Professional Documents
Culture Documents
الهداء
المقدمة
ابسن أبسي الحديسد أحسد أعلم العتزال ،الذيسن تمتّعوا بالحترام والتقديسر خلل القرن السسابع الهجري،
تشهد له توليته مناصب عدة ،أهمها :كاتب ديوان الخلفة أيام المستنصر ،تلك اليام التي كان يصفها بأنها
أيام غرّاء زاهرة.
ن الجديد ليس خَلق أفكار من عدم ل أصل له ،إنما الجديد في الفكر هو أن تضيف إسهاما إلى ما إّ
ت – جهد إمكاني – في هذه الدراسة تقدّم ،يستند في بنائه وقوامه إلى أصول سابقة ولحقة .من هنا حاول ُ
إبراز شخصية ابن أبي الحديد بثوب جديد غير معروف عند أغلب الباحثين ،وهو أنه متكلم تفلسف على
قدر اجتهاده ،وفق ما ظهر من قائمة مؤلفاته واهتمامه بشؤون الفلسفة بحسب آرائه وتعليقاته فيها.
ن ابن أبي
لكن من الملحظ هنا أنه بالرغم من عناية الباحثين الموجهة للتراث الكلمي والفلسفي ،فإ ّ
الحد يد لم ينل مثل هذه العنا ية ،بل على الع كس من ذلك ،نجد ضرورة الهتمام به مفكرا ول يس شارحا
هنا ،وفيه حاجة إلى البحث الدائم للكشف عن نصوصه ومتونه الصلية ،ولذلك نلحظ ندرة الدراسات
ن الفكر العتزالي حظي باهتمام الباحثين والدارسين الفلسفية والكلمية عنه من جهة ،ومن جهة أخرى فإ ّ
نتي جة تمتع هم بمكا نة متميزة من تار يخ الحركات العقل ية في ال سلم ،ل كن ا بن أ بي الحد يد لم يلق ذلك
الهتمام بدراسة مستقلة باستثناء ما قام به الستاذ علي محيي الدين من خلل دراسة سيرته العامة وآثاره
الدبية والنقدية.
1
فالمعروف عن ابن أبي الحديد – نتيجة لعدم الكشف عن سيرته بصورة دقيقة – أنه أديب من خلل
بعض مؤلفاته ،أمثال الفلك الدائر على المثل السائر ،والقصائد العلويّات السبع ،والمستنصريات ومؤرخ
من خلل شرحه على نهج البلغة ،الذي كانوا يستخرجون منه نصوصهم التي تؤيد فكرة من أفكارهم.
نعم كان متكلما ،مستجمِعا لكل شروط المتكلم في المنهجية وقوة الحِجاج ،المستندة إلى موسوعية الفكر،
واستيعاب آراء الفرق الكلمية السابقة عليه والمعاصرة له.
ن أبي الحديد اليوم ،كشخصية كلمية ،لها مكانتها في الوسط العتزالي ،إنما نكشف ونحن إذ نقدّم اب َ
عن شخصية إسلمية ذات فكر عربي أصيل ،ساهمَت في بناء صرح الحضارة العربية السلمية من
جا نب ،وعقيدة العتزال من جا نب آ خر ،و من ه نا كا نت الحا جة إلى تحق يق جاد ومف صّل في درا سة
مستقلة لراء متكلم معتزلي مثلِه في الجانب الكلمي ،فكان هذا الجهد في هذه الدراسة.
ت في الفصل الول عن وكانت خطتي في تناول هذه الدراسة ،أن ق سّمتها إلى فصول خمسة ،تحدث ُ
سير ابن أبي الحديد الشخصية ،تلك السيرة التي تضمنت اسمه وَنسَبه ،والخلفاء الذين عاصرهم ،والعصر
الذي عاش فيه ،والمناصب الذي تقلّدها ،وأهم أساتذته ،مع الشارة إلى مؤلفاته الفلسفية والكلمية بشيء
من التفصيل ،خاتما هذا الفصل باستعراض أهم أفكاره الفلسفية والكلمية ،التي تبيّن منها أنه قد تناول
معظم المباحث الكلمية المشهورة التي بحَثها – من قبل –شيوخ العتزال الوائل.
ت فيه مَدرك وجوب معرفة ال تعالى :هل هو العقل أم السمع ،ممهّدا له أمّا الفصل الثاني ،فقد تناول ُ
ت المعرفة الخاصة لِذات ال تعالى.
بالحديث عن الوجود اللهي وضرورة اليمان به ،كما تناول ُ
ك ما تض من الف صل الثالث أدلة إثبات وا جب الوجود ع ند ا بن أ بي الحد يد ،فِق س ٌم من ها و فق م سلك
المتكلمين ،مثل دليل الحدوث ،وقسم آخر وفق مسلك الفلسفة ،مثل دليل الواجب لِذاته ،في حين جعل
دليل الحركة هو الدليل الذي انفرد به المام علي ع ،ولم يسبقه أحد من المتكلمين إليه ،على حد تعبيره.
وكانت الصفات اللهية الثبوتية ،بقسميها :الذاتية والفعلية من حصة الفعل الرابع ،مسبوقة بتمهيد مهم،
ت فيه آراء فِرق المسلمين في مسألة علقة الصفات بالذات ،مع رأي ابن أبي الحديد في مذهب استعرض ُ
ن
كل فريق من فِرق المسلمين بشأن علقة الصفات بالذات ،سيما رأيه في المعاني القديمة ،التي قال إ ّ
الشعري وأصحابه قد أثبتوها ،وتمييزه مذهب أبي هاشم في الحوال من مذهب غيره فيها ،كالباقلني
والجويني في أوّل قولَيه.
أمّا الفصسل الخامسس ،فقسد تناولتُس فيسه الصسفات اللهيسة السسلبية ،التسي تطرّقَت إليهسا كتسب الفل سفة
والمتكلمين ،وهي تنزيه ال تعالى من الجهة والرؤية والجسمية والحلول والتحاد ...إلخ ،فيما سجله ابن
أبي الحديد في هذا السياق المعتزلي ،وبيّن رأيا له فيه ،على نحو من النحاء.
لقسد كان ابسن أبسي الحديسد فسي كسل هذه الدراسسة صساحب رأي حسر ،ل يلتزم – على الدوام – بنهسج
أصحابه ،وإنما هو القائل :ونحن ل ننصر مذهبا بعينه ،وإنما نذكر ما قيل ،وإذا جرى بحث نظري قلنا ما
يقوى في أنفسنا منه.1
ا بن أ بي الحد يد ،شرح نهج البلغة ،تحق يق :محمد أ بو الفضل إبراه يم ،ط ،4دار إحياء الك تب العرب ية/16 ،1965 - 1385 ، 1
.234
2
وكا نت مادة هذه الدرا سة ب كل ف صولها ومباحث ها ،م ستقاة من الموجود المتداول من آثار ا بن أ بي
الحديد ،خصوصا شرحه على النهج ،وتعليقاته على محصل الفكار لفخر الدين الرازي.
ت فيه جدوى
ت فيها على ما استخلصتُه من مباحثها ،على نحو بيّن ُ
أمّا خاتمة هذه الدراسة ،فقد ركز ُ
هذه الدراسة.
ت به في استيضاح المسائل التاريخية لسيرتهوكانت مصادر ومراجع هذه الدراسة – باستثناء ما استعن ُ
ت من ها معر فة آراء أبرز فل سفة ال سلم ،أمثالومؤلفا ته – م صادر ومرا جع فل سفية وكلم ية ،ا ستفد ُ
ت من خللها معرفة آراء أبرز متكلمي الفِرق الكندي والفارابي وابن سينا والغزالي وابن رشد ،كما استفد ُ
السلمية ،أمثال الش يخ المف يد والشر يف المرت ضى والش يخ الطو سي من المامية ،والباقلني والبغدادي
والجويني من الشعرية ،في حين اقتصرَت معرفتي بآراء المعتزلة على المتداول من آثارهم؛ لندرة ما
وصل إلينا من كتُبهم ،من خلل أبي الحسين الخياط والقاضي عبد الجبار وأبي الحسين البصري .على
ي لم أجد في المراجع الوروبية -فيما يتصل بابن أبي الحديد -ما يستحق التنويه في هذا المجال.أن ّ
أنس ج ّل اعتمادي فسي إعداد هذه الدراسسة ،كان على المصسادر القديمسةولبسد لي هنسا أن أشيسر إلى ّ
ن تدوين الحقائق يحتاج لقرب ت الجهد المضني للحصول عليها قدر المستطاع ،ذلك أ ّ والميسرة ،التي بذل ُ
ت
ل تراني مضطرا للرجوع إلى المراجع الحديثة .وقد اضطرر ُ مصدر له صلة بهذه الحقيقة أو تلك ،وإ ّ
في أحيان كثيرة إلى القتبا سات المطوّلة من ا بن أ بي الحد يد ،لبيان آرائه والمحاف ظة على أ صولها ،لذا
ي ذلك.
ن من غير النافع إعادة صياغة أقواله متى تعذّر عل ّأستميح القارئ الكريم عن ذلك؛ ل ّ
ن هذه الدراسة تنتظر من أهل الختصاص الكشف عن وجوه اللبس ،التي ربما أحاطت ختاما أقول :إ ّ
بها من دون قصد ،سواء في المنهجية أو عرض الفكار ،فالكمال للكامل وحده سبحانه ،وصدق ال تعالى
ختِلفا َكثِيرا [النساء.]82 :
جدُوا فِي ِه ا ْ
غْي ِر الّل ِه َل َو َ
عْن ِد َ
ن ِ
ن ِم ْ
حيث قالَ :وَل ْو كَا َ
صدق ال العلي العظيم
تمهيد
ابن أبي الحديد
مؤلفاته الفلسفية والكلمية
أفكاره الفلسفية والكلمية
ابن أبي الحديد المتكلم المتفلسف
3
تمهيد
ل أنه لم
ابن أبي الحديد ،أحد أشهر أعيان القرن السابع الهجري ،له مكانته في أوساط علماء عصره ،إ ّ
تتوافر حتى الن دراسة عنه ،سوى دراسة واحدة للستاذ علي محيي الدين ،الذي تناول فيها آثار ابن أبي
الحديد الدبية والنقدية.1
ن لبن أبي الحديد مؤلفات فلسفية ولعل أغلب الدارسين المعنيين بتراث المعتزلة الفكري ،ل يعلمون أ ّ
وكلمية ،استطاع من خللها ،بيان وجهة نظر أصحابه في معظم المسائل الفلسفية والكلمية ،من خلل
ل رابعا.
شرحه بعضها ،وتعليقه على بعض آخر منها ،ونقضه على الثالث ،وتأليفه مؤَلَفا مستق ّ
ن هذه الدراسة ،محاولة
وإذا كان ابن أبي الحديد معروفا في أوساط الدارسين ،بأنه أديب ومؤرخ ،فإ ّ
جديدة للكشف عن شخصية كلمية ،لها آراء مستقلة ،جديرة بأن تجد لها مكانا في دائرة الفكر الكلمي
للمعتزلة.
ل يقتضي العراض عن دراسة ل يكون عام ً
ن فقدان بعض آثاره ،وهو أمر يؤسَف عليه ،ينبغي أ ّ بيد أ ّ
آرائه الكلمية والفلسفية ،وعله سنجعل ما بين أيدينا من نصوصه المتوافرة ،منطلقا لدراسة واحد من أهم
الموضوعات ع ند ا بن أ بي الحد يد ،و هو الوجود الل هي بجم يع مطال به ،ح تى إذا تكاملت الن صوص في
نهاية هذه الدراسة ،سنتعرّف إلى مكانته الحقيقية بين متكلمي عصره.
هو عز الدين أبو حامد عبد الحميد بن أبي الحسين هبة ال بن محمد بن أبي الحديد المدائني ،2الحكيم
الصسولي .3وصسفه معاصسره ابسن الفوطسي ،ت 723هسس ،بقوله :مسن أعيان العلماء ،وأكابر الصسدور
والماثل ،حكيما فاضلً ،عارفا بأ صول الكلم ،يذهب مذهب المعتزلة ،4وعلى خ طى هذا المذ هب كانت
مناقشا ته ومناظرا ته ،إذ له مع الشعري والغزالي والرازي -إ بن الخط يب -ك تب ومواقسف ،5وعدّه
1محيي الدين ،علي جواد :ابن أبي الحديد ،سيرته وآثاره الدبية والنقدية ،رسالة ماجستير غير منشورة جامعة القاهرة.1977 ، 1
ابن الفوطي :تلخيص مجمع الداب في معجم اللقاب ،تحقيق:د .مصطفى جواد ،دمشق ،1967 - 1962 ،ج /4ق .1/190 2
ابن الفوطي :معجز الداب في معجم اللقاب ،القاهرة1329 ،هس ،مطبوع في ذيل المجلد الرابع من شرح نهج البلغة ،ص .575 3
أبو الفضل إبراهيم ،محمد :مقدمة شرح نهج البلغة ،ط ،4دار إحياء الكتب العربية1385 ،هس ،1965 ،ص ،13وهي الطبعة 5
4
الصنعاني ،ت 1121هس ،إماما في علم الكلم ،1كما وصَفه إبن خلكان ،ت 681هس ،وابن شاكر الكتبي،
ت 764هس ،بس الفقيه ،2وآخرون بس الصولي.3
ولد بالمدائن سنة ست وثمانون وخمسمائة ،4ونشأ بها ،وتلقى عن شيوخها ،ودرس المذاهب الكلمية
فيها.5
والده :ه بة ال بن أ بي الحد يد ،قا ضي المدائن وخطيب ها ،وأ حد العدول في ها ،كان فقيها على مذ هب
المام الشافعي ،وقد حدّث بالمدائن وبغداد ،ولد سنة 530هس ،وتوفي سنة 613هس.6
أخوته ثلثة
الول:مو فق الد ين ،كان أديبا فاضلً ،شاعرا مح سنا متر سلً ،مشاركا في أك ثر العلوم ،7وكان أشعريا
في الصول ،8خلفا لخيه -عز الدين -الذي كان معتزليا ،توفي سنة 656هس.9
الثانسي:أبسو البركات ،محمسد بسن هبسة ال ،وصسفه إبسن السساعي ،ت 674هسس ،بأنسه كان أديبا فاضلً،
موصوفا بالذكاء ،وكان عنده فضل غزير وكتابة ضبط تام ،ويقول الشعر.10
الثالث:عبد اللطيف ،كان فقيها على مذهب المام الشافعي ،وكان موصوفا بالفضل ،وله نظر في علم
الكلم والدب ،11توفي سنة 601هس.12
ل أننا نستفيد
أمّا عقبه فلم تخبرنا المصادر التاريخية التي تناولَت سيرته الشخصية ،عن ذِكر عقب له ،إ ّ
ل وولدا ،فهو ن لصاحبنا أه ً
من نص أورده ابن أبي الحديد نفسه في شرحه على نهج البلغة ،ما يشعر بأ ّ
الصنعاني ،يوسف بن يحيى:نسمة السحر في ذِكر مَن تشيّع وشَعر ،مخطوطة مكتبة الشيخ محمد رضا فرج ال ،النجف الِشرف، 1
.2/78
ا بن خلكان :وفيات العيان وأنباء أبناء هذا الزمان ،تحق يق:د .إح سان عباس ،بيروت ،1972 - 1968 ،دار صسادر ،5/361 ،ابسن 2
شاكر الكتبي :فوات الوفيات ،تحقيق :محمد محيي الدين عبد الحميد ،مصر.519 /1 ،1951 ،
ابن الفوطي :تلخيص مجمع الداب ،ج /4ق /1ص ،190بدليل إشارته إلى كتبه الصولية راجع شرح نهج البلغة ،202 /17 3
أبو الفضل إبراهيم :مقدمة شرح نهج البلغة .14 /1 5
المنذري :التكملة لوفيات النقلة ،تحقيق :د .بشار عواد معروف ،النجف الشرف.245 /4 ،1971 ، 6
اليونيني :ذيل مرآة الزمان ،حيدر آباد 1954 ،س .111 /1 ،1961 7
ابن العماد :شذرات الذهب في أخبار من ذهب ،القاهرة.280 /5 ،1351 ، 8
ا بن الفو طي :الحوادث الجام عة والتجارب الناف عة في المائة ال سابعة من سوب إل يه تحق يق :د .م صطفى جواد ،بغداد ،1351 ،ص 9
.326
ابن الساعي :الجامع المختصر في عنوان التواريخ وعيون السير ،تحقيق:د .مصطفى جواد ،9/88 ،1934 ،ابن الفوطي :تلخيص 10
5
ل في موا ضع مقفرة ت أنادي به لي ً
يقول -مقدّما لب عض شعره :-و من شعري أيضا في المع نى ،وكن ُ
ت مالكا أمري ،مطلقا من قيود الهل والولد وعلئق خالية من الناس ،بصوت رفيع ،وأجدح قلبي أيام كن ُ
ش العلماء ،وكا نت خزائن ها بالك تب معمورة،
الدنيا.1انت قل إلى بغداد حاضرة الخل فة وكع بة الق صاد ،وع ّ
ومجال سها بالعلم والدب مأهولة ،فقرأ الك تب وا ستزاد من العلم ،وأو غل في الب حث ،وو عى الم سائل،
ومحّص الحقائق ،واختلط بالعلماء من أصحاب المذاهب.2
عاصر ابن أبي الحديد من الخلفاء العباسيين أربعة منهم:الناصر لدين ال ،ت 622هس ،والظاهر بأمر
ال ،ت 623هس ،والمستنصر بال ،ت 624هس ،والمستعصم بال ،ت 656هس ،لكنّا نلحظ في سيرة ابن
ن أمتن صِلته وأطولها بقاء صلته بالمستنصر بال ،الذي عُرف عنه أنه كان حفيّا بأهل العلم أبي الحديد أ ّ
والدب ،محسنا إليهم ،وهي صلة طويلة ،إطّرحَت فيها ،على ما يبدو ،الحشمة ،وزالت الكلفة ،فقد كثرت
مدائح ابن أبي الحديد في المستنصر بال في مناسبات عدة ،وكان ينتهز فيها الفرصة ليذكر الخليفة بأمر
عِدات الخليفة تترى و صِلته تتوالى على ابن أبي الحديد ،حتى لقد أغناه ماّ ،وتوكيدا لهذه الصلة كانت ٍِ
بنواله وكثرة عطاياه ،ول تكاد تمر مناسبة دون أن يهتبلها صاحبنا ليشيد بالخليفة ،وليعدّد مآثره ،وليصحح
خلفة العباسيين جملة على عادة شعراء السلطين قبله .3ولقد زخر عصر المستنصر بال بالعلماء الذين
اشتهروا بأغلب فروع المعرفة ،التي ألّفوا فيها الكتب والمعاجم والدواوين ،4ومنهم ابن أبي الحديد الذي
كتب برسم الخليفة المذكور كتابه الموسوم بس المستنصريات.5
ن الحياة
ل إلى أ ّ
وإذا ما أرد نا درا سة الع صر الذي عاش ف يه ا بن أ بي الحد يد ،فل بد من الشارة أو ً
الفكرية في كل عصر ،إنما هي نتيجة تفاعل بين المفكرين وبين ما يعيشون فيه من الظروف الثقافية
والجتماعيسة والدينيسة ،ولهذا السسبب تتطلب دراسستنا حياتَه الفكريسة أن نقسف على عناصسرها الصسلية
والمنحولة التي أّثرَت فيه.
ن ابن أبي الحديد عاش في عصر كان العقل نشيطا خلّقا ،والفكر خصبا مبدعا،
وعلى هذا الساس فإ ّ
ف قد ازدهرت الحياة الفكر ية في هذا الع صر على اختلف ها ،فبل غت در جة عال ية من الن ضج والشمول
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة .13/52 1
راجع محيي الدين :ابن أبي الحديد ص .115 .113 ،112 3
معروف ،ناجي :تاريخ علماء المستنصرية ،مطبعة العاني ،بغداد.2/151 ،1965 ، 4
ابن الفوطي :تلخيص مجمع الداب ،ج /4ق 1/190س .191 5
6
والكتمال ،ووض عت أ هم المؤلفات في كل علم و في كل فن ،ول قد ساعد على ازدهار الحياة الفكر ية
وتقدمها ،كثرة المدارس والمكتبات ،وكان للمدرسة النظامية 1والمستنصرية أثرهما البالغ في رقي الحياة
الفكر ية ،ف قد تخرّج فيها جمهرة كبيرة من أعيان الدب والعلم ،وبق يت مر كز إشعاع فكري ح تى سقوط
بغداد على أيدي التتار سنة 656هس.2
ن الصراع الفكري الذي شمل هذا العصر الذي عاش فيه ابن أبي الحديد كان قائما وعلى الرغم من أ ّ
بين المحدّثين من جهة ،وبين الفلسفة والمتكلمين من جهة أخرى ،أو بين أهل النقل وأهل العقل ،كما
ن ذلك لم يحل دون ظهور طائفة كبيرة من الفلسفة والمتكلمين الذين كان لهم -فيما بعد لأ ّ
يسمونهم ،إ ّ
-دور بارز في الثقا فة العرب ية بخا صة و في الثقا فة الوروب ية بعا مة ،ول قد كان للمعتزلة وغير هم من
أرباب المذاهب والعقائد والنحل المختلفة من أشعرية وإمامية وزيدية ،أثرهم البيّن في تقدّم الفلسفة وعلم
ج بأصحاب المذاهب والفرق المختلفة ،فكان الكلم في عصر ابن أبي الحديد ،فقد كانت بغداد خاصة تع ّ
الجدل قائما ،والمناظرات مستمرة ،مما أدى إلى تفرّع الفرق وتعددها ،فعكف علماء كل نحلة على تأليف
الك تب الكلم ية في شرح عقيدت هم ،والذود عن ها ،فن شط الف كر ال سلمي في هذه الحق بة نشاطا واضحا،
وبرع في علم الكلم طائ فة من مشاه ير العلماء ،وكان ا بن أ بي الحد يد نف سه واحدا من أش هر متكل مي
عصره.3
ن من أكثر عهود الثقافة السلمية في ذلك العصر ازدهارا هو عهد الخليفة الناصر لدين ال على أ ّ
الذي ابتدأ في أواخر القرن السادس للهجرة ،ففي ذلك العهد الزهر لمعت شخصيات من أحرار الكتّاب
والعلماء والفلسفة والمؤرخين ،4ففي هذا العهد ولد ابن أبي الحديد وترعرع حتى الفتوة.
ل إلى منصسب كاتسب ديوان الخلفسة أيام أمسا المناصسب التسي تقلّدهسا ابسن أبسي الحديسد ،فلم يشسر إ ّ
ن معاصره ابن الفوطي لأ ّالمستنصر ،تلك اليام التي يصفها ابن أبي الحديد بأنها أيام غراء زاهرة ،5إ ّ
أشار إلى أنه كان كاتبا في دار التشريفات ،ثم كاتبا في المخزن سنة 629هس ،ثم عُين كاتبا في الديوان ،ثم
ُرتّب سنة 642هس مشرفا للبلد الحلّية ،ثم ناظرا في البيمارستان العضدي،6
ل أنه كان منصرفا إلى البحث والتأليف ،بدليل ما ذكره لنا ابن
وبالرغم من أنه تقلد هذه المناصب ،إ ّ
الفو طي سابقا من أ نه كان من أعيان العلماء الفا ضل ،وأكابر ال صدور والما ثل ،حكيما فاضلً ،كاتبا
ل تفوتنا الشارة س هنا س إلى حضور ابن أبي الحديد ،وهو غلم بالنظامية ببغداد انظر :شرح نهج البلغة .14/280 1
مصطفى جواد :أبو جعفر النقيب ،مطبعة الهلل ،بغداد ،ص 8س .9 4
ابن الفوطي :تلخيص مجمع الداب ،ج /4ق ،1/190الغ سّاني :العسجد المسبوك والجوهر المحكوك في طبقات الخلفاء والملوك، 6
تحقيق :شاكر محمود عبد المنعم ،مطبوعة بالرونيو ،1970 ،ص .550
7
كاملً ،عارفا بأ صول الكلم ،1وتجلّت براع ته الفكر ية في شر حه كتاب ن هج البلغة ،الذي ا ستغرق من
جهده خمس سنين سنة 649 - 644هس.2
أهم أساتذته
والذي يهمنا ،هنا ،أبرز أساتذته الذين تتلمذ عليهم في علم الكلم ،نذكر منهم ثلثة :أبو يعقوب ،يوسف
بن اسحق اللمغاني ،وعمر بن عبد ال الدباس ،وأبو جعفر النقيب.
فأبو يعقوب هو :يوسف بن إسماعيل بن عبد الرحمن اللمغاني الحن في ،و صَفه ابن الساعي بكونه
ي
عارفا بالمذاهب والخلف والكلم ،3ذكره ابن أبي الحديد في معرض تفسيره جانبا من كلم المام عل ّ
ت قرأتُه
خطَبه التي خطبها في البصرة ،فقال :هذا كلم يحتاج إلى شرح ،وقد كن ُ ع ،المذكور في إحدى ُ
على الش يخ أ بي يعقوب يو سف بن إ سماعيل اللمغا ني ،رح مه ال ،أيام اشتغالي عل يه بعلم الكلم .4و في
ل أنه في التفضيل كان بغداديا.5
نص آخر أشار إلى أنه لم يكن يتشيع وكان شديدًأ في العتزال ،إ ّ
ن ابنن وفاة اللمغاني سنة 606هس ،وولدة ابن أبي الحديد سنة 586هس ،فهذا يعني :أ ّ وإذا ما علمنا أ ّ
أبي الحديد تلمّذ عليه ،وهو دون سن العشرين ،وذلك دليل عبقرية مبكرة ،إذ ليس من المألوف -عادة -
ل عن أن يتفوّقوا أن يقوى مَن هم في مثل هذه السن على دراسة العلوم العقلية البحتة ،كعلم الكلم ،فض ً
ن الف تى قد ا ستكمل درا سة المقدمات ،وم هر في ها ق بل أن ينت قل إلى درا سة علم
في ها ،و هو دل يل على أ ّ
الكلم.6
أمّا ع مر بن ع بد ال الدبّاس ،ف قد و صَفه ا بن ال ساعي بأ نه كان ذا ف ضل وا فر ،وإلمام بالدب ،وعلم
ت أح ضر م عه سماع الكلم ،7ذكره ا بن أ بي الحد يد في شر حه على الن هج ،فقال ع نه :أ ستاذي ،و كن ُ
الحديث ،8توفي سنة 601هس.9
8
أما أبو جعفر النقيب ،فهو يحيى بن محمد بن أبي زيد الحسني .كان ابن أبي الحديد من أقرب التلميذ
إليه ،وأكثرهم اختلفا إلى مجلسه ،1وقد و صَفه بأنه كان منصفا بعيدا عن الهوى والعصبية ،2كما أثنى
عليه في نص آخر ،قال :وكان رحمه ال على ما يذهب إليه من مذهب العلوية ،منصِفا وافر العقل.3
والملحَظ هنا أنه على الرغم مما كان بين التلميذ وأستاذه من اختلف في العقيدة ،فقد كان أبو جعفر
علويا زيديا ،وابسن أبسي الحديسد معتزليا شافعيا ،فإنّس ذلك لم يمنسع مسن أن تتوطسد العلقسة بينهمسا ،وتزداد
رسوخُا على مر اليام ،وأن يفضي الستاذ إلى تلميذه بآراء قد تبدو -في ذلك الوقت -شاذة ناشزة ،ل
ل عن العامة والدهماء ،ومن هنا تأتي أهمية هذه الحاديث ،وما لها يستسيغها الخاصة من العلماء ،فض ً
من قيمة علمية.4
وفاتـه
توفي ابن أبي الحديد في جمادى الخرة ،من سنة ست وخمسين وستمائة ،وعمره سبعون سنة وستة
أشهر ،5على أرجح القوال.6
خلّف لنا ابن أبي الحديد مؤلفات فلسفية وكلمية ،ل يزال أغلبها مفقودا ،كغيرها من المؤلفات الفكرية
للعتزال.7
ن أبرز صعوبات البحث في العتزال البغدادي ،هو ن ابن أبي الحديد من معتزلة بغداد ،فإ ّوحيث أ ّ
ندرة م صادره ،فإذا كان ما ٌك تب عن الب صريين أو نشأت هم وفِرق هم ورجالت هم ،ف قد ي سّر للباحث ين مادة
ل فسي حدود غنيسة ،شكلت صسورة واضحسة لمعتزلة البصسرة ،فقسد كان نصسيب مدرسسة بغداد ل يُذكسر إ ّ
الملحظات الضي قة أو الشذرات المتناه ية ال صغر ،ال تي ل يم كن أن تعّي ن ماد ًة لموضوع أو ُتتَخَذ أ ساسا
مصطفى جواد :أبو جعفر النقيب ص .35 1
هناك من المؤرخين من ثبّت وفا ته سنة 655هس ،ومنهم :ابن شاكر الكتبي في فوات الوفيات ،519 /1وا بن كثير في البدا ية 6
والنهاية ،13/20وهناك من يميل إلى أنه توفي سنة 656هس ،ومنهم :ابن الفوطي في تلخيص مجمع الداب ج /4ق ،1/191إ ّل
أ ّن المرجح هو أ ّن وفاته سنة 656هس انظر :محيي الدين :إبن أبي الحديد ص 78س .79
تقول فلزر :وأمّا مصنفات المعتزلة فقد ضاع أغلبها ،ولذا يضطر الباحث عنها إلى استنباط مقالتهم من الكتب المجادلة لهم والرد 7
علي هم ،و من الك تب ال تي ألّف ها علماء ال سنة في مقالت الفرق السلمية .ان ظر فلزر ،سوسنّة ويل فد :مقد مة كتاب طبقات المعتزلة،
تحقيقها 1380 ،س ،1961بيروت ،ص ط.
9
ن
لبحث ،1ولو أنها وصلت إلينا لكانت خير معين لنا في فَهم سيرته وفلسفته في الحياة ،وليس من شك أ ّ
ن ابن أبي الحديد أعاننا حين ذكر أغلبها في معرض لأ ّهناك مؤلفات أخرى لم تصل إلينا أسماؤها ،2إ ّ
حديثه عن بعض المسائل الفلسفية أو الكلمية ،التي ذكرها في شرحه على نهج البلغة ،مما يغنينا عن
البحث في صحة نسبتها إليه.
وفي هذا المقام أحاول أن أعرض إلى مؤلفات ابن أبي الحديد الفلسفية والكلمية بشيء من التفصيل،
فأش ير إلى المطبوع من ها والمخطوط ،بعد ها أش ير إلى أما كن وجود المخطوط ،مع ذ كر تار يخ ن سخه
ت إلى ذلك سبيل.
ومواضعه ،ما استطع ُ
ت مؤلفاته إلى قسمين:
وقد قسّم ُ
الول :مؤلفاته الموجودة بين أيدينا ،وهي إماّ:
مطبوع ،مثسل شرحسه على نهسج البل غة ،أو مخطوط ،حاولتُس الحصسول عليسه ،مثسل التعليقات على
محصل الفكار.
مخطوط ،ولكني لم أستطع الحصول ،أو الوقوف عليه لسباب سأذكرها في حينها.
الثانسي:مؤلفاتسه المفقودة ،بحسسب علمنسا الن ،ول توجسد منهسا أيسة نسسخة فسي معظسم مكتبات العالم
المشهورة.
القسم الول:
أ .ما وصل إلينا من مؤلفاته المطبوعة والمخطوطة.
شرح نهج البلغة :وهو كتاب ضخم يقع في عشرين جزء ،ألّفه ابن أبي الحديد لخزانة الوزير مؤيد
الدين ،التي كانت تضم عشرة آلف مجلد من نفائس الكتب ،3إذ قال في آخر هذا الكتاب :كان مصنوعا
لخزانته ،وموسوما بسمته ،4تم تصنيفه في مدة قدرها أربع سنين وثمانية أشهر ،وهي مدة خلفة المام
أمير المؤمنين ع ،على حد تعبيره.5
و تظ هر قي مة الكتاب -على ما يرى الستاذ علي مح يي الد ين -في ما تضم نه من البحوث القي مة،
فهو في الحقيقة موسوعة عربية ،يع ّز نظيرها بين الموسوعات الخرى ،ومنه نستطيع أن نقف على ما
ل القلئل وإحاطسة شاملة بمختلف المعارف للرجسل مسن ثقافسة شاملة ،وقدرة على التتبسع ق ّل أن يرزقهسا إ ّ
الشائعة في عصره ،6ففي ثنايا هذا الكتاب نجد كثيرا من آرائه العتزالية والكلمية ،على وفق أصول
ل عن تضمينه في هذا السفر الجليل معارف وعلوما جليلة ،استقاها من كتب التاريخ والدب مذهبه ،فض ً
والشعر واللغة والكلم والفلسفة.
الراوي ،عبد الستار :ثورة العقل ،دراسة فلسفية في فكر معتزلة بغداد ،دار الشؤون الثقافية العامة ،ط ،2بغداد ،1986 ،ص .20 1
ابن الطقطقى ،محمد بن علي :الفخري في الداب السلطانية والدول السلمية ،مصر ،1923 ،ص ،285ابن الفوطي :الحوادث 3
10
ن ابن أبي الحديد ،لدى حديثه في مسألة كلمية أو فلسفية ،في أثناء شرحه على ومن هنا نلحظ أ ّ
النهسج ،يحيسل كثيرا إلى مؤلفاتسه الخرى ،للسستزادة واليضاح بشأنهسا ،مثسل إشارتسه إلى كتبسه :شرح
مشكلت الغرر ،1والعبقري الح سان ،2وزيادات النقضين ،3ور سالة في اللذة واللم ،4وتقر ير الطريقتين،5
في إشارات تغنينا عن البحث ،وتدلنا على نسبة هذه المؤلفات إليه ،بل أدنى شك.
ن جميع ما ورد في هذا الكتاب من ولبن أبي الحديد رأي في نسبة كتاب نهج البلغة ،فهو يرى أ ّ
ن كثيرا من أرباب الهوى يقولون: الخطب والوامر والرسائل والمواعظ وال َكلِم للمام علي ع ،إذ يقول :إ ّ
ن كثيرا من نهج البلغة كلم محدَث ،صَنعَه قوم من فصحاء الشيعة ،وربما عزو بعضه إلى الشريف أّ
الرضسي أبسي الحسسن ،ت 406هسس ،وغيره ،وهؤلء قوم أعمست العصسبية أعينهسم ،فضلّوا عسن النهسج
ل وقلة معر فة بأ ساليب الكلم ،وأ نا أوضّح لك بكلم مخت صر ما الوا ضح ،وركبوا بنيّات الطر يق ،ضل ً
جاء في هذا الخاطر من الغلط ،فأقول :ل يخلو إمّا أن يكون كل نهج البلغة مصنوعا منحولً ،أو بعضه،
والول باطل بالضرورة؛ لنّا نعلم بالتواتر صحة إسناد بعضه إلى أمير المؤمنين ع ،وقد نقل المحدّثون
كلهم أو جلّهم ،والمؤرخون كثيرا منه ،وليسوا من الشيعة لينسبوا إلى غرض في ذلك ،والثاني يدل على
ن مَن قد أنس بالكلم والخطابة ،وشدا طرفا من علم البيان ،وصار له ذوق في هذا الباب ،لبد ما قلناه؛ ل ّ
أن يفرّق ب ين الكلم الرك يك والف صيح ،وب ين الف صيح والف صح ،وب ين الصيل والمولّد ،وإذا و قف على
كرّاس واحد يتضمن كلما لجماعة من الخطباء ،أو لثنين منهم فقط ،فلبد أن يفرّق بين الكلمَين ،ويميز
بين الطريقتين ،أَل ترى أنّا مع معرفتنا بالشعر ونقده ،لو تصفحنا ديوان أبي تمام ،فوجدناه قد كتب في
أثنائه قصائد أو قصيدة واحدة لغيرهَ ،لعَرفنا بالذوق مباينتها لشعر أبي تمام وَنَف سِه ،وطريقتِه ومذهبِه في
القريض.
وأنت إذا تأملت نهج البلغة وجدتَه كله ماء واحدا ،وَنفَسا واحدا ،وأسلوبا واحدا ،كالجسم البسيط الذي
ل يس ب عض من أبعا ضه مخالفا لبا قي البعاض في الماه ية ،وكالقرآن العز يز ،أوّله كأو سطه ،وأو سطه
كآخره ،وكل سورة منه ،وكل آية منه مماثلة في المأخذ والمذهب والفن والطريق والنّظم لباقي اليات
ل وبع ضه صحيحا ،لم ي كن ذلك كذلك ،ف قد ظ هر لك بهذا وال سور ،ولو كان ب عض ن هج البل غة منحو ً
ن هذا الكتاب أو بعضه منحول إلى أمير المؤمنين عليه السلم.6 البرهان الواضح ضلل مَن زعم أ ّ
وفي نص آخر يقول :فسبحان مَن منح هذا الرجل هذه المزايا النفيسة والخصائص الشريفة؛ أن يكون
غلم من أبناء عرب مكة ،ينشأ بين أهله لم يخالط الحكماء ،وخرج أعرف بالحكمة ودقائق العلوم اللهية
ن قريشا لم يكن أحد منهم حكَم الخُلقية والداب النفسانية؛ ل ّ
من أفلطون وأرسطو ،ولم يعاشر أرباب ال ِ
مشهورا بمثل ذلك ،وخرج أعرف بهذا الباب من سقراط.7
11
وقد تصدى لشرح نهج البلغة جملة من العلماء والفاضل ،أحصى السيد هبة ال الشهرستاني من
هذه الشروح أكثسر مسن خمسسين شرحا ،أشهرهسم أبسو الحسسين البيهقسي ،وفخسر الديسن الرازي ،والقطسب
الراوندي ،وكمال الدين محمد بن ميثم البحراني ،والشيخ محمد عبده ،1ت 1323هس.
.2التعليقات على المحصل :وهو من مؤلفات ابن أبي الحديد المخطوطة إلى الن ،توجد منه نسخة
ت على المصورة الفريدة منها أيضا في العراق ،والموجودة
فريدة في المكتبة الوطنية في أنقرة ،وقد وقف ُ
بحوزة الستاذ علي محيي الدين ،في النجف الشرف ،سنة النسخ 678هس.
وي سميه الب عض ب س شرح المح صل ،2وآخرون ب س التعليقات ،3و هو ال صح ،بهذا ال سم ،ك ما هو
مصرّح به من قبل ابن أبي الحديد نفسه ،يقول :ثم أنّي متتبّع في كتابي هذا الرازي الشعري ،مع تجنب
ن ابن أبي
ت به في التعليق الذي قبله .4ومعنى هذا أ ّ
التكرير ،وبذل الجهد في التيان في كل تعليق بما لم آ ٍِ
الحديد تجاوز خطبة الكتاب ،ولم يعلّق عليها ،ليبتدئ بالحديث عن التصورات.5
والملحَظ أنه لم يذكر النص الموجود في المحصل ،إنما يحاول تلخيصه بأسلوبسه الخاص ،يظهر
ذلك من خلل قوله :وأنا أتأوّل كلم الفضلء وأحمله على أحسن محامله ما وسعني التأويل .6كما أنه لم
يكتف أحيانا باختصار النص ،وإنمسا يتعدى ذلك إلى اختصار عنوان المسألة.7
وإذا تأملنا في منهجية ابن أبي الحديد في تأليفه الكتاب ،نجده قد اخّر التعليق على القضايا المنطقية
ال تي ذكر ها الرازي في بدا ية المح صل ،8إلى نها ية التعليقات ،9كذلك ن جد أ نه تجاوز عدة م سائل من
المحصل ،ما لبث أن عاد إليها فيما بعد ،كما هو الحال في مسائل :إثبات المؤثر ،10وإثبات وجوب وجود
المؤثر ،11وكونه تعالى عالما ،12وأنه تعالى ل يجوز قيام الحوادث بذاته. 13
ن سبب عدم ذكره ب عض الم سائل الواردة في مح صل الفكار هذا من جا نب ،و من جا نب آ خر فإ ّ
بصورة نهائية ،يعود إلى أنه كان يتناول ما صرّح به فخر الدين الرازي ،ت 606هس ،فقط من المسائل
التي اختلف بها مع المعتزلة ،ولذلك كانت مهمة ابن أبي الحديد ،كما يبدو ،كشف وجه اختلف الرازي
مع أصحابه -أصحاب ابن أبي الحديد -المعتزلة ،مثل ما أورده الرازي في مسألة تماثل الجسام خلفا
الشهرستاني ،هبة ال:ما هو نهج البلغة ،مطبعة العرفان ،صيدا ،ص 8س .10 1
حاجي خليفة :كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ،طبع استانبول1941 ،م.2/1614 ، 3
ا بن أ بي الحد يد :التعليقات على المح صل ،م صورة عن ن سخة جام عة ا ستانبول ،بر قم ،3297مكت بة ال ستاذ علي مح يي 4
الدين ،النجف الشرف ،ورقة 375أ ،كما وردت لفظة التعليق في ن ،م 441أ.
ن ،م ،ورقة 375أ. 5
ن ،م ،ورقسة 387أ ،مقار نة على التوالي ب س مح صل الفكار وبذيله تلخيسص المحصسل لنصسير الد ين الطوسسي المحقسق ،ط ،1 7
الرازي :محصل الفكار ص ،213ابن أبي الحديد :التعليقات ورقة 403ب. 10
12
للّنظّام ،1والدراك ع ند سلمة الحا سة وح صول المب صر و سائر الشرائط غ ير وا جب عند نا ،على حد
ت عبير الف خر الرازي ،خلفا للمعتزلة والفل سفة ،2و م سالة العلة الواحدة يجوز أن ي صدر عن ها أك ثر من
معلول واحد عندنا خلفا للمعتزلة والفلسفة.3
وقسد اتصسفت المخطوطسة بكثرة الخطاء الملئيسة والنحويسة ،وهذا يتضسح مسن خلل مقابلتهسا مسع
الن صوص الواردة في مح صل الفكار ،م ثل كل مة ح صول وردت في المخطوط بت عبير أ صول ،4ولذا
تجدني أقوم بمهمة الشارة إلى تصحيح ذلك من خلل هوامش هذه الدراسة.5
ن ناسخ المخطوطة غير عربي ،بدليل ما ذُكر من بعض ن هناك إشارات يتبين من خللها أ ّ
كما أ ّ
العبارات الخاطئة ،مثل وأنتم يقولون ،والصحيح تقولون ،وعبارة ل تجوز أن يتحرك فيعمل ،6والصحيح
ل يجوز ،وعبارة أن يكون الجهة ،7والصحيح أن تكون الجهة.
وفي هذه التعليقات يقتصر ابن أبي الحديد على ذكر واحد من الفلسفة المسلمين ،فقط ،وهو ابن سينا،
428هس ،وذلك في معرض حديثه عما ذهب إليه الفلسفة في مسألة كون ال تعالى ل يعلم الجزئيات.8
وقد أشار ابن أبي الحديد في تعليقاته على المحصل إلى اثنين من علماء الشعرية ،في مسائل كلمية
معينة ،هما ،الباقلني ،ت 403هس ،والجويني ،ت 478هس :،فقد ذكر الول أربع مرات :أحال في ثلث
من ها إلى كتا به -كتاب الباقل ني -هدا ية الم سترشدين ،9والراب عة دون إحالة إلى كتاب ،10وذ كر الثا ني
ثلث مرات :في الولي أحال فيها إلى كتابه الشامل ،11والخرى إلى كتابيه ،الشامل والرشاد ،12وجرى
ي من كُتبه.13
ذِكره ثالثة دون إحالة إلى أ ّ
مثل جملة مما سّة الجسم ،أو مما سّته لجسم آخر التعليقات ورقة 400ب ،والصحيح :أو مباينته لجسم آخر .راجع المحصل ص 5
181أمّا الجملة الخرى فهي ل يصح وجود أحدهما -الفعلن -إلى مع الثاني التعليقات ورقة 431ب والصحيح :إ ّل مع الثاني.
ابن أبي الحديد :التعليقات ورقة 385ب. 6
ن ،م ورقة 408أ ،وحول موقف ابن سينا من مسألة العلم اللهي ،انظر :ابن سينا :الشارات والتنبيهات ،مع شرحه لنصير الدين 8
ن ،م ورقة 414أ ،والمسألة كانت بخصوص المعاني القديمة القائمة بذات البارىء سبحانه ليست معلولة لذات البارىء .انظر 11
الجويني :الشامل في أصول الدين ،تحقيق :هلموت ريتر ،ط ،1القاهرة ،1961 - 1960 ،ص .177
ن ،م ورقة 457ب ،والمسألة كانت بخصوص المتحيز إمّا أن يكون قاب ًل للنقسام ،أو ل يكون ،والول هو الجسم ،والثاني هو 12
13
أمّا شيوخ فرق ته -المعتزلة -ف قد أشار إلى ثلثة من هم :و هم أ بو علي الجبائي ،1ت 303ه س ،وولده
أبو هاشم ،2ت 321هس ،وأبو الحسين البصري ،ت 436هس ،الذي كان ابن أبي الحديد يُكثر من ذكره
بأنس لشيخسه هذا كلما فسي
والشادة بسه فسي أكثسر المباحسث الواردة فسي التعليقات ،إشعارا منسه للقارئ ّ
الموضوع الفلني تارة ،وأخرى يدافع عنه ،في معرض إشارته إلى الفرق بين نفاة الحوال من الشعرية
وأبي الحسين البصري ،3وإلى رأي أبي الحسين البصري في الثواب والعقاب.4
ن ا بن أ بي الحد يد أ نه لم ترد في كتا به التعليقات هذا أ ية إشارة إلى أ حد من متكل مي
والغر يب في أ ّ
الشيعة المامية السابقين عليه ،كالشيخ المفيد413 ،هس ،والشريف المرتضى436 ،هس ،والشيخ الطوسي،
ت 460ه س ،أو المعا صرين له ،أمثال المح قق الطو سي ن صير الد ين ،ت 672ه س ،والمح قق الحلي ،ت
ت إليهم
676هس ،في حين أنه ذكر ،في مسائل كلمية متفرقة ،متكلمين آخرين ،معتزلة وأشعرية ،أشر ُ
فيما تقدّم ،أمثال الجبائيّين وأبي الح سين الب صري والباقلني والجويني ،وهذا ما يؤكد عدم كو نه إما مي
العقيدة.
ب .مؤلفاته المخطوطة التي لم أستطع الحصول عليها.
والمشكلة التي واجهتني -شأني في ذلك شأن معظم الباحثين العراقيين أثناء فترة الحصار الجائر -
ن جم يع مؤلفات ا بن أ بي الحد يد الكلم ية والفل سفية ،با ستثناء شر حه على الن هج، سيّما الثقا في م نه -أ ّ
موجودة خارج العراق ،مما يتطلب السفر إلى أماكن وجودها ،أو مراسلة المكتبات الموجودة فيها ،وحيث
ت مع ظم المكتبات ن الولي متعذرة ،لذا تجد ني مضطرّا إلى سلوك الطر يق الثا ني ،وبالف عل ف قد را سل ُ أ ّ
العالم ية المعرو فة باحتوائ ها لغلب التراث العر بي ،م ثل مكت بة المت حف البريطا ني بلندن ،مكت بة جام عة
كامبردج ،دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة ،ومكتبات تركيا التية :مجمع التاريخ التركي في أنقرة،
مج مع الل غة الترك ية في أنقرة ،مع هد بحوث أتاتورك في أنقرة ،مكت بة أ يا صوفيا في ا ستانبول ،المكت بة
الرشيدية في استانبول ،المكتبة السليمانية في استانبول ،والمكتبة الوطنية في أنقرة ،وفي الوقت الذي لم
أحصل على ما أبت غي من لندن وكامبردج والقاهرة ،ف قد أجابتني إحدى المكتبات التركية ،و هي المكتبة
ن المؤلفات الكلمية والفلسفية لبن أبي الحديد موجودة لديهم ،وأنه بالمكان إرسالها، الوطنية في أنقرة بأ ّ
ل أنهم أخلفوا في الوعد ،مما دفعني إلى مراسلتهم مرة أخرى ،فأجابوني بنفس الجواب السابق ،بيد أنهم إّ
أخلفوا في الوعد تارة أخرى ،مما اضطرني إلى العتماد في هذه الدراسة على شرح نهج البلغة ،ومن
ي الشارة إلى طريق حصوله. المخطوطات على كتاب التعليقات ،التي سبقت من ّ
وفي العرض التي أحاول إعطاء فكرة عما احتوته هذه المؤلفات ،حسبما أشار إليها ابن أبي الحديد
نفسه في شرحه على النهج ،أو في تعليقاته على المحصل.
392أ 408 ،ب 418 ،ب 459 ،ب. ن ،م ورقة 3
14
تقر ير الطريقت ين:ذكره ا بن أ بي الحد يد في شر حه على الن هج ،وأحال إل يه في معرض إيراده آراء
أصحابه ،في كونه تعالى مد ِرِكا للمسموعات والمبصَرات ،حيث قال -بعد أن أورد اختلف أصحابه في
هذه المسألة :-وهذا البحث مشروح في كتبي الكلمية لتقرير الطريقتين وشرح الغرر.1
الرسالة الشرفية في كشف الفلسفة الحفية:ذكرها ابن أبي الحديد في معرض تعليقاته على الشبهة التي
حكاها فخر الدين الرازي ،لمن نفي كون البارئ تعالى مريدا ،حيث قال -بعد تعليقه على ذلك :-وقد
ت هذا الموضع في الرسالة الشرفية في كشف الفلسفة الحفية ،شرحا بما ل مزيد عليه ،2كما ذكرها
شرح ُ
حاجي خليفة في كتابه كشف الظنون.3
رسالة في اللذة واللم على مذهب الفلسفة:وهي رسالة فلسفية ،عرض فيها ابن أبي الحديد ،مسألة
جواز إطلق اللذة واللم على ال تعالى أو نفي ها ،أشار إلي ها في معرض حدي ثه عن الموضوع المذكور،
فقال :واتفقت الفلسفة على أنه ملتذ بذاته وكماله ،وعندي في هذا القول نظر ،ولي في اللذة واللم رسالة
مفردة ،4كما أنه أشار إليها في أثناء حديثه عن الموضوع ذاته في كتابه التعليقات.5
زيادات النقضيسن:وهذا كتاب ذو أسسلوب كلمسي ،عرض فيسه آراء أصسحابه المعتزلة وبقيسة الفرق
السلمية ،بخصوص مسائل كلمية معينة ،أشار إلى واحدة منها في شرح نهج البلغة ،وهو يحيل إلى
زيادات النقض ين ،أل و هي م سألة رؤ ية ال تعالى يوم القيا مة ،إذ قال :و قد شر حت هذا الموضوع في
ن الرؤية المنزهة عن الكيفية التي يزعمها أصحاب الشعري تأّكتابي المعروف زيادات النقضين ،وبيّن ُ
ن العلم ل يشخّص المعلوم ،والرؤيا تشخّص لبد فيها من إثبات الجهة ،وأنها ل تجري مجرى العلم؛ ل ّ
ل مع كون المشخّص ذا جهة.6 المرئي ،والتشخيص ل يمكن إ ّ
شرح مشكلت الغرر:وهو شرح على كتاب غرر الدلة في أصول الكلم ،لبي الحسين البصري،7
ذكره ابن أبي الحديد في كتابيه شرح نهج البلغة والتعليقات ،فقد ذكره في شرحه على النهج ،وأحال إليه
مرتين:
الولى:حينمسا أحال إليسه ،فسي معرض إيراده آراء أصسحابه فسي كونسه تعالى مدرِكا للمسسموعات
والمبصَرات ،إذ قال :وهذا البحث مشروح في كتبي الكلمية لتقرير الطريقتين وشرح الغرر.8
الثانية :حينما أحال إليه ،في معرض إيراده الخلف حول الفضلية .هل هي شرط في المامة أو ل؟
قال :وقد تكلمنا في شرح الغرر لشيخنا أبي الحسين رحمه ال تعالى في هذا البحث بما ل يحتمله كتاب.9
ابن أبي الحديد :التعليقات ورقة 462ب ،وانظر الرازي :المحصل ص 243س .245 2
ابن الفوطي :معجز الداب ص ،575ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة .1/169 7
15
أمّا مورد ذكره فسي التعليقات ،فقسد جاء فسي معرض اعتراضسه على مسا أفاده فخسر الديسن الرازي،
ت في شرح الغرر ما استدل به -الرازي - ت ذكر ُ
بخصوص مسألة الرادة النسانية ،إذ قال :وقد كن ُ
في المحصول على هذه المسألة.1
.6شرح الياقوت :أشار إليه ابن الفوطي ،2وهو شرح لكتاب الياقوت ،الذي يعد من المصادر القديمة
فسي علم الكلم ،لبسن نوبخست ،ت 346هسس ،وقسد شرَحسه أيضا ابسن المطهسر الحلّي ،ت 726هسس ،مسن
المامية ،فأسماه :أنوار الملكوت في شرح الياقوت ،وهو كتاب مطبوع تناول فيه مؤلفه كل المسائل التي
وردت في الصل ،ثم شرَحها واحدة بعد أخرى ،ولم يرد ذكر لهذا الشرح في المتداول بين أيدينا من آثار
ابن أبي الحديد.
ن كتاب الربعين في أصول الدين لفخر الدين الرازي ،وقد أشار ابن أبي
.7نقض الربعين:معلوم أ ّ
الحديد إلى هذا النقض في التعليقات على محصل الفكار ،لفخر الدين الرازي في موضعين:
الول:فسي معرض حديثسه عسن موضوع المعدوم ،هسل هسو ممتنسع الثبوت أو ممكسن الثبوت؟ إذ قال:
وتكلمنا نحن عليه في نقض الربعين.3
الثا ني :في معرض حدي ثه عن موضوع المم كن حال بقائه ،هل يستغني عن المؤثر أو ل؟ قال :و قد
ت البحسث فسي هذا الموضوع فسي التعليسق على كتاب الربعين ،4ولم يرد ذكسر لهذا النقسض فسي
اسستقصي ُ
شرحه على النهج.
القسم الثاني:مؤلفاته المفقودة التي ل تعرَف لها نسخة مخطوطة في مكتبات العالم،
...وهما كتابان:
.1الرسالة النظامية :ويبدو أنها رسالة كلمية صِرف ،بدليل:
ما أفاده ا بن أ بي الحد يد ،تعليقا على ما ذكره الف خر الرازي ،في م سألة كو نه تعالى عالِما ،هل هو
ن هذا الموضوع قد ذكرتُه في الرسالة النظامية ،واعترضتُه
لذاته ،أو بعلم قديم .5إذ قال ابن أبي الحديد :إ ّ
ت القول فيه.6
وأشبع ُ
ما أفاده في التعليقات على المحصل ،في معرض تعليقه على كلم فخر الدين الرازي ،في مسألة إنّا
ن وجود ما علم ال تعالى وجوده وادّعاه فاعلون قال ابن أبي الحديد :أمّا شبهة الداعي ،فقد سبق الكلم ،وأ ّ
ن تكل يف الكا فر اليمان تكل يف ما ل قدرة له عل يه ،ف قد
ن خلفه ممت نع ،وأ ّ -الرازي -أ نه وا جب ،وأ ّ
أسهبنا الكلم فيه في الرسالة النظامية.7
16
.2العبقري الحِسان :ذكره ابن الفوطي ،إذ قال :ومن تصانيفه :العبقري الحسان ،وهو كتاب غريب
الوضع ،قد اختار فيه قطعة وافرة من الكلم ،1أشار إليه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلغة والتعليقات
والفلك الدائر ،حيث أشار في الول في موضعين ،2وفي الثاني ،في موضع واحد ،وذلك في معرض رده
ن الجسام مرئية ،خلفا للفلسفة ،3قال ابن أبي الحديد: على الفخر الرازي ،حينما ذكر في المحصل أ ّ
ى ونظر طويل ،ذكرتُه في كتاب العبقري الحِسان ،4أما في الفلك الدائر،
ولي في هذه المسألة كلم مستقص ً
فقد أشار إليه في موضعين.5
وأخيرا نلحظ أنه قد فات على الستاذ علي محيي الدين ،عندما اعتبر كتاب ابن أبي الحديد الموسوم
ن كتاب
ب س العتبار على كتاب الذري عة في أ صول الشري عة بأ نه من م صنفاته الكلمية ،6وال صحيح أ ّ
الذريعة هو كتاب في علم الصول ،وليس في علم الكلم ،وهو من مؤلفات الشريف المرتضى ،7ت 43
6هس.
أفكاره الفلسفية والكلمية
ن ابن أبي الحديد يمثل نحلة دينية كانت لها آراؤها وفلسفتها في كثير من
وبناء على ما تقدّم نلحظ أ ّ
مسائل الدين التي تتجافى مع ما عليه الكثرية الغالبة من فرق المسلمين ،فلقد كانت له ،كما كانت لغيره
مسن المعتزلة ،خصسومات ومعارك عاصسفة مسع المحدّثيسن ،والشاعرة ،والشيعسة ،والمرجئة ،والقدريسة،
والمجسمة ،وأهل النقل عموما.8
ونستطيع من خلل كتبه الموجودة ،الفادة في تلمّس صورة واضحة لفكار هذا الرجل ،فنحن نرى
في شرح نهج البلغة يشرح كلم المام علي ع ،الذي يتضمن المسائل العتقادية ،شرحا ينبئ عن رأي
مستقل ،يدعمه بما يوافق عقيدته العتزالية ،من خلل إيراده آراء شيوخه القدامى ،كأبي القاسم البلخي،
ت 319هسس ،وأبسي جعفسر السسكافي ،ت 240هسس ،والجاحسظ ،ت 255هسس ،وأبسي الحسسين البصسري،
والنظام ،9ت 231هس ،وهذا ما فعله في معظم المسائل العتقادية التي عرض لها في شرحه على النهج،
تلك المسسائل التسي كان يعنونهسا بعنوان مباحسث كلميسة تارة ،أو يبدأ بعرض آراء أصسحابه فسي المسسألة
الكلمية أو الفلسفية ،ثم آراء مخالفيهم ،مع إيراده الحجج تارة أخرى.
ابن الفوطي :تلخيص مجمع الداب ج /4ق /1ص ،191معجز الداب ص .575 1
ابن أبي الحديد :الفلك الدائر على المثل السائر ،تحقيق :أحمد الحوفي ،وبدوي طبانة ،ط ،2منشورات دار الرفاعي ،الرياض ،ص 5
.90 ،84
محيي الدين :ابن أبي الحديد ص .239 6
بخ صوص مؤلفات الشر يف المرت ضى مف صلً ،را جع :مح يي الد ين ،ع بد الرزاق :أدب المرت ضى من سيرته وآثاره ،مطب عة 7
المعارف ،بغداد ،ط ،1957 ،1وكذلك أبسو الفضسل إبراهيسم ،محمسد :مقدمسة أمالي المرتضسى ،تحقيقسه ،دار الكتاب العربسي ،ط ،2
،1967ك ما أ ّن ر سالتي الماج ستير كا نت عن آراء الشر يف المرت ضى في الجا نب الكل مي ،را جع:رؤوف الشّمري :الشر يف
المرتضى متكلما ،رسالة ماجستير ،غير منشورة ،جامعة بغداد س كلية الشريعة س 1992م.
محيي الدين :ابن أبي الحديد ص 270س .271 8
انظر شرح نهج البلغة ،على التوالي.3/227 ،3/236 ،217 -215 /13 ،157 - 5/156 : 9
17
ف من أمثلة الحالة الولى:ا ستعراضه أبحاثا كلم ية ،ضمّن ها موضوعات مختل فة ،ابتدأ ها بالشارة إلى
وجود ال تعالى ،وإثبات الوجود الل هي ،من خلل إشار ته إلى م سلك المتكلم ين والفل سفة في ذلك ،إذ
ن الجسام محدَثة ،ولبد للمحدَث من مح ِدِث ،أمّا طريقة الفلسفة
ن طريقة المتكلمين ،هي إثبات أ ّقال :إ ّ
ن الوجود ينقسم بالعتبار الول إلى قسمين: فهي إثبات وجوده تعالى من النظر في نفس الوجود ،وذلك ل ّ
ن طبيعة الممكن يمتنع من أن يستقل بنفسه في واجب وممكن ،وكل ممكن لبد أن ينتهي إلى الواجب؛ ل ّ
قوامه ،فلبد من واجب يستند إليه ،وذلك الواجب الوجود الضروري الذي لبد منه ،هو ال.1
ثم ينتقل إلى موضوعات أخرى تطرّق فيها إلى إثبات أزليّته ،وأنه تعالى ل شبيه له ،أي ليس بجسم
كهذه الجسام ،2وهكذا اتخذ النهج نفسه في مواضيع ُأخَر من شرحه على النهج.3
أمّا أمثلة الحالة الثانية ،فمنها ما ذكره في معرض إشارته إلى اختلف الناس في الجال ،إذ ذكر آراء
الفلسسفة والمتكلميسن على اختلف فرقهسم :مسن شيعسة و معتزلة وأشعريسة وجهميسة وجبريسة ،مُل ِمِحا إلى
تفاصسيل أخرى للموضوع ذاتسه داخسل فرقتسه ،بكل اتجاهَيهسا :البصسري والبغدادي ،4خاتمسا كلمسه عسن
الموضوع بالشارة إلى أنه قد بسط الكلم فيه -في الجال -في كتبه المبسوطة في علم الكلم.5
ومن المثلة الخرى التي تومئ إلى أفكاره ،تناوله مسألة اختلف القوال في خلق العالم ،وهي مسألة
ل عن محمد فلسفية ممتدة في الجذور من حيث تعدد القوال فيها ،إذ استعرض آراء الفلسفة بشأنها نق ً
ن العالم كان
نأ ّبن زكريا الرازي ،ت 313هس ،الذي ذ كر قول أر سطو طاليس ،ت 322ق .م ،وهو أ ّ
ن جوهره وذاته جوهر وذات مسخرة للمعدوم أن يكون مسخرا موجودا.6 عن البارئ تعالى؛ ل ّ
ثم ذكر ابن أبي الحديد ما حكاه أبو القاسم البلخي عن قدماء الفلسفة ،بخصوص المسألة المذكورة،
ن ما تراه من الهيولى وتريده غ ير مم كن لتر فض ن علة خلق البارئ للعالم ت نبيه الن فس على أ ّ
و هو أ ّ
ن هذا القول
محبتها إياها وعشقها لها ،وتعود إلى عالمها الول ،غير مشتاقة إلى هذا العالم ،7مشيرا إلى أ ّ
هو المحكي عن الحرنانية أصحاب القدماء الخمسة ،وحقيقة مذهبهم -كما يقول -إثبات قدماء خمسة:
إثنان من هم حياّن فاعلن ،وه ما البارئ والن فس ،ومراد هم بالن فس -على حد ت عبيره -ذات حي مبدأ
ل سائر النفوس ال تي في العالم كالرواح البشر ية ،والقوى النبات ية ،والنفوس الفلك ية ،وي سمون هذه الذات
النفس الكلية ،وواحد من الخمسة منفعل غير حي ،وهو الهيولى ،وإثنان ل حيّان ول فاعلن ول منفعلن،
وهما الدهر والقضاء.8
أنس ابسن أبسي الحديسد كان عارفا بآراء الفرق المنضويسة تحست كسل ديسن سسماوي،
إنّس هذا كله يؤكسد ّ
كاليهودية والمسيحية ،وكذلك الصابئة التي تنضوي تحتها الحرنانية ،مضافا إلى النساطرة واليعاقبة من
ن ،م ،5/159وراجع الرازي ،محمد بن زكريا :رسائل الرازي الفلسفية ،ط ،2بيروت ،1977 ،ص .205 7
18
الم سيحية ،1والرواقية ،2كمذ هب فل سفي م ستقل ،ك ما أ نه كان عارفا بآراء أتباع الديانات غ ير ال سماوية،
كالمانوية والمجوس -وإن قيل أن المجوس لهم شبهة كتاب كما هو المشهور في بعض الروايات - 3من
الذين ذكر آراءهم المختلفة فيما بينهم في هذه المسألة.
وأخيرا يستعرض ابن أبي الحديد قول متكلمي السلم بصدد علة خلق العالم ،مفتتحا ذلك ببيان رأي
جمهور أصسحابه -المعتزلة -القائل أنسه تعالى خلَق الخلق ليظهسر بسه لرباب العقول صسفاته الحميدة،
وقدرته على كل ممكن ،وعِلمه بكل معلوم ،ما يستحقه من الثناء والحمد ،4كذلك نجده يذكر رأي المجبرة
علّة ِلِفعله،
في النص التي أنه تعالى خلق الخلق ل لغرض أصلً ،ول يقالِ :ل َم كان كل شيء ِل ِعلّة ،ول ِ
ن إرادته القديمة تعلّقت بإيجاد العالم في الحال التي وُجد فيها لذاتها ،ول ومذهب الشعري وأصحابه ،أ ّ
ن الرادة القديمة ل يجوز أن تتقلّب وتتغيّر ل يوجد العالم حيث وُجد؛ ل ّ
لغرض ول لِداع ،وماكان يجوز أ ّ
حقيقتهسا ،وكذلك القول عندهسم فسي أجزاء العالم المجدّدة مسن الحركات والسسكنات والجسسام وسسائر
العراض.5
وهكذا يختتم ابن أبي الحديد مجمل آراء مفكري السلم في هذه المسألة ،بآراء بعض المتكلمين ،دون
ن البارئ تعالى إن ما ف عل العالم ل نه مل تذ بذا ته وكماله ،6وتلك م سألة أفرد ل ها
تحديد هم بال سم ،بقوله :إ ّ
ت سابقا.
صاحبنا رسالة خاصة ،أسماها رسالة في اللذة واللم على مذهب الفلسفة كما أشر ُ
ن هناك م سائل فل سفية ،وأخرى كلم ية ،ا ستعرضها ا بن أ بي الحد يد في شر حه على ن هج ويبدو أ ّ
البلغة ،بأسلوب مشابه لِما ذُكر في الفقرة السابقة ،مثل:اختلف الراء في مسألة العلم اللهي ،7وماهيته
تعالى :8أي المعرفة الخاصة لِذات ال تعالى ،ونفي الجسم ،والجهة ،9ونفي التحاد والحلول عنه تعالى،10
ل لشيء ،11والراء في جواز اللذة عليه تعالى وعدمها. 12
ونفي كونه تعالى مح ً
ل لراء أ صحاب الفرق الخرى من
ن اطّلع ا بن أ بي الحد يد كان شام ً
وبناء على ما تقدم نل حظ أ ّ
ل عن تميّزه في سبر آراء أصحاب الفرق الكلمية في السلم. الديانات السماوية وغيرها ،فض ً
ن ،م ،5/163وراجع القاضي عبد الجبار :شرح الصول الخمسة ،تحقيق :د .عبد الكريم عثمان ،ط ،1مصر ،ص ،77 4
.83
ن ،م ،5/163ورا جع الباقلني :التمه يد في الرد على الملحدة والراف ضة والخوارج والمعتزلة ،ط ،1القاهرة ،1947 ،ص 50و ما 5
بعدها.
ن.5/163 / ، 6
19
أمّا مج مل آرائه الفل سفية والكلم ية الواردة في شر حه على الن هج ،وتعليقا ته على مح صّل الفكار
للرازي ،فقد استوعبَت بعض المسائل الفلسفية ،وبعمق ،في حين حظي الجانب الكلمي بقسط وافر من
جهده في التجاه العقلي ،مما يشعر بتناوله جميع مباحث علم الكلم تقريبا.
فمن المسائل الفلسفية التي تناولها ابن أبي الحديد ،سواء في شرحه على النهج ،أو في تعليقاته على
المحصل ،بعض أقسام الموجود ،وهي :الواجب والممكن ،1والجوهر والعرض ،2والعلة والمعلول ،3وهل
أنس الوجود مقول بالشتراك المعنوي أمأنس الوجود زائد على الماهية ،4وتصسور الوجود والعدم ،5وهسل ّّ
ن أغلب آراء ا بن أ بي الحد يد ،ب صددن الوجود و صف مشترك ب ين الوجود والعدم .7علما أ ّل ،6و هل أ ّ
المسائل الفلسفية السالفة الذكر ،إنما جاءت في تعليقاته على المحصل ،إذا ما استثنينا بعض مباحث أقسام
الموجود النفة الذكر ،والتي ورد ذكر قسم منها في شرحه على النهج أيضا.
ن الفلك
كما استعان بالشعر أحيانا ،في الرد على الفلسفة ،كما فعل بخصوص من عللوا الفلك ،بأ ّ
ن كل ما له بالقوة فهو خارج إلى الفعل.8
أراد استخراج الوضع أولً ،ليتشبه بالعقل المجرد في كماله ،وأ ّ
أما المسائل الكلمية التي تناولها ابن أبي الحديد فهي ،كما أسلفت ،قد تمثّل مذهبا كلميا متكاملً،
ل بالصول الخمسة -أم عند غيرهم من فرق المسلمين الخرى ،فعلى سواء أكانت عند المعتزلة -عم ً
أ ساس مذ هب المعتزلة نراه يتحدّث عن كل أ صل من أ صولهم على ن حو مف صل ،في أغلب الحيان،
ذاكرا رأي أ صحابه ع ند إجماع هم على الم سألة ق يد الب حث ،ورأي هم ع ند اختلف هم حول م سألة أخرى
وبالسم ،وهذا ما يستطيع المتتبع ملحظته من خلل فهارس شرح نهج البلغة ،وتعليقاته على المحصل.
ول كي يؤ كد ا بن أ بي الحد يد موضوعي ته في العرض ،وأ نه ل يس متع صبا لمذ هب العتزال ،تراه
يقول :ونحن ل ننصر مذهبا بعينه ،وإنما نذكر ما قيل ،وإذا جرى بحث نظري قلنا ما يقوى في أنفسنا
منه .9يؤيد ذلك عدم موافقته النّظاّم -وهو من مشاهير متكلمي المعتزلة -عند تعريضه بالمام علي ع
ن النظّام أخطأ عندنا في تعريضه بهذا الرجل خطأ بخصوص حربه مع الخوارج في صفين ،إذ قال :إ ّ
ل منكرا ،ن ستغفر ال له من عقا به ...ول قد كان النّظاّم ،بعيدا عن معر فة الخبار وال سير،
قبيحا ،وقال قو ً
منصّبا فكرَه ،مجهدا نفسه المور النظرية والدقيقة ،كمسألة الجزء ،ومداخلة الجسام وغيرهما.10
هذا ما سنعرفه في أدلة إثبات واجب الوجود دليل الواجب لِذاته. 1
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة 73 ،64 /13س ،74التعليقات :ورقة 384أ س 385أ ،ويقول الدكتور عبد الستار الراوي: 2
إ ّن من أبرز خصائص معتزلة بغداد تصدّيها للمباحث الدقيقة في علم الكلم ،مثل :مسألة الجوهر والعرض والمعدوم .انظر الراوي:
ثورة العقل ص .95
ابن أبي الحديد :التعليقات ورقة 389ب س 391ب 460 ،ب. 3
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة 13/53س .54راجع شعره في هذه المسألة في الموضع ذاته ،وله أشعار أخرى استعملها في 8
20
ن نشاطه الكلمي ل يقتصر على هذا وحده ،بل يتعداه إلى ما نجد له من آراء مستقلة أخرى في غير أ ّ
الكلم ،خ صوصا ردوده على الق طب الراوندي ،الذي أورد له ا بن أ بي الحد يد جانبا من شر حه للخط بة
الولى من شرح ن هج البلغة ومطلع ها :الح مد ل الذي ل يبلغ مدح ته القائلون ،1إذ قال ا بن أ بي الحد يد:
وأمّا قوله :ال أ خص من الله ،فإن أراد في أ صل الل غة ،فل فرق ،بل ال هو الله ،وفُخّم ب عد حذف
ن أهل الجاهلية كانوا يطلقون على الصنام لفظة اللهة ول الهمزة .هذا قول كافة البصريين ،وإن أراد أ ّ
ن الدابة
يسمونها ال فحق ،وذلك عائد إلى عُرفهم واصطلحهم ،ل إلى أصل اللغة والشتقاق ،أل ترى أ ّ
فسي العرف ل تُطلَق على القملة ،وإن كا نت فسي أ صل الل غة دابة .2وأمّا قوله :الذي ح قت العبادة له فسي
الزل ،واستحقها حين خلَق الخَلق ،وأنعم بأصول النعم ،فكلم ظاهره متناقض؛ لنه إذا كان إنما استحقها
حين خلق الخلق ،فكيف يقال:أنه استحقها في الزل ،وهل يكون في الزل مخلوق ليستحق عليه العبادة.
واعلم أنّس المتكلميسن ل يطلقون على البارئ سسبحانه أنسه معبود فسي الزل ،أو يسستحق للعبادة فسي
ل بالقوة ل بالف عل؛ ل نه ل يس في الزل مكلف يعبده تعالى ،ول أن عم على أ حد في الزل بنع مة الزل إ ّ
ن إحسانه متقادم العهد ،ل
ن معناه أ ّ
يستحق بها العبادة ،حتى أنهم قالوا في الثر الوارد :يا قديم الحسان ،أ ّ
ن اْلَقدِي ِم [يّسس ،]39 :أي الذي توالت
حتّى عَا َد كَاْل ُع ْرجُو ِ
أنه قديم حقيقة ،كما جاء في الكتاب العزيزَ :
عليه الزمنة المتطاولة.3
ك ما أش كل ا بن أ بي الحد يد على الق طب الراوندي في شر حه قوله ع :الح مد ل الذي ل يدر كه ُب عد
الهمم ،4حيث انتهى ابن أبي الحديد من شرح هذه الفقرة -بعد كلم طويل -إلى أنه ليس في الكلم نفي
ن الفكار والنظار ل تحيط بكنهه ،ول تتمثّل ي معقوليته سبحانه ،وأ ّ
الرؤية أصلً ،وإنما غرض الكلم نف ُ
خصوصية ذلك ،جلّت عظمته.5
كما تجده يُشكل على ابن الراوندي ،في تفسيره قوله ع :الحمد ل الذي ليس لصفته ح ّد محدود ،ول
ن المقصود بالوقت هو :تحرك الفَلك نعت موجود ،ول وقت معدود ،ول أجل ممدود .6فهذا الخير يرى أ ّ
ن شكري ل تعالى متجدد عند تجدد كل ساعة، ودورانه على وجه ،والجل :مدة الشيء ،ومعنى الكلم أ ّ
ولهذا أبدل -المام ع -هذه الجملة من الجملة التي قبلها ،وهي الثانية ،كما أبدل الثانية من الولى.7
ن الو قت ع ند أ هل الن ظر مقدار
إشكال ا بن أ بي الحد يد على ما تقدّم ،يأ تي في سياق إشار ته إلى أ ّ
حركة الفلك ،ل نفس حركته ،والجل ليس مطلق الوقت ،أل تراهم يقولون:جئتك وقت العصر ،ول
ن حياة الحيوان تبطل فيه ،مأخوذ من يقولون :أجل العصر.والجل عندهم هو الوقت الذي يعلم ال تعالى أ ّ
أصل الدّين ،وهو الوقت الذي يح ّل قضاؤه فيه.
21
ن شكري متجدد ل تعالى في كل وقت ،فذلك فاسد -فيفأمّا قول ابن الراوندي بأ نّ :معنى الكلم أ ّ
رأي ابن أبي الحديد -ول ِذِك ٌر في هذه اللفاظ للشكر ،ول أعلم -كما يقول -من أين خطر هذا للقطب
ن هذه الجمل من باب اللفظ غلط؛ لنها صفات ،كل واحدة منها صفة بعد أخرى ،كما الراوندي ،وظنّه أ ّ
ت بزيد العالِم ،الظريف ،الشاعر.1يقول :مرر ُ
وعند ما ُي سأل الق طب الراوندي عن كلمت ين ،إحداه ما ك فر ،والخرى لي ست بك فر ،وه ما ل تعالى
ن القض ية الثان ية ك فر؛ لن ها تتض من إثبات
شريك غ ير بصير و ل يس شر يك ال تعالى بصيرا ،فيقرر أ ّ
الشريسك ،وأمّا الكلمسة الخرى فيكون معناهسا ل تعالى شريسك غيسر بصسير؟ بهمزة السستفهام المقدّرة
ن
ن ال صواب غ ير ما أجاب به الق طب الراوندي فيه ما ،و هو أ ّ المحذوفة .2ه نا يرى ا بن أ بي الحد يد أ ّ
القضية الولى كفر؛ لنها صريحة في إثبات الشريك والثانية ل تقتضي ذلك؛ لنه قد ينفي قول الشريك
ن الشريك غير موجود ،وإذا لم ن هناك شريكا ،لكنه غير بصير؛ أو ل ّ ب صيرا على أحد وجهين ،إمّا ل ّ
يكن موجودا لم يكن بصيرا .فإذا كان هذا العتبار الثاني مُرادا لم يكن كفرا ،وصار كالثر المنقول كان
مجلس رسول ال ص ل تؤثر هفواته ،أي لم يكن فيه هفوات فتؤثَر وتُح كى ،وليس أنه كان المراد في
ل أنها لم تؤثَر.3
مجلسه هفوات ،إ ّ
وهكذا تجد إشكالت أخرى لبن أبي الحديد على القطب الراوندي ،ما ل يسع المقام لتفصيلها ،مثل:
إشكاله عل يه في شر حه ن في ال صفات ع نه تعالى ،4وشر حه قوله ع :كائن ل عن حدث ،موجود ل عن
ن اللفظ ل
ن هذا ليس بجيد؛ ل ّ عدم .إذ ينتهي ابن أبي الحديد -بعد إيراده كلم القطب الراوندي -إلى أ ّ
يدل على ذلك ،ول فيه تعرّض للبقاء فيما ل يزال.5
ن جهوده في علم الكلم شغلت حيزا أوسع وعناية أبلغ من الجهد الفلسفي البحت؛ مما تقدّم يبدو لنا أ ّ
ن أكثر كتبه في التجاه العقلي تشير إلى هذه الحقيقة ،لذلك تراه يكثر من القول :وهذا ما مذكور في ذلك أ ّ
ن ذلك أق ّل من الكتب الكلمية.
لأّ
كتبنا الكلمية .نعم تراه يشير إلى بعض كتبه الفلسفية ،إ ّ
أمّا الفلسفة الذين اقتصر ذكر ابن أبي الحديد عليهم ،فهم :أرسطو وأصحابه من فلسفة اليونان،6
في المبا حث الفل سفية ،وا بن سينا ،7وأ بو البركات البغدادي ،8ت 547ه س ،من الفل سفة الم سلمين ،في
أغلب المسائل الفلسفية والكلمية.
ومما يدل على سعة معارف ابن أبي الحديد ،واطّلعه على آراء الفرق الكلمية السلمية ،أمران:
،1/81وانظر رأيه مفصل ً في كلم المام ع المذكور في ن ،م 1/78س .81 ن ،م 3
22
الول :أنه كشف عن نقل فخر الدين الرازي في كتابه محصل الفكار لكلم طويل من رسالة لبعض
ت كثيرا من ألفاظ الرسالة بعينها،
قدماء السماعيلية ،يذكر فيها فوائد التعليم .إذ قال ابن أبي الحديد :رأي ُ
منقول ًة في المحصل ،1ثم أورد الكلم الذي بلغ سبعة أسطر.
ب الشعرية ،وأخذ فيها بقول أبي
الثاني :أنه ذكر المسائل الكلمية ،التي فارق فيها الفخ ُر الرازي مذه َ
الحسين البصري 2من المعتزلة.
ك ما تظ هر قيمة أفكار ابن أ بي الحديد في انتقاده الف خر الرازي في المح صل ،في أنه -على حد
ت عبيره -أطال في موا ضع كثيرة ،ل ينا سب إطال ته في ها اليجاز في غير ها ،ول تقت ضي قاعدة الكتاب
وأمثاله فسي المختصسرات السسهاب فيهسا ،كالكلم فسي المحسسوسات والبديهيات ،هسل هسي يقينيسة أم ل،
وكالكلم فسي شرح مذاهسب المخالفيسن فسي حدوث الجسسام ،وكالكلم فسي تقريسر مقالة الحرانيسة القائليسن
بالقدماء الخم سة ،وكالكلم في تعد يد اليات الدالة على إنّا فاعلون ،على رأي المعتزلة ،و هو منقول من
رسسالة مفردة للصساحب بسن عباد ،ت 385هسس ،فنقلهسا الرازي إلى هذا الكتاب ،وكالكلم فسي احتجاج
الفلسفة على تفضيل الملئكة على البشر.3
ن ابن أبي الحديد وثيق الصلة بعلم الكلم ومباحثه ،تجده يستغرب من الفخر الرازي؛ لنه وحيث أ ّ
و ضع كتابا في علم الكلم ،افتت حه بالمبا حث الطبيع ية والنظار الفل سفية ،وأطال في كل باب من هذه
البواب ،وما زال أهل العلم -كما يقول -يستهجنون أن يُمزج علم بعلم آخر ،وأن يجمع الكتاب الواحد
بين علمين ،ويعدّون أهل العلم ذلك قصورا في صناعة التصنيف ،4على حد تعبيره ،مستشهدا بمنهجية
أحد شيوخه ،وهو أبو الحسين البصري ،الذي كان يجتهد -كما يقول -في مجانبة البحث الفلسفي ،وأن
ل في مواضع يسيرة ،لم يجد بدّا من الخوض فيها مع الفلسفة.5
يخلط بالبحث الكلمي عامة جهده ،إ ّ
كما أنه انتقد منهجية الفخر الرازي في كتابه المعروف بس مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير؛ لتفسيره
أكثر القرآن على القواعد الحكمية ،على حد تعبيره ،ثم يردف قائلً :وما رأينا قبله مثله ،فإنّا عهدنا كتب
التفسير يقال فيها عند ذكر الية ،قال علي وابن عباس ،وهذا -الرازي -عند ذكر الية -يقول :قال
الفارابي وابن سينا.6
وهكذا ترى ا بن أ بي الحد يد ،ين هي كل مه عن الف خر الرازي ،متع صبا عل يه ب سأنه قل يل الشتغال
بك تب المتكلمين ،7وأ نه حا طب ل يل ،وكان غر ضه الت صنيف ل التحق يق ،ومَن ن ظر في م صنفاته بع ين
الن صاف ل بع ين الهوى والع صبية ،علم بُع َد ها عن التحق يق ،وأ نه كان يج مع أضغاثا من كل نوع،
ويقولها ول يبالي؛ ِلِعلمه بالسعادة الشاملة ،والصيت المنتشر عنه ،أصاب أم أخطأ.8
ن/ ،ورقة 453ب ،وانظر ما قاله ابن أبي الحديد في الفخر الرازي ن ،م ورقة 419أ س ب. 8
23
تلك نماذج من آراء ا بن أ بي الحد يد في خ صمه اللدود ف خر الد ين الرازي ،وغيره من المتكلم ين
والفلسفة ،ما يظهر بجلء من خللها خصائص أفكاره ،والطابع الذي يطبع أسلوبه ،نماذج يتبين منها
قدرة ر جل مو سوعي الثقا فة ،وا سع المعر فة ،وا ضح الفكرة ،دق يق الن ظر في علم الكلم ،وذي اطّلع
واسع على آراء الفرق الكلمية ،الموافقة لمذهبه والمخالِفة له.
المعروف عن ابن أبي الحديد ،أنه أديب ومؤرخ ،ذائع الصيت والشهرة ،لكن هل عُرف عنه أنه
كان فيلسوفا أو متكلما؟
ن ابن أبي الحديد -وفي معرض اعتراضه على الفخر قبل الدخول في ذلك ،لبد أن نشير إلى أ ّ
الرازي -بخصسوص حقيقسة القدرة عنسد المتكلميسن -قال :ل يصسح أن يجمسع الرازي بيسن اعتقادَي
ي السبيلين هو؟.1
المتكلمين والفلسفة ،بل لبد أن يكون متكلما وأمّا فيلسوفا ،فليعرّفنا من أ ّ
ما ذكره ابن أبي الحديد آنفا يُلفت أنظارنا إلى أنه يجب أن نفرّق تفرق ًة جذرية وحاسمة بين اتجاه
ين بع من صميم التفل سف ،ويحترم خ صائص المو قف الفل سفي ،وب ين اتجاه أو اتجاهات أخرى ،تضرب
ل جزئيا أو كليا عن الشروط التي يجب أن يتمسك بها الباحث الذي بالفلسفة عرض الحائط ،وتتغافل تغاف ً
أراد لنفسه الفلسفة طريقا.2
ن ابن أبي الحديد لم يكن قد غطى في مؤلفاته جميع مباحث الفلسفة ،وإنما وعلى أساس ما تقدّم فإ ّ
كان ميله -ك ما رأي نا و سنرى -إلى تناول م سائل علم الكلم أك ثر من م سائل الفل سفة ،وم ما يدلل على
ذلك أمور عدة ،أهمها:
امتدا حه أ حد شيو خه ،و هو أ بو الح سين الب صري ،اجتهاده في مجان بة الب حث الفل سفي ،وأن يخلط
ل في مواضع يسيرة ،لم يجد بدا من الخوض فيها مع الفلسفة ،مُلمِحا - بالبحث الكلمي عامة جهده ،إ ّ
ابن أبي الحديد -إلى إيثار أبي الحسين البصري أن ل يودع كتابه المعتمد بحثا فلسفيا.3
تكفيره الفلسفة؛ لكونهم ينفون الحشر الجسدي.4
ما يلمس من تأييده المتكلمين في معرض شرحه كلم المام علي ع :ل تصحبه الوقات ،إذ يقول ابن
إنس الزمان
أبسي الحديسد :المتكلمون يقولون أنسه تعالى كان ول زمان ول وقست ،وأمّا الحكماء فيقولونّ :
عرض قائم بعرَض آخسر ،وذلك العرَض الخسر قائم بجسسم معلول لبعسض المعلولت الصسادرة عنسه
عاطف العراقي ،محمد :ثورة العقل في الفلسفة العربية ،ط ،5مصر ،1984 ،ص .14 2
ن ،م ورقة 464أ ،وراجع الرازي :التفسير الكبير ،ط ،2دار الكتب العلمية ،طهران.21/45 ، 4
24
ل أنه العلة الولى ليست واقعة تحته ،وذلك هو المراد بقوله:سبحانه ،فالزمان عندهم ،وإن كان لم يزل ،إ ّ
ل تصحبه الوقات إن فسرناه على قولهم ،وتفسيره على قول المتكلمين َأَولى.1
وعليه فابن أبي الحديد ليس بالفيلسوف الجامع لشرائط البحث الفلسفي ،وإنما كان في عداد دارسي
الفلسفة ،2والمتأملين في بعض مباحثها.
وحيث تبين مما تقدّم أنه ليس فيلسوفا ،فهل يصح وصفنا له بالمتكلم؟
ن أخذ الراء من أفواه قائليها لكفيل ببيان الحقيقة ،وهذا ما قد اتضح من خلل عرض آرائه فيما إّ
ن ابن أبي الحديد قد تناول معظم المباحث الكلمية المشهورة، تقدّم ،بحيث توصلنا إلى نتيجة مفادها :أ ّ
التي تناولها شيوخه السابقون ،أمثال الجاحظ ،والعلّف ،ت 235هس ،والنّظام ،والجباّئيّين ،والقاضي عبد
الجبار415 ،هس ،في كتبهم الكلمية ،من الذين وصلَت إلينا مؤلفاتهم الكلمية ،بدءا من اللهيات وانتهاء
ل أننسا نسسجل له اهتماماتسه الفلسسفية المتميزة ،التسي أفصسح عنهسا مسن خلل تعليقاتسه علىبالخرويات ،إ ّ
ن إشارته في شرحه على النهج وتعليقاته على المحصل إلى اشتغاله بعلم الكلم على يد المحصل ،كما أ ّ
أساتذة ،أمثال :اللمغاني ،والدبّاس ،والنقيب ،أو تنويهه عند البحث في كل مسألة كلمية بقوله :وهذا ما
مذكور في كتبنا الكلمية 3لَدليل آخر على شخصيته الكلمية المستقلة.
ولدى اسستعراضه طريقسة الفلسسفة والمتكلميسن فسي إثبات وجود ال تعالى ،تراه يقوّي طريقسة
المتكلميسن ،الذيسن اسستدلوا بهسا على وجود ال تعالى بالموجود ،ل بالوجود نفسسه ،وذلك مسن خلل أفعاله
سبحانه ،إلى غير ذلك من المسائل التي تناولها الفلسفة والمتكلمون ،والتي يبدو منها مناصرته للمتكلمين
على نحو واضح ،وهذا ما سأدرسه في ثنايا كل مبحث من مباحث هذه الرسالة.
هذا هو ا بن أ بي الحد يد ،لم ي كن مبتكرا في علم الكلم ،إن ما سبقه أعلم يش هد ل هم ب سبق الف ضل،
أمثال الجاحظ والجبائيين وأبي الحسين البصري والقاضي عبد الجبار ،بيد أنه قد أفاد -بل شك -من
ذلك التراث الفكري الذي خلّفه هؤلء من مفكري المعتزلة ،على اختلف اتجاهاتهم :البصري والبغدادي،
بدء من نشوئ هم ح تى منت صف القرن ال سابع الهجري ،فأ نت تراه يعرض آراء سابقيه ،موافِقا بعض ها،
رافضا البعض الخر تارة أخرى ،كما تراه يناقش ويحلل ،منتهيا فيما بعد من العرض والمناقشة والتحليل
إلى مذهب متكامل في علم الكلم ،يستند فيه إلى الصول الخمسة التي أجمع عليها المعتزلة.
وحيث تبين لنا فيما تقدم أنه متكلم ،استنادا إلى ما ذكرتُه من آرائه وما وصَفه به معاصروه ،أمثال:
ابن الفوطي ،والصنعاني ،من أنه كان إماما في علم الكلم ،ل أدري ِل َم أعرض المحدَثون عن بيان جهد
ابن أبي الحديد الواضح في دائرة الفكر الكلمي والفلسفي.
25
ومن أمثلة ما تقدّم ذكره -مع تقديري لساتذتي -أوّلهم :الدكتور حسام الدين اللوسي ،الذي نبّه
على أهمية ابن أبي الحديد كمؤرخ للفلسفة ،1ونقل عنه أفكارا مهمة ،2لكنه لم يعطه من اهتمامه كمتكلم
ومتفلسف.
والحال ذاتسه مسع أسستاذي المشرف على هذه الدراسسة ،الدكتور عبسد الميسر العسسم ،الذي لم يذكسر
التعليقات على المحصل لبن أبي الحديد -وهو يتابع أهمية محصل الفكار للرازي ،وتلخيصاته من قبل
أعلم مشهورين ،أمثال :نصير الدين الطوسي ،ونجم الدين الكاتبي675 ،هس ،وبن خلدون808 ،3هس.
ن الدكتور عبد الستار الراوي ،قد ع ّد كتاب ابن أبي الحديد شرح نهج البلغة من وعلى الرغم من أ ّ
م صادر علم الكلم ،ب يد أ نه لم يعالج آراءه الكلم ية ،أ سوة بأقرا نه من معتزلة بغداد ،سيما أولئك الذ ين
ذكرهم ابن أبي الحديد ،وذكر لهم آراء ،وبيّن رأيه فيها.4
وعلى هذا المنوال ،نلحظ الدكتور أحمد محمود صبحي ،الذي وثّق آراء معتزلية ،اعتمادا على ابن
أبي الحديد نفسه ،لكنه لم يستعرض آراءه.5
وهكذا تبدو الحال مع كل الدار سين لعلم الكلم عا مة ،والمعتزلة بو جه خاص ،ول عل ذلك ما يبرر
أهمية الكشف عن آراء ابن أبي الحديد الكلمية والفلسفية في الفصول التالية من هذه الدراسة.
اللوسي ،حسام الدين :بواكير الفلسفة قبل طاليس ،أو من الميثولوجيا إلى الفلسفة عند اليونان دار الشؤون الثقافية العامة ،بغداد ،ط 3 1
.5/163
العسم ،عبد المير :الفيلسوف نصير الدين الطوسي مؤسس النهج الفلسفي في علم الكلم السلمي ،ط ،2بيروت ،1980 ،ص 3
،148وكذلك نفس الصفحة هامش .47في حين ذكر الدكتور محمد صالح الزركان في كتابه:فخر الدين الرازي وآراؤه الكلمية
والفلسفية ،دار الفكر ،1963 ،ص ،63أ ّن هناك شرحا لبن أبي الحديد على المحصل للرازي .على أ ّن أستاذي الدكتور العسم -
المشرف -أخبرني بأنه لم يكن يعلم بوجود كتاب بهذا العنوان لبن أبي الحديد ،على الرغم من كونه كتابا يكتسب أهميته من تناوله
مباحث محصل الفكار للرازي ،مضافا إلى أنه -العسم -لم يكن مطلعا على كتاب الزركان هذا في حينه ،على حد تعبيره.
الراوي ،عبد الستار :العقل والحرية ،دراسة فلسفية في فكر القاضي عبد الجبار بن أحمد ،ط ،1بيروت ،1980 ،الصفحات،19 : 4
26
إلى حد كبير -في صياغة تصوره لهذا العالم ،والمكانة التي يحتلها فيه ،ونهج الحياة التي يحياها بصورة
عامة.1
وعليسه فالبحسث فسي وجود الخالق ،أدق موضوع يتمنسى العقسل البشري فهمسه ،وأخطسر بحسث يحاول
معرفته :أمّا كونه أدق موضوع؛ فلعلقته بشيء غير ح سّي ،لتراه أبصارنا ،ول تتقرّاه عيوننا ،لصلته
بحياة النسان ،وما يترتب على ذلك من نتائج تنعكس آثارها على المجتمع كله ،وأمّا كونه أخطر بحث
فلتجاوز النسان حدّه حين يحاول التفكير في ذات الخالق ،بعد إقراره بوجوده.
من هنا تأتي أهمية البحث في وجود خالق لهذه الموجودات في الطبيعة ،يفترق عنها -كما يقول ابن
أبي الحديد -أنه واجب الوجود لذاته ،والشياء كلها ممكنة الوجود بذاتها ،فكلها محتاجة إليه؛ لنها ل
ل به.2
وجود لها إ ّ
ن
ن مبدأ التوحيد له معا ٍ
وإذا كان الخالق لهذه الموجودات ،يتفرد بوجوب الوجود لذاته ،وبالوحدانية ،فإ ّ
عدة ،ول ينحصر بوحدته باللوهية ،ولذا فتوحيد المعتزلة -كما سنرى -توحيد بنفي الصفات ،وتوحيد
ل ال،ن ابن أبي الحديد أشار إلى معنى آخر ،يتمثل في كلمة ل إله إ ّ لأ ّ
الشعرية توحيد ذات ،وهكذا ،إ ّ
هذه الكلمة التي قال ابن أبي الحديد عنها :قد قالها الموحدون قبل هذه الملة ،ل تقليدا ،بل بالنظر والدليل.3
ن مبدأ التوح يد يقوم
ول كي يبين ا بن أ بي الحد يد موق فه الرا فض للتقل يد في هذا المبدأ ،وتأكيده على أ ّ
ن مَن ل يوفّي النظر بالنظر والدليل ،نراه يشير إلى مخاطر التقليد وأبعاده ،وأنه لبد من النظر ،فيقول :إ ّ
حقه ،ويميل إلى الهواء ونصرة السلف ،والحجج عمّا ُربّي عليه بين الهل والستاذين ،الذين زرعوا
في قلبه العقائد ،يكون قد شغل نفسه بغير نفسه؛ لنه لم ينظر لها ،ول قصد الحق من حيث هو حق،
وإنما قصد نصرة مذهب معيّن ،يشق عليه فراقه ،ويصعب عنده النتقال منه ،ويسؤه أن يرد عليه حجة
تبطله ،فيسهر عينه ،ويتعب قلبه في تهويس تلك الحجة ،والقدح فيها بالغث والسمين ،ل لنه يقصد الحق،
بل يقصد نصرة المذهب المعيّن ،وتشييد دليله ،ل جرم أنه متحيّر في ظلمات ل نهاية لها.4
ولع ّل من نافلة القول اتفاق المسلمين جميعا على توحيد ال سبحانه ،لكن المعتزلة تعني بالتوحيد التنزيه
المطلق ل تعالى عن صفات المخلوقين ،وقد جاء قولهم في التوحيد معارضا للتصور اليهودي ل تعالى
من جهة ،ولراء المجسمة والمشبهة والحشوية من جهة أخرى.5
ن ابن أبي الحديد قد تناول التوحيد من خلل إبراز حقائقه ،هذه الحقائق التي تتضمن -على والواقع أ ّ
حد تعبيره -المور المحققة اليقينية ،التي ل تعتريها الشكوك ،ول تتخالجها الشبه ،وهي أدلة أصحابنا
المعتزلة ،التي استنبطوها بعقولهم ،بعد أن دلّهم إليها ،ونبّههم على طرق استنباطها رسول ال صلى ال
عليه وآله وسلم ،بواسطة أمير المؤمنين عليه السلم؛ لنه إمام المتكلمين ،الذي لم يُعرَف علم الكلم من
أحد قبله.6
عرفان عبد الحميد :دراسات في الفرق والعقائد السلمية ،مطبعة أسعد ،بغداد ،ص .163 1
حول هذا الموضوع ،انظر صبحي :في علم الكلم .2/116 5
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة ،10/60وراجع أيضا.6/346 : 6
27
والمور المحققة اليقينية التي أشار إليها ابن أبي الحديد ،هي وحدها التي يستطيع بها النسان أن يسلك
سبيل العرفان والكمال ،ويتوجه شطر ما تميل إليه من اليمان بمبدأ التوحيد الخالص ،وهو يستند ،في هذا
كله ،إلى الرث الفكري للحركة العتزالية ،ال تي وجهت اهتماما خا صا إلى هذا المبدأ -على حد تعبير
الدكتور الراوي -فأكدت أهميتسه ،ووضحست مفهومسه ،واعتسبرته مسن أولى الشروط الواجبسة لحركتهسم
الفكرية ،فأطلقوا على أنفسهم أهل التوحيد وأنهم أصحابه ودعاته ،وهم المعنيون به في الذود عنه من بين
العالمين.1
وإذا كان المعتزلة -ك ما يقال عن هم -على هذا الم ستوى من تح مل الم سؤولية ،في هذا الموضوع،
أنس لبسن أبسي الحديسد جهدا واضحا فيسه ،يجعله فسي عدادهسم ،بأن يكون له مكان فسي دائرة الفكسر
فهسل ّ
المعتزلي على نحو ظاهر ومبرّز ومتميز؟ هذا ما سنعرفه في هذه الدراسة.
مدرك وجوب معرفة ال تعالى
ن التقليد في العقائد باطل .2وبالرغم
معرفة ال -كما يقول ابن أبي الحديد -أول الواجبات الدينية؛ ل ّ
ل أن ها تختلف في مدرك هذا الوجوب: من اتفاق آراء الفرق ال سلمية على وجوب معرف ته سبحانه ،إ ّ
ن مدرك الوجوب هو العقل ،3في حين يرى الشعرية أنه السمع.4 فالمامية والمعتزلة والزيدية ترى أ ّ
و قد أق ّر ا بن أ بي الحد يد ما عل يه أ صحابه المعتزلة في هذا ال صدد ،إذ قال :لمّا المعر فة به تعالى...
مركوزة في العقول ،أرسل سبحانه النبياء أو بعضهم ليؤكدوا ذلك المركوز في العقول ،وهذه هي الفطرة
المشار إليها بقوله ع :كل مولود يولَد على الفطرة5
والفطرة ال تي أشار إلي ها ا بن أ بي الحد يد في ال نص المتقدم ،أوضح ها في مكان آ خر ،عند ما صرح
بأنها :الحالة التي يفطر ال عليها النسان ،أي يخلقه خاليا من الراء والديانات والعقائد والهوية ،وهي ما
يقتضيه محض العقل ،وإنما يختار النسان بسوء نظره ما يفضي به إلى الشقوة.6
ل بسنة الكمال،
ن واجب الوجود قد غرس أساس التوحيد في النفس النسانية ،عم ً ويستفاد من كلمه أ ّ
فالذي ينحرف إنما ينحرف لظلماتٍ في نفسه جاءته من ناحية الذنوب وعدم القيام بمعطيات الفطرة ،فال
ل الكمال قد أك مل الن سان من النوا حي الروح ية بأن غرس ف يه أ صول المعارف الذي ل ي صدر ع نه إ ّ
الله ية ،ك ما ي ستفاد م نه أيضا إقراره ما عل يه شيو خه من أ نه :يق بح من الن سان العتقاد ال سابق على
ل.7
ل جه ً
ل ظناّ ،ول يكون الظن في الغلب إ ّن مثل هذا العتقاد ل يكون إ ّ التفكير والبحث ،إ ّ
الراوي :ثورة العقل ص .34 1
ا بن أ بي الحد يد :شرح ن هج البل غة ،1/73وهذا ما ذ هب إل يه مشاه ير المعتزلة ،أمثال القا ضي ع بد الجبار .ان ظر كتا به شرح 2
الخمسة ص ،88القاسم ،محمد بن علي الزيدي العلوي:الساس لعقائد الكياس ،تحقيق:ألبير نصري نادر ،بيروت ،1980 ،ص.
.539
الرازي :المح صل ص ،64الي جي ،ع ضد الد ين ،الموا قف في علم الكلم ،مع شر حه للجرجا ني وحاش ية ال سيالكوتي ،م صر، 4
القاضي عبد الجبار :المغني في أبواب العدل والتوحيد النظر والمعارف ،تحقيق :إبراهيم مدكور ،مطبعة مصر ،القاهرة.12/232 ، 7
28
ن النظر واجب ،فإنه تبنىوعلى الرغم من أن ابن أبي الحديد قد أكد ما عليه أصحابه المعتزلة ،من أ ّ
فكرة بعض شيوخه القائلة بعدم وجود مانع من أن تكون بعثة الرسل مبيّنة ومؤكدة لذلك النظر؛ باعتبار
ن بعثة الرسل تكون سببا في تقريب حصول المعرفة عند النسان .يقول :فإن قلتَ ...ل مدخل للرسول أّ
ن كثيرا من شيوخنا أوجبوا بعثةن العقل يوجبها وإن لم يبعث الرسل ،قلتُ:إ ّ
في معرفة البارئ سبحانه ،ل ّ
الرسل ،إذا كان في حثّهم المكلفين على ما في العقول فائدة ،وهو مذهب شيخنا أبي علي رحمه ال ،1فل
ن ال تعالى علم أنهم مع تنبيهه ص إياهم على يمتنع أن يكون إرسال محمد ص إلى العرب وغيرهم؛ ل ّ
ما هو واجب في عقولهم من المعرفة أقرب إلى حصول المعرفة.2
ن معرفة ال تعالى ضرورية ،فهذا ما يرفضه ابن أبي الحديد وإذا كان بعض أعلم المعتزلة يرى أ ّ
رفضا صريحا ،وذلك في معرض إيضاحه كلم المام ع :وأرانا من ملكوت قدرته ...ما دلّنا باضطرار
ت في هذا الكلم إشعار بمذهب شيخكم أبي عثمان -الجا حظ - قيام الحجة على معرفته إذ قال :فإن قل َ
ل أنه غير دا ّل عليه؛ لنه لم
ن معرفته تعالى ضرورية ،3قل تُ :يكاد أن يكون الكلم مشعرا بذلك! إ ّ
في أ ّ
يقسل مسا دلّنسا على معرفتسه باضطرار ،ولكسن قال :مسا دلّنسا باضطرار قيام الحجسة له على معرفتسه،
فالضطرار راجع إلى قيام الحجة ،ل إلى المعرفة.4
وكان على ا بن أ بي الحد يد أن ي تم جوا به ب صدد هذا الشكال ،بأن يقول إن ما وج بت المعر فة بالن ظر
والستدلل ،وهي -المعرفة -ليست ضرورية ،يقول القا ضي عبد الجبار :لو كان العلم بال ضروريا
لوجب أن ل يختلف العقلء فيه ،كما لم يختلفوا في سائر الضروريات من سواد الليل ،وبياض النهار،
ومن المعلوم أنهم يختلفون فيه ،فمنهم من أثبت وجوده ومنهم من نفاه.5
وعل يه فالمعلوم ضرورة هو الذي ل يختلف ف يه العقلء ،بل يح صل العلم به بأد نى سبب من تو جه
ن المعر فة بال لي ست كذلك؛ لوقوع الختلف في ها ،ولعدم ح صولها بمجرد تو جه الع قل إل يه ،في ح ين أ ّ
ن هذا المبدأ تر جع
ن ا بن أ بي الحد يد قد فا ته أ ّ
الع قل إلي ها ،ولعدم كون ها ح سية ،ولبد من الشارة إلى أ ّ
أصوله إلى أبي الهذيل العلف ،وليس إلى الجاحظ ،وسانده البلخي والبغدادي.6
ن ابن أبي الحديد قد انتهى -فيما تقدّم -من عرض بعض وجهات النظر المختل فة داخل وحيث أ ّ
ن مدرك الوجوب هو العقل ،نراه -الن الفكر العتزالي بشأن الموضوع ،وإقراره بما أفادوه جميعا من أ ّ
-ينتقل للرد على خصوم المعتزلة -الشعرية -ممثّلين بفخر الدين الرازي.
بخ صوص ذلك :را جع ما ذكره القا ضي ع بد الجبار :المغ ني ،تحق يق :إبراه يم مدكور ،1965 ،القاهرة ،14/242 ،وكذلك ا بن 1
المطهر الحلي العلّمة :كشف المراد شرح تجريد العتقاد ، ،ط ،1بيروت ،1979 ،ص .381
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة 9/103س .104 2
راجع رأي الجاحظ المذكور عند القاضي عبد الجبار :شرح الصول الخمسة ص ،12المغني ،12/316بل صرح ابن أبي الحديد 3
بأ ّن الجا حظ يذ هب إلى أ ّن جم يع المعارف والعلوم الله ية ضرور ية و هو قول لم يقبله ا بن أ بي الحد يد .ان ظر شرح ن هج البل غة
.3/239
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة .6/412 4
نعمة محمد إبراهيم :خلق الكون بين القدم والحدوث ،بجث منشور ضمن مجلة كلية الفقه ،العدد ،3السنة ،1989ص .490 6
29
ن وجوب الن ظر سمعي ،في ح ين اح تج المعتزلة - فالرازي يؤ كد ما عل يه الشعر ية من القول بأ ّ
ن الرازي حينما ذكر حجة ض إلى إفحام النبياء ،1تجدر الشارة إلى أ ّ ن ذلك مُف ٍ ومنهم ابن أبي الحديد -بأ ّ
ن وجوب الن ظر وإن كان ن هذا لزم علي كم -المعتزلة -ل ّ المعتزلة في المح صل ،2ر ّد علي ها بقوله :إ ّ
ن العلم بوجوب النظر يتوقف عند المعتزلة على العلم عندكم عقليا ،لكنه غير معلوم بضرورة العقل ،لِما أ ّ
ل بهن ما ل يتم الواجب إ ّ
ن النظر طريق إليها ،ول طريق إليها سواه ،وأ ّ بوجوب معرفة ال تعالى ،وأ ّ
ف هو واجب ،3و كل وا حد من هذه المقدمات نظري ،والموقوف على النظري نظري ،فكان العلم بوجوب
ن الوجوب النظر عندهم نظريا ،فللمخاطب أن يقول ل أنظر حتى ل أعرف وجوب النظر ،ثم الجواب أ ّ
ل لزم الدور ،بل يك في ف يه إمكان العلم بالوجوب ،والمكان ه نا حا صل ل يتو قف على العلم بالوجوب وإ ّ
في الجملة .4
وانطلقا من الثوابت الفكرية للعتزال ،فقد رفض ابن أبي الحديد إشكال الفخر الرازي المتقدم جملة
وتف صيلً ،مشيرا إلى أ نه ل حا جة لمخال في المعتزلة -ومن هم الرازي -أن يتكلف تلك المعار ضة ال تي
تكلّف ها ،ول ذاك الجواب الذي يز عم أ نه مشترك و صالح لن يُجاب به من جانب نا وجانب هم -وه نا يبدأ
إشكاله على ما أفاده الرازي -وذلك أن لقايل أن يقول :قصارى أمر الكفار أن يتمكنوا من إفحام النبياء
ن لهم أن يقولوا :أنه قد ن إفحام النبياء متوجّه بكل طريق؛ ل ّبما ذكرتموه ،وأصول المجبّرة تقتضي أ ّ
ن حركاتنا مخلوقة فينا ،فإنه ل سبيل لنا إلى تصديقكم والقرار ن المقدرة ل تكون وأ ّثبت بدليل العقل أ ّ
ن مرسلكم ل يخلق فينا خلِق فينا ذلك التصديق والقرار ،ونحن معذورون في جحودكم؛ ل ّ ل إذا ُ
بنبوتكم إ ّ
ت صديقكم ،بل خلق في نا جحود كم وتكذيب كم ،فإذا قال ال نبي ص ك يف تكفرون بال وأن تم أمواتا فأحيا كم؟
قالوا :مر سلك خلق الك فر في نا ،يقول -ال المر سل :-ك يف تكفرون ،و هو الذي اضطر نا إلى الك فر...
وأمثال هذا يطول تعداده.5
ن
ن القوم -على حد ت عبيره -ل يتحاشون من أ ّ وهكذا يخلص ا بن أ بي الحد يد في إشكاله هذا إلى أ ّ
ن قاعدة الجبر إذا صحت وكانت صدقا وحقا النبياء محجوجون مخصومون على أصولهم ،ومعترفون أ ّ
لم ت كن للنبياء ح جة ثاب تة على الكفار من ح يث الن ظر والجدال ،بل ح جة علي هم ثابتة ،6وحجة النبياء
داحضة ،وإذ كان هذا هو محض المذهب وباطنه ،فظاهره ما في حاجة تلجئ المخالف أن يتكلف الجواب
عن كلم أصحابنا -المعتزلة -في مسألة وجوب النظر ،هل هو عقلي أم سمعي ...وذلك الجواب الذي
ل يماس الحتجاج بوجه من الوجوه ،بل هو جواب عن غ ير ما ثب تت الحجة عل يه ...وكان الَولى أن
يقول -الرازي -فسي الجواب :قصسارى مسا احتججتسم بسه -أنتسم المعتزلة -أن يفضسي ذلك إلى إفحام
ابن أبي الحديد :التعليقات ورقة 449أ -ب ،وهو ما أكده ابن المطهر الحلّي :أنوار الملكوت في شرح الياقوت ،طهران1338 ، 1
ض إلى إفحام النبياء .راجع المحصل ص .64 ي ل انظر حتى أعرف كون السمع صدقا ،وذلك مُف ٍ يقول أن ّ
هذا ما عليه كافة الشعرية .انظر اليجي :المواقف .1/156 3
وقد سبق القاضي عب ُد الجبار إب َن أبي الحديد إلى هذا المعنى ،عندما قال :وهذا يوجب في الكفار كلهم أن يكونوا معذورين في تركهم 6
30
ن إفحامهم متوجه بما ذكرتموه وبغيره ،فقد ألزمتموني
ن مذهبي يقتضي أ ّ
النبياء عندي غير محذور؛ ل ّ
ما هو غير مذهبي ،ول يجوز إلزام النسان غير مذهبه ،فلو أجاب -الرازي -بهذا لرتاح وأراح.1
ن الطريق إلى معرفة ال هو العقل ،ول يجوز أن والذي أراه -بعد كل ما أفاده ابن أبي الحديد -أ ّ
ل ب عد معر فة ال وحكم ته ،وأ نه تعالى ل يف عل
ل على ش يء إ ّ ن ال سمع ل يكون دلي ً
يكون ال سمع ،ذلك أ ّ
القبيح.
أنس الجميسع متفقون على وجوب النظسر -سسواء كان عقليا أم شرعيا -علينسا بيان وبعسد أن عرفنسا ّ
مراحل المعرفة بال التي ذكرها ابن أبي الحديد .فالرجل في معرض إيضاحه قول المام علي ع :وكمال
ن المعرفة بال تعالى قد تكون ناقصة ،وقد تكون غير ناقصة ،فالمعرفة معرفته التصديق به يشير إلى أ ّ
ن الممكن لبد له من مؤثّر ،فمَن ن للعالم صانعا غير العالم ،وذلك باعتبار أ ّ
الناقصة عنده هي المعرفة بأ ّ
ن ذلك المؤثّر خارجعَلم هذا عَلم ال تعالى ،ولكن عِلما ناقصا ،وأمّا المعرفة التي ليست ناقصة فأن تعلم أ ّ
عن سلسلة الممكنات ،والخارج عن كل الممكنات ليس بممكن ،وما ليس بممكن فهو واجب الوجود ،فمَن
ن للعالم مؤثّرا ف قط ،وهذا المر
ن للعالم مؤثّرا وا جب الوجود ف قد عر فه عرفانا أك مل من عرفان أ ّ عَلم أ ّ
ن أخص ما يمتاز به البارئ عن مخلوقاته هو وجوب الوجود.2 ى عنه بالتصديق به؛ ل ّ الزائد هو المكن ّ
ن للعالم صانعا مدبّرا ،أمّا
ن المعر فة الناق صة هي إدراك أ ّ
ويُفهَم من كلم ا بن أ بي الحد يد المتقدم أ ّ
ن التصور للشيء إذا اشتد 3يصير إذعانا وحُكما بوجوده، المعرفة التامة فهي الذعان بوجوده ووجوبه؛ ل ّ
ن ما لم ي كن موجودا في نف سه، إذ من ضرورة كو نه صانع العالم وإل هه أن يكون موجودا في نف سه ،فإ ّ
استحال أن يصدر عنه أثر موجود ،فهذا الحكم اللحق هو كمال معرفته تعالى وتصوره.
ن وجوب المعر فة بال سبحانه
ن ا بن أ بي الحد يد ي صرّح بأ ّ
وختام الموضوع ل بد من الشارة إلى أ ّ
ل عنسد ورود
ل المور المجملة ،وأمّا التفصسيلت الدقيقسة الغامضسة فل تجسب إ ّوتعالى لم نوجسب منهسا إ ّ
الشبهة ،فإذا لم تقع الشبهة في نفس المكلف ،لم يجب عليه الخوض في التفصيلت.4
ن معر فة ال تعالى قد تكون ن ا بن أ بي الحد يد يش ير في هذا ال نص إلى ما أكده أ صحابه من أ ّ وكأ ّ
ضرورية في حال ،واستدللية في حال آخر ،فالمعرفة الضرورية هي المعرفة التي تتفق بالنظرة العقلية
المباشرة لدى الناس جميعا ،على تفاوت مداركهسم واختلف درجسة ذكائهسم ،ولكسن تحول دون تحصسيلها
ن مجرد النظر يؤدي إلى إدراكها ،وهذه آفات عقلية ونفسية كإيثار الراحة والسهو والغفلة والجهالة ،غير أ ّ
هي معرفة ال جملة ،التي أشار إليها ابن أبي الحديد ،أمّا المعرفة الستدللية فهي معرفة المسائل العقلية،
نظرية وعملية ،على وجه التفصيل ،وهذه ل يقدر عليها غير أهل العلم والكلم ،ولذا ل تجب على الناس
ل بصفاته وصلتها بذاته.5 جميعا ول تلزمهم ،وهنا تكون المعرفة بال تفصي ً
حول هذا الموضوع انظر ،صبحي :في علم الكلم س المعتزلة س ص 207س .208 5
31
ن عبارة التفصيلت الدقيقة في المعرفة ،التي أشار إليها ابن أبي الحديد ،ربما يعني بها المعرفة
ويبدو أ ّ
الخاصة لذات ال ،التي اختلفت فيها آراء الفلسفة والمتكلمين ،وهي موضوع بحثنا التي...
المعرفة الخاصة لذات ال تعالى.
ن أفضل العلوم اللهية هو معرفة ذات الحق الول ومرتبة وجوده ،بما له من صفات كمالهلشك أ ّ
ونعوت جماله وكيفية صدور أفعاله.1
ن آراء الفلسفة والمتكلمين بخصوص معرفة ذات ال ،تنحصر في ثلثة آراء:
والظاهر أ ّ
ن حقيقة ال غير معلومة ،ول يمكننا معرفتها ل في الدنيا ول في الخرة .وهذا ما عليه كثير الول :أ ّ
مسن المتكلمين 2أمثال :ضرار بسن عمرو ،3ت 133هسس ،وأبسي حنيفة ،4ت 150هسس ،والجويني ،5وابسن
المطهر الحلّي ،6ومن الفلسفة الفارابي339 ،7هس ،وابن سينا428 ،8هس ،والغزالي505 ،9هس ،مستدلين
ن المعلوم عندنا منه سبحانه ،إمّا السلوب كقولنا ليس بجسم ول جوهر ول على ذلك بعدة أدلة ،أهمها :أ ّ
ن الماهية مغايرة لسلب ما عداها عنها ،وإمّا الضافات كقولنا قادر عالم ،وعليه فالذات
عرَض ،ول شك أ ّ
شيء وهذه المور شيء آخر. 10
ن حقيقة ال معلومة ،وهو ما عليه جمهور متكلمي المعتزلة والشعرية ،11مستدلين على ذلك الثاني :أ ّ
بقولهم :إنّا نعرف وجوده ،ووجوده عين ذاته ،فلبد وأن تكلم ذاته.12
ن حقيقة ال غير معلومة في الدنيا ،بل أنها معلومة في الخرة ،وهذا الرأي ن سَبه ابن أبي الثالث :أ ّ
ن التفتازاني نسَبه إلى الباقلني ،لكنه قال :إنه تردد في
لأ ّ
الحديد إلى أصحاب الشعري ،13دون تحديد ،إ ّ
ذلك. 14
1الشيرازي ،صدر الدين :المبدأ والمعاد ،طبع حجر ،1316 ،ص .3
2التفتازاني :شرح مقاصد الطالبين في علم أصول الدين ،الستانة.2/91 ،1277 ،
3كان من أصحاب واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد ،ثم مال إلى الجهم بن صفوان .يرى أ ّن ل تعالى ماهية ل يعلمها غيره .انظر،
ا بن حزم :الف صل في الملل والهواء والن حل ،ط ،1المطب عة الدب ية 1320 ،س 2/173 ،1321س ،174الخياط ،أ بو الح سين:
النتصار والرد على ابن الريوندي الملحد ،بيروت ،1957 ،ص ،98الرازي :المحصل ص .271
4أبو حنيفة ،النعمان بن ثابت :الفقه الكبر ،ط ،2حيدر آباد ،1953 ،ص .1
5الجويني ،أبو المعالي :العقيدة النظامية ،تحقيق :محمد زاهد الكوثري ،مصر ،1367 ،ص 15س .16
6ابن المطهر الحلي ،الحسن بن يوسف :أنوار الملكوت في شرح الياقوت ،طهران ،1338 ،ص .97
7الفارابي :الدعاوى القلبية ،ضمن الرسائل ط ،1مصر ،1325 ،ص .3
8ابن سينا :الشارات والتنبيهات .3/66
9الغزالي :مشكاة النوار ،مصر ،1907 ،ص ،40المقصد السنى شرح أسماء ال الحسنى ،مكتبة الكليات الزهرية ،1961 ،ص
.30 ،28 ،27 ،24
10الرازي :المحصل ص ،271الربعين في أصول الدين ،ط ،1حيدر آباد ،1353 ،ص .218
11الرازي :المحصل ص ،271اليجي :المواقف 8/143س .144
12الرازي :المحصل ص .271
13ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة .1/61
14التفتازا ني :شرح المقاصد ،2/92ولم أجد ذلك في مؤلفات الباقلني المتداولة ،كما أ ّن الستاذ الدكتور محمد رمضان ع بد ال س
الذي أع ّد أطروحة الدكتوراه بعنوان:الباقلني وآراؤه الكلمية س اكتفى بالشارة إلى ما ذكره التفتازاني أيضا .انظر ،محمد رمضان
عبد ال :الباقلني وآراؤه الكلمية ،ط ،2بغداد ،1986 ،ص .397
32
واستنادا إلى ما تقدم ،سنتبيّن الرأي الذي أخذ به ابن أبي الحديد من بين هذه الراء الثلثة.
ن جمهور المتكلم ين زعموا أنّار فض ا بن أ بي الحد يد ما عل يه أ صحاب الرأي الثا ني ،عند ما قال :إ ّ
ل ما نعلمه نحن منها .1لكننعرف حقيقة ذات الله ،ولم يتحاشوا من القول بأنه تعالى ل يعلم من ذاته إ ّ
ن ذلك رأي المتكلمين ،2دون إيراده كلمة الجمهور ابن أبي الحديد لم يكن دقيقا حين صرّح مرة أخرى بأ ّ
التي ذكرناها آنفا.
كمسا أنسه رفسض الرأي الثالث ،فسي معرض إيضاحسه كلم المام علي ع :الذي ليسس لصسفته حسد
محدود ،...،ول و قت معدود ،ول أ جل ممدود ح ين قال :ف يه -القول -إشارة إلى الرد على من قال إنّا
ن القائلين برؤيته في الخرة يقولون :إنّا نعرفنعلم ك نه البارئ سبحانه ل في الدن يا ،بل في الخرة ،فإ ّ
حينئذ كنهه ،فهو عليه السلم ر ّد قولهم ،وقال :إنه ل وقت أبدا على الطلق تُعرَف فيه حقيقته وكنهه ،ل
الن ول بعد الن ،وهو الحق.3
وقد علل ابن أبي الحديد بطلن هذا الرأي بأنه :لو رأيناه في الخرة وعرفنا كنهه ،لتشخّص تشخيصا
ل ما يشار إلى جهته ،ول جهة له يمنع من حمله على كثيرين ،ول يتصور أن يتشخّص هذا التشخّص إ ّ
سبحانه .4ولكي يؤكد ابن أبي الحديد رفضه لهذا الرأي ،استند في دحضه إلى القرآن الكريم ،فقال :واعلم
علْما [ط سه،]110 : ن ِب ِه ِ
ن ن في الحا طة مذكور في الكتاب العز يز ،من ها قوله تعالى :وَل ُيحِيطُو َ أ ّ
ن ابن أبي
ح سِي ٌر [الملك .5]4 :ول يفوتني أن أذكر أ ّ ص ُر خَا سِئا َو ُه َو َ
ك اْلَب َ
ب ِإَلْي َ
ومنها قوله تعالىَ :يْنَقِل ْ
الحديد أشار إلى أنه قد ر ّد هذا الرأي في كتابه زيادات النقضين.6
ل القول بأ نه تب نى الرأي
ن ا بن أ بي الحد يد ر فض -في ما تقدّم -الرأي الثا ني والثالث ،فلم ي بق إ ّ
ول ّ
الول ،الذي كثيرا ما أشار إليه في مواضع ،منها:
أولً :في معرض إيضاحه كلم المام علي ع :وعل فدنا ،قال ابن أبي الحديد :لَمّا عل عن أن تحيط
به العقول ،عرفته العقول ،ل أنها عرفَت ذاتَه ،لكن عرفَت أنه شيء ل يصح أن يُعرَف ،وذلك خاصته
ن ماهيته يستحيل أن تُتصوّر ل في الدنيا ول في الخرة ،بخلف غيره من الممكنات.7
سبحانه ،فإ ّ
ن هويته تعالى غير هوية البشر ،قال :وذهب ضرار بن
ثانيا :في معرض حديثه عن موضوع :في أ ّ
ل هو ،وهذا هو مذهب الفلسفة ،وحكي عن أبي حنيفة وأصحابه ن ل تعالى ماهية ل يعلمها إ ّ
عمرو إلى أ ّ
أيضا ،وهو الظاهر من كلم أمير المؤمنين عليه السلم.8
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة .3/222 1
ن ،م ،10/174وتلك فكرة أشار إليهسا سسقراط مسن قبسل بقوله:المنطسق والعقسل قاصسران عسن وصسفِه وحقيقتسه وإدراكسه .انظسر، 7
الشهرستاني :الملل والنحل ،مطبوع على حاشية الفصل ،ط 2/84 ،1321 ،1س .85
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة 3/222س ،223كما أكد ابن أبي الحديد في نصوص أخرى بقوله :إنه مذهب الحكماء وكثير 8
من المتكلمين من أصحابنا وغيرهم .انظر ن ،م .13/49 ،6/346وفي نص آخر قال :إنه مذهب الحكماء .ن ،م .7/203وفي
نص ثالث قال :إنه ل تُعلَم حقيقة ذاته تعالى ،كما قاله قوم آخرين من المحققين .ن ،م .3/217
33
وهكذا ينتهي ابن أبي الحديد في هذا الموضوع إلى نتيجة تنتظم في نقطتين:
أنس القول بالحيرة فسي جلل ذات البارئ ،والوقوف عنسد حسد محدود ل يتجاوزه الولى ،قال :واعلم ّ
العقل ،قول ما زال فضلء العقلء قائلين به .1بل لو قيل أنها – العقول -ل طاقة لها أن تعبّر عن جلل
مصنوعاته الولى المتقدمة بالرتبة العقلية والزمانية ،لكان ذلك القول حقا وصدقا.2
الثان ية ،قال :إذا تغلغلَت العقول ،وغمضت مداخلها في دقائق العلوم النظرية اللهية التي ل تو صَف
لِدقّت ها ،طال بة أن تعلم حقي قة ذا ته ،إنقطعَت وأعيَت ،ور ّد ها سبحانه وتعالى ،و هي تجول وتق طع ظُلمات
ن إدرا كه ومعرف ته ل تُنال باعت ساف ع ها ،مِقرّة معتر فة بأ ّ الغ يب لتخلص إل يه ،فارتدّت ح يث جَب َه ها ور َد َ
ن أرباب الفكار والرويّات تعذّر عليهم أن يخطر لهم خاطر يطابق ما في المسافات التي بينها وبينه ،وأ ّ
ن أرباب النظار لبد أن تخطر لهم الخارج من تقدير جلل عزته ،ولبد من أخذ هذا الكلم في القيد؛ ل ّ
الخوا طر في تقد ير جلل عز ته ،ول كن تلك الخوا طر ل تكون مطاب قة ل ها في الخارج؛ لن ها خوا طر
ن الو هم قد ألِف الح سيات والمح سوسات ،ف هو يع قل خوا طر م ستندها الو هم ل الع قل ال صريح ،وذلك ل ّ
بحسب ما َأِلفَه من ذلك ،وجلل واجب الوجود أعلى وأعظم من أن يتطرق الوهم نحوه؛ لنه برئ من
المحسوسات سبحانه ،وأمّا العقل الصريح فل يدرِك خصوصية ذاته لِمَا تقدّم ،3ثم يشير ابن أبي الحديد إلى
ص ُر خَا سِئا َو ُه َو
ك اْلَب َ
ب ِإَلْي َ
ن َيْنَقِل ْ
ص َر َك ّرَتْي ِ
ج ِع اْلَب َ
ن ُفطُورٍُ .ثمّ ا ْر ِص َر َه ْل َترَى ِم ْ ج ِع اْلَب َ ن قوله تعالى :فَا ْر ِ أّ
ح سِي ٌر [الملك ]4 ،3 :ف يه إشارة إلى هذا المع نى -أي ا ستحالة إدراك خ صوصية ذا ته تعالى -وكذلك َ
عْل ِم ِه [البقرة.4]255 : ن ِ
ي ٍء ِم ْ شْ ن ِب َ
خْلَف ُه ْم وَل ُيحِيطُو َ
ن َأْيدِي ِه ْم َومَا َ
قوله تعالىَ :ي ْعَل ُم مَا َبْي َ
هكذا يتضح لنا موقف ابن أبي الحديد تمام الوضوح من هذه المسألة ،لكن يجب الوقوف عند بعض
كلماته التي صرّح بها.
ت أنه شيء ل يصح أن يُعرَف يعني بذلك فابن أبي الحديد عندما قال في الموضع الول :لكن قد عرف َ
الح كم العقلي وال صحة العقل ية تع ني المكان ونفي ها نف يه عقلً ،وحين ما عبّر بقوله :وذلك خا صته سبحانه
ن عدم إمكان المعرفة ليس لِعجز نقص في أراد دفع دخ ٍل واعتراض مقدّر ،أو سؤال يطرح نفسه ،وهو أ ّ
العقول ،بل ِلبُعد كُنه ذاته سبحانه عن أن تنالها ُمقَل العقول ،كما هو صريح كلم المام علي ع.
س بسيد البلغاء المامن عدول ابن أبي الحديد عن التعبير بس العلم إلى التعبير بس المعرفة فيه تأ ّ كما أ ّ
س عن عرفان كُنه صِفته ،5وأيضا التزام بما اصطلح عليه ت هَما ِه ِم النفو ِ
ع خَطرا ِ
علي ع ،الذي قال :و َر َد َ
أنس التعسبير بالعلم نفيا وإثباتا يكون بالكليات ،والمعرفسة نفيا وإثباتا بالجزئيات ،حيسثأرباب المعقول مسن ّ
الكلم هنا يحوم حول ذات البارئ تعالى ،وهو جزئي بأبلغ معاني الجزئي ،فكان تعبيرا لئقا بالمقام.
أمّا تعبير الماهية التي أتت في كلم ابن أبي الحديد ،لبد أن تُفسّر بما به الشيء هو هو ،ل بمعنى ذات
حّق ق فسي كتسب المعقول مسن أنّس الممكنات -كلهسا أو جلّهسا -على اختلف الرأي -
الشيسء ،لِمَا ُقرّر و ُ
34
ن ماهي ته سبحانه ع ين
ل ذات البارئ تعالى ،ح يث يرى جمهور المتكلم ين أ ّ
مر ّك بة من ماه ية ووجود ،إ ّ
وجوده ،ووجوده نفس ماهيته.
ن ابن أبي الحديد يحاول في كل نص من النصوص السالف تنزيه ال سبحانه ختام الموضوع نستنتج أ ّ
من إحاطة العقول البشرية به ،فنفاها -الحاطة -بنفي ما يترتب عليها من كونه ذا نهاية ،1إذ معنى
الحاطة بالشيء هو إدراكه بكنهه ،ومعرفته بجميع جهاته ،وبلوغ العقل غايته ونهايته ،بحيث ل يكون
وراء ما أدركه شيء آخر ،ونفي انتهائه بنفي ما يترتب عليه من كونه ذا كيفية تكيّفه بها القوى المتخيلة
ليثبته العقل.
الفصل الثالث :أدلة إثبات واجب الوجود عند ابن أبي الحديد
تمهيد
دليسل السواجب لِذاته
دليسل الحدوث
دليل العناية والختراع
دليل الحركسة
تمهيد
تختلف طرق الستدلل على وجود ال سبحانه عند الفلسفة عنها عند المتكلمين ،وهذا ما يطلعنا عليه
ن الذي ُي ستدَل به على إثبات ال صانع يم كن أن يكون من وجه ين...، ا بن أ بي الحد يد ،حين ما أشار إلى أ ّ
أحدهما الوجود والثاني الموجود ،أمّا الستدلل عليه بالوجود نفسه فهي طريقة المدققين من الفلسفة...
أثبتوا وجوب ذلك الوجود واستحالة تطرّق العدم إليه بوجه ماّ ،فلم يفتقروا في إثبات البارئ إلى تأمّل أمر
غ ير ن فس الوجود ،وأمّا ال ستدلل عل يه بالموجود ل بالوجود نف سه ،ف هو ال ستدلل عل يه بأفعاله ،و هي
طريقة المتكلمين ،...واستدلوا عليه بالعالم ،وقالوا تارة :العالم محدَث ،وكل محدَث له مح ِدِث ،وقالوا تارة
أخرى :العالم ممكن ،فله مؤثّر.2
ن ا بن أ بي الحد يد أشار في ال نص المتقدم إلى مج مل أدلة المتكلم ين لثبات البارئ
والمل حظ ه نا أ ّ
سبحانه ،لكنه لم يشر إلى أدلة الفلسفة .لذلك تراه يشير -في نص لحق -إلى أهم دليل عندهم ،وهو
ن الوجود ينق سم
دل يل الوا جب لذا ته قال ف يه :إثبات وجوده تعالى من الن ظر في ن فس الوجود؛ وذلك ل ّ
ن طبيعة الممكن بالعتبار الول إلى قسمين :واجب وممكن ،وكل ممكن لبد أن ينتهي إلى الواجب؛ ل ّ
يمتنع من أن يستقل بنفسه في قوامه ،فلبد من واجب يستند إليه ،وذلك الواجب الوجود الضروري الذي
لبد منه هو ال تعالى.3
35
ن الفل سفة قد أثبتوا وجوده تعالى من الن ظر في ن فس ن ما ذكره ا بن أ بي الحد يد ،من أ ّ ومعلوم أ ّ
الوجود ،نراه متجسدا عند أهم فلسفتنا المسلمين ،كالفارابي وابن سينا .أمّا استدلل المتكلمين من خلل
أفعاله تعالى فنراه بوضوح عند القاضي عبد الجبار ،والباقلني ،والشيخ الطوسي .ورعاية لمنهج البحث،
أكت في بذ كر ما أفاده الفارا بي وا بن سينا ،وأح يل إلى ما أفاده المتكلمون ،الذ ين سبق ذكر هم ،على أبرز
مؤلفاتهم.1
فالفارابي يقول :الشياء الممكنة ل يجوز أن تمر بل نهاية ،في كونها علة ومعلولً ،ول يجوز كونها
على سبيل الدور ،بل لبد من انتهائها إلى شيء واجب ،هو الموجود الول.2
أمّا ابن سينا فيقول :تأمل كيف لم يحتج بياننا لثبوت الول ووحدانيته وبراءته من السمات إلى تأمّل
ل عليه ،لكن هذا الباب أوثق لغير نفس الوجود ،ولم يحتج إلى اعتبار من خلقه وفعله ،وإن كان ذلك دلي ً
وأشرف ،أي إذا اعتبرنا حال الوجود فشهد به الوجود من حيث هو وجود ،وهو يشهد على سائر ما بعده
ن َل ُه ْم َأّن ُه
حتّى َيَتَبّي َ
س ِه ْم َ
ق َوفِي َأْنُف ِسُنرِي ِه ْم آيَاِتنَا فِي الْآفَا ِ
في الوجود ،وإلى مثل هذا أُشي َر في الكتاب اللهي َ
شهِي ٌدي ٍء َ شْ علَى ُك ّل َ ك َأّن ُه َ ف ِب َرّب َ
ن هذا ح كم لقوم ،ثم يقولَ :أ َوَل ْم َي ْك ِ اْلحَقّ [ف صلت ،]53 :أقول :إ ّ
صدّيقين ،الذين يستشهدون به ل عليه.3 [فصلت ،]53 :أقول :هذا حكم لل ّ
ن ما صرّح به ابن سينا ،أفاد منه ابن أبي الحديد بإيجاز.4
ولبد من الشارة إلى أ ّ
وبعد عرضنا لما يراه ابن أبي الحديد ،وما أعقبه من كلم الفارابي وابن سينا ،لبد من بيان حقيقة
ن الوجود اللهي حقيقة عينية 5يحكم العقل بأنه موجود لذاته ،مع قطع النظر عن كل ما عداه، مهمة هي أ ّ
ن كل شيء ما عداه ،إنما هو موجود بس الوجود اللهي ،أمّا نفس الوجود فهو موجود بنفسه ل بوجود فإ ّ
ل لَمَا كان وجودا،
آخر ،فل يُعقَل أن تكون العينية الوجودية له سبحانه مأخوذة عما هو خارج عن ذاته ،وإ ّ
ل كان ذا بياض ل بياضا ،فكما ن البياض أبيض بذاته ل ببياض آخر ،وإ ّ بل كان ذا وجود ،مثل أن يقال أ ّ
ل يُعقَل أن تكون أبيض ية البياض من بياض آ خر ،كذلك ل يُعقَل أن تكون موجود ية الوجود من وجود
آ خر ،بل هو الموجود بنف سه ،الم ستغني بوجوده ع ما عداه ،إ ستغنا ًء ذاتيا ،و كل موجود عداه فإن ما هو
موجود بسه وبسسببه ،فإذا كانست الموجودات المكانيسة -المحدَثات -ل وجود لهسا بذاتهسا ،بسل موجودة
بالوجود ،فلبسد أن يكون الوجود الصسرف الذي تكون بسه الموجودات موجودة ،موجودا بنفسسه ل بوجود
آخر ،غنيا بنفسه ،ل بصلة أخرى ،واجب الوجود لذاته.
وهكذا نخلص إلى القول بأنّس السستدلل بالعلة على المعلول أَولى البراهيسن بإعطاء اليقيسن؛ لنّس العلم
بالعلة المعيّنة يستلزم العلم بالمعلول المعيّن ،ول عكس.
ي الطريقين سلك ابن أبي الحديد؟
بقي أن نعرف أ ّ
راجع رأي القاضي عبد الجبار:شرح الصول الخمسة ص ،89والشيخ الطوسي ،أبو جعفر :القتصاد فيما يتعلق بالعتقاد ،ط ،1 1
النجف الشرف ،1979 ،ص ،49والباقلني ،محمد بن الطيب :النصاف فيما يجب اعتقاده ول يجوز الجهل به ،ط ،2القاهرة،
،1382ص ،22وهو رأي جميع المتكلمين.
الفارابي :عيون المسائل ،ضمن المجموع ،ط ،1مصر.1325 ، 2
أي أ ّن الماهية عين الوجود ،وأنه تعالى موجود بنفسه ل بوجود آخر. 5
36
ن صاحبنا سلك الطريقين معا ،من خلل إيراده بعض أدلة الفلسفة ومجمل أدلة المتكلمين، الواقع أ ّ
ن المام عليا ع قد انفرد ب ها .ف ما الدلة ال تي ا ستدل
زيادة على أدلة أخرى يرى -بح سب ا ستقرائه -أ ّ
بها؟
على وفق مسلك الفلسفة ،استدل بدليل الواجب لذاته.
على وفق مسلك المتكلمين ،استدل بدليل :الحدوث ،العناية ،الختراع.
ن المام عليا ع قد انفرد بها مثل دليل الحركة.1
ما برّزه من الدلة التي يرى -بحسب استقرائه -أ ّ
وليضاح ما يترتب على ما سقناه سابقا ،أرى من المناسب -هنا -إيراد ما أوجزه ابن أبي الحديد
ن أدلة وجوده سبحانه وأعلم ثبو ته وإلهّي ته جليّة واضحة،2
عن الدلة ،بو صفها نظرة شاملة ،إذ قال :إ ّ
وأنه سبحانه أظهر وجودا من الشمس ،لكن ذلك الظهور لم يكن إدراكه بالقوى الحاسّة الظاهرة ،بل بأم ٍر
ي في باطن هذا الجسد ،أو مفارق ليس في الجسد ،ول في جهة أخرى غير جهة الجسد.3 آخر ،إمّا خف ّ
دليل الواجب لذاته
ن فكرة وا جب الوجود قد تبلورت وظهرَت ب صورتها الناض جة على يد الفارا بي ،الذيمن الثا بت أ ّ
كان أول من وضع مصطلحات واجب الوجود وممكن الوجود .وق سّم الموجودات على هذين القسمين،
ولكن إذا تقصّينا أصول هذه الفكرة وجدنا أنها ضاربة في الجذور في عمق تاريخ الفكر الفلسفي.4
فالفارا بي ع ند تق سيمه الموجودات إلى مم كن ووا جب ،يقول :الشياء الممك نة ل يجوز أن تم ّر بل
نهاية في كونها علة ومعلولً ،ول يجوز كونها على سبيل الدور ،بل لبد من انتهائها إلى شيء واجب،
هو الموجود الول.5
ن هناك وجودا ،و كل وجود ،فإمّا وا جب وإمّا مم كن ،فإن كانأمّا ا بن سينا في صرّح بأ نه ل شك أ ّ
واجبا صح وجود الواجب وهو المطلوب .6أمّا إذا كان ممكنا فلبد أن ينتهي إلى واجب الوجود.7
يرى ابن أبي الحديد أ ّن هذا الدليل أخذه المتكلمون عن المام علي ع فنظموه في كتبهم وقرروه .انظر شرح نهج البلغة 78 /13 1
يونس ،منذر جلوب :نظرية واجب الوجود عند الفارابي ص .25 4
ابن سينا :النجاة في الحكمة المنطقية والطبيعية واللهية ،ط ،1بيروت ،1985 ،ص .271 6
37
والن لنر كيف تناول ابن أبي الحديد هذا الدليل.
ن ذا ته ل تق بل العدم ،وي ستحيل
ن مع نى وا جب الوجود أ ّ
ق بل كل ش يء ي صرّح ا بن أ بي الحد يد بأ ّ
الجمع بين قولنا :هذه الذات محدَثة ،أي كانت معدومة ،وهي في حقيقتها ل تقبل العدم.1
ن أصول هذا التعريف مستمدة بإيجاز مما ذكره كل من الفارابي وابن سينا ،فالفارابي قال: ويبدو أ ّ
فالواجسب الوجود متسى فُرض غيسر موجود ،لزم منسه محال ،ول علة لوجوده ،ول يجوز كون وجوده
بغيره .2أمّا ا بن سينا ف قد أورد تعريفا مشابها ل سابقه ،ح تى في اللفاظ تقريبا عند ما قال :الوا جب الوجود
هو الموجود الذي متى فُرض غير موجود عرض منه محال.3
أنس ابسن أبسي الحديسد فسي معرض ردّه على مسا ذكره الرازي مسن إجماع ومسن المهسم الشارة إلى ّ
المسسلمين على إبطال الواسسطة بيسن واجسب الوجود والعالم .4نراه يشيسر إلى أمسر مهسم يتعلّق بإيضاح
ن الم سلمين
ت تع ني أ ّ
المق صود من وا جب الوجود ،ف هو يُشكِل على ما أورده الرازي آنفا بقوله :إن كن َ
ن
ن صانع العالم واجب الوجود لذاته فشيخكم الشعري ومَن وافقه على مقالته يزعمون أ ّ أجمعوا على أ ّ
ال تعالى ذات ليست ذاته توجب دوام وجودها واستمراره ،ولول تلك الذات لكانت ذاته معدومة ،ويسمّون
ن ذاته تعالى ممكنة؛ لنها ليست دايمة بذاتها.5
تلك الذات بقاءً ،وهذا تصريح منهم بأ ّ
ن ابن أ بي الحد يد يت فق مع الرازي وغيره 6في إبطال الوا سطة ب ين واجب
ولبد من الشارة إلى أ ّ
ن ما ذكره آنفا بضمي مة ن في الوا سطة في الموجودات ب ين الوا جب
الوجود والعالم في إيجاد العالم ،وأ ّ
ن حصر الوجود فيهما عقلي ،مما دعاه إلى طي والممكن ،وإثبات هذه الواسطة ل يفتقر إلى البرهان؛ ل ّ
هذه المقدمة.
أمّا كيفية تناوله لهذا الدليل ،فهذا ما يتضح من العرض التي:
ن الوجود ينقسم بالعتبار الول إلى قسمين :واجب وممكن ،وكل ممكن أشار ابن أبي الحديد إلى أ ّ
ن طبي عة المم كن يمت نع من أن ي ستقل بنف سه في قوا مه ،فل بد من
لبد أن ينت هي إلى الوا جب؛ وذلك ل ّ
واجب يستند إليه ،وذلك الواجب الوجود الضروري الذي لبد منه هو ال تعالى.7
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة ،9/253التعليقات ورقة 455أ. 1
الفارابي :عيون المسائل ص ،23ومن المور التي يؤكدها الفارابي أ ّن واجب الوجود غير قابل للتعريف أو الحد ،أي أ ّن عِلمنا ل 2
يمكن أن يحيط به إحاطة تامة .انظر يونس ،منذر جلوب :نظرية واجب الوجود عند الفارابي ص .85 ،48
ابن سيبنا :النجاة ص .261 3
الرازي :مح صل الفكار ص ،237وذكره في المطالب العال ية .ان ظر الزركان :ف خر الد ين الرازي وآراؤه الكلم ية ص .330 4
والقائلون بالواسطة هم السماعيليون والقرامطة ،إذ قالوا :بأ ّن أصل الوجود هو أمر ال -أي كلمته -وال لم يخلق العالم مباشرة،
بل بواسطة العقل الكلي الذي أوجد النفس الكلية ،وأفاض صوره على ما أنتجَته من مادة وأجسام ،وكل ذلك في زمان ومكان .انظر
جوز يف الهاشم :الفارابي ،دار الشرق الجديد ،ط ،1بيروت ،1960 ،ص .97
ابن أبي الحديد :التعليقات ورقة 394أ. 5
قال المحقق الطوسي نصير الدين :وأمّا إبطال الواسطة بإجماع المسلمين ،فليس كما ينبغي ،والمعتمد في إبطالها أ ّن الواسطة يمتنع 6
أن تكون واجبة بالوجود؛ لمتناع أن يكون الواجب أكثر من واحد ،فإذن هي ممكنة وهي من جملة العالم؛ ل ّن المراد من العالم ما
سوى المبدأ الول ،فإذن وقوع الواسطة بين واجب الوجود لِذاته وبين العالم محال .انظر ،الطوسي نصير الدين :تلخيص المحصل،
مطبوع مع المحصل س للرازي س دار الكتاب العربي ،ط ،1بيروت ،1984 ،ص 238س .239
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة .9/148 7
38
ن ما أفاده ابن أبي الحديد آنفا يتفق عليه كافة فلسفة السلم ،بل أنهم إذا أرادوا التعرضوالواقع أ ّ
لدليل الواجب لذاته ،فإنهم يشيرون إلى هذه الفكرة أو الدليل -دليل العلة التامة - 1قبل غيرها ،وهذا ما
سبق أن أفادنا به كل من الفارابي وابن سينا في بداية الحديث عن هذا الموضوع.2
ن عبارا ته جاءت ن سينا -لك ّن ا بن أ بي الحد يد -وإن وافقه ما -الفارا بي واب َ
ن المل حظ أ ّ
لأ ّ
إّ
أنس ابسن أبسي الحديسد كان مطلعا على مسا أفاده ابسن سسينا بهذا
مقاربسة لِمسا أفاده الخيسر ،وأغلب الظسن ّ
الخصوص.
وزيادة على كل ما تقدم ،لبد من القول بأنه لو كان في الوجود واجبان أو أكثر ،لكانا مشتركَين في
وجوب الوجود ،ولو كان كذلك لو جب أن يمتاز كل منه ما عن ال خر ب صفة لي ست في شري كه ،تحقيقا
للثنينية ،ولو كانا كذلك -أعني كونهما مشتركَين في شيء وممتازيَن في آخر ،جاء التركيب والمكان
ن الترك يب م ستلزم للحا جة إلى جزَأ يه ،والحا جة ت ستلزم المكان ،وحينئذ ف قد
وب طل الوجوب ،باعتبار أ ّ
صار الواجب ممكنا ،وهذا ل يصح.
أمّا بقية ما يتعلق بهذا الدليل ،فقد تطرّق ابن أبي الحديد إليه ،في معرض تعليقه على محصل الفكار
للرازي ،وهذا ما يستدعي منّا – هنا – عرض نصوص كاملة ،إيضاحا للمقصد.
ل -عندما أراد إثبات واجب الوجود ،استدل على ذلك بأنه :لو كان ممكنا لزم الدور فالرازي -مث ً
ن الشيء إذا احتاج إلى غيره كان المحتاج إليه متقدمّا في أو التسلسل ،وهما باطلن .أمّا بطلن الدور فل ّ
الوجود على المحتاج ،فلو افتقر كل واحد منهما إلى الخر ،لكان كل واحد منهما متقدما في الوجود على
الخر ،فيلزم أن يكون كل واحد منهما متقدما على المتقدم على نفسه ،ومتقدم المتقدم متقدم ،فالشيء متقدم
ن مجموع تلك المور التي ل نهاية لها مفتقر إلى كل واحد على نفسه .هذا خُلف .وأمّا بطلن التسلسل فل ّ
من ها ،و كل وا حد من ها مم كن ،والمفت قر إلى المم كن مم كن ،فالمجموع مم كن ،و كل مم كن فله مؤثّر،
فالمجموع له مؤثّر ،والمؤثّر إمّا نفس ذلك المجموع أو أمر داخل فيه ،أو أمر خارج عنه ،والول باطل؛
ن المؤثّر متقدم على الثر ،فلو كان المجموع مؤثّرا في نفسه يلزم كونه متقدما على نفسه وهو محال، لّ
ل لزم تقدّم
ن كل وا حد من آحاد ذلك المجموع فإ نه ل يكون علة لنف سه ول لِعل ته ،وإ ّ والثا ني با طل؛ ل ّ
الشيسء على نفسسه ،وإذا لم يكسن علة لنفسسه ول لِعلتسه لم يكسن علة لذلك المجموع ،فثبست أنسه لبسد لذلك
المجموع من علة خار جة ع نه ،والخارج عن جم يع الممكنات ل يكون ممكنا ،بل واجبا ،فث بت وجوب
انتهاء الممكنات بأسرها إلى الواجب.3.
والرازي ب عد عر ضه هذا الدل يل ،أشار إلى عدم الت سليم ب صحة وجود تلك ال سباب والم سببات -
بأنس هذه اللفاظ مشعرة بالتناهسي ،فل يصسح
ل ذلك ّ الواردة آنفا فسي الدليسل -بأنهسا كسل ومجموع .معل ً
ل بعد ثبوت التناهي.4
إطلقها إ ّ
ك ما ورد دل يل العلة التا مة ع ند الفارا بي في ال سياسات المدن ية ص ،19 - 17ان ظر اللو سي ،ح سام الد ين :حوار ب ين الفلسفة 1
الرازي :المحصل ص 216س .217وهذا الدليل أورده الغزالي في المقاصد ص 220س .222 3
39
والمراد من الكل والمجموع عند الرازي تلك السباب والمسببات ،بحيث ل يبقى واحد منها خارجا
عنها.1
هنا يأتي دور ابن أبي الحديد ،عندما أشكل على ما ذكره الرازي آنفا ،في نقطتين:
الولى :اعترا ضه على الرازي ،عند ما ذ هب إلى عدم الت سليم ب صحة وجود تلك السباب والم سببات
ن تلك السباب والمسببات ن للخصم أن يقول لك :ل نسلّم أ ّبأنها كل ومجموع .إذ قال مخاطبا الرازي :أ ّ
-مع فرض ل تناهيها -تكون متقوّمة بكل واحد من أجزائها ،بل الجمل المتقوّمة بأجزائها هي الجمل
ل ،كالعشرةخَص منها ماهية مح صّلة ،إمّا حِسّا كالسرير عن أجزائه ،والبلدة عن البيوت ،أو عق ُ
التي تُش َّ
عن آحادها ،والنوع عن الفصل والجن س .2وما أفاده ابن أبي الحديد -هنا -يت فق مع ما ذ هب إليه
نصير الدين الطوسي في تلخيصه محصل الفكار ،مع زياداته الموضحة والمتمّمة.3
الثانية :تعليقه على ما صرّح به الرازي في نص الدليل من فرض أمور توجب بعضها ما ل نهاية.
ن الذهن ل يقوى على استحضار هذه المور ،ول يقوّم منها ماهية محصّلة هنا يشير ابن أبي الحديد إلى أ ّ
يشار إليها بالجنس أو بالفعل ليحكم بأنها متقوّمة من الجزاء.
ولبيان رأيسه المتقدم بتفصسيل أكثسر دقسة ووضوح ،يقول ابسن أبسي الحديسد :وهذا الكلم يورَد على
وجهين:س
ل الجملة
ن الجملة التي تتقوّم بأجزائها ليست إ ّ
الوجه الول .أن يتصدى المعترض على الدليل ،لبيان أ ّ
ن الجزاء التي أجزاؤها متناهية ،لم يحصل من المجموع ماهية يحكم عليها بأنها متقوّمة بالجزاء؛ ول ّ
إنما تكون أجزا ًء لشي ٍء واحد؛ لنّا لو لم نأخذ قيد الواحدية فيه ،لَما كانت تلك الجزاء أجزاء شيء ،فإنّا
إذا فرضنا إنسانا إلى جانبه حجر ،ولم يحصل من اجتماعهما حقيقة متحدة ،لم يكن كل واحد منهما جز ًء
ض ذي وحدة مفروضة ،كما نقول: لشي ٍء مفروض ،فقد بان أنه لبد أن تكون الجزاء أجزا ًء لشي ٍء مفرو ٍ
ع سكر وا حد ،وبلد وا حد ،ونحوه ما ،ف ما ل نها ية له ل يس بش يء وا حد ،ول ش يء مفروض ،ول أ مر
ح أن يقال أنه
حاضر في الذهن ،ول صورة مرتسمة في عقل أو في قوة من القوى الباطنة ،فكيف يص ّ
شيء قد يُقوّم بأجزائه ،وكل متقوّم بأجزائه ممكن ،فيكون ذلك المجموع ممكنا.4
ن دليل الرازي على بطلن التسلسل ،مبني على أمرين ،أحدهما :أنه ع ّد السلسلة التي والظاهر أ ّ
ن كل مجموع مركّب متقوّم بأجزائه.أجزاؤها غير متناهية ،مركّبة من تلك الجزاء ،وثانيهما :أ ّ
ودل يل الرازي أ ساسه هاتان المقدمتان ،وعلى هذا على الساس ،فا بن أ بي الحد يد ين في في الو جه
الول المقدم َة الولى ،وفي الوجه الثاني ينفي المقدمة الثانية.
ن ترت يب أمور غ ير متناه ية على ن حو تذ هب ال سلسلة إلى ما ل
أ ما بطلن المقد مة الولى؛ فل ّ
يتنا هى ل يع طي للمجموع خواص المركّب ،وك ما ل يع طي ل كل فرد من أفراد ال سلسلة خا صية الجزء
ن
كالحجر في جنب النسان؛ لنه ليس كل ما يجعل مع الخر ويع ّد منها سلسلة يحصل منها المركّب ،فإ ّ
ن ،م ص .220 1
40
ل إذا كا نت هناك حا جة وافتقار ل كل جزء إلى الجزء
المركّب ع ين الجزاء ،والجزاء ل تكون أجزا ًء إ ّ
الخر ،والرازي عجز -هنا -عن إثبات الحاجة لكل جزء إلى الجزء الخر.
وحتى مع فرض السابق علة في اللحق ،فإنه يثبت الفتقار لحد الجزئين إلى الخر ،وهو المعلول
ل بافتقار كل جزء إلى
ن الترك يب ل يحدث إ ّ
إلى العلة ،ول يث بت افتقار العلة إلى المعلول ،و قد فرض نا أ ّ
صاحبه.
سّم ك ّل
أمّا مسا يرد على المقدمسة الثانيسة فهسو :أنسه لو فرضنسا كسل مجموع متناهسٍ ،فنقول :أنسه ل نس ل
ن تقوّم المركّب مجموع من أجزائه إذا كانت الجزاء مجموع ،فهو متقوّم بأجزائه ،فهو متنا هٍ ،بل نقول أ ّ
متناهية وليس دائما.
الو جه الثا ني من اعتراض ا بن أ بي الحد يد .قال :في الطراد 1أن ي سقط المعترض عن نف سه هذه
ن القضية القائلة كل مجموع أو كل ك ّل فهو متقوّم المؤونة ،ويقف موقف المطالبة فقط ،ويقول :ل نسلّم أ ّ
س ل يجوز أن يكون ذلك مسن خواص المجموع أو الكسل بأجزائه قضيسة صسحيحة على الطلق ،ولِم َ
المتناهي ،ويكفيه -المعترض -أن يص ّر على المطالبة فقط ،وعلى المستدل إثبات صدق هذه القضية
في كل القسمين ،وإن كان المحتج من الفلسفة ،مثّل له المعترض هذا العتراض بمثال يقوله الفلسفة
ن المتكلمين قالوا :لو كان نوعفي اعتراضهم على أدلة المتكلمين في استحالة بقاء النفوس الناطقة ،وذلك أ ّ
البشر ل أوّل له ،ولكل بدن نفس باقية بعد موت البدن ،لكانت هذه النفس الن موجودة ل نهاية لها ،لكن
كل عدد موجود له نصف ،ونِصفه أقل من كلّه ،وكل ما كان أقل من غيره ،فهو متنا هٍ ،وكل ما نِصفه
ن كل عدد متنا ٍه فكلّه متنا هٍ؛ لنه ضعف المتناهي ،وامتنعَت الفلسفة في جواب هذا .فإن قالوا :ل نسلّم أ ّ
ِمس ل يجوز أن يكون ذلك مسن خواص العدد المتناهسي ،فيقال لهسم :فسي هذه على الطلق فله نِصسف ،ول َ
ِمس يجوز أن يكون ذلك مسن خواص المتناهسي أنس كسل مجموع فهسو متقوّم بأجزائه ،ول َالمسسألة ل نسسلّم ّ
الجزاء.2
ن مدبّر العالم هو واجب الوجود ،يصرّح ابن ن الرازي عندما أبطل الدّور؛ كي يثبت أ ّهنا نلحظ أ ّ
ن الشيء إذا احتاج إلى غيره كان المحتاج إليه متقدّما بالوجود على المحتاج ،فلو افت قر كل أبي الحد يد بأ ّ
منهما إلى الخر ،كان كل واحد منهما متقدما على المتقدم على نفسه ،ومتقدّم المتقدّم متقدّم ،فالشيء متقدّم.
هذا خُلف 3على حد تعبير الرازي.
ن الوجود
ن هذا يشكك باقتضاء الماهية؛ ل ّ ن ابن أبي الحديد في ردّه على الفخر الرازي ،يرى أ ّ بيد أ ّ
في الدرجة الثانية من المكان ،فهو متأخر عنه ،فكيف يتقدم عليه ،ويشكك أيضا بقبول الماهية الممكنة
ل لكانت
ن القابل متقدم على المقبول ،ويستحيل تقدّم الماهية الممكنة على وجودها بالوجود ،وإ ّ للوجود ،فإ ّ
موجودة دفعت ين ،ويش كك أيضا بأجزاء الماه ية المر ّك بة :فإن ها علة لتقوّم الماه ية ،وذلك ح كم يح صل ل ها
هذه الكلمة وردت في المخطوط بلفظ التراد مما يد ّل على أ ّن الناسخ غير عربي. 1
41
قبل الوجود ،فل يكون مشروطا بالوجود ،فهذه الوجوه -كما يقول ابن أبي الحديد -تفسد أن يكون العقل
ما لم يفرض المؤثر متقدّما بالوجود على الثر ،استحال أن يكون مؤثّرا فيه.1
ن مجمل إشكالت ابن أبي الحديد على ما أفاده الفخر الرازي تنحصر في ثلثة أمور:
ويبدو أ ّ
ن
ال مر الول :أن الوجود عارض على الماه ية ،وإمكا نه ثا بت له ،ف هو متأ خر عن الوجود ،مع أ ّ
الوجود يتأخسر عسن المكان .وهذا نقسض على الرازي ،إذ يلزم مسن كلمسه تقدم الشيسء على نفسسه :أمّا
ن المكان ل بد أنف له ،وأمّا الوجود متأ خر عن إمكا نه؛ ل ّ
المكان ف هو متقدم على الوجود؛ ل نه و ص ُ
يكون قبل الوجود ،إنما يتحقق الوجود إذا كان ممكنا .فالمكان متقدم على الوجود.
ن الماهية تقبل الوجود ،وهو عارض عليها ،والقابل متقدم على المقبول عقلً .ومعنى المر الثاني :أ ّ
ل لزم
تقدم الماهية على الوجود ،أنها موجودة قبل الوجود ،وهي إنما توجَد بنفس دليل الوجود المتأخر ،وإ ّ
أن يكون للماه ية وجودان :الول :حين ما تكون الماه ية قابلة ،والثانني :حينمسا تت صف بالوجود العارض
عليها.
ن الماهية المركبة معلولة لجزائها ،فهي متأخرة عنها ،وهي -الجزاء -مقوّمة لها، المر الثالث :أ ّ
وهذا الحكم -وهو تقوّم الماهية بالجزاء -ثابت لها قبل الوجود .فل يمكن أن يكون هذا الحكم مشروطا
ن الوجود متأ خر ،وتقوّم الماه ية بالجزاء هو ع ين وجود ها ،فالح كم بالتقوّم هو عبارة عنبالوجود؛ ل ّ
ح صول الماه ية ووجود ها ،وهذا سابق على ورود الوجود ق بل أن يكون هناك تقدّم الش يء على نف سه،
حسب تصور الرازي.
دليل الحدوث
يع ّد دليل الحدوث من أشهر الدلة التي استدل بها المتكلمون على وجود ال ،على حد تعبير ابن أبي
الحديد.2
ويُب نى دل يل الحدوث على جملة مقدمات عقل ية ،تشكّل في مجموع ها نظر ية الجو هر الفرد .ودل يل
الحدوث هو دليل المتكلمين المختار ،وقد أخذوا به جميعا ،وخاصة الشاعرة ،3وهو أيضا دليل الكندي من
فلسفة السلم.4
و قد أو جز ا بن ر شد ،ت 595ه س ،الدل يل في ثلث مقدمات كبرى ،هي بمنزلة ال صول للدل يل:
ن العراض حادثة ،والثالثة،ن الجواهر ل تنفك عن العراض ،أي ل تخلو منها ،والثانية ،أ ّ
إحداها ،أ ّ
ن ما ل ينفك عن الحوادث فهو حادث ،أي ما ل يخلو من الحوادث فهو حادث مخلوق.5 أّ
الكندي :رسائل الكندي الفلسفية ،تحقيق :أبو ريدة ،بيروت .1/76 ،1950 ،إذ يقوم هذا الدليل عند الكندي س كما يقول اللوسي س 4
على أساس إثبات تناهي جرم العالم ،وعلى أساس تناهي زمان العالم ،ثم على أساس تناهي حركة العالم أو الحركات عموما .انظر
اللوسي :فلسفة الكندي وآراء القدامى والمحدثين فيه ،ط ،1بيروت ،1985 ،ص .92
ابن رشد :مناهج الدلة في عقائد الملة ،تحقيق :محمود قاسم ،مصر ،1958 ،ص .137 5
42
وإذا كانت طريقة المتكلمين للستدلل على وجود ال هي بأفعاله ،كما يقول ابن أبي الحديد ،فإنه في
ن ك ّل ما ل يُعلَم بالبديهة ول بالحس ،فإنما معرض إشارته إلى دليل الحدوث ،يؤكد ما قاله المتكلمون من أ ّ
ل أفعاله ،فاستدلوا عليه بالعالَم ،وقالوا:
يُعلَم بآثاره الصادرة عنه ،والبارئ تعالى متكلم ،فالطريق إليه ليس إ ّ
العالَم محدَث ،و كل محدَث له محدِث ،1وقالوا تارة أخرى :العالَم مم كن ،فله مؤثّر .2وتعل يل حدوث العالم
ل بالقوة ل
ع ند ا بن أ بي الحد يد ،هو أ نه إذا لم ي كن العالم مخلوقا ب عد ،لم ي صدق عل يه أ نه قائم بأمره إ ّ
بالفعل.3
ن الطرق إل يه أرب عة:
وعند ما ي ستدل ا بن أ بي الحد يد على وجود ال تعالى بدل يل الحدوث ،يرى أ ّ
إحداها ،الستدلل بحدوث الجسام ،والثاني ،الستدلل بإمكان العراض والجسام ،والثالث ،الستدلل
بحدوث العراض ،والرابع ،الستدلل بإمكان العراض. 4
وهذا التقسيم بعينه تجده عند الباقلني والقاضي عبد الجبار والفخر الرازي. 5
الطريق الول:حدوث الجسام
تستطيع فَهم رأي ابن أبي الحديد بخصوص هذا الطريق ،من خلل ما أشكله على الفخر الرازي.
فالخير عندما يتساءل في كتابه المحصل ،فيقولِ :ل َم ل يجوز أن تكون الجسام حال عدمها واجبة العدم،
وحال وجود ها واج بة الوجود ،وعلى هذا التقد ير ل يث بت المكان6؟ .ه نا يج يب الرازي -نف سه -على
ن المر كذلك ،ل كن ح صول المتناع يتو قف على حضور وق ته المخ صوص ،وح صول الوجوب ذلك بأ ّ
يتوقف على حضور الوقت الخر ،والماهية من حيث هي هي ،مع قطع النظر عن الوقتين ل يبقى لها
ل القبول.7
إّ
ن الماهية إذا سلّم لخصمه أنها واجبة
ن فيما يراه الرازي مغالطة ،باعتبار أ ّ
هنا يرى ابن أبي الحديد أ ّ
الحصول باعتبار وقت مخصوص ،وأنها واجبة العدم باعتبار وقت آخر مخصوص ،فلم يبق للماهية من
حيث هي هي إمكان يقتضي المؤثر الخارج عن الوقتين؛ لنه لو بقي لها كونها على هذه الحال إمكان
يقتضي حاجتها إلى مؤثر خارج عن الوقتين ،لوجب أن تكون -الماهية -الموجود الممكن المعلل بعلّة
قارن بخصوص مَن استدل به ابن أبي الحديد من المتكلمين :الباقلني :التمهيد ص 41س ،44القاضي عبد الجبار :شرح الصول 1
الخمسة ص ،94 ،92الشريف المرتضى :المحكم والمتشابه ص 118س ،119الشيخ الطوسي :القتصاد ص ،42الجويني :
الرشاد ص 17وما بعدها ،ابن المطهر الحلي :كشف المراد ص .305
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة ،3/221ويبدو أ ّن كلم ابن أبي الحديد هذا مقارب لِمَا أفاده القاضي عبد الجبار في كتابه فضل 2
العتزال ص .346
ن ،م .6/393 3
كتبهم على التوالي :الباقلني :التمهيد ص ،44القاضي عبد الجبار :شرح الصول الخمسة ص ،94 ،92المختصر في أصول 5
الدين ضمن رسائل العدل والتوحيد تحقيق :محمد عمارة ،دار الهلل ،1971 ،ص 174س ،179الرازي :المحصل ص 213س
.216
ينطلق الرازي في حدوث الجسام من القول بأ ّن المحدَث هو الذي كان معدوما ثم صار موجودا ،وما هذا شأنه كانت ماهيته قابلة 6
43
ل لزم تعل يل
موجودة قد ب قي ف يه من المكان ما يحوج إلى مؤ ثر خارج عن تلك العلة ،وهذا محال ،وإ ّ
الممكن الشخصي الواحد بعلل ل نهاية لها ،وذلك ممتنع لستحالته في نفسه ،ولستحالة الشخص بعلّتين.1
ن الجواب الصحيح على تساؤل الفخر الرازي النف الذكر هو أن يقال وهكذا يرى ابن أبي الحديد أ ّ
إما أن تكون الجسام قبل وجودها واجبة العدم لذواتها وجوبا مطلقا ،ل باعتبار أمر آخر ،وتكون واجبة
باعتبار الوقست والحال التسي هسي فيهسا معدوما ،وكذلك القول فسي جانسب الوجود ،إمّا أن يكون وجودهسا
ن حقائقها حقائق ل تقبل العدم ،أو باعتبار الوقت والحال التي هي فيها موجودة ،فإن لمجرد ذواتها :أي أ ّ
ن الول ،وجب لها أن يستمر عدمها ضروري ل يجوز خلفه؛ لعدم ثاني القديم تعالى ،ووجب لها أن كا ِ
ن وجودها ضروري ل يجوز خلفه لعدم ثاني القديم تعالى ،ووجب لها أن تكون موجودة في كل حال؛ ل ّ
ن وجودها ضروري ل يجوز خلفه لوجود القديم تعالى ،والجمع بين هذا تكون موجودة في كل حال؛ ل ّ
وهذا محال ،وإن كان الثاني ،ف قد ثبت الحكم الذي يروم الدللة عليه؛ لنها إذا كانت واجبة باعتبار أمر
ن ماهيت ها -ماه ية الج سام -ممك نة قابلة لق سمي الوجود خارج عن ماهيت ها ،ف قد تض من هذا الكلم أ ّ
والعدم ،ولكن ها قد و جب ل ها أحده ما لمر خارج عن ذوات ها ،وذاك هو المؤ ثر الذي أردناه بقول نا :لبد
للممكن من مؤثّر ،فقد ثبت المطلوب ،وأنتجت الدللة حكمها المراد منها. 2
ن دليل حدوث الجسام ،الذي يتعلق به ابن أبي الحديد ،هو شأنه شأن بقية ولبد من الشارة إلى أ ّ
أصحابه ،وهذا الدليل هو الذي أثبته العلّف ،وتابعه فيه المعتزلة فيما بعد. 3
الطريق الثاني :حدوث العراض
الذي عليه المسلمون ،هو القول بحدوث العراض .4وهذا الدليل ذكره ابن أبي الحديد في معرض
رده على الفخر الرازي .فالخير عندما استدل على وجود ال بحدوث العراض ،كما هو الحال المشاهَد
-على حد تعبيره -من انقلب النطفة علقة ،ثم مضغة ،ث ّم لحما ودما ،فلبد من مؤثّر.5
ن انقلب النطفة علقة ،ثم مضغة ليس من دأب حدوث العراض ،على هنا يرى ابن أبي الحديد أ ّ
ن الم ني إذا انقلب مض غة ف قد حد ثت صورة، رأي الفل سفة ،ول على رأي المتكلم ين :أمّا الفل سفة؛ فل ّ
والمادة باق ية ،وال صورة عند هم غ ير العراض .وأمّا المتكلمون فيقولون عدم ج س ٍم بتما مه ،وحدث ج س ٍم
آخر؛ لنهم ل يثبتون الهيولى. 6
ن ذلك ليس حدوثوهكذا ينتهي ابن أبي الحديد إلى أنه على كل المذهبَين -الفلسفة والمتكلمين – أ ّ
ن إيراد الرازي مثال انقلب النطفة في قسمة حدوث العراض مستدرَك ،7على رأي أعراض ،وعليه فإ ّ
ابن أبي الحديد.
البغدادي ،عبد القاهر :أصول الدين ،ط ،1مطبعة الدولة ،إستانبول 1346 ،س ،1928ص .55 4
44
ن هدف الفخر الرازي من هذا الدليل -وإن كان ابن أبي الحديد قد أشكل عليه من جانب ويبدو أ ّ
ل أ نه أراد إثبات قدرة ال بإظهار ع جز الن سان ،بل ع جز المخلوقات جميعا عن إيجاد نف سها،
آ خر -إ ّ
مما ينتهي بالباحث إلى تبيّن وجوب وجود صانع لها يوجدها .فهي إذن مخلوقة ،أي ممكنة غير قديمة،
لها صانع هو ال سبحانه.
ن أحد أعلمن أبي الحديد على الفخر الرازي في هذا الدليل ،في حين أننا نجد أ ّ
ول أدري ِل َم أشكل اب ُ
مذهبه -القاضي عبد الجبار -استد ّل بنفس الدليل ،مع أخذنا بنظر العتبار أسبقية القاضي زمانا على
ن انقلب النطفة والعلقة إنسانا مصوّرا وأعضاء مركّبة ،ثم كونها حية قادرة الرازي .إذ قال :فقد علمنا أ ّ
حساسة ،ثم تنقّلها من حال إلى حال ،ومن رتبة إلى رتبة ،ل يصح أن يكون الواحد مناّ ،ول مما هو من
أمثالنا ،فيجب أن يكون فاعل هذه العراض مخالفا لنا ،وهو ال ج ّل جلله. 1
أنس دليسل حدوث العراض ،ومسا اسستشهد له بانقلب النطفسة إلى مضغسة ولبسد مسن الشارة إلى ّ
وعل قة ...إلى بقية الدوار ،هو دليل اعتمده الشعري في اللّمع ،عندما أشار إلى أنه ل يجوز أن ينت قل
الطفل إلى المراحل التالية :الشباب ،الشيخوخة ،الكبر والهرم بغير ناقل ول مدبّر ،فلبد له إذن من ناِق ٍل
نَقلَه من حال إلى حال ،ودبّره على ما هو عليه. 2
ن أدلة المتكلم ين على حدوث العراض تؤوّل إلى قياس الشا هد ن ا بن ر شد يرى أ ّ
ب قي أن نقول أ ّ
ل ع ند التي قن با ستواء طبي عة
على الغائب ،و هو دل يل خطا بي وبرها ني ،والنقلة ل تكون معقولة بنف سها إ ّ
الشاهد والغائب.3
وإذا كان ابن رشد يرفض هذه النظرية ،فإنه يتابع الفلسفة الذين أخذوا بعدد المقولت العشرة ،وهذا
أنس عدد المقولت ثلثسة ل عشسر ،وهسي الجوهنر، على العكسس مسن نظرة المتكلميسن التسي تذهسب إلى ّ
ي تغيّر
وأعرا ضه التي يجمع ها الكيف ،وا َل ين الذي يتحرك فيه ،وبهذا اتجه اتجاها أرسطيا ،واستبعد أ ّ
يؤدي إلى إنكار شيء تأدّى إليه نظر المعلم الول.4
الطريق الثالث :إمكان العراض
معلوم أنّس الفرق بيسن دليسل حدوث العراض ،ودليسل إمكان العراض أن الحاجسة إلى الفاعسل فسي
الول إنما هو في الخروج من العدم إلى الوجود ،وفي الثاني اختصاص الجواهر ببعض العراض دون
بعض مع استواء نسبتها إلى الكل. 5
ن أهمها -في رأينا -حالتان.
لأّ
وهذا الدليل تعرّض ابن أبي الحديد لِذكره مرات عدة ،إ ّ
الشعري :اللمع في الرد أهل الزيغ والبدع ،مطبعة مصر ،1955 ،ص 18بتصرف. 2
عاطف العراقي :النزعة العقلية في فلسفة ابن رشد ،مصر ،1968 ،ص .216 4
السيالكوتي ،عبد الحكيم :حاشية السيالكوتي على شرح الواقف للجرجاني ،مطبوع مع المواقف لليجي ،ط ،1مصر8/4 ،1907 ، 5
.
45
الولى .عند ما قال :لو كا نت العراض واج بة ل ستغنت في تقوّم ها عن سواها ،لكن ها مفتقرة إلى
ن كل مفتقر إلى الغير فهو ممكن ،فلبد له من مؤثّر. 1
المحل الذي يتقوّم به ذواتها ،فإذن هي معلولة؛ ل ّ
الثان ية .في معرض شر حه كلم المام علي ع :فان ظر إلى الش مس والق مر ،والنبات الش جر ،والماء
والحجسر ،قال ابسن أبسي الحديسد :هذا هسو السستدلل بإمكان العراض على ثبوت الصسانع ،وصسورة
ن كل جسم يقبل س للجسمية المشتركة بينه وبين سائر الجسام س ما يقبله الستدلل س كما يقول س هو أ ّ
غيره من الج سام .فإذا اختلفَت الج سام في العراض فل بد من مخ صص خ صص هذا الج سم بهذا
لنس
العرض ،دون أن يكون هذا العرض لجسسم آخسر ،ويكون لهذا الجسسم عرض غيسر هذا العرض؛ ّ
الممكنات لبد لها من مرجّح يرجّح أحد طرفيها على الخر س ثم ذكر كلم المام ع المتقدم ،2ليخلص
في ما ب عد إلى القول :س وإذا كان كل هذا ممكنا فاخت صاص الج سم المخ صوص بال صفات والعراض
والصور المخصوصة ل يمكن أن يكون لمجرد الجسمية؛ لتماثل الجسام فيها ،فلبد من أمر زائد ،وذلك
المر الزائد هو المعني بقولنا :صانع العالم. 3
ن صورة هذا الدل يل نجد ها في أو ضح صورها ع ند أش هر متكل مي
تجدر الشارة -ه نا -إلى أ ّ
الشعرية ،وهو الباقلني. 4
دليل العناية والختراع
ن هذين الدليلين استحدثهما ابن رشد ،بعد أن انتقد دليلي الحدوث والجواز ،وهما أشهر أدلة
معلوم أ ّ
المتكلمين بصورة عامة ،والشعرية منهم على الخصوص.5
دليل العناية
ن جمي سع الموجودات ال تي هاه نا مواف قة لوجود الن سان،
يقوم هذا الدل يل على أ صلين ،أحده ما :أ ّ
وثانيهمسا :أنّس هسسذه المواف قة ضرورة من ق بل فاعسل قاصسد مريسد ،إذ ل يم كن أن تكون هذه المواف قة
بالتفاق.6
ن هناك أمثلة كثيرة تشير إلى مواف قة جميع الموجودات لوجود النسان ،ووجسه الموافقة والواقع أ ّ
ن كون ال يد في الجا نب أَولى من كون ها في والملئ مة يك من -على حد ت عبير ا بن أ بي الحد يد -في أ ّ
الرأس ،أو في أ سفل القدم؛ لن ها إذا كا نت في الجا نب ك سان البط سش وتناول ما يُراد ودف ُع ما يؤذي
أ سهلَ ،وكذلك القول في ج عل الع ين في المو ضع الذي جُعلَت به؛ لن ها كدَيدَبان ال سفينة البحر ية ،ولو
الباقلني :التمهيد ص ،45وهذا الدليل استعمله الباقلني قبل الجويني ،وعليه فل صحة في نسبته إلى الجويني ،كما ذهب ابن رشد 4
ابن رشد :مناهج الدلة ص .150وهذا ما أشار إليه -إجما ًل -أفلطون من قبل ،عندما صرّح بأ ّن ما يبدو في هذا العالم على 6
وجه إجمالي ،وفي جزئياته المختلفة على وجه تفصيلي ،يستحيل أن يصدر اتفاقا وبدون علة عاقلة مدبّرة تتوخى خيره وترتّب له من
السباب ما يكفل هذا الخير عن قصد وفكر وإرادة.انظر أفلطون :طيماوس 28أ 29 -أ.
46
ت سائر أدوات الج سد وأعضائه
جُعلَت في ُأ ّم الرأس لم يُنتَفَع ب ها هذا ال حد من النتفاع الن .وإذا تأمل َ
وجدتَها كذلك. 1
هذه الموافقة التي أشار إلسيها ابن أبي الحديد موافقة حاصلة بين أعضاء الجسد ،لكنه يشير إلى أن ّ
ن ال تعسالى هيأ الصقرة للصطياد ،والخيل للركوب الموافقة أشمل من هذا الطار ،وهو ما يتمثّل في أ ّ
والطراد ،والسيف للقطع ،والقلم للكتابة ،والفلك للدوران.2
ن النظام حاصل في داخل جسم النسان من خلل جعل كل ن ابن أبي الحديد يرى أ ّومعنى هذا أ ّ
ن جزئيات هذا الكون علىع ضو موض عه ال صحيح ،من ثم تعدّى النظا ُم حدو َد الج سد إلى ما حوله:فإ ّ
ن
كثرتها مرتبطة بعضها ببعض ارتباطا محكما ،يبدو الكون من خللها كالجسم الواحد ،وبعبارة أخرى أ ّ
ن النسان يستطيع أن يكون بأمور معقّدة هو نفس المنطق الذي يجعلنا المنطق السليم الذي يجعلنا نلحظ أ ّ
نعتقد بوجود خالق عظيم ،هو الذي أبدع كل هذه الكائنات.3
ن ابن أبي الحديد يبيّن لنا
وإذا كانت العناية اللهية متميزة بالحكام والتقان في خلق الموجودات ،فإ ّ
معنى الحكام بقوله :المراد من الحكام هاهنا :مجموع المرين ،وهو مطابقة الفعل المنفعة ...ول ريب
ن ال سموات والعنا صر وترت يب الش مس وم سيرها في فلَك ها على و جه تقرب تارة وتب عد أخرى ،فيعلق أ ّ
بذلك البرد وال حر ورطو بة الهواء ...هو ترت يب مطا بق للمنف عة م ستحسن ال صنعة ...وكذلك القول في
أعضاء الحيوان ،وما ذكره الطباء فيها وفي مواضعها من الحكمة اللطيفة. 4
فإذا نظر النسان إلى شيء محسوس ،فرآه قد ُوضِع بشكل مّا وقد ٍر مّا ووض ٍع ماّ ،موافق في جميع
ذلك للمنفعة الموجودة في الشكل المحسوس والغاية المطلوبة ،حتى يعترف أنه لو وجِد بغير ذلك الشكل،
ن لذلك الش يء
عِل َم على الق طع أ ّ
أو بغ ير ذلك الو ضع ،أو بغ ير ذلك القدر ،لم توجَد ف يه تلك المنف عةَ ،
صانعا صنَعه ،ولذلك وافق شكله ووضعه وقدره تلك المنفعة ،وأنه ل يمكن أن تكون موافقة اجتماع تلك
الشياء؛ لوجود المنفعة بالتفاق. 5
ن هذا الدل يل ن جد أ صوله ع ند سقراط ،6ت 399ق .م ،و من بعده ع ند تلميذه ول بد من القول أ ّ
أفلطون ،ت 347ق .م ،الذي يعتبر العالم آ ية فن ية غاية في الجمال ،ول يمكن أن يكون النظام البادي
فيما بين الشياء بالجمال ،وفيما بين أجزاء كل منها بالتفسصيل ،نتيجة علل اتفاقية ،ولكنه صُن ُع عق ٍل
كام ٍل توخّى الخير ،ورتّب كل شيء عن قصد.7
مجموعة من العلماء المريكيين :ال يتجلى في عصر العلم ،ترجمة :د .الدمرداش عبد المجيد سرحان ،ط ،3القاهرة ،1968 ،ص 3
.57
ابن أبي الحديد :التعليقات ورقة 406أ. 4
اللوسي :سقراط من خلل المصادر الغربية والحديثة ،بحث منشور في مجلة كلية الداب ،جامعة بغداد ،1968 ،حزيران ،العدد 6
،11ص ،415وكذلك :كريسون ،أندريه :سقراط ،ترجمة بشارة صارجي ،ط ،1بيروت ،1980 ،ص ،89 - 88مطر ،أميرة
حلمي :الفلسفة عند اليونان ،ط ،2القاهرة ،1968 ،ص .155
كرم ،يوسسف :تاريسخ الفلسسفة اليونانيسة ،ط ،3دار العلم ،بيروت ،ص ،81شرف ،محمسد جلل :ال والعالم والنسسان ،القاهرة، 7
،1971ص .319
47
ن في الظاهرات للحواس،واستدل الكندي أيضا بهذا الدليل ،على وجود صانعه الحكيم ،فهو يقول :إ ّ
أظهر ال لك الخفيّات ،لوضح الدللة على تدبير مدبّر أوّل ،أعني مدبّر لكل مدبّر ...لمن كانت حواسه
اللية موصولة بأضواء عقله.1
وهذا الدليل نجده أيضا عند الفارابي 2وابن سينا ،3وكذلك عند الباقلني.4
خيْرا َكثِيرا [البقرة:
ي َ
ح ْك َم َة َفَق ْد أُوِت َ
ت اْل ِ
ن ُي ْؤ َ
وا بن أ بي الحد يد ح ين يتطرق إلى قوله تعالىَ :و َم ْ
ن المعرفة هي عبارة عن المعرفة بال ،وبمسا في مبتدعاته من الحكام الدالة على عِلمه، ]269يرى أ ّ
كترك يب الفلك وو ضع العنا صر مواضع ها ،ول سطائف صنعسة الن سان وغيره من الحيوان ،وكيف ية
إنشاء النبات والمعادن ،وما في العسالم العسلوي من القسوى المختلفة ،والتأثيرات المتنوعة ،الراجع ذلك
كله إلى حكمة الصانع وقدرته وعِلمه تبارك اسمه.5
ن كل ش يء من الشياء تف صيل ج سمه وهيئ تهوهكذا ينت هي ا بن أ بي الحد يد إلى نتي جة مؤدا ها أ ّ
تفصيل دقيق ،واختلف تلك الجسام في أشكالها وألوانها ومقاديرها ،اختلف غامض السبب ،فلبد للكل
من مدبّر يحكم بذلك الختلف ويفعله ،على حسب ما يعلمه من المصلحة.6
إذن فالنظام المبثوث فسي كل ش يء يسستحيل أن يكون من عمسل الطبيعسة العمياء وآثار ها ،أو من
ن النظام نفسه قد استقل بإيجاد نفسه ،وإذن لبد لوجوده من سبب غير طبيعي ،وأيضا لبد الصدفة ،أو أ ّ
ن بحكمته ونظامه. أن يكون هذا السبب حكيما عليما ،وقادرا كي يستطيع أن يوجِد الكو َ
دليل الختراع
أمّا دل يل الختراع ف هو مب ني على أ صلين موجو َد ين بالقوة في جم يع ن ظر الناس -ك ما يقول ا بن
ن هذه الموجودات مخت َر عة مب َد عة ل على مثال سبق ،وهذا معروف في الحيوانات ر شد -أحده ما :أ ّ
ن هاه نا موجِدا للحياة ،وال صل
والنباتات ،فإن نا نرى أج ساما جماد ية ،ثم تحدث في ها الحياة فنعلم قطعا أ ّ
ل مخترِعا له ،وفي هذا
ن للموجود فاع ً ن لكل مخترَع مخترِعا ،فيصبح من هذين الصلين أ ّ الثاني :هو أ ّ
الجنس دلئل كثيرة على عدد المخترَعات.7
ن
وفي معرض ذكره هذا الدليل يشير ابن أبي الحديد إلى المثال التي ،للتدليل على ما يريد فيقول:إ ّ
جرم الش مس أع ظم من جرم الرض مائة و ستين مرة ،8ول ن سبة لجرم الش مس إلى فلك ها المائل ،ول
نسبة لِفلكها المائل إلى فلكها المميل ،وفلك تدوير المريخ الذي فوقها أعظم من مميل الشمس ،ول نسبة
لفلك تدوير المريخ إلى فلكه المميل ،وفلك تدوير المشتري أعظم من مميل المريخ ،ول نسبة لفلك تدوير
الكندي :رسائل الكندي 214 ،1/174س 230 ،215س ،231اللوسي :فلسفة الكندي ص 134س .140 1
ابن سينا:الشفاء س اللهيات س تحقيق:محمد يوسف موسى ،القاهرة ،2/415 ،1960 ،النجاة ص ،320الشارات 3/318 3
كذا ورد هذا التقدير في الصل ،والصحيح أ ّن كتلة الشمس تقدّر بنحو 332000مرة .انظر أبو العينين ،حسن سيد أحمد :كوكب 8
48
المشتري إلى فلكه المميل ،وفلك تدوير زحل أعظم من مميل المشتري ،ول نسبة لفلك تدوير زحل إلى
مميل زحل ،ول نسبة لمميل زحل إلى كرة الثوابت ،ول نسبة لكرة الثوابت إلى الفلك الطلس القصى،
فان ظر أي ن سبة تكون الرض بكليت ها على هذا الترت يب إلى الفلك الطلس ،وهذا ما تق صر العقول عن
فهمه ،وتنتهي دونه ،وتحول سواتر الغيوب بينها وبينه كما قال عليه السلم.1
ن مَن تأمل كتبنا العقلية واعتراضنا على الفلسفة الذين وهكذا ينتهي ابن أبي الحديد إلى القول بأ ّ
علِم
عللوا هذه المور ،وزعموا أن هم ا ستنبطوا ل ها أ سبابا عقل ية ،وادّعوا وقوف هم على كنه ها وحقائق هاَ ،
ن مَن حاول تقسدير مُلك ال تعالى وعظيم مخلوقاته بمكيال عقله ،فقد صحة ما ذكره عليه السلم ،من أ ّ
ل مبينا.2
ض ّل ضل ً
دليل الحركة
ن المحركات ل يمكن أن
يعتمد هذا البرهان على فكرة إثبات الحركة ،وأنها لبد لها من محرك ،وأ ّ
تتسلسل ،فلبد للعقل أن يسلّم بوجود محرك أول حركُت ُه من ذاته ،وهو هنا ال .3
تناول ابن أبي الحديد هذا الدليل في شرح نهج البلغة ،4في معرض إيضاح فقرات من كلم المام
أمير المؤمنين ع التي تتعلق بالموضوع.
وعلى هذا ال ساس ،فا بن أ بي الحد يد في معرض إيضا حه كلم المام ع:ل تجري عل يه الحر كة
ن هذا الدليل أخذه المتكلمون عنه ع فنظموه في كتبهم وقرروه.5
والسكون ،يشير قبل كل شيء إلى أ ّ
ن
ن الحركة والسكون معا ٍ ومضمون الدليل -فيما فهمه ابن أبي الحديد من كلم المام ع -هسو :أ ّ
محدَثة ،فلو حلّت فيه لم يخلو منها ،وما لم يخل من المحدَث فهو محدَث ..وإذا ثبت أنّه هو الذي أجرى
الحركة والسكون ،أي أحدثهما ،لم يجز أن يجريا عليه؛ لنهما لو جريا عليه لم يخل :إمّا أن يجسريا عليه
ن أحدهما قديسم ثم تله الخر ،والول على التعاقب ،وليس ول واحد منهما بقديم ،أو يجريا عليه على أ ّ
با طل ب ما يب طل به حوادث ل أول ل ها ،والثا ني با طل بكل مه ع؛ وذلك ل نه لو كان أحده ما قديما م عه
سبحانهَ ،لمَا كان أجراه ،لكن قد علمنا أنه أجراه ،أي أحدثه ،وهسذا خلف محال ،وأيضا فإذا كان أحدهما
ن القديم ل يزول بالمحدَث.6قديما لم يجز أن يتلوه الخر ،ل ّ
ن الحر كة وال سكون من أق سام العراض ن ا بن أ بي الحد يد أراد م ما تقدم ،الشارة إلى أ ّ
ويبدو أ ّ
ن ال هو جا عل الحر كةوأو صاف الج سام ،في ستحيل جريانه ما عل يه سبحانه ،وعلى هذا ال ساس فإ ّ
وال سكون ومبدئه ما وموجده ما ،فه ما من مجعول ته وآثار الخالق في الج سام ،و كل ما كان من آثاره
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة ،9/225وتنصرف هنا عليه السلم في النص إلى المام علي. 1
من المحت مل أ نه تناوله في مؤلفا ته الفل سفية والكلم ية الموجودة في المكت بة الوطن ية في أنقرة ،وال تي لم يتي سّر ل نا الطلع علي ها 4
بدليل الحركة .انظر اللوسي :حوار بين الفلسفة والمتكلمين ص .58والذي نميل إليه هو أ ّن اطلعه على نهج البلغة هو الذي
جعله يتخذ قرار المتناع.
ن ،م .13/78 6
49
ن المؤثر واجب التقدم على الثر ،وإذا كانت كل حركة بحاجة إلى علة فيستحيل اتصافه به ،باعتبار أ ّ
ن تسلسل العلل والسباب في الوجود يجب أن ينتهي إلى وسبب؛ لضرورة وجود سبب لي موجود ،فإ ّ
سبب ل سبب لوجوده؛ لبطلن فكرة الت سلسل الذي ل ينتهي ،1ول بد أن يكون هذا ال سبب خارج الطار
ل أن يكون سسبب الحركسة خارجا عنهسا؛ لنّس المحرّك غيسسر المادي للطبيعسة والحركسة ،بسل ل يمكسن إ ّ
ن الشيء ل يكون علّة نفسه ،وإلى ذلك أشار كل من الفارابي وابن سينا ،2كما سنرى. المتحرك ،ل ّ
فالفارابسي قال:ل يجوز أن يكون للحركسة ابتداء زمانسي ،ول آخسسر زمانسي ،فإذن يجسب أن يوجسد
متحركا ،إذ ل ينفك المتحرك عن المحرّك ،ول يتحرك هو بذاته.3
ن كل حركة ،وكل فعل ،وكل إرادة ،وك ّل تدبير َلمّا كسان حادثا ،كان سببه
أمّا ابن سينا فأشار إلى أ ّ
الحركة ،ولتلك الحركة حركة أخرى ،إلى أن ينتهي كل ذلك إلى الحركة الولى.4
ن جسواز الحركة والسكون عليه ن ما تبيّنه من كلم المام ع من أ ّن ابن أبي الحديد يرى أ ّ
على أ ّ
سسبحانه تؤدي إلى تجزئة كنهسه تعالى ،وإلى أن يكون له وراء إذا وُجِسد له أمام ،هسو كلم تأكيسد لبيان
ن القول بجوازه ما عل يه سبحانه يع ني أن تكون ذا ته ذاا ستحالة جريان الحر كة وال سكسون ،باعتبار أ ّ
ن المتحرك الساكن لبد أن يكون متحيزا ،وكل متحيز جسم .5هذا من جانب ،ومن جانب آخر، قسمة؛ ل ّ
ن الحر كة لو حّل ته لكان جرما وحجما ،ولَكان أ حد وج َه يه غ ير ال خر ل محالة ،فكان منق سما ،وهذا فإ ّ
ن مَن أثب ته يقول :ي صح أن تحلّه
ل مع ن في الجو هر الفرد؛ ل ّالكلم -ك ما يرى صاحبنا -ل ي ستقيم إ ّ
الحركة ،ول يكون أحد وجهَيه غير الخر. 6
ن الحركة والسكون المكانيّين من العراض الخاصة بالجسام، ن ابن أبي الحديد أراد القول بأ ّ
وكأ ّ
فلو اتصف الواجب سبحانه لكان جسما ،وكل جس ٍم مركب قابل للتجزئة ،وكل مركب مفتقر إلى أجزائه
وممكن ،فيكون الواجب مفتقرا ممكنا ،وهو باطل.
ن القوة
ونلمح أصول ما أفاده ابن أبي الحديد -آنفا -عند ابن سينا في الشارات ،عندما يقول :أ ّ
المحرّكة للسماء غير متنساهية ول جسمانية ،فهي مفارقة عقلية ،كذلك ليست أنها في جسم ،حيث لو
كا نت في ج سم ،لكان كل جزء قوة غ ير متناه ية ،فيكون الجزء م ثل ال كل ،أو ل كل جزء نها ية ،فيكون
ع شهواني أو غضبي ،فلبد أن يكون المعشوق ن تحريكها للسماء لِدا ٍ
الجميع متناهيا ،ول يمكن أن يقال:أ ّ
مختارا ،فيكون المتشوّق متشبّها بالمور التي بالفعل من حيث براءتها من القوة. 7
يرى الدكتور اللو سي أ ّن المتكلم ين كانوا معنّي ين بإثبات ا ستحالة الت سلسل إلى ما ل نها ية ،وأ ّن الحوادث لبد أن تكون متناه ية 1
للوصول إلى عدة أهداف عقيدية ،منها إثبات أنه كنتيجة لهذا فلبد لهذه الحوادث من محدِث قديم ،وأنها جميعا مبتدئة في الزمان ،كما
استُخدم لثبات إحدى مقدمات دليل الحدوث المشهور عند المتكلمين ،وهي أ ّن ما ل ينفك عن الحوادث فهو حادث ،كما أنه استُخدم
في إبطال فكرة الفلسفة بتسلسل حوادث ل نهاية لها ول بداية .انظر اللوسي :فلسفة الكندي ص .121
كما أشار إليه بعدهما كل من الغزالي في المقاصد ص ،270 - 267وابن رشد ،انظر عاطف العراق :النزعة العقلية ص .237 2
ابن سينا :التعليقات ،تحقيق :عبد الرحمن بدوي ،المكتبة العربية ،القاهرة ،1973 ،ص .131 4
50
ن الحركسة تدل علسى إثبسات جوهر شريف كما نجد نظير ما تقدّم عند الغزالي ،حين صرّح بأ ّ
ن الحركة دائمة
ل مجرّدا ،ويدل عليه بواسطسة عدم التناهي ،حيث أ ّ غير متغيّر ،وليس بجسم ،يسمى عق ً
ل وأبدا ،مستمدة من قوة محرّكة ،وتستحيل أن تكون هذه القوة في جسم؛ لنه -الجسم - ل نهاية لها أز ً
منق سم ،وبذلك تنق سم ،وهذا ل يخلو :إمّا أن يحرّك إلى غ ير نها ية ،فيكون الجزء م ثل ال كل ،وهذا محال،
ح البد نَ ،وهو ما فيه
ق العاش قَ ،وهو ما لجله الحركة ،أو كما تحرّك الرو ُأو يحرّك كما يحرّك المعشو ُ
الحركة. 1
ن القول بجسواز الحركة والسكون عليه تعالى، ن هناك محالت أخرى يتبيسن من خللها أ ّ كما أ ّ
يؤدي إلى التماس التمام إذ لنزمه النقصان ،كما يقول المسام علي ع .وفي هذا الطار يؤكد ابن أبي
ن الحر كة وجودن الكون عدم ون قص ،وأ ّ ن في هذا القول إشارة إلى ما يقوله الحكماء ،من أ ّ
الحد يد أ ّ
عدِم عنسه كماله ،فكان ملتمسسا
وكمال ،فلو كان سسبحانه يتحرك ويسسكن لكان حال السسكون ناقصسا قسد ُ
كمالسه بالحركة الطارئة على السكون ،وواجب الوجود يستحيل أن يكون له حالة نقصان ،وأن يكون له
حالة بالقوة وأخرى بالفعل.2
ن ما أشار إليه ابسن أبي الحديد ،هسو تعريف الفلسفة للحركة ،التي قال أرسطو عنها بأنها ويبدو أ ّ
كمال ما بالقوة بما هو كذلك ،3أمّا المتكلمون فقد عرّفوها بأنها حصول الجسم في مكان بعد أن كان في
أنس تقييسد المتكسسلمين الحصسول بالمكان بناء على أنهسم ل يثبتون الحركسة فسي سسائسر آخر . 4ويبسسدو ّ
المعقولت ،بل يخ صسونها بمقول سة الي سن فقط ،5وأمّا الول سون فيحكم سون بوق سوعها في ال ين
والوضع والكم والكيف ،والمراد بالكمال في تعريفهم ،هو الحاصل بالفعل ،يقول القوشجي :إنمسا سمي
ن في القوة نق صانا ،والفع سل تمام بالن سبة إلي ها ،وه سذه الت سمية ل تقت ضي
الحا صل بالف عل كمالً؛ ل ّ
سبسق القوة ،بل يكفيها تصورها وفرضها. 6
ل بالقوة،
ن الحركة إنما تكون حاصلة بالفعل ،إذا كان المطلوب حاص ً
وبناء على ما تقدّم ،نلحظ أ ّ
ن الحركة التي
لكن من حيث هو بالقوة ل من حيث هو بالفعل ،ول من حيثية أخرى ،كسائر الكمالت :فإ ّ
هو باعتبارها كان بالقوة ،أي الحصول في المكان الخر.
وإذا فهمنا تعريف الحركة عند الفلسفة والمتكلمين ،علمنا مراد الطرفين من امتناع جريان الحركة
على ال من وجهة نظر كل منهم.
وهكذا ننتهسي فسي هذا الدليسل إلى القول أنّس قاعدة كسل متحرك له محرّك ،تقضسي بعدم إمكان سسير
سلسلة العلل والمعلولت إلى ما ل نهاية لها ،فلبد أن تنتهي إلى حد يتوقف عنده بالضرورة العقلية ،وهذا
الحد هو الذي أسماه أرسطو بالمحرّك غير المتحرّك ،وسماّه الفلسفة المسلمون بأنه قادر على كل شيء،
أرسطو :كتاب الطبيعة ،ط ،2القاهرة 1964 ،س ،1/171 ،1965ابن سينا :رسالة الحدود ،ضمن المصطلح الفلسفي عند العرب، 3
القوشجي ،علء الدين :شرح تجريد الكلم ،طبع حجر ،1285 ،ص .195 6
51
فأرسطو خرج من مشكلته بإثبات إله يلئم العقيدة السائدة في عصره ،وأمّا الفلسفة السلميون وعلماء
الكلم فانتهوا إلى الذات اللهية المجردة عن كل مادة ونقص. 1
ن ما ذكره ابن أبي الحديد من انفراد المام علي ع ،بحسب استقرائه بدليل الحركة ،إنما هو على أ ّ
فسي أخذهسا -الحركسة -أثرا ظاهرا لثبات الحدوث والمكان فسي المتحرّك ،ويعود السستدلل بهسا إلى
ن الحركة في أشهر تعريفاتها -كما ذكرنا -هي :الحصول الستدلل بالحدوث والمكان؛ نظرا إلى أ ّ
ن تغيّره صيرورته في الول في المكان الثا ني ،وهذا يع ني تغي ير المتحرك الم ستلزم لحدو ثه .وح يث أ ّ
وجود بعسد وجوده ،فالوجودات اللحقسة مسسبوقة بعدم ،ومسا كان مسسبوقا بعدم فهسو حادث وممكسن معا،
والممكن محتاج إلى علة ،يثبت بذلك المؤثر لهذا الثر ،وعليه فدليل الحركة ل يستقل عن دليلي الحدوث
والمكان ،وإن ما هو من أبرز م صاديقهما ،وأو ضح ما يلت فت إل يه عا مة الناس ،وهذا ما يتنا سب مع
الستدللت الخطابية العامة ،التي كان يستخدمها المام علي ع.
الفصل الرابع :الصفات اللهية الثبوتية عند ابن أبي الحديد
تمهيد
آراء المتقدمين على ابن أبي الحديد
الوحدانية
القدم والزل
القدرة والرادة
العلم
السمع والبصر
الحياة
الكلم
تمهيد
ن الذات اللهية متصفة بصفات الكمال الثبوتية الواجبة ،التي أطلقها البارئ تعالى على نفسه معلوم أ ّ
ن هذه اللفظة الذات مختلَف في جواز إطلقها وعدمه ،وهذا ما يطلعنا عليه ابن أبي الحديد.لأ ّالكريمة ،إ ّ
يقول :ولفظة ذات قد طال فيها كلم كثير من أهل العربية ،فأنكر قوم إطلقها ،وإضافتها إليه ،أمّا إطلقها
فلنها لفظة تأنيث ،والبارئ تعالى منزه عن السماء والصفات المؤنثة ،وأمّا إضافتها فلنها عين الشيء،
والشيسء ل يضاف إلى نفسسه ،وأجاز آخرون إطلقهسا فسي البارئ تعالى وإضافتهسا إليسه ،أمّا اسستعمالها
فلوجهين:
أحدهما :أنها قد جاءت في الشعر القديم ،قال خبيب الصحابي ،عند صلبه:
يبارك على أوصال شِل ٍو موزّع وذلك في ذات الله وإن يشأ
الموسوي ،موسى :قواعد فلسفية ،ط ،1النجف الشرف ،1978 ،ص .38 1
52
ل في مسمّاها،
ثانيهما :أنها لفظة اصطلحية ،فجاز استعمالها ل على أنها مؤنث ذو ،بل تُستعمَل ارتجا ً
الذي عبّر عنه أرباب النظر اللهي ،كما استعملوا لفظ الجوهر والعرَض وغيرها في غير ما كان أهل
العربية واللغة يستعملونها فيه.1
ويرى ا بن أ بي الحد يد بهذا الخ صوص ما يراه المجوّزون -الفر يق الثا ني -وذلك ح ين ر فض ما
عليه الفريق الول ،من إنكار لفظة الذات إليه تعالى ،حيث قال :وأمّا منعهم إضافتها إليه تعالى ،وأنه ل
ن الشيء ل يضاف إلى نفسه ،فباطل بقولهم :أخذتُه نفسه ،وأخذتُه عينه ،فإنه بالتفاق جائز، يقال ذاته؛ ل ّ
وفيه إضافة الشيء إلى نفسه. 2
ان ظر آراء هم ع ند الفارا بي :آراء أ هل المدي نة الفاضلة ،ط ،1بيروت ،ص 32س ،33ا بن سينا :الر سالة العرش ية ض من سبع 4
رسائل ط ،1354 ،1ص 5س ،6الشفاء س اللهيات س 2/367س ،368الغزالي :المقاصد :ص 214س .215
الش يخ المف يد :أوائل المقالت ص ،55الشر يف المرت ضى :ج مل العلم والع مل ،تحق يق :رش يد ال صفار ،ط ،1الن جف الشرف، 5
،1967ص ،30الشيخ الطوسي :القتصاد ص ،78ابن المطهر الحلي :الرسالة السعدية ،تحقيق :عبد الحسين محمد علي ،ط ،1
النجف الشرف ،بدون تاريخ ص 59س .60
ابن المطهر الحلي :كشف المراد ص .321 6
الشهر ستاني :نها ية القدام في علم الكلم ،ت صحيح :ألفرد جيوم ،مطب عة المث نى ،بغداد ،بدون تار يخ ،ص ،181التفتازا ني ،شرح 7
العقائد النسفية ،مع حاشية الكستلي والخيالي ،دار إحياء الكتب العربية ،مصر ،ص 70س ،71وانظر وجهة نظر الطرفين عند:
البغدادي :أصول الدين ص ،90الفرق بين الفرق ص ،322فتح ال خليف :مقدمة كتاب التوحيد للماتريدي ،دار المشرق ،بيروت،
،1970ص ،36النسفي ،أبو المعين :بحر الكلم ،بغداد1304 ،هس ،ص 13وما بعدها.
الكلباذي :التعرّف لمذهب أهل التصوف ،تحقيق :عبد الحليم محمود ،مصر ،1960 ،ص 49وما بعدها. 8
53
ولبن أبي الحديد موقف واضح مما ذهب إليه الشعرية والماتريدية ،كما سنفصله في الصفحات
ن نفي الصفات عنه تعالى يقصد بها نفي المعاني،1 التالية بهذا الخصوص ،لكنه قبل كل شيء يصرح بأ ّ
وعلى هذا الساس يؤكد ابن أبي الحديد ما ذهب إليه أصحابه المعتزلة من نفي المعاني القديمة ،2التي
يثبتها الشعري ،ت 330هس ،وأصحابه 43على حد تعبيره.
ودليل ابن أبي الحديد على نفي المعاني القديمة ذكره في معرض شرحه كلم المام ع :ولو كان -
ن القدم عند هم
القرآن -قديما لكان إلها ثانيا ،قال :هذا هو دل يل المعتزلة على ن في المعا ني القدي مة ...ل ّ
ى قديما قائما بذات البارىء،
ن في الوجود معن ً أخص صفات البارئ تعالى ،أو موجب على الخص ،فلو أ ّ
لكان ذلك المعنى مشاركا للبارئ في أخص صفاته ،وكان يجب لذلك المعنى جميع ما وجب للبارئ من
الصفات نحو العالمية والقادرية وغيرهما ،فكان إلها ثانيا.5
ن ال صفات هي صفات
ن الشعر ية يقولون :أ ّ
ول يفوت نا ه نا ما ذكره ا بن ر شد ،عند ما أشار إلى أ ّ
معنوية ،وهي صفات زائدة على الذات ،ويلزمهم على هذا أن يكون الخالق جسما.6
ن ا بن أ بي الحد يد ،كبق ية أ صحابه من معتزلة بغداد ،الذ ين ينفون عن ال المعا ني
م ما تقدم ي تبين أ ّ
ن معتزلة بغداد هم من أصحاب مذهب المعاني. 7 القديمة ،وهذا يعني عدم دقة ما ذهب إليه دي بور من أ ّ
ويورد لنا ابن أبي الحديد نصا يجمع فيه رأي الشعرية والماتريدية بخصوص ما ذهبوا إليه ،حين
ن الكتاب وال سنة قد نط قا ب صفات ال ،من كو نه تعالى عالِما قادرا حيا مريدا سميعا ب صيرا...
صرح بأ ّ
حرّم وحُظر على المكلفين الفكر فيه ،كإثبات صفات وأمّا ما لم يأت الكتاب والسنة فيه بشيء ،فهو الذي ُ
زائدة على ال صفات المعقولة لِذات البارىء سبحانه ،و هو على ق سمين ،أحده ما :ما لم يرد ف يه نص،
كإثبات طائ فة تعرف بالماتريد ية صفة سموها التكو ين زائدة على القدرة والرادة ،والثا ني :ما ورد ف يه
ل فظ فأخ طأ ب عض أ هل الن ظر ،فأث بت ل جل ذلك اللف ظة صفة غ ير معقولة للبارئ سبحانه ،ن حو قول
ن وجه ال ن اليدين صفة من صفات ال ،والستواء على العرش صفة من صفات ال ،وأ ّ الشعريين :أ ّ
صفة من صفاته أيضا. 8
انظر النيسابوري ،أبو رشيد :ديوان الصول ،تحقيق :أبو ريدة ،ط ،1مطبعة دار الكتب ،1969 ،ص .575 2
وقد صرّح ابن أبي الحديد بأ ّن نفي المعاني القديمة القائمة بذات البارئ سبحانه عندهم س الشعرية س ليست معلولة لِعلة ،مشيرا إلى 3
أنه قد نقل ذلك من كتاب الباقلني المسمى هداية المسترشدين ،والجويني في الشامل راجع الشامل ص 686وما بعدها وأكد بأ ّن
ت ذاتا على الطلق ،وعزز ابن أبي الحديد مدّعاه بما هذين المصّنفَين س الباقلني والجويني س نصّا على أنه يستحيل أن توجب ذا ٌ
ذكره أبو الحسين البصري في كتاب التصفح عن الشعرية في معرض مناقضته للباقلني ،لّمّا انج ّر الكلم بينهما في العلم :ما الذي
اقتضاه ،هل هو جواز أن يكون العالِم عالِما أم ل .راجع ابن أبي الحديد :التعليقات ورقة 414أ س ب.
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة ،1/74 ،20/227وفي موضع آخر يقول ابن أبي الحديد :إ ّن أصحابنا س المعتزلة س أضافوا 4
إلى التوح يد ن في المعا ني القدي مة ،ون في ثا ٍن في الله ية ،ون في كو نه عالِما بعل ٍم محدَث ،أو قادر بقدرة مح َد ثة ،أو حيا بحياة مح َد ثة.
راجع شرح نهج البلغة .20/228وهذا ما سبقه إليه أبو رشيد النسابوري في كتابه ديوان الصول ص .575
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة .13/86 5
دي بور :تاريخ الفلسفة في السلم ،نقله إلى العربية ،أبو ريدة ،القاهرة ،بدون تاريخ ،ص .64 7
54
ن ال صفات ل يقال هي ن الشعر ية ،ل كي تبرر موقف ها من ال صفات ،مالت إلى القول إلى أ ّ ويبدو أ ّ
ن صفاته عين ذاته ،ول يقال هي غيره؛ لنها لو ن ذلك نفي الصفة ،والقول بما قالت به المعتزلة أ ّ
هو؛ ل ّ
ن الذات ومع هاكا نت غيره لصبحت ذواتا م ستقلة قائ مة بنف سها ،وذلك يو جب التعدد والكثرة ،بل يقال أ ّ
ن الصفة ليست ذاتا مجردة قائمة بنفسها منفصلة ومنفكة عنها. 1 الصفة قديمة من غير وجود تغاير؛ ل ّ
ل أنهم اختلفوا في تفسير هذه القضية.
ن صفات ال عين ذاته ،إ ّ
أما المعتزلة فقد اتفقوا على أ ّ
ن صفات ال الزلية من علم
الرأي الول :وهو منسوب إلى الّنظّام ،الذي كان يرى أ ّ
...وقدرة وحياة هسي إثبات للذات اللهيسة ونفسي لضداد هذه الصسفات عسن الذات ،2وتبعسه فسي ذلك
الجاحظ.3
و قد ر فض ا بن أ بي الحد يد اتهام الف خر الرازي ل بي علي الجبائي بأ نه قال :العلم والقدرة صفتان
ن الشيخ أبا علي لم يعترف بزايد على الذات ،وكيف يعترف به وهو ينفي زائدتان على الذات ،4إذ قال :إ ّ
الحوال والمعاني معا. 5
الرأي الثاني :وهو المنسوب إلى أبي هاشم الجبائي ،حسبما نقله القاضي عبد الجبار ،في
...مقام الحديث عن كيفية استحقاقه تعالى لصفاته ،فيقول :وعند شيخنا أبي هاشم أنه تعالى يستحقها
ض متأخريلِما هو عليه في ذاته .6وهذا يعني ثبوت واسطة تسمى بس الحال ،وقد وا فق أبا ها شم بع ُ
ض من الشعرية ،8وجمهور الزيدية. 9
المعتزلة ،7وبع ُ
ن الواسطة المسماة بس الحال قد حددهاوقد رفض ابن أبي الحديد ما ادعاه الفخر الرازي ،من أ ّ
لنس صسفاتهؤلء فإنهسا صسفة لموجود ل يوصسَف بالوجود والعدم ،10إذ قال :إنهسم ل يحدّونهسا بذلك؛ ّ
الجناس عند أصحابنا -المعتزلة -كالجوهرية وصفة ذات السواد تثبت للمعدومات في عدمها ،فتقييد
الغزالي :القت صاد في العتقاد ،ط ،1القاهرة ،مطب عة حجازي ،ص 60س ،66الشهر ستاني :نها ية القدام ص 200س ،201 1
الملل .1/122
الشعري :مقالت السلميين ،تصحيح :هلموت ريتر ،ط ،2دار فرانز شتايز للنشر 1/166س .167 2
يقول البغدادي :وأك ثر معتزلة ع صرنا على مذه به؛ لِدعوة ا بن عبّاد إل يه .را جع البغدادي :الفرق ب ين الفرق ،بيروت ،1987 ،ص 7
184س .185
يقول ابن تيمية :ولكن مَن أثبت الحوال مع الصفات كالقاضي الباقلني وأبي يعلى وأبي المعالي في أول قولَيه .راجع ابن تيميه: 8
منهاج ال سنة النبو ية ،المطب عة المير ية ،م صر ، 2/234 ،1321 ،الرازي :المح صل ص 85س ،86ورا جع أيضا الباقل ني:
التمه يد ص ،20والجوي ني :الشا مل ص ،629إ ّل أ ّن الدكتور مح مد رمضان يرى أ ّن الحوال ع ند الباقل ني تختلف عن فكرة
الحوال عند أبي هاشم ،وتخالف القاعدة التي سار عليها والغرض الذي استهدفه .راجع محمد رمضان :الباقلني وآراؤه الكلمية
ص .492
الغرابي ،علي مصطفى :تاريخ الفرق السلمية ونشأة علم الكلم ،ط ،2مصر ،1978 ،ص .289 9
55
الحد بقوله صفة لموجود ليس بصحيح ،بل ينبغي أن يقال أنها صفة ذات ،ل توصف تلك الصفة بوجود
ول هي معدومة. 1
ن مراد أ بي ها شم من و صفه الحوال أن ها ل موجودة ول معدو مة ،أن ها ل تتعلق بمجال ويبدو أ ّ
الوجود ،فل توصف بأنها موجودة أو معدومة ،وإنما هي صفات تُدرَك بالفعل .ومن هنا أوضح ابن أبي
الحد يد الفرق ب ين مذ هب أ بي ها شم هذا في الحوال ومذ هب غيره ،خ صوصا ب عض الشعر ية القائل ين
ن البارىء تعالى عالِم،
ن مذهبهم هو أ ّ بالحوال ،فهو عندما يذكر مذهب أبي هاشم وأصحابه ،يصرح بأ ّ
وكو نه عالما صفة له ،ومراد هم بال صفة هاه نا الحال ،وهذه ال صفة تقتضي ها ذا ته تعالى ل مجرد كون ها
ن الذوات عندهم متساوية ومتماثلة في الذاتية ،لكن لختصاصها بالصفة الخاصة ،وليست صفته ذاتا؛ ل ّ
ن هذه الصفة باعتبارها تعلّقتعالى بكونه عالما معللة بمعنى منفصل ،كما يذهب إليه الشعري ،ويقولون أ ّ
ذات البارىء بالمعلومات المختلفة. 2
ن هؤلء يقولون مثل وعند تحقيقه مذهب مثبتي الحوال من الشعرية ،يصرح ابن أبي الحديد بأ ّ
ل أنهسم ل يجعلون المقتضسي لتلك الصسفة ذاتسه تعالى ،ل مجرد كونهسا ذاتا قول أبسي هاشسم وأصسحابه ،إ ّ
مخ صوصة بنف سها ،ول باعتبار ال صفة الخرى الخا صة ،ال تي ي سميها أ صحابنا -ك ما يقول -ال صفة
ى قديم غير معلل بعلة؛ ل ذات البارىء ول غيرها ،بل الخامسة ،بل يجعلون المقتضي لتلك الصفة معن ً
ل أنه يقتضي حصول صفة العالمية لِذات ن ذات البارئ تعالى موجودة لذاتها ،إ ّ هو موجود لذاته ،كما أ ّ
البارئ سبحانه ،ولو ل هذا المع نى لم ت كن ذات البارىء سبحانه عاِل مة ،وكذلك القول في القدرة والحياة
وغيرها من المعاني ،وهذا هو قول ابن الباقلني والجويني وغيرهما على حد تعبيره. 3
ن
لأّ ن بعض الشعرية القائلين بالحوال -ومنهم الباقلني -وإن أثبتت الحوال ،إ ّ ويبدو مما تقدم أ ّ
ن الباقلني -كما يقول الدكتور محمد رمضان عبد ال - نظرته إليها تختلف عن نظرة أبي هاشم ،ذلك أ ّ
لم ينكر الصفات الزائدة على الذات ،ولم يصف الحوال بمثل ما وصفها أبو هاشم ،بل يرى أنها معلومة
ن الحوال المعللة ل تكون إل ّ لل صفات ال تي من شرط ها الحياة، ولي ست مجهولة ،أمّا ع ند أ بي ها شم فإ ّ
كالعلم والقدرة وغيسر ذلك ،وأمّا مسا ل يُشترَط فيسه الحياة مسن الصسفات فل ،وذلك كالسسواد والبياض
ونحوهما. 4
ن صفات ال الذاتية هي عين
الرأي الثالث :وهو رأي بعض أقطاب المعتزلة ،ومفاده أ ّ
...ذاته .فعِلمه هو ذاته ،وقدرته هي ذاته ،وقد ذهب إلى هذا الرأي أبو الهذيل العلّف ،5وأبو علي
الجبائي ،6والقاضي عبد الجبار. 7
القاضي عبد الجبار :شرح الصول الخمسة ص ،183الخياط :النتصار ص ،59الشهرستاني :الملل 1/62س .63 5
56
وبعد أن بيّنا آنفا آراء المتقدمين على ابن أبي الحديد ،من الفلسفة والمتكلمين ،في مسألة الصفات
اللهية وعلقتها بالذات ،مع رد ابن أبي الحديد على بعضها ،وإيضاح البعض الخر ،يرِد التساؤل التي:
ي من هذه الراء أخذ صاحبنا؟ بأ ّ
ل
المل حظ أن ا بن أ بي الحد يد قد أ خذ بالرأي الثالث للمعتزلة ،وهذا ما تجده في موا ضع عدة ،فمث ً
عندما يرى أنه تعالى ل صفة له زائدة على الذات ،يقول :ونعني بالصفة ذاتا موجودة قائمة بذاته؛ وذلك
ن من أث بت هذه ال صفة ف قد حدّه .1ويت ضح رأي ا بن أ بي الحد يد في هذه الم سألة أك ثر ،في معرض ل ّ
شر حه كلم المام علي ع :ومَن و صَفه ف قد حدّه ،ومَن حدّه ف قد عدّه ،ومَن عدّه ف قد أب طل أزَله قال:
ن مَن أث بت له عِلما قديما أو قدرة قدي مة ،ف قد أو جب أن يعلم بذلك العلم معلومات محدودة ،أي وتف سيره أ ّ
مح صورة ،وكذلك قد أو جب أن يقدر بتلك القدرة على مقدورات محدودة ،وهذه المقد مة -ك ما يقول -
ن القدرة الواحدة
ن العلم الواحد ل يتعلّق بمعلومين ،وأ ّ
في كتب أصحابنا المتكلمين مما يذكرونه في تقرير أ ّ
ل بجزء واحد ،وسواء فرض ل يمكن أن تتعلق في الوقت الواحد من الجنس الواحد في المحل الواحد إ ّ
ن مَن أثبت المعاني القديمة فقد أثبتن هذا الحكم لزم لهما ،فقد ثبت أ ّهذان المعنيان قديمَين أم مح َدثَين ،فإ ّ
البارىء تعالى محدود العالم ية والقادرية .2ك ما أ نه في نص آ خر يقول :إذا أُطِل قت لف ظة ال تعالى على
الذات والعلم القديم فقد جُعل مسمى هذا اللفظ وفائدته متجزئة ،كإطلق لفظ السوَد على الذات التي حلّها
سواد.3
ن ال تعالى ل يوصف أصلً ،وإنما المراد س ولبد من القول أنه ليس المراد من ن في الصفات أ ّ
حسبما أشار إليه المام ع وف سّره ابن أبي الحديد س نفي الصفات التي وجودها غير وجود الذات ،وكل
و صف يبدو كذلك في ن ظر العر في والعا مي ،وذلك بدل يل تعل يل المام ع لنفي ها بالشهادة العرف ية بلزوم
التغايسر بيسن الصسفة والموصسوف ،وهذه الشهادة العرفيسة برهان علمسي فسي الحقيقسة على نفسي الصسفات
فإنس الصسفة إذا كانست عارضسة كانست مغايرة للموصسوف، العارضسة ،سسواء كانست قديمسة أم حادثسةّ ،
والمتغايران في الوجود متمايزان بشيء من الشياء ل محالة ،فيلزم حينئذ أن يكون كل منهما مركبا من
جزء بسه الشتراك وجزء بسه المتياز ،فيلزم التركيسب فسي ذاتسه تعالى ،وإلى هذا المعنسى أشار المام ع
صفَه بصفة زائدة فقد قرَنه بغيره من الوجود. بقوله :فمن وصَفه فقد قرَنه ،أي مَن و َ
ن المر ل يخلو عن أن يكون وجهات نظر ولكن بالرغم من كل ما ظهر من التباين في الراء ،فإ ّ
ل أن ها تلت قي جميعا ع ند نق طة واحدة هي :محاولة تنز يه البارىء
واجتهادات ر غم تباين ها واختلف ها ،إ ّ
وإبعاد كل التصورات التي ل تليق بوحدانيته.
وق بل البدء ببيان ال صفات الله ية الثبوت ية ،ل بد من التمي يز ب ين هذه ال صفات بنوعي ها :الذات ية
والفعل ية ،ف صفات ال الذات ية :هي ال تي ل ي صح أن يو صَف البارىء بضد ها ول بالقدرة على ضد ها،
كوصف الله سبحانه بأنه عالِم ،فلمّا وصِف بهذا لم يجز أن يوصَف بأنه جاهل .4أمّا صفاته الفعلية فهي:
الغرابي :تاريخ الفرق السلمية ص ،226وكذلك نادر ،ألبير نصري :فلسفة المعتزلة ،مصر 2/44 ،1950 ،س .45 4
57
التي يصح أن يوصَف البارىء سبحانه بضدها أو بالقدرة على ضدها مثل الرادة ،فإنه يصح أن يوصَف
بها ،وبضدها من الكراهة.1
الوحدانية
ن مجانبة القول به تؤدي إلى الشرك، يع ّد مبدأ الوحدانية موضع اهتمام كل الفرق السلمية ،ذلك أ ّ
ن َيشَا ُء [النساء ،]48 :ولذلك قال ابن
ك ِل َم ْ
ن َذِل َ
ك ِب ِه َوَي ْغِف ُر مَا دُو َ
ش َر َ
ن ُي ْ
لقوله تعالىِ :إنّ الّل َه ل َي ْغِف ُر َأ ْ
ن البحث عن الوحدانية هو من البحاث الدقيقة في علم الحكمة. 2 أبي الحديد :إ ّ
وللوحدانية عند ابن أبي الحديد معنيان ،كما هو الحال عند سابقيه من الفلسفة والمتكلمين ،3وهو في
هذا يقول :معنى قولنا أنه أحد :أنه ليس بمعنى العدد كما يقوله الناس :أول العدد أحد وواحد ،بل المراد
بأحديّته كونه ل يقبل التجزؤ ،وباعتبار آخر كونه ل ثاني له في الربوبية .4وفي نص آخر يقول :ومعنى
كونه واحدا إمّا نفي الثاني في اللهية ،أو كونه يستحيل عليها النقسام. 5
ن ابن أبي الحديد يفسر معنى الوحدانية بهذين المعنيَين فقط ول ثالث لهما ،6ولقد وواضح مما تقدم أ ّ
أصساب هسو وكسل مسن فسسّر الوحدانيسة بالتفسسيرَين المتقدمَيسن ،ذلك أنّس طبيعسة واجسب الوجود لو فرض
اشتراكها بين إثنين ،لزم أن يكون لكل واحد منهما من مميز وراء ما به الشتراك ،فيلزم التركيب في
ذاتيه ما ،و كل مر كب مم كن ،وبعبارة أخرى ،لو فرض نا موجو َد ين واجبَي الوجود ،لكا نا مشتر َك ين في
ل لم يكونسا إثنيسن ،ومسا بسه المتياز إمّا أن يكون تمام
وجوب الوجود ،ومتغايرَيسن بأم ٍر مسن المور ،وإ ّ
ن المتياز لو كان بتمام الحقيقة لكان
الحقيقة ،أو ل يكون تمام الحقيقة بل جزأها ،ول سبيل إلى الول؛ ل ّ
ن وجوب الوجود نفس وجوب الوجود المشترك بينهما خارجا عن حقيقة كل واحد منهما ،وهو محال؛ ل ّ
ن كل واحد منهما يكون مركبا مما به الشتراك ومما به حقي قة الواجب لذاته ،ول سبيل إلى الثاني؛ ل ّ
المتياز ،وكل مركب يحتاج إلى غيره أي إلى جزئه ،فيكون ممكنا لذاته ،وهذا خُلف واضح.
ن م سلكأمّا أدلة ا بن أ بي الحد يد على وحدان ية ال تعالى ،ف قد وا فق في ها م سلك الطرف ين ،ذلك أ ّ
الفلسفة المسلمين يختلف عن مسلك المتكلمين في إثبات الوحدانية :فالفلسفة نفوا الكثرة عن ال بحسب
الجزاء بأنه يتركب من جزء أو أكثر ،وكذلك نفوا أن يكون معه إله آخر ،وهذا الدليل يعود إلى الكندي،
ن معظم المتكلمين اعتمد على برهان وعلى أساسه جرى كل من الفارابي وابن سينا .7من ناحية أخرى فإ ّ
التمانع ،وهو المعوّل عليه عند المامية ،8والمعتزلة ،9والشعرية ،10والماتريدية ،11وقد استنبطوه من قوله
س َدتَا [النبياء.]22 :
ن فِي ِهمَا آِل َه ٌة ِإلّا الّل ُه َلَف َ
تعالىَ :ل ْو كَا َ
ن ،م ص 2/44 ،226س .45 1
الفارابي :المدينة الفاضلة ص 27س ،28ابن سينا :الشفاء س اللهيات س ،2/267الشريف المرتضى :مجموعة في فنون من علم 3
الكلم ،المجموعة الخامسة ص ،80الجويني :الرشاد إلى قواطع الدلة ،مصر ،1950 ،ص .52
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة .9/149 4
انظر مقدمة أبو ريدة لرسائل الكندي الفلسفية ،1/80وتجد ذلك عند ابن رشد من منظور آخر ،وهو اتحاد اللهين في الفعال ،إذ أ ّن 7
اتحاد أفعالهما س كما يقول س يجعلهما متحدَين في كل شيء ،مما يؤدي إلى استحالة القول بالتعدد .انظر محمود قاسم :مقدمة مناهج
الدلة ص .35
58
فمن جهة نلحظ استدلل ابن أبي الحديد بدليل الفلسفة النف الذكر ،في موضعين:
الول ،قوله :أنسه تعالى ليسس بمركسب؛ لنسه لو كان مركبا لفتقسر إلى أجزائه ،وأجزاؤه ليسست نفسس
هويته ،وكل ذات تفتقر هويتها إلى أمر من المور فهي ممكنة ،لكنه واجب الوجود ،فاستحال أن يوصف
بشيسء مسن الجزاء ،1وكذلك قوله -ابسن أبسي الحديسد :-ل يوصسَف بالغيريسة والبعاض ،أي ليسس له
بعض ،ول هو ذو أقسام بعضها غيرا للبعض الخر. 2
الثاني ،قوله :إذا ُركّب عن واجب الوجود غيره ،كانت علقته مع الجزء الخر علقة ليست بحيث
يلزم من ارتفاعها ول من ارتفاع الجزء الخر بالكلية عدم واجب الوجود ،وإنما يلزم من ارتفاع حكم من
أحكامه ،وهي تَركّب تلك الماهية المركبة عنه وتقوّمها به ،وهذا خارج عن وجوب ذاته.3
ن ابن أبي الحديد أراد بما
وإذا كان هذا الدليل يعود إلى الفلسفة -كما رأينا آنفا -نلحظ هنا كأ ّ
ن التركيب قدن المركب هو ما له جزء ،ونقيضه البسيط ،وهو ما ل جزء له ،ثم أ ّ ذكره الشارة إلى أ ّ
يكون خارجيا ،كترك يب الج سام من الجوا هر الفراد ،و قد يكون ذهنيا ،كترك يب الماهيات والحدود من
الجناس والفصول ،والمركب بكل المعنيَين مفتقر إلى جزئه؛ لمتناع تحققه وتشخّصه خارجا وذهنا بدون
جزئه ،وجزؤه غيره؛ لنه يسلب عنه ،وهذا معناه :الجزء ليس بكل أو ما يسلب عنه الشيء فهو مغاير
له ،ويكون المركب مفتقرا إلى الغير ،فيكون ممكنا ،فلو كان ال سبحانه مركبا ،لكان ممكنا ،وهذا محال.
ن ا ستدلل ا بن أ بي الحد يد بدل يل التما نع -تبعا للمتكلم ين -بأو ضح
و من ج هة أخرى ،نل حظ أ ّ
ت آثار سلطانه
ك رسلُه ،ولرأي َ
صورِه -في معرض شرحه كلم المام علي ع :لو كان لربّك شريك لتت َ
إذ قال :يمكن أن يُستدَل بهذا الكلم على نفي الثاني من وجهين:
ن للبارئ تعالىَ ،ل ما كان القول بالوحدان ية حقا ،بل كان ال حق هوأحده ما :أ نه لو كان في الوجود ثا ٍ
ن حك يم ،لو جب أن يب عث ل يكون ذلك الثا ني حكيما ،ولو كان ال حق هو إثبات ثا ٍ القول بالتثن ية ،ومحال أ ّ
ن ال نبياء كل هم َدعَوا إلى التوح يد ،ل كن التوح يد على هذا الفرض
ل يد عو المكلف ين إلى التثن ية؛ ل ّر سو ً
ضلل ،فيجب على الثاني الحكم أن يبعث مَن ينبّه المكلفين على ذلك الضلل ،ويرشدهم إلى الحق ،وهو
ل كان منسوبا في إهمال ذلك إلى السفه واستفساد المكلفين ،وذلك ل يجوز ،ولكنّا ما أتانا إثبات الثاني ،وإ ّ
ل كان حقا، ن في اللهية ،فبطل كون القول بالتوحيد ضللً ،وإذا لم يكن ضل ً رسول يدعو إلى إثبات ثا ٍ
فنقيضه ،وهو القول بإثبات الثاني ،باطل.
ن للقديم تعالى ،لوجب أن يكون لنا طريق إلى إثباته ،إمّا من
الوجه الثاني :أنه لو كان في الوجود ثا ٍ
مجرد أفعاله ،أو من صفات أفعاله ،أو من صفات نفسه ،أو ل من هذا ول من هذا ...أمّا إثبات الثاني من
الشريف المرتضى :الناسخ والمنسوخ ،مخطوطة مكتبة المام أمير المؤمنين ع العامة في النجف الشرف ،الرقم ،1386/5ورقة 8
الشعري :اللمع ص 20س ،21الباقلني :النصاف ص ،30التمهيد ص ،46الجويني :الشامل ص .352 10
الماتريدي :كتاب التوحيد ،تحقيق :فتح ال خليف ،دار المشرق ،بيروت ،1970 ،ص 20س .21 11
59
ن الفعل إنما يدل على فاعل ،ول يدل على التعدد ،وأمّّا صفات أفعاله ،وهي كون مجرد أفعاله فباطل؛ ل ّ
ن الحكام الذي نشاهده إنما يدل على عالم ول يدل على التعدد ،وأما صفات ذات أفعاله محكمة متقنة ،فإ ّ
البارئ فالعلم بها فرع على العلم بذاته ,فلو أثبتنا ذاته بها لزم الدور. 1
ن ابن أبي الحديد ،الذي استقى روح الدليلوبناء على ما تقدم ،نلحظ فيما يخص الوجه الول ،أ ّ
ن المن كلم المام ع المتقدم ،قد سبقه أحد شيوخه من المعتزلة ،وهو أبو الحسين البصري ،إلى القول أ ّ
ل أو
واحد ل ثاني له في حكمته؛ لنه إذا ثبتت حكمته فلو كان معه حكيم آخر لم يجز أن يرسل رسو ً
ن الله واحد سواه ،علِمنا صِدقه .2وعلى هذا الساس فابن يرسل أحدُهما مَن يكذب ،فإذا أخبر الرسول أ ّ
أبي الحديد كأبي الحسين البصري ،في أنه ل يقف عند إخبار النبي ص ،بل يضم إلى ذلك مقدمة عقلية،
وهي ثبوت كون الله حكيما.3
ن وحدة العالم هي دليلأمّا فيما يخص الوجه الثاني الذي ذكره ابن أبي الحديد ،فلبد من القول أ ّ
على وحدة فاعله ومبدعه ،ووحدة العالم معلومة بالضرورة؛ لشدة الرتباط بين أجزائها ،واحتياج بعضها
ن حصول مراد أحد إلى بعض في الوجود والبناء ،لكن الفخر الرازي الذي يستدل بدليل التمانع ،باعتبار أ ّ
ن هناك احتمالين: اللهَين دون مراد الثاني محال ،فما ل يحصل مراده يكون عاجزا ،يرى أ ّ
ن العجز إنما يعقل عما يصح وجوده ،ووجود المخلوق
الول :إن كانت عاجزيته أزلية فهو محال؛ ل ّ
ل عنه محال.الزلي محال ،فالعجز عنه أز ً
ن هذا إن ما يع قل لو كان قادرا في الزل ،ثم زالت قادرّي ته،
الثا ني :وإن كا نت حاد ثة ف هو محال؛ ل ّ
وذلك يقتضي عدم القديم ،وهو محال. 4
ن ا بن أ بي الحد يد يعترض على ما يقوله الرازي ه نا بخ صوص الحتمال الول ،وير ّد عل يه لأ ّإّ
بقوله :إنسه معارَض بالقادريسة بأنهسا عندك -عنسد الرازي -أزليسة ،والقدرة إنمسا تعقسل على مسا يصسح
قلتس هسو قادر فسي الزل على مسا ل محال ،فإن َوجوده ،ووجود المخلوق الزلي محال ،فالقدرة عليسه أز ً
يصح في وجوده فيما ل يزال .قلت وهو عاجز في الزل عما يصح وجوده فيما ل يزال.5
ت نفسك في ن أبي الحديد الفخ َر الرازي قائلً :إنك سأل َ
أمّا فيما يخص الحتمال الثاني فيخاطب اب ُ
ت على استحالة عدم القديم فقلتَ :أليس ال تعالى كان قادرا من الزل الن مسألة حدوث الجسام ،واستدلل َ
لنس إيجاد الموجود محال ،فقسد زالت على إيجاد زيسد ،فإذا أوجده فقسد زالت قادريتسه ،فقسد عُدم القديسم؛ ّ
القادريسة القديمسة ،فأجبتَس عسن ذلك فقلتسَ :الذي عُدم هسو تعلق ل وجود له فسي العناق ،والقدرة القديمسة
بحالها لم تُعدم ،وإنما عُدمت الضافة بينها وبين هذا المقدور خاصة ،وهذا يرد عليك في هذا الموضع؛
ن قدرته القديمة لم تُعدَم،
ن أحد اللهين إذا امتنع عليه اتحاد مقدور لجل معارضة الله الخر له ،فإ ّ لّ
عدِم التعلّق وهي النسبة التي بين القدرة القديمة وهذا المقدور.6
وإنما ُ
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة 16/77س .78 1
أبو الحسين البصري :كتاب المعتمد في أصول الفقه ،تحقيق :محمد حميد ال وآخرين ،ط ،1دمشق.2/887 ،1964 ، 2
الملحَظ أ ّن الجويني يقول في هذا الصدد أنه :لم يستدل أحد من البغداديين بدللة التمانع .انظر الجويني :الشامل ص .359 3
الرازي :المحصل ص ،279وهذا الدليل سبقه إليه الباقلني في كتابه التمهيد ص .46 4
60
ن اعتماد الرازي على هذا
ن ا بن أ بي الحد يد يش ير صراحة إلى أ ّ
وبناء على ما تقدم نل حظ ه نا أ ّ
الكلم في تقرير دللة التمانع يناقض ما تقدم من كلمه ،1وهو أمر يدل على ضعف الدليل.
ومن هنا يأتي نقد ابن رشد لهذا الدليل الذي أورده الرازي ور ّد عليه ابن أبي الحديد ،فابن رشد يرى
ن هذا الدل يل ضع يف ،وو جه الض عف ف يه أ نه ك ما يجوز في الع قل أن يختل فا -الله ين -قيا سا على
أ ّ
المريدين في الشاهد ،يجوز أن يتفقا ،وهو أليَق باللهة من الخلف ،وإذا اتفقا على صناعة العالم كانا مثل
صانعَين اتفقا على صنع مصنوع. 2
القدم والزل
ن معنى كونه أولً :أنه لم يزل موجودا ،ول شيء من الشياء بموجود أصلً، يرى ابن أبي الحديد أ ّ
ق ل يزال ،وكل شيء من الشياء يُعدَم عدما محضا حسب عدمه فيما مضى، ومعنى كونه آخرا ً :أنه با ٍ
ل
وذاتسه سسبحانه ذات يجسب لهسا اجتماع واسستحقاق هذيسن العتبارَيسن معا فسي كسل حال ،فل حال قسط إ ّ
ويصدق على ذاته أنه يجب كونها مستحقة للولية والخرية بالعتبار المذكور استحقاقا ذاتيا ضروريا. 3
وهذا ما عليه جمهور المتكلمين ،على حد تعبير ابن أبي الحديد. 4
ل أننا لبد أنن ما أفاده ابن أبي الحديد هو تعريف أو تفسير سبقه إليه جلّة من المتكلمين ،إ ّ
والواقع أ ّ
ن تفسير المتكلمين هذا لس الول والخر بمعنى الولوية بالزمان بحيث ل يوجد معه شيء في نشير إلى أ ّ
الزل ،والخروية في الزمان ،بح يث ل يوجد م عه ش يء في البد ،هو تفسير يعار ضه ابن سينا ،مع
اعتبار ال تعالى ع ند ابن سينا كعلة تا مة ،و مع اعتباره العالم متأخرا عن ال بالذات ف قط ،وأنه ما أزليان
أبديان بالزمان .5يقول ا بن سينا :إ نه أول :أي أ نه باعتبار ذا ته هو الذي ل ترك يب ف يه ،وأ نه منزه عن
العلل ،وبإضافتسه إلى الموجودات هسو الذي تصسدر عنسه الشياء ،وهسو آخنر :أي هسو الذي ترجسع إليسه
الموجودات في سلسلتي الترقي والنزول وفي سلوك السالكين.6
ويم كن القول ب ين ما يراه المتكلمون -ومن هم ا بن أ بي الحد يد -واعتراض ا بن سينا المتقدم ،بأن
ن مقصود الطرفين هو بيان استناد جميع الموجودات -على تفاوت مراتبها وكمالتها -إلى ال، نقول أ ّ
ابن رشد :مناهج الدلة ص .157ول أدري هل غاب عن ابن رشد في هذا المقام قوله تعالى :ولو كان فيهما آلهة إ ّل ال؟ لفسدتا. 2
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة ،5/154وكذلك ن ،م .13/45 ،1/109وفي ن ،م 13/91س 92أكد ابن أبي الحديد أ ّن ما 3
تقدم هو مذ هب أ صحابه المعتزلة وجمهور الم سلمين ،أمّا التعر يف المذكور فتجده أيضا في ثنا يا كلم القا ضي ع بد الجبار :شرح
الصول الخمسة ص ،181النيسابوري :ديوان الصول ص .573
راجع الشيخ الطوسي :التبيان في تفسير القرآن ،تحقيق :أحمد حبيب العاملي ،مطبعة النعمان ،النجف الشرف1383 ،هس3/78 ، 4
س ،79الخياط :النت صار ص ،13القا سم الر سي :كتاب أ صول العدل والتوح يد ،ض من ر سائل العدل والتوح يد ،تحق يق :مح مد
عمارة ،دار الهلل ،مصر ،1971 ،ص .103أمّا الشعرية فإ ّن معظمهم يرى أ ّن القدم ليس بصفة زائدة ،وقال عبد ال بن سعيد
والقلنسي بخلف ذلك .ان ظر البغدادي :أصول الد ين ص .90أمّا الزل ف قد صرح البغدادي بأ ّن قدماء الشعر ية يرون أ نه صفة
زائدة .ان ظر البغدادي :أ صول الد ين ص ،108 ،90الجوي ني :الرشاد ص ،38با ستثناء الباقل ني ،فإ نه أثب ته باقيا لِذا ته .ان ظر
البغدادي :أصول الدين ص ،108 ،90وهذا ما عليه الجويني في الرشاد ص 38س ،39والغزالي في المقصد السنى ص .96
انظر اللوسي :حوار بين الفلسفة والمتكلمين ص .78 5
61
وهو مبدأ كل موجود ،فلم يكن قبله أول ،بل هو الول الذي لم يكن قبله شيء ،وأمّا بيان آخريته؛ فلنه
هو الباقي بعد فناء وجود الممكنات ،وإليه تنتهي كل الموجودات ،فهو غاية الغايات ،فل يكون له غاية.
ن أدلة ابن أبي الحديد على قدم ال تعالى ،ل تخرج عما استدل به جمهور المتكلمين بهذا
والظاهر أ ّ
الخصوص ،وهي تنحصر عنده بالدلة التية:
الدليل الول
ن العالم مخلوق له سبحانه ،حادث من جهته ،والمحدَث لبد له من محدِث ،فإذا كان ذلك المحدِث ...إ ّ
ث قديم ،وذلك هو ال .1وهذا الدليل هو
محدَثا ،عاد القول فيه كالقول في الول ،ويتسلسل ،فلبد من مح ِد ٍ
دليل المتكلمين المختار. 2
الدليل الثاني
ن في الوجود
...الِقدَم عند أصحابنا المعتزلة أخص صفات البارىء ،أو موجب عن الخص ،فلو أ ّ
ى قديما قائما بذات البارىء لكان ذلك المعنسى مشاركا للبارىء فسي أخسص صسفاته ،وكان يجسب لذلك معن ً
المعنى جميع ما وجب للبارىء من الصفات ،نحو العالِمية والقادرية وغيرهما ،فكان إلها ثانيا.3
الدليل الثالث
...إذا كان قديما لم يكن جسما ول عرَضا ،وما ليس بجسم ول عرَض تستحيل رؤيته .4وهذا الدليل
ن أبرزن مقد مة الدل يل تش ير إلى المطلوب من ج هة ،وأ ّ
لأ ّ
وإن كان يُشعِر بأ نه دل يل الناف ين للرؤ ية ،إ ّ
الفلسفة والمتكلمين ،كالكندي والقاضي عبد الجبار المعتزلي ،قد استدلوا بمضمون هذا الدليل ،5من جهة
أخرى.
الدليل الرابع
ن مع نى وا جب
...أ نه لو كان لولي ته ابتداء لكان محدَثا ،ول ش يء من المحدَث بوا جب الوجود؛ ل ّ
ن ذاته ل تقبل العدم ،ويستحيل الجمع بين قولنا :هذه الذات محدَثة ،أي كانت معدومة من قبل،الوجود ،أ ّ
وهي في حقيقتها ل تقبل العدم.6
أمثال الباقلني في النصاف ص ،33والقاضي عبد الجبار في شرح الصول الخمسة ص ،181والسفرائيني في التبصير في 2
الدين وتمييز الفرقة الناجية عن فرق الهالكين ،مكتبة الخانجي ،مصر ،ص ،131والغزالي في القتصاد ص ،19وأخيرا الفخر
الرازي في المحصل ص 252س .253
ا بن أبي الحد يد :شرح نهج البلغة ،13/86إ ّل أ ّن الدكتور اللوسي يرى أ ّن المبدأ القائل أ ّن كل ما يشارِك في القدم يشارِك في 3
اللوهية هو ليس ببديهية واجبة القبول ،فإنه من الممكن أن نتصور وجود إله قديم ومعه في نفس الوقت مادة قديمة بل غاية ،كما هو
رأي أفلطون .انظر اللوسي ،حسام الدين :دراسات في الفكر الفلسفي السلمي ،بغداد ،1992 ،ص .170ولذا فهو يرى أ ّن هذا
المبدأ هو نتيجة للموقف الدفاعي الذي وجد المسلم نفسه فيه عندما اصطدم بغيره ممن يخالفونه في العقيدة ،وخصوصا الجماعات
المختل فة من الدهر ية .ان ظر ن ،م ص ،171وكذلك الق سم الثا ني من أطروح ته في الدكتوراهthe problem of creation in:
islamic thought baghdad 1968 part 2
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة .7/197 4
الكندي :رسائل الكندي ،1/194اللوسي :فلسفة الكندي ص ،170والقاضي عبد الجبار :شرح الصول الخمسة ص .182 5
62
ل بخ صوص هذا الدل يل وأجاب عنه بنفسه ،وذلك في معرض ن ابن أبي الحد يد أورد تساؤ ًعلى أ ّ
شرحسه كلم المام علي ع :الول ل شينء قبله ،قال :فإن قلتسَ :ليسس يدل كلمسه على القدم ,لنسه
قال:الول لشىء قبله ،فيوهم كونه غير قديم بأن يكون محدثا ًو ليس قبله شىء ,لنه محدث عن عدم ,و
العدم ل يس بش يء ،قلت:إذا كان محدَثا كان له محدِث ,فكان ذلك المحدِث قبله ,فث بت أ نه م تى صدق أ نه
ليس بشىء قبله ,صدق كونه قديما.1
الدليل الخامس
...وهذا الدليل ذهب إليه قو ٌم من أهل التوحيد -على حد تعبيره -دون أن يحددهم بدقة ,وذكره في
معرض شر حه كلم المام ع الذي لم ي سبق له حال حال ,فيكون أو ًل ق بل أن يكون آخرا .ومضمو نه:
ن ذاته
الواجب لِذاته واجب من جميع جهاته ،إذ لو فرضنا جواز اتصافه بأم ٍر جديد ثبوتي أو سلبي لقلنا :أ ّ
ن حصول ذلك المر ،أو سلبه عنه يتوقف على حصول أم ٍر خارج ل تكفي في تحققه ،ولو قلنا ذلك لقلنا أ ّ
على ذاته ،أو على عدم أم ٍر خارج عن ذاته ،فتكون ذاته ل محالة متوقفة على حضور ذلك الحصول أو
السلب ،والمتوقف على المتوقف على الغير متوقف على الغير ،وكل متوقف على الغير ممكن ،والواجب
ل يكون ممكنا. 2
ن الخالق تعالى غ ير حادث ،ولن ا بن أ بي الحديسد أراد الشارة إلى أ ّ ويبدو من الدلة المتقد مة أ ّ
تعتريسه صسفات الحوادث؛ لنسه لو كان حادثا لعتراه الفناء والعدم ،ونتيجسة ذلك أن يكون العدم أصسل
الوجود ،وذلك مستحيل .وأمّا استحالة التسلسل -التي أشار إليها في الدليل الول -فلِما يترتب عليه من
ن هذا العالم متوقف على الذي قبله ،والذي متوقف على الذي قبله اجتماع متناقضَين أيضا ،إذ لو فرضنا أ ّ
ن كل حادث من هذه الحوادث عدمه سابق عليه ،فإعدام هذه إلى غير نهاية في جانب الماضي فنقول :أ ّ
الحوادث جميعها قديمة أزلية ،فلو تسلسل الوجود إلى غير نهاية لجتمع في الزل وجود شيء مع عدمه،
وهو مستحيل .إذن التسلسل مستحيل.
ن الدلة التي ذكرها ابن أبي الحديد -وخصوصا دليلَي الحدوث والتسلسل - وعلى هذا الساس ،فإ ّ
ن الذات غير القابلة للعدم يجب أن تكون قديمة باقية، ليست أكثر من دليل واحد وجهان ،وهذا الدليل هو :أ ّ
ن المتكلمين نظروا إلى المر من زاوية القدم والحدوث ،وما يتبعهما من الدور والتسلسل ،فقالوا :لو لأ ّ
إّ
ل َل ما احتاج إلى محدِث ،ولكن المحدَثن ذاته قابلة للعدم ،وإ ّ
كان ال محدَثا لكان له محدِث ،ومع نى هذا أ ّ
القابسل للعدم والمحتاج إلى غيره ل يصسح أن يكون إله العالم ،فإذن ل بد مسن النتقال إلى محدِثسه ،ثسم إلى
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة ،9/253وهذا الدليل ذكره ابن المطهر الحلي أيضا في كتابه كشف المراد ص ،316على أ ّن 6
ابن أبي الحديد ينقل عن أصحاب أبي هاشم أنهم يقولون ل يلزم من الستدلل بحدوث الجسام على أنه لبد من محدِث قديم كونه
موجودا ،لنه عندهم أ ّن الذات المعدومة قد تتصف بصفات ذاتية وهي معدومة .انظر شرح نهج البلغة .13/45
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة .6/345 1
63
ن ذا ته غ ير قابلة
محدِث محد ثه ،وهكذا ح تى تنت هي سلسلة المحدَثات إلى قد يم ل يحتاج إلى غيره ،أي أ ّ
ق.1
للعدم ،وغير القابل للعدم قديم با ٍ
أمّا اعتماده دليلَي الوجوب والمكان -الدليل الخير -فهو شأنه في ذلك شأن الرازي ،حينما نظر
إلى هذه المسسألة مسن حيسث الوجوب والمكان ،فال واجسب ،ولو لم يكسن قديما باقيا لتوقسف وجوده على
ن ال واجب بذاته ،وبالتالي فهو ل يفتقر إلى ما سواه ،وينتج عن ل للعدم ،أي ممكنا ،ولك ّ
غيره ،فيكون قاب ً
ل وأبدا. 2
هذا أنه غير قابل للعدم ،بل هو موجود أز ً
أمّا أزل ية ال تعالى ،ف قد أشار إلي ها ا بن أ بي الحد يد في أك ثر من مو ضع ،من ذلك ما ذكره في
ن المراد ل آخر له بالمكان والقوة ،فينقضي بالفعل فيمامعرض شرحه كلم المام ع :ل آخر له ،قال :إ ّ
ل يزال ،ول هو أيضا ممكن الوجود فيما مضى ،فيلزم أن يكون وجوده مسبوقا بالعدم ...بل هو واجب
الوجود في حاَل ين ،في ما م ضى و في الم ستقبل .3وهذا المع نى قر يب م ما أفاده الكندي على الر غم من
الختلف في المصطلحات المستعملة من الثنين ،إذ يقول الكندي :الزلي هو الذي لم يكن ليس ،وليس
يحتاج في قوامه إلى غيره ،والذي ل يحتاج في قوامه إلى غيره فل علة له ،وما ل علة له ،فدائم أبدا.4
ن ال تعالى ن أكثر المتكلمين الذين ذهبوا إلى أ ّ
ن ابن أبي الحديد يشير في موضع آخر ،إلى أ ّ كما أ ّ
ل بمعنسى أنسه يعدم أجزاء العالم ثسم يعيدهسا ،احتجوا بقوله تعالى :هنو الول والخنر ،قالوا :لَمسا كان أو ً
ل ذا ته
الموجود ول موجود م عه ،و جب أن يكون آخرا بمع نى أ نه سيؤول ال مر إلى عدم كل ش يء ،إ ّ
ل.5
تعالى كما كان أو ً
أمّا أدلة ابن أبي الحديد على أزلية ال تعالى ،فقد كانت عديدة ،نذكر أهمها:
ل مطلقا ،أي ل
لو لم ي كن أزليا لكان محدَثا ،فكان له محدِث ،والمحدِث متقدم المحدَث ،ل كن فرضناه أو ً
يتقدم عليه شيء ،فيلزم المحال والخلف.6
إذا فرضناه آخرا مطلقا ،تبع هذا الفرض أن يكون مستحيل العدم ...وإنما تبعه ذلك؛ لنه لو لم يستحل
عدمه لصح عدمه ،لكن كل صحيح وممكن فليفرض وقوعه؛ لنه ل يلزم من فرض وقوعه محال ،مع
عدِم بعد استمرار الوجودية عدِم لَما ُ
فرضنا إياه صحيحا وممكنا ،لكن فرض تحقق عدمه محال؛ لنه لو ُ
ل بضد ،لكن الضد المعدم يبقى بعد تحقق عدم الضد المعدوم لستحالة أن يعدمه ويُعدَم معه في وقت إّ
وا حد؛ لنه لو كان و قت عدم الطارئ هو و قت عدم ال ضد المطروء عل يه ،لمت نع عدم ال ضد المطروء
ن حال عد مه الذي هو ال ثر المتجدد تكون العلة الموج بة لل ثر معدو مة ،والمعدوم ي ستحيل أن عل يه؛ ل ّ
ن ال ضد الطارىء ل بد أن يب قى ب عد عدم المطروء عل يه ولو وقتا واحدا ،ل كن
يكون مؤثرا الب تة ،فث بت أ ّ
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة 7/61س ،62وكذلك ن ،م .13/72 3
الكندي :رسائل الحدود والرسوم ،تحقيق :د .عبد المير العسم ،ضمن كتابه المصطلح الفلسفي عند العرب ص .194 4
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة ،7/67وكذلك ن ،م .13/72 5
64
ن ال ضد الطارىء قد ب قي
بقاءه بعده ولو وقتا واحدا ينا قض فرض نا كون المطروء عل يه آخرا مطلقا؛ ل ّ
بعده ،فيلزم منه الخلف والمحال.1
ح على ال العدم لكان لِعدمه سبب،
وملخص ما أشار إليه أبن أبي الحديد في هذا الدليل ،هو أنه لو ص ّ
فكان وجوده موقوفا على انتفاء سبب عد مه ،والمتو قف على غيره يكون مم كن الذات ،فل يكون وا جب
الوجود ،وهذا الدليل أشار إليه جمهور المتكلمين.2
لو كان سبحانه آخرا لخر الموجودات ،وله مع ذلك آخر ،لزم التسلسل وإثبات أضداد تعدم ويعدمها
غيرها إلى غير نهاية ،وهذا أيضا محال.3
وإتماما للدلة النفة الذكر -والتي عرَضها ابن أبي الحديد في شرح النهج -فقد اعترض على ما
ق ببقاء يقت ضين ال تعالى با ٍأفاده الرازي ح ين ن فى هذا الخ ير ما عل يه سابقوه من الشعر ية ،من أ ّ
كوننه باقيا ،4قال الرازي :فذلك البقاء ل شسك أنسه باقسٍ ،فإن كان باقيا ببقاء آخسر لزم إمّا التسسلسل وأمّا
الدور ،إن كان باقيا ببقاء الذات ال تي فرضنا ها باق ية بذلك البقاء ،وإن كان باقيا بنف سه و بكون الذات باقية
مفتقرة إليه ،انقلبت الذات صفةً ،والصفة ذاتا ،وهو محال.5
ن ابن أبي الحديد -في بادئ المر -يتفق مع الرازي في رفضه ما عليه الشعري، هنا نلحظ أ ّ
واتباعه من حيث المبدأ ،لكنه يختلف معه من حيث مضمون الدليل الذي أفاده الرازي ،ولذا فهو -ابن
أبي الحديد -يقول :الواجب أن يقال إن كان هذا البقاء القديم باقيا ببقاء آخر لزم الدور أو التسلسل ،وإن
كان باقيا بالذات الباقيسة لزم الدور ،وإن كان باقيا بنفسسه والذات باقيسة بسه ،كان هسو الذات على الحقيقسة
لوجوب وجوده. 6
والرازي -كمسا يقول ا بن أبسي الحد يد -لم ي قل :وإن كان باقيا بالذات لزم الدور .بسل قال :فإن كان
باقيا ببقاء الذات الذي فرضناه باقيا بذلك البقاء لزم الدور ،وهذا يقت ضي أ نه قد فرض بقاءَين ،7ثم يؤ كد
ن الباقلني كان ال سّباّق إلى ذلك قبل الرازي ،8وذلك ابن أبي الحديد ما ذكرته المصادر الكلمية القائلة بأ ّ
فسي كتابسه هداينة المسنترشدين ،عندمسا قال :إنّس البارىء تعالى باقٍس ببقاء ،وذلك البقاء باقٍس ببقاء آخسر،
ن ما استدل به الباقلني قد اعترضه المعتزلة ،في البقاء وكلهما قائمان بذات البارىء سبحانه ،9علما أ ّ
قارن الجوي ني :العقيدة النظام ية ص ،23والغزالي :القت صاد ،19الرازي :الخم سين في أ صول الد ين ،مطبوع ض من مجمو عة 2
مطبعة كردستان العلمية ،مصر1328 ،هس ،ص ،343ابن المطهر الحلي :كشف المراد ص .316
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة .7/97 3
ل عند الدكتور محمد رمضان عبد ال :الباقلني وآراؤه الكلمية ص 503س ،504إذ أشار إلى الصفات المختلَفانظر ذلك مفص ً 8
فيها بين الباقلني والشعري ،إ ّل أ ّن الدكتور محمد رمضان لم يشر إلى هذا النص في هداية المسترشدين بحسب إشارة ابن أبي
الحديد.
ابن أبي الحديد :التعليقات ورقة 409ب. 9
65
الثا ني ،فقالوا :إن كان باقيا ببقاء ثالث أف ضى إلى الت سلسل ،وإن كان باقيا بالبقاء الول الذي فرضناه باقيا
به ،أفضى إلى الدور الول. 1
القدرة والرادة
المقصد الول :القدرة
مع نى القدرة هو :الذي إن شاء ف عل ،وإن لم ي شأ لم يف عل ،أي ل ش يء من الف عل والترك ضروري
للفاعل .وإلى هذا ذهب المتكلمون. 2
وا بن أ بي الحد يد يرى ما يراه جمهور أ صحابه المعتزلة ،وكذا الفل سفة ،3من أ نه تعالى قادر لِذا ته،
ن ال تعالى قادر و هو ما عل يه المام ية والزيدية ،4بخلف الشعر ية ،وبق ية أ هل ال سنة ،فإن هم يقولون :إ ّ
بقدرة قديمة.5
ن تمكّنه من الشياء ليس لم ٍر زائ ٍد على ذاته،
ومعنى أنه تعالى قادر لِذاته ،عند ابن أبي الحديد هو :أ ّ
بل بمجرد حقيقته المخصوصة قدر على الشياء ،وفي ضمن هذا أن يكون قادرا على كل ممكن.6
ن ال قادر بقدرة ،و هو عند هم
و قد يرد ت ساؤل مفاده :إذا كان ا بن أ بي الحد يد وأ صحابه ل يقولون أ ّ
قادر لِذاتسه -كمسا يقول -فكيسف يتأول كلم المام علي ع :الذي عل بحوله ،أليسس هذا إثبات قدرة له
زائدة على ذاته ،وهذا يخالف مذهبهم؟
ن ل قوة وقدرة ن أصحابنا ل يمتنعون من إطلق قولهم:إ ّ هذا ما يجيب عليه ابن أبي الحديد بقوله :إ ّ
ش ل أن يذهب ذاهب منهم إلى منع ذلك ،ولكنهم يطلقونه ويعنون به حقيقته العرفية ،وهي وحولً ،وحا َ
ن وجوده ن ل وجودا وبقا ًء وقِدما ،ول نعني بذلك أ ّ
كون ال تعالى قويا قادرا ،كما نقول نحن والمخالف :إ ّ
ن زائدة على نفسه ،لكنّا نعني كلّنا بإطلق هذه اللفاظ عليه كونه موجودا أو باقيا أو أو بقاءه أو قِدمه معا ٍ
قديما ،وهذا هو العرف المستعمَل في قول الناس :ل قوة لي على ذلك ،ول قدرة لي على فلن .ل يعنون
ي المعنى ،بل يعنون كون النسان قادرا قويا على ذلك.7 نف َ
ويستدل ابن أبي الحديد على كونه تعالى قادرا بدليلين ،هما:
ن أحدهما ل يصح منه الول :إذا شاركه سبحانه بعض الموجودات في كونه موجودا ،وافترقا في أ ّ
فِعل الجسم ،ول الكون ،ول الحياة ،ول الوجود المحدَث ،ويصح ذلك من الموجودات القديمة ،وذلك المر
66
هو الذي يسمى مَن كان عليه قادرا .1وهذا الدليل أشار إليه جملة من المتكلمين ،وأبرزهم القاضي عبد
الجبار والشريف المرتضى والشيخ الطوسي وأبو رشيد النيسابوري ،2ت 436هس.
الثاني:أنه تعالى قادر لِذاته ،ويستحيل عليه العجز ،وغيره قادر لم ٍر خارج عن ذاته ،إمّا لقدرة ،كما
قال قوم ،أو لبنيسة وتركيسب ،كمسا قال قوم آخرون ،والعجسز على مَن عداه غيسر ممتنسع ،وعليسه تعالى
مستحيل.3
وا بن أ بي الحد يد في دليَل يه المتقد َم ين ،شأ نه شأن متكل مي الفِرق القائلة بعين ية ال صفات للذات ،الذ ين
ن سلب القدرة الذاتية عنه تعالى يساوي سلب الوجود ن قدرة ال عين ذاته ،باعتبار أ ّ أرادوا التأكيد على أ ّ
ن القادر بالغير يكون مفتقرا ،فيكون عاجزا. عن ذاته؛ ل ّ
ن ال تعالى يجب أن يكون قادرا فيما لم يزل ،وهو يبيّن لنا هذا المعنى ،فيقول: ويرى ابن أبي الحديد أ ّ
ن من لوازم ذاته المقدسة صحة أن يفعل ،فمضمون قولنا :صحة أن معنى قولنا البارئ لم يزل قادرا ،أ ّ
يفعل أن يُحدِث ،ول يلزم من قولنا :هذه الذات لها لزم ،وهو صحة أن يُحدِث أن يكون لها لزم آخر،
ن منن القديم ل يخلق ،فإذا قيل لنا :هذه قادريته أزلية أم ل؟ قلنا للسائل :أتعني أ ّوهو أن يخلق القديم؛ ل ّ
ن منلوازم ها التي ل تن فك عنها كما ل تن فك الثلثة عن الفردية إن تمكن من أن يف عل ،أم تع ني به أ ّ
لوازم ها أن يج مع ب ين الش يء ونقي ضه؟ ،...فإن قال سألتكم عن الثا ني ،ق يل له :الجواب ،ل ،ل يس من
لوازمها أمر مستحيل عقلً ،فليس معنى قولنا :أنها لم تزل قادرة ،أنها تتمكن من جعل ما ل يتصور أن
يكون قديما ،وإن قال سألتكم عن الول ،قيل له :نعم هي ذات من لوازمها صحة أن يفعل ،لكن ل يصدق
ل مع الحدوث فل يستلزم أمرا غير ذلك ل مع الحدوث ،فإذا هي مستلزمة لمر ل يفعل إ ّ مسمى أن يفعل إ ّ
يناقض الحدوث.4
أمّا فيما يخص قدرة ال على الشياء قبل كونها ،فيرى ابن أبي الحديد ما يراه أهل السنة والجماعة،
ن الجسام كلها كانت ن كل مخلوق كان مقدورا ل تعالى قبل حدوثه ،وأ ّ وبعض المعتزلة ،حينما قالوا :إ ّ
مقدورة له ق بل أن يخلقها .5إذ قال صاحبنا :إ نه تعالى قادر على الشياء ق بل كون ها؛ ل نه ي ستحيل حال
كونها أن تكون مقدورة ،لستحالة إيجاد الموجود .6ولذلك نراه -ابن أبي الحديد -يستدرك على الرازي
ن المؤثر في وجود أفعال ال ،تعلّق قدرته بها زمان حدوثها ،وأمّا المتعلقات السابقة فل بخصوص قوله :إ ّ
أثر لها ألبته ،وهذا ل يمكن تحققه في قدرة العبد؛ لنها غير باقية.7
ووجه استدراك ابن أبي الحديد يتمثل في وجوه:
ن ،م .13/48 1
قارن في هذا أقوال القاضي عبد الجبار :شرح الصول الخمسة ص ،152 - 151والشريف المرتضى :جمل العلم والعمل ص 2
تعلقت القدرة بكل شيء ،حتى الواجب والمستحيل ،لكان الواجب ممكنا؛ ل ّن من دخل تحت القدرة لبد وأن يكون ممكنا حتى تغيّره
القدرة من حال إلى حال .انظر ابن حزم :الفصل 3/36س 37الهامش .
ابن أبي الحديد :التعليقات ورقة 396أ س ب. 4
67
ن بين القدرة والمقدور تعلّقا أزيد من صحة وجود المقدّر بها ،وهذا أمر غير
إحداها:أنه مبني على أ ّ
معقول ،ول مدلول عليه.
ثانيهسا :أنسه لو ثبست بيسن القدرة والمقدور تعلّقا ،سسألناه -الرازي -عسن تعلّقات قدرة البارىء تعالى،
أهي قديمة بقِدم القدرة ،أم متجددة شيئا فشيئا .فإن كان الول ،عاد الشكال في أنه لماذا لم يوجد الفعل قبل
أن وجد ،وإن كان الثاني ،ففي ذلك قول بحوادث ل أول لها.
ثالث ها :أ نه لو سلّم له -الرازي -جواز حوادث ل أول ل ها ،لق يل له :هذه التعلقات المفرو ضة كل ها
ن كلمنا في تعلقات القدرة الواحدة بمقدور واحد ،ل في تعلقات القدرة متماثلة أو مختلفة ،والثاني محال؛ ل ّ
بمقدورات مختلفسة ،والضافات إنمسا تختلف باختلف مفروضاتهسا ،فإذا اتحدت مفروضاتهسا لم تختلف،
ن تعلقات القدرة القدي مة في ها لم تزل إلى الن ،وإذا كا نت ل تقت ضي وجودوالثا ني يلزم م نه الشكال؛ ل ّ
ن التعلق مماثل للتعلقات التي قبله.فقد بطل في هذا قوله -قول ي حا ٍل وجِد الن ،مع أ ّ
هذا المقدور ،فل ّ
ن المؤثر في وجود فعله تعالى ،تعلّق قدرته به زمان حدوثه. 1الرازي :-إ ّ
وإذا كان ال تعالى قادرا على الشياء ق بل كون ها -ك ما يرى ا بن أ بي الحد يد في ما تقدم -ف هل هو
سبحانه قادر على كل الممكنات؟
ن ا بن أ بي الحد يد أ خذ بهذا الرأي ،الذي هو مذ هب الشعرية ،2وكث ير من المعتزلة ،3حين ما
الوا قع أ ّ
صرح بأنه تعالى قادر على كل ما يصح تعلّق قادريته تعالى به. 4
ل عن الشعرية ،في أنه تعالى قادر وبالرغم من موافقة ابن أبي الحديد أغلب أصحابه المعتزلة ،فض ً
ل أنه أشكل على احتجاج الرازي على عموم قادريته سبحانه ،حينما قال هذا الخير:على كل الممكنات ،إ ّ
لنس مسا عداه إمّا الوجوب وإمّا
قلنسا لجله صسح فسي البعسض أن يكون مقدور ال تعالى هسو المكان؛ ّ
ف مشترك فيه بين الممكنات ،فيكون الكل مشتركا في المتناع ،وهما يحيلن المقدورية .لكن المكان وص ٌ
صحة مقدورية ال تعالى ،فلو اختصت قادريته بالبعض ،افتقر إلى مخصص. 5
ن هذا الحتجاج ل ينتج المطلوب؛ لنه في الجائز أن وابن أبي الحديد في إشكاله على الرازي ،يرى أ ّ
يكون المقتضسي لقادريتسه تعالى على مسا قدر عليسه ل مجرد المكان ،بسل المكان بشرط أن يكون تعالى
مضافا إلى ماهيسة مخصسوصة .مثال ذلك :أن يكون تعالى قادرا على حركسة ممكنسة ،فيكون مأخوذا فسي
التعليل خصوصية كونها حركة ،فل يلزم أن يقدر على العتماد والتأليف مثلً؛ لنه وإن كان ممكنا ،لكن
المكان ليس هو كل المقتضي ،بل هو جزء المقتضي ،ول يلزم من بطلن كون الوجوب والمتناع على
صحة المقدورية أن يكون المكان بمجرده ،على صحة المقدورية؛ لنه ل يلزم من بطلن ذينك القسمين
ابن أبي الحديد :التعليقات ورقة 383أ .ول يفوتنا هنا أن نشير إلى أ ّن نصير الدين الطوسي هو الخر قد استدرك على الرازي 1
فيما ذهب إليه آنفا .إذ يرى أ ّن القول بأ ّن تعلّق قدرة ال تعالى زمان حدوث الفعل مؤثر في وجود الفعل أيضا ليس بشيء؛ ل ّن الفعل
وجب زمان حدوثه ،وإن لم تكن قدرة .انظر نصير الدين الطوسي :تلخيص محصل الفكار ص .153
الباقلني :النصاف ص ،35البغدادي :الفرق بين الفرق ص .322 2
68
صحة هذا على إطلقه ،بل يجوز أن يكون مجرده هو المصحح ،ويجوز أن يكون هو المصحح بشرط
كونه مضافا إلى ماهيات مخصوصة ،فإذن ل تثبت عموم القادرية من هذا الطريق.1
ن ال قادر على كل الممكنات ،ومنهم ابن أبي الحديد ،إنما أرادوا ن الذين ذهبوا إلى أ ّ
ومما تقدم يتبين أ ّ
تأكيد عموم قدرته ،وأنها تتعلق بكل شيء ،فهي تشمل جميع ما سواه بكل ما هو ممكن ،ول فرق في
المم كن ب ين الحقائق الواقع ية الجوهر ية أو العرض ية والمور العتبار ية ،كالمُلك والعزّة والذّلة والجزاء،
ن كل ممكن يقع تحت قدرته ،سواء كان الوجود هو المعلول والمترشح من وجود العلة أو ونحو ذلك .فإ ّ
ن جميع ذلك مفتقر إليه تعالى ،نعم بعض المور له تأصل في الواقع ،والبعض الخر كانت الماهية ،فإ ّ
ليس له كذلك ،بل هو تابع لجعل الحقائق الواقعية ،ولكن ذلك ل يستلزم الخروج من تحت قدرة ال.
وفي الوقت الذي يرى فيه الرازي أنه ل مانع من القول بأن حصل في الحال التمكن من إيجاد الشيء
ن هذه القضية لها مفهومان :أحدهما صحيح والخر ممتنع ،أمّا ن أبي الحديد يعتقد أ ّ
في المستقبل ،2نجد اب َ
الممت نع ف هو أن يُراد أ نه ح صل في الحال التم كن من إيجاده الن في ال ستقبال ،وهذا م ستحيل ،أع ني
ن الستقبال ل يجتمع مع الن ،إذ يستحيل اجتماع الجمع بين إيجاده الن مع قيد كونه في الستقبال؛ ل ّ
ذاتين معا .وأمّا الوجه الصحيح فأن يراد به التمكن الن حاصل ل من اليجاد الن ،بل من اليجاد في
ن هذا مما لم يد ّل على امتناعه دليل ،ولكن فيه إشكالَين:
المستقبل ،فإ ّ
ن هذا الباب من أحدهما .أن يقال :التمكن أمر إضافي ليس متحقق الن ،والجواب عنه ،إنّا ل نسلّم أ ّ
ل عند تحقق المضافَين ،ولِم ل يجوز أن يكون التمكن كالعلم ،فإنه ل يفتقر الضافيات التي يمتنع تحققها إ ّ
ن الواحد منّا يريد أن إلى تحقق المضافَين ،ولذلك يعلم الواحد منّا ما يقطع بأنه ل تحقق له ،وكالرادة ،فإ ّ
ل يتحقق بعد.
ثانيهما .أن يقال :إذا أجزتم حصول التمكن الن ،ل من أم ٍر ي قع الن ،بل من أمر ي قع في الثاني،
ن كل واحد منهما مؤثر وفاعل؟ قلنا ن كليهما يشتركان في أ ّ
فأجيزوا سبق العلة على معلولها بالزمان؛ ل ّ
ن هذا إن كان قياسا فإنه ل يفيد العلم ،وقد كنتم جمعتم بين الصل والفرع بالمشترك ،وهو المؤثر به؛ إّ
ن الموجب ن الذي أجمع عليه أصحابنا ،أ ّ
لجواز أن تكون خصوصية اليجاب فارقة بين الموضعين ،ثم أ ّ
يجوز أن يتقدم موج به بالزمان ،ك ما في التولد ،ودللة الحكماء على وجوب مفار قة العلة للمعلول لي ست
بقوية.3
ل على
بقي علينا أن نشير إلى مسألة مهمة وهي :هل القادر يصح منه الفعل والترك ،أم أنه ل يقدر إ ّ
الفعل؟
ن القادر يجب أن هذه المسألة بحثها ابن أبي الحديد عند ردّه على الفخر الرازي ،فهذا الخير يرى أ ّ
يكون مترددا بين الفعل والترك ،إنما يصح أن لو كان الفعل والترك مقدورَين ،لكن الترك محال أن يكون
ن الترك عدم ،والعدم نفي محض ،ول فرق بين قولنا :لم يكن مؤثرا ،وبين قولنا :أثّر فيه تأثيرامقدورا؛ ل ّ
ن قولنا ما أوجد معناه أنه بقي على العدم الصلي ،فإذا كان العدم الحالي عين ما كان ،استحال عدميا ،ول ّ
69
ن الترك غير مقدور .وإذا كان كذلك استحال أن
ن تحصيل الحاصل محال ،فثبت أ ّ استناده إلى القادر؛ ل ّ
يقال :القادر هو الذي يكون مترددا بين الفعل والترك. 1
ن الرازي ما تعرّض للكلم على هذه الشبهة أصلً ،وترَكها على إشكالها - هنا يرى ابن أبي الحديد أ ّ
ومسع ذلك فهسو يعترض على الرازي فيقول - :لِم ل يجوز أن يكون فسي الوجود حقيقسة ممكنسة أن يفعسل
الفعل في الثاني ،ومِن أن ل يفعله في الثاني.2
وفيما يخص قول الرازي في النص المتقدم ل فرق بين قولنا :لم يؤثّر فيه ،وبين قولنا أثّر فيه تأثيرا
ن بينهمسا فرق معقول ،كالفرق بيسن قولنسا :لم يعلم عدميا 3يرى ابسن أبسي الحديسد أنّس ذلك ليسس بلزم؛ ل ّ
وقولنسا :علم ل ،فإنّا نعلم بالضرورة العدم المطلق أو المطلق ،وكلهمسا عدم ،وليسس مفهوم قولنسا ل يعلم
قضية صادقة عن الجماد والمعدوم وكل ما لم يعلم ،وقولنا :يعلم العدم ل تصدق على ذلك.4
ن ما أوجد معناه أنه بقي على العدم الصلي ،فإذا كان أمّا ما أشار إليه الرازي في النص المتقدم من أ ّ
ن تح صيل الحا صل محال .ه نا يرى ا بن أ بي العدم الحالي ع ين ما كان ،ا ستحال ا ستناده إلى القادر؛ ل ّ
ن هذا الكلم إمّا أن يفرض ف يه ق بل خلق العالم ،أو ب عد أن خلَق العالم والزمان ،فإن يفرض ف يه الحد يد أ ّ
ل ليصدق عليه أنه كاستمرار بقاء قبل خلق العالم والزمان ،فليس قبل خلق العالم أمر مستمر يتصرّم أو ً
ن الستمرار الوجودي ل تتعلق به القدرة ،فكذلك الستمرار العدمي ،فقد بطل على الجسم ودوامه ،فكما أ ّ
هذا الفرض ما ابت نى عل يه الشكال ،وإن فرِض الكلم في نا و في البارىء تعالى ب عد خلق العالم والزمان،
ل فحال ،ونحن ل نقول أنه متمكن من العدم الحالي، ن العدم مستمر بحسب استمرار الزمان حا ً فالجواب أ ّ
كما ل نقول في طرف الوجود أنه متمكن من الوجود الحالي ،بل كما قلنا في طرف الوجود ،أنه متمكن
الن مسن اليجاد فسي الثانسي ،كذلك نقول فسي طرف العدم أنسه الن متمكسن مسن أن ل يوجسد فسي الثانسي
كذلك. 5.
ن الرازي كان يذ هب في كت به الولى ول بد من الشارة ه نا إلى رأي الدكتور الزركان ،الذي يرى أ ّ
ن القادر هو الذي يصح منه ن القادر يصح منه الفعل والترك ،وفي هذا يقول في كتابه الربعين :إ ّ إلى أ ّ
ن القادر ل يقدر
ل أنه في المطالب العالية -آخر كتبه -رأى أ ّ
الفعل والترك بحسب الدواعي المختلفة ،إ ّ
ن القول بأنه يقدر على الفعل والترك قول غير مقبول.6ل على الفعل ،وأ ّ
إّ
ن اقتدار القادر عليه
ن المقدور القادر لبد وأن يتميز عن غيره ،ل ّ
أمّا ما ذهب إليه الرازي من القول بأ ّ
نسبة بين القادر وبينه ،وما لم يتميز المنسوب إليه عن غيره استحال اختصاصه بتلك النسبة دون غيره،
ن هذا ل يلزم؛ لنه يجوز أن يصح وذلك يستدعي امتياز أحدهما عن الخر .7هنا يرى ابن أبي الحديد أ ّ
من القادر شيء دون شيء؛ لنه ذات مخصوصة تقتضي حقيقتها أن يصح منها صدور شيء مخصوص
70
فقسط ،ول يدل ذلك على ثبوت غيره وتحق قه فسي الخارج كالعالِم الذي يعلم شيئا دون ش يء ،ول يدل ذلك
علِمه وما ل يعلمه ثابتان خارج الذهن عند الفلسفة.1
ن ما َ
على أ ّ
ن المقدور يمتاز من غ ير المقدور بخ صوصية ،و هي انت سابه إلى
ن الرازي يلتزم بأ ّ
ويبدو م ما تقدم أ ّ
القادر دون غير المقدور ،فإنه -غير المقدور -ل ينتسب إلى القادر.
وقد فهم ابن أبي الحديد من كلم الرازي هذا ،أنه ُت َع ّد في المقدور صلة وجودية خارجية لولها لَمَا
ن الصفة هي انتسابه إلى كان مقدورا ،ولكن يبدو من عبارة الرازي أنه يوجب صفة في المقدور ،بيد أ ّ
ن صفة النتساب في القادر والمقدور معا ليست صفة خارجية ،وإنما هي القادر ونسبته إليه ،ومعلوم أ ّ
نصفة ذهن ية لِحاظ ية فح سب ،فإذا كان هذا ق صد الرازي ،فل خلف بي نه وب ين ا بن أ بي الحد يد ،في أ ّ
الرازي يثبت الصفة النسبية ،وابن أبي الحديد ينفي الصفة الخارجية.
ن القادر يتمكن من الجمع بين الحركة والسكون ،ل
ن ما ذكره الرازي من أ ّ
وفي التجاه الخر ،نجد أ ّ
من البياض والسواد ،2يقتضي على رأي ابن أبي الحديد أن يكون الجمع بين السواد والبياض في الخارج،
وهذا محال. 3
المقصد الثاني :الرادة
صفة الرادة من ال صفات الله ية ال تي أخذت جان با أ ساسيا من التفك ير الفل سفي الكل مي من ح يث
ارتباط ها ب صفة العلم ،وعلقت ها بإيجاد العالم ،وي ستدل ا بن أ بي الحد يد على ثبوت هذه ال صفة ل بال سمع
س َر [البقرة]185 :
والعقل ،فيقول :وأمّا كونه مريدا فقد ثبت بالسمع ،نحو قوله تعالىُ :يرِي ُد الّل ُه ِب ُك ُم اْلُي ْ
وبالعقل؛ لختصاص أفعاله بأوقات مخصوصة ،وكيفيات مخصوصة جاز أن تقع على خلفها ،فلبد من
مخصص لها بما اختُصت به ،وذلك كونه مريدا. 4
ن الن الدل يل على أ ّ
ن ا بن أ بي الحد يد ،في دليله هذا ،كان يهدف إلى بيان حقي قة مؤدا ها :أ ّ
ويبدو أ ّ
مر يد لفعاله ،أ نه خ صص إيجاد الحوادث بو قت دون و قت ،وعلى صفة دون أخرى مع عموم قدر ته،
وكون الوقات والصفات كلها صالحة لليجاد بمقتضى القدرة ،فلبد من مرجح للوقت والشكل؛ لستحالة
الترجيح بل مرجح عقل ،وذلك هو الرادة ،فيكون تعالى مريدا لفعاله ،وهو المطلوب.
ن إرادة ال
ل لِما تقدم ،نشير إلى اعتراض ابن أبي الحديد على ما ذهب إليه الرازي ،من أ ّ واستكما ً
تعالى منزهة عن العراض ،بل واجبة التعلق بإيجاد ذلك الشيء في ذلك الوقت بذاتها،5إذ قال ابن أبي
الحديسد :هذا ت صريح بأنسه تعالى مو جب بالذات ل فاعسل بالختيار؛ ل نه ل يتم كن من فعسل ما يخالف
مقت ضى الرادة القدي مة الواج بة التعلق بإيجاد الشياء في أوقات ها ،فيكون تعالى كالمل جئ إلى تلك الفعال
المسلوب التخير والتمكن منها. 6
71
ن ال تعالى مختار في أفعاله ،إن شاء فعل ،وإن يشأ ومجمل ما يهدف ابن أبي الحديد إلى بيانه ،هو أ ّ
ل -والدليل على ذلك لم يفعل ،وليس بموجب مضطر في صدور الفعال عنه ،كالنار في الحراق -مث ً
ّهس م َا َيشَا ُء
ختَار [القصسص ،]68 :وقوله تعالىَ :وَي ْف َع ُل الل ُ ُقس م َا َيشَا ُء َوَي ْ
خل ُ
ّكس َي ْ
قوله تعالىَ :و َرب َ
ن اليجاب ع جز والضطرار [ابراه يم ،]27 :وغ ير ذلك من الن قل القط عي -القرآن الكر يم -على أ ّ
نقص ،وال منزه عنهما.
ن ابن أبي الحديد يتعرّض إلى ذلك في معرض إشارته وإذا كانت الرادة اللهية تتميز عن غيرها ،فإ ّ
ح ْك ُم ِإلّا ِلّل ِه [يو سف ،]67 :فيقول :أي إذا أراد شيئا من أفعال نف سه فل بد من
ن اْل ُ
إلى قوله تعالىِ :إ ِ
وقوعه ،بخلف غيره من القادرين بالقدرة ،فإنه ل يجب حصول مرادهم إذا أرادوه. 1
ن إرادة ال بسيطة ،وهي إحداث الفعلوهذا الكلم على الرغم من إيجاز ابن أبي الحديد فيه ،يعني أ ّ
وإيجاده على وجه يوافق القضاء الصلي ،ويطابق العلم الزلي من الكمال والثار ،ل مركّبة من المور
المذكورة في إرادة الخلق ول شيء منها ،ولذا فالبارئ ل ينظر إلى الفعل ليعلم نفعه ودرجة حُسنه ،ول
يتفكر ول يتأمل فيه ليعلم حسن عاقبته؛ لتنزّه ال تعالى عن استعمال الرأي ،والتعمق في المور ،والتفكر
في أمر عاقبتها على نحو ما هو موجود عند البشر.
ن ابن أبي الحديد يبيّن لنا وإذا كانت صفة الرادة لها ارتباط بصفة العلم -كما قلنا في البداية -فإ ّ
حقيقة هذه العلقة ،من خلل طرح مسألة مهمة عنوانها المر بالشيء مع العلم بأنه ل يقع ،يقول :واعلم
ن أهل العدل والمجبرة ،لم يختلفوا في أنه تعالى قد يأمر بما يعلم أنه ل يقع ،أو يخبر عن أنه ل يقع، إّ
وإنما اختلفوا :هل يصح أن يريد ما يعلم أنه ل يقع ،أو يخبر عنه أنه ل يقع؟ فقال أصحابنا -المعتزلة -
ن
ن إرادة ما يعلم المريد أنه ل يقع ،قضية متناقضة؛ ل ّ يصح ذلك ،وقال المجبرة :ل يصح ،محتجين بأ ّ
ن إرادة المحال ممتنعة ،وتحت قولنا :أنه ن ذلك المراد مما يمكن حصوله؛ ل ّ تحت قولنا :أراد مفهوم أ ّ
ن ذلك المراد مما ل يمكن حصوله؛ لنّا قد فرضنا أنه ل يقع ،وما ل يقع ل يمكن يعلم أنه ل يقع مفهوم أ ّ
مع فرض كونه ل يقع .فقال لهم -للمجبرة -أصحابنا :هذا يلزمكم في المر؛ لنكم قد أجزتم أن يأمر
بما يعلم أنه ل يقع ،فقالوا -المجبرة -في الجواب :نحن عندنا أنه يأمر بما ل يريد ،فإذا أمر بما يعلم أنه
ل يقع ،أو يخبر عن أنه ل يقع ،كان ذلك المر أمرا عاريا عن الرادة ،والمحال إنما نشأ من إرادة ما
علم المريد أنه ل يقع ،وها هنا ل إرادة.
ن المر قد يعرى من الرادة مع كونه أمرا ،ألستم تقولون فقيل لهم -للمجبّرة :-هب أنكم ذهبتم إلى أ ّ
ن ذلك الطلب قائم بذات البارىء، ن المر يدل على الطلب ،والطلب شيء آخر غير الرادة ،وتقولون :أ ّ أّ
فنحسن -المعتزلة -نلزمكسم فسي الطلب القائم بذات البارىء ،الذي ل يجوز أن يعرى المسر منسه مسا
ألزمتمو نا في الرادة ،ونقول ل كم :ك يف يجوز أن يطلب الطالب ما يعلم أ نه ل ي قع! أل يس ت حت قول نا:
ابن أبي الحديد :التعليقات ورقة 462ب .ويتفق نصير الدين الطوسي مع ابن أبي الحديد في العتراض على ما يراه الرازي آنفا، 6
إذ قال نصير الدين الطوسي :والقول بأ ّن الرادة واجبة التعلق بإيجاد وقت دون وقت ،يقتضي ثبوت الشيء والوقت قبل وجودهما،
وتخصيص الوقت بالشيء من جهة الرادة الواحدة المتعلقة ببعض المرادات دون البعض الخر من غير مخصص كما ذهب إليه س
الرازي س في القدرة .انظر نصير الدين الطوسي :تلخيص المحصل ص .247
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة .19/17 1
72
أنس ذلك المطلوب مسا يمكسن وقوعسه! فالحال فسي الطلب كالحال فسي الرادة ،حذو النعسل
طلب مفهومّ ،
بالنعل. 1
ن ابن أبي الحديد سائر على خطى أصحابه المعتزلة ،القائلين بتلزم صفتي المر ومما تقدم يتبين أ ّ
والرادة ،التسي تعتسبر نقطسة اختلف جوهريسة بينهسم وبيسن أهسل السسنة ،الذيسن قالوا بعدم تلزم المسر
والرادة .2
العلم
ت عد صفة العلم من ال صفات الله ية ال تي أخذت حيزا وا سعا من اهتمام الفل سفة والمتكلم ين ،نتي جة
علقة العلم اللهي بالصفات الخرى ،ومسالة إيجاد العالم.
4 ن ال تعالى عالِم لِذاته ،وهذا ما عليه متكلمو المامية
ويرى ابن أبي الحديد ما يراه المعتزلة ،3من أ ّ
وفلسفة السلم.5
عِل مه ل بمع نى أن يتعلق بمعلوم دون
علِم ما َ
ن ال عالِم لِذا ته ع ند ا بن أ بي الحد يد ،أي إن ما َ
ومع نى أ ّ
شرَت إليه؛ لنه ذات مخصوصة ،ونسبة تلك الذات إلى غير ذلك الشيء علِم أي شيء أ ّ معلوم ،بل إنما َ
المشار إليه ،كنسبتها إلى المشار إليه ،فكانت عالمة بكل معلوم.6
ي وأبا هاشم ،اعترفا بالزائد على الذات ،لكنهما قال :ل تسمى هذه ن أبا عل ّ أمّا ما أفاده الرازي من أ ّ
ن الشيخ أبا
المور عِلما وقدرة بل عالِمية وقادرية.7هذا المر نفاه ابن أبي الحديد عنهما ،مدافعا بالقول :إ ّ
علي لم يعترف بزا يد على الذات ،وك يف يعترف به و هو ين في الحوال والمعاني ،8وأمّا أ بو ها شم فل
ن الحال معلومة ،ولكن عليها ،9بمعنى أنها غير متصورة ول معقولة ،وإنما يقول :العلم ل يتعلق يقول إ ّ
ن هذه اللفظسة عنده معناهسا أنّس هناك ذاتا يتعلق العلم بهسا ،والتعلق عنده ل بد أن يؤخَذ فيسه كون بهسا؛ ل ّ
ن العلم يتعلق بها.10
المتعلق ذاتا ،فالمعدومات الممكنة لَمّا كانت عنده ذوات في العدم ،قال :إ ّ
القا ضي ع بد الجبار :شرح ال صول الخم سة ص ،183با ستثناء العلّف الذي قال أ ّن ال عالِم بعل ٍم وعل مه ذا ته .ان ظر البغدادي: 3
73
أمّا دليل ابن أبي الحديد على عِلم ال ،فهو دليل الحكام والتقان ،الذي ُي َع ّد دليل المتكلمين 1المختار -
المعتزلة وغيرهم -وهو ما ذهب إليه من الفلسفة ابن رشد .2ونص هذا الدليل عند ابن أبي الحديد هو
ن المراد من الحكام هاه نا ،مطاب قة الف عل المنفعةَ ،مع ما ُي ستحسَن في العرف ،بشرط الكثرة -كثرة أ ّ
ن السموات والعناصر وترتيب الشمس ومصيرها في فلكها على وجه تقرب تارة المنفعة -ول ريب في أ ّ
وتبعسد أخرى ،فيعلق بذلك البرد والحسر ،ورطوبسة الهواء ،وكثرة النداء والمطار ،وشدة الحسر وإنضاج
الثمار ،وترب ية النبات و صلح المز جة ،ترت يب مطا بق للمنف عة ،م ستحسن ال صنعة كثيرة جدا ،وكذلك
القول في أعضاء الحيوان ،وما ذكره الطباء فيها وفي مواضعها من الحكمة اللطيفة. 3
ن أصحابه المعتزلة عندما استدلوا على كونه تعالى عالِما وفي هذا الصدد ،يشير ابن أبي الحديد إلى أ ّ
بطريق إحكام العالَم وإتقانه ،سألوا أنفسهم ،فقالوا :4لِم ل يجوز أن يكون القديم سبحانه أحدث العالم محتذيا
لمثال مثله ،وهيئة اقتضاها ،والمحتذي ل يجب كونه عالِما بما يفعله ...،وأجاب أصحابنا عن ذلك فقالوا:
ن المحتذي لي ست ن أول فِع ٍل مح َك ٍم و قع م نه ،ثم احتذى عل يه ،يك في في ثبوت كو نه عالِما ،وأيضا فإ ّ
إ ّ
ل ترى أنه -المحتذي -متصور صورة ما يحتذيه ،ثم يوقع العاِلِمية بمسلوبة عنه ،بل موصوف بها ،أ َ
الفعل مشابها له ،فالمحتذي عالِم في الجملة ،ولكن عِلمه يحدث شيئا فشيئا.5
ن عنا ية ال بالكائنات من قب يل الناموس الثا بت والضرورة ن ا بن أ بي الحد يد يرى أ ّ
وم ما تقدم يبدو أ ّ
ن خَلقَه
الجارية التي ل تتغير ول تتبدل ،كما أنه أراد بذلك التنبي َه على برهان عِلم ال تعالى بالشياء؛ ل ّ
لها وحفظه وترتيبه لكل منها ،وإظهار بدائع الحكمة في كل صفة من أوصافها وحال من أحوالها ،ل
ل ممن هو عالِم بها ،مدرك لحقائقها ،مبدِء أول ليجادها. يتعقل إ ّ
أمّا علم ال الزلي ،فيؤكده ا بن أ بي الحد يد ،عند ما يقول :عالِم في ما لم يزل ،ول يس ش يء من الشياء
ن كلمة كان بمعنى ما حكِيما [النساء ]17 :موضّحا بأ ّعلِيما َ
ن الّل ُه َ
بموجود ،6محتجا بقوله تعالىَ :وكَا َ
زال ،فيكون معنى الية :لم يزل ال عليما حكيما ،7كما أنه يرى في كلم المام ع :عالِما بها -الشياء
-قبل ابتدائها ،إشارة إلى أنه عالِم بالشياء فيما لم يزل. 8
وهذا المر له علقة بفكرة جواز إطلق الشيئية على ما لم يكن بعد من المعدومات ،وهو ما سنؤجل
الحديث عنه إلى حين التعرض لعلم ال بجميع الشياء.
كالشعري :البانة عن أصول الديانة ،مطابع جامعة محمد بن سعود السلمية1400 ،هس ،ص ،61والقاضي عبد الجبار :شرح 1
ال صول الخم سة ص 156س ،157والشر يف المرت ضى :ج مل العلم ص ،29والش يخ الطو سي :القت صاد ص 54س ،55
والجوينسي :الرشاد ص 61سس ،62وأبسي رشيسد النيسسابوري :ديوان الصسول ص ،493والغزالي :القتصساد ص ،47
والشهرستاني :نهاية القدام ص ،197والفخر الرازي :الخمسين ص .363
ابن رشد :مناهج الدلة ص 160س .161 2
ممن أشاروا إلى هذا التساؤل أبو رشيد النيسابوري في ديوان الصول ص .493 4
74
ن ال
ن ال عالم فيما لم يزل ،نراه يرفض قول من قال :إ ّوابن أبي الحديد الذي رأيناه يؤكد فيما سبق أ ّ
علِم بسه الشياء ،وهسو قول جهسم بسن
لم يكسن فيمسا لم يزل عالِما بشيسء أصسلً ،وإنمسا أحدث لنفسسه عِلما َ
صفوان ،1و في نص آ خر أشار إلى سبق هشام بن الح كم وأتبا عه إلى هذا القول ،2و قد ت صدى أبرز
متكلمي المامية ،أمثال الشيخ المفيد والشريف المرتضى وغيرهما ،لنفي ما ُنسِب إلى هشام بن الحكم،
بخصوص هذا القول. 3
ن ال ل يعلم المور أمّا ما نسبه ابن الريوندي إلى معمّر بن عباد ،أحد شيوخ المعتزلة ،من القول بأ ّ
ن ابن أبي الحديد
ن العالم غير المعلوم ،فإ ّ
الحاضرة ،وأنه ل يعلم نفسه خاصة ،ويعلم كل ما عدا ذاته ،وأ ّ
ينزّه معمّرا عن هذه القوال ،ويكذّب ابن الريوندي فيما نسب إلى معمّر بن عباد. 4
أمّا علم ال بجميع الشياء ،وأنه عالِم بكل معلوم ،فهذا ما يتبناه ابن أبي الحديد في قوله :أنه تعالى عالِم
بكسل المعلومات ،5وأنسه تعالى يحصسي العمال؛ لنسه عالم لِذاتسه ،فيعلم كسل شيسء حاضرا وماضيا
ل ذلك بأ نّ :ذا ته تعالى ذات وا جب ل ها أن تَعلم ك ّل ش يء لمجرد ذات ها المخ صوصة من ل ،6معل ً
وم ستقب ً
غير زيادة أمر على ذاتها. 7
ن هذا هو بعينه دليل المتكلمين على علم ال بجميع الشياء ومنهم
ول يخفى على أهل الختصاص أ ّ
القاضي عبد الجبار ،8وأبو رشيد النيسابوري. 9
ن جمهور المتكلمين ،الذين تناولوا هذه المسألة بالبحث ،10قد وافقهم ابن وبناء على ما تقدم ،نلحظ أ ّ
إنس البارئ سسبحانه يعلم ك ّل معلوم :الماضسي والحاضسر والمسستقبل ،ظاهرهسا أبسي الحديسد بقوله عنهسمّ :
وباطنها ،ومحسوسها وغير محسوسها ،فهو تعالى العالِم بما كان وبما هو حاضر ،وما سيكون وما لم
عْن ُه [النعام ،]28 :فهذا عِلم
يكن ،أن لو كان كيف كان يكون ،كقوله تعالىَ :وَل ْو ُردّوا َلعَادُوا ِلمَا ُنهُوا َ
بأم ٍر مقدّر على تقدير وقوع أصله الذي قد علم أنه ل يكون.11
وفي هذه المسألة التي تتصل بعلم ال بالمعدوم ،وهل هو شيء أم ل ؟ نلحظ رأيا لشخصية فلسفية
ن المعدوم شيء ،يفرّقون
معاصرة لبن أبي الحديد ،هو رأي المحقق الطوسي في قوله عن القائلين :بأ ّ
ن ،م .3/219وراجسع الشهرسستاني :الملل ،110 - 1/109والسسفرائيني :التبصسير ص ،96واللوسسي :دراسسات فسي الفكسر 1
راجع الشيخ المفيد :أوائل المقالت ص 59س ،60والشريف المرتضى :الشافي في المامة والرد على حجج العامة ،طبع حجر، 3
معمّر بن عبّاد بخصوص هذا الموضوع .المصدر :تاريخ ابن الريوندي ،بيروت ،1975 ،ص .185كذلك قارن د .العسم ،عبد
المير..Kitab Fadihat AL- Mu Tazilah. PP. 105- 167 :
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة ،6/351الفلك الدائر ص 223س .224 5
75
بين الموجود والثابت ،وبين المعدوم والمنفي ،ويقولون كل موجود ثابت ول ينعكس ،وبثبوت واسطة بين
الموجود والمعدوم ،ول يجوّزون بين الثابت والمنفي واسطةً ،ول يقولون للممتنع معدوم ،بل يقولون أنه
ل مع الذوات حال ل منفي ،ويقولون للذوات التي ل تكون موجودة شيء وثابت ،وللتعينات التي ل تقبل إ ّ
موجود ول معدوم ،بسل هسي وسسائط بينهسا ،والبصسريون مسن مشايسخ المعتزلة كأبسي علي وأبسي هاشسم
بأنس الذوات فسي العدم جواهسر وأعراض ،وأبسو القاسسم البلخسي والقاضسي عبسد الجبار وأتباعهسم يقولون ّ
والبغداديون يقولون بأن ها أشياء ،والفا عل يجعل ها جواهر وأعراضا .1وعلى نحو من هذا نجد إشارة ابن
بأنس الذوات أزليسة ،فل تكونأبسي الحديسد فسي معرض ردّه على كلم الرازي ،الذي ذهسب إلى القول ّ
مقدورة ،والوجود حال عندهسم ،فل يكون مقدورا عندهسم ،وإذا لم يقسع الذات ول الوجود بالفاعسل كانست
ن
ن الشعرية يجدون في كتب المعتزلة أ ّ الذات الموجودة غنية عن الفاعل .2إذ أشار ابن أبي الحديد إلى أ ّ
الحوال غير مقدورة فيتوهمون أنهم -المعتزلة -يريدون أنها ل تحصل بالفاعل ،وليس مراد أصحابنا
ذلك -ك ما يقول -بل أ صحابنا يطلقون المقدور على الذات ف قط ،ك ما يطلقون المعلوم على الذات ف قط،
ن الوجود ل لِقادر عليه بمعنى ل يحصله ،وعندهم والذات عندهم غير الحال ،ولكل واحد منهما أحكام .إ ّ
ل في تحصيل صفة الوجود.3 أنه ل تأثير للفاعل إ ّ
ل أن هم يختلفون فسي تحديسد صفات
ن المعدوم ذات وع ين وحقي قة ،إ ّ و مع أنّس المعتزلة تجمسع على أ ّ
ص المعدوم بالجوهرية ،أي ماهية مجردة من كل عرض ،ومنهم من أثبت للمعدوم المعدوم ،فمنهم من خ ّ
جميع الصفات التي يتصف بها الكائن المتحقق في الوجود. 4
ن المشكلة كا نت تدور حول ما إذا كان لغ ير الموجود أو المعدوم الذي لم يو جد ب عد وجود والظا هر أ ّ
ن
آخر ذهني ،وإن كان له مثل هذا الوجود ،فهل يصح حينئذ أن نسمي هذا المعدوم المعلوم شيئا ،ولذلك فإ ّ
الخلف بيسن المعتزلة وخصسومهم ممسن يقول بقدم علم ال ،وبأنّس الموجودات أوجدت مسن ل شيسء هسو
خلف لفظي ،على ما يراه أستاذنا الدكتور حسام الدين اللوسي.5
ن حجة المتكلمين على كونه تعالى عالِما ن ابن أبي الحديد يذهب إلى أ ّ لكن من جهة أخرى ،نلحظ أ ّ
بكل شيء ،إنما تتضح بعد إثبات حدوث العالم ،وأنه َفعَله بالختيار ،فحينئذ لبد من كونه عالِما؛ لنه لو لم
ن الحداث على طريق الختيار، ح أن يُحدث العالم عن طريق الختيار؛ ل ّ ل لَمَا ص ّ
يكن عالِما بشيء أص ً
إنما يكون بالغرض والداعي ،وذلك يقتضي كونه عالِما ،فإذا ثبت أنه عالم بشيء ،أفسدوا حينئذ أن يكون
ى اقتضى له العالِمية ،أو بأم ٍر خارج عن ذاته ،مختارا كان أو غير مختار ،فحينئذ ثبت لهم - عالما بمعن ً
المتكلم ين -أ نه إن ما علِم ل نه هذه الذات المخ صوصة ل ش يء أز يد من ها ،فإذا كان ل هم ذلك و جب أن
ن المر الذي أوجب كونه عالِما بأم ٍر ماّ ،هو ذاته يوجب كونه عالِما بغيره من يكون عالِما بكل معلوم؛ ل ّ
ن نسبة ذاته إلى الكل نسبة واحدة. 6
المور؛ ل ّ
مدني صالح :الوجود ،بحث في الفلسفة السلمية ،ط ،1بغداد ،1955 ،ص .19 4
76
ل في باب كون ال عالِما بكل معلوم ،1كما ن المتكلمين يوردون على أنفسهم سؤا ً ومن جهة ثانية نجد أ ّ
علِم بعض الشياء ل من طريق أصلً ،ول من إحساس يقول ابن أبي الحديد ،إذ استدلوا على ذلك بأنه َ
ول من نظر واستدلل ،فوجب أن يَعلم سائرها؛ لنه ل مخصص ،فقالوا لنفسهم :لِم زعمتم ذلك؟ ولِم ل
علِم كيف ية صنعها بطر يق كو نه مدرِكا فأحكم ها ب عد
يجوز أن يكون َف عل أفعاله مضطر بة ،فلمّا أدرك ها َ
اختللها واضطرابها ،وأجابوا عن ذلك بأنه لبد أن يكون قبل أن فعلها عالِما بمفرداتها من غير إحساس،
ويكفي ذلك في كونه عالِما بما لم يتطرق إليه.2
ن الجواب الذي أشار إل يه ا بن أ بي الحد يد ،هو جواب الفل سفة القائل ين بارت سام صور
والظا هر أ ّ
الموجودات في ذات ال ،مثل الفارابي 3وابن سينا .4وتقرير ذلك -حسبما يستفاد من كتبهم -هو أنه لو
كان ال يعقل الشياء من الشياء ،لكان وجودها متقدما على تعقّله لها ،فل يكون واجب الوجود ،وقد سبق
القول أ نه وا جب الوجود من جم يع الوجوه ،ويكون في ذا ته وقوا مه أن يق بل ماهيات الشياء ،وكان ف يه
عدمها باعتبار ذاته ،فيكون في ذاته جهة إمكانية ،ولَكان لغيره مدخل في تتميم ذاته ،وهو محال ،فيجب
ل له تعالى
أن يكون من ذاته ما هو الكمل ،ل من غيره ،فقد بقي أن يكون عِلمه تعالى بالممكنات حاص ً
قبل وجودها ،ل من وجودها.
ن هذا القول قد شنّع عل يه أ حد معا صري ا بن أ بي الحد يد ،و هو المح ققول بد من الشارة إلى أ ّ
ل
أنس القول بتقرر لوازم الول فسي ذاتسه تعالى ،قول بكون الشيسء الواحسد قاب ً
الطوسسي ،إذ قال :لشسك ّ
ل معا ،وقول بكون الول مو صوفا ب صفات غ ير إضاف ية ول سلبية ،وقول بكو نه محل لمعلول ته وفاع ً
الممكنة المتكثرة ،تعالى ال عن ذلك علوا كبيرا.5
ن ال ل يعلم الجزئيات ،بما ن صّه :أنه لو علم ن الرازي قد سبق له بيان حجة الفلسفة القائلين أ ّ كما أ ّ
كون زيد في الدار ،فعند خروجه عنها إن بقي العلم الول كان جهلً ،وإن لم يبق كان تغييرا .6هذه الحجة
ت إ نه
ت بالتغ ير وقوع التغ ير في الحوال الضاف ية ،فِل َم قل َ يعترض الرازي علي ها بقوله :إ نك إِن عني َ
ل لكل حادث ،ثم يصير معه ،ثم يصير بعده ،والتغير في الضافات ل ن ال تعالى كان قب ًمحال ،وكذلك فإ ّ
يو جب تغيرا في الذات ،فكذا ه نا ،كو نه تعالى عالِما بالمعلوم إضا فة ب ين عِل مه وب ين ذلك المعلوم ،فع ند
تغير المعلوم تتغير تلك الضافة فقط.7
ن التغير وقع في محض الضافة ،بل في نفس العلم -على حد ن خصوم الرازي ل يسلّمون له بأ ّ بيد أ ّ
ن العلم بالشيء المخصوص متقوّم؛ لنه لو لم توجد في تلك الضافة لَمَا كانتعبير ابن أبي الحديد -ل ّ
ذكر لنا ابن أبي الحديد رأيا للمسترسلية مفاده :أنه تعالى ل يعلم كل المعلومات على تفاصيلها ،وإنما يعلم ذلك إجمالً ،وسموّا بهذا 1
السم ؛ لنهم يقولون :يسترسل علمه على المعلومات إجما ًل ل تفصيلً ،وهو مذهب الجويني من الشعرية .انظر ابن أبي الحديد:
شرح نهج البلغة 3/219س .220ولم أجد ذلك في مؤلفات الجويني المتداولة بين أيدينا.
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة ،13/118وقريب من ذلك تجده عند اليجي في المواقف 8/65س .69 ،66 2
ن صير الد ين الطو سي :شرح الشارات ،مطبوع على ها مش الشارات والت نبيهات ل بن سينا ،وم عه شرح ق طب الد ين الرازي، 5
77
هو العلم بذلك الشيء المخصوص ،بل كان العلم بأم ٍر كلّي ،وليس كلمنا فيه -كما يقول -بل في هذا
العلم بالشيء المخ صوص ،وإذا كان مأخوذا فيه كو نه مضافا إلى هذا الشيء المخ صوص ثم بطلَت هذه
الضافة ،فقد بطل هذا العلم.1
ولكي يؤكد ابن أبي الحديد قوة موقفه فيما تقدم ،احتج بما يناسب كلمه السابق بكلم ابن سينا في
الشارات والت نبيهات ،إذ قال :و قد ذ كر ا بن سينا في هذا المو ضع كلما جيدا ،قال :قد تتغ ير صفات
الشياء على وجوه ،منها:أن يس َو ّد الذي كان أبيض ،وذلك باستحالة صفة متقررة غير مضافة ،ومنها:مثل
أن يكون الشيء قادرا على تحريك جسم ماّ ،فلو عُدم ذلك الجسم استحال أن يقال أنه قادر على تحريكه،
فاستحال هو إذن عن صفته .ولكن من غير تغير في ذاته ،بل في إضافته ،وهكذا ينتهي ابن سينا -
ن ما ليس موضوعا للتغير لم يجز أن يعرض له تبدّل بحسب بحسب ما أورده ابن أبي الحديد -إلى أ ّ
القسم الول ،وأمّا بحسب القسم الثاني ،فقد يجوز في إضافات بعيدة ل تؤثر في الذات.2
ن إحاطة ومع ذلك نجد ابن أبي الحديد قد حكى عن ابن سينا ،فيما تقدم ،ما يستحق التوقف هنا ،ذلك أ ّ
علم ال بما سواه -عند ابن سينا -إنما تكون لكليات العالم على ما هي عليه ،ولجزئياته على وجه كلّي،
ل تفصسيل فيسه ول تعدد ،وإذن فإدراكسه للجزئيات إنمسا هسو إدراك غيسر مباشسر ،ولكسن بإدراك أسسبابها
ومبادئها التي تتولد فيها تلك الجزئيات ،لذلك يقول ابن سينا :بل واجب الوجود يعقل كل شيء على نحو
كلي ،ومع ذلك فل يعزب عنه شيء شخصي ،فل يعزب عنه ذرة في السموات ول في الرض.3
وهكذا يخلص ابن أبي الحديد من كل ما تقدم ،إلى صياغة تساؤل يحدد وجهة نظر أصحابه المعتزلة
ن تغيّر المعلوم يستدعي تغير العلم؟ فيقول :إن قيل :فما تقولون أنتم المعتزلة فيفي هذا الموضوع :هل أ ّ
ن أبا الحسين البصري لمّا رأى الحق في هذا الموضع ،قال به ولم يقف مع تقليد هذا الموضع؟ نقول :إ ّ
ن العالميات تتجدد في ذات البارئ تعالى بتجدد الحوادث ،ول يلزم من تغير الصفات السلف ،وصرّح بأ ّ
وتجددها تغير الذات نفسها ،وهذه العالميات المتجددة عند أبي الحسين هي صفات للذات يلزمها إضافات،
فتتغير هي والضافات معا. 4
ن ما ذهب إليه أبو الحسين البصري آنفا ،قد أخذ به الرازي في كتابه ولبد من الشارة هنا إلى أ ّ
ن المذهب الصحيح هو قول أبي الحسين البصري ،وهو أن يتغير العلم المطالب العالية ،حينما صرح بأ ّ
عند تغير المعلوم ،5وهو ما استنتجه ابن أبي الحديد من كلم الرازي في محصل الفكار.6
ن هؤلء إِن
ن ابن أبي الحديد في معرض تحقيقه مذهب نفاة الحوال من الشعرية ،يصرّح بأ ّ على أ ّ
ن أبا الحسين البصري لم يجعل علم ال عنوا بالعلم القديم ما يعنيه أبو الحسين البصري ،لم يمكنهم؛ ل ّ
ل كذلك ،وهؤلء ل يقولون ذلكتعالى متغيرا متجددا كل ما تجدد ش يء من الحوادث ،ول يمك نه أن يقول إ ّ
ويمنعونه أشد المنع ،ويقولون هو شيء واحد غير متجزئ ول متبعّض ،وهو قديم غير متغير ول متجدد
ن ،م ورقة 408أ ،وراجع ابن سينا :الشارات والتنبيهات 3/311س .314 ،312 2
بيصار ،محمد :في فلسفة ابن رشد ،الوجود والخلود ،ط ،3بيروت ،1973 ،ص ،118وقارن ابن سينا :النجاة ص .283 3
الزركان :فخر الدين الرازي ص ،309وقارن الرازي :المطالب العالية .1/284 5
78
ل مفاده :لكن ما هو الرد ل للشك في ذلك ،فقد صاغ ابن أبي الحديد تساؤ ً ل وأبدا .1ولكي ل يدع مجا ً
أز ً
على نفاة الحوال من الشعر ية لو قالوا :إ نه عِل ٌم وا حد له تعلقات متجددة متغيرة ،وهذه التعلقات متعددة
ن هذه التعلقات إذا تغيرت المور مختل فة في أنفسها؟ هذا ما يج يب عنه ا بن أ بي الحديد نف سه ،فيقول :إ ّ
ال تي هي ب ها متعل قة ،إمّا أن يتغ ير العلم المفروض واحدا ،أو ل يتغ ير ،والول قول بتغ ير العلم الوا حد
ن الشعور القديم وتجدده ،وفيه ترك قولهم ،وفيه أيضا القول بقدم ذات قديمة ،وهو محال ،والثاني يقتضي أ ّ
والتبين هو تلك التعلقات التي لبد مع تغير الحوادث التي هي متعلقات العلم أن يتغير الشعور بها ،فإذن
تلك التعلقات المتغيرة هي الشعور والتبين ،فهي علوم البارئ ومعرفته وإدراكه الشياء.2
ن المعتزلة
ن ما يميّز صفة العلم هذه ،هو أ ّن الدكتور الراوي يرى بهذا الخ صوص أ ّ وه نا نل حظ أ ّ
تؤكد على قضية التوحيد ،باعتبارها قضية أساسية ،وهي المتياز والتفرد الذاتي ل ،على أية مؤثرات أو
ن العلم اللهي مستمر أبدا. 3
ل بهذا المتياز فإ ّ
مستحدثات ،واتصا ً
ن ا بن أ بي الحد يد -في كل ما تقدم من كلمه وتعليقا ته أو اعتراضا ته -كان ذا أ سلوب
وعل يه فإ ّ
كلمي ،وبعيدا عن السلوب الفلسفي ،بدليل أنه لم يستدل بدليلهم القائل بأ نّ:ال تعالى وجود مجرد عن
المادة ،والوجود المجرد عقل ،وهو عاقل؛لنه يعقل ذاته هوية مجردة ،فإذن ال سبحانه يعقل ذاته ،وهو
أيضا يعلم الشياء الخرى بإدراكه نفسه التي تفيض عنها الموجودات ،4هذا من جهة ،ومن جهة أخرى
ن ابن أبي الحديد كان يحاول جاهدا تجنّب مناقشة الفخر الرازي أو التعليق على آرائه بخصوص رأي فإ ّ
الفلسفة في علم ال بالجزئيات ،باستثناء جانب يسير -كما رأينا -أمّا في شرح النهج فقد وجدناه عند
ذكره أبا البركات البغدادي وأرسطو ،فإنه لم يعلّق عليها ،باستثناء ما ورد في طيات كلمه في أثناء ذِكره
آراءهسم ،بمسا يُشعسر برفضسه لقولَيهمسا ،إذ يقول :وزعموا ،5وقول مَن زعم ،6و مذهنب ناصنري مقالة
أرسطو مضطرب جدا ،7مما يدلل على تهرّبه من مواجهة أقوال الفلسفة.
السمع والبصر
ن ال تعالى سميع بصير ،ثم اختلفوا :فمنهمأجمع المسلمون على القول بما جاء به القرآن الكريم ،من أ ّ
ن ال سميع بصير ،ولكن ل يسمع ن ال سميع بسمع ،بصير ببصر ،ومنهم مَن ذهب إلى أ ّ مَن ذهب إلى أ ّ
ن ال لم ي قل بذلك ،وأ نه سميع بذا ته ،وب صير بذا ته ،والرأي الول هو رأي الشعرية 8 ول يب صر؛ ل ّ
والماتريدية ،9والثاني هو رأي جميع المامية 10وأكثر المعتزلة.11
الراوي ،عبد الستار :فلسفة العقل ،رؤية نقدية للنظرية العتزالية ،ط ،2بغداد ،1986 ،ص .20 - 19 3
الشيخ الطوسي :القتصاد ص ،57ابن المطهر الحلي :كشف المراد ص .315 10
79
ل أنهم اختلفوا في تحديد ن ال سميع بصير بذاته ،إ ّ ن أكثر المعتزلة متفقون على أ ّ وعلى الرغم من أ ّ
ن أصحابنا معنى إدراك ال للمسموعات والمبصرات ،وهذا ما يطلعنا عليه ابن أبي الحديد ،بقوله :واعلم أ ّ
ن
اختلفوا في كونه تعالى مدرِكا للمسموعات والمبصرات ،فقال شيخنا أبو علي وأبو هاشم وأصحابهما :إ ّ
كونه مدرِكا صفة زائدة على كونه عالِما ،وقال :إنّا نَصف البارئ تعالى فيما لم يزل ،بأنه سميع بصير،
ول َن صِفه بأ نه سامع مب صر ،ومع نى كو نه سامعا مب صرا ،أ نه مدرِك للم سموعات والمب صرات ،وقال
ن معنى كونه تعالى مدرِكا هو أنه عالِم بالمدرَكات ،ول صفة شيخنا أبو القاسم وأبو الحسين وأصحابهما :إ ّ
له زائدة على صفته بكونه عالِما. 1
ن الختلف النف الذكر ،لم يقع عند المعتزلة فحسب ،بل وقع عند المامية أيضا، واللفت للنظر أ ّ
ن معنى كونه سميعسا بصيرا ،هو أنه متصف بالعلم ،وهذا عندما افترقوا على رأيَين :الول ،الذي مفاده أ ّ
ما عليه الشيخ المفيد ،2ووافقه نصير الدين الطوسي والعلّمة الحلّي ،3أمّا الرأي الثاني ،فهو الذي مفاده
ن السمع والبصر يفيد الدراك ،وهذا ما عليه الشريف المرتضى ،ووافقه تلميذه الشيخ الطوسي ،ومن أّ
بعده المقداد ال سيوري.4وبذلك ن ستنتج اتفاق المام ية -أ صحاب الرأي الول -مع ما يراه أ بو القا سم
الكعبي ،وأبو الحسين وأصحابهما ،حينما فسّروا السمع والبصر بمعنى العلم ،واتفاق أصحاب الرأي الثاني
منهم مع ما يراه الجبائيان -أبو علي وابنه أبو هاشم -وأصحابهما ،حينما فسّروا السمع والبصر بمعنى
الدراك ،وإلى هذا الرأي الخير ذهب ابن أبي الحديد في مواضع كثيرة ،إتباعا لرأي البصريين ومخالف ًة
لرأي البغداديين من أصحابه.
ن م ثل هذه ال صفةن ال تبرير الذي اتب عه معتزلة بغداد في رفض هم لمو قف الب صريين ،هو أ ّويبدو أ ّ
ن خلف الفريق ين في هذه لأ ّي ستحقها الوا حد م نا لكو نه حيّا بشرط صحة الحا سة وارتفاع الموا نع ،إ ّ
ن الذي يدل على أنه سميع بصير مدرِك للمدرَكات هو أنه حي ،ل آفة به ،والموانع القضية محدود ،ذلك أ ّ
مرتفعة ،فينبغي أن يُدرِك المدرَكات. 5
أمّا أدلة ابن أبي الحديد على تنزيه ال عن السمع والبصر الماديّين ،فقد وردَت في نصوص متفرقة:
ق سم من ها تناول تنز يه ال سبحانه عن ال سمع المادي ف قط ،والق سم الخر تنز يه ال سبحانه عن الب صر
المادي فقط ،والقسم الثالث تناول فيه تنزيه ال عنهما مجتمعَين.
ن كل ذي سمع من أولً :أمّا تعل يل ا بن أ بي الحد يد تنز يه ال سبحانه عن ال سمع المادي فبقوله :ل ّ
الجسام يضعف سمعه عن إدراك خفي الصوات ،ويتأثر من شديدها وقويّها؛ لنه يسمع بآلة جسمانية،
واللة الجسمانية ذات قوة متناهية واقفة عند حد محدود ،والبارئ تعالى بخلف ذلك.6
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة 5/156س ،157القاضي عبد الجبار :شرح الصول الخمسة ص .168 1
كتب هم على التوالي ،الشر يف المرت ضى :ج مل العلم والع مل ص ،30الش يخ الطو سي :القت صاد ص ،64 ،57المقداد ال سيوري: 4
النافع ليوم الحشر شرح الباب الحادي عشر -للعلّمة الحلي -مطبعة مصطفوي ،طبع حجر ،إيران ،بدون تاريخ ،ص .18
الراوي :ثورة العقل ص ،252وقارن القاضي عبد الجبار :شرح الصول الخمسة ص .128 5
80
ثانيا :أمّا تنزيه ال سبحانه عن البصر المادي ،فقد أشار إليه في معرض شرحه كلم المام علي ع
ب صير ل بتفر يق آلة ،إذ قال مف سرا ذلك :والمراد بتفر يق اللة هاه نا الشعاع الذي باعتباره يكون الوا حد
ن القائلين بالشعاع يقولون :أنه يخرج من العين أجسام لطيفة هي الشعة ،وتكون آلة للحي منا مبصرا ،فإ ّ
في إب صار المب صرات ،فيتفرق علي ها ،ف كل ج سم ي قع عل يه ذلك الشعاع يكون مب صرا ،والبارئ تعالى
بصسير ل بشعاع يجعله آلة فسي الدراك ،ويتفرق عسن المرئيات فيدركهسا بسه؛ وذلك لنسه حسي لذاتسه ،ل
بمعنىً ،فل يحتاج إلى آلة وأداة ووصلة تكون كالواسطة بينه وبين المدركات.1
ص
ثالثا :أمّا النص الذي استدل به على تنزيه ال سبحانه عن السمع والبصر الماديّين معا ،فهو الذي ن ّ
ن البارىء سبحانه حي ل آفة به ،وكل حي ل آفة به ،فواجب أن يسمع المسموعات ويبصر فيه على أ ّ
المبصرات ،ول حاجة به سبحانه إلى حروف وأدوات ،كما نحتاج نحن إلى ذلك؛ لنّا أحياء بحياة تحلّنا،
والبارىء تعالى حسي لذاتسه ،فلمّا افترقسا فيمسا بسه كان سسامعا ومبصسِرا ،افترقسا فسي الحاجسة إلى الدوات
والجوارح. 2
ن هذا الدليل الخير ،الذي استدل به ابن أبي الحديد ،هو دليل القاضي عبد الجبار ،3وهو والواقع أ ّ
ن الحي إذا لم يكن موصوفا بآفة كالصمم والعمى، أيضا دليل جمهور الشعرية والماتريدية ،الذين قالوا :أ ّ
ن الشهرستاني يروي لأ ّ
ح أنه سميع بصير ،وال منزّه عن الفات ،فهو موصوف بالسمع والبصر .4إ ّ صّ
ن مَن ل يتصف بصفة إتصف بضدها ن الفلسفة اعترضوا على هذا المبدأ الذي أقرّه المتكلمون -وهو أ ّ أّ
ى مجردة عن البرهان ،اعتمد فيها المتكلمون على الشاهد ،والشاهد حكمه غير حكم الغائب، -بأنه دعو ً
ن ال حي يت صف بال شم والذوق والل مس ،وأ نه إِن لم و مع هذا فالشا هد أيضا ضد المتكلم ين؛ لنّا نرى أ ّ
ن ال ل يتصف بهذه الصفات ول بأضدادها ،فإذن يتصف بها اتصف بضدها ،ولكن المتكلمين يقولون :إ ّ
قاعدتهم ،كما أنها برهانية ،فهي أيضا غير مطّردة.5
ن ال تعالى سميعن ابن أبي الحديد -بعدما يستدل على ثبوت هاتين الصفتين ل -يصرح بأ ّ على أ ّ
ن ابن أبي الحديد أخذ
بصير قبل أن يدرك المسموعات والمبصَرات ،أي قبل أن يخلقها .6وهذا كله يعني أ ّ
بمذهب أبي علي الجبائي.
ن ال تعالى لم يزل سميعا بصيرا ،قال بها أكثر المعتزلة والشعرية على ن فكرة أ ّ
بقي أن نشير إلى أ ّ
إنس النّظاّم وكثيرا مسن الزيديسة وعبسد ال بسن كلّب
العموم مسن بعدهسم ،وهذا مسا يؤكده الشعري بقولهّ :
ن هذا الرأي مما تفرّد به
ن ابن أبي الحديد يصرّح بأ ّلأ ّ
ن ال لم يزل سميعا بصيرا .7إ ّ وأصحابه قالوا :إ ّ
أبو ها شم وأ صحابه؛ لن هم يطلقون عل يه في الزل أنه سميع ب صير ،ول يس هناك م سموع ول مب صَر،
ن ،م 9/149س ،150وهذا ما استدل به ابن المطهر الحلي من المامية في كتابه كشف المراد ص .315 1
قارن الشعري :اللمع ص ،25الماتريدي :كتاب التوحيد ص ،28الباقلني :التمهيد ص .47 4
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة ،9/152إ ّل أ ّن اليجي س وهو متأخر عن ابن أبي الحديد س ير ّد على من يقول أ ّن إثبات السمع 6
والبصر في الزل ول مسموع ول مب صَر بأنه خروج عن المعقول ،بقوله :إ ّن انتفاء التعلق ل يستلزم انتفاء الصفة كما في سمعِنا
ن خلوّهما عن الدراك ل يوجب انتفاؤهما أصلً .انظر اليجي :المواقف .8/90 وبصرِنا ،فإ ّ
الشعري :مقالت السلميين .1/173 7
81
ح منه إدراك المسموعات والمبصَرات إذا وجِدت ،وذلك يرجع إلى كونه حيا ل
معنى ذلك كونه بحال يص ّ
ن السامع المبصِر في الزل هو المدرِك بالفعل ل
آفة به ،ول يطلقون عليه أنه سامع مبصِر في الزل؛ ل ّ
بالقوة.1
الحياة
وإذا كان المعتزلة قسد برهنوا على أنّس ال سسبحانه قادر ،فإنّس ذلك يقتضسي بالضرورة أن يكون حيا.
وثبوت هذه الصفة ل موضع اتفاق عند الفلسفة والمتكلمين ،2مستدلين على ذلك بأنه :ل يجوز أن تحدث
ل من قادر حي؛ لنه لو جاز حدوثها ممن ليس بقادر ول حي ،لم ند ِر لع ّل سائر ما يظهر من الصنائع إ ّ
ن ال تعالى حي قادر. 3 الناس يظهر منهم وهم عجزة موتى ،فلَمّا استحال ذلك ،دلّت الصنائع على أ ّ
ن ال تعالى ن الدللة على أنه تعالى حي مبنية على أصلين :أحدهما ،أ ّ ويذكر القاضي عبد الجبار أ ّ
ل حيا ،4وهذا ما نجده عند ابن أبي الحديد ،عندما يشير إلىن العالِم القادر ل يكون إ ّ
عالِم قادر ،والثاني ،أ ّ
أن نا نعلم بأنه حي ،ومع نى ذلك أنه ل ي ستحيل على ذا ته أن يعلم ويقدر ،5كما ن جد نص هذا الدل يل ع ند
أبرز فلسفة السلم.6
ن حقيقة الحياة تدور مدار حقيقة الوجود بحسب الصل والشتداد والتضعف وسائر ولبد من القول أ ّ
الجهات ،فيكون أَولى الحقائق بالوجود أَول ها بالحياة ،وأش ّد ها وأعظم ها بالن سبة إل يه يكون كذلك بالن سبة
ل ول يمكسن درك حقيقتسه ،كذلك الحياة ،فهمسا كَكفت َي أنس الوجود يُدرَك مفهومسه إجما ً
إلى الحياة ،وكمسا ّ
الميزان في جملة من الجهات.
وكما ل مطمع للممكن في درك ذات ال ،كذلك ل مطمع في درك حياة ال ،وهي عين ذاته ،فلبد من
أن تُعرَف الحياة بمع نى عدمي :أي عدم الموت ،إذ ل يمكن الحاطة بحقيقتها في ال ،لغرض أنها عين
ن وجود ال وحيا تهذات ال ،فيلز مه جم يع الكمالت الحا صلة من ال حي ،فتكون بمنزلة الوجود ،فك ما أ ّ
منشأ كل شيء وحياته ،فيكون إذن قيوم كل شيء ،وعلى هذا الساس تنحصر القيّوميّة المطلقة في ال
ن ال -كما يقول ابن أبي قيّوميّة حقيقية واقعية إحاطية ،وما كان كذلك ل يُعقل أن تأخذه سِنة أو نوم؛ ل ّ
ا بن أ بي الحد يد :شرح ن هج البل غة ،80 - 1/79ورا جع :جار ال ،زهدي ح سن :المعتزلة ،القاهرة ،1947 ،ص ،73إ ّل أ ّن 1
الدكتور علي مصطفى الغرابي يرى أ ّن هذا الرأي ليس لبي هاشم وإنما لوالده -أبي علي -وأنه من القضايا التي اختلف فيها مع
أبيه .انظر الغرابي :تاريخ الفرق السلمية ص 260س .261في حين أ ّن البغدادي يصرّح بأ ّن هذا رأي معتزلة البصرة ومنهم
الجبائي وابنه .انظر البغدادي :الفرق بين الفرق ص ،324أصول الدين ص ،96وهو ما ذهب إليه الشهرستاني في نهاية القدام
ص ،344 ،341والذي يحسم النزاع حول هذا الموضوع هو القاضي عبد الجبار ،حينما صرّح بأنّه رأي أبي علي ،دون الشارة
إلى أبي هاشم .انظر القاضي عبد الجبار :شرح الصول الخمسة ص .168مما يعني صحة رأي الدكتور الغرابي وعدم دقة ابن
أبي الحديد في ذلك.
باستثناء بعض المعتزلة الذين ينفون الحياة عن ال تعالى؛ لنهم يرون أنه ل يصح وجود الحياة إ ّل في بُنية مخصوصة ،فإذا قلنا :أ ّن 2
ال حي جعلنا له بُنية مخصوصة ،وهذا محال .انظر جار ال :المعتزلة ص .112
الشعري :اللمع ص ،25البغدادي :أصول الدين ص ،105الشيخ الطوسي :القتصاد ص .54 3
القاضي عبد الجبار :شرح الصول الخمسة ص ،161مضيفا إلى أ ّن طريقة الستدلل هذه هي طريقة شيوخ المعتزلة ،وهذا ما 4
ل س الفارابي :المدينة الفاضلة ص 32س ،33ابن سينا :الرسالة العرشية ص ،9النجاة ص ،286الغزالي :القتصاد قارن س مث ً 6
ص .60
82
ن هذا من صفات الجسام ،وبما أنه ل الحديد -يستحيل عليه النوم إستحالة ذاتية ل يجوز تبدّلها ،1ول ّ
ن انتهاء النظر إليه
يجوز عليه العدم ،ول يوصَف بخواص الجسام ولوازمها ،فإنه ل ينتهي إليه نظر؛ ل ّ
ل عليها العدم.2
ل لم يكن ذاته مستحي ًيستلزم مقابلته ،وهو تعالى منزّه عن الجهة ،وإ ّ
ن الذيلأ ّ
ن ذلك أمر مفروغ منه ،إ ّ ن ابن أبي الحديد إنما لم يشبع الموضوع بحثا؛ لعتقاده أ ّ
ويبدو أ ّ
ن ال عالِم
يؤخَذ عليه في هذا الموضوع أنه لن يبحث اختلف أصحابه المعتزلة مع الشعرية القائلين بأ ّ
ن الرازي قد ب حث صفة الحياة في المح صل ،4ل ن جد لبن أ بي بعلم و حي بحياة ،3وعلى الر غم من أ ّ
الحديد فيه تعليقة واحدة عليه.
ن البحث عن حياة ال بعد الفراغ من كونه صانعا للعالم وقادرا وعالِما ،أمر وبناء على ما تقدم ،أرى أ ّ
ل فائدة م نه :إذ لو كان المق صود بالحياة ما ينا في الموت فالمفروض أ نه أثبت نا وجوده ،وأ نه عالِم قادر،
وإن كان المق صود م نه أ نه ل يس فانيا ،فكذلك ل حا جة إل يه ،إذ ل مع نى لكو نه أزليا وا جب الوجود و هو
فانٍ ،وإن أُري َد به استحالة طر ّو الفناء والموت على ال ،فيغني عن ذلك كله أنه واجب الوجود.
الكلم
ُت َع ّد صفة الكلم اللهي من أهم الصفات التي وقع فيها الخلف بين المتكلمين في العصور السلمية
سمّي باسمها. 5
ن علم الكلم قد بدأ بها و ٌ
الولى ،حتى قيل أ ّ
وقد أحدثت هذه المسألة اختلفا واضحا بين فرق المسلمين ،سيما بعد دخول بعض الخلفاء على خط
ل -ونتيجة لتأثير أستاذه ووزيره المعتزلي الصراع ،وانتصارهم لفريق دون آخر ،فنرى المأمون -مث ً
ابن أبي دؤاد -قد ساند المعتزلة فيما ذهبوا إليه ،مما هيأ الفرصة للمعتزلة لسكات أصوات مناوئيهم في
الفكر ،فحصل ما حصل من الضطهاد ،الذي صوّره ابن أبي الحديد بقوله :وضرب الخلفاء لجلها -
ن ابن أبي الحديد أراد الشارة إلى ما تعرّض له مسألة الكلم اللهي -الكاب َر بالسوط ،بل بالسيف .6وكأ ّ
أحمد بن حنبل ،ت 241هس ،وغيره على يد المأمون والمعتصم ،ليكون ر ّد الفعل معكوسا عند وصول
المتوكل إلى السلطة ،التي انحازت في عهده إلى التيار السلفي المتشدد ،وأخذت تضطهد الفئات الخرى
ن المحنة كانت تستهدف بالدرجة الولى إيجاد نمط من التفكير إزاء قضية وفي مقدمتها المعتزلة .7ويبدو أ ّ
ف بيسن المعتزلة
التوحيسد ،مسن خلل نفسي التشسبيه وإسسقاط التجسسيم ،وكان منطقيا أن تغذّي المحن ُة الخل َ
ومعارضيهم. 8
ممن ذهب إلى ذلك ابن خلدون .راجع المقدمة ،طبعة القاهرة ،بدون تاريخ ،ص .465 5
م من تعرضوا لذ كر هذه المشكلة والضطهاد الذي ح صل للعد يد من رجالت الف كر :ا بن تغري بردى :النجوم الزاهرة في ملوك 7
م صر والقاهرة ،ط 1351 ،1ه س 2/220 ،و ما بعد ها ،ال سبكي :طبقات الشافع ية ال كبرى ،ط ،1المطب عة الح سينية ،القاهرة ،بدون
تاريخ.1/270 ،
الراوي :ثورة العقل ص .235 8
83
وأسساس المشكلة أنّس المعتزلة -مسن البصسريين والبغدادييسن -كمسا يقول القاضسي عبسد الجبار -قسد
ل الحروف والصوات الموجودة في المصاحف المقروءة باللسنة،1 ن كلم ال تعالى ليس إ ّ أجمعوا على أ ّ
وأنه ليس ل تعالى كلم أزلي ،بل القرآن وسائر الكتب المنزلة حادثة مخلوقة.2
وقد ذكر ابن أبي الحديد بعضا من أدلة أصحابه على حدوث القرآن ،منها استشهاده بقوله تعالى:
سمّي القرآن حديثا؛ إتّباعا لقول ال تعالى :الية،
ث ِكتَابا ُمَتشَابِها [الزمر ،]23 :إذ قالُ :
حدِي ِ
ن اْل َ
سَ
حََن ّز َل َأ ْ
واستدل أصحابنا بالية على أنه محدَث؛ لنه ل فرق بين حديث ومحدّث في اللغة ،فإن قالوا :إنما أراد
سمّي الكلمأحسن الكلم ،قلنا :لعمري إنه كذلك ،ولكنه ل يطلق على الكلم القديم لفظة حديث؛ لنه إنما ُ
ل فحالً ،والقديم ليس كذلك. 3
والمحاورة والمخاطبة حديثا؛ لنه أمر يتجدد حا ً
وفي موضع آخر يشير ابن أبي الحديد إلى هذا الدليل بوضوح أكثر ،فيقول :ولكن العرب ما سمّت
ت ك ّل
ل فحالً ،أَل ترى إلى قول عمرو بن معاوية :قد ملل ُ ل أنه مستحدَث متجدد حا ً القول والكلم حديثا ،إ ّ
ل الحديث ،فقال :إنما ُي َم ّل العتيقُ ،فد ّل ذلك على أنه َف ِه َم معنى تسميتهم الكلم والقول حديثا ،وفطنشيء إ ّ
ِلِمغزاهسم ومقصسدهم فسي هذه التسسمية ،وإذا كنّا قسد كلّفنسا أن نجري على ذاتسه وصسفاته وأفعاله مسا أجراه
سبحانه في كتابه ،ونطلق ما أطلقه على سبيل الوضع والكيفية التي أطلقها ،وكان قد وصف كلمه بأنه
سمّي حديثا لحدوثه وتجدده ،فقد ساغ لنا أن نطلق على كلمه حديث ،وكان القرآن في عُرف اللغة إنما ُ
أنه محدَث ومتجدد. 4
والستدلل المتقدم الذي ذكره ابن أبي الحديد ،نجده عند القاضي عبد الجبار ،الذي قال في ذكره الية
المتقد مة :الو صف بأ نه منزل أولً ،ثم أح سن الحد يث ،و صفه بالح سن ،والح سن من صفات الفعال،
ل على حدوثه ...ومتشابها :أي يشبه بعضه بعضا في العجاز والدللة على صدق مَن وسمّاه كتابا دلي ً
ادّعاه ،وكان بهذه الصفات ،فإنه محدَث. 5
كما نجد رأي ابن أبي الحديد في معرض شرحه كلم المام علي ع :كلمه تعالى فِعل م نه أنشأه،
ولو كان قديما لكان إلها ثانيا ،يقول :هذا هو دل يل المعتزلة على ن في المعا ني القدي مة ال تي من ها القرآن؛
ن القدم عندهم أخص صفات البارئ تعالى ،أو موجب على الخص.6 وذلك ل ّ
ن ال يوحي الفكرة التي سيعبّر عنها بواسطة الكلم من أية أمّا كيفية هذا الكلم عند المعتزلة ،فيتعيّن بأ ّ
ن الفكرة ال تي ع ند الن سان تختلف عن ال تي ع ند ال ك ما يقول ا بن أ بي الحد يد :فال تي ع ند لأ ّ لغة ،7إ ّ
النسان -على حد تعبيره -يرتئي بها ليصدر عنه ألفاظ سديدة دالة على مقصده ،والبارئ تعالى متكلم
ل بهذا العتبار ،بل إ نه إذا أراد تعر يف خل قه من ج هة الحروف وال صوات ،وكان في ذلك م صلحة
القاضي عبد الجبار:المغني ،ط ،1961 ،1مطبعة دار الكتب ،7/84 ،شرح الصول الخمسة ص ،528الشهرستاني :الملل 1/55 1
.
القاضي عبد الجبار :المغني 7/208بتصرف ،شرح الصول الخمسة ص .528 2
انظر الراوي :فلسفة العقل ص ،24وقارن القاضي عبد الجبار :شرح الصول الخمسة ص .532 5
84
ن المتكلم في الل غة
ول طف ل هم ،خلَق ال صوات والحروف في ج سم جمادي ،في سمعها مَن ي سمعها؛ ل ّ
حلّه الكلم. 1
العربية فاعل الكلم ،ل مَن َ
وممسا تقدّم يتضسح أنّس ابسن أبسي الحديسد يرى أنّس ال فَعَل الكلم وأوجده ،وهسو الحروف وال صوات
ن ال
ن الكلم المشت مل على الحروف قائم بذا ته ،والدل يل على أ ّ
لأ ّ
الم سموعة في ج سم من الج سام ،إ ّ
متكلم ،كونه قادرا على كل ممكن ،والحروف والصوات من الممكنات.
ن المر بل ل آخر للمعتزلة بصدد رأيهم في مسألة الكلم اللهي ،مفاده أ ّ ن الرازي قد روى قو ًعلى أ ّ
أنس أصسحابه المعتزلة لأنس ابسن أبسي الحديسد يرى ّ
ل ّمأمور عبسث ،وهسو غيسر جائز على ال تعالى .2إ ّ
ن العبث هو الفعل الذي ل غرض له ،فتكون الحجة -كما يقول -مبنية يُخرجون الحجة هذا المخرج؛ ل ّ
ن الكلم فعل فيلزم الدور ،ولكن يجب أن نحتج على كون الكلم فِعلً ،ونحن نروم أنة يُستدَل بها على أ ّ
ن المعقول من المر في ن الطلب عن غير الرادة ،وهو أ ّ بها على ما يقوله الن ،وذلك بعد أن نسلّم لهم أ ّ
الشاهد اقتضاء شيء مّا وطلبه ،فإمّا أن يقتضيه الحي من نفسه فيكون عزما ،أو من غيره ،وذلك يستدعي
ن
حضور غي ٍر بمقتضى الفعل منه ،فإثبات اقتضاء وطلب خارج عن القسمين غير معقول ،ويبيّن ذلك أ ّ
ل بين مضافين ،فإثبات أمر بغير مأمور كإثباته بغير آمر، المر إضافة أو صفة ذات إضافة ،ول يتحقق إ ّ
وكلهما محال.3
ومسن أدلة المعتزلة الخرى ،التسي اعترض الرازي عليهسا ،هسو قولهسم :أنسه تعالى لو كان فسي الزل
متكلما بقوله إنّا أرسسلنا نوحا ،وهسو إخبار عسن الماضسي ،لكان كاذبا .4هنسا يرى الرازي -ردا على هذا
ن الخبر في الزل واحد ،ولكنه مختلف إضافته بحسب اختلف الوقات ،وبحسب ذلك تختلف الدليل -أ ّ
ن ابن أبي الحديد يلفت نظر الرازي بخصوص ما أفاده آنفا بقوله: اللفاظ الدالة عليه ،كما في العلم .5بيد أ ّ
ن الش يء سيوجد ،ل يس هو ع ين العلم بوجوده إذا وُجِد، ن العلم بأ ّ
ت في سائر كت بك تذ هب إلى أ ّ أل س َ
ن الش يء سيوجد مخالِفا ت ال خبر على العلم ،و جب أن يكون ال خبر على أ ّ وتجعله ما مختلَف ين؟ فإذا حمل َ
للخبر على كونه قد ُوجِد في الماضي ،ويلزم من ذلك محذوران :أحدهما ،أن يكون كاذبا إذا أخبر عن أنه
ل لو قدرنا أنه عالِم بوجود زيدٍ ،وزيد لم يوجد ،وإنما سيوجَد،
أرسل ولم يكن قد أرسل ،كما يكون جاه ً
والثا ني ،أن يكون ال خبر القد يم متعددا ل واحدا ،ك ما كا نت العالِميات عندك -ع ند الرازي -متعددة ،ل
واحدة. 6
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة ،10/65ول يفوتنا أن ابن أبي الحديد يرى أ ّن كلمه تعالى قد ح ّل في الشجرة فقط ،وكان يُسمَع 1
ج َرِة َأ ْن يَا
شَ
ئ اْلوَا ِد اْلَأْي َم ِن فِي اْلُبْق َع ِة اْل ُمبَا َر َك ِة ِم َن ال ّ
طِ
ن شَا ِ
ي ِم ْ
من كل جهة ،والدليل على حلوله في الشجرة قوله تعالىَ :فَلمّا َأتَاهَا نُو ِد َ
مُو سَى [القصص .]30 :فل يخلو إمّا أن يكون النداء ح ّل الشجرة أو أ ّن المنادى حلّها ،والثاني باطل ،فثبت الول .انظر ابن أبي
الحديد :شرح نهج البلغة .10/90
الرازي :المحصل ص ،266وقارن القاضي عبد الجبار :المغني .7/63 2
85
ن كل ما أفاده المعتزلة آنفا من القول بحدوث القرآن ،و ما أقاموه من الدلة ول تفوت نا الشارة إلى أ ّ
ن هذا القرآن المتل ّو في المحار يب ،والمكتوب
لثبات ذلك ،إن ما كان ردا على المشب هة الذ ين ذهبوا إلى أ ّ
في المصاحف ،غير مخلوق ول محدَث ،بل قديم مع ال تعالى.1
ن ال تعالى متكلم
و قد حاول الشعر ية والماتريد ية في ما ب عد أن يتو سطوا ب ين الرأي ين جميعا فقالوا :إ ّ
بكلم أزلي بذاته ،ليس من جنس الحروف والصوات ،وهذا هو الكلم النفسي ،وهو يمثل حقيقة الكلم،
أمّا الحروف والصوات فهي تد ّل عليه ،وأطلقوا عليها الكلم اللفظي. 2
ن الشعر ية قد فرّقوا في موضوع خلق القرآن ب ين المدلول والدللة في ال نص و من ذلك نل حظ أ ّ
القرآ ني ،فالمدلول :هو المع نى القائم في ذات ال ،قد يم و سابق في وجوده ،وأمّا الدللة -أي العبارات
اللفظية المكونة من الحروف والصوات التي ينطقها المتكلم -فهي محدَثة وعارضة.
ن الكلم النفسي يمثل حقيقة الكلم اللهي ،هو الرازي ،الذي ومن أبرز متكلمي الشعرية القائلين بأ ّ
ن الخلف مع المعتزلة يكمن في أنهم ينكرون ماهية الكلم النفسي والوجود والِقدَم. 3 أشار إلى أ ّ
ن وصف الرازي كل َم ال بالكلم النفسي ،مبني على مقامين :أحدهما، هنا يذهب ابن أبي الحديد إلى أ ّ
ن هذه الماهية متصوّرة ،والثاني ،ذات ال ،بعد تسليم تصوّرها ،وأنها من ن في الوجود كل َم نف سٍ ،وأ ّأّ
ن ذاته قابلة
ن حياته تعالى تصحّحها ،وأ ّ
أجناس الموجودات في الشاهد ،موصوفة بها ،وذلك مبني على أ ّ
ن الشرائط مستجمعة. 4ن الموانع مرتفعة ،وأ ّ
لها ،وأ ّ
ن الشعرية إنما أثبتوا كلم النفس جنسا مفردا عن الماهيات المعروفة ،وأثبتوه ويرى ابن أبي الحديد أ ّ
ن له ماه ية معقولة غ ير هذه الماه يةل لِذات البارئ سبحانه؛ لن هم وحّدوه في الشا هد ،وزعموا أ ّ حا ص ً
ن النفس تعقل ماهية الطلب ،وتميز بينه وبين سائر الماهيات المتصورة ،فإن ثبت لهم المعروفة بأسرها ،فإ ّ
ن لها حقيقة في الوجود في نفس المر ،أثبتوا بعد ذلك اتصاف ذات البارئ سبحانه تصور هذه الماهية ،وأ ّ
بها ،فيقال لهم :إنّا لو تنزّلنا إلى ما تريدونه من إثبات هذه الماهية المفردة المخالفة لسائر الماهيات ،فإنّا ل
ل ملحو قة بثلث ماهيات أُخَر -ماه ية الطالب ،وماه ية المطلوب ،وماه ية المطلوب نعقل ها ونت صورها إ ّ
منه -فإذا رفعنا ذلك أو شيئا منه عن العمل ،لم نتصور الماهية الولى ،وهي الطلب ،فإذن استدللكم -
ح لم يث بت به مطلوب كم ،و هو كون ال تعالى طالبا في الزل ،فالذي يقتض يه يق صد الشعر ية -إن ص ّ
الستدلل ل تقولون به ،والذي تقولون به ل يقتضيه الستدلل ،فثبت فساد قولكم ،5على حد تعبير ابن
أبي الحديد.
وكان الرازي قد نص على بيت من الشعر ،بعد اعتراضه على الدلة العقلية التي استدل بها أصحابه
على كون ال سبحانه مو صوفا بكلم الن فس ،وتقليله من شأن ها ،خ صوصا دل يل الجماع الذي نبّه من
الشعري :البانة ص 31وما بعدها ،وقارن الماتريدي :كتاب التوحيد ص 57وما بعدها. 2
86
ل على اللفظ ،أمّا المعنى الذي يقول به الشعرية فهو غير مُجمَع عليه .1بيد
ن الجماع ليس إ ّ
خلله إلى أ ّ
ن احتجاج الرازي هذا يرفضه ابن أبي الحديد رفضا قاطعا. 2 أّ
وهكذا نستنتج من جميع ما صرّح به الرازي ،وما علّق ابن أبي الحديد عليه أو اعترض ،نستنتج
أمرين:
ن المعتزلة -ب ما في هم ا بن أ بي الحد يد -في نفي هم صفة الكلم ،وإنكار هم الكلم النف سي -
الول :أ ّ
ن الكلم هومتسقون مع مذهبهم في نفي الصفات الزلية عموما ،ول غرابة إذن في إصرارهم على أ ّ
ال صوات المتقط عة والحروف المنتظ مة ،و هي حاد ثة؛ لن ها من صفات الفعال عند هم ،ولي ست من
ن الشعرية يعتبرون صفات الذات ،لكن -بحسب رأي أستاذنا الدكتور محمد رمضان عبد ال -نجد أ ّ
ن حقيقة الكلم عندهم هو صفة الكلم عندهم من صفات الذات ،فهي قديمة كصفات الذات كلها ،ولذلك فإ ّ
الكلم القائم بذا ته تعالى ،وأمّا ما نقرؤه في الم صحف ،أو ما ن سمعه ،أو ما هو مكتوب ف يه ،ف كل ذلك
إمارات عليه. 3
ن تفسير الشعرية الكلم الحقيقي ،وتو صّلهم إلى القول بأنه هو المعنى الموجود في النفس،4 الثاني :أ ّ
ل موضع اهتمام المعتزلة ،فأدخلوه دائرة التحليل النقدي ،سيما البغداديين منهم ،حينما هذا التفسير كان أص ً
ن كونهل عن طريق التمييز بين كون ال متكلما وكونه مكلّما ،فقالوا :إ ّ حاولوا أن يجدوا لهذه المشكلة ح ً
متكلما هي صفة ي ستحقها لِذا ته ،أمّا كو نه مكلّما ،ف هي ال تي تحتاج إلى الكلم المحدَث؛ لن ها متعد ية إلى
ل كلمةل يرضيهم ،إذ ليس في المر إ ّ الغير ،فيما لم يجد البصريون المتأخرون في التمييز البغدادي ح ً
مكلّم ،التي تفوق بخاصيتها الكلمة الخرى متكلم ،لكن ال تعالى إنما يصير مكلّما بما يكون به متكلّما.5
الفصل الخامس :الصفات اللهية السلبية عند ابن أبي الحديد
تمهيد
تنزيه ال عن الجهة والمكان
تنزيه ال عن الرؤية
تنزيه ال عن الجسمية
تنزيه ال عن الحلول والتحاد
ن اللسه غني
أّ
87
تنزيه ال عن اللذة واللم
تنزيه ال عن الكيفيات المحسوسة
تمهيد
ن كل واحدة سلبَت ونفَت أمرا ل يليق به عز وجل .1وهي س بحسب
يراد بالصفات اللهية السلبية ،أ ّ
ن ال ليس بجسم ول عرَض ول يُرى.2 تفسير ابن أبي الحديد س كقولنا :أ ّ
ن المعتزلة س بما فيهم ابن أبي الحديد س كانوا يهدفون من وراء ذلك تنزيسه ال سبحانه عنويبدو أ ّ
ن قولهم في التوحيد كان ردا على التصور اليهودي ل من جهة، كل مماثلة بينه وبين مخلوقاته ،باعتبار أ ّ
ولراء المج سمة والمشب هة والحشو ية من ج هة أخرى ،فال تعالى في جو هر عقيدة المعتزلة ل يس كمثله
شيء ،3تلك آية محكمة تؤوّل في ضوئها كل آيات يدل ظاهرها على اتصاف ال بأوصاف المخلوقين:
ل يس بج سم ،إنكار على المج سمة الذ ين جعلوا ل ج سما ،ول بذي لون ول ط عم ول رائ حة ،إنكار على
اليهود ية أ نه سبحانه ذو وفرة سوداء أو بيضاء ،ول يس بذي جهات ،ول بذي يم ين وشمال وخَلف وفوق
وتحت ،ول يحيط به مكان ،إنكار على الصفاتية تصورهم ال جسما مماسا أو محاذيا للعرش. 4
هذه مسائل ،سنقف على تفاصيلها عند ابن أبي الحديد ،في معرض استعراضنا كل مسألة في مبحث
مستقل.
المبحث الول :تنزيه ال عن المكان والجهة
ن الذي يذهب إليه المعتزلة وجمهور المحققين من المتكلمين ،أنه سبحانهيصرّح ابن أبي الحديد بأ ّ
ن ذلك من توابع الجسمية أو العرَضية اللحقة بالجسمية ،فإذا انتفى عنه كونهليس في جهة ول مكان ،وأ ّ
جسما وكونه عرَضا ،لم يكن في جهة أصلً ،وإلى هذا القول يذهب الفلسفة.5
ن ما يُنسَب إلى محمد بن الهيصم س متكلم الكرامية س بأنه تعالى ذات موجودة منفردة بنفسها على أ ّ
عن سائر الموجودات ،ل تح ّل شيئا حلول العراض ،ول تمازج شيئا مماز جة الج سام ،بل هو مبا ين
ل أنه في جهة فوق ،وبينه وبين العرش بُع ٌد ل يتناهى ،6فهي حكاية يستبعدها ابن أبي الحديد؛ للمخلوقين ،إ ّ
لنه س ابن الهيصم س كان أذكى من أن يذهب عليه فساد هذا القول من جهة ،وأنه لم يرد من ذلك في
شيء من تصانيفه ،من جهة أخرى ،وإنما المتكلمون حكوا عنه وأحالوا ذلك ،كما استدل على ما يراه،
ن ابن الهيصم إنما أطلق هذه اللفاظ إتباعا لِما ورد في الكتاب والسّنة ،بدليل قوله :ل أقول بمعانيها ،ولبأ ّ
ل كما وردت.7 أعتقد حركته الحقيقية ،وإنما أرسلها إرسا ً
الصاوي ،عبد الكريم ،حاشية الصاوي على الدردير ،مطبعة الستقامة ،مصر ،بدون تاريخ ،ص .76 1
ن،م 229 / 3س ،230وانظر الشهرستاني :الملل 145 / 1س .146 6
88
هنا لبد من ذكر ملحظة مهمة بخصوص عقيدة الكرامية ،وهي :إن كان اعتمادهسم على القرآن
ن ال تعالى بجهة فوق ذاتا ،ول داعي لعدم تعقّل والحاديث ،التي تثبت الفوقية ل تعالى ،فليس معنى أ ّ
ن العتماد على آيات الفوق ية ل يعن سي ألب ته كون ال ج سما ،و في ل إذا كان ال ذاتا وج سما ،وأ ّ
الج هة إ ّ
ب العلق ،19 :فلو ج ْد وَا ْقَت ِر ْ
سُ
ج هة فوق ذاتا ،إذ لو كان كذلك لتعارض هذا مع قوله ع سز و جلَ :ا ْ
كان تعالى في السماء ذاتا لَما كان السجود اقترابا منه على أي حال من الحوال.1
ن ال ل تتوهمه فيوابن أبي الحديد يؤكد ما عليه أصحابه المعتزلة بهذا السياق ،عندما ينص على أ ّ
جهة ،أو مالئا لكل الجهات ،...أو نورا من النوار ...فمتى توهم على شيء من هذا فقد خولف التوحيد؛
ن كل جسم أو عرَض أو حال في محل الحال ،أو مختص بجهة ،لبد أن يكون منقسما في ذاته، وذلك ل ّ
ل سيما على قول مَن نفى الجزاء مطلقا ،وكل منقسم فليس بواحد ،فثبت أنه واحد. 2
ن الجسم قابل للقسمة إلى نهاية ن ابن أبي الحديد أراد من كلمه المتقدم ،بيان حقيقة مؤداها :أ ّ
ويبدو أ ّ
،بنا ًء على مَن يرى تر كب الج سام بأجزاء ،أو قا بل للق سمة إلى ما ل نها ية ،بنا ًء على مَن يقول بعدم
ن الجسم قابل للقسمة ،والذي يح ّل فيه قابل لها أيضا ،ولو تركّب الجسم من الجزاء ،وعلى التقديرين فإ ّ
ل فيها ،ومنقسما بانقسامها ،وكذلك إذا كان ال تعالى في جميع كان ال سبحانه في جهة تخصه ،لكان حا ّ
ل ل ها،
الجهات ،أو كان قوة سارية في الموجودات كا فة ،فقبول الشياء الق سمة يؤدي إلى كو نه تعالى قاب ً
وهو أمر غير معقول.
وبنا ًء على ما تقدم ،يلحَظ أنهم ف سّروا الجهةطرق المتداد ونهاية الخط وهي نقطة ل تقبل القسمة
في جهة من الجهات ،فدليله ل يبطل كون ال في جهة ،إذا ُأخِذ التعبير بالجهة بمعناه الصطلحي،وأمّا
إذا كان مقصوده من نفي كون ال سبحانه في جهة نفي كونه في مكان معيّن س كما نسِب إلى طائفة أنهم
ن ال في السماء ،أو ح ّل في شخص معيّن س فما قاله صحيح .وأغلب الظن أنه يقصد الثاني؛ يعتقدون أ ّ
لنه هو الذي وقع البحث فيه ،وأمّا المعنى الول فلم ينقل عن أحد.
ن ا بن أ بي الحد يد يؤ كد مع نى اليات الموه مة بح صوله هذا من ج هة ،و من ج هة أخرى نلحظ أ ّ
ن مَا ُكْنُت ْم
تعالى في ج هة من الجهات ،إن ما هي من باب المجاز ،من ها قوله تعالىَ :و ُه َو َم َع ُك ْم َأْي َ
ن ال تعالى ل يجوز عل يه الح صول في حْب ِل اْل َورِي ِد قّ16 :؛ ل ّ
ن َ
ب ِإَلْي ِه ِم ْ
ن َأ ْق َر ُ
ح ُ
الحد يدَ 4 :وَن ْ
عرَض ،وواجب الوجود ليس بجَرم ن كل حاصل في جهة إمّا جَرم أو َ الجهات ،3ليخلص فيما بعد إلى أ ّ
ل في جهة.4 ول عرَض ،فل يكون حاص ً
ل آخر لستحالة الجهة على ال ،وهو رأي ن ابن أبي الحديد قد ذكر دلي ً
وفي موضع آخر ،نجد أ ّ
لبي الحسين الخياط س ت 290هس س إذ قال فيه :إنه تعالى لو كان فيما لم يزل في جهة ،لستحال أن
ن الحاصل في جهة ،يصح أن يُشار بأنه هاهنا أو هناك ،فإذا كانت ذاته يتحدد له حصول في جهته؛ ل ّ
ن ذلكفيما لم يزل ،ل يصح أن يُشار إليها ،استحال أن تصير فيما بعد ،بحيث يصح أن يُشار إليها؛ ل ّ
سهير محمد مختار :التجسيم عند المسلمين ،مذهب الكرامية ،ط ،1مطبعة شركة السكندرية ،1971 ،ص .200 1
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة ،227 / 20وانظر أيضا :ن،م .70 / 13 2
89
ن
ن الجوهر لَمّا استحال أن يحل في محل اليوم ،استحال أن يحل في محل غد الن؛ ل ّ
قلب حقيقتها ،كما أ ّ
ذلك يكون قلبا لحقيقته. 1
وإذا كان الرازي كبق ية مشاه ير متأخري الشعر ية ،كالشهر ستاني س ت 548ه س س والي جي س
756هس س والتفتازاني س 759هس س القائلين بنفي الجهة عن ال ،يستدل على ما يراه بأنه ليس بمتحيز،
ن الرازي قد
ن ابن أبي الحديد يرى أ ّ
وما كان كذلك ،لم يكن في جهة أصلً ،وذلك معلوم بالضرورة ،2فإ ّ
ل في محل ،بدليل ينب ني على أ نه تعالى ل يس في جهة ،ثم استدل على أنه ا ستدل آنفا على أنه ل يس حا ّ
ل في محل ،فتوقّف كل واحد منهما على الخر، تعالى ليس في جهة ،بدليل ينبني على أنه تعالى ليس حا ّ
ويلزم الدور.3
نوهناك حجة أخرى احتج بها الرازي على نفي الجهة ،اعترض عليها ابن أبي الحديد ،مفادها:أ ّ
مكا نه تعالى إن ساوى سائر المك نة ،كان اخت صاصه به دون سائر المك نة ي ستدعي مخ صّصا ،وذلك
ل لفاعل مختار ،فهو محدَث ،فكونه في المحل محدث، المخصص لبد أن يكون مختارا ،وكل ما كان فع ً
ن الختلف في الن في الم حض محال، هذا خلف .وإذا خالف سائر المك نة كان ذلك المكان موجودا؛ ل ّ
وذلك الموجود إن لم يكن مشارا إليه ،لم يكن الموجود فيه مشارا إليه ،فلم يكن ال تعالى في مكان ،وإن
كان مشارا إل يه :فإن كان كو نه كذلك بالذات كان ج سما ،فإذا فرض نا ال تعالى موجودا ف يه ،كان البارئ
ل في الجسم ،فالبارئ تعالى لمّال في الجسم ،وهو محال ،وإن كان العرض كان ذلك عرَضا حا ّ تعالى حا ّ
ل فسي الج سم ،هذا خلف .4واعتراض ا بن أبسي ل في الحال فسي الجسسم ،وكان حا ّل ف يه ،كان حا ّ
كان حا ّ
الحديد على حجة الرازي النفة الذكر ،اعتراض دقيق يستدعي التوقف عنده في أمرين : 5
الول :أنه لِم ل يجوز أن تكون جهته مساوية لسائر الجهات ،ويكون هو تعالى قد اختص بالحصول
فيها اختيارا ل إيجابا ؟.
ن هذه الحجة التي أوردها الرازي ،يمكن تفسير مراده منها على وجه ينكشف الخُلف الذي الثاني :أ ّ
ادّعاه س حسب تعبير ابن أبي الحديد س وذلك أن يقال :الجهة التي هو سبحانه فيها وكل جهة ،إمّا أن
تكون عبارة عن أمر سلبي أو ثبوتي ،فإن كانت أمرا ثبوتيا ،فهي إمّا شيء يمكن أن يشار إليه أو ل يمكن
أن يشار إليه ،فإن كانت شيء يمكن أن يشار إليه ،فإمّا أن يمكن الشارة إليه بالذات أو بالتبعة ،فهذه أقسام
أربعة ،وإن كانت الجهة سلبا فالعدم من حيث هو عدم مت ساوٍ؛ لنه لو كان فيه اختلف لكا نت الحقائق
تخالف بعضهسا بعضا ،فل يكون عدما ،فلو فرضنسا جهسة البارئ سسبحانه عدما ،لكان حصسوله فيهسا إمّا
بطريق اليجاب ،بأن يكون لم يزل ذاته حاصلة فيها ،أو بطر يق الختيار ،والول محال؛ لنه لو كانت
ذاته تعالى توجب لنفسها الحصول فيها س الجهة س مع تساوي العدم في كونها عدما ،لكانت قد رجحت
ب عض العدام على ب عض ترجيحا إيجابيا من غير مرجّح ،وهذا محال ،والثا ني أيضا محال ،لنه تعالى
ابن أبي الحديد :التعليقات ورقة 392أ س ب ،ولم أجد ذلك في كتاب النتصار للخياط. 1
ن استدلل الرازي
ابن أبي الحديد :التعليقات ورقة 392أ ،وهذا ما أشار إليه نصير الدين الطوسي ،عندما صرّح بأ ّ 3
بنفي التحيز على نفي الجهة إعادة للدعوى .انظر تلخيص المحصل ص .227
الرازي :المحصل ص .227 4
انظر تفاصيل العتراض عند ابن أبي الحديد :التعليقات ورقة 392أ س 393أ. 5
90
ن فعل المختار
لو كان قد حصل نفسه في جهة على طريق الختيار ،لم يكن حصوله فيها فيما لم يزل؛ ل ّ
محدَث ،والجمع بين الحدوث والزلية محال.
ن حجة الرازي س بتقدير صحتها س مبنية على استحالة وخلصة القول ،يرى ابن أبي الحديد أ ّ
ن ال ل يصح كونه في جهة ،فيلزم الدور.
حلول ال ،لكن دليل استحالة الحلول مبني على أ ّ
أمّا تنزيه ال سبحانه عن المكان ،فيرجعه ابن أبي الحديد لسباب عدة ،منها:
ن المكان إمّا الجسم الذي يتمكن عليه جسم آخر ،أو الجهة ،وكلهما ل وجود له بتقدير عدم الول :إ ّ
ل بتقد ير
ن الج هة ل تتح قق إ ّ
الفلك ،و ما في حشو ها من الج سام ،أمّا الول فظا هر ،وأمّا الثا ني؛ فل ّ
وجود الفَلك؛ لنها س الجهة س أمر إضافي بالنسبة إليه ،فبتقدير عدمه ل يبقى للجهة تحقق أصلً ،وهذا
هو القول في عدم المكان حينئ ٍذ.1
ويع ني ا بن أ بي الحد يد من كون ال في مكان ،كو نه في فَلك من الفلك ،يتم كن ف يه ،ك ما قال
ن الج هة عبارة عن طرق المتداد الوا صل إلى نق طة من بعضهم ،2وإذا نفي نا الفلك انت فى ذلك ،ك ما وأ ّ
ن الفلك أج سام بعض ها فوق ب عض ،وفوق ال كل فَلك الطلس، نقاط فَلك الفلك ،نظرة يونان ية قائلة بأ ّ
المعبّر عنه فَلك الفلك ومحدّد الجهات ،3فإذا انتفت الفلك انتفت الجهة ،وفي هذا إشارة بديعة إلى فساد
النظرية القديمة حول تنظيم العالم.
الثاني :لو كان محويا ،4لكان ذا مقدار أصغر من مقدار الشيء الحاوي له ،لكن قد بيّنّا س كما يقول
س أنه يستحيل عليه المقادير ،فاستحال كونه محويا. 5
ن إحا طة الج سم الحاوي سطحه الباط ني للج سم المحوي المماس
ويع ني ا بن أ بي الحد يد بذلك ،أ ّ
ل سطحه الخار جي ،يقت ضي حلول كل جزء من أجزاء ال سطح الخار جي للج سم الحاوي في جزء من
أجزاء السطح الباطني للجسسم المحوي ،فثبت للمحسوي سطح ذا مقدار ،وهسو الطسول والعرَض ،كما
يثبت للجسم المحوي ،فيصبح المحوي ذا مقدار كالحاوي.
ن مَن تصوره أنه تعالى في شيء ،6فقد جعله إمّا جسما مستترا في مكان ،أو عرَضا مساويا
الثالث :أ ّ
في محل ،والمكان متضمن للتمكن ،والمحل متضمن للعرَض. 7
و في معرض شر حه كلم المام عليعقائم ل بعمَد ،يش ير ا بن أ بي الحد يد أيضا إلى تنز يه ال تعالى
عن المكان ،فيقول:لَمّا كان في الشا هد كل قائم فله عماد يعت مد عل يه،أبان عل يه ال سلم تنزي هه تعالى من
انظر الذهبي :العلو للعلي الغفار في صحيح الخبار وسقيمها ،ط ،2القاهرة ،مطبعة العاصمة ،ص .101 2
نجد مثل هذا الكلم عند معاصري ابن أبي الحديد من المامية .انظر نصير الدين الطوسي :تجريد العقائد ،مطبوع 3
ضمن كشف المراد لبن المطهر الحلي بيروت ،1979 ،ص 161س .162
ن الشياء ل تحويه فتقلّه .شرح نهج البلغة .8 / 13 إشارة إلى كلم المام عليع :أ ّ 4
إشارة إلى كلم المام عليع :ومَن قال :في َم ؟ فقد ضمّنه .شرح نهج البلغة .76 /1 6
91
المكان ،وعمّا يتوهمه الجهلء من أنه مستقر على عرشه بهذه اللفظة ،ومعنى القائم هاهنا ليس ما يسبق
إلى الذهن من أنه المنتصب ،بل ما تفهمه من قولك :فلن قائم بتدبير البلد ،وقائم بالقسط. 1
ن
ن ال في كل مكان ،فيخبر نا بأ ّن ا بن أ بي الحد يد ،يو ضح رأي أ صحابه المعتزلة القائل بأ ّ
على أ ّ
المعتزلة تقسول ذلك وتريد به أنه وإن لم يكن في مكان أصلً ،فإنه عالِم بما في كل مكان ،ومدبّر لِما في
كل مكان ،وكأ نه موجود في جم يع المك نة؛ لحاط ته بالجميع .2هذا الرأي تعرّض إلى الن قد والرد عل يه
ن قول المعتزلة أنه تعالى في كل مكان بمعنى من قبل الشعرية والظاهري ،فالبغدادي الشعري يرى أ ّ
التدبير له والعلم بما فيه ،يلزمه على هذا القول أن يكون في المسجد والحمام وفي بطن المرأة؛ لنه عالِم
ن ال ل يقلّه مكان ،ول يجري عليه ،وهذا حأ ّ بما في هذه المكنة ،مدبّر لها ،وإذا بطلت هذه القوال ص ّ
فاسد ،فما يؤدي إليه مثله .3أمّا ابن حزم س ت 456هس س فيقوم نقده للمعتزلة على القول بضرورة حمل
اليات على ظاهرها دون تأويل ،ما لم يمنع من حملها على الظاهر دليل آخر من النص أو الجماع أو
ن ال في كل مكان ،بل في محاولة فَهم النص ضرورة عقل وحس ،والتنزيه الحقيقي يكمن ل في القول بأ ّ
بالنص نفسه. 4
عدَه
ن ابن أبي الحديد س في معرض إيضاحه كلم المام عليع :فل استعلؤه با َ بقي أن نشير إلى أ ّ
ن المقصود منه ليس علوّه ول قُربه ،كما نعقله عن العلو والقرب المكانيين ،بل هو عل ّو وقُربس يرى أ ّ
خارج عن ذلك ،فليس علوّه يقتضي بُعده بالمكان عن الجسام ،ول قُربه ومساواته إياها في الحاجة إلى
الجهة والمكان.5
ن المراد بالعل ّو العل ّو العقلي ل الحسي ،كعل ّو
وكان على ابن أبي الحديد س في هذا المقام س أن يبيّن أ ّ
السسماء بالنسسبة إلى الرض ،ول التخيّلي ،كمسا لل َملِك بالنسسبة إلى الرعيسة ،إذ الول مقصسور فسي
المحسسوسات والمتميزات ،والثانسي متغيسر بحسسب الشخاص والوقات ،وهسو سسبحانه منزّه عن الحسس
والمكان ،ومقدّس عن الكمال الخيالي القابل للزيادة والنقصان ،فله الفوقية المطلقة والعلو العقلي ،ولَمّا كان
ن علوّه
السبق في العلو العقلي مستلزما للبعد عن الغير ،ح سُن المقابلة بينه وبين القرب في الدنو ،وكما أ ّ
على خَلقه كان علوّا عقليا ،فكذلك قُربه إليه قرب عقلي ،وهو القرب بالعلم والحاطة ،التي أشار إليها ابن
أبي الحد يد في تفسير رأي أصحابه المعتزلة لمعنى كونه تعالى في كل مكان ،فهو الذي ل يعزب عن
عِلمه شيء.
وخل صة ال مر ،أنّس ال لَمّا كان قربسه إلى الشياء وإلى الخَلق بهذا المعنسى ،ل يكون له منافاة؛ لبُعده
عنهم اللزم من علوّه ،فهو في كمال علوّه عليهم وبُعده عنهم من حيث الذات والصفات منهم قريب ،وفي
ن النور كلما كان أشد وأقوى كان مع علوّه كماله منهم ودنوّه إليهم من حيث العلم والحاطة عنهم بعيد؛ ل ّ
وبُعده أقرب وأد نى ،ولمّا كان عل ّو ال لم ي كن علوّا ح سيا ،ول فوقي ته فوق ية مكان ية ،فل يكون ا ستعلؤه
باعَده عن ش يء من خَلقِه بُعدا مكانيا ،وإن كان بعيدا عن هم بمقت ضى علوّه العقلي ،ومتباعدا عن عقول هم
ن،م ،231 / 3وهذا ما أكده في موضع آخر .انظر شرح نهج البلغة .166 / 3 2
92
ن قربه من الخَلق لم يكن قربا حسيا ،ول دنوّه دنوا مكانيا ،فل يكون قربه
بسبب ارتفاعه الذاتي ،وحيث أ ّ
منهم ساواهم في المكان به ،كما يقول المام عليع .
المبحث الثاني :تنزيه ال عن الرؤية
م سألة رؤ ية ال يوم القيا مة ،واحدة من الم سائل ال تي اش تد الخلف حول ها ب ين مفكري الم سلمين،
ن رؤية ال تعالى مستحيلة في الدنيا والخرة ،وقلت الكرامية فالمعتزلة كما أفاد ابن أبي الحديد يعتقدون بأ ّ
والحنابلة والشعرية :تصح رؤيته ،ويُرى في الخرة ،ثم اختلفوا :فقالت الكرامية والحنابلة :يُرى في جهة
فوق ،أمّا الشعري وأصحابه فإنهم لم يقولوا كما قال هؤلء ،بل قالوا :يُرى ،وليس فوقا ول تحتا ول يمينا
ل ول أماما ول وراء ،ول يُرى كلّه ول بع ضه ،ول هو في مقابلة الرائي ،ول منحرفا ع نه ،ول ول شما ً
ت صح الشارة إل يه إذا رُئي ،و هو مع ذلك يُرى ويُب صَر ،وأجازوا أيضا عل يه أن ُت سمَع ذاتُه ،وأن تُشَم
وتُذاق وُتحَس ،ل على طريق التصال ،بل تتعلق الدراكات كلها بذاته تعلّقا عاريا عن التصال.1
و قد سلك ا بن أ بي الحد يد م سلك أ صحابه المعتزلة في هذه الم سألة من خلل الدلة ال تي أورد ها،
سواء العقل ية أم النقل ية ،أو من خلل رده على مخال في المعتزلة ،ف من الدلة العقل ية ال تي أورد ها :دليلَي
المقابلة والموانع.
الول :دليل المقابلة.
ن إب صار الشياء بانطباع أمثلت ها في
ومضمو نه ع ند ا بن أ بي الحد يد ،أ نه تعالى ل يُدر كه ب صر؛ ل ّ
ل لم ي كن
الرطو بة الجليد ية كانطباع أشباح المرئيات في المرآة ،والبارئ تعالى ل يتم ثل ول يتش بح ،وإ ّ
قيّوما. 2
ن إدرا كه بالب صار ي ستدعي المقابلة ،3ك ما نراه يش ير إلى هذا
وهكذا ينت هي ا بن أ بي الحد يد إلى أ ّ
الدل يل في مو ضع آ خر ،فيقول :إذا كان قديما لم ي كن ج سما ول عرَضا ،و ما ل يس بج سم ول عرَض،
تستحيل رؤيته ،فيستحيل أن يُخبَر عنه على سبيل المشاهدة.4
ن المقابلة
وما أفاده ابن أبي الحديد في هذا الدليل ،قد سبقه إليه القاضي عبد الجبار ،حين ذهب إلى أ ّ
ح على الجسسام والعراض ،وال تعالى ليسس بجسسم ول عرَض ،فل يجوز أن يكون والحلول إنمسا تصس ّ
ل في المقابل ول في حكم المقابل.5ل ول حا ّ مقاب ً
أنس المدرَك بالحاسسة محسسوس، أنس حاصسل كلم ابسن أبسي الحديسد ،هسو ّ
ويجسب أن نلحسظ هنسا ّ
والمحسوس مادي،وهو حادث ،فلو كان محسوسا كان ل شيء أد ّل على حدوثه من كونه محسوسا ،فعدم
ن القوة
محسوسيته يخرجه عن الحدوث ،وخروجه عن الحدوث يعني تميّزه مما عداه ،زيادة على ذلك فإ ّ
هو الشر يف المرت ضى :مجمو عة في فنون من علم الكلم ص ،83وتب عه تلميذه الش يخ الطو سي :القت صاد ص ،56
وابن المطهر الحلي :الرسالة السعدية ص .51
93
الباصرة التي في عيوننا قوة جسمانية ،وجودها وقوامها بالمادة الوضعية ،وكل ما وجوده وقوامه بشيء
ن الشيء إنما يوجد فقوام فعله وانفعاله بذلك الشيء ،إذ الفعل والنفعال بعد الوجود والقوام وفرعه ،ذلك أ ّ
ل لِماله
ن الب صر ل يُرى إ ّ
ل إمّا بذا ته أو بغيره ،ث ّم يؤثّر في ش يء أو يتأ ثر ع نه ،فلجل هذا نح كم بأ ّ
أو ً
نسبة وضعية إلى محل الباصرة.
الدليل الثاني :دليل الموانع.
ن العلم الحاصل من رؤية الشيء عيانا ،عِلم ل يمكن أن يتعلّق مثله ومضمونه عند ابن أبي الحديد أ ّ
ل ترى أنّا إذا
ن ذا ته تعالى ل يم كن أن تُعلَم من ح يث هي هي ،ك ما تُعلَم المح سوسات،أ َ بال سبحانه؛ ل ّ
علمنا أنه صانع العالم ،وأنه قادر عالِم حي سميع بصير مريد ،وأنه ليس بجسم ول جوهر ول عرَض،
ن ماه ية وعِلم نا جم يع المور ال سلبية واليجاب ية المتعل قة به ،فإن ما علِم نا سلوبا وإضافات ،ول شك أ ّ
الموصوف مغايرة لِماهية الصفات ،والذوات المحسوسة بخلف ذلك؛ لنّا إذا رأينا السواد ،فقد عَلمنا نفس
أنس العلم بوجوده وصسفاته السسلبية حقيقسة السسواد ،ل صسفة مسن صسفات السسواد ،وأيضا فإنّا لو قدّرنسا ّ
واليجابية ،يستلزم العلم بذاته ،من حيث هي هي ،لم يكن عالِما بذاته عِلما جزئيا؛ لنه يمكن أن يصدق
هذا العلم على كثيرين ،على سبيل البدل ،وإذا ثبت أنه يستحيل أن يصدق على كثيرين على سبيل البدل،
ثبت أنه يستحيل أن يصدق على كثيرين على سبيل الجمع ،والعلم بالمحسوس يستحيل أن يصدق على
كثيرين ،ل على سبيل الجمع ول على سبيل البدل ،فقد بان أنه يستحيل أن يُعلَم ال كما يُعلَم الشيء المرئي
عيانا. 1
ن الذي ذكره ابن أبي الحديد آنفا ،قد سبقه إلى ذكره القاضي عبد الجبار ،بأسلوب مختصر ، على أ ّ
ن ال حاصل على ما هو في ذاته ،فما المانع ن الشيء يُرى في حدوده المادية والذاتية ،مقابل أ ّفيقول :إ ّ
من أنه ل يُرى ،لو لم تكن استحالة ذلك نتيجة لِما هو عليه في ذاته ،فاستحالت رؤيته.2
ن وجود كل شيء ن ابن أبي الحديد أراد في الدليل السابق بيان حقيقة مؤداها :أ ّ
ولبد من القول أ ّ
نفس حقيقته ،فاستناد الرؤية في الجسام والعراض إلى الوجود ،وصيرورته علة ،ل يقتضي أن يكون
وجود ما لم ُي َر أيضا علة لرؤياه ،كالكيفيات النفسانية والطعوم ونحوها لمجرد كون الوجود علة في ذلك،
ن وجود الج سم غ ير وجود العرَض ،ووجود العرَض غ ير الكيف ية النف سانية ،ولو سلم اتحاده في مع أ ّ
ن
الممكنات ،ف هو في ال غ ير ذلك الوجود قطعا ،بل هو ن فس حقيق ته ،فقياس هذا على ذلك با طل؛ ل ّ
معلولية شيء لِماهية ل يقتضي بكون ما يخالف تلك الماهية علة له.
أمّا ما أورده ابن أبي الحديد على مخالفي المعتزلة ،وخصوصا الشعرية ،فيتمثل في ثلثة أمور:
ح أن
ن ال ذات موجودة ،و كل موجود ي ص ّأوّل ها :حين ما أب طل احتجاج هم بجواز الرؤ ية ،بقول هم :إ ّ
ن إحدى المقدمتين حق ،والخرى باطل ،فالتبس أمر النتيجة على كثير يُرى .هنا يرى ابن أبي الحديد أ ّ
الراوي :فلسفة العقل ص ،34وهذا الدليل تجده أيضا عند أبرز متكلمي المامية ،أمثال الشريف المرتضى :مجموعة 2
94
من الناس .1وهذا الدليل الذي ذكره ابن أبي الحديد عن الشعرية ،يسمى دليل الوجود ،وقد قال به أبو
الحسن الشعري.2
ن ابن رشد قد سبقه وإذا كان ابن أبي الحديد قد أبطل دليل الشعرية هذا س من دون إيضاح س فإ ّ
ن المرئي منه ما هو مرئي بذاته ،ومنه ما هو مرئي من قبل المرئي بذاته ،فاللون مرئي
إلى الرد عليهم بأ ّ
بذا ته ،والج سم مرئي من ق بل اللون ،و ما لم ي كن له لون لم يُب صَر ،ولو كان الوجود فح سب هو م حك
الرؤية لوجب أن تُبصَر الصوات وسائر المحسوسات الخمس ،وأن يكون البصر والسمع وسائر الحواس
حاسة واحدة ،وهذا خلف المعقول.3
ن ال لو كان مرئيا لرأيناه الن،
ثانيه ما :عند ما ر فض الرازي احتجاج المعتزلة ،الذي ي نص على أ ّ
بقوله :إنّا بّي نا أن ع ند حضور المرئي وح صول الشرائط ،ل ت جب الرؤ ية ،سلّمنا وجوب ها في المرئيات
ن رؤ يةت أن ها واج بة في رؤ ية ال صانع ،وأ ّ
ال تي في الشا هد؛ دفعا للتشنيعات ال تي يذكرون ها ،فلِم قل َ
المخلوقات مخالفة لرؤية ال تعالى ،ول يلزم من وجوب حصول رؤية المخلوقات عند حضور الشرائط
وجوب رؤية ال تعالى عند حضور الشرائط .4هنا ير ّد ابن أبي الحديد على رفض الرازي المتقدم بتعليق
ن الرؤ ية من ح يث هي رؤ ية ،ل يت صور فيهسا اختلف المرئيات؛ لن ها عبارة عن اكت ساب مفاده :أ ّ
مخصسوص زائد على العلم ،وهذا الكشسف مسن حيسث هسو هسو ل يتصسور اختلفسه؛ لنّا نعلم بالضرورة
تساوي مسميات الرؤية وتماثلها كما نعلم بالضرورة تساوي الجسام في الجسمية ،والموجودات عند من
أثبت ها صفات في م سمى الوجود ،ولو جاز ال شك في ت ساوي ال سواد في كو نه سوادا ،و في ذلك بطلن
الطريق إلى تماثل المتماثلت كلها. 5
ن ابن رشد ،وإن وافق المعتزلة في قولهم الذي ذكره ابن أبي الحديد ومن المناسب هنا الشارة إلى أ ّ
ن ابن رشد أخذ على المعتزلة تصريحهم بهذا المذهب لأ ّ
ن الرؤية الصحيحة هي زيادة العلم ،إ ّ آنفا من أ ّ
ل الجسام ،وأمّا ما وراء ذلك فهو عنده عدم ن الجمهور ل يتخيل إ ّ ل ذلك بأ ّللجمهور ،رغم أنه حق؛ معل ً
أو كالعدم ،والشارع العام بطبي عة عوام الناس قد قرب إلي هم ال مر بطر يق الت شبيه بأن قال تعالى :الّل ُه
ن ال سيُرى كما تُرى الشمس ،6وعند هذا ض النور ،35 :كما جاء في الحديث :إ ّ ت وَاْلَأ ْر ِ
سمَاوَا ِ
نُو ُر ال ّ
ن ال منزّه من كل المماثلت ،فإذن الرؤية عندهم ل يجد العامة شبهة في رؤية ال ،أمّا العلماء فيعلمون أ ّ
رؤية العلم والقلب ،ل رؤية البصر والعين. 7
ن النزاع ب ين المعتزلة والمام ية من ج هة ،وب ين المعتزلة والشعر ية من ج هة
ول بد من القول أ ّ
أخرى في ثبوت الرؤية وعدمها ،ل يقع في ثبوت رؤية الباصرة وعدم رؤيتها ،إذ يستحيل وقوع النزاع
ل من قال بالجسمية ،وكل الكلمل بعد إحراز وجود الباصرة وعدمها ،ولم يقل به إ ّ في رؤية الباصرة إ ّ
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة .241 / 3 1
نص الحديث :سترون ربكم كما ترون هذا القمر ،ل تُضامون في رؤيته .انظر البخاري ،محمد بن إسماعيل :صحيح 6
95
في الرؤ ية ،الذي معناه النكشاف الخاص الذي ح صل للن سان بوا سطة نظره ،والدلة ال تي عنده ،و هل
يجوز حصوله بدونها أم لبد منها في حصوله ،وهذا ما أشار إليه اليجي في المواقف ،والمحقق الطوسي
في تجر يد العقايد ،1وعلى هذا الن حو يُف هم ظا هر كلم الرازي وأ صحابه أن هم خلطوا ب ين إدراك الع قل
وإدراك البصر ،فمن خصائص العقل إدراك ما ليس في جهة ،أي في مكان ،أمّا إدراك البصر فشرطُه
ي وضع اتفق أن يكون البصر من أن يكون المرئي منه في جهة مّا مخصوصة ،ولذلك ل تتأتى الرؤية بأ ّ
المرئي ،بل وبأوضاع مختلفة وشروط محدودة أيضا.2
ثالثها :ما صرح به ابن أبي الحديد في شرح نهج البلغة ،وأحال هناك إلى كتابه المفقود زيادات
ن الرؤ ية
تأ ّالنقض ين ،بقوله :وقد شر حت هذا المو ضع في كتا بي المعروف ب سزيادات النقضين ،وبيّن ُ
ن
المنزهة عن الكيفية التي يزعمها الشعري ،لبد فيها من إثبات الجهة ،وأنها ل تجري مجرى العلم؛ ل ّ
ل مع كون المتشخص ذا جهة،3 العلم ل يشخّص المعلوم ،والرؤية تشخص المرئي ،والتشخيص ل يمكن إ ّ
و هو س ا بن أ بي الحد يد س من ق بل علّل نف يه الرؤ ية ،بقوله :أن نا لو رأيناه في الخرة ،وعرف نا كن هه،
ل ما يشار إلى لتشخّص تشخّصا يمنع من حمله على كثيرين ،ول يتصور أن يتشخص هذا التشخص إ ّ
جه ته ،ول ج هة له سبحانه .4وكأ نه س في كل مه الخ ير هذا س يش ير إلى رف ضه ِل ما عل يه الكرام ية
ن ال يُرى في جهة فوق.والحنابلة القائلين بأ ّ
ض َرٌة
ُوجُوٌه َي ْو َمِئ ٍذ نَا ِ أماّ استدلله على نفي الرؤية بالدلة النقلية ،فقد انحصر في قوله تعالى:
ل إيّا ها بأ نه إلى ج نة ربها ،5و هو قر يب م ما يراه أ صحابه ظ َرٌة القيا مة ،23-22 :مؤ ّو ً
ِ .إلَى َربّهَا نَا ِ
ن من أوائل القائلين به من المعتزلة س المعتزلة الذين قالوا :معناه النتظار للنعم ،وهو التأويل الذي يُعتقَد أ ّ
على ما يراه ابن حزم س هو أبو علي الجبائي ،6ثم تبعه الخرون كالقاضي عبد الجبار وغيره ،7وهو ما
تجده عند متكلمي المامية كالشريف المرتضى والشيخ الطوسي والعلّمة الحلّي. 8
ن ابن أبي الحديد شأنه في مسألة الرؤية ،شأن بقية المعتزلة الذين دأبوا على تأويل
وهكذا يتبين لنا أ ّ
ن
اليات التي يفيد ظاهرها الرؤية ،بما يوافق منهجهم في التوحيد ونفي الصفات ،من هنا أكّدوا على أ ّ
القول بها يؤدي إلى التشبيه ،وهذا ما حدا بهم إلى نفيها نفي استحالة ،على حد تعبير الشهرستاني.9
المبحث الثالث :تنزيه ال عن الجسمية
تعد هذه المسألة من العقد والهم في المسائل التي واجهت الفكر السلمي ،الذي انقسم بشأنها إلى
فريقين:
اليجي :المواقف ،39 / 8نصير الدين الطوسي :تجريد العقائد ص 322س .323 1
انظر :عاطف العراقي :النزعة العقلية ص ،262وقارن ابن رشد :مناهج الدلة ص 186س .187 2
القاضي عبد الجبار :شرح الصول الخمسة ص 245س ، 246القاسم الرسي :كتاب العدل والتوحيد ص .105 7
كتبهم على التوالي :المالي ،37 / 1القتصاد ص ،77كشف المراد ص 322س .323 8
96
فريق نزّه ال تعالى ،والخر قال بالجسمية ،وهذا ما يطلعنا عليه ابن أبي الحديد. 1
الفر يق الول :يمثّله المعتزلة ،وأك ثر محق قي المتكلم ين من سائر الفرق .إذ ن فى كونه تعالى ج سما
مركّبا ،2أو جوهرا فردا غير مركّب ،وإلى هذا الرأي ذهب الفلسفة أيضا.3
الفر يق الثا ني :القائل بالتج سيم ،وهؤلء س ك ما صرّح ا بن أ بي الحد يد س قالوا :ال تعالى ج سم
ن من هم هشام بن الحكم 4س ت 179ه س س ومقا تل بن سليمان وداود مركّب كهذه الج سام ،زاعما أ ّ
ن محمد بن النعمان الحول ،وهشام بن الجواليقي 6قال :أنه على صورة الجواربي ،5في حين أشار إلى أ ّ
النسان.
أمّا القسم الخر س استنادا إلى ما صرّح به ابن أبي الحديد س فإنهم قالوا إنه جسم ل كالجسام ،على
معنى أنه بخلف العرض الذي يستحيل أن يتوهم منه الفعل ،ونفوا عنه معنى الجسمية ،وإنما أطلقوا هذه
اللفظة لمعنى أنه شيء ل كالشياء ،وذات ل كالذوات ،وهم علي بن منصور والسكاك ويونس بن عبد
الرحمن والفضل بن شاذان ،وقد قال بهذا القول بن كرّام وأصحابه.
ن المعتزلة س ومن هم ا بن أ بي الحد يد س
وإذا كان الت شبيه أ ساسه المماثلة ب ين الخالق والمخلوق ،فإ ّ
ذهبوا إلى نفي أدنى مماثلة بين ال والمخلوقات ،واتفقوا على نفي التشبيه عنه تعالى من كل وجه ،جهة
ل وتغيّرا وتأثّرا ،وأوجبوا تأويسل اليات المتشابهسة فيهسا،
ل وزوا ً
ومكانا وصسورة وجسسما وتحيزا وانتقا ً
وسمّوا هذا النمط توحيدا.7
ل س في شرح نهج البلغة 223 / 3س .228 انظر الراء س تفصي ً 1
ابسن المطهسر الحلي :الرسسالة السسعدية ص ،46القاضسي عبسد الجبار :شرح ال صول الخمسسة ص 216ومسا بعدهسا، 2
الخياط :النتصار ص ،106 ،15البغدادي :أصول الدين :ص ،111السفرائيني :التبصير ص .141
الكندي :رسائل ،161 - 160 ،153 / 1الرازي :المباحث المشرقية ،مكتبة السدي ،طهران459 - 458 / 2 ،1966 ، 3
،مسكويه ،أبو علي :الفوز الصغر ،بيروت ،دار مكتبة الحياة ،بدون تاريخ ،ص .27
ن أصحاب هشام يدفعون اليوم هذه الحكاية عنه ،ويزعمون أنه لم يزد على قوله :أنه جسم ل يقول ابن أبي الحديد :إ ّ 4
كالجسنام ،وأنسه إنمسا أراد بإطلق هذا اللفسظ عليسه إثباتسه شرح نهسج البلغسة .223 / 3وفسي موضسع آخسر قال:
والمتعصبون لهشام بن الحكم في وقتنا هذا يزعمون أنه لم يقل بالتجسيم المعنوي ،وإنما قال :إنه جسم ل كالجسام ن
ن ما يراه ابن أبي
أي أنه بخلف العرَض الذي يستحيل أن يتوهم منه فِعل ن شرح نهج البلغة 228 / 3ول يفوتنا أ ّ
الحديد بخصوص هشام بن الحكم إنما هو ترديد لِما ذكره كبير شيوخه س أبو علي الجبائي س في هذا الصدد .انظر
ن هشاما كانن ابن أبي الحديد وأمثاله يعلمون أ ّ
القاضي عبد الجبار :المغني ج 20ق 1ص 38والغريب في المر أ ّ
ل عن العقائدية بذكر العديد من مناظراته مع الملحدة من أصحاب المام الصادقع ،الذي حفلت المصادر التاريخية فض ً
والمجسمة ،فلو كان رأيه كما يزعم ابن أبي الحديد وأمثاله فكيف يقول له المام الصدقع :ل تزال يا هشام مؤيّدا بروح
القدس ما نصرتنا بلسانك ،وأنه ع كان يرشد إليه في باب النظر والحجاج ،ويحث الناس على لقائه ومناظرته .انظر
الشريف المرتضى :الشافي ص .12إذن :كيف يمتدحه المام وهو يقول بالتجسيم.؟
الحميري ،أ بو سعيد نشوان بن سعيد :الحور الع ين ،ط ،1م صر1367 ،ه س ،ص ،149الي جي :الموا قف ،25 / 8 5
الشهر ستاني :الملل ،55 / 1الخياط :النت صار ص ،105 ،15 ،13القا ضي ع بد الجبار :شرح الصول الخم سة ص 7
162س ،165المغني ،ج ،4تحقيق :محمد مصطفى حلمي ،مطبعة مخيمر 341 / 4 ،وما بعدها.
97
ن الول غيرن أدلة الفلسفة على نفي الجسمية تختلف عن أدلة المتكلمين ،فالفلسفة قالوا :إ ّويبدو أ ّ
ل،1
منقسم في جوهره ل من حيث الكمية ،ول كانقسام المركّب إلى المادة والصورة ،ول يكون جسما أص ً
ن المتكلمين قالوا :إنه تعالى لو كان جسما ،لكان قادرا بقدرة ،والقادر بالقدرة ل يصح منه فعل
في حين أ ّ
الجسم.2
وهذا الدليل الخير هو الذي استدل به ابن أبي الحديد ،مما يعني أنه أخذ بأدلة المتكلمين بشكل عام،
ل عن أدلة أخرى ،منها:فض ً
الدلينل الول :وهسو نفسس دليسل المتكلميسن المتقدم ،الذي قال عنسه بأنسه الدليسل الذي يعوّل عليسه
المتكلمون ،3وهذا الدليسل ذكره فسي معرض رده على المشبهسة والمجسسمة ،مسن حيسث لن يألفوا أن يكون
ل
ل ج سما ،وجعلوك مركّبا ومتجزئا ،كما تتجزأ الج سام .4وفي مكان آخر ذ كر دلي ً القادر الفا عل العالِم إ ّ
ن الجسم ل يصح منه أن يفعل الجسام. 5 آخر مفاده أ ّ
ن ما عداه إمّا ج سم أو عرَض أو مجرد ،فلو أش به ن ال ل يش به الشياء ألب ته؛ ل ّالدل يل الثا ني :أ ّ
الج سم أو العرَض لكان إمّا ج سما أو عرَضا ،ضرورة ت ساوي المتشاب َه ين المتماثَل ين في حقائقه ما ،ولو
ب الوجود بممكن .6وقد
ن كل مجرد غير ممكن ،لكان ممكنا ،وليس واج َ شابه غيره من المجردات ،مع أ ّ
ن أبي الحديد إلى الستدلل بهذا الدليل.7
سبق الرازي اب َ
الدليل الثالث :وهذا الدليل استد ّل به بعض المتكلمين على نفي كون ال جسما ،وهو ما يراه ابن أبي
الحديد أيضا ،يقول :لو جاز أن يكون البارىء جسما ،لجاز أن يكون القمر هو إله للعالم ،لكن ل يجوز أن
يكون القمسر إله العالم ،فل يجوز أن يكون البارئ جسسما .بيان الملزمسة ،أنسه لو جاز أن يكون البارئ
سبحانه ج سما ،لَمَا كان ب ين الله ية و ب ين الج سمية منافاة عقل ية ،وإذا لم ي كن بينه ما منافاة عقل ية أم كن
ل
اجتماعهما ،وإذا أمكن اجتماعهما جاز أن يكون القمر هو إله العالم؛ لنه ل مانع من كونه إله العالم إ ّ
كو نه ج سما ،يجوز عل يه الحر كة والفول ،ونق صان ضوئه تارة وامتلؤه تارة أخرى ،فإذا لم ي كن ذلك
منافاة لللهية جاز أن يكون القمر إله العالم ،وبيان الثاني إجماع المسلمين على كفر مَن أجاز كون القمر
إله العالم ،وإذا ثبتت الملزمة وثبتت المقدمة الثانية فقد تمت الدللة.8
ن أدلة ن في المكان عن ال ،ت صلح س بطر يق الدل يل الرا بع :منطلق هذا الدل يل من فكرة مؤدا ها أ ّ
أَولى س للستدلل ب ها على ن في الج سمية ،لذلك ي صرح ا بن أ بي الحد يد بأ نه م ستحيل أن يكون الش يء
ن الجسم الواحد ل يكون فيالواحد في المكانَين مقيما وسائرا ،وإنما تصح هذه القضية في الجسام؛ ل ّ
الفارابي :المدينة الفاضلة ص ،31ابن سينا :الرسالة العرشية ص ، 6الشارات .61 / 3 1
القاضسي عبسد الجبار :شرح الصسول الخمسسة ص 221سس ،223الشريسف المرتضسى :جمسل العلم ص ،31الشيسخ 2
98
ن
جهتين في وقت واحد ،فأمّا ما ليس بجسم ،وهو البارىء سبحانه ،فإنه في كل مكان ،ل على معنى أ ّ
ذاته ليست مكانية ،وإنما المراد عِلمه وإحاطته ونفوذ حكمه وقضائه وقدره.1
الدليل الخامس :وهو دليل ذو مصطلحات فلسفية ،يشير باختصار إلى دليل الفلسفة المتقدم ،الذي
قال به كل من الفارا بي وا بن سينا والغزالي ،إذ قال ف يه ا بن أ بي الحد يد :الج سم مركّب ،و كل مركّب
ممكن ،وواجب الوجود ليس بممكن. 2
ن الجسام متماثلة في ويبدو من مجمل الدلة التي استدل بها ابن أبي الحديد ،أنه أراد الشارة إلى أ ّ
ح على كل منها ن نوع الجسمية واحد ،أي ل يخالف جس ٌم جسما بذاته ،وإذا كانت متماثلة ص ّ الجسمية ،وأ ّ
ح على الخر ،فلو كان ل شبي ٌه منها س أي لو كان جسما مثلها س لوجب أن يكون محدَثا كمثلها ،أو ما ص ّ
تكون س الجسام س قديمة مثله ،وكل المرين محال.
ن هناك ن صا مهما ،يذكره ا بن أ بي الحد يد ،في معرض شر حه كلم المام عل يع :الح مد ل على أ ّ
ي الب صار عن أن تناله أو تدر كه ،يقول ف يه :تقديره الرادع أنا سي الب صار أن تنال .....الرادع أنا س ّ
ل قول بالتج سيم؟ ت أتثبتون له تعالى أنوارا يم كن أن تدرك ها الب صار ،و هل هذا إ ّ أنوار جلل ته ،فإن قل َ
ن له عرشا وكرسيا وليس بجسم ،فكذلك أنوار عظيمة فوق العرش، ل ل تجسيم في ذلك ،فكما أ ّ قل تُ :ك ّ
ت
ش َرَق ِ
وليس بجسم ،فكيف تنكر النوار وقد نطق الكتاب العزيز بها في غير موضع ،كقوله تعالىَ :وَأ ْ
ح النور. 335 : صبَا ٌ
شكَا ٍة فِيهَا ِم ْ
ض ِبنُو ِر َرّبهَا الزمر ،69 :وكقوله تعالىَ :مَث ُل نُو ِرِه َك ِم ْ
اْلَأ ْر ُ
وعندما يتعرّض ابن أبي الحديد لشرح كلم المام عليع :بعيدا منها س الشياء س غير مبايِن ،يذهب
ن ال ل يس بج سم ،فل يطلَق عل يه البينو نة ،وبُعده من ها هو عبارة عن انتفاء اجتما عه مع ها،
إلى القول بأ ّ
وذلك كما يصدق على البعيد بالوضع ،يصدق أفضل الصدق على البعيد بالذات ،الذي ل يصح الوضع
ل عليه.4 والين أص ً
ن ابن أبي الحديد قد ن فى س فيما تقدم س الجسمية بشكل عام ،كما نفى س تبعا لها س الجوارح إّ
والعضاء عن ال ،بقوله:فالذي يذهب إليه المعتزلة وسائر المحققين من المتكلمين نفي ذلك عنه ....في
ح ين أطلقَت الكرام ية عل يه سبحانه ل فظ اليد ين والو جه ،وقالوا :ل نتجاوز الطلق ،ول نف سّر ذلك ،ول
نتأوله ،وإنما نقتصر على إطلق ما ورد به النص .وأثبت الشعري 5اليدين صف ًة قائمة بالبارئ سبحانه،
إنس ل تعالى يدَيسن ،همسا عضوان له ،وكذلك الوجسه
وكذلك الوجسه مسن غيسر تجسسيم ،وقالت المجسسمةّ :
والعين ،وأثبتوا له رِجلين قد فضلتا عن عرشه ،وساقَين يكشف عنهما يوم القيامة ،وَقدَما يضعها في جهنم
ما ذكره ابن أبي الحديد عن الشعري موجود في كتاب الخير البانة ص 4وما بعدها ،وهو ل يمثل الرأي الحقيقي 5
ن اليدين صفتان لللشعري والشعرية من أتباعه ،وهذا ما يمكن أن نستخلصه من قول البغدادي :وزعم أصحابنا أ ّ
سبحانه وتعالى ......و قد تأوّله ما ب عض أ صحابنا على مع نى القدرة .ان ظر :البغدادي :أ صول الد ين ص ،111وكذلك
ن قول الشعري س بعد البانة س وكثير من الشعرية هو القول بيدين ليستا كاليدي، الجويني :الرشاد ص ،155وأ ّ
أي بل كيف .انظر الباقلني :النصاف ص 41س ، 42وقارن صبحي :في علم الكلم س الشعرية س ص .225
99
ى ل لفظا ،وحقيقة ل مجازا ،فأمّا أحمد بن حنبل س ت 241هس س فلم يثبت فتمتلئ ،وأثبتوا له ذلك معن ً
ل س على حد ت عبير ا بن أ بي الحد يد س وإن ما كان يقول بترك التأو يل ف قط، ع نه ت شبيه ول تج سيم أ ص ً
ا ستنادا لقوله تعالى :وَمَا َي ْعَل ُم َتْأوِيَل ُه ِإلّا الّل ُه آل عمران ،7 :وأك ثر المحقق ين من أ صحابه على هذا
القول.1
ن الذين نفوا العضاء والجوارح عن ال تعالى ،إنما كانوا يؤولون ما وواقع الحال في هذه المسألة ،أ ّ
ت
ط ُعلَى مَا َف ّر ْ
ي صّ ،75 :وقوله سبحانهَ : ت ِبَي َد ّ
خَلْق ُ
ورد في القرآن الكريم ،نحو قوله تعالىِ :لمَا َ
ب الّل ِه الزمر ،56 :وبنا ًء على هذا التفسير يمكن أن نتبين موقف ابن أبي الحديد ومنهجه في جْن ِ
فِي َ
التأو يل ،من خلل رف ضه ما عل يه الحشو ية المانعون من تأو يل اليات الواردة في ال صفات ،القائل ين
بالجمود على الظواهر ،وما عليه النافون للنظر والمحرّمون له أصلً ،كما يمكن أن نتبين موقفه من ذلك
ن فِي اْل ِعْل ِم آل عمران ،7 :فهو يقول:
سخُو َ
من خلل تفسيره قوله تعالىَ :ومَا َي ْعَل ُم َتْأوِيَل ُه ِإلّا الّل ُه وَالرّا ِ
ل ال ،ومنهم مَن لم يقف على ذلك ،وهذا القول أقوى من الول؛لنه إذا ن من الناس مَن وقف على قولهإ ّ إّ
ل ال ،لم يكن في إنزاله ومخاطبة المكلفين به فائدة ،بل يكون كخطاب العربي كان ل يَعلَم تأويل المتشابه إ ّ
ن ذلك عيب قبيح.2 بالزنجية ،ومعلوم أ ّ
ولكي يؤكد ضروة الخذ بمنهج التأويل ،يستدل ابن أبي الحديد بما روي عن ابن عباس س ت 69
ل ال ،فقال ابسن
هسس سس أنسه تأوّل آيسة مسن الكتاب الكريسم ،فقال قائل مسن الصسحابة ومسا يعلم تأويله إ ّ
عباسوالراسخون في العِلم ،وأنا من جملة الراسخين.
وهكذا ينتهي ابن أبي الحديد إلى نتيجة مفادها ،أنه ل إنكار على مَن طلَب في مدارك العقول وجوها
تعضّد ما جاء به القرآن والسنة ،وتوفق س الوجوه س بين بعض اليات وبعض ،وتحمل أحد اللفظين
على الخر إذا تناقضا في الظاهر؛ صيانة لكلم الحكيم سبحانه عن التهافت والتعارض. 3
ومنهج التأويل هذا عند صاحبنا ،نرى له مصاديقا في ثنايا كلمه عن نفي الجوارح والعضاء عن
البارئ سبحانه ،فيقول :لو كان كذلك لكان ج سما ،و كل ج سم مم كن ،ووا جب الوجود ل يس بممكن .4من
هنا يأتي نفي ابن أبي الحديد الجسمية عن ال بشكل عام ،والجوارح والعضاء بشكل خاص ،لينتهي فيما
ل علىن جللته وعظمته وصفة كماله ل تقف عند غاية ،5مستد ًبعد إلى أنه سبحانه غير متناه بالذات ،وأ ّ
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة 228 / 3س .229وبالرغم مما عُرف عن المام أحمد بن حنبل من أنه ل مكان 1
100
ن البارئ لَمّا كان ليس بجسم ول جسماني ،وكانت النهاية من ذلك بما استدل به أصحابه المعتزلة من أ ّ
لواحسق الشياء ذوات المقاديسر ،يقال :هذا الجسسم متناه ،أي ذو طرف ،قلنسا :أنّس ذات البارئ تعالى غيسر
ن الموضوع ن امتداد ذاته غير متناه ،فإنه سبحانه ليس بذي امتداد ،بل بمعنى أ ّمتناهية ،ل على معنى أ ّ
ن ذاته غير متناهية ،كما يقول المهندس:الذي يصدق عليه النهاية ليس بمتحقق في حقه سبحانه ،فقلنا :إ ّ
ن لها امتداد غير متناه ،فإنها ليست بممتدة أصلً ،بل على معنى ن النقطة غير متناهية ،ل على معنى أ ّ
إّ
ن ال مر الذي ت صدق عل يه النها ية س و هو المتداد س ل ي صدق علي ها ،فإذن صدق علي ها أن ها غ ير أ ّ
متناهية ،وهذا قول الفلسفة وأكثر المحققين.1
ن حقيقة ذات ال حقيقة الوجود الصرف ،الذي شدة قوته ن ابن أبي الحديد أراد الشارة إلى أ ّ
ويبدو أ ّ
ت من عدم تناهين عدم تناهيه متأ ٍ
ل تنتهي إلى حد ونهاية ،بل هو فوق ما ل يتناهى بما ل يتناهى ،إذ أ ّ
مقدوراته.
ن البارئ تعالى ذات ن ابن أبي الحديد ذكر رأي الكرامية الذين ذهبوا إلى أ ّ ول يفوتنا التنويه إلى أ ّ
ل أنه لم يرد عليهم استناداواحدة منفردة من العالم ،قائمة بنفسها ،مباينة للموجودات ،متناهية في ذاتها ،2إ ّ
إلى ماتبناه في الستدلل على هذه المسألة وتوضيحها المتقدم ،أمّا نفيه للعراض الجسمانية س كالشهوة
والنفرة سس فقسد سسلك فيسه مسسلك أصسحابه المعتزلة وغيرهسم مسن الموحدين ،3إذ قال :وذهسب شيوخنسا
المتكلمون إلى أنه سبحانه ل يصح عليه الشهوة والنفرة؛ لنهما يصحاّن على ما يقبل الزيادة والنقصان
ت لحد من الناس خلفا في ذلك،4 بطريق الغتذاء والنمو ،والبارئ سبحانه يتعالى عن ذلك ،وما عرف ُ
على حد تعبيره ،ومن جهة أخرى نراه ينفي عن ال سبحانه التعب؛ لنه تعالى قادر لذاته ،والقادر لذاته
ل يتعب ول يعجز؛ لنه ليس بجسم ،ول قادر بقدرة يقف مقدورها عند حد ونهاية ،بل إنما يقدر على
ل ت حت هذه ش يء؛ لنه تعالى ذات مخ صوصة ي جب ل ها أن تقدر على الممكنات ،فيكون كل مم كن داخ ً
القضية الكلية ،والذات التي تكون هكذا ل تعجز ول تقف مقدوراتها عند حد وغاية أصلً ،ويستحيل عليها
التعب؛ لنها ليست ذات أعضاء أو أجزاء. 5
المبحث الرابع :تنزيه ال عن الحلول والتحاد
الحلول صورة من صور التحاد ،وإن كان التحاد يعني اندماج الطبيعة النسانية في الطبيعة اللهية
حتى تصير حقيقة واحدة .وإذا كانت الذات النسانية هي التي تصعد إلى الذات اللهية وتندمج فيها ،ففي
حالة الحلول يحدث العكس ،تنزل الذات اللهية لتح ّل في المخلوق ،ويصبحا حقيقة واحدة.6
وقد ظهرت هذه المسألة في بدايتها عند الرواقيين ،7كما ظهرت عند النصارى ،الذين يشير ابن أبي
الحديد إلى آراء بعض ِفرَقهم في هذه المسألة ،فيقول :وذهبت النسطورية من النصارى إلى حلول الكلمة
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة 235 / 3س ،236وانظر القاضي عبد الجبار :فضل العتزال ص .347 1
الطويل ،توفيق :في تراثنا السلمي ،سلسلة عالم المعرفة ،الكويت ،1985 ،العدد ،78ص .86 6
عثمان أمين :الفلسفة الرواقية ،ط ،2مكتبة النهضة المصرية ،1959 ،ص .153 7
101
في بدن عي سىع كحلول ال سواد في الج سم ،أمّا اليعقوب ية من الن صارى فل تث بت الحلول ،وإن ما تث بت
التحاد بين الجوهر اللهي والجوهر الجسماني ،وهو أشد بُعدا من الحلول.1
ن هذه الم سألة ظهرت على يد الغلة 2في أم ير أمّا في الف كر ال سلمي فيرى ا بن أ بي الحد يد أ ّ
المؤمن ين عل يع عند ما قالوا :أ نه تعالى قد ح ّل في بدن أم ير المؤمني نع ،واتّبع هم على هذه المقالة قوم من
الصوفية كالحلّجية 3والبسطامية.4
ن أكثرهم مع جمهور المسلمين تجدر الشارة هنا إلى أنه لم يكن كل الصوفية حلولية واتحادية ،بل أ ّ
ت ِفرَق ،كانت الخامسة منها
ن ال منزّه من هذين النقصين ،وقد ق سّم الفخر الرازي الصوفي َة إلى س ّ
في أ ّ
فقط هي التي تقول بالحلول والتحاد ،5على حد تعبيره.
مسن جهسة أخرى يؤكسد ابسن أبسي الحديسد أنّس الذي يذهسب إليسه أصسحابه المعتزلة وأكثسر المسسلمين
والفلسفة ،نفي ذلك القول باستحالته عليه سبحانه.6
وإذا كان مع نى الحلول ع ند ا بن أ بي الحد يد هو ح صول العرَض في حيّز الم حل ،تبعا لح صول
ل،7
ل أَولى من أن يُجع َل حا ً
المحل فيه ،فما ليس بمتحيز ل يتحقق فيه معنى الحلول ،وليس بأن يُجع َل مح ً
فإنه يستدل على نفي حلوله سبحانه في جسد النسان ،بوجوب وجوده تعالى ،وكون كل حال في الجسام
ممكنا ،بل حادثا.8
ح أنل آخر على استحالة حلوله سبحانه في الجسام ،مفاده أنّه لو ص ّ وفي موضع آخر يقدّم لنا دلي ً
ن السواد كونه غير حال في الجسم؛ لنه لو يُعقَل غير حال في يحل فيها لم يُعقَل منفردا بنفسه أبدا ،كما أ ّ
ل أبدا ،ول أن يل قي الجسسم ،إذ ذلك ي ستلزم قِدم
الجسسم لم ي كن سوادا ،ول يجوز أن يكون ال تعالى حا ً
الج سام ،و قد ث بت أن ها حادثة .9وهذا الدل يل أشار إل يه جملة من متكل مي السلم كالقا ضي ع بد الجبار،
والشريف المرتضى ،والشيخ الطوسي ،والفخر الرازي ،وابن المطهر الحِلي.10
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة ،232 / 3وانظر القاضي عبد الجبار :شرح الصول الخمسة ص .292 1
منهم النصيرية والسحاقية .انظر الرازي :اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ،تحقيق :علي سامي النشار ،القاهرة، 2
،1938ص .73
ن سبة إلى الح سين بن من صور الحلج ،الذي قال :أ نا ال حق .ان ظر تف صيلت الموضوع ع ند :نيكل سون ،رينولد :في 3
التصوف السلمي وتاريخه ،ترجمة أبو العل عفيفي ،لجنة التأليف والترجمة والنشر ،1946 ،ص .131
نسبة إلى أبي يزيد البسطامي ،الذي قال :سبحاني ما أعظم شأني ،انظر نيكلسون :في التصوف السلمي ص ،75 4
وكذلك العرو سي ،م صطفى :نتائج الفكار القد سية في بيان معا ني شرح الر سالة القشير ية ،مطبوع ض من الر سالة
القشيرية مع شرحها لزكريا النصاري ،جامع الدرويشة ، 109 / 1 ،وانظر أيضا :ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة
.232 / 3
الزركان :فخر الدين الرازي ص .276 5
ا بن أ بي الحد يد :شرح ن هج البل غة ،164 / 5 ،231 / 3وان ظر رأي المعتزلة وبق ية متكل مي ال سلم على التوالي: 6
القاضي عبد الجبار :شرح الصول الخمسة ص 291س ،298الشيخ الطوسي :القتصاد ص ،73الرازي :الخمسين
،358ابن المطهر الحلي :الرسالة السعدية ص .48
ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة 82 / 13س ،83التعليقات ورقة 391أ. 7
102
ل شخصيا لِما ذهب إليه الغلة من ن ابن أبي الحديد يقدّم تعلي ًومن المهم جدا س هنا س الشارة إلى أ ّ
القول بحلول جزء إل هي في بدن المام عل يع ،مؤدّاه :أ نه نتي جة ما يشا هد الناس من معجزاته 1وأحواله
ل بعد حال،المنافية لقِوى البشر من جهة ،2وما اعتقده هؤلء من أنه عليه السلم كان يُخبر بالمغيبات حا ً
ن ابن أبي
لأ ّل من ال أو ممن حلّت ذات الله في جسده 3من جهة أخرى .إ ّ ن ذلك ل يمكن أن يكون إ ّ وأ ّ
ل بإقدار ال تعالى إياّه عليسه ،ولكسن ل يلزم مسن بأنس المامسع ل يقدر على ذلك إ ّ
الحديسد ير ّد على هؤلء ّ
إقداره إياّه عليه أن يكون هو الله ،أو تكون ذات الله حالّة فيه. 4
وكان على ابن أبن أبي الحديد أن يستشهد بكلم المامع نفسه ،الوارد في نهج البلغة ،الذي شرَحه
ت يا أمير المؤمنين عِل َم الغَيب، ابن أبي الحديد ،إذ قال في جوابه لحد أصحابه حين قال له :لقد أُعطِي َ
فضحك عليه السلم ،وقال للرجل ،وكان كلبيا ،ليس هو بعِلم غيب ،وإنما هو تعّل ٌم من ذي عِلم ،وإنما علم
ث َوَي ْعَل ُم مَا فِي
ع ِة َوُيَن ّز ُل اْل َغْي َ
عْل ُم ال سّا َ
عْن َد ُه ِ
الغ يب عِلم ال ساعة ،و ما عدّده ال سبحانه بقوله :إِنّ الّل َه ِ
ت لقمان :من الية ... 34فهذا ض َتمُو ُ س ِبَأيّ َأ ْر ٍ ب غَدا َومَا َت ْدرِي َن ْف ٌ
س ُ
س مَاذَا َت ْك ِ
اْلَأ ْرحَا ِم َومَا َت ْدرِي َن ْف ٌ
عّلمَه ال نبيّه صلى ال عليه وآله وسلّم فعلمنيه، ل ال ،وما سوى ذلك فعِل ٌم َ عِلم الغيب الذي ل يعلمه أحد إ ّ
ودعا لي بأن َي ِعًي ُه صدري وتضطم عليه جوانحي. 5
ك
ن الشيعة المامية والزيدية ينكرون الحلول؛ لِقول المام عليع نفسه :هّل َ وبالضافة إلى ما تقدّم فإ ّ
ض قا ٍل. 6
ب غالٍ ،ومُب ِغ ٌ
ح ّي رجلنُ :م ِ
ِف ّ
ب العارف عند الصوفية ،بعد أن يُعرض عن مل ّذ الدنيا
أمّا التحاد عند ابن أبي الحديد ،فهو أن يُسَل َ
وطيبات ها ،فل يكون له شعور ب ها أ صلً ،وإن ما يكون شاعرا بالقيوم الول سبحانه ل غ ير ،وهذه در جة
التحاد ،بأن تصير الذاتان -اللهية والنسانية -واحدة .....وهو مقام صعب ل تثبت العقول لِتص ّورِه
واكتناهه.
ن ما أشار إليه ابن أبي الحديد سابقا من انفراد اليعقوبية من النصارى بالقول بالتحاد ،يُفصّله
على أ ّ
ن الكلمة اتحدت بعيسىع فصارت جوهرا من جوهرَين ،أحدهما إلهي في مكان آخر بقوله:إنهم يرون أ ّ
ن قوما من قدماء الفلسفة ومنهم فرفريوس قد والخر جسماني ،كما أنه أشار في ن فس الموضع إلى أ ّ
أجازوا التحاد في نفس المر ل في ذات البارئ س دون أن يفصّل في ذلك س وأجازه أيضا منهم مضن
10انظر القاضي عبد الجبار :شرح الصول الخمسة ص ،297الشريف المرتضى :الصول العتيادية ص ،80الشيخ
الطوسي :القتصاد ص ،73الرازي :الخمسين ص 256س ،25ابن المطهر الحلي :كشف المراد ص .318
1من الغريب أن يقول متكلم معتزلي س كابن أبي الحديد س بجواز ظهور المعاجز على يد غير النبياءع ،ذلك أنهم
يجعلونها للنبياءع فقط .انظر القاضي عبد الجبار :المغني ج 20ق 1ص ،73الجويني :الرشادص .316
2ابن أبي الحديد :شرح نهج البلغة . 4 / 5
3ن،م .7 / 5
4ن،م .7 / 5
ن،م . 215 /8 5
103
ن النفس إنما تعقل المعقولت لتحادها بالجوهر المفارق المفيض للنفوس على البدان ،وهو ذهب إلى أ ّ
المسمى بالعقل الفعاّل.1
ن التحاد هو أن تُمحى من النسان كل صفة من صفات الجسم ،ويزول عنه كل ما خلصة المر :أ ّ
هو غير روحاني ،متى ت ّم ذلك يتحد النسان بال ،حسبما يرى البسطامي 261 -هس -أمّا الحلول فهو
ن ال تعلى قد ح ّل في النسان وفي غيره من أجزاء هذا العالم ،ولكن هذا العالم المشاهَد عدم زائل وش ّر
أّ
محض .فإذا تجرّد الن سان عن كل أثر من آثاره و صِفة من صفاته ،يذهب المحل س وهو الج سم س
ويبقى الحالة س وهو ال تعالى س على ما يرى الحلج س ت 309هس س .
ي
ن ال غن ّ
المبحث الخامس :أ ّ
ن صفة الغنى في حق ال تعالى محل اتفاق بين المسلمين كافة ،فال سبحانه س حسب تعبير
معلوم أ ّ
ل.2
ي عنه أص ًي عن كل شيء ،ول شيء من الشياء بغن ّ ابن أبي الحديد س غن ّ
ن ك ّل ش يء من الشياء يحتاج إل يه ،وأنه سبحانه ل
والمراد بكون ال تعالى غنيّا ع ند صاحبنا ،هو أ ّ
يحتاج إلى شيء من الشياء ألبتّه.
ن الفلسفة والمتكلمين لم يعرّفوا الغنى فحسب ،بل أشاروا أيضا إلى الفرق بين غنى العبد والظاهر أ ّ
ي منّا مَن يستفيد من الغنى
ن الغن ّ
وغنى الرب ،وهذا المر قد تنبّه ابن أبي الحديد إليه ،حينما أشار إلى أ ّ
بسبب خارجي ،وهو سبحانه غني بذاته من غير استفادة أمر يصير به غنيا .3ولذلك نراه في شرحه كلم
ن لفظة حاجته وردت من المامع :وأوصاكم بالتقوى ،وجعَلها منتهى رضاه ،وحاجته من خلقِه ،يؤكد أ ّ
ي غير محتاج ،4على حد تعبيره. ن ال تعالى غن ّ باب المجاز؛ ل ّ
ن غنى ال بنفس ذاته الواجبةن كل ما أراد ابن أبي الحديد بيانه ،في هذا الجانب ،هو التنبيه إلى أ ّ إّ
ل
ل لزم كون ال تعالى ناق صا في ذا ته ،م ستكم ً الوجود ،ل كالغنياء مناّ ،م ستفيدا للغ نى من الخارج ،وإ ّ
بغيره ،وهو محال ،وأيضا فكل غني فقد صار موجودُا بوجوده ،وحصل له الغنى من كرم ال ،ومُعطي
الشياء ل يكون فاقدا له ألبته.
المبحث السادس :تنزيه ال عن اللذة واللم
مما يدلل على أهمية هذا الموضوع عند ابن أبي الحديد ،أنه أفرد له رسالة خاصة ،أسماها رسالة
ل أنني لم أتمكن من الوقوف عليها ،بالرغم من وجودها في المكتبة الوطنية في أنقرة، في اللذة واللم ،إ ّ
ن المعتزلة
م ما اضطر ني إلى العتماد على المتداول من مؤلفات ا بن أ بي الحد يد ،ال تي صرح في ها بأ ّ
وأكثسر العقلء مسن أهسل الملة وغيرهسم ذهبَت إلى نفسي اللذة واللم عنسه تعالى ،والقول باسستحالته عليسه
ن إدراك الكمال سبحانه ،وذهبت الفلسفة 5إلى جواز اللذة عليه ،وقالوا :إنه ملتذ بإدراك ذاته وكماله؛ ل ّ
ن،م ،71 / 13وهذا ما نجده عند القاضي عبد الجبار :شرح الصول الخمسة ص . 313 3
104
هو اللذة أو سبب اللذة ،و هو تعالى أك مل الموجودات ،وإدرا كه أك مل الدراكات ،وإلى هذا القول ذ هب
محمد الغزالي س يقصد أبا حامد س من الشعرية.1
ن هذا الدل يل الذي ذكره ا بن أ بي الحد يد ل يس من مخت صات الغزالي ،2ك ما قال ا بن أ بي
والوا قع أ ّ
الحديد آنفا ،بل سبقه إليه كل من الفارابي وابن سينا :فالول قال :ك ّل إدراك فإمّا أن يكون لِملئم أو غير
ملئم ...واللذة إدراك الملئم ،والذى إدراك المنافر .3أمّا الثانسي فقال :الواجسب الوجود الذي فسي غايسة
الجمال والكمال والبهاء الذي يعقسل ذاتسه بتلك الغايسة فسي البهاء والجمال ...أعظسم عاشسق ومعشوق ول ّذ
ل إدراك الملئم ،والول أفضسل مدرِك بأف ضل إدراك لفضسل مدرَك ،ف هو ل ّذ ومل تذ :فإنّس اللذة ليسست إ ّ
وملتذ.4
ورأي ابن أبي الحديد س على وفق المتداول من مؤلفاته في هذه المسألة س يتضح من خلل إشكاله
ن َلذّته تعالى إن كانت قديمة ،وهي
على ما أفاده الفخر الرازي في هذا المجال ،فالرازي عندما يصرّح بأ ّ
ن الداعي إلى إيجاده قبل ذلك
داعية إلى فعل الملتذ به ،وجب أن يكون موجدا للملتذ به قبل أن أوجده؛ ل ّ
موجود ،ول ما نع ،ل كن إيجاد الش يء ق بل إيجاده س المل تذ به س محال ،وإن كا نت حاد ثة كا نت م حل
الحوادث.5
أنس هذا معارَض على أصسل الرازي بالقدرة وإشكال ابسن أبسي الحديسد على مسا ذكره الرازي هسو ّ
ن باعتبارهما يوجد الفعل ،وقد كانتا موجودتين قبل حدوث الحوادث،وفي ذلك وجود والرادة القديمتين ،فإ ّ
العالم قبل أن وجد ،فإن قال س الرازي س أ نا أج عل السبب في وجود و جد بالقدرة والرادة ،تعّلقَها في
الوقت المخصوص ،قيل له :ذلك الوقت إن يكن شيئا موجودا لم يكن له أثر في اشتراط حدوث الحوادث
محق قة ،وإن كان شيئا له وجود فال سؤال عائد في الو قت بعي نه ِل َم اقت ضت القدرة والرادة إحدا ثه ح يث
حدث ،وقد كانتا موجودَتين.6
ن العقل ل يدل على استحالة كونه تعالى موصوفا بها س اللذة واللم س بل وعندما يرى الرازي أ ّ
ن قياس قوله هذا يقتضين ابن أبي الحديد يعتقد أ ّ
الجماع يدل على أنه تعالى ل يلتذ ول يألم بشيء ،7فإ ّ
أن يكون تعالى في العقل أن يشتهي وينفر ويحزن ويخجل ،وأن يكون الجماع فقط منَع من كونه تعالى
ن أدلته غير قطعية عنده ،فما ظنّك بمن هذا ل الظن؛ ل ّ موصوفا بذلك ،والجماع عند الرازي ل يفيد إ ّ
اعتقاده8؟.
ابسن أبسي الحديسد :التعليقات ورقسة 462أ ،وبخصسوص الظسن عنسد الرازي ،هذا مسا يجده الباحسث فسي كتسب الرازي 8
105
ن المح قق الطوسي س نصير الدين س علّق على ما أفاده الرازي ومن المناسب الشارة هنا إلى أ ّ
ن الجماع حاصل ،ونفي اللم عنه تعالى آنفا ،تعليقا أوضح من تعليق ابن أبي الحديد ،عندما أشار إلى أ ّ
ن اللم إدراك منافٍ ،ول منافي له تعالى.1
ل يحتاج إلى بيان؛ ل ّ
المبحث السابع:تنزيه ال عن الكيفيات المحسوسة
الكيفيات ،بح سب رأي ا بن أ بي الحد يد ،هي اللوان والطعوم وغير ها ،والشكال والمعا ني ،و ما
ن ال سبحانه ل لون له ول ط عم ول رائحة ،3لذلك يجري مجرى ذلك .2والم سلمون كا فة متفقون على أ ّ
ن مَن جعلَه مكيّفا جعلَه ذا هيئة وشكل،
يستدل ابن أبي الحديد على تنزيه ال عن الكيفيات عموما بقوله :إ ّ
ن كل جسم قابل للنقسام ،والواحد حقا أو ذا لون وضَوء ،ومتى كان كذلك كان جسما ولم يكن واحدا؛ ل ّ
ل يقبل النقسام.4
ن كل ما ل يخلو من الحوادث ف هو حادث، وهذا ال ستدلل قر يب من ا ستدلل الرازي القائل :إ ّ
ل
والج سام قابلة للحوادث كالط عم والرائ حة ،ف هي حاد ثة ،ول كن البارئ غ ير حادث ،فيمت نع أن يكون قاب ً
للحوادث.5
ن ال تعالى متلوّن،
ن ابن أبي الحديد قد أكّد على أنه لم يصرّح أحد من العقلء قاطبة بأ ّ ول يفوتنا أ ّ
وإن ما ذ هب قوم من أ هل الت شبيه والتج سيم إلى أنّه نور ،فإذا أب صرَته العيون وأدر َك ته أب صرَت شخ صا
نورانيا مضيئا.6
ف
ن التكييف منا ٍن ابن أبي الحديد إنما ينطلق في تنزيه ال عن الكيفيات ،باعتبار أ ّ
ممّا تقدّم يتبيّن أ ّ
ن الكيفيات بأق سامها الرب عة المح سوسة وال ستعدادية والنف سانية والمخت صة بالكميات ،هي للتوحيد7؛ ل ّ
القسام الثابتة للكيف بالحصر العقلي أو الستقرائي ،من أقسام العرَض ،والعرَض هو الموجود الحال في
المحل على وجه الختصاص الثابت ،أي يكون أحد الشيئين بالنسبة للخر ،بحيث يكون مختصا به على
ن
و جه يو جب ذلك الخت صاص ،كون الول نعتا والثا ني منعوتا ،ك ما في ال سواد بالن سبة إلى الج سم :فإ ّ
ي قسم من أقسامه اختصاصه به أوجب اتصافه به ،فيقال :جسم أسوَد ،فلو كان ال موصوفا بالكيف س بأ ّ
س لزم اقترانه به ،والمقارنة بين الموصوف والوصف مستلزم للتثنية المنافية للتوحيد.
يقول المام عليع :ما وحّده مَن كيّفه .أنظر :شرح نهج البلغة . 69 / 13 7
106
الخــاتمة
ُتعَد مسألة الوجود اللهي من أبعد المسائل غورا ،وأصعبها تصوّرا وإدراكا ،وأعضلها حلً؛ لرتفاع
كعب ها عن المسائل العامة التي تتناولها الفهام ،والقضايا المتداول ِة التي تألفها النفوس ،وتعرفها القلوب،
وما هذا شأنه تختلف العقول في إدراكه والتصديق به ،نتيجة التنوع الفكري الذي ُفطِر عليه النسان من
اختلف أفراده من جهة البُنية ،وما أدى إليه من اختلف أعضاء الدراك في أعمالها ،ثم تأثير ذلك في
الفَهم والتعقّل ،من حيث الحدة والبلدة ،والستقامة والنحراف.
ت إلى النتائج التية:
وعلى أساس ما تقدّم ،فقد توصل ُ
أولً :الجانب المنهجي
ن مدرسة العتزال تمثّل في الفكر السلمي طبقة متميزة ،وكان منها علماء في التفسير وأدباء وأئمة إّ
في النحو ،وأعلم مشهورون في علم الكلم ،تشير مؤلفاتهم إلى ثروة فكرية ضخمة ونشاط عقلي متميز
وحيوية علمية ،يشهد لها القاصي والداني أوتيَتها مدرسة العتزال ،ومن هؤلء العلماء ابن أبي الحديد.
كان ا بن أ بي الحد يد -نتي جة جم عه ب ين الل غة والكلم -يف سّر القرآن تف سيرا يت فق ومن هج أ صحابه
المعتزلة ،أي تفسيرا يتضمن الوجوه المعنوية المحتملة لمعاني النص القرآني.
ات خذ ا بن أ بي الحد يد من الكلمات الواردة في خ طب المام علي ع العقائد ية عناو ين ليجعل ها أ ساسا
لمسائل كلمية متعددة.
تناول ابن أبي الحديد معظم المباحث الكلمية المشهورة ،التي تناولها شيوخه السابقون ،أمثال الجاحظ
والعلّف والنّظاّم والجبّائيّين -أبي علي وأبي هاشم -والقاضي عبد الجبار ،في كتبهم الكلمية ،بد ًء من
ل أن نا ن سجل له اهتماما ته الفل سفية المتميزة ،ال تي أف صح عن ها من خلل
اللهيات وانتها ًء بالخرويات ،إ ّ
تعليقاتنه على محصنل الفكار للفخنر الرازي ،كمسا أنّس إشارتسه فسي شرح نهسج البل غة ،وتعليقاتسه على
المحصل ،إلى اشتغاله بعلم الكلم ،على يد أساتذة مشهورين ،أو تنويهه عند البحث في كل مسألة كلمية،
بقوله :وهذا ما هو مذكور في كتبنا الكلمية ،لَدليل آخر على شخصيته الكلمية المستقلة.
ل حرفيا من ابن أبي الحديد ،إنماعند نقل ابن أبي الحديد بعض نصوص محصل الفكار ،ل نجد نق ً
ن جد توافقا في الم صطلح أو المضمون ،مع اختلف في ترت يب اللفاظ والج مل ،وهذا يدل على قوة َف هم
ابن أبي الحديد ،وهضمِه لفكار الفخر الرازي الواردة في محصل الفكار.
عدم ورود اسم ابن رشد في مؤلفات ابن أبي الحديد ،المتداولة بين أيدينا ،وربما يكون السبب في ذلك
ن الول في المغرب ،وابن أبي الحديد في بغداد ،أو أن يكون الفارق الزمني بين وفاة الول والثاني، هو أ ّ
الذي يتجاوز النصف قرن تقريبا هو السبب في عدم استطاعة ابن أبي الحديد على الطلع على كتب ابن
ل ذِكر الغزالي في أغلب المواضع الفلسفية والكلمية التي أوردها ابن أبي رشد ،في حين أننا نجد مث ً
الحد يد في مؤلفاته ،و ربما كان السبب هو الفارق الزمني الكبير الذي سمح لبن أبي الحديد بالطلع
ن الغزالي قد مكث وقتا ليس بالقصير في بغداد ،موطن ابن أبي الحديد. على مؤلفاته من جهة ،أو كون أ ّ
107
سار ا بن أ بي الحد يد على م سلك أ صحابه المعتزلة في مع ظم الدلة العقل ية والنقل ية ال تي يع ضد ب ها
ت أسلوبه التعبيري في عرض الدلة يقارب أسلوب القاضي عبد الجبار، آراءه ،وبتعبير أدق فإني وجد ُ
وهذا ما نجده خصوصا في عرضه أدلة الصفات اللهية :العقلية منها والنقلية.
ثانيا :الجانب الفكري
ن الوجود ينقسم بالعتبار الول إلى قسمين :واجب وممكن ،وكل ممكن لبد أن
يؤكد ابن أبي الحديد أ ّ
ينتهي إلى الواجب ،وذلك الواجب الوجود الضروري الذي لبد منه ،هو ال تبارك وتعالى.
فيما يخص أدلة وجود ال ،كان استدلله وفق مسلكي الفلسفة والمتكلمين ،فمن المسلك الول :استدل
بدل يل الوا جب الوجود لِذا ته ،و من الثا ني :ا ستدل بدليلَي الحدوث والعنا ية والختراع ،مضافا ِل ما يراه -
ن المام عليا ع قد انفرد بدليل الحركة ،الذي أخذه المتكلمون منه ،على حد تعبيره. بحسب استقرائه -أ ّ
الوجود عارض على الماهية -من وجهة نظر ابن أبي الحديد -وإمكانه ثابت له ،فهو متأخر عن
ف له ،وأمّا الوجود
ن الوجود يتأ خر عن المكان ،أمّا تقدّم المكان على الوجود؛ لنّه و ص ٌ
الوجود ،مع أ ّ
ن المكان لبد من أن يكون قبل الوجود ،إنما يتحقق الوجود إذا كان ممكنا ،فالمكان متأخر عن إمكانه؛ ل ّ
متأخر عن الوجود.
ن الماهية تقبل الوجود ،وهو عارض عليها ،والقابل متقدم على المقبول عقلً ،ومعنى تقدّم
كما يرى أ ّ
ل لزم أنالماهية على الوجود أنها موجودة قبل الوجود ،وهي إنما توجد بنفس دليل الوجود المتأخر ،وإ ّ
يكون للماهية وجودان :الول ،حينما تكون الماهية قابلة ،والثاني ،حينما تتصف بالوجود العارض عليها.
ن ك ّل ما ل يُعلَم بالبديهة ول بالحس ،فإنما يُعلَم بآثاره
فيما يخص دليل الحدوث ،يرى ابن أبي الحديد أ ّ
ال صادرة ع نه ،ولذا تراه يؤ كد ما عل يه سابقوه من المتكلم ين -الشعر ية من هم والمعتزلة -كالباقل ني
ن الطرق إلى دل يل الحدوث أر بع: والقا ضي ع بد الجبار وأ بي المعالي الجوي ني والف خر الرازي ،من أ ّ
أول ها :ال ستدلل بحدوث الج سام ،ثانيت ها :ال ستدلل بإمكان العراض والج سام ،وثالثت ها :ال ستدلل
بحدوث العراض ،ورابعتها :الستدلل بإمكان العراض ،لكنه لم يتناول سوى ثلث طرق هي :الولى
والثانية والرابعة.
يرى ابسن أبسي الحديسد جواز إطلق لفظسة ذات على ال تعالى وإضافتهسا ،كونهسا وردت فسي الشعسر
ل في
العربي القد يم ،وأنها لفظة ا صطلحية ،فجاز استعمالها ل على أن ها مؤ نث ذو ،بل ُت ستعمل ارتجا ً
ن لفظة ذات
ن ابن أبي الحديد قد خالف القائلين بأ ّ
مسمّاها الذي عبّر عنه أرباب النظر اللهي ،وهذا يعني أ ّ
لفظة تأنيث ،وال تعالى منزّه عن السماء والصفات المؤنثة ،على حد تعبيرهم.
بخصوص علقة الصفات بالذات ،يرفض ابن أبي الحديد مبدأ الفصل بين صفات ال وذاته ،باعتبار
ن القدم أخص صفاته ،على حد تعبيره ،لذلك انتهى إلى وحدة الذات اللهية ،ونفي الصفات
ن ال قديم ،وأ ّ
أّ
الزائدة عليها؛ لنها تؤدي -حسب اعتقاده -إلى الشرك.
ا ستدلله على وحدان ية وا جب الوجود ،و فق م سلكي الفل سفة والمتكلم ين معا ،إذ ا ستدل و فق م سلك
الفلسفة بدليل نفي التركيب ،ووفق مسلك المتكلمين بدليل التمانع.
108
وافق ابن أبي الحديد ما ذهب إليه أبو الحسين البصري في مسألة تغيّر المعلوم يستدعي تغيّر العلم؛
ن العالِميات تتجدد في ذات ال بتجدد الحوادث ،ول يلزم من تغيّر الصفات وتجددها تغيّر الذات باعتبار أ ّ
نفسها ،وهذه العالِميات المتجددة هي صفات للذات يلزمها إضافات ،فتتغيّر هي والضافات معا.
ن ال ل
ن أبي الحديد ما صرّح به أرسطو وأتباعه من الفلسفة -كابن سينا وغيره -من أ ّ رفَض اب ُ
يعلم الجزئيات ،وإنما يعلم الكليات التي ل يجوز عليها التغير.
فيما يخص تنزيه ال من الجهة والمكان ،يستبعد ابن أبي الحديد ما ُن سِب إلى محمد بن الهيصم -
متكلم الكرّام ية -من أ نه قال :أ نه تعالى في ج هة فوق ،وبي نه وب ين العرش بُع ٌد ل يتنا هى؛ لنه -ك ما
يقول -كان أذكى من أن يذهب عليه فساد هذا القول ،من جهة ،وأنه لم ُي َر ذلك في شيء من تصانيفه،
ن إطلقه هذه اللفاظ جاء اتباعا لِما ورد في من جهة أخرى ،وإنما المتكلمون حكوا عنه وأحالوا ذلك ،وأ ّ
الكتاب والسنة.
عدم دقة ابن أبي الحديد في تشخيص القائلين بالتجسيم ،أو الذين عدلوا عن القول به ،أمثال هشام بن
ن الراء يجب أن تؤخَذ من الحكم ،وغيره .ممّا يعني الخذ بقول السلف من دون تمحيصُ ،متَناسين أ ّ
أفواه قاليها ،أو ممن هو مأمون في الحكاية عنهم.
وبالر غم مما ورد في النقطة السابقة للتدليل نتلمّس عند استقللية -إلى حد بعيد -في تفكيره ،إذ
وجدناه يؤ يد وج هة ن ظر مخال في أ صحابه المعتزلة في م سائل عدة ،أهم ها :قدرة ال على الشياء ،إذ
ن
ن ك ّل مخلوق كان مقدورا ل قبل حدوثه ،وأ ّ
يرى ابن أبي الحديد ما يراه أهل السنة والجما عة ،من أ ّ
الجسام كلها كانت مقدورة له قبل أن يخلقها.
خالف ابن أبي الحديد أصحابه -معتزلة بغداد -في مسائل ،أهمها:
معر فة ال تعالى ،ال تي قال عن ها الجا حظ -و من قبله أ بو الهذ يل العلّف -بأن ها ضرور ية ،إذ أكّد
على أنها معرفة استدللية ،وهذه الخيرة ل يقدر عليها غير أهل العلم والكلم ،ولذا ل تجب على الناس
جميعا.
حقي قة ال تعالى غ ير معلو مة ،ول يمكن نا معرفت ها في الدن يا ول في الخرة ،وبذلك وا فق ضرار بن
ن حقيقة ال معلومة.عمرو المعتزلي ،وخالف جمهور أصحابه القائلين بأ ّ
ن معنى السمع والبصر هو الدراك ،وهذا ما عليه معتزلة كون ال تعالى سميعا ،يرى ابن أبي الحديد أ ّ
البصرة ،أمثال الجبائيّين وأصحابهما ،في حين فسّرها معتزلة بغداد بس العلم.
المصادر والمراجع
أولً :المخطوطات
.1ابن أبي الحديد ،عز الدين أبو حامد عبد الحميد بن هبة ال المدائني:
التعليقات على المحصل ،مصور ن سخة جام عة ا ستانبول ،بر قم ،3297مخطوط مكتبة الستاذ علي
محيي الدين ،النجف الشرف.
.2رؤوف الشمري:
109
الشريف المرتضى متكلما ،رسالة ماجستير ،جامعة بغداد.1992 ،
.3الصنعاني ،يوسف بن يحيى:
شعَر ،مخطوط مكتبة الشيخ محمد رضا فرج ال ،النجف الشرف.
نسمة السحر في ذِكر مَن تشيّع و َ
.4الغساني ،إسماعيل بن العباس:
العسسجد المسسبوك والجوهسر المحكوك فسي طبقات الخلفاء والملسسوك ،تحقيسق :شاكسر عبسد المنعسم،
مطبوعة بالرونيو.1970 ،
.5محيي الدين ،علسي جسواد:
ابن أبي الحديد ،سيرته وآثاره الدبية والنقدية ،رسالة ماجستير،جامعة القاهرة.1977 ،
.6يونس ،منذر جلوب:
نظرية واجب الوجود عند الفارابي ،رسالة دكتوراه ،جامعة الكوفة.1995 ،
ثانيا :المصادر والمراجع المطبوعة
.1اللوسي ،حسام محيي الدين:
بواكير الفلسفة قبل طاليس ،ط ،3بغداد.1986 ،
حوار بين الفلسفة والمتكلمين ،ط ،2بغداد.1986 ،
دراسات في الفكر الفلسفي السلمي ،ط ،1بغداد.1992 ،
سقراط من خلل الم صادر الغرب ية والحدي ثة ،مجلة كل ية الداب جام عة بغداد ،العدد ،11حزيران،
.1968
فلسفة الكندي وآراء القدامى والمحدَثين فيه ،ط ،1بيروت.1985 ،
.2ابن أبي الحديد ،عز الدين أبو حامد عبد الحميد بن هبة ال المدائني:
شرح نهج البلغة ،تحقيق :محمد أبو الفضل إبراهيم ،دارإحياء الكتب العربية.1965 ،
الَفلَك الدائر على المَثل السائر ،تحقيق :أحمد الحوفي ،بدوي طبانة ،ط ،2الرياض.1984 ،
.3ابن تغري بردي ،يوسف بن تغري بردي بن عبد ال:
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ،ط .1933 ،1
.4ابن تيميه ،أحمد بن تيميه الحراني:
منهاج السنة النبوية ،مصر 1321هس.
.5ابن حزم ،أبو محمد علي بن أحمد:
الِفصَل في الملل والهواء والِنحَل ،ط ،1القاهرة1320 ،هس.
110
ابن خلدون ،عبد الرحمن بن محمد:
المقدمة ،طبعة القاهرة ،مطبعة مصطفى محمد ،بدون تاريخ.
.6ابن خلكان ،أحمد بن محمد بن أبي بكر:
وفيات العيان وأنباء أبناء هذا الزمان ،تحقيق :إحسان عباس ،بيروت 1968 ،س .1972
.7ابن رشد ،أبو الوليد محمد بن محمد:
مناهج الدلة في عقائد الملة ،مع مقدمة في نقد مدارس علم الكلم للدكتور محمود قاسم،تحقيقه،مطبعة
القاهرة،مصر.1955 ،
.8ابن الساعي ،علي بن أنجب بن عثمان:
سيَر ،تحقيق :مصطفى جواد ،بغداد.1934 ،
الجامع المختصر في عنوان التواريخ وعيون ال ّ
.9ابن سينا ،أبو علي الحسين بن عبد ال:
الشارات والتنسبيهات ،مسع شرحِسه لنصسير الديسن الطوسسي وقطسب الديسن الرازي ،مطبعسة
الحيدري،طهران1379 ،هس.
التعليقات ،تحقيق :عبد الرحمن بدوي ،المكتبة العربية ،القاهرة.1973 ،
رسالة الحدود ،ضمن المصطلح الفلسفي عند العرب ،للدكتورعبد المير العسم ،ط ،1بغداد1985 ،
.
الرسالة العرشية ،ضمن سبع رسائل ،ط ،1حيدر آباد1354 ،هس.
الشفاء -اللهيات -تحقيق :محمد يوسف موسى وآخرون ،القاهرة.1960 ،
النجاة في الحكمة المنطقية والطبيعية واللهية ،ط ،1بيروت.1985 ،
.10ابن شاكر ،محمد بن شاكر بن أحمد:
فوات الوفيات ،تحقيق :محمد محيي الدين عبد الحميد ،مكتبة النهضة ،مصر.1951 ،
.11ابن الطقطقى ،محمد بن علي بن طبا طبا:
الفخري في الداب السلطانية والدول السلمية ،مطبعة المعارف ،مصر.1923 ،
.12ابن العماد ،أبو الفلح عبد الحي:
شذرات الذهب في أخبار مَن ذهب ،القاهرة 1350 ،س 1351هس
.13ابن الفوطي ،كمال الدين عبد الرزاق بن أحمد:
تلخ يص مج مع الداب في مع جم اللفاظ ج 1ق 4 - 1تحق يق :م صطفى جواد ،دم شق 1962 ،س
.1967
111
الحوادث الجام عة والتجارب الناف عة في المائة ال سابعة من سوب إل يه تحق يق :م صطفى جواد ،بغداد،
1351هس.
معجز الداب في معجم اللقاب ،مطبوع في ذيل ج 4شرح نهج البلغة ،القاهرة1321 ،هس.
.14ابن المطهر الحلي ،جمال الدين الحسن بن يوسف:
أنوار الملكوت في شرح الياقوت ،طهران1338 ،هس.
الرسالة السعدية ،تحقيق :عبد الحسين محمد علي ،لم يذكر مكانالطبع ول الناشر ،بدون تاريخ.
كشف المراد شرح تجريد العتقاد ،ط ،1بيروت.1979 ،
.15ابن النديم ،محمد بن إسحق:
الفهرست ،بيروت.1978 ،
.16أبو الحسين البصري ،محمد بن علي:
كتاب المعتمد في أصول الفقه ،تحقيق :محمد حميد ال وآخرون ،ط ،1دمشق.1964 ،
.17أبو حنيفة ،النعمان بن ثابت:
الفقه الكبر ،ط ،2حيدر آباد.1953 ،
.18أبو ريدة ،محمد عبد الهادي:
مقدمة رسائل الكندي الفلسفية ،القاهرة.1950 ،
.19أبو الفضل إبراهيم ،محمد :
مقدمة أمالي المرتضى ،ط ،2دار الكتاب العربي ،بيروت.1967 ،
مقدمة شرح نهج البلغة ،تحقيقه ،ط ،4دار إحياء الكتب العربيسة القاهرة.1965 ،
.20أرسطو:
كتاب الطبيعة ،ط ،2القاهرة 1964 ،س .1965
.21السفرائيني ،أبو المظفر طاهر بن محمد:
التب صير في الد ين وتمي يز الفر قة الناج ية عن فِرق الهالك ين ،م صر مكت بة الخان جي ،بغداد ،مكت بة
المثنى.1955 ،
.22الشعري ،أبو الحسن علي بن اسماعيل:
البانة عن أصول الديانة ،مطابع جامعة محمد بن سعود السلمية1400 ،هس.
اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع ،مطبعة مصر.1955 ،
مقالت السلميين واختلف المصلّين ،ط ،2منشورات فرانز شتايز.1962 ،
112
.23العسم ،عبد المير:
تاريخ ابن الريوندي ،ط ،1بيروت.1975 ،
الفيل سوف ن صير الد ين الطو سي مؤ سس المن هج الفل سفي في علم الكلم ال سلمي ،ط ،2بيروت،
.1980
المصطلح الفلسفي عند العرب ،ط ،1بغداد.1985 ،
.24اليجي ،عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد:
المواقف في علم الكلم ،مع شرحه للجرجاني وحاشية السيالكوتي ،مصر.1907 ،
.25الباقلني ،محمد بن الطيب:
النصاف فيما يجب اعتقاده ول يجوز الجهل به ،تحقيق :محمد زاهد الكوثري ،ط ،2القاهرة1382 ،
هس.
التمهيسد فسي الرد على الملحدة والمعطلة والرافضسة والخوارج والمعتزلة ،مطبعسة لجنسة التأليسف
والترجمة ،القاهرة.1947 ،
.26البخاري ،محمد بن اسماعيل:
صحيح البخاري ،ط ،2المطبعة العثمانية المصرية1314 ،هس.
.27البغدادي ،عبد القاهر بن طاهر:
أصول الدين ،ط ،1استانبول.1928 ،
الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية ،بيروت.1987 ،
.28بيصار ،محمد:
في فلسفة ابن رشد ،الوجود والخلود ،ط ،3بيروت.1973 ،
.29التفتازاني ،سعد الدين مسعود بن عمر:
شرح العقائد الن سفية ،مع حاش ية الك ستلي والخيالي ،مطب عة دار إحياء الك تب العرب ية ،م صر ،بدون
تاريخ.
شرح مقاصد الطالبي في علم أصول الدين ،الستانة1277 ،هس.
.30جار ال ،زهدي حسن:
المعتزلة ،القاهرة.1947 ،
.31الجرجاني ،علي بن محمد:
التعريفات ،ط ،1بيروت.1983 ،
.32جوزيف الهاشم:
113
الفارابي ،ط ،1دار الشرق الجديد ،بيروت.1960 ،
.33الجويني ،أبو المعالي عبد الملك بن يوسف:
الرشاد إلى قواطع الدلة ،تحقيق :محمد يوسف موسى ،مصر.1950 ،
الشامل في أصول الدين ،تحقيق :هلموت ريتر ،ط ،1القاهرة.1960 ،
العقيدة النظامية ،تحقيق :محمد زاهد الكوثري ،مصر.1948 ،
.34حاجي خليفة:
كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ،طبع استانبول.1941 ،
.35خصباك ،جعفر حسين:
العراق في عهد اليلخانيين ،بغداد.1968 ،
.36الخطيب البغدادي ،أحمد بن علي:
تاريخ بغداد ،ط ،1مصر.1931 ،
.37الخياط ،أبو الحسين عبد الرحيم:
النتصار والرد على ابن الراوندي الملحد ،بيروت.1957 ،
.38دي بسور:
تاريخ الفلسفة في السلم ،نقله إلى العربية :محمد عبد الهادي أبو ريدة ،القاهرة ،مطبعة لجنة التأليف
والترجمة ،بدون تاريخ.
.39الذهبي ،شمس الدين محمد بن أحمد:
العلو للعلي الغفار في صحيح الخبار وسقيمها ،ط ،2القاهرة ،بدون تاريخ.
.40رؤوف الشمري:
التأويل :النقل ،العقل .إشكالية التأويل ،مجلة فضاءات ،العدد ، 9سبتمبر ،2003 ،ليبيا.
.41الرازي ،فخر الدين محمد بن عمر:
الربعين في أصول الدين ط ،1حيدر آباد1353 ،هس.
اعتقادات فرق الم سلمين والمشرك ين ،تحق يق :علي سامي النشار ،مكت بة النه ضة الم صرية ،القاهرة،
.1938
التفسير الكبير ،المسمى مفاتيح الغيب ،ط ،2طهران ،بدون تاريخ.
الخمسين في أصول الدين ،مطبوع ضمن مجموعة مطبعة كردستان العلمية مصر1328 ،هس.
المباحث المشرقية ،مكتبة السدي ،طهران.1966 ،
114
محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين ،وبذيله تلخيص المحصل للفيلسوف نصير الدين الطوسي ،دار
الكتاب العربي ،بيروت.1984 ،
.42الراوي ،عبد الستار عز الدين:
ثورة العقل ،ط ،2بغداد.1986 ،
العقل والحرية ،ط ،1بيروت.1980 ،
فلسفة العقل ،ط ،2بغداد.1986 ،
.43ال ّرسّي ،القاسم بن إبراهيم:
كتاب أصول العدل والتوحيد،ضمن رسائل العدل والتوحيد،ط ،1مصر1971 ،
.44الزركان ،محمد صالح:
فخر الدين الرازي وآراؤه الكلمية والفلسفية ،دار الفكر.1963 ،
.45السبكي ،تاج الدين أبو نصر:
طبقات الشافعية الكبرى ،ط ،1المطبعة الحسينية ،القاهرة ،بدون تاريخ.
.46سهير محمد مختار:
التجسيم عند المسلمين ،مذهب الكرامية،مطبعة شركة السكندرية،ط 1،1971
.47السيالكوتي ،عبد الحكيم:
حاشية السيالكوتي على شرح المواقف للجرجاني ،مطبوع المواقف لليجي ،مصر.1907 ،
.48السيوري ،المقداد بن عبد ال:
النافع ليوم الحشر شرح الباب الحادي عشر ،مطبعة مصطفوي ،طبع حجر ،إيران ،بدون تاريخ.
.49شرف ،محمد جلل:
ال والعالم والنسان في الفكر السلمي ،القاهرة.1971 ،
.50الشريف المرتضى،علي بن الحسين:
الصول العتقادية ،ضمن نفائس المخطوطات ،دار المعارف ،تحقيق :الشيخ محمد حسن آل يسين،
بغداد.1954 ،
جمل العلم والعمل،ط .1967 ،1
الشافي في المامة ،طبع حجر ،إيران1301 ،هس.
مجموعةفي فنون من علم الكلم،ضمن نفائس المخطوطات ،تحقيق:الشيخ محمد حسن آل يسين ،ط ،1
بغداد1355 ،هس.
115
المحكم والمتشابه ،طبع حجر ،إيران1312 ،هس.
.51الشهرستاني ،محمد بن عبد الكريم:
الملل والنحل ،مطبوع مع الِفصَل ،ط 1320 ،1س 1321هس.
نهاية القدام في علم الكلم ،تصحيح :ألفرد جيوم ،مطبعة المثنى ،بغداد ،بدون تاريخ.
.52الشهرستاني ،هبة ال:
ما هو نهج البلغة ،مطبعة العرفان ،صيدا ،بدون تاريخ.
.53الشيرازي ،صدر الدين:
المبدأ والمعاد ،طبع حجر1316 ،هس.
.54الصاوي ،عبد الكريم:
حاشية الصاوي على شرح الخريدة البهية للدردير ،مطبعة الستقامة ،مصر ،بدون تاريخ.
.55صبحي ،أحمد محمود:
في علم الكلم ،دراسة فلسفية لراء الفرق السلمية س المعتزلة س ط ،4السكندرية.1982 ،
.56الطوسي ،محمد بن الحسن الشيخ :
القتصاد فيما يتعلق بالعتقاد ،ط ،1النجف الشرف.1979 ،
التبيان في تفسير القرآن ،تحقيق :أحمد حبيب قصير العاملي ،ط ،1النجف الشرف.1964 ،
.57الطويل ،توفيق:
في تراثنا السلمي ،سلسلة عالم المعرفة ،العدد ،87الكويت.1985 ،
.58عاطف العراقي ،محمد:
ثورة العقل في الفلسفة العربية ،ط ،5مصر.1984 ،
النزعة العقلية في فلسفة ابن رشد ،دار المعارف ،مصر.1968 ،
.59عبد الجبار بن أحمد القاضي:
شرح الصول الخمسة ،تحقيق :عبد الكريم عثمان ،ط ،1مصر.1965 ،
فضل العتزال وطبقات المعتزلة ومباينتهم لسائر المخالفين ،تحقيق :فؤاد سيف ،الدار التونسية للنشر،
.1974
المخت صر في أ صول الد ين ،ض من ر سائل العدل والتوح يد ،تحق يق :مح مد عمارة ،ط ،1م صر،
.1971
.60المغني في أبواب العدل والتوحيد:
116
ج 4رؤية ال ،تحقيق:محمد مصطفى حلمي ،مطبعة مخيمر ،مصر.
ج 7خلق القرآن ،ط ،1مصر.1961 ،
ج 12النظر والمعارف ،مطبعة مصر ،القاهرة ،بدون تاريخ.
ج ،14القاهرة.1965 ،
.61عثمان أمين:
الفلسفة الرواقية ،ط ،2مكتبة النهضة المصرية.1959 ،
.62عرفان عبد الحميد:
دراسات في الفرق والعقائد السلمية ،مطبعة أسعد ،بغداد ،بدون تاريخ.
.63العروسي ،مصطفى:
نتائج الفكار القد سية في بيان شرح الر سالة القشير ية ،ض من الر سالة القشير ية مع شرح ها لزكر يا
النصاري ،دمشق،بدون تاريخ.
.64الغرابي ،علي مصطفى:
تاريخ الفرق السلمية ونشأة علم الكلم عند المسلمين ،ط ،2مصر.1958 ،
.65الغزالي ،أبو حامد :
القتصاد في العتقاد ،ط ،1مطبعة حجازي ،القاهرة ،بدون تاريخ.
تهافت الفلسفة ،ط ،4دار المعارف ،مصر ،بدون تاريخ.
فيصل التفرقة بين السلم والزندقة ،مطبعة الترقي ،مصر1319 ،هس.
مشكاة النوار ،مطبعة السعادة ،مصر.1907 ،
مقاصد الفلسفة ،تحقيق :سليمان دنيا ،ط ،2دار المعارف ،مصر.1961 ،
المقصد السنى شرح أسماء ال الحسنى،مكتبة الكليات الزهرية.1960 ،
.66الفارابي ،أبو نصر :
آراء أهل المدينة الفاضلة ،ط ،1دار القاموس الحديث ،بيروت ،بدون تاريخ.
التعليقات ،ضمن الرسائل ،طبعة حيدر آباد1346 ،هس.
الدعاوى القلبية ،ضمن المجموع ،ط ،1مصر1345 ،هس.
فصوص الحكم ،ضمن المجموع ،ط ،1مصر1325 ،هس.
عيون المسائل ،ضمن المجموع ،ط ،1مصر1325 ،هس.
.67فتح ال خليف:
117
مقدمة كتاب التوحيد للماتريدي ،دار المشرق ،بيروت.1970 ،
.68فلزر ،سوسنّه ديفلد:
مقدمة كتاب طبقات المعتزلة ،لبن المرتضى ،بيروت.1961 ،
.69القاسم محمد بن علي الزيدي:
الساس لعقائد الكياس ،تحقيق:ألبير نصري نادر،دار الطليعة،بيروت.1980 ،
.70القوشجي ،علء الدين علي بن محمد:
شرح تجريد الكلم ،طبع حجر1285 ،هس.
.71الكراجكي ،أبو الفتح محمد بن علي:
كنز الفوائد ،طبع حجر1322 ،هس.
.72كريسون ،أندريه:
سقراط ،ترجمة :بشارة صارجي ،ط ،1بيروت.1980 ،
.73الكلباذي ،أبو محمد بكر:
التعرف لمذهب أهل التصوف ،تحقيق :عبد الحليم محمود ،مصر.1960 ،
.74الكندي ،أبو إسحق:
ر سائل الحدود والر سوم ،ض من الم صطلح الفل سفي ع ند العرب ،للدكتور ع بد الم ير الع سم ،ط ،1
بغداد.1985 ،
رسائل الكندي الفلسفية ،تحقيق :محمد عبد الهادي أبسو ريسدة ،دار الفكسر العربي ،بيروت1950 ،
.
.75الماتريدي ،أبو منصور محمد:
كتاب التوحيد ،تحقيق :فتح ال خليف ،دار المشرق ،بيروت.1970 ،
.76محمد رمضان عبد ال:
الباقلني وآراؤه الكلمية ،ط ،1بغداد.1986 ،
.77محمود قاسم:
مقدمة كتاب مناهج الدلة أنظر :ابن رشد :مناهج الدلة.
.78مدني صالح:
الوجود ،بحث في الفلسفة السلمية ،ط ،1بغداد.1955 ،
.79مسكويه ،أبسو علسي:
118
الفوز الصغر ،دار مكتبة الحياة ،بيروت ،بدون تاريخ.
.80مصطفى جواد:
أبو جعفر النقيب ،مطبعة الهلل ،بغداد ،بدون تاريخ.
.81مطر ،أميرة حلمي:
الفلسفة عند اليونان ،ط ،2القاهرة.1968 ،
.82معروف ،ناجي:
تاريخ علماء المستنصرية ،مطبعة العاني ،بغداد.1965 ،
.83مغنية ،محمد جواد:
معالم الفلسفة السلمية ،ط ،2بيروت.1973 ،
.84المفيد ،محمد بن محمد بن النعمان:
أوائل المقالت في المذاهب المختارات ،ط ،3النجف الشرف.1973 ،
.85المنذري ،زكي الدين عبد العظيم:
التكملة لوفيات النقلة ،تحقيق :بشار عواد معروف ،مطبعة الداب ،النجف الشرف.1971 ،
.86الموسوي ،موسى:
قواعد فلسفية ،ط ،1النجف الشرف.1978 ،
.88نادر ،ألبير نصري:
فلسفة المعتزلة ،مصر.1950 ،
.89النسفي ،أبو المعين:
بحر الكلم ،بغداد1304 ،هس.
.90نصير الدين الطوسي:
تجريد العقايد ،مطبوع مع كشف المراد للعلّمة الحلي ،بيروت.1979 ،
تلخيص المحصل ،مطبوع مع محصل الفكار للفخر الرازي،بيروت.1984 ،
شرح الشارات ،مطبوع مع الشارات والتنبيهات لبن سينا ،طهران.1979 ،
.91نعمة محمد إبراهيم:
خلق الكون بين القدم والحدوث ،مجلة كلية الفقه ،العدد .1989 ،3
.92النيسابوري ،أبو رشيد سعيد بن محمد:
ديوان الصول ،ط ،1مطبعة دار الكتب.1969 ،
119
.93نيكلسون ،رينولد:
في التصوف السلمي وتاريخه ،ترجمة :أبو العل عفيفي ،مطبعة لجنة التأليف1946 ،
.94اليونيني ،موسى بن محمد:
ذيل مرآة الزمان ،طبعة حيدر آباد 1954 ،س .1961
ثالثا :المراجع النكليزية
AL - Aasam, A. A : -Ibn ar-Riwandis .1
.Kitab Fadihat Al- Mutazilah. Beirut- Paris. 1975 – 1977
:AL- Alousi. H.M .2
.The Problem of Greation in Islamik Thought. Baghdad- 1968 -
120
المحتويات
الهداء1...................................... ............................................
المقدمة1......................................... .........................................
تمهيد4............................................................ ........................
وفاتسه9............................................. .....................................
الخسساتمة107..................................................... .......................
121