You are on page 1of 121

‫الوجود اللهي عند ابن أبي الحديد‬

‫د‪ .‬رؤوف الشمري‬

‫الهداء‬

‫إلى شركائي في رحلة الغتراب‪:‬‬


‫زوجتي العلوية أم مصطفى‪،‬‬
‫ي مصطفى ومرتضى‪،‬‬ ‫وول َد ّ‬
‫أُهدي هذا الجهد‪ ،‬تذكرة بهموم مشتركة‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫المقدمة‬

‫ابسن أبسي الحديسد أحسد أعلم العتزال‪ ،‬الذيسن تمتّعوا بالحترام والتقديسر خلل القرن السسابع الهجري‪،‬‬
‫تشهد له توليته مناصب عدة‪ ،‬أهمها‪ :‬كاتب ديوان الخلفة أيام المستنصر‪ ،‬تلك اليام التي كان يصفها بأنها‬
‫أيام غرّاء زاهرة‪.‬‬
‫ن الجديد ليس خَلق أفكار من عدم ل أصل له‪ ،‬إنما الجديد في الفكر هو أن تضيف إسهاما إلى ما‬ ‫إّ‬
‫ت – جهد إمكاني – في هذه الدراسة‬ ‫تقدّم‪ ،‬يستند في بنائه وقوامه إلى أصول سابقة ولحقة‪ .‬من هنا حاول ُ‬
‫إبراز شخصية ابن أبي الحديد بثوب جديد غير معروف عند أغلب الباحثين‪ ،‬وهو أنه متكلم تفلسف على‬
‫قدر اجتهاده‪ ،‬وفق ما ظهر من قائمة مؤلفاته واهتمامه بشؤون الفلسفة بحسب آرائه وتعليقاته فيها‪.‬‬
‫ن ابن أبي‬
‫لكن من الملحظ هنا أنه بالرغم من عناية الباحثين الموجهة للتراث الكلمي والفلسفي‪ ،‬فإ ّ‬
‫الحد يد لم ينل مثل هذه العنا ية‪ ،‬بل على الع كس من ذلك‪ ،‬نجد ضرورة الهتمام به مفكرا ول يس شارحا‬
‫هنا‪ ،‬وفيه حاجة إلى البحث الدائم للكشف عن نصوصه ومتونه الصلية‪ ،‬ولذلك نلحظ ندرة الدراسات‬
‫ن الفكر العتزالي حظي باهتمام الباحثين والدارسين‬ ‫الفلسفية والكلمية عنه من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى فإ ّ‬
‫نتي جة تمتع هم بمكا نة متميزة من تار يخ الحركات العقل ية في ال سلم‪ ،‬ل كن ا بن أ بي الحد يد لم يلق ذلك‬
‫الهتمام بدراسة مستقلة باستثناء ما قام به الستاذ علي محيي الدين من خلل دراسة سيرته العامة وآثاره‬
‫الدبية والنقدية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫فالمعروف عن ابن أبي الحديد – نتيجة لعدم الكشف عن سيرته بصورة دقيقة – أنه أديب من خلل‬
‫بعض مؤلفاته‪ ،‬أمثال الفلك الدائر على المثل السائر‪ ،‬والقصائد العلويّات السبع‪ ،‬والمستنصريات ومؤرخ‬
‫من خلل شرحه على نهج البلغة‪ ،‬الذي كانوا يستخرجون منه نصوصهم التي تؤيد فكرة من أفكارهم‪.‬‬
‫نعم كان متكلما‪ ،‬مستجمِعا لكل شروط المتكلم في المنهجية وقوة الحِجاج‪ ،‬المستندة إلى موسوعية الفكر‪،‬‬
‫واستيعاب آراء الفرق الكلمية السابقة عليه والمعاصرة له‪.‬‬
‫ن أبي الحديد اليوم‪ ،‬كشخصية كلمية‪ ،‬لها مكانتها في الوسط العتزالي‪ ،‬إنما نكشف‬ ‫ونحن إذ نقدّم اب َ‬
‫عن شخصية إسلمية ذات فكر عربي أصيل‪ ،‬ساهمَت في بناء صرح الحضارة العربية السلمية من‬
‫جا نب‪ ،‬وعقيدة العتزال من جا نب آ خر‪ ،‬و من ه نا كا نت الحا جة إلى تحق يق جاد ومف صّل في درا سة‬
‫مستقلة لراء متكلم معتزلي مثلِه في الجانب الكلمي‪ ،‬فكان هذا الجهد في هذه الدراسة‪.‬‬
‫ت في الفصل الول عن‬ ‫وكانت خطتي في تناول هذه الدراسة‪ ،‬أن ق سّمتها إلى فصول خمسة‪ ،‬تحدث ُ‬
‫سير ابن أبي الحديد الشخصية‪ ،‬تلك السيرة التي تضمنت اسمه وَنسَبه‪ ،‬والخلفاء الذين عاصرهم‪ ،‬والعصر‬
‫الذي عاش فيه‪ ،‬والمناصب الذي تقلّدها‪ ،‬وأهم أساتذته‪ ،‬مع الشارة إلى مؤلفاته الفلسفية والكلمية بشيء‬
‫من التفصيل‪ ،‬خاتما هذا الفصل باستعراض أهم أفكاره الفلسفية والكلمية‪ ،‬التي تبيّن منها أنه قد تناول‬
‫معظم المباحث الكلمية المشهورة التي بحَثها – من قبل –شيوخ العتزال الوائل‪.‬‬
‫ت فيه مَدرك وجوب معرفة ال تعالى‪ :‬هل هو العقل أم السمع‪ ،‬ممهّدا له‬ ‫أمّا الفصل الثاني‪ ،‬فقد تناول ُ‬
‫ت المعرفة الخاصة لِذات ال تعالى‪.‬‬
‫بالحديث عن الوجود اللهي وضرورة اليمان به‪ ،‬كما تناول ُ‬
‫ك ما تض من الف صل الثالث أدلة إثبات وا جب الوجود ع ند ا بن أ بي الحد يد‪ ،‬فِق س ٌم من ها و فق م سلك‬
‫المتكلمين‪ ،‬مثل دليل الحدوث‪ ،‬وقسم آخر وفق مسلك الفلسفة‪ ،‬مثل دليل الواجب لِذاته‪ ،‬في حين جعل‬
‫دليل الحركة هو الدليل الذي انفرد به المام علي ع‪ ،‬ولم يسبقه أحد من المتكلمين إليه‪ ،‬على حد تعبيره‪.‬‬
‫وكانت الصفات اللهية الثبوتية‪ ،‬بقسميها‪ :‬الذاتية والفعلية من حصة الفعل الرابع‪ ،‬مسبوقة بتمهيد مهم‪،‬‬
‫ت فيه آراء فِرق المسلمين في مسألة علقة الصفات بالذات‪ ،‬مع رأي ابن أبي الحديد في مذهب‬ ‫استعرض ُ‬
‫ن‬
‫كل فريق من فِرق المسلمين بشأن علقة الصفات بالذات‪ ،‬سيما رأيه في المعاني القديمة‪ ،‬التي قال إ ّ‬
‫الشعري وأصحابه قد أثبتوها‪ ،‬وتمييزه مذهب أبي هاشم في الحوال من مذهب غيره فيها‪ ،‬كالباقلني‬
‫والجويني في أوّل قولَيه‪.‬‬
‫أمّا الفصسل الخامسس‪ ،‬فقسد تناولتُس فيسه الصسفات اللهيسة السسلبية‪ ،‬التسي تطرّقَت إليهسا كتسب الفل سفة‬
‫والمتكلمين‪ ،‬وهي تنزيه ال تعالى من الجهة والرؤية والجسمية والحلول والتحاد ‪ ...‬إلخ‪ ،‬فيما سجله ابن‬
‫أبي الحديد في هذا السياق المعتزلي‪ ،‬وبيّن رأيا له فيه‪ ،‬على نحو من النحاء‪.‬‬
‫لقسد كان ابسن أبسي الحديسد فسي كسل هذه الدراسسة صساحب رأي حسر‪ ،‬ل يلتزم – على الدوام – بنهسج‬
‫أصحابه‪ ،‬وإنما هو القائل‪ :‬ونحن ل ننصر مذهبا بعينه‪ ،‬وإنما نذكر ما قيل‪ ،‬وإذا جرى بحث نظري قلنا ما‬
‫يقوى في أنفسنا منه‪.1‬‬

‫ا بن أ بي الحد يد‪ ،‬شرح نهج البلغة‪ ،‬تحق يق‪ :‬محمد أ بو الفضل إبراه يم‪ ،‬ط ‪ ،4‬دار إحياء الك تب العرب ية‪/16 ،1965 - 1385 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.234‬‬

‫‪2‬‬
‫وكا نت مادة هذه الدرا سة ب كل ف صولها ومباحث ها‪ ،‬م ستقاة من الموجود المتداول من آثار ا بن أ بي‬
‫الحديد‪ ،‬خصوصا شرحه على النهج‪ ،‬وتعليقاته على محصل الفكار لفخر الدين الرازي‪.‬‬
‫ت فيه جدوى‬
‫ت فيها على ما استخلصتُه من مباحثها‪ ،‬على نحو بيّن ُ‬
‫أمّا خاتمة هذه الدراسة‪ ،‬فقد ركز ُ‬
‫هذه الدراسة‪.‬‬
‫ت به في استيضاح المسائل التاريخية لسيرته‬‫وكانت مصادر ومراجع هذه الدراسة – باستثناء ما استعن ُ‬
‫ت من ها معر فة آراء أبرز فل سفة ال سلم‪ ،‬أمثال‬‫ومؤلفا ته – م صادر ومرا جع فل سفية وكلم ية‪ ،‬ا ستفد ُ‬
‫ت من خللها معرفة آراء أبرز متكلمي الفِرق‬ ‫الكندي والفارابي وابن سينا والغزالي وابن رشد‪ ،‬كما استفد ُ‬
‫السلمية‪ ،‬أمثال الش يخ المف يد والشر يف المرت ضى والش يخ الطو سي من المامية‪ ،‬والباقلني والبغدادي‬
‫والجويني من الشعرية‪ ،‬في حين اقتصرَت معرفتي بآراء المعتزلة على المتداول من آثارهم؛ لندرة ما‬
‫وصل إلينا من كتُبهم‪ ،‬من خلل أبي الحسين الخياط والقاضي عبد الجبار وأبي الحسين البصري‪ .‬على‬
‫ي لم أجد في المراجع الوروبية ‪ -‬فيما يتصل بابن أبي الحديد ‪ -‬ما يستحق التنويه في هذا المجال‪.‬‬‫أن ّ‬
‫أنس ج ّل اعتمادي فسي إعداد هذه الدراسسة‪ ،‬كان على المصسادر القديمسة‬‫ولبسد لي هنسا أن أشيسر إلى ّ‬
‫ن تدوين الحقائق يحتاج لقرب‬ ‫ت الجهد المضني للحصول عليها قدر المستطاع‪ ،‬ذلك أ ّ‬ ‫والميسرة‪ ،‬التي بذل ُ‬
‫ت‬
‫ل تراني مضطرا للرجوع إلى المراجع الحديثة‪ .‬وقد اضطرر ُ‬ ‫مصدر له صلة بهذه الحقيقة أو تلك‪ ،‬وإ ّ‬
‫في أحيان كثيرة إلى القتبا سات المطوّلة من ا بن أ بي الحد يد‪ ،‬لبيان آرائه والمحاف ظة على أ صولها‪ ،‬لذا‬
‫ي ذلك‪.‬‬
‫ن من غير النافع إعادة صياغة أقواله متى تعذّر عل ّ‬‫أستميح القارئ الكريم عن ذلك؛ ل ّ‬
‫ن هذه الدراسة تنتظر من أهل الختصاص الكشف عن وجوه اللبس‪ ،‬التي ربما أحاطت‬ ‫ختاما أقول‪ :‬إ ّ‬
‫بها من دون قصد‪ ،‬سواء في المنهجية أو عرض الفكار‪ ،‬فالكمال للكامل وحده سبحانه‪ ،‬وصدق ال تعالى‬
‫ختِلفا َكثِيرا [النساء‪.]82 :‬‬
‫جدُوا فِي ِه ا ْ‬
‫غْي ِر الّل ِه َل َو َ‬
‫عْن ِد َ‬
‫ن ِ‬
‫ن ِم ْ‬
‫حيث قال‪َ :‬وَل ْو كَا َ‬
‫صدق ال العلي العظيم‬

‫الفصل الول‪ :‬سيرة ابن أبي الحديد‬

‫تمهيد‬
‫ابن أبي الحديد‬
‫مؤلفاته الفلسفية والكلمية‬
‫أفكاره الفلسفية والكلمية‬
‫ابن أبي الحديد المتكلم المتفلسف‬

‫‪3‬‬
‫تمهيد‬

‫ل أنه لم‬
‫ابن أبي الحديد‪ ،‬أحد أشهر أعيان القرن السابع الهجري‪ ،‬له مكانته في أوساط علماء عصره‪ ،‬إ ّ‬
‫تتوافر حتى الن دراسة عنه‪ ،‬سوى دراسة واحدة للستاذ علي محيي الدين‪ ،‬الذي تناول فيها آثار ابن أبي‬
‫الحديد الدبية والنقدية‪.1‬‬
‫ن لبن أبي الحديد مؤلفات فلسفية‬ ‫ولعل أغلب الدارسين المعنيين بتراث المعتزلة الفكري‪ ،‬ل يعلمون أ ّ‬
‫وكلمية‪ ،‬استطاع من خللها‪ ،‬بيان وجهة نظر أصحابه في معظم المسائل الفلسفية والكلمية‪ ،‬من خلل‬
‫ل رابعا‪.‬‬
‫شرحه بعضها‪ ،‬وتعليقه على بعض آخر منها‪ ،‬ونقضه على الثالث‪ ،‬وتأليفه مؤَلَفا مستق ّ‬
‫ن هذه الدراسة‪ ،‬محاولة‬
‫وإذا كان ابن أبي الحديد معروفا في أوساط الدارسين‪ ،‬بأنه أديب ومؤرخ‪ ،‬فإ ّ‬
‫جديدة للكشف عن شخصية كلمية‪ ،‬لها آراء مستقلة‪ ،‬جديرة بأن تجد لها مكانا في دائرة الفكر الكلمي‬
‫للمعتزلة‪.‬‬
‫ل يقتضي العراض عن دراسة‬ ‫ل يكون عام ً‬
‫ن فقدان بعض آثاره‪ ،‬وهو أمر يؤسَف عليه‪ ،‬ينبغي أ ّ‬ ‫بيد أ ّ‬
‫آرائه الكلمية والفلسفية‪ ،‬وعله سنجعل ما بين أيدينا من نصوصه المتوافرة‪ ،‬منطلقا لدراسة واحد من أهم‬
‫الموضوعات ع ند ا بن أ بي الحد يد‪ ،‬و هو الوجود الل هي بجم يع مطال به‪ ،‬ح تى إذا تكاملت الن صوص في‬
‫نهاية هذه الدراسة‪ ،‬سنتعرّف إلى مكانته الحقيقية بين متكلمي عصره‪.‬‬

‫ابن أبي الحديد‬

‫هو عز الدين أبو حامد عبد الحميد بن أبي الحسين هبة ال بن محمد بن أبي الحديد المدائني‪ ،2‬الحكيم‬
‫الصسولي‪ .3‬وصسفه معاصسره ابسن الفوطسي‪ ،‬ت ‪723‬هسس‪ ،‬بقوله‪ :‬مسن أعيان العلماء‪ ،‬وأكابر الصسدور‬
‫والماثل‪ ،‬حكيما فاضلً‪ ،‬عارفا بأ صول الكلم‪ ،‬يذهب مذهب المعتزلة‪ ،4‬وعلى خ طى هذا المذ هب كانت‬
‫مناقشا ته ومناظرا ته‪ ،‬إذ له مع الشعري والغزالي والرازي ‪ -‬إ بن الخط يب ‪ -‬ك تب ومواقسف ‪ ،5‬وعدّه‬

‫‪ 1‬محيي الدين‪ ،‬علي جواد‪ :‬ابن أبي الحديد‪ ،‬سيرته وآثاره الدبية والنقدية‪ ،‬رسالة ماجستير غير منشورة جامعة القاهرة‪.1977 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ابن الفوطي‪ :‬تلخيص مجمع الداب في معجم اللقاب‪ ،‬تحقيق‪:‬د‪ .‬مصطفى جواد‪ ،‬دمشق‪ ،1967 - 1962 ،‬ج ‪ /4‬ق ‪.1/190‬‬ ‫‪2‬‬

‫ابن الفوطي‪ :‬معجز الداب في معجم اللقاب‪ ،‬القاهرة‪1329 ،‬هس‪ ،‬مطبوع في ذيل المجلد الرابع من شرح نهج البلغة‪ ،‬ص ‪.575‬‬ ‫‪3‬‬

‫ن‪ ،‬م‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬محمد‪ :‬مقدمة شرح نهج البلغة‪ ،‬ط ‪ ،4‬دار إحياء الكتب العربية‪1385 ،‬هس‪ ،1965 ،‬ص ‪ ،13‬وهي الطبعة‬ ‫‪5‬‬

‫ت عليها في هذه الدراسة‪.‬‬


‫التي اعتمد ُ‬

‫‪4‬‬
‫الصنعاني‪ ،‬ت ‪1121‬هس‪ ،‬إماما في علم الكلم ‪ ،1‬كما وصَفه إبن خلكان‪ ،‬ت ‪681‬هس‪ ،‬وابن شاكر الكتبي‪،‬‬
‫ت ‪764‬هس‪ ،‬بس الفقيه‪ ،2‬وآخرون بس الصولي‪.3‬‬
‫ولد بالمدائن سنة ست وثمانون وخمسمائة‪ ،4‬ونشأ بها‪ ،‬وتلقى عن شيوخها‪ ،‬ودرس المذاهب الكلمية‬
‫فيها‪.5‬‬
‫والده‪ :‬ه بة ال بن أ بي الحد يد‪ ،‬قا ضي المدائن وخطيب ها‪ ،‬وأ حد العدول في ها‪ ،‬كان فقيها على مذ هب‬
‫المام الشافعي‪ ،‬وقد حدّث بالمدائن وبغداد‪ ،‬ولد سنة ‪530‬هس‪ ،‬وتوفي سنة ‪613‬هس‪.6‬‬

‫أخوته ثلثة‬

‫الول‪:‬مو فق الد ين‪ ،‬كان أديبا فاضلً‪ ،‬شاعرا مح سنا متر سلً‪ ،‬مشاركا في أك ثر العلوم‪ ،7‬وكان أشعريا‬
‫في الصول‪ ،8‬خلفا لخيه ‪ -‬عز الدين ‪ -‬الذي كان معتزليا‪ ،‬توفي سنة ‪656‬هس‪.9‬‬
‫الثانسي‪:‬أبسو البركات‪ ،‬محمسد بسن هبسة ال‪ ،‬وصسفه إبسن السساعي‪ ،‬ت ‪674‬هسس‪ ،‬بأنسه كان أديبا فاضلً‪،‬‬
‫موصوفا بالذكاء‪ ،‬وكان عنده فضل غزير وكتابة ضبط تام‪ ،‬ويقول الشعر‪.10‬‬
‫الثالث‪:‬عبد اللطيف‪ ،‬كان فقيها على مذهب المام الشافعي‪ ،‬وكان موصوفا بالفضل‪ ،‬وله نظر في علم‬
‫الكلم والدب‪ ،11‬توفي سنة ‪601‬هس‪.12‬‬
‫ل أننا نستفيد‬
‫أمّا عقبه فلم تخبرنا المصادر التاريخية التي تناولَت سيرته الشخصية‪ ،‬عن ذِكر عقب له‪ ،‬إ ّ‬
‫ل وولدا‪ ،‬فهو‬ ‫ن لصاحبنا أه ً‬
‫من نص أورده ابن أبي الحديد نفسه في شرحه على نهج البلغة‪ ،‬ما يشعر بأ ّ‬

‫الصنعاني‪ ،‬يوسف بن يحيى‪:‬نسمة السحر في ذِكر مَن تشيّع وشَعر‪ ،‬مخطوطة مكتبة الشيخ محمد رضا فرج ال‪ ،‬النجف الِشرف‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.2/78‬‬
‫ا بن خلكان‪ :‬وفيات العيان وأنباء أبناء هذا الزمان‪ ،‬تحق يق‪:‬د‪ .‬إح سان عباس‪ ،‬بيروت‪ ،1972 - 1968 ،‬دار صسادر‪ ،5/361 ،‬ابسن‬ ‫‪2‬‬

‫شاكر الكتبي‪ :‬فوات الوفيات‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد‪ ،‬مصر‪.519 /1 ،1951 ،‬‬
‫ابن الفوطي‪ :‬تلخيص مجمع الداب‪ ،‬ج ‪ /4‬ق ‪ /1‬ص ‪ ،190‬بدليل إشارته إلى كتبه الصولية راجع شرح نهج البلغة ‪،202 /17‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪.34 /20 ،367 /18‬‬


‫ن‪ ،‬م ص ‪ ،191‬ابن شاكر‪ :‬فوات الوفيات ‪.1/519‬‬ ‫‪4‬‬

‫أبو الفضل إبراهيم‪ :‬مقدمة شرح نهج البلغة ‪.14 /1‬‬ ‫‪5‬‬

‫المنذري‪ :‬التكملة لوفيات النقلة‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬بشار عواد معروف‪ ،‬النجف الشرف‪.245 /4 ،1971 ،‬‬ ‫‪6‬‬

‫اليونيني‪ :‬ذيل مرآة الزمان‪ ،‬حيدر آباد‪ 1954 ،‬س ‪.111 /1 ،1961‬‬ ‫‪7‬‬

‫ابن العماد‪ :‬شذرات الذهب في أخبار من ذهب‪ ،‬القاهرة‪.280 /5 ،1351 ،‬‬ ‫‪8‬‬

‫ا بن الفو طي‪ :‬الحوادث الجام عة والتجارب الناف عة في المائة ال سابعة من سوب إل يه تحق يق‪ :‬د‪ .‬م صطفى جواد‪ ،‬بغداد‪ ،1351 ،‬ص‬ ‫‪9‬‬

‫‪.326‬‬
‫ابن الساعي‪ :‬الجامع المختصر في عنوان التواريخ وعيون السير‪ ،‬تحقيق‪:‬د‪ .‬مصطفى جواد‪ ،9/88 ،1934 ،‬ابن الفوطي‪ :‬تلخيص‬ ‫‪10‬‬

‫مجمع الداب‪ ،‬ج ‪/4‬ق ‪.190 /1‬‬


‫المنذري‪ :‬التكملة لوفيات النقلة ‪.2/84‬‬ ‫‪11‬‬

‫ن‪ ،‬م‪.‬‬ ‫‪12‬‬

‫‪5‬‬
‫ل في موا ضع مقفرة‬ ‫ت أنادي به لي ً‬
‫يقول ‪ -‬مقدّما لب عض شعره ‪ :-‬و من شعري أيضا في المع نى‪ ،‬وكن ُ‬
‫ت مالكا أمري‪ ،‬مطلقا من قيود الهل والولد وعلئق‬ ‫خالية من الناس‪ ،‬بصوت رفيع‪ ،‬وأجدح قلبي أيام كن ُ‬
‫ش العلماء‪ ،‬وكا نت خزائن ها بالك تب معمورة‪،‬‬
‫الدنيا‪.1‬انت قل إلى بغداد حاضرة الخل فة وكع بة الق صاد‪ ،‬وع ّ‬
‫ومجال سها بالعلم والدب مأهولة‪ ،‬فقرأ الك تب وا ستزاد من العلم‪ ،‬وأو غل في الب حث‪ ،‬وو عى الم سائل‪،‬‬
‫ومحّص الحقائق‪ ،‬واختلط بالعلماء من أصحاب المذاهب‪.2‬‬

‫الخلفاء الذين عاصرهم‬

‫عاصر ابن أبي الحديد من الخلفاء العباسيين أربعة منهم‪:‬الناصر لدين ال‪ ،‬ت ‪622‬هس‪ ،‬والظاهر بأمر‬
‫ال‪ ،‬ت ‪623‬هس‪ ،‬والمستنصر بال‪ ،‬ت ‪624‬هس‪ ،‬والمستعصم بال‪ ،‬ت ‪656‬هس‪ ،‬لكنّا نلحظ في سيرة ابن‬
‫ن أمتن صِلته وأطولها بقاء صلته بالمستنصر بال‪ ،‬الذي عُرف عنه أنه كان حفيّا بأهل العلم‬ ‫أبي الحديد أ ّ‬
‫والدب‪ ،‬محسنا إليهم‪ ،‬وهي صلة طويلة‪ ،‬إطّرحَت فيها‪ ،‬على ما يبدو‪ ،‬الحشمة‪ ،‬وزالت الكلفة‪ ،‬فقد كثرت‬
‫مدائح ابن أبي الحديد في المستنصر بال في مناسبات عدة‪ ،‬وكان ينتهز فيها الفرصة ليذكر الخليفة بأمر‬
‫عِدات الخليفة تترى و صِلته تتوالى على ابن أبي الحديد‪ ،‬حتى لقد أغناه‬ ‫ماّ‪ ،‬وتوكيدا لهذه الصلة كانت ٍِ‬
‫بنواله وكثرة عطاياه‪ ،‬ول تكاد تمر مناسبة دون أن يهتبلها صاحبنا ليشيد بالخليفة‪ ،‬وليعدّد مآثره‪ ،‬وليصحح‬
‫خلفة العباسيين جملة على عادة شعراء السلطين قبله‪ .3‬ولقد زخر عصر المستنصر بال بالعلماء الذين‬
‫اشتهروا بأغلب فروع المعرفة‪ ،‬التي ألّفوا فيها الكتب والمعاجم والدواوين‪ ،4‬ومنهم ابن أبي الحديد الذي‬
‫كتب برسم الخليفة المذكور كتابه الموسوم بس المستنصريات‪.5‬‬

‫العصر الذي عاش فيه‬

‫ن الحياة‬
‫ل إلى أ ّ‬
‫وإذا ما أرد نا درا سة الع صر الذي عاش ف يه ا بن أ بي الحد يد‪ ،‬فل بد من الشارة أو ً‬
‫الفكرية في كل عصر‪ ،‬إنما هي نتيجة تفاعل بين المفكرين وبين ما يعيشون فيه من الظروف الثقافية‬
‫والجتماعيسة والدينيسة‪ ،‬ولهذا السسبب تتطلب دراسستنا حياتَه الفكريسة أن نقسف على عناصسرها الصسلية‬
‫والمنحولة التي أّثرَت فيه‪.‬‬
‫ن ابن أبي الحديد عاش في عصر كان العقل نشيطا خلّقا‪ ،‬والفكر خصبا مبدعا‪،‬‬
‫وعلى هذا الساس فإ ّ‬
‫ف قد ازدهرت الحياة الفكر ية في هذا الع صر على اختلف ها‪ ،‬فبل غت در جة عال ية من الن ضج والشمول‬
‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.13/52‬‬ ‫‪1‬‬

‫أبو الفضل إبراهيم‪ :‬مقدمة شرح نهج البلغة ‪.1/15‬‬ ‫‪2‬‬

‫راجع محيي الدين‪ :‬ابن أبي الحديد ص ‪.115 .113 ،112‬‬ ‫‪3‬‬

‫معروف‪ ،‬ناجي‪ :‬تاريخ علماء المستنصرية‪ ،‬مطبعة العاني‪ ،‬بغداد‪.2/151 ،1965 ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫ابن الفوطي‪ :‬تلخيص مجمع الداب‪ ،‬ج ‪/4‬ق ‪ 1/190‬س ‪.191‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪6‬‬
‫والكتمال‪ ،‬ووض عت أ هم المؤلفات في كل علم و في كل فن‪ ،‬ول قد ساعد على ازدهار الحياة الفكر ية‬
‫وتقدمها‪ ،‬كثرة المدارس والمكتبات‪ ،‬وكان للمدرسة النظامية‪ 1‬والمستنصرية أثرهما البالغ في رقي الحياة‬
‫الفكر ية‪ ،‬ف قد تخرّج فيها جمهرة كبيرة من أعيان الدب والعلم‪ ،‬وبق يت مر كز إشعاع فكري ح تى سقوط‬
‫بغداد على أيدي التتار سنة ‪656‬هس‪.2‬‬
‫ن الصراع الفكري الذي شمل هذا العصر الذي عاش فيه ابن أبي الحديد كان قائما‬ ‫وعلى الرغم من أ ّ‬
‫بين المحدّثين من جهة‪ ،‬وبين الفلسفة والمتكلمين من جهة أخرى‪ ،‬أو بين أهل النقل وأهل العقل‪ ،‬كما‬
‫ن ذلك لم يحل دون ظهور طائفة كبيرة من الفلسفة والمتكلمين الذين كان لهم ‪ -‬فيما بعد‬ ‫لأ ّ‬
‫يسمونهم‪ ،‬إ ّ‬
‫‪ -‬دور بارز في الثقا فة العرب ية بخا صة و في الثقا فة الوروب ية بعا مة‪ ،‬ول قد كان للمعتزلة وغير هم من‬
‫أرباب المذاهب والعقائد والنحل المختلفة من أشعرية وإمامية وزيدية‪ ،‬أثرهم البيّن في تقدّم الفلسفة وعلم‬
‫ج بأصحاب المذاهب والفرق المختلفة‪ ،‬فكان‬ ‫الكلم في عصر ابن أبي الحديد‪ ،‬فقد كانت بغداد خاصة تع ّ‬
‫الجدل قائما‪ ،‬والمناظرات مستمرة‪ ،‬مما أدى إلى تفرّع الفرق وتعددها‪ ،‬فعكف علماء كل نحلة على تأليف‬
‫الك تب الكلم ية في شرح عقيدت هم‪ ،‬والذود عن ها‪ ،‬فن شط الف كر ال سلمي في هذه الحق بة نشاطا واضحا‪،‬‬
‫وبرع في علم الكلم طائ فة من مشاه ير العلماء‪ ،‬وكان ا بن أ بي الحد يد نف سه واحدا من أش هر متكل مي‬
‫عصره‪.3‬‬
‫ن من أكثر عهود الثقافة السلمية في ذلك العصر ازدهارا هو عهد الخليفة الناصر لدين ال‬ ‫على أ ّ‬
‫الذي ابتدأ في أواخر القرن السادس للهجرة‪ ،‬ففي ذلك العهد الزهر لمعت شخصيات من أحرار الكتّاب‬
‫والعلماء والفلسفة والمؤرخين‪ ،4‬ففي هذا العهد ولد ابن أبي الحديد وترعرع حتى الفتوة‪.‬‬

‫المناصب التي تقلّدها‬

‫ل إلى منصسب كاتسب ديوان الخلفسة أيام‬ ‫أمسا المناصسب التسي تقلّدهسا ابسن أبسي الحديسد‪ ،‬فلم يشسر إ ّ‬
‫ن معاصره ابن الفوطي‬ ‫لأ ّ‬‫المستنصر‪ ،‬تلك اليام التي يصفها ابن أبي الحديد بأنها أيام غراء زاهرة‪ ،5‬إ ّ‬
‫أشار إلى أنه كان كاتبا في دار التشريفات‪ ،‬ثم كاتبا في المخزن سنة ‪629‬هس‪ ،‬ثم عُين كاتبا في الديوان‪ ،‬ثم‬
‫ُرتّب سنة ‪642‬هس مشرفا للبلد الحلّية‪ ،‬ثم ناظرا في البيمارستان العضدي‪،6‬‬
‫ل أنه كان منصرفا إلى البحث والتأليف‪ ،‬بدليل ما ذكره لنا ابن‬
‫وبالرغم من أنه تقلد هذه المناصب‪ ،‬إ ّ‬
‫الفو طي سابقا من أ نه كان من أعيان العلماء الفا ضل‪ ،‬وأكابر ال صدور والما ثل‪ ،‬حكيما فاضلً‪ ،‬كاتبا‬

‫ل تفوتنا الشارة س هنا س إلى حضور ابن أبي الحديد‪ ،‬وهو غلم بالنظامية ببغداد انظر‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.14/280‬‬ ‫‪1‬‬

‫محيي الدين‪ :‬ابن أبي الحديد ص ‪.31‬‬ ‫‪2‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪ 59‬س ‪.60‬‬ ‫‪3‬‬

‫مصطفى جواد‪ :‬أبو جعفر النقيب‪ ،‬مطبعة الهلل‪ ،‬بغداد‪ ،‬ص ‪ 8‬س ‪.9‬‬ ‫‪4‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.16/109‬‬ ‫‪5‬‬

‫ابن الفوطي‪ :‬تلخيص مجمع الداب‪ ،‬ج ‪/4‬ق ‪ ،1/190‬الغ سّاني‪ :‬العسجد المسبوك والجوهر المحكوك في طبقات الخلفاء والملوك‪،‬‬ ‫‪6‬‬

‫تحقيق‪ :‬شاكر محمود عبد المنعم‪ ،‬مطبوعة بالرونيو‪ ،1970 ،‬ص ‪.550‬‬

‫‪7‬‬
‫كاملً‪ ،‬عارفا بأ صول الكلم‪ ،1‬وتجلّت براع ته الفكر ية في شر حه كتاب ن هج البلغة‪ ،‬الذي ا ستغرق من‬
‫جهده خمس سنين سنة ‪649 - 644‬هس‪.2‬‬

‫أهم أساتذته‬

‫والذي يهمنا‪ ،‬هنا‪ ،‬أبرز أساتذته الذين تتلمذ عليهم في علم الكلم‪ ،‬نذكر منهم ثلثة‪ :‬أبو يعقوب‪ ،‬يوسف‬
‫بن اسحق اللمغاني‪ ،‬وعمر بن عبد ال الدباس‪ ،‬وأبو جعفر النقيب‪.‬‬
‫فأبو يعقوب هو‪ :‬يوسف بن إسماعيل بن عبد الرحمن اللمغاني الحن في‪ ،‬و صَفه ابن الساعي بكونه‬
‫ي‬
‫عارفا بالمذاهب والخلف والكلم‪ ،3‬ذكره ابن أبي الحديد في معرض تفسيره جانبا من كلم المام عل ّ‬
‫ت قرأتُه‬
‫خطَبه التي خطبها في البصرة‪ ،‬فقال‪ :‬هذا كلم يحتاج إلى شرح‪ ،‬وقد كن ُ‬ ‫ع‪ ،‬المذكور في إحدى ُ‬
‫على الش يخ أ بي يعقوب يو سف بن إ سماعيل اللمغا ني‪ ،‬رح مه ال‪ ،‬أيام اشتغالي عل يه بعلم الكلم‪ .4‬و في‬
‫ل أنه في التفضيل كان بغداديا‪.5‬‬
‫نص آخر أشار إلى أنه لم يكن يتشيع وكان شديدًأ في العتزال‪ ،‬إ ّ‬
‫ن ابن‬‫ن وفاة اللمغاني سنة ‪606‬هس‪ ،‬وولدة ابن أبي الحديد سنة ‪586‬هس‪ ،‬فهذا يعني‪ :‬أ ّ‬ ‫وإذا ما علمنا أ ّ‬
‫أبي الحديد تلمّذ عليه‪ ،‬وهو دون سن العشرين‪ ،‬وذلك دليل عبقرية مبكرة‪ ،‬إذ ليس من المألوف ‪ -‬عادة ‪-‬‬
‫ل عن أن يتفوّقوا‬ ‫أن يقوى مَن هم في مثل هذه السن على دراسة العلوم العقلية البحتة‪ ،‬كعلم الكلم‪ ،‬فض ً‬
‫ن الف تى قد ا ستكمل درا سة المقدمات‪ ،‬وم هر في ها ق بل أن ينت قل إلى درا سة علم‬
‫في ها‪ ،‬و هو دل يل على أ ّ‬
‫الكلم‪.6‬‬
‫أمّا ع مر بن ع بد ال الدبّاس‪ ،‬ف قد و صَفه ا بن ال ساعي بأ نه كان ذا ف ضل وا فر‪ ،‬وإلمام بالدب‪ ،‬وعلم‬
‫ت أح ضر م عه سماع‬ ‫الكلم‪ ،7‬ذكره ا بن أ بي الحد يد في شر حه على الن هج‪ ،‬فقال ع نه‪ :‬أ ستاذي‪ ،‬و كن ُ‬
‫الحديث‪ ،8‬توفي سنة ‪601‬هس‪.9‬‬

‫ابن الفوطي‪ :‬معجز الداب ص ‪.575‬‬ ‫‪1‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.20/349‬‬ ‫‪2‬‬

‫ابن الساعي‪ :‬الجامع المختصر ‪.9/295‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.9/192‬‬ ‫‪4‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.9/199‬‬ ‫‪5‬‬

‫محيي الدين‪ :‬ابن أبي الحديد ص ‪.148‬‬ ‫‪6‬‬

‫ابن الساعي‪ :‬الجامع المختصر ‪.9/160‬‬ ‫‪7‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.15/101‬‬ ‫‪8‬‬

‫المنذري‪ :‬التكملة لوفيات النقلة ‪.3/101‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪8‬‬
‫أما أبو جعفر النقيب‪ ،‬فهو يحيى بن محمد بن أبي زيد الحسني‪ .‬كان ابن أبي الحديد من أقرب التلميذ‬
‫إليه‪ ،‬وأكثرهم اختلفا إلى مجلسه‪ ،1‬وقد و صَفه بأنه كان منصفا بعيدا عن الهوى والعصبية‪ ،2‬كما أثنى‬
‫عليه في نص آخر‪ ،‬قال‪ :‬وكان رحمه ال على ما يذهب إليه من مذهب العلوية‪ ،‬منصِفا وافر العقل‪.3‬‬
‫والملحَظ هنا أنه على الرغم مما كان بين التلميذ وأستاذه من اختلف في العقيدة‪ ،‬فقد كان أبو جعفر‬
‫علويا زيديا‪ ،‬وابسن أبسي الحديسد معتزليا شافعيا‪ ،‬فإنّس ذلك لم يمنسع مسن أن تتوطسد العلقسة بينهمسا‪ ،‬وتزداد‬
‫رسوخُا على مر اليام‪ ،‬وأن يفضي الستاذ إلى تلميذه بآراء قد تبدو ‪ -‬في ذلك الوقت ‪ -‬شاذة ناشزة‪ ،‬ل‬
‫ل عن العامة والدهماء‪ ،‬ومن هنا تأتي أهمية هذه الحاديث‪ ،‬وما لها‬ ‫يستسيغها الخاصة من العلماء‪ ،‬فض ً‬
‫من قيمة علمية‪.4‬‬

‫وفاتـه‬

‫توفي ابن أبي الحديد في جمادى الخرة‪ ،‬من سنة ست وخمسين وستمائة‪ ،‬وعمره سبعون سنة وستة‬
‫أشهر‪ ،5‬على أرجح القوال‪.6‬‬

‫مؤلفاته الفلسفية والكلمية‬

‫خلّف لنا ابن أبي الحديد مؤلفات فلسفية وكلمية‪ ،‬ل يزال أغلبها مفقودا‪ ،‬كغيرها من المؤلفات الفكرية‬
‫للعتزال‪.7‬‬
‫ن أبرز صعوبات البحث في العتزال البغدادي‪ ،‬هو‬ ‫ن ابن أبي الحديد من معتزلة بغداد‪ ،‬فإ ّ‬‫وحيث أ ّ‬
‫ندرة م صادره‪ ،‬فإذا كان ما ٌك تب عن الب صريين أو نشأت هم وفِرق هم ورجالت هم‪ ،‬ف قد ي سّر للباحث ين مادة‬
‫ل فسي حدود‬ ‫غنيسة‪ ،‬شكلت صسورة واضحسة لمعتزلة البصسرة‪ ،‬فقسد كان نصسيب مدرسسة بغداد ل يُذكسر إ ّ‬
‫الملحظات الضي قة أو الشذرات المتناه ية ال صغر‪ ،‬ال تي ل يم كن أن تعّي ن ماد ًة لموضوع أو ُتتَخَذ أ ساسا‬
‫مصطفى جواد‪ :‬أبو جعفر النقيب ص ‪.35‬‬ ‫‪1‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.7/174‬‬ ‫‪2‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.9/248‬‬ ‫‪3‬‬

‫محيي الدين‪ :‬ابن أبي الحديد ص ‪.153‬‬ ‫‪4‬‬

‫ابن الفوطي‪ :‬تلخيص مجمع الداب ج ‪/4‬ق ‪.1/191‬‬ ‫‪5‬‬

‫هناك من المؤرخين من ثبّت وفا ته سنة ‪655‬هس‪ ،‬ومنهم‪ :‬ابن شاكر الكتبي في فوات الوفيات ‪ ،519 /1‬وا بن كثير في البدا ية‬ ‫‪6‬‬

‫والنهاية ‪ ،13/20‬وهناك من يميل إلى أنه توفي سنة ‪656‬هس‪ ،‬ومنهم‪ :‬ابن الفوطي في تلخيص مجمع الداب ج ‪/4‬ق ‪ ،1/191‬إ ّل‬
‫أ ّن المرجح هو أ ّن وفاته سنة ‪656‬هس انظر‪ :‬محيي الدين‪ :‬إبن أبي الحديد ص ‪ 78‬س ‪.79‬‬
‫تقول فلزر‪ :‬وأمّا مصنفات المعتزلة فقد ضاع أغلبها‪ ،‬ولذا يضطر الباحث عنها إلى استنباط مقالتهم من الكتب المجادلة لهم والرد‬ ‫‪7‬‬

‫علي هم‪ ،‬و من الك تب ال تي ألّف ها علماء ال سنة في مقالت الفرق السلمية‪ .‬ان ظر فلزر‪ ،‬سوسنّة ويل فد‪ :‬مقد مة كتاب طبقات المعتزلة‪،‬‬
‫تحقيقها‪ 1380 ،‬س ‪ ،1961‬بيروت‪ ،‬ص ط‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ن‬
‫لبحث‪ ،1‬ولو أنها وصلت إلينا لكانت خير معين لنا في فَهم سيرته وفلسفته في الحياة‪ ،‬وليس من شك أ ّ‬
‫ن ابن أبي الحديد أعاننا حين ذكر أغلبها في معرض‬ ‫لأ ّ‬‫هناك مؤلفات أخرى لم تصل إلينا أسماؤها‪ ،2‬إ ّ‬
‫حديثه عن بعض المسائل الفلسفية أو الكلمية‪ ،‬التي ذكرها في شرحه على نهج البلغة‪ ،‬مما يغنينا عن‬
‫البحث في صحة نسبتها إليه‪.‬‬
‫وفي هذا المقام أحاول أن أعرض إلى مؤلفات ابن أبي الحديد الفلسفية والكلمية بشيء من التفصيل‪،‬‬
‫فأش ير إلى المطبوع من ها والمخطوط‪ ،‬بعد ها أش ير إلى أما كن وجود المخطوط‪ ،‬مع ذ كر تار يخ ن سخه‬
‫ت إلى ذلك سبيل‪.‬‬
‫ومواضعه‪ ،‬ما استطع ُ‬
‫ت مؤلفاته إلى قسمين‪:‬‬
‫وقد قسّم ُ‬
‫الول‪ :‬مؤلفاته الموجودة بين أيدينا‪ ،‬وهي إماّ‪:‬‬
‫مطبوع‪ ،‬مثسل شرحسه على نهسج البل غة‪ ،‬أو مخطوط‪ ،‬حاولتُس الحصسول عليسه‪ ،‬مثسل التعليقات على‬
‫محصل الفكار‪.‬‬
‫مخطوط‪ ،‬ولكني لم أستطع الحصول‪ ،‬أو الوقوف عليه لسباب سأذكرها في حينها‪.‬‬
‫الثانسي‪:‬مؤلفاتسه المفقودة‪ ،‬بحسسب علمنسا الن‪ ،‬ول توجسد منهسا أيسة نسسخة فسي معظسم مكتبات العالم‬
‫المشهورة‪.‬‬
‫القسم الول‪:‬‬
‫أ‪ .‬ما وصل إلينا من مؤلفاته المطبوعة والمخطوطة‪.‬‬
‫شرح نهج البلغة‪ :‬وهو كتاب ضخم يقع في عشرين جزء‪ ،‬ألّفه ابن أبي الحديد لخزانة الوزير مؤيد‬
‫الدين‪ ،‬التي كانت تضم عشرة آلف مجلد من نفائس الكتب‪ ،3‬إذ قال في آخر هذا الكتاب‪ :‬كان مصنوعا‬
‫لخزانته‪ ،‬وموسوما بسمته‪ ،4‬تم تصنيفه في مدة قدرها أربع سنين وثمانية أشهر‪ ،‬وهي مدة خلفة المام‬
‫أمير المؤمنين ع‪ ،‬على حد تعبيره‪.5‬‬
‫و تظ هر قي مة الكتاب ‪ -‬على ما يرى الستاذ علي مح يي الد ين ‪ -‬في ما تضم نه من البحوث القي مة‪،‬‬
‫فهو في الحقيقة موسوعة عربية‪ ،‬يع ّز نظيرها بين الموسوعات الخرى‪ ،‬ومنه نستطيع أن نقف على ما‬
‫ل القلئل وإحاطسة شاملة بمختلف المعارف‬ ‫للرجسل مسن ثقافسة شاملة‪ ،‬وقدرة على التتبسع ق ّل أن يرزقهسا إ ّ‬
‫الشائعة في عصره‪ ،6‬ففي ثنايا هذا الكتاب نجد كثيرا من آرائه العتزالية والكلمية‪ ،‬على وفق أصول‬
‫ل عن تضمينه في هذا السفر الجليل معارف وعلوما جليلة‪ ،‬استقاها من كتب التاريخ والدب‬ ‫مذهبه‪ ،‬فض ً‬
‫والشعر واللغة والكلم والفلسفة‪.‬‬
‫الراوي‪ ،‬عبد الستار‪ :‬ثورة العقل‪ ،‬دراسة فلسفية في فكر معتزلة بغداد‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬ط ‪ ،2‬بغداد‪ ،1986 ،‬ص ‪.20‬‬ ‫‪1‬‬

‫محيي الدين‪ :‬ابن أبي الحديد ص ‪.215‬‬ ‫‪2‬‬

‫ابن الطقطقى‪ ،‬محمد بن علي‪ :‬الفخري في الداب السلطانية والدول السلمية‪ ،‬مصر‪ ،1923 ،‬ص ‪ ،285‬ابن الفوطي‪ :‬الحوادث‬ ‫‪3‬‬

‫الجامعة ص ‪ ،209‬تلخيص مجمع الداب ج ‪ 4‬ق ‪ 1‬ص ‪.191‬‬


‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.20/350‬‬ ‫‪4‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.20/349‬‬ ‫‪5‬‬

‫محيي الدين‪ :‬ابن أبي الحديد ص ‪.217‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪10‬‬
‫ن ابن أبي الحديد‪ ،‬لدى حديثه في مسألة كلمية أو فلسفية‪ ،‬في أثناء شرحه على‬ ‫ومن هنا نلحظ أ ّ‬
‫النهسج‪ ،‬يحيسل كثيرا إلى مؤلفاتسه الخرى‪ ،‬للسستزادة واليضاح بشأنهسا‪ ،‬مثسل إشارتسه إلى كتبسه‪ :‬شرح‬
‫مشكلت الغرر‪ ،1‬والعبقري الح سان‪ ،2‬وزيادات النقضين‪ ،3‬ور سالة في اللذة واللم‪ ،4‬وتقر ير الطريقتين‪،5‬‬
‫في إشارات تغنينا عن البحث‪ ،‬وتدلنا على نسبة هذه المؤلفات إليه‪ ،‬بل أدنى شك‪.‬‬
‫ن جميع ما ورد في هذا الكتاب من‬ ‫ولبن أبي الحديد رأي في نسبة كتاب نهج البلغة‪ ،‬فهو يرى أ ّ‬
‫ن كثيرا من أرباب الهوى يقولون‪:‬‬ ‫الخطب والوامر والرسائل والمواعظ وال َكلِم للمام علي ع‪ ،‬إذ يقول‪ :‬إ ّ‬
‫ن كثيرا من نهج البلغة كلم محدَث‪ ،‬صَنعَه قوم من فصحاء الشيعة‪ ،‬وربما عزو بعضه إلى الشريف‬ ‫أّ‬
‫الرضسي أبسي الحسسن‪ ،‬ت ‪406‬هسس‪ ،‬وغيره‪ ،‬وهؤلء قوم أعمست العصسبية أعينهسم‪ ،‬فضلّوا عسن النهسج‬
‫ل وقلة معر فة بأ ساليب الكلم‪ ،‬وأ نا أوضّح لك بكلم مخت صر ما‬ ‫الوا ضح‪ ،‬وركبوا بنيّات الطر يق‪ ،‬ضل ً‬
‫جاء في هذا الخاطر من الغلط‪ ،‬فأقول‪ :‬ل يخلو إمّا أن يكون كل نهج البلغة مصنوعا منحولً‪ ،‬أو بعضه‪،‬‬
‫والول باطل بالضرورة؛ لنّا نعلم بالتواتر صحة إسناد بعضه إلى أمير المؤمنين ع‪ ،‬وقد نقل المحدّثون‬
‫كلهم أو جلّهم‪ ،‬والمؤرخون كثيرا منه‪ ،‬وليسوا من الشيعة لينسبوا إلى غرض في ذلك‪ ،‬والثاني يدل على‬
‫ن مَن قد أنس بالكلم والخطابة‪ ،‬وشدا طرفا من علم البيان‪ ،‬وصار له ذوق في هذا الباب‪ ،‬لبد‬ ‫ما قلناه؛ ل ّ‬
‫أن يفرّق ب ين الكلم الرك يك والف صيح‪ ،‬وب ين الف صيح والف صح‪ ،‬وب ين الصيل والمولّد‪ ،‬وإذا و قف على‬
‫كرّاس واحد يتضمن كلما لجماعة من الخطباء‪ ،‬أو لثنين منهم فقط‪ ،‬فلبد أن يفرّق بين الكلمَين‪ ،‬ويميز‬
‫بين الطريقتين‪ ،‬أَل ترى أنّا مع معرفتنا بالشعر ونقده‪ ،‬لو تصفحنا ديوان أبي تمام‪ ،‬فوجدناه قد كتب في‬
‫أثنائه قصائد أو قصيدة واحدة لغيره‪َ ،‬لعَرفنا بالذوق مباينتها لشعر أبي تمام وَنَف سِه‪ ،‬وطريقتِه ومذهبِه في‬
‫القريض‪.‬‬
‫وأنت إذا تأملت نهج البلغة وجدتَه كله ماء واحدا‪ ،‬وَنفَسا واحدا‪ ،‬وأسلوبا واحدا‪ ،‬كالجسم البسيط الذي‬
‫ل يس ب عض من أبعا ضه مخالفا لبا قي البعاض في الماه ية‪ ،‬وكالقرآن العز يز‪ ،‬أوّله كأو سطه‪ ،‬وأو سطه‬
‫كآخره‪ ،‬وكل سورة منه‪ ،‬وكل آية منه مماثلة في المأخذ والمذهب والفن والطريق والنّظم لباقي اليات‬
‫ل وبع ضه صحيحا‪ ،‬لم ي كن ذلك كذلك‪ ،‬ف قد ظ هر لك بهذا‬ ‫وال سور‪ ،‬ولو كان ب عض ن هج البل غة منحو ً‬
‫ن هذا الكتاب أو بعضه منحول إلى أمير المؤمنين عليه السلم‪.6‬‬ ‫البرهان الواضح ضلل مَن زعم أ ّ‬
‫وفي نص آخر يقول‪ :‬فسبحان مَن منح هذا الرجل هذه المزايا النفيسة والخصائص الشريفة؛ أن يكون‬
‫غلم من أبناء عرب مكة‪ ،‬ينشأ بين أهله لم يخالط الحكماء‪ ،‬وخرج أعرف بالحكمة ودقائق العلوم اللهية‬
‫ن قريشا لم يكن أحد منهم‬ ‫حكَم الخُلقية والداب النفسانية؛ ل ّ‬
‫من أفلطون وأرسطو‪ ،‬ولم يعاشر أرباب ال ِ‬
‫مشهورا بمثل ذلك‪ ،‬وخرج أعرف بهذا الباب من سقراط‪.7‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.5/157 ،1/169‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.19/388 ،287/ 8‬‬ ‫‪2‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.1/61‬‬ ‫‪3‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.5/164‬‬ ‫‪4‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.7/157‬‬ ‫‪5‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪ 10/127‬س ‪.129‬‬ ‫‪6‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.16/146‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪11‬‬
‫وقد تصدى لشرح نهج البلغة جملة من العلماء والفاضل‪ ،‬أحصى السيد هبة ال الشهرستاني من‬
‫هذه الشروح أكثسر مسن خمسسين شرحا‪ ،‬أشهرهسم أبسو الحسسين البيهقسي‪ ،‬وفخسر الديسن الرازي‪ ،‬والقطسب‬
‫الراوندي‪ ،‬وكمال الدين محمد بن ميثم البحراني‪ ،‬والشيخ محمد عبده‪ ،1‬ت ‪1323‬هس‪.‬‬
‫‪ .2‬التعليقات على المحصل‪ :‬وهو من مؤلفات ابن أبي الحديد المخطوطة إلى الن‪ ،‬توجد منه نسخة‬
‫ت على المصورة الفريدة منها أيضا في العراق‪ ،‬والموجودة‬
‫فريدة في المكتبة الوطنية في أنقرة‪ ،‬وقد وقف ُ‬
‫بحوزة الستاذ علي محيي الدين‪ ،‬في النجف الشرف‪ ،‬سنة النسخ ‪678‬هس‪.‬‬
‫وي سميه الب عض ب س شرح المح صل‪ ،2‬وآخرون ب س التعليقات‪ ،3‬و هو ال صح‪ ،‬بهذا ال سم‪ ،‬ك ما هو‬
‫مصرّح به من قبل ابن أبي الحديد نفسه‪ ،‬يقول‪ :‬ثم أنّي متتبّع في كتابي هذا الرازي الشعري‪ ،‬مع تجنب‬
‫ن ابن أبي‬
‫ت به في التعليق الذي قبله‪ .4‬ومعنى هذا أ ّ‬
‫التكرير‪ ،‬وبذل الجهد في التيان في كل تعليق بما لم آ ٍِ‬
‫الحديد تجاوز خطبة الكتاب‪ ،‬ولم يعلّق عليها‪ ،‬ليبتدئ بالحديث عن التصورات‪.5‬‬
‫والملحَظ أنه لم يذكر النص الموجود في المحصل‪ ،‬إنما يحاول تلخيصه بأسلوبسه الخاص‪ ،‬يظهر‬
‫ذلك من خلل قوله‪ :‬وأنا أتأوّل كلم الفضلء وأحمله على أحسن محامله ما وسعني التأويل‪ .6‬كما أنه لم‬
‫يكتف أحيانا باختصار النص‪ ،‬وإنمسا يتعدى ذلك إلى اختصار عنوان المسألة‪.7‬‬
‫وإذا تأملنا في منهجية ابن أبي الحديد في تأليفه الكتاب‪ ،‬نجده قد اخّر التعليق على القضايا المنطقية‬
‫ال تي ذكر ها الرازي في بدا ية المح صل‪ ،8‬إلى نها ية التعليقات‪ ،9‬كذلك ن جد أ نه تجاوز عدة م سائل من‬
‫المحصل‪ ،‬ما لبث أن عاد إليها فيما بعد‪ ،‬كما هو الحال في مسائل‪ :‬إثبات المؤثر‪ ،10‬وإثبات وجوب وجود‬
‫المؤثر‪ ،11‬وكونه تعالى عالما‪ ،12‬وأنه تعالى ل يجوز قيام الحوادث بذاته‪. 13‬‬
‫ن سبب عدم ذكره ب عض الم سائل الواردة في مح صل الفكار‬ ‫هذا من جا نب‪ ،‬و من جا نب آ خر فإ ّ‬
‫بصورة نهائية‪ ،‬يعود إلى أنه كان يتناول ما صرّح به فخر الدين الرازي‪ ،‬ت ‪606‬هس‪ ،‬فقط من المسائل‬
‫التي اختلف بها مع المعتزلة‪ ،‬ولذلك كانت مهمة ابن أبي الحديد‪ ،‬كما يبدو‪ ،‬كشف وجه اختلف الرازي‬
‫مع أصحابه ‪ -‬أصحاب ابن أبي الحديد ‪ -‬المعتزلة‪ ،‬مثل ما أورده الرازي في مسألة تماثل الجسام خلفا‬
‫الشهرستاني‪ ،‬هبة ال‪:‬ما هو نهج البلغة‪ ،‬مطبعة العرفان‪ ،‬صيدا‪ ،‬ص ‪ 8‬س ‪.10‬‬ ‫‪1‬‬

‫ابن الفوطي‪ :‬معجز الداب ص ‪.575‬‬ ‫‪2‬‬

‫حاجي خليفة‪ :‬كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون‪ ،‬طبع استانبول‪1941 ،‬م‪.2/1614 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ا بن أ بي الحد يد‪ :‬التعليقات على المح صل‪ ،‬م صورة عن ن سخة جام عة ا ستانبول‪ ،‬بر قم ‪ ،3297‬مكت بة ال ستاذ علي مح يي‬ ‫‪4‬‬

‫الدين‪ ،‬النجف الشرف‪ ،‬ورقة ‪ 375‬أ‪ ،‬كما وردت لفظة التعليق في ن‪ ،‬م ‪ 441‬أ‪.‬‬
‫ن‪ ،‬م‪ ،‬ورقة ‪ 375‬أ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫ن‪ ،‬م‪ ،‬ورقة ‪ 391‬ب‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫ن‪ ،‬م‪ ،‬ورقسة ‪ 387‬أ‪ ،‬مقار نة على التوالي ب س مح صل الفكار وبذيله تلخيسص المحصسل لنصسير الد ين الطوسسي المحقسق‪ ،‬ط ‪،1‬‬ ‫‪7‬‬

‫بيروت‪1984 ،‬م‪ ،‬ص ‪.200 ،188‬‬


‫راجع الرازي‪ :‬محصل الفكار ص ‪.26‬‬ ‫‪8‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 441‬ب وما بعدها‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫الرازي‪ :‬محصل الفكار ص ‪ ،213‬ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 403‬ب‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫ن‪ ،‬م‪ :‬ص ‪ 216‬س ‪ ،220‬أيضا‪:‬ورقة ‪ 404‬ب س ‪405‬ب‪.‬‬ ‫‪11‬‬

‫ن‪ ،‬م‪ :‬ص ‪ 239‬س ‪ ،243‬أيضا‪ :‬ورقة ‪ 405‬ب س ‪ 407‬أ‪.‬‬ ‫‪12‬‬

‫ن‪ ،‬م‪ :‬ص ‪ 228‬س ‪ ،230‬أيضا‪ :‬ورقة ‪ 407‬أ س ‪ 408‬أ‪.‬‬ ‫‪13‬‬

‫‪12‬‬
‫للّنظّام‪ ،1‬والدراك ع ند سلمة الحا سة وح صول المب صر و سائر الشرائط غ ير وا جب عند نا‪ ،‬على حد‬
‫ت عبير الف خر الرازي‪ ،‬خلفا للمعتزلة والفل سفة‪ ،2‬و م سالة العلة الواحدة يجوز أن ي صدر عن ها أك ثر من‬
‫معلول واحد عندنا خلفا للمعتزلة والفلسفة‪.3‬‬
‫وقسد اتصسفت المخطوطسة بكثرة الخطاء الملئيسة والنحويسة‪ ،‬وهذا يتضسح مسن خلل مقابلتهسا مسع‬
‫الن صوص الواردة في مح صل الفكار‪ ،‬م ثل كل مة ح صول وردت في المخطوط بت عبير أ صول‪ ،4‬ولذا‬
‫تجدني أقوم بمهمة الشارة إلى تصحيح ذلك من خلل هوامش هذه الدراسة‪.5‬‬
‫ن ناسخ المخطوطة غير عربي‪ ،‬بدليل ما ذُكر من بعض‬ ‫ن هناك إشارات يتبين من خللها أ ّ‬
‫كما أ ّ‬
‫العبارات الخاطئة‪ ،‬مثل وأنتم يقولون‪ ،‬والصحيح تقولون‪ ،‬وعبارة ل تجوز أن يتحرك فيعمل‪ ،6‬والصحيح‬
‫ل يجوز‪ ،‬وعبارة أن يكون الجهة‪ ،7‬والصحيح أن تكون الجهة‪.‬‬
‫وفي هذه التعليقات يقتصر ابن أبي الحديد على ذكر واحد من الفلسفة المسلمين‪ ،‬فقط‪ ،‬وهو ابن سينا‪،‬‬
‫‪428‬هس‪ ،‬وذلك في معرض حديثه عما ذهب إليه الفلسفة في مسألة كون ال تعالى ل يعلم الجزئيات‪.8‬‬
‫وقد أشار ابن أبي الحديد في تعليقاته على المحصل إلى اثنين من علماء الشعرية‪ ،‬في مسائل كلمية‬
‫معينة‪ ،‬هما‪ ،‬الباقلني‪ ،‬ت ‪403‬هس‪ ،‬والجويني‪ ،‬ت ‪478‬هس‪ :،‬فقد ذكر الول أربع مرات‪ :‬أحال في ثلث‬
‫من ها إلى كتا به ‪ -‬كتاب الباقل ني‪ -‬هدا ية الم سترشدين‪ ،9‬والراب عة دون إحالة إلى كتاب‪ ،10‬وذ كر الثا ني‬
‫ثلث مرات‪ :‬في الولي أحال فيها إلى كتابه الشامل‪ ،11‬والخرى إلى كتابيه‪ ،‬الشامل والرشاد‪ ،12‬وجرى‬
‫ي من كُتبه‪.13‬‬
‫ذِكره ثالثة دون إحالة إلى أ ّ‬

‫راجع محصل الفكار ص ‪ ،187‬مقارنة بالتعليقات ورقة ‪ 386‬ب‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن‪ ،‬م‪ :‬ص ‪ ،158‬مقارنة بالتعليقات ورقة ‪ 386‬ب‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ن‪ ،‬م‪ :‬ص ‪ ،210‬مقارنة بالتعليقات ورقة ‪ 390‬ب‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫ن‪ ،‬م‪ :‬ص ‪ ،209‬مقارنة بالتعليقات ورقة ‪ 389‬ب‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫مثل جملة مما سّة الجسم‪ ،‬أو مما سّته لجسم آخر التعليقات ورقة ‪ 400‬ب‪ ،‬والصحيح‪ :‬أو مباينته لجسم آخر‪ .‬راجع المحصل ص‬ ‫‪5‬‬

‫‪ 181‬أمّا الجملة الخرى فهي ل يصح وجود أحدهما ‪ -‬الفعلن ‪ -‬إلى مع الثاني التعليقات ورقة ‪ 431‬ب والصحيح‪ :‬إ ّل مع الثاني‪.‬‬
‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 385‬ب‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 393‬أ‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 408‬أ‪ ،‬وحول موقف ابن سينا من مسألة العلم اللهي‪ ،‬انظر‪ :‬ابن سينا‪ :‬الشارات والتنبيهات‪ ،‬مع شرحه لنصير الدين‬ ‫‪8‬‬

‫الطوسي‪ ،‬وقطب الدين الرازي‪ ،‬طهران‪.308 - 3/304 ،1379 ،‬‬


‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 409‬ب‪ 414 ،‬أ‪ 457 ،‬ب‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 447‬أ‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 414‬أ‪ ،‬والمسألة كانت بخصوص المعاني القديمة القائمة بذات البارىء سبحانه ليست معلولة لذات البارىء‪ .‬انظر‬ ‫‪11‬‬

‫الجويني‪ :‬الشامل في أصول الدين‪ ،‬تحقيق‪ :‬هلموت ريتر‪ ،‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ ،1961 - 1960 ،‬ص ‪.177‬‬
‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 457‬ب‪ ،‬والمسألة كانت بخصوص المتحيز إمّا أن يكون قاب ًل للنقسام‪ ،‬أو ل يكون‪ ،‬والول هو الجسم‪ ،‬والثاني هو‬ ‫‪12‬‬

‫الجوهر الفرد‪ .‬انظر الجويني‪ :‬الشامل ص ‪ 59‬وما بعدها‪.‬‬


‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 447‬أ‪.‬‬ ‫‪13‬‬

‫‪13‬‬
‫أمّا شيوخ فرق ته ‪ -‬المعتزلة ‪ -‬ف قد أشار إلى ثلثة من هم‪ :‬و هم أ بو علي الجبائي‪ ،1‬ت ‪303‬ه س‪ ،‬وولده‬
‫أبو هاشم‪ ،2‬ت ‪321‬هس‪ ،‬وأبو الحسين البصري‪ ،‬ت ‪436‬هس‪ ،‬الذي كان ابن أبي الحديد يُكثر من ذكره‬
‫بأنس لشيخسه هذا كلما فسي‬
‫والشادة بسه فسي أكثسر المباحسث الواردة فسي التعليقات‪ ،‬إشعارا منسه للقارئ ّ‬
‫الموضوع الفلني تارة‪ ،‬وأخرى يدافع عنه‪ ،‬في معرض إشارته إلى الفرق بين نفاة الحوال من الشعرية‬
‫وأبي الحسين البصري‪ ،3‬وإلى رأي أبي الحسين البصري في الثواب والعقاب‪.4‬‬
‫ن ا بن أ بي الحد يد أ نه لم ترد في كتا به التعليقات هذا أ ية إشارة إلى أ حد من متكل مي‬
‫والغر يب في أ ّ‬
‫الشيعة المامية السابقين عليه‪ ،‬كالشيخ المفيد‪413 ،‬هس‪ ،‬والشريف المرتضى‪436 ،‬هس‪ ،‬والشيخ الطوسي‪،‬‬
‫ت ‪460‬ه س‪ ،‬أو المعا صرين له‪ ،‬أمثال المح قق الطو سي ن صير الد ين‪ ،‬ت ‪672‬ه س‪ ،‬والمح قق الحلي‪ ،‬ت‬
‫ت إليهم‬
‫‪676‬هس‪ ،‬في حين أنه ذكر‪ ،‬في مسائل كلمية متفرقة‪ ،‬متكلمين آخرين‪ ،‬معتزلة وأشعرية‪ ،‬أشر ُ‬
‫فيما تقدّم‪ ،‬أمثال الجبائيّين وأبي الح سين الب صري والباقلني والجويني‪ ،‬وهذا ما يؤكد عدم كو نه إما مي‬
‫العقيدة‪.‬‬
‫ب‪ .‬مؤلفاته المخطوطة التي لم أستطع الحصول عليها‪.‬‬
‫والمشكلة التي واجهتني ‪ -‬شأني في ذلك شأن معظم الباحثين العراقيين أثناء فترة الحصار الجائر ‪-‬‬
‫ن جم يع مؤلفات ا بن أ بي الحد يد الكلم ية والفل سفية‪ ،‬با ستثناء شر حه على الن هج‪،‬‬ ‫سيّما الثقا في م نه ‪ -‬أ ّ‬
‫موجودة خارج العراق‪ ،‬مما يتطلب السفر إلى أماكن وجودها‪ ،‬أو مراسلة المكتبات الموجودة فيها‪ ،‬وحيث‬
‫ت مع ظم المكتبات‬ ‫ن الولي متعذرة‪ ،‬لذا تجد ني مضطرّا إلى سلوك الطر يق الثا ني‪ ،‬وبالف عل ف قد را سل ُ‬ ‫أ ّ‬
‫العالم ية المعرو فة باحتوائ ها لغلب التراث العر بي‪ ،‬م ثل مكت بة المت حف البريطا ني بلندن‪ ،‬مكت بة جام عة‬
‫كامبردج‪ ،‬دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة‪ ،‬ومكتبات تركيا التية‪ :‬مجمع التاريخ التركي في أنقرة‪،‬‬
‫مج مع الل غة الترك ية في أنقرة‪ ،‬مع هد بحوث أتاتورك في أنقرة‪ ،‬مكت بة أ يا صوفيا في ا ستانبول‪ ،‬المكت بة‬
‫الرشيدية في استانبول‪ ،‬المكتبة السليمانية في استانبول‪ ،‬والمكتبة الوطنية في أنقرة‪ ،‬وفي الوقت الذي لم‬
‫أحصل على ما أبت غي من لندن وكامبردج والقاهرة‪ ،‬ف قد أجابتني إحدى المكتبات التركية‪ ،‬و هي المكتبة‬
‫ن المؤلفات الكلمية والفلسفية لبن أبي الحديد موجودة لديهم‪ ،‬وأنه بالمكان إرسالها‪،‬‬ ‫الوطنية في أنقرة بأ ّ‬
‫ل أنهم أخلفوا في الوعد‪ ،‬مما دفعني إلى مراسلتهم مرة أخرى‪ ،‬فأجابوني بنفس الجواب السابق‪ ،‬بيد أنهم‬ ‫إّ‬
‫أخلفوا في الوعد تارة أخرى‪ ،‬مما اضطرني إلى العتماد في هذه الدراسة على شرح نهج البلغة‪ ،‬ومن‬
‫ي الشارة إلى طريق حصوله‪.‬‬ ‫المخطوطات على كتاب التعليقات‪ ،‬التي سبقت من ّ‬
‫وفي العرض التي أحاول إعطاء فكرة عما احتوته هذه المؤلفات‪ ،‬حسبما أشار إليها ابن أبي الحديد‬
‫نفسه في شرحه على النهج‪ ،‬أو في تعليقاته على المحصل‪.‬‬

‫‪ 398‬ب‪ 411 ،‬أ‪.‬‬ ‫ن‪ ،‬م ورقة‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 413‬ب‪.‬‬ ‫ن‪ ،‬م ورقة‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 392‬أ‪ 408 ،‬ب‪ 418 ،‬ب‪ 459 ،‬ب‪.‬‬ ‫ن‪ ،‬م ورقة‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 430‬أ‪.‬‬ ‫ن‪ ،‬م ورقة‬ ‫‪4‬‬

‫‪14‬‬
‫تقر ير الطريقت ين‪:‬ذكره ا بن أ بي الحد يد في شر حه على الن هج‪ ،‬وأحال إل يه في معرض إيراده آراء‬
‫أصحابه‪ ،‬في كونه تعالى مد ِرِكا للمسموعات والمبصَرات‪ ،‬حيث قال ‪ -‬بعد أن أورد اختلف أصحابه في‬
‫هذه المسألة ‪ :-‬وهذا البحث مشروح في كتبي الكلمية لتقرير الطريقتين وشرح الغرر‪.1‬‬
‫الرسالة الشرفية في كشف الفلسفة الحفية‪:‬ذكرها ابن أبي الحديد في معرض تعليقاته على الشبهة التي‬
‫حكاها فخر الدين الرازي‪ ،‬لمن نفي كون البارئ تعالى مريدا‪ ،‬حيث قال ‪ -‬بعد تعليقه على ذلك ‪ :-‬وقد‬
‫ت هذا الموضع في الرسالة الشرفية في كشف الفلسفة الحفية‪ ،‬شرحا بما ل مزيد عليه ‪ ،2‬كما ذكرها‬
‫شرح ُ‬
‫حاجي خليفة في كتابه كشف الظنون‪.3‬‬
‫رسالة في اللذة واللم على مذهب الفلسفة‪:‬وهي رسالة فلسفية‪ ،‬عرض فيها ابن أبي الحديد‪ ،‬مسألة‬
‫جواز إطلق اللذة واللم على ال تعالى أو نفي ها‪ ،‬أشار إلي ها في معرض حدي ثه عن الموضوع المذكور‪،‬‬
‫فقال‪ :‬واتفقت الفلسفة على أنه ملتذ بذاته وكماله‪ ،‬وعندي في هذا القول نظر‪ ،‬ولي في اللذة واللم رسالة‬
‫مفردة‪ ،4‬كما أنه أشار إليها في أثناء حديثه عن الموضوع ذاته في كتابه التعليقات‪.5‬‬
‫زيادات النقضيسن‪:‬وهذا كتاب ذو أسسلوب كلمسي‪ ،‬عرض فيسه آراء أصسحابه المعتزلة وبقيسة الفرق‬
‫السلمية‪ ،‬بخصوص مسائل كلمية معينة‪ ،‬أشار إلى واحدة منها في شرح نهج البلغة‪ ،‬وهو يحيل إلى‬
‫زيادات النقض ين‪ ،‬أل و هي م سألة رؤ ية ال تعالى يوم القيا مة‪ ،‬إذ قال‪ :‬و قد شر حت هذا الموضوع في‬
‫ن الرؤية المنزهة عن الكيفية التي يزعمها أصحاب الشعري‬ ‫تأّ‬‫كتابي المعروف زيادات النقضين‪ ،‬وبيّن ُ‬
‫ن العلم ل يشخّص المعلوم‪ ،‬والرؤيا تشخّص‬ ‫لبد فيها من إثبات الجهة‪ ،‬وأنها ل تجري مجرى العلم؛ ل ّ‬
‫ل مع كون المشخّص ذا جهة‪.6‬‬ ‫المرئي‪ ،‬والتشخيص ل يمكن إ ّ‬
‫شرح مشكلت الغرر‪:‬وهو شرح على كتاب غرر الدلة في أصول الكلم‪ ،‬لبي الحسين البصري‪،7‬‬
‫ذكره ابن أبي الحديد في كتابيه شرح نهج البلغة والتعليقات‪ ،‬فقد ذكره في شرحه على النهج‪ ،‬وأحال إليه‬
‫مرتين‪:‬‬
‫الولى‪:‬حينمسا أحال إليسه‪ ،‬فسي معرض إيراده آراء أصسحابه فسي كونسه تعالى مدرِكا للمسسموعات‬
‫والمبصَرات‪ ،‬إذ قال‪ :‬وهذا البحث مشروح في كتبي الكلمية لتقرير الطريقتين وشرح الغرر‪.8‬‬
‫الثانية‪ :‬حينما أحال إليه‪ ،‬في معرض إيراده الخلف حول الفضلية‪ .‬هل هي شرط في المامة أو ل؟‬
‫قال‪ :‬وقد تكلمنا في شرح الغرر لشيخنا أبي الحسين رحمه ال تعالى في هذا البحث بما ل يحتمله كتاب‪.9‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.5/157‬‬ ‫‪1‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 462‬ب‪ ،‬وانظر الرازي‪ :‬المحصل ص ‪ 243‬س ‪.245‬‬ ‫‪2‬‬

‫حاجي خليفة‪ :‬كشف الظنون ‪.2/874‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ 5/163‬س ‪.164‬‬ ‫‪4‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 460‬أ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.1/61‬‬ ‫‪6‬‬

‫ابن الفوطي‪ :‬معجز الداب ص ‪ ،575‬ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.1/169‬‬ ‫‪7‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.5/157‬‬ ‫‪8‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.1/169‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪15‬‬
‫أمّا مورد ذكره فسي التعليقات‪ ،‬فقسد جاء فسي معرض اعتراضسه على مسا أفاده فخسر الديسن الرازي‪،‬‬
‫ت في شرح الغرر ما استدل به ‪ -‬الرازي ‪-‬‬ ‫ت ذكر ُ‬
‫بخصوص مسألة الرادة النسانية‪ ،‬إذ قال‪ :‬وقد كن ُ‬
‫في المحصول على هذه المسألة‪.1‬‬
‫‪ .6‬شرح الياقوت‪ :‬أشار إليه ابن الفوطي‪ ،2‬وهو شرح لكتاب الياقوت‪ ،‬الذي يعد من المصادر القديمة‬
‫فسي علم الكلم‪ ،‬لبسن نوبخست‪ ،‬ت ‪346‬هسس‪ ،‬وقسد شرَحسه أيضا ابسن المطهسر الحلّي‪ ،‬ت ‪726‬هسس‪ ،‬مسن‬
‫المامية‪ ،‬فأسماه‪ :‬أنوار الملكوت في شرح الياقوت‪ ،‬وهو كتاب مطبوع تناول فيه مؤلفه كل المسائل التي‬
‫وردت في الصل‪ ،‬ثم شرَحها واحدة بعد أخرى‪ ،‬ولم يرد ذكر لهذا الشرح في المتداول بين أيدينا من آثار‬
‫ابن أبي الحديد‪.‬‬
‫ن كتاب الربعين في أصول الدين لفخر الدين الرازي‪ ،‬وقد أشار ابن أبي‬
‫‪ .7‬نقض الربعين‪:‬معلوم أ ّ‬
‫الحديد إلى هذا النقض في التعليقات على محصل الفكار‪ ،‬لفخر الدين الرازي في موضعين‪:‬‬
‫الول‪:‬فسي معرض حديثسه عسن موضوع المعدوم‪ ،‬هسل هسو ممتنسع الثبوت أو ممكسن الثبوت؟ إذ قال‪:‬‬
‫وتكلمنا نحن عليه في نقض الربعين‪.3‬‬
‫الثا ني‪ :‬في معرض حدي ثه عن موضوع المم كن حال بقائه‪ ،‬هل يستغني عن المؤثر أو ل؟ قال‪ :‬و قد‬
‫ت البحسث فسي هذا الموضوع فسي التعليسق على كتاب الربعين‪ ،4‬ولم يرد ذكسر لهذا النقسض فسي‬
‫اسستقصي ُ‬
‫شرحه على النهج‪.‬‬
‫القسم الثاني‪:‬مؤلفاته المفقودة التي ل تعرَف لها نسخة مخطوطة في مكتبات العالم‪،‬‬
‫‪ ...‬وهما كتابان‪:‬‬
‫‪ .1‬الرسالة النظامية‪ :‬ويبدو أنها رسالة كلمية صِرف‪ ،‬بدليل‪:‬‬
‫ما أفاده ا بن أ بي الحد يد‪ ،‬تعليقا على ما ذكره الف خر الرازي‪ ،‬في م سألة كو نه تعالى عالِما‪ ،‬هل هو‬
‫ن هذا الموضوع قد ذكرتُه في الرسالة النظامية‪ ،‬واعترضتُه‬
‫لذاته‪ ،‬أو بعلم قديم‪ .5‬إذ قال ابن أبي الحديد‪ :‬إ ّ‬
‫ت القول فيه‪.6‬‬
‫وأشبع ُ‬
‫ما أفاده في التعليقات على المحصل‪ ،‬في معرض تعليقه على كلم فخر الدين الرازي‪ ،‬في مسألة إنّا‬
‫ن وجود ما علم ال تعالى وجوده وادّعاه‬ ‫فاعلون قال ابن أبي الحديد‪ :‬أمّا شبهة الداعي‪ ،‬فقد سبق الكلم‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن تكل يف الكا فر اليمان تكل يف ما ل قدرة له عل يه‪ ،‬ف قد‬
‫ن خلفه ممت نع‪ ،‬وأ ّ‬ ‫‪ -‬الرازي ‪ -‬أ نه وا جب‪ ،‬وأ ّ‬
‫أسهبنا الكلم فيه في الرسالة النظامية‪.7‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 464‬أ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ابن الفوطي‪ :‬معجز الداب ص ‪.575‬‬ ‫‪2‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 453‬أ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 456‬ب‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫الرازي‪ :‬محصل الفكار ص ‪ 260‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 413‬أ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 427‬أ‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪16‬‬
‫‪ .2‬العبقري الحِسان‪ :‬ذكره ابن الفوطي‪ ،‬إذ قال‪ :‬ومن تصانيفه‪ :‬العبقري الحسان‪ ،‬وهو كتاب غريب‬
‫الوضع‪ ،‬قد اختار فيه قطعة وافرة من الكلم‪ ،1‬أشار إليه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلغة والتعليقات‬
‫والفلك الدائر‪ ،‬حيث أشار في الول في موضعين‪ ،2‬وفي الثاني‪ ،‬في موضع واحد‪ ،‬وذلك في معرض رده‬
‫ن الجسام مرئية‪ ،‬خلفا للفلسفة‪ ،3‬قال ابن أبي الحديد‪:‬‬ ‫على الفخر الرازي‪ ،‬حينما ذكر في المحصل أ ّ‬
‫ى ونظر طويل‪ ،‬ذكرتُه في كتاب العبقري الحِسان‪ ،4‬أما في الفلك الدائر‪،‬‬
‫ولي في هذه المسألة كلم مستقص ً‬
‫فقد أشار إليه في موضعين‪.5‬‬
‫وأخيرا نلحظ أنه قد فات على الستاذ علي محيي الدين‪ ،‬عندما اعتبر كتاب ابن أبي الحديد الموسوم‬
‫ن كتاب‬
‫ب س العتبار على كتاب الذري عة في أ صول الشري عة بأ نه من م صنفاته الكلمية‪ ،6‬وال صحيح أ ّ‬
‫الذريعة هو كتاب في علم الصول‪ ،‬وليس في علم الكلم‪ ،‬وهو من مؤلفات الشريف المرتضى ‪ ،7‬ت ‪43‬‬
‫‪6‬هس‪.‬‬
‫أفكاره الفلسفية والكلمية‬
‫ن ابن أبي الحديد يمثل نحلة دينية كانت لها آراؤها وفلسفتها في كثير من‬
‫وبناء على ما تقدّم نلحظ أ ّ‬
‫مسائل الدين التي تتجافى مع ما عليه الكثرية الغالبة من فرق المسلمين‪ ،‬فلقد كانت له‪ ،‬كما كانت لغيره‬
‫مسن المعتزلة‪ ،‬خصسومات ومعارك عاصسفة مسع المحدّثيسن‪ ،‬والشاعرة‪ ،‬والشيعسة‪ ،‬والمرجئة‪ ،‬والقدريسة‪،‬‬
‫والمجسمة‪ ،‬وأهل النقل عموما‪.8‬‬
‫ونستطيع من خلل كتبه الموجودة‪ ،‬الفادة في تلمّس صورة واضحة لفكار هذا الرجل‪ ،‬فنحن نرى‬
‫في شرح نهج البلغة يشرح كلم المام علي ع‪ ،‬الذي يتضمن المسائل العتقادية‪ ،‬شرحا ينبئ عن رأي‬
‫مستقل‪ ،‬يدعمه بما يوافق عقيدته العتزالية‪ ،‬من خلل إيراده آراء شيوخه القدامى‪ ،‬كأبي القاسم البلخي‪،‬‬
‫ت ‪319‬هسس‪ ،‬وأبسي جعفسر السسكافي‪ ،‬ت ‪240‬هسس‪ ،‬والجاحسظ‪ ،‬ت ‪255‬هسس‪ ،‬وأبسي الحسسين البصسري‪،‬‬
‫والنظام‪ ،9‬ت ‪231‬هس‪ ،‬وهذا ما فعله في معظم المسائل العتقادية التي عرض لها في شرحه على النهج‪،‬‬
‫تلك المسسائل التسي كان يعنونهسا بعنوان مباحسث كلميسة تارة‪ ،‬أو يبدأ بعرض آراء أصسحابه فسي المسسألة‬
‫الكلمية أو الفلسفية‪ ،‬ثم آراء مخالفيهم‪ ،‬مع إيراده الحجج تارة أخرى‪.‬‬

‫ابن الفوطي‪ :‬تلخيص مجمع الداب ج ‪/4‬ق ‪/1‬ص ‪ ،191‬معجز الداب ص ‪.575‬‬ ‫‪1‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.19/388 ،8/287‬‬ ‫‪2‬‬

‫الرازي‪ :‬محصل الفكار ص ‪.190‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 385‬ب‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬الفلك الدائر على المثل السائر‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد الحوفي‪ ،‬وبدوي طبانة‪ ،‬ط ‪ ،2‬منشورات دار الرفاعي‪ ،‬الرياض‪ ،‬ص‬ ‫‪5‬‬

‫‪.90 ،84‬‬
‫محيي الدين‪ :‬ابن أبي الحديد ص ‪.239‬‬ ‫‪6‬‬

‫بخ صوص مؤلفات الشر يف المرت ضى مف صلً‪ ،‬را جع‪ :‬مح يي الد ين‪ ،‬ع بد الرزاق‪ :‬أدب المرت ضى من سيرته وآثاره‪ ،‬مطب عة‬ ‫‪7‬‬

‫المعارف‪ ،‬بغداد‪ ،‬ط ‪ ،1957 ،1‬وكذلك أبسو الفضسل إبراهيسم‪ ،‬محمسد‪ :‬مقدمسة أمالي المرتضسى‪ ،‬تحقيقسه‪ ،‬دار الكتاب العربسي‪ ،‬ط ‪،2‬‬
‫‪ ،1967‬ك ما أ ّن ر سالتي الماج ستير كا نت عن آراء الشر يف المرت ضى في الجا نب الكل مي‪ ،‬را جع‪:‬رؤوف الشّمري‪ :‬الشر يف‬
‫المرتضى متكلما‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬غير منشورة‪ ،‬جامعة بغداد س كلية الشريعة س ‪1992‬م‪.‬‬
‫محيي الدين‪ :‬ابن أبي الحديد ص ‪ 270‬س ‪.271‬‬ ‫‪8‬‬

‫انظر شرح نهج البلغة‪ ،‬على التوالي‪.3/227 ،3/236 ،217 -215 /13 ،157 - 5/156 :‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪17‬‬
‫ف من أمثلة الحالة الولى‪:‬ا ستعراضه أبحاثا كلم ية‪ ،‬ضمّن ها موضوعات مختل فة‪ ،‬ابتدأ ها بالشارة إلى‬
‫وجود ال تعالى‪ ،‬وإثبات الوجود الل هي‪ ،‬من خلل إشار ته إلى م سلك المتكلم ين والفل سفة في ذلك‪ ،‬إذ‬
‫ن الجسام محدَثة‪ ،‬ولبد للمحدَث من مح ِدِث‪ ،‬أمّا طريقة الفلسفة‬
‫ن طريقة المتكلمين‪ ،‬هي إثبات أ ّ‬‫قال‪ :‬إ ّ‬
‫ن الوجود ينقسم بالعتبار الول إلى قسمين‪:‬‬ ‫فهي إثبات وجوده تعالى من النظر في نفس الوجود‪ ،‬وذلك ل ّ‬
‫ن طبيعة الممكن يمتنع من أن يستقل بنفسه في‬ ‫واجب وممكن‪ ،‬وكل ممكن لبد أن ينتهي إلى الواجب؛ ل ّ‬
‫قوامه‪ ،‬فلبد من واجب يستند إليه‪ ،‬وذلك الواجب الوجود الضروري الذي لبد منه‪ ،‬هو ال‪.1‬‬
‫ثم ينتقل إلى موضوعات أخرى تطرّق فيها إلى إثبات أزليّته‪ ،‬وأنه تعالى ل شبيه له‪ ،‬أي ليس بجسم‬
‫كهذه الجسام‪ ،2‬وهكذا اتخذ النهج نفسه في مواضيع ُأخَر من شرحه على النهج‪.3‬‬
‫أمّا أمثلة الحالة الثانية‪ ،‬فمنها ما ذكره في معرض إشارته إلى اختلف الناس في الجال‪ ،‬إذ ذكر آراء‬
‫الفلسسفة والمتكلميسن على اختلف فرقهسم‪ :‬مسن شيعسة و معتزلة وأشعريسة وجهميسة وجبريسة‪ ،‬مُل ِمِحا إلى‬
‫تفاصسيل أخرى للموضوع ذاتسه داخسل فرقتسه‪ ،‬بكل اتجاهَيهسا‪ :‬البصسري والبغدادي‪ ،4‬خاتمسا كلمسه عسن‬
‫الموضوع بالشارة إلى أنه قد بسط الكلم فيه ‪ -‬في الجال ‪ -‬في كتبه المبسوطة في علم الكلم‪.5‬‬
‫ومن المثلة الخرى التي تومئ إلى أفكاره‪ ،‬تناوله مسألة اختلف القوال في خلق العالم‪ ،‬وهي مسألة‬
‫ل عن محمد‬ ‫فلسفية ممتدة في الجذور من حيث تعدد القوال فيها‪ ،‬إذ استعرض آراء الفلسفة بشأنها نق ً‬
‫ن العالم كان‬
‫نأ ّ‬‫بن زكريا الرازي‪ ،‬ت ‪313‬هس‪ ،‬الذي ذ كر قول أر سطو طاليس‪ ،‬ت ‪ 322‬ق‪ .‬م‪ ،‬وهو أ ّ‬
‫ن جوهره وذاته جوهر وذات مسخرة للمعدوم أن يكون مسخرا موجودا‪.6‬‬ ‫عن البارئ تعالى؛ ل ّ‬
‫ثم ذكر ابن أبي الحديد ما حكاه أبو القاسم البلخي عن قدماء الفلسفة‪ ،‬بخصوص المسألة المذكورة‪،‬‬
‫ن ما تراه من الهيولى وتريده غ ير مم كن لتر فض‬ ‫ن علة خلق البارئ للعالم ت نبيه الن فس على أ ّ‬
‫و هو أ ّ‬
‫ن هذا القول‬
‫محبتها إياها وعشقها لها‪ ،‬وتعود إلى عالمها الول‪ ،‬غير مشتاقة إلى هذا العالم‪ ،7‬مشيرا إلى أ ّ‬
‫هو المحكي عن الحرنانية أصحاب القدماء الخمسة‪ ،‬وحقيقة مذهبهم ‪ -‬كما يقول ‪ -‬إثبات قدماء خمسة‪:‬‬
‫إثنان من هم حياّن فاعلن‪ ،‬وه ما البارئ والن فس‪ ،‬ومراد هم بالن فس ‪ -‬على حد ت عبيره ‪ -‬ذات حي مبدأ‬
‫ل سائر النفوس ال تي في العالم كالرواح البشر ية‪ ،‬والقوى النبات ية‪ ،‬والنفوس الفلك ية‪ ،‬وي سمون هذه الذات‬
‫النفس الكلية‪ ،‬وواحد من الخمسة منفعل غير حي‪ ،‬وهو الهيولى‪ ،‬وإثنان ل حيّان ول فاعلن ول منفعلن‪،‬‬
‫وهما الدهر والقضاء‪.8‬‬
‫أنس ابسن أبسي الحديسد كان عارفا بآراء الفرق المنضويسة تحست كسل ديسن سسماوي‪،‬‬
‫إنّس هذا كله يؤكسد ّ‬
‫كاليهودية والمسيحية‪ ،‬وكذلك الصابئة التي تنضوي تحتها الحرنانية‪ ،‬مضافا إلى النساطرة واليعاقبة من‬

‫ن‪ ،‬م ‪ 9/147‬س ‪.148‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪ 9/148‬س ‪.149‬‬ ‫‪2‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.9/253‬‬ ‫‪3‬‬

‫انظر تفاصيل ذلك في شرح نهج البلغة ‪ 5/133‬س ‪.139‬‬ ‫‪4‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.5/139‬‬ ‫‪5‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪ ،5/158‬ولم أجد ذلك في رسائل الرازي الفلسفية‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪ ،5/159‬وراجع الرازي‪ ،‬محمد بن زكريا‪ :‬رسائل الرازي الفلسفية‪ ،‬ط ‪ ،2‬بيروت‪ ،1977 ،‬ص ‪.205‬‬ ‫‪7‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪ ،5/159‬وراجع الرازي‪ :‬رسائل ص ‪.213 ،189‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪18‬‬
‫الم سيحية‪ ،1‬والرواقية‪ ،2‬كمذ هب فل سفي م ستقل‪ ،‬ك ما أ نه كان عارفا بآراء أتباع الديانات غ ير ال سماوية‪،‬‬
‫كالمانوية والمجوس ‪ -‬وإن قيل أن المجوس لهم شبهة كتاب كما هو المشهور في بعض الروايات‪ - 3‬من‬
‫الذين ذكر آراءهم المختلفة فيما بينهم في هذه المسألة‪.‬‬
‫وأخيرا يستعرض ابن أبي الحديد قول متكلمي السلم بصدد علة خلق العالم‪ ،‬مفتتحا ذلك ببيان رأي‬
‫جمهور أصسحابه ‪ -‬المعتزلة ‪ -‬القائل أنسه تعالى خلَق الخلق ليظهسر بسه لرباب العقول صسفاته الحميدة‪،‬‬
‫وقدرته على كل ممكن‪ ،‬وعِلمه بكل معلوم‪ ،‬ما يستحقه من الثناء والحمد‪ ،4‬كذلك نجده يذكر رأي المجبرة‬
‫علّة ِلِفعله‪،‬‬
‫في النص التي أنه تعالى خلق الخلق ل لغرض أصلً‪ ،‬ول يقال‪ِ :‬ل َم كان كل شيء ِل ِعلّة‪ ،‬ول ِ‬
‫ن إرادته القديمة تعلّقت بإيجاد العالم في الحال التي وُجد فيها لذاتها‪ ،‬ول‬ ‫ومذهب الشعري وأصحابه‪ ،‬أ ّ‬
‫ن الرادة القديمة ل يجوز أن تتقلّب وتتغيّر‬ ‫ل يوجد العالم حيث وُجد؛ ل ّ‬
‫لغرض ول لِداع‪ ،‬وماكان يجوز أ ّ‬
‫حقيقتهسا‪ ،‬وكذلك القول عندهسم فسي أجزاء العالم المجدّدة مسن الحركات والسسكنات والجسسام وسسائر‬
‫العراض‪.5‬‬
‫وهكذا يختتم ابن أبي الحديد مجمل آراء مفكري السلم في هذه المسألة‪ ،‬بآراء بعض المتكلمين‪ ،‬دون‬
‫ن البارئ تعالى إن ما ف عل العالم ل نه مل تذ بذا ته وكماله‪ ،6‬وتلك م سألة أفرد ل ها‬
‫تحديد هم بال سم‪ ،‬بقوله‪ :‬إ ّ‬
‫ت سابقا‪.‬‬
‫صاحبنا رسالة خاصة‪ ،‬أسماها رسالة في اللذة واللم على مذهب الفلسفة كما أشر ُ‬
‫ن هناك م سائل فل سفية‪ ،‬وأخرى كلم ية‪ ،‬ا ستعرضها ا بن أ بي الحد يد في شر حه على ن هج‬ ‫ويبدو أ ّ‬
‫البلغة‪ ،‬بأسلوب مشابه لِما ذُكر في الفقرة السابقة‪ ،‬مثل‪:‬اختلف الراء في مسألة العلم اللهي‪ ،7‬وماهيته‬
‫تعالى‪ :8‬أي المعرفة الخاصة لِذات ال تعالى‪ ،‬ونفي الجسم‪ ،‬والجهة‪ ،9‬ونفي التحاد والحلول عنه تعالى‪،10‬‬
‫ل لشيء‪ ،11‬والراء في جواز اللذة عليه تعالى وعدمها‪. 12‬‬
‫ونفي كونه تعالى مح ً‬
‫ل لراء أ صحاب الفرق الخرى من‬
‫ن اطّلع ا بن أ بي الحد يد كان شام ً‬
‫وبناء على ما تقدم نل حظ أ ّ‬
‫ل عن تميّزه في سبر آراء أصحاب الفرق الكلمية في السلم‪.‬‬ ‫الديانات السماوية وغيرها‪ ،‬فض ً‬

‫ن‪ ،‬م ‪.3/232‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.3/231‬‬ ‫‪2‬‬

‫المروي عن المام علي ع أ ّن لهم نبيا فقتلوه وكتابا فأحرقوه‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪ ،5/163‬وراجع القاضي عبد الجبار‪ :‬شرح الصول الخمسة‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد الكريم عثمان‪ ،‬ط ‪ ،1‬مصر‪ ،‬ص ‪،77‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪.83‬‬
‫ن‪ ،‬م ‪ ،5/163‬ورا جع الباقلني‪ :‬التمه يد في الرد على الملحدة والراف ضة والخوارج والمعتزلة‪ ،‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ ،1947 ،‬ص ‪ 50‬و ما‬ ‫‪5‬‬

‫بعدها‪.‬‬
‫ن‪.5/163 / ،‬‬ ‫‪6‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪ 3/218‬س ‪.221‬‬ ‫‪7‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪ 3/222 ،10/174‬س ‪.13/50 ،223‬‬ ‫‪8‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪ 3/228‬س ‪.231‬‬ ‫‪9‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪ 3/232‬س ‪.234‬‬ ‫‪10‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪ 3/232‬س ‪.233‬‬ ‫‪11‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.3/234‬‬ ‫‪12‬‬

‫‪19‬‬
‫أمّا مج مل آرائه الفل سفية والكلم ية الواردة في شر حه على الن هج‪ ،‬وتعليقا ته على مح صّل الفكار‬
‫للرازي‪ ،‬فقد استوعبَت بعض المسائل الفلسفية‪ ،‬وبعمق‪ ،‬في حين حظي الجانب الكلمي بقسط وافر من‬
‫جهده في التجاه العقلي‪ ،‬مما يشعر بتناوله جميع مباحث علم الكلم تقريبا‪.‬‬
‫فمن المسائل الفلسفية التي تناولها ابن أبي الحديد‪ ،‬سواء في شرحه على النهج‪ ،‬أو في تعليقاته على‬
‫المحصل‪ ،‬بعض أقسام الموجود‪ ،‬وهي‪ :‬الواجب والممكن‪ ،1‬والجوهر والعرض‪ ،2‬والعلة والمعلول‪ ،3‬وهل‬
‫أنس الوجود مقول بالشتراك المعنوي أم‬‫أنس الوجود زائد على الماهية‪ ،4‬وتصسور الوجود والعدم‪ ،5‬وهسل ّ‬‫ّ‬
‫ن أغلب آراء ا بن أ بي الحد يد‪ ،‬ب صدد‬‫ن الوجود و صف مشترك ب ين الوجود والعدم‪ .7‬علما أ ّ‬‫ل‪ ،6‬و هل أ ّ‬
‫المسائل الفلسفية السالفة الذكر‪ ،‬إنما جاءت في تعليقاته على المحصل‪ ،‬إذا ما استثنينا بعض مباحث أقسام‬
‫الموجود النفة الذكر‪ ،‬والتي ورد ذكر قسم منها في شرحه على النهج أيضا‪.‬‬
‫ن الفلك‬
‫كما استعان بالشعر أحيانا‪ ،‬في الرد على الفلسفة‪ ،‬كما فعل بخصوص من عللوا الفلك‪ ،‬بأ ّ‬
‫ن كل ما له بالقوة فهو خارج إلى الفعل‪.8‬‬
‫أراد استخراج الوضع أولً‪ ،‬ليتشبه بالعقل المجرد في كماله‪ ،‬وأ ّ‬
‫أما المسائل الكلمية التي تناولها ابن أبي الحديد فهي‪ ،‬كما أسلفت‪ ،‬قد تمثّل مذهبا كلميا متكاملً‪،‬‬
‫ل بالصول الخمسة ‪ -‬أم عند غيرهم من فرق المسلمين الخرى‪ ،‬فعلى‬ ‫سواء أكانت عند المعتزلة ‪ -‬عم ً‬
‫أ ساس مذ هب المعتزلة نراه يتحدّث عن كل أ صل من أ صولهم على ن حو مف صل‪ ،‬في أغلب الحيان‪،‬‬
‫ذاكرا رأي أ صحابه ع ند إجماع هم على الم سألة ق يد الب حث‪ ،‬ورأي هم ع ند اختلف هم حول م سألة أخرى‬
‫وبالسم‪ ،‬وهذا ما يستطيع المتتبع ملحظته من خلل فهارس شرح نهج البلغة‪ ،‬وتعليقاته على المحصل‪.‬‬
‫ول كي يؤ كد ا بن أ بي الحد يد موضوعي ته في العرض‪ ،‬وأ نه ل يس متع صبا لمذ هب العتزال‪ ،‬تراه‬
‫يقول‪ :‬ونحن ل ننصر مذهبا بعينه‪ ،‬وإنما نذكر ما قيل‪ ،‬وإذا جرى بحث نظري قلنا ما يقوى في أنفسنا‬
‫منه‪ .9‬يؤيد ذلك عدم موافقته النّظاّم ‪ -‬وهو من مشاهير متكلمي المعتزلة ‪ -‬عند تعريضه بالمام علي ع‬
‫ن النظّام أخطأ عندنا في تعريضه بهذا الرجل خطأ‬ ‫بخصوص حربه مع الخوارج في صفين‪ ،‬إذ قال‪ :‬إ ّ‬
‫ل منكرا‪ ،‬ن ستغفر ال له من عقا به‪ ...‬ول قد كان النّظاّم‪ ،‬بعيدا عن معر فة الخبار وال سير‪،‬‬
‫قبيحا‪ ،‬وقال قو ً‬
‫منصّبا فكرَه‪ ،‬مجهدا نفسه المور النظرية والدقيقة‪ ،‬كمسألة الجزء‪ ،‬ومداخلة الجسام وغيرهما‪.10‬‬

‫هذا ما سنعرفه في أدلة إثبات واجب الوجود دليل الواجب لِذاته‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ 73 ،64 /13‬س ‪ ،74‬التعليقات‪ :‬ورقة ‪ 384‬أ س ‪ 385‬أ‪ ،‬ويقول الدكتور عبد الستار الراوي‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫إ ّن من أبرز خصائص معتزلة بغداد تصدّيها للمباحث الدقيقة في علم الكلم‪ ،‬مثل‪ :‬مسألة الجوهر والعرض والمعدوم‪ .‬انظر الراوي‪:‬‬
‫ثورة العقل ص ‪.95‬‬
‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 389‬ب س ‪ 391‬ب‪ 460 ،‬ب‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.3/221‬‬ ‫‪4‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 378‬أ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 378‬أ س ‪ 378‬ب‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 378‬ب س ‪ 379‬ب‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ 13/53‬س ‪ .54‬راجع شعره في هذه المسألة في الموضع ذاته‪ ،‬وله أشعار أخرى استعملها في‬ ‫‪8‬‬

‫مسائل كلمية‪ ،‬راجع أيضا‪ :‬ن‪ ،‬م ‪ 13/51‬س ‪.54 ،52‬‬


‫ن‪ ،‬م ‪.16/234‬‬ ‫‪9‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.6/130‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪20‬‬
‫ن نشاطه الكلمي ل يقتصر على هذا وحده‪ ،‬بل يتعداه إلى ما نجد له من آراء مستقلة أخرى في‬ ‫غير أ ّ‬
‫الكلم‪ ،‬خ صوصا ردوده على الق طب الراوندي‪ ،‬الذي أورد له ا بن أ بي الحد يد جانبا من شر حه للخط بة‬
‫الولى من شرح ن هج البلغة ومطلع ها‪ :‬الح مد ل الذي ل يبلغ مدح ته القائلون‪ ،1‬إذ قال ا بن أ بي الحد يد‪:‬‬
‫وأمّا قوله‪ :‬ال أ خص من الله‪ ،‬فإن أراد في أ صل الل غة‪ ،‬فل فرق‪ ،‬بل ال هو الله‪ ،‬وفُخّم ب عد حذف‬
‫ن أهل الجاهلية كانوا يطلقون على الصنام لفظة اللهة ول‬ ‫الهمزة‪ .‬هذا قول كافة البصريين‪ ،‬وإن أراد أ ّ‬
‫ن الدابة‬
‫يسمونها ال فحق‪ ،‬وذلك عائد إلى عُرفهم واصطلحهم‪ ،‬ل إلى أصل اللغة والشتقاق‪ ،‬أل ترى أ ّ‬
‫فسي العرف ل تُطلَق على القملة‪ ،‬وإن كا نت فسي أ صل الل غة دابة‪ .2‬وأمّا قوله‪ :‬الذي ح قت العبادة له فسي‬
‫الزل‪ ،‬واستحقها حين خلَق الخَلق‪ ،‬وأنعم بأصول النعم‪ ،‬فكلم ظاهره متناقض؛ لنه إذا كان إنما استحقها‬
‫حين خلق الخلق‪ ،‬فكيف يقال‪:‬أنه استحقها في الزل‪ ،‬وهل يكون في الزل مخلوق ليستحق عليه العبادة‪.‬‬
‫واعلم أنّس المتكلميسن ل يطلقون على البارئ سسبحانه أنسه معبود فسي الزل‪ ،‬أو يسستحق للعبادة فسي‬
‫ل بالقوة ل بالف عل؛ ل نه ل يس في الزل مكلف يعبده تعالى‪ ،‬ول أن عم على أ حد في الزل بنع مة‬ ‫الزل إ ّ‬
‫ن إحسانه متقادم العهد‪ ،‬ل‬
‫ن معناه أ ّ‬
‫يستحق بها العبادة‪ ،‬حتى أنهم قالوا في الثر الوارد‪ :‬يا قديم الحسان‪ ،‬أ ّ‬
‫ن اْلَقدِي ِم [يّسس‪ ،]39 :‬أي الذي توالت‬
‫حتّى عَا َد كَاْل ُع ْرجُو ِ‬
‫أنه قديم حقيقة‪ ،‬كما جاء في الكتاب العزيز‪َ :‬‬
‫عليه الزمنة المتطاولة‪.3‬‬
‫ك ما أش كل ا بن أ بي الحد يد على الق طب الراوندي في شر حه قوله ع‪ :‬الح مد ل الذي ل يدر كه ُب عد‬
‫الهمم‪ ،4‬حيث انتهى ابن أبي الحديد من شرح هذه الفقرة ‪ -‬بعد كلم طويل ‪ -‬إلى أنه ليس في الكلم نفي‬
‫ن الفكار والنظار ل تحيط بكنهه‪ ،‬ول تتمثّل‬ ‫ي معقوليته سبحانه‪ ،‬وأ ّ‬
‫الرؤية أصلً‪ ،‬وإنما غرض الكلم نف ُ‬
‫خصوصية ذلك‪ ،‬جلّت عظمته‪.5‬‬
‫كما تجده يُشكل على ابن الراوندي‪ ،‬في تفسيره قوله ع‪ :‬الحمد ل الذي ليس لصفته ح ّد محدود‪ ،‬ول‬
‫ن المقصود بالوقت هو‪ :‬تحرك الفَلك‬ ‫نعت موجود‪ ،‬ول وقت معدود‪ ،‬ول أجل ممدود‪ .6‬فهذا الخير يرى أ ّ‬
‫ن شكري ل تعالى متجدد عند تجدد كل ساعة‪،‬‬ ‫ودورانه على وجه‪ ،‬والجل‪ :‬مدة الشيء‪ ،‬ومعنى الكلم أ ّ‬
‫ولهذا أبدل ‪ -‬المام ع ‪ -‬هذه الجملة من الجملة التي قبلها‪ ،‬وهي الثانية‪ ،‬كما أبدل الثانية من الولى‪.7‬‬
‫ن الو قت ع ند أ هل الن ظر مقدار‬
‫إشكال ا بن أ بي الحد يد على ما تقدّم‪ ،‬يأ تي في سياق إشار ته إلى أ ّ‬
‫حركة الفلك‪ ،‬ل نفس حركته‪ ،‬والجل ليس مطلق الوقت‪ ،‬أل تراهم يقولون‪:‬جئتك وقت العصر‪ ،‬ول‬
‫ن حياة الحيوان تبطل فيه‪ ،‬مأخوذ من‬ ‫يقولون‪ :‬أجل العصر‪.‬والجل عندهم هو الوقت الذي يعلم ال تعالى أ ّ‬
‫أصل الدّين‪ ،‬وهو الوقت الذي يح ّل قضاؤه فيه‪.‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.1/57‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.1/63‬‬ ‫‪2‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪ 1/163‬س ‪.164‬‬ ‫‪3‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪ 1/68‬س ‪.69‬‬ ‫‪4‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.1/69‬‬ ‫‪5‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.1/69‬‬ ‫‪6‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪ 1/69‬س ‪.70‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪21‬‬
‫ن شكري متجدد ل تعالى في كل وقت‪ ،‬فذلك فاسد ‪ -‬في‬‫فأمّا قول ابن الراوندي بأ نّ‪ :‬معنى الكلم أ ّ‬
‫رأي ابن أبي الحديد ‪ -‬ول ِذِك ٌر في هذه اللفاظ للشكر‪ ،‬ول أعلم ‪ -‬كما يقول ‪ -‬من أين خطر هذا للقطب‬
‫ن هذه الجمل من باب اللفظ غلط؛ لنها صفات‪ ،‬كل واحدة منها صفة بعد أخرى‪ ،‬كما‬ ‫الراوندي‪ ،‬وظنّه أ ّ‬
‫ت بزيد العالِم‪ ،‬الظريف‪ ،‬الشاعر‪.1‬‬‫يقول‪ :‬مرر ُ‬
‫وعند ما ُي سأل الق طب الراوندي عن كلمت ين‪ ،‬إحداه ما ك فر‪ ،‬والخرى لي ست بك فر‪ ،‬وه ما ل تعالى‬
‫ن القض ية الثان ية ك فر؛ لن ها تتض من إثبات‬
‫شريك غ ير بصير و ل يس شر يك ال تعالى بصيرا‪ ،‬فيقرر أ ّ‬
‫الشريسك‪ ،‬وأمّا الكلمسة الخرى فيكون معناهسا ل تعالى شريسك غيسر بصسير؟ بهمزة السستفهام المقدّرة‬
‫ن‬
‫ن ال صواب غ ير ما أجاب به الق طب الراوندي فيه ما‪ ،‬و هو أ ّ‬ ‫المحذوفة‪ .2‬ه نا يرى ا بن أ بي الحد يد أ ّ‬
‫القضية الولى كفر؛ لنها صريحة في إثبات الشريك والثانية ل تقتضي ذلك؛ لنه قد ينفي قول الشريك‬
‫ن الشريك غير موجود‪ ،‬وإذا لم‬ ‫ن هناك شريكا‪ ،‬لكنه غير بصير؛ أو ل ّ‬ ‫ب صيرا على أحد وجهين‪ ،‬إمّا ل ّ‬
‫يكن موجودا لم يكن بصيرا‪ .‬فإذا كان هذا العتبار الثاني مُرادا لم يكن كفرا‪ ،‬وصار كالثر المنقول كان‬
‫مجلس رسول ال ص ل تؤثر هفواته‪ ،‬أي لم يكن فيه هفوات فتؤثَر وتُح كى‪ ،‬وليس أنه كان المراد في‬
‫ل أنها لم تؤثَر‪.3‬‬
‫مجلسه هفوات‪ ،‬إ ّ‬
‫وهكذا تجد إشكالت أخرى لبن أبي الحديد على القطب الراوندي‪ ،‬ما ل يسع المقام لتفصيلها‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫إشكاله عل يه في شر حه ن في ال صفات ع نه تعالى‪ ،4‬وشر حه قوله ع‪ :‬كائن ل عن حدث‪ ،‬موجود ل عن‬
‫ن اللفظ ل‬
‫ن هذا ليس بجيد؛ ل ّ‬ ‫عدم‪ .‬إذ ينتهي ابن أبي الحديد ‪ -‬بعد إيراده كلم القطب الراوندي ‪ -‬إلى أ ّ‬
‫يدل على ذلك‪ ،‬ول فيه تعرّض للبقاء فيما ل يزال‪.5‬‬
‫ن جهوده في علم الكلم شغلت حيزا أوسع وعناية أبلغ من الجهد الفلسفي البحت؛‬ ‫مما تقدّم يبدو لنا أ ّ‬
‫ن أكثر كتبه في التجاه العقلي تشير إلى هذه الحقيقة‪ ،‬لذلك تراه يكثر من القول‪ :‬وهذا ما مذكور في‬ ‫ذلك أ ّ‬
‫ن ذلك أق ّل من الكتب الكلمية‪.‬‬
‫لأّ‬
‫كتبنا الكلمية‪ .‬نعم تراه يشير إلى بعض كتبه الفلسفية‪ ،‬إ ّ‬
‫أمّا الفلسفة الذين اقتصر ذكر ابن أبي الحديد عليهم‪ ،‬فهم‪ :‬أرسطو وأصحابه من فلسفة اليونان‪،6‬‬
‫في المبا حث الفل سفية‪ ،‬وا بن سينا‪ ،7‬وأ بو البركات البغدادي‪ ،8‬ت ‪547‬ه س‪ ،‬من الفل سفة الم سلمين‪ ،‬في‬
‫أغلب المسائل الفلسفية والكلمية‪.‬‬
‫ومما يدل على سعة معارف ابن أبي الحديد‪ ،‬واطّلعه على آراء الفرق الكلمية السلمية‪ ،‬أمران‪:‬‬

‫‪.1/70‬‬ ‫ن‪ ،‬م‬ ‫‪1‬‬

‫‪.1/70‬‬ ‫ن‪ ،‬م‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،1/81‬وانظر رأيه مفصل ً في كلم المام ع المذكور في ن‪ ،‬م ‪ 1/78‬س ‪.81‬‬ ‫ن‪ ،‬م‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 1/76‬س ‪.78‬‬ ‫ن‪ ،‬م‬ ‫‪4‬‬

‫‪.1/82‬‬ ‫ن‪ ،‬م‬ ‫‪5‬‬

‫‪.5/158 ،3/220‬‬ ‫ن‪ ،‬م‬ ‫‪6‬‬

‫‪ ،222 ،3/220‬التعليقات‪ :‬ورقة ‪ 408‬أ‪.‬‬ ‫ن‪ ،‬م‬ ‫‪7‬‬

‫‪.3/220‬‬ ‫ن‪ ،‬م‬ ‫‪8‬‬

‫‪22‬‬
‫الول‪ :‬أنه كشف عن نقل فخر الدين الرازي في كتابه محصل الفكار لكلم طويل من رسالة لبعض‬
‫ت كثيرا من ألفاظ الرسالة بعينها‪،‬‬
‫قدماء السماعيلية‪ ،‬يذكر فيها فوائد التعليم‪ .‬إذ قال ابن أبي الحديد‪ :‬رأي ُ‬
‫منقول ًة في المحصل‪ ،1‬ثم أورد الكلم الذي بلغ سبعة أسطر‪.‬‬
‫ب الشعرية‪ ،‬وأخذ فيها بقول أبي‬
‫الثاني‪ :‬أنه ذكر المسائل الكلمية‪ ،‬التي فارق فيها الفخ ُر الرازي مذه َ‬
‫الحسين البصري‪ 2‬من المعتزلة‪.‬‬
‫ك ما تظ هر قيمة أفكار ابن أ بي الحديد في انتقاده الف خر الرازي في المح صل‪ ،‬في أنه ‪ -‬على حد‬
‫ت عبيره ‪ -‬أطال في موا ضع كثيرة‪ ،‬ل ينا سب إطال ته في ها اليجاز في غير ها‪ ،‬ول تقت ضي قاعدة الكتاب‬
‫وأمثاله فسي المختصسرات السسهاب فيهسا‪ ،‬كالكلم فسي المحسسوسات والبديهيات‪ ،‬هسل هسي يقينيسة أم ل‪،‬‬
‫وكالكلم فسي شرح مذاهسب المخالفيسن فسي حدوث الجسسام‪ ،‬وكالكلم فسي تقريسر مقالة الحرانيسة القائليسن‬
‫بالقدماء الخم سة‪ ،‬وكالكلم في تعد يد اليات الدالة على إنّا فاعلون‪ ،‬على رأي المعتزلة‪ ،‬و هو منقول من‬
‫رسسالة مفردة للصساحب بسن عباد‪ ،‬ت ‪385‬هسس‪ ،‬فنقلهسا الرازي إلى هذا الكتاب‪ ،‬وكالكلم فسي احتجاج‬
‫الفلسفة على تفضيل الملئكة على البشر‪.3‬‬
‫ن ابن أبي الحديد وثيق الصلة بعلم الكلم ومباحثه‪ ،‬تجده يستغرب من الفخر الرازي؛ لنه‬ ‫وحيث أ ّ‬
‫و ضع كتابا في علم الكلم‪ ،‬افتت حه بالمبا حث الطبيع ية والنظار الفل سفية‪ ،‬وأطال في كل باب من هذه‬
‫البواب‪ ،‬وما زال أهل العلم ‪ -‬كما يقول ‪ -‬يستهجنون أن يُمزج علم بعلم آخر‪ ،‬وأن يجمع الكتاب الواحد‬
‫بين علمين‪ ،‬ويعدّون أهل العلم ذلك قصورا في صناعة التصنيف‪ ،4‬على حد تعبيره‪ ،‬مستشهدا بمنهجية‬
‫أحد شيوخه‪ ،‬وهو أبو الحسين البصري‪ ،‬الذي كان يجتهد ‪ -‬كما يقول ‪ -‬في مجانبة البحث الفلسفي‪ ،‬وأن‬
‫ل في مواضع يسيرة‪ ،‬لم يجد بدّا من الخوض فيها مع الفلسفة‪.5‬‬
‫يخلط بالبحث الكلمي عامة جهده‪ ،‬إ ّ‬
‫كما أنه انتقد منهجية الفخر الرازي في كتابه المعروف بس مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير؛ لتفسيره‬
‫أكثر القرآن على القواعد الحكمية‪ ،‬على حد تعبيره‪ ،‬ثم يردف قائلً‪ :‬وما رأينا قبله مثله‪ ،‬فإنّا عهدنا كتب‬
‫التفسير يقال فيها عند ذكر الية‪ ،‬قال علي وابن عباس‪ ،‬وهذا ‪ -‬الرازي ‪ -‬عند ذكر الية ‪ -‬يقول‪ :‬قال‬
‫الفارابي وابن سينا‪.6‬‬
‫وهكذا ترى ا بن أ بي الحد يد‪ ،‬ين هي كل مه عن الف خر الرازي‪ ،‬متع صبا عل يه ب سأنه قل يل الشتغال‬
‫بك تب المتكلمين‪ ،7‬وأ نه حا طب ل يل‪ ،‬وكان غر ضه الت صنيف ل التحق يق‪ ،‬ومَن ن ظر في م صنفاته بع ين‬
‫الن صاف ل بع ين الهوى والع صبية‪ ،‬علم بُع َد ها عن التحق يق‪ ،‬وأ نه كان يج مع أضغاثا من كل نوع‪،‬‬
‫ويقولها ول يبالي؛ ِلِعلمه بالسعادة الشاملة‪ ،‬والصيت المنتشر عنه‪ ،‬أصاب أم أخطأ‪.8‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 434‬أ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 441‬أ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 434‬ب‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 435‬أ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 435‬أ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 435‬ب‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 459‬ب‪ 460 ،‬أ‬ ‫‪7‬‬

‫ن‪/ ،‬ورقة ‪ 453‬ب‪ ،‬وانظر ما قاله ابن أبي الحديد في الفخر الرازي ن‪ ،‬م ورقة ‪ 419‬أ س ب‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪23‬‬
‫تلك نماذج من آراء ا بن أ بي الحد يد في خ صمه اللدود ف خر الد ين الرازي‪ ،‬وغيره من المتكلم ين‬
‫والفلسفة‪ ،‬ما يظهر بجلء من خللها خصائص أفكاره‪ ،‬والطابع الذي يطبع أسلوبه‪ ،‬نماذج يتبين منها‬
‫قدرة ر جل مو سوعي الثقا فة‪ ،‬وا سع المعر فة‪ ،‬وا ضح الفكرة‪ ،‬دق يق الن ظر في علم الكلم‪ ،‬وذي اطّلع‬
‫واسع على آراء الفرق الكلمية‪ ،‬الموافقة لمذهبه والمخالِفة له‪.‬‬

‫ابن أبي الحديد المتكلم المتفلسف‬

‫المعروف عن ابن أبي الحديد‪ ،‬أنه أديب ومؤرخ‪ ،‬ذائع الصيت والشهرة‪ ،‬لكن هل عُرف عنه أنه‬
‫كان فيلسوفا أو متكلما؟‬
‫ن ابن أبي الحديد ‪ -‬وفي معرض اعتراضه على الفخر‬ ‫قبل الدخول في ذلك‪ ،‬لبد أن نشير إلى أ ّ‬
‫الرازي ‪ -‬بخصسوص حقيقسة القدرة عنسد المتكلميسن ‪ -‬قال‪ :‬ل يصسح أن يجمسع الرازي بيسن اعتقادَي‬
‫ي السبيلين هو؟‪.1‬‬
‫المتكلمين والفلسفة‪ ،‬بل لبد أن يكون متكلما وأمّا فيلسوفا‪ ،‬فليعرّفنا من أ ّ‬
‫ما ذكره ابن أبي الحديد آنفا يُلفت أنظارنا إلى أنه يجب أن نفرّق تفرق ًة جذرية وحاسمة بين اتجاه‬
‫ين بع من صميم التفل سف‪ ،‬ويحترم خ صائص المو قف الفل سفي‪ ،‬وب ين اتجاه أو اتجاهات أخرى‪ ،‬تضرب‬
‫ل جزئيا أو كليا عن الشروط التي يجب أن يتمسك بها الباحث الذي‬ ‫بالفلسفة عرض الحائط‪ ،‬وتتغافل تغاف ً‬
‫أراد لنفسه الفلسفة طريقا‪.2‬‬
‫ن ابن أبي الحديد لم يكن قد غطى في مؤلفاته جميع مباحث الفلسفة‪ ،‬وإنما‬ ‫وعلى أساس ما تقدّم فإ ّ‬
‫كان ميله ‪ -‬ك ما رأي نا و سنرى ‪ -‬إلى تناول م سائل علم الكلم أك ثر من م سائل الفل سفة‪ ،‬وم ما يدلل على‬
‫ذلك أمور عدة‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫امتدا حه أ حد شيو خه‪ ،‬و هو أ بو الح سين الب صري‪ ،‬اجتهاده في مجان بة الب حث الفل سفي‪ ،‬وأن يخلط‬
‫ل في مواضع يسيرة‪ ،‬لم يجد بدا من الخوض فيها مع الفلسفة‪ ،‬مُلمِحا ‪-‬‬ ‫بالبحث الكلمي عامة جهده‪ ،‬إ ّ‬
‫ابن أبي الحديد ‪ -‬إلى إيثار أبي الحسين البصري أن ل يودع كتابه المعتمد بحثا فلسفيا‪.3‬‬
‫تكفيره الفلسفة؛ لكونهم ينفون الحشر الجسدي‪.4‬‬
‫ما يلمس من تأييده المتكلمين في معرض شرحه كلم المام علي ع‪ :‬ل تصحبه الوقات‪ ،‬إذ يقول ابن‬
‫إنس الزمان‬
‫أبسي الحديسد‪ :‬المتكلمون يقولون أنسه تعالى كان ول زمان ول وقست‪ ،‬وأمّا الحكماء فيقولون‪ّ :‬‬
‫عرض قائم بعرَض آخسر‪ ،‬وذلك العرَض الخسر قائم بجسسم معلول لبعسض المعلولت الصسادرة عنسه‬

‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 382‬أ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫عاطف العراقي‪ ،‬محمد‪ :‬ثورة العقل في الفلسفة العربية‪ ،‬ط ‪ ،5‬مصر‪ ،1984 ،‬ص ‪.14‬‬ ‫‪2‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 435‬أ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 464‬أ‪ ،‬وراجع الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار الكتب العلمية‪ ،‬طهران‪.21/45 ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪24‬‬
‫ل أنه العلة الولى ليست واقعة تحته‪ ،‬وذلك هو المراد بقوله‪:‬‬‫سبحانه‪ ،‬فالزمان عندهم‪ ،‬وإن كان لم يزل‪ ،‬إ ّ‬
‫ل تصحبه الوقات إن فسرناه على قولهم‪ ،‬وتفسيره على قول المتكلمين َأَولى‪.1‬‬
‫وعليه فابن أبي الحديد ليس بالفيلسوف الجامع لشرائط البحث الفلسفي‪ ،‬وإنما كان في عداد دارسي‬
‫الفلسفة‪ ،2‬والمتأملين في بعض مباحثها‪.‬‬
‫وحيث تبين مما تقدّم أنه ليس فيلسوفا‪ ،‬فهل يصح وصفنا له بالمتكلم؟‬
‫ن أخذ الراء من أفواه قائليها لكفيل ببيان الحقيقة‪ ،‬وهذا ما قد اتضح من خلل عرض آرائه فيما‬ ‫إّ‬
‫ن ابن أبي الحديد قد تناول معظم المباحث الكلمية المشهورة‪،‬‬ ‫تقدّم‪ ،‬بحيث توصلنا إلى نتيجة مفادها‪ :‬أ ّ‬
‫التي تناولها شيوخه السابقون‪ ،‬أمثال الجاحظ‪ ،‬والعلّف‪ ،‬ت ‪235‬هس‪ ،‬والنّظام‪ ،‬والجباّئيّين‪ ،‬والقاضي عبد‬
‫الجبار‪415 ،‬هس‪ ،‬في كتبهم الكلمية‪ ،‬من الذين وصلَت إلينا مؤلفاتهم الكلمية‪ ،‬بدءا من اللهيات وانتهاء‬
‫ل أننسا نسسجل له اهتماماتسه الفلسسفية المتميزة‪ ،‬التسي أفصسح عنهسا مسن خلل تعليقاتسه على‬‫بالخرويات‪ ،‬إ ّ‬
‫ن إشارته في شرحه على النهج وتعليقاته على المحصل إلى اشتغاله بعلم الكلم على يد‬ ‫المحصل‪ ،‬كما أ ّ‬
‫أساتذة‪ ،‬أمثال‪ :‬اللمغاني‪ ،‬والدبّاس‪ ،‬والنقيب‪ ،‬أو تنويهه عند البحث في كل مسألة كلمية بقوله‪ :‬وهذا ما‬
‫مذكور في كتبنا الكلمية‪ 3‬لَدليل آخر على شخصيته الكلمية المستقلة‪.‬‬
‫ولدى اسستعراضه طريقسة الفلسسفة والمتكلميسن فسي إثبات وجود ال تعالى‪ ،‬تراه يقوّي طريقسة‬
‫المتكلميسن‪ ،‬الذيسن اسستدلوا بهسا على وجود ال تعالى بالموجود‪ ،‬ل بالوجود نفسسه‪ ،‬وذلك مسن خلل أفعاله‬
‫سبحانه‪ ،‬إلى غير ذلك من المسائل التي تناولها الفلسفة والمتكلمون‪ ،‬والتي يبدو منها مناصرته للمتكلمين‬
‫على نحو واضح‪ ،‬وهذا ما سأدرسه في ثنايا كل مبحث من مباحث هذه الرسالة‪.‬‬
‫هذا هو ا بن أ بي الحد يد‪ ،‬لم ي كن مبتكرا في علم الكلم‪ ،‬إن ما سبقه أعلم يش هد ل هم ب سبق الف ضل‪،‬‬
‫أمثال الجاحظ والجبائيين وأبي الحسين البصري والقاضي عبد الجبار‪ ،‬بيد أنه قد أفاد ‪ -‬بل شك ‪ -‬من‬
‫ذلك التراث الفكري الذي خلّفه هؤلء من مفكري المعتزلة‪ ،‬على اختلف اتجاهاتهم‪ :‬البصري والبغدادي‪،‬‬
‫بدء من نشوئ هم ح تى منت صف القرن ال سابع الهجري‪ ،‬فأ نت تراه يعرض آراء سابقيه‪ ،‬موافِقا بعض ها‪،‬‬
‫رافضا البعض الخر تارة أخرى‪ ،‬كما تراه يناقش ويحلل‪ ،‬منتهيا فيما بعد من العرض والمناقشة والتحليل‬
‫إلى مذهب متكامل في علم الكلم‪ ،‬يستند فيه إلى الصول الخمسة التي أجمع عليها المعتزلة‪.‬‬
‫وحيث تبين لنا فيما تقدم أنه متكلم‪ ،‬استنادا إلى ما ذكرتُه من آرائه وما وصَفه به معاصروه‪ ،‬أمثال‪:‬‬
‫ابن الفوطي‪ ،‬والصنعاني‪ ،‬من أنه كان إماما في علم الكلم‪ ،‬ل أدري ِل َم أعرض المحدَثون عن بيان جهد‬
‫ابن أبي الحديد الواضح في دائرة الفكر الكلمي والفلسفي‪.‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.13/72‬‬ ‫‪1‬‬

‫محيي الدين‪ :‬ابن أبي الحديد ص ‪.208‬‬ ‫‪2‬‬

‫كثيرا ما كان ابن أبي الحديد يردد هذه العبارة‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪25‬‬
‫ومن أمثلة ما تقدّم ذكره ‪ -‬مع تقديري لساتذتي ‪ -‬أوّلهم‪ :‬الدكتور حسام الدين اللوسي‪ ،‬الذي نبّه‬
‫على أهمية ابن أبي الحديد كمؤرخ للفلسفة‪ ،1‬ونقل عنه أفكارا مهمة‪ ،2‬لكنه لم يعطه من اهتمامه كمتكلم‬
‫ومتفلسف‪.‬‬
‫والحال ذاتسه مسع أسستاذي المشرف على هذه الدراسسة‪ ،‬الدكتور عبسد الميسر العسسم‪ ،‬الذي لم يذكسر‬
‫التعليقات على المحصل لبن أبي الحديد ‪ -‬وهو يتابع أهمية محصل الفكار للرازي‪ ،‬وتلخيصاته من قبل‬
‫أعلم مشهورين‪ ،‬أمثال‪ :‬نصير الدين الطوسي‪ ،‬ونجم الدين الكاتبي‪675 ،‬هس‪ ،‬وبن خلدون‪808 ،3‬هس‪.‬‬
‫ن الدكتور عبد الستار الراوي‪ ،‬قد ع ّد كتاب ابن أبي الحديد شرح نهج البلغة من‬ ‫وعلى الرغم من أ ّ‬
‫م صادر علم الكلم‪ ،‬ب يد أ نه لم يعالج آراءه الكلم ية‪ ،‬أ سوة بأقرا نه من معتزلة بغداد‪ ،‬سيما أولئك الذ ين‬
‫ذكرهم ابن أبي الحديد‪ ،‬وذكر لهم آراء‪ ،‬وبيّن رأيه فيها‪.4‬‬
‫وعلى هذا المنوال‪ ،‬نلحظ الدكتور أحمد محمود صبحي‪ ،‬الذي وثّق آراء معتزلية‪ ،‬اعتمادا على ابن‬
‫أبي الحديد نفسه‪ ،‬لكنه لم يستعرض آراءه‪.5‬‬
‫وهكذا تبدو الحال مع كل الدار سين لعلم الكلم عا مة‪ ،‬والمعتزلة بو جه خاص‪ ،‬ول عل ذلك ما يبرر‬
‫أهمية الكشف عن آراء ابن أبي الحديد الكلمية والفلسفية في الفصول التالية من هذه الدراسة‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬معرفة ال تعالى‬


‫مدرك وجوب معرفة ال تعالى‬
‫المعرفة الخاصة لذات ال تعالى‬
‫تمهيد‬
‫ن اليمان بوجود خالق لهذا العالم أو إنكاره‪ ،‬قضية تترتب عليها مسائل كثيرة ومعقدة في الفكر‬
‫معلوم أ ّ‬
‫والسلوك‪ ،‬فالجواب الذي يعطيه المرء‪ ،‬والموقف الذي يتخذه من وجود ال تعالى‪ ،‬سلبا أو إيجابا‪ ،‬يؤثّر ‪-‬‬

‫اللوسي‪ ،‬حسام الدين‪ :‬بواكير الفلسفة قبل طاليس‪ ،‬أو من الميثولوجيا إلى الفلسفة عند اليونان دار الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬بغداد‪ ،‬ط ‪3‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،1986 ،‬ص ‪.131‬‬


‫ل ‪ -‬اللو سي‪ :‬حوار ب ين الفل سفة والمتكلم ين‪ ،‬ط ‪ ،2‬بغداد‪ ،1986 ،‬ص ‪ ،97‬ا بن أ بي الحد يد‪ :‬شرح ن هج البل غة‬ ‫ان ظر ‪ -‬مث ً‬ ‫‪2‬‬

‫‪.5/163‬‬
‫العسم‪ ،‬عبد المير‪ :‬الفيلسوف نصير الدين الطوسي مؤسس النهج الفلسفي في علم الكلم السلمي‪ ،‬ط ‪ ،2‬بيروت‪ ،1980 ،‬ص‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،148‬وكذلك نفس الصفحة هامش ‪ .47‬في حين ذكر الدكتور محمد صالح الزركان في كتابه‪:‬فخر الدين الرازي وآراؤه الكلمية‬
‫والفلسفية‪ ،‬دار الفكر‪ ،1963 ،‬ص ‪ ،63‬أ ّن هناك شرحا لبن أبي الحديد على المحصل للرازي‪ .‬على أ ّن أستاذي الدكتور العسم ‪-‬‬
‫المشرف ‪ -‬أخبرني بأنه لم يكن يعلم بوجود كتاب بهذا العنوان لبن أبي الحديد‪ ،‬على الرغم من كونه كتابا يكتسب أهميته من تناوله‬
‫مباحث محصل الفكار للرازي‪ ،‬مضافا إلى أنه ‪ -‬العسم ‪ -‬لم يكن مطلعا على كتاب الزركان هذا في حينه‪ ،‬على حد تعبيره‪.‬‬
‫الراوي‪ ،‬عبد الستار‪ :‬العقل والحرية‪ ،‬دراسة فلسفية في فكر القاضي عبد الجبار بن أحمد‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيروت‪ ،1980 ،‬الصفحات‪،19 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪.306 ،212 ،198 ،178 ،161‬‬


‫صبحي‪ ،‬أح مد محمود‪ :‬في علم الكلم درا سة فل سفية لراء الفرق ال سلمية في أ صول الد ين ‪ -‬المعتزلة ‪ -‬ط ‪ ،4‬ال سكندرية‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ ،1982‬ص ‪.276 ،32‬‬

‫‪26‬‬
‫إلى حد كبير ‪ -‬في صياغة تصوره لهذا العالم‪ ،‬والمكانة التي يحتلها فيه‪ ،‬ونهج الحياة التي يحياها بصورة‬
‫عامة‪.1‬‬
‫وعليسه فالبحسث فسي وجود الخالق‪ ،‬أدق موضوع يتمنسى العقسل البشري فهمسه‪ ،‬وأخطسر بحسث يحاول‬
‫معرفته‪ :‬أمّا كونه أدق موضوع؛ فلعلقته بشيء غير ح سّي‪ ،‬لتراه أبصارنا‪ ،‬ول تتقرّاه عيوننا‪ ،‬لصلته‬
‫بحياة النسان‪ ،‬وما يترتب على ذلك من نتائج تنعكس آثارها على المجتمع كله‪ ،‬وأمّا كونه أخطر بحث‬
‫فلتجاوز النسان حدّه حين يحاول التفكير في ذات الخالق‪ ،‬بعد إقراره بوجوده‪.‬‬
‫من هنا تأتي أهمية البحث في وجود خالق لهذه الموجودات في الطبيعة‪ ،‬يفترق عنها ‪ -‬كما يقول ابن‬
‫أبي الحديد ‪ -‬أنه واجب الوجود لذاته‪ ،‬والشياء كلها ممكنة الوجود بذاتها‪ ،‬فكلها محتاجة إليه؛ لنها ل‬
‫ل به‪.2‬‬
‫وجود لها إ ّ‬
‫ن‬
‫ن مبدأ التوحيد له معا ٍ‬
‫وإذا كان الخالق لهذه الموجودات‪ ،‬يتفرد بوجوب الوجود لذاته‪ ،‬وبالوحدانية‪ ،‬فإ ّ‬
‫عدة‪ ،‬ول ينحصر بوحدته باللوهية‪ ،‬ولذا فتوحيد المعتزلة ‪ -‬كما سنرى ‪ -‬توحيد بنفي الصفات‪ ،‬وتوحيد‬
‫ل ال‪،‬‬‫ن ابن أبي الحديد أشار إلى معنى آخر‪ ،‬يتمثل في كلمة ل إله إ ّ‬ ‫لأ ّ‬
‫الشعرية توحيد ذات‪ ،‬وهكذا‪ ،‬إ ّ‬
‫هذه الكلمة التي قال ابن أبي الحديد عنها‪ :‬قد قالها الموحدون قبل هذه الملة‪ ،‬ل تقليدا‪ ،‬بل بالنظر والدليل‪.3‬‬
‫ن مبدأ التوح يد يقوم‬
‫ول كي يبين ا بن أ بي الحد يد موق فه الرا فض للتقل يد في هذا المبدأ‪ ،‬وتأكيده على أ ّ‬
‫ن مَن ل يوفّي النظر‬ ‫بالنظر والدليل‪ ،‬نراه يشير إلى مخاطر التقليد وأبعاده‪ ،‬وأنه لبد من النظر‪ ،‬فيقول‪ :‬إ ّ‬
‫حقه‪ ،‬ويميل إلى الهواء ونصرة السلف‪ ،‬والحجج عمّا ُربّي عليه بين الهل والستاذين‪ ،‬الذين زرعوا‬
‫في قلبه العقائد‪ ،‬يكون قد شغل نفسه بغير نفسه؛ لنه لم ينظر لها‪ ،‬ول قصد الحق من حيث هو حق‪،‬‬
‫وإنما قصد نصرة مذهب معيّن‪ ،‬يشق عليه فراقه‪ ،‬ويصعب عنده النتقال منه‪ ،‬ويسؤه أن يرد عليه حجة‬
‫تبطله‪ ،‬فيسهر عينه‪ ،‬ويتعب قلبه في تهويس تلك الحجة‪ ،‬والقدح فيها بالغث والسمين‪ ،‬ل لنه يقصد الحق‪،‬‬
‫بل يقصد نصرة المذهب المعيّن‪ ،‬وتشييد دليله‪ ،‬ل جرم أنه متحيّر في ظلمات ل نهاية لها‪.4‬‬
‫ولع ّل من نافلة القول اتفاق المسلمين جميعا على توحيد ال سبحانه‪ ،‬لكن المعتزلة تعني بالتوحيد التنزيه‬
‫المطلق ل تعالى عن صفات المخلوقين‪ ،‬وقد جاء قولهم في التوحيد معارضا للتصور اليهودي ل تعالى‬
‫من جهة‪ ،‬ولراء المجسمة والمشبهة والحشوية من جهة أخرى‪.5‬‬
‫ن ابن أبي الحديد قد تناول التوحيد من خلل إبراز حقائقه‪ ،‬هذه الحقائق التي تتضمن ‪ -‬على‬ ‫والواقع أ ّ‬
‫حد تعبيره ‪ -‬المور المحققة اليقينية‪ ،‬التي ل تعتريها الشكوك‪ ،‬ول تتخالجها الشبه‪ ،‬وهي أدلة أصحابنا‬
‫المعتزلة‪ ،‬التي استنبطوها بعقولهم‪ ،‬بعد أن دلّهم إليها‪ ،‬ونبّههم على طرق استنباطها رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم‪ ،‬بواسطة أمير المؤمنين عليه السلم؛ لنه إمام المتكلمين‪ ،‬الذي لم يُعرَف علم الكلم من‬
‫أحد قبله‪.6‬‬
‫عرفان عبد الحميد‪ :‬دراسات في الفرق والعقائد السلمية‪ ،‬مطبعة أسعد‪ ،‬بغداد‪ ،‬ص ‪.163‬‬ ‫‪1‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.9/150‬‬ ‫‪2‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.10/119‬‬ ‫‪3‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪ ،9/213‬وكذلك ‪ 3/242‬س ‪.243‬‬ ‫‪4‬‬

‫حول هذا الموضوع‪ ،‬انظر صبحي‪ :‬في علم الكلم ‪.2/116‬‬ ‫‪5‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ ،10/60‬وراجع أيضا‪.6/346 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪27‬‬
‫والمور المحققة اليقينية التي أشار إليها ابن أبي الحديد‪ ،‬هي وحدها التي يستطيع بها النسان أن يسلك‬
‫سبيل العرفان والكمال‪ ،‬ويتوجه شطر ما تميل إليه من اليمان بمبدأ التوحيد الخالص‪ ،‬وهو يستند‪ ،‬في هذا‬
‫كله‪ ،‬إلى الرث الفكري للحركة العتزالية‪ ،‬ال تي وجهت اهتماما خا صا إلى هذا المبدأ ‪ -‬على حد تعبير‬
‫الدكتور الراوي ‪ -‬فأكدت أهميتسه‪ ،‬ووضحست مفهومسه‪ ،‬واعتسبرته مسن أولى الشروط الواجبسة لحركتهسم‬
‫الفكرية‪ ،‬فأطلقوا على أنفسهم أهل التوحيد وأنهم أصحابه ودعاته‪ ،‬وهم المعنيون به في الذود عنه من بين‬
‫العالمين‪.1‬‬
‫وإذا كان المعتزلة ‪ -‬ك ما يقال عن هم ‪ -‬على هذا الم ستوى من تح مل الم سؤولية‪ ،‬في هذا الموضوع‪،‬‬
‫أنس لبسن أبسي الحديسد جهدا واضحا فيسه‪ ،‬يجعله فسي عدادهسم‪ ،‬بأن يكون له مكان فسي دائرة الفكسر‬
‫فهسل ّ‬
‫المعتزلي على نحو ظاهر ومبرّز ومتميز؟ هذا ما سنعرفه في هذه الدراسة‪.‬‬
‫مدرك وجوب معرفة ال تعالى‬
‫ن التقليد في العقائد باطل‪ .2‬وبالرغم‬
‫معرفة ال ‪ -‬كما يقول ابن أبي الحديد ‪ -‬أول الواجبات الدينية؛ ل ّ‬
‫ل أن ها تختلف في مدرك هذا الوجوب‪:‬‬ ‫من اتفاق آراء الفرق ال سلمية على وجوب معرف ته سبحانه‪ ،‬إ ّ‬
‫ن مدرك الوجوب هو العقل‪ ،3‬في حين يرى الشعرية أنه السمع‪.4‬‬ ‫فالمامية والمعتزلة والزيدية ترى أ ّ‬
‫و قد أق ّر ا بن أ بي الحد يد ما عل يه أ صحابه المعتزلة في هذا ال صدد‪ ،‬إذ قال‪ :‬لمّا المعر فة به تعالى‪...‬‬
‫مركوزة في العقول‪ ،‬أرسل سبحانه النبياء أو بعضهم ليؤكدوا ذلك المركوز في العقول‪ ،‬وهذه هي الفطرة‬
‫المشار إليها بقوله ع‪ :‬كل مولود يولَد على الفطرة‪5‬‬

‫والفطرة ال تي أشار إلي ها ا بن أ بي الحد يد في ال نص المتقدم‪ ،‬أوضح ها في مكان آ خر‪ ،‬عند ما صرح‬
‫بأنها‪ :‬الحالة التي يفطر ال عليها النسان‪ ،‬أي يخلقه خاليا من الراء والديانات والعقائد والهوية‪ ،‬وهي ما‬
‫يقتضيه محض العقل‪ ،‬وإنما يختار النسان بسوء نظره ما يفضي به إلى الشقوة‪.6‬‬
‫ل بسنة الكمال‪،‬‬
‫ن واجب الوجود قد غرس أساس التوحيد في النفس النسانية‪ ،‬عم ً‬ ‫ويستفاد من كلمه أ ّ‬
‫فالذي ينحرف إنما ينحرف لظلماتٍ في نفسه جاءته من ناحية الذنوب وعدم القيام بمعطيات الفطرة‪ ،‬فال‬
‫ل الكمال قد أك مل الن سان من النوا حي الروح ية بأن غرس ف يه أ صول المعارف‬ ‫الذي ل ي صدر ع نه إ ّ‬
‫الله ية‪ ،‬ك ما ي ستفاد م نه أيضا إقراره ما عل يه شيو خه من أ نه‪ :‬يق بح من الن سان العتقاد ال سابق على‬
‫ل‪.7‬‬
‫ل جه ً‬
‫ل ظناّ‪ ،‬ول يكون الظن في الغلب إ ّ‬‫ن مثل هذا العتقاد ل يكون إ ّ‬ ‫التفكير والبحث‪ ،‬إ ّ‬
‫الراوي‪ :‬ثورة العقل ص ‪.34‬‬ ‫‪1‬‬

‫ا بن أ بي الحد يد‪ :‬شرح ن هج البل غة ‪ ،1/73‬وهذا ما ذ هب إل يه مشاه ير المعتزلة‪ ،‬أمثال القا ضي ع بد الجبار‪ .‬ان ظر كتا به شرح‬ ‫‪2‬‬

‫الصول الخمسة ص ‪ 60‬س ‪.61‬‬


‫الش يخ المف يد‪ :‬أوائل المقالت في المذا هب المختارات‪ ،‬ط ‪ ،3‬الن جف‪ ،‬ى ‪ ،1973‬ص ‪ ،68‬القا ضي ع بد الجبار‪ :‬شرح ال صول‬ ‫‪3‬‬

‫الخمسة ص ‪ ،88‬القاسم‪ ،‬محمد بن علي الزيدي العلوي‪:‬الساس لعقائد الكياس‪ ،‬تحقيق‪:‬ألبير نصري نادر‪ ،‬بيروت‪ ،1980 ،‬ص‪.‬‬
‫‪.539‬‬
‫الرازي‪ :‬المح صل ص ‪ ،64‬الي جي‪ ،‬ع ضد الد ين‪ ،‬الموا قف في علم الكلم‪ ،‬مع شر حه للجرجا ني وحاش ية ال سيالكوتي‪ ،‬م صر‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ 119 /1 ،1907‬س ‪.122‬‬


‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.1/115‬‬ ‫‪5‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪ 6/139‬س ‪ ،140‬وكذلك ‪.4/115‬‬ ‫‪6‬‬

‫القاضي عبد الجبار‪ :‬المغني في أبواب العدل والتوحيد النظر والمعارف‪ ،‬تحقيق‪ :‬إبراهيم مدكور‪ ،‬مطبعة مصر‪ ،‬القاهرة‪.12/232 ،‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪28‬‬
‫ن النظر واجب‪ ،‬فإنه تبنى‬‫وعلى الرغم من أن ابن أبي الحديد قد أكد ما عليه أصحابه المعتزلة‪ ،‬من أ ّ‬
‫فكرة بعض شيوخه القائلة بعدم وجود مانع من أن تكون بعثة الرسل مبيّنة ومؤكدة لذلك النظر؛ باعتبار‬
‫ن بعثة الرسل تكون سببا في تقريب حصول المعرفة عند النسان‪ .‬يقول‪ :‬فإن قلتَ‪ ...‬ل مدخل للرسول‬ ‫أّ‬
‫ن كثيرا من شيوخنا أوجبوا بعثة‬‫ن العقل يوجبها وإن لم يبعث الرسل‪ ،‬قلتُ‪:‬إ ّ‬
‫في معرفة البارئ سبحانه‪ ،‬ل ّ‬
‫الرسل‪ ،‬إذا كان في حثّهم المكلفين على ما في العقول فائدة‪ ،‬وهو مذهب شيخنا أبي علي رحمه ال‪ ،1‬فل‬
‫ن ال تعالى علم أنهم مع تنبيهه ص إياهم على‬ ‫يمتنع أن يكون إرسال محمد ص إلى العرب وغيرهم؛ ل ّ‬
‫ما هو واجب في عقولهم من المعرفة أقرب إلى حصول المعرفة‪.2‬‬
‫ن معرفة ال تعالى ضرورية‪ ،‬فهذا ما يرفضه ابن أبي الحديد‬ ‫وإذا كان بعض أعلم المعتزلة يرى أ ّ‬
‫رفضا صريحا‪ ،‬وذلك في معرض إيضاحه كلم المام ع‪ :‬وأرانا من ملكوت قدرته‪ ...‬ما دلّنا باضطرار‬
‫ت في هذا الكلم إشعار بمذهب شيخكم أبي عثمان ‪ -‬الجا حظ ‪-‬‬ ‫قيام الحجة على معرفته إذ قال‪ :‬فإن قل َ‬
‫ل أنه غير دا ّل عليه؛ لنه لم‬
‫ن معرفته تعالى ضرورية‪ ،3‬قل تُ‪ :‬يكاد أن يكون الكلم مشعرا بذلك! إ ّ‬
‫في أ ّ‬
‫يقسل مسا دلّنسا على معرفتسه باضطرار‪ ،‬ولكسن قال‪ :‬مسا دلّنسا باضطرار قيام الحجسة له على معرفتسه‪،‬‬
‫فالضطرار راجع إلى قيام الحجة‪ ،‬ل إلى المعرفة‪.4‬‬
‫وكان على ا بن أ بي الحد يد أن ي تم جوا به ب صدد هذا الشكال‪ ،‬بأن يقول إن ما وج بت المعر فة بالن ظر‬
‫والستدلل‪ ،‬وهي ‪ -‬المعرفة ‪ -‬ليست ضرورية‪ ،‬يقول القا ضي عبد الجبار‪ :‬لو كان العلم بال ضروريا‬
‫لوجب أن ل يختلف العقلء فيه‪ ،‬كما لم يختلفوا في سائر الضروريات من سواد الليل‪ ،‬وبياض النهار‪،‬‬
‫ومن المعلوم أنهم يختلفون فيه‪ ،‬فمنهم من أثبت وجوده ومنهم من نفاه‪.5‬‬
‫وعل يه فالمعلوم ضرورة هو الذي ل يختلف ف يه العقلء‪ ،‬بل يح صل العلم به بأد نى سبب من تو جه‬
‫ن المعر فة بال لي ست كذلك؛ لوقوع الختلف في ها‪ ،‬ولعدم ح صولها بمجرد تو جه‬ ‫الع قل إل يه‪ ،‬في ح ين أ ّ‬
‫ن هذا المبدأ تر جع‬
‫ن ا بن أ بي الحد يد قد فا ته أ ّ‬
‫الع قل إلي ها‪ ،‬ولعدم كون ها ح سية‪ ،‬ولبد من الشارة إلى أ ّ‬
‫أصوله إلى أبي الهذيل العلف‪ ،‬وليس إلى الجاحظ‪ ،‬وسانده البلخي والبغدادي‪.6‬‬
‫ن ابن أبي الحديد قد انتهى ‪ -‬فيما تقدّم ‪ -‬من عرض بعض وجهات النظر المختل فة داخل‬ ‫وحيث أ ّ‬
‫ن مدرك الوجوب هو العقل‪ ،‬نراه ‪ -‬الن‬ ‫الفكر العتزالي بشأن الموضوع‪ ،‬وإقراره بما أفادوه جميعا من أ ّ‬
‫‪ -‬ينتقل للرد على خصوم المعتزلة ‪ -‬الشعرية ‪ -‬ممثّلين بفخر الدين الرازي‪.‬‬

‫بخ صوص ذلك‪ :‬را جع ما ذكره القا ضي ع بد الجبار‪ :‬المغ ني‪ ،‬تحق يق‪ :‬إبراه يم مدكور‪ ،1965 ،‬القاهرة‪ ،14/242 ،‬وكذلك ا بن‬ ‫‪1‬‬

‫المطهر الحلي العلّمة‪ :‬كشف المراد شرح تجريد العتقاد‪ ، ،‬ط ‪ ،1‬بيروت‪ ،1979 ،‬ص ‪.381‬‬
‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ 9/103‬س ‪.104‬‬ ‫‪2‬‬

‫راجع رأي الجاحظ المذكور عند القاضي عبد الجبار‪ :‬شرح الصول الخمسة ص ‪ ،12‬المغني ‪ ،12/316‬بل صرح ابن أبي الحديد‬ ‫‪3‬‬

‫بأ ّن الجا حظ يذ هب إلى أ ّن جم يع المعارف والعلوم الله ية ضرور ية و هو قول لم يقبله ا بن أ بي الحد يد‪ .‬ان ظر شرح ن هج البل غة‬
‫‪.3/239‬‬
‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.6/412‬‬ ‫‪4‬‬

‫القاضي عبد الجبار‪ :‬شرح الصول الخمسة ص ‪.54‬‬ ‫‪5‬‬

‫نعمة محمد إبراهيم‪ :‬خلق الكون بين القدم والحدوث‪ ،‬بجث منشور ضمن مجلة كلية الفقه‪ ،‬العدد ‪ ،3‬السنة ‪ ،1989‬ص ‪.490‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪29‬‬
‫ن وجوب الن ظر سمعي‪ ،‬في ح ين اح تج المعتزلة ‪-‬‬ ‫فالرازي يؤ كد ما عل يه الشعر ية من القول بأ ّ‬
‫ن الرازي حينما ذكر حجة‬ ‫ض إلى إفحام النبياء‪ ،1‬تجدر الشارة إلى أ ّ‬ ‫ن ذلك مُف ٍ‬ ‫ومنهم ابن أبي الحديد ‪ -‬بأ ّ‬
‫ن وجوب الن ظر وإن كان‬ ‫ن هذا لزم علي كم ‪ -‬المعتزلة ‪ -‬ل ّ‬ ‫المعتزلة في المح صل‪ ،2‬ر ّد علي ها بقوله‪ :‬إ ّ‬
‫ن العلم بوجوب النظر يتوقف عند المعتزلة على العلم‬ ‫عندكم عقليا‪ ،‬لكنه غير معلوم بضرورة العقل‪ ،‬لِما أ ّ‬
‫ل به‬‫ن ما ل يتم الواجب إ ّ‬
‫ن النظر طريق إليها‪ ،‬ول طريق إليها سواه‪ ،‬وأ ّ‬ ‫بوجوب معرفة ال تعالى‪ ،‬وأ ّ‬
‫ف هو واجب‪ ،3‬و كل وا حد من هذه المقدمات نظري‪ ،‬والموقوف على النظري نظري‪ ،‬فكان العلم بوجوب‬
‫ن الوجوب‬ ‫النظر عندهم نظريا‪ ،‬فللمخاطب أن يقول ل أنظر حتى ل أعرف وجوب النظر‪ ،‬ثم الجواب أ ّ‬
‫ل لزم الدور‪ ،‬بل يك في ف يه إمكان العلم بالوجوب‪ ،‬والمكان ه نا حا صل‬ ‫ل يتو قف على العلم بالوجوب وإ ّ‬
‫في الجملة ‪.4‬‬
‫وانطلقا من الثوابت الفكرية للعتزال‪ ،‬فقد رفض ابن أبي الحديد إشكال الفخر الرازي المتقدم جملة‬
‫وتف صيلً‪ ،‬مشيرا إلى أ نه ل حا جة لمخال في المعتزلة ‪ -‬ومن هم الرازي ‪ -‬أن يتكلف تلك المعار ضة ال تي‬
‫تكلّف ها‪ ،‬ول ذاك الجواب الذي يز عم أ نه مشترك و صالح لن يُجاب به من جانب نا وجانب هم ‪ -‬وه نا يبدأ‬
‫إشكاله على ما أفاده الرازي ‪ -‬وذلك أن لقايل أن يقول‪ :‬قصارى أمر الكفار أن يتمكنوا من إفحام النبياء‬
‫ن لهم أن يقولوا‪ :‬أنه قد‬ ‫ن إفحام النبياء متوجّه بكل طريق؛ ل ّ‬‫بما ذكرتموه‪ ،‬وأصول المجبّرة تقتضي أ ّ‬
‫ن حركاتنا مخلوقة فينا‪ ،‬فإنه ل سبيل لنا إلى تصديقكم والقرار‬ ‫ن المقدرة ل تكون وأ ّ‬‫ثبت بدليل العقل أ ّ‬
‫ن مرسلكم ل يخلق فينا‬ ‫خلِق فينا ذلك التصديق والقرار‪ ،‬ونحن معذورون في جحودكم؛ ل ّ‬ ‫ل إذا ُ‬
‫بنبوتكم إ ّ‬
‫ت صديقكم‪ ،‬بل خلق في نا جحود كم وتكذيب كم‪ ،‬فإذا قال ال نبي ص ك يف تكفرون بال وأن تم أمواتا فأحيا كم؟‬
‫قالوا‪ :‬مر سلك خلق الك فر في نا‪ ،‬يقول ‪ -‬ال المر سل ‪ :-‬ك يف تكفرون‪ ،‬و هو الذي اضطر نا إلى الك فر‪...‬‬
‫وأمثال هذا يطول تعداده‪.5‬‬
‫ن‬
‫ن القوم ‪ -‬على حد ت عبيره ‪ -‬ل يتحاشون من أ ّ‬ ‫وهكذا يخلص ا بن أ بي الحد يد في إشكاله هذا إلى أ ّ‬
‫ن قاعدة الجبر إذا صحت وكانت صدقا وحقا‬ ‫النبياء محجوجون مخصومون على أصولهم‪ ،‬ومعترفون أ ّ‬
‫لم ت كن للنبياء ح جة ثاب تة على الكفار من ح يث الن ظر والجدال‪ ،‬بل ح جة علي هم ثابتة‪ ،6‬وحجة النبياء‬
‫داحضة‪ ،‬وإذ كان هذا هو محض المذهب وباطنه‪ ،‬فظاهره ما في حاجة تلجئ المخالف أن يتكلف الجواب‬
‫عن كلم أصحابنا ‪ -‬المعتزلة ‪ -‬في مسألة وجوب النظر‪ ،‬هل هو عقلي أم سمعي‪ ...‬وذلك الجواب الذي‬
‫ل يماس الحتجاج بوجه من الوجوه‪ ،‬بل هو جواب عن غ ير ما ثب تت الحجة عل يه‪ ...‬وكان الَولى أن‬
‫يقول ‪ -‬الرازي ‪ -‬فسي الجواب‪ :‬قصسارى مسا احتججتسم بسه ‪ -‬أنتسم المعتزلة ‪ -‬أن يفضسي ذلك إلى إفحام‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 449‬أ ‪ -‬ب‪ ،‬وهو ما أكده ابن المطهر الحلّي‪ :‬أنوار الملكوت في شرح الياقوت‪ ،‬طهران‪1338 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫هس‪ ،‬ص ‪.70‬‬


‫قال الرازي في المحصل‪ :‬واحتجوا ‪ -‬المعتزلة ‪ -‬بأنه لو لم يثبت الوجوب إ ّل بالسمع الذي ل يُعلَم صحته إ ّل بالنظر‪ ،‬فللمخاطب أن‬ ‫‪2‬‬

‫ض إلى إفحام النبياء‪ .‬راجع المحصل ص ‪.64‬‬ ‫ي ل انظر حتى أعرف كون السمع صدقا‪ ،‬وذلك مُف ٍ‬ ‫يقول أن ّ‬
‫هذا ما عليه كافة الشعرية‪ .‬انظر اليجي‪ :‬المواقف ‪.1/156‬‬ ‫‪3‬‬

‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪.65‬‬ ‫‪4‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 449‬ب‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫وقد سبق القاضي عب ُد الجبار إب َن أبي الحديد إلى هذا المعنى‪ ،‬عندما قال‪ :‬وهذا يوجب في الكفار كلهم أن يكونوا معذورين في تركهم‬ ‫‪6‬‬

‫معرفة ال‪ .‬انظر كتابه‪ :‬شرح الصول الخمسة ص ‪.54‬‬

‫‪30‬‬
‫ن إفحامهم متوجه بما ذكرتموه وبغيره‪ ،‬فقد ألزمتموني‬
‫ن مذهبي يقتضي أ ّ‬
‫النبياء عندي غير محذور؛ ل ّ‬
‫ما هو غير مذهبي‪ ،‬ول يجوز إلزام النسان غير مذهبه‪ ،‬فلو أجاب ‪ -‬الرازي ‪ -‬بهذا لرتاح وأراح‪.1‬‬
‫ن الطريق إلى معرفة ال هو العقل‪ ،‬ول يجوز أن‬ ‫والذي أراه ‪ -‬بعد كل ما أفاده ابن أبي الحديد ‪ -‬أ ّ‬
‫ل ب عد معر فة ال وحكم ته‪ ،‬وأ نه تعالى ل يف عل‬
‫ل على ش يء إ ّ‬ ‫ن ال سمع ل يكون دلي ً‬
‫يكون ال سمع‪ ،‬ذلك أ ّ‬
‫القبيح‪.‬‬
‫أنس الجميسع متفقون على وجوب النظسر ‪ -‬سسواء كان عقليا أم شرعيا ‪ -‬علينسا بيان‬ ‫وبعسد أن عرفنسا ّ‬
‫مراحل المعرفة بال التي ذكرها ابن أبي الحديد‪ .‬فالرجل في معرض إيضاحه قول المام علي ع‪ :‬وكمال‬
‫ن المعرفة بال تعالى قد تكون ناقصة‪ ،‬وقد تكون غير ناقصة‪ ،‬فالمعرفة‬ ‫معرفته التصديق به يشير إلى أ ّ‬
‫ن الممكن لبد له من مؤثّر‪ ،‬فمَن‬ ‫ن للعالم صانعا غير العالم‪ ،‬وذلك باعتبار أ ّ‬
‫الناقصة عنده هي المعرفة بأ ّ‬
‫ن ذلك المؤثّر خارج‬‫عَلم هذا عَلم ال تعالى‪ ،‬ولكن عِلما ناقصا‪ ،‬وأمّا المعرفة التي ليست ناقصة فأن تعلم أ ّ‬
‫عن سلسلة الممكنات‪ ،‬والخارج عن كل الممكنات ليس بممكن‪ ،‬وما ليس بممكن فهو واجب الوجود‪ ،‬فمَن‬
‫ن للعالم مؤثّرا ف قط‪ ،‬وهذا المر‬
‫ن للعالم مؤثّرا وا جب الوجود ف قد عر فه عرفانا أك مل من عرفان أ ّ‬ ‫عَلم أ ّ‬
‫ن أخص ما يمتاز به البارئ عن مخلوقاته هو وجوب الوجود‪.2‬‬ ‫ى عنه بالتصديق به؛ ل ّ‬ ‫الزائد هو المكن ّ‬
‫ن للعالم صانعا مدبّرا‪ ،‬أمّا‬
‫ن المعر فة الناق صة هي إدراك أ ّ‬
‫ويُفهَم من كلم ا بن أ بي الحد يد المتقدم أ ّ‬
‫ن التصور للشيء إذا اشتد‪ 3‬يصير إذعانا وحُكما بوجوده‪،‬‬ ‫المعرفة التامة فهي الذعان بوجوده ووجوبه؛ ل ّ‬
‫ن ما لم ي كن موجودا في نف سه‪،‬‬ ‫إذ من ضرورة كو نه صانع العالم وإل هه أن يكون موجودا في نف سه‪ ،‬فإ ّ‬
‫استحال أن يصدر عنه أثر موجود‪ ،‬فهذا الحكم اللحق هو كمال معرفته تعالى وتصوره‪.‬‬
‫ن وجوب المعر فة بال سبحانه‬
‫ن ا بن أ بي الحد يد ي صرّح بأ ّ‬
‫وختام الموضوع ل بد من الشارة إلى أ ّ‬
‫ل عنسد ورود‬
‫ل المور المجملة‪ ،‬وأمّا التفصسيلت الدقيقسة الغامضسة فل تجسب إ ّ‬‫وتعالى لم نوجسب منهسا إ ّ‬
‫الشبهة‪ ،‬فإذا لم تقع الشبهة في نفس المكلف‪ ،‬لم يجب عليه الخوض في التفصيلت‪.4‬‬
‫ن معر فة ال تعالى قد تكون‬ ‫ن ا بن أ بي الحد يد يش ير في هذا ال نص إلى ما أكده أ صحابه من أ ّ‬ ‫وكأ ّ‬
‫ضرورية في حال‪ ،‬واستدللية في حال آخر‪ ،‬فالمعرفة الضرورية هي المعرفة التي تتفق بالنظرة العقلية‬
‫المباشرة لدى الناس جميعا‪ ،‬على تفاوت مداركهسم واختلف درجسة ذكائهسم‪ ،‬ولكسن تحول دون تحصسيلها‬
‫ن مجرد النظر يؤدي إلى إدراكها‪ ،‬وهذه‬ ‫آفات عقلية ونفسية كإيثار الراحة والسهو والغفلة والجهالة‪ ،‬غير أ ّ‬
‫هي معرفة ال جملة‪ ،‬التي أشار إليها ابن أبي الحديد‪ ،‬أمّا المعرفة الستدللية فهي معرفة المسائل العقلية‪،‬‬
‫نظرية وعملية‪ ،‬على وجه التفصيل‪ ،‬وهذه ل يقدر عليها غير أهل العلم والكلم‪ ،‬ولذا ل تجب على الناس‬
‫ل بصفاته وصلتها بذاته‪.5‬‬ ‫جميعا ول تلزمهم‪ ،‬وهنا تكون المعرفة بال تفصي ً‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.1/73‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.1/73‬‬ ‫‪2‬‬

‫أي إذا كان بإمعان وتحقيق‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.16/69‬‬ ‫‪4‬‬

‫حول هذا الموضوع انظر‪ ،‬صبحي‪ :‬في علم الكلم س المعتزلة س ص ‪ 207‬س ‪.208‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪31‬‬
‫ن عبارة التفصيلت الدقيقة في المعرفة‪ ،‬التي أشار إليها ابن أبي الحديد‪ ،‬ربما يعني بها المعرفة‬
‫ويبدو أ ّ‬
‫الخاصة لذات ال‪ ،‬التي اختلفت فيها آراء الفلسفة والمتكلمين‪ ،‬وهي موضوع بحثنا التي‪...‬‬
‫المعرفة الخاصة لذات ال تعالى‪.‬‬
‫ن أفضل العلوم اللهية هو معرفة ذات الحق الول ومرتبة وجوده‪ ،‬بما له من صفات كماله‬‫لشك أ ّ‬
‫ونعوت جماله وكيفية صدور أفعاله‪.1‬‬
‫ن آراء الفلسفة والمتكلمين بخصوص معرفة ذات ال‪ ،‬تنحصر في ثلثة آراء‪:‬‬
‫والظاهر أ ّ‬
‫ن حقيقة ال غير معلومة‪ ،‬ول يمكننا معرفتها ل في الدنيا ول في الخرة‪ .‬وهذا ما عليه كثير‬ ‫الول‪ :‬أ ّ‬
‫مسن المتكلمين‪ 2‬أمثال‪ :‬ضرار بسن عمرو‪ ،3‬ت ‪133‬هسس‪ ،‬وأبسي حنيفة‪ ،4‬ت ‪150‬هسس‪ ،‬والجويني‪ ،5‬وابسن‬
‫المطهر الحلّي‪ ،6‬ومن الفلسفة الفارابي‪339 ،7‬هس‪ ،‬وابن سينا‪428 ،8‬هس‪ ،‬والغزالي‪505 ،9‬هس‪ ،‬مستدلين‬
‫ن المعلوم عندنا منه سبحانه‪ ،‬إمّا السلوب كقولنا ليس بجسم ول جوهر ول‬ ‫على ذلك بعدة أدلة‪ ،‬أهمها‪ :‬أ ّ‬
‫ن الماهية مغايرة لسلب ما عداها عنها‪ ،‬وإمّا الضافات كقولنا قادر عالم‪ ،‬وعليه فالذات‬
‫عرَض‪ ،‬ول شك أ ّ‬
‫شيء وهذه المور شيء آخر‪. 10‬‬
‫ن حقيقة ال معلومة‪ ،‬وهو ما عليه جمهور متكلمي المعتزلة والشعرية‪ ،11‬مستدلين على ذلك‬ ‫الثاني‪ :‬أ ّ‬
‫بقولهم‪ :‬إنّا نعرف وجوده‪ ،‬ووجوده عين ذاته‪ ،‬فلبد وأن تكلم ذاته‪.12‬‬
‫ن حقيقة ال غير معلومة في الدنيا‪ ،‬بل أنها معلومة في الخرة‪ ،‬وهذا الرأي ن سَبه ابن أبي‬ ‫الثالث‪ :‬أ ّ‬
‫ن التفتازاني نسَبه إلى الباقلني‪ ،‬لكنه قال‪ :‬إنه تردد في‬
‫لأ ّ‬
‫الحديد إلى أصحاب الشعري‪ ،13‬دون تحديد‪ ،‬إ ّ‬
‫ذلك‪. 14‬‬

‫‪ 1‬الشيرازي‪ ،‬صدر الدين‪ :‬المبدأ والمعاد‪ ،‬طبع حجر‪ ،1316 ،‬ص ‪.3‬‬
‫‪ 2‬التفتازاني‪ :‬شرح مقاصد الطالبين في علم أصول الدين‪ ،‬الستانة‪.2/91 ،1277 ،‬‬
‫‪ 3‬كان من أصحاب واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد‪ ،‬ثم مال إلى الجهم بن صفوان‪ .‬يرى أ ّن ل تعالى ماهية ل يعلمها غيره‪ .‬انظر‪،‬‬
‫ا بن حزم‪ :‬الف صل في الملل والهواء والن حل‪ ،‬ط ‪ ،1‬المطب عة الدب ية‪ 1320 ،‬س ‪ 2/173 ،1321‬س ‪ ،174‬الخياط‪ ،‬أ بو الح سين‪:‬‬
‫النتصار والرد على ابن الريوندي الملحد‪ ،‬بيروت‪ ،1957 ،‬ص ‪ ،98‬الرازي‪ :‬المحصل ص ‪.271‬‬
‫‪ 4‬أبو حنيفة‪ ،‬النعمان بن ثابت‪ :‬الفقه الكبر‪ ،‬ط ‪ ،2‬حيدر آباد‪ ،1953 ،‬ص ‪.1‬‬
‫‪ 5‬الجويني‪ ،‬أبو المعالي‪ :‬العقيدة النظامية‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد زاهد الكوثري‪ ،‬مصر‪ ،1367 ،‬ص ‪ 15‬س ‪.16‬‬
‫‪ 6‬ابن المطهر الحلي‪ ،‬الحسن بن يوسف‪ :‬أنوار الملكوت في شرح الياقوت‪ ،‬طهران‪ ،1338 ،‬ص ‪.97‬‬
‫‪ 7‬الفارابي‪ :‬الدعاوى القلبية‪ ،‬ضمن الرسائل ط ‪ ،1‬مصر‪ ،1325 ،‬ص ‪.3‬‬
‫‪ 8‬ابن سينا‪ :‬الشارات والتنبيهات ‪.3/66‬‬
‫‪ 9‬الغزالي‪ :‬مشكاة النوار‪ ،‬مصر‪ ،1907 ،‬ص ‪ ،40‬المقصد السنى شرح أسماء ال الحسنى‪ ،‬مكتبة الكليات الزهرية‪ ،1961 ،‬ص‬
‫‪.30 ،28 ،27 ،24‬‬
‫‪ 10‬الرازي‪ :‬المحصل ص ‪ ،271‬الربعين في أصول الدين‪ ،‬ط ‪ ،1‬حيدر آباد‪ ،1353 ،‬ص ‪.218‬‬
‫‪ 11‬الرازي‪ :‬المحصل ص ‪ ،271‬اليجي‪ :‬المواقف ‪ 8/143‬س ‪.144‬‬
‫‪ 12‬الرازي‪ :‬المحصل ص ‪.271‬‬
‫‪ 13‬ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.1/61‬‬
‫‪ 14‬التفتازا ني‪ :‬شرح المقاصد ‪ ،2/92‬ولم أجد ذلك في مؤلفات الباقلني المتداولة‪ ،‬كما أ ّن الستاذ الدكتور محمد رمضان ع بد ال س‬
‫الذي أع ّد أطروحة الدكتوراه بعنوان‪:‬الباقلني وآراؤه الكلمية س اكتفى بالشارة إلى ما ذكره التفتازاني أيضا‪ .‬انظر‪ ،‬محمد رمضان‬
‫عبد ال‪ :‬الباقلني وآراؤه الكلمية‪ ،‬ط ‪ ،2‬بغداد‪ ،1986 ،‬ص ‪.397‬‬

‫‪32‬‬
‫واستنادا إلى ما تقدم‪ ،‬سنتبيّن الرأي الذي أخذ به ابن أبي الحديد من بين هذه الراء الثلثة‪.‬‬
‫ن جمهور المتكلم ين زعموا أنّا‬‫ر فض ا بن أ بي الحد يد ما عل يه أ صحاب الرأي الثا ني‪ ،‬عند ما قال‪ :‬إ ّ‬
‫ل ما نعلمه نحن منها‪ .1‬لكن‬‫نعرف حقيقة ذات الله‪ ،‬ولم يتحاشوا من القول بأنه تعالى ل يعلم من ذاته إ ّ‬
‫ن ذلك رأي المتكلمين‪ ،2‬دون إيراده كلمة الجمهور‬ ‫ابن أبي الحديد لم يكن دقيقا حين صرّح مرة أخرى بأ ّ‬
‫التي ذكرناها آنفا‪.‬‬
‫كمسا أنسه رفسض الرأي الثالث‪ ،‬فسي معرض إيضاحسه كلم المام علي ع‪ :‬الذي ليسس لصسفته حسد‬
‫محدود‪ ،...،‬ول و قت معدود‪ ،‬ول أ جل ممدود ح ين قال‪ :‬ف يه ‪ -‬القول ‪ -‬إشارة إلى الرد على من قال إنّا‬
‫ن القائلين برؤيته في الخرة يقولون‪ :‬إنّا نعرف‬‫نعلم ك نه البارئ سبحانه ل في الدن يا‪ ،‬بل في الخرة‪ ،‬فإ ّ‬
‫حينئذ كنهه‪ ،‬فهو عليه السلم ر ّد قولهم‪ ،‬وقال‪ :‬إنه ل وقت أبدا على الطلق تُعرَف فيه حقيقته وكنهه‪ ،‬ل‬
‫الن ول بعد الن‪ ،‬وهو الحق‪.3‬‬
‫وقد علل ابن أبي الحديد بطلن هذا الرأي بأنه‪ :‬لو رأيناه في الخرة وعرفنا كنهه‪ ،‬لتشخّص تشخيصا‬
‫ل ما يشار إلى جهته‪ ،‬ول جهة له‬ ‫يمنع من حمله على كثيرين‪ ،‬ول يتصور أن يتشخّص هذا التشخّص إ ّ‬
‫سبحانه‪ .4‬ولكي يؤكد ابن أبي الحديد رفضه لهذا الرأي‪ ،‬استند في دحضه إلى القرآن الكريم‪ ،‬فقال‪ :‬واعلم‬
‫علْما [ط سه‪،]110 :‬‬ ‫ن ِب ِه ِ‬
‫ن ن في الحا طة مذكور في الكتاب العز يز‪ ،‬من ها قوله تعالى‪ :‬وَل ُيحِيطُو َ‬ ‫أ ّ‬
‫ن ابن أبي‬
‫ح سِي ٌر [الملك‪ .5]4 :‬ول يفوتني أن أذكر أ ّ‬ ‫ص ُر خَا سِئا َو ُه َو َ‬
‫ك اْلَب َ‬
‫ب ِإَلْي َ‬
‫ومنها قوله تعالى‪َ :‬يْنَقِل ْ‬
‫الحديد أشار إلى أنه قد ر ّد هذا الرأي في كتابه زيادات النقضين‪.6‬‬
‫ل القول بأ نه تب نى الرأي‬
‫ن ا بن أ بي الحد يد ر فض ‪ -‬في ما تقدّم ‪ -‬الرأي الثا ني والثالث‪ ،‬فلم ي بق إ ّ‬
‫ول ّ‬
‫الول‪ ،‬الذي كثيرا ما أشار إليه في مواضع‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أولً‪ :‬في معرض إيضاحه كلم المام علي ع‪ :‬وعل فدنا‪ ،‬قال ابن أبي الحديد‪ :‬لَمّا عل عن أن تحيط‬
‫به العقول‪ ،‬عرفته العقول‪ ،‬ل أنها عرفَت ذاتَه‪ ،‬لكن عرفَت أنه شيء ل يصح أن يُعرَف‪ ،‬وذلك خاصته‬
‫ن ماهيته يستحيل أن تُتصوّر ل في الدنيا ول في الخرة‪ ،‬بخلف غيره من الممكنات‪.7‬‬
‫سبحانه‪ ،‬فإ ّ‬
‫ن هويته تعالى غير هوية البشر‪ ،‬قال‪ :‬وذهب ضرار بن‬
‫ثانيا‪ :‬في معرض حديثه عن موضوع‪ :‬في أ ّ‬
‫ل هو‪ ،‬وهذا هو مذهب الفلسفة‪ ،‬وحكي عن أبي حنيفة وأصحابه‬ ‫ن ل تعالى ماهية ل يعلمها إ ّ‬
‫عمرو إلى أ ّ‬
‫أيضا‪ ،‬وهو الظاهر من كلم أمير المؤمنين عليه السلم‪.8‬‬
‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.3/222‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.7/203‬‬ ‫‪2‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪ 1/60‬س ‪.61‬‬ ‫‪3‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.1/61‬‬ ‫‪4‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.1/61‬‬ ‫‪5‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.1/61‬‬ ‫‪6‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪ ،10/174‬وتلك فكرة أشار إليهسا سسقراط مسن قبسل بقوله‪:‬المنطسق والعقسل قاصسران عسن وصسفِه وحقيقتسه وإدراكسه‪ .‬انظسر‪،‬‬ ‫‪7‬‬

‫الشهرستاني‪ :‬الملل والنحل‪ ،‬مطبوع على حاشية الفصل‪ ،‬ط ‪ 2/84 ،1321 ،1‬س ‪.85‬‬
‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ 3/222‬س ‪ ،223‬كما أكد ابن أبي الحديد في نصوص أخرى بقوله‪ :‬إنه مذهب الحكماء وكثير‬ ‫‪8‬‬

‫من المتكلمين من أصحابنا وغيرهم‪ .‬انظر ن‪ ،‬م ‪ .13/49 ،6/346‬وفي نص آخر قال‪ :‬إنه مذهب الحكماء‪ .‬ن‪ ،‬م ‪ .7/203‬وفي‬
‫نص ثالث قال‪ :‬إنه ل تُعلَم حقيقة ذاته تعالى‪ ،‬كما قاله قوم آخرين من المحققين‪ .‬ن‪ ،‬م ‪.3/217‬‬

‫‪33‬‬
‫وهكذا ينتهي ابن أبي الحديد في هذا الموضوع إلى نتيجة تنتظم في نقطتين‪:‬‬
‫أنس القول بالحيرة فسي جلل ذات البارئ‪ ،‬والوقوف عنسد حسد محدود ل يتجاوزه‬ ‫الولى‪ ،‬قال‪ :‬واعلم ّ‬
‫العقل‪ ،‬قول ما زال فضلء العقلء قائلين به‪ .1‬بل لو قيل أنها – العقول ‪ -‬ل طاقة لها أن تعبّر عن جلل‬
‫مصنوعاته الولى المتقدمة بالرتبة العقلية والزمانية‪ ،‬لكان ذلك القول حقا وصدقا‪.2‬‬
‫الثان ية‪ ،‬قال‪ :‬إذا تغلغلَت العقول‪ ،‬وغمضت مداخلها في دقائق العلوم النظرية اللهية التي ل تو صَف‬
‫لِدقّت ها‪ ،‬طال بة أن تعلم حقي قة ذا ته‪ ،‬إنقطعَت وأعيَت‪ ،‬ور ّد ها سبحانه وتعالى‪ ،‬و هي تجول وتق طع ظُلمات‬
‫ن إدرا كه ومعرف ته ل تُنال باعت ساف‬ ‫ع ها‪ ،‬مِقرّة معتر فة بأ ّ‬ ‫الغ يب لتخلص إل يه‪ ،‬فارتدّت ح يث جَب َه ها ور َد َ‬
‫ن أرباب الفكار والرويّات تعذّر عليهم أن يخطر لهم خاطر يطابق ما في‬ ‫المسافات التي بينها وبينه‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن أرباب النظار لبد أن تخطر لهم‬ ‫الخارج من تقدير جلل عزته‪ ،‬ولبد من أخذ هذا الكلم في القيد؛ ل ّ‬
‫الخوا طر في تقد ير جلل عز ته‪ ،‬ول كن تلك الخوا طر ل تكون مطاب قة ل ها في الخارج؛ لن ها خوا طر‬
‫ن الو هم قد ألِف الح سيات والمح سوسات‪ ،‬ف هو يع قل خوا طر‬ ‫م ستندها الو هم ل الع قل ال صريح‪ ،‬وذلك ل ّ‬
‫بحسب ما َأِلفَه من ذلك‪ ،‬وجلل واجب الوجود أعلى وأعظم من أن يتطرق الوهم نحوه؛ لنه برئ من‬
‫المحسوسات سبحانه‪ ،‬وأمّا العقل الصريح فل يدرِك خصوصية ذاته لِمَا تقدّم‪ ،3‬ثم يشير ابن أبي الحديد إلى‬
‫ص ُر خَا سِئا َو ُه َو‬
‫ك اْلَب َ‬
‫ب ِإَلْي َ‬
‫ن َيْنَقِل ْ‬
‫ص َر َك ّرَتْي ِ‬
‫ج ِع اْلَب َ‬
‫ن ُفطُورٍ‪ُ .‬ثمّ ا ْر ِ‬‫ص َر َه ْل َترَى ِم ْ‬ ‫ج ِع اْلَب َ‬ ‫ن قوله تعالى‪ :‬فَا ْر ِ‬ ‫أّ‬
‫ح سِي ٌر [الملك‪ ]4 ،3 :‬ف يه إشارة إلى هذا المع نى ‪ -‬أي ا ستحالة إدراك خ صوصية ذا ته تعالى ‪ -‬وكذلك‬ ‫َ‬
‫عْل ِم ِه [البقرة‪.4]255 :‬‬ ‫ن ِ‬
‫ي ٍء ِم ْ‬ ‫شْ‬ ‫ن ِب َ‬
‫خْلَف ُه ْم وَل ُيحِيطُو َ‬
‫ن َأْيدِي ِه ْم َومَا َ‬
‫قوله تعالى‪َ :‬ي ْعَل ُم مَا َبْي َ‬
‫هكذا يتضح لنا موقف ابن أبي الحديد تمام الوضوح من هذه المسألة‪ ،‬لكن يجب الوقوف عند بعض‬
‫كلماته التي صرّح بها‪.‬‬
‫ت أنه شيء ل يصح أن يُعرَف يعني بذلك‬ ‫فابن أبي الحديد عندما قال في الموضع الول‪ :‬لكن قد عرف َ‬
‫الح كم العقلي وال صحة العقل ية تع ني المكان ونفي ها نف يه عقلً‪ ،‬وحين ما عبّر بقوله‪ :‬وذلك خا صته سبحانه‬
‫ن عدم إمكان المعرفة ليس لِعجز نقص في‬ ‫أراد دفع دخ ٍل واعتراض مقدّر‪ ،‬أو سؤال يطرح نفسه‪ ،‬وهو أ ّ‬
‫العقول‪ ،‬بل ِلبُعد كُنه ذاته سبحانه عن أن تنالها ُمقَل العقول‪ ،‬كما هو صريح كلم المام علي ع‪.‬‬
‫س بسيد البلغاء المام‬‫ن عدول ابن أبي الحديد عن التعبير بس العلم إلى التعبير بس المعرفة فيه تأ ّ‬ ‫كما أ ّ‬
‫س عن عرفان كُنه صِفته‪ ،5‬وأيضا التزام بما اصطلح عليه‬ ‫ت هَما ِه ِم النفو ِ‬
‫ع خَطرا ِ‬
‫علي ع‪ ،‬الذي قال‪ :‬و َر َد َ‬
‫أنس التعسبير بالعلم نفيا وإثباتا يكون بالكليات‪ ،‬والمعرفسة نفيا وإثباتا بالجزئيات‪ ،‬حيسث‬‫أرباب المعقول مسن ّ‬
‫الكلم هنا يحوم حول ذات البارئ تعالى‪ ،‬وهو جزئي بأبلغ معاني الجزئي‪ ،‬فكان تعبيرا لئقا بالمقام‪.‬‬
‫أمّا تعبير الماهية التي أتت في كلم ابن أبي الحديد‪ ،‬لبد أن تُفسّر بما به الشيء هو هو‪ ،‬ل بمعنى ذات‬
‫حّق ق فسي كتسب المعقول مسن أنّس الممكنات ‪ -‬كلهسا أو جلّهسا ‪ -‬على اختلف الرأي ‪-‬‬
‫الشيسء‪ ،‬لِمَا ُقرّر و ُ‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.13/50‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.18/321‬‬ ‫‪2‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪ 6/409‬س ‪.410‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ 6/409‬س ‪.410‬‬ ‫‪4‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.10/170‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪34‬‬
‫ن ماهي ته سبحانه ع ين‬
‫ل ذات البارئ تعالى‪ ،‬ح يث يرى جمهور المتكلم ين أ ّ‬
‫مر ّك بة من ماه ية ووجود‪ ،‬إ ّ‬
‫وجوده‪ ،‬ووجوده نفس ماهيته‪.‬‬
‫ن ابن أبي الحديد يحاول في كل نص من النصوص السالف تنزيه ال سبحانه‬ ‫ختام الموضوع نستنتج أ ّ‬
‫من إحاطة العقول البشرية به‪ ،‬فنفاها ‪ -‬الحاطة ‪ -‬بنفي ما يترتب عليها من كونه ذا نهاية‪ ،1‬إذ معنى‬
‫الحاطة بالشيء هو إدراكه بكنهه‪ ،‬ومعرفته بجميع جهاته‪ ،‬وبلوغ العقل غايته ونهايته‪ ،‬بحيث ل يكون‬
‫وراء ما أدركه شيء آخر‪ ،‬ونفي انتهائه بنفي ما يترتب عليه من كونه ذا كيفية تكيّفه بها القوى المتخيلة‬
‫ليثبته العقل‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬أدلة إثبات واجب الوجود عند ابن أبي الحديد‬
‫تمهيد‬
‫دليسل السواجب لِذاته‬
‫دليسل الحدوث‬
‫دليل العناية والختراع‬
‫دليل الحركسة‬
‫تمهيد‬
‫تختلف طرق الستدلل على وجود ال سبحانه عند الفلسفة عنها عند المتكلمين‪ ،‬وهذا ما يطلعنا عليه‬
‫ن الذي ُي ستدَل به على إثبات ال صانع يم كن أن يكون من وجه ين‪...،‬‬ ‫ا بن أ بي الحد يد‪ ،‬حين ما أشار إلى أ ّ‬
‫أحدهما الوجود والثاني الموجود‪ ،‬أمّا الستدلل عليه بالوجود نفسه فهي طريقة المدققين من الفلسفة‪...‬‬
‫أثبتوا وجوب ذلك الوجود واستحالة تطرّق العدم إليه بوجه ماّ‪ ،‬فلم يفتقروا في إثبات البارئ إلى تأمّل أمر‬
‫غ ير ن فس الوجود‪ ،‬وأمّا ال ستدلل عل يه بالموجود ل بالوجود نف سه‪ ،‬ف هو ال ستدلل عل يه بأفعاله‪ ،‬و هي‬
‫طريقة المتكلمين‪ ،...‬واستدلوا عليه بالعالم‪ ،‬وقالوا تارة‪ :‬العالم محدَث‪ ،‬وكل محدَث له مح ِدِث‪ ،‬وقالوا تارة‬
‫أخرى‪ :‬العالم ممكن‪ ،‬فله مؤثّر‪.2‬‬
‫ن ا بن أ بي الحد يد أشار في ال نص المتقدم إلى مج مل أدلة المتكلم ين لثبات البارئ‬
‫والمل حظ ه نا أ ّ‬
‫سبحانه‪ ،‬لكنه لم يشر إلى أدلة الفلسفة‪ .‬لذلك تراه يشير ‪ -‬في نص لحق ‪ -‬إلى أهم دليل عندهم‪ ،‬وهو‬
‫ن الوجود ينق سم‬
‫دل يل الوا جب لذا ته قال ف يه‪ :‬إثبات وجوده تعالى من الن ظر في ن فس الوجود؛ وذلك ل ّ‬
‫ن طبيعة الممكن‬ ‫بالعتبار الول إلى قسمين‪ :‬واجب وممكن‪ ،‬وكل ممكن لبد أن ينتهي إلى الواجب؛ ل ّ‬
‫يمتنع من أن يستقل بنفسه في قوامه‪ ،‬فلبد من واجب يستند إليه‪ ،‬وذلك الواجب الوجود الضروري الذي‬
‫لبد منه هو ال تعالى‪.3‬‬

‫وهذا ما سنعرفه في الفصل الرابع‪ :‬صفة القدم والزل‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.3/221‬‬ ‫‪2‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.9/148‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪35‬‬
‫ن الفل سفة قد أثبتوا وجوده تعالى من الن ظر في ن فس‬ ‫ن ما ذكره ا بن أ بي الحد يد‪ ،‬من أ ّ‬ ‫ومعلوم أ ّ‬
‫الوجود‪ ،‬نراه متجسدا عند أهم فلسفتنا المسلمين‪ ،‬كالفارابي وابن سينا‪ .‬أمّا استدلل المتكلمين من خلل‬
‫أفعاله تعالى فنراه بوضوح عند القاضي عبد الجبار‪ ،‬والباقلني‪ ،‬والشيخ الطوسي‪ .‬ورعاية لمنهج البحث‪،‬‬
‫أكت في بذ كر ما أفاده الفارا بي وا بن سينا‪ ،‬وأح يل إلى ما أفاده المتكلمون‪ ،‬الذ ين سبق ذكر هم‪ ،‬على أبرز‬
‫مؤلفاتهم‪.1‬‬
‫فالفارابي يقول‪ :‬الشياء الممكنة ل يجوز أن تمر بل نهاية‪ ،‬في كونها علة ومعلولً‪ ،‬ول يجوز كونها‬
‫على سبيل الدور‪ ،‬بل لبد من انتهائها إلى شيء واجب‪ ،‬هو الموجود الول‪.2‬‬
‫أمّا ابن سينا فيقول‪ :‬تأمل كيف لم يحتج بياننا لثبوت الول ووحدانيته وبراءته من السمات إلى تأمّل‬
‫ل عليه‪ ،‬لكن هذا الباب أوثق‬ ‫لغير نفس الوجود‪ ،‬ولم يحتج إلى اعتبار من خلقه وفعله‪ ،‬وإن كان ذلك دلي ً‬
‫وأشرف‪ ،‬أي إذا اعتبرنا حال الوجود فشهد به الوجود من حيث هو وجود‪ ،‬وهو يشهد على سائر ما بعده‬
‫ن َل ُه ْم َأّن ُه‬
‫حتّى َيَتَبّي َ‬
‫س ِه ْم َ‬
‫ق َوفِي َأْنُف ِ‬‫سُنرِي ِه ْم آيَاِتنَا فِي الْآفَا ِ‬
‫في الوجود‪ ،‬وإلى مثل هذا أُشي َر في الكتاب اللهي َ‬
‫شهِي ٌد‬‫ي ٍء َ‬ ‫شْ‬ ‫علَى ُك ّل َ‬ ‫ك َأّن ُه َ‬ ‫ف ِب َرّب َ‬
‫ن هذا ح كم لقوم‪ ،‬ثم يقول‪َ :‬أ َوَل ْم َي ْك ِ‬ ‫اْلحَقّ [ف صلت‪ ،]53 :‬أقول‪ :‬إ ّ‬
‫صدّيقين‪ ،‬الذين يستشهدون به ل عليه‪.3‬‬ ‫[فصلت‪ ،]53 :‬أقول‪ :‬هذا حكم لل ّ‬
‫ن ما صرّح به ابن سينا‪ ،‬أفاد منه ابن أبي الحديد بإيجاز‪.4‬‬
‫ولبد من الشارة إلى أ ّ‬
‫وبعد عرضنا لما يراه ابن أبي الحديد‪ ،‬وما أعقبه من كلم الفارابي وابن سينا‪ ،‬لبد من بيان حقيقة‬
‫ن الوجود اللهي حقيقة عينية‪ 5‬يحكم العقل بأنه موجود لذاته‪ ،‬مع قطع النظر عن كل ما عداه‪،‬‬ ‫مهمة هي أ ّ‬
‫ن كل شيء ما عداه‪ ،‬إنما هو موجود بس الوجود اللهي‪ ،‬أمّا نفس الوجود فهو موجود بنفسه ل بوجود‬ ‫فإ ّ‬
‫ل لَمَا كان وجودا‪،‬‬
‫آخر‪ ،‬فل يُعقَل أن تكون العينية الوجودية له سبحانه مأخوذة عما هو خارج عن ذاته‪ ،‬وإ ّ‬
‫ل كان ذا بياض ل بياضا‪ ،‬فكما‬ ‫ن البياض أبيض بذاته ل ببياض آخر‪ ،‬وإ ّ‬ ‫بل كان ذا وجود‪ ،‬مثل أن يقال أ ّ‬
‫ل يُعقَل أن تكون أبيض ية البياض من بياض آ خر‪ ،‬كذلك ل يُعقَل أن تكون موجود ية الوجود من وجود‬
‫آ خر‪ ،‬بل هو الموجود بنف سه‪ ،‬الم ستغني بوجوده ع ما عداه‪ ،‬إ ستغنا ًء ذاتيا‪ ،‬و كل موجود عداه فإن ما هو‬
‫موجود بسه وبسسببه‪ ،‬فإذا كانست الموجودات المكانيسة ‪ -‬المحدَثات ‪ -‬ل وجود لهسا بذاتهسا‪ ،‬بسل موجودة‬
‫بالوجود‪ ،‬فلبسد أن يكون الوجود الصسرف الذي تكون بسه الموجودات موجودة‪ ،‬موجودا بنفسسه ل بوجود‬
‫آخر‪ ،‬غنيا بنفسه‪ ،‬ل بصلة أخرى‪ ،‬واجب الوجود لذاته‪.‬‬
‫وهكذا نخلص إلى القول بأنّس السستدلل بالعلة على المعلول أَولى البراهيسن بإعطاء اليقيسن؛ لنّس العلم‬
‫بالعلة المعيّنة يستلزم العلم بالمعلول المعيّن‪ ،‬ول عكس‪.‬‬
‫ي الطريقين سلك ابن أبي الحديد؟‬
‫بقي أن نعرف أ ّ‬

‫راجع رأي القاضي عبد الجبار‪:‬شرح الصول الخمسة ص ‪ ،89‬والشيخ الطوسي‪ ،‬أبو جعفر‪ :‬القتصاد فيما يتعلق بالعتقاد‪ ،‬ط ‪،1‬‬ ‫‪1‬‬

‫النجف الشرف‪ ،1979 ،‬ص ‪ ،49‬والباقلني‪ ،‬محمد بن الطيب‪ :‬النصاف فيما يجب اعتقاده ول يجوز الجهل به‪ ،‬ط ‪ ،2‬القاهرة‪،‬‬
‫‪ ،1382‬ص ‪ ،22‬وهو رأي جميع المتكلمين‪.‬‬
‫الفارابي‪ :‬عيون المسائل‪ ،‬ضمن المجموع‪ ،‬ط ‪ ،1‬مصر‪.1325 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ابن سينا‪ :‬الشارات ‪.66/ 3‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.3/221‬‬ ‫‪4‬‬

‫أي أ ّن الماهية عين الوجود‪ ،‬وأنه تعالى موجود بنفسه ل بوجود آخر‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪36‬‬
‫ن صاحبنا سلك الطريقين معا‪ ،‬من خلل إيراده بعض أدلة الفلسفة ومجمل أدلة المتكلمين‪،‬‬ ‫الواقع أ ّ‬
‫ن المام عليا ع قد انفرد ب ها‪ .‬ف ما الدلة ال تي ا ستدل‬
‫زيادة على أدلة أخرى يرى ‪ -‬بح سب ا ستقرائه ‪ -‬أ ّ‬
‫بها؟‬
‫على وفق مسلك الفلسفة‪ ،‬استدل بدليل الواجب لذاته‪.‬‬
‫على وفق مسلك المتكلمين‪ ،‬استدل بدليل‪ :‬الحدوث‪ ،‬العناية‪ ،‬الختراع‪.‬‬
‫ن المام عليا ع قد انفرد بها مثل دليل الحركة‪.1‬‬
‫ما برّزه من الدلة التي يرى ‪ -‬بحسب استقرائه ‪ -‬أ ّ‬
‫وليضاح ما يترتب على ما سقناه سابقا‪ ،‬أرى من المناسب ‪ -‬هنا ‪ -‬إيراد ما أوجزه ابن أبي الحديد‬
‫ن أدلة وجوده سبحانه وأعلم ثبو ته وإلهّي ته جليّة واضحة‪،2‬‬
‫عن الدلة‪ ،‬بو صفها نظرة شاملة‪ ،‬إذ قال‪ :‬إ ّ‬
‫وأنه سبحانه أظهر وجودا من الشمس‪ ،‬لكن ذلك الظهور لم يكن إدراكه بالقوى الحاسّة الظاهرة‪ ،‬بل بأم ٍر‬
‫ي في باطن هذا الجسد‪ ،‬أو مفارق ليس في الجسد‪ ،‬ول في جهة أخرى غير جهة الجسد‪.3‬‬ ‫آخر‪ ،‬إمّا خف ّ‬
‫دليل الواجب لذاته‬
‫ن فكرة وا جب الوجود قد تبلورت وظهرَت ب صورتها الناض جة على يد الفارا بي‪ ،‬الذي‬‫من الثا بت أ ّ‬
‫كان أول من وضع مصطلحات واجب الوجود وممكن الوجود‪ .‬وق سّم الموجودات على هذين القسمين‪،‬‬
‫ولكن إذا تقصّينا أصول هذه الفكرة وجدنا أنها ضاربة في الجذور في عمق تاريخ الفكر الفلسفي‪.4‬‬
‫فالفارا بي ع ند تق سيمه الموجودات إلى مم كن ووا جب‪ ،‬يقول‪ :‬الشياء الممك نة ل يجوز أن تم ّر بل‬
‫نهاية في كونها علة ومعلولً‪ ،‬ول يجوز كونها على سبيل الدور‪ ،‬بل لبد من انتهائها إلى شيء واجب‪،‬‬
‫هو الموجود الول‪.5‬‬
‫ن هناك وجودا‪ ،‬و كل وجود‪ ،‬فإمّا وا جب وإمّا مم كن‪ ،‬فإن كان‬‫أمّا ا بن سينا في صرّح بأ نه ل شك أ ّ‬
‫واجبا صح وجود الواجب وهو المطلوب‪ .6‬أمّا إذا كان ممكنا فلبد أن ينتهي إلى واجب الوجود‪.7‬‬

‫يرى ابن أبي الحديد أ ّن هذا الدليل أخذه المتكلمون عن المام علي ع فنظموه في كتبهم وقرروه‪ .‬انظر شرح نهج البلغة ‪78 /13‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.5/155‬‬ ‫‪2‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.5/157‬‬ ‫‪3‬‬

‫يونس‪ ،‬منذر جلوب‪ :‬نظرية واجب الوجود عند الفارابي ص ‪.25‬‬ ‫‪4‬‬

‫الفارابي‪ :‬عيون المسائل ص ‪.66‬‬ ‫‪5‬‬

‫ابن سينا‪ :‬النجاة في الحكمة المنطقية والطبيعية واللهية‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيروت‪ ،1985 ،‬ص ‪.271‬‬ ‫‪6‬‬

‫ن‪ ،‬م ص ‪.271‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪37‬‬
‫والن لنر كيف تناول ابن أبي الحديد هذا الدليل‪.‬‬
‫ن ذا ته ل تق بل العدم‪ ،‬وي ستحيل‬
‫ن مع نى وا جب الوجود أ ّ‬
‫ق بل كل ش يء ي صرّح ا بن أ بي الحد يد بأ ّ‬
‫الجمع بين قولنا‪ :‬هذه الذات محدَثة‪ ،‬أي كانت معدومة‪ ،‬وهي في حقيقتها ل تقبل العدم‪.1‬‬
‫ن أصول هذا التعريف مستمدة بإيجاز مما ذكره كل من الفارابي وابن سينا‪ ،‬فالفارابي قال‪:‬‬ ‫ويبدو أ ّ‬
‫فالواجسب الوجود متسى فُرض غيسر موجود‪ ،‬لزم منسه محال‪ ،‬ول علة لوجوده‪ ،‬ول يجوز كون وجوده‬
‫بغيره‪ .2‬أمّا ا بن سينا ف قد أورد تعريفا مشابها ل سابقه‪ ،‬ح تى في اللفاظ تقريبا عند ما قال‪ :‬الوا جب الوجود‬
‫هو الموجود الذي متى فُرض غير موجود عرض منه محال‪.3‬‬
‫أنس ابسن أبسي الحديسد فسي معرض ردّه على مسا ذكره الرازي مسن إجماع‬ ‫ومسن المهسم الشارة إلى ّ‬
‫المسسلمين على إبطال الواسسطة بيسن واجسب الوجود والعالم‪ .4‬نراه يشيسر إلى أمسر مهسم يتعلّق بإيضاح‬
‫ن الم سلمين‬
‫ت تع ني أ ّ‬
‫المق صود من وا جب الوجود‪ ،‬ف هو يُشكِل على ما أورده الرازي آنفا بقوله‪ :‬إن كن َ‬
‫ن‬
‫ن صانع العالم واجب الوجود لذاته فشيخكم الشعري ومَن وافقه على مقالته يزعمون أ ّ‬ ‫أجمعوا على أ ّ‬
‫ال تعالى ذات ليست ذاته توجب دوام وجودها واستمراره‪ ،‬ولول تلك الذات لكانت ذاته معدومة‪ ،‬ويسمّون‬
‫ن ذاته تعالى ممكنة؛ لنها ليست دايمة بذاتها‪.5‬‬
‫تلك الذات بقاءً‪ ،‬وهذا تصريح منهم بأ ّ‬
‫ن ابن أ بي الحد يد يت فق مع الرازي وغيره‪ 6‬في إبطال الوا سطة ب ين واجب‬
‫ولبد من الشارة إلى أ ّ‬
‫ن ما ذكره آنفا بضمي مة ن في الوا سطة في الموجودات ب ين الوا جب‬
‫الوجود والعالم في إيجاد العالم‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن حصر الوجود فيهما عقلي‪ ،‬مما دعاه إلى طي‬ ‫والممكن‪ ،‬وإثبات هذه الواسطة ل يفتقر إلى البرهان؛ ل ّ‬
‫هذه المقدمة‪.‬‬
‫أمّا كيفية تناوله لهذا الدليل‪ ،‬فهذا ما يتضح من العرض التي‪:‬‬
‫ن الوجود ينقسم بالعتبار الول إلى قسمين‪ :‬واجب وممكن‪ ،‬وكل ممكن‬ ‫أشار ابن أبي الحديد إلى أ ّ‬
‫ن طبي عة المم كن يمت نع من أن ي ستقل بنف سه في قوا مه‪ ،‬فل بد من‬
‫لبد أن ينت هي إلى الوا جب؛ وذلك ل ّ‬
‫واجب يستند إليه‪ ،‬وذلك الواجب الوجود الضروري الذي لبد منه هو ال تعالى‪.7‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ ،9/253‬التعليقات ورقة ‪ 455‬أ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫الفارابي‪ :‬عيون المسائل ص ‪ ،23‬ومن المور التي يؤكدها الفارابي أ ّن واجب الوجود غير قابل للتعريف أو الحد‪ ،‬أي أ ّن عِلمنا ل‬ ‫‪2‬‬

‫يمكن أن يحيط به إحاطة تامة‪ .‬انظر يونس‪ ،‬منذر جلوب‪ :‬نظرية واجب الوجود عند الفارابي ص ‪.85 ،48‬‬
‫ابن سيبنا‪ :‬النجاة ص ‪.261‬‬ ‫‪3‬‬

‫الرازي‪ :‬مح صل الفكار ص ‪ ،237‬وذكره في المطالب العال ية‪ .‬ان ظر الزركان‪ :‬ف خر الد ين الرازي وآراؤه الكلم ية ص ‪.330‬‬ ‫‪4‬‬

‫والقائلون بالواسطة هم السماعيليون والقرامطة‪ ،‬إذ قالوا‪ :‬بأ ّن أصل الوجود هو أمر ال ‪ -‬أي كلمته ‪ -‬وال لم يخلق العالم مباشرة‪،‬‬
‫بل بواسطة العقل الكلي الذي أوجد النفس الكلية‪ ،‬وأفاض صوره على ما أنتجَته من مادة وأجسام‪ ،‬وكل ذلك في زمان ومكان‪ .‬انظر‬
‫جوز يف الهاشم‪ :‬الفارابي‪ ،‬دار الشرق الجديد‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيروت‪ ،1960 ،‬ص ‪.97‬‬
‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 394‬أ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫قال المحقق الطوسي نصير الدين‪ :‬وأمّا إبطال الواسطة بإجماع المسلمين‪ ،‬فليس كما ينبغي‪ ،‬والمعتمد في إبطالها أ ّن الواسطة يمتنع‬ ‫‪6‬‬

‫أن تكون واجبة بالوجود؛ لمتناع أن يكون الواجب أكثر من واحد‪ ،‬فإذن هي ممكنة وهي من جملة العالم؛ ل ّن المراد من العالم ما‬
‫سوى المبدأ الول‪ ،‬فإذن وقوع الواسطة بين واجب الوجود لِذاته وبين العالم محال‪ .‬انظر‪ ،‬الطوسي نصير الدين‪ :‬تلخيص المحصل‪،‬‬
‫مطبوع مع المحصل س للرازي س دار الكتاب العربي‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيروت‪ ،1984 ،‬ص ‪ 238‬س ‪.239‬‬
‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.9/148‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪38‬‬
‫ن ما أفاده ابن أبي الحديد آنفا يتفق عليه كافة فلسفة السلم‪ ،‬بل أنهم إذا أرادوا التعرض‬‫والواقع أ ّ‬
‫لدليل الواجب لذاته‪ ،‬فإنهم يشيرون إلى هذه الفكرة أو الدليل ‪ -‬دليل العلة التامة‪ - 1‬قبل غيرها‪ ،‬وهذا ما‬
‫سبق أن أفادنا به كل من الفارابي وابن سينا في بداية الحديث عن هذا الموضوع‪.2‬‬
‫ن عبارا ته جاءت‬ ‫ن سينا ‪ -‬لك ّ‬‫ن ا بن أ بي الحد يد ‪ -‬وإن وافقه ما ‪ -‬الفارا بي واب َ‬
‫ن المل حظ أ ّ‬
‫لأ ّ‬
‫إّ‬
‫أنس ابسن أبسي الحديسد كان مطلعا على مسا أفاده ابسن سسينا بهذا‬
‫مقاربسة لِمسا أفاده الخيسر‪ ،‬وأغلب الظسن ّ‬
‫الخصوص‪.‬‬
‫وزيادة على كل ما تقدم‪ ،‬لبد من القول بأنه لو كان في الوجود واجبان أو أكثر‪ ،‬لكانا مشتركَين في‬
‫وجوب الوجود‪ ،‬ولو كان كذلك لو جب أن يمتاز كل منه ما عن ال خر ب صفة لي ست في شري كه‪ ،‬تحقيقا‬
‫للثنينية‪ ،‬ولو كانا كذلك ‪ -‬أعني كونهما مشتركَين في شيء وممتازيَن في آخر‪ ،‬جاء التركيب والمكان‬
‫ن الترك يب م ستلزم للحا جة إلى جزَأ يه‪ ،‬والحا جة ت ستلزم المكان‪ ،‬وحينئذ ف قد‬
‫وب طل الوجوب‪ ،‬باعتبار أ ّ‬
‫صار الواجب ممكنا‪ ،‬وهذا ل يصح‪.‬‬
‫أمّا بقية ما يتعلق بهذا الدليل‪ ،‬فقد تطرّق ابن أبي الحديد إليه‪ ،‬في معرض تعليقه على محصل الفكار‬
‫للرازي‪ ،‬وهذا ما يستدعي منّا – هنا – عرض نصوص كاملة‪ ،‬إيضاحا للمقصد‪.‬‬
‫ل ‪ -‬عندما أراد إثبات واجب الوجود‪ ،‬استدل على ذلك بأنه‪ :‬لو كان ممكنا لزم الدور‬ ‫فالرازي ‪ -‬مث ً‬
‫ن الشيء إذا احتاج إلى غيره كان المحتاج إليه متقدمّا في‬ ‫أو التسلسل‪ ،‬وهما باطلن‪ .‬أمّا بطلن الدور فل ّ‬
‫الوجود على المحتاج‪ ،‬فلو افتقر كل واحد منهما إلى الخر‪ ،‬لكان كل واحد منهما متقدما في الوجود على‬
‫الخر‪ ،‬فيلزم أن يكون كل واحد منهما متقدما على المتقدم على نفسه‪ ،‬ومتقدم المتقدم متقدم‪ ،‬فالشيء متقدم‬
‫ن مجموع تلك المور التي ل نهاية لها مفتقر إلى كل واحد‬ ‫على نفسه‪ .‬هذا خُلف‪ .‬وأمّا بطلن التسلسل فل ّ‬
‫من ها‪ ،‬و كل وا حد من ها مم كن‪ ،‬والمفت قر إلى المم كن مم كن‪ ،‬فالمجموع مم كن‪ ،‬و كل مم كن فله مؤثّر‪،‬‬
‫فالمجموع له مؤثّر‪ ،‬والمؤثّر إمّا نفس ذلك المجموع أو أمر داخل فيه‪ ،‬أو أمر خارج عنه‪ ،‬والول باطل؛‬
‫ن المؤثّر متقدم على الثر‪ ،‬فلو كان المجموع مؤثّرا في نفسه يلزم كونه متقدما على نفسه وهو محال‪،‬‬ ‫لّ‬
‫ل لزم تقدّم‬
‫ن كل وا حد من آحاد ذلك المجموع فإ نه ل يكون علة لنف سه ول لِعل ته‪ ،‬وإ ّ‬ ‫والثا ني با طل؛ ل ّ‬
‫الشيسء على نفسسه‪ ،‬وإذا لم يكسن علة لنفسسه ول لِعلتسه لم يكسن علة لذلك المجموع‪ ،‬فثبست أنسه لبسد لذلك‬
‫المجموع من علة خار جة ع نه‪ ،‬والخارج عن جم يع الممكنات ل يكون ممكنا‪ ،‬بل واجبا‪ ،‬فث بت وجوب‬
‫انتهاء الممكنات بأسرها إلى الواجب‪.3.‬‬
‫والرازي ب عد عر ضه هذا الدل يل‪ ،‬أشار إلى عدم الت سليم ب صحة وجود تلك ال سباب والم سببات ‪-‬‬
‫بأنس هذه اللفاظ مشعرة بالتناهسي‪ ،‬فل يصسح‬
‫ل ذلك ّ‬ ‫الواردة آنفا فسي الدليسل ‪ -‬بأنهسا كسل ومجموع ‪ .‬معل ً‬
‫ل بعد ثبوت التناهي‪.4‬‬
‫إطلقها إ ّ‬

‫ك ما ورد دل يل العلة التا مة ع ند الفارا بي في ال سياسات المدن ية ص ‪ ،19 - 17‬ان ظر اللو سي‪ ،‬ح سام الد ين‪ :‬حوار ب ين الفلسفة‬ ‫‪1‬‬

‫والمتكلمين ص ‪ ،25‬وابن سينا في النجاة ص ‪ ،368‬انظر اللوسي‪ :‬حوار ص ‪.50‬‬


‫كذلك أشار إليه الغزالي في مقاصد الفلسفة‪ ،‬تحقيق‪ :‬سليمان دنيا‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار المعارف‪ ،‬ص ‪.222 - 220‬‬ ‫‪2‬‬

‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪ 216‬س ‪.217‬وهذا الدليل أورده الغزالي في المقاصد ص ‪ 220‬س ‪.222‬‬ ‫‪3‬‬

‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪.218‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪39‬‬
‫والمراد من الكل والمجموع عند الرازي تلك السباب والمسببات‪ ،‬بحيث ل يبقى واحد منها خارجا‬
‫عنها‪.1‬‬
‫هنا يأتي دور ابن أبي الحديد‪ ،‬عندما أشكل على ما ذكره الرازي آنفا‪ ،‬في نقطتين‪:‬‬
‫الولى‪ :‬اعترا ضه على الرازي‪ ،‬عند ما ذ هب إلى عدم الت سليم ب صحة وجود تلك السباب والم سببات‬
‫ن تلك السباب والمسببات‬ ‫ن للخصم أن يقول لك‪ :‬ل نسلّم أ ّ‬‫بأنها كل ومجموع‪ .‬إذ قال مخاطبا الرازي‪ :‬أ ّ‬
‫‪ -‬مع فرض ل تناهيها ‪ -‬تكون متقوّمة بكل واحد من أجزائها‪ ،‬بل الجمل المتقوّمة بأجزائها هي الجمل‬
‫ل‪ ،‬كالعشرة‬‫خَص منها ماهية مح صّلة‪ ،‬إمّا حِسّا كالسرير عن أجزائه‪ ،‬والبلدة عن البيوت‪ ،‬أو عق ُ‬
‫التي تُش َّ‬
‫عن آحادها‪ ،‬والنوع عن الفصل والجن س‪ .2‬وما أفاده ابن أبي الحديد ‪ -‬هنا ‪ -‬يت فق مع ما ذ هب إليه‬
‫نصير الدين الطوسي في تلخيصه محصل الفكار‪ ،‬مع زياداته الموضحة والمتمّمة‪.3‬‬
‫الثانية‪ :‬تعليقه على ما صرّح به الرازي في نص الدليل من فرض أمور توجب بعضها ما ل نهاية‪.‬‬
‫ن الذهن ل يقوى على استحضار هذه المور‪ ،‬ول يقوّم منها ماهية محصّلة‬ ‫هنا يشير ابن أبي الحديد إلى أ ّ‬
‫يشار إليها بالجنس أو بالفعل ليحكم بأنها متقوّمة من الجزاء‪.‬‬
‫ولبيان رأيسه المتقدم بتفصسيل أكثسر دقسة ووضوح‪ ،‬يقول ابسن أبسي الحديسد‪ :‬وهذا الكلم يورَد على‬
‫وجهين‪:‬س‬
‫ل الجملة‬
‫ن الجملة التي تتقوّم بأجزائها ليست إ ّ‬
‫الوجه الول‪ .‬أن يتصدى المعترض على الدليل‪ ،‬لبيان أ ّ‬
‫ن الجزاء‬ ‫التي أجزاؤها متناهية‪ ،‬لم يحصل من المجموع ماهية يحكم عليها بأنها متقوّمة بالجزاء؛ ول ّ‬
‫إنما تكون أجزا ًء لشي ٍء واحد؛ لنّا لو لم نأخذ قيد الواحدية فيه‪ ،‬لَما كانت تلك الجزاء أجزاء شيء‪ ،‬فإنّا‬
‫إذا فرضنا إنسانا إلى جانبه حجر‪ ،‬ولم يحصل من اجتماعهما حقيقة متحدة‪ ،‬لم يكن كل واحد منهما جز ًء‬
‫ض ذي وحدة مفروضة‪ ،‬كما نقول‪:‬‬ ‫لشي ٍء مفروض‪ ،‬فقد بان أنه لبد أن تكون الجزاء أجزا ًء لشي ٍء مفرو ٍ‬
‫ع سكر وا حد‪ ،‬وبلد وا حد‪ ،‬ونحوه ما‪ ،‬ف ما ل نها ية له ل يس بش يء وا حد‪ ،‬ول ش يء مفروض‪ ،‬ول أ مر‬
‫ح أن يقال أنه‬
‫حاضر في الذهن‪ ،‬ول صورة مرتسمة في عقل أو في قوة من القوى الباطنة‪ ،‬فكيف يص ّ‬
‫شيء قد يُقوّم بأجزائه‪ ،‬وكل متقوّم بأجزائه ممكن‪ ،‬فيكون ذلك المجموع ممكنا‪.4‬‬
‫ن دليل الرازي على بطلن التسلسل‪ ،‬مبني على أمرين‪ ،‬أحدهما‪ :‬أنه ع ّد السلسلة التي‬ ‫والظاهر أ ّ‬
‫ن كل مجموع مركّب متقوّم بأجزائه‪.‬‬‫أجزاؤها غير متناهية‪ ،‬مركّبة من تلك الجزاء‪ ،‬وثانيهما‪ :‬أ ّ‬
‫ودل يل الرازي أ ساسه هاتان المقدمتان‪ ،‬وعلى هذا على الساس‪ ،‬فا بن أ بي الحد يد ين في في الو جه‬
‫الول المقدم َة الولى‪ ،‬وفي الوجه الثاني ينفي المقدمة الثانية‪.‬‬
‫ن ترت يب أمور غ ير متناه ية على ن حو تذ هب ال سلسلة إلى ما ل‬
‫أ ما بطلن المقد مة الولى؛ فل ّ‬
‫يتنا هى ل يع طي للمجموع خواص المركّب‪ ،‬وك ما ل يع طي ل كل فرد من أفراد ال سلسلة خا صية الجزء‬
‫ن‬
‫كالحجر في جنب النسان؛ لنه ليس كل ما يجعل مع الخر ويع ّد منها سلسلة يحصل منها المركّب‪ ،‬فإ ّ‬
‫ن‪ ،‬م ص ‪.220‬‬ ‫‪1‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 405‬أ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫راجع نصير الدين الطوسي‪ :‬تلخيص المحصل ص ‪.217‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 405‬أ س ب‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪40‬‬
‫ل إذا كا نت هناك حا جة وافتقار ل كل جزء إلى الجزء‬
‫المركّب ع ين الجزاء‪ ،‬والجزاء ل تكون أجزا ًء إ ّ‬
‫الخر‪ ،‬والرازي عجز ‪ -‬هنا ‪ -‬عن إثبات الحاجة لكل جزء إلى الجزء الخر‪.‬‬
‫وحتى مع فرض السابق علة في اللحق‪ ،‬فإنه يثبت الفتقار لحد الجزئين إلى الخر‪ ،‬وهو المعلول‬
‫ل بافتقار كل جزء إلى‬
‫ن الترك يب ل يحدث إ ّ‬
‫إلى العلة‪ ،‬ول يث بت افتقار العلة إلى المعلول‪ ،‬و قد فرض نا أ ّ‬
‫صاحبه‪.‬‬
‫سّم ك ّل‬
‫أمّا مسا يرد على المقدمسة الثانيسة فهسو‪ :‬أنسه لو فرضنسا كسل مجموع متناهسٍ‪ ،‬فنقول‪ :‬أنسه ل نس ل‬
‫ن تقوّم المركّب مجموع من أجزائه إذا كانت الجزاء‬ ‫مجموع‪ ،‬فهو متقوّم بأجزائه‪ ،‬فهو متنا هٍ‪ ،‬بل نقول أ ّ‬
‫متناهية وليس دائما‪.‬‬
‫الو جه الثا ني من اعتراض ا بن أ بي الحد يد‪ .‬قال‪ :‬في الطراد‪ 1‬أن ي سقط المعترض عن نف سه هذه‬
‫ن القضية القائلة كل مجموع أو كل ك ّل فهو متقوّم‬ ‫المؤونة‪ ،‬ويقف موقف المطالبة فقط‪ ،‬ويقول‪ :‬ل نسلّم أ ّ‬
‫س ل يجوز أن يكون ذلك مسن خواص المجموع أو الكسل‬ ‫بأجزائه قضيسة صسحيحة على الطلق‪ ،‬ولِم َ‬
‫المتناهي‪ ،‬ويكفيه ‪ -‬المعترض ‪ -‬أن يص ّر على المطالبة فقط‪ ،‬وعلى المستدل إثبات صدق هذه القضية‬
‫في كل القسمين‪ ،‬وإن كان المحتج من الفلسفة‪ ،‬مثّل له المعترض هذا العتراض بمثال يقوله الفلسفة‬
‫ن المتكلمين قالوا‪ :‬لو كان نوع‬‫في اعتراضهم على أدلة المتكلمين في استحالة بقاء النفوس الناطقة‪ ،‬وذلك أ ّ‬
‫البشر ل أوّل له‪ ،‬ولكل بدن نفس باقية بعد موت البدن‪ ،‬لكانت هذه النفس الن موجودة ل نهاية لها‪ ،‬لكن‬
‫كل عدد موجود له نصف‪ ،‬ونِصفه أقل من كلّه‪ ،‬وكل ما كان أقل من غيره‪ ،‬فهو متنا هٍ‪ ،‬وكل ما نِصفه‬
‫ن كل عدد‬ ‫متنا ٍه فكلّه متنا هٍ؛ لنه ضعف المتناهي‪ ،‬وامتنعَت الفلسفة في جواب هذا‪ .‬فإن قالوا‪ :‬ل نسلّم أ ّ‬
‫ِمس ل يجوز أن يكون ذلك مسن خواص العدد المتناهسي‪ ،‬فيقال لهسم‪ :‬فسي هذه‬ ‫على الطلق فله نِصسف‪ ،‬ول َ‬
‫ِمس يجوز أن يكون ذلك مسن خواص المتناهسي‬ ‫أنس كسل مجموع فهسو متقوّم بأجزائه‪ ،‬ول َ‬‫المسسألة ل نسسلّم ّ‬
‫الجزاء‪.2‬‬
‫ن مدبّر العالم هو واجب الوجود‪ ،‬يصرّح ابن‬ ‫ن الرازي عندما أبطل الدّور؛ كي يثبت أ ّ‬‫هنا نلحظ أ ّ‬
‫ن الشيء إذا احتاج إلى غيره كان المحتاج إليه متقدّما بالوجود على المحتاج‪ ،‬فلو افت قر كل‬ ‫أبي الحد يد بأ ّ‬
‫منهما إلى الخر‪ ،‬كان كل واحد منهما متقدما على المتقدم على نفسه‪ ،‬ومتقدّم المتقدّم متقدّم‪ ،‬فالشيء متقدّم‪.‬‬
‫هذا خُلف‪ 3‬على حد تعبير الرازي‪.‬‬
‫ن الوجود‬
‫ن هذا يشكك باقتضاء الماهية؛ ل ّ‬ ‫ن ابن أبي الحديد في ردّه على الفخر الرازي‪ ،‬يرى أ ّ‬ ‫بيد أ ّ‬
‫في الدرجة الثانية من المكان‪ ،‬فهو متأخر عنه‪ ،‬فكيف يتقدم عليه‪ ،‬ويشكك أيضا بقبول الماهية الممكنة‬
‫ل لكانت‬
‫ن القابل متقدم على المقبول‪ ،‬ويستحيل تقدّم الماهية الممكنة على وجودها بالوجود‪ ،‬وإ ّ‬ ‫للوجود‪ ،‬فإ ّ‬
‫موجودة دفعت ين‪ ،‬ويش كك أيضا بأجزاء الماه ية المر ّك بة‪ :‬فإن ها علة لتقوّم الماه ية‪ ،‬وذلك ح كم يح صل ل ها‬

‫هذه الكلمة وردت في المخطوط بلفظ التراد مما يد ّل على أ ّن الناسخ غير عربي‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 405‬أ س ب‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪.216‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪41‬‬
‫قبل الوجود‪ ،‬فل يكون مشروطا بالوجود‪ ،‬فهذه الوجوه ‪ -‬كما يقول ابن أبي الحديد ‪ -‬تفسد أن يكون العقل‬
‫ما لم يفرض المؤثر متقدّما بالوجود على الثر‪ ،‬استحال أن يكون مؤثّرا فيه‪.1‬‬
‫ن مجمل إشكالت ابن أبي الحديد على ما أفاده الفخر الرازي تنحصر في ثلثة أمور‪:‬‬
‫ويبدو أ ّ‬
‫ن‬
‫ال مر الول‪ :‬أن الوجود عارض على الماه ية‪ ،‬وإمكا نه ثا بت له‪ ،‬ف هو متأ خر عن الوجود‪ ،‬مع أ ّ‬
‫الوجود يتأخسر عسن المكان‪ .‬وهذا نقسض على الرازي‪ ،‬إذ يلزم مسن كلمسه تقدم الشيسء على نفسسه‪ :‬أمّا‬
‫ن المكان ل بد أن‬‫ف له‪ ،‬وأمّا الوجود متأ خر عن إمكا نه؛ ل ّ‬
‫المكان ف هو متقدم على الوجود؛ ل نه و ص ُ‬
‫يكون قبل الوجود‪ ،‬إنما يتحقق الوجود إذا كان ممكنا‪ .‬فالمكان متقدم على الوجود‪.‬‬
‫ن الماهية تقبل الوجود‪ ،‬وهو عارض عليها‪ ،‬والقابل متقدم على المقبول عقلً‪ .‬ومعنى‬ ‫المر الثاني‪ :‬أ ّ‬
‫ل لزم‬
‫تقدم الماهية على الوجود‪ ،‬أنها موجودة قبل الوجود‪ ،‬وهي إنما توجَد بنفس دليل الوجود المتأخر‪ ،‬وإ ّ‬
‫أن يكون للماه ية وجودان‪ :‬الول‪ :‬حين ما تكون الماه ية قابلة‪ ،‬والثانني‪ :‬حينمسا تت صف بالوجود العارض‬
‫عليها‪.‬‬
‫ن الماهية المركبة معلولة لجزائها‪ ،‬فهي متأخرة عنها‪ ،‬وهي ‪ -‬الجزاء ‪ -‬مقوّمة لها‪،‬‬ ‫المر الثالث‪ :‬أ ّ‬
‫وهذا الحكم ‪ -‬وهو تقوّم الماهية بالجزاء ‪ -‬ثابت لها قبل الوجود‪ .‬فل يمكن أن يكون هذا الحكم مشروطا‬
‫ن الوجود متأ خر‪ ،‬وتقوّم الماه ية بالجزاء هو ع ين وجود ها‪ ،‬فالح كم بالتقوّم هو عبارة عن‬‫بالوجود؛ ل ّ‬
‫ح صول الماه ية ووجود ها‪ ،‬وهذا سابق على ورود الوجود ق بل أن يكون هناك تقدّم الش يء على نف سه‪،‬‬
‫حسب تصور الرازي‪.‬‬
‫دليل الحدوث‬
‫يع ّد دليل الحدوث من أشهر الدلة التي استدل بها المتكلمون على وجود ال‪ ،‬على حد تعبير ابن أبي‬
‫الحديد‪.2‬‬
‫ويُب نى دل يل الحدوث على جملة مقدمات عقل ية‪ ،‬تشكّل في مجموع ها نظر ية الجو هر الفرد‪ .‬ودل يل‬
‫الحدوث هو دليل المتكلمين المختار‪ ،‬وقد أخذوا به جميعا‪ ،‬وخاصة الشاعرة‪ ،3‬وهو أيضا دليل الكندي من‬
‫فلسفة السلم‪.4‬‬
‫و قد أو جز ا بن ر شد‪ ،‬ت ‪595‬ه س‪ ،‬الدل يل في ثلث مقدمات كبرى‪ ،‬هي بمنزلة ال صول للدل يل‪:‬‬
‫ن العراض حادثة‪ ،‬والثالثة‪،‬‬‫ن الجواهر ل تنفك عن العراض‪ ،‬أي ل تخلو منها‪ ،‬والثانية‪ ،‬أ ّ‬
‫إحداها‪ ،‬أ ّ‬
‫ن ما ل ينفك عن الحوادث فهو حادث‪ ،‬أي ما ل يخلو من الحوادث فهو حادث مخلوق‪.5‬‬ ‫أّ‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 461‬ب‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.9/148‬‬ ‫‪2‬‬

‫عرفان عبد الحميد‪ :‬دراسات في الفرق والعقائد السلمية ص ‪.75‬‬ ‫‪3‬‬

‫الكندي‪ :‬رسائل الكندي الفلسفية‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبو ريدة‪ ،‬بيروت‪ .1/76 ،1950 ،‬إذ يقوم هذا الدليل عند الكندي س كما يقول اللوسي س‬ ‫‪4‬‬

‫على أساس إثبات تناهي جرم العالم‪ ،‬وعلى أساس تناهي زمان العالم‪ ،‬ثم على أساس تناهي حركة العالم أو الحركات عموما‪ .‬انظر‬
‫اللوسي‪ :‬فلسفة الكندي وآراء القدامى والمحدثين فيه‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيروت‪ ،1985 ،‬ص ‪.92‬‬
‫ابن رشد‪ :‬مناهج الدلة في عقائد الملة‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمود قاسم‪ ،‬مصر‪ ،1958 ،‬ص ‪.137‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪42‬‬
‫وإذا كانت طريقة المتكلمين للستدلل على وجود ال هي بأفعاله‪ ،‬كما يقول ابن أبي الحديد‪ ،‬فإنه في‬
‫ن ك ّل ما ل يُعلَم بالبديهة ول بالحس‪ ،‬فإنما‬ ‫معرض إشارته إلى دليل الحدوث‪ ،‬يؤكد ما قاله المتكلمون من أ ّ‬
‫ل أفعاله‪ ،‬فاستدلوا عليه بالعالَم‪ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫يُعلَم بآثاره الصادرة عنه‪ ،‬والبارئ تعالى متكلم‪ ،‬فالطريق إليه ليس إ ّ‬
‫العالَم محدَث‪ ،‬و كل محدَث له محدِث‪ ،1‬وقالوا تارة أخرى‪ :‬العالَم مم كن‪ ،‬فله مؤثّر‪ .2‬وتعل يل حدوث العالم‬
‫ل بالقوة ل‬
‫ع ند ا بن أ بي الحد يد‪ ،‬هو أ نه إذا لم ي كن العالم مخلوقا ب عد‪ ،‬لم ي صدق عل يه أ نه قائم بأمره إ ّ‬
‫بالفعل‪.3‬‬
‫ن الطرق إل يه أرب عة‪:‬‬
‫وعند ما ي ستدل ا بن أ بي الحد يد على وجود ال تعالى بدل يل الحدوث‪ ،‬يرى أ ّ‬
‫إحداها‪ ،‬الستدلل بحدوث الجسام‪ ،‬والثاني‪ ،‬الستدلل بإمكان العراض والجسام‪ ،‬والثالث‪ ،‬الستدلل‬
‫بحدوث العراض‪ ،‬والرابع‪ ،‬الستدلل بإمكان العراض‪. 4‬‬
‫وهذا التقسيم بعينه تجده عند الباقلني والقاضي عبد الجبار والفخر الرازي‪. 5‬‬
‫الطريق الول‪:‬حدوث الجسام‬
‫تستطيع فَهم رأي ابن أبي الحديد بخصوص هذا الطريق‪ ،‬من خلل ما أشكله على الفخر الرازي‪.‬‬
‫فالخير عندما يتساءل في كتابه المحصل‪ ،‬فيقول‪ِ :‬ل َم ل يجوز أن تكون الجسام حال عدمها واجبة العدم‪،‬‬
‫وحال وجود ها واج بة الوجود‪ ،‬وعلى هذا التقد ير ل يث بت المكان‪6‬؟‪ .‬ه نا يج يب الرازي ‪ -‬نف سه ‪ -‬على‬
‫ن المر كذلك‪ ،‬ل كن ح صول المتناع يتو قف على حضور وق ته المخ صوص‪ ،‬وح صول الوجوب‬ ‫ذلك بأ ّ‬
‫يتوقف على حضور الوقت الخر‪ ،‬والماهية من حيث هي هي‪ ،‬مع قطع النظر عن الوقتين ل يبقى لها‬
‫ل القبول‪.7‬‬
‫إّ‬
‫ن الماهية إذا سلّم لخصمه أنها واجبة‬
‫ن فيما يراه الرازي مغالطة‪ ،‬باعتبار أ ّ‬
‫هنا يرى ابن أبي الحديد أ ّ‬
‫الحصول باعتبار وقت مخصوص‪ ،‬وأنها واجبة العدم باعتبار وقت آخر مخصوص‪ ،‬فلم يبق للماهية من‬
‫حيث هي هي إمكان يقتضي المؤثر الخارج عن الوقتين؛ لنه لو بقي لها كونها على هذه الحال إمكان‬
‫يقتضي حاجتها إلى مؤثر خارج عن الوقتين‪ ،‬لوجب أن تكون ‪ -‬الماهية ‪ -‬الموجود الممكن المعلل بعلّة‬

‫قارن بخصوص مَن استدل به ابن أبي الحديد من المتكلمين‪ :‬الباقلني‪ :‬التمهيد ص ‪ 41‬س ‪ ،44‬القاضي عبد الجبار‪ :‬شرح الصول‬ ‫‪1‬‬

‫الخمسة ص ‪ ،94 ،92‬الشريف المرتضى‪ :‬المحكم والمتشابه ص ‪ 118‬س ‪ ،119‬الشيخ الطوسي‪ :‬القتصاد ص ‪ ،42‬الجويني ‪:‬‬
‫الرشاد ص ‪ 17‬وما بعدها‪ ،‬ابن المطهر الحلي ‪ :‬كشف المراد ص ‪.305‬‬
‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ ،3/221‬ويبدو أ ّن كلم ابن أبي الحديد هذا مقارب لِمَا أفاده القاضي عبد الجبار في كتابه فضل‬ ‫‪2‬‬

‫العتزال ص ‪.346‬‬
‫ن‪ ،‬م ‪.6/393‬‬ ‫‪3‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.13/40‬‬ ‫‪4‬‬

‫كتبهم على التوالي‪ :‬الباقلني‪ :‬التمهيد ص ‪ ،44‬القاضي عبد الجبار‪ :‬شرح الصول الخمسة ص ‪ ،94 ،92‬المختصر في أصول‬ ‫‪5‬‬

‫الدين ضمن رسائل العدل والتوحيد تحقيق‪ :‬محمد عمارة‪ ،‬دار الهلل‪ ،1971 ،‬ص ‪ 174‬س ‪ ،179‬الرازي‪ :‬المحصل ص ‪ 213‬س‬
‫‪.216‬‬
‫ينطلق الرازي في حدوث الجسام من القول بأ ّن المحدَث هو الذي كان معدوما ثم صار موجودا‪ ،‬وما هذا شأنه كانت ماهيته قابلة‬ ‫‪6‬‬

‫للوجود والعدم‪ .‬انظر الرازي‪ :‬المحصل ص ‪.213‬‬


‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪.213‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪43‬‬
‫ل لزم تعل يل‬
‫موجودة قد ب قي ف يه من المكان ما يحوج إلى مؤ ثر خارج عن تلك العلة‪ ،‬وهذا محال‪ ،‬وإ ّ‬
‫الممكن الشخصي الواحد بعلل ل نهاية لها‪ ،‬وذلك ممتنع لستحالته في نفسه‪ ،‬ولستحالة الشخص بعلّتين‪.1‬‬
‫ن الجواب الصحيح على تساؤل الفخر الرازي النف الذكر هو أن يقال‬ ‫وهكذا يرى ابن أبي الحديد أ ّ‬
‫إما أن تكون الجسام قبل وجودها واجبة العدم لذواتها وجوبا مطلقا‪ ،‬ل باعتبار أمر آخر‪ ،‬وتكون واجبة‬
‫باعتبار الوقست والحال التسي هسي فيهسا معدوما‪ ،‬وكذلك القول فسي جانسب الوجود‪ ،‬إمّا أن يكون وجودهسا‬
‫ن حقائقها حقائق ل تقبل العدم‪ ،‬أو باعتبار الوقت والحال التي هي فيها موجودة‪ ،‬فإن‬ ‫لمجرد ذواتها‪ :‬أي أ ّ‬
‫ن الول‪ ،‬وجب لها أن يستمر عدمها ضروري ل يجوز خلفه؛ لعدم ثاني القديم تعالى‪ ،‬ووجب لها أن‬ ‫كا ِ‬
‫ن وجودها ضروري ل يجوز خلفه لعدم ثاني القديم تعالى‪ ،‬ووجب لها أن‬ ‫تكون موجودة في كل حال؛ ل ّ‬
‫ن وجودها ضروري ل يجوز خلفه لوجود القديم تعالى‪ ،‬والجمع بين هذا‬ ‫تكون موجودة في كل حال؛ ل ّ‬
‫وهذا محال‪ ،‬وإن كان الثاني‪ ،‬ف قد ثبت الحكم الذي يروم الدللة عليه؛ لنها إذا كانت واجبة باعتبار أمر‬
‫ن ماهيت ها ‪ -‬ماه ية الج سام ‪ -‬ممك نة قابلة لق سمي الوجود‬ ‫خارج عن ماهيت ها‪ ،‬ف قد تض من هذا الكلم أ ّ‬
‫والعدم‪ ،‬ولكن ها قد و جب ل ها أحده ما لمر خارج عن ذوات ها‪ ،‬وذاك هو المؤ ثر الذي أردناه بقول نا‪ :‬لبد‬
‫للممكن من مؤثّر‪ ،‬فقد ثبت المطلوب‪ ،‬وأنتجت الدللة حكمها المراد منها‪. 2‬‬
‫ن دليل حدوث الجسام‪ ،‬الذي يتعلق به ابن أبي الحديد‪ ،‬هو شأنه شأن بقية‬ ‫ولبد من الشارة إلى أ ّ‬
‫أصحابه‪ ،‬وهذا الدليل هو الذي أثبته العلّف‪ ،‬وتابعه فيه المعتزلة فيما بعد‪. 3‬‬
‫الطريق الثاني‪ :‬حدوث العراض‬
‫الذي عليه المسلمون‪ ،‬هو القول بحدوث العراض‪ .4‬وهذا الدليل ذكره ابن أبي الحديد في معرض‬
‫رده على الفخر الرازي‪ .‬فالخير عندما استدل على وجود ال بحدوث العراض‪ ،‬كما هو الحال المشاهَد‬
‫‪ -‬على حد تعبيره ‪ -‬من انقلب النطفة علقة‪ ،‬ثم مضغة‪ ،‬ث ّم لحما ودما‪ ،‬فلبد من مؤثّر‪.5‬‬
‫ن انقلب النطفة علقة‪ ،‬ثم مضغة ليس من دأب حدوث العراض‪ ،‬على‬ ‫هنا يرى ابن أبي الحديد أ ّ‬
‫ن الم ني إذا انقلب مض غة ف قد حد ثت صورة‪،‬‬ ‫رأي الفل سفة‪ ،‬ول على رأي المتكلم ين‪ :‬أمّا الفل سفة؛ فل ّ‬
‫والمادة باق ية‪ ،‬وال صورة عند هم غ ير العراض‪ .‬وأمّا المتكلمون فيقولون عدم ج س ٍم بتما مه‪ ،‬وحدث ج س ٍم‬
‫آخر؛ لنهم ل يثبتون الهيولى‪. 6‬‬
‫ن ذلك ليس حدوث‬‫وهكذا ينتهي ابن أبي الحديد إلى أنه على كل المذهبَين ‪ -‬الفلسفة والمتكلمين – أ ّ‬
‫ن إيراد الرازي مثال انقلب النطفة في قسمة حدوث العراض مستدرَك‪ ،7‬على رأي‬ ‫أعراض‪ ،‬وعليه فإ ّ‬
‫ابن أبي الحديد‪.‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 403‬ب س ‪ 404‬أ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 403‬ب س ‪ 404‬أ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫الراوي‪ :‬ثورة العقل ص ‪.261‬‬ ‫‪3‬‬

‫البغدادي‪ ،‬عبد القاهر‪ :‬أصول الدين‪ ،‬ط ‪ ،1‬مطبعة الدولة‪ ،‬إستانبول‪ 1346 ،‬س ‪ ،1928‬ص ‪.55‬‬ ‫‪4‬‬

‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪.215‬‬ ‫‪5‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 404‬ب‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 404‬ب‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪44‬‬
‫ن هدف الفخر الرازي من هذا الدليل ‪ -‬وإن كان ابن أبي الحديد قد أشكل عليه من جانب‬ ‫ويبدو أ ّ‬
‫ل أ نه أراد إثبات قدرة ال بإظهار ع جز الن سان‪ ،‬بل ع جز المخلوقات جميعا عن إيجاد نف سها‪،‬‬
‫آ خر ‪ -‬إ ّ‬
‫مما ينتهي بالباحث إلى تبيّن وجوب وجود صانع لها يوجدها‪ .‬فهي إذن مخلوقة‪ ،‬أي ممكنة غير قديمة‪،‬‬
‫لها صانع هو ال سبحانه‪.‬‬
‫ن أحد أعلم‬‫ن أبي الحديد على الفخر الرازي في هذا الدليل‪ ،‬في حين أننا نجد أ ّ‬
‫ول أدري ِل َم أشكل اب ُ‬
‫مذهبه ‪ -‬القاضي عبد الجبار ‪ -‬استد ّل بنفس الدليل‪ ،‬مع أخذنا بنظر العتبار أسبقية القاضي زمانا على‬
‫ن انقلب النطفة والعلقة إنسانا مصوّرا وأعضاء مركّبة‪ ،‬ثم كونها حية قادرة‬ ‫الرازي‪ .‬إذ قال‪ :‬فقد علمنا أ ّ‬
‫حساسة‪ ،‬ثم تنقّلها من حال إلى حال‪ ،‬ومن رتبة إلى رتبة‪ ،‬ل يصح أن يكون الواحد مناّ‪ ،‬ول مما هو من‬
‫أمثالنا‪ ،‬فيجب أن يكون فاعل هذه العراض مخالفا لنا‪ ،‬وهو ال ج ّل جلله‪. 1‬‬
‫أنس دليسل حدوث العراض‪ ،‬ومسا اسستشهد له بانقلب النطفسة إلى مضغسة‬ ‫ولبسد مسن الشارة إلى ّ‬
‫وعل قة‪ ...‬إلى بقية الدوار‪ ،‬هو دليل اعتمده الشعري في اللّمع‪ ،‬عندما أشار إلى أنه ل يجوز أن ينت قل‬
‫الطفل إلى المراحل التالية‪ :‬الشباب‪ ،‬الشيخوخة‪ ،‬الكبر والهرم بغير ناقل ول مدبّر‪ ،‬فلبد له إذن من ناِق ٍل‬
‫نَقلَه من حال إلى حال‪ ،‬ودبّره على ما هو عليه‪. 2‬‬
‫ن أدلة المتكلم ين على حدوث العراض تؤوّل إلى قياس الشا هد‬ ‫ن ا بن ر شد يرى أ ّ‬
‫ب قي أن نقول أ ّ‬
‫ل ع ند التي قن با ستواء طبي عة‬
‫على الغائب‪ ،‬و هو دل يل خطا بي وبرها ني‪ ،‬والنقلة ل تكون معقولة بنف سها إ ّ‬
‫الشاهد والغائب‪.3‬‬
‫وإذا كان ابن رشد يرفض هذه النظرية‪ ،‬فإنه يتابع الفلسفة الذين أخذوا بعدد المقولت العشرة‪ ،‬وهذا‬
‫أنس عدد المقولت ثلثسة ل عشسر‪ ،‬وهسي الجوهنر‪،‬‬ ‫على العكسس مسن نظرة المتكلميسن التسي تذهسب إلى ّ‬
‫ي تغيّر‬
‫وأعرا ضه التي يجمع ها الكيف‪ ،‬وا َل ين الذي يتحرك فيه‪ ،‬وبهذا اتجه اتجاها أرسطيا‪ ،‬واستبعد أ ّ‬
‫يؤدي إلى إنكار شيء تأدّى إليه نظر المعلم الول‪.4‬‬
‫الطريق الثالث‪ :‬إمكان العراض‬
‫معلوم أنّس الفرق بيسن دليسل حدوث العراض‪ ،‬ودليسل إمكان العراض أن الحاجسة إلى الفاعسل فسي‬
‫الول إنما هو في الخروج من العدم إلى الوجود‪ ،‬وفي الثاني اختصاص الجواهر ببعض العراض دون‬
‫بعض مع استواء نسبتها إلى الكل‪. 5‬‬
‫ن أهمها ‪ -‬في رأينا ‪ -‬حالتان‪.‬‬
‫لأّ‬
‫وهذا الدليل تعرّض ابن أبي الحديد لِذكره مرات عدة‪ ،‬إ ّ‬

‫القاضي عبد الجبار‪ :‬المختصر ص ‪.179‬‬ ‫‪1‬‬

‫الشعري‪ :‬اللمع في الرد أهل الزيغ والبدع‪ ،‬مطبعة مصر‪ ،1955 ،‬ص ‪ 18‬بتصرف‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ابن رشد‪ :‬مناهج الدلة ص ‪.141‬‬ ‫‪3‬‬

‫عاطف العراقي‪ :‬النزعة العقلية في فلسفة ابن رشد‪ ،‬مصر‪ ،1968 ،‬ص ‪.216‬‬ ‫‪4‬‬

‫السيالكوتي‪ ،‬عبد الحكيم‪ :‬حاشية السيالكوتي على شرح الواقف للجرجاني‪ ،‬مطبوع مع المواقف لليجي‪ ،‬ط ‪ ،1‬مصر‪8/4 ،1907 ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫الولى‪ .‬عند ما قال‪ :‬لو كا نت العراض واج بة ل ستغنت في تقوّم ها عن سواها‪ ،‬لكن ها مفتقرة إلى‬
‫ن كل مفتقر إلى الغير فهو ممكن‪ ،‬فلبد له من مؤثّر‪. 1‬‬
‫المحل الذي يتقوّم به ذواتها‪ ،‬فإذن هي معلولة؛ ل ّ‬
‫الثان ية‪ .‬في معرض شر حه كلم المام علي ع‪ :‬فان ظر إلى الش مس والق مر‪ ،‬والنبات الش جر‪ ،‬والماء‬
‫والحجسر‪ ،‬قال ابسن أبسي الحديسد‪ :‬هذا هسو السستدلل بإمكان العراض على ثبوت الصسانع‪ ،‬وصسورة‬
‫ن كل جسم يقبل س للجسمية المشتركة بينه وبين سائر الجسام س ما يقبله‬ ‫الستدلل س كما يقول س هو أ ّ‬
‫غيره من الج سام‪ .‬فإذا اختلفَت الج سام في العراض فل بد من مخ صص خ صص هذا الج سم بهذا‬
‫لنس‬
‫العرض‪ ،‬دون أن يكون هذا العرض لجسسم آخسر‪ ،‬ويكون لهذا الجسسم عرض غيسر هذا العرض؛ ّ‬
‫الممكنات لبد لها من مرجّح يرجّح أحد طرفيها على الخر س ثم ذكر كلم المام ع المتقدم ‪ ،2‬ليخلص‬
‫في ما ب عد إلى القول ‪ :‬س وإذا كان كل هذا ممكنا فاخت صاص الج سم المخ صوص بال صفات والعراض‬
‫والصور المخصوصة ل يمكن أن يكون لمجرد الجسمية؛ لتماثل الجسام فيها‪ ،‬فلبد من أمر زائد‪ ،‬وذلك‬
‫المر الزائد هو المعني بقولنا‪ :‬صانع العالم‪. 3‬‬
‫ن صورة هذا الدل يل نجد ها في أو ضح صورها ع ند أش هر متكل مي‬
‫تجدر الشارة ‪ -‬ه نا ‪ -‬إلى أ ّ‬
‫الشعرية‪ ،‬وهو الباقلني‪. 4‬‬
‫دليل العناية والختراع‬
‫ن هذين الدليلين استحدثهما ابن رشد‪ ،‬بعد أن انتقد دليلي الحدوث والجواز‪ ،‬وهما أشهر أدلة‬
‫معلوم أ ّ‬
‫المتكلمين بصورة عامة‪ ،‬والشعرية منهم على الخصوص‪.5‬‬
‫دليل العناية‬
‫ن جمي سع الموجودات ال تي هاه نا مواف قة لوجود الن سان‪،‬‬
‫يقوم هذا الدل يل على أ صلين‪ ،‬أحده ما‪ :‬أ ّ‬
‫وثانيهمسا‪ :‬أنّس هسسذه المواف قة ضرورة من ق بل فاعسل قاصسد مريسد‪ ،‬إذ ل يم كن أن تكون هذه المواف قة‬
‫بالتفاق‪.6‬‬
‫ن هناك أمثلة كثيرة تشير إلى مواف قة جميع الموجودات لوجود النسان‪ ،‬ووجسه الموافقة‬ ‫والواقع أ ّ‬
‫ن كون ال يد في الجا نب أَولى من كون ها في‬ ‫والملئ مة يك من ‪ -‬على حد ت عبير ا بن أ بي الحد يد ‪ -‬في أ ّ‬
‫الرأس‪ ،‬أو في أ سفل القدم؛ لن ها إذا كا نت في الجا نب ك سان البط سش وتناول ما يُراد ودف ُع ما يؤذي‬
‫أ سهلَ‪ ،‬وكذلك القول في ج عل الع ين في المو ضع الذي جُعلَت به؛ لن ها كدَيدَبان ال سفينة البحر ية‪ ،‬ولو‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.13/71‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.13/64‬‬ ‫‪2‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.13/65‬‬ ‫‪3‬‬

‫الباقلني‪ :‬التمهيد ص ‪ ،45‬وهذا الدليل استعمله الباقلني قبل الجويني‪ ،‬وعليه فل صحة في نسبته إلى الجويني‪ ،‬كما ذهب ابن رشد‬ ‫‪4‬‬

‫في مناهج الدلة ص ‪.144‬‬


‫عرفان عبد الحميد‪ :‬دراسات في الفرق ص ‪.178‬‬ ‫‪5‬‬

‫ابن رشد‪ :‬مناهج الدلة ص ‪ .150‬وهذا ما أشار إليه ‪ -‬إجما ًل ‪ -‬أفلطون من قبل‪ ،‬عندما صرّح بأ ّن ما يبدو في هذا العالم على‬ ‫‪6‬‬

‫وجه إجمالي‪ ،‬وفي جزئياته المختلفة على وجه تفصيلي‪ ،‬يستحيل أن يصدر اتفاقا وبدون علة عاقلة مدبّرة تتوخى خيره وترتّب له من‬
‫السباب ما يكفل هذا الخير عن قصد وفكر وإرادة‪.‬انظر أفلطون‪ :‬طيماوس ‪ 28‬أ ‪ 29 -‬أ‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫ت سائر أدوات الج سد وأعضائه‬
‫جُعلَت في ُأ ّم الرأس لم يُنتَفَع ب ها هذا ال حد من النتفاع الن‪ .‬وإذا تأمل َ‬
‫وجدتَها كذلك‪. 1‬‬
‫هذه الموافقة التي أشار إلسيها ابن أبي الحديد موافقة حاصلة بين أعضاء الجسد‪ ،‬لكنه يشير إلى أن ّ‬
‫ن ال تعسالى هيأ الصقرة للصطياد‪ ،‬والخيل للركوب‬ ‫الموافقة أشمل من هذا الطار‪ ،‬وهو ما يتمثّل في أ ّ‬
‫والطراد‪ ،‬والسيف للقطع‪ ،‬والقلم للكتابة‪ ،‬والفلك للدوران‪.2‬‬
‫ن النظام حاصل في داخل جسم النسان من خلل جعل كل‬ ‫ن ابن أبي الحديد يرى أ ّ‬‫ومعنى هذا أ ّ‬
‫ن جزئيات هذا الكون على‬‫ع ضو موض عه ال صحيح‪ ،‬من ثم تعدّى النظا ُم حدو َد الج سد إلى ما حوله‪:‬فإ ّ‬
‫ن‬
‫كثرتها مرتبطة بعضها ببعض ارتباطا محكما‪ ،‬يبدو الكون من خللها كالجسم الواحد‪ ،‬وبعبارة أخرى أ ّ‬
‫ن النسان يستطيع أن يكون بأمور معقّدة هو نفس المنطق الذي يجعلنا‬ ‫المنطق السليم الذي يجعلنا نلحظ أ ّ‬
‫نعتقد بوجود خالق عظيم‪ ،‬هو الذي أبدع كل هذه الكائنات‪.3‬‬
‫ن ابن أبي الحديد يبيّن لنا‬
‫وإذا كانت العناية اللهية متميزة بالحكام والتقان في خلق الموجودات‪ ،‬فإ ّ‬
‫معنى الحكام بقوله‪ :‬المراد من الحكام هاهنا‪ :‬مجموع المرين‪ ،‬وهو مطابقة الفعل المنفعة‪ ...‬ول ريب‬
‫ن ال سموات والعنا صر وترت يب الش مس وم سيرها في فلَك ها على و جه تقرب تارة وتب عد أخرى‪ ،‬فيعلق‬ ‫أ ّ‬
‫بذلك البرد وال حر ورطو بة الهواء‪ ...‬هو ترت يب مطا بق للمنف عة م ستحسن ال صنعة‪ ...‬وكذلك القول في‬
‫أعضاء الحيوان‪ ،‬وما ذكره الطباء فيها وفي مواضعها من الحكمة اللطيفة‪. 4‬‬
‫فإذا نظر النسان إلى شيء محسوس‪ ،‬فرآه قد ُوضِع بشكل مّا وقد ٍر مّا ووض ٍع ماّ‪ ،‬موافق في جميع‬
‫ذلك للمنفعة الموجودة في الشكل المحسوس والغاية المطلوبة‪ ،‬حتى يعترف أنه لو وجِد بغير ذلك الشكل‪،‬‬
‫ن لذلك الش يء‬
‫عِل َم على الق طع أ ّ‬
‫أو بغ ير ذلك الو ضع‪ ،‬أو بغ ير ذلك القدر‪ ،‬لم توجَد ف يه تلك المنف عة‪َ ،‬‬
‫صانعا صنَعه‪ ،‬ولذلك وافق شكله ووضعه وقدره تلك المنفعة‪ ،‬وأنه ل يمكن أن تكون موافقة اجتماع تلك‬
‫الشياء؛ لوجود المنفعة بالتفاق‪. 5‬‬
‫ن هذا الدل يل ن جد أ صوله ع ند سقراط‪ ،6‬ت ‪ 399‬ق‪ .‬م‪ ،‬و من بعده ع ند تلميذه‬ ‫ول بد من القول أ ّ‬
‫أفلطون‪ ،‬ت ‪ 347‬ق‪ .‬م‪ ،‬الذي يعتبر العالم آ ية فن ية غاية في الجمال‪ ،‬ول يمكن أن يكون النظام البادي‬
‫فيما بين الشياء بالجمال‪ ،‬وفيما بين أجزاء كل منها بالتفسصيل‪ ،‬نتيجة علل اتفاقية‪ ،‬ولكنه صُن ُع عق ٍل‬
‫كام ٍل توخّى الخير‪ ،‬ورتّب كل شيء عن قصد‪.7‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.6/258‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.6/417‬‬ ‫‪2‬‬

‫مجموعة من العلماء المريكيين‪ :‬ال يتجلى في عصر العلم‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬الدمرداش عبد المجيد سرحان‪ ،‬ط ‪ ،3‬القاهرة‪ ،1968 ،‬ص‬ ‫‪3‬‬

‫‪.57‬‬
‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 406‬أ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫عاطف العراقي‪ :‬النزعة العقلية ص ‪.228‬‬ ‫‪5‬‬

‫اللوسي‪ :‬سقراط من خلل المصادر الغربية والحديثة‪ ،‬بحث منشور في مجلة كلية الداب‪ ،‬جامعة بغداد‪ ،1968 ،‬حزيران‪ ،‬العدد‬ ‫‪6‬‬

‫‪ ،11‬ص ‪ ،415‬وكذلك‪ :‬كريسون‪ ،‬أندريه‪ :‬سقراط‪ ،‬ترجمة بشارة صارجي‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيروت‪ ،1980 ،‬ص ‪ ،89 - 88‬مطر‪ ،‬أميرة‬
‫حلمي‪ :‬الفلسفة عند اليونان‪ ،‬ط ‪ ،2‬القاهرة‪ ،1968 ،‬ص ‪.155‬‬
‫كرم‪ ،‬يوسسف‪ :‬تاريسخ الفلسسفة اليونانيسة‪ ،‬ط ‪ ،3‬دار العلم‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص ‪ ،81‬شرف‪ ،‬محمسد جلل‪ :‬ال والعالم والنسسان‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪ ،1971‬ص ‪.319‬‬

‫‪47‬‬
‫ن في الظاهرات للحواس‪،‬‬‫واستدل الكندي أيضا بهذا الدليل‪ ،‬على وجود صانعه الحكيم‪ ،‬فهو يقول‪ :‬إ ّ‬
‫أظهر ال لك الخفيّات‪ ،‬لوضح الدللة على تدبير مدبّر أوّل‪ ،‬أعني مدبّر لكل مدبّر‪ ...‬لمن كانت حواسه‬
‫اللية موصولة بأضواء عقله‪.1‬‬
‫وهذا الدليل نجده أيضا عند الفارابي‪ 2‬وابن سينا‪ ،3‬وكذلك عند الباقلني‪.4‬‬
‫خيْرا َكثِيرا [البقرة‪:‬‬
‫ي َ‬
‫ح ْك َم َة َفَق ْد أُوِت َ‬
‫ت اْل ِ‬
‫ن ُي ْؤ َ‬
‫وا بن أ بي الحد يد ح ين يتطرق إلى قوله تعالى‪َ :‬و َم ْ‬
‫ن المعرفة هي عبارة عن المعرفة بال‪ ،‬وبمسا في مبتدعاته من الحكام الدالة على عِلمه‪،‬‬ ‫‪ ]269‬يرى أ ّ‬
‫كترك يب الفلك وو ضع العنا صر مواضع ها‪ ،‬ول سطائف صنعسة الن سان وغيره من الحيوان‪ ،‬وكيف ية‬
‫إنشاء النبات والمعادن‪ ،‬وما في العسالم العسلوي من القسوى المختلفة‪ ،‬والتأثيرات المتنوعة‪ ،‬الراجع ذلك‬
‫كله إلى حكمة الصانع وقدرته وعِلمه تبارك اسمه‪.5‬‬
‫ن كل ش يء من الشياء تف صيل ج سمه وهيئ ته‬‫وهكذا ينت هي ا بن أ بي الحد يد إلى نتي جة مؤدا ها أ ّ‬
‫تفصيل دقيق‪ ،‬واختلف تلك الجسام في أشكالها وألوانها ومقاديرها‪ ،‬اختلف غامض السبب‪ ،‬فلبد للكل‬
‫من مدبّر يحكم بذلك الختلف ويفعله‪ ،‬على حسب ما يعلمه من المصلحة‪.6‬‬
‫إذن فالنظام المبثوث فسي كل ش يء يسستحيل أن يكون من عمسل الطبيعسة العمياء وآثار ها‪ ،‬أو من‬
‫ن النظام نفسه قد استقل بإيجاد نفسه‪ ،‬وإذن لبد لوجوده من سبب غير طبيعي‪ ،‬وأيضا لبد‬ ‫الصدفة‪ ،‬أو أ ّ‬
‫ن بحكمته ونظامه‪.‬‬ ‫أن يكون هذا السبب حكيما عليما‪ ،‬وقادرا كي يستطيع أن يوجِد الكو َ‬
‫دليل الختراع‬
‫أمّا دل يل الختراع ف هو مب ني على أ صلين موجو َد ين بالقوة في جم يع ن ظر الناس ‪ -‬ك ما يقول ا بن‬
‫ن هذه الموجودات مخت َر عة مب َد عة ل على مثال سبق‪ ،‬وهذا معروف في الحيوانات‬ ‫ر شد ‪ -‬أحده ما‪ :‬أ ّ‬
‫ن هاه نا موجِدا للحياة‪ ،‬وال صل‬
‫والنباتات‪ ،‬فإن نا نرى أج ساما جماد ية‪ ،‬ثم تحدث في ها الحياة فنعلم قطعا أ ّ‬
‫ل مخترِعا له‪ ،‬وفي هذا‬
‫ن للموجود فاع ً‬ ‫ن لكل مخترَع مخترِعا‪ ،‬فيصبح من هذين الصلين أ ّ‬ ‫الثاني‪ :‬هو أ ّ‬
‫الجنس دلئل كثيرة على عدد المخترَعات‪.7‬‬
‫ن‬
‫وفي معرض ذكره هذا الدليل يشير ابن أبي الحديد إلى المثال التي‪ ،‬للتدليل على ما يريد فيقول‪:‬إ ّ‬
‫جرم الش مس أع ظم من جرم الرض مائة و ستين مرة‪ ،8‬ول ن سبة لجرم الش مس إلى فلك ها المائل‪ ،‬ول‬
‫نسبة لِفلكها المائل إلى فلكها المميل‪ ،‬وفلك تدوير المريخ الذي فوقها أعظم من مميل الشمس‪ ،‬ول نسبة‬
‫لفلك تدوير المريخ إلى فلكه المميل‪ ،‬وفلك تدوير المشتري أعظم من مميل المريخ‪ ،‬ول نسبة لفلك تدوير‬

‫الكندي‪ :‬رسائل الكندي ‪ 214 ،1/174‬س ‪ 230 ،215‬س ‪ ،231‬اللوسي‪ :‬فلسفة الكندي ص ‪ 134‬س ‪.140‬‬ ‫‪1‬‬

‫الفارابي‪ :‬عيون المسائل‪ ،‬المجموع‪ ،‬ص ‪.75‬‬ ‫‪2‬‬

‫ابن سينا‪:‬الشفاء س اللهيات س تحقيق‪:‬محمد يوسف موسى‪ ،‬القاهرة‪ ،2/415 ،1960 ،‬النجاة ص ‪ ،320‬الشارات ‪3/318‬‬ ‫‪3‬‬

‫الباقلني‪ :‬التمهيد ص ‪.23‬‬ ‫‪4‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ 8/293‬س ‪.294‬‬ ‫‪5‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.13/64‬‬ ‫‪6‬‬

‫ابن رشد‪ :‬مناهج الدلة ص ‪ 150‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫كذا ورد هذا التقدير في الصل‪ ،‬والصحيح أ ّن كتلة الشمس تقدّر بنحو ‪ 332000‬مرة‪ .‬انظر أبو العينين‪ ،‬حسن سيد أحمد‪ :‬كوكب‬ ‫‪8‬‬

‫الرض‪ ،‬ظواهره التضاريسية الكبرى‪ ،‬ط ‪ ،3‬السكندرية‪ ،1976 ،‬ص ‪.13‬‬

‫‪48‬‬
‫المشتري إلى فلكه المميل‪ ،‬وفلك تدوير زحل أعظم من مميل المشتري‪ ،‬ول نسبة لفلك تدوير زحل إلى‬
‫مميل زحل‪ ،‬ول نسبة لمميل زحل إلى كرة الثوابت‪ ،‬ول نسبة لكرة الثوابت إلى الفلك الطلس القصى‪،‬‬
‫فان ظر أي ن سبة تكون الرض بكليت ها على هذا الترت يب إلى الفلك الطلس‪ ،‬وهذا ما تق صر العقول عن‬
‫فهمه‪ ،‬وتنتهي دونه‪ ،‬وتحول سواتر الغيوب بينها وبينه كما قال عليه السلم‪.1‬‬
‫ن مَن تأمل كتبنا العقلية واعتراضنا على الفلسفة الذين‬ ‫وهكذا ينتهي ابن أبي الحديد إلى القول بأ ّ‬
‫علِم‬
‫عللوا هذه المور‪ ،‬وزعموا أن هم ا ستنبطوا ل ها أ سبابا عقل ية‪ ،‬وادّعوا وقوف هم على كنه ها وحقائق ها‪َ ،‬‬
‫ن مَن حاول تقسدير مُلك ال تعالى وعظيم مخلوقاته بمكيال عقله‪ ،‬فقد‬ ‫صحة ما ذكره عليه السلم‪ ،‬من أ ّ‬
‫ل مبينا‪.2‬‬
‫ض ّل ضل ً‬
‫دليل الحركة‬
‫ن المحركات ل يمكن أن‬
‫يعتمد هذا البرهان على فكرة إثبات الحركة‪ ،‬وأنها لبد لها من محرك‪ ،‬وأ ّ‬
‫تتسلسل‪ ،‬فلبد للعقل أن يسلّم بوجود محرك أول حركُت ُه من ذاته‪ ،‬وهو هنا ال ‪.3‬‬
‫تناول ابن أبي الحديد هذا الدليل في شرح نهج البلغة‪ ،4‬في معرض إيضاح فقرات من كلم المام‬
‫أمير المؤمنين ع التي تتعلق بالموضوع‪.‬‬
‫وعلى هذا ال ساس‪ ،‬فا بن أ بي الحد يد في معرض إيضا حه كلم المام ع‪:‬ل تجري عل يه الحر كة‬
‫ن هذا الدليل أخذه المتكلمون عنه ع فنظموه في كتبهم وقرروه‪.5‬‬
‫والسكون‪ ،‬يشير قبل كل شيء إلى أ ّ‬
‫ن‬
‫ن الحركة والسكون معا ٍ‬ ‫ومضمون الدليل ‪ -‬فيما فهمه ابن أبي الحديد من كلم المام ع ‪ -‬هسو‪ :‬أ ّ‬
‫محدَثة‪ ،‬فلو حلّت فيه لم يخلو منها‪ ،‬وما لم يخل من المحدَث فهو محدَث‪ ..‬وإذا ثبت أنّه هو الذي أجرى‬
‫الحركة والسكون‪ ،‬أي أحدثهما‪ ،‬لم يجز أن يجريا عليه؛ لنهما لو جريا عليه لم يخل‪ :‬إمّا أن يجسريا عليه‬
‫ن أحدهما قديسم ثم تله الخر‪ ،‬والول‬ ‫على التعاقب‪ ،‬وليس ول واحد منهما بقديم‪ ،‬أو يجريا عليه على أ ّ‬
‫با طل ب ما يب طل به حوادث ل أول ل ها‪ ،‬والثا ني با طل بكل مه ع؛ وذلك ل نه لو كان أحده ما قديما م عه‬
‫سبحانه‪َ ،‬لمَا كان أجراه‪ ،‬لكن قد علمنا أنه أجراه‪ ،‬أي أحدثه‪ ،‬وهسذا خلف محال‪ ،‬وأيضا فإذا كان أحدهما‬
‫ن القديم ل يزول بالمحدَث‪.6‬‬‫قديما لم يجز أن يتلوه الخر‪ ،‬ل ّ‬
‫ن الحر كة وال سكون من أق سام العراض‬ ‫ن ا بن أ بي الحد يد أراد م ما تقدم‪ ،‬الشارة إلى أ ّ‬
‫ويبدو أ ّ‬
‫ن ال هو جا عل الحر كة‬‫وأو صاف الج سام‪ ،‬في ستحيل جريانه ما عل يه سبحانه‪ ،‬وعلى هذا ال ساس فإ ّ‬
‫وال سكون ومبدئه ما وموجده ما‪ ،‬فه ما من مجعول ته وآثار الخالق في الج سام‪ ،‬و كل ما كان من آثاره‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ ،9/225‬وتنصرف هنا عليه السلم في النص إلى المام علي‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.9/225‬‬ ‫‪2‬‬

‫عرفان عبد الحميد‪ :‬دراسات في الفرق ص ‪.195‬‬ ‫‪3‬‬

‫من المحت مل أ نه تناوله في مؤلفا ته الفل سفية والكلم ية الموجودة في المكت بة الوطن ية في أنقرة‪ ،‬وال تي لم يتي سّر ل نا الطلع علي ها‬ ‫‪4‬‬

‫ت إليها في الفصل الول‪.‬‬ ‫للسباب التي أشر ُ‬


‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ .13/78‬ومن هنا ندرك خلفية قرار نصير الدين الطوسي في المتناع عن تسمية ممثل للقائلين‬ ‫‪5‬‬

‫بدليل الحركة‪ .‬انظر اللوسي‪ :‬حوار بين الفلسفة والمتكلمين ص ‪ .58‬والذي نميل إليه هو أ ّن اطلعه على نهج البلغة هو الذي‬
‫جعله يتخذ قرار المتناع‪.‬‬
‫ن‪ ،‬م ‪.13/78‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪49‬‬
‫ن المؤثر واجب التقدم على الثر‪ ،‬وإذا كانت كل حركة بحاجة إلى علة‬ ‫فيستحيل اتصافه به‪ ،‬باعتبار أ ّ‬
‫ن تسلسل العلل والسباب في الوجود يجب أن ينتهي إلى‬ ‫وسبب؛ لضرورة وجود سبب لي موجود‪ ،‬فإ ّ‬
‫سبب ل سبب لوجوده؛ لبطلن فكرة الت سلسل الذي ل ينتهي‪ ،1‬ول بد أن يكون هذا ال سبب خارج الطار‬
‫ل أن يكون سسبب الحركسة خارجا عنهسا؛ لنّس المحرّك غيسسر‬ ‫المادي للطبيعسة والحركسة‪ ،‬بسل ل يمكسن إ ّ‬
‫ن الشيء ل يكون علّة نفسه‪ ،‬وإلى ذلك أشار كل من الفارابي وابن سينا‪ ،2‬كما سنرى‪.‬‬ ‫المتحرك‪ ،‬ل ّ‬
‫فالفارابسي قال‪:‬ل يجوز أن يكون للحركسة ابتداء زمانسي‪ ،‬ول آخسسر زمانسي‪ ،‬فإذن يجسب أن يوجسد‬
‫متحركا‪ ،‬إذ ل ينفك المتحرك عن المحرّك‪ ،‬ول يتحرك هو بذاته‪.3‬‬
‫ن كل حركة‪ ،‬وكل فعل‪ ،‬وكل إرادة‪ ،‬وك ّل تدبير َلمّا كسان حادثا‪ ،‬كان سببه‬
‫أمّا ابن سينا فأشار إلى أ ّ‬
‫الحركة‪ ،‬ولتلك الحركة حركة أخرى‪ ،‬إلى أن ينتهي كل ذلك إلى الحركة الولى‪.4‬‬
‫ن جسواز الحركة والسكون عليه‬ ‫ن ما تبيّنه من كلم المام ع من أ ّ‬‫ن ابن أبي الحديد يرى أ ّ‬
‫على أ ّ‬
‫سسبحانه تؤدي إلى تجزئة كنهسه تعالى‪ ،‬وإلى أن يكون له وراء إذا وُجِسد له أمام‪ ،‬هسو كلم تأكيسد لبيان‬
‫ن القول بجوازه ما عل يه سبحانه يع ني أن تكون ذا ته ذا‬‫ا ستحالة جريان الحر كة وال سكسون‪ ،‬باعتبار أ ّ‬
‫ن المتحرك الساكن لبد أن يكون متحيزا‪ ،‬وكل متحيز جسم‪ .5‬هذا من جانب‪ ،‬ومن جانب آخر‪،‬‬ ‫قسمة؛ ل ّ‬
‫ن الحر كة لو حّل ته لكان جرما وحجما‪ ،‬ولَكان أ حد وج َه يه غ ير ال خر ل محالة‪ ،‬فكان منق سما‪ ،‬وهذا‬ ‫فإ ّ‬
‫ن مَن أثب ته يقول‪ :‬ي صح أن تحلّه‬
‫ل مع ن في الجو هر الفرد؛ ل ّ‬‫الكلم ‪ -‬ك ما يرى صاحبنا ‪ -‬ل ي ستقيم إ ّ‬
‫الحركة‪ ،‬ول يكون أحد وجهَيه غير الخر‪. 6‬‬
‫ن الحركة والسكون المكانيّين من العراض الخاصة بالجسام‪،‬‬ ‫ن ابن أبي الحديد أراد القول بأ ّ‬
‫وكأ ّ‬
‫فلو اتصف الواجب سبحانه لكان جسما‪ ،‬وكل جس ٍم مركب قابل للتجزئة‪ ،‬وكل مركب مفتقر إلى أجزائه‬
‫وممكن‪ ،‬فيكون الواجب مفتقرا ممكنا‪ ،‬وهو باطل‪.‬‬
‫ن القوة‬
‫ونلمح أصول ما أفاده ابن أبي الحديد ‪ -‬آنفا ‪ -‬عند ابن سينا في الشارات‪ ،‬عندما يقول‪ :‬أ ّ‬
‫المحرّكة للسماء غير متنساهية ول جسمانية‪ ،‬فهي مفارقة عقلية‪ ،‬كذلك ليست أنها في جسم‪ ،‬حيث لو‬
‫كا نت في ج سم‪ ،‬لكان كل جزء قوة غ ير متناه ية‪ ،‬فيكون الجزء م ثل ال كل‪ ،‬أو ل كل جزء نها ية‪ ،‬فيكون‬
‫ع شهواني أو غضبي‪ ،‬فلبد أن يكون المعشوق‬ ‫ن تحريكها للسماء لِدا ٍ‬
‫الجميع متناهيا‪ ،‬ول يمكن أن يقال‪:‬أ ّ‬
‫مختارا‪ ،‬فيكون المتشوّق متشبّها بالمور التي بالفعل من حيث براءتها من القوة‪. 7‬‬

‫يرى الدكتور اللو سي أ ّن المتكلم ين كانوا معنّي ين بإثبات ا ستحالة الت سلسل إلى ما ل نها ية‪ ،‬وأ ّن الحوادث لبد أن تكون متناه ية‬ ‫‪1‬‬

‫للوصول إلى عدة أهداف عقيدية‪ ،‬منها إثبات أنه كنتيجة لهذا فلبد لهذه الحوادث من محدِث قديم‪ ،‬وأنها جميعا مبتدئة في الزمان‪ ،‬كما‬
‫استُخدم لثبات إحدى مقدمات دليل الحدوث المشهور عند المتكلمين‪ ،‬وهي أ ّن ما ل ينفك عن الحوادث فهو حادث‪ ،‬كما أنه استُخدم‬
‫في إبطال فكرة الفلسفة بتسلسل حوادث ل نهاية لها ول بداية‪ .‬انظر اللوسي‪ :‬فلسفة الكندي ص ‪.121‬‬
‫كما أشار إليه بعدهما كل من الغزالي في المقاصد ص ‪ ،270 - 267‬وابن رشد‪ ،‬انظر عاطف العراق‪ :‬النزعة العقلية ص ‪.237‬‬ ‫‪2‬‬

‫الفارابي‪ :‬عيون المسائل‪ ،‬المجموع‪ ،‬ص ‪.71 - 70‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن سينا‪ :‬التعليقات‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬المكتبة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1973 ،‬ص ‪.131‬‬ ‫‪4‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.13/78‬‬ ‫‪5‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.13/79‬‬ ‫‪6‬‬

‫ابن سينا‪ :‬الشارات ‪ 3/201‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪50‬‬
‫ن الحركسة تدل علسى إثبسات جوهر شريف‬ ‫كما نجد نظير ما تقدّم عند الغزالي‪ ،‬حين صرّح بأ ّ‬
‫ن الحركة دائمة‬
‫ل مجرّدا‪ ،‬ويدل عليه بواسطسة عدم التناهي‪ ،‬حيث أ ّ‬ ‫غير متغيّر‪ ،‬وليس بجسم‪ ،‬يسمى عق ً‬
‫ل وأبدا‪ ،‬مستمدة من قوة محرّكة‪ ،‬وتستحيل أن تكون هذه القوة في جسم؛ لنه ‪ -‬الجسم ‪-‬‬ ‫ل نهاية لها أز ً‬
‫منق سم‪ ،‬وبذلك تنق سم‪ ،‬وهذا ل يخلو‪ :‬إمّا أن يحرّك إلى غ ير نها ية‪ ،‬فيكون الجزء م ثل ال كل‪ ،‬وهذا محال‪،‬‬
‫ح البد نَ‪ ،‬وهو ما فيه‬
‫ق العاش قَ‪ ،‬وهو ما لجله الحركة‪ ،‬أو كما تحرّك الرو ُ‬‫أو يحرّك كما يحرّك المعشو ُ‬
‫الحركة‪. 1‬‬
‫ن القول بجسواز الحركة والسكون عليه تعالى‪،‬‬ ‫ن هناك محالت أخرى يتبيسن من خللها أ ّ‬ ‫كما أ ّ‬
‫يؤدي إلى التماس التمام إذ لنزمه النقصان‪ ،‬كما يقول المسام علي ع‪ .‬وفي هذا الطار يؤكد ابن أبي‬
‫ن الحر كة وجود‬‫ن الكون عدم ون قص‪ ،‬وأ ّ‬ ‫ن في هذا القول إشارة إلى ما يقوله الحكماء‪ ،‬من أ ّ‬
‫الحد يد أ ّ‬
‫عدِم عنسه كماله‪ ،‬فكان ملتمسسا‬
‫وكمال‪ ،‬فلو كان سسبحانه يتحرك ويسسكن لكان حال السسكون ناقصسا قسد ُ‬
‫كمالسه بالحركة الطارئة على السكون‪ ،‬وواجب الوجود يستحيل أن يكون له حالة نقصان‪ ،‬وأن يكون له‬
‫حالة بالقوة وأخرى بالفعل‪.2‬‬
‫ن ما أشار إليه ابسن أبي الحديد‪ ،‬هسو تعريف الفلسفة للحركة‪ ،‬التي قال أرسطو عنها بأنها‬ ‫ويبدو أ ّ‬
‫كمال ما بالقوة بما هو كذلك‪ ،3‬أمّا المتكلمون فقد عرّفوها بأنها حصول الجسم في مكان بعد أن كان في‬
‫أنس تقييسد المتكسسلمين الحصسول بالمكان بناء على أنهسم ل يثبتون الحركسة فسي سسائسر‬ ‫آخر‪ . 4‬ويبسسدو ّ‬
‫المعقولت‪ ،‬بل يخ صسونها بمقول سة الي سن فقط‪ ،5‬وأمّا الول سون فيحكم سون بوق سوعها في ال ين‬
‫والوضع والكم والكيف‪ ،‬والمراد بالكمال في تعريفهم‪ ،‬هو الحاصل بالفعل‪ ،‬يقول القوشجي‪ :‬إنمسا سمي‬
‫ن في القوة نق صانا‪ ،‬والفع سل تمام بالن سبة إلي ها‪ ،‬وه سذه الت سمية ل تقت ضي‬
‫الحا صل بالف عل كمالً؛ ل ّ‬
‫سبسق القوة‪ ،‬بل يكفيها تصورها وفرضها‪. 6‬‬
‫ل بالقوة‪،‬‬
‫ن الحركة إنما تكون حاصلة بالفعل‪ ،‬إذا كان المطلوب حاص ً‬
‫وبناء على ما تقدّم‪ ،‬نلحظ أ ّ‬
‫ن الحركة التي‬
‫لكن من حيث هو بالقوة ل من حيث هو بالفعل‪ ،‬ول من حيثية أخرى‪ ،‬كسائر الكمالت‪ :‬فإ ّ‬
‫هو باعتبارها كان بالقوة‪ ،‬أي الحصول في المكان الخر‪.‬‬
‫وإذا فهمنا تعريف الحركة عند الفلسفة والمتكلمين‪ ،‬علمنا مراد الطرفين من امتناع جريان الحركة‬
‫على ال من وجهة نظر كل منهم‪.‬‬
‫وهكذا ننتهسي فسي هذا الدليسل إلى القول أنّس قاعدة كسل متحرك له محرّك‪ ،‬تقضسي بعدم إمكان سسير‬
‫سلسلة العلل والمعلولت إلى ما ل نهاية لها‪ ،‬فلبد أن تنتهي إلى حد يتوقف عنده بالضرورة العقلية‪ ،‬وهذا‬
‫الحد هو الذي أسماه أرسطو بالمحرّك غير المتحرّك‪ ،‬وسماّه الفلسفة المسلمون بأنه قادر على كل شيء‪،‬‬

‫الغزالي‪ :‬المقاصد ص ‪ 279‬س ‪.283‬‬ ‫‪1‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.13/79‬‬ ‫‪2‬‬

‫أرسطو‪ :‬كتاب الطبيعة‪ ،‬ط ‪ ،2‬القاهرة‪ 1964 ،‬س ‪ ،1/171 ،1965‬ابن سينا‪ :‬رسالة الحدود‪ ،‬ضمن المصطلح الفلسفي عند العرب‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫للدكتور عبد المير العسم‪ ،‬ط ‪ ،1‬بغداد‪ ،1985 ،‬ص ‪.252‬‬


‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.13/24‬‬ ‫‪4‬‬

‫وهو ما عليه ابن أبي الحديد من خلل النص المتقدم‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫القوشجي‪ ،‬علء الدين‪ :‬شرح تجريد الكلم‪ ،‬طبع حجر‪ ،1285 ،‬ص ‪.195‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪51‬‬
‫فأرسطو خرج من مشكلته بإثبات إله يلئم العقيدة السائدة في عصره‪ ،‬وأمّا الفلسفة السلميون وعلماء‬
‫الكلم فانتهوا إلى الذات اللهية المجردة عن كل مادة ونقص‪. 1‬‬
‫ن ما ذكره ابن أبي الحديد من انفراد المام علي ع‪ ،‬بحسب استقرائه بدليل الحركة‪ ،‬إنما هو‬ ‫على أ ّ‬
‫فسي أخذهسا ‪ -‬الحركسة ‪ -‬أثرا ظاهرا لثبات الحدوث والمكان فسي المتحرّك‪ ،‬ويعود السستدلل بهسا إلى‬
‫ن الحركة في أشهر تعريفاتها ‪ -‬كما ذكرنا ‪ -‬هي‪ :‬الحصول‬ ‫الستدلل بالحدوث والمكان؛ نظرا إلى أ ّ‬
‫ن تغيّره صيرورته في‬ ‫الول في المكان الثا ني‪ ،‬وهذا يع ني تغي ير المتحرك الم ستلزم لحدو ثه‪ .‬وح يث أ ّ‬
‫وجود بعسد وجوده‪ ،‬فالوجودات اللحقسة مسسبوقة بعدم‪ ،‬ومسا كان مسسبوقا بعدم فهسو حادث وممكسن معا‪،‬‬
‫والممكن محتاج إلى علة‪ ،‬يثبت بذلك المؤثر لهذا الثر‪ ،‬وعليه فدليل الحركة ل يستقل عن دليلي الحدوث‬
‫والمكان‪ ،‬وإن ما هو من أبرز م صاديقهما‪ ،‬وأو ضح ما يلت فت إل يه عا مة الناس‪ ،‬وهذا ما يتنا سب مع‬
‫الستدللت الخطابية العامة‪ ،‬التي كان يستخدمها المام علي ع‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬الصفات اللهية الثبوتية عند ابن أبي الحديد‬
‫تمهيد‬
‫آراء المتقدمين على ابن أبي الحديد‬
‫الوحدانية‬
‫القدم والزل‬
‫القدرة والرادة‬
‫العلم‬
‫السمع والبصر‬
‫الحياة‬
‫الكلم‬
‫تمهيد‬
‫ن الذات اللهية متصفة بصفات الكمال الثبوتية الواجبة‪ ،‬التي أطلقها البارئ تعالى على نفسه‬ ‫معلوم أ ّ‬
‫ن هذه اللفظة الذات مختلَف في جواز إطلقها وعدمه‪ ،‬وهذا ما يطلعنا عليه ابن أبي الحديد‪.‬‬‫لأ ّ‬‫الكريمة‪ ،‬إ ّ‬
‫يقول‪ :‬ولفظة ذات قد طال فيها كلم كثير من أهل العربية‪ ،‬فأنكر قوم إطلقها‪ ،‬وإضافتها إليه‪ ،‬أمّا إطلقها‬
‫فلنها لفظة تأنيث‪ ،‬والبارئ تعالى منزه عن السماء والصفات المؤنثة‪ ،‬وأمّا إضافتها فلنها عين الشيء‪،‬‬
‫والشيسء ل يضاف إلى نفسسه‪ ،‬وأجاز آخرون إطلقهسا فسي البارئ تعالى وإضافتهسا إليسه‪ ،‬أمّا اسستعمالها‬
‫فلوجهين‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أنها قد جاءت في الشعر القديم‪ ،‬قال خبيب الصحابي‪ ،‬عند صلبه‪:‬‬
‫يبارك على أوصال شِل ٍو موزّع‬ ‫وذلك في ذات الله وإن يشأ‬

‫الموسوي‪ ،‬موسى‪ :‬قواعد فلسفية‪ ،‬ط ‪ ،1‬النجف الشرف‪ ،1978 ،‬ص ‪.38‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪52‬‬
‫ل في مسمّاها‪،‬‬
‫ثانيهما‪ :‬أنها لفظة اصطلحية‪ ،‬فجاز استعمالها ل على أنها مؤنث ذو‪ ،‬بل تُستعمَل ارتجا ً‬
‫الذي عبّر عنه أرباب النظر اللهي‪ ،‬كما استعملوا لفظ الجوهر والعرَض وغيرها في غير ما كان أهل‬
‫العربية واللغة يستعملونها فيه‪.1‬‬
‫ويرى ا بن أ بي الحد يد بهذا الخ صوص ما يراه المجوّزون ‪ -‬الفر يق الثا ني ‪ -‬وذلك ح ين ر فض ما‬
‫عليه الفريق الول‪ ،‬من إنكار لفظة الذات إليه تعالى‪ ،‬حيث قال‪ :‬وأمّا منعهم إضافتها إليه تعالى‪ ،‬وأنه ل‬
‫ن الشيء ل يضاف إلى نفسه‪ ،‬فباطل بقولهم‪ :‬أخذتُه نفسه‪ ،‬وأخذتُه عينه‪ ،‬فإنه بالتفاق جائز‪،‬‬ ‫يقال ذاته؛ ل ّ‬
‫وفيه إضافة الشيء إلى نفسه‪. 2‬‬

‫آراء المتقدمين على ابن أبي الحديد‬


‫ولنعد الن إلى بيان آراء المتقدمين على ابن أبي الحديد ‪ -‬من الفلسفة والمتكلمين ‪ -‬في تحديد العلقة‬
‫بين الصفات والذات اللهية‪.‬‬
‫ن الصفات‬
‫ن ذات ال تعالى واحدة ل كثرة فيها بوجه من الوجوه‪ ،‬وأ ّ‬‫فالفلسفة المسلمون صرحوا بأ ّ‬
‫ن ال في نظرهم عقل محض‪ ،‬وفكر محض‪ ،‬فليس هناك صفات‬ ‫ن قائمة بذاته‪ ،‬بل هي ذاته‪3‬؛ ل ّ‬
‫ليست معا ٍ‬
‫زائدة على ذات واجب الوجود‪.4‬‬
‫المام ية قالوا‪ :‬ال صفات عين الذات وغ ير زائدة عليها‪ ،5‬في ستحيل أن يت صف تعالى ب صفة زائدة على‬
‫ن وجوب الوجود عندهم يقتضي الستغناء‬ ‫ل أو صفة غيرهما‪ ،‬باعتبار أ ّ‬ ‫ى أو حا ً‬
‫ذاته‪ ،‬سواء جعلناها معن ً‬
‫عن كل شيء‪. 6‬‬
‫ن هذا الثبات ل‬
‫الشعرية والماتريدية‪ ،‬أثبتوا ل تعالى صفات قديمة زائدة على الذات‪ ،‬معللين ذلك بأ ّ‬
‫ينتهي إلى تعدد وكثرة‪ ،7‬ووافقهم الصوفية‪ 8‬على ذلك‪.‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ 6/408‬س ‪.409‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.6/409‬‬ ‫‪2‬‬

‫الشهرستاني‪ :‬الملل ‪.1/50‬‬ ‫‪3‬‬

‫ان ظر آراء هم ع ند الفارا بي‪ :‬آراء أ هل المدي نة الفاضلة‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيروت‪ ،‬ص ‪ 32‬س ‪ ،33‬ا بن سينا‪ :‬الر سالة العرش ية ض من سبع‬ ‫‪4‬‬

‫رسائل ط ‪ ،1354 ،1‬ص ‪ 5‬س ‪ ،6‬الشفاء س اللهيات س ‪ 2/367‬س ‪ ،368‬الغزالي‪ :‬المقاصد‪ :‬ص ‪ 214‬س ‪.215‬‬
‫الش يخ المف يد‪ :‬أوائل المقالت ص ‪ ،55‬الشر يف المرت ضى‪ :‬ج مل العلم والع مل‪ ،‬تحق يق‪ :‬رش يد ال صفار‪ ،‬ط ‪ ،1‬الن جف الشرف‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ ،1967‬ص ‪ ،30‬الشيخ الطوسي‪ :‬القتصاد ص ‪ ،78‬ابن المطهر الحلي‪ :‬الرسالة السعدية‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الحسين محمد علي‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫النجف الشرف‪ ،‬بدون تاريخ ص ‪ 59‬س ‪.60‬‬
‫ابن المطهر الحلي‪ :‬كشف المراد ص ‪.321‬‬ ‫‪6‬‬

‫الشهر ستاني‪ :‬نها ية القدام في علم الكلم‪ ،‬ت صحيح‪ :‬ألفرد جيوم‪ ،‬مطب عة المث نى‪ ،‬بغداد‪ ،‬بدون تار يخ‪ ،‬ص ‪ ،181‬التفتازا ني‪ ،‬شرح‬ ‫‪7‬‬

‫العقائد النسفية‪ ،‬مع حاشية الكستلي والخيالي‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية‪ ،‬مصر‪ ،‬ص ‪ 70‬س ‪ ،71‬وانظر وجهة نظر الطرفين عند‪:‬‬
‫البغدادي‪ :‬أصول الدين ص ‪ ،90‬الفرق بين الفرق ص ‪ ،322‬فتح ال خليف‪ :‬مقدمة كتاب التوحيد للماتريدي‪ ،‬دار المشرق‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪ ،1970‬ص ‪ ،36‬النسفي‪ ،‬أبو المعين‪ :‬بحر الكلم‪ ،‬بغداد‪1304 ،‬هس‪ ،‬ص ‪ 13‬وما بعدها‪.‬‬
‫الكلباذي‪ :‬التعرّف لمذهب أهل التصوف‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الحليم محمود‪ ،‬مصر‪ ،1960 ،‬ص ‪ 49‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪53‬‬
‫ولبن أبي الحديد موقف واضح مما ذهب إليه الشعرية والماتريدية‪ ،‬كما سنفصله في الصفحات‬
‫ن نفي الصفات عنه تعالى يقصد بها نفي المعاني‪،1‬‬ ‫التالية بهذا الخصوص‪ ،‬لكنه قبل كل شيء يصرح بأ ّ‬
‫وعلى هذا الساس يؤكد ابن أبي الحديد ما ذهب إليه أصحابه المعتزلة من نفي المعاني القديمة‪ ،2‬التي‬
‫يثبتها الشعري‪ ،‬ت ‪330‬هس‪ ،‬وأصحابه‪ 43‬على حد تعبيره‪.‬‬
‫ودليل ابن أبي الحديد على نفي المعاني القديمة ذكره في معرض شرحه كلم المام ع‪ :‬ولو كان ‪-‬‬
‫ن القدم عند هم‬
‫القرآن ‪ -‬قديما لكان إلها ثانيا‪ ،‬قال‪ :‬هذا هو دل يل المعتزلة على ن في المعا ني القدي مة‪ ...‬ل ّ‬
‫ى قديما قائما بذات البارىء‪،‬‬
‫ن في الوجود معن ً‬ ‫أخص صفات البارئ تعالى‪ ،‬أو موجب على الخص‪ ،‬فلو أ ّ‬
‫لكان ذلك المعنى مشاركا للبارئ في أخص صفاته‪ ،‬وكان يجب لذلك المعنى جميع ما وجب للبارئ من‬
‫الصفات نحو العالمية والقادرية وغيرهما‪ ،‬فكان إلها ثانيا‪.5‬‬
‫ن ال صفات هي صفات‬
‫ن الشعر ية يقولون‪ :‬أ ّ‬
‫ول يفوت نا ه نا ما ذكره ا بن ر شد‪ ،‬عند ما أشار إلى أ ّ‬
‫معنوية‪ ،‬وهي صفات زائدة على الذات‪ ،‬ويلزمهم على هذا أن يكون الخالق جسما‪.6‬‬
‫ن ا بن أ بي الحد يد‪ ،‬كبق ية أ صحابه من معتزلة بغداد‪ ،‬الذ ين ينفون عن ال المعا ني‬
‫م ما تقدم ي تبين أ ّ‬
‫ن معتزلة بغداد هم من أصحاب مذهب المعاني‪. 7‬‬ ‫القديمة‪ ،‬وهذا يعني عدم دقة ما ذهب إليه دي بور من أ ّ‬
‫ويورد لنا ابن أبي الحديد نصا يجمع فيه رأي الشعرية والماتريدية بخصوص ما ذهبوا إليه‪ ،‬حين‬
‫ن الكتاب وال سنة قد نط قا ب صفات ال‪ ،‬من كو نه تعالى عالِما قادرا حيا مريدا سميعا ب صيرا‪...‬‬
‫صرح بأ ّ‬
‫حرّم وحُظر على المكلفين الفكر فيه‪ ،‬كإثبات صفات‬ ‫وأمّا ما لم يأت الكتاب والسنة فيه بشيء‪ ،‬فهو الذي ُ‬
‫زائدة على ال صفات المعقولة لِذات البارىء سبحانه‪ ،‬و هو على ق سمين‪ ،‬أحده ما‪ :‬ما لم يرد ف يه نص‪،‬‬
‫كإثبات طائ فة تعرف بالماتريد ية صفة سموها التكو ين زائدة على القدرة والرادة‪ ،‬والثا ني‪ :‬ما ورد ف يه‬
‫ل فظ فأخ طأ ب عض أ هل الن ظر‪ ،‬فأث بت ل جل ذلك اللف ظة صفة غ ير معقولة للبارئ سبحانه‪ ،‬ن حو قول‬
‫ن وجه ال‬ ‫ن اليدين صفة من صفات ال‪ ،‬والستواء على العرش صفة من صفات ال‪ ،‬وأ ّ‬ ‫الشعريين‪ :‬أ ّ‬
‫صفة من صفاته أيضا‪. 8‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.1/74 ،6/345‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر النيسابوري‪ ،‬أبو رشيد‪ :‬ديوان الصول‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبو ريدة‪ ،‬ط ‪ ،1‬مطبعة دار الكتب‪ ،1969 ،‬ص ‪.575‬‬ ‫‪2‬‬

‫وقد صرّح ابن أبي الحديد بأ ّن نفي المعاني القديمة القائمة بذات البارئ سبحانه عندهم س الشعرية س ليست معلولة لِعلة‪ ،‬مشيرا إلى‬ ‫‪3‬‬

‫أنه قد نقل ذلك من كتاب الباقلني المسمى هداية المسترشدين‪ ،‬والجويني في الشامل راجع الشامل ص ‪ 686‬وما بعدها وأكد بأ ّن‬
‫ت ذاتا على الطلق‪ ،‬وعزز ابن أبي الحديد مدّعاه بما‬ ‫هذين المصّنفَين س الباقلني والجويني س نصّا على أنه يستحيل أن توجب ذا ٌ‬
‫ذكره أبو الحسين البصري في كتاب التصفح عن الشعرية في معرض مناقضته للباقلني‪ ،‬لّمّا انج ّر الكلم بينهما في العلم‪ :‬ما الذي‬
‫اقتضاه‪ ،‬هل هو جواز أن يكون العالِم عالِما أم ل‪ .‬راجع ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 414‬أ س ب‪.‬‬
‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ ،1/74 ،20/227‬وفي موضع آخر يقول ابن أبي الحديد‪ :‬إ ّن أصحابنا س المعتزلة س أضافوا‬ ‫‪4‬‬

‫إلى التوح يد ن في المعا ني القدي مة‪ ،‬ون في ثا ٍن في الله ية‪ ،‬ون في كو نه عالِما بعل ٍم محدَث‪ ،‬أو قادر بقدرة مح َد ثة‪ ،‬أو حيا بحياة مح َد ثة‪.‬‬
‫راجع شرح نهج البلغة ‪ .20/228‬وهذا ما سبقه إليه أبو رشيد النسابوري في كتابه ديوان الصول ص ‪.575‬‬
‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.13/86‬‬ ‫‪5‬‬

‫ابن رشد‪ :‬مناهج الدلة ص ‪.165‬‬ ‫‪6‬‬

‫دي بور‪ :‬تاريخ الفلسفة في السلم‪ ،‬نقله إلى العربية‪ ،‬أبو ريدة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬ص ‪.64‬‬ ‫‪7‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.6/406‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪54‬‬
‫ن ال صفات ل يقال هي‬ ‫ن الشعر ية‪ ،‬ل كي تبرر موقف ها من ال صفات‪ ،‬مالت إلى القول إلى أ ّ‬ ‫ويبدو أ ّ‬
‫ن صفاته عين ذاته‪ ،‬ول يقال هي غيره؛ لنها لو‬ ‫ن ذلك نفي الصفة‪ ،‬والقول بما قالت به المعتزلة أ ّ‬
‫هو؛ ل ّ‬
‫ن الذات ومع ها‬‫كا نت غيره لصبحت ذواتا م ستقلة قائ مة بنف سها‪ ،‬وذلك يو جب التعدد والكثرة‪ ،‬بل يقال أ ّ‬
‫ن الصفة ليست ذاتا مجردة قائمة بنفسها منفصلة ومنفكة عنها‪. 1‬‬ ‫الصفة قديمة من غير وجود تغاير؛ ل ّ‬
‫ل أنهم اختلفوا في تفسير هذه القضية‪.‬‬
‫ن صفات ال عين ذاته‪ ،‬إ ّ‬
‫أما المعتزلة فقد اتفقوا على أ ّ‬
‫ن صفات ال الزلية من علم‬
‫الرأي الول‪ :‬وهو منسوب إلى الّنظّام‪ ،‬الذي كان يرى أ ّ‬
‫‪ ...‬وقدرة وحياة هسي إثبات للذات اللهيسة ونفسي لضداد هذه الصسفات عسن الذات‪ ،2‬وتبعسه فسي ذلك‬
‫الجاحظ‪.3‬‬
‫و قد ر فض ا بن أ بي الحد يد اتهام الف خر الرازي ل بي علي الجبائي بأ نه قال‪ :‬العلم والقدرة صفتان‬
‫ن الشيخ أبا علي لم يعترف بزايد على الذات‪ ،‬وكيف يعترف به وهو ينفي‬ ‫زائدتان على الذات‪ ،4‬إذ قال‪ :‬إ ّ‬
‫الحوال والمعاني معا‪. 5‬‬
‫الرأي الثاني‪ :‬وهو المنسوب إلى أبي هاشم الجبائي‪ ،‬حسبما نقله القاضي عبد الجبار‪ ،‬في‬
‫‪ ...‬مقام الحديث عن كيفية استحقاقه تعالى لصفاته‪ ،‬فيقول‪ :‬وعند شيخنا أبي هاشم أنه تعالى يستحقها‬
‫ض متأخري‬‫لِما هو عليه في ذاته‪ .6‬وهذا يعني ثبوت واسطة تسمى بس الحال‪ ،‬وقد وا فق أبا ها شم بع ُ‬
‫ض من الشعرية‪ ،8‬وجمهور الزيدية‪. 9‬‬
‫المعتزلة‪ ،7‬وبع ُ‬
‫ن الواسطة المسماة بس الحال قد حددها‬‫وقد رفض ابن أبي الحديد ما ادعاه الفخر الرازي‪ ،‬من أ ّ‬
‫لنس صسفات‬‫هؤلء فإنهسا صسفة لموجود ل يوصسَف بالوجود والعدم‪ ،10‬إذ قال‪ :‬إنهسم ل يحدّونهسا بذلك؛ ّ‬
‫الجناس عند أصحابنا ‪ -‬المعتزلة ‪ -‬كالجوهرية وصفة ذات السواد تثبت للمعدومات في عدمها‪ ،‬فتقييد‬

‫الغزالي‪ :‬القت صاد في العتقاد‪ ،‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ ،‬مطب عة حجازي‪ ،‬ص ‪ 60‬س ‪ ،66‬الشهر ستاني‪ :‬نها ية القدام ص ‪ 200‬س ‪،201‬‬ ‫‪1‬‬

‫الملل ‪.1/122‬‬
‫الشعري‪ :‬مقالت السلميين‪ ،‬تصحيح‪ :‬هلموت ريتر‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار فرانز شتايز للنشر ‪ 1/166‬س ‪.167‬‬ ‫‪2‬‬

‫الشهرستاني‪ :‬الملل ‪.1/59‬‬ ‫‪3‬‬

‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪ 260‬س ‪.261‬‬ ‫‪4‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 417‬أ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫القاضي عبد الجبار‪ :‬شرح الصول الخمسة ص ‪.182‬‬ ‫‪6‬‬

‫يقول البغدادي‪ :‬وأك ثر معتزلة ع صرنا على مذه به؛ لِدعوة ا بن عبّاد إل يه‪ .‬را جع البغدادي‪ :‬الفرق ب ين الفرق‪ ،‬بيروت‪ ،1987 ،‬ص‬ ‫‪7‬‬

‫‪ 184‬س ‪.185‬‬
‫يقول ابن تيمية‪ :‬ولكن مَن أثبت الحوال مع الصفات كالقاضي الباقلني وأبي يعلى وأبي المعالي في أول قولَيه‪ .‬راجع ابن تيميه‪:‬‬ ‫‪8‬‬

‫منهاج ال سنة النبو ية‪ ،‬المطب عة المير ية‪ ،‬م صر‪ ، 2/234 ،1321 ،‬الرازي‪ :‬المح صل ص ‪ 85‬س ‪ ،86‬ورا جع أيضا الباقل ني‪:‬‬
‫التمه يد ص ‪ ،20‬والجوي ني‪ :‬الشا مل ص ‪ ،629‬إ ّل أ ّن الدكتور مح مد رمضان يرى أ ّن الحوال ع ند الباقل ني تختلف عن فكرة‬
‫الحوال عند أبي هاشم‪ ،‬وتخالف القاعدة التي سار عليها والغرض الذي استهدفه‪ .‬راجع محمد رمضان‪ :‬الباقلني وآراؤه الكلمية‬
‫ص ‪.492‬‬
‫الغرابي‪ ،‬علي مصطفى‪ :‬تاريخ الفرق السلمية ونشأة علم الكلم‪ ،‬ط ‪ ،2‬مصر‪ ،1978 ،‬ص ‪.289‬‬ ‫‪9‬‬

‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪ 85‬س ‪.86‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪55‬‬
‫الحد بقوله صفة لموجود ليس بصحيح‪ ،‬بل ينبغي أن يقال أنها صفة ذات‪ ،‬ل توصف تلك الصفة بوجود‬
‫ول هي معدومة‪. 1‬‬
‫ن مراد أ بي ها شم من و صفه الحوال أن ها ل موجودة ول معدو مة‪ ،‬أن ها ل تتعلق بمجال‬ ‫ويبدو أ ّ‬
‫الوجود‪ ،‬فل توصف بأنها موجودة أو معدومة‪ ،‬وإنما هي صفات تُدرَك بالفعل‪ .‬ومن هنا أوضح ابن أبي‬
‫الحد يد الفرق ب ين مذ هب أ بي ها شم هذا في الحوال ومذ هب غيره‪ ،‬خ صوصا ب عض الشعر ية القائل ين‬
‫ن البارىء تعالى عالِم‪،‬‬
‫ن مذهبهم هو أ ّ‬ ‫بالحوال‪ ،‬فهو عندما يذكر مذهب أبي هاشم وأصحابه‪ ،‬يصرح بأ ّ‬
‫وكو نه عالما صفة له‪ ،‬ومراد هم بال صفة هاه نا الحال‪ ،‬وهذه ال صفة تقتضي ها ذا ته تعالى ل مجرد كون ها‬
‫ن الذوات عندهم متساوية ومتماثلة في الذاتية‪ ،‬لكن لختصاصها بالصفة الخاصة‪ ،‬وليست صفته‬ ‫ذاتا؛ ل ّ‬
‫ن هذه الصفة باعتبارها تعلّق‬‫تعالى بكونه عالما معللة بمعنى منفصل‪ ،‬كما يذهب إليه الشعري‪ ،‬ويقولون أ ّ‬
‫ذات البارىء بالمعلومات المختلفة‪. 2‬‬
‫ن هؤلء يقولون مثل‬ ‫وعند تحقيقه مذهب مثبتي الحوال من الشعرية‪ ،‬يصرح ابن أبي الحديد بأ ّ‬
‫ل أنهسم ل يجعلون المقتضسي لتلك الصسفة ذاتسه تعالى‪ ،‬ل مجرد كونهسا ذاتا‬ ‫قول أبسي هاشسم وأصسحابه‪ ،‬إ ّ‬
‫مخ صوصة بنف سها‪ ،‬ول باعتبار ال صفة الخرى الخا صة‪ ،‬ال تي ي سميها أ صحابنا ‪ -‬ك ما يقول ‪ -‬ال صفة‬
‫ى قديم غير معلل بعلة؛ ل ذات البارىء ول غيرها‪ ،‬بل‬ ‫الخامسة‪ ،‬بل يجعلون المقتضي لتلك الصفة معن ً‬
‫ل أنه يقتضي حصول صفة العالمية لِذات‬ ‫ن ذات البارئ تعالى موجودة لذاتها‪ ،‬إ ّ‬ ‫هو موجود لذاته‪ ،‬كما أ ّ‬
‫البارئ سبحانه‪ ،‬ولو ل هذا المع نى لم ت كن ذات البارىء سبحانه عاِل مة‪ ،‬وكذلك القول في القدرة والحياة‬
‫وغيرها من المعاني‪ ،‬وهذا هو قول ابن الباقلني والجويني وغيرهما على حد تعبيره‪. 3‬‬
‫ن‬
‫لأّ‬ ‫ن بعض الشعرية القائلين بالحوال ‪ -‬ومنهم الباقلني ‪ -‬وإن أثبتت الحوال‪ ،‬إ ّ‬ ‫ويبدو مما تقدم أ ّ‬
‫ن الباقلني ‪ -‬كما يقول الدكتور محمد رمضان عبد ال ‪-‬‬ ‫نظرته إليها تختلف عن نظرة أبي هاشم‪ ،‬ذلك أ ّ‬
‫لم ينكر الصفات الزائدة على الذات‪ ،‬ولم يصف الحوال بمثل ما وصفها أبو هاشم‪ ،‬بل يرى أنها معلومة‬
‫ن الحوال المعللة ل تكون إل ّ لل صفات ال تي من شرط ها الحياة‪،‬‬ ‫ولي ست مجهولة‪ ،‬أمّا ع ند أ بي ها شم فإ ّ‬
‫كالعلم والقدرة وغيسر ذلك‪ ،‬وأمّا مسا ل يُشترَط فيسه الحياة مسن الصسفات فل‪ ،‬وذلك كالسسواد والبياض‬
‫ونحوهما‪. 4‬‬
‫ن صفات ال الذاتية هي عين‬
‫الرأي الثالث‪ :‬وهو رأي بعض أقطاب المعتزلة‪ ،‬ومفاده أ ّ‬
‫‪ ...‬ذاته‪ .‬فعِلمه هو ذاته‪ ،‬وقدرته هي ذاته‪ ،‬وقد ذهب إلى هذا الرأي أبو الهذيل العلّف‪ ،5‬وأبو علي‬
‫الجبائي‪ ،6‬والقاضي عبد الجبار‪. 7‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 454‬ب‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 416‬أ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 416‬أ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫محمد رمضان‪ :‬الباقلني وآراؤه الكلمية ص ‪.493‬‬ ‫‪4‬‬

‫القاضي عبد الجبار‪ :‬شرح الصول الخمسة ص ‪ ،183‬الخياط‪ :‬النتصار ص ‪ ،59‬الشهرستاني‪ :‬الملل ‪ 1/62‬س ‪.63‬‬ ‫‪5‬‬

‫البغدادي‪ :‬الفرق بين الفرق ص ‪.108‬‬ ‫‪6‬‬

‫القاضي عبد الجبار‪ :‬شرح الصول الخمسة ص ‪.182‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪56‬‬
‫وبعد أن بيّنا آنفا آراء المتقدمين على ابن أبي الحديد‪ ،‬من الفلسفة والمتكلمين‪ ،‬في مسألة الصفات‬
‫اللهية وعلقتها بالذات‪ ،‬مع رد ابن أبي الحديد على بعضها‪ ،‬وإيضاح البعض الخر‪ ،‬يرِد التساؤل التي‪:‬‬
‫ي من هذه الراء أخذ صاحبنا؟‬ ‫بأ ّ‬
‫ل‬
‫المل حظ أن ا بن أ بي الحد يد قد أ خذ بالرأي الثالث للمعتزلة‪ ،‬وهذا ما تجده في موا ضع عدة‪ ،‬فمث ً‬
‫عندما يرى أنه تعالى ل صفة له زائدة على الذات‪ ،‬يقول‪ :‬ونعني بالصفة ذاتا موجودة قائمة بذاته؛ وذلك‬
‫ن من أث بت هذه ال صفة ف قد حدّه‪ .1‬ويت ضح رأي ا بن أ بي الحد يد في هذه الم سألة أك ثر‪ ،‬في معرض‬ ‫ل ّ‬
‫شر حه كلم المام علي ع‪ :‬ومَن و صَفه ف قد حدّه‪ ،‬ومَن حدّه ف قد عدّه‪ ،‬ومَن عدّه ف قد أب طل أزَله قال‪:‬‬
‫ن مَن أث بت له عِلما قديما أو قدرة قدي مة‪ ،‬ف قد أو جب أن يعلم بذلك العلم معلومات محدودة‪ ،‬أي‬ ‫وتف سيره أ ّ‬
‫مح صورة‪ ،‬وكذلك قد أو جب أن يقدر بتلك القدرة على مقدورات محدودة‪ ،‬وهذه المقد مة ‪ -‬ك ما يقول ‪-‬‬
‫ن القدرة الواحدة‬
‫ن العلم الواحد ل يتعلّق بمعلومين‪ ،‬وأ ّ‬
‫في كتب أصحابنا المتكلمين مما يذكرونه في تقرير أ ّ‬
‫ل بجزء واحد‪ ،‬وسواء فرض‬ ‫ل يمكن أن تتعلق في الوقت الواحد من الجنس الواحد في المحل الواحد إ ّ‬
‫ن مَن أثبت المعاني القديمة فقد أثبت‬‫ن هذا الحكم لزم لهما‪ ،‬فقد ثبت أ ّ‬‫هذان المعنيان قديمَين أم مح َدثَين‪ ،‬فإ ّ‬
‫البارىء تعالى محدود العالم ية والقادرية‪ .2‬ك ما أ نه في نص آ خر يقول‪ :‬إذا أُطِل قت لف ظة ال تعالى على‬
‫الذات والعلم القديم فقد جُعل مسمى هذا اللفظ وفائدته متجزئة‪ ،‬كإطلق لفظ السوَد على الذات التي حلّها‬
‫سواد‪.3‬‬
‫ن ال تعالى ل يوصف أصلً‪ ،‬وإنما المراد س‬ ‫ولبد من القول أنه ليس المراد من ن في الصفات أ ّ‬
‫حسبما أشار إليه المام ع وف سّره ابن أبي الحديد س نفي الصفات التي وجودها غير وجود الذات‪ ،‬وكل‬
‫و صف يبدو كذلك في ن ظر العر في والعا مي‪ ،‬وذلك بدل يل تعل يل المام ع لنفي ها بالشهادة العرف ية بلزوم‬
‫التغايسر بيسن الصسفة والموصسوف‪ ،‬وهذه الشهادة العرفيسة برهان علمسي فسي الحقيقسة على نفسي الصسفات‬
‫فإنس الصسفة إذا كانست عارضسة كانست مغايرة للموصسوف‪،‬‬ ‫العارضسة‪ ،‬سسواء كانست قديمسة أم حادثسة‪ّ ،‬‬
‫والمتغايران في الوجود متمايزان بشيء من الشياء ل محالة‪ ،‬فيلزم حينئذ أن يكون كل منهما مركبا من‬
‫جزء بسه الشتراك وجزء بسه المتياز‪ ،‬فيلزم التركيسب فسي ذاتسه تعالى‪ ،‬وإلى هذا المعنسى أشار المام ع‬
‫صفَه بصفة زائدة فقد قرَنه بغيره من الوجود‪.‬‬ ‫بقوله‪ :‬فمن وصَفه فقد قرَنه‪ ،‬أي مَن و َ‬
‫ن المر ل يخلو عن أن يكون وجهات نظر‬ ‫ولكن بالرغم من كل ما ظهر من التباين في الراء‪ ،‬فإ ّ‬
‫ل أن ها تلت قي جميعا ع ند نق طة واحدة هي‪ :‬محاولة تنز يه البارىء‬
‫واجتهادات ر غم تباين ها واختلف ها‪ ،‬إ ّ‬
‫وإبعاد كل التصورات التي ل تليق بوحدانيته‪.‬‬
‫وق بل البدء ببيان ال صفات الله ية الثبوت ية‪ ،‬ل بد من التمي يز ب ين هذه ال صفات بنوعي ها‪ :‬الذات ية‬
‫والفعل ية‪ ،‬ف صفات ال الذات ية‪ :‬هي ال تي ل ي صح أن يو صَف البارىء بضد ها ول بالقدرة على ضد ها‪،‬‬
‫كوصف الله سبحانه بأنه عالِم‪ ،‬فلمّا وصِف بهذا لم يجز أن يوصَف بأنه جاهل‪ .4‬أمّا صفاته الفعلية فهي‪:‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.9/151‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.9/151‬‬ ‫‪2‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.1/75‬‬ ‫‪3‬‬

‫الغرابي‪ :‬تاريخ الفرق السلمية ص ‪ ،226‬وكذلك نادر‪ ،‬ألبير نصري‪ :‬فلسفة المعتزلة‪ ،‬مصر‪ 2/44 ،1950 ،‬س ‪.45‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪57‬‬
‫التي يصح أن يوصَف البارىء سبحانه بضدها أو بالقدرة على ضدها مثل الرادة‪ ،‬فإنه يصح أن يوصَف‬
‫بها‪ ،‬وبضدها من الكراهة‪.1‬‬
‫الوحدانية‬
‫ن مجانبة القول به تؤدي إلى الشرك‪،‬‬ ‫يع ّد مبدأ الوحدانية موضع اهتمام كل الفرق السلمية‪ ،‬ذلك أ ّ‬
‫ن َيشَا ُء [النساء‪ ،]48 :‬ولذلك قال ابن‬
‫ك ِل َم ْ‬
‫ن َذِل َ‬
‫ك ِب ِه َوَي ْغِف ُر مَا دُو َ‬
‫ش َر َ‬
‫ن ُي ْ‬
‫لقوله تعالى‪ِ :‬إنّ الّل َه ل َي ْغِف ُر َأ ْ‬
‫ن البحث عن الوحدانية هو من البحاث الدقيقة في علم الحكمة‪. 2‬‬ ‫أبي الحديد‪ :‬إ ّ‬
‫وللوحدانية عند ابن أبي الحديد معنيان‪ ،‬كما هو الحال عند سابقيه من الفلسفة والمتكلمين ‪ ،3‬وهو في‬
‫هذا يقول‪ :‬معنى قولنا أنه أحد‪ :‬أنه ليس بمعنى العدد كما يقوله الناس‪ :‬أول العدد أحد وواحد‪ ،‬بل المراد‬
‫بأحديّته كونه ل يقبل التجزؤ‪ ،‬وباعتبار آخر كونه ل ثاني له في الربوبية‪ .4‬وفي نص آخر يقول‪ :‬ومعنى‬
‫كونه واحدا إمّا نفي الثاني في اللهية‪ ،‬أو كونه يستحيل عليها النقسام‪. 5‬‬
‫ن ابن أبي الحديد يفسر معنى الوحدانية بهذين المعنيَين فقط ول ثالث لهما‪ ،6‬ولقد‬ ‫وواضح مما تقدم أ ّ‬
‫أصساب هسو وكسل مسن فسسّر الوحدانيسة بالتفسسيرَين المتقدمَيسن‪ ،‬ذلك أنّس طبيعسة واجسب الوجود لو فرض‬
‫اشتراكها بين إثنين‪ ،‬لزم أن يكون لكل واحد منهما من مميز وراء ما به الشتراك‪ ،‬فيلزم التركيب في‬
‫ذاتيه ما‪ ،‬و كل مر كب مم كن‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ ،‬لو فرض نا موجو َد ين واجبَي الوجود‪ ،‬لكا نا مشتر َك ين في‬
‫ل لم يكونسا إثنيسن‪ ،‬ومسا بسه المتياز إمّا أن يكون تمام‬
‫وجوب الوجود‪ ،‬ومتغايرَيسن بأم ٍر مسن المور‪ ،‬وإ ّ‬
‫ن المتياز لو كان بتمام الحقيقة لكان‬
‫الحقيقة‪ ،‬أو ل يكون تمام الحقيقة بل جزأها‪ ،‬ول سبيل إلى الول؛ ل ّ‬
‫ن وجوب الوجود نفس‬ ‫وجوب الوجود المشترك بينهما خارجا عن حقيقة كل واحد منهما‪ ،‬وهو محال؛ ل ّ‬
‫ن كل واحد منهما يكون مركبا مما به الشتراك ومما به‬ ‫حقي قة الواجب لذاته‪ ،‬ول سبيل إلى الثاني؛ ل ّ‬
‫المتياز‪ ،‬وكل مركب يحتاج إلى غيره أي إلى جزئه‪ ،‬فيكون ممكنا لذاته‪ ،‬وهذا خُلف واضح‪.‬‬
‫ن م سلك‬‫أمّا أدلة ا بن أ بي الحد يد على وحدان ية ال تعالى‪ ،‬ف قد وا فق في ها م سلك الطرف ين‪ ،‬ذلك أ ّ‬
‫الفلسفة المسلمين يختلف عن مسلك المتكلمين في إثبات الوحدانية‪ :‬فالفلسفة نفوا الكثرة عن ال بحسب‬
‫الجزاء بأنه يتركب من جزء أو أكثر‪ ،‬وكذلك نفوا أن يكون معه إله آخر‪ ،‬وهذا الدليل يعود إلى الكندي‪،‬‬
‫ن معظم المتكلمين اعتمد على برهان‬ ‫وعلى أساسه جرى كل من الفارابي وابن سينا‪ .7‬من ناحية أخرى فإ ّ‬
‫التمانع‪ ،‬وهو المعوّل عليه عند المامية‪ ،8‬والمعتزلة‪ ،9‬والشعرية‪ ،10‬والماتريدية‪ ،11‬وقد استنبطوه من قوله‬
‫س َدتَا [النبياء‪.]22 :‬‬
‫ن فِي ِهمَا آِل َه ٌة ِإلّا الّل ُه َلَف َ‬
‫تعالى‪َ :‬ل ْو كَا َ‬
‫ن‪ ،‬م ص ‪ 2/44 ،226‬س ‪.45‬‬ ‫‪1‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.13/48‬‬ ‫‪2‬‬

‫الفارابي‪ :‬المدينة الفاضلة ص ‪ 27‬س ‪ ،28‬ابن سينا‪ :‬الشفاء س اللهيات س ‪ ،2/267‬الشريف المرتضى‪ :‬مجموعة في فنون من علم‬ ‫‪3‬‬

‫الكلم‪ ،‬المجموعة الخامسة ص ‪ ،80‬الجويني‪ :‬الرشاد إلى قواطع الدلة‪ ،‬مصر‪ ،1950 ،‬ص ‪.52‬‬
‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.9/149‬‬ ‫‪4‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.5/153‬‬ ‫‪5‬‬

‫وهذا ما أكده في مواضع أخرى‪ .‬انظر ن‪ ،‬م ‪.6/345‬‬ ‫‪6‬‬

‫انظر مقدمة أبو ريدة لرسائل الكندي الفلسفية ‪ ،1/80‬وتجد ذلك عند ابن رشد من منظور آخر‪ ،‬وهو اتحاد اللهين في الفعال‪ ،‬إذ أ ّن‬ ‫‪7‬‬

‫اتحاد أفعالهما س كما يقول س يجعلهما متحدَين في كل شيء‪ ،‬مما يؤدي إلى استحالة القول بالتعدد‪ .‬انظر محمود قاسم‪ :‬مقدمة مناهج‬
‫الدلة ص ‪.35‬‬

‫‪58‬‬
‫فمن جهة نلحظ استدلل ابن أبي الحديد بدليل الفلسفة النف الذكر‪ ،‬في موضعين‪:‬‬
‫الول‪ ،‬قوله‪ :‬أنسه تعالى ليسس بمركسب؛ لنسه لو كان مركبا لفتقسر إلى أجزائه‪ ،‬وأجزاؤه ليسست نفسس‬
‫هويته‪ ،‬وكل ذات تفتقر هويتها إلى أمر من المور فهي ممكنة‪ ،‬لكنه واجب الوجود‪ ،‬فاستحال أن يوصف‬
‫بشيسء مسن الجزاء‪ ،1‬وكذلك قوله ‪ -‬ابسن أبسي الحديسد ‪ :-‬ل يوصسَف بالغيريسة والبعاض‪ ،‬أي ليسس له‬
‫بعض‪ ،‬ول هو ذو أقسام بعضها غيرا للبعض الخر‪. 2‬‬
‫الثاني‪ ،‬قوله‪ :‬إذا ُركّب عن واجب الوجود غيره‪ ،‬كانت علقته مع الجزء الخر علقة ليست بحيث‬
‫يلزم من ارتفاعها ول من ارتفاع الجزء الخر بالكلية عدم واجب الوجود‪ ،‬وإنما يلزم من ارتفاع حكم من‬
‫أحكامه‪ ،‬وهي تَركّب تلك الماهية المركبة عنه وتقوّمها به‪ ،‬وهذا خارج عن وجوب ذاته‪.3‬‬
‫ن ابن أبي الحديد أراد بما‬
‫وإذا كان هذا الدليل يعود إلى الفلسفة ‪ -‬كما رأينا آنفا ‪ -‬نلحظ هنا كأ ّ‬
‫ن التركيب قد‬‫ن المركب هو ما له جزء‪ ،‬ونقيضه البسيط‪ ،‬وهو ما ل جزء له‪ ،‬ثم أ ّ‬ ‫ذكره الشارة إلى أ ّ‬
‫يكون خارجيا‪ ،‬كترك يب الج سام من الجوا هر الفراد‪ ،‬و قد يكون ذهنيا‪ ،‬كترك يب الماهيات والحدود من‬
‫الجناس والفصول‪ ،‬والمركب بكل المعنيَين مفتقر إلى جزئه؛ لمتناع تحققه وتشخّصه خارجا وذهنا بدون‬
‫جزئه‪ ،‬وجزؤه غيره؛ لنه يسلب عنه‪ ،‬وهذا معناه‪ :‬الجزء ليس بكل أو ما يسلب عنه الشيء فهو مغاير‬
‫له‪ ،‬ويكون المركب مفتقرا إلى الغير‪ ،‬فيكون ممكنا‪ ،‬فلو كان ال سبحانه مركبا‪ ،‬لكان ممكنا‪ ،‬وهذا محال‪.‬‬
‫ن ا ستدلل ا بن أ بي الحد يد بدل يل التما نع ‪ -‬تبعا للمتكلم ين ‪ -‬بأو ضح‬
‫و من ج هة أخرى‪ ،‬نل حظ أ ّ‬
‫ت آثار سلطانه‬
‫ك رسلُه‪ ،‬ولرأي َ‬
‫صورِه ‪ -‬في معرض شرحه كلم المام علي ع‪ :‬لو كان لربّك شريك لتت َ‬
‫إذ قال‪ :‬يمكن أن يُستدَل بهذا الكلم على نفي الثاني من وجهين‪:‬‬
‫ن للبارئ تعالى‪َ ،‬ل ما كان القول بالوحدان ية حقا‪ ،‬بل كان ال حق هو‬‫أحده ما‪ :‬أ نه لو كان في الوجود ثا ٍ‬
‫ن حك يم‪ ،‬لو جب أن يب عث‬ ‫ل يكون ذلك الثا ني حكيما‪ ،‬ولو كان ال حق هو إثبات ثا ٍ‬ ‫القول بالتثن ية‪ ،‬ومحال أ ّ‬
‫ن ال نبياء كل هم َدعَوا إلى التوح يد‪ ،‬ل كن التوح يد على هذا الفرض‬
‫ل يد عو المكلف ين إلى التثن ية؛ ل ّ‬‫ر سو ً‬
‫ضلل‪ ،‬فيجب على الثاني الحكم أن يبعث مَن ينبّه المكلفين على ذلك الضلل‪ ،‬ويرشدهم إلى الحق‪ ،‬وهو‬
‫ل كان منسوبا في إهمال ذلك إلى السفه واستفساد المكلفين‪ ،‬وذلك ل يجوز‪ ،‬ولكنّا ما أتانا‬ ‫إثبات الثاني‪ ،‬وإ ّ‬
‫ل كان حقا‪،‬‬ ‫ن في اللهية‪ ،‬فبطل كون القول بالتوحيد ضللً‪ ،‬وإذا لم يكن ضل ً‬ ‫رسول يدعو إلى إثبات ثا ٍ‬
‫فنقيضه‪ ،‬وهو القول بإثبات الثاني‪ ،‬باطل‪.‬‬
‫ن للقديم تعالى‪ ،‬لوجب أن يكون لنا طريق إلى إثباته‪ ،‬إمّا من‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أنه لو كان في الوجود ثا ٍ‬
‫مجرد أفعاله‪ ،‬أو من صفات أفعاله‪ ،‬أو من صفات نفسه‪ ،‬أو ل من هذا ول من هذا‪ ...‬أمّا إثبات الثاني من‬

‫الشريف المرتضى‪ :‬الناسخ والمنسوخ‪ ،‬مخطوطة مكتبة المام أمير المؤمنين ع العامة في النجف الشرف‪ ،‬الرقم ‪ ،1386/5‬ورقة‬ ‫‪8‬‬

‫‪ 51‬س ‪ ،52‬الشيخ الطوسي‪ :‬القتصاد ص ‪ 78‬س ‪.79‬‬


‫الشهرستاني‪ :‬نهاية القدام ص ‪.91‬‬ ‫‪9‬‬

‫الشعري‪ :‬اللمع ص ‪ 20‬س ‪ ،21‬الباقلني‪ :‬النصاف ص ‪ ،30‬التمهيد ص ‪ ،46‬الجويني‪ :‬الشامل ص ‪.352‬‬ ‫‪10‬‬

‫الماتريدي‪ :‬كتاب التوحيد‪ ،‬تحقيق‪ :‬فتح ال خليف‪ ،‬دار المشرق‪ ،‬بيروت‪ ،1970 ،‬ص ‪ 20‬س ‪.21‬‬ ‫‪11‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.75 ،13/82‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.13/83‬‬ ‫‪2‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 455‬أ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪59‬‬
‫ن الفعل إنما يدل على فاعل‪ ،‬ول يدل على التعدد‪ ،‬وأمّّا صفات أفعاله‪ ،‬وهي كون‬ ‫مجرد أفعاله فباطل؛ ل ّ‬
‫ن الحكام الذي نشاهده إنما يدل على عالم ول يدل على التعدد‪ ،‬وأما صفات ذات‬ ‫أفعاله محكمة متقنة‪ ،‬فإ ّ‬
‫البارئ فالعلم بها فرع على العلم بذاته‪ ,‬فلو أثبتنا ذاته بها لزم الدور‪. 1‬‬
‫ن ابن أبي الحديد‪ ،‬الذي استقى روح الدليل‬‫وبناء على ما تقدم‪ ،‬نلحظ فيما يخص الوجه الول‪ ،‬أ ّ‬
‫ن ال‬‫من كلم المام ع المتقدم‪ ،‬قد سبقه أحد شيوخه من المعتزلة‪ ،‬وهو أبو الحسين البصري‪ ،‬إلى القول أ ّ‬
‫ل أو‬
‫واحد ل ثاني له في حكمته؛ لنه إذا ثبتت حكمته فلو كان معه حكيم آخر لم يجز أن يرسل رسو ً‬
‫ن الله واحد سواه‪ ،‬علِمنا صِدقه‪ .2‬وعلى هذا الساس فابن‬ ‫يرسل أحدُهما مَن يكذب‪ ،‬فإذا أخبر الرسول أ ّ‬
‫أبي الحديد كأبي الحسين البصري‪ ،‬في أنه ل يقف عند إخبار النبي ص‪ ،‬بل يضم إلى ذلك مقدمة عقلية‪،‬‬
‫وهي ثبوت كون الله حكيما‪.3‬‬
‫ن وحدة العالم هي دليل‬‫أمّا فيما يخص الوجه الثاني الذي ذكره ابن أبي الحديد‪ ،‬فلبد من القول أ ّ‬
‫على وحدة فاعله ومبدعه‪ ،‬ووحدة العالم معلومة بالضرورة؛ لشدة الرتباط بين أجزائها‪ ،‬واحتياج بعضها‬
‫ن حصول مراد أحد‬ ‫إلى بعض في الوجود والبناء‪ ،‬لكن الفخر الرازي الذي يستدل بدليل التمانع‪ ،‬باعتبار أ ّ‬
‫ن هناك احتمالين‪:‬‬ ‫اللهَين دون مراد الثاني محال‪ ،‬فما ل يحصل مراده يكون عاجزا‪ ،‬يرى أ ّ‬
‫ن العجز إنما يعقل عما يصح وجوده‪ ،‬ووجود المخلوق‬
‫الول‪ :‬إن كانت عاجزيته أزلية فهو محال؛ ل ّ‬
‫ل عنه محال‪.‬‬‫الزلي محال‪ ،‬فالعجز عنه أز ً‬
‫ن هذا إن ما يع قل لو كان قادرا في الزل‪ ،‬ثم زالت قادرّي ته‪،‬‬
‫الثا ني‪ :‬وإن كا نت حاد ثة ف هو محال؛ ل ّ‬
‫وذلك يقتضي عدم القديم‪ ،‬وهو محال‪. 4‬‬
‫ن ا بن أ بي الحد يد يعترض على ما يقوله الرازي ه نا بخ صوص الحتمال الول‪ ،‬وير ّد عل يه‬ ‫لأ ّ‬‫إّ‬
‫بقوله‪ :‬إنسه معارَض بالقادريسة بأنهسا عندك ‪ -‬عنسد الرازي ‪ -‬أزليسة‪ ،‬والقدرة إنمسا تعقسل على مسا يصسح‬
‫قلتس هسو قادر فسي الزل على مسا‬ ‫ل محال‪ ،‬فإن َ‬‫وجوده‪ ،‬ووجود المخلوق الزلي محال‪ ،‬فالقدرة عليسه أز ً‬
‫يصح في وجوده فيما ل يزال‪ .‬قلت وهو عاجز في الزل عما يصح وجوده فيما ل يزال‪.5‬‬
‫ت نفسك في‬ ‫ن أبي الحديد الفخ َر الرازي قائلً‪ :‬إنك سأل َ‬
‫أمّا فيما يخص الحتمال الثاني فيخاطب اب ُ‬
‫ت على استحالة عدم القديم فقلتَ‪ :‬أليس ال تعالى كان قادرا من الزل الن‬ ‫مسألة حدوث الجسام‪ ،‬واستدلل َ‬
‫لنس إيجاد الموجود محال‪ ،‬فقسد زالت‬ ‫على إيجاد زيسد‪ ،‬فإذا أوجده فقسد زالت قادريتسه‪ ،‬فقسد عُدم القديسم؛ ّ‬
‫القادريسة القديمسة‪ ،‬فأجبتَس عسن ذلك فقلتسَ‪ :‬الذي عُدم هسو تعلق ل وجود له فسي العناق‪ ،‬والقدرة القديمسة‬
‫بحالها لم تُعدم‪ ،‬وإنما عُدمت الضافة بينها وبين هذا المقدور خاصة‪ ،‬وهذا يرد عليك في هذا الموضع؛‬
‫ن قدرته القديمة لم تُعدَم‪،‬‬
‫ن أحد اللهين إذا امتنع عليه اتحاد مقدور لجل معارضة الله الخر له‪ ،‬فإ ّ‬ ‫لّ‬
‫عدِم التعلّق وهي النسبة التي بين القدرة القديمة وهذا المقدور‪.6‬‬
‫وإنما ُ‬
‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ 16/77‬س ‪.78‬‬ ‫‪1‬‬

‫أبو الحسين البصري‪ :‬كتاب المعتمد في أصول الفقه‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد حميد ال وآخرين‪ ،‬ط ‪ ،1‬دمشق‪.2/887 ،1964 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫الملحَظ أ ّن الجويني يقول في هذا الصدد أنه‪ :‬لم يستدل أحد من البغداديين بدللة التمانع‪ .‬انظر الجويني‪ :‬الشامل ص ‪.359‬‬ ‫‪3‬‬

‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪ ،279‬وهذا الدليل سبقه إليه الباقلني في كتابه التمهيد ص ‪.46‬‬ ‫‪4‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 423‬ب‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 424‬أ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪60‬‬
‫ن اعتماد الرازي على هذا‬
‫ن ا بن أ بي الحد يد يش ير صراحة إلى أ ّ‬
‫وبناء على ما تقدم نل حظ ه نا أ ّ‬
‫الكلم في تقرير دللة التمانع يناقض ما تقدم من كلمه‪ ،1‬وهو أمر يدل على ضعف الدليل‪.‬‬
‫ومن هنا يأتي نقد ابن رشد لهذا الدليل الذي أورده الرازي ور ّد عليه ابن أبي الحديد‪ ،‬فابن رشد يرى‬
‫ن هذا الدل يل ضع يف‪ ،‬وو جه الض عف ف يه أ نه ك ما يجوز في الع قل أن يختل فا ‪ -‬الله ين ‪ -‬قيا سا على‬
‫أ ّ‬
‫المريدين في الشاهد‪ ،‬يجوز أن يتفقا‪ ،‬وهو أليَق باللهة من الخلف‪ ،‬وإذا اتفقا على صناعة العالم كانا مثل‬
‫صانعَين اتفقا على صنع مصنوع‪. 2‬‬
‫القدم والزل‬
‫ن معنى كونه أولً‪ :‬أنه لم يزل موجودا‪ ،‬ول شيء من الشياء بموجود أصلً‪،‬‬ ‫يرى ابن أبي الحديد أ ّ‬
‫ق ل يزال‪ ،‬وكل شيء من الشياء يُعدَم عدما محضا حسب عدمه فيما مضى‪،‬‬ ‫ومعنى كونه آخرا ً‪ :‬أنه با ٍ‬
‫ل‬
‫وذاتسه سسبحانه ذات يجسب لهسا اجتماع واسستحقاق هذيسن العتبارَيسن معا فسي كسل حال‪ ،‬فل حال قسط إ ّ‬
‫ويصدق على ذاته أنه يجب كونها مستحقة للولية والخرية بالعتبار المذكور استحقاقا ذاتيا ضروريا‪. 3‬‬
‫وهذا ما عليه جمهور المتكلمين‪ ،‬على حد تعبير ابن أبي الحديد‪. 4‬‬
‫ل أننا لبد أن‬‫ن ما أفاده ابن أبي الحديد هو تعريف أو تفسير سبقه إليه جلّة من المتكلمين‪ ،‬إ ّ‬
‫والواقع أ ّ‬
‫ن تفسير المتكلمين هذا لس الول والخر بمعنى الولوية بالزمان بحيث ل يوجد معه شيء في‬ ‫نشير إلى أ ّ‬
‫الزل‪ ،‬والخروية في الزمان‪ ،‬بح يث ل يوجد م عه ش يء في البد‪ ،‬هو تفسير يعار ضه ابن سينا‪ ،‬مع‬
‫اعتبار ال تعالى ع ند ابن سينا كعلة تا مة‪ ،‬و مع اعتباره العالم متأخرا عن ال بالذات ف قط‪ ،‬وأنه ما أزليان‬
‫أبديان بالزمان‪ .5‬يقول ا بن سينا‪ :‬إ نه أول‪ :‬أي أ نه باعتبار ذا ته هو الذي ل ترك يب ف يه‪ ،‬وأ نه منزه عن‬
‫العلل‪ ،‬وبإضافتسه إلى الموجودات هسو الذي تصسدر عنسه الشياء‪ ،‬وهسو آخنر‪ :‬أي هسو الذي ترجسع إليسه‬
‫الموجودات في سلسلتي الترقي والنزول وفي سلوك السالكين‪.6‬‬
‫ويم كن القول ب ين ما يراه المتكلمون ‪ -‬ومن هم ا بن أ بي الحد يد ‪ -‬واعتراض ا بن سينا المتقدم‪ ،‬بأن‬
‫ن مقصود الطرفين هو بيان استناد جميع الموجودات ‪ -‬على تفاوت مراتبها وكمالتها ‪ -‬إلى ال‪،‬‬ ‫نقول أ ّ‬

‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 424‬أ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ابن رشد‪ :‬مناهج الدلة ص ‪ .157‬ول أدري هل غاب عن ابن رشد في هذا المقام قوله تعالى‪ :‬ولو كان فيهما آلهة إ ّل ال؟ لفسدتا‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ ،5/154‬وكذلك ن‪ ،‬م ‪ .13/45 ،1/109‬وفي ن‪ ،‬م ‪ 13/91‬س ‪ 92‬أكد ابن أبي الحديد أ ّن ما‬ ‫‪3‬‬

‫تقدم هو مذ هب أ صحابه المعتزلة وجمهور الم سلمين‪ ،‬أمّا التعر يف المذكور فتجده أيضا في ثنا يا كلم القا ضي ع بد الجبار‪ :‬شرح‬
‫الصول الخمسة ص ‪ ،181‬النيسابوري‪ :‬ديوان الصول ص ‪.573‬‬
‫راجع الشيخ الطوسي‪ :‬التبيان في تفسير القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد حبيب العاملي‪ ،‬مطبعة النعمان‪ ،‬النجف الشرف‪1383 ،‬هس‪3/78 ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫س ‪ ،79‬الخياط‪ :‬النت صار ص ‪ ،13‬القا سم الر سي‪ :‬كتاب أ صول العدل والتوح يد‪ ،‬ض من ر سائل العدل والتوح يد‪ ،‬تحق يق‪ :‬مح مد‬
‫عمارة‪ ،‬دار الهلل‪ ،‬مصر‪ ،1971 ،‬ص ‪ .103‬أمّا الشعرية فإ ّن معظمهم يرى أ ّن القدم ليس بصفة زائدة‪ ،‬وقال عبد ال بن سعيد‬
‫والقلنسي بخلف ذلك‪ .‬ان ظر البغدادي‪ :‬أصول الد ين ص ‪ .90‬أمّا الزل ف قد صرح البغدادي بأ ّن قدماء الشعر ية يرون أ نه صفة‬
‫زائدة‪ .‬ان ظر البغدادي‪ :‬أ صول الد ين ص ‪ ،108 ،90‬الجوي ني‪ :‬الرشاد ص ‪ ،38‬با ستثناء الباقل ني‪ ،‬فإ نه أثب ته باقيا لِذا ته‪ .‬ان ظر‬
‫البغدادي‪ :‬أصول الدين ص ‪ ،108 ،90‬وهذا ما عليه الجويني في الرشاد ص ‪ 38‬س ‪ ،39‬والغزالي في المقصد السنى ص ‪.96‬‬
‫انظر اللوسي‪ :‬حوار بين الفلسفة والمتكلمين ص ‪.78‬‬ ‫‪5‬‬

‫ل عن الرسالة العرشية ص ‪.11‬‬‫ن‪ ،‬م ص ‪ ،78‬نق ً‬ ‫‪6‬‬

‫‪61‬‬
‫وهو مبدأ كل موجود‪ ،‬فلم يكن قبله أول‪ ،‬بل هو الول الذي لم يكن قبله شيء‪ ،‬وأمّا بيان آخريته؛ فلنه‬
‫هو الباقي بعد فناء وجود الممكنات‪ ،‬وإليه تنتهي كل الموجودات‪ ،‬فهو غاية الغايات‪ ،‬فل يكون له غاية‪.‬‬
‫ن أدلة ابن أبي الحديد على قدم ال تعالى‪ ،‬ل تخرج عما استدل به جمهور المتكلمين بهذا‬
‫والظاهر أ ّ‬
‫الخصوص‪ ،‬وهي تنحصر عنده بالدلة التية‪:‬‬
‫الدليل الول‬
‫ن العالم مخلوق له سبحانه‪ ،‬حادث من جهته‪ ،‬والمحدَث لبد له من محدِث‪ ،‬فإذا كان ذلك المحدِث‬‫‪ ...‬إ ّ‬
‫ث قديم‪ ،‬وذلك هو ال‪ .1‬وهذا الدليل هو‬
‫محدَثا‪ ،‬عاد القول فيه كالقول في الول‪ ،‬ويتسلسل‪ ،‬فلبد من مح ِد ٍ‬
‫دليل المتكلمين المختار‪. 2‬‬
‫الدليل الثاني‬
‫ن في الوجود‬
‫‪ ...‬الِقدَم عند أصحابنا المعتزلة أخص صفات البارىء‪ ،‬أو موجب عن الخص‪ ،‬فلو أ ّ‬
‫ى قديما قائما بذات البارىء لكان ذلك المعنسى مشاركا للبارىء فسي أخسص صسفاته‪ ،‬وكان يجسب لذلك‬ ‫معن ً‬
‫المعنى جميع ما وجب للبارىء من الصفات‪ ،‬نحو العالِمية والقادرية وغيرهما‪ ،‬فكان إلها ثانيا‪.3‬‬
‫الدليل الثالث‬
‫‪ ...‬إذا كان قديما لم يكن جسما ول عرَضا‪ ،‬وما ليس بجسم ول عرَض تستحيل رؤيته‪ .4‬وهذا الدليل‬
‫ن أبرز‬‫ن مقد مة الدل يل تش ير إلى المطلوب من ج هة‪ ،‬وأ ّ‬
‫لأ ّ‬
‫وإن كان يُشعِر بأ نه دل يل الناف ين للرؤ ية‪ ،‬إ ّ‬
‫الفلسفة والمتكلمين‪ ،‬كالكندي والقاضي عبد الجبار المعتزلي‪ ،‬قد استدلوا بمضمون هذا الدليل‪ ،5‬من جهة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫الدليل الرابع‬
‫ن مع نى وا جب‬
‫‪ ...‬أ نه لو كان لولي ته ابتداء لكان محدَثا‪ ،‬ول ش يء من المحدَث بوا جب الوجود؛ ل ّ‬
‫ن ذاته ل تقبل العدم‪ ،‬ويستحيل الجمع بين قولنا‪ :‬هذه الذات محدَثة‪ ،‬أي كانت معدومة من قبل‪،‬‬‫الوجود‪ ،‬أ ّ‬
‫وهي في حقيقتها ل تقبل العدم‪.6‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.7/97 ،9/148‬‬ ‫‪1‬‬

‫أمثال الباقلني في النصاف ص ‪ ،33‬والقاضي عبد الجبار في شرح الصول الخمسة ص ‪ ،181‬والسفرائيني في التبصير في‬ ‫‪2‬‬

‫الدين وتمييز الفرقة الناجية عن فرق الهالكين‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬مصر‪ ،‬ص ‪ ،131‬والغزالي في القتصاد ص ‪ ،19‬وأخيرا الفخر‬
‫الرازي في المحصل ص ‪ 252‬س ‪.253‬‬
‫ا بن أبي الحد يد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ ،13/86‬إ ّل أ ّن الدكتور اللوسي يرى أ ّن المبدأ القائل أ ّن كل ما يشارِك في القدم يشارِك في‬ ‫‪3‬‬

‫اللوهية هو ليس ببديهية واجبة القبول‪ ،‬فإنه من الممكن أن نتصور وجود إله قديم ومعه في نفس الوقت مادة قديمة بل غاية‪ ،‬كما هو‬
‫رأي أفلطون‪ .‬انظر اللوسي‪ ،‬حسام الدين‪ :‬دراسات في الفكر الفلسفي السلمي‪ ،‬بغداد‪ ،1992 ،‬ص ‪ .170‬ولذا فهو يرى أ ّن هذا‬
‫المبدأ هو نتيجة للموقف الدفاعي الذي وجد المسلم نفسه فيه عندما اصطدم بغيره ممن يخالفونه في العقيدة‪ ،‬وخصوصا الجماعات‬
‫المختل فة من الدهر ية‪ .‬ان ظر ن‪ ،‬م ص ‪ ،171‬وكذلك الق سم الثا ني من أطروح ته في الدكتوراه‪the problem of creation in:‬‬
‫‪islamic thought baghdad 1968 part 2‬‬
‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.7/197‬‬ ‫‪4‬‬

‫الكندي‪ :‬رسائل الكندي ‪ ،1/194‬اللوسي‪ :‬فلسفة الكندي ص ‪ ،170‬والقاضي عبد الجبار‪ :‬شرح الصول الخمسة ص ‪.182‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪62‬‬
‫ل بخ صوص هذا الدل يل وأجاب عنه بنفسه‪ ،‬وذلك في معرض‬ ‫ن ابن أبي الحد يد أورد تساؤ ً‬‫على أ ّ‬
‫شرحسه كلم المام علي ع‪ :‬الول ل شينء قبله‪ ،‬قال‪ :‬فإن قلتسَ‪ :‬ليسس يدل كلمسه على القدم‪ ,‬لنسه‬
‫قال‪:‬الول لشىء قبله‪ ،‬فيوهم كونه غير قديم بأن يكون محدثا ًو ليس قبله شىء‪ ,‬لنه محدث عن عدم‪ ,‬و‬
‫العدم ل يس بش يء‪ ،‬قلت‪:‬إذا كان محدَثا كان له محدِث‪ ,‬فكان ذلك المحدِث قبله‪ ,‬فث بت أ نه م تى صدق أ نه‬
‫ليس بشىء قبله‪ ,‬صدق كونه قديما‪.1‬‬

‫الدليل الخامس‬
‫‪ ...‬وهذا الدليل ذهب إليه قو ٌم من أهل التوحيد ‪ -‬على حد تعبيره ‪ -‬دون أن يحددهم بدقة‪ ,‬وذكره في‬
‫معرض شر حه كلم المام ع الذي لم ي سبق له حال حال‪ ,‬فيكون أو ًل ق بل أن يكون آخرا‪ .‬ومضمو نه‪:‬‬
‫ن ذاته‬
‫الواجب لِذاته واجب من جميع جهاته‪ ،‬إذ لو فرضنا جواز اتصافه بأم ٍر جديد ثبوتي أو سلبي لقلنا‪ :‬أ ّ‬
‫ن حصول ذلك المر‪ ،‬أو سلبه عنه يتوقف على حصول أم ٍر خارج‬ ‫ل تكفي في تحققه‪ ،‬ولو قلنا ذلك لقلنا أ ّ‬
‫على ذاته‪ ،‬أو على عدم أم ٍر خارج عن ذاته‪ ،‬فتكون ذاته ل محالة متوقفة على حضور ذلك الحصول أو‬
‫السلب‪ ،‬والمتوقف على المتوقف على الغير متوقف على الغير‪ ،‬وكل متوقف على الغير ممكن‪ ،‬والواجب‬
‫ل يكون ممكنا‪. 2‬‬
‫ن الخالق تعالى غ ير حادث‪ ،‬ول‬‫ن ا بن أ بي الحديسد أراد الشارة إلى أ ّ‬ ‫ويبدو من الدلة المتقد مة أ ّ‬
‫تعتريسه صسفات الحوادث؛ لنسه لو كان حادثا لعتراه الفناء والعدم‪ ،‬ونتيجسة ذلك أن يكون العدم أصسل‬
‫الوجود‪ ،‬وذلك مستحيل‪ .‬وأمّا استحالة التسلسل ‪ -‬التي أشار إليها في الدليل الول ‪ -‬فلِما يترتب عليه من‬
‫ن هذا العالم متوقف على الذي قبله‪ ،‬والذي متوقف على الذي قبله‬ ‫اجتماع متناقضَين أيضا‪ ،‬إذ لو فرضنا أ ّ‬
‫ن كل حادث من هذه الحوادث عدمه سابق عليه‪ ،‬فإعدام هذه‬ ‫إلى غير نهاية في جانب الماضي فنقول‪ :‬أ ّ‬
‫الحوادث جميعها قديمة أزلية‪ ،‬فلو تسلسل الوجود إلى غير نهاية لجتمع في الزل وجود شيء مع عدمه‪،‬‬
‫وهو مستحيل‪ .‬إذن التسلسل مستحيل‪.‬‬
‫ن الدلة التي ذكرها ابن أبي الحديد ‪ -‬وخصوصا دليلَي الحدوث والتسلسل ‪-‬‬ ‫وعلى هذا الساس‪ ،‬فإ ّ‬
‫ن الذات غير القابلة للعدم يجب أن تكون قديمة باقية‪،‬‬ ‫ليست أكثر من دليل واحد وجهان‪ ،‬وهذا الدليل هو‪ :‬أ ّ‬
‫ن المتكلمين نظروا إلى المر من زاوية القدم والحدوث‪ ،‬وما يتبعهما من الدور والتسلسل‪ ،‬فقالوا‪ :‬لو‬ ‫لأ ّ‬
‫إّ‬
‫ل َل ما احتاج إلى محدِث‪ ،‬ولكن المحدَث‬‫ن ذاته قابلة للعدم‪ ،‬وإ ّ‬
‫كان ال محدَثا لكان له محدِث‪ ،‬ومع نى هذا أ ّ‬
‫القابسل للعدم والمحتاج إلى غيره ل يصسح أن يكون إله العالم‪ ،‬فإذن ل بد مسن النتقال إلى محدِثسه‪ ،‬ثسم إلى‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ ،9/253‬وهذا الدليل ذكره ابن المطهر الحلي أيضا في كتابه كشف المراد ص ‪ ،316‬على أ ّن‬ ‫‪6‬‬

‫ابن أبي الحديد ينقل عن أصحاب أبي هاشم أنهم يقولون ل يلزم من الستدلل بحدوث الجسام على أنه لبد من محدِث قديم كونه‬
‫موجودا‪ ،‬لنه عندهم أ ّن الذات المعدومة قد تتصف بصفات ذاتية وهي معدومة‪ .‬انظر شرح نهج البلغة ‪.13/45‬‬
‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.6/345‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪ 5/154‬س ‪.155‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪63‬‬
‫ن ذا ته غ ير قابلة‬
‫محدِث محد ثه‪ ،‬وهكذا ح تى تنت هي سلسلة المحدَثات إلى قد يم ل يحتاج إلى غيره‪ ،‬أي أ ّ‬
‫ق‪.1‬‬
‫للعدم‪ ،‬وغير القابل للعدم قديم با ٍ‬
‫أمّا اعتماده دليلَي الوجوب والمكان ‪ -‬الدليل الخير ‪ -‬فهو شأنه في ذلك شأن الرازي‪ ،‬حينما نظر‬
‫إلى هذه المسسألة مسن حيسث الوجوب والمكان‪ ،‬فال واجسب‪ ،‬ولو لم يكسن قديما باقيا لتوقسف وجوده على‬
‫ن ال واجب بذاته‪ ،‬وبالتالي فهو ل يفتقر إلى ما سواه‪ ،‬وينتج عن‬ ‫ل للعدم‪ ،‬أي ممكنا‪ ،‬ولك ّ‬
‫غيره‪ ،‬فيكون قاب ً‬
‫ل وأبدا‪. 2‬‬
‫هذا أنه غير قابل للعدم‪ ،‬بل هو موجود أز ً‬
‫أمّا أزل ية ال تعالى‪ ،‬ف قد أشار إلي ها ا بن أ بي الحد يد في أك ثر من مو ضع‪ ،‬من ذلك ما ذكره في‬
‫ن المراد ل آخر له بالمكان والقوة‪ ،‬فينقضي بالفعل فيما‬‫معرض شرحه كلم المام ع‪ :‬ل آخر له‪ ،‬قال‪ :‬إ ّ‬
‫ل يزال‪ ،‬ول هو أيضا ممكن الوجود فيما مضى‪ ،‬فيلزم أن يكون وجوده مسبوقا بالعدم‪ ...‬بل هو واجب‬
‫الوجود في حاَل ين‪ ،‬في ما م ضى و في الم ستقبل‪ .3‬وهذا المع نى قر يب م ما أفاده الكندي على الر غم من‬
‫الختلف في المصطلحات المستعملة من الثنين‪ ،‬إذ يقول الكندي‪ :‬الزلي هو الذي لم يكن ليس‪ ،‬وليس‬
‫يحتاج في قوامه إلى غيره‪ ،‬والذي ل يحتاج في قوامه إلى غيره فل علة له‪ ،‬وما ل علة له‪ ،‬فدائم أبدا‪.4‬‬
‫ن ال تعالى‬ ‫ن أكثر المتكلمين الذين ذهبوا إلى أ ّ‬
‫ن ابن أبي الحديد يشير في موضع آخر‪ ،‬إلى أ ّ‬ ‫كما أ ّ‬
‫ل بمعنسى أنسه‬ ‫يعدم أجزاء العالم ثسم يعيدهسا‪ ،‬احتجوا بقوله تعالى‪ :‬هنو الول والخنر‪ ،‬قالوا‪ :‬لَمسا كان أو ً‬
‫ل ذا ته‬
‫الموجود ول موجود م عه‪ ،‬و جب أن يكون آخرا بمع نى أ نه سيؤول ال مر إلى عدم كل ش يء‪ ،‬إ ّ‬
‫ل‪.5‬‬
‫تعالى كما كان أو ً‬
‫أمّا أدلة ابن أبي الحديد على أزلية ال تعالى‪ ،‬فقد كانت عديدة‪ ،‬نذكر أهمها‪:‬‬
‫ل مطلقا‪ ،‬أي ل‬
‫لو لم ي كن أزليا لكان محدَثا‪ ،‬فكان له محدِث‪ ،‬والمحدِث متقدم المحدَث‪ ،‬ل كن فرضناه أو ً‬
‫يتقدم عليه شيء‪ ،‬فيلزم المحال والخلف‪.6‬‬
‫إذا فرضناه آخرا مطلقا‪ ،‬تبع هذا الفرض أن يكون مستحيل العدم‪ ...‬وإنما تبعه ذلك؛ لنه لو لم يستحل‬
‫عدمه لصح عدمه‪ ،‬لكن كل صحيح وممكن فليفرض وقوعه؛ لنه ل يلزم من فرض وقوعه محال‪ ،‬مع‬
‫عدِم بعد استمرار الوجودية‬ ‫عدِم لَما ُ‬
‫فرضنا إياه صحيحا وممكنا‪ ،‬لكن فرض تحقق عدمه محال؛ لنه لو ُ‬
‫ل بضد‪ ،‬لكن الضد المعدم يبقى بعد تحقق عدم الضد المعدوم لستحالة أن يعدمه ويُعدَم معه في وقت‬ ‫إّ‬
‫وا حد؛ لنه لو كان و قت عدم الطارئ هو و قت عدم ال ضد المطروء عل يه‪ ،‬لمت نع عدم ال ضد المطروء‬
‫ن حال عد مه الذي هو ال ثر المتجدد تكون العلة الموج بة لل ثر معدو مة‪ ،‬والمعدوم ي ستحيل أن‬ ‫عل يه؛ ل ّ‬
‫ن ال ضد الطارىء ل بد أن يب قى ب عد عدم المطروء عل يه ولو وقتا واحدا‪ ،‬ل كن‬
‫يكون مؤثرا الب تة‪ ،‬فث بت أ ّ‬

‫الزركان‪ :‬فخر الدين الرازي ص ‪ 289‬س ‪.290‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن‪ ،‬م ص ‪.290‬‬ ‫‪2‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ 7/61‬س ‪ ،62‬وكذلك ن‪ ،‬م ‪.13/72‬‬ ‫‪3‬‬

‫الكندي‪ :‬رسائل الحدود والرسوم‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد المير العسم‪ ،‬ضمن كتابه المصطلح الفلسفي عند العرب ص ‪.194‬‬ ‫‪4‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ ،7/67‬وكذلك ن‪ ،‬م ‪.13/72‬‬ ‫‪5‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.7/96‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪64‬‬
‫ن ال ضد الطارىء قد ب قي‬
‫بقاءه بعده ولو وقتا واحدا ينا قض فرض نا كون المطروء عل يه آخرا مطلقا؛ ل ّ‬
‫بعده‪ ،‬فيلزم منه الخلف والمحال‪.1‬‬
‫ح على ال العدم لكان لِعدمه سبب‪،‬‬
‫وملخص ما أشار إليه أبن أبي الحديد في هذا الدليل‪ ،‬هو أنه لو ص ّ‬
‫فكان وجوده موقوفا على انتفاء سبب عد مه‪ ،‬والمتو قف على غيره يكون مم كن الذات‪ ،‬فل يكون وا جب‬
‫الوجود‪ ،‬وهذا الدليل أشار إليه جمهور المتكلمين‪.2‬‬
‫لو كان سبحانه آخرا لخر الموجودات‪ ،‬وله مع ذلك آخر‪ ،‬لزم التسلسل وإثبات أضداد تعدم ويعدمها‬
‫غيرها إلى غير نهاية‪ ،‬وهذا أيضا محال‪.3‬‬
‫وإتماما للدلة النفة الذكر ‪ -‬والتي عرَضها ابن أبي الحديد في شرح النهج ‪ -‬فقد اعترض على ما‬
‫ق ببقاء يقت ضي‬‫ن ال تعالى با ٍ‬‫أفاده الرازي ح ين ن فى هذا الخ ير ما عل يه سابقوه من الشعر ية‪ ،‬من أ ّ‬
‫كوننه باقيا‪ ،4‬قال الرازي‪ :‬فذلك البقاء ل شسك أنسه باقسٍ‪ ،‬فإن كان باقيا ببقاء آخسر لزم إمّا التسسلسل وأمّا‬
‫الدور‪ ،‬إن كان باقيا ببقاء الذات ال تي فرضنا ها باق ية بذلك البقاء‪ ،‬وإن كان باقيا بنف سه و بكون الذات باقية‬
‫مفتقرة إليه‪ ،‬انقلبت الذات صفةً‪ ،‬والصفة ذاتا‪ ،‬وهو محال‪.5‬‬
‫ن ابن أبي الحديد ‪ -‬في بادئ المر ‪ -‬يتفق مع الرازي في رفضه ما عليه الشعري‪،‬‬ ‫هنا نلحظ أ ّ‬
‫واتباعه من حيث المبدأ‪ ،‬لكنه يختلف معه من حيث مضمون الدليل الذي أفاده الرازي‪ ،‬ولذا فهو ‪ -‬ابن‬
‫أبي الحديد ‪ -‬يقول‪ :‬الواجب أن يقال إن كان هذا البقاء القديم باقيا ببقاء آخر لزم الدور أو التسلسل‪ ،‬وإن‬
‫كان باقيا بالذات الباقيسة لزم الدور‪ ،‬وإن كان باقيا بنفسسه والذات باقيسة بسه‪ ،‬كان هسو الذات على الحقيقسة‬
‫لوجوب وجوده‪. 6‬‬
‫والرازي ‪ -‬كمسا يقول ا بن أبسي الحد يد ‪ -‬لم ي قل‪ :‬وإن كان باقيا بالذات لزم الدور‪ .‬بسل قال‪ :‬فإن كان‬
‫باقيا ببقاء الذات الذي فرضناه باقيا بذلك البقاء لزم الدور‪ ،‬وهذا يقت ضي أ نه قد فرض بقاءَين‪ ،7‬ثم يؤ كد‬
‫ن الباقلني كان ال سّباّق إلى ذلك قبل الرازي‪ ،8‬وذلك‬ ‫ابن أبي الحديد ما ذكرته المصادر الكلمية القائلة بأ ّ‬
‫فسي كتابسه هداينة المسنترشدين‪ ،‬عندمسا قال‪ :‬إنّس البارىء تعالى باقٍس ببقاء‪ ،‬وذلك البقاء باقٍس ببقاء آخسر‪،‬‬
‫ن ما استدل به الباقلني قد اعترضه المعتزلة‪ ،‬في البقاء‬ ‫وكلهما قائمان بذات البارىء سبحانه‪ ،9‬علما أ ّ‬

‫ن‪ ،‬م ‪ 7/96‬س ‪.97‬‬ ‫‪1‬‬

‫قارن الجوي ني‪ :‬العقيدة النظام ية ص ‪ ،23‬والغزالي‪ :‬القت صاد ‪ ،19‬الرازي‪ :‬الخم سين في أ صول الد ين‪ ،‬مطبوع ض من مجمو عة‬ ‫‪2‬‬

‫مطبعة كردستان العلمية‪ ،‬مصر‪1328 ،‬هس‪ ،‬ص ‪ ،343‬ابن المطهر الحلي‪ :‬كشف المراد ص ‪.316‬‬
‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.7/97‬‬ ‫‪3‬‬

‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪.252‬‬ ‫‪4‬‬

‫ن‪ ،‬م ص ‪.252‬‬ ‫‪5‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 409‬ب‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 409‬ب‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫ل عند الدكتور محمد رمضان عبد ال‪ :‬الباقلني وآراؤه الكلمية ص ‪ 503‬س ‪ ،504‬إذ أشار إلى الصفات المختلَف‬‫انظر ذلك مفص ً‬ ‫‪8‬‬

‫فيها بين الباقلني والشعري‪ ،‬إ ّل أ ّن الدكتور محمد رمضان لم يشر إلى هذا النص في هداية المسترشدين بحسب إشارة ابن أبي‬
‫الحديد‪.‬‬
‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 409‬ب‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪65‬‬
‫الثا ني‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن كان باقيا ببقاء ثالث أف ضى إلى الت سلسل‪ ،‬وإن كان باقيا بالبقاء الول الذي فرضناه باقيا‬
‫به‪ ،‬أفضى إلى الدور الول‪. 1‬‬
‫القدرة والرادة‬
‫المقصد الول‪ :‬القدرة‬
‫مع نى القدرة هو‪ :‬الذي إن شاء ف عل‪ ،‬وإن لم ي شأ لم يف عل‪ ،‬أي ل ش يء من الف عل والترك ضروري‬
‫للفاعل‪ .‬وإلى هذا ذهب المتكلمون‪. 2‬‬
‫وا بن أ بي الحد يد يرى ما يراه جمهور أ صحابه المعتزلة‪ ،‬وكذا الفل سفة‪ ،3‬من أ نه تعالى قادر لِذا ته‪،‬‬
‫ن ال تعالى قادر‬ ‫و هو ما عل يه المام ية والزيدية‪ ،4‬بخلف الشعر ية‪ ،‬وبق ية أ هل ال سنة‪ ،‬فإن هم يقولون‪ :‬إ ّ‬
‫بقدرة قديمة‪.5‬‬
‫ن تمكّنه من الشياء ليس لم ٍر زائ ٍد على ذاته‪،‬‬
‫ومعنى أنه تعالى قادر لِذاته‪ ،‬عند ابن أبي الحديد هو‪ :‬أ ّ‬
‫بل بمجرد حقيقته المخصوصة قدر على الشياء‪ ،‬وفي ضمن هذا أن يكون قادرا على كل ممكن‪.6‬‬
‫ن ال قادر بقدرة‪ ،‬و هو عند هم‬
‫و قد يرد ت ساؤل مفاده‪ :‬إذا كان ا بن أ بي الحد يد وأ صحابه ل يقولون أ ّ‬
‫قادر لِذاتسه ‪ -‬كمسا يقول ‪ -‬فكيسف يتأول كلم المام علي ع‪ :‬الذي عل بحوله‪ ،‬أليسس هذا إثبات قدرة له‬
‫زائدة على ذاته‪ ،‬وهذا يخالف مذهبهم؟‬
‫ن ل قوة وقدرة‬ ‫ن أصحابنا ل يمتنعون من إطلق قولهم‪:‬إ ّ‬ ‫هذا ما يجيب عليه ابن أبي الحديد بقوله‪ :‬إ ّ‬
‫ش ل أن يذهب ذاهب منهم إلى منع ذلك‪ ،‬ولكنهم يطلقونه ويعنون به حقيقته العرفية‪ ،‬وهي‬ ‫وحولً‪ ،‬وحا َ‬
‫ن وجوده‬ ‫ن ل وجودا وبقا ًء وقِدما‪ ،‬ول نعني بذلك أ ّ‬
‫كون ال تعالى قويا قادرا‪ ،‬كما نقول نحن والمخالف‪ :‬إ ّ‬
‫ن زائدة على نفسه‪ ،‬لكنّا نعني كلّنا بإطلق هذه اللفاظ عليه كونه موجودا أو باقيا أو‬ ‫أو بقاءه أو قِدمه معا ٍ‬
‫قديما‪ ،‬وهذا هو العرف المستعمَل في قول الناس‪ :‬ل قوة لي على ذلك‪ ،‬ول قدرة لي على فلن‪ .‬ل يعنون‬
‫ي المعنى‪ ،‬بل يعنون كون النسان قادرا قويا على ذلك‪.7‬‬ ‫نف َ‬
‫ويستدل ابن أبي الحديد على كونه تعالى قادرا بدليلين‪ ،‬هما‪:‬‬
‫ن أحدهما ل يصح منه‬ ‫الول‪ :‬إذا شاركه سبحانه بعض الموجودات في كونه موجودا‪ ،‬وافترقا في أ ّ‬
‫فِعل الجسم‪ ،‬ول الكون‪ ،‬ول الحياة‪ ،‬ول الوجود المحدَث‪ ،‬ويصح ذلك من الموجودات القديمة‪ ،‬وذلك المر‬

‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 409‬ب‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫راجع اللوسي‪ :‬حوار بين الفلسفة والمتكلمين ص ‪ 54‬هامش ‪.66‬‬ ‫‪2‬‬

‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪.210‬‬ ‫‪3‬‬

‫الشيخ المفيد‪ :‬أوائل المقالت ص ‪ 55‬س ‪.56‬‬ ‫‪4‬‬

‫البغدادي‪ :‬أصول الدين ص ‪ ،90‬الفرق بين الفرق ص ‪.322‬‬ ‫‪5‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 426‬ب‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.6/243‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪66‬‬
‫هو الذي يسمى مَن كان عليه قادرا‪ .1‬وهذا الدليل أشار إليه جملة من المتكلمين‪ ،‬وأبرزهم القاضي عبد‬
‫الجبار والشريف المرتضى والشيخ الطوسي وأبو رشيد النيسابوري‪ ،2‬ت ‪ 436‬هس‪.‬‬
‫الثاني‪:‬أنه تعالى قادر لِذاته‪ ،‬ويستحيل عليه العجز‪ ،‬وغيره قادر لم ٍر خارج عن ذاته‪ ،‬إمّا لقدرة‪ ،‬كما‬
‫قال قوم‪ ،‬أو لبنيسة وتركيسب‪ ،‬كمسا قال قوم آخرون‪ ،‬والعجسز على مَن عداه غيسر ممتنسع‪ ،‬وعليسه تعالى‬
‫مستحيل‪.3‬‬
‫وا بن أ بي الحد يد في دليَل يه المتقد َم ين‪ ،‬شأ نه شأن متكل مي الفِرق القائلة بعين ية ال صفات للذات‪ ،‬الذ ين‬
‫ن سلب القدرة الذاتية عنه تعالى يساوي سلب الوجود‬ ‫ن قدرة ال عين ذاته‪ ،‬باعتبار أ ّ‬ ‫أرادوا التأكيد على أ ّ‬
‫ن القادر بالغير يكون مفتقرا‪ ،‬فيكون عاجزا‪.‬‬ ‫عن ذاته؛ ل ّ‬
‫ن ال تعالى يجب أن يكون قادرا فيما لم يزل‪ ،‬وهو يبيّن لنا هذا المعنى‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫ويرى ابن أبي الحديد أ ّ‬
‫ن من لوازم ذاته المقدسة صحة أن يفعل‪ ،‬فمضمون قولنا‪ :‬صحة أن‬ ‫معنى قولنا البارئ لم يزل قادرا‪ ،‬أ ّ‬
‫يفعل أن يُحدِث‪ ،‬ول يلزم من قولنا‪ :‬هذه الذات لها لزم‪ ،‬وهو صحة أن يُحدِث أن يكون لها لزم آخر‪،‬‬
‫ن من‬‫ن القديم ل يخلق‪ ،‬فإذا قيل لنا‪ :‬هذه قادريته أزلية أم ل؟ قلنا للسائل‪ :‬أتعني أ ّ‬‫وهو أن يخلق القديم؛ ل ّ‬
‫ن من‬‫لوازم ها التي ل تن فك عنها كما ل تن فك الثلثة عن الفردية إن تمكن من أن يف عل‪ ،‬أم تع ني به أ ّ‬
‫لوازم ها أن يج مع ب ين الش يء ونقي ضه؟‪ ،...‬فإن قال سألتكم عن الثا ني‪ ،‬ق يل له‪ :‬الجواب‪ ،‬ل‪ ،‬ل يس من‬
‫لوازمها أمر مستحيل عقلً‪ ،‬فليس معنى قولنا‪ :‬أنها لم تزل قادرة‪ ،‬أنها تتمكن من جعل ما ل يتصور أن‬
‫يكون قديما‪ ،‬وإن قال سألتكم عن الول‪ ،‬قيل له‪ :‬نعم هي ذات من لوازمها صحة أن يفعل‪ ،‬لكن ل يصدق‬
‫ل مع الحدوث فل يستلزم أمرا غير ذلك‬ ‫ل مع الحدوث‪ ،‬فإذا هي مستلزمة لمر ل يفعل إ ّ‬ ‫مسمى أن يفعل إ ّ‬
‫يناقض الحدوث‪.4‬‬
‫أمّا فيما يخص قدرة ال على الشياء قبل كونها‪ ،‬فيرى ابن أبي الحديد ما يراه أهل السنة والجماعة‪،‬‬
‫ن الجسام كلها كانت‬ ‫ن كل مخلوق كان مقدورا ل تعالى قبل حدوثه‪ ،‬وأ ّ‬ ‫وبعض المعتزلة‪ ،‬حينما قالوا‪ :‬إ ّ‬
‫مقدورة له ق بل أن يخلقها‪ .5‬إذ قال صاحبنا‪ :‬إ نه تعالى قادر على الشياء ق بل كون ها؛ ل نه ي ستحيل حال‬
‫كونها أن تكون مقدورة‪ ،‬لستحالة إيجاد الموجود‪ .6‬ولذلك نراه ‪ -‬ابن أبي الحديد ‪ -‬يستدرك على الرازي‬
‫ن المؤثر في وجود أفعال ال‪ ،‬تعلّق قدرته بها زمان حدوثها‪ ،‬وأمّا المتعلقات السابقة فل‬ ‫بخصوص قوله‪ :‬إ ّ‬
‫أثر لها ألبته‪ ،‬وهذا ل يمكن تحققه في قدرة العبد؛ لنها غير باقية‪.7‬‬
‫ووجه استدراك ابن أبي الحديد يتمثل في وجوه‪:‬‬
‫ن‪ ،‬م ‪.13/48‬‬ ‫‪1‬‬

‫قارن في هذا أقوال القاضي عبد الجبار‪ :‬شرح الصول الخمسة ص ‪ ،152 - 151‬والشريف المرتضى‪ :‬جمل العلم والعمل ص‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،29‬والشيخ الطوسي‪ :‬القتصاد ص ‪ ،53‬وأبو رشيد النيسابوري‪ :‬ديوان الصول ص ‪.469‬‬


‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ ،5/156‬وأو ّد الشارة إلى أ ّن الشعرية ل تق ّر بالقدرة على المحال؛ لنه س حسب رأيهم س لو‬ ‫‪3‬‬

‫تعلقت القدرة بكل شيء‪ ،‬حتى الواجب والمستحيل‪ ،‬لكان الواجب ممكنا؛ ل ّن من دخل تحت القدرة لبد وأن يكون ممكنا حتى تغيّره‬
‫القدرة من حال إلى حال‪ .‬انظر ابن حزم‪ :‬الفصل ‪ 3/36‬س ‪ 37‬الهامش ‪.‬‬
‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 396‬أ س ب‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫البغدادي‪ :‬أصول الدين ص ‪ 93‬بتصرف‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.9/152‬‬ ‫‪6‬‬

‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪.153‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪67‬‬
‫ن بين القدرة والمقدور تعلّقا أزيد من صحة وجود المقدّر بها‪ ،‬وهذا أمر غير‬
‫إحداها‪:‬أنه مبني على أ ّ‬
‫معقول‪ ،‬ول مدلول عليه‪.‬‬
‫ثانيهسا‪ :‬أنسه لو ثبست بيسن القدرة والمقدور تعلّقا‪ ،‬سسألناه ‪ -‬الرازي ‪ -‬عسن تعلّقات قدرة البارىء تعالى‪،‬‬
‫أهي قديمة بقِدم القدرة‪ ،‬أم متجددة شيئا فشيئا‪ .‬فإن كان الول‪ ،‬عاد الشكال في أنه لماذا لم يوجد الفعل قبل‬
‫أن وجد‪ ،‬وإن كان الثاني‪ ،‬ففي ذلك قول بحوادث ل أول لها‪.‬‬
‫ثالث ها‪ :‬أ نه لو سلّم له ‪ -‬الرازي ‪ -‬جواز حوادث ل أول ل ها‪ ،‬لق يل له‪ :‬هذه التعلقات المفرو ضة كل ها‬
‫ن كلمنا في تعلقات القدرة الواحدة بمقدور واحد‪ ،‬ل في تعلقات القدرة‬ ‫متماثلة أو مختلفة‪ ،‬والثاني محال؛ ل ّ‬
‫بمقدورات مختلفسة‪ ،‬والضافات إنمسا تختلف باختلف مفروضاتهسا‪ ،‬فإذا اتحدت مفروضاتهسا لم تختلف‪،‬‬
‫ن تعلقات القدرة القدي مة في ها لم تزل إلى الن‪ ،‬وإذا كا نت ل تقت ضي وجود‬‫والثا ني يلزم م نه الشكال؛ ل ّ‬
‫ن التعلق مماثل للتعلقات التي قبله‪.‬فقد بطل في هذا قوله ‪ -‬قول‬ ‫ي حا ٍل وجِد الن‪ ،‬مع أ ّ‬
‫هذا المقدور‪ ،‬فل ّ‬
‫ن المؤثر في وجود فعله تعالى‪ ،‬تعلّق قدرته به زمان حدوثه‪. 1‬‬‫الرازي ‪ :-‬إ ّ‬
‫وإذا كان ال تعالى قادرا على الشياء ق بل كون ها ‪ -‬ك ما يرى ا بن أ بي الحد يد في ما تقدم ‪ -‬ف هل هو‬
‫سبحانه قادر على كل الممكنات؟‬
‫ن ا بن أ بي الحد يد أ خذ بهذا الرأي‪ ،‬الذي هو مذ هب الشعرية‪ ،2‬وكث ير من المعتزلة‪ ،3‬حين ما‬
‫الوا قع أ ّ‬
‫صرح بأنه تعالى قادر على كل ما يصح تعلّق قادريته تعالى به‪. 4‬‬
‫ل عن الشعرية‪ ،‬في أنه تعالى قادر‬ ‫وبالرغم من موافقة ابن أبي الحديد أغلب أصحابه المعتزلة‪ ،‬فض ً‬
‫ل أنه أشكل على احتجاج الرازي على عموم قادريته سبحانه‪ ،‬حينما قال هذا الخير‪:‬‬‫على كل الممكنات‪ ،‬إ ّ‬
‫لنس مسا عداه إمّا الوجوب وإمّا‬
‫قلنسا لجله صسح فسي البعسض أن يكون مقدور ال تعالى هسو المكان؛ ّ‬
‫ف مشترك فيه بين الممكنات‪ ،‬فيكون الكل مشتركا في‬ ‫المتناع‪ ،‬وهما يحيلن المقدورية‪ .‬لكن المكان وص ٌ‬
‫صحة مقدورية ال تعالى‪ ،‬فلو اختصت قادريته بالبعض‪ ،‬افتقر إلى مخصص‪. 5‬‬
‫ن هذا الحتجاج ل ينتج المطلوب؛ لنه في الجائز أن‬ ‫وابن أبي الحديد في إشكاله على الرازي‪ ،‬يرى أ ّ‬
‫يكون المقتضسي لقادريتسه تعالى على مسا قدر عليسه ل مجرد المكان‪ ،‬بسل المكان بشرط أن يكون تعالى‬
‫مضافا إلى ماهيسة مخصسوصة‪ .‬مثال ذلك‪ :‬أن يكون تعالى قادرا على حركسة ممكنسة‪ ،‬فيكون مأخوذا فسي‬
‫التعليل خصوصية كونها حركة‪ ،‬فل يلزم أن يقدر على العتماد والتأليف مثلً؛ لنه وإن كان ممكنا‪ ،‬لكن‬
‫المكان ليس هو كل المقتضي‪ ،‬بل هو جزء المقتضي‪ ،‬ول يلزم من بطلن كون الوجوب والمتناع على‬
‫صحة المقدورية أن يكون المكان بمجرده‪ ،‬على صحة المقدورية؛ لنه ل يلزم من بطلن ذينك القسمين‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 383‬أ‪ .‬ول يفوتنا هنا أن نشير إلى أ ّن نصير الدين الطوسي هو الخر قد استدرك على الرازي‬ ‫‪1‬‬

‫فيما ذهب إليه آنفا‪ .‬إذ يرى أ ّن القول بأ ّن تعلّق قدرة ال تعالى زمان حدوث الفعل مؤثر في وجود الفعل أيضا ليس بشيء؛ ل ّن الفعل‬
‫وجب زمان حدوثه‪ ،‬وإن لم تكن قدرة‪ .‬انظر نصير الدين الطوسي‪ :‬تلخيص محصل الفكار ص ‪.153‬‬
‫الباقلني‪ :‬النصاف ص ‪ ،35‬البغدادي‪ :‬الفرق بين الفرق ص ‪.322‬‬ ‫‪2‬‬

‫القاضي عبد الجبار‪ :‬شرح الصول الخمسة ص ‪.156‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.6/351‬‬ ‫‪4‬‬

‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪ 257‬س ‪.258‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪68‬‬
‫صحة هذا على إطلقه‪ ،‬بل يجوز أن يكون مجرده هو المصحح‪ ،‬ويجوز أن يكون هو المصحح بشرط‬
‫كونه مضافا إلى ماهيات مخصوصة‪ ،‬فإذن ل تثبت عموم القادرية من هذا الطريق‪.1‬‬
‫ن ال قادر على كل الممكنات‪ ،‬ومنهم ابن أبي الحديد‪ ،‬إنما أرادوا‬ ‫ن الذين ذهبوا إلى أ ّ‬
‫ومما تقدم يتبين أ ّ‬
‫تأكيد عموم قدرته‪ ،‬وأنها تتعلق بكل شيء‪ ،‬فهي تشمل جميع ما سواه بكل ما هو ممكن‪ ،‬ول فرق في‬
‫المم كن ب ين الحقائق الواقع ية الجوهر ية أو العرض ية والمور العتبار ية‪ ،‬كالمُلك والعزّة والذّلة والجزاء‪،‬‬
‫ن كل ممكن يقع تحت قدرته‪ ،‬سواء كان الوجود هو المعلول والمترشح من وجود العلة أو‬ ‫ونحو ذلك‪ .‬فإ ّ‬
‫ن جميع ذلك مفتقر إليه تعالى‪ ،‬نعم بعض المور له تأصل في الواقع‪ ،‬والبعض الخر‬ ‫كانت الماهية‪ ،‬فإ ّ‬
‫ليس له كذلك‪ ،‬بل هو تابع لجعل الحقائق الواقعية‪ ،‬ولكن ذلك ل يستلزم الخروج من تحت قدرة ال‪.‬‬
‫وفي الوقت الذي يرى فيه الرازي أنه ل مانع من القول بأن حصل في الحال التمكن من إيجاد الشيء‬
‫ن هذه القضية لها مفهومان‪ :‬أحدهما صحيح والخر ممتنع‪ ،‬أمّا‬ ‫ن أبي الحديد يعتقد أ ّ‬
‫في المستقبل‪ ،2‬نجد اب َ‬
‫الممت نع ف هو أن يُراد أ نه ح صل في الحال التم كن من إيجاده الن في ال ستقبال‪ ،‬وهذا م ستحيل‪ ،‬أع ني‬
‫ن الستقبال ل يجتمع مع الن‪ ،‬إذ يستحيل اجتماع‬ ‫الجمع بين إيجاده الن مع قيد كونه في الستقبال؛ ل ّ‬
‫ذاتين معا‪ .‬وأمّا الوجه الصحيح فأن يراد به التمكن الن حاصل ل من اليجاد الن‪ ،‬بل من اليجاد في‬
‫ن هذا مما لم يد ّل على امتناعه دليل‪ ،‬ولكن فيه إشكالَين‪:‬‬
‫المستقبل‪ ،‬فإ ّ‬
‫ن هذا الباب من‬ ‫أحدهما‪ .‬أن يقال‪ :‬التمكن أمر إضافي ليس متحقق الن‪ ،‬والجواب عنه‪ ،‬إنّا ل نسلّم أ ّ‬
‫ل عند تحقق المضافَين‪ ،‬ولِم ل يجوز أن يكون التمكن كالعلم‪ ،‬فإنه ل يفتقر‬ ‫الضافيات التي يمتنع تحققها إ ّ‬
‫ن الواحد منّا يريد أن‬ ‫إلى تحقق المضافَين‪ ،‬ولذلك يعلم الواحد منّا ما يقطع بأنه ل تحقق له‪ ،‬وكالرادة‪ ،‬فإ ّ‬
‫ل يتحقق بعد‪.‬‬
‫ثانيهما‪ .‬أن يقال‪ :‬إذا أجزتم حصول التمكن الن‪ ،‬ل من أم ٍر ي قع الن‪ ،‬بل من أمر ي قع في الثاني‪،‬‬
‫ن كل واحد منهما مؤثر وفاعل؟ قلنا‬ ‫ن كليهما يشتركان في أ ّ‬
‫فأجيزوا سبق العلة على معلولها بالزمان؛ ل ّ‬
‫ن هذا إن كان قياسا فإنه ل يفيد العلم‪ ،‬وقد كنتم جمعتم بين الصل والفرع بالمشترك‪ ،‬وهو المؤثر به؛‬ ‫إّ‬
‫ن الموجب‬ ‫ن الذي أجمع عليه أصحابنا‪ ،‬أ ّ‬
‫لجواز أن تكون خصوصية اليجاب فارقة بين الموضعين‪ ،‬ثم أ ّ‬
‫يجوز أن يتقدم موج به بالزمان‪ ،‬ك ما في التولد‪ ،‬ودللة الحكماء على وجوب مفار قة العلة للمعلول لي ست‬
‫بقوية‪.3‬‬
‫ل على‬
‫بقي علينا أن نشير إلى مسألة مهمة وهي‪ :‬هل القادر يصح منه الفعل والترك‪ ،‬أم أنه ل يقدر إ ّ‬
‫الفعل؟‬
‫ن القادر يجب أن‬ ‫هذه المسألة بحثها ابن أبي الحديد عند ردّه على الفخر الرازي‪ ،‬فهذا الخير يرى أ ّ‬
‫يكون مترددا بين الفعل والترك‪ ،‬إنما يصح أن لو كان الفعل والترك مقدورَين‪ ،‬لكن الترك محال أن يكون‬
‫ن الترك عدم‪ ،‬والعدم نفي محض‪ ،‬ول فرق بين قولنا‪ :‬لم يكن مؤثرا‪ ،‬وبين قولنا‪ :‬أثّر فيه تأثيرا‬‫مقدورا؛ ل ّ‬
‫ن قولنا ما أوجد معناه أنه بقي على العدم الصلي‪ ،‬فإذا كان العدم الحالي عين ما كان‪ ،‬استحال‬ ‫عدميا‪ ،‬ول ّ‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 410‬ب‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪.238‬‬ ‫‪2‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 394‬ب‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪69‬‬
‫ن الترك غير مقدور‪ .‬وإذا كان كذلك استحال أن‬
‫ن تحصيل الحاصل محال‪ ،‬فثبت أ ّ‬ ‫استناده إلى القادر؛ ل ّ‬
‫يقال‪ :‬القادر هو الذي يكون مترددا بين الفعل والترك‪. 1‬‬
‫ن الرازي ما تعرّض للكلم على هذه الشبهة أصلً‪ ،‬وترَكها على إشكالها ‪-‬‬ ‫هنا يرى ابن أبي الحديد أ ّ‬
‫ومسع ذلك فهسو يعترض على الرازي فيقول‪ - :‬لِم ل يجوز أن يكون فسي الوجود حقيقسة ممكنسة أن يفعسل‬
‫الفعل في الثاني‪ ،‬ومِن أن ل يفعله في الثاني‪.2‬‬
‫وفيما يخص قول الرازي في النص المتقدم ل فرق بين قولنا‪ :‬لم يؤثّر فيه‪ ،‬وبين قولنا أثّر فيه تأثيرا‬
‫ن بينهمسا فرق معقول‪ ،‬كالفرق بيسن قولنسا‪ :‬لم يعلم‬ ‫عدميا‪ 3‬يرى ابسن أبسي الحديسد أنّس ذلك ليسس بلزم؛ ل ّ‬
‫وقولنسا‪ :‬علم ل‪ ،‬فإنّا نعلم بالضرورة العدم المطلق أو المطلق‪ ،‬وكلهمسا عدم‪ ،‬وليسس مفهوم قولنسا ل يعلم‬
‫قضية صادقة عن الجماد والمعدوم وكل ما لم يعلم‪ ،‬وقولنا‪ :‬يعلم العدم ل تصدق على ذلك‪.4‬‬
‫ن ما أوجد معناه أنه بقي على العدم الصلي‪ ،‬فإذا كان‬ ‫أمّا ما أشار إليه الرازي في النص المتقدم من أ ّ‬
‫ن تح صيل الحا صل محال‪ .‬ه نا يرى ا بن أ بي‬ ‫العدم الحالي ع ين ما كان‪ ،‬ا ستحال ا ستناده إلى القادر؛ ل ّ‬
‫ن هذا الكلم إمّا أن يفرض ف يه ق بل خلق العالم‪ ،‬أو ب عد أن خلَق العالم والزمان‪ ،‬فإن يفرض ف يه‬ ‫الحد يد أ ّ‬
‫ل ليصدق عليه أنه كاستمرار بقاء‬ ‫قبل خلق العالم والزمان‪ ،‬فليس قبل خلق العالم أمر مستمر يتصرّم أو ً‬
‫ن الستمرار الوجودي ل تتعلق به القدرة‪ ،‬فكذلك الستمرار العدمي‪ ،‬فقد بطل على‬ ‫الجسم ودوامه‪ ،‬فكما أ ّ‬
‫هذا الفرض ما ابت نى عل يه الشكال‪ ،‬وإن فرِض الكلم في نا و في البارىء تعالى ب عد خلق العالم والزمان‪،‬‬
‫ل فحال‪ ،‬ونحن ل نقول أنه متمكن من العدم الحالي‪،‬‬ ‫ن العدم مستمر بحسب استمرار الزمان حا ً‬ ‫فالجواب أ ّ‬
‫كما ل نقول في طرف الوجود أنه متمكن من الوجود الحالي‪ ،‬بل كما قلنا في طرف الوجود‪ ،‬أنه متمكن‬
‫الن مسن اليجاد فسي الثانسي‪ ،‬كذلك نقول فسي طرف العدم أنسه الن متمكسن مسن أن ل يوجسد فسي الثانسي‬
‫كذلك‪. 5.‬‬
‫ن الرازي كان يذ هب في كت به الولى‬ ‫ول بد من الشارة ه نا إلى رأي الدكتور الزركان‪ ،‬الذي يرى أ ّ‬
‫ن القادر هو الذي يصح منه‬ ‫ن القادر يصح منه الفعل والترك‪ ،‬وفي هذا يقول في كتابه الربعين‪ :‬إ ّ‬ ‫إلى أ ّ‬
‫ن القادر ل يقدر‬
‫ل أنه في المطالب العالية ‪ -‬آخر كتبه ‪ -‬رأى أ ّ‬
‫الفعل والترك بحسب الدواعي المختلفة‪ ،‬إ ّ‬
‫ن القول بأنه يقدر على الفعل والترك قول غير مقبول‪.6‬‬‫ل على الفعل‪ ،‬وأ ّ‬
‫إّ‬
‫ن اقتدار القادر عليه‬
‫ن المقدور القادر لبد وأن يتميز عن غيره‪ ،‬ل ّ‬
‫أمّا ما ذهب إليه الرازي من القول بأ ّ‬
‫نسبة بين القادر وبينه‪ ،‬وما لم يتميز المنسوب إليه عن غيره استحال اختصاصه بتلك النسبة دون غيره‪،‬‬
‫ن هذا ل يلزم؛ لنه يجوز أن يصح‬ ‫وذلك يستدعي امتياز أحدهما عن الخر‪ .7‬هنا يرى ابن أبي الحديد أ ّ‬
‫من القادر شيء دون شيء؛ لنه ذات مخصوصة تقتضي حقيقتها أن يصح منها صدور شيء مخصوص‬

‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪.235‬‬ ‫‪1‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 395‬أ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪.235‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 395‬أ س ب‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 395‬أ س ب‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫الزركان‪ :‬فخر الدين الرازي ص ‪.298‬‬ ‫‪6‬‬

‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪ 236‬بتصرف‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪70‬‬
‫فقسط‪ ،‬ول يدل ذلك على ثبوت غيره وتحق قه فسي الخارج كالعالِم الذي يعلم شيئا دون ش يء‪ ،‬ول يدل ذلك‬
‫علِمه وما ل يعلمه ثابتان خارج الذهن عند الفلسفة‪.1‬‬
‫ن ما َ‬
‫على أ ّ‬
‫ن المقدور يمتاز من غ ير المقدور بخ صوصية‪ ،‬و هي انت سابه إلى‬
‫ن الرازي يلتزم بأ ّ‬
‫ويبدو م ما تقدم أ ّ‬
‫القادر دون غير المقدور‪ ،‬فإنه ‪ -‬غير المقدور ‪ -‬ل ينتسب إلى القادر‪.‬‬
‫وقد فهم ابن أبي الحديد من كلم الرازي هذا‪ ،‬أنه ُت َع ّد في المقدور صلة وجودية خارجية لولها لَمَا‬
‫ن الصفة هي انتسابه إلى‬ ‫كان مقدورا‪ ،‬ولكن يبدو من عبارة الرازي أنه يوجب صفة في المقدور‪ ،‬بيد أ ّ‬
‫ن صفة النتساب في القادر والمقدور معا ليست صفة خارجية‪ ،‬وإنما هي‬ ‫القادر ونسبته إليه‪ ،‬ومعلوم أ ّ‬
‫ن‬‫صفة ذهن ية لِحاظ ية فح سب‪ ،‬فإذا كان هذا ق صد الرازي‪ ،‬فل خلف بي نه وب ين ا بن أ بي الحد يد‪ ،‬في أ ّ‬
‫الرازي يثبت الصفة النسبية‪ ،‬وابن أبي الحديد ينفي الصفة الخارجية‪.‬‬
‫ن القادر يتمكن من الجمع بين الحركة والسكون‪ ،‬ل‬
‫ن ما ذكره الرازي من أ ّ‬
‫وفي التجاه الخر‪ ،‬نجد أ ّ‬
‫من البياض والسواد‪ ،2‬يقتضي على رأي ابن أبي الحديد أن يكون الجمع بين السواد والبياض في الخارج‪،‬‬
‫وهذا محال‪. 3‬‬
‫المقصد الثاني‪ :‬الرادة‬
‫صفة الرادة من ال صفات الله ية ال تي أخذت جان با أ ساسيا من التفك ير الفل سفي الكل مي من ح يث‬
‫ارتباط ها ب صفة العلم‪ ،‬وعلقت ها بإيجاد العالم‪ ،‬وي ستدل ا بن أ بي الحد يد على ثبوت هذه ال صفة ل بال سمع‬
‫س َر [البقرة‪]185 :‬‬
‫والعقل‪ ،‬فيقول‪ :‬وأمّا كونه مريدا فقد ثبت بالسمع‪ ،‬نحو قوله تعالى‪ُ :‬يرِي ُد الّل ُه ِب ُك ُم اْلُي ْ‬
‫وبالعقل؛ لختصاص أفعاله بأوقات مخصوصة‪ ،‬وكيفيات مخصوصة جاز أن تقع على خلفها‪ ،‬فلبد من‬
‫مخصص لها بما اختُصت به‪ ،‬وذلك كونه مريدا‪. 4‬‬
‫ن ال‬‫ن الدل يل على أ ّ‬
‫ن ا بن أ بي الحد يد‪ ،‬في دليله هذا‪ ،‬كان يهدف إلى بيان حقي قة مؤدا ها‪ :‬أ ّ‬
‫ويبدو أ ّ‬
‫مر يد لفعاله‪ ،‬أ نه خ صص إيجاد الحوادث بو قت دون و قت‪ ،‬وعلى صفة دون أخرى مع عموم قدر ته‪،‬‬
‫وكون الوقات والصفات كلها صالحة لليجاد بمقتضى القدرة‪ ،‬فلبد من مرجح للوقت والشكل؛ لستحالة‬
‫الترجيح بل مرجح عقل‪ ،‬وذلك هو الرادة‪ ،‬فيكون تعالى مريدا لفعاله‪ ،‬وهو المطلوب‪.‬‬
‫ن إرادة ال‬
‫ل لِما تقدم‪ ،‬نشير إلى اعتراض ابن أبي الحديد على ما ذهب إليه الرازي‪ ،‬من أ ّ‬ ‫واستكما ً‬
‫تعالى منزهة عن العراض‪ ،‬بل واجبة التعلق بإيجاد ذلك الشيء في ذلك الوقت بذاتها‪،5‬إذ قال ابن أبي‬
‫الحديسد‪ :‬هذا ت صريح بأنسه تعالى مو جب بالذات ل فاعسل بالختيار؛ ل نه ل يتم كن من فعسل ما يخالف‬
‫مقت ضى الرادة القدي مة الواج بة التعلق بإيجاد الشياء في أوقات ها‪ ،‬فيكون تعالى كالمل جئ إلى تلك الفعال‬
‫المسلوب التخير والتمكن منها‪. 6‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 397‬ب‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪.236‬‬ ‫‪2‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 397‬ب‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح النهج ‪.3/85‬‬ ‫‪4‬‬

‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪.246‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪71‬‬
‫ن ال تعالى مختار في أفعاله‪ ،‬إن شاء فعل‪ ،‬وإن يشأ‬ ‫ومجمل ما يهدف ابن أبي الحديد إلى بيانه‪ ،‬هو أ ّ‬
‫ل ‪ -‬والدليل على ذلك‬ ‫لم يفعل‪ ،‬وليس بموجب مضطر في صدور الفعال عنه‪ ،‬كالنار في الحراق ‪ -‬مث ً‬
‫ّهس م َا َيشَا ُء‬
‫ختَار [القصسص‪ ،]68 :‬وقوله تعالى‪َ :‬وَي ْف َع ُل الل ُ‬ ‫ُقس م َا َيشَا ُء َوَي ْ‬
‫خل ُ‬
‫ّكس َي ْ‬
‫قوله تعالى‪َ :‬و َرب َ‬
‫ن اليجاب ع جز والضطرار‬ ‫[ابراه يم‪ ،]27 :‬وغ ير ذلك من الن قل القط عي ‪ -‬القرآن الكر يم ‪ -‬على أ ّ‬
‫نقص‪ ،‬وال منزه عنهما‪.‬‬
‫ن ابن أبي الحديد يتعرّض إلى ذلك في معرض إشارته‬ ‫وإذا كانت الرادة اللهية تتميز عن غيرها‪ ،‬فإ ّ‬
‫ح ْك ُم ِإلّا ِلّل ِه [يو سف‪ ،]67 :‬فيقول‪ :‬أي إذا أراد شيئا من أفعال نف سه فل بد من‬
‫ن اْل ُ‬
‫إلى قوله تعالى‪ِ :‬إ ِ‬
‫وقوعه‪ ،‬بخلف غيره من القادرين بالقدرة‪ ،‬فإنه ل يجب حصول مرادهم إذا أرادوه‪. 1‬‬
‫ن إرادة ال بسيطة‪ ،‬وهي إحداث الفعل‬‫وهذا الكلم على الرغم من إيجاز ابن أبي الحديد فيه‪ ،‬يعني أ ّ‬
‫وإيجاده على وجه يوافق القضاء الصلي‪ ،‬ويطابق العلم الزلي من الكمال والثار‪ ،‬ل مركّبة من المور‬
‫المذكورة في إرادة الخلق ول شيء منها‪ ،‬ولذا فالبارئ ل ينظر إلى الفعل ليعلم نفعه ودرجة حُسنه‪ ،‬ول‬
‫يتفكر ول يتأمل فيه ليعلم حسن عاقبته؛ لتنزّه ال تعالى عن استعمال الرأي‪ ،‬والتعمق في المور‪ ،‬والتفكر‬
‫في أمر عاقبتها على نحو ما هو موجود عند البشر‪.‬‬
‫ن ابن أبي الحديد يبيّن لنا‬ ‫وإذا كانت صفة الرادة لها ارتباط بصفة العلم ‪ -‬كما قلنا في البداية ‪ -‬فإ ّ‬
‫حقيقة هذه العلقة‪ ،‬من خلل طرح مسألة مهمة عنوانها المر بالشيء مع العلم بأنه ل يقع‪ ،‬يقول‪ :‬واعلم‬
‫ن أهل العدل والمجبرة‪ ،‬لم يختلفوا في أنه تعالى قد يأمر بما يعلم أنه ل يقع‪ ،‬أو يخبر عن أنه ل يقع‪،‬‬ ‫إّ‬
‫وإنما اختلفوا‪ :‬هل يصح أن يريد ما يعلم أنه ل يقع‪ ،‬أو يخبر عنه أنه ل يقع؟ فقال أصحابنا ‪-‬المعتزلة ‪-‬‬
‫ن‬
‫ن إرادة ما يعلم المريد أنه ل يقع‪ ،‬قضية متناقضة؛ ل ّ‬ ‫يصح ذلك‪ ،‬وقال المجبرة‪ :‬ل يصح‪ ،‬محتجين بأ ّ‬
‫ن إرادة المحال ممتنعة‪ ،‬وتحت قولنا‪ :‬أنه‬ ‫ن ذلك المراد مما يمكن حصوله؛ ل ّ‬ ‫تحت قولنا‪ :‬أراد مفهوم أ ّ‬
‫ن ذلك المراد مما ل يمكن حصوله؛ لنّا قد فرضنا أنه ل يقع‪ ،‬وما ل يقع ل يمكن‬ ‫يعلم أنه ل يقع مفهوم أ ّ‬
‫مع فرض كونه ل يقع‪ .‬فقال لهم ‪ -‬للمجبرة ‪ -‬أصحابنا‪ :‬هذا يلزمكم في المر؛ لنكم قد أجزتم أن يأمر‬
‫بما يعلم أنه ل يقع‪ ،‬فقالوا ‪ -‬المجبرة ‪ -‬في الجواب‪ :‬نحن عندنا أنه يأمر بما ل يريد‪ ،‬فإذا أمر بما يعلم أنه‬
‫ل يقع‪ ،‬أو يخبر عن أنه ل يقع‪ ،‬كان ذلك المر أمرا عاريا عن الرادة‪ ،‬والمحال إنما نشأ من إرادة ما‬
‫علم المريد أنه ل يقع‪ ،‬وها هنا ل إرادة‪.‬‬
‫ن المر قد يعرى من الرادة مع كونه أمرا‪ ،‬ألستم تقولون‬ ‫فقيل لهم ‪ -‬للمجبّرة ‪ :-‬هب أنكم ذهبتم إلى أ ّ‬
‫ن ذلك الطلب قائم بذات البارىء‪،‬‬ ‫ن المر يدل على الطلب‪ ،‬والطلب شيء آخر غير الرادة‪ ،‬وتقولون‪ :‬أ ّ‬ ‫أّ‬
‫فنحسن ‪ -‬المعتزلة ‪ -‬نلزمكسم فسي الطلب القائم بذات البارىء‪ ،‬الذي ل يجوز أن يعرى المسر منسه مسا‬
‫ألزمتمو نا في الرادة‪ ،‬ونقول ل كم‪ :‬ك يف يجوز أن يطلب الطالب ما يعلم أ نه ل ي قع! أل يس ت حت قول نا‪:‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 462‬ب‪ .‬ويتفق نصير الدين الطوسي مع ابن أبي الحديد في العتراض على ما يراه الرازي آنفا‪،‬‬ ‫‪6‬‬

‫إذ قال نصير الدين الطوسي‪ :‬والقول بأ ّن الرادة واجبة التعلق بإيجاد وقت دون وقت‪ ،‬يقتضي ثبوت الشيء والوقت قبل وجودهما‪،‬‬
‫وتخصيص الوقت بالشيء من جهة الرادة الواحدة المتعلقة ببعض المرادات دون البعض الخر من غير مخصص كما ذهب إليه س‬
‫الرازي س في القدرة‪ .‬انظر نصير الدين الطوسي‪ :‬تلخيص المحصل ص ‪.247‬‬
‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.19/17‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪72‬‬
‫أنس ذلك المطلوب مسا يمكسن وقوعسه! فالحال فسي الطلب كالحال فسي الرادة‪ ،‬حذو النعسل‬
‫طلب مفهوم‪ّ ،‬‬
‫بالنعل‪. 1‬‬
‫ن ابن أبي الحديد سائر على خطى أصحابه المعتزلة‪ ،‬القائلين بتلزم صفتي المر‬ ‫ومما تقدم يتبين أ ّ‬
‫والرادة‪ ،‬التسي تعتسبر نقطسة اختلف جوهريسة بينهسم وبيسن أهسل السسنة‪ ،‬الذيسن قالوا بعدم تلزم المسر‬
‫والرادة‪‌‍ .2‬‬
‫العلم‬
‫ت عد صفة العلم من ال صفات الله ية ال تي أخذت حيزا وا سعا من اهتمام الفل سفة والمتكلم ين‪ ،‬نتي جة‬
‫علقة العلم اللهي بالصفات الخرى‪ ،‬ومسالة إيجاد العالم‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫ن ال تعالى عالِم لِذاته‪ ،‬وهذا ما عليه متكلمو المامية‬
‫ويرى ابن أبي الحديد ما يراه المعتزلة‪ ،3‬من أ ّ‬
‫وفلسفة السلم‪.5‬‬
‫عِل مه ل بمع نى أن يتعلق بمعلوم دون‬
‫علِم ما َ‬
‫ن ال عالِم لِذا ته ع ند ا بن أ بي الحد يد‪ ،‬أي إن ما َ‬
‫ومع نى أ ّ‬
‫شرَت إليه؛ لنه ذات مخصوصة‪ ،‬ونسبة تلك الذات إلى غير ذلك الشيء‬ ‫علِم أي شيء أ ّ‬ ‫معلوم‪ ،‬بل إنما َ‬
‫المشار إليه‪ ،‬كنسبتها إلى المشار إليه‪ ،‬فكانت عالمة بكل معلوم‪.6‬‬
‫ي وأبا هاشم‪ ،‬اعترفا بالزائد على الذات‪ ،‬لكنهما قال‪ :‬ل تسمى هذه‬ ‫ن أبا عل ّ‬ ‫أمّا ما أفاده الرازي من أ ّ‬
‫ن الشيخ أبا‬
‫المور عِلما وقدرة بل عالِمية وقادرية‪.7‬هذا المر نفاه ابن أبي الحديد عنهما‪ ،‬مدافعا بالقول‪ :‬إ ّ‬
‫علي لم يعترف بزا يد على الذات‪ ،‬وك يف يعترف به و هو ين في الحوال والمعاني‪ ،8‬وأمّا أ بو ها شم فل‬
‫ن الحال معلومة‪ ،‬ولكن عليها‪ ،9‬بمعنى أنها غير متصورة ول معقولة‪ ،‬وإنما يقول‪ :‬العلم ل يتعلق‬ ‫يقول إ ّ‬
‫ن هذه اللفظسة عنده معناهسا أنّس هناك ذاتا يتعلق العلم بهسا‪ ،‬والتعلق عنده ل بد أن يؤخَذ فيسه كون‬ ‫بهسا؛ ل ّ‬
‫ن العلم يتعلق بها‪.10‬‬
‫المتعلق ذاتا‪ ،‬فالمعدومات الممكنة لَمّا كانت عنده ذوات في العدم‪ ،‬قال‪ :‬إ ّ‬

‫ن‪ ،‬م ‪.56 : 4‬‬ ‫‪1‬‬

‫عرفان عبد الحميد‪ :‬دراسات في الفرق ص ‪.120‬‬ ‫‪2‬‬

‫القا ضي ع بد الجبار‪ :‬شرح ال صول الخم سة ص ‪ ،183‬با ستثناء العلّف الذي قال أ ّن ال عالِم بعل ٍم وعل مه ذا ته‪ .‬ان ظر البغدادي‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫الفرق بين الفرق ص ‪.76‬‬


‫أنس علم ال زائد على الذات‪ .‬انظسر‬ ‫الشيسخ المفيسد‪ :‬أوائل المقالت ص ‪ ،55‬فسي حيسن قالت الصسفاتية مسن الشعريسة والسسلف‪ّ :‬‬ ‫‪4‬‬

‫الشهرستاني‪ :‬نهاية القدام ص ‪ ،181‬البغدادي‪ :‬الفرق بين الفرق ص ‪.322‬‬


‫قارن الفارابي‪ :‬المدينة الفاضلة ص ‪ ،33‬ابن سينا‪ :‬الرسالة العرشية ص ‪ ،58‬الغزالي‪ :‬مقاصد الفلسفة ص ‪.226‬‬ ‫‪5‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ 5/164‬س ‪.165‬‬ ‫‪6‬‬

‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪.261‬‬ ‫‪7‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 417‬أ‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪.261‬‬ ‫‪9‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 413‬ب‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪73‬‬
‫أمّا دليل ابن أبي الحديد على عِلم ال‪ ،‬فهو دليل الحكام والتقان‪ ،‬الذي ُي َع ّد دليل المتكلمين‪ 1‬المختار ‪-‬‬
‫المعتزلة وغيرهم ‪ -‬وهو ما ذهب إليه من الفلسفة ابن رشد‪ .2‬ونص هذا الدليل عند ابن أبي الحديد هو‬
‫ن المراد من الحكام هاه نا‪ ،‬مطاب قة الف عل المنفعةَ‪ ،‬مع ما ُي ستحسَن في العرف‪ ،‬بشرط الكثرة ‪ -‬كثرة‬ ‫أ ّ‬
‫ن السموات والعناصر وترتيب الشمس ومصيرها في فلكها على وجه تقرب تارة‬ ‫المنفعة ‪ -‬ول ريب في أ ّ‬
‫وتبعسد أخرى‪ ،‬فيعلق بذلك البرد والحسر‪ ،‬ورطوبسة الهواء‪ ،‬وكثرة النداء والمطار‪ ،‬وشدة الحسر وإنضاج‬
‫الثمار‪ ،‬وترب ية النبات و صلح المز جة‪ ،‬ترت يب مطا بق للمنف عة‪ ،‬م ستحسن ال صنعة كثيرة جدا‪ ،‬وكذلك‬
‫القول في أعضاء الحيوان‪ ،‬وما ذكره الطباء فيها وفي مواضعها من الحكمة اللطيفة‪. 3‬‬
‫ن أصحابه المعتزلة عندما استدلوا على كونه تعالى عالِما‬ ‫وفي هذا الصدد‪ ،‬يشير ابن أبي الحديد إلى أ ّ‬
‫بطريق إحكام العالَم وإتقانه‪ ،‬سألوا أنفسهم‪ ،‬فقالوا‪ :4‬لِم ل يجوز أن يكون القديم سبحانه أحدث العالم محتذيا‬
‫لمثال مثله‪ ،‬وهيئة اقتضاها‪ ،‬والمحتذي ل يجب كونه عالِما بما يفعله‪ ...،‬وأجاب أصحابنا عن ذلك فقالوا‪:‬‬
‫ن المحتذي لي ست‬ ‫ن أول فِع ٍل مح َك ٍم و قع م نه‪ ،‬ثم احتذى عل يه‪ ،‬يك في في ثبوت كو نه عالِما‪ ،‬وأيضا فإ ّ‬
‫إ ّ‬
‫ل ترى أنه ‪ -‬المحتذي ‪ -‬متصور صورة ما يحتذيه‪ ،‬ثم يوقع‬ ‫العاِلِمية بمسلوبة عنه‪ ،‬بل موصوف بها‪ ،‬أ َ‬
‫الفعل مشابها له‪ ،‬فالمحتذي عالِم في الجملة‪ ،‬ولكن عِلمه يحدث شيئا فشيئا‪.5‬‬
‫ن عنا ية ال بالكائنات من قب يل الناموس الثا بت والضرورة‬ ‫ن ا بن أ بي الحد يد يرى أ ّ‬
‫وم ما تقدم يبدو أ ّ‬
‫ن خَلقَه‬
‫الجارية التي ل تتغير ول تتبدل‪ ،‬كما أنه أراد بذلك التنبي َه على برهان عِلم ال تعالى بالشياء؛ ل ّ‬
‫لها وحفظه وترتيبه لكل منها‪ ،‬وإظهار بدائع الحكمة في كل صفة من أوصافها وحال من أحوالها‪ ،‬ل‬
‫ل ممن هو عالِم بها‪ ،‬مدرك لحقائقها‪ ،‬مبدِء أول ليجادها‪.‬‬ ‫يتعقل إ ّ‬
‫أمّا علم ال الزلي‪ ،‬فيؤكده ا بن أ بي الحد يد‪ ،‬عند ما يقول‪ :‬عالِم في ما لم يزل‪ ،‬ول يس ش يء من الشياء‬
‫ن كلمة كان بمعنى ما‬ ‫حكِيما [النساء‪ ]17 :‬موضّحا بأ ّ‬‫علِيما َ‬
‫ن الّل ُه َ‬
‫بموجود‪ ،6‬محتجا بقوله تعالى‪َ :‬وكَا َ‬
‫زال‪ ،‬فيكون معنى الية‪ :‬لم يزل ال عليما حكيما‪ ،7‬كما أنه يرى في كلم المام ع‪ :‬عالِما بها ‪ -‬الشياء‬
‫‪ -‬قبل ابتدائها‪ ،‬إشارة إلى أنه عالِم بالشياء فيما لم يزل‪. 8‬‬
‫وهذا المر له علقة بفكرة جواز إطلق الشيئية على ما لم يكن بعد من المعدومات‪ ،‬وهو ما سنؤجل‬
‫الحديث عنه إلى حين التعرض لعلم ال بجميع الشياء‪.‬‬

‫كالشعري‪ :‬البانة عن أصول الديانة‪ ،‬مطابع جامعة محمد بن سعود السلمية‪1400 ،‬هس‪ ،‬ص ‪ ،61‬والقاضي عبد الجبار‪ :‬شرح‬ ‫‪1‬‬

‫ال صول الخم سة ص ‪ 156‬س ‪ ،157‬والشر يف المرت ضى‪ :‬ج مل العلم ص ‪ ،29‬والش يخ الطو سي‪ :‬القت صاد ص ‪ 54‬س ‪،55‬‬
‫والجوينسي‪ :‬الرشاد ص ‪ 61‬سس ‪ ،62‬وأبسي رشيسد النيسسابوري‪ :‬ديوان الصسول ص ‪ ،493‬والغزالي‪ :‬القتصساد ص ‪،47‬‬
‫والشهرستاني‪ :‬نهاية القدام ص ‪ ،197‬والفخر الرازي‪ :‬الخمسين ص ‪.363‬‬
‫ابن رشد‪ :‬مناهج الدلة ص ‪ 160‬س ‪.161‬‬ ‫‪2‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 406‬أ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫ممن أشاروا إلى هذا التساؤل أبو رشيد النيسابوري في ديوان الصول ص ‪.493‬‬ ‫‪4‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ 6/411‬س ‪.412‬‬ ‫‪5‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.9/152‬‬ ‫‪6‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ 1/305‬بتصرف‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.1/81‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪74‬‬
‫ن ال‬
‫ن ال عالم فيما لم يزل‪ ،‬نراه يرفض قول من قال‪ :‬إ ّ‬‫وابن أبي الحديد الذي رأيناه يؤكد فيما سبق أ ّ‬
‫علِم بسه الشياء‪ ،‬وهسو قول جهسم بسن‬
‫لم يكسن فيمسا لم يزل عالِما بشيسء أصسلً‪ ،‬وإنمسا أحدث لنفسسه عِلما َ‬
‫صفوان‪ ،1‬و في نص آ خر أشار إلى سبق هشام بن الح كم وأتبا عه إلى هذا القول‪ ،2‬و قد ت صدى أبرز‬
‫متكلمي المامية‪ ،‬أمثال الشيخ المفيد والشريف المرتضى وغيرهما‪ ،‬لنفي ما ُنسِب إلى هشام بن الحكم‪،‬‬
‫بخصوص هذا القول‪. 3‬‬
‫ن ال ل يعلم المور‬ ‫أمّا ما نسبه ابن الريوندي إلى معمّر بن عباد‪ ،‬أحد شيوخ المعتزلة‪ ،‬من القول بأ ّ‬
‫ن ابن أبي الحديد‬
‫ن العالم غير المعلوم‪ ،‬فإ ّ‬
‫الحاضرة‪ ،‬وأنه ل يعلم نفسه خاصة‪ ،‬ويعلم كل ما عدا ذاته‪ ،‬وأ ّ‬
‫ينزّه معمّرا عن هذه القوال‪ ،‬ويكذّب ابن الريوندي فيما نسب إلى معمّر بن عباد‪. 4‬‬
‫أمّا علم ال بجميع الشياء‪ ،‬وأنه عالِم بكل معلوم‪ ،‬فهذا ما يتبناه ابن أبي الحديد في قوله‪ :‬أنه تعالى عالِم‬
‫بكسل المعلومات‪ ،5‬وأنسه تعالى يحصسي العمال؛ لنسه عالم لِذاتسه‪ ،‬فيعلم كسل شيسء حاضرا وماضيا‬
‫ل ذلك بأ نّ‪ :‬ذا ته تعالى ذات وا جب ل ها أن تَعلم ك ّل ش يء لمجرد ذات ها المخ صوصة من‬ ‫ل‪ ،6‬معل ً‬
‫وم ستقب ً‬
‫غير زيادة أمر على ذاتها‪. 7‬‬
‫ن هذا هو بعينه دليل المتكلمين على علم ال بجميع الشياء ومنهم‬
‫ول يخفى على أهل الختصاص أ ّ‬
‫القاضي عبد الجبار‪ ،8‬وأبو رشيد النيسابوري‪. 9‬‬
‫ن جمهور المتكلمين‪ ،‬الذين تناولوا هذه المسألة بالبحث‪ ،10‬قد وافقهم ابن‬ ‫وبناء على ما تقدم‪ ،‬نلحظ أ ّ‬
‫إنس البارئ سسبحانه يعلم ك ّل معلوم‪ :‬الماضسي والحاضسر والمسستقبل‪ ،‬ظاهرهسا‬ ‫أبسي الحديسد بقوله عنهسم‪ّ :‬‬
‫وباطنها‪ ،‬ومحسوسها وغير محسوسها‪ ،‬فهو تعالى العالِم بما كان وبما هو حاضر‪ ،‬وما سيكون وما لم‬
‫عْن ُه [النعام‪ ،]28 :‬فهذا عِلم‬
‫يكن‪ ،‬أن لو كان كيف كان يكون‪ ،‬كقوله تعالى‪َ :‬وَل ْو ُردّوا َلعَادُوا ِلمَا ُنهُوا َ‬
‫بأم ٍر مقدّر على تقدير وقوع أصله الذي قد علم أنه ل يكون‪.11‬‬
‫وفي هذه المسألة التي تتصل بعلم ال بالمعدوم‪ ،‬وهل هو شيء أم ل ؟ نلحظ رأيا لشخصية فلسفية‬
‫ن المعدوم شيء‪ ،‬يفرّقون‬
‫معاصرة لبن أبي الحديد‪ ،‬هو رأي المحقق الطوسي في قوله عن القائلين‪ :‬بأ ّ‬
‫ن‪ ،‬م ‪ .3/219‬وراجسع الشهرسستاني‪ :‬الملل ‪ ،110 - 1/109‬والسسفرائيني‪ :‬التبصسير ص ‪ ،96‬واللوسسي‪ :‬دراسسات فسي الفكسر‬ ‫‪1‬‬

‫الفلسفي السلمي ص ‪ 170‬س ‪.172‬‬


‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ ،11/63‬وراجع القاضي عبد الجبار‪ :‬شرح الصول الخمسة ص ‪.183‬‬ ‫‪2‬‬

‫راجع الشيخ المفيد‪ :‬أوائل المقالت ص ‪ 59‬س ‪ ،60‬والشريف المرتضى‪ :‬الشافي في المامة والرد على حجج العامة‪ ،‬طبع حجر‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫إيران‪1301 ،‬هس‪ ،‬ص ‪.13‬‬


‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ ،3/219‬ومما يؤكد ذلك أ ّن ابن الريوندي نفسه لم يذكر شيئا في كتابه فضيحة المعتزلة عن‬ ‫‪4‬‬

‫معمّر بن عبّاد بخصوص هذا الموضوع‪ .‬المصدر‪ :‬تاريخ ابن الريوندي‪ ،‬بيروت‪ ،1975 ،‬ص ‪ .185‬كذلك قارن د‪ .‬العسم‪ ،‬عبد‬
‫المير‪..Kitab Fadihat AL- Mu Tazilah. PP. 105- 167 :‬‬
‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ ،6/351‬الفلك الدائر ص ‪ 223‬س ‪.224‬‬ ‫‪5‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.9/225‬‬ ‫‪6‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪ ،11/63‬الفلك الدائر ص ‪ 223‬س ‪.224‬‬ ‫‪7‬‬

‫القاضي عبد الجبار‪ :‬شرح الصول الخمسة ص ‪.160‬‬ ‫‪8‬‬

‫أبو رشيد النيسابوري‪ :‬ديوان الصول ص ‪.511‬‬ ‫‪9‬‬

‫اليجي‪ :‬المواقف في علم الكلم ‪ 8/65‬س ‪.69 ،66‬‬ ‫‪10‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ 3/218‬س ‪.219‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪75‬‬
‫بين الموجود والثابت‪ ،‬وبين المعدوم والمنفي‪ ،‬ويقولون كل موجود ثابت ول ينعكس‪ ،‬وبثبوت واسطة بين‬
‫الموجود والمعدوم‪ ،‬ول يجوّزون بين الثابت والمنفي واسطةً‪ ،‬ول يقولون للممتنع معدوم‪ ،‬بل يقولون أنه‬
‫ل مع الذوات حال ل‬ ‫منفي‪ ،‬ويقولون للذوات التي ل تكون موجودة شيء وثابت‪ ،‬وللتعينات التي ل تقبل إ ّ‬
‫موجود ول معدوم‪ ،‬بسل هسي وسسائط بينهسا‪ ،‬والبصسريون مسن مشايسخ المعتزلة كأبسي علي وأبسي هاشسم‬
‫بأنس الذوات فسي العدم جواهسر وأعراض‪ ،‬وأبسو القاسسم البلخسي‬ ‫والقاضسي عبسد الجبار وأتباعهسم يقولون ّ‬
‫والبغداديون يقولون بأن ها أشياء‪ ،‬والفا عل يجعل ها جواهر وأعراضا‪ .1‬وعلى نحو من هذا نجد إشارة ابن‬
‫بأنس الذوات أزليسة‪ ،‬فل تكون‬‫أبسي الحديسد فسي معرض ردّه على كلم الرازي‪ ،‬الذي ذهسب إلى القول ّ‬
‫مقدورة‪ ،‬والوجود حال عندهسم‪ ،‬فل يكون مقدورا عندهسم‪ ،‬وإذا لم يقسع الذات ول الوجود بالفاعسل كانست‬
‫ن‬
‫ن الشعرية يجدون في كتب المعتزلة أ ّ‬ ‫الذات الموجودة غنية عن الفاعل‪ .2‬إذ أشار ابن أبي الحديد إلى أ ّ‬
‫الحوال غير مقدورة فيتوهمون أنهم ‪ -‬المعتزلة ‪ -‬يريدون أنها ل تحصل بالفاعل‪ ،‬وليس مراد أصحابنا‬
‫ذلك ‪ -‬ك ما يقول ‪ -‬بل أ صحابنا يطلقون المقدور على الذات ف قط‪ ،‬ك ما يطلقون المعلوم على الذات ف قط‪،‬‬
‫ن الوجود ل لِقادر عليه بمعنى ل يحصله‪ ،‬وعندهم‬ ‫والذات عندهم غير الحال‪ ،‬ولكل واحد منهما أحكام‪ .‬إ ّ‬
‫ل في تحصيل صفة الوجود‪.3‬‬ ‫أنه ل تأثير للفاعل إ ّ‬
‫ل أن هم يختلفون فسي تحديسد صفات‬
‫ن المعدوم ذات وع ين وحقي قة‪ ،‬إ ّ‬ ‫و مع أنّس المعتزلة تجمسع على أ ّ‬
‫ص المعدوم بالجوهرية‪ ،‬أي ماهية مجردة من كل عرض‪ ،‬ومنهم من أثبت للمعدوم‬ ‫المعدوم‪ ،‬فمنهم من خ ّ‬
‫جميع الصفات التي يتصف بها الكائن المتحقق في الوجود‪. 4‬‬
‫ن المشكلة كا نت تدور حول ما إذا كان لغ ير الموجود أو المعدوم الذي لم يو جد ب عد وجود‬ ‫والظا هر أ ّ‬
‫ن‬
‫آخر ذهني‪ ،‬وإن كان له مثل هذا الوجود‪ ،‬فهل يصح حينئذ أن نسمي هذا المعدوم المعلوم شيئا‪ ،‬ولذلك فإ ّ‬
‫الخلف بيسن المعتزلة وخصسومهم ممسن يقول بقدم علم ال‪ ،‬وبأنّس الموجودات أوجدت مسن ل شيسء هسو‬
‫خلف لفظي‪ ،‬على ما يراه أستاذنا الدكتور حسام الدين اللوسي‪.5‬‬
‫ن حجة المتكلمين على كونه تعالى عالِما‬ ‫ن ابن أبي الحديد يذهب إلى أ ّ‬ ‫لكن من جهة أخرى‪ ،‬نلحظ أ ّ‬
‫بكل شيء‪ ،‬إنما تتضح بعد إثبات حدوث العالم‪ ،‬وأنه َفعَله بالختيار‪ ،‬فحينئذ لبد من كونه عالِما؛ لنه لو لم‬
‫ن الحداث على طريق الختيار‪،‬‬ ‫ح أن يُحدث العالم عن طريق الختيار؛ ل ّ‬ ‫ل لَمَا ص ّ‬
‫يكن عالِما بشيء أص ً‬
‫إنما يكون بالغرض والداعي‪ ،‬وذلك يقتضي كونه عالِما‪ ،‬فإذا ثبت أنه عالم بشيء‪ ،‬أفسدوا حينئذ أن يكون‬
‫ى اقتضى له العالِمية‪ ،‬أو بأم ٍر خارج عن ذاته‪ ،‬مختارا كان أو غير مختار‪ ،‬فحينئذ ثبت لهم ‪-‬‬ ‫عالما بمعن ً‬
‫المتكلم ين ‪ -‬أ نه إن ما علِم ل نه هذه الذات المخ صوصة ل ش يء أز يد من ها‪ ،‬فإذا كان ل هم ذلك و جب أن‬
‫ن المر الذي أوجب كونه عالِما بأم ٍر ماّ‪ ،‬هو ذاته يوجب كونه عالِما بغيره من‬ ‫يكون عالِما بكل معلوم؛ ل ّ‬
‫ن نسبة ذاته إلى الكل نسبة واحدة‪. 6‬‬
‫المور؛ ل ّ‬

‫نصير الدين الطوسي‪ :‬تلخيص المحصل ص ‪.78‬‬ ‫‪1‬‬

‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪.79‬‬ ‫‪2‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 454‬أ س ب‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫مدني صالح‪ :‬الوجود‪ ،‬بحث في الفلسفة السلمية‪ ،‬ط ‪ ،1‬بغداد‪ ،1955 ،‬ص ‪.19‬‬ ‫‪4‬‬

‫اللوسي‪ :‬دراسات في الفكر الفلسفي السلمي ص ‪.189‬‬ ‫‪5‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ 3/220‬س ‪.221‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪76‬‬
‫ل في باب كون ال عالِما بكل معلوم‪ ،1‬كما‬ ‫ن المتكلمين يوردون على أنفسهم سؤا ً‬ ‫ومن جهة ثانية نجد أ ّ‬
‫علِم بعض الشياء ل من طريق أصلً‪ ،‬ول من إحساس‬ ‫يقول ابن أبي الحديد‪ ،‬إذ استدلوا على ذلك بأنه َ‬
‫ول من نظر واستدلل‪ ،‬فوجب أن يَعلم سائرها؛ لنه ل مخصص‪ ،‬فقالوا لنفسهم‪ :‬لِم زعمتم ذلك؟ ولِم ل‬
‫علِم كيف ية صنعها بطر يق كو نه مدرِكا فأحكم ها ب عد‬
‫يجوز أن يكون َف عل أفعاله مضطر بة‪ ،‬فلمّا أدرك ها َ‬
‫اختللها واضطرابها‪ ،‬وأجابوا عن ذلك بأنه لبد أن يكون قبل أن فعلها عالِما بمفرداتها من غير إحساس‪،‬‬
‫ويكفي ذلك في كونه عالِما بما لم يتطرق إليه‪.2‬‬
‫ن الجواب الذي أشار إل يه ا بن أ بي الحد يد‪ ،‬هو جواب الفل سفة القائل ين بارت سام صور‬
‫والظا هر أ ّ‬
‫الموجودات في ذات ال‪ ،‬مثل الفارابي‪ 3‬وابن سينا‪ .4‬وتقرير ذلك ‪ -‬حسبما يستفاد من كتبهم ‪ -‬هو أنه لو‬
‫كان ال يعقل الشياء من الشياء‪ ،‬لكان وجودها متقدما على تعقّله لها‪ ،‬فل يكون واجب الوجود‪ ،‬وقد سبق‬
‫القول أ نه وا جب الوجود من جم يع الوجوه‪ ،‬ويكون في ذا ته وقوا مه أن يق بل ماهيات الشياء‪ ،‬وكان ف يه‬
‫عدمها باعتبار ذاته‪ ،‬فيكون في ذاته جهة إمكانية‪ ،‬ولَكان لغيره مدخل في تتميم ذاته‪ ،‬وهو محال‪ ،‬فيجب‬
‫ل له تعالى‬
‫أن يكون من ذاته ما هو الكمل‪ ،‬ل من غيره‪ ،‬فقد بقي أن يكون عِلمه تعالى بالممكنات حاص ً‬
‫قبل وجودها‪ ،‬ل من وجودها‪.‬‬
‫ن هذا القول قد شنّع عل يه أ حد معا صري ا بن أ بي الحد يد‪ ،‬و هو المح قق‬‫ول بد من الشارة إلى أ ّ‬
‫ل‬
‫أنس القول بتقرر لوازم الول فسي ذاتسه تعالى‪ ،‬قول بكون الشيسء الواحسد قاب ً‬
‫الطوسسي‪ ،‬إذ قال‪ :‬لشسك ّ‬
‫ل معا‪ ،‬وقول بكون الول مو صوفا ب صفات غ ير إضاف ية ول سلبية‪ ،‬وقول بكو نه محل لمعلول ته‬ ‫وفاع ً‬
‫الممكنة المتكثرة‪ ،‬تعالى ال عن ذلك علوا كبيرا‪.5‬‬
‫ن ال ل يعلم الجزئيات‪ ،‬بما ن صّه‪ :‬أنه لو علم‬ ‫ن الرازي قد سبق له بيان حجة الفلسفة القائلين أ ّ‬ ‫كما أ ّ‬
‫كون زيد في الدار‪ ،‬فعند خروجه عنها إن بقي العلم الول كان جهلً‪ ،‬وإن لم يبق كان تغييرا‪ .6‬هذه الحجة‬
‫ت إ نه‬
‫ت بالتغ ير وقوع التغ ير في الحوال الضاف ية‪ ،‬فِل َم قل َ‬ ‫يعترض الرازي علي ها بقوله‪ :‬إ نك إِن عني َ‬
‫ل لكل حادث‪ ،‬ثم يصير معه‪ ،‬ثم يصير بعده‪ ،‬والتغير في الضافات ل‬ ‫ن ال تعالى كان قب ً‬‫محال‪ ،‬وكذلك فإ ّ‬
‫يو جب تغيرا في الذات‪ ،‬فكذا ه نا‪ ،‬كو نه تعالى عالِما بالمعلوم إضا فة ب ين عِل مه وب ين ذلك المعلوم‪ ،‬فع ند‬
‫تغير المعلوم تتغير تلك الضافة فقط‪.7‬‬
‫ن التغير وقع في محض الضافة‪ ،‬بل في نفس العلم ‪ -‬على حد‬ ‫ن خصوم الرازي ل يسلّمون له بأ ّ‬ ‫بيد أ ّ‬
‫ن العلم بالشيء المخصوص متقوّم؛ لنه لو لم توجد في تلك الضافة لَمَا كان‬‫تعبير ابن أبي الحديد ‪ -‬ل ّ‬

‫ذكر لنا ابن أبي الحديد رأيا للمسترسلية مفاده‪ :‬أنه تعالى ل يعلم كل المعلومات على تفاصيلها‪ ،‬وإنما يعلم ذلك إجمالً‪ ،‬وسموّا بهذا‬ ‫‪1‬‬

‫السم ؛ لنهم يقولون‪ :‬يسترسل علمه على المعلومات إجما ًل ل تفصيلً‪ ،‬وهو مذهب الجويني من الشعرية‪ .‬انظر ابن أبي الحديد‪:‬‬
‫شرح نهج البلغة ‪ 3/219‬س ‪ .220‬ولم أجد ذلك في مؤلفات الجويني المتداولة بين أيدينا‪.‬‬
‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ ،13/118‬وقريب من ذلك تجده عند اليجي في المواقف ‪ 8/65‬س ‪.69 ،66‬‬ ‫‪2‬‬

‫الفارابي‪ :‬التعليقات ص ‪.17‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن سينا‪ :‬الشفاء س اللهيات س ‪.2/364‬‬ ‫‪4‬‬

‫ن صير الد ين الطو سي‪ :‬شرح الشارات‪ ،‬مطبوع على ها مش الشارات والت نبيهات ل بن سينا‪ ،‬وم عه شرح ق طب الد ين الرازي‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫مطبعة الحيدري‪ ،‬طهران‪1392 ،‬هس‪.3/304 ،‬‬


‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪.255‬‬ ‫‪6‬‬

‫ن‪ ،‬م ص ‪.255‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪77‬‬
‫هو العلم بذلك الشيء المخصوص‪ ،‬بل كان العلم بأم ٍر كلّي‪ ،‬وليس كلمنا فيه ‪ -‬كما يقول ‪ -‬بل في هذا‬
‫العلم بالشيء المخ صوص‪ ،‬وإذا كان مأخوذا فيه كو نه مضافا إلى هذا الشيء المخ صوص ثم بطلَت هذه‬
‫الضافة‪ ،‬فقد بطل هذا العلم‪.1‬‬
‫ولكي يؤكد ابن أبي الحديد قوة موقفه فيما تقدم‪ ،‬احتج بما يناسب كلمه السابق بكلم ابن سينا في‬
‫الشارات والت نبيهات‪ ،‬إذ قال‪ :‬و قد ذ كر ا بن سينا في هذا المو ضع كلما جيدا‪ ،‬قال‪ :‬قد تتغ ير صفات‬
‫الشياء على وجوه‪ ،‬منها‪:‬أن يس َو ّد الذي كان أبيض‪ ،‬وذلك باستحالة صفة متقررة غير مضافة‪ ،‬ومنها‪:‬مثل‬
‫أن يكون الشيء قادرا على تحريك جسم ماّ‪ ،‬فلو عُدم ذلك الجسم استحال أن يقال أنه قادر على تحريكه‪،‬‬
‫فاستحال هو إذن عن صفته‪ .‬ولكن من غير تغير في ذاته‪ ،‬بل في إضافته‪ ،‬وهكذا ينتهي ابن سينا ‪-‬‬
‫ن ما ليس موضوعا للتغير لم يجز أن يعرض له تبدّل بحسب‬ ‫بحسب ما أورده ابن أبي الحديد ‪ -‬إلى أ ّ‬
‫القسم الول‪ ،‬وأمّا بحسب القسم الثاني‪ ،‬فقد يجوز في إضافات بعيدة ل تؤثر في الذات‪.2‬‬
‫ن إحاطة‬ ‫ومع ذلك نجد ابن أبي الحديد قد حكى عن ابن سينا‪ ،‬فيما تقدم‪ ،‬ما يستحق التوقف هنا‪ ،‬ذلك أ ّ‬
‫علم ال بما سواه ‪ -‬عند ابن سينا ‪ -‬إنما تكون لكليات العالم على ما هي عليه‪ ،‬ولجزئياته على وجه كلّي‪،‬‬
‫ل تفصسيل فيسه ول تعدد‪ ،‬وإذن فإدراكسه للجزئيات إنمسا هسو إدراك غيسر مباشسر‪ ،‬ولكسن بإدراك أسسبابها‬
‫ومبادئها التي تتولد فيها تلك الجزئيات‪ ،‬لذلك يقول ابن سينا‪ :‬بل واجب الوجود يعقل كل شيء على نحو‬
‫كلي‪ ،‬ومع ذلك فل يعزب عنه شيء شخصي‪ ،‬فل يعزب عنه ذرة في السموات ول في الرض‪.3‬‬
‫وهكذا يخلص ابن أبي الحديد من كل ما تقدم‪ ،‬إلى صياغة تساؤل يحدد وجهة نظر أصحابه المعتزلة‬
‫ن تغيّر المعلوم يستدعي تغير العلم؟ فيقول‪ :‬إن قيل‪ :‬فما تقولون أنتم المعتزلة في‬‫في هذا الموضوع‪ :‬هل أ ّ‬
‫ن أبا الحسين البصري لمّا رأى الحق في هذا الموضع‪ ،‬قال به ولم يقف مع تقليد‬ ‫هذا الموضع؟ نقول‪ :‬إ ّ‬
‫ن العالميات تتجدد في ذات البارئ تعالى بتجدد الحوادث‪ ،‬ول يلزم من تغير الصفات‬ ‫السلف‪ ،‬وصرّح بأ ّ‬
‫وتجددها تغير الذات نفسها‪ ،‬وهذه العالميات المتجددة عند أبي الحسين هي صفات للذات يلزمها إضافات‪،‬‬
‫فتتغير هي والضافات معا‪. 4‬‬
‫ن ما ذهب إليه أبو الحسين البصري آنفا‪ ،‬قد أخذ به الرازي في كتابه‬ ‫ولبد من الشارة هنا إلى أ ّ‬
‫ن المذهب الصحيح هو قول أبي الحسين البصري‪ ،‬وهو أن يتغير العلم‬ ‫المطالب العالية‪ ،‬حينما صرح بأ ّ‬
‫عند تغير المعلوم‪ ،5‬وهو ما استنتجه ابن أبي الحديد من كلم الرازي في محصل الفكار‪.6‬‬
‫ن هؤلء إِن‬
‫ن ابن أبي الحديد في معرض تحقيقه مذهب نفاة الحوال من الشعرية‪ ،‬يصرّح بأ ّ‬ ‫على أ ّ‬
‫ن أبا الحسين البصري لم يجعل علم ال‬ ‫عنوا بالعلم القديم ما يعنيه أبو الحسين البصري‪ ،‬لم يمكنهم؛ ل ّ‬
‫ل كذلك‪ ،‬وهؤلء ل يقولون ذلك‬‫تعالى متغيرا متجددا كل ما تجدد ش يء من الحوادث‪ ،‬ول يمك نه أن يقول إ ّ‬
‫ويمنعونه أشد المنع‪ ،‬ويقولون هو شيء واحد غير متجزئ ول متبعّض‪ ،‬وهو قديم غير متغير ول متجدد‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 408‬أ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 408‬أ‪ ،‬وراجع ابن سينا‪ :‬الشارات والتنبيهات ‪ 3/311‬س ‪.314 ،312‬‬ ‫‪2‬‬

‫بيصار‪ ،‬محمد‪ :‬في فلسفة ابن رشد‪ ،‬الوجود والخلود‪ ،‬ط ‪ ،3‬بيروت‪ ،1973 ،‬ص ‪ ،118‬وقارن ابن سينا‪ :‬النجاة ص ‪.283‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 408‬ب س ‪ 409‬أ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫الزركان‪ :‬فخر الدين الرازي ص ‪ ،309‬وقارن الرازي‪ :‬المطالب العالية ‪.1/284‬‬ ‫‪5‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 416‬ب س ‪ 417‬أ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪78‬‬
‫ل مفاده‪ :‬لكن ما هو الرد‬ ‫ل للشك في ذلك‪ ،‬فقد صاغ ابن أبي الحديد تساؤ ً‬ ‫ل وأبدا‪ .1‬ولكي ل يدع مجا ً‬
‫أز ً‬
‫على نفاة الحوال من الشعر ية لو قالوا‪ :‬إ نه عِل ٌم وا حد له تعلقات متجددة متغيرة‪ ،‬وهذه التعلقات متعددة‬
‫ن هذه التعلقات إذا تغيرت المور‬ ‫مختل فة في أنفسها؟ هذا ما يج يب عنه ا بن أ بي الحديد نف سه‪ ،‬فيقول‪ :‬إ ّ‬
‫ال تي هي ب ها متعل قة‪ ،‬إمّا أن يتغ ير العلم المفروض واحدا‪ ،‬أو ل يتغ ير‪ ،‬والول قول بتغ ير العلم الوا حد‬
‫ن الشعور‬ ‫القديم وتجدده‪ ،‬وفيه ترك قولهم‪ ،‬وفيه أيضا القول بقدم ذات قديمة‪ ،‬وهو محال‪ ،‬والثاني يقتضي أ ّ‬
‫والتبين هو تلك التعلقات التي لبد مع تغير الحوادث التي هي متعلقات العلم أن يتغير الشعور بها‪ ،‬فإذن‬
‫تلك التعلقات المتغيرة هي الشعور والتبين‪ ،‬فهي علوم البارئ ومعرفته وإدراكه الشياء‪.2‬‬
‫ن المعتزلة‬
‫ن ما يميّز صفة العلم هذه‪ ،‬هو أ ّ‬‫ن الدكتور الراوي يرى بهذا الخ صوص أ ّ‬ ‫وه نا نل حظ أ ّ‬
‫تؤكد على قضية التوحيد‪ ،‬باعتبارها قضية أساسية‪ ،‬وهي المتياز والتفرد الذاتي ل‪ ،‬على أية مؤثرات أو‬
‫ن العلم اللهي مستمر أبدا‪. 3‬‬
‫ل بهذا المتياز فإ ّ‬
‫مستحدثات‪ ،‬واتصا ً‬
‫ن ا بن أ بي الحد يد ‪ -‬في كل ما تقدم من كلمه وتعليقا ته أو اعتراضا ته ‪ -‬كان ذا أ سلوب‬
‫وعل يه فإ ّ‬
‫كلمي‪ ،‬وبعيدا عن السلوب الفلسفي‪ ،‬بدليل أنه لم يستدل بدليلهم القائل بأ نّ‪:‬ال تعالى وجود مجرد عن‬
‫المادة‪ ،‬والوجود المجرد عقل‪ ،‬وهو عاقل؛لنه يعقل ذاته هوية مجردة‪ ،‬فإذن ال سبحانه يعقل ذاته‪ ،‬وهو‬
‫أيضا يعلم الشياء الخرى بإدراكه نفسه التي تفيض عنها الموجودات‪ ،4‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى‬
‫ن ابن أبي الحديد كان يحاول جاهدا تجنّب مناقشة الفخر الرازي أو التعليق على آرائه بخصوص رأي‬ ‫فإ ّ‬
‫الفلسفة في علم ال بالجزئيات‪ ،‬باستثناء جانب يسير ‪ -‬كما رأينا ‪ -‬أمّا في شرح النهج فقد وجدناه عند‬
‫ذكره أبا البركات البغدادي وأرسطو‪ ،‬فإنه لم يعلّق عليها‪ ،‬باستثناء ما ورد في طيات كلمه في أثناء ذِكره‬
‫آراءهسم‪ ،‬بمسا يُشعسر برفضسه لقولَيهمسا‪ ،‬إذ يقول‪ :‬وزعموا‪ ،5‬وقول مَن زعم‪ ،6‬و مذهنب ناصنري مقالة‬
‫أرسطو مضطرب جدا‪ ،7‬مما يدلل على تهرّبه من مواجهة أقوال الفلسفة‪.‬‬
‫السمع والبصر‬
‫ن ال تعالى سميع بصير‪ ،‬ثم اختلفوا‪ :‬فمنهم‬‫أجمع المسلمون على القول بما جاء به القرآن الكريم‪ ،‬من أ ّ‬
‫ن ال سميع بصير‪ ،‬ولكن ل يسمع‬ ‫ن ال سميع بسمع‪ ،‬بصير ببصر‪ ،‬ومنهم مَن ذهب إلى أ ّ‬ ‫مَن ذهب إلى أ ّ‬
‫ن ال لم ي قل بذلك‪ ،‬وأ نه سميع بذا ته‪ ،‬وب صير بذا ته‪ ،‬والرأي الول هو رأي الشعرية ‪8‬‬ ‫ول يب صر؛ ل ّ‬
‫والماتريدية‪ ،9‬والثاني هو رأي جميع المامية‪ 10‬وأكثر المعتزلة‪.11‬‬

‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 415‬ب‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 415‬ب‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫الراوي‪ ،‬عبد الستار‪ :‬فلسفة العقل‪ ،‬رؤية نقدية للنظرية العتزالية‪ ،‬ط ‪ ،2‬بغداد‪ ،1986 ،‬ص ‪.20 - 19‬‬ ‫‪3‬‬

‫الزركان‪ :‬فخر الدين الرازي ص ‪.300‬‬ ‫‪4‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.3/220‬‬ ‫‪5‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.3/220‬‬ ‫‪6‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 416‬أ‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫الشهرستاني‪ :‬الملل ‪.1/122‬‬ ‫‪8‬‬

‫الماتريدي‪ :‬كتاب التوحيد ص ‪.147‬‬ ‫‪9‬‬

‫الشيخ الطوسي‪ :‬القتصاد ص ‪ ،57‬ابن المطهر الحلي‪ :‬كشف المراد ص ‪.315‬‬ ‫‪10‬‬

‫البغدادي‪ :‬الفرق بين الفرق ص ‪ ،166‬الشهرستاني‪ :‬نهاية القدام ص ‪.341‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪79‬‬
‫ل أنهم اختلفوا في تحديد‬ ‫ن ال سميع بصير بذاته‪ ،‬إ ّ‬ ‫ن أكثر المعتزلة متفقون على أ ّ‬ ‫وعلى الرغم من أ ّ‬
‫ن أصحابنا‬ ‫معنى إدراك ال للمسموعات والمبصرات‪ ،‬وهذا ما يطلعنا عليه ابن أبي الحديد‪ ،‬بقوله‪ :‬واعلم أ ّ‬
‫ن‬
‫اختلفوا في كونه تعالى مدرِكا للمسموعات والمبصرات‪ ،‬فقال شيخنا أبو علي وأبو هاشم وأصحابهما‪ :‬إ ّ‬
‫كونه مدرِكا صفة زائدة على كونه عالِما‪ ،‬وقال‪ :‬إنّا نَصف البارئ تعالى فيما لم يزل‪ ،‬بأنه سميع بصير‪،‬‬
‫ول َن صِفه بأ نه سامع مب صر‪ ،‬ومع نى كو نه سامعا مب صرا‪ ،‬أ نه مدرِك للم سموعات والمب صرات‪ ،‬وقال‬
‫ن معنى كونه تعالى مدرِكا هو أنه عالِم بالمدرَكات‪ ،‬ول صفة‬ ‫شيخنا أبو القاسم وأبو الحسين وأصحابهما‪ :‬إ ّ‬
‫له زائدة على صفته بكونه عالِما‪. 1‬‬
‫ن الختلف النف الذكر‪ ،‬لم يقع عند المعتزلة فحسب‪ ،‬بل وقع عند المامية أيضا‪،‬‬ ‫واللفت للنظر أ ّ‬
‫ن معنى كونه سميعسا بصيرا‪ ،‬هو أنه متصف بالعلم‪ ،‬وهذا‬ ‫عندما افترقوا على رأيَين‪ :‬الول‪ ،‬الذي مفاده أ ّ‬
‫ما عليه الشيخ المفيد‪ ،2‬ووافقه نصير الدين الطوسي والعلّمة الحلّي‪ ،3‬أمّا الرأي الثاني‪ ،‬فهو الذي مفاده‬
‫ن السمع والبصر يفيد الدراك‪ ،‬وهذا ما عليه الشريف المرتضى‪ ،‬ووافقه تلميذه الشيخ الطوسي‪ ،‬ومن‬ ‫أّ‬
‫بعده المقداد ال سيوري‪.4‬وبذلك ن ستنتج اتفاق المام ية ‪ -‬أ صحاب الرأي الول ‪ -‬مع ما يراه أ بو القا سم‬
‫الكعبي‪ ،‬وأبو الحسين وأصحابهما‪ ،‬حينما فسّروا السمع والبصر بمعنى العلم‪ ،‬واتفاق أصحاب الرأي الثاني‬
‫منهم مع ما يراه الجبائيان ‪ -‬أبو علي وابنه أبو هاشم ‪ -‬وأصحابهما‪ ،‬حينما فسّروا السمع والبصر بمعنى‬
‫الدراك‪ ،‬وإلى هذا الرأي الخير ذهب ابن أبي الحديد في مواضع كثيرة‪ ،‬إتباعا لرأي البصريين ومخالف ًة‬
‫لرأي البغداديين من أصحابه‪.‬‬
‫ن م ثل هذه ال صفة‬‫ن ال تبرير الذي اتب عه معتزلة بغداد في رفض هم لمو قف الب صريين‪ ،‬هو أ ّ‬‫ويبدو أ ّ‬
‫ن خلف الفريق ين في هذه‬ ‫لأ ّ‬‫ي ستحقها الوا حد م نا لكو نه حيّا بشرط صحة الحا سة وارتفاع الموا نع‪ ،‬إ ّ‬
‫ن الذي يدل على أنه سميع بصير مدرِك للمدرَكات هو أنه حي‪ ،‬ل آفة به‪ ،‬والموانع‬ ‫القضية محدود‪ ،‬ذلك أ ّ‬
‫مرتفعة‪ ،‬فينبغي أن يُدرِك المدرَكات‪. 5‬‬
‫أمّا أدلة ابن أبي الحديد على تنزيه ال عن السمع والبصر الماديّين‪ ،‬فقد وردَت في نصوص متفرقة‪:‬‬
‫ق سم من ها تناول تنز يه ال سبحانه عن ال سمع المادي ف قط‪ ،‬والق سم الخر تنز يه ال سبحانه عن الب صر‬
‫المادي فقط‪ ،‬والقسم الثالث تناول فيه تنزيه ال عنهما مجتمعَين‪.‬‬
‫ن كل ذي سمع من‬ ‫أولً‪ :‬أمّا تعل يل ا بن أ بي الحد يد تنز يه ال سبحانه عن ال سمع المادي فبقوله‪ :‬ل ّ‬
‫الجسام يضعف سمعه عن إدراك خفي الصوات‪ ،‬ويتأثر من شديدها وقويّها؛ لنه يسمع بآلة جسمانية‪،‬‬
‫واللة الجسمانية ذات قوة متناهية واقفة عند حد محدود‪ ،‬والبارئ تعالى بخلف ذلك‪.6‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ 5/156‬س ‪ ،157‬القاضي عبد الجبار‪ :‬شرح الصول الخمسة ص ‪.168‬‬ ‫‪1‬‬

‫الشيخ المفيد‪ :‬أوائل المقالت ص ‪.59‬‬ ‫‪2‬‬

‫ابن المطهر الحلي‪ :‬كشف المراد ص ‪ 314‬س ‪.315‬‬ ‫‪3‬‬

‫كتب هم على التوالي‪ ،‬الشر يف المرت ضى‪ :‬ج مل العلم والع مل ص ‪ ،30‬الش يخ الطو سي‪ :‬القت صاد ص ‪ ،64 ،57‬المقداد ال سيوري‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫النافع ليوم الحشر شرح الباب الحادي عشر ‪ -‬للعلّمة الحلي ‪ -‬مطبعة مصطفوي‪ ،‬طبع حجر‪ ،‬إيران‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫الراوي‪ :‬ثورة العقل ص ‪ ،252‬وقارن القاضي عبد الجبار‪ :‬شرح الصول الخمسة ص ‪.128‬‬ ‫‪5‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.9/148‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪80‬‬
‫ثانيا‪ :‬أمّا تنزيه ال سبحانه عن البصر المادي‪ ،‬فقد أشار إليه في معرض شرحه كلم المام علي ع‬
‫ب صير ل بتفر يق آلة‪ ،‬إذ قال مف سرا ذلك‪ :‬والمراد بتفر يق اللة هاه نا الشعاع الذي باعتباره يكون الوا حد‬
‫ن القائلين بالشعاع يقولون‪ :‬أنه يخرج من العين أجسام لطيفة هي الشعة‪ ،‬وتكون آلة للحي‬ ‫منا مبصرا‪ ،‬فإ ّ‬
‫في إب صار المب صرات‪ ،‬فيتفرق علي ها‪ ،‬ف كل ج سم ي قع عل يه ذلك الشعاع يكون مب صرا‪ ،‬والبارئ تعالى‬
‫بصسير ل بشعاع يجعله آلة فسي الدراك‪ ،‬ويتفرق عسن المرئيات فيدركهسا بسه؛ وذلك لنسه حسي لذاتسه‪ ،‬ل‬
‫بمعنىً‪ ،‬فل يحتاج إلى آلة وأداة ووصلة تكون كالواسطة بينه وبين المدركات‪.1‬‬
‫ص‬
‫ثالثا‪ :‬أمّا النص الذي استدل به على تنزيه ال سبحانه عن السمع والبصر الماديّين معا‪ ،‬فهو الذي ن ّ‬
‫ن البارىء سبحانه حي ل آفة به‪ ،‬وكل حي ل آفة به‪ ،‬فواجب أن يسمع المسموعات ويبصر‬ ‫فيه على أ ّ‬
‫المبصرات‪ ،‬ول حاجة به سبحانه إلى حروف وأدوات‪ ،‬كما نحتاج نحن إلى ذلك؛ لنّا أحياء بحياة تحلّنا‪،‬‬
‫والبارىء تعالى حسي لذاتسه‪ ،‬فلمّا افترقسا فيمسا بسه كان سسامعا ومبصسِرا‪ ،‬افترقسا فسي الحاجسة إلى الدوات‬
‫والجوارح‪. 2‬‬
‫ن هذا الدليل الخير‪ ،‬الذي استدل به ابن أبي الحديد‪ ،‬هو دليل القاضي عبد الجبار ‪ ،3‬وهو‬ ‫والواقع أ ّ‬
‫ن الحي إذا لم يكن موصوفا بآفة كالصمم والعمى‪،‬‬ ‫أيضا دليل جمهور الشعرية والماتريدية‪ ،‬الذين قالوا‪ :‬أ ّ‬
‫ن الشهرستاني يروي‬ ‫لأ ّ‬
‫ح أنه سميع بصير‪ ،‬وال منزّه عن الفات‪ ،‬فهو موصوف بالسمع والبصر‪ .4‬إ ّ‬ ‫صّ‬
‫ن مَن ل يتصف بصفة إتصف بضدها‬ ‫ن الفلسفة اعترضوا على هذا المبدأ الذي أقرّه المتكلمون ‪ -‬وهو أ ّ‬ ‫أّ‬
‫ى مجردة عن البرهان‪ ،‬اعتمد فيها المتكلمون على الشاهد‪ ،‬والشاهد حكمه غير حكم الغائب‪،‬‬ ‫‪ -‬بأنه دعو ً‬
‫ن ال حي يت صف بال شم والذوق والل مس‪ ،‬وأ نه إِن لم‬ ‫و مع هذا فالشا هد أيضا ‌ضد المتكلم ين؛ لنّا نرى أ ّ‬
‫ن ال ل يتصف بهذه الصفات ول بأضدادها‪ ،‬فإذن‬ ‫يتصف بها اتصف بضدها‪ ،‬ولكن المتكلمين يقولون‪ :‬إ ّ‬
‫قاعدتهم‪ ،‬كما أنها برهانية‪ ،‬فهي أيضا غير مطّردة‪.5‬‬
‫ن ال تعالى سميع‬‫ن ابن أبي الحديد ‪ -‬بعدما يستدل على ثبوت هاتين الصفتين ل ‪ -‬يصرح بأ ّ‬ ‫على أ ّ‬
‫ن ابن أبي الحديد أخذ‬
‫بصير قبل أن يدرك المسموعات والمبصَرات‪ ،‬أي قبل أن يخلقها‪ .6‬وهذا كله يعني أ ّ‬
‫بمذهب أبي علي الجبائي‪.‬‬
‫ن ال تعالى لم يزل سميعا بصيرا‪ ،‬قال بها أكثر المعتزلة والشعرية على‬ ‫ن فكرة أ ّ‬
‫بقي أن نشير إلى أ ّ‬
‫إنس النّظاّم وكثيرا مسن الزيديسة وعبسد ال بسن كلّب‬
‫العموم مسن بعدهسم‪ ،‬وهذا مسا يؤكده الشعري بقوله‪ّ :‬‬
‫ن هذا الرأي مما تفرّد به‬
‫ن ابن أبي الحديد يصرّح بأ ّ‬‫لأ ّ‬
‫ن ال لم يزل سميعا بصيرا‪ .7‬إ ّ‬ ‫وأصحابه قالوا‪ :‬إ ّ‬
‫أبو ها شم وأ صحابه؛ لن هم يطلقون عل يه في الزل أنه سميع ب صير‪ ،‬ول يس هناك م سموع ول مب صَر‪،‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪ 9/149‬س ‪ ،150‬وهذا ما استدل به ابن المطهر الحلي من المامية في كتابه كشف المراد ص ‪.315‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪ 13/84‬س ‪.85‬‬ ‫‪2‬‬

‫القاضي عبد الجبار‪ :‬شرح الًصول الخمسة ص ‪.168‬‬ ‫‪3‬‬

‫قارن الشعري‪ :‬اللمع ص ‪ ،25‬الماتريدي‪ :‬كتاب التوحيد ص ‪ ،28‬الباقلني‪ :‬التمهيد ص ‪.47‬‬ ‫‪4‬‬

‫الشهرستاني‪ :‬نهاية القدام ص ‪.270‬‬ ‫‪5‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ ،9/152‬إ ّل أ ّن اليجي س وهو متأخر عن ابن أبي الحديد س ير ّد على من يقول أ ّن إثبات السمع‬ ‫‪6‬‬

‫والبصر في الزل ول مسموع ول مب صَر بأنه خروج عن المعقول‪ ،‬بقوله‪ :‬إ ّن انتفاء التعلق ل يستلزم انتفاء الصفة كما في سمعِنا‬
‫ن خلوّهما عن الدراك ل يوجب انتفاؤهما أصلً‪ .‬انظر اليجي‪ :‬المواقف ‪.8/90‬‬ ‫وبصرِنا‪ ،‬فإ ّ‬
‫الشعري‪ :‬مقالت السلميين ‪.1/173‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪81‬‬
‫ح منه إدراك المسموعات والمبصَرات إذا وجِدت‪ ،‬وذلك يرجع إلى كونه حيا ل‬
‫معنى ذلك كونه بحال يص ّ‬
‫ن السامع المبصِر في الزل هو المدرِك بالفعل ل‬
‫آفة به‪ ،‬ول يطلقون عليه أنه سامع مبصِر في الزل؛ ل ّ‬
‫بالقوة‪.1‬‬
‫الحياة‬
‫وإذا كان المعتزلة قسد برهنوا على أنّس ال سسبحانه قادر‪ ،‬فإنّس ذلك يقتضسي بالضرورة أن يكون حيا‪.‬‬
‫وثبوت هذه الصفة ل موضع اتفاق عند الفلسفة والمتكلمين‪ ،2‬مستدلين على ذلك بأنه‪ :‬ل يجوز أن تحدث‬
‫ل من قادر حي؛ لنه لو جاز حدوثها ممن ليس بقادر ول حي‪ ،‬لم ند ِر لع ّل سائر ما يظهر من‬ ‫الصنائع إ ّ‬
‫ن ال تعالى حي قادر‪. 3‬‬ ‫الناس يظهر منهم وهم عجزة موتى‪ ،‬فلَمّا استحال ذلك‪ ،‬دلّت الصنائع على أ ّ‬
‫ن ال تعالى‬ ‫ن الدللة على أنه تعالى حي مبنية على أصلين‪ :‬أحدهما‪ ،‬أ ّ‬ ‫ويذكر القاضي عبد الجبار أ ّ‬
‫ل حيا‪ ،4‬وهذا ما نجده عند ابن أبي الحديد‪ ،‬عندما يشير إلى‬‫ن العالِم القادر ل يكون إ ّ‬
‫عالِم قادر‪ ،‬والثاني‪ ،‬أ ّ‬
‫أن نا نعلم بأنه حي‪ ،‬ومع نى ذلك أنه ل ي ستحيل على ذا ته أن يعلم ويقدر‪ ،5‬كما ن جد نص هذا الدل يل ع ند‬
‫أبرز فلسفة السلم‪.6‬‬
‫ن حقيقة الحياة تدور مدار حقيقة الوجود بحسب الصل والشتداد والتضعف وسائر‬ ‫ولبد من القول أ ّ‬
‫الجهات‪ ،‬فيكون أَولى الحقائق بالوجود أَول ها بالحياة‪ ،‬وأش ّد ها وأعظم ها بالن سبة إل يه يكون كذلك بالن سبة‬
‫ل ول يمكسن درك حقيقتسه‪ ،‬كذلك الحياة‪ ،‬فهمسا كَكفت َي‬ ‫أنس الوجود يُدرَك مفهومسه إجما ً‬
‫إلى الحياة‪ ،‬وكمسا ّ‬
‫الميزان في جملة من الجهات‪.‬‬
‫وكما ل مطمع للممكن في درك ذات ال‪ ،‬كذلك ل مطمع في درك حياة ال‪ ،‬وهي عين ذاته‪ ،‬فلبد من‬
‫أن تُعرَف الحياة بمع نى عدمي‪ :‬أي عدم الموت‪ ،‬إذ ل يمكن الحاطة بحقيقتها في ال‪ ،‬لغرض أنها عين‬
‫ن وجود ال وحيا ته‬‫ذات ال‪ ،‬فيلز مه جم يع الكمالت الحا صلة من ال حي‪ ،‬فتكون بمنزلة الوجود‪ ،‬فك ما أ ّ‬
‫منشأ كل شيء وحياته‪ ،‬فيكون إذن قيوم كل شيء‪ ،‬وعلى هذا الساس تنحصر القيّوميّة المطلقة في ال‬
‫ن ال ‪ -‬كما يقول ابن أبي‬ ‫قيّوميّة حقيقية واقعية إحاطية‪ ،‬وما كان كذلك ل يُعقل أن تأخذه سِنة أو نوم؛ ل ّ‬
‫ا بن أ بي الحد يد‪ :‬شرح ن هج البل غة ‪ ،80 - 1/79‬ورا جع‪ :‬جار ال‪ ،‬زهدي ح سن‪ :‬المعتزلة‪ ،‬القاهرة‪ ،1947 ،‬ص ‪ ،73‬إ ّل أ ّن‬ ‫‪1‬‬

‫الدكتور علي مصطفى الغرابي يرى أ ّن هذا الرأي ليس لبي هاشم وإنما لوالده ‪ -‬أبي علي ‪ -‬وأنه من القضايا التي اختلف فيها مع‬
‫أبيه‪ .‬انظر الغرابي‪ :‬تاريخ الفرق السلمية ص ‪ 260‬س ‪.261‬في حين أ ّن البغدادي يصرّح بأ ّن هذا رأي معتزلة البصرة ومنهم‬
‫الجبائي وابنه‪ .‬انظر البغدادي‪ :‬الفرق بين الفرق ص ‪ ،324‬أصول الدين ص ‪ ،96‬وهو ما ذهب إليه الشهرستاني في نهاية القدام‬
‫ص ‪ ،344 ،341‬والذي يحسم النزاع حول هذا الموضوع هو القاضي عبد الجبار‪ ،‬حينما صرّح بأنّه رأي أبي علي‪ ،‬دون الشارة‬
‫إلى أبي هاشم‪ .‬انظر القاضي عبد الجبار‪ :‬شرح الصول الخمسة ص ‪ .168‬مما يعني صحة رأي الدكتور الغرابي وعدم دقة ابن‬
‫أبي الحديد في ذلك‪.‬‬
‫باستثناء بعض المعتزلة الذين ينفون الحياة عن ال تعالى؛ لنهم يرون أنه ل يصح وجود الحياة إ ّل في بُنية مخصوصة‪ ،‬فإذا قلنا‪ :‬أ ّن‬ ‫‪2‬‬

‫ال حي جعلنا له بُنية مخصوصة‪ ،‬وهذا محال‪ .‬انظر جار ال‪ :‬المعتزلة ص ‪.112‬‬
‫الشعري‪ :‬اللمع ص ‪ ،25‬البغدادي‪ :‬أصول الدين ص ‪ ،105‬الشيخ الطوسي‪ :‬القتصاد ص ‪.54‬‬ ‫‪3‬‬

‫القاضي عبد الجبار‪ :‬شرح الصول الخمسة ص ‪ ،161‬مضيفا إلى أ ّن طريقة الستدلل هذه هي طريقة شيوخ المعتزلة‪ ،‬وهذا ما‬ ‫‪4‬‬

‫ذكره أيضا أبو رشيد النيسابوري‪ :‬ديوان الصول ص ‪.524‬‬


‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.9/224‬‬ ‫‪5‬‬

‫ل س الفارابي‪ :‬المدينة الفاضلة ص ‪ 32‬س ‪ ،33‬ابن سينا‪ :‬الرسالة العرشية ص ‪ ،9‬النجاة ص ‪ ،286‬الغزالي‪ :‬القتصاد‬ ‫قارن س مث ً‬ ‫‪6‬‬

‫ص ‪.60‬‬

‫‪82‬‬
‫ن هذا من صفات الجسام‪ ،‬وبما أنه ل‬ ‫الحديد ‪ -‬يستحيل عليه النوم إستحالة ذاتية ل يجوز تبدّلها‪ ،1‬ول ّ‬
‫ن انتهاء النظر إليه‬
‫يجوز عليه العدم‪ ،‬ول يوصَف بخواص الجسام ولوازمها‪ ،‬فإنه ل ينتهي إليه نظر؛ ل ّ‬
‫ل عليها العدم‪.2‬‬
‫ل لم يكن ذاته مستحي ً‬‫يستلزم مقابلته‪ ،‬وهو تعالى منزّه عن الجهة‪ ،‬وإ ّ‬
‫ن الذي‬‫لأ ّ‬
‫ن ذلك أمر مفروغ منه‪ ،‬إ ّ‬ ‫ن ابن أبي الحديد إنما لم يشبع الموضوع بحثا؛ لعتقاده أ ّ‬
‫ويبدو أ ّ‬
‫ن ال عالِم‬
‫يؤخَذ عليه في هذا الموضوع أنه لن يبحث اختلف أصحابه المعتزلة مع الشعرية القائلين بأ ّ‬
‫ن الرازي قد ب حث صفة الحياة في المح صل‪ ،4‬ل ن جد لبن أ بي‬ ‫بعلم و حي بحياة‪ ،3‬وعلى الر غم من أ ّ‬
‫الحديد فيه تعليقة واحدة عليه‪.‬‬
‫ن البحث عن حياة ال بعد الفراغ من كونه صانعا للعالم وقادرا وعالِما‪ ،‬أمر‬ ‫وبناء على ما تقدم‪ ،‬أرى أ ّ‬
‫ل فائدة م نه‪ :‬إذ لو كان المق صود بالحياة ما ينا في الموت فالمفروض أ نه أثبت نا وجوده‪ ،‬وأ نه عالِم قادر‪،‬‬
‫وإن كان المق صود م نه أ نه ل يس فانيا‪ ،‬فكذلك ل حا جة إل يه‪ ،‬إذ ل مع نى لكو نه أزليا وا جب الوجود و هو‬
‫فانٍ‪ ،‬وإن أُري َد به استحالة طر ّو الفناء والموت على ال‪ ،‬فيغني عن ذلك كله أنه واجب الوجود‪.‬‬
‫الكلم‬
‫ُت َع ّد صفة الكلم اللهي من أهم الصفات التي وقع فيها الخلف بين المتكلمين في العصور السلمية‬
‫سمّي باسمها‪. 5‬‬
‫ن علم الكلم قد بدأ بها و ٌ‬
‫الولى‪ ،‬حتى قيل أ ّ‬
‫وقد أحدثت هذه المسألة اختلفا واضحا بين فرق المسلمين‪ ،‬سيما بعد دخول بعض الخلفاء على خط‬
‫ل ‪ -‬ونتيجة لتأثير أستاذه ووزيره المعتزلي‬ ‫الصراع‪ ،‬وانتصارهم لفريق دون آخر‪ ،‬فنرى المأمون ‪ -‬مث ً‬
‫ابن أبي دؤاد ‪ -‬قد ساند المعتزلة فيما ذهبوا إليه‪ ،‬مما هيأ الفرصة للمعتزلة لسكات أصوات مناوئيهم في‬
‫الفكر‪ ،‬فحصل ما حصل من الضطهاد‪ ،‬الذي صوّره ابن أبي الحديد بقوله‪ :‬وضرب الخلفاء لجلها ‪-‬‬
‫ن ابن أبي الحديد أراد الشارة إلى ما تعرّض له‬ ‫مسألة الكلم اللهي ‪ -‬الكاب َر بالسوط‪ ،‬بل بالسيف‪ .6‬وكأ ّ‬
‫أحمد بن حنبل‪ ،‬ت ‪241‬هس‪ ،‬وغيره على يد المأمون والمعتصم‪ ،‬ليكون ر ّد الفعل معكوسا عند وصول‬
‫المتوكل إلى السلطة‪ ،‬التي انحازت في عهده إلى التيار السلفي المتشدد‪ ،‬وأخذت تضطهد الفئات الخرى‬
‫ن المحنة كانت تستهدف بالدرجة الولى إيجاد نمط من التفكير إزاء قضية‬ ‫وفي مقدمتها المعتزلة‪ .7‬ويبدو أ ّ‬
‫ف بيسن المعتزلة‬
‫التوحيسد‪ ،‬مسن خلل نفسي التشسبيه وإسسقاط التجسسيم‪ ،‬وكان منطقيا أن تغذّي المحن ُة الخل َ‬
‫ومعارضيهم‪. 8‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.1/93‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪.9/224‬‬ ‫‪2‬‬

‫الشهرستاني‪ :‬الملل ‪ ،1/122‬نهاية القدام ص ‪.181‬‬ ‫‪3‬‬

‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪ 242‬س ‪.243‬‬ ‫‪4‬‬

‫ممن ذهب إلى ذلك ابن خلدون‪ .‬راجع المقدمة‪ ،‬طبعة القاهرة‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬ص ‪.465‬‬ ‫‪5‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 418‬أ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫م من تعرضوا لذ كر هذه المشكلة والضطهاد الذي ح صل للعد يد من رجالت الف كر‪ :‬ا بن تغري بردى‪ :‬النجوم الزاهرة في ملوك‬ ‫‪7‬‬

‫م صر والقاهرة‪ ،‬ط ‪1351 ،1‬ه س‪ 2/220 ،‬و ما بعد ها‪ ،‬ال سبكي‪ :‬طبقات الشافع ية ال كبرى‪ ،‬ط ‪ ،1‬المطب عة الح سينية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بدون‬
‫تاريخ‪.1/270 ،‬‬
‫الراوي‪ :‬ثورة العقل ص ‪.235‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪83‬‬
‫وأسساس المشكلة أنّس المعتزلة ‪ -‬مسن البصسريين والبغدادييسن ‪ -‬كمسا يقول القاضسي عبسد الجبار ‪ -‬قسد‬
‫ل الحروف والصوات الموجودة في المصاحف المقروءة باللسنة‪،1‬‬ ‫ن كلم ال تعالى ليس إ ّ‬ ‫أجمعوا على أ ّ‬
‫وأنه ليس ل تعالى كلم أزلي‪ ،‬بل القرآن وسائر الكتب المنزلة حادثة مخلوقة‪.2‬‬
‫وقد ذكر ابن أبي الحديد بعضا من أدلة أصحابه على حدوث القرآن‪ ،‬منها استشهاده بقوله تعالى‪:‬‬
‫سمّي القرآن حديثا؛ إتّباعا لقول ال تعالى‪ :‬الية‪،‬‬
‫ث ِكتَابا ُمَتشَابِها [الزمر‪ ،]23 :‬إذ قال‪ُ :‬‬
‫حدِي ِ‬
‫ن اْل َ‬
‫سَ‬
‫حَ‬‫َن ّز َل َأ ْ‬
‫واستدل أصحابنا بالية على أنه محدَث؛ لنه ل فرق بين حديث ومحدّث في اللغة‪ ،‬فإن قالوا‪ :‬إنما أراد‬
‫سمّي الكلم‬‫أحسن الكلم‪ ،‬قلنا‪ :‬لعمري إنه كذلك‪ ،‬ولكنه ل يطلق على الكلم القديم لفظة حديث؛ لنه إنما ُ‬
‫ل فحالً‪ ،‬والقديم ليس كذلك‪. 3‬‬
‫والمحاورة والمخاطبة حديثا؛ لنه أمر يتجدد حا ً‬
‫وفي موضع آخر يشير ابن أبي الحديد إلى هذا الدليل بوضوح أكثر‪ ،‬فيقول‪ :‬ولكن العرب ما سمّت‬
‫ت ك ّل‬
‫ل فحالً‪ ،‬أَل ترى إلى قول عمرو بن معاوية‪ :‬قد ملل ُ‬ ‫ل أنه مستحدَث متجدد حا ً‬ ‫القول والكلم حديثا‪ ،‬إ ّ‬
‫ل الحديث‪ ،‬فقال‪ :‬إنما ُي َم ّل العتيقُ‪ ،‬فد ّل ذلك على أنه َف ِه َم معنى تسميتهم الكلم والقول حديثا‪ ،‬وفطن‬‫شيء إ ّ‬
‫ِلِمغزاهسم ومقصسدهم فسي هذه التسسمية‪ ،‬وإذا كنّا قسد كلّفنسا أن نجري على ذاتسه وصسفاته وأفعاله مسا أجراه‬
‫سبحانه في كتابه‪ ،‬ونطلق ما أطلقه على سبيل الوضع والكيفية التي أطلقها‪ ،‬وكان قد وصف كلمه بأنه‬
‫سمّي حديثا لحدوثه وتجدده‪ ،‬فقد ساغ لنا أن نطلق على كلمه‬ ‫حديث‪ ،‬وكان القرآن في عُرف اللغة إنما ُ‬
‫أنه محدَث ومتجدد‪. 4‬‬
‫والستدلل المتقدم الذي ذكره ابن أبي الحديد‪ ،‬نجده عند القاضي عبد الجبار‪ ،‬الذي قال في ذكره الية‬
‫المتقد مة‪ :‬الو صف بأ نه منزل أولً‪ ،‬ثم أح سن الحد يث‪ ،‬و صفه بالح سن‪ ،‬والح سن من صفات الفعال‪،‬‬
‫ل على حدوثه‪ ...‬ومتشابها‪ :‬أي يشبه بعضه بعضا في العجاز والدللة على صدق مَن‬ ‫وسمّاه كتابا دلي ً‬
‫ادّعاه‪ ،‬وكان بهذه الصفات‪ ،‬فإنه محدَث‪. 5‬‬
‫كما نجد رأي ابن أبي الحديد في معرض شرحه كلم المام علي ع‪ :‬كلمه تعالى فِعل م نه أنشأه‪،‬‬
‫ولو كان قديما لكان إلها ثانيا‪ ،‬يقول‪ :‬هذا هو دل يل المعتزلة على ن في المعا ني القدي مة ال تي من ها القرآن؛‬
‫ن القدم عندهم أخص صفات البارئ تعالى‪ ،‬أو موجب على الخص‪.6‬‬ ‫وذلك ل ّ‬
‫ن ال يوحي الفكرة التي سيعبّر عنها بواسطة الكلم من أية‬ ‫أمّا كيفية هذا الكلم عند المعتزلة‪ ،‬فيتعيّن بأ ّ‬
‫ن الفكرة ال تي ع ند الن سان تختلف عن ال تي ع ند ال ك ما يقول ا بن أ بي الحد يد‪ :‬فال تي ع ند‬ ‫لأ ّ‬ ‫لغة‪ ،7‬إ ّ‬
‫النسان ‪ -‬على حد تعبيره ‪ -‬يرتئي بها ليصدر عنه ألفاظ سديدة دالة على مقصده‪ ،‬والبارئ تعالى متكلم‬
‫ل بهذا العتبار‪ ،‬بل إ نه إذا أراد تعر يف خل قه من ج هة الحروف وال صوات‪ ،‬وكان في ذلك م صلحة‬

‫القاضي عبد الجبار‪:‬المغني‪ ،‬ط ‪ ،1961 ،1‬مطبعة دار الكتب‪ ،7/84 ،‬شرح الصول الخمسة ص ‪ ،528‬الشهرستاني‪ :‬الملل ‪1/55‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.‬‬
‫القاضي عبد الجبار‪ :‬المغني ‪ 7/208‬بتصرف‪ ،‬شرح الصول الخمسة ص ‪.528‬‬ ‫‪2‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.7/224‬‬ ‫‪3‬‬

‫ن‪ ،‬م ‪ 10/200‬س ‪.201‬‬ ‫‪4‬‬

‫انظر الراوي‪ :‬فلسفة العقل ص ‪ ،24‬وقارن القاضي عبد الجبار‪ :‬شرح الصول الخمسة ص ‪.532‬‬ ‫‪5‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.13/86‬‬ ‫‪6‬‬

‫الراوي‪ :‬فلسفة العقل ص ‪.25‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪84‬‬
‫ن المتكلم في الل غة‬
‫ول طف ل هم‪ ،‬خلَق ال صوات والحروف في ج سم جمادي‪ ،‬في سمعها مَن ي سمعها؛ ل ّ‬
‫حلّه الكلم‪. 1‬‬
‫العربية فاعل الكلم‪ ،‬ل مَن َ‬
‫وممسا تقدّم يتضسح أنّس ابسن أبسي الحديسد يرى أنّس ال فَعَل الكلم وأوجده‪ ،‬وهسو الحروف وال صوات‬
‫ن ال‬
‫ن الكلم المشت مل على الحروف قائم بذا ته‪ ،‬والدل يل على أ ّ‬
‫لأ ّ‬
‫الم سموعة في ج سم من الج سام‪ ،‬إ ّ‬
‫متكلم‪ ،‬كونه قادرا على كل ممكن‪ ،‬والحروف والصوات من الممكنات‪.‬‬
‫ن المر بل‬ ‫ل آخر للمعتزلة بصدد رأيهم في مسألة الكلم اللهي‪ ،‬مفاده أ ّ‬ ‫ن الرازي قد روى قو ً‬‫على أ ّ‬
‫أنس أصسحابه المعتزلة ل‬‫أنس ابسن أبسي الحديسد يرى ّ‬
‫ل ّ‬‫مأمور عبسث‪ ،‬وهسو غيسر جائز على ال تعالى‪ .2‬إ ّ‬
‫ن العبث هو الفعل الذي ل غرض له‪ ،‬فتكون الحجة ‪ -‬كما يقول ‪ -‬مبنية‬ ‫يُخرجون الحجة هذا المخرج؛ ل ّ‬
‫ن الكلم فعل فيلزم الدور‪ ،‬ولكن يجب أن نحتج‬ ‫على كون الكلم فِعلً‪ ،‬ونحن نروم أنة يُستدَل بها على أ ّ‬
‫ن المعقول من المر في‬ ‫ن الطلب عن غير الرادة‪ ،‬وهو أ ّ‬ ‫بها على ما يقوله الن‪ ،‬وذلك بعد أن نسلّم لهم أ ّ‬
‫الشاهد اقتضاء شيء مّا وطلبه‪ ،‬فإمّا أن يقتضيه الحي من نفسه فيكون عزما‪ ،‬أو من غيره‪ ،‬وذلك يستدعي‬
‫ن‬
‫حضور غي ٍر بمقتضى الفعل منه‪ ،‬فإثبات اقتضاء وطلب خارج عن القسمين غير معقول‪ ،‬ويبيّن ذلك أ ّ‬
‫ل بين مضافين‪ ،‬فإثبات أمر بغير مأمور كإثباته بغير آمر‪،‬‬ ‫المر إضافة أو صفة ذات إضافة‪ ،‬ول يتحقق إ ّ‬
‫وكلهما محال‪.3‬‬
‫ومسن أدلة المعتزلة الخرى‪ ،‬التسي اعترض الرازي عليهسا‪ ،‬هسو قولهسم‪ :‬أنسه تعالى لو كان فسي الزل‬
‫متكلما بقوله إنّا أرسسلنا نوحا‪ ،‬وهسو إخبار عسن الماضسي‪ ،‬لكان كاذبا‪ .4‬هنسا يرى الرازي ‪ -‬ردا على هذا‬
‫ن الخبر في الزل واحد‪ ،‬ولكنه مختلف إضافته بحسب اختلف الوقات‪ ،‬وبحسب ذلك تختلف‬ ‫الدليل ‪ -‬أ ّ‬
‫ن ابن أبي الحديد يلفت نظر الرازي بخصوص ما أفاده آنفا بقوله‪:‬‬ ‫اللفاظ الدالة عليه‪ ،‬كما في العلم‪ .5‬بيد أ ّ‬
‫ن الش يء سيوجد‪ ،‬ل يس هو ع ين العلم بوجوده إذا وُجِد‪،‬‬ ‫ن العلم بأ ّ‬
‫ت في سائر كت بك تذ هب إلى أ ّ‬ ‫أل س َ‬
‫ن الش يء سيوجد مخالِفا‬ ‫ت ال خبر على العلم‪ ،‬و جب أن يكون ال خبر على أ ّ‬ ‫وتجعله ما مختلَف ين؟ فإذا حمل َ‬
‫للخبر على كونه قد ُوجِد في الماضي‪ ،‬ويلزم من ذلك محذوران‪ :‬أحدهما‪ ،‬أن يكون كاذبا إذا أخبر عن أنه‬
‫ل لو قدرنا أنه عالِم بوجود زيدٍ‪ ،‬وزيد لم يوجد‪ ،‬وإنما سيوجَد‪،‬‬
‫أرسل ولم يكن قد أرسل‪ ،‬كما يكون جاه ً‬
‫والثا ني‪ ،‬أن يكون ال خبر القد يم متعددا ل واحدا‪ ،‬ك ما كا نت العالِميات عندك ‪ -‬ع ند الرازي ‪ -‬متعددة‪ ،‬ل‬
‫واحدة‪. 6‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ ،10/65‬ول يفوتنا أن ابن أبي الحديد يرى أ ّن كلمه تعالى قد ح ّل في الشجرة فقط‪ ،‬وكان يُسمَع‬ ‫‪1‬‬

‫ج َرِة َأ ْن يَا‬
‫شَ‬
‫ئ اْلوَا ِد اْلَأْي َم ِن فِي اْلُبْق َع ِة اْل ُمبَا َر َك ِة ِم َن ال ّ‬
‫طِ‬
‫ن شَا ِ‬
‫ي ِم ْ‬
‫من كل جهة‪ ،‬والدليل على حلوله في الشجرة قوله تعالى‪َ :‬فَلمّا َأتَاهَا نُو ِد َ‬
‫مُو سَى [القصص‪ .]30 :‬فل يخلو إمّا أن يكون النداء ح ّل الشجرة أو أ ّن المنادى حلّها‪ ،‬والثاني باطل‪ ،‬فثبت الول‪ .‬انظر ابن أبي‬
‫الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.10/90‬‬
‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪ ،266‬وقارن القاضي عبد الجبار‪ :‬المغني ‪.7/63‬‬ ‫‪2‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 420‬ب‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪.266‬‬ ‫‪4‬‬

‫ن‪ ،‬م ص ‪.267‬‬ ‫‪5‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 422‬أ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪85‬‬
‫ن كل ما أفاده المعتزلة آنفا من القول بحدوث القرآن‪ ،‬و ما أقاموه من الدلة‬ ‫ول تفوت نا الشارة إلى أ ّ‬
‫ن هذا القرآن المتل ّو في المحار يب‪ ،‬والمكتوب‬
‫لثبات ذلك‪ ،‬إن ما كان ردا على المشب هة الذ ين ذهبوا إلى أ ّ‬
‫في المصاحف‪ ،‬غير مخلوق ول محدَث‪ ،‬بل قديم مع ال تعالى‪.1‬‬
‫ن ال تعالى متكلم‬
‫و قد حاول الشعر ية والماتريد ية في ما ب عد أن يتو سطوا ب ين الرأي ين جميعا فقالوا‪ :‬إ ّ‬
‫بكلم أزلي بذاته‪ ،‬ليس من جنس الحروف والصوات‪ ،‬وهذا هو الكلم النفسي‪ ،‬وهو يمثل حقيقة الكلم‪،‬‬
‫أمّا الحروف والصوات فهي تد ّل عليه‪ ،‬وأطلقوا عليها الكلم اللفظي‪. 2‬‬
‫ن الشعر ية قد فرّقوا في موضوع خلق القرآن ب ين المدلول والدللة في ال نص‬ ‫و من ذلك نل حظ أ ّ‬
‫القرآ ني‪ ،‬فالمدلول‪ :‬هو المع نى القائم في ذات ال‪ ،‬قد يم و سابق في وجوده‪ ،‬وأمّا الدللة ‪ -‬أي العبارات‬
‫اللفظية المكونة من الحروف والصوات التي ينطقها المتكلم ‪ -‬فهي محدَثة وعارضة‪.‬‬
‫ن الكلم النفسي يمثل حقيقة الكلم اللهي‪ ،‬هو الرازي‪ ،‬الذي‬ ‫ومن أبرز متكلمي الشعرية القائلين بأ ّ‬
‫ن الخلف مع المعتزلة يكمن في أنهم ينكرون ماهية الكلم النفسي والوجود والِقدَم‪. 3‬‬ ‫أشار إلى أ ّ‬
‫ن وصف الرازي كل َم ال بالكلم النفسي‪ ،‬مبني على مقامين‪ :‬أحدهما‪،‬‬ ‫هنا يذهب ابن أبي الحديد إلى أ ّ‬
‫ن هذه الماهية متصوّرة‪ ،‬والثاني‪ ،‬ذات ال‪ ،‬بعد تسليم تصوّرها‪ ،‬وأنها من‬ ‫ن في الوجود كل َم نف سٍ‪ ،‬وأ ّ‬‫أّ‬
‫ن ذاته قابلة‬
‫ن حياته تعالى تصحّحها‪ ،‬وأ ّ‬
‫أجناس الموجودات في الشاهد‪ ،‬موصوفة بها‪ ،‬وذلك مبني على أ ّ‬
‫ن الشرائط مستجمعة‪. 4‬‬‫ن الموانع مرتفعة‪ ،‬وأ ّ‬
‫لها‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن الشعرية إنما أثبتوا كلم النفس جنسا مفردا عن الماهيات المعروفة‪ ،‬وأثبتوه‬ ‫ويرى ابن أبي الحديد أ ّ‬
‫ن له ماه ية معقولة غ ير هذه الماه ية‬‫ل لِذات البارئ سبحانه؛ لن هم وحّدوه في الشا هد‪ ،‬وزعموا أ ّ‬ ‫حا ص ً‬
‫ن النفس تعقل ماهية الطلب‪ ،‬وتميز بينه وبين سائر الماهيات المتصورة‪ ،‬فإن ثبت لهم‬ ‫المعروفة بأسرها‪ ،‬فإ ّ‬
‫ن لها حقيقة في الوجود في نفس المر‪ ،‬أثبتوا بعد ذلك اتصاف ذات البارئ سبحانه‬ ‫تصور هذه الماهية‪ ،‬وأ ّ‬
‫بها‪ ،‬فيقال لهم‪ :‬إنّا لو تنزّلنا إلى ما تريدونه من إثبات هذه الماهية المفردة المخالفة لسائر الماهيات‪ ،‬فإنّا ل‬
‫ل ملحو قة بثلث ماهيات أُخَر ‪ -‬ماه ية الطالب‪ ،‬وماه ية المطلوب‪ ،‬وماه ية المطلوب‬ ‫نعقل ها ونت صورها إ ّ‬
‫منه ‪ -‬فإذا رفعنا ذلك أو شيئا منه عن العمل‪ ،‬لم نتصور الماهية الولى‪ ،‬وهي الطلب‪ ،‬فإذن استدللكم ‪-‬‬
‫ح لم يث بت به مطلوب كم‪ ،‬و هو كون ال تعالى طالبا في الزل‪ ،‬فالذي يقتض يه‬ ‫يق صد الشعر ية ‪ -‬إن ص ّ‬
‫الستدلل ل تقولون به‪ ،‬والذي تقولون به ل يقتضيه الستدلل‪ ،‬فثبت فساد قولكم‪ ،5‬على حد تعبير ابن‬
‫أبي الحديد‪.‬‬
‫وكان الرازي قد نص على بيت من الشعر‪ ،‬بعد اعتراضه على الدلة العقلية التي استدل بها أصحابه‬
‫على كون ال سبحانه مو صوفا بكلم الن فس‪ ،‬وتقليله من شأن ها‪ ،‬خ صوصا دل يل الجماع الذي نبّه من‬

‫القاضي عبد الجبار‪ :‬شرح الصول الخمسة ص ‪.527‬‬ ‫‪1‬‬

‫الشعري‪ :‬البانة ص ‪ 31‬وما بعدها‪ ،‬وقارن الماتريدي‪ :‬كتاب التوحيد ص ‪ 57‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪.250‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 418‬أ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫ن‪ ،‬م ورقة ‪ 421‬أ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪86‬‬
‫ل على اللفظ‪ ،‬أمّا المعنى الذي يقول به الشعرية فهو غير مُجمَع عليه‪ .1‬بيد‬
‫ن الجماع ليس إ ّ‬
‫خلله إلى أ ّ‬
‫ن احتجاج الرازي هذا يرفضه ابن أبي الحديد رفضا قاطعا‪. 2‬‬ ‫أّ‬
‫وهكذا نستنتج من جميع ما صرّح به الرازي‪ ،‬وما علّق ابن أبي الحديد عليه أو اعترض‪ ،‬نستنتج‬
‫أمرين‪:‬‬
‫ن المعتزلة ‪ -‬ب ما في هم ا بن أ بي الحد يد ‪ -‬في نفي هم صفة الكلم‪ ،‬وإنكار هم الكلم النف سي ‪-‬‬
‫الول‪ :‬أ ّ‬
‫ن الكلم هو‬‫متسقون مع مذهبهم في نفي الصفات الزلية عموما‪ ،‬ول غرابة إذن في إصرارهم على أ ّ‬
‫ال صوات المتقط عة والحروف المنتظ مة‪ ،‬و هي حاد ثة؛ لن ها من صفات الفعال عند هم‪ ،‬ولي ست من‬
‫ن الشعرية يعتبرون‬ ‫صفات الذات‪ ،‬لكن ‪ -‬بحسب رأي أستاذنا الدكتور محمد رمضان عبد ال ‪ -‬نجد أ ّ‬
‫ن حقيقة الكلم عندهم هو‬ ‫صفة الكلم عندهم من صفات الذات‪ ،‬فهي قديمة كصفات الذات كلها‪ ،‬ولذلك فإ ّ‬
‫الكلم القائم بذا ته تعالى‪ ،‬وأمّا ما نقرؤه في الم صحف‪ ،‬أو ما ن سمعه‪ ،‬أو ما هو مكتوب ف يه‪ ،‬ف كل ذلك‬
‫إمارات عليه‪. 3‬‬
‫ن تفسير الشعرية الكلم الحقيقي‪ ،‬وتو صّلهم إلى القول بأنه هو المعنى الموجود في النفس‪،4‬‬ ‫الثاني‪ :‬أ ّ‬
‫ل موضع اهتمام المعتزلة‪ ،‬فأدخلوه دائرة التحليل النقدي‪ ،‬سيما البغداديين منهم‪ ،‬حينما‬ ‫هذا التفسير كان أص ً‬
‫ن كونه‬‫ل عن طريق التمييز بين كون ال متكلما وكونه مكلّما‪ ،‬فقالوا‪ :‬إ ّ‬ ‫حاولوا أن يجدوا لهذه المشكلة ح ً‬
‫متكلما هي صفة ي ستحقها لِذا ته‪ ،‬أمّا كو نه مكلّما‪ ،‬ف هي ال تي تحتاج إلى الكلم المحدَث؛ لن ها متعد ية إلى‬
‫ل كلمة‬‫ل يرضيهم‪ ،‬إذ ليس في المر إ ّ‬ ‫الغير‪ ،‬فيما لم يجد البصريون المتأخرون في التمييز البغدادي ح ً‬
‫مكلّم‪ ،‬التي تفوق بخاصيتها الكلمة الخرى متكلم‪ ،‬لكن ال تعالى إنما يصير مكلّما بما يكون به متكلّما‪.5‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬الصفات اللهية السلبية عند ابن أبي الحديد‬
‫تمهيد‬
‫تنزيه ال عن الجهة والمكان‬
‫تنزيه ال عن الرؤية‬
‫تنزيه ال عن الجسمية‬
‫تنزيه ال عن الحلول والتحاد‬
‫ن اللسه غني‬
‫أّ‬

‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪ ،252‬وبيت الشعر الذي ذكره الرازي هو‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫جَعـل اللسسان علسى الفسؤاد دليسل‬ ‫إ ّن الكسلم لَفسي الفسؤاد وإنمسا‬


‫ل متابع ًة للغزالي انظر القتصاد ص ‪ ،55‬ومن المناسب أن نشير إلى أ ّن نصير الدين الطوسي‬
‫وجاء استشهاد الرازي بهذا البيت أص ً‬
‫هو الخر س كابن أبي الحديد س رفض الستشهاد بالبيت المذكور انظر تلخيص المحصل ص ‪.252‬‬
‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 418‬أ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫محمد رمضان‪ :‬الباقلني وآراؤه الكلمية ص ‪ 553‬س ‪.554‬‬ ‫‪3‬‬

‫الباقلني‪ :‬النصاف ص ‪.109‬‬ ‫‪4‬‬

‫الراوي‪ :‬فلسفة العقل ص ‪.39‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪87‬‬
‫تنزيه ال عن اللذة واللم‬
‫تنزيه ال عن الكيفيات المحسوسة‬
‫تمهيد‬
‫ن كل واحدة سلبَت ونفَت أمرا ل يليق به عز وجل‪ .1‬وهي س بحسب‬
‫يراد بالصفات اللهية السلبية‪ ،‬أ ّ‬
‫ن ال ليس بجسم ول عرَض ول يُرى‪.2‬‬ ‫تفسير ابن أبي الحديد س كقولنا‪ :‬أ ّ‬
‫ن المعتزلة س بما فيهم ابن أبي الحديد س كانوا يهدفون من وراء ذلك تنزيسه ال سبحانه عن‬‫ويبدو أ ّ‬
‫ن قولهم في التوحيد كان ردا على التصور اليهودي ل من جهة‪،‬‬ ‫كل مماثلة بينه وبين مخلوقاته‪ ،‬باعتبار أ ّ‬
‫ولراء المج سمة والمشب هة والحشو ية من ج هة أخرى‪ ،‬فال تعالى في جو هر عقيدة المعتزلة ل يس كمثله‬
‫شيء‪ ،3‬تلك آية محكمة تؤوّل في ضوئها كل آيات يدل ظاهرها على اتصاف ال بأوصاف المخلوقين‪:‬‬
‫ل يس بج سم‪ ،‬إنكار على المج سمة الذ ين جعلوا ل ج سما‪ ،‬ول بذي لون ول ط عم ول رائ حة‪ ،‬إنكار على‬
‫اليهود ية أ نه سبحانه ذو وفرة سوداء أو بيضاء‪ ،‬ول يس بذي جهات‪ ،‬ول بذي يم ين وشمال وخَلف وفوق‬
‫وتحت‪ ،‬ول يحيط به مكان‪ ،‬إنكار على الصفاتية تصورهم ال جسما مماسا أو محاذيا للعرش‪. 4‬‬
‫هذه مسائل‪ ،‬سنقف على تفاصيلها عند ابن أبي الحديد‪ ،‬في معرض استعراضنا كل مسألة في مبحث‬
‫مستقل‪.‬‬
‫المبحث الول‪ :‬تنزيه ال عن المكان والجهة‬
‫ن الذي يذهب إليه المعتزلة وجمهور المحققين من المتكلمين‪ ،‬أنه سبحانه‬‫يصرّح ابن أبي الحديد بأ ّ‬
‫ن ذلك من توابع الجسمية أو العرَضية اللحقة بالجسمية‪ ،‬فإذا انتفى عنه كونه‬‫ليس في جهة ول مكان‪ ،‬وأ ّ‬
‫جسما وكونه عرَضا‪ ،‬لم يكن في جهة أصلً‪ ،‬وإلى هذا القول يذهب الفلسفة‪.5‬‬
‫ن ما يُنسَب إلى محمد بن الهيصم س متكلم الكرامية س بأنه تعالى ذات موجودة منفردة بنفسها‬ ‫على أ ّ‬
‫عن سائر الموجودات‪ ،‬ل تح ّل شيئا حلول العراض‪ ،‬ول تمازج شيئا مماز جة الج سام‪ ،‬بل هو مبا ين‬
‫ل أنه في جهة فوق‪ ،‬وبينه وبين العرش بُع ٌد ل يتناهى‪ ،6‬فهي حكاية يستبعدها ابن أبي الحديد؛‬ ‫للمخلوقين‪ ،‬إ ّ‬
‫لنه س ابن الهيصم س كان أذكى من أن يذهب عليه فساد هذا القول من جهة‪ ،‬وأنه لم يرد من ذلك في‬
‫شيء من تصانيفه‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬وإنما المتكلمون حكوا عنه وأحالوا ذلك‪ ،‬كما استدل على ما يراه‪،‬‬
‫ن ابن الهيصم إنما أطلق هذه اللفاظ إتباعا لِما ورد في الكتاب والسّنة‪ ،‬بدليل قوله‪ :‬ل أقول بمعانيها‪ ،‬ول‬‫بأ ّ‬
‫ل كما وردت‪.7‬‬ ‫أعتقد حركته الحقيقية‪ ،‬وإنما أرسلها إرسا ً‬

‫الصاوي‪ ،‬عبد الكريم‪ ،‬حاشية الصاوي على الدردير‪ ،‬مطبعة الستقامة‪ ،‬مصر‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬ص ‪.76‬‬ ‫‪1‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.49 / 13‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة الشورى‪ :‬آية ‪.11‬‬ ‫‪3‬‬

‫انظر صبحي‪ :‬في علم الكلم س المعتزلة س ص ‪ 116‬بتصرف‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.229 / 3‬‬ ‫‪5‬‬

‫ن‪،‬م ‪ 229 / 3‬س ‪ ،230‬وانظر الشهرستاني‪ :‬الملل ‪ 145 / 1‬س ‪.146‬‬ ‫‪6‬‬

‫ن‪،‬م ‪.230 / 3‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪88‬‬
‫هنا لبد من ذكر ملحظة مهمة بخصوص عقيدة الكرامية‪ ،‬وهي‪ :‬إن كان اعتمادهسم على القرآن‬
‫ن ال تعالى بجهة فوق ذاتا‪ ،‬ول داعي لعدم تعقّل‬ ‫والحاديث‪ ،‬التي تثبت الفوقية ل تعالى‪ ،‬فليس معنى أ ّ‬
‫ن العتماد على آيات الفوق ية ل يعن سي ألب ته كون ال ج سما‪ ،‬و في‬ ‫ل إذا كان ال ذاتا وج سما‪ ،‬وأ ّ‬
‫الج هة إ ّ‬
‫ب العلق‪ ،19 :‬فلو‬ ‫ج ْد وَا ْقَت ِر ْ‬
‫سُ‬
‫ج هة فوق ذاتا‪ ،‬إذ لو كان كذلك لتعارض هذا مع قوله ع سز و جل‪َ :‬ا ْ‬
‫كان تعالى في السماء ذاتا لَما كان السجود اقترابا منه على أي حال من الحوال‪.1‬‬
‫ن ال ل تتوهمه في‬‫وابن أبي الحديد يؤكد ما عليه أصحابه المعتزلة بهذا السياق‪ ،‬عندما ينص على أ ّ‬
‫جهة‪ ،‬أو مالئا لكل الجهات‪ ،...‬أو نورا من النوار‪ ...‬فمتى توهم على شيء من هذا فقد خولف التوحيد؛‬
‫ن كل جسم أو عرَض أو حال في محل الحال‪ ،‬أو مختص بجهة‪ ،‬لبد أن يكون منقسما في ذاته‪،‬‬ ‫وذلك ل ّ‬
‫ل سيما على قول مَن نفى الجزاء مطلقا‪ ،‬وكل منقسم فليس بواحد‪ ،‬فثبت أنه واحد‪. 2‬‬
‫ن الجسم قابل للقسمة إلى نهاية‬ ‫ن ابن أبي الحديد أراد من كلمه المتقدم‪ ،‬بيان حقيقة مؤداها‪ :‬أ ّ‬
‫ويبدو أ ّ‬
‫‪ ،‬بنا ًء على مَن يرى تر كب الج سام بأجزاء ‪ ،‬أو قا بل للق سمة إلى ما ل نها ية‪ ،‬بنا ًء على مَن يقول بعدم‬
‫ن الجسم قابل للقسمة‪ ،‬والذي يح ّل فيه قابل لها أيضا‪ ،‬ولو‬ ‫تركّب الجسم من الجزاء‪ ،‬وعلى التقديرين فإ ّ‬
‫ل فيها‪ ،‬ومنقسما بانقسامها‪ ،‬وكذلك إذا كان ال تعالى في جميع‬ ‫كان ال سبحانه في جهة تخصه‪ ،‬لكان حا ّ‬
‫ل ل ها‪،‬‬
‫الجهات‪ ،‬أو كان قوة سارية في الموجودات كا فة‪ ،‬فقبول الشياء الق سمة يؤدي إلى كو نه تعالى قاب ً‬
‫وهو أمر غير معقول‪.‬‬
‫وبنا ًء على ما تقدم‪ ،‬يلحَظ أنهم ف سّروا الجهةطرق المتداد ونهاية الخط وهي نقطة ل تقبل القسمة‬
‫في جهة من الجهات‪ ،‬فدليله ل يبطل كون ال في جهة‪ ،‬إذا ُأخِذ التعبير بالجهة بمعناه الصطلحي‪،‬وأمّا‬
‫إذا كان مقصوده من نفي كون ال سبحانه في جهة نفي كونه في مكان معيّن س كما نسِب إلى طائفة أنهم‬
‫ن ال في السماء‪ ،‬أو ح ّل في شخص معيّن س فما قاله صحيح‪ .‬وأغلب الظن أنه يقصد الثاني؛‬ ‫يعتقدون أ ّ‬
‫لنه هو الذي وقع البحث فيه‪ ،‬وأمّا المعنى الول فلم ينقل عن أحد‪.‬‬
‫ن ا بن أ بي الحد يد يؤ كد مع نى اليات الموه مة بح صوله‬ ‫هذا من ج هة‪ ،‬و من ج هة أخرى نلحظ أ ّ‬
‫ن مَا ُكْنُت ْم‬
‫تعالى في ج هة من الجهات‪ ،‬إن ما هي من باب المجاز‪ ،‬من ها قوله تعالى‪َ :‬و ُه َو َم َع ُك ْم َأْي َ‬
‫ن ال تعالى ل يجوز عل يه الح صول في‬ ‫حْب ِل اْل َورِي ِد قّ‪16 :‬؛ ل ّ‬
‫ن َ‬
‫ب ِإَلْي ِه ِم ْ‬
‫ن َأ ْق َر ُ‬
‫ح ُ‬
‫الحد يد‪َ 4 :‬وَن ْ‬
‫عرَض‪ ،‬وواجب الوجود ليس بجَرم‬ ‫ن كل حاصل في جهة إمّا جَرم أو َ‬ ‫الجهات‪ ،3‬ليخلص فيما بعد إلى أ ّ‬
‫ل في جهة‪.4‬‬ ‫ول عرَض‪ ،‬فل يكون حاص ً‬
‫ل آخر لستحالة الجهة على ال‪ ،‬وهو رأي‬ ‫ن ابن أبي الحديد قد ذكر دلي ً‬
‫وفي موضع آخر‪ ،‬نجد أ ّ‬
‫لبي الحسين الخياط س ت ‪290‬هس س إذ قال فيه‪ :‬إنه تعالى لو كان فيما لم يزل في جهة‪ ،‬لستحال أن‬
‫ن الحاصل في جهة‪ ،‬يصح أن يُشار بأنه هاهنا أو هناك‪ ،‬فإذا كانت ذاته‬ ‫يتحدد له حصول في جهته؛ ل ّ‬
‫ن ذلك‬‫فيما لم يزل‪ ،‬ل يصح أن يُشار إليها‪ ،‬استحال أن تصير فيما بعد‪ ،‬بحيث يصح أن يُشار إليها؛ ل ّ‬

‫سهير محمد مختار‪ :‬التجسيم عند المسلمين‪ ،‬مذهب الكرامية‪ ،‬ط ‪ ،1‬مطبعة شركة السكندرية‪ ،1971 ،‬ص ‪.200‬‬ ‫‪1‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ ،227 / 20‬وانظر أيضا‪ :‬ن‪،‬م ‪.70 / 13‬‬ ‫‪2‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.71 / 7‬‬ ‫‪3‬‬

‫ن‪،‬م ‪.74 / 1‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪89‬‬
‫ن‬
‫ن الجوهر لَمّا استحال أن يحل في محل اليوم‪ ،‬استحال أن يحل في محل غد الن؛ ل ّ‬
‫قلب حقيقتها‪ ،‬كما أ ّ‬
‫ذلك يكون قلبا لحقيقته‪. 1‬‬
‫وإذا كان الرازي كبق ية مشاه ير متأخري الشعر ية‪ ،‬كالشهر ستاني س ت ‪548‬ه س س والي جي س‬
‫‪756‬هس س والتفتازاني س ‪759‬هس س القائلين بنفي الجهة عن ال‪ ،‬يستدل على ما يراه بأنه ليس بمتحيز‪،‬‬
‫ن الرازي قد‬
‫ن ابن أبي الحديد يرى أ ّ‬
‫وما كان كذلك‪ ،‬لم يكن في جهة أصلً‪ ،‬وذلك معلوم بالضرورة‪ ،2‬فإ ّ‬
‫ل في محل‪ ،‬بدليل ينب ني على أ نه تعالى ل يس في جهة‪ ،‬ثم استدل على أنه‬ ‫ا ستدل آنفا على أنه ل يس حا ّ‬
‫ل في محل‪ ،‬فتوقّف كل واحد منهما على الخر‪،‬‬ ‫تعالى ليس في جهة‪ ،‬بدليل ينبني على أنه تعالى ليس حا ّ‬
‫ويلزم الدور‪.3‬‬
‫ن‬‫وهناك حجة أخرى احتج بها الرازي على نفي الجهة‪ ،‬اعترض عليها ابن أبي الحديد‪ ،‬مفادها‪:‬أ ّ‬
‫مكا نه تعالى إن ساوى سائر المك نة‪ ،‬كان اخت صاصه به دون سائر المك نة ي ستدعي مخ صّصا‪ ،‬وذلك‬
‫ل لفاعل مختار‪ ،‬فهو محدَث‪ ،‬فكونه في المحل محدث‪،‬‬ ‫المخصص لبد أن يكون مختارا‪ ،‬وكل ما كان فع ً‬
‫ن الختلف في الن في الم حض محال‪،‬‬ ‫هذا خلف‪ .‬وإذا خالف سائر المك نة كان ذلك المكان موجودا؛ ل ّ‬
‫وذلك الموجود إن لم يكن مشارا إليه‪ ،‬لم يكن الموجود فيه مشارا إليه‪ ،‬فلم يكن ال تعالى في مكان‪ ،‬وإن‬
‫كان مشارا إل يه‪ :‬فإن كان كو نه كذلك بالذات كان ج سما‪ ،‬فإذا فرض نا ال تعالى موجودا ف يه‪ ،‬كان البارئ‬
‫ل في الجسم‪ ،‬فالبارئ تعالى لمّا‬‫ل في الجسم‪ ،‬وهو محال‪ ،‬وإن كان العرض كان ذلك عرَضا حا ّ‬ ‫تعالى حا ّ‬
‫ل فسي الج سم‪ ،‬هذا خلف‪ .4‬واعتراض ا بن أبسي‬ ‫ل في الحال فسي الجسسم‪ ،‬وكان حا ّ‬‫ل ف يه‪ ،‬كان حا ّ‬
‫كان حا ّ‬
‫الحديد على حجة الرازي النفة الذكر‪ ،‬اعتراض دقيق يستدعي التوقف عنده في أمرين ‪: 5‬‬
‫الول‪ :‬أنه لِم ل يجوز أن تكون جهته مساوية لسائر الجهات‪ ،‬ويكون هو تعالى قد اختص بالحصول‬
‫فيها اختيارا ل إيجابا ؟‪.‬‬
‫ن هذه الحجة التي أوردها الرازي‪ ،‬يمكن تفسير مراده منها على وجه ينكشف الخُلف الذي‬ ‫الثاني‪ :‬أ ّ‬
‫ادّعاه س حسب تعبير ابن أبي الحديد س وذلك أن يقال‪ :‬الجهة التي هو سبحانه فيها وكل جهة‪ ،‬إمّا أن‬
‫تكون عبارة عن أمر سلبي أو ثبوتي‪ ،‬فإن كانت أمرا ثبوتيا‪ ،‬فهي إمّا شيء يمكن أن يشار إليه أو ل يمكن‬
‫أن يشار إليه‪ ،‬فإن كانت شيء يمكن أن يشار إليه‪ ،‬فإمّا أن يمكن الشارة إليه بالذات أو بالتبعة‪ ،‬فهذه أقسام‬
‫أربعة‪ ،‬وإن كانت الجهة سلبا فالعدم من حيث هو عدم مت ساوٍ؛ لنه لو كان فيه اختلف لكا نت الحقائق‬
‫تخالف بعضهسا بعضا‪ ،‬فل يكون عدما‪ ،‬فلو فرضنسا جهسة البارئ سسبحانه عدما‪ ،‬لكان حصسوله فيهسا إمّا‬
‫بطريق اليجاب‪ ،‬بأن يكون لم يزل ذاته حاصلة فيها‪ ،‬أو بطر يق الختيار‪ ،‬والول محال؛ لنه لو كانت‬
‫ذاته تعالى توجب لنفسها الحصول فيها س الجهة س مع تساوي العدم في كونها عدما‪ ،‬لكانت قد رجحت‬
‫ب عض العدام على ب عض ترجيحا إيجابيا من غير مرجّح‪ ،‬وهذا محال‪ ،‬والثا ني أيضا محال‪ ،‬لنه تعالى‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 392‬أ س ب‪ ،‬ولم أجد ذلك في كتاب النتصار للخياط‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪.227‬‬ ‫‪2‬‬

‫ن استدلل الرازي‬
‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 392‬أ‪ ،‬وهذا ما أشار إليه نصير الدين الطوسي‪ ،‬عندما صرّح بأ ّ‬ ‫‪3‬‬

‫بنفي التحيز على نفي الجهة إعادة للدعوى‪ .‬انظر تلخيص المحصل ص ‪.227‬‬
‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪.227‬‬ ‫‪4‬‬

‫انظر تفاصيل العتراض عند ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 392‬أ س ‪ 393‬أ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪90‬‬
‫ن فعل المختار‬
‫لو كان قد حصل نفسه في جهة على طريق الختيار‪ ،‬لم يكن حصوله فيها فيما لم يزل؛ ل ّ‬
‫محدَث‪ ،‬والجمع بين الحدوث والزلية محال‪.‬‬
‫ن حجة الرازي س بتقدير صحتها س مبنية على استحالة‬ ‫وخلصة القول‪ ،‬يرى ابن أبي الحديد أ ّ‬
‫ن ال ل يصح كونه في جهة‪ ،‬فيلزم الدور‪.‬‬
‫حلول ال‪ ،‬لكن دليل استحالة الحلول مبني على أ ّ‬
‫أمّا تنزيه ال سبحانه عن المكان‪ ،‬فيرجعه ابن أبي الحديد لسباب عدة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ن المكان إمّا الجسم الذي يتمكن عليه جسم آخر‪ ،‬أو الجهة‪ ،‬وكلهما ل وجود له بتقدير عدم‬ ‫الول‪ :‬إ ّ‬
‫ل بتقد ير‬
‫ن الج هة ل تتح قق إ ّ‬
‫الفلك‪ ،‬و ما في حشو ها من الج سام‪ ،‬أمّا الول فظا هر‪ ،‬وأمّا الثا ني؛ فل ّ‬
‫وجود الفَلك؛ لنها س الجهة س أمر إضافي بالنسبة إليه‪ ،‬فبتقدير عدمه ل يبقى للجهة تحقق أصلً‪ ،‬وهذا‬
‫هو القول في عدم المكان حينئ ٍذ‪.1‬‬
‫ويع ني ا بن أ بي الحد يد من كون ال في مكان‪ ،‬كو نه في فَلك من الفلك‪ ،‬يتم كن ف يه‪ ،‬ك ما قال‬
‫ن الج هة عبارة عن طرق المتداد الوا صل إلى نق طة من‬ ‫بعضهم‪ ،2‬وإذا نفي نا الفلك انت فى ذلك‪ ،‬ك ما وأ ّ‬
‫ن الفلك أج سام بعض ها فوق ب عض‪ ،‬وفوق ال كل فَلك الطلس‪،‬‬ ‫نقاط فَلك الفلك‪ ،‬نظرة يونان ية قائلة بأ ّ‬
‫المعبّر عنه فَلك الفلك ومحدّد الجهات‪ ،3‬فإذا انتفت الفلك انتفت الجهة‪ ،‬وفي هذا إشارة بديعة إلى فساد‬
‫النظرية القديمة حول تنظيم العالم‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬لو كان محويا‪ ،4‬لكان ذا مقدار أصغر من مقدار الشيء الحاوي له‪ ،‬لكن قد بيّنّا س كما يقول‬
‫س أنه يستحيل عليه المقادير‪ ،‬فاستحال كونه محويا‪. 5‬‬
‫ن إحا طة الج سم الحاوي سطحه الباط ني للج سم المحوي المماس‬
‫ويع ني ا بن أ بي الحد يد بذلك‪ ،‬أ ّ‬
‫ل سطحه الخار جي‪ ،‬يقت ضي حلول كل جزء من أجزاء ال سطح الخار جي للج سم الحاوي في جزء من‬
‫أجزاء السطح الباطني للجسسم المحوي‪ ،‬فثبت للمحسوي سطح ذا مقدار‪ ،‬وهسو الطسول والعرَض‪ ،‬كما‬
‫يثبت للجسم المحوي‪ ،‬فيصبح المحوي ذا مقدار كالحاوي‪.‬‬
‫ن مَن تصوره أنه تعالى في شيء‪ ،6‬فقد جعله إمّا جسما مستترا في مكان‪ ،‬أو عرَضا مساويا‬
‫الثالث‪ :‬أ ّ‬
‫في محل‪ ،‬والمكان متضمن للتمكن‪ ،‬والمحل متضمن للعرَض‪. 7‬‬
‫و في معرض شر حه كلم المام عليعقائم ل بعمَد‪ ،‬يش ير ا بن أ بي الحد يد أيضا إلى تنز يه ال تعالى‬
‫عن المكان‪ ،‬فيقول‪:‬لَمّا كان في الشا هد كل قائم فله عماد يعت مد عل يه‪،‬أبان عل يه ال سلم تنزي هه تعالى من‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.92 / 13‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر الذهبي‪ :‬العلو للعلي الغفار في صحيح الخبار وسقيمها‪ ،‬ط ‪ ،2‬القاهرة‪ ،‬مطبعة العاصمة‪ ،‬ص ‪.101‬‬ ‫‪2‬‬

‫نجد مثل هذا الكلم عند معاصري ابن أبي الحديد من المامية‪ .‬انظر نصير الدين الطوسي‪ :‬تجريد العقائد‪ ،‬مطبوع‬ ‫‪3‬‬

‫ضمن كشف المراد لبن المطهر الحلي بيروت‪ ،1979 ،‬ص ‪ 161‬س ‪.162‬‬
‫ن الشياء ل تحويه فتقلّه‪ .‬شرح نهج البلغة ‪.8 / 13‬‬ ‫إشارة إلى كلم المام عليع‪ :‬أ ّ‬ ‫‪4‬‬

‫ن‪،‬م ‪.83 / 13‬‬ ‫‪5‬‬

‫إشارة إلى كلم المام عليع‪ :‬ومَن قال‪ :‬في َم ؟ فقد ضمّنه‪ .‬شرح نهج البلغة ‪.76 /1‬‬ ‫‪6‬‬

‫ن‪،‬م ‪.76 : 1‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪91‬‬
‫المكان‪ ،‬وعمّا يتوهمه الجهلء من أنه مستقر على عرشه بهذه اللفظة‪ ،‬ومعنى القائم هاهنا ليس ما يسبق‬
‫إلى الذهن من أنه المنتصب‪ ،‬بل ما تفهمه من قولك‪ :‬فلن قائم بتدبير البلد‪ ،‬وقائم بالقسط‪. 1‬‬
‫ن‬
‫ن ال في كل مكان‪ ،‬فيخبر نا بأ ّ‬‫ن ا بن أ بي الحد يد‪ ،‬يو ضح رأي أ صحابه المعتزلة القائل بأ ّ‬
‫على أ ّ‬
‫المعتزلة تقسول ذلك وتريد به أنه وإن لم يكن في مكان أصلً‪ ،‬فإنه عالِم بما في كل مكان‪ ،‬ومدبّر لِما في‬
‫كل مكان‪ ،‬وكأ نه موجود في جم يع المك نة؛ لحاط ته بالجميع‪ .2‬هذا الرأي تعرّض إلى الن قد والرد عل يه‬
‫ن قول المعتزلة أنه تعالى في كل مكان بمعنى‬ ‫من قبل الشعرية والظاهري‪ ،‬فالبغدادي الشعري يرى أ ّ‬
‫التدبير له والعلم بما فيه‪ ،‬يلزمه على هذا القول أن يكون في المسجد والحمام وفي بطن المرأة؛ لنه عالِم‬
‫ن ال ل يقلّه مكان‪ ،‬ول يجري عليه‪ ،‬وهذا‬ ‫حأ ّ‬ ‫بما في هذه المكنة‪ ،‬مدبّر لها‪ ،‬وإذا بطلت هذه القوال ص ّ‬
‫فاسد‪ ،‬فما يؤدي إليه مثله‪ .3‬أمّا ابن حزم س ت ‪456‬هس س فيقوم نقده للمعتزلة على القول بضرورة حمل‬
‫اليات على ظاهرها دون تأويل‪ ،‬ما لم يمنع من حملها على الظاهر دليل آخر من النص أو الجماع أو‬
‫ن ال في كل مكان‪ ،‬بل في محاولة فَهم النص‬ ‫ضرورة عقل وحس‪ ،‬والتنزيه الحقيقي يكمن ل في القول بأ ّ‬
‫بالنص نفسه‪. 4‬‬
‫عدَه‬
‫ن ابن أبي الحديد س في معرض إيضاحه كلم المام عليع‪ :‬فل استعلؤه با َ‬ ‫بقي أن نشير إلى أ ّ‬
‫ن المقصود منه ليس علوّه ول قُربه‪ ،‬كما نعقله عن العلو والقرب المكانيين‪ ،‬بل هو عل ّو وقُرب‬‫س يرى أ ّ‬
‫خارج عن ذلك‪ ،‬فليس علوّه يقتضي بُعده بالمكان عن الجسام‪ ،‬ول قُربه ومساواته إياها في الحاجة إلى‬
‫الجهة والمكان‪.5‬‬
‫ن المراد بالعل ّو العل ّو العقلي ل الحسي‪ ،‬كعل ّو‬
‫وكان على ابن أبي الحديد س في هذا المقام س أن يبيّن أ ّ‬
‫السسماء بالنسسبة إلى الرض‪ ،‬ول التخيّلي‪ ،‬كمسا لل َملِك بالنسسبة إلى الرعيسة‪ ،‬إذ الول مقصسور فسي‬
‫المحسسوسات والمتميزات‪ ،‬والثانسي متغيسر بحسسب الشخاص والوقات‪ ،‬وهسو سسبحانه منزّه عن الحسس‬
‫والمكان‪ ،‬ومقدّس عن الكمال الخيالي القابل للزيادة والنقصان‪ ،‬فله الفوقية المطلقة والعلو العقلي‪ ،‬ولَمّا كان‬
‫ن علوّه‬
‫السبق في العلو العقلي مستلزما للبعد عن الغير‪ ،‬ح سُن المقابلة بينه وبين القرب في الدنو‪ ،‬وكما أ ّ‬
‫على خَلقه كان علوّا عقليا‪ ،‬فكذلك قُربه إليه قرب عقلي‪ ،‬وهو القرب بالعلم والحاطة‪ ،‬التي أشار إليها ابن‬
‫أبي الحد يد في تفسير رأي أصحابه المعتزلة لمعنى كونه تعالى في كل مكان‪ ،‬فهو الذي ل يعزب عن‬
‫عِلمه شيء‪.‬‬
‫وخل صة ال مر‪ ،‬أنّس ال لَمّا كان قربسه إلى الشياء وإلى الخَلق بهذا المعنسى‪ ،‬ل يكون له منافاة؛ لبُعده‬
‫عنهم اللزم من علوّه‪ ،‬فهو في كمال علوّه عليهم وبُعده عنهم من حيث الذات والصفات منهم قريب‪ ،‬وفي‬
‫ن النور كلما كان أشد وأقوى كان مع علوّه‬ ‫كماله منهم ودنوّه إليهم من حيث العلم والحاطة عنهم بعيد؛ ل ّ‬
‫وبُعده أقرب وأد نى‪ ،‬ولمّا كان عل ّو ال لم ي كن علوّا ح سيا‪ ،‬ول فوقي ته فوق ية مكان ية‪ ،‬فل يكون ا ستعلؤه‬
‫باعَده عن ش يء من خَلقِه بُعدا مكانيا‪ ،‬وإن كان بعيدا عن هم بمقت ضى علوّه العقلي‪ ،‬ومتباعدا عن عقول هم‬

‫ن‪،‬م ‪.48 / 13‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن‪،‬م ‪ ،231 / 3‬وهذا ما أكده في موضع آخر‪ .‬انظر شرح نهج البلغة ‪.166 / 3‬‬ ‫‪2‬‬

‫البغدادي‪ :‬الفرق بين الفرق ص ‪.78‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن حزم‪ :‬الفصل ‪ 122 / 2‬س ‪.123‬‬ ‫‪4‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.217 / 3‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪92‬‬
‫ن قربه من الخَلق لم يكن قربا حسيا‪ ،‬ول دنوّه دنوا مكانيا‪ ،‬فل يكون قربه‬
‫بسبب ارتفاعه الذاتي‪ ،‬وحيث أ ّ‬
‫منهم ساواهم في المكان به‪ ،‬كما يقول المام عليع ‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬تنزيه ال عن الرؤية‬
‫م سألة رؤ ية ال يوم القيا مة‪ ،‬واحدة من الم سائل ال تي اش تد الخلف حول ها ب ين مفكري الم سلمين‪،‬‬
‫ن رؤية ال تعالى مستحيلة في الدنيا والخرة‪ ،‬وقلت الكرامية‬ ‫فالمعتزلة كما أفاد ابن أبي الحديد يعتقدون بأ ّ‬
‫والحنابلة والشعرية‪ :‬تصح رؤيته‪ ،‬ويُرى في الخرة‪ ،‬ثم اختلفوا‪ :‬فقالت الكرامية والحنابلة‪ :‬يُرى في جهة‬
‫فوق‪ ،‬أمّا الشعري وأصحابه فإنهم لم يقولوا كما قال هؤلء‪ ،‬بل قالوا‪ :‬يُرى‪ ،‬وليس فوقا ول تحتا ول يمينا‬
‫ل ول أماما ول وراء‪ ،‬ول يُرى كلّه ول بع ضه‪ ،‬ول هو في مقابلة الرائي‪ ،‬ول منحرفا ع نه‪ ،‬ول‬ ‫ول شما ً‬
‫ت صح الشارة إل يه إذا رُئي‪ ،‬و هو مع ذلك يُرى ويُب صَر‪ ،‬وأجازوا أيضا عل يه أن ُت سمَع ذاتُه‪ ،‬وأن تُشَم‬
‫وتُذاق وُتحَس‪ ،‬ل على طريق التصال‪ ،‬بل تتعلق الدراكات كلها بذاته تعلّقا عاريا عن التصال‪.1‬‬
‫و قد سلك ا بن أ بي الحد يد م سلك أ صحابه المعتزلة في هذه الم سألة من خلل الدلة ال تي أورد ها‪،‬‬
‫سواء العقل ية أم النقل ية‪ ،‬أو من خلل رده على مخال في المعتزلة‪ ،‬ف من الدلة العقل ية ال تي أورد ها‪ :‬دليلَي‬
‫المقابلة والموانع‪.‬‬
‫الول‪ :‬دليل المقابلة‪.‬‬
‫ن إب صار الشياء بانطباع أمثلت ها في‬
‫ومضمو نه ع ند ا بن أ بي الحد يد‪ ،‬أ نه تعالى ل يُدر كه ب صر؛ ل ّ‬
‫ل لم ي كن‬
‫الرطو بة الجليد ية كانطباع أشباح المرئيات في المرآة‪ ،‬والبارئ تعالى ل يتم ثل ول يتش بح‪ ،‬وإ ّ‬
‫قيّوما‪. 2‬‬
‫ن إدرا كه بالب صار ي ستدعي المقابلة‪ ،3‬ك ما نراه يش ير إلى هذا‬
‫وهكذا ينت هي ا بن أ بي الحد يد إلى أ ّ‬
‫الدل يل في مو ضع آ خر‪ ،‬فيقول‪ :‬إذا كان قديما لم ي كن ج سما ول عرَضا‪ ،‬و ما ل يس بج سم ول عرَض‪،‬‬
‫تستحيل رؤيته‪ ،‬فيستحيل أن يُخبَر عنه على سبيل المشاهدة‪.4‬‬
‫ن المقابلة‬
‫وما أفاده ابن أبي الحديد في هذا الدليل‪ ،‬قد سبقه إليه القاضي عبد الجبار‪ ،‬حين ذهب إلى أ ّ‬
‫ح على الجسسام والعراض‪ ،‬وال تعالى ليسس بجسسم ول عرَض‪ ،‬فل يجوز أن يكون‬ ‫والحلول إنمسا تصس ّ‬
‫ل في المقابل ول في حكم المقابل‪.5‬‬‫ل ول حا ّ‬ ‫مقاب ً‬
‫أنس المدرَك بالحاسسة محسسوس‪،‬‬ ‫أنس حاصسل كلم ابسن أبسي الحديسد‪ ،‬هسو ّ‬
‫ويجسب أن نلحسظ هنسا ّ‬
‫والمحسوس مادي‪،‬وهو حادث‪ ،‬فلو كان محسوسا كان ل شيء أد ّل على حدوثه من كونه محسوسا‪ ،‬فعدم‬
‫ن القوة‬
‫محسوسيته يخرجه عن الحدوث‪ ،‬وخروجه عن الحدوث يعني تميّزه مما عداه‪ ،‬زيادة على ذلك فإ ّ‬

‫ن‪،‬م ‪ 236 / 3‬س ‪.238‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن‪،‬م ‪ 424 / 9‬س ‪.425‬‬ ‫‪2‬‬

‫ن‪،‬م ‪.63 / 11‬‬ ‫‪3‬‬

‫ن‪،‬م ‪.197 / 7‬‬ ‫‪4‬‬

‫ن أول من أخذ بهذا الدليل من المامية‬


‫القاضي عبد الجبار‪ :‬شرح الصول الخمسة ص ‪ ،429‬ول تفوتنا الشارة إلى أ ّ‬ ‫‪5‬‬

‫هو الشر يف المرت ضى‪ :‬مجمو عة في فنون من علم الكلم ص ‪ ،83‬وتب عه تلميذه الش يخ الطو سي‪ :‬القت صاد ص ‪،56‬‬
‫وابن المطهر الحلي‪ :‬الرسالة السعدية ص ‪.51‬‬

‫‪93‬‬
‫الباصرة التي في عيوننا قوة جسمانية‪ ،‬وجودها وقوامها بالمادة الوضعية‪ ،‬وكل ما وجوده وقوامه بشيء‬
‫ن الشيء إنما يوجد‬ ‫فقوام فعله وانفعاله بذلك الشيء‪ ،‬إذ الفعل والنفعال بعد الوجود والقوام وفرعه‪ ،‬ذلك أ ّ‬
‫ل لِماله‬
‫ن الب صر ل يُرى إ ّ‬
‫ل إمّا بذا ته أو بغيره‪ ،‬ث ّم يؤثّر في ش يء أو يتأ ثر ع نه‪ ،‬فلجل هذا نح كم بأ ّ‬
‫أو ً‬
‫نسبة وضعية إلى محل الباصرة‪.‬‬
‫الدليل الثاني‪ :‬دليل الموانع‪.‬‬
‫ن العلم الحاصل من رؤية الشيء عيانا‪ ،‬عِلم ل يمكن أن يتعلّق مثله‬ ‫ومضمونه عند ابن أبي الحديد أ ّ‬
‫ل ترى أنّا إذا‬
‫ن ذا ته تعالى ل يم كن أن تُعلَم من ح يث هي هي‪ ،‬ك ما تُعلَم المح سوسات‪،‬أ َ‬ ‫بال سبحانه؛ ل ّ‬
‫علمنا أنه صانع العالم‪ ،‬وأنه قادر عالِم حي سميع بصير مريد‪ ،‬وأنه ليس بجسم ول جوهر ول عرَض‪،‬‬
‫ن ماه ية‬ ‫وعِلم نا جم يع المور ال سلبية واليجاب ية المتعل قة به‪ ،‬فإن ما علِم نا سلوبا وإضافات‪ ،‬ول شك أ ّ‬
‫الموصوف مغايرة لِماهية الصفات‪ ،‬والذوات المحسوسة بخلف ذلك؛ لنّا إذا رأينا السواد‪ ،‬فقد عَلمنا نفس‬
‫أنس العلم بوجوده وصسفاته السسلبية‬ ‫حقيقسة السسواد‪ ،‬ل صسفة مسن صسفات السسواد‪ ،‬وأيضا فإنّا لو قدّرنسا ّ‬
‫واليجابية‪ ،‬يستلزم العلم بذاته‪ ،‬من حيث هي هي‪ ،‬لم يكن عالِما بذاته عِلما جزئيا؛ لنه يمكن أن يصدق‬
‫هذا العلم على كثيرين‪ ،‬على سبيل البدل‪ ،‬وإذا ثبت أنه يستحيل أن يصدق على كثيرين على سبيل البدل‪،‬‬
‫ثبت أنه يستحيل أن يصدق على كثيرين على سبيل الجمع‪ ،‬والعلم بالمحسوس يستحيل أن يصدق على‬
‫كثيرين‪ ،‬ل على سبيل الجمع ول على سبيل البدل‪ ،‬فقد بان أنه يستحيل أن يُعلَم ال كما يُعلَم الشيء المرئي‬
‫عيانا‪. 1‬‬
‫ن الذي ذكره ابن أبي الحديد آنفا‪ ،‬قد سبقه إلى ذكره القاضي عبد الجبار‪ ،‬بأسلوب مختصر ‪،‬‬ ‫على أ ّ‬
‫ن ال حاصل على ما هو في ذاته‪ ،‬فما المانع‬ ‫ن الشيء يُرى في حدوده المادية والذاتية‪ ،‬مقابل أ ّ‬‫فيقول‪ :‬إ ّ‬
‫من أنه ل يُرى‪ ،‬لو لم تكن استحالة ذلك نتيجة لِما هو عليه في ذاته‪ ،‬فاستحالت رؤيته‪.2‬‬
‫ن وجود كل شيء‬ ‫ن ابن أبي الحديد أراد في الدليل السابق بيان حقيقة مؤداها‪ :‬أ ّ‬
‫ولبد من القول أ ّ‬
‫نفس حقيقته‪ ،‬فاستناد الرؤية في الجسام والعراض إلى الوجود‪ ،‬وصيرورته علة‪ ،‬ل يقتضي أن يكون‬
‫وجود ما لم ُي َر أيضا علة لرؤياه‪ ،‬كالكيفيات النفسانية والطعوم ونحوها لمجرد كون الوجود علة في ذلك‪،‬‬
‫ن وجود الج سم غ ير وجود العرَض‪ ،‬ووجود العرَض غ ير الكيف ية النف سانية‪ ،‬ولو سلم اتحاده في‬ ‫مع أ ّ‬
‫ن‬
‫الممكنات‪ ،‬ف هو في ال غ ير ذلك الوجود قطعا‪ ،‬بل هو ن فس حقيق ته‪ ،‬فقياس هذا على ذلك با طل؛ ل ّ‬
‫معلولية شيء لِماهية ل يقتضي بكون ما يخالف تلك الماهية علة له‪.‬‬
‫أمّا ما أورده ابن أبي الحديد على مخالفي المعتزلة‪ ،‬وخصوصا الشعرية‪ ،‬فيتمثل في ثلثة أمور‪:‬‬
‫ح أن‬
‫ن ال ذات موجودة‪ ،‬و كل موجود ي ص ّ‬‫أوّل ها‪ :‬حين ما أب طل احتجاج هم بجواز الرؤ ية‪ ،‬بقول هم‪ :‬إ ّ‬
‫ن إحدى المقدمتين حق‪ ،‬والخرى باطل‪ ،‬فالتبس أمر النتيجة على كثير‬ ‫يُرى‪ .‬هنا يرى ابن أبي الحديد أ ّ‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.405 / 6‬‬ ‫‪1‬‬

‫الراوي‪ :‬فلسفة العقل ص ‪ ،34‬وهذا الدليل تجده أيضا عند أبرز متكلمي المامية‪ ،‬أمثال الشريف المرتضى‪ :‬مجموعة‬ ‫‪2‬‬

‫في فنون ص ‪ ،83‬والشيخ الطوسي‪ :‬القتصاد ص ‪.56‬‬

‫‪94‬‬
‫من الناس‪ .1‬وهذا الدليل الذي ذكره ابن أبي الحديد عن الشعرية‪ ،‬يسمى دليل الوجود‪ ،‬وقد قال به أبو‬
‫الحسن الشعري‪.2‬‬
‫ن ابن رشد قد سبقه‬ ‫وإذا كان ابن أبي الحديد قد أبطل دليل الشعرية هذا س من دون إيضاح س فإ ّ‬
‫ن المرئي منه ما هو مرئي بذاته‪ ،‬ومنه ما هو مرئي من قبل المرئي بذاته‪ ،‬فاللون مرئي‬
‫إلى الرد عليهم بأ ّ‬
‫بذا ته‪ ،‬والج سم مرئي من ق بل اللون‪ ،‬و ما لم ي كن له لون لم يُب صَر‪ ،‬ولو كان الوجود فح سب هو م حك‬
‫الرؤية لوجب أن تُبصَر الصوات وسائر المحسوسات الخمس‪ ،‬وأن يكون البصر والسمع وسائر الحواس‬
‫حاسة واحدة‪ ،‬وهذا خلف المعقول‪.3‬‬
‫ن ال لو كان مرئيا لرأيناه الن‪،‬‬
‫ثانيه ما‪ :‬عند ما ر فض الرازي احتجاج المعتزلة‪ ،‬الذي ي نص على أ ّ‬
‫بقوله‪ :‬إنّا بّي نا أن ع ند حضور المرئي وح صول الشرائط‪ ،‬ل ت جب الرؤ ية‪ ،‬سلّمنا وجوب ها في المرئيات‬
‫ن رؤ ية‬‫ت أن ها واج بة في رؤ ية ال صانع‪ ،‬وأ ّ‬
‫ال تي في الشا هد؛ دفعا للتشنيعات ال تي يذكرون ها‪ ،‬فلِم قل َ‬
‫المخلوقات مخالفة لرؤية ال تعالى‪ ،‬ول يلزم من وجوب حصول رؤية المخلوقات عند حضور الشرائط‬
‫وجوب رؤية ال تعالى عند حضور الشرائط‪ .4‬هنا ير ّد ابن أبي الحديد على رفض الرازي المتقدم بتعليق‬
‫ن الرؤ ية من ح يث هي رؤ ية‪ ،‬ل يت صور فيهسا اختلف المرئيات؛ لن ها عبارة عن اكت ساب‬ ‫مفاده‪ :‬أ ّ‬
‫مخصسوص زائد على العلم‪ ،‬وهذا الكشسف مسن حيسث هسو هسو ل يتصسور اختلفسه؛ لنّا نعلم بالضرورة‬
‫تساوي مسميات الرؤية وتماثلها كما نعلم بالضرورة تساوي الجسام في الجسمية‪ ،‬والموجودات عند من‬
‫أثبت ها صفات في م سمى الوجود‪ ،‬ولو جاز ال شك في ت ساوي ال سواد في كو نه سوادا‪ ،‬و في ذلك بطلن‬
‫الطريق إلى تماثل المتماثلت كلها‪. 5‬‬
‫ن ابن رشد‪ ،‬وإن وافق المعتزلة في قولهم الذي ذكره ابن أبي الحديد‬ ‫ومن المناسب هنا الشارة إلى أ ّ‬
‫ن ابن رشد أخذ على المعتزلة تصريحهم بهذا المذهب‬ ‫لأ ّ‬
‫ن الرؤية الصحيحة هي زيادة العلم‪ ،‬إ ّ‬ ‫آنفا من أ ّ‬
‫ل الجسام‪ ،‬وأمّا ما وراء ذلك فهو عنده عدم‬ ‫ن الجمهور ل يتخيل إ ّ‬ ‫ل ذلك بأ ّ‬‫للجمهور‪ ،‬رغم أنه حق؛ معل ً‬
‫أو كالعدم‪ ،‬والشارع العام بطبي عة عوام الناس قد قرب إلي هم ال مر بطر يق الت شبيه بأن قال تعالى‪ :‬الّل ُه‬
‫ن ال سيُرى كما تُرى الشمس‪ ،6‬وعند هذا‬ ‫ض النور‪ ،35 :‬كما جاء في الحديث‪ :‬إ ّ‬ ‫ت وَاْلَأ ْر ِ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫نُو ُر ال ّ‬
‫ن ال منزّه من كل المماثلت‪ ،‬فإذن الرؤية عندهم‬ ‫ل يجد العامة شبهة في رؤية ال‪ ،‬أمّا العلماء فيعلمون أ ّ‬
‫رؤية العلم والقلب‪ ،‬ل رؤية البصر والعين‪. 7‬‬
‫ن النزاع ب ين المعتزلة والمام ية من ج هة‪ ،‬وب ين المعتزلة والشعر ية من ج هة‬
‫ول بد من القول أ ّ‬
‫أخرى في ثبوت الرؤية وعدمها‪ ،‬ل يقع في ثبوت رؤية الباصرة وعدم رؤيتها‪ ،‬إذ يستحيل وقوع النزاع‬
‫ل من قال بالجسمية‪ ،‬وكل الكلم‬‫ل بعد إحراز وجود الباصرة وعدمها‪ ،‬ولم يقل به إ ّ‬ ‫في رؤية الباصرة إ ّ‬
‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.241 / 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫الشعري‪ :‬البانة ص ‪.13‬‬ ‫‪2‬‬

‫ابن رشد‪ :‬مناهج الدلة ص ‪. 188‬‬ ‫‪3‬‬

‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪.278‬‬ ‫‪4‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 423‬ب‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫نص الحديث‪ :‬سترون ربكم كما ترون هذا القمر‪ ،‬ل تُضامون في رؤيته‪ .‬انظر البخاري‪ ،‬محمد بن إسماعيل‪ :‬صحيح‬ ‫‪6‬‬

‫البخاري‪ ،‬ط ‪1314 ،1‬هس‪ ،‬المطبعة العثمانية المصرية‪.127 / 9 ،‬‬


‫ابن رشد‪ :‬مناهج الدلة ص ‪ 190‬س ‪.191‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪95‬‬
‫في الرؤ ية‪ ،‬الذي معناه النكشاف الخاص الذي ح صل للن سان بوا سطة نظره‪ ،‬والدلة ال تي عنده‪ ،‬و هل‬
‫يجوز حصوله بدونها أم لبد منها في حصوله‪ ،‬وهذا ما أشار إليه اليجي في المواقف‪ ،‬والمحقق الطوسي‬
‫في تجر يد العقايد‪ ،1‬وعلى هذا الن حو يُف هم ظا هر كلم الرازي وأ صحابه أن هم خلطوا ب ين إدراك الع قل‬
‫وإدراك البصر‪ ،‬فمن خصائص العقل إدراك ما ليس في جهة‪ ،‬أي في مكان‪ ،‬أمّا إدراك البصر فشرطُه‬
‫ي وضع اتفق أن يكون البصر من‬ ‫أن يكون المرئي منه في جهة مّا مخصوصة‪ ،‬ولذلك ل تتأتى الرؤية بأ ّ‬
‫المرئي‪ ،‬بل وبأوضاع مختلفة وشروط محدودة أيضا‪.2‬‬
‫ثالثها‪ :‬ما صرح به ابن أبي الحديد في شرح نهج البلغة‪ ،‬وأحال هناك إلى كتابه المفقود زيادات‬
‫ن الرؤ ية‬
‫تأ ّ‬‫النقض ين‪ ،‬بقوله‪ :‬وقد شر حت هذا المو ضع في كتا بي المعروف ب سزيادات النقضين‪ ،‬وبيّن ُ‬
‫ن‬
‫المنزهة عن الكيفية التي يزعمها الشعري‪ ،‬لبد فيها من إثبات الجهة‪ ،‬وأنها ل تجري مجرى العلم؛ ل ّ‬
‫ل مع كون المتشخص ذا جهة‪،3‬‬ ‫العلم ل يشخّص المعلوم‪ ،‬والرؤية تشخص المرئي‪ ،‬والتشخيص ل يمكن إ ّ‬
‫و هو س ا بن أ بي الحد يد س من ق بل علّل نف يه الرؤ ية‪ ،‬بقوله‪ :‬أن نا لو رأيناه في الخرة‪ ،‬وعرف نا كن هه‪،‬‬
‫ل ما يشار إلى‬ ‫لتشخّص تشخّصا يمنع من حمله على كثيرين‪ ،‬ول يتصور أن يتشخص هذا التشخص إ ّ‬
‫جه ته‪ ،‬ول ج هة له سبحانه‪ .4‬وكأ نه س في كل مه الخ ير هذا س يش ير إلى رف ضه ِل ما عل يه الكرام ية‬
‫ن ال يُرى في جهة فوق‪.‬‬‫والحنابلة القائلين بأ ّ‬
‫ض َرٌة‬
‫ُوجُوٌه َي ْو َمِئ ٍذ نَا ِ‬ ‫أماّ استدلله على نفي الرؤية بالدلة النقلية‪ ،‬فقد انحصر في قوله تعالى‪:‬‬
‫ل إيّا ها بأ نه إلى ج نة ربها‪ ،5‬و هو قر يب م ما يراه أ صحابه‬ ‫ظ َرٌة القيا مة‪ ،23-22 :‬مؤ ّو ً‬
‫‪ِ .‬إلَى َربّهَا نَا ِ‬
‫ن من أوائل القائلين به من المعتزلة س‬ ‫المعتزلة الذين قالوا‪ :‬معناه النتظار للنعم‪ ،‬وهو التأويل الذي يُعتقَد أ ّ‬
‫على ما يراه ابن حزم س هو أبو علي الجبائي‪ ،6‬ثم تبعه الخرون كالقاضي عبد الجبار وغيره‪ ،7‬وهو ما‬
‫تجده عند متكلمي المامية كالشريف المرتضى والشيخ الطوسي والعلّمة الحلّي‪. 8‬‬
‫ن ابن أبي الحديد شأنه في مسألة الرؤية‪ ،‬شأن بقية المعتزلة الذين دأبوا على تأويل‬
‫وهكذا يتبين لنا أ ّ‬
‫ن‬
‫اليات التي يفيد ظاهرها الرؤية‪ ،‬بما يوافق منهجهم في التوحيد ونفي الصفات‪ ،‬من هنا أكّدوا على أ ّ‬
‫القول بها يؤدي إلى التشبيه‪ ،‬وهذا ما حدا بهم إلى نفيها نفي استحالة‪ ،‬على حد تعبير الشهرستاني‪.9‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬تنزيه ال عن الجسمية‬
‫تعد هذه المسألة من العقد والهم في المسائل التي واجهت الفكر السلمي‪ ،‬الذي انقسم بشأنها إلى‬
‫فريقين‪:‬‬

‫اليجي‪ :‬المواقف ‪ ،39 / 8‬نصير الدين الطوسي‪ :‬تجريد العقائد ص ‪ 322‬س ‪.323‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر‪ :‬عاطف العراقي‪ :‬النزعة العقلية ص ‪ ،262‬وقارن ابن رشد‪ :‬مناهج الدلة ص ‪ 186‬س ‪.187‬‬ ‫‪2‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.61 / 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫ن‪،‬م ‪.61 / 1‬‬ ‫‪4‬‬

‫ن‪،‬م ‪.401 / 6‬‬ ‫‪5‬‬

‫ابن حزم‪ :‬الفصل ‪.3 / 3‬‬ ‫‪6‬‬

‫القاضي عبد الجبار‪ :‬شرح الصول الخمسة ص ‪ 245‬س ‪ ، 246‬القاسم الرسي‪ :‬كتاب العدل والتوحيد ص ‪.105‬‬ ‫‪7‬‬

‫كتبهم على التوالي‪ :‬المالي ‪ ،37 / 1‬القتصاد ص ‪ ،77‬كشف المراد ص ‪ 322‬س ‪.323‬‬ ‫‪8‬‬

‫الشهرستاني‪ :‬نهاية القدام ص ‪ ،356‬وانظر جار ال‪ :‬المعتزلة ص ‪.80‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪96‬‬
‫فريق نزّه ال تعالى‪ ،‬والخر قال بالجسمية‪ ،‬وهذا ما يطلعنا عليه ابن أبي الحديد‪. 1‬‬
‫الفر يق الول‪ :‬يمثّله المعتزلة‪ ،‬وأك ثر محق قي المتكلم ين من سائر الفرق‪ .‬إذ ن فى كونه تعالى ج سما‬
‫مركّبا‪ ،2‬أو جوهرا فردا غير مركّب‪ ،‬وإلى هذا الرأي ذهب الفلسفة أيضا‪.3‬‬
‫الفر يق الثا ني‪ :‬القائل بالتج سيم‪ ،‬وهؤلء س ك ما صرّح ا بن أ بي الحد يد س قالوا‪ :‬ال تعالى ج سم‬
‫ن من هم هشام بن الحكم‪ 4‬س ت ‪179‬ه س س ومقا تل بن سليمان وداود‬ ‫مركّب كهذه الج سام‪ ،‬زاعما أ ّ‬
‫ن محمد بن النعمان الحول‪ ،‬وهشام بن الجواليقي‪ 6‬قال‪ :‬أنه على صورة‬ ‫الجواربي‪ ،5‬في حين أشار إلى أ ّ‬
‫النسان‪.‬‬
‫أمّا القسم الخر س استنادا إلى ما صرّح به ابن أبي الحديد س فإنهم قالوا إنه جسم ل كالجسام‪ ،‬على‬
‫معنى أنه بخلف العرض الذي يستحيل أن يتوهم منه الفعل‪ ،‬ونفوا عنه معنى الجسمية‪ ،‬وإنما أطلقوا هذه‬
‫اللفظة لمعنى أنه شيء ل كالشياء‪ ،‬وذات ل كالذوات‪ ،‬وهم علي بن منصور والسكاك ويونس بن عبد‬
‫الرحمن والفضل بن شاذان‪ ،‬وقد قال بهذا القول بن كرّام وأصحابه‪.‬‬
‫ن المعتزلة س ومن هم ا بن أ بي الحد يد س‬
‫وإذا كان الت شبيه أ ساسه المماثلة ب ين الخالق والمخلوق‪ ،‬فإ ّ‬
‫ذهبوا إلى نفي أدنى مماثلة بين ال والمخلوقات‪ ،‬واتفقوا على نفي التشبيه عنه تعالى من كل وجه‪ ،‬جهة‬
‫ل وتغيّرا وتأثّرا‪ ،‬وأوجبوا تأويسل اليات المتشابهسة فيهسا‪،‬‬
‫ل وزوا ً‬
‫ومكانا وصسورة وجسسما وتحيزا وانتقا ً‬
‫وسمّوا هذا النمط توحيدا‪.7‬‬

‫ل س في شرح نهج البلغة ‪ 223 / 3‬س ‪.228‬‬ ‫انظر الراء س تفصي ً‬ ‫‪1‬‬

‫ابسن المطهسر الحلي‪ :‬الرسسالة السسعدية ص ‪ ،46‬القاضسي عبسد الجبار‪ :‬شرح ال صول الخمسسة ص ‪ 216‬ومسا بعدهسا‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫الخياط‪ :‬النتصار ص ‪ ،106 ،15‬البغدادي‪ :‬أصول الدين‪ :‬ص ‪ ،111‬السفرائيني‪ :‬التبصير ص ‪.141‬‬
‫الكندي‪ :‬رسائل ‪ ،161 - 160 ،153 / 1‬الرازي‪ :‬المباحث المشرقية‪ ،‬مكتبة السدي‪ ،‬طهران‪459 - 458 / 2 ،1966 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،‬مسكويه‪ ،‬أبو علي‪ :‬الفوز الصغر‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار مكتبة الحياة‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫ن أصحاب هشام يدفعون اليوم هذه الحكاية عنه‪ ،‬ويزعمون أنه لم يزد على قوله‪ :‬أنه جسم ل‬ ‫يقول ابن أبي الحديد‪ :‬إ ّ‬ ‫‪4‬‬

‫كالجسنام‪ ،‬وأنسه إنمسا أراد بإطلق هذا اللفسظ عليسه إثباتسه شرح نهسج البلغسة ‪ .223 / 3‬وفسي موضسع آخسر قال‪:‬‬
‫والمتعصبون لهشام بن الحكم في وقتنا هذا يزعمون أنه لم يقل بالتجسيم المعنوي‪ ،‬وإنما قال‪ :‬إنه جسم ل كالجسام ن‬
‫ن ما يراه ابن أبي‬
‫أي أنه بخلف العرَض الذي يستحيل أن يتوهم منه فِعل ن شرح نهج البلغة ‪ 228 / 3‬ول يفوتنا أ ّ‬
‫الحديد بخصوص هشام بن الحكم إنما هو ترديد لِما ذكره كبير شيوخه س أبو علي الجبائي س في هذا الصدد‪ .‬انظر‬
‫ن هشاما كان‬‫ن ابن أبي الحديد وأمثاله يعلمون أ ّ‬
‫القاضي عبد الجبار‪ :‬المغني ج ‪ 20‬ق ‪ 1‬ص ‪ 38‬والغريب في المر أ ّ‬
‫ل عن العقائدية بذكر العديد من مناظراته مع الملحدة‬ ‫من أصحاب المام الصادقع‪ ،‬الذي حفلت المصادر التاريخية فض ً‬
‫والمجسمة‪ ،‬فلو كان رأيه كما يزعم ابن أبي الحديد وأمثاله فكيف يقول له المام الصدقع‪ :‬ل تزال يا هشام مؤيّدا بروح‬
‫القدس ما نصرتنا بلسانك‪ ،‬وأنه ع كان يرشد إليه في باب النظر والحجاج‪ ،‬ويحث الناس على لقائه ومناظرته‪ .‬انظر‬
‫الشريف المرتضى‪ :‬الشافي ص ‪ .12‬إذن‪ :‬كيف يمتدحه المام وهو يقول بالتجسيم‪.‬؟‬

‫الحميري‪ ،‬أ بو سعيد نشوان بن سعيد‪ :‬الحور الع ين‪ ،‬ط ‪ ،1‬م صر‪1367 ،‬ه س‪ ،‬ص ‪ ،149‬الي جي‪ :‬الموا قف ‪،25 / 8‬‬ ‫‪5‬‬

‫البغدادي‪ :‬أصول الدين ص ‪ ،74‬الفرق بين الفرق ص ‪.320‬‬


‫البغدادي‪ :‬أصول الدين ص ‪ ،74‬الفرق بين الفرق ص ‪.320‬‬ ‫‪6‬‬

‫الشهر ستاني‪ :‬الملل ‪ ،55 / 1‬الخياط‪ :‬النت صار ص ‪ ،105 ،15 ،13‬القا ضي ع بد الجبار‪ :‬شرح الصول الخم سة ص‬ ‫‪7‬‬

‫‪ 162‬س ‪ ،165‬المغني‪ ،‬ج ‪ ،4‬تحقيق‪ :‬محمد مصطفى حلمي‪ ،‬مطبعة مخيمر‪ 341 / 4 ،‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫ن الول غير‬‫ن أدلة الفلسفة على نفي الجسمية تختلف عن أدلة المتكلمين‪ ،‬فالفلسفة قالوا‪ :‬إ ّ‬‫ويبدو أ ّ‬
‫ل‪،1‬‬
‫منقسم في جوهره ل من حيث الكمية‪ ،‬ول كانقسام المركّب إلى المادة والصورة‪ ،‬ول يكون جسما أص ً‬
‫ن المتكلمين قالوا‪ :‬إنه تعالى لو كان جسما‪ ،‬لكان قادرا بقدرة‪ ،‬والقادر بالقدرة ل يصح منه فعل‬
‫في حين أ ّ‬
‫الجسم‪.2‬‬
‫وهذا الدليل الخير هو الذي استدل به ابن أبي الحديد‪ ،‬مما يعني أنه أخذ بأدلة المتكلمين بشكل عام‪،‬‬
‫ل عن أدلة أخرى‪ ،‬منها‪:‬‬‫فض ً‬
‫الدلينل الول‪ :‬وهسو نفسس دليسل المتكلميسن المتقدم‪ ،‬الذي قال عنسه بأنسه الدليسل الذي يعوّل عليسه‬
‫المتكلمون‪ ،3‬وهذا الدليسل ذكره فسي معرض رده على المشبهسة والمجسسمة‪ ،‬مسن حيسث لن يألفوا أن يكون‬
‫ل‬
‫ل ج سما‪ ،‬وجعلوك مركّبا ومتجزئا‪ ،‬كما تتجزأ الج سام‪ .4‬وفي مكان آخر ذ كر دلي ً‬ ‫القادر الفا عل العالِم إ ّ‬
‫ن الجسم ل يصح منه أن يفعل الجسام‪. 5‬‬ ‫آخر مفاده أ ّ‬
‫ن ما عداه إمّا ج سم أو عرَض أو مجرد‪ ،‬فلو أش به‬ ‫ن ال ل يش به الشياء ألب ته؛ ل ّ‬‫الدل يل الثا ني‪ :‬أ ّ‬
‫الج سم أو العرَض لكان إمّا ج سما أو عرَضا‪ ،‬ضرورة ت ساوي المتشاب َه ين المتماثَل ين في حقائقه ما‪ ،‬ولو‬
‫ب الوجود بممكن‪ .6‬وقد‬
‫ن كل مجرد غير ممكن‪ ،‬لكان ممكنا‪ ،‬وليس واج َ‬ ‫شابه غيره من المجردات‪ ،‬مع أ ّ‬
‫ن أبي الحديد إلى الستدلل بهذا الدليل‪.7‬‬
‫سبق الرازي اب َ‬
‫الدليل الثالث‪ :‬وهذا الدليل استد ّل به بعض المتكلمين على نفي كون ال جسما‪ ،‬وهو ما يراه ابن أبي‬
‫الحديد أيضا‪ ،‬يقول‪ :‬لو جاز أن يكون البارىء جسما‪ ،‬لجاز أن يكون القمر هو إله للعالم‪ ،‬لكن ل يجوز أن‬
‫يكون القمسر إله العالم‪ ،‬فل يجوز أن يكون البارئ جسسما‪ .‬بيان الملزمسة‪ ،‬أنسه لو جاز أن يكون البارئ‬
‫سبحانه ج سما‪ ،‬لَمَا كان ب ين الله ية و ب ين الج سمية منافاة عقل ية‪ ،‬وإذا لم ي كن بينه ما منافاة عقل ية أم كن‬
‫ل‬
‫اجتماعهما‪ ،‬وإذا أمكن اجتماعهما جاز أن يكون القمر هو إله العالم؛ لنه ل مانع من كونه إله العالم إ ّ‬
‫كو نه ج سما‪ ،‬يجوز عل يه الحر كة والفول‪ ،‬ونق صان ضوئه تارة وامتلؤه تارة أخرى‪ ،‬فإذا لم ي كن ذلك‬
‫منافاة لللهية جاز أن يكون القمر إله العالم‪ ،‬وبيان الثاني إجماع المسلمين على كفر مَن أجاز كون القمر‬
‫إله العالم‪ ،‬وإذا ثبتت الملزمة وثبتت المقدمة الثانية فقد تمت الدللة‪.8‬‬
‫ن أدلة ن في المكان عن ال‪ ،‬ت صلح س بطر يق‬ ‫الدل يل الرا بع‪ :‬منطلق هذا الدل يل من فكرة مؤدا ها أ ّ‬
‫أَولى س للستدلل ب ها على ن في الج سمية‪ ،‬لذلك ي صرح ا بن أ بي الحد يد بأ نه م ستحيل أن يكون الش يء‬
‫ن الجسم الواحد ل يكون في‬‫الواحد في المكانَين مقيما وسائرا‪ ،‬وإنما تصح هذه القضية في الجسام؛ ل ّ‬

‫الفارابي‪ :‬المدينة الفاضلة ص ‪ ،31‬ابن سينا‪ :‬الرسالة العرشية ص ‪ ، 6‬الشارات ‪.61 / 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫القاضسي عبسد الجبار‪ :‬شرح الصسول الخمسسة ص ‪ 221‬سس ‪ ،223‬الشريسف المرتضسى‪ :‬جمسل العلم ص ‪ ،31‬الشيسخ‬ ‫‪2‬‬

‫الطوسي‪ :‬القتصاد ص ‪ 70‬س ‪.71‬‬


‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.73 / 13‬‬ ‫‪3‬‬

‫ن‪،‬م ‪.415 / 6‬‬ ‫‪4‬‬

‫ن‪،‬م ‪.73 / 13‬‬ ‫‪5‬‬

‫ن‪،‬م ‪ ،254 / 9‬وكذلك ‪.74 / 1 ،414 / 6‬‬ ‫‪6‬‬

‫الزركان‪ :‬فخر الدين الرازي ص ‪.249‬‬ ‫‪7‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.415 / 6‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪98‬‬
‫ن‬
‫جهتين في وقت واحد‪ ،‬فأمّا ما ليس بجسم‪ ،‬وهو البارىء سبحانه‪ ،‬فإنه في كل مكان‪ ،‬ل على معنى أ ّ‬
‫ذاته ليست مكانية‪ ،‬وإنما المراد عِلمه وإحاطته ونفوذ حكمه وقضائه وقدره‪.1‬‬
‫الدليل الخامس‪ :‬وهو دليل ذو مصطلحات فلسفية‪ ،‬يشير باختصار إلى دليل الفلسفة المتقدم‪ ،‬الذي‬
‫قال به كل من الفارا بي وا بن سينا والغزالي‪ ،‬إذ قال ف يه ا بن أ بي الحد يد‪ :‬الج سم مركّب‪ ،‬و كل مركّب‬
‫ممكن‪ ،‬وواجب الوجود ليس بممكن‪. 2‬‬
‫ن الجسام متماثلة في‬ ‫ويبدو من مجمل الدلة التي استدل بها ابن أبي الحديد‪ ،‬أنه أراد الشارة إلى أ ّ‬
‫ح على كل منها‬ ‫ن نوع الجسمية واحد‪ ،‬أي ل يخالف جس ٌم جسما بذاته‪ ،‬وإذا كانت متماثلة ص ّ‬ ‫الجسمية‪ ،‬وأ ّ‬
‫ح على الخر‪ ،‬فلو كان ل شبي ٌه منها س أي لو كان جسما مثلها س لوجب أن يكون محدَثا كمثلها‪ ،‬أو‬ ‫ما ص ّ‬
‫تكون س الجسام س قديمة مثله‪ ،‬وكل المرين محال‪.‬‬
‫ن هناك ن صا مهما‪ ،‬يذكره ا بن أ بي الحد يد‪ ،‬في معرض شر حه كلم المام عل يع‪ :‬الح مد ل‬ ‫على أ ّ‬
‫ي الب صار عن أن تناله أو تدر كه‪ ،‬يقول ف يه‪ :‬تقديره الرادع أنا سي الب صار أن تنال‬ ‫‪ .....‬الرادع أنا س ّ‬
‫ل قول بالتج سيم؟‬ ‫ت أتثبتون له تعالى أنوارا يم كن أن تدرك ها الب صار‪ ،‬و هل هذا إ ّ‬ ‫أنوار جلل ته‪ ،‬فإن قل َ‬
‫ن له عرشا وكرسيا وليس بجسم‪ ،‬فكذلك أنوار عظيمة فوق العرش‪،‬‬ ‫ل ل تجسيم في ذلك‪ ،‬فكما أ ّ‬ ‫قل تُ‪ :‬ك ّ‬
‫ت‬
‫ش َرَق ِ‬
‫وليس بجسم‪ ،‬فكيف تنكر النوار وقد نطق الكتاب العزيز بها في غير موضع‪ ،‬كقوله تعالى‪َ :‬وَأ ْ‬
‫ح النور‪. 335 :‬‬ ‫صبَا ٌ‬
‫شكَا ٍة فِيهَا ِم ْ‬
‫ض ِبنُو ِر َرّبهَا الزمر‪ ،69 :‬وكقوله تعالى‪َ :‬مَث ُل نُو ِرِه َك ِم ْ‬
‫اْلَأ ْر ُ‬
‫وعندما يتعرّض ابن أبي الحديد لشرح كلم المام عليع‪ :‬بعيدا منها س الشياء س غير مبايِن‪ ،‬يذهب‬
‫ن ال ل يس بج سم‪ ،‬فل يطلَق عل يه البينو نة‪ ،‬وبُعده من ها هو عبارة عن انتفاء اجتما عه مع ها‪،‬‬
‫إلى القول بأ ّ‬
‫وذلك كما يصدق على البعيد بالوضع‪ ،‬يصدق أفضل الصدق على البعيد بالذات‪ ،‬الذي ل يصح الوضع‬
‫ل عليه‪.4‬‬ ‫والين أص ً‬
‫ن ابن أبي الحديد قد ن فى س فيما تقدم س الجسمية بشكل عام‪ ،‬كما نفى س تبعا لها س الجوارح‬ ‫إّ‬
‫والعضاء عن ال‪ ،‬بقوله‪:‬فالذي يذهب إليه المعتزلة وسائر المحققين من المتكلمين نفي ذلك عنه‪ ....‬في‬
‫ح ين أطلقَت الكرام ية عل يه سبحانه ل فظ اليد ين والو جه‪ ،‬وقالوا‪ :‬ل نتجاوز الطلق‪ ،‬ول نف سّر ذلك‪ ،‬ول‬
‫نتأوله‪ ،‬وإنما نقتصر على إطلق ما ورد به النص‪ .‬وأثبت الشعري‪ 5‬اليدين صف ًة قائمة بالبارئ سبحانه‪،‬‬
‫إنس ل تعالى يدَيسن‪ ،‬همسا عضوان له‪ ،‬وكذلك الوجسه‬
‫وكذلك الوجسه مسن غيسر تجسسيم‪ ،‬وقالت المجسسمة‪ّ :‬‬
‫والعين‪ ،‬وأثبتوا له رِجلين قد فضلتا عن عرشه‪ ،‬وساقَين يكشف عنهما يوم القيامة‪ ،‬وَقدَما يضعها في جهنم‬

‫ن‪،‬م ‪.166 / 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن‪،‬م ‪.74 / 1‬‬ ‫‪2‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.401 / 6‬‬ ‫‪3‬‬

‫ن‪،‬م ‪.65 / 10‬‬ ‫‪4‬‬

‫ما ذكره ابن أبي الحديد عن الشعري موجود في كتاب الخير البانة ص ‪ 4‬وما بعدها‪ ،‬وهو ل يمثل الرأي الحقيقي‬ ‫‪5‬‬

‫ن اليدين صفتان ل‬‫للشعري والشعرية من أتباعه‪ ،‬وهذا ما يمكن أن نستخلصه من قول البغدادي‪ :‬وزعم أصحابنا أ ّ‬
‫سبحانه وتعالى‪ ......‬و قد تأوّله ما ب عض أ صحابنا على مع نى القدرة‪ .‬ان ظر‪ :‬البغدادي‪ :‬أ صول الد ين ص ‪ ،111‬وكذلك‬
‫ن قول الشعري س بعد البانة س وكثير من الشعرية هو القول بيدين ليستا كاليدي‪،‬‬ ‫الجويني‪ :‬الرشاد ص ‪ ،155‬وأ ّ‬
‫أي بل كيف‪ .‬انظر الباقلني‪ :‬النصاف ص ‪ 41‬س ‪ ، 42‬وقارن صبحي‪ :‬في علم الكلم س الشعرية س ص ‪.225‬‬

‫‪99‬‬
‫ى ل لفظا‪ ،‬وحقيقة ل مجازا‪ ،‬فأمّا أحمد بن حنبل س ت ‪241‬هس س فلم يثبت‬ ‫فتمتلئ‪ ،‬وأثبتوا له ذلك معن ً‬
‫ل س على حد ت عبير ا بن أ بي الحد يد س وإن ما كان يقول بترك التأو يل ف قط‪،‬‬ ‫ع نه ت شبيه ول تج سيم أ ص ً‬
‫ا ستنادا لقوله تعالى‪ :‬وَمَا َي ْعَل ُم َتْأوِيَل ُه ِإلّا الّل ُه آل عمران‪ ،7 :‬وأك ثر المحقق ين من أ صحابه على هذا‬
‫القول‪.1‬‬
‫ن الذين نفوا العضاء والجوارح عن ال تعالى‪ ،‬إنما كانوا يؤولون ما‬ ‫وواقع الحال في هذه المسألة‪ ،‬أ ّ‬
‫ت‬
‫ط ُ‬‫علَى مَا َف ّر ْ‬
‫ي صّ‪ ،75 :‬وقوله سبحانه‪َ :‬‬ ‫ت ِبَي َد ّ‬
‫خَلْق ُ‬
‫ورد في القرآن الكريم‪ ،‬نحو قوله تعالى‪ِ :‬لمَا َ‬
‫ب الّل ِه الزمر‪ ،56 :‬وبنا ًء على هذا التفسير يمكن أن نتبين موقف ابن أبي الحديد ومنهجه في‬ ‫جْن ِ‬
‫فِي َ‬
‫التأو يل‪ ،‬من خلل رف ضه ما عل يه الحشو ية المانعون من تأو يل اليات الواردة في ال صفات‪ ،‬القائل ين‬
‫بالجمود على الظواهر‪ ،‬وما عليه النافون للنظر والمحرّمون له أصلً‪ ،‬كما يمكن أن نتبين موقفه من ذلك‬
‫ن فِي اْل ِعْل ِم آل عمران‪ ،7 :‬فهو يقول‪:‬‬
‫سخُو َ‬
‫من خلل تفسيره قوله تعالى‪َ :‬ومَا َي ْعَل ُم َتْأوِيَل ُه ِإلّا الّل ُه وَالرّا ِ‬
‫ل ال‪ ،‬ومنهم مَن لم يقف على ذلك‪ ،‬وهذا القول أقوى من الول؛لنه إذا‬ ‫ن من الناس مَن وقف على قولهإ ّ‬ ‫إّ‬
‫ل ال‪ ،‬لم يكن في إنزاله ومخاطبة المكلفين به فائدة‪ ،‬بل يكون كخطاب العربي‬ ‫كان ل يَعلَم تأويل المتشابه إ ّ‬
‫ن ذلك عيب قبيح‪.2‬‬ ‫بالزنجية‪ ،‬ومعلوم أ ّ‬
‫ولكي يؤكد ضروة الخذ بمنهج التأويل‪ ،‬يستدل ابن أبي الحديد بما روي عن ابن عباس س ت ‪69‬‬
‫ل ال‪ ،‬فقال ابسن‬
‫هسس سس أنسه تأوّل آيسة مسن الكتاب الكريسم‪ ،‬فقال قائل مسن الصسحابة ومسا يعلم تأويله إ ّ‬
‫عباسوالراسخون في العِلم‪ ،‬وأنا من جملة الراسخين‪.‬‬
‫وهكذا ينتهي ابن أبي الحديد إلى نتيجة مفادها‪ ،‬أنه ل إنكار على مَن طلَب في مدارك العقول وجوها‬
‫تعضّد ما جاء به القرآن والسنة‪ ،‬وتوفق س الوجوه س بين بعض اليات وبعض‪ ،‬وتحمل أحد اللفظين‬
‫على الخر إذا تناقضا في الظاهر؛ صيانة لكلم الحكيم سبحانه عن التهافت والتعارض‪. 3‬‬
‫ومنهج التأويل هذا عند صاحبنا‪ ،‬نرى له مصاديقا في ثنايا كلمه عن نفي الجوارح والعضاء عن‬
‫البارئ سبحانه‪ ،‬فيقول‪ :‬لو كان كذلك لكان ج سما‪ ،‬و كل ج سم مم كن‪ ،‬ووا جب الوجود ل يس بممكن‪ .4‬من‬
‫هنا يأتي نفي ابن أبي الحديد الجسمية عن ال بشكل عام‪ ،‬والجوارح والعضاء بشكل خاص‪ ،‬لينتهي فيما‬
‫ل على‬‫ن جللته وعظمته وصفة كماله ل تقف عند غاية‪ ،5‬مستد ً‬‫بعد إلى أنه سبحانه غير متناه بالذات‪ ،‬وأ ّ‬
‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ 228 / 3‬س ‪ .229‬وبالرغم مما عُرف عن المام أحمد بن حنبل من أنه ل مكان‬ ‫‪1‬‬

‫ن المام الغزالي ن قل ع نه الخذ‬ ‫لأ ّ‬


‫لعمال الع قل أو تخر يج الف كر ما دا مت المور واض حة المح جة ظاهرة الن هج‪ ،‬إ ّ‬
‫ت الثقاة من أئ مة الحنابلة ببغداد‬
‫بالتأو يل في ثل ثة موا ضع‪ ،‬وأن كر عل يه ذلك ب عض المتأخر ين‪ ،‬قال الغزالي‪ :‬سمع ُ‬
‫ن أحمد بن حنبل رحمه ال صرّح بتأويل ثلث أحاديث فقط‪ ،‬أحدها قوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪:‬الحجر‬ ‫يقولون‪ :‬أ ّ‬
‫السوَد يمين ال‪ ،‬والثاني قوله صلى ال عليه وآله وسلم‪ :‬قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن‪ ،‬والثالث قوله‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم‪ :‬إني لجد نفس الرحمن من قبل اليمين ‪ .‬انتهى‪ .‬انظر الغزالي‪ :‬فيصل التفرقة بين السلم‬
‫والزندقة‪ ،‬مطبعة الترقي‪ ،‬م صر‪1319 ،‬ه س ‪ ،‬ص ‪ ،43‬وللمؤلف ب حث ا ستعرض فيه آراء مفكري السلم في جواز‬
‫التسأويل أو عدمه‪ ،‬انظر د‪ .‬رؤوف الشمري‪ :‬التأويل‪ :‬النقل‪ ،‬العقل‪ ،‬إشكالية التوفيق‪ ،‬مجلة فضاءات‪ ،‬العدد ‪ ، 9‬سبتمبر‬
‫‪ ، 2003‬ليبيا ‪،‬ص ‪ 41‬س ‪.42‬‬
‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ .404 / 6‬ويقصد بهذا النص المام أحمد بن حنبل‪ ،‬بحسب ما ورد قبيل النص‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ن‪،‬م ‪.404 / 6‬‬ ‫‪3‬‬

‫ن‪،‬م ‪.82 / 13‬‬ ‫‪4‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬الفلك الدائر ص ‪.33‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪100‬‬
‫ن البارئ لَمّا كان ليس بجسم ول جسماني‪ ،‬وكانت النهاية من‬ ‫ذلك بما استدل به أصحابه المعتزلة من أ ّ‬
‫لواحسق الشياء ذوات المقاديسر‪ ،‬يقال‪ :‬هذا الجسسم متناه‪ ،‬أي ذو طرف‪ ،‬قلنسا‪ :‬أنّس ذات البارئ تعالى غيسر‬
‫ن الموضوع‬ ‫ن امتداد ذاته غير متناه‪ ،‬فإنه سبحانه ليس بذي امتداد‪ ،‬بل بمعنى أ ّ‬‫متناهية‪ ،‬ل على معنى أ ّ‬
‫ن ذاته غير متناهية‪ ،‬كما يقول المهندس‪:‬‬‫الذي يصدق عليه النهاية ليس بمتحقق في حقه سبحانه‪ ،‬فقلنا‪ :‬إ ّ‬
‫ن لها امتداد غير متناه‪ ،‬فإنها ليست بممتدة أصلً‪ ،‬بل على معنى‬ ‫ن النقطة غير متناهية‪ ،‬ل على معنى أ ّ‬
‫إّ‬
‫ن ال مر الذي ت صدق عل يه النها ية س و هو المتداد س ل ي صدق علي ها‪ ،‬فإذن صدق علي ها أن ها غ ير‬ ‫أ ّ‬
‫متناهية‪ ،‬وهذا قول الفلسفة وأكثر المحققين‪.1‬‬
‫ن حقيقة ذات ال حقيقة الوجود الصرف‪ ،‬الذي شدة قوته‬ ‫ن ابن أبي الحديد أراد الشارة إلى أ ّ‬
‫ويبدو أ ّ‬
‫ت من عدم تناهي‬‫ن عدم تناهيه متأ ٍ‬
‫ل تنتهي إلى حد ونهاية‪ ،‬بل هو فوق ما ل يتناهى بما ل يتناهى‪ ،‬إذ أ ّ‬
‫مقدوراته‪.‬‬
‫ن البارئ تعالى ذات‬ ‫ن ابن أبي الحديد ذكر رأي الكرامية الذين ذهبوا إلى أ ّ‬ ‫ول يفوتنا التنويه إلى أ ّ‬
‫ل أنه لم يرد عليهم استنادا‬‫واحدة منفردة من العالم‪ ،‬قائمة بنفسها‪ ،‬مباينة للموجودات‪ ،‬متناهية في ذاتها‪ ،2‬إ ّ‬
‫إلى ماتبناه في الستدلل على هذه المسألة وتوضيحها المتقدم‪ ،‬أمّا نفيه للعراض الجسمانية س كالشهوة‬
‫والنفرة سس فقسد سسلك فيسه مسسلك أصسحابه المعتزلة وغيرهسم مسن الموحدين‪ ،3‬إذ قال‪ :‬وذهسب شيوخنسا‬
‫المتكلمون إلى أنه سبحانه ل يصح عليه الشهوة والنفرة؛ لنهما يصحاّن على ما يقبل الزيادة والنقصان‬
‫ت لحد من الناس خلفا في ذلك‪،4‬‬ ‫بطريق الغتذاء والنمو‪ ،‬والبارئ سبحانه يتعالى عن ذلك‪ ،‬وما عرف ُ‬
‫على حد تعبيره‪ ،‬ومن جهة أخرى نراه ينفي عن ال سبحانه التعب؛ لنه تعالى قادر لذاته‪ ،‬والقادر لذاته‬
‫ل يتعب ول يعجز؛ لنه ليس بجسم‪ ،‬ول قادر بقدرة يقف مقدورها عند حد ونهاية‪ ،‬بل إنما يقدر على‬
‫ل ت حت هذه‬ ‫ش يء؛ لنه تعالى ذات مخ صوصة ي جب ل ها أن تقدر على الممكنات‪ ،‬فيكون كل مم كن داخ ً‬
‫القضية الكلية‪ ،‬والذات التي تكون هكذا ل تعجز ول تقف مقدوراتها عند حد وغاية أصلً‪ ،‬ويستحيل عليها‬
‫التعب؛ لنها ليست ذات أعضاء أو أجزاء‪. 5‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬تنزيه ال عن الحلول والتحاد‬
‫الحلول صورة من صور التحاد‪ ،‬وإن كان التحاد يعني اندماج الطبيعة النسانية في الطبيعة اللهية‬
‫حتى تصير حقيقة واحدة‪ .‬وإذا كانت الذات النسانية هي التي تصعد إلى الذات اللهية وتندمج فيها‪ ،‬ففي‬
‫حالة الحلول يحدث العكس‪ ،‬تنزل الذات اللهية لتح ّل في المخلوق‪ ،‬ويصبحا حقيقة واحدة‪.6‬‬
‫وقد ظهرت هذه المسألة في بدايتها عند الرواقيين‪ ،7‬كما ظهرت عند النصارى‪ ،‬الذين يشير ابن أبي‬
‫الحديد إلى آراء بعض ِفرَقهم في هذه المسألة‪ ،‬فيقول‪ :‬وذهبت النسطورية من النصارى إلى حلول الكلمة‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ 235 / 3‬س ‪ ،236‬وانظر القاضي عبد الجبار‪ :‬فضل العتزال ص ‪.347‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن‪،‬م ‪.236 / 3‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر البغدادي‪ :‬أصول الدين ص ‪.79‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.235 / 3‬‬ ‫‪4‬‬

‫ن‪،‬م ‪.164 / 5‬‬ ‫‪5‬‬

‫الطويل‪ ،‬توفيق‪ :‬في تراثنا السلمي‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،1985 ،‬العدد ‪ ،78‬ص ‪.86‬‬ ‫‪6‬‬

‫عثمان أمين‪ :‬الفلسفة الرواقية‪ ،‬ط ‪ ،2‬مكتبة النهضة المصرية‪ ،1959 ،‬ص ‪.153‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪101‬‬
‫في بدن عي سىع كحلول ال سواد في الج سم‪ ،‬أمّا اليعقوب ية من الن صارى فل تث بت الحلول‪ ،‬وإن ما تث بت‬
‫التحاد بين الجوهر اللهي والجوهر الجسماني‪ ،‬وهو أشد بُعدا من الحلول‪.1‬‬
‫ن هذه الم سألة ظهرت على يد الغلة‪ 2‬في أم ير‬ ‫أمّا في الف كر ال سلمي فيرى ا بن أ بي الحد يد أ ّ‬
‫المؤمن ين عل يع عند ما قالوا‪ :‬أ نه تعالى قد ح ّل في بدن أم ير المؤمني نع‪ ،‬واتّبع هم على هذه المقالة قوم من‬
‫الصوفية كالحلّجية‪ 3‬والبسطامية‪.4‬‬
‫ن أكثرهم مع جمهور المسلمين‬ ‫تجدر الشارة هنا إلى أنه لم يكن كل الصوفية حلولية واتحادية‪ ،‬بل أ ّ‬
‫ت ِفرَق‪ ،‬كانت الخامسة منها‬
‫ن ال منزّه من هذين النقصين‪ ،‬وقد ق سّم الفخر الرازي الصوفي َة إلى س ّ‬
‫في أ ّ‬
‫فقط هي التي تقول بالحلول والتحاد‪ ،5‬على حد تعبيره‪.‬‬
‫مسن جهسة أخرى يؤكسد ابسن أبسي الحديسد أنّس الذي يذهسب إليسه أصسحابه المعتزلة وأكثسر المسسلمين‬
‫والفلسفة‪ ،‬نفي ذلك القول باستحالته عليه سبحانه‪.6‬‬
‫وإذا كان مع نى الحلول ع ند ا بن أ بي الحد يد هو ح صول العرَض في حيّز الم حل‪ ،‬تبعا لح صول‬
‫ل‪،7‬‬
‫ل أَولى من أن يُجع َل حا ً‬
‫المحل فيه‪ ،‬فما ليس بمتحيز ل يتحقق فيه معنى الحلول‪ ،‬وليس بأن يُجع َل مح ً‬
‫فإنه يستدل على نفي حلوله سبحانه في جسد النسان‪ ،‬بوجوب وجوده تعالى‪ ،‬وكون كل حال في الجسام‬
‫ممكنا‪ ،‬بل حادثا‪.8‬‬
‫ح أن‬‫ل آخر على استحالة حلوله سبحانه في الجسام‪ ،‬مفاده أنّه لو ص ّ‬ ‫وفي موضع آخر يقدّم لنا دلي ً‬
‫ن السواد كونه غير حال في الجسم؛ لنه لو يُعقَل غير حال في‬ ‫يحل فيها لم يُعقَل منفردا بنفسه أبدا‪ ،‬كما أ ّ‬
‫ل أبدا‪ ،‬ول أن يل قي الجسسم‪ ،‬إذ ذلك ي ستلزم قِدم‬
‫الجسسم لم ي كن سوادا‪ ،‬ول يجوز أن يكون ال تعالى حا ً‬
‫الج سام‪ ،‬و قد ث بت أن ها حادثة‪ .9‬وهذا الدل يل أشار إل يه جملة من متكل مي السلم كالقا ضي ع بد الجبار‪،‬‬
‫والشريف المرتضى‪ ،‬والشيخ الطوسي‪ ،‬والفخر الرازي‪ ،‬وابن المطهر الحِلي‪.10‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ ،232 / 3‬وانظر القاضي عبد الجبار‪ :‬شرح الصول الخمسة ص ‪.292‬‬ ‫‪1‬‬

‫منهم النصيرية والسحاقية‪ .‬انظر الرازي‪ :‬اعتقادات فرق المسلمين والمشركين‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي سامي النشار‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،1938‬ص ‪.73‬‬
‫ن سبة إلى الح سين بن من صور الحلج‪ ،‬الذي قال‪ :‬أ نا ال حق‪ .‬ان ظر تف صيلت الموضوع ع ند‪ :‬نيكل سون‪ ،‬رينولد‪ :‬في‬ ‫‪3‬‬

‫التصوف السلمي وتاريخه‪ ،‬ترجمة أبو العل عفيفي‪ ،‬لجنة التأليف والترجمة والنشر‪ ،1946 ،‬ص ‪.131‬‬
‫نسبة إلى أبي يزيد البسطامي‪ ،‬الذي قال‪ :‬سبحاني ما أعظم شأني‪ ،‬انظر نيكلسون‪ :‬في التصوف السلمي ص ‪،75‬‬ ‫‪4‬‬

‫وكذلك العرو سي‪ ،‬م صطفى‪ :‬نتائج الفكار القد سية في بيان معا ني شرح الر سالة القشير ية‪ ،‬مطبوع ض من الر سالة‬
‫القشيرية مع شرحها لزكريا النصاري‪ ،‬جامع الدرويشة‪ ، 109 / 1 ،‬وانظر أيضا‪ :‬ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة‬
‫‪.232 / 3‬‬
‫الزركان‪ :‬فخر الدين الرازي ص ‪.276‬‬ ‫‪5‬‬

‫ا بن أ بي الحد يد‪ :‬شرح ن هج البل غة ‪ ،164 / 5 ،231 / 3‬وان ظر رأي المعتزلة وبق ية متكل مي ال سلم على التوالي‪:‬‬ ‫‪6‬‬

‫القاضي عبد الجبار‪ :‬شرح الصول الخمسة ص ‪ 291‬س ‪ ،298‬الشيخ الطوسي‪ :‬القتصاد ص ‪ ،73‬الرازي‪ :‬الخمسين‬
‫‪ ،358‬ابن المطهر الحلي‪ :‬الرسالة السعدية ص ‪.48‬‬
‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪ 82 / 13‬س ‪ ،83‬التعليقات ورقة ‪ 391‬أ‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪.231 / 3‬‬ ‫‪8‬‬

‫ن‪،‬م ‪.164 / 5‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪102‬‬
‫ل شخصيا لِما ذهب إليه الغلة من‬ ‫ن ابن أبي الحديد يقدّم تعلي ً‬‫ومن المهم جدا س هنا س الشارة إلى أ ّ‬
‫القول بحلول جزء إل هي في بدن المام عل يع‪ ،‬مؤدّاه‪ :‬أ نه نتي جة ما يشا هد الناس من معجزاته‪ 1‬وأحواله‬
‫ل بعد حال‪،‬‬‫المنافية لقِوى البشر من جهة‪ ،2‬وما اعتقده هؤلء من أنه عليه السلم كان يُخبر بالمغيبات حا ً‬
‫ن ابن أبي‬
‫لأ ّ‬‫ل من ال أو ممن حلّت ذات الله في جسده‪ 3‬من جهة أخرى‪ .‬إ ّ‬ ‫ن ذلك ل يمكن أن يكون إ ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫ل بإقدار ال تعالى إياّه عليسه‪ ،‬ولكسن ل يلزم مسن‬ ‫بأنس المامسع ل يقدر على ذلك إ ّ‬
‫الحديسد ير ّد على هؤلء ّ‬
‫إقداره إياّه عليه أن يكون هو الله‪ ،‬أو تكون ذات الله حالّة فيه‪. 4‬‬
‫وكان على ابن أبن أبي الحديد أن يستشهد بكلم المامع نفسه‪ ،‬الوارد في نهج البلغة‪ ،‬الذي شرَحه‬
‫ت يا أمير المؤمنين عِل َم الغَيب‪،‬‬ ‫ابن أبي الحديد‪ ،‬إذ قال في جوابه لحد أصحابه حين قال له‪ :‬لقد أُعطِي َ‬
‫فضحك عليه السلم‪ ،‬وقال للرجل‪ ،‬وكان كلبيا‪ ،‬ليس هو بعِلم غيب‪ ،‬وإنما هو تعّل ٌم من ذي عِلم‪ ،‬وإنما علم‬
‫ث َوَي ْعَل ُم مَا فِي‬
‫ع ِة َوُيَن ّز ُل اْل َغْي َ‬
‫عْل ُم ال سّا َ‬
‫عْن َد ُه ِ‬
‫الغ يب عِلم ال ساعة‪ ،‬و ما عدّده ال سبحانه بقوله‪ :‬إِنّ الّل َه ِ‬
‫ت لقمان‪ :‬من الية ‪ ... 34‬فهذا‬ ‫ض َتمُو ُ‬ ‫س ِبَأيّ َأ ْر ٍ‬ ‫ب غَدا َومَا َت ْدرِي َن ْف ٌ‬
‫س ُ‬
‫س مَاذَا َت ْك ِ‬
‫اْلَأ ْرحَا ِم َومَا َت ْدرِي َن ْف ٌ‬
‫عّلمَه ال نبيّه صلى ال عليه وآله وسلّم فعلمنيه‪،‬‬ ‫ل ال‪ ،‬وما سوى ذلك فعِل ٌم َ‬ ‫عِلم الغيب الذي ل يعلمه أحد إ ّ‬
‫ودعا لي بأن َي ِعًي ُه صدري وتضطم عليه جوانحي‪. 5‬‬
‫ك‬
‫ن الشيعة المامية والزيدية ينكرون الحلول؛ لِقول المام عليع نفسه‪ :‬هّل َ‬ ‫وبالضافة إلى ما تقدّم فإ ّ‬
‫ض قا ٍل‪. 6‬‬
‫ب غالٍ‪ ،‬ومُب ِغ ٌ‬
‫ح ّ‬‫ي رجلن‪ُ :‬م ِ‬
‫ِف ّ‬
‫ب العارف عند الصوفية‪ ،‬بعد أن يُعرض عن مل ّذ الدنيا‬
‫أمّا التحاد عند ابن أبي الحديد‪ ،‬فهو أن يُسَل َ‬
‫وطيبات ها‪ ،‬فل يكون له شعور ب ها أ صلً‪ ،‬وإن ما يكون شاعرا بالقيوم الول سبحانه ل غ ير‪ ،‬وهذه در جة‬
‫التحاد‪ ،‬بأن تصير الذاتان ‪ -‬اللهية والنسانية ‪ -‬واحدة‪ .....‬وهو مقام صعب ل تثبت العقول لِتص ّورِه‬
‫واكتناهه‪.‬‬
‫ن ما أشار إليه ابن أبي الحديد سابقا من انفراد اليعقوبية من النصارى بالقول بالتحاد‪ ،‬يُفصّله‬
‫على أ ّ‬
‫ن الكلمة اتحدت بعيسىع فصارت جوهرا من جوهرَين‪ ،‬أحدهما إلهي‬ ‫في مكان آخر بقوله‪:‬إنهم يرون أ ّ‬
‫ن قوما من قدماء الفلسفة ومنهم فرفريوس قد‬ ‫والخر جسماني‪ ،‬كما أنه أشار في ن فس الموضع إلى أ ّ‬
‫أجازوا التحاد في نفس المر ل في ذات البارئ س دون أن يفصّل في ذلك س وأجازه أيضا منهم مضن‬

‫‪ 10‬انظر القاضي عبد الجبار‪ :‬شرح الصول الخمسة ص ‪ ،297‬الشريف المرتضى‪ :‬الصول العتيادية ص ‪ ،80‬الشيخ‬
‫الطوسي‪ :‬القتصاد ص ‪ ،73‬الرازي‪ :‬الخمسين ص ‪ 256‬س ‪ ،25‬ابن المطهر الحلي‪ :‬كشف المراد ص ‪.318‬‬
‫‪ 1‬من الغريب أن يقول متكلم معتزلي س كابن أبي الحديد س بجواز ظهور المعاجز على يد غير النبياءع‪ ،‬ذلك أنهم‬
‫يجعلونها للنبياءع فقط‪ .‬انظر القاضي عبد الجبار‪ :‬المغني ج ‪ 20‬ق ‪ 1‬ص ‪ ،73‬الجويني‪ :‬الرشادص ‪.316‬‬
‫‪ 2‬ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪. 4 / 5‬‬
‫‪ 3‬ن‪،‬م ‪.7 / 5‬‬
‫‪ 4‬ن‪،‬م ‪.7 / 5‬‬
‫ن‪،‬م ‪. 215 /8‬‬ ‫‪5‬‬

‫ن‪،‬م ‪. 282 / 18‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪103‬‬
‫ن النفس إنما تعقل المعقولت لتحادها بالجوهر المفارق المفيض للنفوس على البدان‪ ،‬وهو‬ ‫ذهب إلى أ ّ‬
‫المسمى بالعقل الفعاّل‪.1‬‬
‫ن التحاد هو أن تُمحى من النسان كل صفة من صفات الجسم‪ ،‬ويزول عنه كل ما‬ ‫خلصة المر‪ :‬أ ّ‬
‫هو غير روحاني‪ ،‬متى ت ّم ذلك يتحد النسان بال‪ ،‬حسبما يرى البسطامي ‪261 -‬هس ‪ -‬أمّا الحلول فهو‬
‫ن ال تعلى قد ح ّل في النسان وفي غيره من أجزاء هذا العالم‪ ،‬ولكن هذا العالم المشاهَد عدم زائل وش ّر‬
‫أّ‬
‫محض‪ .‬فإذا تجرّد الن سان عن كل أثر من آثاره و صِفة من صفاته‪ ،‬يذهب المحل س وهو الج سم س‬
‫ويبقى الحالة س وهو ال تعالى س على ما يرى الحلج س ت ‪309‬هس س ‪.‬‬
‫ي‬
‫ن ال غن ّ‬
‫المبحث الخامس‪ :‬أ ّ‬
‫ن صفة الغنى في حق ال تعالى محل اتفاق بين المسلمين كافة‪ ،‬فال سبحانه س حسب تعبير‬
‫معلوم أ ّ‬
‫ل‪.2‬‬
‫ي عنه أص ً‬‫ي عن كل شيء‪ ،‬ول شيء من الشياء بغن ّ‬ ‫ابن أبي الحديد س غن ّ‬
‫ن ك ّل ش يء من الشياء يحتاج إل يه‪ ،‬وأنه سبحانه ل‬
‫والمراد بكون ال تعالى غنيّا ع ند صاحبنا‪ ،‬هو أ ّ‬
‫يحتاج إلى شيء من الشياء ألبتّه‪.‬‬
‫ن الفلسفة والمتكلمين لم يعرّفوا الغنى فحسب‪ ،‬بل أشاروا أيضا إلى الفرق بين غنى العبد‬ ‫والظاهر أ ّ‬
‫ي منّا مَن يستفيد من الغنى‬
‫ن الغن ّ‬
‫وغنى الرب‪ ،‬وهذا المر قد تنبّه ابن أبي الحديد إليه‪ ،‬حينما أشار إلى أ ّ‬
‫بسبب خارجي‪ ،‬وهو سبحانه غني بذاته من غير استفادة أمر يصير به غنيا‪ .3‬ولذلك نراه في شرحه كلم‬
‫ن لفظة حاجته وردت من‬ ‫المامع‪ :‬وأوصاكم بالتقوى‪ ،‬وجعَلها منتهى رضاه‪ ،‬وحاجته من خلقِه‪ ،‬يؤكد أ ّ‬
‫ي غير محتاج‪ ،4‬على حد تعبيره‪.‬‬ ‫ن ال تعالى غن ّ‬ ‫باب المجاز؛ ل ّ‬
‫ن غنى ال بنفس ذاته الواجبة‬‫ن كل ما أراد ابن أبي الحديد بيانه‪ ،‬في هذا الجانب‪ ،‬هو التنبيه إلى أ ّ‬ ‫إّ‬
‫ل‬
‫ل لزم كون ال تعالى ناق صا في ذا ته‪ ،‬م ستكم ً‬ ‫الوجود‪ ،‬ل كالغنياء مناّ‪ ،‬م ستفيدا للغ نى من الخارج‪ ،‬وإ ّ‬
‫بغيره‪ ،‬وهو محال‪ ،‬وأيضا فكل غني فقد صار موجودُا بوجوده‪ ،‬وحصل له الغنى من كرم ال‪ ،‬ومُعطي‬
‫الشياء ل يكون فاقدا له ألبته‪.‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬تنزيه ال عن اللذة واللم‬
‫مما يدلل على أهمية هذا الموضوع عند ابن أبي الحديد‪ ،‬أنه أفرد له رسالة خاصة‪ ،‬أسماها رسالة‬
‫ل أنني لم أتمكن من الوقوف عليها‪ ،‬بالرغم من وجودها في المكتبة الوطنية في أنقرة‪،‬‬ ‫في اللذة واللم‪ ،‬إ ّ‬
‫ن المعتزلة‬
‫م ما اضطر ني إلى العتماد على المتداول من مؤلفات ا بن أ بي الحد يد‪ ،‬ال تي صرح في ها بأ ّ‬
‫وأكثسر العقلء مسن أهسل الملة وغيرهسم ذهبَت إلى نفسي اللذة واللم عنسه تعالى‪ ،‬والقول باسستحالته عليسه‬
‫ن إدراك الكمال‬ ‫سبحانه‪ ،‬وذهبت الفلسفة‪ 5‬إلى جواز اللذة عليه‪ ،‬وقالوا‪ :‬إنه ملتذ بإدراك ذاته وكماله؛ ل ّ‬

‫ن‪،‬م ‪. 234 / 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن‪،‬م ‪. 195 / 7‬‬ ‫‪2‬‬

‫ن‪،‬م ‪ ،71 / 13‬وهذا ما نجده عند القاضي عبد الجبار‪ :‬شرح الصول الخمسة ص ‪. 313‬‬ ‫‪3‬‬

‫ن‪،‬م ‪. 119 / 10‬‬ ‫‪4‬‬

‫راجع اليجي‪ :‬المواقف ‪. 38 / 8‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪104‬‬
‫هو اللذة أو سبب اللذة‪ ،‬و هو تعالى أك مل الموجودات‪ ،‬وإدرا كه أك مل الدراكات‪ ،‬وإلى هذا القول ذ هب‬
‫محمد الغزالي س يقصد أبا حامد س من الشعرية‪.1‬‬
‫ن هذا الدل يل الذي ذكره ا بن أ بي الحد يد ل يس من مخت صات الغزالي‪ ،2‬ك ما قال ا بن أ بي‬
‫والوا قع أ ّ‬
‫الحديد آنفا‪ ،‬بل سبقه إليه كل من الفارابي وابن سينا‪ :‬فالول قال‪ :‬ك ّل إدراك فإمّا أن يكون لِملئم أو غير‬
‫ملئم‪ ...‬واللذة إدراك الملئم‪ ،‬والذى إدراك المنافر‪ .3‬أمّا الثانسي فقال‪ :‬الواجسب الوجود الذي فسي غايسة‬
‫الجمال والكمال والبهاء الذي يعقسل ذاتسه بتلك الغايسة فسي البهاء والجمال‪ ...‬أعظسم عاشسق ومعشوق ول ّذ‬
‫ل إدراك الملئم‪ ،‬والول أفضسل مدرِك بأف ضل إدراك لفضسل مدرَك‪ ،‬ف هو ل ّذ‬ ‫ومل تذ‪ :‬فإنّس اللذة ليسست إ ّ‬
‫وملتذ‪.4‬‬
‫ورأي ابن أبي الحديد س على وفق المتداول من مؤلفاته في هذه المسألة س يتضح من خلل إشكاله‬
‫ن َلذّته تعالى إن كانت قديمة‪ ،‬وهي‬
‫على ما أفاده الفخر الرازي في هذا المجال‪ ،‬فالرازي عندما يصرّح بأ ّ‬
‫ن الداعي إلى إيجاده قبل ذلك‬
‫داعية إلى فعل الملتذ به‪ ،‬وجب أن يكون موجدا للملتذ به قبل أن أوجده؛ ل ّ‬
‫موجود‪ ،‬ول ما نع‪ ،‬ل كن إيجاد الش يء ق بل إيجاده س المل تذ به س محال‪ ،‬وإن كا نت حاد ثة كا نت م حل‬
‫الحوادث‪.5‬‬
‫أنس هذا معارَض على أصسل الرازي بالقدرة‬ ‫وإشكال ابسن أبسي الحديسد على مسا ذكره الرازي هسو ّ‬
‫ن باعتبارهما يوجد الفعل‪ ،‬وقد كانتا موجودتين قبل حدوث الحوادث‪،‬وفي ذلك وجود‬ ‫والرادة القديمتين‪ ،‬فإ ّ‬
‫العالم قبل أن وجد‪ ،‬فإن قال س الرازي س أ نا أج عل السبب في وجود و جد بالقدرة والرادة‪ ،‬تعّلقَها في‬
‫الوقت المخصوص‪ ،‬قيل له‪ :‬ذلك الوقت إن يكن شيئا موجودا لم يكن له أثر في اشتراط حدوث الحوادث‬
‫محق قة‪ ،‬وإن كان شيئا له وجود فال سؤال عائد في الو قت بعي نه ِل َم اقت ضت القدرة والرادة إحدا ثه ح يث‬
‫حدث‪ ،‬وقد كانتا موجودَتين‪.6‬‬
‫ن العقل ل يدل على استحالة كونه تعالى موصوفا بها س اللذة واللم س بل‬ ‫وعندما يرى الرازي أ ّ‬
‫ن قياس قوله هذا يقتضي‬‫ن ابن أبي الحديد يعتقد أ ّ‬
‫الجماع يدل على أنه تعالى ل يلتذ ول يألم بشيء‪ ،7‬فإ ّ‬
‫أن يكون تعالى في العقل أن يشتهي وينفر ويحزن ويخجل‪ ،‬وأن يكون الجماع فقط منَع من كونه تعالى‬
‫ن أدلته غير قطعية عنده‪ ،‬فما ظنّك بمن هذا‬ ‫ل الظن؛ ل ّ‬ ‫موصوفا بذلك‪ ،‬والجماع عند الرازي ل يفيد إ ّ‬
‫اعتقاده‪8‬؟‪.‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪. 234 / 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫أنظر الغزالي‪ :‬مقاصد الفلسفة ص ‪ 247‬س ‪. 248‬‬ ‫‪2‬‬

‫الفارابي‪ :‬فصوص الحكمضمن الرسائلط ‪،1‬مصر‪1325 ،‬هس‪ ،‬ص ‪.14‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن سينا‪ :‬إلهيات الشفاء ‪ ،369 / 2‬وقارن‪ :‬النجاة ص ‪. 282‬‬ ‫‪4‬‬

‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪. 230‬‬ ‫‪5‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬التعليقات ورقة ‪ 393‬أ س ب ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫الرازي‪ :‬المحصل ص ‪. 230‬‬ ‫‪7‬‬

‫ابسن أبسي الحديسد‪ :‬التعليقات ورقسة ‪ 462‬أ‪ ،‬وبخصسوص الظسن عنسد الرازي‪ ،‬هذا مسا يجده الباحسث فسي كتسب الرازي‬ ‫‪8‬‬

‫الصولية كالمحصول وغيره‪ ،‬فلحظ ‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫ن المح قق الطوسي س نصير الدين س علّق على ما أفاده الرازي‬ ‫ومن المناسب الشارة هنا إلى أ ّ‬
‫ن الجماع حاصل‪ ،‬ونفي اللم عنه تعالى‬ ‫آنفا‪ ،‬تعليقا أوضح من تعليق ابن أبي الحديد‪ ،‬عندما أشار إلى أ ّ‬
‫ن اللم إدراك منافٍ‪ ،‬ول منافي له تعالى‪.1‬‬
‫ل يحتاج إلى بيان؛ ل ّ‬
‫المبحث السابع‪:‬تنزيه ال عن الكيفيات المحسوسة‬
‫الكيفيات‪ ،‬بح سب رأي ا بن أ بي الحد يد‪ ،‬هي اللوان والطعوم وغير ها‪ ،‬والشكال والمعا ني‪ ،‬و ما‬
‫ن ال سبحانه ل لون له ول ط عم ول رائحة‪ ،3‬لذلك‬ ‫يجري مجرى ذلك‪ .2‬والم سلمون كا فة متفقون على أ ّ‬
‫ن مَن جعلَه مكيّفا جعلَه ذا هيئة وشكل‪،‬‬
‫يستدل ابن أبي الحديد على تنزيه ال عن الكيفيات عموما بقوله‪ :‬إ ّ‬
‫ن كل جسم قابل للنقسام‪ ،‬والواحد حقا‬ ‫أو ذا لون وضَوء‪ ،‬ومتى كان كذلك كان جسما ولم يكن واحدا؛ ل ّ‬
‫ل يقبل النقسام‪.4‬‬
‫ن كل ما ل يخلو من الحوادث ف هو حادث‪،‬‬ ‫وهذا ال ستدلل قر يب من ا ستدلل الرازي القائل‪ :‬إ ّ‬
‫ل‬
‫والج سام قابلة للحوادث كالط عم والرائ حة‪ ،‬ف هي حاد ثة‪ ،‬ول كن البارئ غ ير حادث‪ ،‬فيمت نع أن يكون قاب ً‬
‫للحوادث‪.5‬‬
‫ن ال تعالى متلوّن‪،‬‬
‫ن ابن أبي الحديد قد أكّد على أنه لم يصرّح أحد من العقلء قاطبة بأ ّ‬ ‫ول يفوتنا أ ّ‬
‫وإن ما ذ هب قوم من أ هل الت شبيه والتج سيم إلى أنّه نور‪ ،‬فإذا أب صرَته العيون وأدر َك ته أب صرَت شخ صا‬
‫نورانيا مضيئا‪.6‬‬
‫ف‬
‫ن التكييف منا ٍ‬‫ن ابن أبي الحديد إنما ينطلق في تنزيه ال عن الكيفيات‪ ،‬باعتبار أ ّ‬
‫ممّا تقدّم يتبيّن أ ّ‬
‫ن الكيفيات بأق سامها الرب عة المح سوسة وال ستعدادية والنف سانية والمخت صة بالكميات‪ ،‬هي‬ ‫للتوحيد‪7‬؛ ل ّ‬
‫القسام الثابتة للكيف بالحصر العقلي أو الستقرائي‪ ،‬من أقسام العرَض‪ ،‬والعرَض هو الموجود الحال في‬
‫المحل على وجه الختصاص الثابت‪ ،‬أي يكون أحد الشيئين بالنسبة للخر‪ ،‬بحيث يكون مختصا به على‬
‫ن‬
‫و جه يو جب ذلك الخت صاص‪ ،‬كون الول نعتا والثا ني منعوتا‪ ،‬ك ما في ال سواد بالن سبة إلى الج سم‪ :‬فإ ّ‬
‫ي قسم من أقسامه‬ ‫اختصاصه به أوجب اتصافه به‪ ،‬فيقال‪ :‬جسم أسوَد‪ ،‬فلو كان ال موصوفا بالكيف س بأ ّ‬
‫س لزم اقترانه به‪ ،‬والمقارنة بين الموصوف والوصف مستلزم للتثنية المنافية للتوحيد‪.‬‬

‫نصير الدين الطوسي‪ :‬تلخيص المحصل ص ‪. 231‬‬ ‫‪1‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪. 151 / 9‬‬ ‫‪2‬‬

‫اليجي‪ :‬المواقف ‪. 38 / 8‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪. 69 / 13‬‬ ‫‪4‬‬

‫الرازي‪ :‬الخمسين ص ‪. 360‬‬ ‫‪5‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬شرح نهج البلغة ‪. 234 / 3‬‬ ‫‪6‬‬

‫يقول المام عليع‪ :‬ما وحّده مَن كيّفه‪ .‬أنظر‪ :‬شرح نهج البلغة ‪. 69 / 13‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪106‬‬
‫الخــاتمة‬

‫ُتعَد مسألة الوجود اللهي من أبعد المسائل غورا‪ ،‬وأصعبها تصوّرا وإدراكا‪ ،‬وأعضلها حلً؛ لرتفاع‬
‫كعب ها عن المسائل العامة التي تتناولها الفهام‪ ،‬والقضايا المتداول ِة التي تألفها النفوس‪ ،‬وتعرفها القلوب‪،‬‬
‫وما هذا شأنه تختلف العقول في إدراكه والتصديق به‪ ،‬نتيجة التنوع الفكري الذي ُفطِر عليه النسان من‬
‫اختلف أفراده من جهة البُنية‪ ،‬وما أدى إليه من اختلف أعضاء الدراك في أعمالها‪ ،‬ثم تأثير ذلك في‬
‫الفَهم والتعقّل‪ ،‬من حيث الحدة والبلدة‪ ،‬والستقامة والنحراف‪.‬‬
‫ت إلى النتائج التية‪:‬‬
‫وعلى أساس ما تقدّم‪ ،‬فقد توصل ُ‬
‫أولً‪ :‬الجانب المنهجي‬
‫ن مدرسة العتزال تمثّل في الفكر السلمي طبقة متميزة‪ ،‬وكان منها علماء في التفسير وأدباء وأئمة‬ ‫إّ‬
‫في النحو‪ ،‬وأعلم مشهورون في علم الكلم‪ ،‬تشير مؤلفاتهم إلى ثروة فكرية ضخمة ونشاط عقلي متميز‬
‫وحيوية علمية‪ ،‬يشهد لها القاصي والداني أوتيَتها مدرسة العتزال‪ ،‬ومن هؤلء العلماء ابن أبي الحديد‪.‬‬
‫كان ا بن أ بي الحد يد ‪ -‬نتي جة جم عه ب ين الل غة والكلم ‪ -‬يف سّر القرآن تف سيرا يت فق ومن هج أ صحابه‬
‫المعتزلة‪ ،‬أي تفسيرا يتضمن الوجوه المعنوية المحتملة لمعاني النص القرآني‪.‬‬
‫ات خذ ا بن أ بي الحد يد من الكلمات الواردة في خ طب المام علي ع العقائد ية عناو ين ليجعل ها أ ساسا‬
‫لمسائل كلمية متعددة‪.‬‬
‫تناول ابن أبي الحديد معظم المباحث الكلمية المشهورة‪ ،‬التي تناولها شيوخه السابقون‪ ،‬أمثال الجاحظ‬
‫والعلّف والنّظاّم والجبّائيّين ‪ -‬أبي علي وأبي هاشم ‪ -‬والقاضي عبد الجبار‪ ،‬في كتبهم الكلمية‪ ،‬بد ًء من‬
‫ل أن نا ن سجل له اهتماما ته الفل سفية المتميزة‪ ،‬ال تي أف صح عن ها من خلل‬
‫اللهيات وانتها ًء بالخرويات‪ ،‬إ ّ‬
‫تعليقاتنه على محصنل الفكار للفخنر الرازي‪ ،‬كمسا أنّس إشارتسه فسي شرح نهسج البل غة‪ ،‬وتعليقاتسه على‬
‫المحصل‪ ،‬إلى اشتغاله بعلم الكلم‪ ،‬على يد أساتذة مشهورين‪ ،‬أو تنويهه عند البحث في كل مسألة كلمية‪،‬‬
‫بقوله‪ :‬وهذا ما هو مذكور في كتبنا الكلمية‪ ،‬لَدليل آخر على شخصيته الكلمية المستقلة‪.‬‬
‫ل حرفيا من ابن أبي الحديد‪ ،‬إنما‬‫عند نقل ابن أبي الحديد بعض نصوص محصل الفكار‪ ،‬ل نجد نق ً‬
‫ن جد توافقا في الم صطلح أو المضمون‪ ،‬مع اختلف في ترت يب اللفاظ والج مل‪ ،‬وهذا يدل على قوة َف هم‬
‫ابن أبي الحديد‪ ،‬وهضمِه لفكار الفخر الرازي الواردة في محصل الفكار‪.‬‬
‫عدم ورود اسم ابن رشد في مؤلفات ابن أبي الحديد‪ ،‬المتداولة بين أيدينا‪ ،‬وربما يكون السبب في ذلك‬
‫ن الول في المغرب‪ ،‬وابن أبي الحديد في بغداد‪ ،‬أو أن يكون الفارق الزمني بين وفاة الول والثاني‪،‬‬ ‫هو أ ّ‬
‫الذي يتجاوز النصف قرن تقريبا هو السبب في عدم استطاعة ابن أبي الحديد على الطلع على كتب ابن‬
‫ل ذِكر الغزالي في أغلب المواضع الفلسفية والكلمية التي أوردها ابن أبي‬ ‫رشد‪ ،‬في حين أننا نجد مث ً‬
‫الحد يد في مؤلفاته‪ ،‬و ربما كان السبب هو الفارق الزمني الكبير الذي سمح لبن أبي الحديد بالطلع‬
‫ن الغزالي قد مكث وقتا ليس بالقصير في بغداد‪ ،‬موطن ابن أبي الحديد‪.‬‬ ‫على مؤلفاته من جهة‪ ،‬أو كون أ ّ‬

‫‪107‬‬
‫سار ا بن أ بي الحد يد على م سلك أ صحابه المعتزلة في مع ظم الدلة العقل ية والنقل ية ال تي يع ضد ب ها‬
‫ت أسلوبه التعبيري في عرض الدلة يقارب أسلوب القاضي عبد الجبار‪،‬‬ ‫آراءه‪ ،‬وبتعبير أدق فإني وجد ُ‬
‫وهذا ما نجده خصوصا في عرضه أدلة الصفات اللهية‪ :‬العقلية منها والنقلية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الجانب الفكري‬
‫ن الوجود ينقسم بالعتبار الول إلى قسمين‪ :‬واجب وممكن‪ ،‬وكل ممكن لبد أن‬
‫يؤكد ابن أبي الحديد أ ّ‬
‫ينتهي إلى الواجب‪ ،‬وذلك الواجب الوجود الضروري الذي لبد منه‪ ،‬هو ال تبارك وتعالى‪.‬‬
‫فيما يخص أدلة وجود ال‪ ،‬كان استدلله وفق مسلكي الفلسفة والمتكلمين‪ ،‬فمن المسلك الول‪ :‬استدل‬
‫بدل يل الوا جب الوجود لِذا ته‪ ،‬و من الثا ني‪ :‬ا ستدل بدليلَي الحدوث والعنا ية والختراع‪ ،‬مضافا ِل ما يراه ‪-‬‬
‫ن المام عليا ع قد انفرد بدليل الحركة‪ ،‬الذي أخذه المتكلمون منه‪ ،‬على حد تعبيره‪.‬‬ ‫بحسب استقرائه ‪ -‬أ ّ‬
‫الوجود عارض على الماهية ‪ -‬من وجهة نظر ابن أبي الحديد ‪ -‬وإمكانه ثابت له‪ ،‬فهو متأخر عن‬
‫ف له‪ ،‬وأمّا الوجود‬
‫ن الوجود يتأ خر عن المكان‪ ،‬أمّا تقدّم المكان على الوجود؛ لنّه و ص ٌ‬
‫الوجود‪ ،‬مع أ ّ‬
‫ن المكان لبد من أن يكون قبل الوجود‪ ،‬إنما يتحقق الوجود إذا كان ممكنا‪ ،‬فالمكان‬ ‫متأخر عن إمكانه؛ ل ّ‬
‫متأخر عن الوجود‪.‬‬
‫ن الماهية تقبل الوجود‪ ،‬وهو عارض عليها‪ ،‬والقابل متقدم على المقبول عقلً‪ ،‬ومعنى تقدّم‬
‫كما يرى أ ّ‬
‫ل لزم أن‬‫الماهية على الوجود أنها موجودة قبل الوجود‪ ،‬وهي إنما توجد بنفس دليل الوجود المتأخر‪ ،‬وإ ّ‬
‫يكون للماهية وجودان‪ :‬الول‪ ،‬حينما تكون الماهية قابلة‪ ،‬والثاني‪ ،‬حينما تتصف بالوجود العارض عليها‪.‬‬
‫ن ك ّل ما ل يُعلَم بالبديهة ول بالحس‪ ،‬فإنما يُعلَم بآثاره‬
‫فيما يخص دليل الحدوث‪ ،‬يرى ابن أبي الحديد أ ّ‬
‫ال صادرة ع نه‪ ،‬ولذا تراه يؤ كد ما عل يه سابقوه من المتكلم ين ‪ -‬الشعر ية من هم والمعتزلة ‪ -‬كالباقل ني‬
‫ن الطرق إلى دل يل الحدوث أر بع‪:‬‬ ‫والقا ضي ع بد الجبار وأ بي المعالي الجوي ني والف خر الرازي‪ ،‬من أ ّ‬
‫أول ها‪ :‬ال ستدلل بحدوث الج سام‪ ،‬ثانيت ها‪ :‬ال ستدلل بإمكان العراض والج سام‪ ،‬وثالثت ها‪ :‬ال ستدلل‬
‫بحدوث العراض‪ ،‬ورابعتها‪ :‬الستدلل بإمكان العراض‪ ،‬لكنه لم يتناول سوى ثلث طرق هي‪ :‬الولى‬
‫والثانية والرابعة‪.‬‬
‫يرى ابسن أبسي الحديسد جواز إطلق لفظسة ذات على ال تعالى وإضافتهسا‪ ،‬كونهسا وردت فسي الشعسر‬
‫ل في‬
‫العربي القد يم‪ ،‬وأنها لفظة ا صطلحية‪ ،‬فجاز استعمالها ل على أن ها مؤ نث ذو‪ ،‬بل ُت ستعمل ارتجا ً‬
‫ن لفظة ذات‬
‫ن ابن أبي الحديد قد خالف القائلين بأ ّ‬
‫مسمّاها الذي عبّر عنه أرباب النظر اللهي‪ ،‬وهذا يعني أ ّ‬
‫لفظة تأنيث‪ ،‬وال تعالى منزّه عن السماء والصفات المؤنثة‪ ،‬على حد تعبيرهم‪.‬‬
‫بخصوص علقة الصفات بالذات‪ ،‬يرفض ابن أبي الحديد مبدأ الفصل بين صفات ال وذاته‪ ،‬باعتبار‬
‫ن القدم أخص صفاته‪ ،‬على حد تعبيره‪ ،‬لذلك انتهى إلى وحدة الذات اللهية‪ ،‬ونفي الصفات‬
‫ن ال قديم‪ ،‬وأ ّ‬
‫أّ‬
‫الزائدة عليها؛ لنها تؤدي ‪ -‬حسب اعتقاده ‪ -‬إلى الشرك‪.‬‬
‫ا ستدلله على وحدان ية وا جب الوجود‪ ،‬و فق م سلكي الفل سفة والمتكلم ين معا‪ ،‬إذ ا ستدل و فق م سلك‬
‫الفلسفة بدليل نفي التركيب‪ ،‬ووفق مسلك المتكلمين بدليل التمانع‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫وافق ابن أبي الحديد ما ذهب إليه أبو الحسين البصري في مسألة تغيّر المعلوم يستدعي تغيّر العلم؛‬
‫ن العالِميات تتجدد في ذات ال بتجدد الحوادث‪ ،‬ول يلزم من تغيّر الصفات وتجددها تغيّر الذات‬ ‫باعتبار أ ّ‬
‫نفسها‪ ،‬وهذه العالِميات المتجددة هي صفات للذات يلزمها إضافات‪ ،‬فتتغيّر هي والضافات معا‪.‬‬
‫ن ال ل‬
‫ن أبي الحديد ما صرّح به أرسطو وأتباعه من الفلسفة ‪ -‬كابن سينا وغيره ‪ -‬من أ ّ‬ ‫رفَض اب ُ‬
‫يعلم الجزئيات‪ ،‬وإنما يعلم الكليات التي ل يجوز عليها التغير‪.‬‬
‫فيما يخص تنزيه ال من الجهة والمكان‪ ،‬يستبعد ابن أبي الحديد ما ُن سِب إلى محمد بن الهيصم ‪-‬‬
‫متكلم الكرّام ية ‪ -‬من أ نه قال‪ :‬أ نه تعالى في ج هة فوق‪ ،‬وبي نه وب ين العرش بُع ٌد ل يتنا هى؛ لنه ‪ -‬ك ما‬
‫يقول ‪ -‬كان أذكى من أن يذهب عليه فساد هذا القول‪ ،‬من جهة‪ ،‬وأنه لم ُي َر ذلك في شيء من تصانيفه‪،‬‬
‫ن إطلقه هذه اللفاظ جاء اتباعا لِما ورد في‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬وإنما المتكلمون حكوا عنه وأحالوا ذلك‪ ،‬وأ ّ‬
‫الكتاب والسنة‪.‬‬
‫عدم دقة ابن أبي الحديد في تشخيص القائلين بالتجسيم‪ ،‬أو الذين عدلوا عن القول به‪ ،‬أمثال هشام بن‬
‫ن الراء يجب أن تؤخَذ من‬ ‫الحكم‪ ،‬وغيره‪ .‬ممّا يعني الخذ بقول السلف من دون تمحيص‪ُ ،‬متَناسين أ ّ‬
‫أفواه قاليها‪ ،‬أو ممن هو مأمون في الحكاية عنهم‪.‬‬
‫وبالر غم مما ورد في النقطة السابقة للتدليل نتلمّس عند استقللية ‪ -‬إلى حد بعيد ‪ -‬في تفكيره‪ ،‬إذ‬
‫وجدناه يؤ يد وج هة ن ظر مخال في أ صحابه المعتزلة في م سائل عدة‪ ،‬أهم ها‪ :‬قدرة ال على الشياء‪ ،‬إذ‬
‫ن‬
‫ن ك ّل مخلوق كان مقدورا ل قبل حدوثه‪ ،‬وأ ّ‬
‫يرى ابن أبي الحديد ما يراه أهل السنة والجما عة‪ ،‬من أ ّ‬
‫الجسام كلها كانت مقدورة له قبل أن يخلقها‪.‬‬
‫خالف ابن أبي الحديد أصحابه ‪ -‬معتزلة بغداد ‪ -‬في مسائل‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫معر فة ال تعالى‪ ،‬ال تي قال عن ها الجا حظ ‪ -‬و من قبله أ بو الهذ يل العلّف ‪ -‬بأن ها ضرور ية‪ ،‬إذ أكّد‬
‫على أنها معرفة استدللية‪ ،‬وهذه الخيرة ل يقدر عليها غير أهل العلم والكلم‪ ،‬ولذا ل تجب على الناس‬
‫جميعا‪.‬‬
‫حقي قة ال تعالى غ ير معلو مة‪ ،‬ول يمكن نا معرفت ها في الدن يا ول في الخرة‪ ،‬وبذلك وا فق ضرار بن‬
‫ن حقيقة ال معلومة‪.‬‬‫عمرو المعتزلي‪ ،‬وخالف جمهور أصحابه القائلين بأ ّ‬
‫ن معنى السمع والبصر هو الدراك‪ ،‬وهذا ما عليه معتزلة‬ ‫كون ال تعالى سميعا‪ ،‬يرى ابن أبي الحديد أ ّ‬
‫البصرة‪ ،‬أمثال الجبائيّين وأصحابهما‪ ،‬في حين فسّرها معتزلة بغداد بس العلم‪.‬‬
‫المصادر والمراجع‬
‫أولً‪ :‬المخطوطات‬
‫‪ .1‬ابن أبي الحديد‪ ،‬عز الدين أبو حامد عبد الحميد بن هبة ال المدائني‪:‬‬
‫التعليقات على المحصل‪ ،‬مصور ن سخة جام عة ا ستانبول‪ ،‬بر قم ‪ ،3297‬مخطوط مكتبة الستاذ علي‬
‫محيي الدين‪ ،‬النجف الشرف‪.‬‬
‫‪ .2‬رؤوف الشمري‪:‬‬

‫‪109‬‬
‫الشريف المرتضى متكلما‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة بغداد‪.1992 ،‬‬
‫‪ .3‬الصنعاني‪ ،‬يوسف بن يحيى‪:‬‬
‫شعَر‪ ،‬مخطوط مكتبة الشيخ محمد رضا فرج ال‪ ،‬النجف الشرف‪.‬‬
‫نسمة السحر في ذِكر مَن تشيّع و َ‬
‫‪ .4‬الغساني‪ ،‬إسماعيل بن العباس‪:‬‬
‫العسسجد المسسبوك والجوهسر المحكوك فسي طبقات الخلفاء والملسسوك‪ ،‬تحقيسق‪ :‬شاكسر عبسد المنعسم‪،‬‬
‫مطبوعة بالرونيو‪.1970 ،‬‬
‫‪ .5‬محيي الدين‪ ،‬علسي جسواد‪:‬‬
‫ابن أبي الحديد‪ ،‬سيرته وآثاره الدبية والنقدية‪ ،‬رسالة ماجستير‪،‬جامعة القاهرة‪.1977 ،‬‬
‫‪ .6‬يونس‪ ،‬منذر جلوب‪:‬‬
‫نظرية واجب الوجود عند الفارابي‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬جامعة الكوفة‪.1995 ،‬‬
‫ثانيا‪ :‬المصادر والمراجع المطبوعة‬
‫‪ .1‬اللوسي‪ ،‬حسام محيي الدين‪:‬‬
‫بواكير الفلسفة قبل طاليس‪ ،‬ط ‪ ،3‬بغداد‪.1986 ،‬‬
‫حوار بين الفلسفة والمتكلمين‪ ،‬ط ‪ ،2‬بغداد‪.1986 ،‬‬
‫دراسات في الفكر الفلسفي السلمي‪ ،‬ط ‪ ،1‬بغداد‪.1992 ،‬‬
‫سقراط من خلل الم صادر الغرب ية والحدي ثة‪ ،‬مجلة كل ية الداب جام عة بغداد‪ ،‬العدد ‪ ،11‬حزيران‪،‬‬
‫‪.1968‬‬
‫فلسفة الكندي وآراء القدامى والمحدَثين فيه‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيروت‪.1985 ،‬‬
‫‪ .2‬ابن أبي الحديد‪ ،‬عز الدين أبو حامد عبد الحميد بن هبة ال المدائني‪:‬‬
‫شرح نهج البلغة‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬دارإحياء الكتب العربية‪.1965 ،‬‬
‫الَفلَك الدائر على المَثل السائر‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد الحوفي‪ ،‬بدوي طبانة‪ ،‬ط ‪ ،2‬الرياض‪.1984 ،‬‬
‫‪ .3‬ابن تغري بردي‪ ،‬يوسف بن تغري بردي بن عبد ال‪:‬‬
‫النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة‪ ،‬ط ‪.1933 ،1‬‬
‫‪ .4‬ابن تيميه‪ ،‬أحمد بن تيميه الحراني‪:‬‬
‫منهاج السنة النبوية‪ ،‬مصر ‪1321‬هس‪.‬‬
‫‪ .5‬ابن حزم‪ ،‬أبو محمد علي بن أحمد‪:‬‬
‫الِفصَل في الملل والهواء والِنحَل‪ ،‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪1320 ،‬هس‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫ابن خلدون‪ ،‬عبد الرحمن بن محمد‪:‬‬
‫المقدمة‪ ،‬طبعة القاهرة‪ ،‬مطبعة مصطفى محمد‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ .6‬ابن خلكان‪ ،‬أحمد بن محمد بن أبي بكر‪:‬‬
‫وفيات العيان وأنباء أبناء هذا الزمان‪ ،‬تحقيق‪ :‬إحسان عباس‪ ،‬بيروت‪ 1968 ،‬س ‪.1972‬‬
‫‪ .7‬ابن رشد‪ ،‬أبو الوليد محمد بن محمد‪:‬‬
‫مناهج الدلة في عقائد الملة‪ ،‬مع مقدمة في نقد مدارس علم الكلم للدكتور محمود قاسم‪،‬تحقيقه‪،‬مطبعة‬
‫القاهرة‪،‬مصر‪.1955 ،‬‬
‫‪ .8‬ابن الساعي‪ ،‬علي بن أنجب بن عثمان‪:‬‬
‫سيَر‪ ،‬تحقيق‪ :‬مصطفى جواد‪ ،‬بغداد‪.1934 ،‬‬
‫الجامع المختصر في عنوان التواريخ وعيون ال ّ‬
‫‪ .9‬ابن سينا‪ ،‬أبو علي الحسين بن عبد ال‪:‬‬
‫الشارات والتنسبيهات‪ ،‬مسع شرحِسه لنصسير الديسن الطوسسي وقطسب الديسن الرازي‪ ،‬مطبعسة‬
‫الحيدري‪،‬طهران‪1379 ،‬هس‪.‬‬
‫التعليقات‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬المكتبة العربية‪ ،‬القاهرة‪.1973 ،‬‬
‫رسالة الحدود‪ ،‬ضمن المصطلح الفلسفي عند العرب‪ ،‬للدكتورعبد المير العسم‪ ،‬ط ‪ ،1‬بغداد‪1985 ،‬‬
‫‪.‬‬
‫الرسالة العرشية‪ ،‬ضمن سبع رسائل‪ ،‬ط ‪،1‬حيدر آباد‪1354 ،‬هس‪.‬‬
‫الشفاء ‪ -‬اللهيات ‪ -‬تحقيق‪ :‬محمد يوسف موسى وآخرون‪ ،‬القاهرة‪.1960 ،‬‬
‫النجاة في الحكمة المنطقية والطبيعية واللهية‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيروت‪.1985 ،‬‬
‫‪ .10‬ابن شاكر‪ ،‬محمد بن شاكر بن أحمد‪:‬‬
‫فوات الوفيات‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد‪ ،‬مكتبة النهضة‪ ،‬مصر‪.1951 ،‬‬
‫‪ .11‬ابن الطقطقى‪ ،‬محمد بن علي بن طبا طبا‪:‬‬
‫الفخري في الداب السلطانية والدول السلمية‪ ،‬مطبعة المعارف‪ ،‬مصر‪.1923 ،‬‬
‫‪ .12‬ابن العماد‪ ،‬أبو الفلح عبد الحي‪:‬‬
‫شذرات الذهب في أخبار مَن ذهب‪ ،‬القاهرة‪ 1350 ،‬س ‪1351‬هس‬
‫‪ .13‬ابن الفوطي‪ ،‬كمال الدين عبد الرزاق بن أحمد‪:‬‬
‫تلخ يص مج مع الداب في مع جم اللفاظ ج ‪ 1‬ق ‪ 4 - 1‬تحق يق‪ :‬م صطفى جواد‪ ،‬دم شق‪ 1962 ،‬س‬
‫‪.1967‬‬

‫‪111‬‬
‫الحوادث الجام عة والتجارب الناف عة في المائة ال سابعة من سوب إل يه تحق يق‪ :‬م صطفى جواد‪ ،‬بغداد‪،‬‬
‫‪1351‬هس‪.‬‬
‫معجز الداب في معجم اللقاب‪ ،‬مطبوع في ذيل ج ‪ 4‬شرح نهج البلغة‪ ،‬القاهرة‪1321 ،‬هس‪.‬‬
‫‪ .14‬ابن المطهر الحلي‪ ،‬جمال الدين الحسن بن يوسف‪:‬‬
‫أنوار الملكوت في شرح الياقوت‪ ،‬طهران‪1338 ،‬هس‪.‬‬
‫الرسالة السعدية‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الحسين محمد علي‪ ،‬لم يذكر مكانالطبع ول الناشر‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫كشف المراد شرح تجريد العتقاد‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيروت‪.1979 ،‬‬
‫‪ .15‬ابن النديم‪ ،‬محمد بن إسحق‪:‬‬
‫الفهرست‪ ،‬بيروت‪.1978 ،‬‬
‫‪ .16‬أبو الحسين البصري‪ ،‬محمد بن علي‪:‬‬
‫كتاب المعتمد في أصول الفقه‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد حميد ال وآخرون‪ ،‬ط ‪ ،1‬دمشق‪.1964 ،‬‬
‫‪ .17‬أبو حنيفة‪ ،‬النعمان بن ثابت‪:‬‬
‫الفقه الكبر‪ ،‬ط ‪ ،2‬حيدر آباد‪.1953 ،‬‬
‫‪ .18‬أبو ريدة‪ ،‬محمد عبد الهادي‪:‬‬
‫مقدمة رسائل الكندي الفلسفية‪ ،‬القاهرة‪.1950 ،‬‬
‫‪ .19‬أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬محمد ‪:‬‬
‫مقدمة أمالي المرتضى‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪.1967 ،‬‬
‫مقدمة شرح نهج البلغة‪ ،‬تحقيقه‪ ،‬ط ‪ ،4‬دار إحياء الكتب العربيسة القاهرة‪.1965 ،‬‬
‫‪ .20‬أرسطو‪:‬‬
‫كتاب الطبيعة‪ ،‬ط ‪ ،2‬القاهرة‪ 1964 ،‬س ‪.1965‬‬
‫‪ .21‬السفرائيني‪ ،‬أبو المظفر طاهر بن محمد‪:‬‬
‫التب صير في الد ين وتمي يز الفر قة الناج ية عن فِرق الهالك ين‪ ،‬م صر مكت بة الخان جي‪ ،‬بغداد‪ ،‬مكت بة‬
‫المثنى‪.1955 ،‬‬
‫‪ .22‬الشعري‪ ،‬أبو الحسن علي بن اسماعيل‪:‬‬
‫البانة عن أصول الديانة‪ ،‬مطابع جامعة محمد بن سعود السلمية‪1400 ،‬هس‪.‬‬
‫اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع‪ ،‬مطبعة مصر‪.1955 ،‬‬
‫مقالت السلميين واختلف المصلّين‪ ،‬ط ‪ ،2‬منشورات فرانز شتايز‪.1962 ،‬‬

‫‪112‬‬
‫‪ .23‬العسم‪ ،‬عبد المير‪:‬‬
‫تاريخ ابن الريوندي‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيروت‪.1975 ،‬‬
‫الفيل سوف ن صير الد ين الطو سي مؤ سس المن هج الفل سفي في علم الكلم ال سلمي‪ ،‬ط ‪ ،2‬بيروت‪،‬‬
‫‪.1980‬‬
‫المصطلح الفلسفي عند العرب‪ ،‬ط ‪ ،1‬بغداد‪.1985 ،‬‬
‫‪ .24‬اليجي‪ ،‬عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد‪:‬‬
‫المواقف في علم الكلم‪ ،‬مع شرحه للجرجاني وحاشية السيالكوتي‪ ،‬مصر‪.1907 ،‬‬
‫‪ .25‬الباقلني‪ ،‬محمد بن الطيب‪:‬‬
‫النصاف فيما يجب اعتقاده ول يجوز الجهل به‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد زاهد الكوثري‪ ،‬ط ‪ ،2‬القاهرة‪1382 ،‬‬
‫هس‪.‬‬
‫التمهيسد فسي الرد على الملحدة والمعطلة والرافضسة والخوارج والمعتزلة‪ ،‬مطبعسة لجنسة التأليسف‬
‫والترجمة‪ ،‬القاهرة‪.1947 ،‬‬
‫‪ .26‬البخاري‪ ،‬محمد بن اسماعيل‪:‬‬
‫صحيح البخاري‪ ،‬ط ‪ ،2‬المطبعة العثمانية المصرية‪1314 ،‬هس‪.‬‬
‫‪ .27‬البغدادي‪ ،‬عبد القاهر بن طاهر‪:‬‬
‫أصول الدين‪ ،‬ط ‪ ،1‬استانبول‪.1928 ،‬‬
‫الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية‪ ،‬بيروت‪.1987 ،‬‬
‫‪ .28‬بيصار‪ ،‬محمد‪:‬‬
‫في فلسفة ابن رشد‪ ،‬الوجود والخلود‪ ،‬ط ‪ ،3‬بيروت‪.1973 ،‬‬
‫‪ .29‬التفتازاني‪ ،‬سعد الدين مسعود بن عمر‪:‬‬
‫شرح العقائد الن سفية‪ ،‬مع حاش ية الك ستلي والخيالي‪ ،‬مطب عة دار إحياء الك تب العرب ية‪ ،‬م صر‪ ،‬بدون‬
‫تاريخ‪.‬‬
‫شرح مقاصد الطالبي في علم أصول الدين‪ ،‬الستانة‪1277 ،‬هس‪.‬‬
‫‪ .30‬جار ال‪ ،‬زهدي حسن‪:‬‬
‫المعتزلة‪ ،‬القاهرة‪.1947 ،‬‬
‫‪ .31‬الجرجاني‪ ،‬علي بن محمد‪:‬‬
‫التعريفات‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيروت‪.1983 ،‬‬
‫‪ .32‬جوزيف الهاشم‪:‬‬

‫‪113‬‬
‫الفارابي‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الشرق الجديد‪ ،‬بيروت‪.1960 ،‬‬
‫‪ .33‬الجويني‪ ،‬أبو المعالي عبد الملك بن يوسف‪:‬‬
‫الرشاد إلى قواطع الدلة‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد يوسف موسى‪ ،‬مصر‪.1950 ،‬‬
‫الشامل في أصول الدين‪ ،‬تحقيق‪ :‬هلموت ريتر‪ ،‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪.1960 ،‬‬
‫العقيدة النظامية‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد زاهد الكوثري‪ ،‬مصر‪.1948 ،‬‬
‫‪ .34‬حاجي خليفة‪:‬‬
‫كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون‪ ،‬طبع استانبول‪.1941 ،‬‬
‫‪ .35‬خصباك‪ ،‬جعفر حسين‪:‬‬
‫العراق في عهد اليلخانيين‪ ،‬بغداد‪.1968 ،‬‬
‫‪ .36‬الخطيب البغدادي‪ ،‬أحمد بن علي‪:‬‬
‫تاريخ بغداد‪ ،‬ط ‪ ،1‬مصر‪.1931 ،‬‬
‫‪ .37‬الخياط‪ ،‬أبو الحسين عبد الرحيم‪:‬‬
‫النتصار والرد على ابن الراوندي الملحد‪ ،‬بيروت‪.1957 ،‬‬
‫‪ .38‬دي بسور‪:‬‬
‫تاريخ الفلسفة في السلم‪ ،‬نقله إلى العربية‪ :‬محمد عبد الهادي أبو ريدة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مطبعة لجنة التأليف‬
‫والترجمة‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ .39‬الذهبي‪ ،‬شمس الدين محمد بن أحمد‪:‬‬
‫العلو للعلي الغفار في صحيح الخبار وسقيمها‪ ،‬ط ‪ ،2‬القاهرة‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ .40‬رؤوف الشمري‪:‬‬
‫التأويل‪ :‬النقل‪ ،‬العقل‪ .‬إشكالية التأويل‪ ،‬مجلة فضاءات‪ ،‬العدد ‪ ، 9‬سبتمبر‪ ،2003 ،‬ليبيا‪.‬‬
‫‪ .41‬الرازي‪ ،‬فخر الدين محمد بن عمر‪:‬‬
‫الربعين في أصول الدين ط ‪ ،1‬حيدر آباد‪1353 ،‬هس‪.‬‬
‫اعتقادات فرق الم سلمين والمشرك ين‪ ،‬تحق يق‪ :‬علي سامي النشار‪ ،‬مكت بة النه ضة الم صرية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪.1938‬‬
‫التفسير الكبير‪ ،‬المسمى مفاتيح الغيب‪ ،‬ط ‪ ،2‬طهران‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫الخمسين في أصول الدين‪ ،‬مطبوع ضمن مجموعة مطبعة كردستان العلمية مصر‪1328 ،‬هس‪.‬‬
‫المباحث المشرقية‪ ،‬مكتبة السدي‪ ،‬طهران‪.1966 ،‬‬

‫‪114‬‬
‫محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين‪ ،‬وبذيله تلخيص المحصل للفيلسوف نصير الدين الطوسي‪ ،‬دار‬
‫الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪.1984 ،‬‬
‫‪ .42‬الراوي‪ ،‬عبد الستار عز الدين‪:‬‬
‫ثورة العقل‪ ،‬ط ‪ ،2‬بغداد‪.1986 ،‬‬
‫العقل والحرية‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيروت‪.1980 ،‬‬
‫فلسفة العقل‪ ،‬ط ‪ ،2‬بغداد‪.1986 ،‬‬
‫‪ .43‬ال ّرسّي‪ ،‬القاسم بن إبراهيم‪:‬‬
‫كتاب أصول العدل والتوحيد‪،‬ضمن رسائل العدل والتوحيد‪،‬ط ‪ ،1‬مصر‪1971 ،‬‬
‫‪ .44‬الزركان‪ ،‬محمد صالح‪:‬‬
‫فخر الدين الرازي وآراؤه الكلمية والفلسفية‪ ،‬دار الفكر‪.1963 ،‬‬
‫‪ .45‬السبكي‪ ،‬تاج الدين أبو نصر‪:‬‬
‫طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬ط ‪ ،1‬المطبعة الحسينية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ .46‬سهير محمد مختار‪:‬‬
‫التجسيم عند المسلمين‪ ،‬مذهب الكرامية‪،‬مطبعة شركة السكندرية‪،‬ط ‪1،1971‬‬
‫‪ .47‬السيالكوتي‪ ،‬عبد الحكيم‪:‬‬
‫حاشية السيالكوتي على شرح المواقف للجرجاني‪ ،‬مطبوع المواقف لليجي‪ ،‬مصر‪.1907 ،‬‬
‫‪ .48‬السيوري‪ ،‬المقداد بن عبد ال‪:‬‬
‫النافع ليوم الحشر شرح الباب الحادي عشر‪ ،‬مطبعة مصطفوي‪ ،‬طبع حجر‪ ،‬إيران‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ .49‬شرف‪ ،‬محمد جلل‪:‬‬
‫ال والعالم والنسان في الفكر السلمي‪ ،‬القاهرة‪.1971 ،‬‬
‫‪ .50‬الشريف المرتضى‪،‬علي بن الحسين‪:‬‬
‫الصول العتقادية‪ ،‬ضمن نفائس المخطوطات‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ محمد حسن آل يسين‪،‬‬
‫بغداد‪.1954 ،‬‬
‫جمل العلم والعمل‪،‬ط ‪.1967 ،1‬‬
‫الشافي في المامة‪ ،‬طبع حجر‪ ،‬إيران‪1301 ،‬هس‪.‬‬
‫مجموعةفي فنون من علم الكلم‪،‬ضمن نفائس المخطوطات‪ ،‬تحقيق‪:‬الشيخ محمد حسن آل يسين‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫بغداد‪1355 ،‬هس‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫المحكم والمتشابه‪ ،‬طبع حجر‪ ،‬إيران‪1312 ،‬هس‪.‬‬
‫‪ .51‬الشهرستاني‪ ،‬محمد بن عبد الكريم‪:‬‬
‫الملل والنحل‪ ،‬مطبوع مع الِفصَل‪ ،‬ط ‪ 1320 ،1‬س ‪1321‬هس‪.‬‬
‫نهاية القدام في علم الكلم‪ ،‬تصحيح‪ :‬ألفرد جيوم‪ ،‬مطبعة المثنى‪ ،‬بغداد‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ .52‬الشهرستاني‪ ،‬هبة ال‪:‬‬
‫ما هو نهج البلغة‪ ،‬مطبعة العرفان‪ ،‬صيدا‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ .53‬الشيرازي‪ ،‬صدر الدين‪:‬‬
‫المبدأ والمعاد‪ ،‬طبع حجر‪1316 ،‬هس‪.‬‬
‫‪ .54‬الصاوي‪ ،‬عبد الكريم‪:‬‬
‫حاشية الصاوي على شرح الخريدة البهية للدردير‪ ،‬مطبعة الستقامة‪ ،‬مصر‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ .55‬صبحي‪ ،‬أحمد محمود‪:‬‬
‫في علم الكلم‪ ،‬دراسة فلسفية لراء الفرق السلمية س المعتزلة س ط ‪ ،4‬السكندرية‪.1982 ،‬‬
‫‪ .56‬الطوسي‪ ،‬محمد بن الحسن الشيخ ‪:‬‬
‫القتصاد فيما يتعلق بالعتقاد‪ ،‬ط ‪ ،1‬النجف الشرف‪.1979 ،‬‬
‫التبيان في تفسير القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد حبيب قصير العاملي‪ ،‬ط ‪ ،1‬النجف الشرف‪.1964 ،‬‬
‫‪ .57‬الطويل‪ ،‬توفيق‪:‬‬
‫في تراثنا السلمي‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،87‬الكويت‪.1985 ،‬‬
‫‪ .58‬عاطف العراقي‪ ،‬محمد‪:‬‬
‫ثورة العقل في الفلسفة العربية‪ ،‬ط ‪ ،5‬مصر‪.1984 ،‬‬
‫النزعة العقلية في فلسفة ابن رشد‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬مصر‪.1968 ،‬‬
‫‪ .59‬عبد الجبار بن أحمد القاضي‪:‬‬
‫شرح الصول الخمسة‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الكريم عثمان‪ ،‬ط ‪ ،1‬مصر‪.1965 ،‬‬
‫فضل العتزال وطبقات المعتزلة ومباينتهم لسائر المخالفين‪ ،‬تحقيق‪ :‬فؤاد سيف‪ ،‬الدار التونسية للنشر‪،‬‬
‫‪.1974‬‬
‫المخت صر في أ صول الد ين‪ ،‬ض من ر سائل العدل والتوح يد‪ ،‬تحق يق‪ :‬مح مد عمارة‪ ،‬ط ‪ ،1‬م صر‪،‬‬
‫‪.1971‬‬
‫‪ .60‬المغني في أبواب العدل والتوحيد‪:‬‬

‫‪116‬‬
‫ج ‪ 4‬رؤية ال‪ ،‬تحقيق‪:‬محمد مصطفى حلمي‪ ،‬مطبعة مخيمر‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫ج ‪ 7‬خلق القرآن‪ ،‬ط ‪ ،1‬مصر‪.1961 ،‬‬
‫ج ‪ 12‬النظر والمعارف‪ ،‬مطبعة مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫ج ‪ ،14‬القاهرة‪.1965 ،‬‬
‫‪ .61‬عثمان أمين‪:‬‬
‫الفلسفة الرواقية‪ ،‬ط ‪ ،2‬مكتبة النهضة المصرية‪.1959 ،‬‬
‫‪ .62‬عرفان عبد الحميد‪:‬‬
‫دراسات في الفرق والعقائد السلمية‪ ،‬مطبعة أسعد‪ ،‬بغداد‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ .63‬العروسي‪ ،‬مصطفى‪:‬‬
‫نتائج الفكار القد سية في بيان شرح الر سالة القشير ية‪ ،‬ض من الر سالة القشير ية مع شرح ها لزكر يا‬
‫النصاري‪ ،‬دمشق‪،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ .64‬الغرابي‪ ،‬علي مصطفى‪:‬‬
‫تاريخ الفرق السلمية ونشأة علم الكلم عند المسلمين‪ ،‬ط ‪ ،2‬مصر‪.1958 ،‬‬
‫‪ .65‬الغزالي‪ ،‬أبو حامد ‪:‬‬
‫القتصاد في العتقاد‪ ،‬ط ‪ ،1‬مطبعة حجازي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫تهافت الفلسفة‪ ،‬ط ‪ ،4‬دار المعارف‪ ،‬مصر‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫فيصل التفرقة بين السلم والزندقة‪ ،‬مطبعة الترقي‪ ،‬مصر‪1319 ،‬هس‪.‬‬
‫مشكاة النوار‪ ،‬مطبعة السعادة‪ ،‬مصر‪.1907 ،‬‬
‫مقاصد الفلسفة‪ ،‬تحقيق‪ :‬سليمان دنيا‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار المعارف‪ ،‬مصر‪.1961 ،‬‬
‫المقصد السنى شرح أسماء ال الحسنى‪،‬مكتبة الكليات الزهرية‪.1960 ،‬‬
‫‪ .66‬الفارابي‪ ،‬أبو نصر ‪:‬‬
‫آراء أهل المدينة الفاضلة‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار القاموس الحديث‪ ،‬بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫التعليقات‪ ،‬ضمن الرسائل‪ ،‬طبعة حيدر آباد‪1346 ،‬هس‪.‬‬
‫الدعاوى القلبية‪ ،‬ضمن المجموع‪ ،‬ط ‪ ،1‬مصر‪1345 ،‬هس‪.‬‬
‫فصوص الحكم‪ ،‬ضمن المجموع‪ ،‬ط ‪ ،1‬مصر‪1325 ،‬هس‪.‬‬
‫عيون المسائل‪ ،‬ضمن المجموع‪ ،‬ط ‪ ،1‬مصر‪1325 ،‬هس‪.‬‬
‫‪ .67‬فتح ال خليف‪:‬‬

‫‪117‬‬
‫مقدمة كتاب التوحيد للماتريدي‪ ،‬دار المشرق‪ ،‬بيروت‪.1970 ،‬‬
‫‪ .68‬فلزر‪ ،‬سوسنّه ديفلد‪:‬‬
‫مقدمة كتاب طبقات المعتزلة‪ ،‬لبن المرتضى‪ ،‬بيروت‪.1961 ،‬‬
‫‪ .69‬القاسم محمد بن علي الزيدي‪:‬‬
‫الساس لعقائد الكياس‪ ،‬تحقيق‪:‬ألبير نصري نادر‪،‬دار الطليعة‪،‬بيروت‪.1980 ،‬‬
‫‪ .70‬القوشجي‪ ،‬علء الدين علي بن محمد‪:‬‬
‫شرح تجريد الكلم‪ ،‬طبع حجر‪1285 ،‬هس‪.‬‬
‫‪ .71‬الكراجكي‪ ،‬أبو الفتح محمد بن علي‪:‬‬
‫كنز الفوائد‪ ،‬طبع حجر‪1322 ،‬هس‪.‬‬
‫‪ .72‬كريسون‪ ،‬أندريه‪:‬‬
‫سقراط‪ ،‬ترجمة‪ :‬بشارة صارجي‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيروت‪.1980 ،‬‬
‫‪ .73‬الكلباذي‪ ،‬أبو محمد بكر‪:‬‬
‫التعرف لمذهب أهل التصوف‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الحليم محمود‪ ،‬مصر‪.1960 ،‬‬
‫‪ .74‬الكندي‪ ،‬أبو إسحق‪:‬‬
‫ر سائل الحدود والر سوم‪ ،‬ض من الم صطلح الفل سفي ع ند العرب‪ ،‬للدكتور ع بد الم ير الع سم‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫بغداد‪.1985 ،‬‬
‫رسائل الكندي الفلسفية‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عبد الهادي أبسو ريسدة‪ ،‬دار الفكسر العربي‪ ،‬بيروت‪1950 ،‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ .75‬الماتريدي‪ ،‬أبو منصور محمد‪:‬‬
‫كتاب التوحيد‪ ،‬تحقيق‪ :‬فتح ال خليف‪ ،‬دار المشرق‪ ،‬بيروت‪.1970 ،‬‬
‫‪ .76‬محمد رمضان عبد ال‪:‬‬
‫الباقلني وآراؤه الكلمية‪ ،‬ط ‪ ،1‬بغداد‪.1986 ،‬‬
‫‪ .77‬محمود قاسم‪:‬‬
‫مقدمة كتاب مناهج الدلة أنظر‪ :‬ابن رشد‪ :‬مناهج الدلة‪.‬‬
‫‪ .78‬مدني صالح‪:‬‬
‫الوجود‪ ،‬بحث في الفلسفة السلمية‪ ،‬ط ‪ ،1‬بغداد‪.1955 ،‬‬
‫‪ .79‬مسكويه‪ ،‬أبسو علسي‪:‬‬

‫‪118‬‬
‫الفوز الصغر‪ ،‬دار مكتبة الحياة‪ ،‬بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ .80‬مصطفى جواد‪:‬‬
‫أبو جعفر النقيب‪ ،‬مطبعة الهلل‪ ،‬بغداد‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ .81‬مطر‪ ،‬أميرة حلمي‪:‬‬
‫الفلسفة عند اليونان‪ ،‬ط ‪ ،2‬القاهرة‪.1968 ،‬‬
‫‪ .82‬معروف‪ ،‬ناجي‪:‬‬
‫تاريخ علماء المستنصرية‪ ،‬مطبعة العاني‪ ،‬بغداد‪.1965 ،‬‬
‫‪ .83‬مغنية‪ ،‬محمد جواد‪:‬‬
‫معالم الفلسفة السلمية‪ ،‬ط ‪ ،2‬بيروت‪.1973 ،‬‬
‫‪ .84‬المفيد‪ ،‬محمد بن محمد بن النعمان‪:‬‬
‫أوائل المقالت في المذاهب المختارات‪ ،‬ط ‪ ،3‬النجف الشرف‪.1973 ،‬‬
‫‪ .85‬المنذري‪ ،‬زكي الدين عبد العظيم‪:‬‬
‫التكملة لوفيات النقلة‪ ،‬تحقيق‪ :‬بشار عواد معروف‪ ،‬مطبعة الداب‪ ،‬النجف الشرف‪.1971 ،‬‬
‫‪ .86‬الموسوي‪ ،‬موسى‪:‬‬
‫قواعد فلسفية‪ ،‬ط ‪ ،1‬النجف الشرف‪.1978 ،‬‬
‫‪ .88‬نادر‪ ،‬ألبير نصري‪:‬‬
‫فلسفة المعتزلة‪ ،‬مصر‪.1950 ،‬‬
‫‪ .89‬النسفي‪ ،‬أبو المعين‪:‬‬
‫بحر الكلم‪ ،‬بغداد‪1304 ،‬هس‪.‬‬
‫‪ .90‬نصير الدين الطوسي‪:‬‬
‫تجريد العقايد‪ ،‬مطبوع مع كشف المراد للعلّمة الحلي‪ ،‬بيروت‪.1979 ،‬‬
‫تلخيص المحصل‪ ،‬مطبوع مع محصل الفكار للفخر الرازي‪،‬بيروت‪.1984 ،‬‬
‫شرح الشارات‪ ،‬مطبوع مع الشارات والتنبيهات لبن سينا‪ ،‬طهران‪.1979 ،‬‬
‫‪ .91‬نعمة محمد إبراهيم‪:‬‬
‫خلق الكون بين القدم والحدوث‪ ،‬مجلة كلية الفقه‪ ،‬العدد ‪.1989 ،3‬‬
‫‪ .92‬النيسابوري‪ ،‬أبو رشيد سعيد بن محمد‪:‬‬
‫ديوان الصول‪ ،‬ط ‪ ،1‬مطبعة دار الكتب‪.1969 ،‬‬

‫‪119‬‬
‫‪ .93‬نيكلسون‪ ،‬رينولد‪:‬‬
‫في التصوف السلمي وتاريخه‪ ،‬ترجمة‪ :‬أبو العل عفيفي‪ ،‬مطبعة لجنة التأليف‪1946 ،‬‬
‫‪ .94‬اليونيني‪ ،‬موسى بن محمد‪:‬‬
‫ذيل مرآة الزمان‪ ،‬طبعة حيدر آباد‪ 1954 ،‬س ‪.1961‬‬
‫ثالثا‪ :‬المراجع النكليزية‬
‫‪AL - Aasam, A. A : -Ibn ar-Riwandis‬‬ ‫‪.1‬‬
‫‪.Kitab Fadihat Al- Mutazilah. Beirut- Paris. 1975 – 1977‬‬
‫‪:AL- Alousi. H.M‬‬ ‫‪.2‬‬
‫‪.The Problem of Greation in Islamik Thought. Baghdad- 1968 -‬‬

‫‪120‬‬
‫المحتويات‬

‫الهداء‪1...................................... ............................................‬‬

‫المقدمة‪1......................................... .........................................‬‬

‫الفصل الول‪ :‬سيرة ابن أبي الحديد‪3........................................................‬‬

‫تمهيد‪4............................................................ ........................‬‬

‫ابن أبي الحديد‪4....................................................................... .....‬‬

‫أخوته ثلثة‪5........................................ ......................................‬‬

‫الخلفاء الذين عاصرهم‪6.............................................. ......................‬‬

‫العصر الذي عاش فيه‪6................................ ....................................‬‬

‫المناصب التي تقلّدها‪7................................................. .....................‬‬

‫أهم أساتذته‪8.......................................................................... .....‬‬

‫وفاتسه‪9............................................. .....................................‬‬

‫مؤلفاته الفلسفية والكلمية‪9..................................................... .............‬‬

‫ابن أبي الحديد المتكلم المتفلسف‪24..........................................................‬‬

‫الخسساتمة‪107..................................................... .......................‬‬

‫‪121‬‬

You might also like