You are on page 1of 18

‫قصة نيوتن‪...

‬الطريق للنجاح‬

‫إسحاق نيوتن ‪ .....‬ولد في مزرعة صغيرة بوولزثورب في‬


‫مقاطعة لنكولن في ‪ 25‬ديسمبر ‪( 1642‬حسب التقويم القديم‬
‫أي اليولياني) وهو العام الذي مات فيه جاليليو وكانت الزعامة‬
‫الثقافية كالزعامة القتصادية في سبيلها من الجنوب إلى‬
‫الشمال‪ .‬وكان عند ميلده صغير الحجم جدا ً بحيث كان في‬
‫المكان وضعه في كوز سعته ربع جالون (كما أخبرته أمه فيما‬
‫بعد) وضعيفا ً جدا ً بحيث لم يخطر ببال أحد أنه سيعيش أكثر‬
‫من أيام معدودات‪ .‬وكفلته أمه وخاله لن أباه كان قد مات‬
‫قبل ولدته بشهور‪.‬‬

‫وحين بلغ الثانية عشرة أرسل إلى المدرسة الخاصة في‬


‫جرانثام فلم يحالفه التوفيق فيها‪ .‬وجاء في التقارير عنه أنه "‬
‫خامل " و " غير ملتفت " وأنه يهمل الدراسات المقررة ويقبل‬
‫على الموضوعات التي تستهويه وينفق الوقت الكثير على‬
‫المخترعات الميكانيكية كالمزاول والسواقي والساعات البيتية‬
‫الصنع‪ .‬وبعد أن قضى عامين في جرانثام أخذ من المدرسة‬
‫ليساعد أمه في المزرعة‪ .‬ولكنه عاد إلى إهمال واجباته ليقرأ‬
‫الكتب ويحل المسائل الرياضية‪ .‬وتبين خال آخر كفايته فأعاده‬
‫إلى المدرسة وعمل الترتيبات لقبول نيوتن بكلية ترنتي في‬
‫كمبردج (‪ )1661‬طالبا ً يكسب مصروفاته بمختلف الخدمات‬
‫وحصل على درجته الجامعية بعد أربع سنوات وبعدها بقليل‬
‫انتخب زميل ً بالكلية‪ .‬وخص باهتمامه الرياضة والبصريات‬
‫والفلك والتنجيم وقد احتفظ بميله لدراسة التنجيم إلى فترة‬
‫متأخرة من حياته‪.‬‬

‫وفي ‪ 1669‬استقال أستاذه في الرياضة إسحاق بارو وعين‬


‫نيوتن خلفا ً له بناءً على توصية منه وصف فيها نيوتن بأنه "‬
‫عبقري ل نظير له " وقد احتفظ بكرسيه في ترنتي أربعة‬
‫وثلثين عاماً‪ .‬ولم يكن بالمعلم الناجح‪ .‬كتب سكرتيره عن‬
‫ذكريات ذلك العهد يقول " كان الذين يذهبون للستماع إليه‬
‫قليلين والذين يفهمونه أقل حتى أنه في أحيانا ً كثيرة وكأنه‬
‫يقرأ للحيطان بسبب قلة السامعين "‪ .‬وفي بعض المناسبات‬
‫لم يكن يجد مستمعين إطلقا ً فيعود إلى حجرته كاسف البال‪.‬‬

‫وبنى فيه مختبرا ً ‪ -‬كان الوحيد في كمبردج آنئذ‪ .‬وقام بالكثير‬


‫من التجارب ل سيما في الخيمياء " وهدفه الكبر تحويل‬
‫المعادن " ولكنه اهتم أيضا ً بـ " اكسير الحياة " و " حجر‬
‫الفلسفة " وواصل دراساته الخيميائية من ‪ 1661‬إلى ‪1692‬‬
‫وحتى وهو يكتب كتابه " المبادئ " ترك مخطوطات عن‬
‫الخيمياء دون نشر بلغ مجموع كلماتها نيفا ً و ‪ " 100.000‬ل‬
‫قيمة لها إطلقا ً " وكان بويل وغيره من أعضاء الجمعية‬
‫الملكية مشغولين شغل ً محموما ً بهذا البحث نفسه عن صنع‬
‫الذهب‪ .‬ولم يكن هدف نيوتن تجاريا ً بشكل واضح فهو لم يبد‬
‫قط أي حرص على المكاسب المادية ولعله كان يبحث عن‬
‫قانون أو عملية يمكن أن تفسر بها العناصر على أنها أشكال‬
‫مغايرة قابلة للتحويل لمادة أساسية واحدة‪ .‬ول سبيل لنا إلى‬
‫التأكد من أنه كان مخطئاً‪.‬‬

‫وكان له حديقة صغيرة خارج مسكنه بكمبردج يتمشى فيها‬


‫فترات قصيرة سرعان ما تقطعها فكرة يهرع إلى مكتبه‬
‫ليسجلها‪ .‬كان قليل الجلوس يؤثر أن يذرع حجرته كثيرا ً (في‬
‫رواية سكرتيره) " حتى لتخاله‪ ...‬واحدا ً من جماعة أرسطو "‬
‫المشائين‪ .‬وكان مقل ً في الطعام وكثيرا ً ما فوت وجبة ونسى‬
‫أنه فوتها‪ .‬وكان ضنينا ً بالوقت الذي ل بد من إنفاقها في‬
‫الكل والنوم‪ " .‬ونادرا ً ما ذهب لتناول الطعام في القاعة فإذا‬
‫فعل فإنه ‪ -‬ما لم ينبه ‪ -‬يذهب في هيئة زرية حذاؤه بالي‬
‫الكعبين وجواربه بل رباط‪ ...‬ورأسه غير ممشط إل فيما ندر "‪.‬‬
‫وقد رويت واخترعت القصص الكثيرة عن شرود ذهنه‪.‬‬
‫ويؤكدون أنه قد يجلس الساعات بعد استيقاظه من النوم على‬
‫فراشه دون أن يرتدي ثيابه وقد استغرقه الفكر‪ .‬وكان أحياناً‬
‫إذا جاءه زائرون يختفي في حجرة أخرى ويخط أفكارا ً على‬
‫عجل وينسى أصحابه تماماً‪.‬‬

‫لقد كان راهبا ً من رهبان العلم في هذه السنين الخمس‬


‫والثلثين بكمبردج‪ .‬وقد وضع " قواعد للتفلسف " ‪ -‬أعني‬
‫الطريقة والبحث العلميين‪ .‬ورفض القواعد التي وضعها‬
‫ديكارت في " مقاله " كمبادئ قابلية تستنتج منها كل الحقائق‬
‫الكبرى بالستدلل‪ .‬وحين قال نيوتن " أنا ل أخترع فروضا ً "‬
‫كان يعني أنه ل يقدم نظريات حول أي شيء يتجاوز ملحظة‬
‫الظواهر فهو إذن ل يغامر بأي تخمين عن طبيعة الجاذبية بل‬
‫يكتفي بوصف مسلكها وصياغة قوانينها‪ .‬ولم يزعم أنه يتجنب‬
‫الفروض باعتبارها مفاتيح للتجارب فإن مختبره على العكس‬
‫خصص لختبار مئات الفكار والمكانات وسجله يزخر بالفروض‬
‫التي جربت ثم رفضت‪ .‬كذلك لم يرفض الستدلل إنما أصر‬
‫على أنه يجب أن ينطلق من الوقائع ويفضي إلى المبادئ‪.‬‬
‫وكانت طريقته أن يتصور الحلول الممكنة للمشكلة ويستنبط‬
‫متضمناتها الرياضية ويختبر هذه بالحساب والتجربة‪.‬‬

‫وكتب يقول " يبدو أن مهمة الفلسفة (الطبيعية) كلها تكمن‬


‫في هذا ‪ -‬البحث من ظواهر الحركات في قوى الطبيعة ثم‬
‫إيضاح الظواهر الخرى من هذه القوى "‪ .‬لقد كان مزيجا ً من‬
‫الرياضة والخيال ولن يستطيع فهمه إل من يملكهما جميعاً‪.‬‬
‫ولكن لنمض في طريقنا رغم هذا‪ .‬إن لشهرته بؤرتين ‪ -‬حساب‬
‫التفاضل والجاذبية‪ .‬بدأ عمله في حساب التفاضل عام ‪1665‬‬
‫بإيجاد مماس ونصف قطر النحناء عند أي نقطة على منحني‪.‬‬

‫ولم يسم طريقته حساب التفاضل بل الفروق المستمرة‬


‫وفسر هذا المصطلح تفسيرا ً ل يمكننا أن " إن الخطوط ترسم‬
‫وبهذا الرسم تولد ل بضم الجزاء بعضها إلى بعض بل بالتحرك‬
‫المستمر بالنقط والسطوح بتحرك الخطوط والمجسمات‬
‫بتحرك السطوح والزوايا بدوران الجوانب وأجزاء الزمن‬
‫بالفيض المستمر وهكذا في غير ذلك من الكميات‪ .‬وعلى ذلك‬
‫فبما أن الكميات التي تزداد في أزمان متساوية وبالزيادة تولد‬
‫أصبحت أكبر أو أقل حسب السرعة الكبر أو القل التي تزداد‬
‫أو تولد بها فإنني بحثت عن طريقة لتحديد الكميات من‬
‫سرعات الحركات أو الزيادات التي تولد بها وإذا أطلقت على‬
‫سرعات الحركات أو الزيادات لفظ " الفروق والكميات‬
‫المولودة " المتغيرات " فقد اهتديت شيئا ً فشيئا ً إلى طريقة‬
‫الفروق في عامي ‪ 1665‬و ‪ " 1666‬وقد وصف نيوتن طريقته‬
‫في خطاب كتبه لبارو عام ‪ 1669‬وأشار إليها في خطاب لجون‬
‫كولنز في ‪ .1672‬ولعله استخدم هذه الطريقة في التوصل‬
‫إلى بعض النتائج المتضمنة في كتابه " المبادئ " (‪)1687‬‬
‫ولكن عرضه لها فيه جري على الصيغ الهندسية المقبولة ربما‬
‫مراعاة لم يناسب قراءه‪ .‬وقد أسهم ببيان لطريقته في‬
‫الفروق ‪ -‬ولكن دون أن يخفي اسمه ‪ -‬في كتاب واليس "‬
‫الجبر " عام ‪.1693‬‬

‫ولم ينشر الوصف الذي اقتبسناه فيما سبق إل عام ‪ 1704‬في‬


‫ملحق لكتابه " البصريات "‪ .‬وكان في طبع نيوتن أن يؤخر نشر‬
‫نظرياته وربما أراد أول ً أن يحل الصعوبات التي أوحت بها‪.‬‬
‫وعليه فقد انتظر حتى سنة ‪ 1676‬لينشر نظرية " ذات الحدين‬
‫" التي خلص إليها‪ .‬ولو أنه صاغها على هذه التأجيلت زجت‬
‫برياضي أوربا في جدل معيب مزق دولية العلم جيل ً بأسره‪.‬‬
‫ذلك أنه في الفترة بين إبلغ نيوتن نظريته في " الفروق "‬
‫لصحابه في ‪ 1669‬ونشر الطريقة الجديدة في ‪ 1704‬وضع‬
‫ليبنتز نظاما ً منافسا ً لها في ماينز وباريس‪ .‬ففي ‪ 1671‬أرسل‬
‫إلى أكاديمية العلوم بحثا ً يحوي جرثومة حساب التفاضل وقابل‬
‫ليبنتز أولدبورج في زيارة للندن من يناير إلى مارس ‪673‬‬
‫وكان قد تبادل الرسائل معه ومع بويل‪ .‬وقد ظن أصحاب‬
‫نيوتن فيما بعد أن لبنتز في رحلته هذه تلقى إلماعا ً لفروق‬
‫نيوتن ‪ -‬ولكن المؤرخين يتشككون في هذا الن‪ .‬وفي يونيو‬
‫‪ 1676‬بناء على طلب أولدنبرج وكولنز كتب نيوتن خطابا ً ليبلغ‬
‫إلى لبنتز شارحا ً فيه طريقته في التحليل‪.‬‬

‫وفي أغسطس رد لبنتز على أولدنبرج وضمن الرد بعض‬


‫المثلة من شغله في حساب التفاضل وفي يونيو ‪ 1677‬في‬
‫خطاب آخر لولدنبرج وصف نوع حساب التفاضيل الذي توصل‬
‫إليه وطريقته في التنويت أي التدوين بمجموعة من الرموز)‬
‫وهما يختلفان عن حساب نيوتن وطريقته‪ .‬ثم عاد في مجلة‬
‫عدد أكتوبر ‪ 1684‬يشرح حساب التفاضل وفي ‪ 1686‬نشر‬
‫طريقته في حساب التكامل‪ .‬وفي الطبعة الولى من "‬
‫المبادئ " (‪ )1687‬قبل نيوتن بشكل واضح اكتشاف ليبنتز‬
‫لحساب التفاضل مستقلً‪ .‬قال‪ " :‬في رسائل تبادلتها مع عالم‬
‫الهندسة اللمعي ج‪ .‬و‪ .‬ليبنتز قبل عشر سنوات حين أشرت‬
‫إلى أنني أعرف طريقة ليجاد الحدود القصوى والدنيا ورسم‬
‫المماسات وما إلى ذلك‪ ...‬رد السيد المبجل بأنه اهتدى هو‬
‫أيضا ً إلى طريقة من نفس النوع وأنهى إلى طريقته التي لم‬
‫تكد تختلف عن طريقتي‪ ...‬إل في أشكال ألفاظه ورموزه "‪.‬‬

‫وكان خليقا ً بهذا العتراف المهذب أن يمنع الجدل‪ .‬ولكن في‬


‫‪ 1699‬أشار رياضي سويسري في رسالة للجمعية الملكية إلى‬
‫أن لبنتز استعار حساب تفاضله من نيوتن‪ .‬وفي ‪ 1705‬ذكر‬
‫ليبنتز تضمينا ً في نقد غفل من التوقيع لكتاب نيوتن "‬
‫البصريات " أن فروق نيوتن تحوير لحساب التفاضل اللبنتزي‪.‬‬
‫وفي ‪ 1712‬عينت الجمعية الملكية لجنة فحص الوثائق المتصلة‬
‫بالموضوع‪ .‬وقبل أن ينصرم العام نشرت الجمعية تقريرا ً أكد‬
‫أسبقية نيوتن دون أن تخوض في موضع أصالة لبنتز‪.‬‬
‫وفي رسالة كتبها لبنتز بتاريخ ‪ 9‬أبريل ‪ 1716‬إلى قسيس‬
‫إيطالي بلندن اعترض بقوله أن تعليق نيوتن قد حسم المر‪.‬‬
‫ومات لبنتز في ‪ 14‬نوفمبر ‪ .1716‬وبعد موته بقليل نفى‬
‫نيوتن أن التعليق " أقر له ‪ -‬أي للبنتز باختراع حساب التفاضل‬
‫مستقل ً عن اختراعي " وفي الطبعة الثالثة من " المبادئ " (‬
‫‪ )1726‬حذف التعليق‪ .‬ولم يكن النزاع مما يليق بالفلسفة لن‬
‫كل المدعيين كان يصح أن ينحني احتراما ً لفيرما لنه كان رائداً‬
‫لهما في هذا المضمار‪.‬‬

‫‪ -‬الفيزيائي على أن الرياضة على ما فيها من عجب لم تكن‬


‫سوى أداة لحساب الكميات فهي لم تزعم أنها تفقه الحقيقة‬
‫أو تصفها‪ .‬فلما تحول نيوتن من الداة إلى البحث الجوهري‬
‫عكف أول ً على استكناه سر الضوء‪ .‬وتناولت محاضراته الولى‬
‫في كمبردج الضوء واللون والرؤية وعلى عاداته لم ينشر كتابه‬
‫" البصريات " إل بعد خمس وثلثين سنة في ‪ 1704‬فقد كان‬
‫بريئا ً من شهوة النشر‪.‬‬
‫وفي عام ‪ 1666‬اشترى منشورا ً من سوق ستوربردج وبدأ‬
‫التجارب وبدأ التجارب في البصريات‪ .‬وفي عام ‪ 1668‬فصاعداً‬
‫صنع سلسلة من التلسكوبات‪ .‬فصنع بيديه على أساس‬
‫النظريات التي شرحها مرسين (‪ )1639‬وجيمس جريجوري (‬
‫‪ )1662‬تلسكوبا ً عاكسا ً ليتفادى بعض العيوب الملزمة‬
‫للتلسكوب الكاسر وقدمه للجمعية الملكية بناء على طلبها عام‬
‫‪.1671‬‬

‫وفي ‪ 11‬يناير ‪ 1672‬انتخب لعضوية الجمعية‪.‬‬


‫وكان قد توصل (‪ )1666‬إلى أحد كشوفه الساسية حتى قبل‬
‫أن يصنع التلسكوبات ‪ -‬وهو أن الضوء البيض أو ضوء الشمس‬
‫ليس بسيطا ً أو متجانسا ً بل هو مركب من الحمر والبرتقالي‬
‫والصفر والخضر والزرق والنيلي والبنفسجي‪ .‬فلما مرر‬
‫شعاعا ً صغيرا ً من ضوء الشمس خلل منشور شفاف وجد أن‬
‫الضوء الذي يبدو أحادي اللون انقسم إلى كل ألوان الطيف‬
‫هذه وأن كل لون مكون خرج من المنشور عند زاويته أو درجته‬
‫أو انكساره الخاص وأن اللوان نظمت نفسها في صف الحزم‬
‫مؤلفه طيفا ً مستمرا ً في أحد طرفيه اللون الحمر وفي الخر‬
‫البنفسجي‪ .‬وقد أثبت الباحثون اللحقون أن المواد المختلفة‬
‫إذا جعلت مضيئة بحرقها تعطي أطيافا ً مختلفة‪.‬‬

‫وبمقارنة هذه الطياف بالطيف الذي يحدثه نجم معين أصبح‬


‫في المكان تحليل مكونات النجم الكيميائية إلى حد ما‪ .‬ثم‬
‫دلت الملحظات الدق لطيف النجم على السرعة التقريبية‬
‫لتحركه نحو الرض أو بعيدا ً عنها ومن هذه الحسابات استنبط‬
‫نظريا ً بعد النجم‪ .‬وهكذا تمخض كشف نيوتن لتكوين الضوء‬
‫وانكساره في الطيف عن نتائج كونية تقريبا ً في ميدان الفلك‪.‬‬

‫ولم تتكشف هذه النتائج لنيوتن في ذلك الحين ولكنه أحس‬


‫(كما كتب لولدنبرج) أنه توصل " إلى أغرب كشف إلى الن أن‬
‫لم يكن أهم كشف في عمليات الطبيعة " فأرسل إلى الجمعية‬
‫الملكية في بواكير عام ‪ 1672‬بحثا ً عنوانه " نظرية جديدة في‬
‫الضوء واللون "‪ .‬وقرئ البحث على العضاء في ‪ 8‬فبراير‬
‫فأثار جدل ً عبر المانش إلى القارة‪ .‬وكان هوك قد وصف في‬
‫كتابه " ميكروجرافيا " (‪ )1664‬تجربة شبيهة بتجربة نيوتن‬
‫بالمنشور ولم يكن قد استنتج منها نظرية ناجحة في اللون‬
‫ولكنه أحس بأن في أفعال نيوتن لفضله السابق غضا ً من‬
‫قدره فانضم غلى بعض أعضاء الجمعية في نقد النتائج التي‬
‫خلص إليها نيوتن واستمر النزاع ثلثة أعوام‪ .‬كتب نيوتن‬
‫المرهف الحس يقول " إنني مضطهد بالجدل الذي أثارته‬
‫نظريتي في الضوء اضطهادا ً جعلني ألوم حماقتي لنني‬
‫ضحيت بنعمة عظمي نعمة هدوء البال جريا ً وراء سراب "‬
‫وحدثته نفسه حينا ً بأن " أطلق الفلسفة طلقا ً بائنا ً ل رجعة‬
‫فيه إل ما أفعله إرضاء لذاتي "‪.‬‬
‫وثارت نقطة أخرى من نقط الجدل مع هوك حول ناقل الضوء‪.‬‬

‫وكان هوك قد اعتنق نظرية هويجنز التي زعم فيها أن الضوء‬


‫ينتقل على موجات " أثير "‪ .‬ورد نيوتن بأن هذه النظرية ل تفر‬
‫مسار الضوء في خطوط مستقيمة‪ .‬واقترح بدل ً منها " نظرية‬
‫الجسيمات أو الدقائق فالضوء سببه إطلق الجسم المضيء‬
‫جزيئات دقيقة ل حصر ل تسير في خطوط مستقيمة خلل‬
‫الفضاء بسرعة ‪ 190.000‬ميل في الثانية‪ .‬ورفض نظرية الثير‬
‫ناقل ً للضوء ولكنه قبله بعد ذلك وسيطا ً لقوة الجاذبية‪.‬‬

‫وجمع نيوتن مناقشاته حول الضوء في كتابه (البصريات في‬


‫‪ .1704‬ووما له دللة أنه كتبه بالنجليزية (في حين كان كتاب‬
‫المبادئ باللتينية) ووجهه " إلى القراء الحاضري الذكاء‬
‫والفهم الذين لم يتضلعوا بعد في البصريات "‪ .‬وفي نهاية‬
‫الكتاب وضع قائمة لواحد وثلثين سؤال ً تتطلب مزيدا ً من‬
‫البحث‪ .‬وكان السؤال الول إرهاصا ً بهذه النبوءة " أل تؤثر‬
‫الجسام في الضوء عن بعد فتنحني أشعته بهذا التأثير وأل‬
‫يكون هذا التأثير على أشده في أدنى البعاد " والسؤال‬
‫الثلثون " لم ل تغير الطبيعة الجسام إلى ضوء والضوء إلى‬
‫أجسام "‪.‬‬
‫‪ -‬أصل نظرية الجاذبية كانت سنة ‪ 1666‬سنة جنينية لنيوتن‪.‬‬
‫شهدت بداية جهوده في البصريات ولكنه كذلك يقول عن‬
‫ذكرياته أن شهر مايو " كان مدخلي إلى الطريقة العكسية‬
‫للفروق المستمرة وفي نفس السنة بدأت أفكر في امتداد‬
‫الجاذبية إلى مدار القمر‪ ....‬بعد أن قارنت بين القوة اللزمة‬
‫لحفظ القمر في مداره وقوة الجاذبية على سطح الرض‬
‫ووجدتهما متفقتين تماما ً تقريباً‪ ...‬في تلك السنين كانت في‬
‫ربيع عمري "‪.‬‬

‫وفي عام ‪ 1666‬وصل الطاعون إلى كمبردج فعاد نيوتن إلى‬


‫موطنه وولزثورب طلبا ً للسلمة‪.‬‬
‫وهنا نلتقي بقصة لطيفة‪ .‬كتب فولتير في كتابه " فلسفة‬
‫نيوتن " (‪ " :)1738‬ذات يوم من أيام ‪ 1666‬حين كان نيوتن‬
‫معتكفا ً في الريف رأى ثمرة تسقط من شجرة كما أخبرتني‬
‫بنت أخته السيدة كوندويت فاستغرق في تفكير عميق في‬
‫السبب الذي يجذب جميع الجسام في خط إذا مد مر قريبا ً جداً‬
‫من مركز الرض "‪.‬‬
‫وهذا أقدم ما نعرفه من ذكر لقصة التفاحة‪ .‬وهي ل ترد في‬
‫كتب مترجمي نيوتن القدامى ول في روايته لكيفية اهتدائه‬
‫لفكرة الجاذبية الكونية والفكرة السائدة اليوم عن القصة أنها‬
‫أسطورة‪.‬‬

‫وأرجح منها قصة أخرى رواها فولتير وهي أن غريبا ً سأل‬


‫نيوتن كيف اكتشف قوانين الجاذبية فأجاب " بإدمان التفكير‬
‫فيها " ومما ل ريب فيه أنه بحلول عام ‪ 1666‬كان نيوتن قد‬
‫حسب قوة الجذب التي تحفظ الكواكب في أفلكها وانتهى‬
‫إلى أنها تتناسب تناسبا ً عكسيا ً مع مربع بعدها عن الشمس‪.‬‬
‫ولكنه لم يستطع إلى ذلك الوقت التوفيق بين النظرية‬
‫وحساباته الرياضية فنحاها‬

‫جانبا ً ولم ينشر عنها شيئا ً طوال العوام الثمانية عشر التالية‪.‬‬
‫ولم تكن فكرة الجاذبية بين النجوم جديدة قط على نيوتن‪.‬‬
‫فقد ذهب بعض فلكيي القرن الخامس عشر إلى أن السماوات‬
‫تؤثر في الرض بقوة تشبه قوة تأثير المغنطيس في الحديد‬
‫وما دامت الرض تنجذب بالتساوي من جميع التجاهات فإنها‬
‫تبقى معلقة في مجموع هذه القوة‪.‬‬

‫وقد نبه كتاب جلبرت " المغنطيس " (‪ )1600‬أذهانا ً كثيرة إلى‬
‫التفكير في التأثيرات المغنطيسية المحيطة بكل إنسان وقد‬
‫كتب هو نفسه في كتاب لم ينشر إل بعد موته بثمانية وأربعين‬
‫عاما ً (‪ )1651‬يقول‪ " :‬إن القوة المنبعثة من القمر تصل إلى‬
‫الرض وبالمثل فإن القوة المغنطيسية للرض تعم منطقة‬
‫القمر وكلتاهما تتجاوب وتتآلف بتأثيرهما المشترك حسب‬
‫تناسب الحركات وتطابقها ولكن وكان اسماعيلس بوريار قد‬
‫قر في كتابه (‪ )1645‬أن جذب الكواكب بعضها لبعض يتناسب‬
‫تناسبا ً عكسيا ً مع مربع المسافة بينهما وذهب ألفونسو‬
‫بوريللي في كتابه " نظريات الكواكب المديشية " (‪ )1666‬إلى‬
‫أن " كل كوكب وتابع يدور حول كرة كبرى في الكون بوصفها‬
‫مصدرا ً للقوة تجذب الكوكب وتابعه وتمسكهما بحيث ل يمكن‬
‫إطلقا ً أن ينفصل عنها بل يضطران لتباعهما أينما ذهبت في‬
‫دورات ثابتة مستمرة " وقد فسر مدارات هذه الكواكب‬
‫والتوابع بأنها نتيجة القوة المركزية الطاردة لدورانها (" كما‬
‫نجد في العجلة أو الحجر يدوم في مقلع ") تقابلها قوة‬
‫شمسها الجاذبة‪ .‬وذهب كبلر إلى أن الجاذبية ملزمة لجميع‬
‫الجرام السماوية وقدر في فترة من حياته أن قوتها تتناسب‬
‫عكسيا ً مع مربع المسافة بينها وكان هذا خليقا ً بأن يكون سبقاً‬
‫واضحا ً لنيوتن ولكنه عاد فرفض هذه الصيغة وافترض أن‬
‫الجذب يتناقص تناقصا ً طرديا ً مع زيادة المسافة‪ .‬على أن هذه‬
‫المداخل إلى نظرية في الجاذبية حرفتها عن طريقها نظرية‬
‫ديكارت في الدوامات التي تكونت في كتلة بدائية ثم عينت‬
‫عمل كل جزء ومداره‪.‬‬
‫وقد فكر كثير من المستفسرين اليقظين في الجمعية الملكية‬
‫تفكيرا ً عميقا ً في رياضيات الجاذبية ‪.‬‬

‫وفي ‪ 1674‬سبق هوك بكتابه " محاولة لثبات حركة الرض‬


‫السنوية " " إعلن " نيوتن لنظرية الجاذبية بأحد عشر عاماً‪.‬‬
‫قال هوك‪ " :‬سأشرح نظاما ً للكون مختلفا ً في تفاصيل كثيرة‬
‫عن أي نظام عرف إلى الن متفقا ً في جميع الشياء مع‬
‫القواعد الشائعة للحركات الميكانيكية‪ .‬وهو يعتمد على فروض‬
‫ثلثة‪( :‬أولها) أن كل الجرام السماوية أيا ً كانت ذوات قوة‬
‫جاذبة إلى مراكزها ل تجذب بها أجزاءها فحسب وتحفظها من‬
‫أن تتطاير منها‪ ...‬بل تجذب كذلك سائر الجرام السماوية‬
‫الواقعة في مجال نشاطها‪( ...‬وثانيها) أن جميع الجسام أياً‬
‫كانت التي تحرك حركة طردية وبسيطة تستمر في الحركة‬
‫قدما ً في خط مستقيم إلى أن تحرفها عن طريقها قوة فعالة‬
‫أخرى‪( ...‬وثالثها) أن قوى الجذب هذه يشتد فعلها بقدر قرب‬
‫الجسم الواقع تحت جاذبيتها من مراكزها "‪.‬‬

‫ولم يحسب هوك في بحثه هذا أن الجذب يتناسب تناسباً‬


‫عكسيا ً مع مربع المسافة ولكنه أنهى هذا المبدأ إلى نيوتن ‪-‬‬
‫إذا صدقنا رواية أوبري ‪ -‬بعد أن توصل إليه مستقلً‪ .‬وفي يناير‬
‫‪ 1684‬شرح هوك صيغة المربعات العكسية لرن وهالي اللذين‬
‫كانا قبلها من قبل‪ .‬فذكر لهوك أن الحاجة ليست إلى مجرد‬
‫فرض بل إلى إيضاح رياضي يثبت أن مبدأ الجاذبية يفسر‬
‫مسارات الكواكب‪ .‬وعرض رن على هوك وهالي جائزة قدرها‬
‫أربعون شلنا ً (‪ 100‬دولر) أن أتاه أحدهما ببرهان رياضي على‬
‫الجاذبية‪ .‬ولم يأته البرهان على قدر علمنا‪.‬‬

‫وفي أحد أيام أغسطس ‪ 1684‬ذهب هالي إلى كمبردج وسأل‬


‫نيوتن ماذا يكون مدار كوكب ما إذا تناسب جذب الشمس له‬
‫تناسبا ً عكسيا ً مع مربع المسافة بينهما‪ .‬وأجاب نيوتن أنه يكون‬
‫قطعا ً ناقصا ً (اهليلجاً) ز ولما كان كبلر قد استخلص من‬
‫دراسته الرياضية لمشاهدات تيكو براهي أن مدارات الكوكب‬
‫اهليلجية فقد بدا أن الفلك الن تأيد بالرياضة والعكس‬
‫بالعكس‪ .‬وأضاف نيوتن أنه أجرى الحسابات تفصيل ً في ‪1679‬‬
‫ولكنه نحاها جانبا ً من جهة لنها لم تتفق تماما ً مع التقديرات‬
‫السائدة يومها لقطر الرض والبعد بين الرض والقمر وأرجح‬
‫من هذا السبب أنه لم يكن واثقا ً من أنه يستطيع تناول‬
‫الشمس والكواكب والقمر على أنها نقط مفردة في قياس‬
‫قوتها الجاذبة‪ .‬ولكن في عام ‪ 1671‬أذاع بيكار قياسه الجديد‬
‫لنصف قطر الرض ولدرجة من درجات خطوط الطول التي‬
‫حسب أخيرا ً أنها تبلغ ‪ 69.1‬ميل ً قانونيا ً إنجليزيا ً وفي عام‬
‫‪ 1672‬تمكن بيكار بفضل بعثته إلى سايين من حساب بعد‬
‫الشمس عن الرض فقرر أنه ‪ 87.000.000‬ميل (والرقم‬
‫الحالي ‪ )92.000.000‬واتفقت هذه التقديرات الجديدة اتفاقاً‬
‫طيبا ً مع رياضة نيوتن في الجاذبية وأقنعه المزيد من‬
‫الحسابات في ‪ 1685‬بأن الكرة تجذب الجسام وكأن كتلة هذه‬
‫الكرة كلها تجمعت في مركزها‪ .‬وشعر الن بمزيد من الثقة‬
‫في فرضه‪.‬‬

‫ثم قارن سرعة حجر على الرض بسرعة سقوط القمر على‬
‫الرض إذا نقصت قوة جذب الرض له بمربع المسافة بينهما‪.‬‬
‫فوجد أن نتائجه تتفق وآخر البيانات الفلكية‪ .‬فخلص من هذا‬
‫إلى أن القوة التي تسقط الحجر والقوة الجاذبة للقمر نحو‬
‫الرض رغم قوة طرد القمر المركزية هما قوة واحدة‪ .‬وسر‬
‫النجاز الذي حققه هنا كامن في تطبيقه هذه النتيجة التي‬
‫انتهى إليها على جميع الجسام التي في الفضاء وفي تصوره‬
‫أن جميع الجرام السماوية مترابطة في شبكة من التأثيرات‬
‫الجذبية وفي بيانه كيف أن حساباته الرياضية والميكانيكية‬
‫تتفق وملحظات الفلكيين ل سيما قوانين كبلر الكوكبية‪.‬‬

‫وبدأ نيوتن إجراء حساباته من جديد وأنهاها إلى هالي في‬


‫نوفمبر ‪ .1684‬وأدرك هالي أهميتها فحثه على تقديمها‬
‫للجمعية الملكية فوافق وأرسل إلى الجمعية رسالة في "‬
‫قضايا الحركة " (فبراير ‪ )685‬لخص فيها آراء في الحركة‬
‫والجاذبية‪ .‬وفي مارس ‪ 1686‬قدم للجمعية مخطوط الكتاب‬
‫الول من كتب الحركة عن المبادئ الرياضية للفلسفة‬
‫الطبيعية‪ .‬وللتو لفت هوك النظر إلى أنه سبق نيوتن في‬
‫‪ .1674‬ورد نيوتن في رسالة إلى هالي أن هوك أخذ فكرة‬
‫المربعات العكسية عن بوريللي وبويار‪ .‬وتفاقم الخلف حتى‬
‫أصبح سخطا ً من الطرفين وحاول هالي أن يصلح ذات البين‬
‫وهدأ نيوتن ثائرة هوك بتضمين مخطوطته حاشية تحت القضية‬
‫الرابعة أقر فيها بفضل " أصدقائنا رن وهوك وهالي " في‬
‫أنهم " استنتجوا من قبل " قانون المربعات العكسية‪ .‬ولكنه‬
‫ضاق بالنزاع أشد الضيق حتى أنه حين أعلن لهالي (‪ 20‬يونيو‬
‫‪ )1678‬أن الكتاب الثاني جاهز أضاف قائل ً " في نيتي الن أن‬
‫أوقف الكتاب الثالث‪ .‬فالفلسفة أشبه بامرأة مشاكسة وقحة‬
‫تزج بمن يتعامل معها في قضايا أمام المحاكم "‪ .‬وأقنعه هالي‬
‫بأن يواصل الكتاب‪ .‬وفي سبتمبر ‪ 1687‬نشر المؤلف كله‬
‫برعاية الجمعية الملكية ورئيسها آنئذ صموئيل بيبيس‪ .‬ولما‬
‫كانت الجمعية في ضائقة مالية فقد أنفق هالي على النشر‬
‫بأكمله من جيبه الخاص مع أنه لم يكن بالرجل الميسور‪.‬‬
‫وهكذا وبعد عشرين عاما ً من العداد ظهر أهم كتاب في علم‬
‫القرن السابع عشر كتاب ل يضارعه في عظم تأثيره في ذهن‬
‫أوربا المثقفة سوى كتاب كوبرنيق في الدورات (‪)1543‬‬
‫وكتاب دارون في أصل النواع (‪ .)1859‬هذه الكتب الثلثة هي‬
‫أهم الحداث في تاريخ أوربا الحديثة‪.‬‬
‫‪ -‬كتاب المبادئ " برنكيبا‬

‫" بما أن القدماء (كما يخبرنا بابوس) علقوا أهمية عظمى على‬
‫علم الميكانيكا في بحثهم في الشياء الطبيعية وبما أن‬
‫المحدثين بعد أن نحو أشكال المادة (التي قال بها‬
‫السكولستيون) والصفات الغيبية حاولوا إخضاع الظواهر‬
‫الطبيعية لقوانين الرياضة فقد طورت الرياضة في هذا البحث‬
‫على قدر اتصالها بالفلسفة (الطبيعية)‪ ...‬وعليه فإنا نقدم هذا‬
‫المؤلف على أنه المبادئ الرياضية للفلسفة ذلك لن كل‬
‫معضلة الفلسفة هي في بحث قوى الطبيعة من ظواهر‬
‫الحركة ثم توضيح الظواهر الخرى من هذه القوى "‪.‬‬

‫أما وجهة نظر الكتاب فستكون ميكانيكية خالصة‪ " :‬وددت لو‬
‫استطعنا استخلص باقي الظواهر الطبيعية بنفس نوع‬
‫الستدلل من السس الميكانيكية لن مبررات كثيرة تحملني‬
‫على الظن بأنها ربما كانت كلها تتوقف على قوى معينة تدفع‬
‫بواسطتها جزيئات الجسام بأسباب مجهولة إلى الن بعضها‬
‫نحو البعض وتتماسك في أشكال منتظمة أو تصد وتتراجع‬
‫بعضها عن البعض وإذ كانت هذه القوى مجهولة فقد حاول‬
‫الفلسفة إلى الن البحث في الطبيعة عبثا ً ولكني أرجو أن‬
‫تلقي المبادئ الموضوعية هنا بعض الضوء على تلك الطريقة‬
‫أو على طريقة أصح من طرق الفلسفة "‪.‬‬

‫وبعد أن وضع نيوتن بعض التعاريف والبديهيات صاغ ثلثة‬


‫قوانين للحركة‪ - :‬كل جسم يبقى على حالته من حيث السكون‬
‫أو الحركة المنتظمة في خط مستقيم ما لم يضطر إلى تغيير‬
‫تلك الحالة بقوى واقعة عليه‪.‬‬
‫‪ -‬تغيير الحركة يتناسب مع القوة المحركة الواقعة ويتم في‬
‫اتجاه الخط المستقيم الذي تقع فيه تلك القوة‪.‬‬

‫أما وقد تسلح نيوتن بهذه القوانين وبقانون التربيع العكسي‬


‫فقد تقدم إلى صياغة مبدأ الجاذبية‪.‬‬
‫وصورة المبدأ الحالية وهي أن كل جزيء من المادة يجذب كل‬
‫جزيء بقوة تتناسب تناسبا ً طرديا ً مع حاصل ضرب كتلتيهما‬
‫وتناسبا ً عكسيا ً مع مربع البعد بينهما هذه الصورة ل نجدها‬
‫بهذا النص في أي موضوع في كتاب المبادئ ولكن نيوتن‬
‫أعرب عن الفكرة في التعقيب العام الذي ختم به الكتاب‬
‫الثاني‪ " :‬إن الجاذبية‪ ...‬تعمل‪ ...‬حسب كمية المادة الجامدة‬
‫التي تحتويها (الشمس والكواكب) وتنتشر قوتها على جميع‬
‫الجهات‪ ...‬متناقضة أبدا ً بما يتناسب مع المربع العكسي‬
‫للمسافات "‪.‬‬

‫وقد طبق هذا المبدأ وقوانينه في الحركة على مدارات‬


‫الكواكب ووجد أن تقديراته الحسابية تتفق والمدارات‬
‫الهليلجية التي استنتجتها كبلر‪ .‬وزعم أن الكواكب تحول عن‬
‫حركاتها المستقيمة وتحفظ في مداراتها بقوة تميل صوب‬
‫الشمس وتتناسب تناسبا ً عكسيا ً مع مربع أبعادها عن مركز‬
‫الشمس‪ .‬وعنى أساس مبادئ مماثلة فسر جذب المشتري‬
‫لتوابعه والرض للقمر‪ .‬وبين أن نظرية ديكارت في الدوامات‬
‫باعتبارها الشكل الول للكون ل يمكن التوفيق بينها وبين‬
‫قوانين كبلر‪ .‬وحسب كتلة كل كوكب وقدر كثافة الرض من‬
‫خمسة إلى ستة أمثال كثافة الماء‪( .‬والرقم الحالي ‪.)5.5‬‬

‫وعلل رياضيا ً تفرطح الرض عند القطبين وعزا إنبعاجها عند‬


‫الستواء إلى قوة الشمس الجاذبة ووضع رياضيات المد‬
‫والجزر باعتبارهما راجعين إلى جذب الشمس والقمر الموحد‬
‫للبحار ويمثل هذا الفعل القمري ‪ -‬الشمسي فسر مبادرة‬
‫نقطتي العتدالين ورد مسارات المذنبات إلى مدارات منتظمة‬
‫وبهذا أيد نبوءة هالي‪ .‬وقد صور كونا ً أعظم تعقيدا ً من الناحية‬
‫الميكانيكية مما ظن من قبل لنه نسب لجميع الكواكب‬
‫والنجوم صفة الجذب فأصبح الن كل كوكب أو نجم بنظر إليه‬
‫على أنه متأثر بكل كوكب أو نجم آخر‪ .‬ولكن في هذا الحشد‬
‫المعقد من الجرام السماوية وضع نيوتن قانونا ً يحكمه‪ :‬فأبعد‬
‫النجوم يخضع لذات الميكانيكا والرياضة اللتين يخضع لها أصغر‬
‫الجزيئات على الرض‪ .‬إن رؤية النسان للقانون لم تغامر قط‬
‫بالتحليق في الفضاء إلى مثل هذا البعد ول بمثل هذه الجرأة‪.‬‬

‫ونفدت الطبعة الولى من " المبادئ " سريعا ً ولكن لم تظهر‬


‫طبعة ثانية إل في ‪ .1713‬وعزت نسخه حتى أن عالما ً نسخ‬
‫الكتاب كله بيده‪ .‬واعترف القراء بأنه عمل فكري من أرفع‬
‫طراز ولكن بعض ملحظات النقد كدرت صفو الثناء عليه‪.‬‬
‫فرفضت فرنسا النظام النيوتني لتشبثها بدوامات ديكارت إلى‬
‫أن عرضه فولتير في ‪ 1738‬عرضا ً ملؤه العجاب والتبجيل‪.‬‬
‫واعترض كاسيني وفونتنيل بأن الجاذبية ليست سوى قوة أو‬
‫صفة غيبية تضاف إلى القوى الماضية وقال أن نيوتن شرح‬
‫بعض العلقات بين الجرام السماوية ولكنه لم يكشف عن‬
‫طبيعة الجاذبية التي ظلت سرا ً خفيا ً كسر الله‪ .‬وقال ليبنتز‬
‫بأنه ما لم يستطع نيوتن بيان المكنية التي تستطيع الجاذبية‬
‫أن تؤثر بها خلل فضاء يبدو فارغا ً في أجسام تبعد عنها‬
‫مليين الميال فإنه ل يمكن قبول الجاذبية على أنها شيء‬
‫أكثر من مجرد كلمة‪.‬‬

‫ولم تحظ النظرية الجديدة بالقبول السريع حتى في إنجلترا‪.‬‬


‫وزعم فولتير أن المرء كان بالجهد يجد عشرين عالما ً يرضون‬
‫عنها بعد أن نشرت لول مرة بأربعين عاماً‪ .‬وبينما شكا النقاد‬
‫في فرنسا من أن النظرية ليست ميكانيكية بالقدر الكافي إذا‬
‫قيست بدوامات ديكارت البدائية كانت العتراضات عليها في‬
‫إنجلترة في أغلبها دينية فأسف جورج باركلي في كتابه "‬
‫مبادئ المعرفة النسانية " (‪ )1710‬لن نيوتن يرى الفضاء‬
‫والزمان والحركة مطلقة سرمدية فيما يبدو وموجودة مستقلة‬
‫عن المساندة اللهية‪ .‬فالميكانيكية تطغى على النظام‬
‫النيوتوني طغيانا ً ل يترك فيه مكانا ً لله‪.‬‬

‫فلما وافق نيوتن بعد ما عهد فيه من تسويفات على أن يعد‬


‫طبعه ثانية الكتاب حاول أن يهدئ من ثائرة نقاده‪ .‬فأكد لليبنتز‬
‫والفرنسيين أنه ل يفترض قوة تعمل عن بعد خلل الفضاء‬
‫الفارغ وأنه يعتقد بوجود ناقل متخلل رغم أنه لن يحاول‬
‫وصفه صم اعترف بصراحة أنه ل يفقه طبيعة الجاذبية‪ .‬وبهذه‬
‫المناسبة كتب في الطبعة الثانية كلماته التي كثيرا ً ما ياء‬
‫فهمها وهي أنه " ل يضع فرضا ً " وأضاف " يجب أن تتسبب‬
‫الجاذبية من عامل يعمل بثبات وفق قوانين معينة ولكني أترك‬
‫لقرائي النظر في هل هذا العامل مادي أو غير مادي "‪.‬‬
‫ورغبة في المزيد من الرد على العتراضات الدينية ألحق‬
‫بالطبعة الثانية تعقيبا ً عاما ً عن دور الله في نسقه‪.‬‬

‫فقصر تفسيراته الميكانيكية على العالم المادي ورأى حتى‬


‫في ذلك العالم أدلة على وجود خطة إلهية فاللة الكبرى‬
‫تتطلب مصدرا ً أول لحركتها ل بد أن يكون هو الله ثم إن في‬
‫النظام الشمسي شذوذات في المسلك يصححها تعالى دورياً‬
‫كلما ظهرت‪ .‬ولكي يفسح نيوتن مجال ً لهذه التدخلت الخارقة‬
‫نزل عن مبدأ عدم فناء الطاقة‪ .‬وافترض الن أن آلة العالم‬
‫تفقد بعض طاقتها بمضي الوقت وستفقدها كلها إن لم‬
‫يتدخل الله ليرد عليها قوتها‪ .‬واختتم بهذه العبارة " إن هذا‬
‫النظام البديع نظام الشمس والكواكب والمذنبات ل يمكن أن‬
‫ينبعث إل من مشورة كائن ذكي قوي ومن رحابه "‪.‬‬

‫وأخيرا ً تحرك صوب الفلسفة يمكن أن تفسر بمعنى حيوي أو‬


‫تفسر بمعنى ميكانيكي قال‪ " :‬وقد نضيف الن شيئا ً يتصل‬
‫بروح غاية في الدقة روح تنتشر وتختفي في جميع الجسام‬
‫الكبيرة وبقوتها وفعلها تتجاذب جزيئات الجسام في‬
‫المسافات القريبة وتتماسك إذا تجاوزت وتعمل الجسام‬
‫الكهربية إلى أبعاد أعظم فتصد وتجذب الجزيئات المجاورة‬
‫ويرسل الضوء ويعكس ويكسر ويثني ويسخن الجسام وكل‬
‫إحساس يثار وتتحرك أعضاء الجسام الحيوانية بأمر الرادة‬
‫أعني بتموجات هذه الروح مبثوثة بالتبادل على خيوط‬
‫العصاب المتينة من أعصاب الحس الخارجة إلى المخ ومن‬
‫المخ إلى العضلت‪.‬‬

‫على أن هذه أشياء ل يمكن تفسيرها في بضع كلمات ثم أننا‬


‫لم نزود بما يكفي من التجارب التي يتطلبها التقرير واليضاح‬
‫الدقيقان للقوانين التي تعمل وفقا ً لها هذه الروح الكهربية‬
‫المرنة "‪.‬‬

‫ترى ماذا كان إيمانه الديني الحقيقي لقد تطلبت أستاذيته في‬
‫كمبردج الولء للكنيسة الرسمية وكان يختلف بانتظام إلى‬
‫الخدمات الكنسية النجليكانية‪ .‬أما صلواته الخاصة فيقول فيها‬
‫سكرتيره " ل أستطيع أن أقول عنها شيئا ً وأميل إلى العتقاد‬
‫بأن دراساته المفرطة حرمته من النصيب الفضل "‪ .‬ومع ذلك‬
‫فقد درس الكتاب المقدس بنفس الغيرة التي درس بها‬
‫الكون‪.‬‬

‫وقد أثنى عليه رئيس أساقفة بقوله " إنك تعرف من اللهوت‬
‫أكثر مما نعرف كلنا مجتمعين " وقال لوك عن معرفته‬
‫بالسفار المقدسة " لست أعرف من أمثاله إل القليلين " وقد‬
‫خلف كتابات لهوتية يفوق حجمها كل مؤلفاته العلمية‪.‬‬

‫وقادته دراساته إلى نتائج أشبه بالريوسية وهي قريبة الشبه‬


‫بنتائج ملتن ومجملها أن المسيح وإن كان ابن الله إل أنه ليس‬
‫مساويا ً لله الب في الزمن أو القوة‪ .‬وفيما عدا ذلك كان‬
‫نيوتن أو أصبح مستقيم العقيدة تماماً‪ .‬ويبدو أنه آمن بكل‬
‫كلمة من كلمات الكتاب المقدس على أنها كلمة الله وأنه قبل‬
‫سفري دانيال ورؤيا يوحنا على أنهما الحقيقة بحذافيرها‪ .‬لقد‬
‫كان أعظم علماء عصره صوفيا نسخ في شغف فقرات طويلة‬
‫من يعقوب بومي وطلب إلى لوك أن يناقش معه معنى "‬
‫الحصان البيض " الوارد في سفر الرؤيا‪ .‬وقد شجع صديقه‬
‫جون كريج على كتابه " السس الرياضية للهوت المسيحي " (‬
‫‪ )1699‬الذي حاول أن يثبت بالرياضة تاريخ مجيء المسيح‬
‫الثاني والنسبة بين أقصى ما يمكن بلوغه من السعادة الرضية‬
‫وسعادة المؤمن التي يجزي بها في الفردوس‪ .‬وقد كتب‬
‫تعليقا ً على سفر الرؤيا وزعم أن المسيح الكاذب المتنبأ به‬
‫في السفر هو بابا روما‪ .‬لقد كان ذهن نيوتن مزيجا ً جمع بين‬
‫ميكانيكا جاليليو وقوانين كبلر وبين لهوت بومي‪ .‬ولن يطالعنا‬
‫الزمان بمثله عن قريب‪.‬‬

‫‪ -‬الصيل لقد كان بمعنى آخر مزيجا ً شاذا ً رجل ً مستغرقا ً بشكل‬
‫واضح في النظرية الرياضية والصوفية وهو مع ذلك ذو مقدرة‬
‫عملية وفطرة سليمة اختارته جامعة كمبردج عام ‪ 1687‬ليذهب‬
‫مع‬

‫آخرين للحتجاج لدى جيمس الثاني على محاولة هذا الملك أن‬
‫يفرض على الجامعة أن تمنح راهبا ً بندكتيا ً درجة جامعية دون‬
‫أن يحلف اليمان العادية التي يستحيل على الكاثوليكية أن‬
‫يقبلها‪ .‬وفشلت البعثة في ثني الملك عن قراره ولكن ل بد أن‬
‫الجامعة رضيت عن رئاسة نيوتن لها لنه اختير عضوا ً ممثلً‬
‫لكمبردج في برلمان ‪ .1689‬وظل عضوا ً حتى حل البرلمان‬
‫عام ‪ 690‬ثم أعيد انتخابه عام ‪ 1701‬ولكنه لم يشارك في‬
‫السياسة بدور مذكور‪.‬‬

‫وتخللت حياته العملية عام ‪ 1692‬سنتان من المرض الجسمي‬


‫والعقلي‪ .‬فقد كتب إلى بيبيس ولوك رسائل يشكو فيها من‬
‫الرق والسوداء ويعرب على مخاوف الضطهاد ويتحسر على‬
‫فقده " تماسك ذهنه القديم "‪ .‬وفي ‪ 16‬سبتمبر ‪ 1693‬كتب‬
‫إلى لوك يقول‪ :‬سيدي‪ :‬إن ظني أنك حاولت توريطي في‬
‫علقات نسائية وبطرق أخرى أثر في نفسي تأثيرا ً شديدا ً حتى‬
‫أنني أجبت حين أخبرني أحدهم بأنك مريض ولن تعيش بأن من‬
‫الخير أن تموت‪.‬‬

‫وأود أن تغتفر لي هذه القسوة لنني الن مقتنع بأن ما فعلته‬


‫صواب وأسألك الصفح عن إساءتي الظن بك في هذا المر‬
‫وعن قولي أنك أصبت الفضيلة في الصميم بمبدأ وضعته في‬
‫كتاب " الفكار " الذي ألفته ونويت أن تواصله في كتابه آخر‬
‫وعن أنني حسبتك خطأ من أنصار هوبز‪ .‬كذلك أسألك الصفح‬
‫عن قولي أو ظني بأن هناك خطة لبيعي منصبا ً أو لتوريطي‪...‬‬

‫وأني خادمك الخاضع المنكود الحظ إسحاق نيوتن وذكر بيبيس‬


‫في خطاب تاريخه ‪ 26‬سبتمبر ‪ " 1693‬اضطرابا ً في‪ ...‬الرأس‬
‫أو العقل " تدل عليه رسالة تلقاها من نيوتن‪ .‬وقد خلف‬
‫هويجنز عند وفاته (‪ )1695‬مخطوطة فيها دون فيها تحت يوم‬
‫‪ 29‬مايو ‪ 1694‬أن " مستر كولين وهو رجل اسكتلندي أنبأني‬
‫أن عالم الهندسة الشهير إسحاق نيوتن أصابه لوثة قبل ثمانية‬
‫عشر شهرا ً " ولكنه استعاد صحته فبدأ يفهم كتابه " المبادئ "‪.‬‬
‫وأرسل هويجنز التقرير إلى ليبنتز في رسالة مؤرخة ‪ 8‬يونيو‬
‫‪ 1694‬قال فيها‪ " :‬إن الرجل الطيب المستر نيوتن أصيب‬
‫بنوبة من الخبل لزمته ثمانية عشر شهرا ً وقيل أن أصحابه‬
‫شفوه منها بالعقاقير وإبقائه محبوسا ً " وظن البعض أن هذا‬
‫النهيار العصبي صرف نيوتن عن العلم إلى سفر الرؤيا ولكنا‬
‫ل نستطيع الجزم بهذا‪ .‬وقيل " أنه لم يركز قط كما ألف أن‬
‫يركز ولم يقم بأي جهد جديد " ومع ذلك ففي ‪ 1696‬حل على‬
‫الفور تقريبا ً مسألة حسابية اقترحها يوهان برنوللي " على‬
‫أذكى الرياضيين في العالم " وكذلك فعل بمسألة وضعها‬
‫ليبنتز عام ‪.1716‬‬

‫وقد أرسل رده على برنوللي غفل ً من السم بطريق الجمعية‬


‫الملكية ولكن برنوللي حزر على الفور أن صاحبه نيوتن إذ‬
‫تبين " السد من مخلبه " على حد قوله‪ .‬وفي عام ‪1700‬‬
‫اكتشف نظرية آلة السدس ولم يكتشف النقاب عنها إل‬
‫بخطاب لهالي ووجب أن يعاد اختراعها عام ‪ .730‬ويبدو أنه‬
‫شرف المناصب العسيرة التي بادرت الدولة بتعيينه فيها‪.‬‬

‫وكان لوك وبيبيس وغيرهما من أصدقاء نيوتن قد فاوضوا حيناً‬


‫للحصول له على منصب حكومي يخرجه من سجن حجرته‬
‫ومختبره في كمبردج‪ .‬وفي عام ‪ 1695‬أقنعوا اللورد‬
‫هاليفاكس بأن يعرض عليه وظيفة أمين دار سك النقود‪ .‬ولم‬
‫تكن الوظيفة شرفية ول صدقة إذ أرادت الحكومة أن تفيد من‬
‫علم نيوتن بالكيمياء والمعادن في ضرب عملة جديدة‪ .‬ففي‬
‫‪ 1695‬انتقل إلى لندن حيث عاش مع ابنة أخته كاترين بارتون‬
‫خليلة هاليفاكس‪ .‬وقد خيل إلى فولتير أن افتتان هاليفاكس‬
‫ببنت الخت هذه حمل هاليفاكس وهو وزير للخزانة على أن‬
‫يعين نيوتن مديرا ً لدار سك النقود في ‪ 1699‬ولكن هذه‬
‫الشائعة ل تكاد تفسر استمرار نيوتن في شغل ذلك المنصب‬
‫طوال الثمانية والعشرين عاما ً الباقية له في أجله وشغله على‬
‫نحو حاز الرضاء العام‪.‬‬

‫وكان خليقا ً بشيخوخته أن تكون سعيدة‪ .‬فقد كرمته الدولة‬


‫بوصفه أعظم العلماء الحياء ولم يحظ رجل من رجال العلم‬
‫حتى وقتنا هذا بمثل ما حظي به من ثناء عريض‪ .‬وقد انتخب‬
‫رئيسا ً للجمعية الملكية عام ‪ 1703‬وظل ينتخب سنويا ً بعد ذلك‬
‫حتى وفاته‪ .‬وفي عام ‪ 1705‬خلعت عليه الملكة آن لقب‬
‫الفروسية‪ .‬وحين ركب عربته مخترقا ً شوارع لندن تفرس‬
‫الناس برهبة في وجهه الوردي وقد فاض جلل ً وطيبة تحت‬
‫لمة من الشعر البيض‪ .‬ولم يستطيعوا طوال الوقت أن‬
‫يلحظوا أنه قد عرض بأكثر مما يتناسب مع طوله المتواضع‪.‬‬
‫وكان يستمتع براتي طيب بلغ ‪ 1.200‬جنيه في العام وقد‬
‫استثمر مدخراته بحكمة حتى أنه خلف عند وفاته ‪ 2.000‬جنيه‬
‫رغم سخائه في الهدايا والصدقات‪ .‬وقد أفاق من خسارته في‬
‫انهيار شركة " ساوث سي "‪.‬‬

‫على أنه كان منقلب المزاج وأحيانا ً سريع الغضب سيئ الظن‬
‫كتوما ً ودائما ً شديد التهيب رغم كبريائه‪ .‬كان يجب اعتزال‬
‫الناس ول يصنع الدقاء بسهولة‪ .‬وفي عام ‪ 1700‬عرض الزواج‬
‫على أرملة غنية ولكن العرض لم يسفر عن نتيجة ولم يتزوج‬
‫قط‪ .‬وإذ كان عصبي المزاج‪ .‬حساسا ً بشكل مرضي فقد كان ل‬
‫يطيق النقد إل متألما ً ويغتاظ منه غيظا ً شديدا ً ويرد الصاع‬
‫صاعين في الجدل‪ .‬وكان يعرف قدر عمله وكفايته ولكنه عاش‬
‫عيشا ً متواضعا ً إلى أن أتاح له راتبه ومدخراته أن يستخدم ستة‬
‫خدم ويستمتع بمكان مرموق في المجتمع اللندني‪.‬‬

‫فلما بلغ التاسعة والسبعين بدأ يرد دينه للطبيعة‪ .‬فأصابته‬


‫المراض التي ل تقيم للعبقرية وزنا ً ‪ -‬حصاة المثانة وسلس‬
‫البول وحين بلغ الثالثة والثمانين أصيب بالنقرس وفي الرابعة‬
‫والثمانين بالبواسير‪ .‬وفي ‪ 19‬مارس ‪ 1727‬اشتدت به آلم‬
‫الحصاة حتى فقد وعيه‪ .‬ولم يفق قط ومات في الغد وقد بلغ‬
‫الخامسة والثمانين ودفن في كنيسة وستمنستر بعد أن شيع‬
‫بجنازة تصدرها رجال الدولة والنبلء والفلسفة وقد سجى في‬
‫نعش حمله الدواق واليرلت‪ .‬وأغرقه الشعراء بمراثيهم وألف‬
‫بوب قبرية شهيرة قال فيها‪ " :‬إن الطبيعة وقوانينها كان‬
‫يلفها ظلم الليل وقال الله ليكن نيوتن فأصبح الكل ضياء "‬
‫ولم يملك فولتير عواطفه حتى في شيخوخته وهو يروي كيف‬
‫شاهد أثناء منفاه في إنجلترا رياضيا ً يدفن بمظاهر تكريم‬
‫الملوك‪.‬‬

‫وبلغ صيت نيوتن ذرى أشرفت على السخف‪ .‬فقد ليبنتز أن‬
‫إسهامات منافسه في الرياضة تعدل في قيمتها كل المؤلفات‬
‫السابقة في ذلك العلم‪ .‬وذهب هيوم إلى أن نيوتن " أعظم‬
‫وأندر عبقري ظهر ليشرف النوع النساني ويعلمه " ووافقه‬
‫فولتير في تواضع‪ .‬ووصف لجرانج كتاب المبادئ بأنه " أعظم‬
‫إنتاج أنتجه الذهن البشري " وضمن له لبلس إلى البد "‬
‫مكان الصدارة على جميع إنتاجات العقل البشري " وأضاف أن‬
‫نيوتن أوفر الناس حظا ً لنه ليس هناك سوى كون واحد وليس‬
‫سوى مبدأ مطلق واحد له وقد اكتشف نيوتن ذلك المبدأ‪ .‬ومثل‬
‫هذه الحكام ل ثبات لها لن " الحقيقة " حتى في العلم تذبل‬
‫كالزهرة‪.‬‬

‫ولو أننا قسنا عظمة إنسان بأقل المقاييس ذاتية وهو انتشار‬
‫تأثيره وطول بقاء هذا التأثير لما وجدنا لنيوتن نظيرا ً إل في‬
‫مؤسسي الديان العالمية والفلسفات المحورية‪ .‬لقد كان‬
‫تأثيره على الرياضة النجليزية ‪ -‬حينا ً ‪ -‬تأثيرا ً ضارا ً لن "‬
‫فروقه وتنويتها كانا أقل يسرا ً من حساب التفاضل والتنويت‬
‫اللذين هيمن بهما ليبنتز على القارة‪ .‬ويبدو أن نظريته في‬
‫جسيمات الضوء عاقت تقدم البصريات قرنا ً وإن وجد بعض‬
‫الطلب الن عونا ً كبيرا ً في نظرية نيوتن‪ .‬أما في الميكانيكا‬
‫فقد أثبت عمله أنه خلق إلى غير حدود‪ .‬كتب ارنسنت ماخ‬
‫يقول‪ " :‬إن كل ما أنجز في الميكانيكا منذ أيامه ل يعدو أن‬
‫يكون تطويرا ً إستنتاجيا ً شكليا ً رياضياً‪ ...‬على أساس قوانين‬
‫نيوتن "‪.‬‬

‫وقد خشي اللهوتيين لول وهلة من تأثير كتاب " المبادئ "‬
‫على الدين ولكن محاضرات بويل التي ألقاها بنتلي (‪)1692‬‬
‫بتشجيع من نيوتن حولت النظرة الجديدة إلى العالم إلى تأييد‬
‫اليمان لنها أكدت على وحدة الكون ونظامه وعظمته‬
‫الواضحة أدلة على حكمة الله وقوته وجلله‪.‬‬

‫على أن هذا النسق النيوتوني ذاته قبله الربوبيون على أنه‬


‫يدعم إيمانهم وهو القبول البسيط لله واحد أو حتى اعتبار‬
‫الله واحدا ً هو والطبيعة وقوانينها بدل ً من اللهوت المسيحي‪.‬‬
‫وأغلب الظن أن تأثير نيوتن النهائي في الدين كان ضارا ً فقد‬
‫افترض أحرار الفكر أنه برغم تأكيداته ومليين الكلمات التي‬
‫احتوتها كتاباته اللهوتية أنه تصور عالما ً قائما ً بنفسه وأنه‬
‫أدخل الله فيه فكرة لحقة معزية‪ .‬وفي فرنسا على الخص‬
‫شجعت كونيات نيوتن رغم عرض فولتير لها عرضا ً ربوبيا ً إلحاد‬
‫الكثيرين من " الفلسفة " إلحادا ً يقوم على ميكانيكية الكون‪.‬‬
‫وفي الفترة بين اضمحلل نظرية ديكارت في نشأة الكون في‬
‫فرنسا (حوالي ‪ )1740‬وظهور نظريات النسبية وميكانيكا الكم‬
‫في القرن العشرين لم يصادف " نسق العالم " النيوتوني أي‬
‫تحد خطير وبدا مؤيدا ً من كل تقدم أو كشف في الفيزياء أو‬
‫الفلك‪ .‬والخلفات الرئيسية بين الفيزيائيين المعاصرين‬
‫وميكانيكا نيوتن على قدر ما يستطيع غير المتخصص فهم هذه‬
‫اللغاز هي‪ - :‬ذهب نيوتن إلى أن المكان والبعد والزمان‬
‫والحركة أشياء مطفلة ‪ -‬أي أنها ل تختلف كما باختلف أي‬
‫شيء خارجها‪ .‬أما أينشتين فقد اعتبرها نسبية ‪ -‬تختلف‬
‫باختلف موقع وحركة المشاهد في المكان والزمان‪.‬‬

‫‪ -‬افترض أول قوانين نيوتن للحركة في وضوح أن الجسم قد "‬


‫يستمر في حالة سكون أو حركة منتظمة في خط مستقيم "‬
‫ولكن " السكون " نسبي دائما ً كسكون مسافر في طائرة‬
‫مسرعة وكل الشياء تتحرك ول تتحرك أبدا ً في خط مستقيم‬
‫لن كل خط أو حركة أو فعل تحرفه الجسام المحيطة (كما‬
‫أدرك نيوتن)‪.‬‬
‫‪ -‬كانت فكرة نيوتن عن الكتلة أنها من الثوابت وفكرة بعض‬
‫الفيزيائيين المعاصرين عنها أنها تختلف باختلف السرعة‬
‫النسبية للمشاهد والشيء‪.‬‬

‫‪ -‬النظرة السائدة الن إلى " القوة " هي أنها فكرة ميسرة‪.‬‬
‫ولكنها ليست ضرورية في العلم الذي يهدف إلى الكتفاء‬
‫بوصف التتابعات والعلقات والنتائج‪ .‬فلسنا نعلم ول حاجة بنا‬
‫إلى أن نعلم (كما يقول لنا العلماء) ما هو " هذا " الذي يسري‬
‫من جسم متحرك إلى آخر يصدمه ذلك‬

‫الجسم فالحاجة فقط لتسجيل التتابعات والعلقات والنتائج‬


‫وللفتراض (دون أي يقينية مطلقة) بأن هذه ستكون في‬
‫المستقبل ما بدته في الماضي‪ .‬والجاذبية وفقا ً لهذا الرأي‬
‫ليست قوة بل نظام علقات بين الحداث في الزمان والمكان‪.‬‬

‫ومما يعزينا أن نعلم أن هذه وغيرها من التنقيحات الطارئة‬


‫على ميكانيا نيوتن ل أهمية لها إل في ميادين (كالظواهر‬
‫الكهربية ‪ -‬المغنطيسية) ل تبدو الجزيئات فيها تتحرك بسرعة‬
‫تقرب من سرعة الضوء وفي غير هذا فالفرق بين الفيزياء‬
‫القديمة والحديثة يمكن أن نتجاهله مطمئنين‪.‬‬

‫وللفلسفة ‪ -‬الذي شفاهم التاريخ من اليقينية ‪ -‬أن يحتفظوا‬


‫بارتيابة متواضعة من نحو الفكار المعاصرة بما في ذلك‬
‫أفكارهم هم وسوف يحسون نسبية متدفقة في صيغ النسبية‬
‫وسوف يذكرون كل المنقبين في الذرات والنجوم بتقدير‬
‫نيوتن النهائي لنجازه الخطير‪ " :‬لست أعلم كيف أبدو للعالم‬
‫ولكني أبدو لنفسي وكأنني صبي يلعب على شاطئ البحر ألهو‬
‫بين الحين والحين بالعثور على حصاة أملس أو صدفة أجمل‬
‫من العادة بينما ينبسط محيط الحقيقة العظيم مغلق السرار‬
‫أمامي "‪.‬‬

You might also like