Professional Documents
Culture Documents
دولة المرابطين
المرابطون ،اللمتونيون ،الملثمون :سللة بربرية أمازيغية حكمت في المغرب ،موريتانيا ،غرب الجزائر و الندلس مابين أعوام 1060-1056
و حتى 1147م.
يرجع أصل المرابطين إلى قبيلة لمتونة البربرية كما أن أصل التسمية يرجع إلى أتباع الحركة الصلحية التي أسسها عبد ال بن ياسين و الذي
قاد حركة جهادية لنشر الدين و كان رجالها يلزمون الرباط بعد كل حملة من حملتهم الجهادية ،بدأت الحركة بنشر الدعوة في الجنوب -إنطلقاً
من موريتانيا -و أفلحوا في حمل بلد غانه على السلم و من ثمة باقي مناطق الصحراء الغربية ،في عهد يوسف بن تاشفين ( 1106-1060م)
تم غزو المغرب و غرب الجزائر ثم بناء مدينة مراكش 1062م.
قاد عام 1086م أولى حملته في الندلس و إنتصر على النصارى في معركة الزلقة الشهيرة .بين أعوام 1094-1089م عاد يوسف بن
تاشفين مرة أخرى إلى الندلس و لكن هذه المرة للقضاء على ملوك الطوائف .في عهد علي بن يوسف ( )1143-1106تعرض إلى هزائم على
أيدي النصارى في الندلس ثم إستولى الموحدون على مملكته في غرب إقريقية -منذ 1030م . -إلى أن قضى هؤلء على آخر المراء بعد
إستيلئهم على مراكش عام 1147م.
1
قائمة المراء:
الملثمون في ليبيا
خامسا " :دولة المرابطين" أشهر دولهم بعد السلم :الخبر عن دولة المرابطين من لمتونة وما كان لهم بالعدوتين من الملك وأولية ذلك
ومصايره .كان هؤلء الملثمون في صحاريهم كما قلناه ،وكانوا على دين المجوسية إلى أن ظهر فيهم
السلم لعهد المائة الثالثة .وجاهدوا جيرانهم من السودان عليه ؛ فدانوا لهم واستوثق لهم الملك .ثم افترقوا
وكانت رياسة كل بطن منهم في بيت مخصوص .فكانت رياسة لمتونة في بني ورتانطق بن منصور بن
مصالة بن المنصور بن مزالت بن أميت بن رتمال بن تلميت وهو لمتونة .ولما أفضت الرياسة إلى يحيى بن
إبراهيم الكندالي ،وكان له صهر في بني ورتانطق هؤلء وتظاهروا على أمرهم ،وخرج يحيى بن إبراهيم
لقضائه الحج في رؤساء من قومه في سنة أربعين وأربعمائة (440هـ) ،فلقوا في منصرفهم بالقيروان شيخ
المذهب المالكي أبو عمران الفاسي ،واغتنموا ما متعوا به من هديه وما شافههم به من فروض أعيانهم من
فتاويه .وسأله المير يحيى أن يصحبهم من تلميذه من يرجعون إليه في نوازلهم وقضايا دينهم .فندب تلميذه
إلى ذلك حرصاً على إيصال الخير إليهم ،لما رأى من رغتهم فيه فاستوعبوا مسغبة بلدهم .وكتب لهم الفقيه
أبو عمران إلى الفقيه محمد وكاك بن زلوا اللمطي بسجلماسة من الخذين عنه ،وعهد إليه أن يلتمس لهم من يثق بدينه وفقهه ويروض نفسه على
مسغبة أرضهم في معاشه .فبعث معهم عبد ال بن ياسين بن مكو الجزولي ،ووصل معهم يعلمهم القرآن ويقيم لهم الدين .ثم هلك يحيى بن
إبراهيم وافترق أمرهم واطرحوا عبد ال بن ياسين ،واستصعبوا علمه وتركوا الخذ عنه لما تجشموا فيه من مشاق التكليف ؛ فأعرض عنهم
وترهب .وتنسك معه يحيى بن عمر بن تلكاكين من رؤساء لمتونة وأخوه أبو بكر فنبذوا عن الناس في ربوة يحيط بحر النيل من جهاتها
ضحضاحاً في المصيف وغمراً في الشتاء ،فتعود جزراً منقطعة.
سبب تسميتهم بالمرابطين :فدخلوا في غياضها منفردين للعبادة وتسامع بهم من في قلبه مثقال حبة من خير فتسايلوا إليهم ودخلوا ولما كمل
معهم ألف من الرجالت ،قال لهم شيخهم عبد ال بن ياسين :إن ألفاً لن تغلب من قلة وقد تعين علينا القيام بالحق والدعاء إليه وحمل الكافة عليه
؛ فأخرجوا بنا لذلك فخرجوا وقتلوا من استعصى عليهم من قبائل لمتونة وكدالة ومسوفة حتى أنابوا إلى الحق واستقاموا على الطريقة وأذن لهم
في أخذ الصدقات من أموال المسلمين وسماهم بالمرابطين ،وجعل أمرهم في العرب إلى المير يحيى بن عمر ؛ فتخطوا الرمال الصحراوبة إلى
بلد درعة وسجلماسة فأعطوهم صدقاتهم وانقلبوا .ثم كتب إليهم وكاك اللمطي بما نال المسلمين فيما إليه من العسف والجور من بني وانودين
أمراء سجلماسة من مغراوة ،وحرضهم على تغيير أمرهم فخرجوا من الصحراء سنة خمس وأربعين وأربعمائة (445هـ) ،في عدد ضخم
ركباناً على المهارى أكثرهم وعمدوا إلى درعة ؛ل بل كانت هنالك بالحمى وكانت تناهز خمسين ألفًا ونحوها .ونهض إليهم مسعود بن وانودين
أمير مغراوة وصاحب سجلماسة ودرعة لمدافعتهم عنها وعن بلده فتواقعوا وانهزم ابن وانودين وقتل واستلحم عسكره مع أموالهم واستلحمهم
ودوابهم وإبل الحمى ،التي كانت ببلد درعة .وقصدوا سجلماسة فدخلوها غلباً وقتلوا من كان بها من فل مغراوة وأصلحوا من أحوالها وغيروا
المنكرات وأسقطوا المغارم والمكوس واقتضوا الصدقات واستعملوا عليها منهم وعادوا إلى صحرائهم.
وهلك يحيى بن عمر سنة سبع وأربعين (447هـ) وقدم وافتتح ماسة وتارودانت وجميع معاقله .ثم افتتح مدينة أغمات سنة تسع وأربعين (
449هـ) ،وفر أميرها لقوط بن يوسف بن علي المغراوي إلى قادل واستضاف إلى بني يفرن بها ،ثم افتتح المرابطون بلد المصامدة بجبال
درن وجاسوا خللها سنة خمسين (450هـ) ،ثم أغزوا تادل فاستباحوها واستلحموا بني يفرن ملوكها وقتل معهم لقوط بن يوسف المغراوي
صاحب أغمات .وتزوج امرأته زينب بنت إسحق النفراوية ،وكانت مشهورة بالجمال والرئاسة وكانت قبل لقوط عند يوسف بن علي بن عبد
2
الرحمن بن واطاس وكان شيخاً على وريكة وهزرجة بزمن هيلنة في دولة أمغارن في بلد المصامدة وهم الشيوخ .وتغلب بنو يفرن على
وريكة وملكوا أغمات فتزوج لقوط زينب هذه ثم تزوجها بعده أبو بكر بن عمر كما ذكرنا.
ثم دعا المرابطين إلى جهاد برغواطة الذين كانوا بتامستا وإنفا وجهات الريف الغربي ،فكانت لهم فيهم وقائع وأيام واستشهد عبد ال بن ياسين
في بعضها سنة خمسين (450هـ) .وقدم المرابطون بعده سليمان بن عدو ليرجعوا إليه في قضايا دينهم .واستمر أبو بكر بن عمر في إمارة قومه
على جهادهم ثم استأصل شأفتهم ومحا أثر دعوتهم من المغرب ،وهلك في جهادهم سليمان بن عدو سنة إحدى وخمسين (451هـ) لسنة من وفاة
عبد ال بن ياسين .ثم نازل أبو بكر بن عمر مدينة لواتة وافتتحها عنوة وقتل من كان بها من زناتة سنة اثنتين وخمسين (452هـ) .وبلغه وهو لم
يستتم فتح المغرب بعدما وقع من الخلف بين لمتونة ومسوفة ببلد الصحراء حيث أصل أعياصهم ووشائج أعراقهم ومنيع عددهم ؛ فخشي
افتراق الكلمة وانقطاع الوصلة وتلفى أمره بالرحلة.
ظهور يوسف بن تاشفين :أكد ذلك زحف بلكين بن محمد بن حماد صاحب القلعة إلى المغرب سنة ثلث وخمسين (453هـ) لقتالهم فارتحل أبو
بكر إلى الصحراء واستعمل على المغرب ابن عمه يوسف بن تاشفين ،ونزل له عن زوجه زينب بنت إسحق ولحق بقومه .ورفع ما كان بينهم
من خرق الفتنة وفتح بابًا من جهاد السودان فاستولى على نحو تسعين مرحلة من بلدهم .وأقام يوسف بن تاشفين بأطراف المغرب ونزك بلكين
صاحب القلعة فاس وأخذ رهنها على الطاعة وانكفأ راجعاً .فحينئذ سار يوسف بن تاشفين في عسكره من المرابطين ودوخ أقطار المغرب .ثم
رجع أبو بكر إلى المغرب فوجد يوسف بن تاشفين قد استبد عليه .وأشارت عليه زينب أن يريه الستبداد في أحواله وأن يعد له متاع الصحراء
وماعونها ،ففطن لذلك المير أبو بكر وتجافى عن المنازعة وسلم له المر ورجع إلى أرضه ؛ فهلك لمرجعه سنة ثمانين وأربعمائة (480هـ) .
يوسف بن تاشفين يتوج ملكا على المغرب :اجتمعت طوائف المرابطين على يوسف بن تاشفين وملكوه عليهم ولقبوه أمير المسلمين .واختط
يوسف مدينة مراكش ،وكانت تحت بلد المصامدة ،الذين هم أشد أهل المغرب قوة وأمنعهم معقل ،ونزلها بالخيام وأدار سورها على مسجد
وقصبة صغيرة لختزان أمواله وسلحه وكمل تشييدها وأسوارها ابنه من بعده سنة ست وعشرين وخمسمائة (526هـ) .وجعل يوسف مدينة
مراكش لنزله لعسكره وللتمرس بقبائل المصامدة المصيفة بمواطنهم بها في جبل درن فلم يكن في قبائل المغرب أشد منهم ول أكثر جمعاً .ثم
صرف عزمه إلى مطالبة مغراوة وبني يفرن وقبائل زناتة بالمغرب وجذب الحبل من أيديهم وكشف ما نزل بالرعايا من جورهم وعسفهم .فقد
كانوا من ذلك على ألم.
ل قلعة فازاز وبها مهدي بن توالي من بني يحفش .قال صاحب نظم حدث المؤرخون في أخبار مدينة فاس ودولتهم فيها بكثير منه؛ فنازل أو ً
الجواهر :وهم بطن من زناتة وكان أبو توالي صاحب تلك القلعة ووليها هو من بعده فنازله يوسف بن تاشفين .ثم استجاش به على فاس مهدي بن
يوسف الكزنابي صاحب مكناسة بما كان عدواً لصاحب فاس ؛ فزحف في عساكر المرابطين إلى فاس وجمع إليه معنصر ففض جموعه وارتحل
يوسف إلى فاس وتقرى منازلها وافتتح جميع الحصون المحيطة بها ،وأقام عليها أياماً قلئل وظفر بعاملها بكار بن إبراهيم فقتله .ثم نهض إلى
صفروي فافتتحها وقتل من كان بها من أولد وانودين المغراوي ورجع إلى فاس فافتتحها صلحاً ،ثم خرج إلى غمارة ونازلهم وفتح كثيرًا من
بلدهم .وأشرف على طنجة وبها سكوت البرغواطي الحاجب صاحب سبتة وبقية المراء من موالي الحمودية وأهل دعوتهما .ثم رجع إلى
منازلة قلعة فازاز وخالفه معنصر إلى فاس فاستولى عليها وقتل واستدعى يوسف بن تاشفين مهدي بن يوسف صاحب مكناسة ؛ ليستجيش به
على فاس فاستعرضه معنصر في طريقه قبل أن تتصل بأيديهما وناجزه الحرب ففض جموعه وقتله وبعث برأسه إلى وليه ومساهمه في شدته
الحاجب سكوت البرغواطي .واستصرخ أهل مكناسة بالمير يوسف بن تاشفين فسرح عساكر لمتونة إلى حصار فاس فأخذوا بمخنقها وقطعوا
المرافق عنها وألحوا بالقتال عليها فمسهم الجهد .وبرز معنصر إلى مناجزة عدوه لحدى الراحتين فكانت الدائرة عليه وهلك .واجتمع زناتة من
بعده على القاسم بن محمد بن عبد الرحمن من ولد موسى بن أبي العافية كانوا ملوكاً بتازا وتسول فزحفوا إلى عساكر المرابطين والتقوا بوادي
صفير فكان الظهور لزناتة.
واستلحم كثير من المرابطين واتصل خبرهم بيوسف بن تاشفين وهو محاصر لقلعة مهدي من بلد فازاز فارتحل سنة ست وخمسين ونزل عليها
عسكر من المرابطين وصار يتنقل في بلد المغرب فافتتح بني مراسن ثم فنزلوة ثم بلد ورغة سنة ثمان وخمسين .ثم افتتح بلد غمارة سنة
ستين .وفي سنة اثنتين وستين نازل فاس فحاصرها مدة ثم افتتحها عنوة وقتل بها زهاء ثلثة آلف من مغراوة وبني يفرن ومكناسة وقبائل زناتة
حتى أعوزت مدافنهم فرادى فاتخذت لهم الخاديد وقبروا جماعات وخلص من نجا منهم من القتل إلى بلد تلمسان وأمر بهدم السوار التي كانت
فاصلة بين القرويين والندلسيين من عدوتيها وصيرها مصراً واحداً .وأدار عليها السوار وحمل أهلها على الستكثار من المساجد ورتب
بناءها .وارتحل سنة ثلث وستين إلى وادي ملوية فافتتح بلدها وحصون وطاط من نواحيها .ثم نهض سنة خمس وستين إلى مدينة الدمنة
فافتتحها عنوة ثم افتتح حصن علودان من حصون غمارة .ثم نهض سنة سبع وستين إلى جبال غياثة وبني مكود من أحواز تازا فافتتحها ودوخها.
ثم قسم المغرب عمالت على بنيه وأمراء قومه وذويه ثم استدعاه المعتمد بن عباد إلى الجهاد فاعتذر له بمكان الحاجب سكوت البرغواطي
وقومه من أولياء الدولة الحمودية بسبتة فأعاد إليه ابن عباد الرسل بالمشايعة إليهم فجهز إليهم قائده صالح بن عمران في عساكر لمتونة فلقيه
سكوت الحاجب بظاهر طنجة في قومه ومعه ابنه ضياء الدولة فانكشف وقتل الحاجب سكوت ولحق ابنه العزيز ضياء الدولة .وكتب صالح بن
عمران بالفتح إلى يوسف بن تاشفين.
يوسف بن تاشفين في وسط المغرب :ثم أغزى المير يوسف بن تاشفين إلى المغرب الوسط سنة اثنتين وسبعين قائده مزدلي بن تبلكان بن
محمد بن وركوت في عساكر لمتونة ؛ لمحاربة مغراوة ملوك تلمسان يومئذ المير العباس ين يختي من ولد يعلى بن محمد بن الخير بن محمد بن
خزر ،فدوخوا المغرب الوسط وصاروا في بلد زناتة وظفروا بيعلى بن المير العباسي فقتلوه وانكفأوا راجعين من غزاتهم .ثم نهض يوسف
بن تاشفين سنة ثلث بعدها إلى الريف وافتتح كرسيف ومليلة وسائر بلد الريف وخرب مدينة نكور فلم تعمر بعد ثم نهض في عساكره
المرابطين إلى بلد المغرب الوسط ،فافتتح مدينة وجدة وبلد بني يزتاسن .ثم افتتح مدينة تلمسان واستلحم من كان بها من مغراوة وقتل العباس
3
بن بختي أمير تلمسان وأنزل محمد بن المستوفى بها في عساكر المرابطين فصارت ثغرًا لملكه .ونزل بعساكره واختط بها مدينة تاكرارت بمكان
محلته وهو اسم المحلة بلسان البربر.
ابن تاشفين في الجزائر :ثم افتتح مدينة تنس ووهران وجبل وانشريس إلى الجزائر ،وانكفأ راجعاً إلى المغرب فاحتل مراكش سنة خمس
وسبعين .ولم يزل محمد بن تينعمر واليًا بتلمسان إلى أن هلك وولي بعده أخوه .
الندلسيون يستنجدون بابن تاشفين :ثم إن الطاغية تكالب على بلد المسلمين ،وانتهز الفرصة فيها بما كان من الفرقة بين ملوك الطوائف
فحاصر طليطلة وبها القادر بن يحيى بن ذي النون ،حتى نالهم الجهد وتسلمها منه صلحاً سنة ثمان وسبعين على أن يملكه بلنسية فبعث معه
عسكرًا من النصرانية ،فدخل بلنسية وتملكها على حين مهلك صاحبها أبي بكر بن العزيز بين يدي حصار طليلة .وسار الطاغية في بلد
الندلس حتى وقف بفرضة المجاز من صريف وأعيا أمره أهل الندلس واقتضى منهم الجزية فأعطوها .ثم نازل سرقسطة وضيق على ابن هود
بها وطال مقامه وامتد أمله إلى تملكها فخاطب المعتمد بن عباد أمير المسلمين يوسف بن تاشفين منتجزًا وكاتبه أهل الندلس في كافة من العلماء
والخاصة ؛ فاهتز للجهاد وبعث ابنه المعز في عساكر المرابطين إلى سبتة فرضة المجاز فنازلها براً .وأحاطت بها أساطيل ابن عباد بحراً
فاقتحموها عنوة في ربيع الخر سنة ست وسبعين ،وتقبض على ضياء الدولة وقيد إلى المغرب فقتله صبراً وكتب إلى أبيه بالفتح .ثم أجاز ابن
عباد البحر في جماعته والمرابطين ولقيه بفاس مستنفراً للجهاد .وأنزل له ابنه الراضي عن الجزيرة الخضراء لتكون رباطاً لجهاده فأجاز البحر
في عساكر المرابطين وقبائل المغرب ونزل الجزيرة سنة تسع وثمانين وأربعمائة ،ولقيه المعتمد ابن عباد وابن الفطس صاحب بطليوس.
وجمع ابن أدفونش ملك الجللقة أمم النصرانية لقتاله ولقي المرابطين بالزلقة من نواحي بطليوس فكان للمسلمين عليه اليوم المشهور سنة إحدى
وثمانين .ثم رجع إلى مراكش وخلف عسكرًا بالشبيلية لنظر محمد ومجون بن سيمونن بن محمد بن وركوت من عشيره ويعرف أبوه بالحاج
وكان محمد من بطانته وأعاظم قواد تكاليب الطاغية على شرق الندلس ولم يغن فيه أمراء الطوائف شيئاً ،فزحف إليه من سبتة ابن الحاج قائد
يوسمف بن تاشفين في عساكر المرابطين فهزموا جميع النصارى هزيمة شنيعة .وخلع ابن رشيق صاحب مرسية وتمادى إلى دانية ففر علي بن
مجاهد أمامه إلى بجاية ونزل على الناصر بن علناس فأكرمه ووصل ابن جحاف قاضي بلنسية إلى محمد بن الحاج مغريًا بالقادر بن ذي النون
فأنفذ معه عسكرًا وملك بلنسية وقتل ابن ذي النون وذلك سنة خمس وثمانين .
وانتهى الخبر إلى الطاغية فنازل بلنسية واتصل حصاره إياها إلى أن ملكها سنة خمس وثمانين ثم استخلصتها عساكر المرابطين وولى عليها
يوسف بن تاشفين المير مزدلي وأجاز يوسف بن تاشفين ثانية سنة ست وثمانين وتثاقل أمراء الطوائف عن لقائه لما أحسوا من نكيره عليهم لما
يسمون به عليهم من الظلمات والمكوس وتلحق المغارم فوجد عليهم وعهد برفع المكوس وتحرى المعدلة فلما أجاز انقبضوا عنه إل ابن عباد
فإنه بادر إلى لقائه وأغراه بالكثير منهم فتقبض على ابن رشيق فأمكن ابن عباد منه العداوة التي بينهما .وبعث جيشاً إلى المرية ففر عنها ابن
صمادح ونزلى على المنصور بن الناصر ببجاية وتوافق ملوك الطوائف على قطع المدد عن عساكره ومحلته .
ابن تاشفين يحصل على فتاوى الفقهاء بخلع أمراء الطوائف :أفتاه الفقهاء وأهل الشورى من المغرب والندلس بخلعهم وانتزاع المر من
أيديهم ،وصارت إليه بذلك فتاوى أهل الشرق العلم مثل الغزالي والطرطوشي فعهد إلى غرناطة واستنزل صاحبها عبيد ال بن بلكين بن
باديس وأخاه تميمًا من مالقة بعد أن كان منهما مداخلة الطاغية في عداوة يوسف بن تاشفين .وبعث بهما إلى المغرب فخاف ابن عباد عند ذلك منه
وانقبض عن لقائه وفشت السعايات بينهما .ونهض يوسف بن تاشفين إلى سبتة فاستقر بها وعقد للمير سير بن أبي بكر بن محمد وركوت على
الندلس وأجازه فقدم عليها وقعد ابن عباد عن تلقيه ومبرته فأحفظه ذلك وطالبه بالطاعة للمير يوسف والنزول عن المر ففسد ذات بينهما
وغلبه على جميع عمله .واستنزل أولد المأمون من قرطبة ويزيد الراضي من رندة وقرمونة واستولى على جميعها وقتلهم .وصمد إلى إشبيلية
فحاصر المعتمد بها وضيق عليه واستنجد الطاغية فعمد إلى إستنقاذه من هذا الحصار فلم يغن عنه شيئًا وكان دفاع لمتونة مما فت في عضده .
المرابطون يقتحمون إشبيلية ويقبضون على المعتمد بن عباد :واقتحم المرابطون إشبيلية عليه عنوة سنة أربع وثمانين .وتقبض على المعتمد
وقاده أسيراً إلى مراكش ،فلم يزل في اعتقال يوسف بن تاشفين إلى أن هلك في محبسه بأغمات سنة سبعين وأربعمائة .ثم عمد إلى بطليوس
وتقبض على صاحبها عمر بن الفطس فقتله وابنيه يوم الضحى سنة تسع وثمانين بما صح عنده من مداخلتهم الطاغية وأن يملكوه مدينة
بطليوس ،ثم أجاز يوسف بن تاشفين الجواز الثالث سنة تسعين وزحف إليه الطاغية فبعث عساكر المرابطين لنظر محمد بن الحاج فانهزم
النصارى أمامه وكان الظهور للمسلمين .ثم أجاز المير يحيى بن أبي بكر بن يوسف بن تاشفين سنة ثلث وتسعين وانضم إليه محمد بن الحاج
وسير بن أبي بكر واقتحموا عامة الندلس من أيدي ملوك الطوائف ولم يبق منها إل سرقسطة في يد المستعين بن هود معتصماً بالنصارى .وغزا
المير مزدلي صاحب بلنسية إلى بلد برشلونة فأثخن بها وبلغ إلى حيث لم يبلغ أحد قبله ورجع.
سقوط ملوك الطوائف وصعود نجم ابن تاشفين :وانتظمت بلد الندلس في ملكة يوسف بن تاشفين وانقرض ملك الطوائف منها أجمع كأن لم
يكن ،واستولى على العدوتين واتصلت هزائم النصارى على يد المرابطين مراراً وتسمى بأمير المسلمين وخاطب المستنصر العباسي الخليفة
لعهده ببغداد وبعث إليه عبد ال بن محمد بن العرب المعافري الشبيلي وولده القاضي أبا بكر ،فتلطفا في القول وأحسنا في البلغ وطلبا من
الخليفة أن يعقد له على المغرب والندلس فعقد له وتضمن ذلك مكتوب الخليفة بذلك منقولً في أيدي الناس وانقلبا إليه بتقليد الخليفة وعهده على
ما إلى نظره من القطار والقاليم.
وخاطبه المام الغزالي والقاضي أبو بكر الطرطوشي يحضانه على العدل والتمسك بالخير ويفتيانه في شأن ملوك الطوائف بحكم ال .ثم أجاز
يوسف بن تاشفين الجواز الرابع إلى الندلس سنة سبع وتسعين وقد كان ما قدمناه في أخبار بني حماد من زحف المنصور بن الناصر إلى تلمسان
سنة سبع وتسعين للفتنة التي وقعت بينه وبين تاشفين بن يتنعمر وافتتاحه أكثر بلدهم فصالحه يوسف بن تاشفين واسترضاه بعدول تاشفين عن
تلمسان سنة سبع وتسعين وبعث إليهما مزدلي من بلنسية وولي بلنسية عوضًا عنه أبا محمد ابن فاطمة وكثرت غزواته في بلد النصرانية.
4
هلك يوسف بن تاشفين وتولي ابنه بعده :هلك يوسف على رأس المائة الخامسة ،وقام بالمر من بعده ابنه علي بن يوسف فكان خير ملك
وكانت أيامه صدرًا منها وادعة ودولته على الكفر وأهله ظهور وعزة وأجاز إلى العدوة ؛ فأثخن في بلد العدو قتلً وسبياً وولى على الندلس
المير تميم .وجمع الطاغية للمير تميم فهزمه تميم ثم أجاز علي بن يوسف سنة ثلث ونازل طليطلة .وأثخن في بلد النصارى ورجع وعلى
أثر ذلك قصد ابن ردمير سرقسطة وخرج ابن هود للقائه فانهزم المسلمون ومات ابن هود شهيداً وحاصر ابن ردمير البلد حتى نزلوا على حكمه.
ثم كانت سنة تسع شأن برقة وتغلب أهل جنوة عليها وخلؤها .ثم رجع العمران إليها على يد ابن تامرظست من قواد المرابطين كما مر في
ذكرها عند ذكر الطوائف ثم استمرت حال علي بن يوسف في ملكه وعظم شأنه وعقد لولده تاشفين على غرب الندلس سنة ست وعشرين وأنزله
قرطبة وإشبيلية وأجاز معه الزبير بن عمر وحشد قومه وعقد لبي بكر بن إبراهيم المسوفي على شرق الندس وأنزله بلنسية وهو ممدوح بن
خفاجة ومخدوم أبي بكر بن باجة الحكيم المعروف بابن الصائغ .وعقد لبن غانية المسوفي على الجزائر الشرقية دانية وميورقة واستقامت أيامه
ولربع عشرة سنة من دولته .
ظهور المهدي صاحب دعوة الموحدين :كان ظهور المام المهدي صاحب دعوة الموحدين فقيهًا منتحلً للعلم والفتيا والتدريس آمرًا بالمعروف
ناهيًا عن المنكر متعرضًا بذلك للمكروه في نفسه .ونالته ببجاية وتلمسان ومكناسة اذايات من الفسقة ومن الظالمين ،وأحضره المير علي بن
يوسف للمناظرة ففلج علي خصومه من الفقهاء بمجلسه ولحق بقومه هرغة من المصامدة .واستدرك علي بن يوسف رأيه فتفقده وطالب هرغة
بإحضاره فأبوا عليه فسرح إليهم البعث فأوقعوا به وتقاسم معهم هنتاتة وتينملل على إجارته والوفاء بما عاهدهم عليه من القيام بالحق والدعاء
إليه حسبما يذكر ذلك كله بعد دولتهم .وهلك المهدي في سنة أربع وعشرين وقام بأمرهم عبد المؤمن بن علي الكومي كبير أصحابه بعهده إليه
وانتظمت كلمة المصامدة وأغزوا مراكش مراراً .وفشل ريح لمتونة بالعدوة الندلسية وظهر أمر الموحدين وفشت كلمتهم في برابرة المغرب.
وهلك علي بن يوسف سنة سبع وثلثين وقام بالمر من بعده ولده تاشفين وولي عهده وأخذ بطاعته وبيعته أهل العدوتين كما كانوا على حين
استغلظ أمر الموحدين واستفحل شأنهم وألحوا في طلبه.
سقوط المرابطين في المغرب على يد الموحدين :وغزا عبد المؤمن غزوته المجرى إلى جبال المغرب ونهض تاشفين بعساكره بالبسائط إلى أن
نزل تلمسان .ونازله عبد المؤمن والموحدون بكهف الضحاك بين الصخرتين من جبل تيطري المطل عليها ووصله هنالك مدد صنهاجة من قبل
يحيى بن عبد العزيز صاحب بجاية مع قائده طاهر بن كباب وشرهوا إلى مدافعة الموحدين فغلبوهم .وهلك طاهر واستلحم الصنهاجيون وفر
تاشفين إلى وهران في موادعة لب بن ميمون قائد البحر بأساطيله .واتبعه الموحدون واقتحموا عليه البلد فهلك يقال سنة إحدى وأربعين .واستولى
الموحدون على المغرب الوسط واستلحموا لمتونة .ثم بويع بمراكش ابنه إبراهيم وألفوه مضعفاً عاجزاً فخلع وبويع عمه إسحق بن علي بن
يوسف بن تاشفين .وعلى هيئة ذلك وصل الموحدون إليها وقد ملكوا جميع بلد المغرب عليه فخرج إليهم في خاصته فقتلهم الموحدون .وأجاز
عبد المؤمن والموحدون إلى الندلس سنة إحدى وخمسين وملكوا واستحلموا أمراء لمتونة وكافتهم وفروا في كل وجه ولحق فلهم بالجزائر
الشرقية ميورقة ومنورقة ويابسة إلى أن جددوا من بعده للملك بناحية إفريقية .
..
(في ذكرى وفاة مؤسسها 10 :من جمادى الخرة 558هـ)
أحمد تمام
5
حدود دولة الموحدين بالمغرب والندلس
ظهر المهدي بن تومرت في القرن السادس الهجري ،وبدأ دعوته الصلحية في المغرب؛ فدعا الناس إلى التوحيد الخالص ،ولهذا أُطلق على
أنصاره اسم "الموحدين" ،وسُميت الدولة التي قامت على دعوته دولة "الموحدين" ،وجهر بالمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،ودعا لنفسه
على أنه المهدي المنتظر والمام المعصوم الذي يحكم بين الناس بالعدل ،واتخذ منهجا في الفقه يقوم على الدراسة المباشرة للقرآن والسنة
دون دراسة فروع المسائل الفقهية التي كانت سائدة في المغرب على المذهب المالكي.
وكان المهدي بن تومرت يطوف بمدن المغرب يدعو الناس إلى الصلح واللتزام بالشرع ومحاربة البدع والمنكرات ،وقد لقت
دعوته قبول بين الناس ،فالتفوا حوله أينما نزل .وفي إحدى جولته التقى بعبد المؤمن علي الكومي ،وكان اللقاء في "مللة" بجانب ميناء
"بجاية" شرقي الجزائر.
وأبو محمد بن علي الكومي من أصل بربري ،ولد في قرية "تاجرا" الجزائرية التي تبعد نحو ثلثة أميال عن مرسى "هنين" على
ساحل البحر المتوسط ،ول يُعرف على سبيل اليقين تاريخ مولده .وفي قريته حفظ القرآن الكريم ،وتعلم مبادئ القراءة والكتابة ،ودرس شيئا
من الفقه والسيرة النبوية ،ثم رحل إلى تلمسان ،وكانت من حواضر العلم ،وتلقى العلم على عدد من كبار العلماء ،في مقدمتهم الشيخ "عبد
السلم التونسي" إمام عصره في الفقه والحديث والتفسير ،ثم استعد للرحلة إلى المشرق؛ طلبا للمزيد من المعرفة .وقبل الرحيل سمع بوجود
فقيه جليل يتحدث الناس عن علمه الغزير ،فاشتاق إلى رؤيته ،فاتجه إليه حيث يقيم في بلدة "مللة" القريبة من "بجاية" بمسافة قليلة.
وفي هذا اللقاء أُعجب عبد المؤمن بشخصية "ابن تومرت" وغزارة علمه وقدرته على حشد النصار والتباع ،وتخلى عن فكرة السفر
إلى المشرق ،ولزم ابن تومرت ،ودرس على يديْه ،وكان عالما كبيرا وفقيها متبّحرا ،ودرس في المغرب ،ورحل إلى المشرق ،وقابل
العلماء ،وأخذ عنهم ،ثم توثقت الصلة بين الرجلين ،ثم غادرا "مللة" ،واتجها إلى "فاس" ،وفي أثناء الرحلة لم يكف المهدى عن المر
بالمعروف والنهي عن المنكر ،وكسر آلت اللهو ،وإراقة الخمر حتى وصل إلى مدينة فاس ،فأقام بها يدرّس العلم إلى سنة (514هـ=
1120م) ،ثم ارتحل ومعه عبد المؤمن بن علي الكومي إلى مراكش عاصمة دولة المرابطين ،فأقاما بها في (ربيع الول 515هـ =
1221م).
أقام المهدي بن تومرت في مراكش وأخذ في الدعوة إلى المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،واعترض على سياسة الدولة في بعض
المور التي رآها مخالفة للشرع ،ووعظ السلطان حين قابله في المسجد وطالبه بتغيير المنكر ،فلما استفحل أمره وتجمع الناس حوله دعا
المير "علي بن يوسف" العلماء إلى مناظرته فغلبهم بقوة لسانه وحدّة ذكائه وسعة علمه ،ولم يجد المير مفرًا من طرده من عاصمته ،معتقدا
ف لزوال خطره على سلطانه ،واتجه المهدى بأتباعه إلى "تينملل" وبدأ في تنظيمهم وإعدادهم ،وجعلهم في طبقات على رأسها أن ذلك كا ٍ
الجماعة التي تمثل أعلى سلطة في حكومته ،وهي تتألف من عشرة رجال ،كان من بينهم عبد المؤمن بن علي الكومي ،ثم أخذ البيعة لنفسه
في (غرة المحرم 516هـ= 12من مارس 1122م) ،واستعد لمواجهة المرابطين بجذب التباع والنصار وتجهيز الحملت العسكرية التي
حققت بعض النتصارات ،وشارك المهدي في تسع غزوات منها ،ولكنها لم تكن كافية لتقويض الحكم المرابطي ،وشجعت هذه النتصارات
زعيم الموحدين فأرسل حملة كبيرة بلغت 40ألف جندي لمهاجمة مراكش عاصمة المرابطين والستيلء عليها ،ولكنها لقيت هزيمة ساحقة
سنة ( 524هـ= 1130م) في معركة سميت بمعركة "البحيرة" ،على مقربة من أسوار مراكش ،وقُتل معظم الجيش الموحدي ،ولم ينج من
القتل سوى عدد قليل ،تسلل تحت جنح الظلم إلى "تينملل" ،ولما وصلت أنباء الهزيمة إلى المهدي الذي كان مريضا ساءت صحته وخاب
6
أمله ثم لم يلبث أن توفي في ( 13رمضان 524هـ= 20من أغسطس 1130م).
تحمل عبد المؤمن علي الكومي أعباء الدعوة عقب وفاة أستاذه ،وكانت المسئولية جسيمة بعد الهزيمة المدوّية التي لحقت بالموحدين،
واستطاع في صبر وأناة أن يعيد تنظيم شئون دعوته ويجند أنصارا جددا ،واستغرق منه ذلك نحو عام ونصف حتى إذا آنس في نفسه قوة
وثقة بدأ في الستعداد لمناوشة المرابطين ،وظل يناوشهم دون الدخول في معارك حاسمة ،واستمر هذا الوضع حتى سنة (534هـ=
1130م) ،وكان عبد المؤمن في أثناء هذه الفترة يعمل على زيادة نشر الدعوة الموحدية وجذب قبائل جديدة للدخول في طاعته وتوسيع رقعة
دولته كلما سمحت له الظروف ،وبخاصة في الجهات الجنوبية والشرقية من المغرب.
رأى عبد المؤمن أن الفرصة قد سنحت للقضاء على المرابطين ،فآثر أن يسرع في ذلك ،وأن يبدأ بمهاجمتهم في قلب دولتهم ،فجهز
جيشًا عظيمًا لهذا الغرض ،وخرج به من قاعدته "تينملل" سنة ( 534هـ = 1140م) ،واتجه إلى شرق المغرب وجنوبه الشرقي؛ لخضاع
القبائل لدعوته ،بعيدًا عن مراكش مركز جيش المرابطين القوي ،وأنفق عبد المؤمن في غزوته الكبرى أكثر من سبع سنوات متصلة ،أبدى
فيها ضروبًا من الحيل الحربية والمهارة العسكرية؛ وهو ما جعل الجيش المرابطي يحل به الوهن دون أن يلتقي معه في لقاءات حاسمة
ومعارك فاصلة .وفي أثناء هذه الغزوة توفي علي بن يوسف سلطان دولة المرابطين سنة (537هـ = 1142م) وخلفه ابنه تاشفين ،لكنه لم
يتمكن من مقاومة جيش عبد المؤمن ،الذي تمكن من دخول تلمسان سنة (539هـ= ،)1144فتراجع تاشفين ،إلى مدينة "وهران" ،فلحقه
جيش الموحدين ،وحاصروا المدينة وأشعلوا النيران على باب حصنها ،ولما حاول تاشفين الهروب من الحصن سقط من على فرسه ميتًا في
( 27من رمضان 539هـ = 23من مارس 1145م) ،ودخل الموحدون مدينة وهران ،وقتلوا من كان بها من المرابطين .بعد وهران
تطلع عبد المؤمن إلى فتح مدينة فاس ،فاتجه إليها ،وضرب حولها حصارًا شديدًا ،ظل سبعة أشهر ،وعانى أهلها من قسوة الحصار ،واضطر
واليها إلى التسليم فدخلها الموحدون في ( 14من ذي القعدة 540هـ = 5من مايو 1145م) ثم دخلت كل من مدينتي سبتة وسل في طاعة
الموحدين قبل أن يتجهوا إلى تراشك لفتحها ،وكان يعتصم بها إسحاق بن علي بن تاشفين ،وضرب الموحدون حصارًا حول المدينة دام أكثر
من تسعة أشهر ،أبدى المدافعون عن المدينة ضروبًا من الشجاعة والبسالة ،لكنها لم تغن عنهم شيئًا ،واستولى الموحدون على المدينة في (
18من شوال 541هـ = 24من مارس 1147م) ،وقتلوا إسحاق بن علي آخر أمراء المرابطين بعد أن وقع أسيرًا ،وبذلك سقطت دولة
المرابطين ،وقامت دولة جديدة تحت سلطان عبد المؤمن بن علي الكومي الذي تلقب بلقب "خليفة".
استكمال الفتح
انتهز جماعة من الزعماء الندلسيين فرصة انشغال المرابطين بحرب الموحدين بالمغرب ،فثاروا على ولتهم التابعين لدولة
المرابطين ،وأعلنوا أنفسهم حكامًا واستبدوا بالمر ،وتنازعوا فيما بينهم يحارب بعضهم بعضًا.
فلما تمكن عبد المؤمن بن علي من بسط نفوذه على المغرب بدأ في إرسال جيش إلى الندلس سنة (541هـ = 1146م) ،فاستعاد
إشبيلية واتخذها الموحدون حاضرة لهم في الندلس ،ونجح يوسف بن علي قائد جيش الموحدين من بسط نفوذه على بطليوس وشمنترية،
وقادس ،وشلب ،ثم دخلت قرطبة وجيان في طاعة الموحدين سنة (543هـ= 1148م) ،واستعادوا "المرية" سنة (552هـ = 1157م) من يد
السبان المسيحيين ،وبذلك توحدت بقية الندلس السلمية تحت سلطانهم ،وعين عبد المؤمن ابنه "أبا سعيد عثمان" واليًا عليها.
وقبل أن يعبر عبد المؤمن إلى الندلس كان قد تمكن في سنة ( 547هـ = 1152م) من فتح المغرب الوسط وضم إلى دولته الجزائر
وبجاية وقلعة بني حماد ،وجعل ابنه عبد ال واليًا على المغرب الوسط ،وعهد إليه بمواصلة الفتوح شرقًا ،فنجح فيما عُهد إليه ،كما نجح في
القضاء على النورمانديين الصليبيين وطردهم من تونس التي كانوا قد احتلوها .وفي أواخر أيام عبد المؤمن حدث تمرد في شرق الندلس،
فأسرع إلى هناك وقمع الثائرين وقضى على الفتنة ،ثم عاد إلى المغرب ،وعندما وصل إلى "سل" نزل به المرض ،ولم يلبث أن توفي في (
10من جمادى الخرة 16 = 558من مايو 1162م) ودفن في "تينملل" بجوار قبر المهدي بن تومرت.
حكم عبد المؤمن بن علي أربعًا وثلثين سنة تعد من أزهى عصور المغرب ،ورث عن ابن تومرت حركة ثائرة فحولها إلى دولة،
ومد سلطانها حتى شلمت المغرب كله وما بقي من الندلس ووضع لها القواعد والنظم الدارية التي تمكن من تسيير أمور الدولة وإدارة
شئونها .ويحفظ التاريخ رسالة طويلة بعث بها عبد المؤمن إلى أهل الندلس ،تعد دستورًا لنظم الحكم الموحدية ،أكد فيها على اتصال الولة
بالناس دون وساطة ،ودعا إلى أن تكون العقوبة على قدر الجريمة ،ول يطبق العدام على أي شخص دون الرجوع إلى الخليفة ورفع
7
تفاصيل جريمته إليه ،وحث الولة على محاربة صنع الخمر ،وأل يفرضوا غرامات أو مكوس على رعيتهم إل بإذن منه.
ونظم عبد المؤمن أمور دولته وجعل لها مؤسسات ،فللعدل والنظر في الشكايات وزير ،ولعمال الحرب والجهاد وزير يسمى
"صاحب السيف" ،وللثغور وزير ،وللشرطة رئيس يسمى "الحاكم" ،وجعل للكتابة والمراسلت وزيرًا من أهل الرأي والبلغة ،وكان لعبد
المؤمن مجلس خاص للنظر والمشاورة يحضره الفقهاء ونواب القبائل وكبار رجال الدولة.
وعني عبد المؤمن بن علي بالجيش حتى صار من أعظم الجيوش في وقته ،وكان هو نفسه قائًدا عظيمًا وجنديًا ممتازًا ،يشاطر جنوده
مشقة الطريق وتقشف الحياة العسكرية ،واجتمع له من الجيوش الجرارة ما لم يجتمع لملوك المغرب مثله ،حيث حقق به انتصارات رائعة.
وشهد عصره حركة إصلح اجتماعي ،فحارب المنكرات بل هوادة ،واشتد في محاربة الخمر وإنزال العقوبة على شاربيها ،وكان
حريصًا على أن تقام الصلوات في مواقيتها ،وأن تجمع الزكاة وتصرف في مصارفها الشرعية.
وكان عبد المؤمن إلى جانب براعته الدارية والعسكرية ،فقيهًا حافظًا لحاديث رسول ال ،له بصر بالنحو واللغة والدب ،محبًا لهل
العلم ،ل يُعرف عنه ميل إلى اللهو ،بل كان جادًا وافر العقل ،مسلمًا شديد الغيرة على الدين ،متحمسًا لكل ما يصلحه.
•ابن خلدون :تاريخ ابن خلدون – دار الكتاب اللبناني – بيروت – 1981م.
•محمد عبد ال عنان :عصر المرابطين والموحدين في المغرب والندلس – مكتبة الخانجي – القاهرة 1411هـ = 1990م.
•حسين مؤنس :تاريخ المغرب وحضارته – العصر الحديث للنشر والتوزيع – بيروت – 1412هـ = 1992م.
•السيد عبد العزيز سالم :المغرب الكبير (العصر السلمي) -الدار القومية للطباعة والنسر – القاهرة – 1966م.
•عبد ال علي علم :الدولة الموحدية بالمغرب في عهد عبد المؤمن بن علي – دار المعارف – القاهرة – 1971م.
•إبراهيم علي حسن :عبد المؤمن بن علي الكومي – دار الثقافة – الغرب – 1406هـ 1986م.
الفاطميون
8
الفاطميون أو العبيديون :سللة شيعية حكمت في تونس ،مصر ،الشام وعلى فترات في الجزائر ،المغرب و الجزيرة العربية ،سنوات -909
1171م.
المقر :القيروان 920-909 :م ،المهدية 973-820 :م ،القاهرة :منذ 973م.
يستمد الفاطميون لقبهم من فاطمة بنت محمد بن عبد ال رسول السلم ،كما يدعون انتسابهم لهل البيت عن طريق المام السابع اسماعيل بن
جعفر الصادق ،ومنه جاءت الطائفة السماعلية .يرى أغلب المؤرخين اليوم أن نسبهم كان منحولً .يفضل أغلب علماء السنة أن يطلقَ عليهم لقب
"العبيديون" نسبة إلى جدهم عبيد ال.
مؤسس السللة عبيد ال المهدي ( 934-909م) اعتمد في دعوته الجديدة على أبو عبد ال الشيعي ،كان يدعي أنه المهدي المنتظر .نجح صاحب
دعوته في القضاء على دولة الغالبة و حمله إلى السلطة .استولى الفاطميون على تونس ،ليبيا و شرق الجزائر ثم صقلية التي بقيت في حكمهم
حتى 1061م .سنة 969م يستولى المعز ( 975-953م) على مصر و يبنى القاهرة .دخل الفاطميون في صراع مع العباسيين للسيطرة على
الشام .كما تنازعوا السيطرة على شمال إفريقية مع المويين حكام الندلس .تمكنوا من إخضاع الحجاز و الحرمين مابين سنوات 1070-965م.
ازدهرت التجارة و نما اقتصاد البلد و نشطت حركة العمران أثناء عهد العزيز ( 996-965م) ثم الحاكم ( 1021-996م) والذي كان متهورا و
متطرفا في أفكاره إلى أقصى حد ،عرفت البلد في عهده اضطرابات كثيرة .بعد مماته انشقت عن السماعلية طائفة من الشيعة عرفت باسم
الدروز .بعد حكم المستنصر ( 1094-1036م) الطويل انشق السماعليون مرة أخرى إلى طائفتين النزارية و المستعلية .تولى الحكم من بعده
خلفاء أطفال .مع حكم الحافظ ( 1149-1131م) تقلصت حدود الدولة إلى مصر فقط.
آخر الخلفاء وقع تحت سيطرة القادة العسكريين اليوبيين .قام صلح الدين اليوبي و الذي تولى الوزارة منذ 1169م ،بالقضاء على الدولة
الفاطمية نهائيا سنة 1171م .تحولت مصر بعدها إلى المذهب السني.
قائمة المراء
الدولة الفاطمية
الدولة الفاطمية
(358-567هـ1172-969 /م)
مَنْ الفاطميون؟ وإلى مَنْ ينتسبون؟ وكيف نشأت دولتهم؟ ومتي كان ذلك؟ وهل تنتسب هذه الدولة إلى دول السلم؟
حب آل البيت:
لقد ملك حب آل البيت النبوي قلوب المسلمين جميعًا ،أما هؤلء المعروفون بالشيعة والذين خرجوا علينا في التاريخ السلمي يغيرون في
المفاهيم الواضحة لديننا الحنيف ،ويسبون أئمة الهدي من الخلفاء الراشدين بدعوي أنهم سلبوا الخلفة من علي كرم ال وجهه ،هؤلء هم
المتشيعون الذين يزعمون حب علي وهو منهم براء.
9
لقد كان علي -رضي ال عنه -على العكس مما زعموا ،فقد كان مستشارًا أمينًا ،ووزير صدق للخلفاء جميعًا ،ولما قامت الدولة الموية لم يتقبلها
بعض المسلمين والهاشميين؛ رفضًا لمبدأ توريث الخلفة.
ولما قامت دولة بني العباس لم ُتمَكّن لبناء علي بن أبي طالب أن يكون لهم شيء في الحكم والخلفة ،ونشط المتشيعون يشعلون الثورات في كل
مكان ،لكن الدولة العباسية كانت في بدايتها قوية ،فتمكنت من القضاء عليها جميعًا ،وسحقتها في عنف وشدة.
دعاة الشيعة:
فهل انقطعت حركة الشيعة أو توقفت أمام تلك المطاردة؟!
ل ..لم تنقطع حركات المتشيعين ولم تتوقف ،فقد كانوا متعصبين لرائهم ،مؤمنين بفكرتهم ،يزعمون أن أحق الناس بالخلفة أبناء علي من نسل
ل بالمسلمين يجب أن يزال .ونشط دعاة الشيعة السيدة فاطمة الزهراء ،فإن نالها غيرهم فما ذاك إل أمر باطل يجب أن يمحي ،وما هو إل شرّح ّ
في الدعوة إلى مذهبهم ،وبخاصة في الجهات البعيدة عن مركز الخلفة ،مثل أطراف فارس واليمن وبلد المغرب.
أبو عبدال الشيعي:
وكان من هؤلء الدعاة "أبو عبدال الشيعي" وهو رجل من صنعاء اتجه إلى المغرب بعد أن رأى دويلت "الغالبة” و"الدارسة" وغيرهما تنشأ
وتقام بعيدًا عن يد الدولة العباسية وسلطانها ،وركز "أبو عبد ال" دعايته بين البربر ،وسرعان ما انضموا إليه في آلف عديدة ،فأرسل إلى
زعيمه الفاطمي الكبير "عبيد ال بن محمد”.
عبيد ال:
وقال "عبيد" هذا بأنه شريف علوي فاطمي ،ولكن الخليفة العباسي علم بالمر فطارد "عبيد ال" هذا ،وأمر بالقبض عليه ،فاضطر حين وصل
مصر إلى أن يتنكر في زي التجار ،ثم حاول أن يفلت من دويلت شمال إفريقيا ،ولكنه سقط أخيرًا في يد أمير "سجلماسة”.
الستيلء على القيروان:
كان "أبو عبد ال" الراعية الشيعي في هذا الوقت قد جمع قواته من البحر ،وهاجم بها "دولة الغالبة" التي ما لبثت أن سقطت في يده سنة
297هـ909 /م ،ودخل عاصمتها ،وأخذ من الناس البيعة لعبيد ال المير السير.
ل له وما لبث "أبو عبد ال الشيعي" أن سار على رأس جيوش ضخمة نحو "سجلماسة" لينقذ عبيد ال ،ولما أدرك صاحب "سجلماسة" أن ل قِب َ
بمواجهة الجيش المغير هرب من عاصمته بعد أن أطلق أسيره "عبيد ال الفاطمي”.
دخل عبيد ال القيروان التي اتخذها عاصمة للدولة الفاطمية ،وهناك بايعه الناس ولقب "المهدي أمير المؤمنين" ،وصار خليفة للمسلمين تأكيدًا
لفكرة الشيعة عن أحقية أبناء علي -رضي ال عنه -بالخلفة ،ولقد اعتبر نفسه المهدي المنتظر الذي سيمل الرض عدل بعد أن مُلئت جورًا
وظلمًا.
الستيلء على دولة الدراسة:
وتوالى الخلفاء من نسل المهدي عبيد ال ،وكان منهم "المعز لدين ال الفاطمي" الذي أرسل قائده الشهير "جوهر الصقلي" ففتح “دولة
الدارسة" ،ووصل إلى المحيط الطلسي ،ثم مد حدوده إلى مصر وفتحها عام 359هـ969 /م.
فكيف استولى عليها الفاطميون؟ وماذا كان موقف الخلفة العباسية منهم؟
الستيلء على مصر:
لقد أرسل "المعز لدين ال الفاطمي" قائده الكبير “جوهر الصقلي" ليفتح مصر ،فسار في جيش ضخم بعد أن مهد الطرق لمسير الجيش ،وحفر
البار على طول الطريق ،وأقام "استراحات" على مسافات معقولة في الطريق ،وأحسن تدريب الجيش وتنظيمه وتموينه بعد أن جمع الموال
اللزمة لهذا كله.
وسار الجيش إلى السكندرية ،وما لبث أن دخلها دون قتال ،وأحسن معاملة المصريين ،و َكفّ جنوده عنهم ،ثم سار إلى "الفسطاط" فسلّم له أهلها
على أن يكفل لهم حرية العقيدة ،وينشر المن والعدل والمساواة.
وطار الخبر بالستيلء على مصر إلى "المعز" فسر سرورًا عظيمًا ،وأقام الحتفالت والولئم ،وحوله الشعراء ينشدون.
لقد ساعد علي نجاح هذا الغزو ضعف واضطراب الحوال في مصر ،وكثرة الشيعة الذين عاونوا الغزاة كل المعاونة آنذاك.
وهكذا سُلخت مصر عن الخلفة العباسية ،وأصبحت ولية فاطمية عام 969 /359م.
بناء القاهرة:
وهنا بدأ "جوهر" يعد العدة لنقل مركز الدولة الفاطمية إلى مصر ؛ فبنى للخليفة قصرًا فخمًا شمال الفسطاط ،وبنى معه منازل الوزراء والجند،
وكانت هذه بداية مدينة القاهرة.
لقد كانت "الفسطاط" هي العاصمة بعد دخول عمرو بن العاص وبعدها "العسكر" في عهد العباسيين ،ثم "القطائع" في عهد الطولونيين ،ثم
أصبحت "قاهرة المعز" هي العاصمة حتى الن.
وبعد أن تم إنشاؤها دعا "جوهر” “المعز" أن ينتقل إليها ،وأصبحت القاهرة عاصمة الخلفة الفاطمية (362هـ973 /م) ،أي بعد أربع سنوات
من فتحها ،وأمر المعز بمنع صلة التراويح في رمضان ،وأمر بصيام يومين مثله ،وقنت في صلة الجمعة قبل الركوع ،وأسقط من أذان صلة
الصبح "الصلة خير من النوم" وزاد "حي على خير العمل ..محمد وعلي خير البشر”.
الستيلء على الحجاز:
وما لبثت جيوش المعز أن سارت نحو الحجاز ففتحته ،وأصبحت المدينتان :مكة والمدينة تحت سلطان الفاطميين لالعباسيين ،كما فتحت
جيوشهم بلد الشام ،وفلسطين ،وجزيرة صقلية .وهكذا أصبحت دولة الفاطميين تضم الحجاز ،والشام ،وفلسطين ،ومصر ،وشمال إفريقية حتى
المحيط الطلسي.
بناء الجامع الزهر:
ومن أعمال الدولة الفاطمية :إنشاؤها "الجامع الزهر" الذي كان أول أمره مسجدًا عاديا ،ثم أقيمت فيه حلقات الدراسة ،وقد اهتم بهذه الدراسات
خلفاء الفاطميين لنها كانت مقتصرة على الفقه الشيعي ،ثم تطورت بعد الفاطميين لما تولى صلح الدين حكم مصر ،فأصبحت تدرس الفقه على
كل المذاهب والعلوم الدينية دون تمييز ،وعلى غير ما أراد الفاطميون ،فقد صار الزهر أول جامعة في العالم لنشر الثقافة العربية السلمية،
10
وما زال منارة يهتدي بها أبناء العروبة والسلم ،وحصنًا يحمي البلد من المذاهب الهدامة والعقائد الفاسدة.
نهاية:
لكل شيء نهاية ،ففي آخر عهد الدولة الفاطمية حكمها عدد من الخلفاء الذين كانوا ضعاف الشخصية وصغار السن ،فكان من نتيجة ذلك أن
سيطر الوزراء على الدولة وأداروها لمكاسبهم الخاصة مهملين شئون الدولة إهمال تامّا.
لقد كانت ظاهرة العتماد على أعداء السلم من اليهود والنصارى واضحة في هذه الدولة ،فمن هؤلء كان كثير من الوزراء وجباة الضرائب
والزكاة والمستشارين في شئون السياسة والقتصاد والعلم والطب ،ولقد ترك الخليفة العزيز الفاطمي لوزيره اليهودي "يعقوب بن كلس" أمر
تعليم الناس "فقه الطائفة السماعيلية" التي ينتمي إليها الفاطميون وهي من أشد فرق الشيعة تطرفًا وبعدًا عن حقيقة السلم.
وقد ألّف يعقوب نفسه كتابًا في فقه هذه الطائفة.
فل عجب إذن أن شهدت الدولة كثيرًا من المؤامرات والفتن والدسائس والقلقل ،فقامت ثورات داخلية ،وانتفاضات ،وراح الناس يستجيرون من
تسلط اليهود والنصارى فل يجارون ،وزادت الحال سوءًا بظهور أفكار دينية شاذة كالعتقاد بحلول روح ال في الخليفة ،وأن الخليفة أعلى من
بني النسان ،وأن الخلفاء إلى ال أقرب ؛ كما حدث للحاكم بأمر ال ،الذي كان له كثير من البدع والخرافات التي أدخلها في دين ال تعالي،
وألّهه بعض الناس وراح البعض ينتظر عودته بعد اختفائه ،وعرف هؤلء بالدروز الذين يوجد أسلفهم ببلد الشام .وكثرت المراض ،وهلك
عدد كبير من الناس ،في حين كان المراء والحكام الفاطميون ينعمون بالثروات ويعيشون في ترف وبذخ.
وأسهمت المجاعات والوبئة نتيجة انخفاض ماء النيل عدة مرات في اختلل المن ،وكثرة الضطرابات ،وسوء الحوال في البلد ،ولم تر
البلد صلحًا ول استقام لها أمر ،ولم يستقر عليها وزير تحمد طريقته.
تفكك الدولة:
أما في الخارج فقد خرج بعض الولة على الخلفاء الفاطميين خصوصًا في شمال إفريقية؛ مما أدى إلى استقلل تونس والجزائر ،واستولت
سنّية التي قامت بفارس والعراق على معظم بلد الشام التابعة للفاطميين ،وإلى جانب هذا كله عمل الصليبيون في الستيلء الدولة السلجوقية ال ّ
على الراضي المقدسة فاستولوا على بيت المقدس من أيدي الفاطميين سنة 492هـ1099 /م ،ثم أخذوا يغيرون على أطراف الدولة المصرية.
وهكذا أخذت الدولة في الضعف حتى جاء صلح الدين اليوبي ،وقضى على الخلفة الفاطمية وذلك في سنة 567هـ1172/م.
وانقض الصليبيون فهاجموا عدة مرات هذه الدولة التي طالما أعانتهم في بداية أمرهم على ضرب المسلمين من أهل السنة.
دولة الدارسة
(172-364هـ975-789/م)
ذُكِ َر أنه فى أيام الخليفة الهادى قامت ثورة "علوية" فى الحجاز ،وهى من تلك الثورات التى كان العلويون يشعلون نارها طوال خلفة العباسيين.
وقامت قوات "الهادي" بالقضاء على هذه الثورة فى موقعة "فخ” .ولكن بعض رءوس هذه الثورة وقادتها قد أفلتوا من أيدى العباسيين وهربوا
إلى أماكن نائية بعيدًا عن أيديهم.
وكان ممن هربوا عَلَوِى يسمى "إدريس" بن عبد ال بن الحسن ابن على -رضى ال عنه .-وراحت قوات العباسيين تطارده ،عيونهم
وجواسيسهم تبحث عنه ،فظل ينتقل من قطر إلى قطر آخر حتى وصل إلى مصر .وفى مصر التقى بصاحب البريد ،وكان قلبه مع العلويين،
فدبر لخفائه ،واحتال حتى أرسله إلى أبعد أجزاء الدولة حتى يكون فى مأمن من سطوة الخليفة.
وكان له ما أراد فوصل إلى أقصى المغرب.
وهناك أعلن أنه من سللة النبى ( ،فأسرع البربر باللتفاف حوله غير أن جيش أنصار الخليفة العباسى تمكن من هزيمته ،ولكن ابنه إدريس بن
إدريس بن عبد ال بن الحسن بن على تمكن من جمع أهل المغرب من حوله ،وما أسرع ما بايعوه ،ولم يجد صعوبة فى قيادتهم والستيلء على
القليم جميعه ،والقضاء على أى أثر للنفوذ العباسى فيه ،واتخذ عاصمته فى فاس ،وأقام دولة هناك نُسبت إليه فعُرفت بدولة الدارسة ،وهى
شّيعَها لم يكن يتجاوز حب آل بيت رسول ال > نموذج للدولة المعادية للدولة العباسية ،وهى أول دولة شيعية تظهر فى التاريخ ،على أنّ تَ َ
والولء لهم ،وهى صفة يشترك فيها السنة والشيعة معًا ،وإن بالغ فيها أهل التشيع.
فلم يكن تشيع هذه الدولة ينال من حقيقة السلم الصافية شيئًا .ولهذا أحبها أهل السنة وانتصرت بهم ،وكانت القبائل البربرية السنية فى المغرب
حاميتهم وعماد دولتهم ،ولهذا أيضًا عاشت دولة الدارسة نحوًا من قرنين من الزمان.
لقد كانت "دولة الدارسة" ضعيفة نسبيّا وذلك لسببين:
أولهما :أنها كانت محصورة بين الصحراء والمحيط والمويين فى الندلس ثم الغالبة فى إفريقية.
ثانيهما :هو أنها كانت تعتمد على البربر وهم متقلبون يؤيدونها اليوم بينما يثورون عليها غدًا.
وكانت سياسة الدولة نفسها متقلبة تميل مع مصالحها لتضمن البقاء والستمرار ،فهى يومًا تميل مع الفاطمين ،فتدعو لهم ،وتعتمد عليهم ،وعندما
يهددها المويون فى الندلس تميل معهم وتدعو لهم ،وهذا يفسر لنا بوضوح سر ضعف دولة "الدارسة”.
وأراك تسألنى عن نهايتها ،وأقول :لقد كانت نهايتها كنهاية دولة "الغالبة" فى تونس -التى سيأتى ذكرها -على يد الفاطميين سنة 364هـ/
975م بعد أن عاشت ما يقرب من قرنين ،وأدت دورًا حضاريّا رائعًا فى المغرب السلمي ،إذ انتشر بهم السلم فى المغرب بين البربر،
وأسّسوا جامع القرويين الذى كان منارة للثقافة السلمية ،وكانت فى المغرب كالزهر فى المشرق.
***
إدريس (الول)
11
منذ أن تولى العباسيون الخلفة سنة 132هـ 750 /م ،أصبح أبناء عمهم العلويون في نزاع شديد معهم ،لنهم اعتبروهم غاصبين للمنصب العلى في الدولة السلمية
وأن الحق في توليه يرجع إليهم بالسبقية .فصاروا يتحينون الفرصة للثورة عليهم.
كان أول من تزعم الحركة محمد بن عبد ال بن الحسن ،المدعو النفس الزكية الذي ثار بالمدينة ،لكن الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور قضى
على ثورته سنة 145هـ 762 /كما قضى على الثورة الموازية لها التي قادها أخوه إبراهيم بالبصرة في نفس السنة ،وكان محمد النفس الزكية
فكر في تبليغ الدعوة إلى كل القاليم السلمية شرقا وغربا ،آمل في كسب المزيد من النصار للقضية ،فوجه بعض إخوته ،ولعل منهم إدريس،
إلى بلدان إسلمية مختلفة.
وبعد مرور أربع وعشرين سنة على هاته الثورة أي في سنة 169هـ ،786 /قامت ثورة أخرى بقيادة الحسين بن علي بن الحسن المثلث في
ناحية مكة بمكان اسمه فخ .ولم تنجح هاته الثورة بدورها حيث قضى عليها الخليفة الهادي ابن المهدي في معركة كانت شديدة وقتل فيها كثير من
العلويين.
واستطاع إدريس ،عم الحسين ،وأخو محمد النفس الزكية .أن ينجو من القتل ويفر من المكان باحثا عن ملجأ يأوي إليه .فكم يكون سنه يومئذ ؟ ل
تسعفنا المصادر بجواب واضح عن هذا السؤال .ولكن إذا صدقنا ما أشار إليه البعض منها من كونه ساعد أخاه محمد النفس الزكية ،فيمكننا أن
نقدر سنه بين الربعين والخمسين عند نشوب معركة فخ.
وأما نسبه ،فهو إدريس بن عبد ال الكامل بن الحسن المثني بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب من فاطمة الزهراء ،بنت الرسول عليه
السلم .وأمه عاتكة بنت الحارث بن خالد بن العاص بن هاشم بن المغيرة المخزومي .فهو إذن ،قرشي من البوين ،ومنزلته وجيهة في السرة
العلوية.
كانت أنظار العلويين ،وهم في حالة المراقبة والضطهاد التي يعانون منها ،تتجه بالخصوص إلى المغرب ،لبعده عن مركز الخلفة العباسية
ولشتهاره برفع راية العصيان والمعارضة لتلك الخلفة .وقبل العلويين اتجهت أنظار الخوارج لنفس المنطقة .وأمكنهم أن يؤسسوا بها دولتين
مشهورتين في تاهرت وسجلماسة ،مما يدل على أن البلد كانت مرشحة لتكون مركزا لثورة مضادة وربما لقيام خلفة مناهضة للخلفة العباسية.
فالتجاء إدريس إلى المغرب صحبة موله راشد بعد أن حصل على مساعدة والي مصر وأفلت من مراقبة الشرطة العباسية ،يفسره عزمه على
الخذ بثأر العلويين ،من جهة ،وطموحه إلى تأسيس دولة قادرة على مناوأة الخلفة العباسية والقضاء عليها إذا ما ساعدت الظروف على ذلك،
من جهة أخرى.
حينما وصل إدريس إلى المغرب توجه ،أول ،إلى طنجة التي كانت تعتبر آنذاك حاضرة المغرب الكبرى .وكان ل بد له ،ول شك ،من وقت
للطلع على أحوال البلد وسكانها وجس نبض أهلها ،على المستوى السياسي .فأخذ يتصل بنفسه أو بواسطة موله راشد ببعض رؤساء القبائل
الكبرى في المغرب لسماع كلمته ونشر دعوته .وقد احتفظت لنا بعض المصادر بوثيقة مهمة ،يرجع الفضل في نشرها إلى علل الفاسي الذي
نقلها عن مخطوط يمني .وهي عبارة عن نداء وجهه إدريس إلى المغاربة .وهو نص طويل نكتفي هنا بإيراد فقرة منه:
"وقد خانت جبابرة في الفاق شرقا وغربا ،وأظهروا الفساد وامتلت الرض ظلماً وجوراً .فليس للناس ملجأ ول لهم عند أعدائهم حسن رجاء.
فعسى أن تكونوا معاشر إخواننا من البربر اليد الحاصدة للظلم والجور ،وأنصار الكتاب والسنة ،القائمين بحق المظلومين من ذرية النبيين.
فكونوا عند ال بمنزلة من جاهد مع المرسلين ونصر ال مع النبيين .واعلموا معاشر البربر أني أتيتكم ،وأنا المظلوم الملهوف ،الطريد الشريد،
الخائف الموتور الذي كثر واتره وقل ناصره ،وقتل إخوته وأبوه وجده وأهلوه فأجيبوا داعي ال .فقد دعاكم إلى ال".
وأدت الدعوة والتصالت إلى نتائج إيجابية في أمد قصير ،مما يدل على ذكاء ،إدريس ودهاء موله راشد وهكذا لبت جملة من قبائل البربر
الدعوة وقبلت أن تلتف حول إدريس .ول شك أن انتماءه للسرة النبوية كان له أثر قوي في هذا القبال ،سيما والعلويون يومئذ كانوا يمثلون
العنصر الثائر والمعارض .فالرتباط بدعوة إدريس معناه التحرر من كل تبعية للخلفة العباسية وضمان الستقلل السياسي للمغرب.
وترتب عن هذا الموقف الجماعي لقبائل البربر أن حصل اتفاق بين إدريس بن عبد ال وزعيم أوربة القبيلة ذات الشوكة في المنطقة ،إسحاق
محمد بن عبد الحميد الوربي .وتحول إدريس إلى مدينة وليلي ،حيث تمت بيعته يوم الجمعة 4رمضان سنة 172هـ الموافق 6فبراير 789م .
وكانت قبيلة أوربة أول من بايعه من قبائل المغرب ،نظراً لمنزلتها الكبرى في المنطقة .ثم تلتها قبائل زناتة وأصناف من قبائل أخرى مثل زواغة
وزواوة ولماية وسدراته وغياثة ونفزة ومكناسة وغمارة الخ .وكان للقبائل في ذلك العصر أهمية أكبر من اليوم ،نظرا لكون البادية كانت أكثر
سكانا من المدن ولكون ظاهرة العصبية كانت ذات تأثير خطير ،على المستوى السياسي.
ويحدد القرطاس شروط البيعة ،إذ يقول " :بايعوه على المارة والقيام بأمرهم وصلواتهم وغزوهم وأحكامهم " (ص . )20وكان الحدث في حد
ذاته ذا أهمية قصوى في تاريخ المغرب لنه يرمز إلى قيام الدولة المغربية المستقلة لول مرة في حياة البلد ،بحيث كانت الدولة الدريسية بما
خلقته من تقاليد ونظم لتسيير البلد أول صورة لدولة حقيقية في المغرب تكيف المعطيات البشرية المحلية مع تعاليم السلم وتراثه السياسي.
12
وما أن بويع إدريس حتى كون جيشا من قبائل زناتة وأوربة وصنهاجة وهوارة وقاده لفتح أقاليم مغربية أخرى وتوسيع مملكته .فاستولى على
شالة ،ثم على سائر بلد تامسنا وتادل .وعمل على نشر السلم بها .ثم عاد بجيشه إلى وليلي في آخر ذي الحجة من سنة 172هـ .وتوقف مدة
قصيرة بقصد إراحة الجنود.
ثم خرج في سنة 173هـ لمواصلة نشر السلم بالمعاقل والجبال والحصون المنيعة ،مثل حصون فندلوة وحصون مديونة وبهلولة وقلع
غياثة وبلد فازاز أي الطلس المتوسط .وتوصل إلى نتائج إيجابية عند قيامه بتبليغ الدعوة ،حيث استجاب السكان لدعوته بالقبول .ثم عاد من
حملته العسكرية تلك في جمادى الخيرة سنة 173إلى مدينة وليلي بقصد إراحة جيشه .
وفي نصف رجب من السنة ذاتها ( 8دجنبر ،)789توجه إدريس بجيشه صوب الجهة الشرقية من المغرب القصى ،فوصل إلى مدينة تلمسان
وخيم قبالتها .فخرج إليه أميرها محمد بن خزر بن صولت المغراوي فطلب منه المان ،فأمنه إدريس ،فقدم له محمد بن خزر بيعته ،ودخل
إدريس إلى تلمسان بعد أن بايعته قبائل زناتة بتلك الجهات.
هكذا حصل إدريس على نتائج كبيرة في أقل من سنتين ،بفضل جده ومثابرته وشجاعته ،وأصبح يضم تحت سلطته مملكة تمتد من تامسنا غربا
إلى تلمسان شرقا ،مارة بتادل والطلس المتوسط .كل هذا أثار مخاوف الخليفة هارون الرشيد ،سيما وهو يلحظ أن إدريس في تحركاته
العسكرية الخيرة أخذ يتجه نحو الشرق وبات يشكل خطرا وشيكا على وليتها المامية في المغرب :أفريقية ،التي كانت يومئذ في وضع قلق
وتعاني من اضطرابات مختلفة .فلم ير الرشيد بدا من التخلص من إدريس بأية وسيلة.
ول فائدة من الدخول في تفاصيل الرواية المتداولة عن اغتيال إدريس عن طريق السم التي وقع فيها بعض الختلف والزيادات القصصية.
والمهم في ذلك هو أن الرشيد لما رأى صعوبة توجيه جيش من العراق إلى المغرب وأدرك أنه ل يستطيع أن يعتمد كثيرا على جيشه بأفريقية،
قرر اللجوء إلى أسلوب الغتيال على يد رجل ماهر في الكذب والتلبيس والجاسوسية .كما يحدث إلى يومنا هذا في قضايا الغتيال السياسي.
وبمساعدة إبراهيم بن الغلب الذي كان من الرجال الثقاة عند الرشيد على الصعيد المحلي وكان مرشحا لتولي منصب الولية على أفريقية .هل
الشخص المكلف بهاته المهمة كان هو الشماخ أو سليمان بن جرير ؟ سؤال يستحيل الجواب عليه .وكل ما يمكن تأكيده هو أن ذلك الشخص تمكن
من اغتيال إدريس عن طريق السم سنة 177هـ.793 /
تلك ،على وجه الجمال ،هي ترجمة إدريس الول الذي أصبح شخصا مقدسا عند المغاربة له ضريح كبير في مدينة زرهون ،يقام له فيه موسم
كبير في كل سنة.
الدارسة
.1اختلف في تاريخ قدوم إدريس إلى المغرب ؟ هناك رواية تقول إن مجيء إدريس إلى المغرب حدث في عهد أبي جعفر المنصور أي إثر
ثورة محمد النفس الزكية في سنة 145هـ .ولكن أغلب الروايات تقول إنه جاء بعد موقعة فخ سنة 169هـ .وهو التاريخ المعتمد عند جل
المؤرخين القدماء والمحدثين.
.2ورد في بعض المصادر الزيدية أن إدريس قصد المغرب داعيا لخيه يحيى بن عبد ال الذي فر إلي الديلم .فلما بلغه موت أخيه في سجن
الرشيد ،دعا إلى نفسه .وهي رواية يصعب البت فيها .وهي ،على أي حال ،ل تتنافى مع ما حدث من بعد.
.3مذهب إدريس :الرائج عند بعض الباحثين المغاربة المعاصرين أن إدريس كان سنيا ومالكيا ،وهو قول ل يثبت أمام النقد التاريخي .فالسنة
كانت ،في عهد إدريس ،موجودة كممارسة ل كمذهب .فالمذهب السني لم تكن وقعت بعد صياغته النهائية وحررت مبادئه وجمعت نصوصه
كاملة .ويجب انتظار عصر الشعري وتلمذته ،ابتداء من القرن الثالث الهجري ليظهر المذهب بقواعده وأحكامه .كما أن دخول المذهب المالكي
إلى المغرب مع إدريس بعيد الحتمال ،إذا اعتبرنا القنوات التي مر بها المذهب المالكي ليصل إلى أفريقية ثم إلى الندلس ،واعتبرنا شخصية
العلماء الولين الذين تذكر المصادر الموثوق بها أنهم كانوا أول من أدخل المذهب إلى المغرب .فهنالك أزيد من قرن بين هؤلء وإدريس .ول
ننس ،في الخير ،أن إدريس نشأ في بيئة زيدية وأنه بسلوكه وثورته على العباسيين طبق أحد مبادئ الزيدية الذي يقول بأن المامة هي حق لمن
قدر عليها من العلويين .وقد ثبت من مصدر معروف هو مقاتل الطالبيين لبي الفرج الصبهاني أن عبد ال بن الحسن ،أبا إدريس وكذلك أخوه
الحسن بن الحسن قد اعتنقا مذهب الزيدية في المر بالمعروف والنهي عن المنكر .وعن هذه المدرسة تخرج أولد عبد ال الذين ثاروا على
العباسيين ،مثل محمد النفس الزكية وإبراهيم ويحيى وإدريس وسليمان .ومن المعلوم أن المذهب الزيدي ل يختلف كثيرا عن المذهب السني
ويلتقي في بعض الفكار مع المعتزلة ،الشيء الذي ربما يفسر التعاطف الذي حصل بين إدريس وإسحاق الوربي الذي قيل عنه إنه كان معتزليا.
ومهما يكن ،فلم يرد في المصادر التاريخية التي نعتمد عليها أي إشارة بأن إدريس كان سنيا أو مالكيا ،وإنما هو تخمين واجتهاد من بعض
الباحثين المعاصرين .والمصادر التي نعتمد عليها تتحدث عن التردد الذي وقع بين المذاهب بالمغرب والندلس في الفترة الولى من دخول
السلم قبل أن يقع الختيار النهائي على السنة والمذهب المالكي.
.4تأسيس فاس :كانت الرواية المتداولة والمنقولة عن القرطاس هي أن إدريس الثاني هو المؤسس الول لمدينة فاس .لكن ،بعد العثور على
قطع نقدية إدريسية والطلع على نصوص الرازي والبكري وابن سعيد وغيرهم ،وبعد الدراسة المهمة التي قدمها المستشرق ليفي بروفنصال
في هذا الصدد ،يتضح أن المؤسس الول لمدينة فاس كان هو إدريس بن عبد ال ،أي إدريس الول وأن إدريس الثاني أضاف إليها عدوة
القرويين بعد مرور عشرين سنة على البناء الول .وكانت المدينة الثانية تحمل اسم "العالية" حسب شهادة النقود
13
الأدارسة
مؤسس السللة إدريس بن عبد ال الكامل ( 793-788م) من أحفاد الرسول محمد (ص) ،نجا بنفسه من مذبحة فخ ،التي أقامها العباسيون
للعلويين سنة 786م .فر إلى وليلى (بالمغرب) .تمت مباعيته قائدا و أميرا و إماما من طرف قبائل البربر في المنطقة .و سع حدود مملكته حتى
بلغ تلمسان ( 789م) .ثم بدأ في بناء فاس .قام الخليفة العباسي هارون الرشيد بتدبير اغتياله سنة 793م .لدريس الول (مولي إدريس في
المغرب) مكانة كبيرة بين المغربيين .و يعتبر قبره في وليلى (مولي إدريس اليوم) مزارا مشهورا .قام ابنه إدريس الثاني ( 828-793م) و الذي
تولى المامة منذ 804م ،قام بجلب العديد من الحرفيين من الندلس و تونس ،بنى فاس و جعلها عاصمة الدولة ،كما دعم وطائد الدولة .قام ابنه
محمد ( 836-828م) عام 836م بتقسيم المملكة بين إخوته الثمانية (أو أكثر) .كانت لهذه الحركة تأثير سلبي على وحدة البلد .بدأ بعدها مرحلة
الحروب الداخلية بين الخوة .منذ 932م وقع الدارسة تحت سلطة المويين حكام الندلس والذين قاموا لمرات عدة بشن حملت في المغرب
لبعاد الدارسة عن السلطة.
14
بعد معارك و مفاوضات شاقة تمكنت جيوش المويين من القبض على آخر الدارسة (الحسن الحجام) والذي استطاع لبعض الوقت من أن
يستولى على منطقة الريف و شمال المغرب ،تقبض عليه سنة 974م ،ثم اقتياده أسيرا إلى قرطبة .توفي هناك سنة 985م.
تفرعت عن الدارسة سللت عديدة حكمت بلدان إسلمية عدة .أولها كان بنو حمود العلويون الذين حكمو في الجزيرة ومالقة (الندلس) .كما
تولوا لبعض الوقت أمور الخلفة في قرطبة .فرع آخر من الدارسة حكم جزءا من منطقة عسير في السعودية بين سنوات 1943-1830م.
المير عبد القادر الجزائري و الذي حكم في الجزائر سنوات 1847-1834م ينحدر من هذه السرة أيضا .آخر فروعهم كان السنوسيين حكام
ليبيا و الجبل الخضر 1969-1950م.
[تحرير]
قائمة المراء:
الحكم الحياة الحاكم
788-793 793-.... إدريس بن عبد ال 1
المصادر و الروابط
إدريس (الثاني) إدريس الزهر بن إدريس (الول) بن عبد ال الكامل إدريس الزهر،
ل شك أن هارون الرشيد بات مطمئنا من جهة العلويين بعد تدبير اغتيال إدريس الول سنة ،793 / 177لعتقاده بأن نسل الدارسة انقطع من
المغرب .ولكن إدريس ما توفي حتى ترك جارية له اسمها كنزة حامل .وتربص راشد موله ومن حوله من البربر حتى يروا المولود المنتظر
فإن كان ذكرا ولوه مكان أبيه وإل اختاروا لنفسهم ما يليق بهم .
وحالف الحظ السرة العلوية ،إذ وضعت كنزة ولدا ذكرا يوم الثنين 3رجب 14( 177أكتوبر )793ضمن للسرة الدريسية استمرارها ،
وهي السرة الكبيرة التي سيلمس وجودها في كثير من منعطفات تاريخ المغرب ،قديمه وحديثه .
ويُفيض القرطاس في ذكر تربية إدريس وتكوينه ،فيصفه بأنه كان "عارفا بالفقه والسنة والحلل والحرام وفصول الحكام " .ول شك أن راشدا
موله سهر على ذلك التكوين ،لن ترشيحه لمنصب المامة كان يقتضي معرفة مدققة بالعلوم الدينية واللغة العربية حتى يكون منافسا عن جدارة
واستحقاق للخلفاء العباسيين المعاصرين .وهو ما يؤكده نفس المصدر متحدثا عن دور راشد " :وأقرأه القرآن فحفظه وله من السنين ثمانية
أعوام ،وعلمه السنة والفقه والنحو والحديث والشعر وأمثال العرب وحكمها وسير الملوك وسياستها وعرفه أيام الناس ودربه مع ذلك على
ركوب الخيل والرمي بالسهام ومكايد الحرب " (ص . )25
15
وهذا التكوين جدير بأن يثير اهتمام المؤرخ للسبب الذي ذكرنا ولسبب آخر هو أن إدريس نشأ بين قوم كانوا ما زالوا حديثي عهد بالسلم وكانت
بضاعتهم من العربية قليلة .فكان الحفاظ على الدين يتطلب أن يكون المام ذا علم وثقافة متينة .كما أن شعوره بهويته كفرد من آل البيت كان
يقتضي مثل ذلك التكوين .
ولم يتول إدريس الثاني ،بالطبع ،مهام المامة أثناء هاته الفترة من طفولته ،بل ظل تحت وصاية موله راشد الذي اغتيل سنة .188فتولى
حينئذ مهمة الوصاية أبو خالد يزيد بن إلياس العبدي .فسارع بأخذ البيعة من جميع قبائل البربر في 1ربيع الول سنة 16( 188فبراير 804م )
لدريس وهو ابن إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر .وقد اعتمدنا أشهر الروايات في ذكر هاته التواريخ لن هنالك اختلفات بين المصادر.
والظاهر أن إدريس لم يبتدئ بمباشرة شؤون الدولة بنفسه إل بعد سنة .190فالمصادر ل تذكر له أي عمل َبيّن قبل ذلك التاريخ الذي بدأ يعمل
فيه من أجل نقل عاصمة دولته من وليلي إلى فاس .وكل ما يمكن الشارة إليه هو أن صمود الدولة الفتية للمكايد والصدمات أكسبها سمعة في
جهات متعددة من بلد السلم .فاتجهت إليها النظار وقصدتها الوفود والمهاجرة من أفريقية والندلس بالخصوص فيذكر القرطاس هجرة
خمسمائة فارس من القيسية والزد ومدلج وبني يحصب والصدف وغيرهم .وترتب عن تلك الهجرة نتيجتان :
.1إدخال العنصر العربي للدائرة المحيطة بإدريس لنه ´´كان فريدا بين البربر ليس معه عربي´´ .حسب تعبير القرطاس .
.2تضخم عدد السكان بمدينة وليلي الشيء الذي دفع بإدريس ومستشاريه إلى التفكير في النتقال إلى فاس .
هل كان إدريس الثاني هو المؤسس لمدينة فاس كما تؤكد ذلك رواية القرطاس أم الذي بدأ بتأسيسها هو إدريس الول كما تؤكده حجج تاريخية
أخرى ل سبيل لتجاهلها ؟ الظاهر من البحث التاريخي الحديث أن إدريس الثاني إنما كان مؤسسا لمدينة ثانية تحاذي المدينة الولى وهي عدوة
القرويين التي استقر بها مهاجرة أفريقية من مدينة القيروان وهي المدينة المدعوة العالية في مجموعة من الدراهم حدث سكها بعد بيعة إدريس
الثاني .وقد شرع في بناء عدوة القرويين في 1ربيع الول 22( 193يناير 809م ) .وعن تفاصيل هذا الموضوع التاريخي الهام من الفضل
الرجوع إلى مادة فاس في معلمة المغرب.
ولعل القالب الجديد الذي دخلت فيه الدولة الدريسية بتوافد عدد كبير من العرب إليها وخروجها شيئا فشيئا من الروابط القبلية الولى التي
شاهدت ميلدها أحدث نوعا من الستياء لدى قبيلة أوربة القوية .فإذا أضفنا إلى ذلك الدسائس التي كان يدبرها ابن الغلب لضعاف الدولة
الدريسية إن لم يكن للقضاء عليها ،والتي منها إثارة التنافر بين إدريس والبربر لسباب عرقية ،فهمنا كيف تعرضت الدولة آنذاك لبعض
المشاكل التي لم يمكن حسمها إل بالقوة .وقد ربط ابن الغلب خيط التصال مع إسحاق الوربي الذي كان من المؤسسين الوائل للدولة ،
وحرضه على إدريس الثاني ،متذرعا بميل هذا الخير إلى الوافدين العرب الجدد .فأثار حفيظة إسحاق وقومه ،الذين أخذوا يتآمرون عليه .فما
كان من إدريس إل أن تصدى للمتآمرين بقمعهم وقتل زعيمهم إسحاق سنة 192هـ.
والظاهر أن إدريس لم يكن يريد استبعاد أوربة أو الستغناء عنهم ،كما يفهم من تأويل القرطاس لنه رغب من بعد في استمالتهم من جديد .وإنما
كان قصده أن يحول دولته من الطار القبلي إلى الطار السلمي بالعتماد على مساعدين لهم علم وخبرة بالنظم السلمية وتقاليدها .ولذلك ،
فإنه اتخذ من عمير بن مصعب الزدي وزيرا له ،ويذكر عنه القرطاس أنه ينتمي لسرة عريقة في خدمة الدولة السلمية .كما عين عامر بن
محمد القيسي ،قاضيا "وكان رجل صالحا ورعا فقيها سمع من مالك وسفيان الثوري وروى عنهما كثيرا" (ص )20واتخذ من عبد ال بن مالك
الخزرجي النصاري كاتبا له .ول شك أن هناك أسماء أخرى غفلت عن ذكرها المصادر.
ومن المعلوم أن الدارسة قاموا بمناوأة الخلفة العباسية .فكان ل بد لهم من أن ينظموا دولتهم على غرارها وأن يتخدوا لنفسهم دواوين يضعون
على رأسها رجال ذوي خبرة وسمعة في المجتمع السلمي المعاصر .وطبيعي أن ل تروق هذه السياسة أنصار الدولة الولين من أوربة
وغيرهم وأن تحدث من جراء ذلك مصاعب وأن يحاول ابن الغلب استغلل التناقضات التي برزت في صفوفهم .وليس من المستعبد أن يكون
القيروانيون الذين غادروا أفريقية وقصدوا إدريس من العناصر المعارضة للخلفة العباسية ولولتها الغالبة ،وهذا ما زاد في حنق إبراهيم على
إدريس ودفعه إلى الكيد به .
وتجلى ذلك في خطة ل تخلو من أسلوب الجاسوسية ،إذ أخذ يتصل سرا بأقرب رجل إلى إدريس بهلول بن عبد الواحد المدغري ،الذي كان
وزيره المخصوص بثقته و"االقائم بأمره" فأخذ يوغر صدره على إدريس ويزين له الثورة عليه ويغريه بالمال ويحثه على "ترك طاعة إدريس
إلى طاعة هارون" .وعلى إثر مراسلت عديدة بين الرجلين ،تخلى بهلول عن إدريس والتحق بالقيروان عند ابن الغلب الذي عد الحدث
انتصارا وطير به الخبر إلى الرشيد في بغداد.
حاول إدريس عبثا أن يستعيد ولء بهلول إليه ،فتضايق من دسائس ابن الغلب وكتب إليه يستعطفه ويرجوه أن يكف عنه .والظاهر أن حاشية
ابن الغلب كانت تضم عناصر يعطفون على آل البيت وينصحون أميرهم بالعتدال والكف عن إذاية إدريس .
وفي نفس السياق ،يمكننا أن نتساءل عن مصير شخص آخر مهم وهو أبو خالد يزيد العبدي الذي رأيناه يحل محل راشد في الوصاية على عرش
إدريس .والظاهر أن أيامه لم تطل في الوفاق مع هذا الخير بعد أن تسلم مقاليد المور.
16
كل هاته المشاكل ل يصح إلقاء المسؤولية فيها كاملة على الشخاص ،بل هي ناشئة ،قبل كل شيء ،عن مشروع مهم وجديد ،أل وهو المحاولة
الجريئة التي تصدى لها كل من إدريس الول وإدريس الثاني أل وهو بناء دولة كبيرة بالمغرب على النسق السلمي .وطبيعي أن يصطدم
مشروع كهذا بنظام اجتماعي متقادم مبني على القبلية وبعادات وأعراف وعقليات مختلفة عن التصور الجديد الذي أتى به السلم .
ومع ذلك ،فقد نجح المشروع إلى حد كبير إذا اعتبرنا أن نموذج الدولة السلمية بالمغرب انطلق من تلك التجربة الولى وأن المغاربة
سيستوعبون درسها جيدا بعد أن خرجوا من طور المفاجأة الولى.
وتشير الروايات التاريخية ،من جهة أخرى ،إلى أن إدريس تحرك هو ،أيضا ،بجيشه لتوطيد نفوذ دولته بالمغرب ،وتجاوز الحدود التي كان قد
وصل إليها والده .فتقدم نحو الطلس الكبير ،واستولى على مدينتي نفيس وأغمات وأقام نفوذ الدولة في بلد مصامدة الجنوب ،وكان ذلك فى
سنة .812 / 197ثم اتجه بعد ذلك إلى الشرق نحو نفزة وتلمسان التي دخل إليها وأنجز فيها بعض البناءات وأقام بها ثلث سنين .
وتؤكد لنا دراسة البقايا من النقود الدريسية الماكن التي بلغ إليها نفوذ الدولة في عهد إدريس الثاني ،وهي الماكن التي وجدت بها دور السكة .
إذ نجد عددها يبلغ ستة عشر وفيها مدن مثل أصيل والبصرة وتدغة وتلمسان وتهليت وسبو وطنجة والعالية (فاس) ومريرة (مريرت الحالية) .
وورغة ووازقور (ناحية أم الربيع ) وطيط ووليلي وايكم .هذه السماء تدلنا ،ولو نسينا ،على مدى اتساع المملكة التي كان يحكمها إدريس
الثاني ،وتبين لنا أن هذا المير كان يسير بخطى وئيدة في تنفيذ خطة أبيه الذي كان يهدف إلى تأسيس دولة كبيرة ينافس بها دولة العباسيين .
إل أن هؤلء كانوا واعين بخطر الدارسة وحذرين منه أشد حذر ،ولذلك ،فإنهم ظلوا يحرضون الغالبة على الكيد لهم .وهكذا مات إدريس
فجأة في 10جمادى الخر سنة 29( 213غشت )828في العهد الذي كان فيه زيادة ال بن الغلب واليا على أفريقية ،وكان سن إدريس عند
وفاته ستا وثلثين سنة .
ولئن ذكر القرطاس أن سبب موته هو أنه شرق بحبة عنب ،فإن مصادر أخرى مثل البكري وابن عذاري تذكر أنه مات مسموما .بل إن ابن
البار يؤكد أن "زيادة ال احتال عليه حتى اغتاله " الحلة السيراء .
وبموت إدريس ينتهي طموح الدارسة إلى تأسيس دولة قوية موحدة ،ويدب إليهم النقسام والتشتت شيئا فشيئا .فتبدأ صفحة غير وضيئة في
تاريخهم .
المراجع :أ .البكري ،المغرب ،الجزائر 1985؛ ا .ابن عذاري ،البيان ج ،1بيروت 1948؛ ع .ابن أبي زرع ،القرطاس ،الرباط 1973؛ أ.
ابن البار ،الحلة السيراء ،القاهرة ء 1963؛ أ .الجزنائي ،زهرة الس ،الرباط ؛ ل ،ابن الخطيب ،أعمال العلم ،الدار البيضاء 1964؛ ع.
ابن خلدون ،العبر ،بيروت 1959؛ النويري ،تاريخ المغرب السلمي ،الدار البيضاء 1984؛ م .إسماعيل ،الغالبة ،فاس 1978؛ إ.
العربي ،دولة الدارسة ،بيروت .1983
E.I., 2e éd. ; D. Eustache, Le corpus des dirhams Idrissides, Bulletin de la Société d’histoire du Maroc n° 2,
1969محمد زنيبر
الدارسة:
يطيب لي أن أتابع الحديث عن سللة الدارسة الشرفاء بالمغرب بنقل ترجمة بعض مشاهيرهم بتسلسل حسب ما ورد في عمود نسب الشرفاء
العلميين الذين أنتسب إليهم .ويفسر هذا مدى اهتمامي الخاص بسيرة الجداد منهم والتنقيب عن أخبارهم .وبعد ترجمة إدريس الول بن عبد ال
الكامل بن الحسن المثنى ،يأتي الحديث على المولى إدريس الزهر (الثاني) بن إدريس الول بن عبد ال الكامل نقل عن "معلمة المغرب" ص
261 – 259من ج 1مادة :إدريس الزهر ،بقلم محمد زنيبر.
أسرة كبيرة من آل البيت جدها العلى هو إدريس بن عبد ال الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء
بنت الرسول .التجأ إدريس ،كما هو معلوم ،إلى المغرب فرارا من بطش العباسيين وأسس دولته لكنه اغتيل فتولى بعده ابنه إدريس الذي كان قد
تركه جنينا في بطن أمه .وعن إدريس الثاني تنحدر فروع السرة الدريسية المنتشرة بسائر أنحاء المغرب وبجهات أخرى من الجزائر .ونركز
اهتمامنا هنا على الدارسة كأسرة حاكمة أي كدولة .وجودها يقترن بالفترة .990.785 /375 .172لكن لبد من التمييز داخل هاته الفترة بين
أطوار مختلفة :
طور التأسيس الذي اقترن بعهد إدريس الول ( ) 793 .788 / 177 . 172أي قيام الدولة بالتفاف فريق مهم من سكان المغرب حول .1
إدريس تضمهم قبائل كبرى ومبايعتهم له ،حسب التقاليد السلمية.
طور الهيكلة والتنظيم ويقترن بعهد إدريس الثاني ( )828 .793 /.213 .177حيث جرى تدعيم الدولة الناشئة باستحداث عدد من .2
البنيات والمؤسسات كان من أهمها :بنا ء فاس واتخاذها كعاصمة للدولة ؛ واتخاذ بعض النظم السلمية كالوزارة والكتابة والقضاء والمامة
؛ وتجريد العاصمة الجديدة من تأثير العصبيات والطابع القبلي ،وذلك باحتضانها لفئات مهمة من السكان الوافدين من القيروان والندلس ،
مما جعل العناصر المختلفة من سكان المدينة تنصهر في وحدة بشرية تمثل ،بوجه عام ،التركيب السكاني الجديد الذي بدأ يعم الغرب
17
السلمي انطلقا من عهد الفتح .إضافة إلى بداية إشعاع اللغة العربية من فاس كلغة دين وثقافة ؟ ونمو رقعة المملكة بحيث أصبحت أهم
كيان سياسي بالمغرب القصى وكان لها اتصال مباشر بسائر النواحي في البلد .
طور التقسيم :ترك إدريس الثاني غداة وفاته عدة أولد منهم الكبار والصغار وتولى أكبرهم محمد خلفته ،إل أنه اعتبر المملكة التي .3
تركها له أبوه إرثا ل بد من توزيعه على الورثة .هل استند في ذلك إلى المبادئ الشرعية ؟ أم هل استمع إلى نصيحة جدته كنزة كما تذكر
بعض المصادر؟ أم هل كان المقصود من ذلك التوزيع هو حضور الدولة الدريسية بصورة مباشرة في أقاليم مختلفة ؟ ليست لدينا عناصر
كافية للجواب على هذا السؤال .والذي نستطيع تأكيده هو أن التقسيم كانت له سلبيات وايجابيات .فتقسيم المملكة إلى عدة وليات أدى إلى
إضعاف السلطة المركزية ونشوء إمارات إقليمية تنزع بطبيعتها إلى الستقلل الذاتي على أوسع مدى .وقبل إعطاء مثال على المشاكل التي
ترتبت عن ذلك التوزيع ،من الضروري إعطاء صورة إجمالية عن التوزيع.
قسم محمد بن إدريس المملكة إلى ما ل يقل عن تسع وليات ،نذكرها الن حسب رواية القرطاس ،منبهين إلى وجود اختلفات طفيفة بين
المصادر التي تناولت الموضوع .
تلك هي الوليات التسع التي تدل على مدى امتداد الدولة الدريسية شمال وجنوبا وشرقا وغربا ،وهي معلومات تؤكدها كل المصادر التاريخية
كما تؤكدها البحاث الخاصة بتاريخ النقود الدريسية .فالدراسة المهمة التي قام بها "دانييل اوستاش" في هذا الصدد تقدم لنا قائمة بدور السكة
تعنى الماكن التالية :أصيل ،البصرة ،تدغة ،تلمسان ،تهليت ،سبو ،طنجة ،العالية ،مريرة ،ورغة ،وازقور ،واطيط ،وليلي ،إيكم .
لم يكن توزيع الوليات على هاته الصورة ،في نية محمد بن إدريس ،يهدف إلى تجريد السلطة المركزية بفاس من حقها في مراقبة الولة
القليميين والمحافظة على وحدة المملكة الدريسية .لكن الخلف ما لبث أن نشب بين الخوة ،إذ ثار عيسى بن إدريس ،على أخيه محمد،
فكلف هذا الخير أخاه القاسم الوالي على طنجة بالذهاب لمعاقبة الثائر .لكن القاسم رفض القيام بالمهمة .فكلف محمد عمر بها .فتوجه هذا
الخير الذي كان واليا على غمارة وعزل عيسى عن وليته كما تصدى للقاسم الذي التجأ إلى أصيل.
لم تذكر المصادر المكتوبة أسباب الخلف .ولكن يظهر حسب التحريات التي قام بها "أوستاش" أن أسباب الثورة راجع لكون محمد سحب عن
الولة رخصة سك النقود .وكان عيسى حاكما على منطقة وازقور التي يوجد بها معدن مهم للفضة .فلم يرضخ لهذا القرار الذي يحرمه من
مورد مالي مهم ،عن طريق سك الدراهم .وترتب عن ذلك قراره بقطع إمداد دار السكة بفاس بمعدن الفضة .
وهكذا نشب الخلف ،إل أنه لم يؤد ،مع ذلك ،إلى تقاطع .والظاهر أن الصلح وقع بعد ذلك بين الخوة .والجدير بالذكر هو حصول نوع من
الستقرار السياسي داخل المارات الدريسية المنتشرة بأنحاء المغرب .فلم تسجل ثورات للسكان ول معارضة للقبائل .هل يرجع ذلك إلى
التقديس الذي حظيت به السرة في أعين المغاربة المعاصرين أم إلى أسباب أخرى ؟
الملحظ هو اندماج السرة الدريسية في المجتمع المغربي عن طريق المصاهرة والتطبع بأخلق أهل البلد مما جعل السكان في مختلف القاليم
ل يتعاملون معهم كأجانب ودخلء ،بل يعتبرونهم منهم ويحترمونهم ويضعونهم في الصدارة لشرف نسبهم .ويمكننا أن نعتبر أن احترام الشرفاء
كسلوك شعبي بدأ منذ ذلك العهد يتحول إلى مبدإ سياسي بعد ذلك بعدة قرون .ومع تكون عدة إمارات إدريسية ،يصبح تاريخ الدارسة متشعبا .
وسنقتصر هنا على ذكر أهم الحداث والشخاص .
. 4الدارسة بفاس :ظلت فاس هي الحاضرة المركزية للدولة وتولى فيها عدد من المراء نذكرهم بالتتابع :
أ .علي بن محمد بن إدريس ( 234 . 221هـ) تذكر المصادر أنه سار بسيرة أبيه وجده وأن أيامه كانت أيام سلم ورخا ء.
ب .يحيى بن محمد :أخو السابق (249 ..234هـ) في أيامه كثرت العمارة بفاس وتوافد إليها المهاجرون من جميع جهات الغرب السلمي ،مما
دعا إلى توسيع المدينة والبناء في أرباضها .وفي عهده بني المسجدان المشهوران :جامع الندلس وجامع القرويين .
ج .يحيى بن يحيى (252 .249هـ) في عهده حدثت أزمة بسبب سوء سيرته وثار عليه عبد الرحمن بن أبي سهل الجذامي واستولى على عدوة
القرويين ومات يحيى في تلك الثناء وجاء صهره علي بن عمر فاستولى على المدينة وتولى المارة .د .علي بن عمر :ل تحدد المصادر
18
تاريخ وليته بعد فترة من الستقرار ،اصطدم بثورة عبد الرزاق الفهري الخارجي وهزمه واضطر لللتجاء إلى أوربة ،بينما دخل عبد الرزاق
إلى عدوة الندلس فاستولى عليها إل أنه صادف مقاومة من لدن عدوة القرويين التي نادى أهلها على يحيى بن القاسم بن إدريس .
هـ .يحيى بن القاسم بن إدريس (المتوفى سنة 292هـ) استطاع أن يحافظ على وجود الدولة الدريسية بفاس حيث طرد عبد الرزاق الخارجي من
عدوة الندلس وخرج لمقاتلة الصفرية .والظاهر أنه قضى عهده في مباشرة الحروب إذ نجده يسقط صريعا في ساحة الوغى وهو يقاتل ربيع بن
سليمان سنة .292
و .يحيى بن إدريس بن عمر ( 309 . .292هـ) تطنب المصادر في الثناء عليه .فابن خلدون ينعته أنه ´´كان أعلى بني إدريس ملكا´´ بينما
يصفه روض القرطاس بقوله ´´ :كان يحيى هذا أعلى بني إدريس قدرا وصيتا وأطيبهم ذكرا وأقواهم سلطانا ( ) . . .وكان فقيها حافظا للحديث
ذا فصاحة وبيان ولسان ومع ذلك كان بطل شجاعا حازما".
إل أن المصادر ل تذكر شينا عن أعماله ،وذلك ،ول شك ،لن أحداثا خطيرة جاءت لتهدد الدولة الدريسية في وجودها .فقد قامت الدولة
الفاطمية بأفريقية في أواخر القرن الهجري الثالث وسعت لن تبسط سيطرتها على مجموع بلد المغرب .
وهكذا جاء ،مصالة بن حبوس المكناسي ،عامل الفاطميين على المغرب الوسط ،على رأس جيش لمحاربة الدارسة ،وجرت بينه وبين يحيى
معركة قرب مكناس انتهت بهزيمة المير الدريسي .وبعد ما ضرب عليه مصالة الحصار بفاس ،اضطر إلى الستسلم وتوصل مع خصمه
إلى صلح ،أمكنه بمقتضاه أن يحتفظ بإمارته مقابل إعلنه الخضوع والتبعية للخليفة الفاطمي.
إل أن مصالة أسند في نفس الوقت رئاسة قبيلة مكناسة بالمغرب إلى ابن عمه موسي بن أبي العافية .فاجتهد هذا الخير منذ ذلك الوقت في
القضاء على الدارسة .وأخذ يحرض مصالة على يحيى ويوغر صدره عليه .وهكذا تمكن بدسائسه من أن يحمل مصالة على اعتقال يحيى
وأنصاره ثم نفاه إلى أصيلة .وانتهت حياة يحيى بمأساة إذ سجن عشرين سنة ثم مات جوعا وهو في طريقه إلى إفريقية سنة 332هـ.
ومنذ انهزام يحيى قام صراع مرير بين موسى ابن أبي العافية والدارسة .فقد حاول الحسن بن محمد بن القاسم بن إدريس المعروف بالحجام أن
يسترجع سلطة الدارسة ،فاستولى على فاس وخرج لمحاربة موسى وانتصر عليه في جولة أولى .لكن موسى أعاد الكرة عليه وطارده إلى فاس
حيث غدر به عاملها ومات الحسن في تلك الثناء.
خل الجو بعد ذلك لموس ابن أبي العافية واستطاع أن يستولي على ما كان بيد الدارسة من أراض في شمال المغرب وطاردهم وضيق عليهم
الخناق حتى اضطروا إلى العتصام بحصن منيع في حجر النسر بجبال الريف .والواقع أن المأساة التي عاشها الدارسة في تلك الونة راجعة
إلى الصراع الكبير الذي نشب بين الخلفتين الفاطمية بإفريقية والموية بالندلس ،وكان مسرح هذا الصراع بلد المغرب ،وبخاصة المغرب
القصى.
وحاول الدارسة أن يحافظوا على استقللهم وحيادهم في الحرب الضروس الدائرة بين الطرفين .لكنهم ،بسبب ضعفهم وبسبب الضغوط
العسكرية القوية التي تعرضوا لها ،تارة من جهة الفاطميين ،وطورا من جهة المويين ،لم يجدوا بدا من الخضوع ،حسب الظروف ،تارة
لولئك وتارة لهؤلء .ولعل ارتباطهم بالمويين كان أقوى ،نظرا لقصر المسافة بين المغرب والندلس ،ولكون الخلفاء المويين ربما عاملوا
زعماء الدارسة بشيء من التقدير والحترام .والوضع الذي عرفه الدارسة في تلك الونة هو نفس الوضع الذي عاشه غيرهم من زعماء
البربر مثل موس بن أبي العافية المكناسي وأولده.
وبرغم الضطهاد والمضايقات التي تعرض لها الدارسة طوال مدة لم تكن بالقصيرة أثناء القرن الرابع ،فقد برهنوا على أن وجودهم أصبح
متجذرا في عدة أنحاء من المغرب ،وأنهم ظلوا يكونون قوة سياسية متمثلة في زعامات محلية نستطيع أن نذكر منها :
أ .بني عمر :الذين كان مقر نفوذهم في صدينة ببلد صنهاجة جنوبي الريف .واليهم ينتسب الحموديون ،الذين تولوا الخلفة بقرطبة ،ثم كانوا
من جملة ملوك الطوائف بالندلس .
ب .بنى داود :الذين امتد نفوذهم في جهة وادي سبو ،ومن أمرائهم حمزة بن داود .
ج .بني القاسم :ويمثلون فرعا مهما من السرة إذ امتد نفوذها في الهبط .فكان لها مركز بالبصرة وآخر بأصيل .ومن أبرز أمرائهم إبراهيم بن
القاسم .
د .بني عيسى :الذين كان مقرهم بوازقور في جهة الطلس المتوسط .وكانوا يتوفرون على معدن الفضة بجبل عوام .
هـ .بني عبيد ال :الذي سيحل بجنوب المغرب ،حيث ستنتشر ذريته .واليه يعزى تأسيس مدينتين مهمتين :تامدولت ،الواقعة في قدم السفح
الجنوبي للطلس الصغير وبها معدن الفضة ،وإگلي التي جعل منها عاصمته بعد استيلئه على سوس .وسيمتد نفوذه إلى لمطة ومشارف
الصحراء جنوبا وإلى أغمات ونفيس شمال .ويمكن القول إن هاته السرة كان لها نفوذ روحي قبل كل شيء في المنطقة المذكورة .
19
و .ومن فروع العلويين المتصلين بالدارسة ،نذكر بني سليمان بن عبد ال وهو أخو إدريس الول .وتختلف الروايات في شأنه هل قتل في
معركة فخ أم هل تمكن من الفرار ونجح في الوصول إلى تلمسان .ومهما يكن ،فإن ولده محمد تتفق المصادر على ذكر اسمه كأمير على تلمسان
وما حولها من أقاليم في المغرب الوسط .وهو الذي قدم عليه إدريس الثاني ليستلحق إمارة تلمسان بمملكة الدارسة ،وتركه على رأسها .وعن
محمد بن سليمان تفرعت عدة فروع انتشرت بجهات مختلفة من المغرب الوسط .إل أن المصادر تشح كثيرا ،بالخبار عن هاته السرة
المرتبطة بالدارسة .
[تحرير]
برغم المصائب التي توالت على الدارسة منذ تصدى لهم موسى ابن أبي العافية ،فقد أمكنهم أن يصمدوا وأن يحافظوا على وجودهم السياسي
على يد بني القاسم بن إدريس .فقد اتفق الدارسة على تولية القاسم بن محمد بن القاسم ابن إدريس واستمر في إمارته إلى أن توفي سنة 337هـ.
فتولى بعده ولده أبو العيش أحمد .وتميز بالعلم والفقه والورع .وكان مواليا لبني أمية الذين ازداد نفوذهم توطدا بالمغرب .وفضل أبو العيش أن
ينهي حياته مجاهدا ،إذ توجه للندلس حيث استشهد في ساحة القتال سنة 343هـ .فكان الذي خلفه بعد انصرافه إلى الجهاد أخوه الحسن بن
گنون .وفي عهده وقع هجوم جديد للفاطميين على المغرب كان الهدف منه استرجاع سطوتهم على البلد .فاضطر الحسن أمام قوة الهاجمين إلى
التحول بولئه إلى جهة المهاجمين .لكنه لم يتخذ ذلك الموقف إل تقية ،إذ رجع بولئه إلى المويين بمجرد انصراف جيوش الفاطميين عن
المغرب .
وبعد مدة ،جاء جيش فاطمي آخر بقيادة بلكين بن زيري .فاضطر الحسن ،مرة أخرى ،إلى نفض يده من بيعة المويين وتجديد بيعته للفاطميين .
وفي هذه المرة انضم إلى معسكر الفاطميين بصورة فعالة وساهم في التنكيل بأنصار المويين في البلد مما أحقد عليه الخليفة المرواني الحكم
المستنصر الذي وجه جيشا كبيرا إلى المغرب للنتقام منه وبعد معارك ضارية ،اضطر الحسن لللتجاء إلى حجر النسر ثم للستسلم والذهاب
مع ذويه إلى قرطبة ( 363هـ ) 974 /لكن ،ما لبث أن حدثت نفرة بينه وبين الحكم بعد سنتين من إقامته بقرطبة .فنفاه الخليفة الموي هو
وذويه عن الندلس فالتجأوا إلى الفاطميين بمصر ،حيث وجدوا استقبال حسنا وظلوا هنالك إلى غاية .373وحينئذ أمر الخليفة الفاطمي بتجهيز
الحسن بجيش ليذهب إلى المغرب ويستعيد إمارته باسم الفاطميين .لكن المنصور بن أبي عامر بعث لقتاله جيشا قويا .فاضطر إلى طلب المان
.لكن المنصور لم يف له وأمر باغتياله وهو في الطريق إلى قرطبة ( . )985 / 375وبذلك ´´انقرضت أيام الدارسة بالمغرب بموت الحسن بن
كنون آخر ملوكهم ´´( .القرطاس ص . )94
بالرغم على التدهور الذي حصل للدارسة طوال أزيد من قرن ،يمكن القول أنهم قاموا بدور أساسي في تاريخ المغرب :
..1على أيديهم تم تحويل المغرب ،بصورة فعالة إلى عهد السلم الذي عملوا على نشره في أنحاء مختلفة من البلد.
..2بمبادرتهم جرت أول محاولة لتجاوز القبلية وذلك بتأسيس دولة على النمط السلمي لها حاضرتها فاس .فكان عملهم أول
انطلقة فعلية للدولة المغربية في التاريخ.
..3مجهودهم على المستوى العمراني باستحداث مدن جديدة أو انعاش القديمة مع تنشيط الحركة التجارية وإنشاء عدد مهم من دور
السكة في جهات مختلفة من المغرب .
المراجع
Encyclopédie de l’Islam, article Idrissides ; Le Tourneau, Fès avant le Protectorat ; H. Terrasse, Histoire du
.Maroc ; D. Eustache, Le corpus des dirhams Idrissides : J. Brignon et autres, Histoire du Maroc
20
معركة فخ ..ميلد الدارسة
(في ذكرى نشوبها 8 :من ذي الحجة 169هـ)
أحمد تمام
دولة الدارسة
لم تنقطع ثورات آل البيت منذ أن استشهد الحسين بن علي في معركة كربلء ،في العاشر من المحرم سنة 61هـ ،وكانت
ت قلوب المسلمين حزنًا على الحسين ،ريحانة رسول ال –صلى ال عليه وسلم ،-وبعد أكثر نتيجة هذه المعركة مأساة أد َم ْ
من نصف قرن من مقتل الحسين أعلن حفيده زيد بن علي بن الحسين الثورة على الخليفة الموي سنة 121هـ ،وتكررت
المأساة نفسها؛ فلم يكن معه من القوة والرجال ما يضمن له النجاح والظفر ،لكنه انخدع ببيعة أهل الكوفة ،حتى إذا جدّ الجدّ
وظهرت معادن الرجال انفضوا عنه وتركوه يلقى مصيره المحتوم أمام يوسف بن عمر الثقفي والي الكوفة الذي نجح في
القضاء على تلك الثورة ،وقتل مفجرها زيد بن علي.
ولم تنقطع ثورات العلويين بعد تولي أبناء عمومتهم العباسيين الخلفة ،وإعلنهم أنهم أحق بها منهم ،وقابل العباسيون
ثورات أبناء العمومة بكل شدة وقسوة ،ونجح أبو جعفر المنصور في القضاء على ثورة "محمد النفس الزكية" ،الذي كان
معروفًا بالتقوى والفضل وفي مقدمة سادات بني هاشم خلقًا وعلمًا وورعًا ،وانتهت ثورته باستشهاده سنة (145هـ =
762م) ،ولم تكن ثورة أخيه إبراهيم أفضل حالً من ثورته ،فلقي مصرعه في السنة نفسها ،واطمأن أبو جعفر المنصور
على سلطانه ،واستتب له المر.
وبعد فشل هاتين الثورتين قامت حركات لبعض العلويين في اليمن وخراسان ،لكنها لم تلقَ نجاحًا ،وأصابها مثل ما
أصاب ما قبلها من ثورات ،وعاش من بقي من آل البيت العلوي في هدوء ،وربما استخفوا حتى يتمكنوا من إعداد العدة
للخروج وهم مكتملو القوة والعدد ،وظلت المور على هذا النحو من التربص والنتظار حتى حدث نزاع صغير بين والي
المدينة المنورة وبعض رجال من آل البيت أساء التعامل معهم ،وأهانهم وأغلظ القول لهم ،فحرك ذلك مكامن الثورة في
نفوسهم ،وأشعل الحمية في قلوبهم ،فثار العلويون في المدينة بقيادة الحسين بن علي بن الحسن ،وانتقلت الثورة إلى مكة
بعد أن أعلن الحسين البيعة لنفسه ،وأقبل الناس عليه يبايعونه.
ولما انتهى خبر هذه الثورة إلى الخليفة العباسي موسى الهادي ،أرسل جيشًا على وجه السرعة للقضاء على الثورة،
قبل أن يمتد لهيبها إلى مناطق أخرى؛ فيعجز عن إيقافها ،فتحرك الجيش العباسي إلى مكة ،والتقى بالثائرين في ( 8من ذي
الحجة 169هـ = 11من يونيو 786م) في معركة عند مكان يسمى "فخ" يبعد عن مكة بثلثة أميال ،وانتهت المعركة
بهزيمة جيش الحسين ،ومقتله هو وجماعة من أصحابه.
21
وكان ممن نجا من قادة الثائرين في هذه المعركة "إدريس بن عبد ال بن الحسن" ،واتجه
إلى مصر ومعه خادمه راشد ،وكان شجاعًا عاقلً وفيًا لسيده ،وظل أمرهما مجهولً حتى
بلغا مصر مستخفيْن في موكب الحجيج ،ولم يكن اختفاؤهما أمرًا سهلً؛ فعيون الخلفة
العباسية تتبعهما وتقتفي أثرهما ،ولم تكن لتهدأ وتطمئن قبل أن تعثر على إدريس بن عبد
ال حيًا أو ميتًا ،لكنهما نجحا في التحرك والتخفي؛ ل لمهارتهما في ذلك ،ولكن لحب
الناس آل البيت ،وتقديم يد العون والمساعدة لهما. زاوية إدريس بن عبد ال
ي الصل ،وساعدهما ومن مصر خرج إدريس وخادمه "راشد" إلى بلد المغرب ،ويقال :إن هذا الخادم كان بربر ّ
على الخروج من مصر عامل البريد بها؛ فقد كان متشيعًا لل البيت ،فلما علم بوجودهما في مصر قدم إليهما في الموضع
الذي يستخفيان به ،وحملهما على البريد المتجه إلى المغرب .وتذهب روايات تاريخية إلى أن الذي أعان إدريس على
الفرار من مصر هو "علي بن سليمان الهاشمي" والي مصر ،وأيًا ما كان المر فإن إدريس لقي دعمًا ومساعدة لتمكينه من
الخروج من مصر ،سواءً كان ذلك بعون من والي مصر أو من عامل البريد.
رحلة شاقة
وبعد أن وصل إدريس بن عبد ال إلى برقة تخفى في زي خشن ،يظهر فيه بمظهر غلم يخدم سيده "راشد" ،ثم سلكا
طريقًا بعيدًا عن طريق إفريقية إمعانًا في التخفّي ،وخوفًا من أن يلتقي بهما أحد من عيون الدولة العباسية التي اشتدت في
طلبهما ،حتى وصل إلى تلمسان سنة (170هـ = 786م) ،وأقاما بها عدة أيام طلبًا للراحة ،ثم استأنفا سيرهما نحو الغرب،
فعبرا "وادي ملوية" ،ودخل بلد السوس الدنى ،حيث أقاما بعض الوقت في "طنجة" التي كانت يومئذ أعظم مدن المغرب
القصى ،ثم واصل سيرهما إلى مدينة "وليلى" ،وهي بالقرب من مدينة مكناس المغربية ،واستقرا بها بعد رحلة شاقة
استغرقت حوالي عامين.
في وليلى
وبعد أن استقر إدريس في وليلى (قصر فرعون حاليًا) اتصل بإسحاق بن محمد بن عبد الحميد زعيم قبيلة "أوربة"
البربرية ،صاحبة النفوذ والسيطرة في "وليلى" ،فلما اطمأن إليه إدريس عرفه بنسبه ،وأعلمه بسبب فراره من موطنه؛ نجاة
بنفسه من بطش العباسيين ،وقد رحب إسحاق بضيفه الكبير ،وأنزله معه داره ،وتولى خدمته والقيام بشأنه شهورًا عديدة،
حتى إذا حل شهر رمضان من السنة نفسها جمع إسحاق بن محمد إخوته وزعماء قبيلة أوربة ،وعرفهم بنسب إدريس
وبفضله وقرابته من النبي -صلى ال عليه وسلم ،-وكرمه وأخلقه وعلمه؛ فرحبوا جميعًا به ،وأعربوا عن تقديرهم له،
وبايعوه بالخلفة في ( 14من رمضان 172هـ = 15من فبراير 788م) ،وبعد ذلك خلع "إسحاق بن عبد الحميد" طاعة
بني العباس حيث كان من ولتهم ،وتنازل لدريس عن الحكم.
وتبع ذلك دعوة لدريس بين القبائل المحيطة ،فدخلت في دعوته قبائل :زناتة ،وزواغة ،وزوارة ،ولماية ،وسراته،
وغياشة ،ومكناسة ،وغمارة ،وباعيته على السمع والطاعة ،واعترفت بسلطانه ،وقصده الناس من كل مكان.
استقرت المور لدريس بن عبد ال ،ورسخت أقدامه بانضمام كل هذه القبائل إلى دعوته ،ودانت له معظم قبائل
البربر ،وبدأ يطمح في مدّ نفوذه وسلطانه إلى القبائل التي تعترف بحكمه ،ونشر السلم بين القبائل التي ل تزال على
المجوسية أو اليهودية أو المسيحية ،فأعد جيشًا كبيرًا زحف به نحو مدينة "شالة" قبالة مدينة الرباط ،ففتحها ،ثم تحول في
كل بلد "تامسنا" فأخضعها ،وأتبع ذلك بإخضاع إقليم "تاول" ،وفتح حصونه وقلعه ،وأدخل كثير من أهل هذه البلد
السلم ،ثم عاد إلى "وليلى" للراحة والستجمام في (آخر ذي الحجة 172هـ = مايو 789م) ،ثم عاود حملته الظافرة
عازمًا على دعوة من بقي من قبائل البربر إلى السلم ،ونجح في إخضاع قبائل :قندلوة ومديونة وبهلولة وغيرها من
القبائل البربرية التي كانت متحصنة بالجبال والحصون المنيعة ،ثم رجع إلى وليلى في ( 15من جمادى الخرة 173هـ =
10من أكتوبر 789م).
22
أقام إدريس بن عبد ال شهرًا في وليلى ،ثم عاود الفتح ،واتجه ناحية الشرق هذه المرة ،عازمًا على توسيع ملكه في
المغرب الوسط على حساب الدولة العباسية ،فخرج في منتصف رجب 173هـ = نوفمبر 789م متجهًا نحو تلمسان ،وفي
أثناء زحفه استولى على مدينة "سبتة" ،ولم يكد يصل إلى "تلمسان" حتى خرج إليه صاحبها "محمد بن خرز" ،وأعلن
خضوعه له دون قتال ،وبايع إدريس بن عبد ال ،وتبعته قبائل :مغراوة وبني يفرده.
ولما دخل المام إدريس تلمسان أقام بها مسجدًا للمدينة جامعًا ،وصنع منبرًا جميلً كان يحمل نقشًا يحدد تاريخ
إنشائه ،ونصه :بسم ال الرحمن الرحيم ..هذا ما أمر به إدريس بن عبد ال بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي ال
عنهم ،وذلك في شهر صفر 174هـ ،وهذا يعني أن إدريس أقام في تلمسان حتى هذا التاريخ ،ثم كرّ راجعًا إلى عاصمة
ملكه.
ولم تكد تصل هذه الفتوحات إلى عاصمة الخلفة العباسية حتى فزع الخليفة هارون
الرشيد ،وشعر بالقلق والذعر من النجاح الذي يحققه إدريس بن عبد ال ،الذي نجح فيما
فشل فيه غيره من أبناء البيت العلوي؛ فلول مرة ينجحون في إقامة دولة لهم بعد إخفاقات
عديدة ومآسٍ دامية ،ثم اشتد خوف الخليفة العباسي حين جاءته الخبار بعزم إدريس بن
عبد ال على غزو أفريقية (تونس) ،ففكر في إرسال جيش لمحاربة هذا العلوي المظفر،
وبينما الرشيد على هذه الحال من القلق والضطراب تدخلت القدار ،وأراحته مما كان
يفكر فيه ،فتوفي إدريس بن عبد ال في (سنة 177هـ = 793م) على أرجح الروايات، ضريح إدريس بن عبد ال
بعد أن نجح في تحدي الصعوبات ،وأقام دولة عُرفت باسمه "دولة الدارسة" بعيدًا عن وطنه بين قبائل متطاحنة تعتز
بعنصريتها ،وتتخذ من قوتها وسيلة لفرض سيطرتها على من حولها ،وهذه تُحسب له ،وتجعله واحدًا من كبار رجال
التاريخ .ويضاف إليه أن المغرب مدين له في نشر السلم في أماكن لم يكن قد وصل إليها من قبل.
مصطفى عاشور
23
سقطت الخلفة الموية في الندلس إثر سقوط الدولة العامرية سنة (399هـ = 1009م) وتفككت الدولة الندلسية الكبرى
إلى عشرين دويلة صغيرة يحكمها ملوك الطوائف ،ومن أشهرهم :بنو عباد في أشبيلية ،وبنو ذي النون في طليطلة ،وبنو
هود في سرقسطة ،وزعمت كل طائفة من هذه الطوائف لنفسها الستقلل والسيادة ،ولم تربطها بجارتها إل المنافسة والكيد
والمنازعات والحروب المستمرة ،وهو ما أدى إلى ضعف ،وأعطى الفرصة للنصارى المتربصين في الشمال أن يتوسعوا
على حسابهم.
وفي مقابل التجزئة والفرقة الندلسية في عصر الطوائف كان النصارى يقيمون اتحادًا بين مملكتي ليون وقشتالة على
يد فرديناد الول الذي بدأ حرب السترداد التي تعني إرجاع الندلس إلى النصرانية بدلً من السلم.
وواصل هذه الحرب من بعده ابنه ألفونس السادس ،حيث بلغت ذروتها مع استيلء ألفونس على مدينة "طليطلة" سنة
(478هـ = 1085م) أهم المدن الندلسية وأكبر قواعد المسلمين هناك ،وكان سقوطها نذيرًا بأسوأ العواقب لبقية الندلس؛
ذلك أن ألفونس قال صراحة :إنه لن يهدأ له بال حتى يسترد بقية الندلس ويُخضع قرطبة لسلطانه؛ وينقل عاصمة ملكه
إلى طليطلة.
وكان أسوأ ما في هذه الكارثة المروعة أن ملوك الطوائف المسلمين لم يهبّوا لنجدة طليطلة أو مساعدتها ،بل على
العكس وقفوا موقفًا مخزيًا حتى إن بعضهم عرض على ألفونس تقديم العون والمساعدة ،ورأى البعض الخر أنه لكي
يستمر في حكم مملكته آمنًا يجب أن يوثق أواصر الصلة والمودة مع ألفونس ويحالفه ويقدم له الجزية السنوية ،بل شاركت
بعض قوات أمراء الطوائف في غزوة طليطلة ،وقدم أحد هؤلء المراء ابنته لتكون زوجة أو حظية للفونس!!
ورأى ألفونس حالة الضعف والجبن التي يعاني منها أمراء الطوائف ،والتي تعود في الساس إلى ترفهم وخواء
نفوسهم ،وكرههم للحرب والجهد حتى إن كان ذلك هو السبيل الوحيد للكرامة والحفاظ على البقية الباقية من الدين
والمروءة؛ لذا رأى ألفونس السادس ضرورة إضعاف ملوك الطوائف قبل القضاء عليهم نهائيًا؛ وكانت خطته في ذلك تقوم
أولً على تصفية أموالهم باقتضاء وفرض الجزية عليهم جميعًا ،ثم تخريب أراضيهم وزروعهم ومحاصيلهم بالغارات
المتتابعة ،وأخيرًا اقتطاع حصونهم وأراضيهم كلما سنحت الفرصة.
ونجحت خطة ألفونس في ذلك كل النجاح ،وبدا ضعف ملوك الطوائف أمامه واضحًا ملموسًا؛ فاستهان بهم
واحتقرهم ،وقال عنهم" :كيف أترك قومًا مجانين تسمّى كل واحد منهم باسم خلفائهم وملوكهم ،وكل واحد منهم ل يسِل
للدفاع عن نفسه سيفًا ،ول يرفع عن رعيته ضيمًا ول حيفًا" ،وعاملهم معاملة التباع.
أصبح ألفونس بعد استيلئه على طليطلة مجاورًا لمملكة إشبيلية وصاحبها المعتمد بن عباد ،وعندها أدرك المعتمد
فداحة خطئه في مصانعة ألفونس ومحالفته واستعدائه على أمراء الطوائف الخرين ،ولحت له طوالع المصير المروع
الذي سينحدر إليه إذا لم تتداركه يد العناية اللهية بعون أو نجدة غير منتظرة؛ لذا كان من الطبيعي أن تتجه أنظار ابن
عباد إلى دولة المرابطين القوية الفتية بقيادة أميرها الباسل "يوسف بن تاشفين" ليستنجد به وتطلب منه النصرة ضد هؤلء
24
النصارى الذين تجمعوا من شمالي إسبانيا ،فضلً عن المتطوعين الذين قدموا من فرنسا وألمانيا وإيطاليا.
بدأ النزاع بين الملكين سنة ( 475هـ = 1082م) عندما وجه ألفونس سفارته المعتادة إلى المعتمد يطلب فيها الجزية
السنوية ،وكان على رأس السفارة يهودي يُدعى "ابن شاليب" ،رفض تسلم الجزية بحجة أنها من عيار ناقص ،وهدد بأنه إذا
لم يقدم له المال من عيار حسن فسوف تُحتل مدائن إشبيلية.
ولمّا علم المعتمد بما صدر عن اليهودي أمر بصلبه ،وزج بأصحابه في السجن من القشتاليين ،وعندما استشار الفقهاء
استحسنوا ذلك المر؛ مخافة أن يتراجع المعتمد عن قراره بالصمود في وجه النصارى؛ أما ألفونس فقد استشاط غضبًا،
وبعث سراياه وجنوده للنتقام والسلب والنهب ،وأغار هو بجيشه على حدود إشبيلية وحاصرها ثلثة أيام ثم تركها،
والمعتمد يلتزم الدفاع طيلة هذه العاصفة الهوجاء من الغضب الصليبي.
الستنجاد بالمرابطين
حشد المعتمد رجاله ،وقوّى جيشه ،وأصلح حصونه ،واتخذ كل وسيلة للدفاع عن أرضه بعدما أيقن أن ألفونس يعتزم
العمل على إبادتهم جميعًا ،وأن المسلمين بقدراتهم ومواردهم المحدودة لن يستطيعوا له دفعًا؛ لذا قرر المعتمد أن يستنصر
بالمرابطين في المغرب لمقاتلة هؤلء النصارى ،وكانت دولة المرابطين دولة جهاد وحرب ،غير أن هذا الرأي واجه
معارضة من بعض المراء الذين رأوا في المفاوضات والصلح والمهادنة والسلم وسيلة للمن والستقرار ،ورأوا في
المرابطين عدوًا جديدًا قد يسلب ملكهم ،وقال الرشيد لبيه المعتمد" :يا أبت أتُدخِل علينا في أندلسنا من يسلبنا ملكنا ،ويبدد
شملنا" ،فرد عليه المعتمد" :أي بني ،وال ل يسمع عني أبدًا أني أعدت الندلس دار كفر ،ول تركتها للنصارى ،فتقوم اللعنة
عليّ في السلم ،مثلما قامت على غيري ،رعي الجمال عندي -وال -خير من رعي الخنازير".
وناشد ملوك الطوائف وعلى رأسهم المعتمد بن عباد المرابطين وأميرهم يوسف بن تاشفين لنجدتهم ،بل إن المعتمد
عبر إلى المغرب والتقى بابن تاشفين الذي وعده خيرًا ،وأجابه إلى ما طلب واشترط لجابة الدعوة والعبور إلى الندلس
أن يسلم إليه المعتمد ثغر الجزيرة الخضراء ليكون قاعدة للمرابطين في الذهاب والياب ،فوافق المعتمد على ذلك.
حشد يوسف بن تاشفين جنده وعتاده ،ثم بعث بقوة من فرسانه بقيادة داود بن عائشة فعبرت البحر ،واحتلت ثغر
الجزيرة الخضراء ،وفي (ربيع الخر 479هـ = أغسطس 1086م) بدأت جيوش المرابطين تعبر من سبتة إلى الندلس،
وما كادت السفن تتوسط ماء مضيق جبل طارق حتى اضطرب البحر وتعالت المواج ،فنهض "ابن تاشفين" ورفع يديه إلى
السماء وقال" :اللهم إن كنت تعلم أن في جوازي هذا خيرًا وصلحًا للمسلمين فسهّل علي جواز هذا البحر ،وإن كان غير
ذلك فصعبه علي حتى ل أجوزه"؛ فهدأت ثائرة البحر ،وسارت السفن في ريح طيبة حتى رست على الشاطئ ،وهبط منها
يوسف ،وخرّ ل ساجدًا.
قوبل بحفاوة بالغة هو وجنوده ،وأمر قائده "داود بن عائشة" بالتقدم أمامه إلى بطليوس ،كما أمر بأن توضع القوات
الندلسية كلها تحت قيادة المعتمد ،وأن يكون لجند الندلس محلتهم وللمرابطين محلتهم ،وكان يوسف في تحركه شديد
الحذر؛ لنه لم يسبق له أن حارب جيشًا نصرانيًا ،كما أنه لم يكن واثقًا من حلفائه الندلسيين؛ لذا رأى أن تكون المعركة
في ناحية بطليوس ،وأل يتوغل كثيرًا في أرض الندلس.
ولما بلغ ألفونس نبأ تقدم المسلمين لملقاته ،فك الحصار الذي كان يضربه حول مدينة سرقسطة ،واستدعى قائده
البرهانس من بلنسية ،وبعث مستغيثًا بجميع النصارى في شمال إسبانيا وما وراء جبال البرانيس ،فتقاطرت عليه فرسان
النصارى من إيطاليا وفرنسا ،واعتزم أن يلقى المسلمين في أرضهم حتى ل تخرب بلده ،وكانت قواته تفوق المسلمين
عددًا وعدة ،وقد استقرت هذه الجيوش النصرانية على بعد ثلثة أميال من المعسكر السلمي ول يفصل بينهم إل نهر
25
صغير يسمى "جريرو" ،وانضم إلى قوات النصارى الرهبان والقسس يحملون أناجيلهم وصلبانهم ،محفزين بذلك جنود
النصارى.
كانت قوات المسلمين تقدر بحوالي ثمانية وأربعين ألف مقاتل ،تنقسم في وحدتين كبيرتين من قوات الندلس ،وتحتل
المقدمة بقيادة المعتمد ،أما القوات المرابطية فتحتل المؤخرة وتنقسم إلى قسمين ،يضم الول فرسان البربر بقيادة داود بن
عائشة ،والقسم الثاني احتياطي ،يقوده يوسف بن تاشفين.
ولبث الجيشان كل منهما في اتجاه الخر ثلثة أيام ،وفشلت محاولة ألفونس خديعة المسلمين في تحديد يوم المعركة،
وانتهى المر بنشوب المعركة مع أول ضوء من صباح يوم الجمعة ( 12رجب 479هـ = 23أكتوبر 1086م) بهجوم
خاطف شنّه فرسان النصارى على مقدمة المسلمين المؤلفة من القوات الندلسية ،فاختل توازن المسلمين وارتد فرسانهم
نحو بطليوس ،ولم يثبت إل المعتمد بن عباد في مجموعة قليلة من الفرسان ،وقاتلوا بشدة ،وأُثخن المعتمد بالجراح وكثر
القتل في جند الندلس ،وكادت تحل بهم الهزيمة ،وفي الوقت نفسه هاجم ألفونس مقدمة المرابطين وردها عن مواقعها.
وأمام هذه المحنة التي تعرضت لها القوات المسلمة دفع يوسف بقوات البربر التي يقودها أبرع قواده وهو "سير بن
أبي بكر اللمتوني"؛ فتغير سير المعركة ،واسترد المسلمون ثباتهم ،وأثخنوا النصارى قتلً ،وفي تلك الثناء لجأ ابن تاشفين
إلى خطة مبتكرة؛ إذ استطاع أن يشق صفوف النصارى ،ويصل إلى معسكرهم ،ويقضي على حاميته ،ويشعل فيه النار؛
فلما رأى ألفونس هذه الفاجعة ،رجع بسرعة شديدة ،واصطدم الفريقان في قتال شرس ،ودويّ طبول المرابطين يصم
الذان ،وكثر القتل في الجانبين ،خاصة في صفوف القشتاليين ،ثم وجه "ابن تاشفين" ضربته الخيرة إلى النصارى؛ إذ أمر
حرسه السود ،وقوامه أربعة آلف مقاتل من ذوي البأس الشديد والرغبة في الجهاد بالنزول إلى أرض المعركة ،فأكثروا
القتل في القشتاليين واستطاع أحدهم أن يطعن ألفونس في فخذه طعنة نافذة كادت تودي بحياته.
وأدرك ألفونس أنه وقواته يواجهون الموت إذا استمروا في المعركة ،فبادر بالهروب مع قلة من فرسانه تحت جنح
الظلم ،لم يتجاوزوا الربعمائة ،معظمهم جرحى ،ماتوا في الطريق ،ولم ينج منهم إل مائة فارس فقط.
كان انتصار المسلمين في الزلقة نصرًا عظيمًا ذاعت أنباؤه في الندلس والمغرب ،واستبشر المسلمون به خيرًا
عظيمًا ،غير أن المسلمين لم يحاولوا استغلل نصرهم بمطاردة فلول النصارى المتبقية والزحف إلى أراضي قشتالة ،بل لم
يحاولوا السير إلى طليطلة لستردادها ،وهي التي كانت السبب الرئيسي في الستعانة بالمرابطين ،ويقال إن ابن تاشفين
اعتذر عن مطاردة القشتاليين لوصول أنباء إليه بوفاة أكبر أبنائه.
ونتج عن هذا المعركة الحاسمة توقّف ملوك الطوائف عن دفع الجزية للفونس السادس ،وأنقذ هذا النصر غرب
الندلس من غارات المدمرة ،وأفقدهم عددًا كبيرًا من قواتهم ،وأنعش آمال الندلسيين وحطم خوفهم من النصارى ،ورفع
الحصار عن سرقسطة التي كادت تسقط في يد ألفونس ،وحالت هذه المعركة دون سقوط الندلس كلها في يد النصارى،
ومدت في عمر السلم بالندلس حوالي القرنين ونصف القرن.
المصادر:
•محمد عبد ال عنان :دولة السلم في الندلس -دولة الطوائف منذ قيامها حتى الفتح المرابطي– مكتبة الخانجي– القاهرة– الطبعة الولى (.)1960 – 1380
•أمين توفيق الطيب :دراسات وبحوث في تاريخ المغرب والندلس– الدار العربية للكتاب– تونس (.)1984
•محمد عبد الحميد عيسى :الزلقة -مجلة المة -رئاسة المحاكم الشرعية بقطر -عدد ( )23ذو القعدة 1402هـ -سبتمبر 1982م.
26