‪ ،‬ومرارة فطامها"‪..‬‬
‫ويدخل عليه صاحبه يوما بيته‪ ،‬فاذا هو يعجن‪ ،‬فيسأله‪:‬‬
‫أين الادم‪..‬؟‬
‫فيجيبه قائل‪:‬‬
‫" لقد بعثناها ف حاجة‪ ،‬فكرهنا أن نمع عليها عملي‪"..‬‬
‫وحي نقول بيته فلنذكر تاما‪ ،‬ماذا كان ذاك البيت‪..‬؟ فحي ه مّ سلمان ببناء هذا الذي يسمّى مع‬
‫التجوّز بيتا‪ ،‬سأل البنّاء‪ :‬كيف ستبنيه‪..‬؟‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وكان البنّاء حصيفا ذكيا‪ ،‬يعرف زهد سلمان وورعه‪ ..‬فأجابه قائل‪ ":‬ل تف‪ ..‬انا بناية تستظل با‬
‫من ال ر‪ ،‬وت سكن في ها من البد‪ ،‬اذا وق فت في ها أ صابت رأ سك‪ ،‬واذا اضطج عت في ها أ صابت‬
‫رجلك"‪!..‬‬
‫فقال له سلمان‪" :‬نعم هكذا فاصنع"‪.‬‬
‫ل يكن هناك من طيبات الياة الدنيا شيء ما يركن اليه سلمان لظة‪ ،‬أو تتعلق به نفسه اثارة‪ ،‬ال‬
‫شيئا كان يرص عل يه أبلغ الرص‪ ،‬ول قد ائت من عل يه زوج ته‪ ،‬وطلب الي ها أن تف يه ف مكان بع يد‬
‫وأمي‪.‬‬
‫وف مرض موته وف صبيحة اليوم الذي قبض فيه‪ ،‬ناداها‪:‬‬
‫"هلمي خبيّك الت استخبأتك"‪!!..‬‬
‫فجاءت ب ا‪ ،‬واذا هي صرة م سك‪ ،‬كان قد أ صابا يوم ف تح "جلولء" فاحت فظ ب ا لتكون عطره يوم‬
‫ماته‪.‬‬
‫ث دعا بقدح ماء نثر السك فيه‪ ،‬ث ماثه بيده‪ ،‬وقال لزوجته‪:‬‬
‫"انضجيه حول‪ ..‬فانه يصرن الن خلق من خلق ال‪ ،‬ل يأكلون الطعام‪ ،‬وانا يبون الطيب"‪.‬‬
‫فلما فعلت قال لا‪ ":‬اجفئي علي الباب وانزل"‪ ..‬ففعلت ما أمرها به‪..‬‬
‫وبعد حي صعدت اليه‪ ،‬فاذا روحه الباركة قد فارقت جسده ودنياه‪.‬‬
‫قد ل قت بالل العلى‪ ،‬و صعدت على أجن حة الشوق ال يه‪ ،‬اذ كا نت على مو عد هناك مع الر سول‬
‫ممد‪ ،‬وصاحبيه أب بكر وعمر‪ ..‬ومع ثلة ميدة من الشهداء والبرار‪.‬‬
‫**‬
‫لطالا برّح الشوق الظامئ بسلمان‪..‬‬
‫وآن اليوم أن يرتوي‪ ،‬وينهل‪..‬‬
‫أبو ذر الغفاري‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫زعيم العارضة وعدو الثروات‬


‫أقبل على مكة نشوان مغتبطا‪..‬‬
‫صحيح أن وعثاء السفر وفيح الصحراء قد وقذاه بالضن والل‪ ،‬بيد أن الغاية الت يسعى اليها‪ ،‬أنسته‬
‫جراحه‪ ،‬وأفاضت على روحه البور والبشور‪.‬‬
‫ودخل ها متنكرا‪ ،‬كأ نه وا حد من أولئك الذ ين يق صدونا ليطوّفوا بآل ة الكع بة العظام‪ ..‬أو كأ نه عابر‬
‫سبيل ضل طريقه‪ ،‬أو طال به السفر والرتال فأوى اليها يستريح ويتزوّد‪.‬‬
‫فلو علم أهل مكة أنه جاء يبحث عن ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ويستمع اليه لفتكوا به‪.‬‬
‫وهو ل يرى بأسا ف أن يفتكوا به‪ ،‬ولكن بعد أن يقابل الرجل ال قطع الفياف لياه‪ ،‬وبعد أن يؤمن‬
‫به‪ ،‬ان اقتنع بصدقه واطمأن لدعوته‪..‬‬
‫ولقد مضى يتسمّع النباء من بعيد‪ ،‬وكلما سع قوما يتحدثون عن ممد اقترب منهم ف حذر‪ ،‬حت‬
‫جع من نثارات الديث هنا وهناك ما دله على ممد‪ ،‬وعلى الكان الذي يستطيع أن يراه فيه‪.‬‬
‫ف صبيحة يوم ذهب ال هناك‪ ،‬فوجد الرسول صلى ال عليه وسلم جالسا وحده‪ ،‬فاقترب منه وقال‪:‬‬
‫نعمت صباحا يا أخا العرب‪..‬‬
‫فأجاب السول عليه الصلة والسلم‪ :‬وعليك السلم يا أخاه‪.‬‬
‫قال أبو ذر‪:‬أنشدن ما تقول‪..‬‬
‫فأجاب الرسول عليه الصلة والسلم‪ :‬ما هو بشعر فأنشدك‪ ،‬ولكنه قرآن كري‪.‬‬
‫قال أ[و ذر‪ :‬اقرأ عليّ‪..‬‬
‫فقرأ عليه الرسول‪ ،‬وأ[و ذر يصغي‪ ..‬ول يضي من الوقت غي قليل حت هتف أبو ذر‪:‬‬
‫"أشهد أن ل اله ال ال‪.‬‬
‫وأشهد أن ممدا عبده ورسوله"!‬
‫وسأله النب‪ :‬من أنت يا أخا العرب‪..‬؟‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فأجابه أبو ذر‪ :‬من غفار‪..‬‬


‫وتألقت ابتسامة على فم السول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬واكتسى وجهه الدهشة والعجب‪..‬‬
‫وضحك أبو ذر كذلك‪ ،‬فهو يعرف سر العجب الذي كسا وجه الرسول عليه السلم حي علم أن‬
‫هذا الذي يهر بالسلم أمامه انا هو رجل من غفار‪!!..‬‬
‫فغفار هذه قبيلة ل يدرك لا شأو ف قطع الطريق‪!!..‬‬
‫وأهلها مضرب المثال ف السطو غي الشروع‪ ..‬انم حلفاء الليل والظلم‪ ،‬والويل لن يسلمه الليل ال‬
‫واحد من قبيلة غفار‪.‬‬
‫أفيجيء منهم اليوم‪ ،‬والسلم ل يزال دينا غصّا مستخفيا‪ ،‬واحد ليسلم‪..‬؟!‬
‫يقول أبو ذر وهو يروي القصة بنفسه‪:‬‬
‫"‪ ..‬فج عل ال نب صلى ال عل يه و سلم ير فع ب صره وي صوّبه تعج با‪ ،‬ل ا كان من غفار‪ ،‬ث قال‪ :‬ان ال‬
‫يهدي من يشاء‪.‬‬
‫ولقد كان أبو ذر رضي ال عنه أحد الذين شاء لم الدى‪ ،‬وأراد بم الي‪.‬‬
‫وانه لذو بصر بالق‪ ،‬فقد روي عنه أنه أحد الذين شاء ال لم الدى‪ ،‬وأراد بم الي‪.‬‬
‫وانه لذو بصر بالق‪ ،‬فقد روي عنه أنه أحد الذين كلنوا يتألون ف الاهلية‪ ،‬أي يتمرّدون على عبادة‬
‫الصنام‪ ،‬ويذهبون ال اليان باله خالق عظيم‪ .‬وهكذا ما كاد يسمع بظهور نب يسفّه عبادة الصناك‬
‫وعبّادها‪ ،‬ويدعو ال عبادة ال الواحد القهار‪ ،‬حت حث اليه الطى‪ ،‬وشدّ الرحال‪.‬‬
‫**‬
‫أسلم أبو ذر من فوره‪..‬‬
‫وكان ترتيبه ف السلمي الامس أو السادس‪..‬‬
‫اذن‪ ،‬هو قد أسلم ف اليام الول‪ ،‬بل الساعات الول للسلم‪ ،‬وكان اسلمه مبكرا‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وحي أسلم كلن الرسول يهمس بالدعوة هسا‪ ..‬يهمس با ال نفسه‪ ،‬وال المسة الذين آمنوا معه‪،‬‬
‫ول يكن أمام أب ذر ال أن يمل ايانه بي جنبيه‪ ،‬ويتسلل به مغادرا مكة‪ ،‬وعائدا ال قومه‪...‬‬
‫ولكن أبا ذر‪ ،‬جندب بن جنادة‪ ،‬يمل طبيعة فوارة جيّاشة‪.‬‬
‫ل قد خلق ليتمرّد على البا طل أ ن يكون‪ ..‬و ها هو ذا يرى البا طل بعين يه‪ ..‬حجارة مر صوصة‪ ،‬ميلد‬
‫عابديها أقدم من ميلدها‪ ،‬تنحن أمامها الباه والعقول‪ ،‬ويناديها الناس‪ :‬لبيك‪ ..‬لبيك‪!!..‬‬
‫و صحيح أ نه رأى الر سول يؤ ثر ل مس ف أيا مه تلك‪ ..‬ول كن ل بدّ من صيحة ي صيحها هذا الثائر‬
‫الليل قبل أن يرحل‪.‬‬
‫لقد توجه ال الرسول عليه الصلة والسلم فور اسلمه بذا السؤال‪:‬‬
‫يا رسول ال‪ ،‬ب تأمرن‪..‬؟‬
‫فأجابه الرسول‪ :‬ترجع ال قومك حت يبلغك أمري‪..‬‬
‫فقال أبو ذر‪ :‬والذي نفسي بيده ل أرجع حت أصرخ بالسلم ف السجد‪!!..‬‬
‫أل أقل لكم‪..‬؟؟‬
‫تلك طبيعة متمرّدة جيّاشة‪ ،‬أف اللحظة الت يكشف فيها أبو ذر عالا جديدا بأسره يتمثل ف الرسول‬
‫الذي آمن به‪ ،‬وف الدعوة الت سع بتباشيها على لسانه‪ ..‬أف هذه اللحظة يراد له أن يرجع ال أهله‬
‫صامتا‪.‬؟‬
‫هذا أمر فوق طاقته‪..‬‬
‫هنالك دخل السجد الرام ونادى بأعلى صوته‪:‬‬
‫[أشهد أن ل اله ال ال‪ ..‬وأشهد أن ممدا رسول ال]‪...‬‬
‫كا نت هذه ال صيحة أول صيحة بال سلم تدّت كبياء قر يش وقر عت أ ساعها‪ ..‬صاحها ر جل‬
‫غريب ليس له ف مكّة حسب ول نسب ول حى‪..‬‬
‫ولقد لقي ما ل يكن يغيب عن فطنته أنه ملقيه‪ ..‬فقد أحاط به الشركون وضربوه حت صرعوه‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وترامى النبأ ال العباس عم النب‪ ،‬فجاء يسعى‪ ،‬وما استطاع أن ينقذه من بي أنيابم ال باليلة لذكية‪،‬‬
‫قال له‪:‬‬
‫"يا معشر قريش‪ ،‬أنتم تار‪ ،‬وطريقكم على غفار‪ ،،‬وهذا رجل من رجالا‪ ،‬ان يرّض قومه عليكم‪،‬‬
‫يقطعوا على قوافلكم الطريق"‪ ..‬فثابوا ال رشدهم وتركوه‪.‬‬
‫ول كن أ با ذر‪ ،‬و قد ذاق حلوة الذى ف سبيل ال‪ ،‬ل ير يد أن يغادر م كة ح ت يظ فر من طيبا ته‬
‫بزيد‪!!...‬‬
‫وهكذا ل يكاد ف اليوم الثا ن ورب ا ف ن فس اليوم‪ ،‬يل قى امرأت ي تطوفان بال صنمي (أ ساف‪ ،‬واثلة)‬
‫ودعوانمنا‪ ،‬ح ت ي قف عليه ما وي سفه ال صنمي ت سفيها مهي نا‪ ..‬فت صرخ الرأتان‪ ،‬ويهرول الرجال‬
‫كالراد‪ ،‬ث ل يفتون يضربونه حت يفقد وعيه‪..‬‬
‫وحي يفيق يصرخ مرة أخرى بأنه " يشهد أن ل اله ال ال وأن ممدا رسول ال"‪ .‬ويدرك الرسول‬
‫عليه الصلة والسلم طبيعة تلميذه الديد الوافد‪ ،‬وقدرته الباهرة على مواجهة الباطل‪ .‬بيد أن وقته ل‬
‫يأت بعد‪ ،‬فيعيد عليه أمره بالعودة ال قومه‪ ،‬حت اذا سع بظهور الدين عاد وأدل ف مرى الحداث‬
‫دلوه‪..‬‬
‫**‬
‫ويعود أبو ذر ال عشيته وقومه‪ ،‬فيحدثههم عن النب الذي ظهر يدعو ال عبادة ال وحده ويهدي‬
‫لكارم الخلق‪ ،‬ويدخل قومه ف السلم‪ ،‬واحدا اثر واحد‪ ..‬ول يتفي بقبيلته غفار‪ ،‬بل ينتقل ال‬
‫قبيلة أسلم فيوقد فيها مصابيحه‪!!..‬‬
‫وتتابع اليام رحلتها ف موكب الزمن‪ ،‬ويهاجر الرسول صلى ال عليه وسلم ال الدينة‪ ،‬ويستقر با‬
‫والسلمون معه‪.‬‬
‫وذات يوم تستقبل مشارفها صفوفا طويلة من الشاة والركبان‪ ،‬أثارت أقدامهم النقع‪ ..‬ولول تكبياتم‬
‫الصادعة‪ ،‬لبسهم الرائي جيشا مغيا من جيوش الشرك‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫اقترب الو كب الل جب‪ ..‬ود خل الدي نة‪ ..‬وي م وج هه ش طر م سجد الر سول صلى ال عل يه و سلم‬
‫ومقامه‪..‬‬
‫لقد كان الوكب قبيلت غفار وأسلم‪ ،‬جاء بما ابو ذر مسلمي جيعا رجال ونساءا‪ .‬شيوخا وشبابا‪،‬‬
‫وأطفال‪!!..‬‬
‫وكان من حق الرسول عليه الصلة والسلم أن يزداد عجبا ودهشة‪..‬‬
‫فبال مس البع يد عجب كثيا ح ي رأى أما مه رجل واحدا من غفار يعلن ا سلمه وايا نه‪ ،‬وقال معبّرا‬
‫عن دهشته‪:‬‬
‫"ان ال يهدي من يشاء"‪!!..‬‬
‫أما اليوم فان قبيلة غفار بأجعها تيئه مسلمة‪..‬وقد قطعت ف السلم بضع سني منذ هداها ال على‬
‫يد أب ذر‪ ،‬وتيء معها قبيلة أسلم‪..‬‬
‫ان عمالقة السطور وحلفاء الشيطان‪ ،‬قد أصبحوا عمالقة ف الي وحلفاء للحق‪.‬‬
‫أليس ال يهدي من يشاء حقا‪..‬؟؟‬
‫لقد ألقى الرسول عليه الصلة والسلم على وجوههم الطيبة نظرات تفيض غبطة وحنانا وودا‪..‬‬
‫ونظر ال قبيلة غفار وقال‪:‬‬
‫"غفار غفر ال لا"‪.‬‬
‫ث ال قبيلة أسلم فقال‪:‬‬
‫"وأسلم سالها ال"‪..‬‬
‫وأبو ذر هذا الداعية الرائع‪ ..‬القوي الشكيمة‪ ،‬العزيز النال‪ ..‬أل يتصه الرسول عليه الصلة والسلم‬
‫بتحية‪..‬؟؟‬
‫أجل‪ ..‬ولسوف يكون جزاؤه موفورا‪ ،‬وتيته مباركة‪..‬‬
‫ولسوف يمل صدره‪ ،‬ويمل تاريه‪ ،‬أرفع الوسة وأكثرها جلل وعزة‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ولسوف تفن القرون والجيال‪ ،‬والناس يرددون رأي الرسول صلى ال عليه وسلم ف أب ذر‪:‬‬
‫" ما أقلّت الغباء‪ ،‬ول أظلّت الصحراء أصدق لجة من أب ذر"‪!!..‬‬
‫ويدرك الرسنول علينه الصنلة والسنلم طبيعنة تلميذه الديند الوافند‪ ،‬وقدرتنه اباهرة على مواجهنة‬
‫الباطل‪ ..‬بيد أن وقته ل يأت بعد‪ ،‬فيعيد عليه أمره بالعودة ال قومه‪ ،‬حت اذا سع بظهور الدين عاد‬
‫وأدل ف مرى الحداث دلّوه‪..‬‬
‫**‬
‫أصدق لجة ف أب ذر‪..‬؟‬
‫لقد قرأ الرسول عليه الصلة والسلم مستقبل صاحبه‪ ،‬ولص حياته كلها ف هذه الكلمات‪..‬‬
‫فالصدق السور‪ ،‬هو جوهر حياة أب ذر كلها‪..‬‬
‫صدق باطمه‪ ،‬وصدق ظاهره‪..‬‬
‫صدق عقيدته وصدق لجته‪..‬‬
‫ولسوف ييا صادقا‪ ..‬ل يغالط نفسه‪ ،‬ول يغالط غيه‪ ،‬ول يسمح لحد أن يغالطه‪..‬‬
‫ولئن يكون صدقه فضيلة خرساء‪ ..‬فالصدق الصامت ليس صدقا عند أب ذر‪..‬‬
‫انا الصدق جهر وعلن‪ ..‬جهر بالق وتد للباطل‪..‬تأييد للصواب ودحض للخطأ‪..‬‬
‫الصدق ولء رشيد للحق‪ ،‬وتعبي جريء عنه‪ ،‬وسي حثيث معه‪..‬‬
‫ول قد كان الر سول صلى ال عل يه و سلم بب صيته الثاق بة عب الغ يب الق صيّ والجهول البع يد كل‬
‫التا عب ال ت سيفيئها على أ ب ذر صدقه و صلبته‪ ،‬فكان يأمره دائ ما أن ي عل الناة وال صب ن جه‬
‫وسبيله‪.‬‬
‫وألقى الرسول يوما هذا السؤال‪:‬‬
‫" يا أبا ذر كيف أنت اذا أدركك أمراء يستأثرون بالفيء"‪..‬؟‬
‫فأجاب قائل‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫"اذن والذي بعثك بالق‪ ،‬لضربن بسيفي"‪!!.‬‬


‫فقال له الرسول عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫"أفل أدلك على خي من ذلك‪..‬؟‬
‫اصب حت تلقان"‪.‬‬
‫ترى لاذا سأله الرسول هذا السؤال بالذات‪..‬؟؟‬
‫المراء‪ ..‬والال‪..‬؟؟‬
‫تلك قضية أب ذر الت سيهبها حياته‪ ،‬وتلك مشكلته مع الجتمع ومع الستقبل‪..‬‬
‫ولقد عرفها رسول ال فألقى عليه السؤال‪ ،‬ليزوده هذه النصيحة الثمينة‪":‬اصب حت تلقان"‪..‬‬
‫ول سوف ي فظ أ بو ر و صية معل مه‪ ،‬فلن ي مل ال سيف الذي توّد به المراء الذ ين يثرون من مال‬
‫المة‪ ..‬ولكنه أيضا لن يسكت عنهم لظة من نار‪..‬‬
‫أجل اذا كان الرسول قد ناه عن حل السيف ف وجوههم‪ ،‬فانه ل ينهاه عن أن يمل ف الق لسانه‬
‫البتار‪..‬‬
‫ولسوف يفعل‪..‬‬
‫**‬
‫وم ضى عهد الر سول‪ ،‬و من بعده ع صر أ ب ب كر‪ ،‬وع صر ع مر ف تفوق كامل على مغريات الياة‬
‫ودواعي الفتنة فيها‪..‬‬
‫حت تلك النفوس الشتهية الراغبة‪ ،‬ل تكن تد لرغباتا سبيل ول منفذا‪.‬‬
‫وأيامئذ‪ ،‬ل تكن ثة انرافات يرفع أبو ذر ضدها صوته ويفلحها بكلماته اللهبة‪...‬‬
‫ولقد طال عهد أمي الؤمني عمر‪ ،‬فارضا على ولة السلمي وأمرائهم وأغنيائهم ف كل مكان من‬
‫الرض‪ ،‬زهدا وتقشفا‪ ،‬ودعل يكاد يكون فوق طاقة البشر‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ان واليا من ولته ف العراق‪ ،‬أو ف الشام‪ ،‬أ‪ ،‬ف صنعاء‪ ..‬أو ف أي من البلد النائية البعيدة‪ ،‬ل يكاد‬
‫يصل اليها نوعا من اللوى‪ ،‬ل يد عامة الناس قدرة على شرائه‪ ،‬حت يكون الب قد وصل ال عمر‬
‫بعند أيام‪ .‬وحتن تكون أوامره الصنارمة قند ذهبنت لتسنتدعي ذلك الوال ال الديننة ليلقنى حسنابه‬
‫العسي‪!!..‬‬
‫ليهنأ أبو ذر اذن‪ ..‬وليهنأ أكثر ما دام الفاروق العظيم أميا للمؤمني‪..‬‬
‫و ما دام ل يضا يق أ با ذر ف حيا ته ش يء مثل ما يضاي قع ا ستغلل ال سلطة‪ ،‬واحتكارالثروة‪ ،‬فان ا بن‬
‫الطاب براقبته الصارمة للسلطة‪ ،‬وتوزيعه العادل للثروة سيتيح له الطمأنينة والرضا‪..‬‬
‫وهكذا تفرغ لعبادة ربه‪ ،‬وللجهاد ف سبيله‪ ..‬غي لئذ بالصمت اذا رأى مالفة هنا‪ ،‬أو هناك‪ ..‬وقلما‬
‫كان يرى‪..‬‬
‫بيد أن أعظم‪ ،‬وأعدل‪ ،‬وأروع حكام البشرية قاطبة يرحل عن الدنيا ذات يوم‪ ،‬تاركا وراءه فراغا‬
‫هائل‪ ،‬ومد ثا رحيله من ردود الف عل ما ل مفرّ م نه ول طا قة للناس به‪ .‬وت ستمر القتوح ف مدّ ها‪،‬‬
‫ويعلو معها مد الرغبات والتطلع ال مناعم الياة وترفها‪..‬‬
‫ويرى أبو ذر الطر‪..‬‬
‫ان ألوية الجد الشخصي توشك أن تفت الذين كل دورهم ف الياة أن يرفعوا راية ال‪..‬‬
‫ان الدن يا بزخرف ها وغرور ها الضاري‪ ،‬تو شك أن تف ت الذ ين كل ر سالتهم أن يعلوا من ها مزر عة‬
‫للعمال الصالات‪..‬‬
‫ان الال الذي جعله ال خادما مطيعا للنسان‪ ،‬يوشك أن يتحوّل ال سيّد مستبد‪..‬‬
‫ومع من؟‬
‫مع أصحاب ممد الذي مات ودرعه مرهونة‪ ،‬ف حي كانت أكوام الفيء والغنائم عند قدميه‪!!..‬‬
‫ان خيات الرض ال ت ذرأ ها ال للناس جي عا‪ ..‬وج عل حق هم في ها متكافئا تو شك أن ا صي حكرا‬
‫ومزية‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ان السنلطة التن هني مسنؤولية ترتعند منن هول حسناب ال عليهنا أفئدة البرار‪ ،‬تتحول ال سنبيل‬
‫للسيطرة‪ ،‬وللثراء‪ ،‬وللترف الدمر الوبيل‪..‬‬
‫رأى أبو ذر كل هذا فلم يبحث عن واجبه ول عن مسؤوليته‪ ..‬بل راح يد يينه ال سيفه‪ ..‬وهز به‬
‫الواء فمز قه‪ ،‬ون ض قائ ما يوا جه الجت مع ب سيفه الذي ل تعرف له كبوة‪ ..‬ل كن سرعان ما ر نّ ف‬
‫فؤاده صدى الو صية ال ت أو صاه ب ا الر سول‪ ،‬فأعاد ال سيف ال غمده‪ ،‬ف ما ينب غي أن يرف عه ف و جه‬
‫مسلم‪..‬‬
‫(وما كان لؤمن أن يقتل مؤمنا ال خطأ)‬
‫ليس دوره اليوم أن يقتل‪ ..‬بل أن يعترض‪..‬‬
‫وليس السيف أداة التغيي والتقوي‪ ،‬بل الكلمة الصادقة‪ ،‬المينة الستبسلة‪..‬‬
‫الكلمة العادلة الت ل تضل طريقها‪ ،‬ول ترهب عواقبها‪.‬‬
‫لقد أخب الرسول يوما وعلى مل من أصحابه‪ ،‬أن الرض ل تقلّ‪ ،‬وأن السماء ل تظلّ أصدق لجة‬
‫من أب ذر‪..‬‬
‫ومن كان يلك هذا القدر من صدق اللهجة‪ ،‬وصدق القتناع‪ ،‬فما حاجته ال السيف‪..‬؟‬
‫ان كلمة واحدة يقولا‪ ،‬لمضى من ملء الرض سيوفا‪..‬‬
‫فليخرج بصدقه هذا‪ ،‬ال المراء‪ ..‬ال الغنياء‪ .‬ال جيع الذين أصبحوا يشكلون بركونم ال الدنيا‬
‫خطرا على الدينن الذي جاء هادينا‪ ،‬ل جابينا‪ ..‬ونبوة ل ملكنا‪ ..،‬ورحةن ل عذابنا‪ ..‬وتواضعنا ل‬
‫استعلء‪ ..‬وتكافؤ ل تايز‪ ..‬وقناعة ل جشعا‪ ..‬وكفاية ل ترفا‪ ..‬واتئادا ف أخذ الياة‪ ،‬ل فتونا با ول‬
‫تالكا عليها‪..‬‬
‫فليخرج ال هؤلء جيعا‪ ،‬حت يكم ال بينهم وبينه بالق‪ ،‬وهو خي الاكمي‪.‬‬
‫**‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وخرج أبو ذر ال معاقل السلطة والثروة‪ ،‬يغزوها بعارضته معقل معقل‪ ..‬وأصبح ف أيام معدودات‬
‫الراية الت الت فت حول ا الماه ي والكادحون‪ ..‬حت ف القطار النائية الت ل يره أهل ها ب عد‪ ..‬طاره‬
‫الي ها ذكره‪ .‬وأ صبح ل ي ر بأرض‪ ،‬بل ول يبلغ ا سه قو ما ال أثار ت سؤلت هامّة تدد م صال ذوي‬
‫الشلطة والثراء‪.‬‬
‫ولو أراد هذا الثائر الل يل أن يت خذ لنف سه ولرك ته عل ما خا صا ل ا كان الشعار النقوش على العلم‬
‫سوى مكواة تتوهج حرة ولبا‪ ،‬فقد جعل نشيده وهتافه الذي يردده ف كل مكان وزمان‪ ..‬ويردده‬
‫النس عنه كأنه نشيد‪ ..‬هذه الكلمات‪:‬‬
‫"بشّر الكانز ين الذ ين يكنون الذهنب والفضنة بكاو من نار تكوى بان جباههنم وجنوبمن يوم‬
‫القيامة"‪!!..‬‬
‫ل يصغد جبل‪ ،‬ول ينل سهل‪ ،‬ول يدخل مدينة‪ ،‬ول يواجه أميا ال وهذه الكلمات على لسانه‪.‬‬
‫ول يعد النس يبصرونه قادما ال استقبلوه بذه الكلمات‪:‬‬
‫" بشّر الكانزين بكاو من نار"‪..‬‬
‫ل قد صارت هذه العبارة عل ما على ر سالته ال ت نذر حيا ته ل ا‪ ،‬ح ي رأى الثروات تتر كز وتت كر‪..‬‬
‫وح ي رأى ال سلطة ا ستعلء وا ستغلل‪ ..‬وح ي رأى حب الدن يا يط غى ويو شك أن يط مر كل ما‬
‫صنعته سنوات الرسالة العظمى من جال وورع‪ ،‬وتفان واخلص‪..‬‬
‫لقد بدأ بأكثر تلك العاقل سيطرة ورهبة‪ ..‬هناك ف الشام حيث "معاوية بن أب سفيان" يكم أرضا‬
‫من أكثر بلد السلم خصوبة وخيا وفيضا‪ ،‬وانه ليعطي الموال ويوزعها بغي حساب‪ ،‬يتألف با‬
‫الناس الذين لم حظ ومكانة‪ ،‬ويؤمن با مستقبله الذي كان يرنو اليه طموحه البعيد‪.‬‬
‫هناك الضياع والق صور والثروات تف ت الباق ية من حلة العوة‪ ،‬فليدرك أ بو ذر ال طر ق بل أن ي يق‬
‫ويدمّر‪..‬‬
‫وحسر زعيم العارضة رداءه التواضع عن ساقيه‪ ،‬وسابق الريح ال الشام‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ول ي كد الناس العاديون ي سمعون بقد مه ح ت ا ستقبلوه ف حا سة وشوق‪ ،‬والتفوا حوله أين ما ذ هب‬
‫وسار‪..‬‬
‫حدثنا يا أبا ذر‪..‬‬
‫حدثنا يا صاحب رسول ال‪..‬‬
‫ويلقي أبو ذر على الموع حوله نظرات فاحصة‪ ،‬فيى أكثرها ذوي حصاصة وفقر‪ ..‬ث يرنو ببصره‬
‫نو الشارف القريبة فيى القصور والضياع‪..‬‬
‫ث يصرخ ف الافي حوله قائل‪:‬‬
‫" عجبت لن ل يد القوت ف بيته‪ ،‬كيف ل يرج على النس شاهرا سيفه"‪..‬؟؟!!‬
‫ثن يذكنر منن فوره وصنية رسنول ال أن يضنع الناة مكان النقلب‪ ،‬والكلمنة الشجاعنة مكان‬
‫السيف‪ ..‬فيترك لغة الرب هذه ويعود ال لغة النطق والقناع‪ ،‬فيعلم الناس جيعا أنم جيعا سواسية‬
‫كأسنان الشط‪ ..‬وأنم جيعا شركاء ف الرزق‪ ..‬وأنه ل فضل لحد على أحد ال بالتقوى‪ ..‬وأن أمي‬
‫القوم ووليهم‪ ،‬هو أول من يوع اذا جاعوا‪ ،‬وآخر من شبع اذا شبعوا‪..‬‬
‫ل قد قرر أن يلق بكلما ته وشجاع ته رأ يا عامّا من كل بلد ال سلم يكون له من الفط نة والنا عة‪،‬‬
‫والقوة منا يعله شكيمنة لمرائه وأغنيائه‪ ،‬ومنا يول دون ظهور طبقات مسنتغلة للحكنم‪ ،‬أو متكرة‬
‫للثروة‪.‬‬
‫وف أيام قلئل‪ ،‬كانت الشام كلها كخليا نل وجدت ملكتها الطاعة‪ ..‬ولو أعطى أبو ذر اشارة‬
‫عابرة بالثورة لشتعلت نارا‪ ..‬ولكننه كمنا قلننا‪ ،‬حصنر اهتمامنه فن خلق رأي عام يفرض احترامنه‪،‬‬
‫وصارت كلماته حديث الجالس والساجد والطريق‪.‬‬
‫ول قد بلغ خطره على المتيازات الناشئة مداه‪ ،‬يوم نا ظر معاو ية على مل من الناس‪ .‬ث أبلغ الشا هد‬
‫للمناظرة‪ ،‬الغائب عنها‪ .‬وسارت الرياح بأخبارها‪..‬‬
‫ولقد وقف أبو ذر أصدق العالي لجة‪ ،‬كما وصفه نبيه وأستاذه‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وقف يسائل معاوية ف غي خوف ول مداراة عن ثروته قبل أن يصبح حاكما‪ ،‬وعن ثروته اليوم‪!!..‬‬
‫وعن البيت الذي كان يسكنه بكة‪ ،‬وعن قصوره بالشام اليوم‪!!..‬‬
‫ث يوجه السؤال للجالسي حوله من الصحابة الذين صحبوا معاوية ال الشام وصار لبعضهم قصور‬
‫وضياع‪.‬‬
‫ث يصيح فيهم جيعا‪ :‬أفأنت الذين نزل القرآن على الرسول وهو بي ظهرانيهم‪..‬؟؟‬
‫ويتول الجابة عنهم‪ :‬نعم أنتم الذين نزل فيكم القرآن‪ ،‬وشهدت مع الرسول الشاهد‪..‬‬
‫ث يعود ويسأل‪ :‬أل تدون ف كتاب ال هذه الية‪:‬‬
‫(والذين يكنون الذهب والفضة ول ينفقونا ف سبيل ال فبشرهم بعذاب أليم‪ ..‬يوم يمى عليها ف‬
‫نار جهنّم‪ ،‬فتكوى ب ا جباه هم‪ ،‬وجنوب م‪ ،‬وظهور هم‪ ،‬هذا ما كن ت لنف سكم‪ ،‬فذوقوا ما كن تم‬
‫تكنون)‪..‬؟؟‬
‫ويتلم معاوية طريق الديث قائل‪ :‬لقد أنزلت هذه الية ف أهل الكتاب‪..‬‬
‫ويصيح أبو ذر‪ :‬ل بل أنزلت لنا ولم‪..‬‬
‫ويتابع أبو ذر القول ناصحا معاوية ومن معه أن يرجوا كل ما بأيديهم من ضياع وقصور وأموال‪..‬‬
‫وأل يدّخر أحدهم لنفسه أكثر من حاجات يومه‪..‬‬
‫وتتناقل الحافل والموع نبأ هذه الناظرة وأنباء أب ذر‪..‬‬
‫ويتعال نشيد أب ذر ف البيوت والطرقات‪:‬‬
‫(بشّر الكانزين بكاو من نار يوم القيامة)‪..‬‬
‫وي ستشعر معاو ية ال طر‪ ،‬وتفز عه كلمات الثائر الل يل‪ ،‬ولك نه يعرف له قدره‪ ،‬فل يقرّ به ب سوء‪،‬‬
‫ويكتب عن فوره للخليفة عثمان رضي ال عنه يقول له‪ ":‬ان أبا ذر قد أفسد النس بالشام"‪..‬‬
‫ويكتب عثمان لب ذر يستدعيه للمدينة‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وي سر أ ب ذر طرف ردائه عن ساقيه مرّة أخرى وي سافر ال الدي نة تار كا الشام ف يوم ل تش هد‬
‫دمشق مثله يوما من أيام الفاوة والوداع‪!!..‬‬
‫**‬
‫(ل حاجة ل ف دنياكم)‪!!..‬‬
‫هكذا قال أبو ذر للخليفة عثمان بعد أن وصل ال الدسنة‪ ،‬وجرى بينهما حوار طويل‪.‬‬
‫لقد خرج عثمان من حواره مع صاحبه‪ ،‬ومن النباء الت توافدت عليه من كل القطار عن مشايعة‬
‫الماهي لراء أب ذر‪ ،‬بادراك صحيح لطر دعوته وقوتا‪ ،‬وقرر أن يتفظ به ال جواره ف الدينة‪،‬‬
‫مددا با اقامته‪.‬‬
‫ولقد عرض عثمان قراره على أب ذر عرضا رفيقا‪ ،‬رقيقا‪ ،‬فقال له‪ ":‬ابق هنا يانب‪ ،‬تغدو عليك القاح‬
‫وتروح"‪..‬‬
‫وأجابه أبو ذر‪:‬‬
‫(ل حاجة ل ف دنياكم)‪!.‬‬
‫أ جل ل حا جة له ف دن يا الناس‪ ..‬ا نه من أولئك القدي سي الذ ين يبحثون عن ثراء الروح‪ ،‬وييون‬
‫الياة ليعطوا ل ليأخذوا‪!!..‬‬
‫ولقد طلب من الليفة عثمان رضي ال عنه أن يأذن له الروج ال الرّبذة فأذن له‪..‬‬
‫ولقد ظل وهو ف احتدام معارضته أمينا ل ورسوله‪ ،‬حافظا ف اعماق روحه النصيحة الت وجهها‬
‫اليه الرسول عليه الصلة والسلم أل يمل السيف‪ ..‬لكأن الرسول رأى الغيب كله‪ ..‬غيب أب ذر‬
‫ومستقبله‪ ،‬فأهدى اليه هذه النصيحة الغالية‪.‬‬
‫ومن ث ل يكن أبو ذر ليخفي انزعاجه حي يرى بعض الولعي بايقاد الفتنة يتخذون من دعوته سببا‬
‫لشباع ولعهم وكيدهم‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫جاءه يوما وهو ف الرّبدة وفد من الكوفة يسألونه أن يرفع راية الثورة ضد الليفة‪ ،‬فزجرهم بكلمات‬
‫حاسة‪:‬‬
‫" وال لو أن عثمان صنلبن على أطول خشبنة‪ ،‬أ جبنل‪ ،‬لسنمعت‪ ،‬وأطعنت‪ ،‬وصنبت واحتسنبت‪،‬‬
‫ورأيت ذلك خيا ل‪"..‬‬
‫" ولوسيّرن ما بي الفق ال الفق‪ ،‬لسمعت وأطعت‪ ،‬وصبت واحتسبت‪ ،‬ورأيت ذلك خيا ل‪..‬‬
‫" ولو ردّن ال منل‪ ،‬لسمعت وأطعت‪ ،‬وصبت واحتسبت‪ ،‬ورأيت ذلك خيا ل"‪..‬‬
‫ذلك رجل ل يريد غرضا من أغراض الدنيا‪ ،‬ومن ث أفاء ال عليه نور البصية‪ ..‬ومن ث مرة أخرى‬
‫أدرك ما تنطوي عليه الفتنة السلحة من وبال وخطر فتحاشاها‪ ..‬كما أدرك ما ينطوي عليه الصمت‬
‫من وبال وخطر‪ ،‬فتحاشاه أيضا‪ ،‬ورفع صوته ل سيفه بكلمة الق ولجة الصدق‪ ،‬ل أطماع تغريه‪..‬‬
‫ول عواقب تثنيه‪!..‬‬
‫لقد تفرّغ أبو ذر للمعارضة المينة وتبتّل‪.‬‬
‫وسيقضي عمره كله يدّق ف أخطاء الكم وأخطاء الال‪ ،‬فالكم والال يلكان من الغراء والفتنة‬
‫ما يافه أبو ذر على اخوانه الذين حلوا راية السلم مع رسولم صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والذين يب‬
‫أن يظلوا لا حاملي‪.‬‬
‫والكم والال أيضا‪ ،‬ها عصب الياة للمة والماعات‪ ،‬فاذا اعتورها الضلل تعرضت مصاير الناس‬
‫للخطر الكيد‪.‬‬
‫ول قد كان أ بو ذر يتم ن ل صحاب الر سول أل يلي أ حد من هم امارة أو ي مع ثروة‪ ،‬وأن يظلوا ك ما‬
‫كانوا روّاد للهدى‪ ،‬وعبّادا ل‪..‬‬
‫وقد كان يعرف ضراوة الدنيا وضراوة الال‪ ،‬وكان يدرك أن أبا بكر وعمر لن يتكررا‪ ..‬ولطالا سع‬
‫النب صلى ال عليه وسلم يذر أصحابه من اغراء المارة ويقول عنها‪:‬‬
‫"‪ ..‬انا أمانة‪ ،‬وانا يوم القيامة خزي وندامة‪ ..‬ال من أخذها بقها‪ ،‬وأدّى الذي عليه فيها"‪...‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ولقد بلغ المر بأب ذر ل تنّب اخوانه ان ل يكن مقاطعتهم‪،‬لنم ولوا المارات‪ ،‬وصار لم بطبيعة‬
‫الال ثراء وفرة‪..‬‬
‫لقيه أبو موسى الشعري يوما‪ ،‬فلم يكد يراه حت فتح له ذراعيه وهو يصيح من الفرح بلقائه‪ ":‬مرحبا‬
‫أبا ذر‪ ..‬مرحبا بأخي"‪.‬‬
‫ولكن أبا ذر دفعه عنه وهو يقول‪:‬‬
‫" لست بأخيك‪ ،‬انا كنت أخاك قبل أن تكون واليا وأميا"‪!..‬‬
‫كذلك لقيه أبو هريرة يوما واحتضنه مرحّبا‪ ،‬ولكن أبا ذر نّاه عنه بيده وقال له‪:‬‬
‫(اليك عن‪ ..‬ألست الذي وليت المارة‪ ،‬فتطاولت ف البنيان‪ ،‬واتذت لك ماشية وزرعا)‪..‬؟؟‬
‫ومضى أبو هريرة يدافع عن نفسه ويبئها من تلك الشائعات‪..‬‬
‫وقد يبدو أبو ذر مبالغا ف موقفه من الكم والثروة‪..‬‬
‫ول كن ل ب ذر منط قه الذي يشكله صدقه مع نف سه‪ ،‬و مع ايا نه‪ ،‬فأ بو ذر ي قف بأحل مه وأعماله‪..‬‬
‫بسلوكه ورؤاه‪ ،‬عند الستوى الذي خلفه لم رسول ال وصاحباه‪ ..‬أبو بكر وعمر‪..‬‬
‫واذا كان البعض يرى ف ذلك الستوى مثالية ل يدرك شأوها‪ ،‬فان ابا ذر يراها قدوة ترسم طريق‬
‫الياة والعمل‪ ،‬ول سيما لولئك الرجال الذين عاصروا الرسول عليه السلم‪ ،‬وصلوا وراءه‪ ،‬وجاهدوا‬
‫معه‪ ،‬وبايعوه على السمع والطاعة‪.‬‬
‫كما أنه يدرك بوعيه الضيء‪ ،‬ما للحكم وما للثروة من أثر حاسم ف مصاير الناس‪ ،‬ومن ث فان أي‬
‫خلل يصيب أمانة الكم‪ ،‬أو عدالة الثروة‪ ،‬يشكل خطرا يب دحضه ومعارضته‪.‬‬
‫**‬
‫ول قد عاش أ بو ذر ما ا ستطاع حامل لواء القدوة العظ مى للر سول عل يه ال سلم و صاحبيه‪ ،‬أمي نا‬
‫عليها‪ ،‬حارسا لا‪ ..‬وكان أستاذ ف فن التفوق على مغريات المارة والثروة‪...،‬‬
‫عرضت عليه المارة بالعراق فقال‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" ل وال‪ ..‬لن تيلوا عل ّي بدنياكم أبدا"‪..‬‬


‫ورآه صاحبه يوما يلبس جلبابا قديا فسأله‪:‬‬
‫أليس لك ثوب غي هذا‪..‬؟! لقد رأيت معك منذ أيام ثوبي جديدين‪..‬؟‬
‫فأجابه أبو ذر‪ " :‬يا بن أخي‪ ..‬لقد أعطيتهما من هو أحوج اليهما من"‪..‬‬
‫قال له‪ :‬وال انك لحتاج اليهما!!‬
‫فأجاب أب ذر‪" :‬اللهم غفر‪ ..‬انك لعظّم للدنيا‪ ،‬ألست ترى عل يّ هذه البدة‪..‬؟؟ ول أخرى لصلة‬
‫المعة‪ ،‬ول عنة أحلبها‪ ،‬وأتان أركبها‪ ،‬فأي نعمة أفضل ما نن فيه"‪..‬؟؟‬
‫**‬
‫وجلس يوما يدّث ويقول‪:‬‬
‫[أوصان خليلي بسبع‪..‬‬
‫أمرن بب الساكي والدنو منهم‪..‬‬
‫وأمرن أن أنظر ال من هو دون‪ ،‬ولأنظر ال من هو فوقي‪..‬‬
‫وأمرن أل أسأل أحد شيئا‪..‬‬
‫وأمرن أن أصل الرحم‪..‬‬
‫وأمرن أن أقول الق وان كان مرّا‪..‬‬
‫وأمرن أن ل أخاف ف ال لومة لئم‪..‬‬
‫وأمرن أن أكثر من‪ :‬ل حول ول قوة ال بال]‪.‬‬
‫ولقد عاش هذه الوصية‪ ،‬وصاغ حياته وفقها‪ ،‬حت صار "ضميا" بي قومه وأمته‪..‬‬
‫ويقول المام علي رضي ال عنه‪:‬‬
‫"ل يبق اليوم أحد ل يبال ف ال لومة لئم غي أب ذر"‪!!..‬‬
‫عاش يناهض استغلل الكم‪ ،‬واحتكار الثروة‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫عاش يدحض الطأ‪ ،‬ويبن الصواب‪..‬‬


‫عاش متبتل لسؤولية النصح والتحذير‪..‬‬
‫ينعونه من الفتوى‪ ،‬فيزداد صوته با ارتفاعا‪ ،‬ويقول لانعيه‪:‬‬
‫" والذي نفسي بيده‪ ،‬لو وضعتم السيف فوق عنقي‪ ،‬ث ظننت أن منفذ كلمة سعتها من رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم قبل أن تتزوا لنفذتا"‪!!..‬‬
‫ويا ليت السلمي استمعوا يومئذ لقوله ونصحه‪..‬‬
‫اذن ل ا ما تت ف مهد ها تلك الف ت ال ت تف قم في ما ب عد أمر ها وا ستفحل خطر ها‪ ،‬وعرّ ضت تادواة‬
‫والجتمع والسلم لخطار‪ ،‬ما كان أقساها من أخطار‪.‬‬
‫والن يعال أ بو ذر سكرات الوت ف الربذة‪ ..‬الكان الذي اختار القا مة ف يه ا ثر خل فه مع عثمان‬
‫رضي ال عنه‪ ،‬فتعالوا بنا اليه نؤد للراحل العظيم تية الوداع‪ ،‬ونبصر ف حياته الباهرة مشهد التام‪.‬‬
‫ان هذه السيدة السمراء الضامرة‪ ،‬الالسة ال جواره تبكي‪ ،‬هي زوجته‪..‬‬
‫وانه ليسألا‪ :‬فيم البكاء والوت حق‪..‬؟‬
‫فتجيبه بأنا تبكي‪ " :‬لنك توت‪ ،‬وليس عندي ثوب يسعك كفنا"‪!!..‬‬
‫"‪ ..‬ل تب كي‪ ،‬فا ن سعت ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ذات يوم وأ نا عنده ف ن فر من أ صحابه‬
‫يقول‪ :‬ليموتنّ رجل منكم بفلة من الرض‪ ،‬تشهده عصابة من الؤمني‪..‬‬
‫و كل من كان م عي ف ذلك الجلس مات ف جا عة وقر ية‪ ،‬ول ي بق من هم غيي ‪ ..‬وهأنذا بالفلة‬
‫أموت‪ ،‬فراقب الطريق‪ ،،‬فستطلع علينا عصابة من الؤمني‪ ،‬فان وال ما كذبت ول كذبت"‪.‬‬
‫وفاضت روحه ال ال‪..‬‬
‫ولقد صدق‪..‬‬
‫فهذه القافلة الت تغذ السي ف الصحراء‪ ،‬تؤلف جاعة من الؤمني‪ ،‬وعلى رأسهم عبدال بن مسعود‬
‫صاحب رسول ال‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وان ابن مسعود ليبصر الشهد قبل أن يبلغه‪ ..‬مشهد جسد متد يبدو كأنه جثمان ميّت‪ ،‬وال جواره‬
‫سيدة وغلم يبكيان‪..‬‬
‫ويلوي زمام دابته والركب معه صوب الشهد‪ ،‬ول يكاد يلقي نظرة على الثمان‪ ،‬حت تقع عيناه على‬
‫وجه صاحبه وأخيه ف ال والسلم أب ذر‪.‬‬
‫وتف يض عيناه بالد مع‪ ،‬ويقف على جثمانه الطا هر يقول‪ ":‬صدق ر سول ال‪ ..‬ن شي وحدك‪ ،‬وتوت‬
‫وحدك‪ ،‬وتبعث وحدك"‪!.‬‬
‫ويلس ا بن مسعود رضي ال ع نه ل صحبه تفسي تلك العبارة الت نعاه با‪ ":‬ت شي وحدك‪ ..‬وتوت‬
‫حدك‪ ..‬وتبعث وحدك"‪...‬‬
‫**‬
‫كان ذلك ف غزوة تبوك‪ ..‬سنة تسع من الجرة‪ ،‬وقد أمر الرسول عليه السلم بالتهيؤ للقاة الروم‪،‬‬
‫الذين شرعوا يكيدون للسلم ويأترون به‪.‬‬
‫وكانت اليام الت دعى فيها الناس للجهاد أيام عسر وقيظ‪..‬‬
‫وكانت الشقة بعيدة‪ ..‬والعدو ميفا‪..‬‬
‫ولقد تقاعس عن الروج نفر من السلمي‪ ،‬تعللوا بشت العاذير‪..‬‬
‫وخرج الرسنول وصنحبه‪ ..‬وكلمنا أمعنوا فن السني ازدادوا جهدا ومشقنة‪ ،‬فجعنل الرجنل يتخلف‪،‬‬
‫ويقولون يا رسول اللهتخلف فلن‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫" دعوه‪.‬‬
‫فان يك فيه خي فسيلحقه ال بكم‪..‬‬
‫وان يك غي ذلك فقد أراحكم ال منه"‪!!..‬‬
‫وتلفت القوم ذات مرة‪ ،‬فلم يدوا أبا ذر‪ ..‬وقالوا للرسول عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫لقد تلف أبو ذر‪ ،‬وأبطأ به بعيه‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وأعاد الرسول مقالته الول‪..‬‬


‫كان بعي أب ذر قد ضعف تت وطأة الوع والظمأ والر وتعثرت من العياء خطاه‪..‬‬
‫وحاول أبو ذر أن يدفعه للسي الثيث بكل حيلة وجهد‪ ،‬ولكن العياء كان يلقي ثقله على البعي‪..‬‬
‫ورأى أبو ذر أنه بذا سيتخلف عن السلمي وينقطع دونم الثر‪ ،‬فنل من فوق ظهر البعي‪ ،‬وأخذ‬
‫متاعه وحله على ظهره ومضى ماشيا على قدميه‪ ،‬مهرول‪ ،‬وسط صحراء ملتهبة‪ ،‬كما يدرك رسوله‬
‫عليه السلم وصحبه‪..‬‬
‫و ف الغداة‪ ،‬و قد و ضع ال سلمون رحال م لي ستريوا‪ ،‬ب صر أحد هم فرأى سحابة من الن قع والغبار‬
‫تفي وراءها شبح رجل يغذ السي‪..‬‬
‫وقال الذي رأى‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬هذا رجل يشي على الطريق وحده‪..‬‬
‫وقال الرسول عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫(كن أبا ذر)‪..‬‬
‫وعادوا ل ا كانوا ف يه من حد يث‪ ،‬ريث ما يق طع القادم ال سافة ال ت تف صله عن هم‪ ،‬وعند ها يعرفون من‬
‫هو‪..‬‬
‫وأخذ السافر الليل يقترب منهم رويدا‪ ..‬يقتلع خطاه من الرمل التلظي اقتلعا‪ ،‬وحله فوق ظهره‬
‫بتؤدة‪ ..‬ولكننه مغتبنط فرحان لننه أردك القافلة الباركنة‪ ،‬ول يتخلف عنن رسنول ال واخواننه‬
‫الجاهدين‪..‬‬
‫وحي بلغ أول القافلة‪ ،‬صاح صائهحم‪ :‬يار سول ال‪ :‬انه وال أبا ذر‪..‬‬
‫وسار أبو ذر صوب الرسول‪.‬‬
‫ول يكد صلى ال عليه وسلم يراه حت تألقت على وجهه ابتسامة حانية واسية‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫[يرحم ال أبا ذر‪..‬‬
‫يشي وحده‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ويوت وحده‪..‬‬
‫ويبعث وحده‪.]..‬‬
‫وبعد مضي عشرين عاما على هذا اليوم أو تزيد‪ ،‬مات أبو ذر وحيدا‪ ،‬ف فلة الربذة‪ ..‬بعد أن سار‬
‫حيا ته كل ها وحيدا على طر يق ل يتألق فو قه سواه‪ ..‬ول قد ب عث ف التار يخ وحيدا ف عظ مة زهده‪،‬‬
‫وبطولة صموده‪..‬‬
‫ولسنوف يبعنث عنند ال وحيدا كذلك؛ لن زحام فضائله التعددة‪ ،‬لن يترك بانبنه مكاننا لحند‬
‫سواه‪!!!..‬‬
‫بلل بن رباح‬
‫الساخر من الهوال‬
‫كان عمر بن الطاب‪ ،‬اذا ذكر أبو بكر قال‪:‬‬
‫" أبو بكر سيدنا وأعتق سيّدنا"‪..‬‬
‫يعن بلل رضي ال عنه‪..‬‬
‫وان رجل يلقبه عمر بسيدنا هو رجل عظيم ومظوظ‪..‬‬
‫لكن هذا الرجل الشديد السمرة‪ ،‬النحيف الناحل‪ ،‬الفرط الطول الكث الشعر‪ ،‬الفيف العارضي‪ ،‬ل‬
‫ي كن يسنمع كلمات الدح والثناء توجنه ال يه‪ ،‬وتغدق علينه‪ ،‬ال وينن رأ سه وي غض طرفنه‪ ،‬ويقول‬
‫وعباته على وجنتيه تسيل‪:‬‬
‫"انا أنا حبشي‪ ..‬كنت بالمس عبدا"‪!!..‬‬
‫فمن هذا البشي الذي كان بالمس عبدا‪!!..‬‬
‫انه "بلل بن رباح" مؤذن السلم‪ ،‬ومزعج الصنام‪..‬‬
‫انه احدى معجزات اليان والصدق‪.‬‬
‫احدى معجزات السلم العظيم‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ف كل عشرة مسلمي‪ .‬منذ بدأ السلم ال اليوم‪ ،‬وال ما شاء ال سنلتقي بسبعة على القل يعرفون‬
‫بلل‪..‬‬
‫أي أن هناك مئات الليي من البشر عب القرون والجيال عرفوا بلل‪ ،‬وحفظوا اسه‪ ،‬وعرفوا دوره‪.‬‬
‫تاما كما عرفوا أعظم خليفتي ف السلم‪ :‬أب بكر وعمر‪!!...‬‬
‫وانك لتسأل الطفل الذي ل يزال يبو ف سنوات دراسته الول ف مصر‪ ،‬أ‪ ،‬باكستان‪ ،‬أ‪ ،‬الصي‪..‬‬
‫وف المريكيتي‪ ،‬وأوروبا وروسيا‪..‬‬
‫وف تاعراق ‪ ،‬وسوريا‪ ،‬وايران والسودان‪..‬‬
‫ف تونس والغرب والزائر‪..‬‬
‫ف أعماق أفريقيا‪ ،‬وفوق هضاب آسيا‪..‬‬
‫ف كل يقعة من الرض يقتنها مسلمون‪ ،‬تستطيع أن تسأل أي طفل مسلم‪ :‬من بلل يا غلم؟‬
‫فيجي بك‪ :‬ا نه مؤذن الر سول‪ ..‬وا نه الع بد الذي كان سيّده يعذ به بالجارة ال ستعرّة ليدّه عن دي نه‪،‬‬
‫فيقول‪:‬‬
‫"أحد‪ ..‬أحد‪"..‬‬
‫وحينما تبصر هذا اللود الذي منحه السلم بلل‪ ..‬فاعلم أن بلل هذا‪ ،‬ل يكن قبل السلم أكثر‬
‫من ع بد رق يق‪ ،‬ير عى ا بل سيّده على حفنات من الت مر‪ ،‬ح ت ي طو به الوت‪ ،‬ويطوّح به ال أعماق‬
‫النسيان‪..‬‬
‫لكن صدق ايانه‪ ،‬وعظمة الدين الذي آمن به بوأه ف حياته‪ ،‬وف تاريه مكانا عليّا ف السلم بي‬
‫العظماء والشرفاء والكرماء‪...‬‬
‫ان كثيا من عليّة الب شر‪ ،‬وذوي الاه والنفوذ والثروة في هم‪ ،‬ل يظفروا بعشار اللود الذي ظ فر به‬
‫بلل العبد البشي‪!!..‬‬
‫بل ان كثيا من أبطال التاريخ ل ينالوا من الشهرة التاريية بعض الذي ناله بلل‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ان سواد بشرته‪ ،‬وتواضع حسبه ونسبه‪ ،‬وهوانه على النس كعبد رقيق‪ ،‬ل يرمه حي آثر السلم‬
‫دينا‪ ،‬من أن يتبوأ الكان الرفيع الذي يؤهله له صدقه ويقينه‪ ،‬وطهره‪ ،‬وتفانيه‪..‬‬
‫ان ذلك كله ل ي كن له ف ميزان تقيي مه وتكري ه أي ح ساب‪ ،‬ال ح ساب الده شة ح ي تو جد‬
‫العظمة ف غي مظانا‪..‬‬
‫فل قد كان الناس يظنون أن عبدا م ثل بلل‪ ،‬ينت مي ال أ صول غري بة‪ ..‬ل يس له أ هل‪ ،‬ول حول‪ ،‬ول‬
‫يلك من حيا ته شيئا‪ ،‬ف هو ملك ل سيّده الذي اشتراه باله‪ ..‬يروح ويغدو و سط شويهات سيده وابله‬
‫وماشيته‪..‬‬
‫كانوا يظنون أن مثل هذا الكائن‪ ،‬ل يكن أن يقدر على شيء ول أن يكون شيئا‪..‬‬
‫ثن اذا هنو يلف الظنون جيعنا‪ ،‬فيقدر على ايان‪ ،‬هيهات أن يقدر على مثله سنواه‪ ..‬ثن يكون أول‬
‫مؤذن للرسول والسلم العمل الذي كان يتمناه لنفسه كل سادة قريش وعظمائها من الذين أسلموا‬
‫واتبعوا الرسول‪!!..‬‬
‫أجل‪ ..‬بلل بن رباح!‬
‫أيّة بطولة‪ ..‬وأيّة عظمة تعب عنها هذه الكلمات الثلث بلل ابن رباح‪..‬؟!‬
‫**‬
‫انه حبشي من أمة السود‪ ...‬جعلته مقاديره عبدا لناس من بن جح بكة‪ ،‬حيث كانت أمه احدى‬
‫امائهم وجواريهم‪..‬‬
‫كان يعيش عيشة الرقيق‪ ،‬تضي أيامه متشابة قاحلة‪ ،‬ل حق له ف يومه‪ ،‬ول أمل له ف غده‪!!..‬‬
‫ول قد بدأت أنباء ممند تنادي سعه‪ ،‬ح ي أ خذ ال نس ف م كة يتناقلون ا‪ ،‬وح ي كان ي صغي ال‬
‫أحاديث ساداته وأضياف هم‪ ،‬سيما "أمية بن خلف" أحد شيوخ ب ن جح ال قبيلة الت كان بلل أحد‬
‫عبيدها‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫لطالا سع أمية وهو يتحدّث مع أصدقائه حينا‪ ،‬وأفراد قبيلته أحيانا عن الرسول حديثا يطفح غيظا‪،‬‬
‫وغمّا وشرا‪..‬‬
‫وكانت أذن بلل تلتقط من بي كلمات الغيظ الجنون‪ ،‬الصفات الت تصور له هذا الدين الديد‪..‬‬
‫وكان ي س أن ا صفات جديدة على هذه البيئة ال ت يع يش في ها‪ ..‬ك ما كا نت أذ نه تلت قط من خلل‬
‫أحاديثهم الراعدة التوعدة اعترافهم بشرف ممد وصدقه وأمانته‪!!..‬‬
‫أجل انه ليسمعهم يعجبون‪ ،‬ويارون‪ ،‬ف هذا الذي جاء به ممد‪!!..‬‬
‫ويقول بعض هم لب عض‪ :‬ما كان م مد يو ما كاذ با‪ .‬ول ساحرا‪..‬ول منو نا‪ ..‬وان ام ي كن ل نا بد من‬
‫وصمه اليوم بذلك كله‪ ،‬حت نصدّ عنه الذين سيسارعون ال دينه‪!!..‬‬
‫سعهم يتحدّثون عن أمانته‪..‬‬
‫عن وفائه‪..‬‬
‫عن رجولته وخلقه‪..‬‬
‫عن نزاهته ورجاحة عقله‪..‬‬
‫وسعهم يتهامسون بالسباب الت تملهم على تد يّ وعداوته‪ ،‬تلك هي‪ :‬ولؤهم لدين آبائهم أول‪.‬‬
‫والوف على مد قريش ثانيا‪ ،‬ذلك الجد الذي يفيئه عليها مركزها الدين‪ ،‬كعاصمة للعبادة والنسك‬
‫ف جزيرة العرب كلها‪ ،‬ث القد على بن هاشم‪ ،‬أن يرج منهم دون غيهم نب ورسول‪!...‬‬
‫**‬
‫وذات يوم يب صر بلل ب رباح نور ال‪ ،‬ويسمع ف أعماق رو حه اليّرة رنينه‪ ،‬فيذ هب ال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ويسلم‪..‬‬
‫ول يل بث خب ا سلمه أن يذ يع‪ ..‬وتدور الرض برؤوس أ سياده من ب ن ج ح‪ ..‬تلك الرؤوس ال ت‬
‫نفخها الكب وأثقلها الغرور‪ !!..‬وتثم شياطي الرض فوق صدر أميّة بن خلف الذي رأى ف اسلم‬
‫عبد من عبيدهم لطمة جللتهم جيعا بالزي والعار‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫عبدهم البشي يسلم ويتبع ممد‪..‬؟!‬


‫ويقول أميّة لنفسه‪ :‬ومع هذا فل بأس‪ ..‬ان شس هذا اليوم لن تغرب ال ويغرب معها اسلم هذا العبد‬
‫البق‪!!..‬‬
‫ول كن الش مس ل تغرب قط با سلم بلل بل غر بت ذات يوم بأ صنام قر يش كل ها‪ ،‬وحاة الوثن ية‬
‫فيها‪!...‬‬
‫**‬
‫أ ما بلل ف قد كان له مو قف ل يس شر فا لل سلم وحده‪ ،‬وان كان ال سلم أ حق به‪ ،‬ولك نه شرف‬
‫للنسانية جيعا‪..‬‬
‫لقد صمد لقسى الوان التعذيب صمود البار العظام‪.‬‬
‫ولكأنان جعله ال مثل على أن سنواد البشرة وعبودينة الرقبنة ل ينالن منن عظمنة الروح اذا وجدت‬
‫ايانا‪ ،‬واعتصمت بباريها‪ ،‬وتشبثت بقها‪..‬‬
‫لقد أعطى بلل درسا بليغا للذين ف زمانه‪ ،‬وف كل مان‪ ،‬للذين على دينه وعلى كل دين‪ ..‬درسا‬
‫فحواه أن حريّة الضمي وسيادته ل يباعان بلء الرض ذهبا‪ ،‬ول بلئها عذابا‪..‬‬
‫لقد وضع عريانا فوق المر‪ ،‬على أن يزيغ عن دينه‪ ،‬أو يزيف اقتناعه فأب‪..‬‬
‫لقد جعل الرسول عليه الصلة والسلم‪ ،‬والسلم‪ ،‬من هذا العبد البشي الستضعف أستاذا للبشرية‬
‫كلها ف فن احترام الضمي‪ ،‬والدفاع عن حريته وسيادته‪..‬‬
‫لقد كانوا يرجون به ف الظهية الت تتحول الصحراء فيها ال جهنم قاتلة‪ ..‬فيطرحونه على حصاها‬
‫الات ب و هو عريان‪ ،‬ث يأتون ب جر م ستعر كالم يم ينقله من مكا نه بض عة رجال‪ ،‬ويلقون به فوق‬
‫جسده وصدره‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ويتكرر هذا العذاب الوحشي كل يوم‪ ،‬حت رقّت لبلل من هول عذابه بعض قلوب جلديه‪ ،‬فرضوا‬
‫آ خر ال مر أن يلوا سبيله‪ ،‬على أن يذ كر آلت هم ب ي ولو بكل مة واحدة ت فظ ل م كبياءهم‪ ،‬ول‬
‫تتحدث قريش أنم انزموا صاغرين أمام صمود عبدهم واصراره‪..‬‬
‫ول كن ح ت هذه الكل مة الواحدة العابرة ال ت ي ستطيع أن يلقي ها من وراء قل به‪ ،‬ويشتري ب ا حيا ته‬
‫نفسه‪ ،‬دون أن يفقد ايانه‪ ،‬ويتخلى عن اقتناعه‪..‬‬
‫حت هذه الكلمة الواحدة رفض بلل أن يقولا‪!..‬‬
‫نعم لقد رفض أن يقولا‪ ،‬وصار يردد مكانا نشيده الالد‪":‬أحد أحد"‬
‫يقولون له‪ :‬قل كما نقول‪..‬‬
‫فيجيبهم ف تكم عجيب وسخرية كاوية‪:‬‬
‫"ان لسان ل يسنه"‪!!..‬‬
‫ويظل بلل ف ذوب الميم وصخره‪ ،‬حت اذا حان الصيل أقاموه‪ ،‬وجعلوا ف عنقه حبل‪ ،‬ث أمروا‬
‫صبيانم أن يطوفوا به جبال مكة وشوارعها‪ .‬وبلل ل يلهج لسانه بغي نشيده القدس‪ ":‬أحد أحد"‪.‬‬
‫وكأن اذا جنّ عليهم الليل يساومونه‪:‬‬
‫غدا قل كلمات خي ف آلتنا‪ ،‬قل رب اللت والعزى‪ ،‬لنذرك وشأتك‪ ،‬فقد تعبنا من تعذيبك‪ ،‬حت‬
‫لكأننا نن العذبون!‬
‫فيهز رأسه ويقول‪ ":‬أحد‪ ..‬أحد‪."..‬‬
‫ويلكزه أم ية بن خلف وينف جر غمّا وغي ظا‪ ،‬وي صيح‪ :‬أي شؤم رما نا بك يا ع بد ال سوء‪..‬؟واللت‬
‫والعزى لجعلنك للعبيد والسادة مثل‪.‬‬
‫وييب بلل ف يقي الؤمن وعظمة القديس‪:‬‬
‫"أحد‪ ..‬أحد‪"..‬‬
‫ويعود للحديث والساومة‪ ،‬من وكل اليه تثيل دور الشفق عليه‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫خل عنك يا أميّة‪ ..‬واللت لن يعذب بعد اليوم‪ ،‬ان بلل منا أمه جاريتنا‪ ،‬وانه لن يرضى أن يعلنا‬
‫باسلمه حديث قريش وسخريّتها‪..‬‬
‫ويدّق بلل فن الوجوه الكاذبنة الاكرة‪ ،‬ويفتنر ثغره عنن ابتسنامة كضوء الفجنر‪ ،‬ويقول فن هدوء‬
‫يزلزلم زلزال‪:‬‬
‫"أحد‪ ..‬أحد‪"..‬‬
‫وتيء الغداة وتقترب الظهية‪ ،‬ويؤخذ بلل ال الرمضاء‪ ،‬وهو صابر متسب‪ ،‬صامد ثابت‪.‬‬
‫ويذهب اليهم أبو بكر الصديق وهو يعذبونه‪ ،‬ويصيح بم‪:‬‬
‫(أتقتلون رجل أن يقول رب ال)؟؟‬
‫ث يصيح ف أميّة بن خلف‪ :‬خذ أكثر من ثنه واتركه حرا‪..‬‬
‫وكأنا كان أمية يغرق وأدركه زورق النجاة‪..‬‬
‫لقد طابت نفسه وسعدت حي سع أبا بكر يعرض ثن تريره اذ كان اليأس من تطويع لل قد بلغ‬
‫ف ف نفوسهم أشده‪ ،‬ولنم كانوا من التجار‪ ،‬فقد أردكوا أن بيعه أربح لم من موته‪..‬‬
‫باعوه لب بكر الذي حرّره من فوره‪ ،‬وأخذ بلل مكانه بي الرجال الحرار‪...‬‬
‫وحي كان الصدّيق يتأبط ذراع بلل منطلقا به ال الرية قال له أمية‪:‬‬
‫خذه‪ ،‬فواللت والعزى‪ ،‬لو أبيت ال أن تشتريه بأوقية واحدة لبعتكه با‪..‬‬
‫وفطن أبو بكر لا ف هذه الكلمات من مرارة اليأس وخيبة المل وكان حريّا بأل ييبه‪..‬‬
‫ولكن لن فيها مساسا بكرامة هذا الذي قد صار أخا له‪ ،‬وندّا‪،‬أجاب أمية قائل‪:‬‬
‫وال لو أبيتم أنتم ال مائة أوقية لدفعتها‪!!..‬‬
‫وانطلق بصاحبه ال رسول ال يبشره بتحريره‪ ..‬وكان عيدا عظيما!‬
‫وبعد هجرة الرسول والسلمي ال الدينة‪ ،‬واستقرارهم با‪ ،‬يشرّع الرسول للصلة أذانا‪..‬‬
‫فمن يكون الؤذن للصلة خس مرات كل يوم‪..‬؟ وتصدح عب الفق تكبياته وتليلته‪..‬؟‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫انه بلل‪ ..‬الذي صاح منذ ثلث عشرة سنة والعذاب يهدّه ويشويه أن‪" :‬ال أحد‪..‬أحد"‪.‬‬
‫لقد وقع اختيار الرسول عليه اليوم ليكون أول مؤذن للسلم‪.‬‬
‫وبصوته النديّ الشجيّ مضى يل الفئدة ايانا‪ ،‬والساع روعة وهو ينادى‪:‬‬
‫ال أكب‪ ..‬ال أكب‬
‫ال أكب ‪ ..‬ال أكب‬
‫أشهد أن لاله ال ال‬
‫أشهد أن ل اله ال ال‬
‫أشهد أن ممدا رسول ال‬
‫أشهد أن ممدا رسول ال‬
‫حي على الصلة‬
‫حي على الصلة‬
‫حي على الفلح‬
‫حي على الفلح‬
‫ال أكب‪ ..‬ال أكب‬
‫لاله ال ال‪...‬‬
‫ونشب القتال بي السلمي وجيش قريش الذي قدم ال الدينة غازيا‪..‬‬
‫وتدور الرب عنيفة قاسية ضار ية‪..‬وبلل هناك ي صول ويول ف أول غزوة يوضها ال سلم‪ ،‬غزوة‬
‫بدر‪ ..‬تلك الغزوة الت أمر الرسول عليه السلم أن يكون شعارها‪" :‬أحد‪..‬أحد"‪.‬‬
‫**‬
‫ف هذه الغزوة ألقت قريش بأفلذ أكبادها‪ ،‬وخرج أشرافها جيعا لصارعهم‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ولقد همّ بالنكوص عن الروج "أمية بن خلف" ‪ ..‬هذا الذي كان سيدا لبلل‪ ،‬والذي كان يعذبه ف‬
‫وحشيّة قاتلة‪..‬‬
‫ه مّ بالنكوص لول أن ذ هب ال يه صديقه "عق بة بن أ ب مع يط" ح ي علم عن ن بأ تاذله وتقاع سه‪،‬‬
‫حامل ف يينه ممرة حت اذا واجهه وهو جالس وسط قومه‪ ،‬ألقى المرة بي يديه وقال له‪ :‬يا أبا‬
‫علي‪ ،‬استجمر ببذ‪ ،‬فانا أنت من النساء‪!!!..‬‬
‫وصاح به أمية قائل‪ :‬قبحك ال‪ ،‬وقبّح ما جئت به‪..‬‬
‫ث ل يد بدّا من الروج مع الغزاة فخرج‪..‬‬
‫أيّة أسرار للقدر‪ ،‬يطويها وينشرها‪..‬؟‬
‫لقند كان عقبنة بنن أبن معينط أكنب مشجنع لمينة على تعذينب بلل‪ ،‬وغين بلل منن السنلمي‬
‫الستضعفي‪..‬‬
‫واليوم هو نفسه الذي يغريه بالروج ال غزوة بدر الت سيكون فيها مصرعه‪!!..‬‬
‫كما سيكون فيها مصرع عقبة أيضا!‬
‫لقند كان أمينة منن القاعدينن عنن الرب‪ ..‬ولول تشهين عقبنة بنه على هذا النحنو الذي رأيناه لان‬
‫خرج‪!!..‬‬
‫ول كن ال بالغ أمره‪ ،‬فليخرج أم ية فان بي نه وب ي ع بد من عباد ال ح سابا قدي ا‪ ،‬جاء أوان ت صفيته‪،‬‬
‫فالديّان ل يوت‪ ،‬وكما تدينون تدانون‪!!..‬‬
‫وان القدر ليحلو له أن يسخر بالبارين‪ ..‬فعقبة الذي كان أمية يصغي لتحريضه‪ ،‬ويسارع اى هواه‬
‫ف تعذيب الؤمني البرياء‪ ،‬هو نفسه الذب سيقود أميّة ال مصرعه‪..‬‬
‫وبيد من‪..‬؟‬
‫بيد بلل نفسه‪ ..‬وبلل وحده!!‬
‫نفس اليد الت طوّقها أميّة بالسلسل‪ ،‬وأوجع صاحبها ضربا‪ ،‬وعذابا‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫مع هذه ال يد ذات ا‪ ،‬هي اليوم‪ ،‬و ف غزوة بدر‪ ،‬على مو عد أجاد القدر توقي ته‪ ،‬مع جلد قر يش الذي‬
‫أذل الؤمني بغيا وعدوا‪..‬‬
‫ولقد حدث هذا تاما‪..‬‬
‫وح ي بدأ القتال ب ي الفريق ي‪ ،‬وار تج جا نب العر كة من ق بل ال سلمي بشعار هم‪ ":‬أ حد‪ ..‬أ حد"‬
‫انلع قلب أمية‪ ،‬وجاءه النذير‪..‬‬
‫ان الكلمة الت كان يرددها بالمس عبد تت وقع العذاب والول قد صارت اليوم شعار دين بأسره‬
‫وشعار المة الديدة كلها‪!!..‬‬
‫"أحد‪..‬أحد"؟؟!!‬
‫أهكذا‪..‬؟ وبذه السرعة‪ ..‬وهذا النمو العظيم‪..‬؟؟‬
‫**‬
‫وتلحت السيوف وحي القتال‪..‬‬
‫وبين ما العر كة تقترب من نايت ها‪ ،‬ل ح أم ية بن خلف" ع بد الرح ن بن عوف" صاحب ر سول ال‪،‬‬
‫فاحتمى به‪ ،‬وطلب اليه أن يكون أسيه رجاء أن يلص بياته‪..‬‬
‫وقبل عبد الرحن عرضه وأجاره‪ ،‬ث سار به وسط العمعمة ال مكان السرى‪.‬‬
‫وف الطريق لح بلل فصاح قائل‪:‬‬
‫"رأس الكفر أميّة بن خلف‪ ..‬ل نوت ان نا"‪.‬‬
‫ورفع سيفه ليقطف الرأس الذي لطالا أثقله الغرور والكب‪ ،‬فصاح به عبد الرحن بن عوف‪:‬‬
‫"أي بلل‪ ..‬انه أسيي"‪.‬‬
‫أسي والرب مشبوبة دائرة‪..‬؟‬
‫أسي وسيفه يقطر دما ما كان يصنع قبل لظة ف أجساد السلمي‪..‬؟‬
‫ل‪ ..‬ذلك ف رأي بلل ضحك بالعقول وسخرية‪ ..‬ولقد ضحك أمية وسخر با فيه الكفاية‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫سخر حت ل يترك من السخرية بقية يدخرها ليوم مثل هذا اليوم‪ ،‬وهذا الأزق‪ ،‬وهذا الصي‪!!..‬‬
‫ورأى بلل أنه لن يقدر وحده على اقتحام حى أخيه ف الدين عبد الرحن بن عوف‪ ،‬فصاح بأعلى‬
‫صوته ف السلمي‪:‬‬
‫"يا أنصار ال‪ ..‬رأس الكفر أمية بن خلف‪ ،‬ل نوت ان نا"‪!...‬‬
‫وأقبلت كوكبة من السلمي تقطر سيوفهم النايا‪ ،‬وأحاطت بأمية وابنه ول يستطع عبد الرحن بن‬
‫عوف أن يصنع شيئا‪ ..‬بل ل يستطع أن يمي أذراعه الت بددها الزحتم‪.‬‬
‫وأل قى بلل على جثمان أم ية الذي هوى ت ت ال سيوف القا صفة نظرة طويلة‪ ،‬ث هرول ع نه م سرعا‬
‫وصوته النديّ يصيح‪:‬‬
‫"أحد‪ ..‬أحد‪"..‬‬
‫**‬
‫ل أظن أن من حقنا أن نبحث عن فضيلة التسامح لدى بلل ف مثل هذا القام‪..‬‬
‫فلو أن اللقاء بي بلل وأمية تّ ف ظروف أخرى‪ ،‬لازنا أن نسال بلل حق التسامح‪ ،‬وما كان لرجل‬
‫ف مثل ايانه وتقاه أن يبخل به‪.‬‬
‫لكن اللقاء الذي ت بينهما‪ ،‬كان ف حرب‪ ،‬جاءها كل فريق ليفن غريه‪..‬‬
‫السيوف تتوهج‪ ..‬والقتلى يسقطون‪ ..‬والنايا تتواثب‪ ،‬ث يبصر بلل أمية الذي ل يترك ف جسده‬
‫موضع أنلة ال ويمل آثار تعذيب‪.‬‬
‫وأين يبصره وكيف‪..‬؟‬
‫يبصره ف ساحة الرب والقتال يصد بسيفه كل ما يناله من رؤوس السلمي‪ ،‬ولو أدرك رأس بلل‬
‫ساعتئذ لطوّح به‪..‬‬
‫ف ظروف كهذه يلت قي الرجلن في ها‪ ،‬ل يكون من الن طق العادل ف ش يء أن ن سأل بلل‪ :‬لاذا ل‬
‫يصفح الصفح الميل‪..‬؟؟‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫**‬
‫وتضي اليام وتفتح مكة‪..‬‬
‫ويدخلها الرسول شاكرا مكبا على رأس عشرة آلف من السلمي‪..‬‬
‫ويتوجه ال الكعبة رأسا‪ ..‬هذا الكان القدس الذي زحته قريش بعدد أيام السنة من الصنام‪!!..‬‬
‫لقد جاء الق وزهق الباطل‪..‬‬
‫ومن اليوم ل عزى‪ ..‬ول لت‪ ..‬ول هبل‪ ..‬لن ين النسان بعد اليوم هامته لجر‪ ،‬ول وثن‪ ..‬ولن‬
‫يعبد الناس ملء ضمائرهم ال ال ال ليس كمثله شيء‪ ،‬الواحد الحد‪ ،‬الكبي التعال‪..‬‬
‫ويدخل الرسول الكعبة‪ ،‬مصطحبا معه بلل‪!..‬‬
‫ول يكاد يدخلها حت يواجه تثال منحوتا‪ ،‬يثل ابراهيم عليه السلم وهو يستقسم بالزلم‪ ،‬فيغضب‬
‫الرسول ويقول‪:‬‬
‫"قاتلهم ال‪..‬‬
‫ما كان شيخنا يستقسم بالزلم‪ ..‬ما كان ابراهيم يهوديا ول نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما‬
‫كان من الشركي"‪.‬‬
‫ويأمر بلل أن يعلو ظهر السجد‪ ،‬ويؤذن‪.‬‬
‫ويؤذن بلل‪ ..‬فيالروعة الزمان‪ ،‬واملكان‪ ،‬والناسبة‪!!..‬‬
‫كفت الياة ف مكة عن الركة‪ ،‬ووقفت اللوف السلمة كالنسمة الساكنة‪ ،‬تردد ف خشوع وهس‬
‫كلمات الذان ورء بلل‪.‬‬
‫والشركون ف بيوتم ل يكادون يصدقون‪:‬‬
‫أهذا هو ممد وفقراؤه الذين أخرجوا بالمس من هذا الديار‪..‬؟؟‬
‫أهذا هو حقا‪ ،‬ومعه عشرة آلف من الؤمني‪..‬؟؟‬
‫أهذا هو حقا الذي قاتلناه‪ ،‬وطاردنبه‪ ،‬وقتلنا أحب الناس اليه‪..‬؟‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫أهذا هو حقا الذي كان ياطبنا من لظات ورقابنا بي يديه‪ ،‬ويقول لنا‪:‬‬
‫"اذهبوا فأنتم الطلقاء"‪!!..‬‬
‫ولكن ثلثة من أشراف قريش‪ ،‬كانوا جلوسا بفناء الكعبة‪ ،‬وكأنا يلفحهم مشهد بلل وهو يدوس‬
‫أ صنامهم بقدم يه‪ ،‬وير سل من فوق ركام ها اله يل صوته بالذان النت شر ف آفاق م كة كل ها ك عبي‬
‫الربيع‪..‬‬
‫أما هؤلء الثلثة فهم‪ ،‬أبوسفيان بن حرب‪ ،‬وكان قد أسلم منذ ساعات‪ ،‬وعتّاب بن أسيد‪ ،‬والارث‬
‫بن هشام‪ ،‬وكانا ل يسلما بعد‪.‬‬
‫قال عتاب وعينه على بلل وهو يصدح بأذانه‪:‬‬
‫لقد أكرم ال اسيدا‪ ،‬أل يكون سع هذا فيسمع منه ما يغيظه‪ .‬وقال الارث‪:‬‬
‫أما وال لو أعلم أن ممدا مق لتبعته‪!!..‬‬
‫وعقب أبو سفيان الداهية على حديثهما قائل‪:‬‬
‫ا ن ل أقول شيئا‪ ،‬فلو تكل مت ل خبت ع ن هذه ال صى!! وح ي غادر ال نب الكع بة رآ هم‪ ،‬وقرأ‬
‫وجوههم ف لظة‪ ،‬قال وعيناه تتألقان بنور ال‪ ،‬وفرحة النصر‪:‬‬
‫قد علمت الذي قلتم‪!!!..‬‬
‫ومضى يدثهم با قالوا‪..‬‬
‫فصاح الارث وعتاب‪:‬‬
‫نشهد أنك رسول ال‪ ،‬وال ما سعنا أحد فنقول أخبك‪!!..‬‬
‫واستقبل بلل بقلوب جديدة‪..‬ف أفئدتم صدى الكلمات الت سعوها ف خطاب الرسول أول دخول‬
‫مكة‪:‬‬
‫" يامعشر قريش‪..‬‬
‫ان ال قد أذهب عنكم نوة الاهلية وتعظمها بالباء‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫الناس من آدم وآدم من تراب"‪..‬‬


‫**‬
‫وعاش بلل مع ر سول ال صلى ال عليه و سلم‪ ،‬يشهد م عه الشا هد كل ها‪ ،‬يؤذن لل صلة‪ ،‬وييي‬
‫ويمي شعائر هذا الدين العظيم الذي أخرجه من الظلمات ال النور‪ ،‬ومن الرق ال الريّة‪..‬‬
‫وعل شأن ال سلم‪ ،‬وعل م عه شأن ال سلمي‪ ،‬وكان بلل يزداد كل يوم قر با من قلب ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم الذي كان يصفه بأنه‪ ":‬رجل من أهل النة"‪..‬‬
‫لكن بلل بقي كما هو كريا متواضعا‪ ،‬ل يرى نفسه ال أنه‪ ":‬البشي الذي كان بالمس عبدا"‪!!..‬‬
‫ذهب يوما يطب لنفسه ولخيه زوجتي فقال لبيهما‪:‬‬
‫"أنا بلل‪ ،‬هذا أخي عبدان من البشة‪ ..‬كنا ضالي فهدانا ال‪ ..‬ومنا عبدين فأعتقنا ال‪ ..‬ان تزوّجونا‬
‫فالمد ل‪ ..‬وان تنعونا فال أكب‪!!"..‬‬
‫**‬
‫وذ هب الر سول ال الرف يق العلى راض يا مرض يا‪ ،‬ون ض بأ مر ال سلمي من بعده خليف ته أ بو ب كر‬
‫الصديق‪..‬‬
‫وذهب بلل ال خليفة رسول ال يقول له‪:‬‬
‫" يا خليفة رسول ال‪..‬‬
‫ان سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪ :‬أفضل عمل لبمؤمن الهاد ف سبيل ال"‪..‬‬
‫فقال له أبو بكر‪ :‬فما تشاء يا بلل‪..‬؟‬
‫قال‪ :‬أردت أن أرابط ف سبيل ال حتىأموت‪..‬‬
‫قال أبو بكر ومن يؤذن لنا؟‬
‫قال بلل وعيناه تفيضان من الدمع‪ ،‬ان ل أؤذن لحد بعد رسول ال‪.‬‬
‫قال أبو بكر‪ :‬بل ابق وأذن لنا يا بلل‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫قال بلل‪ :‬ان كنت أعتقتن لكون لك فليكن لك ما تريد‪ .‬وان كنت أعتقتن ل فدعن وما أعتقتن‬
‫له‪..‬‬
‫قالبو بكر‪ :‬بل أعتقتك ل يا بلل‪..‬‬
‫ويتلف الرواة‪ ،‬فيوي بعضهم أنه سافر ال الشام حيث بقي فيها ماهدا مرابطا‪.‬‬
‫ويروي بعضهم الخر‪ ،‬أنه قبل رجاء أب بكر ف أن يبقى معه بالدينة‪ ،‬فلما قبض وول عمر اللفة‬
‫استأذنه وخرج ال الشام‪.‬‬
‫على أ ية حال‪ ،‬ف قد نذر بلل بق ية حيا ته وعمره للمراب طة ف ثغور ال سلم‪ ،‬م صمما أن يل قى ال‬
‫ورسوله وهو على خي عمل يبانه‪.‬‬
‫ول يعد يصدح بالذان بصوته الشجي الف يّ الهيب‪ ،‬ذلك أنه ل ينطق ف أذانه "أشهد أن ممدا‬
‫رسول ال" حت تيش به الذمؤيات فيختفي صوته تت وقع أساه‪ ،‬وتصيح بالكلمات دموعه وعباته‪.‬‬
‫وكان آخر أذان له أيام زار أمي الؤمني عمر وتوسل السلمون اليه أن يمل بلل على أن يؤذن لم‬
‫صلة واحدة‪.‬‬
‫ودعا أمي الؤمني بلل‪ ،‬وقد حان وقت الصلة ورجاه أن يؤذن لا‪.‬‬
‫و صعد بلل وأذن‪ ..‬فب كى ال صحابة الذ ين كانوا أدركوا ر سول ال وبلل يؤذن له‪ ..‬بكوا ك ما ل‬
‫يبكوا من قبل أبدا‪ ..‬وكان عمر أشدهم بكاء‪!!..‬‬
‫**‬
‫ومات بلل ف الشام مرابطا ف سبيل ال كما أراد‪.‬‬
‫وتتن ثرى دم شق يثوي اليوم رفات ر جل من أع ظم رجال الب شر صنلبة فن الوقوف ال جاننب‬
‫العقيدة والقتناع‪...‬‬
‫عبد ال بن عمر‬
‫الثابر‪ ،‬الوّاب‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫تدّث وهو على قمة عمره الطويل فقال‪:‬‬


‫"لقد بايعت رسول ال صلى ال عليه وسلم‪..‬‬
‫فما نكثت ول بدّلت ال يومي هذا‪..‬‬
‫وما بايعت صاحب فتنة‪..‬‬
‫ول أيقظت مؤمنا من مرقده"‪..‬‬
‫وفن هذه الكلمات تلخينص لياة الرجنل الصنال الذي عاش فوق الثمانين‪ ،‬والذي بدأت علقتنه‬
‫بالسلم والرسول‪ ،‬وهو ف الثالثة عشر من العمر‪ ،‬حي صحب أباه ف غزوة بدر‪ ،‬راجيا أن يكون له‬
‫بي الجاهدين مكان‪ ،‬لول أن ردّه الرسول عليه السلم لصغر سنه‪..‬‬
‫من ذلك اليوم‪ ..‬بل وقبل ذلك اليوم حي صحب أباه ف هجرته ال الدينة‪ ..‬بدأت صلة الغلم ذي‬
‫الرجولة البكرة بالرسول عليه السلم والسلم‪..‬‬
‫ومن ذلك اليوم ال اليوم الذي يلقى فيه ربه‪ ،‬بالغا من العمر خسة وثاني عاما‪ ،‬سنجد فيه حيثما‬
‫نلقاه‪ ،‬الثابر الوّاب الذي ل ينحرف عن نجه قيد أشعرة‪ ،‬ول يند عن بيعة بايعها‪ ،‬ول ييس بعهد‬
‫أعطاه‪..‬‬
‫وان الزايا الت تأخذ البصار ال عبدالل بن عمر لكثية‪.‬‬
‫فعلمه وتواضعه‪ ،‬واستقامة ضميه ونجه‪ ،‬وجوده‪ ،‬وورعه‪ ،‬ومثابرته‪ ،‬على العبادة وصدق استمساكه‬
‫بالقدوة‪..‬‬
‫كل هذه الفضائل والصال‪ ،‬صاغ ابن عمر عمره منها‪ ،‬وشخصيته الفذة‪ ،‬وحياته الطاهرة الصادقة‪..‬‬
‫ل قد تعلم من أب يه ع مر بن الطاب خيا كثيا‪ ..‬وتعلم مع أب يه من ر سول ال ال ي كله والعظ مة‬
‫كلها‪..‬‬
‫لقد أحسن كأبيه اليان بال ورسوله‪ ..‬ومن ث‪ ،‬كانت متابعته خطى الرسول أمرا يبهر اللباب‪..‬‬
‫فهو ينظر‪ ،‬ماذا كان الرسول يفعل ف كل أمر‪ ،‬فيحاكيه ف دقة واخبات‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫هنا مثل‪ ،‬كان الرسول عليه الصلة والسلم يصلي‪ ..‬فيصلي ابن عمر ف ذات الكان‪..‬‬
‫وهنا كان الرسول عليه الصلة والسلم يدعو قائما‪ ،‬فيدعو ابن عمر قائما‪...‬‬
‫وهنا كان الرسول يدعو جالسا‪ ،‬فيدعو عبدال جالسا‪..‬‬
‫وهنا وعلى هذا الطريق نزل الرسول يوما من فوق ظهر ناقته‪ ،‬وصلى ركعتي‪ ،‬فصنع ابن عمر ذلك‬
‫اذا جعه السفر بنفس البقعة والكان‪..‬‬
‫بل انه ليذكر أن ناقة الرسول دارت به دورتي ف هذا الكان بكة‪ ،‬قبل أن ينل الرسول من فوق‬
‫ظهرها‪ ،‬ويصلي ركعتي‪ ،‬وقد تكون الناقة فعلت ذلك تلقائيا لتهيئ لنفسها مناخها‪.‬‬
‫ل كن عبدالل بن ع مر ل يكاد يبلغ ها الكان يو ما ح ت يدور بناق ته‪ ،‬ث ينيخ ها‪ ،‬ث ي صلي ركعت ي‬
‫للله‪ ..‬تاما كما رأى الشهد من قبل مع رسول ال‪..‬‬
‫ولقد أثار فرط اتباعه هذا‪ ،‬أم الؤمني عائشة رضي ال عنها فقالت‪:‬‬
‫"ما كان أحد يتبع آثار النب صلى ال عليه وسلم ف منازله‪ ،‬كما كان يتبعه ابن عمر"‪.‬‬
‫ولقند قضنى عمره الطوينل البارك على هذا الولء الوثينق‪ ،‬حتن لقند حاء على السنلمي زمان كان‬
‫صالهم يدعو ويقول‪:‬‬
‫"اللهم أبق عبدال بن عمر ما أبقيتن‪ ،‬كي أقتدي به‪ ،‬فان ل أعلم أحد على المر الول غيه"‪.‬‬
‫وبقوة هذا التحري لشديد الويق لطى لبسول وسنته‪ ،‬كان ابن عمر يتهيّب الديث عن رسول ال‬
‫ول يروي عنه عليه السلم حديثا ال اذا كان ذاكرا كل حروفه‪ ،‬حرفا‪ ..‬حرفا‪.‬‬
‫وقد قال معاصروه‪..‬‬
‫"ل يكن من أصحاب رسول ال أحد أشد حذرا من أل يزيد ف حديث رسول ال أو ينقص منه‪ ،‬من‬
‫عبدال بن عمر"‪!!..‬‬
‫وكذلك كان شديد الذر والتحوّط ف الفتيا‪..‬‬
‫جاءه يوما رجل يستفتيه‪ ،‬فلماألقى على ابن عمر سؤاله أجابه قائل‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" ل علم ل با تسأل عنه"‬


‫وذهب الرجل ف سبيله‪ ،‬ول يكاد يبتعد عن ابن عمر خطوات حت يفرك ابن عمر كفه جذلن فرحا‬
‫ويقول لنفسه‪:‬‬
‫"سئل ابن عمر عما ل يعلم‪ ،‬فقال ل أعلم"‪!..‬‬
‫كان ياف أن يتهد ف فتياه‪ ،‬فيخطئ ف اجتهاده‪ ،‬وعلى الرغم من أنه ييا وفق تعاليم الدين العظيم‪،‬‬
‫للمخطئ أجر وللمصيب أجرين‪ ،‬فان ورعه أن يسلبه ورعه كان يسلبه السارة على الفتيا‪.‬‬
‫وكذلك كان ينأى به عن مناصب القضاة‪..‬‬
‫لقد كانت وظيفة القضاء من أرقع مناصب الدولة والجتمهع‪ ،‬وكانت تضمن لشاغرها ثراء‪ ،‬وجاها‪،‬‬
‫ومدا‪..‬‬
‫ولكن ما حاجة ابن عمر الورع للثراء‪ ،‬وللجاه‪ ،‬وللمجد‪..‬؟!‬
‫دعاه يوما الليفة عثمان رضي ال عنهما‪ ،‬وطلب اليه أن يشغل منصب القضاة‪ ،‬فاعتذر‪ ..‬وأل عليه‬
‫عثمان‪ ،‬فثابر على اعتذاره‪..‬‬
‫وسأله عثمان‪ :‬أتعصين؟؟‬
‫فأجاب ابن عمر‪:‬‬
‫" كل‪ ..‬ولكن بلغن أن القضاة ثلثة‪..‬‬
‫قاض يقضي بهل‪ ،‬فهو ف النار‪..‬‬
‫وقاض يقضي بوى‪ ،‬فهو ف النار‪..‬‬
‫وقاض يتهد ويصيب‪ ،‬فهو كفاف‪ ،‬ل وزر‪ ،‬ول أجر‪..‬‬
‫وان لسائلك بال أن تعفين"‪..‬‬
‫وأعفاه عثمان‪ ،‬بعد أن أخذ عليه العهد أل يب أحدا بذا‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ذلك أن عثمان يعلم مكانة ابن عمر ف أفئدة الناس‪ ،‬وانه ليخشى اذا عرف التقياء الصالون عزوفه‬
‫عن القضاء أن يتابعوا وينهجوا نجه‪ ،‬وعندئذ ل يد الليفة تقيا يعمل قاضيا‪..‬‬
‫وقد يبدو هذا الوقف لعبد ال بن عمر سة من سات السلبية‪.‬‬
‫بيد أنه ليس كذلك‪ ،‬فعبد ال بن عمر ل يتنع عن القضاء وليس هناك من يصلح له سواه‪ ..‬بل هناك‬
‫كثيون من أصحاب رسول ال الورعي الصالي‪ ،‬وكان بعضهم يشتغل بالقضاء والفتية بالفعل‪..‬‬
‫ول يكن ف تلي ابن عمر عنه تعطيل لوظيفة القضاء‪ ،‬ول القاء با بي أيدي الذين ل يصلحون لا‪..‬‬
‫ومن ّث قد آثر البقاء مع نفسه‪ ،‬ينمّيها ويزكيها بالزيد من الطاعة‪ ،‬والزيد من العبادة‪..‬‬
‫كما أنه ف ذلك الي من حياة السلم‪ ،‬كانت الدنيا قد فتحت على السلمي وفاضت الموال‪،‬‬
‫وكثرت الناصب والمارات‪.‬‬
‫وشرع اغراء الال والنا صب يقترب من ب عض القلوب الؤم نة‪ ،‬م ا ج عل ب عض أ صحاب الر سول‪،‬‬
‫ومنهم ابن عمر‪ ،‬يرفعون راية القاومة لذا الغراء باتذهم من أنفسهم قدوة ومثل ف الزهد والورع‬
‫والعزوف عن الانصب الكبية‪ ،‬وقهر فتنتها واغرائها‪...‬‬
‫**‬
‫لقد كان ابن عمر‪،‬أخا الليل‪ ،‬يقومه مصليا‪ ..‬وصديق السحر يقطعه مستغفرا وباكيا‪..‬‬
‫ولقد رأى ف شبابه رؤيا‪ ،‬فسرها الرسول تفسيا جعل قيام الليل منتهى آمال عبدال‪ ،‬ومناط غبطته‬
‫وحبوره‪..‬‬
‫ولنصغ اليه يدثنا عن نبأ رؤياه‪:‬‬
‫"رأيت على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم كأن بيدي قطعة استبق‪ ،‬وكأنن ل أريد مكانا ف‬
‫النة ال طارت ب اليه‪..‬‬
‫ورأيت كأن اثني أتيان‪ ،‬وأرادا أن يذهبا ب ال النار‪ ،‬فتلقاها ملك فقال‪ :‬ل ترع‪ ،‬فخليّا عن‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فق صت حف صة ‪ -‬أخ ت‪ -‬على ال نب صلى ال عل يه و سلم رؤياي‪ ،‬فقال ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪ :‬نعم الرجل عبدال‪ ،‬لو كان يصلي من الليل فيكثر"‪..‬‬
‫ومن ذلك اليوم وال أن لقي ربه‪ ،‬ل يدع قيام الليل ف حله‪ ،‬ول ف ترحاله‪..‬‬
‫فكان يصلي ويتلو القرآن‪ ،‬ويذكر ربه كثيا‪ ..‬وكان كأبيه‪ ،‬تطل دموعه حي يسمع آيات النذير ف‬
‫القرآن‪.‬‬
‫يقول عبيد بن عمي‪ :‬قرأت يوما على عبدال بن عمر هذه الية‪:‬‬
‫(فكيف اذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلء شهيدا‪.‬يومئذ يود الذين كفروا وعصوا‬
‫الرسول لو تسوّى بم الرض ول يكتمون ال حديثا)‪..‬‬
‫فجعل ابن عمر يبكي حت نديت ليته من دموعه‪.‬‬
‫وجلس يوما بي اخوانه فقرا‪:‬‬
‫(و يل للمطفف ي‪ ،‬الذ ين اذا اكتالوا على الناس يستوفون‪ ،‬واذا كالوهم أو وزنوهم ي سرون‪ ،‬أل ي ظن‬
‫أولئك أنم ميعوثون‪ ،‬ليوم عظيم‪ ،‬يوم يقوم الناس لرب العالي)‪..‬‬
‫ث مضى يردد الية‪:‬‬
‫(‪..‬يوم يقوم الناس لرب العالي)‪.‬‬
‫ودموعه تسيل كالطر‪ .‬حت وقع من كثرة وجده وبكائه‪!!..‬‬
‫**‬
‫ول قد كان جوده‪ ،‬وزهده‪ ،‬وور عه‪ ،‬تع مل م عا ف فن عظ يم‪ ،‬لتش كل أروع فضائل هذا الن سان‬
‫العظيم‪ ..‬فهو يعطي الكثي لنه جواد‪..‬‬
‫ويعطي اللل الطيب لنه ورع‪..‬‬
‫ول يبال أن يتركه الود فقيا‪ ،‬لنه زاهد‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وكان ابن عمر رضي ال عنه‪ ،‬من ذوي الدخول الرغيدة السنة‪ ،‬اذ كان تاجرا أمينا ناجحا شطر‬
‫حياته‪ ،‬وكان راتبه من بيت الال وفيا‪ ..‬ولكنه ل يدخر هذا العطاء لنفسه قط‪ ،‬انا كان يرسله غدقا‬
‫على الفقراء‪ ،‬والساكي والسائلب‪..‬‬
‫يدث نا أيوب بن وائل الرا سب عن أ حد مكرما ته‪ ،‬فيخب نا أن ا بن ع مر جاءه يو ما بأرب عة آلفدر هم‬
‫وقطيفة‪..‬‬
‫وف اليوم التال‪ ،‬رآه أيوب بن وائل ف السوق يشتري لراحلته علفا نسيئة – أي دينا‪.. -‬‬
‫فذهب ابن وائل ال أهل بيته وسالم أليس قد أتى لب عبد الرحن – يعن ابن عمر – بالمس أربعة‬
‫آلف‪،‬وقطيفة‪..‬؟‬
‫قالوا‪ :‬بلى‪..‬‬
‫قال‪ :‬فان قد رأيته اليوم بالسوق يشتر علفا لراحلته ول يد معه ثنه‪..‬‬
‫قالوا‪ :‬ا نه ل ي بت بال مس ح ت فرق ها جيع ها‪ ،‬ث أ خذ القطي فة وألقا ها على ظهره‪ ،‬خرج‪ ..‬ث عاد‬
‫وليست معه‪ ،‬فسألناه عنهتا‪ .‬فقال‪ :‬انه وهبها لفقي‪!!..‬‬
‫فخرج ابن وائل يضرب كفا بكف‪ .‬حت أتى السوق فتوقل مكانا عاليا‪ ،‬وصاح ف الناس‪:‬‬
‫" يا معشر التجار‪..‬‬
‫ما تصنعون بالدنيا‪ ،‬وهذا بن عمر تأتيه الف درهم فيوزعها‪ ،‬ث يصلح فيستدين علفا لراحلته"‪..‬؟؟!!‬
‫أل ان من كان ممد أستاذه‪ ،‬وعمر أباه‪ ،‬لعظيم‪ ،‬كفء لكل عظيم‪!!..‬‬
‫ان وجود عبد ال بن عمر‪ ،‬وزهزد وور عه‪ ،‬هذه ال صال الثل ثة‪ ،‬كانت تكي لدى عبد ال صدق‬
‫القدوة‪ ..‬وصدق البنوّة‪..‬‬
‫ف ما كان ل ن ي عن ف التأ سي بر سول ال‪ ،‬ح ت ا نه لي قف بناق ته ح يث رأى الر سول صلى ال عل يه‬
‫وسلم يوقف ناقته‪ .‬ويقول" لعل خفا يقع على خف"‪!.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫والذي يذهب برأيه ف برأبيه وتوقيه والعجاب به ال الدى الذي كانت شخصية عمر تفرضه على‬
‫العداء‪ ،‬فضل عن القرباء‪ .‬فضل عن البناء‪..‬‬
‫أقول ما ينبغي لن ينتمي لذا الرسول‪ ،‬ولذا الوالد أن يصبح للمال عبدا‪..‬‬
‫ولقد كانت الموال تاتيه وافرة كثية‪ ..‬ولكنها تر به مرورا‪ ..‬وتعب داره عبورا‪..‬‬
‫ول يكن جوده سبيل ال الزهو‪ ،‬وال ال حسن الحدوثة‪.‬‬
‫و من ث‪ .‬ف قد كان ي ص به الحتاج ي والفقراء‪ ..‬وقل ما كان يأ كل الطعام وحده‪ ..‬فل بد أن يكون‬
‫معه أيتام‪ ،‬أو فقراء‪ ..‬وطالا كان يعاتب بعض أبنائه‪ ،‬حي يولون للغنياء‪ ،‬ول يأتون معهم بالفقراء‪،‬‬
‫ويقول لم‪:‬‬
‫"تدعون الشباع‪ .‬وتدعون الياع"‪!!..‬‬
‫وعرف الفقراء عطفه‪ ،‬وذاقوا حلوة بره وحنانه‪ ،‬فكانوا يلسون ف طريقه‪ ،‬كي يصحبهم ال داره‬
‫حي يراهم‪ ..‬وكانوا يفون به كما تف أفواج النحل بالزاهي ترتشف منها الرحيق‪!..‬‬
‫**‬
‫لقد كان الال بي يديه خادما ل سيدا‪،،‬‬
‫وكان وسيلة لضروات العيش ل للترف‪..‬‬
‫ول يكن ماله وحده‪ ،‬بل كان للفقراء فيه حق معلوم‪ ،‬بل حق متكافئ ل يتميز فيه بنصيب‪..‬‬
‫ولقد أعانه على هذا الود الواسع زهده‪ ..‬فما كان ابن عمر يتهالك على الدنيا‪ ،‬ول يسعى اليها‪ ،‬بل‬
‫ول رجو منها ال كا يستر السد من لباس‪ ،‬ويقيم الود من الطعام‪..‬‬
‫أهداه أحد اخوانه القادمي من خراسان حلة ناعمة أنيقة‪ ،‬وقال له‪:‬‬
‫لقد جئتك بذا الثوب من خراسان‪ ،‬وانه لتقر عيناي‪ ،‬اذ أراك تنع عنك ثيابك الشنة هذه‪ ،‬وترتدي‬
‫هذا الثوب الميل‪..‬‬
‫قال له ابن عمر‪ :‬أرنيه اذن‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ث لسه وقال‪ :‬أحرير هذا‪.‬؟‬


‫قال صاحبه‪ :‬ل ‪ ..‬انه قطن‪.‬‬
‫وتله ع بد ال قليل‪ ،‬ث دف عه بيمي نه وهويقول‪":‬ل‪.‬ا ن أخاف على نف سي‪ ..‬أخاف ان يعل ن متال‬
‫فخورا‪ ..‬وال ل يب كل متال فخور"‪!!..‬‬
‫وأهداه يوما صديقا وعاء ملوءا‪..‬‬
‫وسأله ابن عمر‪ :‬ما هذا؟‬
‫قال‪ :‬هذا دواء عظيم جئتك به من العراق‪.‬‬
‫قال ابن عمر‪ :‬وماذا يطبب هذا الدواء‪..‬؟؟‬
‫قال‪ :‬يهضم الطعام‪..‬‬
‫فالتسم ابن عمر وقال لصاحبه‪ ":‬يهضم الطعام‪..‬؟ ان ل أشبع من طعام قط منذ أربعي عاما"‪!!.‬‬
‫ان هذا الذي ل يش بع من الطعام م نذ أربع ي عا ما‪ ،‬ل يكنيترك الش بع خ صاصة‪ ،‬بلزهدا وور عا‪،‬‬
‫وماولة للتاسي برسوله وأبيه‪..‬‬
‫كان ياف أن يقال له يوم القيامة‪:‬‬
‫(أذهبتم طيّباتكم ف حياتكم الدنيا واستمتعتم با)‪..‬‬
‫وكان يدرك انه ف الدنيا ضيف أو عابر شبيل‪..‬‬
‫ولقد تدث عن نفسه قائل‪:‬‬
‫"ما وضعت لبنة على لبنة‪ ،‬ول غرست نلة منذ توف رسول ال صلى ال عليه وسلم"‪..‬‬
‫ويقول ميمون بن مهران‪:‬‬
‫" دخلت على ابن عمر‪ ،‬فقوّمت كل شيء ف بيته من فراش‪ ،‬ولاف وبساط‪ .‬ومن كل شيء فيه‪،‬‬
‫فما وجدته تساوي مئة ردهم"‪!!..‬‬
‫ل يكن ذلك عن فقر‪.‬ز قد كان ابن عمر ثريا‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ول كان ذلك عن بل فقد كان جوّدا سخيا‪..‬‬


‫زامكا كان عن زهد ف الدنيا‪ ،‬وازدراء للترف‪ ،‬والتزام لنهجه ف الصدق والورع‪..‬‬
‫ول قد عمّر ا بن ع مر طويل‪ ،‬وعاش ف الع صر الموي الذي فا ضت في ها لموال وانتشرت الضياع‪،‬‬
‫وغطى البذخ أكث الدور‪ ..‬بل قل أكثر القصور‪..‬‬
‫ومع هذا‪ ،‬بقي ذلك الطود الليل شاما ثابتا‪ ،‬ل يبح نجه ول يتخلى عن ورعه وزهده‪.‬‬
‫واذا ذكّر بظوظ الدنيا ومتاعها الت يهرب منها قال‪:‬‬
‫"لقد اجتمعت وأصحاب على أمر‪ ،‬وان أخاف ان خالفتهم أل ألحق بم"‪..‬‬
‫ث يعلم الخرين أنه ل يترك دنياهم عجزا‪ ،‬فيفع يده ال السماء ويقول‪:‬‬
‫"اللهم انك تعلم أنه لول مافتك لزاحنا قومنا قريشا ف هذه الدنيا"‪.‬‬
‫**‬
‫أجل‪ ..‬لول مافة ربه لزاحم ف الدنيا‪ ،‬ولكان من الظافرين‪..‬‬
‫بل انه ل يكن باجة ال أن يزاحم‪ ،‬فقد كانت الدنيا تسعى اليه وتطارده بطيباتا ومغرياتا‪..‬‬
‫وهل هناك كمنصب اللفة اغراء‪..‬؟‬
‫ل قد عرض على ا بن ع مر مرات و هو يعرض ع نه‪ ..‬وهدد بالق تل ان ل يق بل‪ .‬فازداد له رف ضا‪ ،‬وع نه‬
‫اعراضا‪!!..‬‬
‫يقول السن رضي ال عنه‪:‬‬
‫" لا قتل عثمان بن عفان‪ ،‬قالوا لعبد ال بن عمر‪ :‬انك سيّد الناس‪ ،‬وابن سيد الناس‪ ،‬فاخرج نبايع لك‬
‫الناس‪..‬‬
‫قال‪ :‬ان وال لئن استطعت‪ ،‬ل يهراق بسبب مجمة من دم‪..‬‬
‫قالوا‪ :‬لتخرجن‪ ،‬أ‪ ،‬لنقتلنكك على فراشك‪ ..‬فأعاد عليهم قوله الول‪..‬‬
‫فأطمعوه‪ ..‬وخوّفوه‪ ..‬فما استقبلوا منه شيئا"‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وفيما بعد‪ ..‬وبينما الزمان ير‪ ،‬والفت تكثر‪ ،‬كان ابن عمر دوما هو المل‪ ،‬فيلح الناس عليه‪ ،‬كي‬
‫يقبل منصب اللفة‪ ،‬وييئوا له بالبيعة‪ ،‬ولكنه كان دائما يأب‪..‬‬
‫ولقد يشكل هذا الرفض مأخذا يوجه ال ابن عمر‪..‬‬
‫بيد أن كان له منطقه وحجته‪.‬فبعد مقتل عثمان رضي ال عنه‪ ،‬ساءت المور وتفاقمت على نو ينذر‬
‫بالسوء والطر‪..‬‬
‫وابن عمر وان يك زاهدا ف جاه اللفة‪ ،‬فانه يتقبل مسؤلياتا ويمل أخطارها‪ ،‬ولكن شريطة أن‬
‫يتاره جيع السلمي طائي‪ ،‬متارين‪ ،‬أما أن يمل واحد ل غي على بيعته بالسيف‪ ،‬فهذا ما يرفضه‪،‬‬
‫ويرفض اللفة معه‪..‬‬
‫وآنئذ‪ ،‬ل ي كن ذلك مك نا‪ ..‬فعلى الر غم من فضله‪ ،‬واجاع ال سلمي على ح به وتوقيه‪ ،‬فان ات ساع‬
‫المصار‪ ،‬وتنائبها‪ ،‬واللفات الت احتدمت بي ال سلمي‪ ،‬وجعلتهم شيعا تتنابذ بالرب‪ ،‬وتتنادى‬
‫للسيف‪ ،‬ل يعل الو مهيأ لذا الجاع الذي يشترطه عبدال بن عمر‪..‬‬
‫لقيه رجل يوما فقال له‪ :‬ما أحد شر لمة ممد منك‪!..‬‬
‫قال ابن عمر‪ :‬ول‪..‬؟ فوال ما سفكت دماءهم‪ ،‬ول فرقت جاعتهم‪ ،‬ول شققت عصاهم‪..‬‬
‫قال الرجل‪ :‬انك لو شئت ما اختلف فيك اثنان‪..‬‬
‫قال ابن عمر‪ :‬ما أحب أنا أتتن‪ ،‬ورجل يقول‪ :‬ل‪ ،‬وآخر يقول‪ :‬نعم‪.‬‬
‫وحت بعد أن سارت الحداث شوطا طويل‪ ،‬واستقر المر لعاوية‪ ..‬ث لبنه يزيد من بعده‪.‬ز ث ترك‬
‫معاوية الثان ابن يزيد اللفة زاهدا فيها بعد أيام من توليها‪..‬‬
‫حت ف ذلك اليوم‪ ،‬وابن عمر شيخ مسن كبي‪ ،‬كان ل يزال أمل الناس‪ ،‬وأمل اللفة‪ ..‬فقد ذهب‬
‫اليه مروان قال له‪:‬‬
‫هلم يدك نبايع لك‪ ،‬فانك سيد العرب وابن سيدها‪..‬‬
‫قال له ابن عمر‪ :‬كيف نصنع بأهل الشرق‪..‬؟‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫قال مروان‪ :‬نضربم حت يبايعوا‪..‬‬


‫قال ابن عمر‪":‬وال ما أحب أنا تكون ل سبعي عاما‪ ،‬ويقتل بسبب رجل واحد"‪!!..‬‬
‫فانصرف عنه مروان وهو ينشد‪:‬‬
‫واللك بعد أب ليلى لن غلبا‬ ‫ان أرى فتنة تغلي مراجلها‬
‫يعن بأب ليلى‪ ،‬معاوية بن يزيد‪...‬‬
‫**‬
‫هذا الرفض لستعمال القوة والسيف‪ ،‬هو الذي جعل ابن عمر يتخذ من الفتنة السلحة بي أنصار‬
‫علي وأنصار معاوية‪ ،‬موقف العزلة والياد جاعل شعاره ونجه هذه الكلمات‪:‬‬
‫"من قال حي على الصلة أجبته‪..‬‬
‫ومن قال حي على الفلح أجبته‪..‬‬
‫ومن قال حي على قتل أخيك السلم واخذ ماله قلت‪ :‬ل"‪!!.‬‬
‫ولكنه ف عزلته تلك وف حياده‪ ،‬ل يالء باطل‪..‬‬
‫فلطالا جابه معاوية وهو ف أوج سلطانه يتحديات أوجعته وأربكته‪..‬‬
‫حت توعده بالقتل‪ ،‬وهو القائل‪ ":‬لو كان بين وبي الناس شعرة ما انقطعت"‪!!..‬‬
‫وذات يوم‪ ،‬وقف الجاج خطيبا‪ ،‬فقال‪ ":‬ان ابن الزبي حرّف كتاب ال"!‬
‫فصاح ابن عمر ف وجهه‪ ":‬كذبت‪ ،‬كذبت‪ ،‬كذبت"‪.‬‬
‫وسقط ف يد الجاج‪ ،‬وصعقته الفاجأة‪ ،‬وهو الذي يرهبه كل شيء‪ ،‬فمضى يتوعد ابن عمر بشرّ‬
‫جزاء‪..‬‬
‫ولوذح ابن عمر بذراعه ف وجه الجاج‪ ،‬وأجابه الناس منبهرون‪ ":‬ان تفعل ما تتوعد به فل عجب‪،‬‬
‫فانك سفيه متسلط"‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ولكننه برغنم قوتنه وجرأتنه ظنل ال آخنر أيامنه‪ ،‬حريصنا على أل يكون له فن الفتننة السنلحة دور‬
‫ونصيب‪ ،‬رافضا أن ينحاز لي فريق‪...‬‬
‫يقول أبو العالية الباء‪:‬‬
‫" كنت أمشي يوما خلف ابن عمر‪ ،‬وهو ل يشعر ب‪ ،‬فسمعته يقول لنفسه‪:‬‬
‫" واضعي سيوفهم على عواتقهم‪ ،‬يقتل بعضهم بعضا يقولون‪ :‬يا عبد ال بن عمر‪ ،‬أعط يدك"‪..‬؟!‬
‫وكان ينفجر أسى وألا‪ ،‬حي يرى دماء السلمي تسيل بأيديهم‪!!..‬‬
‫ولو استطاع أن ينع القتال‪ ،‬ويصون الدم لفعل‪ ،‬ولكن الحداث كانت أقوى منه فاعتزلا‪.‬‬
‫ولقد كان قلبه مع علي رضي ال عنه‪ ،‬بل وكان معه يقينه فيما يبدو‪ ،‬حت لقد روي عنه أنه قال ف‬
‫أخريات أيامه‪:‬‬
‫" ما أجدن آسى على شيء فاتن من الدنيا ال أن ل أقاتل مع عليّ‪ ،‬الفئة الباغية"‪!!..‬‬
‫على أنه حي رفض أن يقاتل مع المام علي الذي كان الق له‪ ،‬وكان الق معه‪ ،‬فانه ل يفعل ذلك‬
‫هر با‪ ،‬وال التما سا للنجاة‪ ..‬بل رف ضا للخلف كله‪ ،‬والفت نة كل ها‪ ،‬وتن با لقتال ل يدو ب ي م سلم‬
‫ومشرك‪ ،‬بل بي مسلمي يأكل بعضهم بعضا‪..‬‬
‫ولقد أوضح ذلك تاما حي سأله نافع قال‪ ":‬يا أبا عبد الرحن‪ ،‬أنت ابن عم‪ ..‬وأنت صاحب رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأنت وأنت‪ ،‬فما ينعك من هذا المر_ يعن نصرة علي_؟؟‬
‫فأجابه قائل‪:‬‬
‫" ينع ن أن ال تعال حرّم عل يّ دم ال سلم‪ ،‬ل قد قال عز و جل‪( :‬قاتلو هم ح ت ل تكون فت نة‪ ،‬ويكون‬
‫الدين ‪)..‬‬
‫ولقد فعلنا وقاتلنا الشركي حت كان الدين ل‪،‬اما اليوم‪ .‬فيم نقاتل‪..‬؟؟‬
‫لقد قاتلت الوثان تل الرم‪ ..‬من الركن ال الباب‪ ،‬حت نضاها ال من أرض العرب‪..‬‬
‫أفأقاتل اليوم من يقول ل اله ال ال"‪.‬؟!‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫هكذا كان منطقه‪ ،‬وكانت حجته‪ ،‬وكان اقتناعه‪..‬‬


‫فهو اذن ل يتجنب القتال ول يشترك فيه‪ ،‬لهروبا‪ ،‬أ‪ ،‬سلبية‪ ،‬بل رفضا لقرار حرب أهلية بي المة‬
‫الؤمنة‪ ،‬واستنكافا على أن يشهر مسلم ف وجه مسلم سيفا‪..‬‬
‫ولقد عاش عبد ال بن عمر طويل‪ ..‬وعاصر اليام الت فتحت أبواب الدنيا على السلمي‪ ،‬وفاضت‬
‫الموال‪ ،‬وكثرت الناصب‪ ،‬واستشرت الطامح والرغبات‪..‬‬
‫لكن قدرته النفسية الائلة‪ ،‬غيّرت كيمياء الومن‪ !!..‬فجعلت عصر الطموح والال والفت‪ ..‬جعلت‬
‫هذا العصر بالنسبة ال يه‪ ،‬أيام ز هد‪ ،‬وورع ويلم‪ ،‬عاشها الثابر الواب بكل يقينه‪ ،‬ونسكه وترف عه‪..‬‬
‫ول يغلب قط على طبيعته الفاضلة الت صاغها وصقلها السلم ف أيامه الول العظيمة الشاهقة‪..‬‬
‫لقد تغيّرت طبيعة الياة‪ ،‬مع بدء العصر الموي‪ ،‬ول يكن ثّة مفر من ذلك التغيي‪ ..‬وأصبح العصر‬
‫يومئذ‪ ،‬ع صر تو سع ف كل ش يء‪ ..‬تو سع ل ت ستجب ال يه مطا مح الدولة فح سب‪ ،‬بل ومطا مح‬
‫الماعة والفراد أيضا‪.‬‬
‫ووسط لج الغراء‪ ،‬وجيشان العصر الفتون بزايا التوسع‪ ،‬وبغانه‪ ،‬ومباهجه‪ ،‬كان ابن عمر يعيش‬
‫مع فضائله‪ ،‬ف شغل عن ذلك كله بواصلة تقدمه الروحي العظيم‪.‬‬
‫ولقد أحرز من أغراض حياته الليلة ما كان يرجو حت لقد وصفه معاصروعه فقالوا‪:‬‬
‫( مات ابن عمر وهو مثل عمر ف الفضل)‬
‫بل لقد كان يطيب لم حي يبهرهم ألق فضائله‪ ،‬أن يقارنوا بينه وبي والده العظيم عمر‪ ..‬فيقولون‪:‬‬
‫( كان عمر ف زمان له فيه نظراء‪ ،‬وكان ابن عمر ف زمان ليس فيه نظي)‪!!..‬‬
‫وهي مبالغة يغفرها استحقاق ابن عمر لا‪ ،‬أما عمر فل يقارن بثله أحد‪ ..‬وهيهات أن يكون له ف‬
‫كل عصور الزمان نظي‪..‬‬
‫**‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وف العام الثاث والسبعي للهجرة‪ ..‬مالت الشمس للمغيب‪ ،‬ورفعت احدى سفن البدية مراسيها‪،‬‬
‫مبحرة ال العال الخر والرفيق العلى‪ ،‬حاملة جثمان آخر مثل لعصر الوحي _ف مكة والدينة_ عبد‬
‫ال بن عمر بن الطاب‪ .‬كان آخر الصحابة رحيل عن الدنيا كلها أنس بن مالك رضي ال عنه‪،‬‬
‫توف بالبصرة‪ ،‬عام واحد وتسعي‪ ،‬وقيل عام ثلث وتسعي‪.‬‬
‫سعد بن أب وقاص‬
‫السد ف براثنه‬
‫أقلقت النباء أمي الؤمني عمر بن الطاب‪ ،‬عندما جاءته تترى بالجمات الغادرة الت تشنها قوات‬
‫الفرس على السلمي‪ ..‬وبعركة السر الت ذهب ضحيتها ف يوم واحد أربعة آلف شهيد‪ ..‬وبنقض‬
‫أهل العراق عهودهم‪ ،‬والواثيق الت كانت عليهم‪ ..‬فقرر أن يذهب بنفسه لبقود جيوش السلمي‪ ،‬ف‬
‫معركة فاصلة ضد الفرس‪.‬‬
‫وركب ف نفر من أصحابه مستخلفا على الدينة علي ابن أب طالب كرّم ال وجهه‪..‬‬
‫ولكنه ل يكد يضي عن الدينة حت رأى بعض أصحابه أن يعود‪ ،‬وينتدب لذه المة واحدا غيه من‬
‫أصحابه‪..‬‬
‫وتبنّى هذا الرأي عبند الرحنن بنن عوف‪ ،‬معلننا أن الخاطرة بياة أمين الؤمنين على هذا النحنو‬
‫والسلم يعيش أيامه الفاصلة‪ ،‬عمل غي سديد‪..‬‬
‫وأ مر ع مر أن يت مع ال سلمون للشورى ونودي‪_:‬ال صلة جام عة_ وا ستدعي علي ا بن أ ب طالب‪،‬‬
‫فانتقل مع بعض أهل الدينة ال حيث كان أمي الؤمني وأصحابه‪ ..‬وانتهى الرأي ال ما نادى به عبد‬
‫الرحننبنن عوف‪ ،‬وقرر الجتمعون أن يعود عمنر ال الديننة‪ ،‬وأن يتار للقاء الفرس قائدا آخنر منن‬
‫السلمي‪..‬‬
‫ونزل أمي الؤمني على هذا الرأي‪ ،‬وعاد يسأل أصحابه‪:‬‬
‫فمن ترون أن نبعث ال العراق‪..‬؟؟‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وصمتوا قليل يفكرون‪..‬‬


‫ث صاح عبد الرحن بن عوف‪ :‬وجدته‪!!..‬‬
‫قال عمر‪ :‬فمن هو‪..‬؟‬
‫قال عبد الرحن‪" :‬السد ف براثنه‪ ..‬سعد بن مالك الزهري‪"..‬‬
‫وأيّد السلمون هذا الختيار‪ ،‬وأرسل أمي الؤمني ال سعد بن مالك الزهري "سعد بن أب وقاص"‬
‫ووله امارة العراق‪ ،‬وقيادة اليش‪..‬‬
‫فمن هو السد ف براثنه‪..‬؟‬
‫من هذا الذي كان اذا قدم على الرسول وهو بي أصحابه حياه وداعبه قائل‪:‬‬
‫"هذا خال‪ ..‬فلين امرؤ خاله"‪!!..‬‬
‫ا نه سعد بن أ ب وقاص‪ ..‬جده أه يب بن مناف‪ ،‬عم ال سيدة آم نة أم ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪..‬‬
‫لقد عانق السلم وهو ابن سبع عشرة سنة‪ ،‬وكان اسلمه مبكرا‪ ،‬وانه ليتحدث عن نفسه فيقول‪:‬‬
‫" ‪ ..‬ولقد أتى عليّ يوم‪ ،‬وان لثلث السلم"‪!!..‬‬
‫يعن أنه كان ثالث أول ثلثة سارعوا ال السلم‪..‬‬
‫ف في اليام الول ال ت بدأ الر سول يتحدث في ها عن ال ال حد‪ ،‬و عن الد ين الد يد الذي يزف‬
‫الر سول بشراه‪ ،‬وق بل أن يت خذ ال نب صلى ال عل يه و سلم من دار الر قم ملذا له ول صحابه الذ ين‬
‫بدءوا يؤمنون به‪ ..‬كان سعد ابن أب وقاص قد بسط يينه ال رسول ال مبايعا‪..‬‬
‫وانّ كتب التارييخ والسّي لتحدثنا بأنه كان أحد الذين أسلموا باسلم أب بكر وعلى يديه‪..‬‬
‫ولعله يومئذ أعلن اسلمه مع الذين أعلنوه باقناع أب بكر ايّاهم‪ ،‬وهم عثمان ابن عفان‪ ،‬والزبي ابن‬
‫العوّام‪ ،‬وعبد الرحن بن عوف‪ ،‬وطلحة بن عبيد ال‪.‬‬
‫ومع هذا ل ينع سبقه بالسلم سرا‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وان لسعد بن أب وقاص لماد كثية يستطيع أن يباهي با ويفخر‪..‬‬


‫بيد أنه ل يتغنّ من مزاياه تلك‪ ،‬ال بشيئي عظيمي‪..‬‬
‫أولما‪ :‬أنه أول من رمى بسهم ف سبيل ال‪ ،‬وأول من رمي أيضا‪..‬‬
‫وثانيهما‪ :‬أنه الوحيد الذي افتداه الرسول بأبويه فقال له يوم أحد‪:‬‬
‫" ارم سعد فداك أب وأمي"‪..‬‬
‫أجل كان دائما يتغن باتي النعمتي الزيلتي‪ ،‬ويلهج يشكر ال عليهما فيقول‪:‬‬
‫" وال ان لوّل رجل من العرب رمى بسهم ف سبيل ال"‪.‬‬
‫ويقول علي ابن أب طالب‪:‬‬
‫" ما سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يفدي أحدا بأبويه ال سعدا‪ ،‬فان سعته يوم أحد يقول‪:‬‬
‫ارم سعد‪ ..‬فداك أب وأمي"‪..‬‬
‫كان سعد يعدّ من أشجع فرسان العرب والسلمي‪ ،‬وكان له سلحان رمه ودعاؤه‪..‬‬
‫اذا رمى ف الرب عدوّا أصابه‪ ..‬واذا دعا ال دعاء أجابه‪!!..‬‬
‫وكان‪ ،‬وأصحابه معه‪ ،‬يردّون ذلك ال دعاء الرسول له‪ ..‬فذات يوم وقد رأى الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم منه ما سرّه وقرّ عينه‪ ،‬دعا له هذه الدعوة الأثورة‪..‬‬
‫" اللهم سدد رميته‪ ..‬وأجب دعوته"‪.‬‬
‫وهكذا عرف بي اخوانه وأصحابه بأن دعوته كالسيف القاطع‪ ،‬وعرف هو ذلك نفسه وأمره‪ ،‬فلم‬
‫يكن يدعو على أحد ال مفوّضا ال ال أمره‪.‬‬
‫من ذلك ما يرويه عامر بن سعد فيقول‪:‬‬
‫" رأى سعد رجل يسب عليا‪ ،‬وطلحة والزبي فنهاه‪ ،‬فلم ينته‪ ،‬فقال له‪ :‬اذن أدعو عليك‪ ،‬فقال ارجل‪:‬‬
‫أراك تتهددن كأنك نب‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فانصرف سعد وتوضأ وصلى ركعتي‪ ،‬ث رفع يديه وقال‪ :‬اللهم ان كنت تعلم أن هذا الرجل قد سبّ‬
‫أقواما سبقت لم منك السن‪ ،‬وأنه قد أسخطك سبّه ايّاهم‪ ،‬فاجعله آية وعبة‪..‬‬
‫فلم ي ض غ ي و قت ق صي‪ ،‬ح ت خر جت من احدى الدور نا قة نادّة ل يردّ ها ش يء ح ت دخلت ف‬
‫زحام الناس‪ ،‬كأنا تبحث عن شيء‪ ،‬ث اقتحمت الرجل فأخذته بي قوائمها‪ ..‬وما زالت تتخبطه حت‬
‫مات"‪..‬‬
‫ان هذه الظاهرة‪ ،‬تنبء أوّل ما تنبء عن شفافية روحه‪ ،‬وصدق يقينه‪ ،‬وعمق اخلصه‪.‬‬
‫وكذل كم كان سعد‪ ،‬رو حه حر‪ ..‬ويقي نه صلب‪ ..‬واخل صه عم يق‪ ..‬وكان دائب ال ستعانة على‬
‫دعم تقواه باللقمة اللل‪ ،‬فهو يرفض ف اصرار عظيم كل درهم فيه اثارة من شبهة‪..‬‬
‫ول قد عاش سعد ح ت صار من أغنياء ال سلمي وأثريائ هم‪ ،‬ويوم مات خلف وراءه ثروة غ ي قليلة‪..‬‬
‫ومع هذا فاذا كانت وفرة الال وحلله قلما يتمعان‪ ،‬فقد اجتمعا بي يدي سعد‪ ..‬اذ آتاه ال الكثي‪،‬‬
‫اللل‪ ،‬الطيب‪..‬‬
‫وقدرته على جع الال من اللل الالص‪ ،‬يضاهيها‪ ،‬قدرته ف انفاقه ف سبيل ال‪..‬‬
‫ف ح جة الوداع‪ ،‬كان هناك مع رسول ال صلى ال عليه و سلم‪ ،‬وأ صابه الرض‪ ،‬وذهب الرسول‬
‫يعوده‪ ،‬فساله سعد قائل‪:‬‬
‫"يا رسول ال‪ ،‬ان ذو مال ول يرثن ال ابنة‪ ،‬أفأتصدّق بثلثي مال‪..‬؟‬
‫قال النب‪ :‬ل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فبنصفه؟‬
‫قال النب‪ :‬ل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فبثلثه‪..‬؟‬
‫قال النب‪ :‬نعم‪ ،‬والثلث كثي‪ ..‬انك ان تذر ورثتك أغنياء‪ ،‬خي من أن تذرهم عالة يتكففون الناس‪،‬‬
‫وانك لن تنفق نفقة تبتغي با وجه ال ال أجرت با‪ ،‬حت اللقمة تضعها ف فم امرأتك"‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ول يظل سعد أبا لبنت واحدة‪ ..‬فقد رزق بعد هذا أبناء آخرين‪..‬‬
‫**‬
‫وكان سعد كثي البكاء من خشية ال‪.‬‬
‫وكان اذا استمع للرسول يعظهم‪ ،‬ويطبهم‪ ،‬فاضت عيناه من الدمع حت تكاد دموعه تلؤ حجره‪..‬‬
‫وكان رجل أوت نعمة التوفيق والقبول‪..‬‬
‫ذات يوم والنب جالس مع أصحابه‪ ،‬رنا بصره ال الفق ف اصغاء من يتلقى هسا وسرا‪ ..‬ث نظر ف‬
‫وجوه أصحابه وقال لم‪:‬‬
‫" يطلع علينا الن رجل من أهل النة"‪..‬‬
‫وأخذ الصحاب يتلفتون صوب كل اتاه يستشرفون هذا السعيد الوفق الحظوظ‪..‬‬
‫وبعد حي قريب‪ ،‬طلع عليهم سعد بن أب وقاص‪.‬‬
‫ولقد لذ به فيما بعد عبد ال بن عمرو بن العاص سائل اياه ف الاح أن يدله على ما يتقرّب ال ال‬
‫من عمل وعبادة‪ ،‬جعله أهل لذه الثوبة‪ ،‬وهذه البشرى‪ ..‬فقال له سعد‪:‬‬
‫" ل شيء أكثر ما نعمل جيعا ونعبد‪..‬‬
‫غي أن ل أحل لحد من السلمي ضغنا ول سوءا"‪.‬‬
‫هذا هو السد ف براثنه‪ ،‬كما وصفه عبد الرحن بن عوف‪..‬‬
‫وهذا هو الرجل الذي اختاره عمر ليوم القادسية العظيم‪..‬‬
‫كانت كل مزاياه تتألق أما بصية أمي الؤمني وهو يتاره لصعب مهمة تواجه السلم والسلمي‪..‬‬
‫انه مستجاب الدعوة‪ ..‬اذا سأل ال النصر أعطاه اياه‪..‬‬
‫زانه عفّ الطعمة‪ ..‬عف اللسان‪ ..‬عف الضمي‪..‬‬
‫وانه واحد من أهل النة‪ ..‬كما تنبأ له الرسول‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وانه الفارس يوم بدر‪ .‬والفارس يوم أحد‪ ..‬والفارس ف كل مشهد شهده مع رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪..‬‬
‫وأخرى‪ ،‬ل ينساها عمر ول يغفل عن أهيتها وقيمتها وقدرها بي لصائص الت يب أن تتوفر لكل‬
‫من يتصدى لعظائم المور‪ ،‬تلك هي صلبة اليان‪..‬‬
‫ان عمر ل ينسى نبأ سعد مع أمه يوم أسلم واتبع الرسول‪..‬‬
‫يومئذ أخفقت جيع ماولت رده وصده عن سبيل ال‪ ..‬فلجأت أمه ال وسيلة ل يكن أحد يشك ف‬
‫أنا ستهزم روح سعد وترد عزمه ال وثنية أهله وذويه‪..‬‬
‫ل قد أعل نت أ مه صومها عن الطعام والشراب‪ ،‬ح ت يعود سعد ال د ين آبائه وقو مه‪ ،‬وم ضت ف‬
‫تصميم مستميت تواصل اضرابا عن الطعام والسراب حت أوشكت على اللك‪..‬‬
‫كل ذلك وسعد ل يبال‪ ،‬ول يبيع ايانه ودينه بشيء‪ ،‬حت ولو يكون هذا الشيء حياةأمه‪..‬‬
‫وحي كانت تشرف على الوت‪ ،‬أخذه بعض أهله اليها ليلقي عليها نظرة وداع مؤملي أن يرق قلبه‬
‫حي يراها ف سكرة الوت‪..‬‬
‫وذهب سعد ورأى مشهد يذيب الصخر‪..‬‬
‫ب يد أن ايا نه بال ور سوله كان قد تفوّق على كل صخر‪ ،‬وعلى كل لذ‪ ،‬فاقترب بوج هه من و جه‬
‫أمه‪ ،‬وصاح با لتسمعه‪:‬‬
‫" تعلمي وال يا أمّه‪ ..‬لو كانت لك مائة نفس‪ ،‬فخرجت نفسا نفسا ما تركت دين هذا لشيء‪..‬‬
‫فكلي ان شئت أو ل تأكلي"‪!!..‬‬
‫وعدلت أمه عن عزمهت\ا‪ ..‬ونزل الوحي ييي موقف سعد‪ ،‬ويؤيده فيقول‪:‬‬
‫( وان جاهداك على أن تشرك ب ما ليس لك به علم فل تطعهما)‪..‬‬
‫أليس هو السد ف براثنه حقا‪..‬؟؟‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫اذن فليغرس أمي الؤمني لواء القادسية ف يينه‪ .‬وليم به الفرس الجتمعي ف أكثر من مائةألف من‬
‫القاتلي الدربي‪ .‬الدججي بأخطر ما كانت تعرفه الرض يومئذ من عتاد وسلح‪ ..‬تقودهم أذكى‬
‫عقول الرب يومئذ‪ ،‬وأدهى دهاتا‪..‬‬
‫أ جل ال هؤلء ف فيالق هم الرهي بة‪..‬خرج سعد ف ثلث ي ألف مقا تل ل غ ي‪ ..‬ف أيدي هم رماح‪..‬‬
‫ولكن ف قلوبم ارادة الدين الديد بكل ما تثله من ايان وعنفوان‪ ،‬وشوق نادر وباهر ال الوت و‬
‫ال الشهادة‪!!..‬‬
‫والتقى المعان‪.‬‬
‫ولكن ل‪ ..‬ل يلتق المعان بعد‪..‬‬
‫وأن سعدا هناك ينت ظر ن صائح أم ي الؤمن ي ع مر وتوجيها ته‪ ..‬و ها هو ذا كتاب ع مر ال يه يأمره ف يه‬
‫بالبادرة ال القادسية‪ ،‬فانا باب فارس ويلقي على قلبه كلمات نور وهدى‪:‬‬
‫" يا سعد بن وهيب‪..‬‬
‫ل يغرّنّك من ال‪ ،‬أن قيل‪ :‬خال رسول ال وصاحبه‪ ،‬فان ال ليس بينه وبي أحد نسب ال بطاعته‪..‬‬
‫والناس شريفهم ووضيع هم ف ذات ال سوء‪ ..‬ال ربم‪ ،‬و هم عباده‪ ..‬يتفاضلون بالعاف ية‪ ،‬ويدركون‬
‫ما عند ال بالطاعة‪ .‬فانظر المر الذي رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم منذ بعث ال أن فارقنا‬
‫عليه‪ ،‬فالزمه‪ ،‬فانه المر‪".‬‬
‫ث يقول له‪:‬‬
‫" اكتب الّ بميع أحوالكم‪ ..‬وكيف تنلون‪..‬؟‬
‫وأين يكون عدوّكم منكم‪..‬‬
‫واجعلن بكتبك الّ كأن أنظر اليكم"‪!!..‬‬
‫ويك تب سعد ال أم ي الؤمن ي في صف له كل ش يء ح ت ا نه ليكاد يدد له مو قف كل جندي‬
‫ومكانه‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وينل سعد القاد سية‪ ،‬ويتجمّع الفرس جي شا وشع با‪ ،‬ك ما ل يتجمعوا من ق بل‪ ،‬ويتول قيادة الفرس‬
‫أشهر وأخطر قوّادهم "رستم"‪..‬‬
‫ويكتب سعد ال عمر‪ ،‬فيكتب اليه أمي الؤمني‪:‬‬
‫" ل يكربنّك ما تسمع منهم‪ ،‬ول ما يأتونك به‪ ،‬واستعن بال‪ ،‬وتوكل عليه‪ ،‬وابعث اليه رجال من‬
‫أهل لنظر والرأي واللد‪ ،‬يدعونه ال ال‪ ..‬واكتب الّ ف كل يوم‪"..‬‬
‫ويعود سعد فيكتب لمي الؤمني قائل‪:‬‬
‫" ان رستم قد عسكر ب ساباط وجرّ اليول والفيلة وزحف علينا"‪.‬‬
‫وييبه عمر مطمئنا مشيا‪..‬‬
‫ان سنعد الفارس الذكني القدام‪ ،‬خال رسنول ال‪ ،‬والسنابق ال السنلم‪ ،‬بطنل العارك والغزوات‪،‬‬
‫والذي ل ينبو له سيف‪ ،‬ول يزيغ منه رمح‪ ..‬يقف على رأس جيشه ف احدى معارك التاريخ الكبى‪،‬‬
‫وي قف وكأ نه جندي عادي‪ ..‬ل غرور القوة‪ ،‬ول صلف الزعا مة‪ ،‬يمل نه على الركون الفرط لثق ته‬
‫بنفسه‪ ..‬بل هو يلجأ ال أمي الؤمني ف الدينة وبينهما أبعاد وأبعاد‪ ،‬فيسل له كل يوم كتابا‪ ،‬ويتبادل‬
‫معه والعركة الكبى على وشك النشوب‪ ،‬الشورة والرأي‪...‬‬
‫ذلك أن سعدا يعلم أن عمر ف الدينة ل يفت وحده‪ ،‬ول يقرر وحجه‪ ..‬بل يستشي الذين حوله من‬
‫السلمي ومن خيار أصحاب رسول ال‪ ..‬وسعد ل يريد برغم كل ظروف الرب‪ ،‬أن يرم نفسه‪،‬‬
‫ول أن يرم جيشه‪ ،‬من بركة الشورى وجدواها‪ ،‬ل سيّما حي يكون بي أقطابا عمر اللهم العظيم‪..‬‬
‫**‬
‫وينفذ سعد وصية عمر‪ ،‬فيسل ال رستم قائد الفرس نفرا من صحابه يدعونه ال ال وال السلم‪..‬‬
‫ويطول الوار بينهم وبي قائد الفرس‪ ،‬وأخيا ينهون الديث معه اذ يقول قائلهم‪:‬‬
‫" ان ال اختارنا ليخرج بنا من يشاء من خلقه من الوثنية ال التوحيد‪ ...‬ومن ضيق الدنيا ال سعتها‪،‬‬
‫ومن جور الكام ال عدل السلم‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فمن قبل ذلك منا‪ ،‬قبلنا منه‪ ،‬ورجعنا عنه‪ ،‬ومن قاتلنا قاتلناه حت نفضي ال وعد ال‪"..‬‬
‫ويسأل رستم‪ :‬وما وعد ال الذي وعدكم اياه‪..‬؟؟‬
‫فيجيبه الصحاب‪:‬‬
‫" النة لشهدائنا‪ ،‬والظفر لحيائنا"‪.‬‬
‫ويعود لبوفد ال قائد السلمي سعد‪ ،‬ليخبوه أنا الرب‪..‬‬
‫وتتلىء عينا سعد بالدموع‪..‬‬
‫لقد كان يود لو تأخرت العركة قليل‪ ،‬أو تقدمت قليل‪ ..‬فيومئذ كان مرضه قد اشتد عليه وثقلت‬
‫وطأتنه‪ ..‬وملت الدمامنل جسنده حتن منا كان يسنتطيع أن يلس‪ ،‬فضل أن يعلو صنهوة جواده‬
‫ويوض عليه معركة بالغة الضراوة والقسوة‪!!..‬‬
‫فلو أن العر كة جاءت ق بل أن يرض وي سقم‪ ،‬أولوأن ا ا ستأخرت ح ت ي بل ويش فى‪ ،‬اذن لبلى في ها‬
‫بلءه العظيم‪ ..‬أما الن‪ ..‬ولكن‪ ،‬ل‪ ،‬فرسول ال صلى ال عليه وسلم علمهم أل يقول أحدهم‪ :‬لو‪.‬‬
‫لن لو هذه تعن العجز‪ ،‬والؤمن القوي ل يعدم اليلة‪ ،‬ول يعجز أبدا‪..‬‬
‫عنئذ هب السد ف براثنه ووقف ف جيشه خطيبا‪ ،‬مستهل خطابه بالية الكرية‪:‬‬
‫(بسم ال الرحن الرحيم‪..‬‬
‫ولقد كتبنا ف الزبور من بعد الذكر أن الرض يرثها عبادي الصالون)‪..‬‬
‫وب عد فرا غه من خطب ته‪ ،‬صلى بال يش صلة الظ هر‪ ،‬ث ا ستقبل جنوده مكبّرا أرب عا‪ :‬ال أ كب‪ ..‬ال‬
‫أكب‪ ..‬ال أكب‪ ..‬ال أكب‪..‬‬
‫ودوّى الكن وأوّب مع الكبين‪ ،‬ومد ذراعه كالسهم النافذ مشيا ال العدو‪ ،‬وصاح ف جنوده‪ :‬هيا‬
‫على بركة ال‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وصنعد وهنو متحامل على نفسنه وآلمنه ال شرفنة الدار التن كان ينل بان ويتخذهنا مركزا‬
‫لقيادته‪..‬وف الشرفة جلس متكئا على صدره فوق وسادة‪ .‬باب داره مفتوح‪ ..‬وأقل هجوم من الفرس‬
‫على الدار يسقطه ف أيديهم حيا أو ميتا‪ ..‬ولكنه ل يرهب ول ياف‪..‬‬
‫دمامله تنبح وتنف‪ ،‬ولكنه عنها ف شغل‪ ،‬فهو من الشرفة يكب ويصيح‪ ..‬ويصدر أوامره لؤلء‪ :‬أن‬
‫تقدّموا صوب اليم نة‪ ..‬وللئك‪ :‬أن سدوا ثغرات الي سرة‪ ..‬أما مك يا مغية‪ ..‬وراء هم يا جر ير‪..‬‬
‫اضرب يا نعمان‪ ..‬اهجم يا أشعث‪ ..‬وأنت يا قعقاع‪ ..‬تقدموا يا أصحاب ممد‪!!..‬‬
‫وكان صوته الفعم بقوة العزم والمل‪ ،‬يعل من كل جندي فردا‪ ،‬جيشا بأسره‪..‬‬
‫وتاوى جنود الفرس كالذباب الترنّح‪.‬ز وتاوت معهم الوثنية وعبادة النار‪!!..‬‬
‫وطارت فلولم الهزومة بعد أن رأوا مصرع قائدهم وخية جنودهم‪ ،‬وطاردهم كاليش السلم عت‬
‫ناوند‪ ..‬ث الدائن فدخلوها ليحملوا ايوان كسرى وتاجه‪ ،‬غنيمة وفيئا‪!!..‬‬
‫**‬
‫وف موقعة الدائن أبلى سعد بلء عظيما‪..‬‬
‫وكانت موقعة الدائن‪ ،‬بعد موقعة القادسية بقرابة عامي‪ ،‬جرت خللما مناوشات مستمرة بي الفرس‬
‫وال سلمي‪ ،‬ح ت تم عن كل فلول ال يش الفار سي ويقاياه ف الدائن نف سها‪ ،‬متأه بة لو قف أخ ي‬
‫وفاصل‪..‬‬
‫وأدرك سعد أن الوقت سيكون بانب أعدائه‪ .‬فقرر أن يسلبهم هذه الزية‪ ..‬ولكن أنّى له ذلك وبينه‬
‫وبي الدائن نر دجلة ف موسم فيضانه وجيشانه‪..‬‬
‫هنا موقف يثبت فيه سعد حقا كما وصفه عبد الرحن بن عوف السد ف براثنه‪!!..‬‬
‫ان ايان سعد وتصميمه ليتألقان ف وجه الطر‪ ،‬ويتسوّران الستحيل ف استبسال عظيم‪!!..‬‬
‫وهكذا أصدر سعد أمره ال جيشه بعبور نر دجلة‪ ..‬وأمر بالبحث عن ماضة ف النهر تكّن من عبور‬
‫هذا النهر‪ ..‬وأخيا عثروا على مكان ل يلو عبوره من الخاطر البالغة‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وق بل أن يبدأ ال يش ال يش عمل ية الرور ف طن القائد سعد ال وجوب تأم ي مكان الو صول على‬
‫الضفة الخرى الت يرابط العطو حولا‪ ..‬وعندئذ جهز كتيبتي‪..‬‬
‫الول‪ :‬وا سها كتي بة الهوال وأمّر سعد علي ها عا صم ابنعمرو والثان ية‪ :‬ا سها الكتي بة الر ساء وأمّر‬
‫عليها القعقاع ابن عمرو‪..‬‬
‫وكان على جنود هاتي الكتيبتي أن يوضوا الهوال لكي يفسحوا على الضفة الخرى مكانا آمنا‬
‫للجيش العابر على أثرهم‪ ..‬ولقد أدوا العمل بهارة مذهلة‪..‬‬
‫ونحت خطة سعد يومئذ ناحا يذهل له الؤرخون‪..‬‬
‫ناحا أذهل سعد بن أب وقاص نفسه‪..‬‬
‫وأذ هل صاحبه ورفي قه ف العر كة سلمان الفار سي الذي أ خذ يضرب ك فا ب كف ده شة وغب طة‪،‬‬
‫ويقول‪:‬‬
‫" ان السلم جديد‪..‬‬
‫ذلّلت وال لم البحار‪ ،‬كما ذلّل لم البّ‪..‬‬
‫والذي نفس سلمان بيده ليخرجنّ منه أفواجا‪ ،‬كما دخلوه أفواحا"‪!!..‬‬
‫ول قد كان ‪ ..‬وك ما اقتحموا ن ر دجلة أفوا جا‪ ،‬خرجوا م نه أفوا جا ل ي سروا جند يا واحدا‪ ،‬بل ل‬
‫تضع منهم شكيمة فرس‪..‬‬
‫ولقد سقط من أحد القاتلي قدحه‪ ،‬فعز عليه أن يكون الوحيد بي رفاقه الذي يضيع منه شيء‪،‬‬
‫فنادى فن أصنحابه ليعاونوه على انتشاله‪ ،‬ودفعتنه موجنة عالينة ال حينث اسنتطاع بعنض العابرينن‬
‫التقاطه‪!!..‬‬
‫وتصف لنا احدى الروايات التاريية‪ ،‬روعة الشهد وهم يعبون دجلة‪ ،‬فتقول‪:‬‬
‫[أمر سعد السلمي أن يقولوا‪ :‬حسبنا ال ونعم الوكيل‪ ..‬ث اقتحم بفرسه دجلة‪ ،‬واقتحم الناس وراءه‪،‬‬
‫ل يتخلف عنه أحد‪ ،‬فساروا فيها كأنا يسيون على وجه الرض حت ملؤا ما بي الانبي‪ ،‬ول يعد‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وجه الاء يرى من أفواج الفرسان والشاة‪ ،‬وجعل الناس يتحدثون وهم يسيون على وجه الاء كأنم‬
‫يتحدون على وجه الرض؛ وذلك بسبب ما شعروا به من الطمأنينة والمن‪ ،‬والوثوق بأمر ال ونصره‬
‫ووعيده وتأييده]‪!!..‬‬
‫ويوم ول عمر سعدا امارة العراق‪ ،‬راح يبن للناس ويعمّر‪ ..‬كوّف الكوفة‪ ،‬وأرسى قواعد السلم‬
‫ف البلد العريضة الواسعة‪..‬‬
‫وذات يوم شكاه أهل الكوفة لمي الؤمن ي‪ ..‬لقد غلبهم طبع هم التمرّد‪ ،‬فزعموا زعمهم الضا حك‪،‬‬
‫قالوا‪ ":‬ان سعدا ل يسن يصلي"‪!!..‬‬
‫ويضحك سعد من ملء فاه‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫"وال ان لصلي بم صلة رسول ال‪ ..‬أطيل ف الركعتي الوليي‪ ،‬وأقصر ف الخريي"‪..‬‬
‫ويستدعيه عمر ال الدينة‪ ،‬فل يغضب‪ ،‬بل يلب نداءه من فوره‪..‬‬
‫وبعد حي يعتزم عمر ارجاعه ال الكوفة‪ ،‬فيجيب سعد ضاحكا‪:‬‬
‫" اأترن أن أعود ال قوم يزعمون أن ل أحسن الصلة"‪..‬؟؟‬
‫ويؤثر البقاء ف الدينة‪..‬‬
‫وحي اعتدي على أمي الؤمني عمر رضي ال عنه وأرضاه‪ ،‬اختار من بي أصحاب الرسول عليه‬
‫الصلة والسلم‪ ،‬ستة رجال‪ ،‬ليكون اليهم أمر الليفة الديد قائل انه اختار ستة مات رسول ال وهو‬
‫عنهم راض‪ ..‬وكان من بينهم سعد بن أب وقاص‪.‬‬
‫بل يبدو من كلمات عمر الخية‪ ،‬أنه لو كان متارا للفة واحدا من الصحابة لختار سعدا‪..‬‬
‫فقد قال لصحابه وهو يودعهم ويوصيهم‪:‬‬
‫" ان وليها سعد فذاك‪..‬‬
‫وان وليه غيه فليستعن بسعد"‪.‬‬
‫**‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وي تد الع مر ب سعج‪ ..‬وت يء الفت نة ال كبى‪ ،‬فيعتزل ا بل ويأ مر أهله وأولده أل ينقلوا ال يه شيئا من‬
‫أخبارها‪..‬‬
‫وذات يوم تشرئب العناق نوه‪ ،‬ويذهب اليه ابن أخيه هاشم بن عتبة بن أب وقاص‪ ،‬ويقول له‪:‬‬
‫يا عم‪ ،‬ها هنا مائة ألف سيف يروك أحق الناس بذا المر‪.‬‬
‫فيجيبه سعد‪:‬‬
‫" أريد من مائة ألف سيف‪ ،‬سيفا واحدا‪ ..‬اذا ضربت به الؤمن ل يصنع شيئا‪ ،‬واذا ضربت به الكافر‬
‫قطع"‪!!..‬‬
‫ويدرك ابن أخيه غرضه‪ ،‬ويتركه ف عزلته وسلمه‪..‬‬
‫وحي انتهى المر لعاوية‪ ،‬واستقرت بيده مقاليد الكم سأل سعدا‪:‬‬
‫مالك ل تقاتل معنا‪..‬؟؟‬
‫فأجابه‪:‬‬
‫" ان مررت بريح مظلمة‪ ،‬فقلت‪ :‬أخ ‪ ..‬أخ‪..‬‬
‫واتذت من راحلت حت انلت عن‪"..‬‬
‫فقل زعاوية‪ :‬ليس ف كتاب ال أخ‪ ..‬أخ‪ ..‬ولكن قال ال تعال‪:‬‬
‫(وان طائفتان من الؤمني اقتتلوا‪ ،‬فأصلحوا بينهما‪ ،‬فان بغت احداها على الخرى‪ ،‬فقاتلوا الت تبغي‬
‫حت تفيء ال أمر ال)‪.‬‬
‫وأنت ل تكن مع الباغية على العادلة‪ ،‬ول مع العادلة على الباغية‪.‬‬
‫أجابه سعد قائل‪:‬‬
‫" ما كنت لقاتل رجل قال له رسول ال‪ :‬أنت من بنلة هرون من موسى ال أنه ل نب بعدي"‪.‬‬
‫**‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وذات يوم من أيام الرا بع والم سي للهجرة‪ ،‬و قد جاوز سعد الثمان ي‪ ،‬كان هناك ف داره بالعق يق‬
‫يتهيأ لقاء ال‪.‬‬
‫ويروي لنا ولده لظاته الخية فيقول‪:‬‬
‫[ كان رأس أب ف حجري‪ ،‬وهو يقضي‪ ،‬فبكيت وقال‪ :‬ما يبكيك يا بنّ‪..‬؟؟‬
‫ان ال ل يعذبن أبدا وأن من أهل النة]‪!!..‬‬
‫ان صلبة ايانه ل يوهنها حت رهبة الةت وزلزاله‪.‬‬
‫ول قد بشره الر سول عل يه ال صلة وال سلم‪ ،‬و هو مؤ من ب صدق الر سول عل يه ال صلة وال سلم أو ثق‬
‫ايان‪..‬ز واذن ففيم الوف‪..‬؟‬
‫[ ان ال ل يعذبت أبدا‪ ،‬وان من أهل النة]‪.‬‬
‫بيد أنه يريد أن يلقى ال وهو يمل أروع وأجل تذكار جعه بدينه ووصله برسوله‪ ..‬ومن ثّ فقد‬
‫أشار ال خزانته ففتوحها‪ ،‬ث أخرجوا منها رداء قديا قي بلي وأخلق‪ ،‬ث أمر أهله أن يكفنوه فيه قائل‪:‬‬
‫[ لقد لقيت الشركي فيه يوم بدر‪ ،‬ولقد ادخرته لذا اليوم]‪!!..‬‬
‫اجنل‪ ،‬ان ذلك الثوب ل يعند مرّد ثوب‪ ..‬اننه العلم الذي يفنق فوق حياة مديدة شامةن عاشهنا‬
‫صاحبها مؤمنا‪ ،‬صادقا شجاعا!!‬
‫وفوق أعناق الرجال حل ال الدينة جثمان آخر الهاجرين وفاة‪ ،‬ليأخذ مكانه ف سلم ال جوار ثلة‬
‫طاهرة عظيمة من رفاقه الذين سبقوه ال ال‪ ،‬ووجدت أجسامهم الكادحة مرفأ لا ف تراب البقيع‬
‫وثراه‪.‬‬
‫**‬
‫وداعا يا سعد‪!!..‬‬
‫وداعا يا بطل القادسية‪ ،‬وفاتح الدائن‪ ،‬ومطفىء النار العبودة ف فارس ال البد‪!!..‬‬
‫صهيب بن سنان‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ربح البيع يا أبا يي!!‬


‫ولد ف أحضان النعيم‪..‬‬
‫ف قد ا كن أبوه حا كم البلّة وول يا علي ها لك سرى‪ ..‬وكان من العرب الذ ين نزحوا ال العراق ق بل‬
‫ال سلم بع هد طو يل‪ ،‬و ف ق صره القائم على شا طئ الفرات‪ ،‬م ا يلي الزيرة والو صل‪ ،‬عاش الط فل‬
‫ناعما سعيدا‪..‬‬
‫وذات يوم تعرضت البلد لجوم الروم‪ ..‬وأسر الغيون أعدادا كثية وسبوا ذلك الغلم " صهيب بن‬
‫سنان"‪..‬‬
‫ويقتنصه تار الرقيق‪ ،‬وينتهي طوافه ال مكة‪ ،‬حيث بيع لعبد ال بن جدعان‪ ،‬بعد أن قضى طفولته‬
‫وشبابه ف بلد الروم‪ ،‬حت أخذ لسانم ولجتهم‪.‬‬
‫ويعجب سيده بذكائه ونشاطه واخلصه‪ ،‬فيعتقه ويرره‪ ،‬ويهيء له فرصة التار معه‪.‬‬
‫وذات يوم‪ ..‬ولندع صديقع عمار بن ياسر يدثنا عن ذلك اليوم‪:‬‬
‫" لقيت صهيب بن سنان على باب دار الرقم‪ ،‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم فيها‪..‬‬
‫فقلت له‪ :‬ماذا تريد‪..‬؟‬
‫فأجابن وما تريد أنت‪..‬؟‬
‫قلت له‪ :‬أريد أن أدخل على ممد‪ ،‬فأسع ما يقول‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأنا اريد ذلك‪..‬‬
‫فدخلنا على الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فعرض علينا السلم فأسلمنا‪.‬‬
‫ث مكثنا على ذلك حت أمسينا‪..‬‬
‫ث خرجنا ونن مستخفيان"‪!!.‬‬
‫عرف صهيب طريقع اذن ال دار الرقم‪..‬‬
‫عرف طريقه ال الدى والنور‪ ،‬وأيضا ال التضحية الشاقة والفداء العظيم‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فعبور الباب الشب الذي كان يفصل داخل دار الرقم عن خارجها ل يكن يعن مرّد تطي عتبة‪..‬‬
‫بل كان يعن تطي حدود عال بأسره‪!..‬‬
‫عال قدي بكل ما يثله من دين وخلق‪ ،‬ونظام وحياة‪..‬‬
‫وتطي عتبة دار الرقم‪ ،‬الت ل يكن عرضها ليزيد عن قدم واحدة كان يعن ف حقيقة المر وواقعه‬
‫عبور خضمّ من الهوال‪ ،‬واسع‪ ،‬وعريض‪..‬‬
‫واقتحام تلك العتبة‪ ،‬كان ايذانا بعهد زاخر بالسؤليات السام‪!..‬‬
‫وبالنسبة للفقراء‪ ،‬والغرباء‪ ،‬والرقيق‪ ،‬كان اقتحام عقبة دار الرقم يعن تضحية تفوق كل مألوف من‬
‫طاقات البشر‪.‬‬
‫وان صاحبنا صهيبا لرجل غريب‪ ..‬وصديقه الذي لقيه على باب الدار‪ ،‬عمّار بن ياسر رجل فقي‪..‬‬
‫فما بالما يستقبلن الول ويشمّران سواعدها للقاته‪..‬؟؟‬
‫انه نداء اليان الذي ل يقاوم‪..‬‬
‫وانا شائل ممد عليه الصلة والسلم‪ ،‬الذي يلؤ عبيها أفئدة البرار هدى وحبا‪..‬‬
‫وانا روعة الديد الشرق‪ .‬تبهر عقول سئمت عفونة القدي‪ ،‬وضلله وافلسه‪..‬‬
‫وانا قبل هذا كله رحة ال يصيب با من يشاء‪ ..‬وهداه يهدي اليه من ينيب‪...‬‬
‫أخذ صهيب مكانه ف قافلة الؤمني‪..‬‬
‫وأخذ مكانا فسيحا وعاليا بي صفوف الضطهدين والعذبي‪!!..‬‬
‫ومكانا عاليا كذلك بي صفوف الباذلي والفتدين‪..‬‬
‫وا نه ليتحدث صادقا عن ولئه العظ يم ل سؤولياته كم سلم با يع الر سول‪ ،‬و سار ت ت را ية ال سلم‬
‫فيقول‪:‬‬
‫" ل يشهد رسول ال صلى ال عليه وسلم مشهدا قط ال كنت حاضره‪..‬‬
‫ول يبايع بيعة قط ال كنت حاضرها‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ول يسر سرية قط‪ .‬ال كنت حاضرها‪..‬‬


‫ول غزا غزاة قط‪ ،‬أوّل الزمان وآخره‪ ،‬ال منت فيها عن يينه أ‪ ،‬شاله‪..‬‬
‫وما خاف السلمون أمامهم قط‪ ،‬ال كنت أمامهم‪..‬‬
‫ول خافوا وراءهم ال كنت وراءهم‪..‬‬
‫وما جعلت رسول ال صلى ال عليه وسلم بين وبي االعدوّ أبدا حت لقي ربه"‪!!..‬‬
‫هذه صورة باهرة‪ ،‬ليان فذ وولء عظيم‪..‬‬
‫ولقد كان صهيب رضي ال عنه وعن اخوانه أجعي‪ ،‬أهل لذا اليان التفوق من أول يوم استقبل فيه‬
‫نور ال‪ ،‬ووضع يينه ف يكي الرسول‪..‬‬
‫يومئذ أخذت علقاته بالناس‪ ،‬وبالدنيا‪ ،‬بل وبنفسه‪ ،‬طابعا جديدا‪ .‬يومئذ‪ .‬امتشق نفسا صلبة‪ ،‬زاهدة‬
‫متفانية‪ .‬وراح يستقبل با الحداث فيطوّعها‪ .‬والهوال فيوّعها‪.‬‬
‫ول قد م ضى يوا جه تبعا ته ف اقدام وج سور‪.‬ز فل يتخلف عن مش هد ول عن خ طر‪ ..‬من صرفا ول عه‬
‫وشغفه عن الغنائم ال الغارم‪ ..‬وعن شهوة الياة‪ ،‬ال عشق الطر وحب الوت‪..‬‬
‫ولقد افتتح أيام نضاله النبيل وولئه الليل بيوم هجرته‪ ،‬ففي ذلك اليوم تلى عن كل ثروته وجيع‬
‫ذهبه الذي أفاءته عليه تارته الرابة خلل سنوات كثية قضاها ف مكة‪ ..‬تلى عن كل هذه الثروة‬
‫وهي كل ما يلك ف لظة ل يشب جللا تردد ول نكوص‪.‬‬
‫فعند ما ه مّ الر سول بالجرة‪ ،‬علم صهيب ب ا‪ ،‬وكان الفروض أن يكون ثالث ثل ثة‪ ،‬هم الر سول‪..‬‬
‫وأبو بكر‪ ..‬وصهيب‪..‬‬
‫بيد أن القرشيي كانوا قد بيتوا أمرهم لنع هجرة الرسول‪..‬‬
‫ووقع صهيب ف بعض فخاخهم‪ ،‬فعوّق عن الجرة بعض الوقت بينما كان الرسول وصاحبه قد اتذا‬
‫سبيلهما على بركة ال‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وحاور صهيب وداور‪ ،‬حت استطاع أن يفلت من شانئيه‪ ،‬وامت طى ظهر ناق ته‪ ،‬وانطلق با الصحراء‬
‫وثبا‪..‬‬
‫بيد أن قريشا أرسلت ف أثره قناصتها فأدركوهخ‪ ..‬ول يكد صهيب يراهم ويواجههم من قريب حت‬
‫صاح فيهم قائل‪:‬‬
‫" يا معشر قريش‪..‬‬
‫لقد علمتم أن من أرماكم رجل‪ ..‬وأي وال ل تصلون الّ حت ارمي كبل سهم معي ف كنانت ث‬
‫أضربكم بسيفي حت ل يبقى ف يدي منه شيء‪ ،‬فأقدموا ان شئتم‪..‬‬
‫وان شئتم دللتكم على مال‪ ،‬وتتركون وشان"‪..‬‬
‫ولقد استاموا لنفسهم‪ ،‬وقبلوا أن يأخذوا ماله قائلي له‪:‬‬
‫أتيتنا صعلوكا فقيا‪ ،‬فكثر مالك عندنا‪ ،‬وبلغت بيننا ما بلغت‪ ،‬والن تنطلق بنفسك وبالك‪..‬؟؟‬
‫فدلم على الكان الذي خبأ فيه ثروته‪ ،‬وتركوه وشأنه‪ ،‬وقفلوا ال مكة راجعي‪..‬‬
‫والعجب أنم صدقوا قوله ف غي شك‪ ،‬وف غي حذر‪ ،‬فلم يسألوه بيّنة‪ ..‬بل ول يستحلفوه على‬
‫صدقه‪ !!..‬وهذا موقف يضفي على صهيب كثيا من العظمة يستحقها كونه صادق وأمي‪!!..‬‬
‫واستأنف صهيب هجرته وحيدا سعيدا‪ ،‬حت أردك الرسول صلى ال عليه وسلم ف قباء‪..‬‬
‫كان الرسول حالسا وحوله بعض أصحابه حي أهل عليهم صهيب ول يكد يراه الرسول حت ناداه‬
‫متهلا‪:‬‬
‫" ربح البيع أبا يي‪!!..‬‬
‫ربح البيع أبا يي‪!!..‬‬
‫وآنئذ نزلت الية الكرية‪:‬‬
‫( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات ال‪ ،‬وال رؤوف بالعباد)‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫أجل لقد اشترى صهيب نفسه الؤمنة ابتغاء مرضات ال بكل ثروته الت أنفق شبابه ف جعها‪ ،‬ول‬
‫يس قط أنه الغبون‪..‬‬
‫فمال الال‪ ،‬و ما الذ هب و ما الدن يا كل ها‪ ،‬اذا ب قي له ايا نه‪ ،‬واذا بق يت لضميه سيادته‪ ..‬ول صيه‬
‫ارادته‪..‬؟؟‬
‫كان الرسول يبه كثيا‪ ..‬وكان صهيب ال جانب ورعه وتقواه‪ ،‬خفيف الروح‪ ،‬حاضر النكتة‪..‬‬
‫رآه الرسول يأكل رطبا‪ ،‬وكان باحدى عينيه رمد‪..‬‬
‫فقال له الرسول ضاحكا‪ ":‬أتأكل الرطب وف عينيك رمد"‪..‬؟‬
‫فأجاب قائل‪ ":‬وأي بأس‪..‬؟ ان آكله بعين الخرى"‪!!..‬‬
‫وكان جوّادا معطاء‪ ..‬ين فق كل عطائه من ب يت الال ف سبيل ال‪ ،‬يع ي متا جا‪ ..‬يغ يث مكرو با‪"..‬‬
‫ويطعم الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيا"‪.‬‬
‫حت لقد أثار سخاؤه الفرط انتباه عمر فقال له‪ :‬أراك تطعم كثيا حت انك لتسرف‪..‬؟‬
‫فأجابه صهيب لقد سعت رسول ال يقول‪:‬‬
‫" خياركم من أطعم الطعام"‪.‬‬
‫**‬
‫ولئن كانت حياة صهيب مترعة بالزايا والعظائم‪ ،‬فان اختيار عمر بن الطاب اياه ليؤم السلمي ف‬
‫الصلة مزية تل حياته ألفة وعظمة‪..‬‬
‫فعندما اعتدي على أمي الؤمني وهو يصلي بالسلمي صلة الفجر‪..‬‬
‫وعندما احس ناية الجل‪ ،‬فراح يلقي على اصحابه وصيته وكلماته الخية قال‪:‬‬
‫" وليصلّ بالناس صهيب"‪..‬‬
‫لقد اختار عمر يومئذ ستة من الصحابة‪ ،‬ووكل اليهم أمر الليفة الديد‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وخلي فة ال سلمي هو الذي يؤم هم ف ال صلة‪ ،‬ف في اليام الشاغرة ب ي وفاة أم ي الؤمن ي‪ ،‬واختيار‬
‫الليفة الديد‪ ،‬من يؤم السلمي ف الصلة‪..‬؟‬
‫ان ع مر وخا صة ف تلك الللحظات ال ت تأ خذ في ها رو حه الطاهرة طريق ها ال ال لي ستأن ألف مرة‬
‫قبل أن يتار‪ ..‬فاذا اختار‪ ،‬فل أحد هناك أوفر حظا من يقع عليه الختيار‪..‬‬
‫ولقد اختار عمر صهيبا‪..‬‬
‫اختاره ليكون امام السلمي ف الصلة حت ينهض الليفة الديد‪ ..‬بأعباء مهمته‪..‬‬
‫اختاره وهو يعلم أن ف لسانه عجمة‪ ،‬فكان هذا الختيار من تام نعمة ال على عبده الصال صهيب‬
‫بن سنان‪..‬‬
‫معاذ بن جبل‬
‫أعلمهم باللل والرام‬
‫عندما كان الرسول عليه الصلة والسلم يبابع النصار بيعة العقبة الثانية‪ .‬كان يلس بي السبعي‬
‫الذين يتكوّن منهم وفدهم‪ ،‬شاب مشرق الوجه‪ ،‬رائع النظرة‪ ،‬برّاق الثنايا‪ ..‬يبهر البصار بوئه وسته‪.‬‬
‫فاذا تدّث ازدادت البصار انبهارا‪!!..‬‬
‫ذلك كان معاذ بن جبل رضي ال عنه‪..‬‬
‫هو اذن رجل من النصار‪ ،‬بايع يوم العقبة الثانية‪ ،‬فصار من السابقي الولي‪.‬‬
‫ورجل له مثل اسبقيته‪ ،‬ومثل ايانه ويقينه‪ ،‬ل يتخلف عن رسول ال ف مشهد ول ف غزاة‪ .‬وهكذا‬
‫صنع معاذ‪..‬‬
‫على أن آلق مزاياه‪ ،‬وأعظم خصائصه‪ ،‬كان فقهه‪..‬‬
‫بلغ من الفقه والعلم الدى الذي جعله أهل لقول الرسول عنه‪:‬‬
‫" أعلم أمت باللل والرام معاذ بن جبل"‪..‬‬
‫وكان شبيه عمر بن الطاب ف استنارة عقله‪ ،‬وشجاعة ذكائه‪ .‬سأله الرسول حي وجهه ال اليمن‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" با تقضي يا معاذ؟"‬


‫فأجابه قائل‪ " :‬بكتاب ال"‪..‬‬
‫قال الرسول‪ " :‬فان ل تد ف كتاب ال"‪..‬؟‬
‫"أقضي بسنة رسوله"‪..‬‬
‫قال الرسول‪ " :‬فان ل تد ف سنة رسوله"‪..‬؟‬
‫قال معاذ‪ ":‬أجتهد رأيي‪ ،‬ول آلوا"‪..‬‬
‫فتهلل وجه الرسول وقال‪:‬‬
‫" المد ل الذي وفق رسول رسول ال لا يرضي رسول ال"‪.‬‬
‫فولء معاذ لكتاب ال‪ ،‬ول سنة ر سوله ل ي جب عقله عن متاب عة رؤاه‪ ،‬ول ي جب عن عقله تلك‬
‫القائق الائلة التسرّة‪ ،‬الت تنتظر من يكتشفها ويواجهها‪.‬‬
‫ول عل هذه القدرة على الجتهاد‪ ،‬والشجا عة ف ا ستعمال الذكاء والع قل‪ ،‬ه ا اللتان مكن تا معاذا من‬
‫ثرائه الفقهي الذي فاق به أقرانه واخوانه‪ ،‬صار كما وصفه الرسول عليه الصلة والسلم " أعلم الناس‬
‫باللل والرام"‪.‬‬
‫وان الروايات التاريية لتصوره العقل الضيء الازم الذي يسن الفصل ف المور‪..‬‬
‫فهذا عائذ ال بن عبدال يدثنا انه دخل السجد يوما مع أصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم ف‬
‫أول خلفة عمر‪..‬قال‪:‬‬
‫" فجلست ملسا فيه بضع وثلثون‪ ،‬كلهم يذكرون حديثا عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وف‬
‫اللقة شاب شديد الدمة‪ ،‬حلو النطق‪ ،‬وضيء‪ ،‬وهو أشبّ القوم سنا‪ ،‬فاذا اشتبه عليهم من الديث‬
‫شيء ردّوه اليه فأفتاهم‪ ،‬ول يدثهم ال حي يسألونه‪ ،‬ولا قضي ملسهم دنوت منه وسالته‪ :‬من أنت‬
‫يا عبد ال؟ قال‪ :‬أنا معاذ بن جبل"‪.‬‬
‫وهذا أبو مسلم الولن يقول‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" دخلت مسجد حص فاذا جاعة من الكهول يتوسطهم شاب برّاق الثنايا‪ ،‬صامت ل يتكلم‪.‬ز فاذا‬
‫امترى القوم ف شيء توجهوا اليه يسألونه‪.‬ز فقلت لليس ل‪ :‬من هذا‪..‬؟ قال‪ :‬معاذ بن جبل‪ ..‬فوقع‬
‫ف نفسي حبه"‪.‬‬
‫وهذا شهر بن حوشب يقول‪:‬‬
‫" كان أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم اذا تدثوا وفيهم معاذ بن جبل‪ ،‬نظروا اليه هيبة له"‪..‬‬
‫ولقد كان أمي الؤمني عمر رضي ال عنه يستثيه كثيا‪..‬‬
‫وكان يقول ف بض الواطن الت يستعي با برأي معاذ وفقهه‪:‬‬
‫" لول معاذ بن جبل للك عكر"‪..‬‬
‫ويبدو أن معاذ كان يتلك عقل أحسن تدريبه‪ ،‬ومنطقا آسرا مقنعا‪ ،‬ينساب ف هدوء واحاطة‪..‬‬
‫فحيثما نلتقي به من خلل الروايات التاريية عنه‪ ،‬نده كما أسلفنا واسط العقد‪..‬‬
‫فهو دائما جالس والناس حوله‪ ..‬وهو صموت‪ ،‬ل يتحدث ال على شوق الالسي ال حديثه‪..‬‬
‫واذا اختلف الالسون ف أمر‪ ،‬أعادوه ال معاذ لبفصل فيه‪..‬‬
‫فاذا تكلم‪ ،‬كان كما وصفه أحد معاصريه‪:‬‬
‫" كأنا يرج من فمه نور ولؤلؤ"‪..‬‬
‫ولقد بلغ كل هذه النلة ف علمه‪ ،‬وف اجلل السلمي له‪ ،‬أيام الرسول وبعد ماته‪ ،‬وهو شاب‪..‬‬
‫فلقد مات معاذ ف خلفة عمر ول ياوز من العمر ثلثا وثلثي سنة‪!!..‬‬
‫وكان معاذ سح اليد‪ ،‬والنفس‪ ،‬واللق‪..‬‬
‫فل يسأل عن شيء ال أعطاه جزلن مغتبطا‪..‬ولقد ذهب جوده وسخاؤه بكل ماله‪.‬‬
‫ومات الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ومعاذ باليمن منذ وجهه النب اليها يعلم السلمي ويفقههم ف‬
‫الدين‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وف خلفة أب بكر رجع معاذ من اليمن‪ ،‬وكان عمر قد علم أن معاذا أثرى‪ ..‬فاقترح على الليفة‬
‫أب بكر أن يشاطره ثروته وماله‪!..‬‬
‫ول ينتظر عمر‪ ،‬بل نض مسرعا ال دار معاذ وألقى عليه مقالته‪..‬‬
‫كان معاذ ظاهر الكف‪ ،‬طاهر الذمة‪ ،‬ولئن كان قد أثري‪ ،‬فانه ل يكتسب اثا‪ ،‬ول يقترف شبهة‪،‬‬
‫ومن ث فقد رفض عرض عمر‪ ،‬وناقشه رأيه‪..‬‬
‫وتركه عمر وانصرف‪..‬‬
‫وف الغداة‪ ،‬كان معاذ يطوي الرض حثيثا شطر دار عمر‪..‬‬
‫ول يكاد يلقاه‪ ..‬حت يعنقه ودموعه تسبق كلماته وتقول‪:‬‬
‫" لقد رأيت الليلة ف منامي أن أخوض حومة ماء‪ ،‬أخشى على نفسي الغرق‪ ..‬حت جئت وخلصتن‬
‫يا عمر"‪..‬‬
‫وذهبا معا ال أب بكر‪ ..‬وطلب اليه معاذ أن يشاطره ماله‪ ،‬فقال أبو بكر‪ ":‬ل آخذ منك شيئا"‪..‬‬
‫فنظر عمر ال معاذ وقال‪ ":‬الن حلّ وطاب"‪..‬‬
‫ما كان أبو بكر الورع ليترك لعاذ درها واحدا‪ ،‬لو علم أنه أخذه بغي حق‪..‬‬
‫وما كان عمر متجنيا على معاذ بتهمة أو ظن‪..‬‬
‫وانا هو عصر الثل كان يزخر بقوم يتسابقون ال ذرى الكمال اليسور‪ ،‬فمنهم الطائر الحلق‪ ،‬ومنهم‬
‫الهرول‪ ،‬ومنهم القتصد‪ ..‬ولكنهم جيعا ف قافلة الي سائرون‪.‬‬
‫**‬
‫ويهاجر معاذ ال الشام‪ ،‬حيث يعيش بي أهلها والوافدين عليها معلما وفقيها‪ ،‬فاذا مات أميها أبو‬
‫عبيدة الذي كان ال صديق الم يم لعاذ‪ ،‬ا ستخلفه أم ي الؤمن ي ع مر على الشام‪ ،‬ول ي ضي عل يه ف‬
‫المارة سوى بضعة أشهر حت يلقى ربه مبتا منيبا‪..‬‬
‫وكان عمر رضي ال عنه يقول‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" لو استخلفت معاذ بن جبل‪ ،‬فسألن رب‪ :‬لاذا استخلفته؟ لقلت‪ :‬سعن نبيك يقول‪ :‬ان العلماء اذا‬
‫حضروا ربم عز وجل ‪ ،‬كان معاذ بي أيديهم"‪..‬‬
‫والستخلف الذي يعنيه عمر هنا‪ ،‬هو الستخلف على السلمي جيعا‪ ،‬ل على بلد أو ولية‪..‬‬
‫فلقد سئل عمر قبل موته‪ :‬لو عهدت الينا‪..‬؟ أي اختر خليفتك بنفسك وبايعناك عليه‪..‬‬
‫لاجاب قائل‪:‬‬
‫" لو كان معاذ بن جبل حيا‪ ،‬ووليته ث قدمت على رب عز وجل‪ ،‬فسألن‪ :‬من ولّيت على أمة ممد‪،‬‬
‫لقلت‪ :‬ولّيت عليهم معاذ بن جبل‪ ،‬بعد أن سعت النب يقول‪ :‬معاذ بن جبل امام العلماء يوم القيامة"‪.‬‬
‫**‬
‫قال الرسول صلى ال عليه وسلم يوما‪:‬‬
‫" يا معاذ‪ ..‬وال ان لحبك فل تنس أن تقول ف عقب كل صلة‪ :‬اللهم أعن على ذكرك وشكرك‬
‫وحسن عبادتك"‪..‬‬
‫أجل اللهم أعنّي‪ ..‬فقد كان الرسول دائب اللاح بذا العن العظيم الذي يدرك الناس به أنه ل حول‬
‫لم ول قوة‪ ،‬ول سند ول عون ال بال‪ ،‬ومن ال العلي العظيم‪..‬‬
‫ولقد حذق معاذ لدرس وأجاد تطبيقه‪..‬‬
‫لقيه الرسول ذات صباح فسأله‪:‬‬
‫"كيف أصبحت يامعاذ"‪..‬؟؟‬
‫قال‪:‬‬
‫" أصبحت مؤمنا حقا يا رسول ال"‪.‬‬
‫قال النب‪:‬‬
‫‪:‬ان لكل حق حقيقة‪ ،‬فما حقيقة ايانك"‪..‬؟؟‬
‫قال معاذ‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" ما أصبحت قط‪ ،‬ال ظننت أن ل أمسي‪ ..‬ول أمسيت مساء ال ظننت أن ل أصبح‪..‬‬
‫ول خطوت خطوة ال ظننت أن ل أتبعها غيها‪..‬‬
‫وكأن أنظر ال كل امة جاثية تدعى ال كتابا‪..‬‬
‫وكأن أرى أهل النة ف النة ينعمون‪..‬‬
‫وأهل النار ف النار يعذبون‪"..‬‬
‫فقال له الرسول‪:‬‬
‫" عرفت فالزم"‪..‬‬
‫أجل لقد أسلم معاذ كل نفسه وكل مصيه ل‪ ،‬فلم يعد يبصر شيئا سواه‪..‬‬
‫ولقد أجاد ابن مسعود وصفه حي قال‪:‬‬
‫"ان معاذا كان أمّة‪ ،‬قانتا ل حنيفا‪ ،‬ولقد كنا نشبّه معاذا بابراهيم عليه السلم"‪..‬‬
‫**‬
‫وكان معاذ دائب الدعوة ال العلم‪ ،‬وال ذكر ال‪..‬‬
‫وكان يدعو الناس ال التماس العلم الصحيح النافع ويقول‪:‬‬
‫" احذروا زيغ الكيم‪ ..‬وارفوا الق بالق‪ ،‬فان الق نورا"‪!!..‬‬
‫وكان يرى العبادة قصدا‪ ،‬وعدل‪..‬‬
‫قال له يوما أحد السلمي‪ :‬علمن‪.‬‬
‫قال معاذ‪ :‬وهل أنت مطيعي اذا علمتك‪..‬؟‬
‫قال الرجل‪ :‬ان على طاعتك لريص‪..‬‬
‫فقال له معاذ‪:‬‬
‫" صم وافطر‪..‬‬
‫وصلّ ون‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫واكتسب ول تأث‪.‬‬
‫ول توتنّ ال مسلما‪..‬‬
‫واياك ودعوة الظلوم"‪..‬‬
‫وكان يرى العلم معرفة‪ ،‬وعمل فيقول‪:‬‬
‫" تعلموا ما شئتم أن تتعلموا‪ ،‬فلن ينفعكم ال بالعلم جت تعملوا"‪..‬‬
‫وكان يرى اليان بال وذكره‪ ،‬استحضارا دائما لعظمته‪ ،‬ومراجعة دائمة لسلوك النفس‪.‬‬
‫يقول السود بن هلل‪:‬‬
‫" كنا نشي مع معاذ‪ ،‬فقال لنا‪ :‬اجلسوا بنا نؤمن ساعة"‪..‬‬
‫ولعل سبب صمته الكثي كان راجعا ال عملية التأمل والتفكر الت ل تدأ ول تكف داخل نفسه‪..‬‬
‫هذا الذي كان كمنا قال للرسنول‪ :‬ل يطنو خطوة‪ ،‬ويظنن أننه سنيتبعها بأخرى‪ ..‬وذلك منن فرط‬
‫استغراقه ف ذكره ربه‪ ،‬واستغراقه ف ماسبته نفسه‪..‬‬
‫**‬
‫وحان أجل معاذ‪ ،‬ودعي للقاء ال‪...‬‬
‫وف سكرات الوت تنطلق عن اللشعور حقيقة كل حي‪ ،‬وتري على لسانه ‪،‬ان استكاع الديث‪،‬‬
‫كلمات تلخص أمره وحياته‪..‬‬
‫وف تلك اللحظات قال معاذ كلمات عظيمة تكشف عن مؤمن عظيم‪.‬‬
‫فقد كان يدق ف السماء ويقول مناجيا ربه الرحيم‪:‬‬
‫" الم ان كنت أخافك‪ ،‬لكنن اليوم أرجوك‪ ،‬اللهم انك تعلم أن ل أكن أح بّ الدنيا لري النار‪،‬‬
‫ول لغرس الشجار‪ ..‬ولكنن لظمنأ الواجنر ومكابدة السناعات‪ ،‬ونينل الزيند منن العلم واليان‬
‫والطاعة"‪..‬‬
‫وبسط يينه كأنه يصافح الوت‪ ،‬وراح ف غيبوبته يقول‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" مرحبا بالوت‪..‬‬


‫حبيب جاء على فاقه"‪..‬‬
‫وسافر معاذ ال ال‪...‬‬
‫القداد بن عمرو‬
‫أول فرسان السلم‬
‫تدث عنه أصحابه ورفاقه فقالوا‪:‬‬
‫" أول من عدا به فرسه ف سبيل ال‪ ،‬القداد بن السود‪..‬‬
‫والقداد بن السود‪ ،‬هو بطلنا هذا القداد بن عمرو كان قد حالف ف الاهلية السود بن عبد يغوث‬
‫فتبناه‪ ،‬فصار يدعى القداد بن السود‪ ،‬حت اذا نزلت الية الكرية الت تنسخ التبن‪ ،‬نسب لبيه عمرو‬
‫بن سعد‪..‬‬
‫والقداد من البكّرين بالسلم‪ ،‬وسابع سبعة جاهروا باسلمهم وأعلنوه‪ ،‬حامل نصيبه من أذى قريش‬
‫ونقمتها‪ ،‬فيس شجاعة الرجال وغبطة الواريي‪!!..‬‬
‫ولسوف يظل موقفه يوم بدر لوحة رائعة كل من رآه لو أنه كان صاحب هذا الوقف العظيم‪..‬‬
‫يقول عبدال بن مسعود صاحب رسول ال‪:‬‬
‫ل ما ف الرض جيعا"‪.‬‬‫" لقد شهدت من القداد مشهدا‪ ،‬لن أكون صاحبه‪ ،‬أحبّ ا ّ‬
‫ف ذلك اليوم الذي بدأ عصيبا‪.‬ز حيث أقبلت قريش ف بأسها الشديد واصرارها العنيد‪ ،‬وخيلئها‬
‫وكبيائها‪..‬‬
‫ف ذلك اليوم‪ ..‬وال سلمون قلة‪ ،‬ل يتحنوا من ق بل ف قتال من أ جل ال سلم‪ ،‬فهذه أول غزوة ل م‬
‫يوضونا‪..‬‬
‫وو قف الر سول يع جم ايان الذ ين م عه‪ ،‬ويبلوا ا ستعدادهم للقاة ال يش الزا حف علي هم ف مشا ته‬
‫وفرسانه‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وراح يشاورهم ف المر‪ ،‬وأصحاب الرسول يعلمون أنه حي يطلب الشورة والرأي‪ ،‬فانه يفعل ذلك‬
‫حقا‪ ،‬وأنه يطلب من كل واحد حقيقة اقتناعه وحقيقة رأيه‪ ،‬فان قال قائلهم رأيا يغاير رأي الماعة‬
‫كلها‪ ،‬ويالفها فل حرج عليه ول تثريب‪..‬‬
‫وخاف القدادا أن يكون بين السنلمي منن له بشأن العركنة تفظات‪ ...‬وقبنل أن يسنبقه أحند‬
‫بالديث همّ هو بالسبق ليصوغ بكلماته القاطعة شعار العركة‪ ،‬ويسهم ف تشكيل ضميها‪.‬‬
‫ولك نه ق بل أن يرك شفت يه‪ ،‬كان أ بو ب كر ال صديق قد شرع يتكلم فاطمأن القداد كثيا‪ ..‬وقال أ بو‬
‫بكر فأحسن‪ ،‬وتله عمر بن الطاب فقل وأحسن‪..‬‬
‫ث تقدم القداد وقال‪:‬‬
‫" يا رسول ال‪..‬‬
‫امض لا أراك ال‪ ،‬فنحن معك‪..‬‬
‫وال ل نقول لك كما قالت بنو اسرائيل لوسى‬
‫اذهب أنت وربك فقاتل انا هاهنا قاعدون‪..‬‬
‫بل نقول لك‪ :‬اذهب أنت وربك فقاتل انا معكما مقاتلون‪!!..‬‬
‫والذي بعثك بالق‪ ،‬لو سرت بنا ال برك العماد لالدنا معك من دونه حت تبلغه‪ .‬ولنقاتلن عن يينك‬
‫وعن يسارك وبي يديك ومن خلفك حت يفتح ال لك"‪ ..‬انطلقت الكلمات كالرصاص القذوف‪..‬‬
‫وتلل وجه رسول ال وأشرق فمه عن دعوة صالة دعاها للمقداد‪ ..‬وسرت ف الشد الصال الؤمن‬
‫حا سة الكلمات الفاضلة ال ت أطلق ها القداد بن عمرو وال ت حددت بقوت ا واقناع ها نوع القول ل ن‬
‫أراد قول‪ ..‬وطراز الديث لن يريد حديثا‪!!..‬‬
‫أجل لقد بلغت كلمات القداد غايتها من أفئدة الؤمني‪ ،‬فقام سعد بن معاذ زعيم النصار‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫" يا رسول ال‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫لقد آمنا بك وصدّقناك‪ ،‬وشهدنا أ نّ ما جئت به هو الق‪ ..‬وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا‪،‬‬
‫فا مض يا ر سول ال ل ا أردت‪ ،‬فن حن م عك‪ ..‬والذي ع ثك بال ق‪ ..‬لو ا ستعرضت ب نا هذا الب حر‬
‫فخضته لضناه معك‪ ،‬ما تلف منا رجل واحد‪ ،‬وما نكره أن تلقى بنا عدوّنا غدا‪..‬‬
‫انا لصب ف الرب‪ ،‬صدق ف اللقاء‪ ..‬ولعل ال يريك منا ما تقر عينك‪ ..‬فسر على بركة ال"‪..‬‬
‫وامتل قلب الرسول بشرا‪..‬‬
‫وقال لصحابه‪ ":‬سيوا وأبشروا"‪..‬‬
‫والتقى المعان‪..‬‬
‫وكان من فر سان ال سلمي يومئذ ثل ثة ل غ ي‪ :‬القداد بن عمرو‪ ،‬ومر ثد بن أ ب مر ثد‪ ،‬والزب ي بن‬
‫العوّام‪ ،‬بينما كان بقية الجاهدين مشاة‪ ،‬أو راكبي ابل‪..‬‬
‫**‬
‫ان كلمات القداد التن مرّت بننا منن قبنل‪ ،‬ل تصنور شجاعتنه فحسنب‪ ،‬بنل تصنور لننا حكمتنه‬
‫الراجحة‪ ،‬وتفكيه العميق‪..‬‬
‫وكذلك كان القداد‪..‬‬
‫كان حكيما أريبا‪ ،‬ول تكن حته تعبّر عن نفسها ف مرّد كلمات‪ ،‬بل هي تعبّر عن نفسها ف مبادئ‬
‫نافذة‪ ،‬وسلوك قوي مطرّد‪ .‬وكانت تاربه قوتا لكته وريا لفطنته‪..‬‬
‫وله الرسول على احدى الوليات يوما‪ ،‬فلما رجع سأله النب‪:‬‬
‫" كيف وجدت المارة"‪..‬؟؟‬
‫فأجاب ف صدق عظيم‪:‬‬
‫" لقد جعلتن أنظر ال نفسي كما لو كنت فوق الناس‪ ،‬وهم جيعا دون‪..‬‬
‫والذي بعثك بالق‪ ،‬ل اتآمرّن على اثني بعد اليوم‪ ،‬أبدا"‪..‬‬
‫واذا ل تكن هذه الكمة فماذا تكون‪..‬؟‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫واذا ل يكن هذا هو الكيم فمن يكون‪..‬؟‬


‫رجل ل يدع عن نفسه‪ ،‬ول عن ضعفه‪..‬‬
‫يلي المارة‪ ،‬فيغشى نفسه الزهو والصلف‪ ،‬ويكتشف ف نفسه هذا الضعف‪ ،‬فيقسم ليجنّبها مظانه‪،‬‬
‫وليفض المارة بعد تلك التجربة ويتتحاماها‪ ..‬ث يب بقسمه فل يكون أميا بعد ذلك أبدا‪!!..‬‬
‫لقد كان دائب التغن بديث سعه من رسول ال‪ ..‬هوذا‪:‬‬
‫" ان السعيد لن جنّب الفت"‪..‬‬
‫واذا كان قد رأى ف المارة زهوا يفتنه‪ ،‬أو يكاد يفتنه‪ ،‬فان سعادته اذن ف تنبها‪..‬‬
‫ومن مظاهر حكمته‪ ،‬طول أناته ف الكم على الرجال‪..‬‬
‫وهذه أيضا تعلمها من رسول ال‪ ..‬فقد علمهم عليه السلم أن قلب ابن آدم أسرع تقلبا من القدر‬
‫حي تغلي‪..‬‬
‫وكان القداد يرجئ حكمه الخي على الناس ال لظة الوت‪ ،‬ليتأكد أن هذا الذي يريد أن يصدر‬
‫عليه حكمه لن يتغي ولن يطرأ على حياته جديد‪ ..‬وأي تغيّر‪ ،‬أو أي جديد بعد الوت‪..‬؟؟‬
‫وتتألق حكمته ف حنكة بالغة خلل هذا الوار الذي ينقله الينا أحد أصحابه وجلسائه‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫" جلسنا ال القداد يوما فمرّ به رجل‪..‬‬
‫فقال ماطبا القداد‪ :‬طوب لاتي العيني اللتي رأتا رسول ال صلى اله عليه وسلم‪..‬‬
‫وال لوددناةلو أن رأينا ما رأيت‪ ،‬وشهدنا ما شهدت فأقبل عليه القداد وقال‪:‬‬
‫ما يمل أحدكم على أن يتمن مشهدا غيّبه ال عنه‪ ،‬ل يدري لو شهده كيف كان يصي فيه؟؟ وال‪،‬‬
‫لقد عاصر ر سول ال صلى ال عليه و سلم أقوام كبّهم ال عز و جل على مناخرهم ف جه نم‪ .‬أول‬
‫تمدون ال الذي جنّبكم مثل بلئهم‪ ،‬وأخرجكم مؤمني بربكم ونبيكم"‪..‬‬
‫حكمة وأية حكمة‪!!..‬‬
‫انك ل تلتقي بؤمن يب ال ورسوله‪ ،‬ال وتده يتمن لو أنه عاش أيام الرسول ورآه‪!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ولكن بصية القداد الاذق الكيم تكشف البعد الفقود ف هذه المنية‪..‬‬
‫أل يكن من الحتمل لذا الذي يتمن لو أنه عاش تلك اليام‪ ..‬أن يكون من أصحاب الحيم‪..‬‬
‫أل يكون من الحتمل أن يكفر مع الكافرين‪.‬‬
‫وأل يس من ال ي اذن أن ي مد ال الذي رز قه الياة ف ع صور ا ستق ّر في ها ال سلم‪ ،‬فأخذه صفوا‬
‫عفوا‪..‬‬
‫هذه نظرة القداد‪ ،‬تتألق حكمة وفطنة‪ ..‬وف كل مواقفه‪ ،‬وتاربه‪ ،‬وكلماته‪ ،‬كان الريب الكيم‪..‬‬
‫**‬
‫وكان حب القداد للسلم عظيما‪..‬‬
‫وكان ال جانب ذلك‪ ،‬واعيا حكيما‪..‬‬
‫والب حي يكون عظيما وحكيما‪ ،‬فانه يعل من صاحبه انسانا عليّا‪ ،‬ل يد غبطة هذا الب ف‬
‫ذاته‪ ..‬بل ف مسؤولياته‪..‬‬
‫والقداد بن عمرو من هذا الطراز‪..‬‬
‫فحبه الرسول‪ .‬مل قلبه وشعوره بسؤولياته عن سلمة الرسول‪ ،‬ول يكن تسمع ف الدينة فزعة‪ ،‬ال‬
‫ويكون القداد فن مثنل لحن البصنر واقفنا على باب رسنول ال متطينا صنهوة فرسنه‪ ،‬متشقنا مهنّده‬
‫وحسامه‪!!..‬‬
‫وحبه للسلم‪ ،‬مل قلبه بسؤولياته عن حاية السلم‪ ..‬ليس فقط من كيد أعدائه‪ ..‬بل ومن خطأ‬
‫أصدقائه‪..‬‬
‫خرج يوما ف سريّة‪ ،‬تكن العدو فيها من حصارهم‪ ،‬فأصدر أمي السرية أمره بأل يرعى أحد دابته‪..‬‬
‫ولكن أحد السلمي ل يط بالمر خبا‪ ،‬فخالفه‪ ،‬فتلقى من المي عقوبة أكثر ما يستحق‪ ،‬أ‪ ،‬لعله ل‬
‫يستحقها على الطلق‪..‬‬
‫فمر القداد بالرجل يبكي ويصيح‪ ،‬فسأله‪ ،‬فأنبأه ما حدث‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فأخذ القداد بيمينه‪ ،‬ومضيا صوب المي‪ ،‬وراح القداد يناقشه حت كشف له خطأه وقال له‪:‬‬
‫" والن أقده من نفسك‪..‬‬
‫ومكّنه من القصاص"‪!!..‬‬
‫وأذعن المي‪ ..‬بيد أن الندي عفا وصفح‪ ،‬وانتشى القداد بعظمة الوقف‪ ،‬وبعظمة الدين الذي أفاء‬
‫عليهم هذه العزة‪ ،‬فراح يقول وكأنه يغن‪:‬‬
‫" لموتنّ‪ ،‬والسلم عزيز"‪!!..‬‬
‫أ جل تلك كا نت أمني ته‪ ،‬أن يوت وال سلم عز يز‪ ..‬ول قد ثابر مع الثابر ين على تق يق هذه المن ية‬
‫مثابرة باهرة جعلته أهل لن يقول له الرسول عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫"ان ال أمرن ببك‪..‬‬
‫وأنبأن أنه يبك"‪...‬‬
‫سعيد بن عامر‬
‫العظمة تت السال‬
‫أيّنا سع هذا السم‪ ،‬وأيّنا سع به من قبل‪..‬؟‬
‫أغلب الظن أن أكثنا‪ ،‬ان ل نكن جيعا‪ ،‬ل نسمع به قط‪ ..‬وكأن بكم اذ تطالعونه الن تتساءلون‪:‬‬
‫ومن يكون عامر هذا‪..‬؟؟‬
‫أجل سنعلم من هذا السعيد‪!!..‬‬
‫**‬
‫ا نه وا حد من كبار ال صحابة ر ضي ال عن هم‪ ،‬وان ل ي كن ل سه ذلك الرن ي الألوف ل ساء كبار‬
‫الصحابة‪.‬‬
‫انه واحد من كبار التقياء الخفياء‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ول عل من نافلة القول وتكراره‪ ،‬أن ننوه بلزم ته ر سول ال ف ج يع مشاهده وغزوا ته‪ ..‬فذلك كان‬
‫نج السلمي جيعا‪ .‬وما كان لؤمن أن يتخلف عن رسول ال ف سلم أو جهاد‪.‬‬
‫أسلم سعيد قبيل فتح خيب‪ ،‬ومنذ عانق السلم وبايع الرسول‪ ،‬أعطاها كل حياته‪ ،‬ووجوده ومصيه‪.‬‬
‫فالطاعة‪ ،‬والزهد‪ ،‬والسمو‪ ..‬والخبات‪ ،‬والورع‪ ،‬والترفع‪.‬‬
‫كل الفضائل العظيمة وجدت ف هذا النسان الطيب الطاهر أخا وصديقا كبيا‪..‬‬
‫وحي نسعى للقاء عظمته ورؤيتها‪ ،‬علينا أن نكون من الفطنة بيث ل ندع عن هذه العظمة وندعها‬
‫تفلت منا وتتنكر‪..‬‬
‫فحي تقع العي على سعيد ف الزحام‪ ،‬لن ترى شيئا يدعوها للتلبث والتأمل‪..‬‬
‫ستجد العي واحدا من أفراد الكتيبة النية‪ ..‬أشعث أغب‪ . .‬ليس ف ملبسه‪ ،‬ول ف شكله الخرجي‪،‬‬
‫ما ييزه عن فقراء السلمي بشيء‪!!.‬‬
‫فاذا جعلنا من ملبسه ومن شكله الارجي دليل على حقيقته‪ ،‬فلن نبصر شيئا‪ ،‬فان عظمة هذا الرجل‬
‫أكثر أصالة من أن تتبدى ف أيّ من مظاهر البذخ والزخرف‪.‬‬
‫انا هناك كامنة مبوءة وراء بساطته وأساله‪.‬‬
‫أتعرفون اللؤلؤ الخبوء ف جوف الصدف‪..‬؟ انه شيء يشبه هذا‪..‬‬
‫**‬
‫عندما عزل أمي الؤمني عمر بن الطاب معاوية عن ولية الشام‪ ،‬تلفت حواليه يبحث عن بديل‬
‫يوليه مكانه‪.‬‬
‫وأسلوب عمر ف اختيار ولته ومعاونيه‪ ،‬أسلوب يمع أقصى غايات الذر‪ ،‬والدقة‪ ،‬والناة‪ ..‬ذلك‬
‫أنه كان يؤمن أن أي خطأ يرتكبه وال ف أقصى الرض سيسأل عنه ال اثني‪ :‬عمر أول‪ ..‬وصاحب‬
‫الطأ ثانيا‪..‬‬
‫ومعاييه ف تقييم الناس واختيار الولة مرهفة‪ ،‬وميطة‪،‬وبصية‪ ،‬أكثر ما يكون البصر حدة ونفاذا‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫والشام يومئذ حاضرة كبية‪ ،‬والياة فيها قبل دخول السلم بقرون‪ ،‬تتقلب بي حضارات متساوقة‪..‬‬
‫و هي مر كز هام لتجارة‪ .‬ومرتع رح يب للنعمة‪ ..‬و هي بذا‪ ،‬ولذا درء اغراء‪ .‬ول ي صلح ل ا ف رأي‬
‫عمر ال قديس تفر كل شياطي الغراء أمام عزوفه‪ ..‬وال زاهد‪ ،‬عابد‪ ،‬قانت‪ ،‬أواب‪..‬‬
‫وصاح عمر‪ :‬قد وجدته‪ ،‬الّ بسعيد بن عامر‪!!..‬‬
‫وفيما بعد ييء سعيد ال أمي الؤمني ويعرض عليه ولية حص‪..‬‬
‫ولكن سعيجا يعتذر ويقول‪ " :‬ل تفتنّي يا أمي الؤمني"‪..‬‬
‫فيصيح به عمر‪:‬‬
‫" وال ل أدعك‪ ..‬أتضعون أمانتكم وخلفتكم ف عنقي‪ ..‬ث تتركون"‪..‬؟؟!!‬
‫واقتنع سعيد ف لظة‪ ،‬فقد كانت كلمات عمر حريّة بذا القناع‪.‬‬
‫أ جل‪ .‬ل يس من العدل أن يقلدوه أمانت هم وخلفت هم‪ ،‬ث ينركوه وحيدا‪..‬واذا ان فض عن م سؤولية‬
‫الكم أمثال سعيد بن عامر‪ ،‬فأنّى لعمر من يعينه على تبعات الكم الثقال‪..‬؟؟‬
‫خرج سعيد ال ح ص وم عه زوج ته‪ ،‬وكا نا عرو سي جديد ين‪ ،‬وكا نت عرو سه م نذ طفولت ها فائ قة‬
‫المال والنضرة‪ ..‬وزوّده عمر بقدر طيّب من الال‪.‬‬
‫ولا استقرّا ف حص أرادت زوجته أن تستعمل حقها كزوجة ف استثمار الال الذي زوده به عمر‪..‬‬
‫وأشارت هليه بأن يشتري ما يلزمهما من لباس لئق‪ ،‬ومتاع وأثاث‪ ..‬ث يدخر الباقي‪..‬‬
‫وقال ل ا سعيد‪ :‬أل أدلك على خ ي من هذا‪..‬؟؟ ن ن ف بلد تارت ا راب ة‪ ،‬و سوقها رائ جة‪ ،‬فلن عط‬
‫الال م يتجر لنا فيه وينمّيه‪..‬‬
‫قالت‪ :‬وان خسرت تارته‪..‬؟‬
‫قال سعيد‪ :‬سأجعل ضمانا عليه‪!!..‬‬
‫قالت‪ :‬فنعم اذن‪..‬‬
‫وخرج سعيد فاشترى بعض ضروريات غعيشه التقشف‪ ،‬ث فرق جيع الال ف الفقراء والحتاجي‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ومرّت اليام‪ ..‬وبي الي والي تسأله زوجه عن تارتما وأيّان بلغت من الرباح‪..‬‬
‫وييبها سعيد‪ :‬انا تارة موفقة‪ ..‬وان الرباح تنمو وتزيد‪.‬‬
‫وذات يوم سألته ن فس ال سؤال أمام قر يب له كان يعرف حقي قة ال مر فابت سم‪ .‬ث ض حك ضح كة‬
‫أو حت ال روع الزو جة بال شك والر يب‪ ،‬فأل ت عل يه أن يصارحها الد يث‪ ،‬فقا لا‪ :‬ل قد تصدق‬
‫باله جكيعه من ذلك اليوم البعيد‪.‬‬
‫فبكت زوجة سعيد‪ ،‬وآسفها أنا ل تذهب من هذا الال بطائل فل هي ابتاعت لنفسها ما تريد‪ ،‬وال‬
‫الال بقي‪..‬‬
‫ونظر اليها سعيد وقد زادتا دموعها الوديعة السية جال وروعة‪.‬‬
‫وق بل أن ينال الش هد الفا تن من نف سه ضع فا‪ ،‬أل قى ب صيته ن و ال نة فرأى في ها أ صحابه ال سابقي‬
‫الراحلي فقال‪:‬‬
‫" لقد كان ل أصحاب سبقون ال ال‪ ...‬وما أحب أن أنرف عن طريقهم ولو كانت ل الدنيا با‬
‫فيها"‪!!..‬‬
‫واذ خشي أن تدل عليه بمالا‪ ،‬وكأنه يوجه الديث ال نفسه معها‪:‬‬
‫" تعلمين أن فن الننة منن الور العين واليات السنان‪ ،‬منا لو أطلت واحدة منهنن على الرض‬
‫لضاءتا جيعا‪ ،‬ولقهر نورها نور الشمس والقمر معا‪ ..‬فلن أضحي بك من أجلهن‪ ،‬أحرى أول من‬
‫أن أضحي بن من أجلك"‪!!..‬‬
‫وأنى حديثه كما بدأه‪ ،‬هادئا مبتسما راضيا‪..‬‬
‫و سكنت زوج ته‪ ،‬وأدر كت أ نه ل ش يء أف ضل ل ما من ال سي ف طر يق سعيد‪ ،‬وح ل الن فس على‬
‫ماكاته ف زهده وتقواه‪!!..‬‬
‫**‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫كانت حص أيامئذ‪ ،‬توصف بأنا الكوفة الثانية وسبب هذا الو صف‪ ،‬كثرة ترّد أهلها واختلفهم‬
‫على ولتم‪.‬‬
‫ولا كانت الكوفة ف العراق صاحبة السبق ف هذا التمرد فقد أخذت حص اسها لا شابتها‪...‬‬
‫وعلى الرغم من ولع المصيي بالتمرّد كما ذكرنا‪ ،‬فقد هدى ال قلوبم لعبده الصال سعيد‪ ،‬فأحبوه‬
‫وأطاعوه‪.‬‬
‫ولقد سأله عمر يوما فقال‪ " :‬ان أهل الشام يبونك"‪.‬؟‬
‫فأجابه سعيد قائل‪ ":‬لن أعاونم وأواسيهم"‪!..‬‬
‫بيد أن مهما يكن أهل حص حب لسعيد‪ ،‬فل مفر من أن يكون هناك بعض التذمر والشكوى‪ ..‬على‬
‫القل لتثبت حص أنا ل تزال الانفس القوي لكوفة العراق‪...‬‬
‫وتقدم الب عض يشكون م نه‪ ،‬وكا نت شكوى مبار كة‪ ،‬ف قد كش فت عن جا نب من عظ مة الر جل‪،‬‬
‫عجيب عجيب جدا‪..‬‬
‫طلب عمر من الزمرة الشاكية أن تعدد نقاط شكواها‪ ،‬واحدة واحدة‪..‬‬
‫فنهض التحدث بلسان هذه الجموعة وقال‪ :‬نشكو منه أربعا‪:‬‬
‫" ل يرج الينا حت يتعال النهار‪..‬‬
‫وا ييب أحدا بليل‪..‬‬
‫وله ف الشهر يومان ل يرج فيهما الينا ول نراه‪،‬‬
‫وأخرى ل حيلة له فيها ولكنها تضايقنا‪ ،‬وهي أنه تأخذه الغشية بي الي والي"‪..‬‬
‫وجلس الرجل‪:‬‬
‫وأطرق عمر مليا‪ ،‬وابتهل ال ال هسا قال‪:‬‬
‫" اللهم ان أعرفه من خي عبادك‪..‬‬
‫اللهم ل تيّب فيه فراست"‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ودعاه للدفاع عن نفسه‪ ،‬فقال سعيد‪:‬‬


‫أما قولم ان ل أخرج اليهم حت يتعال النهار‪..‬‬
‫" فوال لقد كنت أكره ذكر السبب‪ ..‬انه ليس لهلي خادم‪ ،‬فأنا أعجن عجين‪ ،‬ث أدعه يتمر‪ ،‬ث‬
‫اخبز خبزي‪ ،‬ث أتوضأ للضحى‪ ،‬ث أخرج اليهم"‪..‬‬
‫وتلل وجه عمر وقال‪ :‬المد للله‪ ..‬والثانية‪..‬؟!‬
‫وتابع سعيد حديثه‪:‬‬
‫وأما قولم‪ :‬ل أجيب أحدا بليل‪..‬‬
‫فوال‪ ،‬لقد كنت أكره ذكر السبب‪ ..‬ان جعلت النهار لم‪،‬والليل لرب"‪..‬‬
‫أما قولم‪ :‬ان ل يومي ف الشهر ل أخرج فيهما‪...‬‬
‫" فليس ل خادم يغسل ثوب‪ ،‬وليس ب ثياب أبدّلا‪ ،‬فأنا أغسل ثوب ث أنتظر أن يف بعد حي‪ ..‬وف‬
‫آخر النهار أخرج اليهم "‪.‬‬
‫وأما قولم‪ :‬ان الغشية تأخذن بي الي والي‪..‬‬
‫" فقد شهدت مصرع خبيب النصاري ب كة‪ ،‬وقد بضعت قريش ل مه‪ ،‬وحلوه على جذعه‪ ،‬وهم‬
‫يقولون له‪ :‬أحب أن ممدا مكانك‪ ،‬وأنت سليم معاف‪..‬؟ فيجيبهم قائل‪ :‬وال ما أحب أن ف أهلي‬
‫وولدي‪ ،‬معي عافية الدنيا ونعيمها‪ ،‬ويصاب رسول ال بشوكة‪..‬‬
‫فكل ما ذكرت ذلك الش هد الذي رأيت هو أ نا يومئذ من الشرك ي‪ ،‬ث تذكرت تر كي ن صرة خبيب‬
‫يومها‪ ،‬أرتف خوفا من عذاب ال‪ ،‬ويغشان الذي يغشان"‪..‬‬
‫وانتهت كلمات سعيد الت كانت تغادر شفتيه مبللة بدموعه الورعة الطاهرة‪..‬‬
‫ول يالك عمر نفسه ونشوه‪ ،‬فصاح من فرط حبوره‪.‬‬
‫" المد للله الذي ل ييّب فراست"‪!.‬‬
‫وعانق سعيدا‪ ،‬وقبّل جبهته الضيئة العالية‪...‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫**‬
‫أي حظ من الدى ناله هذا الطراز من الق‪..‬؟‬
‫أي معلم كان رسول ال‪..‬؟‬
‫اي نور نافذ‪ ،‬كان كتاب ال‪..‬؟؟‬
‫وأي مدرسة ملهمة ومعلمة‪ ،‬كان السلم‪..‬؟؟‬
‫ولكن‪ ،‬هل تستطيع الرض أن تمل فوق ظهرها عددا كثيا من هذا الطراز‪..‬؟؟‬
‫انه لو حدث هذا‪ ،‬لا بقيت أرضا‪ ،‬انا تصي فردوسا‪..‬‬
‫أجل تصي الفردوس الوعود‪..‬‬
‫ول ا كان الفردوس ل يأت زما نه بعد فان الذ ين يرون بالياة وي عبون الرض من هذا الطراز الجيد‬
‫الليل‪ ..‬قللون دائما ونادرون‪..‬‬
‫وسعيد بن عامر واحد منهم‪..‬‬
‫كان عطاؤه وراتبه بكم عمله ووظيفته‪ ،‬ولكنه كان يأخذ منه ما يكفيه وزوجه‪ ..‬ث يوزع باقيه على‬
‫بيوت أخرى فقية‪...‬‬
‫ولقد قيل له يوما‪:‬‬
‫" توسّع بذا الفائض على أهلم وأصهارك"‪..‬‬
‫فأجاب قائل‪:‬‬
‫" ولاذا أهلي وأصهاري‪..‬؟‬
‫ل وال ما أنا ببائع رضا ال بقرابة"‪..‬‬
‫وطالا كان يقال له‪:‬‬
‫" توسّع وأهل بيتك ف النفقة وخذ من طيّبات الياة"‪..‬‬
‫ولكنه كان ييب دائما‪ ،‬ويردد أبدا كلماته العظيمة هذه‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" ما أنا بالنتخلف عن الرعيل الول‪ ،‬بعد أن سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪ :‬يمع ال‬
‫عز وجل الناس للحساب‪ ،‬فيحيء فقراء الؤمني يزفون كما تزف الامام‪ ،‬فيقال لم‪ :‬قفوا للحساب‪،‬‬
‫فيقولون‪ :‬ما كان لنا شيء ناسب عليه‪ ..‬فيقول ال‪ :‬صدق عبادي‪ ..‬فيدخلون النة قبل الناس"‪..‬‬
‫**‬
‫وف العام العشرين من الجرة‪ ،‬لقي سعيد ربه أنقى ما يكون صفحة‪ ،‬وأتقى ما يكون قلبا‪ ،‬وأنضر ما‬
‫يكون سية‪..‬‬
‫لقد طال شوقه ال الرعيل الول الذي نذر حياته لفظه وعهده‪ ،‬وتتبع خطاه‪..‬‬
‫أجل لقد طال شوقه ال رسوله ومعلمه‪ ..‬وال رفاقه الوّابي التطهرين‪..‬‬
‫واليوم يلقيهم قرير العي‪ ،‬مطمئن النفس‪ ،‬خفيف الظهر‪..‬‬
‫ليس معه ول وراءه من أحال الدنيا ومتاعها ما يثقل ظهره وكاهله‪،،‬‬
‫ليس معه ال ورعه‪ ،‬وزهده‪ ،‬وتقاه‪ ،‬وعظمة نفسه وسلوكه‪..‬‬
‫وفضائل تثقل اليزان‪ ،‬ولكنها ل تثقل الظهور‪!!..‬‬
‫ومزايا هز با صاحبها الدنيا‪ ،‬ول يهزها غرور‪!!..‬‬
‫**‬
‫سلم على سعيد بن عامر‪..‬‬
‫سلم عليه ف مياه‪ ،‬وأخراه‪..‬‬
‫وسلم‪ ..‬ث سلم على سيته وذكراه‪..‬‬
‫وسلم على الكرام البرة‪ ..‬أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫حزة بن عبد الطلب‬
‫أسد ال وسيّد الشهداء‬
‫كانت مكة تغطّ ف نومها‪ ،‬بعد يوم مليء بالسعي‪ ،‬وبالكدّ‪ ،‬وبالعبادة وباللهو‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫والقرشيون يتقلبون ف مضاجع هم هاجع ي‪ ..‬غ ي وا حد هناك يتجا ف عن الض جع جنباه‪ ،‬يأوي ال‬
‫فراشه مبكا‪ ،‬ويستريح ساعات قليلة‪ ،‬ث ينهض ف شوق عظيم‪ ،‬لنه مع ال على موعد‪ ،‬فيعمد ال‬
‫م صله ف حجر ته‪ ،‬وي ظل ينا جي ر به ويدعوه‪ ..‬وكلما ا ستيقظت زوج ته على أز ير صدره الضارع‬
‫وابتهالته الارّو اللحة‪ ،‬وأخذتا الشفقة عليه‪ ،‬ودعته أن يرفق بنفسه ويأخذ حظه من النوم‪ ،‬ييبها‬
‫ودموع عينيه تسابق كلماته‪:‬‬
‫" لقد انقضى عهد النوم يا خدية"‪!!..‬‬
‫ل ي كن أمره قد أرّق قر يش ب عد‪ ،‬وان كان قد بدأ يشغل انتباه ها‪ ،‬فل قد كان حد يث عهد بدعو ته‪،‬‬
‫وكان يقول كلمته سرا وهسا‪.‬‬
‫كان الذين آمنوا به يومئذ قليلي جدا‪..‬‬
‫وكان هناك من غي الؤمني به من يمل له كل الب والجلل‪ ،‬ويطوي جوانه على شوق عظيم‬
‫ال اليان به وال سي ف قافل ته البار كة‪ ،‬ل ين عه سوى مواضعات العرف والبيئة‪ ،‬وضغوط التقال يد‬
‫والوراثة‪ ،‬والتردد بي نداء الغروب‪ ،‬ونداء الشروق‪.‬‬
‫من هؤلء كان حزة بن عبد الطلب‪ ..‬عم النب صلى ال عليه وسلم وأخوه من الرضاعة‪.‬‬
‫**‬
‫كان حزة يعرف عظمة ابن أخيه وكماله‪ ..‬وكان على بيّنة من حقيقة أمره‪ ،‬وجوهر خصاله‪..‬‬
‫ف هو ل يعرف معر فة ال عم با بن أخ يه فح سب‪ ،‬بل معر فة الخ بالخ‪ ،‬وال صديق بال صديق‪ ..‬ذلك أن‬
‫رسول ال وحزة من جيل واحد‪ ،‬وسن متقاربة‪ .‬نشأ معا وتآخيا معا‪ ،‬وسارا معا على الدرب من أوله‬
‫خطوة خطوة‪..‬‬
‫ولئن كان شباب كل منه ما قد م ضى ف طر يق‪ ،‬فأ خذ حزة يزا حم أنداده ف ن يل طيبات الياة‪،‬‬
‫وافساح مكان لنفسه بي زعماء مكة وسادات قريش‪ ..‬ف حي عكف ممد على اضواء روحه الت‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫انطلقت تني له الطريق ال ال وعلى حديث قلبه الذي نأى به من ضوضاء الياة ال التأمل العميق‪،‬‬
‫وال التهيؤ لصافحة الق وتلقيه‪..‬‬
‫نقول لئن كان شباب كل منه ما قد ات ذ وج هة مغايرة‪ ،‬فان حزة ل ت غب عن وع يه ل ظة من نار‬
‫فضائل تربه وا بن أخيه‪ ..‬تلك الفضائل والكارم الت كا نت تلّ لصاحبها مكانا عليّا ف أفئدة الناس‬
‫كافة‪ ،‬وترسم صورة واضحة لستقبله العظيم‪.‬‬
‫ف صبيحة ذلك اليوم‪ ،‬خرج حزة كعادته‪.‬‬
‫وعند الكعبة وجد نفرا من أشراف قريش وساداتا فجلس معهم‪ ،‬يستمع لا يقولون‪..‬‬
‫وكانوا يتحدثون عن ممد‪..‬‬
‫ولول مرّة رآهم حزة يستحوذ عليهم القلق من دعوة ابن أخيه‪ ..‬وتظهر ف أحاديثهم عنه نبة القد‪،‬‬
‫والغيظ والرارة‪.‬‬
‫لقد كانوا من قبل ل يبالون‪ ،‬أو هم يتظاهرون بعدم الكتراث واللمبالة‪.‬‬
‫أما اليوم‪ ،‬فوجوههم توج موجا بالقلق‪ ،‬والمّ‪ ،‬والرغبة ف الفتراس‪.‬‬
‫وضحك حزة من أحاديثهم طويل‪ ..‬ورماهم بالبالغة‪ ،‬وسوء التقدير‪..‬‬
‫وعقب أبو جهل مؤكدا للسائه أن حزة أكثر النس علما بطر ما يدعو اليه ممد ولكنه يريد أم‬
‫يهوّن المر حت تنام قريش‪ ،‬ث تصبح يوما وقد ساء صاحبها‪ ،‬وظهر أمر ابن أخيه عليها‪...‬‬
‫ومضوا ف حديث هم يزمرون‪ ،‬ويتوعدون‪ ..‬وحزة يبت سم تارّة‪ ،‬ويت عض أخرى‪ ،‬وح ي ان فض الم يع‬
‫وذهب كل ال سبيله‪ ،‬كان حزة مثقل الرأس بأفكار جديدة‪ ،‬وخواطر جديدة‪ .‬راح يستقبل با أمر‬
‫ابن أخيه‪ ،‬ويناقشه مع نفسه من جديد‪!!!...‬‬
‫**‬
‫ومضت اليام‪ ،‬ينادي بعضها بعضا ومع كل يوم تزداد ههمة قريش حول دعوة الرسول‪..‬‬
‫ث تتحوّل ههمة قريش ال ترّش‪ .‬وحزة يرقب الوقف من بعيد‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ان ثبات ابن أخيه ليبهره‪ ..‬وان تفانيه ف سبيل ايانه ودعوته لو شيء جديد على قريش كلها‪ ،‬برغم‬
‫ما عرفت من تفان وصمود‪!!..‬‬
‫ولو استطاع الشك يومئذ أن يدع أحدا عن نفسه ف صدق الرسول وعظمة سجاياه‪ ،‬فما كان هذا‬
‫الشك بقادر على أن يد ال وعي حزة منفا أو سبيل‪..‬‬
‫فحمزة خي من عرف ممدا‪ ،‬من طفولته الباكرة‪ ،‬ال شباب الطاهر‪ ،‬ال رجولته المينة السامقة‪..‬‬
‫انه يعرفه تاما كما يعرف نغسه‪ ،‬بل أكثر ما يعرف نفسه‪ ،‬ومنذ جاءا ال الياة معا‪ ،‬وترعرعا معا‪،‬‬
‫وبلغا أشدّها معا‪ ،‬وحياة ممد كلها نقية كأشعة الشمس‪ !!..‬ل يذكر حزة شبهة واحدة ألّت بذه‬
‫الياة‪ ،‬ل يذكر أنه رآه يوما غاضبا‪ ،‬أو قانطا‪ ،‬أو طامعا‪،‬أو لهيا‪ ،‬أو مهزوزا‪...‬‬
‫وحزة ل يكن يتمتع بقوة السم فحسب‪ ،‬بل وبرجاحة العقل‪ ،‬وقوة اارادة أيضا‪..‬‬
‫ومن ث ل يكن من الطبيعي أن يتخلف عن متابة انسان يعرف فيه كل الصدق وكل المانة‪ ..‬وهكذا‬
‫طوى صدره ال حي على أمر سيتكشّف ف يوم قريب‪..‬‬
‫**‬
‫وجاء اليوم الوعود‪..‬‬
‫وخرج حزة من داره‪،‬متوش حا قو سه‪ ،‬ميمّ ما وج هه ش طر الفلة ليمارس هواي ته الحب بة‪ ،‬ورياض ته‬
‫الثية‪ ،‬الصيد‪ ..‬وكان صاحب مهارة فائقة فيه‪..‬‬
‫وقضى هناك بعض يومه‪ ،‬ولا عاد من قنصه‪ ،‬ذهب كعادته ال الكعبة ليطوف با قبل أن يقفل راجعا‬
‫ال داره‪.‬‬
‫وقريبا من الكعبة‪ ،‬لقته خادم لعبدال بن جدعان‪..‬‬
‫ول تكد تبصره حت قالت له‪:‬‬
‫" يا أ با عمارة‪ ..‬لو رأ يت ما ا قي ا بن أخ يك م مد آن فا‪ ،‬من أ ب ال كم بن هشام‪ ..‬وجده جال سا‬
‫هناك ‪ ،‬فآذاه وسبّه وبلغ منه ما يكره"‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ومضت تشرح له ما صنع أبو جهل برسول ال‪..‬‬


‫واستمع حزة جيدا لقولا‪ ،‬ث أطرق لظة‪ ،‬ث مد يينه ال قوسه فثبتها فوق كتفه‪ ..‬ث انطلق ف خطى‬
‫سريعة حازمة صوب الطعبة راجيا أن يلتقي عندها بأب جهل‪ ..‬فان هو ل يده هناك‪ ،‬فسيتابع البحث‬
‫عنه ف كل مكان حت يلقيه‪..‬‬
‫ولكنه ل يكاد يبلغ الكعبة‪ ،‬حت يبصر أبا جهل ف فنائها يتوسط نفرا من سادة قريش‪..‬‬
‫و ف هدوء ره يب‪ ،‬تقدّم حزة من أ ب ج هل‪ ،‬ث ا ست ّل قو سه وهوى به على رأس أ ب ج هل فشجّه‬
‫وأدماه‪ ،‬وقبل أن يفيق الالسون من الدهشة‪ ،‬صاح حزة ف أب جهل‪:‬‬
‫" أتشتم ممدا‪ ،‬وأنا على دينه أقول ما يقول‪..‬؟! ال فردّ ذلك عليّ ان استطعت"‪..‬‬
‫وف لظة نسي الالسون جيعا الهانة الت نزلت بزعيمهم أب جهل والدم لذي ينف من رأسه‪،‬‬
‫وشغلتهم تلك الكلمة الت حاقت بم طالصاعقة‪ ..‬الكلمة الت أعلن با حزة أنه على دين ممد يرى‬
‫ما يراه‪ ،‬ويقول ما يقوله‪..‬‬
‫أحزة يسلم‪..‬؟‬
‫أعزّ فتيان قريش وأقواهم شكيمة‪..‬؟؟‬
‫انا الطامّة الت لن تلك قريش لا دفعا‪ ..‬فاسلم حزة سيغري كثيين من الصفوة بالسلم‪ ،‬وسيجد‬
‫ممد حوله من القوة والبأس ما يعزز دعوته ويشدّ ازره‪ ،‬وتصحو قريش ذات يوم على هدير العاول‬
‫تطم أصنامها وآلتها‪!!..‬‬
‫أجل أسلم حزة‪ ،‬وأعلن على الل المر الذي كان يطوي عليه صدره‪ ،‬وترك المع الذاهل يترّ خيبة‬
‫أمله‪ ،‬وأبا جهل يلعق دماءه النازفة من رأسه الشجوج‪ ..‬ومدّ حزة يينه مرّة أخرى ال قوسه فثبتها‬
‫فوق كتفه‪ ،‬واستقبل الطريق ال داره ف خطواته الثابتة‪ ،‬وبأسه الشديد‪!..‬‬
‫**‬
‫كان حزة يمل عقل نافذا‪ ،‬وضميا مستقيما‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وحي عاد ال بيته ونضا عنه متاعب يومه‪ .‬جلس يفكر‪ ،‬ويدير خواطره على هذا الذي حدث له من‬
‫قريب‪..‬‬
‫كيف أعلن اسلمه ومت‪..‬؟‬
‫لقد أعلنه ف لظات الميّة‪ ،‬والغضب‪ ،‬والنفعال‪..‬‬
‫لقد ساءه أن يساء ال ابن اخيه‪ ،‬ويظلم دون أن يد له ناصرا‪ ،‬فيغضب له‪ ،‬وأخذته الميّة لشرف بن‬
‫هاشم‪ ،‬فشجّ رأس أب جهل وصرخ ف وجهه باسلمه‪...‬‬
‫ولكن هل هذا هو الطريق المثل لك يغدار النسان دين آبائه وقومه‪ ...‬دين الدهور والعصور‪ ..‬ث‬
‫يستقبل دينا جديدا ل يتب بعد تعاليمه‪ ،‬ول يعرف عن حقيقته ال قليل‪..‬‬
‫صحيح أنه ل يشك لظة ف صدق ممد ونزاهة قصده‪..‬‬
‫ولكن أيكن أن يستقبل امرؤ دينا جديدا‪ ،‬بكل ما يفرضه من مسؤوليات وتبعات‪ ،‬ف لظة غضب‪،‬‬
‫مثلما صنع حزة الن‪..‬؟؟؟‬
‫وشرع يفكّر‪ ..‬وقضى أياما‪ ،‬ل يهدأ له خاطر‪ ..‬وليال ل يرقأ له فيها جفن‪..‬‬
‫وحي ننشد القيقة بواسطة العقل‪ ،‬يفرض الشك نفسه كوسيلة ال العرفة‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬ل يكد حزة يستعمل ف بث قضية السلم‪ ،‬ويوازن بي الدين القدي‪ ،‬والدين الديد‪ ،‬حت‬
‫ثارت ف نفسه شكوك أرجاها الني الفطري الوروث ال دين آبائه‪ ..‬والتهيّب الفطري الوروث من‬
‫كل جيد‪..‬‬
‫واستيقظت كل ذكرياته عن الكعبة‪ ،‬وآلاها وأصنامها‪ ...‬وعن الماد الدينية الت أفاءتا هذه اللة‬
‫النحوتة على قريش كلها‪ ،‬وعلى مكة بأسرها‪.‬‬
‫لقد كان يطوي صدره على احترام هذه الدعوة الديدة الت يمل ابن أخيه لواءها‪..‬‬
‫ول كن اذا كان مقدورا له أن يكون أح أتباع هذه الدعوة‪ ،‬الؤمني با‪ ،‬والذائدين عنها‪ ..‬فما الوقت‬
‫الناسب للدخول ف هذا الدين‪..‬؟‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫لظة غضب وحيّة‪..‬؟ أم أوقات تفكي ورويّة‪..‬؟‬


‫وهكذا فرضت عليه استقامة ضميه‪ ،‬ونزاهة تفكيه أن يضع السألة كلها من جديد لتفكر صارم‬
‫ودقيق‪..‬‬
‫وبدأ النسلخ من هذا التاريخ م\كله‪ ..‬وهذا الدين القدي العريق‪ ،‬هوّة تتعاظم متازها‪..‬‬
‫وع جب حزة ك يف يت سن لن سان أن يغادر د ين آبائه بذه ال سهولة وهذه ال سرعة‪ ..‬وندم على ما‬
‫ف عل‪ ..‬ولك نه وا صل رحلة الع قل‪ ..‬ول ا رأى أن الع قل وحده ل يك في ل أ ال الغ يب ب كل اخل صه‬
‫وصدقه‪..‬‬
‫وعند الكعبة‪ ،‬كان يستقبل السماء ضارعا‪ ،‬مبتهل‪ ،‬مستنجدا بكل ما ف الكون من قدرة ونور‪ ،‬كي‬
‫يهتدي ال الق وال الطريق الستقيم‪..‬‬
‫ولنضع اليه وهو يروي بقية النبأ فيقول‪:‬‬
‫"‪ ..‬ث أدركن الندم على فراق دين آبائي وقومي‪ ..‬وبت من الشك ف أمر عظيم‪ ،‬ل أكتحل بنوم‪..‬‬
‫ث أتيت الكعبة‪ ،‬وتضرّعت تاة ال أن يشرح صدري للحق‪ ،‬ويذهب عن الريب‪ ..‬فاستجاب ال ل‬
‫ومل قلب يقينا‪..‬‬
‫وغدوت ال رسول ال صلى الل عليه وسلم فأخبته با كان من أمري‪ ،‬فدع ال أن يثبت قلب على‬
‫دينه‪"..‬‬
‫وهكذا أسلم حزة اسلم اليقيم‪..‬‬
‫**‬
‫أعز ال السلم بمزة‪..‬ز ووقف شاما قويا يذود عن رسول ال‪ ،‬وعن الستضعفي من أصحابه‪..‬‬
‫ورآه أبو جهل يقف ف صفوف السلمي‪ ،‬فأدرك أنا الرب ل مالة‪ ،‬وراح يرّض قريشا على انزال‬
‫الذى بالرسول وصحبه‪ ،‬ومضى يهيء لرب أهليّة يشفي عن طرقها مغايظة وأحقاده‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ول ي ستطع حزة أن ي نع كل الذى ول كن ا سلمه مع ذلك كان وقا ية ودر عا‪ ..‬ك ما كان اغراء‬
‫ناجحا لكثي من القبائل الت قادها اسلم حزة أول‪ .‬ث اسلم عمر بن الطاب بعد ذلك ال السلم‬
‫فدخلت فيه أفواجا‪!!..‬‬
‫ومنذ أسلم حزة نذر كل عافيته‪ ،‬وبأسه‪ ،‬وحياته‪ ،‬ل ولدينه حت خلع النب عليه هذا اللقب العظيم‪:‬‬
‫"أسد ال‪ ،‬وأسد رسوله"‪..‬‬
‫وأول سرية خرج فيها السلمون للقاء عدو‪ ،‬كان أميها حزة‪..‬‬
‫وأول راية عقدها رسول ال صلى ال عليه وسلم لحد من السلمي كانت لمزة‪..‬‬
‫ويوم التقى المعان ف غزوة بدر‪ ،‬كان أسد ال ورسوله هناك يصنع العاجيب‪!!..‬‬
‫**‬
‫وعادت فلول قريش من بدر ال مكة تتعثر ف هزيتها وخيبتها‪ ...‬ورجع أبو سفيان ملوع القلب‪،‬‬
‫مطأطئ ال{اس‪ .‬وقد خلّف على أرض العركة جثث سادة قريش‪ ،‬من أمثال أب جهل‪ ..‬وعتبة بن‬
‫ربيعة‪ ،‬وشيبة بن ربيعة‪ ،‬وأميّة بن خلف‪ .‬وعقبة بن أب معيط‪ ..‬والسود بن عبدال الخزومي‪ ،‬والوليد‬
‫بن عتبة‪ ..‬والنفر بن الارث‪ ..‬والعاص بن سعيد‪ ..‬وطعمة ابن عد يّ‪ ..‬وعشرات مثلهم من رجال‬
‫قريش وصناديدها‪.‬‬
‫و ما كا نت قر يش لتتجرّع هذه الزي ة النكرة ف سلم‪ ...‬فرا حت تعدّ عدّت ا وت شد بأ سها‪ ،‬لتثأر‬
‫لنفسها ولشرفها ولقتلها‪ ..‬وصمّمت قريش على الرب‪..‬‬
‫**‬
‫وجاءت غزوة أحد حيث خرجت قريش على بكرة أبيها‪ ،‬ومعها حلفاؤها من قبائل العرب‪ ،‬وبقيادة‬
‫أب سفيان مرة أخرى‪.‬‬
‫وكان زعماء قر يش يهدفون بعركت هم الديدة هذه ال رجل ي اثن ي‪ :‬الر سول صلى اله عل يه و سلم‪،‬‬
‫وحزة رضي ال عنه وأرضاه‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫أجنل والذي كان يسنمع أحاديثهنم ومؤامراتمن قبنل الروج للحرب‪ ،‬يرى كينف كان حزة بعند‬
‫الرسول بيت القصيد وهدف العركة‪..‬‬
‫ول قد اختاروا ق بل الروج‪ ،‬الر جل الذي وكلوا ال يه أ مر حزة‪ ،‬و هو ع بد حب شي‪ ،‬كان ذا مهارة‬
‫خارقة ف قذف الربة‪ ،‬جعلوا كل دوره ف العركة أن يتصيّد حزة ويصوّب اليه ضربة قاتلة من رمه‪،‬‬
‫وحذروه من أن ينشغل عن هذه الغاية بشيء آخر‪ ،‬مهما يكن مصي العركة واتاه القتال‪.‬‬
‫ووعدوه بثمن غال وعظيم هو حريّته‪ ..‬فقد كان الرجل واسه وحشي عبدا لبي بن مطعم‪ ..‬وكان‬
‫عم جبي قد لقي مصرعه يوم بدر فقال له جبي"‬
‫" اخرج مع الناس وان أنت قتلت حزة فأنت عتيق"‪!!..‬‬
‫ث أحالوه ال هند بنت عتبة زوجة أب سفيان لتزيده تريضا ودفعا ال الدف الذي يريدون‪..‬‬
‫وكانت هند قد فقدت ف معركة بدر أباها‪ ،‬وعمها‪ ،‬وأخاها‪ ،‬وابنها‪ ..‬وقيل لا ان حزة هو الذي قتل‬
‫بعض هؤلء‪ ،‬وأجهز على البعض الخر‪..‬‬
‫من أ جل هذا كا نت أك ثر القرشي ي والقرشيّات تري ضا على الروج للحرب‪ ،‬ل لش يء ال لتظ فر‬
‫برأس حزة مهما يكن الثمن الذي تتطلبه الغامرة‪!!..‬‬
‫ول قد لب ثت أيا ما ق بل الروج للحرب‪ ،‬ول ع مل ل ا ال افراغ كل حقد ها ف صدر وح شي ور سم‬
‫الدور الذي عليه أن يقوم به‪..‬‬
‫ولقد وعدته ان هو نح ف قال حزة بأثن ما تلك الرأة من متاع وزي نة‪ ،‬فل قد أمسكت بأناملها‬
‫الاقدة قرطها اللؤلؤي الثمي وقلئدها الذهبية الت تزدحم حول عنقها‪ ،‬ث قالت وعيناها تدّقان ف‬
‫وحشي‪:‬‬
‫" كل هذا لك‪ ،‬ان قتلت حزة"‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وسال لعاب وحشي‪ ،‬وطارت خواطره توّاقة مشتاقة ال العركة الت سيبح فيها حريّته‪ ،‬فل يصي بعد‬
‫عبدا أو رقي قا‪ ،‬وال ت سيخرج من ها ب كل هذا اللي الذي يزيّن ع نق زعي مة ن ساء قر يش‪ ،‬وزو جة‬
‫زعيمها‪ ،‬وابنة سيّدها‪!!..‬‬
‫كانت الؤمرة اذن‪ ..‬وكانت الرب كلها تريد حزة رضي ال عنه بشكل واضح وحاسم‪..‬‬
‫**‬
‫وجاءت غزوة أحد‪...‬‬
‫والت قى اليشان‪ .‬وتو سط حزة أرض الوت والقتال‪ ،‬مرتد يا لباس الرب‪ ،‬وعلى صدره ري شة النعام‬
‫الت تعوّد أن يزيّن با صدره ف القتال‪..‬‬
‫وراح يصول ويول‪ ،‬ل يريد رأسا ال قطعه بسيفه‪ ،‬ومضى يضرب ف الشركي‪ ،‬وكأن النايا طوع‬
‫أمره‪ ،‬يقف با من يشاء فتصيبه ف صميمه‪!!.‬‬
‫و صال ال سلمون جي عا ح ت قاربوا الن صر الا سم‪ ..‬وح ت أخذت فلول قر يش تن سحب مذعورة‬
‫هاربنة‪ ..‬ولول أن ترك الرماة مكانمن فوق البنل‪ ،‬ونزلوا ال أرض العركنة ليجمعوا غنائم العدو‬
‫الهزوم‪ ..‬لول تركهم مكانم وفتحوا الثغرة الواسعة لفرسان قريش لكانت غزوة أحد مقبة لقريش‬
‫كلها‪ ،‬رجالا‪ ،‬ونسائها بل وخيلها وابلها‪!!..‬‬
‫ل قد د هم فر سانا ال سلمي من ورائ هم على ح ي غفلة‪ ،‬واعملوا في هم سيوفهم الظامئة الجنو نة‪..‬‬
‫وراح ال سلمون يمعون أنف سهم من جديدو ويملون سلحهم الذي كان بعض هم قد وض عه ح ي‬
‫رأى جيش ممد ينسحب ويول الدبار‪ ..‬ولكن الفاجأة كانت قاسية عنيفة‪.‬‬
‫ورأى حزة ما حدث فضاعف قوته ونشاطه وبلءه‪..‬‬
‫وأخذ يضرب عن يينه وشاله‪ ..‬وبي يديه ومن خلفه‪ ..‬ووحشيّ هناك يراقبه‪ ،‬ويتحيّن الفرصة الغادرة‬
‫ليوجه ننوه ضربته‪..‬‬
‫ولندع وحشا يصف لنا الشهد بكلماته‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫[‪ ..‬وك نت جل حبش يا‪ ،‬أقذف بالر بة قذف لب شة‪ ،‬فقل ما أخ طئ ب ا شيئا‪ ..‬فل ما الت قى ال نس‬
‫خرجت أنظر حزة وأتبصّره حت رأيته ف عرض الناس مثل المل الورق‪ ..‬يهدّ الناس بسيفه هدّا‪ ،‬ما‬
‫يقف امامه شيء‪ ،‬فوال ان لتيأ له أريده‪ ،‬وأستتر منه بشجرة لقتحمه أو ليدنو من‪ ،‬اذ تقدّمن اليه‬
‫سباع بن عبد العزى‪ .‬فلما رآه حزة صاح به‪ :‬هل ّم الّ يا بن مقطّعة البظرو‪ .‬ث ضربه ضربة فما أخطأ‬
‫رأسه‪..‬‬
‫عندئذ هززت حربت حت اذا رضيت منها دفعتها فوقعت ف ثنّته حت خرجت من بي رجليه‪ ..‬ونض‬
‫نوي فغلب على امره ث مات‪..‬‬
‫وأتي ته فأخذت حرب ت‪ ،‬ث رج عت ال الع سكر فقعدت ف يه‪ ،‬اذ ل ي كن ل ف يه حا جة‪ ،‬فقند قتل ته‬
‫لعتق‪]..‬‬
‫ول بأس ف أن ندع وحشيا يكمل حديثه‪:‬‬
‫[فلما قدمت مكة أعتقت‪ ،‬ث أقمت با حت دخلها رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم الفتح فهربت‬
‫ال الطائف‪..‬‬
‫فلما خرج وفد الطائف ال رسول ال صلى ال عليه وسلم ليسلم تعيّت عل يّ الذاهب‪ .‬وقلت ‪ :‬الق‬
‫بالشام أو اليمن أو سواها‪..‬‬
‫فوال ا ن ل في ذلك من ه ي اذ قال ل ر جل‪ :‬وي ك‪ !..‬ان ر سول اله‪ ،‬وال ل يق تل أ حد من الناس‬
‫يدخل دينه‪..‬‬
‫فخر جت ح ت قد مت على ر سول ال صلى ال عل يه و سلم الدي نة فلم ير ن ال قائ ما أما مه أش هد‬
‫شهادة الق‪ .‬فلما رآن قال‪ :‬أوحش يّ أنت‪..‬؟ قلت‪ :‬نعم يا رسول ال‪ ..‬قال‪ :‬فحدّثن كيف قتلت‬
‫حزة‪ ،‬فحدّث ته‪ ..‬فل ما فر غت من حدي ثي قال‪ :‬وي ك‪ ..‬غيّب ع ن وج هك‪ ..‬فك نت أتنكّب طر يق‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث كان‪ ،‬لئل يران حت قبضه ال اليه‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فلما خرج السلمون ال مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة خرجت معهم‪ ،‬وأخذت حربت الت قتلت‬
‫ب ا حزة‪ ..‬فل ما الت قى ال نس رأ يت م سيلمة الكذاب قائ ما‪ ،‬ف يده ال سيف‪ ،‬فتهيأت له‪ ،‬وهززت‬
‫حربت‪ ،‬حت اذا رضيته منها دفعتها عليه فوقعت فيه‪..‬‬
‫فان ك نت قد قتلت برب ت هذه خ ي الناس و هو حزة‪ ..‬فا ن لر جو أن يغ فر ال ل اذ قتلت ب ا شرّ‬
‫الناس مسيلمة]‪..‬‬
‫**‬
‫هكذا سقط أسد ال ورسوله‪ ،‬شهيدا ميدا‪!!..‬‬
‫وكما كانت حياته مدوّية‪ ،‬كانت موتته مدوّية كذلك‪..‬‬
‫فلم يك تف أعداؤه بقتله‪ ..‬وك يف يكتفون أو يقتنعون‪ ،‬و هم الذ ين جنّدوا كل أموال قر يش و كل‬
‫رجالا ف هذه العركة الت ل يريدوا با سوى الرسول وعمّه حزة‪..‬‬
‫لقد أمرت هند بنت عتبة زوجة أب سفيان‪ ..‬أمرت وحشيا أن يأتيها بكبد حزة‪ ..‬واستجاب البشي‬
‫لذه الرغبة السعورة‪ ..‬وعندما عاد با ال هند كان يناولا الكبد بيمناه‪ ،‬ويتلقى منها قرطها وقلئدها‬
‫بيسراه‪ ،‬مكافأة له على اناز مهمته‪..‬‬
‫ومضغنت هنند بننت عتبنة الذي صنرعه السنلمون ببدر‪ ،‬وزوجنة أبن سنفيان قائد جيوش الشرك‬
‫الوثنية‪،‬مضغت كبد حزة‪ ،‬راجية أن تشفي تلك الماقة حقدها وغلها‪ .‬ولكن الكبد استعصت على‬
‫أنيابا‪ ،‬وأعجزتا أن تسيغها‪ ،‬فأخرجتها من فمها‪ ،‬ث علت صخرة مرتفعة‪ ،‬وراحت تصرخ قائلة‪:‬‬
‫نن جزيناكم بيوم بدر‬
‫والرب بعد الرب ذات سعر‬
‫ما كان عن عتبة ل من صب‬
‫ول أخي وعمّه وبكري‬
‫شفيت نفسي وقضيت نذري‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫أزاح وحشي غليل صدري‬


‫وانتهت العركة‪ ،‬وامتطى الشركون ابلهم‪ ،‬وساقوا خيلهم قافلي ال مكة‪..‬‬
‫ونزل الرسول صلى ال عليه وسلم وأصحابه معه ال أرض العركة لينظر شهداءها‪..‬‬
‫وهناك فن ب طن الوادي‪ .‬وا هو يتفحنص وجوه أ صحابه الذينن باعوا ل أنفسنهم‪ ،‬وقدّمو ها قراب ي‬
‫مبورة لربم الكبي‪ .‬وقف فجأة‪ ..‬ونظر‪ .‬فوجم‪ ..‬وضغط على أسنانه‪ ..‬وأسبل جفنيه‪..‬‬
‫ف ما كان يت صوّر قط أن يه بط اللق العر ب على هذه الوحش ية البش عة فيم ثل بثمان م يت على‬
‫الصورة الت رأى فيها جثمان عمه الشهيد حزة بن عبد الطلب أسد ال وسيّد الشهداء‪..‬‬
‫وفتح الرسول عينيه الت تألق بريقهما كومض القدر وقال وعيناه على جثمان عمّه‪:‬‬
‫" لن اصاب بصلك أبدا‪..‬‬
‫وما وقفت موقفا قط أغيظ الّ من موقفي هذا‪."..‬‬
‫ث التفت ال أصحابه وقال‪:‬‬
‫" لول أن تزن صفيّة _أ خت حزة_ ويكون سنّه من بعدي‪ ،‬لترك ته ح ت يكون ف بطون ال سباع‬
‫وحواصل الطي‪ ..‬ولئن أظهرن ال على قريش ف موطن من الواطن‪ ،‬لمثلن بثلثي رجل منهم‪"..‬‬
‫فصاح أصحاب الرسول‪:‬‬
‫" وال لئن ظفرنا بم يوما من الدهر‪ ،‬لنمثلن بم‪ ،‬مثلة ل يثلها أحد من العرب‪"!!..‬‬
‫ول كن ال الذي أكرم حزة بالشهادة‪ ،‬يكرّ مه مرة أخرى بأن ي عل من م صرعه فر صة لدرس عظ يم‬
‫يمي العدالة ال البد‪ ،‬ويعل الرحة حت ف العقوبة والقصاص واجبا وفرضا‪..‬‬
‫وهكذا ل يكد الرسول صلى ال عليه وسلم يفرغ من القاء وعيده السالف حت جاءه الوحي وهو ف‬
‫مكانه ل يبحه بذه الية الكرية‪:‬‬
‫(ادع ال ربك بالكمة والوعظة السنة‪ ،‬وجادلم بالت هي أحسن‪ ،‬ان ربك هو أعلم بن ضل عن‬
‫سبيله ‪ ،‬وهو أعلم بالهتدين‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وان عاقبتم فعاقبوا بثل ما عوقبتم به‪ ،‬ولئن صبت لو خي للصابرين‪.‬‬


‫واصب وما صبك ال بال‪ ،‬ول تزن عليهم‪ ،‬ول تك ف ضيق ما يكرون‪.‬‬
‫ان ال مع الذين اتقوا‪ ،‬والذين هم مسنون‪)..‬‬
‫وكان نزول هذه اليات‪ ،‬ف هذا الوظن‪ ،‬خي تكري لمزة الذي وقع أجره على ال‪..‬‬
‫**‬
‫كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يبه أعظم الب‪ ،‬فهو كما ذكرنا من قبل ل يكن عمّه البيب‬
‫فحسب‪..‬‬
‫بل كان اخاه من الرضاعة‪..‬‬
‫وتربه ف الطفولة‪..‬‬
‫وصديق العمر كله‪..‬‬
‫وف لظات الوداع هذه‪ ،‬ل يد الرسول صلى ال عليه وسلم تية يودّعه با خيا من أن يصلي عليه‬
‫بعدد الشهداء العركة جيعا‪..‬‬
‫وهكذا ح ل جثمان حزة ال مكان ال صلة على أرض العر كة ال ت شهدت بلءه‪ ،‬واحتض نت دماءه‪،‬‬
‫فصلى عليه الرسول صلى ال عليه وسلم وأصحابه‪ ،‬ث جيء يشهيد آخر‪ ،‬فصلى عليه الرسول‪ ..‬ث‬
‫رفع وترك حزة مكانه‪ ،‬وجيء بشهيد ثاث فوضع ال جوار حزة وصلى عليهما الرسول‪..‬‬
‫وهكذا ج يء بالشهداء‪ ..‬شهيد بعد شه يد‪ ..‬والر سول عل يه ال صلة وال سلم ي صلي على كل وا حد‬
‫منهم وعلى حزة معه حت صلى على عمّه يومئذ سبعي صلة‪..‬‬
‫**‬
‫وينصرف الرسول من العركة ال بيته‪ ،‬فيسمع ف طريقه نساء بن عبد الشهل يبكي شهداءهن‪،‬‬
‫فيقول عليه الصلة والسلم من فرط حنانه وحبه‪:‬‬
‫" لكنّ حزة ل بواكي له"‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ويسمعها سعد بن معاذ فيظن أن الرسول عليه الصلة والسلم يطيب نفسا اذا بكت النساء عمه‪،‬‬
‫فيسنرع ال نسناء بنن عبند الشهنل ويأمرهنن أن يبكين حزة فيفعلن… ول يكاد الرسنول يسنمع‬
‫بكاءهن حت يرج اليهن‪ ،‬ويقول‬
‫" ما ال هذا قصدت‪ ،‬ارجعن يرحكن ال‪ ،‬فل بكاء بعد اليوم"‬
‫ولقد ذهب أصحاب رسول ال يتبارون ف رثاء حزة وتجيد مناقبه العظيمة‪.‬‬
‫فقال حسان بن ثابت‪:‬‬
‫دع عنك دارا قد عفا رسها‬
‫وابك على حزة ذي النائل‬
‫اللبس اليل اذا أحجمت‬
‫كالليث ف غابته الباسل‬
‫أبيض ف الذروة من بن هاشم‬
‫ل ير دون الق بالباطل‬
‫مال شهيدا بي أسيافكم‬
‫شلت يدا وحشي من قاتل‬
‫وقال عبد ال بن رواحة‪:‬‬
‫بكت عين وحق لا بكاها‬
‫وما يغن البكاء ول العويل‬
‫على أسد الله غداة قالوا‪:‬‬
‫أحزة ذاكم الرجل القتيل‬
‫أصيب السلمون به جيعا‬
‫هناك وقد أصيب به الرسول‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫أبا يعلى‪ ،‬لك الركان هدّت‬


‫وأنت الاجد البّ الوصول‬
‫وقالت صفية بنت عبد الطلب عمة الرسول صلى ال عليه وسلم وأخت حزة‪:‬‬
‫دعاه اله الق ذو العرش دعوة‬
‫ال جنة ييا با وسرور‬
‫فذاك ما كنا نرجي ونرتي‬
‫لمزة يوم الشر خي مصي‬
‫فوال ما أنساك ما هبّت الصبا‬
‫بكاءا وحزنا مضري وميسري‬
‫على أسد ال الذي كان مدرها‬
‫يذود عن السلم كل كفور‬
‫أقول وقد أعلى النعي عشيت‬
‫جزى ال خيا من أخ ونصي‬
‫على أن خي رثاء عطّر ذكراه كانت كلمات ر سول ال له حي وقف على جثمانه ساعة رآه بي‬
‫شهداء العركة وقال‪:‬‬
‫" رحة ال عليك‪ ،‬فانك كنت وصول للرحم فعول للخيات"‪..‬‬
‫**‬
‫ل قد كان م صاب ال نب صلى ال عل يه و سلم ف ع مه العظ يم حزة فاد حا‪ .‬وكان العزاء ف يه مه مة‬
‫صعبة‪ ..‬بيد أن القدر طكانت تدّخر لرسول ال أجل عزاء‪.‬‬
‫ففي طريقه من أحد ال داره مرّ عليه الصلة والسلم بسيّدة من بن دينار استشهد ف العركة أبوها‬
‫وزوجها‪ ،‬وأخوها‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وحي أبصرت السلمي عائدين من الغزو‪ ،‬سارعت نوهم تسألم عن أنباء العركة‪..‬‬
‫فنعوا اليها الزوج‪..‬والب ‪..‬والخ‪..‬‬
‫واذا با تسألم ف لفة‪:‬‬
‫" وماذا فعل رسول ال"‪..‬؟؟‬
‫قالوا‪:‬‬
‫" خيا‪ ..‬هو بمد ال كما تبي"‪!!..‬‬
‫قالت‪:‬‬
‫" أرونيه‪ ،‬حتىأنظر اليه"‪!!..‬‬
‫ولبثوا بوارها حت اقترب الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فلما رأته أقبلت نوه تقول‪:‬‬
‫" كل مصيبة بعدك‪ ،‬أمرها يهون"‪!!..‬‬
‫**‬
‫أجل‪..‬‬
‫لقد كان هذا أجل عزاء وأبقاه‪..‬‬
‫ولعل الرسول صلى ال عليه وسلم قد ابتسم لذا الشهد الفذّ الفريد‪ ،‬فليس ف دنيا البذل‪ ،‬والولء‪،‬‬
‫والفداء لذا نظي‪..‬‬
‫سيدة ضعي فة‪ ،‬م سكينة‪ ،‬تف قد ف ساعة واحدة أبا ها وزوج ها وأخا ها‪ ..‬ث يكون ردّ ها على النا عي‬
‫لظة سعها الب الذي يهدّ البال‪:‬‬
‫" وماذا فعل رسول ال"‪..‬؟؟!!‬
‫لقد كان مشهد أجاد القدر رسه وتوقيته ليجعل منه للرسول الكري صلى ال عليه وسلم عزاء أي‬
‫عزاء‪ ..‬ف أسد ال‪ ،‬وسيّد الشهداء‪!!..‬‬
‫عبدال بن مسعود‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫أول صادح بالقرآن‬


‫قبل أن يدخا رسول ال صلى ال عليه وسلم دار الرقم‪ ،‬كان عبدال بن مسعود قد آمن به‪ ،‬وأبح‬
‫سادس ستة أسلموا واتبعوا الرسول‪ ،‬عليه وعليهم الصلة والسلم‪..‬‬
‫هو اذن من الوائل البكرين‪..‬‬
‫ولقد تدث عن أول لقائه برسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪:‬‬
‫" كنت غلما يافعا‪ ،‬أرعى غنما لعقبة بن أب معيط فجاء النب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأبوبكر فقال‪ :‬يا‬
‫غلم‪،‬هل عندك من لب تسقينا‪..‬؟؟‬
‫فقلت‪ :‬ان مؤتن‪ ،‬ولست ساقيكما‪..‬‬
‫فقال النب عليه الصلة والسلم‪ :‬هل عندك من شاة حائل‪ ،‬ل ين عليها الفحل‪..‬؟‬
‫قلت‪ :‬نعم‪..‬‬
‫فأتيتهما با‪ ،‬فاعتلفها النب ومسح الضرع‪ ..‬ث اتاه أبو بكر بصخرة متقعرة‪ ،‬فاحتلب فيها‪ ،‬فشرب أبو‬
‫بكر ث شربت‪..‬ث قال للضرع‪ :‬اقلص‪ ،‬فقلص‪..‬‬
‫فأتيت النب صلى ال عليه وسلم بعد لك‪ ،‬فقلت‪ :‬علمن من هذا القول‪.‬‬
‫فقال‪ :‬انك غلم معلم"‪...‬‬
‫**‬
‫لقد انبهر عبدال بن مسعود حي رأى عبدال الصال ورسوله المي يدعو ربه‪ ،‬ويسح ضرعا ل‬
‫عهد له باللب بعد‪ ،‬فهذا هو يعطي من خي ال ورزقه لبنا خالصا سائغا للشاربي‪!!..‬‬
‫وما كان يدري يومها‪ ،‬أنه انا يشاهد أهون العجزات وأقلها شأنا‪ ،‬وأنه عما قريب سيشهد من هذا‬
‫الرسول الكري معجزات تز الدنيا‪ ،‬وتلمؤها هدى ونور‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫بل ما كان يدري يومها‪ ،‬أنه وهو ذلك الغلم الفقي الضعيف الجي الذي يرعى غنم عقبة بن معيط‪،‬‬
‫سيكون احدى هذه العجزات يوم يلق السلم منه منه مؤمنا بايانه كبياء قريش‪ ،‬ويقهر جبوت‬
‫ساداتا‪..‬‬
‫فيذهب وهو الذي ل يكن يرؤ أن ير بجلس فيه أحد أشراف مكة ال مطرق الرأس حثيث الطى‪..‬‬
‫نقول‪ :‬يذ هب ب عد ا سلمه ال م مع الشراف ع ند الكع بة‪ ،‬و كل سادات قر يش وزعمائ ها هنالك‬
‫جالسون فيقف على رؤوسهم‪ .‬ويرفع صوته اللو الثي بقرآن ال‪:‬‬
‫(بسم ال الرحن الرحيم‪ ،‬الرحن‪ ،‬علّم القرآن‪ ،‬خلق النسان‪ ،‬علّمه البيان‪ ،‬الشمس والقمر بسبان‪،‬‬
‫والنجم والشجر يسجدان)‪.‬‬
‫ث يواصل قراءته‪ .‬وزعماء قريش مشدوهون‪ ،‬ل يصدقون أعينهم الت ترى‪ ..‬ول آذانم الت تسمع‪..‬‬
‫ول يت صورون أن هذا الذي يتحدى بأ سهم‪ ..‬و كبيائهم‪..‬ان ا هو أج ي وا حد من هم‪ ،‬ورا عي غ نم‬
‫لشريف من شرفائهم‪ ..‬عبدال بن مسعود الفقي الغمور‪!!..‬‬
‫ولندع شاهد عيان يصف لنا ذلك الشهد الثي‪..‬‬
‫انه الزبي رضي ال عنه يقول‪:‬‬
‫" كان أول من جهر بالقرآن بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم بكة‪ ،‬عبدال بن مسعود رضي ال‬
‫عنه‪ ،‬اذ اجتمع يوما أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالوا‪:‬‬
‫وال ما سعت قريش مثل هذا القرآن يهر لا به قط‪ ،‬فمن رجل يسمعهموه‪..‬؟؟‬
‫فقال عبدال بن مسعود‪:‬أنا‪..‬‬
‫قالوا‪ :‬ان نشاهم عليك‪ ،‬انا نريد رجل له عشيته ينعونه من القوم ان أرادوه‪..‬‬
‫قال‪ :‬دعون‪ ،‬فان ال سيمنعن‪..‬‬
‫فغدا ابن مسعود حت اتى القام ف الضحى‪ ،‬وقريش ف أنديتها‪ ،‬فقام عند القام ث قرأ‪ :‬بسم ال الرحن‬
‫الرحيم _رافعا صوته_ الرحن‪ ..‬علم القرآن‪ ،‬ث استقبلهم يقرؤها‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فتأملوه قائلي‪ :‬ما يقول ابن ام عبد‪..‬؟؟ انه ليتلو بعض ما جاء به ممد‪..‬‬
‫فقاموا اليه وجعلوا يضربون وجهه‪ ،‬وهو ماض ف قراءته حت بلغ منها ما شا ال أن يبلغ‪..‬‬
‫ث عاد ال أصحابه مصابا ف وجهه وجسده‪ ،‬فقالوا له‪:‬‬
‫هذا الذي خشينا عليك‪..‬‬
‫فقال‪ :‬ما كان أعداء ال أهون عليّ منهم الن‪ ،‬ولئن شئتم لغادينّهم بثلها غدا‪..‬‬
‫قالوا‪ :‬حسبك‪ ،‬فقد أسعتهم ما يكرهون"‪!!..‬‬
‫أجل ما كان ابن مسعود يوم بره الضرع الافل باللب فجأة وقبل أوانه‪ ..‬ما كان يومها يعلم أنه هو‬
‫ونظراؤه منن الفقراء والبسنطاء‪ ،‬سنيكونون احدى معجزات الرسنول الكنبى يوم يملون راينة ال‪،‬‬
‫ويقهرون با نور الشمس وضوء النهار‪!!..‬‬
‫ما كان يعلم أن ذلك اليوم قريب‪..‬‬
‫ولكنن سنرعان منا جاء اليوم ودقنت السناعة‪ ،‬وصنار الغلم الجين الفقين الضائع معجزة منن‬
‫العجزات‪!!..‬‬
‫**‬
‫ل تكن العي لتقع عليه ف زحام الياة‪..‬‬
‫بل ول بعيدا عن الزحام‪!!..‬‬
‫فل مكان له ب ي الذ ين أوتوا ب سطة من الال‪ ،‬ول ب ي الذ ين أوتوا ب سطة ف ال سم‪ ،‬ول ب ي الذ ين‬
‫أوتوا حظا من الاه‪..‬‬
‫فهو من الال معدم‪ ..‬وهو ف السم ناحل‪ ،‬ضامر‪ ..‬وهو ف الاه مغمور‪..‬‬
‫ولكن السلم ينحه مكان الفقر نصيبا رابيا وحظوظا وافية من خزائن كسرى وكنوز قيصر‪!..‬‬
‫وينحه مكان ضمور جسمه وضعف بنيانه ارادة تقهر البارين‪ ،‬وتسهم ف تغيي مصي التاريخ‪!..‬‬
‫وينحه مكان انزوائه وضياعه‪ ،‬خلودا‪ ،‬وعلما وشرفا تعله ف الصدارة بي أعلم التاريخ‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ولقد صدقت فيه نبوءة الرسول عليه الصلة والسلم يوم قال له‪ " :‬انك غلم معلّم" فقد علمه ربه‪،‬‬
‫حت صار فقيه المة‪ ،‬وعميد حفظة القرآن جيعا‪.‬‬
‫يقول على نفسه‪:‬‬
‫" أخذت من فم رسول ال صلى ال عليه زسلم سبعي سورة‪ ،‬ل ينازعن فيها أحد"‪..‬‬
‫ولكأن ا أراد ال مثوب ته ح ي خا طر بيا ته ف سبيل ان ي هر بالقرآن ويذي عه ف كل مكان ب كة أثناء‬
‫سنوات الضطهاد والعذاب فأعطاه سبحانه موه بة الداء الرائع ف تلو ته‪ ،‬والف هم ال سديد ف ادراك‬
‫معانيه‪..‬‬
‫ولقد كان رسول ال يوصي أصحابه أن يقتدوا بابن مسعود فيقول‪:‬‬
‫" تسّكوا بعهد ابن أم عبد"‪.‬‬
‫ويوصيهم بأن ياكوا قراءته‪،‬ويتعلموا منه كيف يتلو القرآن‪.‬‬
‫يقول عليه السلم‪:‬‬
‫" من أحب أن يسمع القرآن عصّا كما أنزل فليسمعه من ابن أم عبد"‪..‬‬
‫" من أحب أن يقرأ القرآن غصا كما أنزل‪ ،‬فليقرأه على قراءة ابن أم عبد"‪!!..‬‬
‫ولطالا كان يطيب لرسول ال عليه السلم أن يستمع للقرآن من فم ابن مسعود‪..‬‬
‫دعاه يوما الرسول‪ ،‬وقال له‪:‬‬
‫" اقرأ عليّ يا عبد ال"‪..‬‬
‫قال عبد ال‪:‬‬
‫" أقرأ عليك‪ ،‬وعليك أنزل يا رسول ال"؟!‬
‫فقال له الرسول‪:‬‬
‫"ان أحب أن أسعه من غيي"‪..‬‬
‫فأخذ ابن مسعود يقرأ من سورة النساء حت وصل ال قوله تعال‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫(فكيف اذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلء شهيدا‪..‬‬


‫يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوّى بم الرض‪..‬‬
‫ول يكتمون ال حديثا)‪..‬‬
‫فغلب البكاء على رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم‪ ،‬وفاضنت عيناه بالدموع‪ ،‬وأشار بيده ال ابنن‬
‫مسعود‪:‬‬
‫أن" حسبك‪ ..‬حسبك يا ابن مسعود"‪..‬‬
‫وتدث هو بنعمة ال فقال‪:‬‬
‫" وال ما نزل من القرآن ش يء ال وأ نا أعلم ف أي ش يء نزل‪ ،‬و ما أ حد أعلم بكتاب ال م ن‪ ،‬ولو‬
‫أعلم أحدا تتطى اليه البل أعلم من بكتاب ال لتيته وما أنا بيكم"!!‬
‫ولقد شهد له بذا السبق أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫قال عنه أمي الؤمني عمر رضي ال عنه‪:‬‬
‫" لقد ملئ فقها"‪..‬‬
‫وقال أبو موسى الشعري‪:‬‬
‫" ل تسألونا عن شيء ما دام هذا الب فيكم"‬
‫ول يكن سبقه ف القرآن والفقه موضع الثناء فحسب‪ ..‬بل كان كذلك أيضا سبقه ف الورع والتقى‪.‬‬
‫يقول عنه حذيفة‪:‬‬
‫" ما رأيت أحدا أشبه برسول ال ف هديه‪ ،‬ودلّه‪ ،‬وسته من ابن مسعود‪...‬‬
‫ولقند علم الحفوظون منن أصنحاب ممند صنلى ال علينه وسنلم أن ابنن ام عبند لقربمن ال ال‬
‫زلفى"‪!!..‬‬
‫واجتمع نفر من الصحابة يوما عند علي ابن أب طالب كرّم ال وجهه فقالوا له‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫"يا أمي الؤمني‪ ،‬ما رأينا رجل كان أحسن خلقا ول أرفق تعليما‪ ،‬ول أحسن مالسة‪ ،‬ول أشد ورعا‬
‫من عبدال بن مسعود‪..‬‬
‫قال علي‪:‬‬
‫نشدتكم ال‪ ،‬أهو صدق من قلوبكم‪..‬؟؟‬
‫قالوا‪:‬‬
‫نعم‪..‬‬
‫قال‪:‬‬
‫اللهم ان أشهدك‪ ..‬اللهم ان أقول مثل ما قالواو أو أفضل‪..‬‬
‫لقد قرأ القرآن فأحلّ حلله‪ ،‬وحرّم حرامه‪..‬فقيه ف الدين‪ ،‬عال بالسنة"‪!..‬‬
‫وكان أصحاب رسول ال عليه الصلة والسلم يتحدثون عن عبدال بن مسعود فيقولون‪:‬‬
‫" ان كان ليؤذن له اذا حججنا‪ ،‬ويشهد اذا غبنا"‪..‬‬
‫و هم يريدون بذا‪ ،‬أن عبد ال ر ضي ال ع نه كان يظ فر من الر سول صلى ال عل يه و سلم بفرص ل‬
‫يظفر با سواه‪ ،‬فيدخل عليه بيته أكثر ما يدخل غيهو ويالسه أكثر ما يالس سواه‪ .‬وكان دون‬
‫غيه من الصّحب موضع سرّه ونواه‪ ،‬حت كان يلقب بن صاحب السواد أي صاحب السر‪..‬‬
‫يقول أبو موسى الشعري رضي ال عنه‪:‬‬
‫"لقد رأيت النب عليه الصلة والسلم‪ ،‬وما أرى ال ابن مسعود من أهله"‪..‬‬
‫ذلك أن ال نبيب صلى ال عل يه و سلم كان يبّه ح با عظي ما‪ ،‬وكان ي ب ف يه ور عه وفطن ته‪ ،‬وعظ مة‬
‫نفسه‪ ..‬حت قال الرسول صلى ال عليه وسلم فيه‪:‬‬
‫" لو كنت مؤمّرا أحدا دون شورى السلمي‪ ،‬لمّرت ابن أم عبد"‪..‬‬
‫وقد مرّت بنا من قبل‪ ،‬وصية االرسول لصحابه‪:‬‬
‫" تسكوا بعهد ابن أم عبد"‪...‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وهذا الب‪ ،‬وهذه الثقة أهله لن يكون شديد لبقرب من رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأعطي‬
‫ما ل يعط أحد غيه حي قال له الرسول عليه الصلة والسلم‪ ":‬اذنك عليّ أن ترفع الجاب"‪..‬‬
‫فكان هذا ايذا نا ب قه ف أن يطرق باب الر سول عل يه أف ضل ال سلم ف أي و قت يشاء من ل يل أو‬
‫نار‪...‬‬
‫وهكذا قال عنه أصحابه‪:‬‬
‫" كان يؤذن له اذا حججنا‪ ،‬ويشهد اذا غبنا"‪..‬‬
‫ولقد كان ابن مسعود أهل لذه الزيّة‪ ..‬فعلى الرغم من أن اللطة الدانية على هذا النحو‪ ،‬من شأنا‬
‫أن ترفع الكلفة‪ ،‬فان ابن مسعود ل يزدد با ال خشوعا‪ ،‬واجلل‪ ،‬وأدبا‪..‬‬
‫ولعل خي ما يصوّر هذا اللق عنده‪ ،‬مظهره حي كان يدّث عن رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد‬
‫وفاته‪...‬‬
‫فعلى الرغم من ندرة تدثه عن الرسول عليه السلم‪ ،‬نده اذا حرّك شفتيه ليقول‪ :‬سعت رسول ال‬
‫يدث ويقول‪ :‬سنعت رسنول ال يدث ويقول‪ ...‬تأخذه الرّعدة الشديدة ويبدو علينه الضطراب‬
‫والقلق‪ ،‬خشية أن ينسى فيضع حرفا مكان حرف‪!!..‬‬
‫ولنستمع لخوانه يصفون هذه الظاهرة‪..‬‬
‫يقول عمرو بن ميمون‪:‬‬
‫" اختلفت ال عبدال بن مسعود سنة‪ ،‬ما سعه يتحدث فيها عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ال‬
‫أننه حدّث ذات يوم بدينث فجرى على لسنانه‪ :‬قال رسنول ال‪ ،‬فعله الكرب حتن رأينت العرق‬
‫يتحدّر عن جبهته‪ ،‬ث قال مستدركا قريبا من هذا قال الرسول"‪!!..‬‬
‫ويقول علقمة بن قيس‪:‬‬
‫" كان عبدال بن مسعود يقوم عشيّة كل خيس متحدثا‪ ،‬فما سعته ف عشية منها يقول‪ :‬قال رسول‬
‫ال غي مرة واحدة‪ ..‬فنظرت اليه وهو معتمد على عصا‪ ،‬فاذا عصاه ترتف‪ ،‬وتتزعزع"‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ويدثنا مسروق عن عبدال‪:‬‬


‫" حدّث ا بن مسعود يو ما حديثا فقال‪ :‬سعت ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ..‬ث أر عد وأرعدت‬
‫ثيابه‪ ..‬ث قال‪:‬أو نو ذا‪ ..‬أو شبه ذا"‪!!..‬‬
‫ال هذا الدى العظيم بلغ اجلله رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وبلغ توقيه اياه‪ ،‬وهذه أمارة فطنته‬
‫قبل أن تكون امارة تقاه‪!!..‬‬
‫فالرجل الذي عاصره رسول ال صلى ال عليه وسلم أكثرمن غيه‪ ،‬كان ادراكه للل هذا الرسول‬
‫العظيم ادراكا سديدا‪ ..‬ومن ثّ كان أدبه مع الرسول صلى ال عليه وسلم ف حياته‪ ،‬ومع ذكراه ف‬
‫ماته‪ ،‬أدبا فريدا‪!!..‬‬
‫**‬
‫ل يكن يفارق رسول ال صلى ال عليه وسلم ف سفر‪ ،‬ول ف حضر‪ ..‬ولقد شهد الشاهد كلها‬
‫جيعها‪ ..‬وكان له يوم بدر شأن مذكور مع أب جهل الذي حصدته سيوف السلمي ف ذلك اليوم‬
‫اللينل‪ ..‬وعرف خلفاء الرسنول وأصنحابه له قدره‪ ..‬فوله أمين الؤمنين عمنر على بينت الال فن‬
‫الكوفة‪ .‬وقال لهلها حي أرسله اليهم‪:‬‬
‫" ان وال الذي ل اله ال هو‪ ،‬قد آثرتكم به على نفسي‪ ،‬فخذوا منه وتعلموا"‪.‬‬
‫ولقد أحبه أهل الكوفة حبا جا ل يظفر بثله أحد قبله‪ ،‬ول أحد مثله‪..‬‬
‫واجاع أهل الكوفة على حب انسان‪ ،‬أمر يشبه العجزات‪..‬‬
‫ذلك أنم أهل ترّد ثورة‪ ،‬ل يصبون على طعام واحد‪ !!..‬ول يطيقون الدوء والسلم‪..‬‬
‫ولقد بلغ من حبهم اياه أن أطاحوا به حي أراد الليفةعثمان رضي ال عنه عزله عن الكوفة وقالوا‬
‫له‪ ":‬أقم معنا ول ترج‪ ،‬ونن ننعك أن يصل اليك شيء تكرهه منه"‪..‬‬
‫ولكن ابن مسعود أجابم بكلمات تصوّر عظمة نفسه وتقاه‪ ،‬اذ قال لم‪:‬‬
‫" ان له عليّ الطاعة‪ ،‬وانا ستكون أمور وفت‪ ،‬ول أحب أن يكون أول من يفتح أبوابا"‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ان هذا الوقف الليل الورع يصلنا بوقف ابن مسعود من اللبيفةعثمان‪ ..‬فلقد حدث بينهما حوار‬
‫وخلف تفاقما حت حجب عن عبدال راتبه ومعاشه من بيت المل‪ ،،‬ومع ذلك ل يقل ف عثمان‬
‫رضي ال عنه كلمة سوء واحدة‪..‬‬
‫بل وقف موقف الدافع والحذر حي رأى التذمّر ف عهد عثمان يتحوّل ال ثورة‪..‬‬
‫وحي ترامى ال مسمعه ماولت اغتيال عثمان‪ ،‬قال كلمته الأثورة‪:‬‬
‫" لئن قتلوه‪ ،‬ل يستخلفون بعده مثله"‪.‬‬
‫ويقولبعض أصحاب ابن مسعود‪:‬‬
‫" ما سعت ابن مسعود يقول ف عثمان سبّة قط"‪..‬‬
‫**‬
‫ولقد آتاه ال الكمة مثلما أعطاه التقوى‪.‬‬
‫وكان يلك القدرة على رؤية العماق‪ ،‬والتعبي عنها ف أناقة وسداد‪..‬‬
‫لنستمع له مثل وهو يلخصحياة عمر العظيمة ف تركيزباهر فيقول‪:‬‬
‫" كان اسلمه فتحا‪ ..‬وكانت هجرته نصرا‪ ..‬وكانت امارته رحة‪."..‬‬
‫ويتحدث عما نسميه اليوم نسبية الزمان فيقول‪:‬‬
‫" ان ربكم ليس عنده ليل ول نار‪ ..‬نور السموات والرض من نور وجهه"‪!!..‬‬
‫ويتحدث عن الع مل وأهي ته ف ر فع ال ستوى الد ب ل صاحبه‪ ،‬فيقول‪ ":‬ا ن لم قت الر جل‪ ،‬اذ أراه‬
‫فارغا‪ ..‬ليس ف شيء من عمل الدنيا‪ ،‬ول عمل الخرة"‪..‬‬
‫ومن كلماته الامعة‪:‬‬
‫" خي الغن غن النفس ‪ ،‬وخي الزاد التقوى‪ ،‬وشر العمى عمى القلب‪ ،‬وأعظم الطايا الكذب‪ ،‬وشرّ‬
‫الكاسب الربا‪ ،‬وشرّ الأكل مال اليتيم‪ ،‬ومن يعف ال عنه‪ ،‬ومن يغفر ال له"‪..‬‬
‫**‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫هذا هو عبدال بن مسعود صاحب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬


‫وهذه ومضة من حياة عظيمة مستبسلة‪ ،‬عاشها صاحبها ف سبيل ال‪ ،‬ورسوله ودينه‪..‬‬
‫هذا هو الرجل الذي كان جسمه ف حجم العصفور‪!!..‬‬
‫نيف‪ ،‬قصي‪ ،‬يكاد الالس يوازيه طول وهو قائم‪..‬‬
‫له ساقان ناحلتان دقيقتان‪ ..‬صعد بما يو ما أعلى شجرة يتن منها أرا كا لر سول اله صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ..‬فرأى أصحاب النب دقتهما فضحكوا‪ ،‬فقال عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫" تضحكون من ساقيْ ابن مسعود‪ ،‬لما أثقل ف اليزان عند ال من جبل أحد"‪!!..‬‬
‫أجل هذا هو الفقي الجي‪ ،‬الناحل الوهنان‪ ..‬الذي جعل منه ايانه ويقينه اماما من أئمة الي والدى‬
‫والنور‪..‬‬
‫ول قد ح ظي من توف يق ال و من نعم ته ما جعله أ حد العشرة الوائل ب ي أ صحاب الر سول صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ..‬أولئك الذين بشروا وهم على ظهر الرض برضوان ال وجنّته‪..‬‬
‫وخاض العارك الظافرة مع الرسول عليه الصلة والسلم‪ ،‬مع خلفائه من بعده‪..‬‬
‫وشهد أعظم امباطوريتي ف عاله وعصره تفتحان أبوابما طائعة خاشعة لرايات السلم ومشيئته‪..‬‬
‫ورأى الناصب تبحث عن شاغليها من السلمي‪ ،‬والموال الوفية تتدحرج بي أيديهم‪ ،‬فما شغله‬
‫من ذلك ش يء عن الع هد الذي عا هد ال عل يه ور سوله‪ ..‬ول صرفه صارف عن اخبا ته وتواض عه‬
‫ومنهج حياته‪..‬‬
‫ول تكن له من أمانّ الياة سوى أمنية واحدة كان يأخذه الني اليها فيددها‪ ،‬ويتغن با‪ ،‬ويتمن‬
‫لو أنه أدركها‪..‬‬
‫ولنصغع اليه يدثنا بكلماته عنها‪:‬‬
‫" قمت من جوف الليل وأنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ف غزوة تبوك‪ ..‬فرأيت شعلة من نار‬
‫ف ناحية العسكر فأتبعتها أنظر اليها‪ ،‬فاذا رسول ال‪ ،‬وأبوبكر وعمر‪ ،‬واذا عبدال ذو البجادين الزن‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫قد مات واذا هم قد حفروا له‪ ،‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم ف حفرته‪ ،‬وأبو بكر وعمر يدليانه‬
‫ال يه‪ ،‬والر سول يقول‪ :‬ادن يا الّ أخاك ما‪ ..‬فدلياه ال يه‪ ،‬فل ما هيأه للحده قال‪ :‬الل هم ا ن أم سيت ع نه‬
‫راضيا فارض عنه‪ ..‬فيا ليتن كنت صاحب هذه الفرة"‪!!..‬‬
‫**‬
‫تلك أمنيته الوحيد الت كان يرجوها ف دنياه‪.‬‬
‫وهي ل تت بسبب ال ما يتهافت الناس عليه من مد وثراء‪ ،‬ومنصب وجاه‪..‬‬
‫ذلك أنا أمنية رجل كبي القلب‪ ،‬عظيم النفس‪ ،‬وثيق اليقي‪ ..‬رجل هداه ال‪ ،‬وربّاه الرسول‪ ،‬وقاده‬
‫القرآن‪!!..‬‬
‫حذيفة بن اليمان‬
‫عد ّو النفاق وصديق الوضوح‬
‫خرج أ هل الدائن أفوا جا ي ستقبلون والي هم الد يد الذي اختاره ل م أم ي الؤمن ي ع مر ر ضي ال‬
‫عنه‪..‬‬
‫خرجوا تسبقهم أشواقهم ال هذا الصحاب الليل الذي سعوا الكثي عو ورعه وتقاه‪ ..‬وسعوا أكثر‬
‫عن بلئه العظيم ف فتوحات العراق‪..‬‬
‫واذ هم ينتظرون الوكب الوافد‪ ،‬أبصروا أمامهم رجل مضيئا‪ ،‬يركب حارا على ظهره اكاف قدي‪،‬‬
‫وقد أسدل الرجل ساقيه‪ ،‬وأمسك بكلتا يديه رغيفا وملحا‪ ،‬وهو يأكل ويضغ طعامه‪!..‬‬
‫وحي توسط جعهم‪ ،‬وعرفوا أنه حذيفة بن اليمان الوال الذي ينتظرون‪ ،‬كاد صوابم يطي‪!!..‬‬
‫ولكن فيم العجب‪..‬؟!‬
‫وماذا كانوا يتوقعون أن ييء ف اختيار عمر‪..‬؟!‬
‫الق أنم معذورون‪ ،‬فما عهدت بلدهم أيام فارس‪ ،‬ول قبل فارس ولة من هذا الطراز الليل‪!!.‬‬
‫**‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وسار حذيفة‪ ،‬والناس متشدون حوله‪ ،‬وحافون به‪..‬‬


‫وحي رآهم يدّقون فيه كأنم ينتظرون منه حديثا‪ ،‬ألقى على وجوههم نظرة فاحصة ث قال‪:‬‬
‫" اياكم ومواقف الفت"‪!!..‬‬
‫قالوا‪:‬‬
‫وما مواقف الفت يا أبا عبدال‪!!..‬‬
‫قال‪:‬‬
‫" أبواب المراء"‪..‬‬
‫يدخل أحدكم على الوال أو المي‪ ،‬فيصدّقه بالكذب‪ ،‬ويتدحه با ليس فيه"‪!..‬‬
‫وكان استهلل بارعا‪ ،‬بقدر ما هو عجيب‪!!..‬‬
‫واستعاد النس موفورهم ما سعوه عن واليهم الديد‪ ،‬من أنه ل يقت ف الدنيا كلها ول يتقر من‬
‫نقائصها شيئا أكثر ما يقت النفاق ويتقره‪.‬‬
‫وكان هذا الستهلل أصدق تعبي عن شخصية الاكم الديد‪ ،‬وعن منهجه ف الكم والولية‪..‬‬
‫**‬
‫ف ن حذي فة بن اليمان ر جل جاء الياة مزودا بطبي عة فريدة تت سم بب غض النفاق‪ ،‬وبالقدرة الار قة‬
‫على رؤيته ف مكامنه البعيدة‪.‬‬
‫وم نذ جاء هو أخوه صفوان ف صحبة أبيه ما ال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم واع نق ثلثت هم‬
‫السلم‪ ،‬والسلم يزيد موهبته هذه مضاء وصقل‪..‬‬
‫فلقد عانق دينا قويا‪ ،‬نظيفا‪ ،‬شجاعا قويا‪ ..‬يتقر الب والنفاق‪ ،‬والكذب‪...‬‬
‫وتأدّب على يدي ر سول ال وا ضح ك فق ال صبح‪ ،‬ل ت فى علي هم من حيا ته‪ ،‬ول من أعماق نف سه‬
‫خافية‪ ..‬صادق وأمي‪..‬يب القوياء ف الق‪ ،‬ويقت اللتوين والرائي والخادعي‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فلم ي كن ث ة مال ترعرع ف يه موه بة حذي فة وتزد هر م ثل هذا الجال‪ ،‬ف رحاب هذا الد ين‪ ،‬وب ي‬
‫يدي هذا الرسول‪ ،‬ووسط هذا ارّعيل العظيم من الصحاب‪!!..‬‬
‫ول قد ن ت موهب ته فعل أع ظم ناء‪ ..‬وت صص ف قراءة الوجوه وال سرائر‪ ..‬يقرأ الوجوه ف نظرة‪..‬‬
‫ويبلوكنه العماق الستترة‪ ،‬والدخائل الخبوءة‪ .‬ف غي عناء‪..‬‬
‫ولقد بلغ من ذلك ما يريد‪ ،‬حت كان أمي الؤمني عمر رضي ال عنه‪ ،‬وهو اللهم الفطن الريب‪،‬‬
‫يستدل برأي حذيفة‪ ،‬وببصيته ف اختيار الرجال ومعرفتهم‪.‬‬
‫ولقد أوت حذيفة من الصافة ما جعله يدرك أن الي ف هذه الياة واضح لن يريده‪ ..‬وانا الشر هو‬
‫الذي يتنكر ويتخفى‪ ،‬ومن ث يب على الريب أن يعن بدراسة الشر ف مآتيه‪ ،‬ومظانه‪..‬‬
‫وهكذا عكف حذيفة رضي ال عنه على دراسة الشر والشرار‪ ،‬والنفاق والؤمني‪..‬‬
‫يقول‪:‬‬
‫" كان الناس ي سألون ر سول ال صلى ال عل يه و سلم عن ال ي‪ ،‬وك نت أ سأله عن ال شر ما فة أن‬
‫يدركن‪..‬‬
‫قلت‪ :‬يا رسول ال فهل بعد هذا الي من شر؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪..‬‬
‫قلت‪ :‬فهل بعد هذا الشر من خي؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬وفيه دخن‪..‬‬
‫قلت‪ :‬وما طخنه‪..‬؟‬
‫قال‪ :‬قوم يستنون بغي سنت‪ ..‬ويهتدون يغي هديي‪ ،‬وتعرف منهم وتنكر‪..‬‬
‫قلت‪ :‬وهل بعد ذلك الي من شر‪..‬؟‬
‫قال‪ :‬نعم! دعاة على أبواب جهنم‪ ،‬من أجابم اليها قذفوه فيها‪..‬‬
‫قلت‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬فما تأمرن ان أدركن ذلك‪..‬؟‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫قال‪ :‬تلزم جاعة السلمي وامامهم‪..‬‬


‫قلت‪ :‬فان ل يكن لم جاعة ول امام‪..‬؟؟‬
‫قال‪ :‬تعتزل تلك الفرق كلهنا‪ ،‬ولو أن تعنض على أصنل شجرة حتن يدركنك الوت وأننت على‬
‫ذلك"‪!!..‬‬
‫أرأيتم قوله‪ ":‬كان الناس يسألون رسول ال صلى ال عليه وسلم عن الي‪ ،‬وكنت أسأله عن الشر‬
‫مافة أن يدركن"‪..‬؟؟‬
‫لقد عاش حذيفة بن اليمان مفتوح البصر والبصية على مآت الفت‪ ،‬مسالك الشرور ليتقها‪ ،‬وليحذر‬
‫الناس منها‪ .‬ولقد أفاء عليه هذا بصرا بالدنيا‪ ،‬وخبة بالنس‪ ،‬ومعرفة بالزمن‪ ..‬وكلن يدير السائل ف‬
‫فكره وعقله بأسلوب فيلسوف‪ ،‬وحصانة حكيم‪...‬‬
‫ويقول رضي ال عنه‪:‬‬
‫" ان اله تعال ب عث مدا صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬فد عا ال نس من الضللة ال الدى‪ ،‬و من الك فر ال‬
‫اليان‪ ،‬فاستجاب له من استجاب‪ ،‬فحيي بالق من كان ميتا‪...‬‬
‫ومات بالباطل من كان حيا‪..‬‬
‫ث ذهبت النبوة وجاءت اللفة على مناهجها‪..‬‬
‫ث يكون ملكا عضوضا‪!!..‬‬
‫فمن النس من ينكر بقلبه‪ ،‬ويده ولسانه‪ ..‬أولئك استجابوا لق‪..‬‬
‫ومنهم من ينكر بقلبه ولسانه‪ ،‬كافا يده‪ ،‬فهذا ترك شعبة من الق‪..‬‬
‫ومنهم من ينكر بقلبه‪ ،‬كافا يده ولسانه‪ ،‬فهذا ترك شعبتي من الق‪..‬‬
‫ومنهم من ل ينكر بقلبه ول بيده ول بلسانه‪ ،‬فذلك ميّت الحياء"‪!...‬‬
‫ويتحدّث عن القلوب وعن حياة الدى والضلل فيها فيقول‪:‬‬
‫" القلوب أربعة‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫قلب أغلف‪ ،‬فذلك قلب الكافر‪..‬‬


‫وقلب مصفح‪ ،‬فذلك قلب النافق‪..‬‬
‫وقلب أجرد‪ ،‬فيه سراج يزهر‪ ،‬فذلك قلب الؤمن‪..‬‬
‫وقلب ف يه نفاق وايان‪ ،‬فمثلليان كم ثل شجرة يد ها ماء ط يب‪ ..‬وم ثل النفاق كقر حة يدّ ها ق يح‬
‫ودم‪ :‬فأيهما غلب‪ ،‬غلب"‪!!...‬‬
‫وخبة حذيفة بالشر‪ ،‬واصراره على مقاومته وتدّيه‪ ،‬أكسبا لسانه وكلماته شيئا من الدّة‪ ،‬وينبأ هو‬
‫بذا ف شجاعة نبيلة‪:‬‬
‫فيقول‪:‬‬
‫" جئت ال نب صلى ال عل يه و سلم فقلت‪ :‬يا ر سول ال‪ ،‬ان ل ل سانا ذر با على أهلي‪ ،‬وأخ شى أن‬
‫يدخلن النار‪..‬‬
‫فقال ل ال نب عل يه ال صلة وال سلم‪ :‬فأ ين أ نت من ال ستغفار‪..‬؟؟ ا ن ل ستغفر ال ف اليوم مائة‬
‫مرة"‪...‬‬
‫**‬
‫هذا هو حذيفة عدو النفاق‪ ،‬صديق الوضوح‪..‬‬
‫ورجل من هذا الطراز‪ ،‬ل يكون ايانه ال وثيقا‪ ..‬ول يكون ولؤه ال عميقا‪ ..‬وكذلكم كان حذيفة‬
‫ف ايانه وولئه‪..‬‬
‫لقد رأى أباه السلم يصرع يوم أحد‪..‬وبأيد مسلمة‪ ،‬قتلته خطأ وهي تسبه واحدا من الشريكن‪!!..‬‬
‫وكان حذيفة يتلفت مصادفة‪ ،‬فرأى السيوف تنوشه‪ ،‬فصاح ف ضاربيه‪ :‬أب‪ ...‬أب‪ ..‬انه أب‪!!..‬‬
‫لكن القضاء كان قد حم‪..‬‬
‫وحي عرف السلمون‪ ،‬تولهم الزن والوجوم‪ ..‬لكنه نظر اليهم نظرة اشفاق ومغفرة‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫" يغفر ال لكم‪ ،‬وهو أرحم الراحي"‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ث انطلق بسيفه صوب العركة الشبوبة يبلي فيها بلءه‪ ،‬ويؤدي واجبه‪..‬‬
‫وتنتهي العركة‪ ،‬ويبلغ الب رسول ال صلى ال عليه وسلم فيأمر بالدية عن والد حذيفة "حسيل بن‬
‫جابر" رضي ال عنه‪ ،‬ويتصدّق با على السلمي‪ ،‬فيزداد الرسول حبا له وتقديرا‪...‬‬
‫**‬
‫وايان حذيفة وولؤه‪ ،‬ل يعترفان‬
‫بالعجز‪ ،‬ول بالضعف‪..‬بل ول بالستحيل‪....‬‬
‫ف غزوة الندق‪..‬وبعد أن د بّ الفشل ف صفوف كفار قريش وحلفائهم من اليهود‪ ،‬أراد رسول ال‬
‫عليه الصلة والسلم أن يقف على آخر تطوّرات الوقف هناك ف معسكر أعدائه‪.‬‬
‫كان اليل مظلما ورهيبا‪ ..‬وكانت العواصف تزأر وتصطخب‪ ،‬كأنا تريد أن تقتلع جبال الصحراء‬
‫الراسنيات منن مكانان‪ ..‬وكان الوقنف كله بان فينه منن حصنار وعناد واصنرار يبعنث على الوف‬
‫والزع‪ ،‬وكان الوع الضن قد بلغ مبلغا وعرا بي اصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم‪..‬‬
‫فمن يلك آنئذ القوة‪،‬وأي قوة ليذهب وسط ماطر حالكة ال معسكر العداء ويقتحمه‪ ،‬أو يتسلل‬
‫داخله ث يبلوا أمرهم ويعرف أخبارهم‪..‬؟؟‬
‫ان الرسول هو الذي سيختار من أصحابه من يقوم بذه الهمة البالغة العسر‪..‬‬
‫ترى من يكون البطل‪..‬؟‬
‫انه هو‪..‬حذيفة بن اليمان‪!..‬‬
‫دعاه الرسول صلى ال عليه وسلم فلب‪ ،‬ومن صدقه العظيم يبنا وهو يروي النبأ أنه ل يكن يلك ال‬
‫أن يلب‪ ..‬مشيا بذا ال أنه كان يرهب الهمة الوكولة اليه‪ ،‬ويشى عواقبها‪ ،‬والقيام با تت وطأة‬
‫الوع‪ ،‬والصقيع‪ ،‬والعياء الديد الذي خلفهم فيه حصار الشركي شهرا أو يزيد‪!..‬‬
‫وكان أمر حذيفة تلك الليلة عجيبا‪...‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فاقد قطع السافة بي العسكرين‪ ،‬واخترق الصار‪ ..‬وتسلل ال معسكر قريش‪ ،‬وكانت الريح العاتية‬
‫قد أطفأت نيان الع سكر‪ ،‬فخيّم عل يه الظلم‪،‬وات ذ حذي فة ر ضي ال ع نه مكا نه و سط صفوف‬
‫الحاربي‪...‬‬
‫وخ شي أبو سفيان قائد قؤ يش‪ ،‬أن يفجأ هم الظلم بت سللي من ال سلمي‪ ،‬فقام يذر جي شه‪ ،‬و سعه‬
‫حذيفة يقول بصوته الرتفع‪:‬‬
‫" يا معشر قريش‪ ،‬لينظر كل منكم جليسه‪ ،‬وليأخذ بيده‪ ،‬وليعرف اسه"‪.‬‬
‫يقول حذيفة"‬
‫" فسارعت ال يد الرجل الذي بواري‪ ،‬وقلت لمن أنت‪..‬؟ قال‪ :‬فلن بن فلن؟"‪...‬‬
‫وهكذا أمّن وجوده بي اليش ف سلم‪!..‬‬
‫واستأنف أبو سفيان نداءه ال اليش قائل‪ ":‬يا معشر قريش‪ ..‬انكم وال ما أصبحتم بدار مقام‪ ..‬لقد‬
‫هل كت الكراع _ أي ال يل_ وال ف_ أي ال بل_‪ ،‬وأخلفتناب نو قري ظة‪ ،‬وبلغ نا عن هم الذي نكره‪،‬‬
‫ولقي نا من شدّة الر يح‪ ،‬ما تطمئن ل نا قدر‪ ،‬ول تقوم ل نا نار‪ ،‬ول ي ستمسك ل نا بناء‪ ،‬فارتلوا فا ن‬
‫مرتل"‪..‬‬
‫ث نض فوق جله‪ ،‬وبدأ السي فتبعه الحاربون‪..‬‬
‫يقول حذيفة‪:‬‬
‫" لول عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم الّ أل تدث شيئا حت تأتين‪ ،‬لقتلته بسهم"‪..‬‬
‫وعاد حذيفة ال الرسول عليه الصلة والسلم فأخبه الب‪ ،‬وزف البشرى اليه‪...‬‬
‫**‬
‫ومع هذا فان حذيفة يلف ف هذا الجال كل الظنون‪..‬‬
‫ورجل الصومعة العابد‪ ،‬التأمل ل يكاد يمل شيفه ويقابل جيوش الوثنية والضلل حت يكشف لنا‬
‫عن عبقرية تبهر البصار‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وحسبنا أن نعلم‪ ،‬أنه كان ثالث ثلثة‪ ،‬أو خامس خسة كانوا أصحاب السبق العظيم ف فتوح العراق‬
‫جيعها‪!..‬‬
‫وف هدان والري والدينور ت الفتح على يديه‪..‬‬
‫وف معركة ناوند العظن‪ ،‬حيث احتشد الفرس ف مائة ألف مقاتل وخسي الفا‪ ..‬اختار عمر لقيادة‬
‫اليوش السلمة النعمان بن مقرّن ث كتب ال حذيفة أن يسي اليه على رأس جيش من الكوفة‪..‬‬
‫وأرسل عمر ال القاتلي كتابه يقول‪:‬‬
‫" اذا اجتمع السلمون فليكن على كل أمي جيشه‪ ..‬وليكن أمي اليوش جيعها النعمان بن مقرّن‪..‬‬
‫فاذا استشهد النعمان‪ ،‬فليأخذ الراية حذيفة‪ ،‬فاذا استشهد فجرير بن عدال‪..‬‬
‫وهكذا مضى أمي الؤمني يتار قوّاد العركة حت سّى منهم سبع‪...‬‬
‫والتقى اليشان‪..‬‬
‫الفرس ف مائة ألف وخسي ألفا‪..‬‬
‫والسلمون ف ثلثي ألفا لغي‪...‬‬
‫وينشب قتال يفوق كل تصور ونظي ودارت معركة من أشد معارك التاريخ فدائية وعنفا‪..‬‬
‫و سقط قائد ال سلمي قتيل‪ ،‬سقط النعمان بن مقرّن‪ ،‬وق بل أن توي الرا ية ال سلمة ال الرض كان‬
‫القائد الديد قد تسلمها بيمينه‪ ،‬وساق با رياح النصر ف عنفوان لب واستبسال عظيم‪ ...‬ول يكن‬
‫هذا القائد سوى حذيفة بن اليمان‪...‬‬
‫حل الراية من فوره‪ ،‬وأوصى بأل ندع نبأ موت النعمان حت تنجلي العركة‪ ..‬ودعا نعيم بن مقرن‬
‫فجعله مكان أخيه النعمان تكريا له‪..‬‬
‫أنزت اله مة ف لظات والقتال يدور‪ ،‬بديهي ته الشر قة‪ ..‬ث انث ن كالع صار الدمدم على صفوف‬
‫الفرس صائحا‪:‬‬
‫" ال أبكر صدق وعده!!‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ال أكب نصر جنده!!"‬


‫ث لوى زمام فر سه صوب القاتل ي ف جيو شه ونادى‪ :‬يا أتباع م مد‪ ..‬ها هي ذي جنان ال تته يأ‬
‫لستقبالكم فل تطيلوا عليها النتظار‪..‬‬
‫هيا يا رجال بدر‪..‬‬
‫تقدموا يا ابطال الندق وأحد وتبوك‪..‬‬
‫لقد احتفظ حذيفة بكا حاسة العركة وأشواقها‪ ،‬ان ل يكن قد زاد منها وفيها‪..‬‬
‫وانتهى القتال بزية ساحقة للفرس‪ ..‬هزية ل نكاد ند لا نظيا‪!!..‬‬
‫**‬
‫هذا العبقري ف حته‪ ،‬حي تضمّه صومعته‪..‬‬
‫والعبقري ف فدائيته‪ ،‬حي يقف فوق أرض القتال‪..‬‬
‫هو كذلك العبقري ف كل مهمةتو كل ال يه‪ ،‬ومشورةتطلب م نه‪ ..‬فح ي انت قل سعد بن أ ب وقاص‬
‫والسلمون معه من الدائن ال الكوفة واستوطنوها‪..‬‬
‫وذلك بعد أن أنزل مناخ الدائن بالعرب السلمي أذى بليغا‪.‬‬
‫م ا ج عل ع مر يك تب ال سعد كي يغادر ها فورا ب عد أن يب حث عن أك ثر البقاع ملء مة‪ ،‬فينت قل‬
‫بالسلمي اليها‪..‬‬
‫يومئذ من الذي وكل اليه أمر اختيار البقعة والكان‪..‬؟‬
‫انه حذيفة بن اليمان‪ ..‬ذهب ومعه سلمان بن زياد‪ ،‬يرتادان لسلمي الكان اللئم‪..‬‬
‫فلما بلغا أرض الكوفة‪ ،‬وكانت حصباء جرداء مرملة‪ .‬شمّ حذيفة عليها أنسام العافية‪ ،‬فقال لصاحبه‪:‬‬
‫هنا النل ان شاء ال‪..‬‬
‫وهكذا خططت الكوفة وأحالتها يد التعمي ال مدينة عامرة‪...‬‬
‫وما كاد السلمون ينتقلون اليها‪ ،‬حت شفي سقيمهم‪ .‬وقوي ضعيفهم‪ .‬ونبضت بالعافية عروقهم‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫لقد كان حذيفة واسع الذكاء‪ ،‬متنوع البة‪ ،‬وكان يقول للمسلمي دائما‪:‬‬
‫" ل يس خيار كم الذ ين يتركون الدن يا للخرة‪ ..‬ول الذ ين يتركون الخرة للدن يا‪ ..‬ول كن الذ ين‬
‫يأخذون من هذه ومن هذه"‪...‬‬
‫**‬
‫وذات يوم من أيام العام الجري ال سادس والثلث ي‪..‬د عي للقاء ال‪ ..‬واذ هو يته يأ للرحلة الخية‬
‫دخل عليه بعض أصحابه‪ ،‬فسألم‪:‬‬
‫أجئتم معكم بأكفان‪..‬؟؟‬
‫قالوا‪ :‬نعم‪..‬‬
‫قال‪ :‬أرونيها‪..‬‬
‫فلما رآها‪ ،‬وجدها جديدة فارهة‪..‬‬
‫فارتسمت على شفتيه آخر بسماته الساخرة‪ ،‬وقال لم‪:‬‬
‫" ما هذا ل بكفن‪ ..‬انا يكفين لفافتان بيضاوان ليس معهما قميص‪..‬‬
‫فان لن أترك ف القب ال قليل‪ ،‬حت أبدّل خيا منهما‪ ...‬أو شرّ منهما"‪!!..‬‬
‫وتتم بكلمات‪ ،‬ألقى الالسون أساعهم فسمعوها‪:‬‬
‫" مرحبا بالوت‪..‬‬
‫حبيب جاء على شوق‪..‬‬
‫ل أفلح من ندم"‪..‬‬
‫وصعدت ال ال روح من أعظم أرواح البشر‪ ،‬ومن أكثرها تقى‪ ،‬وتآلقا‪ ،‬واخباتا‪...‬‬
‫عمّار بن ياسر‬
‫رجل من النة‪!!..‬‬
‫لو كان هناك أناس يولدون ف النة‪ ،‬ث يشيبون ف رحابا ويكبون‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ث ياء بم ال الرض ليوكون زينة لا‪ ،‬ونورا‪ ،‬لكان عمّار‪ ،‬وأمه سيّة‪ ،‬وأبوه ياسر من هؤلء‪!!..‬‬
‫ولكن لاذا نقول‪ :‬لو‪ ..‬لاذا مفترض هذا التراض‪ ،‬وقد كان آل ياسر فعل من أهل النة‪..‬؟؟‬
‫وما كان الرسول عليه الصلة والسلم مواسيا لم فحسب حي قال‪:‬‬
‫" صبا آل ياسر ان موعدكم النة"‪..‬‬
‫بل كان يقرر حقيقة يعرفها ويؤكد واقعا يبصره ويراه‪..‬‬
‫**‬
‫خرج ياسر والد عمّار‪ ،‬من بلده ف اليمن يطلب أخا له‪ ،‬ويبحث عنه‪..‬‬
‫وف مكة طاب له القام‪ ،‬فاستوطنها مالفا أبا حذيفة بن الغية‪..‬‬
‫وزوّجه أبو حذيفة احدى امائه سيّة بنت خياط‪..‬‬
‫ومن هذا الزواج البارك رزق ال البوين عمارا‪..‬‬
‫وكان اسلمهم مبكرا‪ ..‬شأن البرار الذين هداهم ال‪..‬‬
‫وشأن البرار البكّرين أيضا‪ ،‬أخذوا نصيبهم الوف من عذاب قريش وأهوالا‪!!..‬‬
‫ولقد كانت قريش تتربّص بالؤمني الدوائر‪..‬‬
‫فان كانوا من لم ف قومهم شرف ومنعة‪ ،‬تولوهم بالوعيد والتهديد‪ ،‬ويلقى أبو جهل الؤمن منهم‬
‫فيقول له‪ ":‬تركنت دينن آبائك وهنم خين مننك‪ ..‬لنسنفّهنّ حلمنك‪ ،‬ولنضعنّن شرفنك‪ ،‬ولنكسندنّ‬
‫تارتك‪ ،‬ولنهلكنّ مالك" ث يشنون عليه حرب عصبية حامية‪.‬‬
‫وان كان الؤمن من ضعفاء مكة وفقرائها‪ ،‬أو عبيدها‪ ،‬أصلتهم سعيا‪.‬‬
‫ولقد كان آل ياسر من هذا الفريق‪..‬‬
‫ووكل أمر تعذيبهم ال بن مزوم‪ ،‬يرجون بم جيعا‪ ..‬ياسر‪ ،‬سية وعمار كل يوم ال رمضاء مكة‬
‫اللتهبة‪ ،‬ويصبّون عليهم جحيم العذاب ألوانا وفنونا!!‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ولقد كان نصيب سية من ذلك العذاب فادحا رهيبا‪ .‬ولن نفيض ف الديث عنها الن‪ ..‬فلنا ان‬
‫شاء ال مع جلل تضحيت ها‪ ،‬وعظ مة ثبات ا لقاء نتحدث عن ها و عن نظيات ا وأخوات ا ف تلك اليام‬
‫الالدات‪..‬‬
‫وليكن حسبنا الن أن نذكر ف غي كبالغة أن سية الشهيدة وقفت يوم ذاك موقفا ينح البشرية كلها‬
‫من أول ال آخرها شرفا ل ينفد‪ ،‬وكرامة ل ينصل باؤها‪!..‬‬
‫موقفا جعل منها أمّا عظيمة للمؤمني ف كل العصور‪ ..‬وللشرفاء ف كل الزمان‪!!..‬‬
‫**‬
‫كان الرسول عليه الصلة والسلم يرج ال حيث علم أن آل ياسر يعذبون‪..‬‬
‫ول يكن ىنذاك يلك من أسباب القاومة ودفع الذى شيئا‪..‬‬
‫وكانت تلك مشيئة ال‪..‬‬
‫فالدين الديد‪ ،‬ملة ابراهيم حنيفا‪ ،‬الدين الذي يرفع ممد لواءه ليس حركة اصلح عارضة عابرة‪..‬‬
‫وانا هو نج حياة للبشرية الؤمنة‪ ..‬ول بد للبشربة الؤمنة هذه أن ترث مع الدين تاريه بكل تاريه‬
‫بكا بطولته‪ ،‬وتضحياته وماطراته‪...‬‬
‫ان هذه التضحيات الننبيلة الائلة‪ ،‬هني الرسنانة التن تبن الدبنن والعقيدة ثباتنا ل يزول‪ ،‬وخلودا ل‬
‫يبلى‪!!!..‬‬
‫انا العبي يل أفئدة الؤمني ولء‪ ،‬وغبطة وحبورا‪.‬‬
‫وانا النار الذي يهدي الجيال الوافدة ال حقيقة الدين‪ ،‬وصدقه وعظمته‪..‬‬
‫وهكذا ل ي كن هناك بد من أن يكون لل سلم تضحيا ته وضحاياه‪ ،‬ول قد أضاء القرآن الكر ي هذا‬
‫العن للمسلمي ف أكثر من آية‪...‬‬
‫فهو يقول‪:‬‬
‫(أحسب الناس أن يتركوا‪ ،‬أن يقولوا آمنّا‪ ،‬وهم ل يفتنون)؟!‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫(أم حسبتم أن تدخلوا النة‪ ،‬ولّا يعلم ال الذين جاهدوا منكم‪ ،‬ويعلم الصابرين)؟‬
‫(ولقد فتنّا الذين من قبلهم‪ ،‬فليعلمنّ ال الذين صدقوا‪ ،‬وليعلمنّ الكاذبي)‪.‬‬
‫(أم حسبتم أن تتركوا‪ ،‬ولا يعلم ال الذين جاهدوا منكم‪)..‬‬
‫(ما كان ال ليذر الؤمني على ما أنتم عليه حت ييز البيث من الطيّب)‪..‬‬
‫(وما أصابكم يوم التقى المعان‪ ،‬فباذن ال‪ ،‬وليعلم الؤمني)‪.‬‬
‫أجنل هكذا علم القرآن حلتنه وأبناءه‪ ،‬أن التضحينة جوهنر اليان‪ ،‬وأن مقاومنة التحديّات الغاشةن‬
‫الظالة بالثبات وبالصب وبالصرار‪ ..‬انا تشكّل أبى فضائل اليان وأروعها‪..‬‬
‫ومن ثّ فان دين ال هذا وهو يضع قواعده‪ ،‬ويرسي دعائمه‪ ،‬ويعطي مثله‪ ،‬ل بد له أن يدعم وجوده‬
‫بالتضحية‪ ،‬ويزكّي نفسه بالفداء‪ ،‬متارا لذه الهمة الليلة نفرا من أبنائه وأوليائه وأبراره يكنون قدوة‬
‫سامقة ومثل عاليا للمؤمني القادمي‪.‬‬
‫ول قد كا نت سيّة‪ ..‬وكان يا سر‪ ..‬وكان عمّار من هذه الثلة البار كة العظي مة ال ت اهتارت ا مقاد ير‬
‫السلم لتصوغ من تضحياتا وثباتا واصراراها وثيقة عظمته وخلوده‪..‬‬
‫**‬
‫قلننا ان رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم كان يرج كنل يوم ال أسنرة ياسنر‪ ،‬ميّينا صنمودها‪،‬‬
‫وبطولتها‪ ..‬وكان قلبه الكبي يذوبرحة وحنانا لشهدهم وهم يتلقون العذاب ما ل طاقة لم به‪.‬‬
‫وذات يوم وهو يعودهم ناداه عمّار‪:‬‬
‫" يا رسول ال‪ ..‬لقد بلغ منا العذاب كل مبلغ"‪..‬‬
‫فنا داه الرسول‪ :‬صبا أبا اليقظان‪..‬‬
‫صبا آل ياسر‪..‬‬
‫فان موعدكم النة"‪..‬‬
‫ولقد وصف أصاب عمّار العذاب الذي نزل به ف أحاديث كثية‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فيقول عمرو بن الكم‪:‬‬


‫" كان عمّار يعذب حت ل يدري ما يقول"‪.‬‬
‫ويقول عمرو بن ميمون‪:‬‬
‫" أحرق الشركون عمّار بن ياسر بالنار‪ ،‬فكان رسول ال صلى ال عليه وسلم ير به‪ ،‬وير يده على‬
‫رأسه ويقول‪ :‬يا نار كون بردا وسلما على عمّار‪ ،‬كما كنت بردا وسلما على ابراهيم"‪..‬‬
‫على أن ذلك لول كله ل يكن ليفدح روح عمار‪ ،‬وان فدح ظهره ودغدغ قواه‪..‬‬
‫ول يش عر عمار باللك ح قا‪ ،‬ال ف ذلك اليوم الذي ا ستنجد ف يه جلدوه ب كل عبقريت هم ف الري ة‬
‫والب غي‪ ..‬فمن ال كي بالنار‪ ،‬ال صلبه على الرمضاء الستعرة ت ت الجارة اللتهبة‪ ..‬ال غطّه ف الاء‬
‫حت تتنق أنفسه‪ ،‬وتتسلخ قروحه وجروحه‪..‬‬
‫ف ذلك اليوم اذ فقد وعيه تت وطأة هذا العول فقالوا له‪ :‬أذكر آلتنا بي‪ ،‬وأخذوا يقولون له‪ ،‬وهو‬
‫يردد وراءهم القول ف غي شعور‪.‬‬
‫ف لك اليوم‪ ،‬وبعد أن أفاق قليل من غيبوبة تعذيبه‪ ،‬تذكّر ما قاله فطار صوابه‪ ،‬وتسمت هذه الفوة‬
‫أ ما نف سه حت رآ ها خطيئة ل مغفرة لا ول كفارة‪ ..‬و ف لظات معدودات‪ ،‬أوقع به الشعور بال ث‬
‫من العذاب ما أضحى عذاب الشركي تاهه بلسما ونعيما‪!!..‬‬
‫ولو ترك عمّار لشاعره تلك بضع ساعات لقضت عليه ل مالة‪..‬‬
‫ل قد كان يت مل الول الن صّب على ج سده‪ ،‬لن رو حه هناك شام ة‪ ..‬أ ما الن و هو ي ظن أن الزي ة‬
‫أدركت روحه فقد أشرفت به هومه وجزعه على الوت واللك‪..‬‬
‫لكن ال العليّ القدير أراد للمشهد الثي أن يبلغ جلل ختامه‪..‬‬
‫وب سط الو حي يي نه البار كة م صافحا ب ا عمّارا‪ ،‬وهات فا به‪ :‬ان ض أي ها الب طا‪ ..‬ل تثر يب عل يك ول‬
‫حرج‪..‬‬
‫ولقي رسول ال صلى ال عليه وسلم صاحبه فألفاه يبكي‪ ،‬فجعل يسح دموعه بيده‪ ،‬ويقول له‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" أخذك الكفار‪ ،‬فغطوك ف الاء‪ ،‬فقلت كذا‪ ..‬وكذا‪..‬؟؟"‬


‫أجاب عمّار وهو ينتحب‪ :‬نعم يا رسول ال‪...‬‬
‫فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يبتسم‪ ":‬ان عادوا‪ ،‬فقل لم مثل قولك هذا"‪!!..‬‬
‫ث تل عليه الية الكرية‪:‬‬
‫( ال من أكره وقلبه مطمئن باليان)‪..‬‬
‫واستردّ عمّار سكينة نفسه‪ ،‬ول يعد يد للعذاب النقض على جسده ألا‪ ،‬ول يعد يلقي له وبال‪..‬‬
‫لقد ربح روحه‪ ،‬وربح ايانه‪ ..‬ولقد ضمن القرآن له هذه الصفقة الباركة‪ ،‬فليكن بعدئذ ما يكون‪!!..‬‬
‫وصمد عمّار حت حل العياء بلديه‪ ،‬وارتدّوا أمام اصراره صاغرين‪!!..‬‬
‫**‬
‫ا ستقرّ ال سلمون بالدي نة ب عد هجرة ر سولم الي ها‪ ،‬وأ خذ الجت مع ال سلمي هناك يتشكّل سريعا‪،‬‬
‫ويستكمل نفسه‪..‬‬
‫ووسط هذه الماعة السلمة الؤمنة‪،‬أخذ عمار مكانه عليّا‪!!..‬‬
‫كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يبه حبا حّا‪ ،‬ويباهي أصحابه بايانه وهديه‪..‬‬
‫يقول عنه صلى ال عليه وسلم‪/‬‬
‫‪ :‬ان عمّارا ملئ ايانا ال مشاشه"‪.‬‬
‫وحي وقع سوء تفاهم بي عمار وخالد بن الوليد‪ ،‬قال رسول ال‪ ":‬من عادى عمارا‪ ،‬عاداه ال‪،‬‬
‫ومن أبغض عمارا أبغضه ال"‬
‫ول ي كن أمام خالد بن الول يد ب طل ال سلم ال أن ي سارع ال عمار معتذرا ال يه‪ ،‬وطام عا ف صفحه‬
‫الميل‪!!..‬‬
‫وحي كان رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه يبنون السجد بالدينة اثر نزولم با‪ ،‬ارتز المام‬
‫علي كرّم ال وجهه أنشودة راح يرددها ويرددها السلمون معه‪ ،‬فيقولون‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ل يستوي من يعمر الساجدا‬


‫يدأب فيها قائما وقاعدا‬
‫ومن يرى عن الغبار حائدا‬
‫وكان عمار يعمل من ناحية السجد فأخذ يردد النشودة ويرفع با صوته‪ ..‬وظن أحد أصحابه أن‬
‫عمارا يعرض به‪ ،‬فغاضبه ببعض القول فغضب الرسول صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫" ما لم ولعمّار‪..‬؟‬
‫يدعوهم ال النة‪ ،‬ويدعونه ال النار‪..‬‬
‫ان عمّارا جلدة ما بي عينّ وأنفي"‪...‬‬
‫واذا أ حب ر سول ال صلى ال عل يه و سلم م سلما ال هذا ال د‪ ،‬فل بد أن يكون ايا نه‪ ،‬وبلؤه‪،‬‬
‫وولؤه‪ ،‬وعظمنة نفسنه‪ ،‬واسنتقامة ضميه ونجنه‪ ..‬قند بلغنت الدى‪ ،‬وانتهنت ال ذروة الكمال‬
‫اليسور‪!!..‬‬
‫وكذلكم كان عمار‪..‬‬
‫لقد كال ال له نعمته وهداه بالكيال الوف‪ ،‬وبلف ف درجات الدى واليقي ما جعل الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم يزكّي ايانه‪ ،‬ويرفعه بي أصحابه قدوة ومثل فيقول‪:‬‬
‫" اقتدوا بالذين من بعدي أب بكر وعمر‪ ...‬واهتدوا بدي عمّار"‪..‬‬
‫ولقد وصفه الرواة فقالوا‪:‬‬
‫" كان طوّال‪ ،‬أشهل‪ ،‬رحب ما بي النكبي‪ ..‬من أطول الناس سكوتا‪ ،‬وأقلهم كلما"‪..‬‬
‫فكيف سارت حياة هذا العملق‪ ،‬الصامت الشهل‪ ،‬العريض الصدر‪ ،‬الذي يمل جسده آثار تعذيبه‬
‫الروّع‪ ،‬كما يمل ف نفس الوقت وثيقة صموده الائل‪ ،‬والذهل وعظمته الارقة‪..‬؟!‬
‫كيف سارت حياة هذا الواري الخلص‪ ،‬والؤمن الصادق‪ ،‬والفدائي الباهر‪..‬؟؟‬
‫لقد شهد مع معلّمه ورسوله جيع الشاهد‪ ..‬بدرا‪ ،‬وأحدا‪ ،‬والندق وتبوك‪ ..‬ويقيّتها جيعل‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ولا ذهب الرسول صلى ال عليه وسلم ال الرفيق العلى‪ ،‬واصل العملق زحفه‪..‬‬
‫ف في لقاء ال سلمي مع الفرس‪ ،‬و مع الروم‪ ،‬و من ق بل ذلك ف لقائ هم مع جيوش الردّة الرّراة كان‬
‫عمّار هناكفي الصفوف الول دوما‪ ..‬جنديا باسل أمينا‪ ،‬ل تنبو لسيفه ضربة‪ ..‬ومؤمنا ورعا جليل‪،‬‬
‫ل تأخذه عن ال رغبة‪..‬‬
‫وحي كان أمي الؤمني عمر بن الطاب رضي ال عنه يتار ولة السلمي ف دقة وتفّظ من يخ\تار‬
‫مصيه‪ ،‬كانت عيناه تقعان دوما ف ثقة أكيدة على عمّار بن ياسر"‪..‬‬
‫وهكذا سارع اليه ووله الكوفة‪ ،‬وجعل ابن مسعود معه على بيت الال‪..‬‬
‫وكتب ال أهلها كتابا يبشرهم فيه بواليهم الديد‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫" ان بعثت اليكم عمّار بن ياسر أميا‪ ..‬وابن مسعود معلما ووزيرا‪..‬‬
‫وانما من النجباء‪ ،‬من أصحاب ممد‪ ،‬ومن أهل بدر"‪..‬‬
‫ولقد سار عمّار ف وليته سيا شق على الطامعي ف الدنيا تمّله حت تألبوا عليه أو كادوا‪..‬‬
‫لقد زادته الولية تواضعا وورعا وزهدا‪..‬‬
‫يقول ابن أب الذيل‪ ،‬وهو من معاصريه ف الكوفة‪:‬‬
‫" رأ يت عمّار بن يا سر و هو أم ي الكو فة يشتري من قثائ ها‪ ،‬ث يربط ها ب بل ويمل ها فوق ظهره‪،‬‬
‫ويضي با ال داره"‪!!..‬‬
‫ويقول له وا حد من العامّة و هو ام ي الكو فة‪ ":‬يا أجدع الذن يعيّره بأذ نه ال ت قط عت ب سيوف‬
‫الرتدين ف حرب اليمامة‪ ..‬فل يزيد المي الذي بيده السلطة على أن يقول لشاته‪:‬‬
‫" خي أذنّ سببت‪ ..‬لقد أصيبت ف سبيل ال"‪!!..‬‬
‫أجل لقد أصيب ف سبيل ال ف يوم اليمامة‪ ،‬وكان يوما من أيام عمّار الجيدة‪ ..‬اذا انطلق العملق‬
‫ف استبسال عاصف يصد ف جيش مسيلمة الكذاب‪ ،‬ويهدي اليه النايا والدمار‪..‬‬
‫واذا يرى ف السلمي فتورا يرسل بي صفوفهم صياحه الزلزل‪ ،‬فيندفعون كالسهام القذوفة‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫يقول عبدال بن عمر رضي ال عنهما‪:‬‬


‫" رايت عمّار بن ياسر يوم اليمامة على صخرة‪ ،‬وقد أشرف يصيح‪ :‬يا معشر السلمي‪ ..‬أمن النة‬
‫تفرّون‪..‬؟ أنا عمّار بن ياسر‪ ،‬هلموا الّ‪ ..‬فنظرت اليه‪ ،‬فاذا أذنه مقطوعة تتأرجح‪ ،‬وهو يقاتل أشد‬
‫القتال"‪!!!..‬‬
‫أل من كان ف شك من عظمة ممد الرسول الصادق‪ ،‬والعلم الكامل‪ ،‬فليقف أمام هذه النماذج من‬
‫أتباعه وأصحابه‪ ،‬وليسأل نفسه‪ :‬هل يقدر على اناب هذا الطراز الرفيع سوى رسول كري‪ ،‬ومعلم‬
‫عظيم؟؟‬
‫اذا خاضوا ف سبيل ال قتال اندفعوا اندفاع من يبحث عن النيّة‪ ،‬ل عن النصر‪!!..‬‬
‫واذا كانوا خلفاء وحكّاما‪ ،‬ذهب الليفة يلب شياه اليامى‪ ،‬ويعجن خبز اليتامى‪ ..‬كما فعل أبو بكر‬
‫وعمر‪!!..‬‬
‫واذا كانوا ولة حلوا طعا مم على ظهور هم مربو طا ب بل‪ ..‬ك ما ف عل عمّار‪ ..‬أو تنازلوا عن راتب هم‬
‫وجلسوا يصنعون من الوص الجدول أوعية ومكاتل‪ ،‬كما صنع سلمان‪!!..‬‬
‫أل فلنحن الباه تيّة واجلل للدين الذي أنبهم‪ ،‬وللرسول الذي ربّاهم‪ ..‬وقبل الدين والرسول‪ ،‬ال‬
‫العليّ الكبي الذي اجتباهم لذا كله‪..‬‬
‫وهداهم لذا كله‪ ..‬وجعلهم روّادا لي أمة أخرجت للناس‪!!..‬‬
‫**‬
‫كان الذي فة بن اليمان‪ ،‬ال بي بل غة ال سرائر والقلوب يته يأ للقاء ال‪ ،‬ويعال سكرات الوت ح ي‬
‫سأله أصحابه الافون حوله قائلي له" بن تأمرنا‪ ،‬اذا اختلف الناس"‪..‬؟‬
‫فأجابم حذيفة‪ ،‬وهو يلقي بآخر كلماته‪:‬‬
‫" عليكم بابن سيّة‪ ..‬فانه لن يفارق الق حت يةت"‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫أ جل ان عمارا ليدور مع ال ق ح يث يدور‪ ..‬والن ن ن نق فو آثاره البار كة‪ ،‬ونتت بع معال حيا ته‬
‫العظيمة‪ ،‬تعلوْا نقترب من مشهد عظيم‪..‬‬
‫ولكن قبل أن نواجه هذا الشهد ف روعته وجلله‪ ،‬ف صولته وكماله‪ ،‬ف تفانيه واصراره‪ ،‬ف تفوقه‬
‫واقتداره‪ ،‬تعالْوا نبصر مشهد مشهدا يسبق هذا الشهد‪ ،‬ويتنبأ به‪ ،‬ويهيئ له‪...‬‬
‫كان ذلك اثر استقرار السلمي ف الدينة‪ ،‬وقد نض الرسول المي وحوله الصحابة البرار‪ ،‬شعثا‬
‫لربم وغبا‪ ،‬بنون بيته‪ ،‬ويقيمون مسجده‪ ..‬قد امتلت أفئدتم الؤمنة غبطة‪ ،‬وتألقت بشرا‪ ،‬وابتهلت‬
‫حدا لربا وشكرا‪..‬‬
‫الميع يعملون ف خبور وأمل‪ ..‬يملون الجارة‪ ،‬أو يعجنون اللط‪ ..‬أو يقيمون البناء‪..‬‬
‫فوج هنا وفوج هناك‪..‬‬
‫والفق السعيد يردد تغريدهم الذي يرفعون به أصواتم الحبورة‪:‬‬
‫لئن قعدنا والنب يعمل لذاك منا العمل الضلل‬
‫هكذا يغنون وينشدون‪..‬‬
‫ث تتعال أصواتم الصادحة بتغريدة أخرى‪:‬‬
‫اللهم ان العيش عيش الخرة فارحم النصار والهاجرة‬
‫وتغريدة ثالثة‪:‬‬
‫ل يستوب من يعمّر مسجدا‬
‫يدأب فيها قائما وقاعدا‬
‫ومن يرى الغبار عنه حائدا‬
‫انا خليا ل تعمل‪ ..‬انم جنوده‪ ،‬يملون لواءه‪ ،‬ويرفعون بناءه‪..‬‬
‫ورسوله الطيّب المي معهم‪ ،‬يمل من الجارة أعتاها‪ ،‬ويارس من العمل أشقه‪ ..‬وأصواتم الغرّدة‬
‫تكي غبطة أنفسهم الراضية الخبتة‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫والسماء من فوقهم تغبط الرض الت تملهم فوق ظهرها‪ ..‬والياة التهللة تشهد أبى أعيادها‪!!..‬‬
‫وعمار بن ياسر هناك وسط الهرجان الافل يمل الجارة الثقيلة من منحتها ال مستقرّها‪...‬‬
‫ويب صره الرح ة الهداة م مد ر سول ال‪ ،‬فيأخذه ال يه حنان عظ يم‪ ،‬ويقترب م نه وين فض بيده البارّة‬
‫الغبار الذي كسى رأ سه‪ ،‬ويتأمّل وجهه الوديع الؤمن بنظرات ملؤها نور ال‪ ،‬ث يقول على مل من‬
‫أصحابه جيعا‪:‬‬
‫" ويح ابن سيّة‪ !!..‬تقتله الفئة الباغية"‪...‬‬
‫وتتكرر النبوءة مرّة أخرى ح ي ي سقط جدار كان يع مل ت ته‪ ،‬في ظن ب عض اخوا نه أ نه قد مات‪،‬‬
‫فيذهب ينعاه ال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ويفزّع الصحاب من وقع النبأ‪ ..‬لكن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يقول ف طمأنينة وثقة‪:‬‬
‫" ما مات عمّار تقتله الفئة الباغية"‪..‬‬
‫فمن تكون هذه الفئة يا ترى‪..‬؟؟‬
‫ومت‪..‬؟ وأي‪..‬؟‬
‫لقد أصغى عمّار للنبوءة اصغاء من يعرف صدق البصية الت يملها رسوله العظيم‪..‬‬
‫ولكنه ل يروّع‪ ..‬فهو منذ أسلم‪ ،‬وهو مرشّح للموت والشهادة ف كل لظة من ليل أو نار‪...‬‬
‫ومضت اليام‪ ..‬والعوام‪..‬‬
‫ذهب الرسول صلى ال عليه وسلم ال الرفيق العلى‪ ..‬ث لق به ال رضوان ال أبو بكر‪ ..‬ث لق‬
‫بما ال رضوان ال عمر‪..‬‬
‫وول اللفة ذي النورين عثمان بن عفان رضي ال عنه‪..‬‬
‫وكاننت الؤمرات ضدّ السنلم تعمنل عملهنا االسنتميت‪ ،‬وتاول أن تربنح بالغدر واثارة الفتن منا‬
‫خسرته ف الرب‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وكان مق تل ع مر أول ناح أحرز ته هذه الؤامرات ال ت أخذت ت بّ على الدي نة كر يح ال سموم من‬
‫تلك البلد الت دمّر السلم ملكها وعروشها‪..‬‬
‫وأغراها استشهاد عمر على مواصلة مساعيها‪ ،‬فألّبت الفت وأيقظتها ف معظم بلد السلم‪..‬‬
‫ولعل عثمان رضي ال عنه‪ ،‬ل يعط المور ما تستحقه من الهتمام والذر‪ ،‬فوقعت الواقعة واستشهد‬
‫عثمان رضي ال عنه‪ ،‬وانفتحت على السلمي أبواب الفتنة‪ ..‬وقام معاوية ينازع الليفة الديد عليّا‬
‫كرّم ال وجهه حقه ف المر‪ ،‬وف اللفة‪...‬‬
‫وتعددت اتاهات ال صحابة‪ ..‬فمن هم من ن فض يد يه من اللف وأوى ال بيت هخ‪ ،‬جاعل شعاره‬
‫كلمة ابن عمر‪:‬‬
‫" من قال حيّ على الصلة أجبته‪...‬‬
‫ومن قال حيّ على الفلح أجبته‪..‬‬
‫ومن قال حيّ على قتل أخيك السلم وأخذ ماله‪ ،‬قلت‪ :‬ل؟‪..‬‬
‫ومنهم من اناز ال معاوية‪..‬‬
‫ومنهم من وقف ال جوار عليّ صاحب البيعة‪ ،‬وخليفة السلمي‪..‬‬
‫ترى أين يقف اليوم عمّار؟؟‬
‫أين يقف الرجل الذي قال عنه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫" واهتدوا بدي عمّار"‪..‬؟‬
‫أين يقف الرجل الذي قال عنه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫" من عادى عمّارا عاداه ال"‪..‬؟‬
‫والذي كان اذا سع رسول ال صلى ال عليه وسلم صوته يقترب من منله قال‪:‬‬
‫" مرحبا بالطيّب القدام‪ ،‬ائذنوا له"‪!!..‬‬
‫لقد وقف ال جوار عليّ ابن أب طالب‪ ،‬ل متحيّزا ول متعصبا‪ ،‬بل مذعنا للحق‪ ،‬وحافظا للعهد‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فعليّ خليفة السلمي‪ ،‬وصاحب البيعة بالمامة‪ ..‬ولقد أخذ اللفة وهو لا أهل وبا جدير‪..‬‬
‫وعليّ قبل هذا وبعد هذا‪ ،‬صاحب الزايا الت جعلت منلته من رسول ال صلى ال عليه وسلم كمنلة‬
‫هارون من موسى‪..‬‬
‫ان عمارا الذي يدور مع الق حيث دار‪ ،‬ليهتدي بنور بصيته واخلصه ال صاحب الق الوحد ف‬
‫الناع‪ ..‬ول يكن صاحب الق يومئذ ف يقينه سوى عليّ‪ ،‬فأخذ مكانه ال جواره‪..‬‬
‫وفرح علي رضي ال عنه بنصرته فرحا لعله ل يفرح يئذ مثله وازداد ايانا بأنه على الق ما دام رجل‬
‫الق العظيم عمّار قد أقبل عليه وسار معه‪..‬‬
‫وجاء يوم صفي الرهيب‪.‬‬
‫وخرج المام علي يواجه العمل الطي الذي اعتبه ترّدا يمل هو مسؤولية قمعه‪.‬‬
‫وخرج معه عمار‪..‬‬
‫كان عمار قد بلغ من العمر يومئذ ثلثة وتسعي‪..‬‬
‫ثلث وتسعون عاما ويرج للقتال‪..‬؟‬
‫أجل ما دام يتعقد أن القتال مسؤليته وواجبه‪ ..‬ولقد قاتل أشدّ وأروع ما يقاتل أبناء الثلثي‪!!...‬‬
‫كان الرجل الدائم الصمت‪ ،‬القليل الكلم‪ ،‬ل يكاد يرّك شفتيه حي يرّكهما ال بذه الضراعة‪:‬‬
‫" عائذ بال من فتنة‪...‬‬
‫عائذ بال من فتنة‪."..‬‬
‫وبعيد وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم ظلت هذه الكلمات ابتهاله الدائم‪..‬‬
‫وكلما كانت اليام تر‪ ،‬كان هو يكثر من لجه وتعوّذه‪ ..‬كأنا كان قلبه الصاف ي سّ الطر الداهم‬
‫كلما اقتربت أيامه‪..‬‬
‫وحي وقع الطر ونشبت الفتنة‪ ،‬كان ابن سيّة‪ .‬يعرف مكانه فوقف يوم صفي حامل سيفه وهو ابن‬
‫الثالثة والتسعي كما قلنا ليناصر به حقا من يؤمن بوجوب مناصرته‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ولقد أعلن وجهة نظره ف هذا القتال قائل‪:‬‬


‫" ايها الناس‪:‬‬
‫سيوا بنا نو هؤلء القوم الذين يزعمون أنم يثأرون لعثمان‪ ،‬ووال ما قصدهم الخذ بثأره‪ ،‬ولكنهم‬
‫ذاقوا الدنيا‪ ،‬واستمرءوها‪ ،‬وعلموا أن الق يول بينهم وبي ما يتمرّغون فيه من شهواتم ودنياهم‪..‬‬
‫وما كان لؤلء سابقة ف السلم يستحقون با طاعة السلمي لم‪ ،‬ول الولية عليهم‪ ،‬ول عرفت‬
‫قلوبم من خشية ال ما يملهم على اتباع الق‪...‬‬
‫نا يريدون ال أن يكونوا جبابرة‬ ‫ن يثأرون لدم عثمان‪ ..‬ومن‬ ‫نم أنمن‬ ‫ن ليخادعون الناس بزعمهن‬ ‫وانمن‬
‫وملوكا؟‪...‬‬
‫ث أخذ الراية بيده‪ ،‬ورفعها فوق الرؤوس عالية خافقة‪ ،‬وصاح ف الناس قائل‪:‬‬
‫" والذي نف سي بيده‪ ..‬ل قد قاتلت بذه الرا ية مع ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬وهأنذا أقا تل ب ا‬
‫اليوم‪..‬‬
‫والذي نفسي بيده‪ .‬لو هزمونا حت يبلغوا سعفات هجر‪ ،‬لعلمت أننا على الق‪ ،‬وأنم على الباطل"‪..‬‬
‫ولقد تبع الناس عمارا‪ ،‬وآمنوا بصدق كلماته‪..‬‬
‫يقول أبو عبدالرحن السلمي‪:‬‬
‫" شهدنا مع عل ّي رضي ال عنه صفي‪ ،‬فرأيت عمار ابن ياسر رضي اله عنه ل يأخذ ف ناحية من‬
‫نواحي ها‪ ،‬ول واد من أوديت ها‪ ،‬ال رأ يت أ صحاب م مد صلى ال عل يه و سلم يتبعو نه كأ نه علم‬
‫لم"‪!!..‬‬
‫كان عمّار وهو يول ف العركة ويصول‪ ،‬يؤمن أنه واحد من شهدائها‪..‬‬
‫وقد كانت نبوءة رسول ال صلى ال عليه وسلم تأتلق أمام عينيه بروف كبة‪:‬‬
‫" تقتل عمّار الفئة الباغية"‪..‬‬
‫من أجل هذا كان صوته يلجل ف أفق العركة بذه التغريدة‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫"اليوم القى الحبة ممدا وصحبه"‪!!..‬‬


‫ث يندفع كقذيفة عاتية صوب مكان معاوية ومن حوله المويي ويرسل صياحا عاليا مدمدما‪:‬‬
‫لقد ضربناكم على تنيله‬
‫واليوم نضربكم على تأويله‬
‫ضربا يزيل الام عن مقليه‬
‫ويذهل الليل عن خليله‬
‫أو يرجع الق ال سبيله‬
‫وهو يعن بذا أن أصحاب الرسول السابقي‪ ،‬وعمارا منهم قاتلوا المويي بالمس وعلى رأسهم أبو‬
‫سفيان الذي كان يمل لواء الشرك‪ ،‬ويقود جيوش الشركي‪..‬‬
‫قاتلوهم بالمس‪ ،‬وكان القرآن الكري يأمرهم صراحة بقتالم لنم مشركون‪..‬‬
‫أ ما اليوم‪ ،‬وان يكونوا قد أ سلموا‪ ،‬وان ي كن القرآن الكر ي ل يأمر هم صراحة بقتال م‪ ،‬ال أن اجتهاد‬
‫عمار رضي ال عنه ف بثه عن الق‪ ،‬وفهمه لغايات القرآن ومراميه يقنعانه بقتالم حت يعود الق‬
‫الغتصب ال ذويه‪ ،‬وحت تنصفئ ال البد نار التمرّد والفتنة‪..‬‬
‫ويعن كذلك‪ ،‬أنم بالمس قاتلوا المويي لكفرهم بالدين والقرآن‪..‬‬
‫واليوم يقاتلون الموي ي لنراف هم بالد ين‪ ،‬وزيغ هم عن القرآن الكر ي وا ساءتم تأويله وتف سيه‪،‬‬
‫وماولتهم تطويع آياته ومراميه لغراضهم وأطماعهم‪!!..‬‬
‫كان ا بن الثال ثة والت سعي‪ ،‬يوض آ خر معارك حيا ته ال ستبسلة الشام ة‪ ..‬كان يل قن الياة ق بل أن‬
‫يرحل عنها آخر دروسه ف الثبات على الق‪ ،‬ويترك لا آخر مواقفه العظيمة‪ ،‬الشريفة العلمة‪..‬‬
‫ولقد حاول رجال معاوية أن يتجنبوا عمّار ما استطاعوا‪ ،‬حت ل تقتله سيفهم فيتبيّن للناس أنم الفئة‬
‫الباغية‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫بيد أن شجاعة عمار الذي كان يقتل وكأنه جيش واحد‪ ،‬أفقدتم صوابم‪ ،‬فأخذ بعض جنود معاوية‬
‫يتحيّنون الفرصة لصابته‪ ،‬حت اذا تكّنوا منه أصابوه‪...‬‬
‫**‬
‫كان ج يش معاوي بة ينت ظم من كثي ين من ال سلمي الدد‪ ..‬الذ ين أ سلموا على قرع طبول الف تح‬
‫ال سلمي ف البلد الكثية الت حرر ها ال سلم من سيطرة الروم والفرس‪ ..‬وكان أك ثر هؤلء وقود‬
‫الرب الت سببها ترّد معاوية ونكوصه على بيعة علي‪ ..‬الليفة‪ ،‬والمام‪ ،‬كانوا وقودها وزيتها الذي‬
‫يزيدها اشتعال‪..‬‬
‫وهذا اللف على خطور ته‪ ،‬كان ي كن أن ينت هي ب سلم لو ظلت المور بأيدي ال سلمي الوائل‪..‬‬
‫ولكنه ل يكد يتخذ أشكاله الادة حت تناولته أيد كثية ل يهمها مصي السلم‪ ،‬وذهبت تذكي النار‬
‫وتزيدها ضراما‪..‬‬
‫شاع ف الغداة خب مقتل عمار وذهب السلمون يتناقل بعضهم عن بعض نبوءة رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم الت سعها أصحابه جيعا ذات يوم بعيد‪ ،‬وهم يبنون السجد بالدينة‪..‬‬
‫" ويح ابن سية‪ ،‬تقتله الفئة الباعغية"‪.‬‬
‫وعرف الناس الن من تكون الفئة الباغية‪ ..‬انا الفئة الت قتلت عمّارا‪ ..‬وما قتله ال فئة معاوية‪..‬‬
‫وازداد أصحاب عليّ بذا ايانا‪..‬‬
‫أما فريق معاوية‪ ،‬فقد بدأ الشك يغز قلوبم‪ ،‬وتيأ بعضهم للتمرد‪ ،‬والنضمام ال عليّ‪..‬‬
‫ول يكد معاوية يسمع با حدث‪ .‬حت خرج يذيع ف الناس أن هذه النبوءة حق ‪ ،‬وأن الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم تنبأ حقا بأن عمّارا ستقتله الفئة الباغية‪ ..‬ولكن من الذي قتل عمّارا‪...‬؟ ث صاح ف‬
‫الناس الذين معه قائل‪:‬‬
‫" انا قتله الذين خرجوا به من داره‪ ،‬وجاؤا به ال القتال"‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫واندع بعنض الذينن فن قلوبمن هوى بذا التأوينل التهالك‪ ،‬واسنتأنفت العركنة سنيها ال ميقاتان‬
‫العلوم‪...‬‬
‫**‬
‫أمّا عمّار‪ ،‬فقد حله المام علي فوق صدره ال حيث صلى عليه والسلمون معه‪ ..‬ث دفنه ف ثيابه‪..‬‬
‫أجل ف ثيابه الضمّخة بدمه الزكي الطهور‪ ..‬فما ف كل حرير الدنيا وديباجها ما يصلح أن يكون‬
‫كفنا لشهيد جليل‪ ،‬وقدّيس عظيم من طراز عمّار‪...‬‬
‫ووقف السلمون على قبه يعجبون‪..‬‬
‫م نذ ساعات كان عمّار يغرّد بين هم فوق أرض العر كة‪ ..‬تلؤ نف سه غب طة الغر يب الض ن يزف ال‬
‫وطنه‪ ،‬وهو يصيح‪:‬‬
‫" اليوم ألقى الحبة‪ ،‬ممدا وصحبة"‪!!..‬‬
‫أكان معهم اليوم على موعد يعرفه‪ ،‬وميقات ينتظره‪...‬؟؟!!‬
‫وأقبل بعض الصحاب على بعضهم يتساءلون‪...‬‬
‫قال أحد هم ل صاحبه‪ :‬أتذ كر أ صيل ذلك اليوم بالدينةون ن جال سون مع ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪ ..‬وفجأة تلل وجهه وقال‪:‬‬
‫" اشتاقت النة لعمّار"‪..‬؟؟‬
‫قال له صاحبه نعم‪ ،‬ولقد ذكر يومها آخرين منهم علي وسلمان وبلل‪..‬‬
‫اذن فالنة كانت مشتاقة لعمّار‪..‬‬
‫واذن‪ ،‬فقد طال شوقها اليه‪ ،‬وهو يستمهلها حت يؤدي كل تبعاته‪ ،‬وينجز آخر واجباته‪..‬‬
‫ولقد أدّاها ف ذمّة‪ ،‬وأنزها ف غبطة‪..‬‬
‫أفما آن له أن يلب نداء الشوق الذي يهتف به من رحاب النان‪..‬؟؟‬
‫بلى آن له أن يبلي النداء‪ ..‬فما جزاء الحسان ال الحسان‪ ..‬وهكذا ألقى رمه ومضى‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وحي كان تراب قبه يسوّى بيد أصحابه فوق جثمانه‪ ،‬كانت روحه تعانق مصيها السعيد هناك‪..‬‬
‫ف جنات اللق‪ ،‬الت طال شوقها لعمّار‪!...‬‬
‫عبادة بن الصامت‬
‫نقيب ف حزب ال‬
‫انه واحد من النصار الذين قال فيهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫" لو أن الن صار سلكوا واد يا أو شع با‪ ،‬ل سلكت وادي الن صار وشعب هم‪ ،‬ولول الجرة لك نت من‬
‫أمراء النصار"‪..‬طوعبادة بن الصامت بعد كونه من النصار‪ ،‬فهو واحد من زعمائهم الذين اتذهم‬
‫نقباء على أهليهم وعشائرهم‪...‬‬
‫وحين ما جاء و فد النصار الول ال م كة ليبا يع الر سول عل يه ال سلم‪ ،‬تلك البيعة الشهورة ب ن بي عة‬
‫العق بة الول‪ ،‬كان عبادة بن ال صامت ر ضي ال ع نه أ حد الث ن ع شر مؤم نا‪ ،‬الذ ين سارعوا ال‬
‫ال سلم‪ ،‬وب سطوا أيان م ال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم مبايع ي‪ ،‬وشدّوا على يي نه مؤازر ين‬
‫ومسلمي‪...‬‬
‫وحينما كان موعد الج ف العام التال‪ ،‬يشهد بيعة العقبة الثانية يبابعها وفد النصار الثان‪ ،‬مكّونا‬
‫من سبعي مؤمنا ومؤمنة‪ ،‬كان عبادة أيضا من زعماء الوفد ونقباء النصار‪..‬‬
‫وفي ما ب عد والشا هد تتوال‪ ..‬وموا قف التضح ية والبذل‪ ،‬والفداء تتا بع‪ ،‬كان عبادة هناك ل يتخلف‬
‫عن مشهد ول يبخل بتضحية‪...‬‬
‫ومنذ اختار ال ورسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يقوم على أفضل وجه بتبعات هذا الختيار‪..‬‬
‫كنل ولئه ل‪ ،‬و كل طاع ته ل‪ ،‬وكل علق ته بأقربائه بلفائه وبأعدائه انان يشكل ها ايا نه ويشكل ها‬
‫السلوك الذي يفرضه هذا اليان‪..‬‬
‫كانت عائلة عبادة مرتبطة بلف قدي مع يهود بن قينقاع بالدينة‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫زمنذ هاجر الرسول وأصحابه ال الدينة‪ ،‬ويهودها يتظاهرون بسالته‪ ..‬حت كانت اليام الت تعقب‬
‫غزوة بدر وتسبق غزوة أحد‪ ،‬فشرع يهود الدينة يتنمّرون‪..‬‬
‫وافتعلت احدى قبائلهم بنو قينقاع أسبابا للفتنة وللشغب على السلمي‪..‬‬
‫ول يكذد عبادة يرى موقفهم هذا‪ ،‬حت ينبذ ال عهدهم ويفسخ حلفهم قائل‪:‬‬
‫" انا أتول ال‪ ،‬ورسوله‪ ،‬والؤمني‪...‬‬
‫فيتنل القرآن مييا موقفه وولءه‪ ،‬قائل ف آياته‪:‬‬
‫( ومن يتول ال ورسوله‪ ،‬والذين آمنوا‪ ،‬فان حزب ال هم الغالبون)‪...‬‬
‫**‬
‫لقد أعلنت الية الكرية قيام حزب ال‪..‬‬
‫وحزب ال‪ ،‬هم أولئك الؤمنون الذ ين ينهضون حول ر سول ال صلى ال عل يه و سلم حامل ي را ية‬
‫الدى وال ق‪ ،‬والذ ين يشكلون امتدادا مبار كا ل صفوف الؤمن ي الذ ين سبقوهم عب التار يخ حول‬
‫أنبيائهم ورسلهم‪ ،‬مبلّغي ف أزمانم وأعصارهم كلمة ال الي القيّوم‪..‬‬
‫ولن يقت صر حزب ال على أ صحاب م مد صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬بل سيمتد عب الجيال الوافدة‪،‬‬
‫والزمنة القبلة حت يرث ال الرض ومن عليها‪ ،‬ضمّا ال صفوفه كل مؤمن بال وبرسوله‪..‬‬
‫وهكذا فان الر جل الذي نزلت هذه ال ية الكري ة ت يي موق فه وتش يد بولئه وايا نه‪ ،‬لن ي ظل مرّد‬
‫نقيب النصار ف الدينة‪ ،‬بل سيصي نقيبا من نقباء الدين الذي ستزوى له أقطار الرض جيعا‪.‬‬
‫أجل لقد أصبحعبادة بن الصامت نقيب عشيته من الزرج‪ ،‬رائدا من روّاد السلم‪ ،‬وامام من أئمة‬
‫السلمي يفق اسه كالراية ف معظم أقطار الرض ل ف جبل‪ ،‬ول ف جبلي‪ ،‬أو ثلثة بل ال ما شاء‬
‫ال من أجيال‪ ..‬ومن أزمان‪ ..‬ومن آماد‪!!..‬‬
‫**‬
‫سع رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما يتحدث عن مسؤلية المراء والولة‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫سعه يتحدث عليه الصلة والسلم‪ ،‬عن الصي الذي ينتظر من يفرّط منهم ف الق‪ ،‬أو تعبث ذمته‬
‫بال‪ ،‬فزلزل زلزال‪ ،‬وأقسم بال أل يكون أميا على أثني أبدا‪..‬‬
‫ولقد برّ بقسمه‪..‬‬
‫و ف خل فة أم ي الؤمن ي عمر ؤضي ال عنه‪ ،‬ل يستطع الفاروق أن يمله على قبول منصب ما‪ ،‬ال‬
‫تعليم النس وتفقيههم ف الدين‪.‬‬
‫أ جل هذا هو الع مل الوح يد الذي آثره عبادة‪ ،‬مبتعدا بنف سه عن العمال الخرى‪ ،‬الحفو فة بالز هو‬
‫وبالسلطان وبالثراء‪ ،‬والحفوفة أيضا بالخطار الت يشاها على مصيه ودينه‬
‫وهكذا سافر ال الشام ثالث ثلثة‪ :‬هو ومعاذ بن ج بل وأبو الدرداء‪ ..‬حيث ملؤا البلد علما وفقها‬
‫ونورا‪...‬‬
‫وسنافر عبادة ال فلسنطي حينث ول قضاءهنا بعنض الوقنت وكان يكمهنا باسنم الليفنة آنذاك‪،‬‬
‫معاوية‪..‬‬
‫**‬
‫كان عبادة بن الصامت وهو ثاو ف الشام يرنو ببصره ال ما وراء الدود‪ ..‬ال الدينة النورة عاصمة‬
‫السلم ودار اللفة‪ ،‬فيى فيها عمر ابن الطاب‪..‬رجل ل يلق من طرازه سواه‪!!..‬‬
‫ث يرتد بصره ال حيث يقيم‪ ،‬ف فلسطي‪ ..‬فيى معاوية بن أب سفيان‪..‬رجل يب الدنيا‪ ،‬ويعشق‬
‫السلطان‪...‬‬
‫وعبادة من الرعيل الول الذي عاش خي حياته وأعظمها وأثراها مع الرسول الكري‪ ..‬الرّعيل الذي‬
‫صهره النضال وصقلته التضحية‪ ،‬وعانق السلم رغبا ل رهبا‪ ..‬وباع نفسه وماله‪...‬‬
‫عبادة من الرعيل الذي رباه ممد بيديه‪ ،‬وأفرغ عليه من روحه ونوره وعظمته‪..‬‬
‫واذا كان هناك من الحياء م ثل أعلى للحا كم يل ن فس عبادة رو عة‪ ،‬وقل به ث قة‪ ،‬ف هو ذلك الر جل‬
‫الشاهق الرابض هناك ف الدينة‪ ..‬عمر بن الطاب‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فاذا م ضى عبادة يق يس ت صرّفات معاو ية بذا القياس‪ ،‬ف ستكون الش قة ب ي الثن ي وا سعة‪ ،‬و سيكون‬
‫الصراع متوما‪ ..‬وقد كان‪!!..‬‬
‫**‬
‫يقول عبادة رضي ال عنه‪:‬‬
‫" بايعنا رسول ال صلى ال عليه وسلم على أل ناف ف ال لومة لئم"‪..‬‬
‫وعبادة خي من يفي بالبيعة‪ .‬واذن فهو لن يشى معاوية بكا سلطانه‪ ،‬وسيقف بالرصاد لكل أخطائه‪..‬‬
‫ولقد شهد أهل فلسطي يومئذ عجبا‪ ..‬وترامت أنباء العارضة السورة الت يشنّها عبادة على معاوية‬
‫ال أقطار كثية من بلد السلم فكانت قدوة ونباسا‪..‬‬
‫وعلى الرغم من اللم الواسع الرحيب الذي اشتهر به معاوية فقد ضاق صدره بواقف عبادة ورأى‬
‫فيها تديدا مباشرا ليبة سلطانه‪..‬‬
‫ورأى عبادة منن جانبنه أن مسنافة اللف بيننه وبين معاوينة تزداد وتتسنع‪ ،‬فقال لعاوينة‪ ":‬وال ل‬
‫أساكنك أرضا واحدة أبدا"‪ ..‬وغادر فلسطي ال الدينة‪..‬‬
‫**‬
‫كان أمي الؤمن ي ع مر‪ ،‬عظيم الفط نة‪ ،‬بعيد الن ظر‪ ..‬وكان حري صا على أل يدع أمثال معاوية من‬
‫الولة الذينن يعتمدون على ذكائهنم ويسنتعملونه بغين حسناب دون أن ييطهنم بنفنر منن الصنحابة‬
‫الورعي الزاهدين والنصحاء الخلصي‪ ،‬كي يكبحوا جاح الطموح والرغبة لدى أولئك الولة‪ ،‬وكي‬
‫يكونوا لم وللناس تذكرة دائمة بأيام الرسول وعهده‪..‬‬
‫من أجل هذا ل يكد أمي الؤمني يبصر عبادة بن الصامت وقد عاد ال الدينة حت ساله‪ ":‬ما الذي‬
‫جاء بك يا عبادة"‪...‬؟؟ ولا قصّ عليه ما كان بينه وبي معاوية قال له عمر‪:‬‬
‫" ارجع ال مكانك‪ ،‬فقبّح ال أرضا ليس فيها مثلك‪!!..‬‬
‫ث أرسل عمر ال معاوية كتابا يقول فيه‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" ل امرة لك على عبادة"‪!!..‬‬


‫أجل ان عبادة أمي نفسه‪..‬‬
‫وحي يكرّم عمر الفاروق رجل مثل هذا التكري‪ ،‬فانه يكون عظيما‪..‬‬
‫وقد كان عبادة عظيما ف ايانه‪ ،‬وف استقامة ضميه وحياته‪...‬‬
‫**‬
‫و ف العام الجري الرا بع والثلث ي‪ ،‬تو ف بالرملة ف أرض فل سطي هذا النق يب الرا شد من نقباء‬
‫النصار والسلم‪ ،‬تاركا ف الياة عبيه وشذاه‪....‬‬
‫خباب بن الرت‬
‫أستاذ فنّ الفداء‬
‫خرج نفر من القرشيي‪ ،‬يغدّون الطى‪ ،‬ميممي شطر دار خبّاب ليتسلموا منه سيوفهم الت تعاقدوا‬
‫معه على صنعها‪..‬‬
‫وقد كان خباب سيّافا‪ ،‬يصنع السيوف ويبيعها لهل مكة‪ ،‬ويرسل با ال السواق‪..‬‬
‫وعلى غي عادة خبّاب الذي ل يكاد يفارق بيته وعمله‪ ،‬ل يده ذلك النفر من قريش فجلسوا‬
‫ينتظرونه‪..‬‬
‫وبعد حي طويل جاء خباب على وجهه علمة استفهام مضيئة‪ ،‬وف عينيه دموع مغتبطة‪ ..‬وحيّا‬
‫ضيوفه وجلس‪..‬‬
‫وسألوه عجلي‪ :‬هل أتمت صنع السيوف يا خباب؟؟‬
‫وجفت دموع خباب‪ ،‬وحل مكانا ف عينيه سرور متألق‪ ،‬وقال وكأنه يناجي نفسه‪ :‬ان أمره‬
‫لعجب‪..‬‬
‫وعاد القوم يسألونه‪ :‬أي أمر يا رجل‪..‬؟؟ نسألك عن سيوفنا‪ ،‬هل أتمت صنعها‪..‬؟؟‬
‫ويستوعبهم خبّاب بنظراته الشاردة الالة ويقول‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫هل رأيتموه‪..‬؟ هل سعتم كلمه‪..‬؟‬


‫وينظر بعضهم لبعض ف دهشة وعجب‪..‬‬
‫ويعود أحدهم فيسأله ف خبث‪:‬‬
‫هل رأيته أنت يا خبّاب‪..‬؟؟‬
‫ويسخر خبّاب من مكر صاحبه‪ ،‬فيدّ عليه السؤال قائل‪:‬‬
‫من تعن‪..‬؟‬
‫وييب الرجل ف غيظ‪ :‬أعن الذي تعنيه‪..‬؟‬
‫وييب خبّاب بعد اذ أراهم أنه أبعد منال من أن يستدرج‪ ،‬وأنه اعترف بايانه الن أمامهم‪ ،‬فليس‬
‫لنم خدعوه عن نفسه‪ ،‬واستدرجوا لسانه‪ ،‬بل لنه رأى الق وعانقه‪ ،‬وقرر أن يصدع به ويهر‪..‬‬
‫ييبهم قائل‪ ،‬وهو هائم ف نشوته وغبطة روحه‪:‬‬
‫أجل‪ ...‬رأيته‪ ،‬وسعته‪ ..‬رأيت الق يتفجر من جوانبه‪ ،‬والنور يتلل بي ثناياه‪!!..‬‬
‫وبدأ عملؤه القرشيون يفهمون‪ ،‬فصاح به أحدهم‪:‬‬
‫من هذا الذي تتحدث عنه يا عبد أمّ أنار‪..‬؟؟‬
‫وأجاب خبّاب ف هدء القديسي‪:‬‬
‫ومن سواه‪ ،‬يا أخا العرب‪ ..‬من سواه ف قومك‪ ،‬من يتفجر من جوانبه الق‪ ،‬ويرج النور بي‬
‫ثناياه‪..‬؟!‬
‫وصاح آخر وهبّ مذعورا‪:‬‬
‫أراك تعن ممدا‪..‬‬
‫وهز خبّاب رأسه الفعم بالغبطة‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫نعم انه هو رسول ال الينا‪ ،‬ليخرجنا من الظلمات ال االنور‪..‬‬
‫ول يدري خبّاب ماذا قال بعد هذه الكلمات‪ ،‬ول ماذا قيل له‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫كل ما يذكره أنه أفاق من غيبوبته بعد ساعات طويلة ليى زوّاره قد انفضوا‪ ..‬وجسمه وعظامه تعان‬
‫رضوضا وآلما‪ ،‬ودمه النازف يضمّخ ثوبه وجسده‪!!..‬‬
‫وحدّقت عيناه الواسعتان فيما حوله‪ ..‬وكان الكان أضيق من أن يتسع لنظراتما النافذة‪ ،‬فتحمّل‬
‫على آلمه‪ ،‬ونض شطر الفضاء وأمام باب داره وقف متوكئا على جدارها‪ ،‬وانطلقت عيناه الذكيتان‬
‫ف رحلة طويلة تدّقان ف الفق‪ ،‬وتدوران ذات اليمي وذات الشمال‪..‬انما ل تقفان عند البعاد‬
‫الألوفة للناس‪ ..‬انما تبحثان عن البعد الفقود‪...‬أجل تبحثان عن البعد الفقود ف حياته‪ ،‬وف حياة‬
‫الناس الذين معه ف مكة‪ ،‬والناس ف كل مكان وزمان‪..‬‬
‫ترى هل يكون الديث الذي سعه من ممد عليه الصلة والسلم اليوم‪ ،‬هو النور الذي يهدي ال‬
‫ذلك البعد الفقود ف حياة البشر كافة‪..‬؟؟‬
‫واستغرق خبّاب ف تأمّلت سامية‪ ،‬وتفكي عميق‪ ..‬ث عاد ال داخل داره‪ ..‬عاد يضمّد جراح‬
‫جسده‪ ،‬ويهيءه لستقبال تعذيب جديد‪،‬‬
‫وآلم جديدة‪!!..‬‬
‫ومن ذلك اليوم أخذ خبّاب مكانه العال بي العذبي والضطهدين‪..‬‬
‫أخذ مكانه العال بي الذين وقفوا برغم فقرهم‪ ،‬وضعفهم يواجهون كبياء قريش وعنفها وجنونا‪..‬‬
‫أخذ مكانه العال بي الذين غرسوا ف قلوبم سارية الراية الت أخذت تفق ف الفق الرحيب ناعية‬
‫عصر الوثنية‪ ،‬والقيصرية‪ ..‬مبشرة بأيام الستضعفي والكادحي‪ ،‬الذين سيقفون تت ظل هذه الراية‬
‫سواسية مع أولئك الذين استغلوهم من قبل‪ ،‬وأذاقوهم الرمان والعذاب‪..‬‬
‫وف استبسال عظيم‪ ،‬حل خبّاب تبعاته كرائد‪..‬‬
‫يقول الشعب‪:‬‬
‫" لقد صب خبّاب‪ ،‬ول تلن له أيدي الكفار قناة‪ ،‬فجعلوا يلصقون ظهره العاري بالرضف حت ذهب‬
‫لمه"‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫أجل كان حظ خبّاب من العذاب كبيا‪ ،‬ولكن مقاومته وصبه كانا أكب من العذاب‪..‬‬
‫لقد حوّل كفار قريش جيع الديد الذي كان بنل خبّاب والذي كان يصنع منه السيوف‪ ..‬حولوه‬
‫كله ال قيود وسلسل‪ ،‬كان يمى عليها ف النار حت تستعر وتتوهج‪ ،‬ث يطوّق با جسده ويداه‬
‫وقدماه‪..‬‬
‫ولقد ذهب يوما مع بعض رفاقه الضطهدين ال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ل جوعي من‬
‫التضحية‪ ،‬بل راجي العافية‪ ،‬فقالوا‪ ":‬يا رسول ال‪ ..‬أل تستنصر لنا‪..‬؟؟" أي تسأل ال لنا النصر‬
‫والعافية‪...‬‬
‫ولندع خبّابا يروي لنا النبأ بكلماته‪:‬‬
‫" شكونا ال رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو متوسد ببد له ف ظل الكعبة‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا رسول ال‪،‬‬
‫أل تستنصر لنا‪..‬؟؟‬
‫فجلس صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقد احرّ وجهه وقال‪:‬‬
‫قد كان من قبلكم يؤخذ منهم الرجل‪ ،‬فيحفر له ف الرض‪ ،‬ث ياء بنشار‪ ،‬فيجعل فوق رأسه‪ ،‬ما‬
‫يصرفه ذلك عن دينه‪!!..‬‬
‫وليتمّ ّن ال هذا المر حت يسي الراكب من صنعاء ال حضرموت ل يشى ال ال عز وجل‪ ،‬والذئب‬
‫على غنمه‪ ،‬ولكنكم تعجلون"‪!!..‬‬
‫سع خبّاب ورفاقه هذه الكلمات‪ ،‬فازداد ايانم واصرارهم وقرروا أن يري كل منهم ربّه ورسوله‬
‫ما يبّان من تصميم وصب‪ ،‬وتضحية‪.‬‬
‫وخاض خبّاب معركة الول صابرا‪ ،‬صامدا‪ ،‬متسبا‪ ..‬واستنجد القرشيون أم أنار سيدة خبّاب الت‬
‫كان عبدا لا قبل أن تعتقه‪ ،‬فأقبلت واشتركت ف حلة تعذيبه‪..‬‬
‫وكانت تأخذ الديد الحمى اللتهب‪ ،‬وتضعه فوق رأسه ونافوخه‪ ،‬وخبّاب يتلوى من الل‪ ،‬لكنه‬
‫يكظم أنفاسه‪ ،‬حت ل ترج منه زفرة ترضي غرور جلديه‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ومرّ به رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما‪ ،‬والديد الحمّى فوق رأسه يلهبه ويشويه‪ ،‬فطار قلبه‬
‫حنانا وأسى‪ ،‬ولكن ماذا يلك عليه الصلة والسلم يومها لبّاب‪..‬؟؟‬
‫ل شيء ال أن يثبته ويدعو له‪..‬‬
‫هنالك رفع الرسول صلى ال عليه وسلم كفيه البسوطتي ال السماء‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫" اللهم أنصر خبّابا"‪..‬‬
‫ويشاء ال أل تضي سوى أيام قليلة حت ينل بأم أنار قصاص عاجل‪ ،‬كأنا جعله القدر نذيرا لا‬
‫ولغبها من اللدين‪ ،‬ذلك أنا أصيبت بسعار عصيب وغريب جعلها كما يقول الؤرخون تعوي مثل‬
‫الكلب‪!!..‬‬
‫وقيل لا يومئذ ل علج سوى أن يكوى رأسها بالنار‪!!..‬‬
‫وهكذا شهد رأسها العنيد سطوة الديد الحمّى يصبّحه ويسّيه‪!!..‬‬
‫**‬
‫كانت قريش تقاوم اليان بالعذاب‪ ..‬وكان الؤمنون يقاومون العذاب بالتضحية‪ ..‬وكان خبّاب‬
‫واحدا من أولئك الذين اصطفتهم القادير لتجعل منهم أساتذة ف فن التضحية والفداء‪..‬‬
‫ومضى خبّاب ينفق وقته وحياته ف خدمة الدين الذي خفقت أعلمه‪..‬‬
‫ول يكتف رضي ال عنه ف أيام الدعوة الول بالعبادة والصلة‪ ،‬بل استثمر قدرته على التعليم‪ ،‬فكان‬
‫يغشى بيوت بعض اخوانه من الؤمني الذين يكتمون اسلمهم خوفا من بطش قريش‪ ،‬فيقرأ معهم‬
‫القرآن ويعلمهم اياه‪..‬‬
‫ولقد نبغ ف دراسة القرآن وهو يتنل آية آية‪ ..‬وسورة‪ ،‬سورة حت ان عبدال بن مسعود‪ ،‬وهو‬
‫الذي قال عنه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ":‬من أراد أن يقرأ القرآن غصّا كما أنزل‪ ،‬فليقراه‬
‫بقراءة ابن أم عبد"‪..‬‬
‫نقول‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫حت عبد ال بن مسعود كان يعتب خبّابا مرجعا فيما يتصل بالقرآن حفظا ودراسة‪..‬‬
‫وهو الذي كان يدرّس القرآن لن فاكمة بنت الطاب وزوجها سعيد بن زيد عندام فاجأهم عمر‬
‫بن الطاب متقلدا سيفه الذي خرج به ليصفي حسابه مع السلم ورسوله‪ ،‬لكنه ل يكد يتلو القرآن‬
‫السطور ف الصحيفة الت كان يعلّم منها خبّاب‪ ،‬حت صاح صيحته الباركة‪:‬‬
‫" دلون على ممد"‪!!...‬‬
‫وسع خبّاب كلمات عمر هذه‪ ،‬فخرج من مبئه الذي كان قد توارى فيه وصاح‪:‬‬
‫" يا عمر‪..‬‬
‫وال ان لرجوا أن يكون ال قد خصّك بدعوة نبيّه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فان سعته بالمس يقول‪:‬‬
‫اللهم أعز السلم بأحبّ الرجلي اليك‪ ..‬أب الكم بن هشام‪ ،‬وعمربن الطاب"‪..‬‬
‫وسأله عمر من فوره‪ :‬وأين أجد الرسول الن يا خبّاب‪:‬‬
‫" عند الصفا‪ ،‬ف دار الرقم بن أب الرقم"‪..‬‬
‫ومضى عمر ال حظوظه الوافية‪ ،‬ومصيه العظيم‪!!..‬‬
‫**‬
‫شهد خبّاب بن الرت جيع الشهد والغزوات مع النب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وعاش عمره كله‬
‫حفيظا على ايانه ويقينه‪....‬‬
‫وعندما فاض بيت مال لسلمي بالال أيام عمر وعثمان‪ ،‬رضي ال عنهما‪ ،‬كان خبّاب صاحب راتب‬
‫كبي بوصفه من الهاجرين لسابقي ال السلم‪..‬‬
‫وقد أتاح هذا الدخل الوفي لبّاب أن يبتن له دارا بالكوفة‪ ،‬وكان يضع أمواله ف مكان ما من الدار‬
‫يعرفه أصحابه وروّاده‪ ..‬وكل من وقعت عليه حاجة‪ ،‬يذهب فيأخذ من الال حاجته‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ومع هذا فقد كان خبّاب ل يرقأ له جفن‪ ،‬ول تف له دمعة كلما ذكر الرسول عليه الصلة والسلم‬
‫وأصحابه الذين بذلوا حياهم للله‪ ،‬ث ظفروا بلقائه قبل أن تفتح الدنيا على السلمي‪ ،‬وتكثر ف أيديهم‬
‫الموال‪.‬‬
‫اسعوه وهو يتحدث اال عوّاده الذين ذهبوا يعودونه وهو رضي ال عنه ف مرض موته‪.‬‬
‫قالوا له‪:‬‬
‫أبشر يا أبا عبدال‪ ،‬فانك ملق اخواتك غدا‪..‬‬
‫فأجابم وهو يبكي‪:‬‬
‫" أما انه ليس ب جزع ‪ ..‬ولكنكم ذكّرتون أقواما‪ ،‬واخوانا‪ ،‬مضوا بأجورهم كلها ام ينالوا من الدنيا‬
‫شيئا‪..‬‬
‫وانّا بقينا بعدهم حت نلنا من الدنيا ما ل ند له موضعا ال التراب"‪..‬‬
‫وأشار ال داره التواضعة الت بناها‪.‬‬
‫ث أشار مرة أخرى ال الكان الذي فيه أمواله وقال‪:‬‬
‫" وال ما شددت عليها من خيط‪ ،‬ول منعتها من سائل"‪!..‬‬
‫ث التفت ال كنفه الذي كان قد أعدّ له‪ ،‬وكان يراه ترفا واسرافا وقال ودموعه تسيل‪:‬‬
‫" أنظروا هذا كفن‪..‬‬
‫لكنّ حزة عم الرسول صلى ال عليه وسلم ل يوجد له كفن يوم استشهد ال بردة ملحاء‪ ....‬اذا‬
‫جعلت على رأسه قلصت عن قدميه‪ ،‬واذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه"‪!!..‬‬
‫**‬
‫ومات خبّاب ف السنة السابعة والثلثي للهجرة‪..‬‬
‫مات أستاذ صناعة السيوف ف الاهلية‪..‬‬
‫وأستاذ صناعة التضحية والفداء ف السلم‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫مات الرجل الذي كان أحد الماعة الذين نزل القرآن يدافع عنهم‪ ،‬ويييهم‪ ،‬عندما طلب بعض‬
‫السادة من قريش أن يعل لم رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما‪ ،‬وللفراء من أمثال ‪:‬خبّاب‪،‬‬
‫وصهيب‪ ،‬وبلل يوما آخر‪.‬‬
‫فاذا القرآن العظيم يتص رجال ال هؤلء ف تجيد لم وتكري‪ ،‬وتل آياته قائلة للرسول الكري‪:‬‬
‫( ول تطرد الذين يدعون ربم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه‪ ،‬ما عليك من حسابم من شيء‬
‫فتطردهم فتكون من الظالي وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا‪ :‬أهؤلء م ّن ال عليهم من بيننا؟!‬
‫أليس ال بأعلم بالشاكرين واذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا‪ ،‬فقل سلم عليكم‪ ،‬كتب ربكم على نفسه‬
‫الرحة)‪..‬‬
‫وهكذا‪ ،‬ل يكن الرسول صلى ال عليه وسلم يراهم بعد نزول اليات حت يبالغ ف اكرامهم فيفرش‬
‫لم رداءه‪ ،‬ويربّت على أكتافهم‪ ،‬ويقول لم‪:‬‬
‫" أهل بن أوصان بم رب"‪..‬‬
‫أجل‪ ..‬مات واحد من البناء البرة ليام الوحي‪ ،‬وجيل التضحية‪...‬‬
‫ولعل خي ما نودّعه به‪ ،‬كلمات المام علي كرّم ال وجهه حي كان عائدا من معركة صفي‪،‬‬
‫فوقعت عيناه على قب غضّ رطيب‪ ،‬فسأل‪ :‬قب من هذا‪..‬؟‬
‫فأجابوه‪ :‬انه قب خبّاب‪..‬‬
‫فتمله خاشعا آسيا‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫رحم ال خبّابا‪..‬‬
‫لقد أسلم راغبا‪.‬‬
‫وهاجر طاءعا‪..‬‬
‫وعاش ماهدا‪..‬‬
‫أبو عبيدة بن الرّاح‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫أمي هذه المة‬


‫من هذا الذي أمسك الرسول بيمينه وقال عنه‪:‬‬
‫" ان لكل أمة أمينا وأمي هذه المة أبو عبيدة بن الرّاح"‪..‬؟‬
‫من هذا الذي أرسله النب ف غزوة ذات السلسل مددا اعمرو بن العاص‪ ،‬وجعله أميا على جيش فيه‬
‫أبو بكر وعمر‪..‬؟؟‬
‫من هذا الصحاب الذي كان أول من لقب بأمي المراء‪..‬؟؟‬
‫من هذا الطويل القامة النحيف السم‪ ،‬العروق الوجه‪ ،‬الفيف اللحية‪ ،‬الثرم‪ ،‬ساقط الثنيتي‪..‬؟؟‬
‫أجل من هذا القوي المي الذي قال عنه عمر بن الطاب وهو يود بأنفاسه‪:‬‬
‫" لو كان أبو عبيدة بن الرّاح حيا لستخلفته فان سالن رب عنه قلت‪ :‬استخافت أمي ال‪ ،‬وأمي‬
‫رسوله"‪..‬؟؟‬
‫انه أبو عبيدة عامر بن عبد ال الرّاح‪..‬‬
‫أسلم على يد أب بكر الصديق رضي ال عنه ف اليام الول للسلم‪ ،‬قبل أن يدخل الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم دار الرقم‪ ،‬وهاجر ال البشة ف الجرة الثانية‪ ،‬ث عاد منها ليقف ال جوار رسوله ف‬
‫بدر‪ ،‬وأحد‪ ،‬وبقيّة الشاهد جيعها‪ ،‬ث ليواصل سيه القوي المي بعد وفاة الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم ف صحبة خليفته أب بكر‪ ،‬ث ف صحبة أمي الؤمني عمر‪ ،‬نابذا الدنيا وراء ظهره مستقبل‬
‫تبعات دينه ف زهد‪ ،‬وتقوى‪ ،‬وصمود وأمانة‪.‬‬
‫**‬
‫عندما بايع أبو عبيدة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬على أن ينفق حياته ف سبيل ال‪ ،‬كان مدركا‬
‫تام الدراك ما تعنيه هذه الكلمات الثلث‪ ،‬ف سبيل ال وكان على أت استعداد لن يعطي هذا‬
‫السبيل كل ما يتطلبه من بذل وتضحية‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ومنذ بسط يينه مبايعا رسوله‪ ،‬وهو ل يرى ف نفسه‪ ،‬وف ايّامه وف حياته كلها سوى أمانة‬
‫استودعها ال اياها لينفقها ف سبيله وف مرضاته‪ ،‬فل يري وراء حظ من حظوظ نفسه‪ ..‬ول تصرفه‬
‫عن سبيل ال رغبة ول رهبة‪..‬‬
‫ولا وفّى أبو عبيدة بالعهد الذي وف به بقية الصحاب‪ ،‬رأى الرسول ف مسلك ضميه‪ ،‬ومسلك‬
‫حياته ما جعله أهل لذا اللقب الكري الذي أفاءه عليه‪،‬وأهداه اليه‪ ،‬فقال عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫" أمي هذه المة‪ ،‬أبو عبيدة بن الرّاح"‪.‬‬
‫**‬
‫ان أمانة أب عبيدة على مسؤولياته‪ ،‬لي أبرز خصاله‪ ..‬فففي غزوة أحد أحسّ من سي العركة‬
‫حرص الشركي‪ ،‬ل على احراز النصر ف الرب‪ ،‬بل قبل ذلك ودون ذلك‪ ،‬على اغتيال حياة‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فاتفق مع نفسه على أن يظل مكانه ف العركة قريبا من مكان‬
‫الرسول‪..‬‬
‫ومضى يضرب بسيفه المي مثله‪ ،‬ف جيش الوثنية الذي جاء باغيا وعاديا يريد أن يطفئ نور ال‪..‬‬
‫وكلما استدرجته ضرورات القتال وظروف العركة بعيدا عن رسول ال صلى اله عليه وسلم قاتل‬
‫وعيناه ل تسيان ف اتاه ضرباته‪ ..‬بل ها متجهتان دوما ال حيث يقف الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم ويقاتل‪ ،‬ترقبانه ف حرص وقلق‪..‬‬
‫وكلما تراءى لب عبيدة خطر يقترب من النب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬انلع من موقفه البعيد وقطع‬
‫الرض وثبا حيث يدحض أعداء ال ويردّهم على أعقابم قبل أن ينالوا من الرسول منال‪!!..‬‬
‫وف احدى جولته تلك‪ ،‬وقد بلغ القتال ذروة ضراوته أحاط بأب عبيدة طائفة من الشركي‪ ،‬وكانت‬
‫عيناه كعادتما تدّقان كعين الصقر ف موقع رسول ال‪ ،‬وكاد أبو عبيدة يفقد صوابه اذ رأى سهما‬
‫ينطلق من يد مشرك فيصيب النب‪ ،‬وعمل سيفه ف الذين ييطون به وكأنه مائة سيف‪ ،‬حت فرّقهم‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫عنه‪ ،‬وطار صواب رسول ال فرأى الدم الزكي يسيل على وجهه‪ ،‬ورأى الرسول المي يسح الدم‬
‫بيمينه وهو يقول‪:‬‬
‫" كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيّهم‪ ،‬وهو يدعهم ال ربم"‪..‬؟‬
‫ورأى حلقتي من حلق الغفر الذي يضعه الرسول فوق رأسه قد دخانا ف وجنت النب‪ ،‬فلم يطق‬
‫صبا‪ ..‬واقترب يقبض بثناياه على حلقة منهما حت نزعها من وجنة الرسول‪ ،‬فسقطت ثنيّة‪ ،‬ث نزع‬
‫اللقة الخرى‪ ،‬فسقطت ثنيّة الثانية‪..‬‬
‫وما أجل أن نترك الديث لب بكر الصدسق يصف لنا هذا الشهد بكلماته‪:‬‬
‫" لا كان يوم أحد‪ ،‬ورمي رسول ال صلى ال عليه وسلم حت دخلت ف وجنته حلقتان من الغفر‪،‬‬
‫أقبلت أسعى ال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وانسان قد أقبل من قبل الشرق يطي طيانا‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫اللهم اجعله طاعة‪ ،‬حت اذا توافينا ال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬واذا هو أبو عبيدة بن الرّاح‬
‫قد سبقن‪ ،‬فقال‪ :‬أسألك بال يا أبا بكر أن تتركن فأنزعها من وجه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪..‬‬
‫فتركته‪ ،‬فأخذ أبو عبيدة بثنيّة احدى حلقت الغفر‪ ،‬فنعها‪ ،‬وسقط على الرض وسقطت ثنيته معه‪..‬‬
‫ث أخذ اللقة الخرى بثنية أخرى فسقطت‪ ..‬فكان أبو عبيدة ف الناس أثرم‪!!".‬‬
‫وأيام اتسعت مسؤوليات الصحابة وعظمت‪ ،‬كان أبو عبيدة ف مستواها دوما بصدقه وبأمانته‪..‬‬
‫فاذا أرسله النب صلى ال عليه وسلم ف غزوة البط أميا على ثلثائة وبضعة عشر رجل من القاتلي‬
‫وليس معهم زاد سوى جراب تر‪ ..‬والهمة صعبة‪ ،‬والسفر بعيد‪ ،‬استقبل ابو عبيدة واجبه ف تفان‬
‫وغبطة‪ ،‬وراح هو وجنوده يقطعون الرض‪ ،‬وزاد كل واحد منهم طوال اليوم حفنة تل‪ ،‬حت اذا‬
‫أوشك التمر أن ينتهي‪ ،‬يهبط نصيب كل واحد ال ترة ف اليوم‪ ..‬حت اذا فرغ التمر جيعا راحوا‬
‫يتصيّدون البط‪ ،‬أي ورق الشجر بقسيّهم‪ ،‬فيسحقونه ويشربون عليه المء‪ ..‬ومن اجل هذا سيت‬
‫هذه الغزوة بغزوة البط‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫لقد مضوا ل يبالون بوع ول حرمان‪ ،‬ول يعنيهم ال أن ينجزوا مع أميهم القوي المي الهمة‬
‫الليلة الت اختارهم رسول ال لا‪!!..‬‬
‫**‬
‫لقد أحب الرسول عليه الصلة والسلم أمي المة أبا عبيدة كثيا‪ ..‬وآثره كثيا‪...‬‬
‫ويوم جاء وفد نلان من اليمن مسلمي‪ ،‬وسألوه أن يبعث معهم من يعلمهم القرآن والسنة‬
‫والسلم‪ ،‬قال لم رسول ال‪:‬‬
‫" لبعثن معكم رجل أمينا‪ ،‬حق أمي‪ ،‬حق أمي‪ ..‬حق أمي"‪!!..‬‬
‫وسع الصحابة هذا الثناء من رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فتمن كل منهم لو يكون هو الذي يقع‬
‫اختيار الرسول عليه‪ ،‬فتصي هذه الشهادة الصادقة من حظه ونصيبه‪..‬‬
‫يقول عمر بن الطاب رضي ال عنه‪:‬‬
‫" ما أحببت المارة قط‪ ،‬حبّي اياها يومئذ‪ ،‬رجاء أن أكون صاحبها‪ ،‬فرحت ال الظهر مهجّرا‪ ،‬فلما‬
‫صلى بنا رسول ال صلى ال عليه وسلم الظهر‪ ،‬سلم‪ ،‬ث نظر عن يينه‪ ،‬وعن يساره‪ ،‬فجعلت أتطاول‬
‫له ليان‪..‬‬
‫فلم يزل يلتمس ببصره حت رأى أبا عبيدة بن الرّاح‪ ،‬فدعاه‪ ،‬فقال‪ :‬أخرج معهم‪ ،‬فاقض بينهم بالق‬
‫فيما اختلفوا فيه‪ ..‬فذهب با أبا عبيدة؟‪!!..‬‬
‫ان هذه الواقعة ل تعن طبعا أن أبا عبيدة كان وحده دون بقية الصحاب موضع ثقة الرسول‬
‫وتقديره‪..‬‬
‫انا تعن أنه كان واحدا من الذين ظفروا بذه الثقة الغالية‪ ،‬وهذا التقدير الكري‪..‬‬
‫ث كان الواحد أو الوحيد الذي تسمح ظروف العمل والدعوة يومئذ بغيابه عن الدينة‪ ،‬وخروجه ف‬
‫تلك الهمة الت تيئه مزاياه لنازها‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وكما عاش أبو عبيدة مع الرسول صلى ال عليه وسلم أمينا‪ ،‬عاش بعد وفاة الرسول أمينا‪ ..‬بمل‬
‫مسؤولياته ف أمانة تكفي أهل الرض لو اغترفوا منها جيعا‪..‬‬
‫ولقد سار تت راية السلم أنذى سارت‪ ،‬جنديّا‪ ،‬كأنه بفضله وباقدامه المي‪ ..‬وأميا‪ ،‬كأن‬
‫بتواضعه وباخلصه واحدا من عامة القاتلي‪..‬‬
‫وعندما كان خالد بن الوليد‪ ..‬يقود جيوش السلم ف احدى العارك الفاصلة الكبى‪ ..‬واستهل أمي‬
‫الؤمني عمر عهده بتولية أب عبيدة مكان خالد‪..‬‬
‫ل يكد أبا عبيدة يستقبل مبعوث عمر بذا المر الديد‪ ،‬حت استكتمه الب‪ ،‬وكتمه هو ف نفسه‬
‫طاويا عليه صدر زاهد‪ ،‬فطن‪ ،‬أمي‪ ..‬حت أتّ القائد خالد فتحه العظيم‪..‬‬
‫وآنئذ‪ ،‬تقدّم اليه ف أدب جليل بكتاب أمي الؤمني!!‬
‫ويسأله خالد‪:‬‬
‫" يرحك ال يا أبا عبيدة‪.‬ز ما منعك أن تبن حي جاءك الكتاب"‪..‬؟؟‬
‫فيجيبه أمي المة‪:‬‬
‫" ان كرهت أن أكسر عليك حربك‪ ،‬وما سلطان الدنيا نريد‪ ،‬ول للدنيا نعمل‪ ،‬كلنا ف ال‬
‫اخوة"‪!!!.‬‬
‫**‬
‫ويصبح أبا عبيدة أمي المراء ف الشام‪ ،‬ويصي تت امرته أكثر جيوش السلم طول وعرضا‪..‬‬
‫عتادا وعددا‪..‬‬
‫فما كنت تسبه حي تراه ال واحدا من القاتلي‪ ..‬وفردا عاديا من السلمي‪..‬‬
‫وحي ترامى ال سعه أحاديث أهل الشام عنه‪ ،‬وانبهارهم بأمي المراء هذا‪ ..‬جعهم وقام فيهم‬
‫خطيبا‪..‬‬
‫فانظروا ماذا قال للذين رآهم يفتنون بقوته‪ ،‬وعظمته‪ ،‬وأ‪/‬انته‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" يا أيها الناس‪..‬‬


‫ان مسلم من قريش‪..‬‬
‫وما منكم من أحد‪ ،‬أحر‪ ،‬ول أسود‪ ،‬يفضلن بتقوى ال وددت أن ف اهابه"‪ّ..‬‬
‫حيّاك ال يا أبا عبيدة‪..‬‬
‫وحيّا ال دينا أنبك ورسول علمك‪..‬‬
‫مسلم من قريش‪ ،‬ل أقل ول أكثر‪.‬‬
‫الدين‪ :‬السلم‪..‬‬
‫والقبيلة‪ :‬قريش‪.‬‬
‫هذه ل غي هويته‪..‬‬
‫أما هو كأمي المراء‪ ،‬وقائد لكثر جيوش السلم عددا‪ ،‬وأشدّها بأسا‪ ،‬وأعظمها فوزا‪..‬‬
‫أما هو كحاكم لبلد الشام‪،‬أمره مطاع ومشيئته نافذة‪..‬‬
‫كل ذلك ومثله معه‪ ،‬ل ينال من انتباهه لفتة‪ ،‬وليس له ف تقديره حساب‪ ..‬أي حساب‪!!..‬‬
‫**‬
‫ويزور أمي الؤمني عمر بن الطاب الشام‪ ،‬ويسأل مستقبليه‪:‬‬
‫أين أخي‪..‬؟‬
‫فيقولون من‪..‬؟‬
‫فيجيبهم‪ :‬أبو عبيدة بن الراح‪.‬‬
‫ويأت أبو عبيدة‪ ،‬فيعانقه أمي الؤمني عمر‪ ..‬ث يصحبه ال داره‪ ،‬فل يد فيها من الثاث شيئا‪ ..‬ل‬
‫يد ال سيفه‪ ،‬وترسه ورحله‪..‬‬
‫ويسأله عمر وهو يبتسم‪:‬‬
‫" أل اتذت لنفسك مثلما يصنع الناس"‪..‬؟‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فيجيبه أبو عبيدة‪:‬‬


‫" يا أمي الؤمني‪ ،‬هذا يبلّغن القيل"‪!!..‬‬
‫**‬
‫وذات يوم‪ ،‬وأمي الؤمني عمر الفاروق يعال ف الدينة شؤن عاله السلم الواسع‪ ،‬جاءه الناعي‪ ،‬أن‬
‫قد مات أبو عبيدة‪..‬‬
‫وأسبل الفاروق جفنيه على عيني غصّتا بالدموع‪..‬‬
‫وغاض الدمع‪ ،‬ففتح عينيه ف استسلم‪..‬‬
‫ورحّم على صاحبه‪ ،‬واستعاد ذكرياته معه رضي ال عنه ف حنان صابر‪..‬‬
‫وأعاد مقالته عنه‪:‬‬
‫" لو كنت متمنيّا‪ ،‬ما تنيّت ال بيتا ملوءا برجال من أمثال أب عبيدة"‪..‬‬
‫**‬
‫ومات أمي المة فوق الرض الت طهرها من وثنية الفرس‪ ،‬واضطهاد الرومان‪..‬‬
‫زهناك اليوم تت ثرى الردن يثوي رفات نبيل‪ ،‬كان مستقرا لروح خي‪ ،‬ونفس مطمئنة‪..‬‬
‫وسواء عليه‪ ،‬وعليك‪ ،‬أن يكون قبه اليوم معروف أو غي معروف‪..‬‬
‫فانك اذا أردت أن تبلغه لن تكون باجة ال من يقودك اليه‪..‬‬
‫ذلك أن عبي رفاته‪ ،‬سيدلك عليه‪!!..‬‬
‫عثمان بن مظعون‬
‫راهب صومعته الياة‬
‫اذا أردت أن ترتب أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وفق سبقهم الزمن ال السلم فاعلم اذا‬
‫بلغت الرقم الرابع عشر أن صاحبه هو عثمان بن مظعون‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫واعلم كذلك أن ابن مظعون هذا‪ ،‬كان أول الهاجرين وفاة بالدينة‪ ..‬كما كان أول السلمي دفنا‬
‫بالبقيع‪..‬‬
‫واعلم أخيا أن هذا الصحاب الليل الذي تطالع الن سيته كان راهبا عظيما‪ ..‬ل من رهبان‬
‫الصوامع‪ ،‬بل من رهبان الياة‪!!...‬‬
‫أجل‪ ..‬كانت الياة بكل جيشانا‪ ،‬ومسؤولياتا‪ ،‬وفضائلها هي صومعته‪..‬‬
‫وكانت رهبانيته عمل دائبا ف سبيل الق‪ ،‬وتفانيا مثابرا ف سبيل الي والصلح‪...‬‬
‫**‬
‫عندما كان السلم يتسرّب ضوؤه الباكر االنديّ من قلب الرسول صلى ال عليه عليه وسلم‪ ..‬ومن‬
‫كلماته ‪ ،‬عليه الصلة والسلن‪ ،‬الت يلقيها ف بعض الساع سرا وخفية‪..‬‬
‫كان عثمان بن معظون هناك‪ ،‬وحدا من القلة الت سارعت ال ال والتفت حول رسوله‪..‬‬
‫ولقد نزل به من الذى والضر‪ ،‬ما كان ينل يومئذ بالؤمني الصابرين الصامدين‪..‬‬
‫وحي آثر رسول ال صلى ال عليه وسلم هذه القلة الؤمنة الضطهدة بالعافية‪ .‬آمرا ايّاها بالجرة ال‬
‫البشة‪ .‬مؤثرا أن يبقى ف مواجهة الذى وحده‪ ،‬كان عثمان بن مظعون أمي الفوج الول من‬
‫الهاجرين‪ ،‬مصطحبا معه ابنه السائب موليّا وجهه شطر بلد بعيدة عن مكايد عدو ال أب جهل‪.‬‬
‫وضراوة قريش‪ ،‬وهو عذابا‪....‬‬
‫**‬
‫وكشأن الهاجرين ال البشة ف كلتا الجرتي‪ ...‬الول والثانية‪ ،‬ل يزدد عثمان بن مظعون رضي‬
‫ال عنه ال استمساكا بالسلم‪ .‬واعتصاما به‪..‬‬
‫والق أن هجرت البشة تثلن ظاهرة فريدة‪ ،‬وميدة ف قضية السلم‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فالذين آمنوا بالرسول صلى ال وصدّقوه‪ ،‬واتبعوا النور الذي أنزل معه‪ ،‬كانوا قد سئموا الوثنية بكل‬
‫ضللتا وجهالتا‪ ،‬وكانوا يملون فطرة سديدة ل تعد تسيغ عبادة أصنام منحوتة من حجارة أو‬
‫معجونة من صلصال‪!!..‬‬
‫وحي هاجروا ال البشة واجهوا فيها دينا سائدا‪ ،‬ومنظما‪ ..‬له منائسه وأحباره ورهبانه‪..‬‬
‫وهو‪ ،‬مهما تكن نظرتم اليه‪ ،‬بعيد عن الوثنية الت ألفوها ف بلدهم‪ ،‬وعن عبادة الصنام بشكلها‬
‫العروف وطقوسها الت خلفوها وراء ظهورهم‪..‬‬
‫ول بدّ أن رجال الكنيسة ف البشة قد بذلوا جهودا لستمالة هؤلء الهاجرين لدينهم‪ ،‬واقناعهم‬
‫بالسيحية دينا‪...‬‬
‫ومع هذا كله نرى أولئك الهاجرين يبقون على ولئهم العميق للسلم ولحمد صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ..‬مترقبي ف شوق وقلق‪ ،‬ذلك أن اليوم القريب الذي يعودون فيه ال بلدهم البيبة‪ ،‬ليعبدوا‬
‫ال وحده‪ ،‬وليأخذوا مكانم خلف رسولم العظيم‪ ..‬ف السجد أيام السلم‪ ..‬وف ميدان القتال‪ ،‬اذا‬
‫اضطرتم قوى الشرك للقتال‪..‬‬
‫ف البشة اذن عاش الهاجرون آمني مطمئني‪ ..‬وعاش معهم عثمان بن مظعون الذي ل ينس ف‬
‫غربته مكايد ابن عمّه أمية بن خلف‪ ،‬وما ألقه به وبغيه من أذى وضرّ‪ ،‬فراح يتسلى بجائه‬
‫ويتوعده‪:‬‬
‫تريش نبال ل يواتيك ريشها‬
‫وتبي نبال‪ ،‬ريشها لك أجع‬
‫وحاربت أقواما مراما أعزة‬
‫وأهلكت أقواما بم كنت تزغ‬
‫ستعلم ان نابتك يوما ملمّة‬
‫وأسلمك الوباش ما كنت تصنع‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫**‬
‫وبينما الهاجرون ف دار هجرتم يعبدون ال‪ ،‬ويتدارسون ما معهم من القرآن‪ ،‬ويملون برغم‬
‫الغربة توهج روح منقطع النظي‪ ..‬اذ النباء تواتيهم أن قريش أسلمت‪ ،‬وسجدت عم الرسول ل‬
‫الواحد القهار‪..‬‬
‫هنالك حل النهاجرون أمتعتهم وطاروا ال مكة تسبقهم أشواقهم‪ ،‬ويدوهم حنينهم‪..‬‬
‫بيد أنم ما كادوا يقتربون من مشارفها حت تبيّنوا كذب الب الذي بلغهم عن اسلم قريش‪..‬‬
‫وساعتئذ سقط ف أيديهم‪ ،‬ورأوا أنم قد عجلوا‪ ..‬ولكن أنّى يذهبون وهذه مكة على مرمى‬
‫البصر‪!!..‬‬
‫وقد سع مشركو مكة بقدم الصيد الذي طالا ردوه ونصبوا شباكهم لقتناصه‪ ..‬ث ها هو ذا الن‪،‬‬
‫تيّن فرصته‪ ،‬وتأت به مقاديره‪!!..‬‬
‫كان الوّار يومئذ تقليدا من تقاليد العرب ذات القداسة والجلل‪ ،‬فاذا دخل رجل مستضعف‬
‫جوار سيّد قرشي‪ ،‬أصبح ف حى منيع ل يهدر له دم‪ ،‬ول يضطرب منه مأمن‪...‬‬
‫ول يكن العائدون سواء ف القدرة على الظفر بوار‪..‬‬
‫من أجل ذلك ظفر بالوار منهم قلة‪ ،‬كان من بي أفرادها عثمان بن مظعون الذي دخل ف جوار‬
‫الوليد ب الغية‪.‬‬
‫وهكذا دخل مكة آمنا مطمئنا‪ ،‬ومضى يعب درزبا‪ ،‬ويشهد ندواتا‪ ،‬ل يسام خسفا ول ضيما‪.‬‬
‫**‬
‫ولكن ابن مظعون‪ ..‬الرجل الذي يصقله القرآن‪ ،‬ويربيه ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬يتلفت حواليه‪،‬‬
‫فيى اخوانه السلمي من الفقراء والستضعفي‪ ،‬الي ل يدوا لم جوارا ول ميا‪ ..‬يراهم والذى‬
‫ينوشهم من كل جانب‪ ..‬والبغي يطاردهم ف كل سبيل‪ ..‬بينما هو آمن ف سربه‪ ،‬بعيد من أذى‬
‫قومه‪ ،‬فيثور روحه الر‪ ،‬وييش وجدانه النبيل‪ ،‬ويتفوق بنفسه على نفسه‪ ،‬ويرج من داره مصمما‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫على أن يلع جوار الوليد‪ ،‬وأن ينصو عن كاهله تلك الماية الت حرمته لذة تمل الذى ف سبيل‬
‫ال‪ ،‬وشرف الشبه باخوانه السلمي‪ ،‬طلئع الدنيا الؤمنة‪ ،‬وبشائر العال الذي ستتفجر جوانبه غدا‬
‫ايانا‪ ،‬وتوحيدا‪ ،‬ونورا‪..‬‬
‫ولندع شاهد عيان يصف لنا ما حدث‪:‬‬
‫" لا رأى عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول اللهصلى ال عليه وسلم من البلء‪ .‬وهو يغدو‬
‫ويروح ف أمان الوليد بن الغية‪ ،‬قال‪ :‬وال ان غدوّي ورواحي آمنا بوار رجل من أهل الشرك‪،‬‬
‫واصحاب وأهل دين يلقون من البلء والذى ما ليصيبن‪ ،‬لنقص كبي ف نفسي‪..‬‬
‫فمشى ال الوليد بن الغية فقال له‪:‬‬
‫يا أبا عبد شس وفت ذمتك‪ .‬وقد ردت اليك جوارك‪..‬‬
‫فقال له‪:‬‬
‫ل يا ابن أخي‪ ..‬لعله آذاك أحد من قومي‪..‬؟‬
‫قال‪ ..‬ل‪ .‬ولكن أرضى بوار ال‪ ،‬ول أريد أن أستجي بغيه‪...‬‬
‫فانطلق ال السجد فاردد عليّ جواري علنية ‪..‬‬
‫فانطلقا حت أتيا السجد‪ ،‬فقال الوليد‪ :‬هذا عثمان‪..‬‬
‫قد جاء يردد عليّ جواري‪..‬‬
‫قال عثمان‪ :‬صدق‪ ..‬ولقد وجدته وفيّا كريا الوار‪ ،‬ولكنن أحببت أل أستجي بغي ال‪..‬‬
‫ث انصرف عثمان‪ ،‬ولبيد بن ربيعة ف ملس من مالس قريش ينشهدم‪ ،‬فجلس معهم عثمان فقال‬
‫لبيد‪:‬‬
‫أل كل شيء ما خل ال باطل‬
‫فقال عثمان‪ :‬صدقت‪..‬‬
‫قال لبيد‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وكل نعيم ل مالة زائل‬


‫قال عثمان‪ :‬كذبت‪ ..‬نعيم النة ل يزول‪..‬‬
‫فقال لبيد‪ :‬يا معشر قريش‪ ،‬وال ما كان يؤذي جليسكم‪ ،‬فمت حدث هذا فيكم‪..‬؟‬
‫فقال رجل من القوم‪ :‬ان هذا سفيه فارق ديننا‪ ..‬فل تدنّ ف نفسك من قوله‪..‬‬
‫فرد عليه عثمان بن مظعون حت سري أمرها‪ .‬فقام اليه ذلك الرجل فلطم عينه فأصابا‪ ،‬والوليد بن‬
‫الغية قريب‪ ،‬يرى ما يدث لعثمان‪ ،‬فقال‪ :‬أما وال يا بن أخي ان كانت عينك عمّا أصابا لغنيّة‪،‬‬
‫لقد كانت ف ذمة منيعة‪..‬‬
‫فال عثمان‪ :‬بل وال ان عين الصحيحة لفقية ال مثل ما أصاب أختها ف ال‪ ..‬وان لفي جوار من‬
‫هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شس‪!!..‬‬
‫فقا له الوليد‪ :‬هلم يا بن أخي‪ ،‬ا ن شئت فعد ال جواري‪..‬‬
‫قال ابن مظعون‪ :‬ل‪...‬‬
‫وغادر ابن مظعون هذا الشهد وعينه تضجّ بالل‪ ،‬ولكن روحه تتفجر عافية‪ ،‬وصلبة‪ ،‬وبشرا‪..‬‬
‫ولقد مضى ف الطريق ال داره يتغن بشعره هذا‪:‬‬
‫فان تك عين ف رضا ال نالا‬
‫يدا ملحدا ف الدين ليس بهتدي‬
‫فقد عوّض الرحن منها ثوابه‬
‫ومن يرضه الرحن يا قوم يسعد‬
‫فان وان قلتم غويّ مضلل‬
‫لحيا على دين الرسول ممد‬
‫أريد بذاك ال‪ ،‬والق ديننا‬
‫على رغم من يبغي علينا ويعتدي‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫**‬
‫هكذا ضرب عثمان بن مظعون مثل‪ ،‬هو له أهل‪ ،‬وبه جدير‪..‬‬
‫وهكذا شهدت الياة انسانا شاما يعطّر الوجود بوقفه الفذ هذا‪..‬‬
‫وبكلماته الرائعة الالدة‪:‬‬
‫" وال ان عين الصحيحة‪ ،‬لفقية ال مثل ما أصاب أختها ف ال‪ ..‬وان لفي جوار من هو أعز منك‬
‫وأقدر"‪!!..‬‬
‫ولقد ذهب عثمان بن مظعون بعد ردّ جوار الوليد يتلقى من قريش أذاها‪ ،‬وكان بذا سعيدا جدّ‬
‫سعيد‪ ..‬فقد كان ذلك الذىبمثابة النر الت تنضج اليان وتصهره وتزكّيه‪..‬‬
‫وهكذا سار مع اخوانه الؤمني‪ ،‬ل يروعهم زجر‪ ..‬وبل يصدّهم اثخان‪!!..‬‬
‫**‬
‫ويهاجر عثمان ال الدينة‪ ،‬حيث ل يؤرّقه أبو جهل هناك‪ ،‬ول أبو لب‪ ....‬ول أميّة‪ ..‬ول عتبة‪،‬‬
‫ول شيء من هذه الغيلن الت طالا أرّقت ليلهم‪ ،‬وأدمت نارهم‪..‬‬
‫يذهب ال الدينة مع أولئك الصحاب العظام الذين نحوا بصمودهم وبثباتم ف امتحان تناهت‬
‫عسرته ومشقته ورهبته‪ ،‬والذين ل يهاجروا ال الدينة ليستريوا ويكسروا‪ ..‬بل لينطلقوا من بابا‬
‫الفسيح الرحب ال كل أقطار الرض حاملي راية ال‪ ،‬مبشرين بكلماته وآياته وهداه‪..‬‬
‫وف دار الجرة النوّرة‪ ،‬يتكشفّ جوهر عثمان بن مظعون وتستبي حقيقته العظيمة الفريدة‪ ،‬فاذا هو‬
‫العابد‪ ،‬الزاهد‪ ،‬التبتل‪ ،‬الوّاب‪...‬‬
‫واذا هو الراهب الليل‪ ،‬الذكي الذي ل يأوي ال صومعة يعتزل فيها الياة‪..‬‬
‫بل يل الياة بعمله‪ ،‬وبهاده ف سبيل ال‪..‬‬
‫أجل‪..‬‬
‫راهب الليل فارس النهار‪ ،‬بل راهب الليل والنهار‪ ،‬وفارسهما معا‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ولئن كان أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ل سيّما ف تلك الفترة من حياتم‪ ،‬كانوا جيعا‬
‫يملون روح الزهد والتبتل‪ ،‬فان ابن مظعون كان له ف هذا الجال طابعه الاص‪ ..‬اذ أمعن ف زهده‬
‫وتفانيه امعانا رائعا‪ ،‬أحال حياته كلها ف ليله وناره ال صلة دائمة مضيئة‪ ،‬وتسبيحة طويلة عذبة‪!!..‬‬
‫وما ان ذاق حلوة الستغراق ف العبادة حت همّ بتقطيع كل السباب الت تربط الناس بناعم‬
‫الياة‪..‬‬
‫فمضى ل يلبس ال اللبس الشن‪ ،‬ول يأكل ال الطعام الشب‪..‬‬
‫دخل يوما السجد‪ ،‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه جلوس‪ ،‬وكان يرتدي لباسا تزق‪،‬‬
‫فرقّعه بقطعة من فروة‪ ..‬فرق له قلب الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ودمعت عيون أصحابه‪ ،‬فقال لم‬
‫النب صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫" كيف أنتم يوم يغدو أحدكم ف حلة‪ ،‬ويروح ف أخرى‪ ..‬وتوضع ف قصعة‪ .‬وترفع أخرى‪ ..‬وسترت‬
‫بيوتكم كما تستر الكعب‪..‬؟!"‪..‬‬
‫قال الصحاب‪:‬‬
‫" وددنا أن يكون ذلك يا رسول ال‪ ،‬فنصيب الرخاء والعيش"‪..‬‬
‫فأجابم الرسول صلى ال عليه وسلم قائل‪:‬‬
‫" ان ذلك لكائن‪ ..‬وأنتم اليوم خي منكم يومئذ"‪..‬‬
‫وكان بديهيا‪ ،‬وابن مظعون يسمع هذا‪ ،‬أن يزداد اقبال على الشظف وهربا من النعيم‪!!..‬‬
‫بل حت الرفث ال زوجته نأى عنه وانتهى‪ ،‬لول أن علم أن رسول ال عليه السلم علم عن ذلك‬
‫فناداه وقال له‪:‬‬
‫" ان لهلك عليك حقا"‪..‬‬
‫**‬
‫وأحبّه الرسول صلوات ال وسلمه عليه حبّا عظيما‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وحي كانت روحه الطاهرة تتهيأ للرحيل ليكون صاحبها أول الهاجرين وفاة بالدينة‪ ،‬وأولم ارتياد‬
‫لطريق النة‪ ،‬كان الرسول عليه الصلة والسلم‪ ،‬هناك ال جواره‪..‬‬
‫ولقد أكبّ على جبينه يقبله‪ ،‬ويعطّره بدموعه الت هطلت من عينيه الودودتي فضمّخت وجه عثمان‬
‫الذي بدا ساعة الوت ف أبى لظات اشراقه وجلله‪..‬‬
‫وقال الرسول صلى ال عليه وسلم يودّع صاحبه البيب‪:‬‬
‫" رحك ال يا أبا السائب‪ ..‬خرجت من النيا وما أصبت منها‪ ،‬ول أصابت منك"‪..‬‬
‫**‬
‫ول ينس الرسول الودود صاحبه بعد موته‪ ،‬بل كان دائم الذكر له‪ ،‬والثناء عليه‪..‬‬
‫حت لقد كانت كلمات وداعه عليه السلم لبنته رقيّة‪ ،‬حي فاضت روحها‪:‬‬
‫" القي بسلفنا اليّر‪ ،‬عثمان بن مظعون"‪!!!..‬‬
‫زيد بن حارثة‬
‫ل يبّ حبّه أحد‬
‫وقف رسول ال صلى ال عليه وسلم يودع جيش السلم الذاهب للقاة الروم ف غزوة مؤتة‬
‫ويعلن أساء أمراء اليش الثلثة‪ ،‬قائل‪:‬‬
‫" عليكم زيد بن حارئة‪ ..‬فان أصيب زيد فجعفر بن أب طاب‪ ..‬فان أصيب جعفر‪ ،‬فعبدال بن‬
‫رواحة"‪.‬‬
‫فمن هو زيد بن حارثة"‪..‬؟؟‬
‫من هذا الذي حل دون سواه لقب البّ‪ ..‬حبّ رسول ال‪..‬؟‬
‫أما مظهره وشكله‪ ،‬فكان كما وصفه الؤرخون والرواة‪:‬‬
‫" قصي‪ ،‬آدم‪ ،‬أي أسر‪ ،‬شديد الدمة‪ ،‬ف أنفه فطس"‪..‬‬
‫أمّا نبؤه‪ ،‬فعظيم جدّ عظيم‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫**‬
‫أعدّ حارثة أبو زيد الراحلة والتاع لزوجته سعدى الت كانت تزمع زيارة أهلها ف بن معن‪.‬‬
‫وخرج يودع زوجته الت كانت تمل بي يديها طفلهما الصغي زيد بن حارثة‪ ،‬وكلما همّ أن‬
‫يستودعهما القافلة الت خرجت الزوجة ف صحبتها ويعود هو ال داره وعمله‪ ،‬ودفعه حنان خفيّ‬
‫وعجيب لواصلة السي مع زوجته وولده‪..‬‬
‫لكنّ الشقّة بعدت‪ ،‬والقافلة أغذّت سيها‪ ،‬وآن لارثة أن يودّع الوليد وأمّه‪ ،‬ويعود‪..‬‬
‫وكذا ودّعهما ودموعه تسيل‪ ..‬ووقف طويل مسمرا ف مكانه حت غابا عن بصره‪ ،‬وأحسّ كأن قلبه‬
‫ل يعد ف مكانه‪ ..‬كأنه رحل مع الراحلي‪!!..‬‬
‫**‬
‫ومكثت سعدى ف قومها ما شاء ال لا أن تكث‪..‬‬
‫وذات يوم فوجئ اليّ‪ ،‬حي بن معن‪ ،‬باحدى القبائل الناوئة له تغي عليه‪ ،‬وتنل الزية ببن معن‪ ،‬ث‬
‫تمل فيما حلت من السرى ذلك الطفل اليفع‪ ،‬زيد بن حارثة‪..‬‬
‫وعادت الم ال زوجها وحيدة‪.‬‬
‫ول يكد حارثة يعرف النبأ حت خرّ صعقا‪ ،‬وحل عصاه على كاهله‪ ،‬ومضى يوب الديار‪ ،‬ويقطع‬
‫الصحارى‪ ،‬ويسائل القبائل والقوافل عن ولده وحبّة قلبه زيد‪ ،‬مسايّا نفسه‪ ،‬وحاديا ناقته بذا الشعر‬
‫الذي راح ينشده من بديهته ومن مآقيه‪:‬‬
‫بكيت على زيد ول ادر ما فعل‬
‫أحيّ فثرجى؟ أم أتى دونه الجل‬
‫فوال ما أدري‪ ،‬وان لسائل‬
‫أغالك بعدي السهل؟ أم غالك البل‬
‫تذكرينه الشمس عنج طلوعها‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وتعرض ذكراه اذا غربع\ها أفل‬


‫وان هبّت الرواح هيّجن ذكره‬
‫فيا طول حزن عليه‪ ،‬ويا وجل‬
‫**‬
‫كان الرّق ف ذلك الزمان البعيد يفرض نفسه كظرف اجتماعي ياول أن يكون ضرورة‪..‬‬
‫كان ذلك ف أثينا‪ ،‬حت ف أزهى عصور حريّتها ورقيّها‪..‬‬
‫وكذلك كان ف روما‪..‬‬
‫وف العال القدي كله‪ ..‬وبالتال ف جزيرة العرب أيضا‪..‬‬
‫وعندما اختطفت القبيلة الغية على بن معن نصرها‪ ،‬وعادت حاملة أسراها‪ ،‬ذهبت ال سوق عكاظ‬
‫الت كانت منعقدة أنئذ‪ ،‬وباعوا السرى‪..‬‬
‫ووقع الطفل زيد ف يد حكيم بن حزام الذي وهبه بعد أن اشتراه لعمته خدية‪.‬‬
‫وكانت خدية رضي ال عنها‪ ،‬قد صارت زوجة لحمد بن عبدال‪ ،‬الذي ل يكن الوحي قد جاءه‬
‫بعد‪ .‬بيد أنه كان يمل كل الصفات العظيمة الت أهلته با القدار ليكون غدا من الرسلي‪..‬‬
‫ووهبت خدية بدورها خادمها زيد لزوجها رسول اله فتقبله مسرورا وأعتقه من فوره‪،‬وراح ينحه‬
‫من نفسه العظيمة ومن قلبه الكبي كل عطف ورعاية‪..‬‬
‫وف أحد مواسم الج‪ .‬التقى تفر من حيّ حارثة بزيد ف مكة‪ ،‬ونقلوا اليه لوعة والديه‪ ،‬وحّلهم زيد‬
‫سلمه وحنانه وشوقه لمه وأبيه‪ ،‬وقال للحجّاج من قومه"‬
‫" أخبوا أب أن هنا مع أكرم والد"‪..‬‬
‫ول يكن والد زيد يعلم مستقر ولده حت أغذّ السي اليه‪ ،‬ومعه أخوه‪..‬‬
‫وف مكة مضيا يسألن عن ممد المي‪ ..‬ولا لقياه قال له‪:‬‬
‫"يا بن عبدالطلب‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫يا لن سيّد قومه‪ ،‬أنتم أهل حرم‪ ،‬تفكون العان‪ ،‬وتطعمون السي‪ ..‬جئناك ف ولدنا‪ ،‬فامنن علينا‬
‫وأحسن ف فدائه"‪..‬‬
‫كان الرسول صلى ال عليه وسلم يعلم تعلق زيد به‪ ،‬وكان ف نفس الوقت يقدّر حق ابيه فيه‪..‬‬
‫هنالك قال حارثة‪:‬‬
‫"ادعوا زيدا‪ ،‬وخيّروه‪ ،‬فان اختاركم فهو لكم بغي فداء‪ ..‬وان اختارن فوال ما أنا بالذي أختار على‬
‫من اختارن فداء"‪!!..‬‬
‫وتلل وجه حارثة الذي لك يكن يتوقع كل هذا السماح وقال‪:‬‬
‫" لقد أنصفتنا‪ ،‬وزدتنا عن النصف"‪..‬‬
‫ث بعث النب صلى ال عليه وسلم ال زيد‪ ،‬ولا جاء سأله‪:‬‬
‫" هل تعرف هؤلء"‪..‬؟‬
‫قال زيد‪ :‬نعم‪ ..‬هذا أب‪ ..‬وهذا عمّي‪.‬‬
‫وأعاد عليه الرسول صلى ال عليه وسلم ما قاله لارثة‪ ..‬وهنا قال زيد‪:‬‬
‫" ما أنا بالذي أختار عليك أحدا‪ ،‬أنت الب والعم"‪!!..‬‬
‫ونديت عينا رسول ال بدموعشاكرة وحانية‪ ،‬ث أمسك بيد زيد‪ ،‬وخرج به ال فناء الكعبة‪ ،‬حيث‬
‫قريش متمعة هناك‪ ،‬ونادى الرسول‪:‬‬
‫" اشهدوا أن زيدا ابن‪ ..‬يرثن وأرثه"‪!!..‬‬
‫وكاد قلب حارثة يطي من الفرح‪ ..‬فابنه ل يعد حرّا فحسب‪ ،‬بل وابنا للرجل الذي تسمّيه قريش‬
‫الصادق المي سليل بن هاشم وموضع حفاوة مكة كلها‪..‬‬
‫وعاد الب والعم ال قومهما‪ ،‬مطمئني على ولدها والذي تركاه سيّدا ف مكة‪ ،‬آمنا معاف‪ ،‬بعد أن‬
‫كان أبوه ل يدري‪ :‬أغاله السهل‪ ،‬أم غاله البل‪!!..‬‬
‫**‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫تبنّى الرسول زيدا‪ ..‬وصار ل يعرف ف مكة كلها ال باسه هذا زيد بن ممد‪..‬‬
‫وف يوم باهر الشروق‪ ،‬نادى الوحي ممدا‪:‬‬
‫( اقرأ باسم ربك الذي خلق‪ ،‬خلق النسان من علق‪ ،‬اقرأ وربك الكرم الذي علم بالقلم‪ ،‬علّم‬
‫النسان ما لك يعلم)‪...‬‬
‫ث تتابعت ناءاته وكلماته‪:‬‬
‫( يا أيها الكدثر‪ ،‬قم فأنذر‪ ،‬وربّك فكبّر)‪...‬‬
‫(يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل اليك من ربك‪ ،‬وان ل تفعل فما بلّغت رسالته‪ ،‬وال يعصمك من الناس‪،‬‬
‫ان ال ليهدي القوم الكافرين)‪...‬‬
‫وما ان حل رسول ال صلى ال عليه وسلم تبعة الرسالة حت كان زيد ثان السلمي‪ ..‬بل قيل انه‬
‫كان أول السلمي‪!!...‬‬
‫**‬
‫أحبّه رسول ال صلى ال عليه وسلم حبا عظيما‪ ،‬وكان بذا الب خليقا وجديرا‪ ..‬فوفاؤه الذي ل‬
‫نظي له‪ ،‬وعظمة روحه‪ ،‬وعفّة ضميه ولسانه ويده‪...‬‬
‫ب كما كان يلقبه أصحاب‬ ‫كل ذلك وأكثر من ذلك كان يزين خصال زيد بن حارثة أو زيد ال ّ‬
‫رسول ال عليه الصلة والسلم‪..‬‬
‫تقول السيّدة عائشة رضي ال عنها‪:‬‬
‫" ما بعث الرسول صلى ال عليه وسلم ف جيش قط ال أمّره عليهم‪ ،‬ولو بقي حيّا بعد رسول‬
‫اللهلستخلفه‪...‬‬
‫ال هذا الدى كانت منلة زيد عند رسول ال صلى ال عليه وسلم‪..‬‬
‫فمن كان زيد هذا‪..‬؟؟‬
‫انه كما قلنا ذلك الطفل الذي سب‪ ،‬ث بيع‪ ،‬ث حرره الرسول وأعتقه‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وانه ذلك الرجال القصي‪ ،‬السر‪ ،‬الفطس النف‪ ،‬بيد أنه أيضا ذلك النسان الذي" قلبه جيع‬
‫وروحه حر"‪..‬‬
‫ومن ث وجد له ف السلم‪ ،‬وف قلب رسول ال صلى ال عليه وسلم أعلى منلة وأرفع مكان‪ ،‬فل‬
‫السلم ول رسوله من يعبأ لظه باه النسب‪ ،‬ول بوجاهة الظهر‪.‬‬
‫ففي رحاب هذا الدين العظيم‪ ،‬يتألق بلل‪ ،‬ويتألق صهيب‪ ،‬ويتألق عمار وخبّاب وأسامة وزيد‪...‬‬
‫يتألقون جيعا كأبرا‪ ،‬وقادة‪..‬‬
‫لقد صحح السلم قيم السلم‪ ،‬قيم الياة حي قال ف كتابه الكري‪:‬‬
‫( انّ أكرمكم عند ال أتقاكم)‪...‬‬
‫وفتح البواب والرحاب للمواهب اليّرة‪ ،‬وللكفايات النظيفة‪ ،‬المينة‪ ،‬العطية‪..‬‬
‫وزوّج رسول ال صلى ال عليه وسلم زيدا من ابنة عمته زينب‪ ،‬ويبدو أن زينب رضي ال عنها قد‬
‫قبلت هذا الزواج تت وطأة حيائها أن ترفض شفاعة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أو ترغب‬
‫بنفسها عن نفسه‪..‬‬
‫ولكن الياة الزوجية أخذت تتعثر‪ ،‬وتستنفد عوامل بقائها‪ ،‬فانفصل زيد عن زينب‪.‬‬
‫وحل الرسول صلى ال عليه وسلم مسؤوليته تاه هذا الزواج الذي كان مسؤول عن امضائه‪ ،‬والذي‬
‫انتهى بالنفصال‪ ،‬فضمّ ابنة عمته اليه واختارها زوجة له‪ ،‬ث اختار لزيد زوجة جديدة هي أم كلثوم‬
‫بنت عقبة‪..‬‬
‫وذهب الشنئون يرجفون الدينة‪ :‬كيف يتزوّج ممد مطلقة ابنه زيد؟؟‬
‫فأجابم القرآن مفرّقا بي الدعياء والبنياء‪ ..‬بي التبن والبنّوة‪ ،‬ومقررا الغاء عادة التبن‪ ،‬ومعلنا‪:‬‬
‫( ما كان ممد أبا أحد من رجالكم‪ ،‬ولكن رسول ال‪ ،‬وخات النبي)‪.‬‬
‫وهكذا عاد لزيد اسه الول‪ ":‬زيد بن حارثة"‪.‬‬
‫**‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫والن‪..‬‬
‫هل ترون هذه اقوات السلمة الارجة ال معارك‪ ،‬الطرف‪ ،‬أو العيص‪ ،‬وحسمي‪ ،‬وغيها‪..‬‬
‫ان أميها جيعا‪ ،‬هو زيد بن حارثة‪..‬‬
‫فهو كما سعنا السيدة عائشة رضي ال عنها تقول‪ ":‬ل يبعثه النب صلى ال عليه وسلم ف جيش قط‪،‬‬
‫ال جعله أميا هلى هذا اليش"‪..‬‬
‫حت جاءت غزوة مؤتة‪..‬‬
‫كان الروم بأمباطوريتهم الرمة‪ ،‬قد بدأوا يوجسون من السلم خيفة‪..‬بل صاروا يرون فيها خطرا‬
‫يهدد وجودهم‪ ،‬ول سيما ف بلد الشام الت يستعمرونا‪ ،‬والت تتاخم بلد هذا الدين الديد‪ ،‬النطلق‬
‫ف عنفوان واكتساح‪..‬‬
‫وهكذا راحوا يتخذون من الشام نقطة وثوب على الزيرة العربية‪ ،‬وبلد السلم‪...‬‬
‫**‬
‫وأدرك رسول ال صلى ال عليه وسلم هدف الناوشات الت بدأها الروم ليعجموا با عود السلم‪،‬‬
‫فقرر أن يبادرهم‪ ،‬ويقنعهم بتصميم السلم ال أرض البلقاء بالشام‪ ،‬حت اذا بلغوا تومها لقيتهم‬
‫جيوش هرقل من الروم ومن القبائل الستعربة الت كانت تقطن الدود‪..‬‬
‫ونزل جيش الروم ف مكان يسمّى مشارف‪..‬‬
‫ف حي نزل جيش السلم يوار بلدة تسمّى مؤتة‪ ،‬حيث سّيت الغزوة باسها‪...‬‬
‫**‬
‫كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يدرك أهية هذه الغزوة وخطرها فاختار لا ثلثة من الرهبان‬
‫ف الليل‪ ،‬والفرسان ف النهار‪..‬‬
‫ثلثة من الذين باعوا أنفسهم ل فلم يعد لم مطمع ول أمنية ال ف استشهاد عظيم يصافحون اثره‬
‫رضوان ال تعال‪ ،‬ويطالعون وجهه الكري‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وكان هؤلء الثلثة وفق ترتيبهم ف امارة اليش هم‪:‬‬


‫زيد بن حارثة‪،‬‬
‫جعفر بن أب طالب‪،‬‬
‫عبدال بن رواحة‪.‬‬
‫رضي ال عنهم وأرضاهم‪ ،‬ورضي ال عن الصحابوة أجعي‪...‬‬
‫وهكذا رأينا رسول ال صلى ال عليه وسلم عندما وقف يودّع اليش يلقي أمره السالف‪:‬‬
‫" عليكم زيد بن حارثة‪..‬‬
‫فان أصيب زيد‪ ،‬فجعفر بن أب طالب‪...،‬‬
‫فان أصيب جعفر‪ ،‬فعبدال بن رواحة"‪...‬‬
‫وعلى الرغم من أن جعفر بن أب طالب كان من أقرب الناس ال قلب ابن عمّه رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪..‬‬
‫وعلى الرغم من شجاعته‪ ،‬وجسارته‪ ،‬وحسبه ونسبه‪ ،‬فقد جعله رسول ال صلى ال عليه وسلم المي‬
‫التال لزيد‪ ،‬وجعل زيدا المي الول للجيش‪...‬‬
‫وبثل هذا‪ ،‬كان الرسول صلى ال عليه وسلم يقرر دوما حقيقة أن السلم دين جديد جاء يلغي‬
‫العلقات النسانية الفاسدة‪ ،‬والقائمة على أسس من التمايز الفارغ الباطل‪ ،‬لينشئ مكانا علقات‬
‫جديدة‪ ،‬رشيدة‪ ،‬قوامها انسانية النسان‪!!...‬‬
‫**‬
‫ولكأنا كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يقرأ غيب العركة القبلة حي وضع امراء اليش على‬
‫هذا الترتيب‪ :‬زيد فجعفر‪ ،‬فابن رواحة‪ ..‬فقد لقوا ربّهم جيعا وفق هذا الترتيب أيضا‪!!..‬‬
‫ول يكد السلمون يطالعون جيش الروم الذي حزروه بائت ألف مقاتل حت أذهلهم العدد الذي ل‬
‫يكن لم ف حساب‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ولكن مت كانت معارك اليان معارك كثرة‪..‬؟؟‬


‫هنالك أقدموا ول يبالوا‪ ..‬وأمامهم قائدهم زيد حامل راية رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬مقتحما‬
‫رماح العدو زنباله وسيوفه‪ ،‬ل يبحث عن النصر‪ ،‬بقدر ما يبحث عن الضجع الذي ترسو عنده‬
‫صفقته مع ال الذي اشترى من الؤمني أنفسهم وأموالم بأن لم النة‪.‬‬
‫ل يكن زيد يرى حواليه رمال البلقاء‪ ،‬ول جيوش الروم بل كانت رواب النة‪ ،‬ورفرفها الخضر‪،‬‬
‫تفق أمام عينيه كالعلم‪ ،‬تنبئه أن اليوم يوم زفافه‪..‬‬
‫وكان هو يضرب‪ ،‬ويقاتل‪ ،‬ل يطوّح رؤوس مقاتليه‪ ،‬انا يفتح البواب‪ ،‬ويفضّ الغلق الت تول‬
‫بينه وبي الباب الكبي الواسع‪ ،‬ال سيدلف منه ال دار السلم‪ ،‬وجنات اللد‪ ،‬وجوار ال‪..‬‬
‫وعانق زيد مصيه‪...‬‬
‫وكانت روحه وهي ف طريقها ال النة تبتسم مبورة وهي تبصر جثمان صاحبها‪ ،‬ل يلفه الرير‬
‫الناعم‪ ،‬بل يضخّمه دم طهور سال ف سبيل ال‪..‬‬
‫ث تتسع ابتساماتا الطمئنة الانئة‪ ،‬وهي تبصر ثان المراء جعفرا يندفع كالسهم صوب الراية‬
‫ليتسلمها‪ ،‬وليحملها قبل أن تغيب ف التراب‪....‬‬
‫جعفر بن أب طالب‬
‫أشبهت خلقي‪ ،‬وخلقي‬
‫انظروا جلل شبابه‪..‬‬
‫انظروا نضارة اهابه‪..‬‬
‫انظروا أناته وحلمه‪ ،‬حدبه‪ ،‬وبرّه‪ ،‬تواضعه وتقاه‪..‬‬
‫انظروا شجاعته الت ل تعرف الوف‪ ..‬وجوده الذي لياف الفقر‪..‬‬
‫انظروا طهره وعفته‪..‬‬
‫انظروا صدقه وأمانته‪...‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫انظروا فيه كل رائعة من روائع السن‪ ،‬والفضيلة‪ ،‬والعظمة‪ ،‬ث ل تعجبوا‪ ،‬فأنتم أمام أشبه الناس‬
‫بالرسول خلقا‪ ،‬وخلقا‪..‬‬
‫أنتم أمام من كنّاه الرسول بن أب الساكي‪..‬‬
‫أنت تاه من لقبه الرسول بن ذي الناحي‪..‬‬
‫أنتم تلقاء طائر النة الغريد‪ ،‬جعفر بن أب طالب‪ !!..‬عظيم من عظماء الرعيل الول الذين أسهموا‬
‫أعظم اسهام ف صوغ ضمي الياة‪!!..‬‬
‫**‬
‫أقبل على الرسول صلى ال عليه وسلم مسلما‪ ،‬آخذا مكانه العال بي الؤمني البكرين‪..‬‬
‫وأسلمت معه ف نفس اليوم زوجته أساء بنت عميس‪..‬‬
‫وحل نصيبهما من الذى ومن الضطهاد ف شجاعة وغبطة‪..‬‬
‫فلما اختار الرسول لصحابه الجرة ال البشة‪ ،‬خرج جعفر وزوجه حيث لبيا با سني عددا‪ ،‬رزقا‬
‫خللا بأولدها الثلثة ممد‪ ،‬وعبد ال‪ ،‬وعوف‪...‬‬
‫**‬
‫وف البشة كان جعفر بن أب طالب التحدث اللبق‪ ،‬الوفق باسم السلم ورسوله‪..‬‬
‫ذلك أن ال أنعم عليه فيما أنعم‪ ،‬بذكاء القلب‪ ،‬واشراق العقل‪ ،‬وفطنة النفس‪ ،‬وفصاحة اللسان‪..‬‬
‫ولئن كان يوم مؤتة الذي سيقاتل فيه فيما بعد حت يستشهد‪ ..‬أروع أيامه وأماده وأخلدها‪..‬‬
‫فان يوم الحاورة الت أجراها أمام النجاشي باليشة‪ ،‬لن يقلّ روعة ول باء‪ ،‬ول مدا‪..‬‬
‫لقد كان يوما فذّا‪ ،‬ومشهدا عجبا‪...‬‬
‫**‬
‫وذلك أن قريشا ل يهدئ من ثورتا‪ ،‬ول يذهب من غيظها‪ ،‬ول يطامن كم أحقادها‪ ،‬هجرة‬
‫السلمي ال البشة‪ ،‬بل خشيت أن يقوى هناك بأسهم‪ ،‬ويتكاثر طمعهم‪ ..‬وحت اذا ل تواتم فرصة‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫التكاثر والقوّة‪ ،‬فقد عز على كبيائها أن ينجو هؤلء من نقمتها‪ ،‬ويفلتوا من قبضتها‪ ..‬يظلوا هناك ف‬
‫مهاجرهم أمل رحبا تتز له نفس الرسول‪ ،‬وينشرح له صدر السلم‪..‬‬
‫هنالك قرر ساداتا ارسال مبعوثي ال النجاشي يملن هدايا قريش النفيسة‪ ،‬ويملن رجاءها ف‬
‫أن يرج هؤلء الذين جاؤوا اليها لئذين ومستجيين‪...‬‬
‫وكان هذان البعوثان‪ :‬عبدال بن أب ربيعة‪ ،‬وعمرو بن العاص‪ ،‬وكانا ل يسلما بعد‪...‬‬
‫**‬
‫كان النجاشي الذي كان يلس أيامئذ على عرش البشة‪ ،‬رجل يمل ايانا مستنيا‪ ..‬وكان ف‬
‫قرارة نفسه يعتنق مسيحية صافية واعية‪ ،‬بعيدة عن النراف‪ ،‬نائية عن التعصب والنغلق‪...‬‬
‫وكان ذكره يسبقه‪ ..‬وسيته العادلة‪ ،‬تنشر غبيها ف كل مكان تبلغه‪..‬‬
‫من أجل هذا‪ ،‬اختار الرسول صلى ال عليه وسلم بلده دار هجرة لصحابه‪..‬‬
‫ومن أجل هذا‪ ،‬خافت قريش أل تبلغ لديه ما تريد فحمّلت مبعوثيها هدايا ضخمة للساقفة‪ ،‬وكبار‬
‫رجال الكنيسة هناك‪ ،‬وأوصى زعماء قريش مبعوثيهاأل يقابل النجاشي حت يعطيا الدايا للبطارقة‬
‫أول‪ ،‬وحت يقنعاهم بوجهة نظرها‪ ،‬ليكونوا لم عونا عند النجاشي‪.‬‬
‫وحطّ الرسولن رحالما بالبشة‪ ،‬وقابل با الزعماء الروحانيي كافة‪ ،‬ونثرا بي أيديهم الدايا الت‬
‫حلها اليهم‪ ..‬ث أرسل للنجاشي هداياه‪..‬‬
‫ومضيا يوغران صدور القسس والساقفة ضد السلمي الهاجرين‪ ،‬ويستنجدان بم لمل النجاشي‪،‬‬
‫ويواجهان بي يديه خصوم قريش الذين تلحقهم بكيدها وأذاها‪.‬‬
‫**‬
‫وف وقار مهيب‪ ،‬وتواضع جليل‪ ،‬جلس النجاشي على كرسيه العال‪ ،‬تفّ به الساقفة ورجال‬
‫الاشية‪ ،‬وجلس أمامه ف البهو الفسيح‪ ،‬السلمون الهاجرون‪ ،‬تغشاهم سكينة ال‪ ،‬وتظلهم رحته‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ووقف مبعوثا قريش يكرران التام الذي سبق أن ردّداه أمام النجاشي حي أذن لم بقابلة خاصة قبل‬
‫هذ الجتماع الاشد الكبي‪:‬‬
‫" أيها اللك‪ ..‬انه قد ضوى لك ال بلدك غلمان سفهاء‪ ،‬فارقوا دين قومهم ول يدخلوا ف دينك‪ ،‬بل‬
‫جاؤوا بدين ابتدعوه‪ ،‬ل نعرفه نن ول أنت‪ ،‬وقد بعثنا اليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم‪،‬‬
‫أعمامهم‪ ،‬وعشائرهم‪ ،‬لتردّهم اليهم"‪...‬‬
‫وولّى النجاشي وجهه شطر السلمي‪ ،‬ملقيا عليهم سؤاله‪:‬‬
‫" ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم‪ ،‬واستغنيتم به عن ديننا"‪..‬؟؟‬
‫ونض جعفر قائما‪ ..‬ليؤدي الهمة الت كان السلمون الهاجرون قد اختاروه لا ابّان تشاورهم‪ ،‬وقبل‬
‫ميئهم ال هذا الجتماع‪..‬‬
‫نض جعفر ف تؤدة وجلل‪ ،‬وألقى نظرات مبّة على اللك الذي أحسن جوارهم وقال‪:‬‬
‫" يا أيها اللك‪..‬‬
‫كنا قوما أهل جاهلية‪ :‬نعبد الصنام‪ ،‬ونأكل اليتة‪ ،‬ونأت الفواحش‪ ،‬ونقطع الرحام‪ ،‬ونسيء الوار‪،‬‬
‫ويأكل القوي منا الضعيف‪ ،‬حت بعث ال الينا رسول منا‪ ،‬نعرف نسبه وصدقه‪ ،‬وأمانته‪ ،‬وعفافه‪،‬‬
‫فدعانا ال ال لنوحّده ونعبده‪ ،‬ونلع ما كنا نعبد نن وآباؤنا من الجارة والوثان‪..‬‬
‫وأمرنا بصدق الديث‪ ،‬وأداء المانة‪ ،‬وصلة الرحم‪ ،‬وحسن الوار‪ ،‬والكفّ عن الحارم والدماء‪..‬‬
‫ونانا عن الفواحش‪ ،‬وقول الزور‪ ،‬وأكل مال اليتيم‪ ،‬وقذف الحصنات‪ ..‬فصدّقناه وآمنّا به‪ ،‬واتبعناه‬
‫على ما جاءه من ربه‪ ،‬فعبدنا ال وحده ول نشرك به شيئا‪ ،‬وحرّمنا ما حرّم علينا‪ ،‬وأحللنا ما أحلّ‬
‫لنا‪ ،‬فغدا علينا قومنا‪ ،‬فعذبونا وفتنونا عن ديننا‪ ،‬ليدّونا ال عبادة الوثان‪ ،‬وال ما كنّا عليه من‬
‫البائث‪..‬‬
‫فلما قهرونا‪ ،‬وظلمونا‪ ،‬وضيّقوا علينا‪ ،‬وحالوا بيننا وبي ديننا‪ ،‬خرجنا ال بلدك ورغبنا ف جوارك‪،‬‬
‫ورجونا أل نظلم عندك"‪...‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫**‬
‫ألقى جعفر بذه الكلمات السفرة كضوء الفجر‪ ،‬فملت نفس النجاشي احساسا وروعة‪ ،‬والتفت‬
‫ال جعفر وساله‪:‬‬
‫" هل معك ما أنزل على رسولكم شيء"‪..‬؟‬
‫قال جعفر‪ :‬نعم‪..‬‬
‫قال النجاشي‪ :‬فاقرأه علي‪..‬‬
‫ومضى حعفر يتلو ليات من سورة مري‪ ،‬ف أداء عذب‪ ،‬وخشوع فبكى النجاشي‪ ،‬وبكى معه‬
‫أساقفته جيعا‪..‬‬
‫ولا كفكف دموعه الاطلة الغزيرة‪ ،‬التفت ال مبعوثي قريش‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫" ان هذا‪ ،‬والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة‪..‬‬
‫انطلقا فل وال‪ ،‬ل أسلمهم اليكما"‪!!..‬‬
‫**‬
‫انفضّ الميع‪ ،‬وقد نصر ال عباده وآرهم‪ ،‬ف حي رزئ مندوبا قريش بزية منكرة‪..‬‬
‫لكن عمرو بن العاص كان داهية واسع اليلة‪ ،‬ل يتجرّع الزية‪ ،‬ول يذعن لليأس‪..‬‬
‫وهكذا ل يكد يعود مع صاحبه ال نزلما‪ ،‬حت ذهب يفكّر ويدبّر‪ ،‬وقال لزميله‪:‬‬
‫" وال لرجعنّ للنجاشي غدا‪ ،‬ولتينّه عنهم با يستأصل خضراءهم"‪..‬‬
‫وأجابه صاحبه‪ " :‬ل تفعل‪ ،‬فان لم أرحاما‪ ،‬وان كانوا قد خالفونا"‪..‬‬
‫قال عمرو‪ " :‬وال لخبنّه أنم يزعمون أن عيسى بن مري عبد‪ ،‬كبقية العباد"‪..‬‬
‫هذه اذن هي الكيدة الديدة الديدة الت دبّرها مبعوث قريش للمسلمي كي يلجئهم ال الزاوية‬
‫الادة‪ ،‬ويضعهم بي شقّي الرحى‪ ،‬فان هم قالوا عيسى عبد من عباد ال‪ ،‬حرّكوا ضدهم أضان اللك‬
‫والساقفة‪ ..‬وان هم نفوا عنه البشرية خرجوا عن دينهم‪!!...‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫**‬
‫وف الغداة أغذا السي ال مقابلة اللك‪ ،‬وقال له عمرو‪:‬‬
‫" أيها اللك‪ :‬انم ليقولون ف عيسى قول عظيما"‪.‬‬
‫واضطرب الساقفة‪..‬‬
‫واهتاجتهم هذه العبارة القصية‪..‬‬
‫ونادوا بدعوة السلمي لسؤالم عن موقف دينهم من السيح‪..‬‬
‫وعلم السلمون بالؤامرة الديدة‪ ،‬فجلسوا يتشاورون‪..‬‬
‫ث تفقوا على أن يقولوا الق الذي سعون من نبيهم عليه الصلة والسلم‪ ،‬لييدون عنه قيد شعرة‪،‬‬
‫وليكن ما يكن‪!!..‬‬
‫وانعقد الجتماع من جديد‪ ،‬وبدأ النجاشي الديث سائل جعفر‪:‬‬
‫"ماذا تقولون ف عيسى"‪..‬؟؟‬
‫ونض جعفر مرة أخرى كالنار الضيء وقال‪:‬‬
‫" نقول فيه ما جاءنا به نبينا صلى ال عليه وسلم‪ :‬هو عبدال ورسوله‪ ،‬وكلمته ألقاها ال مري وروح‬
‫منه"‪..‬‬
‫فهتف النجاشي نصدّقا ومعلنا أن هذا هو ما قاله السيح عن نفسه‪..‬‬
‫لك ّن صفوف الساقفة ضجّت با يسبه النكي‪..‬‬
‫ومضى النجاشي الستني الؤمن يتابع حديثه قائل للمسلمي‪:‬‬
‫" اذهبوا فأنتم آمنون بأرضي‪ ،‬ومن سبّكم أو آذاكم‪ ،‬فعليه غرم ما يفعل"‪..‬‬
‫ث التفت صوب حاشيته‪ ،‬وقال وسبّابته تشي ال مبعوثي قريش‪:‬‬
‫" ردّوا عليهما هداياها‪ ،‬فل حاجة ل با‪...‬‬
‫فوال ما أخذ ال من الرشوة حي ردّ عليّ ملكي‪ ،‬فآخذ الرشوة فيه"‪!!...‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وخرج مبعوثا قريش مذولي‪ ،‬حيث وليّا وجهيهما من فورها شطر مكة عائي اليها‪...‬‬
‫وخرج السلمون بزعامة جعفر ليستأنفوا حياتم المنة ف البشة‪ ،‬لبثي فيها كما قالوا‪ ":‬بي دار‪..‬‬
‫مع خي جار‪ "..‬حت يأذن ال لم بالعودة ال رسولم واخوانم وديارهم‪...‬‬
‫**‬
‫كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يتفل مع السلمي بفتح خيب حي طلع عليهم قادما من‬
‫البشة جعفر بن أب طالب ومعه من كانوا ل يزالون ف البشة من الهاجرين‪..‬‬
‫وأفعم قلب الرسول عليه الصلة والسلم بقدمة غبطة‪ ،‬وسعادة وبشرا‪..‬‬
‫وعانقه النب صلى ال عليه وسلم وهو يقول‪:‬‬
‫" ل أدري بأيهما أنا أسرّ بفتح خيب‪ ..‬أم بقدوم جعفر‪."..‬‬
‫وركب رسول ال صلى ال عليه وسلم وصحبه ال مكة‪ ،‬حيث اعتمروا عمرة القضاء‪ ،‬وعادوا ال‬
‫الدينة‪ ،‬وقد اكتلت نفس جعفر روعة با سع من انباء اخوانه الؤمني الذين خاضوا مع النب صلى‬
‫ال عليه وسلم غزوة بدر‪ ،‬وأحد‪ ..‬وغيها من الشاهد والغازي‪ ..‬وفاضت عيناه بالدمع على الذين‬
‫صدقوا ما عاهدوا ال عليه‪ ،‬وقضوا نبهم شهداء أبرار‪..‬‬
‫وطار فؤداه شوقا ال النة‪ ،‬وأخذ يتحيّن فرصة الشهادة ويترقب لظتها الجيدة‪!!..‬‬
‫**‬
‫وكانت غزوة مؤتة الت أسلفنا الديث عنها‪ ،‬تتحرّك راياتا ف الفق متأهبة للزحف‪ ،‬وللمسي‪..‬‬
‫ورأى جعفر ف هذه الغزوة فرصة العمر‪ ،‬فامّا أن يقق فيها نصرا كبيا لدين ال‪ ،‬واما أن يظفر‬
‫باستشهاد عظيم ف سبيل ال‪..‬‬
‫وتقدّم من رسول ال صلى ال عليه وسلم يرجوه أن يعل له ف هذه الغزوة مكانا‪..‬‬
‫كان جعفر يعلم علم اليقي أنا ليست نزهة‪ ..‬بل ول حربا صغية‪ ،‬انا هي حرب ل يض السلم‬
‫منها من قبل‪ ..‬حرب مع جيوش امباطورية عريضة باذخة‪ ،‬تلك من العتاد والعداد‪ ،‬والبة‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫والموال ما ل قبل للعرب ول للمسلمي به‪ ،‬ومع هذا طار شوقا اليها‪ ،‬وكان ثالث ثلثة جعلهم‬
‫رسول ال قواد اليش وأمراءه‪..‬‬
‫وخرج اليش وخرج جعفر معه‪..‬‬
‫والتقى المعان ف يوم رهيب‪..‬‬
‫وبينما كان من حق جعفر أن تأخذ الرهبة عنده عندما بصر جيش الروم ينتظم مائت ألف مقاتل‪،‬‬
‫فانه على العكس‪ ،‬أخذته نشوة عارمة اذا احسّ ف أنفه الؤمن العزيز‪ ،‬واعتداد البطل القتدر أنه‬
‫سيقاتل أكفاء له وأندادا‪!!..‬‬
‫وما كادت الراية توشك على السقوط من يي زيد بن حارثة‪ ،‬حت تلقاها جعفر باليمي ومضى يقاتل‬
‫با ف اقدام خارق‪ ..‬اقدام رجل ل يبحث عن النصر‪ ،‬بل عن الشهادة‪...‬‬
‫وتكاثر عليه وحوله مقاتلي الروم‪ ،‬و{اى فرسه تعوق حركته فاقتحم عنها فنل‪ ..‬وراح يصوب سيفه‬
‫ويسدده ال نور أعدائه كنقمة القدر‪ ..‬ولح واحدا من األعداء يقترب من فرسه ليعلو ظهرها‪ ،‬فعز‬
‫عليه أن يتطي صهوتا هذا الرجس‪ ،‬فبسط نوها سيفه‪ ،‬وعقرها‪!!..‬‬
‫وانطلق وسط الصفوف التكالبة عليه يدمدم كالعثار‪ ،‬وصوته يتعال بذا الزجر التوهج‪:‬‬
‫طيّبة‪ ،‬وبارد شرابا‬ ‫يا حبّذا النة واقترابا‬
‫كافرة بعيدة أنسابا‬ ‫والروم روم‪ ،‬قد دنا عذابا‬
‫عليّ اذا لقيتها ضرابا‬
‫وأدرك مقاتلو الروم مقدرة هذا الرجل الذي يقاتل‪ ،‬وكانه جيش لب‪..‬‬
‫وأحاطوا به ف اصرار منون على قتله‪ ..‬وحوصر بم حصارا ل منفذ فيه لنجاة‪..‬‬
‫وضربوا بالسيوف يينه‪ ،‬وقبل أن تسقط الراية منها على الرض تلقاها بشماله‪ ..‬وضربوها هي‬
‫الخرى‪ ،‬فاحتضن الراية بعضديه‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ف هذه اللحظة تركّزت كل مسؤوليته ف أل يدع راية رسول ال صلى ال عليه وسلم تلمس التراب‬
‫وهو حيّ‪..‬‬
‫وحي تكّومت جثته الطاهرة‪ ،‬كانت سارية الراية مغروسة بي عضدي جثمانه‪ ،‬ونادت خفقاتا‬
‫عبدال بن رواحة فشق الصفوف كالسهم نوها‪ ،‬واخذها ف قوة‪ ،‬ومضى با ال مصي عظيم‪!!..‬‬
‫**‬
‫وهكذا صنع جعفر لنفسه موتة من أعظم موتات البشر‪!!..‬‬
‫وهكذا لقي الكبي التعال‪ ،‬مضمّخا بفدائيته‪ ،‬مدثرا ببطولته‪..‬‬
‫وأنبأ العليم البي رسوله بصي العركة‪ ،‬وبصي جعفر‪ ،‬فاستودعه ال‪ ،‬وبكى‪..‬‬
‫وقام ال بيت ابن عمّه‪ ،‬ودعا بأطفاله وبنيه‪ ،‬فشمّمهم‪ ،‬وقبّلهم‪ ،‬وذرفت عيناه‪..‬‬
‫ث عاد ال ملسه‪ ،‬وأصحابه حافون به‪ .‬ووقف شاعرالسلم حسّان بن ثابت يرثي جعفر ورفاقه‪:‬‬
‫غداة مضوا بالؤمني يقودهم‬
‫ال الوت ميمون النقيبة أزهر‬
‫أغرّ كضوء البدر من آل هاشم‬
‫أبّ اذا سيم الظلمة مسر‬
‫فطاعن حت مال غي موسد‬
‫لعترك فيه القنا يتكسّر‬
‫فصار مع الستشهدين ثوابه‬
‫جنان‪ ،‬ومتلف الدائق أخضر‬
‫وكنّا نرى ف جعفر من ممد‬
‫وفاء وأمرا حازما حي يأمر‬
‫فما زال ف السلم من آل هاشم‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫دعائم عز ل يزلن ومفخر‬


‫وينهض بعد حسّان‪ ،‬كعب بن مالك‪ ،‬فيسل شعره الزل ‪:‬‬
‫وجدا على النفر الذين تتابعوا‬
‫يوما بؤتة‪ ،‬أسندوا ل ينقلوا‬
‫صلى الله عليهم من فتية‬
‫وسقى عظامهم الغمام السبل‬
‫صبوا بؤتة للله نفوسهم‬
‫حذر الردى‪ ،‬ومافة أن ينكلوا‬
‫اذ يهتدون بعفر ولواؤه‬
‫قدّام أولم‪ ،‬فنعم الول‬
‫حت تفرّجت الصفوف وجعفر‬
‫حيث التقى وعث الصفوف مدّل‬
‫فتغي القمر الني لفقده‬
‫والشمس قد كسفت‪ ،‬وكادت تأفل‬
‫وذهب الساكي جيعهم يبكون أباهم‪ ،‬فقد كان جعفر رضي ال عنه أبا الساكي‪..‬‬
‫يقول أبو هريرة‪:‬‬
‫" كان خي الناس للمساكي جعفر بن أب طالب"‪...‬‬
‫أجل كان أجود الناس باله وهو حيّ‪ ..‬فلما جاء أجله أب ال أن يكون من أجود الشهداء وأكثرهم‬
‫بذل لروحه وحيته‪..‬‬
‫يقول عبدال بن عمر‪:‬‬
‫" كنت مع جعفر ف غزوة مؤتة‪ ،‬فالتمسناه‪ ،‬فوجدناه وبه بضع وتسعون ما بي رمية وطعنة"‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫بضع وتسعون طعنة سيف ورمية رمح‪..‬؟؟!!‬


‫ومع هذا‪ ،‬فهل نال القتلة من روحه ومن مصيه منال‪..‬؟؟‬
‫أبدا‪ ..‬وما كانت سيوفهم ورماحهم سوى جسر عب عليه الشهيد الجيد ال جوار ال العلى‬
‫الرحيم‪ ،‬حيث نزل ف رحابه مكانا عليّا‪..‬‬
‫انه هنالك ف جنان اللد‪ ،‬يمل أوسة العركة على كل مكان من جسد أنكته السيوف والرماح‪..‬‬
‫وان شئتم‪ ،‬فاسعوا قول رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫" لقد رأيته ف النّة‪ ..‬له جناحان مضرّجان بالدماء‪ ..‬مصبوغ القوادم"‪!!!...‬‬
‫عبدال بن رواحة‬
‫يا نفس‪ ،‬ال تقتلي توت‬
‫عندما كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يلس مستخفيا من كفار قريش مع الوفد القادم من‬
‫الدينة هناك عند مشترف مكة‪ ،‬يبايع اثن عشر نقيبا من النصار بيعة العقبة الول‪ ،‬كان هناك عبدال‬
‫بن رواحة واحدا من هؤلء النقباء‪ ،‬حلة السلم ال الدينة‪ ،‬والذين مهدّت بيعتهم هذه للهجرة الت‬
‫كانت بدورها منطلقا رائعا لدين ال‪ ،‬والسلم‪..‬‬
‫وعندما كان الرسول عليه الصلة والسلم يبايع ف العام التال ثلثة وسبعي من النصار أهل الدينة‬
‫بيعة العقبة الثانية‪ ،‬كان ابن رواحة العظيم واحدا من النقباء البايعي‪...‬‬
‫وبعد هجرة الرسول وأصحابه ال الدينة واستقرارهم با‪ ،‬كان عبدال بن رواحة من أكثر النصار‬
‫عمل لنصرة الدين ودعم بنائه‪ ،‬وكان من أكثرهم يقظة لكايد عبد ال بن أبّ الذي كان أهل الدينة‬
‫يتهيئون لتتويه ملكا عليها قبل أن يهاجر السلم اليها‪ ،‬والذي ل تبارح حلقومه مرارة الفرصة‬
‫الضائعة‪ ،‬فمضى يستعمل دهاءه ف الكيد للسلم‪ .‬ف حي مضى عبدال بن رواحة يتعقب هذا الدهاء‬
‫ببصيةمنية‪ ،‬أفسدت على ابن أبّ أكثر مناوراته‪ ،‬وشلّت حركة دهائه‪!!..‬‬
‫وكان ابن رواحة رضي ال عنه‪ ،‬كاتبا ف بيئة ل عهد لا بالكتابة ال يسيا‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وكان شاعرا‪ ،‬ينطلق الشعر من بي ثناياه عذبا قويا‪..‬‬


‫ومنذ أسلم‪ ،‬وضع مقدرته الشعرية ف خدمة السلم‪..‬‬
‫وكان الرسول يب شعره ويستزيده منه‪..‬‬
‫جلس عليه السلم يوما مع أصحابه‪ ،‬وأقبل عبدال بن رواحة‪ ،‬فسأله النب‪:‬‬
‫" كيف تقول الشعر اذا أردت أن نقول"‪..‬؟؟‬
‫فأجاب عبدال‪ ":‬أنظر ف ذاك ث أقول"‪..‬‬
‫ومضى على البديهة ينشد‪:‬‬
‫يا هاشم الي ان ال فضّلكم‬
‫على البيّة فضل ما له غي‬
‫ان تفرّست فيك الي أعرفه‬
‫فراسة خالفتهم ف الذي نظروا‬
‫ولو سألت أو استنصرت بعضهمو‬
‫ف حلّ أمرك ما ردّوا ول نصروا‬
‫فثّبت ال ما آتاك من حسن‬
‫تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا‬
‫فسرّ الرسول ورضي وقال له‪:‬‬
‫" واياك‪ ،‬فثّبت ال"‪..‬‬
‫وحي كان الرسول عليه الصلة والسلم يطوف بالبيت ف عمرة القضاء‬
‫كان ابن رواحة بي يديه ينشد من رجزه‪:‬‬
‫ول تصدّقنا ول صلينا‬ ‫يا ربّ لول أنت ما اهتدينا‬
‫وثبّت القدام ان لقينا‬ ‫فأنزلن سكينة علينا‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫اذا أرادوا فتنة ألبنا‬ ‫ان الذين قد بغوا علينا‬


‫وكان السلمون يرددون أنشودته الميلة‪..‬‬
‫وحزن الشار الكثر‪ ،‬حي تنل الية الكرية‪:‬‬
‫( والشعراء يتبعهم الغاوون)‪..‬‬
‫ولكنه يستردّ غبطة نفسه حي تنل آية أخرى‪:‬‬
‫( ال الذين آمنوا وعملوا الصالات‪ ،‬وذكروا ال كثيا‪ ،‬وانتصروا من بعد ما ظلموا‪)..‬‬
‫**‬
‫وحي يضطر السلم لوض القتال دفاعا عن نفسه‪ ،‬يمل ابن رواحة سيفه ف مشاهد بدر وأحد‬
‫والندق والديبية وخيب جاعل شعاره دوما هذه الكلمات من شعره وقصيده‪:‬‬
‫" يا نفس ال تقتلي توت"‪..‬‬
‫وصائحا ف الشركي ف كل معركة وغزاة‪:‬‬
‫خلوا بن الكفار عن سبيله‬
‫خلوا‪ ،‬فكل الي ف رسوله‬
‫**‬
‫وجاءت غزوة مؤتة‪..‬‬
‫وكان عبدال بن رواحة ثالث المراء‪ ،‬كما أسلفنا ف الديث عن زيد وجفعر‪..‬‬
‫ووقف ابن رواحة رضي ال عنه واليش يتأهب لغادرة الدينة‪..‬‬
‫وقف ينشد ويقول‪:‬‬
‫وضربة ذات فرع وتقذف الزبدا‬ ‫لكنن أسأل الرحن مغفرة‬
‫بربة تنفد الحشاء والكبدا‬ ‫أو طعنة بيدي حرّان مهرة‬
‫يا أرشد ال من غاز‪ ،‬وقد رشدا‬ ‫حت يقال اذا مرّوا على جدثي‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫أجل تلك كانت أمنيته ول شيء سواها‪ ..‬ضربة سيف أ‪ ،‬طعنة رمح‪ ،‬تنقله ال عال الشهداء‬
‫والظافرين‪!!..‬‬
‫**‬
‫وترّك اليش ال مؤتة‪ ،‬وحي استشرف السلمون عدوّهم حزروا جيش الروم بائت ألف مقاتل‪ ،‬اذ‬
‫رأوا صفوفا ل آخر لا‪ ،‬وأعداد نفوق الصر والساب‪!!..‬‬
‫ونظر السلمون ال عددهم القليل‪ ،‬فوجوا‪ ..‬وقال بعضهم‪:‬‬
‫" فلنبعث ال رسول ال‪ ،‬نبه بعدد عدوّنا‪ ،‬فامّا أن يدّنا بالرجال‪ ،‬وأمّا أن يأمرنا بالزحف فنطيع"‪..‬‬
‫بيد أن ابن رواحة نض وسط صفوفهم كالنهار‪ ،‬وقال لم‪:‬‬
‫" يا قوم‪..‬‬
‫انّا وال‪ ،‬ما نقاتل ال بذا الدين الذي أكرمنا ال به‪..‬‬
‫فانطلقوا‪ ..‬فانا هي احدى السنيي‪ ،‬النصر أو الشهادة"‪...‬‬
‫وهتف السلمون القلون عددا‪ ،‬الكثرون ايانا‪..،‬‬
‫هتفوا قائلي‪:‬‬
‫"قد وال صدق ابن رواحة"‪..‬‬
‫ومضى اليش ال غايته‪ ،‬يلقي بعدده القليل مائت ألف‪ ،‬حشدهم الروم للقال الضاري الرهيب‪...‬‬
‫**‬
‫والتقى اليشان كما ذكرنا من قبل‪..‬‬
‫وسقط المي الول زيد بن حارثة شهيدا ميدا‪..‬‬
‫وتله المي الثان جعفر بن عبد الطلب حت أدرك الشهادة ف غبطة وعظمة‪..‬‬
‫وتله ثالث المراء عبداله بن رواحة فحمل الراية من يي جعفر‪ ..‬وكان القتال قد بلغ ضراوته‪،‬‬
‫وكادت القلة السلمة تتوه ف زحام العرمرم اللجب‪ ،‬الذي حشده هرقل‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وحي كان ابن رواحة يقاتل كجندي‪ ،‬كان يصول ويول ف غي تردد ول مبالة‪..‬‬
‫أما الن‪ ،‬وقد صار أميا للجيش ومسؤول عن حياته‪ ،‬فقد بدا أمام ضراوة الروم‪ ،‬وكأنا مرّت به لسة‬
‫تردد وتيّب‪ ،‬لكنه ما لبث أن استجاش كل قوى الخاطرة ف نفسه وصاح‪..‬‬
‫مال أراك تكرهي النّة؟؟‬ ‫أقسمت يا نفس لتنلنّه‬
‫هذا حام الوت قد صليت‬ ‫يا نفس ال تقتلي توت‬
‫ان تفعلي فعلهما هديت‬ ‫وما تنّت فقد أعطيت‬
‫يعن بذا صاحبيه الذين سبقاه ال الشهادة‪ :‬زيدا وجعفر‪..‬‬
‫"ان تفعلي فعلهما هديت‪.‬‬
‫انطلق يعصف بالروم عصفا‪..‬‬
‫ول كتاب سبق بأن يكون موعده مع النة‪ ،‬لظلّ يضرب بسيفه حت يفن الموع القاتلة‪ ..‬لكن‬
‫ساعة الرحيل قد دقّت معلنة بدء السية ال ال‪ ،‬فصعد شهيدا‪..‬‬
‫هوى جسده‪ ،‬فصعدت ال الرفيق العلى روحه الستبسلة الطاهرة‪..‬‬
‫وتققت أغلى أمانيه‪:‬‬
‫حت يقال اذا مرّوا على جدثي‬
‫يا أرشد ال من غار‪ ،‬وقد رشدا‬
‫نعم يا ابن رواحة‪..‬‬
‫يا أرشد ال من غاز وقد رشدا‪!!..‬‬
‫**‬
‫وبينما كان القتال يدور فوق أرض البلقاء بالشام‪ ،‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يلس مع‬
‫أصحابه ف الدينة‪ ،‬يادثهم ويادثونه‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وفجأة والديث ماض ف تلل وطمأنينة‪ ،‬صمت رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأسدل جفنيه‬
‫قليل‪ ..‬ث رفعهما لينطلق من عينيه بريق ساطع يبلله أسى وحنان‪!!..‬‬
‫وطوفّت نظراته السية وجوه أصحابه وقال‪:‬‬
‫"أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل با حت قتل شهيدا‪.‬‬
‫ث أخذها جعفر فقاتل با‪ ،‬حت قتل شهيدا"‪..‬‬
‫وصمت قليل ث استأنف كلماته قائل‪:‬‬
‫" ث أخذها عبدال بن رواحة فقاتل با‪ ،‬حت قتل شهيدا"‪..‬‬
‫ث صمت قليل وتألقت عيناه بومض متهلل‪ ،‬مطمئن‪ ،‬مشتاق‪ .‬ث قال‪:‬‬
‫" لقد رفعوا ال النة"‪!!..‬‬
‫أيّة رحلة ميدة كانت‪..‬‬
‫وأي اتفاق سعيد كان‪..‬‬
‫لقد خرجوا ال الغزو معا‪..‬‬
‫وكانت خي تيّة توجّه لذكراهم الالدة‪ ،‬كلمات رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫" لقد رفعوا ال النة"‪!!..‬‬
‫خالد بن الوليد‬
‫ل ينام ول يترك أحدا ينام‬
‫ان أمره لعجيب‪!!..‬‬
‫هذا الفاتك بالسلمي يوم أحد والفاتك بأعداء السلم بقية اليام‪!!..‬‬
‫أل فلنأت على قصته من البداية‪..‬‬
‫ولكن أية بداية‪..‬؟؟‬
‫انه هو نفسه‪ ،‬ل يكاد يعرف لياته بدءا ال ذلك اليوم الذي صافح فيه الرسول مبايعا‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ولو استطاع لنحّى عمره وحياته‪ ،‬كل ماسبق ذلك اليوم من سني‪ ،‬وأيام‪..‬‬
‫فلنبدأ معه اذنن حيث يب‪ ..‬من تلك اللحظة الباهرة الت خشع فيها قلبه ل‪ ،‬وتلقت روحه فيها‬
‫لسة من يي الرحن‪ ،‬وكلتا يديه يي‪ ،‬فنفجّرت شوقا ال دينه‪ ،‬وال رسوله‪ ،‬وال استشهاد عظيم ف‬
‫سبيل الق‪ ،‬ينضو عن كاهله أوزار مناصرته الباطل ف أيامه الاليات‪..‬‬
‫**‬
‫لقد خل يوما ال نفسه‪ ،‬وأدار خواطره الرشيدة على الدين الديد الذي تزداد راياته كل يوما تألقا‬
‫وارتفاعا‪ ،‬وتنّى على ال علم الغيوب أن ي ّد اليه من الدى بسبب‪ ..‬والتمعت ف فؤاده الذكي بشائر‬
‫اليقي‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫" وال لقد استقام النسم‪....‬‬
‫وان الرجل لرسول‪..‬‬
‫فحت مت‪..‬؟؟‬
‫أذهب وال‪ ،‬فأسلم"‪..‬‬
‫ولنصغ اليه رضي ال عنه وهو يدثنا عن مسيه البارك ال رسول ال عليه الصلة والسلم‪ ،‬وعن‬
‫رحلته من مكة ال الدينة ليأخذ مكانه ف قافلة الؤمني‪:‬‬
‫"‪ ..‬وددت لو أجد من أصاحب‪ ،‬فلقيت عثمان بن طلحة‪ ،‬فذكرت له الذي أريد فأسرع الجابة‪،‬‬
‫وخرجنا جيعا فأدلنا سحرا‪ ..‬فلما كنا بالسهل اذا عمرو بن العاص‪ ،‬فقال مرحبا يا قوم‪،‬‬
‫قلنا‪ :‬وبك‪..‬‬
‫قال‪ :‬أين مسيكم؟ فأخبناه‪ ،‬وأخبنا أيضا أنه يريد النب ليسلم‪.‬‬
‫فاصطحبنا حت قدمنا الدينة أول يوم من صفر سنة ثان‪..‬فلما اطّلعت على رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم سلمت عليه بالنبوّة فردّ على السلم بوجه طلق‪ ،‬فأسلمت وشهدت شهادة الق‪..‬‬
‫فقال الرسول‪ :‬قد كنت أرى لك عقل رجوت أل يسلمك ال ال خي‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وبايعت رسول ال وقلت‪ :‬استغفر ل كل ما أوضعت فيه من صدّ عن سبيل ال‪..‬‬


‫فقال‪ :‬ان السلم يبّ ما كان قبله‪..‬‬
‫قلت‪ :‬يا رسول ال على ذلك‪..‬‬
‫فقال‪ :‬اللهم اغفر لالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صدّ عن سبيلك‪..‬‬
‫وتقدّم عمرو بن العاص‪ ،‬وعثمان بن طلحة‪ ،‬فأسلما وبايعا رسول ال"‪...‬‬
‫**‬
‫أرأيتم قوله للرسول‪ ":‬استغفر ل كل ما أوضعت فيه من صدّ عن سبيل ال"‪..‬؟؟‬
‫ان الذي يضع هذه العبارة بصره‪ ،‬وبصيته‪ ،‬سيهتدي ال فهم صحيح لسلك الواقف الت تشبه اللغاز‬
‫ف حياة سيف ال وبطل السلم‪..‬‬
‫وعندما نبلغ تلك الواقف ف قصة حياته ستكون هذه العبارة دليلنا لفهمها وتفسيها‪..-‬‬
‫أما الن‪ ،‬فمع خالد الذي أسلم لتوه لنرى فارس قريش وصاحب أعنّة اليل فيها‪ ،‬لنرى داهية العرب‬
‫كافة ف دنيا الك ّر والفرّ‪ ،‬يعطي للة أبائه وأماد قومه ظهره‪ ،‬ويستقبل مع الرسول والسلمي عالا‬
‫جديدا‪ ،‬كتب ال له أن ينهض تت راية ممد وكلمة التوحيد‪..‬‬
‫مع خالد اذن وقد أسلم‪ ،‬لنرى من أمره عجبا‪!!!!..‬‬
‫**‬
‫أتذكرون أنباء الثلثة شهداؤ أبطال معركة مؤتة‪..‬؟؟‬
‫لقد كانوا زيد بن حارثة‪ ،‬وجعفر بن أب طالب‪ ،‬وعبدال بن رواحة‪..‬‬
‫لقد كانوا أبطال غزوة مؤتة بأرض الشام‪ ..‬تلك الغزوة الت حشد لا الروم مائت ألف مقاتل‪ ،‬والت‬
‫أبلى السلمون فيها بلء منقطع النظي‪..‬‬
‫وتذطرون العبارة الليلة السية الت نعى با الرسول صلى ال عليه وسلم قادة العركة الثلثة حي‬
‫قال‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل با حت قتل شهيدا‪.‬‬


‫ث أخذها جعفر فقاتل با‪ ،‬حت قتل شهيدا‪..‬‬
‫ث أخذها عبدال بن رواحة فقاتل با حت قتل شهيدا"‪.‬‬
‫كان لديث رسول ال صلى ال عليه وسلم هذا بقيّة‪ ،‬ادّخرناها لكانا على هذه الصفحات‪..‬‬
‫هذه البقيّة هي‪:‬‬
‫" ث أخذ الراية سيف من سيوف ال‪ ،‬ففتح ال علي يديه"‪.‬‬
‫فمن كان هذا البطل‪..‬؟‬
‫لقد كان خالد بن الوليد‪ ..‬الذي سارع ال غزوة مؤتة جنديا عاديا تت قيادة القواد الثلثة الذين‬
‫جعلهم الرسول على اليش‪ :‬زيد‪ ،‬وجعفر وعبدال ابن رواحة‪ ،‬والذين اساشهدوا بنفس الترتيب على‬
‫ارض العركة الضارية‪..‬‬
‫وبعد سقوط آخر القواد شهيدا‪ ،‬سارع ال اللواء ثابت بن أقوم فحمله بيمينه ورفعه عاليا وسط‬
‫اليش السلم حت ل بعثر الفوضى صفوفه‪..‬‬
‫ول يكد ثابت يمل الراية حت توجه با مسرعا ال خالد بن الوليد‪ ،‬قائل له‪:‬‬
‫" خذ اللواء يا أبا سليمان"‪...‬‬
‫ول يد خالد من حقّه وهو حديث العهد بالسلم أن يقود قوما فيهم النصار والهاجرون الذين‬
‫سبقوه بالسلم‪..‬‬
‫أدب وتواضع وعرفان ومزايا هو لا اهل وبا جدير!!‬
‫هنالك قال ميبا ثابت بن أقرم‪:‬‬
‫" ل آخذ اللواء‪ ،‬أنت أحق به‪ ..‬لك سن وقد شهدت بدرا"‪..‬‬
‫وأجابه ثابت‪ ":‬خذه‪ ،‬فأنت أدرى بالقتال من‪ ،‬ووال ما أخذته ال لك"‪.‬‬
‫ث نادى ف السلمي‪ :‬اترضون امرة خالد‪..‬؟‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫قالوا‪ :‬نعم‪..‬‬
‫واعتلى العبقري جواده‪ .‬ودفع الراية بيمينه ال المام كأنا يقرع أبوابا مغلقة آن لا أن تفتح على‬
‫طريق طويل لحب سيقطعه البطل وثبا‪..‬‬
‫ف حياة الرسول وبعد ماته‪ ،‬حت تبلغ القادير بعبقريته الارقة أمرا كان مقدورا‪...‬‬
‫ولّي خالد امارة اليش بعد أن كان مصي العركة قد تدد‪ .‬فضحايا السلمي كثيون‪ ،‬وجناهم‬
‫مهيض‪ ..‬وجيش الروم ف كثرته الساحقة كاسح‪ ،‬ظافر مدمدم‪..‬‬
‫ول يكن بوسع أية كفاية حربية أن تغي من الصي شيئا‪ ،‬فتجعل الغلوب غالبا‪ ،‬والغالب مغلوبا‪..‬‬
‫وكان العمل الوحيد الذي ينتظر عبقريا لكي ينجزه‪ ،‬هو وقف السائر ف جيش السلم‪ ،‬والروج‬
‫ببقيته سالا‪ ،‬أي النسحاب الوقائي الذي يول دون هلك بقية القوة القاتلة على أرض العركة‪.‬‬
‫بيد أن انسحابا كهذا كان من الستحالة بكان‪..‬‬
‫ولكن‪ ،‬اذا كان صحيحا أنه ل مستحيل على القلب الشجاع فمن أشجع قلبا من خالد‪ ،‬ومن أروع‬
‫عبقرية وأنفذ بصية‪..‬؟؟!‬
‫هنالك تقدم سيف ال يرمق أرض القتال الواسعة بعيني كعين الصقر‪ ،‬ويدير الطط ف بديهته‬
‫بسرعة الضوء‪ ..‬ويقسم جيشه‪ ،‬والقتال دائر‪ ،‬ال مموعات‪ ،‬ث يكل ال كل مموعة بهامها‪ ..‬وراح‬
‫يستعمل فنّه العجز ودهاءه البليغ حت فتح ف صفوف الروم ثغرة فسيحة واسعة‪ ،‬خرج منها جيش‬
‫السلمي كله سليما معاف‪ .‬بعد أن نا بسبب من عبقرية بطل السلم من كارثة ماحقة ما كان لا‬
‫من زوال‪!!...‬‬
‫وف هذه العركة أنعم الرسول على خالد بذا اللقب العظيم‪..‬‬
‫**‬
‫وتنكث قريش عهدها مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فيتحرك السلمون تت قيادته لفتح‬
‫مكة‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وعلى الناح الين من اليش‪ ،‬يعل الرسول خالدا أميا‪..‬‬


‫ويدخل خالد مكة‪ ،‬واحدا من قادة اليش السلم‪ ،‬والمة السلمة بعد أن شهدته سهولا وجبالا‪.‬‬
‫قائدا من قوّاد جيش الوثنية والشرك زمنا طويل‪..‬‬
‫وتطر له ذكريات الطفولة‪ ،‬حيث مراتعها اللوة‪ ..‬وذكريات الشباب‪ ،‬حيث ملهيه الصاخبة‪..‬‬
‫ث تيشه ذكريات اليام الطويلة الت ضاع فيها عمره قربانا خاسرا لصنام عاجزة كاسدة‪..‬‬
‫وقبل أن يعضّ الندم فؤاده ينتفض تت تت روعة الشهد وجلله‪..‬‬
‫مشهد الستضعفي الذين ل تزال جسومهم تمل آثار التعذيب والول‪ ،‬يعودون ال البلد الذي‬
‫أخرجوا منه بغيا وعدوا‪ ،‬يعودون اليه على صهوات جسادهم الصاهلة‪ ،‬وتت رايات السلم‬
‫الافقة‪ ..‬وقد توّل هسهم الذي كانوا يتناجون به ف دار الرقم بالمس‪ ،‬ال تكبيات صادعة رائعة‬
‫ترجّ مكة رجّا‪ ،‬وتليلت باهرة ظافرة‪ ،‬يبدو الكون معها‪ ،‬وكأنه كله ف عيد‪!!...‬‬
‫كيف تّت العجزة‪..‬؟‬
‫أي تفسي لذا الذي حدث؟‬
‫ل شيء ال هذه الية الت يرددها الزاحفون الظافرون وسط تليلتم وتكبياتم حت ينظر بعضهم‬
‫ال بعض فرحي قائلي‪:‬‬
‫(وعد ال‪ ..‬ل يلف ال وعده)‪!!..‬‬
‫ويرفع خالد رأسه ال أعلى‪ .‬ويرمق ف اجلل وغبطة وحبور رايات السلم تل الفق‪ ..‬فيقول‬
‫لنفسه‪:‬‬
‫أجل انه وعد ال ول يلف ال وعده‪!!..‬‬
‫ث ين رأسه شاكرا نعمة ربه الذي هداه للسلم وجعله ف يوم الفتح العظيم هذا‪ ،‬واحدا من الذين‬
‫يملون راية السلم ال مكة‪ ..‬وليس من الذين سيحملهم الفتح على السلم‪..‬‬
‫**‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ويظل خالد ال جانب رسول ال‪ ،‬واضعا كفاياته التفوقة ف خدمة الدين الذي آمن به من كل‬
‫يقينه‪ ،‬ونذر له كل حياته‪.‬‬
‫وبعد أن يلحق الرسول بالرفيق العلى‪ ،‬ويمل أبو بكر مسؤولية اللفة‪ ،‬وتبّ أعاصي الردّة غادرة‬
‫ماكرة‪ ،‬مطوقة الدين الديد بزئيها الصمّ وانتفاضها الدمدم‪ ..‬يضع أبو بكر عينه لول وهلة على‬
‫بطل الوقف ورجل الساعة‪ ..‬أل سليمان‪ ،‬سيف ال‪ ،‬خالد بن الوليد‪!!..‬‬
‫وصحيح أن أبا بكر ل يبدأ معارك الرتدين ال بيش قاده هو بنفسه‪ ،‬ولكن ذلك ل ينع أنه ادّخر‬
‫خالدا ليوم الفصل‪ ،‬وأن خالدا ف العركة الفاصلة الت كانت أخطر معارك الردة جيعا‪ ،‬كان رجلها‬
‫الفذ وبطلها اللهم‪..‬‬
‫**‬
‫عندما بدأت جوع الرتدين تتهيأ لناز مؤامرتا الضخمة‪ ،‬صمم الليفة العظيم أبو بكر على أن‬
‫يقود جيوش السلمي بنفسه‪ ،‬ووقف زعماء الصحابة يبذلون ماولت يائسة لصده عن هذا العزم‪.‬‬
‫ولكنه ازداد تصميما‪ ..‬ولعله أراد بذا أن يعطي القضية الت دعا الناس لوض الرب من أجلها أهيّة‬
‫وقداسة‪ ،‬ل يؤكدها ف رأيه ال اشتراكه الفعلي ف العارك الضارية الت ستدور رحاها بي قوى‬
‫اليان‪ ،‬وبي جيوش الضلل والردة‪ ،‬وال قيادته الباشرة لبعض أو لكل القوات السلمة‪..‬‬
‫ولقد كانت انتفاضات الردة بالغة الطورة‪ ،‬على الرغم من أنا بدأت وكأنا ترّد عارض‪..‬‬
‫لقد وجد فيها جيع الوتورين من السلم والتربصي به فرصتهم النادرة‪ ،‬سواء بي قبائل العرب‪ ،‬أم‬
‫على الدود‪ ،‬حيث يثم سلطان الروم والفرس‪ ،‬هذا السلطان الذي بدأ يسّ خطر السلم الكب‬
‫عليه‪ ،‬فراح يدفع الفتنة ف طريقه من وراء ستار‪!!..‬‬
‫ونشبت نيان الفتننة ف قبائل‪ :‬أسد‪ ،‬وغطفان‪ ،‬وعبس‪ ،‬وطيء‪ ،‬وذبيان‪..‬‬
‫ث ف قبائل‪ :‬بن غامر‪ ،‬وهوزان‪ ،‬وسليم‪ ،‬وبن تيم‪..‬‬
‫ول تكد الناوشات تبدأ حت استحالت ال جيوش جرّارة قوامها عشرات اللوف من القاتلي‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫واستجاب للمؤامرة الرهيبة أهل البحرين‪ ،‬وعمان‪ ،‬والهرة‪ ،‬وواجه السلم أخطر منة‪ ،‬واشتعلت‬
‫الرض من حول السلمي نارا‪ ..‬ولكن‪ ،‬كان هناك أبو بكر‪!!..‬‬
‫عبّأ أبو بكر السلمي وقادهم ال حيث كانت قبائل بن عبس‪ ،‬وبن مرّة‪ ،‬وذبيان قد خرجوا ف‬
‫جيش لب‪..‬‬
‫ودار القتال‪ ،‬وتطاول‪ ،‬ث كتب للمسلمي نصر مؤزر عظيم‪..‬‬
‫ول يكد اليش النتصر يستقر بالدينة‪ .‬حت ندبه الليفة للمعركة التالية‪..‬‬
‫وكانت أنباء الرتدين وتمّعاتم تزداد كل ساعة خطورة ‪ ..‬وخرج أبو بكر على رأس هذا اليش‬
‫الثان‪ ،‬ولكن كبار الصحابة يفرغ صبهم‪ ،‬ويمعون على بقاء الليفة بالدينة‪ ،‬ويعترض المام علي‬
‫طريق أبا بكر ويأخذ بزمام راحلته الت كان يركبها وهو ماض امام جيشه الزاحف فيقول له‪:‬‬
‫" ال أين يا خليفة رسول ال‪..‬؟؟‬
‫ان أقول لك ما قاله رسول ال يوم أحد‪:‬‬
‫لّ سيفك يا أبا بكر ل تفجعنا بنفسك‪"...‬‬
‫وأمام اجاع مصمم من السلمي‪ ،‬رضي الليفة أن يبقى بالدينة وقسّم اليش ال احدى عشرة‬
‫مموعة‪ ..‬رسم لكل مموعة دورها‪..‬‬
‫وعلى مموعة ضخمة من تلك الجموعات كان خالد بن الوليد أميا‪..‬‬
‫ولا عقد الليفة لكل أمي لواءه‪ ،‬اته صوب خالد وقال ياطبه‪:‬‬
‫" سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪ :‬نعم عبدال‪ .‬وأخو العشية‪ ،‬خالد ابن الوليد‪ ،‬سيف‬
‫من سيوف ال‪ .‬سلّه ال على الكفار والنافقي"‪..‬‬
‫**‬
‫ومضى خالد ال سبيله ينتقل بيشه من معركة ال معركة‪ ،‬ومن نصر ال مصر حت كانت العركة‬
‫الفاصلة‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فهناك باليمامة كان بنو حنيفة‪ ،‬ومن اناز اليهم من القبائل‪ ،‬قد جيّشوا أخطر جيوش الردو قاطبة‪،‬‬
‫يقوده مسيلمة الكذاب‪.‬‬
‫وكانت بعض القوات السلمة قد جرّبت حظها مع جيوش مسيلمة‪ ،‬فلم تبلغ منه منال‪..‬‬
‫وجاء أمر الليفة ال قائده الظفر أن سر ال بن حنيفة‪ ..‬وسار خالد‪..‬‬
‫ول يكد مسيلمة يعلم أن ابن الوليد ف الطريق اليه حت أعاد تنظيم جيشه‪ ،‬وجعل منه خطرا حقيقيا‪،‬‬
‫وخصما رهيبا‪..‬‬
‫والتقى اليشان‪:‬‬
‫وحي تطالع ف كتب السية والتاريخ‪ ،‬سي تلك العركة الائلة‪ ،‬تأخذك رهبة مضنية‪ ،‬اذ تد نفسك‬
‫أمام معركة تشبه ف ضراوتا زجبوتا معارك حروبنا الديثة‪ ،‬وان تلّفت ف نوع السلح وظروف‬
‫القتال‪..‬‬
‫ونزل خالد بيشه على كثيب مشرف على اليمامة‪ ،‬وأقبل مسيلمة ف خيلئه وبغيه‪ ،‬صفوف جيشه‬
‫من الكثرة كأنا ل تؤذن بانتهاء‪!!..‬‬
‫وسّلم خالد اللوية والرايات لقادة جيشه‪ ،‬والتحم اليشان ودار القتال الرهيب‪ ،‬وسقط شهداء‬
‫السلمي تباعا كزهور حديقة طوّحت با عاصفة عنيدة‪!!..‬‬
‫وأبصر خالد رجحان كفة العداء‪ ،‬فاعتلى بواده ربوة قريبة وألقى على العركة نظرة سريعة‪ ،‬ذكية‬
‫وعميقة‪..‬‬
‫ومن فوره أدرك نقاط الضعف ف جيشه وأحصاها‪..‬‬
‫رأى الشعور بالسؤولية قد وهن تت وقع الفاجأة الت دههم با جيش مسيلمة‪ ،‬فقرر ف نفس‬
‫اللحظة أن يشدّ ف أفئدة السلمي جيعا ال أقصاه‪ ..‬فمضى ينادي اليه فيالق جيشه وأجنحته‪ ،‬وأعاد‬
‫تنسيق مواقعه على أرض العركة‪ ،‬ث صاح بصوته النتصر‪:‬‬
‫" امتازوا‪ ،‬لنرى اليوم بلء كل حيّ"‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وامتازوا جيعا‪..‬‬
‫مضى الهاجرون تت راياتم‪ ،‬والنصار تت رايتهم " وكل بن أب على رايتهم"‪.‬‬
‫وهكذا صار واضحا تاما‪ ،‬من أين تيء الزية حي تيء واشتعلت النفس حاسة‪ ،‬اتّقدت مضاء‪،‬‬
‫وامتلت عزما وروعة‪..‬‬
‫وخالد بي الي والي‪ ،‬يرسل تكبية أو تليلة أو صيحة يلقى با امرا‪ ،‬فتتحوّل سيوف جيشه ال‬
‫مقادير ل رادّ لمرها‪ ،‬ول معوّق لغاياتا‪..‬‬
‫وف دقائق معدودة توّل اتاه العركة وراح جنود مسيلمة يتساقطون بالعشرات‪ ،‬فالئات فاللوف‪،‬‬
‫كذباب خنقت أنفاس الياة فيه نفثات مطهر صاعق مبيد‪!!..‬‬
‫لقد نقل خالد حاسته كالكهرباء ال جنوده‪ ،‬وحلّت روحه ف جيشه جيعا‪ ..‬وتلك كانت احدى‬
‫خصال عبقريّته الباهرة‪..‬‬
‫وهكذا سارت أخطر معارك الردة وأعنف حروبا‪ ،‬وقتل مسيلمة‪..‬‬
‫وملت جثث رجاله وجيشه أرض القتال‪ ،‬وطويت تت التراب ال البد راية الدّع ّي الكذاب‪..‬‬
‫**‬
‫وف الدينة صلى الليفة لربه الكبي التعال صلة الشكر‪ ،‬اذ منحهم هذا النصر‪ ،‬وهذا البطل‪..‬‬
‫وكان أبو بكر قد أدرك بفطنته وبصيته ما لقوى الشر الاثة وراء حدود بلده من دور خطي ف‬
‫تديد مصي السلم واهله‪ ..‬الفرس ف العراق‪ ..‬والروم ف بلد الشام‪..‬‬
‫امبطوريتان خرعتان‪ ،‬تتشبثان بيوط واهنة من حظوظهما الغاربة وتسومان الناس ف العراق وف‬
‫الشام سوء العذاب‪ ،‬بل وتسخرهم‪ ،‬وأكثرهم عرب‪ ،‬لقتال السلمي العرب الذين يملون راية الدين‬
‫الديدة‪ ،‬يضربون بعاوله قلع العال القدي كله‪ ،‬ويتثون عفنه وفساده‪!..‬‬
‫هنالك أرسل الليفة العظيم البارك توجيهاته ال خالد أن يضي بيشه صوب العراق‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ويضي البطل ال العراق‪ ،‬وليت هذه الصفحات كانت تتسع لتتبع مواكب نصره‪ ،‬اذن لرأينا من‬
‫أمرها عجبا‪.‬‬
‫لقد استهلّ عمله ف العراق بكتب أرسلها ال جيع ولة كسرى ونوابه على ألوية العراق ومدائنه‪..‬‬
‫" بسم ال الرحن الرحيم‬
‫من خالد بن الوليد‪ ..‬ال مرازبة فارس‪..‬‬
‫يلم على من اتبع الدى‬
‫أما بعد‪ ،‬فالمد ل الذي فضّ خدمكم‪ ،‬وسلب ملككم‪ ،‬ووهّن كيدكم‬
‫من صلى صلتنا‪ ،‬واستقبل قبلتنا‪ ،‬واكل ذبيحتنا فذلكم السلم‪ ،‬له ما لنا وعليه ما علينا‬
‫اذا جاءكم كتاب فابعثوا الّ بالرهن واعتقدوا من الذمّة‬
‫وال‪ ،‬فوالذي ل اله غيه لبعثن اليكم قوما يبون الوت كما تبون الياة"‪!!..‬‬
‫وجاءته طلئعه الت بثها ف كل مكان بأنباء الزّخوف الكثية الت يعدها له قوّاد الفرس ف العراق‪،‬‬
‫فلم يضيّع وقته‪ ،‬وراح يقذف بنوده على الباطل ليدمغه‪ ..‬وطويت له الرض طيّا عجيبا‪.‬‬
‫ف البلّة‪ ،‬ال السّدير‪ ،‬فالنّجف‪ ،‬ال الية‪ ،‬فالنبار‪ ،‬فالكاظمية‪ .‬مواكب نصر تتبعها مواكب‪ ...‬وف‬
‫كل مكان تلّ به رياحه البشريات ترتفع للسلم راية يأوي ال فيئها الضعفاء والستعبدون‪.‬‬
‫أجل‪ ،‬الضعفاء والستعبدون من أهل البلد الذين كان الفرس يستعمرونم‪ ،‬ويسومونم سوء العذاب‪..‬‬
‫وكم كان رائعا من خالد أن بدأ زحفه بأمر أصدره ال جيع قوّاته‪:‬‬
‫" ل تتعرّضوا للفلحي بسوء‪ ،‬دعوهم ف شغلهم آمني‪ ،‬ال أن يرج بعضهم لقتالكم‪ ،‬فآنئذ قاتلوا‬
‫القاتلي"‪.‬‬
‫وسار بيشه الظافر كالسكي ف الزبد الطريّ حت وقف على توم الشام‪..‬‬
‫وهناك دوّت أصوات الؤذني‪ ،‬وتكبيات الفاتي‪.‬‬
‫ترى هل سع الروم ف الشام‪..‬؟‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وهل تبيّنوا ف هذه التكبيات نعي أيامهم‪ ،‬وعالهم‪..‬؟‬


‫أجل لقد سعوا‪ ..‬وفزّعوا‪ ..‬وقرّروا أن يوضوا ف حنون معركة اليأس والضياع‪!..‬‬
‫**‬
‫كان النصر الذي أحرزه السلم على الفرس ف العراق بشيا بنصر مثله على الروم ف الشام‪..‬‬
‫فجنّد الصدّيق أبو بكر جيوشا عديدة‪ ،‬واختار لمارتا نفرا من القادة الهرة‪ ،‬أبو عبيدة بن الراح‪،‬‬
‫وعمرو بن العاص‪ ،‬ويزيد بن أب سفيان‪ ،‬ث معاوية بن أب سفيان‪..‬‬
‫وعندما نت أخبار هذه اليوش ال امباطور الروم نصح وزراءه وقوّاده بصالة السلمي‪ ،‬وعدم‬
‫الدخول معهم ف حرب خاسرة‪..‬‬
‫بيد أن وزراءه وقوّاده أصرّوا على القتال وقالوا‪:‬‬
‫" وال لنشغلنّ أبا بكر على أن يورد خيله ال أرضنا"‪..‬‬
‫وأعدوا للقتال جيشا بلغ قوامه مائت ألف مقاتل‪ ،‬وأ{بعي ألفا‪.‬‬
‫وأرسل قادة السلمي ال الليفة بالصورة الرهيبة للموقف فقال أبو بكر‪:‬‬
‫" وال لشفيّ وساوسهم بالد"‪!!!..‬‬
‫وتلقى ترياق الوساوس‪ ..‬وساوس التمرّد والعدوان والشرك‪ ،‬تلقى أمر الليفة بالزحف ال الشام‪،‬‬
‫ليكون أميا على جيوش السلم الت سبقته اليها‪..‬‬
‫وما اسرع ما امتثل خالد وأطلع‪ ،‬فترك على العراق الثنّى بن الارثة وسار مع قواته الت اختارها حت‬
‫وصل مواقع السلمي بأرض الشام‪ ،‬وأنز بعبقريته الباهرة تنظيم اليش السلم وتنسيق مواقعه ف وقت‬
‫وجيز‪ ،‬وبي يدي العركة واللقاء‪ ،‬وقف ف القاتلي خطيبا فقال بعد أن حد ربه وأثن عليه‪:‬‬
‫" ان هذا يوم من أيام ال‪ ،‬ل ينبغي فيه الفخر ول البغي‪..‬‬
‫أخلصوا جهادكم وأريدوا ال بعملكم‪ ،‬وتعالوا نتعاور المارة‪ ،‬فيكون أحدنا اليوم أميا‪ ،‬والخر غدا‪،‬‬
‫والخر بعد غد‪ ،‬حت يتأمّر كلكم"‪...‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫هذا يوم من أيام ال‪..‬‬


‫ما أروعها من بداية‪!!..‬‬
‫ل ينبغي فيه الفخر ول البغي‪..‬‬
‫وهذه أكثر روعة وأوف ورعا!!‬
‫ول تنقص القائد العظيم الفطنة الفعمة باليثار‪ ،‬فعلى الرغممن أن الليفة وضعه على رأس اليش‬
‫بكل أمرائه‪ ،‬فانه ل يشا أن يكون عونا للشيطان على أنفس أصحابه‪ ،‬فتنازل لم عن حقه الدائم ف‬
‫المارة وجعلها دولة بينهم‪..‬‬
‫اليوم أمي‪ ،‬ودغا أمي رثان‪ ..‬وبعد غد أمي آخر‪..‬وهكذا‪..‬‬
‫كان جيش الروم بأعداده وبعتاده‪ ،‬شيئا بالغ الرهبة‪..‬‬
‫لقد أدرك قوّاد الروم أن الزمن ف صال السلمي‪ ،‬وأن تطاول القتال وتكاثر العارك يهيئان لم النصر‬
‫دائما‪ ،‬من أجل ذلك قرروا أن يشدوا كل قواهم ف معركة واحدة يهزون خللا على العرب حيث‬
‫ل يبقى لم بعدها وجود‪ ،‬وما من شك أن السلمي أحسّوا يوم ذاك من الرهبة والطر ما مل‬
‫نفوسهم القدامة قلقا وخوفا‪..‬‬
‫ولكن ايانم كان يفّ لدمتهم ف مثل تلك الظلمات الالكات‪ ،‬فاذا فجر المل والنصر يغمرهم‬
‫بسناه‪!!..‬‬
‫ومهما يكن بأس الروم وجيوشهم‪ ،‬فقد قال أبو بكر‪ ،‬وهو بالرجال جدّ خبي‪:‬‬
‫" خالد لا"‪!!.‬‬
‫وقال‪ ":‬وال‪ ،‬لشفيّ وساوسهم بالد"‪.‬‬
‫فليأت الروم بكل هولم‪ ،‬فمع السلمي الترياق‪!!..‬‬
‫عبأ ابن الوليد جيشه‪ ،‬وقسمه ال فيالق‪ ،‬ووضع للهجوم والدفاع خطة جديدة تتناسب مع طريقة‬
‫الروم بعد أن خب وسائل اخوانم الفرس ف العراق‪ ..‬ورسم للمعركة كل مقاديرها‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ومن عجب أن العركة دارت كما رسم خالد وتوقع‪ ،‬خطوة خطوة‪ ،‬وحركة حركة‪ ،‬حت ليبدو‬
‫وكأنه لو تنبأ بعدد ضربات السيوف ف العركة‪ ،‬لا أخطأ التقدير والساب‪!!..‬‬
‫كل مناورة توقعها من الروم صنعوها‪..‬‬
‫كا انسحاب تنبأ به فعلوه‪..‬‬
‫وقبل أن يوض القتال كان يشغل باله قليل‪ ،‬احتمال قيام بعض جنود جيشه بالفرار‪ ،‬خاصة أولئك‬
‫الذين هم حديثو العهد بالسلم‪ ،‬بعد أن رأى ما ألقاه منظر جيش الروم من رهبة وجزع‪..‬‬
‫وكان خالد يتمثل عبقرية النصر ف شيء واحد‪ ،‬هو الثبات‪..‬‬
‫وكان يرى أن حركة هروب يقوم با اثنان أو ثلثة‪ ،‬يكن أن تشيع ف اليش من اللع والتمزق ما ل‬
‫يقدر عليه جيش العدو بأسره‪...‬‬
‫من أجل هذا‪ ،‬كان صارما‪ ،‬تاه الذي يلقي سلحه ويول هاربا‪..‬‬
‫وف تلك الوقعة بالذات موقعة اليموك‪ ،‬وبعد أن أخذ جيشه مواقعه‪ ،‬دعا نساء السلمي‪ ،‬ولول مرّة‬
‫سلّمهن السيوف‪ ،‬وأمرهن‪ ،‬بالوقوف وراء صفوف السلمي من كل جانب وقال لن‪:‬‬
‫" من يولّي هاربا فاقتلنه"‪..‬‬
‫وكانت لفتة بارعة أدت مهمتها على أحسن وجه‪!!..‬‬
‫وقبيل بدء القتال طلب قائد الروم أن يبز اليه خالد ليقول له بضع كلمات ‪..‬‬
‫وبرز اليه خالد‪ ،‬حيث تواجها فوق جواديهما ف الفراغ الفاصل بي اليشي‪..‬‬
‫وقال ماهان قائد الروم ياطب خالدا"‬
‫" قد علمنا أنه ل يرجكم من بلدكم ال الوع والهد‪..‬‬
‫فان شئتم‪ ،‬أعطيت كل واحد منكم عشرة دناني‪ ،‬وكسوة‪ ،‬وطعاما‪ ،‬وترجعون ال بلدكم‪ ،‬وف العام‬
‫القادم أبعث اليكم بثلها"‪!!.‬‬
‫وضغط خالد الرجل والبطل على أسنانه‪ ،‬وأدرك ما ف كلمات قائد الروم من سوء الدب‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وقرر أن يردذ عليه بواب مناسب‪ ،‬فقال له‪:‬‬


‫" انه ل يرجنا من بلدنا الوع كما ذكرت‪ ،‬ولكننا قوم نشرب الدماء‪ ،‬وقد علمت أنه ل دم أشهى‬
‫وأطيب من دم الروم‪ ،‬فجئنا لذلك"‪!!..‬‬
‫ولوة البطل زمام جواده عائدا ال صفوف جيشه‪ .‬ورفع اللواء عاليا مؤذنا بالقتال‪..‬‬
‫" ال أكب"‬
‫" هبّي رياح النة"‪..‬‬
‫كان جيشه يندفع كالقذيفة الصبوبة‪.‬‬
‫ودار قتال ليس لضراوته نظي‪..‬‬
‫وأقبل الروم ف فيالق كالبال‪..‬‬
‫وبا لم من السلمي ما ل يكونوا يتسبون‪..‬‬
‫ورسم السلمون صورا تبهر اللباب من فدائيتهم وثباتم‪..‬‬
‫فهذا أحدهم يقترب من أب عبيدة بن الرّاح رضي ال عنه والقتال دائر ويقول‪:‬‬
‫" ان قد عزمت على الشهادة‪ ،‬فهل لك من حاجة ال رسول ال صلى ال عليه وسلم أبلغها له حي‬
‫ألقاه"؟؟‬
‫فيجيب أبو عبيدة‪:‬‬
‫" نعم قل له‪ :‬يا رسول ال انا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا"‪.‬‬
‫ويندفع الرجل كالسهم القذوف‪ ..‬يندفع وسط الول مشتاقا ال مصرعه ومضجعه‪ ..‬يضرب بسيفه‪،‬‬
‫ويضرب بآلف السيوف حت يرتفع شهيدا‪!!..‬‬
‫وهذا عكرمة بن أب جهل‪..‬‬
‫أجل ابن أب جهل‪..‬‬
‫ينادي ف السلمي حي ثقلت وطأة الروم عليهم قائل‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" لطالا قاتلت رسول ال صلى ال عليه وسلم قبل أن يهدن ال السلم‪ ،‬افأفرّ من أعداء ال اليوم"؟؟‬
‫ث يصيح‪ ":‬من يبايع على الوت"‪..‬‬
‫فيبايعه على الوت كوكبة من السلمي‪ ،‬ث ينطلقون معا ال قلب العركة ل باحثي عن النصر‪ ،‬بل عن‬
‫الشهادة‪ ..‬ويتقبّل ال بيعتهم وبيعهم‪،‬‬
‫فيستشهدون‪!!..‬‬
‫وهؤلء آخرون أصيبوا براح أليمة‪ ،‬وجيء لم باء يبللون به أفواههم‪ ،‬فلما قدم الاء ال أولم‪ ،‬أشار‬
‫ال الساقي أن أعط أخي الذي بواري فجرحه أخطر‪ ،‬وظمؤه أشد‪ ..‬فلما قدّم اليه المء‪ ،‬اشار بدوره‬
‫لاره‪ .‬فل انتقل اليه أشار بدوره لاره‪..‬‬
‫وهكذا‪ ،‬حت‪ ..‬جادت أرواح أكثرهم ظامئة‪ ..‬ولكن أنضر ما تكون تفانيا وايثارا‪!!..‬‬
‫أجل‪..‬‬
‫لقد كانت معركة اليموك مال لفدائية يعز نظيها‪.‬‬
‫ومن بي لوحات الفداء الباهرة الت رستها عزمات مقدرة‪ ،‬تلك اللوحة الفذة‪ ..‬لوحة تمل صورة‬
‫خالد بن الوليد على رأس مائة ل غي من جنده‪ ،‬ينقضّون على ميسرة الروم وعددها أربعون ألف‬
‫جندي‪ ،‬وخالد يصيح ف الائة الذين معه‪:‬‬
‫" والذي نفسي بيده ما بقي مع الروم من الصب واللد ال ما رأيتم‪.‬‬
‫وان لرجو أن ينحكم ال أكتافهم"‪.‬‬
‫مائة يوضون ف أربعي ألف‪ ..‬ث ينتصرون‪!!..‬‬
‫ولكن أي عجب؟؟‬
‫أليس مالء قلوبم ايان بال العلي الكبي‪..‬؟؟‬
‫وايان برسوله الصادق المي صلى ال عليه وسلم؟؟‬
‫وايان بقضية هي أكثر قضايا الياة برا‪ ،‬وهدى ونبل؟‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وأليس خليفتهم الصديق رضي ال عنه‪ ،‬هذا الذي ترتفع راياته فوق الدنيا‪ ،‬بينما هو ف الدينة’‬
‫العاصمة الديدة للعال الديد‪ ،‬يلب بيده شياه اليامى‪ ،‬ويعجن بيده خبز اليتامى‪..‬؟؟‬
‫وأليس قائدهم خالد بن الوليد ترياق وساوس التجب‪ ،‬والصفلف‪ ،‬والبغي‪ ،‬والعدوان‪ ،‬وسيف ال‬
‫السلول على قوى التخلّف والتعفّن والشرك؟؟‬
‫أليس ذلك‪ ،‬كذلك‪..‬؟‬
‫اذن‪ ،‬هب رياح النصر‪...‬‬
‫هبّي قويّة عزيزة‪ ،‬ظافرة‪ ،‬قاهرة‪...‬‬
‫**‬
‫لقد برت عبقرية خالد قوّاد الروم وأمراء جيشهم‪ ،‬ما حل أحدهم‪ ،‬واسه جرجح على أن يدعو‬
‫خالدا للبوز اليه ف احدى فترات الراحة بي القتال‪.‬‬
‫وحي يلتقيان‪ ،‬يوجه القائد الرومي حديثه ال خالد قائل‪:‬‬
‫" يا خالد‪ ،‬أصدقن ول تكذبن فان الرّ ل يكذب‪..‬‬
‫هل أنزل على نبيّكم سيفا من السماء فأعطاك ايّاه‪ ،‬فل تسلّه على أحد ال هزمته"؟؟‬
‫قال خالد‪ :‬ل‪..‬‬
‫قال الرجل‪:‬‬
‫فبم سيّت يبف ال"؟‬
‫قال خالد‪ :‬ان ال بعث فينا نبيه‪ ،‬فمنا من صدّقه ومنا من كذّب‪.‬ز وكنت فيمن كذّب حت أخذ ال‬
‫قلوبنا ال السلم‪ ،‬وهدانا برسوله فبايعناه‪..‬‬
‫فدعا ل الرسول‪ ،‬وقال ل‪ :‬أنت سيف من سيوف ال‪ ،‬فهكذا سيّت‪ ..‬سيف ال"‪.‬‬
‫قال القائد الرومي‪ :‬والم تدعون‪..‬؟‬
‫قال خالد‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ال توحيد ال‪ ،‬وال السلم‪.‬‬


‫قال‪:‬‬
‫هل لن يدخل ف السلم اليوم مثل ما لكممن الثوبة والجر؟‬
‫قال خالد‪ :‬نعم وأفضل‪..‬‬
‫قال الرجل‪ :‬كيف وقد سبقتموه‪..‬؟‬
‫قال خالد‪:‬‬
‫لقد عشنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ورأينا آياته ومعجزاته وحق لن رأى ما رأينا‪ ،‬وسع ما‬
‫سعنا أن يسلم ف يسر‪..‬‬
‫أما أنتم يا من ل تروه ول تسمعوه‪ ،‬ث آمنتم بالغيب‪ ،‬فان أجركم أجزل وأكب اا صدقتم ال سرائركم‬
‫ونواياكم‪.‬‬
‫وصاح القائد الرومي‪ ،‬وقد دفع جواده ال ناحية خالد‪ ،‬ووقف بواره‪:‬‬
‫علمن السلم يا خالد""‪!!!.‬‬
‫وأسلم وصلى ركعتي ل عز وجل‪ ..‬ل يصلّ سواها‪ ،‬فقد استأنف اليشان القتال‪ ..‬وقاتل جرجه‬
‫الرومان ف صفوف السلمي مستيتا ف طلب لبشهادة حت نالا وظفر با‪!!..‬‬
‫وبعد‪ ،‬فها نن أولء نواجه العظمة النسانية ف مشهد من أبى مشاهدها‪ ..‬اذ كان خالد يقود‬
‫جيوش السلمي ف هذه العركة الضارية‪ ،‬ويستلّ النصر من بي أنياب الروم استلل فذا‪ ،‬بقدر ما هو‬
‫مضن ورهيب‪ ،‬واذا به يفاجأ بالبيد القادم من الدينة من الليقة الديد‪ ،‬أمي الؤمني عمر بن‬
‫الطاب‪ ..‬وفيه تيّة الفاروق للجيش السلم‪ ،‬نعيه خليفة رسول ال صلى ال عليه وسلم أبا بكر‬
‫الصديق رضي ال عنه‪ ،‬وتولية أب عبيدة بن الرّاح مكانه‪..‬‬
‫قرأ خالد الكتاب‪ ،‬وههم بابتهالت الترحّم على اب بكر والتوفيق لعمر‪..‬‬
‫ث طلب من حامل الكتاب أل يبوح لحد با فيه وألزمه مكانه أمره أل يغادره‪ ،‬وأل يتصل بأحد‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫استأنف قيادته للمعركة مفيا موت أب بكر‪ ،‬وأوامر عمر حت يتحقق النصر الذي بات وشيكا‬
‫وقريبا‪..‬‬
‫ودقّت ساعة الظفر‪ ،‬واندحر الروم‪..‬‬
‫وتقدّم البطل من أب عبيدة مؤديا اليه تيّة الندي لقائده‪ ...‬وظنها أبو عبيدة ف أول المر دعابة من‬
‫دعابات القائد الذي حققق نصرا ل يكن ف السحبان‪ ..‬بيد أنه ما فتئ أن رآها حقيقة وجدّا‪ ،‬فقبّل‬
‫خالد بي عينيه‪ ،‬وراح يطري عظمة نفسه وسجاياه‪..‬‬
‫وثّت رواية تاريية أخرى‪ ،‬تقول‪ :‬ان الكتاب أرسل من أمي الؤمني عمر ال أب عبيدة‪ ،‬وكتم أبو‬
‫عبيدة النبأ عن خالد حت انتهت العركة‪..‬‬
‫وسواء كان المر هذا أو ذاك‪ ،‬فان مسلك خالد ف كلتا الالتي هو الذي يعنينا‪ ..‬ولقد كان مسلكا‬
‫بالغ الروعة والعظمة واللل‪..‬‬
‫ول أعرف ف حياة خالد كلها موقفا ينبئ باخلصه العميق وصدقه الوثيق‪ ،‬مثل هذا الوقف‪...‬‬
‫فسواء عليه أن يكون أميا‪ ،‬أو جنديا‪..‬‬
‫ان المارة كالندية‪ ،‬كلها سبب يؤدي به واجبه نو ال الذي آمن به‪ ،‬ونو الرسول الذي بايعه‪،‬‬
‫ونو الدين الذي اعتنقه وسار تت رايته‪..‬‬
‫وجهده البذول وهو أمي مطاع‪ ..‬كجهده البذول وهو جندي مطيع‪!..‬‬
‫ولقد هيأ له هذا النتصار العظيم على النفس‪ ،‬كما هيأه لغيه‪ ،‬طراز اللفاء الذين كانوا على راس‬
‫المة السلمة والدولة السلمة يوم ذاك‪..‬‬
‫أبو بكر وعمر‪..‬‬
‫اسان ل يكاد يتحرّك بما لسان‪ ،‬حت يطر على البال كل معجز من فضائل النسان‪ ،‬وعظمة‬
‫النسان‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وعلى الرغم من الودّ الذي كان مفقودا أحيانا بي عمر وخالد‪ ،‬فان نزاهة عمر وعدله‪،‬وورعه‬
‫وعظمته الارقة‪ ،‬ل تكن قط موضع تساؤول لدى خالد‪..‬‬
‫ومن ث ل تكن قراراته موضع سك‪ ،‬لن الضمي الذي يليها‪ ،‬قد بلغ من الورع‪ ،‬ومن الستقامة‪،‬‬
‫ومن الخلص والصدق أقصى ما يبلغه ضمي منه ورشيد‪..‬‬
‫**‬
‫ل يكن أمي الؤمني عمر يأخذ على خالد من سوء‪ ،‬ولكنه كان يأخذ على سيفه التسرّع‪ ،‬والدّة‪..‬‬
‫ولقد عبّر عن هذا حي اقترح على أب بكر عزله اثر مقتل مالك بن نويرة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫" ان ف سيف خالد رهقا"‬
‫أي خفة وحدّة وتسرّع‪..‬‬
‫فأجابه الصدّيق قائل‪:‬‬
‫" ما كنت لشيم سيف سلّه ال على الكافرين"‪.‬‬
‫ل يقل عمر ان ف خالد رهقا‪ ..‬بل جعل الرهق لسيفه ل لشخصه‪ ،‬وهي كلمات ل تنمّ عن أدب أمي‬
‫الؤمني فحسب‪ ،‬بل وعن تقديره لالد أيضا‪..‬‬
‫وخالد رجل حرب من الهد ال اللحد‪..‬‬
‫فبيئته‪ ،‬ونشأته‪ ،‬وتربيته وحياه كلها‪ ،‬قبل السلم وبعده كانت كلها وعاء لفارس‪ ،‬ماطر‪ ،‬داهية‪..‬‬
‫ث ان الاح ماضيه قبل السلم‪ ،‬والروب الت خاضها ضد الرسول وأصحابه‪ ،‬والضربات الت‬
‫أسقط با سيفه أيام الشرك رؤوسا مؤمنة‪ ،‬وجباها عابدة‪ ،‬كل هذا كان له على ضميه ثقل مبهظ‪،‬‬
‫جعل سيفه توّاقا ال أن يطوّح من دعامات الشرك أضعاف ما طوّح من حلة السلم‪..‬‬
‫وانكم لتذكرون العبارة الت أوردناها أوّل هذا الديث والت جاءت ف سياق حديثه مع رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم اذ قال له‪:‬‬
‫" يا رسول ال‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫استغفر ل كل ما أوضعت فيه عن صدّ عن سبيل ال"‪.‬‬


‫وعلى الرغم من انباء الرسول صلى ال عليه وسلم اياه‪ ،‬بأن السلم يبّ ما كان قبله‪ ،‬فانه يظل‬
‫يتوسل على الظفر بعهد من الرسول صلى ال عليه وسلم أن يستغفر ال له فيما صنعت من قبل‬
‫يداه‪..‬‬
‫والسيف حي يكون ف يد فارس خارق كخالد بن الوليد‪ ،‬ث يرّك اليد القابضة عليه ضمي منوهج‬
‫برارة التطهر والتعويض‪ ،‬ومفعم بولء مطلق لدين تيط به الؤمرات والعداوات‪ ،‬فان من الصعب‬
‫على هذا السيف أن يتخلى عن مبادئه الصارمة‪ ،‬وحدّته الاطفة‪..‬‬
‫وهكذا رأينا سيف خالد يسبب لصاحبه التاعب‪.‬‬
‫فحي أرسله النب عليه الصلة والسلم بعد الفتح ال بعض قبائل العرب القريبة من مكة‪ ،‬وقال له‪:‬‬
‫" ان أبعثك داعيا ل مقاتل"‪.‬‬
‫غلبه سيفه على أمره ودفعه ال دور القاتل‪ ..‬متخليا عن دور الداعي الذي أوصاه به الرسول ما جعله‬
‫عليه السلم ينتفض جزعا وألا حي بلفه صنيع خالد‪ ..‬وقام مستقبل القبلة‪ ،‬رافعا يديه‪ ،‬ومعتذرا ال‬
‫ال بقوله‪:‬‬
‫" اللهم ان أبرأ اليك ما صنع خالد"‪.‬‬
‫ث أرسل عليّا فودى لم دماءهم وأموالم‪.‬‬
‫وقيل ان خالدا اعتذر عن نفسه بأن عبدال بن حذافة السهمي قال له‪:‬‬
‫ان رسول ال قد أمرك بقتالم لمتناعهم عن السلم‪..‬‬
‫كان خالد يمل طاقة غي عادية‪ ..‬وكان يستبد به توق عارم ال هدم عاله القدي كله‪..‬‬
‫ولو أننا نبصره وهو يهدم صنم العزّى الذي أرسله النب لدمه‪.‬‬
‫لو أننا نبصره وهو يدمدم بعوله على هذه البناية الجرية‪ ،‬لبصرنا رجل يبدو كأنه يقاتل جيشا‬
‫بأسره‪ ،‬يطوّح رؤوس أفرداه ويتب بالنايا صفوفه‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فهو يضرب بيمينه‪ ،‬وبشماله‪ ،‬وبقدمه‪ ،‬ويصيح ف الشظايا التناثرة‪ ،‬والتراب التساقط‪:‬‬
‫" يا عزّى كفرانك‪ ،‬ل سبحانك‬
‫ان رأيت ال قد أهانك"‪!!..‬‬
‫ث يرقها ويشعل النيان ف ترابا‪!..‬‬
‫كانت كل مظاهر الشرك وبقاياه ف نظر خالد كالعزّى ل مكان لا ف العال الديد الذي وقف خالد‬
‫تت أعلمه‪..‬‬
‫ول يعرف خالد أداة لتصفيتها ال سيفه‪..‬‬
‫وال‪ "..‬كفرانك ل سبحانك‪..‬‬
‫ان رأيت ال قد أهانك"‪!!..‬‬
‫على أننا اذ نتمن مع أمي الؤمني عمر‪ ،‬لوخل سيف خالد من هذا الرهق‪ ،‬فاننا سنظل نردد مع أمي‬
‫الؤمني قوله‪:‬‬
‫" عجزت النساء أن يلدن مثل خالد"‪!!..‬‬
‫لقد بكاه عمر يوم مات بكاء كثيا‪ ،‬وعلم النس فيما بعد أنه ل يكن يبكي فقده وحسب‪ ،‬بل‬
‫ويبكي فرصة أضاعها الوت عن عمر اذ كان يعتزم رد المارة ال خالد بعد أن زال افتتان الناس به‪.‬‬
‫ومصت أسباب عزله‪ ،‬لول أن تداركه الوت وسارع خالد ال لقاء ربه‪.‬‬
‫نعم سارع البطل العظيم ال مثواه ف النة‪..‬‬
‫أما آن له أن يستريح‪..‬؟؟ هو الذي ل تشهد الرض عدوّا للراحة مثله‪..‬؟؟‬
‫أما آن لسده الجهد أن ينام قليل‪..‬؟؟ هو الذي كان يصفه أصحابه وأعداؤه بأنه‪:‬‬
‫" الرجل الذي ل ينام ول يترك أحدا ينام"‪..‬؟؟‬
‫أما هو‪ ،‬فلو خيّر لختار أن يدّ ال له ف عمره مزيدا من الوقت يواصل فيه هدم البقايا التعفنة القدية‪،‬‬
‫ويتابع عمله وجهاده ف سبيل ال والسلم‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ان روح هذا الرجل وريانه ليوجدان دائما وابدا‪ ،‬حيث تصهل اليل‪ ،‬وتلتمع السنّة‪ ،‬وتفق رايات‬
‫التوحيد فوق اليوش السلمة‪..‬‬
‫وأنه ليقول‪:‬‬
‫ب الّ من ليلة شديدة الليد‪ ،‬ف سريّة من‬
‫" ما ليلة يهدى الّ فيها عروس‪ ،‬أو أبشّر فيها بوليد‪ ،‬بأح ّ‬
‫الهاجرين‪ ،‬أصبح بم الشركي"‪..‬‬
‫من أجل ذلك‪ ،‬كانت مأساة حياته أن يوت ف فراشه‪ ،‬وهو الذي قضى حياته كلها فوق ظهر‬
‫جواده‪ ،‬وتت بريق سيفه‪...‬‬
‫هو الذي غزا مع الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقهر أصحاب الردّة‪ ،‬وسوّى بالتراب عرش فارس‬
‫والروم‪ ،‬وقطع الرض وثبا‪ ،‬ف العراق خطوة خطوة‪ ،‬حت فتحها للسلم‪ ،‬وف بلد الشام خطوة‬
‫خطوة حت فتحها كلها للسلم‪...‬‬
‫أميا يملشظف الندي وتواضعه‪ ..‬وجنديا يمل مسؤولية المي وقدوته‪..‬‬
‫كانت مأساة حياة البطل أن يوت البطل على فراشه‪!!..‬‬
‫هنالك قال ودموعه تنثال من عينيه‪:‬‬
‫" لقد شهدت كذا‪ ،‬وكذا زحفا‪ ،‬وما ف جسدي موضع ال وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح‪ ،‬أ‪ ،‬رمية‬
‫سهم‪..‬‬
‫ث هأنذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يوت البعي‪ ،‬فل نامت أعي البناء"‪!..‬‬
‫كلمات ل ييد النطق با ف مثل هذا الوطن‪ ،‬ال مثل هذا الرجل‪ ،‬وحي كان يستقبل لظات‬
‫الرحيل‪ ،‬شرع يلي وصيّته‪..‬‬
‫أترون ال من أوصى‪..‬؟‬
‫ال عمر بن الطاب ذاته‪!!..‬‬
‫أتدرون ما تركته‪..‬؟‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فرسه وسلحه‪!!..‬‬
‫ث ماذا؟؟‬
‫ل شيء قط ‪ ،‬ما يقتن الناس ويتلكون‪!!..‬‬
‫ذلك أنه ل يكن يستحزذ عليه وهو حيّ‪ ،‬سوى اقتناء النصر وامتلك الظفر على أعداء الق‪.‬‬
‫وما كان ف متاع الدنيا جيعه ما يستحوذ على حرصه‪..‬‬
‫شيء واحد‪ ،‬كان يرص عليه ف شغف واستماتة‪ ..‬تلك هي قلنسوته"‪..‬‬
‫سقطت منه يوم اليموك‪ .‬فأضن نفسه والناس ف البحث عنها‪ ..‬فلما عوتب ف ذلك قال‪:‬‬
‫" ان فيها بعضا من شعر ناصية رسول ال وان أتافاءل با‪ ،‬وأستنصر"‪.‬‬
‫**‬
‫وأخيا‪ ،‬خرج جثمان البطل من داره ممول على أعناق أصحابه ورمقته أم البطل الراحل بعيني‬
‫اختلط فيهما بريق العزم بغاشية الزن فقالت تودّعه‪:‬‬
‫م اذا ما كبت وجوه الرجال‬ ‫أنت خي من ألف ألف من القو‬
‫ث غضنفر يذود عن أشبال‬ ‫أشجاع‪..‬؟ فأنت أشجع من ل‬
‫ل غامر يسيل بي البال‬ ‫أجواد‪..‬؟ فأنت أجود من سي‬
‫وسعها عمر فازداد قلبه خفقا‪ ..‬ودمعه دفقا‪ ..‬وقال‪:‬‬
‫" صدقت‪..‬‬
‫وال ان كان لكذلك"‪.‬‬
‫وثوى البطل ف مرقده‪..‬‬
‫ووقف أصحابه ف خشوع‪ ،‬والدنيا من حولم هاجعة‪ ،‬خاشعة‪ ،‬صامتة‪..‬‬
‫ل يقطع الصمت الهيب سوى صهيل فرس جاءت تركض بعد أن خلعت رسنها‪ ،‬وقطعت شوارع‬
‫الدينة وثبا وراء جثمان صاحبها‪ ،‬يقودها عبيه وأريه‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫واذ بلغت المع الصامت والقب الرطب لوت برأسها كالراية‪ ،‬وصهيلها يصدح‪ ..‬تاما مثلما كانت‬
‫تصنع والبطل فوق ظهرها‪ ،‬يهدّ عروش فارس والروم‪ ،‬ويشفي وساوس الوثنية والبغي‪ ،‬ويزيح من‬
‫طريق السلم كل قوى التقهقر والشرك‪...‬‬
‫وراحت وعيناها على القب ل تزيغان تعلو برأسها وتبط‪ ،‬ملوّحة لسيدها وبطلها مؤدية له تية‬
‫الوداع‪!!..‬‬
‫ث مقفت ساكنة ورأسها مرتفع‪ ..‬وجبهتها عالية‪ ..‬ولكن من آقيها تسيل دموع غزار وكبار‪!!..‬‬
‫لقد وقفها خالد مع سلحه ف سبيل ال‪..‬‬
‫ولكن هل سيقدر فارس على أن يتطي صهوتا بعد خالد‪..‬؟؟‬
‫وهل ستذلل ظهرها لحد سواه‪..‬؟؟‬
‫ايه يا بطل كل نصر‪..‬‬
‫ويا فجر كل ليلة‪..‬‬
‫لقد كنت تعلو بروح جيشك على أهوال الزحف بقولك لندك‪:‬‬
‫" عند الصباح يمد القوم السرى"‪..‬‬
‫حت ذهبت عنك مثل‪..‬‬
‫وهأنتذا‪ ،‬قد أتمت مسراك‪..‬‬
‫فلصباحك المد أبا سليمان‪!!..‬‬
‫ولذكراك الجد‪ ،‬والعطر‪ ،‬واللد‪ ،‬يا خالد‪!!..‬‬
‫ودعنا‪ ..‬نردد مع أمي الؤمني عمر كلماته العذاب الرطاب الت ودّعك با ورثاك‪:‬‬
‫" رحم ال أبا سليمان‬
‫ما عند ال خي ما كان فيه‬
‫ولقد عاش حيدا‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ومات سعيدا‬
‫قيس بن سعد بن عبادة‬
‫أدهى العرب‪ ،‬لول السلم‬
‫كان النصار يعاملونه على حداثة سنه كزعيم‪..‬‬
‫وكانوا يقولون‪ ":‬لو استطعنا أن نشتري لقيس لية بأموالنا لفعلنا"‪..‬‬
‫ذلك أنه كان أجرد‪ ،‬ول يكن ينقصه من صفات الزعامة ف عرف قومه سوى اللحية الت كان الرجال‬
‫يتوّجون با وجوههم‪.‬‬
‫فمن هذا الفت الذي ودّ قومه لو يتنازلون عن أموالم لقاء لية تكسو وجهه‪ ،‬وتكمل الشكل‬
‫الارجي لعظمته القيقية‪ ،‬وزعامته التفوقة‪..‬؟؟‬
‫انه قيس بن سعد بن عبادة‪.‬‬
‫من أجود بيوت لعرب وأعرقها‪ ..‬البيت الذي قال فيه الرسول عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫" ان الود شيمة أهل هذا البيت"‪..‬‬
‫وانه الداهية الذي يتفجر حيلة‪ ،‬ومهارة‪ ،‬وذكاء‪ ،‬والذي قال عن نفسه وهو صادق‪:‬‬
‫" لول السلم‪ ،‬لكرت مكرا ل تطيقه العرب"‪!!..‬‬
‫ذلك أنه حادّ الذكاء‪ ،‬واسع اليلة‪ ،‬متوقّد الذهن‪.‬‬
‫ولقد كان مكانه يوم صفي مع علي ضدّ معاوية‪ ..‬وكان يلس مع نفسه فيسم الدعة الت يكن‬
‫أن يؤدي بعاوية وبن معه ف يوم أو ببعض يوم‪ ،‬بيد أنه يتفحص خدعته هذه الت تفتق عنها ذكاؤه‬
‫فيجدها من الكر السيء الطر‪ ،‬ث يذكر قول ال سبحانه‪:‬‬
‫( ول ييق الكر السوء ال بأهله)‪..‬‬
‫فيهبّ من فوره مستنكرا‪ ،‬ومستغفرا‪ ،‬ولسان حاله يقول‪:‬‬
‫" وال لئن قدّر لعاوية أن يغلبنا‪ ،‬فلن يغلبنا بذكائه‪ ،‬بل بورعنا وتقوانا"‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ان هذا النصاري الزرجي من بيت زعامة عظيم‪ ،‬ورث الكارم كابرا عن كابر‪ ..‬فهو ابن سعد بن‬
‫عبادة‪ ،‬زعيم الزرج الذي سيكون لنا معه فيما بعد لقاء‪..‬‬
‫وحي أسلم سعد أخذ بيد ابنه قيس وقدّمه ال الرسول قائل‪:‬‬
‫" هذا خادمك يا رسول ال"‪..‬‬
‫ورأى لرسول ف قيس كل سات التفوّق وأمائر الصلح‪..‬‬
‫فأدناه منه وقرّبه اليه وظل قيس صاحب هذه الكانة دائما‪..‬‬
‫يقول أنس صاحب رسول ال‪:‬‬
‫" كان قيس بن سعد من النب‪ ،‬بكان صاحب الشرطة من المي"‪..‬‬
‫وحي كان قيس‪ ،‬قبل السلم يعامل الناس بذكائه كانوا ل يتملون منه ومضة ذهن‪ ،‬ول يكن ف‬
‫الدينة وما حولا ال من يسب لدهائه ألف حساب‪ ..‬فلما أسلم‪ ،‬علّمه السلم أن يعامل الناس‬
‫باخلصه‪ ،‬ل بدهائه‪ ،‬ولقد كان ابنا بارّا للسلم‪ ،‬ومن ثّ نّى دهاءه جانبا‪ ،‬ول يعد ينسج به‬
‫مناوراته القاضية‪ ..‬وصار كلما واجه موقعا صعبا‪ ،‬يأخذه الني ال دهائه القيد‪ ،‬فيقول عبارته‬
‫الأثورة‪:‬‬
‫" لول السلم‪ ،‬لكرت مكرا ل تطيقه العرب"‪!!...‬‬
‫**‬
‫ول يكن بي خصاله ما يفوق ذكائه سوى جوده‪ ..‬ول يكن الود خلقا طارئا على قيس‪ ،‬فهو من‬
‫بيت عريق ف الود والسخاء‪ ،‬كان لسرة قيس‪ ،‬على عادة أثرياء وكرام العرب يومئذ‪ ،‬مناد يقف‬
‫فوق مرتفع لم وينادي الضيفان ال طعامهم نارا‪ ...‬أو يوقد النار لتهدي الغريب الساري ليل‪..‬‬
‫وكان الناس يومئذ يقولون‪ ":‬من أحبّ الشحم‪ ،‬واللحم‪ ،‬فليأت أطم دليم بن حارثة"‪...‬‬
‫ودليم بن حارثة‪ ،‬هو الد الثان لقيس‪..‬‬
‫ففي هذا البيت العريق أرضع قيس الود والسماح‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫تّث يوما أبا بكر وعمر حول جود قيس وسخائه وقال‪:‬‬
‫" لو تركنا هذا الفت لسخائه‪ ،‬لهلك مال أبيه"‪..‬‬
‫وعلم سعد بن عبادة بقالتهما عن ابنه قيس‪ ،‬فصاح قائل‪:‬‬
‫" من يعذرن من أب قحافة‪ ،‬وابن الطّاب‪ ..‬يبخلن عليّ ابن"‪!!..‬‬
‫وأقرض أحد اخوانه العسرين يوما قرضا كبيا‪..‬‬
‫وف الوعد الضروب للوفاء ذهب الرجل ير ّد ال قيس قرضه فأب أن يقبله وقال‪:‬‬
‫" انا ل نعود ف شيء أعطيناه"‪!!..‬‬
‫**‬
‫وللفطرة النسانية نج ل يتخلف‪ ،‬وسنّة ل تتبدّل‪ ..‬فحيث يوجد الود توجد الشجاعة‪..‬‬
‫أجل ان الود القيقي والشجاعة القيقية توأمان‪ ،‬ل يتخلف أحدها عن الخر أبدا‪ ..‬واذا وجدت‬
‫جودا ول تد شجاعة فاعلم أن هذا الذي تراه ليس جودا‪ ..‬وانا هو مظهر فارغ وكاذب من مظاهر‬
‫الزهو الدّعاء‪ ...‬واذا وجدت شجاعة ل يصاحبها جود‪ ،‬فاعلم أنا ليست شجاعة‪ ،‬انا هي نزوة من‬
‫نزوات التهوّر والطيش‪...‬‬
‫ولا كان قيس بن سعد يسك أعنة الود بيمينه فقد كان يسك بذات اليمي أعنّة الشجاعة‬
‫والقدام‪..‬‬
‫لكأنه العنّ بقول الشاعر‪:‬‬
‫اذا ما راية رفعت لجد تلقاها عرابة باليمي‬
‫تألقت شجاعته ف جيع الشاهد الت صاحب فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو حيّ‪..‬‬
‫وواصلت تألقها‪ ،‬ف الشاهد الت خاضها بعد أن ذهب الرسول ال الرفيق العلى‪..‬‬
‫والشجاعة الت تعتمد على الصدق بدل الدهاء‪ ..‬وتتوسل بالوضوح والاوجهة‪ ،‬ل بالناورة والراوغة‪،‬‬
‫تمّل صاحبها من الصاعب والشاق من يؤوده ويضنيه‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ومنذ ألقى قيس وراء ظهره‪ ،‬قدرته الارقة على الدهاء والناورة‪ ،‬وحل هذا الطراز من الشجاعة‬
‫السفرة الواضحة‪ ،‬وهو قرير العي با تسببه له من متاعب وما تلبه من تبعات‪...‬‬
‫ان الشجاعة القة تنقذف من اقتناع صاحبها وحده‪..‬‬
‫هذا القتناع الذي ل تكوّنه شهوة أو نزوة‪ ،‬انا يكوّنه الصدق مع النفس‪ ،‬والخلص للحق‪...‬‬
‫وهكذا حي نشب اللف بي عليّ ومعاوية‪ ،‬نرى قيسا يلوبنفسه‪ ،‬ويبحث عن الق من خلل‬
‫اقتناعه‪ ،‬حت اذا ما رآه مع عليّ ينهض ال جواره شاما‪ ،‬قويا مستبسل‪..‬‬
‫وف معارك صفّي‪ ،‬والمل‪ ،‬ونروان‪ ،‬كان قيس أحد أبطالا الستبسلي‪..‬‬
‫كان يمل لواء النصار وهو يصيح‪:‬‬
‫هذا اللواء الذي كنا نفّ به‬
‫مع النب وجبيل لنا مدد‬
‫ما ضرّ من كانت النصار عيبته‬
‫أل يكون له من غيهم أحد‬
‫ولقد وله المام عليّ حكم مصر‪..‬‬
‫وكانت عي معاوية على مصر دائما‪ ...‬كان ينظر اليها كأثن درّة ف تاجه النتظر‪...‬‬
‫من أجل ذلك ل يكد يرى قيسا يتول امارتا حت جنّ جنونه وخشي أن يول قيس بينه وبي مصر‬
‫ال البد‪ ،‬حت لو انتصر هو على المام عل ّي انتصارا حاسا‪..‬‬
‫وهكذا راح بكل وسائله الاكرة‪ ،‬وحيله الت ل تجم عن أمر‪ ،‬يدسّ عند علي ضدّ قيس‪ ،‬حت‬
‫استدعاه المام منمصر‪..‬‬
‫وهنا وجد قيس فرصة سعيدة ليستكمل ذكاءه استعمال مشروعا‪ ،‬فلقد أدرك بفطنته أن معاوية‬
‫لعب ضدّه هذه اللعبة بعد أن فشل ف استمالته ال جانبه‪ ،‬لكي يوغر صدره ض ّد المام علي‪ ،‬ولكي‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫يضائل من ولئه له‪ ..‬واذن فخي رد على دهاء معاوية هو الزيد من الولء لعليّ وللحق الذي يثله‬
‫عليّ‪ ،‬والذي هو ف نفس الوقت مناط القتناع الرشيد والكيد لقيس بن سعد بن عبادة‪..‬‬
‫وهكذا ل يس لظة أن عليّا عزله عن مصر‪ ..‬فما الولية‪ ،‬وما المارة‪ ،‬وما الناصب كلها عند قيس‬
‫ال أدوات يدم با عقيدته ودينه‪ ..‬ولئن كانت امارته على مصر وسيلة لدمة الق‪ ،‬فان موقفه بوار‬
‫عليّ فوق أرض العركة وسيلة أخرى ل تقل أهيّة ول روعة‪..‬‬
‫**‬
‫وتبلغ شجاعة قيس ذروة صدقها وناها‪ ،‬بعد استشهاد عليّ وبيعة السن‪..‬‬
‫لقد اقتنع قيس بأن السن رضي ال عنه‪ ،‬هو الوارث الشرعي للمامة فبايعه ووقف ال جانبه غي ملق‬
‫ال الخطار وبال‪..‬‬
‫وحي يضطرّهم معاوية لمشاق السيوف‪ ،‬ينهض قيس فيقود خسة آلف من الذين حلقوا رؤوسهم‬
‫حدادا على المام علي‪..‬‬
‫ويؤثر السن أن يضمّد جراح السلمي الت طال شحوبا‪ ،‬ويضع حدّا للقتال الفن البيد فيفاوض‬
‫معاوية ث يبايعه‪..‬‬
‫هنا يدير قيس خواطره على السألة من جديد‪ ،‬فيى أنه مهما يكن ف موقف السن من الصواب‪،‬‬
‫فان لنود قيس ف ذمّته حق الشورى ف اختيار الصي‪ ،‬وهكذا يمعهم ويطب فيهم قائل‪:‬‬
‫" ان شئتم جالدت بكم حت يوت العجل منا‪ ،‬وان شئتم أخذت لكم أمانا‪..:‬‬
‫واختار جنوده المر الثان‪ ،‬فأخذ لم المام من معاوية الذي مل البور نفسه حي رأى مقاديره تريه‬
‫من أقوى خصومه شكيمة وأخطرهم عاقبة‪...‬‬
‫وف الدينة النوّرة‪ ،‬عام تسع وخسي‪ ،‬مات الداهية الذي روّض السلم دهاءه‪..‬‬
‫مات الرجل الذي كان يقول‪:‬‬
‫لول أن سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم ب\يقول‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" الكر والديعة ف النار‪ ،‬لكنت من أمكر هذه المة"‪..‬‬


‫أجل‪ ..‬ومات تاركا وراءه عبي رجل أمي على كل ما للسلم عنده من ذمّة‪ ،‬وعهد وميثاق‪...‬‬
‫عمي بن وهب‬
‫شيطان الاهلية‪ ،‬وحواريّ السلم‬
‫ف يوم بدر‪ ،‬كان واحدا من قادة قريش الذين حلوا سيوفهم ليجهزوا على السلم‪.‬‬
‫وكان حديد البصر‪ ،‬مكم التقدير‪ ،‬ومن ث ندبه قومه ليستطلع لم عدد السلمي الذين خرجوا مع‬
‫الرسول للقائهم‪ ،‬ولينظر ان كان لم من وزرائهم كمي أو مدد‪..‬‬
‫وانطلق عمي بن وهب المحيّ وصال بفرسه حول معسكر السلمي‪ ،‬ث رجع يقول لقومه‪ ":‬انم‬
‫ثلثائة رجل‪ ،‬يزيدون قليل أ‪ ،‬ينقصون" وكان حدسه صحيحا‪.‬‬
‫وسألوه‪ :‬هل وراءهم امتداد لم؟؟ فأجابم قائل‪:‬‬
‫" ل أجد وراءهم شيءا‪ ..‬ولكن يا معشر قريش‪ ،‬رأيت الطايا تمل الوت الناقع‪ ..‬قوم ليس معهم‬
‫منعة ول ملجأ ال سيوفهم‪..‬‬
‫" وال ما أرى أن يقتل رجل منهم حت يقتل رجل منكم‪ ،‬فاذا أصابوا منكم مثل عددهم‪ ،‬فما خي‬
‫العيش بعد ذلك‪..‬؟؟‬
‫" فانظروا رأيكم"‪..‬‬
‫وتأثر بقوله ورأيه نفر من زعماء قريش‪ ،‬وكادوا يمعون رجالم ويعودون ال مكة بغي قتال‪ ،‬لول أب‬
‫جهل الذي أفسد عليهم رأيهم‪ ،‬وأضرم ف النفوس نار القد‪ ،‬ونار الربو الت كان هو أول قتلها‪..‬‬
‫**‬
‫كان أهل مكة يلقبونه بن شيطان قريش‪..‬‬
‫ولقد أبلى شيطان قريش يوم بدر بلء ل يغن قومه شيئا‪ ،‬فعادت قوات قريش ال مكة مهزومة‬
‫مدحورة‪ ،‬وخلّف عمي بن وهب ف الدينة بضعة منه‪ ..‬اذ وقع ابنه ف أيدي السلمي أسيا‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وذات يوم ضمّه ملس ابن عمّه صفوان بن أميّة‪ ..‬وكان صفوان يضغ أحقاده ف مرارة قاتلة‪ ،‬فان أباه‬
‫أميّة بن خلف قد لقي مصرعه ف بدر وسكنت عظامه القليب‪.‬‬
‫جلس صفوان وعمي يترّان أحقادها‪..‬‬
‫ولندع عروة بن الزبي ينقل الينا حديثهما الطويل‪:‬‬
‫" قال صفوان‪ ،‬وهو يذكر قتلى بدر‪ :‬وال ما ف العيش بعدهم من خي‪!..‬‬
‫وقال له عمي‪ :‬صدقت‪ ،‬ووال لول دين ممد عليّ ل أملك قضاءه‪ ،‬وعيال أخشى عليهم الضيعة‬
‫بعدي لركبت ال ممد حت أقتله‪ ،‬فان ل عنده علة أعتلّ با عليه‪ :‬أٌقول قدمت من أجل ابن هذا‬
‫السي‪.‬‬
‫فاغتنمها صفوان وقال‪ :‬عليّ دينك‪ ..‬أنا أقضيه عنك‪ ..‬وعيالك مع عيال أواسيهم ما بقوا‪..‬‬
‫فقال له عمي‪:‬اذن فاكتم شأن وشأنك‪"...‬‬
‫ث أمر عمي بسيفه فشحذ له وسمّ‪ ،‬ث انطلق حت قدم الدينة‪.‬‬
‫وبينما عمر بن الطاب ف نفر من السلمي يتحدثون عن يوم بدر‪ ،‬ويذكرون ما أكرمهم ال به‪ ،‬اذ‬
‫نظر عمر فرأى عمي بن وهب‪ ،‬قد أناخ راحلته على باب السجد‪ ،‬متوشحا سيفه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫هذا الكلب عدو ال عمي بن وهب‪ ،‬وال ما جاء ال لشرّ‪..‬‬
‫فهو الذي حرّش بيننا وحزرنا للقوم يوم بدر‪..‬‬
‫ث دخل عمر على رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فال‪:‬‬
‫يا نب ال هذا عدو ال عمي بن وهب قد جاء متوشحا سيفه‪..‬‬
‫قال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫أدخله عليّ‪ "..‬فأقبل عمر حت أخذ بمالة سيفه ف عنقه فلبّبه با‪ ،‬وقال لرجال من كانوا معه من‬
‫النصار‪ ،‬ادخلوا على رسول ال صلى ال عليه وسلم فاجلسوا عنده واحذروا عليه من هذا البيث‪،‬‬
‫فانه غي مأمون‪".‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ودخل به عمر على النب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهو آخذ بمّالة سيفه ف عنقه فلما رآه الرسول قال‪:‬‬
‫دعه يا عمر‪..‬‬
‫اذن يا عمي‪..‬‬
‫فدنا عمي وقال‪ :‬انعموا صباحا‪ ،‬وهي تيّة الاهلية‪،‬‬
‫فقال له النب صلى ال عليه وسلم‪ :‬قد أكرمنا ال بتحية خي من تيتك يا عمي‪ ،‬بالسلم‪ ..‬تية أهل‬
‫النة‪.‬‬
‫فقال عمي‪ :‬أما وال يا ممد ان كنت با لديث عهد‪.‬‬
‫قال لرسول‪ :‬فما جاء بك يا عمي‪..‬؟؟‬
‫قال‪ :‬جئت لذا السي الذي ف أيديكم‪.‬‬
‫قال النب‪ :‬فما بال السيف ف عنقك‪..‬؟؟‬
‫قال عمي‪ :‬قبّحها ال من سيوف‪ ،‬وهل أغنت عنا شيئا‪..‬؟!‬
‫قال الرسول صلى ال عليه وسلم‪ :‬أصدقن يا عمي‪ ،‬ما الذي جئت له‪..‬؟‬
‫قال‪ :‬ما جئت ال لذلك‪.‬‬
‫قال الرسول صلى ال عليه وسلم‪ :‬بل قعدت أنت وصفوان بن أميّة ف الجر فذكرتا أصحاب‬
‫القليب من قريش‪ ،‬ث قلت‪ ،‬لول دين عليّ‪ ،‬وعيال عندي لرجت حت أقتل ممدا‪ ،‬فتحمّل لك‬
‫صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلن له‪ ،‬وال حائل بينك وبي ذلك‪!!!..‬‬
‫وعندئذ صاح عمي‪ :‬أشهد أن ل اله ال ال‪ ،‬وأشهد أنك رسول ال‪ ..‬هذا أمر ل يضره ال أنا‬
‫وصفوان‪ ،‬فوال ما أنبأك به ال ال‪ ،‬فالمد ل الذي هدان للسلم‪..‬‬
‫فقال الرسول لصحابه‪ :‬فقّهوا أخاكم ف الدين وأقرئه القرآن‪ ،‬وأطلقوا أسيه‪!!....‬‬
‫**‬
‫خكذا أسلم عمي بن وهب‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫هكذا أسلم شيطان قريش‪ ،‬وغشيه من نور الرسول والسلم ما غشيه فاذا هو ف لظة يتقلب ال‬
‫حواريّ السلم‪!!..‬‬
‫يقول عمر بن الطاب رضي ال عنه‪:‬‬
‫" والذي نفسي بيده‪ ،‬لنير كان أحبّ الّ من عمي حي طلع علينا‪..‬‬
‫ولو اليوم أحبّ الّ من بعض ولدي"‪!!..‬‬
‫**‬
‫جلس عمي يفكّر بعمق ف ساحة هذا الدين‪ ،‬وف عظمة هذا الرسول‪:‬‬
‫ث تذكر بلءه يوم بدر وقتاله‪.‬‬
‫وتذكر أيامه الوال ف مكة وهو يكيد للسلم وياربه قبل هجرة الرسول وصحبه ال الدينة‪.‬‬
‫ث هاهو ذا ييء اليوم متوشحا سيفه ليقتل به الرسول‪.‬‬
‫كل ذلك يحوه ف لظة من الزمان قوله‪ ":‬ل اله ال ال‪ ،‬ممد رسول ال"‪!!..‬‬
‫أيّة ساحة‪ ،‬وأي صفاء‪ ،‬وأية ثقة بالنفس يملها هذا الدين العظيم‪!!..‬‬
‫أهكذا ف لظة يحو السلم كل خطاياه السالفة‪ ،‬وينسى السلمون كل جرائره وعداواته السابقة‪،‬‬
‫ويفتحون له قلوبم‪ ،‬ويأخذونه بالحضان‪..‬؟!‬
‫أهكذا والسيف الذي جاء معقودا على شرّ طوية وشرّ جرية‪ ،‬ل يزال يلمع أمام أبصارهم‪ ،‬ينسي‬
‫ذلك كله‪ ،‬ول يذكر الن ال أن عميا باسلمه‪ ،‬قد أصبح احدا من السلمي ومن أصحاب الرسول‪،‬‬
‫له ما لم‪ ..‬وعليه ما عليهم‪..‬؟!!!‬
‫أهكذا وهو الذي ودّ عمر بن الطاب منذ لظتي أن يقتله‪ ،‬يصبح أحب ال عمر من ولده‬
‫وبنيه‪..‬؟؟؟!!!‬
‫اذا كانت لظة واحدة من الصدق‪ ،‬تلك الت أعلن فيها عمر اسلمه‪ ،‬تظى من السلم بكل هذا‬
‫التقدير والتكري والثوبة والجلل‪ ،‬فان السلم اذن لو دين عظيم‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫**‬
‫وف لظات عرف عمي واجبه تاه هذا الدين‪ ..‬أن يدمه بقدر ما حاربه‪ ،‬وان يدعو اليه‪ ،‬بقدر ما‬
‫دعا ضدّه‪ ..‬وأن يري ال ورسوله ما يب ال ورسوله من صدق‪ ،‬وجهاد وطاعة‪ ..‬وهكذا أقبل على‬
‫رسول ال ذات يوم‪ ،‬قائل‪:‬‬
‫" يا رسول ال‪ :‬انب كنت جاهدا على اطفاء نور ال‪ ،‬شديد الذى لن كان على دين ال عز وجل‪،‬‬
‫وان أحب أن تأذن ل فأقدم مكة‪ ،‬فأدعوهم ال ال تعال‪ ،‬وال رسوله‪ ،‬وال السلم‪ ،‬لع ّل ال‬
‫يهيدهم‪ ،‬وال آذيتهم ف دينهم كما كنت أوذي أصحابك ف دينهم"‪..‬‬
‫ف تلك اليام‪ ،‬ومنذ فارق عمي مكة متوجها ال الدينة كان صفوان بن أمية الذي اغرى عميا‬
‫بالروج لقتل الرسول‪ ،‬يشي ف شوارع مكة متال‪ ،‬ويغشي مالسها وندواتا فرحا مبورا‪!..‬‬
‫وكلما سأله قومه واخوته عن شسر فرحته ونشوته‪ ،‬وعظام أبيه ل تزال ساخنة ف حظائر بدر‪ ،‬يفرك‬
‫كفّيه ف غرور يقول للناس‪ ":‬أبشروا بوقعة يأتيكم نبأها بعد أيام تنسيكم وقعة بدر"‪!..‬‬
‫وكان يرج ال مسارف مكة كل صباح يسأل القوافل والركبان‪ ":‬أل يدث بالدينةأمر"‪.‬‬
‫وكانوا ييبونه با ل يب ويرضى‪ ،‬فما منهم من أحد سع أو رأى ف الدينة حدثا ذا بال‪.‬‬
‫ول ييأس صفوان‪ ..‬بل ظلّ مثابرا على مساءلة الركبان‪ ،‬حت لقي بعضهم يوما فسأله‪ ":‬أل يدث‬
‫بالدينةأمر"‪..‬؟؟‬
‫فأجابه السافر‪ :‬بلى حدث أمر عظيم‪!!..‬‬
‫وتللت أسارير صفوان وفاضت نفسه بكل ما ف الدنيا من بجة وفرح‪..‬‬
‫وعاد يسأل الرجل ف عجلة الشتاق‪ ":‬ماذا حدث اقصص عليّ"‪ ..‬وأجابه الرجل‪ :‬لقد أسلم عمي بن‬
‫وهب‪ ،‬وهو هناك يتفقه ف الدين‪ ،‬ويتعلم القرآن"‪!!..‬‬
‫ودرات الرض بصفوان‪ ..‬والوقعة الت كان يبشر با قومه‪ ،‬والت كان ينتظهرا لتنسيه وقعة بدر جاءته‬
‫اليوم ف هذا النبأ الصاعق لتجعله حطاما‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫**‬
‫وذات يوم بلغ السافر داره‪ ..‬وعاد عمي ال مكة شاهرا سيفه‪ ،‬متحفزا للقتال‪ ،‬ولقيه أول ما لقيه‬
‫صفوان بن أمية‪..‬‬
‫وما كاد يراه حت هم بهاجته‪ ،‬ولكن السيف التحفز ف يد عمي ردّه ال صوابه‪ ،‬فاكتفى بأن ألقى‬
‫على سع عمي بعض شتائمه ث مضى لسبيله‪..‬‬
‫دخل عمي بن وهب مكة مسلما‪ ،‬وهو الذي فارقها من أيام مشركا‪ ،‬دخلها وف روعة صورة عمر‬
‫بن الطاب يوم أسلم‪ ،‬ث صاح فور اسلمه قائل‪:‬‬
‫" وال ل أدع مكانا جلست فيه بالكفر‪ ،‬ال جلست فيه باليان"‪.‬‬
‫ولكأنا اتذ عمي من هذه الكلمات شعارا‪ ،‬ومن ذلك الوقف قدوة‪ ،‬فقد صمم على نذر حياته‬
‫للدين الذي طالا حاربه‪ ..‬ولقد كان ف موقف يسمح له بأن ينل الذى بن يريد له الذى‪..‬‬
‫وهكذا راح يعوّض ما فاته‪ ..‬ويسابق الزمن ال غايته‪ ،‬فيبشر بالسلم ليل ونارا‪ ..‬علنية واجهارا‪..‬‬
‫ف قلبه ايانه يفيض عليه أمنا‪ ،‬وهدى ونورا‪..‬‬
‫وعلى لسانه كلمات حق‪ ،‬يدعو با ال العدل والحسان والعروف والي‪..‬‬
‫وف يينه سيف يرهب به قطاع الطق الذين يصدّون عن سبيل ال من آمن به‪ ،‬ويبغونا عوجا‪.‬‬
‫وف بضعة أسابيع كان الذين هدوا ال السلم على يد عمي يفوق عددهم كل تقدير يكن أن يطر‬
‫ببال‪.‬‬
‫وخرج عمي بم ال الدينة ف موكب طويل مشرق‪.‬‬
‫وكانت الصحراء الت يتازونا ف سفرهم ل تكتم دهشتها وعجبها من هذا الرجل الذي مرّ من‬
‫قريب حامل سيفه‪ ،‬حاثّا خطاه ال الدينة ليقتل الرسول‪ ،‬ث عبها مرّة أخرى راجعا من الدينة بغي‬
‫الوجه الذي ذهب به يرتل القرآن من فوق ظهر ناقته الحبورة‪ ..‬ث ها هو ذا يتازها مرة ثالثة على‬
‫رأس موكب كبي من الؤمني يلؤون رحابا تليل وتكبيا‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫**‬
‫أجل لنه لنبأ عظيم‪ ..‬نبأ شيطان قريش الذي أحالته هداية ال ال حواريّ باسل من حوارييّ‬
‫السلم‪ ،‬والذي ظلّ زاقفا ال جوار رسول ال ف الغزوات والشاهد‪ ،‬وظ ّل ولؤه لدين ال راسخا‬
‫بعد رحيل الرسول عن الدنيا‪.‬‬
‫وف يوم فتح مكة ل ينس عمي صاحبه وقريبه صفوان بن أمية فراح اليه يناشده السلم ويدعوه اليه‬
‫بعد أن ل يبق شك ف صدق الرسول‪ ،‬وصدق الرسالة‪..‬‬
‫بيد أن صفوان كان قد شدّ رحاله صوب جدّة ليبحر منها ال اليمن‪..‬‬
‫واشتدّ اشفاق عمي على صفوان‪ ،‬وصمم على أن يستردّه من يد الشيطان بكل وسيلة‪.‬‬
‫وذهب مسرعا ال رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال له‪:‬‬
‫ب ال ان صفوان بن أميّة سيّد قومه‪ ،‬وقد خرج هاربا منك ليقذف نفسه ف البحر فأمّنه صلى‬ ‫" يا ن ّ‬
‫ال عليك‪،‬‬
‫فقال النب‪ :‬هو آمن‪.‬‬
‫قال رسول ال فأعطن آية يعرف با أمانك‪ ،‬فأعطاه الرسول صلى ال عليه وسلم عمامته الت دخل‬
‫فيها مكة"‪..‬‬
‫ولندع عروة بن الزبي يكمل لنا الديث‪:‬‬
‫" فخرج با عمي حت أدركه وهو يريد أن يركب البحر فقال‪ :‬يا صفوان‪ ،‬فداك أب وأمي‪ ..‬ال ال‬
‫ف نفسك أن تلكها‪ ..‬هذا أمان رسول ال صلى ال عليه وسلم قد جئتك به‪..‬‬
‫قال له صفوان‪ :‬ويك‪ ،‬اغرب عن فل تكلمن‪ .‬قال‪ :‬أي صفوان‪..‬فداك أب وأمي‪ ،‬ان رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم أفضل الناس‪ ،‬وأبرّ الناس ‪ ،‬وأحلم الناس‪ ،‬وخي النس‪ ..‬عزّه عزّك‪ ،‬وشرفه‬
‫شرفك‪..‬‬
‫قال‪ :‬ان أخاف على نفسي‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫قال‪ :‬هوأحلم من ذاك وأكرم‪..‬‬


‫فرجع معه حت وقف به على رسول ال صلى ال عليه وسلم‪..‬‬
‫فقال صفوان للنب صلى ال عليه وسلم‪ :‬ان هذا يزعم أنك أمّنتن‪..‬‬
‫قال السول صلى ال عليه وسلم‪ :‬صدق‪..‬‬
‫قال صفوان‪ :‬فاجعلن فيه باليار شهرين‪..‬‬
‫قال صلى ال عليه وسلم‪ :‬أنت باليار أربعة أشهر"‪.‬‬
‫وفيما بعد أسلم صفوان‪.‬ز‬
‫وسعد عمي باسلمه أيّما سعادة‪..‬‬
‫وواصل ابن وهب مسيته الباركة ال ال‪ ،‬متبعا أثر الرسول العظيم الذي هدى ال به الناس من‬
‫الضللة وأخرجهم من الظلمات ال النور‪.‬‬
‫أبوالدرداء‬
‫أيّ حكيم كان‬
‫بينما كانت جيوش السلم تضرب ف مناكب الرض‪ ..‬هادر ظافرة‪ ..‬كان يقيم بالدينة فيلسوف‬
‫عجيب‪ ..‬وحكيم تتفجر الكمة من جوانبه ف كلمات تناهت نضرة وباء‪...‬وكان ل يفتأ يقول لن‬
‫حوله‪:‬‬
‫" أل أخبكم بي أعمالكم‪ ،‬وأزكاها عند باريكم‪ ،‬وأناها ف درجاتكم‪ ،‬وخي من أن تغزو عدوّكم‪،‬‬
‫فترضبوا رقابم ويضربوا رقابكم‪ ،‬وخي من الدراهم والدناني"‪.‬؟؟‬
‫وتشرئب أعناق الذين ينصتون له‪ ..‬ويسارعون بسؤاله‪:‬‬
‫" أي شيء هو‪ ..‬يا أبا الدرداء"‪..‬؟؟‬
‫ويستأنف أبو الدرداء حديثه فيقول ووجهه يتألق تت أضوء اليان والكمة‪:‬‬
‫" ذكر ال‪...‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ولذكر ال أكب"‪..‬‬
‫**‬
‫ل يكن هذا الكيم العجيب يبشر بفلسفة انعزالية ول يكن بكلماته هذه يبشر بالسلبية‪ ،‬ول‬
‫بالنسحاب من تبعات الدين الديد‪ ..‬تلك التبعات الت يأخذ الهاد مكان الصدارة منها‪...‬‬
‫أجل‪ ..‬ما كان أبو الدرداء ذلك الرجل‪ ،‬وهو الذي حل سيفه ماهدا مع رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم منذ أسلم‪ ،‬حت جاء نصر ال والفتح‪..‬‬
‫بيد أنه كان من ذلك الطراز الذي يد نفسه ف وجودها المتلئ اليّ‪ ،‬كلما خل ال التأمل‪ ،‬وأوى‬
‫ال مراب الكمة‪ ،‬ونذر حياته لنشدان القيقة واليقي‪..‬؟؟‬
‫ولقد كان حكيم تلك اليام العظيمة أبو الدرداء رضي ال عنه انسانا يتملكه شوق عارم ال رؤية‬
‫القيقة واللقاء با‪..‬‬
‫واذ قد آمن بال وبرسوله ايانا وثيقا‪ ،‬فقد آمن كذلك بأن هذا اليان با يليه من واجبات وفهم‪،‬‬
‫هو طريقه المثل والوحد ال القيقة‪..‬‬
‫وهكذا عكف على ايانه مسلما ال نفسه‪ ،‬وعلى حياته يصوغها وفق هذا اليان ف عزم‪ ،‬ورشد‪،‬‬
‫وعظمة‪..‬‬
‫ومضى على الدرب حت وصل‪ ..‬وعلى الطريق حت بلغ مستوى الصدق الوثيق‪ ..‬وحت كان يأخذ‬
‫مكانه العال مع الصادقي تاما حي يناجي ربه مرتل آته‪..‬‬
‫( ان صلت ونسكي ومياي ومات ل رب العلمي)‪.‬‬
‫أجل‪ ..‬لقد انتهى جهاد أب الدرداء ضدّ نفسه‪ ،‬ومع نفسه ال تلك الذروة العالية‪ ..‬ال ذلك التفوق‬
‫البعيد‪ ..‬ال ذلك التفان الرهبان‪ ،‬الذي جعل حياته‪ ،‬كل حياته ل رب العالي‪!!..‬‬
‫**‬
‫والن تعالوا نقترب من الكيم والقدّيس‪ ..‬أل تبصرون الضياء الذي يتلل حول جبينه‪..‬؟‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫أل تشمّون العبي الفوّاح القادم من ناحيته‪..‬؟؟‬


‫انه ضياء الكمة‪ ،‬وعبي اليان‪..‬‬
‫ولقد التقى اليان والكمة ف هذا الرجل الوّاب لقاء سعيدا‪ ،‬أيّ سعيد‪!!..‬‬
‫سئلت أمه عن أفضل ما كان يب من عمل‪ ..‬فأجابت‪:‬‬
‫" التفكر والعتبار"‪.‬‬
‫أجل لقد وعى قول ال ف أكثر من آية‪:‬‬
‫(فاعتبوا يا أول البصار)‪...‬‬
‫وكان هو يضّ اخوانه على التأمل والتفكّر يقول لم‪:‬‬
‫" تفكّر ساعة خي من عبادة ليلة"‪..‬‬
‫لقد استولت العبادة والتأمل ونشدان القيقة على كل نفسه‪ ..‬وكل حياته‪..‬‬
‫ويوم اقتنع بالسلم دينا‪ ،‬وبايع الرسول صلى ال عليه وسلم على هذا الدين الكري‪ ،‬كان تاجرا‬
‫ناجحا من تار الدينة النابي‪ ،‬وكان قد قضى شطر حياته ف التجارة قبل أن يسلم‪ ،‬بل وقبل أن يأت‬
‫الرسول والسلمون الدينة مهاجرين‪..‬‬
‫بيد أنه ل يض على اسلمه غي وقت وجيز حت‪..‬‬
‫ولكن لندعه هو يكمل لنا الديث‪:‬‬
‫" أسلمت مع النب صلى ال عليه وسلم وأنا تاجر‪..‬‬
‫وأردت أن تتمع ل العبادة والتجارة فلم يتمعا‪..‬‬
‫فرفضت التجارة وأقبلت على العبادة‪.‬‬
‫وما يسرّن اليوم أن أبيع وأشتري فأربح كل يوم ثلثائة دينار‪ ،‬حت لو يكون حانوت على باب‬
‫السجد‪..‬‬
‫أل ان ل أقول لكم‪ :‬ان ال حرّم البيع‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ولكن أحبّ أن أكون من الذين ل تلهيهم تارة ول بيع عن ذكر ال"‪!!..‬‬


‫أرأيتم كيف يتكلّم فيوف القضيّة حقها‪ ،‬وتشرق الكمة والصدق من خلل كلماته‪..‬؟؟‬
‫انه يسارع قبل أن نسأله‪ :‬وهل حرّم ال التجارة يا أبا الدرداء‪...‬؟؟‬
‫يسارع فينفض عن خواطرنا هذا التساؤول‪ ،‬ويشي ال الدف السى الذي كان ينشده‪ ،‬ومن أجله‬
‫ترك التجارة برغم ناحه فيها‪..‬‬
‫لقد كان رجل ينشد تصصا روحيا وتفوقا يرنو ال أقصى درجات الكمال اليسور لبن النسان‪..‬‬
‫لقد أراد العبادة كمعراج يرفعه ال عال الي السى‪ ،‬ويشارف به الق ف جلله‪ ،‬والقيقة ف‬
‫مشرقها‪ ،‬ولو أرادها مرّد تكاليف تؤدّى‪ ،‬ومظورات تترك‪ ،‬لستطاع أن يمع بينها وبي تارته‬
‫وأعماله‪...‬‬
‫فكم من تار صالي‪ ..‬وكم من صالي تار‪...‬‬
‫ولقد كان من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم من ل تلههم تارتم ول بيعهم عن ذكر‬
‫ال‪ ..‬بل اجتهدوا ف اناء تارتم وأموالم ليخدموا با قضية السلم‪ ،‬ويكفوا با حاجات السلمي‪..‬‬
‫ولكن منهج هؤلء الصحاب‪ ،‬ل يغمز منهج أبو الدرداء‪ ،‬كما أن منهجه ل يغمز منهجهم‪ ،‬فكل‬
‫ميسّر لا خلق له‪..‬‬
‫وأبو الدرداء يسّ احساسا صادقا أنه خلق لا نذر له حياته‪..‬‬
‫التخصص ف نشدان القيقة بمارسة أقصى حالت التبتل وفق اليان الذي هداه اليه ربه‪ ،‬ورسوله‬
‫والسلم‪..‬‬
‫سّوه ان شئتم تصوّفا‪..‬‬
‫ولكنه تصوّف رجل توفّر له فطنة الؤمن‪ ،‬وقدرة الفيلسوف‪ ،‬وتربة الحارب‪ ،‬وفقه الصحاب‪ ،‬ما‬
‫جعل تصوّفه حركة حيّة ف ل\بناء الروح‪ ،‬ل مرّد ظلل صالة لذا البناء‪!!..‬‬
‫أجل‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ذلك هو أبو الدرداء‪ ،‬صاحب رسول ال صلى ال عليه وسلم وتلميذه‪..‬‬


‫وذلكم هو أبو الدرداء‪ ،‬الكيم‪ ،‬القدّيس‪..‬‬
‫ورجل دفع الدنيا بكلتا راحتيه‪ ،‬وزادها بصدره‪..‬‬
‫رجل عكف على نفسه وصقلها وزكّاها‪ ،‬وحت صارت مرآة صافية انعكس عليها من الكمة‪،‬‬
‫والصواب‪ ،‬والي‪ ،‬ما جعل من أب الدرداء معلما عظيما وحكيما قويا‪..‬‬
‫سعداء‪ ،‬أولئك الذين يقبلون عليه‪ ،‬ويصغون اليه‪..‬‬
‫أل تعالوا نف\قترب من حكمته يا أول اللباب‪..‬‬
‫ولنبدأ بفلسفته تاه الدنيا وتاه مباهجها وزخارفها‪..‬‬
‫انه متأثر حت أعماق روحه بآيات القرآن الرادعة عن‪:‬‬
‫( الذي جع مال وعدّده‪ ..‬يسب أن ماله اخلده)‪...‬‬
‫ومتأثر حت أعماق روحه بقول الرسول‪:‬‬
‫" ما قلّ وكفى‪ ،‬خي ما كثر وألى"‪..‬‬
‫ويقول عليه السلم‪:‬‬
‫" تفرّغوا من هوم الدنيا ما استطعتم‪ ،‬فانه من كانت الدنيا أكب هّه‪ ،‬فرّق ال شله‪ ،‬وجعل فقره بي‬
‫عينيه‪ ..‬ومن كانت الخرة أكب هّه جع شله‪ ،‬وجعل غناه ف قلبه‪ ،‬وكان ال اليه بكل خي أسرع"‪.‬‬
‫من أجل ذلك‪ ،‬كان يرثي لولئك الذين وقعوا أسرى طموح الثروة ويقول‪:‬‬
‫" اللهم ان أعوذ بك من شتات القلب"‪..‬‬
‫سئل‪:‬‬
‫وما شتات القلب يا أبا الدرداء‪..‬؟؟‬
‫فأجاب‪:‬‬
‫أن يكون ل ف كل واد مال"‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وهو يدعو الناس ال امتلك الدنيا والستغناء عنها‪ ..‬فذلك هو المتلك القيقي لا‪ ..‬أما الري وراء‬
‫أطماعها الت ل تؤذن بالنتهاء‪ ،‬فذلك شر ألوان العبودية والرّق‪.‬‬
‫هنالك يقول‪:‬‬
‫" من ل يكن غنيا عن الدنيا‪ ،‬فل دنيا له"‪..‬‬
‫والال عنده وسيلة للعيش القنوع تامعتدل ليس غي‪.‬‬
‫ومن ث فان على الناس أن يأخذوه من حلل‪ ،‬وأن يكسبوه ف رفق واعتدال‪ ،‬ل ف جشع وتالك‪.‬‬
‫فهو يقول‪:‬‬
‫" ل تأكل ال طيّبا‪..‬‬
‫ول تكسب ال طيّبا‪..‬‬
‫ول تدخل بيتك ال طيّبا"‪.‬‬
‫ويكتب لصاحب له فيقول‪:‬‬
‫"‪ ..‬أما بعد‪ ،‬فلست ف شيء من عرض الدنيا‪ ،‬وال وقد كان لغيك قبلك‪ ..‬وهو صائر لغيك بعدك‪..‬‬
‫وليس لك منه ال ما قدّمت لنفسك‪ ...‬فآثرها على من تمع الال له من ولدك ليكون له ارثا‪ ،‬فأنت‬
‫انا تمع لواحد من اثني‪:‬‬
‫اما ولد صال يعمل فيه بطاعة ال‪ ،‬فيسعد با شقيت به‪..‬‬
‫واما ولد عاص‪ ،‬يعمل فيه بعصية ال‪ ،‬فتشقى با جعت له‪،‬‬
‫فثق لم با عند ال من رزق‪ ،‬وانج بنفسك"‪!..‬‬
‫كانت الدنيا كلها ف عي أب الدرداء مرّد عارية‪..‬‬
‫عندما فتحت قبص وحلت غنائم الرب ال الدينة رأى الناس أبا الدرداء يبكي‪ ...‬واقتربوا دهشي‬
‫يسألونه‪ ،‬وتول توجيه السؤال اليه‪ ":‬جبي بن نفي"‪:‬‬
‫قال له‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" يا أبا الدرداء‪ ،‬ما يبكيك ف يوم أعز ال فيه السلم وأهله"‪..‬؟؟‬
‫فأجاب أبو الدرداء ف حكمة بالغة وفهم عميق‪:‬‬
‫ويك يا جبي‪..‬‬
‫ما أهون اللق على ال اذا هم تركوا أمره‪..‬‬
‫بينما هي أمة‪ ،‬ظاهرة‪ ،‬قاهرة‪ ،‬لا اللك‪ ،‬تركت أمر ال‪ ،‬فصارت ال ما ترى"‪!..‬‬
‫أجل‪..‬‬
‫وبذا كان يعلل النيار السريع الذي تلحقه جيوش السلم بالبلد الفتوحة‪ ،‬افلس تلك البلد من‬
‫روحانية صادقة تعصمها‪ ،‬ودين صحيح يصلها بال‪..‬‬
‫ومن هنا أيضا‪ ،‬كان يشى على السلمي أياما تنحلّ فيها عرى اليان‪ ،‬وتضعف روابطهم بال‪،‬‬
‫وبالق‪ ،‬وبالصلح‪ ،‬فتنتقل العارية من أيديهم‪ ،‬بنفس السهولة الت انتقلت با من قبل اليهم‪!!..‬‬
‫**‬
‫وكما كانت الدنيا بأسرها مرّد عارية ف يقينه‪ ،‬كذلك كانت جسرا ال حياة أبقى وأروع‪..‬‬
‫دخل عليه أصحابه يعودونه وهو مريض‪ ،‬فوجدوه نائما على فراش من جلد‪..‬‬
‫فقالوا له‪ ":‬لو شئت كان لك فراش أطيب وأنعم‪"..‬‬
‫فأجابم وهو يشي بسبّابته‪ ،‬وبريق عينيه صوب المام البعيد‪:‬‬
‫" ان دارنا هناك‪..‬‬
‫لا نمع‪ ..‬واليها نرجع‪..‬‬
‫نظعن اليها‪ .‬ونعمل لا"‪!!..‬‬
‫وهذه النظرة ال الدنيا ليست عند أب الدرداء وجهة نظر فحسب بل ومنهج حياة كذلك‪..‬‬
‫خطب يزيد بن معاوية ابنته الدرداء فردّه‪ ،‬ول يقبل خطبته‪ ،‬ث خطبها واحد من فقراء السلمي‬
‫وصاليهم‪ ،‬فزوّجها أبو الدرداء منه‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وعجب الناس لذا التصرّف‪ ،‬فعلّمهم أبو الدرداء قائل‪:‬‬


‫" ما ظنّكم بالدرداء‪ ،‬اذا قام على رأسها الدم والصيا وبرها زخرف القصور‪..‬‬
‫أين دينها منها يومئذ"‪..‬؟!‬
‫هذا حكيم قوي النفس‪ ،‬ذكي الفؤاد‪..‬‬
‫وهو يرفض من الدنيا ومن متاعها كل ما يشدّ النفس اليها‪ ،‬ويولّه القلب با‪..‬‬
‫وهو بذا ل يهرب من السعادة بل اليها‪..‬‬
‫فالسعادة القة عتده هي أن تتلك الدنيا‪ ،‬ل أن تتلكك أنت الدنيا‪..‬‬
‫وكلما وقفت مطالب الناس ف الياة عند حدود القناعة والعتدال وكلما أدركوا حقيقة الدنيا‬
‫كجسر يعبون عليه ال دار القرار والآل واللود‪ ،‬كلما صنعوا هذا‪ ،‬كان نصيبهم من السعادة القة‬
‫أوف وأعظم‪..‬‬
‫وانه ليقول‪:‬‬
‫" ليس الي أن يكثر مالك وولدك‪ ،‬ولكن الي أن يعظم حلمك‪ ،‬ويكثر علمك‪ ،‬وأن تباري الناس ف‬
‫عبادة ال تعال"‪..‬‬
‫وف خلفة عثمان رضي ال عنه‪ ،‬وكان معاوية أميا على الشام نزل أبو الدرداء على رغبة الليفة ف‬
‫أن يلي القضاء‪..‬‬
‫وهناك ف الشام وقف بالرصاد لميع الذين أغرّتم مباهج الدنيا‪ ،‬وراح يذكّر بنهج الرسول ف‬
‫حياته‪ ،‬وزهده‪ ،‬وبنهج الرعيل الول من الشهداء والصدّيقي‪..‬‬
‫وكانت الشام يومئذ حاضرة توج بالباهج والنعيم‪..‬‬
‫وكأن أهلها ضاقوا ذرعا بذا الذي ينغصّ عليهم بواعظه متاعهم ودنياهم‪..‬‬
‫فجمعهم أبو الدرداء‪ ،‬وقام فيهم خطيبا‪:‬‬
‫" يا أهل الشام‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫أنتم الخوان ف الدين‪ ،‬واليان ف الدار‪ ،‬والنصار على العداء‪..‬‬


‫ولكن مال أراكم ل تستحيون‪..‬؟؟‬
‫تمعون ما ل تأكلون‪..‬‬
‫وتبنون ما ل تسكنون‪..‬‬
‫وترجون ما ل تبلّغون‪..‬‬
‫وقد كانت القرون من قبلكم يمعون‪ ،‬فيوعون‪..‬‬
‫ويؤمّلون‪ ،‬فيطيلون‪..‬‬
‫ويبنون‪ ،‬فيوثقون‪..‬‬
‫فأصبح جعهم بورا‪..‬‬
‫وأماهم غرورا‪..‬‬
‫وبيوتم قبورا‪..‬‬
‫أولئك قوم عاد‪ ،‬ملؤا ما بي عدن ال عمان أموال وأولدا‪."..‬‬
‫ث ارتسمت على شفتيه بسمة عريضة ساخرة‪ ،‬ولوّح بذراعه ف المع الذاهل‪ ،‬وصاح ف سخرية ل‬
‫فحة‪:‬‬
‫" من يشتري من تركة آل عاد بدرهي"‪..‬؟!‬
‫رجل باهر‪ ،‬رائع‪ ،‬مضيء‪ ،‬حكمته مؤمنة‪ ،‬ومشاعره ورعة‪ ،‬ومنطقه سديد ورشيد‪!!..‬‬
‫العبادة عند أب الدرداء ليست غرورا ول تأليا‪ .‬انا هي التماس للخي‪ ،‬وتعرّض لرحة ال‪ ،‬وضراعة‬
‫دائمة تذكّر النسان بضعفه‪ .‬وبفضل ربه عليه‪:‬‬
‫انه يقول‪:‬‬
‫التمسوا الي دهركم كله‪..‬‬
‫وتعرّضوا لنفجات رحة ال‪ ،‬فان للله نفحات من رحته يصيب با من يشاء من عباده‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" وسلوا ال أن يستر عوراتكم‪ ،‬ويؤمّن روعاتكم"‪...‬‬


‫كان ذلك الكيم مفتوح العيني دائما على غرور العبادة‪ ،‬يذّر منه الناس‪.‬‬
‫هذا الغرور الذي يصيب بعض الضعاف ف ايانم حي يأخذهم الزهو بعبادتم‪ ،‬فيتألّون با على‬
‫الخرين ويدلّون‪..‬‬
‫فلنستمع له ما يقول‪:‬‬
‫" مثقال ذرّة من برّ صاحب تقوى ويقي‪ ،‬أرجح وأفضل من أمثال البال من عبادة النغترّين"‪..‬‬
‫ويقول أيضا‪:‬‬
‫"ل تكلفوا الناس ما ل يكلفوا‪..‬‬
‫ول تاسبوهم دون ربم‬
‫عليكم أنفسكم‪ ،‬فان من تتبع ما يرى ف النس يطل حزنه"‪!..‬‬
‫انه ل يريد للعابد مهما يعل ف العبادة شأوه أن يرّد من نفسه ديّانا تاه العبد‪.‬‬
‫عليه أن يمد ال على توفيقه‪ ،‬وأن يعاون بدعائه وبنبل مشاعره ونواياه أولئك الذين ل يدركوا مثل‬
‫هذا التوفيق‪.‬‬
‫هل تعرفون حكمة أنضر وأبى من حكمة هذا الكيم‪..‬؟؟‬
‫يدثنا صاحبه أبو قلبة فيقول‪:‬‬
‫" مرّ أبو الدرداء يوما على رجل قد أصاب ذنبا‪ ،‬والناس يسبّونه‪ ،‬فنهاهم وقال‪ :‬أرأيتم لو وجدتوه ف‬
‫حفرة‪ ..‬أل تكونوا مرجيه منها‪..‬؟‬
‫قالوا بلى‪..‬‬
‫قال‪ :‬فل تسبّوه اذن‪ ،‬وحدوا ال الذي عافاكم‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬أنبغضه‪..‬؟‬
‫قال‪ :‬انا أبغضوا عمله‪ ،‬فاذا تركه فهو أخي"‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫**‬
‫واذاكان هذا أحد وجهي العبادة عند أب الدرداء‪ ،‬فان وجهها الخر هو العلم والعرفة‪..‬‬
‫ان أبا الدرداء يقدّس العلم تقديسا بعيدا‪ ..‬يقدّسه كحكيم‪ ،‬ويقدّسه كعابد فيقول‪:‬‬
‫" ل يكون أحدكم تقيا جت يكون عالا‪..‬‬
‫ولن يكون بالعلم جيل‪ ،‬حت يكون به عامل"‪.‬‬
‫أجل‪..‬‬
‫فالعلم عنده فهم‪ ،‬وسلوك‪ ..‬معرفة‪ ،‬ومنهج‪ ..‬فكرة حياة‪..‬‬
‫ولن تقديسه هذا تقديس رجل حكيم‪ ،‬نراه ينادي بأن العلم كالتعلم كلها سواء ف الفضل‪،‬‬
‫والكانة‪ ،‬والثوبة‪..‬‬
‫ويرى أن عظمة الياة منوطة بالعلم اليّر قبل أي شيء سواه‪..‬‬
‫ها هو ذا يقول‪:‬‬
‫" مال أرى العلماء كم يذهبون‪ ،‬وجهّالكم ل يتعلمون؟؟ أل ان معلّم الي والتعلّم ف الجر سواء‪..‬‬
‫ول خي ف سائر الناس بعدها"‪..‬‬
‫ويقول أيضا‪:‬‬
‫" الناس ثلثة‪..‬‬
‫عال‪..‬‬
‫ومتعلم‪..‬‬
‫والثالث هج ل خي فيه"‪.‬‬
‫وكما رأينا من قبل‪ ،‬ل ينفصل العلم ف حكمة أب الدرداء رضي ال عنه عن العمل‪.‬‬
‫يقول‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" ان أخشى ما أخشاه على نفسي أن يقال ل يوم القيامة على رؤوس اللئق‪ :‬يا عوير‪ ،‬هل‬
‫علمت؟؟‬
‫فأقول نعم‪..‬‬
‫فيقال ل‪ :‬فماذا عملت فيما علمت"‪..‬؟‬
‫وكان يلّ العلماء العاملي ويوقرهم توقيا كبيا‪ ،‬بل كان يدعو ربّه ويقول‪:‬‬
‫" اللهم ان أعوذ بك أن تلعنن قلوب العلماء‪"..‬‬
‫قيل له‪:‬‬
‫وكيف تلعنك قلوبم؟‬
‫قال رضي ال عنه‪:‬‬
‫" تكرهن"‪!..‬‬
‫أرأيتم؟؟‬
‫انه يرى ف كراهيّة العال لعنة ل يطيقها‪ ..‬ومن ّث فهو يضرع ال ربه أن يعيذه منها‪..‬‬
‫وتستوصي حكمة أب الدرداء بالخاء خيا‪ ،‬وتبن علقة النسان بالنسان على أساس من واقع‬
‫الطبيعة النسانية ذاتا فيقول‪:‬‬
‫" معاتبة الخ خي لك من فقده‪ ،‬ومن لك بأخيك كله‪..‬؟‬
‫أعط أخاك ولن له‪..‬‬
‫ول تطع فيه حاسدا‪ ،‬فتكون مثله‪.‬‬
‫غدا يأتيك الوت‪ ،‬فيكفيك فقده‪..‬‬
‫وكيف تبكيه بعد الوت‪ ،‬وف الياة ما كنت أديت حقه"‪..‬؟؟‬
‫ومراقبة ال ف عباده قاعدة صلبة يبن عليها أبو الدرداء حقوق الخاء‪..‬‬
‫يقول رضي ال عنه وأرضاه‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" ان أبغض أن أظلم أحدا‪ ..‬ولكن أبغض أكثر وأكثر‪ ،‬أن أظلم من ل يستعي عليّ ال بال العليّ‬
‫الكبي"‪!!..‬‬
‫يل لعظمة نفسك‪ ،‬واشراق روحك يا أبا الدرداء‪!!..‬‬
‫انه يذّر الناس من خداع الوهك‪ ،‬حي يظنون أن الستضعفي العزّل أقرب منال من أيديهم‪ ،‬ومن‬
‫بأسهم‪!..‬‬
‫ويذكّرهم أن هؤلء ف ضعفهم يلكون قوّة ماحقة حي يتوسلون ال ال عز وجل بعجزهم‪،‬‬
‫ويطرحون بي يديه قضيتهم‪ ،‬وهو أنم على الناس‪!!..‬‬
‫هذا هو أبو الدرداء الكيم‪!..‬‬
‫هذا هو أبو الدرداء الزاهد‪ ،‬العابد‪ ،‬الوّاب‪..‬‬
‫هذا هو أبو الدرداء الذي كان اذا أطرى الناس تقاه‪ ،‬وسألوه الدعاء‪ ،‬أجابم ف تواضع وثيق قائل‪:‬‬
‫" ل أحسن السباحة‪ ..‬وأخاف الغرق"‪!!..‬‬
‫**‬
‫كل هذا‪ ،‬ول تسن السباحة يا أبا الدرداء‪..‬؟؟‬
‫ولكن أي عجب‪ ،‬وأنت تربية الرسول عليه الصلة والسلم‪ ...‬وتلميذ القرآن‪ ..‬وابن السلم الوّل‬
‫وصاحب أب بكر وعمر‪ ،‬وبقيّة الرجال‪!..‬؟‬
‫زيد بن الطاب‬
‫صقر يوم اليمامة‬
‫جلس النب صلى ال عليه وسلم يوما‪ ،‬وحوله جاعة من السلمي وبينما الديث يري‪ ،‬أطرق‬
‫الرسول لظات‪ ،‬ث وجّه الديث لن حوله قائل‪:‬‬
‫" ان فيكم لرجل ضرسه ف النار أعظم من جبل أحد"‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وظل الوف بل لرعب من الفتنة ف الدين‪ ،‬يراود ويلحّ على جيع الذين شهدوا هذا الجلس مع‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ...‬كل منهم ياذر ويشى أن يكون هو الذي يتربّص به سوء النقلب‬
‫وسوء التام‪..‬‬
‫ولكن جيع الذين وجّه اليهم الديث يومئذ ختم لم بي‪ ،‬وقضوا نبهم شهداء ف سبيل ال‪ .‬وما‬
‫بقي منهم حيّا سوى أب هريرة والرّجّال لن عنفوة‪.‬‬
‫ولقد ظلّ أبو هريرة ترتعد فرائصه خوفا من أن تصيبه تلك النبوءة‪ .‬ول يرقأ له جفن‪ ،‬وما هدأ له‬
‫بال حت دفع القدر الستار عن صاحب الظ التعس‪ .‬فارتدّ الرّجّال عن السلم ولق بسيلمة‬
‫الكذاب‪ ،‬وشهد له بالنبوّة‪.‬‬
‫هنالك استبان الذي تنبأ له الرسول صلى ال عليه وسلم بسوء النقلب وسوء الصي‪..‬‬
‫والرّجّال بن عنفوة هذا‪ ،‬ذهب ذات يوم ال الرسول مبايعا ومسلما‪ ،‬ولا تلقّى منه السلم عاد ال‬
‫قومه‪ ..‬ول يرجع ال الدينة ال اثر وفاة الرسول واختيار الصدّيق خليفة على السملي‪ ..‬ونقل ال أب‬
‫بكر أخبار أهل اليمامة والتفافهم حول مسيلمة‪ ،‬واقترح على الدّيق أن يكون مبعوثه اليهم يثبّتهم على‬
‫السلم‪ ،‬فأذن له الليفة‪..‬‬
‫وتوجّه الرّجّال ال أهل اليمامة‪ ..‬ولا رأى كثرتم الائلة ظنّ أنم الغالبون‪ ،‬فحدّثته نفسه الغتدرة أن‬
‫يتجز له من اليوم مكانا ف دولة الكذّاب الت ظنّها مقبلة وآتية‪ ،‬فترك السلم‪ ،‬وانض ّم لصفوف‬
‫مسيلمة الذي سخا عليه بالوعود‪.‬‬
‫وكان خطر الرّجّال على السلم أشدّ من خطر مسيلمة ذاته‪.‬‬
‫ذلك‪ ،‬لنه استغلّ اسلمه السابق‪ ،‬والفترة الت عاشها بالدينة أيام الرسول‪ ،‬وحفظه ليات كثية من‬
‫القرآن‪ ،‬وسفارته لب بكر خليفة السلمي‪ ..‬استغلّ ذلك كله استغلل خبيثا ف دعم سلطان مسيلمة‬
‫وتوكيد نبوّته الكاذبة‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫لقد سار بي الناس يقول لم‪ :‬انه سع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪ ":‬انه أشرك مسيلمة بن‬
‫حبيب ف المر"‪ ..‬وما دام الرسول صلى ال عليه وسلم قد مات‪ ،‬فأحق الناس بمل راية النبوّة‬
‫والوحي بعده‪ ،‬هو مسيلمة‪!!..‬‬
‫ولقد زادت أعي اللتفي حول مسيلمة زيادة طافحة بسبب أكاذيب الرّجّال هذا‪ .‬وبسبب استغلله‬
‫الاكر لعلقاته السابقة بالسلم وبالرسول‪.‬‬
‫وكانت أنباء ال ّرجّال تبلغ الدينة‪ ،‬فيتحرّق السلمون غيظا من هذا الرتدّ الطر الذي يضلّ الناس‬
‫ضلل بعيدا‪ ،‬والذي يوسّع بضلله دائرة الرب الت سيضطر السلمون أن يوضوها‪.‬‬
‫وكان أكثر السلمي تغيّظا‪ ،‬وترّقا للقاء الرّجّال صحاب جليل تتألق ذكراه ف كتب السية والتاريخ‬
‫تت هذا السم البيب زيد بن الطّاب‪!!..‬‬
‫زيد بن الطّاب‪..‬؟‬
‫ل بد أنكم عرفتموه‪..‬‬
‫انه أخو عمر بن الطّاب‪..‬‬
‫أجل أخوه الكب‪ ،‬والسبق‪..‬‬
‫جاء الياة قبل عمر‪ ،‬فكان أكب منه سنا‪..‬‬
‫وسبقه ال السلم‪ ..‬كما سبقه ال الشهادة ف سبيل ال‪..‬‬
‫وكان زيد بطل باهر البطولة‪ ..‬وكان العمل الصامت‪ .‬المعن ف الصمت جوهر بطولته‪.‬‬
‫وكان ايانه بال وبرسوله وبدينه ايانا وثيقا‪ ،‬ول يتخلّف عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ف‬
‫مشهد ول ف غزاة‪.‬‬
‫وف كل مشهد ل يكن يبحث عن النصر‪ ،‬بقدر ما يبحث عن الشهادة‪!..‬‬
‫يوم أحد‪ ،‬حي حي القتال بي السلمي والشركي والؤمني‪ .‬راح زيد بن الطاب يضرب‬
‫ويضرب‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وأبصره أخوه عمر بن الطّاب‪ ،‬وقد سقط درعه عنه‪ ،‬وأصبح أدن منال للعداء‪ ،‬فصاح به عمر‪.‬‬
‫" خذ درعي يا زيد فقاتل با"‪..‬‬
‫فأجابه زيد‪:‬‬
‫" ان أريد من الشهادة ما تريد يا عمر"‪!!!..‬‬
‫وظل يقاتل بغي درع ف فدائية باهرة‪ ،‬واستبسال عظيم‪.‬‬
‫**‬
‫قلنا انه رضي ال عنه‪ ،‬كان يتحرّق شوقا للقاء الرّجّال متمنيّا أن يكون الجهاز على حياته البيثة‬
‫من حظه وحده‪ ..‬فالرّجّال ف رأي زيد‪ ،‬ل يكن مرتدّا فحسب‪ ..‬بل كان كذّابا منافقا‪ ،‬وصوليا‪.‬‬
‫ل يرتدّ عن اقتناع‪ ..‬بل عن وصولية حقية‪ ،‬ونفاق يغيض هزيل‪.‬‬
‫وزيد ف بغضه النفاق والكذب‪ ،‬كأخيه عمر تاما‪!..‬‬
‫كلها ل يثي اشئزازه‪ ،‬ول يستجسش بغضاءه‪ ،‬مثل النفاق الذي تزجيه النفعيّة الابطة‪ ،‬والغراض‬
‫الدنيئة‪.‬‬
‫ومن أجل تلك الغراض النحطّة‪ ،‬لعب الرّجّال دوره الث‪ ،‬فأرب عدد اللتفي حول مسيلمة ارباء‬
‫فاحشا‪ ،‬وهو بذا يقدّم بيديه ال الوت واللك أعدادا كثية ستلقي حتفها ف معارك الردّة‪..‬‬
‫أضلّها أول‪ ،‬وأهلكها أخيا‪ ..‬وف سبيل ماذا‪..‬؟ ف سبيل أطماع لئيمة زيّنتها له نفسه‪ ،‬وزخرفها له‬
‫هواه‪ ،‬ولقد أعدّ زيد نفسه ليختم حياته الؤمنة بحق هذه الفتنة‪ ،‬ل ف شخص مسيلمة بل ف شخص‬
‫من هو أكب من خطرا‪ ،‬وأشدّ جرما الرّجّال بن عنفوة‪.‬‬
‫**‬
‫وبدأ يوم اليمامة مكهرّا شاحبا‪.‬‬
‫وجع خالد بن الوليد جيش السلم‪ ،‬ووزعه على مواقعه ودفع لواء اليش ال من‪..‬؟؟‬
‫ال زيد بن الطّاب‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وقاتل بنو حنيفة أتباع مسيلمة قتال مستميتا ضاريا‪..‬‬


‫ومالت العركة ف بدايتها على السلمي‪ ،‬وسقط منهم شهداء كثيون‪.‬‬
‫ورأى زيد مشاعر الفزع تراود بعض أفئدة السلمي‪ ،‬فعل ربوة هناك‪ ،‬وصاح ف اخوانه‪:‬‬
‫" أيها الناس‪ ..‬عضوا على أضراسكم‪ ،‬واضربوا ف عدوّكم‪ ،‬وامضوا قدما‪ ..‬وال ل أتكلم حت‬
‫يهزمهم ال‪ ،‬أو ألقاه سبحانه فأكلمه بجت"‪!!..‬‬
‫ونزل من فوق الربوة‪ ،‬عاضّا على أضراسه‪ ،‬زامّا شفتيه ل يرّك لسانه بمس‪.‬‬
‫وتركّز مصي العركة لديه ف مصي الرّجّال‪ ،‬فراح يترق الضمّ القتتل كالسهم‪ ،‬باحثا عن الرّجّال‬
‫حت أبصره‪..‬‬
‫وهناك راح يأتيه من يي‪ ،‬ومن شال‪ ،‬وكلما ابتلع طوفان العركة غريه وأخفاه‪ ،‬غاص زيد وراءه‬
‫حت يدفع الوج ال السطح من جديد‪ ،‬فيقترب منه زيد ويبسط اليه سيفه‪ ،‬ولكن الوج البشري‬
‫الحتدم يبتلع الرّجّال مرّة أخرى‪ ،‬فيتبعه زيد ويغوص وراءه كي ل يفلت‪..‬‬
‫وأخيا يسك بناقه‪ ،‬ويطوح بسيفه رأسه الملوء غرورا‪ ،‬وكذبا‪ ،‬وخسّة‪..‬‬
‫وبسقوط الكذوبة‪ ،‬أخذ عالها كله يتساقط‪ ،‬فدبّ الرعب ف نفس مسيلمة ف روع الحكم بن‬
‫الطفيل ث ف جيش مسيلمة الذي طار مقتل الرّجّال فيه كالنار ف يوم عاصف‪..‬‬
‫لقد كان مسيلمة يعدهم بالنصر الحتوم‪ ،‬وبأنه هو والرّجّال بن عنفوة‪ ،‬والحكم بن طفيل سيقومون‬
‫غداة النصر بنشر دينهم وبناء دولتهم‪!!..‬‬
‫وها هو ذا ال ّرجّال قد سقط صريعا‪ ..‬اذن فنبوّة مسيلمة كلها كاذبة‪..‬‬
‫وغدا سيقط الحكم‪ ،‬وبعد غد مسيلمة‪!!..‬‬
‫هكذا احدثت ضربة زيد بن الطاب كل هذا الدار ف صفوف مسيلمة‪..‬‬
‫أما السلمون‪ ،‬فما كاد الب يذيع بينهم حت تشامت عزماتم كالبال‪ ،‬ونض جريهم من جديد‪،‬‬
‫حامل سيفه‪ ،‬وغي عابئ براحه‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫حت الذين كانوا على شفا الوت‪ ،‬ل يصلهم بالياة سوى بقية وهنانة من رمق غارب‪ ،‬مسّ النبأ‬
‫أساعهم كاللم الميل‪ ،‬فودّوا لو أ ّن بم قوّة يعودون با ال الياة ليقاتلو‪ ،‬وليشهدوا النصر ف روعة‬
‫ختامه‪..‬‬
‫ولكن أنّى لم هذا‪ ،‬وقد تفتحل أبواب النّة لستقبالم وانم الن ليسمعون أساءهم وهم ينادون‬
‫للمثول‪..‬؟؟!!‬
‫**‬
‫رفع زيد بن الطاب ذراعيه ال السماء مبتهل لربّه‪ ،‬شاكرا نعمته‪..‬‬
‫ث عاد ال سيفه وال صمته‪ ،‬فلقد أقسم بال من لظات أل يتكلم حت يتم النصر أو ينال الشهادة‪..‬‬
‫ولقد أخذت العركة تضي لل السلمي‪ ..‬وراح نصرهم الحتوم يقترب ويسرع‪..‬‬
‫هنالك وقد رأى زيد رياح النر مقبلة‪ ،‬ل يعرف لياته ختاما أروع من هذا التام‪ ،‬فتمنّى لو يرزقه‬
‫ال الشهادة ف يوم اليمامة هذا‪..‬‬
‫وهبّت رياح النة فملت نفسه شوقا‪ ،‬ومآقيه دموعا‪،‬وعزمه اصرارا‪..‬‬
‫وراح يضرب ضرب الباحث عن مصيه العظيم‪..‬‬
‫وسقط البطل شهيدا‪..‬‬
‫بل قولوا‪ :‬صعد شهيدا‪..‬‬
‫صعد عظيما‪ ،‬مجّدا‪ ،‬سعيدا‪..‬‬
‫وعاد جيش السلم ال الدينة ظافرا‪..‬‬
‫وبينما كان عمر‪ ،‬يستقبل مع الليفة أب بكرو أولئك العائدين الظافرين‪ ،‬راح يرمق بعيني مشتاقي‬
‫أخاه العائد‪..‬‬
‫وكان زيد طويل بائن الطول‪ ،‬ومن ثّ كان تعرّف العي عليه أمرا ميسورا‪..‬‬
‫ولكن قبل أن يهد بصره‪ ،‬اقترب اليه من السلمي العائدين من عزّاه ف زيد‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وقال عمر‪:‬‬
‫" رحم ال زيدا‪..‬‬
‫سبقن ال السنيي‪..‬‬
‫أسلم قبلي‪..‬‬
‫واستشهد قبلي"‪.‬‬
‫**‬
‫وعلى كثرة النتصارات الت راح السلم يظفر با وينعم‪ ،‬فان زيدا ل يغب عن خاطر أخيه‬
‫الفاروق لظة‪..‬‬
‫ودائما كان يقول‪:‬‬
‫" ما هبّت الصبا‪ ،‬ال وجدت منها ريح زيد"‪.‬‬
‫أجل‪..‬‬
‫ان الصبا لتحمل ريح زيد‪ ،‬وعبي شائله التفوقة‪..‬‬
‫ولكن‪ ،‬اذا اذن أمي الؤمني‪ ،‬أضفت لعبارته الليلة هذه‪ ،‬كلمات تكتمل معها جوانب الطار‪.‬‬
‫تلك هي‪:‬‬
‫" ‪ ..‬وما هبّت رياح النصر على السلم منذ يوم اليمامة ال وجد السلم فيها ريح زيد‪ ..‬وبلء‬
‫زيد‪ ..‬وبطولة زيد‪ ..‬وعظمة زيد‪"!!..‬‬
‫**‬
‫بورك آل الطّاب تت راية رسول ال صلى ال عليهوسلم‪..‬‬
‫بوركوا يوم أسلموا‪ ..‬وبوركوا أيام جاهدوا‪ ،‬واستشهدوا‪ ..‬وبوركوا يوم يبعثون‪!!..‬‬
‫طلحة بن عبيد ال‬
‫صقر يوم أحد‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫( من الؤمني رجال صدقوا ما عاهدوا ال عليه فمنهم من قضى نبه ومنهم من ينتظر‪ ،‬وما بدّلوا‬
‫تبديل)‪...‬‬
‫تل الرسول صلى ال عليه وسلم هذه الية الكرية‪ ،‬ث استقبل وجوه أصحابه‪ ،‬وقال وهو يشي ال‬
‫طلحة‪:‬‬
‫" من سرّه أن ينظر ال رجل يشي على الرض‪ ،‬وقد قضى نبه‪ ،‬فلينظر ال طلحة"‪!!..‬‬
‫ول تكن ثة بشرى يتمنّاها أصحاب رسول ال‪ ،‬وتطي قلوبم شوقا اليها أكثر من هذه الت قلّدها‬
‫النب طلحة بن عبيد ال‪..‬‬
‫لقد اطمأن اذن ال عاقبة أمره ومصي حياته‪ ..‬فسيحيا‪ ،‬ويوت‪ ،‬وهو واحد من الذين صدقوا ما‬
‫عاهدوا ال عليه ولن تناله فتنة‪ ،‬ولن يدركه لغوب‪..‬‬
‫ولقد بشّره الرسول بالنة‪ ،‬فماذا كانت حياة هذا البشّر الكري‪..‬؟؟‬
‫**‬
‫لقد كان ف تارة له بأرض بصرى حي لقي راهبا من خيار رهبانا‪ ،‬وأنبأه أن النب الذي سيخرج‬
‫من بلد الرم‪ ،‬والذي تنبأ به النبياء الصالون قد أهلّ عصره وأشرقت أيامه‪..‬‬
‫وحّر طلحة أن يفوته موكبه‪ ،‬فانه موكب الدى والرحة واللص‪..‬‬
‫وحي عاد طلحة ال بلده مكة بعد شهور قضاها ف بصرى وف السفر‪ ،‬الفى بي أهلها ضجيجا‪..‬‬
‫وسعهم يتحدثون كلما التقى بأحدهم‪ ،‬أو بماعة منهم عن ممد المي‪ ..‬وعن الوحي الذي يأتيه‪..‬‬
‫وعن الرسالة الت يملها ال العرب خاصة‪ ،‬وال الناس كافة‪..‬‬
‫وسأل طلحة أول ما سأل أب بكر فعلم أنه عاد مع قافلته وتارته من زمن غي بعيد‪ ،‬وأنه يقف ال‬
‫جوار ممد مؤمنا منافحا‪ ،‬أوّابا‪..‬‬
‫وحدّث طلحة نفسه‪ :‬ممد‪ ،‬وأبو بكر‪..‬؟؟‬
‫تال ل يتمع الثنان على ضللة أبدا‪!!.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ولقد بلغ ممد الربعي من عمره‪ ،‬وما عهدنا عليه خلل هذا العمر كذبة واحدة‪ ..‬أفيكذب اليوم‬
‫على ال‪ ،‬ويقول‪ :‬أنه أرسلن وأرسل الّ وحيا‪..‬؟؟‬
‫وهذا هو الذي يصعب تصديقه‪..‬‬
‫وأسرع طلحة الطى ميمما وجهه شطر دار أب بكر‪..‬‬
‫ول يطل الديث بينهما‪ ،‬فقد كان شوقه ال لقاء الرسول صلى ال عليه وسلم ومبايعته أسرع من‬
‫دقات قلبه‪..‬‬
‫فصحبه أبو بكر ال الرسول عليه الصلة والسلم‪ ،‬حيث أسلم وأخذ مكانه ف القافلة الباركة‪..‬‬
‫وهكذا كان طلحة من السلمي البكرين‪.‬‬
‫**‬
‫وعلى الرغم من جاهه ف قومه‪ ،‬وثرائه العريض‪ ،‬وتارته الناجحة فقد حل حظه من اضطهاد‬
‫قريش‪ ،‬اذ وكل به وبأب بكر نوفل بن خويلد‪ ،‬وكان يدعى أسد قريش‪ ،‬بيد أن اضطهادها ل يطل‬
‫مداه‪ ،‬اذ سرعان ما خجلت قريش من نفسها‪ ،‬وخافت عاقبة أمرها‪..‬‬
‫وهاجر طلحة ال الدينة حي أمر السلمون بالجرة‪ ،‬ث شهد الشاهد كلها مع رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬عدا غزوة بدر‪ ،‬فان الرسول صلى ال عليه وسلم كان قد ندبه ومعه سعيد بن زيد لهمة‬
‫خارج الدينة‪..‬‬
‫ولا أنزاها ورجعا قافلي ال الدينة‪ ،‬كان النب وصحبه عائدين من غزوة بدر‪ ،‬فآل نفسيهما أن‬
‫يفوتما أجر مشاركة الرسول صلى ال عليه وسلم بالهاد ف أول غزواته‪..‬‬
‫بيد أن الرسول أهدى اليهما طمأنينة سابغة‪ ،‬حي انبأها أن لما من الثوبة والجر مثل ما للمقاتلي‬
‫تاما‪ ،‬بل وقسم لما من غنائم العركة مثل من شهدوها‪..‬‬
‫وتيء غزوة أحد لتشهد كل جبوت قريش وكل بأسها حيث جاءت تثأر ليوم بدر وتؤمّن مصيها‬
‫بانزال هزية نائية بالسلمي‪ ،‬هزية حسبتها قريش أمرا ميسورا‪ ،‬وقدرا مقدورا‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ودارت حرب طاحنة سرعان ما غطّت الرض بصادها الليم‪ ..‬ودارت الدائرة على الشركي‪..‬‬
‫ث لا رآهم السلمون ينسحبون وضعوا أسلحتهم‪ ،‬ونزل الرماة من مواقعهم ليحوزوا نصيبهم من‬
‫الغنائم‪..‬‬
‫وفجأة عاد جيش قريش من الوراء على حي بغتة‪ ،‬فامتلك ناصية الرب زمام العركة‪..‬‬
‫واستأنف القتال ضراوته وقسوته وطحنه‪ ،‬وكان للمفاجأة أثرها ف تشتيت صفوف السلمي‪..‬‬
‫وأبصر طلحة جانب العركة الت يقف فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فألفاه قد صار هدفا‬
‫لقوى الشرك والوثنية‪ ،‬فسارع نو الرسول‪..‬‬
‫وراح رضي ال عنه يتاز طريقا ما أطوله على قصره‪ !..‬طريقا تعترض كل شب منه عشرات السيوف‬
‫السعورة وعشرات من الرماح الجنونة!!‬
‫ورأى رسول ال صلى ال عليه وسلم من بعيد يسيل من وجنته الدمو ويتحامل على نفسه‪ ،‬فجنّ‬
‫جنونه‪ ،‬وقطع طريق الول ف قفزة أو قفزتي وأمام الرسول وجد ما يشاه‪ ..‬سيوف الشركي تلهث‬
‫نوه‪ ،‬وتيط به تريد أن تناله بسوء‪..‬‬
‫ووقف طلحة كاليش اللجب‪ ،‬يضرب بسيفه البتار يينا وشال‪..‬‬
‫ورأى دم الروسل الكري ينف‪ ،‬وآلمه تئن‪ ،‬فسانده وحله بعيدا عن الفرة الت زلت فيها قدمه‪..‬‬
‫كان يساند الرسول عليه الصلة والسلم بيسراه وصدره‪ ،‬متأخرا به ال مكان آمن‪ ،‬بينما بيمينه‪،‬‬
‫بارك ال يينه‪ ،‬تضرب بالسيف وتقاتل الشركي الذين أحاطوا بالرسول‪ ،‬وملؤا دائرة القتال مثل‬
‫الراد‪!!..‬‬
‫ولندع الصدّيق أبا بكر رضي ال عنه يصف لنا الشهد‪..‬‬
‫تقول عائشة رضي ال عنها‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" كان أبو بكر اذا ذكر يوم أحد يقول‪ :‬ذلك كله كان يوم طلحة‪ ..‬كنت أول من جاء ال النب‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال ل الرسول صلى ال عليه وسلم ولب عبيدة بن الرّاح‪ :‬دونكم اخاكم‪..‬‬
‫ونظرنا واذا به بضع وسبعون بي طعنة‪ ..‬وضربة ورمية‪ ..‬واذا أصبعه مقطوع‪ .‬فأصلحنا من شانه" ‪.‬‬
‫**‬
‫وف جيع الشاهد والغزوات‪ ،‬كان طلحة ف مقدّمة الصفوف يبتغي وجه ال‪ ،‬ويفتدي راية رسوله‪.‬‬
‫ويعيش طلحة وسط الماعة السلمة‪ ،‬يعبد ال مع العابدين‪ ،‬وياهد ف سبيله مع الجاهدين‪ ،‬ويرسي‬
‫بساعديه مع سواعد اخوانه قواعد الدين الديد الذي جاء ليخرج الناس من الظلمات ال النور‪..‬‬
‫فاذا قضى حق ربه‪ ،‬راح يضرب ف الرض‪ ،‬ويبتغي من فضل ال منمّيا تارته الرابة‪ ،‬وأعماله‬
‫الناجحة‪.‬‬
‫فقد كان طلحة رضي ال عته من أكثر السلمي ثراء‪ ،‬وأناهم ثروة‪..‬‬
‫وكانت ثروته كلها ف خدمة الدين الذي حل مع رسول ال صلى ال عليه وسلم رايته‪...‬‬
‫كان ينفق منها بغي حساب‪..‬‬
‫وكان اله ينمّيها له بغي حساب!‬
‫لقد لقّبه رسول ال صلى ال عليه وسلم بن طلحة الي‪ ،‬وطلحة الود‪ ،‬وطلحة الفيّاض اطراء‬
‫لوده الفيض‪.‬‬
‫وما أكثر ما كان يرج من ثروته مرة واحدة‪ ،‬فاذا ال الكري يردها اليه مضاعفة‪.‬‬
‫تدّثنا زوجته سعدى بنت عوف فتقول‪:‬‬
‫" دخلت على طلحة يوما فرأيته مهموما‪ ،‬فسألته ما شانك‪..‬؟‬
‫فقال الال الذي عندي‪ ..‬قد كثر حت أهّن وأكربن‪..‬‬
‫وقلت له ما عليك‪ ..‬اقسمه‪..‬‬
‫فقام ودعا الناس‪ ،‬واخذ يقسمه عليهم حت ما بقي منه درهم"‪...‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ومرّة أخرى باع أرضا له بثمن مرتفع‪ ،‬ونظر ال كومة الال ففاضت عيناه من الدمع ث قال‪:‬‬
‫" ان رجل تبيت هذه الموال ف بيته ل يدري ما يطرق من أمر‪ ،‬لغرور بال"‪...‬‬
‫ث دعا بعض أصحابه وحل معهم أمواله هذه‪ ،‬ومضى ف شوارع الدينة وبيوتا يوزعها‪ ،‬حت أسحر‬
‫وما عنده منها درهم‪!!..‬‬
‫ويصف جابر بن عبدال جود طلحة فيقول‪:‬‬
‫" ما رأيت أحد اعطى لزيل مال من غي مسألة‪ ،‬من طلحة بن عبيد ال"‪.‬وكان أكثر الناس برّا بأهله‬
‫وبأقربائه‪ ،‬فكان يعولم جيعا على كثرتم‪..‬‬
‫وقد قيل عنه ف ذلك‪:‬‬
‫"‪ ..‬كان ل يدع أحدا من بن تيم عائل ال كفاه مؤنته‪ ،‬ومؤنة عياله‪..‬‬
‫وكان يزوج أيامهم‪ ،‬ويدم عائلهم‪ ،‬ويقضي دين غارمهم"‪..‬‬
‫ويقول السائب بن زيد‪:‬‬
‫" صجبت طلحة بن عبيدال ف السفر والضر فما وجدت أحدا‪ ،‬أعمّ سخاء على الدرهم‪ ،‬والثوب‬
‫والطعام من طلحة"‪!!..‬‬
‫وتنشب الفتنة العروفة ف خلفة عثمان رضي ال عنه‪..‬‬
‫ويؤيد طلحة حجة العارضي لعثمان‪ ،‬ويزكي معظمهم فيما كانوا ينشدونه من تغيي واصلح‪..‬‬
‫أكان بوقفه هذا‪ ،‬يدعو ال قتل عثمان‪ ،‬أو يرضى به‪..‬؟؟ كل‪...‬‬
‫ولو كان يعلم أن الفتنة ستتداعى حت تتفجر آخر المر حقدا مبول‪ ،‬ينفس عن نفسه ف تلك الناية‬
‫البشعة الت ذهب ضحيتها ذو النورين عثمان رضي ال عنه‪..‬‬
‫نقول‪ :‬لو كان يعلم أن الفتنة ستتمادى ال هذا الأزق والنتهى لقاومها‪ ،‬ولقاومها معه بقية الصحاب‬
‫الذين آزروها أول أمرها باعتبارها حركة معارضة وتذير‪ ،‬ل أكثر‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫على أن موقف طلحة هذا‪ ،‬توّل ال عقدة حياته بعد الطريقة البشعة الت حوصر با عثمان وقتل‪،‬‬
‫فلم يكد المام عليّ يقبل بيعة السلمي بالدينة ومنهم طلحة والزبي‪ ،‬حت استأذن الثنان ف الروج‬
‫ال مكة للعمرة‪..‬‬
‫ومن مكة توجها ال البصرة‪ ،‬حيث كانت قوات كثية تتجمّع للخذ بثأر عثمان‪..‬‬
‫وكانت وقعة المل حيث التقى الفريق الطالب بدم عثمان‪ ،‬والفريق الذي يناصر عليّا‪..‬‬
‫وكان عل ّي كلما أدار خواطره على الوقف العسر الذي يتازه السلم والسلمون ف هذه الصومة‬
‫الرهيبة‪ ،‬تنتفض هومه‪ ،‬وتطل دموعه‪ ،‬ويعلو نشيجه‪!!..‬‬
‫لقد اضطر ال امأزق الوعر‪..‬‬
‫فبوصفه خليفة السلمي ل يستطيع‪ ،‬وليس من حقه أن يتسامح تاه أي ترّد على الدولة‪ ،‬أو أي‬
‫مناهضة مسلحة للسلطة الشروعة‪..‬‬
‫وحي ينهض لقمع ترّد من هذ النوع‪ ،‬فان عليه أن يواجه اخوانه وأصحابه وأصدقاءه‪ ،‬وأتباع رسوله‬
‫ودينه‪ ،‬أولئك الذين طالا قاتل معهم جيوش الشرك‪ ،‬وخاضوا معا تت راية التوحيد معارك صهرتم‬
‫وصقلتهم‪ ،‬وجعلت منهم اخوانا بل اخوة متعاضدين‪..‬‬
‫فأي مأزق هذا‪..‬؟ وأي ابتلء عسي‪..‬؟‬
‫وف سبيل التماس مرج من هذا الأزق‪ ،‬وصون دماء السلمي ل يترك المام علي وسيلة ال توسّل‬
‫با‪ ،‬ول رجاء ال تعلق به‪.‬‬
‫ولكن العناصر الت كانت تعمل ضدّ السلم‪ ،‬وما أكثرها‪ ،‬والت لقيت مصيها الفاجع على يد الدولة‬
‫السلمة‪ ،‬أيام عاهلها العظيم عمر‪ ،‬هذه العناصر كانت قد أحكمت نسج الفتنة‪ ،‬وراحت تغذيها‬
‫وتتابع سيها وتفاقمها‪...‬‬
‫**‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫بكى عليّ بكاء غزيرا‪ ،‬عندما أبصر أم الؤمني عائشة ف هودجها على رأس اليش الذي يرج الن‬
‫لقتاله‪..‬‬
‫وعندما أبصر وسط اليش طلحة والزبي‪ ،‬حوراييّ رسول ال‪..‬‬
‫فنادى طلحة والزبي ليخرجا اليه‪ ،‬فخرجا حت اختلفت أعناق أفراسهم‪..‬‬
‫فقال لطلحة‪:‬‬
‫" يا طلحة‪ ،‬أجئت بعرس رسول ال تقاتل با‪ .‬وخبأت عرسك ف البيت"‪..‬؟؟‬
‫ث قال للزبي‪:‬‬
‫" يا زبي‪ ،‬نشدتك ال‪ ،‬أتذكر يوم مرّ بك رسول ال صلى ال عليه وسلم ونن بكان كذا‪ ،‬فقال‬
‫لك‪ :‬يا زبي‪ ،‬أل تبّ عليّا‪..‬؟‬
‫فقلت‪ :‬أل أحب ابن خال‪ ،‬وابن عمي‪ ،‬ومن هو على دين‪..‬؟؟‬
‫فقال لك‪ :‬يا زبي‪ ،‬أما وال لتقاتلنه وأنت له ظال"‪!!..‬‬
‫قال الزبي رضي ال عنه‪ :‬نعم أذكر الن‪ ،‬وكنت قد نسيته‪ ،‬وال ل أقاتلك‪..‬‬
‫وأقلع الزبي وطلحة عن الشتراك ف هذه الرب الهلية‪..‬‬
‫أقلعا فور تبيّنهما المر‪ ،‬وعندما أبصرا عمار بن ياسر يارب ف صف عليّ‪ ،‬تذكرا قول رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم لعمّار‪:‬‬
‫" تقتلك الفئة الباغية"‪..‬‬
‫فان قتل عمّار اذن ف هذه العركة الت يشترك فيها طلحة‪ ،‬فسيكون طلحة باغيا‪...‬‬
‫**‬
‫انسحب طلحة والزبي من القتال‪ ،‬ودفعا ثن ذلك النسحاب حياتما‪ ،‬ولكنهما لقيا ال قريرة‬
‫أعينهما با منّ عليهما من بصية وهدى‪..‬‬
‫أما الزبي فقد تعقبه رجل اسه عمرو بن جرموز وقتله غيلة وغدرا وهو يصلي‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وأما طلحة فقد رماه مروان بن الكم بسهم أودى بياته‪..‬‬


‫**‬
‫كان مقتل عثمان قد تشكّل ف نفسية طلحة‪ ،‬حت صار عقدة حياته‪..‬‬
‫كل هذا‪ ،‬مع أنه ل يشترك بالقتل‪ ،‬ول يرّض عليه‪ ،‬وانا ناصر العارضة ضدّه‪ ،‬يوم ل يكن يبدو أن‬
‫العارضة ستتمادى وتتأزم حت تتحول ال تلك الرية البشعة‪..‬‬
‫وحي أخذ مكانه يوم المل مع اليش العادي لعلي بن أب طالب والطالب بدم عثمان‪ ،‬كان‬
‫يرجو أن يكون ف موقفه هذا كفّارة تريه من وطأة ضميه‪..‬‬
‫وكان قبل بدء العركة يدعو ويضرع بصوت تنقه الدموع‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫" اللهم خذ من لعثمان اليوم حت ترضى"‪..‬‬
‫فلما واجهه عليّ هو والزبي‪ ،‬أضاءت كلمات عليّ جوانب نفسيهما‪ ،‬فرأيا الصواب وتركا أرض‬
‫القتال‪..‬‬
‫بيد أن الشهادة من حظ طلحة يدركها وتدركه أيّان يكون‪..‬‬
‫أل يقل الرسول عنه‪:‬‬
‫" هذا من قضى نبه‪ ،‬ومن سرّه أن يرى شهيدا يشي على الرض‪ ،‬فلينظر ال طلحة"‪..‬؟؟‬
‫لقي الشهيد اذن مصيه القدور والكبي‪ ،‬وانتهت وقعة المل‪.‬‬
‫وأدركت أم الؤمني أنا تعجلت المور فغادرت البصرة ال البيت الرام فالدينة‪ ،‬نافضة يديها من‬
‫هذا الصراع‪ ،‬وزوّدها المام علي ف رحلتها بكل وسائل الراحة والتكري‪..‬‬
‫وحي كان عليّ يستعرض شهداء العركة راح يصلي عليهم جيعا‪ ،‬الذين كانوا معه‪ ،‬والذين كانوا‬
‫ضدّه‪..‬‬
‫ولا فرغ من دفن طلحة‪ ،‬والزبي‪ ،‬وقف يودعهما بكلمات جليلة‪ ،‬اختتمها قائل‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" ان لرجو أن أكون أنا‪ ،‬وطلحة والزبي وعثمان من الذين قال ال فيهم‪( :‬ونزعنا ما صدورهم من‬
‫غلّ اخوانا على سرر متقابلي)"‪..‬‬
‫ث ضمّ قبيهما بنظراته الانية الصافية السية وقال‪:‬‬
‫" سعت أذناي هاتان رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫" طلحة والزبي‪ ،‬جاراي ف النّة"‪...‬‬
‫الزبي بن العوّام‬
‫حواريّ رسول ال‬
‫ل ييء ذكر طلحة ال ويذكر الزبي معه‪..‬‬
‫ول ييء ذكر الزبي ال ويذكر طلحة معه‪..‬‬
‫فحي كان الرسول عليه الصلة والسلم يؤاخي بي أصحابه ف مكة قبل الجرة‪ ،‬آخى بي طلحة‬
‫والزبي‪.‬‬
‫وطالا كان عليه السلم يتحدث عنهما معا‪ ..‬مثل قوله‪:‬‬
‫" طلحة والزبي جاراي ف النة"‪.‬‬
‫وكلها يتمع مع الرسول ف القرابة والنسب‪.‬‬
‫أما طلحة‪ ،‬فيجتمع ف نسبه مع الرسول ف مرة بن كعب‪.‬‬
‫وأما الزبي‪ ،‬فيلتقي ف نسبه مع الرسول ف قصّي بن كلّب كما أن أمه صفية عمة الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم‪..‬‬
‫وكل منهما طلحة والزبي كان أكثر الناس شبها بالخر ف مقادير الياة‪..‬‬
‫فالتماثل بينهما كبي‪ ،‬ف النشأة‪ ،‬ف الثراء‪ ،‬ف السخاء‪ ،‬ف قوة الدين‪ ،‬ف روعة الشجاعة‪ ،‬وكلها من‬
‫السلمي البكرين باسلمهم‪...‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ومن العشرة الذين بشّرهم الرسول بالتة‪ .‬ومن أصحاب الشورى الستة الذين وكّل اليهم عمر‬
‫اختيار الليفة من بعده‪.‬‬
‫وحت مصيها كان كامل التماثل‪ ..‬بل كان مصيا واحدا‪.‬‬
‫**‬
‫ولقد أسلم الزبي‪ ،‬اسلما مبكرا‪ ،‬اذ كان واحدا من السبعة الوائل الذين سارعوا ال السلم‪،‬‬
‫وأسهموا ف طليعته الباركة ف دار الرقم‪..‬‬
‫وكان عمره يومئذ خس عشر سنة‪ ..‬وهكذا رزق الدى والنور والي صبيا‪..‬‬
‫ولقد كان فارسا ومقداما منذ صباه‪ .‬حت ان الؤرخي ليذكرون أن أول سيف شهر ف السلم كان‬
‫سيف الزبي‪.‬‬
‫ففي اليام الول للسلم‪ ،‬والسلمون يومئذ قلة يستخفون ف دار الرقم‪ ..‬سرت اشاعة ذات يوم أن‬
‫الرسول قتل‪ ..‬فما كان من الزبي ال أن استلّ سيفه وامتشقه‪ ،‬وسار ف شوارع مكة‪ ،‬على حداثة سنه‬
‫كالعصار‪!..‬‬
‫ذهب أول يتبيّن الب‪ ،‬معتزما ان ما ألفاه صحيحا أن يعمل سيفه ف رقاب قريش كلها حت يظفربم‬
‫أو يظفروا به‪..‬‬
‫وف أعلى مكة لقيه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فسأله ماذا به‪....‬؟ فأنى اليه الزبي النبأ‪ ..‬فصلى‬
‫عليه الرسول‪ ،‬ودعا له بالي‪ ،‬ولسيفه بالغلب‪.‬‬
‫وعلى الرغم من شرف الزبي ف قومه فقد حل حظه من اضطهاد قريش وعذابا‪.‬‬
‫وكان الذي تول تعذيبع عمه‪ ..‬كان يلفه ف حصي‪ ،‬ويدخن عليه بالنار كي تزهق أنفاسه‪ ،‬ويناديه‬
‫وهو تت وطأة العذاب‪ ":‬أكفر برب ممد‪ ،‬أدرأ عنك العذاب"‪.‬‬
‫فيجيبه الزبي الذي ل يكن يوم ذاك أكثر من فت ناشئ‪ ،‬غضّ العظام‪ ..‬ييب عمه ف تدّ رهب‪:‬‬
‫" ل‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وال ل أعود لكفر أبدا"‪...‬‬


‫ويهاجر الزبي ال البشة‪ ،‬الجرتي الول والثانية‪ ،‬ث يعود ليشهد الشاهد كلها مع رسول ال‪ .‬ل‬
‫تفتقده غزوة ول معركة‪.‬‬
‫وما أكثر الطعنات الت تلقاها جسده واحتفظ با بعد اندمال جراحاتا‪ ،‬أوسة تكي بطولة الزبي‬
‫وأماده‪!!..‬‬
‫ولنصغ لواحد من الصحابة رأى تلك الوسة الت تزدحم على جسده‪ ،‬يدثنا عنها فيقول‪:‬‬
‫" صحبت الزبي بن العوّام ف بعض أسفاره ورأيت جسده‪ ،‬فرأيته مذّعا بالسيوف‪ ،‬وان ف صدره‬
‫لمثال العيون الغائرة من الطعن والرمي‪.‬‬
‫فقلت له‪ :‬وال لقد شهدت بسمك ما ل أره بأحد قط‪.‬‬
‫فقال ل‪ :‬أم وال ما منها جراحة ال مع رسول ال وف سبيل ال"‪..‬‬
‫وف غزوة أحد بعد أن انقلب جيش قريش راجعا ال مكةو ندبه الرسول هو وأبو بكر لتعقب جيش‬
‫قريش ومطاردته حت يروا أن السلمي قوة فل يفكروا ف الرجوع ال الدينة واستئناف القتال‪..‬‬
‫وقاد أبو بكر والزبي سبعي من السلمي‪ ،‬وعلى الرغم من أنم كانوا يتعقبون جيشا منتصرا فان‬
‫اللباقة الربية الت استخدمها الصديق والزبي‪ ،‬جعلت قريشا تظن أنا أساءت تقدير خسائر السلمي‪،‬‬
‫وجعلتها تسب أن هذه الطليعة القوية الت أجاد الزبي مع الصديق ابراز قوتا‪ ،‬وما هي ال مقدمة‬
‫ليش الرسول الذي يبدو أنه قادم ليشن مطاردة رهيبة فأغذّت قريش سيها‪ ،‬وأسرعت خطاها ال‬
‫مكة‪!!..‬‬
‫ويوم اليموك كان الزبي جيشا وحده‪ ..‬فحي رأى أكثر القاتلي الذين كان على رأسهم يتقهقرون‬
‫أمام جبال الروم الزاحفة‪ ،‬صاح هو" ال أكب"‪ ..‬واخترق تلك البال الزاحفة وحده‪ ،‬ضاربا بسيفه‪..‬‬
‫ث قفل راجعا وسط الصفوف الرهيبة ذاتا‪ ،‬وسيف يتوهج ف يينه ل يكبو‪ ،‬ول يبو‪!!..‬‬
‫وكان رضي ال عنه شديد الولع بالشهادة‪ ،‬عظيم الغرام بالوت ف سبيل ال‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وكان يقول‪:‬‬
‫" ان طلحة بن عبيد ال يسمي بنيه بأساء النبياء‪ ،‬وقد علم أل نب بعد ممد‪...‬‬
‫وان لسي بنّ بأساء الشهداء لعلهم يستشهدون"‪!.‬‬
‫وهكذا سى ولده‪ ،‬عبدال بن الزبي تيمنا بالصحاب الشهيد عبدال بن جحش‪.‬‬
‫وسى ولده النذر‪ ،‬تيمنا بالشهيد النذر بن عمرو‪.‬‬
‫وسى عروة تيمنا بالشهيد عروة بن عمرو‪.‬‬
‫وسى حزة تيمنا بالشهيد الليل عم الرسول حزة بن عبدالطلب‪.‬‬
‫وسّى جعفر‪ ،‬تيمنا بالشهيد الكبي جعفر بن أب طالب‪.‬‬
‫وسى مصعبا تيمنا بالشهيد مصعب بن عمي‪.‬‬
‫وسى خالد تيمنا بالصحاب الشهيد خالد بن سعيد‪..‬‬
‫وهكذا راح يتار لبنائه أساء الشهداء‪ .‬راجيا أن يكونوا يوم تأتيهم آجالم شهداء‪.‬‬
‫ولقد قيل ف تاريه‪:‬‬
‫" انه ما ول امارة فط‪ ،‬ول جباية‪ ،‬ول خراجا ول شيئا ال الغزو ف سبيل ال"‪.‬‬
‫وكانت ميزته كمقاتل‪ ،‬تتمثل ف ف اعتماده التام على نفسه‪ ،‬وف ثقته التامة با‪.‬‬
‫فلو كان يشاركه ف القتال مائة ألف‪ ،‬لرأيته يقاتل وحده ف لعركة‪ ..‬وكأن مسؤولية القتال والنصر‬
‫تقع على كاهله وحده‪.‬‬
‫وكان فضيلته كمقاتل‪ ،‬تتمثل ف الثبات‪ ،‬وقوة العصاب‪..‬‬
‫رأى مشهد خاله حزة يوم أحد وقد كثّل الشركون بثمانه القتيل ف قسوة‪ ،‬فوقف أمامه كالطود‬
‫ضاغطا على أسنانه‪ ،‬وضاغطا على قبضة سيفه‪ ،‬ل يفكر ال ف ثأر رهيب سرعان ما جاء الوحي‬
‫ينهى الرسول والسلمي عن مرّد التفكي فيه‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وحي طال حصار بن قريظة دون أن يستسلموا أرسله الرسول صلى ال عليه وسلم مع علي ابن أب‬
‫طالب‪ ،‬فوقف أمام الصن النيع يردد مع علي قوله‪:‬‬
‫" وال لنذوقنّ ما ذاق حزة‪ ،‬أو لنفتحنّ عليهم حصنهم"‪..‬‬
‫ث ألقيا بنفسيهما وحيدين داخل الصن‪..‬‬
‫وبقوة أعصاب مذهلة‪ ،‬أحكما انزال الرعب ف أفئدة التحصني داخله وفتحا أبوابه للمسلمي‪!!..‬‬
‫ويوم حني أبصر مالك بن عوف زعيم هوزان وقائد جيش الشرك ف تلك الغزوة‪ ..‬أبصره بعد‬
‫هزيتهم ف حني واقفا وسط فيلق من أصحابه‪ ،‬وبقايا جيشه النهزم‪ ،‬فاقتحم حشدهم وحده‪ ،‬وشتت‬
‫شلهم وحده‪ ،‬وأزاحهم عن الكمن الذي كانوا يتربصون فيه ببعض زعماء السلمي‪ ،‬العائدين من‬
‫العركة‪!!..‬‬
‫**‬
‫ولقد كان حظه من حب الرسول وتقديره عظيما‪..‬‬
‫وكان الرسول عليه الصلة والسلم يباهي به ويقول‪:‬‬
‫" ان لكل نب حواريا وحواريي الزبي ن العوّام"‪..‬‬
‫ذلك أنه ل يكن ابن عمته وحسب‪ ،‬ول زوج أساء بنت أب بكر ذات النطاقي‪ ،‬بل كان ذلك الوف‬
‫القوي‪ ،‬والشجاع البّ‪ ،‬والوّاد السخيّ‪ ،‬والبائع نفسه وماله ل رب العالي‪:‬‬
‫ولقد أجاد حسان بن ثابت وصفه حي قال‪:‬‬
‫أقام على عهد النب وهديه‬
‫حواريّه والقول بالفعل يعدل‬
‫أقام على منهاجه وطريقه‬
‫يوال ولّ الق‪ ،‬والق أعدل‬
‫هو الفارس الشهور والبطل الذي‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫يصول‪ ،‬اذا ما كان يوم مجّل‬


‫له من رسول ال قرب قريبة‬
‫ومن نصرة السلم مد موثّل‬
‫فكم كربة ذبّ الزبي بسيفه‬
‫عن الصطفى‪ ،‬وال يعطي ويزل‬
‫**‬
‫وكان رفيع الصال‪ ،‬عظيم الشمائل‪ ..‬وكانت شجاعته وسخاؤه كفرسي رهان‪!!..‬‬
‫فلقد كان يدير تارة رابة ناجحة‪ ،‬وكان ثراؤه عريضا‪ ،‬ولكنه أنفقه ف السلم حت مات مدينا‪!!..‬‬
‫وكان توكله على ال منطلق جوده‪ ،‬ومنطلق شجاعته وفدائيته‪..‬‬
‫حت وهو يود بروحه‪ ،‬ويوصي ولده عبدال بقضاء ديونه قال له‪:‬‬
‫" اذا أعجزك دين‪ ،‬فاستعن بولي"‪..‬‬
‫وسال عبدال‪ :‬أي مول تعن‪..‬؟‬
‫فأجابه‪ :‬ال‪ ،‬نعم الول ونعم النصي"‪..‬‬
‫يقول عبدال فيما بعد‪:‬‬
‫" فوال ما وقعت ف كربة من دينه ال قلت‪ :‬يا مول الزبي اقضي دينه‪ ،‬فيقضيه"‪.‬‬
‫وف يوم المل‪ ،‬على النحو الذي ذكرنا ف حديثنا السالف عن حياة سيدنا طلحة كانت ناية سيدنا‬
‫الزبي ومصيه‪..‬‬
‫فبعد أن رأى الق نفض يديه من القتال‪ ،‬وتبعه نفر من الذين كانوا يريدون للفتنة دوام الشتعال‪،‬‬
‫وطعنه القاتل الغادر وهو بي يدي ربه يصلي‪..‬‬
‫وذهب القاتل ال المام علي يظن أنه يمل اليه بشرى حي يسمعه نبأ عدوانه على الزبي‪ ،‬وحي‬
‫يضع بي يديه سيفه الذي استلبه منه‪ ،‬بعد اقتراف جريته‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫لكن عليّا صاح حي علم أن بالباب قاتل الزبي يستأذن‪ ،‬صاح آمرا بطرده قائل‪:‬‬
‫" بشّر قاتل ابن صفيّة بالنار"‪..‬‬
‫وحي أدخلوا عليه سيف الزبي‪ ،‬قبّله المام وأمعن بالبكاء وهو يقول‪:‬‬
‫" سيف طالا وال جل به صاحبه الكرب عن رسول ال"‪!!..‬‬
‫أهناك تيّة نوجهها للزبي ف ختام حديثنا عنه‪ ،‬أجل وأجزل من كلمات المام‪..‬؟؟‬
‫سلم على الزبي ف ماته بعد مياه‪..‬‬
‫سلم‪ ،‬ث سلم‪ ،‬على حواري رسول ال‪...‬‬
‫خبيب بن عديّ‬
‫بطل‪ ..‬فوق الصليب‪!!..‬‬
‫والن‪..‬‬
‫افسحوا الطريق لذا البطل يا رجال‪..‬‬
‫وتعالوا من كل صوب ومن كل مكان‪..‬‬
‫تعالوا‪ ،‬خفاقا وثقال‪..‬‬
‫تعاولوا مسرعي‪ ،‬وخاشعي‪..‬‬
‫وأقبلوا‪ ،‬لتلقنوا ف الفداء درسا ليس له نظي‪!!..‬‬
‫تقولون‪ :‬أوكل هذا الذي قصصت علينا من قبل ل تكن دروسا ف الفداء ليس لا نظي‪..‬؟؟‬
‫أجل كانت دروسا‪..‬‬
‫وكانت ف روعتها تلّ عن الثيل وعن النظي‪..‬‬
‫ولكنكم الن أمام أستاذ جديد ف فن التضحية‪..‬‬
‫أستاذ لوفاتكم مشهده‪ ،‬فقد فاتكم خي كثي‪ ،‬جدّ كثي‪..‬‬
‫الينا يا أصحاب العقائد ف كل أمة وبلد‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫الينا يا عشاق السموّ من كل عصر وأمد‪..‬‬


‫وأنتم أيضا يا من أثقلكم الغرور‪ ،‬وظننتم بالديان واليان ظ ّن السّوء‪..‬‬
‫تعالوا بغروركم‪!..‬‬
‫تعالوا وانظروا أية عزة‪ ،‬وأية منعة‪ ،‬وأي ثبات‪ ،‬وأيّ مضاء‪ ..‬وأي فداء‪ ،‬وأي ولء‪..‬‬
‫وبكلمة واحدة‪ ،‬أية عظمة خارقة وباهرة يفيئها اليان بالق على ذويه الخلصي‪!!..‬‬
‫أترون هذا الثمان الصلوب‪..‬؟؟‬
‫انه موضوع درسنا اليوم‪ ،‬يا ك ّل بن النسان‪!...‬‬
‫هذا الثمان الصلوب أمامكم هو الوضوع‪ ،‬وهو الدرس‪ ،‬وهو الستاذ‪..‬‬
‫اسه خبيب بن عديّ‪.‬‬
‫احفظوا هذا السم الليل جيّدا‪.‬‬
‫واحفظوه وانشدوه‪ ،‬فانه شرف لكل انسان‪ ..‬من كل دين‪ ،‬ومن كل مذهب‪ ،‬ومن كل جنس‪ ،‬وف‬
‫كل زمان‪!!..‬‬
‫**‬
‫انه من أوس الدينة وأنصارها‪.‬‬
‫تردد على رسول ال صلى ال عليه وسلم مذ هاجر اليههم‪ ،‬وآمن بال رب العالي‪.‬‬
‫كان عذب الروح‪ ،‬شفاف النفس‪ ،‬وثيق اليان‪ ،‬ريّان الضمي‪.‬‬
‫كان كما وصفه حسّان بن ثابت‪:‬‬
‫صقرا توسّط ف النصار منصبه‬
‫سح الشجيّة مضا غي مؤتشب‬
‫ولا رفعت غزوة بدر أعلمها‪ ،‬كان هناك جنديا باسل‪ ،‬ومقاتل مقداما‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وكان من بي الشركي الذين وقعوا ف طريقه ابّان العركة فصرعهم بسيفه الارث بن عمرو بن‬
‫نوفل‪.‬‬
‫وبعد انتهاء العركة‪ ،‬وعودة البقايا الهزومة من قريش ال مكة عرف بنو الارث مصرع أبيهم‪،‬‬
‫وحفظوا جيدا اسم السلم الذي صرعه ف العركة‪ :‬خبيب بن عديّ‪!!..‬‬
‫**‬
‫وعاد السلمون من بدر ال الدينة‪ ،‬يثابرون على بناء متمعهم الديد‪..‬‬
‫وكان خبيب عابدا‪ ،‬وناسكا‪ ،‬يمل بي جبينه طبيعة الناسكي‪ ،‬وشوق العابدين‪..‬‬
‫هناك أقبل على العبادة بروح عاشق‪ ..‬يقوم الليل‪ ،‬ويصوم الناهر‪ ،‬ويقدّس ل رب العالي‪..‬‬
‫**‬
‫وذات يوم أراد الرسول صلوات ال وسلمه عليه أن يبلو سرائر قريش‪ ،‬ويتبيّن ما ترامى اليه من‬
‫ترّكاتا‪ ،‬واستعدادها لغزو جديد‪ ..‬فاهتار من أصحابه عشرة رجال‪ ..‬من بينهم خبيب وجعل أميهم‬
‫عاصم بن ثابت‪.‬‬
‫وانطلق الركب ال غايته حت اذا بلغوا مكانا بي عسفان ومكة‪ ،‬ني خبهم ال حيّ من هذيل يقال‬
‫لم بنو حيّان فسارعوا اليهم بائة رجل من أمهر رماتم‪ ،‬وراحوا يتعقبونم‪ ،‬ويقتفون آثارهم‪..‬‬
‫وكادوا يزيغون عنهم‪ ،‬لول أن أبصر أحدهم بعض نوى التمر ساقطا على الرمال‪ ..‬فتناول بعض هذا‬
‫النوى وتأمله با كان للعرب من فراسة عجيبة‪ ،‬ث صاح ف الذين معه‪:‬‬
‫" انه نوى يثرب‪ ،‬فلنتبعه حت يدلنا عليهم"‪..‬‬
‫وساروا مع النوى البثوث على الرض‪ ،‬حت أبصروا على البعد ضالتهم الت ينشدون‪..‬‬
‫وأحس عاصم أمي العشرة أنم يطاردون‪ ،‬فدعا أصحابه ال صعود قمة عالية على رأس جبل‪..‬‬
‫واقترب الرماة الائة‪ ،‬وأحاطوا بم عند سفح البلو وأحكموا حولم الصار‪..‬‬
‫ودعوهم لتسليم أنفسهم بعد أن أعطوهم موثقا أل ينالم منهم سوء‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫والتفت العشرة ال أميهم عاصم بن ثابت النصاري رضي ال عنهم أجعي‪.‬‬


‫وانتظروا با يأمر‪..‬‬
‫فاذا هو يقول‪ ":‬أما أنا‪ ،‬فوال ل أنزل ف ذمّة مشرك‪..‬‬
‫اللهم أخب عنا نبيك"‪..‬‬
‫وشرع الرماة الائة يرمونم بالنبال‪ ..‬فأصيب أميهم عاصم واستشهد‪ ،‬وأصيب معه سبعة‬
‫واستشهدوا‪..‬‬
‫ونادوا الباقي‪ ،‬أ ّن لم العهد واليثاق اذا هم نزلوا‪.‬‬
‫فنل الثلثة‪ :‬خباب بن عديّ وصاحباه‪..‬‬
‫واقترب الرماة من خبيب وصاحبه زيد بن الدّثنّة فأطلقوا قسيّهم‪ ،‬وبرطوها با‪..‬‬
‫ورأى زميلهم الثالث بداية الغدر‪ ،‬فقرر أن يوت حيث مات عاصم واخوانه‪..‬‬
‫واستشهد حيث أراد‪..‬‬
‫وهكذا قضى ثانية من أعظم الؤمني ايانا‪ ،‬وأبرّهم عهدا‪ ،‬وأوفاهم ل ولرسوله ذمّة‪!!..‬‬
‫وحاول خبيب وزيد أن يلصا من وثاقهما‪ ،‬ولكنه كان شديد الحكام‪.‬‬
‫وقادها الرماة البغاة ال مكة‪ ،‬حيث باعوها لشركيها‪..‬‬
‫ودوّى ف الذان اسم خبيب‪..‬‬
‫وتذكّر بنوالارث بن عامر قتيل بدر‪ ،‬تذكّروا ذلك السم جيّدا‪ ،‬وحرّك ف صدورهم الحقاد‪.‬‬
‫وسارعوا ال شرائه‪ .‬ونافسهم على ذلك بغية النتقام منه أكثر أهل مكة من فقدوا ف معركة بدر‬
‫آباءهم وزعماءهم‪.‬‬
‫وأخيا تواصوا عليه جيعا وأخذوا يعدّون لصي يشفي أحقادهم‪ ،‬ليس منه وحده‪ ،‬بل ومن جيع‬
‫السلمي‪!!..‬‬
‫وضع قوم أخرون أيديهم على صاحب خبيب زيد بن الدّثنّة وراحوا يصلونه هو الخر عذابا‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫**‬
‫أسلم خبيب قلبه‪ ،‬وأمره‪،‬ومصيه ل رب العالي‪.‬‬
‫وأقبل على نسكه ثابت النفس‪ ،‬رابط الأش‪ ،‬معه من سكينة ال الت افاءها عليه ما يذيب الصخر‪،‬‬
‫ويلشي الول‪.‬‬
‫كان ال معه‪ ..‬وكان هو مع ال‪..‬‬
‫كانت يد ال عليه‪ ،‬يكاد يد برد أناملها ف صدره‪!..‬‬
‫دخلت عليه يوما احدى بنات الارث الذي كان أسيا ف داره‪ ،‬فغادرت مكانه مسرعة ال الناس‬
‫تناديهم لكييبصروا عجبا‪..‬‬
‫" وال لقد رأيته يمل قطفا كبيا من عنب يأكل منه‪..‬‬
‫وانه لوثق ف الديد‪ ..‬وما بكة كلها ثرة عنب واحدة‪..‬‬
‫ما أظنه ال رزقا رزقه ال خبيبا"‪!!..‬‬
‫أجل آتاه ال عبده الصال‪ ،‬كما آتى من قبل مري بنت عمران‪ ،‬يوم كانت‪:‬‬
‫( كلما دخل عليها زكريا الحراب وجد عندها رزقا‪..‬‬
‫قال يا مري أنّى لك هذا‬
‫قالت هو من عند ال ان ال يرزق من يشاء بغي حساب)‪..‬‬
‫**‬
‫وحل الشركون ال خبيب نبأ مصرع زميله وأخيه زيد رضي ال عنه‪.‬‬
‫ظاني أنم بذا يسحقون أعصابه‪ ،‬ويذيقونه ضعف المات وما كانوا يعلمون أن ال الرحيم قد‬
‫استضافه‪ ،‬وأنزل عليه سكينته ورحته‪.‬‬
‫وراحوا يساومونه على ايانه‪ ،‬ويلوحون له بالنجاة اذا ما هو كفر لحمد‪ ،‬ومن قبل بربه الذي آمن‬
‫به‪ ..‬لكنهم كانوا كمن ياول اقتناص الشمس برمية نبل‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫أجل‪ ،‬كان ايا خبيب كالشمس قوة‪ ،‬وبعدا‪ ،‬ونارا ونورا‪..‬‬


‫كان يضيء كل من التمس منه الضوء‪ ،‬ويدفئ كل من التمس منه الدفء‪ ،‬أم الذي يقترب منه‬
‫ويتحدّاه فانه يرقه ويسحقه‪..‬‬
‫واذا يئسوا ما يرجون‪ ،‬قادوا البطل ال مصيه‪ ،‬وخرجوا به ال مكان يسمى التنعيم حيث يكون هناك‬
‫مصرعه‪..‬‬
‫وما ان بلغوه حت استأذنم خبيب ف أن يصلي ركعتي‪ ،‬وأذنوا له ظاني أنه قد يري مع نفسه حديثا‬
‫ينتهي باستسلمه واعلن الكفران بال وبرسوله وبدينه‪..‬‬
‫وصلى خبيب ركعتي ف خشوع وسلم واخبات‪...‬‬
‫وتدفقت ف روحه حلوة اليان‪ ،‬فودّ لو يظل يصلي‪ ،‬ويصلي ويصلي‪..‬‬
‫ولكنه التفت صوب قاتليه وقال لم‪:‬‬
‫" وال لتسبوا أن ب جزعا من الوت‪ ،‬لزددت صلة"‪!!..‬‬
‫ث شهر ذراعه نو السماء وقال‪:‬‬
‫" اللهم احصهم عددا‪ ..‬واقتلهم بددا"‪..‬‬
‫ث تصفح وجوههم ف عزم وراح ينشد‪:‬‬
‫على أي جنب كان ف ال مصرعي‬ ‫ولست أبال حي أقتل مسلما‬
‫يبارك على أوصال شلو مزّع‬ ‫وذلك ف ذات الله وان يشأ‬
‫ولعله لول مرة ف تاريخ العرب يصلبون رجل ث يقتلونه فوق الصليب‪..‬‬
‫ولقد أعدّوا من جذوع النخل صليبا كبيا أثبتوافوقه خبيبا‪ ..‬وشدّوا فوق أطرافه وثاقه‪ ..‬واحتشد‬
‫الشركون ف شاتة ظاهرة‪ ..‬ووقف الرماة يشحذون رماحهم‪.‬‬
‫وجرت هذه الوحشية كلها ف بطء مقصود امام البطل الصلوب‪!!..‬‬
‫ل يغمض عينيه‪ ،‬ول تزايل السكينة العجيبة الضيئة وجهه‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وبدأت الرماح تنوشه‪ ،‬والسيوف تنهش لمه‪.‬‬


‫وهنا اقترب منه أحد زعماء قريش وقال له‪:‬‬
‫" أتب أن ممدا مكانك‪ ،‬وأنت سليم معاف ف أهلك"‪..‬؟؟‬
‫وهنا ل غي انتفض خبيب كالعصار وصاح‪ ،‬ف قاتليه‪:‬‬
‫" وال ما أحبّ أن ف اهلي وولدي‪ ،‬معي عافية الدنيا ونعيمها‪ ،‬ويصاب رسول ال بشوكة"‪..‬‬
‫نفس الكلمات العظيمة الت قالا صاحبه زيد وهم يهمّون بقتله‪ !..‬نفس الكلمات الباهرة الصادعة‬
‫الت قالا زيد بالمس‪ ..‬ويقولا خبيب اليوم‪ ..‬ما جعل أبا سفيان‪ ،‬وكان ل يسلم بعد‪ ،‬يضرب كفا‬
‫بكف ويقول مشدوها‪ ":‬وال ما رأيت أحدا يب أحدا كما يب أصحاب ممد ممدا"‪!!..‬‬
‫**‬
‫كانت كلمات خبيب هذه ايذانا للرماح وللسيوف بأن تبلغ من جسد البطل غايتها‪ ،‬فتناوشه ف‬
‫جنون ووحشية‪..‬‬
‫وقريبا من الشهد كانت تومطيور وصقور‪ .‬كأنا تنتظر فراغ الزارين وانصرافهم حت تقترب هي‬
‫فتنال من الثمان وجبة شهيّة‪..‬‬
‫ولكنها سرعان ما تنادت وتمّعت‪ ،‬وتدانت مناقيها كأنا تتهامس وتتبادل الديث والنجوى‪.‬‬
‫وفجأة طارت تشق الفضاء‪ ،‬وتضي بعيدا‪ ..‬بعيدا‪..‬‬
‫لكأنا شّت باستها وبغريزتا عبي رجل صال أوّاب يفوح من الثمان الصلوب‪ ،‬فخدلت أن‬
‫تقترب منه أو تناله بسوء‪!!..‬‬
‫مضت جاعة الطي ال رحاب الفضاء متعففة منصفة‪.‬‬
‫وعادت جاعة الشركي ال أوكارها الاقدة ف مكة باغية عادية‪..‬‬
‫وبقي الثمان الشهيد ترسه فرقة من القرشيي حلة الرماح والسويف‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫كان خبيب عندما رفعوه ال جذوع النخل الت صنعوا منها صليبا‪ ،‬قد يّم وجهه شطر السماء‬
‫وابتهل ال ربه العظيم قائل‪:‬‬
‫" اللهم انا قد بلّغنا رسالة رسولك فبلّغه الغداة ما يصنع بنا"‪..‬‬
‫واستجاب ال دعاءه‪..‬‬
‫فبينما الرسول ف الدينة اذ غمره احساس وثيق بأن أصحابه ف منة‪..‬‬
‫وتراءى له جثمان أحدهم معلقا‪..‬‬
‫ومن فوره دعا القداد بن عمرو‪ ،‬والزبي بن العوّام‪..‬‬
‫فركبا فرسيهما‪ ،‬ومضيا يقطعان الرض وثبا‪.‬‬
‫وجعهما ال بالكان النشود‪ ،‬وأنزل جثمان صاحبهما خبيب‪ ،‬حيث كانت بقعة طاهرة من الرض‬
‫ف انتظاره لتضمّه تت ثراها الرطيب‪.‬‬
‫ول يعرف أحد حت اليوم أين قب خبيب‪.‬‬
‫ولعل ذلك أحرى به وأجدر‪ ،‬حت يظل مكانه ف ذاكرة التاريخ‪ ،‬وف ضمي الياة‪ ،‬بطل‪ ..‬فوق‬
‫الصليب‪!!!..‬‬
‫عمي بن سعد‬
‫نسيج وحده‬
‫أتذكرون سعيد بن عامر‪..‬؟؟‬
‫ذلك الزاهد العابد الوّاب الذي حله أمي الؤمني عمر على قبول امارة الشام ووليتها‪..‬‬
‫لقد تدثنا عنه ف كتابنا هذا‪ ،‬ورأينا من زهده وترفعه‪ ،‬ومن ورعه العجب كله‪..‬‬
‫وها نن أولء‪ ،‬نلتقي على هذه الصفات بأخ له‪ ،‬بل توأم‪ ،‬ف الورع وف الزهد‪ ،‬وف الترفع‪ ..‬وف‬
‫عظمة النفس الت تل عن النظي‪!!..‬‬
‫انه عمي بن سعد‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫كان السلمون يلقبونه نشيج وحده!!‬


‫وناهيك برجل يمع على تلقيبه بذا اللقب أصحاب رسول ال‪ ،‬وبا معهم من فضل وفهم ونور‪!!..‬‬
‫**‬
‫أبوه سعد القارئ رضي ال عنه‪ ..‬شهد بدرا مع رسول ال والشاهد بعدها‪ ..‬وظلّ أمينا على العهد‬
‫حت لقي ال شهيدا ف موقعة القادسية‪.‬‬
‫ولقد اصطحب ابنه ال الرسول‪ ،‬فبايع النب وأسلم‪..‬‬
‫ومنذ أسلم عمي وهو عابد مقيم ف مراب ال‪.‬‬
‫يهرب من الضواء‪ ،‬ويفيئ ال سكينة الظلل‪.‬‬
‫هيهات أن تعثر عليه ف الصفوف الول‪ ،‬ال أن تكون صلة‪ ،‬فهو يرابط ف صفها الول ليأخذ ثواب‬
‫السابقي‪ ..‬وال أن يكون جهاد‪ ،‬فهو يهرول ال الصفوف الول‪ ،‬راجيا أن يكون من الستشهدين‪!..‬‬
‫وفيما عدا هذا‪ ،‬فهو هناك عاكف على نفسه ينمي برّها‪ ،‬وخيها وصلحها وتقاها‪!!..‬‬
‫متبتل‪ ،‬ينشد أوبه‪!!..‬‬
‫أوّاب‪ ،‬يبكي ذنبه‪!!..‬‬
‫مسافر ال ال ف كل ظعن‪ ،‬وف كل مقام‪...‬‬
‫**‬
‫ولقد جعل ال له ف قلوب الصحاب ودّا‪ ،‬فكان قرّة أعينهم ومهوى أفئدتم‪..‬‬
‫ذل أن قوة ايانه‪ ،‬وصفاء نفسه‪ ،‬وهدوء سته‪ ،‬وعبي خصاله‪ ،‬واشراق طلعته‪ ،‬كان يعله فرحة وبجة‬
‫لكل من يالسه‪ ،‬أ‪ ،‬يراه‪.‬‬
‫ول يكن يؤثر على دينه أحدا‪ ،‬ول شيئا‪.‬‬
‫سع يوما جلس بن سويد بن الصامت‪ ،‬وكان قريبا له‪ ..‬سعه يوما وهو ف دارهم يقول‪ ":‬لئن كان‬
‫الرجل صادقا‪ ،‬لنحن شرّ من المر"‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وكان يعن بالرجل رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬


‫وكان جلس من الذين دخلوا السلم رهبا‪.‬‬
‫سع عمي بن سعد هذه العبارات ففجرت ف نفسه الوديعة الادئة الغيظ والية‪..‬‬
‫الغيظ‪ ،‬لن واحدا يزعم أنه من السلمي يتناول الرسول بذه اللهجة الرديئة‪..‬‬
‫والية‪ ،‬لن خواطره دارت سريعا على مسؤوليته تاه هذا الذي سع وأنكر‪..‬‬
‫ينقل ما سع ال رسول ال؟؟‬
‫كيف‪ ،‬والجالس بالمانة‪..‬؟؟‬
‫أيسكت ويطوي صدره ما سع؟‬
‫كيف؟؟‬
‫وأين ولؤه ووفاؤه للرسول الذي هداهم ال به من ضللة‪ ،‬وأخرجهم من ظلمة‪..‬؟‬
‫لكن حيته ل تطل‪ ،‬فصدق النفس يددائما لصاحبه مرجا‪..‬‬
‫وعلى الفور تصرّف عمي كرجل قوي‪ ،‬وكمؤمن تقي‪..‬‬
‫فوجه حديثه ال جلس بن سويد‪..‬‬
‫" وال يا جل‪ ،‬انك لن أحب الناس ال‪ ،‬وأحسنهم عندي يدا‪ ،‬وأعزهم عليّ أن يصيبه شيء يكرهه‪..‬‬
‫ولقد قلت الن مقالة لو أذعتها عنك لذتك‪ ..‬وان صمتّ عليها‪ ،‬ليهلكن دين‪ ،‬وان حق الدين لول‬
‫بالوفاء‪ ،‬وان مبلغ رسول ال ما قلت"‪!..‬‬
‫وأرضى عمي ضميه الورع تاما‪..‬‬
‫فهو أول أدّى أمانة الجلس حقها‪ ،‬وارتفع بنفسه الكبية عن ان يقوم بدور التسمّع الواشي‪..‬‬
‫وهو ثانيا أدى لدينه حقه‪ ،‬فكشف عن نفاق مريب‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وهو ثالثا أعطى جلس فرصة للرجوع عن خطئه واستغفار ال منه حي صارحه بأنه سيبلغ الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ولو أنه فعل آنئذ‪ ،‬لستراح ضمي عمي ول تعد به حاجة لبلغ الرسول عليه‬
‫السلم‪..‬‬
‫بيد أن جلسا أخذته العزة بالث‪ ،‬ول تتحرك شفتاه بكلمة أسف أو اعتذار‪ ،‬وغادرهم عمي وهو‬
‫يقول‪:‬‬
‫" لبلغنّ رسول ال قبل أن ينل وحي يشركن ف اثك"‪...‬‬
‫وبعث رسول ال صلى ال عليه وسلم ف طلب جلس فأنكر أنه قال‪ ،‬بل حلف بال كاذبا‪!!..‬‬
‫لكن آية القرآن جاءت تفصل بي الق والباطل‪:‬‬
‫( يلفون بال ما قالوا‪ ..‬ولقد قالوا كلمة الكفر‪ ،‬وكفروا بعد اسلمهم‪ ،‬وهّوا با ل ينالوا‪ ..‬وما‬
‫نقموا ال أن أغناهم ال ورسوله من فضله‪ ..‬فان يتوبوا خيا لم‪ ،‬وان يتولوا يعذبم ال عذابا أليما ف‬
‫الدنيا والخرة‪،‬وما لم ف الرض من ول ول نصي)‪..‬‬
‫واضطر جلس أن يعترف بقاله‪ ،‬وأن يعتذر عن خطيئته‪ ،‬ل سيما حي رأى الية الكرية الت تقرر‬
‫ادانته‪ ،‬تعده ف نفس اللحظة برحة اله ان تاب هو وأقلع‪:‬‬
‫" فان يتوبوا‪ ،‬يك خيا لم"‪..‬‬
‫وكان تصرّف عمي هذا خيا وبركة على جلس فقد تاب وحسن اسلمه‪..‬‬
‫وأخذ النب بأذن عمي وقال له وهو يغمره بسناه‪:‬‬
‫" يا غلم‪..‬‬
‫وفت اذنك‪..‬‬
‫وصدّقك ربك"‪!!..‬‬
‫**‬
‫لقد سعدت بلقاء عمي لول مرة‪ ،‬وأنا أكتب كتاب بي يدي عمر‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وبرن‪ ،‬كما ل يبهرن شيء‪ ،‬نبأه مع أمي الؤمني‪ ..‬هذا النبأ الذي سأرويه الن لكم‪ ،‬لتشهدوا من‬
‫خلله العظمة ف أبى مشارقها‪..‬‬
‫**‬
‫تعلمون أن أمي الؤمني عمر رضي ال عنه كان يتار ولته وكأنه يتار قدره‪!!..‬‬
‫كان يتارهم من الزاهدين الورعي‪ ،‬والمناء الصادقي‪ ..‬الذين يهربون من المارة والولية‪ ،‬ول‬
‫يقبلونا ال حي يكرههم عليها أمي الؤمني‪..‬‬
‫وكان برغم بصيته النافذة وخبته الحيطة يستأن طويل‪ ،‬ويدقق كثيا ف اختيار ولته ومعاونيه‪..‬‬
‫وكان ل يفتأ يردد عبارته الأثورة‪:‬‬
‫" أريد رجل اذا كان ف القوم‪ ،‬وليس أميا عليهم بدا وكأنه أميهم‪ ..‬واذا كان فيهم وهو عليهم‬
‫امي‪ ،‬بدا وكأنه واحد منهم‪!!..‬‬
‫أريد واليا‪ ،‬ل ييز نفسه على الناس ف ملبس‪ ،‬ول ف مطعم‪ ،‬ول ف مسكن‪..‬‬
‫يقيم فيهم الصلة‪ ..‬ويقسم بينهم بالق‪ ..‬ويكم فيهم بالعدل‪ ..‬ول يغلق بابه دون حوائجهم"‪..‬‬
‫وف ضوء هذه العايي الصارمة‪ ،‬اختار ذات يوم عمي بن سعد واليا على حص‪..‬‬
‫وحاول عمي أن يلص منها وينجو‪ ،‬ولكن أمي الؤمني ألزمه با الزاما‪ ،‬وفرضها عليه فرضا‪..‬‬
‫واستخار ال ‪،‬ومضى ال واجبخ وهله‪..‬‬
‫وف حص مضى عليه عام كامل‪ ،‬ل يصل ال الدينة منه خراج‪..‬‬
‫بل ول يبلغ أمي الؤمني رضي ال عنه منه كتاب‪..‬‬
‫ونادى أمي الؤمني كاتبه وقال له‪:‬‬
‫" اكتب ال عمي ليأت الينا"‪..‬‬
‫وهنا أستأذنكم ف أن أنقل صورة اللقاء بي عمر وعمي‪ ،‬كما هي ف كتاب بي يدي عمر‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" ذات يوم شهدت شوارع الدينة رجل أشعث أغب‪ ،‬تغشاه وعثاء السفر‪ ،‬يكاذ يقتلع خطاه من‬
‫الرض اقتلعا‪ ،‬من طول ما لقى من عناء‪ ،‬وما بذل من جهد‪..‬‬
‫على كتفه اليمن جراب وقصعة‪..‬‬
‫وعلى كتفه اليسرى قربة صغية فيها ماء‪!..‬‬
‫وانه ليتوكأ على عصا‪ ،‬ل يؤدها حله الضامر الوهنان‪!!..‬‬
‫ودلف ال ملس عمر ف خطى وئيدة‪..‬‬
‫السلم عليك يا امي الؤمني‪..‬‬
‫ويرد عمر السلم‪ ،‬ث يسأله‪ ،‬وقد آله ما رآه عليه من جهد واعياء‪:‬‬
‫ما شأنك يا عمي‪..‬؟؟‬
‫شأن ما ترى‪ ..‬ألست تران صحيح البدن‪ ،‬طاهر الدم‪ ،‬معي الدنيا أجرّها بقرنيها‪..‬؟؟!!‬
‫قال عمر‪ :‬وما معك‪..‬؟‬
‫قال عمي‪ :‬معي جراب أحل فيه زادي‪..‬‬
‫وقصعت آكل فيها‪ ..‬واداوت أحل فيها وضوئي وشراب‪ ..‬وعصاي أتوكأ عليها‪ ،‬وأجاهد با عدوّا ان‬
‫عرض‪ ..‬فوال ما الدنيا ال تبع لتاعي‪!!..‬‬
‫قال عمر‪ :‬أجئت ماشيا‪..‬‬
‫عمي‪ :‬نعم‪..‬‬
‫عمر‪ :‬أول تد من يعطيك دابة تركبها‪..‬؟‬
‫عمي‪ :‬انم ل يفعلوا‪ ..‬وان ل أسألم‪..‬‬
‫عمر‪ :‬فماذا عملت فيما عهدنا اليك به‪...‬؟‬
‫عمي‪ :‬أتيت البلد الذي يعثتن اليه‪ ،‬فجمعت صلحاء أهله‪ ،‬ووليتهم جباية فيئهم وأموالم‪ ،‬حت اذا‬
‫جعوها وضعوها ف مواضعها‪ ..‬ولو بقي لك منها شيء لتيتك به‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫عمر‪ :‬فما جئتنا بشيء‪..‬؟‬


‫عمي‪ :‬ل‪..‬‬
‫فصاح عمر وهو منبهر سعيد‪:‬‬
‫جدّدوا لعمي عهدا‪..‬‬
‫وأجابه عمي ف استغناء عظيم‪:‬‬
‫تلك أيام قد خلت‪ ..‬ل عملت لك‪ ،‬ول لحد بعدك"‪!!..‬‬
‫هذه لصورة ليست سيناريو نرسه‪ ،‬وليست حوارا نبتدعه‪ ..‬انا هي واقعة تاريية‪ ،‬شهدتا ذات يوم‬
‫أرض الدينة عاصمة السلم ف أيام خلده وعظمته‪.‬‬
‫فأي طراز من الرجال كان أولئك الفذاذ الشاهقون‪..‬؟!!‬
‫**‬
‫وكان عمر رضي ال عنه يتمن ويقول‪:‬‬
‫" وددت لو أن ل رجال مثل عمي أستعي بم على أعمال السلمي"‪..‬‬
‫ذلك أن عميا الذي وصفه أصحابه بق بأنه نسيج وحده كان قد تفوّق على كل ضعف انسان‬
‫يسببه وجودنا الادي‪ ،‬وحياتنا الشائكة‪..‬‬
‫ويوم كتب على هذا القدّيس العظيم أن يتاز تربة الولية والكم‪ ،‬ل يزدد ورعه با اا مضاء وناء‬
‫وتألقا‪..‬‬
‫ولقد رسم وهو أمي على حص واجبات الاكم السلم ف كلمات طالا كان يصدح با ف حشود‬
‫السلمي من فوق النب‪.‬‬
‫وها هي ذي‪:‬‬
‫" أل ان السلم حائط منيع‪ ،‬وباب وثيق‬
‫فحائط السلم العدل‪ ..‬وبابه الق‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فاذا نقض الائط‪ ،‬وحطّم الباب‪ ،‬استفتح السلم‪.‬‬


‫ول يزال السلم منيعا ما اشتدّ السلطان‬
‫وليست شدّة السلطان قتل بالسيف‪ ،‬ول ضربا بالسوط‪..‬‬
‫ولكن قضاء بالق‪ ،‬وأخذا بالعدل"‪!!..‬‬
‫والن نن نودّع عميا‪ ..‬ونييه ف اجلل وخشوع‪ ،‬تعالوا نن رؤوسنا وجباهنا‪:‬‬
‫لي العلمي‪ :‬ممد‪..‬‬
‫لمام التقي‪ :‬ممد‪..‬‬
‫لرحة ال الهداة ال الناس ف قيظ الياة‬
‫عليه من ال صلته‪ .‬وسلمه‪..‬‬
‫وتياته وبركاته‪..‬‬
‫وسلم على آله الطهار‪..‬‬
‫وسلم على أصحابه البرار‪...‬‬
‫زيد بن ثابت‬
‫جامع القرآن‬
‫اذا حلت الصحف بيمينك‪ ،‬واستقبلته بوجهك‪ ،‬ومضيت تتأنق ف روضاته اليانعات‪ ،‬سورة سورة‪،‬‬
‫وآية آية‪ ،‬فاعلم أن من بي الذين يدينونك بالشكر والعرفان على هذا الصنع العظيم‪ ،‬رجل كبي اسه‪:‬‬
‫زيد بن ثابت‪!!...‬‬
‫وان وقائع جع القرآن ف مصحف‪ ،‬ل تذكر ال ويذكر معها هذا الصحاب الليل‪..‬‬
‫وحي تنثر زهور التكري على ذكرى الباركي الذين يرجع اليهم فضل جع القرآن وترتيبه وحفظه‪،‬‬
‫فان حظ زيد بن ثابت من تلك الزهور‪ ،‬لظ عظيم‪..‬‬
‫**‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫هو أنصاري من الدينة‪..‬‬


‫وكان سنّه يوم قدمها النب صلى ال عليه وسلم مهاجرا‪ ،‬احدى عشرة سنة‪ ،‬وأسلم الصب الصغي مع‬
‫السلمي من أهله‪ ،‬وبورك بدعوة من الرسول له‪..‬‬
‫وصحبه آباؤه معهم ال غزوة بدر‪ ،‬لكن رسول ال ردّه لصغر سنه وحجمه‪ ،‬وف غوزوة أحد ذهب‬
‫مع جاعة من اترابه ال الرسول يملون اليه ضراعتهم كي يقبلهم ف أي مكان من صفوف‬
‫الجاهدين‪..‬‬
‫وكان أهلوهم أكثر ضراعة والاحا ورجاء‪..‬‬
‫ألقى الرسول على الفرسان الصغار نظرة شاكرة‪ ،‬وبدا كأنه سيعتذر عن تنيدهم ف هذه الغزوة‬
‫أيضا‪..‬‬
‫لكن أحدهم وهو رافع بن خديج‪ ،‬تقدم بي يدي رسول ال‪ ،‬يمل حربة‪ ،‬ويركها بيمينه حركات‬
‫بارعة‪،‬وقال للرسول عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫" ان كما ترى رام‪ ،‬أجيد الرمي فأذن ل"‪..‬‬
‫وحيا الرسول هذه البطولة الناشئة‪ ،‬النضرة‪ ،‬بابتسامة راضية‪ ،‬ث أذن له‪..‬‬
‫وانتفضت عروق أتلتبه‪..‬‬
‫وتقد ثانيهم وهو سرة بن جندب‪ ،‬وراح يلوّح ف أدب بذراعيه الفتولي‪ ،‬وقال بعض اهله للرسول‪:‬‬
‫" ان سرة يصرع رافعا"‪..‬‬
‫وحيّاه الرسول بابتسامته الانية‪ ،‬وأذن له‪..‬‬
‫كانت سن كل من رافع وسرة قد بلغت الامسة عشرة‪ ،‬ال جانب نوها السمان القوي‪..‬‬
‫وبقي من التراب ستة أشبال‪ ،‬منهم زيد بن ثابت‪ ،‬وعبدال بن عمر‪..‬‬
‫ولقد راحوا يبذلون جهدهم وضراعتهم بالرجاء تارة‪ ،‬وبالدمع تارة‪ ،‬وباستعراض عضلتم تارة‪..‬‬
‫لكن أعمارهم كانت باكرة‪ ،‬وأجسامهم غضة‪ ،‬فوعدهم الرسول بالغزوة القبلة‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫بدأ زيد مع اخزانه دوره كمقاتل ف سب لل بدءا من غزوة الندق‪ ،‬سنة خس من الجرة‪.‬‬
‫كانت شخصيته السلمة الؤمنة تنمو نوّا سريعا وباهرا‪ ،‬فهو ل يبع كمجاهد فحسب‪ ،‬بل‬
‫كمثقف متنوع الزايا أيضا‪ ،‬فهو يتابع القرآن حفظا‪ ،‬ويكتب الوحي لرسوله‪ ،‬ويتفوق ف العلم‬
‫والكمة‪ ،‬وحي يبدأ رسول ال ف ابلغ دعوته للعال الارجي كله‪ ،‬وارسال كتبه للوك الرض‬
‫وقياصرتا‪ ،‬يأمر زيدا أن يتعلم بعض لغاتم فيتعلمها ف وقت وجيز‪..‬‬
‫وهكذا تألقت شخصية زيد بن ثابت وتبوأ ف الجتمع مكانا عليّا‪ ،‬وصار موضع احترام السلمي‬
‫وتوقيهم‪..‬‬
‫يقول الشعب‪:‬‬
‫" ذهب زيد بن ثابت ليكب‪ ،‬فأمسك ابن عباس بالرّكاب‪.‬‬
‫فقال له زيد‪ :‬تنحّ يا ابن عم رسول ال‪ ..‬فأجابه ابن عباس‪ :‬ل‪ ،‬هكذا نصنع بعلمائنا"‪..‬‬
‫ويقول قبيصة‪:‬‬
‫" كان زيدا رأسا بالدينة ف القضاء‪ ،‬والفتوى والقراءة‪ ،‬والفرائض"‪..‬‬
‫ويقول ثابت بن عبيد‪:‬‬
‫" ما رأيت رجل أفكه ف بيته‪ ،‬ول أوقر ف ملسه من زيد"‪.‬‬
‫ويقول ابن عباس‪:‬‬
‫" لقد علم الحفوظن من أصحاب ممد أن زيد بن ثابت كان من الراسخي ف العلم"‪..‬‬
‫ان هذه النعوت الت يرددها عنه أصحابه لتزيدنا معرفة بالرجل الذي تدّخر له القادير شرف مهمة من‬
‫أنبل الهام ف تاريخ السلم كله‪..‬‬
‫مهمة جع القرآن‪..‬‬
‫**‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫منذ بدأ الوحي يأخذ طريقه ال رسول ال ليكون من النذرين‪ ،‬مستهل موكب القرآن والدعوة بذه‬
‫اليات الرائعة‪..‬‬
‫( اقرأ باسم ربك الذي خلق‪ ،‬خلق النسان من علق‪ ،‬اقرأ وربك الكرم‪ ،‬الذي علم بالقلم‪ ،‬علم‬
‫النسان ما ل يعلم)‪..‬‬
‫منذ تلك البداية‪ ،‬والوحي يصاحب رسول ال عليه الصلة والسلم‪ ،‬ويف اليه كلما ولّى وجهه‬
‫شطر ال راجيا نوره وهداه‪..‬‬
‫وخلل سنوات الرسالة كلها‪ ،‬حيث يفرغ النب من غزوة ليبدأ بأخرى‪ ،‬وحيث يبط مكيدة وحربا‪،‬‬
‫ليواجه خصومة بأخرى‪ ،‬وأخرى‪ .‬وحيث يبن عالا جديدا بكل ما تمله من الدّة من معن‪..‬‬
‫كان الوحي يتنل‪ ،‬والرسول يتلو‪ ،‬ويبلّغ‪ ،‬وكان هناك ثلة مباركة ترّك حرصها على القرآن من‬
‫أول يوم‪ ،‬فراح بعضهم يفظ منه ما استطاع‪ ،‬وراح البعض الخر من ييدون الكتابة‪ ،‬يتفظون‬
‫باليات مسطورة‪.‬‬
‫وخلل احدى وعشرين سنة تقريبا‪ ،‬نزل القرآن خللا آية آية‪ ،‬أو آيات‪ ،‬تلو آيات‪ ،‬ملبيا مناسبات‬
‫النول وأسبابا‪ ،‬كان أولئك الفظة‪ ،‬والسجلون‪ ،‬يوالون عملهم ف توفيق من ال كبي‪..‬‬
‫ول ييء القرآن مرة واحدة وجكلة واحدة‪ ،‬لنه ليس كتابا مؤلفا‪ ،‬ول موضوعا‪.‬‬
‫انا هو دليل أمة جديدة تبن على الطبيعة‪ ،‬لبنة لبنة‪ ،‬ويوما يوما‪ ،‬تنهض عقيدتا‪ ،‬ويتشكل قلبها‪،‬‬
‫وفكرها‪ ،‬وارادتا وفق مشيئة الية‪ ،‬ل تفرض نفسها من عل‪ ،‬وانا تقود التجربة البشرية لذه المة ف‬
‫طريق القتناع الكامل بذه الشيئة‪..‬‬
‫ومن ثّ‪ ،‬كان ل بد للقرآن أن ييء منجّما‪ ،‬ومرأ‪ ،‬ليتابع التجربة ف سيها النامي‪ ،‬ومواقفها‬
‫التجددة‪ .‬وأزماتا التصديّة‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫توافر الفاظ‪ ،‬والكتبة‪ ،‬كما ذكرنا من قبل‪ ،‬على حفظ القرآن وتسجيله‪،‬وكان على رأسهم علي ابن‬
‫اب طالب‪ ،‬وأبّ بن كعب‪ ،‬وعبدال ابن مسعود‪ ،‬وعبدال بن عباس‪ ،‬وصاحب الشخصية الليلة الت‬
‫نتحدث عنها الن زيد بن ثابت رضي ال عنهم أجعي‪..‬‬
‫**‬
‫وبعد أن تّ نزول‪ ،‬وخلل الفترة الخية من فترات تنيله‪ ،‬كان الرسول يقرؤه على السلمي‪..‬‬
‫مرتبا سوره وآياته‪.‬‬
‫وبعد وفاته عليه الصلة والسلم شغل السلمون من فورهم بروب الردّة‪..‬‬
‫وف معركة اليمامة‪ ..‬الت تدثنا عنها من قبل خلل حديثنا عن خالد بن الوليد وعن زيد بن الطاب‬
‫كان عدد الشهدا من قرّاء القرآن وحفظته كبيا‪ ..‬فما كادت نار الردّة تبو وتنطفئ حت فزع عمر‬
‫ال الليفة أب بكر رضي ال عنهما راغبا اليه ف الاح أن يسارعوا ال جع القرآن قبلما يدرك الوت‬
‫والشهادة بقية القرّاء والفاظ‪.‬‬
‫واستخار الليفة ربه‪ ..‬وشاور صحبه‪ ..‬ث دعا زيد بن ثابت وقال له‪:‬‬
‫" انك شاب عاقل ل نتهمك"‪.‬‬
‫وأمره أن يبدأ بمع القرآن الكري‪ ،‬مستعينا بذوي البة ف هذا الوضوع‪..‬‬
‫ونض زيد بالعمل الذي توقف عليه مصي السلم كله كدين‪!..‬‬
‫وأبلى بلء عظيما ف اناز أشق الهام وأعظمها‪ ،‬فمضى يمع اليات والسور من صدور الفاظ‪،‬‬
‫ومن مواطنها الكتوبة‪ ،‬ويقبابل‪ ،‬ويعارض‪ ،‬ويتحرّى‪ ،‬حت جع القرآن مرتبا ومنسقا‪..‬‬
‫ولقد زكّى عمله اجاع الصحابة رضي ال عنهم الذين عاشوا يسمعونه من رسولم صلى ال عليه‬
‫وسلم خلل سنوات الرسالة جيعها‪ ،‬ل سيّما العلماء منهم والفاظ والكتبة‪..‬‬
‫وقال زيد وهو يصوّر الصعوبة الكبى الت شكلتها قداسة الهمة وجللا‪..‬‬
‫" وال لو كلفون نقل جبل من مكانه‪ ،‬لكان أهون عليّ ما أمرون به من جع القرآن"‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫أجل‪..‬‬
‫فلن يمل زيد فوق كاهله جبل‪ ،‬أو جبال‪ ،‬أرضى لنفسه من أن يطئ أدن خطأ‪ ،‬ف نقل آية أو اتام‬
‫سورة‪..‬‬
‫كل هول يصمد له ضميه ودينه‪ ..‬ال خطأ كهذا مهما يكن ضعيفا وغي مقصزد‪..‬‬
‫ولكن توفيق ال كان معه‪ ،‬كان معه كذلك وعده القائل‪:‬‬
‫( انا نن نزلنا الذكر وان له لافظون)‪..‬‬
‫فنجح ف مهمته‪ ،‬وأنز على خي وجه مسؤوليته وواجبه‪.‬‬
‫**‬
‫كانت هذه هي الرحلة الول ف جع القرآن‪..‬‬
‫بيد أنه جع هذه الرة مكتوبا ف أكثر من مصحف‪..‬‬
‫وعلى لرغم من أن مظاهر التفاوت والختلف بي هذه الصاحف كانت شكلية‪ ،‬فان التجربة‬
‫أكّدت لصحاب الرسول عليه الصلة والسلم وجوب توحيدها جيعها ف مصحف واحد‪.‬‬
‫ففي خلفة عثمان رضي ال عنه‪ ،‬والسلمون يواصلون فتوحاتم وزحوفهم‪ ،‬مبتعدين عن الدين‪،‬‬
‫مغتربي عنها‪..‬‬
‫ف تلك اليام‪ ،‬والسلم يستقبل كل يوم أفواجا تلو أفواج من الداخلي فيه‪ ،‬البايعي اياه‪ ،‬ظهر جليّا‬
‫ما يكن أن يفضي اليه تعدد الصاحف من خطر حي بدأت اللسنة تتلف على القرآن حت بي‬
‫الصحابة القدمي والولي‪..‬‬
‫هنالك تقدم ال الليفة عثمان فريق من الصحاب رضي ال عنهم على رأسهم حذيفة بن اليمان‬
‫مفسرين الضرورة الت تتم توحيد الصحف‪..‬‬
‫واستخار الليفة ربه وشاور صحبه‪..‬‬
‫وكما استنجد أبو بكر الصديق من قبل بزيد بن ثابت‪ ،‬استنجد به عثمان أيضا‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فجمع زيد أصحابه وأعوانه‪ ،‬وجاؤوا بالصاحف من بيت حفصة بنت عمر رضي ال عنها‪ ،‬وكانت‬
‫مفوظة لديها‪ ،‬وباشر ويد وصحبه مهمتهم العظيمة الليلة‪..‬‬
‫كان كل الذين يعونون زيدا من كتاب الوحي‪ ،‬ومن حفظة القرآن‪..‬‬
‫ومع هذا فما كانوا يتلفون ‪ ،‬وقلما كانوا يتلفون‪ ،‬ال جعلوا رأي زيد وكلمته هي الجة والفيصل‪.‬‬
‫**‬
‫والن نن نقرأ القرآن العظيم ميسّرا‪ ،‬أو نسمعه مرتل‪ ،‬فان الصعوبات الائلة الت عاناها الذين‬
‫اصطنعهم ال لمعه وحفظه ل تطر لنا على بال‪!!..‬‬
‫تاما مثل الهوال الت كابدوها‪ ،‬والرواح الت بذلوها‪ ،‬وهم ياهدون ف سبيل ال‪ ،‬ليقرّوا فوق‬
‫الرض دينا قيّما‪ ،‬وليبددوا ظلمها بنوره البي‪..‬‬
‫خالد بن سعيد‬
‫فدائيّ‪ ،‬من الرعيل الول‬
‫ف بيت وارف النعمة‪ ،‬مزهو بالسيادة‪ ،‬ولب له ف قريش صدارة وزعامة‪ ،‬ولد خالد بن سعيد بن‬
‫العاص‪ ،‬وان شئتم مزيدا من نسبه فقولوا‪ :‬ابن اميّة بن عبد شس بن عبد مناف‪..‬‬
‫ويوم بدأت خيوط النور تسري ف أناء مكة على استحياء‪ ،‬هامسة بأن ممدا المي يتحدث عن‬
‫وحي جاءه ف غار حراء‪ ،‬وعن رسالة تلقاها من ال ليبلغها ال عباده‪ ،‬كان قلب خالد يلقي للنور‬
‫الامس سنعه وهو شهيد‪!!..‬‬
‫وطارت نفسه فرحا‪ ،‬كأنا كان وهذه الرسالة على موعد‪ ..‬وأخذ يتابع خيوط النور ف سيها‬
‫ومسراها‪ ..‬وكلما سع مل من قومه يتحدثون عن الدين الديد‪ ،‬جلس اليهم وأصغى ف حبور‬
‫مكتوم‪ ،‬وبي الي والي يطعّم الديث بكلمة منه‪ ،‬أو كلمات تدفعه ف طريق الذيوع‪ ،‬والتأثي‪،‬‬
‫والياء‪!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫كان الذي يراه أنئذ‪ ،‬يبصر شابا هادئ السمت‪ ،‬ذكيّ الصمت‪ ،‬بينما هو ف باطنه وداخله‪ ،‬مهرجان‬
‫حافل بلحركة والفرح‪ ..‬فيه طبول تدق‪ ..‬ورايات ترتفع‪ ..‬وأبواق تدوّي‪ ..‬وأناشيد تصلي‪ ..‬وأغاريد‬
‫تسبّح‪..‬‬
‫عيد بكل جال العيد‪ ،‬وبجة العيد وحاسة العيد‪ ،‬وضجة العيد‪!!!..‬‬
‫وكان الفن يطوي علىهذا العيد الكبي صدره‪ ،‬ويكتم سرّه‪ ،‬فان أباه لو علم أنه يمل ف سريرته كل‬
‫هذه الفاوة بدعوة ممد‪ ،‬لزهق حياته قربانا للة عبد مناف‪!!..‬‬
‫ولكن أنفسنا الباطنة حي تفعم بأمر‪ ،‬ويبلغ منها حدّ المتلء فانا ل تبك لفاضته دفعا‪..‬‬
‫وذات يوم‪..‬‬
‫ولكن ل‪ ..‬فان انلهر ل يطلع بعد‪ ،‬وخالد ما زال ف نومه اليقظان‪ ،‬يعال رؤيا شديدة الوطأة‪ ،‬حادة‬
‫التأثي‪ ،‬نفاذة العبي‪..‬‬
‫نقول اذن‪ :‬ذات ليلة‪ ،‬رأى خالد بن سعيد ف نومه أنه واقف على شفي نار عظيمة‪ ،‬وأبوه من ورائه‬
‫يدفعه بكلتا يديه‪ ،‬ويريد أن يطرحه فيها‪ ،‬ث رأى رسول ال يقبل عليه‪ ،‬ويذبه بيمينه الباركة من‬
‫ازاره فيأخذه بعيدا عن النار واللهب‪..‬‬
‫ويصحو من نومه مزوّدا بطة العمل ف يومه الديد‪ ،‬فيسارع من فوره ال دار أب بكر‪ ،‬ويقصّ عليه‬
‫الرؤيا‪ ..‬وما كانت الرؤيا باجة ال تعبي‪..‬د‬
‫وقال له أبو بكر‪:‬‬
‫" انه الي أريد لك‪ ..‬وهذا رسول ال صلى ال عليه وسلم فاتبعه‪ ،‬فان الاسلم حاجزك عن النار"‪.‬‬
‫وينطلق خالد باحثا عن رسول ال صلى ال عليه وسلم حت يهتدي ال مكانه فيلقاه‪ ،‬ويسأل النب عن‬
‫دعوته‪ ،‬فيجيبه عليه السلم‪:‬‬
‫" تؤمن بال وحده‪ ،‬ول تشرك به شيئا‪..‬‬
‫وتؤمن بحمد عبده ورسوله‪ ..‬وتلع عبادة الوثان الت ل يسمع ول تبصر‪ ،‬ول تضر ول تنفع"‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ويبسط خالد يينه‪ ،‬فتلقاها يي رسول ال صلى ال عليه وسلم ف حفاوة‪ ،‬ويقول خالد‪:‬‬
‫" ان أشهد أن ل اله ال ال‪...‬‬
‫وأشهد أن ممدا رسول ال"‪!!..‬‬
‫وتنطلق أغاريد نفسه وأناشيدها‪..‬‬
‫ينطلق لهرجان كله الذي كان ف باطنه‪ ..‬ويبلغ النبأ أباه‪.‬‬
‫**‬
‫يوم أسلم سعيد‪ ،‬ل يكن قد سبقه ال السلم سور اربعة أو خسة‪،‬فهو اذن من المسة الوائل‬
‫البكرين ال السلم‪.‬‬
‫وحي يباكر بالسلم واحد من ولد سعيد بن العاص‪ ،‬فان ذلك ف رأي سعيد‪ ،‬عمل يعرّضه للسخرية‬
‫والوان من قريش‪ ،‬ويهز الرض تت زعامته‪.‬‬
‫وهكذا دعا اليه خالد‪ ،‬وقال له‪ ":‬أصحيح أنك اتبعت ممدا وأنت تسمعه يهيب آلتنا"‪..‬؟؟‬
‫قال خالد‪ " :‬انه وال لصادق‪..‬‬
‫ولقد آمنت به واتبعته"‪..‬‬
‫هنالك انال عليه أبوه ضربا‪ ،‬ث زجّ به ف غرفة مظلمة من داره‪ ،‬حيث صار حبيسها‪ ،‬ث راح يضنيه‬
‫ويرهقه جوعا وظكأ‪..‬‬
‫وخالد يصرخ فيهم من وراء الباب الغلق عليه‪:‬‬
‫" وال انه لصادق‪ ،‬وان به لؤمن"‪.‬‬
‫وبدا لسعيد أن ما أنزل بولده من ضرر ل يكفي‪ ،‬فخرج به ال رمضاء مكة‪ ،‬حيث دسّه بي حجارتا‬
‫الثقيلة الفادحة اللتهبة ثلثة أيام ل يواريه فيها ظل‪!!..‬‬
‫ول يبلل شفتيه قطرة ماء‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ويئس الوالد من ولده‪ ،‬فعاد به ال داره‪ ،‬وراح يغريه‪ ،‬ويرهبه‪ ..‬يعده‪ ،‬ويتوعّده‪ ..‬وخالد صامد‬
‫كالق‪ ،‬يقول لبيه‪:‬‬
‫" لن أدع السلم لشيء‪ ،‬وسأحيا به وأموت عليه"‪..‬‬
‫وصاح سعيد‪:‬‬
‫" اذن فاذهب عن يا لكع‪ ،‬فواللت لمنعنّك القوت"‪..‬‬
‫وأجابه خالد‪:‬‬
‫"‪ ..‬وال خي الرازقي"‪!!..‬‬
‫وغادر الدار الت تعجّ بالرغد‪ ،‬من مطعم وملبس وراحة‪..‬‬
‫غادرها ال الصاصة والرمان‪..‬‬
‫ولكن أي بأس‪..‬؟؟‬
‫أليس ايانه معه‪..‬؟؟‬
‫أل يتفظ بكل سيادة ضميه‪ ،‬وبكل حقه ف مصيه‪..‬؟؟‬
‫ما الوع اذن‪ ،‬وما الرمان‪ ،‬وما العذاب‪..‬؟؟‬
‫واذا وجد انسان نفسه مع حق عظيم كهذا الق الذي يدعو اليه ممد رسول ال‪ ،‬فهل بقي ف‬
‫العال كله شيء ثي ل يتلكه من ربح نفسه ف صفقة‪ ،‬ال صاحبها وواهبها‪...‬؟؟‬
‫وهكذا راح خالد بن سعيد يقهر العذاب بالتضحية‪ ،‬ويتفوق على الرمان باليان‪..‬‬
‫وحي أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم أصحابه الؤمني بالجرة الثانية ال البشة‪ ،‬كان خالد بن‬
‫سعيد‪ ،‬من شدّوا رحالم اليها‪..‬‬
‫ويكث خالد هناك ال ما شاء ال ان يكث‪ ،‬ث يعود مع اخوانه راجعي ال بلدهم‪ ،‬سنة سبع‪،‬‬
‫فيجدون السلمي قد فرغوا لتوهم من فتح خيب‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ويقيم خالد بالدينة وسط الجتمع السلم الديد الذي كان أحد المسة الوائل الذين شهدوا ميلده‪،‬‬
‫وأسسوا بناءه‪ ،‬ول يغزو النب غزوة‪ ،‬ول يشهد مشهدا‪ ،‬ال وخالد بن سعيد من السابقي‪..‬‬
‫وكان خالد بسبقه ال السلم‪ ،‬وباستقامة ضميه ونجه موضع الب والتكري‪..‬‬
‫كان يترم اقتناعه فل يزيفه ول يضعه موضع الساومة‪.‬‬
‫قبل وفاة الرسول جعله عليه السلم واليا على اليمن‪..‬‬
‫ولا ترامت اليه أنباء استخلف أب بكر‪ ،‬ومبايعته غادر عمله قادما ال الدينة‪..‬‬
‫وكانه يعرف لب بكر الفضل الذي ل يطاول‪..‬‬
‫بيد أنه كان يرى أن أحق السلمي باللفة واحد من بي هاشم‪:‬‬
‫العباس مثل‪ ،‬أو عليّ ابن أب طالب‪..‬‬
‫ووقف ال جانب اقتناعه فلم يبايع أبا بكر‪..‬‬
‫وظل أبو بكر على حبه له‪ ،‬وتقديره اياه ل يكرهه على أن يبايع‪ ،‬ول يكرهه لنه ل يبايع‪ ،‬ول يأت‬
‫ذكره بي السلمي ال أطراه الليفة العظيم‪ ،‬وأثن عليه با هو أهله‪..‬‬
‫ث تغيّر اقتناع خالد بن سعيد‪ ،‬فاذا هو يشق الصفوف ف السجد يوما وأبو بكر فوق النب‪ ،‬فيبايعه‬
‫بيعة صادقة وثقى‪..‬‬
‫**‬
‫ويسيّر أبا بكر جيوشه ال الشام‪ ،‬ويعقد لالد بن سعيد لواء‪ ،‬فيصي أحد أمراء اليش‪..‬‬
‫ولكن يدث قبل أن تتحرك القوات من الدينة أن يعارض عمر ف امارة خالد بن سعيد‪ ،‬ويظل يلح‬
‫على الليفة أن يغيّر قراره بشأن امارة خالد‪..‬‬
‫ويبلغ النبأ خالد‪ ،‬فل يزيد على قول‪:‬‬
‫" وال ما سرّتنا وليتكم‪ ،‬ول ساءنا عزلكم"‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ويفّ الصدّيق رضي ال عنه ال دار خالد معتذرا له‪ ،‬ومفسرا له موقفه الديد‪ ،‬ويسأله مع من من‬
‫القوّاد والمراء يب أن يكون‪ :‬مع عمرو بن العاص وهو ابن عمه‪ ،‬أ‪ /‬مع شرحبيل بن حسنة؟‬
‫فيجيب خالد اجابة تنمّ على عظمة نفسه وتقاها‪:‬‬
‫ب الّ ف دينه"‪..‬‬‫ب الّ ف قرابته‪ ،‬وشرحبيل أحبّ ف أح ّ‬ ‫" ابن عمّي أح ّ‬
‫ث اختار أن يكون جنديا ف كتيبة شرحبيل بن حسنة‪..‬‬
‫ودعا ابو بكر شرحبيل اليه قبل أ‪ ،‬ستحرّك اليش‪ ،‬وقال له‪:‬‬
‫" انظر خالد بن سعيد‪ ،‬فاعرف له من الق عليك‪ ،‬مثل مل كنت تبّ أن يعرف من الق لك‪ ،‬لو‬
‫كنت مكانه‪ ،‬وكلن مكانك‪..‬‬
‫انك لتعرف مكانته ف السلم‪..‬‬
‫وتعلم أن رسول ال توف وهو له وال‪..‬‬
‫ولقد كنت وليته ث رأيت غي ذلك‪..‬‬
‫وعسى أن يكون ذلك خيا له ف دينه‪ ،‬فما أغبط أحد بالمارة‪!!..‬‬
‫وقد خيّرته ف أمراء الند فاختارك على ابن عمّه‪..‬‬
‫فاذا نزل بك أمر تتاج فيه ال رأي التقي الناصح‪ ،‬فليكن أول من تبدأ به‪ :‬أبو عبيدة بن الرّاح‪،‬‬
‫ومعاذ بن جبل‪ ..‬وليك خالد بن سعيد ثالثا‪ ،‬فانك واجد عندهم نصحا وخيا‪..‬‬
‫واياك واستبداد الرأي دونم‪ ،‬أو اخفاءه عنهم"‪..‬‬
‫وف موقعه مرج الصفر بأرض الشام‪ ،‬حيث كانت العارك تدور بي السلمي والروم‪ ،‬رهيبة ضارية‪،‬‬
‫كان ف مقدمة الذين وقع أجرهم على اله‪ ،‬شهيد جليل‪ ،‬قطع طريق حياته منذ شبابه الباكر حت لظة‬
‫استشهاده ف مسية صادقة مؤمنة شجاعة‪..‬‬
‫ورآه السلمون وهم يفحصون شهداء العركة‪ ،‬كما كان دائما‪ ،‬هادئ الّمت‪ ،‬ذكي الصمت‪ ،‬قوي‬
‫التصميم‪ ،‬فقاول‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" اللهم ارض عن خالد بن سعيد"‪!!..‬‬


‫أبو أيوب النصاري‬
‫انفروا خفافا وثقال‬
‫كان الرسول عليه السلم يدخل الدينة متتما بدخله هذا رحلة هجرته الظافرة‪ ،‬ومستهل أيامه‬
‫الباركة ف دار الجرة الت ادّخر لا القدر ما ل يدخره لثلها ف دنيا الناس‪..‬‬
‫وسار الرسول وسط الموع الت اضطرمت صفوفها وأفئدتا حاسة‪ ،‬ومبة وشوقا‪ ...‬متطيا ظهر ناقته‬
‫الت تزاحم الناس حول زمامها كل يريد أن يستضيف رسول ال‪..‬‬
‫وبلغ الوكب دور بن سال بن عوف‪ ،‬فاعترضوا طريق الناقة قائلي‪:‬‬
‫" يا رسول ال‪ ،‬أقم عندنا‪ ،‬فلدينا العدد والعدة والنعة"‪..‬‬
‫وييبهم الرسول وقد قبضوا بأيديهم على زمام الناقة‪:‬‬
‫" خلوا سبيلها فانا مأمورة"‪.‬‬
‫ويبلغ الوكب دور بن بياضة‪ ،‬فحيّ بن ساعدة‪ ،‬فحي بن الارث بن الزرج‪ ،‬فحي عدي بن‬
‫النجار‪ ..‬وكل بن قبيل من هؤلء يعترض سبيل الناقة‪ ،‬وملحي أن يسعدهم النب عليه الصلة والسلم‬
‫بالنول ف دورهم‪ ..‬والنب ييبهم وعلى شفتيه ابتسامة شاكرة‪:‬‬
‫" خلوا سبيلها فانا مأمورة‪..‬‬
‫لقد ترك النب للمقادير اختيار مكان نزوله حيث سيكون لا النل خطره وجلله‪ ..‬ففوق أرضه‬
‫سينهض السجد الذي تنطلق منه ال الدنيا بأسرها كلمات ال ونوره‪ ..‬وال جواره ستقوم حجرة أو‬
‫حدرات من طي وطوب‪ ..‬ليس با من متاع الدنيا سوى كفاف‪ ،‬أو أطياف كفاف!! سيسكنها‬
‫معلم‪ ،‬ورسول جاء لينفخ الياة ف روحها الامد‪ .‬وليمنح كل شرفها وسلمها للذين قالوا ربنا ال ث‬
‫استقاموا‪ ..‬للذين آمنوا ول يلبسوا ايانم بظلم‪ ..‬وللذين أخلصوا دينهم للله‪ ..‬للذين يصلحون ف‬
‫الرض ول يفسجون‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫أجل كان الرسول عليه الصلة والسلم معنا ف ترك هذا الختيار للقدر الذي يقود خطاه‪..‬‬
‫من اجل هذا‪ ،‬ترك هو أيضا زمام ناقته وأرسله‪ ،‬فل هو يثن به عنقها ول يستوقف خطاها‪ ..‬وتوجه‬
‫ال ال بقلبه‪ ،‬وابتهل اليه بلسانه‪:‬‬
‫" اللهم خر ل‪ ،‬واختر ل"‪..‬‬
‫وأمام دار بن مالك بن النجار بركت الناقة‪ ..‬ث نضت وطوّفت بالكان‪ ،‬ث عادت ال مبكها الول‪،‬‬
‫وألقت جرانا‪ .‬واستقرت ف مكانا ونزل الرسول للدخول‪ ..‬وتبعه رسول ال يف به اليمن‬
‫والبكة‪..‬‬
‫أتدرون من كان هذا السعيدالوعود الذي بركت الناقة أمام داره‪ ،‬وصار الرسول ضيفه‪ ،‬ووقف أهل‬
‫الدينة جيعا يغبطونه على حظوظه الوافية‪..‬؟؟‬
‫انه بطل حديثنا هذا‪ ..‬أبو أيوب النصاري خالد بن زيد‪ ،‬حفيد مالك بن النجار‪..‬‬
‫ل يكن هذا أول لقاء لب أيوب مع رسول ال‪..‬‬
‫فمن قبل‪ ،‬وحي خرج وفد الدينة لبايعة الرسول ف مكة تلك البيعة الباركة العروفة بن بيعة العقبة‬
‫الثانية‪ ..‬كان أبو أيوب النصاري بي السبعي مؤمنا الذين شدّوا أيانم على يي الرسول مبايعي‪،‬‬
‫مناصرين‪.‬‬
‫والن رسول ال يشرف الدينة‪ ،‬ويتخذها عاصكة لدين ال‪ ،‬فان الظوظ الوافية لب أيوب جعلت‬
‫من داره أول دار يسكنها الهاجر العظيم‪ ،‬والرسول الكري‪.‬‬
‫ولقد آثر الرسول أن ينل ف دورها الول‪ ..‬ولكن ما كاد أبو أيوب يصعد ال غرفته ف الدور‬
‫العلوي حت أخذته الرجفة‪ ،‬ول يستطع أن يتصوّر نفسه قائما أو نائما‪ ،‬وف مكان أعلى من الكان‬
‫الذي يقوم فيه رسول ال وينام‪!!..‬‬
‫وراح يلح على النب ويرجوه ان ينتقل ال طابق الدور العلى فاستجاب النب لرجائه‪..‬‬
‫ولسوف يكث النب با حت يتمّ السجد‪ ،‬وبناء حجرة له بواره‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ومنذ بدأت قريش تتنمّر للسلم وتشن اغاراتا على دار الجرة بالدينة‪ ،‬وتؤلب القبائل‪ ،‬وتيش‬
‫اليوش لتطفئ نور ال‪..‬‬
‫منذ تلك البداية‪ ،‬واحترف أبو أيوب صناعة الهاد ف سبيل ال‪.‬‬
‫ففي بدر‪ ،‬وأحد والندق‪ ،‬وف كل الشاهد والغازي‪ ،‬كان البطل هناك بائعا نفسه وماله ل ربو‬
‫العالي‪..‬‬
‫وبعد وفاة الرسول‪ ،‬ل يتخلف عن معركة كتب على السلمي أن يوضوها‪ ،‬مهما يكن بعد الشقة‪،‬‬
‫وفداحة الشقة‪!..‬‬
‫وكان شعاره الذي يردده دائما‪ ،‬ف ليله وناره‪ ..‬ف جهره واسراره‪ ..‬قول ال تعال‪:‬‬
‫( انفروا خفافا وثقال)‪..‬‬
‫مرة واحدة‪ ..‬تلف عن جيش جعل الليفة أميه واحدا من شباب السلمي‪ ،‬ول يقتنع أبو أ]وب‬
‫بامارته‪.‬‬
‫مرة واحدة ل غي‪ ..‬مع هذا فان الندم على موقفه هذا ظل يزلزل نفسه‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫" ما عليّ من استعمل عليّ"‪..‬؟؟‬
‫ث ل يفته بعد ذلك قتال!!‬
‫كان حسبه أن يعيش جنديا ف جيش السلم‪ ،‬يقاتل تت رايته‪ ،‬ويذود عن حرمته‪..‬‬
‫ولا وقع اللف بي علي ومعاوية‪ ،‬وقف مع علي ف غي تردد‪ ،‬لنه المام الذي أعطي بيعة‬
‫السلمي‪ ..‬ولا استشهد وانتهت اللفة خعاوية وقف أبو أيوب بنفسه الزاهدة‪ ،‬الصامدة التقية ل‬
‫يرجو من الدنيا سوى أن يضل له مكان فوق أرض الوغى‪ ،‬وبي صفوف الجاهدين‪..‬‬
‫وهكذا‪ ،‬ل يكد يبصر جيش السلم يتحرك صوب القسطنطينية حت ركب فرسه‪ ،‬وحل سيفه‪،‬‬
‫وراح يبحث عن استشهاد عظيم طالا حنّ اليه واشتاق‪!!..‬‬
‫وف هذه العركة أصيب‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وذهب قائد جيشه ليعوده‪ ،‬وكانت أنفاسه تسابق أشواقه ال لقاء ال‪..‬‬
‫فسأله القائد‪ ،‬وكان يزيد بن معاوية‪:‬‬
‫" ما حاجتك أبا أيوب"؟‬
‫ترى‪ ،‬هل فينا من يستطيع أن يتصوّر أو يتخيّل ماذا كانت حاجة أبا أيوب‪..‬؟‬
‫كل‪ ..‬فقد كانت حاجته وهو يود بروحه شيئا يعجز ويعيي كل تصوّر‪ ،‬وكل تيّل لبن النسان‪!!..‬‬
‫لقد طلب من يزيد‪ ،‬اذا هو مات أن يمل جثمانه فوق فرسه‪ ،‬ويضي به ال أبعد مسافة مكنة ف‬
‫أرض العدو‪ ،‬وهنالك يدفنه‪ ،‬ث يزحف بيشه على طول هذا الطريق‪ ،‬حت يسمع وقع حوافر خيل‬
‫السلمي فوق قبه‪ ،‬فيدرك آنئذ ننهم قد أدركوا ما يبتغون من نصر وفوز‪!!..‬‬
‫أتسبون هذا شعرا‪..‬؟‬
‫ل‪ ..‬ول هو بيال‪ ،‬بل واقع‪ ،‬وحق شهدته الدنيا ذات يوم‪ ،‬ووقفت تدق بعينيها‪ ،‬وبأذنيها‪ ،‬ل تكاد‬
‫تصدق ما تسمع وترى‪!!..‬‬
‫ولقد أنز يزيد وصيّة أب أيوب‪..‬‬
‫وف قلب القسطنطينية‪ ،‬وهي اليوم استامبول‪ ،‬ثوى جثمان رجل عظيم‪ ،‬جدّ عظيم‪!!..‬‬
‫وحت قبل أن يغمر السلم تلك البقاع‪ ،‬كان أهل القسطنطينية من الروم‪ ،‬ينظرون ال أب أيوب ف‬
‫قبه نظرتم ال قدّيس‪...‬‬
‫وانك لتعجب اذ ترى جيع الؤرخي الذين يسجلون تلك الوقائع ويقولون‪:‬‬
‫" وكان الروم يتعاهدون قبه‪ ،‬ويزورونه‪ ..‬ويستسقون به اذا قحطوا"‪!!..‬‬
‫وعلى الرغم من العارك الت انتظمت حياة أب أيول‪ ،‬والت ل تكن تهله ليضع سيفه ويستريح‪ ،‬على‬
‫الرغم من ذلك‪ ،‬فان حياته كانت هادئة‪ ،‬نديّة كنسيم الفجر‪..‬‬
‫ذلك انه سع من الرسول صلى ال عليه وسلم حديثا فوعاه‪:‬‬
‫" واذا صليت فصل صلة مودّع‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ول تكلمن الناس بكلم تعتذر منه‪..‬‬


‫والزم اليأس ما ف أيدي الناس"‪...‬‬
‫وهكذا ل يض ف لسانه فتنة‪..‬‬
‫ول تف نفسه ال مطمع‪..‬‬
‫وقضى حياته ف أشواق عابد‪ ،‬وعزوف مودّع‪..‬‬
‫فلما جاء أجله‪ ،‬ل يكن له ف طول الدنيا وعرضها من حاجة سوى تلك المنية لت تشبه حياته ف‬
‫بطولتها وعظمتها‪:‬‬
‫" اذهبوا بثمان بعيدا‪ ..‬بعيدا‪ ..‬ف ارض الروم ث ادفنون هناك"‪...‬‬
‫كان يؤمن بالنصر‪ ،‬وكان يرى بنور بصيته هذه البقاع‪ ،‬وقد أخذت مكانا بي واحات السلم‪،‬‬
‫ودخلت مال نوره وضيائه‪..‬‬
‫ومن ثّ أراد أن يكون مثواه الخي هناك‪ ،‬ف عاصمة تلك البلد‪ ،‬حيث ستكون العركة الخية‬
‫الفاصلة‪ ،‬وحيث يستطيع تت ثراه الطيّب‪ ،‬أن يتابع جيوش السلم ف زحفها‪ ،‬فيسمع خفق‬
‫أعلمها‪ ،‬وصهيل خيلها‪ ،‬ووقع أقدامها‪ ،‬وصصلة سيوفها‪!!..‬‬
‫وانه اليوم لثاو هناك‪..‬‬
‫ل يسمع صلصلة السيوف‪ ،‬ول صهيل اليول‪..‬‬
‫قد قضي المر‪ ،‬واستوت على الوديّ من أمد بعيد‪..‬‬
‫لكنه يسمع كل يوم من صبحه ال مسائه‪ ،‬روعة الذان النطلق من الآذن الشرّعة ف الفق‪..‬‬
‫أن‪:‬‬
‫ال أكب‪..‬‬
‫ال أكب‪..‬‬
‫وتيب روحه الغتبطة ف دار خلدها‪ ،‬وسنا مدها‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫هذا ما وعدنا ال ورسوله‬


‫وصدق ال ورسوله‪....‬‬
‫العباس بن عبد الطلب‬
‫ساقي الرمي‬
‫ف عام الرمادة‪ ،‬وحيث أصاب العباد والبلد قحط وبيل‪ ،‬خرج أمي الؤمني عمر والسلمون معه ال‬
‫الفضاء الرحب يصلون صلة الستسقاء‪ ،‬ويضرعون ال ال الرحيم أن يرسل اليهم الغيث والطر‪..‬‬
‫ووقف عمر وقد أمسك يي العباس بيمينه‪ ،‬ورفعها صوب السماء وقال‪:‬‬
‫" اللهم انا كنا نسقى بنبيك وهو بيننا‪..‬‬
‫اللهم وانا اليوم نستسقي بعمّ نبيّك فاسقنا"‪..‬‬
‫ف البشرى‪ ،‬وينح الريّ‪ ،‬ويصب‬ ‫ول يغادر السلميون مكانم حت حاءهم الغيث‪ ،‬وهطل الطر‪ ،‬يز ّ‬
‫الرض‪..‬‬
‫وأقبل الصحاب على العباس يعانقونه‪ ،‬ويقبّلونه‪ ،‬ويتبكون به وهم يقولون‪:‬‬
‫" هنئا لك‪..‬‬
‫ساقي الرمي"‪..‬‬
‫فمن كان ساقي الرمي هذا‪..‬؟؟‬
‫ومن ذا الذي توسل به به عمر ال ال‪ ..‬ومعر من نعرف تقى وسبقا ومكانة عند ال ورسوله ولدى‬
‫الؤمني‪..‬؟؟‬
‫انه العباس عمّ رسول ال صلى ال عليه وسلم‪..‬‬
‫كان الرسول يلّه بقدر ما كان يبه‪ ،‬وكان يتدحه ويطري سجاياه قائل‪:‬‬
‫" هذه بقيّة آبائي"‪..‬‬
‫**‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫هذا العباس بن عبد الطلب أجود قريش كفا وأوصلها"‪!!..‬‬


‫وكما كان حزة عمّ الرسول وتربه‪ ،‬كذلك كان العباس رضي ال عنه فلم يكن يفصل بينهما ف‬
‫سنوات العمر سوى سنتي أو ثلث‪ ،‬تزيد ف عمر العباس عن عمر الروسل‪..‬‬
‫وهكذا كان ممد‪ ،‬والعباس عمه‪ ،‬طفلي من سن واحدة‪ ،‬وشابي من جيل واحد‪..‬‬
‫فلم تكن القرابةالقريبة وحدها‪ ،‬آصرة ما بينهما من ودّ‪ ،‬بل كانت كذلك زمالة السنّ‪،‬وصداقة‬
‫العمر‪..‬‬
‫وشيء آخر نضعه معايي النب ف الكان الول دوما‪ ..‬ذلك هو خلق العباس وسجاياه‪..‬‬
‫فلقد كان العباس جوّادا‪ ،‬مفرط الود‪ ،‬حت كأنه للمكلرم عمّها أو خالا‪!!..‬‬
‫وكان وصول للرحم والهل‪ ،‬ل يضنّ عليهما بهد ول باه‪ ،‬ول بال‪...‬‬
‫وكان ال هذه وتلك‪ ،‬فطنا ال حدّ الدهاء‪ ،‬وبفطنته هذه الت تعززها مكانته الرفيعة ف قريش‪،‬‬
‫استطاع أن يدرأ عن الرسول عليه الصلة والسلم حي يهر بدعوته الكثي من الذى والسوء‪..‬‬
‫**‬
‫كان حزة كما رأينا ف حديثنا عنه من قبل يعال بغي قريش‪ ،‬وصلف أب جها بسيفه الاحق‪..‬‬
‫أما العباس فكان يعالها بفطنة ودهاء أدّيا للسلم من لنفع مثلما أدّت السيوف الدافعة عن حقه‬
‫وحاه‪!!..‬‬
‫فالعباس ل يعلن اسلمه ال عام فتح مكة‪ ،‬ما جعل بعض الؤرخي يعدونه مع الذين تأخر اسلمه‪..‬‬
‫بيد أن روايات أخرى من التاريخ تنبئ بأنه كان من السلمي البكّرين‪ ،‬غي أنه كان يكتم اسلمه‪..‬‬
‫يقول أبو رافع خادم الرسول صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫" كنت غلما للعباس بن عبد الطلب‪ ،‬وكان السلم قد دخلنا أهل البيت‪ ،‬فأسلم العباس‪ ،‬وأسلمت‬
‫أم الفضل‪ ،‬وأسلمت‪ ...‬وكان العباس يكتم اسلمه"‪..‬‬
‫هذه رواية أبو رافع يتحدث با عن حال العباس واسلمه قبل غزوة بدر‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫كان العباس اذن مسلما‪..‬‬


‫وكان مقامه بكة بعد هجرة النب صلى ال عليه وسلم وصحبه خطة أدت غايتها على خي نسق‪..‬‬
‫ول تكن قريش تفي شكوكها ف نوايا العباسو ولكنها أيضا ل تكن تد سبيل لحادّته‪ ،‬ل سيما وهو‬
‫ف ظاهر أمره على ما يرضون من منهج ودين‪..‬‬
‫حت اذا جاءت غزوة بدر رأتا قريش فرصة تبلو با سريرة العباس وحقيقته‪..‬‬
‫والعباس أدهى من أن يغفل عن اتاهات ذلك الكر السيء الذي تعال به قريش حسراتا‪ ،‬وتنسج به‬
‫مؤامراتا‪..‬‬
‫ولئن كان قد نح ف ابلغ النب صلى ال عليه وسلم بالدينة أنباء قريش وترّكاتا‪ ،‬فان قريشا‬
‫ستنجح ف دفعه ال معركة ل يؤمن با ول يريدها‪ ..‬بيد أنه ناح موقوت لن يلبث حت ينقلب على‬
‫القرشيي خسارا وبوارا‪..‬‬
‫**‬
‫ويلتقي المعان ف غزوة بدر‪..‬‬
‫وتصطك السيوف ف عنفوان رهيب‪ ،‬مقررة مصي كل جع‪ ،‬وكل فريق‪..‬‬
‫وينادي الرسول ف أصحابه قائل‪:‬‬
‫" ان رجال من بن هاشم‪ ،‬ومن غي بن هاشم‪ ،‬قد أخرجوا كرها‪ ،‬ل حاجة لم بقتالنا‪ ..‬فمن لقي‬
‫منكم أحدهم فل يقتله‪..‬‬
‫ومن لقي البختريّ بن هشام بن الارث بن أسد فل يقتله‪..‬‬
‫ومن لقي العباس بن عبد الطلب فل يقتله‪ ،‬فانه انا أخرج مستكرها"‪..‬‬
‫ل يكن الرسول بأمره هذا يصّ عمّه العباس بيّزة‪ ،‬فما تلك مناسبة الزايا‪ ،‬ول هذا وقتها‪..‬‬
‫وليس ممد عليه الصلة والسلم من يرى رؤوس أصحابه تتهاوى ف معرة الق‪ ،‬ث يشفع والقتال‬
‫دائر لعمه‪ ،‬لو كان يعلم أن عمه من الشركي‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫أجل‪..‬‬
‫ان الرسول الذي نى عن أن يستغفر لعمه أب طالب على كثرة ما أسدى أبو طالب له وللسلم من‬
‫أياد وتضحيات‪..‬‬
‫ليس هو منطقا وبداهة من ييء ف غزوة بدر ليقول لن يقتلون آباءهم واخوانم من الشركي‪:‬‬
‫استثنوا عمي ول تقتلوه‪!!..‬‬
‫أما اذا كان الرسول يعلم حقيقة عمه‪ ،‬ويعلم أنه يطوي على السلم صدره‪ ،‬كما يعلم أكثر من‬
‫غيه‪ ،‬الدمات غي النظورة الت أدّاها للسلم‪ ..‬كما يعلم أخيا أنه خرج مكرها ومرجا فآنئذ يصي‬
‫من واجبه أن ينقذ من هذا شأنه‪ ،‬وأن يعصم من القتل دمه ما استطاع لذا سبيل‪..‬‬
‫واذا كان أبو البختري بن حارث وهذا شأنه‪ ،‬قد ظفر بشفاعة الرسول لدمه حت ل يهدر‪ ،‬ولياته‬
‫كي ل تزهق‪..‬‬
‫أفل يكون جديرا بذه الشفاعة‪ ،‬مسلم يكتم اسلمه‪ ...‬ورجل له ف نصرة السلم مواقف مشهودة‪،‬‬
‫وأخرى طوي عليها ستر الفاء‪..‬؟؟‬
‫بلى‪..‬ولقد كان العباس ذلك السلم‪ ،‬وذلك النصي‪.‬‬
‫ولنعد ال الوراء قليل لنرى‪..‬‬
‫**‬
‫ف بيعة العقبة الثانية عندما قدم مكة ف موسم الاج وفد النصار‪ ،‬ثلثة وسبعون رجل وسيدتان‪،‬‬
‫ليعطوا ال ورسوله بيعتهم‪ ،‬وليتفقوا مع النب عليه الصلة والسلم على الجرة ال الدينة‪ ،‬أنى‬
‫الرسول ال عمه العباس نبأ هذا الوفد‪ ،‬وهذه البيعة‪ ..‬وكان الرسول عليه الصلة والسلم يثق بعمه ف‬
‫رأيه كله‪..‬‬
‫ولا جاء موعد اللقاء الذي انعقد سرا وخفية‪ ،‬خرج الرسول وعمه العباس ال حيث النصار‬
‫ينتظرون‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وأراد العباس ان يعجم عود القوم ويتوثق للنب منهم‪..‬‬


‫ولندع واحدا من أعضاء الوفد يروي لنا النبأ‪ ،‬كما سع ورأى‪ ..‬ذلكم هو كعب بن مالك رضي ال‬
‫عنه‪:‬‬
‫"‪ ..‬وجلسنا ف الشعب ننتظر رسول ال صلى ال عليه وسلم حت جاءنا ومعه العباس بن عبد‬
‫الطلب‪ ..‬وتكلم العباس فقال‪ :‬يا معشر الزرج‪ ،‬ان ممدا منا حيث قد علمتم‪ ،‬وقد منعناه من قومنا‬
‫فهو ف عز من قومه ومنعة ف بلده‪ ،‬وانه أب ال النحياز اليكم واللحوق بكم‪..‬‬
‫فان كنتم ترون أنكم وافون له با دعوتوه اليه‪ ،‬ومانعوه من خالفه‪ ،‬فأنتم وما تملتم من ذلك‪..‬‬
‫وان كنتم ترون أنكم مسلموه خاذلوه بعد خروجه اليكم‪ ،‬فمن الن فدعوه"‪..‬‬
‫كان العباس يلقي بكلماته الازمة هذه‪ ،‬وعيناه تدقان كعين الصقر ف وجوه النصار‪ ..‬يتتبع وقع‬
‫الكلم وردود فعله العاجلة‪..‬‬
‫ول يكتف العباس بذا‪ ،‬فذكاؤه العظيم ذكاء عملي يتقصّى القيقة ف مالا الادي‪ ،‬ويواجه كل‬
‫أبعادها مواجهة الاسب البي‪..‬‬
‫هناك استأنف حديثه مع الصار بسؤال ذكي ألقاه‪ ،‬ذلك هو‪:‬‬
‫" صفوا ل الرب‪ ،‬كيف تقاتلون عدوّكم"!!؟؟‬
‫ان العباس بفطنته وتربته مع قريش يدرك أن الرب ل مالة قادمة بي السلم والشرك‪ ،‬فقريش لن‬
‫تتنازل عن دينها ومدها وعنادها‪.‬‬
‫والسلم ما دام حقا لن يتنازل للباطل عن حقوقه الشروعة‪..‬‬
‫فهل النصار‪ ،‬أهل الدينة صامدون للحرب حي تقوم‪..‬؟؟‬
‫وهل هم من الناحية الفنية‪ ،‬أكفاء لقريش‪ ،‬ييدون فنّ الكرّ والفرّ والقتال‪..‬؟؟‬
‫من اجل هذا ألقى سؤاله السالف‪:‬‬
‫" صفوا ل الرب‪ ،‬كيف تقاتلون عدوّكم"‪..‬؟؟‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫كان النصار الذين يصغون للعباس رجال كالطواد‪...‬‬


‫ول يكد العباس يفرغ من حديثه‪ ،‬ل سيما ذلك السؤال الثي الافز حت شرع النصار يتكلمون‪..‬‬
‫وبدأ عبدال بن عمرو بن حرام ميبا على السؤال‪:‬‬
‫" نن‪ ،‬وال‪ ،‬أهل الرب‪ ..‬غذينا با‪،‬ومرّنا عليها‪ ،‬وورثناها عن آبائنا كابرا فكابر‪..‬‬
‫نرمي بالنبل حت تفن‪..‬‬
‫ث نطاعن بالرماح حت تنكسر‪..‬‬
‫ث نشي بالسيوف‪ ،‬فنضارب با حت يوت العجل منا أو من عدونا"‪!!..‬‬
‫وأجاب العباس متهلل‪:‬‬
‫" أنتم أصحاب حرب اذن‪ ،‬فهل فيكم دروع"‪..‬؟؟‬
‫قالوا‪:‬‬
‫" نعم‪ ..‬لدينا دروع شاملة"‪..‬‬
‫ث دار حديث رائع وعظيم بي رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم وبي النصار‪ ..‬حديث سنعرض‬
‫له ان شاء ال فيما بعد‪.‬‬
‫**‬
‫هذا موقف العباس ف بيعة العقبة‪..‬‬
‫وسواء عليه أكان يومئذ اعتنق السلم سرا‪ ،‬أم كان ل يزال يفكّر‪ ،‬فان موقفه العظيم هذا يدد مكانه‬
‫بي قوى الظلم الغارب‪ ،‬والشروق القبل‪،‬‬
‫ويصوّر أبعاد رجولته ورسوخه‪!!..‬‬
‫ويوم ييء حني ليؤكد فداءية هذا الادئ السمت‪ ،‬اللي الانب‪ ،‬حينما تدعو الاجة اليها‪ ،‬ويهيب‬
‫الواقف با‪ ،‬بينما هي ف غي ذلك الظرف اللحّ‪ ،‬مستكنّة تت الضلع‪ ،‬متوارية عن الضواء‪!!..‬‬
‫**‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ف السنة الثامنة للهجرة‪ ،‬وبعد ان فتح ال مكة لرسوله ولدينه عز بعض القبائل السائدة ف الزيرة‬
‫العربية أن يقق الدين الديد كل هذا النصر بذه السرعة‪..‬‬
‫فاجتمعت قبائل هوزان وثقيف ونصر وجشم وآخرون‪ .‬وققروا شنّ حرب حاسة ضدّ الرسول‬
‫والسلمي‪..‬‬
‫ان كلمة قبائل ل ينبغي أن تدعنا عن طبيعة تلك الروب الت كان يوضها الرسول طوال حياته‪.‬‬
‫فنظن انا كانت مرّد مناوشات جبلية صغية‪ ،‬فليس هناك حروب أشدّ ضراوة من حروب تلك‬
‫القبائل ف معاقلها‪!!..‬‬
‫وادراك هذه القيقة ل يعطينا تقديرا سديدا للجهد الارق الذي بذله رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫وأصحابه فحسب‪ ،‬بل يعطينا تقديرا صحيحا وأمينا لقيمة النصر العظيم الذي أحرزه السلم‬
‫والؤمنون‪ ،‬ورؤية واضحة لتوفيق ال الاثل ف هذا النجاح وذلك النتصار‪..‬‬
‫احتشدت تلك القبائل ف صفوف لبة من القاتلي الشدّاء‪..‬‬
‫وخرج اليهم السلمون ف اثن عشر ألفا‪..‬‬
‫اثنا عشر ألفا‪..‬؟؟‬
‫ومن‪..‬؟؟‬
‫من الذين فتحوا مكة بالمس القريب‪ ،‬وشيعوا الشرك والصنام ال هاويتها الخية والسحيقة‪،‬‬
‫وارتفعت راياتم تل الفق دون مشاغب عليها أو مزاحم لا‪!!..‬‬
‫هذا شيء يبعث الزهو‪..‬‬
‫والسلمون ف آخر الطاف بشر‪ ،‬ومن ث‪ ،‬فقد ضعفوا امام الزهو الذي ابتعثته كثرتم ونظامهم‪،‬‬
‫وانتصارهم بكة‪ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫" لن نغلب اليوم عن قلة"‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ولا كانت السماء تعدّهم لغاية أجلّ من الرب وأسى‪ ،‬فان ركونم ال قوتم العسكرية‪ ،‬وزهزهم‬
‫بانتصارهم الرب‪ ،‬عمل غي صال ينبغي أن يبؤا منه سريعا‪ ،‬ولو بصدمة شافية‪..‬‬
‫وكانت الصدمة الشافية هزية كبى مباغتة ف أول القتال‪ ،‬حت اذا ضرعوا ال ال‪ ،‬وبرؤا من حولم‬
‫ال حوله‪ ،‬ومن قوتم ال قوته‪ ،‬انقلبت الزية نصرا‪ ،‬ونزل القرآن الكري يقول للمسلمي‪:‬‬
‫(‪ ..‬ويوم حني اذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا‪ ،‬وضاقت الرض با رحبت‪ ،‬ث وليتم‬
‫مدبرين‪ .‬ث أنزل ال سكينته على رسوله وعلى الؤمني‪ ،‬وأنزل جنودا ل تروها‪ ،‬وعذب الذين كفروا‪،‬‬
‫وذلك جزاء الكافرين)‪..‬‬
‫كان صوت العباس يومئذ وثباته من ألع مظاهر السكينة والستبسال‪..‬‬
‫فبينما كان السلمون متمعي ف أحد أودية تامة ينتظرون ميء عدوّهم‪ ،‬كان الشركون قد سبقوهم‬
‫ال الوادي وكمنوا لم ف شعابه وأحنائه‪ ،‬شاحذين أسلحتهم‪ ،‬مسكي زمام البادرة بأيديهم‪..‬‬
‫وعلى حي غفلة‪ ،‬انقضّوا على السلمي ف مفاجأة مذهلة‪ ،‬جعلتهم يهرعون بعيدا‪ ،‬ل يلوي أحد على‬
‫أحد‪..‬‬
‫ورأى رسول ال صلى ال عليه وسلم ما أحدثه الجوم الفاجئ الاطف على السلمي‪ ،‬فعل صهوة‬
‫بغلته البيضاء‪ ،‬وصاح‪:‬‬
‫" ال أين أيها الناس‪..‬؟؟‬
‫هلموا الّ‪..‬‬
‫أنا النب ل كذب‪..‬‬
‫انا ابن عبد الطلب"‪..‬‬
‫ل يكن حول النب ساعتئذ سوى أب بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعلي بن أب طالب‪ ،‬والعباس بن عبد الطلب‪،‬‬
‫وولده الفضل بن العباس‪ ،‬وجعفر بن الارث‪ ،‬وربيعة بن الارث‪ ،‬وأسامة بن زيد‪ ،‬وأين بن عبيد‪،‬‬
‫وقلة أخرى من الصحاب‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وكان هناك سيدة أخذت مكانا عاليا بي الرجال والبطال‪..‬‬


‫تلك هي أم سليم بنت ملحان‪..‬‬
‫رأت ذهول السلمي وارتباكهم‪ ،‬فركبت جل زوجها أب طلحة رضي ال عنهما‪ ،‬وهرولت با نو‬
‫الرسول‪..‬‬
‫ولا ترك جنينها ف بطنها‪ ،‬وكانت حامل‪ ،‬خلعت بردتا وشدّت با على بطنها ف حزام وثيق‪ ،‬ولا‬
‫انتهت ال النب صلى ال عليه وسلم شاهرة خنجرا ف يينها ابتسم لا الرسول وقال‪:‬‬
‫" أم سليم؟؟"‪..‬‬
‫قالت‪ " :‬نعم بأب أنت وأمي يا رسول ال‪..‬‬
‫اقتل هؤلء الذين ينهزمون عنك‪ ،‬كما تقتل الذين يقاتلونك‪ ،‬فانم لذلك أهل"‪..‬‬
‫وازدادت البسمة ألقا على وجه الرسول الواشق بوعد ربه وقال لا‪:‬‬
‫" ان ال قد كفى وأحسن يا أم سليم"‪!!..‬‬
‫هناك ورسول ال صلى ال عليه وسلم ف هذا الوقف‪ ،‬كان العباس ال جواره‪ ،‬بل كان بي قدميه‬
‫بطام بغلته يتحدى الوت والطر‪..‬‬
‫وأمره النب صلى ال عليه وسلم أن يصرخ ف الناس‪ ،‬وكان العباس جسيما جهوري الصوت‪ ،‬فراح‬
‫ينادي‪:‬‬
‫" يا معشر النصار‪..‬‬
‫يا أصحاب البيعة"‪...‬‬
‫وكانا كان صوته داعي القدر ونذيره‪..‬‬
‫فما كاد يقرع أساع الرتاعي من هول الفاجأة‪ ،‬الشتتي ف جنبات الوادي‪ ،‬حت أجابوا ف صوت‬
‫واحد‪:‬‬
‫" لبّيك‪ ..‬لبّيك"‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وانقلبوا راجعي كالعصار‪ ،‬حت ان أحدهم ليحرن بعيه أو فرسه‪ ،‬فيقتحم عنها ويترجل‪ ،‬حامل‬
‫درعه وسيفه وقوسه‪ ،‬ميممّا صوب موت العباس‪..‬‬
‫ودارت العركة من جديد‪ ..‬ضارية‪ ،‬عاتية‪..‬‬
‫وصاح رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫" الن حي الوطيس"‪..‬‬
‫وحي الوطيس حقا‪..‬‬
‫وتدحرج قتلى هوزان وثقيف‪ ،‬وغلبت خيل ال خيل اللت‪ ،‬وأنزل ال سكينته على رسوله وعلى‬
‫الؤمني‪!!!..‬‬
‫**‬
‫كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يب العباس عمه حبا كبيا‪ ،‬حت انه ل ينم يوم انتهت غزوة‬
‫بدر‪ ،‬وقضى عمه ليله ف السر‪..‬‬
‫ول يف النب عليه السلم عاطفته هذه‪ ،‬فحي سئل عن سبب أرقه‪ ،‬وقد نصره ال نصرا مؤزرا‬
‫أجاب‪:‬‬
‫" سعت أني العباس ف وثاقه"‪..‬‬
‫وسع بعض السلمي كلمات الرسول‪ ،‬فأسرع ال مكان السرى‪ ،‬وحلّ وثاق العباس‪ ،‬وعاد فأخب‬
‫الرسول قائل‪:‬‬
‫" يا رسول ال‪..‬‬
‫ان أرخيت من وثاق العباس شيئا"‪..‬‬
‫ولكن لاذا وثاق العباس وحده‪..‬؟‬
‫هنالك قال الرسول لصاحبه‪:‬‬
‫" اذهب‪ ،‬فافعل ذلك بالسرى جيعا"‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫أجل فحب النب صلى ال عليه وسلم لعمه ل يعن أن ييزه عن الناس الذين تمعهم معه ظروف‬
‫ماثلة‪..‬‬
‫وعندما تقرر أخذ الفدية من السرى‪ ،‬قال الرسول لعمه‪:‬‬
‫" يا عباس‪..‬‬
‫افد نفسك‪ ،‬وابن اخيك عقيل بن أب طالب‪ ،‬ونوفل بن الارث‪ ،‬وحليفك عتبة بن عمرو وأخا بن‬
‫الارث بن فهر‪ ،‬فانك ذومال"‪..‬‬
‫وأردا العباس أن يغادر أسره با فدية‪ ،‬قائل‪:‬‬
‫" يا رسول ال‪ ،‬ان كنت مسلما‪ ،‬ولكن القوم استكرهون"‪..‬‬
‫ولكن الرسول صلى ال عليه وسلم أصرّ على الفدية‪ ،‬ونزل لقرآن الكري ف هذه الناسبة يقول‪:‬‬
‫" يا ايها النب قل لن ف أيديكم من السرى ان يعلم ال ف قلوبكم خيا يؤتكم خيا ما أخذ منكم‬
‫ويغفر لكم‪ ،‬وال غفور رحيم"‪.‬‬
‫وهكذا فدى العباس نفسه ومن معه‪ ،‬وقفل راجعا ال مكة‪ ..‬ول تدعه قريش بعد ذلك عن عقله‬
‫وهداه‪ ،‬فبعد حي جع ماله وحل متاعه‪ ،‬وأدرك الرسول بيب‪ ،‬ليأخذ مكانه ف موكب السلم‪،‬‬
‫وقافلة الؤمني‪ ..‬وصار موضع حب السلمي واجللم العظيم‪ ،‬ل سيما وهم يرون تكري الرسول له‬
‫وحبه اياه وقوله عنه‪:‬‬
‫" انا العباس صنو أب‪..‬‬
‫فمن آذى العباس فقد آذان"‪.‬‬
‫وأنب العباس ذريّة مباركة‪.‬‬
‫وكان حب المة عبدال بن عباس واحدا من هؤلء البناء الباركي‪.‬‬
‫**‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وف يوم المعة لربع عشرة سنة خلت من رجب سنة اثنتي وثلثي سع اهل العوال بالدينة مناديا‬
‫ينادي‪:‬‬
‫" رحم ال من شهد العباس بن عبد الطلب"‪.‬‬
‫فأدركوا أن العباس قد مات‪..‬‬
‫وخرج الناس لتشييعه ف أعداد هائلة ل تعهد الدينة مثلها‪..‬‬
‫وصلى عليه خليفة السلمي يومئذ عثمان رضي ال عنه‪.‬‬
‫وتت ثرى البقيع هدأ جثمان أب الفضل واستراح‪..‬‬
‫ونام قرير العي‪ ،‬بي البرار الذين صدقوا ما عاهدوا ال عليه!!‬
‫أبو هريرة‬
‫ذاكرة عصر الوحي‬
‫صحيح أن ذكاء الرء مسوب عليه‪..‬‬
‫وأصحاب الواهب الارقة كثيا ما يدفعون الثمن ف نفس الوقت الذي كان ينبغي أن يتلقوا فيه‬
‫الزاء والشكران‪!!..‬‬
‫والصحاب الليل أبو هريرة واحد من هؤلء‪..‬‬
‫فقد كان ذا موهبة خارقة ف سعة الذاكرة وقوتا‪..‬‬
‫كان رضي ال عنه ييد فنّ الصغاء‪ ،‬وكانت ذاكرته تيد فن الفظ والختزان‪..‬‬
‫يسمع فيعي‪ ،‬فيحفظ‪ ،‬ث ل يكاد ينسى ما وعى كلمة ول حرفا مهما تطاول العمر‪ ،‬وتعاقبت‬
‫اليام‪!!..‬‬
‫من أجل هذا هيأته موهبته ليكون أكثر أصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم حفظا لحاديثه‪،‬‬
‫وبالتال أكثرهم رواية لا‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فلما جاء عصر الوضّاعي الذين تصصوا ف الكذب على رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬اتذوا أبا‬
‫هريرة غرضا مستغلي أسوأ استغلل سعته العريضة ف الرواية عن رسول ال عليه السلم موضع‬
‫الرتياب والتساؤول‪ .‬لول تلك الهود البارة والارقة الت بذلا أبرار كبار نذور حياتم وكرّسوها‬
‫لدمة الديث النبوي ونفي كل زيف ودخيل عنه‪.‬‬
‫هنالك نا أبو هريرة رضي ال عنه من أخطبوط الكاذيب والتلفيقات الت أراد الفسدون أن يتسللوا‬
‫با ال السلم عن طريقه‪ ،‬وأن يمّلوه وزرها وأذاها‪!!..‬‬
‫**‬
‫والن‪ ..‬عندما نسمع واعظا‪ ،‬أو ماضرا‪ ،‬أو خطيب جعة يقول تلك العبارة الأثورة‪ ":‬عن أب هريرة‬
‫رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪."..‬‬
‫أقول‪ :‬عندما تسمع هذا السم على هذه الصورة‪ ،‬أ‪ ،‬عندما تلقاه كثيا‪ ،‬وكثيا جدّا ف كتب‬
‫الديث‪ ،‬والسية والفقه والدين بصفة عامة‪ ،‬فاعلم أنك تلقى شخصية من أكثر شخصيات الصحابة‬
‫اغراء بالصحبة والصغاء‪..‬‬
‫ذلك أن ثروته من الحاديث الرائعة‪ ،‬والتوجيهات الكيمة الت حفظها عن النب عليه السلم‪ ،‬قلّ أن‬
‫يوجد لا نظي‪..‬‬
‫وانه رضي ال عنه با يلك من هذه الوهبة‪ ،‬وهذه الثروة‪ ،‬لن أكثر الصحاب مقدرة على نقلك ال‬
‫تلك اليام الت عاشها رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه رضي ال عنهم‪ ،‬وال التحليق بك‪،‬‬
‫اذا كنت وثيق اليان مرهف النفس‪ ،‬ف تاك الفاق الت شهدت روائع ممد وأصحابه‪ ،‬تعطي الياة‬
‫معناها‪ ،‬وتدي اليها رشدها وناها‪.‬‬
‫واذا كانت هذه السطور قد حرّكت أشواقك لن تتعرّف لب هريرة وتسمع من أنبائه نبأ‪ ،‬فدونك‬
‫الن وما تريد‪..‬‬
‫انه واحد من الذين تنعكس عليهم ثروة السلم بكل ما أحدثته من تغيات هائلة‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فمن أجي ال سيّد‪..‬‬


‫ومن تائه ف الزحام‪ ،‬ال علم وامام‪!!..‬‬
‫ومن ساجد أمام حجارة مركومة‪ ،‬ال مؤمن بال الواحد القهار‪..‬‬
‫وهاهو ذا يتحدّث ويقول‪:‬‬
‫" نشأت يتيما‪ ،‬وهاجرت مسكينا‪ ..‬وكنت أجيا لبسرة بنت غزوان بطعام بطن‪!!..‬‬
‫كنت أخدمهم اذا نزلوا‪ ،‬وأحدو لم اذا ركبوا‪..‬‬
‫وهأنذا وقد زوّجنيها ال‪ ،‬فالمد ل الذي جعل الدين قواما‪ ،‬وجعل أبا هريرة اماما"‪!..‬‬
‫قدم على النب عليه الصلة والسلم سنة سبع وهو بيب‪ ،‬فأسلم راغبا مشتاقا‪..‬‬
‫ومنذ رأى النب عليه الصلة والسلم وبايعه ل يكد يفارقه قط ال ف ساعات النوم‪..‬‬
‫وهكذا كانت السنوات الربع الت عاشها مع رسول ال صلى ال عليه وسلم منذ أسلم ال أن ذهب‬
‫النب ال الرفيق العلى‪.‬‬
‫نقول‪ :‬كانت تلك السنوات الربع عمرا وحدها‪ ..‬كانت طويلة عريضة‪ ،‬متلئة بكل صال من القول‪،‬‬
‫والعمل‪ ،‬والصغاء‪.‬‬
‫**‬
‫أدرك أبو هريرة بفطرته السديدة الدور الكبي الذي يستطيع أن يدم به دين ال‪.‬‬
‫ان أبطال الرب ف الصحابة كثيون‪..‬‬
‫والفقهاء والدعاة والعلمون كثيون‪.‬‬
‫ولكن البيئة والماعة تفتقد الكتابة والكتّاب‪.‬‬
‫ففي تلك العصور‪ ،‬وكانت الماعة النسانية كلها‪ ،‬ل العرب وحدهم‪ ،‬ل يهتمون بالكتابة‪ ،‬ول تكن‬
‫الكتابة من علمات التقدم ف متمع ما‪..‬‬
‫بل انّ أوروبا نفسها كانت كذلك منذ عهد غي بعيد‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وكان أكثر ملوكها وعلى رأسهم شارلان أميّي ل يقرءون ول يكتبون‪ ،‬مع أنم ف نفس الوقت‬
‫كانوا على حظ كبي من الذكاء والقدرة‪..‬‬
‫**‬
‫نعود ال حديثنا لنرى أبا هريرة يدرك بفطرته حاجة الجتمع الديد الذي يبنيه السلم ال من‬
‫يفظن تراثه وتعاليمه‪ ،‬كان هناك يومئذ من الصحابة كتّاب يكتبون ولكنهم قليلون‪ ،‬ث ان بعضهم ل‬
‫يلك من الفراغ ما يكّنه من تسجيل كل ما ينطق به الرسول من حديث‪.‬‬
‫ل يكن أبا هريرة كاتبا‪ ،‬ولكنه كان حافظا‪ ،‬وكان يلك هذا الفراغ‪ ،‬أو هذا الفراغ النشود‪ ،‬فليس له‬
‫أرض يزرعها ول تارة يتبعها!!‬
‫وهو اذا رأى نفسه وقد أسلم متأخرا‪ ،‬عزم على أن يعوّض ما فاته‪ ،‬وذلك بأن يواظب على متابعة‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم وعلى مالسته‪..‬‬
‫ث انه يعرف من نفسه هذه الوهبة الت أنعم ال با عليه‪ ،‬وهي ذاكرته الرحبة القوية‪ ،‬والت زادت‬
‫مضاء ورحابة وقوة‪ ،‬بدعوة الرسول صلى ال عليه وسلم لصاحبها أن يبارك ال له فيها‪..‬‬
‫فلماذا اذن ل يكون واحدا من الذين يأخذون على عاتقهم حفظ هذا التراث ونقله لللجيال‪..‬؟؟‬
‫أجل‪ ..‬هذا دوره الذي تيئه للقيام به مواهبه‪ ،‬وعليه أن يقوم به ف غي توان‪..‬‬
‫**‬
‫ول يكن أبو هريرة من يكتبون‪ ،‬ولكنه كان كما ذكرنا سريع الفظ قوي الذاكرة‪..‬‬
‫ول تكن له أرض يزرعها‪ ،‬ول تارة تشغله‪ ،‬ومن ثّ ل يكن يفارق الرسول ف سفر ول ف حضر‪..‬‬
‫وهكذا راح يكرّس نفسه ودقة ذاكرته لفظ أحاديث رسول ال عليه الصلة والسلم وتوجيهاته‪..‬‬
‫فلما انتقل النب صلى ال عليه وسلم ال الرفيق العلى‪ ،‬راح أبو هريرة يدث‪ ،‬ما جعل بعض أصحابه‬
‫يعجبون‪ :‬أنّى له كل هذه الاديث‪ ،‬ومت سعها ووعاها‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ولقد ألقى أبوهريرة رضي ال عنه الضوء على هذه الظاهرة‪ ،‬وكانه يدفع عن نفسه مغبة تلك الشكوك‬
‫الت ساورت بعض أصحابه فقال‪:‬‬
‫" انكم لتقولون أكثر أبو هريرة ف حديثه عن النب صلى ال عليه وسلم‪..‬‬
‫وتقولون‪ :‬ان الهاجرين الذين سبقوه ال السلم ل يدثون هذه الحاديث‪..‬؟؟‬
‫أل ان أصحاب من الهاجرين‪ ،‬كانت تشغلهم صفقاتم بالسوق‪ ،‬وان أصحاب من النصار كانت‬
‫تشغلهم أرضهم‪..‬‬
‫وان كنت أميا مسكينا‪ ،‬أكثر مالسة رسول ال‪ ،‬فأحضر اذا غابوا‪ ،‬وأحفظ اذا نسوا‪..‬‬
‫وان النب صلى ال عليه وسلم حدثنا يوما فقال‪ :‬من يبسط رداءه حت يفرغ من حديثي ث يقبضه اليه‬
‫فل ينسى شيئا كان قد سعه من‪ !..‬فبسطت ثزب فحدثن ث ضممته الّ فوال ما كنت نسيت شيئا‬
‫سعته منه‪..‬‬
‫وأي وال‪ ،‬لول آية ف كتاب ال ما حدثتكم بشيء أبدا‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫( ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والدى من بعد ما بيّناه للناس ف الكتاب‪ ،‬أولئك يلعنهم ال‬
‫ويلعنهم اللعنون)‪."..‬‬
‫هكذا يفسر أبو هريرة سر تفرّده بكثرة الرواية عن الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫فهو أول كان متفرغا لصحبة النب أكثر من غيه‪..‬‬
‫وهو ثانيا كان يمل ذاكرة قوية‪ ،‬باركها الرسول فزادت قوة‪..‬‬
‫وهو ثالثا ل يدّث رغبة ف أن يدّث‪ ،‬بل لن افشاء هذه الحاديث مسؤولية دينه وحياته‪ ،‬وال كان‬
‫كاتا للخي والق‪ ،‬وكان مفرطا ينتظره جزاء الفرّطي‪..‬‬
‫من أجل هذا راح يدّث ويدّث‪ ،‬ل يصدّه عن الديث صادّ‪ ،‬ول يعتاقه عائق‪ ..‬حت قال له عمر‬
‫يوما وهو أمي الؤمني‪:‬‬
‫" لتتركنّ الديث عن رسول ال‪،‬أو للقنك بأرض دوس"‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫أي أرض قومه وأهله‪..‬‬


‫على أن هذا النهي من أمي الؤمني ل يشكل اتاما لب هريرة‪ ،‬بل هو دعم لنظرية كان عمر يتبنّاها‬
‫ويؤكدها‪ ،‬تلك هي‪ :‬أن على السلمي ف تلك الفترة بالذات أل يقرؤوا‪ ،‬وأل يفظوا شيئا سوى‬
‫القرآن حت يقرّ وثبت ف الفئدة والعقول‪..‬‬
‫فالقرآن كتاب ال‪ ،‬ودستور السلم‪ ،‬وقاموس الدين‪ ،‬وكثرة الديث عن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ل سيما ف تلك الت أعقبت وفاته عليه الصلة والسلم‪ ،‬والت يمع القرآن خللا قد تسبب‬
‫بلبلة ل داعي لا ول جدوى منها‪..‬‬
‫من أجل هذا كان عمر يقول‪:‬‬
‫" اشتغلوا بالقرآن‪ ،‬فان القرآن كلم ال"‪..‬‬
‫ويقول‪:‬‬
‫" أقلوا الرواية عن رسول ال ال فيما يعمل به"‪..‬‬
‫وحي أرسل أبو موسى الشعري ال العراق قال له‪:‬‬
‫ي النحل‪ ،‬فدعهم على ما هم عليه‪ ،‬ول تشغلهم‬ ‫" انك تأت قوما لم ف مساجدهم دويّ القرآن كدو ّ‬
‫بالديث‪ ،‬وأنا شريكك ف ذلك"‪..‬‬
‫كان القرآن قد جع بطريقة مضمونة دون أن يتسرب اليه ما ليس منه‪..‬‬
‫اما الحاديث فليس يضمن عمر أن ترّف أو تزوّر‪ ،‬أو تذ سبيل للكذب على رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬والنيل من السلم‪..‬‬
‫وكان أبو هريرة يقدّر وجهة نظر عمر‪ ،‬ولكنه أيضا كان واثقا من نفسه ومن أمانته‪ ،‬وكان ل يريد‬
‫أن يكتم من الديث والعلم ما يعتقد أن كتمانه اث وبوار‪.‬‬
‫وهكذا‪ ..‬ل يكن يد فرصة لفراغ ما ف صدره من حديث سنعه ووعاه ال حدّث وقال‪..‬‬
‫**‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫على أن هناك سببا هامّا‪ ،‬كان له دور ف اثارة التاعب حول أب هريرة لكثرة تدثه وحديثه‪.‬‬
‫ذلك أنه كان هناك يومئذ مدّث آخر يدّث عن الرسول صلى ال عليه وسلم ويكثر ويسرف‪ ،‬ول‬
‫يكن السلمون الصحاب يطمئنون كثيا لحاديثه ذلكم هو كعب الحبار الذي كان يهوديا وأسلم‪.‬‬
‫**‬
‫أراد مروان بن الكم يوما أن يبلو مقدرة أب هريرة على الفظ‪ ،‬فدعاه اليه وأجلسه معه‪ ،‬وطلب‬
‫منه أن يدثه عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ف حي أجلس كاتبه وراء حجاب‪ ،‬وأمره أن‬
‫يكتب كل ما يقول أبو هريرة‪..‬‬
‫وبعد مرور عام‪ ،‬دعاه مروان بن الكم مرة أخرى‪ ،‬أخذ يستقرئه نفس الحاديث الت كان كاتبه قد‬
‫سطرها‪ ،‬فما نسي أبو هريرة كلمة منها!!‬
‫وكان يقول عن نفسه‪:‬‬
‫" ما من أحد من أصحاب رسول ال أكثر حديثا عنه من‪ ،‬ال ما كان من عبدال بن عمرو بن‬
‫العاص‪ ،‬فانه كان يكتب‪ ،‬ول أكتب"‪..‬‬
‫وقال عنه المام الشافعي أيضا‪:‬‬
‫" أبو هريرة أحفظ من روى الديث ف دهره"‪.‬‬
‫وقال البخاري رضي ال عنه‪:‬‬
‫" روي عن أبو هريرة مدرسة كبية يكتب لا البقاء واللود‪..‬‬
‫وكان أبو هريرة رضي ال عنه من العابدين الوّابي‪ ،‬يتناوب مع زوجته وابنته قيام الليل كله‪ ..‬فيقوم‬
‫هو ثلثه‪ ،‬وتقوم زوجته ثلثه‪ ،‬وتقوم ابنته ثلثله‪ .‬وهكذا ل تر من الليل ساعة ال وف بيت أب هريرة‬
‫عبادة وذكر وصلة!!‬
‫وف سبيل أن يتفرّغ لصحبة رسول ال صلى ال عليه وسلم عان من قسوة الوع ما ل يعان مثله‬
‫أحد‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وانه ليحدثنا‪ :‬كيف كان الوع يعض أمعاءه فيشدّ على بطمه حجرا ويعتصر كبده بيديه‪ ،‬ويسقط ف‬
‫السجد وهو يتلوى حت يظن بعض أصحابه أن به صرعا وما هو بصروع‪!..‬‬
‫ولا أسلم ل يكن يئوده ويضنيه من مشاكل حياته سوى مشكلة واحدة ل يكن رقأ له بسببها جفن‪..‬‬
‫كانت هذه الشكلة أمه‪ :‬فانا يومئذ رفضت أن تسلم‪..‬‬
‫ليس ذلك وحسب‪ ،‬بل كلنت تؤذي ابنها ف رسول ال صلى ال عليه وسلم وتذكره بسوء‪..‬‬
‫وذات يوم أسعت أبا هريرة ف رسول ال صلى ال عليه وسلم ما يكره‪ ،‬فانفضّ عنها باكيا مزونا‪،‬‬
‫وذهب ال مسجد الرسول‪..‬‬
‫ولنصغ اليه وهو يروي لنا بقيّة النبأ‪:‬‬
‫"‪ ..‬فجئت ال رسول ال وأنا أبكي‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬كنت أدعو أم أب هريرة ال السلم فتأب‬
‫علي‪ ،‬وان دعوتا اليوم فأسعتن فيك ما أكره‪ ،‬فادع ال أن يهدي أم أبا هريرةال السلم‪..‬‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬اللهم اهد أم أب هريرة‪..‬‬
‫فخرجت أعدو أبشرها بدعاء رسول ال‪ ،‬فلما أتيت الباب اذا هو ماف‪ ،‬أي مغلق‪ ،‬وسعت‬
‫خضخضة ماء‪ ،‬ونادتن يا أبا هريرة مكانك‪..‬‬
‫ث لبست درعها‪ ،‬وعجلت عن خارها وخرجت وهي تقول‪ :‬أشهد أن ل اله ال ال‪ ،‬وأِهد أن ممدا‬
‫عبده ورسوله‪..‬‬
‫فجئت أسعى ال رسول ال صلى ال عليه وسلم أبكي من الفرح‪ ،‬كما بكيت من الزن‪ ،‬وقلت‪:‬‬
‫أبشر يا رسول ال‪ ،‬فقد أجاب ال دعوتك‪..‬‬
‫قد هدى أم أب هريرة ال السلم‪..‬‬
‫ث قلت يا رسول ال‪ :‬ادع ال أن يبّبن وأمي ال الؤمني والؤمنات‪..‬‬
‫فقال‪ :‬اللهم حبّب عبيدك هذا وأمه ال كل مؤمن ومؤمنة"‪..‬‬
‫**‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وعاش أبو هريرة عابدا‪ ،‬وماهدا‪ ..‬ل يتخلف عن غزوة ول عن طاعة‪.‬‬


‫وف خلفة عمر بن الطاب رضي ال عنه وله امارة البحرين‪.‬‬
‫وعمر كما نعلم شديد الحاسبة لولته‪.‬‬
‫اذا ولّى أحدهم وهو يلك ثوبي‪ ،‬فيجب أن يترك الولية وهو ل يلك من دنياه سوى ثوبيه‪ ..‬ويكون‬
‫من الفضل أن يتركها وله ثوب واحد‪!!!..‬‬
‫أما اذا خرج من الولية وقد ظهرت عليه أعراض الثراء‪ ،‬فآنئذ ل يفلت من حساب عمر‪ ،‬مهما يكن‬
‫مصدر ثرائه حلل مشروعا!‬
‫دنيا أخرى‪ ..‬ملءها هر روعة واعجازا‪!!..‬‬
‫وحي ولّ أبو هريرة البحرين ادّخر مال‪ ،‬من مصادره اللل‪ ،‬وعلم عمر فدعاه ال الدينة‪..‬‬
‫ولندع أبو هريرة يروي لنا ما حدث بينهما من حوار سريع‪:‬‬
‫" قال ل عمر‪:‬‬
‫يا عدو ال وعدو كتابه‪ ،‬أسرقت مال ال‪..‬؟؟‬
‫قلت‪:‬‬
‫ما أنا بعدو ل ول عدو لكتابه‪ ..،‬لكن عدو من عاداها‪..‬‬
‫ول أنا من يسرق مال ال‪!..‬‬
‫قال‪:‬‬
‫فمن أين اجتمعت لك عشرة آلف‪..‬؟؟‬
‫قلت‪:‬‬
‫خيل ل تناسلت‪ ،‬وعطايا تلحقت‪..‬‬
‫قال عمر‪ :‬فادفعها ال بيت مال السلمي"‪!!..‬‬
‫ودفع أبو هريرة الال ال عمر ث رفع يديه ال السماء وقال‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫اللهم اغفر لمي الؤمني"‪..‬‬


‫وبعد حي دعا عمر أبا هريرة‪ ،‬وعرض عليه الولية من حديد‪ ،‬فأباها واعتذر عنها‪..‬‬
‫قال له عمر‪ :‬ولاذا؟‬
‫قال أبو هريرة‪:‬‬
‫حت ل يشتم عرضي‪ ،‬ويؤخذ مال‪ ،‬ويضرب ظهري‪..‬‬
‫ث قال‪:‬‬
‫وأخاف أن أقضي بغي علم‬
‫وأقول بغي حلم‪..‬‬
‫**‬
‫وذات يوم اشتد شوقه ال لقاء ال‪..‬‬
‫وبينما كان عوّاده يدعون له بالشفاء من مرضه‪ ،‬كان هو يلحّ على ال قائل‪:‬‬
‫" اللهم ان أحب لقاءك‪ ،‬فأحب لقائي"‪..‬‬
‫وعن ثان وسبعي سنة مات ف العام التاسع والمسي للهجرة‪.‬‬
‫ولب ساكن البقيع البرار ب\تبوأ جثمانه الوديع مكانا مباركا‪..‬‬
‫وبينما كان مشيعوه عائدين من جنازته‪ ،‬كانت ألسنتهم ترتل الكثي من الحاديث الت حفظها لم‬
‫عن رسولم الكري‪.‬‬
‫ولعل واحدا من السلمي الدد كان ييل على صاحبه ويسأله‪:‬‬
‫لاذا كنّى شيخنا الراحل بأب هريرة‪..‬؟؟‬
‫فيجيبه صاحبه وهو البي بالمر‪:‬‬
‫لقد كان اسه ف الاهلية عبد شس‪ ،‬ولا أسلك سّاه الرسول عبدالرحن‪ ..‬ولقد كان عطوفا على‬
‫اليوان‪ ،‬واكنت له هرة‪ ،‬يطعمها‪ ،‬ويملها‪ ،‬وينظفها‪ ،‬ويؤويها‪ ..‬وكانت تلزمه كظله‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وهكذا دعي‪ :‬أبا هريرة رضي ال عنه وأرضاه‪..‬‬


‫الباء بن مالك‬
‫ال‪ ،‬والنة‬
‫هو ثان أخوين عاشا ف ال‪ ،‬وأعطيا رسول ال صلى ال عليه وسلم عهدا نكا وأزهر مع اليام‪..‬‬
‫أما أولما فهو أنس بن مالك خادم رسول ال عليه السلم‪.‬‬
‫أخذته أمه أم سليم ال الرسول وعمره يوم ذاك عشر سني وقالت‪:‬‬
‫"يا رسول ال‪..‬‬
‫هذا أنس غلمك يدمك‪ ،‬فادع ال له"‪..‬‬
‫فقبّله رسول ال بي عينيه ودعا له دعوة ظلت تدو عمره الطويل نو الي والبكة‪..‬‬
‫دعا له لرسول فقال‪:‬‬
‫" اللهم أكثر ماله‪ ،‬وولده‪ ،‬وبارك له‪ ،‬وأدخله النة"‪..‬‬
‫فعاش تسعا وتسعي سنة‪ ،‬ورزق من البني والفدة كثيين‪ ،‬كما أعطاه ال فيما أعطاه من رزق‪،‬‬
‫بستانا رحبا مرعا‪ ،‬كان يمل الفاكهة ف العام مرتي‪!!..‬‬
‫**‬
‫وثان الخوين‪ ،‬هو الباء بن مالك‪..‬‬
‫عاش حياته العظيمة القدامة‪ ،‬وشعاره‪:‬‬
‫" ال‪ ،‬والنة"‪..‬‬
‫ومن كان يراه‪ ،‬وهو يقاتل ف سبيل ال‪ ،‬كان يرى عجبا يفوق العجب‪..‬‬
‫فلم يكن الباء حي ياهد الشركي بسيفه من يبحثون عن النصر‪ ،‬وان يكن النصر آنئذ أجلّ غاية‪..‬‬
‫انا كان يبحث عن الشهادة‪..‬‬
‫كانت كل أمانيه‪ ،‬أن يوت شهيدا‪ ،‬ويقضي نبه فوق أرض معركة ميدة من معارك السلم والق‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫من أجل هذا‪ ،‬ل يتخلف عن مشهد ول غزوة‪..‬‬


‫وذات يوم ذهب اخوانه يعودونه‪ ،‬فقرأ وجوههم ث قال‪:‬‬
‫" لعلكم ترهبون أن أموت على فراشي‪..‬‬
‫ل وال‪ ،‬لن يرمن رب الشهادة"‪!!..‬‬
‫ولقد صدّق ال ظنه فيه‪ ،‬فلم يت الباء على فراشه‪ ،‬بل مات شهيدا ف معركة من أروع معارك‬
‫السلم‪!!..‬‬
‫**‬
‫ولقد كانت بطولة الباء يوم اليمامة خليقة به‪ ..‬خليقة بالبطل الذي كان عمر بن الطاب يوصي‬
‫أل يكون قائدا أبدا‪ ،‬لن جسارته واقدامه‪ ،‬وبثه عن الوت‪ ..‬كل هذا يعل قيادته لغيه من القاتلي‬
‫ماطرة تشبه اللك‪!!..‬‬
‫وقف الباء يوم اليمامة وجيوش السلم تت امرة خالد تتهيأ للنال‪ ،‬وقف يتلمظ مستبطئا تلك‬
‫اللحظات الت ترّ كأنا السني‪ ،‬قبل أن يصدر القائد أمره بالزحف‪..‬‬
‫وعيناه الثاقبتان تتحركان ف سرعة ونفاذ فوق أرض العركة كلها‪ ،‬كأنما تبحثان عن أصلح مكان‬
‫لصرع البطل‪!!..‬‬
‫أجل فما كان يشغله ف دنياه كلها غي هذه الغاية‪..‬‬
‫حصاد كثي يتساقط من الشركي دعاة الظلم والباطل بدّ سيفه الاحق‪..‬‬
‫ث ضربة تواتيه ف ناية العركة من يد مشركة‪ ،‬ييل على أثرها جسده ال الرض‪ ،‬على حي تأخذ‬
‫روحه طريقها ال الل العلى ف عرس الشهداء‪ ،‬وأعياد الباركي‪!!..‬‬
‫**‬
‫ونادى خالد‪ :‬ال أكب‪ ،‬فانطلقت الصفوف الرصوصة ال مقاديرها‪ ،‬وانطلق معها عاشق الوت‬
‫الباء بن مالك‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وراح يندل أتباع مسيلمة الكذاب بسيفه‪ ..‬وهم يتساقطون كأوراق الريف تت وميض بأسه‪..‬‬
‫ل يكن جيش مسيلمة هزيل‪ ،‬ول قليل‪ ..‬بل كان أخطر جيوش الردة جيعا‪..‬‬
‫وكان بأعداده‪ ،‬وعتاده‪ ،‬واستماتة مقاتليه‪ ،‬خطرا يفوق كل خطر‪..‬‬
‫ولقد أجابوا على هجوم السلمي شيء من الزع‪ .‬وانطلق زعماؤهم وخطباؤهم يلقون من فوق‬
‫صهوات جيادهم كلمات التثبيت‪ .‬ويذكرون بوعد ال‪..‬‬
‫وكان الباء بن مالك جيل الصوت عاليه‪..‬‬
‫وناداه القائد خالد تكلم يا براء‪..‬‬
‫فصاح الباء بكلمات تناهت ف الزالة‪ ،‬والدّللة‪ ،‬القوة‪..‬‬
‫تلك هي‪:‬‬
‫" يا أهل الدينة‪..‬‬
‫ل مدينة لكم اليوم‪..‬‬
‫انا هو ال والنة"‪..‬‬
‫كلمات تدل على روح قائلها وتنبئ بصاله‪.‬‬
‫أجل‪..‬‬
‫انا هو ال‪ ،‬والنة‪!!..‬‬
‫وف هذا الوطن‪ ،‬ل ينبغي أن تدور الواطر حول شيء آخر‪..‬‬
‫حت الدينة‪ ،‬عاصمة السلم‪ ،‬والبلد الذي خلفوا فيه ديارهم ونساءهم وأولدهم‪ ،‬ل ينبغي أن يفكروا‬
‫فيها‪ ،‬لنم اذا هزموا اليوم‪ ،‬فلن تكون هنلك مدينة‪..‬‬
‫وسرت كلمات الباء مثل‪ ..‬مثل ماذا‪..‬؟‬
‫ان أي تشبيه سيكون ظلما لقيقة أثرها وتأثيها‪..‬‬
‫فلنقل‪ :‬سرت كلمات الباء وكفى‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ومضى وقت وجيز عادت بعده العركة ال نجها الول‪..‬‬


‫السلمون يتقدمون‪ ،‬يسبقهم نصر مؤزر‪.‬‬
‫والشركون يتسلقطون ف حضيض هزية منكرة‪..‬‬
‫والباء هناك مع اخوانه يسيون لراية ممد صلى ال عليه وسلم ال موعدها العظيم‪..‬‬
‫واندفع الشركون ال وراء هاربي‪ ،‬واحتموا بديقة كبية دخلوها ولذوا با‪..‬‬
‫وبردت العركة ف دماء السلمي‪ ،‬وبدا أن ف المان تغي مصيها بذه اليلة الت لأ اليها أتباع‬
‫مسيلمة وجيشه‪..‬‬
‫وهنا عل الباء ربوة عالية وصاح‪:‬‬
‫" يا معشر السلمي‪..‬‬
‫احلون وألقون عليهم ف الديقة"‪..‬‬
‫أل أقل لكم انه ل يبحث عن النصر بل عن الشهادة‪!!..‬‬
‫ولقد تصوّر ف هذه الطة خي ختام لياته‪ ،‬وخي صورة لماته‪!!..‬‬
‫فهو حي يقذف به ال الديقة‪ ،‬يفتح السلمي بابا‪ ،‬وف نفس الوقت كذلك تكون أبواب النة تأخذ‬
‫زينتها وتتفتح لستقبال عرس جديد وميد‪!!..‬‬
‫**‬
‫ول ينتظر الباء أن يمله قومه ويقذفوا به‪ ،‬فاعتلى هو الدار‪ ،‬وألقى بنفسه داخل الديقة وفتح‬
‫الباب‪ ،‬واقتحمته جيوش السلم‪..‬‬
‫ولكن حلم الباء ل يتحقق‪ ،‬فل سيوف الشركي اغتالته‪ ،‬ول هو لقي الصرع الذي كان ين به‬
‫نفسه‪..‬‬
‫وصدق أبو بكر رضي ال عنه‪:‬‬
‫" احرص على الوت‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫توهب لك الياة"‪!!..‬‬
‫صحيح أن جسد البطل تلقى يومئذ من سيوف الشركي بضعا وثاني ضربة‪ ،‬أثخنته ببضع وثاني‬
‫جراحة‪ ،‬حت لقد ظل بعد العركة شهرا كامل‪ ،‬يشرف خالد بن الوليد نفسه على تريضه‪..‬‬
‫ولكن كل هذا الذي أصابه كان دون غايته وما يتمن‪..‬‬
‫بيد أن ذلك ل يمل الباء على اليأس‪ ..‬فغدا تيء معركة‪ ،‬ومعركة‪ ،‬ومعركة‪..‬‬
‫ولقد تنبأ له رسول ال صلى ال عليه وسلم بأنه مستجاب الدعوة‪..‬‬
‫فليس عليه ال أن يدعو ربه دائما أن يرزقه الشهادة‪ ،‬ث عليه أل يعجل‪ ،‬فلكل أجل كتاب‪!!..‬‬
‫ويبأ الباء من جراحات يوم اليمامة‪..‬‬
‫وينطلق مع جيوش السلم الت ذهبت تشيّع قوى الظلم ال مصارعها‪ ..‬هناك حيث تقوم‬
‫امباطوريتان خرعتان فانيتان‪ ،‬الروم والفرس‪ ،‬تتلن بيوشهما الباغية بلد ال‪ ،‬وتستعبدان عباده‪..‬‬
‫ويضرب الباء بسيفه‪ ،‬ومكان كل ضربة يقوم جدار شاهق ف بناء العال الديد الذي ينمو تت راية‬
‫السلم نوّا سريعا كالنهار الشرق‪..‬‬
‫**‬
‫وف احدى حروب العراق لأ الفرس ف قتالم ال كل وحشية دنيئة يستطيعونا‪..‬‬
‫فاستعملوا كلليب مثبتة ف أطراف سلسل ممأة بالنار‪ ،‬يلقونا من حصونم‪ ،‬فتخطف من تناله من‬
‫السلمي الذين ل يستطيعون منها فكاكا‪..‬‬
‫وكان الباء وأخوه العظيم أنس بن مالك قد وكل اليهما مع جاعة من السلمي أمر واحد من تلك‬
‫الصون‪..‬‬
‫ولكن أحد هذه الكلليب سقط فجأة‪ ،‬فتعلق بأنس ول يستطع أنس أن السلسلة ليخلص نفسه‪ ،‬اذ‬
‫كانت تتوهج لبا ونارا‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وأبصرالباء الشهد لاسرع نو أخيه الذي كانت السلسلة الحمأة تصعد به على سطح جدار‬
‫الصن‪ ..‬وقبض على السلسلة بيديه وراح يعالها ف بأس شديد حت قصمها وقطعها‪ ..‬ونا أنس‬
‫وألقى الباء ومن معه نظرة على كفيه فلم يدوها مكانما‪!!..‬‬
‫لقد ذهب كل ما فيهما من لم‪ ،‬وبقي هيكلهما العظمي مسمّرا مترقا‪!!..‬‬
‫وقضى البطل فترة أخرى ف علج بطيء حت بريء‪..‬‬
‫**‬
‫أما آن لعاشق الوت أن يبلغ غايته‪..‬؟؟‬
‫بلى آن‪!!..‬‬
‫وهاهي ذي موقعة تستر تيء ليلقي السلمون فيها جيوش فارس‬
‫ولتكون لن الباء عيدا أي عيد‪..‬‬
‫**‬
‫احتشد أهل الهواز‪ ،‬والفرس ف جيش كثيف ليناجزوا السلمي‪..‬‬
‫وكتب امي الؤمني عمر بن الطاب ال سعد بن أب وقاص بالكوفة ليسل ال الهواز جيشا‪..‬‬
‫وكتب ال أب موسى الشعري بالبصرة ليسل ال الهواز جيشا‪ ،‬قائل له ف رسالته‪:‬‬
‫" اجعل امي الند سهيل بن عديّ‪..‬‬
‫وليكن معه الباء بن مالك"‪..‬‬
‫والتقى القادمون من الكوفة بالقادمي من البصرة ليواجهوا جيش الهواز وجيش الفرس ف معركة‬
‫ضارية‪..‬‬
‫كان الخوان العظيمان بي النود الؤمني‪ ..‬أنس بن مالك‪ ،‬والباء بن مالك‪..‬‬
‫وبدأت الرب بالبارزة‪ ،‬فصرع الباء وحده مائة مبارز من الفرس‪..‬‬
‫ث التحمت اليوش‪ ،‬وراح القتلى يتساقطون من الفرقي كليهما ف كثرة كاثرة‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫واقترب بعض الصحابة من الباء‪ ،‬والقتال دائر‪ ،‬ونادوه قائلي‪:‬‬


‫" أتذكر يا براء قول الرسول عنك‪ :‬ربّ أشعث أغب ذي طمرين ل يؤبه له‪ ،‬لو أقسم على ال لبرّه‪،‬‬
‫منهم الباء بن مالك‪..‬؟‬
‫يا براء أقسم على ربك‪ ،‬ليهزمهم وينصرنا"‪..‬‬
‫ورفع الباء ذراعيه ال السماء ضارعا داعيا‪:‬‬
‫" اللهم امنحنا أكنافهم‪..‬‬
‫اللهم اهزمهم‪..‬‬
‫وانصرنا عليهم‪..‬‬
‫وألقن اليوم بنبيّك"‪..‬‬
‫ألقى على جبي أخيه أنس الذي كان يقاتل قريب امنه‪ ..‬نظرة طويلة‪ ،‬كأنه يودّعه‪..‬‬
‫وانقذف السلمون ف استبسال ل تألفه الدنيا من سواهم‪..‬‬
‫ونصروا نصرا مبينا‪.‬‬
‫**‬
‫ووسط شهداء العركة‪ ،‬كان هناك الباء تعلو وجهه ابتسامة هانئة كضوء الفجر‪ ..‬وتقبض يناه على‬
‫حثيّة من تراب مضمّخة بدمه الطهور‪..‬‬
‫لقد بلغ السافر داره‪..‬‬
‫وأنى مع اخوانه الشهداء رحلة عمر جليل وعظيم‪ ،‬ونودوا‪:‬‬
‫( أن تلكم النة‪ ،‬أورثتموها با كنتم تعملون)‪....‬‬
‫عتبة بن غزوان‬
‫غدا ترون المراء من بعدي‬
‫من بي السلمي السابقي‪ ،‬والهاجرين الولي ال البشة‪ ،‬فالدينة‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ومن بي الرماة الفذاذ الذين أبلوا ف سبيل ال بلء حسنا‪ ،‬هذا الرجل الفارع الطول‪ ،‬الشرق الوجه‪،‬‬
‫الخبت القلب عتبة بن غزوان‪...‬‬
‫**‬
‫كان سابع سبعة سبقوا ال السلم‪ ،‬وبيطوا أيانم ال يي الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬مبايعي‬
‫ومتحدّين قريش بكل ما معها من بأس وقدرة على النتقام‪..‬‬
‫وف اليام الول للدعوة‪.‬ز أيام العسرة والول‪ ،‬صمد عتبة بن غزوان‪ ،‬مع اخوانه ذلك الصمود الليل‬
‫الذي صار فيما بعد زادا للضمي النسان يتغذى به وينمو على مر الزمان‪..‬‬
‫ولا أمر رسول ال عليه الصلة والسلم أصحابه بالجرة ال البشة‪ ،‬خرج عتبة مع الهاجرين‪..‬‬
‫بيد أن شوقه ال النب صلى ال عليه وسلم ل يدعه يستقر هناك‪ ،‬فسرعان ما طوى البّ والبحر عائدا‬
‫ال مكة‪ ،‬حيث لبث فيها بوار الرسول حت جاء ميقات الجرة ال الدينة‪ ،‬فهاجر عتبة مع‬
‫السلمي‪..‬‬
‫ومنذ بدأت قريش ترشاتا فحروبا‪ ،‬وعتبة حامل رماحه ونباله‪ ،‬يرمي با ف أستاذية خارقة‪ ،‬ويسهم‬
‫مع اخوانه الؤمني ف هدم العال القدي بكل أوثانه وبتانه‪..‬‬
‫ول يضع سلحه يوم رحل عنهم الرسول الكري ال الرفيق العلى‪ ،‬بل ظل يضرب ف الرض‪ ،‬وكان‬
‫له مع جيوش الفرس جهاد عظيم‪..‬‬
‫**‬
‫أرسله أمي الؤمني عمر ال البلّة ليفتحها‪ ،‬وليطهر أرضها من الفرس الذين كانوا يتخذونا نقطة‬
‫وثوب خطرة على قوات السلم الزاحفة عب بلد المباطورية الفارسية‪ ،‬تستخلص منها بلد ال‬
‫وعباده‪..‬‬
‫وقال له عمر وهو يودّعه وجيشه‪:‬‬
‫" انطلق أنت ومن معك‪ ،‬حت تأتوا أقصى بلد العرب‪ ،‬وأدن بلد العجم‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وسر على بركة ال وينه‪..‬‬


‫وادع ال ال من أجابك‪.‬‬
‫ومن أب‪ ،‬فالزية‪..‬‬
‫وال فالسيف ف غي هوادة‪..‬‬
‫كابد العدو‪ ،‬واتق ال ربك"‪..‬‬
‫**‬
‫ومضى عتبة على رأس جيشه الذي ل يكن كبيا‪ ،‬حت قدم البلّة‪..‬‬
‫وكان الفرس يشدون با جيشا من أقوى جيوشهم‪..‬‬
‫ونظم عتبة قواته‪ ،‬ووقف ف مقدمتها‪ ،‬حامل رمه بيده الت ل يعرف الناس لا زلة منذ عرفت‬
‫الرمي‪!!..‬‬
‫وصاح ف جنده‪:‬‬
‫" ال أكب‪ ،‬صدق وعده"‪..‬‬
‫وكأنه كان يقرأ غيبا قريبا‪ ،‬فما هي ال جولت ميمونة استسلمت بعدها البلّة وطهرت أرضها من‬
‫جنود الفرس‪ ،‬وترر أهلها من طغيان طالا أصلهم سعيا‪ ..‬وصدق ال العظيم وعده‪!!..‬‬
‫**‬
‫احتطّ عتبة مكان البلّة مدينة البصرة‪ ،‬وعمّرها وبن مسجدها العظيم‪..‬‬
‫وأراد أن يغادر البلد عائدا ال الدينة‪ ،‬هاربا من المارة‪ ،‬لكن أمي الؤمني أمره بالبقاء‪..‬‬
‫ولبث عتبة مكانه يصلي بالناس‪ ،‬ويفقههم ف دينهم‪ ،‬ويكم بينهم بالعدل‪ ،‬ويضرب لم أروع الثل‬
‫ف الزهد والورع والبساطة‪...‬‬
‫ووقف يارب الترف والسرف بكل قواه حت ضجره الذين كانوا تستهويهم الناعم والشهوات‪..‬‬
‫هنالك وقف عتبة فيهم خطيبا فقال‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" وال‪ ،‬لقد رأيتن مع رسول ال صلى ال عليه وسلم سابع سبعة ومالنا طعام ال ورق الشجر حت‬
‫قرحت أشداقنا‪..‬‬
‫ولقد رزقت يوما بردة‪ ،‬فشققتها نصفي‪ ،‬أعطيت نصفها سعد بن مالك‪ ،‬ولبست نصفها الخر"‪..‬‬
‫**‬
‫كان عتبة ياف الدنيا على دينه أشد الوف‪ ،‬وكان يافها على السلمي‪ ،‬فراح يملهم على القناعة‬
‫والشظف‪.‬‬
‫وحاول الكثيون أن يوّلوه عن نجه‪ ،‬ويثيوا ف نفسه الشعور بالمارة‪ ،‬وبا للمارة من حق‪ ،‬ل‬
‫سيما ف تلك البلد الت ل تتعود من قبل أمراء من هذا اطراز التقشف الزاهد‪ ،‬والت تعود أهلها‬
‫احترام الظاهر التعالية الزهوّة‪ ..‬فكان عتبة ييبهم قائل‪:‬‬
‫" ان أعوذ بال أن أكون ف دنياكم عظيما‪ ،‬وعند ال صغيا"‪!..‬‬
‫ولا رأى الضيق على وجوه الناس بسبب صرامته ف حلهم على الادّة والقناعة قال لم‪:‬‬
‫" غدا ترون المراء من بعدي"‪..‬‬
‫وجاء موسم الج‪ ،‬فاستخلف على البصرة أحد اخوانه وخرج حاجا‪ .‬ولا قضى حجه‪ ،‬سافر ال‬
‫الدينة‪ ،‬وهناك سأل أمي الؤمني أن يعفيه المارة‪..‬‬
‫لكن عمر ل يكن يفرّط ف هذا الطراز الليل من الزاهدين الاربي ما يسيل له لعاب البشر جيعا‪.‬‬
‫وكان يقول لم‪:‬‬
‫" تضعون أماناتكم فوق عنقي‪..‬‬
‫ث تتركون وحدي‪..‬؟‬
‫ل وال ل أعفكيم أبدا"‪!!..‬‬
‫وهكذا قال لن عتبة لغزوان‪..‬‬
‫ولا ل يكن ف وسع عتبة ال الطاعة‪ ،‬فقد استقبل راحلته ليكبها راجعا ال البصرة‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫لكنه قبل أن يعلو ظهرها‪ ،‬استقبل القبلة‪ ،‬ورفع كفّيه الضارعتي ال السماء ودعا ربه عز وجل أل‬
‫يردّه ال البصرة‪ ،‬ول ال المارة أبدا‪..‬‬
‫واستجيب دعاؤه‪..‬‬
‫فبينما هو ف طريقه ال وليته أدركه الوت‪..‬‬
‫وفاضت روحه ال بارئها‪ ،‬مغتبطة با بذلت وأعطت‪..‬‬
‫وبا زهدت وعفت‪..‬‬
‫وبا أت ال عليها من نعمة‪..‬‬
‫وبا هيأ لا من ثواب‪...‬‬
‫ثابت بن قيس‬
‫خطيب رسول ال‬
‫كان حسّان بن ثابت شاعر رسول ال والسلم‪..‬‬
‫وكان ثابت خطيب خطيب رسول ال والسلم‪..‬‬
‫وكانت الكلمات ترج من فمه قوية‪ ،‬صادعة‪ ،‬جامعة رائعة‪..‬‬
‫وف عام الوفود‪ ،‬وفد على لدينة وفد بن تيم وقال لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫" جئنا نفاخرك‪ ،‬فأذن لشاعرنا وخطيبنا"‪..‬‬
‫فابتسم الرسول صلى ال عليه وسلم وقال لم‪:‬‬
‫" قد أذنت لطيبكم‪ ،‬فليقل"‪..‬‬
‫وقام خطيبهم عطارد بن حاجب ووقف يزهو بفاخر قومه‪..‬‬
‫ولا آذن بانتهاء‪ ،‬قال النب صلى ال عليه وسلم لثابت بن قيس‪ :‬قم فأجبه‪..‬‬
‫ونض ثابت فقال‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" المد ل‪ ،‬الذي ف السموات والرض خلقه‪ ،‬قضى فيهنّ أمره‪ ،‬ووسع كرسيّه علمه‪ ،‬ول يك شيء‬
‫قط ال من فضله‪..‬‬
‫ث كان من قدرته أن جعلنا أئمة‪ .‬واصطفى من خي خلقه رسول‪ ..‬أكرمهم نسبا‪ .‬وأصدقهم حديثا‪.‬‬
‫وأفضلهم حسبا‪ ،‬فأنزل عليه كتابه‪ ،‬وائتمنه على خلقه‪ ،‬فكان خية ال من العالي‪..‬‬
‫ث دعا الناس ال اليان به‪ ،‬فآمن به الهاجرون من قومه وذوي رحه‪ ..‬أكرم الناس أحسابا‪ ،‬وخيهم‬
‫فعال‪..‬‬
‫ث كنا نن النصار أول اللق اجابة‪..‬‬
‫فنحن أنصار ال‪ ،‬ووزراء رسوله"‪..‬‬
‫**‬
‫شهد ثابت بن قيس مع رسول ال صلى ال عليه وسلم غزوة أحد‪ ،‬والشاهد بعدها‪.‬‬
‫وكانت فدائيته من طراز عجيب‪ ..‬جد عجيب‪!!..‬‬
‫ف حروب الردّة‪ ،‬كان ف الطليعة دائما‪ ،‬يمل راية النصار‪ ،‬ويضرب بسيف ل يكبو‪ ،‬ول ينبو‪..‬‬
‫وف موقعة اليمامة‪ ،‬الت سبق الديث عنها أكثر من مرة‪ ،‬رأى ثابت وقع الجوم الاطف لذي شنّه‬
‫جيش مسيلمة الكذاب على السلمي أول العركة‪ ،‬فصاح بصوته النذير الهي‪:‬‬
‫" وال‪ ،‬ما هذا كنا نقاتل مع رسول ال صلى ال عليه وسلم"‪..‬‬
‫ث ذهب بغي بعيد‪ ،‬وعاد وقد تنّط‪ ،‬ولبس اكفانه‪ ،‬وصاح مرة أخرى‪:‬‬
‫" ان أبرأ اليك ما جاء به هؤلء‪..‬‬
‫يعن جيش مسيلمة‪..‬‬
‫وأعتذر اليك ما صاع هؤلء‪..‬‬
‫يعن تراخي السلمي ف القتال"‪..‬‬
‫وانضم اليه سال مول رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وكان يمل راية الهاجرين‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وحفر الثنان لنفسيهما حفرة عميقة ث نزل فيها قائمي‪ ،‬وأهال الرمال عليهما حت غطت وسط كل‬
‫منهما‪..‬‬
‫وهكذا وقفا‪..‬طودين شامي‪ ،‬نصف كل منهما غائص ف الرمال مثبت ف أعماق الفرة‪ ..‬ف حي‬
‫نصفهما العلى‪ ،‬صدرها وجبهتهما وذراعهما يستقبلن جيوش الوثنية والكذب‪..‬‬
‫وراحا يضربان بسيفهما كل من يقترب منهما من جيش مسيلمة حت استشهدا ف مكانما‪ ،‬ومالت‬
‫شس كل منهما للغروب‪!!..‬‬
‫وكان مشهدها رضي ال عنهما هذا أعظم صيحة أسهمت ف ردّ السلمي ال مواقعهم‪ ،‬حيث جعلوا‬
‫من جيش مسيلمة الكذاب ترابا تطؤه القدام‪!!..‬‬
‫**‬
‫وثابت بن قيس‪ ..‬هذا الذي تفوّق خطيبا‪ ،‬وتفوّق ماربا كان يمل نفسا أوابة‪ ،‬وقلبا خاشعا مبتا‪،‬‬
‫وكان من أكثر السلمي وجل من ال‪ ،‬وحياء منه‪..‬‬
‫**‬
‫لا نزلت الية الكرية‪:‬‬
‫( ان ال ل يب كل متال فخور)‪..‬‬
‫أغلق ثابت باب داره‪ ،‬وجلس يبكي‪..‬وطال مكثه على هذه الال‪ ،‬حت نى ال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم أمره‪ ،‬فدعاه وسأله‪.‬‬
‫فقال ثابت‪:‬‬
‫" يا رسول ال‪ ،‬ان أحب الثوب الميل‪ ،‬والنعل الميل‪ ،‬وقد خشيت أن أكون بذا من الختالي"‪..‬‬
‫فأجابه النب صلى ال عليه وسلم وهو يضحك راضيا‪:‬‬
‫" انك لست منهم‪..‬‬
‫بل تعيش بي‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وتوت بي‪..‬‬
‫وتدخل النة"‪.‬‬
‫ولا نزل قول ال تعال‪:‬‬
‫( يا أيها الذين آمنوا ل ترفعوا أصواتكم فوق صوت النب‪..‬‬
‫ول تهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض‪ ،‬أن تبط أعمالكم وأنتم ل تشعرون)‪..‬‬
‫أغلق ثابت عليه داره‪ ،‬وطفق يبكي‪..‬‬
‫وافتقده الرسول فسأل عنه‪ ،‬ث أرسل من يدعوه‪...‬‬
‫وجاء ثابت‪..‬‬
‫وسأله الرسول عن سببب غيابه‪ ،‬فأجابه‪:‬‬
‫" ان امرؤ جهي الصوت‪..‬‬
‫وقد كنت أرفع صوت فوق صوتك يا رسول ال‪..‬‬
‫واذن فقد حبط عملي‪ ،‬وأنا من أهل النار"‪!!..‬‬
‫وأجابه الرسول عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫" انك لست منهم‪..‬‬
‫بل تعيش حيدا‪..‬‬
‫وتقتل شهيدا‪..‬‬
‫ويدخلك ال النة"‪.‬‬
‫**‬
‫بقي ف قصة ثابت واقعة‪ ،‬قد ل يستريح اليها أولئك الذين حصروا تفكيهم وشعورهم ورؤاهم‬
‫داخل عالهم الاديّ الضيّق الذي يلمسونه‪ ،‬أو يبصرونه‪ ،‬أو يشمّونه‪!..‬‬
‫ومع هذا‪ ،‬فالواقعة صحيحة‪ ،‬وتفسيها مبي وميّسر لكل من يستخدم مع البصر‪ ،‬البصية‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫بعد أن استشهد ثابت ف العركة‪ ،‬مرّ به واحد من السلمي الذين كانوا حديثي عهد بالسلم ورأى‬
‫على جثمان ثابت دعه الثمينة‪ ،‬فظن أن من حقه أن يأخذها لنفسه‪ ،‬فأخذها‪..‬‬
‫ولندع راوي الواقعة يرويها بنفسه‪:‬‬
‫"‪ ..‬وبينما رجل من السلمي نائم أتاه ثابت ف منامه‪.‬‬
‫فقال له‪ :‬ان أوصيك بوصية‪ ،‬فاياك أن تقول‪ :‬هذا حلم فتضيعه‪.‬‬
‫ان لا استشهدت بالمس‪ ،‬مرّ ب رجل من السلمي‪.‬‬
‫فأخذ درعي‪..‬‬
‫وان منله ف أقصى الناس‪ ،‬وفرسه يستّ ف طوله‪ ،‬أي ف لامه وشكيمته‪.‬‬
‫وقد كفأ على الدرع برمة‪ ،‬وفوق البرمة رحل‪..‬‬
‫فأت خالدا‪ ،‬فمره أن يبعث فيأخذها‪..‬‬
‫فاذا قدمت الدينة على خليفة رسول ال أب بكر‪ ،‬فقل له‪ :‬ان‬
‫عليّ من الدين كذا كذا‪..‬‬
‫فليقم بسداده‪..‬‬
‫فلما استيقظ الرجل من نومه‪ ،‬أتى خالد بن الوليد‪ ،‬فقصّ عليه رؤياه‪..‬‬
‫فأرسل خالد من يأت بالدرع‪ ،‬فوجدها كما وصف ثابت تاما‪..‬‬
‫ولا رجع السلمون ال الدينة‪ ،‬قصّ السلم على الليفة الرؤيا‪ ،‬فأنز وصيّة ثابت‪..‬‬
‫وليس ف السلم وصيّة ميّت أنزت بعد موته على هذا النحو‪ ،‬سوى وصيّة ثابت بن قيس‪..‬‬
‫حقا ان النسان لسرّ كبي‪..‬‬
‫( ول تسبّ الذين قتلوا ف سبيل ال أمواتا بل أحياء عند ربم يرزقون)‪.‬‬
‫أسيد بن خضي‬
‫بطل يوم السقيفة‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ورث الكارم كابرا عن كابر‪..‬‬


‫فأبوه خضي الكتائب كان زعيم الوس‪ ،‬وكان واحدا من كبار أشراف العرب ف الاهلية‪ ،‬ومقاتليهم‬
‫الشداء‪..‬‬
‫وفيه يقول الشاعر‪:‬‬
‫لو أن النايا حدن عن ذي مهابة‬
‫لب خضيا يوم غلّق واقما‬
‫يطوف به‪ ،‬حت اذا الليل جنّه‬
‫تبوأ منه مقعدا متناغما‬
‫وورث أسيد عن أبيه مكانته‪ ،‬وشجاعته وجوده‪ ،‬فكان قبل أن يسلم‪ ،‬واحدا من زعماء الدينة‬
‫وأشراف العرب‪ ،‬ورماتا الفذاذ‪..‬‬
‫فلما اصطفاه السلم‪ ،‬وهدي ال صراط العزيز الميد‪ ،‬تناهى عزه‪.‬‬
‫وتسامى شرفه‪ ،‬يوم أخذ مكانه‪ ،‬وأخذ واحدا من انصار ال وأنصار رسوله‪ ،‬ومن السابقي ال‬
‫السلم العظيم‪..‬‬
‫**‬
‫ولقد كان اسلمه يوم أسلم سريعا‪ ،‬وحاسا وشريفا‪..‬‬
‫فعندما أرسل الرسول عليه السلم مصعب بن عمي ال الدينة ليعلم ويفقه السلمي من النصار الذين‬
‫بايعوا النب عليه السلم عل السلم بيعة العقبة الول‪ ،‬وليدعو غيهم ال دين ال‪.‬‬
‫يومئذ‪ ،‬جلس أسيد بن خضي‪ ،‬وسعد بن معاذ‪ ،‬وكانا زعيمي قوما‪ ،‬يتشاوران ف أمر هذا الغريب‬
‫الذي جاء من مكة يسفّه دينهما‪ ،‬ويدعو اى دين جديد ل يعرفونه‪..‬‬
‫وقال سعد لسيد‪ ":‬انطلق ال هذا الرجل فازجره"‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وحل أسيد حربته‪ ،‬وأغذ السي ال حيث كان مصعب ف ضيافة أسعد بن زرارة من زعماء الدينة‬
‫الذين سبقوا ال السلم‪.‬‬
‫وعند ملس مصعب وأسعد بن زرارة رأى أسيد جهرة من الناس تصغي ف اهتمام للكلمات الرشيدة‬
‫الت يدعوهم با ال ال‪ ،‬مصعب بن عمي‪..‬‬
‫وفجأهم أسيد بغضبه وثورته‪..‬‬
‫وقال له مصعب‪:‬‬
‫" هل لك ف أن تلس فتسمع‪ ..‬فان رضيت أمرنا قبلته‪ ،‬ون كرهته‪ ،‬كففنا عنك ما تكره"‪..‬؟؟‬
‫**‬
‫كان أسيد رجل‪ ..‬وكان مستني العقل ذكيّ القلب حت لقبه أهل الدينة بالكامل‪ ..‬وهو لقب كان‬
‫يمله أبوه من قبله‪..‬‬
‫فلما رأى مصعبا يتكم به ال النطق والعقل‪ ،‬غرس حربته ف الرض‪ ،‬وقال لصعب‪:‬‬
‫لقد أنصفت‪ :‬هات ما عندك‪..‬‬
‫وراح مصعب يقرأ عليه من القرآن‪ ،‬ويفسّر له دعوة الدين الديد‪ .‬الدين الق الذي أمر ممد عليه‬
‫الصلة والسلم بتبليغه ونشر رايته‪.‬‬
‫ويقول الذين حضروا هذا الجلس‪:‬‬
‫" وال لقد عرفنا ف وجه أسيد السلم قبل أن يتكلم‪..‬‬
‫عرفناه ف اشراقه وتسهّله"‪!!..‬‬
‫**‬
‫ل يكد مصعب ينتهي من حديثه حت صاح أسيد مبهورا‪:‬‬
‫" ما أحسن هذا الكلم وأجله‪..‬‬
‫كيف تصنعون اذا أردت أن تدخلوا ف هذا الدين"‪.‬؟‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫قال له مصعب‪:‬‬
‫" تطهر بدنك‪ ،‬وثوبك‪ ،‬وتشهد شهادة الق‪ ،‬ث تصلي"‪..‬‬
‫ان شخصية أسيد شخصية مستقيمة قوية مستقيمة وناصعة‪ ،‬وهي اذ تعرف طريقها ‪ ،‬ل تتردد لظة‬
‫أمام ارادتا الازمة‪..‬‬
‫ومن ثّ‪ ،‬قام أسيد ف غي ارجاء ول ابطاء ليستقبل الدين الذي انفتح له قلبه‪ ،‬وأشرقت به روحه‪،‬‬
‫فاغتسل وتطهر‪ ،‬ث سجد ل رب العالي‪ ،‬معلنا اسلمه‪ ،‬مودّعا أيام وثنيّته‪ ،‬وجاهليته‪!!..‬‬
‫كان على أسيد أن يعود لسعد بن معاذ‪ ،‬لينقل اليه أخبار الهمة الت كلفه با‪ ..‬مهمة زجر مصعب بن‬
‫عمي واخراجه‪..‬‬
‫وعاد ال سعد‪..‬‬
‫وما كاد يقترب من ملسه‪ ،‬حت قال سعد لن حوله‪:‬‬
‫" أقسم لقد جاءكم أسيد بغي الوجه الذي ذهب به"‪!!.‬‬
‫أجل‪..‬‬
‫لقد ذهب بوجه طافح بالرارة‪ ،‬والغضب والتحدي‪..‬‬
‫وعاد بوجه تغشاه السكينة والرحة والنور‪!!..‬‬
‫**‬
‫وقرر أسيد أن يستخدم ذكاءه قليل‪..‬‬
‫انه يعرف أن سعد بن معاذ مثله تاما ف صفاء جوهره ومضاء عزمه‪ ،‬وسلمة تفكيه وتقديره‪..‬‬
‫ويعلم أنه ليس بينه وبي السلم سوى أن يسمع ما سع هو من كلم ال‪ ،‬الذي يسن ترتيله‬
‫وتفسيه سفي الرسول اليهم مصعب بن عمي‪..‬‬
‫لكنه لو قال لسعد‪ :‬ان أسلمت‪ ،‬فقم وأسلم‪ ،‬لكانت مابة غي مأمونة العاقبة‪..‬‬
‫اذن فعليه أن يثي حيّة سعد بطريقة تدفعه ال ملس مصعب حت يسمع ويرى‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فكيف السبيل لذا‪..‬؟‬


‫كان مصعب كما ذكرنا من قبل ينل ضيفا على أسعد بن زرارة‪..‬‬
‫وأسعد بن زرارة هو ابن خالة سعد بن معاذ‪..‬‬
‫هنالك قال أسيد لسعد‪:‬‬
‫" لقد حدّثت أن بي الارثة قد خرجوا ال أسعد بن زرارة ليقتلوه‪ ،‬وهم يعلمون أنه ابن خالتك"‪..‬‬
‫وقام سعد‪ ،‬تقوده الميّة والغضب‪ ،‬وأخذ الربة‪ ،‬وسار مسرعا ال حيث أسعد ومصعب‪ ،‬ومن‬
‫معهما من السلمي‪..‬‬
‫ولا اقترب من الجلس لو يد ضوضاء ول لغطا‪ ،‬وانا هي السكينة تغشى جاعة يتوسطهم مصعب‬
‫بن عمي‪ ،‬يتلو آيات ال ف خشوع‪ ،‬وهم يصغون اليه ف اهتمام عظيم‪..‬‬
‫هنالك أدرك اليلة الت نسجها له أسيد لكي يمله على السعي ال هذا الجلس‪ ،‬والقاء السمع لا‬
‫يقوله سفي السلم مصعب بن عمي‪.‬‬
‫ولقد صدقت فراسة أسيد ف صاحبه‪ ،‬فما كاد سعد يسمع حت شرح ال صدره للسلم‪ ،‬وأخذ‬
‫مكانه ف سرعة الضوء بي الؤمني السابقي‪!!..‬‬
‫**‬
‫كان أسيد يمل ف قلبه ايانا وثيقا ومضيئا‪..‬‬
‫وكان ايانه بفيء عليه من الناة واللم وسلمة التقدير ما يعله أهل للثقة دوما‪..‬‬
‫وف غزوة بن الصطلق تركت مغايظ عبدال بن أبّ فقال لن حوله من أهل الدينة‪:‬‬
‫" لقد أحللتمومهم بلدكم‪ ،‬وقاستموهم أموالكم‪..‬‬
‫أما وال لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحوّلوا ال غي دياركم‪..‬‬
‫أما وال لئن رجعنا ال الدينة ليخرجنّ العز منها الذل"‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫سع الصحاب الليل زيد بن الرقم هذه الكلمات‪ ،‬بل هذه السموم النافقة السعورة‪ ،‬فكان حقا عليه‬
‫أن يب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪..‬‬
‫وتأل رسول ال صلى ال عليه وسلم كثيا‪ ،‬وقابله أسيد فقال له النب عليه السلم‪:‬‬
‫أوما بلغك ما قال صاحبكم‪..‬؟؟‬
‫قال أسيد‪:‬‬
‫وأيّ صاحب يا رسول ال‪..‬؟؟‬
‫قال الرسول‪:‬‬
‫عبدال بن أبّ!!‬
‫قال أسيد‪:‬‬
‫وماذا قال‪..‬؟؟‬
‫قال الرسول‪:‬‬
‫زعم انه ان رجع ال الدينة لرجنّ العز منها الذل‪.‬‬
‫قال أسيد‪:‬‬
‫فأنت وال‪ ،‬يا رسول ال‪ ،‬ترجه منها ان شاء ال‪ ..‬هو وال الذليل‪ ،‬وأنت العزيز‪..‬‬
‫ث قال أسيد‪:‬‬
‫" يا رسول ال ارفق به‪ ،‬فوال لقد جاءنا ال بك وان قومه لينظمون له الرز ليتوّجوه على الدينة‬
‫ملكا‪ ،‬فهو يرى أن السلم قد سلبه ملكا"‪..‬‬
‫بذا التفكي الادئ اعميق التزن الواضح‪ ،‬كان أسيد دائما يعال القضايا ببديهة حاضرة وثاقبة‪..‬‬
‫وف يوم السقيفة‪ ،‬اثر وفاة رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث أعلن فريق من النصار‪ ،‬وعلى‬
‫رأسهم سعد بن عبادة أحقيتهم باللفة‪ ،‬وطال الوار‪ ،‬واحتدمت الناقشة‪ ،‬كان موقف أسيد‪ ،‬وهو‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫كما عرفنا زعيم أنصاري كبي‪ ،‬كان موقفه فعال ف حسم الوقف‪ ،‬وكانت كلماته كفلق الصبح ف‬
‫تديد التاهه‪..‬‬
‫وقف أسيد فقال ماطبا فريق النصار من قومه‪:‬‬
‫" تعلمون أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان من الهاجرين‪..‬‬
‫فخليفته اذن ينبغي أن يكون من الهاجرين‪..‬‬
‫ولقد كنا أنصار رسول ال‪..‬‬
‫وعلينا اليوم أن نكون أنصار خليفته"‪..‬‬
‫وكانت كلماته‪ ،‬بردا‪ ،‬وسلما‪..‬‬
‫**‬
‫ولقد عاش أسيد بن خضي رضي ال عنه عابدا‪ ،‬قانتا‪ ،‬باذل روحه وماله ف سبيل الي‪ ،‬جاعل‬
‫وصية رسول ال صلى ال عليه وسلم للنصار نصب عينيه‪:‬‬
‫" اصبوا‪ ..‬حت تلقون على الوض"‪..‬‬
‫ولقد كان لدينه وخلقه موضع تكري الصدّيق حبّه‪ ،‬كذلك كانت له نفس الكانة والنلة ف قلب أمي‬
‫الؤمني عمر‪ ،‬وف أفئدة الصحابة جيعا‪.‬‬
‫وكان الستماع لصوته وهو يرتل القرآن احدى الغان الكبى الت يرص الصحاب عليها‪..‬‬
‫ذلك الصوت الاشع الباهر الني الذي أخب رسول ال صلى ال عليه وآله وصحبه وسلم أن اللئكة‬
‫دنت من صاحبه ذات ليلة لسماعه‪..‬‬
‫وف شهر شعبان عام عشرين للهجرة‪ ،‬مات أسيد‪..‬‬
‫وأب أمي الؤمني عمر ال أن يمل نعشه فوق كتفه‪..‬‬
‫وتت ثرى البقيع وارى الصحاب جثمان مؤمن عظيم‪..‬‬
‫وعادوا ال الدينة وهم يستذكرون مناقبه ويرددون قول الرسول الكري عنه‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" نعم الرجل‪ ..‬أسيد بن خضي"‪..‬‬


‫عبد الرحن بن عوف‬
‫ما يبكيك يا أبا ممد‬
‫ذات يوم‪ ،‬والدينة ساكنة هادئة‪ ،‬أخذ يقترب من مشارفها نقع كثيف‪ ،‬راح يتعال ويتراكم حت كاد‬
‫يغطي الفق‪.‬‬
‫ودفعت الريح هذه المواج من الغبار التصاعد من رمال الصحراء الناعمة‪ ،‬فاندفعت تقترب من‬
‫أبواب الدينة‪ ،‬وتبّ هبوبا قويا على مسالكها‪.‬‬
‫وحسبها الناس عاصفة تكنس الرمال وتذروها‪ ،‬لكنهم سرعان ما سعوا وراء ستار الغبار ضجة تنبئ‬
‫عن قافلة كبية مديدة‪.‬‬
‫ول يض وقت غي وجيز‪ ،‬حت كانت سبعمائة راحلة موقرة الحال تزحم شوارع الدينة وترجّها‬
‫رجّا‪ ،‬ونادى الناس بعضهم بعضا ليوا مشهدها الافل‪ ،‬وليستبشروا ويفرحوا با تمله من خي‬
‫ورزق‪..‬‬
‫**‬
‫وسألت أم الؤمني عائشة رضي ال عنها‪ ،‬وقد ترتت ال سعها أصداء القافلة الزاحفة‪..‬‬
‫سألت‪ :‬ما هذا الذي يدث ف الدينة‪..‬؟‬
‫وأجيبت‪ :‬انا قافلة لعبدالرحن بن عوف جاءت من الشام تمل تارة له‪..‬‬
‫قالت أم الؤمني‪:‬‬
‫قافلة تدث كل هذه الرّجّة‪..‬؟!‬
‫أجل يا ام الؤمني‪ ..‬انا سبعمائة راحلة‪!!..‬‬
‫وهزت أم الؤمني رأسها‪ ،‬وأرسلت نظراتا الثاقبة بعيدا‪ ،‬كأنا تبحث عن ذكرى مشهد رأته‪ ،‬أو‬
‫حديث سعته‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫"أما ان سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪:‬‬


‫رأيت عبدالرحن بن عوف يدخل النة حبوا"‪..‬‬
‫**‬
‫عبدالرحن بن عوف يدخل النة حبوا‪..‬؟‬
‫ولاذا ل يدخلها وثبا هرولة مع السابقي من أصحاب رسول ال‪..‬؟‬
‫ونقل بعض أصحابه مقالة عائشة اليه‪ ،‬فتذكر أنه سع من النب صلى ال عليه وسلم هذا الديث أكثر‬
‫من مرة‪ ،‬وبأكثر من صيغة‪.‬‬
‫وقبل أن تفضّ مغاليق الحال من تارته‪ ،‬حث خطاه ال بيت عائشة وقال لا‪ :‬لقد ذكّرتين بديث‬
‫ل أنسه‪..‬‬
‫ث قال‪:‬‬
‫" أما ان أشهدك أن هذه القافلة بأحالا‪ ،‬وأقتابا‪ ،‬وأحلسها‪ ،‬ف سبيل ال عز وجل"‪..‬‬
‫ووزعت حولة سبعمائة راحلة على أهل الدينة وما حولا ف نرجان برّ عظيم‪!!..‬‬
‫هذه الواقعة وحدها‪ ،‬تثل الصورة الكاملة لياة صاحب رسول ال عبدالرحن بن عوف"‪.‬‬
‫فهو التاجر الناجح‪ ،‬أكثر ما يكون النجاح وأوفاه‪..‬‬
‫وهو الثري‪ ،‬أكثر ما يكون الثراء وفرة وافراطا‪..‬‬
‫وهو الؤمن الريب‪ ،‬الذي يأب أن تذهب حظوظه من الدين‪ ،‬ويرفض أن يتخلف به ثراؤه عن قافلة‬
‫اليان ومثوبة النة‪ ..‬فهو رضي ال عنه يود بثروته ف سخاء وغبطة ضمي‪!!..‬‬
‫**‬
‫مت وكيف دخل هذا العظيم السلم‪..‬؟‬
‫لقد أسلم ف وقت مبكر جدا‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫بل أسلم ف الساعات الول للدعوة‪ ،‬وقبل أن يدخل رسول ال دار الرقم ويتخذها مقرا للتقائه‬
‫بأصحابه الؤمني‪..‬‬
‫فهو أحد الثمانية الذن سبقوا ال السلم‪..‬‬
‫عرض عليه أبوبكر السلم هو وعثمان بن عفان والزبي بن العوام وطلحة بن عبيد ال وسعد بن أب‬
‫وقاص‪ ،‬فما غمّ عليهم المر ول أبطأ بم الشك‪ ،‬بل سارعوا مع الصدّيق ال رسول ال يبايعونه‬
‫ويملون لواءه‪.‬‬
‫ومنذ أسلم ال أن لقي ربه ف الامسة والسبعي من عمره‪ ،‬وهو نوذج باهر للمؤمن العظيم‪ ،‬ما جعل‬
‫النب صلى ال عليه وسلم يضعه مع العشرة الذين بشّرهم بالنة‪ ..‬وجعل عمر رضي ال عنه يضعه‬
‫مع أصحاب الشورى الستة الذين جعل اللفة فيهم من بعده قائل‪ ":‬لقد توف رسول ال وهو عنهم‬
‫راض"‪.‬‬
‫وفور اسلم عبدالرحن بن عوف حل حظه الناسب‪ ،‬ومن اضطهاد قريش وتدّياتا‪..‬‬
‫وحي أمر النب صلى ال عليه وسلم أصحابه بالجرة ال البشة هاجر ابن عوف ث عاد ال مكة‪ ،‬ث‬
‫هاجر ال البشة ف الجرة الثانية ث هاجر ال الدينة‪ ..‬وشهد بدرا‪ ،‬وأحدا‪ ،‬والشاهد كلها‪..‬‬
‫**‬
‫وكان مظوظا ف التجارة ال حدّ أثار عجبه ودهشه فقال‪:‬‬
‫" لقد رأيتن‪ ،‬لو رفعت حجرا‪ ،‬لوجدت تت فضة وذهبا"‪!!..‬‬
‫ول تكن التجارة عند عبدالرحن بن عوف رضي ال عنه شرها ول احتكارا‪..‬‬
‫بل ل تكن حرصا على جع الال شغفا بالثراء‪..‬‬
‫كل‪..‬‬
‫انا كانت عمل‪ ،‬وواجبا يزيدها النجاح قربا من النفس‪ ،‬ومزيدا من السعي‪..‬‬
‫وكان ابن عوف يمل طبيعة جيّاشة‪ ،‬تد راحتها ف العمل الشريف حيث يكون‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فهو اذا ل يكن ف السجد يصلي‪ ،‬ول ف الغزو ياهد فهو ف تارته الت نت نوا هائل‪ ،‬حت أخذت‬
‫قوافله تفد على الدينة من مصر‪ ،‬ومن الشام‪ ،‬مملة بكل ما تتاج اليه جزيرة العرب من كساء‬
‫وطعام‪..‬‬
‫ويدلّنا على طبيعته اليّاشة هذه‪ ،‬مسلكه غداة هجر السلمي ال الدينة‪..‬‬
‫لقد جرى نج الرسول يومئذ على أن يؤاخي بي كل اثني من أصحابه‪ ،‬أحدها مهاجر من مكة‪،‬‬
‫والخر أنصاري من الدينة‪.‬‬
‫وكانت هذه الؤاخات ت على نسق يبهر اللباب‪ ،‬فالنصاري من أهل الدينة يقاسم أخاه الهاجر كل‬
‫ما يلك‪ ..‬حت فراشه‪ ،‬فاذا كان تزوجا باثني طلق احداها‪ ،‬ليتزوجها أخوه‪!!..‬‬
‫ويومئذ آخى الرسول الكري بي عبدالرحن بن عوف‪ ،‬وسعد بن الربيع‪..‬‬
‫ولنصغ للصحاب الليل أنس بن مالك رضي ال عنه يروي لنا ما حدث‪:‬‬
‫" ‪ ..‬وقال سعد لعبدالرحن‪ :‬أخي‪ ،‬أنا أكثر أهل الدينة مال‪ ،‬فانظر شطر مال فخذه!!‬
‫وتت امرأتان‪ ،‬فانظر أيتهما أعجب لك حت أطلقها‪ ،‬وتتزوجها‪!..‬‬
‫فقال له عبدالرحن بن عوف‪:‬‬
‫بارك ال لك ف أهلك ومال‪..‬‬
‫دلون على السوق‪..‬‬
‫وخرج ال السوق‪ ،‬فاشترى‪ ..‬وباع‪ ..‬وربح"‪!!..‬‬
‫وهكذا سارت حياته ف الدينة‪ ،‬على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم وبعد وفاته‪ ،‬أداء كامل لق‬
‫الدين‪ ،‬وعمل الدنيا‪ ..‬وتارة رابة ناجحة‪ ،‬لو رفع صاحبها على حد قوله حجرا من مكانه لوجد‬
‫تته فضة وذهبا‪!!..‬‬
‫وما جعل تارته ناجحة مباركة‪ ،‬ترّيه اللل‪ ،‬ونأيه الشديد عن الرام‪ ،‬بل عن الشبهات‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫كذلك ما زادها ناخا وبركة أنا ل تكن لعبدالرحن وحده‪ ..‬بل كان ل فيها نصيب أوف‪ ،‬يصل به‬
‫أهله‪ ،‬واخوانه‪ ،‬ويهّز به جيوش السلم‪..‬‬
‫واذا كانت الارة والثروات‪ ،‬انا تصى بأعداد رصيدها وأرباحها فان ثروة عبدالرحن بن عوف انا‬
‫تعرف مقاديرها وأعدادها با كان ينفق منها ف سبيل ال رب العالي‪!!..‬‬
‫لقد سع رسول ال يقول له يوما‪:‬‬
‫" يا بن عوف انك من الغنياء‪..‬‬
‫وانك ستدخل النة حبوا‪..‬‬
‫فأقرض ال يطلق لك قدميك"‪..‬‬
‫ومن سع هذا النصح من رسول ال‪ ،‬وهو يقرض ربه قرضا حسنا‪ ،‬فيضاعفه له أضعافا كثية‪.‬‬
‫باع ف يوم أرضا بأربعي ألف دينار‪ ،‬ث فرّقها ف أهله من بن زهرة‪ ،‬وعلى أمهات الؤمني‪ ،‬وفقراء‬
‫السلمي‪.‬‬
‫وقدّم يوما ليوش السلم خسمائة فرس‪ ،‬ويوما آخر الفا وخسمائة راحلة‪.‬‬
‫وعند موته‪ ،‬أوصى بمسن ألف دينار ف سبيل ال‪ ،‬وأ‪،‬صى لكل من بقي من شهدوا بدرا بأربعمائة‬
‫دينار‪ ،‬حت ان عثمان بن عفان رضي ال عنه‪ ،‬أخذ نصيبه من الوصية برغم ثرائه وقال‪ ":‬ان مال‬
‫عبدالرحن حلل صفو‪ ،‬وان الطعمة منه عافية وبركة"‪.‬‬
‫**‬
‫كان ابن عوف سيّد ماله ول يكن عبده‪..‬‬
‫وآية ذلك أنه ل يكن يشقى بمعه ول باكتنازه‪..‬‬
‫بل هو يمعه هونا‪ ،‬ومن حلل‪ ..‬ث ل ينعم به وحده‪ ..‬بل ينعم به معه أهله ورحه واخوانه ومتمعه‬
‫كله‪.‬‬
‫ولقد بلغ من سعة عطائه وعونه أنه كان يقال‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" أهل الدينة جيعا شركاء لبن عوف ف ماله‪.‬‬


‫" ثلث يقرضهم‪..‬‬
‫وثلث يقضي عنهم ديونم‪..‬‬
‫وثلث يصلهم ويعطيهم‪"..‬‬
‫ول كن ثراؤه هذا ليبعث الرتياح لديه والغبطة ف نفسه‪ ،‬لو ل يكّنه من مناصرة دينه‪ ،‬ومعاونة‬
‫اخوانه‪.‬‬
‫أما بعد هذا‪ ،‬فقد كان دائم الوجل من هذا الثراء‪..‬‬
‫جيء له يوما بطعام الفطار‪ ،‬وكان صائما‪..‬‬
‫فلما وقعت عيناه عليه فقد شهيته وبكى وقال‪:‬‬
‫" استشهد مصعب بن عمي وهو خي من‪ ،‬فكفّن ف بردة ان غطت رأسه‪ ،‬بدت رجله‪ ،‬وان غطت‬
‫رجله بدا رأسه‪.‬‬
‫واستشهد حزة وهو خي من‪ ،‬فلم يوجد له ما يفن فيه ال بردة‪.‬‬
‫ث بسط لنا من الدنيا ما بسط‪ ،‬وأعطينا منها ما أعطينا وان لخشى أن نكون قد عجّلت لنا‬
‫حسناتنا"‪!!..‬‬
‫واجتمع يوما نع بعض أصحابه على طعام عنده‪.‬‬
‫وما كاد الطعام يوضع أمامهم حت بكى وسألوه‪:‬‬
‫ما يبكيك يا أبا ممد‪..‬؟؟‬
‫قال‪:‬‬
‫" لقد مات رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وما شبع هو وأهل بيته من خبز الشعي‪..‬‬
‫ما أرانا أخرنا ل هو خي لنا"‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫كذلك ل يبتعث ثراؤه العريض ذرة واحدة من الصلف والكب ف نفسه‪..‬‬


‫حت لقد قيل عنه‪ :‬انه لو رآه غريب ل يعرفه وهو جالس مع خدمه‪ ،‬ما استطاع أ‪ ،‬ييزه من بينهم‪!!..‬‬
‫لكن اذا كان هذا الغريب يعرف طرفا من جهاد ابن عوف وبلئه‪ ،‬فيعرف مثل أنه أصيب يوم أحد‬
‫بعشرين جراحة‪ ،‬وان احدى هذه الصابات تركت عرجا دائما ف احدى ساقيه‪ ..‬كما سقطت يوم‬
‫أحد بعض ثناياه‪ .‬فتركت هّا واضحا ف نطقه وحديثه‪..‬‬
‫عندئذ ل غي‪ ،‬يستطيع هذا الغريب أن يعرف أن هذا الرجل الفارع القامة‪ ،‬الضيء الوجه‪ ،‬الرقيق‬
‫البشرة‪ ،‬العرج‪ ،‬الهتم من جراء اصابته يوم أحد هو عبدالرحن بن عوف‪!!..‬‬
‫رضي ال عنه وأرضاه‪..‬‬
‫**‬
‫لقد عوّدتنا طبائع البشر أن الثراء ينادي السلطة‪...‬‬
‫أي أن الثرياء يبون دائما أن يكون لم نفوذ يمي ثراءهم ويضاعفه‪ ،‬ويشبع شهوة الصلف‬
‫والستعلء والنانية الت يثيها الثراء عادة‪..‬‬
‫فاذا رأينا عبدالرحن بن عوف ف ثرائه العريض هذا‪ ،‬رأينا انسانا عجبا يقهر طبائع البشر ف هذا‬
‫الجال ويتخطاها ال سوّ فريد‪!..‬‬
‫حدث ذلك عندما كان عمر بن الطاب رضي ال عنه يود بروحه الطاهرة‪ ،‬ويتار ستة رجال من‬
‫أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ليختاروا من بينهم الليفة الديد‪..‬‬
‫كانت الصابع تومئ نو ابن عوف وتشي‪..‬‬
‫ولقد فاته بعض الصحابة ف أنه أحق الستة باللفة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫" وال‪ ،‬لن تؤخذ مدية‪ ،‬فتوضع ف حلقي‪ ،‬ث ينفذ با ال الانب الخر أحب الّ من ذلك"‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وهكذا ل يكد الستة الختارون يعقدون اجتماعهم ليختاروا أحدهم خليفة بعد الفاروق عمر حت‬
‫أنبأ اخوانه المسة الخرين أنه متنازل عن الق الذي أضفاه عمر عليه حي جعله أحد الستة الذين‬
‫يتار الليفة منهم‪ ..‬وأنّ عليهم أن يروا عملية الختيار بينهم وحدهم أي بي المسة الخرين‪..‬‬
‫وسرعان ما أحله هذا الزهد ف النصب مكان الكم بي المسة الجلء‪ ،‬فرضوا أن يتار هو الليفة‬
‫من بينهم‪ ،‬وقال المام علي‪:‬‬
‫" لقد سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يصفك بأنك أمي ف أهل السماء‪ ،‬وأمي ف أهل‬
‫الرض"‪..‬‬
‫واختار ابن عوف عثمان بن عفان للخلفة‪ ،‬فأمضى الباقون اختياره‪.‬‬
‫**‬
‫هذه حقيقة رجل ثري ف السلم‪..‬‬
‫فهل رأيتم ما صنع السلم به حت رفعه فوق الثرى بكل مغرياته ومضلته‪ ،‬وكيف صاغه ف أحسن‬
‫تقوي‪..‬؟؟‬
‫وها هو ذا ف العام الثان والثلثي للهجرة‪ ،‬يود بأنفاسه‪..‬‬
‫وتريد أم الؤمني عائشة أن تصّه بشرف ل تتصّ به سواه‪ ،‬فتعرض عليه وهو على فراش الوت أن‬
‫يدفن ف حجرتا ال جوار الرسول وأب بكر وعمر‪..‬‬
‫ولكنه مسلم أحسن السلم تأديبه‪ ،‬فيستحي أن يرفع نفسه ال هذا الوار‪!!...‬‬
‫ث انه على موعد سابق وعهد وثيق مع عثمان بن مظعون‪ ،‬اذ تواثقا ذات يوم‪ :‬أيهما مات بعد الخر‬
‫يدفن ال جوار صاحبه‪..‬‬
‫**‬
‫وبينما كانت روحه تتهيأ لرحلتها الديدة كانت عيناه تفيضان من الدمعو ولسانه يتمتم ويقول‪:‬‬
‫" ان أخاف أن أحبس عن أصحاب لكثرة ما كان ل من مال"‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ولكن سكينة ال سرعان ما تغشته‪ ،‬فكست وجهه غللة رقيقة من الغبطة الشرقة التهللة الطمئنة‪..‬‬
‫وأرهفت أذناه للسمع‪ ..‬كما لو كان هناك صوت عذب يقترب منهما‪..‬‬
‫لعله آنئذ‪ ،‬كان يسمع صدق قول الرسول صلى ال عليه وسلم له منذ عهد بعيد‪:‬‬
‫" عبدالرحن بن عوف ف النة"‪..‬‬
‫ولعله كان يسمع أيضا وعد ال ف كتابه‪..‬‬
‫( الذين ينفقون أموالم ف سبيل ال‪ ،‬ث ل يتبعون ما أنفقوا منّا ول أذى‪ ،‬لم أجرهم عند ربم ول‬
‫خوف عليهم ول هم يزنون)‪..‬‬
‫أبو جابر عبدال بن عمرو بن حرام‬
‫ظليل اللئكة‬
‫عندما كان النصار السبعون يبايعون رسول ال صلى ال عليه وسلم بيعة العقبة الثانية‪ ،‬كان عبدال‬
‫بن عمرو بن حرام‪ ،‬أبو جابر بن عبدال أحد هؤلء النصار‪..‬‬
‫ولا اختار الرسول صلى ال عليه وسلم منهم نقباء‪ ،‬كان عبدال بن عمرو أحد هؤلء النقباء‪ ..‬جعله‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم نقيبا على قومه من بن سلمة‪..‬‬
‫ولا عاد ال الدينة وضع نفسه‪ ،‬وماله‪ ،‬وأهله ف خدمة السلم‪..‬‬
‫وبعد هجرة الرسول ال الدينة‪ ،‬كان أبو جابر قد وجد كل حظوظه السعيدة ف مصاحبة النب عليه‬
‫السلم ليله وناره‪..‬‬
‫**‬
‫وف غزوة بدر خرج ماهدا‪ ،‬وقاتل قتال البطال‪..‬‬
‫وف غزوة أحد تراءى له مصرعه قبل أن يرج السلمون للغزو‪..‬‬
‫وغمره احساس صادق بأنه لن يعود‪ ،‬فكاد قلبه يطي من الفرح!!‬
‫ودعا اليه ولد جابر بن عبدال الصحاب الليل‪ ،‬وقال له‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" ان ل أراي ال مقتول ف هذه الغزوة‪..‬‬


‫بل لعلي سأكون أول شهدائها من السلمي‪..‬‬
‫وان وال‪ ،‬ل أدع أحدا بعدي أحبّ الّ منك بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم‪..‬‬
‫وان عليّ دبنا‪ ،‬فاقض عن دين‪ ،‬واستوص باخوتك خيا"‪..‬‬
‫**‬
‫وف صبيحة اليوم التال‪ ،‬خرج السلمون للقاء قريش‪..‬‬
‫قريش الت جاءت ف جيش لب تغزو مدينتهم المنة‪..‬‬
‫ودارت معركة رهيبة‪ ،‬أدرك السلمون ف بدايتها نصرا سريعا‪ ،‬كان يكن أن يكون نصرا حاسا‪ ،‬لول‬
‫أن الرماة الذين امرهم الرسول عليه السلم بالبقاء ف مواقعهم وعدم مغادرتا أبدا أغراهم هذا النصر‬
‫الاطف على القرشيي‪ ،‬فتركوا مواقعهم فوق البل‪ ،‬وشغلوا بمع غنائم اليش النهزم‪..‬‬
‫هذا اليش الذي جع فلوله شريعا حي رأى ظهر السلمي قد انكشف تاما‪ ،‬ث فاجأهم بجوم‬
‫خاطف من وراء‪ ،‬فتحوّل نصر السلمي ال هزية‪..‬‬
‫**‬
‫ف هذا القتال الرير‪ ،‬قاتل عبدال بن عمرو قتال مودّع شهيد‪..‬‬
‫ولا ذهب السلمون بعد ناية القتال ينظرون شهدائهم‪ ..‬ذهب جابر ابن عبداله يبحث عن أبيه‪ ،‬حت‬
‫ألفاه بي الشهداء‪ ،‬وقد مثّل به الشركون‪ ،‬كما مثلوا يغيه من البطال‪..‬‬
‫ووقف جابر وبعض أهله يبكون شهيد السلم عبدال بن عمرو ب جرام‪ ،‬ومرّ بم رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم وهم يبكونه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫" ابكوه‪..‬‬
‫أ‪،‬ل تبكوه‪..‬‬
‫فان اللئكة لتظلله بأجنحتها"‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫**‬
‫كان ايان أبو جابر متألقا ووثيقا‪..‬‬
‫وكان حبّه بالوت ف سبيل ال منتهى أطماحه وأمانيه‪..‬‬
‫ولقد أنبأ رسول ال صلى ال عليه وسلم عنه فيما بعد نبأ عظيم‪ ،‬يصوّر شغفه بالشهادة‪..‬‬
‫قال عليه السلم لولده جابر يوما‪:‬‬
‫" يا جابر‪..‬‬
‫ما كلم ال أحدا قط ال من وراء حجاب‪..‬‬
‫ولقد كلّم كفاحا _أي مواجهة_‬
‫فقالفقال له‪ :‬يا عبدي‪ ،‬سلن أعطك‪..‬‬
‫فقال‪ :‬يا رب‪ ،‬أسألك أن تردّن ال الدنيا‪ ،‬لقتل ف سبيلك ثانية‪..‬‬
‫قال له ال‪:‬‬
‫انه قد سبق القول من‪ :‬أنم اليها ل يرجعون‪.‬‬
‫قال‪ :‬يا رب فأبلغ من ورائي با أعطيتنا من نعمة‪..‬‬
‫فأنزل ال تعال‪:‬‬
‫ب الذين قتلوا ف سبيل ال أمواتا‪ ،‬بل أحياء عند ربم يرزقون‪ ،‬فرحي با أتاهم ال من‬ ‫(ول تس ّ‬
‫فضله‪ ،‬ويستبشرون بالذين ل يلحقوا بم من خلفهم‪ .‬أل خوف عليهم ول هم يزنون)"‪.‬‬
‫**‬
‫وعندما كان السلمون يتعرفون على شهدائهم البرار‪ ،‬بعد فراغ القتال ف أحد‪..‬‬
‫وعندما تعرف أهل عبدال بن عمرو على جثمانه‪ ،‬حلته زوجته على ناقتها وحلت معه أخاها الذي‬
‫استشهد أيضا‪ ،‬وهّت بما راجعة ال الدينة لتدفنهما هناك‪ ،‬وكذلك فعل بعض السلمي بشهدائهم‪..‬‬
‫بيد أن منادي رسول ال صلى ال عليه وسلم لق بم وناداهم بأمر رسول ال أن‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" أن ادفنوا القتلى ف مصارعهم"‪..‬‬


‫فعاد كل منهم بشهيده‪..‬‬
‫ووقف النب الكري صلى ال عليه وسلم يشرف على دفن أصحابه الشهداء‪ ،‬الذين صدقوا ما عاهدوا‬
‫ال عليه‪ ،‬وبذلوا أرواحهم الغالية قربانا متواضعا ل ولرسوله‪.‬‬
‫ولا جاء دور عبدال بن حرام ليدفن‪ ،‬نادى رسول ال صلى اله عليه وسلم‪:‬‬
‫" ادفنوا عبدال بن عمرو‪ ،‬وعمرو بن الموح ف قب واحد‪ ،‬فانما كانا ف الدنيا متحابي‪،‬‬
‫متصافي"‪..‬‬
‫**‬
‫والن‪..‬‬
‫ف خلل اللحظات الت يع ّد فيها القب السعيد لستقبال الشهيدين الكريي‪ ،‬تعالوا نلقي نظرة مبّة‬
‫على الشهيد الثان عمرو بن الموح‪...‬‬
‫عمرو بن الموح‬
‫أريد أن أخطر بعرجت ف النة‬
‫انه صهر عبدال بن حرام‪ ،‬اذ كان زوجا لخته هند بن عمرو‪..‬‬
‫وكان ابن الموح واحدا من زعماء الدينة‪ ،‬وسيدا من سادات بن سلمة‪..‬‬
‫سبقه ال السلم ابنه معاذ بن عمرو الذي كان أحد النصار السبعي‪ ،‬أصحاب البيعة الثانية‪..‬‬
‫وكان معاذ بن عمرو وصديقه معاذ بن جبل يدعوان للسلم بي أهل الدينة ف حاسة الشباب الؤمن‬
‫الريء‪..‬‬
‫وكان من عادة الناس هناك أن بتخذ الشراف من بيوتم أصناما رمزية غي تلك الصنام الكبية‬
‫النصوبة ف مافلها‪ ،‬والت تؤمّها جوع الناس‪..‬‬
‫وعمرو بن الموح مع صديقه معاذ بن جبل على أن يعل من صنم عمرو بن جوح سخرية ولعبا‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فكانا يدلان عليه ليل‪ ،‬ث يملنه ويطرحانه ف حفرة يطرح الناس فيه فضلتم‪..‬‬
‫ويصيح عمرو فل يد منافا ف مكانه‪ ،‬ويبحث عنه حت يده طريح تلك الفرة‪ ..‬فيثور ويقول‪:‬‬
‫ويلكم من عدا على آلتنا الليلة‪!..‬؟‬
‫ث يغسله ويطهره ويطيّبه‪..‬‬
‫فاذا جاء ليل جديد‪ ،‬صنع العاذان معاذ بن عمرو ومعاذ بن جبل بالصنم مثل ما يفعلن به كل ليلة‪.‬‬
‫حت اذا سئم عمرو جاء بسيفه ووضعه ف عنق مناف وقال له‪ :‬ان كان فيك خي فدافع عن‬
‫نفسك‪!!..‬‬
‫فلما اصبح فلم يده مكانه‪ ..‬بل وجده ف الفرة ذاتا طريا‪ ،‬بيد أن هذه الرة ل يكن ف حفرته‬
‫وحيدا‪ ،‬بل كان مشدودا مع كلب ميت ف حبل وثيق‪.‬‬
‫واذا هو ف غضبه‪ ،‬وأسفه ودهشه‪ ،‬اقترب منه بعض أشراف الدينة الذين كانوا قد سبقوا ال‬
‫السلم‪ ..‬وراحوا‪ ،‬وهم يشيون بأصابعهم ال الصنم النكّس القرون بكلب ميت‪ ،‬ياطبون ف عمرو‬
‫بن الموح عقله وقلبه ورشده‪ ،‬مدثينه عن الله الق‪ ،‬العلي العلى‪ ،‬الذي ليس كمثله شيء‪.‬‬
‫وعن ممد الصادق المي‪ ،‬الذي جاء الياة ليعطي ل ليأخذ‪ ..‬ليهدي‪ ،‬ل ليضل‪..‬‬
‫وعن السلم‪ ،‬الذي جاء يرر البشر من العلل‪ ،‬جيع الغلل‪ ،‬وجاء يي فيهم روح ال وينشر ف‬
‫قلوبم نوره‪.‬‬
‫وف لظات وجد عمرو نفسه ومصيه‪..‬‬
‫وف لظات ذهب فطهر ثوبه‪ ،‬وبدنه‪ ..‬ث تطيّب وتأنق‪ ،‬وتألق‪ ،‬وذهب عال البهة مشرق النفس‪،‬‬
‫ليبايع خات الرسلي‪ ،‬وليأخذ مكانه مع الؤمني‪.‬‬
‫**‬
‫قد يسأل سائل نفسه‪ ،‬كيف كان رجال من أمثال عمرو بن الموح‪ ..‬وهم زعماء قومهم‬
‫وأشراف‪ ..‬كيف كانوا يؤمنون بأصنام هازلة كل هذا اليان‪..‬؟‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وكيف ل تعصمهم عقولم عن مثل هذا الراء‪ ..‬وكيف نعدّهم اليوم‪ ،‬حت مع اسلمهم وتضحياتم‪،‬‬
‫من عظماء الرجال‪..‬؟‬
‫ومثل هذا السؤال يبدو ايراده سهل ف أيامنا هذه حيث ل ند طفل يسيغ عقله أن ينصب ف بيته‬
‫خشبة ث يعبدها‪..‬‬
‫لكن ف أيام خلت‪ ،‬كانت عواطف البشر تتسع لثل هذا الصنيع دون أن يكون لذكائهم ونبوغهم‬
‫حيلة تاه تلك التقاليد‪!!..‬‬
‫وحسبنا لذا مثل أثينا‪..‬‬
‫أثينا ف عصر باركليز وفيتاغورس وسقراط‪..‬‬
‫أثينا الت كانت قد بلغت رقيّا فكريا يبهر الباب‪ ،‬كان أهلها جيعا‪ :‬فلسفة‪ ،‬وحكاما‪ ،‬وجاهي‬
‫يؤمنون بأصنام منحوتة تناهي ف البلهة والسخرية!!‬
‫ذلك أن الوجدان الدين ف تلك العصور البعيدة‪ ،‬ل يكن يسي ف خط مواز للتفوق العقلي‪...‬‬
‫**‬
‫أسلم عمرو بن الموح قلبه‪ ،‬وحياته ل رب العالي‪ ،‬وعلى الرغم من أنه كان مفطورا على الود‬
‫والسخاء‪ ،‬فان السلم زاد جوده مضاء‪ ،‬فوضع كل ماله ف خدمة دينه واخوانه‪..‬‬
‫سأل الرسول عليه الصلة والسلم جاعة من بن سلمة قبيلة عمرو بن الموح فقال‪:‬‬
‫من سيّدكم يا بن سلمة‪..‬؟‬
‫قالوا‪ :‬الدّ بن قيس‪ ،‬على بل فيه‪..‬‬
‫فقال عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫وأي داء أدوى من البخل!!‬
‫بل سيّدكم العد البيض‪ ،‬عمرو بن الموح‪..‬‬
‫فكانت هذه الشهادة من رسول ال صلى ال عليه وسلم تكريا لبن الموح‪ ،‬أي تكري‪!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وف هذا قال شاعر النصار‪:‬‬


‫فسوّد عمرو بن الموح لوده‬
‫وحق لعمرو بالنّدى أن يسوّدا‬
‫اذا جاءه السؤال أذهب ماله‬
‫وقال‪ :‬خذوه‪ ،‬انه عائد غدا‬
‫وبثل ما كان عمرو بن الموح يود باله ف سبيل ال‪ ،‬أراد أن يود بروحه وبياته‪..‬‬
‫ولكن كيف السبيل؟؟‬
‫ان ف ساقه عرجا يعله غي صال للشتراك ف قتال‪.‬‬
‫وانه له أربعة أولد‪ ،‬كلهم مسلمون‪ ،‬وكلهم رجال كالسود‪ ،‬كانوا يرجون مع الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم ف الغزو‪ ،‬ويثابرون على فريضة الهاد‪..‬‬
‫ولقد حاول عمرو أن يرج ف غزوة بدر فتوسّل أبناؤه ال النب صلى ال عليه وسلم كي يقنعه بعدم‬
‫الروج‪ ،‬أ‪ ،‬يأمره به اذا هو ل يقتنع‪..‬‬
‫وفعل‪ ،‬أخبه النب صلى ال عليه وسلم أن السلم يعفيه من الهاد كفريضة‪ ،‬وذلك لعجزه الاثل ف‬
‫عرجه الشديد‪..‬‬
‫بيد أنه راح يلحّ ويرجو‪ ..‬فأمره الرسول بالبقاء ف الدينة‪.‬‬
‫**‬
‫وجاءت غزوة أحد فذهب عمرو ال النب صلى ال عليه وسلم يتوسل اليه أن يأذن له وقال له‪:‬‬
‫" يا رسول ال انّ بنّ يريدون أن يبسون عن الروج معك ال الهاد‪..‬‬
‫ووال ان لرجو أن‪ ،‬أخطر‪ ،‬بعرجت هذه ف النة"‪..‬‬
‫وأمام اصراره العظيم أذن له النب عليه السلم بالروج‪ ،‬فأخذ سلحه‪ ،‬وانطلق يطر ف حبور وغبطة‪،‬‬
‫ودعا ربه بصوت ضارع‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" اللهم ارزقن الشهادة ول تردّن ال أهلي"‪.‬‬


‫والتقى المعان يوم أحد‪..‬‬
‫وانطلق عمرو بن الموح وأبناؤه الربعة يضربون بسيوفهم جيوش الشرك والظلم‪..‬‬
‫كان عمرو بن الموح يطر وسط العمعة الصاحبة‪ ،‬ومع كل خطرة يقطف سيفه رأسا من رؤوس‬
‫الوثنية‪..‬‬
‫كان يضرب الضربة بيمينه‪ ،‬ث يلتفت حواليه ف الفق العلى‪ ،‬كأنه يتعجل قدوم اللك الذي سيقبض‬
‫روحه‪ ،‬ث يصحبها ال النة‪..‬‬
‫أجل‪ ..‬فلقد سأل ربه الشهادة‪ ،‬وهو واثق أن ال سبحانه وتعال قد استجاب له‪..‬‬
‫وهو مغرم بأن يطر بساقه العرجاء ف النة ليعلم أهلها أن ممدا رسول اله صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫يعرف كيف يتار الصحاب‪ ،‬وكيف يربّي الرجال‪!!..‬‬
‫**‬
‫وجاء ما كان ينتظر‪.‬‬
‫ضربةسيف أومضت‪ ،‬معلنة ساعة الزفاف‪..‬‬
‫زفاف شهيد ميد ال جنات اللد‪ ،‬وفردوس الرحن‪!!..‬‬
‫**‬
‫واذ كان السلمون يدفنون شهداءهم قال الرسول عليه الصلة والسلم أمره الذي سعناه من قبل‪:‬‬
‫" انظروا‪ ،‬فاجعلوا عبدال بن عمرو بن حرام وعمرو بن الموح ف قب واحد‪ ،‬فانما كانا ف الدنيا‬
‫متحابي متصافيي"‪!!..‬‬
‫**‬
‫ودفن البيبان الشهيدان الصديقان ف قب واحد‪ ،‬تت ثرى الرض الت تلقت جثمانيهما الطاهرين‪،‬‬
‫بعد أن شهدت بطولتهما الارقة‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وبعد مضي ست وأربعي سنة على دفنهما‪ ،‬نزل سيل شديد غطّى أرض القبور‪ ،‬بسبب عي من الاء‬
‫أجراها هناك معاوية‪ ،‬فسارع السلمون ال نقل رفات الشهداء‪ ،‬فاذا هم كما وصفهم الذين اشتركوا‬
‫ف نقل رفاتم‪:‬‬
‫" ليّنة أجسادهم‪..‬‬
‫تتثن أطرافهم"‪!..‬‬
‫وكان جابر بن عبدال ل يزال حيا‪ ،‬فذهب مع أهله لينقل رفات أبيه عبدال بن عمرو بن حرام‪،‬‬
‫ورفات زوج عمته عمرو بن الموح‪..‬‬
‫فوجدها ف قبها‪ ،‬كأنما نائمان‪ ..‬ل تأكل الرض منهما شيئا‪ ،‬ول تفارق شفاههما بسمة الرضا‬
‫والغبطة الت كانت يوم دعيا للقاء ال‪..‬‬
‫أتعجبون‪..‬؟‬
‫كل‪ ،‬ل تعجبوا‪..‬‬
‫فان الرواح الكبية‪ ،‬التقية‪ ،‬النقية‪ ،‬الت سيطرت على مصيها‪ ..‬تترك ف الجساد الت كانت موئل‬
‫لا‪ ،‬قدرا من الناعة يدرأ عنها عوامل التحلل‪ ،‬وسطوة التراب‪..‬‬
‫حبيب بن زيد‬
‫أسطورة فداء وحب‬
‫ف بيعة العقبة الثانية الت مر بنا ذكرها كثيا‪ ،‬والت بايع الرسول صلى ال عليه وسلم فيها سبعون‬
‫رجل وسيدتان من أهل الدينة‪ ،‬كان حبيب بن زيد وأبوه زيد بن عاصم رضي ال عنهما من السبعي‬
‫الباركي‪..‬‬
‫وكانت أمه نسيبة بنت كعب أول السيدتان اللتي بايعتا رسول ال صلى ال عليه وسلم‪..‬‬
‫أم السيدة الثانية فكانت خالته‪!!..‬‬
‫هو اذن مؤمن عريق جرى اليان ف أصلبه وترائبه‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ولقد عاش ال جوار رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد هجرته ال الدينة ل يتخلف عن غزوة‪ ،‬ول‬
‫يقعد عن واجب‪..‬‬
‫**‬
‫وذات يوم شهد جنوب الزيرة العربية كذابي عاتيي يدّعيان النبوة ويسوقان الناس ال الضلل‪..‬‬
‫خرج أحدها بصنعاء‪ ،‬وهو السود بن كعب العنسي‪..‬‬
‫وخرج الثان باليمامة‪ ،‬وهو مسيلمة الكذاب‪..‬‬
‫وراح الكذابان يرّضان الناس على الؤمني الذين استجابوا ل‪ ،‬وللرسول ف قبائلهما‪ ،‬ويرّضان على‬
‫مبعوثي رسول ال ال تلك الديار‪..‬‬
‫وأكثر من هذا‪ ،‬راحا يشوّشان على النبوة نفسها‪ ،‬ويعيثان ف الرض فسادا وضلل‪..‬‬
‫**‬
‫وفوجئ الرسول يوما ببعوث بعثه مسيلمة يمل منه كتابا يقول فيه "من مسيلمة رسول ال‪ ،‬ال‬
‫ممد رسول ال‪ ..‬سلم عليك‪ ..‬أم بعد‪ ،‬فان قد أشركت ف المر معك‪ ،‬وان لنا نصف الرض‪،‬‬
‫ولقريش نصفها‪ ،‬ولك ّن قريشا قوم يعتدون"‪!!!..‬‬
‫ودعا رسول ال أحد أصحابه الكاتبي‪ ،‬وأملى عليه ردّه على مسيلمة‪:‬‬
‫" بسم ال الرحن الرحيم‪..‬‬
‫من ممد رسول ال‪ ،‬ال مسيلمة الكذاب‪.‬‬
‫السلم على من اتبع الدى‪..‬‬
‫أما بعد‪ ،‬فان الرض ل يورثها من يشاء من عباده‪ ،‬والعاقبة للمتقي"‪!!..‬‬
‫وجاءت كلمات الرسول هذه كفلق الصبح‪ .‬ففضحت كذاب بن حنيفة الذي ظ ّن النبوّة ملكا‪ ،‬فراح‬
‫يطالب بنصف الرض ونصف العباد‪!..‬‬
‫وحل مبعوث مسيلمة رد الرسول عليه السلم ال مسيلمة الذي ازداد ضلل واضلل‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫**‬
‫ومضى الكذب ينشر افكه وبتانه‪ ،‬وازداد أذاه للمؤمني وتريضه عليهم‪ ،‬فرأى الرسول أن يبعث‬
‫اليه رسالة ينهاه فيها عن حاقاته‪..‬‬
‫ووقع اختياره على حبيب بن زيد ليحمله الرسالة مسيلمة‪..‬‬
‫وسافر حبيب يغذّ الطى‪ ،‬مغتبطا بالهمة الليلة الت ندبه اليها رسول ال صلى ال عليه وسلم منّيا‬
‫نفسه بأن يهتدي ال الق‪ ،‬قلب مسيلمة فيذهب حبيب بعظيم الجر والثوبة‪.‬‬
‫**‬
‫وبلغ السافر غايته‪..‬‬
‫وفضّ مسيلمة الكذاب الرسالة الت أعشاه نورها‪ ،‬فازداد امعانا ف ضلله وغروره‪..‬‬
‫ولا ل يكن مسيلمة أكثر من أفّاق دعيّ‪ ،‬فقد تلى بكل صفات الفّاقي الدعياء‪!!..‬‬
‫وهكذا ل يكن معه من الروءة ول من العروبة والرجولة ما يردّه عن سفك دم رسول يمل رسالة‬
‫مكتوبة‪ ..‬المر الذي كانت العرب تترمه وتقدّسه‪!!..‬‬
‫وأراد قدر هذا الدين العظيم‪ ،‬السلم‪ ،‬أن يضيف ال دروس العظمة والبطولة الت يلقيها على البشرية‬
‫بأسرها‪ ،‬درسا جديدا موضوعه هذه الرة‪ ،‬وأستاذه أيضا‪ ،‬حبيب بن زيد‪!!..‬‬
‫**‬
‫جع الكذاب مسيلمة قومه‪ ،‬وناداهم ال يوم من أيامه الشهودة‪..‬‬
‫وجيء ببعوث رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬حبيب بن زيد‪ ،‬يمل آثار تعذيب شديد أنزله به‬
‫الجرمون‪ ،‬مؤملي أن يسلبوا شجاعة روحه‪ ،‬فيبدو امام الميع متخاذل مستسلما‪ ،‬مسارعا ال اليان‬
‫بسيلمة حي يدعى ال هذا اليان أمام الناس‪ ..‬وبذا يقق الكذاب الفاشل معجزة موهومة أمام‬
‫الخدوعي به‪..‬‬
‫**‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫قال مسيلمة لن حبيب‪:‬‬


‫" أتشهد أن ممدا رسول ال‪..‬؟‬
‫وقال حيب‪:‬‬
‫نعم أشهد أن ممدا رسول ال‪.‬‬
‫وكست صفرة الزي وجه مسيلمة وعاد يسأل‪:‬‬
‫وتشهد أن رسول ال‪..‬؟؟‬
‫وأجاب حبيب ف سخرية قاتلة‪:‬‬
‫ان ل أسع شيئا‪!!..‬‬
‫وتوّلت صفرة الزي على وجه مسيلمة ال سواد حاقد مبول‪..‬‬
‫لقد فشلت خطته‪ ،‬ول يده تعذيبه‪ ،‬وتلقى أمام الذين جعهم ليشهدوا معجزته‪ ..‬تلقى لطمة قوية‬
‫أشقطت هيبته الكاذبة ف الوحل‪..‬‬
‫هنالك هاج كالثور الذبوح‪ ،‬ونادى جلده الذي أقبل ينخس جسد حبيب بسنّ سيفه‪..‬‬
‫ث راح يقطع جسده قطعة قطعة‪ ،‬وبضعة بضعة‪ ،‬وعضوا عضوا‪..‬‬
‫والبطل العظيم ل يزيد على ههمة يردد با نشيد اسلمه‪:‬‬
‫" ل اله ال ال ممد رسول ال"‪..‬‬
‫**‬
‫لو أن حبيبا أنقذ حياته يومئذ بشيء من السايرة الظاهرة لسيلمة‪ ،‬طاويا على اليان صدره‪ ،‬لا‬
‫نقض ايانه شيئا‪ ،‬ول أصاب اسلمه سوء‪..‬‬
‫ولكن الرجل الذي شهد مع أبيه‪ ،‬وأمه‪ ،‬وخالته‪ ،‬وأخيه بيعة العقبة‪ ،‬والذي حل منذ تلك اللحظات‬
‫الاسة الباركة مسؤولية بيعته وايانه كاملة غي منقوصة‪ ،‬ما كان له أن يوازن لظة من نار بي حياته‬
‫ومبدئه‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ومن ثّ ل يكن أمامه لكي يربح حياته كلها مثل هذه الفرصة الفريدة الت تثلت فيها قصة ايانه‬
‫كلها‪ ..‬ثبات‪ ،‬وعظمة‪ ،‬وبطولة‪ ،‬وتضحية‪ ،‬واستشهاد ف سبيل الدى والق يكاد يفوق ف حلوته‪،‬‬
‫وف روعته كل ظفر وكل انتصار‪!!..‬‬
‫**‬
‫وبلغ رسول ال صلى ال عليه وسلم نبأ استشهاد مبعوثه الكري‪ ،‬واصطب لكم ربه‪ ،‬غهو يرى بنور‬
‫ال مصي هذا الكذاب مسيلمة‪ ،‬ويكاد يرى مصرعه رأي العي‪..‬‬
‫أما نسيبة بنت كعب أم حبيب فقد ضغطت على أسنانا طويل‪ ،‬ث أطلقت يينا مبرا لتثأرن لولدها‬
‫من مسيلمة ذاته‪ ،‬ولتغوصنّ ف لمه البيث برمها وسيفها‪..‬‬
‫وكان القدر الذي يرمق آنئذ جزعها وصبها وجلدها‪ ،‬يبدي اعجابا كبيا با‪ ،‬ويقرر ف نفس الوقت‬
‫أن يقف بوارها حت تبّ بيمينها‪!!..‬‬
‫ودارت من الزمان دورة قصية‪ ..‬جاءت على أثرها الوقعة الالدة‪ ،‬موقعة اليمامة‪..‬‬
‫وجهّز أبو بكر الصدّيق خليفة رسول ال صلى ال عليه وسلم جيش السلم الذاهب ال اليمامة‬
‫حيث أعدّ مسيلمة أضخم جيش‪..‬‬
‫وخرجت نسيبة مع اليش‪..‬‬
‫وألقت بنفسها ف خضمّ العركة‪ ،‬ف يناها سيف‪ ،‬وف يسراها رمح‪ ،‬ولسانا ل يكفّ عن الصياح‪:‬‬
‫" أين عد ّو ال مسيلمة"‪.‬؟؟‬
‫ولا قتل مسيلمة‪ ،‬وسقط أتباعه كالعهن النفوش‪ ،‬وارتفعت رايات السلم عزيزة ظافرة‪ ..‬وقفت‬
‫نسيبة وقد ملىء جسدها الليل‪ ،‬القوي بالراح وطعنات الرمح‪..‬‬
‫وقفت تستجلي وجه ولدها البيب‪ ،‬الشهيد حبيب فوجدته يل الزمان والكان‪!!..‬‬
‫أجل‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ما صوّبت نسيبة بصرها نو راية من الرايات الفاقة النتصرة الضاحكة ال رأت عليها وجه ابنها‬
‫حبيب خفاقا‪ ..‬منتصرا‪ ..‬ضاحكا‪..‬‬
‫أبّ بن كعب‬
‫ليهنك العلم‪ ،‬أبا النذر‬
‫سأله رسول ال صلى ال عليه وسلم ذات يوم‪:‬‬
‫" يا أبا النذر‪..‬؟‬
‫أي آية من كتاب ال أعظم‪..‬؟؟‬
‫فأجاب قائل‪:‬‬
‫ال ورسوله أعلم‪..‬‬
‫وأعاد النب صلى ال عليه وعلى آله وسلم سؤاله‪:‬‬
‫أبا النذر‪..‬؟؟‬
‫أيّ أية من كتاب ال أعظم‪..‬؟؟‬
‫وأجاب أبّ‪:‬‬
‫ال ل اله ال هو ال ّي القيّوم‪..‬‬
‫فضرب رسول ال صلى ال عليه وسلم صدره بيده‪ ،‬وقال له والغبطة تتألق على ميّاه‪:‬‬
‫ليهنك العلم أبا النذر"‪...‬‬
‫**‬
‫ان أبا النذر الذي هنأه الرسول الكري با أنعم ال عليه من علم وفهم هو أبّ بن كعب الصحاب‬
‫الليل‪..‬‬
‫هو أنصاري من الزرج‪ ،‬شهد العقبة‪ ،‬وبدرا‪ ،‬وبقية الشاهد‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وبلغ من السلمي الوائل منلة رفيعة‪ ،‬ومكانا عاليا‪ ،‬حت لقد قال عنه أمي الؤمني عمر رضي ال‬
‫عنهما‪:‬‬
‫" أبّ سيّد السلمي"‪..‬‬
‫وكان أبّ بن كعب ف مقدمة الذين يكتبون الوحي‪ ،‬ويكتبون الرسائل‪..‬‬
‫وكان ف حفظه القرآن الكري‪ ،‬وترتيله اياه‪ ،‬وفهمه آياته‪،‬من التفوقي‪..‬‬
‫قال له رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما‪:‬‬
‫" يا أبّ بن كعب‪..‬‬
‫ان أمرت أن أعرض عليك القرآن"‪..‬‬
‫وأبّ يعلم أن رسول ال صلى ال عليه وسلم انا يتلقى أوامره من الوحي‪..‬‬
‫هنالك سأل رسول ال صلى ال عليه وسلم ف نشوة غامرة‪:‬‬
‫" يا رسول ال بأب أنت وأمي‪ ..‬وهل ذكرت لك بأسي"‪..‬؟؟‬
‫فأجاب الرسزل‪:‬‬
‫" نعم‪..‬‬
‫باسك‪ ،‬ونسبك‪ ،‬ف الل العلى"‪!!..‬‬
‫وان مسلما يبلغ من قلب النب صلى ال عليه وسلم هذه النلة لو مسلم عظيم جد عظيم‪..‬‬
‫وطوال سنوات الصحبة‪ ،‬وأبّ بن كعب قريب من رسول ال صلى ال عليه وسلم ينهل من معينه‬
‫العذب العطاء‪..‬‬
‫وبعد انتقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ال الرفيق العلى‪ ،‬ظلّ أبّ على عهده الوثيق‪ ..‬ف عبادته‪،‬‬
‫وف قوة دينه‪ ،‬وخلقه‪..‬‬
‫وكان دائما نذيرا ف قومه‪..‬‬
‫يذكرهم بأيام رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وماكانوا عليه من عهد‪ ،‬وسلوك وزهد‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ومن كلماته الباهرة الت كان يهتف با ف أصحابه‪:‬‬


‫" لقد كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ووجوهنا واحدة‪..‬‬
‫فلما فارقنا‪ ،‬اختلفت جوهنا يينا وشال"‪..‬‬
‫**‬
‫ولقد ظل مستمسكا بالتقوى‪ ،‬معتصما بالزهد‪ ،‬فلم تستطع الدنيا أن تفتنه أو تدعه‪..‬‬
‫ذلك أنه كان يرى حقيقتها ف نايتها‪..‬‬
‫فمهما يعيش الرء‪ ،‬ومهما يتقلب ف الناعم والطيبات‪ ،‬فانه ملق يوما يتحول فيه كل ذلك ال هباء‪،‬‬
‫ول يد بي يديه ال ما عمل من خي‪ ،‬أو ما عمل من سوء‪..‬‬
‫ب فيقول‪:‬‬
‫وعن عمل الدنيا يتحدّث أ ّ‬
‫" ان طعام ن آدم‪ ،‬قد ضرب للدنيا مثل‪..‬‬
‫فان ملّحه‪ ،‬وقذحه‪ ،‬فانظر ال ماذا يصي"‪..‬؟؟‬
‫**‬
‫وكان أبّ اذا تدّث للناس استشرفته العناق والساع ف شوق واصغاء‪..‬‬
‫ذلك أنه من الذين ل يافوا ف ال أحدا‪ ..‬ول يطلبوا من الدنيا غرضا‪..‬‬
‫وحي اتسعت بلد السلم‪ ،‬ورأى السلمي ياملون ولتم ف غي حق‪ ،‬وقف يرسل كلماته النذرة‪:‬‬
‫" هلكوا ورب الكعبة‪..‬‬
‫هلكوا وأهلكوا‪..‬‬
‫أما ان ل آسى عليهم‪ ،‬ولكن آسى على من يهلكون من السلمي"‪.‬‬
‫**‬
‫وكان على كثرة ورعه وتقاه‪ ،‬يبكي كلما ذكر ال واليوم الخر‪.‬‬
‫وكانت آيات القرآن الكري وهو يرتلها‪ ،‬أ‪ ،‬يسنعها‪ ،‬ته وتز كل كيانه‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وعلىأن آية من تلك اليات الكرية‪ ،‬كان اذا سعها أو تلها تغشاه من السى ما ل يوصف‪..‬‬
‫تلك هي‪:‬‬
‫( قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم‪ ،‬أو من تت أرجلكم‪ ،‬أو يلبسكم شيعا‪..‬‬
‫ويذيق بعضكم بأس بعض)‪..‬‬
‫كان أكثر ما يشاه أبّ على المة السلمو أن يأت عليها اليوم الذي يصي بأس أبنائها بينهم شديدا‪..‬‬
‫وكان يسأل ال العافية دوما‪ ..‬ولقد أدركها بفضل من ال ونعمة‪..‬‬
‫ولقي ربه مؤمنا‪ ،‬وآمنا ومثابا‪..‬‬
‫سعد بن معاذ‬
‫هنيئا لك يا أبا عمرو‬
‫ف العام الواحد والثلثي من عمره‪ ،‬أسلم‪..‬‬
‫وف السابع والثلثي مات شهيدا‪..‬‬
‫وبي يوم اسلمه‪ ،‬ويوم وفاته‪ ،‬قضى سعد بن معاذ رضي ال عنه أياما شاهقة ف خدمة ال ورسوله‪..‬‬
‫**‬
‫انظروا‪..‬‬
‫أترون هذا الرجل الوسيم‪ ،‬الليل‪ ،‬الفارع الطول‪ ،‬الشرق الوجه‪ ،‬السيم‪ ،‬الزل‪.‬؟؟‬
‫انه هو‪..‬‬
‫يقطع الرض وثبا وركضا ال دار أسعد بن زرارة بيى هذا الرجل الوافد من مكة مصعب بن عمي‬
‫الذي بعث به ممدا عليه الصلة والسلم ال الدينة يبشّر فيها بالتوحيد والسلم‪..‬‬
‫أجل‪ ..‬هو ذاهب ال هناك ليدفع بذا الغريب خارج حدود الدينة‪ ،‬حامل معه دينه‪ ..‬وتاركا للمدينة‬
‫دينها‪!!..‬‬
‫**‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ولكنه ل يكاد يقترب من ملس مصعب ف دار ابن خالته أسيد بن زرارة‪ ،‬حت ينتعش فؤاده‬
‫بنسمات حلوة هبّت عليه هبوب العافية‪..‬‬
‫ول يكاد يبلغ الالسي‪ ،‬ويأخذ مكانه بينهم‪ ،‬ملقيا سعه لكلمات مصعب حت تكون هداية ال قد‬
‫أضاءت نفسه وروحه‪..‬‬
‫وف احدى مفاجآت القدر الباهرة الذهلة‪ ،‬يلقي زعيم النصار حبته بعيدا‪ ،‬ويبسط يينه مبايعا رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪..‬‬
‫وباسلم سعد بن معاذ تشرق ف الدينة شس جديدة‪ ،‬ستدور ف فلكها قلوب كثية تسلم مع حد ل‬
‫رب العالي‪!!..‬‬
‫أسلم سعد‪ ..‬وحل تبعات اسلمه ف بطولة وعظمة‪..‬‬
‫وعندما هاجر رسول ال وصحبه ال الدينة كانت دور بن عبد الشهل قبيلة سعد مفتحة البواب‬
‫للمهاجرين‪ ،‬وكانت أموالم كلها تت تصرّفهم ف غي منّ‪ ،‬ول أذى‪ ..‬ول حساب‪!!..‬‬
‫**‬
‫وتيء غزوة بدر‪..‬‬
‫ويمع رسول ال صلى ال عليه وسلم أصحابه من الهاجرين والنصار‪ ،‬ليشاورهم ف المر‪.‬‬
‫وييمّم وجهه الكري شطر النصار ويقول‪:‬‬
‫" أشيوا عليّ أيها الناس‪"..‬‬
‫ونض سعد بن معاذ قائما كالعلم‪ ..‬يقول‪:‬‬
‫" يا رسول ال‪..‬‬
‫لقد آمنا بك‪ ،‬وصدّقناك‪ ،‬وشهدنا أن ما جئت به هو الق‪ ،‬وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا‪..‬‬
‫فامض يا رسول ال لا أردت‪ ،‬فنحن معك‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ووالذي بعثك بالق‪ ،‬لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لضناه معك‪ ،‬وما تلف منا رجل واحد‪،‬‬
‫وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا‪..‬‬
‫انا لصب ف الرب‪ ،‬صدق ف اللقاء‪..‬‬
‫ولعلّ ال يريك ما تقرّ به عينك‪...‬‬
‫فسر بنا على بركة ال"‪...‬‬
‫**‬
‫أهلت كلمات سعد كالبشريات‪ ،‬وتألق وجه الرسول رضا وسعادة وغبطة‪ ،‬فقال للمسلمي‪:‬‬
‫" سيوا وأبشروا‪ ،‬فان ال وعدن احدى الطائفتي‪ ..‬وال لكأن أنظر ال مصرع القوم"‪..‬‬
‫وف غزوة أحد‪ ،‬وعندما تشتت السلمون تت وقع الباغتة الداهة الت فاجأهم با جيش الشركي‪ ،‬ل‬
‫تكن العي لتخطئ مكان سعد بن معاذ‪..‬‬
‫لقد سّر قدميه ف الرض بوار رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬يذود عنه ويدافع ف استبسال هو له‬
‫أهل وبه جدير‪..‬‬
‫**‬
‫وجاءت غزوة الندق‪ ،‬لتتجلى رجولة سعد وبطولته تليا باهرا وميدا‪..‬‬
‫وغزوة الندق هذه‪ ،‬آية بينة على الكايدة الريرة الغادرة الت كان السلمون يطاردون با ف غي‬
‫هوادة‪ ،‬من خصوم ل يعرفون ف خصومتهم عدل ول ذمّة‪..‬‬
‫فبينما رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه ييون بالدينة ف سلم يعبدون ربم‪ ،‬ويتواصون‬
‫بطاعته‪ ،‬ويرجون أن تكف قريش عن اغارتا وحروبا‪ ،‬اذا فريق من زعماء اليهود يرجون خلسة ال‬
‫مكة مرّضي قريشا على رسول ال‪ ،‬وباذلي لا الوعود والعهود أن يقفوا بانب القرشيي اذا هم‬
‫خرجوا لقتال السلمي‪..‬‬
‫واتفقوا مع الشركي فعل‪ ،‬ووضعوا معا خطة القتال والغزو‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وف طريقهم وهم راجعون ال الدينة حرّضوا قبيلة من أكب قبائل العرب‪ ،‬هي قبيلة غطفان واتفقوا مع‬
‫زعمائها على النضمام ليش قريش‪..‬‬
‫وضعت خطة الرب‪ ،‬ووظعت أدوارها‪ ..‬فقريش وغطفان يهاجان الدينة بيش عرمرم كبي‪..‬‬
‫واليهود يقومون بدور تريب داخل الدينة وحولا ف الوقت الذي يباغتها فيه اليش الهاجم‪..‬‬
‫ولا علم النب عليه الصلة والسلم بالؤامرة الغادرة راح يعدّ لا العدّة‪ ..‬فأمر بفر خندق حول الدينة‬
‫ليعوق زحف الهاجي‪.‬‬
‫وأرسل سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ال كعب بن أسد زعيم يهود بن قريظة‪ ،‬ليتبيّنا حقيقة موقف‬
‫هؤلء من الرب الرتقبة‪ ،‬وكان بي رسول ال صلى ال عليه وسلم وبي يهود بن قريظة عهود‬
‫ومواثيق‪..‬‬
‫فلما التقى مبعوثا الرسول بزعيم بن قريظة فوجئا يقول لكم‪:‬‬
‫" ليس بيننا وبي ممد عهد ول عقد"‪!!..‬‬
‫**‬
‫عز على الرسول عليه الصلة والسلم أن يتعرض أهل الدينة لذا الغزو الدمدم والصار النهك‪،‬‬
‫ففكر ف أن يعزل غطفان عن قريش‪ ،‬فينقض اليش الهاجم بنصف عدده‪ ،‬ونصف قوته‪ ،‬وراح‬
‫بالفعل يفاوض زعماء غطفان على أن ينفضوا أيديهم عن هذه الرب‪ ،‬ولم لقاء ذلك ثلث ثار‬
‫الدينة‪ ،‬ورضي قادة غطفان‪ ،‬ول يبق ال أن يسجل التفاق ف وثيقة مهورة‪..‬‬
‫وعند هذا الدى من الحاولة‪ ،‬وقف رسول ال صلى ال عليه وسلم اذ ل ير من حقه أن ينفرد بالمر‪،‬‬
‫فدعا اليه أصحابه رضي ال عنهم ليشاورهم‪..‬‬
‫واهتم عليه الصلة والسلم اهتماما خاصا برأي سعد بن معاذ‪ ،‬وسعد بن عبادة‪ ..‬فهما زعيما الدينة‪،‬‬
‫وها بذا أصحاب حق أول ف مناقشة هذا المر‪ ،‬واختيار موقف تاهه‪..‬‬
‫**‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫قصّ رسول ال صلى ال عليه وسلم عليهما حديث التفاوض الذي جرى بينه وبي زعماء غطفان‪..‬‬
‫وأنبأها أنه انا لأ ال هذه الحاولة‪ ،‬رغبة منه ف أن يبعد عن الدينة وأهلها هذا الجوم الطي‪،‬‬
‫والصار الرهيب‪..‬‬
‫وتقدم السعدان ال رسول ال بذا السؤال‪:‬‬
‫" يا رسول ال‪..‬‬
‫أهذا رأي تتاره‪ ،‬أم وحي أمرك ال به"؟؟‬
‫قال الرسول‪:‬‬
‫" بل أمر أختاره لكم‪..‬‬
‫وال ما أصنع ذلك ال لنن رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة‪ ،‬وكالبوكم من كل جانب‪،‬‬
‫فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم ال أمر ما"‪..‬‬
‫وأحسّ سعد بن معاذ أن أقدارهم كرجال ومؤمني تواجه امتحانا‪ ،‬أي امتحان‪..‬‬
‫هنالك قال‪:‬‬
‫" يا رسول ال‪..‬‬
‫قد كنا وهؤلء على الشرك وعبادة الوثان ل نعبد ال ول نعرفه‪ ،‬وهم ل يطمعون أن يأكلوا من‬
‫مدينتنا ترة‪ ،‬ال قرى‪ ،‬أي كرما وضيفة‪ ،‬أ‪ ،‬بيعا‪..‬‬
‫أفحي أكرمنا ال بالسلم‪ ،‬وهدانا له‪ ،‬وأعزنا بك وبه‪ ،‬نعطيهم أموالنا‪..‬؟؟‬
‫وال ما لنا بذا من حاجة‪..‬‬
‫ووال ل نعطيهم ال السيف‪ ..‬حت يكم ال بيننا وبينهم"‪!!..‬‬
‫وعلى الفور عدل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن رأيه‪ ،‬وأنبأ زعماء غطفان أن أصحابه رفضوا‬
‫مشروع الفاوضة‪ ،‬وأنه أقرّ رأيهم والتزم به‪..‬‬
‫**‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وبعد أيام شهدت الدينة حصارا رهيبا‪..‬‬


‫والق أنه حصار اختارته هي لنفسها أكثر ما كان مفروضا عليها‪ ،‬وذلك بسبب الندق الذي حفر‬
‫حولا ليكون جنّة لا ووقاية‪..‬‬
‫ولبس السلمون لباس الرب‪.‬‬
‫وخرج سعد بن معاذ حامل سيفه ورمه وهو ينشد ويقول‪:‬‬
‫لبث قليل يشهد اليجا المل ما أجل الوت اذا حان الجل‬
‫وف احدى الولت تلقت ذراع سعد سهما وبيل‪ ،‬قذفه به أحد الشركي‪..‬‬
‫وتفجّر الدم من وريده وأسعف سريعا اسعافا مؤقتا يرقأ به دمه‪ ،‬وأمر النب صلى ال عليه وسلم أن‬
‫يمل ال السجد‪ ،‬وأن تنصب له به خيمة حت يكون على قرب منه دائما أثناء تريضه‪..‬‬
‫وحل السلمون فتاهم العظيم ال مكانه ف مسجد الرسول‪..‬‬
‫ورفع سعد بصره ال السماء وقال‪:‬‬
‫" اللهم ان كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقن لا‪ ...‬فانه ل قوم أحب الّ أن أجاهدهم من قوم‬
‫آذوا رسولك‪ ،‬وكذبوه‪ ،‬وأخرجوه‪..‬‬
‫وان كنت قد وضعت الرب بيننا وبينهم‪ ،‬فاجعل ما أصابن اليوم طريقا للشهادة‪..‬‬
‫ول تتن حت تقرّ عين من بن قريظة"‪!..‬‬
‫**‬
‫لك ال يا سعد بن معاذ‪!..‬‬
‫فمن ذا الذي يستطيع أن يقول مثل هذا القول‪ ،‬ف مثل هذا الوقف سواك‪..‬؟؟‬
‫ولقد استجاب ال دعاءه‪..‬‬
‫فكانت اصابته هذه طريقه ال الشهادة‪ ،‬اذ لقي ربه بعد شهر‪ ،‬متأثرا براحه‪..‬‬
‫ولكنه ل يت حت شفي صدرا من بن قريظة‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ذلك أنه بعد أن يئست قريش من اقتحام الدينة‪ ،‬ودبّ ف صفوف جيشها اللع‪ ،‬حل الميع متاعهم‬
‫وسلحهم‪ ،‬وعادوا مذولي ال مكة‪..‬‬
‫ورأى رسول ال صلى ال عليه وسلم أن ترك بن قريظة‪ ،‬يفرضون على الدينة غدرهم كما شاؤوا‪،‬‬
‫أمر ل يعد من حقه أن يتسامح تاهه‪..‬‬
‫هنالك أمر أصحابه بالسي ال بن قريظة‪.‬‬
‫وهناك حاصروهم خسة وعشرين يوما‪..‬‬
‫ولا رأى هؤلء أل منجى لم من السلمي‪ ،‬استسلموا‪ ،‬وتقدموا ال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫برجاء أجابم اليه‪ ،‬وهو أن يكم فيهم سعد بن معاذ‪ ..‬وكان سعد حليفهم ف الاهلية‪..‬‬
‫**‬
‫أرسل النب صلى ال عليه وسلم من أصحابه من جاؤوا بسعد بن معاذ‬
‫من ميمه الذي كان يرّض فيه بالسجد‪..‬‬
‫جاء ممول على دابة‪ ،‬وقد نال منه العياء والرض‪..‬‬
‫وقال له الرسول‪:‬‬
‫" يا سعد احكم ف بن قريظة"‪.‬‬
‫وراح سعد يستعيد ماولت الغدر الت كان آخرها غزوة الندق والت كادت لبمدينة تلك فيها‬
‫بأهلها‪..‬‬
‫وقال سعد‪:‬‬
‫" ان أرى أن يقتل مقاتلوهم‪..‬‬
‫وتسب ذراريهم‪..‬‬
‫وتقسّم أموالم‪"..‬‬
‫وهكذا ل يت سعد حت شفي صدره من بن قريظة‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫**‬
‫كان جرح سعد يزداد خطرا كل يوم‪ ،‬بل كل ساعة‪..‬‬
‫وذات يوم ذهب رسول ال صلى ال عليه وسلم لعيادته‪ ،‬فألفاه يعيش ف لظات الوداع فأخذ عليه‬
‫الصلة والسلم رأسه ووضعه ف حجره‪ ،‬وابتهل ال ال قائل‪:‬‬
‫" اللهم ان سعدا قد جاهد ف سبيلك‪ ،‬وصدّق رسولك وقضى الذي عليه‪ ،‬فتقبّل روحه بي ما تقبّلت‬
‫به روحا"‪!..‬‬
‫وهطلت كلمات النب صلى ال عليه وسلم على الروح الودّعة بردا وسلما‪..‬‬
‫فحاول ف جهد‪ ،‬وفتح عينيه راجيا أن يكون وجه رسول ال آخر ما تبصرانه ف الياة وقال‪:‬‬
‫" السلم عليك يا رسول ال‪..‬‬
‫أما ان لشهد أنك رسول ال"‪..‬‬
‫وتلى وجه النب وجه سعد آن ذاك وقال‪:‬‬
‫" هنيئا لك يا أبا عمرو"‪.‬‬
‫**‬
‫يقول أبو سعيد الدري رضي ال عنه‪:‬‬
‫" كنت من حفروا لسعد قبه‪..‬‬
‫وكنا كلما حفرنا طبقة من تراب‪ ،‬شمنا ريح السك‪ ..‬حت انتهينا ال اللحد"‪..‬‬
‫وكان مصاب السلمي ف سعد عظيما‪..‬‬
‫ولكن عزاءهم كان جليل‪ ،‬حي سعوا رسولم الكري يقول‪:‬‬
‫" لقد اهتز عرش الرحن لوت يعد بن معاذ"‪..‬‬
‫سعد بن عبادة‬
‫حامل راية النصار‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ل يذكر سعد بن معاذ ال ويذكر معه سعد بن عبادة‪..‬‬


‫فالثنان زعيما أهل الدينة‪..‬‬
‫سعد بن معاذ زعيم الوس‪..‬‬
‫وسعد بن عبادة زعيم الزرج‪..‬‬
‫وكلها أسلم مبكرا‪ ،‬وشهد بيعة العقبة‪ ،‬وعاش ال جوار رسول ال صلى اله عليه وسلم جنديا‬
‫مطيعا‪ ،‬ومؤمنا صدوقا‪..‬‬
‫ولعلّ سعد بن عبادة ينفرد بي النصار جيعا بأنه حل نصيبه من تعذيب قريش الذي كانت تنله‬
‫بالسلمي ف مكة‪!!..‬‬
‫لقد كان طبيعيا أن تنال قريش بعذابا أولئك الذين يعيشون بي ظهرانيها‪ ،‬ويقطنون مكة‪..‬‬
‫أما أن يتعرض لذا العذاب رجل من الدينة‪ ..‬وهو ليس بجرد رجل‪ ..‬بل زعيم كبي من زعمائها‬
‫وساداتا‪ ،‬فتلك ميّزة قدّر لبن عبادة أن ينفرد با‪..‬‬
‫وذلك بعد أن تت بيعة العقبة سرا‪ ،‬وأصبح النصار يتهيئون للسفر‪ ،‬علمت قريش با كان من مبايعة‬
‫النصار واتفاقهم مع الرسول صلى ال عليه وسلم ال الجرة ال الدينة حيث يقفون معه ومن ورائه‬
‫ضد قوى الشرك والظلم‪..‬‬
‫وجنّ جنون قريش فراحت تطارد الركب السافر حت أدركت من رجاله سعد بن عبادة فأخذه‬
‫الشركون‪ ،‬وربطوا يديه ال عنقه بشراك رحله وعادوا به ال مكة‪ ،‬حيث احتشدوا حوله يضربونه‬
‫وينلون به ما شاءوا من العذاب‪!!..‬‬
‫أسعد بن عبادة يصنع به هذا‪!..‬؟‬
‫زعيم الدينة‪ ،‬الذي طالا أجار مستجيهم‪ ،‬وحى تارتم‪ ،‬وأكرم وفادتم حي يذهب منهم ال الدينة‬
‫ذاهب‪..‬؟؟‬
‫لقد كان الذين اعتقلوه‪ ،‬والذين ضربوه ل يعرفونه ول يعرفون مكانته ف قومه‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ولكن‪ ،‬أتراهم كانوا تاركيه لو عرفوه‪..‬؟‬


‫أل ينالوا بتعذيبهم سادة مكة الذين أسلموا‪..‬؟؟‬
‫ان قريشا ف تلك اليام كانت منونة‪ ،‬ترى كل مقدرات جاهليتها تتهيأ للسقوط تت معاول الق‪،‬‬
‫فلم تعرف سوى اشفاء أحقادها نجا وسبيل‪..‬‬
‫أحاط الشركون بسعد بن عبادة ضاربي ومعتدين‪..‬‬
‫ولندع سعدا يكي لنا بقيّة النبأ‪:‬‬
‫"‪ ..‬فوال ان لفي أيديهم اذ طلع عليّ نفر من قريش‪ ،‬فيهم رجل وضيء‪ ،‬أبيض‪ ،‬شعشاع من‬
‫الرال‪..‬‬
‫فقلت ف نفسي‪ :‬ان يك عند أحد من القوم خي‪ ،‬فعند هذا‪.‬‬
‫فلما دنا من رفع يده فلكمن لكمة شديدة‪..‬‬
‫فقلت ف نفسي‪ :‬ل وال‪ ،‬ما عندهم بعد هذا من خي‪!!..‬‬
‫فوال ان لفي أيديهم يسحبونن اذ أوى الّ رجل من كان معهم فقال‪ :‬ويك‪ ،‬اما بينك وبي أحد‬
‫من قريش جوار‪..‬؟‬
‫قلت‪ :‬بلى‪ ..‬كنت أجي لبي بن مطعم تارة‪ ،‬وأمنعهم من يريد ظلمهم ببلدي‪ ،‬وكنت أجي‬
‫للحارث بن حرب بن أميّة‪..‬‬
‫قال الرجل‪ :‬فاهتف باسم الرجلي‪ ،‬واذكر ما بينك وبينهما من جوار‪ ،‬ففعات‪..‬‬
‫وخرج الرجل اليهما‪ ،‬فأنبأها أن رجل من الزرج يضرب بالبطح‪ ،‬وهو يهتف باسيهما‪ ،‬ويذكر أن‬
‫بينه وبينهما جوارا‪..‬‬
‫فسأله عن اسي‪ ..‬فقال سعد بن عبادة‪..‬‬
‫فقال‪ :‬صدقا وال‪ ،‬وجاءا فخلصان من أيديهم"‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫غادر سعد بعد هذا العدوان الذي صادفه ف أوانه ليعلم كم تتسلح قريش بالرية ض ّد قوم عزل‪،‬‬
‫يدعون ال الي‪ ،‬والق والسلم‪..‬‬
‫ولقد شحذ هذا العدوان‪ ،‬وقرر أن يتفان ف نصرة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والصحاب‬
‫والسلم‪..‬‬
‫**‬
‫ويهاجر رسول ال صلى ال عليه وسلم ال الدينة‪ ..‬ويهاجر قبله أصحابه‪..‬‬
‫وهناك سخّر سعد أمواله لدمة الهاجرين‪..‬‬
‫كان سعد جوادا بالفطرة وبالوراثة‪..‬‬
‫فهو ابن عبادة بن دليم بن حارثة الذي كانت شهرة جوده ف الاهلية أوسع من كل شهرة‪..‬‬
‫ولقد صار جود سعد ف السلم آية من آيات ايانه القوي الوثيق‪..‬‬
‫قال الرواة عن جوده هذا‪:‬‬
‫" كانت جفنة سعد تدور مع النب صلى اله عليه وسلم ف بيوته جيعا"‪..‬‬
‫وقالوا‪:‬‬
‫" كان الرجل من النصار ينطلق ال داره‪ ،‬بالواحد من الهاجرين‪ ،‬أو بالثني‪ ،‬أو بالثلثة‪.‬‬
‫وكان سعد بن عبادة ينطلق بالثماني"‪!!..‬‬
‫من أجل هذا‪ ،‬كان سعد يسأل ربه دائما الزيد من خره ورزقه‪..‬‬
‫وكان يقول‪:‬‬
‫" اللهم انه ل يصلحن القليل‪ ،‬ول أصلح عليه"‪!!..‬‬
‫ون\من أجل هذا كان خليقا بدعاء رسول ال صلى ال عليه وسلم له‪:‬‬
‫" اللهم اجعل صلواتك ورحتك على آل سعد بن عبادة"‪..‬‬
‫**‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ول يضع سعد ثروته وحدها ف خدمة السلم النيف‪ ،‬بل وضع قوته ومهارته‪..‬‬
‫فقد كان ييد الرمي اجادة فائقة‪ ..‬وف غزواته مع رسول ال صلى ال عليه وسلم كانت فدائيته‬
‫حازمة وحاسة‪.‬‬
‫يقول ابن عباس رضي ال عنهما‪:‬‬
‫" كان لرسول ال صلى ال عليه وسلم ف الواطن كلها رايتان‪..‬‬
‫مع علي ابن أب طالب راية الهاجرين‪..‬‬
‫ومع سعد بن عبادة‪ ،‬راية النصار"‪..‬‬
‫**‬
‫ويبدو أن الشدّة كانت طابع هذه الشخصية القوية‪..‬‬
‫فهو شديد ف الق‪..‬‬
‫وشديد ف تشبثه با يرى لنفسه من حق‪..‬‬
‫واذا اقتنع بأمر نض لعلنه ف صراحة ل تعرف الداراة‪ ،‬وتصميم ل يعرف السايرة‪..‬‬
‫وهذه الشدة‪ ،‬أ‪ ،‬هذا التطرّف‪ ،‬هو الذي دفع زعيم النصار الكبي ال مواقف كانت عليه أكثر ما‬
‫كانت له‪..‬‬
‫**‬
‫فيوم فتح مكة‪ ،‬جعله الرسول صلى ال عليه وسلم أميا على فيلق من جيوش السلمي‪..‬‬
‫ول يكد يشارف أبواب البلد الرام حت صاح‪:‬‬
‫" اليوم يوم اللحمة‪..‬‬
‫اليوم تستحل الرمة"‪..‬‬
‫وسعها عمر بن الطاب رضي ال عنه فسارع ال رسول ال صلى ال عليه وسلم قائل‪:‬‬
‫" يا رسول ال‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫اسع ما قال سعد بن عبادة‪..‬‬


‫ما نأمن أن يكون له ف قريش صولة"‪..‬‬
‫فأمر النب صلى ال عليه وسلم عليّا أن يدركه‪ ،‬ويأخذ الراية منه‪ ،‬ويتأمّر مكانه‪..‬‬
‫ان سعدا حي رأى مكة مذعنة مستسلمة ليش السلم الفاتح‪ ..‬تذكّر كل صور العذاب الذي صبّته‬
‫على الؤمني‪ ،‬وعليه هو ذات يوم‪..‬‬
‫وتذكر الروب الت سنتها على قوم ودعاة‪ ..‬كل ذنبهم أنم يقولون‪ :‬ل اله ال ال‪ ،‬فدفعته شدّته ال‬
‫الشماتة بقريش وتوعدها يوم الفتح العظيم‪..‬‬
‫**‬
‫وهذه الشدة نفسها‪،‬أو قل هذا التطرّف الذي كان يشكل جزءا من طبيعة سعد هو الذي جعله‬
‫يقف يوم السقيفة موقفه العروف‪..‬‬
‫فعلى أثر وفاة الرسول عليه الصلة والسلم‪ ،‬التف حوله ح\جاعة من النصار ف سقيفة بن ساعدة‬
‫منادين بأن يكون خليفة رسول ال صلى ال عليه وسلم من النصار‪..‬‬
‫كانت خلفة رسول ال صلى ال عليه وسلم شرفا لذويه ف الدنيا والخرة‪..‬‬
‫ومن ث أراد هذا الفريق من النصار أن ينالوه ويظفروا به‪..‬‬
‫ولكن رسول ال صلى ال عليه وسلم قد استخلف أبا بكر على الصلة أثناء مرضه‪ ،‬وفهم الثحابة من‬
‫هذا الستخلف الذي كان مؤيدا بظاهر أخرى أضفاها رسول ال صلى ال عليه وسلم ال أب‬
‫بكر‪ ..‬ثان اثني اذ ها ف الغار‪..‬‬
‫نقول‪ :‬فهموا أن أبا بكر أحق باللفة من سواه‪..‬‬
‫وهكذا تزعّم عمر بن الطاب رضي ال عنه هذا الرأي واستمسك به ف حي تزعم سعد بن عبادة‬
‫رضي ال عنه‪ ،‬الرأي الخر واستمسك به‪ ،‬ما جعل كثيين من الصحابة رضي ال عنهم يأخذون‬
‫عليه هذا الوقف الذي كان موضع رفضهم واستنكارهم‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫**‬
‫ولكن سعد بن عبادة بوقفه هذا‪ ،‬كان يستجيب ف صدق لطبيعته وسجاياه‪..‬‬
‫فهو كما ذكرنا شديد التثبت باقتناعه‪ ،‬ومعن ف الصرار على صراحته ووضوحه‪..‬‬
‫ويدلنا على هذه السجيّة فيه‪ ،‬موقفه بي يدي رسول ال صلى ال عليه وسلم بعيد غزوة حني‪..‬‬
‫فحي انتهى السلمون من تلك الغزوة ظافرين‪ ،‬راح رسول ال صلى ال عليه وسلم يوزع غنائمها‬
‫على السلمي‪ ..‬واهتم يومئذ اهتماما خاصا بالؤلفة قلوبم‪ ،‬وهم أولئك الشراف الذين دخلوا‬
‫السلم من قريب‪ ،‬ورأى رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يساعدهم على أنفسهم بذا التألف‪،‬‬
‫كما أعطى ذوي الاجة من القاتلي‪.‬‬
‫وأما أولو السلم الكي‪ ،‬فقد وكلهم ال اسلمهم‪ ،‬ول يعطهم من غنائم هذه الغزوة شيئا‪..‬‬
‫كان عطاء رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬مرّد عطائه‪ ،‬شرفا يرص عليه جيع الناس‪..‬‬
‫وكانت غنائم الرب قد أصبحت تشكّل دخل هاما تقوم عليه معايش السلمي‪..‬‬
‫وهكذا تساءل النصار ف مرارة‪ :‬لاذا ل يعطهم رسول ال حظهم من الفيء والغنيمة‪..‬؟؟‬
‫وقال شاعرهم حسان بن ثابت‪:‬‬
‫وأت الرسول فقل يا خي مؤتن‬
‫للمؤمني اذا ما عدّد البشر‬
‫علم تدعى سليم‪ ،‬وهي نازحة‬
‫قدّام قوم‪ ،‬هوا آووا وهم نصروا‬
‫سّاهم ال النصار بنصرهم‬
‫دين الدى‪ ،‬وعوان الرب تستعي‬
‫وسارعوا ف سبيل ال واعترفوا‬
‫للنائبات‪ ،‬وما جاموا وما ضجروا‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ففي هذه البيات عبّر شاعر الرسول والنصار عن الرج الذي أحسّه النصار‪ ،‬اذ أعطى النب صلى‬
‫ال عليه وسلم من الصحابة‪ ،‬ول يعطهم شيئا‪.‬‬
‫ورأى زعيم النصار سعد بن عبادة‪ ..‬وسع قومه يتهامس بعضهم بذا المر‪ ،‬فلم يرضه هذا الوقف‪،‬‬
‫واستجاب لطبيعته الواضحة السفرة الصرية‪ ،‬وذهب من فوره ال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫وقال‪:‬‬
‫" يا رسول ال‪..‬‬
‫ان هذا اليّ من النصار قد وجدوا عليك ف أنفسهم‪ ،‬لا صنعت ف هذا الفيء الذي أصبت‪..‬‬
‫قسمت ف قومك‪ ،‬وأعطيت عطايا عظاما ف قبائل العرب‪ ،‬ول يك ف هذا الي من النصار منها‬
‫شيء"‪..‬‬
‫هكذا قال الرجل الواضح كل ما ف نفسه‪ ،‬وكل ما ف أنفس قومه‪ ..‬وأعطى الرسول صورة أمينة عن‬
‫الوقف‪..‬‬
‫وسأله رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫" وأين أنت من ذلك يا سعد"‪..‬؟؟‬
‫أي اذا كان هذا رأي قومك‪ ،‬فما رايك أنت‪..‬؟؟‬
‫فأجاب سعد بنفس الصراحة قائل‪:‬‬
‫" ما أنا ال من قومي"‪..‬‬
‫هنالك قال له النب‪ ":‬اذن فاجع ل قومك"‪..‬‬
‫ول بدّ لنا من أن نتابع القصة ال نايتها‪ ،‬فان لا روعة ل تقاوم‪!..‬‬
‫جع سعد قومه من النصار‪..‬‬
‫وجاءهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فتملّى وجوههم السية‪ .‬وابتسم ابتسامة متألقة بعرفان‬
‫جيلهم وتقدير صنيعهم‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ث قال‪:‬‬
‫" يا معشر النصار‪..‬‬
‫مقالة بلغتن عنكم‪ ،‬وجدة وجدتوها عليّ ف أنفسكم‪..‬؟؟‬
‫أل آتكم ضلل فهداكم ال‪..‬؟؟‬
‫وعالة‪ ،‬فأغناكم ال‪..‬؟‬
‫وأعداء‪ ،‬فألف ال بي قلوبكم‪..‬؟؟"‬
‫قالوا‪:‬‬
‫" بلى ال ورسوله أمنّ وأفضل‪..‬‬
‫قال الرسول‪:‬‬
‫أل تيبونن يا معشر النصار‪..‬؟‬
‫قالوا‪:‬‬
‫ب نيبك يا رسول ال‪..‬؟؟‬
‫ل ولرسوله الن والفضل‪..‬‬
‫قال الرسول‪:‬‬
‫أما وال لو شئتم لقلتم‪ ،‬فلصدقتم وصدّقتم‪:‬‬
‫أتيتنا مكذوبا‪ ،‬فصدّقناك‪..‬‬
‫ومذول‪ ،‬فنصرناك‪...‬‬
‫وعائل‪ ،‬فآسيناك‪..‬‬
‫وطريدا‪ ،‬فآويناك‪..‬‬
‫أوجدت يا معشر النصار ف أنفسكم ف لعاعة من الدنيا تألفت با قوما ليسلموا‪ ،‬ووكلتم ال‬
‫اسلمكم‪..‬؟؟‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫أل ترضون يا معشر النصار أن يذهب الناس بالشاة والبعي‪ ،‬وترجعوا أنتم برسول ال ال‬
‫رحالكم‪..‬؟؟‬
‫فوالذي نفسي بيده‪ ،‬لول الجرة لكنت امرءا من النصار‪..‬‬
‫ولو سلك الناس شعبا لسلكت شعب النصار‪..‬‬
‫اللهم ارحم النصار‪..‬‬
‫وأبناء النصار‪..‬‬
‫وأبناء أبناء النصار"‪!!...‬‬
‫هنالك بكى النصار حت أخضلوا لاهم‪.‬‬
‫فقد ملت كلمات الرسول الليل العظيم أفئدتم سلما‪ ،‬وأرواحهم ثراء‪ ،‬وأنفسهم عافية‪..‬‬
‫وصاحوا جيعا وسعد بن عبادة معهم‪:‬‬
‫" رضينا برسول ال قسما وحظا"‪..‬‬
‫**‬
‫وف اليام الول من خلفة عمر ذهب سعد ال أمي الؤمني‪ ،‬وبنفس صراحته التطرفة قال له‪:‬‬
‫" كان صاحبك أبو بكر‪،‬وال‪ ،‬أحب الينا منك‪..‬‬
‫وقد ‪،‬وال‪ ،‬أصبحت كارها لوارك"‪!!..‬‬
‫وف هدوء أجابه عمر‪:‬‬
‫" ان من كره جوار جاره‪ ،‬توّل عنه"‪..‬‬
‫وعاد سعد فقال‪:‬‬
‫" ان متحوّل ال جوار من هو خي منك"‪!!..‬‬
‫**‬
‫ما كان سعد رضي ال عنه بكلماته هذه لمي الؤمني عمر ينفّس عن غيظ‪ ،‬أو يعبّر عن كراهية‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فان من رضي رسول ال صلى ال عليه وسلم قسما وحظا‪ ،‬ل يرفض الولء لرجل مثل عمر‪ ،‬طالا‬
‫رآه موضع تكري الرسول وحبّه‪..‬‬
‫انا أراد سعد وهو واحد من الصحاب الذين نعتهم القرآن بأنم رحاء بينهم‪..‬‬
‫أل ينتظر ظروفا‪ ،‬قد تطرأ بلف بينه وبي أمي الؤمني‪ ،‬خلف ل يريده‪ ،‬ول يرضاه‪..‬‬
‫**‬
‫وشدّ رحاله ال الشام‪..‬‬
‫وما كاد يبلغها وينل أرض حوران حت دعاه أجله‪ ،‬وأفضى ال جوار ربه الرحيم‪..‬‬
‫أسامة بن زيد‬
‫البّ بن البّ‬
‫جلس أمي الؤمني عمر بن الطاب رضي ال عنه يقسّم أموال بيت الال على السلمي‪..‬‬
‫وجاء دور عبدال بن عمر‪ ،‬فأعطاه عمر نصيبه‪.‬‬
‫ث جاء دور أسامة بن زيد‪ ،‬فأعطاه عمر ضعف ما أعطى ولده عبدال‪..‬‬
‫وذا كان عمر يعطي الناس وفق فضلهم‪ ،‬وبلئهم ف السلم‪ ،‬فقد خشي عبدال بن عمر أن يكون‬
‫مكانه ف السلم آخرا‪ ،‬وهو الذي يرجو بطاعته‪ ،‬وبهاده‪ ،‬وبزهده‪ ،‬وبورعه‪،‬أن يكون عند ال من‬
‫السابقي‪..‬‬
‫هنالك سأل أباه قائل‪ ":‬لقد فضّلت عليّ أسامة‪ ،‬وقد شهدت مع رسول ال ما ل يشهد"‪..‬؟‬
‫فأجابه عمر‪:‬‬
‫" ان أسامة كان أحبّ ال رسول ال صلى ال عليه وسلم منك‪..‬‬
‫وأبوه كان أحب ال رسول ال من أبيك"‪!..‬‬
‫فمن هذا الذي بلغ هو وأبوه من قلب الرسول وحبه ما ل يبلغه ابن عمر‪ ،‬وما ل يبلغه عمر بذاته‪..‬؟؟‬
‫انه أسامة بن زيد‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫كان لقبه بي الصحابة‪ :‬البّ بن البّ‪..‬‬


‫أبوه زيد بن حارثة خادم رسول ال صلى ال عليه وسلم الذي آثر الرسول على أبيه وأمه وأهله‪،‬‬
‫والذي وقف به النب على جوع أصحابه يقول‪:‬‬
‫" أشهدكم أن زيدا هذا ابن‪ ،‬يرثن وأرثه"‪..‬‬
‫وظل اسه بي السلمي زيد بن ممد حت أبطل القرآن الكري عادة التبنّي‪..‬‬
‫أسامة هذا ابنه‪..‬‬
‫وأمه هي أم أين‪ ،‬مولة رسول ال وحاضنته‪،‬‬
‫ل يكن شكله الارجي يؤهله لشيء‪ ..‬أي شيء‪..‬‬
‫فهو كما يصفه الرواة والؤرخون‪ :‬أسود‪ ،‬أفطس‪..‬‬
‫أجل‪ ..‬باتي الكلمتي‪ ،‬ل أكثر يلخص التاريخ حديثه عن شكل أسامة‪!!..‬‬
‫ولكن‪ ،‬مت كان السلم يعبأ بالشكال الظاهرة للناس‪..‬؟‬
‫مت‪ ..‬ورسوله هو الذي يقول‪:‬‬
‫" أل ربّ أشعث‪ ،‬أعب‪ ،‬ذي طمرين ل يؤبه له‪ ،‬لو أقسم على ال لبرّه"‪..‬‬
‫فلندع الشكل الارجي لسامة اذن‪..‬‬
‫لندع بشرته السوداء‪ ،‬وأنفه الفطس‪ ،‬فما هذا كله ف ميزان السلم مكان‪..‬‬
‫ولننظر ماذا كان ف ولئه‪..‬؟ ماذا كان ف افتدائه‪..‬؟ ف عظمة نفسه‪ ،‬وامتلء حياته‪..‬؟!‬
‫لقد بلغ من ذلك كله الدى الذي هيأه لذا الفيض من حب رسول ال عليه الصلة والسلم وتقديره‪:‬‬
‫ب الناس الّ‪ ،‬وان لرجو أن يكون من صاليكم‪ ،‬فاستوصوا به خيا"‪.‬‬ ‫" ان أسامة بن زيد لن أح ّ‬
‫**‬
‫كان أسامة رضي ال عنه مالكا لكل الصفات العظيمة الت تعله قريبا من قلب الرسول‪ ..‬وكبيا ف‬
‫عينيه‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فهو ابن مسلمي كريي من أوائل السلمي سبقا ال السلم‪ ،‬ومن أكثرهم ولء للرسول وقربا منه‪.‬‬
‫وهو من أبناء السلم النفاء الذين ولدوا فيه‪ ،‬وتلقوا رضعاتم الول من فطرته النقية‪ ،‬دون أن‬
‫يدركهم من غبار الاهلية الظلمة شيء‪..‬‬
‫وهو رضي ال عنه على حداثة سنه‪ ،‬مؤمن‪ ،‬صلب‪ ،‬ومسلم قوي‪ ،‬يمل كل تبعات ايانه ودينه‪ ،‬ف‬
‫ولء مكي‪ ،‬وعزية قاهرة‪..‬‬
‫وهو مفرط ف ذكائه‪ ،‬مفرط ف تواضعه‪ ،‬ليس لتفانيه ف سبيل ال ورسوله حدود‪..‬‬
‫ث هو بعد هذا‪ ،‬يثل ف الدين الديد‪ ،‬ضحايا اللوان الذين جاء السلم ليضع عنهم أوزار التفرقة‬
‫وأوضارها‪..‬‬
‫فهذا السود الفطس يأخذ ف قلب النب‪ ،‬وف صفوف السلمي مكانا عليّا‪ ،‬لن الدين الذي ارتضاه‬
‫ال لعباده قد صحح معايي الدمية والفضلية بي الناس فقال‪:‬‬
‫( ان أكرمكم عند ال أتقاكم)‪..‬‬
‫وهكذا رأينا رسول ال صلى ال عليه وسلم يدخل مكة يوم الفتح العظيم ورديفه هذا السود‬
‫الفطس أسامة بن زيد‪..‬‬
‫ث رأيناه يدخل الكعبة ف أكثر ساعات السلم روعة‪ ،‬وفوزا‪ ،‬وعن يينه ويساره بلل‪ ،‬وأسامة‪..‬‬
‫رجلن تكسوها البشرة السوداء الداكنة‪ ،‬ولكن كلمة ال الت يملنا ف قلبيهما الكبيين قد أسبغت‬
‫عليهما كل الشرف وكل الرفعة‪..‬‬
‫**‬
‫وف سن مبكرة‪ ،‬ل تاوز العشرين‪ ،‬أمر رسول ال أسامة بن زيد على جيش‪ ،‬بي أفراده وجنوده أبو‬
‫بكر وعمر‪!!..‬‬
‫وسرت ههمة بي نفر من السلمي تعاظمهم المر‪ ،‬واستكثروا على الفت الشاب‪ ،‬أسامة بن زيد‪،‬‬
‫امارة جيش فيه شيوخ النصار وكبار الهاجرين‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وبلغ هسهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فصعد النب‪ ،‬وحد ال وأثن عليه‪ ،‬ث قال‪:‬‬
‫" ان بعض الناس يطعنون ف امارة أسامة بن زيد‪..‬‬
‫ولقد طعنوا ف امارة أبيه من قبل‪..‬‬
‫وان كان أبوه لليقا للمارة‪..‬‬
‫وان أسامة لليق لا‪..‬‬
‫ب الناس الّ بعد أبيه‪..‬‬‫وانه لن أح ّ‬
‫وان لرجو أن يكون من صاليكم‪..‬‬
‫فاستوصوا به خيا"‪..‬‬
‫وتوف رسول ال صلى ال عليه وسلم قبل أن يتحرّك اليش ال غايته ولكنه كان قد ترك وصيته‬
‫الكيمة لصحابه‪:‬‬
‫" أنفذوا بعث أسامة‪..‬‬
‫أنفذوا بعث أسامة‪"..‬‬
‫وهكذا قدّس الليفة أبو بكر هذه الوصاة‪ ،‬وعلى الرغم من الظروف الديدة الت خلفتها وفاة‬
‫الرسول‪ ،‬فان الصدّيق أصرّ على اناز وصيته وأمره‪ ،‬فتحرّك جيش أسامة ال غايته‪ ،‬بعد أن استأذنه‬
‫الليفة ف أن يدع عمر ليبقى ال جواره ف الدينة‪.‬‬
‫وبينما كان امباطور الروم هرقل‪ ،‬يتلقى خب وفاة الرسول‪ ،‬تلقى ف نفس الوقت خب اليش الذي‬
‫يغي على توم الشام بقيادة أسامة بن زيد‪ ،‬فحيّره أن يكون السلمون من القوة بيث ل يؤثر موت‬
‫رسولم ف خططهم ومقدرتم‪.‬‬
‫وهكذا انكمش الروم‪ ،‬ول يعودوا يتخذون من حدود الشام نقط وثوب على مهد السلم ف الزيرة‬
‫العربية‪.‬‬
‫وعاد اليش بل ضحايا‪ ..‬وقال عنه السلمون يومئذ‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" ما رأينا جيشا أسلم من جيش أسامة"‪!!..‬‬


‫**‬
‫وذات يوم تلقى أسامة من رسول ال درس حياته‪ ..‬درسا بليغا‪ ،‬عاشه أسامة‪ ،‬وعاشته حياته كلها‬
‫منذ غادرهم الرسول ال الرفيق العلى ال أن لقي أسامة ربه ف أواخر خلفة معاوية‪.‬‬
‫قبل وفاة الرسول بعامي بعثه عليه السلم أميا على سريّة خرجت للقاء بعض الشركي الذين‬
‫يناوئون السلم والسلمي‪.‬‬
‫وكانت تلك أول امارة يتولها أسامة‪..‬‬
‫ولقد أحرز ف مهمته النجاح والفوز‪ ،‬وسبقته أنباء فوزه ال رسول ال صلى ال عليه وسلم وفرح با‬
‫وسر‪.‬‬
‫ولنستمع ال أسامة يروي لنا بقية النبأ‪:‬‬
‫"‪ ..‬فاتيت النب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقد اتاه البشي بالفتح‪ ،‬فاذا هو متهلل وجهه‪ ..‬فأدنان منه ث‬
‫قال‪:‬‬
‫حدّثن‪..‬‬
‫فجعلت أحدّثه‪ ..‬وذكرت أنه لا انزم القوم أدركت رجل وأهويت اليه بالرمح‪ ،‬فقال ل اله ال ال‬
‫فطعنته وقتلته‪.‬‬
‫فتغيّر وجه الرسول صلى ال عليه وسلم وقال‪:‬‬
‫ويك يا أسامة‪!..‬‬
‫فكيف لك بل اله ال ال‪..‬؟‬
‫ويك يا أسامة‪..‬‬
‫فكيف لك بل اله ال ال‪..‬؟‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فلم يزل يرددها عليّ حت لوددت أن انسلخت من كل عمل عملته‪ .‬واستقبلت السلم يومئذ من‬
‫جديد‪.‬‬
‫فل وال ل أقاتل أحدا قال ل اله ال ال بعدما سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫**‬
‫هذا هو الدرس العظيم الذي وجّه جياة أسامة البيب بن البيب منذ سعه من رسول ال ال أن‬
‫رحل عن الدينا راضيا مرضيّا‪.‬‬
‫وانه لدرس بليغ‪.‬‬
‫درس يكشف عن انسانية الرسول‪ ،‬وعدله‪ ،‬وسوّ مبادئه‪ ،‬وعظمة دينه وخلقه‪..‬‬
‫فهذا الرجل الذي أسف النب لقتله‪ ،‬وأنكر على أسامة قتله‪ ،‬كان مشركا وماربا‪..‬‬
‫وهو حي قال‪ :‬ل اله ال ال‪ ..‬قالا والسيف ف يينه‪ ،‬تتعلق به مزغ اللحم الت نشها من أجساد‬
‫السلمي‪ ..‬قالا لينجو با من ضربة قاتلة‪ ،‬أو ليهيء لنفسه فرصة يغي فيها اتاهه ث يعاود القتال من‬
‫جديد‪..‬‬
‫ومع هذا‪ ،‬فلنه قالا‪ ،‬وترّك با لسانه‪ ،‬يصي دمه حراما وحياته آمنة‪ ،‬ف نفس اللحظة‪ ،‬ولنفس‬
‫السبب‪!..‬‬
‫ووعى أسامة الدرس ال منتهاه‪..‬‬
‫فاذا كان هذا الرجل‪ ،‬ف هذا الوقف‪ ،‬ينهى الرسول عن قتله لجرّد أنه قل‪ :‬ل اله ال ال‪ ..‬فكيف‬
‫بالذين هم مؤمنون حقا‪ ،‬ومسلمون حقا‪..‬؟‬
‫وهكذا رأيناه عندما نشبت الفتنة الكبى بي المام علي وأنصاره من جانب‪ ،‬ومعاوية وأنصاره من‬
‫جانب آخر‪ ،‬يلتزم حيادا مطلقا‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫كان يبّ عليّا أكثر الب‪ ،‬وكان يبصر الق ال جانبه‪ ..‬ولكن كيف يقتل بسيفه مسلما يؤمن بال‬
‫وبرسله‪ ،‬وهو لذي لمه الرسول لقتله مشركا ماربا قال ف لظة انكساره وهروبه‪ :‬ل اله ال‬
‫ال‪..‬؟؟!!‬
‫هنالك أرسل ال المام علي رسالة قال فيها‪:‬‬
‫" انك لو كنت ف شدق السد‪،‬‬
‫لحببت أن أدخل معك فيه‪.‬‬
‫ولكن هذا أمر ل أره"‪!!..‬‬
‫ولزم داره طوال هذا الناع وتلك الروب‪..‬‬
‫وحي حاءه بعض أصحابه يناقشونه ف موقفه قال لم‪:‬‬
‫" ل أقاتل أحدا يقول ل اله ال ال أبدا"‪.‬‬
‫قال أحدهم له‪ :‬أل بقل ال‪ ( :‬وقاتلوهم حت ل تكون فتنة ويكون الدين كله ل)‪..‬؟؟‬
‫فأجابم أسامة قائل‪:‬‬
‫" أولئك هم الشركون‪ ،‬ولقد قاتلناهم حت ل تكن فتنة وكان الدين كله ل"‪..‬‬
‫وف العام الرابع والمسي من الجرة‪ ..‬اشتاق أسامة للقاء ال‪ ،‬وتلملمت روحه بي جوانه‪ ،‬تريد‬
‫أن ترجع ال وطنها الول‪..‬‬
‫وتفتحت أبواب النان‪ ،‬لتستقبل واحدا من البرار التقي‪.‬‬
‫عبدالرحن بن أب بكر‬
‫بطل حت النهاية‬
‫هو صورة مبيّنة للخلق العرب بكل أعماقه‪ ،‬وأبعاده‪..‬‬
‫فبينما كان أبوه أول الؤمني‪ ..‬والصدّيق الذي آمن برسوله ايانا ليس من طراز سواه‪ ..‬وثان اثني اذ‬
‫ها ف الغار‪..‬كان هو صامدا كالصخر مع دين قومه‪ ،‬وأصنام قريش‪!!.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وف غزوة بدر‪ ،‬خرج مقاتل مع جيش الشركي‪..‬‬


‫وف غزوة أحد كان كذلك على رأس الرماة الذين جنّدتم قريش لعركتها مع السلمي‪..‬‬
‫وقبل أن يلتحم اليشان‪ ،‬بدأت كالعادة جولة البارزة‪..‬‬
‫ووقف عبدالرحن يدعو اليه من السلمي من يبارزه‪..‬‬
‫ونض أبو أبو بكر الصدّيق رضي ال عنه مندفعا نوه ليبارزه‪ ،‬ولكن الرسول أمسك به وحال بينه‬
‫وبي مبارزة ولده‪.‬‬
‫**‬
‫ان العرب الصيل ل ييزه شيء مثلما ييزه ولؤه الطلق لقتناعه‪..‬‬
‫اذا اقتنع بدين أو فكرة استبعده اقتناعه‪ ،‬ول يعد للفكاك منه سبيل‪ ،‬اللهمّ ال اذا ازاحه عن مكانه‬
‫اقتناع جديد يل عقله ونفسه بل زيف‪ ،‬وبل خداع‪.‬‬
‫فعلى الرغم من اجلل عبدالرحن أباه‪ ،‬وثقته الكاملة برجاحة عقله‪ ،‬وعظمة نفسه وخلقه‪ ،‬فان ولءه‬
‫لقتناعه بقي فارضا سيادته عليه‪.‬‬
‫ول يغره اسلم أبيه باتباعه‪.‬‬
‫وهكذا بقي واقفا مكانه‪ ،‬حامل مسؤولية اقتناعه وعقيدته‪ ،‬يذود عن آلة قريش‪ ،‬ويقاتل تت لوائها‬
‫قتال الؤمني الستميتي‪..‬‬
‫والقوياء الصلء من هذا الطراز‪ ،‬ل يفى عليهم الق وان طال الدى‪..‬‬
‫فأصالة جوهرهم‪ ،‬ونور وضوحهم‪ ،‬يهديانم ال الصواب آخر المر‪ ،‬ويمعانم على الدى والي‪.‬‬
‫ولقد دقت ساعة القدار يوما‪ ،‬معلنة ميلدا جديدا لعبدالرحن بن أب بكر الصدّيق‪..‬‬
‫لقد أضاءت مصابيح الدى نفسه فكنست منها كل ما ورثته الاهلية من ظلم وزيف‪ .‬ورأى ال‬
‫الواحد الحد ف كل ما حوله من كائنات وأشياء‪ ،‬وغرست هداية ال ظلها ف نفسه وروعه‪ ،‬فاذا هو‬
‫من السلمي‪!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ومن فوره نض مسافرا ال رسول ال‪ ،‬أوّأبا ال دينه الق‪.‬‬


‫وتألق وجه أب بكر تت ضوء الغبطة وهو يبصر ولده يبايع رسول ال‪.‬‬
‫لقد كان ف كفره رجل‪ ..‬وها هو ذا يسلم اليوم اسلم الرجال‪ .‬فل طمع يدفعه‪ ،‬ول خوف يسوقه‪.‬‬
‫وانا هو اقتناع رشيج سديد أفاءته عليه هداية ال وتوفيقه‪.‬‬
‫وانطلق عبدالرحن يعوّض ما فاته ببذل أقصى الهد ف سبيل ال‪ ،‬ورسوله والؤمني‪...‬‬
‫**‬
‫ف أيام الرسول عليه صلة ال وسلمه‪ ،‬وف أيام خلفائه من بعده‪ ،‬ل يتخلف عبدالرحن عن غزو‪،‬‬
‫ول يقعد عن جهاد مشروع‪..‬‬
‫ولقد كان له يوم اليمامة بلء عظيم‪ ،‬وكان لثياته واستبساله دور كبي ف كسب العركة من جيش‬
‫مسيلمة والرتدين‪ ..‬بل انه هو الذي أجهز على حياة مكم بن الطفيل‪ ،‬والذي كان العقل الدبر‬
‫لسيلمة‪ ،‬كما كان يمي بقوته أهم مواطن الصن الذي تصّن جيش الردّة بداخله‪ ،‬فلما سقط مكم‬
‫بضربة من عبدالرحن‪ ،‬وتشتت الذين حوله‪ ،‬انفتح ف الصن مدخل واسع كبي تدفقت منه مقاتلة‬
‫السلمي‪..‬‬
‫وازدادت خصال عبدالرحن ف ظل السلم مضاء وصقل‪..‬‬
‫فولؤه لقتناعه‪ ،‬وتصميمه الطلق على اتباع ما يراه صوابا وحقا‪ ،‬ورفضه الداجاة والداهنة‪...‬‬
‫كل هذا اللق ظل جوهر شخصيته وجوهر حياته‪ ،‬ل يتخل عنه قط تت اغراء رغبة‪ ،‬أو تأثي رهبة‪،‬‬
‫حت ف ذلك اليوم الرهيب‪ ،‬يوم قرر معاوية أن يأخذ البيعة ليزيد بد الشيف‪ ..‬فكتب ال مروان‬
‫عامله بالدينة كتاب البيعة‪ ،‬وأمره ان يقرأه على السلمي ف السجد‪..‬‬
‫وفعل مروان‪ ،‬ول يكد يفرغ من قراءته حت نض عبدالرحن بن أب بكر ليحول الوجوم الذي ساد‬
‫السجد ال احتجاج مسموع ومقاومة صادعة فقال‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" وال ما الخيار أردت لمة ممد‪ ،‬ولكنكم تريدون أن تعلوها هرقلية‪ ..‬كلما مات هرقل قام‬
‫هرقل"‪!!..‬‬
‫لقد رأى عبدالرحن ساعتئذ كل الخطار الت تنتظر السلم لو أنز معاوية أمره هذا‪ ،‬وحوّل الكم‬
‫ف السلم من شورى تتار با المة حاكمها‪ ،‬ال قيصرية أو كسروية تفرض على المة بكم اليلد‬
‫والصادفة قيصرا وراء قيصر‪!!..‬‬
‫**‬
‫ل يكد عبدالرحن يصرخ ف وجه مروان بذه الكلمات القوارع‪ ،‬حت أيّده فريق من السلمي على‬
‫رأسهم السي بن علي‪ ،‬وعبدال بن الزبي‪ ،‬وعبدال بن عمر‪..‬‬
‫ولقد طرأت فيما بعد ظروف قاهرة اضطرت السي وابن الزبي وابن عمر رضي ال عنهم ال‬
‫الصمت تاه هذه البيعة الت قرر معاوية أن يأخذها بالسيف‪..‬‬
‫لكن عبدالرحن بن أب بكر ظل يهر ببطلن هذه البيعة‪ ،‬وبعث اليه معاوية من يمل مائة ألف‬
‫درهم‪ ،‬يريد أن يتألفه با‪ ،‬فألقاها ابن الصدّيق بعيدا وقال لرسول معاوية‪:‬‬
‫" ارجع اليه وقل له‪ :‬ان عبدالرحن ل يبيع دينه بدنياه"‪..‬‬
‫ولا علم بعد ذلك أن معاوية يشدّ رحاله قادما ال الدينة غادرها من فوره ال مكة‪..‬‬
‫وأراد ال أن يكفيه فتنة هذا الوقف وسوء عقباه‪..‬‬
‫فلم يكد يبلغ مشارف مكة ويستقر با حت فاضت ال ال روحه‪ ،،‬وحله الرجال على العناق ال‬
‫أعال مكة حيث دفن هناك‪ ،‬تت ثرى الرض الت شهدت جاهليته‪..‬‬
‫وشهدت اسلمه‪!!..‬‬
‫وكان اسلم رجل صادق‪ ،‬حرّ شجاع‪...‬‬
‫عبدال بن عمرو بن العاص‬
‫القانت الوّاب‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫القانت‪ ،‬التائب‪ ،‬العابد‪ ،‬الواب‪ ،‬الذي نستها الديث عنه الن هو‪ :‬عبدال بن عمرو بن العاص‪..‬‬
‫بقجر ما كان أبوه أستاذا ف الدكاء والدهاء وسعة اليلة‪ ..‬كان هو أستاذا ذا مكانة عالية بي‬
‫العابدين الزاهدين‪ ،‬الواضحي‪..‬‬
‫لقد أعطى العبادة وقته كله‪ ،‬وحياته ملها‪..‬‬
‫وثل بلوة اليان‪ ،‬فلم يعد الليل والنهار يتسعان لتعبّده ونسكه‪..‬‬
‫**‬
‫ولقد سبق أباه ال السلم‪ ،‬ومنذ وضع يينه ف يي الرسول صلى ال عليه وسلم مبايعا‪ ،‬وقلبه‬
‫مضاء كالصبح النضي بنور ال ونور طاعته‪..‬‬
‫عكف أول على القرآن الذي كان يتنل منجّما‪ ،‬فكان كلما نزلت منه آيات حفظها وفهمها‪ ،‬حت‬
‫اذا ّت واكتمل‪ ،‬كان لميعه حافظا‪..‬‬
‫ول يكن يفظه ليكون مرّد ذاكرة قوية‪ ،‬تضمّ بي دفتيها كتابا مفوظا‪..‬‬
‫بل كان يفظه ليعمر به قلبه‪ ،‬وليكون بعد هذا عبده الطيع‪ ،‬يلّ ما أحلّ‪ ،‬ويرّم ما يرّم‪ ،‬ويتجيب له‬
‫ف كل ما يدعو اليه ث يعكف على قراءته‪ ،‬وتدبّره وترتيله‪ ،‬متأنقا ف روضاته اليانعات‪ ،‬مبور النفس‬
‫با تفيئه آياته الكرية من غبطة‪ ،‬باكي العي با تثيه من خشية‪!!..‬‬
‫كان عبدال قد خلق ليكون قد‬
‫قدّيسا عابدا‪ ،‬ول شيء ف الدنيا كان قادرا على أن يشغله عن هذا الذي خلق له‪ ،‬وهدي اليه‪..‬‬
‫اذا خرج جيش السلم ال جهاد يلقي فيه الشركي الذين يشنون عليه لروب والعداوة‪ ،‬وجدناه ف‬
‫مقدمة الصفوف يتمن الشهادة بروح مب‪ ،‬والاح عاشق‪!!..‬‬
‫فاذا وضعت الرب أوزارها‪ ،‬فأين نراه‪..‬؟؟‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫هناك ف السجد الامع‪ ،‬أو ف مسجد داره‪ ،‬صائم ناره‪ ،‬قائم ليله‪ ،‬ل يعرف لسانه حديثا من‬
‫أحاديث الدنيا مهما يكن حلل‪ ،‬انا هو رطب دائما بذكر ال‪ ،‬تاليا قرآنه‪ ،‬أو مسبّحا بمده‪ ،‬أو‬
‫مستغفرا لذنبه‪..‬‬
‫وحسبنا ادراكا لبعاد عبادته ونسكه‪ ،‬أن نرى الرسول الذي جاء يدعو الناس ال عبادة ال‪ .‬يد نفسه‬
‫مضطرا للتدخل كما يد من ايغال عبدال ف العبادة‪!!..‬‬
‫وهكذا اذا كان أحد وجهي العظة ف حياة عبدال بن عمرو‪ ،‬الكشف عما تزخر به النفس النسانية‬
‫من قدرة فائقة على بلوغ أقضى درجات التعبّد والتجرّد والصلح‪ ،‬فان وجهها الخر هو حرص‬
‫الدين على القصد والعتدال ف نشدان كل تفوّق واكتمال‪ ،‬حت يبقى للنفس حاستها وأشواقها‪..‬‬
‫وحت تبقى للجسد عافيته وسلمته‪!!..‬‬
‫لقد علم رسول ال صلى ال عليه وسلم أن عبدال بن عمرو بن العاص يقضي حياته على وتية‬
‫واحدة‪..‬‬
‫وما ل يكن هناك خروج ف غزوة فان أيامه كلها تتلخص ف أنه من الفجر ال الفجر ف عبادة‬
‫موصولة‪ ،‬صيام وصلة‪ ،‬وتلوة قرآن‪..‬‬
‫فاستدعاه النب اليه‪ ،‬وراح يدعوه ال القصد ف عبادته‪..‬‬
‫قال له الرسول عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫" أل اخب أنك تصوم الناهر‪ ،‬ول تفطر‪ ،‬وتصلي الليل ل تنام‪..‬؟؟‬
‫فحسبك أن تصوم من كل شهر ثلثة أيام‪..‬‬
‫قال عبدال‪:‬‬
‫ان أطيق أكثر من ذلك‪..‬‬
‫قال النب صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫فحسبك ان تصوم من كل جعة يومي‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫قال عبدال‪:‬‬
‫فان أطيق أكثر من ذلك‪..‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫فهل لك اذن ف خي الصيام‪ ،‬صيام داود‪ ،‬كان يصوم يوما ويفطر يوما‪..‬‬
‫وعاد الرسول عليه الصلة والسلم يسأله قائل‪:‬‬
‫وعلمت أنك تمع القرآن ف ليلة‬
‫وان أخشى أن يطول بك العمر‬
‫وأن تلّ قراءته‪!!..‬‬
‫اقرأه ف كل شهر مرّة‪..‬‬
‫اقرأه ف كل عشرة أيام مرّة‪..‬‬
‫اقرأه ف كل ثلث مرّة‪..‬‬
‫ث قال له‪:‬‬
‫ان أصوم وأفطر‪..‬‬
‫وأصلي وأنام‪.‬‬
‫وأتزوج النساء‪ ،‬فمن رغب عن سنت‬
‫فليس من"‪.‬‬
‫ولقد عمّر عبدال بن عمرو طويل‪ ..‬ولا تقدمت به السن ووهن منه العظم كان يتذكر دائما نصح‬
‫الرسول فيقول‪:‬‬
‫" يا ليتن قبلت رخصة رسول ال"‪..‬‬
‫**‬
‫ان مؤمنا من هذا الطراز ليصعب العثور عليه ف معركة تدور رحاها بي جاعتي من السلمي‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فكيف حلته ساقاه اذن من الدينة ال صفي حيث أخذ مكانا ف جيش معاوية ف صراعه مع المام‬
‫علي‪..‬؟‬
‫الق أن موقف عبدال هذا‪ ،‬جدير بالتدبّر‪ ،‬بقدر ما سيكون بعد فهمنا له جديرا بالتوقي والجلل‪..‬‬
‫رأينا كيف كان عبدال بن عمرو مقبل على العبادة اقبال كاد يشكّل خطرا حقيقيا على حياته‪،‬‬
‫المر الذي كان يشغل بال أبيه دائما‪ ،‬فيشكوه ال رسول ال كثيا‪.‬‬
‫وف الرة الخية الت امره الرسول فيها بالقصد ف العبادة وحدد له مواقيتها كان عمرو حاضرا‪ ،‬فأخذ‬
‫الرسول يد عبدال‪ ،‬ووضعها ف يد عمرو ابن العاص أبيه‪ ..‬وقال له‪:‬‬
‫" افعل ما أمرتك‪ ،‬وأطع أباك"‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن عبدال‪ ،‬كان بدينه وبلق‪ ،‬مطيعا لبويه فقد كان أمر الرسول له بذه الطريقة وف‬
‫هذه الناسبة ذا تأثي خاص على نفسه‪.‬‬
‫وعاش عبدال بن عمرو عمره الطويل ل ينسى لظة من نار تلك العبارة الوجزة‪.‬‬
‫" افعل ما أمرتك‪ ،‬وأطع أباك"‪.‬‬
‫**‬
‫وتتابعت ف موكب الزمن أعوام وأيام‬
‫ورفض معاوية بالشام أن يبايع عليا‪..‬‬
‫ورفض علي أن يذعن لتمرّد غي مشروع‪.‬‬
‫وقامت الرب بي طائفتي من السلمي‪ ..‬ومضت موقعة المل‪ ..‬وجاءت موقعة صفي‪.‬‬
‫كان عمر بن العاص قد اختار طريقه ال جوار معاوية وكان يدرك مدى اجلل السلمي لبنه عبدال‬
‫ومدى ثقتهم ف دينه‪ ،‬فأراد أن يمله على الروج ليكسب جانب معاوية بذلك الروجكثيا‪..‬‬
‫كذلك كان عمرو يتفاءل كثيا بوجود عبدال ال جواره ف قتا‪ ،‬وهو ل ينسى بلءه معه ف فتوح‬
‫الشام‪ ،‬ويوم اليموك‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فحي همّ بالروج ال صفي دعاه اليه وقال له‪:‬‬


‫يا عبدال تيأ للخروج‪ ،‬فانك ستقاتل معنا‪..‬‬
‫وأجابه عبدال‪:‬‬
‫" كيف وقد عهد الّ رسول ال صلى ال عليه وسلم أل أضع سيفا ف عنق مسلم أبدا‪..‬؟؟‬
‫وحاول عمرو بدهائه اقناعه بأنم انا يريدون بروجهم هذا أن يصلوا ال قتلة عثمان وأن يثأروا لدمه‬
‫الزكيّ‪.‬‬
‫ث ألقى مفاجأته الاسة قائل لولده‪:‬‬
‫" أتذكر يا عبدال‪ ،‬آخر عهد عهده رسول ال صلى ال عليه وسلم حي أخذ بيدك فوضعها ف يدي‬
‫وقال لك‪ :‬أطع أباك؟‪..‬‬
‫فان أعزم عليك الن أن ترج معنا وتقاتل"‪.‬‬
‫وخرج عبدال بن عمرو طاعة لبيه‪ ،‬وف عزمه ال يمل سيفا ول يقا مسلما‪..‬‬
‫ولكن كيف يتم له هذا‪..‬؟؟‬
‫حسبه الن أن يرج مع أبيه‪ ..‬أما حي تكون العركة فلله ساعتئذ امر يقضيه‪!..‬‬
‫ونشب القتال حاميا ضاريا‪..‬‬
‫ويتاف الؤرخون فيما اذا كان عبدال قد اشترك ف بدايته أم ل‪..‬‬
‫ونقول‪ :‬بدايته‪ ..‬لن القتال ل يلبث ال قليل‪ ،‬حت وقعت واقعة جعلت عبدال بن عمرو يأخذ مكانه‬
‫جهارا ضدّ الرب‪ ،‬وضدّ معاوية‪..‬‬
‫وذلك ان عمّار بن ياسر كان يقاتل مع عليّ وكان عمّار موضع اجلل مطلق من أصحاب الرسول‪..‬‬
‫وأكثر من هذا‪ ،‬فقد تنبأ ف يوم بعيد بصرعه ومقتله‪.‬‬
‫كان ذلك والرسول وأصحابه يبنون مسجدهم بالدينة اثر هجرتم اليها‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وكانت الحجار عاتية ضخمة ل يطيق أشد الناس قوة أن يمل منها أكثر من حجر واحد‪ ..‬لكن‬
‫عمارا من فرط غبطته وتشوته‪ ،‬راح يمل حجرين حجرين‪ ،‬وبصر به الرسول فتمله بعيني دامعتي‬
‫وقال‪:‬‬
‫" ويح ابن سيّة‪ ،‬تقتله الفئة الباغية"‪.‬‬
‫سع كل اصحاب رسول ال الشتركي ف البناء يومئذ هذه النبوءة‪ ،‬ول يزالون لا ذاكرين‪.‬‬
‫وكان عبدال بن عمر أحد الذين سعوا‪.‬‬
‫وفد بدء القتال بي جاعة عليّ وجاعة معاوية‪ ،‬كان عمّار يصعد الرواب ويرّض بأعلى صوته‬
‫ويصيح‪.‬‬
‫" اليوم نلقى الحبة‪ ،‬ممدا وصحبه"‪.‬‬
‫وتواصى بقتله جاعة من جيش معاوية‪ ،‬فسددوا نوه رمية آثة‪ ،‬نقلته ال عال الشهداء البرار‪.‬‬
‫وسرى النبأ كالريح أن عمّار قد قتل‪..‬‬
‫ض عبدال بن عمرو ثائرا مهتاجا‪:‬‬ ‫وانق ّ‬
‫أوقد قتل عمار‪..‬؟‬
‫وأنتم قاتلوه‪..‬؟‬
‫اذن انتم الفئة الباغية‪.‬‬
‫أنتم القاتلون على ضللة‪!!..‬‬
‫وانطلق ف جيش معاوية كالنذير‪ ،‬يثبط عزائمهم‪ ،‬ويهتف فيهم أنم بغاة‪ ،‬لنم قتلوا عمارا وقد تنبأ له‬
‫الرسول منذ سبع وعشرين سنة على مل من السلمي بأنه ستقتله الفئة الباغية‪..‬‬
‫وحلت مقالة عبدال ال معاوية‪ ،‬ودعا عمرا وولده عبدال‪ ،‬وقال لعمرو‪:‬‬
‫" أل تكف عنا منونك هذا‪..‬؟‬
‫قال عبدال‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ما أنا بجنون ولكن سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول لعمار‪ :‬تقتلك الفئة الباغية‪.‬‬
‫فقال له معاوية‪:‬‬
‫فلم خرجت معنا‪:‬؟‬
‫قال عبدال‪:‬‬
‫لن رسول ال أمرن أن أطيع أب‪ ،‬وقد أطعته ف الروج‪ ،‬ولكن ل أقاتل معكم‪.‬‬
‫واذ ها يتحاوران دخل على معاوية من يستأذن لقاتل عمار ف الدخول‪ ،‬فصاح عبدال بن عمرو‪:‬‬
‫ائذن له وبشره بالنار‪.‬‬
‫وأفلتت مغايظ معوية على الرغم من طول أناته‪ ،‬وسعة حلمه‪ ،‬وصاح بعمرو‪ :‬أو ما تسمع ما يقول‪..‬‬
‫وعاد عبدال ف هدوء التقي واطمئنانم‪ ،‬يؤكد لعاوية أنه ما قال ال الق‪ ،‬وأن الذين قتلوا عمارا‬
‫ليسوا ال بغاة‪..‬‬
‫والتفت صوب أبيه وقال‪:‬‬
‫لول أن رسول ال أمرن بطاعتك ما سرت معكم هذا السي‪.‬‬
‫وخرج معاوية وعمرو يتفقدان جيشهما‪ ،‬فروّعا حي سعوا الناس جيعا يتحدثون عن نبوءة الرسول‬
‫لعمار‪:‬‬
‫تقتلك الفئة الباغية‪.‬‬
‫وأحس عمرو ومعاوية أن هذه الهمة توشك أن تتحول ال نكوص عن معاوية وترّد عليه‪ ..‬ففكرا‬
‫حت وجدا حيلتهما الت مضيا يبثانا ف الناس‪..‬‬
‫قال‪:‬‬
‫نعم ان رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لعمار ذات يوم‪:‬‬
‫تقتلك الفئة الباغية‪..‬‬
‫ونبوءة الرسول حق‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وها هو ذا عمار قد قتل‪..‬‬


‫فمن قتله‪..‬؟؟‬
‫انا قتله الذين خرجوا به‪ ،‬وحلوه معهم ال القتال"‪!!..‬‬
‫وف مثل هذا الرج يكن لي منطق أن يروّج‪ ،‬وهكذا راج منطق معاوية وعمرو‪..‬‬
‫واستأنف الفريقان القتال‪..‬‬
‫وعاد عبدال بن عمرو ال مسجده‪ ،‬وعبادته‪..‬‬
‫**‬
‫وعاش حياته ل يلؤها بغي مناسكه وتعبّده‪..‬‬
‫غي أن خروجه ال صفي مرّد خروجه‪ ،‬ظل مبعوث قلق له على الدوام‪ ..‬فكان ل تلم به الذكرى‬
‫حت يبكي ويقول‪:‬‬
‫" مال ولصفي‪..‬؟؟‬
‫مال ولقتال السلمي"‪..‬؟‬
‫**‬
‫وذات يوم وهو جالس ف مسجد الرسول مع بعض أصحابه مرّ بم السي بن علي رضي ال‬
‫عنهما‪ ،‬وتبادل السلم‪..‬‬
‫ولا مضى عنهم قال عبدال لن معه‪:‬‬
‫" أتبون أن أخبكم بأحب أهل الرض ال أهل السماء‪..‬؟‬
‫انه هذا الذي مرّ بنا الن‪.‬ز السي بن علي‪..‬‬
‫وانه ما كلمن منذ صفي‪..‬‬
‫ولن يرضى عن أحب الّ من حر النعم"‪!!..‬‬
‫واتفق مع أب سعيد الدري على زيارة السي‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وهناك ف دار السي ت لقاء الكرمي‪..‬‬


‫وبدأ عبدال بن عمرو الديث‪ ،‬فأتى على ذكر صفي فسأله السي معاتبا‪:‬‬
‫" ما الذي حلك على الروج مع معاوية"‪..‬؟؟‬
‫قال عبدال‪:‬‬
‫" ذات يوم شكان عمرو بن العاص ال رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال له‪:‬‬
‫" ان عبدال يصوم النهار كله‪ ،‬ويقوم الليل كله‪.‬‬
‫فقال ل رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫يا عبدال صل ون‪ ..‬وصم وافطر‪ ..‬وأطع أباك‪..‬‬
‫ولا كان يوم صفي أقسم عليّ أب أن أخرج معهم‪ ،‬فخرجت‪..‬‬
‫ولكن وال ما اخترطت سيفا‪ ،‬ول طعنت برمح‪ ،‬ول رميت بسهم"‪!!..‬‬
‫وبينما هو يتوقل الثانية والسبعي من عمره البارك‪..‬‬
‫واذ هو ف مصله‪ ،‬يتضرّع ال ربه‪ ،‬ويسبّح بمده دعي ال رحلة البد‪ ،‬فلب الدعاء ف شوق عظيم‪..‬‬
‫وال اخوانه الذين سبقوه بالسن‪ ،‬ذهبت روحه تسعى وتطي‪..‬‬
‫والبشي يدعوها من الرفيق العلى‪:‬‬
‫( يا أيتها النفس الطمئنة‪..‬‬
‫ارجعي ال ربك راضية مرضية‬
‫فادخلي ف عبادي وادخلي جنت)‪..‬‬
‫أبو سفيان بن الارث‬
‫من الظلمات ال النور‬
‫انه أبو سفيان آخر‪ ،‬غي أبو سفيان بن حرب‪..‬‬
‫وان قصته‪ ،‬هي قصة الدى بعد الضلل‪ ..‬والب بعد الكراهية‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫والسعادة بعد الشقوة‪..‬‬


‫هي قصة رحة ال الواسعة حي تفتح أبوابا اللجئ ألقى نفسه بي يدي ال بعد أن أضناه طول‬
‫اللغوب‪!!..‬‬
‫تصوّروا بعد عشرين عاما قضاها ابن الارث ف عداوة موصولة للسلم‪!!..‬‬
‫عشرون عاما منذ بعث النب عليه السلم‪ ،‬حت اقترب يوم الفتح العظيم‪ ،‬وأبو سفيان بن الارث يشدّ‬
‫أزر قريش وحلفائها‪ ،‬ويهجو الرسول بشعره‪ ،‬ول يكاد يتخلف عن حشد تشده قريش لقتال‪!!..‬‬
‫وكان اخوته الثلثة‪ :‬نوفل‪ ،‬وربيعة‪ ،‬وعبدال قد سبقوه ال السلم‪..‬‬
‫وأبو سفيان هذا‪ ،‬ابن عم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬اذ هو ابن الارث بن عبدالطلب‪..‬‬
‫ث هو أخو النب صلى ال عليه وسلم من الرضاعة‪ ،‬اذ أرضعته حليمة السعدية مرضعة الرسول بضعة‬
‫أيام‪..‬‬
‫وذات يوم نادته القدار لصيه السعيد‪ ،‬فنادى ولده جعفرا‪ ،‬وقال لهله‪ :‬انا مسافران‪..‬‬
‫ال أين يا بن الارث‪..‬‬
‫ال رسول ال لنسلم معه ل رب العالي‪..‬‬
‫ومضى يقطع الرض بفرسه ويطويها طيّ التائبي‪..‬‬
‫وعند البواء أبصر مقدمة جيش لب‪ .‬وأدرك أنه الرسول قاصدا مكة لفتحها‪.‬‬
‫وفكّر ماذا يصنع‪..‬؟‬
‫ان الرسول قد أهدر دمه من طول ما حل سيفه ولسانه ضد السلم‪ ،‬مقاتل وهاجيا‪..‬‬
‫فاذا رآه أحد من اليش‪ ،‬فسيسارع ال القصاص منه‪..‬‬
‫وان عليه أن يتال للمر حت يلقي نفسه بي يدي رسول ال أول‪ ،‬وقبل أن تقع عليه عي أحد من‬
‫السلمي‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وتنكّر أبو سفيان بن الارث حت أخفى معاله‪ ،‬وأخذ بيد ابنه جعفر‪ ،‬وسار مشيا على القدام شوطا‬
‫طويل‪ ،‬حت أبصر رسول ال قادما ف كوكبة من أصحابه‪ ،‬فتنحّى حت نزل الركب‪..‬‬
‫وفجأة ألقى بنفسه أمام رسول ال مزيا قناعه فعرفه الرسول‪ ،‬وحو ل وجهه عنه‪ ،‬فأتاه أبو سفيان من‬
‫الناحية أخرى‪ ،‬فأعرض النب صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وصاح أبو سفيانوولده جعفر‪:‬‬
‫" نشهد أن ل اله ال ال‬
‫ونشهد أن ممدا رسول ال"‪.‬‬
‫واقترب من النب صلى ال عليه وسلم قائل‪:‬‬
‫" ل تثريب يا رسول ال"‪..‬‬
‫وأجابه الرسول‪:‬‬
‫" ل تثريب يا أبا سفيان‪.‬‬
‫ث أسلمه ال علي بن أب طالب وقال له‪:‬‬
‫" علم ابن عمّك الوضوء والسنة ورح به الّ"‪..‬‬
‫وذهب به علي ث رجع فقال له الرسول‪:‬‬
‫" ناد ف الناس أن رسول ال قد رضي عن أب سفيان فارضوا عنه"‪..‬‬
‫لظة زمن‪ ،‬يقول ال لا‪ :‬كون مباركة‪ ،‬فتطوي آمادا وأبعادا من الشقوة والضلل‪ ،‬وتفتح أبواب‬
‫رحة ما لا حدود‪!!..‬‬
‫لقد كاد أبو سفيان يسلم‪ ،‬بعد أن رأى ف بدر وهو يقاتل مع قريش ما حيّر لبّه‪..‬‬
‫ففي تلك الغزوة تلّف أبو لب وأرسل مكانه العاص بن هشام‪..‬‬
‫وانتظر أبو لب أخبار العركة بفارغ الصب وبدأت النباء تأت حاملة هزية قريش النكرة‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وذات يوم‪ ،‬أ[و لب مع تفر من القرشيي يلسون عند زمزم‪ ،‬اذ أبصروا فارسا مقبل فلما دنا منهم‬
‫اذا هو‪ :‬أبو سفيان بن الارث‪ ..‬ول يهله أبو لب‪ ،‬فناداه‪ ":‬هل ّم الّ يا بن أخي‪ .‬فعندك لعمري‬
‫الب‪ ..‬حدثنا كيف كان أمر الناس"؟؟‬
‫قال أبو سفيان بن الارث‪:‬‬
‫" وال نا هو ال أن أن لقينا القوم حت منحناهم أكتافنا‪ ،‬يقتلوننا كيف شاءوا‪ ،‬ويأسروننا كيف‬
‫شاءوا‪..‬‬
‫وأي ال ما لت قريشا‪ ..‬فلقد لقينا رجال بيضا على خيل بلق‪ ،‬بي السماء والرض‪ ،‬ما يشبهها شيء‪،‬‬
‫ول يقف أمامها شيء"‪!!..‬‬
‫وأبو سفيان يريد بذا أن اللئكة كانت تقاتل مع الرسول والسلمي‪..‬‬
‫فما باله ل يسلم يومئذ وقد رأى ما رأى‪..‬؟؟‬
‫ان الشك طريق اليقي‪ ،‬وبقدر ما كانت شكوك أب الارث عنيدة وقوية‪ ،‬فان يقينه يوم ييء سيكون‬
‫صلبا قويا‪..‬‬
‫ولقد جاء يوم يقينه وهداه‪ ..‬وأسلم ل رب العالي‪..‬‬
‫**‬
‫ومن أول لظات اسلمه‪ ،‬راح يسابق الزمان عابدا‪ ،‬وماهدا‪ ،‬ليمحو آثار ما ضيه‪ ،‬وليعوّض‬
‫خسائره فيه‪..‬‬
‫خرج مع الرسول فيما تل فتح مكة من غزوات‪..‬‬
‫ويوم حني‪ ،‬حيث نصب الشركون للمسلمي كمينا خطيا‪ ،‬وانقضوا عليهم فجأة من حيث ل‬
‫يتسبون انقضاضا وبيل أطار صواب اليش السلم‪ ،‬فولّى أكثر أجناده الدبار وثبت الرسول مكانه‬
‫ينادي‪:‬‬
‫" الّ أيها الناس‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫أنا النب ل كذب‪..‬‬


‫انا ابن عبدالطلب‪"..‬‬
‫ف تلك اللحظة الرهيبة‪ ،‬كانت هناك قلة ل تذهب بصوابا الفاجأة‬
‫وكان منهم أبو سفيان بن الارث وولده جعفر‪..‬‬
‫ولقد كانأبو سفيان يأخذ بلجام فرس الرسول‪ ،‬وحي رأى ما رأى أدرك أن فرصته الت بث عنها قد‬
‫أهلت‪ ..‬تلك أن يقضي نبه شهيدا ف سبيل ال‪ ،‬وبي يدي الرسول‪..‬‬
‫وراح يتشبث بقود الفرس بيسراه‪ ،‬ويرسل السيف ف نور الشركي بيمناه‪.‬‬
‫وعاد السلمون ال مكان العركة حت انتهت‪ ،‬وتله الرسول ث قال‪:‬‬
‫" أخي أبو سفيان بن الارث‪..‬؟؟"‬
‫ما كاد أبو سفيان يسمع قو الرسول " أخي"‪..‬‬
‫حت طار فؤاده من الفرح والشرف‪ .‬فأكبّ على قدمي الرسول يقبلهما‪ ،‬ويغسلهما بدموعه‪.‬‬
‫وترّكت شاعريته فراح يغبط نفسه على ما أنعم ال عليه من شجاعة وتوفيق‪:‬‬
‫غداة حني حي ع ّم التضعضع‬ ‫لقد علمت أفناء كعب وعامر‬
‫أمام رسول ال ل أتتعتع‬ ‫بأن أخو اليجاء‪ ،‬أركب حدّها‬
‫اليه تعال كل أمر سيجع‬ ‫رجاء ثواب اللهوال راحم‬
‫**‬
‫وأقبل لبو سفيان بن الارث على العبادة اقبلل عظيما‪ ،‬وبعد رحيل الرسول عن الدنيا‪ ،‬تعلقت‬
‫روحه بالوت ليلحق برسول ال ف الدار الخرة‪ ،‬وعاش ما عاش والوت أمنية حياته‪..‬‬
‫وذات يوم شاهده الناس ف البقيع يفر لدا‪ ،‬ويسويّه ويهيّئه‪ ..‬فلما أبدوا دهشتهم ما يصنع قال لم‪:‬‬
‫" ان أع ّد قبي"‪..‬‬
‫وبعد ثلثة أيام ل غي‪ ،‬كان راقدا ف بيته‪ ،‬وأهله من حوله يبكون‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وفتح عينيه عليهم ف طمأنينة سابغة وقال لم‪:‬‬


‫" ل تبكوا عليّ‪ ،‬فان ل أتنظف بطيئة منذ أسلمت"‪!!..‬‬
‫وقبل أن ين رأسه على صدره‪ ،‬لوّح به ال أعلى‪ ،‬ملقيا على الدنيا تيّة الوداع‪!!..‬‬
‫عمران بن حصي‬
‫شبيه اللئكة‬
‫عام خيب‪ ،‬أقبل على رسول ال صلى ال عليه وسلم مبايعا‪..‬‬
‫ومنذ وضع يينه ف يي الرسول أصبحت يده اليمن موضع تكري كبي‪ ،‬فآل على نفسه أل‬
‫يستخدمها ال ف كل عمل طيّب‪ ،‬وكري‪..‬‬
‫هذه الظاهرة تنبئ عما يتمتع به صاحبها من حسّ دقيق‪.‬‬
‫**‬
‫وعمران بن حصي رضي ال عنه صورة رضيّة من صور الصدق‪ ،‬والزهد‪ ،‬والورع‪ ،‬والتفان وحب‬
‫ال وطاعته‪...‬‬
‫وان معه من توفيق ال ونعمة الدى لشيئا كثيا‪ ،‬ومع ذلك فهو ل يفتأ يبكي‪ ،‬ويبكي‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫" يا ليتن كنت رمادا‪ ،‬تذروه الرياح"‪!!..‬‬
‫ذلك أن هؤلء الرجال ل يكونوا يافون ال بسبب ما يدركون من ذنب‪ ،‬فقلما كانت لم بعد‬
‫اسلمهم ذنوب‪..‬‬
‫انا كانوا يافونه ويشونه بقدر ادراكهم لعظمته وجلله‪،‬وبقدر ادراكهم لقيقة عجزهم عن شكره‬
‫وعبادته‪ ،‬فمهما يضرعوا‪ ،‬ويركعوا‪ ،‬ومهما يسجدوا‪ ،‬ويعبدوا‪..‬‬
‫ولقد سأل أصحاب الرسول يوما رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالوا‪:‬‬
‫" يا رسول ال‪ ،‬مالنا اذا كنا عندك رقت قلوبنا‪ ،‬وزهدنا دنيانا‪ ،‬وكأننا نرى الخرة رأي العي‪ ..‬حت‬
‫اذا خرجنا من عندك‪ ،‬ولقينا أهلنا‪ ،‬وأولدنا‪ ،‬ودنيانا‪ ،‬أنكرنا أنفسنا‪..‬؟؟"‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فأجابم عليه السلم‪:‬‬


‫" والذي نفسي بيده‪ ،‬لو تدومون على حالكم عندي‪ ،‬لصافحتكم اللئكة عيانا‪ ،‬ولكن ساعة‪..‬‬
‫وساعة‪.‬‬
‫وسع عمران بن حصي هذا الديث‪ .‬فاشتعلت أشواقه‪ ..‬وكأنا آل على نفسه أل يقعد دون تلك‬
‫الغاية الليلة ولو كلفته حياته‪ ،‬وكأنا ل تقنع هّته بأن ييا حياته ساعة‪ ..‬وساعة‪ ..‬فأراد أن تكون‬
‫كلها ساعة واحدة موصولة النجوى والتبتل ل رب العالي‪!!..‬‬
‫**‬
‫وف خلفة أمي الؤمني عمر بن الطاب أرسله الليفة ال البصرة ليفقه أهلها ويعلمهم‪ ..‬وف‬
‫البصرة حطّ رحاله‪ ،‬وأقبل عليه أهلها مذ عرفوه يتبكون به‪ ،‬ويستضيؤن بتقواه‪.‬‬
‫قال السن البصري‪ ،‬وابن سيين‪:‬‬
‫" ما قدم البصرة من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم أحد بفضل عمران بن حصي"‬
‫كان عمران يرفض أن يشغله عن ال وعبادته شاغل‪ ،‬استغرق ف العبادة‪ ،‬واستوعبته العبادة حت صار‬
‫كأنه ل ينتمي ال عال الدنيا الت يعيش فوق أرضها وبي ناسها‪..‬‬
‫أجل‪..‬‬
‫صار كأنه ملك ييا بي اللئكة‪ ،‬يادثونه ويادثهم‪ ..‬ويصافحونه ويصافحهم‪..‬‬
‫**‬
‫ولا وقع الناع الكبي بي السلمي‪ ،‬بي فريق علي وفريق معاوية‪ ،‬ل يقف عمران موقف اليدة‬
‫وحسب‪ ،‬بل راح يرفع صوته بي الناس داعيا ايّاهم أن يكفوا عن الشتراك ف تلك الرب‪ ،‬حاضنا‬
‫قضية السلم خي متضن‪ ..‬وراح يقول للناس‪:‬‬
‫ب الّ من أن أرمي ف أحد‬ ‫" لن أرعى أعنا حضنيات ف رأس جبل حت يدركن الوت‪ ،‬أح ّ‬
‫الفريقي بسهم‪ ،‬أخطأ أم أصاب"‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وكان يوصي من يلقاه من السلمي قائل‪:‬‬


‫" الزم مسجدك‪..‬‬
‫فان دخل عليك‪ ،‬فالزم بيتك‪..‬‬
‫فان دخل عليك بيتك من يريد نفسك ومالك فقاتله"‪..‬‬
‫**‬
‫وحقق ايان عمران بن حصي أعظم ناح‪ ،‬حي أصابه مرض موجع لبث معه ثلثي عاما‪ ،‬ما ضجر‬
‫منه ول قال‪ :‬أفّ‪..‬‬
‫بل كان مثابرا على عبادته قائما‪ ،‬وقاعدا وراقدا‪..‬‬
‫وكان اذا هوّن عليه اخوانه وعوّاده أمر علته بكلمات مشجعة‪ ،‬ابتسم لا وقال‪:‬‬
‫" ان أحبّ الشياء ال نفسي‪ ،‬أحبها ال ال"‪!!..‬‬
‫وكانت وصيته لهله واخوانه حي أدركه الوت‪:‬‬
‫" اذا رجعتم من دفن‪ ،‬فانروا وأطعموا"‪..‬‬
‫أجل لينحروا ويطعموا‪ ،‬فموت مؤمن مثل عمران بن حصي ليس موتا‪ ،‬انا هو حف زفاف عظيم‪،‬‬
‫وميد‪ ،‬تزف فيه روح عالية راضية ال جنّة عرضها السموات والرض أعدّت للمتقي‪...‬‬
‫سلمة بن الكوع‬
‫بطل الشاة‬
‫أراد ابنه أيّاس أن يلخص فضائله ف عبارة واحدة‪.‬‬
‫فقال‪:‬‬
‫" ماكذب أب قط"‪!!..‬‬
‫وحسب انسان أن يرز هذه الفضيلة‪ ،‬ليأخذ مكانه العال بي البرار والصالي‪.‬‬
‫ولقد أحرزها سلمة بن الكوع وهو جدير با‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫كان سلمة من رماة العرب العدودين‪ ،‬وكان كذلك من البزين ف الشجاعة والكرم وفعل اليات‪.‬‬
‫وحي أسلم نفسه للسلم‪ ،‬أسلمها صادقا منيبا‪ ،‬فصاغها السلم على نسقه العظيم‪.‬‬
‫وسلمة بن الكوع من أصحاب بيعة الرضوان‪.‬‬
‫**‬
‫حي خرج الرسول وأصحابه عام ست من الجرة‪ ،‬قاصدين زيارة البيت الرام‪ ،‬وتصدّت لم‬
‫قلريش تنعهم‪.‬‬
‫أرسل النب اليهم عثمان بن عفان ليخبهم أن النب جاء زائرا ل مقاتل‪..‬‬
‫وف انتظار عودة عثمان‪ ،‬سرت اشاعة بأن قريشا قد قتلته‪،‬وجلس الرسول ف ظل الشجرة يتلقى بيهة‬
‫أصحابه واحدا واحدا على الوت‪..‬‬
‫يقول سلمة‪:‬‬
‫" بايعت رسول ال صلى ال عليه وسلم الوت تت الشجرة‪ .،‬ث تنحيّت‪ ،‬فلما خف الناس قال يا‬
‫سلمة مالك ل تبايع‪..‬؟‬
‫قلت‪ :‬قد بايعت ي رسول ال‪ ،‬قال‪ :‬وأبضا‪ ..‬فبايعته"‪.‬‬
‫ولقد وف بالبعة خي وفاء‪.‬‬
‫بل وف با قبل أن يعطيها‪ ،‬منذ شهد أن ل اله ال ال‪ ،‬وأن ممدا رسول ال‪..‬‬
‫يقول‪:‬‬
‫" غزوت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ومع زيد بن حارثة تسع غزوات"‪.‬‬
‫**‬
‫كان سلمة من أمهر الذين يقاتلون مشاة‪ ،‬ويرمون بالنبال والرماح‪،‬‬
‫وكانت طريقته تشبه طريقة بعض حروب العصابات الكبية الت تتبع اليوم‪ ..‬فكان اذا هاجه عدوه‬
‫تقهقر دونه‪ ،‬فاذا أدبر العدو أو وقف يستريح هاجه ف غي هوادة‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وبذه الطريقة استطاع أن يطارد وحده‪ ،‬القوة الت أغارت على مشارف الدينة بقيادة عيينة بن حصن‬
‫الفزاري ف الغزوة العروفة بغزو ذي قرد‪..‬‬
‫خرج ف أثرهم وحده‪ ،‬وظل يقاتلهم ويراوغهم‪ ،‬ويبعدهم عن الدينة حت أدركه الرسول ف قوة وافرة‬
‫من أصحابه‪..‬‬
‫وف هذا اليوم قال الرسول لصحابه‪:‬‬
‫" خي رجّالتنا ‪ ،‬أي مشاتنا‪ ،‬سلمة بن الكوع"!!‬
‫**‬
‫ول يعرف سلمة السى والزع ال عند مصرع أخيه عامر بن الكوع ف حرب خيب‪..‬‬
‫وكان عامر يرتز أمام جيش السلمي هاتفا‪:‬‬
‫ل ه ّم لول أنت ما اهتدينا‬
‫ول تصدّقنا ول صلّينا‬
‫فأنزلن سكينة علينا‬
‫وثبت القدام ان لقينا‬
‫ف تلك العركة ذهب عامر يضرب بسيفه أحد الشركي فانثن السيف ف يده وأصابت ذوّابته منه‬
‫مقتل‪ ..‬فقال بعض السلمي‪:‬‬
‫" مسكي عامر حرم الشهادة"‬
‫عندئذ ل غي جزع سلمة جزعا شديدا‪ ،‬حي ظنّ كما ظن غيه أن أخاه وقد قتل نفسه خطأ قد حرم‬
‫أجر الهاد‪ ،‬وثواب الشهادة‪.‬‬
‫لكن الرسول الرحيم سرعان ما وضع المرو ف نصابا حي ذهب اليه سلمة وقال له‪:‬‬
‫أصحيح يا رسول ال أن عامرا حبط عمله‪..‬؟‬
‫فأجابه الرسول عليه السلم‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" انه قتل ماهدا‬


‫وأن له لجرين‬
‫وانه الن ليسبح‬
‫ف أنار النة"‪!!..‬‬
‫وكان سلمة على جوده الفيض أكثر ما يكون جوادا اذا سئل بوجه ال‪..‬‬
‫فلو أن انسانا سأله بوجه ال أن ينحه حياته‪ ،‬لا تردد ف بذلا‪.‬‬
‫ولقد عرف الناس منه ذلك‪ ،‬فكان أحدهم اذا أراد أن يظفر منه بشيء قال له‪:‬‬
‫" من ل يعط بوجه ال‪ ،‬فبم يعطي"‪..‬؟؟‬
‫**‬
‫ويوم قتل عثمان‪ ،‬رضي ال عنه‪ ،‬أدرك الجاهد الشجاع أن أبواب الفتنة قد فتحت على السلمي‪.‬‬
‫وما كان له وهو الذي قضى عمره يقاتل بي اخوانه أن يتحول ال مقاتل ضد اخوانه‪..‬‬
‫أجل ان الرجل الذي حيّا الرسول مهارته ف قتال الشركي‪ ،‬ليس من حقه أن يقاتل بذه الهارة‬
‫مسلما‪..‬‬
‫ومن ثّ‪ ،‬فقد حل متاعه وغادر الدينة ال الربدة‪ ..‬نفس الكان الذي اختاره أبو ذر من قبل مهاجرا له‬
‫ومصيا‪.‬‬
‫وف الرّبدة عاش سلمة بقية حياته‪ ،‬حت كان يوم عام أربعة وسبعي من الجرة‪ ،‬فأخذه السوق ال‬
‫الدينة فسافر اليها زائرا‪ ،‬وقضى با يوما‪ ،‬وثانيا‪..‬‬
‫وف اليوم الثالث مات‪.‬‬
‫وهكذا ناداه ثراها البيب الرطيب ليضمّه تت جوانه ويؤويه مع من آوى قبله من الرفاق الباركي‪،‬‬
‫والشهداء الصالي‪.‬‬
‫عبدال بن الزبي‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫أي رجل وأي شهيد‬


‫كان جنينا مباركا ف بطن أمه‪ ،‬وهي تقطع الصحراء اللهبة مغادرة مكة ال الدينة على طريق‬
‫الجرة العظيم‪.‬‬
‫هكذا قدّر لعبدال بن الزبي أن يهاجر مع الهاجرين وهو ل يرج ال الدنيا بعد‪ ،‬ول تشقق عنه‬
‫الرحام‪!!..‬‬
‫وما كادت أمه أساء رضي ال عنها وأرضاها‪ ،‬تبلغ قباء عند مشارف الدينة‪ ،‬حت جاءها الخاض‬
‫ونزل الهاجر الني ال أرض الدينة ف نفس الوقت الذي كان ينلا الهلجرون من أصحاب رسول‬
‫ال‪!!..‬‬
‫وحل أول مولود ف الجرة ال رسول ال صلى ال عليه وسلم ف داره بالدينة مقبّله وحنّكه‪ ،‬وكان‬
‫أول شيء دخل جوف عبدال بن الزبي ريق النب الكري‪.‬‬
‫واحتشد السلمون ف الدينة‪ ،‬وحلوا الوليد ف مهده‪ ،‬ث طوّفوا به ف شوارع الدينة كلها مهللي‬
‫مكبّرين‪.‬‬
‫ذلك أن اليهود حي نزل الرسول وأصحابه الدينة كبتوا واشتعلت أحقادهم‪ ،‬وبدؤا حرب العصاب‬
‫ضد السلمي‪ ،‬فأشاعوا أن كهنتهم قد سحروا السلمي وسلطوا عليهم العقم‪ ،‬فلن تشهد الدينة منهم‬
‫وليدا جديدا‪..‬‬
‫فلما أهلّ عبدال بن الزبي عليهم من عال الغيب‪ ،‬كان وثيقة دمغ با القدر افك يهود الدينة وأبطل‬
‫كيدهم وما يفترون‪!!..‬‬
‫ان عبدال ل يبلغ مبلغ الرجال ف عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ..‬ولكنه تلقى من ذلك العهد‪،‬‬
‫ومن الرسول نفسه بكم اتصاله الوثيق به‪ ،‬كل خامات رجولته ومبادئ حياته الت سنراها فيما بعد‬
‫ملء الدنيا وحديث الناس‪..‬‬
‫لقد راح الطفل ينمو نوّا سريعا‪ ،‬وكان خارقا ف حيويته‪ ،‬وفطنته وصلبته‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وارتدى مرحلة الشباب‪ ،‬فكان شبابه طهرا‪ ،‬وعفة ونسكا‪ ،‬وبطولة تفوق اليال‪..‬‬
‫ومضى مع أيامه وقدره‪ ،‬ل تتغيّر خلئقه ول تنبوبه رغائبه‪ ..‬انا هو رجل يعرف طريقه‪ ،‬ويقطعه‬
‫بعزية جبارة‪ ،‬وايان وثيق وعجيب‪..‬‬
‫**‬
‫وف فتح افريقية والندلس‪ ،‬والقسطنطينية‪ .‬كان وهو ل ياوز السابعة والعشرين بطل من أبطال‬
‫الفتوح الالدين‪..‬‬
‫وف معركة افريقية بالذات وقف السلمون ف عشرين ألف جندي أمام عدو قوام جيشه مائة‬
‫وعشرون ألفا‪..‬‬
‫ودار القتال‪ ،‬وغشي السلمي خطر عظيم‪..‬‬
‫وألقى عبد ال بن الزبي نظرة على قوات العدو فعرف مصدر قوتم‪ .‬وما كان هذا الصدر سوى ملك‬
‫الببر وقائد اليش‪ ،‬يصيح ف جنوده ويرضهم بطريقة تدفعهم ال الوت دفعا عجيبا‪..‬‬
‫وأدرك عبدال أن العركة الضارية لن يسمها سوى سقوط هذا القائد العنيد‪..‬‬
‫ولكن أين السبيل اليه‪ ،‬ودون بلوغه جيش لب‪ ،‬يقاتل كالعصار‪..‬؟؟‬
‫بيد أن جسارة ابن الزبي واقدامه ل يكونا موضع تساؤول قط‪!!..‬‬
‫هنالك نادى بعض اخوانه‪ ،‬وقال لم‪:‬‬
‫" احوا ظهري‪ ،‬واهجموا معي"‪...‬‬
‫وشق الصفوف التلحة كالسهم صامدا نو القائد‪ ،‬حت اذا بلغه‪ ،‬هو عليه ف كرّة واحدة فهوى‪ ،‬ث‬
‫استدار بن معه ال النود الذين كانوا ييطون بلكهم وقائدهم فصرعوهم‪ ..‬ث صاحوا ال أكب‪..‬‬
‫ورأى السلمون رايتهم ترتفع‪ ،‬حيث كان يقف قائد الببر يصدر أوامره ويرّض جيشه‪ ،‬فأدركوا أنه‬
‫النصر‪ ،‬فشدّوا شدّة رجل واحدة‪ ،‬وانتهى كل شيء لصال السلمي‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وعلم قائد اليش السلم عبدال بن أب سرح بالدور العظيم الذي قام به ابن الزبي فجعل مكافأته أن‬
‫يمل بنفسه بشرة النصر ال الدينة وال خليفة السلمي عثمان بن عفان رضي ال عنه‪..‬‬
‫**‬
‫على أن بطولته ف القتال كانت برغم تفوقها واعجازها تتوارى أمام بطولته ف العبادة‪.‬‬
‫فهذا الذي يكن أن يبتعث فيه الزهو‪ ،‬وثن العطاف‪ ،‬أكثر من سبب‪ ،‬يذهلنا بكانه الدائم والعال‬
‫بي الناسكي العابدين‪..‬‬
‫فل حسبه‪ ،‬ول شبابه‪ ،‬ول مكانته ورفعته‪ ،‬ول أمواله ول قوته‪..‬‬
‫ل شيء من ذلك كله‪ ،‬استطاع أن يول بي عبدال بن الزبي وبي أن يكون العابد الذي يصوم يومه‪،‬‬
‫ويقوم ليله‪ ،‬ويشع ل خشوعا يبهر اللباب‪.‬‬
‫قال عمر بن عبدالعزيز يوما لبن أب مليكة‪:‬صف لنا عبدال بن الزبي‪..‬فقال‪:‬‬
‫" وال ما رأيت نفسا ركبت بي جنبي مثل نفسه‪..‬‬
‫ولقد كات يدخل ف الصلة فيخرج من كل شيء اليها‪..‬‬
‫وكان يركع أو يسجد‪ ،‬فتقف العصافي فوق ظهره وكاهله‪،‬‬
‫ل تسبه من طول ركوعه وسجوده ال جدارا‪ ،‬أو ثوبا مطروحا‪..‬‬
‫ولقد مرّت قذيفة منجنيق بي ليته وصدره وهو يصلي‪ ،‬فوال ما أحسّ با ول اهتز لا‪ ،‬ول قطع من‬
‫أجلها قراءته‪ ،‬ول تعجل ركوعه"‪!!..‬‬
‫ان النباء الصادقة الت يرويها التاريخ عن عبادة ابن الزبي لشيء يشبه الساطي‪..‬‬
‫فهو ف صيامه‪ ،‬وف صلته‪ ،‬وف حجه‪ ،‬وف علوّ هّته‪ ،‬وشرف نفسه‪..‬‬
‫ف سهره طوال العمر قانتا وعبدا‪..‬‬
‫وف ظمأ الواجر طوال عمره صائما ماهدا‪..‬‬
‫وف ايانه الوثيق بال‪ ،‬وف خشيته الداشة له‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫هو ف كل هذا نسيج وحده‪!..‬‬


‫سئل عنه ابن عباس فقال على الرغم ما كان بينهما من خلف‪:‬‬
‫" كان قارئا لكتاب ال‪ ،‬متبعا سنة رسوله‪ ..‬قانتا ل‪ ،‬صائما ف الواجر من مافة ال‪ ..‬ابن حواريّ‬
‫رسول ال‪ ..‬وأمه أساء بنت الصديق‪ ..‬وخالته عائشة زوجة رسول ال‪ ..‬فل يهل حقه ال من أعماه‬
‫ال"‪!!..‬‬
‫**‬
‫وهو ف قوة خلقه وثبات سجاياه‪ ،‬يزري بثبات البال‪..‬‬
‫واضح شريف قوي‪ ،‬على استعداد دائم لن يدفع حياته ثنا لصراحته واستقامة نجه‪..‬‬
‫أثناء نزاعه مع المويي زاره الصي بن ني قائد اليش الذي أرسله يزيد لخاد ثورة بن الزبي‪..‬‬
‫زاره اثر وصول النباء ال مكة بوت يزيد‪..‬‬
‫وعرض عليه أن يذهب معه ال الشام‪ ،‬ويستخدم الصي نفوذه العظيم هناك ف أخذ البيعة لبن‬
‫الزبي‪..‬‬
‫فرفض عبدال هذه الفرصة الذهبية‪،‬لنه كان مقتنعا بضرورة القصاص من جيش الشام جزاء الرائم‬
‫البشعة الت ارتكبها رجاله من خلل غزوهم الفاجر للمدينة‪ ،‬خدمة لطماع المويي‪..‬‬
‫قد نتلف مع عبدال ف موقفه هذا‪ ،‬وقد نتمن لو أنه آثر السلم والصفح‪ ،‬واستجاب للفرصة النادرة‬
‫الت عرضها عليه الصي قائد يزيد‪..‬‬
‫ولكنّ وقفة الرجل أي رجل‪ ،‬ال جانب اقتناعه واعتقاده‪ ..‬ونبذه الداع والكذب‪ ،‬أمر يستحق‬
‫العجاب والحترام‪..‬‬
‫وعندما هاجه الجاج بيشه‪ ،‬وفرض عليه ومن معه حصارا رهيبا‪ ،‬كان من بي جنده فرقة كبية‬
‫من الحباش‪ ،‬كانوا من أمهر الرماة والقاتلي‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ولقد سعهم يتحدثون عن الليفة الراحل عثمان رضي ال عنه‪ ،‬حديثا ل ورع فيه ول انصاف‪،‬‬
‫فعنّفهم وقال لم‪ ":‬وال ما أحبّ أن أستظهر على عدوي بن يبغض عثمان"‪!!..‬‬
‫ث صرفهم عنه ف منة هو فيها متاج للعون‪ ،‬حاجة الغريق ال أمل‪!!..‬‬
‫ان وضوحه مع نفسه‪ ،‬وصدقه مع عقيدته ومبادئه‪ ،‬جعله ل يبال بأن يسر مائتي من أكفأ الرماة‪ ،‬ل‬
‫يعد دينهم موضع ثقته واطمئنانه‪ ،‬مع أنه ف معركة مصي طاحنة‪ ،‬وكان من الحتمل كثيا أن يغي‬
‫اتاهها بقاء هؤلء الرماة الكفاء ال جانبه‪!!..‬‬
‫**‬
‫ولقد كان صموده ف وجه معاوية وابنه يزيد بطولة خارقة حقا‪..‬‬
‫فقد كا يرى أن يزيد بن معاوية بن أب سفيان آخر رجل يصلح للفة السلمي‪ ،‬ان كان يصلح على‬
‫الطلق‪ ..‬هو مق ف رأيه‪ ،‬فن يزيد هذا كان فاسدا ف كل شيء‪ ..‬ل تكن له فضيلة واحدة تشفع‬
‫لرائمه وآثامه الت رواها النا التاريخ‪..‬‬
‫فكيف يبايعه ابن الزبي؟؟‬
‫لقد قال كلمة الرفض قوية صادعة لعاوية وهو حي‪..‬‬
‫وها هو ذا يقولا ليزيد بعد أن صار خليفة‪ ،‬وأرسل ال ابن الزبي يتوعده بشرّ مصي‪..‬‬
‫هناك قال ابن لزبر‪:‬‬
‫" ل أبايع السكّي أبدا"‪.‬‬
‫ث أنشد‪:‬‬
‫حت يلي لضرس الاضغ الجر‬ ‫ول الي لغي الق أساله‬
‫**‬
‫وظل ابن الزبي أميا للمؤمني‪ ،‬متخذا من مكة الكرّمةعاصمة خلفته‪ ،‬باسطا حكمه على الجاز‪،‬‬
‫واليمن والبصرة الكوفة وخراسان والشام كلها ما عدا دمشق بعد أن بايعه أهل المصار جيعا‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ولكن المويي ل يقرّ قرارهم‪ ،‬ول يهدأ بالم‪ ،‬فيشنون عليه حروبا موصولة‪ ،‬يبوءون ف أكثرها‬
‫بالزية والذلن‪..‬‬
‫حت جاء عهد عبداللك بن مروان حي ندب لهاجة عبدال ف مكة واحدا من أشقى بن آدم‬
‫وأكثرهم ايغال ف القسوة والجرام‪..‬‬
‫ذلكم هو الجاج الثقفي الذي قال عنه المام العادل عمر بن عبدالعزيز‪:‬‬
‫" لو جاءت كل أمة بطاياها‪ ،‬وجئنا نن بالجاج وحده‪ ،‬لرجحناهم جيعا"‪!!..‬‬
‫**‬
‫ذهب الجاج على رأس جيشه ومرتزقته لغزومكة عاصمة ابن الزبي‪ ،‬وحاصرها وأهلها قرابة ستة‬
‫أشهر مانعا عن الناس الاء والطعام‪ ،‬كي يملهم على ترك عبدال بن الزبي وحيدا‪ ،‬بل جيش ول‬
‫أعوان‪.‬‬
‫وتت وطأة الوع القاتل استسلم الكثرون‪ ،‬ووجد عبدال نفسه‪ ،‬وحيدا أو يكاد‪ ،‬وعلى الرغم من‬
‫أن فرص النجاة بنفسه وبياته كانت ل تزال مهيأة له‪ ،‬فقد قرر أن يمل مسؤوليته ال النهاية‪ ،‬وراح‬
‫يقاتل جيش الجاج ف شجاعة أسطورية‪ ،‬وهو يومئذ ف السبعي من عمره‪!!..‬‬
‫ولن نبصر صورة أمينةلذلك الوقف الفذ ال اذا اصغينا للحوار الذي دار بي عبدال وأمه‪ .‬العظيمة‬
‫الجيدة أساء بنت أب بكر ف تلك الساعات الخية من حياته‪.‬‬
‫لقد ذهب اليها‪ ،‬ووضع أمامها صورة دقيقة لوقفه‪ ،‬وللمصي الذي بدأ واضحا أنه ينتظره‪..‬‬
‫قالت له أساء‪:‬‬
‫" يا بنّ‪ :‬أنت أعلم بنفسك‪ ،‬ان كنت تعلم أنك على حق‪ ،‬وتدعو ال حق‪ ،‬فاصب عليه حت توت ف‬
‫سبيله‪ ،‬ول تكّن من رقبتك غلمان بن أميّة‪..‬‬
‫وان كنت تعلم أنك أردت الدنيا‪ ،‬فلبئس العبد أنت‪ ،‬أهلكت نفسك وأهلكت من قتل معك‪.‬‬
‫قل عبد ال‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" وال يا أمّاهىما أردت الدنيا‪ ،‬ول ركنت اليها‪.‬‬


‫وما جرت ف حكم ال أبدا‪ ،‬ول ظلمت ول غدرت"‪..‬‬
‫قالت أمه أساء‪:‬‬
‫" ان لرجو أن يكون عزائي فيك حسنا ان سبقتن ال ال أو سبقتك‪.‬‬
‫اللهم ارحم طول قيامه ف الليل‪ ،‬وظمأه ف الواجر‪ ،‬وبرّه بأبيه وب‪..‬‬
‫اللهم ان اسلمته لمرك فيه‪ ،‬ورضيت با قضيت‪ ،‬فأثبن ف عبدال بن الزبي ثواب الصابرين‬
‫الشاكرين‪"!.‬‬
‫وتبادل معا عناق الوداع وتيته‪.‬‬
‫وبعد ساعة من الزمان انقضت ف قتال مرير غي متكافئ‪ ،‬تلقى الشهيد العظيم ضربة الوت‪ ،‬ف وقت‬
‫استأثر الجاج فيه بكل ما ف الرض من حقارة ولؤم‪ ،‬فأب ال أن يصلب الثمان الامد‪ ،‬تشفيا‬
‫وخسّة‪!!..‬‬
‫**‬
‫وقامت أمه‪ ،‬وعمره يومئذ سبع وتسعون سنة‪ ،‬قامت لترى ولدها الصلوب‪.‬‬
‫وكالطود الشامخ وقفت تاهه ل تري‪ ..‬واقترب الجاج منها ف هوان وذلة قائل لا‪:‬‬
‫يا أماه‪ ،‬ان أمي الؤمني عبداللك بن مروان قد أوصان بك خيا‪ ،‬فهل لك من حاجة‪..‬؟‬
‫فصاحت به قائلة‪:‬‬
‫" لست لك بأم‪..‬‬
‫انا أنا أم هذا الصلوب على الثنيّة‪..‬‬
‫وما ب اليكم حاجة‪..‬‬
‫ولكن أحدثك حديثا سعته من رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ ":‬يرج من ثقيف كذاب‬
‫ومبي"‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فأما الكذاب فقد رأيناه‪ ،‬وأما البي‪ ،‬فل أراه ال أنت"!!‬


‫واقدم منها عبد ال بن عمر رضي ال عنه معزيا‪ ،‬وداعيا اياها ال الصب‪ ،‬قأجابته قائلة‪:‬‬
‫" وماذا ينعن من الصب‪ ،‬وقد أهدي رأس يي بن زكريا ال بغيّ من بغايا بن اسرائيل"‪!!..‬‬
‫يا لعظمتك يا ابنة الصدّيق‪!!..‬‬
‫أهناك كلمات أروع من هذه تقال للذين فصلوا رأس عبدال بن الزبي عن رأسه قبل أن يصلبوه‪..‬؟؟‬
‫أجل‪ ..‬ان يكن رأس ابن الزبي قد قدّم هديّة للحجاج وعبداللك‪ ..‬فان رأس نب كري هو يي عليه‬
‫السلم قد قدم من قبل هدية لن سالومي‪ ..‬بغيّ حقية من بن اسرائيل!!‬
‫ما أروع التشبيه‪ ،‬وما أصدق الكلمات‪.‬‬
‫**‬
‫وبعد‪ ،‬فهل كان يكن لعبدال بن الزبي أن ييا حياته دون هذا الستوى البعيد من التفوّق‪ ،‬والبطولة‬
‫والصلح‪ ،‬وقد رضع لبان أم من هذا الطراز‪..‬؟؟‬
‫سلم على عبدال‪..‬‬
‫وسلم على أساء‪..‬‬
‫سلم عليهما ف الشهداء الالدين‪..‬‬
‫وسلم عليهما ف البرار التقي‪.‬‬
‫عبدال بن عباس‬
‫حب هذه المة‬
‫يشبه ابن عباس‪ ،‬عبدال بن الزبي ف أنه أدرك الرسول وعاصره وهو غلم‪ ،‬ومات الرسول قبل أن‬
‫يبلغ ابن عباس سنّ الرجولة‪.‬‬
‫لكنه هو الخر تلقى ف حداثته كل خامات الرجولة‪ ،‬ومبادئ حياته من رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم الذي كان يؤثره‪ ،‬ويزكيه‪ ،‬ويعلّمه الكمة الالصة‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وبقوة ايانه‪ ،‬وقوة خلقه‪ ،‬وغزارة علمه‪ ،‬اقتعد ابن عباس رضي ال عنه مكانا عاليا بي الرجال حول‬
‫الرسول‪.‬‬
‫**‬
‫هو ابن العباس بن عبد الطلب بن هاشم‪ ،‬عم الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ولقبه الب‪ ..‬حب هذه المة‪ ،‬هيأه لذا اللقب‪ ،‬ولذه النلة استنارة عقله وذكاء قلبه‪ ،‬واتساع معارفه‪.‬‬
‫لقد عرف ابن عباس طريق حياته ف أوليات أيامه وازداد با معرفة عندما رأى الرسول عليه الصلة‬
‫والسلم يدنيه منه وهو طفل ويربّت على كتفه وهو يقول‪:‬‬
‫" اللهم فقهه ف الدين وعلمه التأويل"‪.‬‬
‫ث توالت الناسبات والفرص الت يكرر فيها الرسول هذا الدعاء ذاته لبن عمه عبدال بن عباس‪..‬‬
‫وآنئذ أدرك ابن عباس أنه خلق للعلم‪ ،‬والعرفة‪.‬‬
‫وكان استعداده العقلي يدفعه ف هذا الطريق دفعا قويا‪.‬‬
‫فعلى الرغم من أنه ل يكن قد جاوز الثالثة عشرة من عمره يوم مات رسول ال‪ ،‬فانه ل يصنع من‬
‫طفولته الواعية يوما دون أن يشهدمالس الرسول ويفظ عنه ما يقول‪..‬‬
‫وبعد ذهاب الرسول ال الرفيق العلى حرص ابن عباس على أن يتعلم من أصحاب الرسول السابقي‬
‫ما فاته ساعه وتعلمه من الرسول نفسه‪..‬‬
‫هنالك‪ ،‬جعل من نفسه علمة استفهام دائمة‪ ..‬فل يسمع أن فلنا يعرف حكمة‪ ،‬أو يفظ حديثا‪ ،‬ال‬
‫سارع اليه وتعلم منه‪..‬‬
‫وكان عقله الضيء الطموح يدفعه لفحص كل ما يسمع‪ ..‬فهو ل يغن بمع العرفة فحسب‪ ،‬بل‬
‫ويغن مع جعها بفحصها وفحص مصادرها‪..‬‬
‫يقول عن نفسه‪:‬‬
‫" ان كنت لسأل عن المر الواحد‪ ،‬ثلثي من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ويعطينا صورة لرصه على ادراكه القيقة والعرفة فيقول‪:‬‬


‫" لا قبض رسول ال صلى ال عليه وسلم قلت لفت من النصار‪:‬‬
‫هلمّ فلنسأل أصحاب رسول ال‪ ،‬فانم اليوم كثي‪.‬‬
‫فقال‪ :‬يا عجبا لك يا بن عباس!! أترى الناس يفتقرون اليك‪ ،‬وفيهم من أصحاب رسول ال من‬
‫ترى‪..‬؟؟‬
‫فترك ذلك‪ ،‬وأقبلت أنا أسأل أصحاب رسول ال‪ ..‬فان كان ليبلغن الديث عن الرجل‪ ،‬فآت اليه‬
‫وهو قائل ف الظهية‪ ،‬فأتوسّد ردائي على بابه‪ ،‬يسفي الريح عليّ من التراب‪ ،‬حت ينتهي من مقيله‪،‬‬
‫ويرج فيان‪ ،‬فيقول‪ :‬يا ابن عم رسول ال ما جاء بك‪..‬؟؟ هل أرسلت الّ فآتيك‪..‬؟؟ فأقول ل‪،‬‬
‫أنت أحق بأن أسعى اليك‪ ،‬فأسأله عنه الديث وأتعلم منه"‪!!..‬‬
‫هكذا راح فتانا العظيم يسأل‪ ،‬ويسأل‪ ،‬ويسأل‪ ..‬ث يفحص الجابة مع نفسه‪ ،‬ويناقشها بعقل جريء‪.‬‬
‫وهو ف كل يوم‪ ،‬تنمو معارفه‪ ،‬وتنمو حكمته‪ ،‬حت توفرت له ف شبابه الغضّ حكمة الشيوخ‬
‫وأناتم‪ ،‬وحصافتهم‪ ،‬وحت كان أمي الؤمني عمر رضي ال عنه يرص على مشورته ف كل أمر‬
‫كبي‪ ..‬وكان يلقبه بفت الكهول‪!!..‬‬
‫سئل ابن عباس يوما‪ ":‬أنّى أصبت هذا العلم"‪..‬؟‬
‫فأجاب‪:‬‬
‫" بلسام سؤل‪..‬‬
‫وقلب عقول"‪..‬‬
‫فبلسانه التسائل دوما‪ ،‬وبعقله الفاحص أبدا‪ ،‬ث بتواضعه ودماثة خلقه‪ ،‬صار ابن عباس" حب هذه‬
‫المة‪..‬‬
‫ويصفه سعد بن أب وقاص بذه الكلمات‪:‬‬
‫" ما رأيت أحدا أحضر فهما‪ ،‬ول أكب لبّا‪ ،‬ول أكثر علما‪ ،‬ول أوسع حلما من ابن عباس‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ولقد رأيت عمر يدعوه للمعضلت‪ ،‬وحوله أهل بدر من الهاجرين والنصار فيتحدث ابن عباس‪،‬‬
‫ول ياوز عمر قوله"‪..‬‬
‫وتدث عنه عبيد بن عتبة فقال‪:‬‬
‫" ما رأيت أحدا كان أعلم با سبقه من حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم من ابن عباس‪..‬‬
‫ول رأيت أحدا‪ ،‬أعلم بقضاء أب بكر وعمر وعثمان منه‪..‬‬
‫ول أفقه ف رأي منه‪..‬‬
‫ول أعلم بشعر ول عربية‪ ،‬ول تفسي للقرآن‪ ،‬ول بساب وفريضة منه‪..‬‬
‫ولقد كان يلس يوما للفقه‪ ..‬ويوما للتأويل‪ ..‬يوما للمغازي‪ ..‬ويوما للشعر‪ ..‬ويوم ليام العرب‬
‫وأخبارها‪..‬‬
‫وما رأيت عالا جلس اليه ال خضع له‪ ،‬ول سائل ال وجد عنده علما"‪!!..‬‬
‫**‬
‫ووصفه مسلم من أهل البصرة‪ ،‬وكان ابن عباس قد عمل واليا عليها للمام عليّ ابن أب طالب‪،‬‬
‫فقال‪:‬‬
‫" انه آخذ بثلث‪ ،‬تارك لثلث‪..‬‬
‫آخذ بقلوب الرجال اذا حدّث‪..‬‬
‫وبسن الستماع اذا حدّث‪..‬‬
‫وبأيسر المرين اذا خولف‪..‬‬
‫وتارك الراء‪..‬‬
‫ومصادقة اللئام‪..‬‬
‫وما يعتذر منه"‪!!..‬‬
‫**‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وكان تنوّع ثقافته‪ ،‬وشول معرفته ما يبهر اللباب‪ ..‬فهو الب الاذق الفطن ف كل علم‪ ..‬ف‬
‫تفسي القرآن وتأويله وف الفقه‪ ..‬وف التاريخ‪ ..‬وف لغة العرب وآدابم‪ ،‬ومن ّث فقد كان مقصد‬
‫الباحثي عن العرفة‪ ،‬يأتيه الناس أفواجا من أقطار السلم‪ ،‬ليسمعوا منه‪ ،‬وليتفقهوا عليه‪..‬‬
‫حدّث أحد أصحابه ومعاصريه فقال‪:‬‬
‫" لقد رأيت من ابن عباس ملسا‪ ،‬لو أن جيع قريش فخرت به‪ ،‬لكان لا به الفخر‪..‬‬
‫رأيت الناس اجتمعوا على بابه حت ضاق بم الطريق‪ ،‬فما كان أحد يقدر أن ييء ول أن يذهب‪..‬‬
‫فدخلت عليه فأخبته بكانم على بابه‪ ،‬فقال ل‪ :‬ضع ل وضوءا‪ ،‬فتوضأ وجلس وقال‪ :‬أخرج اليهم‪،‬‬
‫فادع من يريد أن يسأل عن القرآن وتأويله‪..‬فخرجت فآذنتهم‪ :‬فدخلوا حت ملؤا البيت‪ ،‬فما سالوا‬
‫عن شيء ال اخبهم وزاد‪..‬‬
‫ث قال لم‪ :‬اخوانكم‪ ..‬فخرجوا ليفسحوا لغيهم‪.‬‬
‫ث قال ل‪ :‬أخرج فادع من يريد أن يسأل عن اللل والرام‪..‬‬
‫فخرجت فآذنتهم‪ :‬فدخلوا حت ملؤا البيت‪ ،‬فما سألوا عن شيء ال أخبهم وزادهم‪..‬‬
‫ث قال‪ :‬اخوانكم‪ ..‬فخرجوا‪..‬‬
‫ث قال ل‪ :‬ادع من يريد أن يسأل عن الفرائض‪ ،‬فآذنتهم‪ ،‬فدخلوا حت ملؤا البيت‪ ،‬فما سألوه عن‬
‫شيء ال أخبهم وزادهم‪..‬‬
‫ث قال ل‪ :‬ادع من يريد أن يسال عن العربية‪ ،‬والشعر‪..‬‬
‫فآذنتهم فدخلوا حت ملؤا البيت‪ ،‬فما سألوه عن شيء ال أخبهم وزادهم"!!‬
‫وكان ابن عباس يتلك ال جانب ذاكرته القوية‪ ،‬بل الارقة‪ ،‬ذكاء نافذا‪ ،‬وفطنة بالغة‪..‬‬
‫كانت حجته كضوء الشمس ألقا‪ ،‬ووضوحا‪ ،‬وبجة‪ ..‬وهو ف حواره ومنطقه‪ ،‬ل يترك خصمه‬
‫مفعما بالقتناع وحسب‪ ،‬بل ومفعما بالغبطة من روعة النطق وفطنة الوار‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ومع غزارة علمه‪ ،‬ونفاذ حجته‪ ،‬ل يكن يرى ف الوار والناقشة معركة ذكاء‪ ،‬يزهو فيها بعلمه‪ ،‬ث‬
‫بانتصاره على خصمه‪ ..‬بل كان يراها سبيل قويا لرؤية الصواب ومعرفته‪..‬‬
‫ولطالا روّع الوارج بنطقه الصارم العادل‪..‬‬
‫بعث به المام عليّ كرّم ال وجهه ذات يوم ال طائفة كبية منهم فدار بينه وبينهم حوار رائع وجّه‬
‫فيه الديث وساق الجة بشكل يبهر اللباب‪..‬‬
‫ومن ذلك الوار الطويل نكتفي بذه الفقرة‪..‬‬
‫سألم ابن عباس‪:‬‬
‫" ماذا تنقمون من عليّ‪..‬؟"‬
‫قالوا‪:‬‬
‫" ننتقم منه ثلثا‪:‬‬
‫أولهنّ‪ :‬أنه حكّم الرجال ف دين ال‪ ،‬وال يقول ان الكم ال ل‪..‬‬
‫والثانية‪ :‬أنه قاتل‪ ،‬ث ل يأخذ من مقاتليه سبيا ول غنائم‪ ،‬فلئن كانوا كفارا‪ ،‬فقد حلّت أموالم‪ ،‬وان‬
‫كانوا مؤمني فقد حرّمت عليه دماؤهم‪!!..‬‬
‫والثالثة‪ :‬رضي عند التحكيم أن يلع عن نفسه صفة أمي الؤمني‪ ،‬استجابة لعدائه‪ ،‬فان ل يكن امي‬
‫الؤمني‪ ،‬فهو أمي الكافرين‪"..‬‬
‫وأخذ ابن عباس يفنّد أهواءهم فقال‪:‬‬
‫" أما قولكم‪ :‬انه حكّم الرجال ف دين ال‪ ،‬فأيّ بأس‪..‬؟‬
‫ان ال يقول‪ :‬يا أيها الذين آمنوا‪ ،‬ل تقتلوا الصيد وأنتم حرم‪ ،‬ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما‬
‫قتل من النعم يكم به ذوا عدل منكم‪..‬‬
‫فنبؤن بال‪ :‬أتكيم الرجال ف حقن دماء السلمي أحق وأول‪ ،‬أم تكيمهم ف أرنب ثنها‬
‫درهم‪..‬؟؟!!‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وتلعثم زعماؤهم تت وطأة هذا النطق الساخر والاسم‪ ..‬واستأنف حب المة حديثه‪:‬‬
‫" وأما قولكم‪ :‬انه قاتل فلم يسب ول يغنم‪ ،‬فهل كنتم تريدون أن يأخذ عائشة زوج الرسول وأم‬
‫الؤمني سبيا‪ ،‬ويأخذ أسلبا غنائم‪..‬؟؟‬
‫وهنا كست وجوههم صفرة الحل‪ ،‬وأخذوا يوارون وجوههم بأيديهم‪..‬‬
‫وانتقل ابن عباس ال الثالثة‪:‬‬
‫" وأما قولكم‪ :‬انه رضي أن يلع عن نفسه صفة أمي الؤمني‪ ،‬حت يتم التحكيم‪ ،‬فاسعوا ما فعله‬
‫الرسول يوم الديبية‪ ،‬اذ راح يلي الكتاب الذي يقوم بينه وبي قريش‪ ،‬فقال للكاتب‪ :‬اكتب‪ .‬هذا ما‬
‫قاضى عليه ممد رسول ال‪ .‬فقال مبعوث قريش‪ :‬وال لو كنا نعلم أنك رسول ال ما صددناك عن‬
‫البيت ول قاتلناك‪..‬‬
‫فاكتب‪ :‬هذا ما قاضى عليه ممد بن عبدال‪ ..‬فقال لم الرسول‪ :‬وال ان لرسول ال وان كذبتم‪ ..‬ث‬
‫قال لكاتب الصحيفة‪ :‬أكتب ما يشاءون‪ :‬اكتب‪ :‬هذا ما قاضى عليه ممد بن عبدال"‪!!..‬‬
‫واستمرّ الوار بي ابن عباس والوارج على هذا النسق الباهر العجز‪ ..‬وما كاد ينتهي النقاش بينهم‬
‫حت نض منهم عشرون ألفا‪ ،‬معلني اقتناعهم‪ ،‬ومعلني خروجهم من خصومة المام عليّ‪!!..‬‬
‫**‬
‫ول يكن ابن عباس يتلك هذه الثروة الكبى من العلم فحسب‪ .‬بل كان يتلك معها ثروة أكب‪ ،‬من‬
‫أخلق العلم وأخلق العلماء‪.‬‬
‫فهو ف جوده وسخائه امام وعلم‪..‬‬
‫انه ليفيض على الناس من ماله‪ ..‬بنفس السماح الذي يفيض به عليهم من علمه‪!!..‬‬
‫ولقد كان معاصروه يتحدثون فيقولون‪:‬‬
‫" ما رأينا بيتا أكثر طعاما‪ ،‬ول شرابا‪ ،‬ول فاكهة‪ ،‬ول علما من بيت ابن عباس"‪!!..‬‬
‫وهو طاهر القلب‪ ،‬نقيّ النفس‪ ،‬ل يمل لحد ضغنا ول غل‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وهوايته الت ل يشبع منها‪ ،‬هي تنّيه الي لكل من يعرف ومن ل يعرف من الناس‪..‬‬
‫يقول عن نفسه‪:‬‬
‫" ان لت على الية من كتاب ال فأود لو أن الناس جيعا علموا مثل الذي أعلم‪..‬‬
‫وان لسع بالاكم من حكام السلمي يقضي بالعدل‪ ،‬ويكم بالقسط‪ ،‬فأفرح به وأدعو له‪ ..‬ومال‬
‫عنده قضيّة‪!!..‬‬
‫وان لسع بالغيث يصيب للمسلمي أرضا فأفرح به‪ ،‬ومال بتلك الرض سائمة‪"!!..‬‬
‫**‬
‫وهو عابد قانت أوّاب‪ ..‬يقوم من الليل‪ ،‬ويصوم من اليام‪ ،‬ول تطئ العي مرى الدموع تت‬
‫خديّه‪ ،‬اذ كان كثي البكاء كلما صلى‪ ..‬وكلما قرأ القرآن‪..‬‬
‫فاذا بلغ ف قراءته بعض آيات الزجر والوعيد‪ ،‬وذكر الوت‪ ،‬والبعث عل نشيجه ونيبه‪.‬‬
‫**‬
‫وهو ال جانب هذا شجاع‪ ،‬أمي‪ ،‬حصيف‪ ..‬ولقد كان له ف اللف بي عليّ ومعاوية آراء تدلّ‬
‫على امتداد فطنته‪ ،‬وسعة حيلته‪.‬‬
‫وهو يؤثر السلم على الرب‪ ..‬والرفق على العنف‪ ..‬والنطق على القسر‪..‬‬
‫عندما ه ّم السي رضي ال عنه بالروج ال العراق ليقاتل زيادا‪ ،‬ويزيد‪ ،‬تعلق ابن عباس به واستمات‬
‫ف ماولة منعه‪ ..‬فلما بلغه فيما بعد نبأ استشهاده‪ ،‬أقضّه الزن عليه‪ ،‬ولزم داره‪.‬‬
‫وف كل خلف ينشب بي مسلم ومسلم‪ ،‬ل تكن تد ابن عباس ال حامل راية السلم‪ ،‬والتفاهم‬
‫واللي‪..‬‬
‫صحيح أنه خاض العركة مع المام عل ّي ضد معاوية‪ .‬ولكنه فعل ذلك لن العركة ف بدايتها كانت‬
‫تثل ردعا لزما لركة انشقاق رهيبة‪ ،‬تدد وحدة الدين ووحدة السلمي‪.‬‬
‫**‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وعاش ابن عباس يأ دنباه علما وحكمة‪ ،‬وينشر بي الناس عبيه وتقواه‪..‬‬
‫وف عامه الادي والسبعي‪ ،‬دعي للقاء ربه العظيم وشهدت مدينة الطائف مشهدا حافل لؤمن‬
‫يزف ال النان‪.‬‬
‫وبينما كان جثمانه يأخذ مستقره المن ف قبه‪ ،‬كانت جنبات الفق تتز بأصداء وعد ال الق‪:‬‬
‫( يا أيتها النفس الطمئنة‬
‫ارجعي ال ربك راضية مرضية‬
‫فادخلي ف عبادي‬
‫وادخلي جنت)‬
‫عباد بن بشر‬
‫معه من ال نور‬
‫عندما نزل مصعب بن عمي الدينة موفدا من لدن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ليعلم النصار‬
‫الذين بايعوا الرسول على السلم‪ ،‬وليقيم بم الصلة‪ ،‬كان عباد بن بشر رضي ال عنه واحدا من‬
‫البرار الذين فتح ال قلوبم للخي‪ ،‬فأقبل على ملس مصعب وأصغى اليه ث بسط يينه يبايعه على‬
‫السلم‪ ،‬ومن يومئذ أخذ مكانه بي النصار الذين رضي ال عنهم ورضوا عنه‪..‬‬
‫وانتقل النب ال الدينة مهاجرا‪ ،‬بعد أن سبقه اليها الؤمنون بكة‪.‬‬
‫وبدأت الغزوات الت اصطدمت فيها قوى الي والنور مع قوى الظلم والشر‪.‬‬
‫وف تلك الغازي كان عباد بن بشر ف الصفوف الول ياهد ف سبيل ال متفانيا بشكل يبهر‬
‫اللباب‪.‬‬
‫**‬
‫ولعل هذه الواقعة الت نرويها الن تكشف عن شيء من بطولة هذا الؤمن العظيم‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫بعد أن فرغ رسول ال والسلمي من غزوة ذات الرقاع نزلوا مكانا يبيتون فيه‪ ،‬واختار الرسول‬
‫للحراسة نفرا من الصحابة يتناوبونا وكان منهم عمار بن ياسر وعباد بن بشر ف نوبة واحدة‪.‬‬
‫ورأى عباد صاحبه عمار مهدا‪ ،‬فطلب منه أن ينام أول الليل على أن يقوم هو بالراسة حت يأخذ‬
‫صاحبه من الراحة حظا يكنه من استئناف الراسة بعد أن يصحو‪.‬‬
‫ورأى عباد أن الكان من حوله آمن‪ ،‬فلم ل يل وقته اذن بالصلة‪ ،‬فيذهب بثوبتها مع مثوبة‬
‫الراسة‪..‬؟!‬
‫وقام يصلي‪..‬‬
‫واذ هو قائم يقرأ بعد فاتة الكتاب سور من القرآن‪ ،‬احترم عضده سهم فنعه واستمر ف صلته‪!..‬‬
‫ث رماه الهاجم ف ظلم الليل بسهم ثان نزعه وأنى تلوته‪..‬‬
‫ث ركع‪ ،‬وسجد‪ ..‬وكانت قواه قد بددها العياء والل‪ ،‬فمدّ يينه وهو ساجد ال صاحبه النائم‬
‫جواره‪ ،‬وظل يهزه حت استيقظ‪..‬‬
‫ث قام من سجوده وتل التشهد‪ ..‬وأت صلته‪.‬‬
‫وصحا عمار على كلماته التهدجة التعبة تقول له‪:‬‬
‫" قم للحراسة مكان فقد أصبت"‪.‬‬
‫ووثب عمار مدثا ضجة وهرولة أخافت التسللي‪ ،‬ففرّوا ث التفت ال عباد وقال له‪:‬‬
‫" سبحان ال‪..‬‬
‫هل أيقظتن أوّل ما رميت"؟؟‬
‫فأجابه عباد‪:‬‬
‫" كنت أتلو ف صلت آيات من القرآن ملت نفسي روعة فلم أحب أن أقطعها‪.‬‬
‫ووال‪ ،‬لول أن أضيع ثغرا أمرن الرسول بفظه‪ ،‬لثرت الوت على أن أقطع تلك اليات الت كنت‬
‫أتلوها"‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫**‬
‫كان عباد شديد الولء والب ل‪ ،‬ولرسوله ولدينه‪..‬‬
‫وكان هذا الولء يستغرق حياته كلها وحسه كله‪.‬‬
‫ومنذ سع النب عليه الصلة والسلم يقول ماطبا النصار الذين هو منهم‪:‬‬
‫" يا معشر النصار‪..‬‬
‫أنتم الشعار‪ ،‬والناس الدثار‪..‬‬
‫فل أوتيّن من قبلكم"‪.‬‬
‫نقول منذ سع عباد هذه الكلمات من رسوله‪ ،‬ومعلمه‪ ،‬وهاديه ال ال‪ ،‬وهو يبذل روحه وماله‬
‫وحياته ف سبيل ال وف سبيل رسوله‪..‬‬
‫ف مواطن التضحية والوت‪ ،‬ييء دوما أول‪..‬‬
‫وف مواطن الغنيمة والخذ‪ ،‬يبحث عنه أصحابه ف جهد ومشقة حت يدوه‪!..‬‬
‫وهو دائما‪ :‬عابد‪ ،‬تستغرقه العبادة‪..‬‬
‫بطل‪ ،‬تستغرقه البطولة‪..‬‬
‫جواد‪ ،‬يستغرقه الود‪..‬‬
‫مؤمن قوي نذر حياته لقضية اليان‪!!..‬‬
‫وقالت أم الؤمني عائشة رضي ال عنها‪:‬‬
‫" ثلثة من النصار ل ياوزهم ف الفضل أحد‪:‬‬
‫" سعد بن معاذ‪..‬‬
‫وأسيد بن خضي‪..‬‬
‫وعبّاد بن بشر‪...‬‬
‫**‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وعرف السلمون الوائل عبادا بأنه الرجل الذي معه نور من ال‪..‬‬
‫فقد كانت بصيته الجلوّة الضاءة تتدي ال مواطن الي واليقي ف غي بث أو عناء‪..‬‬
‫بل ذهب ايان اخوانه بنوره ال الد الذي أسبغوا عليه ف صورة الس والادة‪ ،‬فأجعوا على ان عبادا‬
‫كان اذا مشى ف الظلم انبعثت منه أطياف نور وضوء‪ ،‬تضيء له الطريق‪..‬‬
‫**‬
‫وف حروب الردة‪ ،‬بعد وفاة الرسول عليه السلم‪ ،‬حل عباد مسؤولياته ف استبسال منقطع النظي‪..‬‬
‫وف موقعة اليمامة الت واجه السلمون فيها جيشا من أقسى وأمهر اليوش تت قيادة مسيلمة‬
‫الكذاب أحسّ عبّاد بالطر الذي يتهدد السلم‪..‬‬
‫وكانت تضحيته وعنفوانه يتشكلن وفق الهام الت يلقيها عليه ايانه‪ ،‬ويرتفعان ال مستوى احساسه‬
‫بالطر ارتفاعا يعل منه فدائيا ل يرص على غي الوت والشهادة‪..‬‬
‫**‬
‫وقبل أن تبدأ معركة اليمامة بيوم‪ ،‬رأى ف منامه رؤيا ل تلبث أن فسرت مع شس النهار‪ ،‬وفوق‬
‫أرض العركة الائلة الضارية الت خاضها السلمون‪..‬‬
‫ولندع صحابيا جليل هو أبو سعيد الدري رضي ال عنه يقص علينا الرؤيا الت رآها عبّاد وتفسيه‬
‫لا‪ ،‬ث موقفه الباهر ف القتال الذي انتهى باستشهاده‪..‬‬
‫يقول أبو سعيد‪:‬‬
‫" قال ل عباد بن بشر يا أبا سعيد رأيت الليلة‪ ،‬كأن السماء قد فرجت ل‪ ،‬ث أطبقت عليّ‪..‬‬
‫وان لراها ان شاء ال الشهادة‪!!..‬‬
‫فقلت له‪ :‬خيا وال رأيت‪..‬‬
‫وان لنظر اليه يوم اليمامة‪ ،‬وانه ليصيح بالنصار‪:‬‬
‫احطموا جفون السيوف‪ ،‬وتيزوا من الناس‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فسارع اليه أربعمائة رجل‪ ،‬كلهم من النصار‪ ،‬حت انتهوا ال باب الديقة‪ ،‬فقاتلوا أشد القتال‪..‬‬
‫واستشهد عباد بن بشر رحه ال‪..‬‬
‫ورأيت ف وجهه ضربا كثيا‪ ،‬وما عرفته ال بعلمة كانت ف جسده‪..‬‬
‫**‬
‫هكذا ارتفع عباد ال مستوى واجباته كؤمن من النصار‪ ،‬بايع رسول ال على الياة ل‪ ،‬والوت ف‬
‫سبيله‪..‬‬
‫وعندما رأى العركة الضارية تتجه ف بدايتها لصال العداء‪ ،‬تذكر كلمات رسول ال لقومه النصار‪:‬‬
‫" أنتم الشعار‪..‬‬
‫فل أوتيّن من قبلكم"‪..‬‬
‫ومل الصوت روعه وضميه‪..‬‬
‫حت لكأن الرسول عليه الصلة والسلم قائم الن يردده كلماته هذه‪..‬‬
‫وأحس عباد أن مسؤولية العركة كلها انا تقع على كاهل النصار وحدهم‪ ..‬أو على كاهلهم قبل‬
‫سواهم‪..‬‬
‫هنالك اعتلى ربوة وراح يصيح‪:‬‬
‫" يا معشر النصار‪..‬‬
‫احطموا جفون السيوف‪..‬‬
‫وتيزوا من الناس‪..‬‬
‫وحي لبّى نداءه أربعمائة منهم قادهم هو وأبو دجانة والباء ابن مالك ال حديقة الوت حيث كان‬
‫جيش مسيلمة يتحصّن‪ ..‬وقاتل البطل القتال اللئق به كرجل‪ ..‬وكمؤمن‪ ..‬وكأنصاري‪..‬‬
‫**‬
‫وف ذلك اليوم الجيد استشهد عباد‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫لقد صدقت رؤياه الت رآها ف منامه بالمس‪..‬‬


‫أل يكن قد رأى السماء تفتح‪ ،‬حت اذا دخل من تلك الفرجة الفتوحة‪ ،‬عادت السماء فطويت عليه‪،‬‬
‫وأغلقت؟؟‬
‫وفسرّها هو بأن روحه ستصعد ف العركة النتظرة ال بارئها وخالقها‪..‬؟؟‬
‫لقد صدقت الرؤيا‪ ،‬وصدق تعبيه لا‪.‬‬
‫ولقد تفتحت أبواب السماء لتستقبل ف حبور‪ ،‬روح عبّاد بن بشر‪..‬‬
‫الرجل الذي كان معه من ال نور‪!!..‬‬
‫سهيل بن عمرو‬
‫من الطلقاء ال الشهداء‬
‫عندما وقع أسيا بأيدي السلمي ف غزوة بدر اقترب عمر بن الطاب من رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم وقال‪:‬‬
‫" يا رسول ال‪ ..‬دعن أنزع ثنيّت سهيل بن عمرو حت ل يقوم عليك خطيبا بعد اليوم"‪..‬‬
‫فأجابه الرسول العظيم‪:‬‬
‫" كل يا عمر‪..‬‬
‫ل أمثل بأحد‪ ،‬فيمثل ال ب‪ ،‬وان كنت نبيا"‪!..‬‬
‫ث أدن عمر منه وقال عليه السلم‪:‬‬
‫" يا عمر‪..‬‬
‫لعل سهيل غدا يقف موقفا يسرّك"‪!!..‬‬
‫**‬
‫ودارت نبوءة الرسول‪..‬‬
‫وتوّل أعظم خطباء قريش سهيل بن عمرو ال خطيب باهرمن خطباء السلم‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وتوّل الشرك اللدود‪ ..‬ال مؤمن أوّاب‪ ،‬ل تكف عيناه من البكاء من خشية ال‪!!..‬‬
‫وتوّل واحد من كبار زعماء قرسش وقادة جيوشها ال مقاتل صلب ف سبيل السلم‪ ..‬مقاتل عاهد‬
‫نفسه أن يظل ف رباط وجهاد حت يدركه الوت على ذلك‪ ،‬عسى ال أن يغفر ما تقدم من ذنبه‪!!..‬‬
‫فمن كان ذلك الشرك العنيد‪ ،‬والؤمن التقي الشهيد‪..‬؟؟‬
‫**‬
‫انه سهيل بن عمرو‪..‬‬
‫واحد من زعماء قريش البّرين‪ ،‬ومن حكمائها وذوي الفطنة والرأي فيها‪..‬‬
‫وهو الذي انتدبته قريش ليقنع الرسول بالعدول عن دخول مكة عام الديبية‪..‬‬
‫ففي أخريات العام الجري السادس خرج الرسول وأصحابه ال مكة ليزوروا البيت الرام‪ ،‬وينشؤا‬
‫عمرة‪ ،‬ل يريدون حربا‪ ،‬وليسوا مستعدين لقتال‪..‬‬
‫وعلمت قريش بسيهم ال مكة‪ ،‬فخرجت لتقطععليهم الطريق‪ ،‬وتصدّهم عن وجهتهم‪..‬‬
‫وتأزم الوقف‪ ،‬وتوترت النفس‪..‬‬
‫وقال الرسول لصحابه‪:‬‬
‫" ل تدعون قريش اليوم ال خطة يسألونن فيها صلة الرحم ال أعطيتهم اياها"‪..‬‬
‫وراحت قريش ترسل رسلها ومندوبيها ال النب عليه الصلة والسلم‪ ،‬فيخبهم جيعا أنه ل يأت‬
‫لقتال‪ ،‬انا جاء يزور البيت الرام‪ ،‬ويعظم حرماته‪:‬‬
‫وكلما عاد ال قريش أحد مندوبيها‪ ،‬أرسلوا من بعده آخر أقوى شكيمة‪ ،‬وأشد اقناعا حت اختاروا‬
‫عروة بن مسعود الثقفي وكان من أقواهم وأفطنهم‪ ..‬وظنت قريش أن عروة قادر على اقناع الرسول‬
‫بالعودة‪.‬‬
‫ولكنه سرعان ما رجع اليهم يقول لم‪:‬‬
‫" يا معشر قريش‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ان قد جئت كسرى ف ملكه‪ ،‬وقيصر ف ملكه‪ ،‬والنجاشي ف ملكه‪..‬‬


‫وان وال ما رأيت ملكا قط يعظمه قومه‪ ،‬كما يعظم أصحاب ممد ممدا‪!!..‬‬
‫ولقد رأيت حوله قوما لن يسلموه لسوء أبدا‪..‬‬
‫فانظروا رأيكم"‪!!..‬‬
‫**‬
‫عندئذ آمنت قريش أنه ل جدوى من ماولتا وقررت أن تلجأ ال الفاوضة والصلح‪ ..‬واختارت‬
‫لذه الهمة أصلح زعمائها لا‪ ..‬وكان سهيل بن عمرو‪..‬‬
‫رأى السلمون سهيل وهو مقبل عليهم فعرفوه‪ ،‬وأدركوا أن قريشا آثرت طريق التفاهم والصالة‪ ،‬ما‬
‫دامت قد بعثت آخر المر سهيل‪..‬‬
‫وجلس سهيل بي يدي الرسول‪ ،‬ودار حوار طويل انتهى بالصلح‪..‬‬
‫وحاول سهيل أن يكسب لقريش الكثي‪ ..‬وساعده على ذلك‪ ،‬التسامح النبيل والجيد الذي كان‬
‫الرسول عليه الصلة والسلم يديره ف التفاوض والصلح‪..‬‬
‫ومضت اليام‪ ،‬ينادي بعضها بعضا‪ ،‬جت جاءت السنة الثامنة من الجرة‪ ..‬وخرج الرسول والسلمون‬
‫لفتح مكة بعد أن نفضت قريش عهدها وميثاقها مع رسول ال‪.‬‬
‫وعاد الهاجرون ال وطنهم الذين أخرجهم بالمس كارهي‪..‬‬
‫عادوا‪ ،‬ومعهم النصار الذين آووهم ف مينتهم وآثروهم على أنفسهم‪..‬‬
‫وعاد السلم كله‪ ،‬تفق ف جو السماء راياته الظافرة‪..‬‬
‫وفتحت مكة جيع أبوابا‪..‬‬
‫ووقف الشركون ف ذهول‪ ..‬ترى ماذا سيكون اليوم مصيهم‪ ،‬وهم الذين أعملوا بأسهم ف السلمي‬
‫من قبل قتل‪ ،‬وحرقا‪ ،‬وتعذيبا‪ ،‬وتويعا‪..‬؟!‬
‫ول يشأ الرسول الرحيم أن يتركهم طويل تت وطأة هذه الشاعر الذلة النهكة‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فاستقبل وجوههم ف تسامح وأناة‪ ،‬وقال لم ونبات صوته الرحيم تقطر حنانا ورفقا‪:‬‬
‫" يا معشر قريش‪..‬‬
‫ما تظنون أن فاعل بكم"‪..‬؟؟‬
‫هنالك تقدم خصم السلم بالمس سهيل بن عمرو وقال ميبا‪:‬‬
‫" نظن خيا‪ ،‬أخ كري‪ ،‬وابن أخ كري"‪.‬‬
‫وتألقت ابتسامة من نور على شفت حبيب ال وناداهم‪:‬‬
‫" اذهبوا‪...‬‬
‫فأنتم الطلقاء"‪!!..‬‬
‫ل تكن هذه الكلمات من الرسول النتصر لتدع انسانا حيّ الشاعر ال أحالته ذوبا من طاعة وخجل‪،‬‬
‫بل وندم‪..‬‬
‫وف نفس اللحظة استجاش هذا الوقف المتلئ نبل وعظمة‪ ،‬كل مشاعر سهيل بن عمرو فأسلم ل‬
‫رب العالي‪.‬‬
‫ول يكن اسلمه ساعتئذ‪ ،‬اسلم رجل منهزم مستسلم للمقادير‪.‬‬
‫بل كان كما سيكشف عنه مستقبله فيما بعد اسلم رجل برته وأسرته عظمة ممد وعظمة الدين‬
‫الذي يتصرّف ممد وفق تعاليمه‪ ،‬ويمل ف ولء هائل رايته ولواءه‪!!..‬‬
‫**‬
‫أطلق على الذين أسلموا يوم الفتح اسم الطلقاء‪ ..‬أي الذين نقلهم عفو الرسول من الشرك ال‬
‫السلم حي قال لم‪:‬‬
‫" اذهبوا فأنتم الطلقاء"‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫بيد أن نفرا من أولئك الطلقاء جاوزوا هذا الط باخلصهم الوثيق‪ ،‬وسوا ال آفاق بعيدة من‬
‫التضحية والعبادة والطهر‪ ،‬وضعتهم ف الصفوف الول بي أصحاب النب البرار ومن هؤلء سهيل‬
‫بن عمرو‪.‬‬
‫**‬
‫لقد صاغه السلم من جديد‪.‬‬
‫وصقل كل مواهبه الول‪ ،‬وأضاف اليها‪ ،‬ث وضعها جيعا ف خدمة الق‪ ،‬والي‪ ،‬واليان‪..‬‬
‫ولقد نعتوه ف كلمات فقالوا‪:‬‬
‫" السّمح‪ ،‬الواد‪..‬‬
‫كثي الصلة‪ ،‬والصوم‪ ،‬والصدقة‪ ،‬وقراءة القرآن‪ ،‬والبكاء من خشية ال"‪!!..‬‬
‫وتلك هي عظمة سهيل‪.‬‬
‫فعلى الرغم من أنه أسلم يوم الفتح‪ ،‬ل قبله‪ ،‬نراه يصدق ف اسلمه وف يقينه‪ ،‬ال مدى الذي يتفوّق‬
‫فيه على كل نفسه‪ ،‬ويتحوّل ال عابد‪ ،‬زاهد وال فدائي ماهد ف سبيل ال والسلم‪.‬‬
‫ولا انتقل الرسول ال الرفيق العلى‪ ،‬ل يكد النبأ يبلغ مكة‪ ،‬وكان سهيل يومئذ مقيما با‪ ،‬حت غشي‬
‫السلمي هناك من الرج والذهول ما غشي السلمي بالدينة‪.‬‬
‫واذا كان ذهول الدينة‪ ،‬قد بدّده أبو بكر رضي ال عنه ساعتئذ بكلماته الاسة‪:‬‬
‫" من كان يعبد ممد‪ ،‬فان ممدا قد مات‪..‬‬
‫ومن كان يعبد ال‪ ،‬فان ال حيّ ل يوت"‪..‬‬
‫فسيأخذنا العجب حي نرى سهيل رضي ال عنه هو الذي وقف بكة‪ ،‬نفس موقف أب بكر‬
‫بالدينة‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫فقد جع السلمي كلهم هناك‪ ،‬ووقف يبهرهم بكلماته الناجعة‪ ،‬يبهم أن ممدا كان رسول ال‬
‫حقا‪ ..‬وأنه ل يت حت أدّى المانة‪ ،‬وبلّغ الرسالة‪ .‬وأنه واجب الؤمني به أن يعنوا من بعده السي‬
‫على منهجه‪.‬‬
‫وبوقف سهيل هذا‪ ،‬وبكلماته الرشيدة وايانه الوثيق‪ ،‬درأ الفتنة الت كادت تقلع ايان بعض الناس‬
‫بكة حي بلغهم نبأ وفاة الرسول‪!!..‬‬
‫وف هذا اليوم أكثر من سواه تألقت نبوءة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫أل يكن لعمر يوم استأذنه ف نزع ثنيت سهيل أثناء أسره ببدر‪:‬‬
‫" دعها فلعلها تسرك يوما"‪..‬؟!‬
‫ففي هذا اليوم‪ ..‬وحي بلغ السلمي بالدينة موقف سهيل بكة وخطابه الباهر الذي ثبت اليان ف‬
‫الفئدة‪ ،‬تذكر عمر بن الطاب نبوءة الرسول‪ ..‬وضحك طويل‪ ،‬اذ جاء اليوم الذي انتفع فيه السلم‬
‫بثنيت سهيل اللتي كان عمر يريد تشيمهما واقتلعهما‪!!..‬‬
‫**‬
‫عندما أسلم سهيل يوم الفتح‪.‬‬
‫وبعد أن ذاق حلوة اليان‪ ،‬أخذ على نفسه عهدا لصه ف هذه الكلمات‪:‬‬
‫" وال ل أدع موقفا من الشركي‪ ،‬ال وقفت مع السلمي مثله‪ ...‬ول نفقة أنفقتها مع الشركي ال‬
‫أنفقت مع السلمي مثلها‪ ،‬لعل أمري أن يتلو بعضه بعضا"‪!!..‬‬
‫ولقد وقف مع الشركي طويل أمام أصنامهم‪..‬‬
‫فليقف الن طويل وطويل مع الؤمني بي يدي ال الواحد الحد‪.‬‬
‫وهكذا راح يصلي‪ ..‬ويصلي‪..‬‬
‫ويصوم‪ ..‬ويصوم‪..‬‬
‫ول يدع عبادة تلو روحه‪ ،‬وتقربه من ربه العلى ال أخذ منها حظا وافيا‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وكذلك كان ف أمسه يقف مع الشركي ف مواطن العدوان والرب ضد السلم‪.‬‬


‫فليأخذ الن مكانه ف جيش السلم‪ ،‬مقاتل شجاعا‪ ،‬يطفئ مع كتائب الق نار فارس الت يعبدونا‬
‫من دون ال‪ ،‬ويرقون فيها مصاير الشعوب الت يستعبدونا‪ .‬ويدمدم مع كتائب الق أيضا على‬
‫ظلمات الرومان وظلمهم‪..‬‬
‫وينشر كلمة التوحيد والتقوى ف كل مكان‪.‬‬
‫وهكذا خرج ال الشام مع جيوش السلمي‪ ،‬مشاركا ف حروبا‪.‬‬
‫ويوم اليموك حيث خاض السلمون موقعة تناهت ف الضراوة والعنف والخاطرة‪..‬‬
‫كان سهيل بن عمرو يكاد يطي من الفرح‪ ،‬اذ وجد هذه الفرصة الدسة لكي يبذل من ذات نفسه ف‬
‫هذا اليوم العصيب ما يحق به خطايا جاهليته وشركه‪..‬‬
‫**‬
‫وكان يب وطنه مكة حبا ينسيه نفسه‪..‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فقد أب أن يرجع اليها بعد انتصار السلمي بالشام وقال‪:‬‬
‫" سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪ :‬مقام أحدكم ف سبيل ال ساعة‪ ،‬خي له من عمله‬
‫طوال عمره‪..‬‬
‫وان لرابط ف سبيل ال حت أموت‪ ،‬ولن أرجع ال مكة"‪!!..‬‬
‫**‬
‫ووف سهيل عهده‪..‬‬
‫وظل بقيّة حياته مرابطا‪ ،‬حت جاء موعد رحيله‪ ،‬فطارت روحه مسرعة ال رحة من ال ورضوان‪..‬‬
‫أبو موسى الشعري‬
‫الخلص‪ ..‬وليكن ما يكون‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫عندما بعثه أمي الؤمني عمر بن الطاب ال البصرة‪ ،‬ليكون أميها وواليها‪ ،‬جع أهلها وقام فيهم‬
‫خطيبا فقال‪:‬‬
‫" ان أمي الؤمني عمر بعثن اليكم‪ ،‬أعلمكم كتار بكم‪ ،‬وسنة نبيكم‪ ،‬وأنظف لكم طرقكم"‪!!..‬‬
‫وغشي النس من الدهش والعجب ما غشيهم‪ ،‬فانم ليفهمون كيف يكون تثقيف الناس وتفقيههم‬
‫ف دينهم من واجبات الاكم والمي‪ ،‬أما أن يكون من واجباته تنظيف طرقاتم‪ ،‬فذاك شيء جديد‬
‫عليهم بل مثي وعجيب‪..‬‬
‫فمن هذا الوال الذي قال عنه السن رضي ال عنه‪:‬‬
‫" ما أتى البصرة راكب خي لهلها منه"‪..‬؟‬
‫**‬
‫انه عبدال بن قيس الكنّى بن أب موسى الشعري‪..‬‬
‫غادر اليمن بلده ووطنه ال مكة فور ساعه برسول ظهر هناك يهتف بالتوحيد ويدعو ال ال على‬
‫بصية‪ ،‬ويأمر بكارم الخلق‪..‬‬
‫وف مكة‪ ،‬جلس بي يدي رسول ال صلى ال عليه وسلم وتلقى منه الدى واليقي‪..‬‬
‫وعاد ال بلده يمل كلمة ال‪ ،‬ث رجع ال رسول ال صلى ال عليه وسلم وتلقى منه الدى‬
‫واليقي‪..‬‬
‫وعاد ال بلده يمل كلمة ال‪ ،‬ث رجع ال رسول ال صلى ال عليه وسلم اثر فراغه من فتح خيب‪..‬‬
‫ووافق قدومه قدوم جعفر بن أب طالب مقبل مع أصحابه من البشة فأسهم الرسول لم جيعا‪..‬‬
‫وف هذه الرّة ل يأت أبو موسى الشعري وحده‪ ،‬بل جاء معه بضعة وخسون رجل من أهل اليمن‬
‫الذين لقنهم السلم‪ ،‬وأخوان شقيقان له‪ ،‬هم‪ ،‬أبو رهم‪ ،‬وأبو بردة‪..‬‬
‫وسّى الرسول هذا الوفد‪ ..‬بل سّى قومهم جيعا بالشعريي‪..‬‬
‫ونعتهم الرسول بأنم أرق الناس أفئدة‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وكثيا ما كان يضرب الثل العلى لصحابه‪ ،‬فيقول فيهم وعنهم‪:‬‬


‫" ان الشغريي اذا أرملوا ف غزو‪ ،‬أو قلّ ف أيديهم الطعام‪ ،‬جعوا ما عندهم ف ثوب واحد‪ ،‬ث‬
‫اقتسموا بالسويّة‪.‬‬
‫" فهم من‪ ..‬وانا منهم"‪!!..‬‬
‫ومن ذلك اليوم أخذ أبو موسى مكانه الدائم والعال بي السلمي والؤمني‪ ،‬الذين قدّر لم أن يكونوا‬
‫أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وتلمذته‪ ،‬وأن يكونوا حلة السلم ال الدنيا ف كل‬
‫عصورها ودهورها‪..‬‬
‫**‬
‫أبو موسى مزيج عجيب من صفات عظيمة‪..‬‬
‫فهو مقاتل جسور‪ ،‬ومناضل صلب اذا اضطر لقتال‪..‬‬
‫وهو مسال طيب‪ ،‬وديع ال أقصى غايات الطيبة والوداعة‪!!..‬‬
‫وهو فقيه‪ ،‬حصيف‪ ،‬ذكي ييد تصويب فهمه ال مغاليق المور‪ ،‬ويتألق ف الفتاء والقضاء‪ ،‬حت قيل‪:‬‬
‫" قضاة هذه المة أربعة‪:‬‬
‫" عمر وعلي وأبو موسى وزيد بن ثابت"‪!!..‬‬
‫ث هو مع هذا‪ ،‬صاحب فطرة بريئة‪ ،‬من خدعه ف ال‪ ،‬اندع له‪!!..‬‬
‫وهو عظيم الولء والسؤولية‪..‬‬
‫وكبي الثقة بالناس‪..‬‬
‫لو أردنا أن نتار من واقع حياته شعارا‪ ،‬لكانت هذه العبارة‪:‬‬
‫" الخلص وليكن ما يكون"‪..‬‬
‫ف مواطن الهاد‪ ،‬كان الشعري يمل مسؤولياته ف استبسال ميد ما جعل رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلمي يقول عنه‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" سيّد الفوارس‪ ،‬أبو موسى"‪!!..‬‬


‫وانه ليينا صورة من حياته كمقاتل فيقول‪:‬‬
‫" خرجنا مع رسول ال ف غزاة‪ ،‬نقبت فيها أقدامنا‪ ،‬ونقّبت قدماي‪ ،‬وتساقطت أظفاري‪ ،‬حت لففنا‬
‫أقدامنا بالرق"‪!!..‬‬
‫وما كانت طيبته وسلمة طويته ليغريا به عدوّا ف قتال‪..‬‬
‫فهو ف موطن كهذا يرى المور ف وضوح كامل‪ ،‬ويسمها ف عزم أكيد‪..‬‬
‫ولقد حدث والسلمون يفتحون بلد فارس أن هبط الشعري ييشه على أهل أصبهان الذين‬
‫صالوه على الزية فصالهم‪..‬‬
‫بيد أنم ف صلحهم ذاك ل يكونوا صادقي‪ ..‬انا ارادوا أن يهيئوا لنفسهم العداد لضربة غادرة‪..‬‬
‫ولكن فطنة أب موسى الت ل تغيب ف مواطن الاجة اليها كانت تستشف أمر أولئك وما يبيّتون‪..‬‬
‫فلما هّوا بضربتهم ل يؤخذ القائد على غرّة‪ ،‬وهنالك بارزهم القتال فلم ينتصف النهار حت كان قد‬
‫انتصر انتصارا باهرا‪!!..‬‬
‫**‬
‫وف العارك الت خاضها السلمون ض ّد امباطورية الفرس‪ ،‬كان لب موسى الشعري رضي ال عنه‪،‬‬
‫بلؤه العظيم وجهاده الكري‪..‬‬
‫وف موقعة تستر بالذات‪ ،‬حيث انسحب الرزمان بيشه اليها وتصّن با‪ ،‬وجع فيها جيوشا هائلة‪،‬‬
‫كان أبو موسى بطل هذه الوقعة‪..‬‬
‫ولقد أمدّه أمي الؤمني عمر يومئذ بأعداد هائلة من السلمي‪ ،‬على رأسهم عمار بن ياسر‪ ،‬والباء بن‬
‫مالك‪ ،‬وأنس بن مالك‪ ،‬ومزأة البكري وسلمة بن رجاء‪..‬‬
‫واتقى اليشان‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫جيش السلمي بقيادة أبو موسى‪ ..‬وجيش الفرس بقيادة الرزمان ف معركة من أشد العارك ضراوة‬
‫وبأسا‪..‬‬
‫وانسحب الفرس ال داخل مدينة تستر الحصنة‪..‬‬
‫وحاصرها السلمون أياما طويلة‪ ،‬حت أعمل أبو موسى عقله وحيلته‪..‬‬
‫وأرسل مائت فارس مع عميل فارسي‪ ،‬أغراه أبو موسى بأن يتال حت يفتح باب الدينة‪ ،‬أمام الطليعة‬
‫الت اختارها لذه الهمة‪.‬‬
‫ول تكد البواب تفتح‪ ،‬وجنود الطليعة يقتحمون الصن حت انقض أبو موسى بيشه انقضاضا‬
‫مدمدما‪.‬‬
‫واستول على العقل الطي ف ساعات‪ .‬واستسلم قادة الفرس‪ ،‬حيث بعث بم أبو موسى ال الدينة‬
‫ليى أمي الؤمني فيهم رأيه‪..‬‬
‫**‬
‫على أن هذا القاتل ذا الراس الشديد‪ ،‬ل يكن يغادر أرض العركة حت يتحوّل ال أوّاب‪ ،‬بكّاء‬
‫وديع كالعصفور‪...‬‬
‫يقرأ القرآن بصوت يهز أعماق من سعه‪ ..‬حت لقد قال عنه الرسول‪:‬‬
‫" لقد أوت أبو موسى مزمارا من مزامي آل داود"‪!..‬‬
‫كان عمر رضي ال عنه كلما رآه دعاه ليتلو عليه من كتاب ال‪ ..‬قائل له‪:‬‬
‫" شوّقنا ال ربنا يا أبا موسى"‪..‬‬
‫كذلك ل يكن يشترك ف قتال ال أن يكون ضد جيوش مشركة‪ ،‬جيوش تقاوم الدين وتريد أن تطفئ‬
‫نور ال‪..‬‬
‫أما حي يكون القتال بي مسلم ومسلم‪ ،‬فانه يهرب منه ول يكون له دور أبدا‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ولقد كان موقفه هذا واضحا ف نزاع عليّ ومعاوية‪ ،‬وف الرب الت استعر بي السلمي يومئذ‬
‫أوراها‪.‬‬
‫ولعل هذه النقطة من الديث تصلنا بأكثر مواقف حياته شهرة‪ ،‬وهو موقفه من التحكيم بي المام‬
‫علي ومعاوية‪.‬‬
‫هذا الوقف الذي كثيا ما يؤخذ آية وشاهدا على افراط أب موسى ف الطيبة ال حد يسهل خداعه‪.‬‬
‫بيد أن الوقف كما سنراه‪ ،‬وبرغم ما عسى أن يكون فيه تسرّع أو خطأ‪ ،‬انا يكشف عن عطمة هذا‬
‫الصحاب الليل‪ ،‬عظمة نفسه‪ ،‬وعظمة ايانه بالق‪ ،‬وبالناس‪ ،‬ان راي أب موسى ف قضية التحكيم‬
‫يتلخص ف أنه وقد رأى السلمي يقتل بعضهم بعضا‪ ،‬كل فريق يتعصب لمام وحاكم‪ ..‬كما رأى‬
‫الوقف بي القاتلي قد بلغ ف تأزمه واستحالة تصفيته الدى الذي يضع مصي المة السلمة كلها على‬
‫حافة الاوية‪.‬‬
‫نقول‪ :‬ان رأيه وقد بلغت الال من السوء هذا البلغ‪ ،‬كان يتلخص ف تغيي الوقف كله والبدء من‬
‫جديد‪.‬‬
‫ان الرب الهلية القائمة يوم ذاك انا تدور بي طائفتي من السلمي تتنازعان حول شخص الاكم‪،‬‬
‫فليتنازل المام علي عن اللفة مؤقتا‪ ،‬وليتنازل عنها معاوية‪ ،‬على أن يرد المر كله من جديد ال‬
‫السلمي يتارون بطريق الشورى الليفة الذي يريدون‪.‬‬
‫هكذا ناقش أبو موسى القضية‪ ،‬وهكذا كان حله‪.‬‬
‫صحيح أن عليّا بويع باللفة بيعة صحيحة‪.‬‬
‫وصحيح أن كل ترد غي مشروع ل ينبغي أن يكّن من غرضه ف اسقاط الق الشروع‪ .‬بيد أن‬
‫المور ف الناع بي المام ومعاوية وبي أهل العراق وأهل الشام‪ ،‬ف رأي أب موسى‪ ،‬قد بلغت‬
‫الدى الذي يفرض نوعا جديدا من التفكي واللول‪ ..‬فعصيان معاوية‪ ،‬ل يعد مرّد عصيان‪ ..‬وترّد‬
‫أهل الشام ل يعد مرد ترد‪ ..‬واللف كله يعود مرد خلف ف الرأي ول ف الختيار‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫بل ان ذلك كله تطوّر ال حرب أهلية ضارية ذهب ضحيتها آلف القتلى من الفريقي‪ ..‬ول تزال‬
‫تدد السلم والسلمي بأسوأ العواقب‪.‬‬
‫فازاحة أسباب الناع والرب‪ ،‬وتنحية أطرافه‪ ،‬مثّل ف تفكي أب موسى نقطة البدء ف طريق‬
‫اللص‪..‬‬
‫ولقد كان من رأي المام علي حينما قبل مبدأ التحكيم‪ ،‬أن يثل جبهته ف التحكيم عبدال بن عباس‪،‬‬
‫أو غيه من الصحابة‪ .‬لكن فريقا كبيا من ذوي البأس ف جاعته وجيشه فرضا عليه أبا موسى‬
‫الشعري فرضا‪.‬‬
‫وكانت حجتهم ف اختيار أبا موسى أنه ل يشترك قط ف الناع بي علي ومعاوية‪ ،‬بل اعتزل كل‬
‫الفريقي بعد أن يئس من حلهما على التفاهم والصلح ونبذ القتال‪ .‬فهو بذه الثابة أحق الناس‬
‫بالتحكيم‪..‬‬
‫ول يكن ف دين أب موسى‪ ،‬ول ف اخلصه وصدقه ما يريب المام‪ ..‬لكنه كان يدرك موايا الانب‬
‫الخر ويعرف مدى اعتمادهم على الناورة والدعة‪ .‬وأبو موسى برغم فقهه وعلمه يكره الداع‬
‫والناورة‪ ،‬ويب أن يتعامل مع الناس بصدقه ل بذكائه‪ .‬ومن ث خشي المام علي أن ينخدع أبو‬
‫موسى للخرين‪ ،‬ويتحول التحكيم ال مناورة من جانب واحد‪ ،‬تزيد المور سوءا‪...‬‬
‫**‬
‫بدأ التحيكم بي الفريقي‪..‬‬
‫أبو موسى الشعري يثل جبهة المام علي‪..‬‬
‫وعمرو بن العاص‪ ،‬يثل جانب معاوية‪.‬‬
‫والق أن عمرو بن العاص اعتمد على ذكائه الاد وحيلته الواسعة ف أخذ الراية لعاوية‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ولقد بدأ الجتماع بي الرجلي‪ ،‬الشعري‪ ،‬وعمرو باقتراح طرحه أبو موسى وهو أن يتفق الكمان‬
‫على ترشيح عبدال بن عمر بل وعلى اعلنه خليفة للمسلمي‪ ،‬وذلك لا كان ينعم به عبدال بن عمر‬
‫من اجاع رائع على حبه وتوقيه واجلله‪.‬‬
‫ورأى عمرو بن العاص ف هذا التاه من أب موسى فرصة هائلة فانتهزها‪..‬‬
‫ان مغزى اقتراح أب موسى‪ ،‬أنه ل يعد مرتبطا بالطرف الذي يثله وهو المام علي‪..‬‬
‫ومعناه أيضا أنه مستعد لسناد اللفة ال آخرين من أصحاب الرسول بدليل أنه اقترح عبدال بن‬
‫عم‪..‬‬
‫وهكذا عثر عمرو بدهائه على مدخل فسيح ال غايته‪ ،‬فراح يقترح معاوية‪ ..‬ث اقترح ابنه عبدال بن‬
‫عمرو وكان ذا مكانة عظيمة بي أصحاب رسول ال‪.‬‬
‫ولك يغب ذكاء أب موسى أمام دهاء عمرو‪ ..‬فانه ل يكد يرى عمرا يتخذ مبدأ الترشيح قاعدة‬
‫الترشيح للحديث والتحكيم حت لوى الزمام ال وجهة أسلم‪ ،‬فجابه عمرا بأن اختيار الليفة حق‬
‫للمسلمي جيعا‪ ،‬وقد جعل ال أمرهم شورى بينهم‪ ،‬فيجب أن يترك المر لم وحدهم وجيعهم لم‬
‫الق ف هذا الختيار‪..‬‬
‫وسوف نرى كيف استغل عمرو هذا البدأ الليا لصال معاوية‪..‬‬
‫ولكن قبل ذلك لنقرأ نص الوار التاريي الذي دار بي أب موسى وعمرو بن العاص ف بدء‬
‫اجتماعهما‪:‬‬
‫أبو موسى‪ :‬يا عمرو‪ ،‬هل لك ف صلح المة ورضا ال‪..‬؟‬
‫عمرو‪ :‬وما هو‪..‬؟‬
‫أبو موسى‪ :‬نول عبدال بن عمر‪ ،‬فانه ل يدخل نفسه ف شيء من هذه الرب‪.‬‬
‫عمرو‪ :‬وأين أنت من معاوية‪..‬؟‬
‫أبو موسى‪ :‬ما معاوية بوضع لا ول يستحقها‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫عمرو‪ :‬ألست تعلم أن عثمان قتل مظلموا‪..‬؟‬


‫أبو موسى‪ :‬بلى‪..‬‬
‫عمرو‪ :‬فان معاوية ولّ دم عثمان‪ ،‬وبيته ف قريش ما قد علمت‪ .‬فان قال الناس ل أول المر ولست‬
‫سابقة؟ فان لك ف ذلك عذرا‪ .‬تقول‪ :‬ان وجدته ول عثمان‪ ،‬وال تعال يقول‪ ( :‬ومن قتل مظلوما‬
‫فقد جعلنا لوليه سلطانا)‪ ..‬وهو مع هذا‪ ،‬اخو أم حبيبة زوج النب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهو أحد‬
‫أصحابه‪..‬‬
‫أبو موسى‪ :‬اتق ال يا عمرو‪..‬‬
‫أمّا ما ذكرت من شرف معاوية‪ ،‬فلو كانت اللفة تستحق بالشرف لكان أحق الناس با أبرهة بن‬
‫الصبّاح فانه من أبناء ملوك اليمن التباعية الذين ملكوا شرق الرض ومغربا‪ ..‬ث أي شرف لعاوية مع‬
‫علي بن أب طالب‪..‬؟؟‬
‫وأما قولك‪ :‬ان معاوية ول عثمان‪ ،‬فأول منه عمرو بن عثمان‪..‬‬
‫ولكن ان طاوعتن أحيينا سنة عمر بن الطاب وذكره‪ ،‬بتوليتنا ابنه عبدال الب‪..‬‬
‫عمرو‪ :‬فما ينعك من ابن عبدال مع فضله وصلحه وقدي هجرته وصحبته‪..‬؟‬
‫أبو موسى‪ :‬ان ابنك رجل صدق‪ ،‬ولكنك قد غمسته ف هذه الروب غمسا‪ ،‬فهلم نعلها للطيّب بن‬
‫الطيّب‪ ..‬عبدال بن عمر‪..‬‬
‫عمرو‪ :‬يا أبا موسى‪ ،‬انه ل يصلح لذا المر ال رجل له ضرسان يأكل بأحدها‪ ،‬ويطعم بالخر‪!!..‬‬
‫أبو موسى‪ :‬ويك يا عمرو‪ ..‬ان السلمي قد أسندوا الينا المر بعد أن تقارعوا السيوف‪ ،‬وتشاكوا‬
‫بالرماح‪ ،‬فل نردهم ف فتنة‪.‬‬
‫عمرو‪ :‬فماذا ترى‪..‬؟أبو موسى‪ :‬أرى أن نلع الرجلي‪ ،‬عليّا ومعاوية‪ ،‬ث نعلها شورى بي السلمي‪،‬‬
‫يتارون لنفسهم من يبوا‪..‬‬
‫عمرو‪ :‬رضيت بذا الرأي فان صلح النفوس فيه‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ان هذا الوار يغي تاما وجه الصورة الت تعوّدنا أن نرى با أبا موسى الشعري كلما ذكرنا واقعة‬
‫التحكيم هذه‪..‬‬
‫ان أبا موسى كان أبعد ما يكون عن الغفلة‪..‬‬
‫بل انه ف حواره هذا كان ذكاؤه أكثر حركة من ذكاء عمرو بن العاص الشهور بالذكاء والدهاء‪..‬‬
‫فعندما أراد عمرو أن يرّع أبا موسى خلفة معاوية بجة حسبه ف قريش‪ ،‬ووليته لدم عثمان‪ ،‬جاء‬
‫رد أب موسى حاسا لمعا كحد السيف‪..‬‬
‫اذا كانت اللفة بالشرف‪ ،‬فأبرهة بن الصباح سليل اللوك أول با من معاوية‪..‬‬
‫واذا كانت بدم عثمان والدفاع عن حقه‪ ،‬فابن عثمان رضي ال عنه‪ ،‬اول بذه الولية من معاوية‪..‬‬
‫**‬
‫لقد سارت قضية التحيكم بعد هذا الوار ف طريق يتحمّل مسؤليتها عمرو بن العاص وحده‪..‬‬
‫فقد أبرأ أبو موسى ذمته بر ّد المر ال المة‪ ،‬تقول كلمتها وتنار خليفتها‪..‬‬
‫ووافق عمرو والتزم بذا الرأي‪..‬‬
‫ول يكن يطر ببال أب موسى أن عمرو ف هذا الوقف الذي يهدد السلم والسلمي بشر بكارثة‪،‬‬
‫سيلجأ ال الناورة‪ ،‬ها يكن اقتناعه بعاوية‪..‬‬
‫ولقد حذره ابن عباس حي رجع اليهم يبهم با ت التفاق عليه‪..‬‬
‫حذره من مناورات عمرو وقال له‪:‬‬
‫" أخشى وال أن يكون عمرو قد خدعك‪ ،‬فان كنتما قد اتفقتما على شيء فقدمه قبلك ليتكلم‪ ،‬ث‬
‫تكلم أنت بعده"‪!..‬‬
‫لكن أبا موسى كان يرى الوقف أكب وأجل من أن يناور فيه عمرو‪ ،‬ومن ث ل ياله أي ريب‬
‫أوشك ف التزام عمرو با اتفقنا عليه‪..‬‬
‫واجتمعا ف اليوم التال‪ ..‬أبو موسى مثل لبهة المام علي‪ ،‬وعمرو بن العاص مثل لبهة معاوية‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ودعا أبو موسى عمرا ليتحدث‪ ..‬فأب عمرو وقال له‪:‬‬

‫" ما كنت لتقدمك وأنت أكثر من فضل‪ ..‬وأقدم هجرة‪ ..‬وأكب سنا"‪!!..‬‬
‫وتقد أبو موسى واستقبل الشود الرابضة من كل الفريقي‪.‬‬
‫وقال‪:‬‬
‫" أيها الناس‪ ..‬انا قد نظنا فيما يمع ال به ألفة هذه المة‪ ،‬ويصلح أمرها‪ ،‬فلم نر شيئا أبلغ من خلع‬
‫الرجلي علي ومعاوية‪ ،‬وجعلها شورى يتار الناس لنفسهم من يرونه لا‪..‬‬
‫وان قد خلعت عليا ومعاوية‪..‬‬
‫فاستقبلوا أمركم وولوا عليكم من أحببتم"‪...‬‬
‫وجاء دور عمرو بن العاص ليعلن خلع معاوية‪ ،‬كما خلع أبو موسى عليا‪ ،‬تنفيذا للتفاق البم‬
‫بالمس‪...‬‬
‫وصعد عمرو النب‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫" أيها الناس‪ ،‬ان أبا موسى قد قال كما سعتم وخلع صاحبه‪،‬‬
‫أل وان قد خلعت صاحبه كما خلعه‪ ،‬وأثبت صاحب معاوية‪ ،‬فانه ول أمي الؤمني عثمان والطالب‬
‫بدمه‪ ،‬وأحق الناس بقامه‪!!"..‬‬
‫ول يتمل أبو موسى وقع الفاجأة‪ ،‬فلفح عمرا بكلمات غاضبة ثائرة‪..‬‬
‫وعاد من جديد ال عزلته‪ ،‬وأغذّ خطاه ال مكة‪ ..‬ال جوار البيت الرام‪ ،‬يقضي هناك ما بقي له من‬
‫عمر وأيام‪..‬‬
‫كان أبو موسى رضي ال عنه موضع ثقة الرسول وحبه‪ ،‬وموضع ثقة خلفائه واصحابه وحبهم‪...‬‬
‫ففيحياته عليه الصلة والسلم وله مع معاذ بن جبل أمر اليمن‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وبعد وفاة الرسول عاد ال الدينة ليجمل مسؤولياته ف الهاد الكبي الذي خاضته جيوش السلم‬
‫ضد فارس والروم‪..‬‬
‫وف عهد عمر وله أمي الؤمني البصرة‪..‬‬
‫ووله الليفة عثمان الكوفة‪..‬‬
‫**‬
‫وكان من أهل القرآن‪ ،‬حفظا‪ ،‬وفقها‪ ،‬وعمل‪..‬‬
‫ومن كلماته الضيئة عن القرآن‪:‬‬
‫" اتبعوا القرآن‪..‬‬
‫ول تطمعوا ف أن يتبعكم القرآن"‪!!..‬‬
‫وكان من اهل العبادة الثابرين‪..‬‬
‫وف اليام القائظة الت يكاد حرّها يزهق النفاس‪ ،‬كنت تد أبا موسى يلقاها لقاء مشتاق ليصومها‬
‫ويقول‪:‬‬
‫" لعل ظمأ الواجر يكون لنا ريّا يوم القيامة"‪..‬‬
‫**‬
‫وذات يوم رطيب جاءه أجله‪..‬‬
‫وكست ميّاه اشراقة من يرجو رحة ال وحسن ثوابه‪.‬ز‬
‫والكلمات الت كان يرددها دائما طوال حياته الؤمنة‪ ،‬راح لسانه الن وهو ف لظات الرحيل‬
‫يرددها‪.‬ز‬
‫تلك هي‪:‬‬
‫" اللهم أنت السلم‪..‬ومنك السلم"‪...‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫الطفيل بن عمرو الدوسري‬


‫الفطرة الراشدة‬
‫ف أرض دوس نشأ بي أسرة شريفة كرية‪..‬‬
‫وأوت موهبة الشعر‪ ،‬فطار بي القبائل صيته ونبوغه‪..‬‬
‫وف مواسم عكاظ حيث يأت الشعراء العرب من كل فج ويتشدون ويتباهون بشعرائهم‪ ،‬كان‬
‫الطفيل يأخذ مكانه ف القدمة‪..‬‬
‫كما كان يتردد على مكة كثيا ف غي مواسم عكاظ‪..‬‬
‫وذات مرة كان يزورها‪ ،‬وقد شرع الرسول يهر بدعوته‪..‬‬
‫وخشيت قريش أن يلقاه الطفيل ويسلم‪ ،‬ث يضع موهبته الشعرية ف خدمة السلم‪ ،‬فتكون الطامة‬
‫على قريش وأصنامها‪..‬‬
‫من أجل ذلك أحاطوا به‪ ..‬وهيئوا له من الضيافة كل أسباب الترف والبهجة والنعيم‪ ،‬ث راحوا‬
‫يذرونه لقاء رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ويقولون له‪:‬‬
‫" ان له قول كالسحر‪ ،‬يفرّق بي الرجل وابيه‪ ..‬والرجل وأخيه‪ ..‬والرجل وزوجته‪ ..‬ونا نشى عليك‬
‫وعلى قومك منه‪ ،‬فل تكلمه ول تسمع منه حديثا"‪!!..‬‬
‫ولنصغ للطفيل ذاته يروي لنا بقية النبأ فيقول‪:‬‬
‫" فوال ما زالوا ب حت عزمت أل أسع منه شيئا ول ألقاه‪..‬‬
‫وحي غدوت ال الكعبة حشوت أذنّ كرسفا كي ل أسع شيئا من قوله اذا هو تدث‪..‬‬
‫وهناك وجدته قائما يصلي عند الكعبة‪ ،‬فقمت قريبا منه‪ ،‬فأب ال ال أن يسمعن بعض ما يقرأ‪،‬‬
‫فسمعت كلما حسنا‪..‬‬
‫وقلت لنفسي‪ :‬واثكل أمي‪ ..‬وال ان لرجل لبيب شاعر‪ ،‬ل يفى عليّ السن من القبيح‪ ،‬فما ينعن‬
‫أن أسع من الرجل ما يقول‪ ،‬فان كان الذي يأت به حسن قبلته‪ ،‬وان كان قبيحارفضته‪.‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ومكثت حت انصرف ال بيته‪ ،‬فاتبعته حت دخل بيته‪ ،‬فدخلت وراءه‪ ،‬وقلت له‪ :‬يا ممد‪ ،‬ان قومك‬
‫قد حدثون عنك كذا وكذا‪ ..‬فوال ما برحوا يوّفون أمرك حت سددت أذنّ بكرسف لئل أسع‬
‫قولك‪..‬‬
‫ولكن ال شاء أن أسع‪ ،‬فسمعت قول حسنا‪ ،‬فاعرض عليّ أمرك‪..‬‬
‫فعرض الرسول عليّ السلم‪ ،‬وتل عليّ من القرآن‪..‬‬
‫فأسلمت‪ ،‬وشهدت شهادة الق‪ ،‬وقلت‪ :‬يا رسول ال‪ :‬ان امرؤ مطاع ف قومي وان راجع اليهم‪،‬‬
‫وداعيهم ال السلم‪ ،‬فادع ال أن يعل ل آية تكون عونا ل فيما أدعهوهم اليه‪ ،‬فقال عليه السلم‪:‬‬
‫اللهم اجعل له آية"‪..‬‬
‫**‬
‫لقد أثن ال تعال ف كتابه على " الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه"‪..‬‬
‫وها نن أولء نلتقي بواحد من هؤلء‪..‬‬
‫انه صورة صادقة من صور الفطرة الرشيدة‪..‬‬
‫فما كاد سعه يلتقط بعض آيات الرشد والي الت أنزلا ال على فؤاد رسوله‪ ،‬حت تفتح كل سعه‪،‬‬
‫وكل قلبه‪ .‬وحت بسط يينه مبايعا‪ ..‬ليس ذلك فحسب‪ ..‬بل حّل نفسه من فوره مسؤولية دعوة قومه‬
‫وأهله ال هذا الدين الق‪ ،‬والصراط الستقيم‪!..‬‬
‫من أجل هذا‪ ،‬نراه ل يكاد يبلغ بلده وداره ف أرض دوس حت يواجه أباه بالذي من قلبه من عقيدة‬
‫واصرار‪ ،‬ويدعو أباه ال السلم بعد أن حدّثه عن الرسول الذي يدعو ال ال‪ ..‬حدثه عن عظمته‪..‬‬
‫وعن طهره وأمانته‪ ..‬عن اخلصه واخباته ل رب العالي‪..‬‬
‫وأسلم أبوه ف الال‪..‬‬
‫ث انتقل ال أمه‪ ،‬فأسلمت‬
‫ث ال زوجه‪ ،‬فأسلمت‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ولا اطمأن ال أن السلم قد غمر بيته‪ ،‬انتقل ال عشيته‪ ،‬وال أهل دوس جيعا‪ ..‬فلم يسلم منهم‬
‫أحد سوى أب هريرة رضي ال عنه‪..‬‬
‫ولقد راحوا يذلونه‪ ،‬وينأون عنه‪ ،‬حت نفذ صبه معهم وعليهم‪ .‬فركب راحلته‪ ،‬وقطع الفياف عائدا‬
‫ال رسول ال صلى ال عليه وسلم يشكو اليه ويتزوّد منه بتعاليمه‪..‬‬
‫وحي نزل مكة‪ ،‬سارع ال دار الرسول تدوه أشواقه‪..‬‬
‫وقال للنب‪:‬‬
‫" يا رسول ال‪..‬‬
‫انه ق غلبن على دوس الزن‪ ،‬والربا‪ ،‬فادع ال أن يهلك دوسا"‪!!..‬‬
‫وكانت مفاجأة أذهلت الطفيل حي رأى الرسول يرفع كفيه ال السماء وهو يقول‪:‬‬
‫" اللهم اهد دوسا وأت بم مسلمي"‪!!..‬‬
‫ث التفت ال الطفيل وقال له‪:‬‬
‫" ارجع ال قومك فادعهم وارفق بم"‪.‬‬
‫مل هذا الشهد نفس الطفيل روعة‪ ،‬ومل روحه سلما‪ ،‬وحد اله أبلغ المد أن جعل هذا الرسول‬
‫النسان الرحيم معلمه وأستاذه‪ .‬وأن جعل السلم دينه وملذه‪.‬‬
‫ونض عائدا ال أرضه وقومه وهناك راح يدعوهم ال السلم ف أناة ورفق‪ ،‬كما أوصاه الرسول عليه‬
‫السلم‪.‬‬
‫وخلل الفترة الت قضاها بي قومه‪ ،‬كان الرسول قد هاجر ال الدينة وكانت قد وقعت غزوة بدر‪،‬‬
‫أحد والندق‪.‬‬
‫وبينما رسول ال ف خيب بعد أن فتحها ال على السلمي اذا موكب حافل ينتظم ثاني اسرة من‬
‫دوس أقبلوا على الرسول مهللي مكبّرين ‪..‬‬
‫وبينما جلسوا يبايعون تباعا‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ولا فرغوا من مشهدهم الافل‪ ،‬وبيعتهم الباركة جلس الطفيل بن عمرو مع نفسه يسترجع ذكرياته‬
‫ويتأمل خطاه على الطريق‪!!..‬‬
‫تذكر يوم قدوم الرسول يسأله أن يرفع كفيه ال السماء ويقول‪:‬‬
‫اللهم اهلك دوسا‪ ،‬فاذا هو يبتهل بدعاء آخر أثار يومئذ عجبه‪..‬‬
‫ذلك هو‪:‬‬
‫" اللهم اهد دوسا وأت بم مسلمي"‪!!..‬‬
‫ولقد هدى ال دوسا‪..‬‬
‫وجاء بم مسلمي‪..‬‬
‫وها هم أولء‪ ..‬ثانون بيتا‪ ،‬وعائلة منهم‪ ،‬يشكلون أكثرية أهلها‪ ،‬يأخذون مكانم ف الصفوف‬
‫الطاهرة خلف رسول ال المي‪.‬‬
‫**‬
‫ويواصل الطفيل عمله مع الماعة الؤمنة‪..‬‬
‫ويوم فتح مكة‪ ،‬كان يدخلها مع عشرة آلف مسلم ل يثنون أعطافهم زهوا وصلفا‪ ،‬بل ينون‬
‫جباههم ف خشوع واذلل‪ ،‬شكرا ل الذي أثابم فتحا قريبا‪ ،‬ونصرا مبينا‪..‬‬
‫ورأى الطفيل رسول ال وهو يهدم أصنام الكعبة‪ ،‬ويطهرها بيده من ذلك الرجس الذي طال مداه‪..‬‬
‫وتذكر الدوسي من فوره صنما كان لعمرو بن حمة‪ .‬طالا كان عمرو هذا يصطحبه اليه حي ينل‬
‫ضيافته‪ ،‬فيتخشّع بي يديه‪ ،‬ويتضرّع اليه‪!!..‬‬
‫الن حانت الفرصة ليمحو الطفيل عن نفسه اث تلك اليام‪ ..‬هنالك تقدم من الرسول عليه الصلة‬
‫والسلم يستأذنه ف أن يذهب ليحرق صنم عمرو بن حمة وكان هذا الصنم يدعى‪ ،‬ذا الكفي‪ ،‬وأذن‬
‫له النب عليه السلم‪..‬‬
‫ويذهب الطفيل ويوقد عليه النار‪ ..‬وكلما خبت زادها ضراما وهو ينشد ويقول‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫يا ذا الكفي لست من عبّادكا‬


‫ميلدنا أقدم من ميلدكا!!‬
‫ان حشوت النار ف فؤادكا‬
‫وهكذا عاش مع النب يصلي وراءه‪ ،‬ويتعلم منه‪ ،‬ويغزو معه‪.‬‬
‫وينتقل الرسول ال الرفيق العلى‪ ،‬فيى الطفيل أن مسؤوليته كمسلم ل تنته بوت الرسول‪ ،‬بل انا‬
‫لتكاد تبدأ‪..‬‬
‫وهكذا ل تكد حروب الردة تنشب حت كان الطفيل يشمّر لا عن ساعد وساق‪ ،‬وحت كان يوض‬
‫غمراتا وأهوالا ف حنان مشتاق ال الشهادة‪..‬‬
‫اشترك ف حروب الردة حربا‪ ..‬حربا‪..‬‬
‫وف موقعة اليمامة خرج مع السلمي مصطحبا معه ابنه عمرو بن الطفيل"‪.‬‬
‫ومع بدء العركة راح يوضي ابنه أن يقاتل جيش مسيلمة الكذاب قتال من يريد الوت والشهادة‪..‬‬
‫وأنبأه أنه يس أنه سيموت ف هذه العركة‪.‬‬
‫وهكذا حل سيفه وخاض القتال ف تفان ميد‪..‬‬
‫ل يكن يدافع بسيفه عن حياته‪.‬‬
‫بل كان يدافع بياته عن سيفه‪.‬‬
‫حت اذا مات وسقط جسده‪ ،‬بقي السيف سليما مرهفا لتضرب به يد أخرى ل يسقط صاحبها‬
‫بعد‪!!..‬‬
‫وف تلك الوقعة استشهد الطفيل الدوسي رضي ال عنه‪..‬‬
‫وهو جسده تت وقع الطعان‪ ،‬وهو يلوّح لبنه الذي ل يكن يراه وسط الزحام‪!!..‬‬
‫يلوّح له وكأنه يهيب به ليتبعه ويلحق به‪..‬‬
‫ولقد لق به فعل‪ ..‬ولكن بعد حي‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ففي موقعة اليموك بالشام خرج عمرو بن الطفيل ماهدا وقضى نبه شهيدا‪..‬‬
‫وكان وهو يود بأنفاسه‪ ،‬يبسط ذراعه اليمن ويفتح كفه‪ ،‬كما لو كان سيصافح با أحدا‪ ..‬ومن‬
‫يدري‪..‬؟؟‬
‫لعله ساعتئذ كان يصافح روح أبيه‪!!..‬‬
‫عمرو بن العاص‬
‫مرّر مصر من الرومان‬
‫كانوا ثلثة ف قريش‪ ،‬اتبعوا رسول ال صلى ال عليه وسلم بعنف مقاومتهم دعوته وايذائهم‬
‫أصحابه‪..‬‬
‫وراح الرسول يدعو عليهم‪ ،‬ويبتهل ال ربه الكري أن ينل بم عقابه‪..‬‬
‫واذ هو يدعو ويدعو‪ ،‬تنل الوحي على قلبه بذه الية الكرية‪..‬‬
‫( ليس لك من المر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبم‪ ،‬فانم ظالون)‪..‬‬
‫وفهم الرسول من الية أنا أمر له بالكف عن الدعاء عليهم‪ ،‬وترك أمرهم ال ال وحده‪..‬‬
‫فامّا أن يظلوا على ظلمهم‪ ،‬فيحلّ بم عذابه‪..‬‬
‫أو يتوب عليهم فيتوبوا‪ ،‬وتدركهم رحته‪..‬‬
‫كان عمرو بن العاص أحد هؤلء الثلثة‪..‬‬
‫ولقد اختار ال لم طريق التوبة والرحة وهداهم ال السلم‪..‬‬
‫وتول عمرو بن العاص ال مسلم مناضل‪ .‬وال قائد من قادة السلم البواسل‪..‬‬
‫وعلى الرغم من بعض مواقف عمرو الت ل نستطيع أن نقتنع بوجهة نظره فيها‪ ،‬فان دوره كصحابّ‬
‫جليل بذل وأعطى‪ ،‬ونافح وكافح‪ ،‬سيظل يفتح على ميّاه أعيننا وقلوبنا‪..‬‬
‫وهنا ف مصر بالذات‪ ،‬سيظل الذين يرون السلم دينا قيما ميدا‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ويرون ف رسوله رحة مهداة‪ ،‬ونعمة موجاة‪ ،‬ورسول صدق عظيم‪ ،‬دعا ال ال على بصية‪ ،‬وألم‬
‫الياة كثيا من رشدها وتقاها‪..‬‬
‫سيظل الذين يملون هذا اليان مشحوذي الولء للرجل الذي جعلته القدار سببا‪ ،‬وأي سبب‪،‬‬
‫لهداء السلم ال مصر‪ ،‬واهداء مصر ال السلم‪ ..‬فنعمت الداية ونعم مهديها‪..‬‬
‫ذلكم هو‪ :‬عمرو بن العاص رضي ال عنه‪..‬‬
‫ولقد تعوّد الؤرخون أن ينعتوا عمرا بن فاتح مصر‪..‬‬
‫بيد أنا نرى ف هذا الوصف توزا وتاوزا‪ ،‬ولعل أحق النعوت بعمرو أن ندعوه بن مرر مصر‪..‬‬
‫فالسلم ل يكن يفتح البلد بالفهوم الديث للفتح‪ ،‬انا كان يررها من تسلط امباطوريتي سامتا‬
‫العباد والبلد سوء العذاب‪ ،‬تانك ها‪:‬‬
‫امباطورية الفرس‪.‬ز وامباطورية الروم‪..‬‬
‫ومصر بالذات‪ ،‬يوم أهلت عليها طلئع السلم كانت نبا للرومان وكان أهلها يقاومون دون‬
‫جدوى‪..‬‬
‫ولا دوّت فوق مشارف بلدهم صيحات الكتائب الؤمنة أن‪:‬‬
‫" ال أكب‪..‬‬
‫ال أكب"‪..‬‬
‫سارعوا جيعا ف زحام ميد صوب الفجر الوافد وعانقوه‪ ،‬واجدين فيه خلصهم من قيصر ومن‬
‫الرومان‪..‬‬
‫فعمرو بن العاص ورجاله‪ ،‬ل يفتحوا مصر اذن‪ ..‬انا فتحوا الطريق أمام مصر لتصل بالق مصايرها‪..‬‬
‫وتربط بالعدل مقاديرها‪ ..‬وتد نفسها وحقيقتها ف ضوء كلمات ال‪ ،‬ومبادئ السلم‪..‬‬
‫ولقد كان رضي ال عنه حريصا على أن يباعد أهل مصر وأقباطها عن العركة‪ ،‬ليظل القتال مصورا‬
‫بينه وبي جنود الرومان الي يتلون البلد ويسرقون أرزاق أهلها‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫من أجل ذلك نده يتحدث ال زعماء النصارى يومئذ وكبار أشاقفتهم‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫"‪ ...‬ان ال بعث ممدا بالق وأمره به‪..‬‬
‫وانه عليه الصلة والسلم‪ ،‬قد أدّى رسالته‪ ،‬ومضى بعد أن تركنا على الواضحة أي الطريق الواضح‬
‫الستقيم‪..‬‬
‫وكان ما أمرنا به العذار ال الناس‪ ،‬فنحن ندعوكم ال السلم‪..‬‬
‫فمن أجابنا‪ ،‬فهو منا‪ ،‬له ما لنا وعليه ما علينا‪..‬‬
‫ومن ل يبنا ال السلم‪ ،‬عرضنا عليه الزية أي الضرائب وبذلنا له الماية والنعة‪..‬‬
‫ولقد أخبنا نبينا أن مصر ستفتح علينا‪ ،‬وأوصانا بأهلها خيا فقال‪ ":‬ستفتح عليكم بعدي مصر‪،‬‬
‫فاستوصوا بقبطها خيا‪ ،‬فان لم ذمّة ورحا"‪..‬‬
‫فان أجبتمونا ال ما ندعوكم اليه كانت لكم ذمة ال ذمة"‪...‬‬
‫وفرغ عمرو من كلماته‪ ،‬فصاح بعض الساقفة والرهبان قائل‪:‬‬
‫" ان الرحم الت أوصاكم با نبيّكم‪ ،‬لي قرابة بعيدة‪ ،‬ل يصل مثلها ال النبياء"‪!!..‬‬
‫وكانت هذه بداية طيبة للتفاهم الرجو بي عمرو أقباط مصر‪ ..‬وان يكن قادة الرومان قد حاولوا‬
‫العمل لحباطها‪..‬‬
‫**‬
‫وعمرو بن العاص ل يكن من السابقي ال السلم‪ ،‬فقد أسلم مع خالد بن الوليد قبيل فتح مكة‬
‫بقليل‪..‬‬
‫ومن عجب أن اسلمه بدأ على يد النجاشي بالبشة وذلك أن النجاشي يعرف عمرا ويترمه بسبب‬
‫تردده الكثي على البشة والدايا الزيلة الت كان يملها للنجاشي‪ ،‬وف زيارته الخية لتلك البلد‬
‫جاء ذكر لرسول الذي يهتف بالتوحيد وبكارم الخلق ف جزيرة العرب‪..‬‬
‫وسأل عاهل البشة عمرا‪ ،‬كيف ل يؤمن به ويتبعه‪ ،‬وهو رسول من ال حقا‪..‬؟؟‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وسأل عمرو النجاشي قائل‪:‬‬


‫" أهو كذلك؟؟"‬
‫وأجابه النجاشي‪:‬‬
‫" نعم‪ ،‬فأطعن يا عمرو واتبعه‪ ،‬فانه وال لعلى الق‪ ،‬وليظهرنّ على من خالفه"‪..‬؟!‬
‫وركب عمرو ثبج البحر من فوره‪ ،‬عائدا ال بلده‪ ،‬وميمّما وجهه شطر الدينة ليسلم ل رب‬
‫العالي‪..‬‬
‫وف الطريق القضية ال الدينة التقى بالد بن الوليد قادما من مكة ساعيا ال الرسول ليبايعه على‬
‫السلم‪..‬‬
‫ولك يكد الرسول يراها قادمي حت تلل وجهه وقال لصحابه‪:‬‬
‫" لقد رمتكم مكة بأفلذ أكبادها"‪..‬‬
‫وتقدم خالد فبايع‪..‬‬
‫ث تقدم عمرو فقال‪:‬‬
‫" ان أبايعك على أن يغفر ال ل ما تقدّم من ذنب"‪..‬‬
‫فأجابه الرسول عليه السلم قائل‪:‬‬
‫" يا عمرو‪..‬‬
‫بايع‪ ،‬فان السلم يبّ ما كان قبله"‪..‬‬
‫وبايع عمرو ووضع دهاءه وشجاعته ف خدمة الدين الديد‪.‬‬
‫وعندما انتقل الرسول ال الرفيق العلى‪ ،‬كان عمرو واليا على عمان‪..‬‬
‫وف خلفة عمر أبلى بلءه الشهود ف حروب الشام‪ ،‬ث ف ترير مصر من حكم الرومان‪.‬‬
‫**‬
‫وياليت عمرو بن العاص كان قد قاوم نفسه ف حب المارة‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫اذن لكان قد تفوّق كثيا على بعض الواقف الت ورّطه فيها الب‪.‬‬
‫على أن حب عمرو المارة‪ ،‬كان ال حد ما‪ ،‬تعبيا تلقائيا عن طبيعته الياشة بالواهب‪..‬‬
‫بل ان شكله الارجي‪ ،‬وطريقته ف الشي وف الديث‪ ،‬كانت تومي ال أنه خلق للمارة‪ !!..‬حت‬
‫لقد روي أن أمي الؤمني عمر بن الطاب رآه ذات يوم مقبل‪ ،‬فابتسم لشيته وقال‪:‬‬
‫" ما ينبغي لب عبدال أن يشي على الرض ال أميا"‪!..‬‬
‫والق أن أبا عبدال ل يبخس نفسه هذا الق‪..‬‬
‫وحت حي كانت الحداث الطية تتاح السلمي‪ ..‬كان عمرو يتعامل مع هذه الحداث بأسلوب‬
‫أمي‪ ،‬أمي معه من الذكاء والدهاء‪ ،‬والقدرة ما يعله واثقا بنفسه معتزا بتفوقه‪!!..‬‬
‫ولكن معه كذلك من المانة ما جعل عمر بن الطاب وهو الصارم ف اختيار ولته‪ ،‬واليا على‬
‫فلسطي والردن‪ ،‬ث على مصر طوال حياة أمي الؤمني عمر‪...‬‬
‫حي علم أمي الؤمني عمر أن عمرا قد جاوز ف رخاء معيشته الد الذي كان أمي الؤمني يطلب‬
‫من ولته أن يقفوا عنده‪ ،‬ليظلوا دائما ف مستوى‪ ،‬أو على القل قريبي من مستوى عامة الناس‪..‬‬
‫نقول‪ :‬لو علم الليفة عن عمرو كثرة رخائه‪ ،‬ل يعزله‪ ،‬انا أرسل اليه ممد بن مسلمة وأمره أن‬
‫يقاسم عمرا جيع أمواله وأشيائه‪ ،‬فيبقي له نصفها ويمل معه ال بيت الال بالدينة نصفها الخر‪.‬‬
‫ولو قد علم أمي الؤمني أن حب عمرو للمارة‪ ،‬يمله على التفريط ف مسؤولياته‪ ،‬لا احتمل ضميه‬
‫الرشيد ابقاءه ف الولية لظة‪.‬‬
‫**‬
‫وكان عمرو رضي ال عنه حادّ الذكاء‪ ،‬قوي البديهة عميق الرؤية‪..‬‬
‫ك كفيّه عجبا‬‫حت لقد كان أمي الؤمني عمر رضي ال عنه‪ ،‬كلما رأى انسانا عاجز اليلة‪ ،‬ص ّ‬
‫وقال‪:‬‬
‫" سبحان ال‪!!..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ان خالق هذا‪ ،‬وخالق عمرو بن العاص اله واحد!!‬


‫كما كان بالغ الرأة مقداما‬
‫ولقد كان يزج جرأته بدهائه ف بعض الواطن‪ ،‬فيظن به الب أو اللع‪ ..‬بيد أنا سعة اليلة‪ ،‬كان‬
‫عمرو ييد استعمالا ف حذق هائل ليخرج نفسه من الآزق الهلكة‪!!..‬‬
‫ولقد كام أمي الؤمني عمر يعرف مواهبه هذه ويقدرها قدرها‪ ،‬من أجل ذلك عندما أرسله ال الشام‬
‫قبل ميئه ال مصر‪ ،‬قيل لمي الؤمني‪ :‬ان على رأس جيوش الروم بالشام أرطبونا أي قائدا وأميا من‬
‫الشجعان الدهاة‪ ،‬فكان جواب عمر‪:‬‬
‫" لقد رمينا أرطبون الروم‪ ،‬بأرطبون العرب‪ ،‬فلننظر عمّ تنفرج المور"‪!!..‬‬
‫ولقد انفرجت عن غلبة ساحقة لرطبون العرب‪ ،‬وداهيتهم الطي عمرو ابن العاص‪ ،‬على أرطبون‬
‫الروم الذي ترك جيشه للهزية وول هاربا ال مصر‪ ،‬الت سيلحقه با عمرو بعد قليل‪ ،‬ليفع فوق‬
‫ربوعها المنة راية السلم‪.‬‬
‫**‬
‫وما أكثر الواقف الت تألق فيها ذكاء عمرو ودهاؤه‪.‬‬
‫وان كنا ل نسب منها بال موقفه من أب موسى الشعري ف واقعة التحكيم حي اتفقا على أن يلع‬
‫كل منهما عليا ومعاوية‪ ،‬ليجع المر شورى بي السلمي‪ ،‬فأنفذ أبو موسى التفاق‪ ،‬وقعد عن انفاذه‬
‫عمرو‪.‬‬
‫واذا اردنا أن نشهد صورة لدهائه‪ ،‬وحذق بديهته‪ ،‬ففي موقفه من قائد حصن بابليون أثناء حربه مع‬
‫الرومان ف مصر وف رواية تاريية أخرى أنا الواقعة الت سنذكرها وقعت ف اليموك مع أرطبون‬
‫الروم‪..‬‬
‫اذ دعاه الرطبون والقائد ليحادثه‪ ،‬وكان قد أعطى أمرا لبعض رجاله بالقاء صخرة فوقه اثر انصرافه‬
‫من الصن‪ ،‬وأعدّ كل شيء ليكون قتل عمرو أمرا متوما‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ودخل عمرو على القائد‪ ،‬ل يريبه شيء‪ ،‬وانفض لقاؤها‪ ،‬وبينما هو ف الطريق ال خارج الصن‪ ،‬لح‬
‫فوق أسواره حركة مريبة حركت فيه حاسة الذر بشدّة‪.‬‬
‫وعلى الفور تصرّف بشكل باهر‪.‬‬
‫لقد عاد ال قائد الصن ف خطوات آمنة مطمئنة وئيدة ومشاعر متهللة واثقة‪ ،‬كأن ل يفرّعه شيء‬
‫قط‪ ،‬ول يثر شكوكه أمر!!‬
‫ودخل على القائد وقال له‪:‬‬
‫لقد بادرن خاطر أردت أن أطلعك عليه‪ ..‬ان معي حيث يقيم أصحاب جاعة من أصحاب الرسول‬
‫السابقي ال السلم‪ ،‬ل يقطع أمي الؤمني أمرا دونشورتم‪ ،‬ول يرسل جيشا من جيوش السلم ال‬
‫جعلهم على رأس مقاتلته وجنوده‪ ،‬وقد رأيت أن آتيك بم‪ ،‬حت يسمعوا منك مثل الذي سعت‪،‬‬
‫ويكونوا من المر على مثل ما أنا عليه من بيّنة‪..‬‬
‫وأدرك قائد الروم أن عمرا بسذاجة قد منحه فرصة العمر‪!!..‬‬
‫فليوافقه اذن على رأيه‪ ،‬حت اذا عاد ومعه هذا العدد من زعماء السلمي وخية رجالم وقوادهم‪،‬‬
‫أجهز عليهم جيعا‪ ،‬بدل من أن يهز على عمرو وحده‪..‬‬
‫وبطريقة غي منظورة أعطى أمره بارجاء الطة الت كانت معدّة لغتيال عمرو‪..‬‬
‫ودّع عمرو بفاوة‪ ،‬وصافحه برارة‪،‬‬
‫وابتسم داهية العرب‪ ،‬وهو يغادر الصن‪..‬‬
‫وف الصباح عاد عمرو على رأس جيشه ال الصن‪ ،‬متطيا صهوة فرسه‪ ،‬الت راحت تقهقه ف‬
‫صهيل شامت وساخر‪.‬‬
‫أجل فهي الخرى كانت تعرف من دهاء صاحبها الشيء الكثي‪!!..‬‬
‫**‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وف السنة الثالثة والربعي من الجرة أدركت الوفاة عمرو بن العاص بصر‪ ،‬حيث كان واليا‬
‫عليها‪..‬‬
‫وراح يستعرض حياته ف لظات الرحيل فقال‪:‬‬
‫"‪ ..‬كنت أول أمري كافرا‪ ..‬وكنت أشد الناس على رسول ال‪ ،‬فلو مت يومئذ لوجبت ل النار‪..‬‬
‫ث بايعت رسول ال‪ ،‬فما كان ف الناس أحد أحب الّ منه‪ ،‬ول أجلّ ف عين منه‪ ..‬ولو سئلت أن‬
‫أنعته ما استطعت‪ ،‬لن ل أكن أقدر أن أمل عين منه اجلل له‪ ..‬فلو متّ يومئذ لرجوت أن أكون‬
‫من أهل النة‪..‬‬
‫ث بليت بعد ذلك بالسلطان‪ ،‬وبأشياء لأدري أهي ل أم عليّ"‪..‬‬
‫**‬
‫ث رفع بصره ال السماء ف ضراعة‪ ،‬مناجيا ربه الرحيم العظيم قائل‪:‬‬
‫" اللهم ل بريء فأعتذر‪ ،‬ول عزيز فأنتصر‪،‬‬
‫وال تدركن رحتك أكن من الالكي"!!‬
‫وظل ف ضراعاته‪ ،‬وابتهالته حت صعدت ال ال روحه‪ .‬وكانت آخر كلماته ل اله ال ال‪..‬‬
‫وتت ثرى مصر‪ ،‬الت عرّفها عمرو طريق السلم‪ ،‬ثوى رفاته‪..‬‬
‫وفوق أرضها الصلبة‪ ،‬ل يزال ملسه حيث كان يعلم‪ ،‬ويقضي ويكم‪ ..‬قائما عب القرون تت سقف‬
‫مسجده العتيق جامع عمرو‪ ،‬أول ميجد ف مصر يذكر فيه اسم ال الواحد الحد‪ ،‬وأعلنت بي‬
‫أرجائه ومن فوق منبه كلمات ال‪ ،‬ومبادئ السلم‪.‬‬
‫سال مول أي حذيفة‬
‫بل نعم حامل القرآن‬
‫أوصى رسول ال صلى ال عليه وسلم أصحابه يوما‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫" خذوا القرآن من أربعة‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫عبدال بن مسعود‪..‬‬
‫وسال مول أب حذيفة‪..‬‬
‫وأبّ بن كعب‪..‬‬
‫ومعاذ بن جبل‪"..‬‬
‫ولقد التقينا من قبل بابن مسعود‪ ،‬وأبّ‪،‬ومعاذ‪..‬‬
‫فمن هذا الصحاب الرابع الذي جعله الرسول حجّة ف تعليم القرآن ومرجعا‪..‬؟؟‬
‫انه سال‪ ،‬مول أب حذيفة‪..‬‬
‫كان عبدا رقيقا‪ ،‬رفع السلم من شأنه حت جعل منه ابنا لواحد من كبار السلمي كان قبل اسلمه‬
‫شريفا من أشراف قريش‪ ،‬وزعيما من زعمائها‪..‬‬
‫ولا أبطل السلم عادة التبن‪ ،‬صار أخا ورفيقا‪ ،‬ومول للذي كان يتبناه وهو الصحاب الليل‪ :‬أبو‬
‫حذيفة بن عتبة‪..‬‬
‫وبفضل من ال ونعمة على سال بلغ بي السلمي شأوا رفيعا وعاليا‪ ،‬أهّلته له فضائل روحه‪ ،‬وسلوكه‬
‫وتقواه‪ ..‬وعرف الصحاب الليل بذه التسمية‪ :‬سال مول أب حذيفة‪.‬‬
‫ذلك أنه كان رقيقا وأعتق‪..‬‬
‫وآمن باله ايانا مبكرا‪..‬‬
‫وأخذ مكانه بي السابقي الولي‪..‬‬
‫وكان حذيفة بن عتبة‪ ،‬قد باكر هو الخر وسارع ال السلم تاركا أباه عتبة بن ربيعة يتر مغايظه‬
‫وهوهه الت عكّرت صفو حياته‪ ،‬بسبب اسلم ابنه الذي كان وجيها ف قومه‪ ،‬وكان أبوه يعدّه‬
‫للزعامة ف قريش‪..‬‬
‫وتبن أبو حذيفة سالا بعد عتقه‪ ،‬وصار يدعى بسال بن أب حذيفة‪..‬‬
‫وراح الثنان يعبدان ربما ف اخبات‪ ،‬وخشوع‪ ..‬ويصبان أعظم الصب على أذى قريش وكيدها‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وذات يوم نزلت آية القرآن الت تبطل عادة التبن‪..‬‬


‫وعاد كل متبن ليحمل اسم أبيه القيقي الذي ولده وأنبه‪..‬‬
‫فن زيد بن حارثة مثل‪ ،‬الذي كان النب عليه الصلة والسلم قد تبناه‪ ،‬وعرف بي السلمي بزيد‬
‫بن ممد‪ ،‬عاد يمل اسم أبيه حارثة فصار زيد بن جارثة ولكنّ سالا ل يكن يعرف له أب‪ ،‬فوال أبا‬
‫حذيفة‪ ،‬وصار يدعى سال مول أب حذيفة‪..‬‬
‫ولعل السلم حي أبطل عادة التبن‪ ،‬انا أراد أن يقول للمسلمي ل تلتمسوا رحا‪ ،‬ول قرب‪ ،‬ول‬
‫صلة توكدون با اخاءكم‪ ،‬أكب ول أقوى من السلم نفسه‪ ..‬والعقيدة الت يعلكم با اخوانا‪!!..‬‬
‫ولقد فهم السلمون الوائل هذا جيدا‪..‬‬
‫فلم يكن شيء أحب ال أحدهم بعد ال ورسوله‪ ،‬من اخزوانم ف ال وف السلم‪..‬‬
‫ولقد رأينا كيف استقبل النصار اخوانم الهاجرين‪ ،‬فشاطروهم أموالم‪ ،‬ومساكنهم‪ ،‬وكل ما‬
‫يلكون‪!!..‬‬
‫وهذا هو الذي رأينا يدث بي أب حذيفة الشريف ف قريش‪ ،‬مع سال الذي كان عبدا رقسقا‪ ،‬ل‬
‫يعرف أبوه‪..‬‬
‫لقد ظل ال آخر لظة من حياتما أكثر من اخوين شقيقي حت عند الوت ماتا معا‪ ..‬الروح مع‬
‫الروح‪ ..‬والسد ال جوار السد‪!!..‬‬
‫تلك عظمة السلم الفريدة‪..‬‬
‫بل تلك واحدة من عظائمه ومزاياه‪!!..‬‬
‫**‬
‫لقد آمن سال ايان الصادقي‪..‬‬
‫وسلك طريقه ال ال سلوك البرار التقي‪..‬‬
‫فلم يعد لسبه‪ ،‬ول لوضعه من الجتمع أي اعتبار‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫لقد ارتفع بتقواه واخلصه ال أعلى مراتب الجتمع الديد الذي جاء السلم يقيمه وينهضه على‬
‫أساس جديد عادل عظيم‪...‬‬
‫أساس تلخصه الية الليلة‪:‬‬
‫" ان أكرمكم عند ال أتقاكم"‪!!..‬‬
‫والديث الشريف‪:‬‬
‫" ليس لعرب على عجمي فضل ال بالتقوى"‪..‬‬
‫و" ليس لبن البضاء على ابن السوداء فضل ال بالتقوى"‪..‬‬
‫**‬
‫ف هذا الجتمع الديد الراشد‪ ،‬وجد أبو حذيفة شرفا لنفسه أن يوال من كان بالمس عبدا‪..‬‬
‫بل ووجد شرفا لسرته‪ ،‬أن يزوج سالا ابنه أخيه فاطمة بنت الوليد بنت عتبة‪!!..‬‬
‫وف هذا الجتمع الديد‪ ،‬والرشيد‪ ،‬الذي هدّم الطبقية الظالة‪ ،‬وأبطل التمايز الكاذب‪ ،‬وجد سال‬
‫بسبب صدقه‪ ،‬وايانه‪ ،‬وبلئه‪ ،‬وجد نفسه ف الصف الول دائما‪!!..‬‬
‫أجل‪ ..‬لقد كان امام للمهاجرين من مكة ال الدينة طوال صلتم ف مسجد قباء‪..‬‬
‫وكان حجة ف كتاب ال‪ ،‬حت أمر النب السلمي أن يتعلموا منه‪!!..‬‬
‫وكان معه من الي والتفوق ما جعل الرسول عليه السلم يقول له‪:‬‬
‫" المد ل‪ ،‬الذي جعل ف أمت مثلك"‪!!..‬‬
‫وحت كان اخوانه الؤمني يسمونه‪:‬‬
‫" سال من الصالي"‪!!..‬‬
‫ان قصة سال كقصة بلل وكقصة عشرات العبيد‪ ،‬والفقراء الذين نفض عنهم عوادي الرق والضعف‪،‬‬
‫وجعلهم ف متمع الدى والرشاد أئمة‪ ،‬وزعماء وقادة‪..‬‬
‫كان سال ملتقى لكل فضائل السلم الرشيد‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫كانت الفضائل تزدحم فيه وحوله‪ ..‬وكان ايانه العميق الصادق ينسقها أجل تنسيق‪.‬‬
‫وكان من أبرز مزاياه الهر با يراه حقا‪..‬‬
‫انه ل يعرف الصمت تاه كلمة يرى من واجبه أن يقولا‪..‬‬
‫ول يون الياة بالسكوت عن خطأ يؤدها‪..‬‬
‫**‬
‫بعد أن فتحت مكة للمسلمي‪ ،‬بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم بعض السرايا ال ما حول مكة‬
‫من قرى وقبائل‪ ،‬وأخبهم أنه عليه السلم‪ ،‬انا يبعث بم دعاة ل مقاتلي‪..‬‬
‫وكان على رأس احدى هذه السرايا خالد بن الوليد‪..‬‬
‫وحي بلغ خالد وجهته‪ ،‬حدث ما جعله يستعمل السيوف‪ ،‬ويرق الدماء‪..‬‬
‫هذه الواقعة الت عندما سع النب صلى ال عليه وسلم نبأها‪ ،‬اعتذر ال ربه طويل‪ ،‬وهو يقول‪:‬‬
‫" اللهم ان أبرأ اليك ما صنع خالد"‪!!..‬‬
‫والت ظل أمي الؤمني عمر يذكرها له ويأخذها عليه‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫" ان ف سيف خالد رهقا"‪..‬‬
‫وكان يصحب خالد ف هذه السرية سال مول أب حذيفة مع غيه من الصحاب‪..‬‬
‫ول يكد سال يرى صنيع خالد حت واجهه بناقشة حامية‪ ،‬وراح يعدّد له الخطاء الت ارتكبت‪..‬‬
‫وخالد البطل القائد‪ ،‬والبطل العظيم ف الاهلية‪ ،‬والسلم‪ ،‬ينصت مرة ويدافع عن نفسه مرة ثانية‬
‫ويشتد ف القول مرة ثالثة وسال مستمسك برأيه يعلنه ف غي تيّب أو مداراة‪..‬‬
‫ل يكن سال آنئذ ينظر ال خالد كشريف من أشراف مكة‪ ..‬بينما هو من كان بالمس القريب‬
‫رقيقا‪.‬‬
‫ل‪ ..‬فقد سوّى السلم بينهما‪!!..‬‬
‫ول يكن ينظر اليه كقائد تقدّس أخطاؤه‪ ..‬بل كشريك ف السؤولية والواجب‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫ول يكن يصدر ف معارضته خالدا عن غرض‪ ،‬أو سهوه‪ ،‬بل هي النصيحة الت قدّس السلم حقها‪،‬‬
‫والت طالا سع نبيه عليه الصلة والسلم يعلها قوام الدين كله حي يقول‪:‬‬
‫" الدين النصيحة‪..‬‬
‫الدين النصيحة‪..‬‬
‫الدين النصيحة"‪.‬‬
‫**‬
‫ولقد سأل الرسول عليه السلم‪ ،‬عندما بلغه صنيع خالد بن الوليد‪..‬‬
‫سأل عليه السلم قائل‪:‬‬
‫" هل أنكر عليه أحد"‪..‬؟؟‬
‫ما أجله سؤال‪ ،‬وما أروعه‪..‬؟؟!!‬
‫وسكن غضبه عليه السلم حي قالوا له‪:‬‬
‫" نعم‪ ..‬راجعه سال وعارضه"‪..‬‬
‫وعاش سال مع رسوله والؤمني‪..‬‬
‫ل يتخلف عن غزوة ول يقعد عن عبادة‪..‬‬
‫وكان اخاؤه مع أب حذيفة يزداد مع اليام تفانيا وتاسكا‪..‬‬
‫**‬
‫وانتقل الرسول ال الرفيق العلى‪..‬‬
‫وواجهت خلفة أب كب رضي ال عنه مؤامرات الرتدّين‪..‬‬
‫وجاء يوم اليمامة‪..‬‬
‫وكانت حربا رهبة‪ ،‬ل يبتل السلم بثلها‪..‬‬
‫وخرج السلمون للقتال‪..‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫وخرج سال وأخوه ف ال أبو حذيفة‪..‬‬


‫وف بدء العركة ل يصمد السلمون للهجوم‪ ..‬وأحسّ كل مؤمن أن العركة معركته‪ ،‬والسؤولية‬
‫مسؤوليته‪..‬‬
‫وجعهم خالد بن الوليد من جديد‪..‬‬
‫وأعاد تنسيق اليش بعبقرية مذهلة‪..‬‬
‫وتعانق الخوان أبو حذيفة وسال وتعاهدا على الشهادة ف سبيل الدين الق الذي وهبهما سعادة‬
‫الدنيا والخرة‪..‬‬
‫وقذفا نفسيهما ف الضمّ الرّهيب‪!!..‬‬
‫كان أبو حذيفة ينادي‪:‬‬
‫" يا أهل القرآن‪..‬‬
‫زينوا القرآن بأعمالكم"‪.‬‬
‫وسيفه يضرب كالعاصفة ف جيش مسيلمة الكذاب‪.‬‬
‫وكان سال يصيح‪:‬‬
‫" بئس حامل القرآن أنا‪..‬‬
‫لو هوجم السلمون من قبلي"‪!!..‬‬
‫حاشاك يا سال‪ ..‬بل نعم حامل القرآن أنت‪!!..‬‬
‫وكان سيفه صوّال جوّال ف أعناق الرتدين‪ ،‬الذين هبوا ليعيدوا جاهلية قريش‪ ..‬ويطفؤا نور‬
‫السلم‪..‬‬
‫وهوى سيف من سيوف الردة على يناه فبترها‪ ..‬وكان يمل با راية الهاجرين بعد أن سقط حاملها‬
‫زيد بن الطاب‪...‬‬
‫ولا رأى يناه تبتر‪ ،‬التقط الراية بيسراه وراح يلوّح با ال أعلى وهو يصيح تاليا الية الكرية‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫( وكأيّ من نب قاتل معه ربيّون كثي‪ ،‬فما وهنوا لا أصابم ف سبيل ال وما ضعفوا وما استكانوا‬
‫وال يب الصابرين)‪...‬‬
‫أل أعظم به من شعار‪ ..‬ذلك الذي اختاره يوم الوت شعارا له‪!!..‬‬
‫**‬
‫وأحاطت به غاشية من الرتدين فسقط البطل‪ ..‬ولكن روحه ظلت تتردد ف جسده الطاهر‪ ،‬حت‬
‫انتهت العركة بقتل نسلمة الكذاب واندحار جيش مسيلمة وانتصار السلمي‪..‬‬
‫وبينما السلمون يتفقدون ضحاياهم وشهداءهم وجدوا سالا ف النع الخي‪..‬‬
‫وسألم‪:‬‬
‫ما فعل أبو حذيفة‪..‬؟؟‬
‫قالوا‪ :‬استشهد‪..‬‬
‫قال‪ :‬فأضجعون ال جواره‪..‬‬
‫قالوا‪ :‬انه ال جوارك يا سال‪ ..‬لقد استشهد ف نفس الكان‪!!..‬‬
‫وابتسم ابتسامته الخية‪..‬‬
‫ول يعد يتكلم‪!!..‬‬
‫لقد أدرك هو وصاحبه ما كانا يرجوان‪!!..‬‬
‫معا أسلما‪..‬‬
‫ومعا عاشا‪..‬‬
‫ومعا استشهدا‪..‬‬
‫يا لروعة الظوظ‪ ،‬وجال القادير‪!!..‬‬
‫وذهب ال ال‪ ،‬الؤمن الكبي الذي قال عنه عمر بن الطاب وهو يوت‪:‬‬
‫رجال حول الرسول صلى الله‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫عليه وسلم‬

‫" لو كان سال حيّا‪ ،‬لوليته المر من بعدي"‪!!..‬‬

You might also like