You are on page 1of 12

‫السعادة فى معاملة الخلق‬

‫أن تعاملهم ل‬

‫من فتاوى‬
‫شيخ السلم ابن تيمية‬

‫‪1‬‬
‫السعادة فى معاملة الخلق هى ‪:‬‬
‫أن تعاملهم ل ؛ فترجو ال فيهم ول ترجوهم فى ال‪ .‬وتخافه فيهم‬
‫ول تخافهم فى ال‪ .‬وتحسن إليهم رجاء ثواب ال ل لمكافأتهم‪.‬‬
‫وتكف عن ظلمهم خوفًا من ال ل منهم‪ ،‬كما جاء فى الثر‪:‬‬

‫تخف الناس فى ال)) أى‪ :‬ل تفعل شيئًا من أنواع العبادات والقرب‬
‫لجلهم‪ ،‬ل رجاء مدحهم ول خوفًا من ذمهم‪ ،‬بل ارج ال ول تخفهم‬
‫فى ال فيما تأتى وما تذر‪ ،‬بل افعل ما أمرت به وإن كرهوه‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫وفى الحديث‪(( :‬إن من ضعف اليقين أن ترضى الناس بسخط ال‪ ،‬أو‬
‫تَذُ ّمهُمْ على ما لم يؤتك ال)) ؛ فإن اليقين يتضمن اليقين فى القيام‬
‫بأمر ال وما وعد ال أهل طاعته‪ ،‬ويتضمن اليقين بقدر ال وخلقه‬
‫وتدبيره‪،‬فإذا أرضيتهم بسخط ال لم تكن موقنا‪ ،‬ل بوعده ول برزقه ‪.‬‬
‫فإنه إنما يحمل النسان على ذلك‪ ،‬إما ميل إلى ما فى أيديهم من‬
‫الدنيا‪ ،‬فيترك القيام فيهم بأمر ال؛ لما يرجوه منهم‪ .‬وإما ضعف‬
‫تصديق بما وعد ال أهل طاعته من النصر والتأييد والثواب فى الدنيا‬
‫والخرة ‪ .‬فإنك إذا أرضيت ال نصرك‪ ،‬ورزقك وكفاك مؤنتهم ‪.‬‬
‫فإرضاؤهم بسخطه إنما يكون خوفا منهم ورجاء لهم ؛ وذلك من‬
‫ضعف اليقين‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫وإذا لم يقدر لك ما تظن أنهم يفعلونه معك‪ ،‬فالمر فى ذلك إلى ال ل‬
‫لهم‪ ،‬فإنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ‪.‬‬
‫فل تخفهم ول ترجهم ول تذمهم من جهة نفسك وهواك‪ ،‬لكن مَن‬
‫حَمَده ال ورسوله فهو المحمود‪ ،‬ومَن ذمّه ال ورسوله‬
‫فهوالمذموم‪.‬‬
‫حمْدِى زَ ْينُ وإن‬
‫ولما قال بعض وفد بنى َتمِيم‪ :‬يا محمد‪ ،‬أعطنى‪ ،‬فإن َ‬
‫َذمّى شَ ْينٌ ‪،‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫((ذاك ال عز وجل)) ‪.‬‬
‫وكتبت عائشة إلى معاوية‪ ،‬وروى أنها رفعته إلى النبى صلى ال‬
‫عليه وسلم‪(( :‬من أرضى ال بسخط الناس كفاه مؤنة الناس‪ ،‬ومن‬
‫أرضى الناس بسخط ال لم يُغْنُوا عنه من ال شيئا)) هذا لفظ‬
‫المرفوع‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫ولفظ الموقوف‪(( :‬من أرضى ال بسخط الناس رضى ال عنه‬
‫وأرضى عنه الناس‪ ،‬ومن أرضى الناس بسخط ال عاد حامده من‬
‫الناس له ذاماً)) هذا لفظ المأثور عنها‪ ،‬وهذا من أعظم الفقه فى‬
‫الدين‪،‬والمرفوع أحق وأصدق‪ ،‬فإن من أرضى ال بسخطهم كان قد‬
‫اتقاه‪ ،‬وكان عبده الصالح‪ ،‬وال يتولى الصالحين‪ ،‬وهو كاف عبده ‪.‬‬
‫ويقول تعالى { َومَن يَتّقِ الَّ يَجْعَل ّلهُ مَخْرَجًا وَيَرْ ُز ْقهُ ِمنْ حَيْثُ لَ‬
‫يَحْ َتسِبُ } [الطلق‪ .]3 ،2 :‬فال يكفيه ُمؤْنَةَ الناس بل رَيْب‪.‬‬
‫وأما كون الناس كلهم يرضون عنه‪ ،‬فقد ل يحصل ذلك‪ .‬لكن يرضون‬
‫عنه‪ ،‬إذا سلموا من الغراض وإذا تبين لهم العاقبة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫ومن أرضى الناس بسخط ال لم يغنوا عنه من ال شيئاً‪ ،‬كالظالم‬
‫الذى يعض على يده يقول‪{ :‬يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتّخَذْتُ َمعَ ال ّرسُولِ سَبِيلً‬
‫يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتّخِذْ فُلَنًا خَلِيلً} [الفرقان‪.]28 ،27 :‬‬
‫وأما كون حامده ينقلب ذاماً‪ ،‬فهذا يقع كثيراً‪ ،‬ويحصل فى العاقبة‪ ،‬فإن‬
‫العاقبة للتقوى‪ ،‬ل يحصل ابتداء عند أهوائهم‪ ،‬وهو سبحانه أعلم‪.‬‬
‫على العبد أن يخاف ال وحده ول يخاف أحدًا‪ ،‬فإن من ل يخاف ال‬
‫أذل من أن يخاف‪ ،‬فإنه ظالم وهو من أولياء الشيطان‪ ،‬فالخوف منه‬
‫قد نهى ال عنه‪ ،‬وإذا قيل‪ :‬قد يؤذينى‪ ،‬قيل‪ :‬إنما يؤذيك بتسليط ال‬
‫له‪ ،‬وإذا أراد ال دفع شره عنك دفعه‪ ،‬فالمر ل‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫وإنما يسلط على العبد بذنوبه‪ ،‬وأنت إذا خفت ال فاتقيته وتوكلت‬
‫عليه كفاك شر كل شر‪ ،‬ولم يسلطه عليك‪ ،‬فإنه قال‪:‬‬
‫حسْ ُبهُ} [الطلق‪.]3:‬وتسليطه يكون‬
‫{ َومَن يَ َتوَكّلْ عَلَى الِّ َف ُهوَ َ‬
‫بسبب ذنوبك وخوفك منه‪ ،‬فإذا خفت ال وتبت من ذنوبك واستغفرته‬
‫لم يسلط عليك‪ ،‬كما قال‪َ { :‬ومَا كَانَ الّ مُعَذّ َبهُمْ َوهُمْ َيسْتَغْفِرُونَ} [‬
‫النفال‪.]33:‬‬
‫فالتوحيد ضد الشرك‪ ،‬فإذا قام العبد بالتوحيد الذى هو حق ال‪ ،‬فعبَده‬
‫ل يشرك به شيئاً كان موحداً‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ومن توحيد ال وعبادته‪ :‬التوكل عليه والرجاء له‪ ،‬والخوف منه‪.‬‬
‫فهذا يخلص به العبد من الشرك‪ .‬وإعطاء الناس حقوقهم‪ ،‬وترك‬
‫العدوان عليهم‪ ،‬يخلص به العبد من ظلمهم‪ ،‬ومن الشرك بهم‪.‬‬
‫فإن خوف ال يحمله على أن يعطيهم حقهم ويكف عن ظلمهم‪ ،‬ومن‬
‫خافهم ولم يخف ال فهذا ظالم لنفسه ولهم‪ ،‬حيث خاف غير ال‬
‫ورجاه؛ لنه إذا خافهم دون ال احتاج أن يدفع شرهم عنه بكل وجه‪،‬‬
‫إما بمداهنتهم ومراءاتهم‪ ،‬وإما بمقابلتهم بشىء أعظم من شرهم أو‬
‫مثله‪ ،‬وإذا رجاهم لم يقم فيهم بحق ال‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫وكذلك إذا رجاهم فهم ل يعطونه ما يرجوه منهم‪ ،‬فلبد أن يبغضهم‬
‫فيظلمهم إذا لم يكن خائفا من ال عز وجل‪ ،‬وهذا موجود كثيرًا فى‬
‫الناس‪ ،‬تجدهم يخاف بعضهم بعضًا ويرجو بعضهم بعضًا‪ ،‬وكل من‬
‫هؤلء يتظلم من الخر‪ ،‬ويطلب ظلمه‪ ،‬فهم ظالمون بعضهم لبعض‪،‬‬
‫ظالمون فى حق ال حيث خافوا غيره ورجوا غيره‪ ،‬ظالمون‬
‫لنفسهم‪ ،‬فإن هذا من الذنوب التى تعذب النفس بها وعليها‪ ،‬وهو‬
‫يجر إلى فعل المعاصى المختصة‪ ،‬كالشرك والزنا‪ ،‬فإن النسان إذا لم‬
‫يخف من ال اتبع هواه‪ ،‬ولسيما إذا كان طالبًا ما لم يحصل له؛ فإن‬
‫نفسه تبقى طالبة لما تستريح به وتدفع به الغم والحزن عنها‪ ،‬وليس‬
‫عندها من ذكر ال وعبادته ما تستريح إليه وبه‪ ،‬فيستريح إلى‬
‫المحرمات من فعل الفواحش وشرب المحرمات وقول الزور‪ ،‬وذكر‬
‫مجريات النفس والهزل واللعب‪ ،‬ومخالطة قرناء السوء وغير ذلك‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ول يستغنى القلب إل بعبادة ال ـ تعالى‪ .‬والعبد مفتقر دائما إلى‬
‫التوكل على ال والستعانة به‪ ،‬كما هو مفتقر إلى عبادته‪ ،‬فلبد أن‬
‫يشهد دائمًا فقره إلى ال‪ ،‬وحاجته فى أن يكون معبودًا له‪ ،‬وأن يكون‬
‫معينًا له‪ ،‬فل حول ول قوة إل بال‪ ،‬ول ملجأ من ال إل إليه‪ ،‬قال‬
‫خوّفُ َأوْلِيَاءهُ } [آل عمران‪ ]175 :‬أى‬ ‫تعالى‪{:‬إِنّمَا ذَلِكُمُ الشّيْطَانُ يُ َ‬
‫يخوفكم بأوليائه‪ .‬هذا هو الصواب الذى عليه الجمهور‪ ،‬كابن عباس‬
‫وغيره أن الشيطان يجعل أولياءه مخوفين‪،‬ويجعل ناسا خائفين منهم‪.‬‬
‫ودلت الية على أن المؤمن ل يجوز له أن يخاف أولياء الشيطان‪،‬‬
‫ش ْونِ}‬
‫شوُاْ النّاسَ وَاخْ َ‬
‫ول يخاف الناس‪ ،‬كما قال‪َ { :‬فلَ تَخْ َ‬

‫‪10‬‬
‫س عَلَيْكُمْ حُجّةٌ إِلّ الّذِينَ ظَ َلمُواْ مِ ْنهُمْ َفلَ‬
‫قال تعالى‪{ :‬لِ َئلّ يَكُونَ لِلنّا ِ‬
‫خشْ َيةِ الظالم وأمر‬ ‫شوْنِي} [البقرة‪ ،]150:‬فنهى عن َ‬ ‫خ َ‬ ‫خشَوْهُمْ وَا ْ‬
‫تَ ْ‬
‫ش ْونَ‬
‫شوْنَهُ وَلَ يَخْ َ‬ ‫بخشيته‪ ،‬وقال‪{ :‬الّذِينَ يُبَلّغُونَ ِرسَالَتِ الِّ وَيَخْ َ‬
‫أَحَدًا إِلّ الَّ} [الحزاب‪ ،]39 :‬وقال‪{ :‬فَإيّايَ فَا ْرهَبُونِ}‬
‫[النحل‪.]51 :‬‬
‫وبعض الناس يقول‪ :‬يا رب‪ ،‬إنى أخافك وأخاف من ل يخافك‪ ،‬فهذا‬
‫كلم ساقط ل يجوز‪ ،‬بل على العبد أن يخاف ال وحده ول يخاف أحدًا‪،‬‬
‫وفى الأثر يقول ال‪ (( :‬أنا ال ل إله إل أنا ملك الملوك‪ ،‬قلوب‬
‫الملوك ونواصيها بيدى‪ ،‬فمن أطاعنى جعلت قلوب الملوك عليه‬
‫رحمة‪ ،‬ومن عصانى جعلتهم عليه نقمة‪ ،‬فل تشغلوا أنفسكم بسبّ‬
‫الملوك‪ ،‬ولكن توبوا إلىّ وأطيعون أعطفهم عليكم))‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫مجموع فتاوى ابن تيمية – ‪ – 01‬الجزء الول (العقيدة)‬

‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬
‫‪12‬‬

You might also like